الكتاب: الهداية ، الأول
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء:
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٣
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: دار القرآن الكريم - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات:

الهداية
إلى من له الولاية
تقرير بحث
الفقيه الزاهد والمحقق الورع الحجة الكبرى والآية العظمى
الزعيم الروحاني مولانا السيد محمد رضا الگلپايگاني
مد ظله العالي
لتلميذه الحقير أحمد الصابري الهمداني
ذي الحجة الحرام 1383
چاپخانه علميه قم
1

كلمة المقرر
إن هذا ما استفدته، من إفاضات سيد الفقهاء والمجتهدين، الأستاذ الأعظم، و
الفقيه الزاهد المعظم حافظ الشريعة وجامع شمل الحوزة العلمية بعد الشتات العلامة
المحقق الرباني الحاج سيد محمد رضا الگلپايگاني مد ظله العالي، وقد كنت مولعا على
حفظ ما أسمع منه دام ظله وكتابة ما أحفظ حتى كتبت من أبحاثه المفيدة، أحكام
الخيارات، وولاية الأب والجد والفقهاء، ولما ألفت هذه الرسالة في 1373 وقف
عليها بعض الأعاظم والأكابر، فطلب مني تخريجها إلى البياض وتهذيبها، فأنجحت
سؤله، وأجبت مسؤوله فهذبتها، وظني أنها جاءت مصونة من الغلط، مأمونة من
النقيصة والخلط، ومع كله فإني معترف بقصور البيان وغلبة السهو والنسيان والرجاء
من القراء الكرام والفضلاء العظام أن يرشدوا المؤلف إلى ما عثروا عليه، من
الخطأ وسهو القلم وأسئل الله أن يوفقني لطبع ساير الأجزاء.
أحمد الصابري الهمداني
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
وبعد فقد وفق الله سبحانه وتعالى قره عيني الأعز المحقق العلام ثقة الاسلام
والمسلمين الحاج ميرزا أحمد الصابري الهمداني دامت تأييداته لاعداد هذه الصفحات
حاوية لما ذكرته في مجلس الدرس حين اشتغالي بالبحث في ولاية أولياء
القصر ولقد جاء في تنقيحه وجد في توضيحه بيان رائق وترتيب فاتن
فلله دره وعليه أجره وكثر الله في العلماء مثله والسلام عليه ورحمة الله
وبركاته محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله والطاهرين
يقول العبد الراجي رحمة ربه الباري، أحمد الصابري الهمداني لما انتهى
بحث سيدنا الأستاذ، العلم العلام والبحر والطمطام، السيد السند الفقيه الكبير
المعتمد، المولى المعظم، والزعيم الأعظم، المحقق الورع الرباني، الحاج سيد
محمد رضا الجرفادقاني، (گلپايگاني) أدام الله ظله العالي، إلى مسائل ولاية
الأب والجد والفقيه، في التصرف في أموال الصغار، بالبيع والشراء وغيره من الشؤون
الاجتماعية أحببت أن أفرد فيها رسالة. لعل الله ينفعني بها، وسائر اخواني من الفضلاء،
فقال مد ظله: قد ذكرت للولاية، ومراتب ستة، الأب والجد ووصيهما، ثم
الفقيه أو المنصوب من قبله، ثم العدول من المؤمنين، ثم الموثقون منهم.
أما الأب والجد فثبوت الولاية لهما في الجملة، مما لا اشكال فيه، وإن وقع
الخلاف في جهات أخرى، من اعتبار العدالة وعدمه، واشتراط المصلحة في التصرف
أو كفاية عدم المفسدة فيه، وعدم اشتراط ذلك أصلا، إلا أن أصل الولاية مما لا
خلاف فيه، وادعى الاجماع بل الضرورة عليه،
قال الشيخ (قده) وتدل عليه قبل الاجماع، الأخبار الخاصة المستفيضة
في موارد كثيرة، وفحوى سلطنتها على بضع البنت في النكاح انتهى. لا يخفى أن مقتضى
الأصل الأولى، عدم ثبوت الولاية لأحد على غيره، فكل مورد شك في شمول الأدلة
المثبتة للولاية له، ولم تكن حجة رافعة للشك، من عموم أو اطلاق أو اجماع، يؤخذ
بالقدر المتيقن منها، ويكون الأصل هو المرجع في غيره مثلا لو شك في اعتبر العدالة
والمصلحة وعدمه، يحكم بثبوت الولاية للجد والأب العادلين فيما إذا كان التصرف
ذا مصلحة للمولى عليه، لا الفاسقين. ولا فيما ليس فيه مصلحة، ولا نفع عائد إلى الصغير
4

وأما الأخبار فقد وردت في موارد متفرقة ومواضع متشتتة، مثل باب النكاح،
والوصية بالمضاربة بمال الولد، والوقف والصدقات، فإن أمكن الغاء الخصوصية
من تلك الموارد وتسرية الحكم إلى غيرها، وبدعوى القطع بعدم الفرق
بينها، وبين البيع والشراء بمال الولد، أو بالأولوية في المقام، بأن يقال: إن
ثبوت الولاية على البضع التي تكون أمرا مهما عند الشارع، ملازم لثبوتها على غيرها
بالأولوية فعلى هذا فتكون النصوص الواردة في الموارد المذكورة دليلا على ثبوت
الولاية للوالد في مثل التصرف بالبيع والشراء ونحوه بمال الولد، وأما لو احتملت خصوصية
في تلك المورد، مفقودة في مثل البيع والشراء كان يقال: إن وجود الكفؤ
في النكاح، مما لا يتحقق في كل زمان ومكان، ولا جل ذلك جعل الشارع الولاية للأب
والجد في تزويج الصغار كي لا يفوت الكفؤ ويتأخر التزويج، فلا يصح دعوى الأولوية
ولا الغاء الخصوصية فتكون الأخبار الواردة في باب النكاح، أجنبية عن المقام
نعم ورد في بعض تلك النصوص كما في الوصية بالمضاربة بمال الطفل، وإن أمر الولد
بيد والده، وأنه هو الذي يلي أمره، ولا يبعد دلالته على المقصود، وأما ما وردت من
أن مال الولد لأبيه، فهو إنما يدل على جواز الأكل من مال ولده عند الحاجة إليه
لا على ثبوت الولاية له عليه في البيع والطراء بماله على نحو الاطلاق، إلا أن يتمسك
باستدلال الإمام عليه السلام كما سيجئ مفصلا إن شاء الله، فالمهم في بسط المقال، نقل
الأخبار وذكر الآثار، كي يتضح الحال ولكن لم يعلم أن نظر الشيخ في دوي استفاضتها إلى أية أخبار منها
من النصوص ما رواه في الوسائل، عن الكليني باسناده عن محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وإذن
له عند الوصية أن يعمل بالمال، وأن يكون الربح بينه وبينهم، فقال لا بأس به من
أجل إن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي وظاهر الخبر أنه كان لولد الموصى مال
سوى ما يرثونه من التركة وأنه أوصى إلى الرجل في المضاربة بذلك المال وقد
علل عدم البأس فيه بإذن الأب في حال حياته، فيعلم أن الإذن الصادر من الوالد للغير
5

في التصرف في مال ولده بالبيع والشراء صحيح ونافذ. والخدشة فيه بعدم التصريح
بكون الولد صغارا في مورد الرواية كما ترى حيث إن الكبير لا يسئل عنه حتى
يجاب عنه بما يعلم خلافه، فالتعليل فيها ظاهر في نفوذ الإذن الصادر من الأب فيؤخذ
به ما لم يرد نص على خلافه كما في الكبير
ومنها ما رواه المحدث الخبير الحر العاملي في كتاب الوقوف (ب 4) من الوسائل
عن الشيخ الأقدم الكليني، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم
عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: في
الرجل يتصدق على ولده، وقد أدركوا إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن
تصدق على من لم يدرك من ولده، فهو جائز، لأن والده هو الذي يلي أمره
ومورد الرواية وإن كان في غير مال الولد إلا أن التعليل ظاهر، بل صريح
في أن أمر الصغير من قبض الصدقة وغيرها. موكول إلى الأب فقبضه للوقف بمنزلة
قبضه وأخذه. إذا كان الموقوف عليه صغيرا فيصح الوقف لحصول القبض بخلاف ما
لو كان كبيرا لعدم تحققه
ومنها ما عنه أيضا باسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن
القاسم بن سليمان عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في رجل تصدق على
ولد له قد أدركوا قال إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن تصدق على من
من لم يدرك من ولده، فهو جائز، لأن الوالد هو الذي يلي أمره والرواية كسابقتها
في الصراحة، في أن كون الصدقة بيد الأب بمنزله كونها في يد الابن، والولد الغير
المدرك، وأنه هو الذي يلي أمره ونفعه وضره
ومنها ما ورد بمضمون أن الوالد وماله لأبيه وأنه موهوب له كما في الكريمة يهب لمن
يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء إناثا.
ولا يخفى أن مورد كثير من تلك الأخبار صورة اضطرار الأب إلى التصرف في مال
ولده، وأن له الأخذ من ماله قدر ما يحتاج إليه، ويدفع الضر عن نفسه، والاضطرار
عن شخصه، فهل يمكن التعدي من المورد وتسرية الحكم إلى غيره، بالغاء خصوصية
6

الاضطرار والاحتياج، أو لا يصلح ذلك، بل لقائل أن يقول إن مفاد تلك النصوص
المور الأخلاقية النوعية المطلوبة عند النوع والمرضية عند العرف حتى بالنسبة إلى
الكبار من الأولاد المقيد بها الأسنان في شؤونه الحياتية وأمورها العادية، لا أنها في مقام جعل
. الولاية وتشريعها، للوالد على الولد، كما هو الظاهر ولكن ما يسهل الخطب، ويهون
الأمر استدلال الإمام عليه السلام بها لاثبات الولاية والسلطنة للجد على نكاح الصغيرة
فيعلم منه أنها مسوقة لاعطاء الولاية وجعلها للأب، لا أنها في مقام بيان جهات أخلاقية
نوعية، وعواطف إنسانية مستحسنة عند العرف ومرضية، فلا بد من ذكر النصوص
والبحث حولها بالخصوص.
روى محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن أبي المعراء عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إني لذات
يوم عند زياد بن عبد الله، إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال أصلح الله الأمير إن
أبي زوج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا
الرجل، فقالوا: نكاحها باطل،
قال عليه السلام: ثم أقبل علي فقال ما تقول يا أبا عبد الله فلما سئلني.
أقبلت على الذين أجابوه، فقلت لهم ألستم تروون أنتم عن رسول الله إن رجلا يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال رسول الله أنت ومالك لأبيك قالوا: بلى
فقلت لهم: فكيف يكون هذا هو وماله لأبيه، ولا يجوز نكاحه فأخذ بقولهم
وترك قولي.
والخبر صريح في أن ما رواه عليه السلام عن العامة ردا عليهم تمسك به لاثبات الولاية
للأب على الابن وجواز تصرفه في ماله: ونفاذ أمره في حقه وحمل الرواية على الولاية
المطلقة للأب على الابن، حتى بالنسبة إلى نفسه وأنه مثل العبد الذي لا يقدر على
شئ، وإن كان مقطوع الخلاف إلا أن إرادة معنى شامل لجواز تصرفاته في ماله
مطلقا أو عند الضرورة بأن يأخذ منه إذا احتاج إليه ويصح بيعه وشرائه إذا توقف ذلك
عليه قريب جدا، وهذا وإن كان يشمل الكبير والصغير من الأولاد لكن النصوص
7

الكثيرة المستفيضة، تدل على عدم ولايته على الكبير على نحو الاطلاق، بل فيما إذا
احتاج إلى الأخذ من ماله، والأكل منه، فيبقى الصغير تحت العام ويحكم بثبوت
الولاية عليه مطلقا، هذه نصوص تدل على ثبوت الولاية للأب والجد على الولد، هي
وإن كانت كثيرة إلا أن الظهر دلالة والمعلل فيها بأن الوالد هو الذي يلي أمر ولده
ما ذكرناه
واثبات الولاية بها تصريحا أو تلويحا في الجملة مما لا اشكال فيها ولا شبه يعريها،
وبعد الفراغ عن أصلها يقع الكلام في مقامين: الأول في اشتراط العدالة واعتبارها في
الولي: الأب والجد والثاني في اعتبار وجود المصلحة في التصرف في مال الصغير،
أو عدم المفسدة فيه
وأما المقام الأول فالمشهور عدم اعتبار العدالة في الأب والجد وخالف في ذلك
صاحب الوسيلة والايضاح، واعتبر العدالة فيهما، واستدل لذلك بوجهين: الأول
حكم العقل والثاني النقل أما الأول فتقريبه إن من المستحيل أن يجعل تبارك وتعالى
الفاسق وليا على من لا يدفع عن نفسه، ولا يشعر بمصالح شخصه، بحيث يقبل اقراره
في أمره، ويصدق أخباره في نفعه وشره، فالحكمة الكاملة البالغة. ويقتضي اعتبار العدالة
واشراط فيها، حتى يحصل الغرض من جعل الولاية وتشريعها ولا يضيع حقوق الصغار
الذين لا يعرفون حدودهم ولا يقدرون على نظم أمورهم وأجيب عن ذلك أولا بعدم كون
خلاف الحكمة، ومنا فيا لغرض التشريع إذا الشفقة الطبيعية، والمحبة والغريزية،
الكامنة في الآباء بالنسبة إلى الأولاد تمتعهم عن الاقدام بما يضرهم ويفسد حالهم وتصدهم
عن التسامح فيهم، وفي تحصيل أغراضهم، وتحجزهم عما ينقص عيشهم، ويفوت
مصالحهم، بحيث لو لم تكن الولاية ثابتة ورعاية الصغار عليهم واجبة، لجدوا
واجتهدوا أيضا في حفظ منافعهم ورعاية مصالح أمورهم وتحصيل أعراضهم، وما أقدموا
على ما يضر هم ولا يوافق طباعهم، كما نشاهده في أبناء الزمان، ممن يعيش في عصرنا،
بل ربما يركبون المحاذير، ويرتكبون المعاصي، لأجل أولادهم وصلاح مآلهم وازدياد
مالهم، والحاصل إنا لله جعل في الآباء محبة ذاتية للأولاد تمنعهم عن التسامح فيهم،
8

والاقدام عليهم، فتشريع الولاية لهم وإن كانوا فاسقين ليس منافيا لحكمة الله ولا
مخالفا لسنته وقد ملأ قلوبهم المحبة وجبلهم على الشفقة والمودة.
وثانيا بأنه يمكن أن يقال يجب على لحاكم عزل الولي، أو ضم آخر عادل
إليه إذا علم خيانة في مال المولى عليه، وظهر سوء حاله وبان عدم رعايته لمصالحه
فجعل الولاية للفاسق ومع وجوب عزله على الحاكم، أو ضم غيره إذا ثبت خيانته ليس
منافيا للحكمة ولا مخالفا للسنة وطريق العدالة، فالاستدلال بحكم العقل لاعتبار
العدالة غير تام، ولكنه بناء على تمامية حكم العقل يكون كالقرينة المتصلة بالكلام
فيمنع عن انعقاد الظهور في النصوص وشمولها للفاسق، ويوجب انصرافها إلى العدول
واختصاصها بهم وأما الاستدلال بالنقل فقد وقع في كلام صاحب الايضاح، فإنه
بعد ما ادعي الاستحالة من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراره، و
ينفذ أمره، قال: مع نص القرآن على خلافه والمراد من نص الكتاب أما قوله
تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ". كما أشار إليه في جامع
المقاصد، أو قوله تعالى! إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا " كما احتمله آخر.
والاستدلال بالآية الأولى يمكن أن يكون من وجهين: أحدهما إن الله تعالى
نهى عن الركون والاعتماد إلى الظالم فلا يعقل أن يعتمد عليه ويركن إليه، بأن
يجعله وليا على الضعفاء من عباده ويفوض أمرهم إليه،
وثانيهما إن الفاسق الذي هو الظالم لو كان وليا يجب اعتماد الناس عليه،
وركونهم إليه، بقبول اخباره، فيما يتعلق بالتصرف في أموال ولده وقد نهى عن الركون
إليه، والاعتماد عليه، وإلا يلزم لغوية ولايته
وأما الآية الثانية، فتقريب الاستدلال بها، إن الأب الفاسق، إذا كان وليا
يجب تصديقه، وعدم التفحص والتبين من أفعاله وأقواله، وقد أوجب الله تعالى
التبين والتفحص عن بناء الفاسق، وهذا غاية تقريب الاستدلال بالآيتين.
وأما الجواب عن الأولى، إن ولاية الفاسق على ولده، وابنه ونفوذ اقراره
فيه كولايته على نفسه، فالآية كما لا تشمل ولايته على نفسه فكذلك منصرفة عن
9

الولاية على ولده الذي هو بمنزلته.
وتفصيل ذلك وتوضيحه: إن الابن قطعة من الأب، وبضعة منه، بل أعز إليه
من نفسه، والذ من شخصه، فليس أحد أولى بالولاية عليه من أبيه، لأنه مجبور على
مراعاة مصالح ولده، فكما أن تشريع الولاية للفاسق على نفسه لا يعد ركونا إليه،
ولا يوجب الاعتماد عليه فكذلك ولايته على ابنه الذي هو منه وقطعته وبضعته
وبتقرير آخر الظاهر من الركون المنهى عنه في الولاية هو الاعتماد على الظالم،
والركون إليه فيما يتعلق بالغير، ويرجع إليه، بأن يجعله وليا عليه، لا الاعتماد
عليه فيما يرجع إلى نفسه، ويتعلق بأمور شخصه، ولذا لا يستشكل أحد في قول عليه السلام
اقرار العقلاء على أنفسهم جايز بأن شموله للفاسق مستلزم لجواز الركون
إلى الظالم، فحينئذ يقال: إن الولد بمنزلة نفس الوالد ومهجته، وتشريع الولاية
له عليه إذا كان فاسقا ليس مشمولا للآية كما أن ولايته على نفسه كذلك فتدبر
وأما عن الثانية، فالجواب عنه نظير الجواب عن الآية الأولى، وتوضيحه أن
الابن ومصالحه كما تقدم راجع إلى الأب، وأنه بمنزلة نفسه فيكون اقراره في
حق ولده، كاقراره في حق نفسه في النفوذ، وآية النبأ بعد ثبوت نفوذ الاقرار من
العقلاء لقوله عليه السلام اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، كما لا يشمل اقرار الفاسق على
نفسه، فكذلك لا يشمل اقراره في حق من هو كنفسه، وبالجملة بعد كون الأولاد
بمنزلة الآباء وثبوت الوحدة بينهم عند العرف يكون اخبارهم واقرارهم جائزا في
حق أولادهم أيضا، إذا الآباء والأجداد لا يقدمون على ما يضرهم ويفسد أمرهم،
كما لا يقدمون على ما يضر بأنفسهم بما هم عقلاء، والحاصل أن الآية لا يشمل اخبار
الفاسق في حقه ولا توجب التبين والتثبت عنه، وكذلك اخباره في حق أولاده،
الذين هم بمنزلته، وليس هذا من باب تخصيص الآية، بل هو نظير الحكومة واخراج
فرد من العموم بالتنزيل منزلة النفس المقر، هذا إذا لم تكن الآية منصرفة عن الاخبار
والاقرار على نفسه، وإلا فخروجه من باب التخصص
ويمكن الاستدلال لاشتراط العدالة في الأب والجد بقوله تعالى (لا ينال
10

