الكتاب: تقريرات الحج
المؤلف: تقرير بحث الگلپايگاني ، لمقدس
الجزء: ٣
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤) / نسخة مخطوطة (حجرية)

مقدمة
المجلد الثالث من كتاب الحج
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن
له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره
تكبيرا، ثم الصلاة والسلام على سيد الكائنات وأشرف
البريات مصباح الدجى ونور الهدى محمد المصطفى
صلى الله عليه وعلى آله سيما ابن عمه ووصيه علي المرتضى
عليه وعلى أولاده وزوجته آلاف التحية والثناء.
أما بعد فيقول العبد الذليل المفتاق إلى
عفو ربه الجليل - محمد هادي المقدس النجفي ابن
المرحوم المغفور له الحاج الشيخ على المقدس النجفي
المسكن والرشتي الأصل أعلى الله مقامه: إني بعد
ما فرغت من أحكام الاحرام ومحرماته وواجبات
الحج والعمرة وأحكامهما من تقريرات بحث السيد
الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
قدس سره أحببت أن أتمم ما بقي من مباحث الحج
أعني كفارات الاحرام في هذا المجلد وهو المجلد
2

الثالث من كتاب الحج من تقريرات السيد الأستاذ
المزبور، وأسأل الله أن يوفقني لاتمامه واكماله و
يجعله ذخرا لي بعد مماتي بجاه محمد وآله الطيبين
الطاهرين الغر الميامين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين.
وهذا المجلد حاو على أبواب
(الباب الأول:)
في كفارات الصيد.
قال في الشرائع: الصيد هو الحيوان الممتنع انتهى
واطلاق كلامه يشمل المحرم الأكل ومحلله، وقيده بعضهم
بالمحلل، وذلك لما يستفاد من الآية الكريمة أعني قوله
تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة و
حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (1) حيث إن قوله تعالى:
أحل لكم صيد البحر ليس المراد من حلية الصيد حلية

(1) سورة المائدة الآية 96.
3

الاصطياد أي ليس المراد حلية المعنى المصدري بل
المراد حلية المصيد، فالصيد الآية بمعنى الصيد
لا الصيد بالمعنى المصدري بقرينة عطف الطعام
عليه، ومن المعلوم أن المراد عطية الطعام حلية أكله
فليكن المراد بحلية الصيد أيضا كذلك، فيصير معنى الآية
- والله العالم - أحل لكم أكل صيد البحر، ويحتمل أن يكون
" وطعامه " عطف تفسير لقوله " صيد البحر " فيصير
معناه أوضح.
وعلى أي حال يظهر من صدر الآية أن قوله
تعالى " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " أن المحرم
من صيد البر - ما داموا محرمين - هو حرمة أكله أي يكون
الاحرام سببا للحرمة لا أنه كان حراما قبل الاحرام فلا
تشمل الآية ما كان محرما قبل الاحرام، فلذا شرط
في محكى المبسوط أن يكون الصيد حلالا بل نسبه بعض
- على ما حكي عنه - إلى الأكثر ونسبه صاحب الجواهر
إلى المحقق في النافع، ولا ينافي هذا القول ايجاب
4

الكفارة في صيد الثعلب والأرنب والقنفذ واليربوع
والضب لامكان أن يقال: إن هذه لأجل النص
لا لأجل صدق اسم الصيد عليه، وكذا يمكن الاستفادة
من قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و
أنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم "
(1) ومن المعلوم أن محلل الأكل له مثل في المحل،
مثلا إن الظبي له مثل في النعم المحلل كالشاة، بخلاف
الذنب، فإنه ليس له مثل في الحيوان المحلل، فيظهر
من هذه الآية أيضا أن المراد من الصيد هو المحلل
دون المحرم.
ومن التي استدل بها على أن الممنوع من الصيد
في الاحرام هو الحلال هو استفادة التلازم من الآية
بين حرمة قتل الصيد ووجوب الفدية، ومن البتين
أن هذه الملازمة ليست دائمة في الحيوانات المحرمة

(1) سورة المائدة الآية 95.
5

الأكل فإن في قتل بعضها لم يكن الفداء واجبا.
وأما المحللة الأكل فإن الملازمة دائمية أي يكون
الفداء دائما فيها واجبا، فيظهر من الملازمة أن المحرم من
الصيد في الاحرام هو الحلال الأكل، وهذه الملازمة
مستفادة من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ولا وأنت
حلال في الحرم ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده
ولا تشر إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن
تعمده (1).
ولكن قال في الجواهر: قد يناقش في ذلك كله،
بأنه لا ينافي العموم في مفهوم الصيد لغة وعرفا بعده
تسليم كون المنساق من الكتاب خصوصا الآية الأخيرة
إرادة خصوص المأكول منه، إذا قضاه ثبوت الجزاء
له على الاطلاق بخلاف غيره فإنه يتوقف على الدليل
وإن كان اصطياده محرما على المحرم لاندراجه في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
6

مفهوم الصيد المحرم عليه بغير الآية من معقد اجماع و
نحوه كما أنه بعد تسليم عدم اندراجه في الصيد يمكن
الاستناد في حرمته إلى نحو قول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية الذي عبر بمضمونه في محكى المقنع: إذا أحرمت فاتق
قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة فإنها وهي
السقا وتحرق على أهل البيت، وأما العقرب فإن نبي الله
صلى الله عليه وآله مد يده إلى الحجر فلسعته عقرب فقال:
لعنك الله لا برا تدعين ولا فاجرا، والحية إذا أرادتك
فاقتلها، وإن لم تردك فلا تردها، والكلب العقود والسبع
إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم يريداك فلا تردهما والأسود
الغدر فاقتله على كل حال، وارم الحداة والغراب رميا
عن ظهر بعيرك، كالحية يجوز قتلها إذا أرادتك وإلا فلا
تردها (1).
وبهذا المضمون أو قريب منه عدة روايات تقديم بعضها

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
7

في المجلد الأول من هذا الكتاب في مبحث محرمات
الاحرام.
وقال في الجواهر أيضا: وفي صحيح حريز كلما خاف
المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرهما فليقتله
ولو لم يردك فلا ترده (1)، ثم سرد رحمه الله كثيرا من
الأخبار الدلالة على أن السباع إذا أرادتك فاقتلها وإن
لم تردك فلا تقتلها، وسنذكرها إن شاء الله في محلها
وهذا الكلام منه رحمة الله عليه متين جدا.
وقول صاحب الشرائع في تعريف الصيد بأنه
الحيوان الممتنع: هو الممتنع بالذات فلا ينافيه الحيوان
الذي كان بالذات ممتنعا ثم صار بالعرض أهليا
فلا يخرج من هذا التعريف كالغزال، ولا يدخل في
هذا التعريف - بعد ما كان المراد بالممتنع، الممتنع
بالأصالة وبالذات - الحيوان الأهلي الذي صار
ممتنعا بالعرض.

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب محرمات الاحرام الحديث.
8

ثم قال في الشرايع: والنظر فيه (أي في الصيد)
يستدعي فصولا:
الأول: الصيد قسمان فالأول منهما ما لا يتعلق
به كفارة كصيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ في الماء
ومثله الدجاج الحبشي انتهى، وقوله: هو ما يبيض ويفرخ
في الماء " احتراز عما يكون ملازما للماء إلا أنه يبيض و
يفرخ في البر كالبط فإنه على هذا لا يكون من صيد البحر
ومستند خروج دجاج الحبشي المسمى بالسندري والغرغر
وعن المسالك أنه طائرا أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصلا من البحر
هو صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الدجاج الحبشي، فقال: ليس من الصيد إنما
الصيد ما طار بين السماء والأرض، وصف (1).
وصحيحة جميل ومحمد بن مسلم قالا: سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم؟ فقال:

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
9

نعم لأنها لا تستقل بالطيران (1).
ويستفاد من هذه الرواية أن علة جواز صيدها
هي عدم قدرتها على الطيران على النحو المتعارف في سائر
الطيور، فكأنها تصير بذلك كالدجاج الأهلي، وبهذا
التعريف الذي ذكر في الصيد يخرج الأنعام الثلاثة
وإن توحشت.
قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه انتهى.
وكذا لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة
إلا الأسد، فإن على قاتله كبشا على رواية فيها ضعف
قاله في الشرائع، ومقتضى اطلاق عبارته عدم الفرق
في جواز قتلها بين ما إذا أرادك الانسان أو لم ترده
فأما إذا أرادت الانسان فلا خلاف في جواز قتلها بل
عن صريح الخلاف وظاهر المبسوط والتذكرة الاجماع
عليه مضافا إلى دلالة الأخبار الكثيرة المعتبرة عليه.

(1) الوسائل 40 من أبواب كفارات الصيد الحيث 7.
10

منها رواية عبد الرحمن العرزمي عن الصادق عن أبيه (ع) عن أمير المؤمنين صلوات
الله عليه قال: يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه (1).
ومنها صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها
فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده (2).
ومنها رواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال: سألته عن المحرم وما يقتل من الدواب فقال:
يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب وكل حية،
وإن أرادك السبع فاقتله وإن لم يردك فلا تقتله والكلب
العقور إن أرادك فاقتله، ولا بأس برمي الحدأة وإن
عرض له اللصوص امتنع منهم (3).
ومنها ما عن المفيد في المقنعة قال: سئل عليه السلام عن
قتل الذئب والأسد، فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إن
أراداه وكل شئ إرادة من السباع والهوام فلا حرج عليه

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 1 - 10.
(2) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 1 - 10.
(3) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 1 - 10.
11

في قتله (1).
ومنها ما عن قرب الإسناد عن وهب بن وهب عن أبي عبد
الله عليه السلام عن علي عليه السلام وقال: يقتل الحرم
ما عدا عليه من سبع أو غيره ويقتل الزنبور والعقرب
والحية والنس والذئب والأسد، وما خاف أن يعدد
عليه نم السباع والكلب العقور (2).
ومنها رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يقتل المحرم الزنبور والأسود الغددة و
الذئب وما خاف أن يعذ وعليه وقال: الحلب
العقود هو الذئب (3).
قوله عليه السلام: وما خاف الخ يحتمل أن يكون ما ذكره (4)
من الزنبور وغيره من مصاديق ما خاف أن يعده وعليه
ويحتمل أن يكون مراده (ع) أن المذكورات أي الزنبور و
غيره يجوز قتلها على كل حال سواء خاف أن تعد وعليه
ويحتمل أن يكون مراده (ع) أن المذكورات أي الزنبور و
غيره يجوز قتلها على كل حال سواء خاف أن تعد وعليه
أولا لأنها من المؤذيات نوعا، ثم بعد ما ظهر من
الأخبار من جواز قتلها إذا أراد ته أنه لا يجوز قتلها إذا لم ترده

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 13.
(2) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 13.
(3) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 13.
12

وهو مقتضى اطلاق بعض الأخبار
كصحيحة معاوية بن عمار المقدمة عن الصادق عليه
السلام قال: إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا
الأفعى والعقرب والفأرة (إلى أن قال:) والحية إن
أرادتك فاقتلها، وإن لم تردك فلا تردها والأسود
الغدر فاقتله على كل حال وارم الغراب والحدأة رميا
على ظهر بعيرك (1).
ويظهر من هذه الرواية أن الأفعى والعقرب والفائدة
والأسود الغدر - وهو من أقسام الحيات - يجوز قتلها
على كل حال، وباقي المؤذيات إذا جاز قتلها إذا أرادتك
فهل يسقط به الكفارة أولا منافاة بين جواز قتلها وبين
وجوب الكفارة كتغطية الرأس في حال الاحرام عند
الضرورة مع وجوب الكفارة على كما سيجئ إن شاء الله

(1) الوسائل الباب 81 من الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
13

تعالى؟ لا يبعد القول الأول، فإن تجويز قتلها ظاهر
في نفي الكفارة وإن كان الأحوط هو الكفارة.
هذا كله في قتل السباع والمؤذيات.
وأما قتل السبع ففيه رواية خاصة فيها ضعف كما.
أشار إليه في الشرائع
وهي رواية أبي سعيد المكاري قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: رجل قتل أسدا في الحرم، قال: عليه كبش
يذبحه (1).
وهذه الرواية - مع ضعفها - لا اختصاص لها
بالمحرم حيث قال: رجل قتل أسدا في الحرم، وكذا لم
يقييد فيها بإرادته له أو عدم إرادته له، ويمكن تقييدها بعدم
إرادته له جميعا بينها وبين ما دل من الأخبار المتقدمة على
جواز قتله إذا إرادة، اللهم إلا أن يقال بعدم منافاة جواز
قتله مع الإرادة للقول بوجوب الكفارة إلا أنك قد عرفت
أن ظاهر الروايات خلافه.
ثم إن الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنها معتضدة

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
14

بالرواية المنسوبة إلى فقه الرضا قال: وإن كان الصيد
أسدا ذبحت كبشا (1).
وبما عن الغنية والخلاف من دعوى الاجماع على
هذا الحكم
ولكن لا يخفى أنه لا يثبت بذلك كله هذا الحكم
المخالف للأصل فإن الرواية ضعيفة السند، ورواية
فقه الرضا غير حجة كما عرفت ذلك غير مرة، ولم يعلم
ثبوت الاجماع في هذه المسألة إلا أن الأحوط بل
لا يخلو من وجه هو الكفارة المذكورة عليه لعدم ثبوت
الخلاف من أحد من الفقهاء إلا ما عن الفاضل في
بعض كتبه من القول باستحبابها.
وكذا لا كفارة في ما تولد بين إنسي ووحشي
أو بين ما يحرم للمحرم اصطياده وبين ما يحل عليه
كالسمع المتولد بين الذئب والسبع وكالمتولد بين
الحمار الوحشي والإنسي لعدم صدق كما كل واحد

(1) المستدرك الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
15

من الاسمين عليه فالأصل يقتضي البراءة من الكفارة
إلا أن في الشرائع " ولو قيل ": يراعى الاسم كان
حسنا انتهى.
ومراده قدس سره من مراعاة الاسم أنه إن صدق
عليه الأهلي مثلا فحكمه عدم وجوب الكفارة، وإن
صدق عليه الوحشي كان عليه الكفارة، وهذا القول
أقرب، بل جزم به الفاضل ومن تأخر عنه - على ما
حكي عنهم.
ولكن عن المسالك " إن لم يكن ممتنعا فلا شئ
وإن كان ممتنعا قيل: يحرم، وفيه نظر لأنه ليس بمعطل
فلا يكفي وصف الامتناع فيه، فإن التحريم مشروط بامتناع
المحلل والمحرمات المذكورة، وهذا ليس منها انتهى
ومراده قدس سره بالممتنع الذي قيل: يحرم، هو
المتولد بين ممتنعين المحرمين كالسمع، قوله: والمحرمات
المذكورة أي مشروط بامتناع المحرمات المذكورة، ومراده
بالمحرمات المذكورة مثل الثعلب والأرنب واليربوع و
القنفذ والضب التي فيها الكفارة كما سيجئ بيانه إن
16

شاء الله تعالى.
نعم على ما اخترناه من حرمة صيد البر مطلقا
عملا باطلاق الآية وبعض الأخبار إلا ما استثني منها
- يحرم اصطياده إن صدق عليه أنه وحشي وإن لم
يلزمه الكفارة إلا إذا كان من مصاديق ما يجب فيه
الكفارة.
والحاصل أن الصيد على ثلاثة أقسام.
الأول ما لا يجب فيه الكفارة أصلا ولا يحرم صيده
وقتله كصيد البحر.
الثاني ما يجب فيه الكفارة ولا يجوز صيده كصيد
المحلل من الوحش.
الثالث ما يجوز قتله إلا أنه يجب فيه الكفارة.
كالزنبور إذا أردك، أما جواز قتله فيدل عليه بعض
النصوص السابقة، كرواية قرب الإسناد المتقدمة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: يقتل المحرم ما عدا عليه
من سبع أو غيره ويقتل الزنبور الحديث (1).

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 12.
17

ورواية غياث بن إبراهيم عن أبيه عن الصادق عليه السلام
قال: يقتل المحرم الزنبور (1) الحديث.
وأما وجوب الكفارة فمستنده صحيح معاوية بن
عمار عنه عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل الزنبور، قال:
إن كان خطأ فليس عليه شئ، قلت: لا، بل متعمدا
قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني قال: إن أرادك فاقتله (2)
وهذه الرواية أيضا من الأدلة الدالة على جواز قتله
في صورة الإرادة.
وروايته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن محرم قتل زنبورا قال: إن كان خطأ فلا شئ
عليه، قلت: بل تعمد، قال: يطعم شيئا من الطعام (3).
ورواية يحيى بن الأزرق قال: سألت أبا عبد
الله وأبا الحسن عليه السلام عن محرم قتل زنبورا قال:
(قالا ظ): إن كان خطأ فليس عليه شئ قال: قلت:

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8.
(2). (3) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
18

فالعمد؟ قال: يطعم من طعام (1).
وربما حمل هذه الروايات الدالة على وجوب
الكفارة - على ما إذا قتله ولم يرده الزنبور، للترخيص
في قتله إذا أراده قطعا، فلا معنى لوجوب الكفارة
قلت: لا منافاة لجواز قتله مع وجوب الكفارة
كما في غير موضع من تروك الأحكام وسيجئ بيانه
إن شاء الله تعالى مضافا إلى اطلاق هذه الروايات
الشامل لصورة الإرادة أيضا.
وكذا لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبق
لمرسلة ابن الفضال عن الصادق عليه السلام قال:
لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم (2).
وعن نوادر البزنطي عن جميل أنه سأله عن المحرم
يقتل النقة والبراغيث إذا أذاه؟ قال: نعم (3).
وفي رواية زرارة قال: سألت أحدهما عليهما السلام

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 84 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
(3) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
19

عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذ أراه؟ قال: نعم (1)
ولا يعارضها رواية زرارة الأخرى قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام هل يحك المحرم رأسه ويغتسل
بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2).
وصحيحة معاوية بن عماد المتقدمة عنه عليه السلام
قال: اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعي والعقرب
والفأرة (3) الحديث.
لامكان حمل الأولى على ما عدا البرغوث، و
الثانية قابلة للتخصيص بما عدا البرغوث.
ولكن الانصاف أن الرواية الأولى أعني رواية جميل
المتقدمتين بالنسبة إلى البق والقملة لأن الظاهر
من الدابة في رواية زرارة هي القملة والبق لعدم
وجود غير هما في الرأس، بل يمكن أن يقال بعدم شمول

(1) الوسائل الباب 79 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
20

رواية زرارة للبرغوث أصلا فلا تكون معارضة للروايتين
المتقدمين بالنسبة إلى البرغوث لأن جلوس البرغوث
على الرأس غير متعارف، فلا تكون رواية زرارة معارضة
إلا بالنسبة إلى القمل والبق، فالقول بعدم حرمة قتل
البرغوث لا يخلو من قوة، بخلاف البق والقمل، فإن
اخراجهما من حرمة قتل مطلق الدابة مشكل لتعارض
الأخبار فيهما، نعم في صورة إيذائهما يجوز قتلهما قطعا
لدلالة الأخبار المتقدمة عليه.
ومن الأمور المستثناة في حال الاحرام هو جواز
رمي الحدأة كعنبة - وهي ضرب من الطير - والغراب
على ظهر البعير
لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد
الله عليه السلام أنه قال في حديث: اتق قتل الدواب
كلها إلا الأفعى - إلى أن قال: - وارم الغراب والحدأة
رميا على ظهر بعيرك (1).، وصحيحة ابن أبي عمير

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
21

عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
يقتل في الحرم والاحرام الأفعى والأسود الغدر -
إلى أن قال: - ويرجم الغراب والحداة رجما (1).
الحديث.
ورواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأول
عليه السلام أنه قال في حديث: ولا بأس للحرم أن يرمي
الحدأة (2) الحديث.
ورواية حنان بن سدير عن أبي جعفر عليه السلام
قال: أمر رسول الله (ص) يقتل الفأرة في الحرم والأفعى والعقرب
والغراب الأبقع ترميه فإن أصبته فأبعده الله
(3) الحديث.
ثم إنه لا يستفاد من هذه الأخبار أكثر من جواز
رمي الحدأة والغراب، ولا يستفاد منها جواز قتلهما
فما قيل: من جواز قتلهما فليس له مدرك، نعم إذا
أدى الرمي إلى قتلهما أحيانا فلا بأس لاطلاق الأخبار
فرع: قال في الشرائع: ويجوز شراء القماري

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث.
(2) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث.
(3) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث.
22

والدباسي واخراجهما من مكة على رواية ولا يجوز
قتلهما ولا أكلهما انتهى
والقمارى جمع القمرية بالضم ضرب من الحمام و
القمرة بالضم لون الخضرة أو الحمرة فيه كدرة، والدباسي
جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة
ومنه الدبسي لطائر أدكن يقرقر كذا عرفهما في الجواهر
والرواية المشار إليها هي رواية العيص بن القاسم
بل حسنة بل صحيحة كما في الجواهر - قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن شراء القماري يخرج من مكة و
المدينة قال: لا أحب أن يخرج منها شئ (1).
ولذا صرح صاحب الشرائع في النافع وكذا
العلامة في القواعد بل الشيخ في المبسوط - على ما
حكي عنهم - بالجواز وحكم في محكى الدروس بالكراهة
وكذا في محكى النهاية والجامع خلافا لابن إدريس

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
23

والعلامة في المختلف وولده وجماعة من متأخري
المتأخرين على ما حكي عنهم رضوان الله عليهم فإنهم
حكموا بالحرمة للروايات الدالة عليها.
منها صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى
عليه السلام عن رجل أخرج جماعة من حمام الحرم إلى الكوفة
أو غيرها، قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه
ثمنها يتصدق به (1)
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال: أرسلت إلى
أبي الحسن عليه السلام: أن أخا لي اشترى حماما من
المدينة فذهبنا بها إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج
ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة فعلينا في ذلك
شئ؟ فقال للرسول: إني أظنهن كن فرهة فقال: قل له:
يذبح مكان كل طير شاة (2).
ومنها رواية يعقوب بن يزيد عن بعض رجاله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدخلت الطير المدينة
فجائز أن تخرجه منها (إلى) ما أدخلت، وإذا أدخلت

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
24

مكة فليس لك أن تخرجه (1).
ومنها رواية زرارة أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أخرج طيرا له من مكة إلى الكوفة قال:
رده إلى مكة (2).
هذا كله مضافا إلى قوله تعالى: ومن دخله كان
آمنا " الشامل لذوي العقول وغيرهم وإلى الروايات
الدالة على عدم جواز التعرض لحمام الحرم.
كرواية علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى
عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحل؟ فقال: لا يصاد
حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم (3).
ومنها رواية عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ومن دخله كان
آمنا " قال: من دخل الحرم مستجيرا به كان آمنا من
سخط الله، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 8 والباب 13 الحديث 4.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 8 والباب 13 الحديث 4.
25

من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم (1) إلى
غير ذلك من الأخبار.
فمع هذه الأخبار الكثيرة لا يمكن الأخذ بظاهر
رواية العيص والحكم بكراهة أخرجها من الحرم،
فلا بد من حمل قوله " لا أحب " فيها على الحرمة أيضا
فإن كلمة " لا أحب " ليست صريحة في الكراهة
فإنها كما تستعمل في الكراهة تستعمل في الحرمة أيضا
كما يستفاد ذلك بالمراجعة في الأخبار.
نعم بالنسبة إلى طير المدينة الواقع في سؤال
السائل لفظ " لا أحب " ظاهر بل صريح في الكراهة
للعلم بعدم حرمة اخراج الطير منها فإن الظاهر في
رواية العيص أن الضمير في قوله " لا أحب أن يخرج
منها شئ " عائد إلى كلتيها أي مكة والمدينة شرفهما
الله تعالى وإن كان بحسب السياق الأدبي أنه
راجع إلى خصوص مكة، ولكن بحسب اللب

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
26

راجع إلى كلتيهما لئلا يخلو كلامه عليه السلام من جواب كلتي
مسألتي السائل وحينئذ لا يلزم من ذلك حمل " لا
أحب " على الكراهة بالنسبة إلى مكة أيضا كما توهمه
صاحب الجواهر لوجود القرينة على أن " لا أحب "
مستعمل في الحرمة بالنسبة إلى اخراج صيد مكة، و
القرينة هنا هي الروايات المتقدمة الدالة على
حرمة الاخراج.
فلا مانع من استعمال لفظ " لا أحب " في الجامع
بين الحرمة والكراهة بعد دلالة الدليل، فبالنسبة
إلى مكة مفيد الحرمة وبالنسبة إلى المدينة مفيد الكراهة
فالمراد من لا أحب مطلق المرجوحية التي تجتمع مع
الحرمة والكراهة، وحينئذ الأقوى ما عليه الحلي في
السرائر والعلامة وكثير من المتأخرين من القول بالحرمة
هذا كله بالنسبة إلى القارئ.
وأما الدباسي فليست بداخلة في رواية العيص
المتقدمة فإن السؤال فيها عن القماري، نعم يمكن
27

ادراجها - أعني الدباسي - في الرواية باعتبار الشئ
المنفى في الرواية أعني قوله عليه السلام " لا أحب أن
يخرج منها شئ " فإن النكرة في سياق النفي مفيدة
للعموم، يدخل الدباسي في عموم الشئ. فبناءا
على ظهور كلمة " لا أحب " في الكراهة اخراج الدباسي
منها مكروه أيضا.
ولكن يرد عليه أولا بعدم دلالة الرواية على ذلك
كما قدمنا، وثانيا بأنه إذا ذلت الرواية على الكراهة بالنسبة
إلى الدباسي دلت على الكراهة بالنسبة إلى مطلق
الطير لما ذكرنا من إفادة النكرة التالية للنفي للعموم
اللهم إلى أن يقال: إن اخراج القماري والدباسي
من مكة معلوم الحرمة فلم يبق تحت الرواية غيرهما
أو يقال بعدم القول بالفصل بين القماري والدباسي
كما ذكره في الجواهر، فإن تم ذلك فهو وإلا فالحكم
بجواز الاخراج في الدباسي مشكل جدا، ثم إنه على
فرض تسليم جواز الاخراج من مكة لا يجوز ذبحهما وأكلهما
28

للمحرم وغيره في الحرم اتفاقا كما عن كشف اللثام.
لعمومات حرمة صيد الحرم خرج منها اخراجهما
فقط، فيبقى الباقي بل عن المسالك تحريم الاتلاف
والأكل لو خرج بهما المحل من الحرم لتحريمهما عليه ابتداء
خرج منه الاخراج فقط فيبقى الباقي.
هذا كله بالنسبة إلى ما لا كفارة فيه مع الاختلاف
في بعضها.
القسم الثاني: ما يتعلق به الكفارة وهو قسمان
القسم الأول ما لكفارته بدل بالخصوص وهو
كل ما له مثل من النعم في الصورة تقريبا، وأقسام خمسة.
الأول النعامة، فمن قتل نعامة فعليه بدنة، فإن البدنة
مثل النعامة في الصورة تقريبا قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه انتهى واستدل لهذا
الحكم - بعد الاجماع - بالكتاب العزيز أعني قوله تعالى
" يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم فمن
29

قتله ومنكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام
مساكين أو عدل ذلك صياما، الآية (1).
وبروايات:
منها صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال في قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم
الخ: في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي
الظبي شاة وفي البقرة بقرة (2).
ومنها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عنه عليه السلام
قال: في محرم قتل نعامة عليه بدنة، فإن لم يجد فاطعام
ستين مسكينا، فإن كان قيمة البدنة أكثر من اطعام
ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا، وإن
كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم
يكن عليه إلا قيمة البدنة (3).

(1) سورة المائدة الآية 95.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 1 والباب 2 ح 7.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد ح 1 والباب 2 ح 7.
30

ومنها رواية يعقوب بن شعيب عنه عليه السلام قال:
قلت له: المحرم يقتل نعامة، قال عليه بدنة من الإبل
قلت: يقتل حمار الوحش، قال: عليه بدنة، قلت:
فالبقرة، قال: بقرة (1).
ومنها صحيحة، قال: بقرة (1).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام قال:
في الظبي شاة وفي البقرة بقرة، وفي الحمار بدنة، وفي
النعامة بدنة، وفيما سوى ذلك قيمة (2).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال في
قوله تعالى: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم الخ: من أصاب
نعامة فبدنة، ومن أصاب حمارا أو شبهه فعليه بقرة، ومن
أصاب ظبيا فعليه شاة بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن
ينحر إن كان في حج في منى حيث ينحر الناس، وإن شاء
في عمرة نحو بمكة، وإن كان تركه حتى يشتريه بعد ما

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2.
31

يقدر فينحره فإنه يجزي عنه (1).
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن محرم أصاب نعامة وحمار وحش
قال: عليه بدنة (2) الحديث
وهذه الروايات قد دلت على أن الواجب في
قتل النعامة بدنة فإن كانت البدنة شاملة الذكر و
والأنثى معا - كما عن بعض أهل اللغة فلا كلام، وإن
كانت مختصة بالأنثى منه كما عن الصحاح والقاموس:
" إن البدنة اسم للناقة والبقرة التي تنحر بمكة انتهى
فيعارض الروايات المتقدمة رواية أبي الصباح
قال سألت: أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزو
جل في الصيد " من قتل منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم " قال: في الظبي شاة، وفي حمار وحش
بقرة، وفي النعامة جزور (3).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 6.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 6.
32

والجزور هو الذكر من الإبل، فحينئذ تقع المعارضة
بين هذه الرواية والروايات السابقة بناءا على أن
البدنة اسم للناقة فلا بد إما من القول بالتخيير بينهما
أو طرح هذه الرواية الأخيرة لضعفهما بوجود محمد بن
فضيل في طريقها المشترك بين الضعيف والثقة
ولكن القول بالتخيير مشكل لعدم تكافؤ هذه
الرواية مع تلك الروايات الصحاح أو المعتبرة،
فالتعين هو العمل بتلك الروايات وطرح هذه الرواية
نعم إذا تم عندنا من أهل اللغة وكلمات الفقهاء
أن البدنة اسم لمطلق الإبل سواء فيها الذكر والأنثى
فلا مانع للعمل بهذه الرواية أيضا.
وأما تفسير البدنة بالبقرة والناقة في كلام بعض
أهل اللغة، ولازمه جواز الاكتفاء بالبقرة في قتل
النعامة فلا يمكن الالتزام به لأن ظاهر المقابلة بين
البدنة والبقرة في النصوص هو أن المراد بالبدنة
33

في قتل النعامة هو الإبل مضافا إلى أن التفسير
في كتب اللغة ربما
يقع بالمعنى المجازي فلا يمكن حمله
على المعنى الحقيقي مع أن البدنة بحسب متفاهم
العرف هو الإبل دون البقر، ثم إنه يعتبر في البدنة
أن تكون بسن ما يعتبر في الهدي، وسيجيئ بيانه.
نعم لا يعتبر أن تكون بسن النعامة في الصغر و
الكبر.
ولكن عن التذكرة اعتبار المماثلة في الصغر والكبر
وفي الذكورة والأنوثة، وليس له دليل سوى كون
المراد بالمماثلة ذلك في الآية الكريمة، ويرد عليه أن
المراد بالمماثلة ليس إلا المماثلة في الصورة فقط دون
السن والذكورة والأنوثة ويدل على ذلك مطلقات
الأخبار المتقدمة.
هذا كله مع القدرة على البدنة وأما مع العجز عنها
فتقوم البدنة ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل
مسكين مدان، ولا يلزم ما زاد عن ستين، قاله في
34

الشرائع.
أما وجوب كون الصدقة على ستين مسكينا فيدل
عليه بعض الروايات المتقدمة كقول الصادق عليه السلام
في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة المتقدمة: فإن لم يجد
فاطعام ستين مسكينا (1) الحديث.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال: بدنة
فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فإن لم يجد
فليصم ثمانية عشر يوما (2).
ورواية تحف العقول عن الجواد عليه السلام قال: و
إن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة، فكذلك
في النعامة بدنة، فإن لم يقدر فاطعام ستين مسكينا، و
إن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما (3).

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 6.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 6.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
35

إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما التصدق لكل مسكين مدين مستنده رواية الزهري
من علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال في حديث طويل
وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله عز وجل: ومن
قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا
عدل منكم هديا بالغ الكفارة أو كفارة طعام مساكين
أو عدل ذلك صياما، قال: أوتدري كيف يكون
عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال قلت: لا أدري
قال: يقوم الصيد قيمة عدل ثم يفض تلك القيمة
على البر ثم يكال ذلك البراء صواعا، فيصوم لكل
نصف صاع يوما (1) الحديث.
فيستفاد من قوله: فيصوم لكل نصف صاع يوما "
إن ما يعطى لكل مسكين نصف صاع.
وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
36

موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزائه من النعم
دراهم ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف
صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف
صاع يوما (1).
إلا أنه يعارض الروايتين اطلاق الروايات
الدالة على اطعام ستين مسكينا، فإن ظاهرها أن
لكل مسكين سدا، فإن كل مسكين يشبعه مد من الطعام
كما هو ظاهر مضافا إلى معارضتها لصريح بعض الأخبار
الدلالة على وجوب اعطاء المد لكل مسكين.
كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من أصاب شيئا ففدائه بدنة من الإبل فإن
لم يجد ما يشتري به بدنة فأراد أن يتصدق فعليه
أن يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا، فإن لم يقدر
على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
37

مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام (1).
ورواية عبد الله بن سنان المنقولة عن تفسير
العياشي عنه عليه السلام قال: سألته عن قول الله في
من قتل صيدا متعمدا وهو محرم: فجزاء مثل ما قتل
من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو
كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ما
هو؟ قال: ينظر إلى الذي عليه بجزاء ما قتل، فإما
أن يهديه وإما أن يقوم، فيشترى به طعام فيطعمه
المساكين: يطعم كل مسكين مدا (2) الحديث، وسيجيئ
تمامه إن شاء الله تعالى.
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن
محرم أصاب نعامة أو حمار وحش، قال: عليه بدنة
قال: قلت: فإن لم يقدر على بدنة، قال: فليطعم ستين
مسكينا، قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق، قال:
فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة مد على كل مسكين (3)

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 - 12 - 3.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 - 12 - 3.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 - 12 - 3.
38

مع أن غير هذا المورد من موارد الكفارات ككفارة
افطار صوم يوم من شهر رمضان الذي تكون كفارته
اطعام ستين مسكينا يكون لكل مسكين مد كما هو
المشهور بين العلماء بل ادعى عليه الاجماع وهو
الأصح فليكن هنا أيضا كذلك.
فلا بد من الجمع بين الطائفتين من الروايات
بحمل الطائفة الأولى المشتملة على اعطاء نصف صاع
لكل مسكين - على الأفضلية والطائفة الثانية على
الوجوب.
إلا أن الانصاف أنه يمكن ترجيح الطائفة الأولى
بالفتاوى المشهورة بين العلماء، بل عن الحدائق أنها
مشهورة بين المتأخرين بل عن المدارك نسبة ذلك
إلى الأكثر مع الفرق بين ما هنا وبين سائر الكفارات
بأن ما هنا يتعارض حق الفقراء مع ما عليه، فإن حق
الفقراء هو تفريق ثمن البدنة عليهم، ولعل الثمن
39

يكفي لكل مسكين بصاعين بخلاف سائر موارد
الكفارة، فإنه ليس عليه إلا دفع لكل مسكين مدا إذ
لا يجوز قياس هذا الباب بباب سائر الكفارات
لأن الواجب متابعة كل باب لدليله، والمفروض
في هذا الباب هو ترجيح دليل الصاعين بالفتاوى
والشهرة مع أن القياس باطل عندنا من أصله
ثم إن ظاهر كلام صاحب الشرائع هو تعين شراء
البر وتقسيطه بين الفقراء، وبعض الأخبار المتقدمة
كرواية الزهري دال عليه
ولكن عن التذكرة والمنتهى الطعام المخرج الحنطة
أو الشعير أو التمر أو الزبيب، قال: ولو قيل: يجزي كل
ما يسمى طعاما كان حسنا لأن الله تعالى أوجب
الطعام انتهى وهو حسن، وبعض الأخبار السابقة
كصحيحة أبي عبيدة ورواية عبد الله بن سنان المتقدمين
دال عليه، فحينئذ التعبير بالبر في الرواية الزهري إنما
هو لأجل أنه من أحد مصاديق الطعام ولا يفيد
40

الانحصار والله العالم
ثم اعلم أن ظاهر الآية الكريمة أعني قوله تعالى:
" فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " هو
اعتبار حكم العدلين في مثلية الجزاء الصيد،
وأورد على ظاهرها أولا بأن شهادة العدلين
هي كافية في الموضوعات فما معنى حكمها بذلك؟
وثانيا بأن المثلية إن تثبت بالنص فلا يحتاج اثباتها
بشهادة عدلين، وإن لم تثبت فشهادة عدلين غير
مؤثرة لأنه لا أثر لشهادة عدلين في هذا المورد في
كتب الفروع.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأنه يحتمل أن يكون
المراد من قوله تعالى: " يحكم به ذوا عدل منكم " بالافراد
فأصاب الكتاب به ألفا، والمراد بذي العدل هو
النبي أو أحد الأئمة عليهم السلام كما دلت عليه روايات كثيرة
منها ما عن الكافي سندا عن الباقر عليه السلام قال:
41

والعدل: رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام
من بعده، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب (1).
ومنها ما عن التهذيب عنه عليه السلام قال: العدل
رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده
ثم قال يحكم به هو ذو عدل، فإذا علمت ما حكم به
الرسول والإمام فحسبك ولا تسئل عنه (2).
ومنها موثقة زرارة أنه سأل أبا جعفر عليه السلام
عن قول الله عز وجل: يحكم به ذوا عدل " فقال: العدل
رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده
ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب (3).
ومنها حسنة إبراهيم بن عمر اليماني عن الصادق
عليه السلام وذكر (ع) نحو الرواية المتقدمة (4).
ومنها حسنة حماد بن عثمان قال: تلوت عند أبي
عبد الله عليه السلام: ذوا عدل منكم " فقال: ذو عدل

(1) الكافي ج 4 من أبواب الصيد باب النوادر ص 397
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب صفات القاضي الحديث 26
(3) الكافي ج 4 من أبواب الصيد باب النوادر ص 397
(4) الكافي ج 4 باب النوادر من أبواب الصيد ص 396.
42

هذا مما أخطأت به الكتاب (1).
أقول: قوله عليه السلام وكذا قول الباقر عليه السلام:
هذا مما أخطأت به الكتاب المراد من ذلك أن
الألف في قوله تعالى " ذوا عدل " زيادة، قد زاد
الكتاب فيه خطأ والصحيح أنه ذو عدل بدون
الألف والمراد بذي العدل هو النبي صلى الله
عليه وآله أو الإمام الذي بعده.
ولكن عن تفسير العياشي عن زرارة قال:
سمعت أبا جعفر يقول: " يحكم به ذوا عدل منكم "
قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام
من بعده، فإذا حكم به الإمام فحسبك (2).
فيظهر من الرواية أن التثنية في ذوا عدل صحيحة
والمراد منهما السول والإمام صلوات الله عليهما وعلى
آلهما، وكيف كان فإن كان الصحيح أو الأصح هو ذو عدل

(1) روضة الكافي ص 205. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 344.
43

بالافراد - كما دلت عليه الروايات المتقدمة - فالمراد
به الرسول أو الإمام عليهما السلام أي يكفي حكم أحدهما
بمثلية الجزاء للصيد كما في المواضع الخمسة التي ذكرنا
واحدا منها.
وإن كان بالتثنية كما في نسخ المصحف الشريف و
دلت عليه الرواية الأخيرة فالمراد أيضا هو الرسول
والإمام عليهما أفضل الصلاة والسلام، والمراد أيضا
كفاية حكم أحدهما بمثلية الجزاء للصيد ولا يلزم
حكم كليهما في ذلك، فحينئذ ليس هذا المورد من موارد
قبول شهادة العدلين في تعيين المثلية، وإن كان
ظاهر الآية قد دل عليه، فإن القرآن لا بد من أن
يفسره من نزل في بيته وهو الرسول والأئمة صلوات
الله عليهم أجمعين فتصير الآية دليلا على اعتبار النص
الشرعي في المثلية فلا يكفي نظر العرف فيها.
فإذا عجز عن اطعام ستين مسكينا صام عن كل
نصف صاع - وهو مدان يوما وفاقا المشهود
44

بل عن التبيان أنه مذهبنا كما عن الجمع وفقه القرآن
أنه المروى عن أئمتنا عليهم السلام بل عن الغنية الاجماع
عليه وهو الحجة، قاله في الجواهر.
ويدل على ذلك أيضا رواية الزهري المتقدمة
فإنه قال في ضمنها: ثم يكال ذر البر أصواعا، فيصوم
لكل نصف صاع يوما (1).
وصحيحة أبي عبيدة المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر
من موضعة الذي أصاب فيه الصيد قوم جزائه من
النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف
صاع، فإن لم يقدر على طعام صام لكل نصف
صاع يوما (2).
ولكن عن الشيخ في الخلاف أنه يصوم عن كل مد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
45

يوما.
ويوافقه مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل " أو عدل ذلك
صياما " قال:: بثمن قيمة الهدي طعاما ثم يصوم لكل
مد يوما، فإن زادت الأمداد على شهرين فليس
عليه أكثر منه (1).
ولكن العمل على الروايتين المتقدمتين كما قدمنا.
ويعارض الروايتين المتقدمتين في وجوب اطعام
ستين مسكينا رواية علي بن جعفر المتقدمة عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل محرم أصاب
فعامة ما عليه؟ قال: عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدق
على ستين مسكينا فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر
يوما (2).
ورواية تحف العقول المتقدمة عن الجواد عليه
السلام قال: وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش
بدنة، فكذلك في النعامة بدنة، فإن لم يقدر فاطعام

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
46

ستين مسكينا، وإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما (1).
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن محرم أصاب نعامة وحمار وحش، قال:
عليه بدنة، قال: قلت فإن لم يقدر على بدنة، قال:
فليطعم ستين مسكينا، قلت: فإن لم يقدر على أن
يتصدق، قال: فليصم ثمانية عشر يوما (2).
وربما حمل هذا الروايات أعني روايات صوم
ثمانية عشر يوما على أحد الاحتمالين، الأول حملها
على صورة العجز عن صوم ستين يوما فحينئذ ينتقل
فرضه إلى صوم ثمانية عشر يوما.
الثاني حمل الروايات المتقدمة على الأفضلية
وحمل هذه الروايات على الفرض. وإنما حملهم على
حمل الروايات ثمانية عشر على أحد الاحتمالين مع اطلاق

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات اليد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
47

روايات ثمانية عشر وعدم تقييدها بصورة العجز
هو مطابقتها لسائر الكفارات مع موافقة روايات
الستين للمشهور وعدم عمل المشهور بهذه الروايات
إلا في صورة العجز عن الستين، وأظهر الاحتمالين هو
حمل الروايات ثمانية عشر على العجز
(فرع:)
لو صام ثلاثين يوما، ثم عجز عن ثلاثين آخر
فهل يسقط عنه الثلاثين الأخر أو بحب عليه صوم
تسعة أيام كما عن القواعد احتماله؟ حيث إن صوم
ثمانية عشر يوما بدل لصوم شهرين في صورة العجز
فليكن التسعة بدلا لصوم شهر كما يؤيده ما إذا عجز
عن صوم ثلاثين يوما في كفارة بقر الوحش فإنه يحب
عليه صوم تسعة أيام وسيجيئ بيانه إن شاء الله تعالى
أو يجب عليه مقدار ما قدر عليه كما عن القواعد أيضا
احتماله تمسكا بقوله صلى الله عليه وآله: الميسور لا يسقط
بالمحسور؟ وجوه، والأوجه هو الوجه الأول، فإن.
48

