الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الطهارة
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍ - 1990 م
دار التراث
كورنيش المزرعة، بناية الحسن سنتر
الطابق الثاني ص ب: 14568
هاتف: 816627
الدار الإسلامية
حارة حريك، شارع دكاش
ص ب: 14568
هاتف: 835670
تلكس: 23212 - غدير
362

سلسلة الينابيع الفقهية
الطهارة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الجزء الثاني
363

متون فقهية من أربعة وعشرين متنا فقهيا
فقه الرضا
المقنع في الفقه للشيخ الصدوق
الهداية بالخير للشيخ الصدوق
المقنعة للشيخ المفيد
جمل العلم والعمل للسيد المرتضى
الإنتصار للسيد المرتضى
المسائل الناصريات للسيد المرتضى
الكافي لأبي الصلاح
النهاية للشيخ الطوسي
الجمل والعقود للشيخ الطوسي
المراسم العلوية لسلار
جواهر الفقه لإبن البراح
المهذب لإبن البراح
فقه القرآن للراوندي
الغنية لحمزة بن علي
الوسيلة لإبن حمزة
إصباح الشيعة للكيذري
السرائر لإبن إدريس
إشارة السبق لعلي بن أبي الفضل
شرائع الإسلام للمحقق الحلي
المختصر النافع للمحقق الحلي
الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد
قواعد الاحكام للعلامة الحلي
اللمعة الدمشقية للشهيد الأول
364

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي لأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لإستنباط ما يحتاجه، وإستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الإستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى بإعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى إحتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن وإختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
365

إهداء وشكر..
إلى..
كل إنسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم..
وإلى..
الذين يهمون بشؤون المجتمعات البشرية ويسعون إلى إصلاحها عن طريق
القيم الإسلامية.
وإلى..
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي بإعتباره أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصول إلى الكمال الإنساني من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عافقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
إمتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإنجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواري
366

بسم الله الرحمن الرحيم
368

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
369

كتاب الطهارة
بسالله الرحمن الرحيم
الكلام في التكليف السمعي
اعلم أن الأركان من عبادات الشرع خمسة الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد
كتاب الصلاة
الصلاة الشرعية يحتاج فيها إلى العلم بخمسة أشياء: أقسامها وشروطها وكيفية
فعلها وما يقطعها وما يتعلق بذلك من الأحكام. ونحن نقدم الكلام
في الشروط ونتبعه بالكلام في باقي الفصول إن شاء الله تعالى فنقول:
شرائط الصلاة على ضربين: أحدهما يشترك فيه الوجوب وصحة الأداء والثاني
يختص صحة الأداء.
فالأول على ضربين: ضرب يشترك فيه الرجال والنساء وهو ثلاثة أشياء: البلوغ وكمال
العقل ودخول الوقت وضرب يختص النساء وهو: انقطاع دم الحيض والنفاس.
وما يختص صحة الأداء ثمانية أشياء: الاسلام والطهارة وستر العورة مع الإمكان وأن
يكون مكان الصلاة وموضع السجود - الجبهة - على صفة مخصوصة والنية واستقبال
القبلة والقيام مع الإمكان وينضاف إلى ذلك شروط أخر تختص الجمعة والعيدين نذكرها
فيما بعد إن شاء الله تعالى. فصل:
: أما الطهارة فيحتاج فيها إلى العلم بخمسة أشياء: أقسامها وما يوجبها وما به يفعل
371

وكيفية فعلها وما يتعلق بذلك من الأحكام.
والطهارة على ضربين طهارة عن حدث وطهارة عن نجس. فالطهارة عن الحدث
على ضربين: وضوء وغسل، وقد أقام الشارع مقامهما في استباحة ما يستباح بهما بشرط
عدم التمكن منهما التيمم وإن لم يرفع الحدث.
والأحداث التي توجب كل واحد منهما - إذا انفرد من حدث الغسل والوضوء أو ما يقوم
مقامه من التيمم على من ثبت كونه مكلفا بفعل الصلاة أو ما جرى مجراها مما لا يستباح
إلا بالطهارة - خمسة أشياء: البول والغائط والريح ودم الاستحاضة المخصوصة وما يتفقد
معه التحصيل من نوم أو مرض.
والأحداث التي توجب كل واحد منها - الغسل أو ما يقوم مقامه من التيمم
- أيضا خمسة أشياء: الجنابة ودم الحيض ودم الاستحاضة المخصوصة ودم النفاس ومس بشرة
الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل. ولا يوجب هذه الطهارة شئ
سوى ما ذكرناه سواء كان خارجا من أحد السبيلين، كالمذي والوذي والحصاة والدود
الخاليين من نجاسة أو مما عداهما من البدن، كالقئ ودم الفصد والرعاف أو لم يكن خارجا
من البدن، كلمس المرأة أو الفرج أو القهقهة في الصلاة أو الأكل من لحم الجزور أو ما مسته
النار، بدليل إجماع الإمامية وفيه الحجة على ما بيناه في ما مضى من الأصول في هذا الكتاب،
ولأن الأصل براءة الذمة وشغلها بما يوجب الطهارة بغير ما ذكرناه يحتاج إلى دليل وليس
في الشرع ما يدل على ذلك لأن اعتماد المخالف على أخبار آحاد أو قياس ولم يرد التعبد
بالعمل بهما في الشريعة على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه في هذا الكتاب.
ويجب على المكلف أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حال بول ولا غائط مع
الإمكان، ولا فرق في ذلك بين الصحاري والبنيان بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة
الاحتياط، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله: إذا أتى
أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط، ولم يفصل. ويستحب أن
لا يستقبل الشمس ولا القمر، ولا يحدث في الماء الجاري ولا الكثير الراكد، فأما القليل
ومياه الآبار فلا يجوز أن يحدث فيها. ويستحب أن تتقي بالبول الأرض الصلبة وحجرة
372

الحيوان واستقبال الريح، ويستحب أن لا يحدث في كل موضع يتأذى بحصول النجاسة
فيه كشطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية الدور وجواد الطرق، ويستحب تقديم الرجل
اليسرى عند دخول الموضع الذي يتخلى فيه واليمنى عند الخروج والدعاء عندهما وعند الاستنجاء
وعند الفراع منه. كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
ويجب الاستنجاء من الأحداث المقدم ذكرها إلا الريح ومس الميت وما يفقد معه
التحصيل، أما البول فيجب الاستبراء منه أولا بنتر القضيب والمسح من مخرج النجو إلى
رأسه ثلاث مرات ليخرج ما لعله باق في المجرى منه، ولا يجزئ في إزالته إلا الماء وحده مع
وجوده، وكذلك باقي هذه الأحداث أعني التي يجب منها الاستنجاء إلا الغائط فإنه يجزئ
فيه الأحجار مع وجود الماء - أو ما يقوم مقامها من الجامد الطاهر المزيل للعين سوى المطعوم
و العظم والروث. ومن السنة أن تكون ثلاثة إلا أن الماء أفضل والجمع بينهما أفضل من
الاقتصار على الماء وحده. هذا ما لم يتعد النجو مخرجه، فإن تعداه لم يجز في إزالته إلا الماء،
ويدل على جميع ذلك الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط إن من استنجى على الوجه
الذي ذكرناه وصلى برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا لم يستنج أو استنجى بخلاف ما ذكرناه.
وأما النوم فبمجرده حدث من غير اعتبار بأحوال النائم بدليل الاجماع المشار إليه
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة... الآية، والمراد: إذا قمتم من النوم،
على ما قاله المفسرون لأنها خرجت على سبب يقتضي ذلك وهذا يوجب الوضوء من
النوم بالإطلاق، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله:
العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ، ولم يفصل.
وأما الجنابة فتكون بشيئين: أحدهما خروج المني في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة
وعلى كل حال، والثاني بالجماع في الفرج وحده أن تغيب الحشفة وإن لم يكن هناك
إنزال بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.
ويحرم على الجنب دخول المساجد إلا عابر سبيل ووضع شئ فيها سوى المسجد
الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله فإنه لا يجوز له دخولهما على حال، وإن احتلم في.
373

أحدهما تيمم من موضعه وخرج، ويحرم عليه قراءة العزائم الأربع: سجدة لقمان، وحم،
والنجم، واقرأ باسم ربك، و ما عداها داخل تحت قوله تعالى. فاقرؤوا ما تيسر من القرآن،
ويحرم عليه مس كتابة المصحف أو اسم من أسماء الله تعالى أو أسماء الأنبياء والأئمة
عليهم السلام. ويكره له الأكل والشرب - إلا بعد
المضمضة والاستنشاق - والنوم - إلا بعد الوضوء - والخضاب كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وأما دم الحيض فهو لحادث في الزمان المعهود له أو المشروع في زمان الالتباس على
أي صفة كان، وكذا دم الاستحاضة، إلا أن الغالب على دم الحيض الغلظ والحرارة
والتدفق والحمرة المائلة إلى الاسوداد وعلى دم الاستحاضة الرقة والبرودة والاصفرار وأقل
الحيض ثلاثة أيام وأكثر عشرة بدليل الاجماع المشار إليه ولأنه لا خلاف في أن من الثلاثة إلى
العشرة من الحيض، وليس في الشرع ما يدل على أن ما نقص من الثلاثة وزاد على العشرة
منه. وأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام لمثل ما قلناه في المسألة الأولى، ولا حد لأكثره
بلا خلاف.
وإذا ثبت أن أقل الطهر وأكثر الحيض ما ذكرناه كان ذلك أصلا تعمل عليه المبتدئة
من النساء ومن اختلفت عادتها منهن، فإذا رأت المبتدئة الدم وانقطع لأقل من ثلاثة أيام فليس
بحيض وإن استمر ثلاثة كان حيضا وكذا إلى تمام العشرة، فإن رأت بعد ذلك دما كان
استحاضة إلى تمام العشرة الثاني لأن ذلك هو أقل أيام الطهر، فإن رأت في اليوم الحادي
والعشرين دما واستمر بها ثلاثة أيام فهو حيض لمضي أقل أيام الطهر، وكذا لو انقطع الدم
أول ما رأته بعد ثلاثة أيام ثم رأته اليوم الحادي عشر من وقت ما رأت الدم الأول فإنه دم
الاستحاضة لأنها رأته في أيام الطهر وكذا إلى تمام الثالث عشر، فإن رأت في اليوم الرابع
عشر دما كان من الحيضة المستقبلة لأنها قد استوفت أقل أيام الطهر وهي عشرة، وعلى
هذا تعتبر بين الحيضتين أقل أيام الطهر وتحكم بأن الدم الذي تراه فيها دم استحاضة إلى أن
تستقر لها عادة تعمل عليها وترجع إليها، وطريقة الاحتياط تقتضي ما ذكرناه، والعمل عليه
عمل على أصل معلوم.
ويحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها الصلاة ويجب عليها.
374

الصوم تقضيه إذا طهرت، ويجب أن تمنع زوجها وطأها ويحرم عليه ذلك، ويجب عليه متى
وطأها في الثلث الأول من زمان الحيض أن يكفر بدينار - قيمته عشرة دراهم جياد - وفي
الثلث الأوسط بنصف دينار وفي الأخير بربع دينار، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه،
ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله: من أتى أهله وهي
حائض فليتصدق، فإن انقطع الدم عنها جاز لزوجها وطؤها إذا غسلت فرجها سواء كان
ذلك أقل الحيض أو أكثره وإن لم تغتسل، بدليل الاجماع المشار إليه وقوله تعالى:
ولا تقربوهن حتى يطهرن، فجعل سبحانه انقطاع الدم غاية لزمان حظر الوطء فيجب
جوازه بعدها على كل حال إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك قبل غسل الفرج، وقوله
تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، محمول على غسل الفرج، ويحتمل أن
يكون كلاما مستأنفا وليس بشرط ولا غاية لزمان الحظر، ويحتمل أن يكون بمعنى طهرن لأن
تفعل تجئ بمعنى فعل، يقال: تطعمت الطعام وطعمته.
والمستحاضة يلزمها إذا لوث الدم أحد جانبي الكرسف ولم يثقبه أن تغيره تتوضأ
لكل صلاة فإن ثقبه ولم يسل فعليها مع تغييره أن تغتسل لصلاة الفجر وتتوضأ لباقي
الصلوات، وإن ثقبه وسأل فعليها ثلاثة أغسال: غسل للفجر وغسل للظهر والعصر
وغسل للمغرب والعشاء الآخرة. ولا يحرم على المستحاضة ولا منها شئ مما يحرم على
الحائض ومنها بل حكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرناه، بدليل الاجماع المشار إليه.
وأما دم النفاس فهو الحادث عقيب الولادة، وأكثره عشرة أيام، وكل دم تراه بعدها فهو
استحاضة. وهي والحائض سواء في جميع الأحكام إلا في حكم واحد وهو أن النفاس ليس
لأقله حد. وذلك بدليل الاجماع السالف.
وأما مس الميت فقد قلنا أنه إنما يكون حدثا يوجب الغسل إذا كان بعد برده بالموت
وقبل: تطهيره بالغسل، والدليل على ذلك أنه لا خلاف بين أصحابنا في ورود الأمر بالغسل
من مسه وظاهره في الشرع يقتضي الوجوب، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم
من قوله صلى الله عليه وآله: من غسل ميتا فليغتسل.
375

فصل.
وأما الطهارة عن النجس التي هي شرط في صحة أداء الصلاة فعبارة عن إزالة
النجاسة عن البدن والثياب بما نبين أنها تزول في الشرع به.
والنجاسات هي:
بول وخرء ما لا يؤكل لحمه بلا خلاف، وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا بدليل الاجماع،
فأما إذا لم يكن جلالا فلا بأس ببوله وروثه بدليل الاجماع، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم
من قوله صلى الله عليه وآله: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وفي رواية أخرى: فلا بأس
ببوله وسلحه.
والخمر نجسة بلا خلاف إلا ممن لا يعتد به، وقوله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس، يدل على نجاستها، وكل شراب مسكر نجس.
والفقاع نجس بالإجماع المشار إليه.
ودم الحيض والاستحاضة والنفاس نجس بلا خلاف،
وكذا الدم المسفوح من غير هذه الدماء إلا أنه يجوز الصلاة في ثوب أصابه من دم
القروح أو الجروح ما نقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث مع
الاختيار ورفع الحرج وإن كان التنزه عن ذلك أفضل، فأما إن كان عليه في إزالة الدم حرج
لكون الجروح والقروح لازمة له فإن إزالته لا تجب عليه قليلا كان أو كثيرا وهذا بخلاف دم
الحيض والاستحاضة والنفاس فإن الصلاة لا تجوز في ثوب أصابه شئ منه قليلا كان
أو كثيرا، كل ذلك بدليل الاجماع. فأما دم البراغيث والبق والسمك فطاهر بدليل هذا
الاجماع ولأن النجاسة حكم شرعي وليس في الشرع ما يدل على ثبوتها في هذه الدماء،
ويخص دم السمك قوله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه، لأنه يقتضي إباحة أكل السمك
بجميع أجزائه، وقوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن
تكون ميتة أو دما مسفوحا، ودم السمك ليس بمسفوح فيجب أن لا يكون محرما وذلك يقتضي
طهارته،
والمني نجس لا يجزئ فيه إلا الغسل رطبا كان أو يابسا بدليل الاجماع المذكور وقوله.
376

تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، لأن المروي في
التفسير أن المراد بذلك أثر الاحتلام، وإذا كان كذلك وكان معنى الرجز والرجس والنجس
واحدا بدلالة قوله تعالى: والرجز فاهجر، وقوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، دلت الآية
على نجاسته، وأيضا فظاهر قوله تعالى: ليطهركم به، يدل على تقدم النجاسة في الشرع
بإطلاقه، ونحتج على المخالف بما روي عنهم من قوله صلى الله عليه وآله: إنما يغسل الثوب
من البول والدم والمني.
وميتة ذوات الأنفس السائلة نجسة بلا خلاف إلا في الآدمي، ويدل على نجاسته بعد
الموت، إجماع الطائفة، فأما ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد فلا ينجس الماء بموته فيه،
بدليل هذا الاجماع ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله:
إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، وذلك عام في الحي والميت
ولأن المقل يوجب الموت لا سيما إذا كان ما في الإناء حارا. ولو كان ينجس بموته لما أمر بمقله على الإطلاق
. وشعر الميتة
وصوفها وعظمها طاهر بدليل هذا الاجماع، ويخص الشعر والصوف قوله تعالى: ومن
أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين، لأنه سبحانه أمتن علينا بما جعله لنا من
النفع في ذلك ولم يفصل بين الذكية والميتة، ولا يجوز الامتنان بما لا يجوز الانتفاع به
لنجاسته. وقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، لا يعارض ما ذكرناه لأن اسم الميتة يتناول
ما تحله الحياة وهذه الأشياء لا تحلها الحياة فلا يحلها الموت.
فأما جلد الميتة فلا يطهر بالدباغ بدليل هذا الاجماع وظاهر قوله تعالى: حرمت عليكم
الميتة، والمراد الانتفاع بها بأكل أو بيع أو غيرها من التصرف، واسم الميتة يتناول الجلد
قبل الدباع وبعده، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله
قبل موته بشهر: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، وقول من قال: إن الجلد لا يسمى
أهابا بعد الدباع خارج عن اللغة والشرع فلا يعتد به.
والخنزير نجس بلا خلاف.
والكلب نجس بلا خلاف إلا من مالك، ويدل على نجاسته إجماع الطائفة: ويغسل
الإناء من ولوغه فيه ثلاث مرات إحداهن - وهي الأولى - بالتراب، بدليل هذا الاجماع،.
377

ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص: إذا ولغ الكلب
في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات، وفي خبر آخر: فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وهذا
بظاهره أيضا يقتضي وجوب الثلاث من حيث لم يجز عليه الاقتصار على ما دونها، ولأن
لفظه " أو " إما أن تفيد التخيير بين هذه الأعداد وتكون كلها واجبة على جهة
التخيير وإما أن تفيد التخيير بين الاقتصار على الثلاث التي هي الواجبة وبين الزيادة عليها على جهة
الندب، فإذا كان الأول باطلا بالإجماع لم يبق إلا الثاني.
والثعلب والأرنب نجسان بدليل الاجماع المذكور.
والكافر نجس بدليله أيضا، وبقوله تعالى: إنما المشركون نجس، وهذا نص. وكل من
قال بذلك في المشرك قال به في من عداه من الكفار، والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع.
وقول المخالف: المراد بذلك نجاسة الحكم غير معتمد لأن إطلاق لفظ النجاسة في الشريعة
يقتضي بظاهره نجاسة العين حقيقة وحمله على الحكم مجاز واللفظ بالحقيقة أولى من
المجاز، ولأنا نحمل اللفظ على الأمرين جميعا لأنه لا تنافي بينهما. وقولهم: لو كان نجس العين لما
طهر بتجدد معنى هو الاسلام وانتفاء معنى هو الكفر باطل، لأن الخمر نجسة العين وتطهر
بتجدد معنى هو الحموضة وانتفاء معنى هو الشدة. ولا يعاض ما ذكرناه قوله تعالى وطعام
الذين أوتوا الكتاب حل لكم، لأن لفظ الطعام إذا أطلق انصرف إلى الحنطة، ولا يمكن
للمخالف إنكار ذلك لأن أبا حنيفة والشافعي اختلفا في من وكل وكيلا على أن يبتاع له
طعاما فقال الشافعي: لا يجوز أن يبتاع إلا الحنطة، وقال أبو حنيفة: ودقيقها أيضا، ذكر ذلك
المحاملي في آخر كتاب البيوع من كتابه الأوسط في الخلاف، وذكره الأقطع في آخر كتاب
الوكالة من شرح القدوري وقال في الشرح: والأصل في ذلك أن الطعام المطلق اسم للحنطة
ودقيقها. وإنما أحوجنا إلى ذكر مذهب المخالف في ذلك والإحالة على كتبهم إنكار من أنكره
من جهالهم، على أنا نقول لو وقع لفظ الطعام بإطلاقه على غير الحنطة لحملناه عليها وعلى
غيرها من الجامدات بدليل.
فأما ما عدا ما ذكرناه من الحيوان من ذوات الأربع والطير والحشرات فطاهر السؤر إلا
أن يكون على فمه نجاسة، بدليل إجماع الطائفة وظاهر قوله تعالى: فلم تجدوا ماء
378

فتيمموا، وقوله: وأنزلنا من السماء ماء طهورا، فبين سبحانه أن الماء المطلق يطهر وسؤر
ما ذكرناه ينطلق عليه اسم الماء وإنما يخرج من هذا الظاهر ما أخرجه دليل قاطع. وقد ألحق
أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة، وعرق الجنب إذا أجنب من الحرام.
فصل
وأما ما به تفعل الطهارة فثلاثة أشياء: الماء والتراب والأحجار أو ما يقوم مقامها على
ما قدمناه في الاستنجاء، فكل ماء استحق إطلاق هذا الاسم عليه ولم تخالطه نجاسة فإنه
طاهر مطهر بلا خلاف، فإن خالطته وكان راكدا كثيرا ليس من مياه الآبار أو جاريا قليلا
كان أو كثيرا ولم يتغير بها أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة فإنه طاهر مطهر أيضا
بلا خلاف إلا في مقدار الكثير، ويدل على ذلك أيضا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: وأنزلنا
من السماء ماء طهورا، لأن مخالطة النجاسة للماء الجاري أو الكثير الراكد إذا لم يتغير أحد
أوصافه لا يخرجه عن استحقاق إطلاق هذا الاسم والوصف معا عليه، وإذا كان كذلك
وجب العمل بالظاهر إلا بدليل قاطع.
فإن تغير أحد أوصاف هذا الماء فهو نجس بلا خلاف، فإن كان الماء راكدا قليلا أو
من مياه الآبار - قليلا كان أو كثيرا تغير بالنجاسة أحد أوصافه أو لم يتغير فهو نجس
بدليل إجماع الطائفة وظاهر قوله تعالى: ويحرم عليهم الخبائث، وقوله: والرجز فاهجر،
وقوله: حرمت عليكم الميتة، لأنه يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط للنجاسة مطلقا من
غير اعتبار بالكثرة وتغير أحد الأوصاف، وإنما يخرج من ذلك ما أخرجه دليل قاطع.
وحد الكثير ما بلغ كرا أو زاد عليه، وحد الكر وزنا ألف ومائتا رطل، وحده مساحة
لموضعه ثلاثة أشبار ونصف طولا في مثل ذلك عرضا في مثله عمقا بالإجماع، ونحتج على
المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا
واختلف أصحابنا في الأرطال، فمنهم من قال عراقية، ومنهم من قال مدنية والأول أظهر في
الروايات، والثاني تقتضيه طريقة الاحتياط لأن الرطل المدني أزيد من العراقي.
فأما مياه الآبار فإنها تنجس بكل ما يقع فيها من النجاسات قليلا كان ماؤها أو.
379

كثيرا على ما قدمناه بالإجماع، وأيضا فلا خلاف بين الصحابة والتابعين في أن ماء البئر
يطهر بنزح بعضه وهذا يدل على حكمهم بنجاسته على كل حال من غير اعتبار بمقداره وأن
حكمه في ذلك بخلاف حكم ماء الأواني والغدران، ولا يمتنع أن يكون الوجه في اختلاف
حكمها أن ماء البئر يشق نزح جميعه لبعده عن الأيدي ولتجدده مع النزح، وليس كذلك ماء
الأواني والغدران، ولهذا وجب غسل الأواني بعد اخراج الماء منها لما تيسر وسقط ذلك في
الآبار لما تعذر، وإذا خفف حكم البئر بالحكم بطهارة مائها عند نزح بعضه وأسقط إيجاب
غسلها بخلاف الأواني والغدران فما المنكر من تغليظ حكمها من وجه آخر؟ وهو
اسقاط اعتبار الكثرة في مائها وما جرى مجراها وهو إيجاب نزحها بخلاف الأواني
والغدران، فقد صار ما غلظ به حكم الآبار وهو ترك اعتبار الكثرة في مائها ساقطا
في الأواني والغدران وما غلظ به حكم الأواني وما جرى مجراها وهو إيجاب غسلها ساقط في
الآبار وتساويا في باب التغليظ والتخفيف.
والواقع في البئر من النجاسات على ضربين: أحدهما تغير أحد أوصاف الماء والثاني
لا يغيره.
فما غير أحد أوصافه المعتبر فيه بأعم الأمرين من زوال التغير وبلوغ الغاية
المشروعة في مقدار النزح منه، فإن زال التغير قبل بلوع المقدار المشروع في تلك النجاسة
وجب تكميله، وإن نزح ذلك المقدار ولم يزل التغير وجب النزح إلى أن يزول، لأن طريقة
الاحتياط تقتضي ذلك والعمل عليه عمل على يقين.
وما لا يغير أحد أوصاف الماء على ضربين:
أحدهما يوجب نزح جميع الماء أو تراوح أربعة رجال على نزحه من أول النهار إلى
آخره إذا كان له مادة يتعذر معها نزح الجميع، والضرب الآخر يوجب نزح بعضه.
فما يوجب نزح الجميع أو المراوحة عشرة أشياء: الخمر وكل شراب مسكر والفقاع
والمني ودم الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس وموت البعير فيه، وكل نجاسة غيرت
أحد أوصاف الماء ولم يزل التغير قبل نزح الجميع، وكل نجاسة لم يرد في مقدار النزح فيها
نص.
380

وما يوجب نزح البعض على ضروب.
منه ما يوجب نزح كر واحد وهو موت أحد الخيل فيها أو ما ماثلها في مقدار الجسم.
ومنه ما يوجب نزح سبعين دلوا بدلو البئر المألوف وهو موت الانسان خاصة.
ومنه ما يوجب نزح خمسين وهو كثير الدم المخالف للدماء الثلاثة المقدم ذكرها،
والعذرة الرطبة أو اليابسة المتقطعة.
ومنه ما يوجب نزح أربعين وهو موت الشاة أو الكلب أو الخنزير أو السنور أو ما كان
مثل ذلك في مقدار الجسم، وبول الانسان البالغ.
ومنه ما يوجب نزح عشر وهو قليل الدم المخالف للدماء الثلاثة، والعذرة اليابسة غير
المتقطعة.
ومنه ما يوجب نزح سبع وهو موت الدجاجة أو الحمامة أو ما ماثلهما في مقدار الجسم،
والفأرة إذا انتفخت أو تفسخت وبول الطفل الذي قد أكل الطعام.
ومنه ما يوجب نزح ثلاث وهو موت الفأرة إذا لم تنتفخ أو لم تتفسخ، و الحية والعقرب
والوزغة وبول الطفل الذي لم يأكل الطعام.
ومنه ما يوجب نزح دلو واحدة وهو موت العصفور أو ما ماثله من الطير في مقدار
الجسم. والدليل على جميع ذلك الاجماع السالف.
والماء المتغير ببعض الطاهرات كالورس والزعفران يجوز الوضوء به ما لم يسلبه
التغير إطلاق اسم الماء عليه. يدل على ذلك بعد الاجماع قوله تعالى: فلم تجدوا ماء
فتيمموا، وقوله: وأنزلنا من السماء ماء طهورا، وهذا ينطلق عليه اسم الماء. ومن ادعى أن
التغير اليسير يسلبه إطلاق اسم الماء فعليه الدليل لأن إطلاق الاسم هو الأصل والتقييد
داخل عليه كالحقيقة والمجاز.
والماء المستعمل في الوضوء والأغسال المندوبة طاهر مطهر يجوز الوضوء به والاغتسال
مرة أخرى بلا خلاف بين أصحابنا، ويدل عليه أيضا ما تلوناه من ظاهر القرآن.
فأما المستعمل في الغسل الواجب ففيه خلاف بين أصحابنا، وظاهر القرآن مع من
أجراه مجرى المستعمل في الوضوء إلا أن يخرجه دليل قاطع. ومن يقول أن الاستعمال على.
381

كل حال يخرجه عن تناول اسم الماء بالإطلاق يحتاج إلى دليل، ولأن من شر به وقد حلف
أن لا يشرب ماء يحنث بلا خلاف وهذا يبطل قوله. ولا يجوز الوضوء بغير الماء من المائعات
نبيذ تمر كان أو ماء ورد أو غيرهما بدليل الاجماع المذكور وظاهر قوله تعالى: فلم تجدوا ماء
فتيمموا، لأنه يقتضي نقلنا عن الماء إلى التراب من غير واسطة. ومن أجاز الوضوء بغير
الماء فقد جعل بينهما واسطة وزاد في الظاهر ما لا يقتضيه.
والوضوء بالماء المغصوب لا يرفع الحدث ولا يبيح الصلاة بالإجماع، وأيضا
فالوضوء عبادة يستحق بها الثواب، فإذا فعل بالماء المغصوب خرج عن ذلك إلى أن
يكون معصية يستحق بها العقاب فينبغي أن لا يكون مجزئا، ولأن نية القربة فيه مندوب
إليها بلا خلاف والتقرب إلى الله تعالى بمعصية محال.
ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات، وهو قول الأكثر من أصحابنا ويدل عليه
أن حظر الصلاة وعدم إجزائها في الثوب الذي أصابته نجاسة معلوم فمن ادعى
إجزاءها فيه إذا غسل بغير الماء فعليه الدليل، وليس في الشرع ما يدل على ذلك، وطريقة
الاحتياط واليقين ببراءة الذمة من الصلاة يقتضي ما ذكرناه لأنه لا خلاف في براءة ذمة
المكلف من الصلاة إذا غسل الثوب بالماء، وليس كذلك إذا غسله بغيره، ويحتج على
المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص لأسماء في دم الحيض يصيب
الثوب: حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء، وظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب. ولا يجوز
التحري في الأواني وإن كانت جهة الطاهر أغلب بالإجماع، ولأن المراد بالوجود في قوله تعالى:
فلم تجدوا ماء، التمكن من استعمال الماء الطاهر، ولهذا لو وجده ولم يتمكن من استعماله
إما لعذر أو فقد آله أو ثمن جاز له التيمم. ومن لا يعرف الطاهر بعينه ولا يميزه من غيره
غير متمكن من استعماله.
وأما التراب فالذي يفعل به التيمم، ولا يجوز إلا بتراب طاهر، ولا يجوز بالكحل ولا
بالزرنيخ ولا بغيرهما من المعادن ولا بتراب خالطه شئ من ذلك بالإجماع وقوله تعالى:
فتيمموا صعيدا طيبا، والصعيد هو التراب الذي لا يخالطه غيره ذكر ذلك ابن دريد وحكاه
عن أبي عبيدة وغيره من أهل اللغة، والطيب هو الطاهر.
382

فصل: في كيفية الطهارة:
وأما الوضوء فتقف صحته على فروض عشرة:
أولها: النية بالإجماع وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا وجوهكم... الآية، لأن التقدير اغسلوا وجوهكم للصلاة وإنما حذف ذكر
الصلاة اختصارا كقولهم: إذا لقيت الأمير فالبس ثيابك، و: إذا لقيت العدو فخذ
سلاحك، وتقدير الكلام افعل ذلك للقاء. وإذا أمر الله تعالى بهذه الأفعال للصلاة فلا بد
من النية لأن بها يتوجه إلى الصلاة دون غيرها. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين والإخلاص له لا يحصل إلا بالنية، والوضوء من الدين
لأنه عبادة بدليل الاجماع. ويحتج على المخالف بما رووه من قوله صلى الله عليه وآله:
الوضوء شطر الإيمان ويحتج عليه في وجوب النية بما رووه أيضا من قوله صلى الله عليه:
وآله: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، لأن أجناس الأعمال إذا كانت توجد من غير نية
ثبت أن المراد أنها لا تكون قربة وشرعية ومجزئة إلا بالنية، ولأن قوله: وإنما لامرئ ما
نوى، يدل على أنه ليس له ما لم ينو لأن هذا حكم لفظة " إنما " في اللسان العربي على ما بيناه
فيما مضى من الكتاب.
والنية هي أن يريد المكلف الوضوء لرفع الحدث واستباحة ما يريد استباحته به من
صلاة أو غيرها مما يفتقر إلى طهارة طاعة لله وقربة إليه. اعتبرنا تعلق الإرادة برفع الحدث
لأن حصوله مانع من الدخول فيما ذكرناه من العبادة. واعتبرنا تعلقها باستباحته
العبادة لأن ذلك هو الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للفعل
على الوجه الذي أمر به لأجله. واعتبرنا تعلقها بالطاعة لله تعالى لأن بذلك يكون الفعل
عبادة. واعتبرنا القربة إليه سبحانه - والمراد بذلك طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه لا
قرب المسافة على ما بيناه فيما مضى من الأصول - لأن ذلك هو الغرض المطلوب بطاعته
الذي عرضنا سبحانه بالتكليف له، واعتبار القربة في النية عبادة في نفسه أمر الله تعالى به
ومدح على فعلها ووعد سبحانه عليه الثواب.
ودليل الأمر بها قوله تعالى: واسجد واقترب، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اركعوا
383

واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، لأن المعنى إما أن يكون افعلوا
ذلك على رجائكم الفلاح به وإما أن يكون افعلوه لكي تفلحوا.
ودليل مدحه سبحانه على ذلك ووعده الثواب عليه قوله: ومن الأعراب من يؤمن
بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم
سيدخلهم الله في رحمته، فأخبر سبحانه عن باطنهم وما نووه من التقرب بالطاعة إليه
ومدحهم على ذلك ووعدهم الثواب عليه، فإن كان الوضوء واجبا بأن يكون وصلة إلى
استباحة واجب تعين نوى وجوبه على الجملة أو الوجه الذي له وجب. وكذا إن كان ندبا
ليميز الواجب من الندب ويوقعه على الوجه الذي كلف إيقاعه عليه.
ويجوز أن يؤدى بالوضوء المندوب الفرض من الصلاة بالإجماع المذكور ومن خالف في
ذلك من أصحابنا غير معتد بخلافه.
والفرض الثاني: الذي يقف صحة الوضوء عليه مقارنة آخر جزء من النية لأول
جزء منه حتى يصح تأثيرها بتقدم جملتها على جملة العبادة، لأن مقارنتها على غير هذا
الوجه بأن يكون زمان فعل الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها متعذر لا يصح تكليفه
أو فيه حرج يبطله ما علمناه من نفي الحرج في الدين، لأن ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة
ويقدم وجوده على وجود جملة النية عن كونه عبادة من حيث وقع عاريا من جملة النية، لأن
ذلك هو المؤثر في كون الفعل عبادة لا بعضه. والفرض الثالث: استمرار حكم هذه النية إلى حين الفراع من العبادة، وذلك بأن
يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها بالإجماع، وإذا كانت المضمضة والاستنشاق أول ما
يفعل من الوضوء فينبغي مقارنة النية لابتدائهما لأنهما وإن كانا مسنونين فيهما من
جمله العبادة ومما يستحق به الثواب ولا يكونان كذلك إلا بالنية على ما بيناه.
والفرض الرابع: غسل الوجه، وحده من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر
384

الذقن طولا [و] ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا مرة واحدة بكف من الماء بالإجماع.
ولأن ما اعتبرناه من الوجه بلا خلاف وما زاد على ذلك لا دليل على أنه منه.
والفرض الخامس: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع مرة واحدة كل
واحدة منهما بكف من الماء، وإدخال المرفق في الغسل بالإجماع المشار إليه. وأيضا فطريقة
الاحتياط تقتضي ذلك لأنه إذا غسلها على الوجه الذي ذكرناه زال حدثه بلا خلاف وليس
كذلك إذا بدأ من الأصابع أو لم يدخل المرافق في الغسل. ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من
أنه صلى الله عليه وآله توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا
به، ولا يخلو إما أن يكون ابتدأ بالمرافق أو انتهى إليها. ولا يجوز أن يكون انتهى إليها لأن ذلك
يوجب أن لا تقبل صلاة من ابتدأ بها وهو خلاف الاجماع فثبت أنه ع ابتدأ
بالمرافق فيجب أن يكون صلاة من ابتدأ بالأصابع غير مقبولة، وقوله تعالى: وأيديكم إلى
المرافق، لا ينافي ما ذكرناه لأن " إلى " كما تكون للغاية تكون بمعنى " مع " بدليل قوله تعالى: ولا
تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، ومن أنصاري إلى الله، وشواهد ذلك من كلام العرب أشهر
من أن يحتاج إلى التطويل بذكرها، والدليل على أنها في آية الطهارة بمعنى " مع " أنها لو
كانت فيها بمعنى الغاية لوجب الابتداء بالأصابع وهذا بخلاف الاجماع، وهذه الآية دليلنا
على وجوب إدخال المرافق في الغسل.
والفرض السادس: مسح مقدم الرأس مرة واحدة والأفضل أن يكون مقدار
الممسوح ثلاث أصابع مضمومة ويجزئ مقدار إصبع واحدة بالإجماع المذكور وقوله
سبحانه: وامسحوا برؤوسكم، لأنه لا بد لهذه الباء من فائدة وإذا لم تكن فائدتها هاهنا تعدية
الفعل - لأنه متعد بنفسه والكلام مستقل بإسقاطها - لم يبق إلا أن يكون فائدتها التبعيض.
ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم من أنه ص توضأ ورفع مقدم
عمامته وأدخل يده تحتها فمسح مقدم رأسه.
385

والفرض السابع: مسح ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما الناتئان
في وسط القدم عند معقد الشراك والأفضل أن يكون ذلك بباطن الكفين ويجزئ بإصبعين
منهما، ويدل على ذلك مضافا إلى الاجماع المذكور قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين، لأنه سبحانه أمر بمسح الرأس ثم عطف عليها الأرجل فوجب أن يكون لها بمقتضى
العطف مثل حكمها كما وجب مثل ذلك في الأيدي والوجوه. وسواء في ذلك القراءة بالجر
والنصب:
أما الجر فلا وجه له إلا العطف على الرؤوس ومن تعسف وجعله للمجاورة فقد أبعد
لأن محصلي علماء العربية قد نفوا الإعراب بالمجاورة أصلا وتأولوا الجر في " جحر ضب
خرب " على أن المراد " خرب جحره " مثل مررت برجل حسن وجهه " ولأنه عند من جوزه
شاذ نادر لا يقاس عليه فلا يجوز والحال هذه حمل كتاب الله عليه، ولوجود حرف العطف
في الآية الذي لا يبقى معه للإعراب بالمجاورة حكم، ولأن الإعراب بذلك إنما يكون في
الموضع الذي ترتفع الشبهة فيه لأن من المعلوم أن خربا لا يجوز أن يكون من صفات
الضب وليس كذلك الأرجل لأنه كما يصح أن تكون مغسولة يصح أن تكون ممسوحة فلا
يجوز أن يكون إعرابها للمجاورة لحصول اللبس بذلك.
وأما النصب فهو أيضا بالعطف على موضع الرؤوس أولى
من عطفها على الأيدي لاتفاق أهل العربية على أن إعمال أقرب العاملين أولى من إعمال
الأبعد، ولهذا كان رد عمرو في الإكرام إلى زيد أولى من رده في الضرب إلى بكر من قولهم
" ضربت زيدا وأكرمت بكرا وعمرا " ومثله " أكرمت وأكرمني عبد الله وأكرمني وأكرمت
عبد الله " فإن إعمال أقرب الفعلين من الاسم فيه أولى من إعمال الأبعد، وبذلك جاء القرآن
قال الله تعالى: آتوني أفرع عليه قطرا، وهاؤم اقرأوا كتابيه، وإنهم ظنوا كما ظننتم أن لن
يبعث الله أحدا، فإن العوامل في المنصوب في ذلك كله أقرب الفعلين إليه. وأيضا فقد بينا أن
القراءة بالجر لا يحتمل سوى المسح فيجب حمل القراءة بالنصب على ما يطابقها لأن قراءة
الآية الواحدة بحرفين يجري مجرى الآيتين في وجوب المطابقة بينهما.
ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم من أنه صلى الله عليه وآله بال على سباطة
386

قوم ثم توضأ ومسح على قدميه ونعليه، وعن أمير المؤمنين ع أنه قال: ما نزل
القرآن إلا بالمسح، وعن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله
فمسح على رجليه، وعنه أنه قال: مسحتان وغسلتان، وإذا ثبت أن فرض الرجلين
هو المسح دون غيره ثبت أن الكعبين هما ما ذكرناه لأن كل من قال بأحد الأمرين قال بالآخر
والقول بخلاف ذلك خروج عن الاجماع وأيضا فقد دللنا على أن فرض المسح يتعلق
ببعض الرأس فكذلك يجب في الأرجل بحكم العطف. وقوله تعالى: وأرجلكم إلى الكعبين،
المراد به رجلا كل متطهر وفيهما عندنا كعبان وهذا أولى من قول مخالفنا أنه أراد رجل كل متطهر
لأن الفرض يتناول الرجلين معا فصرف الخطاب إليهما أولى.
والفرض الثامن: أنه لا يستأنف لمسح الرأس والرجلين ماء جديدا. بدليل الاجماع
المشار إليه ولأن من غسل وجهه ويديه مأمور بمسح رأسه ورجليه والأمر بمقتضى الشرع
يوجب الفور، ومن ترك المسح بالبلل الذي في يديه وعدل إلى أخذ ماء جديد فقد ترك
المسح في زمان كان يمكنه فعله فيه وترك العمل بظاهر الآية وذلك لا يجوز، ولأن كل من
أوجب مسح الرجلين على التضييق قال بما ذكرناه، والقول بأحد الأمرين دون الآخر خروج
عن الاجماع.
والفرض التاسع: الترتيب وهو أن يبدأ بغسل وجهه ثم بيده اليمنى ثم اليسرى ثم
يمسح رأسه ثم يمسح رجليه بدليل الاجماع المذكور وطريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم يدل على ما قلناه لأن الفاء
للتعقيب سواء كانت عاطفة أو جزاء، وإذا وجب غسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى
الصلاة والبداية ثبت ما قلناه إلا تقديم اليمنى على اليسرى لأن أحدا من الأمة لم يفرق بين
الأمرين، وإنما استثنيناه ترتيب اليسرى على اليمنى لأن الشافعي لا يوافق في ذلك وإن وافق
فيما عداه من ترتيب الأعضاء وكان لا يسلم لنا لو لم نستثنه [من] الاستدلال بإجماع الأمة
من الوجه الذي بيناه، ونحتج على المخالف بما روي من طرقهم من أنه صلى الله عليه وآله
387

توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ولا بد أن يكون توضأ مرتبا
على الوجه الذي ذكرناه وإلا لزم ألا يقبل الله صلاة بوضوء مرتب على ذلك الوجه وهذا
باطل بالإجماع.
والفرض العاشر: الموالاة وهي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما
تقدم في الهواء المعتدل، ويدل على ذلك ما قلناه في المسألة الأولى من الاجماع وطريقة
الاحتياط، ويحتج على المخالف بالخبر المتقدم. وأيضا فلا يجوز المسح على الخفين بالإجماع
المذكور وقوله تعالى: وأرجلكم إلى الكعبين، لأنه تعالى أوجب المسح على ما يسمى رجلا
حقيقة وليس الخف كذلك فمن مسح عليه فقد عدل عن ظاهر الآية، ويحتج على
المخالف بما رووه من أنه ص توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة إلا به، لأنه لا بد أن يكون أوقع الفعل على الرجل، وبما روي عندهم من قول أمير
المؤمنين ع: نسخ الكتاب المسح على الخفين، وقوله: ما أبالي أمسحت على الخفين
أم على ظهر عير بالفلاة، ومثل ذلك رووا عن أبي هريرة وعن ابن عباس أنه قال: سبق
كتاب الله المسح على الخفين، وعن عائشة أنها قالت: لأن تقطع رجلاي بالمواسي أحب إلى
من أن أمسح على الخفين، ولم ينكر عليهم ذلك أحد من الصحابة.
ومسنونات الوضوء السواك، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء - من البول والنوم مرة
ومن الغائط مرتين -، والتسمية، والمضمضة والاستنشاق - ثلاثا ثلاثا -، وغسل الوجه
واليدين مرة ثانية، وأن يبدأ الرجل في الغسلة الأولى بظاهر ذراعيه والمرأة بباطنهما وفي
الغسلة الثانية بالعكس، والدعاء عند المضمضة والاستنشاق وعند غسل الوجه واليدين
وعند مسح الرأس والرجلين، كل ذلك بالإجماع المذكور.
ولا يجوز الصلاة إلا بطهارة متيقنة فإن شك وهو جالس في شئ من واجبات
الوضوء استأنف ما شك فيه، فإن نهض متيقنا لتكامله لم يلتفت إلى شك يحدث له لأن
اليقين لا يترك للشك.
388

فصل:
وأما الغسل من الجنابة فالمفروض على من أراده: الاستبراء بالبول أو الاجتهاد فيه
ليخرج ما في مجرى المني منه، ثم الاستبراء من البول على ما قدمناه، وغسل ما على بدنه من
نجاسة، ثم النية ومقارنتها واستدامة حكمها على ما بيناه في الوضوء، ثم غسل جميع
الرأس إلى أصل العنق على وجه يصل الماء إلى أصول الشعر، ثم الجانب الأيمن من أصل
العنق إلى تحت القدم كذلك، ثم الجانب الأيسر كذلك. فإن ظن بقاء شئ من صدره أو ظهره
لم يصل الماء إليه غسله. كل ذلك بالإجماع المذكور.
ومسنونة: غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات والتسمية والمضمضة
والاستنشاق والموالاة والدعاء، ويستباح بهذا الغسل الصلاة من غير وضوء بالإجماع
السابق وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما
تقولون ولا جنبا ألا عابري سبيل حتى تغتسلوا، ولم يشرط الوضوء. وغسل المرأة من الجنابة
كغسل الرجل سواء ولا يسقط عنها إلا وجوب الاستبراء بالبول وما عدا غسل الجنابة من
باقي الأغسال الواجبة والمسنونة تقديم الوضوء فيها واجب لاستباحة الصلاة لأنه ليس في
الشرع ما يدل على استباحتها بها من دونه ثم يؤتى بها على كيفية غسل الجنابة سواء.
والأغسال المسنونة: غسل يوم الجمعة وليلة الفطر ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم
الغدير ويوم المبعث وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف
منه وليلة سبع عشرة منه وليلة تسع عشرة منه وليلة إحدى وعشرين منه وليلة ثلاث وعشرين
منه وغسل إحرام الحج وغسل إحرام العمرة وغسل دخول الحرم وغسل يوم
عرفة وغسل دخول المسجد الحرام وغسل دخول الكعبة وغسل دخول المدينة وغسل
دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله وغسل زيارة قبره صلى الله عليه وآله وغسل
زيارة قبور الأئمة عليهم وغسل زيارة البيت من منى وغسل صلاة الاستسقاء وغسل
صلاة الحاجة وغسل صلاة الاستخارة وغسل صلاة الشك وغسل التوبة من الكبائر
وغسل المباهلة وغسل المولود وغسل قاضي صلاة الكسوف - إذا تعمد تركها مع احتراق
القرص كله - وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة أيام. كل ذلك
389

بالإجماع المذكور فصل: في التيمم:
وأما التيمم فكيفيته أن يضرب المحدث بما يوجب الوضوء أو الغسل بيديه على ما يتيمم
به ضربة واحدة وينفضهما ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ثم يمسح
بباطن كفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ثم يمسح بباطن كفه
اليمنى ظاهر كفه اليسرى كذلك. يدل على أنه ضربة واحدة قوله تعالى: فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه، ومن مسح بضربة واحدة فقد امتثل المأمور به، ويعارض المخالف
بما رووه عن عمار رضي الله عنه من قول النبي ص: التيمم ضربة للوجه
والكفين، وقد روى أصحابنا أن الجنب يضرب ضربتين إحديهما للوجه والأخرى لليدين
وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، ويدل على أن مقدار الممسوح من الوجه واليدين ما ذكرناه
بعد إجماع الإمامية عليه قوله تعالى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، وفائدة الباء هاها
التبعيض على ما سبق. والنية تجب في التيمم لمثل ما قلناه في الوضوء غير أنه لا ينوي به رفع الحدث لأنه
لا يرفعه على ما قدمناه. والترتيب واجب فيه لمثل ما قلناه في الوضوء أيضا وكذلك الموالاة.
ولا يجوز التيمم إلا عند عدم الماء أو عدم ما يتوصل به إليه من آلة أو ثمن غير مجحف
أو عدم ملك للماء أو إذن في استعماله أو حصول خوف في استعماله لمرض أو شدة برد أو
عطش أو عدو أو حصول علم أو ظن بفوت الصلاة قبل الوصول إليه أو كون الماء نجسا
بالإجماع المذكور، ولا يجوز إلا في آخر وقت الصلاة بدليل الاجماع، ولأنه أبيح للضرورة فلا
يجوز فعله قبل تأكد الضرورة. ولا يجوز فعله إلا بعد الطلب للماء رمية سهم في الأرض
وفي الأرض السهلة رمية سهمين يمينا وشمالا وأماما ووراء بإجماعنا، وطريقة الاحتياط
تقتضي ذلك لأنه لا خلاف في صحة تيممه وبراءة ذمته من الصلاة إذا تيمم على الوجه الذي
شرحناه وليس كذلك إذا تيمم على خلافه.
390

ومن دخل بالتيمم في الصلاة ثم وجد الماء وجب عليه المضي فيها
لأنه إنما يدخل فيها عندنا إذا بقي من الوقت قدر ما يفعل فيه الصلاة فقطعها والحال هذه والاشتغال
بالوضوء أو الغسل يؤدى إلى فواتها وذلك لا يجوز، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله
صلى الله عليه وآله: إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه يقول:
أحدثت أحدثت، فلا ينصر فن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
وأما ما يتعلق بفصول الطهارة من الأحكام فقد دخل في خلالها فلا وجه لإعادتها.
391

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
393

كتاب الصلاة
للصلاة مقدمات لا تصح من دونها، وهي ستة عشر شيئا:
الطهارة، ومعرفة الوقت، والقبلة، وعدد الفرائض، وستر العورة، ومعرفة ما يجوز
الصلاة فيه من الثياب، أو المكان، وما يجوز السجود عليه، وتطهير البدن والثوب، وموضع السجود
من النجاسة، ومعرفة النجاسات - ليتمكن من الاحتراز عنها - ومعرفة ما يتطهر
عنه، أو له، ومعرفة ما يطهر، وكيفية التطهير. وأما الأذان والإقامة، فمن شروط فضل
الصلوات الخمس دون الصحة.
فصل في بيان الطهارة:
للطهارة مقدمات تنقضها وتوجبها، فيجب بيان المقدمات، وما يترتب عليها ببيانها،
وهي تنقسم قسمين: واجب وندب.
فالواجب ثلاثة أنواع: فعل وكيفية وترك.
فالفعل ثلاثة أشياء: الاستنجاء، والاستبراء، وغسل مخرج البول بالماء إذا وجد.
والكيفية أربعة: تنقية موضع النجو بالماء حتى تزول العين والأثر أو بالحجارة حتى تزول
العين، والمسح من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب بالإصبع في الاستبراء ثلاث مرات
395

ونتر القضيب بين الإبهام والسبابة ثلاث مرات، والاستجمار بأبكار الحجارة، أو بما يزيل العين،
سوى ما يؤكل، ووضع الحجر على موضع النجاسة لإزالتها. فإن زالت النجاسة
بواحدة استعمل تمام الثلاثة سنة، وإن لم تزل بثلاثة استعمل حتى تزول فرضا فإن تعدت
النجاسة عن الموضع لم يجز غير الماء إذا وجد.
والترك ستة أشياء: استقبال القبلة في حال الخلاء، واستدبارها مع الإمكان، واستعمال
المستعمل من الأحجار، والحجر النجس، والاستجمار بما له حرمة من المأكولات، واستعمال
الخرقة من وجهين إذا نشفت.
والندب ثلاثة أشياء: أدب وذكر ومكروه.
فالأدب عشرة: الاستتار، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج،
وتغطية الرأس، والجلوس للحدث على موضع مرتفع، والجمع بين الحجارة والماء في
الاستنجاء، وتقديم الحجر على الماء أو الاقتصار على الماء، والاستجمار بما يزيل العين،
والاستنجاء باليسار، والمسح باليد على البطن بعد ما قام عنه، ونزع الخاتم من اليسار إن
كان عليه اسم معظم، أو فصه حجر له حرمة.
والذكر ستة: الدعاء عند دخول الخلاء، وعند الاستنجاء وعند الفراع منه، وعند
الخروج من الخلاء، وذكر الله تعالى فيما بينه وبين نفسه، وإعادة الأذان كذلك.
والمكروه اثنان وعشرون شيئا: الاستنجاء باليمين مختارا، وباليسار إذا كان فيها
خاتم على ما ذكرنا، واستقبال الشمس، والقمر بالبول والغائط، والريح بالبول، والبول في
الماء الجاري، أو الراكد، وكذلك الغائط، والحدث على شطوط الأنهار، ومساقط الثمار،
والطرق المسلوكة وأفياء النزال، وأفنية الدور والمواضع
التي يتأذى الناس بها، والمواضع التي يثمر الحدث فيها اللعن، وحجرة الحيوان، والبول على الأرض الصلبة، والطموح به في
الهواء، وقراءة القرآن سوى آية الكرسي، فيما بينه وبين نفسه لئلا يفوته شرف فضلها،
والتكلم - إلا لحاجة مست إليه - والسواك، والأكل والشرب.
396

فصل: في الطهارة:
الطهارة ضربان: اختيارية وهي بالماء. وضرورية وهي بالثلج أو بالتراب أو بما يقوم
مقامه عند فقده.
والاختيارية: وضوء وغسل. وكل واحد منهما مفروض ومسنون.
فالمفروض من الوضوء شيئان: أحدهما الوضوء لصلاة فريضة لزمه أداؤها حالة
الوضوء، والثاني للطواف المفروض.
والمسنون أحد عشر: أحدها: للتأهب للصلاة الفريضة قبل دخول وقتها، والثاني:
تجديده لكل صلاة مع بقاء حكمه، والثالث: لأداء النوافل، والرابع: لقراءة القرآن،
والخامس: لمس المصحف، والسادس: للسعي بين الصفا والمروة، والسابع: للطواف
المسنون، والثامن: لدخول المسجد أو موضع شريف، والتاسع: للتأهب للصلاة متى شاء،
والعاشر: للنوم عليه، والحادي عشر: للحائض فإنها تتوضأ لا لرفع الحدث وتجلس في
المصلى ذاكرة لله تعالى بمقدار زمان صلاتها، وإذا توضأ نافلة ونوى رفعا للحدث،
أو استباحة للصلاة جاز له أن يؤدى به كل صلاة.
والطهارة الضرورية بالثلج أو بالتراب وهو التيمم وهو ضربان: أحدهما يكون بدلا من
الوضوء، والثاني يكون بدلا من الغسل المفروض إلا في موضع واحد يكون فيه بدلا من
الغسل المندوب وهو الغسل للإحرام إذا لم يجد الماء.
فصل: في بيان ما يقارن الوضوء:
الوضوء يشتمل على أمور واجبة ومندوبة.
فالواجبة: فعل وكيفية وترك.
فالفعل سبعة أشياء: النية، وغسل الوجه مرة واحدة. وغسل كل واحدة من اليدين،
ومسح الرأس، ومسح كل واحدة من الرجلين كذلك.
والكيفية ثلاثة عشر شيئا: مقارنة النية لحال الوضوء، والاستمرار على حكمها،
والابتداء في غسل الوجه من قصاص شعر الرأس، واستيعاب الوجه بالغسل، وحده من
397

قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا،
وغسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع، وإدخال المرفق في الغسل، ومسح مقدم
الرأس ببلة الوضوء، ومسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ببلته أيضا، والترتيب
على ما رتبه الله تعالى، والموالاة - وهي أن يوالي بين غسل الأعضاء، ولا يؤخر بعضها عن
بعض بمقدار ما يجف ما تقدم - وإيصال الماء إلى ما تحت الخاتم، وغيره إن كان عليه.
والترك عشرون شيئا:
استقبال الشعر في غسل الوجه، وفي غسل اليدين، وفي مسح الرأس، واستئناف
الماء لمسح الرأس، والرجلين، ومسح مؤخر الرأس، ومسح أحد جانبيه، ومسح جميع
الرأس، ومسح الأذنين، وتخليلهما، والمسح على الشعر إذا جمعه وسط الرأس، والمسح على
ما يحول بين العضو الماسح والممسوح، ومسح باطن القدمين، وغسل الرجلين للوضوء
مختارا، والمسح على الخفين، وعلى الشمشك. وعلى النعل غير العربية مختارا، والتكرار في
المسح، والزيادة في الغسل على المرتين، والاستيضاء مع القدرة.
والمندوب:
خمسة أضرب: زيادة في الغسل، وأدب، وذكر، وكيفية، وترك.
فالزيادة ثلاثة أشياء: غسل الوجه، واليد اليمنى، واليسرى ثانيا.
والأدب ثمانية: وضع الإناء على اليمين إذا اغترف منه باليد، وأخذه باليمين، وإدارته
في غسل اليمين إلى اليسار، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرة
ومن الغائط مرتين، والنية، عند غسل اليدين - فإن ترك تعين عند غسل الوجه - والمضمضة،
والاستنشاق، والسواك خاصة في صلاة الليل. وكيفية النية: أن يقرر في نفسه أنه يتوضأ
فرضا رفعا للحدث واستباحة للصلاة قربة إلى الله تعالى، وإن لم يكن فرضا لم يقرر ذلك في
نفسه.
والذكر عشرة أشياء: التسمية إذا نظر إلى الوضوء، والدعاء عند غسل اليدين، وعند
398

المضمضة، وعند الاستنشاق، وعند غسل الوجه، واليد اليمنى، واليسرى، ومسح الرأس،
ومسح الرجلين، والفراع من الوضوء.
والكيفية أحد عشر شيئا: الابتداء بالمضمضة قبل الاستنشاق، والإتيان بهما ثلاثا ثلاثا،
والمضمضة بكف واحدة من الماء، وكذلك الاستنشاق، وغسل الوجه باليد اليمنى،
وغسل المسنونة على هيئة الواجبة، ووضع الرجل الماء على ظهر ذراعه، والمرأة على باطنها،
ومسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع مضمومة، ومسح الرجلين بالكفين من رؤوس الأصابع
إلى الكعبين.
والترك ثلاثة: الاستعانة في الوضوء بالغير، والتمندل، وتأخير الاستنجاء وغسل
مخرج البول.
فصل: في بيان السهو العارض في الوضوء:
السهو فيه أربعة أضرب:
أحدها: يوجب إعادة الوضوء، وذلك في ثمانية مواضع:
من شك ولم يدر تقدم وضوؤه أم حدثه، والشك في الوضوء مع تيقن الحدث، والشك
فيهما معا، والشك في الوضوء وهو جالس عليه، وأن يظن الإخلال بفعل واجب من أفعال
الوضوء، أو يظن فعل شئ ينقض الوضوء، أو يذكر حدثا وقد توضأ لكل صلاة صلاها
عقيب إحديهما بلا فصل واشتبه عليه، أو يذكر ترك غسل عضو من أعضاء هذه
الطهارات كذلك.
الثاني: لم يلزمه إعادة الوضوء، وجاز له المضي عليه وذلك في ثلاثة مواضع: من تيقن
الوضوء وشك في الحدث، أو شك في الوضوء بعد ما قام عنه، أو شك في غسل عضو كذلك.
والثالث: يجب عليه غسل المشكوك، وإعادة المترتب عليه ما لم يجف العضو السابق،
وإعادة الوضوء إن جف، وذلك في موضعين: من شك في غسل عضو من أعضاء الطهارة
جالسا عليه غسل المشكوك وإعادة المترتب عليه، ومن قدم بعض أعضاء الطهارة على
بعض ثم ذكر بنى على ما يجب الابتداء به وإعادة ما قدمه عليه.
399

والرابع: من صلى صلوات وقد جدد الوضوء لكل صلاة من غير حدث، ثم ذكر أنه
ترك غسل عضو في واحدة أعاد الصلاة الأولى، وإن ترك في اثنتين أعاد الصلاتين، وعلى
هذا. ومن صلى بغير طهارة تطهر وأعاد الصلاة.
فصل: في بيان نواقض الطهارة:
نواقضها أربعة أضرب:
أحدها: ينقضها ويوجب الصغرى من الطهارة، وهو ستة أشياء: خروج البول
والغائط من الانسان، وخروج شئ ملوث بالغائط من مخرجه، والريح، والنوم الغالب على
السمع والبصر، وكل ما يزيل العقل والتمييز من الإغماء والجنون وغيرهما من سائر
الأمراض.
وثانيها: يوجب الطهارة الكبرى فحسب، وهو الجنابة.
وثالثها: يوجب الصغرى مرة، وكلتيهما أخرى، وهو الاستحاضة.
ورابعها: يوجبهما معا، وهو ثلاثة أشياء: الحيض، والنفاس، ومس الميت من الناس
أو قطعة أبينت من حي أو ميت منهم فيها عظم بعد البرد بالموت وقبل التطهير بالغسل.
ولا ينقض الطهارة غير ما ذكرناه.
فصل: في بيان الطهارة الكبرى:
وهي ضربان: إما يجب إيقاعها على المكلف في نفسه، أو في غيره. وذلك شيئان:
أحدهما غسل المولود بعد الولادة، والثاني غسل الميت من الناس.
والأول ضربان: أحدهما يؤمر بالغسل لإقامة الحد عليه.
والثاني أربعة أضرب: فرض، وواجب، ومختلف فيه، ومندوب. والجميع خمسة وثلاثون
غسلا.
فالفرض واحد، وهو غسل الجنابة.
والواجب ثلاثة: غسل الحيض، والاستحاضة، والنفاس.
400