عهدي الظالمين) والمراد من العهد الولاية وهي لا تنال من تلبس بالظلم و
الفسق ظلم.
وتقريب الاستدلال إن الولاية لها مراتب كثيرة عديدة منها الولاية
الكلية المطلقة على أموال الناس وأنفسهم كما في النبي والأئمة عليهم السلام فإنهم
أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومنها ولاية شخص على فرد كولاية الأب على الابن
وكل مرتبة من مراتبها لا تنال الظالمين
وبتقرير آخر وأوفى، أن الولاية المجعولة من الله لشخص قد تكون ولاية كلية
مطلقة، وقد تكون جزئية، ويجمعها لفظ الولاية التي هي بمنزلة الجنس المشترك
بينهما، وكل فرد من أفراده ومرتبة من مراتبه لا ينال الظالمين
ثم إن المراد من الظالم، أما من تلبس بالمبدء ولو انقضى عنه، كما هو
المراد في استدلال الإمام عليه السلام، أو من هو متلبس به فعلا، كما هو الظاهر من
المشتقات والمتبادر منها، فبناء على ذلك الوالد المتلبس بالفسق الذي هو ظلم، لا
يناله عهد الله، الذي هي الولاية الجزئية المجعولة للآباء على أولادهم، ولم أر من
استدل بالآية، ويقتضيه أيضا الحكمة الإلهية، والمصالح النوعية، فإن جعل الظالم
وليا على غيره ومسلطا على أمره، يوجب التشنج، والاختلال، وخلاف الانتظام و
هو قبيح عند العقل (1)
ويمكن الجواب عن الآية أولا بأن المراد من العهد هي الولاية العامة، والخلافة
التامة، بحيث يكون الإطاعة واجبة على الناس في جميع أمورهم دون الولاية
المتعلقة بالأمور الجزئية، كما في المقام وثانيا إن الظاهر منها بقرينة الصدر، هي
الولاية على الغير والحكومة والولاية عليه، لا الأعم منه ومن نفس الولي. ولذا
ترى أن الفساق والظلمة، لهم الولاية على أنفسهم وأموالهم فكما أن الآية منصرفة
عن ولاية الفساق على أنفسهم، كذلك منصرفة عن الولاية على أولادهم

(1) لا يخفى أن الأستاذ الأعظم مد ظله، إنما ذكره هنا تأييدا لا دليلا، إذ تقدم منه
الجواب عن الاستدلال بذلك فيما تقدم فراجع ص 8.
11

وتفصيل ذلك أن الأولاد كما أسلفناه قطعة من الآباء وبضعة منهم ومهجتهم، و
العرف لا يرى مغايرة بينهم كأنهم أعضاء متصلة، وجوارح مرتبطة، وأغصان متسقة
ويد واحدة: ويشهد بذلك السيرة الجارية المستمرة، إذ يرون أن على الآباء صيانة
الأولاد، وحفظ أموالهم، واصلاح بالهم، والنظر إلى مآلهم، كما يحفظون ما يتعلق
بأنفسهم، فعلى هذا تنصرف الآية عن الولاية على الأولاد، إذا ليست هي إلا ولاية
الولي على نفسه، لا الولاية على غيره، وقد عرفت أن الظاهر من الكريمة حرمان
الظالم عن الولاية على الغير، والتسلط عليه، لا مطلقا حتى يكون ممنوعا عن التسلط
والولاية على نفسه أيضا
فتحصل وتلخص، أن الاستدلال بالآية لاشتراط العدالة، لا يخلو عن المنع
والمناقشة.
واستدل شيخ الطايفة في متأخري المتأخرين بأصالة عدم اشتراط العدالة،
وبأنه مقتضى اطلاق الأدلة، أما الأصل فالتمسك به غير وجيه، إذ الولاية لم يكن ثابتة
للأب والجد على نحو الاطلاق في وقت، ثم يشك في اعتبار العدالة في وقت آخر
حتى يصح التمسك بالأصل، واستصحاب العدم الأزلي لا يفيد الأبناء على القول بحجية
الأصول المثبتة وهو خلاف التحقيق مضافا إلى ما تقدم من أن مقتضى الأصل الأولى
، عدم ثبوت الولاية لأحد على غيره، حتى يثبت الناقل، اللهم إلا أن يوجه بما
ذهب إليه بعض، من أن السيرة بين عموم الناس في جميع أدوارهم، جارية على
تولى الآباء أمور أولادهم، وكون اختيار أمورهم بيدهم مطلقا: من غير فرق بين
العادل والفاسق منهم، فلو كان شئ معتبرا في ولايتهم وشرطا فيها، للزم على
الشارع بيانه وردع الناس عن تلك السيرة الجارية وتخطئهم فيها ولو كان
لو صل إلينا وحيث إنه لم يصل نحكم بكونها مرضية عند الشرع وعدم اشتراط
العدالة ولم هذا التوجيه لا يخلو عن المسامحة مضافا إلى عدم انطباقه على
أصالة عدم الاشتراط، نعم لا يبد أن يكون المراد من الأصل في كلامه هو الاطلاق
الذي يذكر بعد
12

وأما الاطلاق فيمكن دعواه في الأدلة، مثل رواية محمد بن مسلم، وعبيد بن
زرارة المتقدمتان، فإن قوله: عليه السلام، لأن الوالد هو الذي يلي أمره مطلق شامل
للعادل والفاسق، واختصاصه بالعادل تقييد بلا جهة، ومثله الرواية الأخرى
لمحمد بن مسلم إذ قوله عليه السلام (لأن أباه قد أذن له وهو حي) شام للفاسق و
العادل بترك الاستفصال بل عدم ذكر العدالة في بيان العلة مع كونه عليه السلام بصدد
بيانها، يكشف عن أن العلة إذن الأب فقط لا إذن الأب العادل وهو المراد من -
التمسك باطلاق العلة فالأدلة شاملة لهما، إما بالاطلاق، أو بترك الاستفصال هذا تمام
الكلام في المقام الأول.
وأما المقام الثاني فيقع الكلام فيه في موردين أحدهما في جواز
تصرف الولي وعدمه، إذا كان فيه مفسدة على المولى عليه وثانيهما لو اخترنا عدم
الجواز عند المفسدة، فهل يعتبر وجود المصلحة فيه، أو لا يعتبر ذلك، بل يكفي
عدم المفسدة.
أما المورد الأول فقبل الورود فيه، ولا بد من الإشارة إلى نكتة، وهي أن الظاهر
من مناسبة الحكم للموضوع، إن جعل الولاية على الصغار، وتعيين الولي على
الصغير، ومن لا يدفع عن نفسه، ولا يشعر بمصالح شخصه، كالسفيه والمجانين،
إنما هو لرعاية أحوالهم، وحفظ نفوسهم، وأعراضهم وأموالهم عن التلف والتضييع لقصورهم
عن ذلك، لا للاضرار بهم، وتفرقة أمرهم، واختلال حالهم، وازدياد التشنج في بالهم
ونهب أموالهم، وهذا ما ليس فيه خفاء ولا غطاء، وفي غاية الوضوح، ونهاية البدو
يستغنى عن كل شرح وبسط، وعلى ذا يكون هذا الأمر المسلم العقلي، والمرتكز
القطعي كالقرائن اللفظية المتصلة بالكلام، أو الصالح للقرينة مانها عن اطلاق الأدلة
وشمولها لصورة وجود المفسدة وانعقاد الظهور لها في ذلك، فالتمسك باطلاق الأدلة
في المورد غير وجيه بل ليس بصحيح مضافا إلى أن المحتمل في الأدلة المطلقة مثل
قوله " أنت ومالك لأبيك " أو " أن الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء " وغير ذلك من
التعابير المتحدة سياقا جهتان.
13

الجهة الأولى أنها في مقام بيان جهة أخلاقية معمولة بين الأب والابن ووالد
وما ولد، إذ مقتضى تربيته له ولازم حقه عليه، وتحمل المشاق فيه، وايثاره على نفسه،
جواز أخذه من ماله والتصرف فيه حيث إنه رغب فيه حين لم يكن فيه راغب، وحفظه
يوم لا حافظ له ولا كافل، ولأن الابن ما نال ما نال إلا به وما بلغ ما بلغ إلا منه، وهذا أمر
عرفي وجداني أخلاقي لا ربط له بالولاية والزعامة وعليه يحمل قوله عليه السلام: أو كان
رسول الله يحبس الأب لابن.
والجهة الثانية المحتملة في الأدلة إنها في مقام تشريع الولاية للأب والظاهر
المتبادر منها لولا استدلال الإمام عليه السلام هي الجهة الأولى دون الثانية، فالتمسك بالنصوص
واطلاقها فيما هو محل البحث مع الغض عن استدلال الإمام عليه السلام غير تام، وأما بعد استدلاله
عليه السلام وإن كان التمسك صحيحا، للعلم بأنها واردة في مقام جعل الولاية وتشريعها. إلا أنه
لا بد لنا من الأخذ بالقدر المتيقن، والاقتصار على مورد الاستدلال، وأخذ الاطلاق
أيضا في المورد لو كان، ولا يصح التعدي والتجاوز إلى غيره، وهذا نظير ما روي عن
عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة
فكيف أصنع بالوضوء قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في
الدين من حرج امسح على المرارة إذ لو لم يستدل الإمام عليه السلام على جواز المسح على
المرارة لم يكن لنا معرفة ذلك الحكم من قوله تعالى ما جعل عليكم في الدين
من حرج، وبعد معرفته بمعونة الاستدلال والتمسك، لا يصلح أن نأخذ باطلاقه، ونحكم
بجواز المسح على كل شئ إذا لم يقدر على المسح بالبشرة حتى أنه لو لم يقدر
على مسح رأسه فيجوز له مسح عنقه أو رجله أو مسح رأس صديقه، نعم يصح الغاء
الخصوصية عن المرارة وتسرية الحكم إلى الدواء وما شابهه لا مطلقا وما نحن فيه أيضا
كذلك فتفطن.
هذا مع قطع النظر عن ورود المقيدات والنصوص الخاصة، وأما مع النظر إليها،
فيقيد اطلاق الأدلة بعد تسليمه بصحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام، قال قال رسول
الله أنت ومالك لأبيك، ثم قال لا نحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما يحتاج إليه مما لا بد منه إن
14

الله لا يحب الفساد، فإن الاستدلال بالآية ظاهر في عدم جواز تصرف الأب في مال ابنه،
إذا كان مفسدة وضررا عليه، وغيرهما مما قيد جواز التصرف والأخذ بكونه غير سرف
أو يكون لاضطرار وشدة خاصة فيعلم أن تصرف الوالد في مال ولده إذا لم يكن
محتاجا إليه ومما لا بد منه فساد، والله لا يجب الفساد، فاثبات الولاية للأب والجد
تمسكا باطلاقات الأدلة، فيما إذا كان تصرفها مفسدة على المولى عليه، في غاية الصعوبة.
وأما دعوى الاطلاق في رواية محمد بن مسلم المتقدمة، عن أبي جعفر عليه السلام
(في قوله عليه السلام لأن الوالد هو الذي يلي أمره) فيقيده أيضا ما ورد في نكاح الجد
على البنت وتزويجه لها مع وجود أبيها، مصرحا فيه بأن نكاحه نافذ ما لم يكن مضرا
فتحصل من جميع ما ذكرا، وتبين مما قدمناه، إن المطلقات بعضها غير مربوط بالمقام
أصلا، لظهورها في بيان الجهات الأخلاقية العرفية لولا استدلال الإمام عليه السلام بها، وما
هو المرتبط به وإن كان سليما من هذا الاشكال، إلا أنه يقيد بما ورد في موارد خاصة
هذا غاية ما يقتضيه البيان ويستحسن أن يدور حوله البنان في المورد الأول.
أما المورد الثاني، فقال الأستاذ الفقيه الكبير دام ظله بعد الفراغ عن عدم ثبوت
الولاية للأب والجد على الابن إذا كان التصرف في ماله فساد أو ضررا عليه، فهل يعتبر و
يشترط وجود المصلحة أو يكفي فيه عدم المفسدة، ولو لم يصل منه نفع إلى المولى عليه
مقتضى الاطلاق في رواية محمد بن مسلم وغيرها الثاني، فإن القرينة العقلية التي استفدناها
من مناسبة الحكم للموضوع، أشير إليها آنفا وكذا المقيدات، من النصوص الخاصة
المتقدمة لا يوجب أزيد من تقييد المطلقات، واختصاصها بصورة عدم وجود المفسدة و
الضرر ويبقى غيرها تحت الاطلاق، ويؤيد أيضا ما ورد في تزويج الصغير من نفوذ نكاح
الجد ما لم يكن مضرا، إذ المستفاد منه إن نكاح الجد ما لم يكن مضرا على البنت، بأن
يزوجها بغير الكفؤ أو بما دون المهر، نافذ أمره فيها، وثابت ولايته عليها، مضافا إلى أن ذلك، مطابق لما في الولاية العرفية، الثابتة بالسيرة المستمرة، إذا لآباء كما أنهم
يلاحظون عدم المفسدة في التصرفات المتعلقة بأموالهم، وليسوا ملتزمين بوجود
المصلحة دائما، فكذلك التصرفات المربوطة بمن لهم الولاية عليه عرفا، من الذين
يحسبون منهم، نعم يراعون عدم المفسدة، ويلتزمون به دائما أو غالبا فيما يتعلق
15

بأنفسهم، وهو مشترك بينهم وبين أولادهم، ولكن الانصاف إن اثبات هذه السيرة بهذه
الخصوصية مشكل.
هذا مقتضى اطلاق بعض الأدلة بعد تقييدها بعدم المفسدة ويؤيده أيضا تمسكه عليه السلام
بقوله تبارك وتعالى إن الله لا يحب الفساد في مقام منع الأب عن التصرف في مال ابنه
قد يقال: إن اطلاق أدلة الولاية لو سلم، يقيد بقوله تعالى " ولا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن " لعدم القول بالفصل في الأب،
وتوضيح ذلك كان المراد من لفظة " أحسن "، أما الصيغة الدالة على التفضيل،
فيجب تقديم كل تصرف يكون أحسن وأنفع، ونترك غيره ولو كان حسنا ذا نفع،
وأما المراد منها مطلق ما في الحسن واعتبار نفس المبدء، نظير قوله تعالى
" وجادلهم بالتي هي أحسن " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض "، في أن المعتبر في
أمثال تلك القضايا، التلبس بصرف المبدء، بمعنى أنه يجب أن يكون المجادلة
على نحو المجاملة، وسبك لطيف ومشى ظريف، حتى لا يوجب تقوية الباطل، و
الحق تحيرا. فبناء على ذلك المقصود من قوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم
إلا بالتي هي أحسن " المعاملة الحسنة والتصرف الذي فيه حسن.
ولكن يمكن أن يقال إنه يكفي في حسن التصرف أن لا يكون فيه مفسدة
على اليتيم (1) بل لا بد أن يكون مما يقدم عليه العقلاء. ويعاملون في أمورهم

(1) بقول المقرر هذا محصل ما أفاده سيدنا الأستاذ مد ظله العالي ومرجعه على
الظاهر إلى اعتبار المصلحة وفاقا للقوم، إلا أنه يعبر عن ذلك بعدم المفسدة، وكنا نورد
عليه في البحث بأنه عين اشتراط المصلحة واعتبارها، ولكن الانصاف، والنظر الدقيق
أن كلامه أعم مما ذهب إليه القوم من اعتبار المصلحة، إذ المقصود أنه يعتبر أن يكون في
التصرف داع عقلائي، وأن لا يكون عبثا، وإن كان مساويا من حيث المالية بحيث لو لم
يتصرف فيه لا ينتفع الصغير به ولا يتضرر.
16

مثله، وبتعبير آخر يشترط أن يكون التصرف الواقع في مال اليتيم، لداع
عقلائي فيه وإن لم يحصل له نقع زائد على ماله، وما كان له، وهذا
المقدار من الحسن. يكفي في جواز التصرف، دون الدواعي الحاصلة للولي الراجعة
إليه فقط، فلو احتاج الابن إلى التصرف في مال ابنه، ببيعه من شخص آخر يقدر على
قضاء وطره، ودفع الخطر منه، بحيث لو لم يبعه منه بقيمة المثل، لا يقضي حاجته
ولا يدفع الخطر عنه، يجوز له ذلك وإن كان الداعي فيه راجعا إلى نفسه ولم يحصل
منه ضرر ونفع إلى ولده بل كان سيان في حفه إلا أن هذا غير مربوط بالولاية كما
تقدمت إليه الإشارة، فتلخص مما طويناه وحررناه، أنه يشترط أن يكون تصرف
الأب في مال ابنه لداع عقلائي وإن لم يحصل في الخارج نفع زائد على ماله،
بل لا بد من كونه على نحو لا يعد الاقدام عليه لغوا، كما لو بادل درهما من مال الابن
بدرهم آخر ثم بادله بثالث بحيث ولا ينقص في مرتبة من المراتب
(تذنيب فيه بحثان)
الأول: إن الجد وإن علا هل يشارك الأب في الولاية، بأن يكون ولاية كل
منهم في عرض ولاية الآخر، لا تقدم للأب عليهم، فهم على حد سواء لا فضل لمرتبة
على الأخرى.
الثاني: إنه هل يشترط في ثبوت الولاية للجد وجود الأب وحياته، أو يشترط
عدمه، أو لا يعتبر شئ منهما بل له الولاية مطلقا أما الأول فالأدلة المتقدمة في
المضاربة بمال الطفل والصدقة عليه والوقف وفي النكاح، كلها في مورد الأب فقط
لم يكن معه غيره، فلا يستفاد منها إلا ثبوت الولاية للأب دون غيره، إذا لم يكن
الاستعمال في تلك الموارد نظير قولنا، أبونا آدم، وأمنا حوا، نعم استدل الإمام عليه السلام لمشاركة الجد الأدنى مع الأب في مورد نكاح الصغيرة فيقتصر عليه، إذ لا
يستفاد منه إن كل ما للولد فهو لوالده ويمكن أن يقال إنه يعلم من استدلال الإمام
لكون أمر النكاح بيد الجد مع حياة الأب، إن الولد وكل ما هو ثابت له من
17

الولاية على ولده، فهو ثابت لوالده (أي الجد) ولا يقتصر على المورد، أي الولاية
على النكاح، بل يستفاد منه حكم عام كلي وهو الولد وماله (بالفتح) وماله
بالضم، فهو لوالده ومنه الولاية الثابتة له على ولده بعنوان الأبوة، بخلاف الأحكام
الثابتة له بعنوان آخر مثل الفقاهة والعدالة والقضاوة، فعلى هذا يشارك الجد
الأب في ولايته على ولده.
قد يقال إن مقتضى قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض تقدم القريب
ونفي الولاية عن الجد وعدم شركه الأجداد للأب في الولاية نعم خرج الجد الأول
بالدليل فتلتزم به ونقتصر عليه وهذا الدليل إنما يتم لو كانت الآية في مقام
بيان تقدم بعض الأرحام على البعض الآخر من ذوي رحم، بأن يكون المراد أن
الأب مثلا مقدم على الجد وهو على أبيه وهكذا.
ولكنه يمكن أن يقال: إن الآية في مقام بيان تقدم ذوي الأرحام على
غيرهم، فإن المفضل عليه يصح تقديره وأولى الأرحام بعضهم أولى ببعض من
غير ذوي الأرحام فلا ظهور للآية فيما استدل به المستدل من أولوية بعض الأرحام
وتقدم الأقرب فالأقرب.
ولو سلمنا ذلك، فهو أيضا غير مربوط بالمقام، بل هو مخصوص بأحكام
الإرث وتعيين طبقات الوارث. وليس حكما كليا شاملا لجميع الموارد، وإلا لكان
الاستدلال بالكريمة لاثبات أصل الولاية صحيحا ولم يستدل أحد بها في المقام بأن
يقال إن الأب أولى بابنه، فله الولاية عليه بل صح الاستدلال بها لا ثبات الولاية للابن
على الأب وكل ذي رحم على رحمه وهو كما ترى وبالجملة أولوية بعض
الأرحام إنما هو في مسألة الإرث، وليس حكما كليا حتى يعتمد عليه ويحكم بتقديم
الأقرب وعلى هذا يشارك الجد للأب في الولاية فلو وقع التزاحم بينهما يقدم الجد كما في
الرواية أما البحث الثاني وهو اعتبار وجود الأب وعدمه فقد ذهب بعض من أصحابنا
إلى اشترط كونه حيا، وإلا لا يثبت للجد ولاية بل يرجع الأمر إلى الحاكم والفقيه
وقال بعض العامة أنه يشترط في ولاية الجدان لا يكون الأب حيا وإلا فلا ولاية له
18