الناط في العجز العجز في نفس الأمر وفي علم الله لا العجز
بنظر المكلف، فإذا توهم المكلف أنه قادر فبان عجزه
تبين له أنه كان في الواقع مكلفا لصوم ثمانية عشر يوما
ولكن لما كان عجزه كان مجهولا لديه توهم أنه مكلف
لصوم ستين يوما بتوهمه القدرة على ذلك، ثم بعد ما
صام ثلاثين يوما وعجز عن الباقي ظهر له أنه لم يكن
مكلفا بصوم ستين وأنه كان مكلفا بصوم ثمانية عشر
يوما
وبذلك ظهر لك ما في احتمال صاحب القواعد
من وجوب صوم تسعة أيام بدلا عن الشهر الآخر
أو وجوب صوم ما قدر، فإنه على ما بيناه لا يجب عليه
شئ من ذلك لما ذكرنا من ظهوره عجزه عن صوم الستين
وأنه كان مكلفا بصوم ثمانية عشر يوما.
(فرع آخر:)
قال في الشرائع: وفي فرخ النعامة روايتان إحداهما.
49

مثل ما في النعامة، والأخرى من صغار الإبل، و
هو أشبه انتهى.
أما الرواية الأولى فهي صحيحة أبان بن تغلب
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم حجاج أصابوا فرخ
نعام فأكلوا جميعا، قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه
بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ وعلى عدد
الرجال (1).
وأما الرواية الأخرى فهي ما أرسلها في النهاية
والسرائر والمبسوط - على ما حكي عنهم، وإن كنا
لم نعثر عليها كما في الجواهر وغيره.
أما الرواية الأولى فهي صحيحة معتبرة لا يكافئها
هذه الرواية المرسلة التي لم تظفر بها فالعمل على الرواية
الصحيحة، لكن في الشرائع إن العمل بالمرسلة هو الأشبه
ولعل وجهه أنه أوفق بأصول المذهب وقواعده لأنه يحصل
بذلك المماثلة التي في الآية أعني قوله تعالى " فجزاء

(1) الرسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.
50

مثل ما قتل من النعم " مضافا إلى الشهرة التي ترجع
هذه المرسلة على تلك الصحيحة فإنه نقل هذا القول
عن ابن جنيد والمقنعة والمراسم والخلاف والكافي
لأبي الصلاح الحلبي وجمل العلم والعمل والسرائر
فإنهم - رضوان الله عليهم - مع كون تلك الصحيحة
بمرأى منهم - لم يعلموا بها وعلموا بالمرسلة، وهذا الوجه
لا يخلو من وجه.
ويمكن حمل الصحيحة على صدور الجنايات العديدة
منهم على فرخ النعامة كصيده وذبحه وأكله، فوجوب
البدنة عليهم لأجل تضاعف الجزاء بتعدد الجنايات
الصادرة منهم والله العالم.
ثم لا يخفى عليك أنه على فرض ترجيح المرسلة
على الصحيحة بواسطة عمل الأصحاب لم يكن الجزاء
منحصرا بصغار الإبل بل يجوز البدنة أيضا إلا أن
صغار الإبل مجزية أيضا بل الأحوط هو كون الجزاء
51

بدنة لأنهما أكثر تعظيما لشعائر الله.
الثاني من أقسام ما فيه المثل بحسب
الأخبار البقرة الوحشية وحمار الوحش، وفي قتل
كل واحد منهما بقرة أهلية
أما البقرة الوحشية فكون جزائها بقرة أهلية
موضع وفاق كما عن الغنية دعوى الاجماع عليه، و
قال في جواهر: بل لا أجد خلافا في الأول انتهى
ومراده بالأول البقر الوحشي ومستند الحكم
- بعد دعوى الاجماع هو الأخبار المعتبرة.
منها صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في
قول الله عز وجل " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال
في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الظبي
شاة وفي البقرة بقرة (1).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام قال:
في الظبي شاة وفي البقر بقرة (2) الحديث وسيجئ تمامه

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
52

ومنها رواية يعقوب بن شعيب عنه عليه السلام
قال: قلت له: المحرم يقتل نعامة، قال: عليه بدنة
من الإبل (إلى أن قال:) قلت: فالبقرة، قال: بقرة (1)
وأما حمار الوحش ففدائه البقرة اجماعا أيضا
إلا ما عن الصدوق من وجوب البدنة، قال في
الجواهر: وربما حكي عن الشيخين ولم أتحققه انتهى
ومستند كون فداء حمار الوحش بقرة، روايات
أيضا:
منها الصحيحة المتقدمة أعني صحيحة حريز فإنه قال:
فيها: وفي حمار وحش بقرة (2) الحديث.
ومنها رواية أبي الصباح قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام من قول الله عز وجل " من قتل منكم متعمدا
فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال: في الظبي شاة، وفي
حمار وحش بقرة (3) الحديث.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1 - 3.
53

ومنها رواية داود بن سرحان عنه عليه السلام قال:
من قتل من النعم - وهو المحرم - نعامة فعليه بدنة، و
في حمار الوحش بقرة الحديث (1).
ولكن تعارض هذه الروايات روايات أخرى
دالة على أن فيه بدنة.
فمنها رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة عنه عليه السلام
قال: قلت له: المحرم يقتل نعامة قال: عليه بدنة من
الإبل، قلت: يقتل حمار وحش، قال عليه بدنة (2) الخ
ومنها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة عنه عليه السلام
قال: في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي الحمار
بدنة، وفي ما سوى ذلك قيمته (3).
ومنها الرواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته
عن محرم أصاب فعامة أو حمار الوحش قال: عليه بدنة
(4) الحديث.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 4 - 2 والباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 4 - 2 والباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 4 - 2 والباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 4 - 2 والباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
54

ومنها مرسلة تحف العقول المتقدمة عن مولانا
الجواد عليه السلام أنه قال في حديث طويل: وإن كان
من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة وكذلك في
النعامة بدنة (1) الحديث.
ولذا قال بعض العلماء بالتخيير بينهما واختاره
في المدارك، وربما حمل الطائفة الثانية من الأخبار
على الأفضلية أو على إرادة البقرة من البدنة لاطلاقها
عليها كما عرفت ذلك من بعض أهل اللغة.
إلا أن الأقوى ما عليه المشهور بل المدعى
عليه اللاخلاف من وجوب البقرة في قتل حمار
الوحش.
ولا تكافئ الطائفة الثانية من الروايات لتلك
الروايات الصحيحة أو المعتبرة المعمول بها عند الأصحاب
فإن الطائفة الثانية - مع كون أكثرها ضعيفة - قد أعرض

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
55

أكثر الأصحاب عنها ولم يعمل بها سوى الصدوق
وحمل الطائفة الثانية على الفضلية ضعيف أيضا
لكون البقرة والبدنة متباينين، فإذا كان المأمور به
هو ذبح البقرة فذبح مكانها بدنة لم يأت بالمأمور به
وكذا حمل الطائفة الثانية المعبر فيها بالبدنة - على البقرة
ضعيف لأن الاطلاق في بعض الأحيان لا يدل
على الحقيقة مع أنه على خلاف المتفاهم العرفي
فإن البدنة بحسب المتبادر العرفي وبحسب استعمالهم
المتعارف هو الإبل، فلا يمكن حمل الرواة على المعنى
الشاذ النادر الذي قد يستعمل اللفظ فيه.
وكيف كان فمع العجز عن البقرة تقوم البقرة
ويفض ثمنها على البر أو غيره ويعطي ثلاثين مسكينا
لكل مسكين مدان، وقيل: مد على حسب ما عرفت
في النعامة من الاختلاف.
قال في الجوهر: بلا خلاف أجده انتهى
والدليل على الحكم المزبور - بعد دعوى اللاخلاف
56

- هو الروايات:
منها صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام
حيث قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما
يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم
جزائه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما
لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام
صام لكل نصف صاع يوما (1)
فإنها باطلاقها تشمل ما نحن فيه بالنسبة إلى فض
الثمن واعطاء كل مسكين نصف صاع وغير ذلك
- ستجيئ الأخبار الدالة على ذلك
وأما بالنسبة إلى اعطاء ثلاثين مسكينا فدليله
روايات.
منها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال، سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
57

قال: عليه بدنة، قلت: فإن لم يقدر على بدنة، قال
فليطعم ستين مسكينا، قلت: فإن لم يقدر على أن
يتصدق، قال: فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة
مد على كل مسكين، قال: وسألته عن محرم أصاب
بقرة، قال: عليه بقرة، قلت: فإن لم يقدر على بقرة، قال
فليطعم ثلاثين مسكينا (1) الحديث وسيجئ تمامه
ومنها مرسلة تحف العقول التي تقدمت عن
الجواد عليه السلام قال: فإن كان بقرة فعليه بقرة فإن لم
يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم
تسعة أيام (2) الحديث.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال ومن كان عليه شئ من الصيد ففدائه ظ بقرة فإن
لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فليصم
تسعة أيام (3)، وهي شاملة بعمومها لما نحن فيه وقد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
58

عرفت ما اخترناه في النعامة من وجوب اعطاء كل
مسكين نصف صاع، وهنا أيضا كذلك، ومع العجز
عن الاطعام ففي الشرائع يصوم عن كل مدين يوما
وإن عجز صام تسعة أيام انتهى
ومستند الصوم عن كل مدين يوما الذي يصير
ثلاثين يوما هو صحيحة أبي عبيدة المتقدمة آنفا عن أبي
عبد الله عليه السلام فإنه قال في آخرها: فإن لم يقدر على
الطعام صام لكل نصف صاع يوما "
ولكن يعارضها روايات أخرى التي لم يذكر فيها
صوم ثلاثين يوما بل ذكر فيها أنه مع العجز عن الاطعام
يصوم تسعة أيام:
فمنها رواية معاوية بن عمار المتقدمة حيث قال عليه السلام في
آخرها: فإن لم يجد فليصم تسعة أيام (1).
ومنها مرسلة تحف العقول عن أبي جعفر الجواد عليه السلام

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
59

فإنه - بعد ما ذكر الاطعام لثلاثين مسكينا - قال:
فإن لم يقدر صام تسعة أيام (1) الحديث.
ومنها الرواية أبي بصير التي تقدم بعضها
قال: وسألته عن محرم أصاب بقرة، قال: عليه
بقرة، قلت: فإن لم يقدر على بقرة قال: فليطعم
ثلاثين مسكينا، قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق
قال: فليصم تسعة أيام (2) الحديث.
إلا أنه يمكن حمل هذه الروايات على صورة العجز
عن صوم الثلاثين جمعا بينها وبين صحيحة أبي عبيدة
المتقدمة.
الثالث من أقسام ما فيه المثل الظبي
فإنه يكون في قتله شاة قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه كما عن ابن زهرة الاعتراف به بل عن المنتهى
الاجماع عليه انتهى.
ومستند هذا الحكم الروايات المعتبرة منها رواية

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 والباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 والباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
60

أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت:
فإن أصاب ظبيا قال: عليه شاة، قلت: فإن لم
يقدر، قال: فاطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد
ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام (1).
ومنها صحيحة حريز عنه عليه السلام في قول الله عز
وجل " فجزاء مثل ما قتل من النعم " الآية قال في النعامة
بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الظبي شاة (2) الخ
ومنها صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام قال:
في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة وفي الحمار بدنة (3) الخ
ومنها الرواية أبي الصباح قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " من قتل " الآية
قال في الظبي شاة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي
النعامة جزور (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2 - 3.
61

هذا كله مع التمكن من شراء الشاة.
وأما مع العجز فيفض ثمنها على البر أو غيره و
يطعم به عشرة مساكين لكل مسكين مد أو مدان
على الاختلاف السابق.
ومدرك الحكم رواية أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام في الحديث الذي تقدم آنفا قال: قلت:
فإن أصاب ظبيا، قال: عليه شاة، قلت: فإن لم
يقدر؟ قال: فاطعام عشرة مساكين (1) الحديث
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين
فمن لم يجد صام ثلاثة أيام (2).
وهذه الرواية عامة شاملة لما نحن فيه وغيره
فإن لم يقدر على اطعام عشرة مساكين صام عشرة
أيام أو ثلاثة أيام
أما مستند الثلاثة فرواية أبي بصير المتقدمة قال:
فإن لم يقدر فاطعام عشرة مساكين فإن لم يجد ما

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
62

يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام (1).
وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا قال عليه السلام:
من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فمن
لم يجد صام ثلاثة أيام (2).
وأما مستند الصوم عشرة أيام وبعد العجز
يصوم ثلاثة أيام فأولا ظاهر الآية الكريمة " أو كفارة
طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " وقد عرفت
إن الاطعام - أي في كفارة الظبي - على عشرة
مساكين فيكون عدله صيام عشرة أيام فإن صوم
ثلاثة أيام لم يكن عدلا لاطعام عشرة مساكين.
وثانيا ظاهر بعض الأخبار:
منها صحيحة أبي عبيدة المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما
يكفر من موضعة الذي أصاب فيه الصيد قوم جزائه

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب من كفارات الصيد الحديث 3 - 10..
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب من كفارات الصيد الحديث 3 - 10..
63

من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل
لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على
الطعام صام لكل نصف صاع يوما (1).
وهذه الرواية بعمومها شاملة لما نحن فيه، وإذ قد
عرفت أن الاطعام في ما نحن فيه لعشرة مساكين
فمع العجز يصوم لكل نصف صاع - بتصريح هذه
الرواية - الذي يكون سهما لمسكين واحد - يوما
فيصير الصوم عشرة أيام.
ومنها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن قوله " أو عدل ذلك صياما "
قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فإن لم
يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل مسكين يوما (2)،
فحينئذ يحتمل أن يكون المراد بالروايات المصرحة بثلاثة
أيام صورة العجز عن صوم العشرة وبهذا يمكن الجمع
بين الروايات والله العالم.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 - 8.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 - 8.
64

(فرع)
قال في الشرائع: وفي الثعلب والأرنب شاة
وهو المروى، وقيل فيه ما في الظبي انتهى.
ومراده بالمروى صحيح أحمد بن محمد قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا
فقال: في الأرنب شاة (1).
وصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الأرنب يصيبه المحرم، فقال: شاة هديا بالغ
الكعبة (2).
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل قتل ثعلبا قال: عليه دم، قلت: فأرنبا قال:
مثل ما في الثعلب (3).
ولكن الروايتين الأوليين - وإن كانتا صحيحتين
- إلا أنهما لا تشتملان إلا على حكم الأرنب خصوصا

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 3 - 4.
65

الرواية الأولى فإن السائل - وإن ذكر في السؤال عن
الثعلب والأرنب كليهما إلا أنه لم يذكر (ع) في الجواب
إلا حكم الأرنب فكأنه (ع) أعرض عن بيان حكم
الثعلب الرواية الثالثة - وإن ذكر (ع) حكم الثعلب
- إلا أنه لم يذكر فيها أكثر من أن عليه دما، فحينئذ
لا دليل على أن في الثعلب شاة مضافا إلى ضعف
رواية أبي بصير.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الروايتين المتقدمتين
وإن لم تشتملا إلا على حكم الأرنب إلا أن الأولى منهما
يحتمل أن يكون بيان حكم الأرنب فيها بالخصوص
لأجل خفاء الحكم بالنسبة إلى الأرنب وعدم ذكر
حكم الثعلب لأجل وضوح الحكم بالنسبة إليه لحصول
المماثلة بينه وبين الشاة بخلاف الأرنب فإنه ليس
بينه وبينها مماثلة ظاهرية فلذا ذكره (ع) بالخصوص
وأما الرواية الثالثة فإنها وإن لم تشتمل على أكثر
66

من أن عليه دما، ولكن بقرينة الروايتين المتقدمتين
يمكن أن يستظهر أن مراده عليه السلام من الدم هو
دم الشاة فإنه قال في الأرنب مثل في الثعلب، و
قد عرفت من الروايتين أن في الأرنب دم الشاة
فإذا كان ما في الأرنب مثل ما في الثعلب يعلم
أن ما في الثعلب أيضا دم شاة، وضعف الرواية
منجبر بعمل الأصحاب.
قال في المدارك: لا خلاف بين الأصحاب
في لزوم الشاة في قتل الثعلب والأرنب انتهى.
فحينئذ استشكاله في الثعلب بقوله فيما بعد:
ويمكن المناقشة في لزوم الشاة في الثعلب إن لم
يكن اجماعيا لضعف مستنده - غريب فإنه مع اعترافه
بعدم الخلاف بين الأصحاب في لزوم الشاة في
الثعلب والأرنب لا مجال لهذه المناقشة فإن ضعف
الرواية - كما عرفت - منجر بعمل الأصحاب.
67

وأما قول صاحب الشرائع: وقيل: فيه ما في
الظبي انتهى - فمراده أنه كما في الظبي أولا الشاة
ومع العجز عنها يفض ثمنها على البر أو غيره ويطعم به
المساكين، ومع العجز يصوم عشرة أيام ومع العجز
ثلاثة أيام فكذا هنا.
والحاصل أن فيها البدل كشاة الضبي،
ومستند البدلية صحيحة معاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام قال: ومن كانت عليه شاة فلم
يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة
أيام (1)، فإنها بعمومها شاملة لما فمن فيه.
وأما القول الأول فإن ظاهره أن عليه الشاة
فقط، ومع العجز عنها تسقط وليس عليه شئ من
البدل لعدم التعرض له في الروايات الثلاث
المتقدمة مع، كونها في مقام البيان.
ولكن القول بالبدلية أحوط بل لا يخلو القول به

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
68

من رجحان لأن عدم البيان في الروايات الثلاث
لا ينافي بيان الحكم في غيرها من الروايات والله العالم
(فرع آخر:)
الابدال المتقدمة في الأقسام الثلاثة أعني
النعامة والبقرة الوحشية والظبي على التخيير لظهور
" أو " في قوله تعالى (أو كفارة طعام مسكين أو
عدل ذلك صياما) في التخيير مضافا إلى دلالة
قول الصادق عليه السلام في ذلك
فإنه (ع) قال في صحيحة حريز: كل شئ في القرآن
" أو " فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ في
القران " من لم يجد " فعليه كذا فالأول بالخيار (1).
مثلا صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
69

عليه السلام قال: في محرم قتل نعامة قال: عليه بدنة
فإن لم يجد فاطعام ستين مسكينا (1) الحديث.
وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عنه عليه السلام
قال من أصاب شيئا فدائه بدنة من الإبل فإن
لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدق فعليه
أن يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد، فإن لم يقدر
على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما (2) -
- ظاهرتان في الترتيب.
فحينئذ تنزل الآية على ذلك بأن يقال: إن
" أو " في الآية مفيدة للتقسيم لا التخيير. (الرابع:)
مما فيه المثل بحسب الأخبار كسر بيض النعامة
فإنه إذا تحرك فيها الفرخ ففيها بكارة من الإبل لكل
واحدة بكرة، والبكرة - كما عن غير واحد من أهل اللغة
- الفتاه، والحاصل أن لكسر كل فيضة من النعامة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
70

الإبل الفتى إذا تحرك فيها الفرخ، وهذا القول
مشهور بين أصحاب بل في المدارك وعن
المختلف وظاهر الغنية دعوى الاجماع عليه.
لرواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن في كتاب علي عليه السلام " في بيض
القطا بكارة من النعم إذا أصابة المحرم مثل ما في نيض
النعام بكارة من الإبل (1).
وصحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي
عليه السلام عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ
قد تحركت قال: عليه لكل فرخ قد تحرك بعير ينحره
في المنجر (2).
والبعير يراد به الفتى بقرينة سائر الروايات
أو المراد منه الأجزاء فإنه يشتمل على أكثر من الواجب
عليه، هذا إذا كان في البيض فرخ قد تحرك، وأما

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
71

إذا لم يكن كذلك بأن لم يكن في البيض فرخ أصلا
بأن كان فيها المائع الأصغر والأبيض أو كان فيها فرخ
إلا أنه لم يتحرك بأن لم تلج فيه الروح فحكمها أن يرسل
فحولة الإبل في عدد البيض إلى إناث الإبل حتى
يحصل، اللتماح، فما نتجت الإناث فهو هدي بالغ
الكعبة، قال في الجواهر: وفاقا للمشهور بل المدارك
الاجماع عليه انتهى.
ومدرك الحكم - بعد الاجماع - روايات معتبرة
منها صحيحة أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن محرم وطئ بيض نعام
فشدخها، فقال: قضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام أن
يرسل الفحل في مثل عدد البيض إلى الإناث، فما
لقح وسلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة، قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: ما وطئته أو وطأه بعيرك أو
دابتك وأنت محرم فعليك فدائه (1).

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
72

ومنها المرسلة التي رواها الشيخان - على ما حكي
عنهما - أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطئت ناقتي
بيض نعام وكسرته فهل على كفارة؟ فقال له:
امض فاسأل ابني الحسن عنها، وكان بحيث
يسمع كلامه فتقدمه إليه الرجل فسأله.
فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل
فحولة الإبل في إناثها بعد ما انكسر من البيض
فما نتج فهو هدي لبيت الله عز وجل.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: كيف قلت:
ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلفت أو كان
فيها أما يزلق؟
فقال: يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق أو
كان فيها ما يمرق، فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام قال له:
صدقة يا بني، ثم قلى " ذرية بعضها من بعض
73

والله سميع عليم (1).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب بيض نعام
وهو محرم قال: يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض
قلت: فإن البيض يفسد كله ويصلح كله، قال:
ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، وإن
لم ينتج فليس عليه شئ فمن لم يجد إبلا فعليهم لكل
بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين
لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام (2).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه
أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل
فإنه ربما فسد كله وربما خلق كله وربما صلح بعضه
وفسد بعضه، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة (3)
قوله: فإنه ربما فسد كله الخ حاصله أنه كما أن البيض

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 1.
74

ربما يفسد كله وربما يفسد بعضه ويصلح بعضه فكذا
اللقاح ربما ينتج كله وربما ينتج بعضه ويفسد بعضه
وربما يفسد كله فيكون مثل البيض.
ثم إن هذه الروايات الأربع التي فيها الأمر
بارسال الفحولة - مطلقة تشمل صورة تحرك الفرخ في البيض.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذه الروايات
ظاهره بحسب المتفاهم العرفي في البيض التي
لم يتحرك فيها الفرخ بعد سواء كان فيها الفرخ ولم
يتحرك بعد أو لم ينعقد الفرخ فيها، وعلى فرض
الاطلاق تقيد بتلك الروايات.
هذا كله مع القدرة على الارسال وأما مع
العجز فعن كل بيضة شاة، ومع العجز فاطعام عشرة.
75

مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، قال في الجواهر:
على المشهور بل في المدارك: ظاهر الأصحاب
الاتفاق على مضمون خبر علي بن أبي حمزة المتقدم
انتهى.
ومراده بخبر علي بن أبي حمزة ما تقدم آنفا عن أبي
الحسن عليه السلام فإنه (ع) قال في ذيله: فمن لم يجد
إبلا فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة على
عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام
ثلاثة أيام (1).
وعمل الأصحاب جابر لضعفه.
ولكن الصدوق قدس سره عكس الأمر فجعل
على من عجز عن الشاة صيام ثلاثة أيام فإن لم يقدر
أطعم عشرة مساكين.
ومستند ذلك رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: في بيضة النعامة شاة فإن لم يقدر
فصيام ثلاثة أيام، فمن لم يستطع فكفارة اطعام عشرة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
76

مساكين إذا أصابه وهو محرم (1).
ورواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام
قال: وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة
شاة بقدر عدد البيض، فإن يجد شاة فعليه
صيام ثلاثة أيام، فإن لم يقدر فاطعام عشرة مساكين
(2) الخبر.
ولكن الروايتين ضعيفتا السند ولم يعمل الأصحاب
بهما فلا جابر لهما مع أنهما على خلاف ما تعارف في
الكفارة في غير هذا الموضع من مواضع الكفارة من
تقدم الاطعام على الصيام.
(الخامس)
من المواضع التي ورد فيها المثل بحسب الروايات
بيض القطا والقبج بسكون الباء وهو الحجل، فإنه إذا
كسر بيض القطاة وكذا القبج وقد تحرك فيها الفرخ

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3
(2) الفقيه ج 2 ص 234 على ما حكي عنه.
77

ففيه الفداء من صغار الغنم.
أما بيض القطاة فقد ورد فيها روايات.
منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام: في بيض القطا
بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام
بكارة من الإبل (1).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: في
كتاب علي عليه السلام: في بيض القطاة كفارة مثل
ما في بيض النعام (2).
ومنها مرسلة ابن رباط عنه عليه السلام قال: سألته
عن بيض القطاة قال: يصنع فيه في الغنم كما يصنع
في بيض النعام في الإبل (3).
وقد عرفت مما مر حكم كفارة بيض النعام وإن
فيها بكارة من الإبل.
وأما القبج فلم ترد فيه أخبار فيمكن الحاقة بالقطاة

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2 والباب 25 الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2 والباب 25 الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2 والباب 25 الحديث 3.
78

لأجل الشباهة بل عن القواعد والجامع إلحاق الدراج
بهما إلا أن الأولى الحاق القبج بالحمام لكونه أكثر
شبها به.
وقيل: في بيض القطاة مخاض من الغنم.
لمضمر سليمان بن خالد قال: سألته عن رجل
وطئ بيض قطاة فشدخه، قال: يرسل الفحل في
عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد
البيض من الإبل، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض
من الغنم (1).
وقد أورد في الجواهر على ظاهر الرواية بأمور:
الأول إضمارها وعدم ذكر المسؤول عنه.
الثاني عدم ذكر تحرك الفرخ فيها مع أن المفروض
في الروايات المتقدمة هو صورة تحرك الفرخ فيها
الثالث ظهوره (أي الخبر) في الفرق بين الوطؤ

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
79

والإصابة المفسرة بالأكل.
الرابع أن المذكور في الخبر " بيضة " القطاة
فيحتمل أن يراد به بيض النعام كما يحتمل أن يراد من
المخاض في الخبر بنت المخاض من الإبل.
الخامس استبعاد كون الجزاء في البائض حملا
فطيما، وفي البيض مخاضا الذي هو من شأنه أن
يكون حاملا فإنه أكبر من الفطيم لأن لحمل الفطيم الشاة
الصغيرة التي قد فطمت من أمها.
هذا ملخص ما ذكره في الجواهر.
ولكن لا يخفى ما في ذلك كله.
أما الاضمار فيدفعه أن الظاهر من حال سليمان
بن خالد الذي يسأل في الأكثر عن الإمام الصادق عليه السلام
أن المسؤول عنه في هذه الرواية أيضا هو
الصادق عليه السلام، ومن المستبعد جدا أن يكون المسؤول
عنه غيره.
وأما عدم ذكر تحرك الفرخ في البيض فيمكن حمل
الرواية على تلك الصورة وإن كانت الرواية مطلقة
80

وأما ظهور الخبر في الفرق بين الوطؤ والإصابة
المفسرة بالأكل فغريب فإن الخبر قد صرح في السؤال
عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه فالإصابة المذكورة
في ذيله هي المراد منه الوطؤ فليس ظاهرة في الإصابة
بل ظاهرة في الوطؤ.
وأما أن المذكور في الخبر البيضة لا بيض
القطاة فغريب أيضا فإن السؤال عن بيض القطاة
فلا يمكن صرف الجواب إلى بيض النعام مع عدم
ذكره في السؤال أصلا.
وأما الاستبعاد بكون الجزاء في البائض حملا
قطيما وفي البيض مخاضا فيمكن رفع الاستبعاد
بأن يراد من المخاض في الرواية الصغير من الغنم
بحيث يشمل الفطيم غاية الأمر أن يصير فداء
البيض متحدا مع البائض ولا بأس به إذا ساعدنا
81

الدليل، فحينئذ الرواية - أعني مضمرة سليمان بن
خالد - ليست معارضة الروايات المتقدمة، ويحتمل
حمل المضمرة على الأفضلية كما ذكرنا ذلك في بيض
النعام من أن الأفضل فيها البعير بعد ما كان الواجب
فيها البكارة من الإبل
هذا إذا تحرك الفرخ فيه، وأما إذا لم يتحرك فيه
الفرخ فحكمه - أي حكم كسره - ارسال فحولة الغنم في
إناث منها بعدد البيض، فما نتج فهو هدي بالغ الكعبة
قال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده فيه انتهى
ومستنده صحيحته سليمان بن خالد عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة
فشدخه، فقال: يرسل الفحل في مثل عدة البيض
من الغنم، كما يرسل الفحل في عدة البيض، للنعام
من الإبل (1).
ومضمرة الآخر الذي تقدم قال: سألته عن رجل

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب كفرات الصيد الحديث 1.
82

وطئ بيض قطاة فشدخه قال: يرسل الفحل في عدد
البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من
الإبل (1) الحديث.
وهذه الروايات وإن كانت مطلقة إلا أنه لا
بد من حملها على البيض غير المتحرك فيه الفرخ جمعا
بينها وبين الروايات المتقدمة.
وقال في الشرائع: فإن عجز كان كمن كسر
بيض النعام انتهى ومراده قدس سره أنه إذا عجز
عن ارسال فحولة النعم وجب عليه في كسر كل بيضة فمن
القطاة شاة كما عن الشيخ في جملة من كتبه.
وعن الشيخ المفيد قدس سره أنه إن عجز عنه
ذبح عن كل بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن كل بيضة
عشرة مساكين، فإن عجز صام عن كل بيضة ثلاثة أيام
ولكن في المدارك أنه قال: وللتوقف في هذا

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
83

الحكم من أصله مجال لعدم وضوح مستنده انتهى
وعن العلامة قدس سره في المنتهى أنه قال: و
عندي في ذلك تردد فإن الشاة تجب مع ترك الفرخ
لا غير بل ولا تجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيناه
فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وامكان
فساده وعدم خروج الفرخ منه.
ثم قال: والأقرب أن مقصود الشيخ مساواته
لبيض النعام في وجوب الصدقة على عشرة مساكين
أو الصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الاطعام انتهى
وعن ابن إدريس أنه قال: وكيف يتوهم ايجاب
الأقوى وهو الشاة التي لا تجب مع المكنة حال العجز انتهى
إلا أنه يمكن أن يقال لرفع استبعاد وجوب الشاة مع
العجز عن الارسال - مع عدم وجوبها مع المكنة - أن
الارسال حيث إنه أصعب على الحاج من الشاة لاحتياجه
إلى صرف وقت كثير والتوقف الكثير في مكة المكرمة
أو منى إلى أن يتحقق النتاج بخلاف ذبح الشاة فلذا
قال الشيخان بوجوب الشاة دفعا للتكليف الشاق
84

مع العجز، وانتقاله إلى التكليف الأسهل، وهذا للوجه
لم يذكره الأستاذ في أثناء البحث على ما بالبال.
ويمكن أن يكون مستندهما وكذا مستند صاحب
الشرائع وغيره - مع ذلك - هو رواية سليمان بن خالد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام
في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام (1).
ومرسلة ابن رباط المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن بيض القطاة، قال: يصنع فيه
في الغنم كما يصنع في بيض النعام (2).
فإن اطلاقهما شامل لجميع الأحكام الموجودة
في بيض النعام من وجوب البكارة من الإبل، ومع
العجز فالاطعام ومع العجز فالصيام.
ولكن قال صاحب الشرائع في النكت - على ما
حكي عنه - وهذا فيه احتمال انتهى ومراده قده - على الظاهر

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 2.
85

أن رواية سليمان بن خالد يحتمل أن يكون المراد فيها
من قوله عليه السلام: في بيض القطاة كفارة الخ ليس
إلا وجوب الشاة فقط ولا يستفاد منها التفاصيل
الموجودة في بيض النعام، ولا تكون الرواية صريحة
بل ولا ظاهرة في ذلك.
نعم يحتمل أن يراد منها ذلك وبصرف الاحتمال
لا يمكن الاستدلال، وكذا مرسلة ابن رباط فحينئذ
المسألة لا تخلو من اشكال، وإن الأحوط ما ذكره
الشيخان وصاحب الشرائع وغيرهم رضوان الله عليهم.
(الباب الثاني:)
وهو القسم الثاني مما فيه الكفارة ما لم يكن
في كفارته بدل بالخصوص وهو خمسة أقسام.
الأول الحمام وهو - كما في الشرائع - اسم لكل
طائر يهدر ويعب الماء انتهى والمراد بقوله " يهبدر "
أنه يرجع صوته ويواصله كرارا وقوله " يعب الماء أنه
يصنع منقاره فيه ويشرب وهو واضع له فيه لا بأن يأخذ
86

الماء بمنقاره قطرة قطرة ويبلعها بعد اخراجه كالدجاج
والعصافير، كذا فسرهما في الجواهر تقلا عن النافع
والتحرير والتذكرة والمنتهى.
وكيف كان ففي قتل الحمام شاة على المحرم في
الحل على ما هو المشهور بين الأصحاب بل عن التذكرة
والخلاف والمنتهى الاجماع عليه.
ومستنده بعد ذلك الروايات المعتبرة:
منها حسنة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المحرم
إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخه ففيه
حمل، وإن وطأ البيض فعليه درهم (1).
وسيجئ إن شاء الله حكم قتل فراخ الحمام وكسر بيضه.
ومنها موثقة الكناني عنه عليه السلام قال: في الحمام و
أشباهها إن قتله المحرم شاة (2) الحديث.
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
87

محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم قال: فقال
عليه شاة (إلى أن قال:) قلت: فمن قتل فرخا من حمام الحرم
وهو محرم قال: عليه حمل (1).
قوله: خارجا من الحرم " أي قتله خارجا من الحرم و
أما إذا قتله في الحرم فسيجئ أنه يتضاعف عليه الجزء.
ومنها الرواية عبد الله عليه السلام بن سنان عنه عليه السلام قال:
سمعته يقول: في حمام مكة الطير الأهلي من غير حمام
الحرم من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق
بصدقة أفضل من ثمنه، فإن كان محرما فشاة عن كل طير (2)
قوله: الطير الأهلي من غير حمام الحرم، الظاهر أنه
أنه عطف بيان لقوله: حمام مكة، أي الطير الأهلي
من غير حمام الحرم يكون حكمه كذا فيستفاد من الرواية
أن حمام مكة الذي لا يكون طيرا أهليا لا يكون حكمه
ذلك وسيجيئ بيانه.
ومثل هذه الرواية روايته الأخرى عنه عليه السلام
قال: سمعته يقول: في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9 - 10.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9 - 10.
88

من ذبح منه طيرا وهو غير محرم فعليه أن يتصدق - إن
كان محرما - بشاة عن كل طير (1).
والظاهر أن الرواية مشتملة على حكمين متغايرين
أحدهما حكم من ذبح طير الحرم وهو غير محرم فإن
عليه أن يتصدق بدرهم أو بقيمته - كما دل عليه سائر الأخبار
وثانيهما ما إذا ذبحه وهو محرم فإن عليه شاة، فقوله:
إن كان محرما - بشاة " منفصل عما تقدم فهي جملة استينافية
ويحتمل سقوط الواو الاستينافية منه.
ومنها الرواية الثالثة عنه عليه السلام قال: في محرم ذبح
طيرا أن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو
حمل صغير من الضان (2).
ومنها رواية سليمان بن خالد وإبراهيم بن عمر
قالا: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أغلق بابه على
طائر فقال: إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10 - 6.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10 - 6.
89

شاة، وإن عليه لكل طائر شاة، ولكل فرخ حملا، و
إن لم يكن تحرك فدرهم، وللبيض نصف درهم (1).
وغير ذلك من الروايات.
ولكن عن الفيد في المقنعة أن على المحرم في
الحمامة درهما إلا إنه ذكر أنه إذا صاد في الحل كان عليه
الفداء وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء والقيمة
مضاعفة، فيحتمل أن لا يكون مخالفا للمشهور، وعلى فرض
المخالفة فالروايات المتقدمة حجة عليه.
هذا كله - أي وجوب الشاة عليه - فيما إذا كان محرما
في قتل حمام الحرم، وأما إذا كان محلا فقتل حمام الحرم
فإنه يجب عليه أن يتصدق بدرهم أو يشتري به طعاما
ويطعمه حمام الحرم وهو المشهور بين الأصحاب تقلا و
تحصيلا كما في الجواهر وتدل عليه روايات مستفيضة
فمنها صحيحة صفوان بن يحيى عن مولانا الرضا
عليه السلام: قال: من أصاب طيرا في الحرم وهو محل
فعليه القيمة، والقيمة درهم يشتري علفا لحمام الحرم (2).

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
90

ومنها الصحيحة منصور بن حازم قال: حدثني صاحب
لنا ثقة، قال: كنت أمشي في بعض طرق مكة فيلقيني
إنسان فقال لي: اذبح لي هذين الطيرين، فذبحتهما
ناسيا وأنا حلال، ثم سألت أبا عبد الله عليه السالم قال:
عليك الثمن (1).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام
في حمام مكة من ذبح منه طيرا وهو غير محرم فعليه أن
يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه (2).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام في رجل أغلق
باب بيته على طير من حمام الحرم فمات، قال: يتصدق
بدرهم أو يطعم به حمام الحرم (3).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
سألته عن رجل أهدى له حمام أهلي جيئ وهو في

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10. والباب 9 من أبواب كفرات الصيد الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10. والباب 9 من أبواب كفرات الصيد الحديث 5.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1..
91

الحرم، فقال إن أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا مما كان
يسوى في القيمة (1) وعن الفقيه " فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه "
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال: لا يمس، إن
الله تعالى يقول " ومن دخله كان آمنا " (2).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أهدى له حمام أهلي وجيئ به وهو
في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق
مكانه بنحو من ثمنه (3).
ومقتضى الروايتين الأخيرتين - أعني صحيحة
معاوية بن عمار الأولى وصحيحة محمد بن مسلم - أن
المناط في الكفارة القيمة الواقعية في الحمام، فتعيين
الدرهم في بعض الروايات المتقدمة كصحيحة صفوان
بن يحيى لعله لأجل كون قيمته في ذلك الزمان
كان ذلك لا لأن الدرهم قيمته الشرعية في جميع
الأزمان وإن بلغ قيمته ما بلغ فلذا قال في محكى

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث ح 5 - 11 - 3.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث ح 5 - 11 - 3.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث ح 5 - 11 - 3.
92

التذكرة: لو كانت القيمة أزيد من درهم أو نقص فالأقرب
الغرم عملا بالنصوص انتهى.
وفي المدارك أن المتجه اعتبار القيمة مطلقا انتهى
ولكن يمكن أن يقال: إن ظاهر النصوص المتقدمة
وإن كان هو اعتبار القيمة حيث عبر في بعضها بالقيمة
وفي بعضها بثمنه أي ثمن الحمام إلا أنه مخالف لكلام الأصحاب
المعبرين بكون القيمة هو الدرهم من غير التفات إلى أن
قيمته السوقية ربما تزيد عن الدرهم أو تنقص مضافا
إلى أن من البعيد تعيين قيمة وقت السؤال مع أن
المسألة محل الابتلاء في جميع الأزمان، فالأقوى ما عليه
الأصحاب من وجوب الدرهم عليه إلا أن الأحوط
وجوب الأزيد من الدرهم إن زاد قيمته عليه، هذا كله
في نفس الحمام.
وأما إذا قتل فرخ الحمام فعلى الحرم في الحل
حمل بالتحريك وهو الشاة التي فطمت من أمها ورعت
93

الشجر، ومستند الحكم - بعد دعوى موافقة المشهور
عليه - روايات معتبرة:
منها حسنة حريز أو صحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخه
ففيه حمل، وإن وطئ البيض فعليه درهم (1).
ومنها رواية أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام قال: في الحمام
وأشباهه إن قتله المحرم شاة، وإن كان فراخا فعدلها
حملان (2).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل قتل فرخا وهو محرم وهو في غير
الحرم فقال: عليه حمل وليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم (3).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام
قال: في محرم ذبح طيرا أن عليه دم شاة يهريقه
فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضان (4)
إلا أن في هذه الرواية إضافة الحدى إلى الحمل
ولكن يمكن القول بأجزاء كل واحد في قتل فرخ

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3 - 4 - 5.
94

الحمام، واختاره في المدارك، إلا أن صاحب الجواهر
قال: لم أجد فيه موافقا انتهى.
فحينئذ - وإن كانت الرواية أعني صحيحة عبد
الله بن سنان صحيحة السند - إلا أنه حيث إن
الأصحاب لم يعلموا بها فلا يمكن الاعتماد عليها فيما
تفردت به من جواز الاكتفاء بالجدي والله العالم.
والمراد بالجدي ولد المعز
هذا كله إذا قتله في الحل وهو محرم.
وأما إذا قتله في الحرم وهو محل فعليه نصف درهم
قال في الجواهر: وفاقا للمشهور وانتهى
ومستند الحكم النصوص المعتبرة.
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا
بمكة محل، فقال لي: لم ذبحتهما؟ قلت: جائتني بهما جارية
من أهل مكة، فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة
95

ولم أذكر الحرم، فقال: عليك قيمتهما، قلت: كم
قيمتهما؟ قال: درهم وهو خير منهما (1).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: في
قيمة الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف درهم وفي
البيض ربع درهم (2).
ومنها صحيحة حفص عنه عليه السلام قال: في
الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف درهم وفي البيض
ربع درهم (3).
وقد حملت هاتان الروايتان مع كونهما
مطلقتين - على صورة كونه محلا جمعا بين الروايات
هذا كله إذا كان في الحل وقتل الفرخ وهو
محرم أو كان محلا وقتله وهو في الحرم.
وأما إذا كان محرما وقتله في الحرم فيجتمع
عليه الأمران أعني حملا ونصف الدرهم قال في
الجواهر: وفاقا للمشهور، بل عن شرح الجمل للقاضي

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 7 - 1 - 5.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 7 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 7 - 1 - 5.
96

الاجماع عليه لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب
فإنه قد هتك حرمة الحرم والاحرام فيجتمع عليه في
قتل الحمامة في الحرم شاة ودرهم أو قيمتها، وفي الفرخ
حمل ونصف درهم انتهى.
ويمكن أن يستدل له - مع ذلك - ببعض الروايات
الدالة على وجوب الشاة والدرهم على من قتل الحمامة
في الحرم وهو محرم.
كحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: إن
قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم
أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام الحرم (1).
ورواية محمد بن الفضيل عنه عليه السلام قال: وإن
قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة (2).
ويدل على هذا الحكم صريحا خبر أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام في رجل قتل طيرا من طيور الحرم

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3. - 1.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3. - 1.
97

وهو محرم في الحرم، فقال: عليه شاة وقيمة الحمامة
درهم يعلف به حمام الحرم، وإن كان فرخا فعليه
حمل، وقيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام
الحرم (1).
ونحوه موثقه الآخر عنه عليه السلام قال:
سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا
من الحرم، قال: عليه شاة، قلت: فإن قتلها
في جوف الحرم، قال عليه شاة وقيمة الحمامة
قلت: فإن قتلها في الحرم وهو حلال قال: عليه
ثمنها ليس عليه غيره، قلت: فمن قتل فرخا من
فراخ الحرم وهو محرم قال: فعليه حمل (2)
ولكن لم يذكر في هذه الرواية القيمة فيحتمل
أن يكون قتله في خارج الحرم
وكيف كان ففي رواية أبي بصير المقدمة
كفاية في اثبات كلا الأمرين عليه إذا قتله في

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 5.
98

الحرم وهو محرم بعد اعتضادها بعمل الأصحاب، و
الروايات الواردة في خصوص الحمام الدالة على تعدد المسبب بتعدد السبب و
هذا بالنسبة إلى فرخ
وأما البيض فإن تحرك فيه الفرخ وكسره يجب
فيه ما يجب في الفرخ لاندراجه في الفرخ
وأما قبل التحرك ففيه درهم على المحرم
لصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخه
ففيه حمل، وإن وطئ البيض فعليه درهم (1).
وأما إذا كان محلا فعليه ربع درهم
لصحيحة المتقدمة فإنه قال في آخرها:
وفي البيض ربع درهم (2) - المحمولة - بقرينة صحيحة
جرير المتقدمة - على صورة كونه محلا.
ولو كسر البيض وهو محرم في الحرم فعليه درهم

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
99

وربع، أما الدرهم فلكونه محرما، وأما الربع فلكونه في الحرم
ويدل على وجوب كلا الأمرين الصحيحتان المتقدمتان
أي صحيحة حفص وصحيحة حريز.
(الثاني:)
مما ليس لكفارته بدل القطاة والحجل والدراج
ففيها حمل قد فطم ورعى الشجر قال في الجواهر: بلا
خلاف أجده فيه انتهى.
والمستند في القطاة هو صحيحة سليمان بن
خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وجدنا في
كتاب علي عليه السلام في القطاة إذا أصابها المحرم
حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر (1).
ورواية المفضل بن صالح عنه عليه السلام قال:
إذا قتل المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى
من الشجر (2).
وأما الحجل والدراج فالمستند فيهما رواية سليمان

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
100

خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أصاب قطاة
أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم (1).
بناء على حمل قد فطم بقرينة
الروايتين المتقدمتين في القطاة مضافا إلى عدم
القول بالفصل بين القطاة والحجل والدراج كما ادعاه
في الجواهر.
(الثالث:)
مما ليس لكفارته بدل القنفذ والضب واليربوع
فإنه فيها الجدي وهو ولد المعز على المشهور بين الأصحاب
بل لا أجد فيها خلافا بين المتأخرين خلافا للحلبين،
فأوجبوا فيها حملا قد فطم ورعى الشجر عن ابن زهرة
الاجماع عليه، وإن كان فيه أنه لم نجد موافقا له على
ذلك لا سابقا دلالا حقا عدا من عرفت بل صريح
كلام من عثرنا عليه ممن تقدمه خلافه، قاله في الجواهر

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
101

ويدل على الحكم المزبور - بعد دعوى الشهرة -
- صحيحة مسمع أو حسنة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابة
المحرم فعليه جدي، والجدي خير منه، وإنما جعل
عليه هذا لكي ينكل عن قتل غيره من الصيد (1).
(الرابع:)
في كل واحد من العصفور والقبرة - بضم
القاف وتشديد الباء - والصعوة التي قيل:
إنها عصفور صغير لها ذنب طويل - مد من
الطعام وفاقا للمشهور على ما في الجواهر.
لمرسلة صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المحرم فعليه مد
من طعام (2).
وخالف في ذلك الصدوقان، فأوجبا لكل
طائر عد النعامة شاة، ومستندهما صحيحة عبد الله

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
102

بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في محرم ذبح
طيرا أن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي
أو حمل صغير من الضان (1).
فإنها باطلاقها تشمل ما نحن فيه.
ولكن يمكن تقييد هذه الصحيحة بتلك المرسلة
المنجبر ضعفها وارسالها بعمل الأصحاب، فحينئذ
الأقوى ما عليه المشهور، وخالف في ذلك أيضا
الإسكافي على ما حكي عنه فأوجب في العصفور و
القمري وما يجري مجراهما القيمة.
ومستنده رواية سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عما في القمري والدبسى والسماني
والعصفور والبلبل، قال: قيمة، فإن أصابه وهو
محرم فقيمتان ليس عليه فيه دم شاة (2).