والمختلف فيه ثلاثة: غسل مس الأموات، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا تركها
متعمدا وقد احترق القرص كله، وغسل من سعى إلى مصلوب عامدا بعد ثلاثة أيام.
والمندوب ثمانية وعشرون:
غسل يوم الجمعة، وروي: أنه سنة واجبة، وغسل ليلة النصف من رجب، ويوم
السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة
النصف منه، وليلة سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين منه،
وليلة الفطر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وغسل الإحرام، وعند دخول الحرم، ودخول مكة،
ودخول المسجد الحرام، ودخول الكعبة، ودخول المدينة، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله،
وعند زيارته عليه السلام، وعند زيارة الأئمة عليهم السلام، وغسل يوم المباهلة،
ويوم الغدير، ويوم المولد، وغسل التوبة، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة.
فأما الجنابة: فهي بإنزال الماء الذي منه الولد وعلامته الدفق سواء كان معه شهوة أو لم
يكن، وإن وجد شهوة من غير دفق وكان مريضا فكذلك، وإن كان صحيحا لم يكن ذلك منيا
إذا لم يكن معه دفق. وبغيبوبة الحشفة في فرج آدمي حي أو ميت قبل أو دبر ويجب الغسل
عليهما معا.
وإذا أجنب الانسان بأحد ما ذكرناه حرم عليه ستة أشياء: قراءة العزائم، ودخول
المساجد - إلا عابر سبيل - إلا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ووضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف، ومس كل كتابة معظمة من أسماء الله تعالى،
أو أسماء أنبيائه، أو أئمته ع، والتوضؤ للجنابة.
وكره له سبعة أشياء: الأكل، والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق، والنوم إلا بعد
الوضوء، والخضاب، ومس المصحف ما عدا الكتابة، وقراءة ما عدا العزائم فوق سبعين
آية، والارتماس في الماء الراكد وإن كان كثيرا.
فأما الغسل ففيه الفرض، والندب. فالفرض مقدم عليه ومقارن له فالمقدم ثلاثة
أشياء: الاستبراء، وكيفيته: وهي أن يستبرئ بالبول - إن كان رجلا - فإن لم يتأت له
اجتهد، وإزالة المني عن رأس الإحليل وعن جميع جسده إن أصابه.
401

والمقارن ضربان: فعل وكيفية.
فالفعل: النية وغسل جميع البدن.
والكيفية أربعة أشياء: مقارنة النية لحال الغسل، واستدامة حكمها إلى عند الفراع،
وإيصال الماء إلى جميع أصول الشعر، والترتيب: وهو أن يبدأ بغسل الرأس ثم
بالميامن ثم بالمياسر، وإن أفاض الماء بعد الفراع على جميع البدن كان أفضل.
والندب خمسة أشياء: غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات، والمضمضة
والاستنشاق ثلاثا ثلاثا، والغسل بصاع من الماء فما زاد، والدعاء عند الغسل.
والكافر إذا أسلم، وقد أجنب كافرا لزمه الغسل من الجنابة. والمخالف إذا
استبصر وأقام فرائضه لم يلزمه الإعادة، وإن لم يقمها أعاد، وإن اجتمع عليه أغسال كثيرة
كفاه غسل الجنابة عن الجميع، ولم يكف عنه غيره.
وسائر الأغسال، لا بد فيه من تقديم الوضوء عليه، أو تأخيره عنه، وينوي في الغسل
والوضوء معا رفعا للحدث، أو استباحة للصلاة، إن كان الغسل واجبا سوى غسل من
سعى إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام، وإن كان الغسل نفلا ارتفع الحدث بالوضوء لا به.
وصورة نية الغسل من الجنابة على ما اخترناه: أغتسل من الجنابة فرضا، قربة إلى الله
تعالى.
فصل: في بيان أحكام الحيض:
الحيض: هو الدم الأسود الغليظ الخارج من المرأة بحرارة وحرقة على وجه له دفع،
ويتعلق به أحكام من بلوع المرأة وانقضاء العدة وغير ذلك. ولا تحيض امرأة لها دون تسع
سنين ولا من زاد سنها على ستين سنة من القرشية والنبطية وعلى خمسين سنة من غيرهما.
وللحائض ثلاثة أحوال: إما ترى الدم قليلا، وهو ثلاثة أيام متواليات، وروي مقدار
ثلاثة أيام من عشرة. أو كثيرا، وهو عشرة أيام. أو متوسطا، وهو ما بين الثلاثة والعشرة.
فإذا بلغت المرأة تسع سنين فصاعدا ورأت دما لم يخل من ثلاثة أحوال: إما عرفته
يقينا أنه دم حيض أو غيره أو اشتبه عليها. فإن عرفت يقينا عملت عليه، وإن اشتبه عليها
402

بدم استحاضة فهو حيض، وإن اشتبه بدم العذرة اعتبرت بقطنة، فإن انغمست فهو دم
حيض، وإن تطوقت فهو دم عذرة. وإن اشتبه بدم القرح وكان خارجا من الجانب الأيمن
فهو دم قرح، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض، والصفرة والكدرة في أيام
الحيض أو فيما يمكن أن يكون حيضا حيض، وفي أيام الطهر طهر.
فإذا رأت الدم بعد انقضاء تسع سنين ولم يشتبه عليها أو اشتبه وكان محكوما عليه
بالحيض تركت الصلاة والصوم ولها أربعة أحوال: أحدها: أن تراه ثلاثة أيام متواليات
ثم ينقطع ولا تراه بعد ذلك إلى انقضاء عشرة أيام، والثاني: أن ينقطع الدم ثم يعود قبل
انقضاء عشرة أيام، والثالث: أن تراه يوما أو يومين ثم ينقطع عنها ولا يعود، والرابع: أن
ينقطع عنها بعد يوم أو يومين ثم يعود قبل انقضاء عشرة أيام بمقدار ما يتم به ثلاثة أيام.
فالأول: يلزمها أن تعمل عمل الحائض في الأيام التي رأت فيها الدم ثم تغتسل،
والثاني: كان الدمان معا والطهر المتخلل بينهما حيضا، والثالث: يكون دم فساد ويجب عليها
قضاء الصلاة والصوم، والرابع: يكون جميع عشرة الأيام بحكم الحائض في إحدى
الروايتين، وإذا رأت الدم في شهرين متواليين على حد واحد، جعلت ذلك عادة ترجع إليها
وتعمل عليها.
ويتعلق بالحائض وبزوجها أحكام تنقسم إلى أربعة أقسام: واجب وندب، وكلاهما
فعل وترك.
فالفعل الواجب ثلاثة: احتشاء الموضع بالكرسف، والاستشفار، ومنع الزوج من
الوطء.
والترك الواجب عشرة: الصلاة، والصوم، والاعتكاف، والطواف، ودخول
المساجد، ووضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف، والأسماء المعظمة، وقراءة العزائم،
وسجدة التلاوة.
والفعل المندوب إليه شيئان: الوضوء لا على وجه رفع الحدث وقت الصلاة،
وجلوسها في المصلى ذاكرة لله تعالى بمقدار زمان صلاتها.
والترك المندوب أربعة: قراءة ما عدا العزائم، ومس المصحف، وحمله، والخضاب.
403

وما يتعلق بزوجها فأربعة: لا يصح منه طلاقها حاضرا بعد الدخول بها، ويحرم عليه
وطؤها، ويجب عليه الكفارة إن وطأها في أول الحيض بدينار، وفي وسطه بنصف دينار، وفي
آخره بربع دينار. وإن وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من الطعام، ويلزمه التعزير.
فإذا طهرت وكانت عادتها أقل من عشرة أيام استبرأت بقطنة، فإن خرجت نقية
فهي طاهر، وإن خرجت ملوثة صبرت إلى النقاء، وإن اشتبه عليها استظهرت بيوم
أو يومين، ثم اغتسلت وإن كانت عادتها عشرة أيام لم يكن عليها استبراء ولا استظهار بل
اغتسلت. وإذا حاضت صائمة بطل صومها، فإن حاضت بعد دخول وقت الصلاة،
أو طهرت وتوانت في الاغتسال والصلاة، وجب عليها قضاء تلك الصلاة، وإن لم يمكنها
ذلك لم يجب عليها القضاء، بل يستحب، ولا يجب عليها قضاء الصلاة الفائتة في أيام
حيضها ويجب عليها قضاء الصوم.
فصل: في بيان أحكام المستحاضة:
الاستحاضة دم أصفر رقيق بارد تراه المرأة عقيب أيام الحيض أو أكثر أيام النفاس.
والمستحاضة مبتدئة وغير مبتدئة.
فالمبتدئة لها أربعة أحوال إذا استمر بها الدم: أولها: أن يتميز لها بالصفة وتعرف دم
الحيض من دم الاستحاضة، فيجب أن تعمل عليه، وحالة الاستمرار إذا مر عليها أقل أيام
الحيض وهو ثلاثة أيام وأقل أيام الطهر وهو عشرة أيام، فإذا رأت الدم ثلاثة أيام متواليات
عرفت يقينا أنه دم حيض، فإذا استمر إلى تمام عشرة أيام وجب عليها أن تعمل عمل
الحائض، فإذا زاد على عشرة أيام ثلاثة عرفت يقينا أنه دم استحاضة، فإذا لم ينقطع جوزت
أن ذلك دم حيض لانقضاء أقل أيام الطهر وأقل أيام الحيض، وجوزت خلاف ذلك
فيلزمها تعرف الحال فإن تميز لها بالصفة عملت عليها، وإن لم تتميز رجعت إلى عادة
نسائها من أهلها وعملت عليها، فإن لم يكن لها نساء من أهلها رجعت إلى عادة أترابها من
أهل بلدتها وعملت عليها، فإن لم يكن لها شئ من ذلك، تركت الصلاة والصوم في
الشهر الأول أقل أيام الحيض وفي الثاني أكثر أيام الحيض أو تركت الصلاة والصوم في
404

كل شهر سبعة أيام وتعمل عمل المستحاضة في الباقية.
وإن لم تكن مبتدئة كان لها أيضا أربعة أحوال: أحدها: أن تكون لها عادة بلا تمييز،
والثاني: أن تكون لها عادة وتمييز، والثالث: أن يكون لها تمييز بلا عادة، والرابع: أن لا تكون
لها عادة ولا تمييز.
فالأول: يلزمها العمل عليها، مثاله: امرأة كانت عادتها خمسة أيام من كل شهر ثم رأت
في شهر خمسة أيام دما وعشرة طهرا ثم خمسة دما واتصل الدم فعلت في الدم الثاني ما تعمله
المستحاضة.
والثاني: يجوز لها أن تعمل على العادة والتمييز مخيرة فيهما، مثاله: امرأة عادتها سبعة
أيام من كل شهر ثم رأت الدم عشرة أيام بصفة دم الحيض في شهر ثم اتصل الدم،
أو رأت ثلاثة أيام بصفة دم الحيض والباقي دما أحمر وقد اتصل الدم، فإن شاءت عملت
على العادة وإن شاءت على التمييز، وأمثال ذلك كذلك.
والثالث: يجب عليها أن تعمل على التمييز إذا لم يمكن أن يكون دم حيض، مثاله:
امرأة كانت لها عادة فنسيت أو اختلطت عليها ولها تمييز فرأت ثلاثة أيام بصفة دم
الحيض فوجب عليها عمل الحائض. فإن رأت بعد ذلك خمسة بصفة دم الاستحاضة
واتصل كان ثلاثة الأيام حيضا والباقي استحاضة، وإن انقطع كان الدمان حيضا.
والرابع: لم يخل من ثلاثة أوجه: إما كانت ذاكرة لأيام الحيض والعدد ناسية للوقت،
أو ذاكرة للوقت ناسية للعدد، أو ناسية لهما. فالأول: لزمها عمل الحائض عدة أيام عادتها في
وقت يكون الدم فيه أشبه بدم الحيض وعمل المستحاضة فيما بقي من الأيام، والثاني: ترك
الصلاة والصوم ثلاثة أيام في أول الشهر وعمل عمل المستحاضة في الباقي، والثالث:
يكون لها وجهان: أحدهما ترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام، والثاني أن تعمل ثلاثة أيام
من أول كل شهر عمل المستحاضة، وتغتسل غسل الحيض بعد ذلك لكل صلاة، وتصلي
وتصوم شهر رمضان، ولا يطأها زوجها، ولا يصح طلاقها بوجه.
وللمستحاضة ثلاثة أحوال:
أحدها: أن ترى الدم غير راشح على القطنة وعليها أن تتوضأ لكل صلاة وتصلي
405

بعد الوضوء بلا فصل بعد تغيير القطنة والخرقة.
والثاني: أن تراه راشحا غير سائل، وعليها الاغتسال لصلاة الغداة والوضوء لكل
صلاة فريضة مع تغيير القطنة والخرقة، والصلاة بعد الوضوء بلا فصل.
والثالث: أن تراه راشحا سائلا، وعليها ثلاثة أغسال في اليوم والليلة، غسل
للمغرب والعشاء الآخرة وغسل لصلاة الليل والغداة - إن اعتادت صلاة الليل
وإلا لصلاة الغداة - وغسل للظهر والعصر، وتجمع بين كل صلاتين. وإذا فعلت ما تفعله
المستحاضة لم يحرم عليها شئ مما يحرم على الحائض، إلا دخول الكعبة.
فصل: في بيان حكم النفاس:
وأما النفساء فهي المرأة التي ترى الدم عقيب الولادة وحكمها حكم الحائض في
جميع المحرمات والمكروهات وأكثر الأيام، ويفارقها في الأقل، فإنه ليس لقليل النفاس حد.
وإن ولدت ولدين ورأت الدم بعد وضع كل واحد ابتدأ حكم النفاس من وضع الأول وحكم
الأيام من وضع الثاني.
فصل: في بيان أحكام الموتى وكيفية غسلها وتكفينها ودفنها:
الفصل يشتمل على خمسة أنواع: حكم الاحتضار والغسل والتكفين والحمل إلى
القبر والدفن.
وحكم الاحتضار ينقسم ثلاثة أقسام: واجب وندب ومكروه.
فالواجب شئ واحد وهو الاستقبال إلى القبلة بباطن قدمه.
والندب خمسة عشر شيئا: تلقينه الشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام واحدا
فواحدا، وكلمات الفرج، وقراءة القرآن عنده، ونقله إلى موضع صلاته، وبسط ما كان
يصلى عليه تحته إن تصعب عليه خروج نفسه، وتغميض عينيه، وشد لحييه، وإطباق فيه،
ومد يديه إلى جنبيه، ومد ساقيه، وتغطيته بثوب، والاستعجال في تجهيزه - إلا لخمسة نفر:
المصعوق، والمسكت، والمبطون، والمدخن، والمهدوم عليه إن اشتبه أمرها حتى يستبان -،
406

والإسراج عنده إن كان بالليل، وذكر الله تعالى.
والمكروه أربعة: تركه وحده وحضور الحائض والجنب عنده ووضع حديدة على بطنه.
وأما التغسيل فلم يخل الميت: إما يكون ميتا حتف أنفه أو مقتولا.
فالميت حتف أنفه لا يغسل إلا المسلم أو من كان في حكمه من الطفل والمجنون، وهو
ضربان: إما أمكن غسله أو لم يمكن خيفة تقطع أوصاله بالغسل أو صب الماء عليه، مثل
المحترق والمجذوم والمجدور. فالثاني يجب أن ييمم، والأول يجب غسله طفلا كان أو غير
طفل.
والمقتول لم يخل: إما قتل بين يدي إمام عدل في نصرته أو من أقامه للجهاد أو قتل
بغير ذلك. فالأول لم يغسل إن حمل من المعركة قتيلا وصلى عليه ودفن بثيابه وخفه إن
أصابه الدم، وقيل: ينزع خفه، وإن حمل من المعركة وبه رمق غسل، وكذلك سائر القتلى ما لم
يكن باغيا فإنه لا يجوز غسله ولا الصلاة عليه مختارا، وإن وجد من المقتول قطعة فيها
عظم غسل وصلى عليه إن كان موضع الصدر، وأولى الناس بغسل الميت أولاهم به في
الميراث. والميت ذكر وأنثى، فالذكر لم يخل موته من ستة أوجه: إما مات بين رجال ونساء
مسلمين أو بين رجال مسلمين أو بين نساء مسلمات ولم تكن له فيهن ذات رحم أو كانت له
فيهن ذات رحم أو بين كفار فيهم نسوة مسلمة أو بين كفار ليس فيهم نسوة مسلمة.
فالأول: يلي غسله الرجال دون النساء، والثاني: يغسله أولى الناس به، والثالث: لم
يخل من ثلاثة أوجه: إما كان صبيا ابن ثلاث سنين، أو لأكثر من ذلك، أو مراهقا - فالأول
تغسله النساء مجردا من ثيابه، والثاني تغسله من فوق ثيابه، والثالث دفنه من غير غسل،
والرابع: - من قسمة الأصل - غسلته محارمه من وراء ثيابه، والخامس: أمرت النسوة المسلمة
الرجال الكفار بغسله وعلمتهم تغسيل أهل الاسلام، والسادس: يدفن من غير غسل.
والأنثى لم يخل موتها من ستة أوجه أيضا فإن ماتت بين رجال ونساء مسلمات غسلتها
النساء، وأن ماتت بين نساء مسلمات فذلك، وإن ماتت بين رجال مسلمين لم يخل: إما أن
كانت لها فيهم ذو محرم ويغسلها من فوق ثيابها، أو لم يكن لها فيهم ذو محرم: فإن كانت صبية
لها ثلاث سنين غسلها الأجنبي من فوق ثيابها، وإن كانت لأكثر من ذلك دفنوها من غير
407

غسل. وإن ماتت بين نسوة كافرات، ورجال مسلمين غير ذوي رحم لها أمروا النسوة
الكافرة بغسلها، وعلموهن تغسيل أهل الاسلام، وإن لم يكن فيهن رجال مسلمون دفنت
من غير غسل.
وما يتعلق بالغسل فأربعة أضرب: واجب ومندوب ومحظور ومكروه.
فالواجب ستة أشياء: تنجية الميت، وغسله مجردا من ثيابه غير عورته - إلا لعذر -.
وتغسيله ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة وهيئته، وغسل ما خرج منه من النجاسة
قبل التكفين، فإن كان الميت قتيلا ولزم غسله غسل الدم عنه.
والمندوب سبعة وعشرون شيئا: تغسيله تحت سقف، ووضع سرير أو ساجة ليغسل
عليه مستقبل القبلة، وغسله أولا بماء السدر، وثانيا بماء جلال الكافور، وثالثا بالماء القراح،
وتنجيته بماء الحرض والسدر، ولف خرقة على اليد عند التنجية، وطرحها عن اليد عند
الغسل، وحفر حفيرة لانصباب الماء إليها، ووقوف الغاسل على جانب يمينه، وغمز بطنه
في الغسلتين الأوليين، وذكر الله تعالى، والاستغفار للميت عند الغسل، وطرح السدر في
موضع نظيف، وصب الماء عليه، وضربه ضربا جيدا حتى يرغو، ويطرح رغوته في موضع
نظيف لغسل رأسه، وفتق جيب قميصه، ونزعه من تحته، وتركه على عورته قدر
ما يسترها، وتليين أصابعه إن أمكن، والإكثار من صب الماء عليه عند حقوه، وغسل فرجه.
وأن يغسله واحد، ويصب عليه آخر وأن يغسل برفق، وغسل يد الغاسل إلى المرفقين
كلما فرع من غسلة، وغسل الإجانة، واستئناف ماء جديد للغسلة الأخرى، وتنشيفه بثوب
نظيف بعد الفراع من غسله، وتقديم الغسل على التكفين ما لم يخف ظهور حادث به
وقرض ما أصاب الكفن مما خرج منه بالمقراض.
والمحظور خمسة أشياء: قص شعره وظفره وتسريح الرأس واللحية وحلق شئ من
شعره.
والمكروه أحد عشر شيئا: غسله تحت السماء مختارا، وإسخان الماء إلا لبرد يخاف
الغاسل منه على نفسه، وانصباب الماء إلى البالوعة مع إمكان الحفيرة، وإلى الكنيف على
كل حال، والتعنيف في الغسل، وغمز بطن الحبلى، وغمز البطن في الغسلة الثالثة،
408

وركوب الميت في حال الغسل، والوقوف بين رجليه، وإقعاده.
وأحكام الكفن ضربان: أحدهما يتعلق بالكفن نفسه، والآخر بالتكفين. والكفن فيه
مفروض، ومسنون. فالفرض حالة الاختيار ثلاثة أثواب: مئزر، وقميص، وإزار. وحالة
الاضطرار واحد، وهو قدر ما يلف فيه جسده، فإن لم يوجد أصلا دفن عاريا.
والمسنون ستة أشياء: أن يزاد للرجل ثوبان حبرة يمنية عبرية غير مطرزة بشئ من
الذهب أو الإبريسم، وخرقة تشد بها فخذاه، وعمامة يعمم بها محنكا. وللمرأة لفافتان،
أو لفافة ونمط، وخرقة تشد بها ثدياها.
وأما التكفين والتحنيط، فيشمل حكمهما على أربعة أوجه: فرض وندب ومحظور
ومكروه.
فالفرض ثلاثة أشياء: تكفينه فيما تجوز فيه الصلاة للرجال، وفي الثوب الطاهر،
وإمساس شئ من الكافور مساجده.
والمندوب ثمانية وعشرون شيئا: تكفينه في ثياب القطن الخالص وفي البياض منه،
وإقامة لفافة مقام الحبرة إن لم توجد، وخياطة الكفن بغزله، و استعمال ثلاثة عشر درهما
وثلث من الكافور الخام، أو أربعة مثاقيل إن لم يوجد، أو درهم مع الاختيار. ووضع جريدتين
خضراوين معه من النخل، أو السدر، أو الخلاف، أو شجر رطب مرتبا إذا وجد. واستعداد
مقدار رطل من القطن لتحشى به المواضع التي يخاف خروج شئ منها، وفرش الحبرة على
موضع نظيف، ونثر شئ من الذريرة عليها، وفرش الإزار فوقه، ونثر شئ من الذريرة عليه،
وفرش القميص فوق الإزار، وأن يكتب على الحبرة والإزار والقميص والعمامة والجريدتين
الشهادتان، والإقرار بالأئمة ع بالتربة، أو بالإصبع إن لم توجد، وأن يذر شئ من
الذريرة على القطن، ويوضع على فرجه، قبله ودبره، ويحشى القطن في دبره لئلا يخرج منه
شئ. وأن تكون الخرقة في طول ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر إلى أكثر أو أقل، وشد
حقويه ووركيه إلى فخذيه شدا وثيقا، وإخراج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن
وغمزه في الموضع الذي لف فيه الخرقة، وكون الإزار في عرض ما يبلغ من صدره إلى
الساقين، وتأزيره به، وسحق الكافور باليد، ووضعه على مساجده السبعة، ومسحها بذلك،
409

ورد القميص عليه بعده، وإلصاق إحدى الجريدتين بجلده من الجانب الأيمن إلى الترقوة،
ووضع الأخرى من الجانب الأيسر بين القميص والإزار، وأن يكون قدر كل واحدة منهما
مقدار عظم الذراع، وأن يعمم بعد ذلك، ويوضع وسطها على رأسه، ويعمم بالتدوير،
ويحنك، ويطرح طرفاها على صدره، ثم يلف في اللفافة، ثم في الحبرة طاويا جانب الأيسر من
كليهما على الأيمن، ثم جانب الأيمن على الأيسر، وأن يعقد طرفيه بعد ما وضع في الكفن ما سقط
من شعره.
والمحظور ثلاثة أشياء: خلط الطيب بالكافور، والتكفين في الحرير المحض، وإمساس
الكافور جسد المحرم.
والمكروه خمسة عشر شيئا: الزيادة في الكفن على ما ذكرنا، والتكفين في الممزوج
بالإبريسم مختارا، وفي الكتان كذلك، وأن يجعل للقميص كم ابتداء، وقطع الكفن بالحديد،
وبل الخيط بالريق، وتبخير الكفن بالطيب، وكتابة الشهادتين بالسواد على الكفن،
والتكفين في الثياب المصبوغة، وجعل القطن في فيه إلا إذا خيف خروج شئ منه، وجعل
الكافور في سمعه وبصره وفيه، وسحقه بالحجر أو غيره، وتعميمه عمة الأعرابي من
غير حنك، فإذا صلى عليه حمل إلى القبر.
ويتعلق بذلك أربعة أحكام من الواجب والمندوب والمحظور والمكروه.
فالواجب شئ واحد، وهو دفنه.
والندب خمسة وأربعون شيئا: إعلام أهل الإيمان بموته ليحضروا الصلاة عليه، وحمله
على الجنازة، والمشي خلفها، أو من أحد جانبيها مختارا، و تربيعها، وهو أن يبتدئ بالأيمن من
مقدم السرير، ويدار به دور الرحى، حتى يرجع إلى المقدم من الجانب الأيسر، والدعاء
بالمأثور إذا نظر إليها، ووضع الرداء لصاحب المصيبة، ولبس القميص ليعرف فيعزى،
وتعزية المصاب، واتخاذ الطعام له ولذوي قرابته وجيرته، ووضع الجنازة عند رجل القبر
بمقدار ذراع مما يلي القبلة للرجل، وحمله إلى القبر بثلاث دفعات، وقدام القبر إن كانت
لامرأة، ونزول الولي إلى القبر، أو من يأمره الولي، حافيا، من جانب الرجل، واتخاذ القبر
في جوار الصالحين من أفضل بقاع ذلك البلد، وحفره قدر قامة أو إلى الترقوة، ملحودا في
410

سعة ما يتمكن الرجل فيه من الجلوس. وأن يؤخذ من جانب رأسه من قبل رجل القبر،
والمرأة بالعرض، والزوج أولى بها من غيرها، وأن تؤخذ من قبل كتفيها، ويدخل آخر يده
تحت حقويها، وأن يكشف رأسه من ينزل إلى القبر، ويحل أزراره، ويسل الميت إلى القبر
سلا: ويدعو حين يرى القبر، ويتناول الميت، وتضجيع الميت على الجانب الأيمن، والاستقبال
به إلى القبلة إلا أن تكون المرأة ذمية حبلى من مسلم فإنها تستدبر بها القبلة، وتحل عقد
الكفن، ويوضع خده على التراب، فإن كان الميت محرما غطى وجهه بثوب، ويجعل معه شئ
من التربة، ويشرج عليه اللبن، ويدعو الله تعالى من يشرج، ويلقن قبل التشريج بالتلقين
المرسوم، وأن يهيل التراب عليه من حضر - سوى الأقارب - بظهور أكفهم بالأصابع، ويدعو
له، ويخرج من القبر من قبل الرجل، ويطم القبر، ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع
مفرجات ويسوى، ويربع، ويجعل عند رأسه لوح، أو لبنة، ويصب الماء على القبر من أربع
جوانبه، يبدأ بالصب من عند الرأس، ويصب ما فضل من الماء على وسط القبر، ويترك
شئ من الحصى على القبر، وتوضع اليد عليه مفرجة الأصابع، وتغمز فيه بعد ما نضح بالماء،
والدعاء للميت، وتأخر الولي لتلقينه بالمروي في ذلك بعد انصراف الناس عنه ورفع
صوته بالتلقين إن لم يكن موضع تقية، والترحم عليه.
والمحظور ثمانية أشياء: اللطم، والخدش، وجز الشعر، والنياحة، وتخريق الثياب -
إلا للأب والأخ -، وإرسال الإزار على الرأس، وإرسال طرف العمامة - إلا لهما -، ووضع الرداء
في مصيبة الغير، وروي أن ذلك مكروه.
والمكروه تسعة عشر: حمل ميتين على جنازة واحدة، ونقله إلى بلد آخر - إلا إلى بعض
مشاهد الأئمة ع، فإنه يستحب له - والمشي أمام الجنازة - إلا لعذر - وضم اثنين
في قبر، وفدحه إلى القبر دفعة واحدة، والنزول فيه بالخفين - إلا تقية -، والنزول إلى قبر ذوي
القرابة، - إلا لقرابة الميت -، وتشريج اللبن عليه، وهيل التراب لذوي القربى، والجلوس في
المقابر قبل أن يدفن، وتحويله إلى قبر آخر، والجلوس للتعزية يومين أو أكثر، وتعزية الشابة -
إلا لمحارمها -، وغسل المخالف مختارا، وفرش القبر بالساج، أو بالصفاح إذا لم يكن
نديا، وتجصيص القبر، والتضليل عليه، والمقام عنده، وتجديده بعد الاندراس.
411

وإذا كان الميت في السفينة، وتعذر دفنه في التراب، ثقل وطرح في البحر بعد الفراع من
تجهيزه.
فصل في بيان التيمم:
التيمم طهارة المضطر ولا يرتفع به الحدث وإنما يستباح به الدخول في الصلاة إذا
اجتمع فيه ثلاثة شروط، وهي: فقد الماء أو حكمه، وتضييق وقت الصلاة، وطلبه قبل
التضيق عن اليمين واليسار مقدار رمية في حزن الأرض ورميتين في سهلها. وما هو في حكم
فقد الماء اثنا عشر شيئا: انتفاء آلة التوصل إليه، وعدم ثمنه أو حكمه من الإجحاف،
والخوف على النفس من استعماله، وخوف الزيادة في علة كانت به، وخوف التشويه بالخلقة
أو تغيير الصورة - إلا إذا تعمد الجنابة - وما يحول بينه وبين الماء من عدو أو سبع، والحاجة
إليه لسد الرمق، وقلته بحيث لا يسع للطهارة، والحدث بعد تيمم بدل غسل مفروض
ويكون معه ماء بمقدار ما يكفي الوضوء دون الغسل، وخوف من جرح ببعض أعضاء
الطهارة بحيث لا يمكن غسلها، وخوف على المال.
ويستحب التيمم في أربعة مواضع لغير استباحة الصلاة: عند حضور الجنازة لغير
المتطهر، وللمحتلم في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله للخروج منه
للاغتسال، وللمحدث في المسجد الجامع يوم الجمعة، ولم يمكنه الخروج للتوضؤ، فإنه يتيمم
ويصلى، فإذا خرج توضأ وأعاد الصلاة أربعا.
وإنما لا يجوز له التيمم إلا بعد تضيق وقت الصلاة، إذا قصد بالتيمم الدخول في صلاة
حضر وقتها، فإما أن يتيمم به نافلة، أو يقضي فريضة جاز ذلك على كل حال، وأن يصلى به
كل صلاة فريضة ونافلة، وإن لم يدخل وقتها أو دخل قبل تضيق وقتها إذا تضيق الوقت.
ويبني هذا الباب على ثلاثة أقسام: وقت وجوبه، وكيفية فعله، وبيان ما يصح أن يتيمم
به.
فأما وقت وجوبه فقد ذكرناه، وأما ما يتيمم به: فهو الصعيد الطيب الذي ذكره الله تعالى
أو ما يكون في حكمه. والأرض وما يحصل منها خمسة أقسام: أرض ومعدن ومستحيل من
412

الأرض وحجر ونبات، فالأرض هو الأصل ترابا كان أو مدرا، ويستحب أن يكون من عوالي
الأرض ويجوز من المهابط والواجب فيه كونه طاهرا. والمعدن لا يجوز التيمم منه بحال،
والمستحيل مثل النورة والجص ويجوز التيمم بأرضهما وبنفس الجص دون النورة، والحجر
يجوز التيمم به إذا لم يقدر على التراب، والرمل في حكم الأرض والسبخة كذلك، فإن لم يجد
شيئا من ذلك نفض ثوبه أو لبد سرج دابته وتيمم بغبرته، فإن لم يكن معه شئ من ذلك
ووجد وحلا تيمم منه وضرب بيديه عليه، وقد أطلق الشيوخ رحمهم الله تعالى ذلك على
الإطلاق، والذي تحقق لي منه أنه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه عليها حتى
ييبس ثم ينفض عن اليد ويتيمم به، فإن لم يجد شيئا من ذلك ووجد الثلج وضع يديه عليه
باعتماد حتى تتنديا ويمسح الوجه واليدين على ترتيب الوضوء مثل الدهن ويمسح الرأس
والرجلين ويمسح جميع البدن إن كان عليه غسل، وإن لم يجد شيئا من ذلك أخر الصلاة إلى
أن يجد.
وأما النبات، فلا يجوز التيمم به بوجه، وإن كان مسحوقا مثل الأشنان، سواء كان
مختلطا بالتراب أو لم يكن. وحكم النورة،، والكحل والزرنيخ كذلك.
وأما كيفية التيمم فيشتمل على واجب وندب. والواجب على فعل وكيفية. فالواجب
خمسة وهي: النية وضرب اليدين على الأرض ومسح الوجه واليد اليمنى واليسرى.
والكيفية عشرة أشياء وهي: مقارنة النية لمسح الوجه، والقصد بها إلى استباحة
الصلاة، دون رفع الحدث، وإلى أن تيممه بدل من الوضوء، أو من الغسل، ومسح الوجه
من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف، ومسح ظهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف
الأصابع ببطن الكف اليسرى، ومسح ظهر الكف اليسرى ببطن الكف اليمنى كذلك،
والترتيب: وهو البدأة بالوجه، ثم باليمنى من اليدين، ثم باليسرى.
والندب ثلاثة أشياء: تفريج الأصابع - إذا ضرب يديه على الأرض - ونفض اليدين
بعده، والتيمم من عوالي الأرض. ولا فرق بين الوضوء والغسل إلا في شئ واحد: وهو أن
يضرب يديه على الأرض مرة للوضوء، ومرتين للغسل. ونواقض التيمم، نواقض الوضوء،
ويبطل حكمه بوجدان الماء، والتمكن من الاستعمال.
413

فصل: في بيان أحكام المياه:
الماء كله طهور ما بقي على أصل خلقته وينقسم عشرة أقسام: جار وما هو في حكمه،
وواقف مثل ماء المصانع وما هو في حكمها من الغدران والقلبان، وماء الأواني والحياض
والماء المستعمل وماء الآبار والماء المضاف والماء النجس والأسآر.
فالماء الجاري طاهر مطهر ولا ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه إلا باستيلائها على أحد
أوصافه من اللون والطعم والرائحة، ويمكن تطهيره بإكثار الماء إلى حد يزيل حكم
الاستيلاء.
وما يكون في حكم الجاري هو ماء الحمام ما دامت له مادة من المجرى، فإذا انقطعت
المادة ارتفع عنه هذا الحكم، وحكم الماء الجاري من الشعب من ماء المطر كذلك.
وماء المصانع لم يخل: إما أن يبلغ مقدار كر فصاعدا أو لم يبلغ، فإن بلغ لم ينجس
بوقوع النجاسة فيه وإنما ينجس إذا غلبت النجاسة على أحد أوصافه، وإذا لم يبلغ كرا
نجس بوقوع كل نجاسة فيه، وبمباشرة كل نجس العين مثل الكلب والخنزير وسائر
المسوخ، وكل نجس الحكم مثل الكافر والناصب، وبارتماس الجنب فيه، ولا ينجس بولوغ
السباع والبهائم والحشار فيه سوى الوزع والعقرب، وبولوغ الطير فيه سوى ما يأكل
الجيف أو ما يكون في منقاره أثر دم.
وإذا بلغ كرا فصاعدا ونجس أمكن أيضا تطهيره بإكثاره بالماء الطاهر إلى حد يزيل
حكم الاستيلاء، وإذا لم يبلغ كرا ونجس أمكن أيضا تطهيره بإكثاره بالماء الطاهر حتى
يبلغ كرا فصاعدا إن لم يتغير أحد أوصافه حتى يزول التغيير إن استولت عليه، وحد
الكر ما بلغ ألفا ومائتي رطل بالعراقي وقيل بالمدني، أو كان في موضع يكون طوله ثلاثة
أشبار ونصفا طولا، في مثله عرضا في مثله عمقا.
وأما مياه الأواني والحياض فضربان: إما بلغ كرا أو لم يبلغ، حكمه ما ذكرناه إلا في موضع
واحد وهو أنه لا يمكن تطهيره إلا باخراجه من موضعه وبغسل الموضع لأن غسل الحياض
والأواني غير متعذر، وغسل المصانع والغدران والقلبان متعذر فخفف فيه.
وأما الماء المستعمل فثلاثة أضرب: مستعمل في الطهارة الصغرى، ومستعمل في
414

الطهارة الكبرى من غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس، ومستعمل في إزالة
النجاسة. فالأول يجوز استعماله ثانيا في رفع الحدث وفي إزالة النجاسة، والثاني والثالث
لا يجوز ذلك فيهما إلا بعد أن يبلغ كرا فصاعدا بالماء الطاهر.
وأما ماء الآبار فإنه لا يعتبر فيه الكر وينجس بوقوع كل نجاسة فيه قل الماء أم كثر،
والنجاسة الواقعة فيها ثلاثة أضرب: أحدها يوجب نزح جميعه على كل حال مع الإمكان
أو تناوب أربعة رجال على نزحه من الغدوة إلى العشية إذا لم يمكن، وثانيها يوجب نزح
الجميع في بعض الأحوال ونزح البعض أخرى، وثالثها يوجب نزح البعض.
فالأول: يلزم حكمه بعشرة أشياء: بوقوع الخمر فيه، وكل مسكر، والفقاع، والمني، ودم
الحيض، والاستحاضة، والنفاس، والبعير إذا مات فيه، وبكل حيوان كان في قدر جسمه
أو أكبر - وصغاره في حكم الكبار -، وبكل نجاسة غلبت على أحد أوصافه. وروى بعض
الأصحاب: أن عرق الإبل الجلالة والجنب من الحرام كذلك.
والثاني: كل نجاسة توجب اخراج قدر معين من الماء فنقص الماء عن ذلك القدر أو لم
ينقص عنه ولم يزد عليه.
والثالث: تسعة أضرب: إما يوجب نزح كر من الماء، أو نزح سبعين دلوا، أو خمسين،
أو أربعين، أو عشر أدل، أو سبعا، أو خمسا، أو ثلاثا، أو واحدة.
فالأول أربعة أشياء: موت الدابة والحمار والبقرة أو ما هو في قدر جسمها فيه وصغارها
في حكم كبارها. والثاني شئ واحد وهو موت الانسان فيه. والثالث شيئان: العذرة الرطبة
والدم الكثير سوى ما ذكرناه مما يوجب نزح الجميع. والرابع عشرة أشياء: كل نجاسة لم يرد
بنزح الماء لها نص، وموت الكلب، والخنزير، والثعلب، والأرنب، والسنور، والشاة،
والغزال، وكل حيوان يكون في قدر جسم أحدها، وبول الانسان البالغ. والخامس شيئان:
العذرة اليابسة، والدم القليل. والسادس سبعة أشياء: وقوع الكلب فيه من غير موت،
وموت الفأرة فيه إذا تفسخت أو انتفخت، والحمام، والدجاج، وما كان في قدر جسمهما،
وبول الصبي، وارتماس الجنب فيه، ولا يطهر الجنب بذلك. والسابع شئ واحد: وهو ذرق
الدجاج. والثامن أربعة أشياء: موت الحية، والوزغة، والفأرة فيه إذا لم تتفسخ ولم تنتفخ،
415

وبول الصبي إذا أكل الطعام ثلاثة أيام. والتاسع ثلاثة أشياء: موت العصفور، وما كان في
قدر جسمه، وبول الصبي إذا لم يطعم.
وإنما يجب النزح بعد اخراج النجاسة عنه ما لم تستحل، والدلو دلو العادة وماء الأخيرة
نجس، وإن سقط أو رش منها شئ في البئر لم يوجب حكما، وإن حفر بئر بقرب بالوعة جعل
بينهما سبع أذرع فصاعدا إن كانت البئر تحت البالوعة وكانت الأرض سهلة، وخمس أذرع
فصاعدا إن كانت البئر فوق البالوعة أو كانت الأرض صلبة وإن لم يكن فوقها.
وأما الماء المضاف فثلاثة أضرب: إما استخرج من جسم مثل ماء الورد والخلاف
والآس وأشباهها، أو كان مرقا، أو وقع فيه شئ. فالأول والثاني لا يجوز استعمالهما في إزالة
النجاسات ولا في رفع الأحداث ويجوز فيما سوى ذلك، والثالث إن سلبه إطلاق الماء لم يجز
استعماله في الأمرين وجاز فيما سواهما، وإن لم يسلبه جاز على كل حال ما لم ينجس.
وأما الماء النجس فلا يجوز استعماله بحال إلا إبقاء على النفس حالة الضرورة فإنه
يجوز شربه ويجوز رفع حكم النجاسة عنه بالتطهير على ما ذكرنا.
وأما الأسآر فثلاثة أضرب: مباح مطلق ومحظور نجس ومكروه. فسؤر كل شئ طاهر
طاهر ما لم يكن في فمه نجاسة، وسؤر كل شئ نجس نجس، وسؤر كل شئ يكره لحمه
يكره استعماله، وسؤر السباع - غير الكلب والخنزير - وسؤر الحائض المتهمة. وإذا وقع في
الإناء حية أو وزغة وخرجت حية كره استعمال ذلك الماء، وإذا اجتمعت المياه النجسة حتى
صارت كرا لم يرتفع حكم النجاسة عنها، وإن اجتمع النجس والطاهر ارتفع، والأولى تجنبه
ولا يجوز استعمال أمثال ذلك مع وجود المياه المتيقن طهارتها.
فصل: في بيان أحكام النجاسات ووجوب إزالتها عن الثياب والبدن:
النجاسة ضربان: دم وغير دم.
فالدم ثلاثة أضرب: إما تجب إزالته قليلا كان أو كثيرا أو تستحب أو تجب إزالة كثيره
وتستحب إزالة القليل. فالأول خمسة أضرب: دم الحيض والاستحاضة والنفاس والكلب
والخنزير. والثاني أيضا خمسة أضرب: دم البق والبراغيث والسمك والجراح اللازمة
416

والقروح الدامية. والثالث سوى ما ذكرناه من سائر الدماء فإنه يجب إزالة ما بلغ مقدار
درهم فصاعدا في موضع واحد أو في مواضع متفرقة وهو الكثير، ويستحب إزالة ما نقص
عن ذلك وهو القليل.
وغير الدم ضربان: إما يجب إزالة قليله وكثيره، أو يستحب. فما يجب إزالة قليله
وكثيره أربعة أضرب: أحدها: يجب غسل ما مسه إن كانا رطبين أو كان أحدهما رطبا،
والثاني: يجب رش الموضع الذي مسه يابسا بالماء إن كان ثوبا، والثالث: يجب مسحه
بالتراب إن مسه البدن يابسين، والرابع: يجب غسل ما أصابه بالماء على كل حال.
فالأول والثاني والثالث تسعة أشياء: الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة
والوزغة وجسد الذمي والكافر والناصب فإنه يجب غسل الموضع الذي مسه رطبا بالماء
ثوبا كان أو بدنا ورشه بالماء إن مس الثوب يابسين ومسحه بالتراب إن مس البدن يابسين.
والرابع أحد وعشرون شيئا: بول الآدمي، وغائطه، والمني من جميع الحيوانات، وبول
ما لا يؤكل لحمه من جميع الحيوانات، وروثه، وذرقه، وذرق الدجاج، والخمر، وكل شراب
مسكر، والفقاع، ولعاب الكافر، والناصب، والكلب، والخنزير، والمسوخ، وجسد الميت من الناس
بعد البرد بالموت وقبل التطهير بالغسل، وكل قطعة منه، وكل ما أبين من الحي،
وجسد الميت من غير الآدمي - إلا ما ليس له نفس سائلة، سوى الوزع، والعقرب -، وعرق
الجنب من الحرام على أحد القولين، ولبن الصبية.
والنجاسة مرئية وغير مرئية. فالمرئية يجب إزالتها ولو كانت مقدار رأس إبرة، وغير
المرئية إذا علم أو غلب على الظن فكذلك.
وما تستحب إزالته فاثنا عشر شيئا وهي: بول الدابة، والبغال، والحمير - وروي
وجوب ذلك -، وأرواثها، وذرق غير الجلال من الدجاج على رواية، وبول ما يؤكل لحمه،
وعرق الجنب من غير حرام، وعرق الحائض، والمذي، والوذي وطين الطريق بعد ثلاثة أيام
ما لم تغلب النجاسة عليه. والقئ ما لم يأكل شيئا نجسا، وبول الصبي قبل أن يطعم. وإنما
يجب صب الماء على بول الصبي، وغسله مستحب.
417

فصل: في بيان أحكام التطهير:
ما يلزم تطهيره للمكلف خمسة أشياء: بدنه وثوبه وخفه وسلاحه وإناؤه.
فأما تطهير البدن من النجاسة إذا وجد الماء وكانت النجاسة مرئية أن يغسله ويدلك
الموضع الذي أصابته حتى يزيل العين والأثر، وإن لم يجد الماء أن يتتبع أثرها حتى يزيل عينها
بالخرق أو بالأحجار، وإن لم تكن مرئية - وكان من مس الحيوانات التي ذكرناها رطبة - صب
عليها الماء وغسلها أي المواضع التي أصابتها، وإن كانت يابسة مسحها بالتراب، وإن
اشتبه عليه الموضع من جميع البدن غسل الجميع إذا وجب الغسل، ومسح بالتراب إذا لزم
المسح. وإن كان من غير مس ما ذكرناه وعلم الموضع الذي أصابه غسله ودلكه وإن اشتبه
عليه الموضع من أحد جانبيه غسل جميع ذلك الجانب. وإن اشتبه عليه من جميع البدن
غسل الجميع.
وأما الثوب: فيجب غسله بالماء إن كانت النجاسة مرئية حتى تزول العين والأثر، فإن لم
يذهب أثرها وكان ذلك من دم الحيض والاستحاضة والنفاس صبغ موضع الأثر ببعض
الأصباغ ولزم عصره إذا غسله، وإن كانت غير مرئية غسله وعصره، فإن اشتبه عليه
الموضع كان حكمه مثل ما ذكرناه في البدن، وإن لم يجد الماء ترك حتى يجد وصلى عاريا على
ما سنذكر إن شاء الله تعالى، وإن مسته الحيوانات التي ذكرناها يابسة رش الموضع بالماء،
فإن اشتبه الموضع كان حكمه على ما ذكرنا.
وأما الخف: فإن كانت النجاسة أصابت داخله فكان الحكم فيه مثل حكم البدن، وإن
أصابت خارجه جاز فيه مسحه بالتراب حتى يزول عينها، وإن غسلها كان أفضل.
وأما السلاح: فحكمه حكم الخف. وأما ما يجلس عليه: فإن كان فرشا وكانت النجاسة يابسة بحيث لا تتعدى إليه لم
يكن بالوقوف عليه بأس والتنزه عنه أفضل، وإن كانت رطبة لم يجز الوقوف عليه حتى يغسل
مثل الثوب، وإن كان حصيرا وكانت النجاسة رطبة وجب غسله بصب الماء عليه ودلكه
حتى تزول، وإن كانت يابسة جاز الوقوف عليه على ما ذكرنا إذا كانت مرئية دون السجود،
وإن كانت غير مرئية وإصابته نجاسة مائعة وكانت رطبة غسله، وإن كانت يابسة
418

وجففتها الشمس جاز الوقوف عليه والسجود إذا كانت الجبهة يابسة، وإن جففها غير
الشمس جاز الوقوف عليه دون السجود. وإن كان أرضا وكانت النجاسة مرئية رطبة لم يجز
الوقوف عليه حتى تزال، وإن كانت يابسة فحكمه على ما ذكرنا، وإن كانت النجاسة مائعة
رطبة كانت أو يابسة - بالشمس أو بغيرها - فحكمه على ما ذكرنا.
وأما الإناء فإن مسه أحد الحيوانات التي ذكرناها يابسين رش بالماء، وإن وقع فيه شئ
من الحيوان ومات وفيه الماء أو ولغ فيه أو وقع فيه نجاسة نجس الماء ووجب إهراقه وغسله
- إلا من موت ما ليس له نفس سائلة، سوى الوزع والعقرب - سبع مرات أو ثلاثا إحداهن
بالتراب أو ثلاثا من غير اعتبار التراب أو مرة واحدة.
فالأول يلزم من شيئين: وقوع الخمر وموت الفأرة فيه، والثاني من شئ واحد وهو
ولوع الكلب فيه فإنه يجب غسلها ثلاث مرات إحداهن بالتراب وروي وسطاهن،
والثالث يجب غسله ثلاث مرات من وقوع كل نجاسة فيه وموت كل حيوان على ما ذكرنا،
والرابع يجب من مباشرة تسعة أشياء دون ولوغها فيه وهي الحيوانات التي ذكرناها.
419

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
420

كتاب الطهارة
الطهارة إما بالماء أو بالتراب، فالتي بالماء الوضوء والغسل، والتي بالتراب التيمم
فصل:
الماء كله طاهر ما لم تحصل فيه نجاسة، والطاهر قد يكون غير مطهر كما استخرج
من جسم أو اعتصر منه والمرقة وغير ذلك مما لا يطلق عليه اسم الماء، ومطهر الماء ما عدا
ذلك وهو إما راكد أو جار، والجاري إذا خالطه نجاسة غيرت لونه أو طعمه أو رائحته فهو
نجس لا يطهر إلا بزوال ذلك التغير بتكثير الماء، وماء المطر الجاري من الميزاب وإن
خالطه نجاسة وماء الحمام مع المادة كالجاري كلاهما، والراكد إما أن يكون في بئر له نبع أو
لا يكون كذلك، فماء البئر ينجس بما يقع فيه من النجاسة قليلا كان أو كثيرا، ثم إن تغير
إحدى صفاته بالنجاسة نزح إلى أن يزول ذلك التغير [إن تعذر نزح الكل] وإن لم يتغير
نزح الكل إذا وقع فيها مسكر أو فقاع أو مني أو دم حيض أو استحاضة أو نفاس أو مات
فيها بعير، فإن تعذر نزح الكل تناوب في نزحه أربعة رجال من الغداة إلى الرواح، وإن
مات فيها حمار أو بقرة أو دابة أو ما هو في قدر جسمها نزح منه كر، وإن مات فيها انسان
كبير أو صغير نزح سبعون دلوا، وإن وقع فيها دم كثير أو عذرة رطبة نزح خمسون دلوا، وإن
423

مات فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو سنور أو شاة أو غزال أو ما أشبهها أو بال
فيها رجل أو امرأة أو وقع فيها ماء نجس فأربعون دلوا، وإن وقع فيها دم قليل أو عذرة
يابسة فعشرة دلاء، وإن وقع فيها كلب وخرج حيا أو مات فيها حمامة أو دجاجة وما أشبهها
أو فأرة تفسخت فيها أو وزغة ماتت فيها وتفسخت أو بال فيها صبي أو ارتمس جنب فسبع
دلاء، وإن وقع فيها ذرق الدجاج فخمس دلاء، وإن مات فيها فأرة ولم تتفسخ أو حية أو
وزغة أو عقرب فثلاث دلاء، وإن مات فيها عصفور وما أشبهه أو بال فيها رضيع لم يأكل
الطعام فدلو واحد، والاعتبار بالدلو المعتادة، والأولى أن تكون بين البئر والبالوعة سبع
أذرع إذا كانت البئر تحتها أو الأرض رخوة، وإن كانت في الصلبة أو فوقها مما يكون نبع
الماء من جهته فخمسة أذرع، وكل نجاسة لم يرد في النزح منها نص وجب نزح الجميع من
ذلك احتياطا.
وأما ماء غير البئر، فإن كان كرا فحكمه حكم الماء الجاري، والكر ما يكون ثلاثة
أشبار ونصفا طولا وعرضا وعمقا، أو ألفا ومائتي رطل بالعراقي، وقيل: بالمدني، فإن
تغير بالنجاسة بحيث يسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله، وإن نقص عن كر نجس بما
يقع فيه من النجاسة قليلة كانت أو كثيرة إلا ما تعذر التحرز منه كرؤوس الإبر من الدم
وغيره فإنه معفو عنه، فإن تمم كرا بطاهر أزال التغير طهر، وكذلك إن كان الكر النجس في
موضعين فجمع بينهما مع فقد التغير، وقيل: لا يطهر في المسألتين بذلك بل إنما يطهر بطريان
كر طاهر عليه إن زال به التغير، وإن لم يزل فبزيادته إلى أن يزول.
إذا جمع بين طاهر غير مطهر ومطهر فالحكم للأغلب فإن تساويا، قيل: يطهر لأن
الأصل الإباحة، وقيل: لا يطهر بدليل الاحتياط [وفقد إطلاق اسم الماء]، وقيل: يطهر إن
أطلق اسم الماء.
وسؤر الكلب والخنزير والكافر ومن في حكمه وجلال الطيور والبهائم وما في منقاره
أثر دم أو يأكل الميتة من الطيور كل ذلك نجس وسؤر الحائض المتهمة والدجاج غير
الجلال والبغال والحمير مكروه، وما استعمل في غسل الجنابة والحيض يجوز استعماله إذا لم
يكن بها نجاسة إلا في رفع الحدث به خاصة وما استعمل في إزالة النجاسة نجس.
424

ويكره الطهارة بالمشمس، ولا يجوز الطهارة بالمائع غير الماء ولا إزالة النجاسة
وقيل: يجوز إزالة النجاسة والمعول على الأول، ويكره استعمال ماء مات فيه الوزغة والعقرب
من الماء القليل. ولا يجزئ الطهارة بالماء المغصوب.
الماء النجس لا يجوز استعماله إلا في الشرب عند الخوف من الهلاك.
لو شك في الماء أ هو طاهر أو نجس لم يلتفت إلى الشك إذ الأصل الطهارة.
اشتبه إناء إن أحدهما طاهر ماؤه والآخر نجس لم يجز استعمالهما وإن كان أحدهما
طاهرا غير مطهر والآخر مطهرا استعملهما معا، وإن أخبره رجلان بتعيين ذلك لم يجب عليه
القبول لفقد الدليل، وقيل: يجوز قبول قول عدلين في ذلك.
يجب غسل الإناء من النجاسة، ثلاث مرات بالمطلق وروي مرة واحدة، والأول
أحوط، ومن الخمر والمسكر وموت الفأرة سبع مرات، ومن ولوع الكلب والخنزير ثلاث
مرات أولهن بالتراب إن وجد.
إذا غسل مرة أو مرتين فوقع فيه نجاسة أخرى استؤنف الغسل ثلاثا ولا يعتد
بالسالف، وقيل: لا يستأنف.
ما كان قرعا أو خشبا من إناء الخمر لا يطهر بالغسل، وقيل: إن النهي عن
استعمال ذلك محمول على الكراهية دون الحظر.
لا يجوز الاستقاء للطهارة بالدلو المأخوذة من جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي.
فصل:
مقدمة الوضوء ضربان: مفروض ومسنون،
فالمفروض: ترك استقبال القبلة واستدبارها في حال البول والغائط، إلا في موضع
لا يمكن الانحراف، وغسل مخرج النجو أو مسحه بالحجر حتى ينقي إن لم يتعد النجاسة
موضعها، أو بما يزيل العين كالحجر والمدر والخرق إن كان طاهرا، وغسل مخرج البول بالماء
لا غير وأقله مثلا ما عليه وعند ضرورة حرج وفقد ماء ينشفه بالمدر والخرق، ولا يستنج مع
الاختيار إلا باليسار ولا يستنج بالروث ولا بما لا يزيل العين كالعظم والحديد، ولا استعمال
425

الأحجار التي استعملت في الاستنجاء.
والمسنون: التستر عن الناس عند الحاجة وتقديم الرجل اليسرى عند دخول
الخلاء، واليمنى عند الخروج، والتسمية والتعوذ من الشيطان عند دخول الخلاء، وتغطية
الرأس، وترك استقبال القمرين بالحدثين، والريح بالبول، والتجنب عندهما من أفنية
الدور ومواضع اللعن والشوارع والمشارع، وفئ النزال، ومسقط الثمار، وحيث يتأذى
المسلمون بنجاسته فيه، والمياه الجارية والراكدة، ولا يبول في جحرة الحيوان، ولا في الأرض
الصلبة، ويقعد على أرض مرتفعة عند البول، ولا يطمح ببوله في الهواء، ولا يستنج وفي
إصبعه خاتم نقش فصه اسم الله تعالى أو أسماء خيرته من بريته، أو فصه حجر له حرمة
كحجر زمزم، ولا يقرأ القرآن حال الغائط إلا آية الكرسي، ولا يأكل ولا يشرب ولا يستاك
ولا يتكلم مختارا، ويدعو بالأدعية المشهورة، وإذا بال مسح من عند المقعد إلى أصل
القضيب ثلاثا وينتر القضيب ثلاثا، ولا يضره ما رأى بعده من البلل، وإن لم يفعل ذلك
ورأى بللا بعد الوضوء انتقض، وأن يجمع بين الحجر والماء وأن يستعمل ثلاثة أحجار وإن
نقى بواحد.
فصل:
الوضوء إما واجب وهو ما تستباح به الصلاة أو الطواف بالبيت، وإما ندب كما
يقصد به مس المصحف أو كتابته، أو الدخول إلى موضع شريف، أو للنوم، أو لما ندب إليه
من الكون على الطهارة، ثم هو يشتمل على واجب وندب،
فالواجب: أن ينوي به رفع الحدث واستباحة الصلاة، أو الطواف متقربا إلى الله
تعالى، وإن نوى استباحة صلاة بعينها جاز أن يستبيح به سائر الصلوات نفلا كان أو
فرضا، وأن لا ينتقل من تلك النية إلى نية ترفع حكمها وينافيها، ويتعين وجوبها عند غسل.
الوجه، وهي بالقلب لا علقة لها باللسان، وأن يغسل وجهه بكف من الماء من قصاص
شعر الرأس إلى محادر الذقن طولا في عرض ما دارت عليه الإبهام والوسطى، فإن غسل
من المحادر إلى القصاص لا يجزئه لأنه خلاف المأمور به، وقيل: يجزئه لأنه يكون غاسلا
426

ويغسل بكف أخرى يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع، وإن ابتدأ من رؤوس
الأصابع إلى المرفق لا يجزئه، وقيل: يجزئه لأنه غاسل ويغسل المرفق أيضا ثم يغسل يسراه
كذلك، ومقطوع اليد دون المرفق يغسل ما بقي وفوق المرفق لا غسل، والزائد من اليد
والإصبع دون المرفق يجب غسله وفوقه لا يجب، وأن يمسح ببقية النداوة رأسه ولا يستأنف
للمسح ماءا جديدا، فإن لم يبق نداوة أخذ من أشفار عينيه وحاجبيه ولحيته، فإن لم يكن
استأنف الوضوء، ولا يمسح إلا مقدم الرأس مقدار ما يقع عليه اسم المسح، ولا يستقبل
شعر الرأس فإن خالف أجزأه لأنه ماسح، وقيل: لا يجزئه، ويجوز أن يمسح على شعر رأسه
ويمسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وإن عكس جاز، والكعب العظم الناتئ في وسط
القدم عند معقد الشراك، ومقطوع الرجل إلى الكعبين لا يلزمه مسح، ولا يجوز المسح على حائل
بين العضو والمسح لا في الرأس ولا في الرجل مختارا، وأقل ما يجزئ من الماء في الوضوء ما
يكون به غاسلا ولو كالدهن بشرط أن يجري على العضو، والإسباغ في مد من الماء، وأن يبدأ
بغسل الوجه ثم اليد اليمنى ثم باليسرى ثم يمسح الرأس ثم يمسح الرجلين، ولا يجب
الترتيب في الرجلين، وقيل: يقدم اليمنى على اليسرى، وأن لا يؤخر غسل عضو
من عضو إلى أن يجف ما تقدم مع اعتدال الهواء، وأن يوصل الماء إلى ما تحت الخاتم ونحوه، ويمسح
على خرقة الجرح والجبائر إن تعذر نزعها وإن أمكنه وضع ذلك العضو في الماء وضعه، ولا
يمسح عليها ولا يوضئه غيره مختارا.
وأما الندب فإن يغسل يده من النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين قبل إدخالهما
الإناء، ويتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا بغرفة أو غرفتين أو ثلاث، وأن يغسل وجهه ويديه
[ثانيا وقيل: الغسلة الثانية بدعة وما عليه معول]، ويبتدئ الرجل في الغسلة الأولى
بظاهر يديه وفي الثانية بباطنها والمرأة بالعكس، وأن يمسح الرأس بمقدار ثلاث أصابع
مضمومة، وأن تضع المرأة قناعها لمسح الرأس في المغرب والغداة خاصة، ويمسح الرجل
بكفه كلها، وأن يقدم الاستنجاء على الوضوء ولا يستعين بغيره بصب الماء عليه، ولا
يتمندل، ويأتي في خلال ذلك بالأدعية المشهورة.
من تيقن الحدث وشك في الوضوء أو تيقنهما معا ولم يدر أيهما سبق، أو شك في الوضوء
427