وقد يستدل للقول الأول بما روي عن أبي عبد الله عليه السلام إن الجد إذا زوج ابنة
ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز فإن هوى أبو الجارية هوى وهوى
الجد هوى، وهما سواء في العدل والرضا، قال أحب أن ترضى بقول الجد، و
وجه الاستدلال قوله عليه السلام (وكان أبوها حيا فيعلم من التقييد دخالة القيد في
الجواز وأصل الحكم) وفيه أن الظاهر من الرواية بيان حكم تزويج الجد للبنت
وأن أمره نافذ ووليه متبع مع كون الأب حيا لا أن حياة أب البنت من القيود و
الشروط المعتبرة في الحكم كما هو واضح
فتلخص أن وجود الأب وكذا عدمه لا يعتبر في ولاية الجد بل له الولاية
مطلقا هذا تمام الكلام في ولاية الأب والجد
19

في ولاية الفقهاء
أما الفقيه فله مناصب ثلاثة: اثنان منها غير مرتبط بالمقام.
الأول منصب الافتاء، وبيان الأحكام الشرعية، ليرجع إليه. ويؤخذ منه
وهذا مربوط بمسألة الاجتهاد والتقليد، وقد بين فيها معنى الاجتهاد وشرائط المفتي،
وأنه أي عالم يصح منه الافتاء واعمال النظر واصدار الرأي.
الثاني القضاء ورفع الخصومة وقطع النزاع بالحكم على طبق الموازين
الشرعية، والقوانين المدنية الدينية، من الحقوق، والجزائية، وما يكون الفصل
والقطع متوقفا عليه من توقيف المدعى عليه، حتى يقيم المدعي البينة، وتفصيل
هذا المنصب وبيان شرائطه موكول إلى كتاب القضاء وقد ذكر فيه الشرائط المعتبرة
في القاضي والقضاء.
والثالث وهو الذي يدور حوله البحث في المقام، ولاية التصرف في أموال
الصغار، والسفهاء، والمجانين، وجمع شتاتهم واصلاح أمورهم، وتنظيم معاشهم
بالمباشرة، أو بنصب القيم، لهم أو الإذن لغيره، وغير ذلك مما تسمعه في طي البحث
إن شاء الله
ثم الكلام في المقام يقع في أمرين (الأول) في كيفية ولاية الفقهاء وأنحاء
تصرفهم (والثاني) في منشأها، أما الأول فقال الأستاذ الأعظم مد ظله العالي،
أن الولاية المجعولة للفقيه شرعا (تارة يتصور استقلالا تاما، بأن يتصرف مستقلا
في أموال الصغار وينظر في أمورهم، ويكون أمه نافذا في جميع شؤونهم، و
أخرى يتصور شرطا. بأن يكون إذنه شرطا في جواز تصرف الغير في أموالهم، و
رضايته دخيلا فيه، بحيث لو لم يأذن لا يصح لأحد أن يتصدى أمرا من أمور من لا
ولي له، وتقع كلتا الصورتان موردا للبحث والنظر.)
وأما الأمر الثاني - فقد تقدم إن ما يقتضيه الأصل الأولى أن لا تكون لأحد
20

الولاية على غيره، خرج منه النبي والأئمة عليهم السلام بالدليل، وحيث إن منشأ ولاية
الفقهاء رضوان الله عليهم، ولايتهم عليهم السلام، وكونهما ولي بالمؤمنين من أنفسهم،
فلا بد من التعرض أولا لولاية النبي وأوصيائه عليهم السلام، وكيفيتها، ثم النظر في أن،
أي قسم منها يصلح تفويضه إلى الفقيه، واعطائه إياه، أولا يمكن أصلا، بل هو من
خصائصهم، وشؤون شخصياتهم، ويعد من مناصبهم القائمة بهم.
وأقوى ما استدل به، وأصرح ما يعتمد عليه في المقام قول تعالى " النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم " في الأمور الاعتبارية التي اعتبرها العرف في عيشهم
ونظم أمورهم، وإدارة حياتهم، أو الأمور المدنية، التي لا بد منها في الحياة
الاجتماعية المختصة بالطبيعة الانسانية. أو الغالبة عليها، مما يصلح دينهم ودنياهم ولحفظ
أمنهم وايمانهم، وأما كونه أولى بهم في الجزئيات المتعلقة بعموم الناس، فليس موردا
للبحث ولا ثمرة لنا فيه، للقطع بعدم ثبوت هذه الولاية للفقيه على كل حال، بل
المقصود الأمور الاعتبارية الجعلية المختلفة باختلاف المعتبر والاعتبار، والآية
في مقام اعطاء الولاية وجعلها للنبي على المؤمنين في نسخ تلك الأمور بحيث إن
له صلى الله عليه وآله أن يزوج صغيرة من شخص، يبيع أموالها، ويشتري لها، وكذا الصغير
والسفيه، ومن هو قاصر عن القيام بأمره، وتشخيص مصالحه، أما لنقص في عقله
أو ضعف في رشده، بل وله صلى الله عليه وآله التصرف، في أموال الكبار، ونفسهم، فيما ثبت
الولاية والجواز لهم من الشرع.
وأما الأمور التي لا يصح للمؤمنين ارتكابه، ولا يجوز اقتحامه كقتل أنفسهم
تبذير أموالهم وبيعها فاسدا، فهو خارج عن مدلول الآية قطعا ولا يستفاد ولايته بالنسبة
إلى تلك الأمور بل هي مخصوصة بما شرع للمؤمنين ارتكابه، والاقدام فيه.
وبتعبير أوضح، إن جعل الولاية للرسول صلى الله عليه وآله أو لشخص على غيره ليس
مشرعا، حتى يجوز لمن له السلطة والولاية قتل الغير وبيع ماله ربويا أو احراق
داره، بل المتبادر والمعقول، إن الأمور التي أجاز الشرع تصديها للمؤمنين أو
21

أمضاه، يكون النبي صلى الله عليه وآله أولى بهم من أنفسهم فيها، وليست الآية مطلقة شاملة
لجميع أنحاء التصرفات حتى تكون مخصصة للعمومات حتى المحرمات بل هي نظير
قوله صلى الله عليه وآله الناس مسلطون على أموالهم (وأنفسهم) بناء على ثبوت الفقرة الأخيرة
أيضا إذا لم يقل أحد، إن للناس قتل نفسهم وتبذير مالهم، ونقله بأي نحو شاؤوا،
وكيل كالوا، وعقدا أدوا، بل لا بد لهم من رعاية حدود السلطنة وقيودها، و
الالتزام بشروطها والمشي في طريقة بينها الشرع، وحددها ولا يميلوا عنها، ولا
يحيفوا عنها، ومثله ولاية النبي صلى الله عليه وآله في كونها عند الشرع، محدودة بما حدده،
ومخصوصة بما شرعه.
ثم إن في المقام بحثا قد تصدى له بعض الأصحاب وهو أنه هل للنبي والإمام
عليه السلام من باب الولاية التصرف في أنفس المؤمنين وأموالهم، بغير رضى منهم ولو
كان فيه ضررا عليهم بأن يزوج صغيرة أو كبيرة من غير كفو، أو بما دون مهر
المثل، أو باع دارا مع حاجة صاحبها إليه، أوليس له ذلك.
والحق أنه لا مورد لهذا البحث أصلا، فإن المسلم عندنا إن النبي والأئمة
عليهم السلام معصومون ولا يمكن اقدامهم على أمر فيه اضرار على شخص، وإن كان الظاهر
فيما تقدم من الأدلة أيضا ذلك، لشدة ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وقوتها، وأولويته منهم.
وقد يقال إن اعطاء الولاية من الله تعالى وجعلها للنبي صلى الله عليه وآله بحيث إن يكون
له التصرف بما يريد ويشاء، مخالف لحكمة الله، ومناف لرأفته على عباده وموجب
لاستيحاشهم واضطرابهم، وهو بعيد عن ساحته تعالى.
ويردد ذلك، بأن الله الحكيم، جعل في الأنبياء عصمة، تمنعهم عن المعاصي،
تحفظهم عن المآثم، والاقدام بما يضر الأمة، ويفسد العامة، فلا مانع ولا حرج
في اعطاء الولاية له صلى الله عليه وآله على نحو العموم والاطلاق، وإذ لا يقدم صلى الله عليه وآله قط على
ما لا يصلحهم، فضلا عما يفسدهم، ويضرهم.
لا يقال: إن قوله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا
أن يكون لهم الخيرة نزل في قضية تزويجه زينب بنت جحش من زيد بن أرقم ولم تكن
22

راضية بذلك، وظاهر الآية عدم الاختيار لأحد من المؤمنين ولا المؤمنات فيما أقدم عليه
الرسول فيهم، وأن أمره وتزويجه نافذ، وإن لم تكن به راضية، فإنه يقال: يمكن
أنت يكون نزول الآية لتحصيل رضايتها، وقبولها ذلك، وأنه يجب عليها أن تأذن في
التزويج حتى يزوجها الرسول من زيد، وليست صريحة في أنه صلى الله عليه وآله زوجها منه ولم تكن
به راضية، مع أنه لو ثبت أمره كذلك في مورد خاص يكشف به عن أمر الله تعالى في
خصوص المورد.
وأما الاستدلال في المقام بأنهم عليهم السلام وسائط للفيض بين الله وعباده فغير مربوط بالولاية المبحوث عنها، وإن كنا سمعنا واستفدنا من الأستاذ مد ظله العالي، في أثناء
البحث استطرادا في هذا الباب أيضا ما أرشدنا إلى المعارف الآلهية العالية، والعقائد
الحقة.
تذييل
بقي الكلام في أنه كما يجب إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله في الأحكام الشرعية والأمور الاجتماعية
السياسية، والاعتبارات العرفية، فهل يجب في الأمور العادية، مثلا لو أمر بقيام رجل
وجلوس آخر، وأكل ثالث، وشرب رابع، فهل يجب عليهم الإطاعة والامتثال لكونه
صلى الله عليه وآله وليا عليهم وأولى منهم، أو لا يجب ذلك، لانصراف الولاية إلى غير تلك الأمور
فوجهان.
فإن قلنا إنه صلى الله عليه وآله كلما يقول ويأمر وينهى، فهو من جانب الله تعالى ومبدء
الوحي والالهام، لقوله تبارك وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فلا يتصور
له صلى الله عليه وآله أمر شخصي أصلا، بل كلما يقول من أمر ونهي، فهو مما أنزله الله تعالى على
الناس بلسانه، وألزمهم ببيانه، فعلى هذا الفرض لا يتأتى البحث أبدا، إذ يجب
الإطاعة قطعا، وتحريم المخالفة حتما.
وإن قلنا إن الآية غير ناظرة إلى الأمور العادية والأوامر الشخصية، بل
هي منصرفة إلى الأحكام الشرعية والأوامر الإلهية، التي من شأنها نزول الوحي،
23

فيأتي الكلام، ويجري البحث، في أن جعل الولاية وثبوتها له صلى الله عليه وآله، هل يستلزم
ويوجب إطاعته في الأمور العادية أيضا، بدعوى أن الظاهر أن من تشريعها وجوب إطاعة
الولي في كل ما يأمر به، وينهى عنه، ولو لم يكن مربوطا بالأحكام الشرعية،
والأمور العرفية الاعتبارية الاجتماعية، أو لا يستلزم ذلك.
وقد يستدل للأول بقوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول، إنما وليكم الله ورسوله والمؤمنين الآية
ووجهه إن المستفاد منها، أنه كما يجب إطاعة الله تبارك، يجب إطاعة رسول
بقرينة المقابلة، وبتقريب أوفى، إن الله تعالى ثابت ولايته على الاطلاق ويجب إطاعته
فكذلك ولاية رسوله
وأورد عليه بأن الظاهر من الآيات، والمتبادر منها، إن الرسول صلى الله عليه وآله ولي
المؤمنين، ويجب إطاعته في الأمور الشرعية، والأحكام الإلهية الدينية، التي تحتاج
إلى بعث الرسل وانزال الكتب، وبلفظ آخر إن كل ما يعد من الدستورات الشرعية
السماوية، والمتكلفة للسعادة الأبدية، وبها قوام الأمة ونظامها، يجب قبول أمره ونهيه
فيها، لا كل أمر وقول يصدر منه، ولو لم يكن مربوطا بها. بل إنما هي من الأمور العادية
الشخصية، والأمر بالإطاعة في الآية، أمر ارشادي، وليس بمولوي شرعي تعبدي،
حتى يتمسك باطلاقه وعمومه، ولا يستفاد منها أزيد مما ذكرنا، ولا أبسط مما قدمناه
بل إنما ترشد إلى أن كل ما يأتي به الرسول من الله تعالى، يجب أخذه، نظير قوله الكريم
ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا في أن الظاهر منه ومن أمثاله
وجوب الأخذ والانتهاء فيها يأتي به من جانبه تعالى من الأحكام وغيرها لا مطلقا (1)

(1) يقول المقرر: إن جميع الأوامر والنواهي الصادرة من الأنبياء والأوصياء عليهم
السلام، كلها ارشادية، تهدي إلى حكم الله الواقعي، الذي هو ملاك العقوبة والمثوبة - نظير
الفتاوى الصادرة من الفقهاء، في أنها ارشادية إلى الواقع، لا أنها بنفسها أحكام شرعية فعلية،
وخطابات مولوية، بل هي تابعة لأوامره تعالى وتقدس، كما سمعناه كرارا من الأستاذ الأعظم،
الزعيم الفقيد الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي، وضبطناه فيما كتبناه من أبحاثه، وكان
رحمه الله يحكي ذلك عن صاحب الحاشية أيضا.
24

ولكن التحقيق والانصاف، وما يقتضيه المذهب إن إطاعة الرسول في جميع الأمور
حتى العادية والأوامر الشخصية واجبة، من جهة أن جعل الولاية وتشريعها لشخص على أمة
مستلزم لذلك، وإلا لا يستحكم أمر الولاية
وبتعبير أوفى إن استحكام أمر الولاية وتسجيلها. بحيث يكون الولي عظيما،
في أعين الناس، ومطاعا فيهم، يستلزم أن يكون أمره في الأمور كلها نافذا ورأيه
متبعا، وألا يتزلزل أمره، وينهدم رأيه، ولا يقوم له قائمة بل تبقى أموره عاطلة
وباطلة.
وكذا الانصاف صحة الاستدلال في المقام بقول تعالى " وما كان لمؤمن ولا
مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة "
لما ورد في التفسير أن زينب بنت جحش استشارت النبي صلى الله عليه وآله في التزويج، و
أمرها الرسول بالتزويج من زيد، فكرهت هي وأختها ذلك وقالتا إنه عبد، ونحن كذا
وكذا، فنزلت الآية، وظاهر القضية إن النبي صلى الله عليه وآله لم يزوجها من زيد، بايقاع العقد
عليها واجراء الصيغة من قبلها بل إنما ارمها بالتزويج بعد المشاورة، ولم تك زينب راضية
والآية فقد ردت عليها، وأنكرت ذلك منها ونفت الاختيار والاستقلال عنها، وأوجبت
عليها التسليم لأمره وإطاعة رأيه صلى الله عليه وآله
وكذا يصح الاستدلال بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم إذ الظاهر منها إن إطاعة الرسول وأولي الأمر واجبة على الناس، كما يجب
عليهم إطاعة الله تبارك وتعالى، هذا ما يقتضيه وحدة السياق ويفهم العرف من
نظائره، مثلا لو قال ملك في حق رجل هذا خليفتي فيكم، وحجتي عليكم، ثم
أمر الناس بإطاعته وقال أطيعوني وأطيعوا خليفتي، ليعلم العرف، ويستفيد منه،
إن خليفة السلطان، المعبر عنه (بنماينده شاه أو نائب السلطنة) يجب إطاعته على
كل فرد من الرعايا، في كل أمر من أمور المملكة، التي كان لنفس السلطان فيه
دخل، وتصرف وولاية، وأمر ونهي ورأي، دون الأمور التي لم يكن له أيضا
25

ولاية، كقتل النفوس، ونهب الأموال، فعلى هذا، بعد ما جعل الله تبارك، الولاية
للنبي والأئمة عليهم السلام وتشريعها لهم بقوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ثم أمر الناس
بإطاعة الولي بقوله تعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "
يستفاد منه قطعا، ويتبادر إلى ذهب العرف جزما، إن ولي أمر الأمة وإمامهم،
يجب إطاعته على الرعية ويحرم مخالفته على الأمة في كل أمر ورأي وبعث ونهي
مطلقا، ولا يرد ما تقدم، من دعوى انصراف الآيد، إلى وجوب الإطاعة في الأحكام الشرعية الدينية فقط، لما عرفت أن المستفاد من الآية، بعد التنظير بما تقدم من
الأمثلة، وليس إلا وجوب الإطاعة في كل شئ، كما أن إطاعته تعالى فيه واجبة.
ويدل على ما ذكرنا بعض النصوص الواردة في موارد خاصة، كرواية عمر
بن حنظلة، ومشهورة أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام: ففي الأولى بعد الأمر
بالرجوع إلى الفقهاء، قال عليه السلام فإني جعلته قاضيا وفي الثانية فإني قد جعلته عليكم
حاكما، إذ يعلم أن جعله شخصا حاكما، وتعيينه مرجعا، مما يجب على الناس
إطاعته فيه، ولا يجوز رده ومخالفته، ولذا أكده بقوله فهو حجتي عليكم وأنا حجة
الله عليهم، وبالجملة المستفاد من الروايتين، إن جميع أوامر أولي الأمر واجب
الإطاعة والامتثال (1).
وقد يستدل بحكم العقل لوجوب إطاعة النبي والأئمة عليهم السلام في
كل شئ، وتوضيحه أن الرسول والأئمة أولياء النعم، ولولاهم لما خلق الله
الأفلاك، وببركتهم ثبتت الأرض والسماء وبيمنهم رزق الورى، ويحكم العقل
بوجوب شكر من كان كذلك وإطاعته، ويستقل عليه، حيص إن وجود الأنام، وما يعيشون

(1) يقول المقرر الاستدلال بالروايتين غير وجيه في المقام إذ القضاوة ليست من الأمور
العادية الشخصية بل هي من الأمور الاجتماعية السياسية التي يجب إطاعة أولي الأمر فيها ولكن
الأستاذ مد ظله كان يعتمد في الاستدلال على قوله (ع) فإني جعلته حاكما
26