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
103

فلذا قال الإسكافي بالقيمة إن قتلها في الحل وبقيمتين
إن قتلها في الحرم إلا أن الرواية ضعيفة السند، و
لا جابر لها بالعمل فالقول الأول هو المتعين.
(الخامس:)
مما ليس لكفارته بدل الجرادة فإن فيها تمرة
كما عن الفقيه والمقنع والنهاية والخلاف والمهذب
البارع ورسالة علي بن بابويه والجامع لابن سعيد
لكن عبروا في الجرادة تمرة إلا أن مرادهم أن في
قتلها تمرة، وكيف كان فمستندهم روايات.
فمنها صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في
محرم قتل جرادة، قال: يطعم تمرة، وتمرة خير من جرادة (1)
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله، قال: قلت:
ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال: تمرة
خير من جرادة (2).

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 2 - 1.
104

ومنها مرسلة حريز عنه عليه السلام في محرم قتل جرادة
قال: يطعم تمرة، والتمرة خير من جرادة (1).
ومقصوده عليه السلام في صحيحة معاوية من قوله: تمرة
خير من جرادة كذلك أي فداء صيد الجراد تمرة
وتمرة خير من جرادة ".
ولكن قال في الشرائع: والأظهر كف من طعام "
وهو مختاره في النافع، واختاره في القواعد والمقنعة
والغنية والمراسم وجمل العلم والعمل على ما حكي عنهم.
ومستندهم ما قيل من صحيح محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل جرادة
قال: كف من طعام، وإن كان كثيرا فعليه شاة (2).
فلذا قيل بالتخيير بينهما كما عن المبسوط والتهذيب
والتحرير وهو حسن لا بأس به لو كانت الرواية صحيحة
إلا أنها ضعيفة السند كما في الجواهر وعن كشف اللثام

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 7 - 6.
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 7 - 6.
105

الاعتراف به، نعم في خبره الآخر الصحيح عنه
عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا، قال
كف من طعام، وإن كان أكثر فعليه شاة (1).
وفي بعض النسخ قتل جرادا، فحينئذ الكف
من طعام يكون فداءا للجراد الكثير ولا أقل من أن
يكون أكثر من واحدة يناءا على نسخة (جرادا) بدون
كلمة " كثيرا ".
ولكن روايته الأولى صحيحة السند أيضا كما
اعترف بها غير واحد ولاحظته أنا، ولم أدر ما
وجه ضعف سندها إلا أن يقال: إنها وإن
كانت صحيحة إلا أنها معارضة بروايته الثانية الدالة
على كون الكف من الطعام فداءا للجراد الدال
على الكثرة لأنه اسم الجنس خصوصا على بعض النسخ
من إضافة كلمة " كثير " إليه، وعلى أي حال فالقول
الأول أظهر.
هذا كله في الجرادة، وأما إذا قتل جرادا كثيرا

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
106

فعليه دم شاة كما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم الأولى
والثانية وقد تقدمتا:
ويدل عليه أيضا رواية عروة الحناط عن أبي عبد
الله عليه السلام في رجل أصاب جرادة فأكلها، قال:
عليه دم (1).
إلا أن هذه الرواية إنما هي في أكل الجواد لا قتله
مضافا إلى أن الرواية بلفظ جرادة الدالة على الوحدة
دون الكثرة، فلا يمكن الالتزام بمضمونها لأنها مع ضعفها
معارضة للروايات المتقدمة، مع أنه لا يظهر الفرق
بين الأكل والقتل في الروايات السابقة، فيحتمل أن
يكون المراد بالجرادة الجنس.
ولكن عن ابن إدريس في السرائر عن علي بن بابويه
أن على كل من أكل جرادة شاة، نعم عن المختلف " و
الذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته " إن
قتلت جرادة تصدقت بتمرة، و تمرة خير من جرادة

(1) الوسائل الباب 37 أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
107

فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة، وإن أكلت
منه فعليك دم شاة. "
وهذا ليس صريحا في الواحد، فيحتمل أن
يريد الجراد الكثير، وعلى فرض دلالة كلامه على أن
حكم أكل الجراد ذلك فليس له مستند سوى رواية
عروة الحناط المتقدمة التي قد عرفت ضعفها.
هذا إذا أمكنه التحرز عن قتله، وأما إذا لم يتمكن
من ذلك بأن كان كثيرا وكان في طريقه على وجه
يتعذر أو يتعسر الاحتراز عن قتله فلا إثم عليه ولا
كفارة.
كصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
على المحرم أن ينكب الجراد، فإن لم يجد بدا فقتل
فلا بأس (1).
وصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: الجراد يكون في ظهر الطريق والقوم
محرمون فكيف يصنعون؟ قال: يتنكبونه ما

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
108

استطاعوا، قلت: فإن قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال
لا شئ عليهم (1).
فقوله (ع): لا شئ عليهم ظاهر بل كاد أن يكون
صريحا في عدم الكفارة، فحمله على نفي الإثم مع ثبوت
الكفارة عليهم خلاف الظاهر.
(فروع:)
الأول أنه كلما تقدير لفديته في الأخبار
أي لم تبين الأخبار مقدار فديته ففدائه اعطاء
قيمته للفقراء، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه
كما اعترف به غير واحد انتهى
ومستند الحكم - بعد دعوى اللاخلاف - هو صحيحة
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في
الظبي شاة وفي البقرة، بقرة وفي الحمار بدنة، وفي
النعامة بدنة، وفيما سوى ذلك قيمته (2).

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
109

وذلك مثل البيوض التي لا تقدير لفدائها
فإنه يجب فيها القيمة.
نعم البيوض التي لها تقدير في الأخبار كبيض
النعام وبيض القطاة والحمام فتقدير
فدائهما ما بينته الأخبار، وقد تقدمت
(الفرع الثاني:)
إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور اليدين والأعور
والأعرج فهل يكفي فدائه بالمعيب أو لا بد من
فدائه بالصحيح؟ قال في الشرائع: ولو فداه بمثله
جاز " وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده إلا
من أبي علي لظاهر الآية، نعم ينبغي مراعاة المماثلة
في العيبية، فيفدي الأعور باليمنى بمثله، والأعرج
بها كذلك، لكن في القواعد " ويجزي أعور اليمنى
عن أعور اليسار " ولعله لاتحاد نوع العيب، وكون
الاختلاف يسيرا لا يخرجه عن المماثلة، ولا بأس به
وكذا يجري المريض عن مثله إذا كان مريضا بعين
110

مرضه لا بغيرة لمثل ما عرفت، أما مع اختلاف نوع
العيب كالعور والعرج فلا يجري أحدهما عن الآخر
كما صرح به غير واحد لعدم صدق المماثلة انتهى
ولكن لا يخفى عليك أن هذا الذي ذكره إنما
يتم لو أريد بالمماثلة في قوله تعالى " فجزاء مثل ما قتل
من النعم " المماثلة في الشخص أي في شخص الصيد
فيكون المراد المماثلة في الصحة والمرض والنقص و
التمام.
وأما إذا كان كان المراد المماثلة في جنسه - كما هو
الظاهر فلا يتم ما ذكره قدس سره لأن المراد حينئذ
أن يكون الفداء مماثلا للصيد في الجنس من غير
التفات إلى أوصاف الصيد فلذا يجري الفداء
عن الأنثى بالذكر وبالعكس كما صرح به في الشرائع
وكذا يجري الأسود عن الأبيض مثلا فعندئذ
ينصرف الفداء المأمور به إلى المماثل في جنس
111

الصيد إلا أنه ينصرف إلى الفرد الصحيح منه دون
المعيب كما في سائر الكفارات فحينئذ الأقوى
هو عدم كفاية المعيب إلا إذا أقام الاجماع على خلافه.
(الفرع الثالث:)
قال في شرائع الاعتبار بتقويم الجزاء وقت
الاخراج انتهى.
ومراده قدس سره أن وقت اخراج الجزاء و
الفداء يلاحظ قيمته في ذلك الوقت لا وقت اصطياد
الصيد، وعلة اعتبار القيمة وقت الاخراج أن الواجب
كان عليه بالأصالة هو نفس الجزاء، ومع فقدانه
ينتقل إلى قيمته والمفروض أن وقت إخراج القيمة
وقت تعذر الجزاء، وانتقل فرضه إلى قيمته فيجب
قيمته في هذا الوقت لأنه قبل هذا لم يكن في ذمته
إلا نفس الجزاء والآن أي حين الاخراج انتقل
إلى قيمته، فيجيب عليه قيمته وقت الاخراج.
هذا إذا كان لفديته تقرير في الأخبار، وأما
112

ما لا تقدير لفدائه فيجب عليه قيمته وقت الاتلاف
لأنه بنفس الاتلاف انتقل إلى ذمته قيمته فيجب
عليه تلك القيمة المنتقلة إلى ذمته بمجرد الاتلاف.
(الفرع الرابع:)
أنه إذا قتل ما خضا - أي حاملا - مما له مثل
يخرج ما خضا في فداه، قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضلين
والشهيدين وغيرهم لشمول معنى المماثلة في
ذلك انتهى.
وقال في المدارك: ويحتمل قويا اجزاء الفداء
بغير الماخض، فإن هذه الزيادة لا تأثير لها في
زيادة اللحم، بل ربما اقتضت نقصه فلا يعتبر وجودها
كاللون انتهى.
ويمكن أن يقال: إن المماثلة التي دلت الآية
الكريمة على اعتبارها - إن كان المراد منها المماثلة في
113

شخص الصيد فلا يبعد اعتبارها هنا لأن الحائل
- أي غير الحامل - لا تكون مماثلة الحامل.
وأما إذا قلنا: إن المراد بالمماثلة - في الآية - المماثلة
في الجنس دون الشخص - أي لا يعتبر جميع الخصوصيات
الموجودة في الصيد لحاظها في الفداء كالذكورة و
الأنوثة واللون وغير ذلك، فلا يعتبر أن يكون الفداء
ماخضا خصوصا إذا كان ماخضيته سببا لنقصان
لحمه فإنه يمكن أن يقال بعدم الجواز أو مرجوحيته لتضرر
الفقراء بذلك.
إلا أنه يمكن أن يقال بالجواز بل عدم المرجوحية إذا
كان مماثلا الصيد، والظاهر أنه كذلك لصدق للماثلة
بذلك لأن الظاهر أن المراد بها المماثلة الجنسية
والحاصل أن المختار كفاية كل واحد من الماخض
وغيره لصدق المماثلة في كل واحد منهما كما تقدم ما
لم ينعقد الاجماع على خلافه.
هذا كله بالنسبة إلى نفس الفداء ومع تعذره
يقوم الجزاء ماخضا كما في الشرائع لما تقدم من وجوب
114

المماثلة بين الصيد والفداء نعم عن التحرير والتذكرة
" أنه لو أخرج عن الحامل حائلا ففي الاجزاء نظر لانتقاء
المماثلة، ومن أن الحمل لا يزيد في اللحم بل ينقص فيه
غالبا، فلا يشترط كاللون والغيب انتهى.
ولكن يمكن أن يقال: إن المماثلة في نفس الفداء
ربما يستلزم نقصان اللحم في نفس الفداء كما عرفت
فلا يلزم مراعاتها حذرا من توجه الضرر على الفقراء
إلا في صورة انعقاد الاجماع على اعتبارها.
إلا أن هذا المحذور لم يكن موجودا في تقويم
الفداء بل يكون بمصلحة الفقراء فإن الماخض في
مقام التقويم يكون أكثر قيمة من الحائل، فلا يبعد القول
باعتبار تقويم الماخض عند تعذره، هذا ما ذكره الأستاذ رحمه الله.
ويرد عليه أنه إذا قلنا: إن المراد بالمماثلة المماثلة
الجنسية فلا فرق في الفداء بين نفسه وقيمة فكا أنه
115

لا يعتبر في نفس الفداء أن يكون ماخضا فكذا في قيمته
والقيمة هي قيمة نفس الفداء الذي قلنا بعدم وجوب
كونه ماخضا، وترجيح مصلحة الفقراء لا يكون من الأمور
الواجبة حتى يكون مراعاته واجبا بعد ما عرفت من
عدم وجوب كون الفداء ماخضا.
(الفرع الخامس:)
أنه قال في الشرائع: إذا أصاب صيدا حاملا
فألقت جنينا حيا ثم ماتا فدى الأم بمثلها، والصغير
بالصغير انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل
في المدارك ففيه بين العلماء بل ولا اشكال انتهى
أما فداء الأم بمثلها فلتحقق المماثلة التي دلت الآية
عليها، وأما فداء الصغير بالصغير فكذلك أيضا
إلا أنه لا يلزم فداء خصوص الصغير فيمكن فداء الصغير
بالكبير بل هو أفضل، هذا إذا رمى الحامل ومات
الحامل والحمل بذلك، وأما إذا عاشا فلا فدية عليه
116

إذا لم يحب المضروب إلا أنه يأثم بذلك، ولو
عاب المضروب ضمن أرشه وهو التفاوت بين
قيمته معيبا، ولو مات أحدهما دون
الآخر فداه بخصوصه دون الذي لم يمت.
ولو ألقت جنينا ميتا أي علم أنه كان ميتا قبل
الضرب ولكن الأم لم تمت بذلك الضرب لزمه
الأرش وهو التفاوت ما بين كونها حاملا و
مجهضا أي مسقطة لحملها، ذكر هذه الفروع في الشرائع
إلا أنه لم يكن له مستند من النصوص.
نعم هي مستنبطة من الفروع الفقهية
(الباب الثالث:)
في أسباب الضمان أي ضمان الصيد وهي
ثلاثة: الأول مباشرة الاتلاف بأن أتلف الصيد
مباشرة لا تسبيبا وهو موجب للفداء وقد ذكرنا
فداء كل قسم من أقسام الصيد في ما تقدم.
117

وهل يجب في أكل الفداء فداء آخر أيضا كما في
صيده أو يكفيه فداء الاصطياد أو يجب عليه - مضافا
إلى فداء صيده - قيمته أي قيمة الصيد؟ فيه أقوال
أما القول الأول فهو محكى عن الشيخ والحلي والفاضل و
الشهيدين بل نسب إلى الأكثر بل إلى المشهور.
والقول الثاني محكى عن صاحب المدارك و
أستاذه المقدس الأردبيلي.
والقول الثالث محكى عن الشيخ في الخلاف والعلامة
في القواعد والارشاد.
أما القول الأول فمستنده روايات كثيرة.
منها ما يدل على أن على من أكل من الصيد
شاة.
كصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن الرجل محل اشترى لرجل محرم بيض
نعامة، فأكله المحرم، قال: على الذي اشتراه للمحرم
فداء وعلى المحرم فداء قلت: وما عليها؟ قال:
على المحل جزاء قيمة البيض لكل بيض درهم، وعلى
118

المحرم لكل بيضة شاة (1).
ومنها صحيحة زرارة عنه عليه السلام قال: من أكل
طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم متعمدا فعليه دم
شاة (2).
ومنها مرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما
هو؟ وهو محرم، قال: عليه دم شاة (3).
ومنها رواية يوسف الطاطري قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: صيد أكله قوم محرمون
قال: عليهم شاة، وليس على الذابح إلا شاة (4).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته
عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه فقالت
رفيقة لهم: اجعلوا إلى فيه بدرهم، فجعلوا لها

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد ح 5 والباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 والباب 54 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد ح 5 والباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 والباب 54 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد ح 5 والباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 والباب 54 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
119

فقال: على كل انسان منهم شاة (1).
ومنها ما يدل على أن على كل من أكل من لحم
الصيد فداء الصيد.
وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم
حرم ما عليهم؟ قال: على كل من أكل منهم فداء صيد
كل انسان منهم على حدته فداء صيد كاملا (2).
ومرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة عند العلماء
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المحرم يصيد
الصيد، فيفديه، أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون
عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه (3)
ومنها ما يدل على أن من أكل من الصيد
فعليه دم.
كرواية حارث بن مغيرة عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم،

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 2.
(3) الوسائل الباب 55 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
120

وهو محرم، قال: عليه لكل بيضة دم، وعليه ثمنها:
سدس أو ربع الدرهم " والوهم من صالح " ثم قال:
إن الدماء لزمته لأكله وهو محرم، وإن الجزاء لزمه
لأخذ بيض حمام الحرم (1).
ومنها ما يدل على أن من أكل من لحم الصيد
فعليه قيمته.
كمرسلة المفيد - على ما حكي عنه - قال: سئل
(أي أبو عبد الله) عليه السلام عن رجل أهدى له ظبي
مذبوح فأكله، فقال: يجب عليه ثمنه (2).
ومرسلة معاوية عنه عليه السلام قال: وأي قوم
اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل انسان
منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك (3)
وحسنة منصور بن حازم أو صحيحته عنه عليه السلام

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 4 - 8
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 4 - 8
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
121

أنه قال له: أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا
فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قال: فأي شئ
تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه (1).
وهذه الروايات الثلاث مما استدل بها من
قال بأن في أكل الصيد قيمته كصاحب الشرائع
وسيجيئ الجواب عن هذه الروايات إن شاء الله.
وأما القول الثاني - أي القول بأنه ليس
عليه شئ إذا أكله وإنما عليه الفداء في صيده فقط
- فيدل عليه - صحيحة أبان بن تغلب قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قوم حجاج محرمين أصابوا
أفراخ نعام فذبحوها وأكلوها، فقال: عليهم مكان
كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة يشتركون فيهن فيشترون
على عدد الفراخ وعدد الرجال، قلت: فإن منهم
من لا يقدر على شئ، قال: يقوم بحساب ما يصيبه
من البدن، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما (2)

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
122

وظاهر هذه الرواية الاكتفاء بجزاء واحد للصيد
وهو الأكل، إلا أنه قال في الجواهر: ولم نعرف به
قائلا كما اعترف به غير واحد، بل عن ظاهر المنتهى
الاجماع على خلافه انتهى.
ويحتمل أن يكون الفداء الذي عنيته في هذه
الرواية هو فداء الأكل لا فداء الاصطياد خصوصا
مع روايتها بمتن آخر كما في الجواهر وهو " في قوم
حاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا، قال:
عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها على
عدد الفراخ وعلى عدد الرجال (1).
وهذه الرواية قد أوردها في الوسائل في الباب
2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9 بسند صحيح
عن أبي عبد الله عليه السلام.
وظاهرها بل كادت تكون صريحة في كون
الفداء لأجل الأكل، فعلى هذا لم يتعرض عليه السلام
123

لفداء نفس الاصطياد، ويحتمل أن يكون عدم
تعرضه (ع) لذلك اتكالا على ظهوره لكون وجوبه
مستفادا من صريح الآية.
وكيف كان فلو فرض ظهور الرواية في وحدة
الفداء للصيد والأكل فيدفعه ظهور الروايات
الكثيرة الدالة على وجوب الفداء للأكل أيضا.
بل مرسلة ابن أبي عمير التي هي بحكم الصحيحة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المحرم يصيد
الصيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون
عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه.
- صريحة في وجوب الفداء للاطعام أو الطرح، بل
روايات الباب الثالث والأربعين من أبواب
كفارات الصيد من الوسائل - دالة على وجوب الفداء
للأكل الاضطراري أيضا ونحن نذكر بعضها.
فمنها حسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب كفارات الصيد ح 2.
124

قال: سألته عن المحرم يضطر، فيجد الميتة والصيد
أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد (ما يجب أن
يأكل خ) أليس هو بالخيار أن يأكل من ماله؟ قلت:
بلى، قال: إنما عليه الفداء فليأكل وليفده (1).
ومنها صحيحة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة وهو يجد
الصيد، قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله قد
أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد، قال:
تأكل من مالك أحب إليك أو من ميتة؟ قلت:
من مالي، قال: هو مالك لأن عليك فداه قلت:
فإن لم يكن عندي مال، قال: تقضيه إذا رجعت
إلى مالك (2).
ومنها صحيحة ابن بكير وزرارة عنه عليه السلام في رجل
اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم قال: يأكل الصيد

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
125

ويفدي (1).
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة
وقلت: إن الله عز وجل حرم الصيد وأحل الميتة، قال:
يأكل ويفديه فإنما يأكل ماله (2)، إلى غير ذلك من الأخبار
ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أنه بسبب الفداء
يصير الصيد ماله يفعل به ما يشاء كالتسميد به وغيره
فحينئذ إذا كان أكله حال الاضطرار موجبا للفداء
ففي حال الاختيار بطريق أولى.
فعلى هذا يمكن حمل الروايات الدالة على وجوب
القيمة على من أكل من الصيد - على أن المراد بها
الفداء خصوصا موثقة معاوية بن عمار المتقدمة قال:
وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على
كل انسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم
مثل ذلك (3)، فإن قوله في آخر الرواية: فإن

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد ح 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد ح 3 - 5.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
126

اجتمعوا على صيد فعليهم مثل ذلك " ظاهر في
أن في نفس الصيد أيضا القيمة مع معلومية بطلانه
فإن الصيد يجب فيه الفداء بنص الآية، فيعلم
منه أن المراد بذيل الرواية هو الفداء لا القيمة
فيستفاد من ذيل الرواية - بعد حمله على الفداء -
أن المراد بالقيمة في صدرها أيضا الفداء، وحمل لفظ
" مثل ذلك " على مثل الصيد بأن يكون ذلك إشارة
إلى الصيد، فيكون معناه الفداء - خلاف ظاهر الرواية
وأما حسنة منصور بن حازم أو صحيحته عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال له: أهدي لنا طائر مذبوح
بمكة فأكله أهلنا، فقلنا: لا يرى به أهل مكة بأسا
قال: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه (1) - فلم
تكن صريحة في كون الأكل محرما، فتحمل على كون الأكل
محلا، وأما مرسلة المفيد فمع ارسالها ليس فيها تصريح

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
127

بأن الرجل كان محرما فحينئذ ألا ترى ما عليه المشهور
من تعدد الفداء بالاصطياد والأكل.
(فرع:)
لو رمى المحرم الصيد ولم يؤثر فيه فلا فدية
عليه ولكن يستغفر الله.
ويحمل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألته عن محرم رمى صيدا فأصاب
يده، فعرج فقال إن كان مشى عليها ورمى وهو
ينظر إليه فلا شئ عليه وإن كان الظبي ذهب
على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه
فدائه لأنه لا يدري لعله قد هلك (1).
بأن يقال: إن قوله: فأصاب يده فعرج "
إنه أصاب يده وعرج بسبب الوجع الذي اعتراه
بالضرب إلا أنه لم يتحقق الكسر ولا الجرح لأنه

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
128

رآه بعد ذلك أنه مشى عليها ورعى.
ولو جرحه ضمن أرشه، وقيل: ربع قيمته، وكذا إذا
كسر يده أو رجله فعليه ربع قيمته، أما في كسر يده أو رجله
فمستند الحكم صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم فكسر
يده أو رجله قضى الصيد فلم يدر الرجل ما صنع
الصيد، قال: عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع
الصيد؟ فإن رآه بعد انكسر يده أو رجله وتدرعي
وأصلح فعليه ربع قيمته (1).
قوله: فإن رآه الخ قيل: إنه ليس من كلام الإمام
عليه السلام بل هو من كلام الشيخ في التهذيب.
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
رمى صيدا فكسر يده أو رجله، فتركه، فرعى الصيد، قال:
عليه ربع الفداء (2).

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
129

ورواية أبي بصير عنه عليه السلام في محرم رمى
ظبيا فأصابه في يده، فعرج منها، قال: إن كان
الظبي مشى عليها ورعى فعليه ربع قيمته (1) الحديث
هذا كله بالنسبة إلى كسر اليد أو الرجل.
وأما الجرح فلم يكن له مستند سوى بعض هذه
الروايات المتوهم دلالتها على الجرح أيضا.
لكن لا دلالة فيها إلا على كسر اليد أو الرجل، و
يمكن الاستدلال للجرح بأن فيه الأرش لأربع
القيمة بالآية الكريمة بأن يقال: إن الآية - بعد ما دلت
على ضمان الصيد جميعه تدل على ضمانه بأبعاضه أيضا
مؤيدا ذلك بما عن الفقه الرضوي المنسوب إلى
الرضا عليه السلام قال: فإن رميت ظبيا فكسرت يده
أو رجله فذهب على وجهه لا يدري ما صنع
فعليك فدائه، فإن رأيته بعد ذلك يرعى
ويمشي فعليك ربع قيمته، وإن كسرت قرنه أو
جرحته تصدق بشئ من طعام (2).

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) المستدرك الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
130

هذا كله إذا رماه وعلم بحاله.
وأما إذا رماه ولم يعلم حاله بأن ذهب الصيد
وغاب عن نظره فمقتضى القاعدة عدم شئ
عليه لأصالة عدم حدوث شئ فيه.
إلا أنه حكي عن كثير من الفقهاء بل ادعى عليه
عدم الخلاف بل الاجماع على أن عليه الفداء الكامل
ومستند هذا الحكم المخالف للأصل هو الروايات.
منها رواية أبي بصير المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم
فكسر يده أو رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل
ما صنع الصيد؟ قال: عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما
صنع الصيد (1).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
131

حديث: إن كان الظبي ذهب على وجهه وهو
رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فدائه لأنه لا يدري
لعله قد هلك (1).
ومنها روايته الثالثة عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
وإن كان ذهب على وجهه فلم يدر ما صنع فعليه الفداء
لأنه لا يدري لعله قد هلك (2).
(السبب الثاني:)
لوجوب الفداء اليد، فإذا وضع يده على صيد
فتلف تحت يده فعليه ضمانه، بل قال في الشرائع: ومن
كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب ارساله
انتهى.
ومستند الحكم أولا هو الاجماع كما عن ابن زهرة
في الغنية، وثانيا أنه كما يحرم للمحرم تملك الصيد ابتداء
كذا يحرم تملكه استدامة فإنه لا يجوز للمحرم شراء الصيد
ولا قبوله للصيد بعنوان الهدية ولا غيرهما من
أنواع المعاوضات في حال الاحرام فكذا نقول

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 4.
132

بذلك في استدامة الملك.
وثالثا دلالة بعض الروايات على ذلك:
منها رواية أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا يحرم أحد ومعه شئ من الصيد حتى
يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه،
فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء (1).
ومنها رواية بكير بن أعين قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم، فمات
الظبي في الحرم، فقال: إن كان حين أدخله الحرم
خلى سبيله فلا شئ عليه، وإن أمسكه حتى مات فعليه
الفداء (2).
ولكن يدري على الاجماع بعدم ثبوته، وعلى الملازمة
- أي ملازمة التملك الابتدائي مع التملك الاستدامي
- بأنا نمنع الملازمة أولا، فيمكن الحكم بجواز التملك الابتدائي

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 والباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
133

مع جوازه في الاستدامي فإنه لا دليل على هذه الملازمة.
وثانيا منعها في الابتدائي أيضا أي منع الحرمة
لعدم الدليل عليه بل وجود الدليل على خلافه، فإن
اطلاقات أدلة التملك يشمل المحرم وغيره غاية الأمر
عدم جواز تصرفه في الصيد حال الاحرام، فكذا
يحصل له التملك في الأسباب القهرية كالإرث مضافا
إلى دلالة روايات الاضطرار إلى الصيد على حصول
التملك للصيد باعطائه لفدائه.
إلا أنه يمكن منع اطلاقات الأدلة بالنسبة إلى تملك
الحرم للصيد ابتداءا فإن قوله تعالى " وحرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما " ليس المراد منه الصيد بمعناه المصدري كما احتمله
في الجواهر لأنه لا معنى له خصوصا مع إضافته بالبر
فيكون معناه نفس الحيوان الذي يصاد، فاسناد الحرمة
إلى الحيوان الذي هو العين باعتبار الأفعال المتعلقة
بالعين، وإلا فلا معنى لحرمة نفس العين، فمقتضى اطلاق
حرمة الصيد حرمة جميع التصرفات فيه من بيعه وشرائه
وصيده وأكله وغير ذلك بل الإشارة إليه والدلالة عليه
134

كما دلت عليه الروايات.
وكيف كان فعلى فرض حرمة التملك الابتدائي
لا يستلزم ذلك التملك الاستدامي.
وأما الروايتان فضعيفتا السند وعدم الجابر لهما
كما في الجواهر.
إلا أن الانصاف أن الروايتين وإن كانتا كذلك
لكن ما ذكره قدس سره من دعوى الاجماع عن الغنية
وفتاوى كثير من الفقهاء، وغير ذلك يصلح لجبر
ضعفهما مؤيدا بعموم الآية أعني قوله تعالى " وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما " بناءا على أن المراد
من الصيد هو الحيوان دون معناه المصدري.
وكيف كان فلو مات الصيد قبل ارساله لزمه
ضمانه، قال في الجواهر: كما صرح به غير واحد بل في
محكى المنتهى الاجماع عليه منا ومن القائلين بوجوب
الارسال، قال: لكونه حينئذ مضمونا بالدخول تحت اليد
135

العادية فكان كالمغصوب انتهى.
وظاهر اطلاق بعض العبارات عدم الفرق
بين الحل والحرم إلا أن الروايتين المتقدمين قد دلتا
على كون ذلك في الحرم
هذا كله إذا أمكنه الارسال، وأما إذا لم يتمكن منه
بأن منع منه العدو مثلا فتلف فلا ضمان عليه قال في
الجواهر: كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا كما
اعترف به في الرياض، ولعله للأصل السالم عن معارضة
الخبرين بعد انسياقهما إلى صورة الامكان بل و
الاجماع المحكى بعد اعتراف حاكيه بعدم الضمان
في القرض، وإن كان مقتضى تعليله الضمان انتهى.
ومراده قدس سره بتعليله ما حكيناه آنفا من
كونه حينئذ مضمونا بالدخول تحت اليد العادية فكان
كالمغصوب، إلا أن الظاهر ما اختاره صاحب الجواهر
من انصرف الخبرين عن هذا الموضع.
ولو لم يرسله حتى أحل ولكن لم يدخله الحرم فالظاهر
أنه ليس عليه شئ سوى الإثم فإنه قد خالف المأمور به
136

للأصل، وهل يجب عليه ارساله بعد الاحلال؟ لا يبعد
ذلك لأنه كان مأمورا بارساله بالدخول في الاحرام
ولم يعلم سقوط التكليف عنه بالخروج عن الاحرام،
فالأصل بقائه.
ولو أرسله من يده شخص آخر بقصد استخلاصه
من يده فلا فداء عليه لأنه محسن بالنسبة إلى الصيد " وما
على المحسنين من سبيل " خلافا لأبي حنيفة فحكم بالفداء
ولعل وجهه أنه كان يحرم على المحرم أن ينقلب في الصيد
بأي نحو كان من أنواع التقلب من صيده وأخذه و
أكله وبيعه وشرائه وأخذه من يد المحرم فإن جميع ذلك
كان محرما عليه، لأنه من أنواع التصرف في الصيد
ولا يمكن دفع المعصية بالمعصية.
إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه فإن الحرمة في هذا
الموضع غير ثابتة، ولم يدل عليها دليل بل هذا الموضع
كمن أخذ المغصوب من يد الغاصب ودفعه إلى
137

مالكه، فإنه إذا تلف في يده من غير تعد ولا تفريط
لم يضمن قطعا لأن يده يد أمانة لا يد عادية
كما هو واضح
ولو أدخل الصيد في الحرم وأخرجه منه وجب
عليه إعادته فإن تلف قبل ذلك ضمنه، كذا
يستفاد من المسالك.
ولكن يمكن أن يقال: إنه بمجرد ادخاله في
الحرم لا يصير من صيد الحرم، إلا أن يقال:
يصير حينئذ من مصاديق قوله تعالى: ومن
دخله كان آمنا " فبمجرد ادخاله في الحرم صار
آمنا لا يجوز للمحرم ولا للمحل اخراجه.
وقال أيضا في المسالك: ولو كان الصيد
بيده أمانة أو عارية وشبهها وتعذر المالك وجب
دفعه عند إرادته الاحرام إلى وليه وهو الحاكم أو وكيله
فإن تعذر فإلى بعض العدول، فإن تعذر أرسله
وضمن انتهى.
ووجه جميعه واضح إلا الأخير، فإنه كيف يمكنه
138

ارساله لمال الغير؟ اللهم إلا أن يقال: إنه تعارض حينئذ
وجوب حفظ الأمانة مع وجوب ارسال الصيد عند
إرادة الاحرام، ولا ترجيح لأحد الدليلين على الآخر
فيتساقطان، فيبقى أصالة الجواز بالنسبة إلى الارسال
هذا كله في حكم الصيد الذي كان معه قبل
الاحرام.
وأما إذا كان نائيا عنه حين الاحرام بأن كان مثلا
في بلده فلا يخرج عن ملكه بالاحرام لعدم شمول معقد الاجماع
والروايتين المتقدمين لهذا الموضع مضافا إلى أصالة عدم
الخروج عن ملكه بالاحرام ومضافا إلى صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحرم
وعنده في أهله صيد إما وحش وإما طير، قال:
لا بأس (1).
وصحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
139

الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله ومن
الطير يحرم وهو في منزله، قال: وما به بأس لا يضره (1).
ويمكن أن يكون المراد بعدم البأس أنه لا ينافي
ذلك احرامه، فلا دلالة فيهما على عدم الخروج عن
ملكه.
ولكن الظاهر أن المراد أن الاحرام لا يخرجه عن
ملكه.
وقيل تعارض الروايتين رواية أبي الربيع قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل خرج إلى مكة
وله في منزله حمام طيارة فألفها طير من الصيد وكان مع
حمامه، قال: فلينظر أهله في المقدار أي الوقت
الذي يظنون أنه يحرم فيه ولا يعرضون لذلك
الطير ولا يفزعونه ويطعمونه حتى يوم النحر ويحل
صاحبهم من إحرامه. (2).
إلا أن هذه الرواية لا يمكن معارضتها للروايتين
المتقدمتين، أما أولا فلأنها ضعيفة السند، وأما ثانيا

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 4.
140

فلأنها خارجة عن مفروض مسألتنا،
فإن المفروض في المسألة أن المحرم يجب عليه ارسال
الصيد الذي صاده إلا ما صاده وكان في منزله
وأين هذا من مفروض الرواية فإن مفرد مفروضها أن
أهل المحرم صادرا طيرا أو حمامه صاد طيرا، وهذا خارج
عن مفروض المسألة:
(فرع:)
لو أمسك محرم صيدا وذبحه محرم آخر فعلى كل
واحد منهما فداء كامل، أما الذابح فواضح لقوله تعالى:
" ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم "
وللروايات المتقدمة، وأما الممسك فلأنه إذا كان
دلالة المحرم على الصيد أو إشارة إليه لأن يصيده آخر
محرمة فحرمة امساكه بطريق أولى، والدليل على حرمة الدلالة أو
الإشارة هو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تستحلق
شيئا من الصيد وأنت حرام ولا وأنت حلال في الحرم، و
141

لا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطادوه فيصطاده ولا تشر إليه فيستحل
من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده (1).
وصحيح منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: المحرم
لا يدل على الصيد فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء (2)
ورواية تحف العقول عن مولانا الجواد عليه السلام
الطويلة قال: وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل
الصيد فعليه فيه الفداء (3) الحديث.
هذا إذا ذبحه المحرم في الحل، وأما إذا ذبحه في
الحرم فعلى كل منهما الفداء وقيمته لانتهاكهما لحرمة الاحرام
والحرم ما لم يكن يلغ البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس
عليهما الافداء واحد وهو البدنة.
وأما إذا كانا محلين فلم يكن على كل واحد منهما
سوى قيمة الصيد، ولو كان أحدهما محرما والآخر
محلا تضاعف الفداء في حق المحرم إذا ذبحه في
الحرم دون المحل فإنه ليس عليه سوى القيمة.
وأما إذا ذبحه في الحل فليس على المحل شئ، و
إنما على المحرم فداء ولحد، ووجه هذه الفروع واضح

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
142

(فرع آخر:)
لو نقل المحرم أو المحل في الحرم بيض صيد عن
موضعة ففسد ضمنه، ونسبه الشيخ قدس سره إلى الأخبار
ويمكن أن يكون مراده بها أخبار كسر البيض التي تقدمت في
الباب الأول بدعوى أن تلك الأخبار وإن وردت
في الكسر إلا أن المراد منها هو افساد البيض بأي نحو اتفق
سواء كان بالكسر أو الوطؤ أو نقله من موضع إلى موضع آخر فيفسد
بل عن المسالك ضمانه وإن لم يعرف حلله بأن جهل الحال
بأنه يخرج منه الفرخ أولا، وهو ظاهر كلام دروس على ما حكي عنه.
ولعل مستنده الأخبار الدالة على أن من
رمى صيدا فغاب عنه ولم يعلم فإن عليه الفداء كما
تقدم، وإلا فلا يستفاد هذا الفرع من روايات كسر
البيض ويشكل اجراء حكم الصيد الذي رماه ولم يعلم
حاله - في كسر البيض، والله العالم.
143

(السبب الثالث للضمان:)
كونه سببا لاتلاف الصيد وهنا مسائل:
الأولى إذا أغلق على حمام من حمام الحرم الباب
وتلف ضمنه، وأما إذا أرسله سالما بعد ما أغلق عليه
الباب فلا ضمان.
أما وجه الأول فلصدق التسبيب عليه في قتل
الحمام فإنه يستند القتل إليه بالاغلاق عرفا فحينئذ إذا
كان محرما ضمن الحمام بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة
بدرهم.
وإذا كان محلا ففي الحمامة درهم، وفي الفرخ
نصفه، وفي البيضة ربعه كما في الاتلاف بالمباشرة
ومستند الحكم - مضافا إلى صدق الاتلاف - روايات
منها رواية يونس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ و
بيض: فقال: إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم
فإن عليه لكل طير درهما ولكل فرخ نصف درهم
ولكل بيضة ربع درهم، وإن كان أغلق عليها بعد
146

ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة ولكل فرخ حملا، و
إن لم يكن تحرك فدرهم، وللبيض نصف درهم (1).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد وإبراهيم بن عمر
اليماني قالا: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أغلق
بابه على طائر، فقال: إن كان أغلق الباب بعد ما
أحرم فعليه شاة، وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم
فعليه ثمنه (2).
وعن الصدوق بعد قوله: على طائر قوله " فمات "
ومنها رواية الواسطي عن موسى بن جعفر عليهما السلام
قال: سألته عن قوم أغلقوا على طير من حمام الحرم
الباب، فمات قال: عليهم قيمته، كل طير بدرهم يعلف
به حمام الحرم (3).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات، قال:

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 4.
147

يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم (1).
وهاتان الروايتان محمولتان على الحل، الروايتان
الأولتان وإن كانتا مطلقتين تشملان ما إذا أغلق
على طائر الباب ولك يمت إلا أنهما محمولتان على صورة
التلف بقرينة الروايتين الأخيرتين، وإن كانا في المحل
مضافا إلى دلالة صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة
برواية الصدوق قدس سره على ذلك، فإنه قال
فيها " فمات " كما عرفت.
(المسألة الثانية:)
قال في الشرائع: قيل: إذا نفر حمام الحرم فإن
عاد فعليه شاة واحدة، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة
انتهى، ولم يكن لهذا الحكم مستند سوى ما حكي عن علي
من بابويه في رسالته إلى ولده فإنه عتر بهذا المضمون
قيل: وهو مأخوذ من فقه الرضا عليه السلام فإنه (ع) قال: و
إن نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة و
إن ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة (2)، إلا أنك