وهو على حاله، أو ترك عضوا من أعضاء الطهارة متعمدا أو ناسيا إلى أن لم تبق معه نداوة،
أعاد في جميع ذلك الوضوء والصلاة إن صلاها، وكذلك من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا،
ومن شك في بعض أعضاء الوضوء وهو على حاله أعاد عليه وعلى ما بعده، ومن ترك
الاستنجاء أو الاستبراء متعمدا أو ناسيا وصلى أعاد ذلك مع الصلاة دون الوضوء، ومن
توضأ وصلى الظهر ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر ثم ذكر أنه أحدث عقيب إحدى
الطهارتين قبل أن صلى، أو ذكر أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة ولا يدري من أي
الطهارتين كان وقد أحدث فيما بينهما، أعاد الوضوء والصلاتين في المسألتين لأنه ما أدى
واحدة منهما بيقين، ومن توضأ لكل صلاة من الخمس وضوءا على حدة ثم ذكر أنه أحدث
عقيب واحدة من هذه الطهارات لا غير ولا يدري ما هي، توضأ وأعاد الصلوات كلها لأنه
لا يقطع على أنه صلى واحدة منها بيقين، فإن لم يحدث عقيب واحدة إلا أنه ذكر أنه ترك
عضوا من أعضاء طهارة لا يتعين له، أعاد الصلاة الأولى لا غير لأن المشكوك هي الأولى
تعلق الشك بها أو لا.
فصل:
ما ينقض الطهارة على ثلاثة أضرب:
ضرب ينقضها ويوجب الوضوء لا غير، وهو البول والغائط والريح والنوم الغالب
على السمع والبصر، وكل ما يزيل العقل والتمييز من الإغماء والجنون والسكر وغيرها.
وضرب ينقضها ويوجب الغسل، وهو خروج المني على كل حال، والتقاء الختانين،
والحيض والنفاس، ومس الميت من الناس بعد البرد بالموت قبل الغسل، ومس قطعة
قطعت من حي أو ميت من الناس وفيها عظم.
وضرب ينقضها ويوجب الوضوء في حال والغسل في أخرى، وهو دم الاستحاضة
وما يخرج من الجوف من بول أو غائط إن كان دون المعدة بنقض الطهارة، وإن كان فوقها
فلا ينقض، ولا ناقض سوى ذلك.
428

فصل:
الغسل: إما واجب كما لاستباحة الصلاة أو الطواف، أو لدخول المساجد، أو
مس كتابة المصحف أو اسم من أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه وحججه عليهم
السلام، وإما ندب كما سيأتي، ومن الواجب تغسيل الميت من الناس وغسل من مسه،
وقيل: إنه ندب والأشهر الأول.
فصل:
الجنابة تكون بشيئين: بإنزال الماء الدافق، وبالجماع في الفرج وإن لم ينزل، وحد
الجماع التقاء الختانين وغيبوبة الحشفة، ويجب (الغسل) على الرجل والمرأة بأحد هذين
أعني الجماع المذكور وخروج المني، والجماع في الدبر من غير إنزال هل يوجب الغسل
عليهما؟ فيه روايتان، وإن أولج في فرج بهيمة ولم ينزل يجب الغسل احتياطا، وقيل: لا
يجب لفقد الدليل، والأصل براءة الذمة.
من وجد في ثوبه منيا ولم يعلم متى خرج، فإن كان الثوب يستعمله هو وغيره لا
يجب عليه الغسل وإن كان فعله أولى احتياطا، وإن لم يستعمله غيره اغتسل وجوبا ويعيد
كل صلاة صلاها فيه من آخر نومه نام فيه إن لم يغتسل بعدها بما يرفع الحدث، وقيل: (لا
إعادة) لفقد الدليل، ويغسل الثوب ويعيد كل صلاة لم يخرج وقتها.
يحرم على الجنب خمسة أشياء: قراءة العزائم، وهي الم تنزيل وحم السجدة والنجم
واقرأ، ومس كتابة المصحف وشئ عليه اسم الله أو نبي أو وصي أو إمام، ودخول المساجد
إلا عابر سبيل ووضع شئ فيها، ويكره له الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق،
والنوم إلا بعد الوضوء والخضاب.
ويجب الاستبراء بالبول والاجتهاد عند الغسل على الرجل، فإن لم يفعل ورأى
بللا بعد الغسل أعاد، ويغسل يديه إن نجستا وجوبا وإلا فاستحبابا ثلاثة، ويتمضمض
ويستنشق ثلاثا ثلاثا ندبا، وينوي رفع الحدث واستباحة ما يستبيح به من القرب متقربا إلى
الله تعالى أعني رضاه وثوابه واجبا، ويقرن النية بحال غسل الرأس أو غسل اليدين،
429

ويجب استدامة حكم النية إلى حين الفراع عن الغسل بأن لا ينتقل منها إلى نية تنافيها،
فإن فعل ذلك في خلال الغسل ثم تممه لم يرتفع حكم حدثه لنقضه النية، فإن عاد إلى النية
بنى على ما غسل سواء جف ما سبق أولا إذ الموالاة غير واجبة في الغسل، وإن نوى مع رفع
الحدث التبرد جاز لأنهما لا يتنافيان، ثم يغسل رأسه، ثم ميامنه، ثم مياسره بحيث يصل
الماء إلى أصول الشعر وظاهر جميع البدن، والترتيب المذكور فيه واجب لا يجزئ فيه خلافه،
وإن غسل رأسه بكرة وجسده ظهرا جاز ما لم يحدث ناقضا للوضوء، فإن أحدث وجب
الاستئناف ولم يجز البناء وقيل: يبني ويتوضأ لاستباحة الصلاة، وهو اختيار المرتضى،
وأقل ما يجزئ من الماء في الغسل ما يجري على البدن ولو كالدهن، والإسباغ بتسعة أرطال،
ويسقط الترتيب بالارتماس في الماء والوقوف تحت المجرى أو المطر والغسل بذلك، وقيل:
يترتب حكما، وبمجرد غسل الجنابة خاصة تستباح الصلاة من غير وضوء،
وقران الوضوء مع الغسل بدعة.
فصل:
دم الحيض أسود حار، يحرم به ما يحرم على الجنب والصلاة والصوم والاعتكاف
والطواف بالبيت والجماع، ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم وقضاء الصوم دون
الصلاة، ويجب على زوجها إن وطأها حائضا متعمدا التعزير وعليها أيضا إن طاوعته،
وعلى الزوج بالوطئ في أول الحيض تصدق دينار وفي وسطه نصف وفي آخره ربع، وهل
ذلك واجب أو ندب؟ فيه روايتان، واختار الشيخ القول بالندبية، ويكره لها قراءة ما عدا
العزائم ومس المصحف وحمله والخضاب، ولا يصح منها الوضوء والغسل لرفع الحدث،
ولا يصح طلاقها.
ولا يكون الحيض قبل تسع سنين ولا بعد خمسين سنة، وروي أنه في القرشيات يمتد
إلى ستين، ولا يكون للحامل المستبين حملها، وأقل مدة الحيض ثلاثة أيام متواليات، وقيل:
ثلاثة في جملة العشرة، وأكثر ذلك عشرة وما بينهما بحسب عادة النساء، فأول ما ترى المرأة
الدم يجب أن تمتنع من الصوم والصلاة، فإن استمر بها ثلاثة أيام متواليات قطعت على
430

أنه دم حيض وإلا فلا، وقضت الصوم والصلاة، وعلى الرواية الأخرى إذا رأته في جملة
العشرة ثلاثة أيام لزم قضاء الصوم دون الصلاة، وأقل مدة الطهر بين الحيضتين عشرة
أيام ولا حد لكثيره.
والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وما بعد انقضاء أكثر أيام الحيض يكون
(دم الاستحاضة، وما بعد انقضاء أيام الطهر يكون) حيضا مستأنفا، والمبتدئة إذا اختلطت
أيامها كلما رأت الدم تركت الصوم والصلاة، وكلما طهرت صامت وصلت إلى أن تستقر
عادتها بتقضي شهرين أو ثلاثة ترى فيها الدم أياما معلومة أو أوقاتا معينة فتعتمد عليها.
ويتميز دم الحيض من دم العذرة بأن القطنة تخرج منغمسة بدم الحيض، و متطوقة
بدم العذرة، ودم القرح يخرج من جانب الأيمن ودم الحيض من الأيسر، ويتميز من دم
الاستحاضة بالصفة.
إذا انقطع الدم فيما دون العشرة ولم يتعلم أ هي بعد حائض أم لا، أدخلت القطنة
فإن خرجت وعليها دم وإن كان قليلا فهي بعد حائض، وإلا فلا، وتتوضأ الحائض في كل
وقت صلاة وتجلس في مصلاها مستقبلة القبلة ذاكرة لله تعالى مقدار الصلاة ندبا وإذا
طهرت جاز للزوج وطؤها قبل الغسل بعد غسل فرجها، وغسل الحيض كغسل الجنابة،
ولا يجوز به استباحة الصلاة من دون الوضوء، وقيل: يجوز والأول أشيع.
إذا دخل عليها وقت صلاة ومضى منه مقدار ما يمكنها أداؤها ولم تفعل ثم حاضت
يجب عليها قضاؤها، وإن طهرت في وقت الصلاة وأخذت في تأهب الغسل من غير توان
فخرج الوقت فلا قضاء عليها، وإن توانت وجب عليها القضاء، وإذا طهرت قبل تغيب
الشمس بمقدار ما تصلي فيه خمس ركعات تقضي الظهر والعصر ندبا، فإن أدركت مقدار
فرد ركعة إلى أربع لزمها العصر لا غير، وإذا طهرت بعد مغيب الشمس إلى نصف الليل
قضت العشائين وجوبا، وإذا طهرت إلى قبيل الفجر مقدار ما تصلي فيه أربع ركعات
تقضيهما ندبا، وإن لم تدرك أكثر من مقدار ثلاث ركعات أو أقل لم يلزمها سوى العشاء
الآخرة، وإذا طهرت قبل طلوع الشمس مقدار ما تصلي فيه ركعة تقضي الفجر وجوبا،
وإلا فلا.
431

إذا أصبحت صائمة ثم حاضت أفطرت وقضت، وإذا حاضت بعد العصر أو
كانت حائضا فطهرت خلال النهار أمسكت بقية النهار ندبا وقضت وجوبا.
فصل:
الغالب على الاستحاضة الرقة والبرودة والاصفرار، وعلى دم الحيض الغلظة
والحرارة والتدفق والحمرة المائلة إلى الاسوداد، وما زاد على أكثر أيام الحيض أو النفاس
وهو عشرة أيام فهو استحاضة وإن لم يكن بالصفة المذكورة.
وإذا استمر الدم بالمستحاضة المبتدئة فلها أربعة أحوال:
أولها: أن يتميز لها الدم بالصفة، فما رأته بصفة الحيض فحيض بشرط أن
لا يخرج من حديه، وما رأته بصفة الاستحاضة استحاضة، فإذا رأت المبتدئة ثلاثة أيام دم
الحيض وثلاثة أيام دم الاستحاضة وأربعة أيام كدرة كان الكل من الحيض، وإنما يحكم
بالطهر إذا جاوز العشرة، وأن رأت ثلاثة أيام دم الاستحاضة ثم ثلاثة دم الحيض ثم دم
الاستحاضة وجاوز العشرة فما هو بصفة دم الحيض حيض وما هو بصفة دم
الاستحاضة طهر، تقدم ذلك أو تأخر إذ ليست الثلاثة المتقدمة أولى بالإضافة إلى الحيض
من المتأخرة، فسقطا وعملت على التعيين فيما بصفة دم الحيض، وكذلك إن رأت دم
الاستحاضة خمسة ثم رأت باقي الشهر دم الحيض فأول ما رأته بصفة الحيض حيض إلى
تمام العشرة وما بعدها استحاضة، فإن استمر ذلك جعلت بعد الحيضة الأولى عشرة أيام طهر
وما بعدها استئناف حيضة ثانية وإن رأت ثلاثة عشر يوما دم الاستحاضة. ثم رأت الحيض
واستمر بها كان ثلاثة من الأول حيضا والعشرة طهرا وما بعدها حيضة ثانية.
وثانيها: أن لا يتميز لها وهو أن ترى الدم أقل من ثلاثة أيام دم الحيض وبعدها دم
الاستحاضة إلى آخر الشهر، فيجب أن ترجع إلى عادة نسائها من أهلها.
وثالثها: أن لا يكون لها نساء أو كن مختلفات العادة، فلترجع إلى لداتها من بلدها.
ورابعها: أن لا يكون لها لدات أو كن في العادة مختلفات، فلتترك الصلاة والصوم
في الشهر الأول ثلاثة أيام، وفي الثاني عشرة أيام، أو في كل شهر سبعة أيام مخيرة في ذلك.
أما المعتادة فعلى أربعة أقسام:
432

الأول: من لها عادة بلا تميز، مثال ذلك: أن جرت عادة حيضها في الخمسة الثانية
من الشهر فرأت الدم من أول الشهر واستمر بها تجعل ابتداء حيضها من الخمسة الثانية،
وإذا كانت عادتها خمسة أيام في كل شهر فرأت الدم قبلها أو بعدها بخمسة ولم تر فيها شيئا
كان حيضها قد تقدم أو تأخر، وإن اعتادت الدم في أول كل شهر خمسة فرأت ذلك في بعض
الشهور على العادة وطهرت عشرة أيام ثم رأت دما، فإن انقطع دون أكثر مدة الحيض كانت
حيضة ثانية، وإن استمر كذلك عملت على عادتها في الخمسة الأولى وجعلت الباقي استحاضة،
والثانية: من لها عادة وتميز كأن اعتادت الحيض من أول كل شهر خمسة أيام فرأت
في شهر عشرة أيام دم الحيض ثم رأت بعدها دم الاستحاضة واتصل يكون حيضها عشرة
أيام اعتبارا بالتميز وكذا إذا اعتادت ثلاثة أيام من كل شهر فرأت ستة أيام في أول الشهر
دما أحمر وأربعة أيام دما أسود واتصل أو اعتادت خمسة من أول الشهر فرأت في أول
الشهر ثلاثة أيام دما أحمر وثلاثة أسود وأربعة أحمر واتصل كان حيضها في المسألتين الدم
الأسود اعتبارا بالتميز وإن عملت في هذه المسائل على العادة دون التميز لقولهم عليهم
السلام: المستحاضة ترجع إلى عادتها ولم يفصلوه كان قويا
والثالثة: التي لها تميز ونسيت عادتها أو اختلطت عليها فيجب أن ترجع إلى صفة
الدم وتعمل على التميز.
والرابعة: التي لا تميز لها بصفة الدم وأطبق عليها الدم وقد نسيت عادتها فإنها
تترك الصلاة والصوم في كل شهر أياما مخيرة في أول الشهر أو وسطه أو آخره وللباقي حكم الاستحاضة.
وللمستحاضة ثلاثة أحوال:
أحدها: أن ترى دما لا يرشح على القطنة فعليها تجديد الوضوء عند كل صلاة
وتغيير القطنة والخرقة.
وثانيها: أن يرشح على الكرسف ولا يسيل فعليها غسل لصلاة الغداة وتجديد
الوضوء لكل صلاة مع تغير القطنة والخرقة.
وثالثها: أن يرشح ويسيل فعليها غسل للظهر والعصر، وغسل للعشاءين،
433

وغسل لصلاة الليل والفجر، تجمع بين كل صلاتين، فإذا فعلت ما ذكرناه من الغسل
وتجديد الوضوء لم يحرم عليها ما يحرم على الحائض، ويجوز لزوجها وطؤها، ولم يجب عليها
قضاء ما صامت في تلك الأيام، فإن لم تفعل ذلك وصلت وصامت فعليها القضاء ولا يجوز لها
أن تجمع بين الفرضين بوضوء واحد.
والاستحاضة حدث ينقض به الوضوء فإن كانت دمها متصلا فتوضأت ثم ينقطع قبل
الشروع في الصلاة استأنفت الوضوء لا محالة لا إذا انقطع في أثناء الصلاة، وإذا توضأت
قبل دخول الوقت وصلت في الوقت أو توضأت في الوقت وصلت في آخر الوقت لم يصح
وضوؤها ولا صلاتها لأن عليها أن تتوضأ وتصلي عقيبه بلا فصل.
فصل:
النفاس هو دم عقيب الولادة، ولا حد لقليله إذ من الجائز أن يكون لحظة ثم ينقطع،
فيجب على المرأة الغسل في الحال، ومتى ولدت ولم يخرج منها دم أصلا لم يتعلق بها حكم
النفاس، وأكثره عشرة، وقيل: ثمانية عشر يوما.
إذا ولدت ولدين وخرج معهما جميعا الدم كان أول النفاس من الولد الأول وآخره
يستوفى من وقت الولادة الآخرة ولاء إلى أكثر أيامه إن امتد خروجه ولم ينقطع قبل ذلك،
وإن رأت الدم ساعة ثم انقطع ثم عاد قبل انقضاء العشرة كان الكل نفاسا، وإن لم يعاودها
حتى تمضى عشرة أيام طهر كان ذلك من الحيض لا من النفاس، والحيض لا يتعقب النفاس
بلا طهر بينهما، وإذا رأت الدم بعد مضى الطهر عقيب النفاس أقل من ثلاثة لم يكن ذلك دم
حيض بل يكون ذلك دم فساد، وكل أحكام النفساء وأحكام الحائض سوى حد القليل.
فصل:
يجب غسل الموتى والقتلى وأبعاضهما إلا المقتول بين يدي الإمام أو نائبه المحمول
عن المعركة بلا رمق، وإن كان جنبا فإنه يدفن بما أصاب لباسه، إلا الخفين ففيهما قولان،
والكافر باغيا كان أو غيره، والمرجوم والمقتول قودا إلا أنهما يؤمران بالاغتسال والتحنط
434

والتكفن قبل الحد، والسقط الذي لم يبلغ أربعة أشهر فإنه يلف في خرقة ويدفن بدمه،
والرجل الذي مات بين نساء بلا رجل مسلم ولا محرم له فيهن يدفن بثيابه، وكذا المرأة
بين الرجال، وكل قطعة من ميت لم تكن موضع الصدر ولا فيها عظم، وكل مخالف لا تقية في
ترك غسله، ومن بجسده آفة تخاف من صب الماء عليه تقطعه فإنه ييمم، ومن لم يتمكن من
الماء في غسله، أو منع من غسله مانع برد أو غيره ولم يتمكن من إسخان الماء في غسله، أو منع
من غسله مانع من أصحاب الماء، والخنثى المشتبه إذا مات بعد البلوغ ييمم.
والفرض في الغسل أن يغسل ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة، وكيفيته:
مستور العورة، أولها بماء السدر والثاني بماء جلال الكافور والثالث بالماء القراح، وقيل:
الواجب تغسيله مرة بماء القراح.
وأن يعقد الغاسل الميت نيته ويكون توجيهه إلى القبلة في حال الغسل ووقوف
الغاسل على جانب يمينه، وغمز بطنه في الغسلتين الأوليين، والذكر والاستغفار عند
الغسل، وأن يجعل لمصب الماء حفيرة يدخل فيها، وأن يغسل تحت سقف، وينبغي أن
يغسله أولى الناس به، وأن يوضع على ساجة أو سرير مستقبل القبلة، فتجعل باطن قدمي
الميت إليها على وجه لو جلس لكان مستقبل القبلة، ولا يسخن الماء لغسله إلا لبرد شديد،
ويفتق جيب قميصه وينزع من تحته ويترك على عورته ما يستره، ويلين أصابعه إن أمكن،
ويلف الغاسل على يده اليسرى خرقة نظيفة ويغسل فرجه أولا بماء السدر والحرض
ثلاثا، ويغسل رأسه بالسدر والخطمي، ويغسله برفق يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر
وهكذا في البدن، ويصب الماء عليه من قرنه إلى قدمه متواليا، في كل غسلة يبدأ بغسل
فرجه ثلاثا، وقيل: يغسله بكل واحد من المياه الثلاث ثلاث غسلات، والغاسل يغسل
بعد كل غسلة يديه إلى المرفقين، والإجانة بماء القراح، ولا يركب الميت في حال غسله
ولا يقعده، وقد روي أنه يوضئه قبل الغسل، وروي أنه لا يوضئه وعلى هذا عمل الطائفة لأنه
كغسل الجنابة، ومن عمل بالأول جاز، هكذا قال الشيخ أبو جعفر، ولا يقص شئ من
أظفاره ولا شعره ولا يسرح رأسه ولحيته، وإن سقط شئ من ذلك في حال غسله جعل في
كفنه ويكثر الغاسل من ذكر الله تعالى وطلب العفو للميت ثم ينشفه بثوب طاهر، ويكره أن
435

تصب الغسالة إلى الكنيف، وإذا لم يوجد سدر ولا كافور غسل بماء القراح، وإذا خرج منه
نجاسة بعد الغسل غسل ذلك الموضع فقط، وإن أصاب الكفن قرض ذلك القدر.
فصل:
إذا لم يوجد للرجل من يغسله من الرجال المسلمين غسلته زوجته أو ذوات أرحامه
، فإن لم توجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه مغمضات، وكذلك الحكم في المرأة
إذا ماتت بين الرجال، وقيل: إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء وللمرأة إلا
الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل، والأول أحوط.
والصبي والصبية إذا بلغا ثلاث سنين فحكمهما حكم الكبار، وفيما دون ذلك
يجوز غسل الرجل الصبية والمرأة الصبي.
إذا مات الولد في بطن أمه ولم تمت الأم ولم يخرج الولد أدخلت القابلة يدها في فرجها
وقطعت الصبي وأخرجته قطعا وغسل وحنط وجهز، وبالعكس يشق جانب الأم ويخرج،
ويغسل الشهيد إذا حمل من المعركة وبه رمق ثم مات، وغسل الميت وتكفينه والصلاة
عليه ودفنه فرض على الكفاية.
فصل:
من لمس جسد آدمي برد بالموت أو قطعة من حي قطعت وفيها عظم - ولم يغسل
بعد - وجب عليه الغسل، فإن مسه قبل برده غسل يده لا غير، ولا بد مع هذا الغسل من
الوضوء لمستبيح الصلاة، وقال المرتضى رضي الله عنه: الأقوى أن هذا الغسل سنة وعمل
الطائفة وفتواهم على الأول.
فصل:
المحتضر يجب أن يوجه إلى القبلة بأن يضجع على ظهره بحيث تكون رجلاه
تلقاءها، حتى لو وقف لكان متوجها إليها توجيهه في الصلاة، وندب إلى أن يحضر بالقراء،
436

وإذا تصعب عليه خروج نفسه نقل إلى مصلاه، ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم
السلام، وكلمات الفرج، وتغمض عيناه، وإذا قضى نحبه أطبق فوه ومد يداه وساقاه وشد
لحييه، وغطى بثوب، وإذا كان ليلا أسرج عنده مصباح إلى الصباح، ويهتم بالأخذ في
أمره، ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه، ولا يترك وحده، ولا يوضع على بطنه حديد.
فصل:
وإذا غسل كفن، وفي التكفين فرض ونفل.
فالفرض: تكفينه في ثلاثة أثواب مع القدرة، مئزر وقميص وإزار، وإمساس شئ
من الكافور مساجده إن وجد.
وأما الندب: فإن يوضع على فرجيه قطن عليه ذريرة، ثم يشد بخرقة إلى وركيه،
وقيل: يعد له مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخشى خروج شئ منها، ويكثر
ذلك لقبل المرأة، وتزاد للرجل لفافتان ويعمم بعمامة، ويشد ثديا المرأة إلى صدرها بخرقة،
ويكون طول ما يشد به الفخذان ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر، وإحدى اللفافتين
حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب أو الحرير، ويزاد للمرأة لفافتان والزائد على ذلك سرف،
وعند الضرورة يكفي ما يستره.
ولا يجوز الكفن في الحرير المحض ولا بالمصبغ وبما فيه ذهب، ويكره فيما خلط فيه
الغزل بالإبريسم، وفي الكتان وفي السواد، ولا بأس بالقميص المخيط إذا فقد غيره، ويقطع
أزراره دون أكمامه، وإنما يكره الأكمام فيما يبتدأ به منه.
وتفرش الحبرة وفوقها الإزار وفوق الإزار القميص، وينثر على كل واحد شئ من
الذريرة المعروفة بالقمحة، ويكتب على ثلاثتها وعلى العمامة الشهادتان والإقرار بالأئمة
الحجج من آل محمد بتربة الحسين عليهم السلام، وإن لم توجد فبالإصبع لا بالسواد، وإذا لم
يوجد الحبرة أبدل منها لفافة أخرى.
ويكره قطع الكفن بالحديد بل يخرق ويخاط بخيوط منه ولا يبل بالريق.
ويعد من الكافور الذي لم تمسه النار ثلاثة عشر درهما وثلث أو أربعة مثاقيل أو
437

درهم، وإن لم يوجد أصلا دفن بغيره، ولا يخلط الكافور بشئ من الطيب وخاصة المسك،
وتؤخذ جريدتان خضراوان من النخل، وإلا فمن السدر، وإلا فمن الخلاف، وإلا فمن
شجر آخر رطب بقدر عظم الذراع، ويلف عليهما شئ من القطن ويكتب عليهما ما كتب
على الكفن، وينبغي أن يكون الإزار عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، ويسحق الغاسل
الكافور بيديه لا بغيرها ويضعه على مساجده وجبهته وباطن كفيه، يمسح به راحتيه
وأصابعهما وعيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه دون سمعه وبصره وفيه، فإن فضل شئ
جعله على صدره، ويضع إحدى الجريدتين من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده
والأخرى من الأيسر ما بين القميص والإزار، ثم يأخذ وسط العمامة فيلفها على رأسه
بالتدوير ويحنكه بها، ويطرح طرفيها جميعا على صدره، ولا يعممه عمة الأعرابي بلا حنك،
ثم يلفه باللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر،
وكذلك يصنع بالحبرة، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه ولا يقرب المحرم الكافور.
فصل:
إذا كفن وصلى عليه دفن فرضا، ويجب أن يوضع على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة.
والندب أن يتبع الجنازة أو بين جنبيها، وأن توضع الجنازة عند رجل القبر إن كان
رجلا، وقدامه مما يلي القبلة إن كانت امرأة، ويؤخذ الرجل من قبل رأسه والمرأة بالعرض،
وأن يكون القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، واللحد أفضل من الشق، وأن يكون اللحد واسعا
مقدار ما يجلس فيه الجالس، والذكر عند تناوله وعند وضعه في اللحد، ويكره الركوب
خلف الجنازة مختارا.
وندب المشيع أن يحمل الميت من أربع جوانبه يبدأه بمقدم السرير الأيمن يمر معه
ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر فيأخذ رجله الأيسر ويمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم دور
الرحى ويكره الإسراع بالجنازة بلا عذر، ولا يفدح في القبر دفعة واحدة بل يجاء به إلى شفيره
بثلاث دفعات.
وينزل إلى القبر الولي أو من يأمره، ولا ينزل إلى قبر المرأة إلا زوجها أو ذو رحم لها
438

إن وجد وإلا فمؤمن آخر، ومع فقد القرابة نزول امرأة أولى، وينزل حاسرا متحفيا محلول
الأزرار، ويحل عقد الأكفان ويضع وجهه على التراب، ويضع شيئا من تربة الحسين عليه
السلام معه، ويلقنه الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة عليهم السلام، ويشرج اللبن ويخرج
من قبل رجل القبر، ويطمه ويرفعه من الأرض مقدار أربع أصابع، ويهيل التراب عليه
بظهور الأكف ثلاثا من عدا ذوي الأرحام، ولا يطرح في القبر من غير ترابه، ويسويه ويربعه
ويصب الماء عليه من عند رأسه ثم يدور عليه حتى يعود إلى موضع الرأس، ويصب
الفاضل على وسطه، ويضع عند رأسه لبنة أو لوحا ويضع اليد عليه ويترحم عليه، ويلقنه
بعد انصراف الناس عنه وليه.
وإذا ماتت ذمية مع جنين من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها
واستدبرت بها القبلة ليكون ولدها مستقبلها، ومن مات في السفينة ولم يقدر على الشط ثقل
وطرح في البحر ليرسب إلى قرار الماء بعد فعل ما يجب فعله.
ويكره التابوت، ويكره تجصيص القبر والبناء عليه، ويكره نقل الميت من متوفاه
إلى بلد آخر إلا إلى بعض المشاهد فإنه مستحب ما لم يدفن وبعد الدفن فلا، ويكره تجديد
القبر بعد اندراسه.
فصل:
الأغسال المسنونة اثنان وثلاثون: غسل يوم الجمعة، وليلة النصف من رجب، وليلة
السابع والعشرين منه، ويومها، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان، وفي
صبيحتها وليلة النصف منه، وليلة سبع عشرة منه، وليلة تسع عشرة منه، وليلة إحدى
وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويوم الأضحى، وغسل الإحرام،
وعند دخول الحرم، وعند دخول مكة، وعند دخول مسجد الحرام، وعند الوقوف بعرفات،
وعند دخول الكعبة، وعند دخول المدينة، وعند دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله،
وعند زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، ويوم الغدير، ويوم المباهلة وهو
الرابع والعشرون من ذي الحجة، وعند صلاة الحاجة، وعند صلاة الاستخارة، وغسل من
439

تاب وأسلم من الكفر وإن كان قد أجنب في حال كفره فالغسل واجب عليه، وغسل
قاضي صلاة الكسوف أو الخسوف إذا احترق القرص كله وتركها متعمدا، وغسل من
يسعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام لرؤيته، وغسل المولود حين ولد.
ومن اجتمع عليه أغسال مفروضة ومسنونة أجزأ عنها غسل واحد إذا نواها، وإن
نوى به الواجب أجزأ عن المسنونة وأما بالعكس فلا، ويجب الوضوء مع جميع الأغسال
لاستباحة الصلاة إلا الجنابة.
فصل:
التيمم طهارة ضرورة لا يجوز إلا مع عدم الماء مع الطلب، أو عدم ما يتوصل إليه من ثمن أو
آلة، أو خوف على النفس، أو مرض يضر به، أو أن يشينه أو يشوه به، أو برد شديد يخاف معه
التلف، أو لحوق مشقة عظيمة، ويجب طلب الماء قبل تضيق وقت الصلاة في رحله ومن
أربع جوانبه مقدار رمية في الحزن أو رميتين في السهل إلا عند الخوف، وإن تيمم قبل الطلب
لا يعتد به، ومن نسي الماء في رحله وتيمم وصلى أعاد الصلاة بالوضوء إن كان فرط بالطلب
وإلا فلا، ومتى كان معه ماء يسير يحتاج إليه للشرب أو كان لا يكفيه للوضوء أو الغسل تيمم،
ويجب عليه شرى الماء بأي ثمن كان إذا لم يضر به، وييمم الميت أيضا عند بعض الأعذار ثم
يتيمم من ييممه.
وإذا اجتمع جنب وحائض وميت ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ولم يكن
ملكا لأحدهم فهم بالخيار في الاستعمال من يشاء ذلك منهم، وإن كان ملكا لأحدهم كان أولى
به، ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه
دون الباقي جاز له التيمم، والأحوط أن يغسل الأعضاء الصحيحة ويتيمم، والعاصي
بسفره إذا تيمم لفقد الماء وصلى فلا إعادة عليه، وكذلك كل من صلى بتيمم إلا من تعمد
الجنابة على نفسه فإنه يصلى بتيمم ثم يعيد الصلاة.
ولا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت عند الخوف من فوت الصلاة فإن قدمه على
ذلك لم تصح صلاته به، ويجوز أن يصلى بتيمم واحد صلوات كثيرة فرضا ونفلا ابتداء
440

وقضاء بجمع أو تفريق، ولا تنافي بين المسألتين فإن المتيمم لا يجوز أن يؤدى به صلاة فريضة
إلا بأن يفعل في أضيق وقت أداء فريضة يخشى فوتها إن لم يشرع فيها، وسواء ابتدأ فعله على
هذا الوجه أو استمر من حالة إلى أخرى بعد أن يكون قد فعل الأصل على الوجه
المذكور، وعلى هذا يجوز أن يؤدى صلاة يوم وليلة بتيمم عند تضيق صلاة الفجر ثم يبقى
على تيممه ويؤدى صلاة كل وقت عند التضيق إلى أن يؤدى العشاء الآخرة في آخر وقتها،
ولا يلزم على هذا أن يتيمم لأداء نافلة أو قضاء فرض ثم يستمر على تيممه فيؤدي به فريضة
عند تضيقها لما سبق من وجوب حصول التيمم عند تضيق أداء فرض، إما مبتدءا أو
مستمرا عليه، هكذا ذكر المرتضى عنه، وقال الشيخ أبو جعفر: متى تيمم في غير وقت فريضة
حاضرة لصلاة نافلة أو لقضاء فريضة إذا دخل وقتها جاز لعموم الأخبار في جواز
الصلوات الكثيرة بتيمم واحد.
وكل ما يستباح بالطهارة بالماء يستباح بالتيمم سواء، ولا ينتقض تيممه بخروج
الوقت، ولا يجب استئنافه لكل صلاة والأفضل أن يجدد لكل صلاة.
ولا يجوز التيمم إلا بما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق إذا كان طيبا، ترابا كان أو مدرا أو
حجرا أو حصى، كان عليه تراب أو لا، ويستحب أن يكون من عوالي الأرض دون مهابطها،
ويكره الرمل والسبخة، ولا يجوز بالرماد والزرنيخ وغيرهما ولا من المعادن كلها، وإذا
اختلط التراب بالذريرة أو الكحل أو النورة أو المائع غير الماء ونحو ذلك لم يجزئه التيمم لأنه
ليس بتراب ولا أرض مطلق إلا أن يكون قدرا مستهلكا، وقال المرتضى رضي الله عنه:
يجوز التيمم بالجص والنورة. ولا يجوز بالزرنيخ من المعادن.
وإذا أصاب الأرض بول وجففتها الشمس خاصة جاز التيمم بها.
إذا فقد الماء والتراب نفض ثوبه أو لبد دابته أو عرفها وتيمم بغبرته، وإذا لم يجد إلا
الوحل ضرب يديه عليه وفركهما وتيمم به، فإن لم يجد إلا الثلج يعتمد عليه حتى تنتدى يده
ويتطهر، وإن لم يتمكن من ذلك أخر الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب.
ويبدأ قبل التيمم بالاستنجاء والاستبراء وينشف مخرج البول بالأحجار أو الخرق
وما يشبه ذلك، وإذا لم يجد ما يزيل به النجاسة عن بدنه تيمم وصلى وأعاد، ولا ينوي
441

بالتيمم رفع الحدث لأنه لا يرفعه فإن نوى ذلك لم يجز له الدخول به في الصلاة - كذلك
ذكره الشيخ - بل ينوي به استباحة الصلاة، وإذا تيمم الجنب بنية أنه يتيمم بدلا من
الوضوء لم يجز له الدخول في الصلاة لأن النية الواجبة ما حصلت فيه.
وكيفيته أن يضرب يديه على الأرض مفرجا أصابعه، وينفضهما ويمسح إحداهما
بالأخرى، ثم يمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ثم يضع كفه اليسرى
على ظهر كفه اليمنى ويمسح بها من الزند إلى أطراف الأصابع، ثم يضع بطن اليمنى على
ظهر اليسرى كذلك، هذا إذا كان بدلا من الوضوء، وإن كان بدلا من الغسل ضرب
ضربتين واحدة للوجه والأخرى لليدين، والباقي سواء ولا تكرار فيه، قال المرتضى رضي الله
عنه: وقد روي أن الضربة الواحدة للوجه واليدين تجزى في كل حدث، ويجب فيه الترتيب
والموالاة. والتيمم مع ترك شئ من موضع المسح قليلا كان أو كثيرا لا يجزئ، ويسقط فرض
التيمم من مقطوع اليدين من الذراعين، ويستحب له مسح ما بقي.
ونواقضه نواقض الوضوء سواء، والتمكن من استعمال الماء فإن المتيمم إذا وجد
الماء ولم يتوضأ ثم عدمه وأراد الصلاة استأنف التيمم وإن لم يحدث عن الأول. فإن وجد
الماء بعد الشروع في الصلاة بتكبيرة الإحرام مضى فيها ولا يجب الرجوع عنها، ويستحب
الرجوع قبل الركوع فأما بعده فلا يجوز.
إذا وجد الماء وهو في الصلاة فلما فرع من الصلاة فقد الماء استأنف التيمم
لما يستأنف من الصلاة احتياطا لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة.
إذا تيمم من الجنابة ثم أحدث بما ينقض الوضوء ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء
أعاد التيمم ولم يتوضأ.
ومن احتلم في المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام لا يخرج منهما إلا بعد أن
يتيمم، ويجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء.
المسافر إذا جامع زوجته ولم يجد من الماء ما يغسلان به الفرج تيمما وصليا ولا
إعادة عليهما لقوله تعالى: أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. ولم
يفصل، والأحوط وجوب الإعادة عليهما.
442

فصل:
النجاسات هي الدم إلا دم البق والبراغيث والسمك، والبول، والغائط مما لا يؤكل
لحمه، والمسكر، والفقاع، والمني من سائر الحيوان، وذرق الدجاج، وبول الخفاش خاصة من
الطيور، ولعاب الكلب والمسوخ أنفسها كلها، والكلب والخنزير والثعلب، والأرنب
والوزغة والعقرب والفأرة، والكافر ومن هو في حكمه، والميت الآدمي، وما لا نفس له
سائلة، وعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلال، وعظم نجس العين خاصة كالكلب
والخنزير، وكل ماء ناقص عن كر غسلت به النجاسة أو لاقاه نجس، وكل مائع لاقاه
نجس.
أما الدم فثلاثة:
أحدها: يجب إزالة قليله وكثيره وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس.
والثاني: لا يجب إزالة قليله ولا كثيره وهو دم البق والبرغوث والسمك والجروح
اللازمة والقروح الدامية.
والثالث: يجب إزالته إذا بلغ مقدار درهم واف وهو المضروب من درهم وثلث
فصاعدا دون ما نقص منه، وهو دم سائر الحيوان سواء كان في موضع أو في مواضع، وإن
قلنا: إذا كان جميعه لو جمع كان مقدار الدرهم وجب إزالته، كان أحوط للعبادة.
وكل مسكر والفقاع والمني من كل حيوان والبول والغائط إلا ما يؤكل لحمه سوى
ذرق الدجاج يجب إزالة قليل ذلك وكثيره.
وما يكره لحمه يكره بوله وروثه كالبغال والحمير والدواب وقيل: بنجاستها أيضا.
وبول الطيور كلها معفو عنه سواء أكل لحمها أو لا، إلا بول الخفاش فإنه نجس.
وبول الصبي قبل أن يطعم يكفي أن يصب الماء عليه بخلاف بول الصبية إذ لا
بد من غسله كبول غيرها.
ولعاب الكلب والمسوخ مما يجب إزالة قليله وكثيره وما مسه الكلب والخنزير
والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة بسائر أبدانها إذا كانت رطبة وأدخلت أيديها وأرجلها
في الماء وجب غسل الموضع وإراقة ذلك الماء، ولا يراعى في غسله العدد لأن العدد يختص
443

الولوغ، وإن كان يابسا رش الموضع بالماء، وإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش،
وكذا من مس أحد هذه الأشياء بيده رطبا وجب غسل يده، وإن كان يابسا مسحه بالحائط
أو التراب وقد رويت رخصة في استعمال ما شربت منه سائر الحيوان في البراري سوى الكلب
والخنزير، وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزع أو وقعا فيه فخرجا حيين لأنه لا يمكن
التحرز من ذلك، وحكم الذمي والمحكوم بكفره والناصب المعلن بذلك حكم الكلب.
وإن أصاب ثوبه جيفة انسان قبل الغسل وجب غسل ذلك الموضع، فإن لم يتعين
غسل الكل، وإن مسحه بيده أو قطعة منه فيه عظم قبل الغسل وجب الغسل كما سبق،
وإن لم يكن في القطعة عظم أو كان الميت من غير الناس غسل ما مسه به لا غير، وما عرق فيه
الجنب من حرام يجب غسله، وعرق الإبل الجلال يجب إزالته.
والماء الذي ولغ فيه الكلب والخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله وإن أصابه من
الماء الذي يغسل به الإناء لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية، وإن قلنا أنه
يغسل من الغسلة الأولى كان أحوط، وإذا أصاب الثوب أو البدن نجاسة يابسة لم يجب
الغسل وإنما ندب إلى مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب.
إذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية خاصة بول وجففته الشمس طهر وجاز
السجود عليه والتيمم منه، وإن جفف بغير الشمس لم يجز.
وما لا نفس له سائلة من الحيوان لا ينجس الثوب والبدن والمائع والماء بموته فيه وإن
تغير أوصاف الماء به سوى الوزع والعقرب فإنه يستحب إراقة ما يموتان فيه.
ويستحب إزالة الطين الذي أتى عليه ثلاثة أيام في الطريق ولم يعلم فيه نجاسة.
وما يستنجي به من الماء أو يغتسل به من الجنابة إذا رجع إلى الثوب لا يجب إزالته
إلا إذا كان رجوعه بعد وقوعه على نجاسة.
وما استعمله شارب مسكر أو فقاع ولم يعلم أنه أصابه شئ من ذلك ندب إلى
غسله. إذا شك هل حصل النجاسة أم لا ولم يتحقق فالأصل الطهارة.
إذا صب الماء على ثوب نجس وتحته أجانة فجرى الماء إليها لا يجوز استعماله.
إزالة المذي والوذي ندب غير واجب، وقيل: إن القئ والقيح والصديد نجس،
444

والظاهر شائع بخلافه.
وما لا يتم الصلاة فيه منفردا كالخف والجورب والتكة والقلنسوة لم يجب إزالة
النجاسة منه للصلاة وإن كان ذلك أفضل.
ومربية الصبي إذا لم تملك إلا ثوبا واحدا فتنجس ولا يمكنها التحرز منه غسلته كل
يوم مرة وصلت فيه، وقال صاحب المراسم: غسل الثوب من ذرق الدجاج وعرق الجلال
من الإبل وعرق الجنب من حرام ندب، وقد قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه في هذا
الأخير: يقوى في نفسي أن ذلك تغليظ في الكراهية دون فساد في الصلاة لو صلى فيه.
إذا جبر عظم بعظم حيوان نجس العين خاصة كالكلب والخنزير يجب قلعه إن لم يؤد إلى
مشقة عظيمة أو خوف على النفس، فإن لم يقلعه وصلى بطلت صلاته لأنه حامل النجاسة،
وإن أدى إلى ذلك لم يجب قلعه، ولا يجوز أن يحمل في الصلاة قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس.
جلد الميت لا ينتفع به قبل الدباع ولا بعده سواء كان جلد ما يؤكل أو لا يؤكل،
وما لا يؤكل لحمه إذا ذكي لا ينتفع بجلده إلا بعد الدباع إلا الكلب والخنزير فإنهما
لا يطهران ولا يجوز الانتفاع بهما وإن ذكيا ودبغا.
الشعر والصوف والوبر من الميتة طاهر إذا جز، وشعر الكلب والخنزير لا ينتفع به
ولا يطهر بالغسل وغيره.
445

كتاب الطهارة
من
السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
447

كتاب الطهارة
باب في أحكام الطهارة وجهة وجوبها وكيفية أقسامها وحقيقتها:
الطهارة في اللغة هي النظافة، فأما في عرف الشرع فهي عبارة عن إيقاع أفعال في
البدن مخصوصة على وجه مخصوص.
وبعضهم يحدها بأنها في الشريعة: اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة. وهذا ينتقض
بإزالة النجاسة عن ثوب المصلي وبدنه لأنه لا يجوز له أن يستبيح الصلاة إلا بعد إزالة
النجاسة التي لم يعف عنها الشرع وإزالة النجاسة ليست بطهارة في عرف الشرع. وأيضا
قوله: اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة، يلوح بهذا القيد أن كل طهارة لا يستباح
بها الصلاة لا تسمى طهارة، وهذا ينتقض بوضوء الحائض لجلوسها في مصلاها وهي
طهارة شرعية وإن لم يجز لها أن تستبيح بها الصلاة. وقد تحرز بعض أصحابنا في كتاب له
مختصر وقال: الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ولم يكن ملبوسا
أو ما يجري مجراه. وهذا قريب من الصواب فإن قيل: فما معنى قولكم في حدكم: إيقاع
أفعال في البدن مخصوصة؟ قلنا: في البدن، احتراز من الثياب وإزالة النجاسات العينية من
البدن على ما مضى القول فيه، وقولنا: مخصوصة، أردنا الأفعال الواقعة في البدن لا أبعاض
البدن، ومواضع منه مخصوصة لأن الغسل الأكبر يعم البدن فلو أردنا بمخصوصة بعض
أو مكانا منه مخصوصا لانتقض ذلك بل مخصوصة راجعة إلى الأفعال الحالة الواقعة في البدن
449

لا المحال، وقولنا: على وجه مخصوص، كونها على وجه القربة إلى الله سبحانه دون الرياء
والسمعة وما بنا حاجة إلى " يستباح بها الصلاة " لما بيناه على ما ذهب إليه بعض
المصنفين.
وهي على ضربين: كبرى وصغرى.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: وهي تنقسم قسمين: وضوء وتيمم، وهذا غير واضح
ولا تقسيم مستقيم لأنه يؤدى إلى اسقاط الغسل الأكبر من البين لأن الوضوء عندهم عبارة عن
الطهارة الصغرى المائية دون الترابية التي هي التيمم، وقد رجع هذا القائل عن هذا التقسيم في
كتاب آخر له.
والكبرى عبارة عن الأغسال، والصغرى عبارة عن الوضوء إذا فعلنا بالماء
فالكبرى تعم جميع البدن غسلا والصغرى تعم ستة أعضاء: ثلاثة مغسولة وثلاثة
ممسوحة،
وقول بعضهم: تعم أربعة أعضاء: عضوين مغسولين وعضوين ممسوحين تساهل وتسامح و
تجاوز، والحقيقة ما قلناه.
فإذا فعلنا بالتراب اختصت الكبرى والصغرى بثلاثة أعضاء فقط إلا أن
للكبرى ضربتين وللصغرى ضربة.
والوضوء على ضربين: واجب وندب. فالواجب الذي يجب لاستباحة الصلاة
الواجبة أو الطواف الواجب لا وجه لوجوبه إلا بهذين والندب فإنه مستحب في مواضع
كثيرة لا تحصى. وأما الغسل فعلى ضربين أيضا: واجب وندب، فالواجب يجب للأمرين
اللذين ذكرناهما ولاستيطان المساجد وللجواز في مسجدين ومس كتابة المصحف وغير
ذلك مما الطهارة الكبرى شرط في فعله،،
هذه الجملة ذكرها بعض أصحابنا فإنه قال: لدخول المساجد وتحرزنا نحن بقولنا: لاستيطان
المساجد وللجواز في مسجدين وهو لم يتحرز لأن للجنب الدخول إلى المساجد مجتازا إلا
مسجدين، والذي عندي أن الغسل لا يجب ولا تكون نيته واجبة إلا للأمرين اللذين وجب
الوضوء لهما فحسب لأنه شرط في الصلاة وفعل من أفعالها، وكذلك الطواف. فإذا لم تكن
450

الصلاة ولا الطواف على المكلف واجبين فلا يجب الغسل ولنا في هذا مسألة قد بلغنا فيها
إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات، فمن أرادها وقف عليها من حيث أرشدناه وربما أوردناها
في باب الجنابة إن شاء الله
فأما ما يوجب الوضوء أو الغسل فسنبينه فيما بعد إن شاء الله.
والطهارة بالماء هي الأصل وإنما يعدل عنها إلى الطهارة بالتراب عند الضرورة وعدم
الماء وتسمية التيمم بالطهارة صحيح لا خلاف فيه، لأنه حكم شرعي لأن الرسول
عليه السلام قال: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. وأخبارنا مملوءة بتسمية ذلك
طهارة. وينبغي أولا أن نبدأ بما به تكون الطهارة من المياه وأحكامها، ثم نذكر بعد ذلك
كيفية فعلها وأقسامها ثم نعقب ذلك بذكر ما ينقضها، ويبطلها، والفرق بين ما يوجبه
الوضوء والغسل ثم نعود بعد ذلك إلى أقسام التيمم على ما بيناه.
باب المياه وأحكامها
كل ما استحق إطلاق هذه التسمية التي هي قولنا ماء على اختلاف محالة وأسماء
أماكنه وعذوبته في طعمه وملوحته فهو طاهر، لا يمتنع من التطهير به وشربه إلا أن يعلم فيه
نجاسة، فيحظر استعماله أو يتغير عن حاله بما يقتضي إضافته وتقييد الاسم المطلق له
فلا يجوز حينئذ التطهر به وإن كان في نفسه طاهرا.
وهو على ضربين: طاهر ونجس. فالطاهر على ضربين: طهور وغير طهور. ومعنى
طهور أنه مع طهارته يزيل الأحداث ويرفع حكمها بغير خلاف، وهو على ثلاثة أضرب:
مملوك ومباح ومغصوب. فالقسمان الأولان لا خلاف أنهما يزيلان النجاسة الحكمية
والعينية، ومعنى الحكمية ما يحتاج في رفعها إلى نية القربة، وقيل: ما لم يدركها الحس. ومعنى العينية
ما لا يحتاج في رفعها وإزالتها إلى نية القربة. وقيل: ما أدركها الحس. وأما القسم
الثالث فلا خلاف بين أصحابنا أنه لا يرفع الحكمية، لأن الحكمية تحتاج في رفعها إلى نية
القربة ولا يتقرب إلى الله سبحانه بالمعاصي والمغصوب. فأما رفع العينية به فيجوز، ويزول
451

وإن كان الانسان في استعماله معاقبا لأن نية القربة لا تراعى في إزالة النجاسة العينية.
والطاهر الذي ليس بطهور ما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء واقتضى
إضافته إليه أو اعتصر من جسم أو استخرج منه أو كان مرقا سلبته المرقية إطلاق اسم
المائية، كماء الورد والآس والباقلاء وما أشبه ذلك فهذا الماء طاهر في نفسه غير مطهر
لغيره، فإن خالطه شئ من النجاسات فقد نجس قليلا كان أو كثيرا بغير خلاف،
ولا اعتبار للكر هاهنا ولا ترفع به نجاسة حكمية بغير خلاف بين المحصلين.
وفي إزالة النجاسة العينية به خلاف بين الأصحاب، والصحيح من المذهب أنها لا يزول
حكمها، وإن كان السيد المرتضى وجماعة من أصحابنا يذهبون إلى أنها يزول حكمها به. فأما
الرد عليهم بقوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به، فليس بشئ يعتمد، لأنه
ليس في الآية أن غير الماء المنزل من السماء لا يطهرنا فهذا عند محققي أصول الفقه أخفض رتبة
من دليل الخطاب لأن الحكم تعلق بذكر عين لا حكم صفة، والنص عندهم إذا تناول عينا
بحكم لم يدل على أن ما عداها من الأعيان مخالف لها في ذلك، هذا على مذهب القائلين بدليل
الخطاب وعلى مذهب المبطلين له، وإنما اخترنا ما اخترناه لدليل غير هذا وهو أن النجاسة
معلومة في الثوب والبدن بيقين فلا تزول إلا بيقين، وإذا أزيلت بالماء المطلق يحصل اليقين،
وأيضا فالماء المضاف لاقى نجاسة فنجس بملاقاتها فصار هذا الفعل تكثيرا للنجاسة وليس
كذلك إزالتها بالماء المطلق لأن لورود الماء على النجاسة حكما وليس كذلك ورود المضاف،
فإن أضيف إلى الماء المطلق المطهر جسم طاهر تغير به أحد أوصافه فهو باق على حكم
التطهير به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء عنه، لأن التغير غير السلب لأن السلب هو غلبة
الأجزاء المخالطة للماء حتى تسلبه إطلاق اسم الماء وتخرجه عن معنى المياه، والنجس هو الماء
القليل الذي خالطه شئ من النجاسة غيره أو لم يغيره أو الكثير أو الجاري الذي تخالطه
النجاسة وتغير بعض صفاته من لون أو طعم أو ريح.
وحد الماء القليل ما نقص عن مقدار كر، وحد الكثير ما بلغ كرا فصاعدا وحد الكر
ما وزنه ألف ومائتا رطل بالرطل العراقي وهو البغدادي.
452

على الصحيح من المذهب لأن بعض أصحابنا يذهب إلى أنه بالمدني من جملتهم المرتضى -
رضي الله عنه.
هذا إذا كان الاعتبار بالوزن، فأما إذا كان الاعتبار بمساحة المحل فبأن يكون محله
ثلاثة أشبار ونصفا طولا في مثلها عرضا في مثلها عمقا،
على الصحيح من المذهب، وذهب بعض أصحابنا وهم القميون: إلى أنه يكون محله ثلاثة
أشبار في عمق مثلها في عرض مثلها طولا دون اعتبار النصف.
والاعتبار بالأشبار المعتادة لا الأشبار القصار ولا الطوال، والاعتبار بالكر إنما هو في
الماء الواقف دون مياه الآبار النابعة. فأما مياه الآبار فهي تجري وإن كثر ماؤها مجرى
ما نقص عن الكر من مياه المصانع والغدران. والواقف في أي موضع كان في أن حلول
النجاسة ووقوعها فيها من غير تغير لها تنجسها سواء بلغ ماؤها كرا أو نقص عنه بغير خلاف بين أصحابنا وسنبين كيفية تطهيرها إن شاء الله.
والماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن الذي لا نجاسة عليه، إذا جمع في إناء
نظيف كان طاهرا مطهرا سواء كان مستعملا في الطهارة الكبرى أو الصغرى.
على الصحيح من المذهب لأن بعض أصحابنا يقول: إذا كان مستعملا في الطهارة الكبرى
لا يرفع به حدث حكمي وترفع به النجاسة العينية ويزيلها، وهذا منه تحكم لأنه إن كان مضافا
فالماء المضاف عند هذا القائل لا يزيل به النجاسة الحكمية ولا العينية، وإن كان مطهرا باقيا
على ما كان عليه قبل الاستعمال فما باله يزيل النجاسة العينية ولا يرفع الحكمية؟ فإن تمسك
بأن هذا ماء أزيل به نجاسة فلا يجوز استعماله، فيقال له: فالماء المستعمل في الطهارة
الصغرى قد أزيل به نجاسة فامتنع من التطهير به، فإن قال: الماء المستعمل في الطهارة
الصغرى أزيل به نجاسة حكمية لا عينية، قلنا له: كذلك هذا الماء، فإن قال: هذا ماء
مضاف، قلنا: حقيقة الإضافة ما أضيف من الأجسام الطاهرة إلى الماء
فسلبته إطلاق اسم الماء على ما مضى بيانه، وما يستخرج أيضا من أجرام الأجسام بعصر أو تصعيد وليس هذا حاصلا
في هذا الماء المنازع فيه، ثم إن امتنعت من استعماله لهذه العلة وهي كونه مضافا فامتنع من
استعماله الماء المستعمل في الطهارة الصغرى، فمهما أجبت به فهو جوابنا لك بعينه في هذا
453

الماء، وأيضا فالظاهر من الآيات والأخبار يقتضي طهارة هذا الماء ورفع الحدث به لأنه بعد
استعماله في الطهارة الكبرى باق على ما كان عليه من تناول اسم الماء له بالإطلاق ومنزل من
السماء.
وموت ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد والزنابير والعقارب وما أشبه ذلك لا
ينجس الماء، سواء كان الماء قليلا أو كثيرا جاريا أو راكدا من مياه الآبار أو غيرها،
ولا بأس بالوضوء والغسل بسؤر الجنب، والحائض على كراهية لسؤر الحائض إذا كانت
متهمة وهي التي لا تتوقى من النجاسات، فأما إذا كانت مأمونة وهي التي تتوقى من
النجاسات فلا كراهية في ذلك.
وجملة الأمر وعقد الباب أن نقول: الماء على ضربين: جار وواقف. فالجاري طاهر
مطهر إلا أن يتغير بعض أوصافه لونه أو طعمه أو ريحه بجسم نجس فإنه ينجس ويطهر
بزوال الأوصاف عنه، والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ودفعها حتى يزول عنها
التغير. والواقف على ضربين: مياه الآبار وغير مياه الآبار.
فغير ماء الآبار:
على ضربين: قليل وكثير.
فالكثير ما بلغ كرا فصاعدا على ما مضى بيانه، فحكم هذا الماء حكم الجاري
لا ينجسه شئ يقع فيه من النجاسات إلا ما تغير به أحد أوصافه
فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة تحصل فيه، فلا يجوز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير، والطريق إلى تطهيره
أن يطرأ عليه من المياه الطاهرة المطلقة ما يرفع ذلك التغير عنه فحينئذ يجوز
استعماله، وإن ارتفع التغير عنه من قبل نفسه أو بتراب تحصل فيه أو بالرياح التي
تصفقها أو جسم طاهر يحصل فيه أو بطروء أقل من كر من المياه المطهرة لم يحكم
بطهارته، لأنه لا دليل على ذلك ونجاستها معلوم بيقين فلا يرجع عن اليقين إلا بيقين مثله.
فإن كان تغير هذه المياه لا بنجاسة بل من قبل نفسها أو بما يجاورها من الأجسام الطاهرة
مثل الحمأة والملح أو نبت فيها مثل الطحلب والقصب وغير ذلك أو لطول المقام لم يمنع ذلك
454

من استعمالها بحال.
والقليل ما يقصر عن الكر الذي قدمنا مقداره وذلك ينجس بكل نجاسة تقع
فيه قليلة كانت النجاسة أو كثيرة غيرت أحد أوصافها أو لم تغير من غير استثناء لنجاسته
يمكن التحرز منها أو لا يمكن.
لأن بعض أصحابنا ذكر في كتاب له: إلا ما لا يمكن التحرز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره،
وهذا غير واضح لأنه ماء قليل وقعت فيه نجاسة فيجب أن ينجسه، ومن استثنى نجاسة دون نجاسة يحتاج إلى دليل ولن يجده.
والطريق إلى تطهير هذا الماء أن يزاد زيادة تبلغه الكر أو أكثر منه إذا كانت الزيادة
ينطلق عليها اسم الماء على الصحيح من المذهب وعند المحققين من نقاد الأدلة والآثار
وذوي التحصيل والاعتبار، ولأن بلوع الماء عند أصحابنا هذا المبلغ مزيل لحكم النجاسة
التي تكون فيه وهو مستهلك بكثرته لها فكأنها بحكم الشرع غير موجودة إلا أن تؤثر في
صفات الماء. فإذا كان الماء بكثرته وبلوغه إلى هذا الحد مستهلكا النجاسة الحاصلة فيه
فلا فرق بين وقوعها فيه بعد تكامل كونه كرا وبين حصولها في بعضها قبل التكامل، لأن
على الوجهين معا النجاسة في ماء كثير فيجب أن لا تكون لها تأثير فيه مع عدم تغيير
الصفات.
والظواهر على طهارة هذا الماء بعد البلوغ المحدد أكثر من أن تحصى أو تستقصى، فمن ذلك
قول الرسول عليه السلام المجمع عليه عند المخالف والمؤالف: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل
خبثا، فالألف واللام في الماء عند أكثر الفقهاء وأهل اللسان للجنس المستغرق، فالمخصص
للخطاب العام الوارد من الشارع يحتاج إلى دليل ولا خلاف بين المخالف والمؤالف من
أصحابنا في تصنيفهم وتقسيمهم في كتبهم الماء فإنهم يقولون: الماء على ضربين: طاهر
ونجس، فقد حصل الاتفاق من الفريقين على تسمية الماء النجس بالماء، ووصفه بالنجس
لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء حتى يصير في حكم ماء الورد وماء الباقلاء لأنه لو شربه من
حلف أن لا يشرب ماء يحنث بغير خلاف، فلو لم ينطلق عليه اسم الماء لم يحنث الحالف. وأيضا
قول الرسول عليه السلام المتفق على روايته ظاهر وأنه قال: خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ
455

إلا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته، فمنع عليه السلام من نجاسته إذا لم يتغير إلا ما أخرجه
الدليل، وهذا بخلاف قول المخالف المنازع في هذا الماء. وأيضا قوله تعالى: وينزل عليكم من
السماء ماء ليطهركم به، وهذا عام في الماء المنازع فيه وغيره لأنه لا يخرج عن كونه منزلا من
السماء وليس لأحد أن يخص ذلك بتنزله من السماء في حال نزوله، أ لا ترى أن ماء دجلة إذا
استعمل ونقل من مكان إلى مكان لم يخرج من أن يكون ماء دجلة وأيضا قوله تعالى: فلم
تجدوا ماء فتيمموا، فالواجد للماء المختلف فيه واجد لما تناوله الاسم بغير خلاف، وأيضا
قوله سبحانه: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، فأجاز تعالى الدخول في الصلاة بعد
الاغتسال، ومن اغتسل بالماء المتنازع فيه تناوله اسم مغتسل، بلا شك، وأيضا قوله عليه
السلام: لأبي ذر رضي الله عنه: إذا وجدت الماء فامسسه جلدك، ومن وجد هذا الكر واجد
للماء. وقوله ع: أما أنا فاحثوا على رأسي ثلاث حثيات من ماء فإذا أنا قد طهرت،
ولم يخص ماء من ماء، وماء في الخبر منكر والنكرة مستغرقة لجنسها فالظواهر من القرآن والسنة التي،
يتمسك بها على طهارة الكر المختلف فيه كثيرة على ما ترى جدا. وأيضا حسن الاستفهام
عند المحققين لأصول الفقه يدل على اشتراك الألفاظ بغير خلاف فيما بينهم ولا خلاف في أن
من قال: عندي ماء، يحسن أن يستفهم عن قوله: أ نجس أم طاهر؟ وليس كذلك إذا قال:
عندي ماء للطهارة، في أنه لا يحسن استفهامه لأن القرينة أخلصته من الاشتراك وهو قوله:
للطهارة، وعلى هذا آية التيمم في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، والمراد به الطاهر لأجل
القرينة وهي ذكر الطهارة في سياق الآية، فإن قيل: كيف يكون مثلا نصف كر منفردا نجسا
والنصف الآخر أيضا نجسا فإذا خلطا وبلغا الكر مجتمعا يصير طاهرا، وهل هذا
إلا عجب عجيب؟ قلنا: لا يمتنع أن يكون البعض نجسا إذا كان متفرقا، وكذلك البعض
الآخر فإذا اجتمعا حدث معنى وهو البلوغ والاجتماع فيتغير الحكم عما كان عليه أولا
فنخرجه من النجاسة إلى الطهارة فيطهر حينئذ بالبلوغ، ولهذا أمثلة كثيرة عقلا وسمعا،
فمن ذلك المشرك نجس العين عندنا ويخرجه الإيمان من النجاسة إلى الطهارة. فإن قيل: إن
العين على ما كانت عليه، قلنا: غير مسلم لأن الاعتقاد للإسلام والإيمان يمنع من أن يطلق عليها
أنها على ما كانت عليه إلا أن يراد بالعين نفس الجواهر فهو كذلك إلا أنه غير مؤثر ألا ترى أن
456