به كله منهم وبهم لكن الظاهر، إن المراد من المنعم الذي يجب شكره وإطاعته
من بيده الايجاد والابداع، وله دخل في أصل الخلقة، وشموله للوسائط في الفيض
والوسائل في وصول النعم، غير معلوم بل معلوم العدم. وإلا لوجب إطاعة كل من
له أدنى حق، وأقل دخل في تربية الانسان وتكميله.
ولكن يمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر، وإن لم يكن داخلا فيما يستقل به
العقل، وهو أن يقال: إنه بعد ما ثبت وجوب إطاعة الوالدين شرعا يجب إطاعة
النبي والأئمة في جميع الأمور. بمفهوم الموافقة.، لأولوية إطاعة النبي والإمام عليهم
السلام لوضوح الفرق بين النبي والإمام عليه السلام وبين آباء الأنام، كالثرى
والثريا فإن احسان الآباء إلى الأولاد، وبرهم بهم، في مقابل البركات الواصلة
إلى جميع الأنام، من النبي والإمام، كالقطرة في جنب البحر، أو ذرة بالنسبة
إلى الدرة، فإنهم عليهم السلام، وسائط للفيوضات الكاملة، والنعم الدائمة الباقية،
والكمالات الروحانية فما صار علة وسببا لوجوب إطاعة الوالد على الولد، يوجد
في النبي والإمام عليه السلام، أكمله وأعلاه، ولهذا قال صلى الله عليه وآله أنا وعلي أبوا هذه الأمة،
وبالجملة يستفاد من جميع ما تقدم، إن النبي والأئمة عليهم السلام، يجب إطاعتهم
مطلقا، وإن لهم الولاية المطلقة، وإن أمرهم نافذ في حق الرعية هذا تمام الكلام
بالنسبة إلى تصرفاتهم استقلالا.
وأما كون التصرفات الصادرة من الغير من المعاملات وغيرها مشروطة
بإذنهم، جوازا ونفوذا، فيقال بعد ورود العمومات الدالة على سلطنة الناس على
أموالهم، وصحة معاملاتهم، مثل ما يدل على صحة معاملاتهم، مثل ما يدل على صحة البيع وجوازه وغيره من سائر
العقود والايقاعات. إن الظاهر استقلالهم في التصرف تكليفا ووضعا من دون حاجة إلى
الرجوع إليهم عليهم السلام وإن إذنهم ليس شرطا فيها
تفصيل الكلام في المقام، إن الأرض وما فيها كلها لله، وبيده تعالى أمرها،
27

ولا يصح لأحد التصرف في شئ منها إلا بإذنه، وقد ثبت الإذن من الله، بالأدلة
العامة الدالة على إباحة التصرفات في الأملاك والمباحات، تكليفا ووضعا مع
الشرائط المعتبرة فيها، كقوله تعالى " أحل الله البيع ". " أو وفوا بالعقود "
ونظائره، ولا يحتاج التصرف في أمثال تلك الأمور إلى الإذن من النبي أو الإمام،
وما ورد من أن الأرض والسماء لهم عليهم السلام، ليس المراد أن الملكية
الاعتبارية المجعولة للناس في أموالهم، ثابتة لهم أيضا في عرض مالكيتهم حتى
يشترط الإذن في التصرف، بالنقل والانتقال، بل المراد الملكية المتقدمة على
مالكية الناس مضافا إلى احتمال كون المراد من سنخ تلك الأخبار، إن لهم
الإحاطة والقدرة بإذن الله كما أنه تعالى له الإحاطة التامة والقدرة الكاملة العامة، وما
يشاؤن إلا أن يشاء الله. وهم بأمره يفعلون ويعملون.
وكذا لا يشترط إذنهم في التكاليف الشخصية المتعلقة بالمكلفين، المتوجهة
إلى المسلمين كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغيرها من الوظائف الدينية
بداهة إن أدلة الولاية المطلقة الثابتة: لا يقتضي اعتبار الإذن فيما ذكر، مع وجود
المطلقات والعمومات:
نعم يمكن القول باعتباره في الأمور المجعولة لحفظ النظام، وحقوق الأنام،
من القضايا التي لا يصح الاقدام عليها إلا بمعونة الزعيم والإمام، ولا يتأتى من كل
رعية وعوام.
واستدل الشيخ قدس سره لذلك بالنصوص الواردة في المقام، وإن يمكن
الخدشة في بعضها، إلا أن بعضها الآخر تمام. مثل ما روي عن علل الشرائع بسنده
عن فضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام في علل حاجة الناس إلى
الإمام أنه قال ومنها إنا لا نجد فرقة من الفرق. ولا ملة من الملل، عاشوا وبقوا
إلا بقيم ورئيس لما لا بد منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم، أن
يترك الخلق فيما يعلم أنه لا قوام لهم إلا به.
28

والظاهر منها أن عدة من الأمور مما لا بد منها في قوام الملة ونظم الرعية
بحيث لولاها لاختل النظام، وفسدت معيشة الأنام، وتكثر الفتنة، ونزداد الحيرة
وينجذم حبل الدين والدنيا، إذ ليست تلك الأمور مما يمكن صدوره من أي شخص،
وفرد، بل لا بد في اجرائها من وجود الزعيم، وحكم القيم، الذي له الولاية على
الرعية، والزعامة للأمة، ولهذا نرى في عيشنا، وفي كل مجتمع: إن طبقات الناس
في منازعاتهم يرجعون في بدو الأمر إلى زعيمهم.
ولب الكلام في المقام، إن كل أمر يعد من شؤون الرياسة والحكومة،
يعتبر فيه إذنه عليه السلام، وبه يقيد أيضا المطلقات الدالة على جواز التصدي لكل فرد،
مثل قوله تعالى " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " " ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا "
وهو إن كان مطلقا شاملا لكل من كان وليا لدم المقتول، فله أن يقود من القاتل
وقتله بالقصاص، إلا أنه لا بد من تقييده والحكم باشتراط إذن الإمام في اجرائه،
فإنه المفزع عند البلية، والمرجع عند النازلة، ولا يجوز لأحد البدار فيه إلا بعد
إذن الزعيم والرئيس، مضافا إلى ما ورد في بعض النصوص من اعتبار إذنه عليه السلام،
في مثل اجراء الحدود والتعزير، وبالجملة نفس جعل الولاية للإمام عليه السلام يقتضي
اشتراط إذنه (عليه السلام) في الأمور العامة المجعولة لحفظ السياسة ونظم الأمة ولا يحتاج إلى
دليل خاص، حتى يقيد به الاطلاقات الأولية، وإن ورد أيضا في بعض النصوص
ثم إن البحث في اعتبار إذن الإمام في بعض الأمور، لا ينفع في زمن
الحضور للتمكن من الوصول إلى الحجة فلو شك في شئ أنه يعتبر الإذن فيه أم لا
فيرجع إلى الإمام ويسئل عنه ويرتفع الشك.
وأما في زمان الغيبة وعدم التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السلام فينفع.
وملخص الكلام، إن بعض الأمور قد علم عدم دخالة الإذن من الإمام فيه
كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يعرفهما وهو واضح.
29

ومنها ما علم أن الشارع أراد وجوده في الخارج، ولم يرض بتركه،
كالصلاة على الجنائز التي لا ولي لها فحينئذ لو شك في اشتراط الإذن من الإمام
أو نائبه في صحتها، يكون داخلا في مسألة الأقل والأكثر فيجري البراءة فيه.
ومنها ما ليس كذلك، كما لو شك في اعتبار الإذن في شئ واحتمل كونه
دخيلا في أصل وجوبه، وتعلق الإرادة به، وترتب المصلحة عليه، كاجراء الحدود
وإقامة الجمعة، وغيرهما مما يحتمل كونه من الوظائف التي يقوم بها شخص
الإمام، أو من هو مأذون منه، فحينئذ يكون الشك في أصل التكليف، فيجري
فيه البراءة.
وبالجملة الإذن المشكوك اعتباره، قد يحتمل كونه من مقدمات وجود
المكلف به وشرطا فيه. كما لو علم أن الشارع أراد وجود شئ في الخارج ولم
يرض بتركه، ولكن يشك في أنه يعتبر الإذن فيه من نائبه العام أو الخاص أم لا
فيرجع الشك إلى القيد الزائد فيحكم بالأصل على عدم اعتباره.
وقد يحتمل كون الإذن دخيلا في أصل الوجوب وشرطا له، كما في صلاة
الجمعة. لقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله الآية لاحتمال
كون المنادي هو الإمام، أو المأمور من قبله، فيكون الشك في أصل التكليف والجواز
ومقتضى الأصل عدمه، ومثله ما يحتمل كونه شرطا للوجود مطلقا ولو في زمان
الغيبة، ولا فرق في ذلك بين الوجوب الكفائي والعيني، نعم وشك في اشتراط
الإذن، فيما يكون مختصا بالإمام عليه السلام وعلم أيضا أنه أراد وجوده في الخارج.
كسهم الإمام من الخمس، يعتبر تحصيل الإذن من نائبه العام، وإلا لا يحصل
البراءة من التكليف اليقيني الثابت، والحاصل أنه بعد ما علم، إن سهما من الخمس
مختص بالإمام عليه السلام، ففي حياته وحضوره، لا بد من ايصاله إليه، وأما زمان
الغيبة فمن المعلوم إن اخراج سهمه عليه السلام واجب يقينا، ويعقب تاركه، ولكن يشك في
أن إذن نائبه معتبر أم لا، فمقتضى القاعدة اعتبار الإذن، للشك في سقوط التكليف
30

بدونه، وليس المورد كالصلاة على الجنائز، في اجراء البراءة فيما يشك اعتباره في
المكلف به، لوضوح الفرق بينهما، كما هو غير خفي لمن تأمل، هذا تمام الكلام
في ولاية النبي والإمام، والمهم أن نتعرض لولاية الفقيه وكيفيتها وأنها ثابتة في
أموال الناس وأنفسهم، كما لأنها للنبي والإمام عليه السلام، أوليس كذلك من الواضح
المسلم أنه ليس للفقيه ولاية تامة مطلقة، بحيث إن ينصرف في أموال الرعية،
ويجب على الناس إطاعته في كل ما يأمر وينهى مطلقا،
قبل الشروع في ذكر النصوص فأقول عظة لنفسي أولا، لأني أحق به ولغيري
ثانيا، إن تولي أمر الأمة، والاقدام في الجهات العامة، من التصدي لأمور الصغار،
وفصل الخصومة وقطع الدعوى، وتولي أمر السفهاء والغيب، والتصرف في بيت المال
وحقوق الفقراء والسادات والأيتام، وغير ذلك من الأحكام الثابتة في زمان الغيبة،
أمر مشكل حقا، وصعب. جدا ينبغي التحرز عنه والحذر منه، وأن لا يقدم عليها، إلا في
موارد تقتضيه الضرورة، بعد ما يكون المتصدي أهلا له، ولائقا به، واعيا لاحتياطه،
ولا يكون من الذين يهلكون ويهلكون ويظلون ويظلون، قال النراقي قدس ره في العوائد:
نرى كثيرا من غير المحتاطين، من أفاضل العصر وطلاق الزمان، إذا وجدوا في أنفسهم
قوة الترجيح والاقتدار على التفريع، يجلسون مجلس الحكومة: ويتولون أمور الرعية
أقول وفي زماننا قد يتصدى الأمور، من ليس له قوة الترجيح، ولا الاقتدار
على التفريع، وبالجملة الاقدام بما ذكر. أمر مهم وخطب عظيم، ينبغي التورع
فيه، والتحفظ والتجافي عنه، إلا في موارد لا بد من الاقدام عليها، والورود فيها، وعلى
كل، المهم ذكر النصوص الواردة في المقام، ثم النظر الدقيق، والتأمل، فيما يستفاد، من
المناصب للفقهاء الكرام، وهي كثيرة جدا، يطول البحث بذكرها جميعا،
فنورد بعضا
منها ما هو المعروف المشهور، بحيث صار كالمثل السائر، وهو: العلماء ورثة
الأنبياء وظاهر الرواية أن العلماء يرثون الأنبياء، كما يرث الوارث عن المورث
31

أمواله، ولكن إرث المال غير مراد قطعا، فعلى هذا. فهل المراد أنهم ورثة الأنبياء
في جميع مناصبهم، المجعولة لهم من الله تعالى التي منها السلطنة المطلقة على التصرف
في أموال الناس ونفوسهم، أو المراد أنهم ورثتهم فيما هو من أظهر خواص النبوة والرسالة
وهو أمر التبليغ والارشاد، والافتاء، وهداية الأنام إلى صراط العزيز الحميد، وتعليم
الناس وتزكية نفوسهم، وتهذيب أخلاقهم
الظاهر المتيقن منها هو الثاني، كما يشهد عليه بعض عليه بعض الكلمات المذكورة في
الرواية، وتمامها على ما في الكافي، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما أورثوا أحاديث
من أحاديثهم فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه
فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين إذا الظاهر المتبادر، إن العلماء أورثوا أحاديث الأنبياء، وعلمهم فكما أن عليهم نشر الأحكام، ومنهم يؤخذ العلم، فكذلك العلماء عليهم نشرها، وعلى الناس
أن يأخذوا منهم لأن علمهم من علوم السفراء. وهو ذو وحظ وافر، لما تمسكوا بأذيالهم
واقتبسوا من أنوارهم، واستضاؤا بنور علمهم وأما إن لهم المناصب الإلهية، التي كانت
موهبة من الله إلى الأنبياء فغير مستفاد منه
ويمكن دعوى أن الظاهر من قوله العلماء ورثة الأنبياء، إنهم الورثة في
جميع المناصب، إلا ما أخرجه الدليل، ويدل ذيل الرواية، على أنهم لما كانوا
عالمين بالأحكام والأوضاع، أورثوا مناصبهم وبتعبير أوفى أنه في مقام بيان
المنزلة التي أوجبت للأنبياء بين الناس العظمة، ولأجلها جعلت لهم الولاية، وهي
الفضيلة العلمية وكونهم واقفين على أحوال الأمة، وبصيرين بالمصالح العالية، و
أن تلك الجهة موجودة اجمالا في العلماء الراشدين، الذي وقفوا على أسرار
أحاديث سيد المرسلين وآثار المعصومين، صلوات الله عليهم أجمعين، فهم الأتقون
بالوارثة، والنيابة عنهم، فيما يتعلق بهم، من الزعامة والسياسة، والولاية
32

والرياسة وبين في الرواية أيضا وجه ذلك بقوله، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا
درهما ولا دينارا الخ وبالجملة، المستفاد من الرواية إن العلماء بسبب كونهم عالمين
بالأواضح، والأحكام، أورثوا من الأنبياء مناصبهم، فيجوز لهم التصدي في كل
ما كان لهم، إلا ما صد عنه الدليل.
إن قلت بناء على ما ذكر من معنى الرواية، يلزم جواز تصرف كل عالم و
راو في أموال الصغار والمجانين، وإن لم يكن فقيها، وأن لا يجيب عليهم الرجوع
إلى الفقيه والحاكم، وهذا مما لا يلتزم به، قلت قد تقدم مشروحا أن الأمور العامة،
المربوطة بحفظ الأمة، ونظام الملة، لا بد من الرجوع فيها إلى الرئيس و
والزعيم، لئلا يلزم الهرج في المجتمع الانساني، ولا يكثر الجدال والنزاع، فيجب
على كل من ليس بمجتهد، الرجوع إلى الفقيه بعد ثبوت الولاية له، وأن يأتمروا
بأمره ويعملوا برأيه: ولا يتصرفوا فيما ذكر من الأمور إلا بإذنه
إن قلت يلزم أيضا ثبوت الولاية للفقهاء والرواة في عرض ولاية الأئمة،
قلت لا مانع عنه، ولا حرج فيه بعد الإذن لهم، كما في رواية محمد بن إسماعيل
ابن بزيع ويأتي قريبا وفيها بعد ما سئل الراوي أبا جعفر عليه السلام عن بيع متاع الصغار
وجواريهم إن كان القيم مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس فلا مانع عن ثبوت
الولاية لهم في زمان الأئمة، إذ من المعلوم أن ولايتهم ليست بحيث يزاحم ولاية من
هو أولى منهم ويمانعها ويعاندها حتى لو أراد الإمام تصرفا خاصا في مال صغير، و
أراد فقيه خلافه ليقع التزاحم، ضرورة أنهم عليهم السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع الشؤونات المتعلقة بهم، في أمر دنياهم ودينهم، ومنهم الفقيه الذي
له الولاية على الصغار وغيرهم فولايتهم عليهم السلام دائما حاكمة عليه، على
ولايته ومناصبة، نعم له أن يتصدى بعض الأمور ويتصرف في بعض الشؤون،
المربوطة بالصغار وغيرهم من دون وجوب الاستيذان من الإمام خصوصا بل يكفي
الإذن العام، المجعول في المقام بنحو الدوام والتأييد، لأمثال ابن بزيع و عبد الحميد،
33

ومنها ما روي عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: العلماء
أمناء يحتمل أن يكون الرواية ناظرة، إلى أن العلماء أمناء في نقل الرواية و
بيان وظائف الأمة من الأحكام الشرعية، المتعلقة بهم التي يحتاجون إليها في
معيشتهم وأن عليهم أن يأخذوا منهم ويعتمدوا بقولهم ويسترشدوا بهدايتهم ويتبعوا
آثارهم وعلى هذا ليست في مقام جعل الولاية. لكن لا يبعد دعوى أن الظاهر منها
ارجاع الغير إليهم فيما كان يرجع فيه إلى الإمام، وأنهم يتصدون ما كان يتصديه
عليه السلام وهم المنصوبون لذلك من قبله، كما لو قال سلطان إن زيدا أميني أو أخبر
ملك رعاياه بأن فلانا أمين يفهم العرف من كلامه إن الأمور التي كانت بيده و
يرجع فيها إليه، مفوضة إلى أمين فهو المرجع فيها والمتصدي لها سيما لو أخبر
من قبل أن فلانا وكيلي، ثم أخبر أنه أميني كما في المقام، إذ قد ورد أن العلماء
ورثة الأنبياء وورد أيضا العلماء أمناء فعلى هذا استفادة الولاية للعلماء في الأمور
العامة، من أمثال هذا الخبر غير بعيد.
ومنها مرسلة الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم
ارحم خلفائي قيل يا رسول الله ومن خلفائك قال: الذين يأتون بعدي ويروون
حديثي، وظاهر المرسلة، إن هؤلاء خلفائه صلى الله عليه وآله وتوصيفهم بأنهم يروون حديثي،
إنما هو لبيان من هو الخليفة وتعيين مصاديقه، لا بيان الوظيفة لهم وأنها رواية الحديث
ونشر الأحكام وتبليغها فقط.
ومنها رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام إن المؤمنين
الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها، المستفاد منها، إن حفظ الاسلام
والمسلمين بسبب اجراء الأحكام والقوانين بيد الفقهاء، فكما أن البلدة تحفظ
بسورها كذلك الاسلام والمسلمون يحفظ بفقهائهم فهم الحافظون لهم، الكافلون
لأمرهم. والناظمون لدينهم ودنياهم، الناظرون في مجتمعهم، وشتى شؤونهم
ومدنهم.
34