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) المستدرك الباب 40 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
148

قد عرفت غير مرة عدم ثبوت نسبة الكتاب إلى مولانا
الرضا عليه السلام، نعم إذا كان مدرك الحكم رسالة علي بن
بابويه فقد قال في المسالك: ولقد كان المتقدمون يرجعون
إلى فتوى هذا الصدوق عند عدم النص إقامة لها مقامه
بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل عليه النص الصحيح عنده فحينئذ
لا مجال للمخالفة هنا انتهى مضافا إلى فتوى الأكثر بهذا الحكم
حتى قال في المسالك: هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته
ولم أجد به حديثا مسندا ثم اشتهر بين الأصحاب حتى كاد
أن يكون اجماعا انتهى.
فحينئذ على فرض عدم الاعتماد على ما في رسالة
علي بن بابويه لكون مستنده رواية مرسلة - على ما
يستفاد من كلام الشهيد حيث قال: لم أجد به حديثا
مسندا أو كان مستنده رواية فقه الرضا التي عرفت ما
فيها فضعفها منجبر بعمل الأصحاب ولا يمكن الجرأة على
مخالفتهم خصوصا فيهم من لا يعمل إلا بالقطع كابن إدريس
149

فإنه حكم هنا بما عليه المشهور، فحينئذ الأحوط ما عليه
المشهور بل لا يخلو من قوة مضافا إلى احتمال السلف
في حال عدم الرجوع الذي تشمله الروايات الدالة
على أن من رمى صيدا وغاب الصيد ولم يعلم
حاله - أن عليه الفداء وقد تقدمت فراجعها.
ثم إن التنفير الواقع في الرواية أو الروايات
يحتمل أن يكون المراد منه من الحرم إلى الحل وأن يكون
تنفيره - أي الطير من الوكر، فالمراد برجوعه الرجوع
إلى الحرم أو إلى الوكر.
ويحتمل أن يكون المراد مطلق التنفير وإن كان
م موضع من الحرم إلى موضع آخر منه.
ولكن عن الشهيد وظاهر التذكرة أن المراد منه
خروجها من الحرم إلى الحل وحيث إنه لا نص هنا حتى
يتمسك باطلاقه فلا بد بالأخذ بالقدر المتيقن من الفتاوى
فعند ذلك القدر المتيقن التنفير من الحرم إلى الحل أو الوكر
إلى غيره، وأما التنفير من موضع من الحرم إلى موضع آخر
150

منه فشمول الفتاوى له مشكوك، فأصل البراءة يقتضي
العدم، والشاك في العدد يبنى على الأقل، وهل هذا الحكم
مختص بالمحل فالمحرم يتضاعف عليه الجزاء أو يشمل المحرم أيضا؟
فيه وجهان،
أما وجه الأول فبان يقال: إن الروايات المتقدمة
في باب قتل الصيد قد دلت على تعدد الجزاء على المحرم
في الحرم لأنه انتهك حرمة الحرم وحرمة الاحرام وهنا
أيضا كذلك بأن جعل الشارع تنفير الحمام بحكم صيده
ووجه القول الثاني أن الحكم في هذا المورد على
خلاف القاعدة، فلا يمكن اثبات حكم آخر على وجوب
فداء واحد، فحينئذ نتمسك باطلاق الفتاوى بأنه
لا فرق هنا بين الحل والحرم لأصالة عدم التكليف الزائد
وليس لهذا الأصل معارض.
ولو اشترك في التنفير جماعة فإن كان فعل كل
واحد منفرا لو انفرد فعن المسالك تعدد الجزاء عليهم
151

لصدق التنفير على كل واحد مع احتمال وجوب جزاء
واحد عليهم لأن العلة مركبة وخصوصا مع العود
أما مع عدمه فالاحتمال ضعيف جدا لأن سبب
الاتلاف كاف في الوجوب وكذا الشركة انتهى.
ويرد عليه ما ذكره في الجواهر أنه لا فرق بين
العود وعدمه مع فرض عدم الصدق باعتبار ترك
العلة انتهى.
ولو عاد البعض ولم يعد البعض ففي الذي لم
يعد شاة، وأما الذي عاد فالظاهر أنه لا شئ فيه
للأصل، والمفروض أنه ليس هنا نص يتمسك باطلاقه
وإن المفروض في الفتاوى عود الجميع أو عدم عود الجميع
فلا تشمل هذا الفرض
(المسألة الثالثة:)
إذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما وأخطأ
الآخر فعلى المصيب الفداء لجنايته، وعلى المخطئ الفداء
أيضا لإعانته كما يستفاد من كلام صاحب الشرائع،
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ولا اشكال،
152

عدا ما عن الحلي، فلا شئ على المخطئ انتهى
ومستند الحكم - بعد دعوى الاجماع - هو صحيح
ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما
قال: على كل واحد منهما الفداء (1).
ورواية إدريس بن عبد الله عليه السلام قال: سألت أبا
عبد الله عليها لسلام عن محرمين يرميان صيدا فأصابه
أحدهما الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال:
عليهما جميعا يفدي كل واحد منهما على حده (2).
وهاتان الروايتان لا تفيدان إن المخطئ
يفدي لأجل إعانته للمصيب، فيمكن أن تكون العلة
في وجوب الفداء على المخطئ هو الإعانة كما في الشرائع
ويمكن أن يكون لأجل إشارته إلى الصيد بالرمي إليه
أو تشجيع المصيب على الصيد، ولا ظهور للروايتين

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب كفارات الصيد ح 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب كفارات الصيد ح 1 - 2.
153

في شئ من ذلك، فحمله على صورة الإعانة أو صورة
الدلالة كما عن ابن إدريس لا وجه له، فحينئذ تحمل
الروايتان على اطلاقهما، ومورد الروايتين المحرمان
فلا تشملان المحلين أو كان أحدهما محلا، فالحكم حيث
إنه مخالف للقاعدة فلا بد من الاقتصار على مورد
النص إلا إذا كان المحل سببا.
والظاهر أن هذا الحكم غير مختص باثنين في الحكم
أحدهما يكون مخطئا فيجرى فيما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة
أو أزيد وكان المصيب أحدهم فقط فإنه بنظر المتفاهم
العرفي لا دخل لخصوص الاثنين في الحكم المذكور
فإن العرف لا يفهم من الرواية تقييد الحكم باثنين
وهذا المثل أن يسأل السائل: أنه أصاب ثوبي
بول الهرة في يوم الجمعة فأجابه بأنه يجب غسله فإنه
لا يفهم العرف تقييد الحكم بيوم الجمعة.
(المسألة الرابعة:)
قال في الشرائع: إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها
صيد لزم كل واحد منهم فداءا إذا قصدوا الاصطياد
154

وإلا لزمهم فداء واحد انتهى.
ومستند ذلك صحيحة أبي ولاد الحناط قال: خرجنا
ستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض
المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما مكتبة وكنا محرمين فمر
بنا طير صاف مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه
فسقط في النار، فاغتممنا لذلك فدخلت على أبي عبد
الله عليه السلام بمكة فأخبرته وسألته، فقال: عليكم فداء واحد
تشتركون فيه جميعا إن كان ذلك منكم على غير تعمد، ولو
كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كل
رجل منكم دم شاة، قال: أبو ولاد: وكان ذلك منا قبل
أن ندخل الحرم (1).
وهذه الرواية موردها كونهم محرمين إلا أنه كان
ذلك منهم قبل دخول الحرم، وعن جماعة التصريح
بوجوب القيمة في المحل إذا فعل ذلك في الحرم

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
155

ولكن ظاهر الشرائع الاطلاق، وعن الدروس
تقييد الحكم بدخول الحرم إلا أنه لم يدل عليه الدليل
ومورد الرواية كونهم محرمين قبل دخول الحرم
إلا أن يستفاد من نحوي هذه الرواية وغيرها أن التسبيب
في قتل الصيد موجب للضمان ولو كان من غير
تعمد والله العالم.
(المسألة الخامسة:)
إذا رمى صيدا فقتله أو جرحه فاضطرب
الصيد، فقتل باضطرابه فرخا أو صيدا آخر كان
عليه الفداء الصيد وفداء ما قتله الصيد بالاضطراب
لأنه صار سببا للاتلاف، فإن السبب هنا أقوى
من المباشر فيستند القتل إليه بنظر العرف فهو له ضامن
(المسألة السادسة:)
السائق يضمن ما تجنيه الدابة سواء جنت
بيديها أو رجليها، ووجهه ظاهر لأن الدابة ليس
لها شعور فهي تحت إرادة السائق فلا يستند القتل
إليها، بل يستند إلى السائق المشرف على أحوالها، وكذا
156

يضمن إذا كان راكبا ما تجنيه بيديها، ولا يضمن ما تجنيه
برجليها، فإن الراكب يكون اختيار فم الدابة ورأسها
ويديها - بيده فيضمن ما أتلف أحد هذه الثلاثة
بخلاف رجليها فإنهما ليستا باختياره لعدم اشرافه
عليهما، وهذا الذي ذكرناه مطابق لباب الضمان
ولكن في صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: ما وطأته أو وطئه بعيرك أو دابتك
- وأنت محرم - فعليك فداؤه (1).
وحسنة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: اعلم أن
ما وطئت من الدبا أو وطئه بعيرك فعليك فدائه (2).
وحسنة الأخرى عنه عليه السلام قال: ما وطئته أو وطئه
بعيرك - وأنت محرم - فعليك فداؤه (3) الحديث.
وهذه الروايات مطلقة تشمل ما إذا وطأ البعير أو الدابة
برجليها صيدا فقتلته، وعليه فتوى الأصحاب وحينئذ يظهر

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 53 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 2 - 1.
157

يظهر من هذه الروايات أن التعمد في قتل الدابة
أو الصيد ليس شرطا في وجوب الفداء في حال
الاحرام
(المسألة السابعة:)
إذا أمسك المحرم صيدا وكان له فرخ فتلف
الفرخ بامساكه للأم ضمن الفرخ أيضا كضمانه للأم إذا
تلفت سواء أمسكها في الحرم أو الحل، وكذا المحل
إن أمسك الأم في الحل ولها فرخ في الحرم فتلف
الفرخ بذلك ضمن الفرخ خاصة دون الأم.
أما وجه الفرض الأول فواضح لكونه صار سببا
لتلف الفرخ.
وأما وجه الفرض الثاني فلأجل أنه - وإن كان
محلا وكان إمساك الأم في الحل إلا أنه يستند تلف
الفرخ في الحرم إليه عرفا فكما أن المحل إذا صاد الصيد
في الحرم يضمن قيمته كما سيجيئ فكذا هنا.
158

(المسألة الثامنة:)
إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فصاده سواء
كان في الحل أو الحرم ضمن للتسبيب بل إذا أغراه
المحل في الحل فدخل الصيد في الحرم فتبعه الكلب
فصاده فيه كذلك أيضا، نعم إذا أغراه في الحل فصاد
غيره لم يستند الصيد إليه وليس عليه شئ
وكذا يضمن لو حل الصيد المربوط فتسبب
لأخذ الكلب له.
وكذا لو أحل الكلب المربوط فصاد الصيد،
كل ذلك لصدق التسبيب، نعم إذا حل الصيد
المربوط لأجل استخلاصه ونجاته فصادف أنه صاده
الكلب أو أخذه الغير فها يضمن؟ لا يبعد القول
بعدم الضمان لأنه محسن، " وما على المحسنين من سبيل "
(المسألة التاسعة:)
لو نفر صيدا فتلف بمصادمة شئ أو أخذه
الصياد ضمن لأنه بتنفيره صار سببا لهلاكه.
159

(المسألة العاشرة:)
لو خلص الصيد من الشبكة لأجل استنقاذه
فمات الصيد بذلك أو تعيب ضمن كما عن
الخلاف والمبسوط والجامع وكتب العلامة إلا
التبصرة فإنه لم يتعرض لها، لصدق قتل الصيد
بذلك وإن كان خطاءا.
لكن عن الشهيد الاشكال في ذلك، ووجه
الاشكال من جهة استناد القتل إليه، ومن أنه محسن
" وما على المحسنين من سبيل "
ويرد عليه أنه إذا كان القتل مستندا إليه بأن
جره مثلا فمات بذلك فلا يبعد ضمانه لأنه لا
فرق في قتل الصيد بين العمد والخطأ في وجوب
الكفارة، نعم إذا لم يستند القتل إليه بأن خلى سبيله
فمات حتف أنفه فليس عليه شئ
وهل يضمن لو أمسك الصيد ليداويه بأن كان
مجروحا فمات بذلك أولا؟ قيل: الأصل العدم
160

ولقاعدة الاحسان وللأمر بحفظ ما نتف ريشه
حتى يكمل في رواية حفص بن البختري عن أبي عبد
الله عليه السلام فيمن أصاب طيرا في الحرم قال: إن
كان مستوى الجناح فليخل عنه، وإن كان غير مستوي
تتفه وأطعمه وسقاه، فإذا استوى جناحاه خلي
عنه (1).
وفيه أن الأصل مقطوع بالأدلة العامة
الدالة على ثبوت الفداء على من أثبت يده على
صيد فمات تحت يده، وقاعدة الاحسان والأمر
بحفظ ما نتف ريشة لا ينافيان الفداء بعد فرض
عمومه لما نحن فيه، اللهم إلا أن يقال: إن القدر المتيقن
من اثبات اليد هو اليد العدوانية الموجبة للضمان
إلا أن اطلاق الروايات يدفعه.

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
161

(المسألة الحادية عشر:)
لو دل على صيد محلا أو محرما أو كليهما ضمن
فدائه، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه
بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه وهو الحجة
انتهى.
ومستند الحكم - على فرض عدم حجية الاجماع
المنقول - هو صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: لا تستحلن شيئا من الصيد
وأنت حرام ولا وأنت حلال في الحرم، ولا
تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ولا تشر
إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده (1).
واحتمال أن يكون وجوب الفداء في الرواية
على من استحل الصيد وقتله دون من دل عليه -
خلاف ظاهر الرواية.
وأظهر من هذه الرواية صحيحة منصور بن حازم

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
162

عنه عليه السلام قال: المحرم لا يدل على الصيد، فإن
دل عليه فقتل فعليه الفداء (1).
فإن قوله: فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء كالصريح
أو صريح في وجوب الفداء على الدال.
ولا منافاة بين وجوب الفداء على الدال وعلى
القاتل لتعدد دليليها.
هذا إذا دل على الصيد فقتل أو جرح لأجل
دلالته، وأما إذا لم يتحقق أحدهما فلا ضمان عليه بمجرد
الدلالة، فإن صحيح منصور بن حازم - وإن كان ترك
فيه " فقتل " في بعض نسخ التهذيب، فحينئذ يكون في
الرواية اطلاق - إلا أنه موجود في نسخ الكافي وبعض
نسخ التهذيب الأخرى، وعلى فرض أنهما روايتان فلا
بد من حمل المطلق على المقيد.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
163

(القول في صيد الحرم:)
والحرم ما أحاط بمكة من جميع جوانبها، وتسميته
بذلك إما لأن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض
خاف على نفسه من الشيطان فبعث الله
ملائكة تحرسه، فوقفوا أنصاب الحرم فصار ما
بينهم وبين مواقفهم حرما، وأما لأن الحجر الأسود
لما وضعه الخليل عليه السلام في الكعبة حين بناها
أضاء الحجر يمينا وشمالا وشرقا وغربا فحرم الله
من حيث انتهى نوره أو غير ذلك، قاله في
الجواهر.
والظاهر أن الوجهين استفادهما من الأخبار
وكيف كان فيحرم من صيد الحرم على المحل ما
يحرم على المحرم، وادعى على ذلك الاجماع، و
مستنده - بعد الاجماع - الروايات المعتبرة.
منها صحيحة الحلبي أو حسنته عن الصادق
عليه السلام قال: لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت
164

حرام ولا أنت حلال الحديث (1).
ومنها صحيحة الأخرى قال: سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن صيد رمي في الحل ثم أدخل الحرم،
وهو حي، فقال: إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم
لحمه وامساكه الحديث (2).
وهو مطلق بالنسبة إلى المحرم والمحل.
ومنها رواية منصور بن حازم عنه عليه السلام في
حمام ذبح في الحل، قال: لا يأكله المحرم، وإذا أدخل مكة
أكله المحل بمكة، وإذا أدخل الحرم حيا، ثم ذبح في الحرم
فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه (3).
وهي أيضا مطلقة تشمل المحل، فإن قتل المحل
صيدا في الحل كان عليه قيمته كما تقدم كما أن المحرم إذا
قتل الصيد في الحرم كان عليه الفداء والقيمة كما تقدم

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4.
165

(فرع:)
إذا اشترك جماعة محلين في قتل صيد فهل
يكون على كل منهم فداء علي حده أو يجب على جميعهم
فداء واحد؟ فيه قولان، والقول الأول محكى عن
العلامة في القواعد وظاهر الشيخ في الخلاف.
ومستندهما رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا
منه فإن على كل انسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في
صيد فعليهم مثل ذلك (1).
فإن قوله (ع): " أي قوم اجتمعوا " مطلق يشمل
المحل أيضا إلا أنه قال في الشرائع: فيه تردد انتهى.
ووجه التردد أولا منع صدق القتل على كل واحد
منهم بل القتل مستند إلى الجميع وثانيا ضعف الرواية
سندا كما في الجواهر، وثالثا ضعفها دلالة لاحتمال
اختصاها بالمحرمين كأكثر النصوص المتقدمة الواردة
في أكل الصيد، ورابعا أن قتل جماعة محلين الصيد

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
166

لا يزيد عن الاشتراك في قتل مؤمن خطأ فإنه لا
يلزم على جميعهم إلا دية واحدة.
ولو اشترك المحل والمحرم في قتل صيد فعن الشيخ
في التهذيب أه يجب على المحرم الفداء كملا، وعلى
المحل نصف الفداء لما رواه إسماعيل بن أبي زياد
عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليهما السلام قال:
كان علي عليه السلام يقول: في محرم ومحل قتلا صيدا، فقال: على
المحرم الفداء كاملا، وعلى المحل نصف الفداء (1).
ولكن عن العلامة في المنتهى أن على المحل القيمة كاملا
وعلى المحرم الجزاء والقيمة معا، وهذا القول أوفق بالقواعد
الفقهية.
ويمكن حمل رواية إسماعيل بن زياد على ذلك بأن
يكون المراد بالفداء الكامل على المحرم الفداء والقيمة
معا، والمراد بنصف الفداء على المحل القيمة فقط في

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
167

قبال وجوب كليهما على المحرم
(فرع آخر:)
قال في الشرائع: وهل يحرم (الصيد) وهو
يؤم الحرم؟ قيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه لكن لو
أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه انتهى.
وهنا مباحث ثلاثة ينبغي أن نبحث فيها.
المبحث الأول: هل يحرم قتل الصيد الذي يوم
الحرم أي يقصده أو يكره؟
المبحث الثاني أنه لو قتل الصيد في هذا المكان
فهل يضمنه وعليه فدائه أولا؟
المبحث الثالث أنه هل يحرم الصيد ويصير
ميتة بقتله في هذا الموضع أم لا؟
أما الكلام في المبحث الأول فعن الشيخ في الخلاف
والتهذيب والنهاية والمبسوط بل نسب إلى جمع
بل ادعى عليه الاجماع أنه يحرم عليه ذلك، واستدلوا
لذلك بروايات، منها مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق
168

عليه السلام قال: كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤم
الحرم (1).
ومنها رواية عقبة بن خالد عنه عليه السلام قال: سألته
عن رجل قضى حجته (حجته خ ل) ثم أقبل حتى إذا خرج
من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم والصيد متوجه
نحو الحرم فرماه فقتله ما عليه؟ قال: يفديه على نحوه (2).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا كنت
محلا في الحل فقتلت صيدا فيما بينك وبين البريد إلى
الحرم فإن عليك جزائه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه
تصدقت بصدقة (3).
وعن الشيخ في الاستبصار وابن إدريس في السرائر
والصدوق في الفقيه بل عن المتأخرين كافة أنه يكره ولا
يحرم وهو الأصح ومستندهم روايات معتبرة.
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في العلل

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 والباب 3 الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 والباب 3 الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
169

وحسنته في الفقيه - كما في الجواهر - قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل رمى صيدا في الحل
وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد فأصابه في
الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات فيه
برميته، هل عليه جزاء؟ فقال: ليس عليه جزاء، إنما
مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب
الحرم، فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم
فمات فليس عليه جزائه لأنه نصب حيث نصب
وهو له حلال ورمى حيث رمى وهو له حلال فليس
عليه فيما كان بعد ذلك شئ، فقلت: هذا القياس
عند الناس، فقال: إنما شبهت لك الشئ بالشئ
لتعرفه (1).
ومنها صحيحة الأخرى قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته
حتى دخل الحرم فمات أعليه جزائه؟ قال: لا، ليس
عليه جزائه لأنه رمى وهو له حلال، إنما مثل ذلك

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
170

مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم
فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم
فليس عليه جزائه لأنه كان بعد ذلك شئ، فقلت
له: هذا القياس عند الناس، فقال: إنما شبهت لك
شيئا بشئ (1).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام في رجل يرمي
الصيد وهو يؤم الحرم، فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى
يدخل الحرم فيموت فيه، قال: ليس عليه شئ إنما هو
بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل، فوقع فيها الصيد
فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه، قلت: هذا
عندهم من القياس، قال: لا، إني شبهت لك شيئا
بشئ (2).
وهذه الروايات - مع نفيها أي الفدية عليه - يظهر منها بل صريح
بعضها - هو جواز هذا الفعل وعدم حرمته لأنه صرح

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
171

في الرواية الثانية بأنه رمى حيث رمى وهو له حلال، فحينئذ
يمكن حمل الروايات المتقدمة الدالة - بظاهرها على الحرمة
- على الكراهة خصوصا مرسلة ابن أبي عمير فإن
استعمال الكراهة في الأعم من الحرمة والكراهة شايع
في الأخبار إن لم نقل بظهورها في الكراهة المصطلحة.
وأما الكلام في المبحث الثاني فنقول: إن
رواية عقبة بن خالد وصحيحة الحلبي وإن كانتا ظاهرتين
في وجوب الفداء إلا أن الروايات الثلاث لعبد
الرحمن بن حجاج قد صرحت بعدم الوجوب، وحينئذ
تحمل الروايتان الظاهرتان في الوجوب - على الاستحباب
والترجيح في جانب روايات عدم الوجوب لصحة
سندها وكثرة عددها، والاجماع المدعى على
الوجوب ممنوع بعد ذهاب المتأخرين إلى خلافه
مضافا إلى استفادة الجواز وعدم وجوب شئ عليه
من فحوى الآية.
أعني قوله تعالى " وإذا حللتم فاصطادوا "
الشامل باطلاقه لما نحن فيه، وكذا قوله تعالى " وحرم
172

عليكم صيد البر ما دمتم حرما، الدال على انتفاء الحرمة
بالاحلال، وعلى فرض الالتزام بوجوب الفداء
فلا يستفاد منه حرمة الاصطياد لأنه لا منافاة بين
الجواز ووجوب الفداء كالتظليل في حال الاضطرار
فإنه جائز بل ربما يصير واجبا مع أنه يجب حينئذ عليه
الفداء.
وأما المبحث الثالث فبأن الصيد إذا قتله
المحل - وهو يؤم الحرم - هل يصير ميتة أو لا؟ مقتضى
حسنة مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حل
رمى صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم
فقال: لحمه حرام مثل الميتة " (1) - أنه يصير حراما و
ميتة وربما يستدل بهذه الرواية على حرمة الاصطياد
فيما إذا صاد المحل في الحل فدخل الصيد في الحرم إذ
لا معنى لجواز فعله وحرمة صيده وصيرورته حراما
ومثل ميتة، إلا أنه يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنه

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
173

إذا دل الدليل على جواز ودل دليل آخر على حرمته
وصيرورته مثل ميتة نعمل بكل واحد بما اقتضى ظاهره
على أنه يمكن أن يريد بقوله (ع) لحمه حرام مثل الميتة "
المبالغة في الكراهة فلذا قال: مثل الميتة، ولم يقل: هو
ميتة والله العالم.
فتلخص من جميع ما ذكرنا أن الأقوى هو الحكم
بكراهة الاصطياد في حول الحرم خصوصا إذا أم
الصيد الحرم وعدم وجوب الفداء عليه، ولكن
مع ذلك يصير مثل ميتة لأجل ظاهر حسنة مسمع.
(الفرع الثالث:)
لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم برباطه
لا يجوز اخراجه لأنه دخل مأمنه، ولقوله تعالى:
ومن دخله كان آمنا " ولقول الصادق عليه السلام:
في رواية محمد بن مسلم لما سأله عن ظبي دخل في الحرم
فقال: لا يؤخذ ولا يمس إن الله تعالى يقول: ومن
دخله كان آمنا (1)، ورواية عبد الأعلى بن أعين

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
174

قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب
صيدا في الحل، فربطه إلى جانب الحرم، فمشى الصيد
بربطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه فاجتره
الرجل بحبله حتى أخرجه، والرجل في الحل من الحرم
فقال: ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة (1).
فلولا حرمة جره من الحرم وذبحه خارج الحرم
لما كان لحرمة ثمنه ولحمه وجه، فلذا قال في محكى المدارك
أنه بعد الدخول يصير من صيد الحرم فيتعلق به حكمه "
وإن كان يمكن منعه ضرورة أنه يقتضي حينئذ أن يكون
فيه الجزاء، ولم أجد من صرح بذلك قاله في الجواهر
والحاصل أنه لا يمكن القول بأكثر من أن يكون فعله
حراما.
(الفرع الرابع:)
لو كان المحل في الحل فرمى صيدا في الحرم

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
175

فقتله فعليه فدائه أي قيمته، قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى عموم
أدلة الجزاء على القاتل في الحرم الذي هو الأمان
انتهى.
ومستند الحكم - مضافا إلى دعوى الاجماع
ودعوى شمول العمومات - صحيح ابن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وما دخل من الوحش
والطير في الحرم كان آمنا من أن يهاج ويؤذى
حتى يخرج من الحرم (1) - وهو شامل باطلاقه
لما نحن فيه، نعم لا يستفاد من الصحيح وجوب الفداء
عليه، فالعمدة هو دعوى الاجماع والعمومات
ومثله في الضمان إذا أرسل كلبه في الحل، وكان
الصيد في الحل فدخل الحرم فقتله في الحرم، فإنه
يستند القتل إليه عرفا في الحرم فصار سببا لقتله في
الحرم، نعم إذا أرسل كلبه على صيد في الحل، فدخل
الكلب في الحرم وأصاب صيدا آخر فلا ضمان عليه

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
176

لعدم التسبيب.
وكذا يضمن إذا رمى صيدا في الحل وكان الرامي
في الحرم وادعى عليه الاجماع مضافا إلى صحيحة سمع
أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حل في
الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله، فقال: عليه
الجزاء، لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم (1).
ومثله ما إذا كان بعض الصيد في الحل وبعضه
في الحرم فقتله المحل سواء كان المحل في الحل أو في الحرم
ضمنه.
وربما كان في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
آنفا إشارة إليه، حيث قال: ومن دخله من الوحش و
الطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم "
ويمكن أن يستفاد هذا الحكم من صحيح معاوية بن
عمار الوارد في الشجر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
177

من شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل، فقال:
حرم فرعها لمكان أصلها، قال: قلت: فإن أصلها
في الحل وفرعها في الحرم، فقال: حرم أصلها لمكان
فرعها (1).
(الفرع الخامس:).
لو كان الصيد على فرع شجرة أصلها في الحرم
وفرعها في الحل فقتله على فرعها الذي في الحل
كان عليه الفداء، وادعى على ذلك الاجماع بل
وكذلك العكس بأن كان أصلها في الحل وفرعها
في الحرم كما عن المنتهى والتذكرة دعوى الاجماع عليه
ومستند الحكم رواية السكوني بل رويتها عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه سئل
عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل، على
غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال: عليه جزائه
إذا كان أصلها في الحرم (2).

(1) الوسائل الباب 90 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 90 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
178

ويستفاد من مفهوم ذيلها أن أصلها إذا كان
في الحل لم يكن عليه شئ، واطلاق المفهوم يشمل
ما إذا كان الفرع في الحرم أيضا.
نعم يعارض مفهومها صحيح معاوية بن عمار
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شجرة أصلها
في الحرم وفرعها في الحل قال: حرم فرعها لمكان أصلها
قال: قلت: فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم
فقال: حرم أصلها لمكان فرعها (1).
ويستفاد من اطلاقه أن أصلها إذا كان في
الحل وفرعها في الحرم لا يجوز صيد ما كان على فرعها
ولو كان بعض ذلك الفرع في الحل وبعضه في
الحرم وكان الصيد على الفرع الذي في الحل، و
الترجيح لصحيح معاوية بن عمار: فما عن المسالك من
أن الشجرة إذا كان أصلها في الحرم، فالصيد الذي

(1) الوسائل الباب 90 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
179

على فرعها مضمون مطلقا (أي سواء كان ذلك
الفرع في الحرم أو في الحل) وأما إذا كان أصلها
في الحل فأغصانها تابعة لهواء ما هي فيه، فما كان منها
في الحرم فبحكم الحرم، وما كان في الحل فبحكمه - لا يخفى ما
فيه، فإنه وإن كان المفهوم من رواية السكوني المتقدمة
ما ذكره قدس سره، إلا أن صحيحة معاوية بن عمار مقدمة
على رواية السكوني، وقد عرفت أن المستفاد منها
أن أي واحد من الأصل أو الفرع إذا كان في
الحرم يكفي في وجوب الاحترام للصيد الذي يكون
عليه، وإن كان الأصل في الحل والفرع في الحرم بل
يوجب الاحترام للفرع الذي في الحل وإن كان فرعها
الآخر في الحرم.
(الفرع السادس:)
إن أدخل صيدا في الحرم وجب عليه ارساله
وحرم امساكه أو ذبحه، فإن لم يرسله وتلف تحت يده
180

فعليه الفداء كما مر، لأن التلف كان تحت يده
والمفروض أن يده حينئذ يد عادية مضافا إلى
رواية بكير بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات
الظبي في الحرم، فقال: إن كان حين أدخله خلى
سبيله فلا شئ عليه، وإن أمسكه حتى مات فعليه
الفداء (1).
ورواية معاوية بن عمار عن الحكم بن عيينة قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام: ما تقول في رجل أهدي
إليه حمام أهلي وهو في الحرم - من غير الحرم؟ فقال:
إن كان مستويا خليت سبيله، وإن كان غير ذلك
أحسنت إليه حتى استوى ريشه خليت سبيله (2).
وصحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام
من الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم، و
هو حي، فقال: إذا أدخله الحرم فقد حرم عليه أكله

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.
181

وإمساكه فلا يشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح
في الحل، ثم جيئ به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به
للحلال (1).
وصحيحة شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: إني أتسحر بفراخ أوتي بها من غير
مكة، فتذبح في الحرم فأتسحر بها، قال: بئس السحور
سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا
فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه (2)، إلى غير ذلك
من الأخبار.
نعم إذا سلمه إلى أحد فإما أن يسلمه ليحفظه له
فمات في يده له ضامن، وإما أن يسلمه ليرسله
واثقا بارساله فمات تحت يده فلا يبعد عدم الضمان
مع احتماله لأن الضمان لا فرق فيه بين موت العمد
والخطأ.
ولو كان الصيد الذي أدخله الحرم مقصوص

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
182

الجناح، وجب عليه حفظه حتى يستوي جناحه، فإن
لا يمكنه ذلك أودعه رجلا موثوقا به أو امرأة موثوقا
بها تحفظه حتى يستوي جناحاه ثم ترسله.
ومستنده - بعد دعوى الاجماع - صحيح حفص
البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في من أصاب طيرا
في الحرم، قال: إن كان مستوى الجناح فليخل عنه، وإن كان
غير مستو نتفه وأطعمه وسقاه، فإذا استوى جناحاه
خلى عنه (1).
وصحيح زرارة قال: إن الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام
عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة، فقال:
إنتفها وأحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل
سبيلها (2).
ورواية المثنى قال: خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء
قمرية من تمارى أمج حيث بلغنا البريد فنتف النساء جناحيه

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
183

ثم دخلوا به مكة، فدخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام
فأخبره، فقال: ينظرون امرأة لا بأس بها فيعطونها
الطير تعلفه وتمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته (1)
ورواية كرب الصيرفي قال: كنا جماعة فاشترينا
طيرا فقصصناه ودخلنا به مكة، فعاب ذلك علينا
أهل مكة، فأرسل كرب إلى أبي عبد الله عليه السلام
فسأله، فقال: استودعتموه رجلا من أهل مكة مسلما
أو امرأة مسلمة، فإذا استوى ريشة خلوا سبيله (2).
إلى غير ذلك من الأخبار.
وهل يشترط في الودعي العدالة؟ فعن المنهى
الاشتراط لقوله عليه السلام: ينظر امرأة لا بأس بها.
ولكن لا يستفاد من الرواية أكثر من كون الودعي
موثوقا به، ويستفاد من الروايات كون نفقة الحمام
المقصوص الجناح على الذي يمسكه حتى يستوي
جناحاه، بل وجوب دفع الأجرة إلى الودعي في تلك
المدة إن ادعاها، ومورد هذه الروايات الطير

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10 - 13.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10 - 13.
184

فشمولها لمطلق الصيد العاجز عن المشي مشكل خصوصا
إذا كان مأيوسا عن برئه.
(الفرع السابع:)
قال في الشرائع: وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو
في الحل؟ قيل: ونعم، وقيل: لا، وهو أحوط انتهى.
والقول الأول هو المحكى عن الشيخ في صيد الخلاف
والمبسوط، وعن ابن إدريس في السرائر.
ومستند ذلك صحيحة عبد الله بن سنان أنه
سأل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ومن
دخله كان آمنا، قال: من دخل الحرم مستجيرا به كان آمنا
من سخط الله، ومن دخله من الوحش والطير كان
آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم (1).
فيستفاد من مفهوم الرواية أنه يكون آمنا ما دام في
الحرم، فإذا خرج منه انتفى أمانه مؤيدا ذلك بأمان

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
185

المسلم إذا جنى جناية أوجبت عليه الحد أو القصاص
فإنه ما دام في الحرم فهو آمن لا يجوز اجراء الحد أو
القصاص عليه غاية الأمر أنه يضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يخرج فيقام بعد خروجه عن الحرم
عليه الحد أو القصاص مضافا إلى العمومات الدالة
على أن الحرم يكون مأمنا دون الحل خصوصا الروايات
المتقدمة في الصيد الذي أم الحرم التي دلت على
جواز قتله.
والقول الثاني محكى عن العلامة في التحرير
والشيخ في حج المبسوط والتهذيب والنهاية والشهيد
الثاني وسبطه وغيرهما، ومستندهم روايات:
منها رواية الحميري المروية عن قرب الإسناد عن
علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل
هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل، فيذبحه
فيدخل الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم
على كل حال (1).

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
186

ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: لا يصاد
حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم (1).
ومنها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: الطير الأهلي من حمام الحرم من ذبح
منه طيرا فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من
ثمنه (2).
وربما يجمع بين هذه الروايات وصحيحة عبد الله
بن سنان المتقدمة بحمل هذه الروايات على كراهة
صيد حمام الحرم في الحل واستحباب الفداء منه.
ولكن يمكن أن يقال: إن صحيحة عبد الله بن سنان
- وإن كان ظاهر مفهومها - هو جواز الصيد لحمام الحرم في
الحل إلا أن الفهوم لا يكافئ المنطوق المصرح أو الظاهر
منه الحرمة، وحمل قوله عليه السلام: فعليه أن يتصدق الخ - على
الندب خلاف الظاهر، فالأحوط لو لم يكن أقوى هو

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 مع اختلاف
مع ما هنا.
187

القول بالحرمة كما اختاره غير واحد من الأعلام، و
أصل البراءة - مع هذه الروايات - مقطوع لعدم
امكان جريانه مع وجود الدليل.
(الفرع الثامن:)
من نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة
ويجب أن يسلمها اليد قاله في الشرائع.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل
في المدارك وغيرها نسبته إلى المقطع به في كلام
الأصحاب انتهى.
ومدرك الحكم - بعد دعوى الاجماع - هو
رواية ابن ميمون قال: قلت: لأبي عبد الله عليه
السلام: رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم
قال: يتصدق بصدقة على مسكين، ويعطي باليد
التي نتف بها (1).
وضعفها منجبر بعمل من عرفت ولو نتف أكثر
من ريشة واحدة فإن كان في مواقع متعددة تكررت

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
188

الفدية كما عن التذكرة والمنتهى، واحتمل الأرش
وهو التفاوت بين كونه سالما وكونه منتوف الريش
إذا حصل التفاوت بذلك.
ولكن عن الكافي والفقيه " ومن نتف حمامة،
بدل " ومن نتف ريشة حمامة " فحينئذ لا فرق في
النتف بين نتف ريشة واحدة أو أكثر، ويحتمل أن
يكون المراد أن نتف الحمامة موجب للصدقة، ثم
ذكر أقل ما يوجب الصدقة وهو ريشة واحدة، وحينئذ
لا فرق بين القليل والكثير مع اجراء أصل البراءة بالنسبة
إلى التكليف الزائد.
هذا كله إذا نتف ريشها بدفعات، وأما إذا
نتفها دفعة واحدة فلا يبعد الاكتفاء بصدقة واحدة
لعدم تكرر السبب بذلك مضافا إلى أنه يحتمل أن يراد
بريشة هو الجنس لا الوحدة إلا أنه خلاف الظاهر
وحيث عرفت عدم وجود كلمة " ريشة " في الكافي
189

والفقيه، فلا يبعد ما ذكرنا من عدم الفرق بين القليل
والكثير خصوصا في صورة نتفها دفعة واحدة
وأما أن يعطي الصدقة باليد الجانية فتدل عليه
الرواية المتقدمة بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب
إلا أن تحمل على الاستحباب، بل أصل الصدقة
فيها أيضا على الاستحباب للاكتفاء فيها بمسمى
الصدقة الظاهر منه التسامح والتساهل لكنه مشكل
بعد ما عرفت من حكم أكثر الأصحاب بوجوبها.
(الفرع التاسع:)
من أخرج صيدا من الحرم وجبت عليه إعادته
إلى الحرم، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه
نعم في القماري والدباسي ما عرفته سابقا انتهى
فلو تلف تحت يده قيل ادخاله في الحرم ضمنه
ومستند ذلك - بعد الاجماع - روايات معتبرة:
منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم
190

إلى الكوفة أو غيرها قال: عليه أن يردها، فإن ماتت
فعليه ثمنها يتصدق به (1).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة كيف
يصنع؟ قال: يرده إلى، مكة، فإن مات تصدق بثمنه (2).
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال: أرسلت
إلى أبي الحسن عليه السلام أن أخا لي اشترى حماما من
المدينة، فذهبنا بها معنا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج، ثم
أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، هل علينا في ذلك
شئ؟ فقال: أظنهن كن فرهة، قل له: يذبح عن كل طير
شاة (3). إلى غير ذلك من الأخبار.
ولكن بين هذه الروايات تعارض فإن بعضها قد
دل على أنه إذا مات في يده فعليهم ثمنه، وبعضها قد دل
على أنه لو مات فعليهم شاة، ويمكن دفع المعارضة بأن الروايات

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 9.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 9.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 9.
191

وردت كل طائفة في عنوان على حده فالروايات
الدالة على أنه يجب في كل طير أخرجه من الحرم ولم
يرده إليه الثمن موردها طير الحرم
والروايات الدالة على أنه يجب عليه الشاة إذا أخرجه
من الحرم ومات خارج الحرم موردها الطير الذي
جاء به من الحل إلى الحرم ثم أخرجه منه، ولا مانع من
اختلاف حكميهما بعد بناء الأحكام الشرعية على جمع
المختلفات وتفريق المتنفقات.
(الفرع العاشر:)
لو ذبح المحرم أو المحل صيدا في الحرم حرم
لحمه وصار ميتة، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده
فيه بل في المدارك والحدائق الاجماع عليه انتهى.
ومستند الحكم رواية وهب بن وهب عن جعفر
عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: إذا ذبح المحرم الصيد
لم يأكله الحرام والحلال وهو كالميتة وإذا ذبح الصيد
فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام (1).