عصير العنب قبل أن يشتد حلال طاهر فإذا حدثت الشدة حرمت العين ونجست، والعين
التي هي جواهر على ما كانت عليه وإنما حدث معنى لم يكن، و كذلك إذا انقلب خلا زالت
الشدة عن العين وطهرت وهي على ما كانت عليه. وكذلك الحي من الناس المسلمين يكون
طاهرا في حال حياته فإذا مات صار نجسا، والعين على ما كانت عليه ولم يحصل من التغير
أكثر من عدم معنى هو الحياة، وحلول معنى هو الموت، وإذا جاز أن تنجس العين الطاهرة بعدم
الحياة وحلول الموت جاز أن تطهر العين النجسة بعدم الكفر ووجود الإيمان على أن الجواهر
متماثلة، والعين النجسة من جنس العين الطاهرة وإنما تفارقها بما يحلها من المعاني والأعراض
والأحكام فإذن لا مانع شرعا وعقلا أن يثبت للماء النجس متفرقا قبل اجتماعه وبلوغه
الكر حكم بعد اجتماعه، وبلوغه الحد المحدود فالدليل كما يقال: يعمل العجب ويزيل الريب،
وأيضا إجماع أصحابنا على هذه المسألة إلا من عرف اسمه ونسبه وقوله وإذا تعين المخالف
في المسألة لا يعتد بخلافه وأيضا فالشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه الذي يتمسك
بخلافه ويقلد في هذه المسألة ويجعل دليلا يقوى القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من
أقواله، وأنا أبين إن شاء الله أن أبا جعفر رحمه الله تفوح من فيه رائحة تسليم المسألة بالكلية
إذا تؤمل كلامه وتصنيفه حق التأمل وأبصر بالعين الصحيحة وأحضر له الفكر الصافي
فإنه فيه نظر ولبس فليفهم عني ما أقول هنا:
اعلم رعاك الله أن المقرر المعلوم من مذهب الشيخ الفقيه وقوله وفتياه وتصنيفه الشائع
عنه وخلافه فيه، وقوله الذي لم يرجع عنه في كتبه يكاد يعلم من أصحابنا ضرورة: أن الماء
المستعمل في الطهارة الكبرى مثل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان
البدن خاليا من نجاسة عينية بأن عنده هذا الماء لا يرفع الحدث ولا يجوز استعماله في رفع
الأحداث وإن كان طاهرا، إلا أنه عنده غير مطهر وهذا معلوم من مذهبه وقوله على ما بيناه،
وحجته أن هذا ماء مستعمل في إزالة نجاسة حكمية ثم قال في مبسوطه ما هذا حكايته: الماء
المستعمل على ضربين: أحدهما استعمل في الوضوء وفي الأغسال المسنونة فما هذا حكمه يجوز
استعماله في رفع الأحداث. والآخر ما استعمل في غسل الجنابة والحيض فلا يجوز استعماله في
رفع الأحداث وإن كان طاهرا، فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث به لأنه قد بلغ
457

حدا لا يحتمل النجاسة، وإن كان أقل من كر كان طاهرا غير مطهر.
هذه ألفاظ الشيخ أبي جعفر رضي الله عنه، بعينها لا زيادة فيها ولا نقصان، أ لا ترى أن هذا
الماء المستعمل في الطهارة الكبرى عنده غير رافع للأحداث، ثم قال: فإن بلغ ذلك كرا زال
حكم المنع من رفع الحدث به قال: لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة فأتي باللام المعللة التي
معناها: لأجل أنه، فكان عنده قبل بلوغه الكر غير رافع فلما بلغ الكر صار رافعا للحدث وزال
بالبلوغ عنه المنع من رفع الحدث. فانظر أيها المعتبر وتأمل هل صيره مطهرا رافعا للحدث
شئ سوى البلوغ المحدود بالكرية فيلزمه على قود الاستدلال والتعليل والالتزام منه أن
يحكم في الماء النجس القليل غير متغير الأوصاف بنجاسة أنه غير رافع للنجاسة الحكمية
والعينية، وكذا يقول ونقول، فإذا بلغ الكر زال حكم المنع من رفع الأحداث وإزالة النجاسات
به وإلا فما الفرق والفاصل بينهما مع البلوغ كرا؟ فإن خطر في بال الخاطر ولاح خيال
وسراب ونهض مقعد فقال: الفرق بينهما واضح، وهو أن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى
الذي لم يبلغ كرا طاهر لكنه غير مطهر والماء النجس الذي هو أقل من الكر غير طاهر
ولا مطهر فقد افترقا من هذا الوجه. قلنا: المزيل لهذا الخيال والسراب أنه لا فرق بينهما عنده
في أن هذا غير مطهر وهذا غير مطهر فقد اشتركا من هذا الوجه، والحكم كونه غير مطهر فإذا
بلغ صار مطهرا، وليس علة المنع عنده كونه طاهرا فليس له بكونه طاهرا مزية عنده فقد
تساويا في المنع والحكم المطلوب والمعنى المقصود من أنه لا يرفع بهذا حدثا ولا يزيل نجسا،
وكذلك حكم الآخر عنده فهما متساويان في هذا الوجه غير مختلفين لكونهما غير مطهرين.
وإن كان أحدهما طاهرا فغير مقيد له هذا الوصف ولا مؤثر فيه حكما من رفع حدث به
أو إزالة نجاسة بل هو والماء النجس في المنع من رفع الأحداث وإزالة النجاسات شيئان
مشتركان متساويان، فتسمية الماء المستعمل الناقص عن الكر غير مكسب له حكما ولا مؤثر
في رفع الحدث إزالة النجس بل المؤثر في رفع الحدث به إطلاق اسم الماء عليه، وبلوغه الكر
عند الشيخ، وإلا فماء الورد بلا خلاف طاهر ولو بلغ ألف كر لا يرفع حدثا لأنه لا ينطلق عليه
اسم الماء وهاتان الصفتان قائمتان في الماء النجس وهما: إطلاق اسم الماء على الماء النجس
على ما بيناه وأوضحناه أولا، وبلوغه الكر فيجب أن يحصل له من رفع الحدث ما حصل
458

لذلك الماء المستعمل وهو التأثير في رفع الحدث به وإزالة النجس إذا حصلتا له، وهما
حاصلتان للماء النجس بهذا التقرير، فالمؤثر عند الشيخ في رفع الحدث به بلوغه كرا لا كونه
طاهرا فقد صار كونه طاهرا وجود هذا الوصف له وعدمه سواء فقد تساويا في كونهما غير
مطهرين وهو المنع من رفع الحدث وإزالة النجاسة العينية بهما، فلا فرق بينهما عنده من هذا
الوجه بل هما متساويان في المنع من رفع الحدث بهما وفي كونهما غير مطهرين، وإن اختلفا في
وجه غير مفيد للماء الذي سمى به ولا مكسب له حكما مؤثرا في رفع الأحداث به بل المكسب
له والمؤثر في رفع الأحداث بلوغه كرا فحسب لا كونه طاهرا، فكان المانع له من رفع الحدث به
نقصان مقداره عن الكر والرافع لهذا الحكم عنده زيادة مقداره وبلوغه الكر لا كونه طاهرا،
فيجب أن يكون المانع من رفع الحدث بالماء النجس نقصان مقداره عن الكر، والرافع لهذا
الحكم زيادة مقداره وهو بلوغه كرا، لأنه جعل الحكم الرافع للمنع في الماء المستعمل بلوغه
الكر لا كونه طاهرا، وعلل بقوله: لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة، والتعليل قائم في الماء
النجس الناقص عن الكر فإذا بلغه يجب أن يزول عنه ذلك الحكم لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل
النجاسة لأنه الحد المؤثر الذي بلغه الماء المستعمل، وهو المزيل لما كان عليه من المنع المؤثر في
رفع الحدث به لا كونه طاهرا، فصار التعليل لازما للشيخ أبي جعفر رحمه الله كالطوق في
حلق الحمام. فهذا الشيخ المخالف في الفتيا في هذه المسألة في بعض أقواله محجوج بقوله هذا
الذي أوضحناه على ما ترى، فآل الأمر بحمد الله إلى اضمحلال الخلاف فيها، ولنا في هذا
مسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغنا فيها أقصى الغايات وحججنا القول فيها
والأسئلة والأدلة والشواهد من الآيات والأخبار فمن أرادها وقف عليها من هناك.
وأما مياه الآبار
فإنها تنجس بما يقع فيها من سائر النجاسات قليلا كان الماء أو كثيرا، غيرت
النجاسة الواقعة فيها أحد أوصاف الماء أو لم تغيره بغير خلاف بين أصحابنا.
ثم النجاسة الواقعة فيها على ضربين: منصوص عليها وغير منصوص عليها.
459

فالنجاسات المنصوص عليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يوجب نزح الجميع مع
الإمكان وفقد التعذر، ونجاسة توجب نزح مقدار لا بالدلاء، ونجاسة توجب نزح دلاء
معدودة.
فالأول اختلف أصحابنا، منهم من يذهب إلى نزح الجميع من ثمان نجاسات،
ومنهم من قال: يوجب نزح الجميع تسع نجاسات، ومنهم من يوجب نزح جميعها من عشر
نجاسات والصحيح الأول لأنه متفق عليه وما عداه داخل في قسم ما لم يرد به نص وسيأتي
بيانه بعون الله سبحانه. فالمتفق عليه: الخمر من قليله وكثيره وكل مسكر والفقاع، والمني
من سائر الحيوانات مأكول اللحم وغير مأكول اللحم، ودم الحيض والاستحاضة والنفاس،
والبعير إذا مات فيه،
سواء كان ذكرا أو أنثى لأن البعير اسم جنس فإذا أردت الذكر قلت: جمل، وإذا أردت الأنثى
قلت: ناقة، كما أن الانسان اسم جنس يدخل تحته الذكران والإناث، فإذا أردت الذكر قلت:
الرجل، وإذا أردت الأنثى قلت: المرأة.
فإن تعذر ذلك بأن يكون الماء كثيرا غزيرا لا يمكن نزح جميعه تراوح على نزحها
أربعة رجال من أول النهار إلى آخره.
وأول النهار حين يحرم على الصائم الأكل والشرب وآخره حين يحل له الإفطار، وقد يوجد في
كتب بعض أصحابنا من الغدوة إلى العشية وليس في ذلك ما ينافي ما ذكرناه لأن الغدوة أول
النهار لأن الغدوة والغداة عبارة عن أول النهار بغير خلاف بين أهل اللغة العربية، وكيفية
التراوح أن يستقي اثنان بدلو واحد يتجاذبانه إلى أن يتعبا فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء
وقعد هذان يستريحان إلى أن يتعب القائمان فإذا تعبا قعدا وقام هذان واستراح الآخران
هكذا.
فأما إن تغير أحد أوصاف الماء بنجاسة فإن كانت النجاسة منصوصة على ما ينزح
منها فإن كانت مما ينزح منها الجميع فيجب نزح الجميع ولا كلام، فإن تعذر النزح للغزارة
فالتراوح يوما من أوله إلى آخره على ما مضى شرحه وبيانه، فإن زال التغير فذاك
المقصود وقد طهر الماء، وإن لم يزل التغير من نزح اليوم فيجب أن ينزح إلى أن يزول
460

التغير، ولا يتقدر ذلك بمدة بل بزوال التغير سواء كان في مدة قليلة أو كثيرة.
وإن كانت النجاسة المغيرة مما يوجب نزح مقدار محدود فيجب نزح المقدار فإن
زال التغير فقد طهر وإن لم يزل فيجب أن ينزح إلى أن يزول التغير لقولهم عليه السلام:
ينزح منها حتى يطيب، وقولهم: حتى يذهب الريح وقد طهرت، ولأن الحكم إذا تعلق بسبب
زال بزوال ذلك السبب.
وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد النعمان رحمه الله في مقنعته، وفي رسالته إلى ولده.
وإن كانت النجاسة المغيرة لأحد الأوصاف غير منصوص عليها بمقدار فالواجب
نزح الجميع بغير خلاف لأنه داخل في قسم ما لم يرد به نص، فإن تعذر نزح الجميع لغزارة
الماء وكثرته فالواجب أن يتراوح عليها أربعة رجال من أول النهار إلى آخره على ما مضى
شرحنا له، فإن زال التغير في بعض اليوم المذكور فالواجب تمام ذلك اليوم وإن لم يزل
التغير ينزح اليوم فالواجب بعد تمام اليوم النزح منها إلى أن يزول التغير وإن كان ذلك في
بعض يوم بعد استيفاء اليوم الأول.
فمن ألحق من أصحابنا قسما تاسعا وقال: كل نجاسة غيرت أحد أوصاف الماء، إن أراد
بقوله: كل نجاسة غيرت أحد أوصاف الماء، ولم يزل التغير قبل نزح الجميع وكان نزح
الجميع غير متعذر والنجاسة المغيرة لأحد أوصاف الماء منصوصا عليها فإنه مصيب في
إلحاقه هذا القسم، وإن أراد بالنجاسة المغيرة أي نجاسة كانت سواء كانت منصوصا
عليها أو غير منصوص فإنه غير مصيب في تقسيمه لأن النجاسة المغيرة إذا كانت غير
منصوص عليها فهي داخلة في غير هذا التقسيم بل في القسم الثاني، وهو النجاسة الواقعة في
البئر التي لم يرد بها نص معين فليلحظ هذا ويتأمل تأملا جيدا.
فإن أردت تلخيص الكلام وتجميله في الأشياء التي تقع في البئر وتوجب نزح الماء
جميعه فطريقته أن نقول: الواقع في البئر من النجاسات على ضربين:
أحدهما يغير أحد أوصاف الماء والثاني لا يغيره،
فإن غير أحد أوصافه فالمعتبر فيه الأخذ بأعم الأمرين من زوال التغير وبلوغ الغاية
المشروعة في مقدار النزح منه فإن زال التغير قبل بلوع المقدار المشروع في تلك النجاسة
461

وجب تكميله، وإن نزح ذلك المقدار ولم يزل التغير وجب النزح إلى أن يزول لأن طريقة
الاحتياط تقتضي ذلك والإجماع عليه لأن العامل به عامل على يقين.
وما لا يغير أحد أوصاف الماء على ضربين: أحدهما يوجب نزح جميع الماء أو تراوح
أربعة رجال على نزحه من أول النهار إلى آخره إذا كان له مادة قوية يتعذر معها نزح
الجميع، والضرب الآخر يوجب نزح بعضه.
فما يوجب نزح الجميع أو المراوحة عشرة أشياء على هذه الطريقة: الخمر وكل شراب
مسكر والفقاع والمني ودم الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس وموت البعير فيه وكل
نجاسة غيرت أحد أوصاف الماء ولم يزل التغير قبل نزح الجميع، وكل نجاسة لم يرد في
مقدار النزح منها نص فهذا التحرير على هذه الطريقة صحيح.
وما يوجب نزح البعض فعلى ضربين: أحدهما يوجب نزح كر، وهو موت خمس من
الحيوان: الخيل والبغال والحمير أهلية كانت أو غير أهلية، والبقر وحشية كانت أو غير
وحشية أو ما ماثلها في مقدار الجسم، والآخر ما يوجب نزح دلاء فأكثرها موت الانسان
المحكوم بطهارته قبل موته وتنجيس الماء سواء كان صغيرا أو كبيرا سمينا أو مهزولا
ينزح سبعون دلوا.
قال محمد بن إدريس: وكأني بمن يسمع هذا الكلام ينفر منه ويستبعده ويقول: من قال. هذا
ومن سطره في كتابه ومن أشار من أهل هذا الفن الذين هم القدوة في هذا إليه؟ وليس يجب
إنكار شئ ولا إثباته إلا بحجة تعضده ودليل يعتمده وقد علمنا كلنا بغير خلاف بين
المحققين المحصلين من أصحابنا: أن اليهودي وكل كافر من أجناس الكفار إذا باشر ماء
البئر ببعض من أبعاضه نجس الماء ووجب نزح جميعها مع الإمكان أو التراوح يوما إلى الليل
على ما مضى شرحنا له، وعموم أقوالهم وفتاويهم على هذا الأصل، وأيضا فقد ثبت بغير خلاف
بيننا: أن الكافر إذا نزل إلى ماء البئر وباشره وصعد منه حيا أنه يجب نزح مائها أجمع، فأي
عقل أو سمع أو نظر أو فقه يقضي أنه إذا مات بعد نزوله إليها ومباشرته لمائها بجسمه وهو
حي وقد وجب نزح جميعها، فإذا مات بعد ذلك ينزح سبعون دلوا وقد طهرت؟ وهل هذا
إلا تغفيل من قائله وقلة تأمل؟ أ تراه عنده بموته انقلب جنسه وطهر ولا خلاف أن الموت
462

ينجس الطاهر ويزيد النجس نجاسة، فإن قيل: فقد ورد أنه ينزح إذا مات انسان في البئر
سبعون دلوا لموته وهذا عام في المؤمن والكافر ولم يفصل فيجب العمل بالعموم إلى أن يقوم
دليل الخصوص، وقد أورد أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية ذلك وقال: إذا مات
انسان في البئر ينزح منها سبعون دلوا وقد طهرت ولم يفصل، وكذلك ذكر الشيخ المفيد
رحمه الله في مقنعته وابن بابويه في رسالته، قلنا: الجواب عن هذا الإيراد من وجوه: أحدها أن
ألفاظ الأجناس إذا كانت منكرات لا تفيد عند محققي أصول الفقه الاستغراق والعموم
والشمول، فأما إذا إذا كان معها الألف واللام كانت مستغرقة كما قال تعالى: والعصر إن
الانسان لفي خسر، وأيضا الرواية كما وردت بما ذكره السائل فقد وردت أيضا وأوردها من ذكر
من المشايخ المصنفين في كتبهم: أنه إذا ارتمس الجنب في البئر ينزح منها سبع دلاء وقد
طهرت، أورد ذلك أبو جعفر الطوسي في نهايته والشيخ المفيد في مقنعته وابن بابويه في رسالته
ولم يفصلوا، والرواية بذلك عامة. فمن قال: في الانسان أنه عام، ولم يفصل يلزمه أن يقول
في الجنب: أنه عام ولا يفصل فيهما سيان والكلام على القولين واحد حذو النعل بالنعل.
ولا أحد من أصحابنا يقدم فيقول ينزح سبع دلاء لارتماس الجنب أي جنب كان سواء كان
كافرا أو مسلما محققا، وهذا كما تراه وزان المسألة بعينه.
فأما العموم فصحيح ما قاله السائل فيه إلا أن الحكيم إذا خاطبنا بجملتين إحديهما عامة
والأخرى خاصة في ذلك الحكم والقصة بعينها فالواجب علينا أن نحكم بالخاص على العام
ولم يجز العمل على العموم وذلك أن القضاء والحكم بالعموم يرفع الحكم الخاص بأسره
والقضاء بالخصوص لا يرفع حكم اللفظ العام من كل وجوهه وما جمع العمل بالمشروع
بأسره أولى مما رفع بعضه. مثال ما ذكرناه من كتاب الله تعالى قوله عز وجل: والذين هم
لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، وهذا عموم في
ارتفاع اللوم عن وطء الأزواج على كل حال والخصوص قوله تعالى: و يسألونك عن
المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فلو قضينا
بالعموم في الآية الأولى لرفعنا حكم آية الحيض جملة. ولو تركنا العمل بإحداهما لخالفنا الأمر
في قوله تعالى: واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، فلم يبق إلا القضاء بالخصوص على
463

العموم حسب ما بيناه فلما قال الشارع: إذا وقع في البئر انسان ومات فيها يجب نزح سبعين
دلوا علمنا، أن هذا عموم ولما أجمعنا أنه إذا باشرها كافر وجب نزح جميع مائها علمنا أنه
خصوص. لأن الانسان على ضربين: مسلم محق وكافر مبطل هذا انسان وهذا انسان بغير
خلاف، فانقسم الانسان إلى قسمين والكافر لا ينقسم لا يقال: هذا كافر وهذا كافر وليس
بكافر فإن أريد بالكافر الانسان على القسمين معا كان مناقضة في الأدلة، والأدلة لا تتناقض
فلم يبق إلا أنه أراد بالإنسان ما عدا الكافر الذي هو أحد قسمي الانسان، وما هذا كاستدلالنا
كلنا على المعتزلة في تعلقهم بعموم آيات الوعيد مثل قوله تعالى: وإن الفجار لفي جحيم،
ففجار أهل الصلاة داخلون في عموم الآية فيجب أن يدخلوا النار ولا يخرجوا منها.
فجوابنا لهم: إن الفاجر على ضربين: فاجر كافر وفاجر مسلم وقد علمنا بالأدلة القاهرة عن
أدلة العقول التي لا يدخلها الاحتمال أن فاجر أهل الصلاة غير مخلد في النار وهو مستحق
للثواب بإيمانه. قال الله تعالى في آية أخرى: جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأويهم
جهنم وبئس المصير، فعلمنا أن الفجار في الآية من عدا فجار أهل الصلاة من فجار الكفار
لأنه ليس كل فاجر كافر وكل كافر فاجر، فأعطينا كل آية حقها وكنا عاملين بهما جميعا
فالعموم قد يخص بالأدلة لأنه لا صيغة له عندنا. ومثال آخر:
إذا خاطبنا الحكيم بجملتين متماثلتين في العموم، فإن كانت الجملة الأولى أعم والثانية أخص
دل ذلك على أنه أراد بالجملة الأولى ما عدا ما ذكر في الجملة الثانية، وإن كانت الجملة الثانية
أعم دل ذلك على أنه أراد بالثانية ما عدا ما ذكره في الجملة الأولى، ونظيره أن يقول:
اقتلوا المشركين، ويقول بعده: لا تقتلوا اليهود والنصارى، فإن ذلك يفيد أنه أراد بلفظ
" المشركين " ما عدا اليهود والنصارى وإلا كانت مناقضة أو بداء، وذلك لا يجوز، ونظير الثاني
أن يقول أولا: لا تقتلوا اليهود والنصارى، ثم يقول بعده: اقتلوا المشركين، فإن ذلك يدل على
أنه أراد بلفظ المشركين الثانية ما عدا ما ذكر في الجملة الأولى ولولا ذلك لأدى إلى ما قدمناه
وأبطلناه وليس لأحد أن يقول: هلا حملتم الجملة الثانية على أنها ناسخة للجملة الأولى؟ قلنا:
من شأن النسخ أن تتأخر عن حال الخطاب على ما هو معلوم في حد النسخ، وإنما ذلك من أدلة
التخصص التي يجب مقارنتها للخطاب، فعلى هذا ينبغي أن يحمل كل ما يرد من هذا الباب
464

ويعرف الأصل فيه فإنه يشرف المحكم له على حقيقة العمل بمقتضاه وليس يخفى أمثال هذه
الفتيا إلا على غير محصل لشئ من أصول الفقه جملة وتفصيلا، يلعب به سواد الكتب يمينا
وشمالا يقف على الشئ وضده ويفتي به وهو لا يشعر نعوذ بالله من سوء التوفيق وله الحمد
على إدراك التحقيق.
وإن مات فيها كلب أو شاة أو ثعلب أو أرنب أو سنور أو غزال أو خنزير أو ابن آوى
أو ابن عرس وما أشبه ذلك في مقدار الجسم على التقريب، نزح منها أربعون دلوا.
فأما ما روي في بعض الروايات: إن الكلب إذا وقع في ماء البئر وخرج حيا فينزح منها سبع
دلاء وقد طهرت، فليس بشئ يعتمد ويعمل عليه. والواجب العدول عن الرواية الضعيفة
ونزح أربعين دلوا، فإن قيل: إذا لم يعمل بالرواية فلم نزح منها أربعون دلوا ولم لا ينزح جميع
مائها لأنه داخل في حكم ما لم يرد به نص معين؟ قيل له: لا خلاف بين أهل النظر والتأمل في
أصول الفقه أن الموت يزيد النجس نجاسة فإذا كان الكلب بموته في البئر ينزح منها أربعون
دلوا فما يكون وقوعه فيها وهو حي يزيد على نجاسة موته، وبعد فإنه يلزمه ما ألزمناه في
نزول الانسان الكافر إلى البئر وتنجيسه لها ووجوب نزح جميع مائها، لأنه عنده لم يرد به نص
فإذا مات بعد ذلك فيها وجب نزح سبعين دلوا. أ تراه انقلب جنسه وزال ذلك الحكم!
ولا خلاف أن الموت ينجس الطاهر ويزيد النجس نجاسة وهذا قلة فقه، ثم أصول المذهب
تدفعه لأن نجاسة البئر لا يرفعها إلا اخراج بعضه أو جميعه وهذا ما أخرج شيئا حتى يتغير حكمه.
وينزح منها لموت الطائر جميعه نعامة كان الطائر أو غيرها من كباره أو صغاره ما عدا
العصفور وما في قدر حجمه وما شاكله تقريبا في الجسمية، سبع دلاء وللعصفور وما أشبهه
في المقدار دلو واحد، وكذلك ينزح للخطاف والخفاش، دلو واحد لأنه طائر في قدر جسم
العصفور، وينزح للفأرة إذا تفسخت، وحد تفسخها انتفاخها، سبع دلاء فإن لم تتفسخ
فثلاث دلاء.
وإذا وقع جماعة من الجنس الواحد الذي يجب نزح بعض ماء البئر لموته فيها، مثل أن
يموت فيها ألف كلب فينزح منها ما ينزح لكلب واحد فحسب.
فأما إن مات فيها أجناس مختلفة، مثال ذلك كلب وخنزير وسنور وثعلب وأرنب
465

فالواجب أن ينزح لكل جنس عدده لأن عموم الأخبار وظواهر النصوص تقتضيه، فمن
ادعى تداخلها فعليه الدلالة ودليل الاحتياط يعضده أيضا ويشيده.
بول بني آدم على ضربين: بول الرجال وبول النساء. فبول الذكور على ثلاثة
أضرب: بول ذكر بالغ، وبول ذكر غير بالغ قد أكل الطعام واستغنى به عن اللبن والرضاع،
وبول رضيع لم يستغن بالطعام عن اللبن والرضاع.
فالأول ينزح لبوله أربعون دلوا سواء كان مؤمنا أو كافرا أو مستضعفا.
والثاني ينزح لبوله سبع دلاء، وقد روي ثلاث دلاء وهو اختيار السيد المرتضى رضي
الله عنه وابن بابويه في رسالته والأول أحوط وعليه العمل والإجماع.
والثالث ينزح لبوله دلو واحد وهو بول الرضيع وحده، من كان له من العمر دون
الحولين سواء أكل في الحولين الطعام أو لم يأكل، لأنه في الحولين رضيع فغاية الرضاع
الشرعي مدة الحولين سواء فطم فيها أو لم يفطم فإذا جاوزها خرج من هذا الحد سواء فطم
أو لم يفطم ودخل في القسم الثاني.
فأما بول النساء فقسم واحد سواء كن كبار أو صغار رضائع أو فطائم، ينزح
لبولهن أربعون دلوا، وحملهن على تقسيم الذكور قياس، والقياس متروك عند أهل البيت
عليهم السلام.
فإن قيل: فمن أين نزح لبولهن أربعون دلوا؟ قلنا: الأخبار المتواترة عن الأئمة الطاهرة،
بأن ينزح لبول الانسان أربعون دلوا وهذا عموم في جنس الناس إلا ما أخرجه الدليل وهن من
جملة الناس والإنسان، لأن الانسان اسم جنس يقع على الذكر والأنثى بغير خلاف ويعضد ذلك
قوله تعالى: إن الانسان لفي خسر، ولم يرد تعالى الرجال الذكور دون النساء. وقال شيخنا
أبو جعفر الطوسي في التبيان في تفسير قوله تعالى: أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على
رجل منكم، فقال: الرجل هو انسان خارج عن حد الصبي من الذكر، وكل رجل انسان
وليس كل انسان رجلا لأن المرأة انسان هذا آخر كلامه.
وينزح لعذرة بني آدم الرطبة واليابسة المذابة المتقطعة خمسون دلوا فإن كانت يابسة
غير مذابة ولا متقطعة فعشر دلاء بغير خلاف، وينزح لسائر الدماء النجسة من سائر
466

الحيوان سواء كان الحيوان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم نجس العين أو غير نجس
العين، ما عدا دم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان الدم كثيرا وحد أقل الكثير دم
شاة خمسون دلوا وللقليل منه وحده ما نقص عن دم شاة فإنه حد كثير القليل عشر دلاء.
بغير خلاف إلا من شيخنا المفيد في مقنعته فإنه يذهب إلى أن لكثير الدم عشر دلاء ولقليله
خمس دلاء والأحوط الأول وعليه العمل، وحد القلة والكثرة قد رواه أصحابنا منصوصا عن
الأئمة عليهم السلام، هذا ما لم يتغير أحد أوصاف الماء، فإن تغير بذلك أحد أوصاف الماء
فقد ذكرنا حكمه مستوفى فليعتبر ذلك فيه.
وينزح لارتماس الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينية المحكوم بطهارته قبل جنابته
سبع دلاء، وحد ارتماسه أن يغطى ماء البئر رأسه، فأما إن نزل فيها ولم يغط رأسه ماؤها
فلا ينجس ماؤها.
على الصحيح من المذهب والأقوال وإن كان بعض أصحابنا في كتاب له يذهب إلى أن نزوله
فيها ومباشرته لمائها مثل ارتماسه فيها وتغطية رأسه ماؤها، والأول الأظهر لأن الأصل الطهارة
ولولا الاجماع على الارتماس لما كان عليه دليل. والمرتمس لا يطهر بارتماسه ولا يزول حكم
نجاسته.
وينزح لذرق الدجاج الجلال خمس دلاء، فأما غير الجلال فلا ينزح لذرقه شئ لأنه
طاهر لأن ذرق مأكول اللحم طاهر بغير خلاف بين أصحابنا، فأما الجلال فإنه غير مأكول
اللحم ما دام جلالا وقد اتفقنا على نجاسة ذرق غير مأكول اللحم من سائر الطيور.
وقد رويت رواية شاذة لا يعول عليها: أن ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير
مأكوله والمعول عند محققي أصحابنا والمحصلين منهم خلاف هذه الرواية لأنه هو الذي
تقتضيه أخبارهم المجمع عليها.
وحد الجلل هو أن يكون غذاؤه أجمع عذرة الانسان أن لا يخلطها بغيرها، فأما
المخلط من الدجاج فإن ذرقه طاهر إلا أنه مكروه، فأما الذي لا يكون جلالا ولا مخلطا
فذرقه طاهر ليس بمكروه، فقد عاد الدجاج على هذا التحرير على ثلاثة أضرب: منه ما هو
نجس ينزح له إذا وقع في ماء البئر خمس دلاء وهو ذرق الجلال، ومنه ما هو مكروه وليس
467

بنجس، ومنه ما ليس بنجس ولا مكروه فليتأمل ذلك. وسمي جلالا لأكله الجلة وهي البعر
إلا أن قد عاد العرف أنه هو الذي يأكل عذرة بني آدم دون غيرها من الأبعار والأرواث
النجسات.
فأما ما يوجد في التصنيف لبعض أصحابنا من قوله: وروث وبول ما يؤكل لحمه إذا وقع في
الماء لا ينجسه إلا ذرق الدجاج خاصة فإذا وقع في البئر نزح منها خمس دلاء، فإطلاق موهم
وعبارة فيها إرسال فإن أراد الجلال فيكون استثناء غير حقيقي بل مجازيا والكلام في الحقيقة
دون المجاز، فإن اعتذر له معتذر وقال: يكون استثناء حقيقيا لأنه قبل كونه جلالا يؤكل لحمه
فقد استثنى المصنف من حاله الأولى فيصير حقيقيا فإنه غير وجه في الاعتذار، وإن أراد
المصنف سواء كان جلالا أو غير جلال مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، فقد قدمنا أن
إجماع أصحابنا منعقد والأخبار به متواترة، وأن كل مأكول اللحم من سائر الحيوان ذرقه وروثه
طاهر فلا يلتفت إلى خلاف ذلك، إما من رواية شاذة أو قول مصنف معروف أو فتوى غير
محصل، وربما أطلق القول. وذهب في بعض كتبه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى
نجاسة ذرق الدجاج سواء كان جلالا أو لم يكن لأن استثناءه من مأكول اللحم يفيد ذلك
ويعلم منه، إلا أنه رجع في استبصاره ومبسوطه فقال في مبسوطه في آخر كتاب الصيد
والذبائح: فأما الهازبي وهو السمك الصغير الذي يقلى ولا يلقى ما في جوفه، من الرجيع،
فعندنا يجوز أكله لأن رجيع ما يؤكل لحمه ليس بنجس عندنا. وقال أيضا في مبسوطه في كتاب
الأطعمة: الجلالة البهيمة التي تأكل العذرة كالناقة والبقرة والشاة والدجاجة فإن كان هذا
أكثر علفها كره أكل لحمها بلا خلاف بين الفقهاء. وقال قوم من أصحاب الحديث: هو حرام،
والأول مذهبنا، هذا آخر كلامه رحمة الله عليه فالحظه بالعين الصحيحة. فأما ما يوجد في بعض
الكتب لبعض أصحابنا، وهو قوله: ومتى وقع في البئر ماء خالطه شئ من النجاسات، مثل ماء المطر
والبالوعة وغير ذلك نزح منها أربعون دلوا للخبر فإنه قول غير واضح ولا محكك بل تعتبر
النجاسة المخالطة للماء الواقع في ماء البئر فإن كانت منصوصا عليها أخرج المنصوص
عليه، وإن كانت النجاسة غير منصوص عليها فيدخل في قسم ما لم يرد به نص معين بالنزح،
فالصحيح من المذهب والأقوال الذي يعضده الاجماع والنظر والاعتبار والاحتياط للديانات
468

عند الأئمة الأطهار نزح جميع ماء البئر فإن تعذر فالتراوح على ما شرحنا له. وقد قال الشيخ
أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: وكل نجاسة تقع في البئر وليس فيها قدر منصوص
فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء، وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها لقولهم عليهم السلام:
ينزح منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة، كان سائغا غير أن الأول أحوط. وقال أيضا: ومتى
نزل إلى البئر كافر وباشر الماء بجسمه، نجس الماء ووجب نزح جميع الماء، لأنه لا دليل على
مقدر منه والاحتياط يقتضي ما قلناه فانظر رعاك الله إلى قول هذا المصنف رحمه الله وانقده
واعتبره، إن أراد بقوله: لقولهم ع ينزح منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة، أن
أخبارهم بذلك متواترة أو الاجماع عليها، وإن كانت آحادا فلا يجوز العدول عنها، لأن الأخبار
المتواترة دليل قاطع وحجة واضحة، وكذلك الاجماع فلا يجوز العدول عن الدليل إلى غيره بل
صار الأخذ بذلك هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره لأن فيه الاحتياط والعدول
إلى ما سواه هو ترك الاحتياط وضده، وإن أراد بقولهم عليه السلام أخبار آحاد مروية عنهم
عليهم السلام فلا يجوز الرجوع إليها ولا العمل بها، لأن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا
كائنا من كان راويه فإن أصحابنا بغير خلاف بينهم، ومن المعلوم الذي يكاد يحصل ضرورة
أن مذهب أصحابنا ترك العمل بأخبار الآحاد، ما خالف فيه أحد منهم ولا شذ، فعلى هذا
التحرير ما أراد المصنف رحمه الله بقوله إلا الخبر الواحد ولأجل ذلك قال: غير أن الأول
أحوط، وهو نزح جميع مائها، وأيضا فقد أجمعنا واتفقنا على نجاسة مائها فيحتاج طهارته إلى
إجماع واتفاق مثل الاجماع على النجاسة، ولا إجماع ولا اتفاق إلا إذا نزح جميع الماء فإن تعذر
النزح للجميع فالتراوح على ما قدمناه.
وينزح لموت الحية ثلاث دلاء تفسخت أو لم تتفسخ بغير خلاف لأن التفسخ لا يعتبر
إلا في الفأرة فحسب، فأما إذا ماتت فيها عقرب أو وزغة فلا ينجس ولا يجب أن ينزح منها
شئ بغير خلاف من محصل.
ولا تلتفت إلى ما يوجد في سواد الكتب من خبر واحد أو رواية شاذة ضعيفة مخالفة لأصول
المذهب وهو أن الاجماع حاصل منعقد، أن موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء ولا المائع،
بغير خلاف بينهم. وقد رجع مصنف النهاية عما أورده في نهايته في مصباحه واستبصاره
469

ومبسوطه فإنه قال في تقسيمه: ويكره ما مات فيه الوزع والعقرب خاصة، وقال في جمله
وعقوده: وكل ما ليس له نفس سائلة لا يفسد الماء بموته فيه. وقد اعتذرنا للمصنفين من
أصحابنا رحمهم الله في خطبة كتابنا هذا بما فيه كفاية، وقلنا: إنما يوردون في الكتب ما يوردونه
على جهة الرواية بحيث لا يشذ من الأخبار شئ دون تحقيق العمل عليه والفتوى به
والاعتقاد له فلا يظن ظان فيهم خلاف هذا فيخطئ عليهم. وابن بابويه في رسالته يذهب إلى
ما اخترناه من أنه: لا ينزح من موت العقرب في البئر شئ.
والدلو المراعي في النزح دلو العادة الغالبة دون
الشاذة النادرة التي يستقى بها دون الدلاء الكبار أو الصغار الخارجة عن المعتاد والغالب الشامل لأنه لم يقيد في الخبر. والنية
لا تجب في نزح الماء وإن يقصد به التطهير لأنه لا دليل عليها، وليس من العبادات التي
تراعى فيها النية بل ذلك جار مجرى إزالة أعيان النجاسات التي لا تراعى فيها النية فعلى
هذا الوجه لو نزح البئر من يصح منه النية ومن لا يصح منه النية من المسلم والكافر
والصبي والمجنون حكم بتطهير البئر.
حكم الأسآر:
والأسآر على ضربين: سؤر بني آدم وسؤر غير بني آدم. فسؤر بني آدم على ثلاثة
أضرب: سؤر مؤمن ومن حكمه حكم المؤمن، وسؤر مستضعف ومن حكمه حكم
المستضعف، وسؤر كافر ومن حكمه حكم الكافر. فالأول والثاني طاهر مطهر والثالث
نجس منجس.
فالمؤمن في عرف الشرع هو المصدق بالله وبرسله وبكل ما جاءت به، والمستضعف من لا يعرف
اختلاف الناس في الآراء والمذاهب ولا يبغض أهل الحق بل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما
قال الله تعالى، وكل من أبغض المحق على اعتقاده ومذهبه فليس بمستضعف بل هو الذي
ينصب العداوة لأهل الإيمان.
فأما الكافر فمن خالف المؤمن والمستضعف وهو الذي يستحق العقاب الدائم والخلود في
470

نار جهنم طول الأبد نعوذ بالله منها فليلحظ هذه التقسيمات.
وفرق آخر جاءت به الآثار عن الأئمة الأطهار بين هذه الأسآر وهو: أن سؤر المؤمن
طاهر فيه الشفاء، وسؤر المستضعف طاهر لا شفاء فيه، وسؤر الكافر نجس لا شفاء فيه
فأما سؤر غير بني آدم فينقسم إلى قسمين: سؤر الطيور وغير الطيور. فأسئار الطيور
كلها طاهرة مطهرة سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، جلالة أو غير جلالة،
آكل الجيف أو غير آكل الجيف. فأما غير الطيور فعلى ضربين: حيوان الحضر وحيوان البر.
وحيوان الحضر على ضربين: مأكول اللحم وغير مأكول اللحم.
فمأكول اللحم سؤره طاهر مطهر، وغير مأكول اللحم فما أمكن التحرز منه
سؤره نجس وما لا يمكن التحرز منه فسؤره طاهر، فعلى هذا سؤره الهرة وإن شوهدت قد
أكلت الفأرة ثم شربت في الإناء يكون بقية الماء الذي هو سؤرها طاهر سواء غابت عن
العين أو لم تغب إلا أن يكون الدم مشاهدا في الماء أو على جسمها فينجس الماء لأجل الدم،
وكذلك لا بأس بأسآر الفأر والحيات وجميع حشرات الأرض. فأما سؤر حيوان البر
فجميعه طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم سبعا كان أو غيره من ذوات
الأربع، مسخا كان أو غير مسخ، وحشرات الأرض إلا الكلب والخنزير فحسب وما عداها
فلا بأس بسؤره. والسؤر عبارة عما شرب منه الحيوان أو باشره بجسمه من المياه وسائر
المائعات.
وإذا كان مع الانسان إناءان أو أكثر من ذلك فوقع في واحد منهما نجاسة ولم يعلمه
بعينه، لم يستعمل شيئا منهما بحال بغير خلاف، ولا يجوز له التحري والواجب عليه التيمم
ولا يجب عليه إهراقهما وله إمساكهما، أما لخوف العطش فإنه يجب عليه إمساكهما فإن لم
يخف العطش فله إمساكهما فإنه قادر على تطهير مائهما على بعض الوجوه.
فأما ما يوجد في بعض الكتب من قوله: وجب عليه إهراق جميعه والتيمم للصلاة، فغير
واضح، لأنه لا يجب عليه إهراق مائه النجس بل له إمساكه على ما قررناه.
فإن قال قائل: إذا لم يهرقه كيف يجوز له التيمم مع وجود الماء؟ فلهذا قال المصنف: يجب
عليه إهراق الماء بحيث يجوز له التيمم.
471

قلنا: هذا اعتذار تركه أعود على من اعتذر له به وذلك أن هذا ماء وجوده كعدمه لأن شاهد
الحال وقرينة الحكم يدل على وجود الماء الطاهر، فمع وجود القرينة لم يحتج إلى إهراق هذا
الماء ولو عري الكلام من شاهد الحال لما جاز التيمم لأن اسم الماء ينطلق على الطاهر
والنجس.
وإذا أخبره عدل بنجاسة الماء لم يجز قبول قوله. ولا يجوز له التيمم. فإن كانا عدلين
يحكم بنجاسة الماء، لأن وجوب قبول شهادة الشاهدين والحكم به معلوم في الشرع، وإن كان
الطريق إلى صدقهما مظنونا، ولا يلتفت إلى قول من يقول في كتابه: إن شهادة الشاهدين
تطرح ويستعمل الماء فإن الأصل الطهارة ولا يرجع عن المعلوم بالمظنون وهو شهادة
الشاهدين، لأن أكثرها يثمر الظن وهذا ليس بشئ يعتمد، بل الشارع جعل الأصل الآن قبول
شهادة الشاهدين ووجوب العمل بهما في الشريعة، فقد نقلنا من معلوم إلى معلوم ولو سلكنا
هذه الطريقة مضى معظم الشريعة، فإنه كان يقال ويحتج بأن الأصل ألا صوم واجب في شهر
رمضان فمن أوجبه فقد رجع عن الأصل الذي هو الإباحة أو اللا تكليف لأن الأصل وجوب
صوم شهر رمضان فمن ادعى سقوطه عن المكلفين به يحتاج إلى دليل. وإذا شهد الشاهدان
بأن النجاسة في أحد الإنائين وشهد آخران بأنه وقع في الآخر فإن كانتا - أعني الشهادتين -
غير متنافيتين ويمكن الجمع بينهما بأن يشهد هذان بوقوع الكلب في هذا الإناء في صدر
النهار والآخران شهدا بولوغ كلب آخر أو بولوغ ذلك الكلب في الإناء الآخر عند سقوط
الشمس فقد نجسا معا بغير خلاف عند القائل للأقوال، وإن كان لا يمكن الجمع بينهما وهو أن
يشهد اثنان بوقوع كلب معين في أحد الإنائين عند زوال الشمس بلا تأخير وشهدا الآخران
بولوغ ذلك الكلب بعينه في الإناء الآخر في ذلك الوقت بلا تأخير، فقد قال الشيخ أبو جعفر
الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف: سقطت شهادتهما وأطلق القول ولم يفصل هل الشهادة
على وجه يمكن الجمع بينهما، أو على وجه لا يمكن الجمع بينهما؟ فإن أراد على وجه يمكن الجمع
بينهما فهذا لا يصح ولا يجوز القول به لأن وجوب قبول شهادة الشاهدين في الشرع معلوم،
وإن أراد على وجه لا يمكن الجمع بينهما فإن ذلك مذهب الشافعي في تقابل البينتين فإنه
يسقطهما ويرجع إلى الأصل وهو: ما كان قبل الشهادتين فيحكم به.
472

فأما مذهب أصحابنا في هذه المسألة فمعروف، إذا تقابلت البينتان ولم يترجح إحديهما على
الأخرى بوجه من الوجوه وأشكل الأمر فإنهم يرجعون إلى القرعة لأن أخبارهم ناطقة
متظافرة متواترة في أن كل أمر مشكل فيه القرعة، وهم مجمعون على ذلك وهذا أمر مشكل ولم
يرد فيه نص معين فهو داخل في عموم قولهم ع، والذي أعتمده ويقوى عندي
ألا تؤثر هذه الشهادة في هذا الماء شيئا لأن الأصل فيه الطهارة والأصل أيضا الإباحة، فمن
حظر استعمال هذا ونجسه يحتاج إلى دليل شرعي وليس للقرعة هاهنا طريق، لأن القرعة
تستعمل في مواضع مخصوصة، ولا أحد من أصحابنا قال: إذا اشتبهت الأواني أو الثياب
أو كان أحد الإنائين نجسا والآخر طاهرا، وكذلك الثوبان إذا اختلطا ولم يتحقق النجس
منهما من الطاهر يقرع بينهما بل أطبقوا على ترك استعمال الإنائين، ومسألتنا لم تحقق نجاسة
واحد من الإنائين، وليس الرجوع إلى شهادة العدلين بأولى من شهادة العدلين الآخرين،
وإنما حصل شك في نجاسة أحدهما ولا نرجع بالشك عن اليقين الذي هو الطهارة والإباحة،
والأولى عندي بعد هذا جميعه، قبول شهادة الشهود الأربعة لأن ظاهر الحكم وموجب الشرع، أن
شهادتهم صحيحة مقبولة غير مردودة، ولأن شهادة الإثبات لها مزية على شهادة النفي لأنها قد
شهدت بأمر زائد قد يخفى على من شهد بالنفي لأن النفي هو الأصل وشهادة الإثبات ناقلة عنه
وزيادة عليه فكل من الشاهدين قد شهد بأمر زائد قد يخفى على الشاهدين الآخرين.
وهذا كرجل ادعى على رجل عشرين دينارا وأقام بها شاهدين وأقام المشهود عليه بقضاء
العشرين دينارا شاهدين، قبلنا شهادة الشاهدين اللذين شهدا بالقضاء لأنهما أثبتا
بشهادتهما أمرا قد يخفى على الشاهدين الأولين، ففي شهادة الآخرين مزية وزيادة حكم، ولهذا
أمثلة كثيرة في الشريعة وبهذا القول أفتى وعليه أعمل.
والماء النجس لا يجوز استعماله في الوضوء والغسل معا ولا في غسل الثوب وإزالة
النجاسة ولا في الشرب مع الاختيار فمن استعمله في الوضوء أو الغسل أو غسل الثوب ثم
صلى بذلك التطهير أو في تلك الثياب وجب عليه إعادة الوضوء أو الغسل، وغسل الثوب
بماء طاهر وإعادة الصلاة، سواء كان عالما في حال استعماله لها أو لم يكن عالما، إذا كان قد
سبقه العلم بحصول النجاسة فيها، فإن لم يتيقن حصول نجاسة فيها قبل استعماله لها
473

لم يجب عليه إعادة الصلاة ولا إعادة التطهر سواء كان الوقت باقيا أو خارجا على
الصحيح من المذهب والأقوال واستمرار النظر والاعتبار، بل يجب عليه غسل الثوب
فحسب وغسل ما أصابه من بدنه عن ذلك الماء فحسب، لأن الإعادة تحتاج في ثبوته إلى دليل
شرعي، وكذلك القضاء فرض ثان يحتاج في ثبوته إلى دليل ثان وليس في الشرع ما يدل على
ذلك فلا يجوز إثبات ما لا دلالة عليه، وأيضا فقد توضأ وضوءا شرعيا مأمورا به وصلى صلاة
مأمورا بها، وأيضا فلا يخلو: إما أن رفع بطهارته الحدث أو لم يرفعه، فإن كان رفعه فلا يجب
عليه إعادة الصلاة ولا الطهور، وإن كان لم يرفع الحدث فيجب عليه إعادة الصلاة
سواء تقضي الوقت أو كان باقيا لأن من صلى بلا طهور يجب عليه إعادة الصلاة على كل
حال بغير خلاف، متعمدا كان أو ناسيا تقضي الوقت أو لم يتقض بلا خلاف.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: يجب عليه إعادة الصلاة وهو الذي يقوى عندي في نفسي
وأفتى به وأعمل عليه لأنه يتيقن معه براءة الذمة مما وجب عليها، والأول مذهب شيخنا أبي
جعفر في جميع كتبه ومعه بذلك أخبار أعتمد عليها. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في نهايته:
اللهم إلا أن يكون الوقت باقيا فإنه يجب عليه غسل الثوب وإعادة
الوضوء وإعادة الصلاة فإن كان قد مضى الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة، إلا أن أبا جعفر الطوسي
رحمه الله رجع عن هذا القول وعن هذه الرواية في استبصاره ونقده الأخبار وتوسطه بينها
والجمع بين الصحيح والفاسد فإن قلده مقلد فقد رجع الشيخ عنها، وقال رحمه الله في
نهايته: فإن استعمل شئ من هذه المياه النجسة في عجين يعجن ويخبز لم يكن بأس بأكل
ذلك الخبز لأن النار قد طهرته، والصحيح عندي خلاف ذلك لأن النار لا تطهر الخبز إلا إذا
أحالته وصيرته رمادا، لأن ما تطهره النار معلوم مضبوط وليس في جملة ذلك الخبز، وقد رجع عن
هذا القول في الجزء الثاني من نهايته، في باب الأطعمة المحظورة والمباحة، فإنه قال: وإذا
نجس الماء بحصول شئ من النجاسات فيه ثم عجن به وخبز منه، لم يجز أكل ذلك الخبز
وقد رويت رخصة في جواز أكله وذكر أن النار طهرته والأحوط ما قدمناه، وهذا يدل على أنه
ما جعله في باب المياه على جهة الفتيا بل أورده على طريق الرواية، والإيراد دون العمل والاعتقاد.
وماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا كانت له مادة من المجرى، فإن لم يكن له مادة
474

فإن كان كرا فصاعدا فهو طاهر مطهر لا ينجسه شئ من النجاسات إلا ما يغير أحد
أوصافه، على ما قدمنا القول فيه وشرحناه، وإن كان أقل من كر فهو على أصل الطهارة
ما لم يعلم فيه نجاسة، فإن علمت فيه نجاسة وجرت المادة التي هي البزال فقد طهر وجاز
استعماله، وإن لم يبلغ الكر مع اتصال المجرى به فإن انقطع المجرى اعتبرنا كونه كرا،
فإن كان أنقص من الكر فهو أيضا على أصل الطهارة مثل الاعتبار الأول إلا أن تقع فيه
نجاسة ثم لا يزال هذا الاعتبار ثابتا فيه.
والمادة المذكورة لا تعدو ثلاثة أقسام: إما أن تعلم طهارتها يقينا، أو تعلم نجاستها
يقينا، أو لا تعلم الطهارة ولا النجاسة. فإن علمت الطهارة فالحكم ما تقدم، وكذلك إذا لم
تعلم طهارة ولا نجاسة فهو على أصل الطهارة في الأشياء كلها والحكم ما تقدم، فأما إذا
علمت أنها نجسة يقينا وتعيينا فلا يجوز اعتبار ما تقدم لأنه لا خلاف أن الماء النجس
لا يطهر بجريانه.
فإن قيل: الكلام في المادة مطلق لأن ألفاظ الأخبار عامة بأن ماء الحمام سبيله سبيل الماء
الجاري إذا كانت له مادة من المجرى فمن قيدها وخصها يحتاج إلى دليل.
قلنا: الإطلاق والعموم قد يخص بالأدلة بغير خلاف بين من ضبط هذا الفن وأصول الفقه،
ومن المعلوم الذي لا خلاف فيه أن الماء النجس لا يطهر بجريانه ولا يطهر غيره إذا لم يبلغ
كرا على ما مضى شرحنا له، وفحوى الخطاب من الأخبار بينة على ما قلناه، لأن المعهود في
مادة المجرى ألا يعلم بطهارة ولا نجاسة فهي المرادة بالخطاب لأن الانسان داخل الحمام
لا يعلم ولا يبصر ما وراء الحائط فيحكم بأن المادة عند هذه الحال على أصل الطهارة،
وشاهد الحال أيضا يحكم بما قلناه، فهذا هو المعنى بالمادة دون المادة المتيقن نجاستها.
وغسالة الحمام وهو المستنقع الذي يسمى الحمئة لا يجوز استعمالها على حال.
وهذا إجماع وقد وردت به عن الأئمة ع آثار معتمدة قد أجمع عليها، لا أحد
خالف فيها فحصل الاجماع والاتفاق على متضمنها ودليل الاحتياط يقتضي ذلك أيضا.
ومتى ولغ الكلب في الإناء وجب غسله ثلاث مرات أولاهن بالتراب.
وبعض أصحابنا في كتاب له يجعل التراب مع الوسطى والأول أظهر في المذهب. وكيفية
475

ذلك أن يجعل الماء ويترك التراب أو يترك فيه التراب ويصب عليه الماء بمجموع الأمرين
لا بانفراد أحدهما عن الآخر، لأنه إذا غسل بمجرد التراب لا يسمى غسلا لأن حقيقة الغسل
جريان المائع على الجسم المغسول، والتراب لا يجري وحده، وإن غسلته بالماء وحده
فما غسلته بالماء والتراب - لأن الباء هاهنا للإلصاق بغير خلاف - فيحتاج أن يلصق أحد
الجسمين بالآخر.
ولا يراعى التراب إلا في ولوع الكلب خاصة دون سائر الحيوان ودون كل شئ
من أعضاء الكلب.
لأن بعض أصحابنا ذكر في كتاب له: أن مباشرة الكلب الإناء بسائر أعضائه يجري مجرى
الولوغ في أحكامه والأظهر الأول لأنه مجمع عليه. وبعض أصحابنا ألحق في كتاب له: أن حكم
الخنزير في وجوب غسل الإناء من ولوغه ثلاث مرات إحداهن بالتراب حكم الكلب سواء،
وتمسك بتمسكين اثنين أحدهما: أن الخنزير يسمى كلبا في اللغة فينبغي أن تتناوله الأخبار
الواردة في ولوع الكلب، والثاني: أنا قد بينا أن سائر النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث
مرات والخنزير نجس بلا خلاف، وهذا استدلال غير واضح لأن أهل اللغة العربية لا يسمون
الخنزير كلبا بغير خلاف بينهم فالدعوى عليهم دعوى عرية من برهان، والعرف خال منه لأن
أحدا لا يفهم من قوله: عندي خنزير أي عندي كلب، بل الذي يتبادر إلى الفهم هذه الدابة
المخصوصة، ولو أن حالفا أو ناذرا حلف أو نذر إن رأى خنزيرا فلله عليه أن يتصدق بقدر
مخصوص من ماله على الفقراء، ثم رأى كلبا، أو نذر أنه رأى كلبا فرأى خنزيرا لم يتعلق به
وفاء النذر بغير خلاف بين المسلمين، لا لغة ولا عرفا. والثاني من قوله: إنا قد بينا أن سائر
النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث مرات والخنزير نجس بلا خلاف، وهذا أيضا استدلال
يضحك الثكلى. إن لم يكن الخنزير عند هذا القائل يسمى كلبا فكيف يراعى التراب في
إحدى الغسلات؟ هذا مع التسليم له بأن الإناء يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرات،
وليس كل إناء يجب غسله ثلاث مرات يراعى في إحدى الغسلات التراب، والإجماع حاصل
من الفرقة أن التراب لا يراعى إلا في ولوع الكلب خاصة دون سائر النجاسات، بغير خلاف
بين فقهاء أهل البيت ع، ودون التسليم له، الغسلات الثلاث فيما عدا آنية
476

الولوغ وآنية الخمر والمسكر خرط القتاد، لأن الصحيح من الأقوال والمذهب والذي عليه
الاتفاق والإجماع مرة واحدة مع إزالة عين النجاسة وقد طهره.
ولا يراعى العدد في غسل الأواني إلا في آنية الولوع والخمر والمسكر فحسب.
وأيضا فهذا القائل، وهو الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله يذهب في مسائل خلافه وهو
الكتاب الذي وضعه لمناظرة الخصم: إلى أن العدد في الغسلات لا يراعى إلا في الولوغ
خاصة ويقول: دليلنا أن العدد يحتاج إلى دليل وحمله على الولوع قياس ولا نقول به، فمن
يقول هذا في استدلاله كيف يقول في استدلاله على ولوغ الخنزير مع تسليمه أنه لا يسمى كلبا
بذلك الدليل؟ إن هذا لعجيب وقد ذهب في نهايته وجمله وعقوده إلى أنه: لا يعتبر غسل
الإناء بالتراب إلا في ولوع الكلب خاصة.
ومتى مات في الإناء حيوان له نفس سائلة، نجس الماء إذا كان أقل من كر ووجب
غسل الإناء مرة واحدة سواء كان الميت فأرة أو غيرها.
وقد روي: أنه يغسل لموت الفأرة فيه سبع مرات والصحيح مرة واحدة.
وكل ما وقع في الماء فمات فيه مما لا نفس له سائلة فلا بأس باستعمال ذلك الماء.
وقد استثنى بعض أصحابنا الوزع والعقرب خاصة، ذكر ذلك الشيخ أبو جعفر في نهايته
وذلك أورده على طريق الرواية دون العمل على ما ذكرناه عنه واعتذرنا له، وكذلك ما أورده في
هذا الكتاب المشار إليه بأن الوزغ إذا وقع في الماء ثم خرج منه لم يجز استعماله على حال
والصحيح خلاف ذلك لأنا قد دللنا أن موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء ولا يفسده
وهذا مذهب أهل البيت والأول من القول مذهب المخالف، فإذا كان بموته فيه لا ينجسه
فكيف ينجسه بوقوعه فيه؟ وقد دللنا أن أسار حشرات الأرض طاهرة بغير خلاف بيننا.
ومتى حصل الانسان عند غدير أو مصنع ولم يكن معه ما يغرف به الماء لطهارته
الصغرى فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه لوضوئه، فإن أراد الغسل للجنابة
فكذلك هذا مع خلو يده من نجاسة عينية ويكون الماء دون الكر، فإن كان الماء دون الكر
وعلى يده نجاسة أفسده.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: وإن أراد الغسل للجنابة وخاف أن نزل إليه فساد الماء
477

فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ثم ليأخذ كفا كفا من الماء فيغتسل به، ففي الطهارة
الصغرى التي هي الوضوء وافق على أخذه الماء من غير إفساد له وإن رجع من استعماله
إليه، وفي الكبرى لم يوافق لأن عند هذا القائل أن الماء المستعمل في الطهارة الصغرى طاهر
مطهر. فأما المستعمل في الطهارة الكبرى فلا يرفع به الحدث فلأجل هذا قال: فليأخذ كفا
كفا من الماء فيغتسل به، يريد قبل أن ينزل من استعماله إلى باقي الماء فيصير ماء مستعملا
في الطهارة الكبرى فلا يرتفع الحدث عنده به وقوله: فليرش، يريد به نداوة جلده وبلله من قبل
نيته واغتساله بحيث يكفيه بعد بلل جسده اليسير من الماء فيجري على جسده من قبل أن
ينزل إلى باقي الماء لئلا يصير الماء الباقي قبل فراغه مستعملا في الكبرى فلا يرفع الحدث
عنده به، وليس قول من يقول: المراد بالرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه على الأرض دون
ميامن جسده ومياسره وخلفه وأمامه، بشئ يلتفت إليه لأنه لا معنى له يرجع إليه لأنه إذا تندت
الأرض من هذه الجهات الأربع كان أسرع إلى نزول ما يغتسل به بعد ذلك إلى الماء الباقي قبل
فراغ المغتسل من اغتساله، فيصير الباقي ماء مستعملا فلا يرتفع الحدث عنده به، وهذا
جميعه على رأي شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله: في أن الماء المستعمل في الأغسال الواجبة
لا يرتفع الحدث به، وقد دللنا على خلاف ذلك وبينا الصحيح فيه قبل هذا المكان في هذا
الكتاب فعلى المذهب الصحيح من أقوال أصحابنا لا حاجة بنا إلى الرش المذكور.
ويستحب أن يكون بين البئر التي يستقى منها وبين البالوعة سبعة أذرع إذا كانت
البئر تحت البالوعة وكانت الأرض سهلة، وخمس أذرع إذا كانت فوقها والأرض أيضا سهلة
فإن كانت الأرض صلبة فليكن بينها وبين البئر خمس أذرع من جميع جوانبها. هذا جميعه
على الاستحباب وإلا فلو كان بين البئر وبين البالوعة شبرا أو أقل لم يكن بذلك بأس ما لم
يتغير أحد أوصاف ماء البئر بالنجاسة.
والماء المسخن على ثلاثة أضرب: ماء سخنته النار، وماء سخن بالشمس وماء
مسخن من ذاته وهو ماء العيون الحارة الحامية. فالذي سخن بالنار لا يكره استعماله على
حال، وما أسخنته الشمس بجعل جاعل له في إناء وتعمد لذلك فإنه مكروه في الطهارتين معا
فحسب، وما كان مسخنا من ذاته وهو ماء العيون الحامية فإنه يكره استعماله في التداوي فحسب.
478

باب أحكام الاستنجاء والاستطابة وكيفية الوضوء وأحكامه:
ينبغي لمن أراد الغائط أن يتجنب شطوط الأنهار ومساقط الثمار والطرق النافذة
وفئ النزال وجحرة الحيوان والمياه الجارية والراكدة ولا يبولن فيها ولا في
أفنية الدور ولا في مواضع اللعن، وفي الجملة كل موضع يتأذى به الناس كل ذلك على طريق الاستحباب دون
الفرض والإيجاب فمن فعل خلاف ذلك لا يكون فاعلا لقبيح ولا مخلا بواجب.
فإذا دخل المبرز فالمستحب أن يقول: أعوذ بالله من الرجس النجس
بكسر الراء في الرجس وكسر النون في النجس لأن هذه اللفظة إذا استعملت مع الرجس
قيل: رجس نجس، بخفض الراء والنون، وإذا استعملت مفردا قيل: نجس بفتح النون
والجيم معا.
الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
فإذا أراد القعود لحاجته فالواجب عليه أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول
ولا غائط فهذان تركان واجبان في الصحاري والبنيان على الأظهر من المذهب، وإن وجد
في بعض الكتب لفظ الكراهية فليس بشئ يعتمد إلا أن يكون الموضع مبنيا على وجه
لا يتمكن فيه من الانحراف عن القبلة، ويستحب له أن لا يستقبل قرصي الشمس والقمر
ولا يستقبل الريح بالبول خاصة لئلا ترده عليه، ولا يطمح ببوله في الهواء ولا يبولن في الأرض
الصلبة. والاستنجاء فرض واجب.
ويجوز استعمال الأحجار فيه أو ما يقوم مقامها في إزالة العين من سائر الأجسام ما لم
يكن مطعوما أو عظما أو روثا أو جسما صقيلا أو جسما له حرمة، فإن استعمل هذه الأجسام
المنهي عن استعمالها فلا يجزئه في استنجائه، فإن كان قد توضأ وصلى عامدا فعل ذلك
أو ناسيا أو لم يفعل الاستنجاء بشئ من الأجسام بالجملة عامدا أو ناسيا، فالواجب عليه
الاستنجاء بما يجوز الاستنجاء به وإعادة الصلاة دون الطهارة إذا لم يكن أحدث أو فعل
ما ينقضها ويبطلها، ويستعمل الأحجار أو ما يقوم مقام الأحجار سوى ما ذكرناه فيما لم يتعد
المخرج وينتشر، فإن انتشر وتعدى المخرج لم يجزئه إلا الماء مع وجوده، والجمع بين الحجارة
479

والماء أفضل والاقتصار على الأحجار يجزئ.
فأما البول فلا بد من غسله بالماء والاستنجاء باليد اليسرى إلا إذا كان بها عذر.
والمسنون في عدد أحجار الاستنجاء ثلاثة وإن أنقاه حجر واحد لم يقتصر عليه بل يجب
عليه أن يكمل العدد.
على الصحيح من الأقوال. وإن كان شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان يذهب إلى
الاقتصار على حجر واحد إذا نقى به الموضع وهو مذهب المخالف، والأول أظهر في المذهب
ودليل الاحتياط يعضده ويقتضيه لأن فيه اليقين لبراءة الذمة، والإجماع بإزالة العين والحكم
المتعلق بذلك.
فإن لم ينق الموضع بالأحجار الثلاثة فالواجب استعمال ما ينقي به الموضع، وتكون الأحجار
أبكارا غير مستعملة في إزالة نجاسة، أو عليه نجاسة.
والاستبراء في الطهارة الصغرى عند بعض أصحابنا واجب وكيفيته أن يمسح
بإصبعه من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاث مرات ثم يمر إصبعيه على القضيب
ويخرطه ثلاث مرات. وباقي أصحابنا يذهبون إلى استحبابه إلا أنه إن لم يفعل ذلك ورأى
بعد وضوئه بللا فالواجب عليه الإعادة بلا خلاف بينهم، وإن كان قد فعل الاستبراء ثم رأى
بللا بعد ذلك فلا خلاف بينهم أنه لا يجب عليه إعادة الطهارة وإنما ذلك من الحبائل " وهي
عروق الظهر ".
ولا استنجاء من ريح وإن كان فيها الوضوء، فإذا استنجى بالماء فليغسل موضع
النجو إلى أن ينقي ما هناك أثرا وعينا دون الرائحة، وليس لما يستعمل من الماء حد محدود
إلا سكون النفس فحسب.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن حده خشونة الموضع وأن يصر، وهذا ليس بشئ يعتمد لأنه
يختلف باختلاف المياه والزمان. فماء المطر المستنقع في الغدران لا يخشن الموضع
ولو استعمل منه مائة رطل، والماء البارد في الزمان البارد يخشن الموضع بأقل قليل، والمذهب
الأول.
وليغسل رأس إحليله - والإحليل: هو الثقب دون سائر العضو - بالماء ولا يجوز الاقتصار
480

على غيره مع وجوده على ما تقدم ذكره، وأقل ما يجزئ من الماء لغسله ما يكون جاريا
ويسمى غسلا وقد روي: أقل من ذلك مثلا ما عليه من البول وإن زاد على ذلك كان أفضل.
ويكره الكلام وهو على حال الغائط إلا أن تدعوه إلى ذلك الكلام ضرورة،
ويستحب له أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء من حدث الغائط مرتين ومن البول مرة
وكذلك من النوم ومن الجنابة ثلاث مرات، ولا بأس بما ينتضح من الاستنجاء على الثوب
والبدن إذا كانت الأرض طاهرة ولم يصعد متلوثا وهذا إجماع من أصحابنا سواء كان من
الكف الأول أو الكف الأخير.
فأما كيفية الوضوء: فالنية واجبة في كل طهارة سواء كانت وضوءا أو غسلا أو تيمما،
من جنابة كانت الطهارة أو من غيرها، فإن كانت الطهارة واجبة بأن تكون وصلة إلى
استباحة واجب تعين نوى وجوبه على الجملة أو الوجه الذي له وجب، وكذا إن كان ندبا
ليتميز الواجب من الندب ولوقوعه على الوجه الذي كلف إيقاعه عليه كصلاة الجنازة،
ويجوز أن يؤدى بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بدليل الاجماع من أصحابنا.
والفرض الثاني الذي تقف صحة الطهارة عليه: مقارنة النية لها.
وذكر بعض أصحابنا في كتاب له: هي مقارنة آخر جزء من النية لأول جزء منها حتى يصح
تأثيرها بتقدم جملتها على جملة العبادة، لأن مقارنتها على غير هذا الوجه بأن يكون زمان فعل
الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها متعذر لا يصح تكليفه إذ فيه حرج يبطل ما علمناه من
نفي الحرج في الدين، ولأن ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة وتقدم وجوده على وجود جملة
النية عن كونه عبادة من حيث وقع عاريا عن جملة النية لأن ذلك هو المؤثر في كون الفعل
عبادة لا بعضه.
والفرض الثالث: استمرار حكم هذه النية إلى حين الفراع من العبادة، وذلك بأن
يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها.
ويستحب أن ينوي المتطهر عند غسل يديه في الطهارة الكبرى وإن كانت صغرى
عند المضمضة والاستنشاق، إذا كانت المضمضة والاستنشاق أول ما يفعل من
الوضوء، فينبغي مقارنة النية لابتدائهما لأنهما وإن كانا مسنونين فهما من جملة العبادة ومما
481

يستحق لهما الثواب ولا يكونان كذلك إلا بالنية على ما قال تعالى: وما لأحد عنده من نعمة
تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.
وفرض الوضوء: غسل الوجه وحده من قصاص شعر رأسه إلى محاذر الذقن -
بالذال المعجمة وفتح القاف - طولا وما دارت عليها الإبهام والوسطى عرضا من مستوي
الخلقة في الأغلب والأعم دون النادر الشاذ، وغسل اليدين من المرافق إلى أطراف الأصابع
وعند بعض أصحابنا أن البدأة في الغسل من المرافق واجب لا يجوز خلافه فمتى خالفه
وجبت عليه الإعادة والصحيح من المذهب أن خلاف ذلك مكروه شديد الكراهة حتى جاء
بلفظ الحضر لأن الحكم إذا كان عندهم شديد الكراهة يجئ بلفظ الحظر، وكذلك إذا كان الحكم
شديد الاستحباب جاء بلفظ الوجوب كما جاء عنهم ع: أن غسل يوم الجمعة
واجب لما كان شديد الاستحباب لأنه لا دليل على الحظر بل القرآن يعضد مذهب من قال ذلك
على الاستحباب، وخلافه مكروه لأنه تعالى أمرنا بأن نكون غاسلين، ومن غسل يده من
الأصابع إلى المرافق فقد تناوله اسم غاسل بغير خلاف.
ومسح مقدم الرأس ببلة يده، ومسح ظاهر القدمين من الأصابع إلى الكعبين ويجب
البدأة بالأصابع والانتهاء إلى الكعبين لأن القرآن يشهد بذلك بالبلة أيضا.
وقد ذهب بعض أصحابنا في كتاب له إلى جواز مسحهما من الكعبين إلى رؤوس الأصابع،
وذلك منه على جهة لفظ الخبر وإيراده لا على سبيل الفتوى والعمل، لأن هذا القائل هو شيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله أورد ذلك في نهايته إيرادا لا اعتقادا ومذهبه وفتواه ما حققه في
جملة وعقوده فإنه ذهب إلى ما اخترناه في الجمل والعقود ولأن الاجماع حاصل على براءة ذمة
المتطهر إذا فعل ما قلناه وليس كذلك خلافه فالاحتياط يوجب عليه ذلك. والكعبان هما
العظمان اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك.
والواجب في العضوين المغسولين الدفعة الواحدة والمرتان سنة وفضيلة بإجماع
المسلمين.
ولا يلتفت إلى خلاف من خالف من أصحابنا: بأنه لا يجوز المرة الثانية، لأنه إذا تعين المخالف
وعرف اسمه ونسبه فلا يعتد بخلافه، والشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه يخالف في ذلك.
482

وما زاد على المرتين بدعة، والعضوان الممسوحان لا تكرار في مسحهما فمن كرر ذلك
كان مبدعا ولا يبطل وضوءه بغير خلاف، ولو استقبل في مسح رأسه الشعر لأجزأه، وكذلك
لو غسل الوجه منكوسا يبدأ من المحاذر إلى القصاص لأجزأه على الصحيح من المذهب،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: لا يجزئه، والأول أظهر لأنه بتناوله اسم
غاسل، وإذا تناوله فقد امتثل الأمر وأتى بالمأمور به بغير خلاف.
وأقل ما يجزئ من الماء في الأعضاء المغسولة ما يكون منه غاسلا وإن كان مثل
الدهن - بفتح الدال - بعد أن يكون جاريا على العضو، فإن لم يكن الماء جاريا فلا يجزئه لأنه
يكون ماسحا ولا يكون غاسلا والأمر بالغسل غير الأمر بالمسح.
وبعض أصحابنا يذهب في كتاب له إلى إطلاق الدهن من غير تقييد للجريان ويقيده في كتاب
آخر له، والصحيح تقييده بالجريان لأنه موافق للبيان الذي أنزل به القرآن. وقال السيد
المرتضى رحمه الله في المسائل الناصريات: والذي يجب أن يعول عليه أن الله تعالى أمر في
الجنابة بالاغتسال وفي الطهارة الصغرى بغسل الوجه واليدين فيجب أن يفعل المتطهر
من الجنابة والمتوضئ ما يسمى غسلا ولا يقتصر على ما يسمى مسحا ولا يبلغ الغسل، فأما
الأخبار الواردة بأنه يجزئك ولو مثل الدهن فإنها محمولة على دهن يجري على العضو ويكثر
عليه حتى يسمى غسلا ولا يجوز غير ذلك.
قال محمد بن إدريس: وهذا هو الصحيح المحصل المعتمد عليه والمسنون للرجال أن
يبتدئوا بظاهر الذراع بالكف الأول وبباطن الذراع بالكف الثاني، والمسنون للنساء عكس
ذلك، وهذا على جهة الندب لا الوجوب للرجال والنساء.
ولا بد من إدخال المرافق في الغسل على طريق الوجوب، والترتيب واجب في
الطهارتين معا الكبرى والصغرى، والموالاة واجبة في الصغرى فحسب، وحدها
المعتبر عندنا - على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصلين - هو أن لا يجف غسل العضو
المقدم في الهواء المعتدل، ولا يجوز التفريق بين الوضوء بمقدار ما يجف معه غسل العضو
الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل،
وبعض أصحابنا يوجب الموالاة على غير هذا الاعتبار ويذهب إلى اعتبار الجفاف يكون عند
483

الضرورة لانقطاع الماء وغيره من الأعذار فأما مع زوال الأعذار فلا يعتبر جفاف ما وضأه.
وأقل ما يجزئ في مسح الناصية ما وقع عليه اسم المسح، والأفضل أن يكون مقدار
ثلاث أصابع مضمومة سواء كان مختارا أو مضطرا.
وقال بعض أصحابنا: الواجب في حال الاختيار مقدار ثلاث أصابع مضمومة وفي حال
الضرورة إصبع واحدة، والأول أظهر بين أصحابنا لأن دليل القرآن يعضده لأن من مسح
ما اخترناه يسمى ماسحا بغير خلاف ومن ادعى الزيادة يحتاج إلى شرع، فالشيخ أبو جعفر
الطوسي رحمه الله يذهب إلى ما اخترناه في جمله وعقوده ويورد المقالة الأخرى في نهايته على
جهة الإيراد على ما نبهنا عليه من قبل.
ويكره استقبال شعر ذراعك في غسله وكذلك يكره استقبال شعر ناصيتك في
مسحها، ثم تضع يديك جميعا بما بقي فيهما من البلة على ظهر قدميك فتمسحهما من أطراف
الأصابع إلى الكعبين اللذين تقدم وصفهما، ولا يجوز أن يأخذ للرأس والرجلين ماء جديدا
ولا يجزئ غسل الرجلين عن مسحهما، وكذلك الرأس، وإن عرضت حاجة إلى غسل
الرجلين للتنظيف أو غيره وجب أن يقدم على الوضوء ليميز بين المفروض والمسنون فإن
جعل غسلهما بين أعضاء الطهارة فمكروه ويعتبر جفاف ما وضأه على ما مضى شرحنا له.
ومسح الأذنين أو غسلهما بدعة عند أهل البيت عليهم السلام، ولا يجوز المسح على الخفين
ولا الجوربين ولا الجرموقين ولا على الخمار والعمامة، فأما النعال فما كان منها حائلا بين الماء
وبين القدم لم يجز المسح عليه، وما لم يمنع من ذلك جاز المسح عليه سواء كان منسوبا إلى
العرب أو العجم. ويجوز المسح على الجبائر عند الضرورة وخوف المضرة بحل العضو.
قال محمد بن إدريس: في مسائل الخلاف للسيد المرتضى: التساخين الخفاف - بالتاء المنقطة
من فوقها بنقطتين المفتوحة والسين غير المعجمة المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة والياء
المنقطة من تحتها بنقطتين المسكنة والنون - فأوردت الكلمة هاهنا لئلا تصحف.
ويجب في الوضوء الترتيب وهو أن يغسل الوجه ثم اليدين ويمسح الرأس ثم
الرجلين، فمن قدم مؤخرا أو أخر مقدما لم يجزئه ذلك في رفع حدثه، وكان عليه تداركه، كأنه
قدم غسل يديه على وجهه، فالواجب أن يرجع فيغسل وجهه ثم يديه وكذلك سائر
484

الأعضاء، ومن قدم غسل يده اليسرى على غسل اليمنى وجب عليه الرجوع إلى غسل
اليمنى ثم يعيد غسل اليسرى، ودليل ذلك إجماع أهل البيت ع. فإن غسل
اليدين قبل الوجه ثم غسل الوجه بعدهما، فإن كان لم ينو عند المضمضة والاستنشاق نية
الطهارة ولا نواها عند غسل وجهه فإنه يجب أن يعيد غسل وجهه ثانيا بنية لأنه غسله بغير
نية، وإن كان نوى عند المضمضة فلا يجب عليه إعادة غسل وجهه ثانيا وكذلك إن لم ينو
عند المضمضة ونوى عند غسل وجهه نية الطهارة فلا يجب عليه إعادة غسله ثانيا بل إعادة
غسل يديه فحسب، ومسح رأسه ورجليه مرتبا إذا لم يجف الماء الذي على وجهه فإن جف
وجب عليه إعادة غسله ثانيا، فهذا تحرير ذلك.
والموالاة في الوضوء أيضا واجبة ومعناها غير معنى الترتيب، لأن الترتيب هو أن
يكون كل تطهير عضو بعد صاحبه من غير تفصيل لفور أو تراخ، والموالاة: أن يوالي بين
الأعضاء من غير تراخ فيصل غسل اليدين بغسل الوجه، ومسح الرجلين بمسح الرأس،
ويتعمد أن يكون فراغه من مسح رجليه وعلى أعضائه المغسولة والممسوحة نداوة الماء،
ومن فرق وضوءه لانقطاع الماء عنه أو لغيره من ضروب الأعذار أو باختياره حتى يجف
ما تقدم، وجب عليه استئناف الوضوء من أوله أو من حيث جف وإن كان التفريق لم يجف
معه ما تقدم وصل من حيث قطع.
ومن ذكر أنه لم يمسح برأسه وفي يده بلة الوضوء يمسح عليه وعلى رجليه بما بقي في
يده من البلة من غير استئناف ماء مجدد، وكذلك القول في الرجلين إذا ذكر أنه لم يمسح
عليهما، فإن لم يكن في يده بلل أخذه من حاجبيه أو من لحيته أو من أشفار عينيه إن كان في
ذلك نداوة ومسح بها وإن كانت قليلة، فإن لم يبق شئ من النداوة أصلا وجب عليه
إعادة الوضوء من أوله وكذلك إن ذكر أنه لم يغسل ذراعيه وجب أن يغسلهما ثم يمسح
برأسه ورجليه، وكل هذا ما لم يجف طهارة العضو المتقدم على المنسي، كأنه ذكر أنه لم يغسل
ذراعيه وقد جفت طهارة وجهه أو ذكر أنه لم يمسح رأسه وقد جفت طهارة ذراعيه، فمن
كانت هذه حاله وجب أن يستأنف الوضوء من أوله.
ومن كان قائما في الماء وتوضأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليهما من غير أن
485

يدخل يديه في الماء: فلا حرج عليه لأنه ما سح بغير خلاف والظواهر من الآيات والأخبار
متناولة له، ولنا في هذا مسألة طويلة فمن أرادها وقف عليها.
ومن عرض له وهو في حال الوضوء لم يخرج عنه شك في أنه ترك بعض أعضائه
أو قدم مؤخرا أو أخر مقدما، وجب عليه أن يعيد الوضوء من أوله حتى يكون على يقين من
كمال طهارته، إلا أن يكثر ذلك منه ويتواتر فلا يلتفت إليه ويمضى فيما أخذ فيه، فإن كان
الشك العارض بعد فراغه وانصرافه من مغتسله وموضعه لم يحفل بالشك وألغاه لأنه لم
يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من كمالها وليس ينقض الشك اليقين اللهم إلا أن
يتيقن ويذكر أنه أهمل شيئا أو قدم مؤخرا أو أخر مقدما فيكون الحكم ما قدمناه.
وقد قال بعض أصحابنا في كتاب له: أنه ليس من العادة أن ينصرف الانسان من حال
الوضوء إلا بعد الفراع من استيفائه على الكمال، وهذا غير واضح إلا أنه رجع في آخر الباب
ويقول: إن انصرف من حال الوضوء وقد شك في شئ من ذلك لم يلتفت إليه ومضى على
يقينه، وهذا القول أوضح وأبين في الاستدلال.
ومن تيقن الطهارة والحدث معا ولم يعلم أيهما سبق صاحبه وجب عليه الوضوء
ليزول الشك ويحصل على يقين بالطهارة، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل على
اليقين ولم يحفل بالشك، وإن كان المتيقن هو الحدث والمشكوك فيه هو الطهارة عمل على
اليقين واستأنف الطهارة.
ومن كان في يده خاتم فالمستحب أن يحركه عند غسل يده وإن كان واسعا يدخل
الماء تحته، وإن كان ضيقا لا يدخل الماء تحته فليحوله من موضعه إلى موضع آخر وكذلك
المرأة في الدملج وما أشبهه.
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إلى أنه متى صلى الظهر بطهارة ولم يحدث وجدد
الوضوء ثم صلى العصر ثم ذكر أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة فإنه يعيد صلاة الظهر
ولا يعيد صلاة العصر، وحكي عن الشافعي أنه يعيد الظهر وفي إعادة العصر قولان:
أحدهما لا يعيد مثل ما قلنا إذا قال: إن تجديد الوضوء يرفع الحدث والآخر أنه يعيد إذا لم يقل:
إن تجديد الوضوء يرفع حكم الحدث.
486

قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والذي يقوى في نفسي ويقتضيه أصول مذهبنا أنه
يعيد الصلاتين معا الظهر والعصر لأن الوضوء الثاني ما استبيح به الصلاة ولا رفع به
الحدث وإجماعنا منعقد على أنه لا تستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو نية استباحة
الصلاة بالطهارة، فأما إن توضأ الانسان بنية دخول المساجد أو الكون على طهارة أو الأخذ في
الحوائج، لأن الانسان مستحب له أن يكون في هذه المواضع على طهارة فلا يرتفع حدثه
ولا استبيح بذلك الوضوء الدخول في الصلاة، وإلى هذا القول والتحرير يذهب شيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله في جواب المسائل الحلبيات التي سئل عنها فأجاب بما حررناه فأما
إن كان قد أحدث عقيب كل طهارة فإنه يجب عليه إعادة جميع صلاته.
ومقدار الماء لإسباغ الوضوء مد، وهو رطلان وربع بالعراقي، وللغسل صاع وهو
أربعة أمداد يكون تسعة أرطال بالعراقي، ومن اغتسل أو توضأ بأقل من ذلك أجزأه بعد أن
يقسمه في ثلاث أكف: كف للوجه وكفان لليدين، وقد روي أنه يجزئ من الوضوء ما جرى
مجرى الدهن إلا أنه لا بد أن يكون مما يتناوله اسم الغسل ولا ينتهي في القلة إلى ما يسلب
الاسم على ما قدمنا شرحنا له وحققناه.
باب أحكام الأحداث الناقضة للطهارة:
ما ينقض الوضوء على ثلاثة أضرب: أحدها ينقضه ولا يوجب الغسل، وثانيها
ينقضه ويوجب الغسل، وثالثها إذا حصل على وجه نقض الوضوء لا غير، وإذا حصل
على وجه آخر وجب الغسل.
فما يوجب الوضوء لا غير:
البول والغائط سواء خرج من الموضع المعتاد أو خرج من غير ذلك الموضع لقوله
تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط، ولم يعين موضعا دون موضع،
487

وبعض أصحابنا يقيد ذلك بموضع في البدن دون المعدة ويستشهد على ذلك بعموم قوله تعالى:
أو جاء أحد منكم من الغائط، وما روي من الأخبار: أن الغائط ينقض الوضوء يتناول ذلك
وقال: ولا يلزم ما فوق المعدة لأن ذلك لا يسمى غائطا وهذا استدلال منه غير واضح لأنه استدل
بعموم الآية ثم خصص اللفظ من غير تخصيص فيه أو في دليله فما بقي لدون المعدة معنى
بالتقييد بل لأنه لا يسمى غائطا، فإن سمي غائطا أو خرج الغائط من فوق المعدة يلزمه ما لزمه
من دون المعدة لشمول اللفظ وعموم الآية وإلا بطل استدلاله بها رأسا، والأولى إطلاق خروجه
من موضع في البدن من غير تقييد حتى يصح الاستدلال بالآية والأخبار.
والريح الخارج من الدبر على وجه متيقن إما بأن يسمع الصوت أو يشم الريح، فأما
غير ذلك من الخارج من غير الدبر إما فرج المرأة - يعني قبلها - أو مسام البدن أو ريح متوهمة
مشكوك فيها غير متيقن فلا ينقض ذلك الوضوء.
والنوم الغالب على السمع والبصر وبمجموع الحاستين على جميع أحوال النائم
من صحيح الحاسة فأما غير صحيح الحاسة فبأن ينام نوما لو نامه صحيح الحاسة لما سمع
ولما أبصر.
وإجماع أصحابنا على أن النوم حدث ينقض الوضوء منعقد، وقول الرسول عليه السلام العين
وكاء السه - بالسين غير المعجمة المشددة المفتوحة وبالهاء غير المنقلبة عن تاء - وهي حلقة
الدبر، قال الشاعر:
أدع أجيجا باسمه لا تنسه
إن أجيجا هو صبيان السه
يعضد ما ذهبنا إليه لأنه مجمع عليه،
وكل ما أزال العقل وفقد معه التحصيل والتميز من إغماء وجنون ومرة وسكر
وغير ذلك من جميع أنواع الأمراض التي يفقد معها التحصيل ويزول التكليف.
وما يوجب الغسل:
فخروج المني على كل حال سواء كان دافقا أو غير دافق بشهوة كان أو بغير
شهوة،
488

وما يوجد في بعض كتب أصحابنا من تقييده بالدفق فغير واضح إلا أنه لما كان الأغلب في
أحواله الدفق قيد ذلك.
وغيبوبة الحشفة في فرج آدمي سواء كان الفرج قبلا أو دبرا،
على الصحيح من الأقوال لأنه إجماع المسلمين ويعضد ذلك قوله تعالى: أو لامستم النساء،
ولا خلاف أن من أولج حشفته في دبر امرأة ينطلق عليه أنه لامس النساء حقيقة وضعية
وحقيقة عرفية شرعية، ويسمى أيضا الدبر فرجا بغير خلاف بين أهل اللغة، على أن هذه
اللفظة إن كانت مشتقة من الانفراج فهو موجود في القبل والدبر وإن كانت مختصة بقبل
المرأة فذلك ينتقض بقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين، ومعلوم أنه تعالى أراد بذلك الرجال دون النساء وسمي ذكر
الرجل وآلة جماعه فرجا وهذا ينقض أن تكون اللفظة مختصة بقبل المرأة.
وأما الأخبار المتضمنة لذكر غيبوبة الحشفة فهي أيضا عامة على الفرجين ودالة على الأمرين لأن
غيبوبة الحشفة في كل واحد من الفرجين تقتضي تناول الاسم وفي الأخبار ما هو أوضح في تناول
الأمرين من غيره.
روى محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أي الباقر والصادق عليهم السلام قال: سألته متى
يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ قال: إذا أدخلته فقد وجب الغسل والمهر والرجم وفي
لفظ آخر: إذا غيب الحشفة. وروى حماد عن ربعي بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي عليه السلام فقال: ما تقولون في الرجل يأتي
أهله فخالطها ولم ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء. وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان
فقد وجب الغسل. فقال عمر لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال عليه السلام: أ توجبون الرجم عليه ولا توجبون عليه صاعا من ماء. وقد روي هذا المعنى
من طرق كثيرة وهذا تنبيه منه عليه السلام على أن هذه الأحكام يتبع بعضها بعضا وإذا كنا
نوجب في الوطء في الدبر من المرأة الحد كما نوجب في القبل وجب الغسل على الجميع بشهادة
أمير المؤمنين عليه السلام.
489

وأما الأخبار المتضمنة لتعليق الغسل بالتقاء الختانين فلا دلالة فيها عليها لأن أكثر ما تقتضيه
أن يتعلق وجوب الغسل بالتقاء الختانين وقد توجب ذلك وليس هذا بمانع من إيجابه في موضع
آخر لا التقاء فيه لختانين إلا من حيث دليل الخطاب وذلك غير معتمد ولا معول عليه عند
المحققين لأصول الفقه على أنهم يوجبون الغسل بالإيلاج في قبل المرأة، وإن لم يكن هناك
ختان فقد عملوا بخلاف ظاهر الخبر فإذا قالوا: المرأة، وإن لم تكن مختونة فذلك موضع
الختان من غيرها، قلنا: هذا على كل حال عدول عن الظاهر لأن الخبر علق الحكم فيه بالختان
لا بتقدير موضعه وإذا أوجبنا حكم الغسل فيما لم يلتق فيه ختانان على الحقيقة فبدليل آخر
وهكذا نصنع فيما خالفتم فيه. وأما ما يوجد في الروايات والأخبار والكتب فلو كان صريحا في
تضمنه خلاف ما ذكرناه، لم يجب الالتفات إليه فيما يدل القرآن والإجماع والأخبار المتظاهرة
المشهورة على خلافه، فضلا أن يكون لفظه محتملا لأنهم يدعون، أن من وطأ امرأة في دبرها
ولم ينزل فلا غسل عليه. ويمكن حمله على وطئها من جهة الدبر دون الفرج وكما أنه يطأ من جهة
القبل في الفرج وفيما دونه فكذلك قد يطأ من جهة الدبر في الفرج وفيما دونه. ويوجد في
روايات أصحابنا ما هو صريح في أن الوطء في الدبر بغير إنزال يقتضي الغسل فهو معارض
بتلك الأخبار فإن قيل: قد دللتم على أن الفاعل يجب عليه الغسل فمن أين أن الغسل
أيضا واجب على المفعول به؟ قلنا: كل من أوجب ذلك على الفاعل أوجبه على المفعول به،
فالقول بخلاف ذلك خروج عن الاجماع، فأما ما يوجد في بعض كتب شيخنا أبي جعفر
الطوسي - رحمه الله - مما يخالف ما اخترناه ويقتضي ظاهره ضد ما بيناه فيمكن تأويل ما أورده
بالمذكور وأيضا فقد اعتذرنا له في مواضع، وقلنا: أورده إيرادا لا اعتقادا. والدليل على ذلك
ما أورده في مبسوطه في الجزء الثالث في كتاب النكاح قال: فصل في ذكر ما يستباح من
الوطئ وكيفيته قال: يكره إتيان النساء في أحشاشهن يعني أدبارهن وليس بمحظور قال:
والوطء في الدبر يتعلق به أحكام الوطئ في الفرج من ذلك إفساد الصوم ووجوب الكفارة
ووجوب الغسل، وإن طاوعته كان حراما محضا كما لو أتى غلاما، وإن أكرهها فعليه المهر
ويستقر به المسمى ويجب به العدة. قال: وروي في بعض أخبارنا: أن نقض الصوم ووجوب
الكفارة والغسل لا يتعلق بمجرد الوطئ إلا أن ينزل فإن لم ينزل فلا يتعلق به ذلك، فانظر
490

أرشدك الله فهل هذا قول موافق لما اخترناه أو مخالف له؟ وقال في مبسوطه في الجزء الأول
في فصل في ذكر غسل الجنابة وأحكامها: فأما إذا أدخل ذكره في دبر المرأة أو الغلام فلأصحابنا
فيه روايتان: أحدهما يجب الغسل عليهما والثانية لا يجب عليهما هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إذا كانت إحدى الروايتين يعضدها القرآن والأدلة فالعمل بها
هو الواجب ورفض الرواية الأخرى لتعريها عن البرهان، وقال رحمه الله في كتاب الصوم في
الجزء الأول من مبسوطه أيضا: والجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج
امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب، هذا آخر كلامه، أ لا تراه
- رحمه الله - قد سمي الدبر فرجا وقوله: والجماع في الفرج سواء كان قبلا أو دبرا. وأفتى في
الحائريات في المسألة الثانية والأربعين عن الرجل: إذا جامع امرأته في عجيزتها وأنزل الماء
أو لم ينزل ما الذي يجب عليه؟ فقال: الجواب، الأحوط أن عليهما الغسل أنزلا أو لم ينزلا وفي
أصحابنا من قال: لا غسل في ذلك إذا لم ينزلا والأول أحوط فهذا فتوى منه وتصنيف وما
أو مات إلى ما أو مات إلا بحيث لا ينبغي أن تقلد إلا الأدلة دون الرجال والكتب.
والحيض والنفاس ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم
بالغسل على خلاف بين الطائفة، والصحيح وجوب الغسل.
والقسم الثالث دم الاستحاضة فإنه إذا خرج قليلا لا ينقب الكرسف نقض
الوضوء لا غير، وإن نقب أوجب الغسل.
وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا عبارة عن هذا القليل غير واضحة بأن قال: وحده أن
لا يظهر على القطنة، والمقصود من ذلك أن لا يظهر على القطنة إذا استدخلتها المرأة إلى
الجانب الآخر وهو أن ينقبها ويظهر عليها، فلا يظن ظان أنه أراد بالعبارة أن لا يظهر على
القطنة جملة من أي جانب كان فليس هذا المراد لأنه إن لم يظهر عليها جملة فليست هي
مستحاضة ولا ينقض الوضوء سوى ما ذكرناه.
وجملة الأمر وعقد الباب أن نقول: ناقض الطهارة المائية اثنا عشر شيئا ستة تنقض
الوضوء ولا توجب الغسل، وستة منها تنقض الوضوء وتوجب الغسل.
فالذي ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل: البول والغائط والريح والنوم الغالب
491

على السمع والبصر وكل ما أزال العقل والتمييز من سائر أنواع المرض والاستحاضة
على بعض الوجوه، وهو أن يكون الدم قليلا لا ينقب الكرسف على ما مضى شرحنا له.
وقد يوجد في بعض الكتب: خمسة تنقض الوضوء ولا يذكرون السادس والاعتذار عنهم أن
تركهم لذكره لأنهم ما ذكروا إلا الذي هو ناقض الوضوء هو بنفسه غير منقسم في نفسه، مثال
ذلك أحد الخمسة: البول غير منقسم في نفسه لأنه ليس له حالة أخرى تنقض الوضوء ويوجب
الغسل، والقسم السادس له حالة أخرى ينقض الوضوء ويوجب الغسل وهو إذا كثر الدم
وثقب فلأجل ذلك قالوا: خمسة يعنون الناقض الذي لا ينقسم في نفسه والمحصل والمحكك
ما ذكرناه أولا.
والستة التي توجب الاغتسال: إنزال المني، وغيبوبة الحشفة في فرج آدمي سواء
كان ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا ميتا أو حيا، والحيض والنفاس والاستحاضة على بعض
الوجوه،
احترازا من القسم الذي ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل وهو القليل الذي لا ينقب
الكرسف - وهذا القسم المراد به الكثير الذي ينقب الكرسف فإنه يوجب الغسل.
ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل فهذه اثنا عشر شيئا.
فأما الطهارة الترابية فجميع ذلك ويزيد عليها بوجود الماء مع التمكن من
استعماله فصارت نواقض الترابية ثلاثة عشر شيئا، فجميع الأغسال الرافعة للأحداث
لا يستباح بمجردها الصلوات إلا غسل الجنابة فحسب فإن الصلاة تستباح بمجرده.
من غير خلاف بين فقهاء أهل البيت، فأما ما عداه من الأغسال فقد اختلف قول أصحابنا
فيه، فمنهم من يستبيح بمجرده الصلاة ويجعله مثل غسل الجنابة ويحتج بأن الصغير
يدخل في الكبير، ومنهم وهم المحققون المحصلون الأكثرون لا يستبيحون الصلاة بمجرده
ولا بد لهم في استباحة الصلاة من الوضوء إما قبله أو بعده. وقد يوجد في بعض كتب
أصحابنا: أن كيفية غسل الحائض مثل كيفية غسل الجنب، ويزيد بوجوب تقديم الوضوء
على الغسل، وهذا غير واضح من قائله بل الزيادة على غسل الجنابة أن لا تستبيح الحائض
إذا طهرت بغسل حيضها وبمجرده الصلاة كما يستبيح الجنب سواء قدمت الوضوء أو أخرت، فإن
492

أراد: يجب تقديم الوضوء على الغسل فغير صحيح بغير خلاف، والذي يدل على ما اخترناه من
القولين قول الله تعالى:: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأوجب على كل قائم
إلى الصلاة مسح بعض الرأس ومسح الرجلين، فمن استباح الصلاة بمجرد الغسل لم يمتثل
الأمر ولا أتى بالمأمور لأنه ما مسح، والله تعالى أمرنا إذا أردنا الصلاة أن نكون غاسلين ماسحين
فإن قيل: هذا يلزمكم مثله في غسل الجنابة قلنا أنت موافق لنا في غسل الجنابة ودليل ذلك
قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، ومن اغتسل فقد تطهر فما أوجب على الجنب إذا
أراد استباحة الصلاة إلا أن يتطهر بالاغتسال فحسب فأخرجنا الجنب بهذا اللفظ وبقي الباقي
على عمومه وشموله، وأيضا الاجماع حاصل على استباحة الجنب الصلاة بمجرد الغسل.
وليس ينتقض الوضوء بشئ خارج عما ذكرناه من قلس - بفتح اللام - أو دم سائل
أو قئ أو مذي أو ودي - بالدال غير المعجمة - أو مس فرج أو غير ذلك مما وقع الخلاف فيه
وذكره يطول. فأما الدود الخارج من أحد السبيلين أو الشيافة أو الحقنة بالمائعات فإن خرج
شئ من ذلك خاليا من نجاسة فلا وضوء، وإن كان عليه شئ من العذرة أو البول فحسب،
انتقضت الطهارة بما صحبها من ذلك لا بخروج ذلك الشئ.
باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها:
الجنابة في اللغة هي البعد.
قال الأعشى: أتيت حريثا زائرا عن جنابة، يعني عن بعد.
وهي في الشريعة كذلك لأن الجنب بعد عن أحكام المتطهرين لأن المتطهر يستبيح
ما لا يستبيحه الجنب من الجلوس في المساجد وغير ذلك، والجنب بعد عن ذلك لحدثه.
ويصير الانسان جنبا ويتعلق به أحكام المجنبين من طريقين فحسب لا ثالث لهما: أحدهما:
إنزال الماء الذي هو المني سواء خرج دافقا أو مقارنا للشهوة أو لم يكن كذلك، في النوم كان
أو في اليقظة وعلى كل حال على ما مضى شرحنا له، والآخر غيبوبة الحشفة على ما ذكرناه
493

وحققناه من قبل، وهذان الحكمان يشترك فيهما الرجال والنساء.
فإن جامع الرجل امرأته فيما دون الفرج - الذي حققناه وبيناه - وأنزل وجب عليه
الغسل وإن لم ينزل فليس عليه الغسل وكذلك المرأة.
وذكر بعض أصحابنا في كتاب له فقال: فإن جامع الرجل امرأته فيما دون الفرج وأنزل وجب
عليه الغسل ولا يجب عليها ذلك، فإن لم ينزل فليس عليه أيضا الغسل، فإن أراد بقوله:
" الفرج " القبل فحسب فغير مسلم، وإن أراد " بالفرج " القبل والدبر معا وأراد بجماعه
فيما دونهما فصحيح قوله على ما بيناه وأوضحناه، فكلامه محتمل فلا نظن بمصنف الكتاب
إلا ما قام عليه الدليل دون ما لم يقم عليه إذا كان الكلام محتملا مع إيرادنا كلامه وقوله وفتواه
من غير احتمال للتأويل الذي ذكره في مبسوطه وجوابات الحائريات.
ومتى انتبه الرجل فرأى على ثوبه أو فراشه منيا ولم يذكر الاحتلام ولم يكن ذلك الثوب
والفراش يشاركه فيه غيره وينام فيه سواه، وجب عليه الغسل سواء قام من موضعه ثم
رأى بعد ذلك أو لم يقم، فأما إن شاركه في لبسه والنوم فيه مشارك ممن يحتلم فلا يجب عليه
الاغتسال، سواء قام من موضعه ثم رآه أو لم يقم.
وذكر بعض أصحابنا في كتاب له: أنه إذا انتبه الرجل فرأى على ثوبه أو فراشه منيا ولم يذكر
الاحتلام وجب عليه الغسل فإن قام من موضعه ثم رأى بعد ذلك فإن كان ذلك الثوب
أو الفراش مما يستعمله غيره لم يجب عليه غسل، وإن كان مما لا يستعمله غيره وجب عليه
الغسل. فاعتبر المشاركة بعد القيام من موضعه ولم يعتبرها قبل القيام من موضعه،
والصحيح ما اخترناه، وإلى هذا ذهب السيد المرتضى رضي الله عنه في مسائل خلافه فقال:
عندنا أنه من وجد ذلك في ثوب أو فراش يستعمله هو وغيره ولم يذكر الاحتلام فلا غسل يجب
عليه لتجويزه أن يكون من غيره، فإن وجد فيما لا يستعمله سواه ولا يجوز فيما وجده من غيره
فيلزمه الغسل وإن لم يذكر الاحتلام. وقال أبو حنيفة ومحمد ومالك والثوري والأوزاعي:
يغتسل وإن لم يذكر الاحتلام. وقال ابن حي: إن وجده حين استيقظ اغتسل، وإن وجده
بعد ما يقوم ويمشي فلا غسل عليه. وقال الشافعي: أحب له أن يغتسل، هكذا حكى
الطحاوي عنه في الاختلاف والذي قاله الشافعي في الأم مثل ما حكيناه من مذهبنا من القسمة،
494

والدليل على صحة مذهبنا أنه إذا وجد المني ولم يذكر الاحتلام وهو يجوز أن يكون من غيره
ولا يقين معه بما يوجب الغسل وهو على يقين متقدم ببراءة ذمته منه، فإنه على أصل الطهارة
فلا يخرج عن ذلك اليقين إلا بيقين مثله، وإذا وجده فيما لا يشتبه ولا يستعمله غيره فقد أيقن
بأنه منه فوجب الغسل، إذ قد بينا أنه لا معتبر بمقارنة خروجه للشهوة. فأما فرق ابن حي بين
أن يصادفه حين انتباهه وبين أن يقوم ويمشي فلا وجه له من حيث كان إذا فارق الموضع يجوز
أن يكون من غيره فإذا صادفه في الحال لم يكن إلا منه، والتقسيم الذي ذكرناه أولى لأنه إذا
جوز فيما يصادفه أن يكون من غيره كتجويزه فيما يفارقه، لم يجب عليه الغسل في الموضعين،
فلا معنى لاعتبار المشي بل المعتبر ما ذكرناه. هذا آخر كلام المرتضى رحمه الله، فهو واضح
شديد في موضعه.
وذكر بعض أصحابنا في كتاب له وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته فقال: ومتى خرج من الانسان
ماء كثير لا يكون دافقا لم يجب عليه الغسل ما لم يعلم أنه مني وإن وجد من نفسه شهوة
إلا أن يكون مريضا فإنه يجب عليه حينئذ الغسل متى وجد من نفسه شهوة ولم يلتفت إلى
كونه دافقا وغير دافق. فإن أراد هذا القائل باستثنائه المريض أنه إذا خرج منه ماء كثير
ولا يكون منيا من نفسه ووجد شهوة يجب عليه الغسل، فهذا غير واضح إذ قد بينا أن الجنابة
لا تكون إلا بشيئين فحسب ولا يتعلق على الانسان أحكام المجنبين إلا من طريقين: إحداهما
خروج المني على كل حال سواء كان دافقا أو غير دافق بشهوة أو غير شهوة والأخرى غيبوبة
الحشفة في فرج آدمي لا ثالث لهما، وإن استثناه من الدفق فلا اعتبار بالشهوة ولا بالدفق
بانفراد كل واحد منهما أو باجتماعهما من مريض جاء أو من صحيح أو أحدهما إذا لم يكن المني
موجودا، فإذن لا وجه لاستثنائه إذا كان المعتبر المني فحسب سواء كان من صحيح أو مريض
معه دفق وشهوة أو لم يكونا مقارنين له. والظاهر من كلامه في كتابه أنه أراد بما ذكره قسما ثالثا
زائدا على المني والتقاء الختانين بدليل قوله عقيب ذلك: ومتى حصل للإنسان جنبا بأحد
هذه الأشياء، فقد جمع. وأقل الجمع ثلاثة عند المحققين ولو لم يرد ذلك لقال: بأحد هذين
الشيئين يعني المني والتقاء الختانين، فليتأمل ذلك ويلحظ فإنه واضح للمستبصر
. ومتى صار الانسان جنبا بما قدمناه من الحكمين فلا يدخل شيئا من المساجد إلا عابر
495

سبيل، إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه وعلى آله السلام فإنه لا يدخلهما على حال،
فإن كان نائما في أحدهما واحتلم وأراد الخروج فإنه يجب عليه أن يتيمم من موضعه ثم
يخرج، وليس عليه ذلك في غيرهما من المساجد.
وجملة الأمر وعقد الباب أنه يحرم عليه ستة أشياء: قراءة العزائم من القرآن ومس كتابة
القرآن ومس كتابة أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه وأئمته ع والجلوس في
المساجد ووضع شئ فيها. ولا بأس بأخذ ما يكون له فيها محلل له ذلك جائز سائغ. والجواز
في مسجدين: المسجد الحرام ومسجد النبي ع محرم وله أن يقرأ جميع القرآن سوى
ما استثنيناه من الأربع السور من غير استثناء لسواهن على الصحيح من المذهب والأقوال.
وبعض أصحابنا لا يجوز إلا ما بينه وبين سبع آيات أو سبعين آية والزائد على ذلك يحرمه مثل
الأربع السور، والأظهر الأول لقوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن. وحرمنا ما حرمناه
بالإجماع وبقي الباقي داخلا تحت قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن.
ويكره أن يأكل الجنب الطعام أو يشرب الشراب، فإن أرادهما فليتمضمض أولا
ليستنشق. ويكره له أن ينام قبل الاغتسال فإن أراد ذلك توضأ ونام إلى وقت الاغتسال،
فإذا أراد الجنب الاغتسال من الجنابة فمن السنن والآداب أن يجتهد المغتسل في البول
إن كان رجلا ليخرج بقية المني إن كانت، فإن لم يتيسر من البول فلينتر قضيبه من أصله
على رأسه نترا يستخرج شيئا إن كان بقي فيه، ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم
غسل فرجه وما يليه ويزيل ما لعله يبقى من النجاسة عليه، ثم ليتمضمض ثلاثا ويستنشق
ثلاثا.
وبعض أصحابنا يذهب إلى أن الاستبراء بالبول أو الاجتهاد واجب على الرجال، وبعضهم
فيذهب إلى أنه مندوب شديد الندبية وهو الأصح لأن الأصل براءة الذمة ولا يعلق عليها شئ
إلا بدليل قاطع وقد بينا أن الاجماع غير منعقد على ذلك فيحتاج مثبته إلى دليل غير الاجماع
ولا دليل على ذلك. فأما باقي ما ذكرناه فآداب وسنن بغير خلاف.
ويجب على المغتسل أن يوصل الماء إلى جميع بشرته وأعضائه حتى لا يبقى شئ من
جسده لا يوصل الماء إليه ويجتهد فيما ذكرناه غاية الاجتهاد. والترتيب واجب فيه وهو أن
496

يقدم غسل رأسه ثم ميامن جسده ثم مياسره، فإن أخر مقدما أو قدم مؤخرا رجع فتداركه
كما قلنا في الوضوء، فإن غسل الانسان مياسره أولا ثم رأسه ثانيا ثم ميامنه ثالثا، فإن كان
نوى عند المضمضة والاستنشاق أو عند غسل اليدين المستحب أو عند غسل رأسه
فلا يجب عليه إعادة غسل رأسه ثانيا ولا إعادة غسل ميامنه لأنها قد حصلت مرتبة بل
يجب عليه إعادة غسل مياسره ثانيا ولا يجزئه ما فعله من غسلها، فإن كان لم ينو عند
المضمضة ولا عند غسل يديه ولا عند غسل رأسه فإنه يجب عليه إعادة غسل رأسه ثانيا
وإعادة غسل ميامنه لأنه حصل مغسولا بغير نية الطهارة فليلحظ ذلك ويتأمل، وهكذا
إذا غسل ميامنه أولا ثم رأسه ثانيا ثم مياسره ثالثا القول في ذلك على ما حررناه وبيناه،
فالطريقة واحدة والله الموفق للصواب.
والموالاة التي أوجبناها في الوضوء لا تجب في الغسل وجائز أن يفرقه كما أنه يغسل
رأسه في أول النهار ويتم الباقي من جسده في وقت آخر، فإن أحدث فيما بين الوقتين حدثا
من جملة الستة التي تنقض الوضوء ولا توجب الغسل:
فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك على ثلاثة أقوال: قائل يقول: يجب عليه إعادة غسل رأسه،
وقائل يقول: لا يجب عليه إعادة غسل رأسه بل يتم غسل ميامنه ومياسره فإذا أراد الصلاة
فلا بد له من وضوء ولا يستبيحها بمجرد ذلك الغسل، وقائل يقول: لا يجب عليه إعادة غسل
رأسه وإن أراد الصلاة يستبيحها بمجرد غسله بعد إتمامه باقي جسده، وهذا القول هو الذي
تقتضيه الأدلة وأصول المذهب لأن إعادة غسل رأسه لا وجه لها، لأن بالإجماع أن ناقض الطهارة
الصغرى لا يوجب الطهارة الكبرى بغير خلاف.
فأما القائل بأنه: لا يعيد غسل رأسه بل يتم غسل باقي جسده فإذا أراد الصلاة فلا بد له من
الوضوء، فباطل أيضا لأن هذا بعد حدثه الأصغر جنب، وأحكام المجنبين تتناوله بغير خلاف
من قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وقوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا، فأجاز تعالى الدخول في الصلاة بعد الاغتسال، وهذا قد اغتسل بغير خلاف لأن
هذا القائل يوافق على أنه قد ارتفع حدثه الأكبر وقد اغتسل، فالآية بمجردها تقتضي
استباحته الصلاة بمجرد اغتساله، فمن منعه وأوجب عليه شيئا آخر مع الاغتسال يحتاج
497

إلى دليل وزيادة في القرآن وإضمار ما لم يقم عليه دليل عقلي ولا سمعي، وأيضا فالإجماع منعقد
بغير خلاف أن بمجرد غسل الجنابة تستباح الصلاة على ما مضى شرحنا له وهذا قد اغتسل
بغير خلاف ولم يحدث بعد غسله وكما له ما ينقض طهارته، ويزيد ما اخترناه وضوحا ما ذكره
السيد المرتضى في مسائل خلافه عند مناظرة المخالفين في الماء المستعمل في الطهارة
الصغرى والكبرى، قال: الماء المستعمل عندنا طاهر مطهر يجوز الوضوء والاغتسال به،
وذلك مثل أن يجمع الانسان وضوءه من الحدث أو غسله من الجنابة في إناء نظيف ويتوضأ به
ويغتسل به دفعة أخرى بعد أن لا يكون على بدنه شئ من النجاسات، واستدل فقال: لو كان
استعمال الماء يمنع من جواز الطهارة به لكان ملاقاته لأول العضو موجبا لاستعماله ومانعا من
إجرائه على بقية العضو وهذا يقتضي أن يأخذ لكل جزء ماء جديدا، فلما اتفقوا على أن صب
أحدنا الماء على رأسه وإفاضته على بدنه يجزئه في الطهارة مع ملاقاته لأول جزء من بدنه دل
ذلك على أن استعمال الماء لا يمنع من الوضوء به.
فإن قالوا: الماء لا يحكم له بحكم الاستعمال حتى يسقط عن جميع العضو ويفارقه، وما دام على
العضو فليس بمستعمل.
قلنا لهم: لا فرق بينكم وبين من قال: والماء لا يحكم له بحكم الاستعمال حتى يسقط عن
الأعضاء كلها لأن حكم الحدث لا يزول والطهارة لا تتم إلا لاستعماله بعد غسل كلها لأنها
تجري مجرى العضو الواحد في حكم العضو فإذا جعلتموه مستعملا في أحد الأعضاء دون
جميعها لزمكم أن يكون مستعملا في بعض العضو.
قال محمد بن إدريس: هذا آخر كلام المرتضى رحمه الله أ لا ترى إلى قوله: لأن حكم الحدث
لا يزول والطهارة لا تتم إلا بغسل كلها لأنها تجري مجرى العضو الواحد؟ فإذا كانت
الأعضاء تجري مجرى العضو الواحد فغسل بعضها غير معتد به وبقية بعضها مثل بقيتها
جميعها وحكمه حكمها قبل الشروع فيها فليلحظ ما قد حققه رضي الله عنه. وقد يوجد في
بعض الكتب أن للجنب أن يغسل رأسه بالغداة ثم يغسل سائر جسده بالعشي، فيعتقد من
يقف على ذلك أن المراد بالعشي دخول الليل والعشاء الأول، والمراد بالعشي في هذا الموضع
خلاف ما اعتقده من يعتقده بل المراد بالعشي هنا آخر النهار، قال حميد بن ثور الهلالي:
498

فلا الظل من برد الضحى نستطيعه ولا الفئ من برد العشي نذوق
وإن ارتمس الجنب ارتماسة واحدة أجزأه ويسقط الترتيب،
وقال بعض أصحابنا: يترتب حكما، وليس بواضح بل الأظهر سقوط الترتيب للإجماع الحاصل
على ذلك، وأحكام الشريعة نثبتها بحسب الأدلة الشرعية.
والمستحب أن يفيض على رأسه ثلاث أكف من الماء ويغسل رأسه بها وما يليه من عنقه
ويخلل شعر رأسه وشعر لحيته ويميزه حتى يصل الماء إلى أصوله، ثم يأخذ ثلاث أكف لجانبه
الأيمن فيغسل بها من عنقه إلى تحت قدمه الأيمن، ثم يأخذ ثلاث أكف لجانبه الأيسر فيفعل فيه
كما فعل بالجانب الأيمن، وكف واحد هو الواجب إذا استوعب العضو المغسول به فإن لم
يستوعبه فالواجب عليه الزيادة على ذلك حتى يغسله جميعه ويستوعبه غسلا، ولو بلغت
الزيادة مائة كف مثلا بل المستحب بعد استيعاب العضو المغسول كفان آخران، ويمر يديه
على جميع جسده ويجتهد في وصول الماء إلى جميع بشرته.
والبشرة هي ظاهر الجلد، وإمرار اليد عندنا غير واجب بل مستحب، وكذلك في الطهارة
الصغرى إمرار اليد على الوجه والذراعين غير واجب بل الواجب الغسل فحسب بما يتأتى
به الغسل سواء كان ذلك باليد أو بتغويص الوجه في الماء، وكذلك الذراع واليد أو بانسكاب
بزال على ذلك حتى يستوعبه غسلا.
ومن وجد بعد الغسل بللا وكان قد بال واجتهد إذا لم يتأت له البول فلا غسل عليه
ولا وضوء، إلا أن يكون بال ولم يمسح تحت الأنثيين ولا نتر القضيب، فإنه يجب عليه الوضوء
دون إعادة الغسل لبقية البول في قضيبه، وهذا حكم جميع من بال من الرجال وتوضأ قبل
أن يستبرئ ثم وجد بللا سواء كان جنبا أو غيره، وهذه الأحكام إنما تلزم الجنب إذا كانت جنابته
عن إنزال. فأما إن كانت جنابته عن غيبوبة الحشفة ولم ينزل فلا يلزمه إعادة الغسل سواء
وجد بللا بعد غسله أو لم يجد بال قبل غسله أو لم يبل، فإن كانت جنابته عن إنزال فإن كان
لم يبل أعاد الغسل إذا وجد البلل بلا خلاف على القولين عند من لا يرى وجوب الاستبراء
وعند من يراه، فأما إذا بال قبل اغتساله واغتسل ثم وجد بعد اغتساله بللا يقطع على أنه
مني فيجب عليه الغسل أيضا بلا خلاف لقوله ع: الماء من الماء، وليس كذلك
499

إذا وجد بللا بعد بوله واغتساله ولم يقطع على أنه مني، فليلحظ ذلك.
والمرأة إذا رأت بللا بعد الغسل لم تعد على كل حال لأن ذلك إنما هو من ماء الرجل
على ما وردت الرواية عنهم ع فبهذا التفصيل وردت.
والأولى عندي أنها إن تيقنت وقطعت على أن البلل مني فإنها يجب عليها الغسل لقوله
عليه السلام: الماء من الماء، فإن لم تتيقن أنه مني فلا يجب عليها الغسل وإن لم تستبرئ قبل
غسلها، بخلاف الرجل، فظهر الفرق بينهما وبان، وقد يوجد في بعض الأخبار والكتب أنه:
إذا لم يبل الجنب قبل غسله ثم اغتسل ووجد بللا فإنه يجب عليه إعادة الغسل والصلاة إن
كان قد صلى.
قال محمد بن إدريس: إعادة الصلاة تحتاج إلى دليل وإنما يجب عليه إعادة الغسل فحسب
لقوله عليه السلام: الماء من الماء، فالغسل الثاني غير الأول وموجبه غير موجبه، فبالأول قد
طهر، فصلاته صحيحة قبل رؤية البلل وقت كونه طاهرا وإعادة الصلاة تحتاج إلى دليل قاهر.
وغسل المرأة كغسل الرجل إلا أنه يستحب لها أن تنقض المظفور من شعرها، فإذا
كان مانعا من وصول الماء إلى البشرة وأصول شعرها وجب عليها حله ونقضه لأنه لا يتم غسلها
إلا به.
والغسل من الجنابة يجزئ عن الأغسال الكثيرة المفروضة والمسنونة سواء تقدم عليها
أو تأخر عنها ويكون الحكم له والنية نيته.
مثال ذلك إذا جامع الرجل زوجته فقبل أن تغتسل من جنابتها رأت دم الحيض فلم
تغتسل فإذا طهرت من حيضها اغتسلت غسلا واحدا للجنابة دون غسل الحيض، وكذلك
إن كانت حائضا ثم طهرت فقبل أن تغتسل جامعها زوجها فالواجب عليها أن تغتسل
غسل الجنابة دون غسل الحيض، لأن غسل الجنابة له مزية وقوة وترجيح على غسل الحيض
وذلك أنه لا خلاف أنه يستباح بمجرده الصلوات، وليس كذلك غسل الحيض، وأيضا عرف
وجوبه من القرآن، وغسل الحيض من جهة السنة وإن كان في هذا الأخير ضعف، لأن ما يثبت
من جهة السنة المتواترة فهو دليل فلا فرق بينه في الدلالة وبين ما يثبت من جهة الكتاب
500

والمعتمد في ذلك على الاجماع بل ذكرنا ما ذكروا وأوردنا ما أورده غيرنا.
والأغسال المفروضات اختلف قول أصحابنا في عددها، فبعض أصحابنا يذهب إلى
أنها خمسة فحسب وبعض يذهب إلى أنها ستة وبعض يذهب إلى أنها سبعة والمعتمد من
الأقوال الثلاثة أوسطها وهو القول: بأنها ستة: أحدها الغسل من الجنابة وغسل الحيض
وغسل النفاس وغسل الاستحاضة على بعض الوجوه على ما مضى شرحنا له، وغسل
الموتى من الناس المحكوم بتغسيلهم فهذا مذهب صاحب الخمسة، وغسل من مس ميتا
بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالاغتسال فهذا هو السادس وهو أوسط الأقوال الثلاثة،
وغسل قاضي صلاة الكسوف مع احتراق القرص جميعه وكان قد ترك الصلاة متعمدا
فهذا هو السابع، وذهب بعض أصحابنا إلى وجوب غسل الإحرام فعلى هذا تكون الأقوال
أربعة.
والأغسال المسنونات فكثيرة وآكدها ما أنا ذاكره: غسل يوم الجمعة،
ووقته من عند طلوع الفجر من يوم الجمعة إلى وقت الزوال وقد رخص في تقديمه يوم الخميس
لمن خاف الفوت ويستحب قضاؤه لمن فاته، إما بعد الزوال أو يوم السبت وكلما قرب من
الزوال كان أفضل، وإذا اجتمع غسل جنابة وغسل يوم الجمعة وغيرها من الأغسال
المفروضات والمسنونات أجزأ عنها كلها غسل الجنابة على ما مضى شرحنا له فإن نوى الجنابة
أجزأه عن الجميع، وإن نوى بالغسل الغسل المسنون دون غسل الجنابة لم يجزئه عن شئ
من ذلك، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه، قال: لأن غسل الجمعة إنما يراد
للتنظيف ومن هو جنب لا يصح ذلك فيه.
قال محمد بن إدريس: الأقوى عندي أنه يحصل له ثواب غسل الجمعة وإن كان جنبا إذ
لا تنافي بينهما، ويعارض شيخنا أبو جعفر بأن الحائض يصح منها غسل الإحرام والجمعة مع
كونها حائضا فإذن لا فرق بينهما إذا لم يكن معه إجماع بالفرق بينهما، ولو كان إجماع من
أصحابنا لذكره في استدلاله.
وغسل ليلة النصف من رجب وغسل يوم السابع والعشرين منه وليلة النصف من
شعبان وأول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه وليلة سبع عشرة منه.
501

