الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٧
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
كتاب الشركة
كتاب المضاربة - كتاب الوديعة
كتاب العارية - كتاب المزارعة
كتاب المساقاة - كتاب الإجارة
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍ - 1990 م
دار التراث
الدار الإسلامية
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الرضا
المنسوب
الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
153 - 202 ه‍
2

المقنع
باب الشركة
والشركة لا تصح إلا في الأموال ولا تصح في الأبدان والأعمال، وإذا اشترك اثنان في
عمل كنساجة ثوب أو بناء دار أو نجارة باب وما أشبه ذلك لم تصح شركتهما وكان لكل
واحد منهما أجر عمله خاصة، فإن لم يتميز عملاهما لاختلاطهما قضي بالصلح بينهما، وإن
اشترك نفسان في مال فكان قسط كل واحد منهما مثل قسط صاحبه كان الربح بينهما
بالسوية والخسران عليهما كذلك، فإن زاد قسط أحدهما على قسط صاحبه كان الربح بينهما
بحساب رؤوس أموالهما والخسران عليهما كذلك.
وإذا دفع الانسان إلى تاجر مالا ليتجر به له على أن الربح بينه وبينه لم ينعقد بينهما بذلك
شركة، وكان صاحب المال بالخيار إن شاء أعطاه ما اشترطه له في الربح و إن شاء منعه و
كان له عليه أجرة مثله في تجارته، وكذلك إن أعطى انسان غيره ثوبا ليبيعه له وشرط له فيه
نصف الربح أو ثلثه فهو بالخيار إن شاء أمضى شرطه وإن شاء رجع فيه وكان عليه لبيع
الثوب أجرة مثله في البيع دون ما سواه، و ليس على المضارب ضمان إلا أن يتعدى في المال
أو يخالف شرط صاحبه في البيع و الابتياع، وللمضارب أجر مثله والربح كله لصاحب
المال، والمضارب والشريك مؤتمنان، فإن اختلف صاحب المال والمضارب أو الشريكان في
شئ ولم يكن لواحد منهما بينة كان اليمين على المنكر دون المدعي لما لا بينة.
والشركة بالتأجيل باطلة ولكل واحد من الشريكين فراق صاحبه أي وقت شاء، وإذا
مات أحد الشريكين بطلت الشركة على كل حال، وإذا أراد الشريك مفارقة شريكه وقد
3

حصل بالمال بينهما متاع كان له بقسط ماله من المتاع ولم يكن له ما نقد فيه من المال،
وكذلك إذا بدا لصاحب المال في المضاربة وقد ابتاع المضارب له به متاعا كان له المتاع
دون المال.
وإذا ابتاع المضارب متاعا لصاحب المال وأراد نقد الثمن فوجد المال قد هلك فنقد
من عنده في المتاع كان المتاع له دون صاحب المال، وكان الربح له والخسران عليه فيه ولم
يكن لصاحب المال فيه نصيب على حال، وإذا باع المضارب المتاع نسيئة فهو ضامن
لثمنه إلا أن يكون صاحب المال قد أذن له في ذلك، وليس للمضارب أن يسافر بالمتاع
إلا بإذن صاحب المال، ولكل واحد من الشريكين أن يبتاع على انفراده من المتاع ما يراه
يبايعه من يراه إلا أن يشترط الاتفاق فيما يعملانه فيكون لهما شرطهما إذ ذاك.
مختصر كتاب شركة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان وفلان بن فلان في صحة من عقولهما وأبدانهما
وجواز من أمورهما طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلهما في شئ من أمورهما وهما
مأمونان على أموالهما غير محجور عليهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا: اشتركا على تقوى
الله عز وجل وأداء الأمانة والنصح من كل واحد منهما لصاحبه في السر والعلانية على كذا
وكذا دينارا ذهبا عينا مثاقيل وازنة جيادا فصارت كذا وكذا دينارا خلطاها حتى صارت
مالا واحدا بينهما نصفين - أو ثلثين أو ثلثا على ما يتقرر الأمر فيه بينهما - على أن يشتريا
ويبيعا ويشترى كل واحد منهما وحده ويبيع وحده بما رأى من أنواع التجارات، ويوكل
بالبيع والشراء في الحضر والسفر ويداين كل واحد منهما في ذلك من شاء بهذا المال، فما
اشترى كل واحد منهما وباع وأخذ وأعطى وداين واقتضى فجائز ذلك كله له وعليه وهو
لازم لصاحبه، على أن ما رزق الله من ذلك من ربح فهو بينهما نصفان - أو على ما انعقدت
عليه الشركة منهما فيه من دون ذلك أو أكثر منه - وما كان من وضيعة فبينهما نصفان، وكل
واحد منهما وفي قبضه والخصومة فيه ووصيته في ذلك خاصة على ما سمي ووصف في هذا
4

الكتاب.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان
بجميع ما تضمنه بعد أن قرئ عليهما وسمعاه وأقرا بفهمه في صحة منهما وجواز أمر، وذلك
في شهر كذا من سنة كذا، وإن كان شركتهما على ورق أو في متاع ونحوه ذكر ذلك كما ذكر
العين وكما رسمناه.
5

الانتصار
باب الشركة
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المشتركين مع تساوى ماليهما إذا تراضيا بأن يكون
لأحدهما من الربح أكثر مما للآخر جاز ذلك، وكذلك إذا تراضيا بأنه لا وضيعة على أحدهما،
أو أن عليه من الوضيعة أقل مما على الآخر جاز أيضا.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: لا يجوز أن يشترطا تساويا الربح مع
التفاضل في المال ولا تفاضل في الربح مع التساوي في المال وإن شرطا ذلك فسدت الشركة،
وأبو حنيفة أجاز التفاضل في الربح وإن كان رأس المال متساويا وقال مالك: إذا كان رأس
المال من عند أحدهما الثلث، ومن الآخر الثلثين، على أن العمل نصفان فالربح نصفان
ولا خير في هذه الشركة، ولا يجوز عنده التفاضل، فالربح مع التساوي في رؤوس الأموال،
وقالت الجماعة: إن الوضيعة على قدر المالين، وشرط الفضل باطل.
دليلنا الاجماع المتكرر، وأيضا فإن الشركة بحسب ما يشترط فيها، فإذا اشترطا
التفاضل في الربح أو في الوضيعة وجب جواز ذلك، وأبو حنيفة يجيز اشتراط التفاضل في
الربح فلزمه جواز مثل ذلك في الوضيعة.
فإن قيل: إنما فسد اشتراط الفضل في الوضيعة لأنه يجري مجرى قول أحدهما لصاحبه
ما ضاع من مالك فهو علي وهذا فاسد لا محالة.
قلنا: مثال ما نحن فيه هو أن يقول ما هلك من هذه البضاعة مع تساوينا فيها فهو من
6

مالي ومالك إلا أني قد سمحت ورضيت بأن يكون من مالي خاصة فلا مانع من ذلك، ويلزم
أبا حنيفة إذا أجرى التفاضل في الوضيعة مجرى قول أحدهما لصاحبه ما هلك من مالك
فهو علي أن لا يجوز التفاضل في الربح لأنه يجري مجرى أن يقول له ما أستفيده من الربح في
كذا وكذا فهو لك وإذا جاز أحد الأمرين جاز الآخر.
مسألة: في الشركة أيضا:
ومما انفردت به الإمامية أن الشركة لا تصح إلا في الأموال ولا تصح في
الأبدان والأعمال، ومتى اشترك اثنان في عمل كصياغة علق ونساجة ثوب وما
أشبه ذلك لم يثبت بينهما شركة وكان لكل واحد منهما أجرة عمله خاصة وإن لم يتميز
عملاهما لأجل الاختلاط كان الصلح بينهما، وإذا دفع رجل إلى تاجر مالا ليتجر به على أن
الربح بينهما لم ينعقد بينهما بذلك شركة وكان صاحب المال بالخيار إن شاء أعطاه ما شرطه له
وإن شاء منعه منه وكان له عليه أجرة مثله في تجارته وكذلك إذا أعطى الانسان غيره ثوبا
ليبيعه وشرط له فيه سهما من الربح أجرة مثله في البيع.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز شركة الأبدان
والصناعات اتفقت أو اختلفت، عملا في موضعين أو في موضع واحد، ولا يجوز في
الاصطياد والاحتطاب ونحوهما.
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال: كلما يجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة، وما
لا يجوز فيه الوكالة لا تجوز فيه الشركة، وما جازت فيه الشركة من الصناعات نحو
الخياطة والقصارة، فإنه سواء عملا جميعا أحدهما فما حصل من فضل فهو بينهما
نصفان.
وقال مالك: تجوز الشركة على أن يحتطبا ويصطادا إذا كانا يعملان جميعا في موضع
واحد، وكذلك إذا اشتركا في صيد البزاة أو الكلاب إذا كان الكلب أو البازي بينهما
نصفين. وقال مالك: لا تجوز الشركة بين حداد وقصار وإنما تجوز في صناعة واحدة يعملان
جميعا فيها في موضع فإن عملا في موضعين أو كانتا صناعتين لم تجز الشركة. وقال مالك: يجوز
7

أن يشترك المعلمان في تعليم الصبيان إذا كانا في مجلس واحد، فإن تفرقا في مجلسين فلا خير
فيه.
وقال الحسن بن حي والليث: شركة الأبدان جائزة في الأعمال وقال الليت: وإن مرض
أحدهما لم يكن للمريض شئ من عمل الصحيح إلا أن يشاء الصحيح أن يشركه في
عمله.
وقال الشافعي: لا تجوز الشركة إلا بالدراهم والدنانير ويختلط المالان وهذا يدل على
أنه لا يجيز شركة الأبدان إلا أنه ليس ينتهي في ذلك إلى ما تقوله الإمامية من أن العمل
لا يدخل في الشركة منفردا ولا مجتمعا.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولأن معول من يخالفنا في هذه المسائل التي
ذكرناها كلها على الظنون والحسبان والرأي والاجتهاد ومرجعنا فيما نذهب إليه فيها إلى
توقيف فما قلناه أولى.
8

الكافي
فصل في الشركة وأحكامها:
الشركة جهة لإباحة التصرف وصحتها مختصة بالأموال المتجانسة بعد الخلط لها، فإن
اختلفت قوم أحدهما بالآخر وجعل مالا واحدا، فإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت
الشركة وأوجبت لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار ماله ومن الوضيعة بحسبه،
فإن اصطلحوا في الربح على أكثر من ذلك حل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة،
ويجوز لمبيحها الرجوع بها ما دامت عينها قائمة.
وإن اشترط في عقد الشركة تفاضل في الوضيعة صحت الشركة وبطل الشرط وكان
الوضيعة بحسب الأموال إلا أن يتبرع أحد الشريكين على الآخر، فإن كان أحد الشريكين
عاملا في البضاعة فجعل له الآخر فضلا والربح بإزاء عمله لم يمض الشرط وكان للعامل
أجر عمله ومن الربح بحسب ماله، وإن كانا متساويين في العمل لم يكن لأحدهما أجر.
ولا يجوز لشريك أن يعمل في مال الشركة ما لم يجعله له شريكه، فإن تعدى ضمن وإن لم
يتعد لم يضمن، ولا تنعقد الشركة بالأبدان في الأعمال والصنايع والأسفار لكون ما تقع عليه
الشركة غير متميز ويحل لكل منهم ما تراضيا عليه، يجوز الرجوع به والحكم لكل منهم بأجر
عمله، فإن لم يتميز عمل كل واحد منهم قضي بينهم بالصلح، ولا تأثير للتأجيل في عقد
الشركة، ولكل شريك مفارقة شريكه أي وقت شاء وإن كانت مؤجلة.
وإذا مات أحد الشركاء بطلت الشركة، وإذا انفسخت الشركة بموت أو غيره كان
لكل شريك من عين المال والمتاع بحساب ماله ولا يقسم الدين، لكن يتقاضونه جميعا
9

فما حصل اقتسموه بحسب أموالهم.
وإذا دفع المرء إلى غيره مالا ليتجر به أو متاعا ليبيعه وجعل له قسطا من الربح لم
تنعقد بينهما شركة، وإنما له في الحكم أجر مثله دون ما شرطه والأولى الوفاء به، ولا ضمان عليه
فيما هلك أو نقص إلا أن يتعدى مرسوما فيضمن، وإذا دفع إليه مالا ليبتاع به متاعا فابتاعه
ثم بدا لصاحب المال لم يكن له إلا المتاع وللمضارب أجر مثله، وإذا عين ابتياع متاع معين
فابتاع غيره فهو في ذمته، ولذي المال ماله من غير زيادة ولا نقصان إلا أن يرضى بالمتاع
فيكون له.
والشريك المأذون له التصرف مؤتمن على مال الشركة لا يجوز تهمته، والقول قوله إلا
أن يرتاب به شريكه فيحلف على قوله، وكذا حكم المأذون له في التجارة وبيع السلع
وابتياعها.
10

النهاية
باب الشركة
الشركة لا تكون إلا في الأموال. ولا تصح بالأبدان والأعمال فمتى اشترك نفسان أو
أكثر منهما بمال صحت شركتهما، فإن كان رأس مالهما سواء كان الربح بينهما بالسوية
وإن كان رأس مالهما مختلفا كان الربح بينهما بمقدار ما يصيب كل واحد منهما من رأس
المال وكذلك إن خسرا كان الخسران بينهما على أصل المال بالسوية، ومتى اشترطا أن
يكون المتولي للمال والمتصرف فيه أحدهما لم يجز للآخر التصرف فيه إلا باذنه، وإن
اشترطا أن يكونا جميعا متصرفين على الاجتماع لم يكن لأحدهما التصرف فيه على
الانفراد ومتى اشترطا أن يكون لكل واحد منهما التصرف فيه على الاجتماع وعلى
الانفراد كان تصرفها صحيحا على كل حال، ومتى اشترط أحد الشريكين على صاحبه
ألا يبيع بنسيئة أو لا يحمل المال إلى بلد آخر من غير إذنه أو لا يشتري إلا متاعا بعينه
فخالفه شريكه في شئ من ذلك كان ضامنا للمال إن هلك، ومتى جعل الأمر إليه في
البيع والشراء والنقد والنسيئة على ما يراه مصلحة لهما وصوابا كان جميع ما يعمله
صحيحا ماضيا.
ومتى حصل بالمال المشترك المتاع ثم أرادا أن يتقاسما لم يكن لأحدهما المطالبة
بالمال بل له من المتاع بمقدار ماله من المال وكذلك إن حصل من أصل المال نسيئة لم
يكن له المطالبة به نقدا، فإن رضي أحدهما بأن يأخذ رأس ماله ويترك الربح
والنقصان والنقد والنسيئة ورضي صاحبه بذلك كان ذلك جائزا. فإن تقاسما بالنقد
11

والنسيئة وأخذ كل واحد منهما بمقدار ما يصيبه من النقد والنسيئة ثم قبض أحدهما مال
النسيئة ووصل إليه ولم يصل إلى الآخر كان من وصل إليه المال يلزمه أن يقاسم صاحبه
ويكون ما هلك عليهما جميعا.
والشركة بالتأجيل باطلة، ومتى مات أحد الشريكين بطلت الشركة ومتى اشترك
نفسان في عمل شئ من الأشياء من صناعة أو غيرها لم ينعقد بينهما الشركة وكان لكل
واحد منهما أجر ما يعمله، فإن كانا متساويين في العمل تساويا في الأجرة وإن تفاضلا
كانت أجرتهما على مقدار عملهما، وإذا أعطى الانسان غيره مالا وجعل بعضه دينا عليه
ثم تعاقدا الشركة كان ذلك جائزا وصحت الشركة، وإن لم يجعله دينا عليه وأعطاه المال
ليضارب له به كان للمضارب أجرة المثل وكان الربح لصاحب المال والخسران عليه،
وقد روي: أنه يكون للمضارب من الربح بمقدار ما وقع الشرط عليه من نصف أو ربع
أو أقل أو أكثر وإن كان خسرانا فعلى صاحب المال.
ومتى تعدى المضارب ما رسمه صاحب المال مثل أن يكون أمره أن يصير إلى بلد
بعينه فمضى إلى غيره من البلاد، أمره أن يشترى متاعا بعينه فاشترى غيره أو أمره أن
يبيع نقدا فباع نسيئة كان ضامنا للمال إن خسر كان عليه وإن ربح كان بينهما على
ما وقع الشرط عليه، ومتى جعل صاحب المال الأمر إلى المضارب فيما يبيع ويشتري
ويسافر به ويبيع بالنقد والنسيئة كان جميع ما يعمله ماضيا ولم يلزمه ضمان ما هلك من
المتاع، وإذا أعطى الانسان غيره ثوبا أو متاعا وأمره أن يبيع، فإن ربح كان بينهما وإن
نقص ثمنه عما اشتراه لم يلزمه شئ ثم باع فخسر لم يكن عليه شئ وكان له
أجرة المثل، وإن ربح كان صاحب المتاع بالخيار بين أن يعطيه ما وافقه عليه وبين أن
يعطيه أجرة المثل.
ومتى اختلف الشريكان أو المضارب وصاحب المال في شئ من الأشياء كانت
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه مثل الدعاوي في سائر الأحكام، وليس لأحد
الشريكين مقاسمة شريكه على وجه يضر به، مثل أن يكون بينهما متاع أو سلعة أو عقار
12

إن قسمت هلكت مثل الحمامات والأرحية أو الحيوان والرقيق أو السلع المثمنة من
اللآلئ والدرر وما أشبه ذلك، فمتى طالبه بذلك كان متعديا ولم يلزم صاحبه إجابته إلى
ذلك بل ينبغي أن تباع السلعة بما تسوي. ويتقاسم بالثمن أو تقوم ويأخذ أحدهما بما
قوم، ويؤدي إلى صاحبه ما يصيبه.
وصاحب المال متى أراد أن يأخذ ماله من مضاربه كان له ذلك ولم يكن للمضارب
الامتناع عليه من ذلك وكان له أجرة المثل إلى ذلك الوقت، وإن اشترى المضارب بالمال
المتاع لم يكن لصاحب المال مطالبته بالمال وإن كان قد اشترى المتاع ونقد من عنده
الثمن على من ضاربه لم يلزم صاحب المال ذلك وكان من مال المضارب، فإن ربح
كان له وإن خسر كان عليه، ويكره مشاركة سائر الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم
وكذلك مضاربتهم ومخالطتهم وليس ذلك بمحظور.
ومتى عثر أحد الشريكين على صاحبه بخيانة فلا يدخل هو في مثلها اقتصاصا منه
بل يقاسمه الشركة إن شاء ومتى ضمن صاحب المال المضارب رأس المال لم يكن له من
الربح شئ وكان للمضارب دونه وكذلك الخسران يكون عليه، ومتى اشترى المضارب
مملوكا فكان أباه أو ولده فإنه يقوم عليه فإن زاد ثمنه على ما اشتراه انعتق منه بحساب
ما يصيبه من الربح ويستسعي فيما يبقى من المال لصاحب المال وإن نقص عنه أو كان
على رأس المال بقي رقا كما كان، ومن أعطى مال اليتيم إلى غيره مضاربة فإن ربح
كان بينهما على ما يتفقان عليه وإن خسر كان ضمانه على من أعطى المال، ولا يجوز
للمضارب أن يشتري جارية يطأها إلا أن يأذن له صاحب المال في ذلك.
وكل ما يلزم المضارب في سفره من المؤونة والنفقة من غير إسراف كان على صاحب
المال فإذا ورد إلى البلد الذي فيه صاحب المال كان نفقته من نصيبه، ومتى كان له على
غيره مال دينا لم يجز له أن يجعله شركة أو مضاربة إلا بعد أن يقبضه ثم يعطيه إياه
إن شاء، ومن كان عنده أموال للناس مضاربة فمات فإن عين ما عنده أنه لبعضهم كان
على ما عين في وصيته وإن لم يعين كان بينهم بالسوية على ما تقتضيه رؤوس الأموال.
13

المراسم العلوية
ذكر الشركة
لا شركة إلا بالأموال دون الأبدان، فإن كان ما لهما سواء فالربح بينهما سواء
والخسران، وإن نقص مال أحدهما كان الربح والخسران بينهما بحسب مبلغ ما لكل واحد
منهما، فأما المداخلة لصاحب المال بالبدن وبالكد والعمل معه فإنما توجب أجرة المثل لا
الشركة. وموت الشريك يبطل الشركة.
والمضاربة: وإن سافر رجل بمال رجل فله أجرة مثله في المثل ولا ضمان عليه إذا
لم يتعد ما رسم له صاحب المال.
ويلحق بذلك: تلقي السلع والاحتكار والشفعة.
وتلقي كل ما يجلب من حيوان وغيره مكروه، وحد التلقي أربعة فراسخ فما دون
وما زاد على ذلك فليس بمكروه.
فأما المحاكرة: فإنما هي في أجناس الأطعمة مع ضيق الأمر فيها وهي: مكروهة، فأما
مع وجود الكفاية للناس فليس ذلك بمكروه.
وللسلطان أن يجبر المحتكر على اخراج الغلة ويسعرها بما يراه ما لم يخسره.
14

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالشركة
مسألة: إذا أراد اثنان الشركة فأخرج أحدهما دراهم وأخرج الآخر دنانير. هل
يصح الشركة في ذلك أم لا؟
الجواب: لا تصح الشركة في ذلك، لأنهما مالان متميزان ولا يختلطان. ومن حق
الشركة اختلاط المالين. وأيضا فإن المال الذي يصح اختلاطه فإنه لا خلاف في صحة
الشركة فيه وليس كذلك ما لا يختلط.
مسألة: إذا كان مال الشركة متساويا، هل يجوز للشريكين التفاضل في الربح أم
لا؟ وإذا كان مال الشركة متفاضلا هل يجوز أن يتساويا في الربح أم لا؟
الجواب: لا يجوز شئ من ذلك، لأنه إذا كان المال متساويا كان الربح بينهما
كذلك. وإذا كان متفاضلا كان الربح بينهما بحسبه وإنما قلنا ذلك لأنه لا خلاف في صحة
الشركة مع ذلك وليس كذلك خلافه.
مسألة: إذا كان بينهما شئ فباعاه بثمن معين وكان لكل واحد منهما مطالبة
المشتري بحقه فإذا أخذ حقه منه فهل يكون للشريك الآخر شركة فيه أم لا؟
الجواب: للشريك الآخر مشاركة شريكه في ما قبضه من حقه لأن المال الذي في ذمة
المشتري غير متميز فكل جزء يحصل منه فهو من الشريكين.
مسألة: إذا كانت الدار وقفا على قوم وأرادوا قسمتها. هل يجوز لهم ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأن الحق لهم وللذي بعدهم ولا يجوز لهم تميز حقوق غيرهم
والتصرف فيها بأنفسهم.
مسألة: إذا شارك اثنان لسقاء على أن يكون من أحدهما جمل ومن الآخر راوية
واستقى فيها على أن ما يرتفع يكون بينهم. هل يصح ذلك أم لا؟ وما الحكم فيه؟
15

الجواب: هذه الشركة غير صحيحة، لأن من شرط صحة الشركة اختلاط المال،
وهذا المال لم يختلط، فلم تصح الشركة فيه. ولا يصح أيضا أن يكون إجارة، لأن
الأجرة فيهما غير معلومة. فإذا كان كذلك، كان ذلك معاملة فاسدة، واستقى السقاء
وباع الماء وحصل السبب في يده كان ذلك للسقاء ورجع صاحب المال الجمل والراوية
عليه بأجرة المثل.
مسألة: إذا أمر انسان غيره بأن يصطاد له صيدا، فاصطاده بنية أنه للأمر. هل
يكون لمن اصطاده أو للأمر؟
الجواب: هذا الصيد لمن اصطاده دون الأمر، لأنه المنفرد بحيازته وجرى مجرى
الماء المباح في أنه يملكه بالحيازة. وفي الناس من اعتبر النية في ذلك والصحيح ما ذكرناه.
مسألة: إذا كان بين اثنين ألفا درهم، لكل واحد منهما ألف، فأذن أحدهما للآخر في
التصرف في المال على أن يكون الربح بينهما نصفين. هل يكون ذلك شركة في الحقيقة أم
لا؟
الجواب: لا يكون ذلك شركة ولا قراضا أيضا، لأنه لم يشرط على نفسه العمل.
فمن ههنا امتنع أن يكون شركة. ومن لم يشرط له جزء من الربح فلهذا امتنع أن يكون
قراضا وليس بعد ذلك إلا أن يكون ذلك لصناعة سأل أحدهم الآخر التصرف فيها
ويكون الربح فيها له.
مسألة: إذا كان بين رجلين ثلاثمائة مشتركة بينهما، لأحدهما مائة وللآخر مائتان.
فأذن صاحب المائتين للآخر في التصرف في المال على أن يكون الربح بينهما نصفين وأن
يعمل هو أيضا معه. هل تكون الشركة صحيحة أم لا؟
الجواب: هذه الشركة لا تصح، لأنهما شرطا بينهما التساوي في الربح مع التفاضل
في المال وهذا لا يجوز. فإن لم يشترط العمل على نفسه كانت هذه الشركة شركة قراض.
فيكون قد قارضه على مائتين له على أن يكون له من ربحه الربع. فتقسم الثلاثمائة ستة
أسهم، يكون لصاحب المائة منهما سهمان بحق ماله ويكون له سدس بشرط صاحب
16

المائتين وهو سهم واحد وذلك السدس هو ربع ثلثي جميع الربح، فيكون الربح بينهما
نصفين على هذا الوجه، وليس فيه بعد ما ذكرناه أكثر من أن يكون هذه الشركة قراضا
بمال مشاع مختلط بمال المقارض.
مسألة: إذا ادعى واحد من الشريكين على صاحبه خيانة معلومة، مثل أن
يقول: خنتني في درهم أو دينار أو خمسة أو أقل من ذلك أو أكثر وبين الخيانة. ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا ادعى أحد الشريكين ذلك، سمعت دعواه. كان القول، قول المدعى
عليه الخيانة في أنه لم يخنه بذلك مع يمينه، لأنه أمين والأصل أنه لم يخن وإنه على أمانته وعلى
المدعي البينة على ما ادعاه.
مسألة: إذا ادعى أحد الشريكين هلاك مال الشركة أو بعضه وأنكر شريكه ذلك.
ما الحكم فيه؟
الجواب: القول، قول المدعي في هلاك المال مع يمينه، لأنه أمين.
مسألة: إذا اشترك أربعة نفر في زراعة أرض وكانت الأرض لواحد منهم، وللآخر
الفدان، وللآخر البذر، وللآخر العمل، واشترطوا أن يكون الزرع في ما بينهم. هل تصح
هذه الشركة أم لا؟
الجواب: هذه الشركة غير صحيحة. لأن الشركة إنما تصح في الأموال التي تختلط ولا
تتميز بعد الاختلاط، وهي أيضا وإن لم يكن شركة صحيحة فليست إجارة، لأن مدتها أجرتها
مجهولتان. ولا هي أيضا مضاربة، لأن المضاربة إنما تصح على رأس مال يرجع إليه عند
المفاضلة. وإذا لم تكن صحيحة في شئ مما عددناه، كانت معاملة فاسدة، إذا كانت كذلك،
كان الزرع لصاحب البذر، ولأنه عين ماله إلا أنه نمى وزاد ولصاحب الأرض عليه أجرة
مثل أرضه. وكذلك لصاحب الفدان
الرجوع عليه بمثل أجرة فدانه. وللعامل أيضا الرجوع عليه بمثل أجرة عمله.
مسألة: هل يصح الغصب في الشئ إذا كان مشاعا أو يمتنع ذلك لأجل أنه
مشاع؟
الجواب: ليس يمتنع كون هذا الشئ مشاعا، من الغصب لأنه لا يمتنع أن يغصب
17

انسان ذلك بأن يمنع صاحب هذا الشئ من التصرف فيه وإن لم يمنع الشريك، الآخر من
التصرف في الباقي.
18

فقه القرآن
باب الشركة والمضاربة
أما الشركة فجائزة لقوله تعالى: واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه
وللرسول...، فجعل سبحانه الغنيمة مشتركة بين الغانمين وبين أهل الخمس وجعل
الخمس مشتركا بين أهله، وقال تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين،
فجعل سبحانه التركة مشتركة بين الورثة، وقال تعالى: إنما الصدقات للفقراء
والمساكين...، فجعل تعالى الصدقات مشتركة بين أهلها لأن الواو للتشريك، فجعلها
مشتركة بين الثمانية الأصناف.
وقال سبحانه: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض، وقال النبي عليه
السلام: يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا، وروي عن السائب بن أبي السائب أنه قال:
كنت شريكا للنبي ع في الجاهلية فلما قدم يوم فتح مكة قال: أ تعرفني؟ قلت:
نعم كنت شريكي وكنت خير شريك لا تواري ولا تماري، ولا خلاف في جواز الشركة بين
المسلمين وإن اختلفوا في مسائل من تفصيلها وفروعها، فإذا ثبت هذا فالشركة على ثلاثة
أضرب: شركة في الأعيان وشركة في المناع وشركة في الحقوق.
فأما الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه: أحدها بالميراث كاشتراك الورثة في التركة
والثاني بالعقد وهو أن يملك جماعة عينا ببيع أو هبة أو صدقة أو وصية مشتركة، والثالث
بالحيازة وهو أن يشتركوا في الاحتطاب والاصطياد فإذا صار محوزا كان بينهم.
وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف ومنفعة العين المستأجرة وغيرها،
19

وأما الاشتراك في الحقوق فمثل الاشتراك في حق القصاص وحد القذف وما أشبه ذلك،
والآيات التي تلوناها تدل بعمومها على جميع ذلك.
20

غنية النزوع
فصل في الشركة
ومن شرط صحة الشركة أن يكون في مالين متجانسين إذا خلطا اشتبه أحدهما
بالآخر، وأن يخلطا حتى يصيرا مالا واحدا، وأن يحصل الإذن في التصرف في ذلك، بدليل
إجماع الطائفة على ذلك كله، وأيضا فلا خلاف في انعقاد الشركة بتكامل ما ذكرناه وليس
على انعقادها مع عدمه أو اختلال بعضه دليل، وهذه الشركة التي تسميها الفقهاء شركة
العنان.
وعلى ما قلناه لا يصح شركة المفاوضة وهي: أن يشتركا في كل مالهما وعليهما ومالاهما
متميزان، ولا شركة الأبدان وهي: الاشتراك في أجرة العمل، ولا شركة الوجوه وهي: أن
يشتركا على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه لا برأس مال على أن يكون ما يحصل من
فائدة بينهما.
ويدل على فساد هذه الشركة أيضا أنه قد نهى عن الغرر، وهو حاصل فيها لأن كل
واحد من الشريكين لا يعلم أ يكسب الآخر شيئا أم لا، ولا يعلم مقدار ما يكسبه، ويدخل
فيه شركة المفاوضة على أن يشاركه فيما يلزمه بعدوان وغصب وضمان وذلك غرر عظيم.
وإذا انعقدت الشركة اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار
رأس ماله وعليه من الوضيعة بحسب ذلك، فإن اشترطا تفاضلا في الربح أو الوضيعة مع
التساوي في رأس المال أو تساويا في كل ذلك مع التفاضل في رأس المال لم يلزم الشرط
بدليل الاجماع المشار إليه، وكذا إن جعل أحد الشريكين للآخر فضلا في الربح بإزاء عمله لم
21

يلزم ذلك وكان للعامل أجر مثله ومن الربح بحسب رأس ماله، ويصح كل من ذلك
بالتراضي ويحل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة، ويجوز الرجوع بها لمبيحها مع بقاء
عينها بدليل الاجماع المشار إليه ولأن الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل.
فإن قال المخالف: اشتراط الفضل في الوضيعة بمنزلة أن يقول: ما ضاع من مالك فهو
على، وهذا فاسد، قيل له: ما أنكرت أن يكون بمنزلة أن يقول: ما ضاع فهو من مالي ومالك
إلا أني قد رضيت أن يكون من مالي خاصة وتبرعت لك بذلك؟ - وهذا لا مانع منه، ويلزم
أبا حنيفة على ذلك أن لا يجيز اشتراط التفاضل في الربح لأنه بمنزلة أن يقول: ما أستفيده في
مالي فهو لك.
والتصرف في مال الشركة على حسب الشرط، إن شرطا أن يكون لهما معا على
الاجتماع لم يجز لأحدهما أن ينفرد به، وإن شرطا أن يكون تصرفهما على الاجتماع
والانفراد فهو كذلك، وإن اشترطا التصرف لأحدهما لم يجز للآخر إلا باذنه، وكذا القول في
صفة التصرف في المال من السفر به والبيع بالنسيئة والتجارة في شئ معين، ومتى خالف
أحدهما ما وقع عليه الشرط كان ضامنا.
والشركة عقد جائز من كلا الطرفين يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء، ولا يلزم
شرط التأجيل فيها، وتنفسخ بالموت.
والشريك المأذون له في التصرف مؤتمن على مال الشركة والقول قوله، فإن ارتاب به
شريكه خلف على قوله.
وإذا تقاسم الشريكان لم يقتسما الدين بل يكون الحاصل منه بينهما والمنكسر عليهما،
ولو اقتسماه فاستوفى أحدهما ولم يستوف الآخر لكان له أن يقاسم شريكه على ما استوفاه،
كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
فإذا باع من له التصرف في الشركة وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن - مع
دعوى المشتري ذلك وهو جاحد - لم يبرأ المشتري من شئ منه، أما ما يخص البائع فلأنه
ما اعترف بتسليمه إليه ولا إلى من وكله على قبضه فلا يبرأ منه، وأما ما يخص الذي لم يبع
فلأنه منكر لقبضه وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل لأنه وكيله وإقرار الوكيل على الموكل
22

بقبض الحق الذي وكله في استيفائه غير مقبول لأنه لا دليل على ذلك، ولو أقر الذي لم يبع
ولا أذن له في التصرف أن البائع قبض الثمن برئ المشتري من النصيب المقر به
بلا خلاف.
وتكره شركة المسلم للكافر بلا خلاف إلا من الحسن البصري فإنه قال: إن كان
المسلم هو المنفرد في التصرف لم تكره.
23

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان قسمة العقود:
العقود تنقسم ثلاثة أقسام: إما يكون العقد لازما من الطرفين مثل الإجارة والمساقاة
والمزارعة أو جائزا من الطرفين مثل الشركة والمضاربة والجعالة أو لازما من طرف وجائزا
من آخر مثل الرهن، فإنه لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن.
فصل في بيان عقد الشركة:
الشركة أربعة أضرب: شركة الأعيان وشركة الحقوق وشركة المنافع وشركة الأعيان
والمنافع، وهي التي أردنا بيانها وإنما يصح من ذلك شركة العنان دون المفاوضة والوجوه
والأبدان.
فشركة العنان تصح بأربعة شروط: بكون الشريكين نافذي التصرف في مالهما
واتفاق المالين في الجنس والصفة بحيث لو اختلطا لم يتميز أحدهما من الآخر، وخلط
أحدهما بالآخر والعقد عليها من غير تعيين مدة لها، فإذا فعلا ذلك وأذن كل واحد منهما
لصاحبه في التصرف كان له ذلك على حسب الأذن، فإن خالف وتلف ضمن.
وأما الربح والوضيعة على قدر المالين، فإن شرطا اتفاق الربح والوضيعة مع تفاوت
المالين أو التفاوت مع تساوي المالين صح على قول بعض الأصحاب وبطل على قول
آخرين، فإن تصرف فيه المتصرف كان الربح والوضيعة على قدر المالين وللمتصرف
24

أجرة المثل.
وأما شركة الأبدان فباطلة ولكل واحد من الشركاء أجرة عمله فإن اشتبه تصالحوا،
ومتى أراد المقاسمة أحدهما أو كلاهما كان له ذلك واقتسما النقد والعروض، وليس لأحدهما
مطالبة الآخر بالنقد ولا بيع المتاع له بل يأخذ كل واحد نصيبه.
وما كان على الناس نسيئة لا تصح قسمته، فإن اقتسما واحتال لكل واحد نصيبه
وقبض أحدهما ما احتال كان عليه أن يقاسم شريكه وما بقي على الناس كان بينهما
حصل أو تلف، وإن رضي أحدهما برأس ماله وترك الباقي لشريكه صح إن رضي الشريك
به.
25

إصباح الشيعة
كتاب الشركة
من شرط صحة الشركة أن تكون في مالين متجانسين إذا اختلطا اشتبه أحدهما
بالآخر وأن يخلطا حتى يصيرا مالا واحدا وأن يحصل الإذن في التصرف في ذلك، وهذه
الشركة هي التي تسمى شركة العيان.
ولا تصح شركة المفاوضة وهو أن يشتركا في كل مالهما وعليهما ومالاهما متميزان،
ولا شركة الأبدان وهي الاشتراك في أجرة العمل، ولا شركة الوجوه وهي أن يشتركا على أن
يقترض كل واحد منهما بجاهه لا برأس مال على أن يكون ما يحصل من فائدة بينهما.
وإذا انعقدت الشركة اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار
رأس ماله وعليه من الوضيعة بحسب ذلك، فإن اشترطا تفاضلا في الربح أو الوضيعة مع
التساوي في رأس المال أو تساويا في ذلك مع التفاضل في رأس المال لم يلزم الشرط، وكذا إن
جعل الشريكين للآخر أحد فصلا في الربح بإزاء عمله لم يلزم ذلك وكان للعامل أجرة مثله
ومن الربح بحسب رأس ماله، ويصح كل من ذلك بالتراضي، ويحل تناول الزيادة
بالأخذ دون عقد الشركة ويجوز الرجوع بهما لمبيحها مع بقاء عينها.
والتصرف في مال الشركة على حسب الشرط، إن يشترطا أن يكون لهما معا على
الاجتماع فلم يجز لأحدهما أن ينفرد به، وإن يشترطا أن يكون تصرفهما على الاجتماع
والانفراد فهو كذلك، وإن اشترطا التصرف لأحدهما لم يجز للآخر إلا باذنه، وكذا القول في
صفة التصرف في المال من السفر به والبيع بالنسيئة والتجارة في شئ معين، ومتى خالف
26

أحدهما ما وقع عليه الشرط كان ضامنا.
والشركة عقد جائز من كلا الطرفين يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء ولا يلزم
شرط التأجيل فيها.
والشريك المأذون له في التصرف مؤتمن على مال الشركة والقول قوله، فإن ارتاب
به شريكه حلف على قوله، وإذا تقاسم الشريكان لم يقتسما الدين بل يكون الحاصل منه
بينهما والمنكسر عليهما، ولو اقتسماه فاستوفى أحدهما ولم يستوف الآخر كان له أن يقاسم
شريكه على ما استوفاه.
وإذا باع من له التصرف في الشركة وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن،
مع دعوى المشتري ذلك وهو جاحد لم يبرأ المشتري من شئ منه، أما ما يخص البائع فلأنه
ما اعترف بتسليمه إليه ولا إلى من وكله على قبضه فلا يبرأ منه، وأما ما يخص الذي لم يبع
فلأنه منكر لقبضه وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل لأنه وكيله وإقرار الوكيل على الموكل
بقبض الحق الذي وكله في استيفائه غير مقبول إذ لا دليل عليه، ولو أقر الذي لم يبع ولا أذن
له في التصرف أن البائع قبض الثمن برئ المشتري من نصيب المقر منه.
ويكره شركة المسلم للكافر.
إذا اشترك اثنان في عمل شئ لم تنعقد الشركة وكان لكل منهما أجر عمله.
إذا شارك نفسان سقاء على أن يكون من أحدهما دابة ومن الآخر راوية واستسقى
السقاء فيها على الدابة لم تصح الشركة لفقد اختلاط المال فيكون ثمن الماء للسقاء
ويرجع الآخران عليه بمثل أجرة الدابة والراوية.
وإذا أراد الشريكان مقاسمة ما في مقاسمته ضرر كجوهرة أو حمام أو حجر رحى
أو ثوب ثمين يجبر على بيعه من امتنع منه.
وتنفسخ الشركة بموت أحد الشريكين، ولا يجوز للثاني التصرف في حصة الميت،
وللوارث أو الوصي أو الولي أن يطالب بالقسمة أو يبقى على الشركة فإن بقي عليها
استأنف الإذن في التصرف إلا إذا كان هناك دين.
27

السرائر
باب الشركة
الشركة جائزة
لقوله تعالى: و اعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول... الآية، فجعل الغنيمة
مشتركة بين الغانمين وبين أهل الخمس، وجعل الخمس مشتركا بين أهله. وقال تعالى:
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فجعل التركة مشتركة بين الورثة. وقال
تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين... الآية، فجعل الصدقات مشتركة بين أهلها لأن
اللام للتمليك والواو للتشريك.
وعليه إجماع المسلمين لأنه لا خلاف بينهم في جواز الشركة وإن اختلفوا في مسائل من
تفصيلها وفروعها.
فإذا ثبت هذا فالشركة على ثلاثة أضرب: شركة في الأعيان وشركة في المنافع وشركة في
الحقوق.
فأما الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه: أحدها بالميراث، والثاني بالعقد، والثالث
بالحيازة. فأما الميراث فهو اشتراك الورثة في التركة، وأما العقد فهو أن يملك جماعة عينا ببيع
أو هبة أو صدقة أو وصية، وأما الشركة بالحيازة فهو أن يشتركوا في الاحتطاب والاحتشاش
والاصطياد والاستقاء بعد خلطه وحيازته، فأما قبل خلطه فلا شركة عندنا بينهم لأن
الشركة بالأعمال والأبدان باطلة عندنا، لأنها لا تصح إلا بالأموال المتجانسة المتفقة
الصفات بعد خلطها خلطا لا يتميز.
28

وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف ومنفعة العين المستأجرة.
فأما الاشتراك في الحقوق فمثل الاشتراك في القصاص وحد القذف وحق خيار الرد
بالعيب وخيار الشرط وحق المرافق من المشي في الطرقات وما أشبه ذلك، فهذا الضرب إذا
عفا أحد الشركاء كان للباقي من شركائه المطالبة بجميعه من غير اسقاط شئ منه وكذلك
لو عفا الجميع إلا واحدا.
والأموال في الشركة على ثلاثة أضرب أيضا: مال يجوز للحاكم أن يقسم ويجبر الممتنع،
وضرب يجوز أن يقسم ولا يجوز أن يجبر عليه، وضرب لا يجوز أن يقسم ولا أن يجبر عليه.
فأما ما يجوز أن يقسم ويجبر الممتنع، فكل مشترك أجزاؤه متساوية القيم ولا ضرر في
قسمته.
وأما ما يجوز أن يقسم ولا يجبر عليه، فمثل أن يريد أن يقسما دارين.
وأما ما لا يجوز للحاكم أن يقسم ولا أن يجبر عليه فمثل جوهرة واحدة أو حجر واحد،
فهذا لا يجوز لهم قسمته لأنه سفه وضرر ولا يجوز للحاكم إذا رضي الشركاء به أن يفعله،
لأنه لا يجوز له أن يشاركهم في السفه بل الواجب عليه المنع لهم منه.
وإذا كانت دار هي وقف على جماعة أو غير الدار وأرادوا قسمتها لم يجز
لهم، لأن الحق لهم ولمن بعدهم إذا كانت على الأعقاب فلا يجوز لهم تمييز حقوق غيرهم، وإذا كانت
نصفها طلقا ونصفها وقفا فطلب صاحب الطلق المقاسمة، فعندنا يجوز ذلك لأن القسمة
عندنا ليست ببيع، ومن قال: إنها بيع، وهو الشافعي فلا يجوز قسمة ذلك لأن بيع الوقف
لا يجوز.
وقد قلنا إن من شرط صحة الشركة أن يكون في مالين متجانسين متفقي الصفتين إذا
خلطا اشتبه أحدهما بالآخر، وأن يخلطا حتى يصيرا مالا واحدا، وأن يحصل الإذن في
التصرف في ذلك بدليل إجماع الطائفة على ذلك كله، وأيضا فلا خلاف في انعقاد الشركة
بتكامل ما ذكرناه وليس على انعقادها مع عدمه أو اختلال بعضه دليل، وهذه الشركة التي
يسميها الفقهاء شركة العنان " بالعين المكسورة الغير معجمة والنون المفتوحة ".
29

قال الجوهري في كتاب الصحاح: وشركة العنان أن يشتركا في شئ خاص دون سائر أموالهما
كأنه عن لهما شئ فاشترياه مشتركين فيه.
قال النابغة الجعدي:
وشاركنا قريشا في تقاها * وفي أحسابها شرك العنان
وعلى ما قلناه وأصلناه لا يصح شركة المفاوضة، وهي أن يشتركا في مالهما وعليهما
ومالاهما متميزان، ولا شركة للأبدان، وهي الاشتراك في أجرة العمل، ولا شركة الوجوه،
وهي أن يشتركا على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه لا برأس مال على أن يكون
ما يحصل من فائدة بينهما، والذي يدل على فساد ذلك كله نهيه ع عن الغرر، وفي
هذه غرر عظيم وهو حاصل وداخل فيها لأن كل واحد من الشريكين لا يعلم أ يكسب الآخر
شيئا أم لا ولا يعلم مقدار ما يكسبه.
ويدخل في شركة المفاوضة على أن يشاركه فيما يلزمه بعدوان وغصب، وضمان ذلك
غرر عظيم وإجماعنا منعقد على فساد ذلك أجمع.
وإذا انعقدت الشركة الشرعية اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح
بمقدار رأس ماله وعليه من الوضيعة بحسب ذلك، فإن شرطا تفاضلا في الربح أو الوضيعة
مع التساوي في رأس المال، أو تساويا في ذلك مع التفاضل في رأس المال لم يلزم الشرط.
على الصحيح من أقوال أصحابنا والأكثرين من المحصلين، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر.
وقال المرتضى في انتصاره: الشرط جائز لازم والشركة صحيحة، وما اخترناه هو الصحيح،
والذي يبطل ما خالفه أن هذا ليس بإجارة فيلزمه الأجرة ولا مضاربة فيلزمه إعطاء ما شرطه،
لأن حقيقة المضاربة أن من رب المال المال ومن العامل العمل وهذا قد عمل فلا وجه
لاستحقاقه الفاضل على رأس ماله، فإذا كان كذلك بأن يعقدا شركة فاسدة.
أما بأن يتفاضل المالان ويتساوى الربح أو يتساوى المالان ويتفاضل الربح وتصرفا
وارتفع الربح ثم تفاضلا كان الربح بينهما على قدر المالين، ويرجع كل واحد منهما على
صاحبه بأجرة مثل ما عمله بعد الإسقاط القدر الذي يقابل عمله في ماله، لأن كل واحد
30

منهما قد شرط في مقابلة عمله جزءا من الربح ولم يسلم له لفساد العقد وقد تعذر عليه
الرجوع إلى المبدل فكان له الرجوع إلى قيمته، ويصح كل من ذلك بالتراضي ويحل تناول
الزيادة بالإباحة دون الشرط وعقد الشركة، ويجوز الرجوع بها لمبيحها مع بقاء عينها لأن
الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل.
فإن قال المخالف: اشتراط الفضل في الوضيعة بمنزلة أن يقول: ما ضاع من مالك فهو علي، وهذا
فاسد قيل له: ما أنكرت أن يكون بمنزلة أن يقول: ما ضاع فهو من مالي ومالك إلا أني قد
رضيت أن يكون من مالي خاصة وتبرعت لك بذلك، وهذا لا مانع منه، ويلزم أبا حنيفة على
ذلك ألا يجيز اشتراط التفاضل في الربح لأنه بمنزلة أن يقول: ما استفدته في مالي فهو لك، مع أنا
قد قدمنا أنه لا يلزم، وإنما إن اختار ورضي بعد ارتفاع الربح أن يعطيه ذلك الفاضل تبرعا منه
وهبة لم يكن بذلك بأس لا على طريق الاستحقاق واللزوم والوجوب.
والتصرف في مال الشركة على حسب الشرط، إن شرطا أن يكون لهما معا على
الاجتماع لم يجز لأحدهما أن ينفرد به، وإن شرطا أن يكون لهما معا على الاجتماع لم يجز
لأحدهما أن ينفرد به، وإن شرطا أن يكون تصرفهما على الاجتماع والانفراد فهو كذلك،
وإن شرطا التصرف لأحدهما لم يجز للآخر إلا باذنه، وكذا القول في صفة التصرف في المال
من السفر به والبيع بالنسيئة والتجارة في شئ معين، ومتى خالف أحدهما ما وقع عليه
الشرط كان ضامنا.
والشركة عقد جائز من كلا الطرفين يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء، ولا يلزم
شرط التأجيل فيها، وينفسخ بالموت.
والشريك المأذون له في التصرف مؤتمن على مال الشركة والقول قوله، فإن ارتاب به
شريكه وادعى عليه خيانة مقدرة حلف على قوله - أعني الجاحد - وإذا تقاسم الشريكان لم
يقسما الدين بل يكون الحاصل منه بينهما والمنكسر عليهما، ولو اقتسماه فاستوفى أحدهما ولم
يستوف الآخر لكان له أن يقاسم شريكه على ما استوفاه.
وإذا باع من له التصرف في الشركة وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن مع دعوى
31

المشتري ذلك وهو جاحد لم يبرأ المشتري من شئ منه، أما ما يختص البائع فلأنه ما اعترف
بتسليمه إليه ولا إلى من وكله على قبضه فلا يبرأ منه، وأما ما يختص الذي لم يبع فلأنه منكر
لقبضه وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل لأنه وكيله، وإقرار الوكيل على الموكل بقبض الحق
الذي وكله في استيفائه غير مقبول لأنه لا دليل على ذلك، ولو أقر الذي لم يبع ولا إذن له في
التصرف أن البائع قبض الثمن برئ المشتري من نصيب المقر منه بلا خلاف.
ويكره شركة المسلم للكافر بلا خلاف إلا من الحسن البصري فإنه قال: إن كان
المسلم هو المنفرد بالتصرف لم يكره.
إذا كان بينهما شئ فباعاه بثمن معلوم كان لكل واحد منهما أن يطالب المشتري
بحقه، فإذا أخذ حقه شاركه فيه صاحبه على ما قدمناه لأن المال الذي في ذمة المشتري غير
متميز فكل جزء يحصل من جهته فهو شركة بعد بينهما،
على ما ذكره شيخنا في نهايته ومسائل خلافه، والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن كل واحد من
الشريكين يستحق على المدين قدرا مخصوصا وحقا غير حق شريكه وله هبة الغريم وإبراؤه منه،
فمتى أبرأه أحدهما من حقه برئ منه فقط وبقي حق الآخر لم يبرأ منه بلا خلاف.
فإذا استوفاه وتقاضاه عنه لم يشركه شريكه الذي وهب وأبرأ أو صالح منه على شئ
بلا خلاف، فإن كان شريكه بعد في المال الذي في ذمة الغريم لكان في هذه الصور كلها
يشارك من لم يهب ولم يبرأ فيما يستوفيه منه ويقبضه، ثم عين المال الذي كان شركة بينهما
ذهبت ولم يستحقا في ذمة الغريم الذي هو المدين عينا لهما معينة بل دينا في ذمته لكل واحد
منهما مطالبته بنصيبه وإبراؤه منه وهبته، وإذا أخذه منه وتقاضاه فما أخذ عينا من أعيان مال
الشركة حتى يقاسمه شريكه فيها.
ولم يذهب إلى ذلك سوى شيخنا أبي جعفر في نهايته ومن قلده وتابعه، بل شيخنا المفيد
محمد بن محمد بن النعمان لم يذكر ذلك في كتاب له ولا تصنيف وكذلك السيد المرتضى ولا تعرضا
للمسألة، ولا وضعها أحد من أصحابنا المتقدمين في تصنيف له جملة، ولا ذكرها أحد من
القميين وإنما ذكر ذلك شيخنا في نهايته من طريق أخبار الآحاد، ورد بذلك ثلاثة أخبار
32

أحدهما مرسل وعند من يعمل بأخبار الآحاد لا يلتفت إليه ولو سلم الخبران الآخران تسليم جدل
لكان لهما وجه صحيح مستمر على أصول المذهب والاعتبار، وهو أن المال الذي هو الدين كان
على رجلين فأخذ أحد الشريكين وتقاضى جميع ما على أحد الغريمين، فالواجب عليه هاهنا أن
يقاسم شريكه على نصف ما أخذه منه لأنه أخذ ما يستحقه عليه وما يستحقه شريكه أيضا عليه
لأن جميع ما على أحد المدينين لا يستحقه أحد الشريكين بانفراده دون شريكه الآخر، فهذا وجه
صحيح فيحمل الخبران على ذلك إذا أحسنا الظن براويهما فليتأمل ذلك وينظر بعين الفكر
الصافي ففيه غموض.
وإذا كان مال بين شريكين فغصب غاصب أحدهما نصيبه وباع مع ما لشريكه مضى
العقد في مال الشريك ويبطل في مال الشريك الذي غصبه الغاصب، وإذا أراد أن يتشاركا
فيما لا مثل له ولا يتساوى أجزاؤه ولا يخلط خلطا لا يتميز، مثل أن يكون مع كل واحد منهما
دابة أو ثوب أو غير ذلك فيشتري كل واحد منهما نصف سلعة صاحبه مشاعا غير مقسوم
بنصف سلعته مشاعا غير مقسوم وقد صحت الشركة بينهما.
إذا شارك اثنان سقاء على أن يكون من أحدهما جمل ومن الآخر راوية، واستقى فيها
على أن كل نفع يرتفع من الماء يكون بينهم لم تصح هذه الشركة، لأن من شرط صحة
الشركة اختلاط الأموال وهذا لم يختلط، ولا يجوز أن يكون ذلك إجارة لأن الأجرة في ذلك
غير معلومة، فإذا ثبت أن هذه معاملة فاسدة فإذا استقى السقاء وباع الماء وحصل الكسب
في يده فإنه يكون للسقاء ويرجع الآخران عليه بأجرة المثل فيما لهما من جمل وراوية.
إذا عقدا الشركة ثم أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يتصرف في نصيبه دون نصيب
الآخر، كان للفاسخ أن يتصرف في نصيبه ونصيب صاحبه لأن صاحبه ما رجع في إذنه،
وإنما كان كذلك لأن تصرف كل واحد منهما في نصيب صاحبه إنما هو على سبيل التوكيل
وللموكل أن يمنع الوكيل من التصرف أي وقت شاء، فإذا ثبت هذا فهذا الفسخ يفيد المنع
من التصرف على ما بيناه، وإنما المال فهو بعد مشترك بينهما لأنه مختلط غير متميز ولا يتميز
بالفسخ، فإذا ثبت هذا فإن كان المال قد نض كان لهما أن يتقاسماها وإن أرادا بيعها كان
33

لهما ذلك.
وإذا مات أحد الشريكين انفسخت الشركة بموته ومعنى الانفساخ أن الباقي منهما
لا يتصرف في المال، فإذا ثبت هذا فإن كان الوارث رشيدا فهو بالخيار بين أن يبقى على
الشركة وبين أن يطالب بالقسمة، فإن اختار البقاء على الشركة استأنف الإذن للشريك
في التصرف، فأما إن كان الوارث مولى عليه فإن الوصي أو الولي ينوب عنه وينظر فإن
كان الحظ في البقاء على الشركة استأنف الإذن للشريك في التصرف وإن كان الحظ في
المفاصلة قاسمه، ولا يجوز له أن يترك ما فيه الحظ إلى غيره لأن النظر إليه في المال على وجه
الصلاح والاحتياط.
إذا كان بين رجلين ألفا درهم لكل واحد منهما ألف، فأذن أحدهما للآخر في
التصرف في ذلك المال على أن يكون الربح بينهما نصفين، لم يكن ذلك شركة ولا قراضا
لأنه لم يشرط له جزء من الربح فلهذا امتنع أن يكون قراضا ولم يشرط على نفسه العمل فمن هذا
امتنع أن يكون شركة، فإذا ثبت هذا كان ذلك بضاعة سأله التصرف فيها ويكون
ربحها جميعها لصاحبها.
إذا باع أحد الشريكين عينا من أعيان الشركة، وأطلق البيع ثم ادعى بعد ذلك أنه باع
مالا مشتركا بينه وبين غيره ولم يأذن له شريكه في البيع، لم يقبل قوله على المبتاع لأن الظاهر
أن ما يبيعه ملك له ينفرد به دون غيره، فإذا ادعى خلاف الظاهر لم يسمع منه فإن ادعى
شريكه وأقام عليه البينة فإنه يبطل البيع في ملك شريكه ولا يبطل في ملكه كما قلناه في
تفريق الصفقة.
وإذا اشترى أحد الشريكين شيئا بمال الشركة، فإن اشتراه بثمن في الذمة كان ذلك
للمشتري دون شريكه لأن إذن شريكه لم يتناول هذا الشراء فهو بمنزلة أن يشترى له شيئا
بغير إذنه، فأما إذا اشتراه بثمن معين من مال الشركة وثبت أن الثمن المعين من مال
الشركة بتصديق البائع أو ببينة أقامها الشريك، بطل الشراء في نصف الثمن ولا يبطل في
النصف الآخر، هذا إذا كان بما لا يتغابن الناس بمثله كما قدمناه في تفريق الصفقة ويصير
34

الثمن مشتركا بين البائع وبين شريك المشتري وصار البيع مشتركا بين البائع وبين
المشتري.
وإذا اشترى أحد الشريكين شيئا فادعى أنه اشتراه لنفسه دون الشركة، وأنكر شريكه
ذلك وزعم أنه اشتراه للشركة كان القول في ذلك قول المشتري، فأما إذا كان بخلاف
ذلك وادعى المشتري أنه اشتراه للشركة وأنكر شريكه ذلك وزعم أنه اشتراه لنفسه دون
الشركة، كان القول قول المشتري أيضا لأنه اختلاف في نيته وهو أعلم بها.
ومتى حصل بالمال المشترك المتاع ثم أرادا أن يتقاسما لم يكن لأحدهما المطالبة بالمال
بل له من المتاع بمقدار ما له من المال، وكذلك إن حصل من أصل المال نسيئة لم يكن له
المطالبة نقدا، فإن رضي أحدهما بأن يأخذ رأس ماله ويترك الربح والنقصان والنقد
والنسيئة ورضي صاحبه بذلك واصطلحا عليه، كان ذلك جائزا.
ومتى أعطى الانسان غيره قوتا أو متاعا وأمره أن يبيع فإن ربح كان بينهما، وإن نقص
ثمنه عما اشتراه لم يلزمه شئ ثم باع فخسر لم يكن عليه شئ وكان له أجرة المثل، وإن
ربح كان صاحب المتاع بالخيار بين أن يعطيه ما وافقه عليه وبين أن يعطيه أجرة المثل لأن
الشركة لم تحصل بينهما لأنا قد بينا أن الشركة لا تكون إلا في مالين من جنس واحد على
صفة واحدة، وهذا ليس كذلك وليس لأحد الشريكين مقاسمة شريكه على وجه يضر به
مثل أن يكون بينهما متاع أو سلعة أو عقار إن قسمت هلكت، مثل الحمامات والأرحية أو
الحيوان أو السلع المثمنة مثل اللآلئ والدر وما أشبه ذلك.
فمتى طالبه بذلك كان متعديا ولم يلزمه إجابته إلى ذلك، بل ينبغي أن تباع السلعة بما
يساوي ويتقاسم بالثمن أو تقوم ويأخذ أحدهما بما قوم ويؤدي إلى صاحبه ما يصيبه، فإن
امتنعا من ذلك أجمع كان النظر في ذلك إلى الحاكم فيعمل فيه ما يكون أصلح لهما، إما أن
يؤجر الشئ لهما أو غير ذلك مما فيه الصلاح لهما لأنه الوالي على كل من لا يوافق على الحق
ويكره مشاركة سائر الكفار.
ومتى عثر أحد الشريكين على صاحبه بخيانة فلا يدخل هو في مثلها اقتصاصا منه وذلك
35

على طريق الكراهة دون الحظر، لأنه إذا تحقق أخذ ماله وعلم ذلك يقينا فله أخذ عوضه،
وإنما النهي على طريق الكراهة والأولى والأفضل. ومتى كان لإنسان على غيره مال دينا له
لم يجز له أن يجعله شركة أو مضاربة إلا بعد أن يقبضه ثم يعطيه إياه إن شاء.
36

شرائع الاسلام
كتاب الشركة
والنظر في فصول:
الأول: في أقسامها:
الشركة اجتماع حقوق الملاك في الشئ الواحد على سبيل الشياع ثم المشترك قد
يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا، وسبب الشركة قد يكون إرثا وقد يكون عقدا
وقد يكون مزجا وقد يكون حيازة، و الأشبه في الحيازة اختصاص كل واحد بما حازه، نعم لو
اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء دفعة تحققت الشركة وكل مالين مزج أحدهما بالآخر بحيث
لا يتميزان تحققت فيهما الشركة اختيارا كان المزج أو اتفاقا، ويثبت ذلك في المالين المتماثلين
في الجنس والصفة سواء كانا أثمانا أو عروضا.
أما ما لا مثل له كالثوب و الخشب والعبد فلا يتحقق فيه بالمزج بل قد يحصل بالإرث أو
أحد العقود الناقلة كالابتياع والاستيهاب، ولو أراد الشركة فيما لا مثل له باع كل واحد
منهما حصته مما في يده بحصته مما في يد الآخر، ولا تصح الشركة بالأعمال كالخياطة
والنساجة، نعم لو عملا معا لواحد بأجرة ودفع إليها شيئا واحدا عوضا عن أجرتهما
تحققت الشركة في ذلك الشئ، ولا بالوجوه ولا شركة بالمفاوضة وإنما تصح بالأموال.
ويتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساويه، ولو كان لأحدهما زيادة كان له من
الربح بقدر رأس ماله وكذا عليه من الخسارة، ولو شرط لأحدهما زيادة في الربح مع تساوي
المالين قيل: تبطل الشركة، أعني الشرط والتصرف الموقوف عليه، ويأخذ كل منهما ربح
ماله ولكل منهما أجرة مثل عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله وقيل: تصح الشركة،
37

والشرط الأول أظهر، هذا إذا عملا في المال، أما لو كان العامل أحدهما وشرطت الزيادة
للعامل صح ويكون بالقراض أشبه.
وإذا اشترك المال لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين، فإن حصل
الإذن لأحدهم تصرف هو دون الباقين ويقتصر من التصرف على ما أذن له، فإن أطلق له
الإذن تصرف كيف شاء، وإن عين له السفر في جهة لم يجز له الأخذ في غيرها أو نوع من
التجارة لم يتعد إلى سواها، ولو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرف
وإن انفردا، ولو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد، ولو تعدى المتصرف ما حد له ضمن.
ولكل من الشركاء الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة لأنها غير لازمة، وليس
لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال بل يقتسمان العين الموجودة ما لم يتفقا على البيع، ولو
شرطا التأجيل في الشركة لم يصح ولكل منهما أن يرجع متى شاء، ولا يضمن الشريك ما
تلف في يده، لأنه أمانة إلا مع التعدي أو التفريط في الاحتفاظ، ويقبل قوله مع يمينه في دعوى
اللف سواء ادعى سببا ظاهرا كالحرق والغرق أو خفيا كالسرقة، وكذا القول قوله مع يمينه
لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط، ويبطل الإذن بالجنون والموت.
الثاني: في القسمة:
وهي تميز الحق من غيره، وليست بيعا سواء كان فيها رد أو لم يكن ولا تصح إلا
باتفاق الشركاء ثم هي تنقسم، فكل ما لا ضرر في قسمته يجبر الممتنع مع التماس الشريك
القسمة وتكون بتعديل السهام والقرعة، أما لو أراد أحد الشركاء التميز فالقسمة جائزة
لكن لا يجبر الممتنع عنها، وكل ما فيه ضرر كالجوهر والسيف والعضائد الضيقة لا يجوز
قسمته ولو اتفق الشركاء على القسمة، ولا يقسم الوقف لأن الحق ليس بمنحصر في
المتقاسمين، ولو كان الملك الواحد وقفا وطلقا صح قسمته لأنه يميز الوقف عن غيره.
الثالث: في لواحق هذا الباب: وهي مسائل:
الأولى: لو دفع انسان دابة وآخر راوية إلى سقاء على الاشتراك في الحاصل لم تنعقد
38

الشركة وكان ما يحصل للسقاء وعليه أجرة مثل الدابة والرواية.
الثانية: لو حاش صيدا أو احتطب أو احتش بنية أنه ولغيره لم تؤثر تلك النية وكان
بأجمعه له خاصة، وهل يفتقر المخير في تملك المباح إلى نية التملك؟ قيل لا، وفيه تردد.
الثالثة: لو كان بينهما مال بالسوية فأذن أحدهما لصاحبه في التصرف على أن
يكون الربح بينهما نصفين لم يكن قراضا، لأنه لا شركة للعامل في مكسب مال الآمر
ولا شركة وإن حصل الامتزاج بل يكون بضاعة.
الرابعة: إذا اشترى أحد الشريكين متاعا فادعى الآخر أنه اشتراه لهما وأنكر
فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أبصر بنيته، ولو ادعى أنه اشترى لهما فأنكر الشريك
فالقول أيضا قوله لمثل ما قلناه.
الخامسة: لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض وادعى المشتري
تسليم الثمن إلى البائع وصدقه الشريك برئ المشتري من حقه وقبلت شهادته على
القابض في النصف الآخر وهو حصة البائع لارتفاع التهمة عند في ذلك القدر، ولو
ادعى تسليمه إلى الشريك فصدقه البائع لم يبرأ المشتري من شئ من الثمن لأن حصة
البائع لم تسلم إليه ولا إلى وكيله والشريك ينكره فالقول قوله مع يمينه، وقيل: يقبل شهادة
البائع، والمنع في المسألتين أشبه.
السادسة: لو باع اثنان عبدين كل واحد منهما لواحد منهما بانفراده صفقة بثمن
واحد مع تفاوت قيمتهما قيل: يصح وقيل: يبطل، لأن الصفقة تجري مجرى عقدين فيكون
ثمن كل واحد منهما مجهولا، أما لو كان العبدان لهما أو كانا لواحد جاز، وكذا لو كان لكل
واحد قفيز من حنطة على انفراده فباعاهما صفقة لانقسام الثمن عليهما بالسوية.
السابعة: قد بينا أن شركة الأبدان باطلة، فإن تميزت أجرة عمل أحدهما عن صاحبه
اختص بها، وإن اشتبهت قسم حاصلهما على قدر أجرة مثل عملهما وأعطي كل واحد
منهما ما قابل أجرة مثل عمله.
الثامنة: إذا باع الشريكان سلعة صفقة ثم استوفى أحدهما منه شيئا شاركه الآخر
فيه.
39

التاسعة: إذا استأجر للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة معينة صحت
الإجارة ويملك المستأجر ما يحصل من ذلك في تلك المدة، ولو استأجره لصيد شئ بعينه لم
يصح لعدم الثقة بحصوله غالبا.
40

المختصر النافع
كتاب الشركة
وهي اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشئ على سبيل الشياع. ويصح مع
امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر، ولا ينعقد بالأبدان والأعمال
ولو اشتركا كذلك كان لكل واحد أجرة عمله.
ولا أصل لشركة الوجوه والمفاوضة. وإذا تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء.
ولو تفاوتا فالربح كذلك وكذا الخسران بالنسبة. ولو شرط أحدهما في الربح زيادة، فالأشبه:
أن الشرط لا يلزم.
ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف إلا مع الإذن من الباقين. ويقتصر في
التصرف على ما تناوله الإذن ولو كان الإذن مطلقا صح. ولو شرط الاجتماع لزم.
وهي جائزة من الطرفين. وكذا الإذن في التصرف. وليس لأحد الشركاء الامتناع من
القسمة عند المطالبة إلا أن يتضمن ضررا. ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال،
ولا ضمان على أحد الشركاء ما لم يكن بتعد أو تفريط ولا تصح مؤجلة، وتبطل بالموت.
وتكره مشاركة الذمي، وإبضاعه، وإيداعه. ولو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح
عتق نصيب العامل من الربح وسعى العبد في باقي ثمنه.
ومتى فسخ المالك المضاربة صح وكان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت. ولو ضمن
صاحب المال العامل صار الربح له ولا يطأ المضارب جارية القراض، ولو كان المالك أذن
له. وفيه رواية بالجواز متروكة.
41

ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض. ولو كان في يده مضاربة فمات، فإن عينها
لواحد بعينه أو عرفت منفردة وإلا تحاص فيها الغرماء.
42

الجامع للشرائع
باب الشركة
قال جعفر بن محمد ع: لا ينبغي للرجل أن يشارك الذمي ولا يبضعه
بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودة، وروى السكوني عنه أن أمير المؤمنين عليه
السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب
عنها، وإذا قال لغيره: اشتر سلعة ولي نصفها ففعل فالربح بينهما والخسران عليها
والشرك ثلاث: شركة في العين كالميراث والبيع والهبة والشركة والوصية وشركة في المنافع
كالشركة في الإجارة، وشركة في الحقوق كالشركة في القصاص وحد القذف خيار الشرط
والعيب ومرافق الطرق.
والمقصود ها هنا من شركة الأعيان شركة العنان وهي عقد جائز من الطرفين، وإنما
يصح باختلاط المالين غير المتميزين بعد الخلط كالأثمان وماله مثل من العروض إذا اتحدا
في الجنس والصفة، ويجوز أن يتساوى المالان في القدر ويتفاضلا.
والربح والوضيعة بحسب المال والتصرف موقوف على الإذن، فإن شرطا مع
التساوي في المال تفاضلا في الربح وبالعكس لم يصح الشرط وقسم الربح على المال
ولصاحب الأقل أجرة عمله في نصف الفاضل، فإن أعطى غيره مالا وضمنه نصفه
وعمل فيه متبرعا فربح فهو بينهما والوضيعة كذلك، فإن اشتركا في مال ولأحدهما أكثر من
صاحبه على أن يعمل فيه صاحب الأكثر والربح بالسواء لم يصح وقسم بالحساب، وإن
شرطا عمل صاحب الأقل كانت شركة قراض لا بأسا بها.
43

ولا تصح الشركة فيما لا مثل له من العروض، وطريق الصحة أن يبيع أحدهما
حصة مشاعة من عرضه بحصة من عرض صاحبه أو يشتريا بمال في ذمتهما عرضا، وإذا
خلطا المال فإن أجاز التصرف لكل منهما جاز ولواحد منهما لم يتصرف الآخر، وإذا رجع
الآذن عن الإذن لم يجز بصاحبه التصرف في حقه والمال أمانة لا يضمن إلا بالتفريط، وكذا
لو شرط عليه التصرف في جهة أو متاع بعينه فخالف ضمن فإن أطلق الإذن جاز، وإن مات
أحدهما انفسخ إذنه ورجع فيه إلى الوارث أو وليه إن كان محجورا عليه فأما قاسم أو آذن،
فإن كان المال نقدا أو عرضا اقتسماه ولم يجبر على بيعه ليصير نقدا ولا يصح قسمة دين
لهما.
والشريك وكيل في الشراء والبيع، فلا يبيع إلا بثمن المثل ونقد البلد حالا ولا يشترى
بما لا يتغابن الناس بمثله، فإن فعل وقع الشراء له ووقف في حصة صاحبه على إجازته،
وإذا ادعى المتصرف أنه اشترى هذه السلعة بينهما أو أن هذه السلعة اشتراها لنفسه
فالقول قوله مع يمينه لأنه أعرف بنيته، فإن ادعى أحدهما أن السلعة التي في يد الآخر من مال
الشركة فالقول قول صاحب اليد مع يمينه.
وإذا اشترى الشريك الذمي خمرا أو خنزيرا بمال الشركة صح في حصته وبطل في
حصة المسلم، وإن اشترى الشريك من يعتق على شريك فكذلك، وإن اشترى من يعتق
على نفسه عتق نصيبه وقوم عليه فإن كان معسرا سعى العبد، وإذا ادعى أحدهما على
صاحبه خيانة وحررها ولا بينة له حلف خصمه، فإن لم يحررها لم تسمع دعواه والقول قول
الشريك في دعوى التلف أو إنكار التفريط مع يمينه.
وإذا اشتريا متاعا صفقة ثم عثرا على عيب فقد قيل: إن لهما أن يرد أو يمسكا بالأرش أو
يرد أحدهما ويمسك الآخر، والمنصوص أن يردا أو يمسكا بالأرش ولا يختلفا، وإن اشترى
واحد نصفه ثم اشترى الآخر النصف الآخر فعلى ما شاء، فإن كان لكل منهما عبد
فباعاهما بألف صفقة واحدة بطل لجهالة الثمن وكذا لو وكل أحدهما الآخر في البيع
فباعه لشخصين مع عبده بألف صفقة لأنه بحكم عقدين ولو كانا لواحد صح لأنه عقد
واحد، فإن كان لهما عبد فباعاه صفقة أو وكل أحدهما صاحبه فباعه صفقة صح للعلم بثمن
44

الحصة ولكل منهما قبض حقه من الثمن ولا يشاركه شريكه فيه لأنه ليس
بوكيل للآخر في قبض حقه الشركة.
فإن كان عبد بين شريكين أمر أحدهما الآخر ببيع حصته فباعه بدينار وأقر
الأمر أن المأمور قبض الثمن فأنكر برئ المشتري من حصته المقر دون البائع
لاعترافه قبض وكيله، فإن أقر البائع أن شريكه قبض الثمن فأنكر وكان وكيله في
القبض فكذلك وإن لم يوكله لم يبرأ المشتري من حصة البائع ولا من حصة
شريكه.
ولا يصح شركة المفاوضة والوجوه، وإذا اشترى أحدهما أو اقترض له
ولصاحبه جاز لإذنه له على شروط وكالة، وإذا غصب أحدهما شيئا لم يشاركه
الآخر فيه، ولا يصح شركة الأبدان ولكل منهما أجر عمله اتفقت الصنعتان أو
اختلفا اتفقت أجرتهما أو اختلفتا، فإن اختلط كسبهما ولم يتميز اصطلحا.
وإذا اشترك جماعة لواحد بغل ولآخر دكان ولآخر رحى ولآخر عمل بيده لم
يصح الشركة، فإن استأجر شخص من كل ماله ومن الآخر عمله بأجرة واحدة
فهي فاسدة ولكل منهم عليه أجرة مثله، وإن استأجر بثلاثة أرباع أجرة ماله
والأجير على أصحابه بثلاثة أرباع أجرة عمله، فإن اشتركوا من شخص فدان ومن
شخص عمل ومن شخص أرض ومن شخص بذر فهي معاملة فاسدة والزرع
لصاحب البذر ويرجع صاحب الأرض والفدان والعمل عليه بأجورهم.
وإذا كان من شخص جمل ومن الآخر المزادة ويستقي الثالث من ماء هو
ملكة فثمنه له وعليه لصاحبيه أجرة الجمل والمزادة، وإن استقى من المباح فقيل
كذلك لأنه إنما يملكه بالحيازة ولم يحز سواه وقيل يكون بينهم أثلاثا لأنه حاز من
المباح بنية أنه له ولهما، وكذا الخلاف إذا اصطاد أو احتش أو احتطب له ولغيره من
قال بالأثلاث قال: يرجع كل منهم على الآخرين بأجرة ثلثي ما كان من جهته.
وشرط التأجيل من الشركة غير لازم، وإذا اختان أحد الشريكين الآخر كره
له أن يقتص بمثله.
45

قواعد الأحكام
المقصد الرابع في الشركة وفيه فصلان
الأول: الماهية:
وهي اجتماع حقوق الملاك في الشئ الواحد على سبيل الشياع والمحل إما
عين أو منفعة أو حق، وسبب الشركة قد يكون إرثا أو عقدا أو مزجا أو حيازة، بأن
يقتلعا شجرة أو يغترفا ماء دفعة بانية. وأقسامها أربعة: شركة العنان وهي شركة
الأموال، وشركة الأبدان بأن يشترك اثنان فصاعدا فيما يكتسبونه بأيديهم تساوت
الصنعة أو اختلفت، وشركة المفاوضة وهي أن يشتركا في ما يتساويان من مال
ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد، وشركة الوجوه وهي أن يبيع الوجيه مال
الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه، والكل باطل سوى الأول.
وأركانها ثلاثة: المتعاقدان ويشترط فيهما أهلية التوكيل والتوكل، والصيغة
وهي ما يدل على الإذن في التصرف ويكفي قولهما: اشتركنا، والمال وهو كل
ما يرتفع الامتياز مع مزجه سواء كان أثمانا أو عروضا أو فلوسا، فلا يكفي مزج
الصحيح بالقراضة ولا السمسم بالكتان ولا عند اختلاف السكة.
وتحصل الشركة بالمزج سواء كان اختيارا أو اتفاقا، والمختلف إنما يتحقق فيه
الشركة بالعقد الناقل كأن يبيع أحدهما حصة مما في يده بحصة مما في يد الآخر،
ولو باعا بثمن واحد أو عملا بأجرة واحدة ثبت الشركة سواء تساوت القيمتان أو
اختلفتا ولكل منهما بقدر النسبة من القيمة، وإذا تميز عمل الصانع من صاحبه
46

اختص بأجرته ومع الاشتباه يحتمل التساوي والصلح، ولا بد وأن يكون رأس
المال معلوما جنسا وقدرا معينا، فلا يصح في المجهول ولا الجزاف ولا الغائب ولا
الدين، ولا يشترط التساوي قدرا ويشترط امتزاجهما.
الفصل الثاني: في الأحكام:
لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال الممتزج إلا بإذن صاحبه، فإن
اختص أحدهما بالإذن اختص بالتصرف وإن اشترك اشترك، ويقتصر المأذون
على ما أذن له، فلو عين له جهة السفر أو بيع على وجه أو شراء جنس لم يجز
التجاوز، ولو شرطا الاجتماع لم يجز لأحدهما الانفراد، ولو أطلق الإذن تصرف
كيف شاء ويضمن لو تجاوز المحدود، ويجوز الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة إذ
الشركة من العقود الجائزة من الطرفين، وليس لأحدهما مطالبة الشريك بإقامة رأس
المال بل يقتسمان الأعراض إذا لم يتفقا على البيع، وتنفسخ بالجنون والموت ولا
يصح التأجيل فيها، ويقسط الربح والخسران على الأموال بالنسبة، ولو شرطا
التفاوت مع تساوى المالين أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو
أحدهما سواء شرطت الزيادة له أو للآخر، وقيل تبطل إلا أن يشترط الزيادة
للعامل.
والشريك أمين لا يضمن ما تلف في يده إلا بتعد أو تفريط ويقبل قوله في
التلف، وإن ادعى سببا ظاهرا كالغرق مع اليمين وعدم البينة وكذا لو ادعى عليه
الخيانة أو التفريط، ويقبل قوله في قصد ما اشتراه أنه لنفسه أو للشركة، فإن قال:
كان مال الشركة فخلصت بالقسمة، فالقول قول الآخر في إنكار القسمة، ولو أقر
الآذن في قبض البائع به دونه برئ المشتري من نصيب الآذن لاعترافه بقبض
وكيله، ثم القول قول البائع في الخصومة بينه وبين المشتري وبينه وبين المقر، وتقبل
شهادة المقر عليه في حقه إن كان عدلا وإلا حلف وأخذ من المشتري ولا يشاركه
47

المقر، ثم يحلف للمقر ولا تقبل شهادة المشتري له.
ولو ادعى المشتري على شريك البائع بالقبض، فإن كان البائع أذن فيه
فالحكم كما تقدم، فإن لم يأذن لم يبرأ المشتري من حصة البائع لأنه لم يدفعها إليه
ولا إلى وكيله ولا من حصة الشريك لإنكاره والقول قوله مع يمينه ولا يقبل قول
المشتري على الشريك، وللبائع المطالبة بقدر حقه خاصة لاعترافه بقبض الشريك
حقه، وعلى المشتري دفع نصيبه إليه من غير يمين، فإذا قبض حقه فللشريك مشاركته
في ما قبض وله أن لا يشاركه ويطالب المشتري بجميع حقه، فإن شارك في المقبوض
فعليه اليمين أنه لم يستوف حقه من المشتري، ويأخذ من القابض نصف نصيبه
ويطالب المشتري بالباقي إذا حلف بأنه لم يقبض منه شيئا، وليس للمقبوض منه
الرجوع على المشتري بعوض ما أخذ منه لاعترافه ببراءة ذمة المشتري.
ولو خاصم المشتري شريك البائع فادعى عليه القبض لم تقبل شهادة البائع
لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له في ما يقبضه من المشتري فيحلف و
يأخذ من المشتري نصف الثمن، وإن نكل أخذ المشتري منه النصف، ولو باع
الشريكان سلعة صفقة ثم استوفى أحدهما شيئا شاركه الآخر فيه وإن تعدد المشتري،
أما لو تعددت الصفقة فلا مشاركة وإن اتحد المشتري، ولو تساوى المالان وأذن
أحدهما في العمل للآخر على أن يتساويا في الربح فهو بضاعة.
فروع:
أ: لو دفع إلى آخر دابته ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة، فإن كان
العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها وعليه أجرة مثل العامل، وإن قصر الحاصل
عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل وإلا فالجميع، وإن تقبل حمل شئ فحمله
عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له وعليه أجر مثل الدابة
لمالكها.
48

ب: لو دفع دابة إلى سقاء وآخر راوية على الشركة في الحاصل لم ينعقد وكان
الحاصل للسقاء وعليه أجرة الدابة والراوية، ولو كان من واحد دكان ومن الآخر
رحى ومن ثالث بغل ومن رابع عمل فلا شركة، ثم إن كان عقد أجرة الطحن من
واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجر أجمع وعليه لأصحابه أجرة المثل،
وإن نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا، ولو
استأجر من الجميع فقال: استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا، فالأجر بينهم أرباعا
لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجر ويرجع كل واحد منهم على كل
واحد من أصحابه بربع أجر مثله، ولو كان قال: استأجرت هذا الدكان والبغل
والرحى والرجل بكذا لطحن كذا، فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم لكل واحد
من المسمى بقدر حصته.
ج: لو صاد أو احتطب أو احتش أو حاز بنية أنه له ولغيره لم يؤثر تلك النية
وكان بأجمعه له، وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ إشكال.
49

اللمعة الدمشقية
كتاب الشركة
وسببها قد يكون إرثا وعقدا وحيازة دفعة ومزجا لا يتميز، والمشترك قد يكون عينا
ومنفعة وحقا، والمعتبر شركة العنان لا شركة الأعمال والوجوه والمفاوضة، ويتساويان
في الربح والخسران مع تساوى المالين ولو اختلفا اختلف، ولو شرطا غيرهما فالأظهر
البطلان وليس لأحد الشركاء التصرف إلا بإذن الجميع، ويقتصر من التصرف على
المأذون فإن تعدى ضمن، ولكل المطالبة بالقسمة عرضا كان المال أو نقدا، والشريك
أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط ويقبل يمينه في التلف وإن كان السبب ظاهرا، وتكره
مشاركة الذمي وإبضاعه وإيداعه، ولو باع الشريكان سلعة صفقة وقبض أحدهما من
ثمنها شيئا شاركه الآخر فيه، ولو ادعى المشتري شراء شئ لنفسه أو لهما حلف.
50

كتاب المضاربة
51

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالمضاربة
مسألة: إذا دفع انسان إلى حائك غزلا فقال له: اغزل ثوبا أو إزارا على أن يكون
الفضل بيننا، هل يكون ذلك مضاربة صحيحة أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك مضاربة صحيحة لأن المضاربة لا يكون إلا بالأثمان التي هي
الدنانير والدراهم ويختلط المالان وإنما قلنا هذا لأنه لا خلاف في أن ما ذكرناه مضاربة
صحيحة، وليس كذلك ما يخالفه، وإذا دفع هذا الانسان إلى الحائك ما تضمنت هذه المسألة
ذكره، كان له أجرة مثله على ما عمله ويكون الثوب أو الإزار لصاحب الغزل لأنه عين ماله.
مسألة: إذا دفع إلى غيره ثوبا وقال له بعه، إذا قبضت ثمنه، فقد قارضتك عليه.
هل يكون قراضا صحيحا أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك قراضا صحيحا لأنه بمال مجهول وإنما قلنا ذلك لأنه لا نعرف
كم قيمته في وقت العقد.
مسألة: إذا دفع زيد إلى عمرو ألفين منفردين، فقال أحدهما قراض على أن يكون
الربح من هذا الألف لي وربح الآخر لك. هل يكون ذلك قراضا صحيحا أم لا؟
الجواب: هذا قراض غير صحيح، لأن من حق القراض الصحيح أن يكون ربح
كل جزء من المال بينهما وليس هذا كذلك.
مسألة: إذا خلط ألفين وقال ما رزق الله من فضل كان لي ربح الألف ولك ربح
الآخر فهل يكون ذلك صحيحا أم لا؟
53

الجواب: هذا صحيح لأنه يكون قد شرط له نصف الربح لأن الألف الذي شرط
ربحها غير متميزة، وإنما تبطل لو كانت متميزة، وليس كذلك.
مسألة: إذا قارض العامل غيره بإذن صاحب المال، وشرط هذا العامل على العامل
الثاني أن يكون الربح بينهم أثلاثا، له ثلث ولصاحب المال الثلث وللعامل الثاني الثلث،
هل يصح هذا الشرط أم لا؟
الجواب: إذا أذن صاحب المال للعامل أن يقارض غيره كان ذلك جائزا، ويكون
وكيلا في عقد ذلك مع العامل الثاني، ولا يكون له في الربح شئ، بل يكون لصاحب المال
وللعامل الثاني فأما إذا سقط الشرط المذكور في المسألة، لم يصح وكان ذلك قراضا فاسدا،
لأن العامل الأول شرط لنفسه من الربح قسطا بغير زيادة مال ولا عمل والربح في القراض
لا يستحق إلا بمال أو عمل وليس للعامل الأول أحدهما فيصير له جميع الربح بصاحب
المال وللعامل الثاني أجرة مثله، لأنه عمل في قراض فاسد، ولا يكون للعامل الأول شئ
لا عمل له في ذلك.
مسألة: إذا دفع إلى غيره مالا وقال له خذها قراضا على أن ما يرزق الله تعالى من
ربح كان لك منه ما يشترطه زيد لعامله، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا يصح إذا كان المتقارضان يعلمان ما شرطه زيد لعامله، فأما إذا كان
لا يعلمان ذلك فهو فاسد، لأنه لا يصح حتى يكون نصيب كل واحد منهما من الربح معلوما
عندهما.
مسألة: إذا قال له: خذ هذا المال قراضا على أن يكون لك من الربح ثلثا منه وثلثا
ما بقي، والباقي لي، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا صحيح لأن صاحب المال إذا شرط ما ذكر كان قد شرط للعامل بسبعة
اتساع الربح و شرط لنفسه تسعين، لأن أقل ماله ثلث وثلثا ما بقي من غير كسر تسعة فيكون
للعامل الثلث منها وهو ثلاثة وتبقى ستة له أيضا ثلثاها أربعة فتصير سبعة ويبقى تسعان
لصاحب المال.
مسألة: إذا دفع إليه ألفا للقرض بالنصف فقال العامل ربحت ألفا ثم ادعى بعد
54

هذا أنه غلط أو خسر أو تلف المال. ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا اعترف بالربح لزمه ما أقر به من ذلك ولم يقبل رجوعه لأنه إذا اعترف
بربح فقد اعترف بخمسمائة، وحق الآدمي إذا ثبت بالإقرار فلا يسقط بالرجوع كسائر
الإقرارات. فأما قوله خسرت أو تلف المال، فإنه إذا ادعى ذلك كان القول قوله مع يمينه
بالرجوع، لأنه بادعائه ذلك ولم يكذب نفسه ولا يرجع في إقرار أقربه وإنما أخبر بتلف الأمانة
في يده وكان القول قوله كما قدمناه.
مسألة: إذا ابتاع العامل، مسلما كان أو ذميا، بالقراض خمرا أو خنزيرا هل يصح
ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح هذا الابتياع من العامل مسلما كان أو ذميا لأنه ابتاع بالمال ما
ليس بمال، كما ابتاع الدم أو الميتة أو غير ذلك من المحرمات.
مسألة: المسألة المتقدمة بعينها إذا كان ابتياع المذكور باطلا أو نقد العامل الثمن،
هل يكون عليه ضمان ذلك أم لا؟
الجواب: إذا نقد العامل ثمن ذلك كان ضامنا له لأن ابتياعه باطلا، فلا يجوز له
دفع الثمن بغير حق وإذا فعل ذلك كان متعديا ولزمه الضمان كما قدمناه.
مسألة: إذا دفع إليه ألفا للقراض وقال له، الربح في هذا المال بيننا. هل يصح
ذلك أو لا يصح لأن قوله الربح بيننا مجهول؟
الجواب: هذا صحيح ولا يكون ذلك مجهولا لأنه إذا قال له الربح بيننا فقد تساويا في
إضافة " الربح بيننا "، وذلك يفيد أنه نصفان لكل واحد منهما النصف ويجري هذا مجرى
قوله إذا قال: الدار الفلانية مني ومن زيد في أنه يفيد ان لكل واحد منهما النصف منها.
مسألة: إذا أحضر صاحب المال مائة دينار ومائة درهم أو ألف درهم ومائة ثوب
وقال لغيره خذ أيهما شئت قراضا بالنصف، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأنه ليس فيه تعيين لرأس المال، وتعيين ذلك شرط في صحة
القراض وهذا يجري في الفساد مجرى قوله في البيع، إذا قال بعتك هذا المملوك أو ما يجري
مجراه بأحد هذين الجنسين.
55