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
192

ورواية إسحاق عن أبي عبد الله عليه السلام عن علي
عليه السلام قال: إذا ذبح الحرم الصيد في غير الحرم فهو
ميتة لا يأكله محل ولا محرم، وإذا ذبح المحل الصيد
في وجوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم (1).
وضعف الروايتين منجبر بعمل الأصحاب مضافا
إلى حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل
عن الصيد يصاد في الحل، ثم يجاء به إلى الحرم، وهو
حي، قال: إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه أكله وامساكه
فلا يشتر في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جيئ
به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به الحلال (2).
والظاهر أن الأستاذ رحمه الله لم يستدل بهذه
الرواية وضوح دلالتها وكونه حسنة.
(الفرع الحادي عشر:)

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب كفارات الاحرام الحديث 1.
193

قال في الشرائع: ولا يدخل في ملكه شئ من الصيد
على الأشبه، وقيل: يدخل، وعليه ارساله إن كان
حاضرا معه انتهى
ومراده قدس سره أنه لا يدخل في ملك المحرم
شئ من الصيد، ومستند الحكم - على ما قيل - هو صحيح
معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
طائر أهلي أدخل الحرم حيا، فقال: لا يمس لأن الله
تعالى يقول " ومن دخله كان آمنا " (1)
وصحيحة الآخر قال: قال الحكم بن عيينة: سألت أبا
جعفر عليه السلام: ما تقول في رجل أهدي له
حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم، فقال: أما
إن كان مستويا خليت سبيله، وإن كان غير ذلك
أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خليت
سبيله (2)
فبعد ما دلت الروايتان على عدم جواز مسه، و
وجوب ارساله وحرمة امساكه دلتا أيضا على عدم
جواز تصرفه في الصيد بأي نحو من أنحاء التصرف

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 11 - 12.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد ح 11 - 12.
194

وهو مناف لمقتضى الملكية حيث إنها مقتضية
لجواز التصرف في الملك بأي نحو من أنحاء التصرف
إلا أنه أورد على عدم جواز التصرف الدال على
عدم تحقق الملكية بأمور:
الأول الرهن مع عدم جواز تصرف الراهن
فيه ما دام الرهن باقيا مع أنه لا يخرجه عن ملكه.
الثاني أم الولد فإنه مع عدم جواز التصرف فيها
لا تخرج بصيروتها أم ولد عن ملكه فيجوز له بيعها وعتقها
في الكفارة.
الثالث المال المحجور عليه لفلس أو سفه فإنه لا
يجوز له التصرف في ماله مع أن الافلاس أو السفاهة لا يخرج
المال عن ملكه، فيظهر من هذه الأمثلة أن عدم جواز التصرف
في المال في وقت من الأوقات لا يخرجه عن ملكه، وهنا أيضا
كذلك فإن عدم جواز المتصرف في الصيد الذي هو
ملكه ليس دائميا بل ما دام يكون محرما وكان الصيد
195

في الحرم، فإذا أحل وفرض أن الصيد قد خرج بنفسه
من الحرم فلا مانع من التصرف فيه خصوصا إذا
كان الصيد نائيا عنه، فإنه بعد الاحرام يمكن له
التصرف فيه بأنحائه
وتظهر الثمرة فيما إذا كان الصيد معه وأرسله
عند دخوله الحرم، فإن قلنا: إنه بدخوله الحرم زال
ملكه عن الصيد يمكن تملك الغير له إذا خرج الصيد
من الحرم وأما إذا قلنا: إنه لا يزول ملكه
بذلك كما اخترناه فلا يمكن
تملك الغير له، بل هو باق على ملك صاحبه يمكن له بيعه و
هبته وغير ذلك بعد خروجه من الحرم
(الفرع الثاني عشر:)
قال في الشرائع: كما يلزم المحرم في الحل من
كفارة الصيد أو الحل في الحرم يجتمعان على المحرم في
الحرم انتهى.
أما ما يلزم المحرم في الحل إذا صاد فهو الفداء
والجزاء بمثل ما صاد لقوله تعالى: فمن قتله منكم متعمدا
فجزائه مثل ما قتل من النعم " وللأخبار المعتبرة التي
تقدمت في كفارة الصيد، وأما القيمة للمحل في الحرم
196

إذا صاد صيدا فقد تقدمت رواياتها أيضا في هذا
الباب الذي نحن فيه أعني أحكام الحرم للمحل فحينئذ
إذا صاد المحرم في الحرم يجتمع كلا الفدائين عليه لتعدد
السبب المقتضى لتعدد المسبب، والظاهر أن عليه
الفداء والقيمة معا، وقيل: إن عليه قيمتين، وقيل: إن
عليه فدائين، ومنشأ الاختلاف هو اختلاف التعابير
الواقعة في الأخبار.
أما وجوب الفداء والقيمة عليه فيدل عليه جملة
من الأخبار:
منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة: درهم
أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة (1) الحديث.
ومنها رواية الحارث بن مغيرة عنه عليه السلام قال: سئل
عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم قال: عليه لكل

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
197

بيضة شاة، وعليه ثمنها: سدس أو ربع درهم، الوهم
من صالح، ثم قال: إن الدماء لزمته لأكله وهو محرم
وإن الجزاء لزمه لأخذ بيض حمام الحرم (1).
وهذه الرواية - وإن وردت في أكل بيض الحمام
الحرم إلا أن التعليل يعمم الحكم بالنسبة إلى الحمام وغيره
من أنواع الصيد
ومنها رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام
قال: سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو
غير محرم، قال: عليه قيمتها، وهو درهم يتصدق به
أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، وإن قتلها وهو محرم
في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة (2).
ومنها صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر
عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن
يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه أيضا
فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه (3).

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 1.
198

ويحتمل أن يكون المراد أن حكم الحمامة بل كل صيد
كذلك إلى أن يبلغ الظبي، فإن حكم الجميع ما ذكرت
لك، ولم يذكر الأستاذ قدس سره هذا الاحتمال: و
هو بنظري القاصر احتمال قريب
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم
فقال: عليه شاة وقيمة الحمامة: درهم يعلف به حمام
الحرم، وإن كان فرخا فعليه حمل وقيمة الفرخ: نصف
درهم يعلف به حمام الحرم (1)
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم
قال: عليه شاة، قلت: فإن قتلها في جوف الحرم
قال عليه شاة وقيمة الحمامة (2).
ومنها روايته الثالثة عنه عليه السلام قال: قلت: ما

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 - 2.
199

تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال:
عليه ربع قيمة الغزال، قلت: فإن هو كسر قرنيه، قال:
عليه نصف قيمته (إلى أن قال:) قلت: فإن هو قتله،
قال: عليه قيمته، قال: فإن هو فعل به وهو محرم في الحل
(في الحرم ظ) قال: عليه دم يهريقه إذا كان محرما
في الحرم (1).
والظاهر أن نسخة " وهو محرم في الحل " تصحيف
بقرينة الجواب حيث إنه فرض المسألة في ما إذا فعل
ذلك وهو محرم في الحرم، فلذا حكم عليه بوجوب كلا
الأمرين إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما ما دل على أن عليه قيمتين فهو رواية سليمان
بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: ما في
القمري والدبسى والسمان والعصفور والبلبل؟
قال: قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان وليس عليه دم (2)
ورواية المفيد عنه عليه السلام قال: المحرم لا يأكل

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
200

الصيد وإن صاده الحلال، وعلى المحرم في صيده
في الحل الفداء وعليه في الحرم القيمة (1).
ولكن رواية سليمان بن خالد غير قابلة للاعتماد
لضعف سندها وعدم تكافئها لتلك الروايات
الكثيرة المعتبرة، ورواية المفيد يمكن أن يكون المراد
بالقيمة فيها هي ما يعم الفداء خصوصا مع تصريحه
بالفداء في المحرم الذي صاد في الحل مع احتمال أن
يكون المراد القيمة مع الفداء لاجتماع السببين، مضافا
إلى أن الروايتين بظاهرهما متنافيتان لظاهر قوله
تعالى " فمن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم "
حيث إن اطلاقه يشمل المحرم الذي قتل الصيد
في الحرم فأثبت عليه الفداء دون القيمة، وهذا الوجه
لم يذكره الأستاذ رحمه الله.
وأما ما دل على تضاعف الجزاء عليه فهو حسنة

(1) المقنعة ص 71.
201

معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكل
شيئا من الصيد وإن صاده حلال، وليس عليك
فداء شئ أتيته (إلى أن قال:) فإن أصبته وأنت
حلال - في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته
وأنت الحرام في الحل فعليك القيمة، وإن أصبته وأنت
حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا وأي قوم
اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل انسان
فيه قيمة، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك (1).
وحسنة الأخرى عنه عليه السلام قال: إن أصبت
الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك
الحديث (2).
ورواية ريان بن شبيب عن مولانا الجواد
عليه السلام في مسألة يحيى بن أكثم الطويلة أنه قال فيها:
إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الطير من ذوات
الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة، وإن أصابه
في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا (3) الحديث.

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
202

ولكن يمكن أن يكون المراد بتضاعف الجزاء هو ما
ذكر في سائر الأخبار من وجوب الفداء والقيمة عليه
خصوصا حسنة معاوية بن عمار الأولى فإنه ذكر (ع) في
الفرض الثاني أعني إذا أصاب أعني إذا أصاب المحرم الصيد في الحل
أن عليه القيمة مع أن من المعلوم أن عليه الجزاء فيعلم منه
أن المراد بالقيمة والفداء شئ واحد فالمراد بتضاعف
الفداء هو الفداء والقيمة معا فعبر عليه السلام في الرواية الثانية
عن أحدهما بالآخر.
والحاصل أن الأقوى ما عليه المشهور من أن
على المحرم في الحرم إذا قتل الصيد الفداء والقيمة معا
للروايات المتظافرة الواردة في الحمام، وورودها في
الحمام غير ضائر بعد عدم الفرق بين الحمام وغيره في
الحكم، مع أن الرواية الأخيرة وردت في الغزال، وهذا
أي وجوب الفداء والقيمة على المحرم الذي صاد في الحرم
203

فيما إذا لم يبلغ الفداء البدنة، فإن بلغ الفداء البدنة
بأن قتل المحرم نعامة في الحرم فليس عليه الافداء
واحد وهو البدنة.
ومستنده مرسلة حسن بن علي الفضال عن
بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما يكون
الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة
فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، لأنه أعظم ما يكون
قال الله عز وجل: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب " (1).
وروايته الأخرى عن رجل سماه عنه عليه السلام في
الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة فإذا بلغ البدنة فليس
عليه التضعيف (2).
نعم تعارض الروايتين الروايات المتقدمة الدالة
- باطلاقها - على تضاعف الفداء بمعناه المتقدم
الشاملة للبدنة وما دونها مع كون الروايتان لا تكافئان
تلك الروايات المعتبرة لضعفهما بالارسال، إلا أنه يمكن

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 2.
204

أن يقال: إن ضعفهما منجبر بعمل المشهور حيث إن
هذا القول أعني عدم التضاعف فيما إذا بلغ الفداء
البدنة محكى عن الشيخ وابن حمزة وابن براج وابن سعيد
والعلامة وولده، بل عن المسالك أنه المشهور، فيمكن
تخصيص الروايات المتقدمة بهاتين الروايتين.
(الفرع الثالث عشر:)
أنه إذا تكرر من المحرم الصيد فإن كان متعمدا
فلا شئ عليه سوى الفداء بالنسبة إلى المرة الأولى
وأما بالنسبة إلى المرة الثانية فليس عليه شئ سوى
الإثم لقوله تعالى: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم " (إلى أن قال:) ومن عاد فينتقم الله منه ".
فيستفاد من الآية أنه إذا عاد فليس عليه شئ سوى
انتقام الله منه مضافا إلى النصوص الآتية الدالة على
ذلك، وأما إذا كان تكرر الصيد منه سهوا أو جهلا
وإن كان جهلا بالحكم فيجب عليه تكرر الفداء، ومستنده
205

روايات كثيرة معتبرة:
منها صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا
عليه السلام قال: سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة
قال: عليه كفارة، قلت: فإن أصابه خطأ، قال: و
أي شئ الخطأ عندك؟ قلت: ترمي هذه النخلة
فتصيب نخلة أخرى، فقال: نعم هذا الخطأ عليه
الكفارة، قلت: فإنه من أخذ طائرا متعمدا فذبحه
وهو محرم، قال: عليه الكفارة، قلت: جعلت فداك
ألست قلت: إن الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء؟
فبأي شئ يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال:
إنه أثم ولعب بدينه (1).
ولكن هذه الرواية لا تدل على أكثر من وجوب
الفداء عليه في المرة الأولى ولا تدل على تكرر الفداء
بتكرر الصيد.
ومنها مرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة عند

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
206

الأصحاب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة، فإن
أصابه ثانية فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ، فإن
أصابه متعمدا كان عليه الكفارة، فإن أصابه ثانية متعمدا
فهو ممن ينتقم الله منه، والنقمة في الآخرة ولم يكن عليه
كفارة (1).
ومنها مرسلته الأخرى عن بعض أصحابه قال:
إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما
أصاب الكفارة (2)
ومنها صحيحته الأخرى عن معاوية بن عمار قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: محرم أصاب صيدا،
قال: عليه الكفارة، قلت: فإن هو عاد، قال: عليه كلما
عاد الكفارة (3).
وهي محمولة - بقرينة سائر الأخبار - على غير صورة

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
207

اعمد، فلا يمكن الأخذ باطلاقها كما توهم، هذا كله في غير
صورة العمد
وأما صورة العمد فيدل على عدم وجوب شئ
عليه - إذا عاد - إلا انتقام الله منه مضافا إلى دلالة
مرسلة ابن أبي عمير الأولى التي تقدمت - روايات
أخر:
منها صحيحة ابن أبي عمير أيضا عن حماد عن الحلبي
عنه عليه السلام قال: المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزائه
ويتصدق بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيدا
آخر لم يكن عليه جزائه وينتقم الله منه، والنقمة في الآخرة (1)
وأورد على ظاهر هذه الرواية بأنه كيف يمكن
التصدق بالصيد على مسكين مع أن الصيد يصير
بقتل المحرم له - ميتة كما تقدم؟
ويمكن دفع هذا الايراد بأحد وجهين.
الأول أنه على فرض عدم امكان الالتزام بظاهر
هذه الجملة من الرواية فالرواية بالنسبة إلى ما أردنا اثباته

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
208

واضحة الدلالة.
الثاني أن يقال: إن قوله (ع) ويتصدق بالصيد
على مسكين " الباء فيه ليس للتغدية حتى يلزم ما ذكر
فإنه يحتمل أن تكون الباء للسببية، والمراد حينئذ بالصيد
معناه المصدري أي الاصطياد للصيد، فيصير
معنى هذه الجملة أنه بسبب اصطياده للصيد لا بد له
من أن يتصدق شيئا على مسكين.
ومنها حسنته الأخرى عن حماد عن الحلبي أيضا
عنه عليه السلام في محرم أصاب صيدا قال: عليه الكفارة
قلت: فإن أصاب آخر قال: إذا أصاب آخر
فليس عليه كفارة، وهو ممن قال الله عز وجل " وممن قال الله عز وجل " ومن
عاد ينتقم الله منه (1).
وهذه الرواية وسابقتها وإن كانتا مطلقتين إلا أن
الاستدلال فيهما بالآية المباركة جعلهما كالصريحتين في أن

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
209

أن المراد بهما العمد، فإنه لا معنى للانتقام منه في
الآخرة مع تحقق الصيد ثانيا من المحرم خطأ أو سهوا
مضافا إلى دلالة مرسلته الأخرى صريحا في العمد
وهي مرسلته عن بعض أصحابه قال: إذا أصاب
المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة
وإذا أصاب متعمدا فإن عليه الكفارة، فإن عاد
فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه شئ (كفارة خ ل) و
هو ممن قال الله عز وجل: " ومن عاد فينتقم الله منه " (1).
وهذه الرواية - وإن لم ينته سندها إلى الإمام عليه السلام -
إلا أن مثل ابن أبي عمير لا يروي إلا عن الإمام (ع)
كما هو واضح مع أنك قد عرفت في مرسلته
الأولى التي هي بهذا المضمون أنه أسندها إلى الصادق
عليه السلام.
ومنها مرسلة ريان بن شبيب التي تقدم قطعة منها
المروية عن الجواد عليه السلام الطويلة أنه قال فيها: وكلما أتى

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
210

به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شئ عليه إلا الصيد فإن عليه
فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم بخطأ كان أم بعمد، (إلى
قال:) فإن عاد فهو ممن ينتقم الله منه الحديث (1).
وهذه الرواية قد بينت حكم الخطأ والجهل أيضا
والظاهر شمولها للجهل بالحكم أيضا.
وربما قيل بوجوب تكرر الكفارة بتكرر الصيد
مطلقا أي سواء كان عمدا أو غيره تمسكا باطلاق حسنة
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: محرم أصاب
صيدا، قال: عليه الكفارة، قلت: فإن هو عاد، قال:
كلما عاد الكفارة (2).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام في المحرم يصيب
الصيد، قال: عليه الكفارة في كل ما أصاب (3).
ولكن يمكن أن يجاب عن الروايتين بأنهما مطلقتان

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 3.
211

يمكن تقييدها بتلك الروايات الدالة على
عدم الفداء على المتعمد جمعا بين الأخبار، مع امكان
أن يقال: إن المراد من الرواية الثانية بالكلية، الكلية
بالنسبة إلى أفراد الصيد فلا ارتباط لها حينئذ بصورة
التكرر.
(الفرع الرابع عشر:)
قال في الشرائع: لو اشترى محل بيض نعام
لمحرم فأكله كان على المحرم من كل بيضة شاة
وعلى المحل عن كل بيضة درهم انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل
في المسالك الاتفاق عليه انتهى.
ومدرك الحكم - بعد دعوى الاجماع - هو
صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن رجل محل اشترى لرجل محرم نعامة
فأكله المحرم، قال: على الذي اشتراه للحرم فداء
وعلى المحرم فداء. قلت: وما عليها؟ قال: على المحل
212

جزاء قيمة البيض: لكل بيضة درهم، وعلى المحرم لكل
بيضة شاة (1).
والرواية مطلقة شاملة لشراء المحل البيض في الحل
ولا يرد على ذلك بأن المحل ليس عليه شئ في
الحل لأنا نقول: بأنه لا مانع في مورد دل دليل على
وجود شئ عليه، وهنا اطلاق الدليل شامل للمحل
في الحل، بل قيل: إن الرواية مختصة بالمحل في الحل
بل في المسالك " يمكن وجوب أكثر الأمرين عليه
من القيمة والدرهم لو كان في الحرم لأن حكم البيض
المذكور يقتضي تغليظا، فلو اقتصر على الدرهم مع
وجوب القيمة في غيره مع فرض زيادتها عليه لكان
أنقص منه، والواقع خلافه انتهى.
ولكن اطلاق الرواية الشامل للحرم أيضا يدفع
هذا الاحتمال، وفال في المسالك أيضا: إن الأكل إن

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
213

كان في الحل فالحكم كما ذكر، وإن كان في الحرم ففي تضاعف
الفداء بحيث يجتمع عليه شاة والدرهم نظر من اطلاق للقاعدة
الدالة على الاجتماع ومن اطلاق النص هنا على وجوب
الشاة، ويمكن هنا قويا أن يجمع بين المطلقتين بالتضاعف
لعدم المنافاة إلا أن الأصحاب هنا لم يصرحوا بشئ انتهى
أقول: عدم تصريح الأصحاب هنا بشئ يستكشف
منه أن هذه المسألة منحاز حكمها عن تلك المسألة وأنهم
تمسكوا هنا باطلاق النص الخاص الوارد فيه.
ثم ذكر في المسالك في هذه المسألة فروعا كثيرة
وحيث إن الأستاذ لم يذكر ما هو مختاره فيها بل تعرض
لبيان كلام المسالك فنحن أعرضنا عن ذكرها صفحا.
(الفرع الخامس عشر:)
قال في الشرائع أيضا: ولا يدخل الصيد في
ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث
هذا إذا كان عنده، ولو كان في بلده ففيه تردد، والأشبه
أنه يملك انتهى.
ومستند عدم دخول الصيد في ملك المحرم
214

بأي سبب من أسباب التمليك - أولا دعوى
الاجماع عليه كما عن المنتهى.
وثانيا دلالة ظاهر قوله تعالى عليه أعني
قوله " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فإنه
يستفاد منه حرمة جميع التصرفات في الصيد ما دام
محرما، فإذا حرم عليه جميع التصرفات فمعناه عدم
امكان تملكه له في هذه الحال، فإذا لم يمكنه التملك
فلا فرق حينئذ في أسباب التملك سواء كانت
اختيارية كالابتياع والاصطياد والاتهاب و
غير ذلك أو قهرية كالإرث.
والحاصل أن الآية الكريمة حرمت على المحرم جميع
الانتفاعات من الصيد، فإذا فرض أن التملك من
جملة الانتفاعات لترتبها عليه يحرم عليه بجميع أقسامه
وثالثا دلالة رواية أبي سعيد المكاري على
ذلك فإنه روى عن الصادق عليه السلام أنه قال:
215

لا يحرم أحد ومعه شئ من الصيد حتى يخرجه عن
ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه، فإن
لم يفعل حتى يدخل ومات لزمه الفداء (1).
فإن الرواية صريحة في وجوب اخراجه عن ملكه
إذا أراد الاحرام فيعلم عدم قابلية الصيد للتملك للمحرم
ثم إنه يستفاد من الرواية المصرحة بلزوم الفداء
لو لم يخله بعد دخوله الحرم حتى هلك - أنه خرج
بذلك عن ملكه، وإلا فلا معنى للفداء عن ملكه وضمانه
عن ملك نفسه.
إلا أنه ناقش في المدارك في تحريم الانتفاعات
بأنه استدلال ضعيف إذ لا يلزم من تحريم الانتقاع
به على المحرم في حال احرامه خروجه عن المالية
بالنسبة إليه مطلقا ونقل عن الشيخ رحمه الله تعالى
أنه حكم بدخوله في الملك وإن وجب ارساله كما في
صيد الحرم ولا يخلو من قوة انتهى، ولعله إشارة إلى

(1) التهذيب ج 5 ص 367 على ما حكي عنه.
216

ما ذكرناه في مسألة عدم تملك المحل فلصيد إذا
دخل الصيد في الحرم.
وكيف كان فما حكاه عن الشيخ حكى خلافه عنه
في المختلف حيث تقل عنه أنه قال: إذا انتقل الصيد
إليه بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت
إلى أن يحل فإذا أحل ملكه، وعلى أي حال فعلى فرض
تملكه لا يجوز له القبض من الواهب أو البائع أو غيرهما
إلا بعد أن يحل من إحرامه.
وكذا لا يجوز الأخذ من التركة لحرمة اثبات اليد
على الصيد للمحرم، وعلى فرض عدم تملكه للصيد
حتى بالإرث فعن كشف اللثام " يبقى الموروث
على ملك الميت إذا لم يكن له وارث غيره، وإذا
أحل قبل قسمة التركة شارك في الصيد أيضا، و
إلا فلا، إن لم يكن معه إلا وارث أبعد اختص
بالصيد، وهو بغيره انتهى، ولكن لا يخلو ما
217

ذكره من نظر كما في الجواهر، ووجه النظر أن الأبعد
لا يرث مع وجود الأقرب لقوله تعالى: " وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (1).
مضافا إلى أنه كيف يمكن بقاء الموروث على ملك
الميت في هذه المدة مع أن الميت غير قابل للتملك،
ولم يذكر الأستاذ ره هذا الاشكال
وقال في كشف اللثام أيضا: ولو أحرم بعد بيع
الصيد وأفلس المشتري أو ظهر عيب في الثمن أو كان باعه
بخيار لم يكن له حالة الاحرام أخذ العين، وللمشتري رده
لعيب أو غيره من أسباب الخيار ولكن ليس به الأخذ انتهى.
ويرد عليه أنه إذا لم يمكنه أخذ العين فكيف يمكن للمشتري
فسخ البيع بخيار كالعيب ونحوه، فإن الفسخ مستلزم لرد الثمن
إلى المشتري والمبيع إلى البايع، والمفروض في صورة احرام
البائع امكان رد الثمن إلى المشتري وعدم امكان رد الثمن
إلى البائع المحرم فكيف يتحقق الفسخ بتحقق أحدهما دون الآخر
نعم يمكن أن يقال: إنه لا يمكنه إعمال الخيار إلا بعد خروج

(1) سورة الأحزاب الآية 6.
218

البايع عن الاحرام.
ولو استودع أحد صيدا محلا فأراد المحل الاحرام
فلا بد له من رد الصيد إلى مالكه، فإن تعذر رده إلى
الحاكم الشرعي، فإن تعذر فإلى ثقة، فإن تعذر فهل يجوز له
إرساله ثم يضمن قيمته للمالك أو يجب أن يكون عنده ولا يجوز
إرساله ترجيحا لحق الناس على حق الله ثم يفديه؟ فيه وجهان
لا يبعد التفصيل بين الاحرام الواجب والاحرام المستحب
فإن كان الاحرام مستحبا بأن أحرم لحج مستحبي أو لعمرة مستحبية
فلا يبعد أن يقال بعدم جواز الاحرام حينئذ لأنه يستلزم هذا
الأمر المستحب لارتكاب أحد المحرمين: إما ارسال الصيد
وهو تضييع لمال الناس لأمر مستحب أو ابقاء الصيد معه
واعطاء فدائه وهو أيضا محذور.
وأما إذا كان الاحرام واجبا بأن كان لحج واجب
أو عمرة واجبة فيمكن أن يقال بجواز أحد الأمرين لترجيح
الأهم وهو الحج الواجب على المهم وهو حفظ مال الناس
219

ومن المحقق الترجيح لحفظه معه وفدائه - على إرساله جمعا
بين حق الناس وحق الله.
هذا كله - أي عدم تملك المحرم للصيد - في صورة
كون الصيد معه، وأما إذا كان نائيا عنه بأن كان في بلده
فقد ذكر في الشرائع: أن الأشبه أنه يملك، ووجهه
أن الآية المتقدمة يمكن دعوى انصرافها عن هذا
الفرض لكون مفروضها الصيد الذي هو مورد ابتلاء
المحرم، فالصيد الذي هو خارج عن محل ابتلائه
لا يمكن تحريمه لكون الخطاب بتحريمه يصير لغوا.
مضافا إلى دلالة بعض الأخبار عليه.
منها صحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله و
من الطير يحرم وهو في منزله، قال: وما به بأس
لا يضره (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن الرجل يحرم وعنده في أهله صيد

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
220

إما وحش وإما طير، قال: لا بأس (1).
(الفرع السادس عشر:)
أنه لو اضطر إلى الصيد وإلى الميتة فهل يأكل
من الصيد أو من الميتة أو هو مخير بينهما؟ ففي الجواهر:
أن فيه خمسة أقوال.
الأول: الأكل والفداء أي الأكل من الصيد
وفدائه مطلقا.
الثاني: الأكل إن تمكن من الفداء حال الأكل
في قول أو ولو مع الرجوع إلى ماله كما في آخر.
الثالث التخيير بينهما، والرابع التفصيل أي التفصيل
بين ما إذا وجد الصيد مذبوحا ذبحه المحل فيأكل
من الصيد وبين ما إذا اضطر إلى ذبح الصيد فيأكل
من الميتة لأن المحرم إذا ذبح الصيد يصير ميتة كما تقدم
والخامس ترجيح الميتة مطلقا حكاه ابن إدريس

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
221

إلا إنا لم نتحققه انتهى مع بيان مامنا.
والأقوى هو القول الأول للروايات الكثيرة
المعتبرة التي فيها الصحاح:
منها صحيحة زرارة وابن بكير عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم
قال: يأكل الصيد ويفدي (1).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: سألته
عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟
قال يأكل من الصيد، أما يجب أن يأكل من ماله؟
قلت: بلى، قال: إنما عليه الفداء فليأكل وليفده (2).
ومنها رواية منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
محرم اضطر إلى أكل الصيد والميتة، قال: أيهما
أحب إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة؟ قلت:
الميتة لأن الصيد محرم على المحرم، فقال: أيهما أحب

(1) - (2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 1.
222

أن تأكل من مالك أو الميتة؟ قلت: آكل من مالي،
قال: فكل الصيد أفده (1).
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة وهو يجد
الصيد قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله عز وجل
قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد
قال: تأكل من مالك أحب إليك أو الميتة؟ قلت: من
مالي، قال: هو مالك وعليك فدائه، قلت: فإن
لم يكن عندي مال، قال: تقضيه إذا رجعت إلى
منزلك (2).
ويرد على ظاهر الرواية أن الصيد غير قابل
للتملك في حال الاحرام فكيف قال (ع): هو مالك؟
ويمكن الجواب عن ذلك بأنه يمكن أن يصير ماله عند
الضرورة، فيجوز أن يأكل منه حينئذ ويفديه بحكم هذه

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 2.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7 - 2.
223

الروايات، أو المراد هو مالك مع قطع النظر عن الاحرام
ولم يذكر الأستاذ ره الاحتمال الثاني.
وذيل الرواية دال على أنه لا يلزم أن يكون قادرا
على الفداء حين الأكل، بل وإن كان قادرا عليه
بعد الرجوع إلى منزله يجوز له الأكل، وهو على خلاف
ما ذكره بعض الأصحاب من أنه يجب أن يكون
قادرا على الفداء حين الأكل، فالرواية حجة عليه.
ومنها مرسلة الصدوق عن أبي الحسن الثاني
عليه السلام قال: يذبح الصيد ويأكله أحب إلى من
الميتة (1).
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد
وميتة، وقلت: إن الله عز وجل حرم الصيد وأحل
الميتة، قال: يأكل (الصيد) ويفديه فإنما يأكل ماله (2).
ومنها رواية أبي أيوب قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل اضطر وهو محرم - إلى صيد

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 - 5.
224

وميتة من أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، قلت:
فإن الله قد حرمه عليه وأحل له الميتة، قال: يأكل و
يفدي فإنما يأكل من ماله (1)، إلى غير ذلك من الأخبار
ولكن تعارض هذه الروايات رواية عبد الغفار
الجازي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم إذا
اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا، قال: يأكل
الميتة ويترك الصيد (2).
ورواية إسحاق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال:
إن عليا عليه السلام كان يقول: إذا اضطر المحرم إلى الصيد
وإلى الميتة فليأكل من الميتة التي أحل الله له (3).
ولذا قال بعض بالتخيير بينهما، وقال الآخر بتقديم
الميتة على الصيد ترجيحا للروايتين على تلك الروايات
مع اعتضادهما بأن الميتة قد أحلها الله له عند الضرورة
بخلاف الصيد فإنه تعالى قال: وحرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما " ولم يستثن من ذلك صورة الاضطرار

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 - 12 - 11.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 - 12 - 11.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 - 12 - 11.
225

إلا أن الروايتين ضعيفتا السند غير قابلتين
للمعارضة مع تلك الروايات المعتبرة المعمول بها
عند الأصحاب، والوجه الاعتضادي وغيره من
الوجوه الاعتبارية لا اعتداد بها في قبال تلك
الروايات المصرحة بجواز الأكل من الصيد المانعة من الأكل
الميتة.
ومن ذلك كله يظهر ما في سائر الأقوال.
وإذا كان الصيد مملوكا ففدائه لصاحبه، قاله في
الشرائع، ولعل وجهه أنه لا يجب عليه الافداء واحد
فإذا قلنا: إن الفداء يكون لله تعالى لزم سقوط
حق المالك والحال أن أدلة ضمان الاتلاف عامة
شاملة لما نحن فيه، وتقييد أدلة الضمان أدلة الفداء
يستلزم أن يكون جناية هذا موجبة لسقوط حق هذا
عن ماله، وهو مما لا يمكن الالتزام به فإنه كيف يمكن
أن تكون جناية أحد موجبة لسقوط حق الآخر؟
فلا بد من أن يكون الفداء لمالك الصيد وفاتا
226

للأكثر كما عن المسالك، ولا بد من أن يكون مفروض
المسألة في ما إذا قتل المحرم الصيد في الحل كما لا يخفى
فإن الصيد إذا دخل الحرم خرج عن ملك مالكه
فلا يملكه الحل والمحرم كما تقدم، فتعميم الحكم إلى المحل
والمحرم وإلى الحرم وخارجه - كما عن المسالك ناشئ
عن الغفلة، هذا
ولكن يمكن أن يقال: يمكن الالتزام بلزوم الفداء
لله تعالى والضمان لمالكه أي بوجوب كلا الأمرين
عليه جمعا بين الحقين أي حق الله تعالى وحق الناس
وهو القيمة لمالك الصيد، ولا منافاة بينهما بعد دلالة
اطلاق الدليلين عليه أعني الدليل الدال على وجوب
الفداء على المحرم إذا قتل الصيد وهو الآية المتقدمة
أعني قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم هديا بالغ
الكعبة وكذا الأخبار المتقدمة، والدليل على ضمان مال
الغير لو أتلفه هو قوله (ع): من أتلف مال الغير فهو له
227

ضامن ".
ولم يلزم من العمل بكلا الدليلين مخالفة الاجماع
فإن العلامة في التذكرة والتحرير والشهيد في
الدروس والمحقق الشيخ على - على ما حكي عنهم
- اختاروا هذا القول، واختاره أيضا صاحب
الجواهر وهو الأقوى.
نعم إذا ارتكب بالنسبة إلى مال الغير ما لا
يستلزم الضمان بأن دل المحرم أو المحل مثلا على
الصيد يضمن الفداء فقط.
هذا كله في ما إذا كان الصيد مملوكا، وأما
إذا لم يكن مملوكا فيتصدق بفداه
لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ
الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه،
فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق
بمثل ثمنه (1).

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
228

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه
شاة وثمن الحمامة: درهم أو شبهه يتصدق به (1).
ويظهر من بعض الأخبار أن ثمن ما صاده
يشتري به طعاما لحمام الحرم:
كرواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد
عليه السلام: رجل أصاب طيرين: واحدا من حمام
الحرم والآخر من حمام غير الحرم قال: يشتري
بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم
ويتصدق بجزاء الآخر (2).
وصحيحة الحلبي عنه عليه السلام في رجل أغلق
باب بيت على طير من حمام الحرم فمات، قال:
يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم (3).

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 - 1.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 - 1.
229

وصحيحة صفوان عن الرضا عليه السلام قال: من
أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة: درهم
يشتري به علفا لحمام الحرم (1).
ثم إن الفداء الذي لزمه لا بد من أن يذبحه
بمكة إن كان محرما بالعمرة، وبمنى إن كان محرما بالحج
وهذا مشهور بالنسبة إلى احرام الحج، بل عن المدارك
أنه قال: لا أعلم فيه مخالفا ".
أما بالنسبة إلى احرام العمرة فهو مختار المحقق
في الشرائع والنافع والشيخ في الخلاف وسلار
في المراسم والصدوق في الفقيه والمقنع وابن
زهرة في الغنية على ما حكي عنهم.
نعم عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع
التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى
وعن روض الجنان والمهذب البارع لابن فهد
التصريح بجواز ذبح الهدي في العمرة المبتولة أي المفردة
بمنى، أما مستند المشهور فروايات: منها قول الجواد

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
230

عليه السلام في مباحثته مع يحيى بن أكثم الطويلة قال:
وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ
الكعبة حقا واجبا أن ينحره، إن كان في حج - بمنى
وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة الحديث (1).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق
عليه السلام قال: من وجب عليه فداء صيد أصابه محرما
فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، وإن
كان معتبرا نحره بمكة قبالة الكعبة (2).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الحرم
إذا أصاب صيدا فوجب عليه الهدي فعليه أن
ينحره إن كان في الحج - بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان
في عمرة نحر بمكة، وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه
فإنه يجزي عنه (3).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
231

ولكن يستفاد من بعض الأخبار أنه يذبح
الفداء في موضع إصابة الصيد:
كمقطوعة ابن عمار في الصحيح قال: يفدي
المحرم فداء الصيد من حيث صاد، كذا في الجواهر
إلا أنه في الوسائل من حيث أصابه (1).
وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر
من موضعه الذي أصاب فيه الصيد وقوم جزائه
من النعم دراهم (2) الحديث.
ورواية حريز عن محمد قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي
جيئ به وهو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه
شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه (3).
إلا أن مقطوعة ابن عمار غير قابلة للاعتماد

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
232

لأن قوله: يفدي الخ لم يعلم أنه من كلام الإمام (ع)
أو من كلام ابن عمار مضافا إلى الجواب الذي
نذكره في الرواية التي بعدها بالنسبة إلى قوله:
" من حيث صاد أو من حيث أصابه "
وأما صحيحة أبي عبيدة فيمكن أن يكون من "
في قوله: من موضعة " للابتداء، فيصير معنى
الجملة لم يجد الفداء من، هذا للموضع الذي أصاب
فيه الصيد إلى أن يصل إلى منى أي لم يجد الفداء
في مجموع هذه المدة فحينئذ تصل النوبة إلى التصدق
بثمن الفداء، وهذا لا ارتباط له بذبح الفداء في
موضع الصيد.
وأما رواية جرير عن محمد فيحتمل أن يكون
معنى قوله: فليتصدق مكانه " فليتصدق بدله
فالمكان هنا بمعنى البدل لا بمعنى فليتصدق في
هذا المكان مضافا إلى أن روايات كون موضع
233

فداء العمرة المفردة مكة، وفداء الحج - منى أكثر عددا
وأصح سندا وأكثر عملا، فالعمل على طبقها متعين.
نعم يستفاد من بعض الأخبار أن هذا الحكم
- أعني كون فداء الحج بمنى وفداء العمرة بمكة - إنما
هو في فداء الصيد، وأما فداء سائر المحرمات
- أي محرمات الاحرام فيجوز ذبحها في أي موضع
شاء.
وهو رواية أحمد بن محمد عن بعض رجاله عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من وجب عليه هدي
في احرامه فله أن ينحره حيث شاء الافداء الصيد
فإن الله تعالى يقول: هديا بالغ الكعبة " (2).
ولكن الرواية مرسلة لا تكافئ تلك الروايات
مع أنها معارضة برواية محمد بن إسماعيل قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو
شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى (2).

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 5.
234

ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته: أظلل وأنا محرم؟ فقال: نعم وعليك الكفارة
قال: فرأيت عليا عليه السلام (أي الرضا (ع)) إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة
الظل (1).
فما عن المدارك من دعوى كون هذا الروايات
أعني الروايات الواردة في أن الفداء العمرة يجب ذبحه
بمكة، وفداء الحج يجب ذبحه بمنى - كما ترى - مختصة
بفداء الصيد، أما غيره فلم أقف على نص يقتضي
تعين ذبحه في هذين الموضعين، فلو قيل بجواز ذبحه
حيث كان لم يكن بعيدا للأصل.
وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن بعض رجاله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من وجب عليه هدي
في احرامه فله أن ينحره حيث شاء الافداء الصيد، فإن
الله تعالى يقول: هديا بالغ الكعبة (2) - ففيه ما لا يخفى

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 6.
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 - 6.
235

فإنه يرد عليه أولا بوجود بعض الأخبار في غير
الصيد كما تقدم آنفا.
وثانيا بضعف رواية أحمد بن محمد بالارسال
فلا يمكن معارضتها مع الروايات المتقدمة مع اعتضادها
بعمل الأصحاب.
وأما وجه ما ذكره الشيخ وغيره في العمرة
مطلقا أو خصوص العمرة المفردة فهو ما رواه
المنصور بن حازم في الصحيح قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن كفارة العمرة المفردة أين
تكون فقال: بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها
إلى منى، ويجعلها بمكة أحب إلى وأفضل (1).
إلا أنه تعارض هذه الرواية مرسلة أحمد بن محمد
المتقدمة آنفا فإنها دلت على أن كفارة الصيد موضعها
بمكة، فيمكن أن تحمل صحيحة منصور بن حازم على كفارة
غير الصيد كما حمله الشيخ على ذلك فإن رواية أحمد بن محمد وإن كانت مرسلة لكن الترجيح في جانبها

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
236

لاعتضادها بالروايات المتقدمة الدالة باطلاقها على
أن فداء العمرة لا بد من أن يذبحه بمكة، وتحمل تلك
الروايات على فداء الصيد جمعا بينها وبين صحيحة منصور
بن حازم التي موردها العمرة المفردة فتكون مخصصة
لتلك الروايات ولكن بالنسبة إلى فداء غير الصيد فقط
وأما فداء الصيد في العمرة المفردة فيبقى تحت
تلك الروايات والله العالم.
وأما الحاق العمرة المتمتع بها بالعمرة المفردة - كما
في الجواهر (فلا يخفى ضعفه فإن مورد صحيحة منصور
بن الحازم إنما هو العمرة المفردة فلا يمكن الحاق العمرة
المتمتع بها بالعمرة الفردة، فتبقى المتمتع بها تحت تلك للعمومات
(البحث في كفارة باقي المحذورات:)
(الباب الرابع:)
في كفارة الاستمتاع بالنساء فمن جامع امرأته عالما
237

عامدا فسد حجه وعليه بدنة ويجب عليه اتمامه في
هذا العام وإعادة الحج في القابل سواء كان الجماع
في القبل أو في الدبر وهذا الحكم في الجملة اجماعي
كما ادعاه في المدارك والجواهر، وتدل عليه الروايات
المعتبرة:
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله،
فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ وإن لم يكن
جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة ويفرق بينهما
حتى يقضي المناسك ويرجعا إلى المكان الذي
أصابه فيه ما أصابا وعليهما الحج من قابل (1).
ومنها حسنة زرارة قال: سألته عن محرم غشى
امرأته وهي محرمة، فقال: جاهلين أو عالمين؟ فقلت:
أجبني على الوجهين جميعا، قال: إن كانا جاهلين
استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شئ

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
238

وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا
فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان
الذي أصابا فيه فرق بينهما حتى يقضيا مناسكهما و
يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت:
فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيه ما
أحدثا، والأخرى عليهما عقوبة (1).
ويستفاد من هذه الرواية أن المراد بفساد الحج
الذي ورد في بعض الأخبار هو نقصان المصلحة
التي وقعت فيه بالجماع ويجب تداركه - أي النقصان -
بالاتيان بالحج من قابل ولا يضر الرواية الاضمار بعد
معلومية أن مثل زرارة - مع جلالة قدره لا يسأل إلا
عن الإمام عليه السلام.
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله، فقال:

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9.
239

قد أتى عظيما، قلت: قد ابتلى، قال: استكرهها أو لم
يستكرهها؟ قلت: أفتني فيهما جميعا، فقال: إن
استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يستكرهها فعليه
بدنة وعليها بدنة (1).
ومنها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن محرم وقع على أهله، قال: عليه
بدنة، قال: فقال له زرارة: قد سألته الذي سألته عنه، فقال لي:
عليه بدنة، قلت: عليه شئ غير هذا؟ قال: نعم
الحج من قابل (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي
مزدلفة فعليه الحج من قابل (3).
ومنها رواية سليمان بن خالد قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول - في حديث: والرفث

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 - 1.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 - 1.
240

فساد الحج (1).
وهذه الرواية يظهر منها أن الحج يصير بالجماع
فاسدا فإن الرفث هو الجماع، وظاهر هذه الرواية
مناف لرواية زرارة المتقدمة فإن تلك قد دلت
أن فرضه، الحج الأول الذي وقع فيه الجماع، وهذه الرواية
قد دلت على فساد الحج بالجماع إلا أن يجمع بينهما بحمل
الفساد في رواية سليمان بن خالد على عدم الكمال
أي يتحقق بالجماع في الحج نقص، ويجب تدارك
ذلك النقص باتيان الحج من قابل.
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام قال: سألته عن الرفث والفسوق والجدال
ما هو؟ وما على من فعله؟ قال: الرفث جماع النساء
والفسوق الكذب والمفاخرة، والجدال قول الرجل
لا والله وبلى والله، فمن رفث فعليه بدنة ينحرها

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 8.
241

فإن لم يجد فشاة، وكفارة الجدال والفسوق: شئ
يتصدق به إذا فعله وهو محرم (1). - إلى غير ذلك من
الأخبار.
ولا فرق في الجماع بين القبل والدبر لاطلاق
الجماع والغشيان والآتيان والمواقعة التي وقعت
في الأخبار المتقدمة - على كليهما، بل الجماع مع الأمة
حكمه أيضا كذلك فإن الأهل شامل لها أيضا، بل
تشمل هذه الروايات للوقاع مع الأجنبية أيضا
فإن هذه الروايات وإن كان موردها الجماع
الحلال لولا الاحرام إلا أنه يستفاد منها أن الحرمة
أو فساد الحج أو وجوب البدنة أو وجوب الاتيان
بالحج من قابل - إنما هو لأجل نفس الجماع لا لأجل
الجماع مع خصوص الأهل.
مع أنه على فرض ظهور الروايات في ذلك
فالمناط الذي فيها - أي في امرأته - موجود في الزنا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الاستمتاع الحديث 16.
242

بطريق أولى، وكذا الكلام في اللواط إلا أنه قيل
بعدم هذا الحكم في اللواط استنادا إلى أصالة
البراءة وإلى صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل محرم واقع على أهله في ما
دون الفرج قال: عليه بدنة وليس عليه الحج من
قابل (1)، الظاهرة في غير الدبر.
فلذا حكي عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب
للوطئ بالدبر البدنة فقط دون الإعادة، وإن قال
في الجواهر: لم نتحققه، بل عبادته المحكية عنه في المختلف
صريحة في الموافقة انتهى
ولكن الظاهر أن الصحيحة ليس المراد منها
الوطؤ في الدبر، بل المراد الاستمتاع بغير الولوج كالتفخيذ
والأصل مقطوع بما سمعت من الروايات الشاملة