ومنها رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله: الفقهاء أمناء الرسل
ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال: اتباع السلطان فإذا
فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم وهذه في الدلالة نظير ما تقدمت عن إسماعيل ابن جابر.
ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي فأقول
علماء أمتي كساير أنبياء قبلي.
وجه الاستدلال به، إن الظاهر من الرواية أن الأمر الأمة بيد العلماء، كما
أن أمر الأمم السالفة كان بيد الأنبياء، والتأويل في نظائر هذا الخبر، والتصرف
فيها أن العلماء خلفاء الرسول، في نقل الروايات ووارثوا الرسل، في نشر الآثار
الباقية منهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومثلهم في تبليغ الشريعة
وهداية الأمة، يشبه التأويلات الباردة، الصادرة من المعاندين، في النصوص
الواردة من النبي صلى الله عليه وآله في فضل أمير المؤمنين وخلافته، وزعامته وإمامته، من أن المراد من الخلافة الثابتة لعلى عليه السلام في النصوص الكثيرة، ليست الزعامة للأمة، و
المرجعية للعامة، والإمامة على الكافة، بل هو عليه السلام خليفته صلى الله عليه وآله في نقل الرواية،
وبيان الأحكام والمسألة وهذا مما لا يساعده العرف العليم. والذوق السليم بداهة
أن الظاهر من الخلافة. الزعامة والرياسة، كما ادعاه الناس للأول والثاني مع
اختلاف المباني، وبالجملة لسنا بصدد اثبات إن كل ما كان ثابتا للنبي والأئمة
(ع) من وجوب الإطاعة وغيرها من الشؤون الثابتة للرسالة فهو مجعول في حق الفقهاء
وثابت لهم بتلك الأدلة العامة، بل المراد أنهم ممن يصح لهم التصدي لبعض الأمور
المتقدمة، وليسوا كغيرهم من أفراد الأمة. الذين لم يثبت فيهم تلك الفضيلة وهذه
الرخصة كيف وهم الأفضلون كما في الآثار الواردة وخير خلق الله إذا صلحوا بعد
الأنبياء والأئمة كما في المروى عن الاحتياج قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من خير
خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى قال: العلماء إذا صلحوا
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: فضل العالم على الناس كفضلي على أدناهم،
35

وعن المنية للشهيد أن الله تعالى أوحى إلى عيسى: عظم العلماء، واعرف فضلهم فإني
فضلتهم على جميع خلقي، ومضمون الأولى من الروايتين، إن العلماء مقدمون على
غيرهم، كما أن النبي صلى الله عليه وآله كان مقدما على غيره، فلا يصلح تقدم الغير عليهم، أو
تساويه معهم، إلا على مذهب من قال: الحمد لله الذي قدم المفضول على الفاضل
ومنها عن الصادق عليه السلام أنه قال: الملوك حكام على الناس والعلماء حكام
على الملوك، والمتبادر السابق إلى الأذهان، من حكومة العلماء، على الملوك
والزعماء الولاية عليهم والزعامة لهم كما أن للسلاطين والأمراء في نظر العرف العام
الزعامة، والدخالة في لأمور العامة، من تأديب الجهال والمتمردين، من باب
السلطنة والولاية كما ورد السلطان ولي من لا ولي له فكذلك العلماء. لهم جميع ذلك
على جميع الأمة، حتى على حكامهم العرفي، فيجب على الملوك والأمراء أن يكونوا
لأوامرهم مطيعين ولا فعالهم تابعين، ولرأيهم سامعين، وعلى حكمهم واقفين، وببيان
أوفى، إن الحكام العرفي، والزعماء الصوري، بمنزلة القوى المجرية: لآراء
العلماء، وحكم الفقهاء، فعليهم أن ينفذوا حكمهم: ويجروا أمرهم، فالأمر إن الملوك والأمراء
إلا كأيديهم، لانجاح أمانيهم، أو كالعمال ورعيتهم، الساعين تحت رايتهم
ومنها التوقيع المروى في الاكمال والغيبة والاحتجاج، وأما الحوادث
الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم،
يمكن الخدشة فيه، أن المراد من الحوادث غير معلوم، إذ لم ينقل السؤال فيه
بتمامه، ولعله كان عن أمور محدودة، ومطالب معدودة لو نقلت إلينا جمع، لما
يستفاد تعميم الرجوع إلى الرواة، لكن لا يبعد دفعها، بأن كيفية السؤال وإن كانت غير
مذكورة، إلا أنها تظهر من الجواب وتعلم منه، إذا المراد من الحوادث ليس
كل ما يحدث ويقع في الخارج، كالأكل والنوم وغيرهما، بل الأمور التي تقع
في المجتمع الانساني تحتاج إلى مصلح، ومتصد لها، ومقدم فيها، كالقتل و
36

السرقة وغيرهما من الأعمال المنافية لنظم لاجتماع وأمنه التي يحتاج الرعية فيها إلى
مرجع وزعيم ومصلح ومقتدر واحتمال كون المراد من الحوادث موضوعات حادثة
وأمور مستحدثة مجهولة حكمها كشرب التتن ونظائره من الأمورات المستحدثة
الكثيرة في عصرنا كما توهم، مخالف لظاهر الرواية نعم يشتمل التوقيع تلك الأمور
أيضا بعمومه ويؤيد ما استظهرناه التعليل المذكور فيه بأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله
عليهم (1).
ومنها رواية أبي خديجة قال: قال أبو عبد الله: انظروا إلى رجل
منكم يعلم شيئا من قضايانا فجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا وفي
رواية أخرى له اجعلوا بينكم رجلا، ممن قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد
جعلته قاضيا فتحاكموا
ومنها - مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في متنازعين ينظر إن من كان منكم
قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما فإني قد
جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا
رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك
يستفاد منها إن المرجع في القضايا الواقعة بين المسلمين، مما لا يخلو منه زمان
ولا مكان ويبتلي به الرعية وأكثر الأمة هو العالم بأحكام تعالى والناظر في حلاله و
حرامه، وأن التمرد عن أمره والتخلف عن رأيه، وعدم الاعتناء بشأنه كالشرك بالله

(1) يقول المقرر يكفي في عدم صحة الاستدلال بالتوقيع، احتمال كونه صادرا في أمور
مخصوصة، كما يشعر به الصدر وهو قوله وقد كتبت مسائل، فيعلم أن السائل قد كان أشكلت
عليه مسائل فكتب إليه عليه السلام، ثم صدر التوقيع، أما فلان فكذا. وأما فلان فكذا،
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا والسياق أقوى شاهد على ما ذكر،
وإن أجاب عنه الأستاذ مد ظله، إلا أنه لم يكن جازما به، وأما التعليل فهو صالح لكلا
القسمين من الأمور بل هو أنسب بما لم يعلم حكمه، فلا وجه للتأييد المذكور في
المتن - المقرر -
37

والرد عليه، فالعالم هو الذي ينفذ في تلك القضايا أمره ويتبع رأيه ونظره.
ومنها المروية في تحف العقول، عن مولينا سيد الآباء، ومحيي نفوسنا
أما الشهداء الحسين بن علي عن أمير المؤمنين، عليه آلاف الثناء أن مجاري الأمور
والأحكام على أيدي العلماء والرواية مفصلة مطولة لا تسمع ذكرها الوجيزة،
ولكن أورد منها، ما له ظهور تام، ودخل في المقام، على أن كلامه عليه السلام، تفوح
منه الحرية والشجاعة، والشهامة والرشادة يرشد الجاهل ويهيج الباطل العاطل
وعلى كل حال أورد الرواية، من الوافي كتاب الأمر بالمعروف بعد اسقاط شطر
منها عن سيد الشهداء عن أمير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام أنه بعد الحث
بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإن به رد المظالم ومخالفة الظالم واستقامة
الدين قال:
ثم أنتم أيها العصابة عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة
معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف ويؤثر -
كم من لا فضل لكم عليه إلى أن قال وأنتم أعظم مصيبة لما غلبتم عليه من منازل
العلماء لو يسعون، ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء
على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن
الحق، واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الذي، وتحملتم
المؤنة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، و
لكنكم كنتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات و
يسيرون في الشهوات سلطهم على ذلك فراركم من الموت واعجابكم بالحياة
الخطبة وهي كما ترى ظاهرة في أن للعلماء منزلة ودرجة، يقتضى أن يكون مجاري
الأمور بيدهم، كما تصدر الأحكام والفتاوى منهم، لكن الظالمين المعاندين،
غصبوا حقهم، وتقدموا عليهم، وإن كان ذلك بتفرقهم، وسوء تدبيرهم ومداهنتهم
ولو أنهم صبروا على الأذى ولا يخافوا من النفي والبلاء، لم يسلبوا تلك المنزلة،
38

وهذه الدرجة ولاستقر الحق في مقره، ولا يدور إلا في مداره، وما تمكن الظالم من
أعناقهم، وإضاعة حقوقهم وصاروا هم المرجع، في جميع شؤون المسلمين والمصدر
لأمر الدنيا والدين، وجلسوا في سرير القضاوة والولاية، ونظروا في أمور الرعية
وتصدوا نظام الأمة، وتكون مجاري الأمور بيدهم وتكامل الاجتماع منهم، كما
أن الافتاء مخصوص بهم ولا مطمع فيه لغيرهم، ومن الأسف أن الأعداء أخذوا
فتاويهم، وأجروا الأمور بأهوائهم وبالجملة ما روى من الإمام عليه السلام، من الكلمات
الوزينة، والدر الثمينة، له ظهور تام في المقام من اثبات الولاية للفقهاء الكرام
لا يتوهم أن الظاهر من الرواية، الوعد والبشارة لو كانت يده مبسوطة،
بمعنى أنه عليه السلام بصدد بيان أن أصحابه لو أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، لكان
الأمر مستقرا في يده، ثم ينصبهم لمجاري الأمور، وكأنه يقول عليه السلام: لو أطعتم الله و
رسوله وجاهدتم، لاستقر الأمر في يدي ثم إني كنت أنصبكم للولاية والقضاوة وساير
مصالح الأمة، إذا هو مدفوع بأن الظاهر من الرواية إن هذه فضيلة وكرامة من
الله تعالى للعلماء، وحكم شرعي إلهي وتعيينه عليه السلام وجعله هذه المناصب لهم ليس
مستندا بالأمر الشخصي والوعد الخصوصي، بل هو بيان الحكم الشرعي المجعول
لهم من الله تعالى، لا حكم شخصي يتحقق بنفس الجعل كما يتفق لبعض العوام من الأمة
لو نصبه الإمام لأمر من الأمور.
ومنها - المروى في العلل باسناده عن فضل بن شاذان عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام، قد تقدم في ولاية النبي والأئمة، وهو في بيان علل حاجة الأنام،
إلى الولي والإمام، وأنه لأي جهة تعجب إطاعة أولي الأمر، قال عليه السلام بعد ذكر عدة
من العلل الموجبة لوجوده في المجتمع الانساني. منها إن الخلق لما وقفوا
على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن
يثبت ذلك، ولا يقوم، إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يمنعهم عن التعدي، و
الدخول فيما خطر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كك، لكان أحد لا يترك لذته
39

ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما يمنعهم عن الفساد، ويقيم فيه الحدود
والأحكام.
ومنها إنا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملة من الملل، بقوا وعاشوا، إلا بقيم
ورئيس، لما لا بد لهم من أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك
الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، إلى أن قال عليه السلام ومنها أنه
لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا، حافظا مستودعا، لدرست الملة، وذهب الدين،
وغيرت السنة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه المحدون، وشبهوا
ذلك على المسلمين، لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين، محتاجين غير كاملين، مع
اختلافهم واختلاف أهوائهم، وتشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيما، حافظا لما
جاء به الرسول. لفسدوا الخبر، والرواية وإن كانت وردت في علل الاحتياج إلى
الإمام المنصوب من الله تعالى، لكنه يستفاد منها حكم عام بملاك واحد، ومناط
جامع، وهو أن الطبيعة البشرية، والغرائز الحيوانية، تقتضي وقوع الاختلاف،
والتزاحم والجدال، والتنازع والتشاح، وكذا تقتضي سلسلة من الأمور وتحققها
في بقاء نظمهم، وصيانتهم وحفظهم، من النفاق والافتراق، والتشعب والشقاق و
إلا لفسدت عيشتهم وضاقت معيشتهم.
ولما كانت تلك الأمور مما لا يمكن تحققها، ولا تصح صدورها من أي شخص
وأي فرد فلا بد لهم من زعيم ورئيس وقيم وحاكم وإن لم يكن نبيا أو وصيا فحينئذ
يقال: القدر المتيقن من الأمة والرعية للرياسة والزعامة في الجملة هو العالم
الفقيه العادل.
ومنها رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: مات رجل من أصحابنا ولم يوص
فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، وكان الرجل
خلف ورثة صغار أو متاعا وجواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد بيع الجواري
ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته، وكان قيامه فيها بأمر
40

القاضي، لأنهن فروج فما في ذلك؟ قال فقال: إذا كان القيم مثلك أو مثل
عبد الحميد فلا بأس، وهي صريحة في ثبوت الولاية، لا مثلا ابن بزيع و عبد الحميد
وجواز التصرف له في أموال الصغار ونظائره، والمراد من المثل، ليس المثلية
في الاسلام والايمان وإن كان ظاهرا، بل المقصود أنه لو كان المتصدي لأمور
الصغار مثل عبد الحميد، في الجهة المقتضية لثبوت الولاية له، وهو المقام العلمي
والفقهي، وكونه راويا وعالما بأمور الصغار والأحكام وعادلا فلا بأس فيه، فهي إما
ظاهرة في ولاية الفقيه والحاكم للشرع، أو هو القدر المتيقن من المثل والمضمون،
ودعوى أن الرواية إنما تدل على إذن الإمام لمحمد بن إسماعيل و عبد الحميد، في
ذلك التصرف ونحوه، وهو لا يستلزم ولاية غيرهما من العلماء والفقهاء، وجواز
التصدي لهم، إذا لم يكونوا مأذونين من قبله، مدفوعة إذا الظاهر من الرواية، و
المتبادر منها، إن الإمام عليه السلام في مقام بيان الحكم الواقعي المجعول إلا مثالهما، كما
يشعر بذلك قول الراوي فما ترى في ذلك، لوضوح أن لسؤال إنما وقع عن الحكم
الشرعي، والرأي الثابت في نفس الأمر، قوله عليه السلام فلا بأس، جواب عنه، و
راجع إليه أيضا، لا أنه أجاز فعله. وأمضى ما مضى، وإذن فيما سيأتي، والحاصل
أن المستفاد من الرواية، إن دخالة أمثال عبد الحميد وابن بزيع، من العلماء،
في أمر الصغار، مما لا يحتاج إلى إذن القاضي وتعيينه ونصبه. بل جواز ذلك،
وثبوت الولاية لهم أمر شرعي وحكم إلهي.
ثم إنه بناء على ظهور الرواية في ولاية العالم الفقيه فقط كما هو غير بعيد،
يقيد به اطلاق ما يدل من النصوص على جواز التصرف والتصدي لكل شخص من
المؤمنين أو يحمل على صورة عدم التمكن من الوصول إلى الفقيه، وإن كان
دعوى الاطلاق غير خالية من الاشكال، كما نشير إليه،
ومنها ما روى محمد بن يعقوب باسناده عن إسماعيل بن سهل الأشعري قال:
سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية وترك أولادا ذكرانا وغلمانا صغارا وترك
41

جواري ومما ليك، هل يستقيم أن تباع الجواري قال نعم، وعن الرجل يموت
بغير وصية، وله ولد صغار وكبار، أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير،
أن يتولى القاضي بيع ذلك: فإن تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستعمله الخليفة،
أيطيب الشراء منه أم لا: فقال: أما إذا كان الأكابر من ولده في البيع فلا بأس به
إذا رضى الورثة بالبيع، وقام عدل في ذلك،
وهذه الرواية وإن كانت هي تدل على صحة تصرفات العادل وقيامه بأمور الصغار مطلقا
لكن بناء على ظهور ما تقدم من ابن بزيع في اختصاص الجواز والقيام بالفقيه، يقيد به
اطلاقها، أو تحمل على صورة فقد الفقيه، أو عدم التمكن من الوصول إليه، إذا قلنا: إن
اختصاص الولاية بالفقيه من باب القدر المتيقن من الرواية، لا لظهورها فيه، كما أنه
تحمل على صورة عدم العدول رواية سماع الدالة على جواز قيام الثقة بأمور الصغار، قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية، وله
خدم ومماليك وعقار، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث، قال: إن قام رجل ثقة
قاسمهم ذلك كله فلا بأس
ولا يبعد منع الاطلاق في رواية ابن سهل، حتى لا يحتاج إلى التقييد أو الجمع
بنحو آخر بينها وبين ما تقدم من أدلة ولاية الفقيه، بدعوى أن المراد من العادل المذكور
فيها، ليس مطلق العادل ولو لم يكن عالما فقيها، ومن المحتمل قريبا، أن يكون
المراد منه هو العالم الفقيه، المتولي لأمور الصغار في ساير الموارد، بقرينة سؤال
الراوي وقوله: فإن تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستخلفه الخليفة، فيشعر أن فرض
السؤال ومورده تولية الذي كان هو من أهل الرأي والقضاوة، إلا أنه لم يستعمله
الخليفة، وبتعبير آخر لم يكن رسميا وقانونيا، منصوبا من قبل السلطان والخليفة،
مضافا إلى احتمال أن يكون محط النظر في السؤال، أصل الجواز، وحلية البيع،
قبال عدم الجواز أصلا نظير الوقف، فإن قوله: أيحل شراء خدمه ومتاعه وكذا
قوله أيطيب الشراء منه لا يخلو عن الاشعار وبالجملة ثبوت الاطلاق وتحققه في
42

الرواية لا يخلو من الصعوبة
ومنها المروى في الفقه الرضوي أنه قال لم ينسى القبيلة وهو فقيهها وعالمها أن
يتصرف لليتيم فيما له فيما يراه حظا وصلاحا وليس عليه خسران وله الربح والربح
ولا خسران لليتيم وعليه، وظهوره في ولاية الفقيه في التصرف في أموال الصغار، ونصب
القيم لهم فيما يراه صلاحا ما لا ينكر فيستفاد منه إن للفقيه أن يتصرف في مال الصغار ومن
الأولى له كما هو الظاهر أيضا من رواية ابن البزيع المتقدمة، الدالة على عدم البأس
في تصرف عبد الحميد وأمثاله في أموال الصغار، وقد أشرنا فيما سبق أن تلك الرواية إنما
سيقت لبيان الحكم الواقعي المجعول لهم، لا لامضاء عملهم والإذن الخاص لهم، فبناء على
ظهورها في ولاية الفقيه فقط، يقيد بها اطلاق ما تدل على ثبوت الولاية لكل عادل وثقة،
وأما لو قلنا إن ولاية الفقيه، إنما هو من باب القدر المتيقن منها فتحمل تلك الأخبار على
صورة عدم التمكن من الوصول إلى الفقيه والرجوع إليه
فتحصل مما ذكرناه أن الفقيه له أن يتصرف في أموال الصغار ويتصدى الأمور
المتعلقة بهم في البيع في الشراء وغيرهما، بنصب القيم لهم أو المباشرة وإن هذا وظيفته
في المرتبة الأولى في زمان الغيبة إما من باب القدر المتيقن من النصوص أو ظهور
بعضها فيه كما أشير.
ومن المناصب المجعولة للفقهاء اجراء الحدود وتنبيه الغافل وارشاد الجاهل
يمكن أن يستدل عليه بوجوه ثلاثة الأول النصوص العامة الواردة في أن العلماء
ورثة الأنبياء وهم خلفاء الرسول وأمناء الله وحصون الاسلام أو كالأنبياء وغير ذلك
من العناوين المتقدمة الدالة على علو شأنهم وسمو رتبتهم في المجتمع الانساني و
يستفاد منها إن ما كان ثابتا للنبي والأئمة سلام الله عليهم فهو ثابت للفقهاء إلا ما أخرجه
الدليل أو قام اجماع عليه أو علم من دليل الحكم أنه من المختصات بهم والقائم
بشخصياتهم أو من شؤون ولايتهم وإمامتهم لا تتعدى إلى غيرهم كوجوب الإطاعة و
نظائره فيبقى سوى ما ذلك تحت العمومات ومن ذلك اجراء الحدود والتعزيرات
43