مسألة: إذا ابتاع العامل ابنه أو أباه بمال القراض، ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا ابتاع العامل ابنه أو أباه بمال القراض انعتق منه بمقدار نصيبه من
الربح إن كان للمال ربح واستسعى المعتق بالباقي منه لصاحب المال وينفسخ القراض.
هذا إذا كان العامل معسرا وإن كان موسرا قوم عليه الباقي لصاحب المال فإن لم يكن
للمال ربح، لم يصح ابتياعه، وعلى هذا إجماع الطائفة.
56

المهذب
كتاب المضاربة
المضاربة والمقارضة بمعنى واحد وهو أن يدفع انسان إلى غيره مالا ليتجر فيه على أن
ما رزق الله سبحانه كان ما بينهما على ما يشترطانه، وهما لغتان: فالمضاربة لغة أهل
العراق والقراض لغة أهل الحجاز.
والقراض من العقود الجائزة في الشريعة بغير خلاف وليس يجوز القراض إلا
بالأثمان من الدنانير والدراهم ولا يجوز بغيرهما ولا يصح بالنقرة لأنها معتبرة بالقيمة
كالحيوان والثياب.
وإن دفع انسان إلى حائك غزلا وأمره بأن ينسجه ثوبا على أن يكون الفضل بينهما
كان ذلك قراضا باطلا لأن القراض إنما يصح بأن يتصرف العامل في رقبة المال ويقلبها
ويتجر فيها، فإذا كان غزلا كان ذلك نفس المال وعينه ويكون ذلك لصاحب المال
وللعامل أجرة مثله، وإذا دفع انسان إلى غيره ثوبا وقال له: بعه فإذا حصل ثمنه فقد
قارضتك عليه، كان باطلا لأن القراض لا يصح بمال مجهول وهذا قراض بمال مجهول
لا تعرف قيمته وقت العقد وللعامل أجرة مثله، وإذا دفع انسان إلى صياد شبكة وقال
له: اصطد بها فما رزق الله سبحانه من صيد فهو بيننا، كان باطلا، فإن اصطاد شيئا
كان له دون صاحب الشبكة لأنه صيده ويكون لصاحب الشبكة أجرة مثله.
وإذا قال: قارضتك على ألف سنة فإن انتهت فلا تبع ولا تشتر، كان باطلا لأن من
مقتضى القراض تصرف العامل في المال إلى أن يؤخذ منه نضا، وإذا قال له: قارضتك
57

سنة على أن البيع والشراء لك ولا أملك منعك منهما، كان باطلا لأنه من العقود الجائزة
كما قدمناه، فإذا شرط فيه اللزوم بطل كالوكالة والشركة، وإذا قال له: قارضتك سنة
على أنه إذا انقضت امتنع من الشراء دون البيع كان صحيحا لأنه شرط هو من موجب
العقد ومقتضاه لأن لصاحب المال منع العامل من الشراء أي وقت أراد، فإذا عقد على
ذلك كان شرطا من مقتضى العقد وموجبه فلم يبطل ذلك.
فإذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال له: على أن ما رزق الله سبحانه من ربح كان لي
الثلث ولك الثلث ولغلامي الثلث والغلام مملوك لصاحب المال كان صحيحا ولا فرق
في ذلك بين أن يشترط عملا للغلام أو لا يشترط ذلك لأنه إذا شرط ما ذكرناه فقد شرط
ضم مال إلى ماله وعبده ماله فصح ذلك، وإذا شرط الثلث لغير الغلام المملوك ولم
يشترط عمله لم يصح القراض فإن شرط ذلك كان صحيحا، وإذا دفع انسان إلى غيره
ألفين منفردين قراضا وقال له: خذها على أن يكون الربح من هذا الألف لي والربح من
الآخر لك، كان باطلا لأن موضع القراض على أن يكون ربح كل جزء من المال بينهما،
فإن خلطهما وقال: ما رزق الله سبحانه من فضل كان لي ربح ألف ولك ربح ألف،
كان صحيحا لأنه شرط له نصف الربح ولأن الألف الذي شرط ربحها غير متميزة.
وإذا دفع انسان إلى غيره مالا قراضا على أن ما رزق الله سبحانه من الربح كان
بينهما نصفين فقارض هذا العامل عاملا آخر، فإن كان فعل ذلك بإذن صاحب المال
كان ذلك صحيحا ويكون وكيلا في عقد القراض عنه، فإن كان العامل الأول قال
للثاني: على أن ما رزق الله سبحانه من ربح كان بينك وبين صاحب المال نصفين صح
ذلك ولا يكون للعامل الأول في ذلك شئ، وإن قال له: على أن يكون الربح بيننا
أثلاثا: ثلث لك وثلث لي وثلث لصاحب المال، كان ذلك فاسدا لأن العامل الأول
شرط لنفسه قسطا من الربح بغير زيادة ولا عمل والربح في المضاربة لا يستحق إلا بمال
أو عمل وليس للعامل الأول واحد منهما، فإذا كان كذلك كان جميع الربح لصاحب
المال ويكون للعامل الثاني أجرة المثل لأنه عمل في مضاربة فاسدة، وإن كان العامل
58

الأول قارض عاملا آخر بغير إذن صاحب المال وقال له: خذه قراضا على أن ما رزق الله
سبحانه من ربح كان بيننا نصفين، كان ذلك فاسدا لأنه تصرف في مال الغير بغير
إذنه.
فإذا دفع إلى غيره مالا قراضا وقال له: خذه على أن ما رزق الله سبحانه من ربح
كان لك منه قدر ما شرطه زيد لعامله، فإن كانا عالمين بمبلغ ذلك كان صحيحا، وإن لم
يكونا عالمين به أو أحدهما كان فاسدا لأنه لا يصح حتى يكون نصيب كل واحد منهما
من الربح معلوما عندهما.
وإذا اشترى العامل عبدا واختلف هو وصاحب المال فقال العامل: اشتريته
لنفسي، وقال صاحب المال: بل للقراض - والعادة أن هذا الاختلاف يقع بينهما إذا
كان في العبد رغبة وفيه ربح - كان القول قول العامل لأن العبد في يده وظاهر ما في
يده أنه ملكه فلا يقبل في إزالة ملكه عنه قول غيره، فإن اختلفا فقال صاحب المال:
اشتريته لنفسك، وقال العامل: للقراض، والعادة في هذا إذا لم تكن في العبد رغبة كان
القول قول العامل أيضا لأنه أمين.
وإذا دفع إليه ألفا للقراض بالنصف فذكر العامل أنه ربح ألفا ثم قال بعد ذلك:
غلطت لأني رجعت إلى حسابي فلم أجد ربحا أو قال: خفت أن ينتزع مني فرجوت فيه
الربح، كان إقراره لازما له لأنه إذا اعترف بربح فقد اعترف بخمس مائة وإذا ثبت
حق الآدمي بالإقرار لم يسقط بالرجوع كسائر الإقرارات، فإن قال خسرت وتلف الربح
كان القول قوله مع يمينه لأنه لم يكذب نفسه ولا رجع فيما أقر به وإنما أخبر بتلف الأمانة
في يده.
وإذا دفع انسان إلى اثنين ألفا وقال لهما: على أن لكما من الربح النصف وسكت،
كان لهما النصف والباقي صاحب المال لأن عقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين
المنفردين فكان صاحب المال عقد مع الواحد منهما قراضا بخمس مائة على أن من الربح
النصف ومع الآخر على خمس مائة أيضا على أن له من ربحها النصف وذلك جائز، فإن
59

قال لهما: على أن لكما نصف الربح: الثلثان منه لهذا والثلث منه لهذا، كان صحيحا
أيضا لأنه يكون أحد العاملين كأن عقد معه على الانفراد على خمس مائة على أن له من
الربح الثلث وعقد مع الآخر على الانفراد على خمس مائة على أن له من الربح السدس،
ولو عقدا منفردين كذلك لكان جائزا.
وإذا دفع اثنان إلى رجل ألفا قراضا وشرط أن ماله من الربح النصف وسكتا ولم
يذكرا مالهما من ذلك كان صحيحا لأنهما إذا سكتا عن ذكر ما لهما من ذلك كان
الباقي وهو النصف بينهما نصفين لأنهما مستحقان وهما في المال متساويان فوجب أن
يكون في الربح متساويين، فإن قالا له: على أن لك النصف ولنا النصف والثلث من
النصف لي والثلثين لشريكي، كان فاسدا لأنهما شرطا التفاضل في الربح مع التساوي
في المال وذلك لا يجوز.
وإذا كان له عند انسان ألف وديعة فقال له: قارضتك على الألف التي في يدك،
كان القراض صحيحا لأن يد المودع كيد المودع، وإن كان له في يد غيره ألف غصبا
فقارض به صاحب المال الغاصب عليه كان صحيحا لأن المال وإن كان قبل أن
يتقارضا غصبا ومضمونا وغير أمانة فقد صار بالقراض أمانة، فأما الضمان فليس يزول
عنه إلا بأن يدفع المال في ثمن مبيع القراض لأنه يكون قد صرف المال في دين صاحبه
باذنه فبرئت ذمته منه بذلك.
وإذا دفع إلى غيره ألفا مضاربة بالنصف واشترى بها شيئا للتجارة ثم هلك الألف
قبل أن ينقده المضارب للبائع كان للمضارب أن يرجع على صاحب المال بمثله فيدفعه
إلى البائع، فإن قبض الثاني من صاحب المال وضاع قبل دفعه أيضا إلى البائع رجع
أيضا على صاحب المال بمثله كذلك إلى أن يدفع إلى البائع الألف التي له.
وإذا دفع انسان إلى غيره ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا يساوي
ألفين وقبضه وباعه بألفين ثم اشترى بألفين جارية ولم ينقد الألفين حتى ضاعا رجع
المضارب على صاحب المال بألف وخمس مائة وكان عليه في ماله الباقي يدفعه إلى البائع
60

مع الألف وخمس مائة التي رجع بها على صاحب المال، وإذا قبض الجارية وباعها
بخمسة آلاف أخذ المضارب ربعها له و الثلاثة أرباع لمال المضاربة يأخذ منه صاحب
المال رأس ماله ألفين وخمس مائة والباقي ربح بينهما على ما اشترطا.
وإذا دفع انسان إلى غيره مالا قراضا بالنصف أو بأكثر أو أقل فعمل به في مصره أو
في أهله لم يكن له على صاحب المال ولا في مال المضاربة نفقة، فإن سافر به إلى بلد آخر
ليتجر فيه كانت نفقته في طريقه وفي البلد الذي خرج إليه في طعامه وكسوته وغسل
ثيابه وركوبه في سفره ولما لا بد له منه من مال القراض بالمعروف على قدر نفقة مثله،
فإن زاد على ذلك حسب له منه قدر نفقة مثله وكان الباقي عليه في ماله، وإذا رجع إلى
بلده وقد بقي معه من النفقة طعام أو ثياب أو غير ذلك كان عليه رده إلى المضاربة.
وإذا استأجر أجيرا يطبخ له ويخبز ويغسل ثيابه ويعمل ما لا بد له منه احتسب ذلك
من مال القراض، وما كان من جارية لوطء أو خدمة أو دواء أو كحل أو ما أشبه ذلك
كان جميعه من مال المضارب خاصة، وإذا كان معه غلمان يعملون في المال جروا مجراه
ونفقتهم على مال القراض وكذلك إن كان معه دواب تحمل أمتعة المضاربة إلى بعض
البلدان كان علفها على مال المضاربة ما دامت في المعاملة.
وإذا دفع إليه مالا قراضا فخرج به إلى السواد يشترى به غلات، ومسيرة ذلك يوم
أو يومان فأقام في ذلك الموضع يشترى ويبيع كانت نفقته في طريقه ومقامه من مال
المضاربة، ولو أنه في بلد فيه أهله إلا أن ذلك البلد عظيم أهله في ناحية منه وهو مقيم في
ناحية أخرى يتجر وبينه وبين أهله بعد وكان يقيم بحيث يتجر ولا يرجع إلى أهله، لم
يكن له نفقة في المضاربة.
ولو كان له أهل بالبصرة وأهل بالكوفة ووطنه فيهما جميعا فخرج بالمال من أحد
البلدين إلى الآخر ليتجر فيه كانت نفقته في طريقه من مال المضاربة، فإذا دخل البلد
كانت نفقته على نفسه ما دام به فإذا خرج منه عائدا إلى البلد الآخر أنفق في طريقه من
مال المضاربة، فإن كان أهل المضارب بالكوفة وأهل صاحب المال بالبصرة فخرج
61

بالمال إلى البصرة مع صاحب المال ليتجر به، كانت نفقته في طريقه بالبصرة وفي عوده
إلى بلده من مال المضاربة.
وإذا دفع انسان إلى غيره مالا فضاربه بمصر وليس لهما موطن لم ينفق المضارب على
نفسه من مال المضاربة شيئا ما دام بمصر، فإن خرج منها إلى وطنه أو إلى بعض الأسفار
في متجره وعاد إليها في تجارته في المضاربة أنفق في مقامه فيها من باب المضاربة، وإذا
أنفق المضارب في المضاربة الصحيحة في سفره من مال المضاربة فلما انتهى إلى البلد
الذي قصد إليه لم يتمكن من ابتياع شئ ثم عاد بالباقي من المال كان لصاحب المال
أخذه ولم يكن على المضارب ضمان ما أنفقه.
وإذا مات صاحب المال ومال المضاربة في يد المضارب وهو معه في بلده فسافر به
المضارب بعد موته كان عليه ضمانه علم بموته أو لم يعلم، وإن كان صاحب المال مات
والمضارب في بلد غير بلد صاحب المال لم يكن عليه ضمان وكانت النفقة له إلى أن يبلغ
بلد صاحب المال، وهكذا لو خرج المضارب بالمتاع من ذلك البلد قبل موت صاحب
المال فسافر به ثم مات صاحب المال لم يكن عليه ضمان وكانت نفقته في سفره من مال
المضاربة إلى أن يصل إلى البلد.
وإذا دفع إلى غيره ألفا مضاربة بالنصف بأن يأخذ منه ألفا بضاعة وأن يتجر له فيها
بغير جعل ولا قسط من الربح، لم يصح ذلك وكان الشرط فاسدا لأن العامل في
المضاربة لا يعمل عملا لا يستحق في مقابله عوضا فبطل الشرط، فإذا بطل الشرط بطلت
المضاربة لأن قسط العامل يكون مجهولا فيه من حيث أن صاحب المال ما قارض
بالنصف حتى شرط العامل له عملا بغير جعل والشرط قد بطل، فإذا بطل ذهب من
نصيب العامل وهو النصف قدر ما زيد لأجل البضاعة وذلك القدر مجهول، وإذا ذهب
من المعلوم مجهول كان الباقي مجهولا فبطلت المضاربة لذلك.
فإن دفع إليه ألفا مضاربة بالنصف وقال له: أريد أن تأخذ ألفا بضاعة تعاونني
فيه، كان ذلك جائزا لأن البضاعة ما أخذت بشرط وإنما تطوع بالعمل له فيها من غير
62

شرط فلم تفسد المضاربة لذلك، وهذه المسألة مفارقة للأولى لأنه شرط أخذ البضاعة
وفرق بين الارتفاق بالشرط وبين الشرط، بيان ذلك: أنه لو باع دارا بشرط أن يدفع إليه
المشتري عبدا يخدمه شهرا كان البيع باطلا، ولو قال له: ادفع إلي عبدك أيها المشتري
يخدمني شهرا، من غير شرط كان البيع صحيحا والفرق بينهما ما قدمناه.
وإذا أعطاه ألفا مضاربة وقال له: أضف إلى هذا الألف من عندك ألفا آخر واتجر
بهما على أن الربح بيننا لك منه الثلثان ولي الثلث أو قال: لك منه الثلث والثلثان لي،
كان ذلك فاسدا سواء كان الفضل لصاحب المال أو العامل لأنه إن كان لصاحب
المال كان ظاهر الفساد لأن له نصف المال من غير عمل وللعامل بهذا المال والعمل
معا، فإذا شرط الثلثين لنفسه من الربح أخذ من ربح ألف العامل قسطا بغير مال فيه
ولا عمل وذلك ولا يجوز، فإن شرط لنفسه الأقل كان فاسدا أيضا لأن المال شركة بينهما
والربح في الشركة يكون على قدر المالين ولا يفضل أحدهما فيه على الآخر، فإذا شرط
الفضل لأحدهما بطل وإذا بطل كان العقد مضاربة فاسدا لأنه دفعه إليه بلفظ
المضاربة.
فإذا دفع إليه ألفين وقال له: أضف إليهما من عندك ألفا يكون ألفان من كل المال
شركة بيننا والألف الثالث قراضا بالنصف كان صحيحا لأن المال إذا خلط فهو شركة
مشاع كله فقد أقر ألفين على الشركة وقارضه على ألف مشاع فكان صحيحا لأن
القراض على المشاع جائز، وإذا خلط العامل مال المضاربة بمال نفسه خلطا لا يتميز معه
كان عليه ضمانه لأنه جعله كالتالف، أ لا ترى أنه لا يقدر على رده بعينه على صاحبه
وإذا لم يقدر على ذلك كان ضامنا له.
وإذا أعطاه غيره ثوبا وقال له: بعه فإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه، لم يصح
ذلك لأنه قراض بصفة ولأن رأس المال مجهول والعامل له أجرة مثله، فله أجرة المثل على
بيع الثوب وأجرة مثله على عمل القراض، وأجرة بيعه لازم على بيع الثوب سواء كان في
المال ربح أو لم يكن فيه ذلك وسواء تصرف فيه بعد بيعه أو لم يتصرف.
63

وإذا كان المضارب واحدا وصاحب المال اثنين فدفع كل واحد منهما إليه ألفا
قراضا بالنصف فاشترى العامل لأحدهما جارية بألف وللآخر جارية أخرى بألف ثم
اختلطا فلم يعلم جارية أحدهما من الآخر، فينبغي أن يباعا في القراض ويدفع إلى كل
واحد منهما نصف المال إذا لم يكن فيه فضل، وإن كان فيه فضل أخذ كل واحد منهما
رأس ماله واقتسما الربح على الشرط، وإن كان في المال خسران كان الضمان على
البائع لأنه فرط في اختلاط المال، وقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله: لو
استعملنا القرعة في ذلك لكان أقوى من هذا، وذلك غير صحيح لأن القرعة إنما
تستعمل فيما يلتبس مما ليس عليه نص وهذا الموضع منصوص عليه عند أصحابنا
فلا وجه مع ذلك لاستعمال القرعة فيه.
وإذا دفع إلى غيره مالا قراضا فأخذه وهو يعلم من نفسه أنه لا يقدر على أن يتجر بمثله
لكثرته أو لضعفه عن ذلك مع قلته كان عليه الضمان لأنه يكون مفرطا بقبضه له مع
علمه من نفسه بما ذكرناه، وإذا اشترى العامل جارية من مال المضاربة لم يجز له وطؤها
لأنه إن كان في المال فضل فهو شريك وإن لم يكن فيه فضل كان الكل لصاحب المال،
وكذلك لا يجوز لصاحب المال وطؤها لأنه إن كان في المال فضل فهو شريك وإن لم
يكن فيه فضل لم يجز له أن يتصرف في السلعة المشتراة للقراض بما يضربها، فإن أراد
أحدهما أن يزوجها واتفقا على ذلك كان جائزا الحق لهما جميعا.
وإذا اشترى العامل عبدا من مال المضاربة وأراد أن يكاتبه لم يجز له ولا لصاحب
المال أيضا أن يكاتبه لأنه نقصان، فإن اتفقا على ذلك كان جائزا لأنه حقهما وليس
لغيرهما فيه حق يمنع من ذلك، فإن اتفقا وكاتباه وأدركه عتق وكان المال ليس فيه فضل
كان الولاء لصاحب المال، وإن كان فيه فضل كان الولاء بينهما على ما شرطاه بالحصة
إن كانا شرطا عليه الولاء فإن لم يكونا شرطا عليه ذلك لم يكن لواحد منهما عليه ولاء،
وإذا أحضر صاحب المال لغيره ألف دينار وألف درهم وقال له: خذ أيهما شئت قراضا
بالنصف لم يصح ذلك لأنه لم يعين رأس المال.
64

فقه القرآن
فصل: وأما ما يجري مجرى الشركة فهو المضاربة، يدل على صحتها قوله تعالى: وآخرون
يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، ولم يفصل.
والمضاربة والقراض بمعنى، وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا ليتجر فيه على أن ما
يرزق الله تعالى من ربح كان بينهما على ما يشرطانه. والقراض لغة أهل الحجاز والمضاربة
لغة أهل العراق، واشتقاقها من الضرب في المال و التقليب له واشتقاق القراض من
القرض وهو القطع، ومعناه ههنا أن رب المال قطع قطعة من ماله فسلمها إلى العامل
وقطع له قطعة من الربح.
والمضارب بكسر الراء العامل لأنه هو الذي يضرب أمير المؤمنين فيه ويقلبه وليس لرب
المال منه اشتقاق يدل على ذلك ما رواه الحسن عن ع ينه قال: إذا خالف
المضارب فلا ضمان هنا على ما شرطاه، والظاهر أنه أراد العامل لأنه إذا كان الخلاف منه
فالضمان بالتعدي عليه،
وعلى جوازه دليل الأسنة والإجماع فالكتاب ما تلوناه وقوله تعالى: فإذا قضيت
الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، وأما الاجماع فلا خلاف فيه
والصحابة كانوا يستعملونه، فإذا ثبت جواز القراض فاعلم أنه لا يجوز إلا بالأثمان من
الدراهم والدنانير، وكان أمير المؤمنين ع كره مشاركة اليهودي والنصراني
65

والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها وقال أبو عبد الله ع:
لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه ببضاعة ولا يودعه وديعة ولا
يصافيه مودة، لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم، فإنه عام في
جميع ذلك، وقد أشار سبحانه إلى جواز الشركة على ضروبها بقوله: ضرب لكم مثلا من
أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم.
66

غنية النزوع
فصل في المضاربة
المضاربة والقراض عبارة عن معنى واحد وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا
ليتجر به على أن ما رزق الله تعالى من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.
ومن شرط صحة ذلك أن يكون رأس المال فيه دراهم أو دنانير معلومة مسلمة إلى
العامل، ولا يجوز القراض بالفلوس ولا بالورق المغشوش لأنه لا خلاف في جواز القراض
مع حصول ما ذكرناه وليس على صحته إذا لم يحصل دليل.
وتصرف المضارب موقوف على إذن صاحب المال، إن أذن له في السفر به أو في البيع
نسيئة جاز له ذلك ولا ضمان عليه لما يهلك أو يحصل من خسران، وإن لم يأذن له في البيع
بالنسيئة أو في السفر أو أذن له فيه إلى بلد معين أو شرط أن لا يتجر إلا في شئ معين
ولا يعامل إلا إنسانا معينا فخالف لزمه الضمان بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف
في صحة القراض مع هذه الشروط بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، لأنه لم
يفصل.
وإذا سافر بإذن رب المال كانت نفقة السفر من المأكول والمشروب والملبوس من غير
إسراف من مال القراض، ولا نفقة للمضارب منه في الحضر، ومن أصحابنا من اختار القول
بأنه لا نفقة له حضرا ولا سفرا، قال: لأن المضارب دخل على أن يكون له من الربح سهم
معلوم فليس له أكثر منه إلا بالشرط.
وإذا اشترى العامل من يعتق على رب المال باذنه صح الشراء وعتق عليه وانفسخ
67

القراض إن كان الشراء بجميع المال لأنه خرج عن كونه مالا، وإن كان ببعض المال انفسخ
من القراض بقدر قيمة العبد، وإن كان الشراء بغير إذنه وكان بعين المال فالشراء باطل لأنه
اشترى ما يتلف ويخرج عن كونه مالا عقيب الشراء، وإذا اشترى بثمن في الذمة صح
الشراء ووقع الملك للعامل، ولا يجوز له أن يدفع الثمن من مال القراض، فإن فعل لزمه
الضمان لأنه تعدى بدفع مال غيره في ثمن لزمه في ذمته.
وإذا اشترى المضارب من يعتق عليه قوم، فإن زاد ثمنه على ما اشتراه انعتق منه
بحساب نصيبه من الربح واستسعى في الباقي لرب المال، وإن لم يزد ثمنه على ذلك أو
نقص عنه فهو رق بدليل إجماع الطائفة.
والمضاربة عقد جائز من كلا الطرفين لكل واحد منهما فسخه متى شاء، وإذا بدا
لصاحب المال من ذلك بعد ما اشترى المضارب المتاع لم يكن غيره ويكون للمضارب أجر
مثله.
والمضارب مؤتمن لا ضمان عليه إلا بالتعدي، فإن شرط عليه رب المال ضمانه صار الربح
كله له دون رب المال، ويكره أن يكون المضارب كافرا، كل ذلك بدليل الاجماع المشار
إليه.
68

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان حكم القراض
القراض: هو المضاربة وهو أن يدفع انسان إلى غيره مالا ليتجر به على أن ما رزقه
الله تعالى عليه من الفائدة يكون بينهما على مقدار معلوم، فإن دفع أحد إلى غيره مالا
ليحتفظ به كان وديعة، وإن دفع إليه ليرد عليه مثله يكون قرضا، وإن دفع إليه ليتجر به له
من غير أجرة كان بضاعة، وإن دفع إليه ليرد عليه مثله ببلد آخر يكون سفتجة.
وإن دفع إليه ليتجر به وكان للعامل في التجارة به منفعة يكون قراضا ومضاربة، فإن دفع إليه
وقال: اتجر به، ولم يعين مقداره كان له أجرة المثل والربح لصاحب المال والخسران
عليه، وإن عين مقدار ماله من الثلث أو الربع أو أقل أو أكثر، فإن ربح كان له ما عين وإن
خسر لم يكن له شئ وكان الخسران على صاحب المال.
وهو عقد جائز من الطرفين وهو ضربان: صحيح وفاسد.
فالصحيح: ما اجتمع فيه شروط ثلاثة: العقد على الأثمان من الدنانير والدراهم غير
المغشوشة والإطلاق في المدة من غير تعيينها إلا مدة الابتياع وتعيين مقدار المال.
فإذا عقد على ذلك لم يخل: إما ضمن المضارب المال أو لم يضمنه، فإن ضمنه كان الربح
له والخسران عليه وإن لم يضمنه وأطلق لزم منه ثلاثة أشياء: البيع بالنقد بقيمة المثل بنقد
البلد وكذلك الشراء، فإن خالف ذلك لم يصح وإن عين له جهة التصرف لم يكن له
خلافه، فإن خالف وربح كان الربح على ما شرطا وإن خسرا وتلف غرم.
والقراض الفاسد يجوز للعامل التصرف فيه من جهة الإذن، ولزم له أجرة المثل دون
69

المسمى.
ولم يخل القراض: إما أطلق رب المال أو شرط له العمل، فإن أطلق لم يلزمه من العمل
إلا ما يعمل بنفسه صاحب المال، وإن شرط له لزمه العمل بنفسه فإن لم يعمل كان أجرة
العمل في ماله.
فإن فسخ أحدهما أو كلاهما لم يجز للعامل التصرف فيه إلا بالبيع وتحصيل المال ممن
عليه، ولم يخل من ثلاثة أوجه: إما كان المال ناضا أو عروضا أو على الناس، فإن كان ناضا
أخذ صاحب المال إلا قدر حق العامل وإن كان عروضا كان مخيرا بين أن يأخذ بالقيمة ويدفع
إلى العامل ما يصيبه من الربح وبين أن يأمر العامل ببيعه، وإن كان على الناس لزم العامل
تحصيله.
وأما النفقة: فإن كان مشروطة كان على ما شرط وإن أطلقت كان له الانفاق بالمعروف
منه في السفر دون البلد الذي كان به صاحب المال.
70

إصباح الشيعة
فصل: القراض والمضاربة واحد وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا ليتجر به على ما رزقه
الله تعالى من ربح كان بينهما على ما يشرطانه. ومن شرط صحته أن يكون رأس المال فيه
دراهم أو دنانير معلومة ومسلمة إلى العامل، ولا يجوز القراض بالفلوس ولا بالورق
المغشوش.
وتصرف المضارب موقوف على إذن صاحب المال، إن أذن له في السفر به أو في
البيع نسيئة جاز له ذلك ولا ضمان عليه لما يهلك أو يحصل من خسران، وإن لم يأذن له في البيع
بالنسيئة أو في السفر أو أذن له فيه إلى بلد معين أو شرط ألا يتجر إلا في شئ معين ولا يعامل
إلا إنسانا معينا فخالف لزمه الضمان، وإذا سافر بإذن رب المال كانت نفقة السفر من
المأكول والمشروب والملبوس من غير إسراف من مال القراض، ولا نفقة للمضارب منه في
الحضر، وقيل: لا نفقة له حضرا ولا سفرا لأن المضارب دخل على أن يكون له من الربح
سهم معلوم فليس له أكثر منه إلا بالشرط. وإذا اشترى العامل من يعتق على رب المال باذنه
صح الشراء وعتق عليه وانفسخ القراض إذا كان الشراء بجميع المال لأنه خرج عن كونه
مالا، وإن كان ببعض المال انفسخ من القراض بقدر قيمة العبد، وإن كان الشراء بغير إذنه
وكان بعين المال فالشراء باطل لأنه اشترى ما يتلف ويخرج عن كونه مالا عقيب الشراء، وإن
اشترى بثمن في الذمة صح الشراء ووقع الملك للعامل ولا يجوز له أن يدفع الثمن من مال
71

القراض فإن فعل لزمه الضمان لأنه تعدى بدفع مال غيره في ثمن لزمه في ذمته، وإذا اشترى
المضارب من يعتق عليه قوم فإن زاد ثمنه على ما اشتراه انعتق منه بحساب نصيبه من
الربح واستسعى في الباقي لرب المال، وإن لم يزد ثمنه على ذلك أو نقص عنه فهو رق.
والمضاربة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منها فسخه متى شاء، وإذا بدا
لصاحب المال من ذلك بعد ما اشترى المضارب المتاع لم يكن له غيره ويكون للمضارب
أجرة مثله. والمضارب مؤتمن لا ضمان عليه إلا بالتعدي فإن شرط عليه رب المال ضمانه
صار الربح له كله والخسران عليه دون رب المال ويكره أن يكون المضارب كافرا.
إذا دفع إلى حائك غزلا وقال: انسجه لي ثوبا على أن يكون الفضل بيننا، لم يصح
لأن موضع القراض على أن يتصرف العامل في رقبة المال ويتجر فيها فإذا يكون الكل لرب
المال وللعامل الأجرة.
إذا سمي رب المال النصف لنفسه وسكت يكون فاسدا لأن العامل لا يستحق
شيئا إلا بالشرط.
إذا قارض غيره على أن يكون له الثلث ولمملوكه ثلث وللعامل ثلث جاز سواء
شرط عمل الغلام أو لا، فإن شرط الثلث لمن لا يملكه لم يصح إلا بشرط العمل، ولا يجوز أن
يشترط المقارض الانتفاع ببعض مال القراض كأن يشترط استخدام العبد إن كان فيه
عبد.
إذا استأجر العامل أجيرا يعمل فيه ما يعمله بنفسه كانت الأجرة من ضمانه لأنه أنفق
المال في غير حقه.
إذا دفع إليه اثنين متميزين وسمي لكل منهما ربح ألف معين لم يجز، وإن كانا
مختلطين وقال: لكل منا ربح ألف، جاز.
العامل في القراض أمين فيما في يديه فمهما ادعى تلف المال كان القول قوله، وإن
ادعى رده إلى مالكه قبل.
إذا قارض العامل آخر بإذن رب المال على أن يكون الربح بينه وبين رب المال كما
تقرر صح، وإن شرط لنفسه معهما شيئا من الربح لم يصح لأن الربح من القراض لا يستحق
72

إلا بمال. أو بعوض وإن لم يسم للعامل الثاني شيئا وعمل فيه كان الربح كله لرب المال
وللعامل أجرة المثل، وإن كان قراض العامل الثاني بغير إذن رب المال ولم يعمل العامل
الثاني فسد ويكون الربح كله لرب المال وللعامل الثاني أجرة المثل ولا شئ للأول وعليه
ضمان ما هلك لتعديه دون الثاني.
إذا كان له على غيره مال قرض لم يجز أن يقارضه على ذلك إلا بعد قبض المال.
إذا دفع اثنان على عامل كل منهما مائة فاشترى العامل بمال كل منهما جارية ثم
اشتبهتا عليه ولم تتميزا تباعان ويدفع إلى كل منهما نصفه إذا لم يبق في المال فضل، فإن
كان فضل أخذ كل منهما رأس ماله واقتسموا الربح على الشرط، فإن كان فيه خسران
فالضمان على العامل لتفريطه، وإن استعمل القرعة جاز.
إذا دفع إلى عامل مائة قراضا فخسر عشرة ثم أخذ رب المال عشرة ثم اتجر العامل
وربح أفرز رأس المال تسعين إلا درهما وتسع درهم وما حصل فهو بينهما على الشرط وذلك لأنه
لم ينقص القراض في الخسران لتمامه للربح لكنه ينقص في العشرة التي أخذها رب المال
ما ينقص في الخسران ما يخصه من العشرة فتوزع العشرة المأخوذة على تسعين يكون لكل
عشرة درهم وتسع درهم فيكون رأس المال ما بقي، وإن أخذ رب المال خمسة وأربعين بعد
جبران العشرة ينقص القراض في المأخوذ وفي نصف الخسران وهي خمسة فيكون
رأس المال بعد هذا خمسين، والأصل أن يجعل الخسران كالموجود فإذا انتقص في سهم من
الموجود انتقص بحصته من الخسران.
إذا اشترى العامل جارية فليس له ولا لرب المال وطؤها كان في المال فضل أم لا
ولا تزويجها إلا إذا اتفقا على التزويج ولا مكاتبتها إلا باتفاقهما معا، فإن عتق العبد وفي
المال فضل فولاؤه بينهما على ما شرطا في الربح وإلا فلرب المال، وإن لم يشترطا عليه
الولاء فولاؤه للإمام إذا لم يتوال إلى أحد.
إذا قال لغيره: اغرس أرضي هذه كذا على أن ما رزق الله من غرس فيها كان بيننا
نصفين والأرض بيننا نصفين، لم يكن ذلك شركة لأن المالين لا يختلطان ولا قراضا لأن من
العامل العمل دون شئ من المال فإذن الأرض تكون لمالكها والغرس للعامل ولا يملك رب
73

الأرض نصف الغراس ولا العامل نصف الأرض لأن ذلك بيع معلوم بمجهول.
إذا وقع الفسخ منع العامل من الشراء دون البيع، وإذا مات أحد المتقارضين انفسخ
القراض ولورثة رب المال استئناف العقد مع العامل إلا إذا كان المال عروضا فإنه لا يصح
فيه لأن عقد القراض على غير الأثمان لا يجوز.
74

السرائر
باب المضاربة وهي القراض
القراض والمضاربة عبارتان عن معنى واحد وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا يتجر
فيه على أن ما رزق الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.
فالقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق ومواضعتهم. وقيل في اشتقاقها أقوال
وهو: أن القراض من القرض وهو القطع، ومنه قيل قرض الفأر الثوب إذا قطعه، ومعناه هاهنا
أن رب المال قطع قطعة من ماله فسلمها إلى العامل وقطع له قطعة من الربح. والآخر أن اشتقاقه
من المقارضة وهي المساواة ومعناه هاهنا أن من العامل العمل ومن رب المال المال واشتقاق
المضاربة من الضرب بالمال في الأرض والتقليب له.
وعلى جواز ذلك إجماع الأمة والكتاب، ومن شرط صحة ذلك أن يكون رأس المال
دراهم أو دنانير معلومة مسلمة إلى العامل، ولا يجوز القراض بغير الدنانير والدراهم من سائر
العروض، فعلى هذا لا يجوز القراض بالفلوس ولا بالورق المغشوش.
وتصرف المضارب موقوف على إذن صاحب المال إن أذن له في السفر به أو في البيع
نسيئة، جاز له ذلك ولا ضمان عليه لما يهلك أو يحصل من خسران، وإذا لم يأذن في البيع
بالنسيئة أو في السفر أو أذن فيه إلى بلد معين أو شرط ألا يتجر إلا في شئ معين ولا يعامل
إلا إنسانا معينا فخالف لزمه الضمان بدليل إجماع أصحابنا على جميع ذلك، ويحتج على
المخالف في صحة القراض مع هذه الشروط بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم.
وإذا سافر بإذن رب المال كانت نفقة السفر من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب
75

من غير إسراف من مال القراض - على الأظهر الصحيح بين أصحابنا المحصلين - ولا نفقة
للمضارب منه في الحضر.
واختار شيخنا أبو جعفر في مبسوطه القول بأنه: لا نفقة له حضرا ولا سفرا، وبما اخترناه قال في
نهايته وجميع كتبه ما عدا ما ذكرناه عنه في مبسوطه، وهو أحد أقوال الشافعي الثلاثة في المسألة
اختاره هاهنا شيخنا أبو جعفر رحمه الله وقال في مسائل خلافه بمقالته في نهايته ورجع إلى قول أهل
نحلته وإجماع عصابته، فقال مسألة: إذا سافر بإذن رب المال كان نفقة السفر من المأكول
والمشروب والملبوس من مال القراض، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، هذا آخر كلامه
في مسائل خلافه فهو في مبسوطه محجوج بقوله في مسائل خلافه.
وإذا اشترى العامل من يعتق على رب المال باذنه صح الشراء وعتق عليه، وانفسخ
القراض إن كان الشراء بجميع المال لأنه خرج عن كونه مالا للقراض وملكا، وإن كان
ببعض المال انفسخ من القراض بقدر قيمة العبد.
وإن كان الشراء بغير إذنه وكان بعين المال فالشراء باطل لأنه اشترى ما يتلف ويخرج
عن كونه مالا عقيب الشراء، وإن اشترى بثمن في الذمة صح الشراء ووقع الملك للعامل،
ولا يجوز له أن يدفع الثمن من مال القراض، فإن فعل لزمه الضمان لأنه تعدى بدفع مال
غيره في ثمن لزمه في ذمته، وإذا اشترى المضارب من يعتق عليه قوم فإن زاد ثمنه على
ما اشتراه انعتق منه بحساب نصيبه من الربح واستسعى في الباقي لرب المال، وإن لم يزد
ثمنه على ذلك أو نقص عنه فهو رق بدليل إجماع الطائفة على ذلك.
والمضاربة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخه متى شاء، وإذا بدا لصاحب
المال من ذلك بعد ما اشترى المضارب المتاع لم يكن له غيره ويجب على المضارب بيعه، فإن
كان فيه ربح كان بينهما على ما شرطا وإن كان خسران فلا يلزمه شئ بحال.
والمضارب مؤتمن لا ضمان عليه إلا بالتعدي فإن شرط عليه رب المال ضمانه صار
الربح له كله دون رب المال.
ويكره مضاربة سائر الكفار،
76

واختلف أقوال أصحابنا في تصانيفهم في معنى الشرط للعامل في الربح هل يلزم أم لا، فبعض
يذكر أنه يستحق ما وقع الشرط عليه من الربح، وبعض يذكر أنه لا يستحق ذلك بل يجب له
أجرة المثل دون ما وقع عليه الشرط من الربح ويجعل القول الأول رواية، وهو قول شيخنا
أبي جعفر في نهايته، ورجع عنه في مبسوطه ومسائل خلافه واستبصاره وهو الذي يقوى في نفسي
وأعمل عليه وأفتى به، والذي يدل على صحة ذلك إجماع أصحابنا المخالف في المسألة والمؤالف
وتواتر أخبارهم في: أن المضارب إذا اشترى أباه أو ولده بالمال وكان فيه ربح - على ما قدمناه -
فإنه ينعتق عليه، فلو لم يكن شريكا بحسب الشرط في الربح لما انعتق عليه لأنه لو كان له
أجرة المثل لما صح العتق ولا تقدر لأن الأجرة في ذمة صاحب المال يوفيه إياها من أي أمواله
أراد، وأيضا قوله ع: الشرط جائز بين المسلمين، وهذا شرط جائز لا يمنع منه كتاب ولا
سنة ولا إجماع لأن الاجماع غير حاصل على المنع منه وكتاب الله تعالى خال منه والسنة المتواترة،
وكذلك قوله ع: المؤمنون عند شروطهم، وهذا إخبار بمعنى الأمر ومعناه: يجب عليهم أن
يوفوا بشروطهم، والذي ذكره شيخنا في مبسوطه في الجزء الأول في كتاب الزكاة في فصل في
مال التجارة قال: من أعطى غيره مالا مضاربة على أن يكون الربح بينهما فاشترى مثلا بألف
سلعة فحال الحول وهي تساوى ألفين فإن زكاة الألف على رب المال، والربح إذا حال عليه
الحول من حين الظهور كان فيه الزكاة على رب المال نصيبه وعلى العامل نصيبه إذا كان
العامل مسلما، فإن كان ذميا يلزم رب المال ما يصيبه ويسقط نصيب الذمي لأنه ليس من أهل
الزكاة هذا على قول من أوجب له الربح من أصحابنا وهو الصحيح، فأما من أوجب له
أجرة المثل فزكاة الأصل والربح على رب المال، هذا آخر قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطه من غير
زيادة ولا نقصان حكيته حرفا فحرفا.
وذكر رحمه الله في الجزء الثاني في كتاب القراض مواضع كثيرة: أن للعامل من الربح ما وقع
الشرط عليه، ويحمل قول من قال وذكر في كتابه: أن له أجرة المثل، على أنه إذا كانت المضاربة
فاسدة فإن شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه مسألة: إذا كان القراض فاسدا استحق
العامل أجرة المثل على ما يعمله سواء كان في المال ربح أو لم يكن، ثم قال: دليلنا أنه عمل بإذن
77

صاحب المال فإذا لم يصح له ما قاوله عليه كان له أجرة المثل لأنه دخل على أن يكون له المسمى
في مقابلة عمله، هذا آخر كلامه في المسألة رحمه الله.
ومتى اختلف الشريكان أو المضارب وصاحب المال في شئ من الأشياء كانت البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه مثل الدعاوي في سائر الأحكام، وإذا اشترى المضارب
المتاع ونقد من عنده الثمن على من ضاربه لم يلزم صاحب المال ذلك وكان من مال
المضارب، فإن ربح كان له وإن خسر كان عليه.
وروي: أنه من أعطى مال يتيم إلى غيره مضاربة فإن ربح كان بينهما على ما يتفقان
عليه وإن خسر كان ضمانه على من أعطى المال.
والأولى أن يقال إن كان هذا المعطى ناظرا في مال اليتيم نظرا شرعيا إما أن يكون وصيا في ذلك
أو وليا فله أن يفعل فيه ما لليتيم الحظ فيه والصلاح، فعلى هذا لا يلزم الولي المعطى الخسران إن
خسر المال، وهذا هو الذي تقتضيه أصول المذهب وما أورده شيخنا في نهايته خبر واحد أورده
إيرادا لا اعتقادا على ما كررنا ذلك.
ومن كان له على غيره مال دينا لم يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه منه على
ما قدمناه.
وقد روي أن من كان عنده أموال للناس مضاربة فمات فإن عين ما عنده أنه لبعضهم
كان على ما عين في وصيته فإن لم يعين كان بينهم بالسوية على ما تقتضيه رؤوس الأموال،
أورد ذلك شيخنا في نهايته، وهذا إذا حقق وقامت البينة برؤوس الأموال أو تصادق أصحاب
الأموال والورثة وكان في المال ربح وكانت الأموال مختلطة غير متميز مال كل واحد من غيره،
فإن كان خسران وكان الخلط بغير إذن أرباب الأموال فإن الخسران على الخالط لها لأنه فرط في
الخلط، فهذا تحرير الرواية المذكورة.
إذا فسخ رب المال القراض وكان في المال نسا - بفتح النون وسكون السين وهمزة
الألف وقصره - باعه العامل بإذن رب المال نسيئة لزمه أن يجيبه سواء كان فيه ربح أو لم
يكن فيه ربح لأن على العامل رد المال كما أخذه، وإذا أخذه ناضا وجب عليه أن يرد مثله.
78

إذا قال خذ هذا المال قراضا على أن يكون الربح كله لي كان ذلك قراضا فاسدا لأن
لفظ القراض يقتضي أن يكون الربح بينهما، وإذا قال: خذ هذا المال وانتفع به واتجر
والربح كله لك، فهذا قرض لا قراض ويكون المال قرضا على المستقرض وجميع الربح له
لأنه ربح ماله، وإن قال له: خذ هذا المال اشتر لي السلعة الفلانية والربح كله لي، فهذا
بضاعة سأله أن يشترى له بها ما ذكره فالربح كله لصاحب المال دون المشتري، وقد قدمنا
هذا الكلام فيما مضى من كتابنا هذا وأعدناه لأنه موضعه.
إذا كان العامل نصرانيا فاشترى بمال القراض خمرا أو خنزيرا كان جميع ذلك باطلا.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة فقال: إذا دفع إليه ألفا للقراض فاشترى به عبدا
للقراض فهلك الألف قبل أن يدفعه في ثمنه اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب، اختار
شيخنا منها أن المبيع للعامل والثمن عليه ولا شئ على رب المال، ثم قال: دليلنا أنه لا يخلو أن
يكون الألف تلف قبل الشراء أو بعده، فإن كان التلف قبل الشراء وقع الشراء للعامل لأنه
اشتراه بعد زوال القراض، وإن كان التلف بعد الشراء وقع لرب المال وعليه أن يدفع الثمن من
ماله الذي سلمه إليه، فإذا هلك المال تحول الملك إلى العامل وكان الثمن عليه لأن رب المال إنما
فسح للعامل في التصرف في ألف إما أن يشتريه به بعينه أو في الذمة وينقد ثمنه ولم يدخل على
أن يكون له في القراض أكثر منه.
قال محمد بن إدريس: الذي عندي في ذلك أنه لا يخلو: إما أن يكون اشترى المضارب العبد
بثمن في الذمة لا معين أو بثمن معين،
فإن كان الأول فالعبد للمضارب دون رب مال المضاربة، ويجب على العامل الذي هو المضارب
أن يدفع من ماله وخاصه ألفا ثمن العبد، والبيع لا ينفسخ لأن الأثمان إذا كانت في الذمة
لا ينفسخ البيع بهلاكها لأنها غير معينة.
وإن كان الثاني فإن البيع ينفسخ ويكون العبد ملكا لبائعه على ما كان دون العامل ودون رب
مال المضاربة، لأن الثمن إذا كان معينا وهلك قبل القبض انفسخ البيع وكان الملك المبيع باقيا.
وعائدا إلى ملك بائعه بغير خلاف.
79

فهذا تحرير هذه المسألة وما ذكره شيخنا اختيار أبي العباس بن شريح من قول الشافعي اختاره
شيخنا أيضا، والذي حررناه واخترناه هو الذي تقتضيه أصول مذهبنا وبه يقول شيخنا أبو جعفر
الطوسي رحمه الله في مواضع كثيرة من كتبه وتصنيفاته إلا مسائل الخلاف والمبسوط.
لا يصح القراض إذا كان المال جزافا لأنه لا دلالة عليه.
إذا قارضه على أن يشترى أصلا له فائدة يستبقي الأصل ويطلب فائدته كالشجر
والعقار والحيوان الذي يرجى نسله ودره، فالكل قراض فاسد لأن موضوع القراض
الصحيح في الشرع غير هذا، وأيضا فلا دليل على صحة ذلك لأن القراض عقد شرعي
يحتاج في ثبوته إلى أدلة شرعية.
إذا دفع إليه مالا قراضا، فإن اتجر حضرا كان عليه من التصرف فيه ما يليه رب المال
في العادة من: نشر الثوب وطيه وتقليبه على من يشتريه وعقد البيع وقبض الثمن ونقده
و إحرازه في كيسه وختمه ونقله إلى صندوقه وحفظه ونحو ذلك بما جرت العادة بمثله، وإن
كان ذلك شيئا لا يليه رب المال في العادة مثل: النداء على المتاع في الأسواق ونقله إلى
الخان ومن مكان إلى مكان، فليس على العامل أن يعمل بنفسه بل يكتري من يتولاه، فإن
القراض متى وقع مطلقا من غير اشتراط شئ من هذا وجب أن يحمل إطلاقه على ما جرت
العادة كما نقول في صفة القبض والتصرف، فإن خالف العامل فحمل على نفسه وتولي من
التصرف ما لا يليه في العرف لم يستحق الأجرة على فعله لأنه تطوع بذلك، فإن خالف
واستأجر أجيرا يعمل فيه ما يعمله بنفسه كانت الأجرة من ضمانه لأنه أنفق المال في غير
حقه.
إذا دفع إليه ألفين منفردين فقال له: خذهما قراضا على أن يكون الربح من هذا الألف
لي وربح الآخر لك، فالقراض فاسد لأن موضوع القراض على أن يكون الربح كل جزء من
المال بينهما.
إذا خلط الألفين وقال: ما رزق الله من فضل كان لي ربح ألف ولك ربح ألف، كان
جائزا لأن الألف الذي شرط ربحها ليست متميزة وإنما كانت تبطل لو كانت متميزة مثل
80

المسألة الأولى وذلك لا يجوز.
إذا غصب رجل مالا فاتجر به فربح أو كان في يده مال أمانة وديعة أو نحوها فتعدى فيها
واتجر وربح فلمن يكون الربح؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: أن الربح كله لرب المال ولا شئ للغاصب، لأنا لو جعلنا الربح للغاصب
كان ذلك ذريعة إلى غصب الأموال والجناية في الودائع فجعل الربح لرب المال صيانة
للأموال.
والقول الثاني: أن الربح كله للغاصب لا حق لرب المال فيه، لأنه إن كان قد اشترى
بعين المال فالشراء باطل بغير خلاف وإن كان الشراء في الذمة ملك المشتري المبيع وكان
الثمن في ذمته بلا خلاف، فإن دفع مال غيره فقد قضى دين نفسه بمال غيره وكان عليه
ضمان المال فقط والمبيع ملكه حلال له طلق، فإذا اتجر فيه وربح كان متصرفا في مال
نفسه فلهذا كان الربح له دون غيره، ولا يكون ذريعة إلى أخذ الأموال لأن حسم ذلك
بالخوف من الله والحذر مما يرتكبه من المعصية ويحذره من الإثم، وهذا القول هو الصحيح
الذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب.
إذا قال: خذه قراضا والربح بيننا، فالقراض صحيح لأن قوله: بيننا، معناه بيننا
نصفين كرجل قال: هذه الدار بيننا أو بيني وبينك، كان إقرارا بأنها بينهما نصفين، وجملته
أن هاهنا ثلاثة عقود: عقد يقتضي أن الربح كله لمن أخذ المال وهو القرض، وعقد يقتضي
أن الربح كله لرب المال وهو البضاعة وهو أن يقول: خذ هذا المال واتجر به والربح كله لي،
وعقد يقتضي أن الربح بينهما وهو القراض. فإذا قال: خذه واتجر به، صلح لهذه الثلاثة
العقود قرض وقراض وبضاعة، فإذا قرن به قرينة أخلصته إلى ما تدل القرينة عليه، فإن
قال: خذه واتجر به والربح لك، كان قرضا. وإن قال: خذه واتجر به على أن الربح كله
لي، كان بضاعة. فإن قال: خذه واتجر به والربح بيننا، كان قراضا لأن القرينة تدل عليه.
إذا اشترى العامل عبدا واختلف هو ورب المال، فقال العامل: اشتريته لنفس، وقال
رب المال: بل اشتريته للقراض وبمال القراض، فالقول قول العامل مع يمينه لأن العبد في
81

يده وظاهر ما في يده أنه ملكه فلا يقبل قول غيره في إزالة ملكه عنه. فإن اختلفا فقال رب
المال: اشتريته لنفسك، وقال العامل: للقراض اشتريته، فالقول أيضا قول العامل لأنه
أمين.
وإذا تلف من المال شئ بعد أن قبضه العامل كان من الربح بكل حال سواء كان
بعد أن دار في التجارة أو قبل ذلك، فإذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثم عمل فربح
فأراد أن يجعل البقية رأس المال بعد الذي هلك فلا يقبل قوله ويوفي رأس المال من ربحه،
حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما لأن المال إنما يصير قراضا في يد العامل بالقبض، فلا
فصل بين أن يهلك قبل التصرف أو بعده وقبل الربح، فالكل هالك من مال رب المال
فوجب أن يكون الهالك أبدا من الربح لا من رأس المال.
إذا خلط العامل مال القراض بمال نفسه خلطا لا يتميز فعليه الضمان كالمودع والوكيل
لأنه صيره كالتالف بدلالة أنه لا يقدر على رد المال إلى ربه بعينه.
إذا دفع إليه ثوبا وقال: بعه فإذا نض ثمنه فقد قارضتك عليه، فالقراض فاسد.
82

شرائع الاسلام
كتاب المضاربة وهو يستدعي بيان أمور أربعة
الأول في العقد:
وهو جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخه سواء نض المال أو كان به عروض، ولو
اشترط فيه الأجل لم يلزم، لكن لو قال: إن مرت بك سنة مثلا فلا تشتر بعدها وبع، صح لأن
ذلك من مقتضى العقد، وليس كذلك لو قال: على أني لا أملك فيها منعك، لأن ذلك مناف
لمقتضى العقد، ولو اشترط أن لا يشتري إلا من زيد أو لا يبيع إلا على عمرو صح، وكذا لو
قال: على أن لا يشتري إلا الثوب الفلاني أو ثمرة البستان الفلاني، وسواء كان وجود ما
أشار إليه عاما أو نادرا.
ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم قيل: يفسد، لأن مقتضاه
التصرف في رأس المال وفيه تردد، وإذا أذن له في التصرف تولى بإطلاق الإذن ما يتولاه
المالك من عرض القماش والنشر والطي وإحرازه وقبض الثمن وإيداعه الصندوق
واستئجار من جرت العادة باستئجاره كالدلال والوزان والحمال عملا بأعرف، ولو
استأجر للأول ضمن الأجرة. ولو تولى الأخير بنفسه لم يستحق أجرة، وينفق في السفر كمال
نفقته من أصل المال على الأظهر، ولو كان لنفسه مال غير مال القراض فالوجه التقسيط،
ولو أنفق صاحب المال مسافرا فانتزع المال منه نفقة عوده من خاصته، وللعامل ابتياع
المعيب والرد بالعيب والأخذ بالأرش كل ذلك مع الغبطة.
83

ويقتضي إطلاق الإذن بالبيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد، ولو خالف لم يمض إلا مع
إجازة المالك وكذا يجب أن يشتري بعين المال، ولو اشترى في الذمة لم يصح البيع إلا مع
الإذن، ولو اشترى في الذمة لا معه ولم يذكر المالك تعلق الثمن بذمته ظاهرا، ولو أمره
بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها أو أملاه بابتياع شئ معين فابتاع غيره ضمن، ولو ربح
والحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط، وبموت كل واحد منهما تبطل المضاربة لأنها في
المعنى وكالة.
الثاني: في مال القراض:
ومن شرطه أن يكون عينا وأن يكون دراهم أو دنانير وفي القراض بالنقرة تردد،
ولا يصح بالفلوس ولا بالورق المغشوش سواء كان الغش أقل أو أكثر ولا بالعروض،
ولو دفع آلة الصيد كالشبكة بحصة فاصطاد كان الصيد للصائد وعليه أجرة الآلة،
ويصح القراض بالمال المشاع ولا بد أن يكون معلوم المقدار، ولا يكفي المشاهدة وقيل:
يصح مع الجهالة، ويكون القول قول العامل مع التنازع في قدره.
ولو أحضر مالين وقال: قارضتك بأيهما شئت، لم ينعقد بذلك قراض، وإذا أخذ من مال
القراض ما يعجز عنه ضمن، ولو كان له في يد غاصب مال فقارضه عليه صح ولم يبطل
الضمان، فإذا اشترى به ودفع المال إلى البائع برئ لأنه قضى دينه باذنه، ولو كان له دين لم
يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه، وكذا لو أذن للعامل في قبضه من الغريم ما لم يجدد
العقد.
فروع:
لو قال: بع هذه السلعة، فإذا نض ثمنها فهو قراض، لم يصح لأن المال ليس بمملوك
عند العقد، ولو مات رب المال وبالمال متاع فأقره الوارث لم يصح لأن الأول بطل،
ولا يصح ابتداء القراض بالعروض، ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مع
يمينه لأنه اختلاف في المقبوض، ولو خلط العامل مال القراض بماله بغير إذن المالك خلطا
84

لا يتميز ضمن لأنه تصرف غير مشروع.
الثالث: في الربح:
ويلزم لحصة بالشرط دون الأجرة على الأصح، ولا بد أن يكون الربح مشاعا، فلو قال:
خذه قراضا والربح لي، فسد، ويمكن أن يجعل بضاعة نظرا إلى المعنى وفيه تردد، وكذا التردد
لو قال: والربح لك، أما لو قال: خذه فاتجر به والربح لي، كان بضاعة. ولو قال: والربح لك،
كان قراضا، ولو شرط أحدهما شيئا معينا والباني بينهما فسد لعدم الوثوق بحصول الزيادة
فلا تحقق الشركة، ولو قال: خذه على النصف، صح وكذا لو قال: على أن الربح بيننا،
ويقضي بالربح بينهما نصفين.
ولو قال: على أن لك النصف، صح، ولو قال: على أن لي النصف واقتصر، لم يصح
لأنه لم يعين للعامل حصة، ولو شرط لغلامه حصة معهما صح عمل الغلام أم لم يعمل، ولو
شرط لأجنبي وكان عاملا صح وإن لم يكن عاملا فسد وفيه وجه آخر.
ولو قال: لك نصف ربحه، صح وكذا لو قال: لك ربح نصفه، ولو قال لاثنين: لكما
نصف الربح، صح وكانا فيه سواء، ولو فضل أحدهما صح أيضا وإن كان عملهما سواء،
ولو اختلفا في نصيب العامل فالقول قول المالك مع يمينه، ولو دفع قراضا في مرض الموت
وشرط ربحا صح وملك العامل الحصة، ولو قال العامل: ربحت كذا، ورجع لم يقبل
رجوعه وكذا لو ادعى الغلط، أما لو قال: ثم خسرت، أو قال: ثم تلف الربح، قبل، والعامل
يملك حصته من الربح بظهوره ولا يتوقف على وجوده ناضا.
الرابع: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: العامل أمين لا يضمن ما يتلف إلا عن تفريط أو خيانة وقوله مقبول في التلف،
وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد أظهره أنه لا يقبل.
الثانية: إذا اشترى من ينعتق على رب المال، فإن كان باذنه صح وينعتق، فإن فضل
من المال عن ثمنه شئ كان الفاضل قراضا، ولو كان في العبد المذكور فضل ضمن رب المال
85

حصة العامل من الزيادة والوجه الأجرة وإن كان بغير إذنه وكان الشراء بعين المال
بطل، وإن كان في الذمة وقع الشراء للعامل إلا أن يذكر رب المال.
الثالثة: لو كان المال لامرأة فاشترى زوجها فإن كان بإذنها بطل النكاح وإن كان
بغير إذنها قيل: يصح الشراء، وقيل: يبطل لأن عليها في ذلك ضررا، وهو أشبه.
الرابعة: إذا اشترى العامل أباه، فإن ظهر فيه ربح انعتق نصيبه من الربح
ويسعى المعتق في باقي قيمته موسرا كان العامل أو معسرا.
الخامسة: إذا فسخ المالك صح وكان للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت، ولو كان
بالمال عروض قيل: كان له أن يبيع، والوجه المنع، ولو ألزمه المالك قيل: يجب
عليه أن ينض بالمال، والوجه أنه لا يجب، وإن كان سلفا كان عليه جبايته، وكذا
لو مات رب المال وهو عروض كان له البيع إلا أن يمنعه الوارث، وفيه قول آخر.
السادسة: إذا قارض العامل غيره، فإن كان باذنه وشرط الربح بين العامل الثاني
والمالك صح، ولو شرط لنفسه لم يصح لأنه لا عمل له، وإن كان بغير إذنه لم
يصح القراض الثاني، فإن ربح كان نصف الربح للمالك، والنصف الآخر للعامل
الأول، وعليه أجرة الثاني، وقيل: للمالك أيضا، لأن الأول لم يعمل، وقيل: بين
العاملين ويرجع الثاني على الأول بنصف الأجرة، والأول حسن.
السابعة: إذا قال: دفعت إليه مالا قراضا، فأنكر وأقام المدعي بينة فادعى العامل
التلف قضي عليه بالضمان، وكذا لو ادعى عليه وديعة أو غيرها من الأمانات، أما
لو كان جوابه: لا يستحق قبلي شيئا، أو ما أشبهه لم يضمن.
الثامنة: إذا تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف
من الربح وكذا لو تلف قبل ذلك، في هذا تردد.
التاسعة: إذا قارض اثنان واحدا وشرطا له النصف منهما وتفاضلا في النصف
الآخر مع التساوي في المال كان فاسدا لفساد الشرط، وفيه تردد.
العاشرة: إذا اشترى عبدا للقراض فتلف الثمن قبل قبضه قيل: يلزم صاحب المال
ثمنه دائما ويكون الجميع رأس ماله، وقيل: إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك
86

وإلا كان باطلا، ولا يلزم الثمن أحدهما.
الحادية عشرة: إذا نض قدر الربح فطلب أحدهما القسمة فإن اتفقا صح وإن امتنع
المالك لم يجبر، فإن اقتسما وبقي رأس المال معه فخسر رد العامل أقل الأمرين واحتسب
المالك.
الثانية عشرة: لا يصح أن يشتري رب المال من العامل شيئا من مال القراض، ولا
أن يأخذ منه بالشفعة وكذا لا يشتري من عبده القن وله الشراء من المكاتب.
الثالثة عشرة: إذا دفع مالا قراضا وشرط أن يأخذ له بضاعة قيل: لا يصح لأن
العامل في القراض لا يعمل مالا يستحق عليه أجرة، وقيل: يصح القراض ويبطل
الشرط، ولو قيل بصحتهما كان حسنا.
الرابعة عشرة: إذا كان مال القراض مائة فخسر عشرة وأخذ المالك عشرة ثم عمل
بها الساعي فربح كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعا، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال
فهو كالموجود فإذن المال في تقدير تسعين، فإذا قسم الخسران وهو عشرة على تسعين كان
حصة العشرة المأخوذة دينارا وتسعا فيوضع ذلك من رأس المال.
الخامسة عشرة: لا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها وإن أذن له المالك
وقيل: يجوز مع الإذن، أما لو أحلها بعد شرائها صح.
السادسة عشرة: إذا مات وفي يده أموال مضاربة، فإن علم مال أحدهم بعينه كان
أحق به، وإن جهل كانوا فيه سواءا، فإن جهل كونه مضاربة قضي به ميراثا.
87

المختصر النافع
كتاب المضاربة
وهي أن يدفع الانسان إلى غيره مالا ليعمل فيه بحصة من ربحه. ولكل منهما
الرجوع سواء كان المال ناضا أو مشتغلا. ولا يلزم فيها اشتراط الأجل. ويقتصر على
ما تعين له من التصرف. ولو أطلق، تصرف في الاستثمار كيف شاء.
ويشترط كون الربح مشتركا. ويثبت للعامل ما شرط له من الربح ما لم يستغرقه. وقيل
للعامل أجرة المثل.
وينفق العامل في السفر من الأصل كمال النفقة ما لم يشترطه.
ولا يشترى العامل إلا بعين المال. ولو اشترى في الذمة وقع الشراء له والربح له.
ولو أمر بالسفر إلى جهة فقصد غيرها ضمن. ولو ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط.
وكذا لو أمره بابتياع شئ فعدل إلى غيره. وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة.
ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا: دنانير أو دراهم. ولا تصلح بالعروض.
ولو قوم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه كان الربح للمالك، وللعامل الأجرة.
ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر، وفيه قول بالجواز. ولو اختلفا في
قدر رأس المال فالقول قول العامل مع يمينه.
ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينض. ولا خسران على العامل إلا عن
تعد أو تفريط. وقوله مقبول في التلف. ولا يقبل في الرد إلا ببينة على الأشبه.
88

باب المضاربة وهي القراض
المضاربة عقد جائز من الطرفين، وإنما تصح بالأثمان الخالصة من الغش بشرط
ذكر حصة مشاعة من الربح معلومة، فإن دفع إليه جزافا صح والقول قول العامل في قدره
مع يمينه وكذلك ثمن المبيع والسلم والأجرة، وقيل لا يصح، فإن سلم إليه عرضا وقال:
إذا بعته فقد قارضتك على ثمنه، لم يصح، فإن قارضه على مال وديعة في يده أو غصب
صح وزال ضمان الغصب وقيل لا يزول، فإن قال له: عين الدين الذي عليك وأقبضه من
نفسك مضاربة لم يصح، فإن تصرف على هذا فالربح له دون من له الدين، ويصح
للولي أن يقارض بمال المولى عليه لحظه فيه ويصح بمال مشاع في يد العامل، وإذا لم يعين
الحصة أو قدرها بدينار أو درهم أو قال: على أن نصف الربح لك إلا دينارا منه لم يصح.
فإن قال رب المال على أن لك الثلث ولي النصف، صح وكان الثلثان لرب المال، فإن
قال: على أن لك النصف، صح والباقي لرب المال، فإن قال: على النصف، كان باطلا،
فإن قال: الربح بيننا، صح وكانا سواء وقيل يبطل كما إذا باع سلعة بألف مثقال ذهب
وفضة، وإن أعطى شخصان مالا بينهما شخصا على أن له نصف الربح من نصيب
أحدهما الثلثين ومن نصيب الآخر الثلث وباقي الربح بينهما سواء لم يصح، وإن قال:
قارضتك على أن لك النصف، صح لأنه قدر نصيب العامل، وإن قال: قارضتك على أن ربح
هذا الألف وربح هذا الألف لك، لم يصح، وإن قال: على أن لك ربح النصف، صح وقيل لم
يصح، وإعطاء الغير مالا ليحفظه وديعة، وليكون الربح للعامل قرض وليكون الربح
89

لربه بضاعة، وليكون الربح بينهما قراض.
والمضارب أمين لا يضمن إلا بالتفريط والقول قوله مع يمينه في دعوى التلف وإنكار
التفريط، وكذلك إذا اشترى شيئا فقال رب المال: كنت نهيتك عن شرائه لأن الأصل الأمانة.
فإن ادعى الرد حلف صاحب المال وكذا في الشركة، قيل: يحلف المضارب والشريك، فإن
اختلفا في قدر رأس المال حلف العامل لعدم البينة، فإن اختلفا في الربح قدم صاحب البينة،
فإن لم يكن بينة تحالفا وفسخ العقد ووجبت الأجرة وقيل: حلف صاحب المال، فإن أقاما
بينتين أقرع بينهما، وإن كان عامل المسلم ذميا اشترى بالمال خمرا أو خنزيرا لم يصح.
وإن اشترى العامل من يعتق على رب المال باذنه عتق وانفسخ القراض إن كان بكل
المال ورجع العامل عليه بحصته من الربح إن كان، وقيل: لا يعتق قدر نصيبه من الربح
لأنه ملك بالظهور، وإن كان ببعضه انفسخ بقدره وحسب على رب المال، وإن اشتراه عبده
المأذون له في التجارة باذنه عتق فإن نهاه أو لم يأذن فيه لم يصح، فإذا اشترى العامل من
يعتق على نفسه ولا ربح لم يعتق، وإن ربح فيما بعد وكانت حصته بقدره عتق وإن كانت
ببعضه عتق البعض وقوم عليه الباقي، فإن كان معسرا فباقيه رق، وإن فسخ القراض بعد
العمل والمال سلع باعها العامل إلا أن يأخذها رب المال بقيمتها وله جبره على بيعها ليأخذ
ماله ناضا وقيل لا يجبر، وإن كان المال دينا جباه العامل وإن لم يكن فيه ربح، وإن اتفقا على
قسمة الربح وعقد المضاربة باق جاز، وإن خسر فيما بعد رد العامل أقل الأمرين من حصته
في الخسارة أو ما أخذ من الربح، وإن طلبها أحدهما لم يجبر الممتنع.
وموت كل منهما يبطلها، فإن مات رب المال وهو عروض فللعامل طلب البيع أو
التقويم وللوارث إلزامه ببيعها ويعطي من الربح حصته إن كان ربح، وإن طلب العامل
إقراره على المضاربة جاز لأن رأس المال ثمن وحكمه باق لأن للعامل بيع السلع لإبقاء رأس
المال وقسم ما بقي بعده، وقيل: لا يصح لأنه استيناف قراض على عرض، فإن مات العامل
والمال ناض انفسخ، وإن كان سلعة لم يبعه وارثه وتولاه الحاكم ولم يكن لرب المال معارضة
عليها، وكان على ع يقول: من يموت وعنده مال مضاربة إن سماه بعينه قبل
موته، فقال: هذا لفلان فهو له، وإن لم يذكره فهو أسوة الغرماء، وإذا بلغ نصيب العامل
90

من الربح النصاب زكاه بظهوره وحوله وزكى رب المال الأصل وحصته من الربح.
فإن قارضه إلى سنة بشرط ألا يبيع ولا يشترى أو على ألا يفسخ العقد إلى سنة صح
القراض وفسد الشرط، فإن شرط ألا يشترى بعد السنة صح القراض والشرط، ويجب في
القراض الفاسد للعامل أجرة المثل ربح المال أو خسر، وقيل: إن خسر فلا شئ له ويكون
تصرفه صحيحا بالإذن وكذا في الوكالة الفاسدة.
ونفقة المضارب في الحضر من مال نفسه وفي السفر من مال المضاربة، وقيل: إنما ينفق
القدر الزائد على نفقة الحضر فإن خرج بماله ومال المضاربة أنفق بالحساب في المأكل
والملبس، ويجوز أن يشترى المعيب للربح، فإن اشترى على الصحة فظهر العيب فله الرد
والإمساك بالأرش على ما يراه أحظى.
فإن حضر رب المال فاختلفا نظر الحاكم فيما فيه الحظ وأجاب الداعي إليه، ولا يبيع
المضارب إلا حالا بثمن المثل ونقد البلد إلا أن يفوض إليه ما شاء، وإذا خالف رب المال في
السفر إلى موضع أو شراء جنس ضمن، والربح بينهما على الشرط.
فإن قارض العامل بالنصف بإذن صاحب المال غيره على ذلك صح القراض
ولا شئ للعامل الأول، وإذا قال للعامل الثاني: لك ثلثه ولي ثلثه ولرب المال ثلثه بطل
القراض وللعامل الثاني أجر عمله والربح لصاحب المال ولا شئ للعامل الأول، وإن
قارض بغير إذنه بمثل الحصة من علم الحال أثم وهما ضامنان وإن ربح فعلى الشرط، وإن
قارضه على أن النصف لرب المال والنصف الآخر بينهما نصفين قسم على ذلك.
ومداخلة رب المال للعامل بنفسه في العمل يبطلها ويكون الربح لرب المال والأجرة
للعامل، ويتولى العامل ما يتولاه رب المال ويستنيب ويستأجر في غيره كنقل الأحمال والأثقال
والنداء على السلع فإن تولى وذلك بنفسه فلا أجرة له، وإن ولى غيره ما يتولاه هو ضمن
الأجرة والمال إن كان فعله يوجب تفريطا، ومن أعطى غيره مال يتيم مضاربة ولم يكن
صلاحا أو لم يكن وليا له فالخسارة عليه والربح لليتيم.
وإن لم يعلم العامل الحال لم يقبل قول المعطى وأخذ العامل ما شرط له. فإن أعطى
غيره مالا مضاربة ليشتري النخل والشجر والعقار ويستنميها ولا يبيع الأصل لم يصح،
91

وإن أعطاه شبكة ليصطادها بالنصف لم يصح والصيد لصياده وعليه أجرة الشبكة،
وإن أعطاه بغلا ليستقي عليه بينهما نصفين فالماء للمستقي وعليه أجرة البغل، وإن
سلم إليه أرضا ليغرسها من ماله على أن لكل واحد نصف مال الآخر لم يصح والأرض
لربها والغراس لربه، ولرب الأرض أن يقره في أرضه بأجرة أو يقلعه ويضمن أرشه أو يقوم
عليه فيرد قيمته، فإن اتفقا على شئ فلا كلام وإن اختلفا فطلب رب الأرض القلع بالأرش
والغارس الإقرار بالأجرة قبل من رب الأرض.
وإن طلب الغارس القلع بالأرش ورب الأرض البقاء بالأجرة قبل من الغارس، وكذا
لو طلب رب الأرض تقويمه على نفسه والغارس قلعه بأرشه، فإن طلب الغارس القيمة
ورب الأرض القلع بالأرش قبل من رب الأرض، فإن طلب رب الأرض إقراره بالأجرة لم يجبر
أحدهما على مراد الآخر، وإن كانت الأرض والغراس لشخص فله الأجرة بعمله والكل
لمالكه.
وإن أعطاه ألفا قراضا على أن يأخذ منه ألفا بضاعة جاز ولم يلزم الوفاء، فإن أخذ رب
المال من المال وكان أربعين عشرة بعد أن خسر عشرة ثم ربح انتقض القراض في الربع
الذي أخذه وفيما يخصه من الخسران فينتقض في الربع وثلث الربع، وإن اشترى بمال
القراض عبدا فقتل فأخذت ديته كانت قراضا، وإن كان فيه ربح فهما شريكان بالحساب،
فإن كانت توجب القصاص اتفقا عليه لتعلق حقهما به، فإن اشترى المضارب سلعة لها
فتلف المال قبل إقباضه وكذا في الوكالة لزم المضارب والوكيل بدلها وقيل يلزم صاحب
المال والموكل.
92

قواعد الأحكام
المقصد الخامس في القراض وفصوله ثلاثة
الأول: في أركانه: وهي خمسة:
الأول: العقد:
فالإيجاب: قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا نصفين أو
متفاوتا، والقبول: قبلت، وشبهه من الألفاظ الدالة على الرضا، وهو عقد قابل
للشروط الصحيحة مثل أن لا يسافر بالمال أو لا يشترى إلا من رجل بعينه أو قماشا
معينا وإن عز وجوده كالياقوت الأحمر، أو لا يبيع إلا على رجل معين، ولو شرط
ما ينافيه فالوجه بطلان العقد مثل أن يشترط ضمان المال أو سهما من الخسران أو
لزوم المضاربة أو ألا يبيع إلا برأس المال أو أقل، ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم
الشرط والعقد صحيح لكن ليس للعامل التصرف بعده، ولو شرط على العامل
المضاربة في مال آخر أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا أو يخدمه في شئ بعينه فالوجه
صحة الشروط.
الثاني: المتعاقدان:
ويشترط فيهما: البلوغ والعقل وجواز التصرف، ويجوز تعددهما واتحادهما
وتعدد أحدهما خاصة، وأن يكون الدافع رب المال أو من أذن له، فلو ضارب
العامل غيره بإذن المالك صح وكان الأول وكيلا، فإن شرط لنفسه شيئا من الربح
93

لم يجز لأنه لا مال له ولا عمل، وإن ضارب بغير إذنه بطل الثاني.
فإن لم يربح ولا تلف منه شئ رده على المالك ولا شئ له ولا عليه، وإن
تلف في يده طالب المالك من شاء منهما فإن طالب الأول رجع على الثاني مع علمه
لاستقرار التلف في يده وكذا مع عدم علمه على إشكال ينشأ من الغرور، وإن
طالب الثاني رجع على الأول مع جهله على إشكال لا مع علمه.
وإن ربح فللمالك خاصة وفي رجوع الثاني على الأول بأجرة المثل احتمال،
ولو قيل: إن كان الثاني عالما بالحال، لم يستحق شيئا وإن جهل فله أجرة المثل
على الأول كان وجها، ويحتمل عدم لزوم الشراء أن كان بالعين، وإن كان في
الذمة احتمل اختصاص الثاني به والقسمة بينه وبين العامل الأول في النصف،
واختصاص المالك بالآخر إن كان الأول شرط على الثاني أن للمالك النصف
والآخر بينهما.
ولو شرط المريض للعامل ما يزيد على أجرة المثل لم يحتسب الزائد من الثلث
إذ المقيد بالثلث التفويت وليس حاصلا هنا لانتفاء الربح حينئذ، وهل المساقاة
كذلك؟ إشكال ينشأ من كون النخلة تثمر بنفسها فهي كالحاصل، وإذا فسد
القراض بفوات شرط نفذت التصرفات وكان الربح بأجمعه للمالك، وعليه للعامل
أجرة المثل إلا إذا فسد بأن شرط جميع الربح للمالك، ففي استحقاق الأجرة إشكال
ينشأ من رضاه بالسعي مجانا.
الثالث: رأس المال:
وشروطه أربعة:
أ: أن يكون نقدا فلا يصح القراض بالعروض ولا بالنقرة ولا بالفلوس ولا
بالدراهم المغشوشة، ولو مات المالك وبالمال متاع فأقره الوارث لم يصح، ولو دفع
شبكة للصائد بحصة فالصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة.
94

ب: أن يكون معينا فلا يجوز على دين في الذمة، ولو قال له: اعزل المال
الذي لي عليك وقد قارضتك عليه، ففعل واشترى بعين المال للمضاربة فالشراء له
وكذا إن اشترى في الذمة، ولو أقرضه ألفا شهرا ثم هو بعده مضاربة لم يصح، ولو
قال: ضارب به شهرا ثم هو قرض، صح ولو قال: خذ المال الذي على فلان
واعمل به مضاربة، لم يصح ما لم يجدد العقد، وكذا لو قال: بع هذه السلعة فإذا
نض ثمنها فهو قراض، ولو كان وديعة أو غصبا عند فلان صح ولو كان قد تلف لم
يصح، وكذا يصح لو كان في يده وديعة أو غصب لم يتلف عينه فضاربه المالك به،
والأقرب زوال الضمان بالعقد ويحتمل بقاؤه إلى الأداء ثمنا عما يشتريه، ولو دفع
إليه كيسين فقال: قارضتك على أحدهما والآخر وديعة، ولم يعين أو: قارضتك
على أيهما شئت، لم يصح.
ج: أن يكون معلوما فلا يصح على المجهول قدره، وفي المشاهد إشكال، فإن
جوزنا فالقول قول العامل مع يمينه في قدره.
د: أن يكون مسلما في يد العامل فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح،
أما لو شرط أن يكون مشاركا في اليد أو يراجعه في التصرف أو يراجع مشرفه
فالأقرب الجواز، ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.
الرابع: العمل:
وهو عوض الربح وشرطه أن يكون تجارة فلا يصح على الطبخ والخبز
والحرف، أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة فإنها تبع للتجارة، والتجارة
هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرف والصنائع، وإذا أذن في التصرف وأطلق
اقتضى الإطلاق ما يتولاه المالك من عرض القماش ونشره وطيه وإحرازه وبيعه
وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجاره ما يعتاد الاستئجار له كالدلال والوزان
والحمال.
95

ولو استأجر لما تجب عليه مباشرته فالأجرة عليه خاصة، ولو عمل بنفسه ما
يستأجر له عادة لم يستحق أجرة، ولو شرط عليه ما تتضيق التجارة بسببه لزم فإن
تعدى ضمن، كما لو شرط أن لا يشتري إلا ثوبا معينا أو ثمرة بستان معين أو
لا يشترى إلا من زيد أو لا يبيع إلا عليه وسواء كان وجود ما عينه عاما أو نادرا،
ولو شرط الأجل لم يلزم، ولو قال: إن مضت سنة فلا تشتر بعدها وبع، صح وكذا
العكس، ولو قال: على أني لا أملك فيها منعك، لم يصح، ولو شرط أن يشترى
أصلا يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم، فالأقرب الفساد لأن مقتضى القراض
التصرف في رأس المال.
الخامس: الربح:
وشرطه أربعة:
أ: أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين، فلو شرط جزء منه لأجنبي فإن كان عاملا
صح وإلا بطل، ولو شرط لغلامه حصة معهما صح سواء عمل الغلام أو لا.
ب: أن يكون مشتركا فلو قال: خذه قراضا على أن الربح لك أو لي، بطل.
أما لو قال: خذه فاتجر به على أن الربح لك، كان قرضا ولو قال: على أن الربح
لي، كان بضاعة.
ج: أن يكون معلوما فلو قال: على أن لك مثل ما شرطه فلان لعامله، ولم
يعلمه أحدهما بطل ولو قال: على أن الربح بيننا، فهو تنصيف وكذا: خذه على
النصف أو على أن لك النصف، وإن سكت عن حصته. أما لو قال: على أن لي
النصف، وسكت عن حصة العامل بطل على إشكال، ولو قال: على أن لك
الثلث ولي النصف، وسكت عن السدس صح وكان للمالك ولو قال: خذه
مضاربة على الربع أو الثلث، صح وكان تقدير النصيب للعامل ولو قال: لك ثلث
الربح وثلث ما بقي، صح وكان له خمسة اتساع لأنه معناه ولو قال: لك ثلث
96

الربح وربع ما بقي، فله النصف ولو قال: لك الربع وربع ما بقي، فله ثلاثة أثمان
ونصف ثمن سواء عرفا الحساب أو جهلاه لأنه أجزاء معلومة.
د: أن يكون مقدرا بالجزئية لا بالتقدير كالنصف أو الثلث، فلو قال: على أن
لك من الربح مائة والباقي لي، أو بالعكس أو: على أن لك ربح هذه الألف ولي
ربح الأخرى أو لك نصف الربح إلا عشرة دراهم أو وعشرة أو على أن لي ربح
أحد الثوبين أو إحدى السفرتين أو ربح تجارة شهر كذا، بطل وكذا لو قال: على
أن لك مائة والباقي بيننا، ويصح لو قال: على أن لك ربح نصفه أو نصف ربحه.
الفصل الثاني: في الأحكام: ومطالبه أربعة:
الأول:
العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة فليس له التصرف بالغبن ولا
بالنسيئة بيعا ولا شراء إلا مع عموم الإذن كافعل ما شئت أو خصوصه، فإن فعل
لا معه وقف على الإجازة، والأقرب أنه يضمن القيمة لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها
ولا يتحفظ بتركه سواها، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها.
وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ولا يشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس
به، فإن خالف احتمل بطلان البيع وضمان النقص وعلى البطلان لو تعذر الرد
ضمن النقص، ولو أمكن الرد وجب رده إن كان باقيا ورد قيمته إن كان تالفا
وللمالك إلزام من شاء، وإن رجع على المشتري بالقيمة رجع المشتري على العامل
بالثمن، وإن رجع على العامل رجع العامل بالزائد من قيمته على المشتري، ولو ظهر
ربح فللمالك المطالبة بحصته دون العامل، ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين
المال فهو كالبيع، وإن اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز
المالك، وإن ذكر المالك بطل مع عدم الإجازة.
وليس له أن يبيع إلا نقدا بنقد البلد والأقرب أن له أن يبيع بالعرض مع
97

الغبطة، وليس له المزارعة ولا يشترى إلا بعين المال، فإن اشترى في الذمة من دون
إذن وقع له إن لم يذكر المالك وإلا بطل، وليس له أن يشترى بأكثر من رأس
المال فلو اشترى عبدا بألف هي رأس المال ثم اشترى بعينها آخر بطل، وإن اشترى
في الذمة صح له إذا لم يذكر المالك وإلا وقف على الإجازة، وله أن يشترى
المعيب ويرد بالعيب ويأخذ الأرش كل ذلك مع الغبطة، ولو اختلفا في الرد
والأرش قدم جانب الغبطة فإن انتفت قدم المالك.
وليس له أن يشترى من ينعتق على المالك إلا باذنه، فإن فعل صح وعتق
وبطلت المضاربة في ثمنه فإن كان كل المال بطلت المضاربة، ولو كان فيه ربح
فللعامل المطالبة بثمن حصته والوجه الأجرة، وإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن
كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك وإلا وقع للعامل مع علمه، وفي
جاهل النسب أو الحكم إشكال.
ولو اشترى من نذر المالك عتقه صح الشراء وعتق على المالك إن لم يعلم
العامل بالنذر ولا ضمان، ولو اشترى زوجة المالك احتمل الصحة والبطلان، ولو
اشترى زوج المالكة باذنه بطل النكاح وبدونه قيل يبطل الشراء لتضررها به وقيل
يصح موقوفا، ولا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة وقيل مطلقا
فيضمن المهر مع العلم، وكذا لو اشترى من له عليه مال، والوكيل في شراء عبد
مطلق لو اشترى أب الموكل احتمل الصحة وعدمها، والمأذون له في شراء عبد
كالوكيل وفي التجارة كالعامل.
ولو اشترى العامل من يعتق عليه ولا ربح في المال صح، فإن ارتفع السوق
وظهر ربح وقلنا يملك به عتق حصته ولم يسر على إشكال، إذ لا اختيار في ارتفاع
السوق واختياره السبب، وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور صح ولا عتق،
وإن قلنا يملك فالأقرب الصحة فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب المالك ويغرم له
حصته لاختياره الشراء، ويحتمل الاستسعاء في باقي القيمة للمعتق وإن كان
98

العامل موسرا، والبطلان لأنه مخالف للتجارة.
المطلب الثاني:
ليس للعامل أن يسافر إلا بإذن المالك، فإن فعل بدون إذن ضمن وينفذ
تصرفاته ويستحق الربح، ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها أو بابتياع
شئ معين فابتاع غيره ضمن ولو ربح حينئذ فالربح على الشرط، ولو سوع له
السفر لم يكن له سلوك طريق مخوف فإن فعل ضمن، وإذا أذن في السفر فأجرة
النقل على مال القراض ونفقته في الحضر على نفسه، وفي السفر من أصل القراض
كمال النفقة على رأي، فلو كان معه غيره قسط ويحتمل مساواة الحضر واحتساب
الزائد على القراض، ولو انتزع المالك منه المال في السفر فنفقة العود على خاص
العامل، ولو مات لم يجب تكفينه.
المطلب الثالث:
ليس للعامل وطء أمة القراض وإن ظهر الربح، فإن فعل من غير إذن حد
وعليه المهر، وولده رقيق إن لم يظهر ربح فلا تصير أم ولد، ولو ظهر ربح انعقد حرا
وهي أم ولد وعليه قيمتها وليس للمالك وطء الأمة أيضا، فإن فعل فهي أم ولد إن
علقت ولا حد ويحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال، وإن كان فيه ربح
فللعامل حصته، ولو أذن له المالك في شراء أمة يطأها قيل جاز والأقرب المنع،
نعم لو أحله بعد الشراء صح.
وليس لأحدهما تزويج الأمة ولا مكاتبة العبد فإن اتفقا عليهما جاز، وليس له
أن يختلط مال المضاربة بماله إلا مع إذنه فيضمن بدونه، ولو قال: اعمل برأيك،
فالأقرب الجواز، وليس له أن يشترى خمرا ولا خنزيرا إذا كان أحدهما مسلما،
وليس له أن يأخذ من آخر مضاربة إن تضرر الأول إلا باذنه، فإن فعل وربح في
99

الثانية لم يشاركه الأول.
ولو دفع إليه قراضا وشرط أن يأخذ له بضاعة فالأقوى صحتهما، ولو قارض
اثنان واحدا وشرطا له النصف وتفاضلا في الباقي مع تساوى المالين أو بالعكس
فالأقوى الصحة، ولو كان العامل اثنين وساواهما في الربح صح وإن اختلفا في
العمل، ولو أخذ من واحد مالا كثيرا يعجز عن العمل فيه ضمن مع جهل المالك،
ولو أخذ مائة من رجل ومثلها من آخر واشترى بكل مائة عبدا فاختلطا اصطلحا أو
أقرع.
المطلب الرابع:
العامل يملك الحصة من الربح بالشرط دون الأجرة على الأصح، ويملك
بالظهور لا بالانضاض على رأي ملكا غير مستقر وإنما يستقر بالقسمة أو بالانضاض
والفسخ قبل القسمة، ولو أتلف المالك أو الأجنبي ضمن له حصته ويورث عنه،
والربح وقاية رأس المال، فإن خسر وربح جبرت الوضعية بالربح سواء كان الربح
والخسران في مرة واحدة أو مرتين وفي صفقة أو اثنتين.
فلو دفع ألفين فاشترى بإحداهما سلعة وبالأخرى مثلها فخسرت الأولى
وربحت الثانية جبر الخسران مع الربح ولا شئ للعامل إلا بعد كمال الألفين،
ولو تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح،
وكذا لو كان قبل دورانه على إشكال سواء كان التلف للمال أو للعوض باحتراق
أو سرقة أو نهب أو فوات عين أو بانخفاض سوق أو طريان عيب، والزيادات العينية
كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح، وكذا بدل منافع الدواب ومهر وطء الجواري
حتى لو وطئ السيد كان مستردا مقدار العقر.
ولو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ثم أخذ المالك عشرة ثم عمل الساعي
فربح فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية اتساع، لأن المأخوذ محسوب من رأس
100