وهي ليلة الفرقان لأن الله تعالى فرق بين الحق والباطل فيها لأنها ليلة بدر ووقعة بدر القتال
كان في صبيحتها في شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة بعد نزول فرض الصيام لأنه نزل
فرض صيام شهر رمضان يوم الثاني من شعبان سنة اثنتين من الهجرة.
وليلة تسع عشرة منه وليلة إحدى وعشرين منه وليلة ثلاث وعشرين منه وليلة الفطر
ويوم الفطر،
ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى قبل الخروج إلى المصلى فإن فاته ذلك فلا قضاء عليه
ولا ندب إليه كما ندب إلى قضاء غسل يوم الجمعة.
وغسل يوم الأضحى - ووقته وقت غسل يوم الفطر - وغسل الإحرام - أي إحرام كان
سواء كان حج أو لعمرة - وغسل دخول الحرم وغسل دخول مكة وغسل دخول المسجد
الحرام وغسل دخول الكعبة وغسل دخول المدينة وغسل دخول مسجد الرسول عليه
وعلى آله السلام وغسل زيارته عليه السلام وغسل زيارة كل واحد من الأئمة عليهم
السلام، وغسل يوم الغدير ويوم المباهلة - وهو يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة على
أصح الأقوال - وغسل المولود وغسل قاضي صلاة الكسوف،
إذا احترق القرص كله وتركها متعمدا وإن كان بعض أصحابنا يذهب إلى وجوب هذا
الغسل على ما بيناه.
وغسل صلاة الحاجة وغسل صلاة الاستخارة وغسل التوبة وغسل يوم عرفة.
والكافر إذا أسلم لا يجب عليه الغسل بل يستحب له ذلك وهو داخل في غسل
التوبة اللهم إلا أن يكون وجب عليه الغسل للجنابة وغيرها قبل إسلامه، فإنه إذا أسلم
يجب عليه الغسل لأنه في حال كفره لا يصح منه الغسل لأنه لا يصح منه نية القربة لأنه
لا يعرف المتقرب إليه، وإن كان مخاطبا بالشرعيات عندنا وعند الأكثر من العلماء.
وقد ذهب بعض أصحابنا في كتاب له وهو الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه إلى: أنه إذا
رأى الانسان على ثوبه الذي لا يشاركه فيه غيره منيا فإنه يجب عليه الغسل وإعادة صلاته
من آخر غسل اغتسل لرفع حدث، والذي أذهب إليه وأفتى به في ذلك: أنه لا يجب عليه إعادة
الصلوات الواقعة فيما بين الغسلين والاحتلامين لأن إعادة الصلاة يحتاج إلى دليل شرعي
502

قاطع للعذر مزيل للريب والإنسان المصلي قاطع متيقن لبراءة ذمته بصلاته التي صلاها
في ذلك الثوب وهو مجوز أن تكون هذه الجنابة من نومه فيه هذه الليلة ومجوز أنها من ليال قبلها،
والصلوات التي صلاهن متيقنات وقد وقعن شرعيات فلا يترك المتيقن للمشكوك فيه بل
يجب عليه إعادة صلاته التي انتبه وصلاها فحسب.
وفي الأخبار ما يدل على ذلك قد أورده المذكور في استبصاره: عن زرعة عن سماعة قال:
سألته عليه السلام عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه قد
احتلم قال: فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته وما قال يعيد صلاته من آخر غسل
اغتسل. وقالوا عليهم السلام: اسكتوا عما سكت الله عنه، ولم يورد المذكور رحمه الله بإعادة
الصلاة إلا هذا الخبر فحسب، ثم قد علمنا بمتضمنه إذا أحسنا الظن برواية وعملنا بأخبار
الآحاد، فكيف والراوي له فطحي المذهب غير معتقد للحق بل معاند له كافر؟ مع أن
الأخبار وإن كانت رواتها عدولا فمذهب أصحابنا لا يجوز العمل بها ولا يسوغه بل معلوم من
مذهبهم ترك العمل بها لأن العمل تابع للعلم وأخبار الآحاد لا تثمر علما ولا عملا، وهذا يكاد
يعلم من مذهبنا ضرورة على ما أصلناه وحكيناه عن السيد المرتضى رضي الله عنه في خطبة
كتابنا هذا، ثم إن السيد المرتضى قد ذكر المسألة في مسائل خلافه على ما أوردناه ولم يتعرض
لإعادة الصلاة جملة، ثم إن الشيخ أبا جعفر الطوسي رحمه الله قال ذلك على سبيل الاحتياط،
هذا دليله في المسألة وما أورد دليلا غيره ولا متمسكا سواه ولا ادعى إجماعا ولا أخبارا، ثم
يمكن أن يعمل بما ذهب إليه رحمه الله على بعض الوجوه، وهو إذا لبس ثوبا جديدا ونام فيه ليلة
ثم نزعه ولبس ثوبا غيره ونام فيه ليالي ثم بعد ذلك وجد المني في ذلك الثوب الأول المنزوع
فإنه يجب عليه حينئذ إعادة الصلاة من وقت نزعه الأول إلى وقت وجوده فيه إذا لم يكن قد
اغتسل بعد نزعه وكان قد اغتسل قبل لبسه الأول بلحظة فيجب عليه في هذه الصورة إعادة
الصلاة التي وقعت بين الغسلين فقد عملنا بقوله على ما ترى على بعض الوجوه.
ونية الغسل لا بد منها وكذلك كل طهارة وضوءا كانت أو تيمما، فأما وقت النية
فالمستحب أن يفعل إذا ابتدأ بغسل اليدين ويتعين فعلها إذا ابتدأ بغسل الوجه في الوضوء
أو الرأس في غسل الجنابة، وغيره من الأغسال لا يجزئ ما تقدم على ذلك ولا يلزم استدامتها
503

إلى آخر الغسل والوضوء بل يلزم استمراره على حكم النية، ومعنى ذلك ألا ينتقل من تلك
النية إلى نية تخالفها، فإن انتقل إلى نية تخالفها وقد غسل بعض أعضاء الطهارة ثم تمم ذلك
لم يرتفع حدثه فيما غسل بعد نقل النية ونقضها، فإن رجع إلى النية الأولى نظرت، فإن كانت
الأعضاء التي وضأها ندية بعد بنى عليها، وإن كانت قد نشفت استأنف الوضوء كمن قطع
الموالاة.
فأما في غسل الجنابة فإنه يبني على كل حال لأن الموالاة ليست شرطا فيها والتسمية
عند الطهارة مستحبة غير واجبة.
فأما نية هذا الغسل فإن كان الجنب عليه صلاة واجبة، أو قد دخل عليه وقت صلاة واجبة، أو قد تعين عليه طواف واجب وأراد الاغتسال من
جنابته، فيجب عليه أن ينوي الاغتسال لرفع الحدث واجبا قربة إلى الله تعالى، ويكون
الغسل هاهنا واجبا عليه وكذلك النية لأن الغسل طهارة كبرى هي شرط في استباحة
الصلاة، فمهما لم تجب الصلاة على الجنب لا تجب عليه هذه الطهارة التي هي شرط
فيها، فإن لم يدخل عليه وقت صلاة واجبة ولا عليه صلاة ولا تعين عليه طواف واجب
فغسله ونيته مندوبان.
والذي يدل على ذلك ما ذكره محققوا هذا الفن ومصنفوا كتب أصول الفقه، وهو أن الغسل
قبل وقت الصلاة المفروضة والطواف المفروض، لا يشارك الغسل بعد دخول الوقت في
وجه الوجوب، لأن وجه وجوب الغسل كونه شرطا في صلاة هي واجبة على المكلف المغتسل
في الحال وذمته مشغولة بها، وهذا الوجه غير قائم في الغسل قبل دخول وقت الصلاة
المفروضة، وقد ورد عن الأئمة ع ما يدل بصريحه وفحواه على ما ذكرناه، وقد
أورد بعضه الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في كتابه تهذيب الأحكام، قال: روى
فلان عن فلان ورفع الحديث إلى الصادق ع قال قلت له: امرأة جامعها زوجها
فقامت لتغتسل فهي في المغتسل جاءها دم الحيض قبل أن تغتسل أ تغتسل من جنابتها أم
لا؟ فقال عليه السلام: قد جاءها شئ يفسد عليها الصلاة لا تغتسل. أ لا تراه عليه السلام
إنما علقه بالصلاة ولأجل الصلاة، فلما سقط تكليفها بالصلاة لأجل الحيض قال:
لا تغتسل، إنما كانت تغتسل لأجل الصلاة لا لشئ سوى ذلك.
504

وأيضا فإن الرسول ع كان يطوف على تسع نساء بغسل واحد فلو كان واجبا
لما جاز له تركه لأنه كان يخل بالاغتسال الذي هو الواجب بتركه، ولا خلاف في أن ترك
الواجب قبيح عقلا وسمعا، وحوشي ع عن ذلك، وأيضا فلا خلاف بين المسلمين
وخصوصا علماء أهل البيت وطائفتهم: أن الانسان إذا أجنب أول الليل له أن يترك
الاغتسال وينام إلى دخول وقت صلاته حينئذ يجب عليه الاغتسال لأجل الصلاة، فلو كان
الغسل من الجنابة واجبا على كل حال وأن المكلف إذا صار جنبا وجب عليه الاغتسال بعده
وفي كل وقت لكان يلزم على ذلك أشياء لا قبل لملتزمها إلا العود عن مقالته والرجوع إلى
جماعته أو الخروج عن إجماع أهل نحلته أو العناد لديانته، من جملتها أنه إذا جامع زوجته
ونزع وتخلص من حال مجامعة يجب عليه الاغتسال لوقته بلا فصل وساعته، فإن كان عنده
ماء في منزله وأراد تركه والخروج منه والاغتسال خارجه من نهر أو حمام يحظر عليه الخروج
منه إلى النهر أو الحمام لأنه يكون مخلا بواجب تاركا له، وترك الواجب وبدله قبيح على ما بيناه
أولا وأوضحناه.
فإن قيل: الواجب عندكم على ضربين: واجب موسع وواجب مضيق، فالموسع الذي له بدل
وهو العزم على أدائه قبل خروج وقته وتقضي حاله وزمانه فللمكلف تركه مع إقامته البدل
مقامه، والمضيق هو الذي لا بدل له يقوم مقامه، فغسل الجنابة من الواجبات الموسعات
وانقضى من تلك الإلزامات والتخلص من تلك الشناعات، كما أن الصلاة بعد دخول وقتها وقبل
تضييقه من الواجبات الموسعات فلمكلفها أن يتركها إذا فعل العزم الذي هو البدل إلى آخر وقتها
غير حرج في ذلك ولا آثم بغير خلاف عندكم بل الاجماع منعقد منكم عليه.
قيل له: الذي يفسد هذا الاعتراض ويدمر على هذا الخيال أن أول ما نقوله ونقرره ونحرره:
إن القياس في الشريعة عند أهل البيت ع باطل غير معمول عليه ولا مفزوع إليه،
لا خلاف بين شيعتهم المحقين وعلمائهم المحققين في ذلك لأدلة ليس هذا موضع ذكرها، فمن
أرادها أخذها من مظانها فإنها في كتب المشيخة محققة واضحة، ولولا الأدلة القاهرة وأقوال
الأئمة الطاهرة في تأخير ما صوره السائل من المسائل في الاعتراض وغير ذلك من الصور
عن أول وقته وإقامة البدل مقامه لكان داخلا فيما قررناه وحررناه فأخرجنا منه ما أخرجناه
505

لأجل الاجماع والأدلة، وبقي ما عداه على ما أصلناه من أن ترك الواجب قبيح، والإخلال
بالفرض المتعين لا يجوز، على أن بعض أصحابنا وهو شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان
رحمه الله يذهب إلى: أن تارك الصلاة في أول وقتها من غير عذر مخل بواجب تارك له معاقب
مأثوم إلا أنه إذا فعله يعفو الله عن ذنبه تفضلا منه ورحمة، ذكر ذلك في كتبه وحكاه عنه تلميذه
شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في عدته، وربما قواه أبو جعفر في بعض الأوقات وربما
زيفه في وقت آخر.
فإن اعترض معترض وخطر بالبال فقال: قد بقي سؤال، وهو إن كان غسل الجنابة لا يجب
إلا عند دخول وقت الصلاة على ما قررته وشرحته، فما تقول إذا جامع الانسان امرأته
أو احتلم في ليل رمضان وترك الاغتسال متعمدا حتى يطلع الفجر وقال: أنا لا أريد أن
اغتسل لأن الغسل عندك قبل طلوع الفجر مندوب غير واجب على ما ذهبت إليه، فقال هذا
المكلف: لا أريد أن أفعل المندوب الذي هو الاغتسال في هذا الوقت الذي هو قبل طلوع
الفجر بلا تأخير ولا فصل، فإن قلت: يجب عليه في هذا الوقت الاغتسال سلمت المسألة
بغير إشكال لأنه غير الوقت الذي عينته لوجوب الاغتسال، وإن قلت: لا يغتسل، خالفت
الاجماع وفيه ما فيه من الشناع، وعندنا بأجمعنا: أن الصيام لا يصح إلا لطاهر من الجنابة
قبل طلوع فجره، وإنه شرط في صحة صيامه بغير خلاف فيجب حينئذ الاغتسال لوجوب
ما لا يتم الواجب إلا به، وهذا مطرد في الأدلة، والاعتلال
قيل: ينحل هذا الإشكال ويزول هذا الخيال من وجهين اثنين: وهو أن الأمة بين قائلين: قائل
يقول بوجوب هذا الاغتسال في جميع الشهور والأوقات والأيام والساعات، وهذا المعترض
منهم. وقائل يقول بوجوبه فيما عيناه وشرحناه، وليس هاهنا قائل ثالث بأنه ندب في طول
أوقات السنة ما عدا الأوقات التي عينتموها وواجب في ليالي شهر رمضان فانسلخ من الاجماع
بحمد الله تعالى كما تراه، وحسبه بهذا عارا وشنارا.
فأما الوجه الآخر وهو قوله: كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثله، فصحيح ظاهره
ومعناه إلا أن مسألتنا ليست من هذا الإلزام بسبيل ولا من هذا القول بقبيل لأن الواجب الذي
هو صيام رمضان يتم من دون نية الوجوب للاغتسال، وهو أن تغتسل لرفع الحدث مندوبا
506

قربة إلى الله تعالى، وقد ارتفع حدثه وصح صومه بلا خلاف، فقد تم الواجب من دون نية
الوجوب التي تمسك الخصم بأنه لا يتم به الواجب إلا به، وقد أريناه أنه يتم الواجب من دونه
وبغيره، ولولا أن معرفة القديم سبحانه لا طريق لنا إليها إلا بالنظر في الأدلة لما وجب علينا
ولا تعين، ولو كان لنا طريق سواه لما وجب تعيين أو تحتم
فإن قيل: أ ليس الأمر بمجرده عندكم في عرف الشرع يقتضي الوجوب دون الندب والفور دون
التراخي؟
قلنا: بلى فقد قال سبحانه: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وهذا أمر للجنب، بالتطهير متى كان جنبا
بغير خلاف، فغسل الجنابة واجب بهذا الأمر، قلنا: هذه الآية الثانية التي هي معطوفة على
الآية الأولة وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأمرنا أن نكون غاسلين
ماسحين إذا أردنا القيام إلى الصلاة، وقبل دخول وقت الصلاة لا يجب علينا القيام إليها
ولا الغسل لها، فلما عرفنا سبحانه حكم الطهارة الصغرى عطف عليها حكم الطهارة
الكبرى وهي غسل الجنابة. وهو إذا أردنا القيام إلى الصلاة بعد دخول وقتها يجب علينا
الاغتسال وهذا مذهبنا بعينه.
فإن قال: هما جملتان لكل واحدة حكم نفسها، قلنا: صحيح أنهما جملتان، إلا أن الجملة الثانية
معطوفة على الجملة الأولى بواو العطف بلا خلاف عند أهل اللسان والمحصلين لهذا الشأن،
والمعطوف عندهم له حكم المعطوف عليه ويتنزل منزلته ويشاركه في أحكامه بغير خلاف لأن
واو العطف عندهم تنوب وتقوم مقام الفعل فاستغنوا بها عن تكرره اختصارا للكلام
وإيجازا وبلاغة.
فإن ظن ظان وتوهم متوهم أن السيد المرتضى رضي الله عنه قد ذكر في ذريعته في فصل: هل
الأمر يقتضي المرة الواحدة أو التكرار؟ فقال: كلام السيد يدل على أن غسل الجنابة واجب في
سائر الأوقات.
قلنا: معاذ الله أن يذهب السيد إلى ما توهمه عليه لأن هذا قول من لا يفهم ما وقف عليه وإنما
السيد أورد متمسك الخصم بأن قال الخصم: أنا أريك أن الأمر يقتضي بمجرده المرات دون
507

المرة الواحدة، وصور الصورة في غسل الجنابة. قال السيد عليه: إنما أوجبه من أوجبه لأن كون
الجنابة علة عند من قال بالعلل والقياس لا لتكرر الأمر واقتضائه التكرار بل لتكرر العلة التي
هي الجنابة فلما تكررت تكرر معلولها قال ذلك دافعا للخصم وملزما له ما يلتزم به من مذهبه
ورادا عليه ما يعتقده من كون العلل لها في الشرعيات، وحاشى السيد من أن يكون هذا
اعتقاده ومذهبه يدل على ما ذكرته من مقصود السيد المرتضى رضي الله عنه ما ذكره شيخه
المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله في كتابه أصول الفقه في هذا الفصل بعينه في آخر
الفصل بعد إيراد أدلة واحتجاجات كثيرة.
قال: فصل: مع أن أكثر المتفقهة إنما أوجبوا تكرار الغسل بتكرر الجنابة وتكرار الحد بتكرار
الزنى لما ذهبوا إليه من كون الجنابة علة للغسل أو كون الزنى علة في الحد ولم يوجبوا ذلك
بالصفة حسب، وهذا أيضا يسقط ما ظنه صاحب الاستدلال، هذا آخر كلام الشيخ المفيد.
والذي يزيد مقصود السيد المرتضى بيانا ويوضحه برهانا ما أورده وذكره في مسائل خلافه
في الجريدة، قال السيد: عندنا أن من السنة أن يدرج مع الميت في أكفانه جريدتان خضراوان
رطبتان قدر كل واحدة منهما عظم الذراع، وخالف من عدا فقهاء الشيعة في ذلك دليلنا على
ما ذهبنا إليه ما رواه فلان عن فلان وأورد أخبارا عدة من طرق الخاصة والعامة وطول في
الإيراد نحوا من صفحة ثم بعد ذلك قال: من طريق الاستدلال. وقد سأل بعض أصحابنا الماضين
رحمهم الله نفسه في هذا المعنى، فقال: إن قال قائل ما معنى وضعكم الجريدة مع الميت في
أكفانه؟ ثم قال: قيل له: ما معنى الدور حول البيت وتقبيل الحجر وحلق الرأس ورمى
الجمار؟ فكل ما أجاب به في ذلك فهو في جوابنا بعينه في الجريدة، ثم قيل له: إن الذي تعبدنا
بغسل الميت وتكفينه هو الذي تعبدنا بوضع الجريدة والحنوط معه في أكفانه ولا معنى غيره،
وإلا فلأي معنى أوجب الله تعالى غسل الميت وقد مات وسقطت الفرائض عنه والطهارة؟ إنما
تجب لأداء الفرائض.
قال السيد المرتضى: وهذا كلام سديد في موضعه، أ لا ترى أن السيد رحمه الله قد أورد هذا
الكلام عن أصحابه إيراد راض به متعجب منه، ونكتة ذلك والمقصود والمراد قوله: الطهارة
إنما تراد لأداء الفرائض، فغسل الجنابة طهارة بلا خلاف فلا يجب إلا لأداء الفرائض، ثم قال
508

السيد متمما للمسألة: وليس يجب أن يعرف علل العبادات على التعيين وإن كنا على سبيل الجملة
نعلم أنها إنما وجبت أو ندب إليها للمصالح الدينية، وإن كان المخالف يخالف في ورود
العبادة بالجريدة فما تقدم مما ذكرناه وغيره مما لم نذكره من الأخبار الكثيرة المتظاهرة حجة
فيه، وإن طالب بعلة معينة فلا وجه لمطالبته بذلك لأن العبادات لا تعرف عللها بعينها.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه قال: وإن ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة
أو قعد تحت المجرى أو وقف تحت المطر، أجزأه ويسقط الترتيب في هذه المواضع. وفي أصحابنا
من قال: يترتب حكما. هذا آخر كلامه.
والذي تقتضيه أصول مذهبنا وانعقد عليه إجماعنا، أن الترتيب في غسل الجنابة واجب على
جميع الصور والأشكال والأحوال إلا في حال الارتماس فيسقط في هذه الحال دون غيرها من
الأحوال.
فأما المطر والمجرى إذا قام تحته الانسان فإنه يجب عليه الترتيب في اغتساله، لا يجزئه في رفع
حدثه سواه لأن اليقين يحصل معه بلا ارتياب، ولم يقل أحد من أصحابنا ولا خص الاجماع
إلا في حال الارتماس دون سائر الأحوال فليلحظ ذلك.
باب التيمم وأحكامه:
جملة القول في التيمم يشتمل على ذكر شروطه وبيان كيفيته، وبأي شئ يكون من
الأجسام؟ وهل يستباح به من الصلاة مثل ما يستباح بطهارة الماء؟ وما ينقضه؟ فأما
شروطه فهي: فقد الماء الطاهر أو تعذر الوصول إليه أو الخوف على النفس أو زيادة الضرر في
المرض في سفر أو حضر، وقد يتعذر الوصول إليه مع وجوده بفقد الآلات التي يستقى بها
كالأرشية وغيرها والمشارع التي يحتاج إليها في تناوله وما جرى مجراها أو لعدو حائل عنه.
فأما الخوف على النفس فقد يكون للمرض أو البرد الشديد الذي يخاف معه من
استعماله على النفس، أو لأن الحاجة داعية إلى الموجود منه للشرب. ومن شروطه طلب الماء
والاجتهاد في طلبه، وحد ما وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض
509

سهلة غلوة سهمين، وإذا كانت حزنة فغلوة سهم واحد، هذا مع ارتفاع الخوف للطلب،
فإذا خاف المكلف على نفسه أو متاعه فقد يسقط عنه الطلب. ولا يجوز له التيمم قبل دخول
وقت الصلاة بل لا يجوز التيمم إلا في آخر وقت الصلاة وعند تضيقها وغلبة الظن
لفواتها. ومن شروطه: النية والترتيب والموالاة.
فأما كيفية التيمم للحدث حدثا يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، هو أن يضرب
براحتيه ظهر الأرض وبسطهما ثم يرفعهما وينفض إحديهما بالأخرى ثم يمسح بهما وجهه من
قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه الذي يرغم به في سجوده.
ويشتبه على كثير من المتفقهة الطرف المذكور فيظن أنه الطرف الذي هو المارن لإطلاق القول في
الكتب، ودليل ما نبهنا عليه أن الأصل براءة الذمة مما زاد على ما قلناه، وأيضا قوله تعالى:
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، والباء عندنا للتبعيض بغير خلاف. ومن مسح على ما قلنا
فقد امتثل الآية، وأيضا فبعض أصحابنا يذهب إلى أن مسح الوجه يكون إلى الحاجبين، وقد
وردت أخبار بما ذكرناه إذا تؤملت حق التأمل، من جملة ذلك ما قد أورده الشيخ أبو جعفر
الطوسي رضي الله عنه في كتاب الاستبصار وأحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال
عن مروان بن مسلم وعمار الساباطي قال: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد
أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك. ومن المعلوم أنه إذا أصاب الأرض بالمارن الذي هو طرف
الأنف الأخير - في سجوده لا يجزئه سجوده بغير خلاف، فما أراد إلا من أول الجبهة الذي هو
قصاص الشعر إلى آخرها الذي هو مما يلي الطرف الأول من الأنف، وما أوردت هذا الحديث
إلا على سبيل التنبيه لا الاستدلال والاعتماد على ما قدمناه.
ثم يمسح بكفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، ويمسح بكفه
اليمنى ظاهر كفه اليسرى على هذا الوجه.
وقد ذهب بعض أصحابنا: إلى استيعاب الوجه جميعه وكذلك اليدين من المرافق إلى الأصابع
وذهب قوم من أصحابنا: إلى المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رؤوس الأصابع، والأول
الأظهر وعليه العمل.
وإذا كان تيممه من حدث يوجب الغسل كالجنابة وما أشبهها، ضرب بيديه على الأرض
510

ضربة أولة على ما وصفناه ومسح بهما وجهه على ما حددناه ثم ضرب الأرض ثانية ومسح
كفيه على النحو الذي تقدم ذكره وصفته.
وقد روي: أن الضربة الواحدة للوجه والكفين يجزئ في الوضوء والجنابة وكل حدث، وذهب
إليه قوم من أصحابنا، والأول هو الأظهر في الروايات والعمل وهو الذي أفتى به.
وهذا الترتيب الذي ذكرناه واجب كما قلناه في الطهارة بالماء فمن أخل به رجع
فتلافاه، والموالاة أيضا واجبة على ما قدمنا القول فيه وبيناه.
فأما ما به يكون التيمم فالتراب الطاهر والأرض الطاهرة وبكل ما جرى مجراها مما يقع
عليه اسم الأرض بالإطلاق ولا يتغير تغيرا يسلبه هذا الاسم. ولا يجوز التيمم بجميع
المعادن وتعداد ذلك يطول، وقد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة والصحيح الأول،
ويكره بالسبخ وبالأرض الرملة، ولا يجوز التيمم بالرماد ولا بالدقيق ولا بالأشنان ولا بالسعد
والسدر ولا ما أشبهه في نعومته وانسحاقه، ولا يعدل
إلى الحجر إلا إذا فقد التراب، ولا يعدل إلى غبار ثوبه إلا إذا فقد الحجر والمدر، ولا يعدل
عن غبار ثوبه إلى الوحل إلا إذا فقد الغبار من
ثوبه الذي يكون فيه.
والغبار الذي يجوز التيمم به هو أن يكون في الثوب غبار التراب والأرض فأما إذا كان
فيه غبار النورة أو الأشنان أو غير ذلك فلا يجوز التيمم به، وكذلك غبار معرفة دابته ولبد
سرجه بعد فقدانه غبار ثوبه، فإذا فقد الجميع صار إلى الوحل إن وجده، وكيفية تيممه منه
ككيفية تيممه من الأرض، فإن حصل في أرض قد غطاها الثلج ولا يتمكن من غيره جاز
له أن يضرب عليه بيديه ويتيمم بنداوته.
وقال بعض أصحابنا: فليكسره وليتوضأ بمائه فإن خاف على نفسه من ذلك وضع بطن راحته
اليمنى على الثلج وحركها عليه تحريكا باعتماد ثم رفعها بما فيها من نداوة فمسح بها وجهه
كالدهن، ثم يضع راحته اليسرى على الثلج ويصنع بها كما صنع باليمنى ويمسح بها يده
اليمنى من مرفقه إلى أطراف الأصابع، ثم يضع يده اليمنى على الثلج كما وضعها أولا ويمسح
بها يده اليسرى من مرفقه إلى أطراف الأصابع، ثم يرفعها فيمسح بها مقدم رأسه ويمسح ببلل
يديه من الثلج قدميه، وإن كان محتاجا في التطهر إلى الغسل صنع بالثلج كما صنع به عند
511

وضوئه من الاعتماد عليه ومسح به رأسه وبدنه حتى يأتي على جميعه. فإن خالف على نفسه من
ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة بالماء أو يجد الأرض فيتيمم بها، والأول قول السيد
المرتضى، والثاني قول الشيخ المفيد والشيخ أبي جعفر الطوسي رحمهم الله، والذي أقوله
وأذهب إليه ما اختاره الشيخان من تأخير الصلاة، ولا يجوز له أن يتيمم بالثلج لأن الاجماع
منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض وما ينطلق عليه اسم الأرض بالإطلاق و الثلج ليس
بأرض، ولا أختار قولهما رحمهما الله ولا أجوز ما ذهبا إليه من مسح الوجه واليدين بالثلج
والوضوء به بالمسح على الأعضاء المغسولة، وكذلك لا أجوز للجنب الغسل لجميع بدنه
بالمسح لأن الله تعالى أوجب علينا عند قيامنا إلى صلاتنا أن نكون غاسلين وماسحين
وغاسلين في الجنابة. وحد الغسل ما جرى على العضو المغسول والممسوح بخلافه وهذا
لا خلاف بين فقهاء أهل البيت: أن الغسل غير المسح، فكيف تستباح الصلوات بمجرد
المسح فيما يجب غسله؟ وإذا أعدمنا ما نكون غاسلين به فإن الله سبحانه نقلنا إذا لم نجد
الماء الكافي لغسلنا ولأعضائنا المغسولة إلى التراب والأرض والتيمم، فإذا فقدنا ما نتيمم به
فقد سقط تكليفنا الآن بالصلاة وأخرناها إلى أن نجد الماء فنغتسل به أو التراب فنتيمم به
لقوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور، والطهور مفقود في هذه المسائل فليتأمل ذلك ويلحظ
عني ما قلته بالعين الصحيحة ويترك التقليد وأسماء الرجال جانبا، فقد قال أمير المؤمنين
عليه السلام: انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال، والله الموفق للصواب.
فأما استباحة الصلاة بالتيمم، فلفاعله أن يصلى ما لم يحدث أو يجد الماء ويتمكن من
استعماله ما شاء من صلوات الليل والنهار والفرائض والنوافل. والكلام فيما ينقض التيمم
قد تقدم في باب نواقض الطهارة بالماء.
ومن دخل في الصلاة بالتيمم ثم أصاب الماء وقدر على استعماله.
فقد اختلف قول أصحابنا في هذه المسألة، فبعض يقول: إن كان قد ركع مضى فيها وإن لم
يركع انصرف وتوضأ، وهذا قول شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته إلا أنه رجع
عنه في مسائل خلافه. وبعض قال: إذا دخل في صلاته بتكبيرة الإحرام فالواجب عليه المضي
فيها فإذا فرع منها توضأ لما بعد تلك الصلاة من الصلوات. وبعض قال: يجب عليه
512

الانصراف ما لم يقرأ فإذا قرأ مضى في صلاته ولا يجوز له الانصراف.
والصحيح من الأقوال: أنه إذا دخل في صلاته بتكبيرة الإحرام مضى فيها ولا يجوز له قطعها
بحال، وعلى هذا يعتمد ويفتي السيد المرتضى في مسائل خلافه، وكذلك الشيخ أبو جعفر في
مسائل الخلاف. ومن نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم علم به من بعد لا إعادة عليه، وهو
قول أبي حنيفة ومحمد. وقال الشافعي وأبو يوسف: يجب عليه أن يعيد، وقال مالك: يعيد في الوقت فإذا خرج
الوقت فلا إعادة عليه. وقد ذهب بعض أصحابنا في كتاب له إلى ما ذهب إليه مالك بعينه، وهذا
لا يجوز لأحد من أصحابنا أن يقوله، لأن التيمم عند جميع أصحابنا - إلا من شذ ممن لا يعتد بقوله
لأنه قد عرف باسمه ونسبه - إنما يجب في آخر الوقت وعند خوف فوت الصلاة وخروج
وقتها، ولا يجوز أن يستعمل قبل آخره وتضيقه على وجه من الوجوه، وآخر الوقت من شرطه
كما أن عدم الماء بعد طلبه من شرطه، فكيف يصح أن يقوله في من تيمم قبل الوقت وصلى
فإنه لا صلاة له جملة؟ ويجب عليه أن يصلى صلاة مبتدأة بالماء إذا ذكره؟ فأما من تيمم
قبل آخر الوقت وصلى ثم خرج الوقت وذكر ما كان فيه، فإنه يجب عليه الوضوء وإعادة
الصلاة لأن ما مضى من فعله لم يكن صلاة لأنه كان بغير طهور.
ومن دفع إلى تغسيل ميت ولم يجد الماء، استعمل فيه من التيمم ما بيناه من قبل أنه
فرض من وجب عليه الغسل. ومن كان معه من الماء قدر ما يزيل به النجاسة عن بدنه
أو ثوبه الذي يفتقر إليه في ستر عورته ولا يتسع ذلك الماء لغيره وأحدث حدثا يوجب
الغسل أو الوضوء، وجب أن يستعمل ذلك الماء في إزالة النجاسة ويتيمم للحدث. ومن
أجنب ومعه من الماء ما لا يكفيه لغسل جميع أعضائه، وجب أن يتيمم فإن أحدث بعد ذلك
حدثا يوجب الوضوء فالصحيح من المذهب والأظهر من الأقوال أنه يعيد تيممه ضربتين لأن
حدثه الأول باق ما ارتفع، والدليل على ذلك أنه إذا وجد الماء اغتسل فلو كان حدثه الأكبر قد
ارتفع بتيممه ما وجب عليه الغسل إذا وجد الماء.
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه: يستعمل ذلك الماء إن كفاه للوضوء ولا يجوز له التيمم عند
حدثه ما يوجب الطهارة الصغرى، قال: لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى
وقد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله ولا يجزئه تيممه، والأول أبين وأوضح.
513

ومن لم يجد الماء إلا بثمن وافر زائد الغلاء خارج عن العادة وكان واجدا للثمن، بذله
فيه ولم يجزئه التيمم إلا أن يبلغ ثمنه مقدارا يضر به في الحال. وليس على جميع من صلى
بتيمم إعادة شئ من صلاته إذا وجد الماء، من مريض ومسافر وخائف على نفسه من برد
وغير ذلك.
وقد روي: أنه إذا كان غسله من جنابة تعمدها وجب عليه الغسل وإن لحقه البرد إلا أن يبلغ
ذلك حدا يخاف على نفسه التلف فإنه يجب عليه حينئذ التيمم والصلاة، فإذا زال الخوف
وجب عليه الغسل وإعادة تلك الصلاة. وقد روي: أن المتيمم إذا أحدث في الصلاة حدثا
ينقض الطهارة ناسيا وجب عليه الطهارة والبناء على ما انتهى إليه من الصلاة ما لم يستدبر
القبلة أو يتكلم بما يفسد الصلاة، وإن كان حدثه متعمدا وجب عليه الطهارة واستئناف
الصلاة، والصحيح ترك العمل بهذه الرواية لأنه لا خلاف بين الطهارتين، وإن التروك
الواجبة متى كانت من نواقض الطهارة فإن الصلاة تفسد ويجب استئنافها سواء كان عن
عمد أو سهو ونسيان، وإنما ورد هذا الخبر فأوله بعض أصحابنا في كتاب له وقال: أخصه
بصلاة المتيمم، والصحيح أنه لا فرق بينهما إذ قد بينا أنه لا يلتفت إلى أخبار الآحاد بل
الاعتماد على المتواتر من الأخبار.
ويكره أن يؤم المتيمم المتوضئين،
على الصحيح من المذهب وبعض أصحابنا يذهب إلى أنه لا يجوز.
وقد روي: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء مقدار ما يكفي أحدهم فليغتسل به
الجنب وليتيمم المحدث ويدفن الميت بعد أن يؤمم حسب ما قدمناه. والصحيح أن هذا الماء
إن كان مملوكا لأحدهم فهو أحق به ولا يجب عليه إعطاؤه لغيره ولا يجوز لغيره أخذه منه
بغير إذنه، فإن كان موجودا مباحا فكل من حازه فهو له، فإن تعين عليهما تغسيل الميت ولم
يتعين عليهما أداء الصلاة لخوف فواتها وضيق وقتها فعليهما أن يغسلاه بالماء الموجود، فإن
خافا فوت الصلاة فإنهما يستعملان الماء، فإن أمكن جمعه ولم يخالطه نجاسة عينية
فيغسلانه به على ما بيناه من قبل، في أن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى يجوز استعماله
كاستعمال الماء المستعمل في الطهارة الصغرى على الصحيح من المذهب.
514

باب أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس:
الحيض والمحيض عبارتان عن معنى واحد، وهو الدم الأسود الخارج بحرارة ودفع
في أغلب الأوقات والأحوال في زمان مخصوص من شخص مخصوص. فهذا الحد أسلم
من حد من قال: إن الحائض هي التي ترى الدم الأسود الحار الذي له دفع. وبهذه الصفات
يتميز من دم الاستحاضة والعذرة والقرح وغيرها، وهذا لا يصح لأنها لو رأت الدم بهذه
الصفات في أقل من ثلاثة أيام لم يكن حيضا بالإجماع، وكذلك لو رأته بعد العشرة الأيام
بهذه الصفات لم يكن حيضا، وإن شئت قلت: هو الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة على
وجه إما بظهوره أو بانقطاعه، فقولنا: " بظهوره " المراد به أنها إذا رأت المطلقة الدم الثالث
أول قطرة منه بانت على الصحيح من الأقوال، هذا إذا كانت لها عادة مستقيمة ورأته فيها
لأن العادة والغالب كالمتيقن في حكم الشرعيات، فأما إذا لم يكن لها عادة مستقيمة
فلا تخرج من العدة برؤية القطرة من الدم الثالث إلا بعد اليقين بأن ذلك الدم دم حيض،
وهو أن يتوالى ثلاثة أيام متتابعة لأنها في العدة بيقين، ولا يجوز أن يخرج من اليقين إلا بيقين
مثله، ولا يقين لها إذا رأت القطرة إلا إذا دام ثلاثة أيام إلا أن تراه في أيام عادتها المستقيمة
فيحكم بأنه حيض لما قدمناه من أن العادة والأغلب كالمتيقن الحاصل فليلحظ هذا الموضع
وليتأمل.
وبعض أصحابنا قال: إن كان طلاقها في أول طهرها قلت بذلك وإن كان طلقها في آخر
طهرها فلا تخرج من العدة إلا بعد انقطاعه واستيفاء أيامه، فهذا معنى قولهم بظهوره
أو بانقطاعه على هذا القول والمذهب، وهو مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد النعمان، والأول
مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي: وهو أنها تخرج من العدة برؤية القطرة من الدم الثالث،
وقد قلنا ما عندنا في ذلك وحققناه، وهو أنها إن كانت لها عادة مستقيمة مستمرة فمذهب
شيخنا أبي جعفر وقوله صحيح، وإن لم يكن لها عادة مستمرة فلا تخرج من العدة إلا بعد
استيفاء ثلاثة أيام متتابعات لأنها في العدة بيقين فلا يخرج من اليقين إلا بيقين مثله فهذا تحرير
القولين.
515

وإذا رأت المرأة دم الحيض تعلق بها عشرون حكما: لا يجب عليها الصلاة ولا يجوز
منها فعل الصلاة ولا يصح منها الصوم ويحرم عليها دخول المساجد إلا عابرة سبيل
إلا مسجدين ولا يصح منها الاعتكاف ولا يصح منها الطواف، ويحرم عليها قراءة العزائم
ويحرم عليها مس كتابة القرآن ويحرم على زوجها وطؤها، ويجب عليه إذا وطئها متعمدا
الكفارة إن كان في أوله فدينار وإن كان في وسطه نصف دينار وإن كان في آخره فربع دينار،
ويجب عليها التعزير،
وهل الكفارة واجبة أو مندوبة؟
لأصحابنا فيه قولان، الأظهر من المذهب أنها على الوجوب والآخر أنها على الندب. فالسيد
المرتضى وجماعة من أصحابنا مذهبهم الأول، والشيخ أبو جعفر الطوسي موافق لهذا القول في
جمله وعقوده، وذكر في نهايته أنها على الندب والاستحباب. فقوله في جمله وعقوده وهو فتواه
وما ذكره في نهايته عذره فيه قد أوضحناه.
فإذا كرر الوطئ فالأظهر أن عليه تكرار الكفارة لأن عموم الأخبار تقتضي أن عليه بكل
دفعة كفارة،
والأقوى عندي والأصح أن لا تكرار في الكفارة لأن الأصل براءة الذمة وشغلها بواجب أو ندب
يحتاج إلى دلالة شرعية. فأما العموم فلا يصح التعلق به في مثل هذه المواضع لأن هذه أسماء
الأجناس والمصادر، أ لا ترى أن من أكل في نهار رمضان متعمدا وكرر الأكل لا يجب عليه
تكرار الكفارة بلا خلاف، ويجب عليها الاغتسال عند نقائها من حيضها ولا يصح طلاقها
إذا كانت مدخولا بها وغير غائب عنها زوجها غيبة مخصوصة. وبعض أصحابنا يطلق هذا
الموضع ويقول: ولا يصح طلاقها، وهذا لا بد من تقييده بما قيدناه وإلا فالحائض التي غير
مدخول بها والغائب عنها غيبة مخصوصة يصح طلاقها بغير خلاف فلا بد من التقييد.
ولا يصح منها الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث ويصح منها الغسل
والوضوء على وجه لا يرفع بهما الحدث، مثل غسل الإحرام والجمعة والعيدين، ووضوئها
لجلوسها في محرابها لتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلاتها، وهما غسل ووضوء مأمور بهما
شرعيان فهذا معنى قوله على وجه يرفعان الحدث.
516

ولا يجب عليها قضاء الصلاة بإجماع المسلمين ويجب عليها قضاء الصوم بالإجماع
أيضا، ويكره لها قراءة ما عدا العزائم ومس ما عدا المكتوب من المصحف وحمله، ويكره لها
الخضاب.
ومتى رأت المرأة الدم لدون تسع سنين لم يكن ذلك دم حيض، وتيأس المرأة من
الحيض إذا بلغت خمسين سنة مع تغير عادتها، فمتى رأت بعد ذلك كان دم استحاضة.
وأقل أيام الحيض ثلاثة أيام متتابعات وأكثره عشرة أيام.
لا خلاف بين أصحابنا في هذين الحدين والمقدارين بل اختلفوا في كيفية الأقل. منهم من قال:
يكون الثلاثة متوالية، ومنهم من يقول: سواء كانت متتابعة أو متفرقة إذا كانت في جملة
العشرة، والقول الأول هو الأظهر لأن الأصل بعد تكليفها الصوم والصلاة فمن ادعى سقوط
تكليفها بالصوم والصلاة يحتاج إلى دليل، وهذا الذي ذكره صاحب الجمل والعقود في جمله
وذكر في نهايته القول الأخير، وقد بينا عذره في مثل ذلك لأن كتابه أعني النهاية كتاب خبر
لا كتاب بحث ونظر.
فإن اشتبه دم الحيض بدم العذرة في زمان الحيض فلتدخل المرأة قطنة فإن خرجت
منغمسة بالدم فذلك دم حيض، وإن خرجت متطوقة بالدم فذاك دم عذرة، فإن اشتبه
عليها دم الحيض بدم القرح في أيام الحيض فلتدخل إصبعها: فإن كان الدم خارجا من
الجانب الأيمن فهو دم قرح، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.
والصفرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر، فإن كانت المرأة مبتدئة في الحيض
فأي دم رأته مع دوامه ثلاثة أيام متتابعات على أي صفة كان فهو دم حيض، فإن رأته إلى تمام
العشرة الأيام فالجميع حيض، فإن تجاوز العشرة فلها أربعة أحوال: أحدها أن يتميز لها
بالصفة فلتعمل على التميز. والثاني لا يتميز لها وجاء الدم لونا واحدا فلترجع إلى عادة
نسائها من أهلها. والثالث لا يكون لها نساء من أهلها فلترجع إلى من هو أبناء سنها ولتعمل
على عادتهن. الرابع لا يكون لها نساء من أبناء سنها فعند هذه الحال اختلف قول أصحابنا
فيها على ستة أقوال:
منهم من قال: تترك الصوم والصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض وفي الشهر الثاني أكثر
517

أيام الحيض، وتصوم وتصلي باقي أيام الشهرين. ومنهم من يعكس هذا، ومنهم من يقول:
تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام في أوائل كل شهر وتصلي وتصوم باقي أيام
الشهرين. ومنهم من يقول: ستة أيام فحسب، ومنهم من يقول: تترك الصوم والصلاة في كل
شهر ثلاثة أيام فحسب وتصوم وتصلي باقي الأيام. ومنهم من يقول: تعدد عشرات عشرة
حيض وعشرة طهر، هذا مع استمراره ودوامه ثم لا يزال هذا دأبها إلى أن تستقر لها عادة،
وتستقر لها عادة بأن يتوالى عليها شهران متتابعان ترى الدم في كل شهر منهما
أياما سواء في أوقات سواء، مثاله أن ترى الدم في الشهر الأول بعد الهلال خمسة أيام ثم ينقطع
تمام الشهر ثم يهل الشهر الثاني فتراه في أوله بلا فصل خمسة أيام فهذا معنى قولنا: أعداد
وأوقات سواء، فإن رأته في النصف الثاني خمسة أيام، لم يكن ذلك عادة لأنها ما رأت الخمسة
في أوقات الخمسة في الشهر الأول فتجعل ذلك عادتها.
فأما غير المبتدئة وهي التي تكون لها عادة فلتلزم عادتها إذا تجاوز دمها العشر، فأما إذا
لم يتجاوز دمها العشر فأي دم رأته بعد عادتها وقبل تجاوز العشر فهو دم حيض لقولهم
عليهم السلام: الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر يعنون بأيام
الحيض عشرة الأيام التي هي حد الأكثر،
فإن قيل: فيبطل قول الأئمة عليهم السلام: ترجع إلى العادة أو تمسك عادتها أو ترجع إلى
عادتها على اختلاف الألفاظ، قلنا: ذلك إذا تجاوز الدم العادة وعشرة الأيام، فحينئذ ترجع إلى
عادتها وتجعل ما جاوز العادة والعشرة استحاضة.
فأما إذا تجاوز الدم العادة ولم يتجاوز عشرة الأيام التي هي أكثر أيام الحيض، فلا ترجع
إلى العادة بل يكون جميع ذلك وجميع تلك الأيام حيضا لقولهم ع: الكدرة
والصفرة في أيام الحيض حيض، وهذه أيام الحيض فقد عملنا بالقولين ولم نتعد النصين
ولا مناقضة بين ذلك فليتأمل ويلحظ ما قلناه، فكثيرا يشتبه هذا على الفقهاء.
فإذا تقرر هذا فمتى اتصل الدم بالعادة
وتجاوز عشرة الأيام فإنها تمسك العادة وتجعل ما عداها استحاضة سواء تقدم العادة واتصل بها أو تأخر عنها متصلا بها وجاوز
العشرة لما أصلناه وقررناه من قولهم عليهم السلام المجمع عليه: ترجع إلى عادتها وتمسك
518

عادتها، فعلى هذا التحرير إذا رأت خمسة أيام دما قبل عادتها وخمسة أيام في عادتها وكانت
عادتها خمسة أيام وخمسة أيام بعد عادتها فالواجب عليها الرجوع إلى العادة والتمسك بها،
وتكون الخمسة الأولة والخمسة الأخيرة استحاضة، وكذلك إذا رأت عشرة قبلها واتصل
بها فإنها تلزم عادتها وتكون العشرة استحاضة، وكذلك إذا رأت خمسة أيام عادتها
واتصل بها عشرة أيام بعد الخمسة فإنها ترجع إلى عادتها وتمسك بها وتجعل العشرة
استحاضة.
فأما إذا لم تتصل بالعادة وكان ثلاثة أيام متتابعة بعد أن مضى لها أقل الطهر وهو
عشرة أيام نقاء، فإنه حيض لأنه أيام الحيض لقولهم ع: الكدرة والصفرة في
أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر، على ما حررناه وقررناه فلتلحظ هذه الجملة فإنها
إذا حصلت اطلع بها وأشرف على ما استوعر من دقائق هذا الكتاب.
فإن اضطربت عادتها وتغيرت عن أوقاتها وأزمانها وصارت ناسية لهذا ولهذا فإذا
استمر بها الدم بعد العشرة الأيام فالواجب عليها اعتباره بالصفات، فإذا تميز لها فلترجع
إليه وتعمل عليه وتكون لها بمنزلة العادة وقد قدمنا حكمها وبيناه.
فإن اشتبه عليها الدم وجاء لونا واحدا ولم يتميز لها فهي في هذه الحال حكمها حكم
المبتدأ في الحال الرابعة حرفا فحرفا، وقد قدمنا الأحكام والأقوال فيها والاختلاف مستوفى
فهذا خلاصة فقه الحائض ودقائق أحكامها فإذا حصل فما بعده سهل يسير.
ومن لم تكن لها عادة ورأت الدم اليوم أو اليومين فلا يجوز لها ترك الصلاة والصيام
لأنها من تكليفها بالصلاة والصيام على يقين وهي في شك من الحيض في هذين اليومين،
فكيف يجوز لها أن تترك اليقين بالشك؟
وما يوجد في بعض الكتب من أن المرأة إذا رأت الدم اليوم أو اليومين تركت الصلاة
والصيام فإن استمر بها اليوم الثالث فذاك دم حيض وإن لم يستمر بها قضيت الصلاة
والصيام، وكذلك إذا انقطع الدم عنها بعد تمام عادتها وقبل تجاوز العشرة. يوجد في الكتب
أنها تستظهر بيوم أو يومين في ترك الصلاة والصيام، فأخبار آحاد لا يعرج عليها ولا يلتفت
إليها بل الاستظهار لها في دينها وتكليفها وبراءة ذمتها فعل الصلاة والصيام إلى أن يتبين
519

أنها غير مكلفة بهما فحينئذ يجب عليها تركهما، لما أصلناه من أنها لا تترك اليقين بالشك
فليلحظ ذلك ويحقق.
إلا أن تكون لها عادة مستقيمة مستمرة فترى الدم في أولها يوما أو يومين فالواجب
عليها عند رؤية الدم ترك الصلاة والصيام، لأن العادة تجري عندهم مجرى المتيقن،
وكذلك الأغلب يجري مجرى المعلوم، فهذه بخلاف تلك في الحكم لما بيناه ونبهنا على دليله
ومفارقته لحكم غيره، أو ترى بعد العادة المستقيمة الصفرة أو الكدرة قبل خروج العشرة
الأيام وبعد عادتها، إذا كانت عادتها أقل من عشرة أيام فحينئذ يجب عليها ترك الصلاة
والصوم والاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة لأنها بحكم الحائض لا أنها ترى النقاء
وتترك الصلاة على ما يظنه من لا بصيرة له،
وقد حقق ذلك شيخنا في الاستبصار.
والحبلى الحامل المستبين حملها اختلف قول أصحابنا واختلف أخبارهم، فبعض منهم
يقول: أنها تحيض وحكمها حكمها قبل حملها، ومنهم وهم الأكثرون المحصلون يذهبون:
إلى أنها لا ترى دم الحيض ولا تحيض وأي دم تراه فهو دم استحاضة أو فساد.
وهذا هو الصحيح وبه أفتى وأعمل والدليل على ذلك الحاسم للشغب أنه لا خلاف بين
المخالف منهم في المسألة والمؤالف، أن طلاق الحائض المدخول بها التي ما غاب زوجها عنها
غيبة مخصوصة لا يقع ولا يجوز، وإنه بدعة محظور لا تبين به ولا يقع جملة. هذا إجماعهم عليه
بغير خلاف، ولا خلاف أيضا بين الفريقين بل الاجماع منعقد من أصحابنا جميعهم: أن طلاق
الحامل يقع على كل حال سواء كانت وقت طلاقها عالمة بالدم متيقنة له أو لم تكن، كذلك
فلو كانت الحامل تحيض وترى دم الحيض لما جاز طلاقها في حال حيضها ولتناقضت الأدلة
وبطل الاجماع من الفريقين وهذا أمر مرغوب عن المصير إليه والوقوف عليه، وقد بينا أنه
لا يجوز لزوجها مجامعتها في قبلها خاصة لموضع الدم وله مجامعتها فيما دون ذلك من سائر
بدنها دبرا كان أو غيره على الأصح الأظهر من المذهب، وبعض أصحابنا يذهب إلى تحريم
وطئها في دبرها كتحريم وطئها في قبلها، وهو السيد المرتضى في مسائل خلافه، والدليل على
ما اخترناه قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض، لا يخلو المراد به اعتزلوا النساء في زمان
520

الحيض أو موضع الحيض الذي هو الدم، فإن كان الأول فهذا خلاف إجماع المسلمين فما بقي
إلا القسم الآخر. وإنما وردت أخبار بأن له ما فوق المئزر وذلك محمول على كراهية ما دون
القبل.
فإذا انقطع عنها الدم فالأولى لزوجها أن لا يقربها بجماع في قبلها حتى تغتسل وليس
ذلك عند أصحابنا بمحظور، فإن كان شبقا وغلبته الشهوة فليأمرها بغسل فرجها وقد
زالت عنه الكراهية سواء انقطع لأكثر الحيض أو لأقله لأن الله تعالى قال: ولا تقربوهن حتى
يطهرن، وهذه قد طهرت من حيضها.
وإذا أصبحت المرأة صائمة ثم حاضت فلتفطر أي وقت رأت الدم، ويستحب لها
الإمساك تأدبا إذا رأت الدم بعد الزوال، فأما إذا كانت حائضا ثم طهرت فالمستحب لها
الإمساك تأدبا سواء كان طهرها قبل الزوال أو بعده، فإذا أرادت الاغتسال فكيفية غسلها
مثل غسل الجنب سواء إلا أنها لا تستبيح الصلاة بمجرده على ما قدمنا القول فيه وبيناه،
فإذا كان اغتسالها في وقت صلاة وأرادت تقديم الوضوء على الغسل نوت بوضوئها
استباحة الصلاة واجبا قربة إلى الله تعالى ولا تنوي رفع الحدث لأن حدثها الأكبر باق وهو
الغسل، وإن أرادت تأخير الوضوء عن الغسل نوت بغسلها رفع الحدث ونوت بوضوئها
استباحة الصلاة، لأن حدثها قد ارتفع واجبا قربة إلى الله سبحانه، وإن كان غسلها في
غير وقت صلاة وأرادت تقديم الوضوء على الغسل نوت بوضوئها استباحة الصلاة
مندوبا قربة إلى الله سبحانه ونوت أيضا بغسلها مندوبا ترفع به الحدث، وإن كان غسلها
قبل وضوئها نوت به رفع الحدث مندوبا قربة إلى الله سبحانه ونوت بوضوئها بعد استباحة
الصلاة من غير أن ترفع به الحدث.
وإذا كانت المرأة جنبا فجاءها الحيض قبل أن تغتسل غسل الجنابة فتدع الغسل
إلى أن تطهر من حيضها فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للجنابة، وقد أجزأها على
ما قدمناه في باب الجنابة وحررناه.
والمستحاضة هي التي ترى الدم بعد أكثر أيام الحيض وبعد أكثر أيام النفاس وبعد
استبانة حملها على ما حققناه وأسلفنا القول فيه، وبعد خمسين سنة وتغيير عادتها وبعد
521

تجاوز دمها عادتها وعشرة الأيام واستمراره على ما قدمناه فيكون ما عدا العادة استحاضة،
وإن كان بعضها في عشرة الأيام، هذا مع استمراره وتجاوزه العادة وعشرة الأيام ففي جميع هذه
الأحوال هي مستحاضة، وكذلك إذا رأت الدم أقل من ثلاثة أيام فهي أيضا مستحاضة.
ومتى رأت الدم وجب عليها أن تستبرئ نفسها بقطنة ولها ثلاثة أحكام:
أحدها: أن تراه يسيرا لا ينقب الكرسف الذي هو القطن فالواجب عليها الوضوء
لكل صلاة وتغيير القطن والخرقة، ولا يجوز لها أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد بل يجب
عليها لكل صلاة وضوء وتغيير القطن والخرقة وإتيان الصلاة بعد وضوئها بلا فصل،
فأما إذا توضأت أولا في أول الوقت ولم تصل إلا في ثانية أو وسطه أو آخره فإن صلاتها غير
صحيحة.
لأن قولهم ع يجب عليها الوضوء عند كل صلاة، يقتضي المقارنة لأن " عند " في لسان
العرب لا تصغر فهي للمقارنة كما أن " قبيلا وبعيدا " للمقارنة فكذلك " عند " لأنها مع ترك
التصغير بمنزلة بعيد وقبيل في التصغير. قال شيخنا في مبسوطه: إذا توضأت المستحاضة
وقامت إلى الصلاة فانقطع عنها الدم قبل أن تكبر تكبيرة الإحرام فلا يجوز لها الدخول في
الصلاة إلا بعد أن تتوضأ ثانيا، لأن انقطاع دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء، ثم قال:
فإن انقطع بعد تكبيرة الإحرام ودخولها في الصلاة تمضى في صلاتها ولا يجب عليها استئنافها.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: إذا كان انقطاع دم الاستحاضة حدثا فيجب
عليها قطع الصلاة واستئناف الوضوء، وإنما هذا كلام الشافعي أورده شيخنا، لأن الشافعي
يستصحب الحال وعندنا أن استصحاب الحال غير صحيح، وإن هذه الحال غير ذلك
وما يستصحب فيه الحال فبدليل، وهو إجماع على المتيمم إذا دخل في الصلاة ووجد الماء
فإنا لا نوجب عليه الاستئناف بإجماعنا إلا أنا قائلون باستصحاب الحال فليلحظ ذلك
ويتأمل.
والحكم الثاني: أن ترى أكثر من ذلك وهو أن ينقب الدم الكرسف ولا يسيل، فيجب
عليها أن تعمل ما عملته في الحكم الأول سواء وتزيد عليه الغسل لصلاة الغداة.
والحكم الثالث: أن ترى الدم ينقب الكرسف ويسيل، فيجب عليها أن تفعل ما فعلته
522

في الحكم الثاني وتزيد على ذلك وجوب غسلين ينضافان إلى الغسل الذي في الحكم الثاني،
فإذا فعلت ذلك في أيام استحاضتها فهي في حكم الطاهرات في جميع الشرعيات، إلا أنها
يكره لها دخول الكعبة، وإذا وجب عليها حد الجلد لا يقام حتى ينقطع عنها دم الاستحاضة،
لأنها مريضة والمريضة لا يقام عليها حد الجلد حتى تبرأ، فإن لم تفعل ما وصفناه وصامت
وصلت وجب عليها إعادة صلاتها وصيامها، ولا يحل لزوجها وطؤها فإن كانت قد أكلت في
زمان استحاضتها فإنه يجب عليها قضاء الصوم والكفارة، لأنها أكلت في زمان الصيام
متعمدة لذلك وتجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، وكذلك بين العشاء الأولى
والآخرة، والجمع منها بين الفريضتين بأن تؤخر الفريضة المتقدمة إلى آخر وقتها وتصلي
الفريضة الأخيرة في أول وقتها تجمع بينهما في الحال، وذلك على الاستحباب دون الفرض
والإيجاب،
وقد يوجد في بعض الأخبار والآثار والكتب المصنفات مثل تهذيب الأحكام ومسائل الخلاف
للسيد المرتضى رحمه الله: أن دم الحيض أسود بحراني، وفي خبر آخر دم الحيض أحمر
بحراني. قال محمد ابن إدريس: بحراني - بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة المفتوحة
وبالحاء غير المعجمة المسكنة وبالراء غير المعجمة المفتوحة وبعدها ألف والنون المكسورة
وبعدها ياء مشددة وليست للنسب - وهو الشديد الحمرة والسواد كما يقال: أبيض يقق وأسود
حالك وحانك وأحمر بحراني وبأحرى هكذا أورده ابن الأعرابي في نوادره فأوردته كما أورده
تنبيها عليه.
والنفساء هي التي تضع الحمل وترى الدم.
لأنها مشتقة من النفس التي هي الدم بدلالة قولهم: كل ما لا نفس له سائلة، يريدون كل
ما لا دم له سائل.
فإذا رأت الدم بعد وضعها الحمل بلا فصل أو قبل مضى عشرة أيام من وقت وضعها
الحمل فهي نفساء، وحكمها حكم الحائض سواء، في جميع الأحكام اللازمة للحائض بغير
خلاف وفي أكثر أيامها.
على الصحيح من الأقوال والمذهب لأن بعض أصحابنا يذهب إلى أن أكثر أيام النفساء عند
523