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
243

للوطء في الدبر بعد معلومية كون الدبر أحد الماتيين
وكذا لا فرق في الجماع بين الانزال وعدمه
لاطلاق الأخبار، نعم يعتبر في الجماع غيبوته الحشفة
كما في غير هذا الموضع.
ويجب على المرأة ما يجب على الرجل لو
طاوعته على ذلك من وجوب البدنة وإعادة
الحج من قابل، وأما إذا استكرهها على ذلك فعليه
بدنتان: بدنة عن نفسه وبدنة عنها.
لخبر علي بن أبي حمزة المتقدم قال: إن لم يستكرهها فعليه
بدنة وعليها بدنة (1).
ويجب أيضا عليهما - أي على الرجل والمرأة
الذين صدر منهما هذا العمل - أن يفترقا إذا بلغا
ذلك المكان الذي وقع منهما فيه هذا الفعل حتى
يفرغا من المناسك، وقيل: إن غاية الافتراق هو
وصولهما إلى الموضع الذي وقع الجماع فيه، وقيل:

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
244

غايته بلوغ الهدي محله، ومنشأ الاختلاف هو
اختلاف التعبيرات الواقعة في الأخبار.
ففي صحيحة عبيد الله أو حسنة عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: يفرق بينهما حتى ينفر الناس و
يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قال:
قلت: إن أخذا في غير الطريق إلى أرض أخرى
أيجتمعان؟ قال: نعم (1).
وفي موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال - في حديث -: قلت له: أرأيت من
ابتلى بالرفث - والرفث هو الجماع - ما عليه؟ قال:
يسوق الهدي ويفرق بينه وبين أهله حتى يقضيا
المناسك وحتى يعود إلى المكان الذي أصابا
فيه ما أصابا، فقلت: أرأيت إن أرادا أن يرجعا في
غير ذلك الطريق، قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك (2)

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الاستمتاع الحديث 14.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 15.
245

وفي مضمرة زرارة المتقدمة أنه قال فيها:
فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى
يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا
فيه ما أصابا (1) الحديث.
فإن ظاهر هذه الروايات هو وجوب التفريق
بينهما إلى أن يصلا إلى المكان الذي أصابا فيه ما
أصابا أي تحقق منهما الجماع.
وكذا صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته
وهما محرمان ما عليهما؟ فقال: إن كانت المرأة
أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي
جميعا، ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، و
حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا
وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها
فليس عليها شئ (2).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
246

نعم في حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما
ولا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى
يبلغ الهدي محله (1).
فجعل عليه السلام غاية الافتراق بلوغ الهدي محله
وبين (ع) المراد من الافتراق وأن المراد منه أن يكون
معهما من يكون وجوده مانعا من المواقعة لا الافتراق
الحقيقي.
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن رجل وقع على امرأته وهو محرم، قال: إن كان
جاهلا فليس شئ، وإن لم يكن جاهلا فعليه
سوق بدنة وعليه الحج من قابل، فإذا انتهى إلى المكان الذي
وقع بها فرق محملاهما، فلم يجتمعا في خباء واحد إلا
أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله (2).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5 - 12.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5 - 12.
247

وفي بعض الأخبار ما يدل على أن غاية الافتراق
هو الفراغ عن المناسك.
كخبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن محرم واقع أهله، قال: قد أتى عظيما،
قلت: أفتني، قد ابتلى، فقال: استكرهها أو لم يستكرهها
قلت: أفتني فيهما جميعا قال: إن كان استكرهها فعليه
بدنتان، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها
بدنة ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان
حتى ينتهيا إلى مكة وعليهما الحج من قابل لا بد منه،
قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟
فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى المكان
الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا
أحلا فقد انقضى عنهما، فإن أبي كان يقول:
ذلك (1).
وربما يجمع بين هذه الروايات المختلفة - كما عن
الرياض والحدائق - بحمل تعدد هذه الغايات

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
248

على تفاوت مراتب الفضل والاستحباب، فأعلاها
الرجوع إلى موضع الخطئية وإن أحلا وقضيا المناسك
قبله، ثم قضاء المناسك، ثم بلوغ الهدي محله كما في
الصحيحين أعني صحيحة أو حسنة معاوية بن عمار
المتقدمة وصحيحة الأخرى وهو كناية عن الاحلال
بذبح الهدي.
ولكن الأحوط المصير إلى المرتبة الأولى أي
الرجوع إلى موضع الخطيئة: ثم المرتبة الوسطى أي
تحقق الفراق بينهما إلى انقضاء المناسك سيما
في الحجة الأولى لكثيرة أخبارها واشتهارها انتهى مع
توضيحات منا وتغييرات لعباراتها.
إلا أنه قال في الجواهر: إن الذي يقتضيه
النظر في النصوص - بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق
في آخر إن لم يكن اجماع - كون الغاية العليا في الأداء
والقضاء هي محل الخطيئة، نعم يمكن تحصيل الاجماع
249

على وجوب الافتراق في حجه إلى قضاء المناسك
لا أزيد.
ثم استدل لوجوب الافتراق في الأداء إلى أن
يصلا إلى موضع الخطيئة بصحيحة معاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام قال: ويفرق بينهما حتى يقضيا
المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما
أصابا وعليه الحج من قابل (1).
وبعدم وجوب الافتراق إلى أن يصلا إلى
موضع الخطيئة بل يكفي الافتراق إلى قضاء المناسك
في القضاء بصحيحة الأخرى عنه عليه السلام والمصرحة
بالقضاء خاصة قال: سألته عن رجل وقع على امرأته
وهو محرم قال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن لم
يكن جاهلا فعليه سوق بدنة، وعليه الحج من قابل، فإذا
انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما، فلم

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
250

يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما حتى
يبلغ الهدي محله انتهى.
وهذا الذي ذكره قدس سره صحيح متين
إلا أنه يستفاد من بعض روايات وجوب الافتراق
إلى موضع الخطيئة في صورة جعل طريقه من الموضع
الذي وقع منه ما وقع.
وأما إذا جعل طريقه من غير ذلك المكان
فغاية الافتراق هو الفراغ من المناسك.
انظر إلى صحيحة عبيد الله أو حسنة عن أبي
عبد الله عليه السلام فإنه قال الراوي: قلت: إن
أخذا في غير الطريق إلى أرض أخرى أيجتمعان؟
قال: نعم (1).
وموثقه محمد بن مسلم المتقدمة عن أبي جعفر
عليه السلام حيث قال الراوي: فقلت: أرأيت إن أرادا

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 14.
251

أن يرجعا في غير ذلك الطريق، قال: فليجتمعا إذا
قضيا المناسك (1).
ثم إن هذا الحكم - أعني وجوب البدنة و
وجوب الحج من قابل - فيما إذا وقع الفعل منهما
قبل الوقوف بالمشعر ولو بعد الوقوف بعرفة
خلافا لما عن المفيد وسلار والحلبي والسيد
في الجمل فاعتبروا تقدمه على الوقوف لما روي
من أن الحج عرفة، ولقوله صلى الله عليه وآله:
من وقف بعرفة فقد تم حجه.
ولكن الروايتين - مع ضعف سندهما - يحتمل
أن يكون المراد منهما أنه قارب التمام، كقوله عليه السلام
إذا رفع الرجل رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت
صلاته، كذا نقله في الجواهر - مع أن من المعلوم
عدم تمام الصلاة بذلك، فالمراد أنه قارب
الاتمام مضافا إلى معارضة صحيحة معاوية بن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15.
252

عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الرجل
بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه
الحج من قابل (1).
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في
حديث -: إذا وقع المحرم امرأته قبل أن يأتي
مزدلفة فعليه الحج من قابل (2).
ومرسلة الصدوق عنه عليه السلام أنه قال
في حديث: إن جامعت وأنت محرم قبل أن
تقف بالمشعر فعليك بدنة، والحج من قابل،
وإن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة
وليس عليك الحج من قابل (3).
هذا كله بالنسبة إلى حكم الرجل.
وأما المرأة فإن مكنته من نفسها فعليها مثل ما
على الرجل إلى عليها بدنة والحج من قابل وإن استكرهها

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 - 10.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 - 10.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
253

الرجل فليس عليها شئ، وعلى الرجل بدنتان: بدنة
من نفسه وبدنة عنها إلا أنه لا يكون عليها قضاء
الحج من قابل.
ومستند الحكم - بعد دعوى الاجماع جملة من الأخبار
منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته
وهما محرمان ما عليهما؟ فقال: إن كانت المؤنة أعانت
بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا (إلى أن
قال:) وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها
صاحبها فليس عليها شئ (1).
ومنها صحيحة أو حسنة عبيد الله بن علي المتقدمة
عنه عليه السلام أنه قال في حديث: قلت: أرأيت
من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة، وإن كانت
المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
254

ينحرهما، وإن كان استكرهها وليس يهوى منها
فليس عليها شئ (1) الحديث.
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله قال: قد أتى
عظيما، قلت: أفتني قد ابتلى، فقال: استكرهها
أو لم يستكرهها؟ قلت: أفتني فيها جميعا، قال: إن
استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها
فعليه بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي
كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة وعليهما الحج من
قابل لا بد منه (2) الحديث.
وهذه الرواية دلالتها على كلا الأمرين - أعني
وجوب البدنة عليها ووجوب الحج عليها من قابل -
واضحة، وضعفها منجبر بما عرفت من دعوى الاجماع
ولا يعارضها الروايتان المتقدمتان أعني صحيحة سليمان

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 14.
255

بن خالد وصحيحة عبيد الله بن علي لأجل أنه ذكر
فيهما في صورة استكراهها أنه لا شئ عليها إذ نفي
الشئ عنها لا يستلزم نفي الشئ عن الرجل بوجه
من وجوه الدلالات.
وهذه الرواية قد أثبتت أن على الرجل بدنة
عنها لو استكرهها، وكذا الرواية التالية.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فيما
دون الفرج قال: عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل
وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل
ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليهما
الحج من قابل (1).
ولكن يرد على ظاهر هذه الرواية اشكالان:
أحدهما أن مفروض صدرها أنه جامع في ما دون
الفرج، فكيف يكون عليه الحج من قابل؟ أو عليها

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
256

الحج من قابل؟ مع التصريح في صدر الرواية بأنه
ليس عليه الحج من قابل.
وثانيهما أن في صورة استكراهها كيف يكون
عليهما الحج من قابل؟ مع أنها مكرهة وتصريح بعض
الأخبار المتقدمة بأنه حينئذ ليس عليها شئ.
إلا أنه يمكن أن يجاب عن الأول بأنه و
إن كان مفروض صدر الرواية الجماع في ما
دون الفرج إلا أن ذيل الرواية يمكن أن يراد به
هو الجماع المتعارف فلذا حكم بوجوب الحج عليه
أو عليهما بل لا بد من أن يحمل الذيل على ذلك
لئلا يحصل الشافي بين الصدر والذيل.
ويجاب عن الثاني بأن نسخة الجواهر
بصيغة التثنية وأما نسخة الوسائل فهي بصيغة
الافراد، وكذا حكاه في الهامش عن التهذيب
بصيغة الافراد أعني " وعليه الحج من قابل " وهو الصحيح
257

وبناء على هذا، فالنسخة التي كانت عند صاحب
الجواهر كانت مصحفة والله العالم.
والجواب عن الاشكال الثاني لم يكن
ببالي إلا أن الأستاذ (ره) قد تعرض له، وكذا الاشكال
الأول، نعم قد تعرض له ولجوابه في المسألة الآتية
وكيف كان فلا يتحمل الزوج عن الزوجة
المستكرهة إلا الكفارة، فلا يتحمل عنها القضاء للأصل
وعدم الدليل على أزيد من البدنة عليه.
(هنا مسائل:)
الأولى من جامع بعد الوقوف بالمشعر
كان حجه صحيحا إلا أنه كان عليه بدنة.
لمفهوم قول الصادق (ع) في صحيحة معاوية بن عمار
قال: إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن
يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل (1).
فإن مفهومه أنه إذا جامع بعد المزدلفة فليس

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
258

عليه الحج من قابل.
وحسنته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يزد، قال:
ينحر جزورا، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن
كان عاملا، وإن كان جاهلا فلا شئ عليه، وسألته
عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف
النساء قال: عليه جزور سمينة وإن كان جاهلا
فليس عليه شئ (1).
قوله: وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه " لا
يكون ظاهرا في فساد الحج فإن العالم بأحكام الشرع
لا يعبر عن البطلان المعلوم عنده - بالخشية، فالمراد
بالثلمة التي وردت في حجه النقصان الذي يمكن
تداركه بالجزور مضافا إلى دلالة الأخبار الكثيرة على
أن عليه جزورا أو أن عليه بدنة " الظاهرة في عدم

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
259

البطلان التي منها رواية سملة بن محرز قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله قبل
أن يطوف طواف النساء، قال: ليس عليه شئ
فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم، فقالوا: اتقاك،
هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له:
عليك بدنة، قال: فدخلت عليه، فقلت: جعلت له
فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني، فقالوا:
اتقاك، هذا ميسر قد سأله عما سألت فقال له:
عليك بدنة، فقال: إن ذلك كان بلغه فهل بلغك؟
قلت: لا، قال: ليس عليك شئ (1).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف
النساء قال: عليه جزور سمينة (2).
ومنها رواية أحمد بن محمد قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أتى امرأته متعمدا ولم يطف طواف

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 - 3.
260

النساء، قال: عليه بدنة وهي تجزي عنهما (1).
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألت أبي
جعفر بن محمد عليهما السلام عن رجل واقع امرأته قبل
طواف النساء ما عليه؟ قال: يطوف وعليه
بدنة (2).
وأما رواية حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده
فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن
يبدره، فخرج إلى منزله فنقض ثم غشى جاريته
قال: يغتسل، ثم يرجع، فيطوف بالبيت طوافين
تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ويستغفر الله
ولا يعود، وإن كان طاف طواف النساء
فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد
حجه وعليه بدنة، ثم يعود فيطوف أسبوعا (3) - فيمكن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 - 7.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 - 7.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
261

أن يكون المراد بالافساد هو نقصان الحج بالجماع فيجب
عليه جبران النقصان بالبدنة مع كون الرواية ضعيفة
السند غير منجبر ظاهرها بعمل الأصحاب للاجماع
على عدم فساد الحج بالجماع بعد الموقفين.
بقي شئ: وهو أن في عبارة صاحب
الشرائع هكذا " لو جامع بعد الوقوف بالمشعر
ولو قبل أن يطوف طواف النساء (إلى أن
قال:) كان حجه صحيحا وعليه بدنة لا غير ".
وهو بظاهره غير مستقيم فإن ظاهره وجوب
البدنة بالجماع بعد طواف النساء أيضا وهو
ظاهر البطلان، كذا استشكله في الجواهر والمدارك
ولكن يمكن أن يكون التعبير بلو الوصلية
لقوله " كان حجه صحيحا " لا لقوله " وعليه بدنة "
أي ولو كان الجماع قبل طواف النساء كان حجه
صحيحا ولا يضر ذلك بحجه فيستقيم حينئذ معنى العبارة.
262

(المسألة الثانية:)
لو طاف طواف النساء ثلاثة أشواط أو
أقل فحكمه أيضا كذلك أي كان حجه صحيحا، ولكن
عليه بدنة، وادعى عليه في الجواهر اللاخلاف
ثم قال: هو مندرج فيما سمعته من الحسن إذا المركب
لا يتم إلا بجميع أجزائه انتهى.
ومراده بالحسن هو حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: وسألته عن رجل وقع على
امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال:
عليه جزور سمينة، وإن كان جاهلا فليس عليه شئ (1).
ببيان أن من أتى بثلاثة أشواط أو دونها فكأنه
لم يأت من الطواف شيئا كما تقدم ذلك في باب الطواف.
(المسألة الثالثة:)
أنه لو جامع في ما دون الفرج كان حجه صحيحا

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 -.
263

أيضا، إلا أنه كان عليه بدنة، ومستنده ما سمعته
من صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله في ما دون
الفرج قال: عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل
(1) الحديث، وقد تقدم تمام الحديث والاشكال
الوارد على ظاهره والجواب عنه.
وحسنته الأخرى عنه عليه السلام في المحرم
يقع على أهله قال: إن كان أفضى إليها فعليه بدنة
والحج من قابل، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة
وليس عليه الحج من قابل (2).
والمراد بالافضاء الادخال في الفرج، و
بما دون الفرج في الرواية المتقدمة التفخيذ مثلا.
(المسألة الرابعة:)
لو أفسد حجه أو لا كان عليه الحج من قابل
كما عرفت، ولو أفسد حجته الثانية والثالثة أيضا

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
264

وهكذا فهل عليه سوى حج واحد صحيح - شئ وبأن
يقال بوجوب القضاء لكل واحد من الحج التي
أفسدها أو لا يجب عليه غير حج واحد صحيح؟
ففي الجواهر " لا يتعدد القضاء، فإذا أتى في السنة
الثالثة بحجة صحيحة كفاه من الفاسد ابتدأ، وقضاءا
ولا يجب عليه قضاء آخر، وإن أفسد عشر حجج كما
نص عليه الفاضل في جملة من كتبه وغيره لأنه كان
يجب عليه حج واحد صحيح انتهى.
ولكن يمكن أن يقال: إن هذا إنما يصح إذا
قلنا: إن الثانية فرضه والأولى عقوبة، وأما إذا
قلنا، إن الأولى فرضه والثانية عقوبة - كما يظهر
ذلك من صحيحة زرارة التي أوردناها هناك -
فالظاهر هو لزوم التعدد، لأن تعدد الأسباب
موجب لتعدد المسببات إلا في موضع ذل الذليل
على خلافه كما في باب الطهارات الثلاث، و
265

هنا ليس لنا دليل لفظي نقسك به بل يمكن دعوى
شمول العمومات الدالة على أن إفساد الحج موجب
لقضائه في قابل - للافساد المكرر إلا أن يدل
الاجماع على خلافه، والاجماع غير ثابت، ولو تكرر
الجماع لم يتكرر القضاء وفي تكرر البدنة كلام سيأتي
بيانه إن شاء الله تعالى.
(المسألة الخامسة:)
هل يكون حكم الاستمناء حكم الجماع أو لا؟
لا ريب في وجوب البدنة فيه، وأما وجوب
الحج عليه من قابل ففي شرائع " وهل يفسد به
الحج ويجب القضاء؟ قيل: نعم وقيل: لا وهو أشبه
انتهى.
أما القول الأول فاختاره في محكى المختلف و
التهذيب والمهذب البارع والوسيلة والجامع، بل عن
التنقيح للفاضل المقداد نسبته إلى الأكثر.
ومستندهم موثقة إسحاق بن عمار عن موسى بن جعفر
266

عليه السلام قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره
فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى
أهله وهو محرم، بدنة والحج من قابل (1).
والخدشة في سندها - كما في المدارك
بضعفها لأن إسحاق فطحي - مدفوعة بأن
الموثقة معمول بها بين الأصحاب مضافا إلى ما
عن التنقيح قال: قال ابن الجنيد: هي في حديث
الكليني عن مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام - (2)
ومسمع ممدوح مدحه الصادق عليه السلام ويلقب بكردين
بكسر الكاف، فانجبر ضعف رواية ابن عمار بهذه
الرواية.
مع أن القائل بها أكثر فالعمل بها أحوط.
وعن المختلف أنه قال: وقال أبو علي بن الجنيد

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
267

وعلى المحرم إذا أنزل الماء إما بعبث بحرمته أو
بذكره أو بادمان نظه مثل الذي يجامع (أي بزوجته) في
حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام انتهى.
والرواية هي صحيحة مسمع أبي سيار قال:
قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا سيار إن حال
المحرم ضيقة: إن قبل امرأته على غير شهوة وهو
محرم فعليه دم شاة، وإن قبل امرأته على شهوة
فأمنى فعليه جزور، ويستغفر الله، ومن مس امرأته
وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى
امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، ومن مس امرأته
أو لازمها من غير شهوة فلا شئ عليه (1).
ولكن هذه الصحيحة لا دلالة لها على أكثر من
وجوب الجزور عليه ولا دلالة لها على بطلان الحج
بالاستمناء أو وجوب الحج من قابل فلذا جعلها

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
268

صاحب الجواهر معتضدة لموثقة إسحاق بن عمار
المتقدمة، فعلى فرض وجود الضعف في الموثقة
لا تجبر هذه الرواية ضعفها إلا بالنسبة إلى وجوب البدنة
بناء على أن المراد بالجزور في صحيحة مسمع هو البدنة.
وأما وجه القول الثاني - أعني عدم وجوب
الحج عليه من قابل - وهو المحكى عن ابن إدريس و
الحلبي وجماعة بل عن الشيخ في الخلاف والاستبصار
- فمستندهم صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع
على أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة وليس
عليه الحج من قابل (1) الحديث.
وتقريب دلالتها على الاستمناء بأن يقال:
إن اطلاق هذه الصحيحة يشمل ما إذا جامع دون
الفرج وأمنى والحاصل أن بين هذه الصحيحة وموثقة

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
269

إسحاق المتقدمة عموما وخصوصا من وجه، لافتراق
هذه الصحيحة عن تلك الموثقة بالجماع دون الفرج
من غير انزال، وافتراق الموثقة عن صحيحة معاوية
بن عمار بالانزال بدون الجماع دون الفرج بأن
عبث بذكره حتى أنزل، واجتماعهما في الجماع
دون الفرج مع الانزال، ففي مادة الاجتماع
تتنازع الروايتان أعني موثقة إسحاق بن عمار
وصحيحة معاوية بن عمار:
فمقتضى موثقة إسحاق وجوب البدنة والحج
من قابل، ومقتضى صحيحة ابن عمار وجوب البدنة
عليه وليس عليه الحج من قابل.
إلا أن دلالة صحيحة ابن عمار على عدم وجوب
الحج في مورد الاجتماع - بالاطلاق ودلالة موثقة
إسحاق بن عمار بالتصريح إلا أن يقال إن منطوق
موثقة إسحاق هو الاستمناء بالعبث بذكره لا الامناء
المطلق الشامل للامناء بالجماع بما دون الفرج فإنه
قال: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ الخ
270

لكن الانصاف أن الترجيح مع موثقة إسحاق
فإنه وإن ذكر في السؤال عن محرم عبث بذكره
فأمنى إلا أن المورد لا يكون مخصصا كما ثبت
في محله معتضدا ذلك بصحيحة مسمع التي قد
عمم الحكم فيها لجميع أقسام الاستمناء، ولا يرد علينا
أنه لم يذكر فيها سوى البدنة لأنه يمكن أن يقال
إنه لم ينف فيها وجوب الحج من قابل، فأثبتت
هذه الصحيحة أعني صحيحة مسمع وجوب البدنة
وأثبتت تلك - أي موثقة إسحاق - مع ذلك
وجوب الحج من قابل.
(المسألة السادسة:)
لو كان محلا وجامع أمته حال كونها محرمة
بإذنه يجب أن يتحمل عنها الكفارة إما بدنة أو بقرة
أو شاة مخيرا بينها على الظاهر أن كان موسرا
وأما إذا كان معسرا فعليه إما شاة أو صيام
271

ثلاثة أيام.
ومدرك المسألة موثقة إسحاق بن عمار قال
قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن رجل محل
وقع عليه أمة محرمة، قال: مؤسرا أو معسرا؟ قلت:
أجبني عنهما، قال: هو أمرها أو لم يأمرها وأحرمت
من قبل نفسها؟ قلت: أجبني عنهما، قال: إن
كان موسرا وكان عالما أنه لا ينبغي له وكان هو
الذي أمرها بالاحرام كان عليه بدنة وإن شاء
بقرة وإن شاء شاة، وإن لم يكن أمرها بالاحرام
فلا شئ عليه موسرا كان أو معسرا، وإن كان
أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام (1).
وعن محاسن البرقي " فعليه دم شاة أو صيام
أو صدقة " (2).
وظاهر هذه الرواية هو التخيير بين الثلاثة أعني
البدنة والبقرة والشاة إلا أنه محكى عن المبسوط و

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
272

السرائر " كان عليه كفارة يتحملها عنها فإن لم يقدر
على البدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام "
وكذا عن النهاية.
إلا أنه لم يكن لهما مستند والمراد بالصيام في
الرواية ظاهرا هو صيام ثلاثة أيام كما هو يدل الشاة
في غير هذا الموضع من المواضع العديدة في الفقه
مع احتمال الاكتفاء بصوم يوم واحد حيث إنه
عليه السلام أطلق في الرواية.
ولكن تعارض هذه الرواية صحيحة ضريس
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمر
جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن
هو أحرم، فغشيها - بعد ما أحرمت - قال: يأمرها
فتغتسل ثم تحرم ولا شئ عليه (1).
إلا أن المحكى عن الشيخ حملها على أنها لم تكن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
273

لبت بعد.
وفي الوسائل " يحتمل الحمل على عدم علمه بأنها
أحرمت وعلى أنه أمرها بالاحرام في وقت فأحرمت
قبله ".
وكذا تعارض الموثقة رواية وهب بن عبد ربه
عنه عليه السلام في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت
قبل سيدها ألد أن ينقض إحرامها ويطأها قبل
أن يحرم؟ قال: نعم (1).
إلا أنه يمكن حمل هذه الرواية على أنها أحرمت
بغير إذنه مع أنها ضعيفة السند.
ثم إن مقتضى اطلاق موثقة إسحاق بن
عمار عدم الفرق في هذا الحكم بين المطاوعة والمكرهة
نعم حكي عن العلامة ومن تبعه أن عليها مع
المطاوعة الإثم والحج من قابل، وعلى المولى إذنها
فيه إن كان قبل المشعر والصوم ستين يوما أو ثمانية

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
274

عشر يوما عوض البدنة إن قلنا بالبدل لهذه البدنة
لعجزها عنها، وإن لم نقل بالبدل توقعت العتق
والمكنة انتهى.
والظاهر أن مستندهم العمومات الواردة في
الجماع مع الأهل بناءا على تعميم الأهل للأمة.
كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله
فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن لم
يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة (إلى أن قال:)
وعليهما الحج من قابل (1).
ورواية علي بن أبي حمزة المتقدمة قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فقال:
قد أتى عظيما، قلت: قد ابتلى قال: استكرهها
أو لم يستكرهها؟ قلت: أفتني فيهما جميعا، فقال: إن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
275

استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يستكرهها فعليه
بدنة وعليها بدنة (إلى أن قال): وعليهما الحج
من قابل لا بد منه (1).
إلى غير ذلك من الأخبار.
ومورد تلك الأخبار وإن كان المحرمين
وما نحن فيه ليس كذلك لفرض كون الزوج أو الولي
محلا إلا أنك قد عرفت غير مرة عدم كون المورد
مخصصا.
فما في الجواهر من كون مورد النصوص المحرمين
- في غير محله، هذا كله في الأمة المحرمة.
وأما إذا كان المحرم عبدا فهل يسري هذا
الحكم بالنسبة إليه - مع أن هذا الفعل معه أفحش
باعتبار حرمته الذاتية فشمول الرواية الموثقة بالنسبة
إليه أولى أو لا يسري هذا الحكم بالنسبة إليه؟ الظاهر
عدم السراية لأنه قياس لا نقول به، والاشتراك
في المملوكية وكون الفعل معه أفحش لا يوجبان الالحاق

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
276

بعد عدم العلم بمناطات الأحكام الشرعية.
وهل يكون وطؤ الأمة المحرمة يحرما على المولى
المحل أو ليس عليه شئ سوى الكفارة؟ بأن يقال
إن الكفارة غير ملازمة للمحرمة فإنه ربما تجب الكفارة
على فعل شئ لم يكن محرما على المحرم كالتظليل
في حال الضرورة فإنه يجب عليه فيه الكفارة، لا
يبعد القول الشافي.
فما في الجواهر من الاستدلال للحرمة بقوله
في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة: وكان عالما
أنه لا ينبغي له " وأنه كالصريح في ذلك " - لا يخفى
ما فيه فإنه إن لم نقل بظهور كلمة " لا ينبغي " في
الكراهة فلا أقل من استعماله في كلا الأمرين أي
الحرمة والكراهة فلا ظهور لها في خصوص الحرمة.
(المسألة السابعة:)
لو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه
277

بدنة، فإن عجز فبقرة أو شاة قاله في الشرائع.
ولا خلاف بين الأصحاب في صحة حجه
- كما في الجواهر.
أما وجوب البدنة - الأعم من البدنة والجزور
فمستنده حسنة معاوية بن عمار قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن متمتع وقع على أهله ولم
يزر قال: ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد
ثلم حجه، إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا
شئ عليه (1).
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل واقع امرأته وهو محرم قال:
عليه جزور كوما، فقال: لا يقدر، قال: ينبغي
لأصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا حجه (2).
والمراد بالافساد وانثلام الحج في الروايتين
هو النقص الوارد على الحج بالجماع لا البطلان

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 13.
278

للاجماع على صحة الحج إذا وقع بعد الموقفين وقبل
زيارة البيت.
وأما البدل من البقرة أو الشاة لو عجز عن البدنة
فلم يدل عليه دليل.
نعم يمكن الاستدلال له برواية خالد القماط
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن وقع على أهله
يوم النحر قبل أن يزور فقال: إن كان وقع عليها
بشهوة فعليه بدنة وإن كان غير ذلك فبقرة قال:
قلت: أو شاة، قال: أو شاة (1).
إلا أن التفصيل المذكور في الرواية لم يقل به
أحد.
وكذا الاستدلال بصحيحة العيص بن القاسم
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع أهله

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
279

حين ضحى قبل أن يزور البيت قال: يهريق
دما (1).
بناءا على أن المراد بالدم ما يعم البدنة، فيشمل
البقرة والشاة إلا أن هذا التعميم بنحو الاطلاق
مما لم يقل به أحد، فإن من قال بالتخيير بالبدل
قال به في صورة العجز عن البدنة لا مطلقا مضافا
إلى أنه يمكن أن يكون المراد بالدم هو البدنة لا
مطلقا بقرينة سائر الروايات.
وكذا إلا دلالة لرواية خالد بياع القلانس
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أتى
أهله وعليه طواف النساء، قال: عليه بدنة
ثم جاء آخر، فسأله عنها، فقال: عليك بقرة، ثم
جاء آخر وسأله عنها فقال: عليك شاة، فقلت بعد
ما قاموا: أصلحك الله كيف قلت: عليك بدنة؟

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
280

فقال: أنت موسر عليك بدنة، وعلى الوسط بقرة
وعلى الفقير شاة (1).
وهي - بعد الاغماض عن ضعف الرواية
بجهالة الراوي - أن مفروض هذه الرواية غير
مفروض مسألتنا إذ مفروض مسألتنا هو المجامعة
قبل طواف الزيارة، وهذه الرواية مفروضها المجامعة
قبل طواف النساء، وقياس أحدهما بالآخر لا
وجه له بعد حرمة القياس عندنا.
مضافا إلى عدم إفادة الخبر المذكور التخيير
بين البقرة والشاة بل مفاد الخبر التفضيل بين المتوسط
والفقير، نعم لو دل الاجماع عليه لقلنا به وإلا فلا
فالأقوى هو العمل بمفاد حسنة معاوية بن عمار، و
الاجماع غير ثابت فالعمل بالحسنة متعين.
(المسألة الثامنة:)
إذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
281

أشواط ثم واقع لم تلزمه الكفارة وبنى على طوافه
وأما إذا واقع بعد ثلاثة أشواط فيجب عليه
البدنة، ومستند الحكم - بعد دعوى اللاخلاف
- كما في الجواهر - رواية حمران بن أعين عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل كان عليه
طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط
ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله
فنقض ثم غشى جاريته، قال يغتسل ثم يرجع فيطوف
بالبيت طوافين تمام ما بقي عليه من طوافه ويستغفر
الله ربه ولا يعد، وإن كان طاف طواف النساء
وطاف منه ثلاثة أشواط ثم رجع فغشى فقد أفسد
حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود، فيطوف
أسبوعا (1).
والمراد بفساد حجه إما ورود النقص عليه
بالجماع فيجب تداركه بالبدنة لا البطلان بالمعنى
المصطلح للاجماع على عدم بطلان الحج بالجماع بعد

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
282

الوقوفين، وإما يكون المراد بفساد الحج هو بطلان الطواف
لا بطلان الحج والشاهد عليه قوله (ع): ويغتسل، ثم
يعود فيطوف أسبوعا، فيعلم أنه لم يبطل حجه بل
بطل طوافه إذا جامع بعد ثلاثة أشواط فيجب عليه
أن يطوف أسبوعا آخر بعد الغسل.
وضعف سند الرواية منجبر بما عرفت من دعوى
اللاخلاف في المسألة مضافا إلى أن في سندها
من أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه وهو الحسن
بن محبوب.
هذا تمام الكلام في ما إذا جامع بعد خمسة أشواط
أو ثلاثة أشواط.
وأما إذا جامع بعد مجاوزة النصف فعن الشيخ
وأتباعه أنه يكفي في سقوط الكفارة واختاره العلامة
في محكى المختلف، قال في الجواهر: لمفهموم الشرط
في الخبر المزبور المقتصر في الخروج عنه للاجماع على
283

ما إذا لم يتجاوز النصف ولا يعارضها عن الخمسة
في الصدر بعد أن كان ذلك من كلام الراوي
المعتضد بقول الصادق عليه السلام لأبي بصير " إذا
زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف
عنه وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف (1).
إذ لا معنى للكفارة على الفعل المرخص فيه،
وبما سلف من أن مجاوزة النصف كالاتمام في
الصحة انتهى.
ولكن يرد عليه أن رواية أبي بصير مع ضعفها
يحتمل أن يراد من قوله (ع): وله أن يقرب النساء
إذا زاد على النصف أنه خرج ناسيا كما هو ظاهر
الرواية، فخروجه بعد مجاوزة النصف إذا كان ناسيا
غير ضائر إذا جامع بعد ذلك، وأين هذا من
مفروض العمد الذي نحن بصدد اثباته.
والحاق مفروضنا بالجماع بعد مجاوزة النصف

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 10.
284

في طواف الزيارة قياس لا نقول به فالأحوط في
ما جاز عن النصف ولم يبلغ خمسة أشواط هو
الكفارة.
(الباب الخامس:)
من المحظورات التي فيها الكفارة إذا استعملها
في حال الاحرام استعمال الطيب فإنه محرم على
المحرم وعليه دم شاة يهريقه، قال في الجواهر: بل
عن المنتهى الاجماع عليه بل زاد في محكى التحرير
سواء استعمله في عضو كامل أو بعضه وسواء مست
الطعام (أي الطعام الذي فيه الطيب) النار أولا
كما عن التذكرة بزيادة شتما ومسا علق به البدن
أو عبقت به الرائحة واحتقانا واكتحالا واستعاطا
(أي جعله سعوطا) لا لضرورة ولبسا لثوب طيب
وافتراشا له بحيث يشم الرائحة أو يباشر بدنه أو ثياب
بدنه بل قال: لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت
285

الفدية مستدلا على الجميع بالعمومات انتهى.
ومراده قدس سره بالعمومات الروايات المعتبرة
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
من نتف أبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو
لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي
له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس
عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة (1).
ومنها صحيحة زرارة الأخرى عنه عليه السلام
قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما ما فيه طيب
فعليه دم، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه ويستغفر
الله ويتوب إليه (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار المضمرة في محرم
كانت به ترحة فداواها بذهن بنفسج قال: إن
كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين وإن كان
تعمد فعليه دم شاة يهريقه (3).

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 10.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
286

ولا تعارض هذه الروايات صحيحة حريز التي هي
مرسلة عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ
به ولا بريح طيبة، فمن ابتلي بشئ من ذلك فليتصدق
بقدر ما صنع قدر سعته (شبعه خ ل) (1).
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: اتق
قتل الدواب كلها، ولا تمس شيئا من الطيب ولا
من الدهن في إحرامك، واتق الطيب في زادك
وامسك على أنفك من الريح الطيبة ولا تمسك من
الريح المنتنة فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة، فمن
ابتلي بشئ من ذلك فعليه غسله، وليتصدق بقدر
ما صنع (2).
ورواية الحسن بن هارون عنه عليه السلام قال
قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9.
287

وأنا محرم، قال: إذا فرغت من مناسك وأردت
الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا، ثم تصدق به
يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في
احرامك مما لا تعلم (1).
أقول: الخبيص الطعام المصنوع من الدقيق
والتمر والدهن.
- لأن هذه الروايات يمكن حملها على الضرورة
أي الاضطرار باستعمال الطيب أو على صورة
الجهل، والقرينة على هذا الحمل قوله (ع) في صحيحة
عمار المتقدمة: فمن ابتلي بشئ من ذلك " الظاهر
في الاضطرار.
وكذا قوله (ع) في رواية الحسن بن هارون
المتقدمة " ولما دخل عليك في إحرامك مما لا
تعلم "، وعلى فرض عدم امكان حملها على ذلك
فلا بد من طرحها لاعراض المشهور عنها فلا يمكن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
288

العمل بظاهرها.
واستثني من الطيب خلوق الكعبة، قال في
الشرائع: وإن كان فيه زعفران وكذا الفواكه كالأترج
والتفاح والرياحين كالورد والنيلوفر انتهى.
أما جواز شم خلوق الكعبة فمستنده صحيحة
عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال: لا بأس
ولا يغسله فإنه طهور (1).
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران
من الكعبة قال: لا يضره ولا يغسله (2).
دلت الرواية على عدم وجوب احتراز المحرم
عن زعفران الكعبة، إلى غير ذلك من الروايات
وأما الفواكه فاحتمل صاحب المسالك - على

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
289

ما حكي عنه - أنه معطوف على الطيب قال:
للرواية الصحيحة الدالة على تحريمه وهو الأقوى انتهى.
نعم عن المدارك أنه قال: ولم نقف على
الرواية التي أشار إليها في شئ من كتب الأصول
والفروع انتهى.
أقول: بل الروايات المعتبرة دالة صريحا على
جواز أكلها إذا أمسك على أنفه:
منها صحيحة علي بن مهزيار قال: سألت ابن أبي
عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب
ريحه قال: تمسك عن شمة وتأكله (1).
ومن المعلوم أن ابن أبي عمير لا يفق عن قبل
نفسه ولا ينقل ذلك إلا عن الإمام عليه السلام.
ومنها موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال:
نعم، فقلت: له رائحة قال: الأترج طعام ليس هو

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
290

من الطيب (1).
ومنها مرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة
عنه عليه السلام قال: سألته عن التفاح والأترج والنبق
وما طاب ريحه، فقال: يمسك على شمه ويأكله (2).
(الباب السادس:)
مما يحرم عليه المحرم ارتكابه وعليه الكفارة
قلم الأظفار قال في الشرائع: وفي كل ظفر مد
من طعام، وفي أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد
دم، ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان
انتهى.
ومستند الحكم - بعد دعوى وفاق المشهور
عليه، بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه - الروايات
المستفيضة المعتبرة:
منها صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
291

عليه السلام عن رجل قلم ظفرا من أظفاره وهو محرم
قال: عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فإن
قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة، قلت: فإن
قلم أظفار يديه ورجليه جميعا، فقال: إن كان
فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم وإن كان
فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان (1).
ومنها رواية الحلبي أنه سأله عن محرم قلم
أظافيره، قال: عليه مد في كل أصبع، فإن هو
قلم أظافيره عشرتها فإن عليه دم شاة (2).
ومنها رواية أبي بصير أيضا عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إذا قلم المحرم أظفاره يديه ورجليه
في مكان واحد فعليه دم واحد، وإن كانتا متفرقين
فعليه دمان (3).
وضعف بعض هذه الروايات منجبر بما عرفت
من دعوى الشهرة والاجماع، وأما صحيحة حريز عنه

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 - 2 - 6.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 - 2 - 6.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1 - 2 - 6.
292

عليه السلام في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره قال:
يتصدق بكف من طعام، قال: قلت: فاثنين
قال: كفين، قلت: فثلاثة، قال: ثلاث أكف، كل
ظهر كف حتى يصير خمسة، فإذا قلم خمسة فعليه
دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان (1).
ومرسلته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام في
محرم قلم ظفرا، قال: يتصدق بكف من طعام،
قلت: ظفرين قال: كفين، قلت: ثلاثة، قال:
ثلاثة أكف، قلت: أربعة، قال: أربعة أكف، قلت:
خمسة، قال: عليه دم يهريقه، فإن قص عشرة أو
أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه (2).
- فالروايتان فيهما شذوذ من ناحيتين.
إحداهما التصدق بكف من طعام مع أنه قال
في الجواهر: يمكن تحصيل الاجماع على خلافه ".