المال فهو كالموجود فالمال في تقدير تسعين، فإذا بسط الخسران وهو عشرة على تسعين
أصاب العشرة المأخوذة دينار وتسع فيوضع ذلك من رأس المال، وإن أخذ نصف
التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران،
وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة اتساع، وكذا في طرف الربح يحسب
المأخوذ من رأس المال والربح.
فلو كان المال مائة فربح عشرين فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة وثمانين
وثلثا، لأن المأخوذ سدس المال فينقص سدس المال وهو ستة عشر وثلثان، وحظها
من الربح ثلاثة وثلث فيستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح وهو درهم
وثلثان، فلو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه
ليتم له المائة بل للعامل من الثمانين درهم وثلثان.
ولو كان قد أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فبقي
نصفه، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثا لأنه أخذ ربع المال
وسدسه فبقي ثلثه وربعه، فإن أخذ منه ستين ثم خسر فصار معه أربعون فردها كان
له على المالك خمسة، لأن الذي أخذه المالك انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه
خسران الباقي لمفارقته إياه وقد أخذ من الربح عشرة لأن سدس ما أخذه ربح، ولو
رد منها عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين.
ولو دفع ألفا مضاربة فاشترى متاعا يساوي ألفين فباعه بهما ثم اشترى جارية
وضاع الثمن قبل دفعه رجع على المالك بألف وخمس مائة ودفع من ماله خمس مائة
على إشكال، فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها وأخذ المالك من الباقي
رأس ماله ألفين وخمس مائة وكان الباقي ربحا بينهما على ما شرطاه.
ولو دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا أخرى مضاربة وأذن في ضم
أحدهما إلى الأخرى قبل التصرف في الأول جاز وصار مضاربة واحدة، وإن كان
بعد التصرف في الأول في شراء المتاع لم يجز لاستقرار حكم الأول فربحه وخسرانه
101

مختص به، فإن نض الأول جاز ضم الثاني إليه، وإن لم يأذن في الضم فالأقرب أنه
ليس له ضمه، ولو خسر العامل فدفع الباقي إليه ناضا ثم أعاده المالك إليه بعقد
مستأنف لم يجبر ربح الثاني خسران الأول لاختلاف العقدين. وهل يقوم الحساب
مقام القبض؟ الأقرب أنه ليس كذلك.
وليس للعامل بعد ظهور الربح أخذ شئ منه بغير إذن المالك، فإن نض قدر
الربح اقتسماه وبقي رأس المال فخسر رد العامل أقل الأمرين واحتسب المالك،
وإن امتنع أحدهما من القسمة لم يجبر الآخر عليها، ولا يصح أن يشترى المالك من
العامل شيئا من مال القراض ولا أن يأخذ منه بالشفعة ولا من عبده القن، ويجوز
من المكاتب والشريك فيصح في نصيب شريكه، وللعامل أن يشترى من مال
المضاربة، وإن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه.
الفصل الثالث: في التفاسخ والتنازع:
القراض عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخه سواء نض المال أو كان به
عروض وينفسخ بموت أحدهما وجنونه، وإذا فسخ القراض والمال ناض لا ربح فيه
أخذه المالك ولا شئ للعامل وإن كان ربح قسم على الشرط، وإن انفسخ
وبالمال عروض فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه أو وجد زبونا يحصل له ربح
ببيعه عليه أجبر المالك على إجابته على إشكال، وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم يجبر
المالك، ولو طلب المالك بيعه فإن لم يكن ربح أو كان وأسقط العامل حقه منه،
فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه وكذا يجبر مع الربح.
ولو نض قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على إنضاض الباقي وكان مشتركا
بينهما، ولو رد ذهبا ورأس المال فضة وجب الرد إلى الجنس، وإذا فسخ المالك
القراض ففي استحقاق العامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت نظر، وإذا انفسخ والمال
دين وجب على العامل تقاضيه وإن لم يظهر ربح، ولو مات المالك فلورثته مطالبة
102

العامل بالتنضيض وتجديد عقد القراض إن كان المال ناضا نقدا وإلا فلا، ولو
مات العامل فللمالك تقرير وارثه على العقد إن كان المال نقدا وإلا فلا. وهل
ينعقد القراض هنا بلفظ التقرير؟ إشكال، وإذا مات المالك قدمت حصة العامل
على غرمائه، ولو مات العامل ولم يعرف بقاء مال المضاربة صار ثابتا في ذمته
وصاحبه أسوة الغرماء على إشكال، وإن عرف قدم وإن جهلت عينه.
وإذا تلف المال قبل الشراء انفسخت المضاربة، فإذا اشترى بعد ذلك
للمضاربة فالثمن عليه وهو لازم له سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله،
ولو أجاز رب المال احتمل صيرورة الثمن عليه وبقاء المضاربة، فإن اشترى
للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق وعلى المالك
الثمن. وهل يحسب التالف من رأس المال؟ نظر، هذا إن كان المالك أذن في
الشراء في الذمة وإلا كان الثمن لازما للعامل والشراء له إن لم يذكر المالك،
وإلا بطل البيع ولا يلزم الثمن أحدهما.
ولو اشترى بالثمن عبدين فمات أحدهما كان تلفه من الربح، ولو ماتا معا
انفسخت المضاربة لزوال ما لها أجمع، فإن دفع إليه المالك شيئا آخر كان الثاني رأس
المال ولم يضم إلى المضاربة الأولى، وينفذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة بمجرد
الإذن كالوكيل، والربح بأجمعه للمالك وعليه أجرة المثل للعامل سواء ظهر ربح أو
لا إلا أن يرضى العامل بالسعي مجانا كأن يقول له: قارضتك والربح كله لي،
فلا أجرة له حينئذ.
والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلا بتعد أو تفريط سواء كان العقد صحيحا
أو فاسدا، والقول قوله مع اليمين في قدر رأس المال وتلفه، وعدم التفريط وحصول
الخسران وإيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة، وقدر الربح وعدم النهي عن شراء
العبد مثلا لو ادعاه المالك والأقرب تقديم قول المالك في الرد، وفي عدم إذن
النسيئة وعدم الإذن في الشراء بعشرة وفي قدر نصيب العامل من الربح، ولو قال
103

العامل: ما ربحت شيئا أو ربحت ألفا ثم خسرت أو تلف الربح، قبل بخلاف ما لو
قال: غلطت أو نسيت، ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مطلقا
على إشكال.
فلو ادعى المالك أن رأس المال ثلثا الحاصل فصدقه أحد العاملين بالنصف،
وادعى الآخر الثلث قدم قول المنكر مع يمينه فيأخذ خمس مائة من ثلاثة آلاف
ويأخذ المالك ألفين رأس ماله بتصديق الآخر، وللآخر ثلث المتخلف وهو
خمس مائة وللمالك ثلثاه لأن نصيب المالك النصف ونصيب العامل الربع فيقسم
الباقي على النسبة، وما أخذه الحالف زائدا على قدر نصيبه كالتالف منهما والتالف
من المضاربة يحسب من الربح، ولو ادعى المالك القراض والعامل القرض فالقول
قول المالك فيثبت له مع اليمين مدعاه من الحصة ويحتمل التحالف، فللعامل أكثر
الأمرين من الأجرة والمشترط، ولو أقاما بينة فعلى الأول يقدم بينة العامل.
ولو ادعى العامل القراض والمالك الإبضاع قدم قول العامل لأن عمله له
فيكون قوله مقدما فيه ويحتمل التحالف، وللعامل أقل الأمرين من الأجر
والمدعي، ولو ادعى العامل القرض والمالك الإبضاع تحالفا فللعامل الأجر، ولو
تلف المال أو خسر فادعى المالك القرض والعامل القراض أو الإبضاع قدم قول
المالك مع اليمين، ولو شرط العامل النفقة أو أوجبناها وادعى أنه أنفق من ماله
وأراد الرجوع فله ذلك سواء كان المال في يده أو رده إلى المالك، ولو شرطا
لأحدهما جزء معلوما واختلفا لمن هو فهو للعامل، ولو أنكر القراض ثم ادعى
التلف لم يقبل قوله وكذا الوديعة وشبهها، أما لو كان الجواب لا تستحق عندي
شيئا وشبهه لم يضمن.
104

اللمعة الدمشقية
كتاب المضاربة
وهي أن يدفع مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه. وهي جائزة من
الطرفين ولا يصح اشتراط اللزوم أو الأجل فيها لكن يثمر المنع من التصرف بعد الأجل
إلا بإذن جديد، ويقتصر من التصرف على ما أذن المالك له، ولو أطلق تصرف
بالاسترباح، وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال، وليشتر نقدا بنقد البلد بثمن
المثل فما دون، وليبع كذلك بثمن المثل فما فوقه، وليشتر بعين المال إلا مع الإذن في
الذمة، ولو تجاوز ما حد له المالك ضمن، والربح على الشرط، وإنما تجوز بالدراهم
والدنانير وتلزم الحصة بالشرط.
والعامل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط، ولو فسخ المالك فللعامل أجرة مثله إلى
ذلك الوقت إن لم يكن ربح، والقول قول العامل في قدر رأس المال وقدر الربح، وينبغي
أن يكون رأس المال معلوما عند العقد، وليس للعامل أن يشترى ما فيه ضرر على المالك
كمن ينعتق عليه ولا يشترى من رب المال شيئا، ولو أذن في شراء أبيه صح وانعتق
وللعامل الأجرة، ولو اشترى أبا نفسه صح، فإن ظهر فيه ربح انعتق نصيبه ويسعى المعتق
في الباقي.
105

كتاب الوديعة
107

المقنع
باب الوديعة:
ومن استودع غيره شيئا فهلك في يد المودع من غير تفريط من فيه أو تعد لم يكن عليه
ضمان في ذلك، فإن فرط في حفظه أو تعدى فيه كان ضامنا له، وإذا أحرز المودع الوديعة
بحيث يحرز ماله ثم خاف على ماله فنقله إلى حرز آخر كان عليه نقل الوديعة مع ماله إلى
حيث يحرزه فيه فإن لم يفعل ذلك كان ضامنا لها، وإذا اختلف المودع والمودع في قيمة
الوديعة كان القول قول صاحبها مع يمينه بالله عز وجل، وإذا أودع الانسان غيره مالا فحركه
المودع واتجر به فهو ضامن له، فإن أفاد المال ربحا كان لصاحبه دون المودع وإن خسر
كان عليه جبرانه وتمامه.
والوديعة أمانة للبر والفاجر لا تحل خيانة أحد فيها، فإن كانت الوديعة من أموال
المسلمين وغصبوهم وعرف المودع أربابها بأعيانهم كان عليه رد كل مال إلى صاحبه ولم
يجز له ردها إلى الظالم إلا أن يخاف على نفسه من ذلك، وإن لم يعرف أربابها أخرج منها
الخمس إلى فقراء آل محمد ص وأيتامهم وأبناء سبيلهم وصرف منها الباقي
إلى فقراء المؤمنين، فإن خاف من ذلك على نفسه لم يكن عليه حرج في رددها علي الظالم،
وإن لم يخف كان مأثوما بردها عليه.
وإذا مات الظالم والوديعة عند المؤتمن صرفها فيما ذكرناه ولم يعط ورثته منها شيئا، فإن
استحلفوه عليها حلف لهم وهو مأجور غير مأزور، فإن كانت الوديعة مختلطة بحلال وحرام
أو لم يكن يعرف المودع حالها فليس له التصرف فيها بما ذكرناه وعليه ردها إلى الذي
109

استودعه إياها، وإذا مات صاحب الوديعة لم يجز للمودع تسليمها إلى أحد من ورثته حتى
يحيط علما بهم وباستحقاقهم منها، فإذا عرفهم أعطى كل ذي حق حقه منها، فإن رضيت
الجماعة بواحد منهم يتسلمها كان عليه دفعها إليه برضى جماعتهم به في ذلك.
110

الكافي
فصل في الوديعة:
الوديعة أمانة يجب حفظها وردها عقلا، ولها أحكام شرعية اقتضت إيرادها هاهنا:
فمنها أن المرء مخير في قبولها، والامتناع منه أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع، فإذا
قبلها وجب عليه حفظها كماله، ولم يجز له التفريط، ولا التصرف في عينها، ولا تعدى
المرسوم، فإن فرط في حفظها أو تعدى مرسوما أو تصرف في عينها ضمنها وما أربحت وهو
مأزور، وتلزمه إضافة ربحها إليها ورد الجميع إلى المودع متى طلبها أو من يقوم مقامه في
استحقاقها.
فإن طلبها من لا يستحقها لم يجز له الإقرار بها، ولا تسليمها، فإن أكره على الإقرار بها
بالقتل جاز له ولا يجوز له أن يسلمها وإن خاف القتل، فإن سلمها بيده أو بأمره ضمنها، فإن
هجم الغاصب منزله فأخذها قسرا فلا ضمان عليه.
فإن مات المودع قام ورثته مقامه في حفظها وتسليمها إلى مستحقها، وإن مات المودع
لم يجز للمودع ولا من يقوم مقامه تسليمها إلى ورثته حتى يحيط علما بتكاملهم وتعين
استحقاقهم، ولا يجوز له تسليمها إلى من لا يعلم أنه لا يستحقها من الأهل وإن حكم بها
ظالم على غير موجب الشريعة في التوريث، وليخص بتسليمها من يعلم كونه مستحقا لها في
الملة.
فإن اضطر إلى الجوز فليسلمها إلى من يعلم أنه يستحقها دون غيره فيكون التعدي
عليه دون المودع، فإن أعطاها أو بعضها من لا يستحقها من أقارب المودع فهو ضامن، وإن
111

أخذها أو أخذت له غلبة فلا ضمان عليه فيها، وإن لم يخلف المودع وارثا فهي من مال الأنفال.
وإن هلكت من غير تفريط ولا تعد لم يضمن، فإن ادعى المودع تفريطا فعليه البينة، فإن
لم يقمها فالقول قول المودع إن كان مأمونا، وإن ارتيب به استحلف على ما يقول، فإن
اعترف بتعد فيها أو قامت به بينة فعليه قيمتها، وإن اختلفا في القيمة أخذ منه ما أقربه،
وطولب المودع بالبينة على ما زاد على ذلك، فإن أقام بينة حكم بها وإلا حلف المودع و
برئ، وقد روي: أن اليمين في القيمة على المودع، وفي هذا نظر.
وإن كان المودع لا يملك الوديعة أو لا يصح منه الإيداع كالغاصب والكافر الحربي
فعلى المودع أن يحمل ما أودعه الحربي إلى سلطان الاسلام العادل ع
ويرد المغضوب إلى مستحقه، فإن لم يتعين له ولا من ينوب منا به حملها إلى الإمام العادل، فإن
تعذر ذلك في المسألتين فعلى المودع حفظ الوديعة إلى حين التمكن من إيصالها إلى مستحق
ذلك، والوصية بها إلى من يقوم مقامه فيها، ولا يجوز ردها إلى المودع مع الاختيار.
فإن كانت الوديعة مختلطة بحلال وحرام فتميز أحدهما من الآخر فعلى المودع رد
الحرام إلى أهله إن عرفهم وإلا صنع ما رسمناه، والحلال إلى المودع، فإن لم يتميز له الحلال
من الحرام فهي أمانة للمودع يجب ردها متى طلبها.
ويجب على من استؤجر لعمل أو استأجر شيئا أو استعار أو منح منيحة أو عمل صناعة
أو كلف رسالة أو توسط صلحا أو باع شيئا أو ابتاع أو استسر سرا أو استشير في أمر، أو فعل
ما يتعدى ضرره أو نفعه إلى غيره أو ترك أن يؤدي في جميع ذلك الأمانة ويجتنب الخيانة، فإن لم
يفعل فهو مأزور وضامن لما يجنيه بخيانته في مال غيره، ومحرم عليه ثمن البيع وأجر الصنعة
والإجارة والوساطة مع الخيانة، ومتى علم ذلك كان العقد مفسوخا.
112

النهاية
باب الوديعة
إذا كان عند انسان وديعة وطلبها صاحبها وهو متمكن من ردها. وليس عليه في
ردها ولا على غيره ضرر لا يمكن تلافيه من الخوف على النفس وعلى المال وجب عليه
ردها سواء كان المودع كافرا أو مسلما أو مؤمنا أو فاسقا وعلى كل حال، وإذا كان
المودع ظالما وما أودعه يكون مغصوبا لم يجز للمودع رده عليه إلا أن يخاف على نفسه أو
ماله أو على بعض المؤمنين من ذلك وعليه أن يردها إلى أربابها إن عرفهم، فإن لم يعرفهم
عرفها حولا كما يعرف اللقطة فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها عنه.
ومتى طالب صاحب الوديعة الظالم المودع بردها عليه وطالبه باليمين جاز له أن يحلف
أن ليس له عنده شئ ولم يلزمه إثم ولا كفارة وكذلك إن مات المودع لم يجز له ردها
على ورثته وله أن يحلف أن أباهم ما أودعه شيئا ويوصل الوديعة إلى صاحبها، ومتى كان
المال المغصوب مختلطا بغيره من مال المودع لم يجز للمودع منعه من شئ من ذلك
ووجب عليه ردها عليه بأجمعها لأنه لا يتميز له المغصوب من غيره.
والمودع مؤتمن على الوديعة وقوله مقبول فيها، فإن ضاعت الوديعة لم يلزمه شئ إلا
أن يكون قد فرط في حفظها أو تعدى فيها فإن فعل شيئا من ذلك كان عليه ضمانها ولا
يمين على المودع بل قوله مقبول، فإن ادعى المستودع أن المودع قد فرط أو ضيع كان عليه
البينة فإن لم يكن معه بينة كان على المودع اليمين.
وإذا اختلف نفسان في مال فقال الذي عنده المال: أنه وديعة، وقال الآخر: إنه
113

دين عليك كان القول قول صاحب المال وعلى الذي عنده المال البينة أنه وديعة، فإن لم
يكن له بينة وجب عليه رد المال فإن هلك كان ضامنا فإن طالب صاحب المال باليمين
أنه لم يودعه ذلك المال كان له.
ومتى تصرف المودع في الوديعة كان متعديا وضمن المال، فإن رد مثلها إلى المكان
من غير علم صاحبها لم تبرأ بذلك ذمته وكان ضامنا لها إلا أن يردها على صاحبها أو
يجعلها عنده وديعة من الرأس، وإذا قال المودع للمودع: اترك هذه الوديعة في موضع
بعينه فتركها فيه ثم هلكت كانت من مال المستودع، فإن نقلها من موضعها إلى غير
ذلك الموضع من غير خوف ولا مضرة عليها كان ضامنا لها، ومتى قال له: احفظ هذه
الوديعة وجب عليه حفظها كما يحفظ مال نفسه فإن نقل ماله نقلها معه فإن هلكت في
حال النقلة والحال ما وصفناه لم يكن عليه شئ، ومتى لم يجعلها مع ماله ولم يحفظها
كحفظه ملكه كان ضامنا لها، وإذا اختلف المودع والمودع في قيمة الوديعة كان القول
قول صاحبها مع يمينه بالله تعالى.
ومتى تصرف المودع في الوديعة كان ضامنا لها حسب ما قدمناه، فإن ربح كان
الربح لصاحب الوديعة وإن خسر كان على المودع، ومتى مات المستودع وجب رد الوديعة
إلى ورثته فإن كان واحدا سلمها إليه وإن كانوا جماعة لم يسلمها إلا إلى جماعتهم أو إلى
واحد منهم يتفقون على تسليمها إليه أو يعطي كل ذي حق حقه، فإن سلمها إلى واحد
منهم بغير رضا الباقين كان ضامنا لحصة الباقين على الكمال.
114

المراسم العلوية
ذكر: أحكام الوديعة:
الوديعة تحتاج إلى قبض و قبول، فإن هلكت في يد المودع من غير تفريط فلا
ضمان عليه وبالتفريط يضمن. فإن اتجر المودع بمال الوديعة فعليه ما يخسر وللمودع
الربح.
والوديعة أمانة للبر والفاجر إلا أن يعرف أن الوديعة غصب ويعرف مالكها
بعينه فعليه ردها إلى المالك دون المودع إلا أن يخاف على نفسه. وإن لم يعرف أربابها
جعل خمسها لفقراء من أهل البيت والباقي لفقراء المؤمنين، فإن كانت حلالا وحراما
مختلطا ردها على المودع إذا لم يتميز. وإذا مات المودع فلا يسلمن الوديعة إلا إلى من
يقطع بأنه يستحقها من ورثته كلهم أو من يرتضي به الكل.
115

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالوديعة
مسألة: إذا تعدى المودع في الوديعة ضمنها فإذا ردها إلى حرزها، هل زال عنه
بذلك الضمان أم لا؟
الجواب: لا يزول الضمان عن المودع بذلك لأنه قد ضمن بالتعدي واشتغلت ذمته
بالضمان، وزوال الضمان بردها إلى الحرز دون ردها على صاحبها أو وكيله يفتقر فيه إلى دليل
ولا دليل.
مسألة: إذا شرط المودع على المودع، أن تكون الوديعة مضمونة، هل يصح ذلك أم
لا؟
الجواب: إذا شرط المودع ذلك، كان الشرط باطلا ولا يثبت ضمانها بهذا الشرط،
لقول رسول الله ص: ليس على المستودع ضمان، ولم يفصل. وإنه لا
خلاف في ما ذكرناه، إلا من العنبري، وخلافه غير معتد به لا سيما على أصلنا في الاجماع.
مسألة: هل على المستودع أن يسافر بالوديعة من غير عذر أم لا؟
الجواب: ليس له أن يسافر بها لأن عليه حفظها وإذا سافر بها فإنه يحفظها في موضع
لم تجر العادة بحفظ الودائع فيه، لأن الطريق يحدث فيه الخوف، فإذا هلكت كان مع ذلك
عليه ضمانها. وأيضا فقد لزمه حفظها على الوجه الذي جرت العادة بحفظ الودائع عليه،
والقول بجواز السفر يفتقر في صحتها إلى دليل ولا دليل. وأيضا فإن الطريق الذي كان
يحدث فيه الخوف والخطر، فالاحتياط يقتضي ترك السفر بها، فإن لم يحتط عليها بترك ذلك
116

وهلكت، كان عليه الضمان.
مسألة: إذا أودع انسان عند غيره حيوانا، ولم يأمره بسقيه ولا إطعامه ولا نهاه هل
يجب عليه إطعامه وسقيه أم لا؟
الجواب: يجب عليه ذلك لأن من المعلوم بالعادة أن الحيوان متى منع من ذلك تلف،
وإذا أدى منعه من ذلك إلى هلاكه كان الاحتياط يقتضي أن ينفق على ذلك. ولأن نفقة المودع
عليها ليست ضائعة، لأنه يرجع بها على مالك الوديعة.
مسألة: إذا أودع عند غيره صندوقا عليه قفل، وأمره بأن لا ينام عليه، ولا يزيده
قفلا آخر مع القفل الذي عليه ففعل، فقفل ذلك، أو شيئا منه هل يلزمه ضمان ذلك أم لا؟
الجواب: إذا فعل المودع ذلك أو شيئا منه لم يجب عليه ضمان لأنه أضاف إليه حرز
آخر إليه وزاد في التحرز عليه تحرزا، وبالغ في ذلك وهذا يجري مجرى قوله إذا أودعه وديعة
وأمره أن يضعها في قاعة داره، فوضعها في بيت وأغلق عليها بابه، وجعل عليه قفلا في أنه لا
ضمان عليه لو هلكت.
مسألة: إذا أودعه حنطة أو شعيرا أو دراهم أو دنانير فخلطها إنما لا يتميز منه مثل
إن خلط الحنطة بحنطة والشعير بشعير والدرهم والدنانير بدراهم ودنانير مثلها هل عليه
ضمانها أم لا؟
الجواب: لا يزول عنه الضمان لأن ذمته، قد اشتغلت عليه ضمانها، لأنه تعدى فيها
بخلطها بما لا يتميز منه ولا يمكن أخذ المال بعينه منه.
مسألة: إذا أودع عند غيره دنانير أو دراهم فأنفقها، ولزم بذلك الضمان فرد
مكانها عوضا هل يزول عنه الضمان أم لا؟
الجواب: لا يزول عنه الضمان لأن ذمته قد اشتغلت به في حال إنفاقه للمال بغير
خلاف، وزواله برد العوض إلى مكانه يفتقر فيه إلى دليل ولا دليل.
مسألة: إذا كانت الوديعة عند انسان وادعاها اثنان، فقال المودع لست اعلم
صاحبها بعينه وادعى كل واحد منهما أنه عالم بذلك هل يجب عليه يمين واحد، بأنه لا يعلم
لأيهما هي أو لكل واحد يمين.
117

الجواب: ليس يلزمه غير يمين واحدة بأنه لا يعلم لأيهما هي لأن في ضمن هذه
اليمين أنه لا يعلم أيهما صاحبها ولا وجه ليمين أخرى، ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب
يمين أخرى ويفتقر في صحته إلى دليل ولا دليل.
مسألة: الاثنين، المسألة بعينها إذا حلف المودع وأخرجت الوديعة من يده، وبذل
كل واحد من المدعيين لها اليمين بأنها له ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك، استعملت القرعة بينهما فمن خرج اسمه سلمت
إليه أو يقسم بينهما نصفين.
مسألة: إذا أودع وديعة في شئ مشدود أو كيس مختوم فقطع المودع الخيط أو كسر
الختم أو خرق الكيس أو الشد هل يلزمه الضمان أم لا؟
الجواب: يلزمه ضمان جميع الوديعة لأنه بما فعله قد هتك الحرز وإن كان التخريق فوق
الشد لم يلزمه غير الأرش لما نقص من خرقة الويس أو الشد وإن كان تحت الشد كان عليه
ضمان جميع الوديعة سواء أخذها أو لم يأخذها.
مسألة: إذا أودع عند غيره وديعة غير محرزة ومثل أن يناوله من يده دنانير أو
دراهم أو يكون في صلبة أو ما جرى مجرى ذلك فأخذ المودع منها دينارا أو درهما هل يلزمه
ضمان الجميع أم لا؟
الجواب: ليس يلزمه ههنا غير ضمان ما أخذه دون غيره لأنه لم يتعد في الباقي ولا
هتك له حرزا بل هو على ما كان عليه هذا، فلا يلزمه ضمانه.
مسألة: إذا كان المودع لا يلزمه ضمان الوديعة في نهب ولا حريق ولا غريق ولا ما
يجري مجرى ذلك فما القول فيه إن هلكت وادعى هو أن هلاكها بشئ كان من ذلك وهل
يقبل قوله في ما ادعاه من ذلك أم لا؟
الجواب: لا يقبل قوله في ما ادعاه بل يلزمه إقامة البينة على هلاكها بما ذكره لأن
الوجوه التي ادعى هلاك الوديعة بها لا يخفى ويمكن إقامة البينة عليها وكل ما لا يخفى ويمكن
أن يقام عليه البينة يلزمه إقامة البينة عليه وإنما يكون القول قوله مع يمينه في الموضع الذي
يتعذر عليه إقامة البينة مثل أن يدعي أنه غصب ذلك أو سرق أو تلف من يده.
118

مسألة: إذا كان عنده وديعة فادعى ردها على صاحبها وأنكر صاحبها ذلك، ما
الحكم في ذلك؟
الجواب: القول قول المودع مع يمينه لأنه أمينه.
119

المهذب
كتاب الوديعة
قال الله سبحانه: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وقال الله تعالى:
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته، وروي عن رسول الله صلى الله عليه
وآله أنه قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك، وروي أنه صلى الله عليه
وآله لما أراد الهجرة كانت عنده ودائع أودعها أم أيمن وأمر أمير المؤمنين ع
بردها على مستحقها.
فجواز الوديعة لا خلاف في صحتها وهي أمانة، فمن كانت عنده وديعة فطلبها
صاحبها وجب ردها عليه وليس عليه فيها ضمان إلا بتفريط، وإذا أراد المقيم أن يؤدي
الوديعة ردها على صاحبها أو وكيله فإذا فعل ذلك لم يكن عليه شئ، فإن كان متمكنا
من ردها على صاحبها أو وكيله ثم ردها على الحاكم أو ثقة الحاكم كان ضامنا لها، وإذا
لم يقدر على المودع ولا وكيله وردها على الحاكم أو ثقة من غير عذر كان عليه ضمانها
فإن كان ذلك عن عذر مثل حريق أو نهب لم يكن عليه ضمان.
ولا يجوز للمودع السفر بالوديعة على حال إلا أن يكون في البلد الذي هو فيه خوف
من نهب أو حريق ويخاف من ذلك فيجوز له حينئذ السفر بها ومتى أراد السفر ردها على
صاحبها أو وكيله، فإن لم يتمكن منهما وردها إلى الحاكم أو ثقته فلا ضمان عليه فيها فإن
كان متمكنا من ردها إلى صاحبها أو وكيله فردها إلى الحاكم أو ثقته كان عليه
ضمانها، فإن أراد المودع السفر فدفنها كان عليه أيضا ضمانها لأنه تعدى بها وإذا تعدى
120

المودع في الوديعة كان عليه ضمانها، فإن أعادها إلى حرزها لم يزل ضمانها عنه إلا أن
يردها على صاحبها أو وكيله، وإذا طولب المودع برد الوديعة فلم يردها مع تمكنه من الرد
كان عليه ضمانها وكذلك إن جحدها، فإن اعترف بها بعد ذلك لم يزل الضمان
وكذلك خلطها بغيرها، وإذا أودع انسان غيره وديعة وشرط عليه ضمانها لم يصح الشرط
وكانت غير مضمونة، وإذا تعدى المودع في الوديعة فأخرجها من حرزها فقد قلنا: إن عليه
ضمانها، فإن ردها إلى صاحبها ثم أعادها صاحبها إليه على وجه الوديعة فقد زال ضمانها
عنه، فإن عزم المودع على التعدي في الوديعة ولم يتعد فيها فلا ضمان عليه بذلك العزم
لأن الضمان يلزم بالتعدي لا بالعزم عليه والتعدي في ذلك لم يحصل.
وإذا كان عنده وديعة مشدود عليها في خرقة أو ما جرى مجراها أو كانت في كيس
مختوم عليها فقطع خيطه أو حله أو كسر الختم كان عليه ضمانها لأنه قد هتك الحرز، وإن
خرق الكيس فوق الشد والختم لم يكن عليه ضمان وعليه أرش ما نقص بالتخريق من
الكيس، وإن كان التخريق شق أو بط من تحت الشد أو من تحت الكيس فإن عليه
ضمانها سواء أخذها أو لم يأخذها، فإن كانت الوديعة في غير حرز مثل أن يكون دنانير أو
دراهم مصبوبة في شئ فيأخذ المودع منها دينارا أو درهما لم يكن عليه إلا ضمان
ما أخذه دون الباقي لأنه هو الذي تعدى فيه وغيره على ما كان عليه، فإن رد ما أخذه
بعينه سواء تميز من الباقي أو لم يتميز منه فإنه لا ضمان عليه، فإن لم يرد ذلك بعينه بل
رد بدله فإن كان هذا البدل يتميز من الباقي كان عليه ضمان ما أخذه دون الباقي وإن
كان لا يتميز من ذلك كان عليه ضمان الجميع لأنه خلط مال صاحب الوديعة بمال
غيره من غير إذن مالكه له في ذلك.
وإذا كانت الوديعة حيوانا وأمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك فإن لم يفعل حتى
هلكت من تركه لذلك كان عليه ضمانها، فإن سقاها بنفسه في بيته كان ذلك منه غاية
في حفظه لها ولا ضمان عليه وكذلك إذا أمر غلامه بسقيها في بيته لأن العادة جارية بأن
يأمر الانسان غلامه بذلك ولا يتولاه بنفسه، فإن كان في داره نهر أو بئر تسقى دوابه منه
121

ويمكنه سقي الوديعة منه فأخرجها إلى بئر ليسقيها كان عليه الضمان لأنه أخرجها من
غير حاجة إلى اخراجها ولا عذر له في ذلك، وإن لم يكن في داره بئر ولا نهر فأخرجها إلى
موضع جرت العادة في بلده باخراج الدواب إليه ليسقي منه من بئر أو نهر فحدث بها
حادث لم يكن عليه ضمان، فإن كان المودع أطلق الأمر ولم يذكر للمودع سقيا ولا علفا
لزمه ذلك لأن العادة جارية بأن السقي والعلف لا بد منه، فإن أمره بأن لا يعلفها ولا
يسقيها فهلكت من تركه لذلك لم يكن عليه ضمانها وإن كان هو آثما في تركه القيام بها
وقبول أمر صاحبها بترك ذلك، ويجري ذلك مجرى أمره له بأن يقتل عبده فقتله في أنه
يكون آثما بقبول أمره بقتله وسقوط ضمانه له.
وإذا كانت الوديعة من الإبل والبقر والغنم أو غير ذلك من الحيوان وصاحبها غائب
فأنفق المستودع بغير أمر الحاكم كان متطوعا، فإن رفع أمره إلى الحاكم وأثبت عنده أن
الوديعة وديعة لزيد الغائب أمره الحاكم بالنفقة عليها فتكون هذه النفقة دينا له على
صاحب الوديعة ويجوز له مطالبته، فإذا حضر وطالب ألزمه الحاكم الخروج إليه منها،
فإن اجتمع عنده من ألبانها شئ وخاف فساده أو كانت نخلا فاجتمع عنده من ثمرها
شئ فباع ذلك بغير أمر صاحب الوديعة وهو في البلد كان ذلك ضامنا لذلك وإن باع
بأمر الحاكم وهلك الثمن لم يكن عليه ضمان، وإذا ادعى المستودع أنه أنفق الوديعة
على أهل المودع بأمره وصدقه أهله في ذلك وأنكر صاحب الوديعة ذلك وقال: لم آمرك
بإنفاقها على عيالي، كان القول قول صاحب الوديعة مع يمينه وكذلك الحكم إذا ادعى
المستودع أن صاحب الوديعة أمره بالصدقة.
وإذا أودع انسان عند غيره وديعة وشرط عليه أن لا يخرجها من موضع عينه ولا فرق
في أن يكون الموضع مكانا أو بلدا أو قرية فنقلها من ذلك الموضع، فإن كان نقلها
لضرورة مثل الخوف عليها من حريق أو نهب أو غرق لم يكن عليه ضمانها وإن كان
نقلها لغير ضرورة كان عليه ضمانها، فإن نقلها وادعى أنه لم ينقلها إلا لأجل الخوف من
النهب والحريق لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد له بذلك، فإن ادعى هلاكها بسرقة أو
122

غصب أو إتلاف من يده كان القول قوله مع يمينه من غير بينة، والفرق بين الموضعين أن
الحريق والنهب والغرق لا يخفى ويمكن إقامة البينة عليها، وإذا أودع وديعة وادعى المودع
ردها على صاحبها وأنكر المودع ذلك كان القول قول المودع مع يمينه لأنه أمينه.
وإذا ادعى انسان وديعة فقال المودع: ما أودعتني، كان القول قول المودع مع يمينه
لأن اليمين على المنكر والبينة على المدعي، وإذا قال: أمرتني بأن أدفعها إلى زيد ودفعتها
إليه، فأنكر وقال: ما أمرتك بذلك، كان القول قول صاحبها مع يمينه لأن الأصل أن
لا دفع، وإذا أودعها في كيس فأخرجها منه كان ضامنا لها لأنه هتك حرز صاحبها،
ويجري ذلك مجرى إيداعها في صندوق فيخرجها منه في أنه يلزمه ضمانها لأنه هتك
الحرز.
وإذا أودعها صاحبها وهي في كيس فتركها المودع مع مال له في صندوق فيحرق
الكيس لم يلزمه ضمان، فإن هلك منه شئ هلك من مالهما جميعا على مقدار ما كان
لكل واحد منهما، وإذا أودعه صندوقا وشرط أن لا يرقد عليه فرقد أو نام أو زاده قفلا
آخر لم يكن عليه ضمان ويجري ذلك مجرى أن يقول له: اتركها في صحن دارك،
فيدخلها بيتا ويغلقه عليها في أنه لا ضمان عليه لأنه زاده حرزا، ولا يصح قول من يقول
بأنه بالزيادة قد نبه على أن فيه مالا وبضاعة فيلزم لذلك الضمان لأنه لو قال: بأن فيه
مالا، لا يضمن فبالتنبيه أولى.
وإذا أودعه خاتما وأمره أن يجعله في إصبعه البنصر فجعله في الخنصر كان عليه
ضمانه لأن البنصر أقوى في الحرز من الخنصر، فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فعله في
البنصر لم يكن عليه ضمان لأنه بجعله فيه زاده حرزا، فإن أمره بأن يجعله في الخنصر
فجعله في البنصر فانكسر كان عليه ضمان الأرش لأنه تحامل عليه وتعدى فيه فيلزمه
ضمان الأرش لذلك، وإذا أودع انسان وديعة وقال للمودع: اجعلها في كمك فجعلها
في يده كان ضامنا لها لأنه خالف صاحبها فيما شرط عليه وليس لأحد أن يسقط ضمانه
لها بأن اليد أحرز من الكم لأنه يعلم ذلك ومع علمه به فقد شرط عليه جعلها في كمه
123

ولا يمتنع أن يكون له غرض في ذلك ليس بحاصل في جعلها في اليد.
وإذا أودعه شيئا وقال له اجعله في جيبك فطرحه في كمه كان عليه الضمان، فإن
قال له: اربطه في كمك، فطرحه في جيبه لم يكن عليه ضمان لأن الجيب أحرز من
الكم، فإن قال له: اجعله في جيبك، فجعله في فمه كان عليه الضمان لأنه جعله فيما هو
دون ما أمره بأن يجعله فيه لأنه ربما سقط من فيه أو بلعه لأن الجيب لا يسقط منه شئ
إلا أن يبط، وإذا أودعه شيئا وهو في طريق أو سوق وقال له: اجعله في بيتك، وجب
عليه حمله إلى بيته في الحال، فإن أخر ذلك لغير ضرورة كان عليه الضمان ولذلك يلزمه
أن يمضي في الحال إلى بيته فقصر في المشي عادته فإن مشى على عادته ووصل إلى بابه
ووقف يدق مقدار ما جرت العادة بأنه يفتح فيه فهلكت الوديعة لم يكن عليه شئ.
وإذا أودع رجل عند صبي وديعة فهلكت لم يلزم فيها ضمان، فإن أودع صبي عند
رجل وديعة وجب على الرجل ضمانها لأن إيداع الصبي وإن لم يكن له حكم فقد
أخذها الرجل ممن ليس له الأخذ منه، فإن ردها على الصبي لم يزل الضمان لأن
بالأخذ لها قد وجب عليه ذلك فليس يسقط بهذا الرد لأنه رد على من ليس له أن يرد
عليه فإن ردها على ولي الصبي زال الضمان عنه بذلك، وإذا مات انسان ووجد في
" روزنامجة " مكتوب: لزيد عندي كذا وكذا، أو وجد في خزانته شئ مكتوب عليه:
لفلان بن فلان، لم يجب على الورثة رد على ذلك إلى من وجد اسمه مكتوبا عليه لأنه
يجوز أن يكون الميت رد عليه ذلك ولم تزل الكتابة التي باسمه ولا ضرب عليها ويجوز أن
يكون عنده وديعة فابتاعها من صاحبها ولم يزل اسمه: لا ضرب عليه.
الخلط في الوديعة:
وإذا كان عنده دراهم جياد فخلطها بدراهم سود أو كان عنده دنانير فخلطها
بدراهم فخلص بعضها من بعض واحتفظ به لم يكن عليه ضمان، فإن كانت الوديعة
التي خلطها مما لا يتميز بعد الخلط بعض ذلك من بعض كان عليه الضمان، وإذا
124

كانت الوديعة دنانير أو دراهم فأنفقها ثم ورد في موضعها غيرها لم يزل الضمان عنه
بذلك.
دعوى الشخصين في الوديعة:
وإذا كانت الوديعة عند انسان فادعاها اثنان كل واحد منهما يدعيها لنفسه فقال
المودع: هي لأحد كما ولست أدري أيكما هو، طولبا بالبينة فإن أثبتا بينة أو لم يثبتاها
استحلفا، فإن حلفا أقرع بينهما فيها فمن خرجت القرعة له دفعت إليه وإن اصطلحا عليها
كان جائزا، وإن أرادا استحلاف المودع على أنه لا يدري من صاحب الوديعة منهما كان
لهما ذلك، فإن أثبت أحدهما البينة بأنها له دون الآخر دفعت إليه وكذلك إن حلف
أحدهما على أنها له ونكل الآخر عن اليمين كانت للذي حلف عليها ولم يكن للناكل عن
اليمين فيها شئ.
وإذا اختلف اثنان في مال فقال أحدهما: هو وديعة لك عندي، وقال الآخر: هو
دين لي عليك، كان القول في ذلك قول صاحب المال مع يمينه وكان على الذي عنده
المال البينة بأنه وديعة، فإن لم يكن له بينة وجب عليه إعادة المال إلى صاحبه فإن أراد
اليمين من صاحب المال بأنه لم يودعه ذلك المال كان له ذلك.
إيداع الوديعة عند الغير:
وإذا كانت عند انسان وديعة فأودعها الذي هي عنده عند آخر بغير أمر صاحبها
كان عليه ضمانها، وإذا كانت عنده وديعة وغاب صاحبها ولم يعلم هل هو حي أو ميت
وجب عليه إمساكها وحفظها أبدا حتى يحقق حاله، فإن كان مفقودا كان سبيلها
كسبيل سائر أمواله.
125

فقه القرآن
باب الوديعة:
شش اعلم أن الوديعة حكم في الشريعة، لقوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها، وقال تعالى: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته.
والوديعة مشتقة من ودع يدع إذا استقر و سكن، يقال: أودعته أودعه إذا أقررته
وأسكنته، وروي: أن النبي ع كانت عنده ودائع بمكة فلما أراد أن يهاجر أودعها
أم أيمن وأمر عليا ع بردها على أصحابها، فإذا ثبت ذلك فالوديعة أمانة لا ضمان
على المودع ما لم يفرط، وقال النبي ص ليس على المودع ضمان.
فأما قوله تعالى: ومن أهل لكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، يعني به النصارى
لأنهم لا يستحلون أموال من خالفهم: ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك، يعني اليهود
لأنهم يستحلون مال كل من خالفهم في حل السبت: إلا ما دمت عليه قائما، على رأسه
بالتقاضي والمطالبة قائما بالاجتماع والملازمة. والفرق بين تأمنه بقنطار وعلى قنطار أن
معنى الباء إلصاق الأمانة ومعنى على استعلاء الأمانة، وهما متعاقبان في هذا الموضع لتقارب
المعنى كما يقال: مررت به وعليه، ويمكن أن تكون الفائدة أن هؤلاء لا يؤدون الأمانة
لاستحلالهم ذلك، لقوله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمين سبيل، وسائر الفرق وإن
جان فيهم من لا يؤدي لأمانة لا يستحلها.
قال جماعة: اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل لأنهم مشركون،
وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم وهم يعلمون أن هذا هو الكذب على الله، فإذا ثبت ذلك
126

فالوديعة جائزة من الطرفين، من جهة المودع متى شاء أن يستردها فعل ومن جهة المودع
متى شاء أن يردها فعل، فإذا ردها على المودع أو على وكيله فلا شئ عليه، وإن ردها على
الحاكم أو ثقته مع القدرة على الدفع إلى المودع أو إلى وكيله فعليه الضمان.
فإن لم يقدر على المودع ولا على وكيله فلا يخلو أما أن يكون له عذر أو لم يكن له عذر
فإن لم يكن له عذر برده فعليه الضمان وإن كان له عذر برده إلى الحاكم أو على ثقته فلا ضمان
عليه.
وقال أبو عبد الله ع: صاحب الوديعة وصاحب البضاعة مؤتمنان وكل ما كان
من وديعة ولم تكن مضمونة فلا تلزم، ورد الوديعة واجب متى طلبها صاحبها وهو متمكن من
ردها، وليس عليه في ردها ضرر يؤدي إلى تلف النفس أو المال سواء كان المودع كافرا
مسلما.
127

غنية النزوع
فصل في الوديعة
المرء مخير في قبول الوديعة والامتناع من ذلك وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على
المودع، ويجب عليه حفظها بعد القبول لها كما يحفظ ماله.
وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي، فإن تصرف فيها أو في بعضها ضمنها
وما أربحت، وكذا إن فك ختمها أو حل شدها أو نقلها من حرز إلى ما هو دونه كان متعديا
ويلزمه الضمان بدليل إجماع الطائفة، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة من خوف نهب أو غرق
أو غيرهما فسافر بها أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر أو خالف مرسوم صاحبها في
كيفية حفظها، وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها من دون أن يخاف القتل أو سلمها إليه بيده
أو بأمره وإن خاف ذلك، ويجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا طولب بذلك ويوري في
يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل الاجماع المشار إليه، ولا ضمان عليه إن هجم الظالم فأخذ
الوديعة قهرا.
ولو تعدى المودع ثم أزال التعدي مثل أن يردها إلى الحرز بعد اخراجها لم يزل الضمان
لأنه لا خلاف أنه كان لازما له قبل الرد ومن ادعى سقوطه عنه بعده فعليه الدليل، ولو أبرأه
صاحبها من الضمان بعد التعدي وقال: قد جعلتها وديعة عندك من الآن، برئ لأن ذلك
حق له فله التصرف فيه بالإبراء والإسقاط، ويزول الضمان بردها إلى صاحبها ووكيله سواء
أودعه إياها مرة ثانية أم لا بلا خلاف.
وإذا علم المودع أن المودع لا يملك الوديعة لم يجز له ردها إليه مع الاختيار بل يلزمه رد
128

ذلك إلى مستحقه إن عرفه بعينه، فإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل، فإن لم يتمكن لزمه
الحفظ بنفسه في حياته وبمن يثق إليه في ذلك بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق، ومن
أصحابنا من قال تكون والحال هذه في الحكم كاللقطة، والأول أحوط.
وإن كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما من الآخر لزم رد جميعها إلى
المودع متى طلبها بدليل الاجماع المشار إليه.
ومتى ادعى صاحب الوديعة تفريطا فعليه البينة، فإن فقدت فالقول قول المودع مع
يمينه، وروي أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب به. وإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة
الوديعة ولا بينة فالقول قول صاحبها مع يمينه، ومن أصحابنا من قال: يأخذ ما اتفقنا عليه
ويحلف المودع على ما أنكره من الزيادة.
129

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان الوديعة
الوديعة: كل مال أو شئ جعل في يد الغير للحفظ، وأمانة جميع أصناف الناس سواء
إلا المال المغصوب بثلاثة شروط: إذا عرفه غصبا ولم يختلط بماله على وجه لا يتميز وأمكنه
أن لا يدفع إليه.
وهي عقد جائز من الطرفين وتصح بشرطين: بالقبض والتسليم، ولم يضمن إلا
بثلاثة شروط: بالتفريط والتصرف فيه أو حكم التصرف وترك الرد إذا طولب به لغير
عذر، فإذا صار ضامنا وتلف لزمه قيمة يوم التلف، فإن اختلفا في القيمة ولم يكن هناك بينة
كان القول قول المودع مع اليمين، وإن لم يتلف لم يزل الضمان إلا بالرد واستأنف الوديعة إن
شاء، وإذا ادعى من عنده الوديعة هلاكها قبل قوله بغير يمين ما لم يظهر منه خيانة، فإن
ادعى عليه التفريط من غير بينة لزمه اليمين إن لم يفرط.
130

إصباح الشيعة
كتاب الوديعة
المرء مخير في قبول الوديعة وردها وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع، ويجب
عليه حفظها بعد قبولها وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي، فإن تصرف فيها أو في
بعضها ضمنها وما أربحت وكذا إن فك ختمها أو حل شدها أو نقلها من حرز إلى ما
هو دونه كان متعديا ويلزمه الضمان، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة من خوف نهب أو غرق
أو غيرهما [من الفساد] فيها فسافر بها أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر أو خالف ما
رسم صاحبها في كيفية حفظها، وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها من دون أن يخاف القتل أو
سلمها إليه بيده أو بأمره وإن خالف ذلك يجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا
طولب بذلك وورى في يمينه بما يسلم به من الكذب. ولا ضمان عليه إن هجم الظالم فأخذ
الوديعة قهرا.
ولو تعدى المودع ثم التعدي مثل أن يردها إلى الحرز بعد اخراجها لم يزل الضمان،
ولو أبرأه صاحبها من الضمان بعد التعدي فقال: قد جعلتها وديعة من الآن، برئ ويزول
الضمان بردها إلى صاحبها أو وكيله سواء أودعه إياها مرة ثانية أم لا. وإذا علم
المودع أن المودع لا يملك الوديعة لم يجز له ردها إليه مع الاختيار بل يلزمه رد ذلك إلى مستحقه إن عرفه
بعينه، فإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل، فإن لم يتمكن لزمه الحفظ بنفسه في حياته وبمن
يثق إليه في ذلك بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق، ومن أصحابنا من قال: يكون
والحال هذه في الحكم كاللقطة، والأول أحوط.
131

وإن كانت الوديعة من حرام وحلال ولا يتميز أحدهما من الآخر لزم رد
جميعها إلى المودع متى طلبها، ومتى ادعى صاحب الوديعة تفريطا فعليه البينة فإن فقدت
فالقول قول المودع مع يمينه، وروي أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب به، وإذا ثبت
التفريط واختلفا في قيمة الوديعة ولا بينة فالقول قول صاحبها مع يمينه، ومن أصحابنا من
قال: يأخذ ما اتفقا عليه ويحلف المودع على ما أنكر من الزيادة.
وللمودع أن يسترد الوديعة متى شاء، وللمودع أن يردها كذلك ولا يبرأ ذمته بردها
على غير صاحبها أو وكيله من حاكم أو ثقة إلا لعذر، وليس له دفنها إذا أراد سفرا إلا
بإذن صاحبها،
من غصبه ظالم شيئا ثم تمكن من ارتجاعه أو أخذ عوضه من ماله جاز له أخذ قدره
بالا زيادة ما لم يكن وديعة عنده للغاصب فإن الأخذ منها لا يجوز بلا علم الغاصب.
من أودع وديعة بشرط الضمان بطل الشرط إذا كانت الوديعة غير محرزة كدنانير في
إناء مفتوح الرأس فأخذ منها دينارا ضمن ما أخذ دون الباقي، فإن رده بعينه إلى موضعه
أو رد بدله ولم يخلطه بالباقي ضمن ذلك القدر، وإن خلطه بالباقي ضمن الكل للتصرف
فيه، وكذا إذا خلط الودائع بعضها ببعض.
وإذا أودع حيوانا وغاب صاحبه فلم يقم بسقيه والإنفاق عليه ضمن.
إذا أودعه وديعة ولم يقل اجعلها في موضوع كذا بل أطلق يلزمه أن يحفظها في حرز
مثلها، وإن قال ضعها في موضع كذا فخالفه بلا عذر ضمن.
إذا اتجر المودع بمال الوديعة فالربح لصاحبها والخسران على المودع.
من أخذ الوديعة من صبي فتلفت بلا تعد منه ضمن إذ لا حكم لإيداع الصبي وليس
له الأخذ منه ولا يزول الضمان بردها عليه بل عليه أن يردها على وليه.
إذا وجد في روزنامچة ميت مكتوب: لفلان عندي كذا، لم يلزم الورثة رد ذلك عليه
بمجرد ذلك.
132

السرائر
باب الوديعة:
الوديعة مشتقة من ودع يدع إذا استقر وسكن، والوديعة عقد جائز من الطرفين من جهة
المودع متى شاء أن يستردها فعل، ومن جهة المودع متى شاء أن يردها فعل، والإنسان مخير في
قبول الوديعة والامتناع من ذلك وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع، ويجب عليه حفظها
بعد القبول كما يحفظ ماله، وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي، فإن شرط صاحبها
ضمانها كان الشرط باطلا لأنه شرط يخالف الكتاب والسنة.
فإن تصرف فيها أو في شئ منها ضمنها، وكذا إن فك ختمها أو فتح قفلها أو شد حلها
أو نقلها من حرز إلى ما هو دونه كان متعديا ويلزمه الضمان، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة
من خوف نهب أو غرق أو غيرهما فسافر بها أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر أو خالف
مرسوم صاحبها في كيفية حفظها، وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها من دون أن يخاف الضرر
من القتل أو الضرب أو يسلمها إليه بيده أو يأمره، وإن خاف ذلك على قول بعض
أصحابنا.
والأولى والأصح والأظهر أنه متى خاف الضرر ونزوله به فلا يكون ضامنا بخروجها من يده
وإعطائه الظالم إياها على سائر الأحوال، فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف ويوري في
ذلك ولا يجوز له تسليم الوديعة إلى الظالم عند هذه الحال، فإن سلمها وترك اليمين كان ضامنا،
ولا ضمان عليه إن هجم الظالم فأخذها قهرا.
ولو تعدى المودع ثم أزال التعدي مثل أن يردها إلى الحرز بعد اخراجها منه لم يزل
133

الضمان لأنه كان لازما له قبل الرد، ومن ادعى سقوطه عنه فعليه الدلالة. ولو أبرأه من
الضمان بعد التعدي وقال: قد جعلتها وديعة عندك من الآن، برئ لأن ذلك حق له فله
التصرف فيه بالإبراء والإسقاط ويزول الضمان بردها إلى صاحبها أو وكيله سواء أودعه
إياها مرة أخرى أم لا بلا خلاف.
وإذ علم المودع أن المودع لا يملك الوديعة لم يجز ردها عليه مع الاختيار بل يلزمه رد ذلك
إلى مستحقه إن عرفه بعينه، فإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل، فإن لم يتمكن لزمه
الحفظ بنفسه في حياته وبمن يثق إليه في ذلك بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق.
ومن أصحابنا من قال: تكون والحال هذه في الحكم كاللقطة، على ما روي في بعض الروايات
والأول أحوط.
وإن كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما من الآخر لزم رد جميعها إلى المودع
متى طلبها، بدليل إجماع أصحابنا.
ومتى ادعى صاحب الوديعة تفريطا فعليه البينة فإن فقدت فالقول قول المودع لأنه أمين
مع يمينه، فإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة الوديعة ولا بينة فالقول قول المودع الأمين لأنه
المدعى عليه مع يمينه.
ومن أصحابنا من قال: القول قول صاحبها مع يمينه، وهذا مخالف لأصول المذهب وما عليه
الاجماع والمتواتر من الأخبار لأن القول بذلك يؤدى إلى أن: القول قول المدعي وعلى الجاحد
البينة، وهذا خلاف ما عليه كافة المسلمين. وأيضا الأصل براءة ذمة الجاحد فمن شغلها بزيادة
على ما يقول ويقر فعليه الدلالة، ولأنه أيضا غارم والغارم يكون القول قوله مع يمينه بلا خلاف.
وما ذكره شيخنا في نهايته خبر واحد لا يرجع بمثله عن الأدلة القاهرة ولا يخص بمثله العموم.
وإذا طلبها صاحبها من المستودع وهو متمكن من ردها، وليس عليه في ذلك ولا على
غيره ضرر لا يمكن تلافيه من الخوف على النفس وعلى المال، وجب عليه ردها سواء كان
المودع كافرا أو مسلما أو مؤمنا أو فاسقا وعلى كل حال.
وإذا اختلف نفسان في مال فقال الذي عنده المال: إنه وديعة، وقال الآخر: إنه دين
134

عليك، كان القول قول صاحب المال وعلى الذي عنده المال البينة أنه وديعة، فإن لم يكن له
بينة وجب عليه رد المال، فإن هلك كان ضامنا، فإن طالب صاحب المال باليمين أنه لم يودعه
ذلك المال كان له، وقد قدمنا ذلك فيما مضى وحررناه.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته في باب الرهن والوديعة، الوجه في الموضعين معا عندي أن
يكون المدعى عليه قد وافق المدعي على صيرورة المال إليه وكونه في يده، ثم بعد ذلك ادعى: أنه
وديعة لك عندي، فلا يقبل قوله ويكون القول قول من ادعى أنه دين لأنه قد أقر بأن الشئ في
يده أولا وادعى كونه وديعة، والرسول ع قال: على اليد ما أخذت حتى ترده، وهذا قد
اعترف بالأخذ والقبض وادعى الوديعة وهي تسقط الحق الذي أقر به لصاحب المال فلا يقبل
قوله في ذلك. فأما إذا لم يقر بقبض المال أولا بل ما صدق المدعي على دعواه بأن له عنده مالا
دينا بل قال: لك وديعة عندي كذا وكذا، فيكون حينئذ القول قوله مع يمينه لأنه ما صدقه على
دعواه ولا أقر أولا بصيرورة المال إليه، بل قال: لك عندي وديعة، فليس الإقرار بالوديعة إقرارا
بالتزام شئ في الذمة فليلحظ ذلك ففيه غموض.
ومتى تصرف المودع في الوديعة كان متعديا وضمن المال، فإن ردها أو رد مثلها إلى
المكان من غير علم من صاحبها لم تبرأ بذلك ذمته وكان ضامنا كما كان إلا أن يردها على
صاحبها ويجعلها عنده وديعة من رأس على ما أسلفناه فيما مضى.
ومتى مات المستودع وجب رد الوديعة إلى ورثته عند المطالبة منهم، فإن كان واحدا
سلمها إليه، وإن كانوا جماعة لم يسلمها إلا إلى جماعتهم أو إلى واحد يتفقون عليه، فإن لم
يتفقوا على ذلك قال بعض أصحابنا: أو يعطي كل ذي حق حقه، والأولى رفعها إلى
الحاكم لأن الودعي لا يجوز له قسمتها، فإن سلمها إلى واحد منهم بغير رضاء الباقين كان
ضامنا لحصتهم على الكمال.
وليس للمودع أن يسافر بالوديعة سواء كان الطريق مخوفا أو غير مخوف وسواء كانت
المسافة قريبة أو بعيدة.
والمودع متى أودع الوديعة عند غيره مع قدرته على صاحبها فإنه يكون ضامنا سواء أودع
135

زوجته أو غير زوجته ثقة أو غير ثقة، فأما إذا لم يقدر عليه وأراد السفر فلا بأس بأن يودعها عند
من يثق بديانته، ولا يجوز له دفنها من غير وصية بها إلى غيره واستئمان منه عليها وإيداع
الغير.
إذا أخرج الوديعة لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبها مثل أن يكون ثوبا وأراد أن يلبسه أو
دابة فأراد ركوبها فإنه يضمن بنفس الإخراج، فأما إذا نوى أن يتعدى أو يخرجها ولم يفعل
ذلك فإنه لا يضمن بالنية حتى يتعدى.
وإذا أودع غيره حيوانا ولم يأمره بأن يسقيه ولا يعلفه ولا نهاه لزمه الانفاق عليه وسقيه
وعلفه، ويرجع على صاحبه بذلك. إذا أشهد بأنه يرجع عليه بذلك، لأنه إذا أطلق عرف
بفحوى الخطاب أمره بالسقي والعلف لأن العادة جارية بأن الدابة تسقى وتعلف فوجب حمل
ذلك على العرف وإن لم يتلفظ به لأنه عرف من فحوى الخطاب.
وإذا أودع انسان وديعة عند انسان وقال له: ادفعها إلى فلان أمانة ووديعة، فادعى
المودع أنه دفعها إليه وأنكر المودع الثاني أنه يكون دفعها إليه، وقال المودع الأول لصاحبها:
أنا امتثلت أمرك ودفعتها إليه، فالقول قوله مع يمينه وتعود المحاكمة بين صاحبها وبين المودع
الثاني، فإن اعترف فذاك، وإن أنكر الإيداع فالقول قول المودع الثاني أيضا لأن المودع
مؤتمن فوجب أن يكون القول قوله، كما أنه لو ادعى أنه ردها على المودع الذي هو صاحبها
فإن القول قوله في ذلك.
إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز مثل أن يخلط دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير أو
طعاما بطعام فإنه يضمن سواء خلطها بمثلها أو أرفع منها أو أدون منها، وعلى كل حال. لأنه
قد تعدى فيها بالخلط بدلالة أنه لا يمكنه أخذ ماله بعينه فوجب عليه الضمان.
وإذا كان عنده وديعة فادعاها نفسان فقال المودع: هي لأحدهما ولا أعلم عين
صاحبها، وادعى كل واحد منهما علمه بذلك لزمه يمين واحدة بأنه لا يعلم لأيهما هي، فإذا
حلف وبذل كل واحد من المتداعيين اليمين أنه له استخرج واحد منهما بالقرعة فمن خرج
اسمه حلف وسلمت إليه لأنه أمر مشكل.
136

إذا أودعه شيئا ليس بحرز مثل الدراهم والدنانير في طبق أو صينية ونحو ذلك، فأخذ
منها درهما ضمن ذلك الدرهم والدينار لأنه تعدى بأخذه فعليه ضمانه، ولا يضمن الباقي
لأنه ما تعدى ولا تعلق به ضمان، فإن رد المأخوذ فلا يخلو: إما أن يرد ما أخذه بعينه أو يرد
بدله. فإن رد ما أخذه بعينه فإنه لا يضمن سواه سواء تميز من غيره أو لم يتميز، فأما إن رد
بدله، فإن ككان متميزا فلا يضمن غيره فحسب، وإن كان غير متميز العين بعد الخلط والرد
فإنه يضمن الجميع لأنه خلط ماله ومال غيره، وكان متعديا بالخلط فهو كما لو كان مقارضا
فخلط مال القارض بمال من عنده فإنه يضمن مال القراض كله.
المودع إذا حضرته الوفاة يلزمه أن يشهد على نفسه: بأن وديعة لفلان عنده، ويشهد
حتى لا يختلط بماله ويأخذه ورثته، ولا يقبل قول المودع إلا ببينة فإذا لم يكن معه بينة
فالظاهر أن هذا مال الميت فيؤدى إلى هلاك ماله، وكذلك الحكم إذا سافر فإن الحكم فيه
واحد حرفا فحرفا.
إذا أودع صندوقا وقال له: لا ترقد عليه، فرقد عليه وزاده قفلا آخر حفاظا له فإنه
لا يضمن لأنه زاده حرزا. ولو قال له: اطرحها في بيتك واحفظها فإذا فزعت عليها فلا
تخرجها، ففزع عليها فأخرجها وحفظها في حرز مثله لم يضمنها لأنه زاده حرزا وبالغ في
الحرز.
ولو أودعه خاتما فقال: دعه في إصبعك الخنصر، فوضعه في البنصر لم يضمن لأن الخاتم
في البنصر أوثق لأنه يكون في الخنصر سريع القلق. ولو قال: دعه في البنصر فوضعه في
الخنصر فإنه يضمن لأنه وضعه فيما دون منه في الحرز.
إذا طالب المودع المودع فقال: لم تودعني شيئا، وأنكر فأقام المودع البينة أنه كان
أودعه، فقال: صدقت البينة كنت أودعتني لكن تلفت مني قبل ذلك، فإنه لا يسمع هذا
القول وعليه الضمان. لأن البينة قد أكذبته وبان كذبه بالبينة.
إذا أودع وديعة فقال: اجعلها في كمك، فجعلها في يده قال قوم: لا يضمن لأن اليد
أحرز من الكم، وقال آخرون: إنه يضمن لأنه إذا أمسكها في يده فقد يسهو أو تسترخي يده
137

منها وليس كذلك الكم، لأنه قد أمن من أن يسقط بالاسترخاء لأنه يعلم خفته.
ويقوى في نفسي أنه من حيث خالف صاحبها يضمن، لأن ذلك يكون تعديا لأنه لم يخالف
لفضل حفظ وحرز.
إذا دفع إليه شيئا فقال: اتركه في جيبك، فطرحه في كمه فإنه يضمن. ولو قال:
اربطها في كمك، فطرحها في جيبه لم يضمن لأن الجيب أحرز من الكم. فإن قال: اتركها
في جيبك، فتركها في فيه ضمن لأنه نقلها إلى ما هو دونه في الحرز لأنه ربما بلعها وربما
تسقط من فيه، وليس كذلك الجيب لأن الجيب لا يقع منه إلا إذا بط.
إذا أودع صبي وديعة عند رجل يلزمه الضمان لأن دفع الصبي لا حكم له، فلما لم يكن
له حكم فقد أخذها ممن ليس له الأخذ منه، فإن أراد ردها إلى الصبي لم يزل الضمان
لأنه بالأخذ قد لزمه الضمان، فلا يسقط بهذا الرد لأنه رد على من ليس له أن يردها عليه
إلا أن يردها على ولي الصبي فإنه يزول عنه بهذا الرد الضمان.
فأما إذا أودع عند صبي فإنه لا يضمن لأن المودع ضيع الوديعة وفرط في ماله، فأما إذا
جنى الصبي على مال رجل فأتلفه من غير إيداع عنده، فإن الضمان يتعلق في ماله دون مال
عاقلته لأن في باب إتلاف الأموال الصبي والبالغ سواء، فإن كانت الجناية على بدن
آدمي فعلى عاقلته سواء كانت الجناية على الآدمي عمدا أو خطأ.
138

شرائع الاسلام
كتاب الوديعة والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: في العقد:
وهو استنابة في الحفظ ويفتقر إلى إيجاب وقبول ويقع بكل عبارة دلت على معناه ويكفي
الفعل الدال على القبول، ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها، وكذا لو أكره
على قبضها لم تصر وديعة ولا يضمنها لو أهمل، وإذا استودع وجب عليه الحفظ ولا يلزمه
دركها لو تلفت من غير تفريط أو أخذت منه قهرا، نعم لو تمكن من الدفع وجب ولو لم يفعل
ضمن، ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع كالجرح وأخذ المال، ولو أنكرها فطولب
باليمين ظلما جاز الحلف موريا بما يخرج به عن الكذب.
وهي عقد جايز من طرفيه يبطل بموت كل واحد منهما وبجنونه وتكون أمانة، وتحفظ
الوديعة بما جرت العادة بحفظها كالثوب والكتب في الصندوق والدابة في الإصطبل
والشاة في المراح أو ما يجري مجرى ذلك، ويلزمه سقي الدابة وعلفها أمره بذلك أو لم يأمره
ويجوز أن يسقيها بنفسه وبغلامه اتباعا للعادة، ولا يجوز اخراجها من منزله لذلك إلا مع
الضرورة كعدم التمكن من سقيها أو علفها في منزله أو شبه ذلك من الأعذار.
ولو قال المالك: لا تعلفها أو لا تسقها، لم يجز القبول بل يجب عليه سقيها وعلفها، نعم
لو أخل بذلك والحال هذه أثم ولم يضمن، لأن المالك أسقط الضمان بنهيه كما لو أمره بإلقاء
ماله في البحر، ولو عين له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه ولو نقلها ضمن إلا إلى أحرز أو
139

مثله على قول، ولا يجوز نقلها إلى ما دونه ولو كان حرزا إلا مع الخوف من إبقائها فيه، ولو
قال: لا تنقلها من هذا الحرز ضمن بالنقل كيف كان إلا أن يخاف تلفها فيه، ولو قال: وإن
تلفت.
ولا تصح وديعة الطفل ولا المجنون ويضمن القابض ولا يبرأ بردها إليها، وكذا
لا يصح أن يستودعا ولو أودعا لم يضمنا بالإهمال لأن المودع لهما متلف ماله، وإذا ظهر
للمودع إمارة الموت وجب الإشهاد بها، ولو لم يشهد وأنكر الورثة كان القول قولهم ولا يمين
عليهم إلا أن يدعي عليهم العلم.
وتجب إعادة الوديعة على المودع مع المطالبة ولو كان كافرا إلا أن يكون المودع غاصبا
لها فيمنع منها، ولو مات فطلبها وارثه وجب الانكار ويجب إعادتها على المغصوب منه إن
عرف، وإن جهل عرفت سنة ثم جاز التصدق بها عن المالك ويضمن المتصدق إن كره
صاحبها، ولو كان الغاصب مزجها بماله ثم أودع الجميع، فإن أمكن المستودع تمييز المالين
رد عليه ماله ومنع الآخر وإن لم يمكن تمييزهما وجب إعادتها على الغاصب.
الثاني: في موجبات الضمان:
وينظمها قسمان: التفريط والتعدي.
أما التفريط فكان يطرحها فيما ليس يحرز أو يترك سقي الدابة أو علفها أو نشر الثوب
الذي يفتقر إلى النشر أو يودعا من غير ضرورة، ولا إذن أو يسافر بها كذلك مع خوف
الطريق ومع أمنه و طرح الأقمشة في المواضع التي تعفنها، وكذا لو ترك سقي الدابة أو علفها
مدة لا تصبر عليها في العادة فماتت به.
القسم الثاني: التعدي: مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة أو يحرجها من حرزها
لينتفع بها، نعم لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية، ولو طلبت منه فامتنع من الرد مع
القدرة ضمن وكذا لو جحدها ثم قامت عليه بينة أو اعترف بها، ويضمن لو خلطها بماله
بحيث لا يتميز، وكذا لو أودعه مالا في كيس مختوم ففتح ختمه وكذا لو أودعه كيسين
فمزجهما، وكذا لو أمره بإجارتها بحمل أخف فأجرها لأثقل أو لأسهل فأجرها لأشق
140

كالقطن والحديد.
ولو جعلها المالك في حرز مقفل ثم أودعها ففتح المودع الحرز وأخذ بعضها ضمن
الجميع، ولو لم تكن مودعة في حرز أو كانت مودعة في حرز المودع فأخذ بعضها ضمن ما
أخذ ولو أعاد بدله لم يبرأ، ولو أعاده ومزجه بالباقي ضمن ما أخذه، ولو أعاد بدله ومزجه
ببقية الوديعة مزجا لا يتميز ضمن الجميع.
الثالث: في اللواحق: وفيه مسائل: الأولى: يجوز السفر بالوديعة إذا خاف تلفها مع الإقامة ثم لا يضمن، ولا يجوز السفر بها
مع ظهور إمارة الخوف ولو سافر والحال هذه ضمن.
الثانية: لا يبرأ المودع إلا بردها إلى المالك أو وكيله فإن فقدهما فإلى الحاكم مع العذر
ومع عدم العذر يضمن، ولو فقد الحاكم وخشي تلفها جاز إيداعها من ثقة وأو تلفت لم
يضمن.
الرابعة: إذا أراد السفر فدفنها ضمن إلا أن يخشى المعاجلة.
الخامسة: إذا أعاد الوديعة بعد التفريط إلى الحرز لم يبرأ، ولو جدد المالك له
الاستئمان برئ وكذا لو أبرأه من الضمان، ولو أكره على دفعها إلى غير المالك دفعها
ولا ضمان.
السادسة: إذا أنكر الوديعة أو اعترف أو ادعى التلف أو ادعى الرد ولا بينة فالقول
قوله وللمالك إحلافه على الأشبه، أما لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن فأنكر فالقول
قول المالك مع يمينه، ولو صدقه على الإذن لم يضمن وإن ترك الإشهاد على الأشبه.
السابعة: إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الانكار فصدقها ثم ادعى التلف قبل
الانكار لم تسمع دعواه لاشتغال ذمته بالضمان، ولو قيل: تسمع دعواه وتقبل بينته، كان
حسنا.
الثامنة: إذا عين له حرزا بعيدا عنه وجب المبادرة إليه بما جرت العادة، فإن أخر مع
التمكن ضمن ولو سلمها إلى زوجته لتحرزها ضمن.
141

التاسعة: إذا اعترف بالوديعة ثم مات وجهلت عينها، قيل: تخرج من أصل تركته،
ولو كان له غرماء فضاقت التركة حاصهم المستودع وفيه تردد.
العاشرة: إذا كان في يده وديعة فادعاها اثنان، فإن صدق أحدهما قبل وإن أكذبهما
فكذلك، وإن قال: لا أدري، أقرت في يده حتى يثبت لها مالك، وإن ادعيا أو أحدهما علمه
بصحة الدعوى كان عليه اليمين.
الحادية عشرة: إذا فرط واختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه، وقيل: القول
قول الغارم مع يمينه، وهو أشبه.
الثانية عشرة: إذا مات المودع سلمت الوديعة إلى الوارث، فإن كانوا جماعة سلمت
إلى الكل أو إلى من يقوم مقامهم، ولو سلمها إلى البعض من غير إذن ضمن حصص
الباقين.
142

المختصر النافع
كتاب الوديعة
أما الوديعة:
فهي استنابة في الاحتفاظ. وتفتقر إلى القبول قولا كان أو فعلا. ويشترط فيهما
الاختيار. وتحفظ كل وديعة بما جرت به العادة. ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه ولو نقلها
إلى أدون أو أحرز ضمن إلا مع الخوف.
وهي جائزة من الطرفين. وتبطل بموت كل واحد منهما. ولو كانت دابة وجب علفها
وسقيها، ويرجع به على المالك.
والوديعة أمانة لا يضمنها المستودع إلا مع التفريط أو العدوان. ولو تصرف فيها
باكتساب ضمن، وكان الربح للمالك. ولا يبرأ بردها إلى الحرز. وكذا لو تلفت في يده بتعد
أو تفريط فرد مثلها إلى الحرز. بل لا يبرأ إلا بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه.
ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم لكن إن أمكنه الدفع وجب. ولو أحلفه أنها ليست
عنده حلف موريا. وتجب إعادتها إلى المالك مع المطالبة. ولو كانت غصبا منعه وتوصل في
وصولها إلى المستحق. ولو جهله، عرفها كاللقطة حولا، فإن وجده وإلا تصدق بها عن
المالك إن شاء. ويضمن إن لم يرض. ولو كانت مختلطة بمال المودع ردها عليه إن لم يتميز.
وإذا ادعى المالك التفريط، فالقول قول المستودع مع يمينه. ولو اختلفا في مال، هل هو
وديعة أو دين؟ فالقول قول المالك مع يمينه أنه لم يودع إذا تعذر الرد أو تلف العين. ولو اختلفا
في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه. وقيل: القول قول المستودع وهو أشبه. ولو اختلفا في
143

الرد فالقول قول المستودع.
ولو مات المودع وكان الوارث جماعة دفعها إليهم أو إلى من يرتضونه. ولو دفعها إلى
البعض، ضمن حصص الباقين.
144

الجامع للشرائع
باب الوديعة
الوديعة أمانة تفتقر إلى إيجاب وقبول أو قبض والقول ما أبا عن معناها والقبول
بالقول أو القبض، وهي مستحبة للأمين القادر على الحفظ لأنه قضاء حاجة، ويجب حفظها
بمجرى العادة، فالعين في صندوق أو خزانة والفرس على الدور في إصطبل.
ولا ضمان على الودعي إلا بالتفريط، ولا بينة عليه في دعوى الهلاك، فإن اختلفا في
التفريط فعلى صاحبها البينة وعلى الودعي اليمين، وإن ادعى الرد حلف أيضا، وإن ثبت
التفريط فاختلفا في القيمة فالقول قول صاحبها مع يمينه إلا أن يكون لأحدهما بينة، وقد
ذكرنا بعض مسائل في الوكالة.
فإن ادعى ردها على من لم يودعه إياها كورثة صاحبها فعليه البينة وإلا فعلى الوارث
اليمين، وكذلك إن أطارت الريح ثوب غيره إلى داره فادعى رده عليه أو ادعى ولي اليتيم
رد ماله عليه بعد الرشد فأنكر، فإن أودع مغصوبا يعرف ربه وجب رده عليه، فإن لم
يفعل مع الإمكان ضمن له فإن لم يمكنه فلا ضمان عليه، فإن لم يعرف ربه عرفه حولا فإن جاء
صاحبه فيه وإلا تصدق به، فإذا جاء صاحبه خيره بين الأجر والغرم، وإن كان مختلطا بمال
المودع كالدهن وشبهه رده على المودع.
والوديعة عقد جائز من الطرفين وأمانة للبر والفاجر، فإن تصرف فيها كلبس الثوب
وركوب الدابة أو تركها في غير حرزها أو ائتمن عليها غيره بغير إن صاحبها من غير عذر
ضمنها بقيمتها يوم تعدى فيها، ولا يبرأ من ضمانها إلا بردها إلى صاحبها أو وكيله، فإن
145

أبرأه صاحبها من ضمانها من غير رد برئ، وقيل: لا يبرأ، فإن ردها إلى موضعها لم يبرأ،
فإن نص له على موضع بعينه لها فنقلها من غير خوف ضمنها.
فإن أخرجها من كيسها بنية التصرف فيها أو حل وكاها لأخذ بعضها ضمن كلها
لهتكها، فإن خرق الكيس من فوق الدراهم ضمن ما خرقه دونها، فإن خرق دون السد
ضمنها لهتكها وإن لم يأخذ، وإن كانت ظاهرة فأخذ منها درهما للتصرف فيه ضمنه فقط،
فإن رده أو رد بدله وتميز لم يزل عنه ضمانه، وإن رد ولم يتميز ضمن الكل لأنه خلط ماله
بالوديعة، فإن عزم على التصرف فيها ولم يحدث شيئا لم يضمنها، فإن سافر بها وردها على
صاحبها أو وكيله أو الحاكم عند فقدهما ممكن به أو إيداعها ثقة ضمنها.
وإذا أودعه شخصان وديعة وحضرا يسلماها، وإن أحدهما لم يسلمها إليه، فإذا أودع
واحد شخصين اجتمعا على الحفظ لأنه لم يرض بأمانة أحدهما، فإن دفن الوديعة ولم يعلم
أحدا ثم سافر ضمنها، وإذا حضره الموت ردها على صاحبها أو وكيله فإن تعذر فعلى الحاكم
فإن تعذر أودعها ثقة، فإن لم يفعل ضمن، فإن أودعها غيره من غير عذر ضمنها.
وإذا أودع صبيا وديعة فتلفت لم يضمن، فإن أتلفها ضمن كما لو أتلفها بلا إيداع، فإن
أودعه الصبي وديعة ضمنها إلى أن يسلمها إلى وليه، فإن أودع العبد فأتلف تعلقت برقبته.
وإن أودعه دابة وأمره بعلفها وسقيها ولم يفعل ضمنها وله فعل ذلك بنفسه وبغلامه
للعادة ويرجع بذلك على صاحبة، وإن لم يأمره ولم ينهه وجب لأن إذنه بالحفظ تضمن ذلك
وينفق صاحبها أو وكيله، فإن لم يكن فالحاكم ينفق عليها من مال صاحبها وإلا أقرض عليه
أو أمر الودعي بإقراضه وأقام أمينا ينفق فإذا جاء صاحبها رجع عليه، وإن اختلفا في المدة
حلف صاحبها وفي قدر النفقة يحلف المنفق، فإن لم يكن حاكم وتبرع بالنفقة الودعي لم
يرجع، وإن أشهد أنه يرجع بالنفقة فكذلك، وقيل يرجع، فإن نهاه ربها عن الانفاق فلم
ينفق حتى تلفت فلا ضمان عليه.
وإذا قال الودعي: أمرتني بتسليم الوديعة إلى زيد ففعلته فأنكر الإذن ولا بينة حلف
صاحبها وغرم أيهما شاء بتلفها ولم يرجع أحدهما على صاحبه وإن كانت باقية أحدهما، وإن
نقلها من خريطة إلى أخرى والخريطة لصاحبها ضمن، وإن كانت له عينها المودع فنقلها
146

إلى دونها في الحرز ضمن، وإن أخذت منه قهرا لم يضمن، وإن أكره على اخراجها لم يضمن
وقيل يضمن، ولو قال له ضع الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر أو ضع الوديعة في كمك
فتركها في جيبه أولا يرقد على الصندوق فرق فقد زادها حفظا.
وإذا مات الودعي ردت الوديعة على صاحبها إن كان أقر بها أو أقر بها وارثه أو قامت بها
بينة، فإن لم توجد بعينها حاص ربها الغرماء فإن ادعى شخصان الوديعة فقال: هي لهذا
ثم قال: بل لهذا سلمت، إلى الأول وغرم للثاني فإن قال: هي لهما، سلمت إليهما ثم يتداعيان
وإن قال: هي لأحدهما ولا أعرف عينه، وصدقاه لم يحلف وإن كذباه حلف أنه لا يعلم لمن هي
منهما يمينا واحدة فإن أنكرهما حلف لهما يمينين.
147

قواعد الأحكام
كتاب الأمانات وتوابعها:
وفيه مقاصد:
الأول: الوديعة: وفيه فصول:
الأول: في حقيقتها:
وهي عقد يفيد الاستنابة في الحفظ، جائزة من الطرفين، ولا بد فيها من
إيجاب - وهو كل لفظ دال على الاستنابة بأي عبارة كان - وقبول قولا وفعلا
دالا على الرضا، ولا بد من صدورهما من مكلف جائز التصرف.
فلو استودع من صبي أو مجنون ضمن إلا إذا خاف تلفه فالأقرب سقوط
الضمان، ولا يبرأ بالرد إليهما في الصورتين بل إلى الولي، ولا يصح أن يستودعا
فإن أودعا لم يضمنا بالإهمال، أما لو أكلها الصبي أو أتلفها فالأقرب الضمان، ولو
استودع العبد فأتلف فالأقرب أنه يتبع بها بعد العتق، ولو طرح الوديعة عنده لم
يلزمه الحفظ إذا لم يقبلها، وكذا لو أكره على قبضها ولا يضمن لو تلفت وإن
أهمل، أما لو استودع مختارا فإنه يجب عليه الحفظ.
وتبطل بموت كل واحد منهما وبجنونه وإغمائه وبعزله نفسه، وإذا انفسخت
بقيت أمانة شرعية في يده فلا يقبل قوله في الرد كالثوب تطيره الريح إلى داره،
ويجب عليه إعلام صاحبه فإن أخر متمكنا ضمن.
148

الفصل الثاني: في موجبات الضمان:
و ينظمها شئ واحد وهو التقصير وأسبابه ستة:
الأول: الانتفاع:
فلو لبس الثوب أو ركب الدابة ضمن إلا أن يركب لدفع الجموح عند السقي
أو يلبس لدفع الدود عند الحر، وكذا يضمن لو أخرج الدراهم من كيسها لينتفع بها
وإن كان الكيس ملكه وأعادها إليه، ولو نوى الآخذ الانتفاع ولم يأخذ لم يضمن
بخلاف الملتقط الضامن بمجرد النية لأن سبب أمانته مجرد النية، وكذا لو جدد
الإمساك لنفسه أو نوى بالأخذ من المالك الانتفاع، وكذا لو أخرج الدابة من
حرزها للانتفاع وإن لم ينتفع، ولا يعود أمانته لو ترك الخيانة، فلو رد الوديعة إلى
الحرز لم يزل الضمان ما لم يجدد الاستئمان، ولو مزجها بما له بحيث لا يتميز ضمن.
ولو أتلف بعض الوديعة المتصل ضمن الباقي كما لو قطع يد العبد أو بعض
الثوب، ولو كان منفصلا أو المودع مخطئا ضمنه خاصة كما لو أخرج بعض الدراهم،
فإن أعادها بعينها ومزجها فكذلك، ولو أعاد مثلها ومزجها ضمن الجميع، وكذا
يضمن الجميع لو فتح الكيس المختوم سواء أخذ منه شيئا أو لا بخلاف ما لو ختمه
هو.
ولو مزج الوديعتين بحيث لا مائز ضمن الجميع وإن اتحد المالك، ولو مزج
بإذن أحدهما ضمن الأخرى، ولو مزج غيره ضمنهما المازج، والشد كالختم إن كان
من المالك ضمن إذا حله بنفس الحل وإن لم يتصرف وإلا ضمن بالأخذ، ولو
أذن له المالك في أخذ البعض ولم يأذن في رد البدل فرده ومزجه ضمن الجميع.
الثاني: الإيداع:
فلو أودعها عند زوجته أو ولده أو عبده أو أجنبي وإن كان ثقة من غير
149

ضرورة ولا إذن ضمن، وكذا لو سافر بها مختارا مع أمن الطريق، أما لو سافر بها مع
خوف تلفها مع الإقامة فإنه لا يضمن، وكذا لو أودعه حالة السفر، وإذا أراد السفر
ردها على المالك، وإن تعذر فعلى الحاكم، فإن تعذر أودعها من الثقة ولا ضمان،
وكذا لو تعذر ردها على مالكها فإنه يعيدها إلى الحاكم، فإن تعذر فالثقة مع
الحاجة. وإذا خالف هذا الترتيب في الموضعين مع القدرة ضمن. والأقرب وجوب
القبض على الحاكم وكذا المديون والغاصب إذا حملا الدين أو الغصب إليه. فلو
أراد السفر فدفنها ضمن إلا أن يخاف المعاجلة.
ومن حضرته الوفاة وجب عليه الوصية بما عنده من الوديعة، فإن أهمل ضمن
إلا أن فجأة على إشكال، ولو أوصى إلى فاسق أو أجمل كقوله: عندي
ثوب، وله أثواب ضمن، أما لو قال: عندي ثوب، ولم يوجد في التركة ثوب لم
يضمن تنزيلا على التلف قبل الموت على إشكال، ولو وجد على كيس مختوم أنه
وديعة فلان لم يسلم إليه، وكذا لو وجد في دستوره إلا ببينة.
الثالث: التقصير في دفع المهلكات:
فلو ترك علف الدابة أو سقيها مدة لا تصبر عليه عادة فهلكت ضمن سواء أمره
المالك أو لا، ويرجع على المالك وإن نهاه على إشكال إذا لم يتبرع، أما لو نهاه عن
العلف أو السقي فترك عصى ولا ضمان، ويضمن لو ترك نشر الثوب المفتقر إليه
أو طرح الأقمشة في المواضع التي تعفنها أو لم يعرض الثوب الذي يفسده الدود للريح،
ولو لم يندفع إلا باللبس وجب إلا مع نهي المالك.
ولو أمر خادمه بالسقي أو العلف لم يضمن لاعتياده، ولو أخرجها من منزله
للسقي مع أمن الطريق أو خوفه ضمن إلا مع الضرورة كعدم التمكن من سقيها أو
علفها فيه وشبهه.
150

الرابع: المخالفة في كيفية الحفظ:
فلو عين له موضعا للاحتفاظ وجب الاقتصار عليه ويضمن لو نقل إلا إلى
ما هو أحرز أو مساو على رأي، فإن تلفت بالنقل إليه كانهدامه ضمن، ولا يجوز
نقلها إلى الأدون وإن كان حرزا إلا مع الخوف في إبقائها في الأول وعدم التمكن
من المساوي، ولو نهاه عن النقل من حرز معين ضمن بالنقل إلى الأحرز والمساوى
إلا أن يخاف تلفها فيه ولو قال: وإن تلفت. ولو عين له حرزا بعيدا عنه وجب
المبادرة إليه بما جرت العادة، فإن أخر متمكنا ضمن، ولو وضعها فيما عينه له فخاف
من غرق أو حرق وجب نقلها إلى حرز غيره، فإن تركها والحال هذه ضمنها سواء
تلفت بالأمر المخوف أو بغيره، ولو قال: لا تنقلها وإن خفت، فنقلها من غير خوف
ضمن، ولو نقلها مع الخوف أو تركها لم يضمن كما لو قال: أتلفها.
ولو ادعى الناقل عن المعين السبب كالغرق فأنكر المالك احتمل تقديم قول
المالك لإمكان إقامة البينة وقول المدعي لأنه أمينه، ولو أمره بالوضع في المنزل
فوضعها في ثيابه ضمن، ولو قال: ضعها في كمك، فجعلها في جيبه لم يضمن لأنه
أحرز ويضمن بالعكس، ولو قال: اربطها في ثوبك، فجعلها في يده احتمل
الضمان لكثرة السقوط من اليد وعدمه لأنها أحفظ من الطرار بالبط، أما لو
استرخى بنوم أو نسيان فإنه يضمن، فإن ربطه امتثالا له وجعل الخيط الرابط من
خارج الكم ضمن لأنه إغراء للطرار، ولا يضمن لو جعله من داخل.
ولو نقل من صندوق إلى صندوق والصناديق للمالك ضمن، ولو كانت
للمودع فهي كالبيوت، ولو أمره بجعلها في صندوق من غير قفل فقفل عليها لم
يضمن، ولو قال: اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل قوما فيها ضمن
سواء سرقت حال الإدخال أو بعده سرقها من دخل البيت أو غيره، ولو قال:
اجعل الخاتم في الخنصر، فوضعه في البنصر لم يضمن بخلاف العكس، ولو لم يعين
موضعا وجب حفظها في حرز مثلها أو أعلى ولا يضمن بالنقل عنه وإن كان أدون،
151

ولو كانت في بيت صاحبها فقال له: احفظها في موضعها فنقلها من غير خوف
ضمن لا معه.
الخامس: التضييع:
بأن يلقيها في مضيعة أو يدل سارقا أو أقر بها لظالم أو يسعى بها إلى من يصادر
المالك فيضمن. ولو ضيع بالنسيان فالأقرب الضمان، ولو سلمها إلى الظالم مكرها
استقر الضمان على الظالم والأقرب انتفاؤه عنه، وهل يجب عليه الاختفاء لو طلبه
الظالم؟ الأقرب ذلك. ويجوز الحلف كاذبا للمصلحة ويجب التورية على العارف،
ولو أكرهه على التسليم أو اليمين فسلم ضمن، ولو أكره على التسليم لم يضمن به،
فإن تمكن من الدفع وجب، فإن أهمل ضمن، ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع.
السادس: الجحود:
وهو موجب للضمان إن كان مع المالك بعد مطالبته لا مع مطالبة غيره، وفي
سؤال المالك إشكال، فإن لم يقم بينة ولم يعترف فالقول قوله مع اليمين، فإن أقيمت
عليه البينة فادعى الرد أو التلف من قبل، فإن كان صيغة جحوده إنكار أصل
الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة ولا معها على الأقوى لتناقض كلاميه، وإن كان
صيغة الجحود: لا يلزمني شئ، قبل قوله في الرد والتلف مع البينة وبدونها في
الأخير وفي الأول على رأي، ولو أقر ربها له بتلفها قبل الجحود من الحرز فلا
ضمان، وفي سماع بينته بذلك إشكال، نعم يقبل لو شهدت بالإقرار.
الفصل الثالث: في الأحكام:
يجب على المستودع حفظ الوديعة بمجرى العادة كالثوب في الصندوق والدابة
في الإصطبل والشاة في المراح، ويجب عليه ردها متى طلب المالك وإن كان
152