من الضرب والقتل والقطع والنفي والحبس إذ لا دليل على خروجها من العام و
اختصاصها بهم عليهم السلام بل ليست إلا مرتبة عالية من مراتب الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر وحفظ مصالح الأمة واحياء حقوق الملة
فإن منه ما يكون باللسان فقط كتعليم الجاهل ما لا يعلم وارشاد الغافل فيما
أخطأ وهداية المائل عن الحق إليه وهذا القسم يجب على كل مسلم عالم بالمعروف
وعارف للمنكر من غير فرق بين الطبقات والمقامات من عالم فقيه وأديب وطبيب و
تاجر وشريف ووضيع وغني وفقير،
ومنه ما يكون بالزجر والتهديد، والوعد والوعيد، والمجاملة والمشاجرة
وهذا أيضا يجب على كل بالغ متمكن منه، وقادر عليه،
ومنه ما هو أشد من القسمين، كقطع يد السارق ورجم الزاني وقتله، وتعزير
مرتكبي الكبائر أحيانا، والأعمال المنافية للعفة عمدا وهذا القسم من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، مما لا ينبغي صدوره من كل شخص وفرد، ولا يصح
وقوعه من كل آمر وناه، ولا يصلح كل فرد من المسلمين أن يتصديه ويقدم عليه، و
إلا يزداد الفساد: ويكثر النفاق والعناد، فحينئذ لو قلنا بعدم وجوب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، في تلك الأمور، لاضمحلت آثار الدين، واختلت أمور
المسلمين، واندرست الشريعة وضاقت العيشة. وإن قلنا بجواز التصدي لكل فرد
يلزم من الفساد ما ذكر، بل لا يوجد مرتدع ولا مزدجر، فلا مناص من القول بأن،
المجتمع في هذا القسم من الأمور، يحتاج إلى زعيم وقيم، له العظمة بين الناس و
المهابة عندهم، والشهامة لديهم، والفقيه هو المتيقن من بين الطبقات، لأن يكون
حافظا للنظم، وجامعا للشتات، وتوضيع ذلك لآت
الوجه الثاني النصوص الخاصة الواردة في أن اجراء الحدود. بيد الحاكم
بها مثل رواية حفص بن غياث، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام من يقيم الحدود السلطان
أو القاضي. فقال إقامة الحدود إلى من إليه الحكم وظاهرها أنه كما أن الحكم
44

بأن زيدا مثلا سارق أو زان أو قاتل، من شأن الفقيه والقاضي فكذلك اجراء الحدود
وإقامتها بيدهما، ولا يصلح صدور الحكم بالسرقة وحده من غير عالم به ولذا ترى
العرفة يراجعون في ذلك إلى العام والقاضي البصيرين بالأمور والعالمين بها،
وكذا اجراء الحدود، لا بد من أن يكون بيد من شأنه الحكم والافتاء، هذا هو
الظاهر المتبادر من الرواية.
ويؤيده ما في رواية أبي مريم قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن ما أخطأت القضاة
في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين، إذا المفهوم والمستفاد منها، أن القضاة
بعد نصبهم للقضاوة، لو عملوا على طبق آرائهم وأنظارهم، في قتل وقطع، فإن
أصابوا، وإن أخطأوا فعلى بيت المال، ولازم ذلك ثبوت الولاية لهم، في اجراء
الحدود (1)
وقد يستدل برواية أبي عقبة، الواردة في قص جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
مع عيلان قاضي الكوفة، قال عليه السلام له: يا عيلان ما أظن ابن هبيرة وضع على قضائه
إلا فقيها، قال: أجل، قال: يا عيلان تجمع بين المرء وزوجه قال: نعم قال: تفرق
بين المرء وزوجه قال: نعم قال: وتضرب الحدود، قال نعم، قال: وتحكم في
أموال اليتامى، قال: نعم.
والرواية كما ترى ظاهرة، في أن الفقيه لا بد أن يكون هو المتصدي للقضاء
واجراء الحدود، والحكم في أموال اليتامى، وأنه لا يصح كل ذلك من غيره،
ولهذا قال ما أظن ابن هبيرة وضع على قضائه إلا فقيها، ثم سئل عما له التصدي
من الأمور، فتحصل مما ذكرناه أن الفقهاء لهم اجراء الحدود وغيرها، وإن أردت
توضيح ما تقدم وتفصيله، فنقول: إنه كان من المتعارف والمسلم المعمول بين
الناس، أن يراجعوا في كثير من أمورهم، المربوطة باجتماعهم ونظمهم، إلى القضاة
والحكام، الذين نصبوا من قبل سلاطين الجور وخلفائه وكانوا يرونه من مناصبهم،

(1) لا يسعني تصديق التأييد بالرواية فإنها من مقام آخر، وليس لازمه ثبوت الولاية
المقرر.
45

وشؤون رياستهم بل لا يعلمون نصبهم إلا لذلك، ورياستهم إلا له، فبناء على ذا،
لا يبقى بعد صدور قوله عليه السلام قد جعلته قاضيا أو حاكما، شك ولا شبهة في ظهوره،
في أن المناصب التي كانت لقضاة الجور، والأمور التي ترجع فيها إليهم، كلها مجعولة
للفقهاء، ومرجوعة إليهم المنصوبين من قبل صاحب الشرع ولو بنحو العموم إذا البدار
والسباق. من جعل شخص قاضيا، وتعيينه حاكما، ليس إلا ارجاع الناس إليه،
فيما يرجع فيه إلى ساير القضاة والحكام، وتصديه لما كانوا يتصدونه، واقدامه
على ما يقدمون، وعزله ونصبه، فيما ينصبون ويعزلون، وقد عرفت أن لتعارف
بين الناس في أمورهم الاجتماعية والسياسية، مثل اجراء الحدود ونحوه، الرجوع
إلى القضاة والحكام، وأنهم يرون ذلك من شؤون القضاوة، ولازم الحكومة،
ولا يشركون غيرهم فيها، بل يخصونهم بها، ففيما نحن فيه أيضا كذلك
وبالجملة لا يبعد استفادة الولاية للفقيه الجامع للشرائط فيما يرتبط بالأمور
العامة، وحفظ المجتمع والأمة، وسياسة الرعية والملة، لوضوح أن الاجتماع
ونظمه لا ينتظم إلا بسلسلة من القوانين المجعولة لهم، والجارية فيهم، والحاكمة
عليهم حتى أوقف كل من الناس على حد محدود وحق مربوط ولا يتعدى بعض على
بعض ولا يأكل القوي الضعيف ويقام الاعوجاج ويرتفع اللجاج كما في المروى
عن العلل عن الرضا عليه السلام قال: كيف يمكن إحالة الجهال والفاسق وتخلية سبيلهم
إلى ما هو المقرر لهم في الشرع من حرمة ووجوب ولا يكون فيهم آمر آخر مربوط
بالرياسة والسياسة،
فعلى هذا تارة يقال يؤخذ بالطلاق الأدلة العامة مثل (العلماء ورثة الأنبياء
أو أمناء الله وخلفاء الرسول) ويحكم بأن كل ما كان للنبي والأئمة عليهم السلام
من المناصب، فهو ثابت للفقهاء إلا ما أخرجه الدليل، كوجوب الإطاعة في الأمور المتعلقة
بشخصهم، والجهاد للدعوة إلى الاسلام، وصلاة الجمعة على ما يظهر من روايات
المسألة، فكل مورد قام الدليل على اعتبار الإذن الخاص من الإمام فيه، أو أنه مما
46

لا يجوز الاقدام عليه لغير الإمام، تقصير عليه ونأخذ به، فعليه خروج فرد من الولاية
يحتاج إلى دليل خاص، ولولاه يكفي الدليل العام في ثبوتها لهم
وأخرى يقال: إن استفادة الولاية المطلقة للفقهاء وإن لهم ما كانت للأئمة إلا ما
أخرجه الدليل وإن كان لا يصح من الأدلة العامة، إلا أنه يصح التمسك بها والاستدلال
عليها لاثبات الولاية لهم، في الأمور العامة المتعلقة لحفظ الرعية، ونظم أمرهم، وصونهم
عن التجاوز، وايقافهم على حد محدود، ومنعهم على طلب ما لا يستحقون، وعونهم على
أخذ ما يستحقون كما نفينا البعد عنه فيما تقدم، فعليه يحكم بثبوت الولاية للفقيه فيما
يرتبط بسياسة الاجتماع، وإدارة المجتمع، إلا ما أخرجه الدليل مثل الجهاد للدعوة إلى
الاسلام، لاختصاصه بالنبي والإمام أو المأذون الخاص منه عليه السلام
وأما الجهاد للدفاع عن الاسلام، وحوزة المسلمين إذا خيف عليه من تهاجم
الكفار، وحملة الأشرار، فللفقيه أيضا أن يحكم بنفر عدة وتخلف قوم، أو يحكم
بكيفية مخصوصة، وطرق خاصة من الدفاع، لا يقال إن الدفاع ولو لم يأذن الفقيه
ولم يأمر به واجب، فإنه يقال وإن كان أصل الوجوب كذلك، إلا أن للفقيه اعمال
النظر في خصوصيات الدفاع وكيفيته، ونظم المجاهدين، وغيره مما يتصور في أسباب
الغلبة على الكفار
ولا يبعد عد ثبوت الهلال، في شهر رمضان وذي الحجة وشوال، من الأمور
العامة المفوضة إلى الفقهاء، فلهم أن يحكموا به، حفظا للناس عن الخلاف في العيدين
وصونا لاجتماع المسلمين، مضافا إلى نص خاص في ذلك
ومثله إقامة الشهود والحكم بثبوت السرقة أو الزنا وضرب الأجل للعنين والمفقود
عنها زوجها، وغير ذلك من أمور العامة التي، يكفي في جواز تصرف الفقيه وتصديه
لها، ما تقدم من النصوص العامة والخاصة هذا تمام الكلام في الوجه الثاني.
الوجه الثالث أنه يمكن اثبات الولاية للفقهاء في بعض الموارد بنفس الأدلة
المثبتة للأحكام في تلك الموارد مثل قوله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي
47

الألباب، السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مأة جلدة
وهذا الدليل إنما يتم ببيان مقدمة، وهي أن سلسلة من الأمور إنما تعلق إرادة
الشارع على تحققها في الخارج ولا يرضى بتركها وتعطيلها، لمصالح كاملة توجب ذلك
وإن لم يخاطب بايجادها مكلف خاص وشخص معين ثم إن بعض تلك الأمور قد يتعلق
بسياسة المجتمع ورياسته، وهذا القسم يكفي في ثبوت الولاية فيها للفقيه الأدلة الدالة
على أن مجاري تلك الأمور بيد العلماء وقد تقدمت وبعضها غير مرتبط بنظام الاجتماع
لكنه علم أن الشارع يريد تحققه في الخارج ولا يرضى تركه كما هو المفروض
فحينئذ يجوز للفقيه أن يتصديه من باب الحسبة لكونه المتيقن من بين الأمة فنفس الدليل
الدال على ثبوت تلك الأحكام بضميمة العلم بأن الشرع إنما أراد تحققها في
الخارج كاف في ثبوت الولاية للفقيه وجواز تصديه، بعد ما علم أنه المتيقن ممن لهم
التصدي فكل أمر علم أنه كذلك وأنه لا يرجى تركه كتجهيز الميت الذي لا ولي له وبيع
مال الصغير لحفظ نفسه وسد جوعه وغير ذلك يتصدى له الفقيه من باب الحسبة وإن لم يكن
مربوطا بنظام الأمة وإلا تشمله الأدلة العامة.
ثم إنه لو جهز ميت لا ولي له بغير إذن الفقيه فهل يسقط التكليف عنه وعن غيره
فوجهان وما يتصور في المقام أن تارة يقال إن الشك في اعتبار إذن الفقيه وعدمه بعد العلم
بأصل الوجوب شك في شرطيته للمأمور به وتقيده به ومجري الأصل فيه البراءة نقلا وعقلا أو
نقلا فقط كما حقق في الأصول هذا بالنسبة إلى المكلفين وأما الفقيه لو شك فيه فيجري في
حقه أيضا البراءة لأنه شاك في تقيد المكلف به واشتراطه بأمر زائد والأصل عدمه
وأخرى أنه من المحتمل القريب، أن يكون تجهيز الأموات، من الأمور
المفوضة إلى الحكام، والمناصب المجعولة لهم، كما ورد أن السلطان إذا حضر
الجنازة فهو أولى وقد عرفت أن في أمثال تلك الأمور لا بد من الرجوع إليهم،
وتحصيل إذنهم عن التمكن منهم ولعل من هذا الباب كان تجري بعض من كانت له
سلطة وزعامة وأراد الصلاة على جنازة بضعة الرسول صلى الله عليه وآله ونبش قبرها ليثبتوا بذلك
48

الولاية الشرعية ويشتبه الأمر على الأمة فغضب أمير المؤمنين عليه السلام وسكت القوم و
انصرفوا عما أرادوا وظهر بذلك عدم ولاية الرجل على الأمور
نعم لو شك في أن التجهيز أو غيره هل هو من وظائف الولاة والحكام ولم يكن دليل
يرتفع به الشك يصح التمسك بالبراءة إذا شك في اعتبار الإذن، منهم، والظاهر عدم الفرق
بين الفقيه وغيره من المكلفين في التمسك بالأصل عند الشك بعد الفراغ عن كون
المأمور به مشروعا (1)
وأما لو شك في أن إذن الإمام أو الفقيه شرط في مشروعية شئ ومعروفيته أم لا، فلا
يصح الاقدام فيه، بدون الإذن منه عليه السلام وكذا الفقيه، فلا بد من ملاحظة الموارد التي
يحتمل اعتبار الإذن فيها، والتأمل في أخبارها، ليعلم كيفية الاشتراط، من الدخل
في أصل الجواز والمشروعية وغيره كما يظهر من بعض أخبار صلاة الجمعة، إن إذن الإمام
أو المأذون منه إنما يعتبر في أصل الجواز
ثم إن في الشرع قسما ثالثا من الأحكام والموضوع، غير مرتبط بشؤون السياسة
والزعامة، ولا داخلا فيما علم لزوم تحققه في الخارج، كتزويج الصغيرة والصغير،
وتسوية الشوارع، وبيع مال الغاصب لحفظه، وتعمير الأوقاف العامة وغيرها مما
هو حسن في حده ومعروف في ذاته لكنه غير داخل فيما أشير إليه من القسمين.
هل يجوز للفقيه وغيره تصدى هذا القسم من الأمور، وله الولاية عليه أم لا
يمكن الاستدلال على ثبوت الولاية وجواز التصدي، كل شخص ففيها كان أم
غيره بقوله عليه السلام كل معروف صدقة، فكال ما كان معروفا في ذاته ومطلوبا في حده
فالاتيان به صدقة واحسان إلى العباد، وأمر مندوب إليه، فعلى ذا يجوز للفقيه وغيره

(1) الذي يساعده الاعتبار والعرف ويقتضيه النظام الاجتماعي، أن يكون تجهيز الأموات
بيد الزعماء والحكام لما يترتب على الفوات من الأحكام الكثيرة الاجتماعية ولما يختلف عوامل
الموت من قتل وسم وغيرهما سيما في عصرنا الذي نشاهد من الجنايات ما لا يوجد من
قبل، - المقرر -
49

تعمير الأوقاف العامة وحفظها، واصلاح الشوارع وبيع مال الغائب حفظا له من التلف
وتزويج الصغير والصغيرة، لو تم الاستدلال:
قد يقال إنه يتوهم التعارض، بين هذه الرواية الدالة على جواز التصرف
والتصدي لكل شخص في كل ما يعد معروفا حسنا سواء كان مربوطا بأمور
الاجتماع أو لم يكن كذلك، وبين التوقيع المروى في الاحتجاج الدال على وجوب
الرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة قال الشيخ قدس سره النسبة بينهما وإن كانت
عموما من وجه، إلا أن الظاهر حكومة التوقيع عليها، وأنه بمنزلة المفسر الدال
على وجوب الرجوع في الأمور العامة التي تعد من الحوادث عرفا إلى الفقيه، ومع
فرض التعارض والتكافؤ المرجع أصالة عدم المشروعية لغير الفقيه.
لكن الظاهر عدم التعارض، بين قوله عليه السلام كل معروف صدقة، وبين الأدلة
الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير، وكذا بين التوقيع المروى في
الاحتجاج والاكمال، وتوضيح ذلك، أن قوله عليه السلام كل معروف صدقة، غير شامل
للتصرفات الواقعة على أموال الناس وأنفسهم، نظير الناس مسلطون على أموالهم
في أنه ناظر إلى اثبات السلطنة على ما لا يستلزم تصرفا في مال الغير وأنفسهم، إذ لا
يجوز لأحد تحريك عصاه ويده، حتى يوصله إلى حيث بلغ ووصل، ثم يعتذر و
يقول الناس مسلطون على أموالهم فإن الظاهر منه جعل السلطنة في ماله، مستلزما للتصرف في
مال الغير أو اتلافه، فلا يستفاد منه ذلك أصلا، ومثله رواية كل معروف صدقة،
لوضوح أنها في مقام الترغيب إلى المعروف والاتيان به في حده ونفسه، ولا يستفاد
منه جواز التصرف في مال الغير مضافا إلى أنه بعد ورود النهي عن التصرف في مال
الغير لا يكون معروفا فلا تعارض أصلا بينه وبين الدالة على النهي عن شئ، ولو
كان في حده معروفا، وكذا لا تعارض بينه وبين التوقيع، فإن المعروف إن لم يكن من الأمور
50

العامة المربوطة بالاجتماع التي يجب الرجوع فيها إلى الحاكم، لا يشمله التوقيع
لاختصاصه بتلك الأمور كما استظهرناه، فإن كان منها يقيد به ما يدل على جواز التصدي
لكل شخص فيما يعد معروفا، لوجوب الرجوع فيها إلى الفقيه
وقد يستدل لجواز التولي في القسم الثالث، بقوله عليه السلام عون الضعيف صدقة
وجه الاستدلال إن إعانة الضعيف فعل حسن مطلوب عند الشرع، وإن كان مستلزما
للتصرف في ماله ونفسه وليس مفاده مثل قوله عليه السلام كل معروف صدقه في عدم الشمول
لما يستلزم التصرف، بل هو أعم منه ومن غيره فبيع مال الغائب لحفظه والعاجز
عن بيع ماله، من الإعانة المطلوبة، يشمله عون الضعيف صدقة.
فعلى هذا يقع التعارض بينه، وبين قوله عليه السلام، لا يجوز لأحد التصرف في مال
أخيه المسلم إلا بإذنه، الدال على عدم جواز التصرف في مال الغائب والسفهاء
بدون الإذن منهم، لو كان إعانة، والظاهر أن الرواية الثانية حاكمة على الأولى
لأنها بمنزلة يكون بإذنه ورضاه، نعم لو لم يكن الدليل الحاكم موجودا، لكان
الاستدلال بما ذكر على جواز الإعانة واستحبابها ولو كان مستلزما للتصرف في مال
الضعيف صحيحا سواء كان المسلم عليه غير راض به، وأدلة استحباب عيادة المرضى المستلزمة
للدخول في دارهم على جوازه مطلقا، اللهم إلا أن يكون عون الضعيف من مصاديق
ما تعد من شؤون الرياسة والسياسة، فلا بد حينئذ، من الرجوع إلى الحكام، ولا
يجوز لغيرهم الاقدام عليه.
بقي الكلام في الاستدلال بما روي، أن السلطان ولي من لا ولي له، قال
الشيخ قدس سره يحتاج الاستدلال به إلى عموم النيابة من الأدلة وقد عرفت
فيما تقدم إن ذلك لا يخلو عن وهن:
ثم المراد من الولاية، هي الولاية للنفع، وحفظ مصالح المولى عليه، والقيام
51