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 - 5.
293

الثانية وجوب الدم عليه في قلم خمسة أظفار
مع أنه من القول الذي ليس بمشهور بل من القول
النادر مع تضمن الرواية الأولى من الروايتين
لوجوب شئ على الناسي الذي لا شئ عليه
نصا وفتوى كما في الجواهر، فلا بد من حملهما
على التقية فإن المحكى عن أبي حنيفة وجوب
الدم لخمسة أظفار أو حملهما على الاستحباب.
(الباب السابع:)
حرمة لبس المخيط على المحرم فلو لبس
عامدا مختارا فعليه دم شاة بل يجب عليه الدم
ولو لبس المخيط اضطرارا كدفع الحر أو البرد
الذي يضره، ومستند الحكم - بعد دعوى اللاخلاف
بل الاجماع عليه - روايات معتبرة:
منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ففعل ذلك
ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا
294

فعليه دم شاة (1).
ومنها رواية سليمان بن العيص قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يلبس القميص متعمدا
قال: عليه دم (2).
بل بعض الأخبار قد دل على وجوب الفداء
وإن اضطر إلى لبس المخيط.
كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب
يلبسها، قال: عليه لكل صنف منها فداء (3).
وقد دلت هذه الرواية على أن في صورة
الاحتياج إلى لبسها عليه الفداء، وعلى أن الثياب إذا
تعددت نفى كل واحد منها فداء على حدة.
وربما يستدل لذلك بقوله تعالى: ولا تحلقوا

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
295

رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا
أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة
أو نسك " الآية (1).
بتقريب أن الآية فيها اطلاق بالنسبة إلى حلق
الرأس ولبس القميص وغير ذلك.
ولكن يرد عليه أن ظاهر قوله تعالى: فمن
كان منكم مريضا الخ مرتبط بالحلق فإنه مذكور بعد
قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم " الخ.
وفي الجواهر نقلا عن الخلاف والتذكرة
والمنتهى استثناء السراويل، ووجه الاستثناء
الأصل وخلو النصوص من ذكر السراويل.
وفيه أنه لا وجه للاستثناء بعد شمول اطلاق
الروايات المتقدمة للسراويل أيضا.
وعن القواعد، " وكذا لو لبس الخفين أو

(1) سورة البقرة الآية 192.
296

الشمشك، وإن كان مضطرا " أي كان عليه
شاة، وإن انتفى التحريم في حقه.
قال في الجواهر: ولعله لما قيل: من أن
الأصل في تروك الاحرام الفداء إلى أن يظهر
المسقط ولا دليل على سقوطه هنا انتهى
إلا أن الظاهر أنه لا فداء في الخفين إن
اضطر إلى لبسهما وكذا الجورب للأصل والروايات
المعتبرة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
أنه قال في حديث: ولا تلبس سراويل إلا
أن لا يكون لك إزار ولا خفين إلا أن لا يكون
لك نعلان (1).
ومنه صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: و
أي محرم هلكت نعلاه، فلم يكن له نعلان، فله

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
297

أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك والجوربين
يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما (1).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام في رجل
هلك نعلاه ولم يقدر على نعلين قال: له أن يلبس
الخفين إذا اضطر إلى ذلك فيشق (وليشقه خ ل) عن
ظهر القدم (2).
وهذا الروايات - كما تراها - قد جوزت
لبس
الخفين في حال الضرورة، ولم يذكر فيها الفداء مع
أنها في مقام البيان، فالأقوى عدم وجوب
الفداء في حال الاضطرار تبعا لصاحب الجواهر.
(الباب الثامن:)
حرمة تغطية الرأس على المحرم فإنه غير
جائز عليه اختيارا ويجب فيها الفداء إذا كان
سائرا اختيارا، نعم إذا كان عند النزول فلا بأس به
أي يغطي رأسه، بل يجب فيها الفداء وإن اضطر

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام ح 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام ح 2 - 3.
298

إلى ذلك إذا كان سائرا كما عن النافع والقواعد و
الكافي لأبي الصلاح الحلبي والغنية والمهذب البارع
والجامع بل عن المدارك " مذهب الأصحاب
عدا ابن الجنيد وجوب الفدية بالتظليل وإنما اختلفوا
فيها، فذهب الأكثر إلى أنها شاة انتهى.
وهو كذلك لدلالة بعض الأخبار عليه:
منها رواية علي بن محمد قال: كتبت إليه: المحرم
هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان
مريضا أم لا؟ فإن ظلل هل يجب عليه الفداء أم
لا؟ فكتب: يظلل على نفسه ويهريق دما إن شاء
الله (1).
واطلاق الدم فيها منزل على الشاة بقرينة سائر
الروايات الآتية.
ومنها رواية محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
299

الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو
شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة ويذبحها
بمنى (1).
ومنها رواية سعد بن سعد الأشعري عن الرضا
عليه السلام قال: سألته عن المحرم يظلل على نفسه؟ فقال
أمن علة؟ فقلت: يؤذيه الشمس وهو محرم، فقال:
هي علة يظلل ويفديه (2).
واطلاق الفداء محمول على الشاة بقرينة سائر الأخبار.
ومنها رواية إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت
للرضا عليه السلام: المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا
كانت الشمس والمطر يضران؟ قال: نعم، فقلت
كم الفداء؟ قال: شاة (3).
ومنها رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عنه عليه السلام قال: وسأله
رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 3 - 4.
300

وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى (1).
وأما ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألت أخي عليه السلام:
أظلل وأنا محرم؟ فقال: نعم وعليك الكفارة قال
(أي موسى بن القاسم الراوي عن علي): فرأيت عليا
إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (2).
والمراد بعلى الذي كان ينحر بدنة - إن كان
علي بن جعفر - كما هو الظاهر - فلا يكون فعله حجة لأنه
غير معصوم مضاء إلى امكان حمل فعله على
الأفضل، وإن كان المراد به هو علي بن موسى
الرضا عليهما السلام - وإن كان بعيدا فإنه لم يجر له ذكر في
الرواية - فكذلك أيضا - أي حمل فعله عليه السلام على
الأفضلية لا على التعيين بقرينة سائر الروايات.
وأما رواية أبي بصير قال: سألته عن المرأة
يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟ قال: نعم، قلت

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 6 - 2.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 6 - 2.
301

فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم، قال: نعم
إذا كانت به شقيقة، ويتصدق بمد لكل يوم (1).
- فهي مضمرة ضعيفة السند غير منجبر ضعفها
بعمل الأصحاب، فلا يمكن معارضتها مع تلك
الروايات.
وتلك الروايات - وإن كان أكثرها ضعيف
السند إلا أنها منجبرة بعمل من عرفت.
وأما ما حكي عن الحسن بن أبي عقيل أنه قال
فإن حلق رأسه لأذى أو مرض أو ظلل فعليه
فدية من صيام أو صدقة أو نسك، والصيام
ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة أصوع بين ستة
مساكين، والنسك شاة " - فلعل مستنده ما
رواه عمر بن يزيد بسند ضعيف عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: قال الله تعالى: فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك " الآية فمن عرض له أذى من

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 8.
302

رأسه أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان
صحيحا فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة
مساكين يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها
فيأكل ويطعم، وإنما عليه واحد من ذلك (1).
ولكن الرواية - مضافا إلى ضعفها - موردها
حلق الرأس كما أن الآية أيضا كذلك، فلا يمكن
الأخذ بعموم قوله " فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا
كان صحيحا " بقرينة ذكر هذه الأمور بعد ذكر الآية
المختصة بحلق الرأس.
مع أن الرواية اشتملت على ما لم يقل به أحد من
العلماء من الأمر بالأكل من الفداء فلا يمكن العمل
بهذه الرواية من وجوه.
ثم إن الروايات المتقدمة الدالة على وجوب
الفداء موردها - وإن كان صورة الاضطرار

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
303

إلى التظليل إلا أن شمولها لصورة الاختيار بطريق
أولى، فما عن بعض من اختصاص الفداء بصورة
الاضطرار نظرا إلى ظاهر هذه الأخبار لا يخفى
ضعفه، وهذا المحظور لم يذكره المحقق في الشرائع
مستقلا، بل ذكره في ضمن ذكر حلق الرأس
مع أنه لا ارتباط له بحلق الرأس.
(الباب التاسع:)
في حرمة حلق الرأس على المحرم، قال في
الشرائع: وفيه شاة أو اطعام عشرة مساكين،
لكل مسكين منهم مد، وقيل: ستة، لكل منهم
مدان أو صيام ثلاثة أيام انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده في وجوب
أحد الثلاثة في حلق شعر الرأس للمحرم بل عن
المنتهى ومحكى التذكرة " لا فرق بين شعر الرأس
في ذلك والبدن عند أهل العلم انتهى.
أما وجوب أحد الثلاثة في أحلق الرأس
304

فيدل عليه - مضافا إلى الروايات الآتية - قوله تعالى:
" ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن
كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك " الآية (1).
وإنما الاختلاف في الاطعام وأنه هل يجب
إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد كما انتخبه
في ظاهر الشرائع أو يجب اطعام ستة مساكين
لكل مسكين مدان؟ كما أسنده في الشرائع إلى
القيل.
أما مستند مختار الشرائع فرواية عمر بن يزيد
عن الصادق عليه السلام قال: قال الله تعالى: فمن
كان الآية: فمن عرض له أذى من رأسه أو وجع
فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام
ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم

(1) سورة البقرة الآية 196.
305

ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم
من الطعام، والنسك شاة يذبحها فيأكل و
يطعم، وإنما عليه واحد من ذلك (1).
إلا أن هذه الرواية - مع ضعف سندها -
مشتملة أو لا على اشباع المساكين لا اعطاء كل واحد
منهم مدا من طعام كما ذكره في الشرائع إلا أن
يقال: إن المتعارف في الاشباع هو المد.
وثانيا أن الرواية مشتملة على ما لم يقل به
أحد وهو الأكل من الفداء، فلا يمكن مكافئتها
للروايات الآتية.
وأما مستند الستة لكل مسكين مدان فروايات:
منها مرسلة حريز بل ذكر في الجواهر أن الشيخ
رواها في التهذيب بطريق لا يبعد صحته عن الصادق
عليه السلام قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله
على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
306

محرم فقال له: أتؤذيك هو أمك؟ فقال: نعم فأنزل
الله تعالى هذه الآية " فمن كان منكم مريضا أو به
أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "
فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحلق و
جعل الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين
لكل مسكين مدان والنسك شاة، قال أبو عبد
الله عليه السلام: وكل شئ في القرآن " أو " فصاحبه
بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ في القرآن " فمن
لم يجد كذا فعليه كذا " فالأول بالخيار (1).
ومنها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: إذا
أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر
هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه
أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين، والصوم ثلاثة
أيام، والصدقة نصف صاع لكل مسكين (2).

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
307

وكيف كان فالأشهر ما دلت عليه الروايتان
من كون الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين
مدان أو نصف صاع الذي هو أيضا مدان.
وأما اعطاء العشرة لكل واحد مدا أو اطعام
العشرة فقد عرفت أن مستنده رواية عمر بن
يزيد وهي غير قابلة للاستناد.
فالأقوى ما عليه الأشهر.
ثم إنه لا يعارض الروايتين صحيحة زرارة
قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من حلق
رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو جاهلا فلا شئ
عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: من
نتف إبطه أو قلم أظفاره أو حلق رأسه أو لبس
ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له
أكله ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه

(1) الوسائل الباب 10 من باب بقية كفارات الاحرام ح 1.
308

شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة (1).
- لامكان حمل الصحيحين على أنه ذكر أحد
أفراد الواجب، والمفروض أنه لم ينف باقي
أفراده، والظاهر أن الوجه لذكره عليه السلام أحد
أفراد الواجب، وعدم ذكر باقي الأفراد لأجل أنه
القدر المشترك بين الحلق ونتف الإبط وقلم
الأظفار ولبس ما لا ينبغي له لبسه، فإن الواجب
في ما عدا الحلق مما ذكره في الرواية دم شاة، فلذا
ذكره بالخصوص في الحلق أيضا والله العالم.
ثم إنه لا فرق في الفدية بين حلقه لرأسه بنفسه
أو فعله غيره بأمره سواء كان الحالق محلا أو محرما لأنه
إذا أمره بالحلق يكون الحلق مستندا إليه.
نعم إذا حلق رأسه بغير اختياره لم تكن الفدية
على أحد منهم، إما بالنسبة إلى المحلوق فلأجل عدم

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
309

استناد الفعل إليه لأنه لم يكن باختياره، وأما
بالنسبة إلى الحالق فالأصل براءة ذمته من الفداء
فإن القدر المتيقن من الفداء هو ما إذا حلق
رأسه دون رأس غيره، ولو قلنا في بعض الأحيان
بالأعم كما إذا حلق رأس غيره بغير إذنه فإنه حرام
لحرمة التصرف في أموال الناس وأنفسهم بغير
إذنهم إلا أن الإثم لا يستلزم الكفارة.
بل قال في الجواهر: كما أنها لا تترتب على المحرم
الحالق للمحل بل ولا أثم أيضا انتهى.
ولكن الالتزام بما ذكره باطلاقه مشكل فإن
المحرم إذا حلق رأس المحل بغير إذنه أثم، وإن
قلنا بعدم ترتب الكفارة على فعله.
(فرع:)
إذا مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ
أطعم كفا من طعام أو كفين وحكي عن المنتهى الاجماع
310

عليه، ومستند الحكم - بعد دعوى الاجماع - روايات:
منها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته
وهو محرم فيسقط شئ من الشعر فليتصدق بكف
من طعام أو كف من سويق (1).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام مثله إلا
أنه قال: بكف من كعك أو سويق (2).
ومنها صحيحة منصور عنه عليه السلام في المحرم إذا
مس لحيته، فوقع منها شعرة، قال: يطعم كفا من طعام
أو كفين (3).
ولكن في صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 - 1 - 5.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 5 - 1 - 5.
311

الشعرة والثنتان، قال: يطعم شيئا (1).
وفي رواية الحسن بن هارون قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إني أولع بلحيتي وأنا محرم
فتسقط الشعرات قال: إذا فرغت من إحرامك
فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به، فإن تمرة خير من
شعرة (2).
ورواية الهيثم بن عروة التميمي قال: سأل
رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد إسباغ
الوضوء، فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان
فقال: ليس بشئ " ما جعل الله عليكم في الدين
من حرج (3).
ورواية ليث المرادي قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل يتناول لحيته وهو محرم
يعبث بها فينتف منها الطاقات بيقين في يده
خطأ أو عمدا، فقال: لا يضره (4).

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 4 - 6 - 8.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 4 - 6 - 8.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 4 - 6 - 8.
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 4 - 6 - 8.
312

ورواية المفضل بن عمر قال: دخل الساجبي
على أبي عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول في محرم
مس لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله
عليه السلام: لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات
ما كان على شئ (1).
وهذه الروايات وإن أمكن حملها على بعض
المحامل كعدم الاختيار والنسيان إلا أن التعبيرات
المختلفة فيها كالكف والكفين المستفاد منه المساهلة و
والمسامحة في أمر الفدية وكالتعبير بأنه يطعم شيئا " أو
" فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به " وكالتعبير بأنه " ليس
عليه شئ " أو " لا يضره " أو " ما كان على شئ " -
يستفاد من مجموعها أن أمر الفدية فيها مبني على المسامحة
وهذا لا يكون إلا في ما إذا كانت الفدية مستحبة فإن
الواجب لا يعبر عنه بهذه التعبيرات المسامحية، فلا

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 7.
313

يبعد أن يقال باستحباب الفدية مطلقا.
ولكن ادعى الاجماع كما عن المنتهى على
الوجوب فالأحوط لو لم يكن الأقوى - عملا
بظاهر الروايات الدالة على الوجوب وطرحا
للروايات الدالة على غير الوجوب أو تأويلها
- هو القول بالوجوب، فحينئذ يحمل الكفان في قوله (ع):
" كفا من طعام أو كفين " على الاستحباب أو أن
الواجب هو الأول وهو الكف من الطعام أو الكفان
ولا ضير في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر.
وكيف كان فالمشهور أنه لو فعل ذلك أي
ألقى الشعرة أو أزيد من لحيته أو رأسه في وضوء الصلاة
وهو محرم لا يضره ذلك.
لصحيحة الهيثم بن عروة التميمي قال: سأل
رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد اسباغ
الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة والشعرتان، فقال:
ليس بشئ " ما جعل عليكم في الدين من حرج (1)

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 6.
314

وظاهرها عدم اختصاص ذلك بالوضوء
الصلاتي فاطلاقها يشمل مطلق الوضوء.
(فرع آخر:)
لو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين، ولو
نتفهما لزمه شاة، قاله في الشرائع، ومستنده - بعد دعوى
اللاخلاف في الثاني منهما - كما في الجواهر - هو صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من حلق رأسه
أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ
عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: من نتف
إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا
فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة (2)
ولكن الصحيحتين قد ورد فيهما الإبط مفردا
وقد عرفت ما ذكره في الشرائع من وجوب اطعام

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 6.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 6.
315

ثلاثة مساكين في نتف الإبط الواحد.
وتعارض الروايتين رواية عبد الله بن جبلة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في محرم نتف
إبطه، قال: يطعم ثلاثة مساكين (1).
لا يقال: إنها ضعيفة السند فلا تكافئ الصحيحتين
لأنا نقول: إنها - مع ضعف سندها - قد عمل
بها الأصحاب بخلاف الصحيحتين فإن الأصحاب
لم يعلموا بظاهرهما.
نعم يمكن حمل الصحيحتين على معنى الجنس، بأن
يكون المراد من الإبط جنس الإبط الشامل للواحد
والاثنين لا الواحد فقط، فحينئذ يرتفع التنافي من
بين الروايات.
ويدل على أن المراد بالإبط في الصحيحتين
الإبطان صريحا صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام فعليه دم (2).

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
316

وهذا - أي كونه بصيغة التثنية - على رواية الشيخ
في التهذيب على ما في الوسائل، إلا أن رواية الصدوق
في الفقيه بصيغة الافراد، ولكن صيغة التثنية قد دلت
على أن الافراد يراد به الجنس.
وكيف كان فيستفاد من مجموع الروايات والجمع
بينها ما ذكره في الشرائع من أن نتف الإبط الواحد
إطعام ثلاثة مساكين، وفي نتف الإبطين دم شاة
معتضدا ما ذكرناه في الجمع بين الأخبار بأن المراد
بالإبط في الروايات التي ذكرته بلفظ الافراد ما هو
المتعارف، فإن المتعارف فيمن ينتف إبطه أنه لا
ينتف إبطا واحدا بل ينتفهما معا.
إلا أن يقال: إن الحمل على المتعارف يستلزم الحمل
على المتعارف في رواية عبد الله بن جبلة المتقدمة أيضا (1)
فتصير الرواية معارضة لسائر الروايات، ولم ينبه الأستاذ

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
317

رحمه الله لهذا الاشكال إلا أن يقال: إن خصوص
رواية عبد الله جبلة المراد من لفظ الإبط فيها
هو الافراد بقرينة فهم الأصحاب، والمسألة بعد
بنظري القاصر غير خالية عن الاشكال، اللهم
إلا أن يتشبث هنا بالاجماع دون الأخبار، و
الله العالم.
(الباب العاشر:)
حرمة الجدال على المحرم، قال في الشرائع:
في الكذاب منه مرة شاة ومرتين بقرة وثلاثا
بدنة، وفي الصدق ثلاثا شاة ولا كفارة في ما
دونه انتهى.
ومراده قدس سره أن الجدال إن كان حاويا
على الكذب ففي المرة الأولى يكون عليه شاة وفي
الثانية تكون عليه بقرة وفي الثالثة تكون عليه بدنة، بل
الجدال صدقا فيه أيضا عليه شاة إذا صدر ذلك
ثلاث مرات وأما إذا كان أقل من ذلك فليس عليه شئ
318

شئ، ولكن استفادة هذا التفصيل من الروايات
مشكل كما ذكره صاحب الجواهر.
نعم هذا التفصيل مذكور في رواية فقه
الرضا (ع) على ما حكي عنه قال: واتق في احرامك
الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال
الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه (إلى أن قال:)
فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شئ
عليك، وإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك
دم شاة، وإن جادلت مرة وأنت كاذب فعليك
دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة،
وإن جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة (1).
وهو محكى عن رسالة علي بن بابويه التي كان
الأصحاب يعملون بها عند اعواز النصوص.
وهذه الرواية - أعني رواية فقه الرضا - وإن كنت

(1) الجواهر المجلد 20 الصفحة 422.
319

ضعيفة السند لعدم ثبوت نسبتها إلى مولانا
الرضا عليه السلام إلا أنه يمكن أن يقال بانجبار
ضعفها بعمل الأصحاب، فحينئذ يمكن تخصيص
بعض الروايات الآتية أو تقييدها بهذه الرواية
وأما سائر الروايات فنذكر بعضها.
فمنها صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد
الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج " (إلى أن قالا له:)
أرأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل
الله له حدا يستغفر الله ويلبي.
فقالا: ومن ابتلي بالجدال فقال: إذا جادل
فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه: شاة، وعلى
المخطئ بقرة (1).
وظاهرها أن الكاذب إذا جادل فوق مرتين
فعليه بقرة، وهذا خلاف ما ذكره الأصحاب من أن

(1) الفقيه ج 2 ص 212 الرقم 968 على ما حكي عنه.
320

على الكاذب إذا جادل فوق مرتين فعليه بدنة،
وحمل البقرة على البدنة كما ترى.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن الجدال في الحج، فقال: من زاد على
مرتين فقد وقع عليه الدم، فقيل له: الذي يجادل
وهو صادق، قال: عليه شاة، والكاذب عليه
بقرة (1).
وهذه الرواية لم يفصل فيها العدد بل ذكر أن
على الصادق شاة، وهذا باطلاقه يشمل ما إذا
جادل مرة واحدة، فلا بد من حملها على ما إذا جادل
ثلاث مرات.
ومنها رواية أبي بصير عن أحدهما عليه السلام
قال: إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقات
فقد جادل، وعليه دم، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 6.
321

فقد جادل، وعليه دم (1).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إن الرجل إذا حلف ثلاث
أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل، وعليه
حد الجدال: دم يهريقه ويتصدق به (2).
وهاتان الروايتان قد دلتا على أن الأيمان
لا بد أن تكون متتابعات ومتواليات، فحينئذ
لو حلف ثلاث أيمان ولم تكن متواليات، بأن
حلف مثلا في الصباح مرة ثم حلف أيضا بعد
الزوال، ثم حلف بعد العشاء لم يترتب بحسب
مقتضى الروايتين عليه شئ.
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: إذا
حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو
محرم فعليه دم يهريقه، وإذا حلف يمينا واحدة
كاذبا فقد جادل، فعليه دم يهريقه (3).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا جادل

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 - 5 - 7.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 - 5 - 7.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 4 - 5 - 7.
322

الرجل وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور (1).
وهذه الرواية مطلقة، تشمل من حلف مرة
أو مرتين أو ثلاث مرات، إلا أنه لا بد من تقييدها
بالقيود المستفادة من سائر الأخبار بأن نحملها على
من حلف كاذبا ثلاث مرات.
وأكثر هذه الروايات دلالتها على الحلف صادقا
ثلاث مرات حسنة إلا أنه لا يستفاد منها التفصيل
الذي ذكره الأصحاب في الحلف كاذبا، فيمكن
حمل الروايات أو تأويلها بما لا تنافي رواية فقه
الرضا (ع).
ثم إنه يستفاد من بعض الأخبار أن الجدال
الموجب الكفارة هو ما إذا كان فيه معصية لله تعالى
كأن يكون فيه هتك ستر المؤمن مثل أن يقول للمؤمن:
بلى والله إنك كذبت في المورد الفلاني، ويقول

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 9.
323

المؤمن: إني لم أكذب، فيقول له: بلى والله
إنك قد كذبت يكررها ثلاثا فإنه مع كونه
صدقا حرام ومعصية لأنه كشف ستره وفضيحة
له، بخلاف ما إذا كان فيه اكرام للمؤمن بأن يقول
له: أنت للعشاء عندي؟ فيقول: لا والله، فيجيب
بلى والله يكررها ثلاثا فإنه غير موجب للكفارة
لصحيحة أبي بصير - أعني ليث بن البختري
قال: سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل، فيقول له
صاحبه، والله لا تعمله، فيقول، والله لأعملنه، فيحالفه
مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، إنما أراد بهذا
إكرام أخيه، إنما كان ذلك ما كان لله عز وجل
فيه معصية (1).
(فرغ:)
قال في الجواهر: والمحكى عن صريح جماعة
من غير خلاف يظهر فيه أنه إنما تجب البقرة

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
324

بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفر عن السابق
فلو كفر عن كل واحدة فالشاة ليس إلا، أو ثنتين
فالبقرة، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء، أو
بعد التكفير، فللمرة شاة وللمرتين بقرة وللثلاث
بدنة على معنى أنه لو حلف يمينا كاذبة فكفر لها
بشاة ثم الثانية وكفر لها بشاة أيضا ثم الثالثة.
أما إذا لم يكفر وكانتا اثنتين فبقرة أو ثلاثا
فبدنة، ولو كن أزيد من ثلاث ولم يكن قد كفر فليس
إلا بدنة واحدة، وكذا في ثلاث الصدق.
ثم قال: قلت: إن لم يكن اجماع أمكن كون
المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرة، ثم
هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثلاث
إلا أن يكون قد كفر عن السابق فتجب البقرة خاصة
أو البدنة انتهى.
أقول: هذا الذي ذكره قدس سره غير مفهوم
325

من الأخبار، ولعل المتفاهم العرفي منها هو ما ذكره
الأصحاب، هذا كله في الجدال.
(وأما الفسوق:)
فقال في الجواهر: لم أجد من ذكر له كفارة
بل قيل: ظاهر الأصحاب لا كفارة فيه سوى
الاستغفار، بل عن المنتهى التصريح بذلك
انتهى.
مضافا إلى دلالة صحيحة الحلبي ومحمد بن
مسلم على ذلك.
وهي الصحيحة المذكورة عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله عز وجل: الحج أشهر معلومات فمن
فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج " (إلى أن قالا له:) أرأيت من ابتلي بالفسوق
ما عليه؟ قال: لم يجعل الله له حدا يستغفر الله
ويلتي الحديث (1).

(1) الفقيه ج 2 ص 212 على ما حكي عنه.
326

ولكن في صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام
قال: في الجدال شاة وفي الأسباب والفسق (والفسوق)
بقرة والرفث فساد الحج (1).
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟
وما على من فعله؟ قال: الرفث جماع النساء (إلى أن
قال): والفسوق الكذب والمفاخرة (إلى أن قال:)
وكفارة الجدال شئ يتصدق به إذا فعله وهو محرم (2)
إلا أن الأصحاب لم يعلموا بظاهرهما، فلا بد من
حملها على الاستحباب.
(الباب الحادي عشر:)
حرمة قلع شجر الحرم على المحرم، وفي الكبيرة
بقرة وإن كان محلا، وفي الصغيرة شاة، وفي
أبعاضها قيمته، قاله في الشرائع، ومستند الحكم - بعد دعوى
الشهرة بل دعوى اللاخلاف بل الاجماع عليه - كما في
الجواهر - ما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم قال:

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4 - 16.
327

روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: إذا
كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فإذا
أراد نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على
المساكين (1).
ولكن قال في الشرائع: وعندي في الجميع
تردد انتهى، ووجه التردد أن مدرك الحكم
الذي هو خبر موسى بن القاسم ضعيف بالارسال
متروك الظاهر فلا يمكن اثبات هذه الفروع به
مضافا إلى أن هذا الخبر غير مشتمل على التفصيل
الذي ذكره الفقهاء، بل عن ابن إدريس الحزم
بالعدم، قال: ولم يتعرض في الأخبار عن الأئمة (ع)
لكفارة لا في الكبيرة ولا في الصغيرة انتهى.
إلا أنه يمكن دفع الاشكال بأن الرواية - وإن
كانت مرسلة إلا أن الأصحاب قد عملوا بها، ويمكن
حمل الشجرة في الرواية على الشجرة الكبيرة بقرينة

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 3.
328

عمل الأصحاب.
ولكن مع ذلك كله ظاهر هذه الرواية مخالف
لما مر سابقا من أن ما أنبته الانسان في داره يجوز
له قطعه، مع أن الرواية لم تبين حكم قطع الشجرة
الصغيرة ولا قطع أبعاضها بناءا على حملها على
الشجرة الكبيرة، نعم لا بأس بها في اثبات أصل
الفداء في قطع شجرة الحرم.
ويدل على لزوم الفداء من غير تفصيل -
صحيح منصور بن الحازم أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام من الأراك يكون في الحرم فأقطعه، قال:
عليك فدائه (1).
وموثقة سليمان بن خالد أو صحيحة عنه عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة،
قال: عليه ثمنه يتصدق به، ولا ينزع من شجر مكة

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
329

شيئا إلا النخل وشجر الفواكه (1).
ومن المحتمل في هذه الرواية بل وسابقتها
أن المراد قطع أبعاضها خصوصا التعبير في هذه
الرواية بكلمة " من " الظاهرة في التبعيض، فعلى فرض ظهور
الرواية أو الروايتين في الأبعاض فدلالتها على
وجوب الفداء في قطع المجموع أظهر.
وكيف كان فيكفي في وجوب أصل
الفداء في قطع شجر الحرم هاتان الروايتان.
وأما التفصيل المحكى عن المشهور فلا مستند
له إلا دعوى الاجماع، فإن ثبت فهو وإلا فلا
يمكننا الالتزام به.
نعم يمكن القول بالقيمة في الأبعاض لدلالة هذه
الرواية الأخيرة، وأما الشجرة فيمكن أن يقال بوجوب
البقرة في قطعها مطلقا تمسكا باطلاق رواية موسى

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
330

بن القاسم المتقدمة التي لم يفصل فيها بين الكبيرة والصغيرة
إلا أن يدل الاجماع على خلافه، نعم إن الأستاذ رحمه
الله قد اختار ما قاله المشهور على ما بالبال خروجا
عن شبهة الاجماع.
هذا كله في قطع شجر الحرم.
وأما الحشيش فلا يجوز قطعه من الحرم إلا أن
قطعه لا يوجب الكفارة للأصل السالم عن المعارض.
(فرع:)
من استعمل دهنا طيبا في احرامه ولو في حال
الضرورة كان عليه شاة على قول، قاله في الشرائع.
واستشهاده لهذا الحكم إلى القيل مشعر بتمريضه
فإن استعمال الطيب من الأدهان إن كان حراما
فإنما هو لأجل حرمة استعمال الطيب، وليس هو مسألة
على حده بل هو من فروع تلك المسألة.
والدليل على حرمة خصوص استعمال الدهن الطيب
331

- هو مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة عن معاوية بن
عمار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن
بنفسج، قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام
سكين وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه (1).
واشتمال الرواية على ما لم يقل به الأصحاب
من وجوب الفداء على الجاهل - غير ضائر بعد
عمل الأصحاب بذيلها.
كما أن ضعفها بالارسال والاضمار منجبر بعمل
الأصحاب.
هذا كله في الأدهان الطيبة، وأما أدهان
غير الطيبة كدهن الحيوان فلا مانع من أكلها و
سائر استعمالها.
(فرع أخر:)
لو اجتمع على المحرم أسباب مختلفة للكفارة
كالصيد ولبس القميص وتقليم الأظفار لزم عن
كل واحد فداء علي حده، ولا وجه هنا للتداخل

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5.
332

لأن الأصل في تعدد الأسباب هو تعدد المسببات
إلا أن يدل الدليل على خلافه، وليس هنا دليل
على خلاف هذا الأصل.
هذا كله في الأسباب المختلفة.
وأما إذا كرر المحرم السبب الواحد كالجماع فكذلك
أيضا سواء كان ذلك في مجلس واحد أو مجالس
متعددة وسواء كان في وقت واحد أو أوقات مختلفة
وسواء كفر عن سابقه أولا لما أشرنا إليه من أن تكرر
السبب مستلزم لتكرر المسبب.
ولكن قال في الشرائع: ولو تكرر منه اللبس أو
الطيب فإن اتحد المجلس لم تتكرر، وإن اختلف
تكررت انتهى.
ولعل الوجه في ذلك هو أن في صورة اتحاد المجلس
لم يتحقق منه - بنظر العرف إلا لبس واحد وتطيب
واحد، واطلاق كلام الشرائع يشمل ما إذا تحقق منه
لبس ثياب مختلفة كالثياب والسراويل والقباء - في مجلس
333

واحد، قال العلامة في محكى المنتهى: لو لبس ثيابا
كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد، ولو
كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب
دم انتهى.
ويمكن أن يقال: هنا مسألتان الأولى لبس
ثياب مختلفة كالقميص والقباء والسراويل الثانية
لبس ثياب متفقة كلبس القمصان.
أما القسم الأول فالظاهر هر تكرر الكفارة بتكرر
اللبس سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متعددة
وسواء اتحد الوقت أو تعدد.
لصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب
يلبسها، قال: عليه لكل صنف منها فداء (1).
فجعل عليه السلام لكل صنف من الثياب فداء
على حده، ولم يفصل بين اتحاد المجلس وتعدده

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
334

ولا بين الوقت الواحد وتعدده، بل يمكن الحكم كذلك
- أعني تكرر الفداء - في القسم الثاني أيضا.
لاطلاق صحيحة زرارة عنه عليه السلام قال: من
نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا
ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم
ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن
فعله متعمدا فعليه دم شاة (1).
فاطلاق قوله (ع): " أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه "
شامل لكل فرد من الملابس التي يلبسها سواء لبسها
دفعة واحدة أو دفعات وسواء كان في مجلس واحد
أو مجالس متعددة.
اللهم إلا أن يدعى أن لبس الملابس المتعددة
في مجلس واحد أو دفعة واحدة لم يعد بنظر العرف
لبس واحد، ولكن نحن من العرف لا نفهم منه ذلك، و
على أي حال فما ذكره في الشرائع وكذا في المنتهى لا يخلو

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
335

من نظر بل منع.
هذا كله بالنسبة إلى لبس الثياب.
وأما الحلق فإن كرره في مجلس واحد بأن
حلق قسما من رأسه ثم تركه ثم حلق بقيته في ساعة
أخرى بحيث عد بنظر العرف حلقا واحدا
تحقق تدريجا لم تتكرر الكفارة، وأما إذا كانت
الفاصلة بين الحلقين كثيرة بأن حلق قسما من
رأسه في أول النهار، ثم تركه، ثم حلق باقيه في
آخر النهار بحيث يصدق على كل منهما الحلق تكررت
الكفارة، نعم إذا لم يصدق على كل واحد منهما
الحلق بل كانا بنظر العرف حلقا واحدا لم تتكرر
إلا أن الظاهر صدق الحلق على كل واحد.
وأما قلم الأظفار فقد كانا الشرع عن ملاحظة
الأمر العرفي حيث عرفت في موضعه أنه إذا قلم
أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فليس عليه
إلا كفارة واحدة، وإن قلمهما في موضعين فعليه
كفارتان إلى غير ذلك من التفاصيل في قلم
336

الأظفار التي مر ذكرها.
(الفرع الثالث:)
تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون
إلا في الصيد فإن الكفارة فيه تلزم الجاهل والناسي
وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ومستنده روايات
معتبرة.
منها رواية عبد الصمد بن بشير عن الصادق عليه السلام
قال: أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه (1).
وهذا عام يشمل الصيد وغيره إلا أنه يجب
تقييدها بسائر الأخبار.
ومنها حسنة معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال
في حديث: وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة
إلا الصيد فإن عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد (2)
ومنها رواية تحف العقول الطويلة عن مولانا

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
337

الجواد عليه السلام فإنه قال في ضمنها: كلما أتى المحرم بجهالة أو
خطأ فلا شئ عليه إلا الصيد فإن عليه الفداء بجهالة
كان أم بعلم بخطأ كان أم بعمد، الحديث (1).
ومنها الروايات الدالة على أن واقع أهله
ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه، راجع الوسائل الباب
2 من أبواب كفارات الاستمتاع.
ومنها صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق
رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما
لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو
جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه
دم شاة (2).
ومنها صحيحة الأخرى قال: من أكل زعفرانا
متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فإن كان ناسيا
فلا شئ عليه ويستغفر الله ويتوب إليه (3).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
338

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على معذورية
الجاهل والناسي في غير الصيد.
إلا أنا لم نعثر على رواية معتبرة صريحة في عدم
معذورية الناسي بالنسبة إلى الصيد وإن ألحقه
الأصحاب بالجاهل في وجوب الفداء عليه في
الصيد، فإن روايات الفداء في الصيد إنما وردت
في العامد والجاهل والخاطئ، ولم يذكر فيها الناسي
ولم ينبه الأستاذ ولا غيره بهذه النكتة، فإن كان
هنا اجماع فهو، وإلا فالحاق الناسي بالجاهل في وجوب
الفداء عليه في الصيد مشكل جدا.
وهذه الروايات قد دلت على معذورية الجاهل و
الخاطئ في غير الصيد، ولكن في بعض الأخبار ما يدل
على عدم معذورية الجاهل في بعض المواضع.
كخبر معاوية بن عمار في محرم كانت به قرحة فداواها
بدهن بنفسج قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام
339

مسكين الخبر (1).
ورواية الحسن بن زياد قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان
فيه طيب، فغسلت يدي وأنا محرم، فقال: تصدق
بشئ لذلك (2).
وصحيحة حريز عنه عليه السلام في المحرم ينسى
فيقلم ظفرا من أظافيره، قال: يتصدق بكف
من طعام الحديث (3).
ورواية الحسن بن هارون عنه عليه السلام قال:
قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت
وأنا محرم، قال: إذا فرغت من مناسكك وأردت
الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون
كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في احرامك مما
لا تعلم (4).

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 405.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 405.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 3.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
340

إلا أن هذه الروايات مخالفة للروايات المعتبرة
المتقدمة المعمول بها بين الأصحاب، فلا بد من حملها
على الاستحباب.
(الباب 12 في العمرة:)
وهي لغة بمعنى الزيارة، وشرعا هي اسم لمناسك
مخصوصة، وصورتها المشتركة بين التمتع والافراد
أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الاحرام منه، و
هو المواقيت الستة أو منزله إذا كان منزله دون المواقيت
أو أدنى في الحل إذا دخل الحرم ناسيا من دون الاحرام، ثم
يدخل مكة، فيطوف بالبيت سبعة أشواط، ثم
يسعى بين الصفا والمروة، ثم يقصر، وشرائط وجوبها
هي شرائط وجوب الحج.
وتجب العمرة مرة في العمر، قال في الجواهر: كالحج
بل الاجماع بقسميه عليه انتهى.
والدليل على وجوبها الآية الكريمة أعني قوله تعالى:
وأتموا الحج والعمرة لله الآية وهو ظاهر في الوجوب
341

وثانيا الروايات المعتبرة:
منها رواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: العمرة المفردة
ثم يذهب حيث شاء، وقال: العمرة واجبة على
الخلق بمنزلة الحج فإن الله تعالى يقول: وأتموا الحج
والعمرة لله (1) الحديث.
ومنها حسنة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي
عبد الله عليه السلام بمسائل: بعضها مع ابن بكير و
بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب باملائه عليه السلام
سألت عن قول الله عز وجل: والله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا، يعني به الحج والعمرة
جميعا لأنهما مفروضان، وسألت عن قول الله عز
وجل: وأتموا الحج والعمرة لله " قال: يعني بتمامها
أدائهما واتقائهما ما يتقي المحرم فيهما (2) الخبر.

(1) الوسائل الباب 2 - 1 - من أبواب العمرة الحديث 1 - 1.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
342

ومنها حسن معاوية بن عمار أو قوية عنه عليه السلام
قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من
استطاع لأن الله عز وجل يقول: " وأتموا الحج و
العمرة لله " وإنما نزلت العمرة بالمدينة، قال: قلت:
فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " أيجزي ذلك عنه؟ قال:
نعم (1).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: العمرة مفروضة
مثل الحج (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.
ويمكن المناقشة في دلالة الكل على الوجوب
أما الآية فأقصى ما تدل عليه هو وجوب الاتمام
ويمكن الالتزام به كالحج التطوعي الذي بالشروع
فيه يجب اتمامه، وهذا لا يدل على وجوب إنشائها - أي
العمرة - ابتداءا، وأما الروايات فيمكن أن يقال: إنها
لا تدل على أكثر من وجوب العمرة في الجملة، ووجوب

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 3 - 5.
343

العمرة - ولو في ضمن الحج - لا كلام فيه، إنما الكلام
في وجوبها الاستعلالي وهذه الروايات لا دلالة لها
على ذلك.
ولكن الانصاف أن الآية بضميمة الروايات
دالة على وجوبها الاستقلالي سيما بعد تفسير الآية
في رواية عمر بن أذينة المتقدمة بأن المراد باتمامها
أدائهما - أي أداء الحج والعمرة مضافا إلى اطلاق
الروايات بالوجوب بضميمة فتوى الأصحاب
بل يمكن استفادة الوجوب الاستقلالي من الروايات
الآتية الدالة على إجزاء العمرة المتمتع بها عن العمرة
المفردة، فلولا وجوبها مستقلا على النائي لا معنى
لاجزاء المتمتع بها عنها.
وكيف كان ففي المسألة - كما في المسالك ثلاثة
أقوال، الأول وجوبها الاستقلالي بشرط الاستطاعة
لها كالحج وهو الأقوى الثاني أن كل واحد منهما
لا يجب إلا مع الاستطاعة للآخر، الثالث التفصيل
بين الحج والعمرة بأن قيل بوجوب الحج مجردا عن العمرة
344

وشرط في وجوب العمرة الاستطاعة الحج، وهو خيرة
الشهيد في الدروس.
إلا أن القولين لا سند لهما.
وعلى أي حال فاستدل على عدم وجوب
العمرة إلا مع الاستطاعة للحج بأمور، منها الأصل، و
لكن الأصل حيث لا دليل وقد عرفت الدليل على
وجوبها.
ومنها ظهور الآية - أعني قوله تعالى: " وأتموا
الحج والعمرة لله " في غير العمرة
المفردة بل العمرة في ضمن الحج.
ومنها أن العمرة لو وجبت لكان من استكمل
الاستطاعة لها فمات قبل أدائها وقبل ذي الحجة
يجب استيجارها عنه من التركة، ولم يذكر ذلك في
كتاب ولا في خبر.
ومنها أن المستطيع لها وللحج إذا أتى الحرم قبل أشهر
345

الحج نوى بعمرته عمرة الاسلام لاحتمال أن يموت
أو لا تبقى استطاعته للحج إلى وقته، هذا
ولكن يمكن الجواب عن ظهور الآية بأن الدليل
غير منحصر فيها بل عرفت الروايات الدالة على وجوبها
مستقلا.
والجواب عن وجوب الاستيجار من التركة أنه
لا مانع من القول بوجوب الاستيجار من التركة بعد
استفادته من الآية والأخبار.
والجواب عن الأخير بأنه يمكن القول بنية عمرة
الاسلام بعد استفادة وجوب الفورية من الأخبار
نعم يستفاد من بعض الأخبار أنه إذا لم يتمكن
النائي من عمرة التمتع وأتى بالحج قبل العمرة يجزيه عمرة
مفردة وإن أتى بها في المحرم.
كرواية الأصحاب عن الصادق عليه السلام قال: إذا
فاته عمرة المتعة وأقام إلى هلال المحرم اعتمر وأجزأت

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
346

فيحتمل أن يكون هذا المقدار من التأخير غير مناف
الفورية،
هذا كله في العمرة المفردة.
وأما المتمتع بها فقد دلت أخبار كثيرة على كفايتها
عن العمرة المفردة:
منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة
العمرة (1).
ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب: قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل: وأتموا
الحج والعمرة لله " يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج
مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول
الله صلى الله عليه وآله أصحابه (2).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا استمتع

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1 - 4.
347

الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة (1).
ومنها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن العمرة أواجبة هي؟ قال: نعم قلت: فمن
تمتع تجزي عنه؟ قال: نعم (2).
ومنها رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال:
العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى
العمرة المفروضة (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكيف كان فقد تجب العمرة بالنذر أو العهد أو
اليمين أو بالاستيجار وبالافساد كالحج وبالفوات
أي بفوات الحج فإن من فاته الحج بأن فاته وقت
الوقوفين يجب عليه التحلل بالعمرة المفردة.
وكذا تجب العمرة بالدخول في مكة فإنه لا يجوز
دخولها بلا إحرام إلا لعذر كقتال مباح ومرض
لا يمكن الاحرام معه أو رق لم يأذن له سيده في
العمرة، نعم إذا تكرر منه الدخول كالحطاب والحشاش
والراعي لا تجب عليهم العمرة ويجوز لهم الدخول

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1 - 3 - 6.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1 - 3 - 6.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1 - 3 - 6.
348

بلا احرام، وكذا يجوز الدخول بلا احرام لمن أحل
من احرامه ولم يمض عليه شهر.
(المتكلم حول أعمال العمرة)
أفعال العمرة المشتركة بين المتمتع بها والمفردة
ثمانية: الأول النية، الثاني الاحرام، ويجب أن
يكون الاحرام من أحد المواقيت المذكورة للحج، و
هي ستة أو أكثر على ما ذكرنا تفصيله في محله فلا يجوز
المرور من الميقات عمدا واختيارا بلا احرام سواء
كان الاحرام للحج أو لعمرة التمتع، بل وكذا العمرة المفردة
فلو جاوز الميقات عمدا واختيارا بلا احرام
وجب العود إليه والاحرام منه، فلو لم يعد بطل نسكه إلا أن
يكون أمامه ميقات آخر، فيجوز الاحرام منه ولا يجب
عليه العود إلى الميقات الأول إلا أن الأحوط احتياطا
شديدا هو العود.
نعم يجوز الاحرام من الجعرانة أو التنعيم في العمرة
349

المفردة للقاطنين بمكة.
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إني أريد الجواد بمكة
فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال: هلال
ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها بالحج
(إلى أن قال): إن سفيان فقيهكم أتاني فقال:
ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة
فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول
الله صلى الله عليه وآله، فقال: وأي وقت من
مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله هو؟
فقلت: أحرم منها حين قسم غنائم حنين
ومرجعه من الطائف.
فقال: إن هذا شئ أخذته عن عبد الله
بن عمر كان إذا رأى الهلال، فقلت: أليس قد
كان مرضيا عندكم؟ فقال: بلى ولكن أما علمت
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أحرموا
من المسجد؟ فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين
350

في أعناقهم الدماء، وإن هؤلاء قطنها مكة فصاروا
كأنهم من أهل مكة، وأهل مكة لا متعة لهم فأحببت
أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت وأن يستغنوا
به أياما، فقال لي - وأنا أخبره أنها وقت من مواقيت
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا عبد الله فإني
أرى لك أن لا تفعل، فضحكت وقلت، ولكني أرى
أن أفعل الحديث (1).
والمراد بالسفيان في الرواية هو سفيان الثوري
مفتي أبناء العامة، ويظهر من تشبثه (ع) برأي ابن
عمر أن الرواية لم تصدر منه عليه السلام تقية، وإنما هذا
الرأي كان معروفا عند بعض فقهائهم.
ومن الروايات في هذا المعنى - رواية أبي الفضل
قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه السلام من
أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول الله

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
351

صلى الله عليه وآله: من الجعرانة، أتاه في ذلك
المكان فتوح: فتح الطائف وفتح خيبر والفتح فقلت:
متى أخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من
ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا
مضى من الشهر خمس (1).
ومن الروايات الدالة على جواز الاحرام من
التنعيم للعمرة المفردة صحيحة إبراهيم بن ميمون قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا مجاورون
بمكة وهم يسألوني قدمت عليهم كيف يصنعون؟
فقال: قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا
إلى التنعيم فليحرموا وليطوفوا بالبيت وبين الصفا
والمروة ثم يطوفوا فيعقدوا بالتلبية عند كل طواف (2) الخبر
وهذه الروايات وإن كانت معارضة بحسب
الظاهر للروايات الدالة على وجوب كون الاحرام
من المواقيت إلا أنه يمكن دفع المعارضة بأن هذه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 4.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 4.
352

الروايات قد حكمت بأن الجعرانة والتنعيم أيضا
من المواقيت، فلسانها لسان الحكومة على تلك الروايات
بأن توسع في المواقيت.
ولكن لا يمكن الالتزام بمفادها بالنسبة إلى
احرام الحج فإن ما فعله النبي صلى الله عليه وآله
إنما هو إحرام العمرة دون إحرام الحج مضافا إلى
دعوى الاجماع على عدم الاحرام للحج إلا من مكة
وكيف كان فمن أحرم بالعمرة المفردة جاز
أن يجعلها متعة إذا كان في أشهر الحج إلا أنه عليه
دم،
قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافا انتهى.
ومستند الحكم روايات: منها رواية عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة معتمرا
مفردا للحج فيقضي عمرته كان له ذلك، وإن أقام
إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، قال: وليس
تكون متعة إلا في أشهر الحج (1).