كافرا، فإن أخر بغير عذر ضمن ومعه لا ضمان، وليس استتمام غرض النفس
كمن كان في حمام أو على طعام عذرا.
ولو قال: رد على وكيلي، فطلب الوكيل فامتنع ضمن، ولو لم يطلب وتمكن
من الرد ففي الضمان إشكال، وكذا كل أمانة كالثوب يصيره الريح في داره، فإن
رد على الوكيل ولم يشهد فلا ضمان لو أنكر بخلاف التقصير في ترك الإشهاد على
قضاء الدين لأن مبني الوديعة على الإخفاء.
وأجرة المسكن إن احتاجت مؤنة الرد على المالك وإن قلت، نعم لو سافر بها
بغير إذنه أو لغير ضرورة كانت مؤنة الرد عليه.
ولو كان المودع غاصبا لم يجز رد الوديعة إليه بل إلى مالكها إن عرف، ولو
جهل عرف سنة ثم يتصدق بها عن المالك مع الضمان، وإن شاء أبقاها أمانة أبدا
من غير ضمان، وليس له التملك مع الضمان على إشكال، ولو مزجها الغاصب
بماله فإن تميزت وجب ردها على مالكها دون المودع وإلا رد الجميع على المودع
على إشكال.
ولا يبرأ المفرط بالرد إلى الحرز بل إلى المالك أو بإبرائه، ولو أنكر الوديعة أو
ادعى التلف وإن كان بسبب ظاهر أو نقص القيمة أو عدم التفريط فالقول قوله مع
اليمين وفي الرد نظر، أما لو ادعى الإذن في التسليم إلى غير المالك فالمصدق المالك
مع اليمين، فإن صدق الإذن وأنكر التسليم فكدعوى الرد.
ولو مات المستودع ولم يوجد الوديعة في تركته فهي والدين سواء على إشكال،
هذا إن أقر أن عنده وديعة أو عليه وديعة أو ثبت أنه مات وعنده وديعة، أما لو
كانت عنده وديعة في حياته ولم يوجد بعينها ولم يعلم بقاؤها ففي الضمان إشكال.
ويصدق المستودع مع اليمين في تعيين المدعيين - فإن نكل غرم للآخر - وفي
نفي العلم ويقر في يده حتى يثبت المالك، فإن ادعيا علمه أحلفاه على نفي العلم يمينا
واحدة ويحتمل التعدد، فإن نكل أحلفا على علمه فيضمن القيمة فتجعل مع العين
153

في أيديهما، وإن سلم العين بحجة إلى أحدهما رد نصف القيمة إلى المودع ولم يجب
على الثاني الرد لأنه استحق بيمينه ولم يعد عليه المبدل، ولو مات المالك سلمها إلى
الورثة أجمع من غير تخصيص فيضمن معه.
154

كتاب الوديعة
وهي استنابة في الحفظ. ويفتقر إلى إيجاب وقبول ولا حصر في الألفاظ الدالة
عليهما، ويكفي في القبول الفعل، ولو طرحها عنده أو أكرهه على قبضها لم تصر وديعة
فلا تجب حفظها ولو قبل وجب الحفظ، ولا ضمان عليه إلا بالتعدي أو التفريط، ولو
أخذت منه قهرا فلا ضمان، ولو تمكن من الدفع وجب ما لم يؤد إلى تحمل الضرر الكثير
كالجرح وأخذ المال، نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها الظالم ويؤدى ويبطل بموت كل
منهما وجنونه وإغمائه ويبقى أمانة شرعية لا يقبل قول الودعي في ردها إلا ببينة، ولو
عين موضعا للحفظ اقتصر عليه إلا أن يخاف تلفها فيه فينقلها ولا ضمان.
وتحفظ الوديعة بما جرت العادة به كالثوب والنقد في الصندوق والدابة في الإصطبل
والشاة في المراح ولو استودع من طفل أو مجنون ضمن ويبرأ بالرد إلى وليهما، وتجب إعادة
الوديعة على المودع، ولو كان كافرا ويضمن لو أهمل بعد المطالبة، أو أودعها من غير
ضرورة أو سافر بها كذلك أو طرحها في موضع تتعفن فيه أو ترك سقي الدابة أو علفها ما
لا تصبر عليه عادة أو ترك نشر الثوب للريح أو انتفع بها أو مزجها، ولترد إلى المالك أو
وكيله فإن تعذر فالحاكم عند الضرورة إلى ردها.
ولو أنكر الوديعة حلف، ولو أقام بها بينة قبل حلفه ضمن إلا أن يكون جوابه: لا
يستحق عندي شيئا، وشبهه والقول قول الودعي في القيمة لو فرط، وإذا مات المودع
سلمها إلى وارثه أو إلى من يقوم مقامه ولو سلمها إلى البعض ضمن للباقي، ولا يبرأ
بإعادتها إلى الحرز لو تعدى أو فرط ويقبل قوله بيمينه في الرد.
155

كتاب العارية
157

المقنع
باب العارية:
وليس على المستعير ضمان في العارية إلا أن تكون ورقا أو عينا، فإن ضمنها صاحبها
كانت مضمونة على كل حال، وإن تعدى المستعير في العارية ضمنها وإن لم يكن صاحبها قد
اشترط ضمانها، والقول في الخلف بين المستعير وصاحب العارية كالقول في الوديعة والرهن
سواء إن كانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم تكن له بينة فالقول قول صاحب العارية مع
يمينه بالله عز وجل.
159

الكافي
فصل في العارية
العارية وجه يحسن التصرف وهو على ضربين. مضمونة، وغير مضمونة، فالمضمونة
العين والورق على كل حال، وما عداهما من الأعيان بشرط التضمين أو التعدي، فمتى
هلكت أو نقصت والحال هذه فعلى المستعير ضمان مثل ما هلك من المال وقيمة ما تلف من
الأعيان وأرش ما نقص.
فإذا اختلفا في التضمين والتعدي فعلى المالك البينة، وعلى المستغير اليمين، وله ردها
مع دعوى التضمين عليه، وأيهما حلف حكم بمقتضى يمينه.
وإن اختلفا في مبلغها أو قيمتها أخذ ما أقر به المستعير، ووقف ما زاد عليه على بينة أو
يمين المستعير.
وما ليس بمضمون من العواري - ما عدا ما ذكرناه من العين والورق والمضمن والمعتدي
فيه من العواري المطلقة من التضمين - العرية من التعدي والتفريط، وما هذه حاله لا يلزم
المستعير فيه قيمة ولا أرش.
160

النهاية
والعارية على ضربين: ضرب منها تكون مضمونة على كل حال اشترط ذلك أو لم
يشترط وهو كل ما كان ذهبا أو فضة، ويلحق بذلك من استعار من غيره ما لا يملكه فإنه
يكون ضامنا له وإن لم يشترط للمعير ويكون المعير ضامنا لصاحب الشئ، والضرب
الآخر لا يكون المستعير ضامنا إلا أن يشترط المعير عليه، فإن شرط عليه ضمانه ضمنه
على كل حال وإن لم يشرط لم يكن عليه إذا هلك ضمانه إلا أن يفرط فيها أو يتعدى
فإنه يلزمه ضمانها.
وإذا اختلف المستعير والمعير في قيمة العارية كان القول قول صاحبها مع يمينه، فإن
اختلفا في التفريط والتضييع، كان على المعير البينة بأن الذي استعار فرط أو ضيع فإن لم
يكن مع بينة كان على المستعير اليمين، ومن استعار شيئا ورهنه كان لصاحبه أن يأخذه
من عند المرتهن ولم يكن له منعه منه وكان له أن يرجع على الراهن بما له عليه من المال.
161

المراسم العلوية
ذكر أحكام العارية
وهي على ضربين: عين وورق، وغير ذلك. فالعين والورق مضمون على كل حال، وما
عداهما على ضربين: مضمن وغير مضمن. فالمضمون يلزم ضمانه على كل حال، وما لم
يضمن لا يلزم ذلك فيه إلا بالتفريط خاصة.
وإن اختلفا في شئ من ذلك فالقول قول المعبر مع يمينه إذا عدما البينة.
162

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالعارية
مسألة: إذا استعار انسان بهيمة أو سيفا أو ما أشبه ذلك وضمنه، ثم رده إلى ملك
صاحبه مثل إعادة البهيمة إلى الإصطبل، أو السيف إلى بيته ولم يسلم ذلك
إلى صاحبه ولا إلى وكيله، هل يبرأ من الضمان بإعادة ذلك إلى ملكه كما ذكرناه أم لا؟
الجواب: لا يبرئه ذلك من الضمان، لأن الضمان انعقد بينه وبين صاحب ذلك، فليس
هذا منه إلا بتسليمه إليه أو إلى وكيله. وأيضا فإن الأصل شغل الذمة بالعارية، والبراءة
من ذلك يفتقر إلى دليل.
مسألة: إذا كان راكبا بهيمة واختلف هو ومالكها، فقال الراكب لصاحبها: أنت
أعرتنيها عارية مضمونة وقال صاحبها: بل أكريتها مني. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلف على ما ذكر كان القول قول الراكب مع يمينه، وعلى صاحبها
البينة لأنه يدعي أجرة الركوب. فإن حلف راكبها أسقط عن نفسه وإن نكل عن اليمين،
ردت على صاحبها، فإن حلف قضي له بالأجرة، لأن اليمين مع النكول بمنزلة الإقرار
والبينة. وفي الناس من ذهب إلى القول، قول صاحبها مع يمينه. فإن لم يحلف، سقط حقه،
ولا يرد على الراكب اليمين.
مسألة: إذا استعار انسان من غيره شيئا فآجره أو أعاره لآخر، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح إجارة العارية ولا إعارتها. فأما الإجارة فإن المستعير لا يملك
منافعها بعقد الإجارة. وأما إعارتها فلأنه إنما أذن صاحبها في الانتفاع بها على وجه
163

مخصوص، فليس له غير ذلك.
مسألة: إذا كان لإنسان جارية، هل له أن يعيرها للاستمتاع بها أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك. لأن البضع لا يستباح بالاستعارة وإنما يستباح بعقد أو ملك.
فإن قيل: فعندكم أنه يجوز بلفظة الإباحة، قلنا: هذا وإن كان عندنا كذلك فالمراد به العقد
ومتى عري من العقد لم يصح.
مسألة: إذا كان في يده مزارعة أرض لغيره، واختلفا، فقال صاحب الأرض:
أكريتكها وقال الزارع: بل أعرتنيها. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك، كان القول قول الزارع مع يمينه وعلى صاحب الأرض
البينة، لأنه يدعي الكري.
مسألة: إذا كان انسان راكب بهيمة لغيره واختلفا هو ومالكها، فقال المالك:
غصبتها وقال الراكب: أعرتنيها. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم فيه أن القول، قول الراكب مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة وعلى
المالك البينة على ما ادعاه من الغصب، لأن ادعاه ذلك، يتضمن دعوى الضمان للبهيمة
ولزوم الأجرة لراكبها بركوبه لها.
164

المهذب
كتاب العارية
قال الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى، والعارية من البر ولا خلاف بين الأمة
في جوازها، وروي عن رسول الله ص أنه قال في خطبة حجة الوداع:
العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم، وروي أنه ص
استعار من صفوان بن أمية يوم خيبر درعا، فقال أ غصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية
مضمونة مؤداة.
فإذا كان جوازها في الشريعة ثابتا فهي أمانة غير مضمونة مؤداة إلا أن يشترط
صاحبها ضمانها، فإن شرط ذلك ثبت ضمانها وإن لم يشترط ذلك كانت غير مضمونة
على ما ذكرناه، فإذا استعار انسان شيئا وقبضه كان له الانتفاع به بمقدار ما أباحه المعير
الانتفاع به، فإن تعدى أو شرط عليه الضمان لما ينقص من الأجزاء لزمه ذلك، ومن
استعار منشفة فذهب خملها باستعماله لها لم يكن عليه في ذلك ضمان لأن إذن المعير
للمستعير في استعمالها إذن في ذلك بمجرى العادة، وكذلك حكم جميع الثياب التي
تذهب جدتها بالاستعمال في أنه ليس على مستعيرها في ذلك ضمان إلا أن يكون
متعديا في ذلك فيلزمه الضمان.
والعارية على ضربين: مضمونة وغير مضمونة، فأما المضمونة فهي ما كانت ذهبا أو
فضة وأما التي ليست مضمونة فكل ما عدا ذلك إلا أن يشترط الضمان فيها على
ما قدمناه، وإذا كان عند انسان عارية وردها إلى صاحبها أو وكيله برأ من ضمانها، فإن
165

ردها إلى ملكه مثل أن يكون دابة فيردها إلى إصطبل صاحبها ويشدها فيه لم يبرأ من
ضمانها، وإذا اختلف صاحب دابة وراكبها فقال صاحبها: أكريتكها، وقال الراكب:
أعرتنيها مضمونة، كان القول قول الراكب مع يمينه وعلى صاحبها البينة لأنه يدعي أجرة
الركوب، وكذلك الحكم في الأرض المستعارة للزراعة إذا اختلف صاحبها والزارع
فادعى الزارع العارية وادعى صاحب الأرض الإيجار فإن القول قول الزارع مع يمينه.
التعدي في العارية:
وإذا استعار دابة إلى موضع معين فجاوزه كان عليه الضمان وكذلك إذا استعارها
يوما أو شهرا فزاد على ذلك، وإذا استعار انسان من غيره أرضا لبناء أو غرس وأذن له في
ذلك كان جائزا، فإذا كان المعير أذن له في البناء والغرس فزرع كان جائزا لأن ضرر
الزرع أقل من ضرر البناء والغرس، فإن أذن له في الزرع فبنى أو غرس لم يجز ذلك لأن
ضرر البناء والغرس أعظم وليس يكون الإذن في القليل إذنا في الكثير، فإن أذن له في
زرع الحنطة فزرع ذرة أو ما جرى مجراها لم يجز ذلك لأن ضرر الذرة أعظم من ضرر
الحنطة، فإن أذن له في البناء فغرس أو في الغرس فبنى لم يجز له ذلك لأن ضرر أحدهما
مخالف لضرر الآخر.
واعلم أنه ليس من شرط العارية تقدير المدة فإن قدر ذلك كان جائزا، فإن أطلق
له وأذن في البناء والغرس كان له ذلك ما لم يمنعه، فإن منعه لم يكن له بعد المنع فعل
شئ من ذلك فإذا منعه سقط الإذن، فإن كانت المدة مقدرة كان له البناء والغرس
ما لم تنقض المدة فإذا انقضت لم يكن له إحداث شئ بعد ذلك، فإن غرس أو بنى أو
انتفع بشئ من وجوه الانتفاع الذي ليس له كان متعديا وله المطالبة بقلعه من
غير شئ يضمنه، فإذا كان له قلعها فإن عليه أجرة المثل إن كان تعدى بذلك فإذا قلعها
كان عليه تعديل الأرض وتسوية الحفر وطمها لأنه أحدثها من غير إذن صاحب الأرض
ولا رضاه.
166

فروع في إعارة الأرض:
وإذا استعار انسان من غيره أرضا على أن يبني فيها دارا أو يغرس فيها نخلا فأذن له
في ذلك ثم بدا له في اخراجه كان عليه للمستعير قيمة البناء والغرس بعد ذلك، فإن قال
له: أعيرك هذه الأرض عشر سنين تبني فيها وتغرس وعليك عند انقضاء المدة أن تقلع
بناءك وغرسك وتسلم إلى أرضي كما أخذتها، فأجابه إلى ذلك وجب عليه عند انقضاء
المدة رد أرضه إليه ونقض ما بناه وقلع ما غرسه، فإن أعاره الأرض وقتا معلوما للزرع
فزرعها فلما قارب حصاده أراد اخراجه وقد انقضى الأجل لم يخرج حتى يستحصد
الزرع ويكون له أجر مثل الأرض في زيادة الأجل، فإن أعاره أرضا على أن يبني فيها
ويسكن ما بدا له، فإذا أراد أن يخرج كان البناء لصاحب الأرض لم يجز ذلك وهذا
يجري مجرى الإجارة الفاسدة وعلى الساكن أجرة مثل الأرض فيما سكن له والبناء له.
عارية الدابة:
وإذا أنفذ انسان رسولا إلى غيره يستعير منه دابة يركبها إلى قرية سماها له شرقي
البلد فمضى الرسول إلى صاحب الدابة فقال: له فلان يقول لك: أعرني دابتك أركبها
إلى قرية، سماها غربي البلد بموضع غير الذي ذكره المرسل له فدفع الدابة إليه فركبها
المستعير إلى الموضع الذي ذكره الرسول لأمر عرض له وليس يعلم بما كان من رسوله
فهلكت الدابة لم يكن عليه ضمان، لأن صاحبها أعاره إلى ذلك المكان، ولو ركبها إلى
المكان الذي ذكره لرسوله فهلكت كان عليه ضمانها لأن صاحبها لم يعرها إلى ذلك
المكان ولا يرجع على الرسول في ذلك شئ.
وإذا استعار انسان دابة واستأجرها أيضا فنزل عنها في بعض السكك في المدينة
ودخل مسجدا يصلى فيه وخلى عنها فهلكت كان ضامنا لها، وإذا استعار من غيره
سلاحا ليجاهد به عارية غير مضمونة فضرب بالسيف أو طعن بالرمح فانكسر السيف
أو الرمح لم يكن عليه شئ، وإذا استعار أرضا من غيره وأذن له المعير في غرس شجرة
167

فيها فغرسها ثم قلعها كان له أن يعيد غيرها إن كان الإذن من المعير قائما، فإن رجع عن
ذلك لم يكن له إعادة غيرها وكذلك الحكم إذا أعاره حائطا يضع عليه جذعا فوضعه
عليه ثم انكسر فإنه ليس له إعادة غيره إلا أن يكون الإذن في المعير قائما فإن رجع عن
ذلك لم يجز له إعادة غيره مكانه.
وإذا كان لإنسان حبوب فجرها السيل إلى أرض انسان آخر ونبتت فيها كان الزرع
لصاحب الحب، لأنه عين ماله فإذا كان كذلك لم يجز لصاحب الأرض مطالبته بقلعه
لأنه لم يتعد في ذلك، ويجوز إعارة الفحل وإعارة المملوك للخدمة، فإن كان امرأة لها
هيئة كره ذلك فيها وإن كانت عجوزا لم يكن فيه كراهة ولا تجوز إعارتها للاستمتاع بها
لأن البضع لا يستباح بالعارية، ويكره استعارة الأبوين للخدمة لأن استخدامهما من
ولديهما مكروه له، فإن استعارهما ليخفف عنهما ويرفههما من خدمتهما سيدهما كان ذلك
حسنا وفيه فضل.
إجارة العارية وإعارتها:
والعارية لا تجوز إعارتها ولا إجارتها أيضا لأن المستعير لها لا يملك منافعها فلا يصح
منه إعارتها ولا عقد إجارتها، وإذا كان مع رجل محل صيد لم يجز للمحرم أن يستعيره
منه لأنه لا يجوز له إمساكه، فإن استعاره منه بشرط الضمان ضمنه فإن تلف في يده
لزمه قيمته لصاحبه والجزاء لله سبحانه، وإذا استعار المحل من المحرم مثل ذلك مثل أن
يحرم وفي يده صيد، فإذا أخذه منه كان ذلك له فإن تلف لم يلزمه ضمانه لأن ملك
المحرم له قد زال عنه وتخليته له عند إحرامه واجبة عليه، فإذا أخذه المحل وتلف من يده لم
يلزمه شئ لأنه ليس بملك له أخذه منه ولا استعارة.
168

فقه القرآن
باب العارية:
هي أيضا جائزة بدليل الكتاب والسنة، فالكتاب قوله تعالى: تعاونوا على البر
والتقوى، والعارية من البر، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ويمنعون الماعون، فقد قال ابن
عباس وهو ترجمان القرآن: إن الماعون العواري، وروي عن صفوان بن أمي: أن النبي
عليه السلام استعار منه أدرعا فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال ع: لا بل عارية
مضمونة مؤداة ولا خلاف بين الأمة في جواز ذلك وإنما اختلفوا في مسائل منها.
وإذا ثبت جواز العارية فاعلم أنها أمانة غير مضمونة إلا أن يشرط صاحبها،
وإذا ثبت جواز العارية فاعلم أنها أمانة غير مضمونة إلا أن يشرط صاحبها، فإن شرط
ضمانها كانت مضمونة، والذهب والفضة إذا استعيرا فهما مضمونان، شرط فيهما ذلك أم لم
يشرط، ومتى تعدى المستعير في العواري كانت مضمونة سواء شرط أو لم يشرط.
169

غنية النزوع
فصل في العارية
العارية على ضربين: مضمونة وغير مضمونة، فالمضمونة العين والورق على كل حال،
وما عداهما بشرط التضمين أو التعدي، وغير المضمونة ما عدا ما ذكرناه بدليل إجماع
الطائفة المحقة.
وإذا اختلف المالك و المستعير في التضمين والتعدي وفقدت البينة فعلى المستعير
اليمين، وإذا اختلفا في مبلغ العارية أو قيمتها أخذ ما أقر به المستعير وكان القول قول المالك
مع يمينه فيما زاد على ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وإذا اختلف مالك الدابة وراكبها فقال المالك: آجرتكها، أو: غصبتنيها، وقال
الراكب: بل أعرتنيها، فالقول قول الراكب مع يمينه وعلى المالك البينة لأن الأصل براءة
الذمة والمالك مدع للضمان بالغصب أو الأجر بالكراء فعليه البينة، وكذلك الحكم إذا
اختلف مالك الأرض وزراعها.
وإذا استعار من غيره دابة ليحمل عليها وزنا معينا فحمل أكثر منه أو ليركبها إلى
مكان فتعداه كان متعديا ولزمه الضمان ولو ردها إلى المكان المعين بلا خلاف.
وإذا أذن مالك الأرض للمستعير في الغراس أو البناء فزرع جاز لأن ضرر الزرع
أخف من ضرر ما أذن له فيه، ولا يجوز له الغراس أو البناء إذا أذن له في الزرع لأن ضرر ذلك
أكثر والإذن في القليل لا يكون إذنا في الكثير، وكذا لا يجوز له أن يزرع الدخن أو الذرة إذا
أذن له في زرع الحنطة لأن ضرر ذلك أكثر، ويجوز له أن يزرع الشعير لأن ضرره أقل.
170

وإذا أراد مستعير الأرض للغراس والبناء قلعه كان له ذلك لأنه عين ماله، وإذا لم يقلعه
وطالبه المعير بذلك بشرط أن يضمن له أرش النقص - وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا -
أجبر المستعير على ذلك لأنه لا ضرر عليه فيه، وليس للمستعير أن يطالب بالتبقية بشرط أن
يضمن أجرة الأرض، فإن طالبه المعير بالقلع من غير أن يضمن أرش النقصان لم يجبر عليه
لأنه لا دليل على ذلك، ويحتج على المخالف فيه بما رووه من قوله ع: من بنى في
رباع قوم بإذنهم فله قيمته، فأما إن أذن له إلى مدة معلومة ثم رجع قبل مضيها وطالب
بالقلع فإن ذلك لا يلزمه إلا بعد أن يضمن الأرش بلا خلاف.
وإذا أعار شيئا بشرط الضمان فرده المستعير إليه أو إلى وكيله برئ من ضمانه، ولا يبرأ
إذا رد إلى ملكه، مثل أن يكون دابة فيشدها في إصطبل صاحبها لأن الأصل شغل ذمته هاهنا
ومن ادعى أن ذلك يبرئ ذمته فعليه الدليل.
171

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان العارية:
العارية: عقد على عين مملوكة للغير لينتفع به غيره من غير أجرة، وهي عقد جائز من
الطرفين ويصح بالقبض والتسليم، وهي ضربان: ثمن وهو مضمون، وغير ثمن، وهو
ضربان: مضمن وغير مضمن.
فالمضمن ضربان: إما ضمن الأصل أو أرش النقصان إن نقص شئ من أجزائه أو
ذهبت جدته، فإن ضمن الأصل لم يضمن الأرش وإن ضمن الأرش لزم.
وغير المضمن لم يلزم فيه الضمان إلا بالتفريط، وإن اختلفا في التفريط كان القول قول
المستعير مع فقد البينة وإن اختلفا في التضمين فكذلك، وإن اختلفا في القيمة كان القول
قول المعير مع فقد البينة، وإن هلك مضمونا لزم قيمته يوم القبض، وإن هلك غير مضمون
بالتفريط لزم قيمة يوم التلف.
172

إصباح الشيعة
كتاب العارية
العارية ضربان: مضمونة وغير مضمونة. فالمضمونة العين والورق على كل حال وما
عداهما بشرط التضمين أو التعدي أو التفريط، وغير المضمونة ما عدا ذلك.
وإذا اختلف المالك والمستعير في التضمين والتعدي وفقدت البينة فعلى المستعير
اليمين، وإذا اختلفا في مبلغ العارية أو قيمتها أخذ ما أقر به المستعير وكان القول قول المالك
مع يمينه فيما زاد على ذلك، وإن اختلف مالك الدابة وراكبها فقال المالك: آجرتكها أو
غصبتنيها، وقال الراكب: بل أعرتنيها، فالقول قول الراكب مع يمينه وعلى المالك البينة،
وكذا إذا اختلف مالك الأرض وزارعها.
إذا استعار دابة ليحمل عليها وزنا معينا فحمل أكثر منه أو ليركبها إلى مكان معين
فتعداه ضمن ولو ردها إلى المكان المعين.
إذا أذن مالك الأرض للمستعير [في] الغراس أو البناء فزرع جاز، ولا يجوز
بالعكس لأن ضرر الغراس والبناء أكثر والإذن في القليل لا يكون إذنا في الكثير، وكذا
لا يجوز له أن يزرع الدخن أو الذرة إذا أذن له في زرع الحنطة، و [له] أن يزرع الشعير،
وإذا أراد مستعير الأرض للغراس والبناء قلعه كان له ذلك لأنه عين ماله، وإذا لم يقلعه
وطالبه المعير بذلك بشرط ضمان أرش النقص وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا أجبر
المستعير على ذلك. وليس للمستعير أن يطالب بالتبقية بشرط أن يضمن أجره الأرض، فإن
طالبه المعير بالقلع من غير أن يضمن أرش النقصان لم يجبر عليه، فإذا أذن له إلى مدة
173

معلومة ثم رجع قبل تقضيها وطالب بالقلع لم يلزمه إلا بعد ضمان الأرش.
ولو أعاره شيئا بشرط الضمان فرده المستعير إليه أو إلى وكيله برئ من ضمانه
ولا يبرأ إن رده إلى ملكه كأن يكون دابة فشدها في إصطبل صاحبها.
ولا يجوز للمستعير إعارة العارية ولا إجارتها، ويجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها
والجارية للخدمة خاصة. وتقدير مدة العارية أولى وأحوط وإن لم يكن ذلك من شرطها.
174

السرائر
باب العارية بتشديد الياء
العارية على ضربين: مضمونة وغير مضمونة. فالمضمونة العين والورق شرط الضمان أو
لم يشترط تعدى أو لم يتعد وما عداهما لا يضمن إلا بشرط الضمان أو التعدي وغير المضمونة
ما عدا ما ذكرناه.
وإذا اختلف المالك والمستعير في التضمين والتعدي وفقدت البينة فعلى المستعير اليمين،
وإذا اختلفا في مبلغ العارية أو قيمتها أخذ ما أقر به المستعير وكان القول قول المالك مع يمينه
فيما زاد على ذلك.
عند بعض أصحابنا، وهو الذي أورده شيخنا في نهايته، والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب
أن القول قول المدعى عليه - وهو المستعير - مع يمينه بالله تعالى لأن الأصل براءة ذمته، ويعضد
ذلك قول الرسول ع المجمع عليه وهو قوله: على المدعي البينة وعلى الجاحد اليمين،
ومالكها مدع بغير خلاف والمستعير الجاحد فعليه اليمين، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد ولا
ما يوجد في سواد الكتب مطلقا من الأدلة.
وإذا اختلف مالك الدابة وراكبها فقال المالك: آجرتكها أو غصبنيها، فقال
الراكب: بل أعرتنيها، فلا يقبل قول المالك في مقدار ما ادعاه من الأجرة ولا يقبل قول
الراكب فيما ادعاه من العارية بل نوجب عليه أجرة المثل، لأنا قد تحققنا ركوب الدابة
والراكب يدعي العارية يحتاج إلى بينة والمالك يدعي عقد إجارة وأجرة معينة يحتاج أيضا
إلى بينة، فإذا عدمنا البينات على ذلك وقد تحققنا ركوب الدابة فالواجب في ذلك
175

أجرة المثل عوضا عن منافع الدابة المتحققة، فمن أسقطها يحتاج إلى دليل، وكذلك الحكم
إذا اختلف مالك الأرض وزارعها حرفا فحرفا.
وقال شيخنا: أبو جعفر في مسائل الخلاف في كتاب العارية: القول قول الراكب والزارع
للأرض دون صاحب الدابة وصاحب الأرض، إلا أنه رحمه الله رجع في كتاب المزارعة من
مسائل الخلاف عن ذلك وقال مسألة: إذا زرع أرض غيره ثم اختلفا فقال الزارع: أعرتنيها،
وقال رب الأرض: بل أكريتكها، وليس مع أحدهما بينة حكم بالقرعة، وللشافعي فيه قولان
وعليه أكثر أصحابه: أحدهما أن القول قول الزارع وكذلك في الراكب إذا ادعى أن صاحب
الدابة أعاره إياها، وهو الذي يقوى في نفسي، والقول الثاني أن القول قول رب الأرض والدابة.
وحكى أبو علي الطبري أن في أصحابه من حمل المسألتين على ظاهرهما، وفرق بينهما بأن العادة
جرت بإعارة الدواب وفي الأرض بالإجارة دون العارية، دليلنا على ما قلناه أولا إجماع الفرقة
على أن كل مجهول يشتبه فيه القرعة وهذا من ذلك، وأما ما قلناه ثانيا هو أن الأصل براءة الذمة
وصاحب الدابة مدع للأجرة فعليه البينة، فإذا عدمها كان على الراكب والزارع اليمين، هذا آخر
المسألة من كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: أما رجوع شيخنا إلى القرعة في هذا ليس بواضح لأن هذا أمر غير مجهول
ولا مشكل بل هذا بين والشارع والإجماع بينه وهو مثل الدعاوي في سائر الأحكام من أن على
المدعي البينة وعلى الجاحد اليمين.
وأما ما قاله ثانيا فهو الذي اختاره في كتاب العارية وهو خيرة المزني صاحب الشافعي، وقد بينا
ما عندنا وهو أنا لا نقبل قول مدعي مقدار الأجرة ولا نقبل قول مدعي العارية، ونأخذ عوض
المنفعة المتحققة الذي هو الركوب والزرع، لأنا إذا لم يسلم لنا العوض المدعي من الأجرة رجعنا
إلى العوض وهو أجرة المثل، ولا يقبل قول الزارع والراكب في إبطال المنفعة كلها وهي متحققة
قد استوفاها وهو مدع لسقوط عوضها بالكلية، فهذا تحرير هذه الفتيا فليلحظ فإنها غير ملتبسة
ولا غامضة على المسائل فإني لا أستجمل القول لشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله مع جلالة
قدره ما قاله في المسألتين مع القرعة، والقول الثاني الذي قال فيه: إن الأصل براءة الذمة.
176

وإذا استعار من غيره دابة ليحمل عليها وزنا معينا فحمل أكثر منه أو ليركبها إلى موضع
معين فتعداه كان متعديا ولزمه الضمان ولو ردها إلى المكان المعين بلا خلاف، وإذا أذن
صاحب الأرض للمستعير في الغراس أو البناء فزرع جاز له لأن ضرر الزرع أخف من ضرر
ما أذن له فيه فلا يجوز له الغراس أو البناء إذا أذن له في الزرع، لأن ضرر ذلك أكثر والإذن
في القليل لا يكون إذنا في الكثير، وكذا لا يجوز له أن يزرع الدخن أو الذرة إذا أذن له في زرع
الحنطة، لأن ضرر ذلك أكثر ويجوز له أن يزرع الشعير، لأن ضرره أقل.
إذا أراد مستعير الأرض للغراس والبناء قلعه، كان له ذلك لأنه عين ماله، وإذا لم يقلعه
وطالبه المعير بذلك بشرط أن يضمن له أرش النقص وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا أجبر
المعير على ذلك لأنه لا ضرر عليه فيه، وليس للمستعير أن يطالب بالتبقية بشرط أن يضمن
أجرة الأرض فإن طالبه المعير بالقلع من غير أن يضمن أرش النقصان لم يجبر عليه، لأنه
لا دليل على ذلك، ويحتج على المخالف فيه بما رووه من قوله ع: من بنى في رباع قوم
بإذنهم فله قيمته.
وإذا أعار شيئا بشرط الضمان فرده المستعير إليه أو إلى وكيله برئ من ضمانه، ولا يبرأ
إذا رده إلى ملكه مثل أن يكون دابة فشدها على إصطبل صاحبها لأن الأصل شغل ذمته
هاهنا، ومن ادعى أن ذلك يبرئ ذمته فعليه الدليل.
ومن استعار شيئا ورهنه كان لصاحبه أن يأخذه من عند المرتهن ولم يكن له منعه منه
وكان له أن يرجع على الراهن بما له عليه من المال.
إذا استعار أرضا للزرع فزرع فيها ثم رجع المعير قبل أن يدرك الزرع وطالبه بالقلع فإنه
يجبر على التبقية، لأن الزرع لا يتأبد وله وقت ينتهي إليه فأجبرناه على التبقية، ومنهم من
قال حكمه حكم الغراس سواء.
إذا أعاره حائطا ليضع عليه جذوعه فوضعها عليه لم يكن له أن يطالبه بقلعها على أن
يضمن له أرش النقصان، لأنها موضوعة على حائط نفسه، فأحد الطرفين على أحدهما
والطرف الآخر على الآخر، فلو أجبرناه على القلع على هذا الوجه كان ذلك إجبارا على
177

قلع جذوعه من ملكه، وليس كذلك الغراس لأنها في ملك غيره.
إذا أذن له في غرس شجرة في أرضه فغرسها ثم قلعها فهل يعيد أخرى أم لا؟ الصحيح
أنه ليس له الإعادة إلا بإذن مجدد، وكذلك إذا أعاره حائطا فوضع عليه جذوعا ثم انكسر
الجذع فليس له إعادته غيره إلا بإذن مجدد.
إذا كان لإنسان حبوب فحملها السيل إلى أرض رجل فنبتت فيها كان ذلك الزرع
لصاحب الحب لأنه عين ماله، كما نقول في من غصب حبا فزرعه أو بيضا فحضنها عنده
وفرخت فإن الزرع والفراخ للمغصوب منه لأنهما عين ماله، إذا ثبت هذا فليس عليه أجرة
الأرض لأنها حصلت فيها بغير صنع منه، ولصاحب الأرض مطالبة صاحب الحب بقلعه
من غير أرش لأنه لم يأذن في ذلك، كما نقول في شجرة إذا تشعبت أغصانها ودخلت في ملك
لغيره فإن لصاحب الملك أن يجبره على قلعها إذا لم يكن تحويلها من غير قلع.
ولا يجوز إجارة العارية لأنها لا تملك منافعها بعقد الإجارة، وكذلك لا يجوز له إعارتها
لأنه أذن له في الانتفاع بها على وجه مخصوص، وكذلك إذا قدم له طعام ليأكله فله أن يأكل
ولا يجوز له أن يلقم غيره ولا أن يزل منه معه لأنه لم يؤذن له في ذلك ويقال: أزل فلان
لفلان زله إذا جعل له نصيبا من طعامه.
178

شرائع الاسلام
كتاب العارية
وهي عقد ثمرته التبرع بالمنفعة ويقع بكل لفظ يشتمل على الإذن في الانتفاع وليس
بلازم لأحد المتعاقدين، والكلام في فصول أربعة:
الأول: في المعير:
ولا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف، فلا تصح إعارة الصبي ولا المجنون، ولو
أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة، وكما لا يليها عن نفسه كذا لا تصح ولايته
عن غيره.
الثاني: في المستعير:
وله الانتفاع بما جرت العادة به في الانتفاع بالمعار، ولو نقص من العين شئ أو تلفت
بالاستعمال من غير تعد لم يضمن إلا أن يشترط ذلك في العارية. ولا يجوز للمحرم أن يستعبر
من محل صيدا لأنه ليس له إمساكه ولو أمسكه ضمنه وإن لم يشترط عليه، ولو كان الصيد في
يد محرم فاستعاره المحل جاز لأن ملك المحرم زال عنه بالإحرام كما يأخذ من الصيد ما
ليس بملك.
ولو استعارة من الغاصب، وهو لا يعلم كان الضمان على الغاصب وللمالك إلزام
المستعير بما استوفاه من المنفعة ويرجع على الغاصب لأنه أذن له في استيفائها بغير عوض،
179

والوجه تعلق الضمان بالغاصب حسب وكذا لو تلفت العين في يد المستعير، أما لو كان عالما
كان ضامنا ولم يرجع على الغاصب ولو أغرم الغاصب رجع على المستعير.
الثالث: في العين المعارة:
وهي كل ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه كالثوب والدابة، وتصح استعارة الأرض
للزراعة والغرس والبناء، ويقتصر المستعير على القدر المأذون فيه، وقيل: يجوز أن
يستبيح ما دونه في الضرر كأن يستعير أرضا للغرس فيزرع، والأول أشبه، وكذا يجوز
استعارة كل حيوان له منفعة كفحل الضراب والكلب والسنور والعبد للخدمة والمملوكة ولو
كان المستعير أجنبيا منها، ويجوز استعارة الشاة للحلب وهي المنحة، ولا يستباح وطء الأمة
بالعارية وفي استباحتها بلفظ الإباحة تردد، والأشبه الجواز.
وتصح الإعارة مطلقة ومدة معينة وللمالك الرجوع، ولو أذن له في البناء أو الغرس ثم
أمره بالإزالة وجبت الإجابة، وكذا في الزرع ولو قبل إدراكه على الأشبه وعلى الآذن الأرش
وليس له المطالبة بالإزالة من دون الأرش.
ولو أعاره أرضا للدفن لم يكن له إجباره على قلع الميت، وللمستعير أن يدخل إلى
الأرض ويستظل بشجرها، ولو أعاره حائطا لطرح خشبة فطالبه بإزالتها كان له ذلك، إلا
أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير فيؤدى إلى خرابه وإجباره على إزالة جذوعه
عن ملكه وفيه تردد، ولو أذن له في غرس شجرة فانقلعت جاز أن يغرس غيرها
استصحابا للإذن الأول، وقيل: يفتقر إلى إذن مستأنف، وهو أشبه، ولا يجوز إعارة العين
المستعارة إلا بإذن المالك ولا إجارتها لأن المنافع ليست مملوكة للمستعير وإن كان له
استيفاؤها.
الرابع: في الأحكام المتعلقة بها: وفيه مسائل:
الأولى: العارية أمانة لا تضمن إلا بالتفريط في الحفظ أو التعدي أو اشتراط الضمان،
وتضمن إذا كانت ذهبا أو فضة وإن لم يشترط إلا أن يشترط سقوط الضمان.
180

الثانية: إذا رد العارية إلى المالك أو وكيله برئ ولو ردها إلى الحرز لم يبرأ، ولو استعار
الدابة إلى مسافة فجاوزها ضمن ولو أعادها إلى الأولى لم يبرأ.
الثالثة: يجوز للمستعير بيع غروسه وأبنيته في الأرض المستعارة للمعير ولغيره على
الأشبه.
الرابعة: إذا حملت الأهوية أو السيول حبا إلى ملك انسان فنبت كان لصاحب
الأرض إزالته ولا يضمن الأرش كما في أغصان الشجرة البارزة إلى ملكه.
الخامسة: لو نقصت بالاستعمال ثم تلفت وقد شرط ضمانها ضمن قيمتها يوم تلفها
لأن النقصان المذكور غير مضمون.
السادسة: إذا قال الراكب: أعرتنيها، وقال المالك: آجرتكها، فالقول قول الراكب
لأن المالك مدعي للأجرة، وقيل: القول قول المالك في عدم العارية، فإذا حلف سقطت دعوى
الراكب ويثبت عليه أجرة المثل لا المسمى، وهو أشبه، ولو كان الاختلاف عقيب العقد من
غير انتفاع كان القول قول الراكب لأن المالك يدعي عقدا وهذا ينكره.
السابعة: إذا استعار شيئا لينتفع به في شئ فانتفع به في غيره ضمن، وإن كان له أجرة
لزمته أجرة مثله.
الثامنة: إذا جحد العارية بطل استيمانه ولزمه الضمان مع ثبوت الإعارة.
التاسعة: إذا ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه، ولو ادعى الرد فالقول قول المالك
مع يمينه.
العاشرة: لو فرط في العارية كان عليه قيمتها عند التلف إذا لم يكن لها مثل، وقيل:
أعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف، والأول أشبه، ولو اختلفا في القيمة كان القول
قول المستعير، وقيل: قول المالك، والأول أشبه.
181

المختصر النافع
وأما العارية:
فهي الإذن في الانتفاع بالعين تبرعا وليست لازمة لأحد المتعاقدين. ويشترط في المعير
كمال العقل وجواز التصرف. وللمستعير الانتفاع بما جرت به العادة.
ولا يضمن التلف ولا النقصان لو اتفق بالانتفاع. بل لا يضمن إلا مع تفريط أو عدوان
أو اشتراط، إلا أن تكون العين ذهبا أو فضة فالضمان يلزم وإن لم يشترط. ولو استعار من
الغاصب مع العلم ضمن. وكذا لو كان جاهلا لكن يرجع على المعير بما يغترم.
وكل ما يصح الانتفاع به مع بقائه تصح إعارته. ويقتصر المستعير على ما يؤذن له.
ولو اختلفا في التفريط. فالقول قول المستعير مع يمينه. ولو اختلفا في الرد، فالقول قول المعير.
ولو اختلفا في القيمة فقولان، أشبههما: قول الغارم مع يمينه.
ولو استعار ورهن من غير إذن المالك، انتزع المالك العين ويرجع المرتهن بماله على
الراهن.
182

الجامع للشرائع
باب العارية
يصح إعارة ما ينتفع به مع بقاء عينه، وهي عقد على منفعة بلا عوض وهي جائزة من
الطرفين.
والعارية أمانة لا تضمن إلا بالتفريط، فإن ادعى عليه التفريط ولا بينة حلف، وإن ثبت
التفريط ضمن بالقيمة مذ يوم تعدى، فإن اختلفا في القيمة ولا بينة حلف صاحبها، فإن شرط
ضمانها ضمنها إلا الذهب والفضة فإنهما مضمونان شرط الضمان أم لم يشرط.
فإن ادعى رد العارية ولا بينة له فعلى صاحبها اليمين وله الانتفاع بالعارية بمجرى
العادة، فإن أذهب الاستعمال جدتها أو خمل المنشفة لم يضمنه لأن الإذن في الاستعمال يقتضيه،
فإن استعمل المنشفة في نقل الآجر ضمنها بإجزائها، وإن شرط ضمان الخمل ضمنه فقط،
وإن شرط ضمان الأصل أو تعدى فيها فتلفت قبل نقصان الأجزاء ضمنها بإجزائها وإن
تلفت بعد النقصان ضمنها بقيمتها يوم التلف، ويبرأ من الضمان بردها إلى صاحبها
أو وكيله، ويبرأ بردها إلى إصطبل صاحبها أو داره.
ويجوز الرجوع في العارية وإن كانت موقتة، وإذا رجع فيها وكان استعارها لبناء
أو غراس قوم عليه ذلك أو ضمن أرش القلع أو اختار الإبقاء بالأجر، وإن أراد صاحب الغراس
بيعه لغيره جاز عند من قال له حق الدخول للسقي فإن فيه خلافا، وإن كان له الزرع
لا يتأبد صبر حتى يبلغ بالأجرة وقيل فيه كالأول.
وإن ادعى راكب الدابة الإعارة وصاحبها الإجارة بعد مضى مدة لمثلها أجرة ولا بينة
183

حلف الراكب أنه لم يستأجر والصاحب أنه لم يعر واستحق صاحبها أجرة المثل، وإن
اختلفا عقيب التسليم حلف الراكب وردها فإن كانت تالفة لم يكن لاختلافهما معنى لبطلان
الإجارة والإعارة وهي أمانة فلم تضمن، وإن قال شرط ضمانها فإن الراكب يقر لصاحبها
بقيمتها وهو لا يدعيها، فإن مضت مدة لمثلها أجرة وتحالفا وهي مضمنة فعليه أجرة
مثلا لمدة وهو يقر بقيمتها لمن لا يدعيها.
وإن عكست الدعوى والدابة قائمة عقيب التسليم حلف صاحبها وأخذها،
وان مضت المدة استردها والراكب يقر له بأجرة وهو لا يدعيها ولا معنى لاختلافهما، وان مضى
بعض المدة فالراكب يقر له بأجرة وهو لا يدعيها، وإن كانت تالفة واختلفا عقيب القبض
فلا أجرة ولا ضمان لأن العارية أمانة، وإن كان بعد مضى بعض المدة فالراكب يقر له بالأجرة
وهو لا يدعيها.
فإن أعاره حائطه ليضع عليه جذوعه جاز، فإن رجع المعير قبل الوضع أو بعده قبل
البناء عليه فله وعلى واضعه رفعه، وإن رجع بعد البناء عليه لم يجز لأن عليه ضررا، فإن ضمن
له أرش النقص لم يكن له لأن في قلعها قلع ما منها في ملك المستعير وليس له قلع شئ في ملك
المستعير بضمان قيمته، فإن انكسرت الجذوع لم يعد غيرها إلا بإذن مجدد وكذا لو أذن له في
غرس شجرة فانقلعت لم تعد أخرى إلا بإذن
وإن حمل السيل حب رجل إلى أرض غيره فنبت كان لصاحب الأرض قلعه من غير
ضمان ننقصه، وإذا قلعه صاحبه فعليه تسوية الحفر لأنه خلص ماله.
وإذا استعار دابة ليسير بها موضعا مخصوصا فتجاوزه ضمنها وأجرتها ولم يزل الضمان
بردها إلى الموضع، ولا يجوز للمستعير إعارة العارية ولا إجارتها.
ولا يجوز أن يستعير محرم من محل صيدا كحمار الوحش ويضمنه لله بجزائه فإن كان
استعار بشرط الضمان ضمن لصاحبه بقيمته أيضا، وإن استعار المحل منه لم يضمنه
المحل ويضمنه المحرم لأنه أمر بإرساله.
وإن استعار منه دابة فثبت أنها مغصوبة وجب ردها على صاحبها وله الرجوع
بأجرة منافعها على أيهما شاء فالغاصب للتعدي والمستعير لإتلافه منافع غيره وأجرى ملكه
184

بغير إذنه وإن رجع على المستعير لم يرجع على المعير لأنه أتلف المنافع بنفسه كما لو تلفت
في يده فضمن قيمتها لم يرجع بها على المعير، وإن رجع على المعير بالأجرة رجع على المستعير
وكذلك لو رجع عليه بالقيمة، ويجوز إعارة الشاة للحلب، وقيل: لا يجوز.
185

قواعد الأحكام
المقصد الثاني في العارية وفيه فصلان
الأول: في الأركان: وهي خمسة:
أ: العقد، وهو كل لفظ دل على تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها مطلقا أو
مدة معينة، وثمرته التبرع بالمنفعة، ولا يختص لفظا ولا يشترط القبول نطقا.
ب: المعير، ويشترط كونه مالكا للمنفعة جائز التصرف، فلا يصح عارية
الغاصب والمستعير ولا الصبي ولا المجنون ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ويصح
من المستأجر، ويجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله.
ج: المستعير، وشرطه أن يكون معينا أهلا للتبرع بعقد يشتمل على إيجاب
وقبول، فلا يصح استعارة الصبي ولا المجنون.
د: المستعار، وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه كالثوب للبس والدابة
للركوب والأرض للزرع والغرس والبناء دون الأطعمة فإن منفعتها في استهلاكها،
والأقرب جواز إعارة الدراهم والدنانير إن فرضت لها منفعة حكمية كالتزيين بها
والضرب على طبعها.
ه‍: إباحة المنفعة، فليس للمحرم استعارة الصيد من محرم ولا محل، فإن
أمسكه ضمنه للمحل وإن لم يشترط عليه، ولو كان في يد محرم فاستعاره محل جاز
لزوال ملك المحرم عنه بالإحرام كما يأخذ من الصيد ما ليس بملك.
ولا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع ويجوز للخدمة وإن كان المستعير
186

أجنبيا، ويكره استعارة الأبوين للخدمة ويستحب للترفه، ويحرم إعارة العبد المسلم
من الكافر.
فروع:
أ: لو تلف الصيد عند المحل المستعير من المحرم لم يضمنه المحل لزوال ملك
المحرم بالإحرام، وعلى المحرم الضمان لأنه تعدى بالإعارة لما يجب إرساله.
ب: لو قال: أعرتك حماري لتعيرني فرسك، فالأقرب الجواز لكن لا يجب
وليس على كل واحد منهما أجرة، أما لو لم يعر الثاني فالأقرب الأجرة. ولو قال:
أعرتك الدابة بعلفها، فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة المثل، وكذا: أعرتك الدابة
بعشرة دراهم.
ج: لو أذن الولي للصبي في الإعارة جاز مع المصلحة.
د: يجوز استعارة الفحل للضراب والكلب للصيد والسنور والفهد واستعارة
الشاة للحلب وهي المنحة، وله الرجوع في اللبن مع وجوده عنده وكذا غيرها.
الفصل الثاني: في الأحكام: وهي أربعة:
الأول: الرجوع:
العارية عقد جائز من الطرفين إلا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر إلى
أن يندرس أثر المدفون، فلو رجع في إذن البناء أو الغرس قبلهما وجب الامتناع، فإن
غرس حينئذ فللمالك القلع مجانا والمطالبة بالأجرة وطم الحفر، ولو رجع بعد
البناء أو الغرس أو الزرع فالأقرب إجابته لكن يشترط دفع أرش الغرس والزرع ولو
قبل إدراكه، والأقرب توقف تملك الغرس بالقيمة أو الإبقاء بالأجرة على التراضي
منهما.
ولو رجع في عارية الجدار لوضع الخشب قبله جاز وبعده على الأقوى، فيستفيد
187

التخيير بين طلب الأجرة للمستقبل مع رضي المستعير وبين القلع مع دفع أرش
النقص وإن أدى إلى خراب ملك المستعير لكون الأطراف الأخر مبنية عليه على
إشكال، ولو انهدم الحائط أو أزال المستعير الخشب باختياره أو بإكراه أو انقلعت
الشجرة لم يملك إعادته سواء بنى الحائط بآلته أو بغيرها ما لم يجدد له الإذن.
فروع:
أ: لو رجع في الإعارة للدفن في القبر قبل الطم جاز.
ب: لو رجع قبل الغرس فلم يعلم حتى غرس جاز له القلع مجانا على
إشكال، وفي استحقاق الأجرة قبله نظر. ولو حمل السيل نواة فنبت في أرض غيره
أجبر المالك على القلع، والأقرب أن عليه تسوية الأرض لأنه قلعه لتخليص ملكه،
ولصاحب الأرض الإزالة مجانا.
ج: لو رجع في إذن الزرع وقد بلغ القصل وجب قصله مجانا لانتفاء الضرر،
ومع الضرر الأرش.
و: لو شرط القلع عند الرجوع مجانا وتسوية الحفر ألزم الوفاء ولا أرش،
وإن شرط الأول لم يكلف المستعير تسوية.
ه‍: لو لم يشرط القلع فأراده المستعير فله ذلك، وهل عليه التسوية؟ إشكال
ينشأ من أنه كالمأذون في القلع بأصل الإعارة ومن أنه قلع باختياره فليرد الأرض
كما كانت.
و: يجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر
وكل ما لا يضر البناء والغرس، وللمستعير الدخول لسقي الشجر ومرمة البناء دون
التفرج.
ز: لكل من المستعير والمعير بيع ملكه من صاحبه ومن أجنبي.
ح: لو أعاره للغرس مدة معينة فله الرجوع قبله وقبل انقضائها مع الأرش وهو
188

التفاوت بين كونها قائمة إلى المدة ومقلوعة قبل انقضائها، وله الرجوع بعدها
والإلزام بالقلع مجانا، ولا فرق بين الغرس والزرع على إشكال ينشأ من أن
الغرس والبناء للتأبيد وللزرع مدة تنتظر فليس له الرجوع قبلها.
الثاني: الضمان:
العارية أمانة لا يضمنها المستعير إلا بالتفريط في الحفظ أو التعدي أو اشتراط
الضمان أو كانت ذهبا أو فضة - وإن لم يشترط الضمان إلا أن يشترط سقوطه
وفي دخول المصوع نظر أو استعار من المستعير - أو صيدا في الحرم أو كان محرما،
فيضمن ما يجب ضمانه بالمثل إن كان مثليا وإلا فالقيمة يوم التلف، ويحتمل أعلى
القيم من حين الضمان إلى حين التلف، ويجب رد العين مع الطلب والمكنة فإن
أهمل معهما ضمن.
ولو تلف بالاستعمال كثوب انمحق باللبس فإشكال ينشأ من استناد التلف
إلى مأذون فيه ومن انصراف الإذن غالبا إلى استعمال غير متلف، فإن أوجبناه
ضمن بالقيمة آخر حالات التقويم، وكذا لو شرط الضمان فنقصت بالاستعمال ثم
تلفت أو استعملها ثم فرط فإنه يضمن القيمة يوم التلف لأن النقص غير مضمون
على إشكال.
وللمستعير الانتفاع بما جرت العادة فلو نقص من العين شئ أو تلف
بالاستعمال فلا ضمان إلا أن يشترط ذلك في العارية، والمستعير من المستأجر
والموصى له بالمنفعة كالمستعير من المالك، ولو استعار من الغاصب عالما بالغصب
فللمالك الرجوع على من شاء بالأجرة وأرش النقص والقيمة لو تلفت، ويستقر
الضمان على المستعير، ومع الجهل يضمن الغاصب الجميع إلا أن يكون ذهبا أو
فضة فإن الأقرب الضمان على المستعير خاصة.
ولو جحد العارية بطل استئمانه وضمن، ولو تجاوز المأذون ضمن.
189

ولو أمر رسوله بالاستعارة إلى قرية فكذب الرسول وأخبر المعير بطلب المستعير
إلى أخرى فخرج بها المستعير إلى ما ذكره الرسول فتلفت لم يضمن لأن صاحبها
أعارها إليه، ولو خرج بها إلى ما قال المستعير لرسوله فتلفت ضمن ولا شئ على
الرسول.
وإنما يبرأ الضامن إذا رد على المالك أو وكيله لا إلى الحرز، ولو تجاوز المسافة
المشترطة لم يبرأ بالرد إليها.
الثالث: التسلط على الانتفاع:
ويتقدر بقدر التسليط وينتفع بما جرت العادة به، فلو أعاره الدابة لحمل معين
لم يجز له الزيادة ويجوز النقصان، ولو أطلق فله حمل المعتاد على مثلها، ولو أذن في
زرع الحنطة تخطى إلى المساوي والأدون لا الأضر، ولو نهاه حرم التخطي وعليه
الأجرة لو فعله، والأقرب عدم اسقاط التفاوت مع النهي لا الإطلاق بخلاف حمل
الأكثر، وليس للمستعير أن يعير ولا أن يؤجر، ولو أعار للغراس لم يكن له البناء
وبالعكس وله الزرع.
ولا يجب في العارية التعرض لجهة الانتفاع وإن تعددت، فلو استعار الدابة
ركب أو حمل، ولو استعار أرضا فله البناء أو الغراس أو الزرع، وكذا لو قال: انتفع
كيف شئت، ولو استعار للزرع وأطلق زرع مهما شاء.
الرابع: التنازع:
فلو ادعى العارية والمالك الإجارة في الابتداء صدق المستعير، ولو انتفع جميع
المدة أو بعضها احتمل تصديقه بيمينه لاتفاقهما على إباحة المنفعة، والأصل براءة
الذمة من الأجرة وتصديق المالك بيمينه لأن الأصل مملوك له، فكذا المنفعة فيحلف
على نفي العارية ويثبت له الأقل من أجرة المثل والمدعي.
190

ولو ادعى المالك الغصب صدق مع اليمين ويثبت له أجرة المثل، ولو ادعى
استئجار الذهب وسوغناه بعد التلف وادعى المالك الإعارة، فإن اتفقت الأجرة
والقيمة أخذها المالك بغير يمين وإن زادت القيمة أخذها باليمين، وقبل التلف
للمالك الانتزاع باليمين، ويصدق المستعير في ادعاء التلف لا الرد، وفي القيمة مع
التفريط أو التضمين على رأي، وفي عدم التفريط.
فروع:
أ: ولد العارية المضمونة غير مضمون.
ب: مؤنة الرد على المستعير.
ج: لو رد إلى من جرت العادة بالقبض كدابة إلى سائسها لم يبرأ.
د: لو أعاره المستعير فللمالك الرجوع بأجرة المثل على من شاء، ويستقر
الضمان على الثاني مطلقا على إشكال وكذا العين.
ه‍: لو أذن المالك في الإجارة أو الرهن لزمه الصبر إلى انقضاء المدة على
إشكال فتقدر المدة في الإجارة ويضمن المستعير في المضمونة دون المستأجر والمرتهن.
191

اللمعة الدمشقية
كتاب العارية
ولا حصر أيضا في ألفاظها ويشترط كون المعير كاملا جائز التصرف.
ويجوز إعارة الصبي بإذن الولي وكون العين مما يصح الانتفاع بها مع بقائها
وللمالك الرجوع فيها متى شاء إلا في الإعارة للدفن بعد الطم وهي أمانة لا يضمن إلا
بالتعدي أو التفريط، وإذا استعار أرضا غرس أو زرع أو بنى، ولو عين له جهة لم
يتجاوزها، ويجوز له بيع غروسه وأبنيته ولو على غير المالك ولو نقصت بالاستعمال لم
يضمن، ويضمن العارية باشتراط الضمان وبكونها ذهبا أو فضة، ولو ادعى التلف
حلف ولو ادعى الرد حلف المالك، وللمستعير الاستظلال بالشجر وكذا للمعير.
ولا يجوز إعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك، ولو شرط سقوط الضمان في الذهب
والفضة صح، ولو شرط سقوطه مع التعدي أو التفريط احتمل الجواز كما لو أمره بإلقاء
متاعه في البحر، ولو قال الراكب: أعرتنيها، وقال المالك: آجرتكها، حلف الراكب
وقيل: المالك، وهو أقوى. ولكن يثبت له أجرة المثل إلا أن تزيد على ما ادعاه من
المسمى.
192

كتاب المزارعة
193

المقنع
باب المزارعة والإجارة وشراء أراضي
أهل الذمة وبيعها وبيع الكلاء
والزرع وشرب الماء
سئل الصادق ع عن رجل يزرع أرض رجل فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للأرض
وثلثا للبقر. فقال: لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا. ولكن يقول لصاحب
الأرض: أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا، نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ولا يسمى
بذرا ولا بقرا، فإنه يحرم الكلام فيها.
وسئل عن مزارعة المسلم المشرك ويكون من عند المسلم البذر والبقرة، ويكون
الأرض والماء والخراج والعمل على العلج. قال: لا بأس.
ولا بأس أن يستأجر الرجل الأرض بخمس ما يخرج منها أو بدون ذلك أو بأكثر مما
يخرج منها من الطعام. والخراج على العلج. ولا بأس بأن يستأجر الأرض بدراهم، وتزارع
الناس على الثلث أو الربع أو أقل أو أكثر إذا كنت لا تأخذ الرجل إلا بما أخرجت أرضك.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله ع أنه قال: لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم
تزرعها حنطة.
ولا بأس أن يبيع العصير والتمر ممن يجعله خمرا، ولا بأس ببيع الخشب ممن يتخذه
برابط ولا يجوز بيعه ممن يتخذه صلبانا.
فإن استأجر الرجل من صاحبه أرضا، وقال: أجرنيها بكذا وكذا. إن زرعتها أو لم
أزرعها أعطيك ذلك. فلم يزرعها الرجل. فإن له أن يأخذه بماله، فإن شاء ترك، وإن شاء
لم يترك. وإذا أعطى رجل أرضه رجلا وهي خربة، فقال: أعمرها وهي لك ثلاث سنين أو
195

أربع سنين أو خمس سنين أو ما شاء فلا بأس به.
وسئل أبو عبد الله ع عم رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم
مسماة أو بطعام مسمى، فيؤاجرها جريبا وقطعة، قطعة بشئ معلوم، فيكون له فضل في ما
استأجر من السلطان ولا ينفق شيئا. أو يواجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر
والنفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته وله تربة الأرض أ له ذلك أو ليس له؟ فقال: إذا
استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رهنت، فلا بأس بما ذكرت ولا بأس أن يستكري
الرجل الأرض بمائة دينار فيكري نصفها بخمسة وتسعين دينار ويعمر بقيتها.
وقال الصادق ع: لا بأس أن يستأجر الرجل الأرض ثم يواجرها بأكثر
مما استأجرها. إن هذا ليس كالحانوت. إن فضل الحانوت والأجير حرام. ولو أن رجلا
استأجر دارا بعشرة دراهم، فسكن ثلثيها وأجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ولكن
لا يواجرها بأكثر مما تقبلها به.
وسئل أبو عبد الله ع عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله.
ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة وقد اشتراه من أصله وعلى أربابه خراج.
فقال: إن كان اشترط حين اشتراه إن قطعه قصيلا. وإن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلا
وإلا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا ولا يجوز أن يشترى زرع الحنطة والشعير قبل
أن يسنبل وهو حشيش، إلا أن يشتريه للقصيل تعلفه الدواب.
ولا بأس ببيع الماء. وليس بشراء أراضي اليهود والنصارى بأس يؤدى عنها ما
كانوا يؤدون عنها من الخراج.
وقد قال النبي ص: من غرس شجرا بيده أو حفر واديا لم يسبقه إليه
أحد، ومن أحيا أرضا ميتا فهي قضاء من الله وكرمه.
196

المقنع
باب المزارعة
والمزارعة بالربع والثلث والنصف جائزة كما يجوز بالذهب والفضة ولا يجوز بغير
أجل مذكور، ومتى سمي المزارع شيئا بعينه أو أشياء مذكورة محصورة فيما يزرع لم يكن له
زراعة غيرها وإن اشترط زراعة ما شاء وأحب كان ذلك له، وإذا انقضت المدة المذكورة في
المزارعة كان على المزارع قلع زرعه منها، فإن لم يفعل ذلك كان لرب الأرض قلعه.
وتكره إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها الانسان به إلا أن يكون قد أحدث فيها عملا
أصلحا به ككري نهر أو حفر ساقية أو إصلاح دالية أو كراب أرش وأشباه ذلك، ولا بأس
أن يؤجرها بأكثر قيمة مما استأجرها به إذا اختلف النزعان فكان مال الإجارة عينا وورقا
بحنطة أو شعير وإن لم يحدث فيها شيئا، وإنما يكره ذلك فيما يتفق نوعه أو يكون عينا وورقا
دون غيرهما من العروض.
وإذا استأجر الانسان أرضا فغرقت قبل أن يقبضها انفسخت الإجارة، وإن غرق
بعضها كان مخيرا بين فسخ الإجارة في جميعها وبين فسخها فيما غرق منها وأخذ الباقي
بحساب الإجارة في جميعها، وإذا استأجر أرضا فلم يمكنه صاحبها منها حتى تمضي سنة
وأكثر من ذلك وأقل سقط عنه أجر تلك المدة، وإن كان رب الضيعة قد استسلفه رجع عليه
به، ومال الإجارة لازم للمستأجر وإن تلفت الغلة بالآفات السماوية والأرضية.
ومن غصب إنسانا على أرضه فزرع فيها كان صاحب الأرض بالخيار إن شاء قلع
الزرع وطالب الزارع بقيمة ما نقص من الأرض به وإن شاء أخذ الزرع وكان عليه خراجه.
197

المقنعة مختصر كتاب في المزارعة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمر طائعا غير مكره لا يولي على
مثله لفلان بن فلان الفلاني: إنك سألتني أن أدفع إليك أرضي التي تعرف بكذا في موضع
كذا من رستاق كذا وقد أحطنا جميعا بمعرفتها، وهي التي تبلغ جربانها كذا وكذا جريبا
بالهاشمي وأحد ينتهي إلى كذا والثاني ينتهي إلى كذا والثالث والرابع ينتهي إلى كذا،
لتزرعها ما شئت من الغلات الشتوية والصيفية وتقوم على زراعتها وعمارتها لذلك
بنفسك وأجرائك وعواملك، فمهما رزق الله تعالى من نبات هذه الأرض وأخرج من غلاتها
كان لك بحق عملك فيها وأجرائك الثلثان ولي الثلث بحق عملك فيها وأجرائك الثلثان
ولي الثلث بحق ملوي الأرض - وإن تقرر على الربع أو السدس أو أقل من ذلك أو أكثر ذكر
في الكتاب على التفصيل له والبيان - فتسلم فلان بن فلان هذه الأرض المسماة من فلان
بن فلان على هذه الشروط المذكورة وأقر بصحتها والعمل عليها وألزم نفسه القيام بها مع
قبولها على شرائطها الموصوفة المسماة.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان
بجميع ما فيه بعد أن قرئ الكتاب عليهما فأقرا بفهمه ومعرفته في صحة منهما وجواز أمر
طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلهما، وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
198

النهاية
باب المزارعة والمساقاة
لا بأس بالمزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر، ويكره أن يزارع الانسان بالحنطة
والشعير والتمر والزبيب وليس ذلك بمحظور، فإن زارع بشئ من ذلك، فليجعله من
غير ما يخرج من تلك الأرض مما يزرعه في المستقبل بل يجعل ذلك في ذمة المزارع ولا
بأس أن يواجر الانسان الأرض بالدراهم والدنانير، فإن زارع الأرض على أن يكون
المزارع يتولى زراعتها بنفسه لم يجز له أن يعطيها لغيره وكذلك إن شرط عليه أن يزرع شيئا
بعينه لم يجز له خلافه، ولا بأس أن يشارك المزارع غيره ولم يكن لصاحب الأرض
خلافه.
ومن آجر غيره أرضا كان للمستأجر أن يقيم في الأرض من ينوب عنه ويقوم مقامه
ومن استأجر أرضا بالنصف أو الثلث أو الربع جاز له أن يؤجرها غيره بأكثر من ذلك
وأقل، وإن استأجرها بالدراهم والدنانير لم يجز له أن يؤجرها بأكثر من ذلك إلا أن
يحدث فيها حدثا من حفر نهر أو كري ساقية وما أشبههما، ومتى استأجرها بالحنطة
والشعير جاز له أن يؤجرها بالدراهم والدنانير بما شاء.
والمزارع إذا شرط على صاحب الأرض شرطا وجب عليهما جميعا الوفاء به، فإن شرط
صاحب الأرض على المزارع جميع مؤونة الأرض من عمارة وبذر وكري نهر وحفر ساقية
كان عليه القيام بذلك أجمع ثم المقاسمة على ما اتفقا عليه، فإن كان شرط المزارع أن
يأخذ بذره قبل القسمة كان له ذلك وإن لم يكن شرط كان البذر عليه على ما شرط،
199

وإن شرط أيضا عليه خراج الأرض ومؤونة السلطان كان عليه ذلك دون صاحب
الأرض فإن شرط ذلك. وكان قدرا معلوما ثم زاد السلطان على الأرض المؤونة كانت
الزيادة على صاحب الأرض دون المزارع، ومتى شرط المزارع على صاحب الأرض جميع
المؤونة من البذر وكري النهر وغير ذلك ويكون من جهته القيام بها وبزراعتها وعمارتها
كان ذلك صحيحا ولم يلزمه شئ من مؤونة السلطان ولا خراج الأرض ولا غير ذلك
ويكون له المقاسمة على ما يقع الشرط عليه.
ومن استأجر أيضا مدة معلومة وجب عليه مال الإجارة وكانت له المدة المعلومة سواء
زرع فيها أو لم يزرع، فإن منعه صاحب الأرض من التصرف فيها ثم انقضت المدة لم يكن
عليه شئ، ومتى منعه من التصرف فيها ظالم لم يكن على صاحب الأرض شئ، فإن
غرقت الأرض ولم يتمكن المستأجر من التصرف فيها لم يلزمه شئ من مال الإجارة إلا
أن يكون تصرف فيها بعض تلك المدة فيلزمه بمقدار ما تصرف فيها وليس عليه أكثر من
ذلك، وتصح المزارعة ولا الإجارة إلا بأجل معلوم فمتى لم يذكر فيها الأجل كانت
باطلة، وإن كان قد تصرف فيها المستأجر وأنفق فيها كان له ما أنفق ولصاحب الأرض
ما يخرج منها وللمزارع أجرة المثل إذا لم يكن ذكر الأجل ولم يكن له أكثر من ذلك.
ومن أخذ أرض الانسان غصبا، فزرعها أو عمرها وبنى فيها بغير إذنه كان لصاحب
الأرض قلع ما زرع فيها وبنى وأخذ أرضه، فإن كان الغاصب زرع وبلغت الغلة كانت
الغلة له ويكون لصاحب الأرض طسق الأرض، وإذا اكترى انسان دارا ليسكنها وفيها
بستان فزرع فيها زرعا وغرس شجرا فإن كان فعل ذلك بإذن صاحب الدار ثم أراد
التحول عنها وجب على صاحب الدار أن يقوم جميع ما فيها من الزرع أو النخل ويعطي
ثمنه للزارع والغارس، وإن لم يكن استأذن صاحب الدار في ذلك كان له قلعه وإعطاؤه
إياه.
ومن استأجر أرضا فباع صاحب الأرض أرضه لم تبطل بذلك إجارته وإن كان
البيع بحضرة المستأجر ويكون البيع صحيحا غير أنه يلزم المشتري أن يصير إلى وقت
200

انقضاء مدة الإجارة، فإن مات المشتري لم تبطل أيضا بموته الإجارة ووجب على ورثته
الصبر إلى أن ينقضي زمان الإجارة، ومتى مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة بينهما
وانقطعت في الحال.
ومال الإجارة لازم للمستأجر وإن هلكت الغلة بالآفات السماوية، ومن زارع أرضا
على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلة ثمرة كانت أو
غيرها، فإن رضي المزارع بما خرص أخذها وكان عليه حصة صاحب الأرض سواء
نقص الخرص أو زاد وكان له الباقي فإن هلكت الغلة بعد الخرص بآفة سماوية لم يكن
عليه للمزارع شئ.
201

المراسم العلوية
ذكر أحكام المزارعة والمساقاة
المزارعة والمساقاة تجوز أن بالربع والثلث والنصف. ولا بد في المزارعة من أجل
معين، فإذا اشترط عليه زرع شئ بعينيه فليس له تعديته، وإن شرط زرع ما شاء جاز. فإن
غرقت الأرض قبل أن يقبضها فلا إجارة، وإن غرق بعضها فالمزارع مخير بين فسخ الإجارة
في جميعها وبين فسخها في ما غرق، ويلزم المستأجر مال الإجارة - وإن تلفت الغلة بآفة
سماوية أو أرضية - إلا أن يمنعه صاحب الأرض منها فلا يلزمه مال الإجارة.
ويكره أن يؤجر الأرض بأكثر مما استأجرها به إلا إذا اختلف النوعان كأن يستأجرها
بذهب أو فضة ويؤجرها بحنطة أو شعير ولم يحدث عملا.
والمؤونة على المساقي لا على رب الضيعة، وإن ساقى غيره في شجر أو نخل له وشرط
له من الثمرة شيئا معلوما [صح] وإلا فلا مساقاة ويكره أن يشترط مع ذلك شيئا من
الذهب وفضة وغيرهما من الأعراض. وخراج الثمرة على رب الأرض إلا أن يشترطه على
المساقي في العقد.
202

المهذب
باب المزارعة والمساقاة
قولنا: " مزارعة " اسم لعقد واحد، وهو استئجار الأرض ببعض ما يخرج منها، وهي
جائزة بالنصف أو الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر، ولا يجوز أن يجعل لأحد المتزارعين
شئ معين ولا يكون مشاعا، مثل أن يكون لأحدهما ما بذره أو لا وللآخر ما يتأخر أو
يكون لأحدهما ما ينبت على الجداول والماذيانات وللآخر ما على الأبواب أو يكون
لأحدهما الصيفي وللآخر الشتوي، فجميع ذلك لا يجوز عقد المزارعة عليه لأنه قد ينمي
أحدهما ويهلك الآخر، ولا يجوز لصاحب الأرض أن يأخذ المزارع إلا بما تخرجه الأرض
المعقود عليها، ولا يجوز على كيل معين من جنس ما زرع الأرض مثل أن يستأجر بحنطة
ويزرع فيها حنطة، ويجوز أن يشترك في المعاملة على ذلك الشركاء على أن يجعل كل واحد
منهم من عنده في ذلك شيئا معلوما، ولا يجوز أن يجعل للبقر نصيب ولا للبذر نصيب،
ويجوز استئجار الأرض بالدنانير والدراهم وغير ذلك من المعروض مدة معلومة.
وهي على ما تشترطه المتزارعون من العمل والقيام بالحرث والبقر وما ينفقون عليه
كانت الأرض لهم أو لواحد منهم جائزة، وإذا شرط مالك الأرض على المزارع نصف غلتها
أو أقل من ذلك أو أكثر وجب له ذلك إن سلمت الغلة من الهلاك، فإن لم يسلم من ذلك
وكان هلاكها بشئ من الآفات السماوية أو الأرضية لم يجب له شئ، فإن جعل المالك
للمزارع أجرة معينة إما من العين أو الورق أو المكيل أو الموزون من غير غلتها كان له ذلك
إذا وفى بما شرط عليه المالك في العقد هلكت الغلة أو لم تهلك، فإن خالف في شئ مما
203

شرط عليه بطل ما شرطه له، وكان له أجرة المثل إن كان فيما خالف فيه صلاح، فإن كان
فيه فساد كان عليه ضمان ما فسد بتعديه.
ويفتقر في صحة المزارعة إلى تعيين المدة والوصف لما هي متعلقة به، فإذا زارع رجل
أرضا على أن يتولى زراعتها بنفسه وجب عليه ذلك ولم يجز له أن يعطيها غيره، وإن شرط
عليه زراعة شئ بعينه وجب ذلك أيضا عليه، وإذا شارك المزارع غيره من الناس كان
له ذلك ولم يكن لصاحب الأرض خلافه في ذلك، وإذا استأجر الأرض وأراد أن يقيم
نائبا عنه فيها كان له ذلك، وإذا استأجر الأرض بالثلث أو الربع أو بأقل من ذلك أو
بأكثر جاز له أن يؤجرها بأكثر من ذلك أو أقل، فإن استأجر بعين أو ورق وأراد أن يؤجرها
بأكثر من ذلك وكان قد أحدث فيها حدثا، مثل كري نهر أو حفر ساقية أو ما أشبه ذلك
كان جائزا، وإن لم يكن أحدث فيها حدثا لم يجز له ذلك، فإن كان استأجرها بغير العين
والورق من حنطة أو شعير أو غيرهما كان له أن يؤجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع.
وإذا شرط صاحب الأرض على المزارع أن يكون عليه جميع مؤنة الأرض من كري نهر
أو حفر ساقية وبذر وغير ذلك من العمارة كان ذلك لازما له ويكون المقاسمة على
ما يتفقان عليه، فإن شرط المزارع على صاحب الأرض أخذ البذر قبل القسمة كان له
ذلك وإن لم يشرطه كان البذر عليه على ما شرط، وإذا شرط عليه خراج الأرض ومؤنة
السلطان كان ذلك عليه دون المالك، فإن شرط ذلك وكان مقدارا معينا وزاد السلطان
المؤنة على الأرض كانت هذه الزيادة على صاحب الأرض دون المزارع، وإذا شرط المزارع
على صاحب الأرض جميع المؤنة من حفر ساقية وبذر وكري نهر وغير ذلك من العمارة
ويقوم المزارع بالأرض ومزارعتها وعمارتها كان ذلك على ما شرط ولم يلزمه من خراج
الأرض شئ ولا من مؤنة السلطان ولا غير ذلك، وتجري المقاسمة بينهما على ما يتفقان
عليه.
وإذا استأجر رجل أرضا مدة معينة كانت له المدة المعينة وعليه مال الإجارة زرع فيها
أو لم يزرع، فإن منعه المالك منها وانقضت المدة لم يلزمه شئ، وإن منعه منها ظالم لم يكن
204

على المالك شئ، وإذا استأجر أرضا مدة معلومة وغرقت وكان قد تصرف فيها بعض المدة
كان عليه من مال الإجارة بمقدار ما تصرف فيه ولم يلزمه الباقي، وإن كان لم يتمكن من
التصرف فيها لم يكن عليه شئ، وإذا غصب انسان غيره أرضا وبنى فيها أو زرع بغير إذنه،
كان لصاحب الأرض قلع زرعه إن لم يكن بلغ وهدم بناءه وأخذ أرضه، فإن كان الزرع
قد بلغ كان له وكان للمالك طسق الأرض.
إذا استأجر انسان دارا ليسكنها وفيها بستان فزرع فيها وغرس ثم أراد النقلة منها وكان
قد فعل ذلك بأمر صاحبها، كان على صاحبها أن يقوم ما فيها من ذلك ويدفع إليه قيمته،
وإن كان فعل ذلك بغير أمره كان لصاحب الدار قلع ذلك وتسليمه إليه، وإذا مات
المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة بينهما في الحال، وإن هلكت الغلة ببعض الآفات
السماوية كان مال الإجارة لازما للمستأجر.
وإذا استأجر رجل أرضا وباعها مالكها بعد ذلك لم يفسخ البيع الإجارة، وإن كان
ذلك بحضرة المستأجر كان على المشتري الصبر إلى أن تنقضي مدة الإجارة، فإن مات
المشتري لها ولم تكن مدة الإجارة انقضت لم تبطل الإجارة أيضا بموته، ووجب على وارثه
الصبر إلى أن تنقضي مدة الإجارة، وإذا زارع انسان في أرض على ثلث أو ربع وبلغت
الغلة جاز للمالك أن يخرص الغلة على المزارع ثمرة كانت أو غير ثمرة، فإن رضي المزارع
بذلك الخرص أخذها وكان عليه حصة المالك سواء زاد الخرص أو نقص وكان الباقي له،
فإن هلكت الغلة بإحدى الآفات السماوية لم يجب للمالك على المزارع شئ.
وإذا اشترك اثنان في ضيعة وزرعاها ونبت الزرع ومات الواحد منهما بعد ذلك فقام
آخر مقامه في الزرع ومراعاته، فلما بلغ الحصار حضر وارث الميت وادعى أن السهم من
الزرع له دون القيم المراعي له ودفعه عنه، نظر في ذلك فإن كان الزرع زرع ببذر الشريكين
كان ذلك السهم للوارث الذي طلبه، وللذي قام بمراعاته أجرة المثل، وإذا زارع انسان
غيره في أرضه على أن يزرعها ببذره ويقوم عليها بنفسه بسهم معلوم فزرعها ولم تنبت
الأرض إلا في العام المقبل، فلما بلغ الزرع الحصاد قال المزارع: أنا شريكك في الغلة،
205

وقال صاحب الأرض: بل هي لي دونك، كانت الغلة للمزارع إن كان البذر له وعليه
للأرض أجرة المثل، وإن كان البذر لصاحب الأرض كانت الغلة له وعليه أجرة المثل
للمزارع.
206

فقه القرآن
باب المزارعة والمساقاة:
المزارعة والمخابرة اسمان لعقد واحد وهو استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها،
والدليل عليه الاجماع والسنة ويمكن الاستدلال عليه أيضا من القرآن بالآيات التي
استدللنا بها على صحة الشركة، فإذا ثبت ذلك فالمعاملة على الأصل ببعض ما خرج من
نمائها على ثلاثة أضرب: معارضة ومزارعة ومساقاة، فالمعارضة تصح بلا خلاف بين
الأمة والمساقاة أيضا جائزة إلا عند أبي حنيفة وحده، والمزارعة على ضربين: ضرب
باطل بلا خلاف وضرب مختلف فيه.
فالباطل هو أن يشرط لأحدهما شيئا بعينه ولم يجعله مشاعا، مثل أن يعقد المزارعة
على أن يكون لأحدهما ما يدرك أو لا وللآخر ما يتأخر إدراكه أو على أن الشتوي لأحدهما
والصيفي للآخر، فهذا باطل بلا خلاف لأنه قد ينمي أحدهما ويهلك الآخر.
والضرب المختلف فيه هو أن يزارعه على سهم مشاع، مثل أن يجعل له النصف
أو الثلث أو أقل أو أكثر كان ذلك جائزا عندنا وفيه خلاف للفقهاء، وإن قال: لي منها
النصف، علم أنه ترك الباقي للعامل كقوله تعالى: وورثه أبواه فلأمه الثلث، علم أن للأب
ما بقي.
والمساقاة هي أن يدفع الانسان نخله أو كرمه إلى غيره على أن يصلحه ويسقيه وما
يرزق الله من ثمره كانت تبينهما على ما يشترطانه، وهي جائزة بشرطين: مدة معلومة
كالإجارة، ويكون قدر نصيب العامل معلوما كالقراض، وهي من العقود اللازمة لأنها
207

كالإجارة وتفارق القراض لأنها لا تحتاج إلى مدة وهي تحتاج إليها، والمدة فيها كالمدة
في الإجارة فما يجوز هناك يجوز هاهنا سواء كان سنة أو سنتين ومن خالف هناك خالف
هاهنا، وقد ذكرنا أن الآية المتقدمة تدل على جميع ذلك.
208

غنية النزوع
فصل في المزارعة والمساقاة
تجوز المزارعة - وتسمى المخابرة - على الأرض سواء كانت خلال النخل أم لا
والمساقاة على النخل والكرم وغيرهما من الشجر المثمر بنصف غلة ذلك أو ما زاد عليه
أو نقص بدليل إجماع الطائفة المحقة، وأيضا فالأصل الجواز والمنع يفتقر إلى دليل.
ويحتج على المخالف بما رووه من أنه ع عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من
تمر وزرع، وما روي من نهيه عن المخابرة محمول على إجارة الأرض ببعض الخارج منها وإن
كان معينا لأن ذلك لا يجوز باتفاق لعدم القطع على إمكان تسليمه.
ومن شرط صحته العقد مشاهدة ذلك وإمكان تسليمه وتعيين المدة فيه وتعيين حق
العامل، وشرطه أن يكون جزءا مشاعا من الخارج فلو عامله على وزن معين منه أو على غلة
مكان مخصوص من الأرض أو على تمر نخلات بعينها بطل العقد بلا خلاف بين من أجاز
المزارعة والمساقاة، ولأنه قد لا يسلم إلا ما عينه فيبقي رب الأرض والنخل بلا شئ، وقد
لا يعطيه إلا غلة ما عينه فيبقي العامل بغير شئ.
وإذا تمم المزارع والمساقي عمله على هذا الشرط بطل المسمى له واستحق أجرة المثل.
وتصرف العامل بحسب ما يقع العقد عليه، إن كان مطلقا جاز له أن يولي العمل
لغيره ويزرع ما شاء، وإن شرط عليه أن يتولى العمل بنفسه وأن يزرع شيئا بعينه لم يجز له
مخالفة ذلك بدليل إجماع الطائفة وقوله ع: المؤمنون عند شروطهم.
ولو زارع ببعض الخارج من الأرض والبذر من مالكها والعمل والحفظ من المزارع
209

جاز، وكذا لو شرط على العامل في حال العقد ما يجب على رب المال أو بعضه - وهو ما فيه
حفظ الأصل كبناء الحيطان وإنشاء الأنهار والدواليب وشراء الدابة التي ترفع الماء - أو شرط
على رب المال ما يجب على العامل أو بعضه - كالتأبير والتلقيح وقطع ما يصلح النخل من
جريد وحشيش وإصلاح السواقي ليجري فيها الماء أو إدارة الدولاب وحفظ التمر
وجداده ونقله إلى المقسم - صح ذلك لدلالة الأصل وظاهر الخبر.
ولو ساقاه بعد ظهور الثمرة صح إن كان قد بقي من العمل شئ وإن قل لدلالة
الأصل، ولأن الأخبار عامة في جواز المساقاة من غير فصل.
فأما الزكاة فإنها تجب على مالك البذر أو النخل، فإن كان ذلك لمالك الأرض فالزكاة
عليه لأن المستفاد من ملكه ومن حيث كان نماء أصله وما يأخذه المزارع أو المساقي كالأجرة
عن عمله ولا خلاف أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة، وكذا إن كان البذر للمزارع لأن ما يأخذه
مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فإن كان البذر منهما فالزكاة على كل واحد منهما إذا بلغ
مقدار سهمه النصاب.
وعقد المزارعة والمساقاة يشبه عقد الإجارة من حيث كان لازما وافتقر إلى تعيين المدة،
ويشبه القراض من حيث كان سهم العامل مشاعا في المستفاد.
والمزارعة والمساقاة إذا كانت على أرض خراجية فخراجها على المالك إلا أن يشرطه
على العامل وهو على المتقبل إلا أن يشترطه على المالك.
وإذا اختلف صاحب الشجر مع يمينه لأن جميع الثمرة لصاحب الشجر لأنها نماء
صله وإنما يثبت للعامل من ذلك شئ بالشرط فإذا ادعى شرطا كان عليه البينة فإذا عدمها
كان القول قول صاحب الشجر مع يمينه، وإن كان مع كل واحد منهما بينة قدمت بينة العامل
لأنه المدعي لقوله ع: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وصاحب
لشجر مدعى عليه فعليه اليمين.
210

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
باب المزارعة
المزارعة والمخابرة واحدة وهي عقد على أرض ببعض ما يخرج من نمائها، وهي ثلاثة
أضرب:
صحيحة: وهي ما اجتمع فيه شرطان: تعيين الأجل وتعيين ما يصيب العامل بالسهم
مشاعا منسوبا إلى الكل.
ومكروهة: وهي العقد على كذا منا أو قفيزا أو ما شابه ذلك من غير ما يخرج منها.
وفاسدة: وهي ما سوى ما ذكرناه، فإذا كانت المزارعة فاسدة لزم أجرة المثل وسقط
المسمى إن كان بالنصف أو الثلث أو مثل ذلك، ولزم إن كان بالأمنان والقفزان.
والمزارعة الصحيحة ضربان: مشروطة ومطلقة، فالمشروطة لم تخل من أربعة أوجه:
إما شرط أن يعمل فيه بنفسه أو شرط أن يزرع شيئا معينا أو شرط على العمال مؤونة الأرض
أو على المزارع ولزم الشرط إلا أنه يجوز للعامل أن يأخذ شريكا يعمل معه، وإن كانت
المؤونة معلومة ثم زادت لزم العامل قدر المعلومة دون الزيادة، وإن شرط على العامل شيئا
يؤدى إلى صاحب الأرض جاز على كراهية ولزم، وإن استأجر الأرض للزراعة أو الغرس
عين ما يزرع ويغرس فيه.
211

إصباح الشيعة
فصل المزارعة استكراء الأرض ببعض ما يخرج فيها. ولا يصح على سهم معين كأن يكون
الشتوي لأحدهما والصيفي للآخر أو يكون لأحدهما أرطال معلومة وإنما يصح إذا زارعه
على سهم مشاع كأن يجعل له النصف أو الثلث [أو الربع] أو أقل أو أكثر. ويجوز إجارة
الأرض للزراعة بكل ما يجوز أن يكون ثمنا من الدراهم والدنانير والطعام وغير ذلك بعد
أن يكون في الذمة ولا يكون من تلك الأرض. ويجوز أن يكتري رب الأرض نصف عمل
الأكار ونصف عمل آلته بشئ من الدراهم والدنانير ويكريه نصف أرضه بمثله والبذر
بينهما ويتقاصان في الأجرين.
إذا أكرى أرضا مدة معلومة فأراد المكتري أن يزرعها ما لا يدرك في تلك المدة كان
للمكري منعه من ذلك في الحال، فإن زرع فليس له المطالبة بالقلع إلا بعد تقضي المدة، فإن
اتفقا على التبقية بإعارة أو إجارة إلى مدة معلومة جاز، ولا يجوز أن يجعلها إلى الحصاد لأنه
مجهول، وإن زرع ما يبلغ في تلك المدة إلا أنه تأخر إدراكه بسبب من قبل الله تعالى كاشتداد
برد أو لاضطرار ما فحينئذ لا يجبر على القلع بل يمهل إلى وقت الإدراك وعليه أجرة المدة
الزائدة. إذا اكترى أرضا لا ينالها إلا المطر أو أرضا لا يبلغها الماء إلا إذا زاد في النهر زيادة
مفرطة نادرة جاز إذا ذكر ذلك أو أطلق العقد، ولا يجوز المزارعة على الأرض التي
لا ينحسر عنها الماء في أغلب الأحوال.
إذا غرقت أرض المزارعة عقيب العقد بطل العقد، وإن غرقت بعده بمدة انفسخ فيما
212