استمرار دمها ثمانية عشر يوما، ذهب إليه السيد المرتضى في بعض كتبه. وكذلك الشيخ
المفيد، وعادا عنه في تصنيف آخر لهما. عاد السيد عن ذلك في مسائل خلافه بأن قال: عندنا
الحد في نفاس المرأة أيام حيضها التي تعهدها، وقد روي: أنها تستظهر بيوم ويومين، وروي:
في أكثره خمسة عشر يوما، وروي: أكثر من هذا، والأثبت ما تقدم. ورجع الشيخ المفيد في كتاب
أحكام النساء وفي شرح كتاب الأعلام، والذي يدل على أصل المسألة وما اخترناه أنها مخاطبة
مكلفة وهي داخلة في عموم الأوامر بالصلاة والصوم وإنما نخرجها في الأيام التي حددناها
للإجماع و لا إجماع ولا دليل فيما زاد على ذلك فيجب دخولها تحت عموم الأوامر، ولو لم يكن
إلا أن فيه استظهارا للفرض واحتياطا، له لكفى.
وتفارق النفساء الحائض في حد أقل النفاس، فإنه ليس لقليل النفاس حد بل حده
انقطاع الدم، فإذا استمر بها الدم فوق العشرة الأيام وتجاوزها فعلت ما تفعله المستحاضة
لا الحائض. لأن الحيض لا يتعقب النفاس لما بينا أن النفاس حكمه حكم الحيض في جميع
الأشياء، فإن رأت الدم بعد وضعها الحمل بلا فصل - مثلا يوما واحدا أو يومين وانقطع إلى
تمام العشرة الأيام فهي نفساء في اليوم واليومين فحسب، فإذا رأته قبل مضى العشرة الأيام
لحظة واحدة فاليوم واليومان وما بعدهما إلى تمام العشرة نفاس. لأنه لم يمض لها بين الدمين
طهر، فإن مضى بين الدمين عشرة أيام نقاء فالدم الثاني إذا توالى ثلاثة أيام حيض، فإن لم
يمض بين الدمين طهر وتجاوز العشرة الأيام منها نقاء، ومنها دم، فالدم الثاني استحاضة
ولا يكون نفاسا. لأنه قد جاوز العشرة الأيام بعد وضعها الحمل وهي أقصى مدته، ولا يكون
حيضا لأنه ما تقدمه طهر فليلحظ ذلك ويحقق.
ويكون النقاء الذي في العشرة الأيام أيضا هي فيه بحكم الطاهرات، يجب عليها فيه
قضاء الصلاة والصوم، وإن وضعت ولم تر الدم إلى اليوم التاسع أو العاشر فهي طاهر
وحكمها حكم الطاهرات إلى أن رأت الدم وهي نفساء وحكمها حكم النفساء في اليوم
التاسع والعاشر فحسب.
لأنا قد بينا أن النفساء مشتقة من النفس الذي هو الدم والاشتقاق غير حاصل في الأيام
الثمانية فيجب أن يكون غير نفساء، ونفساء في الزمان الذي رأت فيه الدم لأنها بعد وضع
524

الحمل وقبل خروج العشرة الأيام التي هي أقصى مدة النفساء والنفاس.
فإن قيل: أيام النقاء أقل من الطهر لأن الطهر عندنا عشرة أيام أقله، فكيف حكمتم بأنها
طهر وحكمها حكم الطاهرات فيها؟ قلنا: ولا تقدمها حيض ولا نفاس بل تقدمها طهر
وأطهار، لأن الحامل على ما بيناه لا ترى دم الحيض فالأيام وما تقدمها بمجموع ذلك أجمع طهر.
فإن رأته بعد وضعها ساعة ثم انقطع تسعة أيام ثم رأته اليوم العاشر كانت جميع الأيام
نفاسا لأنها نفساء عند رؤية الدم بعد الوضع ولم يحصل لها في أيام الانقطاع طهر وهو
عشرة أيام، ورأت الدم الثاني قبل خروج العشر وهي أقصى مدة النفاس فكان الجميع
نفاسا وهي نفساء في الجميع.
وإذا ولدت المرأة توأمين ورأت الدم عقيبهما فإن النفاس يكون من المولود الأول.
لأن النفاس عندنا هو الدم الخارج عقيب الولادة ولا يمنع كون أحد الولدين باقيا في بطنها من
أن يكون نفاسا، وأيضا لا يختلف أهل اللغة في أن المرأة إذا ولدت وخرج الدم عقيب الولادة
فإنه يقال: قد نفست، ولا يعتبرون بقاء ولد في بطنها، ويسمون الولد منفوسا.
قال الشاعر وهو أبو صخر الهذلي يمدح آل خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية بن عبد
شمس:
إذا نفس المنفوس من آل خالد
بدا كرم للناظرين وطيب
فسمي الولد منفوسا ومحال أن يكون الولد منفوسا إلا والأم نفساء لأن الدم نفسه يسمى
نفسا على ما قدمناه.
فإذا ولدت الولد الثاني ورأت الدم عقيب ولادتها اعتبرت أقصى مدة النفاس من
وقت ولادة الثاني لأن كل واحد من الدمين يستحق الاسم بأنه نفاس فينبغي أن يتناول
كل واحد منهما اللفظ، وإذا تناول الدم الأخير الاسم عددنا منه أكثر أيام النفاس واستوفينا
أقصاه من الأخير لتناول الاسم له.
فإن قيل: إذا رأته عند وضع الأول مثلا خمسة أيام ثم وضعت الثاني ورأت عقيب وضعه عشرة
أيام فقد صارت خمسة عشر يوما، وعندكم على ما بينتم أن أقص مدة النفاس عشرة أيام
فكيف يكون الحكم في ذلك؟ قلنا: ما هذا دم ولادة واحدة بل دم عقيب ولادتين وإن كان
525

الحمل واحدا، وعندنا بلا خلاف بيننا أن النفاس هو الدم الذي تراه المرأة عقيب ولادتها
الولد، وقد رأت عقيب ولادتها الأول خمسة أيام فحكمنا بأنها نفاس لتناول الاسم لها، فإذا
وضعت الثاني ورأت عقيبه الدم فقد رأت الدم عقيب ولادتها الولد الأخير فينبغي أن يتناوله
الاسم فيجب أن تستوفى أقصى مدة النفاس من يوم وضعها الولد الأخير لتناول الاسم له
فليلحظ ذلك ويحقق فقد شاهدت جماعة ممن عاصرت من أصحابنا لا يحقق القول في ذلك
ويقف على مسطور لبعض المصنفين ولا يتبينه ولا يحققه ويجنح عنه ويخطأ. فالله نسأل
التوفيق والتسديد في المقال والفعال
باب غسل الأموات وما يتقدم ذلك في آداب
المرض والعيادة وتلقين المحتضرين وما يتصل بذلك:
الأولى بالمريض والأفضل له أن يكتم مرضه ولا يشكوه. وقد روي في حد الشكاية
للمرض عن الصادق عليه السلام: أن الرجل يقول: حممت اليوم وسهرت البارحة
وقد صدق، وليس هذا شكاية إنما الشكاية أن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد وأصابني
ما لم يصب أحدا.
وفي العيادة فضل كبير وثواب جزيل والرواية بذلك متظاهرة، ويستحب
للمريض أن يأذن للعائدين حتى يدخلوا عليه فربما كانت لأحدهم دعوة مستجابة،
ولا عيادة في أقل من ثلاثة أيام فإذا وجبت جعلت غبا يوما فيوما ثم يغب يومين، فإذا
طالت العلة ترك المريض وعياله. ولا عيادة في وجع العين، ومن السنة تخفيف العيادة
وتعجيل القيام إلا أن يكون المريض يحب الإطالة عنده. ولا يعاد أهل الذمة ولا تشهد
جنائزهم، وقد روي: أنه ليس على النساء عيادة المريض. ويلقن المحتضر الشهادتين
وكلمات الفرج، وقد يأتي ذكرها فإن عسر عليه النزع نقل إلى المكان الذي كان يكثر
الصلاة فيه، ويستحب أن يوجه إلى القبلة بأن يجعل باطن قدميه إليها بحيث
لو جلس كان مستقبلا إليها فإذا قضى نحبه - والنحب المدة والوقت يقال: قضى فلان
526

نحبه إذا مات - فلتغمض عيناه ويطبق فوه ويمد. يداه إلى جنبيه ورجلاه،
ويكون عنده من يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن ويقدم النظر في أمره عاجلا، ولا ينتظر به دخول
وقت ولا خروجه إلا أن يكون غريقا أو مصعوقا أو مبطونا،
وهو الذي علته الذرب وهو الإسهال. وكان زين العابدين ع يوم الطف
مريضا بالذرب.
أو مدخنا أو مهدوما عليه فإن هؤلاء ينتظر بهم إلى أن يتغيروا لأجل الاستظهار
وتسبر حالهم بعلامات الموت وأماراته، فإن عرف حالهم وإلا تركوا ثلاثة أيام.
وغسل الميت المؤمن أو المحكوم بإيمانه ومن في حكمه فرض واجب وهو من
فروض الكفاية، واعلم أنه كغسل الجنب في الصفة والترتيب، يبدأ فيه بغسل
اليدين على طريق الاستحباب، ثم الفرج ثم الرأس ثم الميامن ثم المياسر، وشرح ذلك
أن يوضع الميت على سرير غسله، ويستحب أن تستقبل هاهنا بوجهه القبلة على
ما ذكرناه أولا في حال الاحتضار، ويجب أن تستر عورته بثوب يوضع عليها
أو بقميصه بعد نزعه عنه، ويقصد إلى تليين مفاصله برفق حتى لا ينكسر منه عضو
فإن عسر عليه ذلك تركه ولم يتعرض له، ويمسح بطنه مسحا رفيقا في الغسلتين
الأوليين، ولا يمسحها في الثالثة ولا يغمزها بحال وهذا الحكم سواء كان الميت رجلا
أو امرأة، تكون حاملا فلا يمسح بطنها في شئ من الغسلات، ثم يغسل يديه بماء قراح.
والقراح، هو الخالص البحت، وقد روي: أنه يوضأ وضوء الصلاة وذلك شاذ
والصحيح خلافه وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله يراه احتياطا في نهايته وفي
مبسوطه وقال: قد روي أنه يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل بها كان جائز، غير أن
عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لأن غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل
الجنابة.
قال محمد بن إدريس: فإذا كان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك فإذن لا يجوز العمل
بالرواية لأن العامل بذلك يكون مخالفا للطائفة وفيه ما فيه.
ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة السدر ثلاث مرات، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ليبدو
527

له الأيمن ويغسله بماء السدر ثلاثا أيضا كما ذكرناه في الرأس من أصل العنق إلى قدمه،
ثم يقلبه على جنبه الأيمن ليبدو له الأيسر ويغسله على ما ذكرناه في الأيمن في الصفة
والعدة.
والمفروض من الأكفان للرجال والنساء ثلاثة أثواب: مئزر وقميص وإزار مع
القدرة والاختيار على الصحيح من المذهب، وبعض أصحابنا يذهب إلى أن الواجب
في حال الاختيار قطعة واحدة وهو سلار، والمسنون للرجال أن يزاد لفافة أخرى
إما حبرة - بكسر الحاء وفتح الباء - أو ما يقوم مقامها، وخرقة يشد بها فخذاه ويستحب أن
يزاد أيضا عمامة يعمم بها محنكا، وإن كان امرأة زيدت على مستحب الرجال لفافة
أخرى لشد ثدييها،
وروي نمط، والصحيح الأول وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في كتابه
الاقتصاد، لأن النمط هو الحبرة وقد زيدت على أكفانها لأن الحبرة مشتقة من التزين
والتحسين، وكذلك النمط هو الطريقة وحقيقته الأكسية والفرش ذات الطرائق، ومنه سوق
الأنماط بالكوفة يقال: فلان على نمط واحد أي على طريقة واحدة، قال زهير:
تعالين أنماطا عتاقا وكلة.
وإذا اختلف الورثة في الكفن اقتصر على المفروض منه وهو ثلاث قطع، و إذا
أخذ السيل الميت أو أكله السبع وبقي الكفن كان للورثة دون غيرهم، ويحصل الكافور
والأعلى في الاستحباب وزن ثلاثة عشر درهما وثلث الذي لم تمسه النار والخام الخالص
الجلال،
ومعنى الجلال الجليل وهو الجيد يقال: جليل وجلال وطويل وطوال فهو من أوزان
المبالغة وصفات الجودة.
ويليه في مقدار المستحب أربعة دراهم وفي بعض الكتب أربعة مثاقيل والمراد بها
الدراهم هاهنا، ويليه في مقدار المستحب درهم واحد، والواجب ما وقع عليه اسم
الكافور مع الوجدان. ويحصل أيضا شئ من السدر للغسلة الأولى وقليل كافور
للغسلة الثانية وشئ من القطن ليحشى به دبره والمواضع التي يخاف خروج شئ
528

منها، وشئ من الذريرة المعروفة بالقمحة.
وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب التبيان قال: الذريرة فتات قصب الطيب وهو قصب يجاء
به من الهند كأنه قصب النشاب، وذكر المسعودي وهو
علي بن الحسين المسعودي الهذلي رجل من جلة أصحابنا له كتب عدة في كتابه
المعروف المترجم ب‍ " مروج الذهب ومعادن الجوهر " في التواريخ و غيرها، وهذا
الكتاب كتاب حسن يشتمل على أشياء حسنة قال: أصل الطيب خمسة أصناف:
المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران كلها يحمل من أرض الهند إلا الزعفران،
والعنبر قد يوجد بأرض الزنج والأندلس، قال: وأنواع الأفاوية خمسة وعشرون صنفا ذكر
من جملة ذلك: السليخة والورس واللاذن والزباد وقصب الذريرة. قال محمد بن
إدريس: والذي أراه أنها نبات طيب غير الطيب المعهود يقال له: القمحان نبات طيب
يجعلونه على رأس دن الخمر ويطين عليه ليكسبها منه الريح الطيبة، قد ذكره النابغة
الذبياني في شعره وفسره علماء أهل اللغة على ما شرحناه وذكرناه. وقال صاحب كتاب
" البارع " قال الأصمعي وغيره: يقال للذي يعلو الخمر مثل الذريرة القمحان. وقال
النابغة الجعدي:
إذا فضت خواتمه علاه
بنشر القمحان من المدام
وهل الكافور الذي للغسلة الثانية من جملة الثلاثة عشر درهما وثلث أم من غيرها؟
اختلف أصحابنا في ذلك فبعض قال: من جملتها. وبعض قال: من غيرها لا منها، وهذا
هو الأظهر بينهم.
وتنثر الذريرة المقدم ذكرها على الأكفان ويكتب على الأكفان: فلان يشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله، بتربة الحسين عليه السلام.
وقال الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده: تبل التربة بالماء ويكتب بها. وباقي المصنفين
من أصحابنا يطلقون في كتبهم ويقولون: يكتب ذلك بتربة الحسين ع، والذي
أختاره ما ذكره الشيخ المفيد لأنه الحقيقة والمعهود في الكتابة لأن حقيقة ذلك التأثير
وليس إطلاقهم مما ينافي ذلك:
529

فإن لم توجد التربة فبالإصبع عند الضرورة.
ويستحب أن يكون الكفن قطنا محضا أبيض والكتان مكروه وليس بمحظور،
والإبريسم المحض لا يجوز، وجملة الأمر وعقد الباب أن كل ثوب يجوز
فيه الصلاة يجوز التكفين به إلا أن بعض الثياب أفضل من بعض. وما لا يجوز الصلاة فيه من الإبريسم المحض
لا يجوز التكفين به.
والواجب أن يغسل ثلاث غسلات: الأولى بماء السدر والثانية بماء جلال الكافور
والثالثة بالماء القراح، والماء القراح هو البحت الخالص من إضافة شئ إليه على
ما ذكرناه.
وكيفية غسله مثل غسل الجنابة يغسل الغاسل يدي الميت ثلاث مرات، ثم ينجيه
بقليل أشنان وآخر يقلب عليه الماء، فإذا نجاه بدأ بغسل رأسه ولحيته ثلاث مرات، ثم
يغسل جانبه الأيمن ثلاث مرات ثم الأيسر ثلاث مرات وآخر يقلب الماء عليه، ثم يقلب بقية
ماء السدر ويغسل الأواني ويطرح ماء آخر ويطرح القليل من الكافور ويضربه، ويغسله
الغسلة الثانية مثل ذلك ثم يقلب بقية ماء الكافور ويغسل الأواني ويطرح فيها الماء القراح
ويغسله الغسلة الثالثة مثل ذلك بالماء القراح ويمسح الغاسل يده على بطنه في الغسلتين
الأوليين ولا يمسح في الغسلة الثالثة. وقد ذكرنا طرفا من ذلك فيما مضى وأعدناه هاهنا
للبيان وكلما قلبه استغفر الله وسأله العفو، ثم ينشفه بثوب نظيف.
ويغتسل الغاسل فرضا واجبا إما في الحال أو فيما بعده، فإن مس مائعا قبل اغتساله
وخالطه لا يفسده ولا ينجسه، وكذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرع في
ذلك الإناء قبل غسله مائع فإنه لا ينجس ذلك المائع وإن كان الإناء يجب غسله لأنه لاقى
جسد الميت، وليس كذلك المائع الذي حصل فيه لأنه لم يلاق جسد الميت.
وحمله على ذلك قياس وتجاوز في الأحكام بغير دليل والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم
دليل قاطع للعذر وإن كنا متعبدين بغسل ما لاقى جسد الميت لأن هذه نجاسات حكميات
وليست عينيات، والأحكام الشرعيات نثبتها بحسب الأدلة الشرعية. ولا خلاف بين الأمة
كافة أن المساجد يجب أن تنزه وتجنب النجاسات العينيات، وقد أجمعنا بلا خلاف بيننا على
530

أن لمن غسل ميتا أن يدخل المسجد ويجلس فيه فضلا عن مروره وجوازه ودخوله إليه فلو كان
نجس العين لما جاز ذلك وأدى إلى تناقض الأدلة، وأيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على
ضربين: ماء استعمل في الصغرى والآخر في الكبرى. فأما المستعمل في الصغرى
لا خلاف بيننا أنه طاهر مطهر، والماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي
أصحابنا أنه أيضا طاهر مطهر. ومن خالف فيه من أصحابنا قال: هو طاهر يزيل به
النجاسات العينيات ولا يرفع به الحكميات فقد اتفقوا جميعا على أنه طاهر. ومن جملة
الأغسال والطهارات الكبار غسل من غسل ميتا فلو نجس ما يلاقيه من المائعات لما كان الماء
الذي قد استعمله في غسله وإزالة حدثه طاهرا بالاتفاق والإجماع اللذين أشرنا إليهما.
والأفضل أن لا يكفنه إلا بعد أن يغتسل، فإن لم يفعل توضأ ثم كفنه فيأخذ الخرقة التي
هي الخامسة ويترك عليها شيئا من القطن وينثر عليها شيئا من الذريرة ويشد بها فخذيه
ويضمهما ضما شديدا ويحشو القطن على حلقة الدبر.
وبعض أصحابنا يقول في كتاب له: ويحشو القطن في دبره، والأول أظهر لأنا نجنب الميت كل
ما نجنبه الأحياء.
ويستوثق من الخرقة ثم يؤزره ويلبسه القميص وفوق القميص الإزار وفوق الإزار
الحبرة، ويترك معه جريدتين رطبتين من النخل إن وجدتا ومن الشجر الرطب، وكتب عليهما
ما كتب على الأكفان، ويضع إحديهما من ترقوته اليمنى ويلصقها بجلده، والأخرى من الجانب
الأيسر بين القميص والإزار، ويضع الكافور على مساجده: جبهته ويديه وعيني ركبتيه
وطرف أصابع الرجلين، فإن فضل منه شئ تركه على صدره. ولا يجعل في عينه ولا في سمعه
ولا في فيه ولا في أنفه شيئا من الكافور والقطن إلا أن يخاف خروج شئ من ذلك فيجعل
عليه شيئا من القطن.
ويكره قطع الكفن بالحديد ويكره أيضا بل الخيط لخياطته بالريق، ثم يحمل إلى
المصلى فيصلى عليه على ما نذكره في كتاب الصلاة.
وأفضل ما يمشي المشيع للجنازة خلفها ويجوز بين جنبيها ويكره أن يتقدمها مع
الاختيار، فإذا صلى عليه حمل إلى قبره فيترك عند رجل القبر إن كان رجلا، وقدام القبر
531

مما يلي القبلة إن كان امرأة، وينزل إلى القبر من يأمره الولي بحسب الحاجة إن شاء شفعا
وإن شاء وترا، ويؤخذ الميت من عند رجل القبر والمرأة من قدامه فيسل سلا في ثلاث
دفعات ولا يفاجأ به القبر دفعة واحدة، ويوضع في لحده وهو أفضل من الشق ويحل عقد
كفنه، ويلقنه الذي يدفنه الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة ع، ثم يضع معه
شيئا من تربة الحسين عليه السلام.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي: تكون التربة في لحده مقابلة وجهه. وقال في اقتصاده: تكون في
وجهه. وقال الشيخ المفيد: تكون التربة تحت خده، وهو الذي يقوى عندي.
ويضع خده على التراب ثم يشرج اللبن عليه، ويخرج من عند رجل القبر. ويكره أن
ينزل إلى القبر بحذاء أو خف، ويطم القبر ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات
ولا يعلى أكثر من ذلك ويربع. ويكره أن يطرح فيه من غير ترابه، ويستحب لمن حضره أن
يطرح بظهر كفه ثلاث مرات التراب ويترحم عليه، فإذا فرع من تسوية القبر نضح الماء على
القبر من أربع جوانبه يبدأ بالرأس، فإذا فضل من الماء شئ صبه على وسط القبر ويترحم
عليه من حضره وينصرف ويتأخر الولي أو من يأمره الولي، ويستقبل القبلة ويجعل القبر
أمامه وينادي بأعلى صوته معيدا للتلقين الأول، فإنه على ما روي يكفي عن مسألة القبر إن
شاء الله.
وذهب بعض أصحابنا في كتاب له وهو الفقيه أبو الصلاح الحلبي تلميذ السيد المرتضى
رحمهما الله: إلى أن الملقن هاهنا يستدبر القبلة ويستقبل وجه الميت ويلقنه.
ويكره أن يسخن الماء لغسل الأموات إلا أن يدعو إلى ذلك حاجة، ويكره أن يصب
الماء الذي يغسل به الميت في الكنيف بل المستحب اتخاذ حفيرة ليدخل الماء إليها، ويكره
أن يركب الميت في حال غسله بل يكون الغاسل على جانبه الأيمن ولا يقعده ولا يغمز بطنه.
ويستحب لمن شيع جنازة المؤمن أن يربع جنازته بأن يحملها من أربع جوانبه يبدأ بمقدم
السرير الأيمن يمر عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر، ثم يمر عليه حتى يرجع إلى المقدم
كذلك دور الرحى، وفي بعض الكتب ولا يقدحه بالقبر دفعة واحدة، والقدح الأخذ بالشدة.
والموتى المأمور بغسلهم على ثلاثة أضرب: فضرب منهم لا يجب غسله لا قبل الموت
532

ولا بعد الموت وهو الشهيد المقتول بين يدي إمام عدل أو بين يدي من نصبه في نصرته،
ولا يكفن ويدفن معه جميع ما ينطلق عليه اسم الثياب سواء أصابها دمه أو لم يصبها،
ولا يكفن إلا أن يجرد ويسلب فحينئذ يجب تكفينه، فأما غير الثياب فينقسم إلى قسمين:
سلاح وغير سلاح. فالسلاح يجب نزعه عنه سواء أصابه دمه أو لم يصبه بغير
خلاف. وغير السلاح وهو الفرو والقلنسوة والخف فإن كان أصاب شيئا من ذلك دمه:
فقد اختلف قول أصحابنا فيه فبعض ينزعه عنه وإن كان قد أصابه دمه، وبعض لا ينزعه عنه
إلا أن يكون ما أصابه دمه فأما إن كان أصابه دمه فلا ينزعه، وهذا الذي يقوى في نفسي،
فإن نقل من المعركة وبه رمق ومات في غير المعركة وجب غسله.
وذكر السيد المرتضى في مسائل خلافه في مسألة غسل الشهيد قال: فإن قيل: لا خلاف في أنه
إذا ارتث يغسل مع وجوب الشهادة، قلنا: إذا ارتث فلم يمت في المعركة هذا آخر كلام
المرتضى.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ارتث بالألف والراء الساكنة غير المعجمة والتاء المضمومة
المنقطة من فوقها بنقطتين والثاء المنقطة بثلاث نقط المشدد إذا طعن أو ضرب فسقط، وتأويله
أنه صار مرميا به كما يلقى رث المتاع. وكذلك فلان رث الثياب. ويقال: كل غث ورث يقال: قد
ارتث فلان صريعا إذا فعل به ما قدمناه، هكذا أورده المبرد في كتاب الاشتقاقات.
والضرب الثاني يجب أن يغتسل قبل موته ولا يجب غسله بعد موته وقتله، وهو
المقتول قودا والمرجوم فإنهما يؤمران بالاغتسال فإذا اغتسلا قتلا ولا يجب غسلهما بعد
قتلهما ويجب على من مسهما بعد القتل الغسل لأنه قد مس ميتا بعد برده بالموت قبل
تغسيله بعد الموت، ولا يظن ظان أن هذا ما مسه إلا بعد تطهيره، قلنا: ما مسه بعد تطهيره
بعد موته بل ما مسه إلا قبل تطهيره بعد موته، ولا يكفنان أيضا بعد القتل لأنهما يؤمران
بالتكفين والتحنيط قبل القتل.
الضرب الثالث يجب غسله بعد الموت وتكفينه كان ظالما أو مظلوما.
وإذا وجد من المقتول قطعة فإن كان فيها عظم وكان ذلك العظم الصدر، وجب على
من مسه الغسل، ووجب تغسيل القطعة وتكفينها والصلاة عليها وحكمها حكم الميت
533

نفسه، وإن كان العظم غير الصدر يجب جميع الأحكام الماضية إلا الصلاة عليها فإنها
لا تجب.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا وجد قطعة من ميت فيها عظم وجب
غسلها، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا روي: أن طائرا ألقت يدا بمكة
من وقعة الجمل فعرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فغسلها أهل مكة
وصلوا عليها.
قال محمد بن إدريس: الصحيح أن اليد ألقيت باليمامة، ذكر ذلك البلاذري في تاريخه وهو
أعرف بهذا الشأن، وأسيد، بفتح الألف وكسر السين.
فإن كانت القطعة خالية من العظم دفنت ولا يجب تكفينها ولا غسلها ولا الصلاة
عليها، ولا يجب على من مسها الغسل بل يجب عليه غسل ما مسها به فحسب، وحكم
قطعة قطعت من آدمي حي ذلك الحكم.
والمحرم إذا مات غسل كما يغسل الحلال ويكفن كتكفينه غير أنه لا يقرب شيئا من
الكافور، وإن كان الميت صبيا غسل كغسل الرجال ويكفن ويحنط كذلك مثل الرجال،
وإن كان الصبي ابن ثلاث سنين أو أقل من ذلك فلا بأس أن يغسله النساء عند عدم
الرجال مجردا من ثيابه، وكذلك الصبية إذا كان لها ثلاث سنين فما دونها جاز للرجال
تغسيلها عند عدم النساء، فإن زادت على ذلك لم يجز وبعض أصحابنا يجوز في الصبي أن
يغسله النساء إلى خمس سنين عند عدم الرجال، والأول أظهر في المذهب.
ولا بأس أن يغسل الرجل امرأته والمرأة زوجها وكذلك كل محرم محرم يغسل ذا رحمه
من فوق الثياب في حال الاختيار.
وهو الأظهر عند أصحابنا ومذهب الشيخ أبي جعفر في سائر كتبه إلا في استبصاره فإنه قال:
ذلك عند الاضطرار دون الاختيار.
وإن ماتت المرأة ومات الصبي معها في بطنها دفن معها، فإن كانت ذمية دفنت في مقابر
المسلمين لحرمة ولدها، وجعل ظهرها إلى القبلة ليكون وجه الولد إلى القبلة إذا كان من
مسلم. وإذا ماتت المرأة ولم يمت ولدها شق بطنها من الجانب الأيسر وأخرج الولد وخيط
534

الموضع وغسلت ودفنت، فإن مات الولد ولم تمت هي ولم يخرج منها أدخلت القابلة أو غيرها
من الرجال يده في فرجها فقطع الصبي وأخرجه قطعة قطعة وغسل وكفن ودفن.
ولا يقص شئ من شعر الميت ولا من أظفاره ولا يسرح رأسه ولا لحيته فإن سقط منه
شئ جعل معه في أكفانه، وإذا خرج من الميت شئ من النجاسة عند الفراع من تغسيله
غسل منه ولا يجب عليه إعادة الغسل، فإن أصاب ذلك كفنه فالصحيح أنه يغسل منه
ولا يقرض ما لم يوضع في القبر، فإن وضع في القبر وأصابته النجاسة قرض الموضع من
الكفن بالمقراض ولا يغسل.
وقال بعض أصحابنا: يقرض بالمقراض، ولم يفصل ما فصلنا بل أطلق ذلك إطلاقا
وما اخترناه مذهب الشيخ الصدوق علي بن بابويه في رسالته.
وإذا لم يوجد لغسله كافور وسدر فلا بأس أن يغسل ثلاث الغسلات بالماء
القراح، وإن وجد الكافور والسدر فلا بد منه فإن ذلك واجب لا مستحب جعله
على أصح الأقوال، وإن كان بعض أصحابنا وهو سلار لا يوجب الثلاث
الغسلات بل غسلة واحدة ولا يوجب الكافور ولا السدر في الغسلتين الأوليين.
وإذا مات الانسان في البحر في مركب، ولم يقدر على الأرض لدفنه غسل
وحنط وكفن وصلى عليه ثم يثقل بشئ ويطرح في البحر ليرسب إلى قرار الماء،
وهذا هو الأظهر من الأقوال، وقال بعض أصحابنا: يترك في خابية ويشد رأسها ويرمى في
البحر، ورد بذلك بعض الروايات واختاره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف.
ولا يجوز حمل ميتين على جنازة واحدة مع الاختيار لأن ذلك بدعة، ويستحب أن يكون
حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، ويكره نقل الميت من الموضع الذي مات فيه ليدفن في
بلد غيره إلا إذا نقل إلى واحد من مشاهد الأئمة فإن ذلك مستحب ما لم يخف عليه الحوادث
والانفجار، فإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله ولا نبشه ونقله من موضعه سواء نقل إلى
مشهد أو إلى غيره بل ذلك بدعة في شريعة الاسلام.
وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف مسألة: إذا أنزل الميت القبر يستحب أن يغطى
بثوب، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إذا كان امرأة غطي وإن كان رجلا لم يغط.
535

السرائر قال محمد بن إدريس رحمه الله: ما وقفت لأحد من أصحابنا في هذه المسألة على مسطور
فأحكيه، والأصل براءة الذمة من واجب أو ندب وهذا مذهب الشافعي فلا حاجة بنا إلى
موافقته على ما لا دليل عليه. وقد يوجد في بعض نسخ أحكام النساء للشيخ المفيد: أن المرأة
يجلل القبر عند دفنها بثوب والرجل لا يمد عليه ثوب، فإن كان ورد هذا فلا نعديه إلى قبر
الرجل فليلحظ ذلك.
ولا يترك من وجب عليه الصلب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، فإن صلى عليه وهو
على خشبته يستقبل بوجهه وجه المصلى ويكون هو مستدبر القبلة.
هكذا تكون الصلاة عليه عند بعض أصحابنا المصنفين، والصحيح من الأقوال والأظهر
أنه ينزل بعد الثلاثة الأيام ويغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه لأن الصلاة قبل الغسل
والتكفين لا تجوز، وهذا مذهب شيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر الطوسي، إلا أن شيخنا أبا
جعفر الطوسي لا يصلب المحارب إلا إذا قتل ويقول: يقتل قودا لا حدا، ذكر ذلك في الجزء
السادس من مبسوطه في كتاب قطاع الطريق، فلزمه على ذلك أن يأمره بالغسل والتكفين
والتحنيط ثم يصلبه لأن المقتول قودا بلا خلاف بيننا يؤمر أولا بالغسل والتكفين ثم يقاد بعد
ذلك وهو لا يغسله ولا يكفنه إلا بعد موته وإنزاله من خشبته، والصحيح أنه يقتل حدا
لا قودا لأن القتل يتحتم عليه، وإن عفا ولي المقتول، وهذا مذهب شيخنا المفيد أن المحارب إذا
شهر السلاح، الإمام مخير بين الصلب وبين قطعه من خلاف وبين النفي والآية معه عاضدة
لقوله.
ويكره تجصيص القبور وتطيينها والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد
اندراسها، ولا بأس بتطيينها ابتداء، والكفن يؤخذ من نفس تركه الميت قبل اخراج جميع
الحقوق من دين ووصية ونذر وكفارة وميراث، وإن كان الميت امرأة لزم زوجها إكفانها
وتجهيزها ولا يلزم ذلك في مالها، فإن آثر الزوج أن يكفنها مما يخصه من تركتها ويصيبه
فلا بأس به إذا لم يحسبه من أصل تركتها على ورثتها.
536

باب التعزية والسنة في ذلك وهيئة المصاب وما ينبغي
أن يكون عليه من علامات المصيبة:
تعزية صاحب المصيبة سنة ينبغي أن تراعى ولا تهمل، وفيها أجر كبير. فقد روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من عزى حزينا كسى في الموقف حلة يحبر بها. ويجوز
التعزية قبل الدفن وبعد الدفن والأولى أن يكون بعد الدفن، وإذا عزى الرجل أخاه في
الدين فليقل: ألهمك الله صبرا واحتسابا ووفر لك الأجر ورحم المتوفى وأحسن الخلف على
مخلفيه، وإن قال: أحسن الله لك العزاء وربط على قلبك بالصبر ولا حرمك الأجر، كان
حسنا. ويجزئه أن يقول له: آجرك الله. وإن حضر ولم يتكلم أجزأه الحضور عن الكلام وإن
كان الكلام مع الحضور أفضل، وإن كان المعزى جزعا قلقا وعظه إن تمكن من ذلك وسلاه
بذكر الله تعالى وذكر رسوله والأسوة به ع وعرفه ما عليه من الوزر في جزعه والأجر
على صبره، وإن كان المعزى يتيما مسح يده على رأسه وسكنه بلطف ورفق ودعا له بحسن
الخلافة وترحم على ميته.
وليس في تعزية النساء سنة، ولا يجوز تعزية الضلال عن الحق والمخالفين للاعتقاد
الصحيح وأصناف الكفار، فإن اضطر الانسان إلى تعزيتهم إن اقتضت المصلحة له في
دينه ودنياه ذلك فليعزهم وليدع لهم في التعزية بإلهام الصبر ولا يدع لهم بالأجر، ولا بأس أن
يدعو لهم بالبقاء، بذلك ثبت الخبر عن أئمة الهدي من آل محمد عليهم السلام.
والمستحب لمشيع الجنازة وحاضري أصحاب المصائب أن لا ينصرفوا حتى يأذنوا
لهم في الانصراف بذلك جرت السنة، فإن كان المعزى جاهلا بما ينبغي له من الإذن لهم في
الانصراف فسكت عنهم انصرفوا بغير إذنه، وينبغي لصاحب المصيبة أن يتميز من
غيره، ولا يجوز للوالدين شق جيبهما على ولدهما فإن فعلا ذلك أثما وكانت عليهما كفارة
يمين على كل واحد منهما على ما روي في بعض أخبارنا واستغفرا ربهما.
وينبغي لإخوان الميت أن يصنعوا لأهله طعاما على حسب إمكانهم مدة ثلاثة أيام
لشغل أهل المصيبة بمصيبتهم عن إعداد ما يحتاجون إليه لأنفسهم فإنهم يحوزون أجرا
537

ويتبعون به سنة ثابتة عن النبي ص فيما صنعه بأهل جعفر بن أبي طالب
رضي الله عنه وأرضاه ليلة ورود الخبر بشهادته رحمه الله فاشتغلوا عن صلاح شؤونهم
بالمصاب به عليه السلام.
البكاء ليس به بأس وأما اللطم والخدش وجز الشعر والنوح بالباطل فإنه محرم
إجماعا.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: ويكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة. قال محمد بن إدريس
رحمه الله: لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين إلى ذلك، ولا وضعه في كتابه وإنما هذا من
فروع المخالفين وتخريجاتهم، وأي كراهة في جلوس الانسان في داره للقاء إخوانه والدعاء لهم
والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه؟ وقال شيخنا أيضا في مبسوطه:
يجوز لصاحب الميت أن يتميز من غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الأب
والأخ، فأما غيرهما فلا يجوز على حال. قال محمد بن إدريس: لم يذهب إلى هذا سواه رحمه الله،
والذي تقتضيه أصول مذهبنا، أنه لا يجوز اعتقاد ذلك وفعله سواء كان على الأب أو الأخ
أو غيرهما، لأن ذلك حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك فيجب إطراحه
لئلا يكون الفاعل له مبدعا لأنه اعتقاد جهل.
باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية:
الدم على ضربين: نجس وطاهر قليله وكثيره. فالطاهر على مذهب أهل البيت بغير
خلاف بينهم دم السمك والبراغيث و البق وما أشبه ذلك مما ليس بمسفوح،
وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وقال مالك في دم البراغيث: إذا تفاحش غسل فإن لم
يتفاحش لا بأس به، وقال: يغسل دم السمك والذباب، وسوى الشافعي بين الدماء كلها في
النجاسة.
قال محمد بن إدريس: وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا أن النجاسة على ضربين: دم وغير
دم، فعمم ولم يخص وهذا تسامح وتساهل في التصنيف على أن العموم قد يخص بالأدلة
538

فلا يتوهم متوهم إذا وقف على ذلك المسطور أنه صحيح ظاهره، والدليل على طهارة دم
السمك أنه لا خلاف في جواز أكله بدمه من غير أن يسفح دمه، أ لا ترى أن سائر الدماء لما
كانت نجسة لم يجز أكل الحيوان الذي هي فيه إلا بعد سفحها، وأيضا قوله تعالى: قل لا أجد
فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه - إلى قوله - أو دما مسفوحا، فأخبر تعالى أن ما عدا
المسفوح ليس بمحرم، ودم السمك ليس بمسفوح فوجب أن لا يكون محرما، وأيضا قوله تعالى:
أحل لكم صيد البحر وطعامه، يقتضي ظاهره إباحة أكل السمك وطهارته بجميع أجزائه لأن
التحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه، فإن قال قائل: كما أنه تعالى خص الدم المسفوح
بالآية التي ذكرتم فقد عم أيضا سائر الدماء بقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم وهذه
الآية تقتضي تحريم سائر الدماء المسفوح وغيره، قلنا: دم السمك مخصوص من الآية العامة
بما قدمناه من الدلائل، وبعد فإن الله تعالى لما قال: حرمت عليكم الميتة، وقال النبي صلى الله
عليه وآله: أحلت لنا ميتتان، وقال تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه، ثم اتفقوا على أن آية
الإباحة مرتبة على آية الحظر كأنه تعالى قال: حرمت عليكم الميتة إلا الجراد والسمك، فوجب
أن يكون حكم الدم كذلك وتكون آية الإباحة مرتبة على آية الحظر، ويكون التقدير: حرمت
عليكم الميتة والدم إلا دم السمك وما أشبهه مما ليس بمسفوح، وأيضا فإن العام يبني على
الخاص والمطلق على المقيد، مثاله، إذا ورد حكم مطلق في موضع ثم ورد ذلك الحكم بعينه في
موضع آخر مقيدا بصفة فإن مطلقه يكون محمولا على مقيده ويتبين بذلك التقييد مراد
المخاطب بالمطلق، وهذا مما لا خلاف فيه بين من تكلم في أصول الفقه. فأما مسألة الخلاف
أن يثبت حكم في موضع مطلقا ثم يرد ما هو من جنس ذلك الحكم لا بعينه في موضع آخر مقيدا،
فهل يجب حمل المطلق هاهنا على ذلك المقيد أم لا؟ الصحيح من الأقوال أن لكل منها حكم
نفسه لأنهما حكمان متغايران وإن كان جنسهما واحدا، ومثاله كفارة الظهار مطلقة، وكفارة
قتل الخطأ مقيدة، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا إلا بدليل منفصل لأنه يكون قياسا
والقياس متروك عند أهل البيت عليهم السلام. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه
قال: لا بأس بدم ما لم يذك. فأما الكلام في دم البق والبراغيث وما أشبههما، فالدليل على
ما ذهبنا إليه فيها الآية التي تقدمت وهو قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى - إلى قوله: أو دما
539

مسفوحا، ودم البراغيث والبق ليس بمسفوح وليس هذا اعتمادا على تعلق الحكم بصفة،
وتعويلا على دليل الخطاب، بل الحكم يتعلق بشرط متى لم يقصر عليه لم يكن مؤثرا، وخرج من
أن يكون شرطا على ما ذكرناه فيما تقدم، فإن عورضنا بعموم قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة
والدم، كان الكلام على ذلك ما تقدم على ما اخترناه إجماع أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم،
فمنهم السيد المرتضى رضي الله عنه يفتي به في مسائل خلافه ويناظر الخصم عليه، وكذلك
شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله يفتي به في مسائل خلافه ويناظر الخصم عليه. فأما قوله في
جمله وعقوده: النجاسة على ضربين: دم وغير دم، وعد دم السمك وأدخله في جملة عموم قوله: ا
لنجاسة، فتسامح وتساهل في التصنيف على ما قدمناه واعتذرنا لمن وجد ذلك في كلامه
وتصنيفه بأن العموم مخصوص بالأدلة وقد يوجد مثل ذلك في كلام الله سبحانه وكلام أنبيائه
وأئمته عليهم السلام وإلا يكون ذلك مناقضة في الأدلة وذلك لا يجوز بغير خلاف.
وجملة الأمر وعقد الباب أن الدم على تسعة أقسام:
ثلاثة منها قليلها وكثيرها طاهر، وهي دم السمك والبق والبراغيث وما ليس بمسفوح
وقد مضى القول فيه.
وثلاثة منها قليلها وكثيرها نجس، لا يجوز الصلاة في ثوب ولا بدن أصابه منها قليل
ولا كثير إلا بعد إزالته بغير خلاف عندنا، وهي دم الحيض والاستحاضة والنفاس.
ودمان نجسان إلا أنهما عفت الشريعة عمن هما به ولا يمكنه التحرز منهما في كل وقت
بأن يكونا على صفة من السيلان بأن لا يرقيا في وقت من الأوقات، وهما الجراح الدامية
والقروح اللازمة، فلا بأس بالصلاة في الثوب والبدن إذا كانا على هذه الصفة وهما فيهما
كثرا أو قلا للمكلف الذي هما به فحسب من غير اعتبار الدرهم وسعته، فإذا انقطع
سيلانهما عمن هما به اعتبر ما يعتبره غيره من سعة الدرهم وأقل من ذلك، وعمل عليه
على ما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والدم التاسع ما عدا ما ذكرناه من الثمانية الأجناس وهو دم باقي سائر الحيوان سواء
كان مأكول اللحم أو غيره نجس العين أو غير نجس العين.
وقد ذكر بعض أصحابنا المتأخرين من الأعاجم وهو الراوندي المكنى بالقطب: أن دم الكلب
540

والخنزير لا يجوز الصلاة في قليله ولا كثيره مثل دم الحيض، قال: لأنه دم نجس العين، وهذا
خطأ عظيم وزلل فاحش لأن هذا هدم وخرق لإجماع أصحابنا فهذا الدم - أعني التاسع من
الدماء - نجس إلا أن الشارع عفا عن ثوب وبدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافي وهو
المضروب من درهم وثلث، وبعضهم يقول: دون قدر الدرهم البغلي " منسوب إلى مدينة
قديمة يقال لها: بغل، قريبة من بابل بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين، تجد
فيها الحفرة والغسالون دراهم واسعة. شاهدت درهما من تلك الدراهم وهذا الدرهم أوسع
من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة. وقال بعض
من عاصرته ممن له علم بأخبار الناس والأنساب: إن المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي
البغل رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما، وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب
إليه الدرهم البغلي. وهذا غير صحيح لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول عليه
السلام قبل الكوفة ". فمتى كانت سعته أعني سعة الدم في الثوب والبدن سعة هذا الدرهم
لا وزنه وثقله وكان مجتمعا في مكان واحد فلا يجوز الصلاة إلا بعد إزالته، وبعض أصحابنا
يقول: سواء كان مجتمعا في مكان واحد أو متفرقا بحيث لو جمع كان بمقدار الدرهم لا يجوز
الصلاة فيه وهذا أحوط للعبادة.
والأول أقوى وأظهر في المذهب لأن الأصل براءة الذمة، لأن الاجماع على سعة قدر الدرهم فكل
موضع ليست هي بسعة قدر الدرهم لا يجب إزالتها فمن ادعى أنه إذا اجتمع كان بقدر
الدرهم يحتاج إلى دليل.
وما ليس بدم من النجاسات يجب إزالة قليله وكثيره، من ذلك: البول والغائط من
الآدمي وغيره من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه ويكون له دم سائل مسفوح، وما أكل لحمه
فلا بأس ببوله وروثه وذرقه،
وبعض أصحابنا يستثني من هذه الجملة إلا ذرق الدجاج خاصة، فإن أراد هاهنا بالدجاج غير
الجلال فاستثناؤه له وجه، وإن أراد بالدجاج الجلال فلا وجه لاستثنائه لأنه استثناء من مأكول
اللحم والجلال غير مأكول اللحم في حال جلله، فيصير الاستثناء غير حقيقي لأنه استثناء
من غير الجنس والكلام في الحقائق، والصحيح أن الدجاج إذا كان غير جلال فإنه لا بأس
541

بذرقه لأن الاجماع من الطائفة حاصل على أن روث وبول وذرق كل مأكول اللحم من الحيوان
طاهر والدجاج من ذلك، فالمراد بالدجاج هاهنا الجلال لأنه محتمل للجلال وغيره، فيحمل
إطلاق ذلك على المقيد على ما مضى شرحه أولا لئلا تتناقض الأدلة.
وما يكره لحمه يكره بوله وروثه مثل البغال والحمير والدواب، وإن كان بعضه أشد
كراهة من بعض، وفي أصحابنا من قال: بول البغال والحمير والدواب وأرواثها نجس
يجب إزالة قليله وكثيره، والصحيح خلاف هذا القول.
والمني نجس من كل حيوان سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، يجب
غسله ولا يجزئ فيه الفرك.
والخمر نجس بلا خلاف لا يجوز الصلاة في ثوب ولا بدن أصابه منها قليل ولا كثير،
إلا بعد إزالتها مع العلم بها.
وقد ذهب بعض أصحابنا في كتاب له وهو ابن بابويه: إلى أن الصلاة تجوز في ثوب أصابه
الخمر، قال: لأن الله حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته، معتمدا على خبر روي وهذا
اعتماد منه على أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، وهو مخالف للإجماع من المسلمين فضلا عن
طائفته في أن الخمر نجسة. وقد أجمع أصحابنا على أن الصلاة لا تجوز في ثوب أصابته
نجاسة إلا بعد إزالتها سواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة، إلا ما خرج بالإجماع من الدم
التاسع والدم الذي لا يرقأ لموضع الضرورة لمن هو به على ما مضى ذكرنا له، وألحق أصحابنا
الفقاع بالخمر في جميع الأحكام.
وأسار الكفار على اختلاف ضروبهم من مرتد وكافر أصلي وكافر ملي ومن حكمه
حكمهم.
وجملة الأمر وعقد الباب أن ما يؤثر التنجيس على ثلاثة أضرب: أحدها يؤثر
بالمخالطة، وثانيها بالملاقاة، وثالثها بعدم الحياة. فالأول أبوال وخرؤ كل ما لا يؤكل لحمه
وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا، و الشراب المسكر والفقاع والمني والدم المسفوح وكل مائع
نجس بغيره. والثاني أن يماس الماء وغيره حيوان نجس العين وهو الكلب والخنزير
والكافر. والثالث أن يموت في الماء وغيره حيوان له نفس سائلة، ولا حكم لما عدا ما ذكرناه
542

في التجنيس.
وكل نجاسة تجب إزالة قليلها وكثيرها، فإنه يجب إزالتها عن الثياب والأبدان أدركها
الطرف أو لم يدركها إذا تحقق ذلك، فإن لم يتحقق ذلك وشك فيه لم يحكم بنجاسة الثوب
إلا ما أدركه الحس فمتى لم يدركها فالثوب على أصل الطهارة،
وليس لغلبة الظن هاهنا حكم لأنه مذهب أبي حنيفة، فإن وجد في بعض كتبنا وتصنيف
أصحابنا شئ من ذلك فإنه محمول على التقية. وقال بعض أصحابنا: إذا ترشش على الثوب
أو البدن مثل رؤوس الإبر فلا ينجس بذلك، والصحيح الأول لأن الاجماع على ذلك حاصل.
وإذا تحقق حصول النجاسة في الثوب ولم يعلم موضعه بعينه، وجب غسل الثوب
كله، وإن علم أنه في موضع مخصوص وجب غسل ذلك الموضع لا غير، ولا يتعدى إلى غير
ذلك الموضع سواء كانت النجاسة رطبة أو يابسة، وإن علم أن النجاسة حصلت في أحد
الكمين ولم يتميز، غسلهما معا ولم يجز له التحري.
الماء الذي ولغ فيه الكلب والخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله لأنه نجس، وإن
أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء فإن كان من الغسلة الأولة يجب غسله، وإن كان من
الغسلة الثانية أو الثالثة لا يجب غسله.
وقال بعض أصحابنا: لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولة أو الثانية وما اخترناه
المذهب. قال السيد المرتضى في الناصريات: قال الناصر: ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة
وبين ورود النجاسة على الماء. قال السيد: وهذه المسألة لا أعرف فيها نصا لأصحابنا ولا قولا
صريحا، والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود
النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة، وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة،
ويقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي، والوجه فيه: إنا
لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك أن الثوب لا يطهر من النجاسة
إلا بإيراد كر من الماء عليه وذلك يشق، فدل على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه
القلة والكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه. قال محمد بن إدريس رحمه الله: وما قوي في
نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب.
543

ولا بأس بعرق الجنب والحائض إذا كانا خاليين من نجاسة، فإن كان على بدنهما
نجاسة وعرقا نجس الثوب الذي عرقا فيه سواء كانت الجنابة من حرام أو حلال على
الصحيح من الأقوال وأصول المذهب.
وقال بعض أصحابنا: إن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه. وقال الشيخ
أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: على ما رواه بعض أصحابنا، ثم قال في موضع آخر من
مبسوطه: فإن عرق فيه وكانت الجنابة من حرام روى أصحابنا أنه لا يجوز الصلاة فيه فإن
كانت من حلال لم يكن به بأس، ويقوى في نفسي أن ذلك تغليظ في الكراهة دون فساد
الصلاة لو صلى فيه، أ لا ترى إلى قوله رضي الله عنه الأول: رواه بعض أصحابنا، وقوله الثاني:
روى أصحابنا وفي الأول قال: رواه بعض أصحابنا، وشيخنا المفيد رحمه الله رجع عما ذكره
في مقنعته في رسالته إلى ولده. والغرض من هذا التنبيه أن من قال: إذا كانت الجنابة من
حرام وجب غسل ما عرق فيه رجع عن قوله في كتاب آخر فقد صار ما اخترناه إجماعا.
وعرق الإبل الجلالة يجب إزالته، على ما ذهب إليه بعض أصحابنا دون عرق غيرها من
الجلالات. وأما أسار الجلال فقد بينا أن أسار جميع الحيوانات من البهائم وذوات الأربع
مأكول اللحم وغير مأكول اللحم والطيور جميعها طاهرة ما عدا الكلب والخنزير فلا وجه
لإعادته. وكل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة والثوب كذلك لا يجب غسلهما
وإنما يستحب مسح اليد بالتراب ونضح الثوب.
وإذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية بول أو غيره من المائعات النجسة وطلعت
عليه الشمس وجففته فإنه يطهر بذلك ويجوز السجود عليه والتيمم به، وإن جففته غير
الشمس لم يطهر ولا يطهر غير ما قلناه من الثياب بطلوع الشمس عليه وتجفيفه. وقد روي:
أن ما طلعت عليه الشمس فقد طهرته من الثياب،
وهذه رواية شاذة ضعيفة لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها والعمل على ما قلناه غير أنه يجوز
الوقوف عليه في الصلاة إذا كان موضع السجود طاهرا ولم تكن النجاسة رطبة فيتعدى إليه.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف: الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول
وما أشبهه وطلعت عليها الشمس أو هبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة فإنها تطهر،
544

وبه قال الشافعي في القديم. قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا غير واضح لا يجوز القول به
لأنه مخالف لمذهبنا وإجماعنا على الشمس دون هبوب الرياح، وهذا مذهب الشافعي اختاره
الشيخ هاهنا ثم رجع عنه في مسألة في الكتاب المشار إليه بأن قال مسألة: إذا بال على موضع
من الأرض وجففته الشمس طهر الموضع وإن جف بغير الشمس لم يطهر، وكذلك الحكم في
البواري والحصر سواء. وقال الشافعي: إذا زالت أوصافها بغير الماء بأن تجففها الشمس
أو تهب عليها الريح فإنه يطهر في قوله القديم، فهذا يدلك على ما بيناه.
ولا يجوز إزالة شئ من النجاسات بغير الماء المطلق من سائر المائعات ولا يحكم
بطهارة الموضع بذلك، وفي أصحابنا من أجازه. ومن صلى في ثوب فيه نجاسة غير معفو
عنها مع العلم بذلك بطلت صلاته، وإن علم أن فيه نجاسة ثم نسيها وصلى كان مثل الأول
عليه الإعادة سواء خرج الوقت أو لم يخرج الوقت،
بغير خلاف بين أصحابنا في المسألتين معا، إلا من شيخنا أبي جعفر في استبصاره فحسب
دون سائر كتبه فإنه ذهب في الاستبصار إلى أنه: إذا كان بثوب الانسان نجاسة وعلم بها ثم
نسيها وصلى فإن كان الوقت باقيا وجب عليه الإعادة وإن كان الوقت خرج وتقضي فلا إعادة
عليه، والصحيح وجوب الإعادة مع تقدم العلم سواء خرج الوقت أو لم يخرج نسيها
أو علمها.
وإن لم يعلم وصلى على أصل الطهارة ثم علم أنه كان نجسا بعد خروج وقت تلك
الصلاة فلا يجب عليه الإعادة أيضا بلا خلاف، فإن كان الوقت باقيا:
فبين أصحابنا خلاف في هذه المسألة فبعض يذهب إلى وجوب الإعادة عليه، وبعض منهم
يقول: لا يجب عليه الإعادة، وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأن الإعادة فرض ثان يحتاج
إلى دليل شرعي وهذا المكلف امتثل الأمر وصلى صلاة شرعية مأمورا بها بغير خلاف، وهذا
مذهب شيخنا أبي جعفر في استبصاره وتأويل أخباره واعتماده، وإن كان في أول نهايته
يذهب إلى خلاف هذا.
والمذي والودي طاهران عندنا لا يجب إزالتهما، والقئ ليس بنجس وفي أصحابنا من
قال: هو نجس والأول المعتمد، والصديد والقيح حكمهما حكم القئ سواء، وكل ما لا تتم
545

الصلاة فيه منفردا مثل الخف والنعل والقلنسوة والتكة والجورب والسيف والمنطقة
والخاتم والسوار والدملج وما أشبه ذلك إذا أصابه نجاسة لم يكن بالصلاة فيه بأس إذا
انطلق عليه اسم اللباس والملبوس، فأما ما لا ينطلق عليه اسم الملبوس ولم يكن لباسا
فلا يجوز في شئ منه الصلاة إذا أصابته نجاسة وإن كان لا تتم الصلاة فيه منفردا لأنه غير
لباس.
وما لا نفس له سائلة من الميتات لا ينجس الثوب ولا البدن والمائع الذي يموت فيه ماء
كان أو غيره وإن تغير أوصاف الماء به، وطين الطريق لا بأس به ما لم يعلم فيه نجاسة، وإذا
أصاب الثوب ماء المطر وقد خالطه شئ من النجاسة فإن كان جاريا من الميزاب والمطر
متصل من السماء فلا ينجس الثوب والبدن ما لم يتغير أحد أوصاف الماء، فإن سكنت
السماء وبقي ماء المطر مستنقعا اعتبر فيه ما ذكرناه من حكم المياه الراكدة غير مياه الآبار
بالقلة والكثرة وتغير أحد الأوصاف بالنجاسات فيحكم فيه بذلك، وهذا حكم الوكف مع
اتصال المطر من السماء وانقطاعه.
والماء الذي يستنجي به أو يغتسل به من الجنابة إذا رجع عليه أو على ثوبه لم يكن به
بأس بغير خلاف، فإن انفصل منه ووقع على نجاسة ثم رجع عليه وجب إزالته.
وإذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولم يتميز له الطاهر ولا يتمكن
من غسل أحدهما،
قال بعض أصحابنا: يصلى في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، وقال بعض منهم: ينزعهما
ويصلى عريانا، وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأن المسألة بين أصحابنا فيها خلاف
ودليل الاجماع منفي، فإذا كان كذلك فالاحتياط يوجب ما قلناه، فإن قال قائل: بل الاحتياط
يوجب الصلاة فيهما على الانفراد لأنه إذا صلى فيهما جميعا تبين وتيقن بعد فراغه من
الصلاتين معا أنه قد صلى في ثوب طاهر، قلنا: المؤثرات في وجوه الأفعال يجب أن تكون
مقارنة لها لا متأخرة عنها، والواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة
وهذا يجوز عند افتتاح كل صلاة من الصلاتين أنه نجس ولا يعلم أنه طاهر عند افتتاح كل
صلاة فلا يجوز أن يدخل في الصلاة إلا بعد العلم بطهارة ثوبه وبدنه لأنه لا يجوز أن يستفتح
546

الصلاة وهو شاك في طهارة ثوبه، ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على أمر يظهر فيما بعد،
وأيضا كون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة فكيف يؤثر في هذا الوجه ما يأتي بعده؟
ومن شأن المؤثر في وجوه الأفعال أن يكون مقارنا لها لا يتأخر عنها على ما بيناه، فإن قيل: أ ليس
الداخل في الصلاة يعلم أن وجوب ما دخل فيه موقوف على تمامه؟ قلنا: معاذ الله أن نقول
ذلك بل كل فعل يأتيه في الوقت فهو واجب ولا يقف على أمر منتظر وإنما يقف صحته على
الاتصال والمراد بذلك أنه إذا اتصل فلا قضاء عليه وإذا لم يتصل فالقضاء واجب، فأما
الوجوب واستحقاق الثواب فلا يتغير بالوصل والقطع بين ذلك أنه ربما وجب القطع وربما
وجب الوصل، فلو تغير بالقطع والوصل وجوبه لم يصح دخوله في الوجوب وليس لأحد أن
يقول: إنه بعد الفراع من الصلاتين يقطع على براءة ذمته وأن العبادة مجزئة، قلنا: لا يصح
ذلك لأن بعد الفراع قد سقط عنه التكليف وينبغي أن يحصل له اليقين في حال ما وجب عليه
وينبغي أن يتميز له في حال ما وجب عليه حتى يصح منه الإقدام عليه، وتميزه له من غيره
وذلك يكون قبل فراغه من الصلاة. وقد ذكر السيد المرتضى في مسائل خلافه عند مناظرته
لأبي حنيفة في أن المتيمم إذا دخل في صلاته ثم وجد الماء فالواجب عليه أن يمضى في صلاته،
وعند أبي حنيفة الواجب عليه قطعها قياسا على الصغيرة التي تعتد بالشهور ثم اعتدت
شهرا ثم رأت الدم انتقلت عدتها إلى الأقراء لأن الشهور قد حصلت بدلا من الأقراء، كذلك
التيمم.
قال المرتضى: عليه نحن نقول: إذا انتقلت عدتها إلى الأقراء احتسب لها بما مضى قرء فأما من
يقول: لا يحتسب، فله أن يفرق بينها وبين المتيمم، وذلك أن المرأة قد تعتد بعدة مشكوك فيها
عندهم لا نعلم ما حكمها ويكون أمرها موقوفا على ما ينكشف فيما بعد، فإن ظهر حمل اعتدت
به وإن لم يظهر حمل اعتدت بالأقراء، وليس كذلك المتيمم لأنه لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو
شاك فيها، ولا يجوز أن تكون موقوفة على أمر يظهر، فلم يلزم من رأي الماء في الصلاة
الاستئناف لهذه العلة وإن لزم المعتدة بالشهور الانتقال إلى الأقراء، هذا آخر كلام المرتضى
رحمه الله، أ لا ترى إلى قوله: لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو شاك فيها ولا يجوز أن يكون
موقوفة على أمر يظهر. فهذا يدلك على ما نبهنا عليه من أدلة المسألة فإنها هي بعينها.
547