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 5.
353

ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المعتمر في أشهر الحج قال: هي
متعة (1).
ويستفاد من الروايتين أن العمرة المفردة إذا أدركها الحج
تصير بنفسها متعة ولا تحتاج إلى نية التمتع، وكذا بعض
الروايات الآتية، فإن كان إجماع بوجوب النية للعدول
إلى عمرة التمتع - كما ادعاه في الجواهر - فهو وإلا أمكن القول
بعدم الاحتياج إلى نية العدول بل تصير متعة بنفسها
بمجرد النية للحج لظاهر الروايتين وغيرهما.
ومنها صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: من دخل
مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج
حتى يحج (2).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: من اعتمر
عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا أن يدركه
خروج الناس يوم التروية (3).
وظاهر الصحيحتين هو عدم جواز الخروج إذا

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 4 - 5 - 6.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 4 - 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 4 - 5 - 6.
354

إذا أدركه الحج بل لا بد له من أن يحج.
ولكن تعارض هذا الظاهر روايات كثيرة
معتبرة دالة على جواز الرجوع إلى منزله بعد العمرة المفردة
وإن صادف هلال ذي الحجة بل صادف يوم
التروية.
منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج
ثم يرجع إلى أهله (1).
ومنها رواية اليماني عنه عليه السلام أنه سئل عن رجل
خرج في أشهر الحج معتمرا قال: لا بأس وإن حج في
عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم، وإن الحسين
بن علي عليهما السلام خرج يوم التروية إلى العراق وكان
معتمرا (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 1 - 2.
355

الله عليه السلام: من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال:
إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب
حيث شاء، وقد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجة
ثم راح يوم التروية إلى العراق، والناس يروحون
إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا
يريد الحج (1).
وظاهر الرواية أن فعل الحسين عليه السلام كان
لأجل جواز الخروج من مكة في أيام الحج بعد الفراغ
من العمرة المفردة لا أنه صدر ذلك منه عليه السلام
لأجل الضرورة بقرينة ذيل الرواية المصرح بجواز
الخروج في ذي الحجة بعد العمرة لمن لا يريد الحج
فإن قوله (ع): ولا بأس بالعمرة الخ مراده أنه يجوز
له الاكتفاء بالعمرة والخروج من مكة ولا يلزمه الاتيان
بالحج بأن كان في ذي الحجة.
ومنها موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 3.
356

أيضا قال: من حج معتمرا في شوال، ومن نيته أن يعتمر
ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، وإن هو أقام
إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة
وذو الحجة، فمن اعتمر فيهن أقام إلى الحج فهي متعة
ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة
الحديث (1).
فحينئذ لا بد من الجمع بين هذه الروايات الدالة
على جواز الخروج من مكة - بعد العمرة - والرجوع إلى
بلاده وإن كانت العمرة في أشهر الحج وبين الصحيحتين
الظاهرتين في وجوب الاتيان بالحج بعد العمرة
المفردة إذا أتى بها في أشهر الحج بحمل الصحيحتين على
تأكد الاستحباب.
هذا كله في العمرة المفردة، وأما للمتمتع بها فلا يجوز
الخروج بعد الاتيان بها من مكة بل يجب عليه الاتيان

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
357

بالحج بعدها لأن هذه العمرة مرتبطة بالحج لقول النبي
صلى الله عليه وآله: دخلت العمرة في الحج إلى
يوم القيامة
(فرع:)
قال في الشرائع: تستحب العمرة المفردة في
كل شهر، وأقله عشرة أيام، ويكره أن يأتي بعمرتين
بينهما أقل من عشرة أيام وقيل: يحرم، والأول
أشبه انتهى.
أما استحباب العمرة المفردة فيدل عليه - بعد
دعوى اللاخلاف إلا من العماني كما في الجواهر
- روايات معتبرة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: في كل
شهر عمرة (1).
ومنها موثقة يونس بن يعقوب قال: سمعت

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 4.
358

أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي عليه السلام يقول:
لكل شهر عمرة (1).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل دخل مكة في السنة المرة والمرتين
والأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا
وإذا خرج فليخرج محلا، قال: ولكل شهر عمرة، فقلت:
تكون أقل من شهر؟ فقال: في كل عشرة أيام عمرة (2) الخبر
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: لكل شهر
عمرة قال وقلت له: تكون أقل من ذلك؟ قال: لكل
عشرة أيام عمرة (3).
وهذان الخبران يصلحان لأن يكونا دليلين
لاستحباب العمرة في كل عشرة أيام وإن كانا ضعيفي
السند فإن الاستحباب يثبت بذلك بواسطة أخبار
من بلغ، وهذا هو المعبر عنه عند الفقهاء بالتسامح في أدلة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 5 - 3 - 10.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 5 - 3 - 10.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 5 - 3 - 10.
359

السنن.
وأما الكراهة بين العمرتين - إذا كان الفصل
بينهما بأقل من عشرة أيام - فلعدم شمول
الطائفتين من الروايات - أعني روايات
" لكل شهر عمرة " وروايات " لكل عشرة أيام
عمرة " - لهذا الفرض، فمقتضى عدم الشمول هو
الحرمة كما حكاه في الشرائع بلفظ " قيل ".
إلا أنه يكفي في أصل مشروعية العمرة وإن وقعت
عقيب الأخرى في كل يوم بل في يوم واحد العمومات
الدالة على محبوبية العمرة.
كصحيحة زرارة أنه قال في حديث: قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: الذي يلي الحج في الفضل؟
قال: العمرة المفردة ثم يذهب حيث شاء (1).
وكالرواية المروية عن الرضا عليه السلام قال: العمرة إلى
العمرة كفارة لما بينهما (2).

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 6.
360

وكالرواية المروية عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: الحجة ثوابها الجنة، والعمرة كفارة لكل ذنب (1) الخ
إلى غير ذلك من العمومات.
ولا تصلح تلك الروايات المتقدمة أعني الدالة
على استحباب العمرة في كل شهر أو في كل عشرة أيام -
لتقييد هذه العمومات لعدم نفي الزائد في تلك الأخبار
فليس لها مفهوم بالنسبة إلى الزائد، فهي لا تثبت إلا
محبوبية عن الأقل من ذلك، ومقتضى ذلك هو
القول بالاستحباب دون الكراهة للعمومات المتقدمة
إلا أنه حيث إن فيه شبهة التشريع فلذا حكم بعضهم بالحرمة
فلذا نقول بالكراهة والله العالم.
أقول: إلى هنا انتهى كلامنا في باب العمرة نقلا
من مباحث الأستاذ رحمه الله في المسودة بخط الحقير
مؤلف هذا الكتاب ولم نذكر بقية واجبات العمرة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 7.
361

ولم أذكر ما كان السبب في ترك باقي مباحث
العمرة؟ أكان السبب في ذلك تركي أنا لحضور مجلس
الأستاذ لأجل السفر أو المرض أو لأجل ترك الأستاذ
لبقية واجبات العمرة وايكاله لبقية الواجبات إلى
كتاب الشرائع والجواهر؟
فنحن بعون الله وحسن توفيقه وهدايته نذكر
بقية مباحث العمرة لأن لا يبقى مبحث العمرة ناقصا
فنقول - ومن الله الاستعانة:
(الثالث من أفعال العمرة:)
الطواف بالبيت، قال في الشرائع، وأفعالها
(أي العمرة) ثمانية: النية والاحرام والطواف وركعتاه
والسعي والتقصير وطواف النساء وركعتاه انتهى
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده في شئ من ذلك
إلا في وجوب طواف النساء فيها (أي في العمرة المفردة)
فإنه قيل بعدمه كعمرة التمتع وقد عرفت أن الأصح ما
هو المشهور من وجوبه انتهى.
والدليل على وجوب هذه الأفعال في العمرة
362

المفردة بعد دعوى الاجماع - روايات.
منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: في الرجل يجيئ معتمرا عمرة مبتولة
قال: يجزيه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا
والمروة وحلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت،
ومن شاء أن يقصر قصر (1).
ومنها رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: إذا
دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالكعبة وصلى
ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة
فليلحق بأهله أن شاء (2).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في
حديث: التمتع أفضل الحج وبه نزل القرآن وجرت
السنة، فعلى المتمتع إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان
عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة ثم يقصر

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 1 - 2.
363

وقد حل، هذا للعمرة، وعليه للحج طوافان، وسعى
بين الصفا والمروة، ويصلي عند كل طواف بالبيت
ركعتين عند مقام إبراهيم، وأما المفرد للحج فعليه
طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم
وسعى بين الصفا والمروة وطواف الزيارة، و
هو طواف النساء، وليس عليه هدي ولا أضحية
(1).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: على المتمتع
بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين
الصفا والمروة، وعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت
وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين
الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل، هذا للعمرة، وعليه
الحج طوافان وسعى بين الصفا والمروة ويصلي عند
كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام (2)
والمراد بثلاثة أطواف في حج التمتع هو وجوب

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 8.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 8.
364

الوجوب للعمرة المفردة وللعمرة المتمتع بها طوافا واجدا
وللحج طوافين أحدهما طواف الحج وثانيهما طواف
الزيارة المسمى بطواف النساء، ولم يذكر في هذه
الروايات صريحا للعمرة المفردة طواف النساء، نعم
هو مذكور في روايات أخر نذكرها في الواجب
السابع للعمرة المفردة إن شاء الله تعالى.
(الرابع من الواجبات:)
صلاة الطواف وهي ركعتان يأتي بها
خلف مقام إبراهيم - بعد الفراغ من الطواف
وقد تقدمت الروايات الدالة على وجوب هذه
الصلاة آنفا فراجعها.
(الخامس:)
السعي بين الصفا والمروة وقد ذكر أيضا في
الروايات المتقدمة فلاحظها، وكيفية أن يبدأ من
الصفا ويختم بالمروة إلى سبعة أشواط، ولا يجب فيه
365

الوضوء، وهو - أي السعي - من أركان العمرة، فلو
تركه عمدا أو سهوا بطلت عمرته.
(السادس:)
التقصير، قال في الشرائع والجواهر: ويلزم فيها
(أي في العمرة المتمتع بها) التقصير الذي هو أحد للمناسك
فيها على وجه يكون تركه نقصا فيها، بل عن المنتهى
اجماع علمائنا عليه وإن حصل إلى حلال له منها
خلافا للشافعي في أحد قوليه، فجعله اطلاق محذور
كالطيب واللباس ولا ريب في فساده عندنا بعد
ما سمعت من الاجماع بقسميه عليه انتهى.
ومستند الحكم - بعد الاجماع روايات:
منها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن
يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة، ويقصر
من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحل (1).
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: ثم ائت

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 2.
366

منزلك وقصر من شعرك وحل لك كل شئ (1).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
ليس في المتعة إلا التقصير (2).
قال في الجواهر: إلى غير ذلك من المعتبرة
المستفيضة التي مقتضاها - كاطلاق الأكثر - الاجتزاء
بتحقق مسماه بالإزالة للشعر أو الظفر بحديد أو نتف
أو قرض بالسن أو نحو ذلك انتهى.
ومستند ما ذكره قدس سره هو صحيحة معاوية عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ
من شعره بمشقص، قال: لا بأس، ليس كل أحد
يجد جلما (3).
والمشقص - كما في المجمع - فصل السهم، والجلم كما
في المجمع أيضا بالتحريك الذي يجزيه الشعر والصوف
كالمقص انتهى.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 2 والباب 4 من أبواب التقصير الحديث 2 والباب 2 الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 2 والباب 4 من أبواب التقصير الحديث 2 والباب 2 الحديث 1.
367

وموثقة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل أن
تقصر، فلما تخرفت أن يغليها أهوت إلى قرونها
فقرضت منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل
عليها شئ؟ فقال: لا، ليس كل أحد يجد المقاريض (1).
وحسنة الحلبي قال: قلت له عليه السلام أيضا:
جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت
أهلي ولم أقصر قال: عليك بدنة، قال: قلت:
إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت
فلما غلبتها قرضت بعض أشعارها بأسنانها، فقال:
رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة وليس
عليها شئ (2).
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على الاكتفاء بمسماه
قال في الجواهر: بل في المنتهى وعن التحرير و
التذكرة أدنى التقصير أن يقص شيئا من شعر رأسه
وأقله ثلاث شعرات ناسبا له في الأول إلى اختيار

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2.
368

علمائنا وإن كان هو إن لم يتم الاجماع المزبور محل
نظر للشك في تحقق مسماه بذلك وإليه يرجع ما
عن المبسوط من اشتراط كون المقطوع جماعة من
الشعر.
وعلى كل حال فما في صحيح معاوية وحسنة عن
الصادق عليه السلام أيضا " تقصر من شعرك من جوانبه
ولحيتك وخذ من شاربك وقلم أظفارك، و
أبق منها لحيتك (1) - محمول على ضرب من الندب
وإن حكى عن جمل العلم والعمل " قصر من شعر رأسه
ومن حاجبيه " والفقيه " قصر من شعر رأسك من
جوانبه ومن حاجبيك ومن لحيتك وخذ من شاربك
وقلم أظفارك فابق منها لحيتك " قيل: وكذا المقنع
إلا أنه ترك فيه اللحية والهداية والمصباح ومختصره
إلا أنه ترك فيها الحاجب، لكن لعلهم عبروا بذلك

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 1 - 4.
369

تبعا لما سمعته من قول الصادق عليه السلام، لا أن مرادهم
الوجوب، وإلا كانوا محجوجين بالنصوص المزبورة
التي لا يكافها الصحيح والحسن المزبوران خصوصا
بعد اعتضاد النصوص السابقة باطلاق الفتاوى
نعم ظاهر المتن والقواعد ومحكى الجمل و
العقود والسرائر والتبصرة الاجتزاء ببعض الأظفار
أو الشعر من اللحية أو الرأس أو الشارب أو الحاجب
أو غيرها.
وعن النهاية والتحرير والارشاد الاقتصار على
شعر الرأس واللحية، وعن الاقتصاد والغنية و
المهذب والاصباح الإشارة على شعر الرأس و
اللحية، وعن المفيد زيادة الحاجب أو الاقتصار عليه
وعلى شعر الرأس، وعن الحلبي وابن سعيد زيادة
الشارب، وفي التهذيب والمنتهى ومحكى التذكرة
أدنى التقصير أن يقرض أظفاره ويجز من شعره
شيئا يسيرا، وعن الوسيلة أدناه أن يقص شيئا من
370

شعر رأسه أو يقص أظفاره، والأصلع يأخذ من شعر
اللحية أو الشارب أو يقص الأظفار، ونحوه عن المبسوط
والسرائر إلا أن فيهما الحاجب مكان الشارب وليس
في المبسوط قص الأظفار لغير الأصلع، ولكن الظاهر
أن ذلك كله ليس خلافا في المسألة، وإنما هو ذكر بعض
أفراد ما يتحقق به المسمى انتهى كلام صاحب الجواهر.
وحاصل الكلام في التقصير للعمرة المتمتع بها أن
التقصير يتحقق بقلم الأظفار وبأخذ قسم من شعر
الرأس أو شعرات من الحاجب أو من اللحية أو من
الشارب.
وكذا يتحقق التقصير بجز الشعر بالأسنان
أو باليد أو بغير ذلك مما يتحقق به قطع الشعر أو الظفر
فالتعبيرات المختلفة المحكية من الفقهاء ليست خلافا
في المسألة، وإنما ذكر كل واحد منهم مصداقا من مصاديق
التقصير كما أشار إلى ذلك صاحب الجواهر في ختام.
371

كلامه،
ثم قال - بعد ذلك - فما عن الخلاف من
إطلاق أن المعتمر إن حلق جاز والتقصير أفضل
- واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرناه، إن
أراد المتمتع أو ما يعمه، وإن حكي عن المختلف أنه
قال: كان يذهب إليه والدي، بل قيل: كان
دليله أنه إذا أحل من العمرة حل له كل ما حرمه الاحرام
ومنه إزالة الشعر بجميع أنواعها فيجوز له الحلق بعد
التقصير، وأول الحلق تقصير، بل عن التهذيب
" من عقص شعر رأسه عند الاحرام أو لبده
فلا يجوز له إلا الحلق، ومتى اقتصر على التقصير
كان عليه دم شاة ".
وظاهره العموم للحج وعمرة التمتع والمفردة، بل
في عمرة التمتع أظهر، واستدل عليه بقول الصادق
عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار " إذا أحرمت
فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك
372

الحلق، وليس لك التقصير، وإن أنت لم تفعل
فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة
إلا التقصير (1).
وصحيح العيص سأله عليه السلام عن رجل عقص
شعر رأسه وهو متمتع
ثم قدم مكة فقضى نسكه
وحل عقاص رأسه فقصر وأدهن وأحل، قال:
عليه دم شاة (2).
ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة
منع كون أول الحلق تقصيرا، ولذا كان مقابلا له، فلا
يتحقق امتثال فيه، وصحيح معاوية صريح في أنه
ليس في المتعة إلا تقصير، ومن المحلق تعلق قوله
عليه السلام فيه " في الحج " بالجمع، وأما " نسكه " في صحيح العيص
فيحتمل الحج وإياه والعمرة، والدم يحتمل الهدي أو الندب

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 9.
373

كما عن الشهيد، ومما ذكرنا يظهر لك ضعف ما
عن المنتهى من أن الحلق مجز وإن قلنا: إنه محرم
لكونه عن أمر خارج عن التقصير الحاصل بأول الحلق
فيكون المحرم ما زاد عليه ضرورة عدم تحقق
التقصير به على أنه ينبغي حينئذ اعتبار النية التي
لا أثر لها في النص ولا الفتوى بل ظاهر اطلاق
النص خلافه انتهى.
وحاصل الكلام أن الحلق لا يسد مسدد
التقصير ولا يدل عليه آية ولا رواية ولا يساعده
فتوى الأصحاب بل لا بد له من التقصير في العمرة
المفردة وكذا في العمرة المتمتع بها.
فلذا قال في الشرائع: ولا يجوز (أي في العمرة)
حلق الرأس، ولو حلق لزمه دم انتهى.
وهذا الحكم - مضافا إلى أنه مشهور بين الأصحاب
- كما قيل - قد دلت عليه روايات:
منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال: عليه دم
374

يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه
حين يريد أن يحلق (1).
ومنها صحيحة جميل عنه عليه السلام في متمتع حلق
رأسه بمكة إن كان جاهلا فليس عليه شئ وإن
تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس
عليه شئ، وإن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر
فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه (2).
ومنها مرسلة جميل عن بعض أصحابه عن
أحدهما عليهما السلام عن متمتع حلق رأسه، فقال: إن
كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، وإن كان
متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه (شئ) إذا
كان قد أعفاه شهرا (3).
قال في الجواهر: لكن قد يناقش في الأول

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 3 - 5 - 1.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 3 - 5 - 1.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 3 - 5 - 1.
375

- مضافا إلى ضعف سنده - بظهوره في غير العامد
الذي حكى الاجماع ممن عدا الماتن على عدم وجوب
ذلك عليه للأصل والصحيح والمرسل المزبورين
فلا بد من حمله على ضرب من الندب.
وفي الصحيح بعدم ظهوره في الحلق بعد الاحرام
بل لعل الدم فيه لترك توفير الشعر المستحب عند
الأصحاب، والواجب عند الشيخين بل عن المفيد
منهما التصريح بوجوب الدم فيه كما سمعت البحث
فيه في بحث الاحرام بل استدل له به وسمعت الكلام
فيه هناك، على أنه مشتمل على التفصيل في العمد
المنافي لاطلاق الأصحاب.
ومن هنا يقوى الاحتمال المزبور وإلا كان من
الشواذ المطرحة، وحينئذ فلا دليل على وجوب الدم
ولذا جزم بعدمه بعض متأخري المتأخرين إلا أن
يكون اجماعا أو شهرة تجبر الدلالة على وجه يثبت
بها المطلوب، ولا ريب في أنه أحوط حتى في صورة
376

السهو التي هي مقتضى اطلاق المصنف هنا وفي
النافع، والأحوط أن يكون شاة وإن أطلق في
النصوص السابقة، بل هو المحكى عن اطلاق الأكثر
أيضا، بل عن ابن حمزة جعله مما يوجب الدم المطلق
لكن في القواعد ومحكى التهذيب والمهذب و
السرائر تعيينه بشاة لا لقاعدة الاقتصار على الأقل
لأصالة البراءة، ضرورة ثبوت أقل منها كالجدي
ونحوه، بل لدعوى الانصراف إليها مضافا إلى
الاحتياط انتهى موضع الحاجة.
أقول: لا وجه للمناقشة في دلالة الروايات
الثلاث أو سندها بعد عمل كثير من الأصحاب
بها بل قيل: إنه مشهور بين الأصحاب فعلى فرض
ضعف بعض هذه الروايات فضعفه منجبر بعملهم،
وحمل قوله عليه السلام " فعليه دم " على الاستحباب - لا
يخفى ما فيه، فإنه - في غير هذا المورد - يحمل هذا اللفظ
377

يحمل على اللزوم والوجوب ولا داعي هنا على حمله
على الاستحباب، فالأولى ما اختاره في أواخر
كلامه من الاحتياط بأن ه عليه دم إذا أتى بالحلق
مكان التقصير.
وأما إطلاق الدم في الأخبار وكلمات
الأصحاب فلا يبعد حمله على أقل مراتبه كالشاة
وحمله على أقل من الشاة كالجدي - أي السخلة
- بعيد غير معهود في باب كفارات الاحرام
ثم إنه لو ترك التقصير متعمدا حتى أحرم بالحج
بطلت متعته، وصارت حجته مبتولة كما عن الشيخ
وابن حمزة وابن سعيد والفاضل في المختلف، و
الارشاد والتحرير والتذكرة والمنتهى بل عن الدروس
أنه المشهور، ومستنده روايات:
منها رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال:
المتمتع إذا طاف وسعى، ثم لبى قبل أن يقصر فليس له
أن يقصر وليس له متعة (1).

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 5.
378

ومنها رواية محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل
قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل
أن يقصر قال: بطلت متعته، هي مبتولة (1).
قال في الجواهر: والمناقشة في السند - مع وصف
أوليهما بالصحة في المنتهى - مدفوعة بالانجبار، فما
عن ابن إدريس من بطلان الثاني (أي الحج) لأنه
لم يتحلل من عمرة مع الاجماع على عدم جواز ادخال
الحج على العمرة قبل إتمام مناسكهما، والتقصير من مناسكهما
عندنا، فهو حج منهى عنه فيفسد خصوصا وقد نوى
المتعة دون الافراد - واضح الفساد بناء على أصولنا
من العمل بمثل الخبرين المزبورين اللذين لا وجه لاحتمال
اختصاصهما بمن نوى العدول بعد اطلاقهما أو
ظهورهما في عدمه، فمن الغريب موافقة الفاضل

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 4.
379

والشهيد له على ذلك في محكى التلخيص والدروس
مع مخالفتهما له في أصله الذي هو عدم العمل
بأخبار الآحاد وإن صحت انتهى.
وكلامه قدس سره صحيح متين.
ثم إنه يستحب للمتمتع - بعد التقصير - التشبه
بالمحرمين في ترك المخيط وغيره لمرسلة ابن البختري
عن الصادق عليه السلام قال: ينبغي للمتمتع بالعمرة
إلى الحج إذا أحل أن لا يلبس قميصا وليتشبه
بالمحرمين (1).
وكذا يستحب لأهل مكة التشبه بالمحرمين
في أيام الحج لخبر معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
أيضا قال لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص، و
أن يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا، قال: قال (ع): وينبغي
للسلطان أن يأخذهم بذلك (2).

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب التقصير الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب التقصير الحديث 1 - 2.
380

(السابع والثامن:)
من واجبات العمرة المفردة دون المتمتع بها
طواف النساء وصلاة الطواف.
قال في الشرائع: ولا يجب فيها (أي في العمرة
المتمتع بها) طواف النساء انتهى وقال في الجواهر:
بخلاف المفردة إلا على قول نادر في كل من المستثنى
والمستثنى منه وقد تقدم الكلام فيه مفصلا ".
وقال صاحب الشرائع في موضع آخر: المسألة
الثانية عشر: طواف النساء واجب في الحج، و
العمرة المفردة دون المتمتع بها انتهى.
وقال في الجواهر - بعد قوله: والعمرة المفردة:
المسماة بالمبتولة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل
عن المنتهى والتذكرة الاجماع عليه وهو الحجة بعد
المعتبرة المستفيضة انتهى (1) ومراده قده بالمعتبرة المستفيضة

(1) المجلد 19 من الجواهر ص 406.
381

هي روايات معتبرة:
منها صحيحة محمد بن عيسى قال: كتب أبو القاسم
مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة
المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ والعمرة
التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب: أما العمرة المبتولة
فعلى صاحبها طواف النساء، وأما المتمتع بها
إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء (1).
ومنها رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن عمرو
غيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المعتمر يطوف
ويسعى ويحلق؟ قال: ولا بد له بعد الحلق من
طواف آخر (2).
ومنها رواية إسماعيل بن رياح قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟
قال: نعم (3).
نعم يحكى عن الدروس عن الجعفي عدم وجوب

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 8.
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 8.
(3) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 8.
382

طواف النساء في العمرة المفردة استنادا إلى صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالكعبة وصلى
ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة
فليلحق بأهله إن شاء (1).
قال في الجواهر: هو غير صريح في وحدة الطواف
إذ يحتمل أنه طاف ما يجب عليه وصلى لكل واحد
ركعتين، وربما قيل: إن ظاهره ذلك ".
وصحيحة صفوان بن يحيى قال: سأله أبو حارث
عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصر
هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنما طواف النساء
بعد الرجوع من منى (2) - المحتمل لإرادة إنما طواف
النساء عليه، قاله في الجواهر أيضا.
ومرسل يونس رواه قال: ليس طواف النساء الأعلى

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6 - 10.
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6 - 10.
383

الحاج (1) - الذي لا جابر للعمل به المخصص بما عرفت
المحتمل لإرادة ما يشمل المعتمرين الحاج قاله أيضا
في الجواهر.
وخبر أبي خالد مولى علي بن يقطين قال:
سألت أبا الحسن عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟
قال: ليس عليه طواف النساء (2) - الذي هو غير
جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن أراد التمتع بعمرته المفردة
قاله أيضا في الجواهر.
إلا أن هذه الاحتمالات التي ذكرها في الجواهر
لهذه الروايات غير منساقة من هذه الروايات.
والأولى أن يقال: إن هذه الروايات أكثرها
ضعيفة السند ورواية صفوان بن يحيى - وإن كانت
صحيحة - إلا أنها مقطوعة لم يذكر فيها المروى عنه
مضافا إلى أن أكثر الأصحاب لم يعملوا بهذه الروايات
فلم ينجبر ضعفها بعملهم، قال في الجواهر: فمن الغريب

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 10 - 9.
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 10 - 9.
384

ميل بعض متأخري المتأخرين إلى العمل بهذه
النصوص القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه
وترك المعتبرة الأولى التي عليها العمل قديما و
حديثا المعتضدة مع ذلك بأصالة بقاء حرمة
النساء وغيرها انتهى.
هذا كله في العمرة المفردة.
وأما العمرة التمتع بها فلا يشترط فيها طواف
النساء قال في الجواهر: بلا خلاف محقق أجده
فيه، وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب
وأسنده في الدروس إلى النقل، لكن لم يعين
القائل ولا ظفر نابه ولا أحد ادعاه سواه، بل
في المنتهى لا أعرف فيه خلافا بل عن بعض الاجماع
على عدم الوجوب ولعله كذلك، فإنه قد استقر
المذهب الآن عليه، بل وقيل الآن مضافا إلى
النصوص التي منها ما تقدم، ولا يقدح في بعضها
385

الاضمار لأن مضمرات الأجلاء حجة عندنا
ولا جهالة السائل ولا المكاتبة انتهى.
ونحن نذكر الروايات المعتبرة الدالة على عدم
وجوب طواف النساء في العمرة المتمتع بها بعون
الله تعالى:
منها صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: كيف التمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي
بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت
ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة
وقصرت وأحللت من كل شئ، وليس لك
أن تخرج من مكة حتى تحج (1).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا فرغت من سعيك وأنت
متمتع فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك
وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق منها
لحجك وإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 3.
386

شئ يحل منه المحرم وأحرمت منه وطف بالبيت
تطوعا ما شئت (1).
ومنها رواية عبد الله بن سنان عنه عليه السلام
قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة
ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره فإذا فعل
ذلك فقد أحل (2).
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: ثم
ائت منزلك فقصر من شعرك وحل لك كل
شئ (3).
ومنها حسنة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة
أتيت أهلي ولم أقصر، قال: قلت: إني لما أردت ذلك
منها ولم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3.
387

شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه
منك، عليك بدنة، وليس عليها شئ (1)
ومنها رواية محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد
الله عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل أن تقصر
فلما تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت
منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شئ؟
قال: لا، ليس كل أحد يجد المقاريض (2).
قال في الجواهر: كل ذلك مع أنا لم نجد
دليلا للقول المزبور (أي القول بوجوب طواف
النساء في العمرة المتمتع بها) إلا خبر سليمان بن حفص
المروزي عن الفقيه (عليه السلام): إذا حج الرجل ندخل
مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف
مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا والمروة
وقصر فقد حل له كل شئ ما خلا النساء لأن عليه
لتحله النساء طوافان وصلاة (3) - الشاذ الضعيف

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2 - 4.
(3) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7.
388

سندا ولا جابرا المخالف لما عرفت، بل قال الشيخ
ليس فيه أن الطواف والسعي اللذين ليس له الوطؤ
بعدهما إلا بعد طواف النساء - أنهما للعمرة وللحج
وإذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه على من طاف و
سعى للحج " وإن كان فيه أن المفروض في الخبر وقوع
التقصير من المتمتع بعد الطواف والسعي، وليس
ذلك إلا في العمرة، إذ لا تقصير بعدهما في الحج
وأيضا قوله (عليه السلام) " إذا حج الرجل " إلى
آخره كالصريح في أن المراد بدخولها هو القدوم
الأول دون الرجوع إليها من منى، فلا وجه للمناقشة
فيه من هذه الجهة.
كما أنه لا وجه لها أيضا فيه بأنه قد دل على توقف
حل النساء على الصلاة، والطواف معا وهو خلاف
المعهود في مثله، فإن التحليل في الحج والعمرة المفردة
إنما يحصل بنفس الطواف من غير توقف على الصلاة
389

في ظاهر النص والفتوى، ولو توقف عليها كانت
هي المحلل دونه، وتوقفها عليه لا يصحح نسبة التحليل
إليها وإلا لجاز اسناده إلى ما قبل ذلك من الأعمال
أيضا لأنه - بعد تسليم ذلك - إذ قد عرفت البحث
فيه سابقا - قد يقال بأن ايجاب الطواف للتحلل
يقتضي ايجاب الصلاة له بواسطة الطواف، فإنها
من لوازمه، وعلة اللزوم علة اللازم، وحينئذ فلا
يلزم التحليل بالصلاة ولا بالمجموع على أنه يمكن
التزام أحد الأمرين هنا تبعا للنص، وإن لم يكن
في غيره كذلك ولا محذور في ذلك انتهى.
وكلامه قده هذا كلام حسن إلا أنه يمكن أن يقال
إن اسناد الحلية وإن كان إلى طواف النساء لكن
الطواف المذكور بدون الصلاة لا يتحقق به التحلل
وكأنه لا أثر له بدونها فالصلاة كأنها من مقومات
الطواف المذكور كما أن الطواف بدون الصلاة
390

- في طواف الحج وطواف العمرة المتمتع بها أيضا
كذلك، فحينئذ اسناد الحلية - وإن كان إلى الطواف
المزبور - إلا أنه بحسب الواقع تستند الحلية - أي
حلية النساء - إلى المجموع من طواف النساء وصلاته
ثم إنه قال في الشرائع أيضا: وهو (أي طواف
النساء) لازم للرجال والنساء والصبيان والخناثى
انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده
فيه، بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع عليه في الجملة
مضافا إلى صحيح ابن يقطين وغيره كما تقدم الكلام
في ذلك وغيره مفصلا عند قول المصنف " و
مواطن التحلل ثلاثة فلا حظ وتأمل انتهى. "
وقال في الشرائع في قوله: مواطن التحلل ثلاثة (1)
الأول عقيب الحلق أو التقصير يحل من كل شئ إلا
الطيب والنساء والصيد

(1) الجواهر ج 19 ص 251.
391

الثاني: إذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب
الثالث: إذا طاف طواف النساء حل
له النساء انتهى.
ومستند الثالث روايات معتبرة.
منها الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم
ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت
وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم
التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا
والمروة، ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك
وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها
ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا
فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ يحل منه
المحرم الافراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر
حل لها فراش زوجها (1).
ومنها صحيحة الحسين بن علي بن يقطين قال:

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.
392

سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة
الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم
الطواف كلهم (1).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لولا ما من الله عز وجل به على الناس
من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم ولا ينبغي
لهم أن يمسوا نسائهم، يعني لا تحل لهم النساء
حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما
يسعى بين الصفا والمروة، وذلك على الرجال
والنساء واجب (2).
وهذا بناء على أن قوله: يعني إلى آخر الرواية
من كلام الإمام عليه السلام، ولم يكن من كلام الشيخ قدس
سره، ويؤيده ما عن فقه الرضا (ع): وأدنى ما يتم به فرض
الحج الاحرام (إلى أن قال:) وطواف النساء، وقال في

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4.
393

موضع آخر: ثم تطوف بالبيت أسبوعا، وهو
طواف النساء، وقال في موضع آخر: ومتى لم
يطف الرجل طواف النساء لم تحل له النساء حتى
يطوف، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تجامع
حتى تطوف طواف النساء (1).
قال في الجواهر: فما في القواعد ومحكى المختلف
من التوقف فيه لعدم الدليل، بل استوجهه في
المسالك نظرا إلى أن الأخبار الدالة على حل
جميع ما عدا الطيب والنساء بالحلق وما عدا النساء
بالطواف متناول للمرأة ومن جملة ذلك حل الرجال
- واضح الفساد كوضوح منع التناول المزبور.
ثم قال: وكيف كان فقد ظهر لك مما حررناه
أن الحاج لو طاف الطوافين وسعى قبل الوقوفين
في موضع الجواز فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى
ولو قدم طواف الحج والسعي خاصة كان له تحللان
أحدهما عقيب الحلق مما عدا النساء والآخر بعد

(1) المستدرك الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1.
394

طواف النساء لهن، ولو قلنا: إنه يتحلل من الطيب
بطواف الحج ومن النساء بطوافهن وإن تقدم على
الوقوفين كانت المحللات ثلاثة مطلقا.
وقد صرح بعضهم بحرمة النساء على المميز بعد
بلوغه لو تركه لكون الاحرام سببا لحرمتهن، والأحكام
الوضعية لا تخص المكلف حتى أن الشهيد حكم
بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ بل عن المنتهى والتذكرة
الاجماع على وجوبه على الصبيان، وفي كشف اللثام
بمعنى أن على الولي أمر المميز به والطواف بغير
المميز، فإن لم يفعلوه حرمن عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه
أو يستنيبوا فيه استصحابا الأعلى عدم توقف حلهن
عليه،
ولكن في موضع من القواعد الاشكال في ذلك
ولعله لتمر نية عبادة الصبي كما هو المختار، اللهم إلا
أن يدعى خروج الحج منها كما هو الظاهر (إلى أن قال)
395

: وأما غير المميز فلا اشكال في عدم شرعية احرامه
ولو تمرينا، فلا تحرم النساء عليه إذا لم يطف به
الولي، نعم قطع الشهيد بكونه كالميزان أحرم به
الولي واحتمله في كشف اللثام هنا قويا، وقد
سمعت ما أسلفنا منه في غير المقام في تفسير
اجماعي المنتهى والتذكرة، فإن تم كان هو الحجة
مضافا إلى دعوى ظهور النصوص فيه.
ويجب (أي طواف النساء) على الخناثى لأنهم
إما رجال أو نساء وعلى الخصيان إجماعا محكيا عن
المنتهى والتذكرة، مضافا إلى الأصل وما سمعته
من صحيح ابن يقطين (1)، على أنهم من شأنهم -
الاستمتاع بالنساء مع حرمته عليهم بالاحرام فيستصحب
مع عدم تعليل وجوبه به، ولذا يجب قضاؤه عن الميت
قال الشهيد: وليس طواف النساء مخصوصا
بمن يشتهي النساء اجماعا، فيجب على الخصي والمرأة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1.
396

والهم وعلى من لا إربة فيهن " والمراد بالخصي ما
يعم المجبوب، بل المقصود من عبارات الأصحاب
والسؤال في الخبر (1) هو الذي لا يتمكن من
الوطء.
وتحرم النساء بالاحرام على العبد المأذون
فيه وإن لم يكن متزوجا ولا يدفعه حرمتهن عليه
قبله بدون الإذن لجواز توارد الأسباب الشرعية
انتهى ما أردنا نقله من الجواهر.
وحاصل الكلام في طواف النساء أنه واجب
على جميع أفراد المكلفين بل على الطفل المميز
بمعنى لزومه عليه فحينئذ يجب طواف النساء
على الرجال والنساء والخناثى والخصيان وهو
جمع الخصي سواء كان مجبوب الذكر أو مرضوض
الخصيتين أو مسلولهما، والمراد بوجوبه على الطفل

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1.
397

المميز بمعنى أنه إذا لم يطف طواف النساء حرم
عليه المساس مع النساء بعد البلوغ، وأما ما عن الشهيد
قدس سره من حرمة النساء على المميز إذا لم يطف
طواف النساء ولو كان قبل البلوغ فهو ضعيف جدا
فإنه لم يتوجه إليه التكليف بعد، فوجوب طواف
النساء عليه إنما هو الحكم الوضعي لا التكليفي كالضمان
الذي يتوجه إليه إذا كسر - قبل البلوغ متاع الناس
أو كسر رأس صغير أو كبير.
وكذا يجب طواف النساء على من لا يشتهي
النساء كالخصي والمرأة الكبيرة السن التي لا
تشتهي الرجال والهم إلى الرجل الكبير السن
الذي لا يشتهي النساء.
وعلة وجوب طواف النساء على هؤلاء
- مع عدم احتياجهم إلى النساء - أولا هو اطلاق
الأخبار المتقدمة بل تصريح بعضها بوجوب هذا
الطواف كصحيحة ابن يقطين - على بعض الأشخاص
398

الذين ليس لهم شهوة النساء ولا شهوة الرجال
كالخصيصان والمرة الكبيرة والطفل المميز.
وثانيا أن الحكم بوجوب طواف النساء
ليس من باب علة حلية النساء أو الرجال، بل
هو من قبيل الحكمة، والحكمة لا يعتبر سريانها في
جميع الأفراد مضافا إلى دعوى الاجماع أو
اللاخلاف في وجوب هذا الطواف على
هؤلاء المذكورين والله العالم.
وقد تم المجلد الثالث من كتاب الحج
والعمرة وواجباتهما ومحرمات الاحرام من
تقريرات بحث السيد الأستاذ آية الله الحاج السيد
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني رضوان الله
تعالى عليه، وبتمام هذا المجلد قد تم ما أردنا
ايراده من بيان واجبات الحج والعمرة وأحكامهما
وبيان محرمات الاحرام ومبحث المواقيت
399

وسائر المباحث من مباحث الحج والعمرة - على يدي
مؤلفه الحقير الفقير الكثير التقصير، وقد فرغت من
مسودة هذا الكتاب في صباح يوم الأحد من
يوم العشرين من ذي الحجة الحرام من شهور سنة
1396 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف ألف
صلاة وسلام وتحيته.
وقد فرغت بعون الله وحسن توفيقه من
مبيضة المجلد الثالث من هذا الكتاب في اليوم
الخامس عشر من شهر شوال من سنة ألف وأربعمأة
وست عشر من سني المهاجرة النبوية الموافقة
16 / 12 / 1374 من السنة الشمسية، ولعلي زدت
في كلام الأستاذ أو نقصت وأستغفر الله من العصيان
ومن الزيادة والنقصان، وربما فاتني بحث الأستاذ
أو حضرت ولكن لم ألتفت إلى ما قاله الأستاذ
كمال الالتفات فأوردت البحث على حسب فهمي
القاصر حذرا من تقطيع البحث فلا يظن بي أحد
التدليس وتحريف كلام أستاذ، وصلى الله
عليه محمد وآله الأمجاد إلى يوم الساد
المؤلف محمد هادي المقدس النجفي
400