بقي دون ما مضى، وإن غرق بعضها انفسخ فيما غرق لا غير وله الخيار بين الرد و الإمساك
بحصته، وإن غصبت ومضت المدة في يد الغاصب لم ينفسخ وله الخيار إن شاء فسخ وإن
شاء أمضى ورجع على الغاصب بأجرة المثل.
إذا هلك الزرع بسيل أو حريق أو جراد لم ينفسخ العقد لأنه فساد في الزرع لا في
الأرض.
إذا اكتراها لزرع الحنطة مثلا فزرع كتابا أو قطنا فللمكرى الأجرة المسماة قدر
ما نقص من الأرض بالتعدي، هذا إذا علم به وقد استحصد الزرع، وإن علم به قبل
إدراكه فله قلعه لأنه غير مأذون له فيه كالغاصب، فإذا قلعه وبقي من المدة شئ كان
للمكتري أن ينتفع بباقيها.
إذا اكترى أرضا وأطلق لم يجز لأنها تصلح لمنافع مختلفة متباينة فلا بد من تعيين
جنس منها.
إذا اكترى أرضا سنة ليغرسها فانقضت المدة فله قلع ما غرس شرط عليه المكري
ذلك أو لا لأنه ملكه، فإن لم يرد قلعه فالمكري بالخيار بين أن يغرم قيمته ويجبر المكتري
على ذلك، وبين أن يجبر المكتري على قلعه بشرط أن يغرم ما ينقص من الأرض بالقلع.
إذا اكترى أرضا بشرط أن يزرعها بنفسه لم يجز أن يعطيها غيره، ولا بأس أن يشارك
غيره وأن يقيم فيها من يقوم مقامه إذا زارعه مطلقا، وإذا زارعها على النصف أو الثلث
جاز أن يؤجرها بأكثر من ذلك أو أقل، وأما إن استأجرها بالدراهم أو الدنانير فلم يجز أن
يؤجرها بأكثر إلا بإحداث حدث يصلحها، وإن شرط صاحب الأرض على المزارع جميع
مؤنة الأرض كان عليه والبذر منهما على ما شرطا، و كذا إن شرط أن يكون على المزارع خراج
الأرض ومؤنة السلطان جاز وما زاد من المؤنة من قبل السلطان لم يكن على المزارع، وإن لم
يمكن صاحب الأرض المزارع من التصرف فيها إلى انقضاء المدة فلا شئ عليه، فإن مكنه
بعد مضى بعض المدة فعليه أجرة ما تصرف فيها لا غير.
والمزارعة لا تصح إلا بأجل معلوم، فإن لم يذكر الأجل فما خرج فلصاحب
الأرض وللمزارع ما أنفق فيها وأجرة المثل، ومن زرع أرض غيره غصبا أو عمرها أو بنى
213

فيها فله الغلة ولصاحب الأرض طسقها.
من آجر أرضا ثم باعها لم يبطل الإجارة سواء كان بحضرة المزارع أو لا وصح البيع
وعلى المشتري الصبر إلى انقضاء مدة المزارعة، وكذا يصبر ورثة المشتري إن مات،
وتبطل المزارعة بموت المؤجر أو المستأجر.
إذا اكترى شيئا مدة معلومة فمضت وكان متمكنا منه استقرت عليه الأجرة سواء
تصرف وانتفع أو لا.
214

السرائر
باب المزارعة
المزارعة والمخابرة - بالخاء المعجمة - اسمان لعقد واحد، وهو إعطاء الأرض إلى أجل
محروس من الزيادة والنقصان ببعض ما يخرج منها مشاعا، وسواء كان من أحدهما الأرض
والبذر ومن الآخر العمل أو من أحدهما الأرض ومن الآخر العمل والبذر، فإذا ثبت ذلك
فالمزارعة مشتقة من الزرع، والمخابرة من الخبار وهي الأرض اللينة والأكار يسمى خابرا.
والمعاملة على الأرض ببعض ما يخرج من نمائه على ثلاثة أضرب: مقارضة ومساقاة
ومزارعة.
فأما المقارضة فإنها تصح بلا خلاف على ما قدمناه، وأما المساقاة فجائزة عند جميع
الفقهاء إلا عند أبي حنيفة وحده، وأما المزارعة فهو أن يزارعه على سهم مشاع مثل أن يجعل
له النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر، فإن ذلك عندنا جائز إذا ضربها بالأجل المحروس
وعين حق العامل، وشرطه أن يكون جزءا مشاعا من الخارج، فلو عامله على وزن معين منه
أو على غلة مكان مخصوص من الأرض أو على ثمرة نخلات بعينها، بطل العقد بلا خلاف
بين من أجاز المزارعة والمساقاة، ولأنه قد لا يسلم إلا ما عينه فيبقي رب الأرض والنخل بلا
شئ، وقد لا تعطب إلا غلة ما عينه فيبقي العامل بغير شئ، وإذا تمم المزارع أو المساقي
عمله على هذا الشرط بطل المسمى له واستحق أجرة المثل.
وتصرف العامل بحسب ما يقع العقد عليه، إن كان مطلقا جاز له أن يولي العمل لغيره
ويزرع ما شاء، وإن شرط عليه أن يتولى العمل بنفسه أو يزرع شيئا بعينه لم تجز له مخالفة
215

ذلك لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم.
ولو زارع ببعض الخارج من الأرض والبذر من مالكها والعمل والحفظ من المزارع جاز،
وكذا لو شرط على العامل في حال العقد ما يجب على رب المال أو بعضه، أو شرط على رب
المال ما يجب على العامل الذي هو الأكار المزارع أو بعضه كإنشاء الأنهار وإصلاح السواقي.
فأما الزكاة فإن بلغ نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه الزكاة وجب عليه لأنه شريك
مالك سواء كان البذر منه أو لم يكن، وليس ما يأخذ به المزارع الذي منه العمل دون البذر
أجرة ولا كالأجرة.
وقال بعض أصحابنا المتأخرين في تصنيف له: كل من كان البذر منه وجب عليه الزكاة ولا
تجب الزكاة على من لا يكون البذر منه، قال: لأن ما يأخذه كالأجرة.
والقائل بهذا هو السيد العلوي أبو المكارم بن زهرة الحلبي رحمه الله، شاهدته ورأيته وكاتبته
وكاتبني وعرفته ما ذكره في تصنيفه من الخطأ، فاعتذر رحمه الله بأعذار غير واضحة وأبان بها أنه
ثقل عليه الرد، ولعمري إن الحق ثقيل كله، ومن جملة معاذيره ومعارضاته لي في جوابه: إن
المزارع مثل الغاصب للحب إذا زرعه فإن الزكاة تجب على رب الحب دون الغاصب، وهذا من
أقبح المعارضات وأعجب التشبيهات، وإنما كانت مشورتي عليه أن يطالع تصنيفه وينظر في
المسألة ويغيرها قبل موته لئلا يستدرك عليه مستدرك بعد موته فيكون هو المستدرك على نفسه،
فعلت ذلك - علم الله - شفقة وسترة عليه ونصيحة له لأن هذا خلاف مذهب أهل البيت
عليهم السلام.
وشيخنا أبو جعفر قد حقق المسألة في مواضع عدة من كتبه وقال: الثمرة والزرع نما على ملكيهما
فيجب على كل واحد منهما الزكاة إذا بلغ نصيبه مقدار ما يجب فيه ذلك. وإنما السيد أبو المكارم
رحمه الله نظر إلى ما ذكره شيخنا من مذهب أبي حنيفة في مبسوطه فظن أنه مذهبنا فنقله في كتابه
على غير بصيرة ولا تحقيق، وعرفته أن ذلك مذهب أبي حنيفة ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه
لما شرح أحكام المزارعة ثم عقب بمذهبنا، وأو مات له إلى المواضع التي حققها شيخنا أبو جعفر
في كتاب القراض وغيره، فما رجع ولا غيرها في كتابه ومات رحمه الله وهو على ما قاله، تداركه
216

الله بالغفران وحشره مع آبائه في الجنان، وكذلك قوله في المساقاة.
وعقد المزارعة والمساقاة يشبه عقد الإجارة من حيث كان لازما فافتقر إلى تعيين المدة،
ويشبه القراض من حيث كان سهم العامل مشاعا معلوما في المستفاد.
والمزارعة والمساقاة إذا كانت على أرض خراجية فخراجها على المالك للأرض إلا إن
شرطه على العامل، وإذا اختلف صاحب الأرض والبذر أو الشجر والعامل فقال: شرطت
لك الثلث، فقال العامل: لا بل النصف، وعدمت البينة فالقول قول صاحب الشجر
والأرض والبذر مع يمينه لأن جميع الثمرة لصاحب الشجر لأنها نماء أصله، وإنما يثبت
ويستحق العامل الحصة بالشرط، فإذا ادعى شرطا بمقدار معين كان عليه البينة، فإذا
عدمها كان القول قول المالك مع يمينه، فإن كان مع كل واحد منهما بينة قدمت وسمعت
بينة العامل لأنه المدعي لقوله ع: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه،
وصاحب الشجر مدعى عليه، وأيضا فالبينة بينة الخارج والعامل هو الخارج.
وإذا ادعى رب البذر أنه قدر معلوم وقال العامل هو بخلافه، فالقول قول العامل لأنه
أمين ومدعى عليه أيضا، فإن شرط أن يخرج البذر قبل المقاسمة وسطا كان على ما شرطا،
وإن لم يشترط ذلك كان جميع الغلة بينهما على ما اتفقا عليه دون اخراج البذر.
وشيخنا أبو جعفر لم يذكر في كتاب المزارعة في مسائل خلافه إلا المسألة الأولى فحسب، وجميع
الكتاب في الإجارة لأن جميع الكتاب أعني كتاب المزارعة أحد عشر مسألة قال في المسألة
الأولى: المزارعة بالثلث والربع والنصف أو أقل أو أكثر بعد أن يكون سهمهما مشاعا جائزة، ثم
قال في المسألة الثانية: يجوز إجارة الأرض للزراعة، ثم قال مسألة: تجوز إجارة الأرض بكل
ما يصح أن يكون ثمنا من ذهب أو فضة أو طعام، ثم قال مسألة: إذا أكراه أرضا ليزرع فيها
طعاما صح العقد، ثم قال مسألة: إذا اكترى أرضا للزراعة، ثم قال مسألة: إذا اكترى أرضا
للغراس، ثم قال مسألة: إذا اكترى أرضا على أن يزرع فيها ويغرس، ثم قال مسألة: إذا أكراه
أرضا سنة للغراس، ثم قال مسألة: إذا استأجر دارا أو أرضا، ثم قال مسألة: إذا اختلف
المكري والمكتري في قدر النفقة أو قدر الأجرة، ثم قال مسألة: إذا زرع أرض غيره ثم اختلفا
217

فقال الزارع: أعرتنيها. فهذه المسائل جميع ما ذكره في كتاب المزارعة ولعمري إن الزراعة عند
الشرعيين غير الإجارة، وكان الأولى والأحق أن يذكر جميع المسائل في كتاب الإجارة إلا
مسألة واحدة وهي الأولة.
وقال في نهايته: لا بأس بالمزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر، ثم قال: ويكره أن يزارع
الانسان بالحنطة والشعير والتمر والزبيب وليس ذلك بمحظور، ثم قال رحمه الله: فإن زارع
بشئ من ذلك فليجعله من غير ما يخرج من تلك الأرض مما يزرعه في المستقبل بل يجعل ذلك
في ذمة المزارع، ثم قال: لا بأس بأن يؤاجر الأرض بالدراهم والدنانير.
قال محمد بن إدريس: جميع ما ذكره شيخنا رحمه الله وحكيناه عنه في نهايته ليس ذلك بمزارعة
إلا مسألة واحدة وهي الأولة وما عداها إجارة وليس بمزارعة، ولا حاجة به إلى ذكر ذلك في
كتاب المزارعة وبابها بل موضع ذلك باب الإجارة.
ثم قال: فإن زارع الأرض على أن يكون المزارع يتولى زراعتها بنفسه لم يجز له أن يعطيها لغيره،
وكذلك إن شرط عليه أن يزرع شيئا بعينه لم يجز له خلافه، ولا بأس أن يشارك المزارع غيره ولم
يكن لصاحب الأرض خلافه، وهذا جميعه حسن ذكره في باب المزارعة على ما قدمنا.
ثم قال: ومن آجر غيره أرضا كان للمستأجر أن يقيم في الأرض من ينوب عنه ويقوم مقامه، ثم
قال: ومن استأجر أرضا بالنصف أو الثلث أو الربع جاز له أن يؤجرها غيره بأكثر من ذلك
وأقل.
قال محمد بن إدريس: هذا غير مستقيم والإجارة هاهنا باطلة لأن الأجرة تحتاج أن تكون
مضمونة في ذمة المستأجر والثلث والربع المذكور غير مضمون، وربما لم تخرج الأرض شيئا وهذا
غرر عظيم منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
ثم قال: وإن استأجرها بالدراهم والدنانير لم يجز له أن يؤجرها بأكثر من ذلك إلا أن يحدث فيها
حدثا من حفر نهر أو كري ساقية وما أشبه ذلك.
والذي يقوى في نفسي أنه يجوز له أن يؤجرها بأكثر من ذلك الجنس الذي استأجرها به وإن لم
يحدث فيها حدثا لأن منافعها صارت مستحقة له يفعل فيها ما شاء ويؤجرها لمن شاء بما شاء
218

لا مانع يمنع منه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع لأن بينهم خلافا في
ذلك، وما روي في ذلك أخبار آحاد تحمل على الكراهة دون الحظر، فأما إذا اختلف الجنس فلا خلاف بينهم في
جواز ذلك من غير حظر ولا كراهة بأكثر أو أقل، سواء أحدث فيها حدثا أو لم يحدث، مثال ذلك
أن يستأجرها بدنانير فيؤجرها بدراهم أو يستأجرها بحنطة في ذمته لا مما تخرج الأرض ويؤجرها
بدنانير أو دراهم وأشباه ذلك.
ثم قال: فإن كان شرط المزارع أن يأخذ بذره قبل القسمة كان له ذلك، وإن لم يكن شرط ذلك
كان البذر عليه على ما شرط.
قال محمد بن إدريس: إذا لم يكن شرط كيف يكون البذر عليه على ما شرط؟ وهو قد نفى أن
يكون شرط شيئا إلا أن يريد به أنه شرط أن يأخذه بعد القسمة إذا لم يكن شرط أن يأخذه به قبل
القسمة، وقد قلنا فيما مضى أنه إذا لم يشرط اخراج البذر وسطا لم يخرج بل يقسم جميع الغلة من
غير اخراج بذر بين المزارع وبين رب الأرض.
ثم قال: وإن شرط عليه أيضا خراج الأرض ومؤونة السلطان كان عليه ذلك دون صاحب
الأرض، فإن شرط ذلك وكان قدرا معلوما ثم زاد السلطان على الأرض المؤونة كانت الزيادة
على صاحب الأرض دون المزارع. أما قوله: خراج الأرض، فما يتقدر ذلك إلا في الأرض
الخراجية على ما قدمناه.
ومن استأجر أرضا مدة معلومة وجب عليه مال الإجارة وكانت له المدة المعلومة سواء
زرع فيها أو لم يزرع، فإن منعه صاحب الأرض من التصرف فيها ثم انقضت المدة لم يكن
عليه شئ من الأجرة، ومتى منعه من التصرف فيها ظالم غير صاحب الأرض لم يكن على
صاحب الأرض شئ، فإن غرقت الأرض لا بجناية أحد من الناس غرقا لم يتمكن معه
المستأجر من التصرف فيها مدة الإجارة لم يلزمه شئ من مال الإجارة إلا أن يكون تصرف
فيها بعض تلك المدة، فيلزمه بمقدار ما تصرف فيها وليس عليه أكثر من ذلك ويكون العقد
صحيحا في المدة التي تصرف فيها وينفسخ في باقي المدة وتقسط الأجرة بمقدار أجرة المثل.
مثال ذلك أن ينظر، فإن كانت أوقات المدة كلها متساوية في الأجرة حسب على
219

ما مضى بقسطه من الأجرة المسماة، وإن كانت مختلفة نظركم أجرة مثلها فيما مضى وفيما
بقي، فإن كانت أجرة المثل في المدة التي مضت مثلي أجرة العدة التي بقيت فعليه ثلثا الأجرة
المسماة، وعلى هذا الترتيب إن كان الحال بخلاف ذلك.
ولا يصح المزارعة والإجارة إلا بأجل معلوم على ما قدمناه، فمتى لم يذكر فيها الأجل
كانت باطلة، فإن كان قد تصرف فيها المستأجر وأنفق فيها كان له ما أنفق ولصاحب
الأرض ما يخرج منها وللزارع أجرة المثل إذا لم يكن ذكر الأجل ولم يكن له أكثر من ذلك.
ومن أخذ أرض انسان غصبا فزرعها أو عمرها وبنى فيها بغير إذن المالك كان لصاحب
الأرض قلع ما زرع فيها وبنى وأخذ أرضه وله أجرة المثل على الغاصب مدة ما كانت في يده،
فإن كان الغاصب زرع فيها وبلغت الغلة كانت للغاصب لأنها نماء بذره ويكون لصاحب
الأرض طسق الأرض.
والطسق الوظيفة توضع على صنف من الزرع لكل جريب وهو بالفارسية تسك فأعرب وهو
كالأجرة.
وإذا اكترى انسان دارا ليسكنها وفيها بستان فزرع فيها زرعا وغرس شجرا، فإن كان
فعل ذلك بإذن صاحب الدار ثم أراد التحول عنها وأراد الزارع والغارس قلع ذلك فله قلعه،
فإن أراد تبقيته فيها وأراد صاحبها قلعه فإن جرى بينهما صلح حملا عليه، وإن تشاحا ولم
يصطلحا على شئ فلصاحبها قلعه بعد أن يغرم له ما بين قيمته مقلوعا ونابتا، فإن أبي ذلك لم
يكن له قلعه لأنه زرعه باذنه وليس هو بعرق ظالم، وإن لم يكن استأذن صاحب الدار في
ذلك كان له قلعه وإعطاؤه إياه للزارع والغارس لأن الرسول ع قال: ليس لعرق
ظالم حق.
ومتى زارع أرضا أو استأجرها فباع صاحب الأرض أرضه لم تبطل بذلك مزارعته ولا
إجارته، وإن كان البيع بحضرة المزارع والمستأجر ويكون البيع صحيحا غير أنه يلزم المشتري
أن يصبر إلى وقت انقضاء مدة الزراعة والإجارة، فإن مات المشتري لم تبطل أيضا بموته
الإجارة والمزارعة ووجب على ورثته الصبر إلى أن ينقضي زمان المزارعة والإجارة.
220

ومتى مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة عند بعض أصحابنا وانقطعت في الحال.
وقال آخرون من أصحابنا: إنها تبطل بموت المستأجر ولا تبطل بموت المؤجر. وقال
الأكثرون المحصلون: لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر.
وهو الذي يقوى في نفسي وأفتى به، لأنه الذي يقتضيه أصول المذهب والأدلة القاهرة عقلا
وسمعا، فالعقل أن المنفعة حق من حقوق المستأجر على المؤجر فلا يبطل بموته، وإذا كان حقا من
حقوق الميت فإنه يرثه وارثه لعموم آيات المواريث ومن أخرج شيئا منها فعليه الدليل وهو تصرف
في مال الغير - أعني المنفعة - فلا يجوز التصرف في ذلك إلا بإذن صاحب المنفعة والسمع فقوله
تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به فمن فسخه وأبطله يحتاج إلى دليل ولن يجده، فإن
ادعى إجماعا فقد بينا أن أصحابنا مختلفون في ذلك لا مجمعون، فإذا لم يكن إجماع ولا كتاب ولا
سنة متواترة ولا دليل عقل فبأي شئ ينفسخ هذا العقد؟ بل الكتاب قاض بصحة هذا العقد
ودليل العقل حاكم به، وما اخترناه مذهب السيد المرتضى وخيرته في الناصريات في المسألة
المائتين، ومذهب أبي الصلاح الحلبي في كتابه كتاب الكافي وهو كتاب حسن فيه تحقيق
مواضع وكان هذا المصنف من جلة أصحابنا الحلبيين من تلامذة المرتضى رضي الله عنهما،
والأول مذهب شيخنا أبي جعفر وخيرته مع قوله في مبسوطه: إن أكثر أصحابنا يذهب إلى أن
موت المؤجر لا يبطلها، واستدل على صحة ما اختاره في مسائل خلافه بأشياء يرغب عن ذكرها
ونقضها سترا على قائلها وما المعصوم إلا من عصمه الله سبحانه.
ومال الإجارة لازم وإن هلكت الغلة بالآفات السماوية.
ومن زارع أرضا أو ساقاها على ثلث أو ربع أو غير ذلك وبلغت الغلة جاز لصاحب
الأرض أن يخرص عليه الغلة والثمرة، فإن رضي المزارع والمساقي بما خرص أخذها وكان
عليه حصة صاحب الأرض سواء نقص الخرص أو زاد وكان له الباقي، كما فعل عامل
الرسول ع بأهل خيبر وهو عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي رحمه الله، فإن
هلكت الغلة والثمرة قبل جذاذها وحصادها بآفة سماوية لم يلزم العامل الذي هو الأكار
شئ لصاحب الأرض.
221

والذي ينبغي تحصيله في هذا الخبر والسؤال، أنه لا يخلو أن يكون قد باعه حصته من الغلة والثمرة
بمقدار في ذمته من الغلة والثمرة أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض، فعلى الوجهين معا البيع
باطل لأنه داخل في المزابنة والمحاقلة وكلاهما باطلان، وإن كان ذلك صلحا لا بيعا فإن كان
ذلك بغلة أو ثمرة في ذمة الأكار الذي هو المزارع فإنه لازم له سواء هلكت الغلة بالآفات
السماوية أو الأرضية، وإن كان ذلك الصلح بغلة من تلك الأرض فهو صلح باطل لدخوله في
باب الغرر وأنه غير مضمون، فإن كان ذلك فالغلة بينهما سواء زاد الخرص أو نقص تلفت منهما
أو سلمت لهما، فليلحظ ذلك فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا وتشهد به الأدلة ولا يرجع عنها
بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا وإن كررت في الكتب.
222

شرائع الاسلام
كتاب المزارعة والمساقاة
أما المزارعة فهي معاملة على الأرض بحصة من حاصلها، وعبارتها أن يقول:
زارعتك، أو أزرع هذه الأرض أو سلمتها إليك، وما جرى مجراه مدة معلومة بحصة معينة
من حاصلها، وهو عقد لازم لا ينفسخ إلا بالتقايل ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين.
والكلام: إما في شروطه وإما في أحكامه.
أما الشروط فثلاثة:
الأول: أن يكون النماء مشاعا بينهما تساويا فيه أو تفاضلا، فلو شرطه أحدهما لم يصح،
وكذا لو اختص كل واحد منهما بنوع من الزرع دون صاحبه كأن يشترط أحدهما الهرف
والآخر الأفل أو ما يزرع على الجداول والآخر ما يزرع في غيرها، ولو شرط أحدهما قدرا من
الحاصل وما زاد عليه بينهما لم يصح لجواز أن لا تحصل الزيادة، أما لو شرط أحدهما على
الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة قيل: يصح، وقيل: يبطل،
والأول أشبه، وتكره: إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير مما يخرج منها والمنع أشبه،
وأن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها حدثا أو يؤجرها بجنس غيرها.
الثاني: تعيين المدة، وإذا شرط مدة معينة بالأيام أو الأشهر صح، ولو اقتصر على تعيين
المزروع من غير ذكر المدة فوجهان: أحدهما يصح لأن لكل زرع أمدا فيبنى على العادة
كالقراض، والآخر يبطل لأنه عقد لازم فهو كالإجارة، فيشترط فيه تعيين المدة دفعا للغرر لأن
223

أمد الزرع غير مضبوط وهو أشبه، ولو مضت المدة والزرع باق كان للمالك إزالته على الأشبه
سواء كان بسبب الزارع كالتفريط أو من قبل الله سبحانه كتأخر المياه أو تغير الأهوية، وإن
اتفقا على التبقية جاز بعوض وغيره، لكن إن شرط عوضا افتقر في لزومه إلى تعيين المدة
الزائدة، ولو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدة المشترطة بطل العقد على القول
باشتراط تقدير المدة، ولو ترك الزراعة حتى انقضت المدة لزمه أجره المثل، ولو كان
استأجرها لزمت الأجرة.
الثالث: أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها بأن يكون لها ماء إما من نهر أو بئر أو
عين أو مصنع، ولو انقطع في أثناء المدة فللمزارع الخيار لعدم الانتفاع، هذا إذا زارع
عليها أو استأجرها للزراعة وعليه أجرة ما سلف ويرجع بم قابل المدة المتخلفة، وإذا أطلق
المزارعة زرع ما شاء، وإن عين الزرع لم يجز التعدي ولو زرع ما هو أضر والحال هذه كان
لمالكها أجرة المثل إن شاء أو المسمى مع الأرش، ولو كان أقل ضررا جاز، ولو زارع عليها
أو آجرها للزراعة ولا ماء لها مع علم المزارع لم يتخير ومع الجهالة له الفسخ.
أما لو استأجرها مطلقا ولم يشترط الزراعة لم يفسخ لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع،
وكذا لو اشترط الزراعة وكانت في بلاد تسقيها الغيوث غالبا، ولو استأجر للزراعة مالا
ينحسر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع. ولو رضي بذلك المستأجر جاز، ولو قيل بالمنع لجهالة
الأرض كان حسنا، وإن كان قليلا يمكن معه بعض الزرع جاز، ولو كان الماء ينحسر عنها
تدريجا لم يصح لجهالة وقت الانتفاع، ولو شرط الغرس والزرع افتقر إلى تعيين مقدار كل
واحد منهما لتفاوت ضرريهما وكذا لو استأجر لزرعين أو غرسين مختلفي الضرر.
تفريع: إذا استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا قيل: يجب على
المالك إبقاؤه أو إزالته مع الأرش، وقيل: له إزالته كما أو غرس بعد المدة، والأول أشبه.
وأما أحكامه فتشتمل على مسائل:
الأولى: إذا كان من أحدهما الأرض حسب ومن الآخر البذر والعمل والعوامل صح
بلفظ المزارع، وكذا لو كان من أحدهما الأرض والبذر ومن الآخر العمل أو كان من أحدهما
الأرض والعمل ومن الآخر العمل أو كان من أحدهما الأرض والعمل ومن الآخر البذر
224

نظرا إلى الإطلاق، ولو كان بلفظ الإجارة لم يصح لجهالة العوض، أما لو آجره بمال معلم
مضمون في الذمة أو معين من غيرها جاز.
الثانية: إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه، وكذا لو اختلفا في قدر
الحصة فالقول قول صاحب البذر، فإن أقام كل منهما بينة قدمت بينة العامل، وقيل:
يرجعان إلى القرعة، والأول أشبه.
الثالثة: لو اختلفا فقال الزارع: أعترتنيها، وأنكر المالك وادعى الحصة والأجرة
ولا بينة فالقول قول صاحب الأرض. وتثبت له أجرة المثل مع يمين الزارع، وقيل: تستعمل
القرعة، والأول أشبه، وللزارع تبقية الزرع إلى أوان أخذه لأنه مأذون فيه، أما لو قال:
غصبتنيها. حلف المالك وكان له إزالته والمطالبة بأجرة المثل وأرش الأرض إن عابت وطم
الحفر إن كان غرسا.
الرابعة: للمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع عليها غيره ولا يتوقف على إذن
المالك، لكن لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم ولم يجز المشاركة إلا باذنه.
الخامسة: خراج الأرض ومؤنتها على صاحبها إلا أن يشترطه على الزارع.
السادسة: كل: موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة تجب لصاحب الأرض أجرة
المثل.
السابعة: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع والزارع بالخيار في القبول و
الرد، فإن قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماوية أو
أرضية لم يكن عليه شئ.
225

المختصر النافع
كتاب المزارعة والمساقاة
أما المزارعة: فهي معاملة على الأرض بحصة من حاصلها. وتلزم المتعاقدين. لكن لو تقايلا صح
ولا تبطل بالموت.
وشروطها ثلاثة:
1: أن يكون النماء مشاعا، تساويا فيه أو تفاضلا.
2: وأن تقدر لها مدة معلومة.
3: وأن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها.
وله أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره إلا أن يشترط عليه زرعها بنفسه. وأن
يزرع ما شاء إلا أن يعين له.
وخراج الأرض على صاحبها إلا أن يشترط على الزارع وكذا لو زاد السلطان زيادة.
ولصاحب الأرض أن يخرص على الزارع والزارع بالخيار في القبول، فإن قبل، كان
استقراره مشروطا بسلامة الزرع. وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة.
وتكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير. وأن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به
إلا أن يحدث فيها حدثا، أو يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به.
226

الجامع للشرائع
باب المزارعة والمساقاة
المزارعة عقد لازم من الطرفين وشرط صحتها: ذكر الأجل المعلوم وذكر نصيب
العامل بالجزء المشاع من الكل، وإذا لم يذكر الأجل أو ذكر مجهولا أو الحصة مجهولة أو
قيدها بالأرطال أو بما على موضع مخصوص من الزرع أو شرط أحدهما لصاحبه منه قدرا
قبل القسمة أو اخراج البذر قبلها فهي فاسدة، تجب فيها أجرة المثل للعامل والنماء كله
لصاحب الزرع، فإن لم يحصل منها شئ وهي صحيحة لم يكن للعامل شئ وإن كانت
فاسدة فله أجرة المثل، وقيل لا شئ له لأنه دخل على ذلك.
فإن شرط في المزارعة على العامل العمل بنفسه أو زرع شئ بعينه لم يتعده، وإن شرط
العامل على صاحب الأصل شيئا معلوما من ذهب وفضة وشبههما جاز، ويكره أن يشترط
ذلك على العامل.
ولا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون الأرض والبذر لشخص والعمل والبقر لآخر
أو الأرض لواحد والباقي لآخر أو العمل من واحد والباقي لآخر أو الأرض والبقر لواحد
والعمل والبذر لآخر.
وإذا كانت فاسدة والبذر للعامل أخذه ونماه وأعطى رب الأرض أجرها، ولا تبطل
المزارعة بالموت، والخارج بين الشخصين ولا يخرج البذر، وعلى كل منهما زكاة حصة إن
بلغت النصاب وإلا فلا.
فإن انقضت مدة المزارعة قبل إدراك الزرع لم يقلع الزرع وعلى كل واحد منهما القيام
227

في حصته ولصاحب الأرض أجرة ما قابل حصة الزارع، وعلى العامل في المدة القيام في
الكل وآلة العمل عليه، ومتى مات العامل في أثناء المدة أخذ من ماله ما يفعل به ما عليه أو
فعله الوارث.
228

المقصد الثاني في المزارعة وفيه فصلان
الأول: في أركانها: وهي أربعة:
الأول: العقد: المزارعة مفاعلة من الزرع وهي معاملة على الأرض بالزراعة
بحصة من نمائها، ولا بد فيها من إيجاب كقوله: زارعتك أو عاملتك أو أزرع هذه
الأرض على إشكال، أو سلمتها إليك للزرع وشبهه مدة كذا بحصة معلومة من
حاصلها، ومن قبول وهو كل لفظ أو فعل دل على الرضا، وهو عقد لازم من
الطرفين لا يبطل إلا بالتقايل لا بموت أحدهما، ولا بد في العقد من صدوره عن
مكلف جائز التصرف، ولو تضمن العقد شرطا سائغا لا يقتضي الجهالة لزم، ولو
عقد بلفظ الإجارة لم ينعقد وإن قصد الإجارة أو الزراعة، نعم يجوز إجارة الأرض
بكل ما يصح أن يكون عوضا في الإجارة وإن كان طعاما إذا لم يشرط أنه مما
يخرج من الأرض، ويكره أن يشرط مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة.
الثاني: تعيين المدة: ولا بد من ضبطها بالشهور أو الأعوام ولا يكفي تعيين
المزروع عنها، ويجوز على أكثر من عام واحد من غير حصر إذا ضبط القدر، ولو
شرط مدة يدرك الزرع فيها قطعا أو ظنا صح ولو علم القصور فإشكال، فلو ذكر مدة
يظن الإدراك فيها فلم يحصل، فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش أو التبقية
بالأجرة سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير أو من قبل الله تعالى كتغير
الأهوية وتأخير المياه، ولو اتفقا على التبقية بعوض جاز إن كان معلوما، ولو شرط
229

في العقد تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان، ولو ترك الزرع حتى
انقضت المدة لزمه أجرة المثل ولو كان استأجرها لزمه المسمى، ولا يشترط اتصال
المدة بالعقد.
الثالث: إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع بأن يكون لها ماء إما من بئر أو
نهر أو عين أو مصنع وكذا إن آجرها للزرع، ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها
تخير العامل مع الجهالة لا مع العلم لكن في الأجرة يثبت المسمى، ولو استأجرها
ولم يشرط الزرع لم يكن له الفسخ وكذا لو شرط الزراعة وكانت في بلاد يشرب
بالغيث غالبا، ولو انقطع في الأثناء فللزارع الخيار إن زارع أو استأجر له، وعليه
أجرة ما سلف.
الرابع: الحصة ويشترط فيها أمران: العلم بقدرها والشياع، فلو أهمل ذكرها
بطلت، وكذا لو جهلا قدرها أو شرطا جزء غير مشاع بأن يشترط أحدهما النماء
بأجمعه له أو يشترط أحدهما الهرف والآخر الأفل أو ما يزرع على الجداول والآخر
في غيرها أو يشترط أحدهما قدرا معلوما من الحاصل كعشرة أقفزة والباقي للآخر،
ولو شرطا أن يكون الباقي بعد العشرة بينهما أو شرطا اخراج البذر أولا والباقي بينهما
بطل على إشكال، ويجوز التفاضل في الحصة والتساوي، ولو شرط أحدهما على
الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة صح على رأي.
الفصل الثاني: في الأحكام:
إطلاق المزارعة يقتضي تخير العامل في زرع أي نوع شاء ويتعين بالتعيين، فإن
زرع الأضر فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش وبين أجرة المثل، ولو زرع
الأخف تخير المالك بين الحصة مجانا وأجرة المثل، ولو شرط نوعين متفاوتين في
الضرر افتقر إلى تعيين كل منهما، وللمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع عليها غيره
وإن لم يأذن المالك، نعم لو شرط الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة، وخراج
230

الأرض ومؤنتها على المالك إلا أن يشترطه على العامل.
وتصح المزارعة إذا كان من أحدهما الأرض خاصة ومن الآخر البذر والعمل
والعوامل، وكذا إن كان البذر لصاحب الأرض أو العمل منه أو كان البذر منهما
سواء اتفقا في الحصة أو اختلفا وسواء تساويا في البذر أو تفاوتا، وفي صحة كون
البذر من ثالث نظر وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع.
وكل مزارعة فاسدة فإن الزرع لصاحب البذر وعليه أجرة الأرض والفدان،
ولو كان البذر من المالك فعليه أجرة العامل، والإطلاق يقتضي كون البذر على
العامل ويحتمل البطلان، ولو تناثر من الحاصل حب فنبت في العام الثاني فهو
لصاحب البذر، ولو كان من مال المزارعة فهو لهما ويجوز للمالك الخرص على
العامل، ولا يجب القبول فإن قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة، فلو تلف بآفة
سماوية أو أرضية أو نقص لم يكن له عليه شئ ولو زاد فإباحة على إشكال.
وإذا اختلف أنواع الزرع جاز الاختلاف في الحصة منها والتساوي، ولو كان
في الأرض شجر وبينه بياض أرض فساقاه على الشجر وزارعه على البياض جاز.
وهل يجوز بلفظ المساقاة مع قصد الزرع والسقي؟ إشكال ينشأ من احتياج المزارعة
إلى السقي، ولو آجر الأرض بما يخرج منها لم يصح سواء عينه بالجزء المشاع أو المعين
أو الجميع، ويقدم قول منكر زيادة المدة مع يمينه وقول صاحب البذر في قدر الحصة،
ولو أقاما بينة احتمل تقديم بينة الآخر وقيل القرعة، ولو ادعى العامل العارية
والمالك الحصة أو الأجرة قدم قول المالك في عدم العارية، وله أجرة المثل مع يمين
العامل ما لم تزد عن المدعي وللزارع التبقية إلى وقت الأخذ، أما لو قال: غصبتها،
فإنه يحلف فيأخذ الأجرة والأرش إن عابت وطم الحفر وإزالة الزرع.
231

كتاب المزارعة
وهي معاملة على الأرض بحصة من حاصلها إلى أجل معلوم. وعبارتها: زارعتك أو
عاملتك أو سلمتها إليك وشبهه، فتقبل لفظا. وعقدها لازم ويصح التقايل ولا تبطل
بموت أحدهما، ولا بد من كون النماء مشاعا تساويا فيه أو تفاضلا، ولو شرط أحدهما
على الآخر شيئا بضميمة مضافا إلى الحصة صح، ولو مضت المدة والزرع باق فعلى
العامل الأجرة وللمالك قلعه، ولا بد من إمكان الانتفاع بالأرض بأن يكون لها ماء من
نهر أو بئر أو مصنع أو تسقيها الغيوث غالبا، ولو انقطع في جميع المدة انفسخت وفي
الأثناء يتخير العامل، فإن فسخ فعليه بنسبة ما سلف، وإذا أطلق المزارعة زرع ما شاء،
ولو عين لم يتجاوز.
فلو زرع الأرض قيل: يتخير المالك بين الفسخ فله أجرة المثل وبين الإبقاء فله
المسمى مع الأرش. ولو كان أقل ضررا جاز، ويجوز أن يكون من أحدهما الأرض
حسب ومن الآخر البذر والعمل والعوامل وكل واحدة من الصور ممكنة جائزة، ولو
اختلفا في المدة حلف منكر الزيادة وفي الحصة صاحب البذر، ولو أقاما بينة قدمت بينة
الآخر، وقيل: يقرع. وللمزارع أن يزارع غيره أو يشارك غيره إلا أن يشرط عليه المالك
الزرع بنفسه والخراج على المالك إلا مع الشرط، وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب
البذر وعليه الأجرة، ويجوز لصاحب الأرض الخرص على الزارع مع الرضا فيستقر
بالسلامة فلو تلف فلا شئ.
232

كتاب المساقاة
233

المقنع
باب المساقاة
المساقاة جائزة بالنصف والثلث والربع والمؤنة على المساقي وليس على رب الضيعة
منها شئ، وإذا كان لإنسان نخل وشجر فساقى غيره عليه واشترط من الثمرة شيئا
معلوما فله شرطه فيها، وإن لم يشترط فلا مساقاة بينهما والثمرة لرب الأرض وعليه للذي
سقى وأصلح أجرة مثله فيما عمل في الأرض، ويكره أن يشترط مع الارتفاع شئ من ذهب
أو فضة أو غيرهما من الأعراض، فإن اشترطه رب الضيعة كان مكروها وعلى المزارع
الخروج منه إذا كان قد رضي به وأوجبه على نفسه إلا أن تخيس الثمرة أو تهلك بآفة فيبطل
حينئذ ما شرطه المزارع عفا نفسه مما سوى الارتفاع، وخراج الثمرة على رب الأرض دون
المساقي إلا أن يشترط ذلك على المساقي في عقد المساقاة فيجب عليه ما اشترطه على
نفسه.
مختصر كتاب مساقاة:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره طائعا غير مكره
لا يولي على مثله لفلان بن فلان: إنك سألتني أن أدفع إليك نخلي الذي في موضع كذا وكذا
وشجري الذي فيه وهو كذا وكذا نخلة وشجرة قائمات على أصولها معاملة ومساقاة مدة
كذا وكذا على أن تقوم على ذلك بنفقتك وأعوانك لما فيه تزكيته ونماؤه، فما رزق الله تعالى
235

في ذلك من شئ كان لفلان بن فلان سهم من عشرة أسهم - أو أقل من ذلك أو أكثر على
حسب ما حصل به التراضي - بحق الملك والباقي وهو كذا وكذا سهما لفلان بن فلان
بحق قيامه ونفقته وأعوانه، فأجبتك يا فلان بن فلان إلى ذلك ودفعت إليك هذا النخل
والشجر المذكورين في هذا الكتاب فتسلمته بعد أن نظرنا جميعا إليه وعرفناه وأحطنا به
علما.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان
بجميع ما تضمنه بعد أن قرئ عليهما وأقرا بفهمه ومعرفته، وذلك في شهر كذا من سنة
كذا.
236

المساقاة
والمساقاة في النخل والشجر والكرم جائزة بالنصف والثلث والربع وكانت المؤونة
فيها على المساقي دون صاحب الأرض، ومتى ساقى صاحب النخل والشجر غيره ولم يذكر
ماله من القسمة كانت المساقاة باطلة وكان لصاحب النخل والشجر ما يخرج من الثمرة
وعليه للمساقي أجرة المثل من غير زيادة ولا نقصان، ويكره لصاحب الأرض أن يشترط
على المساقي مع المقاسمة شيئا من ذهب أو فضة، فإن شرط ذلك على المساقي أو شرط له
وجب عليهما الوفاء بما شرطا، اللهم إلا أن تهلك الثمرة بآفة سماوية ولا يلزمه حينئذ
شئ مما شرط عليه على حال، وخراج الثمرة على رب الأرض دون المساقي إلا أن
يشرط ذلك على المساقي فيلزمه حينئذ الخروج منه.
ومن أخذ أرضا ميتة فأحياها كانت له وهو أولى بالتصرف فيها إذا لم يعرف لها رب
وكان للسلطان طسق الأرض وإن عرف لها رب كان له خراج الأرض وطسقها، فإن
شرط على صاحب الأرض أنه يحييها ويكون ارتفاعها مدة من الزمان ثم يسلمها إليه كان
ذلك جائزا، وكذلك إن شرط أن يكون على صاحب الأرض مؤونة ما عليه للسلطان
كان ذلك جائزا ولصاحب الأرض أن يأخذها منه أي وقت شاء.
ومن استأجر أرضا بشئ معلوم جاز له أن يؤجر بعضها بأكثر ذلك المال. ويتصرف
هو بما يبقى في الباقي، وكذلك إن اشترى مراعي جاز له أن يبيع شيئا منها بأكثر ماله
237

ويرعى هو بالباقي ما يبقى منها، وليس له أن يبيع بمثل ما اشترى وأكثر منه ويرعى معهم
إلا أن يحدث فيه حدثا ويكون ذلك أيضا برضا صاحب الأرض فإن لم يرض ببيعه من
سواه لم يجز له ذلك وإنما يكون له أن يرعاه بنفسه.
238

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالمساقاة
مسألة: إذا ساقى انسان غيره بالنصف واشترطا رمل صاحب المال مع المساقي،
هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذه المساقاة عندنا باطلة، لأنها موضوعة على أن المال من صاحب المال،
ومن العامل العمل، فإذا شرط العامل على صاحب المال العمل معه كان ذلك باطلا.
مسألة: إذا ساقى غيره مساقاة صحيحة، ثم هرب العامل، هل تبطل المساقاة أم
لا؟
الجواب: إذا هرب هذا العامل لم تبطل المساقاة لأنها عقد لازم وكل ما كان عقدا
لازما كالإجارات والبيوع كلها فإنها لا تبطل بالهرب.
مسألة: إذا ساقاه على أنه إن سقى بماء السماء أو بسيح كان له الثلث، وإن سقى
بالقرب والنواضح كان له النصف، هل تصح هذه المساقاة أم لا؟
الجواب: هذه المساقاة باطلة لأن هذا العمل مجهول غير معين وأيضا فإن نصيبه من
الثمرة سهم غير معين لأنه ما قطع عليه والثمرة ههنا كلها لمالك النخل وللعامل أجرة
مثله، لأنه لم يسلم له ما شرط له.
مسألة: إذا ساقاه على ودي - وهو صغار النخل - على أنه إذا كبر وحمل كان له
نصفها ونصف الثمرة، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذه المساقاة باطلة لأن موضوع المساقاة على اشتراك صاحب المال
239

والعامل في الفائدة لا أن يشتركا في الأصول فإذا شرط الاشتراك في الأصول بطل ذلك.
مسألة: إذا كان صاحب المال اثنين والعامل واحد، ثم اختلفوا وقت القسمة فقال
العامل شرطتما لي النصف فصدقه الواحد وأنكر الآخر وقال له: بل الثلث ما الحكم في
الجواب: إذا اختلفوا على الوجه المذكور كان للعامل من نصيب الذي صدقه
بالنصف، فإن كان المصدق له عدلا وشهد له بذلك قبلت شهادته في ذلك وكان عليه مع
الشاهد اليمين، ويحكم له بذلك وإن لم يشهد له بذلك، أو لم يكن عدلا كان على العامل
البينة وعلى المالك الذي خالفه اليمين.
مسألة: إذا كان المالك اثنين والعامل واحدا، وشرط العامل النصف من نصيب
الواحد منهما والثلث من نصيب الآخر، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا يصح إذا كان العامل عالما بقدر نصيب كل واحد منهما وإذا لم يكن
عالما بذلك لم يصح لأن علمه بما ذكرناه شرط في صحة هذا العقد.
مسألة: إذا اختلف المالك والعامل فقال المالك شرطت لك الثلث وقال العامل بل
النصف، كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلف المالك والعامل على الوجه المذكور في المسألة كان القول قول
المالك مع يمينه، وعلى العامل البينة لأن الثمرة كلها لمالك النخل لأنها نماء أصله وإنما يثبت
للعامل في هذه الثمرة شئ بالشرط فإذا ادعى شرطا كان عليه إقامة البينة في ما ادعاه،
فإن عدم ذلك كان على المالك اليمين.
مسألة: المسألة بعينها. إذا اختلفا على ما تقدم ذكره وأقام كل واحد منهما البينة على
ما يدعيه. كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا قامت البينة لكل واحد منهما في ما يدعيه كانت بينة العامل هي
المقدمة على بينة المالك لأن العامل هو المدعي فيجب أن يقدم لقول النبي صلى الله عليه
وآله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والمالك هو المدعى عليه فعليه اليمين.
240

المساقاة
فأما المساقاة فالشرط فيها كالشرط في صحة المزارعة
والمساقاة في النخل والشجر كرما أو غير كرم بالنصف أو الثلث أو بأقل من ذلك لو
أكثر جائزة، وتكون المؤونة فيها على المساقي دون صاحب الأرض، فإن ساقى الانسان غيره
على نخل أو شجر فلم يذكر ماله من القسمة كانت المساقاة فاسدة، وكان لصاحب النخل
والشجر ما يخرج من الثمرة وعليه أجرة المثل للمساقي، ويكره لصاحب الأرض أن يشترط
على المساقي مع المقاسمة شيئا من العين أو الورق، فإن جرى ذلك بينهما وكان الشرط فيه
على المساقي أو على المالك كان جائزا، والأحوط تركه.
فإن هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية لم يلزمه شئ من ذلك، وخراج الثمرة
على صاحب الأرض، فإن شرط ذلك على المساقي لزمه ذلك دون المالك، وإذا أخذ انسان
أرضا ميتا ولها مالك معروف فشرط المالك عليه إحيائها ويكون له ارتفاعها مدة من
الزمان ثم يعيدها إلى مالكها كان جائزا، ومن أخذ أرضا ميتا فأحياها ولم يعرف لها
مالك كان أولى بالتصرف فيها من سائر الناس وكان عليه للسلطان طسقها، ومن أخذ
أرضا ميتا ولها صاحب معروف وشرط عليه صاحبها أحياها وله ارتفاعها، وشرط المحيي
لها على صاحبها أن يكون مؤنة السلطان عليه كان جائزا، ولصاحب الأرض أخذها متى
شاء ذلك.
وإذا استأجر انسان أرضا بأجرة معلومة وأراد أن يؤجر بعضها بأكثر مال الإجارة
ويتصرف هو في الباقي بما يبقى كان جائزا، ويكره له أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به
241

إلا أن يكون قد أحدث فيها حدثا، وقد تقدم ذكر ذلك.
و إذا ابتاع انسان مراعى بثمن معلوم جاز له أن يبيع بعضها بأكثر الثمن ويرعى هو
الباقي بما يبقى، وليس له أن يبيع ذلك بمثل ما اشترى أو أكثر ويرعى مع المشتري منه إلا
بعد أن يكون قد أحدث في ذلك حدثا، ويكون ذلك برضا صاحب الأرض أيضا فإن لم
يرض المالك ببيعه من غيره لم يجز له ذلك وليس له أن يرعى إلا وحده.
وإذا دفع انسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف، وقال له: اعمل فيه
برأيك، أو لم يقل ذلك فدفعه العامل إلى آخر معاملة بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة
فعمل على هذا، كان الخارج بين الأول ومالك النخل نصفين وللآخر على الأول أجر
مثله، ولو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه وفي الثانية النصف،
كان الخارج لمالك النخل وللآخر على الأول أجرة عمله وللأول على صاحب النخل أجرة
ما عمل الآخر ولا ضمان عليه في ذلك، وكذلك إذا دفع إلى غيره أرضا بالنصف أو
الثلث ثم ارتد مالكها وخرج الزرع، فإن أسلم كان ذلك بينهما على ما اشترطاه، وإن
هلك على ردته وكان في الأرض نقصان كان نقصان الأرض عليه والزرع له، وإن لم يكن
في الأرض نقصان كان الخارج بين العامل ووارث المرتد على الشرط وهكذا لو كان
العامل هو المرتد.
ولو كانا جميعا مرتدين كان الخارج بينهما على الشرط في جميع ذلك، فإن قتلا أو لحقا
بدار الحرب قام ورثتهما مقامهما فإن أسلما فهما على ما كانا عليه، ولو عقدا المعاملة والمزارعة
فيما ذكرناه وهما مسلمان ثم ارتد أحدهما وقتل على الردة أو لحق بدار الحرب فالخارج على
الشرط بينهما ولم يبطل العقل بردته، فإن كان من أهل الحرب ودخل دار الاسلام بأمان
فدفع إليه انسان أرضا وبذرا مزارعة هذه السنة بالنصف كان جائزا وما يخرج يكون بينهما
على ما اشترطاه، وليس ينبغي للوالي أن يتركه في دار الاسلام هذه المدة.
وإذا ابتاع الحربي المستأمن أرضا عشرية أو خراجية فسلمها إلى مسلم مزارعة كان
جائزا ويكون ما يخرج بينهما على ما اشترطاه، ويوضع عليه الخراج في أرضه ويجعل ذميا ولا
242

يمكن من الرجوع إلى دار الحرب، وإذا دخل مسلم دار الحرب بأمان واشترى أرضا من
أراضي الحرب ودفعها إلى حربي مزارعة كان ما يخرج بينهما على ما يشترطانه وهكذا
القول إن أخذ مسلم أرض حربي بالنصف، والمزارعة بين التاجرين المسلمين في
دار الحرب بمنزلتها في دار الاسلام، وهكذا هي بين مسلم تاجر وبين حربي أسلم هناك.
وإذا ابتاع مسلم تاجر في دار الحرب أرضا ودفعها إلى حربي مزارعة بالنصف فزرعها
فلما استحصد الزرع لم يحصد حتى ظفر المسلمون بدار الحرب فافتتحوها عنوة فإن الأرض
والزرع لمن افتتحها، وإن كان الزرع حصد ولم يحمل من الأرض حتى افتتح المسلمون
الأرض كانت الأرض ونصيب الحربي فيئا للمسلمين وكان للمسلم نصيب من الزرع
ولا فرق في البذر من أيهما كان، وإذا كان مالك الأرض والمزارع مستأمنين في أرض
الحرب وظهر المسلمون على الأرض والزرع قائم لم يحصد كانت الأرض والزرع فيئا
للمسلمين، وإذا كان قد حصد كانت الأرض فيئا والزرع بينهما على ما اشترطاه.
وإذا دفعها مسلم إلى حربي مزارعة هذه السنة بالنصف والبذر من أحدهما بعينه
والعمل عليهما جميعا فعملا وأخرجت الأرض الزرع ثم أسلم أهل تلك الدار وقد استحصد
ذلك الزرع ولم يحصد كان فاسدا، وما يخرج فهو لصاحب البذر وللآخر الآجر، فإن لم
يسلم أهل تلك الدار وظهر المسلمون عليها كانت الأرض وما فيها فيئا ولم يكن لأحدهما
على الأرض شئ من أجرة ولا غيرها.
ومزارعة الصبي والعبد المأذون لهما في التجارة بمنزلة الحر في المزارعة، فإذا زارع العبد
إنسانا فلم يزرع حتى حجر عليه سيده فنظر فيه فحيث ما كان للحر أن يمنع من المضي
على المزارع كان للسيد أن يمنع عبده منه ويحجر عليه، وحيث ما لم يكن للحر ذلك لم يكن
لسيد العبد منع العبد منه، ولا يبطل مزارعة العبد بحجر السيد عليه وكذلك الصبي بحجر
أبيه عليه أو وصيه بعد إذنهما له، وكذلك المعاملة في الشجر.
وإذا اشترى الصبي التاجر أرضا وحجر أبوه عليه فدفعها مزارعة بالنصف إلى غيره
يزرعها ببذره وعمله فعمل على ذلك كان الخارج للعامل وعليه نقصان الأرض، فإن لم
243

يكن في الأرض نقصان كان الخارج بينهما على شرطهما، فإن كان البذر من جهة الدافع
كان الخارج بينهما وله عليه عوض البذر في جميع الوجهين ويغرم نقصان الأرض، وهكذا
لو لم يخرج الأرض شيئا.
وإذا دفع الحر إلى العبد المحجور عليه أو الصبي الحر المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة
بالنصف هذه السنة فزرعها وخرج الزرع وسلم العامل كان ما خرج بينهما على
ما اشترطاه، فإن مات العبد وهو في عمل الزرع بعد ما استحصد الزرع كان صاحب
الأرض ضامنا لقيمته والزرع كله له، فإن مات الصبي في عمل ذلك بعد استحصاد
الزرع كان الزرع بينهما على شرطهما، وعلى عاقلة صاحب الأرض دية الصبي وهكذا
الحكم في المعاملة في الشجر، وإذا دفع العبد المحجور عليه أرضا في يديه إلى انسان يزرعها
ببذره وعمله هذه السنة فما خرج منها كان بينهما نصفين، فزرعها العامل فأخرجت طعاما
كثيرا كان سيد العبد مخيرا بين أن يضمن الزارع أجرة أرضه وبين أن يأخذ نصف
ما أخرجته، ولا يضمن العامل شيئا.
وإذا كفل انسان لصاحب الأرض بحصته مما تخرج الأرض، والبذر من عند
صاحب الأرض أو من العامل كان ذلك باطلا، وليس على المزارع ضمان فيما هلك من
الزرع وكذلك هذا الضمان في المساقاة، وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر من العامل
وضمن انسان لصاحب الأرض حصته مما تخرج كان الضمان باطلا، ولا يجوز أخذ
الكفيل بالآجر لأنه لم يضمنه، وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة
فاستحصد الزرع أو بعضه أو بلغ الثمر أو بعضه ثم باع أحدهما حصته قبل أن يقبضها كان
بيعه جائزا، فإن هلك لم يكن على واحد منهما ضمان، وكذلك إذا لم يبلغ شئ من الثمر
وباعه مع مبيع آخر عينه حاضرة كان جائزا.
وإذا وكل انسان غيره بأرض له على أن يدفعها مزارعة هذه السنة فدفعها مزارعة
بالثلث أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا، إلا أن يدفعها بشئ يعلم محاباته فيه مما
لا يتغابن الناس بمثله فإن كان كذلك لم يجز، فإن زرعها الزارع ذلك فخرج الزرع كان
244

بين المزارع والوكيل على ما اشترطا ولا شئ لصاحب الأرض منه إلا أنه يضمن المزارع
نقصان الأرض ويرجع به على الوكيل، وإن أراد صاحب الأرض ضمن الوكيل.
وإن كان ترك فيه ما يتغابن الناس بمثله فالخارج بين المزارع وصاحب الأرض على
ما اشترطا عليه، والوكيل هو الذي يلي قبض نصيب الموكل وليس لصاحب الأرض أن
يقبضه إلا بوكالة، ولو كان صاحب الأرض أمر الوكيل بأن يدفعها مزارعة ويعمل برأيه
فيها ولم يسم له سنة ولا غيرها، جاز للوكيل أن يدفعها أقل أول سنة وأكثر من ذلك أو بعد
هذه السنة وأن لم يدفع هذه السنة ما لم يعزله عن الوكالة، وإن كان البذر من قبل صاحب
الأرض فدفعها الوكيل بما لا يتغابن الناس بمثله وحابى فيها كان ما يخرج بين الوكيل
والزارع على الشرط، ويضمن الوكيل البذر لصاحب الأرض ويضمن نقصان الأرض
أيهما شاء، فإن ضمن الزارع رجع به على الوكيل.
وإذا دفع انسان إلى غيره نخلا ووكله بأن يدفعه معاملة هذه السنة ولم يسم له وقتا وهو
على أول سنة، فإن دفعه بما لا يتغابن الناس فيه كان الخارج لصاحب النخل وللعامل أجر
مثله، وإذا وكله على أن يأخذ له نخلا معينا معاملة فأخذه بما يتغابن الناس بمثله كان جائزا
على الشرط وصاحب المعاملة هو الذي يقبض نصيبه، وإن أخذ بما لا يتغابن الناس فيه لم
يلزم الوكيل إلا أن يريد، فإن عمله وقد علم بنصيبه ولم يعلم كان له ما شرطه، وإذا أمره
بأن يأخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة أو أن يأخذ له أرضا وبذرا مزارعة إلى انسان غير
معينة كان جائزا.
وإذا وكل غيره بأن يدفع نخله هذا معاملة بالثلث فدفعه على أن الثلثين للعامل لم يلزم
ذلك صاحب النخل، فإن وكله بأن يأخذ نخل زيد هذه السنة معاملة بالثلث وأخذه على
أن للعامل الثلث كان جائزا عليه، وإذا وكل انسان غيره بأن يأخذ له أرضا مزارعة
بالنصف أو الثلث فأخذها بكر حنطة أو بدراهم أو بشئ من العروض لم يجز ذلك،
وكذلك لو أمره بأن يأخذ له هذا النخل معاملة على الثلث فأخذه بشئ مما تقدم ذكره لم
يجز إلا أن يريد العامل.
245

وإذا تزوج الرجل المرأة بزراعة أرضه هذه السنة على أن تزرعها ببذرها وعملها فما
أخرجت كان بينهما نصفين، كان النكاح جائزا والمزارعة فاسدة وكان صداقها مثل
نصف أجر الأرض، فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها ربع أجر الأرض.
فإن زرعت المرأة الأرض وأخرجت زرعا أو لم تخرج ولم يطلقها كان الخارج للمرأة،
وعليها نصف أجر مثل الأرض، ولم يكن لها صداق على الزوج. والمرأة في الخلع بمنزلة
الزوج في النكاح وكذلك الحكم في المساقاة.
وإذا دفع انسان إلى غيره نخلا معاملة على أن يلقحه فما خرج كان بينهما نصفين، ولم
يشترط صاحب النخل على العامل من العمل والحفظ شيئا غير ذلك، نظر فإن كان
النخل يحتاج إلى السقي والحفظ كانت المعاملة فاسدة، فإن لقحه العامل كان له أجر مثله
وقيمة ما لقحه به، وإن كان لا يحتاج إلى حفظ ولا سقي ولا عمل غير التلقيح كانت
المعاملة جائزة، فإن كان إذا سقى كان أجود لثمره إلا أن تركه ليس بمضرة كانت المعاملة
أيضا جائزة.
وإن كان ترك السقي يضره وينقصه ويفسده بعضه ولا يفسد جميعه فالمعاملة فاسدة،
ولو كان ترك اشتراط التلقيح عليه واشتراط ما عداه، لما جاز لأن تركه مضرة فقد بقي
بعض العمل على صاحب النخل، وهكذا كل عمل لا يصلح النخل إلا به ولم يشترطه على
العامل، وإن كان النخل غير محتاج إلى التلقيح ويعقد بغير تلقيح إلا أن التلقيح أجود له
فالمعاملة جائزة، فإن دفع إليه النخل ملقحا واشترط عليه السقي والحفظ كان جائزا، فإن
دفعه غير ملقح واشترط التلقيح على صاحب النخل لم يجز، إلا أن يشترط أن يلقحه في هذا
الشهر على أن العامل يقوم عليه ويحفظه من أول الشهر الداخل فيكون جائزا.
وإذا مات صاحب الأرض أو المزارع أو ماتا جميعا واختلف ورثتهما أو اختلفا في
حياتهما في شرط الأنصباء كان القول قول صاحب البذر أو ورثته مع إيمانهم والبينة بينة
الآخر، وإن اختلفوا في صاحب البذر كان القول قول المزارع وورثته لأنه في يديه والبينة
بينة صاحب الأرض.
246

وإذا رهن انسان عند غيره أرضا ونخلا بدين له عليه فلما قبضه المرتهن قال له الراهن
اسقه واحفظه وألقحه فمهما خرج فهو بيننا نصفان ففعل ذلك، كان الخارج لصاحب
النخل والمعاملة فاسدة، وكان للمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقي دون الحفظ لأن ذلك
يلزمه في حق كونه رهنا، وهكذا القول لو كان الرهن أرضا مزروعة قد صار الزرع فيها
بقلا، ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف والبذر من المرتهن كان
جائزا ويكون ما يخرج على ما اشترطاه، ويخرج من الرهن ولم يكن للراهن إعارتها رهنا،
فإن مات الراهن وعليه دين لم يكن هذا المرتهن أحق بها من باقي الغرماء فإن كان
البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن أن يعيدها في الرهن بعد فراغها من الزرع
لأنه كان إعارة الأرض، فإن مات الراهن كان المرتهن أحق بها من باقي الغرماء قبل
انقضاء المزارعة وبعدها.
247

باب المساقاة
المساقاة: عبارة عن دفع الانسان إلى غيره نخلا أو شجرا للفواكه أو كرما على
إصلاحه بالعمارة على أن ما رزقه الله تعالى منها كان بينهما مشاعا على قدر معلوم، وتصح
بخمسة شروط: تعيين المدة وقدر نصيب العامل وفقد ظهور الثمر أو بقاء عمل بعد
ظهوره يستزاد به الثمر، وأن لا يشترط معه عمل صاحب النخل ولا له ثمرة شجرات
بعينها.
وإذا تنوع الفواكه والثمر جاز العقد على البعض مرابعة وعلى البعض مثالثة أو أقل
أو أكثر، والشرط سائغ ما لم يؤد إلى سقوط العمل عن العامل أو اندفاع الحق عن صاحب
الأرض إلى المساقي، وإن شرط على العامل شيئا يؤدى إلى صاحب النخل لزم إلا إذا تلف
الثمر بآفة سماوية، والمؤونة على صاحب النخل، وكل ما يعود بالاستزادة في الثمر فهو
على العامل، وكل ما منه حفظ الأصل فهو على صاحبه، وإن تخارصا وقبل أحدهما نصيب
الآخر صح ولزم زاد أو نقص، وإن تلف لم يكن لأحدهما على الآخر شئ إلا إذا تلف
بتفريطه.
248

إصباح الشيعة
كتاب المساقاة
المساقاة أن يدفع النخل إلى غيره على أن يلقحه ويصرف جرائده ويصلح
الثمرة كالتأبير والسقي، فإن لم يبق إلا اللقاط والجذاذ فلا مساقاة. وخراج الثمرة
على رب الأرض.
إذا ساقاه العامل على أن يعمل معه رب المال بطل، وإن شرط أن يعمل معه غلام
رب المال جاز لأنه ضم مال إلى مال ما لم يكن العمل في ملك خاص للعامل، ولا يكون نفقة
الغلام على العامل إلا إذا شرط.
إذا قال للعامل: ساقيتك على أن النصف لك من الثمرة، صح، ولو قال: ساقيتك
على أن النصف لي من الثمرة، لم يصح وللعامل أجرة المثل.
وتنفسخ المساقاة بموتهما أو بموت أحدهما.
إذا ساقاه على أنه إن ساقاها بماء السماء أو سيح فله الثلث وإن ساقاها بالنضح
أو الغرب فله النصف بطل لأنه عمل مجهول فالثمرة لرب النخل وللعامل أجرة المثل.
الأجاجين تحته ويسقيه أو يدفع إليه الكرم على أن يعمل فيه فيقطع الشفش ويصلح
مواضعه ويسقيه على أن ما رزق الله من ثمرة كانت بينهما على ما يشترطانه. ولا يجوز نحو
ذلك إلا فيما له ثمرة من الشجرة، ولا بد أن تكون مؤجلة بأجل معلوم
ويكون قدر نصيب العامل معلوما، وإذا كانت له أنواع نخل فساقاه بالنصف على
البعض وبالربع على البعض أو أقل أو أكثر جاز إذا علم العامل قدر كل صنف منها في
الحائط، وإن لم يعلم فلا لأنه غرر. ولا يجوز أن يشترط للعامل مثلا ألف رطل أو خمس مائة
249

رطل بل ينبغي أن يشترط له سهما من سهام الثمرة.
إذا ساقاه على أن يكون له ثمرة نخلات بعينها بطل وكانت الثمرة لرب الأرض
وللعامل أجرة المثل.
كل ما يستزاد به في الثمرة فعلى العامل وكل ما فيها حفظ الأصل فعلى رب المال،
فإن شرط أحدهما بعض ما يلزمه على الآخر جاز ما دام يبقى للعامل عمل وإلا بطلت
المساقاة. وينبغي أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو حين بقي للعامل عمل يستزاد به
250

السرائر
باب المساقاة
المساقاة مفاعلة مشتقة من السقي، وهو أن يدفع الانسان نخله أو شجره الذي يحمل ثمرا
أي شجر كان - قبل خروج المدة المضروبة بينهما - لأنها لا تصح إلا بأجل محروس -
ويشرط له حصة معلومة مشاعة - ولا يصح إلا على أصل ثابت - على أن يلقحه ويصرف
الجريد ويصلح الأجاجين تحت النخل والأخواص ويسقيها ويحفظ الثمرة ويلقطها ويجدها
ويحفر السواقي والأنهار لجري الماء إليها، وكذلك الكرم على أن يعمل فيه فيقطع الشفش
ويصلح موضع الماء ويسقيه ويحفظه.
وجملة الأمر وعقد الباب أنه يجب عليه كل ما كان فيه زيادة في الثمرة وريع و نماء،
فعلى هذا يجب عليه الكش وآلات السقي وما يتوصل به إليه من الدلاء و النواضح والبقر
والحبال والمحالات وغير ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه: الكش يلزم صاحب النخل، وهذا غير واضح لأنه
لا دليل عليه ولا شك أنه قول بعض المخالفين ووضعه في الكتاب المذكور لأنه رحمه الله يذكر فيه
مذهبنا ومقالتنا ومقالة غيرنا من غير تفصيل كثيرا ما يعمل كذلك.
فصار الشجر على ضربين: ضرب له ثمرة تؤكل سواء تعلق به الزكاة أو لم يتعلق فإنه
يتعلق به المساقاة، وشجر لا ثمرة له فلا يجوز المساقاة عليه.
والمساقاة تحتاج إلى مدة معلومة كالإجارة على ما قدمناه، وهي من العقود اللازمة لأنها
كالإجارة وبهذا فارقت القراض لأنه لا يحتاج إلى مدة بل هو عقد جائز من الطرفين، والمؤونة
251

جميعها في المساقاة على المساقي على ما قدمناه دون صاحب الأصل.
ومتى ساقى صاحب الشجر والنخل غيره ولم يذكر ماله من الحصة والقسمة كانت
المساقاة باطلة وكان لصاحب الأصل ما يخرج من نخله وشجره وعليه للمساقي أجرة المثل من
غير زيادة ولا نقصان، ويكره لصاحب الأرض أن يشترط على المساقي مع المقاسمة شيئا من
ذهب أو فضة، فإن شرطه له وجب عليهما الوفاء بما شرطا اللهم إلا أن تهلك الثمرة بآفة
سماوية فلا يلزمه حينئذ شئ مما شرط عليه على حال.
وخراج الثمرة على رب الأرض إذا كانت الأرض خراجية دون المساقي إلا أن يشرط
ذلك على المساقي فيلزمه حينئذ الخروج منه، وقد قلنا وذكرنا أحكام من أخذ أرضا ميتة فلا
وجه لإعادته.
وقال شيخنا في نهايته في ذكر أحكام المساقاة: ومن استأجر أرضا بشئ معلوم جاز له أن يؤجر
بعضها بأكثر ذلك المال ويتصرف هو بما يبقى في الباقي، وكذلك إن اشترى مراعي جاز له أن
يبيع شيئا منها بأكثر ماله ويرعى هو بالباقي بما يبقى منها، وليس له أن يبيع بمثل ما اشترى أو أكثر
منه ويرعى معهم إلا أن يحدث فيه حدثا ويكون ذلك أيضا برضا صاحب الأرض، فإن لم
يرض ببيعه من سواه لم يجز له ذلك وإنما يكون له أن يرعاه بنفسه، هذا آخر كلام شيخنا في نهايته
في آخر الباب.
قال محمد بن إدريس: أما المسألة الأولى فباب الإجارة أحق بذكرها فيها من باب المساقاة، وأما
المسألة الثانية فليس هي من قبيل المساقاة ولا قبيل المزارعة ولا الإجارة، والأولى عندي أن له أن
يبيع ما شاء كيف شاء سواء رضي صاحب الأرض أو لم يرض لأن الناس مسلطون على
أملاكهم وأموالهم كيف شاؤوا عملوا من سائر أنواع التصرفات فعلوا بيعا أو هبة أو إجارة أو
صدقة أو غير ذلك، وإنما هذه أخبار آحاد احتاج أن يوردها في غير موضعها لئلا يشذ منها شئ
على ما اعتذر به في كتابه العدة وإن لم يكن عاملا بها ولا معتقدا لصحتها أوردها إيرادا على
ما هي عليه من الألفاظ لا اعتقادا على ما كررنا الاعتذار له في ذلك.
وإذا شرط - في حال عقد المساقاة - العامل على رب الأرض بعض ما يجب على العامل
252

عمله لم يمنع ذلك من صحة العقد إذا بقي للعامل عمل ولو كان قليلا لأن هذا شرط لا يمنع
منه كتاب ولا سنة، وكذلك إذا ساقاه بعد ظهور الثمرة كان جائزا.
وإذا اختلف رب النخل والعامل فقال رب النخل: شرطت على أن يكون لك ثلث
الثمرة، وقال العامل: بل على أن لي نصف الثمرة، كان القول قول رب النخل مع يمينه،
فإن كان مع كل واحد منهما بينة قدمنا بينة العامل لأنه المدعي وهو الخارج دون بينة رب
النخل على ما قدمناه.
إذا ظهرت الثمرة وبلغت الأوساق التي يجب فيها الزكاة كانت الزكاة واجبة على رب
النخل والعامل معا إذا بلغ نصيب كل واحد منهما ما يجب فيه الزكاة، فإن لم يبلغ نصيب
واحد منهما النصاب فلا تجب الزكاة على كل واحد منهما، فإن بلغ نصيب أحدهما نصاب
الزكاة وجب عليه دون من لم يبلغ حصته لأن الثمرة ملك لهما.
وهذا مذهب أصحابنا بغير خلاف بينهم في ذلك، وذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه وناظر
المخالفين على صحته ودل عليه، وقد كنا قلنا أن بعض أصحابنا المتأخرين ذكر في تصنيف له
وقفنا عليه وعاودناه في مطالعته في حال حياة مصنفه ونبهناه على تجاوز نظره الحق في المسألة لأنه
قال: لا يجب الزكاة إلا على رب النخل دون المساقي، وكذلك في المزارعة: لا يجب إلا على من
يكون منه البذر دون الأكار لأن ما يأخذه كالأجرة والأجرة لا زكاة فيها، وهذا منه رحمه الله
تسامح عظيم والذي ذهب إليه أحد قولي الشافعي.
واستدل شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه على صحة ما قلناه فقال: دليلنا أنه إذا كانت الثمرة
ملكا لهما فوجبت الزكاة على كل واحد منهما فمن أوجب على أحدهما دون الآخر كان عليه
الدليل.
الودي - بالواو المفتوحة والدال غير المعجمة المكسورة والياء المشددة - هو صغار النخل
قبل أن يحمل، فإذا ساقاه على ودي ففيها ثلاث مسائل:
أحدها: ساقاها إلى مدة يحمل مثلها غالبا فالمساقاة صحيحة لأنه ليس فيه أكثر من أن
عمل العامل يكثر ويقل نصيبه، وهذا لا يمنع صحتها كما لو جعل له سهم من ألف سهم،
253

فإذا عمل نظرت فإن حملت فله ما شرط وإن لم تحمل شيئا فلا شئ له لأنها مساقاة صحيحة
ونصيبه من ثمارها معلوم فإذا لم تثمر لم يستحق شيئا كالقراض الصحيح إذا لم يربح شيئا.
الثانية:
ساقاه إلى مدة لا يحمل الودي إليها فالمساقاة باطلة.
الثالثة: ساقاه إلى وقت قد يحمل وقد لا يحمل وليس أحدهما أولى من الآخر فهذه أيضا
مساقاة باطلة. إذا ساقاه على ودي على أنه إذا كبر وحمل فله نصف الثمرة ونصف الودي فالعقد باطل
لأن موضوع المساقاة على أن يشتركا في الفائدة دون الأصول، فإذا اشترط الاشتراك في
الأصول بطل كالقراض إذا شرط له جزء من رأس المال مضافا إلى وجوب الربح، وإذا
كان الودي مقلوعا فساقاه على أن يغرس فإذا علق وحمل فله نصف الثمرة والمدة يحمل في
مثلها، إن علق فالمساقاة باطلة لأنها لا تصح إلا على أصل ثابت يشتركان في فوائده، فإذا
كانت الأصول مقلوعة لم تصح المساقاة.
إذا اختلف رب النخل والمساقي في مقدار ما شرط له من الحصة عند المقاسمة فالقول
قول رب النخل مع يمينه، لأن ثمرة النخل كلها لصاحبها وإنما يستحق العامل بالشرط ورب
النخل أعرف بما قال، فإن أقام العامل بينة سمعت وسلم إليه ما شهدت به البينة، فإن أقام
كل واحد منهما بينة بما يقوله قدمناه بينة العامل لأنه المدعي والرسول ع جعلها في
جنبته دون جنبة الجاحد.
وقال شيخنا أبو جعفر في المزارعة هكذا، وهو الصحيح، وقال في آخر كتاب المساقاة في مبسوطه:
وإن كان مع كل واحد منهما بينة تعارضتا ورجعنا على مذهبنا إلى القرعة.
قال محمد بن إدريس: وأي تعارض هاهنا بل هذه المسألة لا فرق بينها وبين اختلاف الأكار في
المزارعة ورب البذر والأرض في أن كل واحد منهما إذا أقام البينة سمعت بينة الأكار لأنه
المدعي، والبينة جعلها الرسول ع في جنبته وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في المزارعة
ويخالف في المساقاة وهذا أمر طريف.
254

شرائع الاسلام
وأما المساقاة
فهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرتها والنظر فيها يستدعي فصولا:
الأول في العقد:
وصيغة الإيجاب أن تقول: ساقيتك أو عاملتك أو سلمت إليك أو ما أشبهه، وهي لازمة
كالإجارة ويصح قبل ظهور الثمرة، وهل تصح بعد ظهورها؟ فيه تردد والأظهر الجواز
بشرط أن يبقى للعامل عمل وإن قل بما يستزاد به الثمرة، ولا تبطل بموت المساقي
ولا بموت العامل على الأشبه.
الثاني في ما يساقى عليه:
وهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه، فتصح المساقاة على النخل والكم
وشجر الفواكه وفيما لا ثمر له إذا كان له ورق ينتفع به كالتوت والحناء على تردد، ولو ساقى
على ودي أو شجر غير ثابت لم يصح اقتصارا على موضع الوفاق، أم لو ساقاه على ودي
مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح ولو لم يحمل فيها، وإن قصرت المدة المشترطة
عن ذلك غالبا أو كان الاحتمال على السواء لم يصح.
255

الثالث في المدة:
ويعتبر فيها شرطان أن تكون مقدرة بزمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وأن يكون مما
يحصل فيها الثمرة غالبا.
الرابع:
العمل وإطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل بما فيه زيادة النماء من الرفق وإصلاح
الإجاجين وإزالة الحشيش المضر بالأصول وتهذيب الجريد والسقي والتلقيح والعمل
بالناضح وتعديل الثمرة واللقاط وإصلاح موضع التشميس ونقل الثمرة إليه وحفظها،
وقيام صاحب الأصل ببناء الجدار وعمل ما يستسقى به من دولاب أو دالية وإنشاء النهر
والكش للتلقيح، وقيل: يلزم ذلك العامل وهو حسن لأن به يتم التلقيح، ولو شرط شيئا من
ذلك على العامل صح بعد أن يكون معلوما.
ولو شرط العامل على رب الأصول عمل العامل له بطلت المساقاة لأن الفائدة لا تستحق
إلا بالعمل، ولو أبقى العامل شيئا من عمله في مقابلة الحصة من الفائدة وشرط الباقي
على رب الأصول جاز، ولو شرط أن يعمل غلام المالك معه جاز لأنه ضم مال إلى مال، أما لو
شرط أن يعمل الغلام لخاص العامل لم يجز وفيه تردد والجواز أشبه، وكذا لو شرط عليه
أجرة الأجراء أو شرط خروج أجرتهم صح منهما.
الخامس: في الفائدة:
ولا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة،
وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة لم تصح المساقاة، وكذا لو شرط لنفسه شيئا معينا
وما زاد بينهما وكذا لو قدر لنفسه أرطالا وللعامل ما فضل أو عكس، وكذا لو جعل حصة
ثمرة نخلات بعينها وللآخر ما عداها.
ويجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر إذا كان لا عامل
عالما بمقدار كل نوع، ولو شرط مع الحصة من النماء حصة من الأصل الثابت لم يصح لأن
مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة وفيه تردد، ولو ساقاه بالنصف إن سقى
256

بالناضح وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة لأن الحصة لم تتعين وفيه تردد، ويكره:
أن يشترط رب الأرض على العامل مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة لكن يجب الوفاء
بالشرط. ولو تلفت الثمرة لم يلزم.
السادس: في أحكامها: وهي مسائل:
الأولى: كل موضع تفسد فيه المساقاة فللعامل أجرة المثل، والثمرة لصاحب
الأصل.
الثانية: إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها، فإن كان بعد بدو الصلاح جاز وإن
كان بعد ظهورها وقبل بدو الصلاح بشرط القطع صح إن استأجره بالثمرة أجمع، ولو
استأجره ببعضها قيل: لا يصح لتعذر التسليم، والوجه الجواز.
الثالثة: إذا قال: ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على الآخر بكذا
قيل يبطل، والجواز أشبه.
الرابعة: لو كانت الأصول لاثنين فقالا لواحد: ساقيناك على أن لك من حصة فلان
النصف ومن حصة الآخر الثلث، صح بشرط أن يكون عالما بقدر نصيب كل واحد
منهما، ولو كان جاهلا بطلت المساقاة لتجهيل الحصة.
الخامسة: إذا هرب العامل لم تبطل المساقاة، فإن بذل العمل عنه باذل أو دفع إليه
الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه فلا خيار، وإن تعذر ذلك كان له الفسخ لتعذر العمل،
ولو لم يفسخ وتعذر الوصول إلى الحاكم كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع عليه على
تردد ولو لم يشهد لم يرجع.
السادسة: إذا ادعى أن العامل خان أو سرق أو أتلف أو فرط فتلف وأنكر فالقول
قوله مع يمينه، وبتقدير ثبوت الخيانة، هل يرفع يده، أو يستأجر من يكون معه من أصل
الثمرة؟ الوجه أن يده لا ترفع عن حصته من الربح وللمالك رفع يده عما عداه، ولو ضم
إليه المالك أمينا كانت أجرته عن المالك خاصة:
السابعة: إذا ساقاه على أصول فبانت مستحقة بطلت المساقاة والثمرة للمستحق
257

وللعامل الأجرة على المساقي لا على المستحق، ولو اقتسما الثمرة وتلفت كان للمالك
الرجوع على الغاصب بدرك الجميع ويرجع الغاصب على العامل بما حصل له وللعامل
على الغاصب أجرة عمله، أو يرجع على كل واحد منهما بما حصل له، وقيل: له الرجوع
على العامل بالجميع إن شاء لأن يده عارية، والأول أشبه إلا بتقدير أن يكون العامل عالما به
الثامنة: ليس للعامل أن يساقي غيره لأن المساقاة إنما تصح على أصل مملوك
للمساقي.
التاسعة: خراج الأرض على المالك إلا أن يشترط على العامل أو بينهما.
العاشرة: الفائدة تملك بالظهور وتجب الزكاة فيها على كل واحد منهما إذا بلغ نصيبه
نصابا.
تتمة:
إذا دفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أن الغرس بينهما كانت المغارسة باطلة
والغرس لصاحبه، ولصاحب الأرض إزالته وله الأجرة لفوات ما حصل الإذن بسببه
وعليه أرش النقصان بالقلع، ولو دفع القيمة ليكون الغرس له لم يجبر الغارس، وكذا لو
دفع الغارس الأجرة لم يجبر صاحب الأرض على التبقية.
258

المختصر النافع
وأما المساقاة:
فهي معاملة على الأصول بحصة من ثمرها. ويلزم المتعاقدين كالإجارة ويصح
قبل ظهور الثمرة وبعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد. ولا تبطل بموت أحدهما على
الأشبه إلا أن يشترط تعيين العامل. وتصح كل على أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه.
ويشترط فيها المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالبا. ويلزم العامل من
العمل ما فيه مستزاد الثمرة. وعلى المالك بناء الجدران وعمل النواضح، وخراج الأرض
إلا أن يشترط على العامل.
ولا بد أن تكون الفائدة مشاعة، فلو اختص بها أحدهما لم يصح. وتملك بالظهور. وإذا
اختل أحد شروط المساقاة كانت الفائدة للمالك، وللعامل الأجرة. ويكره أن يشترط المالك
مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة. ويجب الوفاء به لو شرط ما لم تتلف الثمرة.
259

الجامع للشرائع
المساقاة
والمساقاة عقد لازم من الطرفين وشرطها: ذكر المدة المعلومة والحصة المشاعة وأن
يكون على أصل ثابت يستنمي كالنخل والكرم والشجر و الباذنجان، ويجوز أن يشرط
بعض ما على العامل على رب الأصل في المزارعة و المساقاة، وإذا لم يبق عملا أصلا لم يصح
والخارج في الصحيحة بينهما على الشرط كالمزارعة، والزكاة على ما ذكرنا في المزارعة
والموت لا يبطلها، وللعامل أجرة المثل في الفاسدة، وإن لم تخرج الأصول شيئا فعلى ما ذكرنا،
فإن خرجت المدة فعلى ذلك.
وإذا شرط للعامل ثمرة نخلات بعينها أو شرط أن يعمل رب الأرض معه بنفسه بطلت
المساقاة والمزارعة، وإذا هرب العامل أو مات في المزارعة أو المساقاة حكم الحاكم عليه
وأخذ من ماله للعمل، فإن لم يكن له مال وتطوع عنه بالعمل وإلا فللحاكم أن يأذن له في
إقراضه، وإن لم يفعل ولم تكن الثمرة ظاهرة جاز له الفسخ لتعذر العمل وقيل لا يفسخ،
وإن كانت ظاهرة واختار شراها جاز وينفق من حصة العامل ما يجب عليه، فإن لم يكن
حاكم فأنفق هو لم يرجع لتبرعه أشهد على الانفاق أم لم يشهد إلا أن يشهد أنه يرجع فقيل
يرجع وقيل لا يرجع.
وكل ما فيه مستزاد في الثمرة فعلى العامل كالتأبير وصرف الجريد ووضع الثمرة
على السعف مطوقا وإنزاله وتجفيفه وإصلاح جرينه وبيدره وإصلاح الأجاجين وقلع النبات
المضر به وكري الساقية، وعلى صاحب الأصل إن شاء الأنهار والمنجون والبقر التي تديرها
260

وطلع الفحل والخراج على رب النخل خاصة وعلى رب الأرض في المزارعة.
ويجوز أن يتقبل الانسان من السلطان الضيعة بذهب أو فضة ويزارعها غيره بالثلث أو الربع
وشبهه، ويجوز أن يتقبل أرض غيره على الثلث والربع ويقبلها غيره بما يفضل معه شئ منه.
261

قواعد الأحكام
المقصد الثالث: في المساقاة: وفيه فصلان:
الأول: في أركانها: وهي خمسة:
الأول: العقد: المساقاة معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها وهي مفاعلة
من السقي وسميت به لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إليه لأنهم يسقون من الآبار،
وهي عقد لازم من الطرفين، ولا بد فيه من إيجاب دال على المقصود بلفظ المساقاة
وما ساواه نحو: عاملتك وصالحتك واعمل في بستاني هذا أو سلمت إليك مدة
كذا، وقبول وهو اللفظ الدال على الرضا، ولو قال: استأجرتك لتعمل لي في هذا
الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح على إشكال ينشأ من اشتراط العلم في
الأجرة إذا قصدت، أما إذا تجوز بلفظها عن غيرها فلا، ولا تبطل بموت أحد
المتعاملين.
الثاني: متعلق العقد: وهو الأشجار كالنخل وشجر الفواكه والكرم،
وضابطه كل ما له أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه، وفي المساقاة على ما لا
ثمرة له إذا قصد ورقه كالتوت والحناء إشكال أقربه الجواز وكذا ما يقصد زهرة
كالورد وشبهه، والبقل والبطيخ والباذنجان وقصب السكر وشبهه ملحق بالزرع،
ولا تصح على ما لا ثمرة له ولا يقصد ورقه كالصفصاف، ولا بد وأن يكون
الأشجار معلومة ثابتة فلو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه بطل، وأن لا تكون
الثمرة بارزة فتبطل إلا أن يبقى للعامل عمل تستزاد به الثمرة وإن قل كالتأبير
262

والسقي وإصلاح الثمرة لا ما لا يزيد كالجداد ونحوه، ولا بد وأن يكون الثمرة مما
تحصل في مدة العمل، فلو ساقاه على ودي مغروس مدة لا يثمر فيها قطعا أو ظنا أو
متساويا بطل، ولو علم أو ظن حصول الثمرة فيها صح، ولو ساقاه عشر سنين
وكانت الثمرة لا يتوقع إلا في العاشرة جاز ويكون ذلك في مقابلة كل العمل،
ويصح المساقاة على البعل من الشجر كما يصح على ما يفتقر إلى السقي.
الثالث: المدة: ويشترط تقديرها بزمان معلوم كالسنة والشهر لا ما يحتمل
الزيادة والنقصان ولا تقدير لها كثرة فيجوز أكثر من ثلاثين سنة، أما القلة فتتقدر
بمدة تحصل الثمرة فيها غالبا، فإن خرجت المدة ولم تظهر الثمرة فلا شئ للعامل،
ولو ظهرت ولم تكمل فهو شريك والأقرب عدم وجوب العمل عليه، ولو قدر المدة
بالثمرة فإشكال، ولو مات العامل قبل المدة لم يجب على الوارث القيام به فإن قام
به وإلا استأجر الحاكم من تركته من يكمل العمل، فإن لم يكن له تركة أو تعذر
الاستئجار فللمالك الفسخ، فإن ظهرت الثمرة بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه
من العمل أو بيع جميعه، ولو لم يظهر الثمرة ففسخ المالك لتعذر من يكمل العمل عن
الميت وجبت أجرة المثل عما مضى، ولو كان معينا بطلت قبل الظهور فله الأجرة.
الرابع: العمل: ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون غيره، فإن
أطلقا عقد المساقاة اقتضى الإطلاق قيامه بما فيه صلاح الثمرة وزيادتها كالحرث
تحت الشجر والبقر التي تحرث وآلة الحرث وسقي الشجر و استقاء الماء وإصلاح
طرق السقي والأجاجين وإزالة الحشيش المضر بالأصول وتهذيب الجريد من الشوك
وقطع اليابس من الأغصان وزبارة الكرم وقطع ما يحتاج إلى قطعه والتلقيح
والعمل بالناضح وتعديل الثمرة واللقاط والجداد وأجرة الناطور وإصلاح موضع
التشميس ونقل الثمرة إليه وحفظها على رؤوس النخل وبعده حتى يقسم، وعلى
صاحب الأصل بناء الجدار وعمل ما يستقى به من دولاب أو دالية وإنشاء النهر
والكش للتلقيح على رأي، وفي البقر التي تدير الدولاب تردد ينشأ من أنها ليست
263

من العمل فأشبهت الكش ومن أنها تراد للعمل فأشبهت بقر الحرث.
وإن احتاجت الأرض إلى التسميد فعلى المالك شراؤه وعلى العامل تفريقه،
فإن أطلقا العقد فعلى كل منهما ما ذكرنا أنه عليه وإن شرطاه كان تأكيدا، وإن
شرط أحدهما شيئا مما يلزم الآخر صح إذا كان معلوما إلا أن يشترط العامل على
المالك جميع العمل فتبطل ويصح اشتراط الأكثر، ولو شرط أن يعمل معه غلام
المالك صح، ولو شرط أن يكون عمل الغلام لخاص العامل فالأقرب الجواز ويجب
تعيينه ونفقته على مولاه، فإن شرطها على العامل أو من الثمرة صح بشرط العلم
بقدرها وجنسها، ولو شرط العامل أن أجرة الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم
في العمل على المالك أو عليهما صح، ولو لم يشرط فهي عليه ومع الشرط يجب
التقدير، أما لو شرط العامل أن يستأجر بأجرة على المالك في جميع العمل ولم يبق
للعامل إلا الاستعمال ففي الجواز إشكال.
الخامس: الثمار: ويجب أن تكون مشتركة بينهما معلومة بالجزئية المعلومة لا
بالتقدير، فلو اختص بها أحدهما أو أهملا الحصة أو شرط أحدهما لنفسه شيئا معلوما
والزائد بينهما، أو قدر لنفسه أرطالا معلومة والباقي للعامل أو بالعكس، أو اختص
أحدهما بثمرة نخلات معينة والآخر بالباقي أو شرط مع الحصة من الثمرة جزء من
الأصل على إشكال، أو ساقاه بالنصف إن سقي ناضحا وبالثلث إن سقي عذيا أو
بالعكس، أو ساقاه على أحد الحائطين لا بعينه أو شرط حصة مجهولة كالجزء أو
النصيب بطلت المساقاة، ولو شرط له النصف من أحد النوعين والثلث من الآخر
صح إذا علم مقدار كل منهما، ولو ساقاه على النصف من هذا الحائط من النوعين لم
يشترط العلم بقدر كل منهما.
ولو شرط المالك على العامل شيئا من ذهب أو فضة مع الحصة كان مكروها
ووجب الوفاء به ما لم تتلف الثمرة أو لم تخرج فيسقط، وفي تلف البعض أو قصور
الخروج إشكال ولو قال: ساقيتك على أن لك النصف من الثمرة، صح وإن
264