بما يصلحه كما هو ظاهر معنى اللام. ويقتضيه أيضا مناسبة الحكم للموضع كما سلف
من أن جعل الولاية على من لا يدفع عن نفسه ولا يعرف مصالحه، إنما هو لرعاية
أحواله، وحيازة منافعه، كما أن المراد ممن لا ولي له، الذي من شأنه أن يكون
له ولي، لا مطلق من ليس له الولي، وأما السلطان فالمراد منه في الرواية، أما الإمام عليه السلام، فيكون المعنى بعد انجبار السند أنه عليه السلام ولي كل من من شأنه أن يكون له
ولي، فعلى هذا فإن علمنا من عموم أدلة النيابة، إن كل ما كان ثابتا للإمام عليه السلام فهو
ثابت للفقهاء، إلا ما أخرجه الدليل، فيثبت الولاية لهم أيضا على من لا ولي له، في
زمان الغيبة، ولعل هذا هو المراد في كلامه الشيخ من قوله يحتج إلى عموم النيابة.
وعلى كل حال فالمراد من السلطان إما الإمام عليه السلام كما تقدم أو المنصوبون
من قبله للحكومة والزعامة، لاطلاق السلطان عليهم، خلافا للمتبادر منه عند الفرس
من كونه مرادفا للملك وشاه، وحيث إن الفقهاء منصوبون من قبل الأئمة عليهم السلام
والرسول صلى الله عليه وآله، بقوله هم خلفائي وأمنائي وغير ذلك يثبت الولاية لهم أيضا،
مضافا إلى أنه لا يبعد أن يقال: إن حفظ أموال من لا ولي له والقيام بمصالحه من
الأمور العامة، المربوطة بسياسة الاجتماع. ونظام الأمة، وحفظ المجتمع، الثابتة
فيها ولاية الفقهاء، ووجوب الرجوع إليهم في أمثالها هذا تمام الكلام في ولاية الأب
والجد والفقيه
52

وأما الولاية المؤمنين
فالكلام فيها يقع في مقامين الأول في أصل الولاية الثاني في اشتراط العدالة فيهم.
أما المقام الأول: فقال أستاذنا الفقيه الكبير مد ظله العالي: كل أمر من
أمور الدين، إذا علم حسنه ومشروعيته في الخارج: إما باطلاق الدليل الدال عليه،
أو بغيره من الاجماع والعقل، يجوز للمؤمنين تصديه، ولهم الولاية عليه، إن كان
مما لا يرضى الشارع بتركه، بل يريد وجوده في الخارج لمصالح تقتضي ذلك،
كتعمير المساجد وحفظ الأوقاف العامد وأموال الغيب، إلا أن يقال: إن المتيقن
منهم أو الظاهر من بعض الأدلة الفقيه من المؤمنين، بناء على شمول التوقيع الدال
على وجوب الرجوع في الحوادث إلى الفقيه لمثل ذلك، هذا إذا كان الاستيذان منه
والرجوع إليه ممكنا وأما إذا تعذر، فتوضيح ذلك في المقام، إن الأمور التي كان
يتصديها الفقيه، للعلم بعدم جواز التعطيل فيها، ومطلوبيتها مطلقا، على أنحاء:
منها إن تصدي الفقيه له إنما كان باعتبار الوصف الثابت فيه، والخصوصية التي
تقتضي ذلك كالافتاء والقضاوة في بعض الأمور، ففي مثل تلك الأمور لا يجوز لغيره
تصديه وإن تعذر الفقيه، وعلم أنها مطلوبة للشرع ولا يرضى تركها، لوضوح أن
جواز الافتاء إنما كان من جهة أن الفقيه عالم بالأحكام وخبير بها، وبصير فيها،
فلا يعقل صدوره من غيره ومثله القضاوة.
ومنها ما علم أنه كان من شؤون الرياسة ولوازم الزعامة يتصديه الفقيه،
ضرورة أن بعضا من الأمور التي نعلم مطلوبيتها في الشرع مما يتوقف عليه قوام
الاجتماع ونظام المجتمع وهذا القسم من الأمور، لا يصلح صدوره من كل فرد
ولا يصح تحققه من أي شخص، كبعض مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
الملتزم للضرب والقتل، وإلا يلزم التشاح والهرج فإن النهي عن المنكر وإن كان
مطلوبا عند الشارع، وهو أيضا يريد وقوعه في الخارج، إلا أن بعض المراتب
منه يجوز لكل شخص القيام به وايفائه. سواء كان فقيها أو غيره كبيان
المسألة، وارشاد الجاهل، وموعظة المترد ونصح الفساق وغيرها مما لا
53

يستلزم اعمال قوة، ونفوذ قدرة. بخلاف ما يستلزم ذلك، كتعزير الجاهل، و
تأديب الفاسق والمتمرد بالضرب. وقطع يد السارق، الذي كان للفقيه تصديه،
والاقدام به ولا يصح عند تعذر الفقيه، أن يقوم به كل مؤمن وعادل، كيف وهو
مما خيطت للرياسة ونسجت للزعامة ولا يتوقعه العرف، إلا من القائد الذي
هو الحافظ الناظر في الاجتماع، والمتكفل لنظمه والمقيم للاعوجاج، والمانع
عن الشقاق والنفاق، والمهاب عند الناس، والمعظم عندهم، والمقدم عليهم، فعلى ذا
لا بد أن يكون هو المتصدي، ولو تعذر فمن هو مقدم على غيره، ولو جاز التصدي
لكل فرد من المسلمين، من شريف ووضيع وعالم وغيره، وإن كانوا عدولا بترتيب
الفساد عليه، أكثر مما يترتب على تعطيل هذه الأمور
وببيان أوفى وأوضح. أنه يمكن في مقام التصور والثبوت، أن يجعل الولاية
فيما ذكر من الأمور، لمن لا يلزم من تصديه لها، واقدامه عليها فساد، ويكون
نافذا قوله، وجائزا في الناس أمره وحكمه. بحيث لو تصدى شيئا من الأمور
الاجتماعية من باب الولاية الشرعية يحصل منه غرض الشارع، من حفظ النظام
ردع المنكر، ودفع الظلم ولا يترتب فساد عليه وأما من ليس شأنه ذلك، لضعفه في
المجتمع، بحيث لو تصدى ضرب الآتي بالمنكر أو تعزير شارب الخمر مثلا،
يوجد مفسدة أكثر ومحذور أشد مما يلزم لو ترك بحاله، فليس له الاقدام على
نظائر تلك الأمور، ولا فرق فيه بين الفقيه وغيره فمن لم يكن من الفقهاء نافذا أمره،
وجائزا حكمه لا ينبغي ولا يجوز له التصدي أيضا كغيره، هذا بحسب التصور في مقام
الثبوت، وبيان الحكمة المقتضية، لعدم جعل الولاية لهم، بل تشريعها لمن لا يترتب
على ولايته فساد، ولا يلزم منه هرج ومرج وتشنج
لا يقال إنه قد لا يترتب فساد، على اقدام بعض المؤمنين، وتصديه لبعض
الأمور، وإن لمن يكن مبسوطا يده ونافذا قدرته فلا وجه لعدم جعل الولاية له
فإنه يقال الحكمة المنصورة في المقام، المقتضية لعدم جعل الولاية لمن ذكر فيما
ذكر كالحكمة المقتضية لجعل حكم كلي عام، كوجوب العدة لحكمة عدم اختلاط
54

المياه وحفظ النسب، إذ يحكم بوجوب العدة حتى فيما علم بعدم الاختلاط و
انتفاء الحكمة حفظا للقانون، واجتنابا عما يتفق نادرا، بحسب تشخيص المكلفين
ونظرهم، فلا عبرة بمورد لا يلزم فساد من تصدى غير المطاع، ومن ليس بنافذ
الأمر والحكم.
وبالجملة المعروف الذي نقطع بمطلوبيته، إذا احتمل كونه مما يتصديه
الفقيه بما أنه زعيم ورئيس، لا يجوز لغيره القيام به، إذا تعذر الفقيه، ولا يكفي في
الجواز، العلم بمطلوبيته عند الشارع، وأنه لا يرضى تركه فيكون كسائر ما منع الناس
وحرموا من بركات الله هذا مقام الثبوت
وأما مقام الاثبات، فالظاهر أنه لا يستفاد من ارجاع تلك الأمور إلى الفقيه،
إلا جواز التصدي لمن هو حاكم ونافذ أمره، بحيث لو تصدى شيئا، وأقدم على
أمر، لحصل غرض الشارع، ولا يلزم الهرج والمرج، فلا يجوز إذا تعذر الفقيه
التصدي لغيره، إلا أن يقوم دليل نقلي خاص، أو عقلي على ذلك، وإلا نفس الدليل
الدال على معروفية شئ، لا ينهض دليلا عليه، إلا في المعروف الذي، علم أن تصدى
الفقيه له، لم يكن إلا من جهة كونه معروفا، من غير دخل للزعامة والرياسة
وقد يستدل لولاية كل واحد من المؤمنين فيما إذا تعذر الفقيه، وكان
التصرف في شئ، والتصدي له مطلوبا في الشرع، بقوله عليه السلام والله تعالى في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وظاهره أن إعانة الغير مندوب إليه
في الشرع، ومطلوب عند الله، وقد أمر به في قوله تعاونوا على البر والتقوى، فإعانة
اليتيم ببيع ماله لحفظه، ورد ضالته، وغير ذلك من الأمور المطلوبة عقلا وعرفا جائز
لكل واحد من المؤمنين. وقد روي أن كل معروف صدقة، وعون الضعيف من
أفضل الصدقات، فلا حرج في إعانة العاجز والقاصر، ولو كان مستلزما
للتصرف في ماله إذا صدق عليه العون ودعوى الانصراف عن مثل ذلك مشكل (1)

(1) يقول المقرر الظاهر أن أمثال تلك الأمور أحكام أخلاقي ندب إليها الشرع والعقل،
ليس من باب الولاية أصلا وأجاب الأستاذ عنه بأن هذا غير وجيه لأن التصرف في أموال
الصغار إذا كان حراما لم يكن من الحسبة.
55

ثم إنه بناء على ثبوت الولاية للمؤمنين، وجواز تصديهم لكل ما يعد معروفا
وحسنا عدا ما تقدم، فهل يقع التعارض بين دليلها، وبين الأدلة المانعة عن التصرف
في مال الغير إلا بإذنه، أم لا، الظاهر أن الأدلة المانعة، ناظرة إلى التصرف بالعدوان
الذي لا يعد إعانة له، وإغاثة لصاحبه، وهي منصرفة عما يعد إعانة أو يحسب عند
العرف عونا، للقصر والعجزة والغائب مثل لو نفرت دابة من مال اليتيم، فأراد
رجل أخذها وردها إليه لا يلومونه العرف، ولا يحسن توبيخه ولومه، ولا يتوهم
أحد أنه خالف قول المعصوم: لا يجوز لأحد التصرف في مال أخيه المؤمن. وكذا
لو رد ضالة المؤمن أو أخذ يد العاجز أو عصاه (1)
فرع هل يجوز للمؤمنين أخذ الزكاة وتقسيمها بين المستحقين أم لا، يمكن
الاستدلال لولايتهم فيه، بما تقدم من أن عون الضعيف من أفضل الصدقات، وإن
كل معروف صدقة. وإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فإن الظاهر
من الجميع أن عون المؤمنين موجب لرضى الله تعالى وعنايته، فلو أخذ أحد حق
الفقراء من مانعي الزكاة، وأوصله إليهم، فقد أحسن إليهم وأعانهم، وأتى بما فيه
رضاه تعالى، كمن أخذ مال الغائب، من يد السارق والغاصب وإن لم يكن مأذونا.
وتوهم أن أخذ الزكاة من المالك مع عدم رضاه، تصرف في مال الغير
بدون إذنه وهو محرم ممنوع مدفوع بأن الزكاة ليست من ماله ومختصاته، بل هو
أي المانع من الزكاة كالجالس في دار غيره ويريد صاحبها طرده ورفعه، فهل لأحد
أن يقول، أنه لا يجوز الطرد لأنه ايذاء محرم ولا أظن أحدا من الأصاغر، يلتزم بذلك،
فضلا عن الأكابر
قال الشهيد في القواعد: يجوز للآحاد مع تعذر الفقيه والحكام تولية آحاد

(1) هذا مخالف لما تقدم من الأستاذ مد ظله، من أن الأدلة المانعة، حاكمة على مثل عون
الضعيف صدقة، أو من أفضل الصدقات، وإن الإعانة المستلزمة للتصرف في مال الغير غير
جائز، مضافا إلى أنه مع النهي لا يكون الشئ معروفا اللهم أن يقال إن نظره من قبل كان
على فرض تمامية الدلالة وشمول الأدلة المانعة للمورد وهي محل تأمل كما اختاره في المقام
56

التصرفات الحكمية على الأصح كدفع ضرورة اليتيم، لعموم تعاونوا على البر و
التقوى، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وقوله عليه السلام كل
معروف صدقة، وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس من الممتنع وتفريقها بين
أربابها، وكذا بقية وظائف الحكام، غير المتعلقة بالدعاوي، فيه وجهان، وجه
الجواز ما ذكرنا (يعني الأدلة المتقدمة) ثم استدل له بوجه عقلي، وهو أنه لو منع من
ذلك لفاتت مصالح تلك الأموال، وهي مطلوبة ونقل عن بعض المتأخرين من
الجمهور: أنه لا شك إن القيام بهذه المصالح أهم من ترك الأموال بأيدي الظلمة
يأكلونها بغير حقها ويصرفونها إلى غير مستحقيها، إلى آخر كلامه.
وبالجملة اثبات الولاية لآحاد المؤمنين، في كل آحاد من المعروف يحتاج
إلى دليل خاص، فإن أمكن الاستدلال بما ذكر من النقل والعقل، وإلا فنفس دليل
المعروف، لا يكفي في المقام إذا احتمل أن الفقيه إنما يتصديه بعنوان أنه رئيس و
بيده سياسة القوم، وملخص الكلام في المقام إن اثبات الولاية لآحاد المؤمنين
يحتاج إلى دليل، فإن كان. يؤخذ به، وإلا فالأصل عدم المشروعية على ما
فصلناه.
وأما المقام الثاني وهو اشتراط العدالة في المؤمنين، فقد نسبه الشيخ قدس
سره إلى ظاهرا كثير فتاوى الأصحاب، وأنه مقتضى الأصل، واستدل أيضا بصحيحة
محمد بن إسماعيل بن بزيع عنه عليه السلام قال سألته عن رجل مات من أصحابنا غير وصية
فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، وكان الرجل خلف ورثة
صغارا، ومتاعا، فباع عرد الحميد المتاع، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن
بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته وكان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج
فما ترى في ذلك، قال عليه السلام إذا كان القيم مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس
وقتال المراد من المماثلة، إما المماثلة في التشيع، أو في الوثاقة وملاحظة
مصلحة اليتيم، وإن لم يكن شيعيا أو في الفقاهة، بأن يكون من نواب الإمام عموما
57

في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة، واحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم
الدال على ثبوت البأس، مع عدم الفقيه ولو مع تعذره، بخلاف الاحتمالات الأخر
ويؤخذ منها بالأخص من المحتملات وهو العدل انتهى مخلصا
لكنه قدس سره جمع في الاستدلال بالرواية، والايراد على احتمال الثالث
بين المسئلتين، لكل واحدة منهما حكم خاص لا ينبغي خلطهما
إحديهما أن المعروف تارة يكون، مما لا يجوز تركه، وإنما أراد الشارع
وقوعه في الخارج، ولو صدر من الفاسق كتجهيز الميت عند تعذر الفقيه وغيره من
عدول المؤمنين.
وأخرى لا يكون كذلك، وإن كان معروفا في نفسه كالاتجار بمال اليتيم له
وتزويج الصغيرة، ومفهوم الرواية إنما يدل على ثبوت البأس في القسم الثاني ولا خطر
في العمل باطلاقه، حتى فيما تعذر الفقيه، نعم لو كانت الرواية ناظرة إلى القسم
الأول من التصدي المعروف، لكان الايراد في محله ولكن موردها القسم الثاني
أي المعروف الذي لم يرد الشارع تحققه في الخارج حتما فلا حرج في العمل بالمفهوم
والحكم بثبوت البأس عند تعذر القيد، وهو العدالة والفقاهة كما هو المستفاد من
المماثلة لمحمد بن إسماعيل، ولا اشكال في الحكم بعدم جواز الاتجار بمال اليتيم
للمؤمنين، إذا تعذر الفقيه عملا بالمفهوم من الرواية، لكن تعارضه صحيحة إسماعيل
بن سعد الدالة على جواز قيام العدل - وتصرفه في مال الصغار بالبيع، قال
سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يموت بغير وصية، وله صغار وكبار أيحل شراء
شئ من خدمه ومتاعه، من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك فإن تولاه قاض قد
تراضوا به ولم يستخلفه الخليفة، أيطيب الشراء أم لا، قال: إذا كان الأكابر من
ولده معه في البيع فلا بأس، إذا رضى الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك
وهي كما ترى صريحة في جواز قيام العدل بأمر الصغار مطلقا، فيقع التعارض
بينة وبين المفهوم الدال على عدم الجواز لغير الفقيه، لكنه يرفع اليد عن ظهور
58

المفهوم لأظهرية المنطوق، والأظهر عند التعارض مقدم على غيره، فيحكم بثبوت
الولاية لعدول المؤمنين أيضا، إلا أن يقال بعد احراز الوحدة والاتحاد في الحكم
والسب يؤخذ بالقدر المتيقن، والأخص مضمونا، وهو ولاية الفقيه العادل. نعم
بناء على تعدد الحكم المستفاد من الدليلين، يلتزم بجواز التصدي للمؤمن العادل
أيضا، إن كان التصدي من الفقيه أشد حبا، وأكثر حسنا، ولكنها تدل على اعتبار
العدالة في المتصدي لأمور الصغار والانصاف أن الرواية واردة في قاضي التحكيم
الذي تراضوا به، من غير تعيين لخليفة، مضمونه متحد مع رواية محمد بن
إسماعيل بن الواردة في خصوص الفقيه كما يرشد إليه قول السائل فإن تولاه قاض
قد تراضوا به ولم يستخلفه الخليفة.
ويظهر من رواية سماعة عدم اشتراك العدالة في المتصدي، وكفاية كونه
ثقة، وإن لم يكن فيه ملكة العدالة
عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية وله خدم
ومماليك، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك، قال عليه السلام إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك
كله فلا بأس
ولقائل أن يقول: إن هذا الكلام من الإمام عليه السلام، إذن للسائل في التقسيم.
وأنه يعتبر أن يكون المعدل للسهام ثقة وأمينا وليست الرواية ناظرة إلى مطلق
الولي والمتصدي، وكفاية كونه ثقة، وعدم اعتبار العدالة، مضافا إلى أنه من
المحتمل، أن يقال إن موردها تقسيم الأموال وتعديلها ثم القرعة فيه. وليس هذا
تصرفها في مال الصغار، كسائر التصرفات فيحتمل في المقام خصوصية ليست في غيره
فعليه تكون الرواية أجنبية عما نحن فيه (1)