أضرب عن حصته وفي العكس إشكال، فإن أبطلناه فاختلفنا في الجزء المشروط لمن
هو منهما فهو للعامل، ولو قال: على أن الثمرة بيننا، فهو تنصيف، ولو ساقاه على
بستانين بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر صح مع التعيين وإلا فلا، ولو
ساقاه على أحدهما بعينه بالنصف على أن يساقيه على الآخر بالثلث صح على رأي.
ولو تعدد المالك وتفاوتا في الشرط صح إن علم حصة كل منهما وإلا فلا،
ولو اتفقا صح وإن جهلهما، ولو انعكس الفرض بأن تعدد العامل خاصة جاز
تساويا أو اختلفا، ولو ساقاه أزيد من سنة وفاوت الحصة بينهما جاز مع التعيين، ولو
ساقى أحد الشريكين صاحبه فإن شرط للعامل زيادة على نصيبه صح وإلا فلا ولا
أجرة له.
الفصل الثاني: في أحكامها:
يملك العامل الحصة بظهور الثمرة فلو تلفت أجمع إلا واحدة فهي بينهما، فإن
بلغ حصة كل منهما نصابا وجبت عليه الزكاة وإلا فعلى من بلغ نصيبه، ولو فسد
العقد كانت الثمرة للمالك وعليه أجرة العامل، ولو ظهر استحقاق الأصول فعلى
المساقي أجرة العامل والثمرة للمالك، فإن اقتسماها وتلفت فإن رجع المالك على
الغاصب بالجميع رجع الغاصب على العامل بحصته وللعامل الأجرة عليه، ولو رجع
على العامل بالجميع فللعامل الرجوع بما وصل إلى الغاصب والأجرة، ولو رجع على
كل منهما بما صار إليه جاز، ولو كان العامل عالما فلا أجرة له.
ولو هرب العامل فإن تبرع بالعمل عنه أحد أو بذل الحاكم الأجرة من
بيت المال فلا خيار وإلا فللمالك الفسخ، ولو عمل المالك بنفسه أو استأجر عليه
فهو متبرع وللعامل الحصة إذ ليس له أن يحكم لنفسه، ولو أذن له الحاكم رجع
بأجرة مثله أو بما أداه إن قصر عن الأجرة، ولو تعذر الحاكم كان له أن يشهد أنه
يستأجر عنه ويرجع حينئذ، ولو لم يشهد لم يرجع وإن نوى على إشكال، ولو فسخ
265

فعليه أجرة مثل عمله قبل الهرب وله مع المتبرع الفسخ مع التعيين.
ولو عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلم للعامل غير المعين الحصة
وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك، والعامل أمين فيقبل قوله في التلف
وعدم الخيانة وعدم التفريط مع اليمين، ولو ثبتت الخيانة فالأقرب أن يده لا ترفع
عن حصته وللمالك رفع يده عن نصيبه، فإن ضم إليه المالك حافظا فأجرته على
المالك خاصة، ولو لم يمكن حفظه مع الحافظ فالأقرب رفع يده عن الثمرة وإلزامه
بأجرة عامل، ولو ضعف الأمين عن العمل ضم غيره إليه، ولو عجز بالكلية أقيم
مقامه من يعمل عليه والأجرة في الموضعين عليه.
ولو اختلفا في قدر حصة العامل قدم قول المالك مع اليمين وكذا لو اختلفا فيما
تناولته المساقاة من الشجر، ولو كان مع كل منهما بينة قدم بينة الخارج، ولو صدقه
أحد المالكين خاصة أخذ من نصيبه ما ادعاه وقبلت شهادته عن المنكر، ولو كان
العامل اثنين والمالك واحدا فشهد أحدهما على صاحبه قبلت، ولو استأجره على
العمل بحصة منها أو بجميعها بعد ظهورها والعلم بقدر العمل جاز وإلا فلا،
والخراج على المالك إلا أن يشترطه على العامل أو عليهما، وليس للعامل أن يساقي
غير.
ولو دفع إليه أرضا ليغرسها على أن الغرس بينهما فالمغارسة باطلة سواء شرطا
للعامل جزء من الأرض أو لا، والغرس لصاحبه ولصاحب الأرض إزالته وأجرة
أرضه لفوات ما حصل الإذن بسببه، وعليه أرش النقص بالقلع، ولو دفع قيمة
الغرس ليملكه أو الغارس قيمة الأرض ليملكها لم يجبر الآخر عليه، ولو ساقاه على
الشجر وزارعه على الأرض المتخللة بينها في عقد واحد جاز بأن يقول: ساقيتك على
الشجر وزارعتك على الأرض أو عاملتك عليهما بالنصف، ولو قال: ساقيتك على
الأرض والشجر بالنصف، جاز لأن الزرع يحتاج إلى السقي، ولو قال: ساقيتك على
الشجر، ولم يذكر الأرض لم يجز له أن يزرع، وكل شرط سائغ لا يتضمن جهالة فإنه لازم.
266

اللمعة الدمشقية
كتاب المساقاة
وهي معاملة على الأصول بحصة من ثمرتها وهي لازمة من الطرفين. وإيجابها:
ساقيتك أو عاملتك أو سلمتها إليك أو ما أشبهه. والقبول الرضا به، وتصح إذا بقي
للعامل عمل يزيد به الثمرة ظهرت أو لا، ولا بد من كون الشجر ثابتا ينتفع بثمرته مع
بقاء عينه، وفيما له ورق كالحناء نظر، ويشترط تعيين المدة ويلزم العامل مع الإطلاق
كل عمل متكرر كل سنة، ولو شرط بعضه على المالك صح لا جميعه، وتعيين الحصة
بالجزء المشاع لا المعين، ويجوز اختلاف الحصة في الأنواع إذا علماها.
ويكره أن يشترط رب المال على العامل ذهبا أو فضة فلو شرط وجب بشرط سلامة
الثمرة، وكلما فسد العقد فالثمرة للمالك وعليه أجرة مثل العامل، ولو شرط عقد مساقاة
في عقد مساقاة فالأقرب الصحة، ولو تنازعا في خيانة العامل حلف، وليس للعامل أن
يساقي غيره والخراج على المالك إلا مع الشرط، وتملك الفائدة بظهور الثمرة، وتجب
الزكاة على كل من بلغ نصيبه النصاب، ولو كانت المساقاة بعد تعلق الزكاة وجوزناه
فالزكاة على المالك.
وأثبت السيد ابن زهرة الزكاة على المالك في المزارعة والمساقاة دون العامل،
والمغارسة باطلة ولصاحب الأرض قلعه، وله الأجرة لطول بقائه، ولو نقصت بالقلع
ضمن أرشه، ولو طلب كل منهما ما لصاحبه بعوض لم يجب على الآخر إجابته، ولو
اختلفا في الحصة حلف المالك وفي المدة يحلف المنكر.
267

كتاب الإجارة
269

المقنع
باب الإجارات
ولا تنعقد الإجارة إلا بجل معلوم بشئ معلوم، والأجرة عاجلة غير آجلة إلا أن يشترط
فيها التأجيل ويكون المستأجر ضامنا للأجرة، والموت يبطل الإجارة، وإجارة أشاع جائزة
كما يجوز بيعه والصدقة به، ومن استأجر إجارة فاسدة كان عليه أجرة المثل دون المشترط
فيها.
ولا بأس أن يستأجر الانسان دارا أو حانوتا ويؤجرهما بأكثر مما استأجرهما به إذا كان
قد أحدث فيهما مصلحة، فإن لم يكن أحدث فيه عملا لم يجز له إجارتهما بأكثر مما
استأجرهما، فلو استأجر المسكن على أن يسكن فيه والدابة على أن يركبها هو لم يجز له أن
يؤجرهما غيره إلا أن يأذن له في ذلك مالكهما، وإذا استهدم المسكن سقطت عن الساكن
الإجارة حتى يعيده صاحبه إلى عمارته، وإذا احترق بشئ صنعه الساكن فيه كان ضامنا لما
تلف منه. وإن كان بريح تقلب النار من مكانها إلى غيره أو غير ذلك مما لم يفرط الساكن في
حراسته ولا تعدى واجبا به لم يكن عليه ضمان. والملاح ضامن لما غرق من المتاع بجنايته و
تفريطه، ولا يضمن ما غرق بالريح وما لا يمكنه التحرز منه وله أجرة ما حمل بحسابه، وإذا
ادعى صاحب المتاع على الملاح التفريط والخيانة وأشكل الأمر في ذلك فعلى المدعي البينة،
وإن لم تكن له بينه كان على المنكر اليمين، وكذلك القول في المكاري وساكن الدار إذا
اختلفا فيما ذكرناه، وإذا كان المسكن مشتركا بين نفسين فلهما سكناه وإسكانه، وليس
لأحدهما التفرد بذلك دون صاحبه، وإن تشاحا في الإسكان تناوبا ذلك في الأيام على السواء
271

ومن استأجر دابة إلى مكان بعينه فتجاوزه كان ضامنا لما يحدث بالدابة من حدث
ينقص ثمنها وضامنا لقيمتها في هلاكها، وإن اشترط صاحبها عليه سلوك طريق بعينه
فسلك غيره كان أيضا ضامنا لها، ومتى أعنف بها في السير وخرج عن العادة في تسييرها و
ضربها فهلكت كان ضامنا لقيمتها، وإن استأجرها ليحمل عليها أرطالا مسماة فحمل
عليها أكثر من ذلك كان عليه أجرة الزيادة بحساب ما استأجرها، وكان ضامنا لما يحدث
بها من نقص فيها وضامنا لقيمتها في هلاكها، وإن استأجرها مدة معلومة ليتصرف عليها
في ح " ائجه ولم يسم موضعا بعينه لم يكن عليه ضمان في هلاكها فيها إلا أن يجني عليها ما ليس
له فعله بها.
وإذا استأجر الانسان دارا أو حانوتا سنة معلومة بدرهم معلوم كان ذلك جائزا وإن لم
يجعل لكل يوم قسطا معينا، وإن ذكر الإقساط في التفصيل كان أوكد، ومتى استأجر مسكنا
أو غيره كل شهر بدينار سماه أو درهم ولم يذكر أول مدة الإجارة وآخرها وقبض ما
استأجره كان عليه أجرة شهر منذ قبض وتسليم ما قرره من الأجرة، وليس عليه فيما سكن
بعد الشهر أكثر من أجرة المثل.
وإذا سلم صاحب الملك ما استؤجر منه إلى المستأجر لزمته الأجرة سكن أو لم يسكن،
وإذا منع ظالم المستأجر من السكنى بعد التسليم والقبض لم يسقط عنه بذلك الأجرة
لصاحب الملك وكان للساكن الرجوع على الظالم بما أداه، وكذلك إن كان الذي استأجره
دابة ليركبها أو سفينة ليحمل فيها شيئا وتسلم ذلك، فعرض له ظالم منعه من التصرف
فيه فإن منعه قبل القبض فلا إجارة عليه فيه، فإن استحق الشئ على الذي آجر ومنع
المستأجر منه بواجب سقطت عنه الأجرة، وإن كان الذي آجر قد قبضها سلا رجع
المستأجر بها عليه، والبيع غير مبطل للإجارة وللمبتاع الرجوع على البائع بما نقد إلا أن
يكون قد علم بالإجارة فليس له على البائع درك في المال.
باب تضمين الصناع:
والقصار والخياط والصباغ وأشباههم من الصناع ضامنون لما جنته أيديهم على
272

السلع ويضمنون ما تسلموه من المتاع إلا أن يظهر هلاكه منهم، ويشتهر بما لا يمكن دفاعه
أو تقوم لهم بينة بذلك، وإذا اختلف صاحب المتاع والصانع في قيمة أو في شرط تنازعاه كان
على صاحب المتاع البينة، فإن لم تكن له بينة فعلى الصانع اليمين. والملاح والمكاري
والحمال ضامنون للأمتعة إلا أن تقوم لهم بينة بأن الذي هلك منها هلك من غير تفريط منهم
ولا تعد فيه.
مختصر كتاب إجارة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان لفلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز من أمره
طائعا غير مكره لا يولي على مثله: إني آجرتك الدار التي بموضع كذا من موضع كذا من قبيلة
كذا، وأحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والحد الثاني والثالث والرابع ينتهي إلى
كذا، آجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثني عشر شهرا أول هذه الشهور
شهر كذا من سنة كذا وآخرها كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا، بكذا وكذا دينارا
مثاقيل وازنة جيادا ودفعت إلى هذه الدنانير كلها وافية وبرئت إلى منها ودفعت إليك هذه
الدار الموصوفة في هذا الكتاب في هلال شهر كذا من سنة كذا بعد ما عرفت أنا وأنت جميع
ما فيها ولها من بناء وحق ووقفنا عليه فهي بيدك بهذا الكراء إلى انقضاء هذه المدة
الموصوفة في هذا الكتاب تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها من شئت، وليس لك أن
تسكنها حدادا ولا قصارا ولا طحانا بدابة ولا سكنى تضر بالبناء، ودفعتها إليك وقبضتها
مني على هذه الشروط الموصوفة في هذا الكتاب.
شهد الشهود المسمون فيه على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان بجميع ما تضمنه
بعد أن قرئ عليهما وأقرا بفهمه ومعرفته في صحة منهما وجواز أمر، وذلك في شهر كذا من
سنة كذا.
وإن كانت الإجارة بورق فليذكر بنوعه، وإن كانت الإجارة للطحن أو القصارة
أو عمل الحديد لم يستثن لما قدمناه إن شاء الله، وجاز ذكره في الكتاب للاستيثاق.
273

مختصر كتاب إجارة أرض:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وجواز من أمره طائعا غير مكره
لا يولي على مثله لفلان بن فلان: إنني قد آجرتك الأرض المعروفة بكذا التي في موضع كذا
من رستاق كذا وهي كذا وكذا جريبا بالهاشمي، وأحد حدودها ينتهي إلى موضع كذا
والحد الثاني والثالث والرابع ينتهي إلى كذا، بعد معرفتنا جميعا بها وإحاطة علمنا بصفتها
كذا وكذا سنة أولها مستهل شهر كذا وآخرها انسلاخ شهر كذا، نجم كل سنة من هذه
السنتين كذا وكذا تؤديه إلى وقت كذا وكذا، على أن تزرعها ما شئت من الغلات الشتوية
والصيفية وتقوم بذلك وبعمارتها له بنفسك وأجرائك وعواملك، وتؤدي إلى السلطان حقه
مما تخرجه هذه الأرض من غير مؤنة تلزمني فيه ولا تتبعه، فقبلت هذه الإجارة على هذه
الشرائط المذكورة وسلمت هذه الأرض إليك فتسلمتها مني،
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان بذلك وقبول فلان بن
فلان ذلك بعد أن قرئ عليهما فأقرا بفهمه ومعرفته جميعه في صحة منهما وجواز أمر طائعين
غير مكرهين لا يولي على مثلهما، في شهر كذا من سنة كذا.
274

الانتصار
مسألة في الإجارات
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الصناع كالقصار والخياط ومن أشبههما ضامنون
للمتاع الذي يسلم إليهم إلا أن يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفعه أو تقوم بينة بذلك
وهم أيضا ضامنون لما جنته أيديهم على المتاع بتعد وغير تعد، وسواء كان الصانع مشتركا
أو غير مشترك ومعنى الاشتراك هو أن يستأجر الأجير على عمل في الذمة فيكون لكل واحد
أن يستأجره ولا يختص به بعضهم دون بعض، ومعنى الأجير المنفرد هو من استؤجر للعمل
مدة معلومة فيختص المستأجر بمنفعته تلك المدة ولا يصح لغيره استئجاره فيها وخالف
باقي الفقهاء في ذلك.
فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ثمان على الأجير المشترك إلا فيما جنته يداه، وقال زفر:
لا ضمان عليه في ما جنت يداه أيضا إلا أن يخالف، وقال أبو يوسف ومحمد وعبيد الله بن
الحسن: يضمن إلا ما لا يستطاع الامتناع منه كالحريق وموت الشاة واللصوص
الغالبين.
وقال الثوري: يضمن في اللصوص أيضا، وقال مالك: يضمن القصار إلا أن يأتي
أمر من الله تعالى مثل الحريق والسرق والضياع إذا قامت عليه بينة ويضمن قرض الفأر
إذا لم تقم بينة. وإذا قامت بينة أنه قرض الفأر من غير تضييع لم يضمن.
وقال الأوزاعي: لا يضمن القصار من الحريق والأجير المشترك ضامن إذا لم يشترط له
أنه لا ضمان له عليه. وقال الحسن بن حي: من أخذ الأجر فهو ضامن تبرأ أو لم يتبرأ، ومن
أعطى الأجر فلا ضمان عليه وإن شرط، ولا يضمن الأجير المشترك من عدو حارب أو موت،
وهذا القول من ابن حي كأنه موافق للإمامية، لأنه إن عني به الأجير المشترك والخاص فهو
موافق لهم وإن كان يعني المشترك دون الخاص فهو خلاف إلا أنه مخالف للإمامية على كل
275

الإجارة.
حال بقوله: أعطى الأجير فلا ضمان عليه وإن شرط، لأن عندنا إن شرط كان الضمان عليه
بالشرط وإن أعطى الأجر.
وقال الليت: والصناع كلهم ضامنون لما أفسدوا أو هلك عندهم وهذا أيضا كموافقة
للإمامية إذا أراد بالصناع من كان مشتركا وخاصا، وللشافعي في ذلك قولان: أحدهما يضمن
والآخر لا يضمن إلا ما جنت يده.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا فإن من خالفنا في هذه المسألة
على تباين أقوالهم يرجعون فيها إلى ما يقتضي الظن من قياس أو خبر واحد ونحن إلى ما
يقتضي العلم فقولنا أولى على كل حال.
ومما يمكن أن يعارضوا به لأنه موجود في رواياتهم وكتبهم ما يروونه عن النبي صلى الله
عليه وآله من قول: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا يقتضي ضمان الصناع على كل
حال وإذا خصصوه احتاجوا إلى دليل ولا دليل لهم على ذلك.
مسألة أيضا في الإجارة: ومما انفردت به الإمامية القول بجواز أن يؤجر الانسان شيئا
بمبلغ بعينه فيؤاجره المستأجر بأكثر منه إذا اختلف النوعان كأنه استأجره بدينار فإنه يجوز له
أن يواجره بأكثر من قيمة الدينار من الحنطة والشعير وما أشبه ذلك، وكذلك يجوز أن
يستأجره بدينار ويؤاجر بثلاثين درهما، لأن الربا لا يدخل مع اختلاف النوع، وهذا متى لم
يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه به فإن زاد فيه ما فيه نفع ومصلحة جاز أن يؤاجره بأكثر مما
استأجره على كل حال من غير تخصيص، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة
وأصحابه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره قبل القبض، ويجوز بعد القبض، فإن أجر
بأكثر تصدق بالفضل إلا أن يكون أصلح فيه شيئا أو بنى فيه بناء وهو قول الثوري
والأوزاعي والحسن بن حي، وقال مالك والبستي والليث والشافعي: لا بأس بأن يؤاجره
بأكثر ولا يتصدق بشئ.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أن المستأجر مالك للنافع، وقد أجازت
الشريعة ملك المنافع، فجرى مجرى ملك الأعيان في جواز التصرف فيها فللمالك أن يتصرف
في ملكه بحسب اختياره من زيادة أو نقصان، والأصل في العقول والشريعة جواز تصرف
المالك في ملكه إلا أن يمنع مانع ولا مانع هاهنا فيما ذكرناه.
276

المسائل الناصريات
المسألة التاسعة والتسعون والمائة
لا يجوز استيجار الأرض بطعام معلوم الكيل.
يجوز ذلك عندنا، وإنما لا يجوز استيجارها بما يخرج من ذلك ويجوز أن لا تخرجه وليس
كذلك الطعام المضمون في الذمة.
ووافق على جوازه أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وروي عن مالك كراهية استيجار
الأرض بتمر أو حنطة وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا تكترى الأرض بشئ مما تنبت الأرض
وإن كان لا يؤكل.
الدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر والذي ذهب إليه مالك في كراهية
ذلك لا وجه له لأنه لا فرق في استيجار الأرض بالدراهم والدنانير وبين استيجارها بالحنطة
والشعير ولأن عقد الإجارة يتناول منافع الأرض دون ما يخرج منها وإنما اشتبه على مالك فظن
أن العقد يتناول الخارج من الأرض فقال: لا يجوز ذلك لأنه يجري مجرى أن يستأجر القمح
بالقمح إلى أجل. ليس بصحيح لما ذكرناه من أن العقد لا يتناول الخارج من الأرض وإنما
يتناول المنافع.
277

فصل في ضروب الإجارة:
الإجارة سبب يمنع المالك من التصرف في الملك ويبيحه للمستأجر ويوجب استحقاق
الأجر له عليه، وتفتقر إلى صحة ولايتهما وتمييز المستأجر وتسليمه وتعيين الأجر والأجل
والمسافة والمقدار والصفة إلى غير ذلك مما تتعلق به الإجارة، فإن اختل شرط بحيث تفتقر
إليه لم تنعقد، وإذا انعقدت اقتضت استحقاق الأجر معجلا إلا أن يشترط الأجل، وهي
على ضروب:
منها إجارة الرباع والأرض، ولا بد فيها من تعيين الأجر والمستأجر ووصفه وتحديده
والأجل والتسليم، فإن منع مانع ظالم من التصرف أو هدم المسكن أو قطع الشجر أو أحرق
نبات الأرض أو عزلها (كذا) قبل التسليم سقطت الأجرة، وإن كان بعد التسليم فالإجارة
ماضية والأجرة مستحقة ويرجع بها على المتعدي في الدنيا أو يعوضها في الآخرة، وإن كان
ذلك بفعل المستأجر فالأجرة لازمة وهو ضامن لما أفسد من بناء أو غرس، وإن كان شئ من
قبله تعالى لم يضمن شيئا وسقطت عنه الأجرة حتى يعيد المالك الربع والأرض إلى حالتهما
الأولى، ولا يسقط الإجارة والأجر هلاك ثمرة الأرض، ولا نبتها بفعله تعالى ولا فعل ظالم،
ويرجع على الظالم بالدرك عاجلا فإن فات ففي الآجلة.
278

ولا يجوز للمستأجر أن يؤاجر ما استأجره بأكثر مما استأجره إلا أن يحدث فيها (كذا)
المستأجر شيئا، ولا تصح إجارة ما لا يصح لمالكه التصرف فيه بحجر أو رهن أو إجارة
أو غير ذلك، ولا يجوز رهن المستأجر ويجوز بيعه وهبته والتصدق به، ولا تبطل الإجارة بشئ
من ذلك.
وإذا غرس المستأجر أو بنى بغير إذن المؤاجر فهو غاصب يضمن ما نقص ولمؤاجره
قلع ما غرس ونقض ما بنى وله تركه وتسليم القيمة عنه، وإن كان باذنه فله شرطه، فإن لم
يشترط كان له قلع الغرس ونقض البناء، ولا ضمان على الغارس والباني لما نقص
واستدركه وإذا استحقت الأرض بعد عقد الإجارة تسلمها المستحق ورجع المستأجر بما نقد
على مؤاجره.
ومنها إجارة الدابة والسفينة، وصحتها موقوفة على بيان المدة أو المسافة، فإن تعلق
شرطها بحمل مقدار معلوم أو سلوك طريق مخصوص لم يجز للمستأجر تجاوزهما، فإن
تعدى الشرط في المدة أو المسافة أو المقدار أو سلوك الطريق ضمن الهلاك والنقص وأجر
الزائد على الشرط، وإن لم يعين مقدارا ولا طريقا ولا مدة ولا مسافة لم يضمن إلا أن يتعدى
المعهود في الحمل أو التسيير فيضمن، ولا تنعقد هذه الإجارة لحمل محظور كالخمر ولا في
المعونة على قبيح وكذلك حكم إجارة المسكن والوعاء والإناء في محظور.
ومنها استيجار الغير ليعمل عملا أو يحمل شيئا أو يقطع مسافة بنفسه أو دابته أو يبيع له
أو يبتاع إلى غير ذلك من الأغراض، فلا بد في هذه الإجارة تعيين ما انعقدت عليه ووصفه بما
يبين به ويتعين الأجر، فإن وافق عمل المستأجر لشرط الإجارة استحق الأجر ولم يضمن
نقصا ولا هلاكا إلا ما جناه مفرطا أو مختارا دون ما هلك من حرزه أو غلب عليه، فإن اختلفا
في هلاك ما استؤجر لصلاحه كالقصارة والصياغة والنساجة، وفقدت البينة فعليه
اليمين بصحة دعواه، وإن خالف شرط الإجارة سقط أجره وضمن ما نقص بفعله أو تلف.
وأجر ما يبتاعه المرء لغيره أو يبيعه باذنه عليه دون من يبتاع له منه أو يبيع عليه، وأجر
الكيال ووزان البضاعة على البائع، وأجر وزان الثمن وناقده على المبتاع.
والمضاربة خارجة عن باب الإجارة والشركة، وإمضاء شرطها أفضل، فإن تنازعا
279

فللمضارب أجر مثله ولا ضمان عليه ما لم يتعد مأذونا فيه.
ولا يجوز استيجار العبد ولا الأمة ولا المحجور عليه لسفه أو صغر إلا بإذن الولي وضمان
ما يفسدونه عليه، ويجوز استئجار العبد والأمة المأذون لهما في التصرف، ولا يجوز حبس الأجير
عن الصلاة ولا الجمعة ولا العيدين ولا صلاة الكسوف ولا الجنازة المتعينة، ويجوز منعه من
الجماعة وإيذانه أفضل.
وإذا سقطت الدابة بحملها ضمن مؤاجرها ما تفسده من حملها ولا يضمن ما يغصب
عليه، والملاح ضامن لما يغرق من المتاع بتفريطه، ولا يضمن ما يغلب عليه بفعله تعالى
أو تعدى غيره، وأجر رد الضالة مستحق بحسب ما بذله مالكها لردها، فإن لم يبذل شيئا
فأجر وجدان العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة، وفي غير المصر أربعون
درهما وما عدا ذلك يقضى فيه بالصلح.
ومنها مزارعة الأرض أو مساقاتها، وتفتقر صحة ذين (كذا) الإجارتين إلى تعيين المدة
وصفة ما تتعلقان به وكل منهما على ضربين:
أحدهما أن يشترط المالك للمزارع والمساقي ثلث غلة الأرض أو ما زاد على ذلك
أو نقص عنه، فيجب له ذلك مما يرتفع قل أم كثر، فإن هلكت الغلة بأحد الأسباب السماوية
أو الأرضية فلا شئ له.
الثاني أن يجعل له على مزارعته أو مساقاته أجرا معلوما عينا أو ورقا، أو مكيلا أو موزونا
منفصلا من مقدار غلتها، فيجب له ذلك متى وفي بشرط العقد هلكت الغلة أم سلمت.
فإن خالف شرط العقد في نوعي المزارعة أو المساقاة بطل المشروط وكان له أجر عمله
إن كان صلاح، وإن كان فسادا ضمن ما أثره بتعديه، فإذا انقضت مدة المزارعة فللمزارع
قلع ما غرس أو زرع وتركه بإذن المالك، وكذلك حكم.
وخراج أرض المزارعة والمساقاة وحق الصلح على المالك إلا أن يشترطه المزارع
والمساقي فيلزمهما، وخراج الأرض المتقبلة على المتقبل إلا أن يشترطه على المالك.
ولا تبطل الإجارة بالموت ويقوم ورثة كل واحد من المالك والمستأجر مقام موروثه،
والصفر لا يبطل الإجارة وإن فسخها المستأجر وحكم بها (كذا) حاكم جور إلا أن
280

يفسخها المالك.
وإذا لم يشترط في عقد الإجارة تأخير الأجر أو تقسيطه فهو (فهي خ) عاجل لجميع المدة،
وإذا كان شرط الإجارة كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر بقسط معلوم انعقدت الإجارة وإن لم
يعين أجر المدة، واستحق أجر الزمان المذكور بالدخول فيه، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم
يدخل في الثاني، ولا تجوز الإجارة لمدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحتها إلى التسليم.
ولا تصح الإجارة بغير أجر معلوم من سكنى بسكنى أو عمل بعمل أو خدمة بخدمة
أو على نظر في كتاب أو إطراق فحل إلى غير ذلك، ويحل لكل من هؤلاء التصرف للتراضي
دون عقد الإجارة المفتقر إلى تعيين الأجر.
281

النهاية
باب الإجارات
الإجارة لا تنعقد إلا بأجل معلوم ومال معلوم ومتى لم يذكر الأجل ولا المال كانت
الإجارة باطلة، وإن ذكر الأجل ولم يذكر مال الإجارة لم تنعقد الإجارة ومتى ذكرهما
كانت الإجارة صحيحة ولزم المستأجر المال إلى المدة المذكورة وكان المؤجر بالخيار
إن شاء طالبه به أجمع في الحال وإن شاء أخرها عليه، اللهم إلا أن يشرط المستأجر أن
يعطيه المال عند انقضاء مدة الإجارة أو في نجوم مخصوصة فيلزمه حينئذ بحسب ما شرط،
والموت يبطل الإجارة على ما بيناه والبيع لا يبطلها على ما قدمناه في الباب الأول،
وإجارة المشاع جائزة مثل إجارة المقسوم سواء.
ومتى استأجر الانسان دارا أو مسكنا مشاهرة بأن يقول: كل شهر بكذا وكذا لم
تنعقد الإجارة إلا على شهر واحد وكان ما زاد عليه يلزمه فيه أجرة المثل، ومتى لم يمكن
المؤجر المستأجر من التصرف في الملك سقط عنه مال الإجارة فإن كان قدمه كان له أن
يرجع عليه به، ومتى مكنه من التصرف فيه غير أنه منعه منه ظالم لم يسقط عنه بذلك
مال الإجارة وكان له الرجوع على الظالم بما منعه من التصرف فيه، ومتى استهدم المسكن
سقط عن المستأجر أجرته إلى أن يعيده صاحبه إلى عمارته ويمكنه من التصرف فيه فإن
كان قد قدم مال الإجارة كان له أن يرجع على المؤجر بمقدار أجرة الزمان الذي انهدم فيه
الملك، ومتى انهدم الملك أو احترق المسكن بتفريط من جهة المستأجر لم يسقط عنه
مال الإجارة ويكون ضامنا لما تشعث منه وانهدم، ومتى مكنه المؤجر من التصرف
282

وامتنع المستأجر من التصرف لم يسقط عنه مال الإجارة.
ولا يجوز للإنسان أن يؤجر دارا أو مسكنا بأكثر مما استأجرها إلا أن يحدث فيها
حدثا فإن فعل ذلك كان له إجارتها بأكثر مما استأجرها، وإذا استأجر مسكنا على أن
يسكنه هو لم يجز له أن يسكنه غيره فإن استأجره من غير شرط كان بالخيار إن شاء سكن
هو وإن شاء أسكن غيره، والملك إذا كان مشتركا بين نفسين وما زاد عليهما لم يكن
لأحدهما أن يستبد بالإجارة دون صاحبه بل يتفقان على الإجارة، فإن تشاحا تناوبا
بمقدار من الزمان.
وإذا استأجر ملكا وسكن بعضه جاز منه أن يسكن الباقي غيره بأكثر مال
الإجارة
ولا يؤجرها بمثل ما قد استأجر، اللهم إلا أن يكون قد أحدث فيها حدثا فإن فعل ذلك
جاز له أن يؤجرها بما شاء، ومن اكترى دابة ليركبها هو لم يجز أن يركبها غيره فإن أركبها
غيره فهلكت كان ضامنا وإن عابت لزمه بمقدار عيبها وإن اكتراها مطلقا جاز له أن
يركبها إن شاء أو يركبها غيره، وإذا اكتراها على أن يركبها إلى موضع مخصوص لم يجز له
أن يتجاوزه وكذلك إن اكتراها على أن يحملها مقدارا بعينه لم يجز له أن يحملها أكثر من
ذلك، وكذلك إن اكتراها على أن يسلك بها في طريق مخصوص لم يجز له أن يسلك بها
في غير ذلك الطريق و متى خالف في شئ مما قلناه كان ضامنا لها ولكل ما يحدث
فيها ولزمه إن سار عليها أكثر مما شرط أو حملها أكثر مما ذكر أجرة الزيادة من غير
نقصان، ومتى هلكت الدابة والحال ما وصفناه كان ضامنا لها ولزمه قيمتها يوم تعدى
فيها.
فإن اختلفا في الثمن كان على صاحبها البينة فإن لم تكن له بينة كان القول قوله مع
يمينه فإن لم يحلف ورد اليمين على المستأجر منه لزمه اليمين أو يصطلحان على شئ،
والحكم فيما سوى الدابة فيما يقع الخلف فيه بين المستأجر والمستأجر منه كانت البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه، ومن استأجر دابة ففرط في حفظها أو علفها أو سقيها
فهلكت أو عابت كان ضامنا لها ولما يحدث فيها من العيب.
283

والصانع إذا تقبل عملا بشئ معلوم جاز له أن يقبله لغيره بأكثر من ذلك إذا كان
قد أحدث فيه حدثا فإن لم يكن قد أحدث فيه حدثا لم يجز له ذلك، وإن قبل غيره بإذن
صاحب العمل ثم هلك لم يكن عليه شئ وإن قبله من غير إذنه ثم هلك كان المتقبل
الأول ضامنا له، وكل من أعطى غيره شيئا ليصلحه فأفسده وتعدى فيه كان ضامنا له،
وذلك مثل الصائغ يعطي شيئا ليصلحه فيفسده أو النجار يعطي بابا أو غيره ليصلحه
فيفسده أو القصار يعطي ثوبا ليغسله فيخرقه أو يحرقه، ومن أشبه هؤلاء من الصناع فإنه
يلزمهم ثمن ما أفسدوه هذا إذا انفسد بشئ من جهتهم أو تفريط منهم وما أشبه ذلك،
فإن هلك من غير ذلك لم يكن عليهم شئ من ذلك.
والملاح ضامن لما يحمله إذا غرق بتفريط من جهته فإن غرقت السفينة بالريح أو غير
ذلك من غير تفريط منه لم يكن عليه شئ، والمكاري مثل الملاح يضمن ما يفرط فيه.
وما لا يفرط فيه لم يكن عليه شئ في هلاكه، ولا ينبغي لأحد أن يضمن صانعا شيئا
إلا إذا اتهمه في قوله فإذا كان مأمونا ثقة وجب أن يصدقه ولا يغرمه شيئا، ومتى
اختلف المكتري والمكاري في هلاك شئ وهل وقع فيه تفريط أم لا؟ كانت البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه، وإذا اختلف صاحب المتاع والصانع في التفريط
كان على صاحب المتاع البينة فإن لم يكن معه بينة فعلى الصانع اليمين.
ومن استأجر غيره لينفذه في حوائجه كان ما يلزم الأجير من النفقة على المستأجر
دون الأجير فإن شرط عليه أن تكون نفقته عليه كان ذلك جائزا، وينبغي أن لا يستأجر
الانسان أحدا إلا بعد أن يقاطعه على أجرته فإن لم يفعل ترك الاحتياط ولم يلزمه أكثر
من أجرة المثل، وإذا فرع الأجير من عمله وجب أن يوفي الأجرة في الحال من غير تأخير،
فإن كان قد أعطاه طعاما أو متاعا ثم تغير سعره كان عليه بسعر وقت أعطي المتاع دون
وقت المحاسبة.
ومن استأجر مملوك غيره من مولاه كان ذلك جائزا وتكون الأجرة للمولى دون
العبد، فإن شرط المستأجر للعبد أن يعطيه شيئا من غير علم مولاه لم يلزمه الوفاء به ولا
284

يحل للمملوك أيضا أخذه فإن أخذه وجب عليه رده على مولاه، ومن استأجر غيره
ليتصرف له في حوائجه لم يجز له أن يتصرف لغيره في شئ إلا بإذن من استأجره فإن
أذن له في ذلك كان جائزا، ومن استأجر مملوك غيره من مولاه فأفسد المملوك شيئا أو
أبق قبل أن يفرع من عمله كان مولاه ضامنا لذلك، ومن اكترى من غيره دابة على أن
تحمل له متاعا إلى موضع بعينه في مدة من الزمان فإن لم يفعل ذلك نقص من أجرته
كان جائزا ما لم يحط ذلك بجميع الأجرة، فإن أحاط الشرط بجميع الأجرة كان الشرط
باطلا ولزمه أجرة المثل.
والصانع والمكاري والملاح إذا ادعوا هلاك المتاع أو ضياعه كان عليهم البينة
بذلك فإن لم يكن معهم بينة كانوا ضامنين للمتاع، وصاحب الحمام إذا ضاع من عنده
شئ من الثياب وغيرها لم يكن عليه ضمان، ومن حمل متاعا على رأسه فصدم إنسانا
فقتله أو كسر المتاع كان ضامنا لدية المقتول ولما انكسر من المتاع، وإذا استثقل البعير
والدابة بحملها فصاحبهما ضامن لما عليهما من المتاع.
285

ذكر: حكم الإجارات:
وحكمها على ثلاثة أضرب: ما به تنعقد وما يلزم لها وما يبطلها.
فما به تنعقد: الأجل المعلوم والمال المعين والإيجاب والقبول.
وما يلزم لها: تعجيل الأجر إلا أن يشترط تأجيله.
ولا فرق في صحة الإجارة بين المقسوم والمشاع، وأن لا يؤجر المستأجر ما استأجره من
غيره بأكثر مما استأجره إلا أن يكون قد أحدث فيه مصلحة. وما يشترط فيها يلزم كأن
يشترط عليه ألا يسكن الدار غيره ولا يركب الدابة سواه. ويلزم المالك بناء ما استهدم من
العقار المؤجر إلا أن يكون بتفريط من المستأجر فيجب عليه. فإن فرط المالك في العمارة
سقط عنه مال الإجارة في المدة.
ولا يبطل الإجارة إلا الموت وأن يمنعه من المؤجر مانع قبل القبض، وأما بعد القبض
فمال الإجارة يلزمه، وإن منعه ظالم من التصرف أو لم يتصرف هو فيه لم يلزمه.
[ذكر]:
تضمين الصناع والخياط والقصار والصباغ وأشباههم ضامنون لما يجنونه في السلع
إلا ما يهلك بغير تفريط وكذلك الملاح والجمال والمكاري ضامنون للأمتعة إذا فرطوا فيها.
وإذا اختلف صاحب المتاع والصانع في قيمته أو شرط فعلى صاحب المتاع البينة
وعلى الصانع اليمين.
واعلم أن لواجد البعير الشارد أو العبد الآبق إن وجده في المصر دينارا قيمته عشرة
دراهم فضة، وإن وجده في غير مصره أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما، فأما غير البعير
والعبد فليس فيهما شئ موظف بل له أجره على عادة القوم.
286

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالإجارات وضمان الأجير
مسألة: إذا قال الانسان لغيره: استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي هذا، هل تكون هذه
الإجارة صحيحة أم لا؟
الجواب: هذه الإجارة غير صحيحة لأنه ربما خاط قبل مضى النهار فيبقي بعض
بلا عمل وربما لا يتم ذلك العمل بيوم، ويحتاج إلى مدة أخرى، ويحصل العمل بلا مدة
وهذا باطل بلا خلاف.
مسألة: إذا استأجره أن يقلع له ضرسا ثم بدا له في ذلك، هل تصح هذه الإجارة
أم لا وما الحكم في ذلك؟
الجواب: الاستئجار في ذلك جائز لأنه لا مانع منه فإذا استأجره في قلع ضرسه ثم
بدا له، فالقول فيه إن كان الألم باقيا فالإجارة باقية ولا سبيل له إلى فسخها وينبغي أن
يقال له قد استأجرته على استيفاء منفعة وأنت متمكن منها فإما أن تستوفى منه وإلا كانت
الأجرة عليك، وإذا مضت مدة لا يمكنه فيها قلع ذلك وإن كان الألم قد زال فإنه قد تعذر
استيفاء المنفعة من جهة الله سبحانه، لأنه لو أراد قلع ذلك لم يجز والشرع يمنع من قلع السن
الصحيح وإذا كان كذلك فقد انفسخت الإجارة.
مسألة: إذا استأجر انسان غيره في تحصيل خياطة خمسة أيام بعد شهر، هل
287

يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأن العمل يختلف بحسب اختلاف العامل في نهضه
وبطشه وبلادته وتقصيره، فإذا قدر المدة من غير أن تكون المدة معينة، كان في ذلك تفاوت
شديد ولم يصح ذلك كما ذكرناه.
مسألة: إذا غصب الانسان الدابة المستأجرة، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الغاصب بها هو المكتري وهي في يد المكري، كان المكتري
كالقابض للمعقود عليه، وإن كان الغاصب لها هو المكري وهي في يد المكتري فأمسكها
حتى انقضت المدة، كان كالمتلف للمعقود عليه وانفسخ العقد، وإن كان الغاصب لها
غيرهما، كان المكتري بالخيار بين فسخ العقد والرجوع على المكري وبين أن لا يفسخه
ويرجع على الغاصب بأجرة المثل، وقد ذكر في ذلك وجه آخر، وهو أن العقد ينفسخ ويرجع
على المكري بالمسمى. والأول أقوى.
مسألة: إذا استأجر مملوكا فأبق. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أبق هذا المملوك ثبت الخيار ولم يبطل العقد لأنه يرجع برجوعه، فإن
فسخ العقد كان ذلك له وإن لم يفسخه وعاد المملوك قبل انقضاء المدة، يفسخ العقد في ما
مضى من وقت الإباق ولم ينفسخ بقي إن كانت المدة قد انقضت قبل رجوع المملوك فقد
انفسخ العقد في ما فات من المنافع من وقت إباقه إلى وقت انقضائها.
مسألة: إذا استأجر جملا لحمل محمل واختلف هو والمكري، فقال له صاحب
الجمل وسع قيد المحمل المقدم وضيق قيده المؤخر حتى ينحط مقدمه ويرتفع
مؤخره، لأنه أخف على جملي، وقال الراكب بل وسع أنت قيده المؤخر وضيق قيده المقدم
فإن ذلك أسهل لي وأخف على في نفسي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على الوجه المذكور لم يلتفت إلى قول واحد منهما، وجعل
القيدان مساويان فلا يكون المحمل مكبوبا ولا مستلقيا إلى الخلف لأنه إذا جعل كذلك لم
تثبت المضرة التي أرادها كل واحد منهما من الآخر.
مسألة: إذا استأجر بهيمة من غيره فاختلفا، فقال المستأجر نسير نهارا لأنه أصون
288

للمتاع، وقال المؤجر بل أسير ليلا لأنه أخف على بهيمتي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على الوجه المذكور وكان قد استقر بينهما شرط في السير إما في
الليل أو النهار، وجب حملها على الشرط الذي استقر بينهما، وإن لم يكن بينهما شرط في ذلك
وكانا قد أطلقا ذلك نظر فيه، فإن كان السير في تلك المسافة عادة في الليل أو النهار كان
الإطلاق عائدا إلى ذلك وإن لم يكن في ذلك عادة العقد فاسدا، ويجري ذلك مجرى من أطلق
الثمن وكانت النقود مختلفة.
مسألة: إذا أخرج انسان روشنا إلى الطريق من داره، وهلك به شئ أو تلف، هل
فيه ضمان أم لا؟
الجواب: إذا هلك شئ أو تلف بما ذكر في المسألة، كان على من أخرج ذلك ضمان ما
يهلك أو يتلف بغير خلاف.
مسألة: إذا ضرب المروض دابة فهلكت من الضرب، هل عليه ضمانها أم لا؟
الجواب: إذا كان ضرب هذا المروض للدابة المذكورة بخلاف عادة الرواض في
ضرب البهائم التي يرضونها، فإن لهم في ذلك عادة لا يطاوع في الركوب والحمل إلا بها،
فعليه الضمان، لأنه متعذر في ذلك، وإن كان ضربه لها خارج عن العادة التي ذكرناها
عليه.
مسألة: إذا ضرب المؤدب الصبي للتأديب فمات. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا ضرب المؤدب الصبي للتأديب الضرب المعتاد فهلك الصبي كان
عليه الدية في ماله مغلظة، والكفارة، لأن ذلك قتل شبيه العمد وفي أصحابنا من قال: إن
الدية على عاقلته، والأول هو الأظهر والأقوى
مسألة: إذا كان لإنسان صبرتان من الطعام، الواحدة منها مشاهدة والأخرى غير
مشاهدة، فقال لغيره استأجرتك لتحمل هذه الصبرة وما حملت فبحساب ذلك، هل
يصح هذا العقد أم لا؟
الجواب: إذا استأجر على الوجه المذكور في المسألة، كان العقد ماضيا في الصبرة
المشاهدة دون الأخرى التي ليست مشاهدة لأن شرط صحة العقد قد حصل في الواحدة
289

منهما، وهي المشاهدة لها، ولم يحصل في الأخرى، فصح في تلك المشاهدة وبطل في الغائبة.
مسألة: إذا استأجر من غيره قميصا ليلبسه فاتزر به، هل عليه فيه ضمان أم لا؟
الجواب: إذا استأجر القميص ليلبسه فاتزر به، كان عليه الضمان لأن الاتزار أشد
وأبلغ في بلاه وتخريقه من لبسه ولم يشترط الاتزار به.
مسألة: إذا استأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها مسافة معينة من طرابلس مثل
أن يكون المسافة إلى ناحية مصر فسافر بها إلى جانب حلب، هل عليه ضمانها أم لا؟
الجواب: إذا فعل ذلك كان عليه ضمان الدابة، لأنه قد تعدى ما وقع الشرط عليه وقد
قيل أن المسافتين إن كانت متساويتين في السهولة والحزونة لم يكن عليه ضمان والأول أصح
مسألة: إذا استأجر غيره لينقل ميتة على أن يكون جلدها له، هل تجوز ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك لأن جلود الميتة لا يجوز بيعها بغير خلاف.
مسألة: إذا حبس انسان غيره حرا كان المحبوس أو مملوكا فسرقت ثيابه هل
عليه ضمان ذلك أم لا؟
الجواب: عليه ضمان ذلك لأن الحبس سبب السرقة، وإذا كان كذلك كان عليه ضمان
كما ذكرناه.
مسألة: إذا قال لخياط إن خطت لي هذا اليوم، فلك درهمان وإن خطته في غد كان
لك درهم، هل يصح هذا العقد أم لا؟
الجواب: هذا العقد صحيح لقول النبي ص: المؤمنون عند
شروطهم. لأن الأصل جواز ذلك والمنع منه يفتقر فيه إلى دليل، ولا دليل عليه.
مسألة: إذا استأجر راعيا ليرعي له غنما معينة وهلكت أو هلك بعضها هل ينفسخ
العقد بذلك أم لا؟ وإن لم ينفسخ العقد، هل له إبدالها بغيرها أم لا؟
الجواب: إذا هلك الغنم كلها انفسخ له العقد، ولم يكن له إبدالها، لأن العقد وقع
على ما هو معين وهو الهالك. فإن هلك بعضها انفسخ العقد في الهالك وبقي في ما لم يهلك منها
ولم يبدل الهالك بغيره، مثل ما قدمناه من أن العقد وقع على معين واختص به ويشرط فيه
بدل ولا غيره.
290

مسألة: المسألة بعينها إذا نتجت هذه الغنم، هل يجب على الراعي رعي سخلها أم
لا؟
الجواب: لا يجب على الراعي رعي نتاجها أيضا لمثل ما قدمناه أيضا من أن العقد
وقع على غنم بأعيانها واختص بها دون غيرها ونتاجها غيرها، فلا يلزم ذلك.
مسألة: إذا استأجره ليرعي له غنما وأطلق ثم هلكت أو بعضها أو نتجت، هل له
أن يبدل ما هلك منها أم لا، وهل يجب على الراعي رعي ما نتجته أم لا؟
الجواب: إذا استأجره كذلك وأطلق ولم يعين، كان على الراعي أن يرعى له ما
جرت العادة بأن يرعاه الواحد، فإن كانت العادة مائة كان ذلك وإن كانت أقل أو أكثر
كان ذلك وإن هلكت أو هلك شئ منها كان لصاحبها إبدالها فإن نتجت كان على الراعي
رعي سخلها معها لأن العادة جارية بأن لا يفصل في الرعي بين السخال وأمهاتها.
مسألة: إذا استأجر كحالا ليداوي عينه، هل يجب الدواء عليه، أم على الكحال؟
الجواب: إذا استأجر كحالا كان الدواء على المستأجر، فإن شرط على الكحال
ذلك كان صحيحا لأن العادة جارية. وقد ذكر أن ذلك لا يجوز مع الشرط والأول أصح.
مسألة: إذا استأجر انسان من غيره حماما، هل يجوز لصاحب الحمام أن يشرط
على المستأجر النفقة على ما يتشعث به أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأنه متى شرط عليه هذه النفقة كان قد شرط عليه نفقة
مجهولة، وهذا لا يصح.
مسألة: المسألة بعينها إن اتفقا أن يفعلا ذلك ثم يختلفا في مقدار النفقة، ما يكون
الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا في ذلك كان القول قول المستأجر مع يمينه لأنه أمين.
مسألة: إذا استأجر انسان دارا هل يجب عليه تنظيف الخلاء إذا امتلأ والبالوعة إذا
انسدت أو على مالك الدار؟
الجواب: إذا استأجر الدار وكان الخلاء مملوءا والبالوعة مسدودة كان تنظيف ذلك
واصلاحه على المالك وإن كان الخلاء امتلأ وانسدت البالوعة بعد استيجار المستأجر لها،
291

كان عليه تنظيف ذلك وإزالته لأنه حصل بسبب من جهته لا من جهة غيره.
مسألة: إذا استأجر دارا فانهدمت أو انهدم بعضها أو احترقت أو احترق
بعضها، هل يلزم المالك بناءها وإصلاح ما فسد منها أم لا؟
الجواب: إذا حدث في الدار شئ مما ذكر لم يجبره مالكها على إصلاحه أو بنائه بل
يكون حينئذ الخيار للمستأجر في فسخ الإجارة أو إمضائها لأن عقد الإجارة تناول عين الدار
المستأجرة فإذا بطلت لم يجز أن يطالب المالك ببدلها.
292

المهذب
كتاب الإجارات
روي عن النبي ص أنه قال: ملعون من منع أجيرا أجرته، وعنه
عليه السلام أنه زوج امرأة رجلا من أصحابه على تعليم سورة من القرآن، وبالجملة فلا
خلاف بين المسلمين في جواز الإجارة وإذا كان كذلك فإن آجر الانسان نفسه أو بعض
ما يملكه أو يلي عليه من عبد أو دابة أو سفينة أو آلة أو دار أو أرض أو ما خالف ذلك
مما يحل كسبه ويجوز استعماله والانتفاع به كان ذلك جائزا إذا عقدها بمدة معلومة أو
أجل مفهوم يعرفه المتاجرون، ولا يجوز ذلك فيما لا يحل كسبه ولا العمل فيه ولا
الانتفاع به مثل أن يغتصب عبدا فيؤجره أو يستأجر عبدا يعلمه مغصوبا أو دابة أو غيرها
أو يتخذ شيئا من الملاهي أو ما لا يحل تملكه فإنه لا يجوز إيجاره ولا استئجاره.
وكذلك لا يجوز أن يؤجر نفسه ولا دابته ولا عبده ولا سفينته ولا آلته ولا داره ولا
شيئا مما يجوز له إجارته ممن يستعمل ذلك فيما لا يجوز ولا يحل مثل أن يؤجر شيئا من
ذلك في حمل خمر أو عملها أو يؤجر داره لمن يبيع الخمر فيها أو يفعل فيها أو يؤدى إليها
منكرا مع علمه من المستأجر بذلك.
وهي على ضربين: أحدهما: أن تكون المدة معلومة والعمل مجهولا والآخر أن تكون
المدة مجهولة والعمل معلوما، فالذي تكون المدة معلومة والعمل مجهولا فهو مثل أن يقول
زيد لعمرو: آجرتك شهرا لتبني أو تخيط، فهذه مدة معلومة والعمل مجهول، وما تكون
المدة مجهولة والعمل معلوما فمثل أن يقول: آجرتك لتخيط ثوبي أو تبني هذه الدار، فالمدة
293

مجهولة والعمل معلوم، فإذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما لم يصح لأنه إذا قال:
استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي هذا، كانت الإجارة فاسدة لأنه ربما يخيطه قبل مضي
النهار فيبقي بعض المدة بلا عمل وربما لا يفرع منه في يوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل
العمل بغير مدة.
وهي من جملة عقود المعاوضات فإذا آجر الانسان ما يجوز إيجاره لزم العقد واستحق
المستأجر المنفعة والمؤجر الأجرة ولم يكن لأحدهما فسخ هذا العقد على حال وهي كالبيع
في باب الفسخ لأن من ابتاع شيئا ملك البائع الفسخ إذا وجد عيبا في الثمن وكذلك
المشتري إذا وجد عيبا في المبيع ولا يملك بغير العيب، وكذلك المؤجر إنما يملك الفسخ إذا
تعذر استيفاء الأجرة منه إما لإفلاس أو غيره وكذلك المستأجر إنما يملك ذلك إذا وجد
عيبا بالمنافع مثل غرق الدار واستهدامها وما أشبه ذلك وليس لواحد منهما الفسخ لغير
عذر.
وإذا استأجر انسان غيره ليقلع ضرسه ثم رجع عن ذلك فإن كان رجوعه عن ذلك
مع بقاء الألم لم يكن له فسخ الإجارة لأنه قد استأجره لاستيفاء منفعة وهو متمكن مع
بقاء الألم من استيفائها، فإما أن يستوفيها وإلا لزمته الأجرة إذا مضى من المدة ما يمكنه
قلع الضرس فيه، و كذلك إذا استأجر دابة ليركبها إلى بعض المواضع ويسلمها إليه ولم
يركبها وهو متمكن من استيفاء المنفعة التي هي الركوب، فإذا لم يفعل ذلك ومضى من
الزمان مدة يمكنه فيها استيفائها كانت الأجرة مستقرة عليه، وهكذا إذا استأجر دارا
وتسلمها ولم يسكنها ومضى من الزمان مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة بالسكنى فإن
الأجرة مستقرة عليه، فإن كان ألم صاحب الضرس قد زال فإن استيفاء المنفعة قد تعذر
من جهة الله تعالى شرعا لأنه لو أراد أن يقلع الضرس لما جاز ذلك لأن الشرع يمنع من
قلع الضرس الصحيح، فإذا رجع عن ذلك وبدا له في الاستئجار كان له ذلك
وانفسخت الإجارة بذلك كالدار إذا غرقت أو احترقت أو استهدمت نعني بذلك أن
وجع الضرس لو عاد بعد تلك الدفعة لافتقر في قلعه إلى استئناف عقد لتلك الإجارة، فما
294

ملك الفسخ إلا لتعذر المعقود عليه.
فإن استأجر عبدا فأبق انفسخت الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة المعقود عليها مثل
الدار إذا انهدمت، والقول في العبد إذا رجل قبل انقضاء المدة كالقول في الدار إذا
انعمرت قبل ذلك وسيأتي ذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والمستأجر يملك من المستأجر المنفعة التي في العبد والدار والدابة إلى المدة التي
استقر الشرط عليها حتى يكون أولى وأحق بها من المالك لها، والمؤجر يملك الأجرة
بنفس عقد الإجارة، فإن استقر الشرط في تأجيل الأجرة إلى شهر أو سنة وما أشبه ذلك
لم يلزم تسليمها إلا عند حضور الأجل، وإن اشترط فيها التعجيل أو لم يشترط فيها
تأجيلا ولا تعجيلا استحقت عاجلة، وإذا عقد انسان إجارة ثم أسقط المؤجر
مال الإجارة وأبرأ صاحبه منها سقط ذلك فإن أسقط المستأجر المنافع المعقود عليها لم
يسقط.
وإذا استأجر انسان دارا وشرط أن لا يسكنها غيره لم يجز له أن يسكن فيها وغيره،
فإن شرط أن لا يسكنها إلا هو وعياله لم يجز أن يسكنها غيرهم، فإن أطلق ذلك ولم
يشترط شيئا جاز له أن يسكنها هو وأن يسكنها غيره ويفعل فيه ما يراه من ترك البضائع
والأمتعة فيها وأن يعمل ما شاء من الأعمال إلا أن يكون محرما أو عائدا على الدار
بالفساد والمضرة كالقصار والحداد والطواحين وما جرى مجرى ذلك، وأن يوقد فيها نارا
دائمة يسودها أو لا يؤمن احتراقها معها أو يجعل فيها من المياه الكثيرة ما يضر بأساسها
وحيطانها، ومتى فعل شيئا من ذلك جاز لمالكها نقله منها، فإن تلف منها شئ بفعله
كان ضامنا لذلك.
وإذا استأجر دارا وقال: كل شهر بكذا، أو: كل يوم بكذا، أو ذكر سنة أو عشرة أو
أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا، فإن استأجرها ليسكنها شهرا بكذا كان لكل واحد
من المتاجرين ترك الإجارة عند انسلاخ الشهر، فإن كان عقد الإجارة مشاهرة فيسكن
المستأجر من الشهر يوما أو يومين أو أياما لم يكن لواحد منهما ترك الإجارة إلى أن يكمل
295

الشهر إلا لعذر أو يتفقا عليه ويجوز حينئذ ذلك لهما، وإذا استأجر انسان بيتا ليجلس فيه
قصارا فأراد أن يجلس فيه حدادا كان ذلك جائزا إلا أن يكون المضرة بالحداد أكثر من
القصار فلا يجوز ذلك وكذلك الطواحين وما أشبهها.
وإذا استأجر دارا سنة على أنه إن سكن يوما لزمته أجرة السنة كان ذلك جائزا
ولزمته أجرة السنة، فإن لم يسكنها في السنة وأراد أن يسكنها غيره جاز له ذلك، وإذا
استأجر دارا على أن يجعل أجرتها سكنى دار أخرى كان ذلك جائزا ويجوز استئجار الدار
بالعين والعروض، فإذا استأجر دارا فانهدمت أو بعضها و تعطلت بيوتها أورث بعضها
فأراد المستأجر من مالكها عمارتها لم يجبر على ذلك وللمستأجر إذا كان ذلك يضر به
فسخ الإجارة على ما قدمناه وعليه الأجرة لما سكن قبل انهدامها، وإن لم يكن عليه في
ذلك ضرر لم يجز له الفسخ.
وإذا اختلف المتاجران في مبلغ الأجرة فادعى المستأجر الأقل وادعى المؤجر الأكثر
و كان مع أحدهما بينة حكم له بها، فإن لم يكن معه بينة تحالفا فإن نكل أحدهما عن
اليمين كان القول قول الآخر مع يمينه، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين انفسخ
العقد في المستقبل وكان القول قول مالك الدار مع يمينه فيما مضى، فإن لم يحلف كان له
أجرة مثلها عما ما سكنه المستأجر.
وإذا سكن انسان دار غيره واختلفا وقال الساكن: سكنتها بغير أجرة، وقال المالك:
بل استأجرتها مني، ولم يكن لأحدهما بينة على ما ادعاه كان القول قول صاحبها مع
يمينه، وإذا استأجر انسان دارا وأنفق فيها نفقة وادعى أن مالكها أمره بذلك فأنكر
المالك لها ذلك كانت البينة على المدعي وعلى صاحب الدار اليمين بأنه لم يأمره بذلك،
فإذا حلف كان للمستأجر أخذ النقض، وإذا استأجر دارا وفعل فيها فعلا من غير إذن
مالكها له في ذلك فعطب كان عليه ضمان ما عطب منها، فإن كان ما فعله كفعل غيره
من السكان لم يكن عليه ضمان فإن آجر بعضها بمثل ما استأجرها به وسكن في البعض
كان جائزا، وإذا استأجرها وفيها متاع لصاحبها وضمن له صاحبها تفريغها وتثاقل عن
296

ذلك فلم يفرغها لم يكن له من الأجرة إلا بمقدار ما سكن المستأجر فيها، وإذا استأجرها
بدينار ثم آجرها بعشرين درهما أو أكثر من ذلك من الدراهم كان جائزا وكذلك حكم
ما يستأجره من عبد أو بعير أو سفينة أو ما جرى مجرى ذلك إذا كان لعمل معروف أو
حمل معروف.
ولو استأجر أرضا بدينار جاز له أن يزارعها بالنصف أو بأكثر أو أقل، وإذا استأجر
دارا فأظهر فيها فسقا أو اجتماعا على خمر أو دعارة نهي عن ذلك فإن انتهى وإلا نقل
منها، وإذا استأجر دارا سنة ولم يسلمها مالكها إليه إلى أن مضى شهر فطلب المستأجر
منه تسليمها أو لم يطلب ذلك ثم تحاكما لم يكن للمستأجر الامتناع من قبضها في باقي
السنة ولا للمؤجر المنع من تسليمها، فإن سلمها إليه إلا بيتا واحدا مشغولا له بمتاع فيه
واتفقا على بقاء المتاع فيه حط عنه من الأجرة بحساب ذلك.
وإذا استأجر دارا بعبد معين فأعتقه مالك الدار قبل أن يتقابضا لم يصح عتقه، فإن
أعتقه بعد تسليمه المستأجر إليه وقبل أن يتسلم الدار كان العتق جائزا، فإن احترقت
الدار أو انهدمت أو غرقت أو استحقت أو مات أحد هذين المتاجرين كان على المعتق
قيمة العبد، فإن لم يقبض العبد حتى سكن شهرا واحدا ثم أعتقا جميعا العبد وهو بيد
المستأجر فإنه يجوز فيه عتق صاحب الدار بقدر أجرة شهر ويجوز عتق المستأجر فيما بقي منه
وينفسخ الإجارة، وإذا استأجر دارا بثوب معين وقبضه ثم حضر صاحب الدار مريدا
لرده بعيب فقال المستأجر: لم يكن هذا العيب فيه، كان القول قول المستأجر مع يمينه في
ذلك، فإن أثبت صاحب الدار بينة بالعيب حكم له بها وكان على المستأجر أجرة مثل
الدار.
وإذا استأجر انسان دارا فانسدت البالوعة وامتلأ الخلاء كان عليه تنظيفه دون
صاحبها لأن ذلك حصل بسبب من جهته، وإذا خرج المستأجر من الدار وفيها شئ من
تراب أو رماد أو كناسة كان على المستأجر إزالته منها وتنظيفها منه، فإن اختلف
المتاجران في التراب والرماد والكناسة وما أشبهها كان القول قول المستأجر مع يمينه في
297

أنه استأجرها وهو فيها.
وإذا استأجر دارا فقال المؤجر وهو مثلا في رجب: آجرتك هذه الدار في شهر
رمضان، أو كان في مثل هذه السنة وهي سنة سبع وستين وأربع مائة فقال: آجرتك
هذه الدار سنة ثمان وستين وأربع مائة، قال بعض الناس: لا يجوز، وعندنا هو جائز لأنه
ليس عندنا أن من شرط صحة الإجارة تسليم المعقود عليه في حال عقد الإجارة ولا كون
المنفعة متصلة به وإنما يلزم التسليم في أول المدة التي انعقدت عليها الإجارة وكذلك
المنفعة أن تكون متصلة بهذا الوقت.
وإذا استأجر انسان من غيره حانوتا فباع فيها مدة ما ثم خرج منها واختلفا فيما فيها
من الدفوف والخشب التي بني عليها، فقال المستأجر: أنا أحدثتها وهي لي، وقال مالك
الحانوت: كانت في حانوتي حين آجرتك إياها، كان القول قول المستأجر مع يمينه
وكذلك الحكم في الطحان وآلاته والقصار والحداد وآلاتهما وما يجري مجرى ذلك من
الأدوات والأوعية التي تكون للصناع.
وإذا استأجر انسان أرضا ليطبخ الآجر والفخار فيها بأجرة مسمى كان جائزا، فإن
اختلفا في الأتون فقال صاحب الأرض: أنا بنيته، وقال الآخر: بل أنا بنيته، كان
القول قول المستأجر مع يمينه لأن العادة جارية بأن المستأجر هو الذي يبني ذلك، وقد
يجوز أن يكون في بعض البلدان من شأن أصحاب الأملاك اتخاذ شئ من الآلات
التي للصناع في أملاكهم وفي غيره من البلدان لم تجر العادة بذلك، فإذا كان كذلك
كان القول فيما يدعيه مدع من ذلك قول من جرى الرسم باتخاذه له دون من لم تجر
العادة في تلك البلدة باتخاذه إياه والبينة فيه بينة المدعي.
وإذا استأجر انسان من غيره دارا على أن يجعل أجرتها أن يكسوه ثلاثة أثواب كان
ذلك فاسدا وعليه أجرة مثلها فيما سكن، وإذا استأجر دارا من غيره واختلفا فقال
صاحبها: استأجرتها سنة، وقال المستأجر: استأجرتها شهرا واحدا، كان القول قوله مع
يمينه وعلى صاحب الدار البينة، فإن استأجرها شهرا وأقام صاحبها معه فيها إلى آخر
298

الشهر وقال المستأجر: لست أدفع إليك أجرة لأنك لم تخل بيني وبين الدار، كان عليه
من الأجرة بحساب ما كان في يده من الدار، وإذا استأجر انسان دارا من اثنين شريكين
فيها ثم مات أحد الشريكين انفسخت الإجارة في حصته، فإن رضي الوارث وهو كبير
أن يكون حصته على الإجارة ورضي المستأجر بذلك كان جائزا.
وإذا استأجر أرضا فأصابتها آفة من غرق أو جفاف عين أو انقطاع نهر كان يسقيها،
فإن أراد المستأجر أن ينفق على ذلك من أجرة سنته أنفق ويلزم النفقة مالك الأرض
وإلا كان عليه بقدر ما انتفع بالأرض من الأجرة وتنفسخ الإجارة فيما بعد ذلك، وإذا
استأجر انسان دارا بثوب معين وكفل به رجل فهو ضامن، فإذا استكمل السكنى وتلف
الثوب عند صاحبه برأ الكفيل لأنه ليس على المستأجر قيمة الثوب وإنما عليه أجرة مثل
الدار.
وإذا استأجر انسان من غيره محملا أو زاملة وكفل له رجل بالحمولة كان ضامنا
ويؤخذ بالحمولة كما يؤخذ المؤجر بها وهكذا القول إذا استأجر إبلا غير معينة يحمل عليها
متاعا إلى بلد معين وكفل له رجل بالحمولة، فإن استأجر إبلا معينة يحمل عليها متاعا
وكفل له رجل بالحمولة لم تصح الكفالة وكذلك لو استأجر دارا ليسكنها أو أرضا ليزرعها
فكفل له رجل بالسكنى والوفاء والزراعة لم يصح ذلك لأنه لا يمكن الاستيفاء من
الكفيل وكذلك إن استأجر إنسانا للخدمة وكفل رجل بخدمته، وإذا عجل الأجر في
الإجارة الصحيحة وكفل له انسان بالأجر إن لم يوفه الخدمة أو السكنى كان جائزا.
وإذا دفع انسان ثوبا إلى خياط يخيطه له بأجر مسمى وأخذ منه كفيلا بالخياطة
كان ذلك جائزا ويكون الكفيل ضامنا لخياطة الثوب، فإن خاطه الكفيل رجع على
المكفول عنه بأجرة مثل ذلك الثوب بالغا ما بلغ، فإن كان صاحب الثوب اشترط على
الخياط أن يخيطه هو بيده دون غيره كانت الكفالة باطلة وهكذا جميع الأعمال.
وإذا استأجر انسان من غيره حماما مدة معلومة بأجرة مسماة كان جائزا وكانت
عمارة الحمام ومسيل مائة وإصلاح قدوره وصاروجه على مالك الحمام، ومتى اشترط
299

مالك الحمام على المستأجر ذلك كانت الإجارة فاسدة لأن ذلك مجهول، وإذا شرط
صاحب الحمام على المستأجر عشرة دراهم كل شهر للمرمة زائدة على الأجرة وأمره بأن
ينفقها عليه كان جائزا، وإذا قال المستأجر: قد أنفقتها، لم يصدق كان القول قول
صاحب الحمام مع يمينه، وإذا أراد مالك الحمام أن ينصب له أمينا مع المستأجر لقبض
الغلة في كل يوم لم يكن له ذلك لأنه لا شئ له في الغلة، وإذا انقضت مدة إجارة
الحمام وفيه رماد وسرقين وادعاه كل واحد منهما كان للمستأجر وعليه نقله، فإن أنكر
المستأجر أن يكون الرماد من عمله كان القول قوله مع يمينه.
وإذا استأجر حمامين صفقة واحدة وانهدم أحدهما قبل قبضهما كان له ترك الباقي،
وإن كان انهدامه بعد القبض كان الباقي لازما له بحصته من الأجرة، فإن استأجر
حماما واحدا فانهدم منه بيت واحد كان له تركه ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل
القبض أو بعده، فإن استأجر حماما وعبدا وقبضهما ثم مات العبد لزمه الحمام بحصته.
فإذا استأجر انسان راعيا يرعى له غنما بأجرة معلومة كان جائزا، فإن شرط عليه
أن لا يرعى مع غنمه غنما لغيره صح ذلك ولم يجز للراعي رعي غنم لغيره مع غنمه، وإذا
مات من جملة الغنم شاة لم يلزم الراعي ضمانها إلا أن يكون موتها بتعد منه عليها،
ولا يجوز لصاحب الغنم أن ينقص الراعي شيئا من أجرته لأجل موت الشاة، وإذا ضرب
الراعي شاة فقلع عينها كان ضامنا لذلك، فإن سقى الغنم من نهر فغرق منها شئ لم
يكن عليه ضمان لذلك وكذلك الحكم لو عطب منها شاة في الرعي أو أكله الذئب
والقول فيما يهلك من الغنم قول الراعي مع يمينه، فإذا هلك نصف الغنم أو أكثر كان
للراعي أجرته على كمالها ولا ينقص منها شئ لأجل ذلك ما دام يرعاها وحدها.
وإذا أراد صاحب الغنم أن يزيد في عدد الغنم وكان قد شرط على الراعي أنه إذا شاء
زاد وإن شاء نقص كان له ذلك، وإذا استأجره ليرعي له عدة معينة لم يكن له أن يدفع
إليه أكثر منها إلا أن يدفع إليه بحساب ذلك أجرة الزائد، وكذلك لو شارطه أن ما ينقص
منها نقصه من الأجرة بحساب ذلك ثم هلك منها شئ كان له أن ينقصه بحساب
300

ذلك، وإذا شرط مالك الغنم على الراعي ضمان ما يموت منها لم يصح ذلك وكانت
الإجارة فاسدة، فإن شرط عليه ضمان ما يهلك من فعله لم يفسد الإجارة بذلك.
وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما شهرا ولم يذكر شيئا غير ذلك ثم أراد الراعي أن
يرعى لغيره بأجرة كان للذي استأجره شهرا أن يمنعه من ذلك لأنه استأجره لنفسه
شهرا، فإن لم يعلم حتى رعى لغيره لم ينقصه من الأجرة شيئا إذا كان قد قام ما شرط
عليه من رعي غنمه، وإذا كان الراعي مشتركا في رعي الغنم وأتى بها إلى أهلها وأكل
السبع منها شيئا وهي في مرابضها عند أهلها لم يلزمه ضمان ذلك وكذلك ليس عليه
ضمان لو شرق منها شئ.
وإذا سلم انسان غنمه إلى راع ليرعاها له بدرهم في الشهر كان ذلك جائزا وله أن
يرعى لغيره وهذا أجير مشترك إن رعى لغيره أو لم يرع، وإذا دفع انسان غنمه إلى راع
على أن أجرتها أصوافها وألبانها واشترط عليه مع ذلك سمنا معينا وجبنا معروفا كانت
الإجارة فاسدة والراعي ضامن لما أصاب من ذلك وله أجرة مثله.
وإذا كان الراعي مشتركا فخلط غنم الناس بعضها ببعض فلم يعرفها أهلها ما لكل
واحد كان القول قوله مع يمينه، فإن قال: لا أعرفها، كان ضامنا لقيمتها كلها لأهلها
ويكون جميع الغنم له والقول في قيمتها يوم خلطها قوله، فإن ادعى واحد منهم غنما معينة
كان القول قول الراعي أيضا مع يمينه فإن نكل عن اليمين سلم ذلك، وإذا كان الراعي
يرعى في الجبال وشرط عليه صاحب الغنم أنه إذا مات منها شئ كان عليه أن يأتي
بسمته وإلا كان عليه الضمان لم يلزمه هذا الضمان، وإذا لم يأت بالسمة لم يفسد شرط
الإجارة ويكون البينة فيما يهلك عليه.
ولا يجوز للراعي أن يسقي أحدا شيئا من ألبان الغنم ولا يبيعه ولا يقرضه ولا يأكل
هو منه فإن فعل شيئا من ذلك كان عليه ضمانه، وإذا اختلف الراعي وصاحب الغنم
في العدد الذي تسلمه الراعي منه كان على صاحبها البينة وكان القول قول الراعي مع
يمينه في ذلك، ولا يجوز للراعي أن ينزي بعض فحول الغنم على شئ منها بغير أمر
301

صاحبها فإن فعل ذلك وعطب منها شئ كان على ضمانه وإن كان بأمر صاحبها لم
يكن عليه ضمان،
وإذا نه من الغنم رأس وخاف الراعي إن تبعه ليرده ضاع الباقي كان عليه البينة
بذلك فإن لم يكن له بينة كان عليه الضمان، فإن استأجر من يجئ بالواحد الذي نه
من الغنم لم يلزم صاحبها من ذلك شئ به وكان الراعي بذلك متطوعا.
الاستئجار للرضاع:
وإذا استأجر انسان ظئرا لترضع له طفلا سنتين بأجر معلوم كان جائزا ويكون
طعامها وكسوتها على نفسها، وإن شرطت طعامها وكسوتها ودراهم عند فطام الصبي
كان جائزا، وإذا استأجرها بما ذكرناه لم يجز لها أن تؤاجر نفسها لرضاع صبي غير هذا
ولا تسقي من لبنها إلا له أو لولدها، وإذا شرط المستأجر عليها أن ترضع الصبي في منزله
لزمها ذلك وإن شرط رضاعه في منزلها جاز ذلك.
ولا يجوز لها أن ترضعه من غير لبنها على حال إلا أن ينقص لبنها فتدفعه بأمر أهله
إلى خادمها أو تستأجر له ظئرا أخرى فيكون ذلك جائزا، وإذا وقع الصبي فمات أو ضاع
من يدها أو سرق شئ من حليه أو ثيابه بغير تفريط منها لم تضمنه، وإن كان بتفريط
منها كان عليها الضمان، وإذا شرط عليها رضاع الطفل فقط لم يلزمها غيره وإن شرط
عليها مع ذلك تمريخه وغسل ثيابه وما جرى مجرى ذلك كان عليها القيام بذلك.
ولا يجوز لأهل الطفل اخراج الظئر قبل الأجل إلا لعذر مثل أن يكون الطفل لا يقبل
لبنها أو تحمل فيخافوا عليه من ذلك أو تكون فاجرة أو سارقة أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز
لها أيضا أن تخرج من عندهم إلا لعذر مثل أن يكون زوجها لم يرض بالإجارة أو يكون
أهل الطفل يعتمدون أذيتها أو ما أشبه ذلك، وإذ كان العبد تاجرا جاز أن يستأجر ظئرا
لصبي له وكذلك الأمة التاجرة يجوز لها أن تؤاجر نفسها ظئرا وكذلك المكاتب يجوز أن
يستأجر ظئرا لصبي له.
302

وإذا استأجر انسان لرضاع ولده ظئرين فماتت واحدة بقيت الأخرى على الرضاع
بحصتها، فإن استأجر ظئرا واحدة لرضاع طفلين ومات أحدهما جاز أن ينقص من
الأجرة بحساب ذلك.
وإذا استأجر الرجل امرأته لترضع ولده منها لم يصح ذلك ولم يكن لها أجرة عليه
وكذلك لو استأجر خادمها، فإن كان له ولد من غيرها جاز له أن يستأجرها على رضاعه
وتستحق عليه الأجر بذلك، وإذا استأجر مطلقته البائنة في ذلك كان جائزا ولها الأجرة
عليه وكذلك إن استأجر خادمها ولا فرق في ذلك بين أن يكون هذا الولد ولد هذا
المستأجر من هذه المطلقة أو يكون من غيرها، وإذا استأجر ظئرا وكانت تسقي الطفل
وتغذوه بلبن الغنم وأهله لا يعلمون ذلك لم تستحق عليهم أجرة، فإن قالت: قد أرضعته،
كان القول قولها مع يمينها، فإن أقام أهل الصبي بينة بأنها تغذوه بلبن الغنم حكم لهم
ببينتهم ولم يكن لها عليهم أجرة.
وإذا استأجر انسان ثوبا ليلبسه يوما كاملا من أوله إلى آخره بأجرة معينة كان
جائزا، فإذا استأجره على هذا الوجه لم يجز له أن يدفعه إلى غيره ليلبسه فإن فعل ذلك
كان ضامنا لما ينقص منه فإن لم ينقص منه شيئا كان الأجر مستحقا، فإن استأجره
للبس يوم كامل ولم يعين الذي يلبسه جاز أن يلبسه المستأجر أو غيره فإن لبسه هو أو
غيره ثم هلك لم يكن عليه ضمان، فإن اختصما قبل أن يلبسه أحد فسدت الإجارة
وكذلك الحكم في سائر الثياب.
وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما كاملا فلم يلبسه ذلك اليوم كانت الأجرة مستحقة
عليه ولم يجز له أن يلبسه يوما بدل ذلك اليوم، فإن لم يلبسه واتزر به فخرق كان ضامنا له
وإن لم يخرق وجبت الأجرة عليه كاملا، وإذا استأجر خيمة يستظل بها جاز له أن
يدخلها غيره فإن اتخذها مطبخا وصارت سوداء من الدخان كان عليه الضمان.
وإذا استأجر انسان دابة معينة ليركبها إلى موضع معين بأجر مسمى كان جائزا،
وإذا استأجرها كذلك لم يجز أن يحمل عليها سواه فإن فعل ذلك وعطبت كان عليه
303

ضمانها، وإذا استأجر دابة ليتلقى عليها إنسانا أو ليشيعه لم يصح ذلك فإن عين موضعا
ينتهي إليه كان جائزا، وإذا استأجر سفينة معينة أو دابة معلومة إلى مكان معين فعطبت
في بعض الطريق انفسخت الإجارة فيما بقي من الطريق وكان عليه الأجر بما قطعه من
طريقه، وإذا استأجر على الإبلاغ ولم يذكر سفينة بعينها ولا دابة بعينها كان على
المكاري البلاغ به وله الأجر على كماله.
وإذا استأجر دابة ليطحن عليها أو يعمل عملا أو يسافر سفرا ولم يبين مقدار
ما يطحنه عليها أو يسير عليها كل يوم كان جائزا وله أن يستعمل الدابة فيما استأجرها
بقدر ما يستعمل فيه مثلها فإن تعدى في ذلك كان عليه ضمانها وكذلك الحكم في
السفينة إذا استأجرها على ذلك الوجه، وإذا استأجر شيئا من ذلك فاتفق هو والمكاري
على أن يحمل عليها خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك من المحرمات كان ذلك باطلا، فإن
استأجرها لذلك ولم يعلم المكاري به كان له الأجرة والإثم على المستأجر فإن كان
المتاجران ذميين جاز ذلك بينهما.
وإذا استأجر دابة إلى مكان عينه ثم تجاوزه فهلكت الدابة كان ضامنا لها ولا أجرة
عليه فيما زاد بعد المكان الذي عينه، فإن تجاوز بالدابة المكان الذي حده وسلمت كان
صاحبها مخيرا بين أن يأخذ منه أجرة المثل وبين أن يضمنه قيمة ما نقص، وإذا استأجر
دابة يوما واحدا ثم أمسكها عنده أياما كان صاحبها مخيرا بين أن يأخذ قيمة ما نقصت
وبين أن يأخذ أجرة المثل فيما زاد على اليوم.
وإذا اختلف المتاجران في المسافة فادعى المستأجر موضعا بعيدا وادعى صاحب
الدابة أقرب منه وهما يتفقان على مبلغ الأجرة كانت البينة على المستأجر لأنه يدعي
الأكثر وعلى المؤجر اليمين، وكذلك إن اتفقا على الموضع واختلفا في الطريق فإن البينة
على المدعي بما يدعيه من زيادة المسافة من الطريق واليمين على المنكر لذلك، فإن
تساوى الطريقان واختلفا في العقد على أيهما كان وأراد كل واحد منهما القصد إلى
المكان الذي ذكره فإن كان ذلك منهما قبل أن يركب أو كان ركب شيئا يسيرا تحالفا
304

وتفاسخا إن لم يكن لهما بينة ومن نكل منهما عن اليمين لزمته دعوى الآخر، فإن كان قد
ركب ونقد المكاري الأجر كان القول قول المكاري مع يمينه والمكتري مدع.
وإذا استأجر إلى خراسان أو العراق أو الشام أو ما جرى مجرى ذلك وأراد المكاري
إنزال المكتري في أول عمل ذلك البلد وأراد المكتري الوصول إلى آخره ولم يسميا مكانا
معينا وقت عقد الإجارة كان على المكاري أن يوصله إلى أشهر المواضع المعروفة من تلك
البلاد والمدينة التي هي أم تلك الكورة المقصود إليها والمشهور ذكرها واسمها فيها، فإذا
وصل المكاري إلى مكان فادعى أنه قد زاد على الموضع الذي كان هو والمكتري اتفقا
عليه فطلب بذلك فضل الأجر ما بين الموضعين، كان القول قول المكتري مع يمينه وعلى
المكاري البينة بما يدعيه من ذلك الفضل والزيادة، وإذا استأجر دابة على حمل معين
فحمل عليها حملا أخف منه وعطبت لم يلزمه ضمانها.
ولا يجوز الإجارة على الأعيان المحمولة إلا بأن يشاهدها المكاري أو توصف له أو
برأها لأن ضرب المحمولات مختلف على الدابة وإن كان وزنها متفقا مثل القطن والحديد
والرصاص والصوف والنحاس.
فإذا هرب المكاري واحتاج المكتري إلى النفقة على الدابة فينبغي أن يرفع خبره
بذلك إلى الحاكم في ذلك الموضع أو القافلة وينفق بعد إعلامه ذلك، وإن دفع النفقة
إلى بعض الثقات وأنفق على الدابة كان جائزا، وإذا أراد الانفاق عليها بنفسه وأنفق
كان القول في ذلك قوله مع يمينه إذا أتى بما يشتبه ويرجع به على المكاري، وكذلك
القول في أجرته على القيام بذلك إذا طلبها،
وإذا مات البعير أو الدابة فاستأجر المكتري لذلك مكان الذي مات غيره كانت
هذه الإجارة لازمة للمكاري الأول فيما بقي من المسافة التي اشترطا البلوغ إليها وقت
العقد، فإن اشترى دابة أو بعيرا لم يلزم المكاري ذلك وكان عليه أجر الحمل من موضع
الشرى إلى المكان الذي اتفقا على البلوغ إليه، ويجوز للاثنين أن يستأجرا ما يتعاقبان
عليه فإذا اتفقا فيما بينهما على كيفية التعاقب من ليل أو نهار أو ما أشبه ذلك كان جائزا.
305

فإذا استأجر دابة ليركبها إلى موضع معلوم فتجاوزه بها ورجع فعطبت في رجوعه كان
عليه ضمانها، فإن لم يتجاوز بها الموضع الذي عينه إلا أنه ضربها أو فعل بها ما لم تجربه
عادة الناس في حثهم الدواب على المشي من ضرب أو كبح لجام كان ضامنا لها، وإذا
استأجر دابة إلى مكان على أن يركبها بسرج فحمل عليها عوضا من السرج أكافا كان
عليه ضمانها، فإن كان حمارا فنزع عنه سرجه أو أسرجه بسرج فرس أو برذون لا يسرج
بمثله الحمر كان ضامنا له فإن أسرجه بسرج أخف من سرجه لم يلزمه ضمان، وإذا
استأجر دابة بدينار وآجرها بقفيز حنطة وعشرين درهما كان جائزا، وإذا استأجرها إلى
مكان معين فأجرها لمثل ذلك كان أيضا جائزا.
وإذا حدثت حادثة في البحر واحتاج الملاح معها إلى طرح بعض المتاع في البحر أو
إلى فعل ما يتلف به بعض ذلك كان عليه ضمان ذلك إلا أن يأمره صاحب المتاع
بطرحه في البحر فلا يلزمه شئ.
وإذا استأجر دابة فقال له صاحبها: استأجر على غلاما يتبعك ويتبع الدابة وآجره
على وادفع إليه نفقة ينفقها على الدابة، ففعل المستأجر ذلك وسرقت النفقة من الغلام
أقام المستأجر البينة بأنه استأجر الغلام ودفع النفقة إليه أو أقر الغلام بقبضها منه كانت
لازمة للمكاري، وكذلك الحكم لو لم يسرق ولم يضع.
وإذا استأجر انسان دابة إلى بلد معين بدراهم مسماة فرده عليه المكاري عند البلوغ
إلى ذلك البلد بعض تلك الدراهم وذكر أنها زيوف أو ستوق كان القول قول صاحب
الدابة مع يمينه في ذلك، وإذا استأجر دابة إلى موضع معين وأراد صاحب الدابة أن
يحمل على الدابة رحل انسان آخر بأجرة كان للمستأجر منعه من ذلك، فإن حمله عليها
ووصل إلى الموضع المعين لم يكن للمستأجر أن يمنعه شيئا من الأجر لأجل ما حمله عليها
لغيره.
وإذا استأجر دابة ومات صاحب الدابة في الطريق ثم استأجر المستأجر إنسانا يقوم
على الدابة كان بذلك متطوعا ولا شئ له من ذلك على المستحق للدابة، وإذا اختلف
306

المتكاريان في مبلغ الأجر كان القول في ذلك قول المستأجر مع يمينه، فإن كان لأحدهما
بينة على ما يدعيه حكم له بها.
وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد معين فوجدها عثورا أو جموحا أو لا يبصر بالليل كان
له الخيار منها ويدفع إلى صاحبها من الأجر بحساب ما قطعه من الطريق في سفره، وإن
كانت الدابة غير معينة كان على صاحبها إيصاله إلى البلد المعين على دابة غيرها، وإذا
استأجر دابة إلى قرية فسمي قرية أخرى باسمها وبينهما مسافة ما ولم يبين إلى أي
القريتين يقصد فركب الدابة إلى أحدهما كان عليه أجرة مثل ذلك.
وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على أنه إن بلغه في يومين كان لصاحب الدابة
أجرة عشرة دراهم وإن زاد على ذلك كان له خمسة كان له أجر مثلها، فإن قال له: إن
زدت على اليومين لم يكن لك أجر، لم يجز ذلك وكان له أجر مثلها لا يجاوز به عشرة
دراهم، وإذا استأجر دابة من بلد إلى بلد آخر بدينار أو درهم كان عليه نقد البلد الذي
استأجر منه.
وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على أنه إذا بلغه كان عليه رضا المكاري فلما بلغه
قال المكاري: رضاي عشرون درهما، كان له أجر مثلها إلا أن يكون أكثر من عشرين
درهما فلا يزاد على ذلك، فإن استأجر الدابة بمثل ما استأجر أصحابه أو بمثل ما يستأجر
الناس كان عليه أجر مثلها، وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد فمرض أو خاف في طريقه
من لصوص أو ما أشبه ذلك أو تغيرت الدابة أو لحقها ما لا يستطيع معه أن يركبها أو
لا تحمل انفسخت الإجارة.
وإذا استأجر انسان حانوتا في سوق يبيع فيها و يشترى فلحقه فيها دين أو أفلس فقام
من السوق انتقضت الإجارة، وإذا استأجر دابة وعرض لصاحبها أمر لا يستطيع معه
النهوض معها لم يكن له نقض الإجارة و عليه أن يبعث معها من يتبعها ويقوم عليها، وإن
عطبت الدابة انتقضت الإجارة إن كانت معينة فإن لم تكن معينة كان على المؤجر أن
يحمله على دابة غيرها، وإذا استأجر انسان شيئا من الإبل إلى مكة ومات في بعض
307

الطريق كان عليه من الأجر بحساب ما سار وتنفسخ الإجارة عنه فيما بقي، فإن مات
صاحب الإبل في بعض الطريق كان للمستأجر ركوبها على حاله والمسير بها إلى أن يصل
مكة ولا ضمان عليه وعليه الأجر إليها.
وإذا استأجر انسان أرضا فلحقها أمر لا يقدر معه على زرعها أو غلب الماء عليها كان
ذلك عذرا في نقض الإجارة، وكذلك لو افتقر الزارع حتى لا يقدر على الزرع أو مرض
مرضا لا يتمكن معه من ذلك وكان المستأجر هو الذي يعمل بنفسه، فإن كان لا يعمل
بنفسه وله أجراء يعملون أو يكون هو قادرا على استئجار أجراء يعملون عنه فإن الإجارة
لا تنتقض بل هي بحالها، وإذا كان ليتيم أرض فأجرها وصيه قبل بلوغه ثم بلغ اليتيم
قبل انقضاء مدة الإجارة لم يكن له فسخها.
وإذا استأجر عبدا ليخدمه أو ليعمل له عملا فمرض كان للمستأجر فسخ الإجارة
ولو أراد سيد العبد فسخها لم يكن له ذلك، فإن لم يفسخها واحد منهما حتى عوفي العبد
كانت الإجارة باقية على حالها ويطرح من الأجر بحساب ما بطل فيه بالمرض وكذلك
القول فيه لو أبق، وإذا كان المستأجر اثنين ومات أحدهما انفسخت الإجارة في حصته،
وكذلك إن كان المؤجر اثنين فمات منهما واحد أو ارتد ولحق بدار الحرب انفسخت
الإجارة فإن لم يختصما حتى عاد المرتد إلى الاسلام كانت الإجارة لازمة بحالها إن كان
قد بقي من مدتها شئ.
وإذا دفع انسان إلى قصار ثوبا أو متاعا ليقصره بأجرة فجعل عليه النورة فاحترق أو
دقه أو عصره أو شمسه فزاد عليه فتخرق أو تمزق شئ من ذلك كان عليه ضمانه لأن
ذلك من جناية يده، ولا فرق في ذلك بين أن يكون متعمدا لها أو غير متعمد إذا كان
بأجر كما قدمناه، فإن ادعى القصار أنه عمل بغير أجر وقال صاحب الثوب أو المتاع:
بل عمل بأجر، كان القول قول صاحب الثوب أو المتاع مع يمينه وعلى القصار البينة،
فإن سرق المتاع أو هلك بغير تفريط منه لم يلزمه شئ بعد أن يحلف في ذلك وكذلك
القول في سائر أصحاب الأعمال، وإذا كان عند القصار ثوب وديعة فوطئه فتخرق
308

وكان مما يوطأ، كان عليه ضمانه إن لم يكن صاحبه أمره ببسطه وكذلك غير القصار.
وإذا دفع انسان ثوبا إلى صباغ ليصبغه أصفر فصبغه أحمر أو غير ذلك واختلفا كان
القول قول صاحب الثوب مع يمينه، فإن نقص بالصبغ شيئا كان له مطالبته بقيمة
ما نقص إن شاء ذلك وإن شاء أخذ الثوب من غير المطالبة له بذلك، وإذا أخذ الملاح
أجر السفينة وغرقت بشئ ليس من فعله ولا جناية يده لم يكن عليه شئ، فإن كان
بتفريط من قبله كان ضامنا لما يهلك فيها.
والختان والبيطار والحجام إذا فعلوا بإنسان شيئا من غير أمر وليه وأخذ البراءة كان
عليهم الضمان ولا فرق في ذلك بين أن يكون المجني عليه حرا أو عبدا، وإذا حمل أجير
القصار الثياب فعثر أو سقط فيخرق منها شئ كان على القصار ضمان ذلك، وإذا أمر
انسان حجاما بقلع سن له فقلعها واختلفا فقال صاحب السن: ليست هذه هي التي
أمرتك بقلعها، وقال الحجام: بل هي التي أمرتني بقلعها، كان القول قول صاحب السن
وعلى الحجام الضمان، وإذا استؤجر انسان على عمل شئ فأفسده كان عليه ضمانه.
وإذا دفع انسان إلى حائك غزلا وأمره بأن ينسجه طول ثماني أذرع في أربع فنسجه
أكثر من ذلك أو أقل كان صاحبه مخيرا بين أخذه ودفع الأجر إليه إلا في وجه النقصان
فإنه يعطيه الأجر بحساب ذلك ولا يتجاوز به ما سمي له وبين أن يضمنه مثل غزله
ويدفع الثوب إليه، فإن شرط عليه أن ينسجه صفيقا فنسجه رقيقا أو رقيقا فنسجه
صفيقا كان له مثل أجره ولا يتجاوز به ما سمي له، فإن أمر بأن يزيد في الغزل رطلا
واختلفا فقال النساج: قد زدته، وقال: صاحب الغزل لم تزده، كان على النساج البينة
فإن لم تكن له بينة كان القول قول صاحب الغزل مع يمينه، فإن أقام النساج البينة كان
له أخذ مثل غزله من صاحب الغزل.
وإذا دفع انسان إلى طحان حنطة وشرط عليه أن يعطي من الدقيق زيادة معينة على
كيل الحنطة لم يجز ذلك وإنما له الأجر وعليه أداء الأمانة، وإذا دفع انسان إلى غيره
سمسما وقال له: قشره وربه بالبنفسج ولك أجر درهم، كان ذلك فاسدا لأنه لا يعرف
309

ما شرط من البنفسج، فإن قال: على أن تربه بمد من بنفسج، كان جائزا وإن كان
البنفسج الذي يدخل في مثل ذلك السمسم معروفا عند التجار كان جائزا وكذلك
الحكم في جميع الأدهان.
والاستئجار جائز في أواني الخشب والزجاج والحديد وكذلك السكاكين والقسي
والجعاب والنبل ونصول السيف والدرق والرماح وأوعية الأدم والجرب وحمائل السيوف
وما أشبه ذلك، فإن ضرب لذلك أجلا كان جائزا وإن قدم الثمن كان سلفا.
وإذا دفع انسان إلى إسكاف خفا ينعله فأنعله بنعل لا ينعل الخفاف بمثله كان
صاحب الخف مخيرا بين أن يضمنه قيمة خفه بغير نعله وبين أخذه وأن يدفع إليه أجر
مثله وقيمة النعل لا يجاوز به ما سماه، وإن كان النعل مما ينعل الخفاف بمثله كان
جائزا وإن لم يكن جيدا في الغاية، فإن شرطه عليه أن يكون النعل جيدا فأنعله بغير جيد
كان مخيرا بين أن يضمنه قيمة الخف وبين أخذه وأن يعطيه أجر مثله، وإذا قال
صاحب الخف لهذا العامل: عملته لي بغير شئ، وقال العامل: عملته بدرهم، ولم يكن
لأحدهما بينة كان على صاحب الخف اليمين بأنه ما شارطه على درهم ويغرم قيمة
النعل، وإذا عمل الخف على ما وصف له صاحبه واختلفا في الأجرة وأقاما
البينة كان البينة بينة العامل دون المستعمل.
وإذا دفع انسان إلى صباغ ثوبا ليصبغه أحر فصبغه كذلك واختلفا فقال صاحب
الثوب: صبغته بنصف درهم، وقال الصباغ: بل صبغته بدرهم، فإن كان الثوب قد زاد
بالصبغ وكانت الزيادة درهما أو أكثر كان للصباغ درهم بعد يمينه على أنه ما صبغه
بنصف درهم، وإن كان الزيادة أقل من نصف درهم دفع إليه نصف درهم فإن كان
الصبغ نقص الثوب ولم يزد فيه شيئا كان للصباغ قيمة صبغه.
وإذا دفع انسان إلى صباغ ثوبا على أن يصبغه بنصف رطل عصفر فصبغه برطل
وصاحب الثوب مقر له بذلك كان مخيرا إن شاء ضمنه قيمة الثوب وإن شاء أخذه ودفع
إليه قيمة زيادة العصفر في الثوب مع الأجر، فإن اختلفا فقال صاحب الثوب: ما صبغته
310

إلا بنصف رطل عصفر، وكان مثل ذلك الصبغ يكون بنصف رطل عصفر كان القول
قوله مع يمينه إلا أن يقوم للآخر بينة، وإن كان مثل ذلك الصبغ لا يكون بنصف رطل
عصفر كان القول قول الصباغ مع يمينه.
وإذا شارط انسان قصارا على أن يقصر له خمسة أثواب بدرهم ولم يشاهد الثياب ولا
عرفها كان فاسدا، وكذلك إذا شارطه في الغسل لها على هذا الوجه لأن الثياب تتفاضل
وتختلف وكذلك ما جرى هذا المجرى، فإن شاهد القصار أو الغسال الثياب أو سمي
صاحبها له جنسها ووصفها كان ذلك جائزا، وإذا رد القصار على صاحب الثوب غير
ثوبه عمدا أو خطأ وقطعه وخاطه وحضر صاحبه كان مخيرا بين أن يضمن القصار قيمة
ثوبه ويرجع القصار بتلك القيمة على القاطع للثوب وبين أن يضمن القاطع ويرجع
القاطع بثوبه على القصار وهكذا يجري الأمر في كل صانع.
وإذا دفع انسان إلى خياط ثوبا على أن يخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباءا فكان
لصاحب الثوب أن يضمنه قيمته، فإن أراد أخذ القباء وأن يدفع إليه أجر مثله كان له
ذلك ولا يتجاوز ما سمي له، فإن اختلفا فقال صاحب الثوب: أمرتك بأن تقطعه
قميصا، وقال الخياط: بل أمرتني بأن أقطعه قباءا، فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها
وإلا كان القول قول صاحب الثوب مع يمينه لأن الثوب له والخياط مدع للإذن في قطعه
قباءا فعليه البينة.
وإذا سلم انسان إلى خياط ثوبا وأمره بأن يقطعه قباءا وقال له: بطنه من عندك
واحشه ولك من الأجر كذا وكذا كان باطلا وكان البطانة والحشو للخياط وله أجرة
مثله، فإن قال: بطنه بثوب فلاني وسط واحشه برطل قطن وسط وخطه فلك من الأجر
كذا وكذا، كان ذلك صحيحا وإذا سلم إليه ثوبا وقطنا وبطانة وأمره بأن يقطعه جبة
ويحشوها ويندف القطن عليها وسمي له أجرا معينا كان جائزا.
وإذا شرط انسان على خياط خياطة خمسة أثواب أو عشرة بخمسة دراهم أو عشرة
دراهم ولا يذكر قدرها ولا جنسها لم يصح ذلك، فإن وصفها فقال: هي مروية
311

ومقدارها مقدار هذا الشئ أو مقدار كذا عن شئ معروفا كان صحيحا، وإذا استأجر
انسان بناءا ليبنى داره وشرط أن يكون الآجر والجص من عند البناء كان فاسدا
وكذلك كل ما جرى هذا المجرى، فإن عمله على هذا الوجه كان العمل للمستأجر وكان
للعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد في ذلك.
وإذا استأجر انسان غيره ليحمل له شيئا على ظهره أو في سفينة أو على دابة بدراهم
وسار كان كل ما سار شيئا من طريقه استحق من الأجر بقسط ذلك فإن عجل له
الأجر كان جائزا فإن باعه بالأجر متاعا ودفعه إليه كان جائزا، فإن لم يوفه العمل كان
له الرجوع عليه بالدراهم دون المتاع لأنه باعه ذلك بشئ عليه، فإن باعه بالدراهم
دينارا ودفعه إليه قبل أن يحمل له ذلك ثم حمله ووفاه ما شرطه كان جائزا، فإن مات
قبل أن يوفيه العمل وقد حمله بعض الطريق رد عليه من الدراهم بمقدار ما بقي من
العمل، فإن كان هذا المستأجر استأجر على البلاغ إلى مكان معين لم يجب له من الأجر
حتى يبلغ المكان فإذا بلغه استحق الأجر تاما.
إذا استأجر انسان طاحون ماء مع البيت الذي هي فيه وآلتها بأجر معين كان
جائزا، فإن انقطع عنها الماء فلم يعمل وضع عنه من الأجر بحساب ما تعطلت وله أيضا
نقض الإجارة، فإن لم ينقضها حتى عاد الماء إلى ما كان عليه كانت الإجارة لازمة له
فيما بقي من المدة، فإن استأجرها يوما واحدا وانقطع عنها الماء في ذلك اليوم لم يكن له
نقضها بل يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك، فإن اختلفا في ذلك كان القول قول
المستأجر مع يمينه، فإن قال المؤجر: لم ينقطع الماء وكان الماء منقطعا يوم اختصما، كان
القول قول المستأجر مع يمينه وإن كان جاريا كان القول قول المؤجر مع يمينه.
وإذا استأجر من غيره مكانا على نهر ليبني عليه بيتا ويعمل فيه طاحونا ويكون
البناء والحجارة والحديد والخشب من عند هذا المستأجر كان جائزا، فإن انقطع ماء
النهر وبطلت الرحى فلم يعمل كانت الإجارة لازمة للمستأجر ولم يكن له على المؤجر
شئ، وإذا استأجر انسان رحى بآلتها ومتاعها وقل الماء إلى أن أضر ذلك بالطحن وهو
312

يطحن على ذلك نظرت في الضرر، فإن كان ضررا فاحشا كان له ترك الإجارة وإن
كان غير فاحش كانت الإجارة لازمة له.
وإذا خشي صاحب الرحى من انقطاع الماء ففسخ الإجارة وآجر البيت والحجر
والآلات كان جائزا، فإن انقطع الماء كان للمستأجر ترك الإجارة، وجرى هذا مجرى
طحان استأجر رحى يطحن عليها بدابته فنفقت الدابة ولم يكن معه ما يبتاع به دابة
أخرى في أن له ترك الإجارة.
وإذا استأجر انسان رحى للماء بآلتها فانكسر أحد الحجرين أو الدوارة كان له فسخ
الإجارة، فإن عمل صاحب الرحى ما انكسر من ذلك أو فسد قبل الفسخ لم يكن له
بعد ذلك الفسخ ولكن يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك، فإن اختلفا في مبلغ العطلة
كان القول قول المستأجر إلا أن يذكر المؤجر ذلك.
وإذا استأجر انسان جملين من بلد معين إلى مكة يحمل على أحدهما محملا يكون فيه
اثنان وما يحتاجان إليه من الرحل وغيره وشاهد الجمال هذا والرحل الذي يحتاجان إليه
والآخر يكون زاملة يحمل عليه الدقيق وما يحتاج إليه أيضا من قوت وأدم وما أشبه ذلك
كان جائزا، ولهذين الرجلين أن يحملا على الجملين مثل ما يحمل الناس في هذا
الطريق، فإن اشترطا في ذلك وزنا معلوما في الذهاب والعودة كان أحوط.
وإذا استأجر من غيره محملا وزاملة وشرط عليه حملا معلوما على الزاملة فما أكل من
ذلك الحمل أو نقص من الوزن أو الكيل كان له أن يتم ذلك في كل منزل ذاهبا
وعائدا، فإن خرج بهما يقودهما ولم يحمل عليهما شيئا ماضيا وراجعا كان عليه الأجر تاما
ولا يلزم الجمال نقص شئ من الأجر لذلك، فإن مات المستأجر بعد أن قضى
المناسك وعاد إلى مكة كان عليه من الأجر بحساب ذلك، وهكذا إن كان مسيره في
البدأة على مدينة النبي ص أو في الرجعة حوسب بقدر ما قطع من
الطريق وبقي بمقامه معه في أيام المناسك وكذلك أيضا لو مات في بعض الطريق ماضيا
أو عائدا.
313

وإذا استأجر جمل كنيسة فأراد أن يحمل أكبر من ذلك لم يجز له وإن أراد أن يجعل
أصغر منها كان جائزا، وإن استأجر جمل محمل وأراد أن يبدله بمحمل غيره ولم يكن فيه
ضرر كان جائزا وإن كان فيه ضرر لم يجز له ذلك.
وإذا استأجر من جمال محملا من بلد معين إلى مكة وشرط عليه سيرا معينا في كل
يوم كان جائزا إن لم يعقه عائق، فإن لم يشترط له فالمراحل المعلومة أو سار بسير الرفقة إن
كان مع رفقة أو بسير السلطان إن كان معه سلطان يسير بالناس، فإن لم يكن معه رفقة
ولا سلطان وأراد المستأجر مجاوزة المراحل وأراد الجمال التقصير أو أراد التقصير وأراد
الجمال مجاوزتها لم يكن لهما ذلك إلا أن يتراضيا عليه.
وإذ استأجر جماعة مشاة بعيرا وشرطوا على الجمال أن يحمل من أعيا منهم أو مرض
كان فاسدا فإن شرطوا عليه لكل واحد منهم عقبة كان صحيحا، وإذا استأجر لغلامه
عقبة وأراد الجمال من الغلام أن يركب النهار ويمشي الليل أو يركب الليل ويمشي النهار
لم يكن له ذلك وكذلك لو أراد المستأجر ذلك لم يجز، وإنما له من العقب ما يتعارفه
الناس لا توالي المشي فيستضر ولا الركوب فيضر بالبعير، فإن تشارطا على أن يكون
الركوب ليلا دون النهار وفي النهار دون الليل كان ذلك على ما استقر الشرط عليه.
وإذا استأجر انسان خبازا ليخبز له في بيته خبزا معلوما فخبزه ثم سرق بعد ذلك
كان للخباز الأجر كاملا وإن سرق قبل فراغه منه كان له من الأجر بقدر ما عمل منه،
وإن خبزه في بيت الخباز لم يكن له من الأجر شئ ولا يلزم ضمان ما سرق، وإذا
احترق الخبز في التنور قبل اخراجه منه كان الخباز ضامنا له لأنه من عمله وتفريطه،
فإن ضمنه قيمته مخبوزا كان له الأجر كاملا وإن ضمنه الدقيق لم يكن له أجر، وإذا
عمل الصانع من صباغ أو خياط أو ما جرى مجراهما من الصناع في بيت المستأجر لهم
كانوا ضامنين لما جنته أيديهم كما يضمنون ذلك إذا عملوا في بيوتهم.
وإذا استأجر انسان خياطا ليخيط له في بيته قميصا فخاط بعضه وسرق القميص
كان للخياط من الأجر بقدر ما خاط منه، وإن استأجره ليخيط له ذلك في بيت الأجير
314

فسرق لم يكن للخياط من الأجر شئ، وإذا استأجر إنسانا يحمل له شيئا على ظهره أو
يعمل له عملا في بيته أو غير بيته وهو أو وكيله حاضر لماله حافظ له فهلك من غير جناية
من الصانع أو الأجير لم يكن على الصانع ضمانه وإن جنى عليه غيره كان الضمان على
الجاني.
وإذا استأجر انسان طباخا يطبخ له طعاما في وليمة فأفسده كان عليه ضمانه فإن
تلف بجناية غيره لم يلزمه ضمانه، وإذا جنى انسان على ما في يد الصانع كان صاحبه
مخيرا بين أن يضمنه الصانع ويرجع الصانع على الجاني وبين أن يضمنه الجاني وللصانع
الرجوع على الجاني كما ذكرناه، وليس للجاني الرجوع على الصانع.
وإذا استأجر انسان ألف درهم كل شهر بدرهم يعمل بها كان ذلك فاسدا وليس
له أجر على ذلك وعليه ضمان الدراهم، فإن استأجرها ليزن بها يوما إلى الليل بأجر
مسمى كان مكروها، وإذا استأجر حنطة مسماة يعتبر بها المكاييل يوما إلى الليل كان
ضامنا لذلك لأنه عمل يعمله في غير العين المستأجرة.
وإذا استأجر انسان إنسانا ليقتل رجلا لم يجز له ذلك ولا أجر له وكذلك كل إجارة
في ظلم أو تعد، وإذا استأجر انسان كحالا يكحل عينه شهرا بدراهم مسماة كان جائزا
وكذلك المعالجة في جميع الأدواء.
وإذا استأجر فحلا ينزيه لم يجز، وقد ذكر أنه مكروه والاحتياط يقتضي ما ذكرناه.
وإذا استأجر دابة معينة على أنه إن بلغه موضع كذا كان له عشرة دراهم وإن لم
يبلغه لم يكن له شئ كان فاسدا وعليه أجرة المثل، وإذا استأجر دابة إلى بلد معلوم على
أنه إن رزقه الله تعالى من زيد شيئا دفع إليه من ذلك كذا كان فاسدا وله أجر مثلها،
وإذا دفع انسان إلى عصار سمسما أو إلى طحان حنطة وشرط في ذلك كيلا معينا يؤديه
إليه على أجر يجعله له لم يجز ذلك وكان للعصار والطحان مثل أجر عملهما ولصاحب
السمسم والحنطة ما أخرجا.
وإذا استأجر انسان رجلا ليحفر له بئرا ولم يصفها له ولا عين كم يكون عمقها
315

ذراعا ولا دورها لم يجز ذلك، فإن قال: عشرة أذرع عمقا وكذا وكذا ذراعا دورها بأجر
مسمى، كان صحيحا، فإن حفر منه ثلاث أذرع فخرج عليه جبلا داهية أشد عملا
فأراد تركه لم يكن له ذلك إذا كان يطيق عمله، فإن شرط عليه كل ذراع في طين أو
سهل بأجرة معينة وكل ذراع في جبل بأجرة معينة وكل ذراع في الماء بأجرة معينة وسمي
طولها ودورها كان جائزا على ما اشترطاه، وإذا استأجره ليحفر له نهرا في جبل عين له
طوله عشرة أذرع في عرض عينه فحفر منه شيئا ثم ظهر عليه جبل أصم، فإن كان يطيق
حفره كان حفره لازما له وإن كان مثله لا يطاق كان له ترك الإجارة ويكون له من
الأجر بحساب ما حفر منه.
وإذا استأجر إنسانا ليحفر له قبرا فحفره ثم دفن انسان آخر قبل أن يأتي المستأجر
بميته لم يكن على المستأجر أجر، فإن حفر المستأجر وخلى الأجير بينه وبين القبر ثم أنهار
بعد ذلك أو دفن فيه انسان آخر كان للأجير عليه الأجر تاما، وإذا أمر انسان حفارا بأن
يحفر له قبرا وكان هذا المستأجر في ناحية من نواحي البلد الذي هو فيه ولم يبين له
المكان وحفر له في الناحية التي جرت عادة أهل تلك القبيلة بدفن موتاهم فيها من تلك
المدينة كان له الأجر على الذي استأجره، وإن حفر في غير تلك الناحية لم يكن له أجر
إلا أن يدفنوا ميتهم في حفرته فإن فعلوا ذلك كان له الأجر، وإذا استأجره على أن يحفر
له قبرا ولم يسم له لحدا ولا شقا كان الاعتبار في ذلك بعادة أهل الموضع فإن كان معظم
عملهم في ذلك اللحد كان عليه حفره بلحد وإن كان شقا كان عليه حفره كذلك.
وإذا استأجر إنسانا على أن يحفر له بئرا عشرة أذرع طولا في دور معين بدينار وسلمه
إليه وقال له الحفار: إنما دفعت إلى الدينار على أن أحفر به خمسة أذرع طولا، ولم يكن
عمل بعد شيئا وأنكر المستأجر ذلك تحالفا وتفاسخا الإجارة، وإن كان قد حفر خمسة
أذرع طولا كان القول قول المستأجر مع يمينه ويدفع إليه من الأجر بحساب ذلك
ويحلف.
وإذا استأجر انسان غيره على أن يبني له بالجص والآجر يوما كاملا كان عليه أن
316

يبني له من حين صلاة الفجر إلى حين غروب الشمس لأنه استأجره يوما واليوم هو
ما ذكرناه، فأما الذين يعملون إلى العصر وينصرفون فليس لهم ذلك إلا أن يشترطوه أو
يكون عادتهم جارية بذلك وهو معلوم من حالهم وأنه رسم لهم فإن كان كذلك كان
بمنزلة الشرط.
وإذا استأجر انسان عبدا شهرين شهرا بخمسة وشهرا بستة كان الشهر الأول
بخمسة والشهر الثاني بستة فإن شرط الأول بستة كان جائزا، وإذا استأجره ليخدمه في
بلده لم يجز له السفر به فإن سافر به كان ضامنا له ولا يكون عليه أجر إلا أن يسلم،
وليس له أن يضرب العبد إلا بإذن سيده فإن ضربه فعطب كان عليه الضمان، وإذا
دفع الأجر عند انسلاخ الشهر إلى العبد وكان السيد هو الذي آجره لم تبرأ ذمته من
الأجر وإن كان العبد هو الذي آجر نفسه فقد برئ من ذلك.
والموت يفسخ الإجارة ولا فرق في ذلك بين أن يكون الميت هو المستأجر أو المؤجر،
وعمل الأكثر من أصحابنا على أن موت المستأجر هو الذي يفسخها لا موت المؤجر وقد
كان شيخنا المرتضى رضي الله عنه سوى بينهما في ذلك، فإنه بين أن الوجه فيهما واحد
وليس هذا موضع ذكر ذلك فنذكره.
وإذا كان للإنسان صبرة واحدة مشاهدة يتيقن المستأجر أن فيها عشرة أقفزة وشك
في الزيادة فقال لغيره: استأجرتك لحمل عشرة أقفزة من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم
وما زاد فبحسابه، صح العقد في عشرة أقفزة لأنها معلومة وبطل فيما زاد لأن وجود ذلك
مشكوك فيه لأنه لا يعلم هل يزيد على عشرة أقفزة أو لا يزيد على ذلك والعقد على ما لا
يتحقق وجوده عقد على غرر وذلك لا يجوز.
وإذا استأجر من غيره كلبا لحراسة الماشية أو الزرع أو استأجره للصيد كان جائزا
لأنه لا مانع يمنع من ذلك ولأن بيع هذه الكلاب يصح وما صح بيعه صح الاستئجار له،
وإذا استأجر من غيره سنورا لصيد الفأر كان جائزا.
وإذا استأجر غيره ليسلخ له ذكيا على أن يكون جلده له كان جائزا، وإذا استأجر
317

على أن ينقل له ميتة على أن يكون جلدها له لم يجز ذلك لأن بيع جلود الميتة لا يجوز.
وإذا تقبل انسان من غيره عملا بأجر معين وأراد أن يقبله غيره بأقل من ذلك، فإن
كان قد أحدث فيه حدثا كان جائزا وإن لم يكن أحدث فيه شيئا لم يجز ذلك له، وإذا
استأجر دارا بأجر معين وآجرها بأكثر من ذلك وكان قد أحدث فيها حدثا كان ذلك
جائزا والزيادة له، وإن كان لم يحدث فيها حدثا لم يجز له ذلك وكانت الزيادة لمالكها
إذا كان قد آجرها بذلك، وإذا دفع انسان إلى الأجير قبل فراقه من العمل طعاما أو
متاعا على أجرته ولم يعين سعره كان عليه سعر الوقت الذي دفع إليه فيه ذلك والأجر
يستحقه المستأجر عند الفراع من العمل ولا يجوز تأخيره عنه في هذه الحال ويجوز تقديمه
له.
318

فقه القرآن
باب الإجارات:
قوله تعالى: قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين
يدل على صحة الإجارة زائدا على السنة والإجماع من أن كل ما يستباح بعقد العارية يجوز أن
يستباح بعقد الإجارة، من إجارة الرجل نفسه وعبيده وداره وعقاره بلا خلاف، والاستئجار
طلب الإجارة، وهي العقد على ما أمر بالمعاوضة.
حكى الله تعالى ما قال أبو المرأتين شعيب لموسى: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي
هاتين على أن تجعل أجر رعي ماشيتي ثماني سنين صداق ابنتي، ثم جعل لموسى كل سخلة
تلد على خلاف شية أمها، فأوحى الله إليه أن ألق عصاك في الماء إذا شربن فولدن كلهن
خلاف شيتهن، وجعل الزيادة على المدة إليه الخيار: فإن أتممت عشرا فمن عندك، أي
هبة منك غير واجبة عليك فقضى موسى أتم الأجلين وأوفاهما، فإذا ثبت ذلك فاعلم أن
الإجارة عقد معاوضة وهي من عقود المعاوضات اللازمة كالبيع والشراء.
والإجارة على ضربين: أحدهما ما تكون المدة معلومة والعمل مجهولا مثل أن يقول:
آجرتك شهرا لتبني، والثاني أن تكون المدة مجهولة والعمل معلوما مثل أ يقول: آجرتك
لتبني هذه الدار وتخيط هذا الثوب، فأما إذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما هنا
فلا يصح، فإنه إذا قال: استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا، كانت الإجارة باطلة، لأنه
ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقي بعض المدة بلا عمل، وربما لا يفرع منه بيوم ويحتاج إلى مدة
319

أخرى ويحصل العمل بلا مدة.
والبهائم والحيمان تكترى للركوب وللحمولة وللعمل عليها بدلالة قوله تعالى: والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة، وعن ابن عباس في قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم، فقال: المعنى لا جناح عليكم أن تحجوا أو تكروا الجمال للركوب
والعمل، فإن آجرها ليركب عليها فلا بد من أن يكون المحمول معلوما والمحمول له وأن
يكون المركوب معلوما والراكب معلوما، أما المركوب فيصير معلوما إما بالمشاهدة
أو بالصفة، فالمشاهدة أن يقول: أو اكتريت منك هذا الجمل شهرا أو اكتريت منك هذا الجمل
لأركبه إلى مكة.
فأما إذا كان معلوما بالصفة فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء: الجنس والنوع والذكورية
والأنوثية، أما الجنس فإن يقول: جمل حمار بغل دابة، والنوع أن يذكر: حمار مصري جمل
بختي أو عربي، ويقول: ناقة أو جمل لأن السير على النوق أطيب منه على الجمل، وأما
الراكب فيجب أن يكون معلوما ولا يمكن ذلك إلا بالمشاهدة لأنه لا يوزن ثم هو بالخيار إن
شاء ركبه هو أو يركب من يوازنه، ويكون في معناه هذا إذا أكراها مطلقا.
320

غنية النزوع
فصل في الإجارة:
كل شئ يستباح بالعارية يستباح بعقد الإجارة بلا خلاف ممن يعتد به، وتفتقر
صحتها إلى شروط:
منها ثبوت ولاية المتعاقدين، فلا يصح أن يؤجر الانسان ما لا يملك التصرف فيه لعدم
ملك أو إذن أو ثبوت حجر أو رهن أو إجارة متقدمة أو غير ذلك.
ومنها أن يكون المعقود عليه من الجانبين معلوما، فلو قال: آجرتك إحدى هاتين
الدارين أو بمثل ما يؤجر به فلان داره، لم يصح.
ومنها أن يكون مقدورا على تسليمه حسا وشرعا، فلو آجر عبدا آبقا أو جملا شاردا
لا يتمكن من تسليمه أو ما لا يملك التصرف فيه لم يصح.
ومنها أن يكون منتفعا به، فلو آجر أرضا للزراعة في وقت يفوت بخروجه والماء واقف
عليها لا يزول في ذلك الوقت لم يصح لتعذر الانتفاع.
ومنها أن تكون المنفعة مباحة، فلو آجر مسكنا أو دابة أو وعاء في محظور لم يجز.
فإن كان المستأجر مسكنا احتيج مع ما تقدم من الشروط إلى تعيين المدة، وإن كان دابة
افتقر إلى ذلك أيضا أو إلى تعيين المسافة، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة المحقة، ولأنه
321

لا خلاف في صحة العقد مع تكامل ما ذكرناه وليس على صحته مع اختلال بعضه دليل.
وإذا صح العقد استحقت الأجرة عاجلا إلا أن يشرط التأجيل بدليل الاجماع المشار
إليه وأيضا قوله تعالى: فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن، لأن المراد فإن بذلن لكم الرضاع
بدليل قوله في آخر الآية: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، والتعاسر أن لا ترضى بأجرة
مثلها.
ويملك المؤجر الأجرة والمستأجر المنفعة بنفس العقد حتى لو استأجر دابة ليركبها إلى
مكان بعينه فسلمها إليه فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها فلم يفعل استقرت الأجرة عليه
بدليل الاجماع الماضي ذكره ولأنه عقد له على منفعة ومكنه منها فلم يستوفها وضيع حقه
وذلك يسقط حق المؤجر.
وإذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، صح العقد وإن لم يعين آخر المدة لأن الأصل
الجواز والمنع يحتاج إلى دليل، ويستحق الأجرة للزمان المذكور بالدخول فيه، ويجوز الفسخ
بخروجه ما لم يدخل في الثاني، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول
ابتدائها لافتقار صحة الإجارة إلى التسليم، ومنهم من اختار القول بجواز ذلك وهو أولى
لقوله: أوفوا بالعقود، وقوله: ع: المؤمنون عند شروطهم، وأما التسليم فهو مقدور
عليه حين استحقاق المستأجر له، وتعذره قبل ذلك لا ينافي عقد الإجازة.
ولا يجوز أن يؤجر بأكثر مما استأجر من جنسه - سواء كان المستأجر هو المؤجر أو غيره
- إلا أن يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه بدليل الاجماع المشار إليه ولأنه لا خلاف في
جواز ذلك بعد الحدث ولا دليل على جوازه قبله، ولا بأس بذلك مع اختلاف الجنس مثل أن
يستأجر بدينار فيؤجره بأكثر من قيمته من العروض، لأن الربا لا يدخل مع الاختلاف، ولأن
الأصل في العقل والشرع جواز التصرف فيما يملك إلا لمانع، وإذا ملك المستأجر التصرف
بالعقد جاز أن يملكه لغيره على حسب ما يتفقان عليه من زيادة أو نقصان، اللهم إلا أن
يكون استأجر الدار على أن يكون هو الساكن والدابة على أن يكون هو الراكب، فإنه
لا يجوز والحال هذه إجارة ذلك لغيره على حال بدليل الاجماع المشار إليه.
والإجارة عقد لازم من كلا الجانبين لا ينفسخ إلا بحصول عيب من قبل المستأجر -
322

نحو أن يفلس فيملك المؤجر الفسخ - أو من قبل المستأجر - مثل انهدام المسكن أو غرفة
على وجه يمنع من استيفاء المنفعة - فيملك المستأجر الفسخ ويسقط عنه الأجرة إلى أن يعيد
المالك المسكن إلى الحالة الأولى لأن المعقود عليه قد فات، اللهم إلا أن يكون ذلك بتعدي
المستأجر فيلزمه الأجرة والضمان.
وتنفسخ الإجارة بموت أحد المتعاقدين بدليل الاجماع الماضي ذكره، لأن من خالف في
ذلك من أصحابنا لا يؤثر خلافه في دلالة الاجماع لما بيناه فيما مضى، وأيضا فالمستأجر دخل
على أن يستوفي المنفعة من ملك المؤجر وقد فات ذلك بموته، وكذا إن كان المؤجر عقد على
أن يستوفي المستأجر المنفعة لنفسه.
ولا يملك المستأجر فسخ الإجارة بالسفر - وإن كان ذلك بحكم الحاكم - ولا بغير ذلك
من الأعذار المخالفة لما قدمنا ذكره، مثل أن يستأجر جملا للحج فيمرض أو يبدو له من
الحج، أو حانوتا ليتجر ببيع البز فيه وشرائه فيحترق بزه أو يأخذ ماله اللصوص.
ولا تنفسخ الإجارة بالبيع وعلى المشتري إن كان عالما بالإجارة الإمساك عن التصرف
حتى تنقضي مدتها، وإن لم يكن عالما بذلك جاز له الخيار في الرد بالعيب بدليل الاجماع
المشار إليه، ويدل أيضا على أن الإجارة لا تنفسخ بشئ مما ذكرناه قوله تعالى: أوفوا
بالعقود، وهذا عقد فوجب الوفاء به، وأيضا فقد ثبت صحة العقد والقول بأن شيئا من ذلك
يبطله يفتقر إلى دليل.
ومتى تعدى المستأجر ما اتفقا عليه من المدة أو المسافة أو الطريق أو مقدار المحمول أو
عينه إلى ما هو أشق في الحمل أو المعهود في السير أو في وقته أو في ضرب الدابة ضمن الهلاك
أو النقص، ويلزمه أجر الزائد على الشرط بدليل الاجماع المشار إليه، ولأنه لا خلاف في براءة
الذمة منه إذا أدى ذلك وليس على براءتها إذا لم يؤده دليل.
ولو رد الدابة إلى المكان الذي اتفقا عليه بعد التعدي بتجاوزه لم يزل الضمان بدليل
الاجماع المتكرر، وأيضا فقد ثبت الضمان بلا خلاف فمن ادعى زواله بالرد إلى ذلك المكان
فعليه الدليل، فإن ردها إلى البلد الذي استأجرها منه إلى يد صاحبها زال ضمانه.
والأجير ضامن لتلف ما استؤجر فيه أو نقصانه إذا كان ذلك بتفريطه أو نقصان من
323

صنعته سواء كان ختانا أو حجاما أو بيطارا أو غير ذلك وسواء كان مشتركا - وهو المستأجر
على عمل في الذمة - أو مفردا - وهو المستأجر للعمل مدة معلومة - لأنه يختص عمله فيها بمن
استأجره، يدل على ذلك الاجماع الماضي ذكره، ويحتج على المخالف بقوله ع:
على اليد ما أخذت حتى تؤديه، لأنه يقتضي ضمان الصناع على كل حال إلا ما خصه
الدليل مما ثبت أنهم غلبوا عليه ولم يكن بجنايتهم.
وأجرة الكيال ووزان البضاعة على البائع لأن عليه تسليم ما باعه معلوم المقدار،
وأجرة وزان الثمن وناقده على المشتري لأن عليه تسليم الثمن معلوم الجودة والوزن.
وأجر رد الضالة على حسب ما يبذله مالكها، فإن لم يعين شيئا كان أجر رد العبد أو الأمة
أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة ومن غير المصر أربعين درهما، وما عدا ذلك يقضى
فيه بالصلح.
ومن آجر غيره أرضا ليزرع فيها طعاما صح العقد ولم يجز له أن يزرع غير ذلك بدليل
قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، وإذا آجرها للزراعة
من غير تعين لما يزرع كان له أن يزرع ما شاء لأن الأصل الجواز والمنع يفتقر إلى دليل، وإذا
آجرها على أن يزرع ويغرس ولم يعين مقدار كل واحد منهما لم يصح لأن ذلك مجهول
والضرر فيه مختلف، وإذا لم يعين بطل العقد.
وإذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة أو المنفعة وفقدت البينة حكم بينهما
بالقرعة، فمن خرج اسمه حلف وحكم له لإجماع الطائفة على أن كل أمر مجهول مشتبه
فيه القرعة.
324

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
باب في بيان الإجارة:
الإجارة عقد على منفعة بعوض ولا يصح فيه تعيين الأجل والعمل معا، فإن عينا بطل
والأجير: منفرد ومشترك.
فالمنفرد المخصوص بالعمل لواحد ويصح استئجاره بشرطين: تعيين الأجل إن كان
العمل مجهولا وتعيين الأجرة، وتعيين العمل والأجرة إن كان العمل معلوما، والمشترك يعين
عمله وأجرته دون المدة وكل واحد منهما ضامن لجنايته بأرش النقصان ولتلفه بالتفريط
من غير تعد قيمة يوم التلف، والمتلف بتعدية أكثر قيمته من يوم التلف، وإن تلف من غير
تفريط منه لم يضمن.
وتبطل الإجارة بستة أشياء: بموت كليهما وبموت أحدهما وبهلال المستأجر قبل التسليم
وبمنعه قبل القبض من التصرف وبخروج الأجرة مستحقة إذا كانت مشاهدة، وبأن يشرط
في عقد الإجارة تسليم ما وقع عليه عقد الإجارة بعد أيام من وقت العقد.
وتسقط الأجرة بإسقاط المؤجر ولا تسقط المنفعة المستأجر ولهذا على ذاك الأجرة ولذلك
على هذا المنفعة، فإن انهدام المسكن المستأجر بتفريط من المستأجر لزمته الإعادة إلى مثل
ما كان عليه وتوفير الأجرة، وإن انهدم بتفريط من المؤجر، أو بغير تفريط من أحدهما
سقطت الأجرة إلا أن يعيده إلى حال العمارة، وإذا لم يمكن المستأجر الانتفاع بما استأجره
325

من غير سبب منه سقط عنه مال الإجارة حتى يعود إلى حال يصح الانتفاع به، ولا تبطل
الإجارة بالبيع، فإن علم المبتاع بالإجارة لزمه الصبر إلى انقضاء مدة الإجارة وإن لم يعلم
كان له الخيار بين فسخ البيع والصبر.
والإجارة يدخلها خياران: خيار الرؤية إذا استأجر موصوفا وخيار الشرط، ولزم ما
شرط المؤجر، فإن شرط أن يسكن المستأجر المسكن بنفسه لم يكن له أن يسكن غيره ولا أن
يؤجر من غيره، وإن استأجر مطلبا جاز له أن يسكن غيره إلا القصار والحداد، وأن يضع
فيه المبتاع إلا ما يضر به مثل السرقين، وأن يشارك غيره في السكنى وأن يؤجر من غيره
بمثل ما استأجره به، ويؤجر بعضه بأقل من مال الإجارة، فإن أحدث فيه حدثا يزيد بسببه في
الأجرة جاز أن يؤجر البعض بمثل مال الإجارة وبأكثر، والكل بأكثر منه.
ومنفعة غير الحيوان يجب كونها مقدرة ومنفعة الحيوان تجوز أن تكون مقدرة وغير
مقدرة، فإن استأجر بهيمة لم يخل من ثلاثة أوجه: إما استأجر للركوب أو للحمل أو للعمل.
فإن استأجر للركوب عين أربعة أشياء: الراكب والطريق والمنزل والركوب بالمحمل
أو الزاملة أو القتب بعد رؤية ذلك ومعالقها، فإن عين المركوب وعجز أو نفق بطل الإجارة
فيما بقي، وإن استأجر في الذمة وصف المركوب بأربعة أشياء: بالجنس والنوع والجري وكل
ما تختلف الأجرة بسببه، فإن خالف أو تلف أو غاب ضمن.
وإن استأجر للحمل ذكر سبعة أشياء: الجنس والمقدار والموضع المحمول منه
والمحمول إليه وحكم السير والنزول والرحال.
وإن استأجر للعمل احتاج إلى أربعة أشياء: كونه مشاهدا أو في حكمه وتعيين المدة أو
العمل وتقدير الأجرة ومشاهدة ما يعمل فيه أو حكمها.
وإن استأجره حرة أو أمة للرضاع احتاج إلى خمسة شروط: مشاهدة الصبي وتعيين
البيت الذي ترضعه فيه وتقدير الزمان والأجرة وكون العمل مجهولا، فإن أطلق الإجارة لزم
الأجرة حاله وإن قيد لزم على حسب الشرط وإن عين الأجل لزم العمل على حسب المعهود
بين الناس.
326

كتاب الإجارة
يستباح بعقد الإجارة نفس الانسان وعبده وثوبه وداره وعقاره، وتفتقر صحتها إلى
شروط:
منها: ثبوت ولاية المتعاقدين فلا يصح أن يؤجر الانسان ما لا يملك التصرف فيه
لعدم ملك أو إذن، أو ثبوت حجر أو رهن أو إجارة متقدمة أو غير ذلك.
ومنها: أن يكون المعقود عليه من الجانبين معلوما فلو قال: آجرتك إحدى هاتين
الدارين أو بمثل ما يؤجر به فلان داره، لم يصح.
ومنها: أن يكون مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلو آجر عبدا آبقا أو جملا شاردا
لا يتمكن من تسليمه أو ما لا يملك التصرف فيه لم يصح.
ومنها: أن يكون منتفعا به فلو آجر أرضا للزراعة في وقت يفوت بخروجه والماء
واقف عليها لا يزول في ذلك الوقت لم يصح لتعذر الانتفاع.
ومنها: إن تكون المنفعة مباحة فلو آجر مسكنا أو دابة أو وعاء في محظور لم يجز، فإن
كان المستأجر مسكنا احتيج مع ما تقدم من الشروط إلى تعيين المدة، وإن كان دابة افتقر إلى
ذلك أو إلى تعيين المسافة، وإذا صح العقد استحقت الأجرة عاجلا إلا أن يشترط التأجيل.
327

ويملك المؤجر الأجرة والمستأجر المنفعة بنفس العقد حتى لو استأجر دابة ليركبها
إلى مكان بعينه فسلمها إليه فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها فلم يفعل استقرت الأجرة
عليه، وإذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، صح العقد، وإن لم يعين آخر المدة،
ويستحق الأجرة للزمان المذكور بالدخول فيه ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحة الإجارة إلى
التسليم، ومنهم من قال بجوازه وأن التسليم مقدور عليه حين استحقاق المستأجر له
وتعذره قبل ذلك لا ينافي عقد الإجارة.
ولا يجوز أن يؤجر بأكثر مما استأجر به من جنسه، سواء كان المستأجر هو المؤجر
أو غيره إلا أن يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه به، ولا بأس بذلك مع اختلاف الجنس
كأن يستأجر بدينار فيؤجر بأكثر من قيمته من العروض، وإذا ملك المستأجر التصرف
بالعقد جاز أن يملكه لغيره على حسب ما يتفقان عليه من زيادة أو نقصان إلا أن يكون
استأجر الدار على أن يكون هو الساكن والدابة على أن يكون هو الراكب فإذن لا يجوز
إجارته لغيره.
والإجارة عقد لازم من كلا الطرفين لا ينفسخ إلا بحصول عيب من قبل
المستأجر نحو أن يفلس فيملك المؤجر الفسخ أو من قبل المستأجر مثل انهدام المسكن أو
غرقه على وجه يمنع من استيفاء المنفعة فيملك المستأجر الفسخ وتسقط عنه الأجرة إلى أن
يعيد المالك المسكن إلى الحالة الأولى إلا أن يكون ذلك بتعدي المستأجر فيلزمه الأجرة
والضمان.
وتنفسخ الإجارة بموت أحد المتعاقدين ولا يملك المستأجر فسخ الإجارة بالسفر وإن
كان ذلك بحكم حاكم ولا بغير ذلك من الأعذار المخالفة لما سبق كأن يستأجر جملا للحج
فيمرض أو يبدو له من الحج أو حانوتا ليتجر ببيع البر فيه وشرائه فيحترق بره أو يأخذ ماله
اللصوص.
ولا تنفسخ الإجارة بالبيع وعلى المشتري إن كان عالما بذلك الإمساك عن التصرف
حتى تنقضي مدتها، وإن لم يكن عالما بذلك فله خيار الرد بالعيب، ومتى تعدى المستأجر ما
328

اتفقا عليه من المدة أو المسافة أو الطريق أو مقدار المحمول أو عينه إلى ما هو أشق في الحمل
أو المعهود في السير أو في وقته أو في ضرب الدابة ضمن الهلاك أو النقص ويلزمه أجرة الزائد
على الشرط، ولو رد الدابة إلى المكان الذي اتفقا عليه بعد التعدي بتجاوزه لم يزل الضمان،
فإن ردها إلى البلد الذي استأجرها منه إلى يد صاحبها زال ضمانه، هذا إذا لم يكن معها
صاحبها وإن كان معها صاحبها فلا ضمان. والأجير ضامن لتلف ما استؤجر فيه أو نقصانه
إذا كان ذلك بتفريطه أو نقصان من صنعته سواء كان مستأجر لعمل في الذمة أو للعمل
مدة معلومة.
إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة أو المنفعة وفقدت البينة حكم بينهما
بالقرعة فمن خرج اسمه حلف وحكم له.
إذا كان العمل والمدة معلومين لم تصح الإجارة كأن يقول: استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي
هذا، لأنه يجوز أن لا يتم ذلك آخر النهار ويجوز أن يفرع منه وسط النهار أيضا.
إذا استأجر عبدا من مولاه فأبق انفسخ الإجارة كالدار إذا انهدمت وللمستأجر
الخيار لأنه يرجو رجوع الآبق قبل تقضي المدة، فإن رجع انفسخ العقد فيما مضى من المدة
دون ما بقي.
إذا اكترى دارا ثم بعضها لم يجبر المكري على بناء ذلك وللمكتري الخيار بين الفسخ
والإمضاء فيما بقي من المدة فإن كان ذلك من قبل المكتري أو بتفريط منه كان ضامنا له
و عليه مال الإجارة، وإذا انسدت البالوعة أو انطم الخلاء بعد الإجارة فعلى المكتري كنسها
إذا استأجر دارا فأسكنها حدادا أو قصارا وتقطع البناء بصناعتهما فلصاحبها
الأجرة المسماة وأرش ما نقص من قيمتها بالتعدي.
إذا آجر عبدا سنة فمات العبد قبل القبض أو بعده قبل الاستنفاع به انفسخ
العقد، وإن مات بعد الاستنفاع به في أثناء السنة انفسخ العقد فيما بقي منها وله الأجرة
بمقدار ما مضى من السنة، وهكذا الدار إذا انهدمت.
إذا استأجر دابة من موضعه إلى أخرى ثم تجاوز بها من حيث استأجرها إليه يلزمه
الأجرة المذكورة وأجرة المثل في المسافة الزائدة، ويكون ضامنا لها إن لم يكن معها صاحبها
329

من حين التعدي إلى أن يردها إلى صاحبها في الموضع الذي استأجرها فيه، ومع صاحبها
لا ضمان.
إذا اكترى دابة ليركبها هو لم يجز أن يركبها غيره، فإن فعل فهلكت أو عابت فعليه
الضمان أو أرش العيب، ومتى هلكت الدابة بتعد من قبل المكتري لزمه قيمتها أكثر ما يكون
من وقت تعديه إلى حين هلكت.
إذا اكترى بهيمة بذكر الجنس والصفة في الذمة فأتعبته بسيرها فله ردها واستبدال
غيرها وإن اكتراها بعينها فله الرد دون الاستبدال.
ويلزم المكري أن يبرك البعير لركوب المرأة والمريض ومن لا يقدر على ركوبه
قائما وكذلك لنزولهم وكذلك يبرك للصلاة الفريضة ويوقف للفراغ منها، وأما للنافلة
والأكل والشرب فلا يلزم إلا بعد الشرط. ومتى نزل الأكراد وغيرهم القرى والأراضي جاز
يؤخذ منهم ما جرت به العادة من الأجرة والسخرة بعد الشرط عليهم، ولا يجوز أخذه
بلا شرط.
إذا قال: آجرتك هذه الدار شهرا أو سنة، ولم يقل من هذا الوقت لم يجز، وكذا إذا
آجره إياها في شهر أو سنة مستقبلة لم يدخل بعد، وأما إذا كانت المنفعة في الذمة فلا بأس
بأن يكون غير متصلة بحال العقد كأن يستأجر من يبني له حائطا أو يخيط له ثوبا.
يجوز الإجارة على غير العقار معينا وفي الذمة ولا بد في العقار من تعيين موضعه.
إذا منعه ظالم من التصرف في المستأجر وقد مكنه المؤجر لزمه الأجرة وله الرجوع
على الظالم، ولا يجوز الاستئجار لحفر البئر حتى يكون المعقود عليه معلوما بتقدير المدة أو
تقدير نفس العمل كأن يقول: اكتريتك لتحفر لي بئرا يوما فصاعدا في هذه الأرض في
عرض كذا وعمق كذا ذراعا، فإن استقبله حجر ولم يمكنه حفره أو نقله انفسخ العقد فيما
بقي دون ما حفر.
إذا استأجره ليحفر له عشرة أذرع بعشرة دراهم فحفر بعضها ثم عجز عن
إتمامها يقسم العشرة على خمسة وخمسين جزء فيكون أجرة الذراع الأولى جزء من الخمسة
وخمسين وللثانية اثنان منها وللثالثة ثلاثة وعلى هذا الحساب فيكون للعاشر عشرة. وإذا
330

استأجر لحفر عشرين بعشرة دراهم أو أقل أو أكثر قسم على مائة قسم وعشرة أقسام
وذلك لأن حفر ما قرب من الأرض أسهل لأنه يخرج التراب من قرب. وإذا استأجره لحفر
الأنهار والقنى جاز تقدير ذلك بالأيام والشهور وبالعمل، ومتى قدره بالعمل أراه الأرض
مقدار طولها وعرضها وعمقها.
إذا استأجر امرأة للرضاع مطلقا لم يلزمها مراعاة الصبي وتربيته إلا بالشرط،
ومن شرط صحة ذلك تقدير المدة ومشاهدة الصبي وتعيين الأجرة، فإن استأجرها بنفقتها
وكسوتها لم يصح لأنه مجهول.
إذا آجر عبدا مدة ثم أعتقه نفذ العتق وصح الإجارة وليس للعبد الرجوع على
سيده بأجرة المثل لما يلزمه من العمل في الإجارة بعد العتق.
إذا آجر الأب أو الوصي الصبي أو شيئا من ماله صحت الإجارة فإذا بلغ الصبي قبل
انقضاء المدة لم يكن له فسخها فيما بقي، ومتى تيقن الوصي أنه يبلغ قبل مضى المدة بطل
إجارة ما زاد على وقت البلوغ.
إجارة المشاع جائزة ويقوم المستأجر مقام المالك، ويجوز إجارة الدراهم والدنانير
والحلي بشرط أن يعين جهة الانتفاع بها، فإن لم يعين فلا.
إذا تلف الشئ في يد صانع بتعد منه فعليه ضمانه وأما بغير التعدي فلا، وكذا في
الفساد والعيب. وما ضاع في الحمام لا ضمان على الحمامي فيه.
الرائض والراعي إذا خرجا من عادة الراضة والرعاة في ضرب البهائم فعليهما
ضمان التلف بذلك.
إذا تلف ما استؤجر الصانع للعمل فيه بحضرة مالكه بعد الفراع من العمل لم
تسقط أجرته، وإن لم يكن بمحضر منه فعمل وتلف قبل التسليم لم يستحق الأجرة ولا يضمن
الصانع إلا بالتعدي. ومن استأجر غيره لينفذه في حوائجه فنفقته عليه دون الأجير إلا
بالشرط ولا يجوز للأجير أن يعمل لغير من استأجره حين يكون أجيرا.
331

السرائر
باب الإجارات
كل ما يستباح بعقد العارية يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة الانسان نفسه
وعبده وثيابه وداره وعقاره بلا خلاف بل الاجماع منعقد على ذلك والكتاب ناطق به.
والإجارة عقد معاوضة وهي من عقود المعاوضات اللازمة كالبيع، ويفتقر صحتها إلى
شروط:
منها: ثبوت ولاية المتعاقدين، فلا يصح أن يؤجر الانسان ما لا يملك التصرف فيه لعدم
ملك أو إذن أو ثبوت حجر أو رهن أو إجارة متقدمة أو غير ذلك.
ومنها: أن يكون المعقود عليه من الجانبين معلوما، فلو قال: آجرتك إحدى هاتين
الدارين أو بمثل ما يؤجر به فلان داره، لم يصح.
ومنها: أن يكون مقدورا على تسليمه حسا وشرعا، فلو آجر عبدا آبقا أو جملا شاردا أو ما
لا يملك التصرف فيه لم يصح.
ومنها: أن يكون منتفعا به منفعة مباحة، فلو آجر مسكنا أو دابة أو وعاء في محظور لم يجز
وكانت الإجارة باطلة.
فإذا آجر الرجل داره أو دابته فإنه يلزم العقد من الطرفين وليس لأحد منهما الخيار سواء
افترقا من مجلس العقد أو لم يفترقا، لأن خيار المجلس لا يثبت إلا في عقد البيع فحسب
والإجارة ليست ببيع، ويستحق المؤجر الأجرة على المستأجر في الحال ولا يقف على تسليم
الأعمال والفراع منها، بل بإطلاق العقد استحق المؤجر الأجرة على المستأجر سواء كان
عملا يمكن تسليمه أو لا يمكن تسليمه، إلا أن يشترط المستأجر التأخير في حال العقد فيكون
على ما شرطا واتفقا عليه، ويستحق المستأجر المنفعة على المؤجر حتى أنه صار أحق بها منه
كما أن المؤجر أحق بالأجرة من المستأجر، وليس لأحدهما فسخ عقد الإجارة بحال سواء
332

كان لعذر أو لغير عذر فهي كالبيع في حال الفسخ، لأن من اشترى شيئا ملك البائع الفسخ
إذا كان الثمن معينا ووجد به عيبا، وكذلك المشتري إذا وجد بالمبيع عيبا ولا يملك الفسخ
بغير العيب، وكذلك المؤجر إنما يملك الفسخ إذا تعذر استيفاء الحق منه لفلس أو لغيره،
وكذلك المستأجر إنما يملك الفسخ إذا وجد بالمنافع عيبا مثل أن تنهدم الدار أو بعضها أو
تغرق الأرض على ما قدمنا في باب المزارعة وإجارة الأرض، وليس لهما الفسخ لغير عذر.
فإذا ثبت جواز الإجارة فإنها على ضربين: أحدهما ما تكون المدة معلومة والعمل
مجهولا، و الثاني أن تكون المدة مجهولة والعمل معلوما. فما تكون المدة معلومة والعمل مجهولا
مثل أن يقول: آجرتك نفسي شهرا لأبني أو أخيط، فهذه مدة معلومة والعمل مجهول. وما
تكون المدة مجهولة والعمل معلوما فهو أن يقول: آجرتك نفسي لأخيط ثوبا معلوما ولأبني
هذا البناء المعلوم، فالمدة مجهولة والعمل معلوم.
فأما إذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما فلا يصح لأنه إذا قال: استأجرتك اليوم
لتخيط قميصي هذا، فإن الإجارة هذه باطلة لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فتبقى بعض
المدة المستحقة بلا عمل وربما لم يفرع منها أو منه بيوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل العمل
بلا مدة، والمعقود عليه عقد الإجارة يجب أن يكون معلوما، وقد بينا أنه يصير معلوما تارة
بتقدير المدة وتارة بتقدير العمل.
فأما المنافع فيتقدر منافعها التي يعقد عليها تارة بتقدير المدة وتارة بتقدير العمل.
والعقار فلا يتقدر منفعته إلا بتقدير المدة لأنه لا عمل لها فيقدر في نفسه، وليس من
شرط صحتها اتصال المدة بالعقد ولا أن يذكر الاتصال بالعقد لفظا،
على ما يذهب إليه بعض المخالفين وقاله شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ولم يذكر هل هو قولنا أو قول
غيرنا؟ فلا يظن ظان أن ذلك قول لأصحابنا.
إذا استأجر على قلع ضرسه ثم بدا له فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون زال الوجع
أو يكون الألم باقيا.
فإن كان بحاله فإنه لا يملك فسخ الإجارة ولكن يقال له: قد استأجرته على استيفاء
333

منفعة وأنت متمكن من استيفائها فإما أن تستوفي منه ذلك وإلا إذا مضت مدة يمكنه أن
يقلع ذلك فإنه قد استقر له الأجرة، كمن استأجر دابة ليركبها إلى بلد وسلمها إليه فلم
يركبها فإنه يقال له: أنت متمكن من استيفاء المنفعة من أن تركب وتمضي فإما أن تستوفى
وإلا إذا مضت مدة يمكنك أن تستوفيها فقد استقر عليك الأجرة، وكذلك إذا استأجر دارا
فسلمت إليه يقال له: إما أن تسكنها وإلا يستوفى منك الأجرة إذا مضت المدة.
وأما إذا زال الوجع فقد تعذر استيفاء المنفعة من جهة الله تعالى شرعا، لأنه لو أراد أن
يقلعها لم يجز ويمنع العقل والشرع معا من قلع السن الصحيح، فانفسخت الإجارة بذلك
كالدار إذا انهدمت.
فأما إذا استأجر عبدا فأبق فإنه تنفسخ الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة المعقود عليها
كالدار إذا انهدمت، والمستأجر يملك من المستأجر المنفعة التي في العبد والدار والدابة إلى
المدة التي اشترط حتى يكون أحق بها من مالكها، والمؤجر يملك الأجرة بنفس العقد على
ما قدمناه.
ولا تخلو الأجرة من ثلاثة أحوال: إما أن يشترطا فيها التأجيل أو التعجيل أو يطلقا
ذلك. فإن شرطا التأجيل إلى سنة أو إلى شهر فإنه لا يلزمه تسليم الأجرة إلى تلك المدة
بلا خلاف، فإن اشترطا التعجيل أو أطلقا لزمه ذلك في الحال على خلاف فيه من المخالفين.
ومتى عقدا الإجارة ثم أسقط المؤجر مال الإجارة وأبرأ صاحبه منها سقط بلا خلاف
وإن أسقط المستأجر المنافع المعقود عليها لم تسقط بلا خلاف.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: إذا باع شيئا بثمن جزاف جاز إذا كان معلوما مشاهدا وإن لم
يعلم وزنه، ولا يجوز أن يكون مال القراض جزافا، والثمن في السلم أيضا يجوز أن يكون جزافا،
وقيل: لا يجوز كالقراض، ومال الإجارة يصح أن يكون جزافا وفي الناس من قال: لا يجوز،
والأول أصح، إلى هاهنا كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطه في كتاب الإجارة.
قال محمد بن إدريس: الأظهر من المذهب بلا خلاف فيه إلا من السيد المرتضى في
الناصريات: أن البيع إذا كان الثمن جزافا بطل وكذلك القراض والسلم لأنه بيع. فأما مال
334

الإجارة التي هي الأجرة فالأظهر من المذهب أنه لا يجوز إلا أن يكون معلوما، ولا تصح ولا تنعقد
الإجارة إذا كان مجهولا جزافا لأنه لا خلاف أن ذلك عقد شرعي يحتاج في ثبوته إلى أدلة شرعية
والإجماع منعقد على صحته إذا كانت الأجرة معلومة غير مجهولة ولا جزاف وفي غير ذلك
خلاف، وأيضا نهى ع عن الغرر والجزاف وهذا غرر وجزاف.
وقال شيخنا في نهايته بما اخترناه فإنه قال: الإجارة لا تنعقد إلا بأجل معلوم ومال معلوم فمتى لم
يذكر الأجل ولا المال كانت الإجارة باطلة، وإن ذكر الأجل ولم يذكر مال الإجارة لم ينعقد،
ومتى ذكرهما كانت الإجارة صحيحة ولزم المستأجر المال إلى المدة المذكورة وكان المؤجر بالخيار
إن شاء طالبه به أجمع في الحال وإن شاء أخرها عليه، اللهم إلا أن يشترط المستأجر أن يعطيه
المال عند انقضاء الإجارة أو في نجوم مخصوصة فيلزم حينئذ بحسب ما شرط.
وقال رحمه الله: والموت يبطل الإجارة على ما بيناه والبيع لا يبطلها على ما قدمناه في الباب
الأول، يريد رحمه الله باب المزارعة والمساقاة لأنها المتقدمة على باب الإجارة. وذكر هناك: أن
موت المؤجر يبطلها وموت المستأجر أيضا يبطلها، وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك فلا وجه لإعادته
إلا ما قاله ابن البراج في كتابه المهذب وحكاه فقال: الموت يفسخ الإجارة ولا فرق في ذلك بين
أن يكون الميت هو المستأجر أو المؤجر، وعمل الأكثر من أصحابنا على أن موت المستأجر هو
الذي ينفسخها لا موت المؤجر، وقد كان شيخنا المرتضى رضي الله عنه سوى بينهما في ذلك بأن
بين أن الوجه فيهما واحد وليس هذا موضع ذكر ذلك فنذكره، هذا آخر كلام ابن البراج.
قال محمد بن إدريس: ليت شعري إن لم يكن هاهنا موضع ذكره فأين يكون؟ ولكن حبك
للشئ يعمي ويصم، كما قاله ع، والصحيح التسوية بينهما بأن موت أحدهما لا يبطلها
على ما اختاره المرتضى إذ دليلهما واحد وإنهما حقان لكل واحد منهما يرثه وارثه لعموم آيات
المواريث، فمن خص ذلك يحتاج إلى دليل، فموت أحدهما لا يبطل حق الآخر كما أن مدة خيار
الثلاث أو ما زاد عليها في البيع موروثة بلا خلاف بيننا لأنه حق للميت فيجب أن يورث مثل
سائر الحقوق ولعموم آيات المواريث، فمن أخرج شيئا منها فعليه الدلالة، وبهذا يستدل شيخنا
أبو جعفر على أن مدة خيار الثلاث في البيع موروثة فليلحظ.
335

وإجارة المشاع جائزة مثل إجارة المقسوم سواء وإذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر
بكذا، صح على قول بعض أصحابنا فإن سكن أكثر من شهر لزمه المسمى لشهر واحد وفيما
زاد على الشهر أجرة المثل.
والذي يقتضيه أصول المذهب أن ذلك لا يجوز ولا يلزم المسمى بل الجميع يستحق أجرة المثل
لأنه ما عين أجرة المدة، والعقار يحتاج في صحة العقد عليه أن يذكر أول المدة وآخرها فمن شرط
صحتها ذلك، وإنما روي في بعض أخبار ما ذكرناه.
فأما إن قال: آجرتك هذه الدار من هذا الوقت شهرا بكذا وما زاد فبحسابه، فإنه يلزمه
المسمى للشهر وما زاد فأجرة المثل. فأما إذا قال: آجرتك هذه الدار شهرا بدينار، ولم يعين
الشهر فإنه لا يجوز والإجارة باطلة. فأما إذا قال: آجرتك هذه الدار من هذا الوقت سنة كل
شهر بكذا، صح لأنه عين المدة.
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحة الإجارة إلى
التسليم واتصال المنفعة بالعقد، ومنهم وهم الأكثرون المحصلون اختاروا القول بجواز ذلك، وهو
الصحيح الذي اخترناه فيما مضى ويعضده قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وقوله ع: المؤمنون
عند شروطهم. وأما التسليم فهو مقدور عليه حين استحقاق المستأجر له وتعذره قبل ذلك لا ينافي
عقد الإجارة.
وقال بعض أصحابنا: ولا يجوز أن يؤجر ما استأجره بأكثر مما استأجر به من جنسه سواء كان
المستأجر هو المؤجر أو غيره إلا أن يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه به. ومنهم من قال: يجوز ذلك
على الكراهة دون الحظر، وهو الذي اخترناه وقد قلنا ما عندنا فيه قبل هذا المكان فليلحظ
هناك فلا فائدة في إعادته، ولأن الأصل في العقل والشرع جواز التصرف فيما يملك الانسان،
فإذا ملك المستأجر التصرف بالعقد جاز أن يملكه لغيره على حسب ما يتفقان عليه من زيادة
ونقصان، اللهم إلا أن يكون استأجر الدار على أن يكون هو الساكن والدابة على أن يكون هو
الراكب فإنه لا يجوز له والحال هذه إجارة ذلك لغيره على حال.
وقد قلنا: أن المستأجر يملك الفسخ بانهدام الدار أو بعضها أو غرض الأرض على وجه يمنع من
336

استيفاء المنفعة ويسقط عنه الأجرة إلى أن يعيد المالك المسكن إلى الحالة الأولى لأن المعقود
عليه قد فات، اللهم إلا أن يكون ذلك بتعدي المستأجر فيلزمه الأجرة والضمان لإعادته إلى
حالته الأولى.
ولا يملك المستأجر فسخ الإجارة بالسفر وإن كان ذلك بحكم حاكم ولا بغير ذلك من
الأعذار المخالفة، لما قدمنا ذكره مثل أن يستأجر جملا للحج فيمرض أو يبدو له من الحج، أو
حانوتا لبيع البز فيه فيحترق أو يسرق بزه،
ولا تنفسخ الإجارة بالبيع وعلى المشتري إن كان عالما بالإجارة الإمساك عن
التصرف حتى تنقضي مدتها، وإن لم يكن عالما بذلك فله الخيار في الرد.
ومتى تعدى المستأجر ما اتفقا عليه من المدة أو المسافة أو الطريق أو مقدار المحمول أو
عينه إلى ما هو أشق في الحمل أو المعهود في السير أو في وقته أو في ضرب الدابة ضمن الهلاك
أو النقص ويلزمه أجرة الدابة على الشرط، بدليل الاجماع من أهل البيت ع
على ذلك ولأنه لا خلاف في براءة ذمته إذا أدى ذلك وليس على براءتها إذا لم يؤده
دليل. ولو رد الدابة إلى المكان الذي اتفقا عليه بعد التعدي بتجاوزه لم يزل الضمان،
بدليل الاجماع الماضي ذكره، وأيضا فقد ثبت الضمان بلا خلاف فمن ادعى زواله بالرد
إلى ذلك المكان فعليه الدليل.
والأجير ضامن لتلف ما استؤجر فيه أو نقصانه إذا كان بتفريطه أو نقصان من صنعته،
وكل من أعطي شيئا واستؤجر على إصلاحه فأفسده كان ضامنا سواء كان ختانا أو حجاما
أو بيطارا أو نجارا أو غير ذلك، وسواء كان مشتركا وهو المستأجر على عمل في الذمة أو
منفردا وهو المستأجر للعمل مدة معلومة لأنه يختص عمله فيها لمن استأجره لقوله
عليه السلام: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، لأنه يقتضي ضمان الصناع على كل حال إلا
ما خصه الدليل مما ثبت أنهم غلبوا عليه ولم يكن بجنايتهم.
وأجر الكيال ووزان الأمتعة على البائع لأن عليه تسليم ما باعه معلوم المقدار، وأجرة
وزان الأثمان وناقدها على المشتري لأن عليه تسليم الثمن معلوم الوزن والجودة على
337

ما قدمناه فيما مضى وحررناه.
وأجر رد الضالة على حسب ما يبذله مالكها فإن لم يعين شيئا بل قال: من رد ضالتي فله
جعالتها، كان أجر رد العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة وخارج المصر
أربعين درهما، وما عدا ذلك يرجع فيه إلى عادة القوم وعرفهم على ما أسلفنا القول فيه.
ومن آجر غيره أرضا ليزرع فيها شيئا مخصوصا لم يجز له أن يزرع فيها غيره، لقوله
عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم. وإذا آجرها للزراعة من غير تعيين لما يزرع كان له أن
يزرع ما شاء، وإذا آجرها على أن يزرع ويغرس ولم يعين مقدار كل واحد منهما لم تصح
الإجارة لأن ذلك مجهول والضرر فيه مختلف.
وإذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة فالقول قول المستأجر لأنه المدعى عليه
زيادة غير متفق عليها والمؤجر المدعي فعليه البينة، لأن الرسول ع قال: على
المدعي البينة وعلى المدعى عليه اليمين.
وقال شيخنا في مسائل الخلاف في كتاب المزارعة: إذا اختلف المكري والمكتري في قدر المنفعة
أو قدر الأجرة الذي يليق بمذهبنا أن يستعمل فيه القرعة فمن خرج اسمه حلف وحكم له به
لإجماع الفرقة على أن كل مشتبه يرد إلى القرعة.
قال محمد بن إدريس: وأي اشتباه في هذا، إنما هو مدع ومدعى عليه وهذا فقه سهل وليس هو
من القرعة بسبيل.
والملك إذا كان بين اثنين مشتركا، وما زاد عليهما لم يكن لأحدهما أن ينفرد بالأجرة
والإجارة دون صاحبه بل يتفقان على الإجارة وإن تشاحا تناوبا بمقدار من الزمان.
وإذا استأجر ملكا وسكن بعضه جاز أن يسكن الباقي غيره بأكثر مال الإجارة، ولا
يؤجر بمثل ما قد استأجر اللهم إلا أن يكون قد أحدث فيه حدثا فإن فعل ذلك جاز له أن
يؤجرها بما شاء.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته، والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب أنه لا بأس أن يسكن
البعض ويكري البعض بما شاء سواء أكراه بمثل ما استأجر أو أقل أو أكثر مع اختلاف الجنس
338

أو مع اتفاقه أحدث فيها أو لم يحدث، لأن المنافع مستحقة له ومال من أمواله فله أن يستوفيها
بنفسه وبغيره لأن الانسان مسلط على التصرف في ملكه بسائر أنواع التصرفات عقلا وسمعا
إذ لا مانع يمنع منه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ولا يرجع ويترك الأدلة بأخبار
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا على ما كررنا القول فيه.
وقد ذكرنا أن من اكترى دابة على أن يسلك بها في طريق مخصوص أو يحملها قدرا
معلوما فخالف في شئ مما قلناه كان ضامنا لها ولكل ما يحدث فيها، ولزمه إن سار عليها
أكثر مما شرط أو حملها أكثر مما ذكر أجرة الزيادة من غير نقصان. ومتى هلكت الدابة
والحال ما وصفناه كان ضامنا لها ولزمه قيمتها يوم تعدى فيها، فإن اختلفا في الثمن كان
على صاحبها البينة، فإن لم يكن له بينة كان القول قول الغارم الذي هو الضامن لأنه
المدعى عليه الزيادة فيما اتفقا عليه، وهذا حكم سائر فيما سوى الدابة مما يقع الخلف فيه
بين المستأجر والمستأجر منه كانت البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وقال شيخنا في نهايته: فإن اختلفا في شئ كان على صاحبها البينة، فإن لم يكن له بينة كان
القول قوله مع يمينه، فإن لم يحلف ورد اليمين على المستأجر منه لزمه اليمين أو يصطلحا على
شئ، والحكم فيما سوى الدابة مما يقع الخلف فيه بين المستأجر والمستأجر منه كانت البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه، والصحيح أنه لا فرق بين الدابة وغيرها في ذلك فالمفرق
يحتاج إلى دليل.
ومتى استأجر دابة ففرط في حفظها أو علفها أو سقيها فهلكت أو عابت كان ضامنا لها
ولما يحدث فيها من العيب.
والصانع إذا تقبل عملا بشئ معلوم جاز له أن يقبله لغيره بأكثر من ذلك إذا كان قد
أحدث فيه حدثا، فإن لم يكن أحدث فيه حدثا لم يجز له ذلك، وإن قبل غيره بإذن صاحب
العمل ثم هلك لم يكن عليه شئ، فإن قبله من غير إذنه ثم هلك كان المتقبل الأول ضامنا
له.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته بهذه العبارة وهي قوله: والصانع إذا تقبل عملا بشئ
339

معلوم جاز له أن يقبله لغيره بأكثر من ذلك إذا كان قد أحدث فيه حدثا.
قال محمد بن إدريس: الذي يتبادر إلى الخاطر أن قوله رحمه الله: أكثر من ذلك، غلط لا وجه له
لأن الانسان إذا تقبل خياطة ثوب مثلا بدينار ثم قبله لغيره بأكثر من الدينار فيحتاج أن يغرم
من عنده شيئا آخر على الأجرة، و مقصوده أن يستفضل من الأجرة المتقبل بها، فهذا الذي يسبق
إلى الأوهام من عبارته رحمه الله في هذا الموضع، ومقصوده رحمه الله خلاف هذا، وهو أن الصانع
الأول يستفضل من الأجرة الأولة لنفسه ويعطي الصانع الثاني بعضها والدليل على ذلك
ما أورده رحمه الله من الأخبار في كتاب تهذيب الأحكام،
عنه عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: سألته عن
الرجل يتقبل العمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر يربح فيه قال: لا بأس.
الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الرجل
الخياط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه ويستفضل، فقال: لا بأس قد عمل فيه.
عنه عن صفوان عن الحكم الخياط قال قلت لأبي عبد الله: أتقبل الثوب بدرهم وأسلمه بأقل من
ذلك لا أزيد على أن أشقه قال: لا بأس بذلك، ثم قال: لا بأس فيما تقبلت من عمل ثم
استفضلت.
عنه عن صفوان عن أبي محمد الخياط عن مجمع قال قلت لأبي عبد الله: أتقبل الثياب أخيطها ثم
أعطيها الغلمان بالثلثين فقال: أ ليس تعمل فيها؟ قلت أقطعها واشترى لها الخيوط، قال:
لا بأس.
عنه عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن علي الصائغ قال: قلت لأبي عبد الله ع:
أتقبل العمل ثم أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين؟ فقال: لا يصلح ذلك إلا أن يعالج معهم
فيه. قلت: فإني أذيبه لهم قال فقال: ذاك عمل لا بأس.
فهذا يوضح ما قلناه ويؤيد ما حررناه، والاعتذار لشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله فيما أورده من
عبارته قوله: بأكثر من ذلك، أن يجعل من زائدة أو يجعلها لا زائدة بل المراد بأكثر من بعض ذلك
ويجعلها للتبعيض ولا يحتاج إلى الحذف فيحمل الكلام على حقيقته، فإذا قلنا: إنها زائدة، كان
340

الكلام مجازا والكلام في الحقائق دون المجاز لأنه لا يجوز العدول عن الحقيقة إلى المجاز إلا لضرورة
أو دليل يضطر إليه، فإذا جعلناها مبعضة كانت حقيقة في معناها. ولو استعمل شيخنا رحمه الله
غير هذه العبارة وأتى بالعبارة التي في الأخبار من قول السائل للإمام ع: وأسلمه بأقل
من ذلك، استراح وأراح من يعتذر له من الاعتذار.
والذي ينبغي تحصيله وتحريره في هذا جميعه أنه لا تخلو الإجارة إما أن تكون معينة بعمله
أو في ذمته. فإن كانت معينة بعمله فلا يجوز له أن يعطيه لغيره بعمله، وإن كانت الإجارة
على تحصيل العمل لا بنفسه فله أن يحصل له العمل بنفسه أو بغيره إلا أنه في المسألتين معا
يكون ضامنا إذا سلمه لغيره وهلك لأن صاحبه لم يرض بأمانة غيره.
والملاح ضامن لما يحمله إذا غرق بتفريط من جهته، فإن غرقت السفينة بالريح أو غير
ذلك من غير تفريط منه لم يكن عليه شئ، والمكاري مثل الملاح يضمن ما يفرط فيه وما
لا يفرط فيه لم يكن عليه شئ في هلاكه. ومتى اختلف المكتري والمكاري في هلاك شئ
وقع فيه تفريط أم لا كانت البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وإذا اختلف صاحب المتاع والصانع في التفريط كان على صاحب المتاع البينة فإن لم
يكن له بينة فعلى الصانع اليمين.
وروي: أن من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كان ما يلزم الأجير من النفقة على
المستأجر دون الأجير فإن شرط عليه أن يكون نفقته عليه كان ذلك جائزا.
وذكر ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته على ما روي، والذي يقوى في نفسي أن النفقة لا تلزم إلا
الأجير دون المستأجر على كل حال، لأنه إنما يستحق الأجرة وعليه العمل والأصل براءة ذمة
المستأجر، ومن أوجب النفقة له يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة ولا
إجماع ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد على ما بيناه.
وينبغي ألا يستعمل الانسان أحدا إلا بعد أن يقاطعه على أجرته فإن لم يفعل ترك
الاحتياط ووجبت أجرة المثل، وإذا فرع الأجير من عمله وطالب بأجرته فلا يجوز تأخيرها
بل يجب أن يوفي في حال مطالبته بها وإن كان مستحقا لها حال العقد قبل العمل والفراع
341

لأنه بنفس العقد يستحقها على ما قدمناه إلا أن يشترط ذلك على ما بيناه، فإن كان قد
أعطاه طعاما أو متاعا ثم تغير سعره كان عليه بسعر وقت إعطاء المال الذي هو المتاع دون
وقت المحاسبة.
ومن استأجر مملوك غيره من مولاه كان ذلك جائزا وتكون الأجرة للمولى دون العبد،
فإن شرط المستأجر للعبد أن يعطيه شيئا من غير علم مولاه لم يلزمه الوفاء به ولا يحل
للمملوك أيضا أخذه، فإن أخذه وجب عليه رده على مولاه.
على ما ذكره شيخنا في نهايته، والأولى عندي أنه إن أخذه هبة، فإن كان ذلك القبول منه بإذن
مولاه كان للمولى، وإن كان قبوله للهبة بغير إذن مولاه كانت الهبة باطلة والملك باق على
الواهب فهذا الذي يقتضيه أصول المذهب والأدلة.
ومن استأجر غيره مدة معلومة وأوقاتا معينة إجارة معينة ليتصرف له في حوائجه لم يجز له
أن يتصرف لغيره في شئ إلا بإذن من استأجره، فإن أذن له في ذلك كان جائزا لأنه
صارت منافعه في جميع المدة مستحقة للمستأجر دون نفسه ودون غيره.
ومن استأجر مملوك غيره من مولاه فأفسد المملوك شيئا أو أبق قبل أن يفرع من عمله
كان مولاه ضامنا لبقية الأجرة دون أرش ما أفسده.
ومن اكترى من غيره دابة على أن يحمل له متاعا إلى موضع بعينه في مدة من الزمان،
فإن لم يفعل ذلك نقص من أجرته كان ذلك جائزا ما لم يحط بجميع الأجرة، فإن أحاط
الشرط بجميع الأجرة كان الشرط باطلا ولزمه أجرة المثل.
هذا على ما روي في بعض الأخبار ذكره شيخنا في نهايته، والأولى عندي أن العقد صحيح
والشرط باطل لأن الله تعالى قال: أوفوا بالعقود، وهذا عقد فيحتاج في فسخه إلى دليل وإلا
فالشرط إذا انضم إلى عقد شرعي صح العقد وبطل الشرط إذا كان غير شرعي، وأيضا فلا دليل
على ذلك من كتاب ولا سنة متواترة ولا إجماع منعقد، ولم يورد أحد من أصحابنا هذه المسألة إلا
هاهنا أعني في النهاية لكونه رحمه الله جمع فيها ألفاظ الأحاديث المتواترة وغير المتواترة.
واختلف أصحابنا في تضمين الصناع والملاحين والمكارين - بتخفيف الياء - فقال بعضهم:
342

هم ضامنون لجميع الأمتعة وعليهم البينة إلا أن يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه مثل
الحريق العام والغرق والنهب كذلك. فأما ما تجنيه أيديهم على السلع فلا خلاف بين أصحابنا
أنهم ضامنون له، وقال الفريق الآخر من أصحابنا وهم الأكثرون المحصلون: إن الصناع
لا يضمنون إلا ما جنته أيديهم على الأمتعة أو فرطوا في حفاظه وكذلك الملاحون والمكارون
والرعاة، وهو الأظهر من المذهب والعمل عليه لأنهم أمناء سواء كان الصانع منفردا أو مشتركا.
فالأجير المنفرد هو الذي يستأجر منه مدة معلومة بخياطة أو بناء أو غيرهما من الأعمال، ويسمى
أيضا الأجير الخاص من حيث المعنى وهو إذا آجر نفسه رجلا مدة مقدرة استحق المستأجر منافعه
وعمله في المدة المضروبة فيلزمه له العمل فيها ولا يجوز له أن يعمل لغيره فيها ولا أن يعقد على
منافعه وعمله في مقدارها.
والمشترك هو الذي يكري نفسه في عمل مقدر في نفسه لا بالزمان مثل أن يستأجره ليخيط ثوبا
بعينه أو يصبغ له ثوبا بعينه وما أشبه ذلك، ولقب مشتركا لأن له أن يتقبل الأعمال لكل أحد
في كل مدة ولا يستحق عليه أحد من المستأجرين منفعة زمان بعينه.
وصاحب الحمام إذا ضاع من عنده شئ من الثياب وغيرها، لم يكن علي ضمان إلا
أن يستحفظه صاحبها أو يستأجره على حفاظها وعلى دخول حمامه، فيلزمه حفاظها ويجب
عليه ضمانها إذا فرط في الحفاظ. فأما إذا لم يستحفظه إياها ولم يستأجره على ذلك
وضاعت فلا شئ عليه، سواء فرط أو لم يفرط راعاها أو لم يراعها.
ومن حمل متاعا على رأسه فصدم إنسانا فقتله أو كسر المتاع كان ضامنا لدية المقتول
ولما انكسر من المتاع. وإذا استقل البعير أو الدابة بحملهما فصاحبهما ضامن لما عليهما من
المتاع إذا فرط في مراعاتهما وحفاظهما، فأما إذا راعاهما ولم يفرط، في المراعاة لهما فلا شئ
عليه من الضمان.
إذا استأجر مرضعة مدة من الزمان بنفقتها وكسوتها ولم يعين المقدار لم يصح العقد. إذا
استأجر امرأة لترضع ولده فمات واحد من الثلاثة بطلت الإجارة على المذهبين والقولين
اللذين لأصحابنا معا لأن الصبي إذا مات بطلت الإجارة، وكذلك المرأة المرضعة إذا
343

كانت الإجارة معينة بنفسها، وكذلك موت الأب لأنه المستأجر، ولا خلاف أن موت
المستأجر يبطل الإجارة هذا إذا كان الصبي معسرا لا مال له.
إذا آجرت المرأة نفسها للرضاع أو لغيره بإذن زوجها صحت الإجارة بلا خلاف، وإن
كان ذلك بغير إذن الزوج لم تصح الإجارة وكانت الإجارة باطلة لأن المرأة معقود على
منافعها لزوجها بعقد النكاح، فلا يجوز لها أن تعقد لغيره على منافعها فيخل ذلك بحقوق
زوجها، لأن له وطأها في كل وقت. فإذا ثبت أن الاستئجار في الرضاع صحيح، فإن كان
المرضع موسرا كانت الأجرة من ماله لأن ذلك من نفقته ونفقة الموسر من ماله، وإن كان
معسرا كانت من مال أبيه لأن نفقة المعسر على أبيه.
إذا رزق الرجل من امرأته ولدا لم يكن له أن يجبرها على إرضاعه لأن ذلك من نفقة
الابن ونفقته على الأب، وله أن يجبر الأمة وأم الولد والمدبرة بلا خلاف في ذلك. فإذا
تطوعت الزوجة بإرضاع الولد لم يجبر الزوج على ذلك وكان له أن يمنعها منه لأن الاستمتاع
الذي هو حق له يخل باشتغالها بالرضاع فكان له منعها من ذلك، وإن تعاقدا عقد الإجارة
على رضاع الولد لم يصح لأنها أخذت منه عوضا في مقابلة الاستمتاع وعوضا آخر في مقابلة
التمكين من الاستمتاع، فأما إذا بانت منه صح أن يستأجرها للرضاع لأنها قد خرجت عن
حبسه وصارت أجنبية.
والأقوى عندي أنه يصح استئجارها على الرضاع سواء كانت بائنا أو في حباله، وما ذكرناه
أولا مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطه، ولا مانع يمنع من العقد عليها على كل حال وهذا رأي
السيد المرتضى وهو الذي يقتضيه أصل مذهبنا.
فإذا بذلت الرضاع متطوعة بذلك كانت أحق بالولد من غيرها، وإن طلبت أكثر من
أجرة المثل في الرضاع والأب يجد من يتطوع له أو من يرضى بأجرة المثل لم تكن الأم أولى
بالولد من الأب وللأب أن يسلم الولد إلى غيرها، فإن رضيت بأجرة المثل وهو لا يجد إلا
بأجرة المثل كانت هي أولى، فإن كان يجد غيرها بدون أجرة المثل أو متطوعة كان له أن
ينزعه من يدها.
344

إذا آجر عبده مدة معلومة ثم إنه أعتقه نفذ عتقه فيه لأنه مالك الرقبة كما لو أعتقه قبل
الإجارة، فإذا ثبت ذلك فالإجارة بحالها وهي لازمة للعبد. وهل له أن يرجع على السيد
بأجرة المثل لما يلزمه بعد الحرية؟ قيل فيه قولان: أحدهما يرجع بأجرة المثل في تلك المدة،
والآخر لا يلزمه. وهو الصحيح، لأنه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة.
إذا آجر الأب أو الوصي أو الولي الصبي أو شيئا من أمواله صح ذلك كما يصح بيع
ماله، فإذا بلغ وقد بقي من مدة الإجارة بعضها لم يكن له فسخها فيما بقي.
إذا آجر عبده سنة معلومة فمات العبد بعد استيفاء منافعه ستة أشهر فلا خلاف أن العقد
فيما بقي يبطل وفيما مضى لا يبطل عندنا، وفي المخالفين من قال: يبطل مبنيا على تفريق
الصفقة، فإذا ثبت بما قلناه أن الإجارة صحيحة فيما مضى وباطلة فيما بقي فهو بالخيار بين أن
يطالب بأجرة المثل وبين ترك المطالبة، فإن طالب فإن كان أجرة ما بقي مثل أجرة ما مضى
فإنه يأخذه، وإن كان فيما بقي من المدة أجرته أكثر مما مضى فإنه يستحق تلك الزيادة،
وذلك مثل أن تكون أجرة المدة التي مضت مائة درهم ومدة ما بقي مائتين فإنه يستحق عليه
مائة، وهكذا في أجرة الدار إذا آجر دارا ثم انهدمت حرفا فحرفا.
الإجارة على ضربين: معينة وفي الذمة. فالمعينة: أن يستأجر دارا أو عبدا شهرا أو سنة،
وفي الذمة: أن يستأجر من يبني له حائطا أو يخيط له ثوبا، وكلاهما لا يمنع من دخول خيار
الشرط مانع لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم.
إذا اكترى دابة نظرت، فإن كان اكتراها ليحمل عليها الأمتعة فالسوق على
المكاري، وإن كان ليركب عليها فالسوق عليه دون المكاري، فإن اختلفا في النزول فقال
المكاري: ينزل في طرف البلد موضعا يكون قريبا إلى الماء والكلأ، وقال المكتري: لا بل
ينزل في وسط البلد حتى يكون متاعي محفوظا، فإنه لا يلتفت إلى قول واحد منهما ويرجع
فيه إلى العادة والعرف.
وإذا اكترى بهيمة وذكر أنها تتعبه وتكده، فإن كان ذلك من جهة أنه لا بصر له بعادة
الركوب لم يلزم المكاري شئ، وإن كان من جهة البهيمة نظر، فإن كان اكتراها بعينها
345