(1) أقول إن الملاك في المقام هو التصرف في مال الصغار، والتقلب فيه والتصدي
لأمورهم، والتقسيم والتعديل، لا يخلو منه ومن التعويض والتبديل القهري واحتمال الخصوصية
في هذا القسم من التصرفات بعيد جدا
59

وتلخص مما ذكرناه، إن الاستدلال بالرواية محمد بن إسماعيل لاشتراط العدالة
في المتصدي كما صنعه الشيخ قدس سره، وكذا الاستدلال. بموثقة سماعة لكفاية
كونه ثقة غير تام، بل مشكل جدا ولو سلمنا دلالتهما على ما ذكر، من اعتبار العدالة
أو كفاية الوثوق والاطمينان، فموردهما المعروف الذي، لم يرد الشارع وقوعه
حتما، ولا تدلان على اعتبار العدالة أو الوثاقة في التصدي للمعروف الذي نعلم
أن تركه وتعطيله، مما لا يحبه الشارع ولا يرضاه، فيجوز للمؤمنين تصديه مطلقا
فتأمل. (1)
إلا أن يقال: إن المتيقن منهم أيضا الفقيه العادل، وإذا تعذر فعدول المؤمنين
ثم الموثقون وهكذا
وقد يستدل بصحيحة علي بن رئاب لعدم اعتبار العدالة والوثاقة أصلا، وكفاية
المصلحة، في التصرف والتصدي.
الصدوق باسناده عن علي بن رئاب قال سألت أبا الحسن عن رجل مات وبيني
وبينه قرابة، وترك أولادا صغار ومماليك له وغلمانا وجواري، ولم يوص
فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية، فيتخذها أم ولد فقال عليه السلام لا بأس بذلك، إذا باع
عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم، وليس لهم أن يرجعوا فيما صنعه القيم بأمرهم
الناظر فيما يصلحهم.
ولكنه غير تام، لعدم ظهورها في ولاية المؤمنين، بل تدل على لزوم ايجاد
البيع وانشائه ممن له الولاية، قيما كان أو ناظرا، وليست في مقام بيان شرائط
المتصدي، بل المعنى إن البيع إذا صدر من الولي لا بأس في ترتب الآثار عليه وأما
ما يشترط ويعتبر فيه من العدالة أو الوثاقة فليست متعرضة له أصلا بل لا اشعار إليه
وبالجملة الأخبار المتقدمة لا تنهض دليلا لاعتبار العدالة في الولي ولو سامحنا وسلمناه
فإنما هو في غير الأمور الحسبية المطلوبة على كل حال وأما فيما يجوز لآحاد

(1) وجهه كما أشار إليه الأستاذ بخطه في حاشية الرسالة، إن القسمة عند الحاجة
إليه مما لا يرضى الشارع تركه، فإنه يستلزم حرمان المالك عن التصرف في ماله - المقرر -
60

المؤمنين تصديها خصوصا عند تعذر العادل.
في التنبيه على أمور
الأول أنه بناء على ثبوت الولاية للفاسق من المؤمنين بالدليل العام مثل
قوله كل معروف صدقة ونظائره أو الخاص لا اشكال في جواز مباشرته بالنسبة إلى تكليف
نفسه فيجوز له أن يصلي على جنازة من الأولى له وإنما الكلام في ترتيب الغير الآثار
على فعله بأن يسقط عنهم الصلاة على الميت الذي صلى عليه الفاسق ويصح لهم شراء
المال الذي باعه من مال اليتيم وغير ذلك من الآثار الوضعية والتكليفية.
والتفصيل في المقام إن الشك في ترتب الآثار على فعليه تارة يكون بعد العلم
بايقاعه الفعل على وجه الصحيح مراعيا لجميع الشرائط المعتبرة فيه حتى لحاظ
مصلحة الصغير في البيع وأخرى في وقوعه منه صحيحا ومراعاته لما يعتبر فيه من
الأجزاء والشرائط أما الأول فيندفع الشك باطلاقات الأدلة المفروض شمولها لفعله،
وأما الثاني وهو الشك في وقوع الفعل صحيحا من الفاسق فهل يمكن التمسك بأصالة
الصحة، أم لا فيه كلام، وما يقتضيه التحقيق، إن أصالة الصحة (1) إنما يجدي فيما
أحرز عنوان الفعل المأتى به ثم شك في اشتماله على الشرائط وعدمه كما لو صلى
على جنازة وشك في أنه صلى صحيحا أم لا، بعد العلم بأنه نوى عنوان الصلاة، يحكم
بالصحة، وأما لو شك في تحقيق أصل العنوان الطارئ على المأتى به، فلا يمكن احرازه
بأصالة الصحة، كما لو شك في أنه بعد الدنو والقرب إلى الجنازة، صلى صلاة
الميت، أو لم ينو الصلاة أصلا، فلا مورد لأصالة الصحة هنا، ولا يسقط التكليف عن
الغير. لأنها تجري بالنسبة إلى ما يعرض على الفعل، من الاخلال، بالشرائط
والأجزاء وترك الموانع، بعد احراز عنوان العمل.

(1) المراد منها حمل فعل المسلم على الصحيح كما في بعض عبارات الشيخ وأصالة الصحة
في البيع في آخر كلامه
61

ونظيره ما لو سلم أحد على المصلي، وشك في أنه سلم صحيحا حتى يجب رده، أم فاسدا
فلا يجوز الرد، لبطلان الصلاة بالكلام الآدمي، فيحكم بأصالة الصحة بكونه
سلاما صحيحا ويترتب عليه الآثار أيضا، من وجوب الرد وعدم بطلان صلاته به
وأما لو شك المصلي في أن الوارد سلم عليه، أو قرأ شعرا وتكلم بكلام غيره،
فلا مورد للتمسك بالأصل والحكم بكونه سلاما، ليترتب عليه وجوب الرد وعدم البطلان
به، وهكذا الأمر فيما نحن فيه.
فلو باع فاسق مال اليتيم، وقلنا باعتبار المصلحة فيه أيضا فلو شكل في البيع
الواقع منه أنه كان عن مصلحة لليتيم، أم لم يكن كذلك، وبتعبير آخر، لو دار
الأمر بين فعلين متباينين، له الولاية على أحدهما دون غيره، لا يمكن اثبات المصلحة
فيه باجراء أصالة الصحة في فعله وفي البيع، لأن موردها ما يعتبر ويشترط في الفعل
بعد الفراغ عن عنوان المنطبقة عليه، كما أشير إليه في المرددة، بين الصلاة على
الجنازة وغيرها،
وبالجملة موضوع الولاية هنا، التصدي المشتمل على المصلحة، العائدة إلى اليتيم
وإذا دار الفعل بين ما للفاسق ولاية، وبين ما ليس له ذلك، لا يمكن احراز الموضوع
بالأصل المذكور.
لكن الانصاف إن التمسك بأصالة الصحة في عمل الفاسق لاحراز الصحيح لا اشكال
فيه لو أحرزنا ولايته في التصرف بالدليل نعم لا يثبت بها صحة البيع الصادر عمن يشك
في ولايته، نعم لو وجد ثمن من مال الصغير، في يد الفاسق، لا يلزم بالفسخ، للتردد
في أن ما في يده مال اليتيم. أو غيره مما في يد المشتري.
الأمر الثاني أن جواز التصدي والتصرف للمؤمن حيث ما ثبت في مال الصغير
وغيره، فهل هو على وجه التكليف، أو من باب الولاية وجهان، قال الشيخ قدس سره:
ثم إنه بحيث تثبت جواز تصرف المؤمنين فالظاهر أنه على وجه التكليف الوجوبي أو
الندبي، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا عن كونه على وجه النصب
62

من الإمام.
وظاهر كلامه قدس سره إن جواز التصدي والتصرف لهم في مال الصغار وغيرهم
ليس مثل التصدي والجواز الثابت، الآباء والأجداد والفقهاء في مالهم، بل هو حكم
شرعي ثابت لهم، نظير الحكم المجعول للمضطر، وجواز أكله مال الغير من باب
الاضطرار هذا هو الظاهر من عباراته.
ولكن لا يخفى ما فيه، إذا لبحث في ولاية الأب والجد والفقيه، والمؤمنين إنما نشأ
من مسألة اعتبار المتعاقدين في البيع مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع
في ايجاد الملكية الاعتبارية، وجواز تصرف المؤمنين في مال الصغير بمثل البيع و
الشراء، مستلزم للولاية على ايجادها، وليس مجرد الجواز التكليفي. وإن كان
كذلك في بعض الموارد، كبعض مراتب الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر الذي
يجوز للمؤمنين أيضا تصديه، إلا أن في بعضها الآخر مستلزم للولاية والسلطنة كبعض
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي مستلزم لاعمال القدرة، وكأداء
دين الممتنع عن ماله، واخراج الزكوات والأخماس عنه بناء على جوازه والجواز في
تلك الموارد، ليس التكليفي المجرد عن الولاية والسلطنة كما لا يخفى.
الأمر الثالث أن جواز مزاحمة بعض الأولياء لبعضهم في الولاية وكذا العزل
تابع للدليل الدال على ولايتهم من دون فرق بين الأب والجد، والفقهاء والمؤمنين
في جميع موارد الولاية، فإن علم منه أن للفقيه ولاية على بيع مال الصغير، ما لم
يقع البيع في الخارج من غيره، يجوز له التصدي، وإن كان الآخر عرض ماله للبيع
على المشتري، وكذا لو علم أن الإمام عليه السلام جعل شخصا وليا على بيع ماله، ما لم يصدر
البيع عن شخص آخر ولو منه عليه السلام، فلو سبق بيع الولي بيعه عليه السلام يصح ويجوز نظير
ما لو وكل زيد عمرا في بيع داره، ثم عرضه على البيع فسبقه عمرو في ذلك، يصح
بيع عمرو ويكون نافذا، كما في الأب والجد، أو كان له وكلاء فسبق واحد منهم
في بيع داره مع دخول غيره في مقدمات البيع صح بيعه ويبطل بيع غيره ولو علم
63

أنه وكيله في البيع، ما لم يوجد مقدماته من شخص آخر، أو لم يجعلها المالك في
معرض البيع فلا يصح بيعه، إذا وجدت مقدماته من غيره، وهكذا الحكم في
الوكلاء إذا كانوا متعددين وأما جواز عزل الولي غيره من الأولياء فهو أيضا تابع
لدليل ولايته، فلو علم من الأدلة العامة والخاصة إن للفقيه عزل غيره من الأولياء
فيجوز، وإلا فلا، كما لو كان الإمام عليه السلام حاضرا وجعل شخصا وليا ونائبا عنه حتى
في عزل وكلائه وسائر نوابه، وبالجملة جواز المزاحمة وعدمه، وكذا العزل تابع لأدلة
الولاية سعة وضيقا.
الأمر الرابع هل يعتبر في تصدي المؤمنين وولايتهم، ملاحظة مصلحة الصغير
وغبطته ويختص ولايتهم بذلك أم يكفي في ثبوت الولاية عدم المفسدة في التصدي وأما الولاية
إذا كان التصدي ذا مفسدة فهي مقطوع العدم كما تقدم في ولاية الأب والجد.
قد يدعى الاجماع على الاشتراط، وقيل إنه اتفاقي بين المسلمين، واستدل
له بقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
والمراد من القرب مطلق التقلب والتحريك والنقل، ولو من مكان إلى مكان آخر
أو التصرف بالأكل والبيع والشراء، أو وضع اليد والاستيلاء عليه، أو مطلق
الأمر الاختياري من الفعل والترك فلو لزم من ترك بيع مال الصغير ضرر عليه يجب
على الولي الاقدام عليه، والظاهر أن إرادة الأعم من الفعل والترك بعيد من الآية،
والسياق آب عنه وما يتبادر وينساق إلى الفهم، إن القرب إلى مال اليتيم كناية عن
التصرف فيه والأكل منه كما في قوله العزيز ولا تقربا هذه الشجرة، عبر عنه بذلك
تأكيد للحرمة وافهاما لشدة المبغوضية بحيث عد القرب إليه مبغوضا ومنهيا عنه
فالمعنى على هذا لا تأكلوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن بأن يكون الأكل من باب
الأجرة وبإزاء العمل الاصلاحي له، لقوله تعالى من كان فقيرا فليأكل بالمعروف
، ومن كان غنيا فليستعفف وعليه فالآية لا تدل على قصر الولاية في مورد المصلحة، و
اشتراط بيع مال الصغير وشرائه، بكونه أحسن ثم على فرض الدلالة وتمامية
64

الاستدلال، فهل المراد من لفظة أحسن التفضيل والأرجحية، أو الاشتمال على المبدء
والحسن فقط وعلى الأول المفضل عليه هو الترك بأن يكون التصدي والبيع مثلا
أحسن من تركه أو كل التصرفات التي يمكن وقوعها على المال، من أنحاء
المعاملات والنقل والمبادلات الأخر من الصيغة هو التفضيل لا مطلق الحسن كما أن
المتعارف أن يكون التفضيل بالنسبة إلى غيره من أنحاء التصرفات المتحدة معه جنسا لا كونه
أفضل وأحسن من الترك كما هو واضح لمن هو عارف بأساليب كلام العرب ومجاري الأدب
نعم لا يعتبر أن يكون التصدي أحسن من جميع الأفراد والمصاديق بحسب
الدقة العقلية والتفحصات الكثيرة الدقيقة بحيث إن يجب على الولي التفحص في
البلاد البعيدة والصقع النائية حتى لا يوجد فرد ونوع أحسن مما يريد أن يفعله و
يتصديه بل المعتبر أن يكون بنظر العرف أرجح وأحسن من غيره فلو كان مثلا قيمة
الحنطة في سوق كل من بعشرين درهما وفي سوق آخر أزيد يعتبر أن يلاحظ
الأكثر والأصلح والأنفع له وإن احتيج إلى تحمل مشقة وأجرة للحمل إليه
وبالجملة المعتبر في ولاية المؤمنين حيثما يثبت أن يكون تصديهم للمعروف أحسن من
غيره مما يمكن أن يقع من التصرفات
وفي بعض الروايات اشعار إلى عدم اعتبار النفع والمصلحة فيما يتصديه
الولي وكآية عدم الضرر والمفسدة فيه، ففي رواية الكابلي قيل لأبي عبد الله عليه السلام إنا
لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعه خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم
ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه من عند صاحبنا وفيه من طعام فما ترى في ذلك
قال: إذا كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس وإن كان فيه ضرر فلا.
المستفاد من الصدر إن جواز الدخول في دار اليتيم والتصرف في ماله مشروط
بكون ذلك نافعا له ويستفاد من مفهوم الذيل إن مناط الحرمة وعدم الجواز الضرر و
المفسدة فلو لم يكن ضرر في تصدي الولي على اليتيم فلا بأس فيه سواء كان فيه نفع أو لم
يكن بأن يكون الفعل والترك مساويا عنده فالذيل صريح في كفاية عدم الضرر في الجواز
65

والتحقيق أن الصور في المقام ثلاثة أحدهما ما يكون فيه نفع وغبطة لليتيم
الثاني ما فيه ضرر عليه والثالث ما لا فيه ضرر ولا نفع أما الأول والثاني فيدل على
حكمها المنطوقان في قوله: إذا كان في دخولكم عليهم منفعة لهم وقوله: إن كان
فيه ضرر فلا وأما الثالث فيشمله مفهوم الصدر والذيل فمفهوم الأول يدل على عدم
جواز تصرف فيه والثاني على الجواز فيتعارضان ويتساقطان والمرجع الأصل وهو
عدم الولاية لأحد على غيره في شئ من أموره كما تقدم في أول الكتاب.
ويمكن أن يقال، إن ذكر الضرر في ذيل الرواية، من جهة أنه الفرد البين الشايع
من مفهوم الصدر، فإن مفهوم قوله: إذا كان في دخولكم عليهم منفعة، له فردان،
أحدهما ما فيه الضرر وهو البين، والثاني، لا نفع فيه ولا ضرر وقد صرح بأحدهما في
الذيل لكونه بينا، دون الآخر، والمقصودان التصريح بالضرر في الذيل من باب أنه
الفرد البين من مفهوم الصدر، لا لأخذ المفهوم منه، حتى يتعارض المفهومان فيما ذكر.
ولقائل أن يقول، إن عدم المنفعة في مورد الرواية ملازم للضرر، فالمفهومان
يتصادقان فيه، ولا يتعارضان وتقريب ذلك، إن الدخول في دار اليتيم والجلوس
فيها، إذا كان بأجرة المثل يحصل نفع له وإذا لم يكن كذلك يوجب الضرر عليه
دائما، إذ بعد الدخول في داره، وعدم اعطاء العوض، فقد أتلف عليه منفعة داره،
فعدم النفع في المورد، وهو العوض، ضرر على اليتيم، فالمفهومات متصادقان،
وفي رواية ابن المغيرة قلت: لأبي عبد الله عليه السلام أن لي ابنة أخ يتيمة فربما أهدي
إليها شئ فآكل منه، ثم أطعمها بعد ذلك الشئ من مالي، فأقول يا رب هذا بهذا
قال عليه السلام لا بأس
ربما يقال: إن ظاهرها كفاية عدم الضرر في جواز التصرف في مال الصغيرة
كما هو المتبادر من قوله هذا بهذا، فصرف وصول عوض المال إلى اليتيمة كاف في
الجواز وهو المناط في صحة التصرف: ولا يعتبر النفع والزيادة.
وفيه أنه لا يبعد أن يقال: إن الظاهر كون ما أهدي لها، من الأطعمة التي لو لم
66

يؤكل وبقي على حاله لربما يفسد ويخرج من الانتفاع منه، فبالتصرف فيه وأكله
يحصل النفع لليتيمة، مضافا إلى أن المتعارف في مقابل الاحسان وتكافؤه، الزيادة
والكثرة على ما أهدي، خصوصا في مثل الموارد، ومن الأمثال الفارسية، كاسه
جائى رود كه قدح باز آرد، فالمتيقن من عدم البأس في مورد الرواية، ما يحصل
النفع إليها، فلا يستفاد منها كفاية عدم الضرر وإنما التزمنا به واخترناه، في خصوص
الأب والجد، استظهار من أدلة الباب، بل لهما التصرف في بعض الموارد. وإن كان
ضررا على المولى عليه
هذا آخر ما أردنا ضبطه من بحث الأستاذ الأعظم الفقيه الكبير مد ظله العالي
والحمد لله والثناء له على الختام وقع الفراغ من تأليف الرسالة صبيحة يوم السبت
سابع وعشرين، من شهر شعبان، المعظم سنة (13، 3 ه‍) ثلاث وسبعين وثلاثمائة بعد
الألف من الهجرة، على هاجرها ألف الثناء والتحية
أحمد الصابري الهمداني
67