كان له ردها وليس له أن يستبدل بها غيرها ويكون ذلك عيبا يردها به، وإن كان اكتراها
في الذمة ردها وأخذ بدلها.
وعلى الجمال أن يبرك البعير لركوب المرأة لأنها ضعيفة الخلقة فلا تتمكن من الصعود
للركوب ولا من النزول ولأنها عورة ربما تكشفت، والرجل إن كان مريضا فكذلك وإن
كان صحيحا لم يلزم الجمال أن يبركه لركوبه ونزوله. وأما صلاة الفريضة فإنه يلزمه أن
يبركه لفعلها لأنها لا تجوز عليها إلا لضرورة شديدة، فأما صلاة النافلة وأكل المكتري وشربه
فلا يلزمه أن يبركه لأجله لأنه يتمكن من ذلك وهو راكب وليس لمصلي الفريضة إذا نزل
أن يطول صلاته بل يصلي صلاة المسافر صلاة الوقت فحسب غير أنه يتم الأفعال ويختصر
الأذكار لأن حق الغير تعلق به.
إذا اختلف الراكب والمكاري في قيد المحمل فقال الراكب: ضيق القيد المقدم ووسع
المؤخر لأنه أخف على الراكب وأثقل على الجمل، وقال المكاري خلاف ذلك، لا يقبل
قول أحدهما ولكنه يجعل مستويا فلا يكون مكبوبا ولا مستلقيا.
وإن اختلفا في السير فقال الراكب: نسير نهارا فإنه أصون للمتاع، وقال المكاري: نسير
ليلا لأنه أخف للبهيمة، فإن كانا شرطا السير في وقت معلوم إما ليلا أو نهارا حملا عليه،
وإن كانا أطلقا ذلك فإن كان المسير في تلك المسافة عادة حملا على العادة لأن الإطلاق
يرجع إلى العادة.
إذا ضرب الراكب البهيمة في السوق فتلفت، فإن كان ضرب العادة فلا شئ عليه
من الغرم، وإن كان خارجا عن العادة ضمنها. وكذلك الرائض الراعي مؤتمن فلا يضمن
إلا ما يفرط في حفاظه، فأما ضربه للبهيمة فعلى ما قلناه في الراكب يحمل على العادة، فإن
كان الضرب خارجا عن العادة ضمن.
المعلم إذا ضرب للتأديب ضربا معتادا فتلف الصبي وجبت الدية في ماله وكذلك
الكفارة ولا قود عليه في ذلك، فإن كان خارجا عن العادة وجب عليه القود.
إذا سلم رجل إلى الخياط ثوبا فقطعه الخياط قباء ثم اختلفا فقال صاحبه: أذنت لك
346

في قطعه قميصا فقطعته قباء، وقال الخياط: بل أذنت في قطعه قباء، فالقول في ذلك قول
رب الثوب دون الخياط لأن الثوب له والخياط مدع للإذن في قطع القباء فعليه البينة.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف في كتاب الوكالة: القول قول الخياط، إلا أنه رجع عن
ذلك أيضا في مسائل الخلاف في كتاب الإجارات وقال: القول في ذلك قول صاحب الثوب،
وهذا هو الصحيح.
يجوز إجارة الدراهم والدنانير لأنه لا مانع منه ولأنه يصح الانتفاع بها من غير استهلاك
عينها مثل الجمال والنظر والزينة، وكذلك يجوز إجارة الحلي من الذهب والفضة لما
قدمناه، فإذا ثبت ذلك فيحتاج أن يعين جهة الانتفاع بها فإن عين صح وإن أطلق لم تصح
الإجارة ويكون قرضا.
هكذا قال شيخنا في مبسوطه، ولو قلنا: إنه تصح الإجارة سواء عين جهة الانتفاع أو لم يعين،
كان قويا إذ لا مانع منه ولا يكون قرضا لأنه استأجرها منه، ومن المعلوم أن العين المستأجرة
لا يجوز التصرف في إذهاب عينها بل في منافعها فيحمل الإطلاق على المعهود في الشرع
والعرف، والذي يقوى في نفسي بعد هذا جميعه أن الدنانير والدراهم لا يجوز إجارتها لأنه في
العرف المعهود لا منفعة لها إلا بإذهاب أعيانها، وأيضا فلا خلاف أنه لا يصح وقفهما فلو صح
إجارتهما صح وقفهما، فأما المصاع منها فإنه يصح إجارته لأن له منفعة يصح استيفاؤها مع بقاء
عينه، وربما حققنا القول في ذلك وأشبعناه في آخر الباب إن شاء الله تعالى.
يجوز إجارة كلب الصيد والحائط والماشية والزرع لأنه لا مانع منه ولأن بيع هذه
الكلاب عندنا يصح وما يصح بيعه يصح إجارته، ويجوز إجارة السنور لاصطياد الفأر لأنه
لا مانع منه.
إذا استأجره ليطحن حنطة معلومة بمكوك دقيق منها كان صحيحا، والأولى أن يكون
المكوك مشاعا غير مقسوم فيكون جزءا منها عشرا أو أكثر أو أقل، فإذا عقد العقد استحق
المكوك وصار شريكا قبل الطحن، فأما إذا قال: بمكوك دقيق منها بعد طحنها، فهذا
ليس بمضمون والأجرة ينبغي أن تكون مضمونة في الذمة أو معلومة مشاهدة مسلمة
347

مستحقة.
إذا استأجر راعيا ليرعي له غنما بأعيانها جاز العقد ويتعين في تلك الغنم بأعيانها
وليس له أن يسترعيه أكثر من ذلك، وإن هلكت لم يبدلها وانفسخ العقد بينهما فيها، وإن
هلك بعضها لم يبدله وانفسخ العقد فيه، وإن نتجت لم يلزمه أن يرعى نتاجها لأن العقد
يتناول العين واختص بها دون غيرها.
فأما إذا أطلق ذلك واستأجره ليرعي له غنما مدة معلومة فإنه يسترعيه القدر الذي
يرعاه الواحد في العادة من العدد، فإذا كانت العادة مائة استرعاه مائة، ومتى هلك شئ
منها أو هلكت كلها كان له إبدالها، وإن ولدت كان عليه أن يرعى سخالها معها لأن
العادة في السخال ألا تنفصل عن الأمهات في الرعي.
إذا اكترى بهيمة ليقطع بها مسافة معلومة فأمسكها قدر قطع تلك المسافة ولم يسيرها فيها
استقرت عليه الأجرة إذا انقضت المدة في الإجارة استوفى المكتري حقه أو لم يستوف، وهل
يصير ضامنا بعد مضي المدة وقبل تسليمها إلى صاحبها من غير أن يطلبها صاحبها أم لا؟ قال
قوم: يصير ضامنا ويجب عليه الرد، وقال آخرون: لا يصير ضامنا ولا يجب عليه الرد إلا بعد
مطالبة صاحبها بالرد لأن هذه أمانة فلا يجب ردها إلا بعد المطالبة مثل الوديعة.
وهذا الذي يقوى عندي لأن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل، واختار
شيخنا أبو جعفر في مبسوطه القول الأول واحتج بأن قال: وإنما قلنا ذلك لأن ما بعد المدة غير
مأذون له في إمساكها ومن أمسك شيئا بغير إذن صاحبه وأمكنه الرد فلم يرد ضمن. ثم قال:
وفي الناس من قال: لا يضمن ولا يجب عليه الرد وأكثر ما يلزمه أن يرفع يده عن البهيمة إذا أراد
صاحبها أن يسترجعها لأنها أمانة في يده فلم يجب عليه ردها مثل الوديعة. وهذا الذي اخترناه
وهو الصحيح. فأما ما تمسك به شيخنا رحمه الله في نصرة ما ذهب إليه واختاره بما ذكره فبعيد
ويعارض بالرهن إذا قضى الراهن الدين ولم يطالب برد الرهن وهلك فلا خلاف أن المرتهن
لا يكون ضامنا، وإن كان قال للمرتهن: أمسك هذا الرهن إلى أن أسلم إليك حقك، فقد أذن
له في إمساكه هذه المدة ولم يأذن فيما بعدها نطقا بل بقي على أمانته على ما كان أولا فكذلك في
348

مسألتنا.
ولا يجوز إجارة الأرض للزراعة ببعض ما يخرج منها لأن ذلك غرر.
قد قلنا: إنه إذا اختلف المكتري والمكري في قدر الأجرة فالقول قول المكتري مع يمينه،
فأما قدر الانتفاع والمدة فالقول قول المكري مع يمينه لأنه المدعى عليه بخلاف الأجرة لأن
في الأجرة يكون مدعيا فيحتاج إلى بينة، والمكتري يكون مدعى عليه فالقول قوله مع يمينه.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف مسألة فقال: إذا استأجره ليخيط له ثوبا بعينه فقال: إن
خطت اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم، صح العقد فيهما فإن خاطه في اليوم
الأول كان له الدرهم وإن خاطه في الغد كان له نصف درهم. وقال أيضا رحمه الله مسألة: إذا
استأجره لخياطة ثوب وقال له: إن خطته روميا وهو الذي يكون بدرزين فلك درهم وإن خطته
فارسيا وهو الذي يكون بدرز واحد فلك نصف درهم صح العقد.
قال محمد بن إدريس: ما ذكره شيخنا رحمه الله في المسألتين غير واضح والذي تقتضيه أصول
مذهبنا أن الإجارة باطلة لأن الأجرة غير معينة ولا مقطوع عليها وقت العقد، ولأن المؤجر لم
يستحق على المستأجر في الحال عملا بعينه فهو بالخيار في ذلك، ومن شرط صحة الإجارة
استحقاق عمل مخصوص على المستأجر للمستأجر، وعقد الإجارة على هذا التحرير باطل فإن
عمل كان له أجرة المثل، ولأن عقد الإجارة حكم شرعي يحتاج في ثبوته إلى دليل شرعي فمن
أثبته يحتاج إلى دليل والأصل براءة الذمة. وإن قلنا: هذه جعالة، كان قويا فإذا فعل الفعل
المجعول عليه استحق الجعل كرجل قال: من حج عني فله دينار، فهذه جعالة بلا خلاف. فأما
تمسك شيخنا أبي جعفر في صحة المسألتين فإنه قال: دليلنا أن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج
إلى دليل وقوله ع المؤمنون عند شروطهم وفي أخبارهم ما يجري مثل هذه المسألة بعينها
منصوصة وهي أن تستأجر منه دابة على أن يوافي بها يوما بعينه فإن لم يوافه بها ذلك اليوم كان
أجرتها أقل من ذلك وأن هذا جائز وهذه مثلها بعينها سواء، هذا آخر استدلال شيخنا.
ما ذكره رحمه الله ليس فيه دليل يدفع به خصم. أما قوله: الأصل جواز ذلك بل الأصل براءة
الذمم، فمن شغلها بأمور شرعيات وعقود لازمات والعقد حكم شرعي لا عقلي يحتاج مثبته إلى
349

دليل شرعي والأصل ألا عقد، فأما قوله: المؤمنون عند شروطهم، فهو إذا كان الشرط شرعيا
لا يمنع منه كتاب ولا سنة، والسنة منعت من الشروط التي تقضي إلى الغرر، فأما قوله: وفي
أخبارهم ما يجري مثل هذه المسألة بعينها منصوصة، فمذهبنا ترك القياس هذا لو كانت المسألة
المنصوصة مجمعا عليها، فكيف وهذا خبر من أخبار الآحاد؟ وقد قلنا ما عندنا فيه فيما مضى فلا
وجه لإعادته.
إذا استؤجر على الكتابة والنسخ فإن المداد والأقلام على الناسخ استؤجر على تحصيل
هذا العمل ولا يصح له هذا العمل إلا بالقلم والمداد، وكذلك من استؤجر على خياطة ثوب
فإن الخيوط تجب على الخياط لأن هذا العمل لا يمكن تحصيله إلا بالخيوط والإبرة، وكذلك
من استؤجر على نساجة ثوب فإن الحشو على الحائك لمثل ما قدمناه، وكذلك الغسال عليه
الصابون والأشنان أو ما يزيل الوسخ ويبيض الثوب.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: يجوز إجارة الدراهم والدنانير.
قال محمد بن إدريس: وهذا غير واضح لأنه بلا خلاف بيننا لا يجوز وقف الدراهم والدنانير، لأن
الوقف لا يصح إلا في الأعيان التي يصح الانتفاع بها مع بقاء أعيانها على ما نبينه في كتاب
الوقوف إن شاء الله، فإذا جاز عنده رضي الله عنه إجارتها جاز وقفها وهو لا يجوزه، وأيضا كان
يلزم من هذا أن من غصب رجلا مائة دينار وبقيت في يد الغاصب سنة ثم ردها على المغصوب
منه أن يلزمه الحاكم بإجارتها مدة السنة لأن المنافع عندنا تضمن بالغصب وهذا لا يقوله أحد منا
ولا من الأمة.
وقال رضي الله عنه في مسائل خلافه: أيضا لا يجوز إجارة حائط مزوق أو محكم للنظر إليه
والتفرج به والتعلم منه.
قال محمد بن إدريس: وينبغي أن يقال إذا كان فيه غرض وهو التعلم من البناء المحكم تجوز
الإجارة كما يجوز إجارة كتاب فيه خط جيد للتعلم منه لأن فيه غرضا صحيحا ولأنه لا مانع يمنع
منه.
350

كتاب الإجارة
وفيه فصول أربعة:
الأول: في العقد:
وثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم ويفتقر إلى إيجاب وقبول، والعبارة الصريحة عن
الإيجاب: آجرتك، ولا يكفي ملكتك، أما لو قال: ملكتك، أما لو قال: ملكتك سكنى هذه الدار
سنة مثلا، صح وكذا أعرتك لتحقق القصد إلى المنفعة، ولو قال: بعتك هذه الدار، ونوى
الإجارة لم تصح، وكذا لو قال: بعتك سكناها سنة، لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان
وفيه تردد.
والإجارة عقد لازم لا تبطل إلا بالتقايل أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ، ولا تبطل
بالبيع ولا بالعذر مهما كان الانتفاع ممكنا وهل تبطل بالموت؟ المشهور بين الأصحاب نعم،
وقيل: لا تبطل بموت المؤجر وتبطل بموت المستأجر، وقال آخرون: لا تبطل بموت أحدهما،
وهو الأشبه.
وكل ما صح إعارته صح إجارته، وإجارة المشاع جائزة كالمقسوم، والعين المستأجرة
أمانة لا يضمنها المستأجر إلا بتعد أو تفريط وفي اشتراط ضمانها من غير ذلك تردد أظهره
المنع، وليس في الإجارة خيار المجلس، ولو شرط الخيار لأحدهم أو لهما جاز سواء كانت معينة
كأن يستأجر هذا العبد أو هذه الدار أو في الذمة كان يستأجره ليبني له حائطا.
351

الثاني: في شرائطها: وهي ستة:
الأول: أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرف، فلو آجر المجنون لم تنعقد
إجارته وكذا الصبي غير المميز وكذا المميز إلا بإذن وليه وفيه تردد.
الثاني: أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل فيما يكال أو يوزن ليتحقق انتفاء
الغرر، وقيل: تكفي المشاهدة، وهو حسن، وتملك الأجرة بنفس العقد ويجب تعجيلها مع
الإطلاق ومع اشتراط التعجيل، ولو شرط التأجيل صح بشرط أن يكون معلوما وكذا لو
شرطها في نجوم. وإذا وقف المؤجر على عيب في الأجرة سابق على القبض كان له الفسخ أو
المطالبة بالعوض أن كانت الأجرة مضمونة، وإن كانت معينة كان له الرد أو الأرش، ولو
أفلس المستأجر بالأجرة فسخ المؤجر إن شاء.
ولا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان ولا الأجير بأكثر مما استأجره إلا أن يؤجر بغير
جنس الأجرة أو يحدث فيه ما يا قبل التفاوت، وكذا لو سكن بعض الملك لم يجوز أن يؤجر
الباقي بزيادة عن الأجرة والجنس واحد ويجوز بأكثرها، ولو استأجره ليحمل له متاعا إلى
موضع معين بأجرة في وقت معين، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا جاز، ولو شرط سقوط
الأجرة إن لم يوصله فيه لم يجز وكان له أجرة المثل، وإذا قال: آجرتك كل شهر بكذا، صح في
شهر وله في الزائد أجرة المثل إن سكن، وقيل: تبطل لجهل الأجرة، والأول أشبه.
تفريعان:
الأول: إن خطته فارسيا فلك درهم وإن خطته روميا فلك درهمان، صح.
الثاني: لو قال: إن عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان وفي غد درهم، فيه تردد
أظهره الجواز، ويستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه أو ملك المستأجر
ومنهم من فرق، ولا يتوقف تسليم أحدهما على الآخر، وكل موضع يبطل فيه عقد الإجارة
تجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه،
ويكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة وأن يضمن إلا مع التهمة.
الثالث: أن تكون المنفعة مملوكة إما تبعا لملك العين أو منفردة، وللمستأجر أن يؤجر
352

إلا أن يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، ولو شرط ذلك فسلم العين المستأجرة إلى غيره
ضمنها، ولو آجر غير المالك تبرعا قيل: تبطل، وقيل: وقفت على إجازة المالك، وهو حسن.
الرابع: أن تكون المنفعة معلومة إما بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم وإما بتقدير
المدة كسكنى الدار أو العمل على الدابة مدة معينة، ولو قدر المدة والعمل مثل أن يستأجره
ليخيط هذا الثوب في هذا اليوم، قيل: يبطل لأن استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق، وفيه
تردد، والأجير الخاص، وهو الذي يستأجره مدة معينة لا يجوز له العمل لغير المستأجر إلا
باذنه، ولو كان مشتركا جاز وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المدة.
وتملك المنفعة بنفس العقد، كما تملك الأجرة به، وهل يشترط اتصال مدة الإجارة ب
لعقد قيل نعم، ولو أطلق بطلت، وقيل: الإطلاق يقتضي لاتصال، وهو أشبه، ولو عين شهر
متأخرا عن العقد قيل: يبطل، والوجه الجواز.
وإذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة يمكن فيه استيفاء المنفعة لزمته الأجرة وفيه
تفصيل، وكذا لو استأجر دارا وسلمها ومضت المدة ولم يسكن أو استأجره لقلع ضرسه
فمضت المدة التي يمكن انتفاع ذلك فيها فلم يقلعه المستأجر استقرت الأجرة، أم لو زال
الألم عقيب العقد سقطت الأجرة، ولو استأجر شيئا فتلف قبل قبضه بطلت الإجارة وكذا لو
تلف عقيب قبضه، أما لو انقضى بعض المدة ثم تلف أو تجدد فسخ الإجارة صح فيما مضى
وبطل في الباقي ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة.
ولا بد من تعيين ما يحمل على الدابة إما بالمشاهدة وإما بتقديره بالكيل أو الوزن أو ما
يرفع الجهالة، ولا يكفي ذكر المحمل مجردا عن الصفة ولا راكب غير معين لتحقق
الاختلاف في الخفة والثقل، ولا بد مع ذكر المحمل من ذكر طوله وعرضه وعلوه وهل هو
مكشوف أو مغطى وذكر جنس غطائه، وكذا لو استأجر دابة للحمل فلا بد من تعيينه
بالمشاهدة أو ذكر جنسه وصفته وقدره، وكذا لا يكفي ذكر الآلات المحمولة ما لم يعين قدرها
وجنسها، ولا يكفي اشتراط حمل الزاد ما لم يعينه، وإذا فني ليس له حمل بدله ما لم يشترط.
وإذا استأجر دابة اقتصر على مشاهدتها، فإن لم تكن مشاهدة فلا بد من ذكر جنسها
ووصفها، وكذا الذكورة والأنوثة إذا كانت للركوب ويسقط اعتبار ذلك إذا كانت للحمل،
353

ويلزم مؤجر الدابة كل ما يحتاج إليه في إمكان الركوب من الرحل والقتب وآلته والحزام
والزمام، وفي رفع المحمل وشدة تردد أظهره اللزوم، ولو أجرها للدوران بالدولاب افتقر
إلى مشاهدته لاختلاف حالته في الثقل، ولو أجرها للزراعة، فإن كان لحرث جريب معلوم
فلا بد من مشاهدة الأرض أو وصفها، وإن كان لعمل مدة كفى تقدير المدة، وكذا في إجارة
دابة لسفر مسافة معينة فلا بد من تعيين وقت السير ليلا أو نهارا إلا أن يكون هناك عادة
فيستغني بها، ويجوز أن يستأجر اثنان جملا أو غيره للعقبة ويرجع في التناوب إلى العادة،
وإذا اكترى دابة فسار عليها زيادة عن العادة أو ضربها كذلك أو كبحها باللجام من غيره
ضرورة ضمن.
ولا يصح إجارة العقار إلا مع التعيين بالمشاهدة أو بالإشارة إلى موضع معين موصوف
بما يرفع الجهالة، ولا تصح إجارته في الذمة لما يتضمن من الغرر بخلاف استئجار الخياط
للخياطة والنساج للنساجة، وإذا استأجره مدة فلا بد من تعيين الصانع دفعا للغرر
الناشي من تفاوتهم في الصنعة، ولو استأجر لحفر البئر لم يكن بد من تعيين الأرض وقدر
نزولها وسعتها، ولو حفرها فانهارت أو بعضها لم يلزم الأجير إزالته وكان ذلك إلى المالك،
ولو حفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر حفر الباقي إما لصعوبة الأرض أو مرض الأجير أو
غير ذلك، قوم حفرها وما حفر منها ورجع عليه بنسبته من الأجرة، وفي المسألة قول آخر
مستند إلى رواية مهجورة.
ويجوز استئجار المرأة للرضاع مدة معينة بإذن الزوج، فإن لم بإذن فيه تردد والجواز
أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه، ولا بد من مشاهدة الصبي وهل يشترط ذكر الموضع الذي
ترضعه فيه؟ قيل نعم وفيه تردد، وإن مات الصبي أو المرضعة بطل العقد، ولو مات أبوه
هل تبطل؟ يبني على القولين كون الإجارة، هل تبطل بموت المؤجر والمستأجر أم لا؟
والأصح عدم البطلان ولو استأجر شيئا مدة معينة لم يجب تقسيط الأجرة على أجزائها سواء
كانت قصيرة أو متطاولة، ويجوز استئجار الأرض ليعمل مسجدا، ويجوز استئجار الدراهم
والدنانير إن تحققت لها منفعة حكمية مع بقاء عينها.
354

تفريع:
لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من صبرة فاعتبرها ثم حملها فكانت أكثر، فإن كان
المعتبر هو المستأجر لزمه أجرة المثل عن الزيادة وضمن الدابة إن تلفت لتحقق العدوان،
وإن اعتبرها المؤجر لم يضمن المستأجر أجرة ولا قيمة، ولو كان المعتبر أجنبيا لزمته أجرة
الزيادة.
الخامس: أن تكون المنفعة مباحة، فلو آجر مسكنا ليحرز فيه خمرا أو دكانا ليبيع فيه
آلة محرمة أو أجيرا ليحمل له مسكرا لم تنعقد الإجارة، وربما قيل بالتحريم وانعقاد الإجارة
لإمكان الانتفاع في غير المحرم، والأول أشبه لأن ذلك لم يتناوله العقد، وهل يجوز استئجار
الحائط المزوق للتنزه؟ قيل نعم وفيه تردد.
السادس: أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها، فلو آجر عبدا آبقا لم تصح ولو
ضم إليه شئ وفيه تردد، ولو منعه المؤجر منه سقطت الأجرة، وهل له أن يلتزم ويطالب
المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردد والأظهر نعم، ولو منعه ظالم قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ
والرجوع على الظالم بأجرة المثل، ولو كان بعد القبض لم تبطل وكان له الرجوع على الظالم،
وإذا انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه وفيه تردد،
ولو تمادى المؤجر في إعارته ففسخ المستأجر رجع بنسبة ما تخلف من الأجرة إن سلم إليه
الأجرة.
الثالث: في أحكامها: وفيه مسائل:
الأولى: إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا كان له الفسخ أو الرضا بالأجرة من
غير نقصان ولو كان العيب مما يفوت به بعض المنفعة.
الثانية: إذا تعدى في العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان، ولو اختلفا في
القيمة كان القول قول المالك إن كانت دابة، وقيل: القول قول المستأجر على كل حال، وهو
أشبه.
الثالثة: من تقبل عملا لم يجوز أن يقبله غيره بنقيصة على الأشهر إلا أن يحدث فيه
355

ما يستبيح به الفضل، ولا يجوز تسليمه إلى غيره إلا بإذن المالك ولو سلم من غير إذن
ضمن.
الرابعة: يجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها ولو أهمل ضمن.
الخامسة: إذا أفصد الصانع ضمن ولو كان حاذقا كالقصار يحرق الثوب أو يخرق أو
الحجام يجني في حجامته أو الختان يختن فيسبق موساه إلى الحشفة أو يتجاوز حد الختان،
وكذا البيطار مثل أن يحيف على الحافر أو يفصد فيقتل أو يجني ما يضر الدابة ولو احتاط
واجتهد، أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه من غير تفريط ولا تعد لم يضمن على الأصح،
وكذا الملاج والمكاري ولا يضمنان إلا ما يتلف عن تفريط على الأشبه.
السادسة: من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كانت نفقته على المستأجر إلا أن
يشترط على الأجير.
السابعة: إذا آجر مملوكا فأفسد كان ذلك لازما لمولاه في سعيه، وكذا لو آجر نفسه
بإذن مولاه.
الثامنة: صاحب الحمام لا يضمن إلا ما أودع وفرط في حفظه أو تعدى فيه.
التاسعة: إذا أسقط الأجرة بعد تحققها في الذمة صح، ولو أسقط المنفعة المعينة لم
تسقط لأن الإبراء لا يتناول إلا ما هو في الذمم.
العاشرة: إذا آجر عبده ثم أعتقه لم تبطل الإجارة ويستوفي المنفعة التي تناولها العقد،
ولا يرجع العبد على المولى بأجرة مثل عمله بعد العتق، ولو آجر الوصي صبيا مدة يعلم
بلوغه فيها بطلت في المتيقن وصحت في المحتمل ولو اتفق البلوغ فيه، وهل للصبي
الفسخ بعد بلوغه؟ قيل نعم، وفيه تردد.
الحادية عشرة: إذا تسلم أجيرا ليعمل له صنعة فهلك لم يضمنه صغيرا كان أو
كبيرا حرا كان أو عبدا.
الثانية عشرة: إذا دفع سلعة إلى غيره، ليعمل فيها عملا، فإن كان ممن عادته أن
يستأجر لذلك العمل كالغسال والقصار فله أجرة مثل عمله وإن لم تكن له عادة
وكان العمل مما له أجرة.
356

فله المطالبة لأنه أبصر بنيته، وإن لم يكن مما له أجرة بالعادة لم يلتفت إلى مدعيها.
الثالثة عشرة: كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر كالخيوط في الخياطة
والمداد في الكتابة، ويدخل المفتاح في إجارة الدار لأن الانتفاع لا يتم إلا بها.
الرابع: في التنازع: وفيه مسائل:
الأولى: إذا تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول المالك مع يمينه، وكذا لو اختلفا
في قدر المستأجر وكذا لو اختلفا في رد العين المستأجر، أما لو اختلفا في قدر الأجرة
فالقول قول المستأجر.
الثانية: إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع وأنكر المالك كلفوا
البينة ومع فقدها يلزمهم الضمان، وقيل: القول قولهم مع اليمين لأنهم أمناء، وهو أشهر
الروايتين، وكذا لو ادعى المالك التفريط فأنكروا.
الثالثة: لو قطع الخياط ثوبا قباءا فقال المالك: أمرتك بقطعه قميصا، فالقول قول
المالك مع يمينه وقيل: قول الخياط، والأول أشبه، ولو أراد الخياط فتقه، لم يكن له ذلك إذا
كانت الخيوط من الثوب أو من المالك، ولا أجرة له لأنه عمل لم يأذن فيه المالك.
357

كتاب الإجارة:
وهي تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم. ويلزم من الطرفين وتنفسخ بالتقايل.
ولا تبطل بالبيع ولا بالعتق. وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان: نعم. وقال المرتضى: لا تبطل
وهو أشبه.
وكل ما تصح إعارته تصح إجارته. وإجارة المشاع جائزة. والعين أمانة لا يضمنها
المستأجر ولا ما ينقص منها، إلا مع تعد أو تفريط،
وشرائطها خمسة:
1: أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرف.
2: وأن تكون الأجرة معلومة، كيلا أو وزنا. وقيل تكفي المشاهدة ولو كان مما يكال
أو يوزن. وتملك الأجرة بنفس العقد معجلة مع الإطلاق أو اشتراط التعجيل. ويصح تأجيلها
نجوما، أو إلى أجل واحد. ولو استأجر من يحمل له متاعا إلى موضع في وقت معين بأجرة
معينة، فإن لم يفعل نقص من أجرته شيئا معينا صح، ما لم يحط بالأجرة.
3: وأن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو لمن يؤجر عنه. وللمستأجر أن يؤجر إلا أن
يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه.
358

4: وأن تكون المنفعة مقدرة بنفسها كخياطة الثوب المعين. أو بالمدة المعينة كسكنى
الدار. وتملك المنفعة بالعقد. وإذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة والعين في يد المستأجر
استقرت الأجرة ولو لم ينتفع. وإذا عين جهة الانتفاع لم يتعدها المستأجر ويضمن مع
التعدي.
ولو تلفت العين قبل القبض أو امتنع المؤجر من التسليم مدة الإجارة بطلت الإجارة.
ولو منعه الظالم بعد القبض لم تبطل. وكان الدرك على الظالم. ولو انهدم المسكن تخير
المستأجر في الفسخ وله إلزام المالك بإصلاحه. ولا يسقط مال الإجارة لو كان الهدم بفعل
المستأجر.
5: وأن تكون المنفعة مباحة. فلو آجره ليحمل الخمر وليعلمه الغناء لم تنعقد ولا تصح
إجارة الآبق. ولا يضمن صاحب الحمام الثياب إلا أن يودع فيفرط.
ولو تنازعا في الاستئجار فالقول قول المنكر مع يمينه. ولو اختلفا في رد العين فالقول قول
المالك مع يمينه. وكذا لو كان في قدر الشئ المستأجر. ولو اختلفا في قدر الأجرة فالقول قول
المستأجر مع يمينه. وكذا لو ادعي عليه التفريط.
وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة ولو تعدى بالدابة المسافة المشترطة
ضمن، ولزمه في الزائد أجرة المثل. وإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول
الغارم. وفي رواية، القول قول المالك. ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة ويجب
إيفاؤه عند فراغه. ولا يعمل أجير الخاص لغير المستأجر.
359

الجامع للشرائع
باب الإجارة
وهي عقد على منفعة بعوض بخلاف العارية لعدم العوض فيها وبخلاف النكاح لأنه
عقد على استباحة المنافع بعوض، وهو لازم من الطرفين إلا أن يشترطا فيه خيارا لهما أو
لأحدهما مدة معلومة أو يظهر بالمستأجر عيب أو بالأجرة أو لم يره ووصف له ثم رآه لا على
الوصف أو بعضه، ولا ينفسخ بالعذر كتلف بز مستأجر الدكان لبيعه أو إجارة دكانه ثم
أفلس ولم يجد غيره واستيجار دابة للسفر ثم يبدو له، ولا فسخ للمكاري إن بدا له عن
السفر، فإن مات المستأجر بطلت الإجارة، وقيل: لم تبطل مثل المتبائعين لأن المنافع كالأعيان
ولذلك يقول: إنها تضمن بالغصب، ولا تبطل الإجارة ببيع المؤجر من المستأجر وغيره
ويصبر المشتري حتى تنقضي المدة، ولا خيار له إن علم ذلك وله الخيار إن جهله، وإن
غرقت الأرض أو غصبت قبل القبض بطلت الإجارة، وإن جرى ذلك في أثناء المدة
فالرجوع على الغاصب وتبطل فيما بقي في الغرق ويصح فيما مضى بالقويم ثم ينسب
بالجزء المشاع إلى الأجرة، وإن انهدم المسكن في أثناء المدة فله فسخها بقي إلا أن يعيده
مالكه إلى الصحة ويسقط عن المستأجر ما قابل مدة الانهدام والبناء.
والأجرة تصح في الذمة وبالعين وكلما صح كونه ثمنا لمبيع صح كونه أجرة، ويصح
اسقاطها عن المستأجر إن كانت في ذمته ولا يصح اسقاط منافع الدار المستأجرة.
وشرط الإجارة: الإيجاب والقبول وكون الأجر معلوما مشاهدة أو وصفا وكون المنفعة
معلومة بتقدير المدة كاستيجار الدار للسكنى والأرض للزرع طالت المدة أم قصرت، أو
360

بالتسمية كالاستيجار على صبغ الثوب وخياطته ودابة تحمل قدر معلوم ودابة لمسافة
معلومة أو بالتعين كنقل متاع مشاهد، فإن عين المدة والعمل كخياطة ثوب في هذا اليوم
بطلت.
ويجوز استيجار الدور والخانات للسكنى والعمل فيها مطلقا إلا ما يؤديها كالقصارة
والطحن وعمل الحديد فيفتقر إلى التسمية، ويجوز استيجار الأرض للزراعة ويسمى الزرع
لاختلافه والساحة للبناء والغرس فإذا خرجت المدة قوم الغراس وأعطي صاحبه قيمته
أو يضمن له أرش القلع أو يرضى ببقائه، فإن استأجر دارا فغرس فيها بلا إذن فلصاحبها
قلعه وإلزام الغارس بأرش العيب وطم الحفر.
وإن استأجر ثوبا للبس ودابة كوب مجملا بطلت للجهالة، فإن قال: يركب أو يلبس
من شاء، جاز، فإن عين اللابس أو الراكب لم يجز غيره ولا إرداف غيره وكذلك لو شرط ألا
يسكن الدار غيره، فإن أطلق جاز له ولغيره منفردا ومجتمعا فإن حمل الدابة أكثر من القدر
المشروط أو سار أكثر من الشرط أو أردف غيره فهو ضامن لجميع القيمة يوم تعدى فيها
وكذلك لو حمل عليها حديدا بدل القطن، وإن عابت فعليه أرش عيبها.
والأجرة تجب بالعقد وهي حالة بإطلاقه، وإن شرط تأجيلها صح الشرط فإن كانت
فاسدة استحق أجرة المثل وإن زادت على ما ذكراه.
ويصح استيجار الدار لشهر لم يدخل ولشهر مطلق ويحكم بتعقبه العقد وقيل
لا يصح، وإن استأجرها كل شهر بكذا جملة المدة صحت في شهر واحد وفسدت في الباقي
ووجب أجرة المثل، وإن استأجر جملا أو عبدا معينا أو حرا بعينه فتلف قبل العمل بطلت
الإجارة، وإن عمل بعضه ثم تلف بطلت فيما بقي وصحت في الماضي بالحساب، وإن
استأجره لعمل في الذمة ثم مرض أو مات أخذ من ماله لعمل الباقي، وإن أبق العبد
المستأجر رجع على مولاه بالأجرة فإن شرط للعبد غير الأجرة لم يلزمه فإن أعطاه كان ذلك
لمولاه، وإن أفسد شيئا استسعى فيه أو أتبع به بعد العتق.
ولا يجوز استيجار الدابة والأرض لحمل محظور أو عمل ما لا يحل فيها، وليس من شرط
صحة الإجارة للسفر إلى موضع بعينه ذكر عدد الفراسخ، وإن استأجر الدابة للحمل وجب
361

مشاهدته أو قدره بالوزن والجنس إن لم يشاهده وللجمال مطالبة المكتري بالكراء قبل قطع
المسافة، وإن استأجره على أحد عملين أيهما شاء بكذا أو على هذا بكذا وعلى الآخر بدونه
فهي فاسدة واللازم أجرة المثل، وروى أصحابنا صحة الإجارة لحمل متاع إلى موضع معلوم
في وقت معلوم بكذا وفي غيره بدونه ما لم يحط بجميع الأجرة فيبطل ويجب أجرة المثل.
والمستأجر أمين على الدابة المستأجرة فإن شرط ضمن، فإن ادعى التلف حلف فإن
ادعى الرد حلف صاحبها، والأجير المنفرد والمشترك مؤتمنان فإن فرطا ضمنا، فإن اختلفا في
التفريط حلف الأجير، فإن فرط واختلفا في القيمة حلف صاحبها المتاع، فإن ادعى
الأجير الأجير الرد حلف المستأجر، ومن حمل متاعا على رأسه بأجرة فسقط فتكسر أو صدم به
متاعا أو إنسانا فجنى عليه فضمان ذلك عليه، وإن جنى الصانع بيده على المتاع ضمن بكل
حال.
ويصح إجارة الحمام والماء تبع وإجارة النائحة بالحق والماشطة ما لم تصل شعر
الناس بشعر الناس ويجوز بغيره، ولا تحل الأجرة على وشم الخدود والتدليس والغش
ويجوز أجرة المغنية ما لم تدخل على الرجال أو يدخل الرجال عليها، ويجوز الأجر على ختن
الرجال وخفض النساء وعمل الأشربة الحلال، ويكره إنزاء الحمير على الخيل وأجرة
ضراب الفحل وأجرة الحجام وينبغي أن يطعمها السيد غيره إن كانت الحجامة صنعة
عبد هو الأجرة على نسخ المصحف وعلى تعليم القرآن إذا اشترطا، ولا بأس بأخذ
الأجرة على كتب العلوم والحكمة ولا تحل على كتب الكفر وتجليدها إلا لنقضه، ويجوز أخذ
الأجرة على مدح المؤمنين وهجاء الضلال ويحرم على العكس، ويجوز على الخطب في الأملاك
ويكره أخذ ما انتهب وينبغي لمعلم الصبيان التسوية بينهم في التعليم، ويكره كسب
الصبيان ويحرم الأجر على الأعمال المحرمة كالغناء والنوح بالباطل والهجاء والمدح بمثله
وعمل الأصنام والصلبان والعود وآلات اللعب كالنرد والشطرنج وعمل الخمر والفقاع
والشراب المحرم، ولا بأس بإمساك الخمر للتخلل والتخليل.
ولا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الموتى وتكفينهم وحملهم ودفنهم والصلاة عليهم،
وعلى الأذان والإقامة والإمامة والفتياء وتعليم الشرع والمعارف وكيفية العبادة، ولا يجوز
362

على السحر وتعليمه وتعلمه والقيافة والكهانة والشعبذة.
ويجوز استيجار الظئر بأجرة معلومة مدة معلومة وبمشاهدة الصبي، ويجوز أن يستأجر
زوجته لرضاع ولده وتؤجر نفسها لرضاع ولد غيره باذنه، ولا يصح استيجارها بكسوتها
وطعامها للجهالة، وليس لمستأجر الظئر منع زوجها من وطئها، فإن أرضعته المدة بلبن شاة
أو امرأة غيرها فلا أجرة لها.
وإن شرط على الصانع العمل بنفسه تعين وإن أطلق جاز بنفسه وغيره، فإن أعطى
الثوب غيره ليخيطه بإذن صاحبه فلا ضمان وبغير إذنه يضمن، ويجوز أن يؤجر ما استأجره
بمثل ما استأجره وأكثر منه ودونه من جنسه إذا عمل فيه عملا يصلحه أو بعضه ببعضها أو
بكلها ويتصرف في الباقي، ويكره من دونه إجارته بأكثر منه من جنسه فإن اختلف الجنس
لم يكره، ويكره إذا استؤجر لعمل ثوب بكذا أن يستأجر غيره بدونه إلا أن يعمل فيه عملا،
وإن اختلف صاحب الثوب والخائط في الإذن فالقول قول صاحب الثوب وكذلك في صفة
الإذن كالقباء والقميص، ويجوز أن يؤجر دارا استأجرها قبل قبضها، وإذا كانت الأجرة
معينة فتلفت قبل القبض بطلت الإجارة، وإن انهدمت الدار أو احترقت أو غرقت الأرض
بجناية المستأجر فالإجارة بحالها وعليه ضمان ما أحدث.
ولا يصح استيجار الأرض للزراعة بما يخرج منها لأنه غير مضمون وهي المخابرة
المنهي عنها، ويجوز بذهب أو فضة وغيرهما، والإجارة لازمة للمستأجر وإن تلفت الغلة
بالآفات، ويكره أن يستأجر أحدا حتى يقاطعه على أجرته فإن لم يفعل فله أجرة المثل، وإذا
لم يأمن الأجير المستأجر على الأجر فتركه عند عدل فهلك في يده فهو من ضمان الأجير من
حيث يرضى به.
وإذا استأجر أجيرا لحفر بئر عشر قامات بأجرة معلومة فحفر قامة ثم عجز قسمت
الأجرة على خمسة وخمسين جزءا فللقامة الأولى جزء منها وللثانية جزءان والجزء الأول
وللثالثة ثلاثة أجزاء والأجزاء الأول وعلى هذا والنقصان والزيادة على هذا، ويكره أن
يؤجر الانسان نفسه فإن فعل ذلك فقد حظر عليها الرزق وما أصاب من شئ فلرب أجره.
وليس لأحد الشريكين الاستبداد بسكنى المشترك وإجارته ولكل منهما أن يؤجر
363

حصته لشريكه أو لغيره، فإن تشاحا تناوبا قدرا من الزمان بحسب أصل الشركة،
ويجب أن يعطي الأجير أجرته قبل جفاف عرقه، ويجوز أن يستأجر لطحن قفيز حنطة بمكوك
منه، وإذا انسدت البالوعة بفعل المستأجر فعليه تنقيتها وإن استأجرها وهي مسدودة فعلى
المؤجر تنقيتها، ويجوز إجارة الكلاب التي أجزنا بيعها، ويجوز أن يستأجر رجلان جملا
للعقبة على المعتاد، والكحل على المستأجر لا على الكحال.
364

كتاب الإجارة وتوابعها
وفيه مقاصد:
الأول: في الإجارة: وفيه فصول:
الأول: الماهية:
وهي عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم مع بقاء الملك على أصله، ولا بد
فيه من الإيجاب والقبول الصادرين عن الكامل الجائز التصرف، فلا ينعقد إجارة
المجنون ولا الصبي غير المميز ولا المميز وإن أذن له الوصي على إشكال،
والإيجاب آجرتك أو أكريتك، والقبول كل لفظ يدل على الرضا، ولا يكفي في
الإيجاب ملكتك إلا أن يقول سكنى هذه الدار شهرا مثلا بكذا.
ولا تنعقد بلفظ العارية ولا البيع سواء نوى به الإجارة أو قال: بعتك
سكناها سنة، لأنه موضوع لملك الأعيان وهو لازم من الطرفين، ولا تبطل بالبيع
ولا العذر إذا أمكن الانتفاع ولا بموت أحدهما على رأي إلا أن يكون المؤجر موقوفا
عليه فيموت قبل انتهاء المدة فالأقرب البطلان في الباقي، فيرجع المستأجر على ورثة
المؤجر بباقي الأجرة، ولا يتعلق به خيار المجلس ولو شرطا خيارا لهما أو لأحدهما أو
لأجنبي صح سواء كانت معينة كأن يستأجر هذا العبد أو في الذمة كالبناء مطلقا.
365

الفصل الثاني: في أركانها:
وهي ثلاثة: المحل وهو العين التي تعلقت الإجارة بها كالدار والدابة
والآدمي وغيرها، والعوض والمنفعة.
المطلب الأول: المحل:
كل عين يصح إعارتها يصح إجارتها، وإجارة المشاع جائزة كالمقسوم وكذا
إجارة العين المستأجرة إن لم يشرط المالك التخصيص، ولا بد من مشاهدتها أو
وصفها بما يرفع الجهالة إن أمكن فيها ذلك وإلا وجبت المشاهدة، فإن باعها المالك
صح فإن لم يكن المشتري عالما تخير بين فسخ البيع وإمضائه مجانا مسلوب المنفعة
إلى آخر المدة، ولو كان هو المستأجر فالأقرب الجواز ويجتمع عليه الأجرة والثمن،
ولو وجدها المستأجر معيبة بعيب لم يعلمه فله الفسخ وإن استوفى بعض المنفعة، ولو
لم يفسخ لزمه جميع العوض.
ولو كانت العين مطلقة موصوفة لم ينفسخ العقد وعلى المؤجر الإبدال ولو تعذر
فله الفسخ، فإن رد المستأجر العين لعيب بعد البيع فالمنفعة للبائع، ولو تلفت العين
قبل القبض أو عقيب القبض بطلت مع التعين وإلا بطل في الباقي ويرجع من
الأجرة بما قابل المتخلف وكذا لو ظهر استحقاقها، ويستقر الضمان على المؤجر مع
جهل المستأجر وفي الزائد من أجرة المثل إشكال.
ويصح إجارة العقار مع الوصف والتعيين لا في الذمة، ويفتقر الحمام إلى
مشاهدة البيوت والقدر والماء والأتون ومطرح الرماد وموضع الزبل ومصرف مائه
أو وصف ذلك كله، وتجب على المستأجر علف الدابة وسقيها فإن أهمل ضمن،
ولو استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر إلا أن يشترط على الأجير،
فإن تشاحا في قدره فله أقل مطعوم مثله وملبوسه، ولو قيل بوجوب العلف على
المالك والنفقة على الأجير كان وجها فحينئذ إن شرطه على المستأجر لزم بشرط
366

العلم بالقدر أو الوصف، فإن استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه،
ولو احتاج إلى الدواء لمرض لم يلزم المستأجر، ولو أحب الأجير أن يستفضل بعض
طعامه منع منه إن كان قدر كفايته، ويخشى الضعف عن العمل أو اللين معه.
ولو آجر الولي الصبي مدة يعلم بلوغه فيها أو لا لكن اتفقت لزمت الأجرة إلى
وقت البلوغ ثم يتخير الصبي في الفسخ والإمضاء، ولو مات الولي أو انتقلت
الولاية إلى غيره لم تبطل به، ولو آجر عبده ثم أعتقه في الأثناء لم تبطل الإجارة
ويجب على العبد إيفاء المنافع باقي المدة، والأقرب عدم رجوعه على مولاه بأجرة،
ونفقته بعد العتق على المستأجر إن شرطت عليه وإلا فعلى المعتق لأنه كالباقي على
ملكه حيث ملك عوض نفعه.
المطلب الثاني: في العوض:
ويشترط أن يكون مال الإجارة معلوما بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة،
ثم إن كان مكيلا أو موزونا وجب معرفة مقداره بأحدهما وفي الاكتفاء بالمشاهدة
نظر، وكل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون عوضا عينا كان أو منفعة ما ثلث أو
خالفت، ولو استأجر دارا بعمارتها لم يصح للجهالة، وكذا لو استأجر السلاخ بالجلد
وكذا الراعي باللبن أو الصوف المتجدد أو النسل أو الطحان بالنخالة، أما بصاع
من الدقيق أو شرطت المرضعة بجزء من المرتضع الرقيق فالأقرب الجواز، وكذا لو
استأجر الحاصل بجزء من الزرع، ولو قال: إن خطته اليوم فلك درهمان، وإن خطته
غدا فدرهم، احتمل أجرة المثل والمسمى وكذا إن خطته روميا فدرهمان وفارسيا
فدرهم.
ولو استأجره لحمل متاع إلى مكان في وقت معلوم فإن قصر عنه نقص من
أجرته شيئا معينا صح، ولو أحاط الشرط بجميع الأجرة لم يصح ويثبت له
أجرة المثل، ولو آجره كل شهر بدرهم ولم يعين أو استأجره لنقل الصبرة المجهولة
367

وإن كانت مشاهدة كل قفيز بدرهم أو استأجره مدة شهر بدرهم فإن زاد فبحسابه،
فالأقرب البطلان إلا الأخير فإن الزائد باطل.
ويملك المؤجر الأجرة بنفس العقد فإن شرط الأجل لزم، ويشترط فيه العلم
سواء تعدد أو اتحد وسواء كانت معينة أو مطلقة ويجب تسليمها مع شرط التعجيل
أو الإطلاق، وإن وقعت الإجارة على عمل ملك العامل الأجرة بالعقد أيضا لكن
لا يجب تسليمها إلا بعد العمل، وهل يشترط تسليمه؟ الأقرب ذلك، فإذا استوفى
المستأجر المنافع استقر الأجر، فإن سلمت العين التي وقعت الإجارة عليها ومضت
المدة وهي مقبوضة استقر الأجر وإن لم ينتفع، وإن كانت على عمل فيسلم المعقود
عليه كالدابة يركبها إلى المعين فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها استقر عليه
الأجر، وإن كانت الإجارة فاسدة ويجب أجرة المثل فيها، ولو بذل له العين فلم
يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه إن كانت الإجارة صحيحة
وإلا فلا.
ولو شرط ابتداء العمل في وقت ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه
فطلبه المالك فلم يدفع العين إليه صار غاصبا، فإن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة،
ولو ظهر العيب في الأجرة المعينة تخير المؤجر في الفسخ والأرش وفي المضمونة له
العوض، فإن تعذر فالفسخ أو الرضا بالأرش وللمؤجر الفسخ إن أفلس المستأجر،
ويجوز أن يؤجر العين بأكثر مما استأجرها به، وإن لم يحدث شيئا مقوما وكان
الجنس واحدا على رأي، وكذا لو سكن البعض وآجر الباقي بالمثل أو الزائد وكذا
لو تقبل عملا بشئ وقبله لغيره بأقل واستيفاء المنفعة أو البعض مع فساد العقد
يوجب أجرة المثل سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه، ويكره استعمال الأجير
قبل أن يقاطع على الأجرة وأن يضمن مع انتفاء التهمة.
368

المطلب الثالث: في المنفعة: وشروطها ثمانية:
الأول: أن يكون مباحة، فلو استأجر بيتا ليحرز فيه خمرا أو دكانا ليبيعه فيه أو
أجيرا ليحمل إليه مسكرا سواء كان لمسلم أو كافر أو جارية للغناء أو كلبا للصيد
لهوا أو ناسخا ليكتب كفرا أو غناء، أو استأجر الكافر مسلما للخدمة أو مصحفا
للنظر فيه لم يصح.
الثاني: أن يكون مملوكة بالتبعية كمالك العين أو بالاستقلال كالمستأجر فلا
يصح إجارة الغاصب، ولو عقد الفضولي وقف على الإجازة ولو شرط المالك
المباشرة لم يكن له أن يؤجر، فإن فعل وسلم العين حينئذ ضمن، ويجوز مع
عدم الشرط أن يؤجر لمثله أو أقل ضررا سواء كان قبل القبض أو بعده وسواء كان
المستأجر هو المؤجر أو غيره ويضمن العين بالتسليم.
الثالث: أن تكون مقومة، فلو استأجر تفاحة للشم أو طعاما لتزيين المجلس أو
الدراهم والدنانير والشمع كذلك أو الأشجار للوقوف في ظلها ففي الجواز نظر ينشأ
من انتفاء قصد هذه المنافع ولهذا لا تضمن منفعتها بالغصب، وكذا لو
استأجر
حائطا مزوقا للتنزه بالنظر إليه، أما لو استأجر شجرا ليجفف عليها الثياب أو
يبسطها عليها ليستظل بها فالوجه الجواز.
الرابع: انفرادها بالتقويم، فلو استأجر الكرم لثمره أو الشاة لنتاجها أو صوفها أو
لبنها لم ينعقد لما يتضمن من بيع الأعيان قبل وجودها والاستئجار إنما يتعلق
بالمنافع، ولو استأجر الظئر لإرضاع الولد مع الحضانة جاز والأقرب جوازه مع عدمها
للحاجة. وهل يتعدى إلى الشاة لإرضاع السخلة؟ الأقرب ذلك، وكذا يجوز
استئجار الفحل للضراب على كراهية وفي جواز استئجار البئر للاستقاء منها إشكال،
ويجوز استئجار الأطياب للشم وإن نقصت أعيانها بخلاف الشمع للإشعال
والطعام للأكل، والإجارة في الاستحمام للبث فيه واستعمال الماء تابع للإذن.
الخامس: إمكان وجودها، فلو استأجر الأرض للزراعة ولا ماء لها بطلت، أما
369

لو لم يعين الزرع انصرف إلى غيره من المنافع ولو كان نادرا، وكذا لو استأجر عبدا
مدة يعلم موته قبل انقضائها أو استأجر أعمى للحفظ أو أخرس للتعليم أو استأجر
حيوانا لعمل لم يخلق له ويمتنع حصوله منه كما لو استأجر شاة للحرث أو الحمل، أما
لو استأجر ما يمكن منه وإن لم يخلق له جاز كالإبل للحرث والبقر للحمل.
السادس: القدرة على تسليمها فلو استأجر الآبق منفردا لم يصح ولو آجر للسنة
القابلة صح، وكذا لو آجر سنة متصلة بالعقد ثم أخرى له أو لغيره، ولو استأجر
الدابة ليركبها نصف الطريق صح واحتيج إلى المهاياة إن قصد التراوح وإلا افتقر
إلى تعيين أحد النصفين، والمنع الشرعي كالحسي فلو استأجر لقلع ضرس صحيح أو
قطع يد صحيحة أو استأجر جنبا أو حائضا لكنس المسجد لم تصح، ولو كانت
السن وجعة أو اليد متأكلة صحت، فإن زال الألم قبل القلع انفسخت الإجارة.
ولو استأجر منكوحة الغير بدون إذنه في ما يمنع حقوق الزوج لم يصح ولو كان
للرضاع، فإن منع بعض حقوقه بطل وإلا فلا، ولو استأجرها الزوج أو غيره باذنه
صح وإن كان لإرضاع ولده منها في حباله، ولو تلفت العين المستأجرة قبل القبض
بطلت الإجارة وكذا بعده بلا فصل، ولو تلفت في الأثناء انفسخت في الباقي، فإن
تساوت أجزاء المدة فعليه بقدر ما مضى وإلا قسط المسمى على النسبة ودفع ما قابل
الماضي.
ولو انهدمت الدار أو غرقت الأرض أو انقطع ماؤها في الأثناء فللمستأجر
الفسخ، فإن بادر المالك إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار، ولو شرط منفعة كالزرع
فتلفت وبقي غيرها كصيد السمك منها بعد الغرق فهي كالتالفة ينفسخ فيها
الإجارة، ولو أمكن الانتفاع بالعين في ما اكتراها له على نقص تخير المستأجر أيضا
في الفسخ والإمضاء بالجميع، ولو غرق بعض الأرض بطلت الإجارة فيه وتخير في
الباقي بين فسخه وإمساكه بالحصة، ولو منعه المؤجر من التصرف في العين فالأقرب
تخيره بين الفسخ فيطالب بالمسمى وبين الإمضاء فيطالب بأجرة المثل.
370

ولو غصبه أجنبي قبل القبض تخير المستأجر أيضا في الفسخ فيطالب المؤجر
بالمسمى وفي الإمضاء فيطالب الغاصب بأجرة المثل، ولو ردت العين في الأثناء
استوفى المستأجر المنافع الباقية وطالب الغاصب بأجرة مثل الماضي. وهل له الفسخ
فيه ومطالبة المؤجر؟ نظر، ولو كانت الإجارة على عمل مضمون كخياطة ثوب أو
حمل شئ فغصب العبد الخياط أو الدابة الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك بعوض
المغصوب، فإن تعذر البدل تخير في الفسخ والإمضاء، ولو كان الغصب بعد القبض
لم تبطل الإجارة وطالب المستأجر الغاصب بأجرة المثل خاصة وإن كان في ابتداء
المدة.
ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء كما لو استأجر جملا للحج فينقطع
السابلة، فالأقرب تخير كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والإمضاء، ولو استأجر
دارا للسكنى فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر،
ولو أخرجه المالك في الأثناء لم يسقط عنه أجر والسلف، ولو استأجره لصيد شئ
بعينه لم يصح لعدم الثقة بحصوله.
السابع: إمكان حصولها للمستأجر، فلو آجر من وجب عليه الحج مع تمكنه
نفسه للنيابة عن غيره لم يقع، وكذا لو آجر نفسه للصلوات الواجبة عليه فإنها لا تقع
عن المستأجر. وهل تقع عن الأجير؟ الأقوى العدم، ويصح الاستئجار للجهاد
والحج والصلاة لمن لا تجب عليه ويقع عن المستأجر لكن يشترط في الصلاة الموت
وكذا الصيام، ولو استأجر ولي الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان
بها على ترتيبها في الفوات، فإن استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز لكن يشترط
الترتيب بين فعليهما فإن أوقعاه دفعة، فإن علم كل منهما بعقد الآخر وجب على كل
واحد منهما قضاء نصف سنة وإن جهلا فكذلك، وفي ضمان الولي إشكال، ويجوز
الاستئجار للزيارة عن الحي والميت، وفي جواز الاستئجار على الاحتطاب أو
الاحتشاش أو الالتقاط أو الاحتياز نظر ينشأ من وقوع ذلك للمؤجر أو المستأجر.
371

الثامن: أن تكون معلومة، والإجارة إما أن تكون في الذمة أو على العين،
والعين إن لم يكن لها سوى فائدة واحدة كفى الإطلاق وإلا وجب بيانها، وعلى
كل حال لا بد من العلم بقدر المنفعة.
والأعيان يعسر ضبطها لكن تكثر البلوى بثلاثة ويحال غيرها عليها:
الأول: الآدمي:
ويصح استئجاره خاصا، وهو الذي يستأجر مدة معينة فلا يجوز له العمل
لغيره فيها إلا باذنه، فإن عمل من دون الإذن فالأقرب تخير المستأجر بين الفسخ
والمطالبة بأجرة المثل أو المسمى الثاني له أو لمستأجره، ومشتركا وهو الذي يستأجر
لعمل مجرد عن المباشرة والمدة وتملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الأجرة به،
فإذا استؤجر لعمل قدر إما بالزمان كخياطة يوم أو بمحل العمل كأن يستأجره
لخياطة ثوب معين، ويصح هذان في الذمة ومعينا، وإذا عينه بالمحل وجب تعيين
الثوب وطوله ونوع التفصيل ونوع الخياطة، ولو جمع بين الزمان والمحل بطل للغرر.
ويعين في تعليم القرآن السور أو الزمان، ففي الإرضاع تعيين الصبي ومحل
الإرضاع أ هو بيتها؟ فهو أسهل أو بيت الصبي؟ فهو أوثق للولي في حفظه ومدته،
ولا تدخل الحضانة فيه. وهل يتناول العقد اللبن أو الحمل ووضع الثدي في فيه
ويتبعه اللبن كالصبغ في الصباغة وماء البئر في الدار؟ الأقرب الأول لاستحقاق
الأجرة به بانفراده دون الباقي بانفرادها والرخصة سوغت تناول الأعيان.
وعلى المرضعة تناول ما يدر به لبنها من المأكول والمشروب، فإن أسقته لبن
الغنم لم تستحق أجرا، ولو دفعته إلى خادمتها فالأقرب ذلك أيضا ويقدم قولها لو
ادعته لأنها أمينة، وله أن يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده للإرضاع دون مكاتبته، فإن
كان لإحداهن ولد لم يجز له أن يؤجرها إلا أن يفضل عن ولدها، ولو كانت مزوجة
افتقر المولى إلى إذن الزوج، فإن تقدم الرضاع صح العقدان، وللزوج وطؤها وإن لم
372

يرض المستأجر، فإن مات المرتضع أو المرضعة بطلت الإجارة إن كانت معينة، ولو
كانت مضمونة فالأقرب اخراج أجرة المثل من تركتها ويكفي في العمل مسماه، ولو
اختلف فالأقرب وجوب اشتراط الجودة وعدمها، ولو مرض الأجير فإن كانت
مضمونة لم تبطل وألزم بالاستئجار للعمل، وإن كانت معينة بطلت وكذا لو مات،
ولو اختلف العمل باختلاف الأعيان فالأقرب أنه كالمعينة مثل النسج لاختلاف
الأغراض باختلاف الأعيان.
ويجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والعيون فيفتقر إلى معرفة الأرض
بالمشاهدة وأن يقدر العمل بالمدة، ولو قدر بتعين المحفور كالبئر وجب معرفة دورها
وعمقها وطول النهر وعمقه وعرضه وتجب نقل التراب عن المحفور، ولو تهور
تراب من جانبيه لم تجب إزالته كالدابة، ولو وصل إلى صخرة لم يلزمه حفرها، فله
من الأجر بنسبة ما عمل، وروي تقسيط أجر عشر قامات على خمسة وخمسين جزء،
فما أصاب واحدا فهو للأولى والاثنين للثانية، وهكذا فإن عمل به احتمل تعديه
فيقسم الخمسة على خمسة عشر.
ولو استأجره لعمل اللبن فإن قدره بالعمل احتيج إلى عدده وموضع ضربه
وذكر قالبه، فإن قدره بقالب معروف وإلا احتيج إلى تقدير الطول والعرض
والسمك فلا يكفي الحوالة على قالب مشاهد غير معروف، ولو قدر البناء بالعمل
وجب ذكر موضعه وطوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من لبن وطين أو حجر
وجص، فإن سقط بعد البناء استحق الأجر إن لم يكن لقصور في العمل كما لو بناه
محلولا، ولو شرط ارتفاع الحائط عشرة أذرع فسقط قبلها لرداءة العمل وجب عليه
الإعادة، ولو استأجره لتطيين السطح أو الحائط جاز ولو قدره بالعمل.
ويتقدر النسخ بالمدة والعمل فيفتقر في الثاني إلى عدد الورق والسطور
والحواشي ودقة القلم، فإن عرف وصف الخط وإلا وجبت المشاهدة، ويجوز تقدير
الأجر بإجزاء الفرع أو الأصل والمقاطعة على الأصل، ويعفى عن الخطأ اليسير للعادة
373

لا الكثير، وليس له محادثة غيره وقت النسخ ويجوز على نسخ المصحف وعلى تعليم
القرآن إلا مع الوجوب فيقدره بالعمل فيعدد السور، وبالزمان على إشكال ينشأ من
تفاوت السور في سهولة الحفظ، ولو قال عشر آيات ولم يعين السورة لم يصح ويكفي
إطلاق الآيات منها، وحده الاستقلال بالتلاوة ولا يكفي تتبعه نطقه، ولو استقل
بتلاوة الآية ثم لقنه غيرها فنسي الأولى ففي وجوب إعادة التعليم نظر، ويجوز جعله
صداقا فلو استفادته من غيره كان لها أجر التعليم.
ويجوز الاستئجار على تعليم الخط والحساب والآداب. وهل يجوز على تعليم
الفقه؟ الوجه المنع مع الوجوب والجواز لا معه، وعلى الختان والمداواة وقلع السلع
والحجامة على كراهية أجره مع الشرط، وعلى الكحل فيقدر بالمدة خاصة، ويفتقر
إلى تعيين المرة في اليوم أو المرتين، والكحل على المريض ويجوز اشتراطه على الأجير
والأقرب جواز اشتراط الآجر على البناء، ولو لم يحصل البرء في المدة استقر الأجر
ولو برأ في الأثناء انفسخ العقد في الباقي، فإن امتنع مع عدمه من الاكتحال استحق
الأجير أجره بمضي المدة، ولو جعل له على البرء صح جعالة لا إجارة، ولو اشترط
الدواء على الطبيب فالأقرب الجواز.
ولو قدر الرعي بالعمل افتقر إلى تعيين الماشية فيبطل بموتها، ويحتمل عدمه
لأنها ليست المعقود عليها وإنما يستوفى المنفعة بها، وإن تلف بعضها بطل فيه، فلو
ولدت لم يجب عليه رعيها، ولو قدره بالمدة افتقر إلى ذكر جنس الحيوان، ولا يدخل
الجواميس والبخاتي في إطلاق لفظ الإبل والبقر لعدم التناول عرفا على إشكال
ويذكر الكبر والصغر والعدد، ويجوز الاستئجار للزرع ولحصاده وسقيه وحفظه
ودياسه ونقله.
وعلى استيفاء القصاص في النفس والأعضاء وعلى الدلالة على الطريق
وعلى البدرقة فيجب تعيينها بالعمل ولا يكفي المدة، وعلى الكيل والوزن والعدد
فيعين بالعمل أو المدة، وعلى ملازمة الغريم فيعين بالمدة، وعلى الدلالة على بيع
374

ثياب معينة وشرائها، وعلى السمسرة وعلى الاستخدام سواء كان الخادم رجلا أو
امرأة حرا أو عبدا، لكن يحرم عليه النظر إلى الأمة من دون إذن وإلى الحرة مطلقا.
الثاني: الدواب:
فإذا استأجر للركوب وجب معرفة الراكب بالمشاهدة وفي الاكتفاء بوصفه في
الضخامة والنحافة ليعرف الوزن تخمينا نظر، ويركبه المؤجر على ما شاء من سرج
وإكاف وزاملة على ما يليق بالدابة، وإن كان يركب على رحل للمستأجر وجب
تعيينه فيجب أن يشاهد المؤجر الآلات، فإن شرط المحمل وجب تعيينه بالمشاهدة أو
الوزن وذكر الطول والعرض والغطاء وجنسه أو عدمه، ولو عهد اتفاق المحامل
كفى ذكر جنسها والوطاء وجنسه أو عدمه ووصف المعاليق إن شرط بما يرفع
الجهالة والوزن أو المشاهدة.
ولا بد من تعيين الراكبين في المحمل، ولا بد من مشاهدة الدابة المركوبة أو
وصفها بذكر جنسها كالإبل ونوعها كالبخاتي والعراب والذكورة والأنوثة، فإن
لم يكن السير إليهما لم يذكر وكذا إذا كانت المنازل معروفة، فإذا اختلفا فيه أو في
السير ليلا أو نهارا حمل على العرف وإن لم تكن معروفة وجب ذكرها، وإذا شرط
حمل الزاد وجب تقديره وليس له إبدال ما فنى بالأكل المعتاد إلا مع الشرط، وإن
ذهب بسرقة أو سقوط أو بأكل غير معتاد فله إبداله، وإن شرط عدم الإبدال مع
الأكل.
ويجب على المؤجر كل ما جرت العادة أن يوطأ للركوب به للراكب من
الحداجة والقتب والزمام والسرج واللجام والخرام والبرذعة ورفع المحمل وحطه
وشده على الجمل ورفع الأحمال وشدها وحطها والقائد والسائق إن شرط
مصاحبته، وإن آجره الدابة ليذهب بها المستأجر فجميع الأفعال على الراكب
وأجرة الدليل والحافظ على الراكب، وعلى المؤجر إركاب المستأجر إما برفعه أو
375

ببروك الجمل إن كان عاجزا كالمرأة والكبير وإلا فلا، ولو انتقل إلى الطرفين تغير
الحكم فيهما، وعلى المؤجر إيقاف الجمل للصلاة وقضاء الحاجة دون ما يمكن فعله
عليه كصلاة النافلة والأكل والشرب، ولو استأجر للعقبة جاز ويرجع في التناوب
إلى العادة ويقسم بالسوية إن اتفقا وإلا فعلى ما شرطاه، وأن يستأجر نوبا مضبوطة
إما بالزمان فيحمل على زمان السير أو بالفراسخ.
وإن استأجر للحمل فإن اختلف الغرض باختلاف الدابة من سهولتها
وسرعتها وكثرة حركتها وجب ذكره، فإن الفاكهة والزجاج يضره كثرة الحركة
وبعض الطريق يصعب قطعه على بعض الدواب وإلا فلا، وأما الأحمال فلا بد من
معرفتها بالمشاهدة أو الوزن مع ذكر الجنس وذكر المكان المحمول إليه والطريق، ولو
استأجر إلى مكة فليس له الإلزام بعرفة ومنى بخلاف ما لو استأجر للحج، ولو شرط
أن يحمل ما شاء بطل، ولو شرط حمل مائة رطل من الحنطة فالظرف غيره فإن كان
معروفا وإلا وجب تعينه، ولو قال: مائة رطل، دخل الظرف فيه، ولو استأجر
للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف وتقدير العمل بتعيينها أو بالمدة
وتعيين البقر إن قدر العمل بالمدة، وإن استأجر للطحن وجب معرفة الحجر
بالمشاهدة أو الوصف.
وتقدير العمل بالزمان أو بالطعام ولا بد من مشاهدة الدولاب إن استؤجر له
ومعرفة الدلاء وتقدير العمل بالزمان أو بملء ء البركة مثلا لا بسقي البستان لاختلاف
العمل لقرب عهده بالماء وعطشه، ولو كان لسقي الماشية فالأقرب الجواز لقرب
التفاوت، ولو استأجر للاستقاء عليها وجب معرفة الآلة كالراوية أو القربة
بالمشاهدة أو الصفة، وتقدير العمل بالزمان أو عدد المرات أو مل ء معين، ويجوز
استئجار الدابة بآلاتها وبدونها ومع المالك وبدونه.
376

الثالث: الأرض:
ويجب وصفها أو مشاهدتها وتعيين المنفعة للزرع أو الغرس أو البناء، فإن
آجرها لينتفع بها بهما شاء فالأقرب الجواز ويتخير المستأجر في الثلاثة، ولو قال
للزرع أو الغرس بطل لأنه لم يعين أحدهما، ولو استأجر لهما صح واقتضى التنصيف
ويحتمل التخيير، ولو آجرها لزرع ما شاء صح، ولو عين اقتصر عليه وعلى ما يساويه
أو يقصر عنه في الضرر على إشكال، ولو اشترط الاقتصار على المعين لم يجز التخطي
ولا إلى الأقل، وكذا التفصيل لو آجرها للغراس وله الزرع وليس له البناء وكذا
لو استأجر للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع.
وإذا استأجر للزرع ولها ماء دائم أو يعلم وجوده عادة وقت الحاجة صح ولو
كان نادرا، فإن استأجرها بعد وجوده صح للعلم بالانتفاع وإلا فلا، ولو آجرها
على أن لا ماء لها أو كان المستأجر عالما بحالها صح وكان له الانتفاع بالنزول فيها
أو وضع رحله وجمع حطبه وزرعها رجاء للماء وليس له البناء ولا الغرس.
ولو استأجر ما لا ينحسر الماء عنه غالبا بطل، ولو كان ينحسر وقت الحاجة
وكانت الأرض معروفة أو كان الماء صافيا يمكن مشاهدتها صح وإلا فلا، ولو
استأجر ما لا ينحسر عنه الماء للزراعة لم يجز لعدم الانتفاع، فإن علم المستأجر ورضي
جاز إن كانت الأرض معلومة وكذا إن كان قليلا يمكن معه بعض الزرع، ولو
كان الماء ينحسر على التدريج لم يصح لجهالة وقت الانتفاع إلا أن يرضى المستأجر
ولو أمكن الزرع إلا أن العادة قاضية بغرقها لم يجز إجارتها لأنها كالمغارقة.
ولو اتفق غرقه أو تلفه بحرق أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمستأجر
إلا أن يتعذر الزرع بسبب الغرق أو انقطاع الماء أو قلته بحيث لا يكفي الزرع أو يفسد
الأرض فيتخير في الإمضاء بالجميع ويحتمل بما بعد الأرش، وإن فسخ رجع إلى
أجرة الباقي واستقر ما استوفاه ويوزع على المدتين باعتبار القيمة، وهي أجرة المثل
للمدتين لا باعتبار المدة، فإن تجدد بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع إلى
377

الحصاد وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ وأجرة المثل إلى الحصاد لأرض لها
مثل ذلك الماء القليل.
ويجب تعيين المدة في إجارة الأرض لأي منفعة كانت من زرع أو غرس أو
بناء أو سكنى أو غير ذلك ولا يتقدر بقدر، ولا يجب اتصال المدة بالعقد فإن عين
المبدأ وإلا اقتضى الاتصال، فإن استأجر للزرع فانقضت المدة قبل حصاده فإن
كان لتفريط المستأجر كأن يزرع ما يبقى بعدها فكالغاصب، وإن كان لعروض برد
أو شبهه فعلى المؤجر التبقية وله المسمى عن المدة وأجرة المثل عن الزائد، وللمالك
منعه من زرع ما يبقى بعد المدة على إشكال، فإن زرع بغير إذنه لم يكن له المطالبة
بإزالته إلا بعد المدة.
ولو استأجر مدة لزرع لا يكمل فيها، فإن شرط نقله بعد المدة لزم وإن أطلق
احتمل الصحة مطلقا وبقيد إمكان الانتفاع، فعلى الأول وجوب الإبقاء بالأجرة،
ولو شرط التبقية إلى وقت البلوغ تجهل العقد، ولو استأجرها للغرس سنة صح وله
أن يغرس قبل الانقضاء، فإن شرط القلع بعد المدة أو لم يشرط جاز القلع ولا أرش
على أحدهما، ويحتمل مع عدم الشرط منع المالك من القلع لا الغارس، فتخير بين
دفع قيمة الغراس والبناء، فيملكه مع أرضه وبين قلعهما مع أرش النقص وبين
إبقائهما بأجرة المثل، وإن استأجر للسكنى وجب مشاهدة الدار أو وصفها بما يرفع
الجهالة وضبط مدة المنفعة والأجرة.
فلو استأجر سنتين بأجرة معينة ولم يقدر الكل سنة قسطا صح، ولو سكن
المالك بعض المدة تخير المستأجر في الفسخ في الجميع أو في قدر ما سكنه فيسترد
نصيبه من المسمى وفي إمضاء الجميع فيلزمه المسمى، وله أجرة المثل على المالك في
ما سكن وله أن يسكن المساوي أو الأقل ضررا إلا مع التخصيص، ويضع فيه
ما جرت عادة الساكن من الرحل والطعام دون الدواب والسرجين والثقيل على
السقف، وله إدارة الرحى في الموضع المعتاد، فإن لم يكن لم يكن له التجديد، ويجوز
378

استئجار الدار ليعمل مسجدا يصلى فيه.
الفصل الثالث: في الأحكام:
إذا استأجر إلى العشاء أو إلى الليل فهو إلى غروب الشمس وكذا العشي إلا
أن يتعارف الزوال. ولو قال إلى النهار فهو إلى أوله ولو قال نهارا فهو من الفجر
إلى الغروب وليلا إلى طلوع الفجر، وإذا نمت الأجرة المعينة في يد المستأجر فالنماء
للمؤجر إن كان منفصلا، فإن انفسخت الإجارة ففي التبعية إشكال بخلاف المتصلة
وظهور البطلان فإنها تابعة فيهما، والأقرب عدم إيجاب الخيوط على الخياط،
واستئجار كل من الحضانة والرضاع لا يستتبع الآخر، فإن ضمهما فانقطع اللبن
احتمل الفسخ لأنه المقصود والتقسيط والخيار، وفي إيجاب الحبر على الناسخ
والكش على الملقح والصبغ على الصباغ إشكال.
ولو قدر المالك على التخليص لم يجبر عليه إذا كان الغصب بعد الإقباض، ولا
على العمارة سواء قارن العقد الخراب كدار لا غلق لها أو تجدد بعد العقد، نعم
للمستأجر خيار الفسخ، وعلى المالك تسليم المفتاح دون القفل فإن ضاع بغير تفريط
لم يضمن المستأجر وليس له المطالبة ببدله، وعلى المالك تسليم الدار فارغة وكذا
البالوعة والحش ومستنقع الحمام، فإن كانت مملوءة تخير فإن تجدد الامتلاء في
دوام الإجارة احتمل رجوعه على المستأجر لأنه بفعله، وعلى المؤجر لتوقف الانتفاع
عليه ولا يجب على المستأجر التنقية عند انتهاء المدة بل التنقية من الكناسات ورماد
الأتون كالكناسة.
ولو استأجر أرضا للزرع ولها شرب معلوم والعادة تقتضي التبعية دخل، ولو
اضطربت العادة بأن يستأجر مرة الأرض منفردة وتارة معه احتمل التبعية وعدمها،
ولو زرع أضر من المعين فللمالك المسمى وأرش النقص والظرف على المستأجر
وكذا الرشاء ودلو الاستقاء، وينزع الثوب المستأجر ليلا ووقت القيلولة ويجوز
الارتداء به على إشكال دون الاتزار.
379

الفصل الرابع: في الضمان:
العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعد أو تفريط في المدة وبعدها إذا لم
يمنعها مع الطلب سواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة، ولو ضمنه المؤجر لم يصح
فإن شرطه في العقد فالأقرب بطلان العقد، فإذا تعدى بالدابة المسافة المشترطة أو
حملها الأزيد ضمنها كلها بقيمتها وقت العدوان، ويحتمل أعلى القيم من وقت
العدوان إلى التلف وعليه أجرة الزيادة، ولا فرق في الضمان بين أن يتلف في
الزيادة أو بعد ردها إلى المشترطة، ولو تلفت بعد ردها إلى مالكها بسبب تعبها
وشبهه ضمنها وإلا فلا، ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة، ولو ربط الدابة مدة
الانتفاع استقرت الأجرة فإن تلفت فلا ضمان، وإن انهدم الإصطبل إذا لم يكن
مخوفا، وكذا يد الأجير على الثوب الذي يراد خياطته أو صبغه أو قصارته أو على
الدابة لرياضتها سواء كان مشتركا أو خاصا.
ولو تعدى في العين فغصبت ضمن، وإن كانت أرضا شرط زرعها نوعا فزرع
غيره، ولو سلك بالدابة الأشق من الطريق المشترط ضمن وعليه المسمى والتفاوت
بين الأجرتين ويحتمل أجرة المثل، وكذا لو شرط حمل قطن فحمل بوزنه حديدا، ولو
شرط قدرا فبان الحمل أزيد فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ضمن
الدابة والزائد والمسمى، وإن كان المؤجر فلا ضمان إلا في المسمى وعلى المؤجر
رد الزائد، ولا فرق بين أن يتولى الوضع من تولى الكيل أو غيره، وإن تولاه
380

أجنبي من غير علمهما فهو متعد عليهما.
ويضمن الصانع ما يجنيه وإن كان حاذقا كالقصار يخرق الثوب والحمال
يسقط حمله عن رأسه أو يتلف بعثرته، والجمال يضمن ما تلف بقوده وسوقه
وانقطاع حبله الذي شد به حمله، والملاح يضمن ما تلف من يده أو جذفه أو
ما يعالج به السفينة والطبيب والكحال والبيطار سواء كان مشتركا أو خاصا
وسواء كان في ملكه أو ملك المستأجر وسواء كان رب المال حاضرا أو غائبا
وسواء كان الحمل الساقط بالسوق والقود وآدميا أو غيره.
ولو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخير المالك في تضمينه إياه غير معمول ولا
أجر عليه، وفي تضمينه معمولا ويدفع إليه أجره، ولو نقصت قيمة الثوب عن الغزل
فله قيمة الثوب خاصة للإذن في النقص ولا أجرة، وكذا لو وجب عليه ضمان
المتاع المحمول تخير صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي سلمه ولا أجر
له، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجرة إلى ذلك المكان.
ولو استأجره لحياكة عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدا في الطول أو
العرض فلا أجر له عن الزيادة وعليه ضمان نقص المنسوج فيها، فإن كان حاكه
زائدا في الطول خاصة فله المسمى، وإن زاد فيهما أو في العرض احتمل عدم الأجر
للمخالفة والمسمى، وكذا لو نقص فيهما لكن هنا إن أوجبنا أسقط بنسبة الناقص،
ولو قال: إن كان يكفي قميصا فاقطعه، فقطعه فلم يكف ضمن، ولو قال: هل
يكفي قميصا؟ فقال: نعم، فقال: اقطعه، فلم يكفه لم يضمن، ولو قال: اقطعه
قميص رجل، فقطعه قميص امرأة احتمل ضمان ما بينه صحيحا ومقطوعا وما بين
القطعين.
ولا يبرأ الأجير من العمل حتى يسلم العين كالخياط إن كان العمل في
ملكه، ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغا فلو تلفت العين من غير تفريط بعد
العمل لم يستحق أجرة على إشكال، ولو كان في ملك المستأجر برئ بالعمل
381

واستحق الأجر به، ولو حبس الصانع العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها، ولو اشتبه
على القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه كان ضامنا وعلى المدفوع إليه الرد مع علمه،
فإن نقص بفعله ضمن ورجع على القصار ثم طالبه بثوبه، فإن هلك عن القصار
احتمل الضمان لأنه أمسكه بغير إذن مالكه بعد طلبه وعدمه لعدم تمكنه من رده.
والشروط السائغة لازمة، فلو شرط أن لا يسير عليها ليلا أو وقت القائلة أو لا
يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها أو لا يسلك بها طريقا معينا فخالف
ضمن، وإن تلفت لا بسبب فوات الشرط، وللمستأجر ضرب الدابة بما جرت العادة
به وتكبيحها باللجام وحثها على السير فلا ضمان، وللمعلم ضرب الصبيان
للتأديب ويضمن لو جنى تأديبه، ولو ختن صبيا بغير إذن وليه أو قطع سلعة انسان
بغير إذنه أو من صبي بغير إذن وليه فسرت الجناية ضمن، ولو أخذ البراءة ففي
الضمان إشكال، ويضمن الراعي بتقصيره بأن ينام عن السائمة أو يغفل عنها أو
يتركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره أو يضربها بإسراف أو في غير موضع الضرب أو
لا لحاجة أو يسلك بها موضعا يتعرض فيه التلف.
ولو دفع إلى غيره شيئا ليعمل فيه عملا استحق الصانع أجرة مثل العمل إن
كان العمل ذا أجرة عادة وإلا فلا، ولو آجر مملوكه أو استؤجر باذنه فأفسد ضمن
المولى في سعيه ولا يضمن الحمامي إلا مع الإيداع والتفريط، ويصح اسقاط
الأجرة المعينة بعد تحققها في الذمة، والمنفعة الثابتة في الذمة دون المنفعة المعينة، ولو
تسلم أجيرا ليعمل له صنعة فهلك لم يضمنه وإن كان صغيرا أو عبدا، ولو استأجر
الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب ضامن للجميع، ولو سلم إلى المؤجر وقال: أنه
قفيز، وكذب فتلفت الدابة بالحمل ضمن النصف واحتمل بالنسبة، ولو استأجر
للقصاص ثم عفا سقط القصاص ولا أجرة، فإن اقتص الأجير مع العلم ضمن، ولا
معه يستقر الضمان على المستأجر إن تمكن من الإعلام وإلا فإشكال.
382

الفصل الخامس: في التنازع:
لو اختلفا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع اليمين، فإن وقع الاختلاف
بعد استيفاء المنافع وإتلاف الأجرة فإن كان المدعي المالك فله المطالبة بالمتخلف
من أجرة المثل وليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى لو كان ولا ضمان في
العين، وإن كان هو المستأجر لم يسقط ضمان العين إن أنكر المالك الإذن في
التصرف ولم يكن للمستأجر المطالبة بالفاضل عن أجرة المثل إن كان، ولو اختلفا
في قدر الأجرة فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل بنصفه، فالقول قول المستأجر
مع يمينه.
ولو اختلفا في المدة فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينارين،
فالقول قول المالك مع يمينه، ولو قال: بل سنتين بدينار، فهنا قد اختلفا في قدر
العوض والمدة فالأقرب التحالف، فإذا تحالفا قبل مضي شئ من المدة فسخ
العقدان ورجع كل منهما في ماله، وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر
العقد، وإن كان بعد المدة أو شئ منها سقط المسمى ووجب أجرة المثل ما لم تزد
عما يدعيه المالك وتنقص عما يدعيه المستأجر، ويحتمل مع التحالف استحقاق
المنافع سنة بالنسبة من الدينار، ولو قال المالك: آجرتكها سنة بدينار، فقال: بل
استأجرتني لحفظها سنة بدينار، قدم قول المالك في ثبوت الأجرة لأن السكنى قد
وجدت من المستأجر فيفتقر إلى بينة تزيل عنه الضمان.
ولو اختلفا في القدر المستأجر فالقول قول المالك وكذا لو اختلفا في رد العين
المستأجرة، ولو اختلفا في التعدي فالقول قول المستأجر، وكذا لو ادعى الصانع
والملاح و المكاري هلاك المتاع وأنكر المالك فالقول قولهم مع اليمين، وكذا إن
ادعى إباق العبد من يده أو أن الدابة نفقت أو شردت وأنكر المالك، ولا أجرة
على المستأجر مع اليمين، ولو ادعى أن العبد مرض في يده وجاء به صحيحا قدم قول
المالك وإن جاء به مريضا قدم قوله، ولو اختلفا في وقت الهلاك أو الإباق أو
383

المرض فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العمل إن قدر به، وقلنا يملك بالعمل
وإلا فإشكال وإن قدر بالزمان قدم قول المالك.
ولو قال: أمرتك بقطعه قباء، فقال: بل قميصا، قدم قول المالك على رأي،
فلو أراد الخياط فتقه لم يكن له ذلك إن كانت الخيوط من الثوب أو المالك، ولا
أجرة له وعليه الأرش، ولو كانت الخيوط للخياط ففي أخذها نظر أقربه ذلك، فلو
قال المالك: أنا أشد في كل خيط خيطا، حتى إذا سله عاد خيط المالك في مكانه
لم تجب الإجابة وعلى رأي قول الخياط فيسقط عنه الغرم، وله أجرة مثله بعد اليمين
لا المسمى إن زاد لأنه لا يثبت بقوله.
ولو غصبت العين فأقر المؤجر بالملكية له قبل في حقه دون المستأجر وللمستأجر
مخاصمة الغاصب لأجل حقه في المنفعة، ولو اختلفا في المبطل للعقد فالقول قول
مدعي الصحة، ولو قال: آجرتك كل شهر بدرهم من غير تعيين، فقال: بل سنة
بدينار، ففي تقديم قول المستأجر نظر، فإن قدمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في
الشهر الأول هنا، وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادعى أجرة معلومة أو
عوضا معينا وأنكر المالك التعيين فيهما والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى.
384

اللمعة الدمشقية
كتاب الإجارة
وهي العقد على تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم. وإيجابها: آجرتك أو أكريتك أو
ملكتك منفعتها سنة. ولو نوى بالبيع الإجارة فإن أورده على العين بطل، وإن قال:
بعتك سكناها مثلا، ففي الصحة وجهان، وهي لازمة من الطرفين. ولو يعقبها البيع لم
تبطل سواء كان المشتري هو المستأجر أو غيره، وعذر المستأجر لا يبطلها كما لو استأجر
حانوتا فيسرق متاعه، أما لو عم العذر كالثلج المانع من قطع الطريق فالأقرب جواز
الفسخ لكل منهما، ولا تبطل بالموت إلا أن تكون العين موقوفة.
وكل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارته وإجارته منفردا كان أو مشاعا،
ولا يضمن المستأجر العين إلا بالتعدي أو التفريط، ولو شرط ضمانها فسد العقد، ويجوز
اشتراط الخيار لهما ولأحدهما، نعم ليس للوكيل أو الوصي فعل ذلك إلا مع الإذن أو
ظهور الغبطة، ولا بد من كمال المتعاقدين وجواز تصرفهما ومن كون المنفعة والأجرة
معلومتين، والأقرب أنه لا يكفي المشاهدة في الأجرة عن اعتبارها وتملك بالعقد ويجب
تسليمها بتسليم العين وإن كانت على عمل فبعده.
ولو ظهر فيها عيب فللأجير الفسخ أو الأرش مع التعين ومع عدمه يطالب بالبدل،
وقيل: له الفسخ، وهو قريب إن تعذر الإبدال. ولو جعل أجرتين على تقديرين كنقل
المتاع في يوم بعينه بأجرة وفي آخر بأخرى أو في الخياطة الرومية وهي التي بدر زين
والفارسية وهي التي بواحد فالأقرب الصحة، ولو شرط عدم الأجرة على التقدير الآخر لم
يصح في مسألة النقل وفي ذلك نظر لأن قضية كل إجارة المنع من نقيضها فيكون قد شرط
385

قضية العقد فلم يبطل في مسألة النقل أو في غيرها.
غاية ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط يكون البطلان منسوبا إلى الأجير ولا يكون
حاصلا من جهة العقد، ولا بد من كون المنفعة مملوكة له أو لوليه سواء كانت مملوكة
بالأصالة أو بالتبعية، فللمستأجر أن يؤجر إلا مع شرط استيفاء المنفعة بنفسه، ولو آجر
الفضولي فالأقرب الوقوف على الإجارة، ولا بد من كونها معلومة إما بالزمان كالسكنى
وإما به أو بالمسافة كالركوب وإما به أو بالعمل كالخياطة، ولو جمع بين المدة والعمل
فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق، ولا يعمل الأجير الخاص لغير المستأجر ويجوز
للمطلق.
وإذا تسلم العين ومضت مدة يمكن فيها الانتفاع استقرت الأجرة ولا بد من كونها
مباحة، فلو استأجر لتعليم كفر أو غناء أو حمل مسكر بطل، وأن يكون مقدورا على
تسليمها فلا تصح إجارة الآبق فإن ضم إليه أمكن الجواز، ولو طرأ المن فإن كان قبل
القبض فله الفسخ، وإن كان بعده فإن كان تلفا بطلت، وإن كان غصبا رجع
المستأجر على الغاصب، ولو ظهر في المنفعة عيب فله الفسخ وفي الأرش نظر، ولو طرأ بعد
العقد فكذلك كانهدام المسكن، ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة أولا وأن
يوفيه عقيب فراغه، ويكره أن يضمن إلا مع التهمة.
مسائل:
من تقبل عملا فله تقبيله لغيره بأقل على الأقرب، ولو أحدث فيه حدثا فلا بحث.
الثانية: لو استأجر عينا فله إجارتها بأكثر مما استأجرها به، وقيل بالمنع، إلا أن
يكون بغير جنس الأجرة أو يحدث فيها صفة كمال.
الثالثة: إذا فرط في العين ضمن قيمتها يوم التفريط والأقرب يوم التلف، ولو اختلفا
في القيمة حلف الغارم.
الرابعة: مؤونة الدابة أو العبد على المالك، ولو أنفق عليه المستأجر بنية الرجوع صح
مع تعذر إذن المالك أو الحاكم، ولو استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر
386

في المشهور.
الخامسة: لا يجوز اسقاط المنفعة المعينة، ويجوز اسقاط المطلقة والأجرة، وإذا تسلم
أجيرا فتلف لم يضمن.
السادسة: كلما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر كالقتب والزمام والحزام والمداد
في النسخ والمفتاح في الدار.
السابعة: لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر، وفي قدر الشئ المستأجر حلف
النافي، وفي رد العين حلف المالك، وفي هلاك المتاع المستأجر عليه حلف الأجير، وفي
كيفية الإذن كالقباء والقميص حلف المالك، وفي قدر الأجرة حلف المستأجر.
387