ومن كان معه ثوب نجس ولا يقدر على الماء نزعه وصلى عريانا، فإن لم يتمكن من
نزعه خوفا على نفسه من البرد صلى فيه ولا إعادة عليه، وقد روي: أنه إذا تمكن نزعه
أو غسله وأعاد الصلاة.
بول الصبي الرضيع وحده من لم يبلغ سنتين، نجس، إذا أصاب الثوب يكفي أن
يصب الماء عليه من غير عصر له وقد طهر، وبول الصبية لا بد من عصره مرتين مثل
بول البالغين وإن كان للصبية دون الحولين. فإذا تم للصبي حولان وجب عصر الثوب
من بوله.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: وإذا أصاب ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب
أو فأرة أو وزغة وكان رطبا، وجب غسل الموضع الذي أصابه فإن لم يتعين الموضع وجب غسل
الثوب كله. وكذلك إن مس الانسان بيده أحد ما ذكرناه أو صافح ذميا وجب عليه غسل يده
إن كان رطبا وإن كان يابسا مسحه بالتراب.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا القول غير واضح لأن هذا خبر من أخبار الآحاد أورده
المصنف على ما وجده، أما الكلب والخنزير فصحيح ما قال، وأما الثعلب والأرنب فلا خلاف
بين أصحابنا، إلا أن أسار السباع طاهرة وكذلك السباع طاهرة عندهم بغير خلاف الآن،
وإنما أبو حنيفة يذهب إلى أن السباع نجسة فعلى هذا لا يصح ما قاله هذا القائل. وأما قوله:
الفأرة والوزغة، فلا خلاف أيضا في أن سؤر الفأر طاهر وأنه يدخل المائع ويخرج منه
ولا ينجسه بغير خلاف، وأما الوزغة فإنها لا نفس لها سائلة كالذباب والزنابير، وما لا نفس
له سائلة لا ينجس المائع بموته فيه، فكيف يصح القول بأن سؤره نجس وما لاقاه وهو رطب
ينجسه؟ وأما الذمي فصحيح ما قال فيه فليلحظ ذلك.
دم الحيض يجب غسله ويستحب حته وقرصه وليسا بواجبين فإن اقتصر على الغسل
أجزأه، فإن بقي له أثر استحب صبغه بالمشق،
بكسر الميم وتسكين الشين وهو المغرة بتحريك الغين وهو طين أصفر يقال له: المشق، وما كان
منه أحمر يقال له: المصر يصبغ به الثياب والأردية ومنه رداء ممصر وثوب ممصر بالصاد
غير المعجمة أي مصبوع بالمصر الذي هو المغرة أو بما يغير لونه.
548

يجوز الصلاة في ثوب الحائض ما لم يعلم فيه نجاسة، وكذلك في ثوب الجنب المذي
والوذي طاهران. ولا يجوز الصلاة في ثياب الكفار التي باشروها بأجسامهم الرطبة
أو كانت الثياب رطبة، ولا بأس بثياب الصبيان ما لم يعلم فيها نجاسة، والنجاسة إذا
كانت يابسة لا ينجس بها الثوب.
العلقة نجسة، والمراد بذلك الدم الذي يستحيل منه المضغة لا الدود الذي يقال له
العلق.
إذا بال الانسان على الأرض فتطهيره أن يطرح عليه ذنوب من ماء، والذنوب الدلو
الكبيرة، ويحكم بطهارة الأرض وطهارة الموضع الذي ينتقل إليه ذلك الماء، فإن بال اثنان
وجب أن يطرح مثل ذلك وعلى هذا أبدا لأن النبي ع أمر بذنوب من ماء على بول
الأعرابي إذا بال في موضع فإنه يزول حكم نجاسته بستة أشياء:
أحدها أن يكاثر عليه الماء حتى يستهلكه فلا يرى له لون ظاهر ولا رائحة. والثاني أن
يمر عليه سيل أو ماء جار فإنه يطهره. الثالث أن يحفر الموضع في حال رطوبة البول فينتقل
جميع الأجزاء الرطبة فيحكم بطهارة ما عداه. الرابع أن يحفر الموضع وينقل ترابه حتى
يغلب على الظن أو يعلم أنه نقل جميع الأجزاء التي أصابتها النجاسة. الخامس أن يجئ
عليها مطر أو يجئ عليها سيل فيقف فيه بمقدار ما يكون كرا من الماء. السادس أن يجف
الموضع بالشمس فإنه يحكم بطهارته فإن جف بغير الشمس لم يطهر.
النجاسة على ضربين: مائع وجامد. فالمائع قد قدمنا حكمه وكيفية تطهيرها من
الأرض، والجامد لا يخلو من أحد أمرين:
أما أن يكون عينا قلته متميزة عن التراب أو مستهلكة، فإن كانت عينا قائمة
كالعذرة والدم وجلد الميتة ولحمه نظرت: فإن كانت نجاسة يابسة فإذا أزالها عن المكان
كان مكانها طاهرا، وإن كانت رطبة فإذا أزالها بقيت رطوبتها في المكان فتلك الرطوبة
بمنزلة البول وقد مضى حكمه.
وإن كانت العين مستهلكة فيها كجلود الميتة ولحمها والعذرة ونحو ذلك فهذا المكان
لا يطهر بصب الماء عليه.
549

من حمل حيوانا طاهرا مثل الطيور وغيرها أو مثل جمل صغير أو صبيا صغيرا لم تبطل
صلاته، فإن حمل قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس بالشمع أو بالرصاص فجعلها في كمه
أوجبته بطلت لأنه حامل لنجاسة.
وفي الناس من قال: لا تبطل صلاته قياسا على حمل حيوان في جوفه نجاسة. والأول هو
الصحيح لأن القياس عند فقهاء آل الرسول ع متروك.
لا يجوز للمشرك دخول شئ من المساجد لا بالإذن ولا بغير الإذن، ولا يحل لمسلم أن
يأذن له في ذلك لأن المشرك نجس والمساجد تنزه عن النجاسات، ولا يجوز الدباغ
إلا بالأجسام الطاهرة مثل: قشور الرمان والعفص والقرظ والشث.
بالثاء المنقطة بثلاث نقط وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به، قال تأبط شرا:
كأنما حثحثوا حصا قوادمه
وأم خشف بذي شث وطباق
قال الأصمعي: هما نبتان، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح. قال محمد بن إدريس رحمه
الله: وليس هو الشب الذي هو الحجارة بالباء المنقطة نقطة واحدة فإنها لا يدبغ بها، وإنما
نبهت على ذلك لأن شيخنا أبا جعفر الطوسي أورد في المبسوط: ولا يجوز الدباع إلا بما يكون
طاهرا مثل الشب والقرظ. وسمعت بعض أصحابنا يصحف ذلك فيقول: الشب، بالباء
المنقطة من تحتها نقطة واحدة فأردت إيضاح ذلك وألا يجري تصحيف فيه.
550

إشارة السبق
إلى معرفة الحق
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي
551

في التكليف الشرعي من كتاب إشارة السبق
وإذا تقدم الكلام في أركان التكليف العقلي فسنشير إلى أركان التكليف
الشرعي وهو خمسة: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
فأما ركن الصلاة فمن شرط صحة أدائها الاسلام والبلوع وكمال العقل وهما
شرطا وجوبهما أيضا ولها مع ذلك شروط وهي مقدماتها وهي فرض وسنة على وجه فالفرض
منها الطهارة وستر العورة والوقت والقبلة وعدد الركعات ومكان الصلاة وموضع
السجود بالجبهة.
أما الطهارة فهي إما من حدث أو من نجس والأولى إما صغرى أو كبرى وكلاهما
إما اختيارية أو اضطرارية. فالطهارة من الحدث الأصغر اختيارا هي الوضوء والموجب له
خاصة إما البول أو الغائط أو الريح أو النوم الغالب أو ما به يرتفع التحصيل من سكر أو
جنون أو إغماء أو الاستحاضة القليلة للنساء. ومن الحدث الأكبر اختيارا أيضا هي الغسل
والموجب له خاصة أي وحدة الجنابة وهي إما خروج الماء الدافق على أي حال كان، من
نوم أو يقظة أو شهوة أو غيرها. وإما التقاء الختانين قبلا كان أحدهما أو دبرا. ويوجب
الطهارتين معا الحيض وهو ما يحدث بالنساء من خروج الدم ابتداء إلى حيث يتميز لهن
بصفته المخصوصة أو بعادة مألوفة وأكثره عشرة أيام وأقله ثلاثة متوالية. وما بين الثلاثة
إلى العشرة بحسب العادة. فإن نقص عما هو أقله أو زاد على ما هو أكثره، لم يك حيضا.
553

وأكثر أيامه هي أقل أيام الطهر بين الحيضتين ولا حد لأكثره فتعتبر المبتدئة بين حيضتيها
أقل أيام طهرها إن كان خروج الدم مستمرا بها وتعمل على أن ما تراه منه فيها ليس حيضا
سواء استمر بها أو لا، أكثر أيامه أو أقلها. ومتى تميز لها عملت على التميز إلى أن تستمر
عادتها به فتعمل عليها ومتى تعذر عملت على المروي. إما أن تترك الصلاة كما لزم
الحائض في الشهر الأول ثلاثة أيام وفي الثاني عشرة أو في كل شهر سبعة أيام إلى حيث يتميز
لها أو يستقر لها عادة والاستحاضة المخصوصة وهي ما تراه من الدم في أيام طهرها من
الحيض فإن كانت كثيرة لزمها في كل يوم من أيامها تغير حشوها وتجديد الوضوء لكل
صلاة وثلاثة أغسال للفجر غسل وللظهر والعصر مثله وكذا للمغرب والعشاء الآخر.
وإن كانت متوسطة لم يلزمها ليومها إلا غسل واحد للفجر مع تجديد وضوئها وتغير الحشو
كما ذكرناه. ومتى ما فعلت يجب عليها من ذلك كان حكمها حكم الطاهر وإلا فلا.
والنفاس: هو ما يحصل الدم عند الولادة وحكمه حكم الحيض إلا في أقله، فإنه
لا حد له وكل ما يحرم على الجنب من قراءة العزائم ومس كتابة المصحف أو الأسماء
الشريفة أو دخول المساجد الخارجين عن المسجدين الشريفين الإلهي والنبوي لا عابر سبيل
وعبورهما مطلقا أو اللبث فيها أو وضع شئ فيها يحرم أيضا على الحائض والمستحاضة التي
لا تحترز ما يلزمها والنفساء وكل ما يكره له من الأكل أو الشرب لا عن مضمضة واستنشاق
أو نوم وخضاب لا عن وضوء يكره لهن ولا يلزم الحائض قضاء صلاتها أيام حيضها. بل
الصوم ولا يصح طلاقها فيها إلا أن يكون غير مدخول بها أو غائبا عنها زوجها شهرا
فما زاد فيحرم وطؤها فيها ويلزم فيه كفارة.
ومس الميت من البشر، قبل غسله. كل واحد من هذه الأحداث الأربعة يلزم فيه الوضوء والغسل جميعا.
فالوضوء يتقدمه أمور مفروضة وهي السترة عند الخلوة للحاجة وتوقي استقبال
القبلة واستدبارها بكل واحد من الحدثين وعند المجامعة أيضا والاستبراء بنتر مخرج البول
ثلاثا وخرطة كذلك على وجه الاجتهاد فيه تحرزا من البلة فإنها إن حصلت مع ما ذكرناه،
لم يكن لها حكم كالمذي والوذي وإلا وجب منها الوضوء إذا لم يتقدمها جنابة والغسل إن
554

تقدمها تعبد شرعي وغسل المخرج بالماء ومسمى مخرج الغائط إذا لم يتعداه بالأحجار
الطاهرة أو بما يقوم مقامها من الطهارات عدا المطعومات والعظام إما ثلاثة أو واحد مقرن
بحسب غلبة الظن بالنقاء ولا يكون الاستجمار بها إلا إذا لم يكن تعد وإلا متى حصل.
وجب الاستنجاء بالماء ولو جمع بينهما كان أتم فضلا.
ومسنونة وهي تقديم رجله اليسرى دخولا متعوذا واليمنى خروجا داعيا مغطا
الرأس وتجنب استقبال الشمس والقمر والأفنية والشطوط والشوارع ومساقط الثمر
ومواضع اللعن وأفياء النزال ومساكن الحيوان وتلقي الريح بالبول والأرض الصلبة مع
الإمساك عن الأكل والشرب والسواك والحديث إلا الدعاء عند الاستنجاء والذكر سرا.
ويقارنه ما فروضه النية وهي القصد إليه لرفع حكم الحدث واستباحة ما يستباح به
من صلاة أو غيرها إما لوجوبه أو لوجهه إن كان المتوضئ عارفا بوجه الوجوب أو بكونه
مندوبا إذا لم يكن واجبا طاعة لله وقربة إليه مع مقارنة آخر جزء منها واستصحابها حكما
إلى آخره وهذا حكم كل نية من نيات العبادات تعين العبادة وكونها إما واجبة أو مندوبة،
أداء أو قضاء إن كانت مما يحتملها على الوجه المعتبر من الطاعة والقربة مع مقارنتها
واستدامة حكمها وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن مرة.
وغسل اليد اليمنى وبعدها اليسرى مرة مرة من المرافق إلى أطراف الأصابع. والمسح من
مقدم الرأس مقدار ما يقع عليه اسمه أقله إصبع واحدة ببقية النداوة لا بماء مستأنف
ومسح ظاهر القدمين كذلك من رؤوس أصابعهما إلى موضع معقد الشراك أقله بإصبعين،
اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى. ولو مسح من الكعبين إلى رؤوس الأصابع لجاز وترتيبه على
الوجه المذكور. فلو قدم وأخر فيه بطل. وكذلك إن لم يتابع بعضه ببعض بحيث يجف غسل
عضو قبل موالاته بغسل العضو الآخر وكذا إن شك في شئ من واجباته قبل الفراع منه
فأما إن كان شكه بعد استيفاء جملته والقيام عنه فلا عبرة به ومتى كان الشك في الحدث مع
تيقن الطهارة كان الحكم لها فلا يحتاج تجددها وبالعكس من ذلك يجب تجديدها. وكذا في
تيقنهما معا والشك في السابق والمسبوق منهما. وكذا في استواء الشك فيهما وفقد الترجيح.
وأما سننه: غسل كفيه من نوم أو بول مرة، ومن غائط مرتين والمضمضة والاستنشاق كل منهما بكف
555

ثلاثا وتثنية غسل الوجه واليدين فإن زاد بطل وضوؤه ولا يكسر الشعر في غسل ذراعيه
وبدأة الرجل بظاهرهما والتثنية بباطنهما وعكسه المرأة وجمع أصابع الكف المتوسطة الثلاثة
لمسح الرأس بها ومسح الرجلين بجملة الكفين مفرجا أصابعهما والدعاء في كل موضع من
ذلك وعند انتهائه والتسويك وترك التمندل.
والأغسال المفروضة منها الخمسة المذكورة وسادسها تغسيل الميت.
والمسنونة تختص منها بالجمعة غسلان ليومها وليلتها.
وكذا اليوم الفطر وليلته وستة لشهر رمضان أول ليلة منه وليلة نصفه وليلة سبعة عشر وليالي الإفراد الثلاثة ليلة تسعة
عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبعة لإحرامي العمرة والحج ودخول الحرم ومكة
ومسجد الحرام وزيارة الكعبة ويوم عرفة وزيارة البيت من منى وأربعة لدخول مدينة
الرسول ومسجده وزيارة قبره وزيارة قبر كل إمام من ولده وخمسة ليوم المبعث والأضحى
والغدير والمباهلة وليلة نصف شعبان. وثمانية للاستسقاء والاستخارة والحاجة والشكر
والتوبة من كبائر الذنوب والمولود حين وضعه. ولقضاء صلاة الكسوف مع احتراق القرص
وتعمد تركها ولقصد رؤية مصلوب مسلم بعد ثلاثة أيام جملتها أربعة وثلاثون غسلا
ويقارن غسل الجنابة ما فروضه والنية ومقارنتها واستدامتها وغسل الرأس إلى أن يبلغ
الماء أصول شعره وغسل الجانب الأيمن من رأس العنق إلى تحت القدم وكذا الجانب الأيسر
وترتبه فإن لم يعم الماء صدره وظهره غسلهما وإن كان عليه خاتم أو ما لم يدخل الماء تحته
حركه وتحركه. إن اغتسل تحت ميزاب وتخلل الشعر ولا يحتاج إلى ترتيبه إن ارتمس في كر أو
ماء جار بل يكون ارتماسه بجملته وحكم الشك فيه حكمه في الوضوء والحدث الأصغر في
أثنائه يتوضأ بعده احتياطا وقيل يتمه ولا شئ عليه.
وما سننه متقدما غسل اليدين ثلاثا وكذا الاستنشاق والمضمضة ومقارنا صب الماء
على الرأس ثلاثا وعلى كل واحد من الجانبين والدعاء والموالاة وكونه بصاع من ماء فما
زاد ولا يحتاج معه إلى وضوء لا قبله ولا بعده بل بمجرده تستباح الصلاة ومما يتقدمه فرضا
استبراء الرجل خاصة بالبول وتنظيف ما أصاب البدن من نجاسة يغسلها وهل يعتبر في
وجوبه دخول وقت فريضة لمن لا قضاء عليه أم لا؟ فيه خلاف وكما يعتبر طهارة الماء في
556

كل وضوء وغسل يعتبر أيضا أن لا يكون مغصوبا والتحري في الأواني غير جائز وصفة
جميع الأغسال الواجبة والمندوبة كصفة غسل الجنابة إلا في تعينها بالنية.
والطهارة الاضطرارية هي التيمم المستعمل بدلا من كل واحدة منهما ولا يكون إلا
بتراب طاهر مع وجوده أو ما ينوب منابه من حجر أو مدر أو رمل عند فقده مع تضيق وقت
الفرض وفقد الماء جملة ويندرج فيه عدم ما به يحصل من الآلة والثمن والخوف من
استعماله أو من القصد إلى الموضع الذي هو فيه أو لكونه نجسا أو لغلبة الظن بفوت
الصلاة قبل إدراكه بعد الضرب طلبا له في الجهات الأربع رمية سهم في حزن الأرض
وسهمين في سهلها في كل جهة ذلك فإن كان التيمم بسبب مانع من استعمال الماء كمرض
وشبهه فلا يعتبر فيه الضرب لطلب الماء ويجب فيه ضرب كفيه جميعا على ما يتيمم به بعد
القصد إليه بنية ونفضهما ومسح الوجه بهما من قصاص شعر الرأس إلى أطراف الأنف مما
يلي الحاجب لا المارن ومسح ظاهر الكفين من الزند إلى طرف الأصابع اليمنى بباطن الكف
الأيسر وبالعكس. وترتيبه فإن كان حدثه أكبر ضرب بوجهه ضربة وليده أخرى.
وغسل الميت تتقدمه استحبابا توجيهه إلى القبلة عند الاحتضار والتلاوة عنده
وتلقينه ولا يحضره جنب ولا حائض ولا يوضع على صدره حديدة ولا يمتد على شئ من
أعضائه ولا يناح عليه بالباطل ولا بالحق مع رفع الصوت ويكون تغسيله تحت ظل من
سقف أو غيره موجها على سرير أو ما يرفعه وإعداد حفرة لماء غسله ولا يتخطاه غاسله بل
يقف على يمينه وكل ما يتعلق به من غسل أو تكفين وصلاة ودفن فرض على الكفاية.
ويقارن غسله ما فرضه البداءة أولا بالسدر الذي لا يسلبه بإضافته إليه إطلاق اسم
الماء عليه في هيئة غسل الجنابة ثم جانبه الأيمن وهو مدار على الأيسر ثم الأيسر وهو مدار على
الأيمن وثانيها بماء الكافور الخالص وثالثها بالماء القراح على الهيئة المذكورة وتجدد النية
في تغسيلاته الثلاثة ويغسله بماء بارد مع الاختيار مستور العورة في كل ذلك.
وما سننه تنجيته بالأشنان والماء وتنظيف ما على بدنه بهما وتليين أصابعه برفق
وتوضئته ولا يمضمض ولا يستنشق ومسح بطنه بلين أولا وثانيا وإكثار ذكر العفو وصب
الماء على رأسه وجانبيه ثلاثا في كل مرة وغسل رأسه أولا برغوة السدر وغسل صدره
557

وظهره بالماء وتخليل رأسه وجسده بإدارة اليد عليه في حال تغسيله. ومتى خرج من بعض
منافذه شئ غسله ولا يجوز ختنه ولا تقليم أظافره ولا مشط شعره ولا إزالة شئ منه ولا
ينبغي دلك رجليه بالحجر ولا غسله بالصابون ولا التدخين عنده ببخور ولا غيره ولا
تطيبه بما سوى الكافور فإن كان محرما فلا به أيضا. وكل مقتول يغسل إلا قتيل الجهاد
الحق فإنه يصلى عليه ويدفن ولا ينزع عنه إلا الخف وما لم يصبه شئ من دمه كالفروة
والسراويل ولا ينزع إذا أصابه الدم ومتى مات بعد حمله عن موضع القتال غسل وكفن
وكل ما وجد من أعضاء الانسان إذا كان فيه عظم أو كان من صدره، يغسل ويكفن
ويصلى عليه. ولا يلزم هذا في ما عدا ذلك ولا في السقط أيضا لدون أربعة أشهر ولكن
يلفها. وما زاد عليها فلا بد من تغسيله وتكفينه. ويجوز أن يتولى الزوج تغسيل الزوجة عند فقد
النساء وكذا حكمها معه إذا لم يوجد من يغسله من الرجال. وقد روي جواز ذلك في الأقارب من
كل واحد من الرجال وكل واحدة من النساء. وقيل: إذا لم يوجد أحد منهم يجوز للأجانب من
الرجال إذا لم يوجد سواهم تغسيل الأجنبيات من النساء في ثيابهن وعيونهم مغمضة.
وكذا النساء في تغسيلهن الرجال. وقيل: يدفن كل منهم من غير غسل ويكفن في أثواب
ثلاثة واجبا إزار ودرع ومئزر وأفضله أبيض القطن أو الكتان. ويعتبر طهارته ولا يعدل مع
وجود القطن إلى غيره ويزاد فيه ندبا بلفافة أخرى وحبرة وعمامة يحنك بها ويرخي طرفاها.
وخرقة تشد فخذيه ويكتب على الإزار والدرع بالتربة الحسينية ما يلقن به ويجعل فيه
جريدتا نخل أو غيره من رطب الشجر عند تعذره على قدر عظم الذراع كل منهما مكتوب
عليه ذلك ملفوفتان بالقطن. وتحنط بالكافور مساجده السبعة وسائغه ثلاثة عشر درهما
وثلث وأقله مثقال أو درهم أو ما تيسر منه ويدفن على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة واجبا
وتشييع الجنازة ندبا ولا يفاجأ به القبر بل ينقل إليه ثلاث مرات والرجل يوضع فيه سلا
من قبل رجليه يسبق برأسه إليه والمرأة من قبل وسطها بالعرض ويكون طويلا إما قامة أو
إلى الترقوة واسعا قدر جلوس الجالس متخذا فيه إما لحد أو شق مهيا له الصفيح أو اللبن
أو ما يقوم مقامها. وإذا وضع حلت عقد أكفانه وجعل خده على التراب أو التربة الحسينية
ولقن حينئذ. وجملة ما يستحب من تلقينه الإقرار بشهادتي الإخلاص الوحدانية والنبوة
558

وبالأئمة والبعث والنشور والجنة والنار وينضد ويحثي عليه التراب ويرفع قبره على الأرض
مسطحا لا مسنما قدر شبر أو دونه ويبدأ برش الماء عليه من عند رأسه مدارا حتى ينتهي إليه
ويلقن برفع الصوت بعد الانصراف عنه ومما يذر عليه في الكفن الذريرة المعروفة بالقمحة
مع وجودها والصلاة عليه تذكر في موضعها.
وأما الطهارة من النجس فينبغي معرفة النجاسات وهي إما دم الثلاثة المذكورة
لا فسحة في كثيرها ولا قليلها بل هما في الحكم واحد وما عداها من باقي الدماء المحكوم
بنجاستها معفو عن قليلها وهو ما نقص عن سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث
والنزاهة عنه أفضل وفي الدماء ما لا حرج في قليله ولا كثيره وهو دم البق والبراغيث
والسمك والجروح اللازمة والقروح الدامية مع تعذر التحرز منها وإما بول وروث فيعتبر
فيهما ما لا يؤكل لحمه من الحيوان أو ما يؤكل إذا كان جلالا والجلل أكل العذرة لا سواها
ويستبرأ بحبسه عنها وتغذيته بعلف طاهر والمدة للإبل أربعون يوما وللبقر عشرون وللشاة
عشرة أيام. وروي سبعة وللبطة خمسة أيام وكذا للدجاج وقيل ثلاثة وللسمك يوم وليلة
وغير ذلك بما يزيل حكم الجلل منه وإما مني وهو سواء بالنسبة إلى كل حيوان وإما مشروب
وهو خمر والفقاع وكل شراب مسكر وإما حيوان وهو الكلب والخنزير والكافر على
اختلاف جهات كفره والثعلب والأرنب مختلف فيهما وإما ميتة ما له نفس سائلة من الحيوان
لا ما ليس كذلك كالزنابير وما أشبهها وعرق الإبل الجلالة وعرق الجنب من حرام فيه
خلاف.
وكيفية التطهير من هذه النجاسات إن كان البدن فيغسل ما عليه حتى تزول عينها
والثياب يعصرها مرتين والآنية بإدارة الماء فيها وتفريغه منها ثلاثا ومن ولوغ الكلب
خاصة تكون الأولى منهن بالتراب والأرض وما في حكمها من حصر أو بوار تفرع الشمس
لها حتى يجف والنعل بدلكه في التراب حتى لا يبقى لها أثر والخمر بانقلابها خلا والخزف وما
ينقلب عينه بالنار والكافر بالإسلام والذي يزيل عين النجاسة وحكمها ويبيح الصلاة مع
الاختيار الماء فإن كان نجسا لم يجز استعماله في ذلك ويجوز في ما عداه وإن كان طاهرا.
فأما مضاف بالاعتصار أو الاستخراج فكذلك أو مما يمازجه مما يضاف إليه من
559

الطاهرات فإن لم تسلبه الإضافة إطلاق اسم الماء عليه جاز استعماله وإلا فلا أو مطلق فأما
جار ولا ينجسه إلا ما غير من النجاسة لونه أو طعمه أو ريحه أو راكد فأما بمجموع كثير وهو
ما بلغ كرا أو زاد عليه. وحكمه حكم الجاري والكر ألف ومائتا رطل عراقية وزنا وثلاثة
أشبار ونصف طولا في عرض في عمق مساحة أو قليل وهو ما نقص عن الكر فينجس
بكل ما أصابه من النجاسة ويطهر بزيادته إذا لم يكن أحد أوصافه متغيرة بها إلى أن يبلغه أو
يزيد عليه أو نبع وهو ماء البئر فأصله الطهارة إلا أن ينجس بكل نجاسة وقعت فيه سواء
تغير أو لا وسواء كان ماؤه كثيرا أو قليلا ولا يطهر إلا بالنزح منه فإن كان الواقع فيه خمرا
أو فقاعا أو شرابا مسكرا أو منيا أو دم حيض أو استحاضة أو نفاس أو مات فيه بعير أو
غلبته النجاسة التي غيرت أحد أوصافه ولم يزل التغيير إلا بنزح جميع الماء أو كانت
النجاسة الواقعة فيه غير منصوص على مقدار نزحها، نزح الماء كله. فإن تعذر تراوح
عليه أربعة رجال متناوبين أول النهار إلى آخره وإن مات فيه آدمي كبير أو صغير مسلم أو
كافر، نزح سبعون دلوا ولموت الفرس أو الحمار أو الفيل أو ما في حكمهم كر ولكثير الدم
المعفو عن قليله أو العذرة الرطبة أو المنقطعة إذا كانت يابسة خمسون دلوا ولقليله وما لم
ينقطع من
العذرة اليابسة عشرة دلاء وللكلب أو الخنزير أو الشاة أو ما في مقدار واحد من ذلك مما لا فرق بين الصغير
والكبير فيه أربعون دلوا وكذا البول البشري البالغ وللدجاجة
أو الحمامة أو ما في مقدارها من كبار الطير وصغارها ولارتماس الجنب وللفأرة المتفسخة أو
المنتفخة ولبول الطفل الآكل لكل من ذلك سبع دلاء. ولموت الفأرة والحية أو العقرب
والوزغة أو بول الطفل الرضيع ثلاث دلاء. وللعصفور أو ما في مقداره دلو واحد. ومتى تغير
ماؤه بنجاسة ونزح المقدار المشروع ولم يزل التغيير وجب النزح إلى أن يزول. وإن زال قبل
تكميل المقدار وجب تكميله. وإن وقع فيه أجناس مختلفة كل جنس منهما له نزح مخصوص
عمل بالأغلب وهل إذا باشره الكافر حيا أو حيوان نجس ينزح الماء كله أو بعضه احتياطا
فيه خلاف.
560

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
561

كتاب الطهارة
الطهارة: اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة
وكل واحد منها ينقسم إلى: واجب ومندوب.
فالواجب من الوضوء: ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب أو لمس كتابة القرآن
إن وجب، والمندوب ما عداه.
والواجب من الغسل: ما كان لأحد الأمور الثلاثة، أو لدخول المساجد أو لقراءة
العزائم إن وجبا: وقد يجب: إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل
الجنب، ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة. والمندوب ما عداه.
والواجب من التيمم: ما كان لصلاة واجبة عند تضيق وقتها، وللجنب في أحد
المسجدين ليخرج به. والمندوب ما عداه.
وقد تجب الطهارة: بنذر وشبهه.
وهذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان:
الركن الأول: في المياه: وفيه أطراف:
الأول: في الماء المطلق:
وهو كل ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة. وكله طاهر مزيل للحدث
والخبث، وباعتبار وقوع النجاسة فيه ينقسم إلى جار ومحقون وماء بئر.
563

أما الجاري: فلا ينجس إلا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه، ويطهر بكثرة الماء
الطاهر عليه - متدافعا - حتى يزول تغيره، ويلحق بحكمه ماء الحمام إذا كان له مادة، ولو
مازجه طاهر فغيره أو تغير من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهرا ما دام إطلاق اسم الماء
باقيا عليه. وأما المحقون: فما كان منه دون الكر فإنه ينجس بملاقاة النجاسة ويطهر بإلقاء كر
عليه فما زاد دفعة، ولا يطهر بإتمامه كرا على الأظهر وما كان منه كرا فصاعدا لا ينجس
إلا أن تغير النجاسة أحد أوصافه، ويطهر بإلقاء كر عليه فكر حتى يزول التغير، ولا يطهر
بزوال التغير من نفسه ولا بتصفيق الرياح ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغير
والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي، على الأظهر أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه
ثلاثة أشبار ونصفا، ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني على الأظهر.
وأما ماء البئر: فإنه ينجس بتغيره بالنجاسة إجماعا، وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه
تردد، والأظهر التنجيس.
وطريق تطهيره بنزح جميعه إن وقع فيها مسكر أو فقاع أو مني أو أحد الدماء الثلاثة
على قول مشهور، أو مات فيها بعير أو ثور. وإن تعذر استيعاب مائها تراوح عليها أربعة
رجال كل اثنين - دفعة - يوما إلى الليل.
وبنزح كر إن مات فيها دابة أو حمار أو بقرة، وبنزح سبعين إن مات فيها انسان، وبنزح
خمسين إن وقعت فيها عذرة يابسة فذابت - والمروي أربعون أو خمسون - أو كثير الدم
كذبح الشاة - والمروي من ثلاثين إلى أربعين - وبنزح أربعين إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير
أو سنور أو كلب وشبهه ولبول الرجل، وبنزح عشرة للعذرة الجامدة وقليل الدم كدم
الطير والرعاف اليسير والمروي دلاء يسيرة، وبنزح سبع لموت الطير والفأرة - إذا
تفسخت أو انتفخت - ولبول الصبي الذي لم يبلغ ولاغتسال الجنب ولوقوع الكلب
وخروجه حيا، وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال، وبنزح ثلاث لموت الحية والفأرة.
وينزح دلو لموت العصفور وشبهه ولبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام، وفي ماء المطر
وفيه البول والعذرة وخرء الكلاب ثلاثون دلوا. والدلو التي ينزح بها ما جرت العادة
باستعمالها.
564

فروع ثلاثة:
الأول: حكم صغير الحيوان في النزح حكم كبيره.
الثاني: اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، وفي تضاعفه مع التماثل
تردد أحوطه التضعيف إلا أن يكون بعضا من جملة لها مقدر فلا يزيد حكم أبعاضها عن
جملتها.
الثالث: إذا لم يقدر للنجاسة منزوح نزح جميع مائها، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا
بالتراوح، وإذا تغير أحد أوصاف مائها بالنجاسة، قيل: ينزح حتى يزول التغير، وقيل:
ينزح جميع مائها. فإن تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال، وهو الأولى.
ويستحب: أن يكون بين البئر والبالوعة خمس أذرع إذا كانت الأرض صلبة أو كانت
البئر فوق البالوعة، وإن لم يكن كذلك فسبع. ولا يحكم بنجاسة البئر إلا أن يعلم وصول
ماء البالوعة إليها، وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقا، ولا في الأكل
ولا في الشرب إلا عند الضرورة، ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما وإن
لم يجد غير مائهما تيمم.
الثاني: في المضاف:
وهو كل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجا يسلبه إطلاق الاسم، وهو طاهر لكن لا يزيل
حدثا إجماعا ولا خبثا على الأظهر، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك، ومتى لاقته النجاسة نجس
قليله وكثيره (إجماعا) ولم يجز استعماله في أكل ولا شرب، ولو مزج طاهرة بالمطلق اعتبر في
رفع الحدث به إطلاق الاسم عليه.
وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية وبماء أسخن بالنار في غسل الأموات.
والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير عدا ماء
الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج، والمستعمل في
الوضوء طاهر ومطهر، وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، وهل يرفع به الحدث ثانيا؟
فيه تردد، والأحوط المنع.
565

الثالث: في الأسآر:
وهي كلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر، وفي سؤر المسوخ تردد
والطهارة أظهر، ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.
ويكره سؤر الجلال، وسؤر ما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة،
والحائض التي لا تؤمن، وسؤر البغال والحمر والفأرة والحية، وما مات فيه الوزغ
والعقرب.
وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة دون ما لا نفس له، وما لا يدرك
بالطرف من الدم لا ينجس الماء، وقيل: ينجسه، وهو الأحوط.
الركن الثاني: في: الطهارة المائية:
وهي: وضوء وغسل. وفي الوضوء فصول:
الفصل الأول: في الأحداث الموجبة للوضوء:
وهي ستة: خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد، ولو خرج الغائط مما دون
المعدة نقض في قول، والأشبه أنه لا ينقض، ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض،
وكذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا. والنوم الغالب على الحاستين، وفي معناه:
كل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر، والاستحاضة القليلة،
ولا ينقض الطهارة مذي ولا وذي ولا ودي ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا
الدماء الثلاثة، ولا قئ ولا نخامة ولا تقليم ظفر ولا حلق شعر ولا مس ذكر ولا قبل ولا
دبر ولا لمس امرأة ولا أكل ما مسته النار ولا ما يخرج من السبيلين إلا أن يخالطه شئ من
النواقض.
الفصل الثاني: في أحكام الخلوة:
وهي ثلاثة:
الأول: في كيفية التخلي: ويجب فيه ستر العورة، ويستحب ستر البدن، ويحرم استقبال
566

القبلة واستدبارها، ويستوي في ذلك الصحاري والأبنية، ويجب الانحراف في موضع قد بنى
على ذلك.
الثاني: في الاستنجاء ويجب غسل موضع البول بالماء ولا يجزئ غيره مع القدرة،
وأقل ما يجزئ مثلا ما على المخرج، وغسل مخرج الغائط بالماء
حتى يزول العين والأثر ولا اعتبار بالرائحة، وإذا تعدى المخرج لم يجز إلا الماء، وإذا لم يتعد
كان مخيرا بين الماء والأحجار والماء أفضل والجمع أكمل، ولا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار:
ويجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة ويكفي معه إزالة العين دون الأثر، وإذا لم
ينق بالثلاثة فلا بد من الزيادة حتى ينقي، ولو نقى بدونها أكملها وجوبا، ولا يكفي استعمال
الحجر الواحد من ثلاث جهات، ولا يستعمل الحجر المستعمل ولا الأعيان النجسة ولا
العظم ولا الروث ولا المطعوم ولا صيقل يزلق عن النجاسة، ولو استعمل ذلك لم يطهر.
الثالث: في سنن الخلوة:
وهي: مندوبات ومكروهات.
فالمندوبات: تغطية الرأس والتسمية وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول
والاستبراء والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراع وتقديم اليمنى عند الخروج والدعاء
بعده.
والمكروهات: الجلوس في الشوارع والمشارع وتحت الأشجار المثمرة ومواطن النزال
ومواضع اللعن، واستقبال الشمس والقمر بفرجه أو الريح بالبول، والبول في الأرض
الصلبة وفي ثقوب الحيوان وفي الماء واقفا وجاريا، والأكل والشرب والسواك، والاستنجاء
باليمين وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه، والكلام إلا بذكر الله تعالى أو آية
الكرسي أو حاجة يضر فوتها.
الفصل الثالث: في كيفية الوضوء:
فروضه خمسة:
الأول: النية: وهي: إرادة تفعل بالقلب. وكيفيتها أن ينوي الوجوب أو الندب
567

والقربة، وهل يجب نية رفع الحدث أو استباحة شئ مما يشترط فيه الطهارة؟ الأظهر أنه لا يجب.
ولا تعتبر النية في طهارة الثياب ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث، ولو ضم إلى نية
التقرب إرادة التبرد أو غير ذلك كانت طهارته مجزئة.
ووقت النية عند غسل الكفين وتتضيق عند غسل الوجه ويجب استدامة حكمها إلى
الفراع.
تفريع:
إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء كفى وضوء واحد بنية التقرب، ولا يفتقر
إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه وكذا لو كان عليه أغسال، وقيل: إذا نوى غسل الجنابة
أجزأ عن غيره، ولو نوى غيره لم يجز عنه، وليس بشئ.
الفرض الثاني: غسل الوجه: وهو ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف
الذقن طولا، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا، وما خرج عن ذلك فليس من
الوجه. ولا عبرة بالأنزع ولا بالأغم ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه بل
يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة فيغسل ما يغسله. ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى
الذقن، ولو غسل منكوسا لم يجز على الأظهر، ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا
تخليلها بل يغسل الظاهر، ولو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها وكفى إفاضة الماء على
ظاهرها.
الفرض الثالث: غسل اليدين: والواجب غسل الذراعين والمرفقين والابتداء من
المرفق، ولو غسل منكوسا لم يجزئ على الأظهر ويجب البداءة باليمين. ومن قطع بعض يده
غسل ما بقي من المرفق، وإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها، ولو كان له ذراعان
دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل الجميع، ولو كان فوق المرفق لم يجب
غسله، ولو كان له يد زائدة وجب غسلها.
الفرض الرابع: مسح الرأس: والواجب منه ما يسمى به ماسحا، والمندوب مقدار
568

ثلاث أصابع عرضا، ويختص المسح بمقدم الرأس، ويجب أن يكون بنداوة الوضوء ولا يجوز
استئناف ماء جديد له، ولو جف ما على يده أخذ من لحيته وأشفار عينيه، فإن لم يبق نداوة
استأنف.
والأفضل مسح الرأس مقبلا ويكره مدبرا على الأشبه، ولو غسل موضع المسح لم يجزء،
ويجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم وعلى البشرة، ولو جمع عليه شعرا من غيره
ومسح عليه لم يجزئ وكذلك لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح.
الفرض الخامس: مسح الرجلين: ويجب مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلى
الكعبين، وهما قبتا القدمين، ويجوز منكوسا وليس بين الرجلين ترتيب، وإذا قطع بعض
موضع المسح مسح على ما بقي، فإن قطع من الكعب سقط المسح على القدم.
ويجب المسح على بشرة القدم ولا يجوز على حائل. من خف أو غيره إلا للتقية أو
الضرورة، وإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول، وقيل: لا تجب إلا لحدث، والأول أحوط.
مسائل ثمان:
الأولى: الترتيب واجب في الوضوء (يبدأ غسل) الوجه قبل اليمنى واليسرى بعدها
ومسح الرأس ثالثا والرجلين أخيرا، فلو خالف أعاد الوضوء - عمدا كان أو نسيانا - إن
كان قد جف الوضوء، وإن كان البلل باقيا أعاد على ما يحصل معه الترتيب.
الثانية: الموالاة واجبة، وهي أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه، وقيل: بل
هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.
الثالثة: الفرض في الغسلات مرة واحدة والثانية سنة والثالثة بدعة، وليس في
المسح تكرار.
الرابعة: يجزئ في الغسل ما يسمى به غسلا وإن كان مثل الدهن، ومن في يده خاتم
أو سير فعليه إيصال الماء إلى ما تحته وإن كان واسعا استحب له تحريكه.
الخامسة: من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر، فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء
عليها حتى يصل إلى البشرة وجب وإلا أجزأه المسح عليها سواء كان ما تحتها طاهرا أو
569

نجسا، وإذا زال العذر استأنف الطهارة على تردد فيه.
السادسة: لا يجوز أن يتولى وضوءه غيره مع الاختيار، ويجوز عند الاضطرار.
السابعة: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، ويجوز له أن يمس ما عدا الكتابة.
الثامنة: من به السلس قيل: يتوضأ لكل صلاة، وقيل: من به البطن إذا تجدد حدثه في
أثناء الصلاة يتطهر ويبني.
وسنن الوضوء: هي: وضع الإناء على اليمين والاغتراف بها والتسمية والدعاء.
وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين
والمضمضة والاستنشاق والدعاء عندهما وعند غسل الوجه واليدين وعند مسح الرأس
والرجلين وأن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما، والمرأة بالعكس، وأن
يكون الوضوء بمد، ويكره أن يستعين في طهارته وأن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه.
الفصل الرابع: في أحكام الوضوء:
من تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر، و كذا لو تيقن ترك
عضو أتى به وبما بعده، وإن جف البلل استأنف، وإن شك في شئ من أفعال الطهارة - وهو
على حاله أتى بما شك فيه ثم بما بعده، ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو في شئ من
أفعال الوضوء - بعد انصرافه - لم يعد، ومن ترك غسل موضع النجو أو البول وصلى أعاد
الصلاة عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا، ومن جدد وضوءه بنية الندب ثم صلى وذكر أنه
أخل بعضو من إحدى الطهارتين، فإن اقتصرنا على نية القربة فالطهارة والصلاة
صحيحتان، وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما.
ولو صلى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناء على الأول ولو أحدث عقيب طهارة
منهما ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في
ذمته، وكذا لو صلى بطهارة ثم أحدث وجدد طهارة ثم صلى أخرى وذكر أنه أخل بواجب
من إحدى الطهارتين.
ولو صلى الخمس بخمس طهارات وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أعاد
570

ثلاث فرائض: ثلاثا واثنين وأربعا، وقيل: يعيد خمسا، والأول أشبه.
وأما: الغسل
ففيه الواجب والمندوب:
فالواجب ستة أغسال: غسل الجنابة والحيض والاستحاضة التي تثقب الكرسف
والنفاس ومس الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم وغسل الأموات.
وبيان ذلك في خمسة فصول:
الفصل الأول في الجنابة:
والنظر في السبب والحكم والغسل أما سبب الجنابة فأمران:
الإنزال: إذا علم أن الخارج مني، فإن حصل ما يشتبه به وكان دافقا تقارنه الشهوة
وفتور الجسد وجب الغسل، ولو كان مريضا كفت الشهوة وفتور الجسد في وجوبه، ولو تجرد
عن الشهوة والدفق - مع اشتباهه - لم يجب، وإن وجد على جسده أو ثوبه منيا وجب
الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره.
والجماع: فإن جامع امرأته في قبلها والتقى الختانان وجب الغسل وإن كانت الموطوءة
ميتة وإن جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأصح: ولو وطأ غلاما فأوقبه ولم ينزل
قال المرتضى رحمه الله: يجب الغسل معولا على الاجماع المركب، ولم يثبت الاجماع، ولا يجب
الغسل بوطئ البهيمة إذا لم ينزل.
تفريع:
الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه لكن لا يصح منه في حال كفره فإذا
أسلم وجب عليه وصح منه، ولو اغتسل ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله.
571

وأما الحكم:
فيحرم عليه: قراءة كل واحدة من العزائم، وقراءة بعضها حتى البسملة إذا نوى بها
أحدهما، ومس كتابة القرآن أو شئ عليه اسم الله تعالى سبحانه، والجلوس في المساجد
ووضع شئ فيها، والجواز في المسجد الحرام أو مسجد النبي ص خاصة، ولو
أجنب فيهما لم يقطعهما إلا بالتيمم.
ويكره له: الأكل والشرب، وتخف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق، وقراءة ما زاد على
سبع آيات من غير العزائم، وأشد من ذلك قراءة سبعين وما زاد أغلظ كراهية، ومس
المصحف، والنوم حتى يغتسل أو يتوضأ (أو يتيمم)، والخضاب.
وأما الغسل:
فواجباته خمس: النية، واستدامة حكمها إلى آخر الغسل، وغسل البشرة بما يسمى
غسلا، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به، والترتيب، يبدأ بالرأس ثم
بالجانب الأيمن ثم الأيسر ويسقط الترتيب بارتماسية واحدة.
وسنن الغسل: تقديم النية عند غسل اليدين وتتضيق عند غسل الرأس،
وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء، استظهارا، والبول أمام الغسل،
والاستبراء وكيفيته أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ومنه إلى رأس الحشفة
ثلاثا وينتره ثلاثا، وغسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة والاستنشاق،
والغسل بصاع.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا رأى المغتسل بللا مشتبها بعد الغسل، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد
وإلا كان عليه الإعادة.
الثانية: إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث، قيل: يعيد الغسل من رأس، وقيل
يقتصر على إتمام الغسل، وقيل: يتمه ويتوضأ للصلاة، وهو الأشبه.
572

الثالثة: لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان، ويكره أن يستعين فيه.
الفصل الثاني: في الحيض:
وهو يشتمل على بيانه وما يتعلق به:
أما الأول:
فالحيض: الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة، ولقليله حد وفي الأغلب يكون أسود
غليظا حارا يخرج بحرقة.
وقد يشتبه بدم العذرة فتعتبر بالقطنة، فإن خرجت مطوقة فهو العذرة، وكل ما تراه
الصبية قبل بلوغها تسعا فليس بحيض، وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة، وكذا أقل الطهر. وهل يشترط التوالي في
الثلاثة أم يكفي كونها في جملة عشرة؟ الأظهر الأول. وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون
حيضا، وتيأس المرأة ببلوغ ستين و قيل: في غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين سنة. وكل
دم رأته المرأة دون الثلاثة فليس بحيض مبتدئة كانت أو ذات عادة، وما تراه من الثلاثة إلى
العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض (سواء) تجانس أو اختلف، وتصير المرأة ذات
عادة بأن ترى الدم دفقة ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعدا ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدة
ولا عبرة باختلاف لون الدم.
مسائل خمس:
الأولى: ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا وفي المبتدئة تردد، الأظهر
أنها تحتاط للعبادة حتى تمضى لها ثلاثة أيام.
الثانية: لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكل حيضا، ولو
تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته
كان الأول حيضا منفردا والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا.
الثالثة: لو انقطع لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة، فإن خرجت نقية اغتسلت،
573

وإن كانت ملطخة صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضى لها عشرة أيام. وذات العادة تغتسل
بعد يوم أو يومين من عادتها فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم، وإن
تجاوز كان ما أتت به مجزئا.
الرابعة: إذا طهرت، جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية.
الخامسة: إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة
وجب عليها القضاء، وإن كان قبل ذلك لم يجب، وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار
الطهارة وأداء ركعة وجب عليها الأداء ومع الإخلال القضاء.
وأما ما يتعلق به: فثمانية أشياء:
الأول: يحرم عليها كل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن،
ويكره حمل المصحف ولمس هامشه ولو تطهرت لم يرتفع حدثها.
الثاني: لا يصح منها الصوم.
الثالث: لا يجوز لها الجلوس في المسجد ويكره الجواز فيه.
الرابع: لا يجوز لها قراءة شئ من العزائم ويكره لها ما عدا ذلك، وتسجد لو تلت
السجدة وكذا إن استمعت على الأظهر.
الخامس: يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل، فإن
وطأ عامدا عالما وجب عليه الكفارة وقيل: لا تجب، والأول أحوط. والكفارة في أوله دينار
وفي وسطه نصف وفي آخره ربع. ولو تكرر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر
وقيل: بل يتكرر، والأول أقوى. وإن اختلفت تكررت.
السادس: لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.
السابع: إذا طهرت وجب عليها الغسل وكيفيته مثل غسل الجنابة لكن لا بد معه من
الوضوء قبله أو بعده وقضاء الصوم دون الصلاة.
الثامن: يستحب أن تتوضأ في وقت كل صلاة وتجلس في مصلاها بمقدار زمان صلاتها
ذاكرة الله تعالى، ويكره لها الخضاب.
574

الفصل الثالث: في الاستحاضة:
وهو يشتمل على أقسامها وأحكامها:
أما الأول:
فدم الاستحاضة - في الأغلب - أصفر بارد رقيق يخرج بفتور. وقد يتفق بمثل هذا
الوصف حيضا إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر.
وكل دم تراه المرأة، أقل من ثلاثة أيام، ولم يكن دم قرح ولا جرح، فهو استحاضة.
وكذا كل ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة أو يزيد عن أكثر أيام النفاس أو يكون مع
الحمل على الأظهر أو مع اليأس أو قبل البلوغ.
وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها فهي إما مبتدئة
وإما ذات عادة - مستقرة أو مضطربة -.
فالمبتدئة ترجع إلى اعتبار الدم، فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم
الاستحاضة فهو استحاضة بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد
عن عشرة، فإن كان لونه لونا واحدا أو لم يحصل فيه شرطا التميز رجعت إلى عادة
نسائها - إن اتفقن -، وقيل: أو عادة ذوات أسنانها من بلدها، فإن كن مختلفات جعلت
حيضها في كل شهر سبعة أيام أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر مخيرة فيهما وقيل: عشرة،
وقيل: ثلاثة والأول أظهر.
وذات العادة: 1: المستقرة العادة: تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة، فإن
اجتمع لها مع العادة تميز قيل: تعمل على العادة، وقيل: تعمل على التميز، وقيل: بالتخيير
والأول أظهر.
وهاهنا مسائل:
الأولى: إذا كانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت
أو متأخرا عنه تحيضت بالعدد وألغت الوقت لأن العادة تتقدم وتتأخر سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم تكن.
الثانية: إذا كانت عادتها مستقرة وقتا لا عددا لو رأت الدم قبل العادة وفي العادة، فإن
575

لم يتجاوز العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز جعلت العادة حيضا، وكان ما تقدمها
استحاضة. وكذا لو رأت في وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها،
فإن لم تتجاوز العشرة فالجميع حيض، وإن زاد على العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان
استحاضة.
الثالثة: إذا كانت عادتها مستقرة عددا لا وقتا لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة
عددا معينا، فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة كان ذلك حيضا، ولو جاء في كل مرة أزيد
من العادة لكان ذلك حيضا إذا لم يتجاوز العشرة فإن تجاوز تحيضت بقدر عادتها وكان
الباقي استحاضة.
2 - والمضطربة العادة: ترجع إلى التمييز فتعمل عليه ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد
مضى ثلاثة أيام على الأظهر. فإن فقد التميز فهاهنا:
مسائل ثلاث:
الأولى: لو ذكرت العدد ونسيت الوقت، قيل: تعمل في الزمان كله ما تعمله
المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه وتقضي صوم عادتها.
الثانية: لو ذكرت الوقت ونسيت العدد، فإن ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة أيام.
وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة،
وتغتسل للحيض في كل زمان تفرض فيه الانقطاع وتقضي صوم عشرة أيام احتياطا ما لم
يقصر الوقت الذي عرفته عن العشرة.
الثالثة: لو نستهما جميعا فهذه تحيض في كل شهر سبعة أيام أو ستة، أو عشرة من
شهر وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقيا.
وأما الأحكام فنقول:
دم الاستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف، أو يثقبه ولم يسل، أو يسيل،
وفي الأول يلزمها تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة ولا تجمع بين الصلاتين
576

بوضوء واحد.
وفي الثاني: يلزمها مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة.
وفي الثالث: يلزمها مع ذلك غسلان غسل للظهر والعصر تجمع بينهما وغسل
للمغرب والعشاء تجمع بينهما.
وإذا فعلت ذلك صارت بحكم الطاهرة وإن أخلت بذلك لم تصح صلاتها وإن أخلت
بالأغسال لم يصح صومها.
الفصل الرابع: في النفاس:
النفاس: دم الولادة وليس لقليله حد فجاز أن يكون لحظة واحدة. ولو ولدت ولم تر
دما لم يكن لها نفاس ولو رأت قبل الولادة كان طهرا، وأكثر النفاس عشرة أيام على الأظهر.
ولو كانت حاملا باثنين وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من وضع الأول وعدد
أيامها من وضع الأخير. ولو ولدت ولم تر دما ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاسا ولو رأت
عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت العاشر أو قبله كان الدمان وما بينهما نفاسا.
ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض وكذا ما يكره ولا يصح طلاقها وغسلها
كغسل الحائض سواء.
الفصل الخامس: في أحكام الأموات:
وهي خمسة:
الأول: في الاحتضار:
ويجب فيه توجيه الميت إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى
القبلة. وهو فرض على الكفاية، وقيل: هو مستحب.
ويستحب تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة عليهم السلام، وكلمات الفرج،
ونقله إلى مصلاه، ويكون عنده مصباح إن مات ليلا ومن يقرأ القرآن، وإذا مات
غمضت عيناه وأطبق فوه ومدت يداه إلى جنبيه وغطي بثوب، ويعجل تجهيزه إلا أن يكون
577

حاله مشتبهة فيستبرأ بعلامات الموت أو يصبر عليه ثلاثة أيام.
ويكره أن يطرح على بطنه حديد وأن يحضره جنب أو حائض.
الثاني: التغسيل:
وهو فرض على الكفاية وكذا تكفينه ودفنه والصلاة عليه وأولى الناس به أولاهم
بميراثه.
وإذا كان الأولياء رجالا ونساء فالرجال أولى والزوج أولى بالمرأة من كل أحد في
أحكامها كلها، ويجوز أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم،
وكذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم، ويغسل الرجل محارمه من
وراء الثياب إذا لم تكن مسلمة وكذا المرأة، ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم إلا ولها
دون ثلاث سنين، وكذا المرأة ويغسلها مجردة.
وكل مظهر للشهادتين وإن لم يكن معتقدا للحق يجوز تغسيله عدا الخوارج والغلاة،
والشهيد الذي قتل بين يدي الإمام ومات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ويصلى عليه،
وكذا من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسل بعد ذلك.
وإذا وجد بعض الميت، فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلى عليه
ودفن، وإن لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة ودفن وكذا السقط إذا كان له أربعة
أشهر فصاعدا، وإن لم يكن فيه عظم اقتصر على لفه في خرقة ودفنه وكذا السقط إذا لم
تلجه الروح.
وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء دفن بغير غسل ولا تقربه
الكافرة وكذا المرأة، وروي: أنهم يغسلون وجهها ويديها.
ويجب إزالة النجاسة من بدنه أولا ثم يغسل بماء السدر، يبدأ برأسه ثم بجانبه الأيمن
ثم الأيسر، وأقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم، وقيل: مقدار سبع ورقات.
وبعده بماء الكافور على الصفة المذكورة وبماء القراح أخيرا كما يغتسل من الجنابة.
وفي وضوء الميت تردد الأشبه أنه لا يجب. ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات
578

المذكورة إلا عند الضرورة، ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء القراح، وقيل: لا تسقط
الغسلة بفوات ما يطرح فيها، وفيه تردد.
ولو خيف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق والمجدور، يتيمم بالتراب كما يتيمم الحي
العاجز.
وسنن الغسل: أن يوضع على ساجة مستقبل القبلة وأن يغسل تحت الظلال وأن
تجعل للماء حفيرة - ويكره إرساله في الكنيف ولا بأس بالبالوعة - وأن يفتق قميصه
وينزع من تحته وتستر عورته وتلين أصابعه برفق.
ويغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل ويغسل فرجه بالسدر والحرض وتغسل
يداه ويبدأ بشق رأسه الأيمن، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة، ويمسح بطنه
في الغسلتين الأولتين إلا أن يكون الميت امرأة حاملا. وأن يكون الغاسل منه على الجانب
الأيمن، ويغسل الغاسل يديه مع كل غسلة ثم ينشفه بثوب بعد الفراع.
ويكره أن يجعل الميت بين رجليه وأن يقعده وأن يقص أظفاره وأن يرجل شعره وأن يغسل
مخالفا، فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف.
الثالث: في تكفينه:
ويجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع مئزر وقميص وإزار. ويجزئ عند الضرورة قطعة،
ولا يجوز التكفين بالحرير.
ويجب أن يمسح مساجده بما تيسر من الكافور إلا أن يكون الميت محرما فلا يقربه
الكافور، وأقل الفضل في مقدار درهم وأفضل منه أربعة دراهم وأكمله ثلاثة عشر درهما
وثلثا، وعند الضرورة يدفن بغير كافور، ولا يجوز تطيبه بغير الكافور والذريرة.
وسنن هذا القسم: أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ وضوء الصلاة، وأن
يزاد للرجل حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب، وخرقة لفخذيه يكون طولها ثلاثة أذرع
ونصفا وفي عرض شبر تقريبا فيشد طرفاها على حقويه ويلف بما استرسل منها فخذاه لفا
شديدا بعد أن يجعل بين أليتيه شئ من القطن وإن خشي خروج شئ فلا بأس أن يحشى في
579

دبره قطنا، وعمامة يعمم بها محنكا يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان
على صدره، وتزاد للمرأة على كفن الرجل لفافة لثدييها ونمطا ويوضع لها بدلا من العمامة
قناع.
وأن يكون الكفن قطنا وتنثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة وتكون الحبرة فوق
اللفافة والقميص باطنها، وتكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه وأنه
يشهد الشهادتين وإن ذكر الأئمة عليهم السلام وعددهم إلى آخرهم كان حسنا ويكون
ذلك بتربة الحسين عليه السلام، فإن لم توجد فبالإصبع فإن فقدت الحبرة تجعل بدلها لفافة
أخرى.
وأن يخاط الكفن بخيوط منه ولا يبل بالريق ويجعل معه جريدتان من سعف النخل
فإن لم يوجد فمن السدر فإن لم يوجد فمن الخلاف وإلا فمن شجر رطب، ويجعل
إحداهما من جانب الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده والأخرى من جانب الأيسر بين
القميص والإزار. وأن يسحق الكافور بيده ويجعل ما يفضل عن مساجده على صدره، وأن
يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر.
ويكره تكفينه بالكتان، وأن يعمل للأكفان المبتدئة أكمام، وأن يكتب عليها بالسواد،
وأن يجعل في سمعه أو بصره شيئا من الكافور.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا خرج من الميت نجاسة بعد تكفينه فإن لاقت جسده غسلت بالماء، وإن
لاقت كفنه فكذلك إلا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنها تقرض، ومنهم من أوجب
قرضها مطلقا، والأول أولى.
الثانية: كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال لكن لا يلزمه زيادة على
الواجب، ويؤخذ كفن الرجل من أصل تركته مقدما على الديون والوصايا فإن لم يكن له
كفن دفن عريانا، ولا يجب على المسلمين بذلك الكفن بل يستحب وكذا ما يحتاج إليه الميت
من كافور وسدر وغيره.
580

الثالثة: إذا سقط من الميت شئ من شعرة أو جسده وجب أن يطرح معه في كفنه.
الرابع: في مواراته في الأرض:
وله مقدمات مسنونة كلها: أن يمشي المشيع وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها، وأن
تربع الجنازة ويبدأ بمقدمها الأيمن ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر، وأن يعلم المؤمنون
بموت المؤمن، وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم -،
وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل القبر مما يلي رجليه والمرأة مما يلي القبلة، وأن ينقله في
ثلاث دفعات، وأن يرسله إلى القبر سابقا برأسه والمرأة عرضا، وأن ينزل من يتناوله حافيا
ويكشف رأسه ويحل أزراره. ويكره أن يتولى ذلك الأقارب إلا في المرأة، ويستحب أن يدعو
عند إنزاله في القبر.
وفي الدفن فروض وسنن:
والفرض: أن يوارى في الأرض مع القدرة، وراكب البحر يلقى فيه أما مثقلا أو مستورا في
وعاء كالخابية أو شبهها مع تعذر الوصول إلى البر، وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل
القبلة إلا أن يكون امرأة غير مسلمة حاملا من مسلم فيستدبر بها القبلة.
والسنن: أن يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة ويجعل له لحد مما يلي القبلة، ويحل
عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه، ويجعل معه شئ من تربة الحسين ع، ويلقنه
ويدعو له ثم يشرج اللبن ويخرج من قبل رجلي القبر، ويهيل الحاضرون عليه التراب بظهور
الأكف قائلين: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويرفع القبر مقدار أربع أصابع ويربع ويصب عليه
الماء من قبل رأسه ثم يدور عليه فإن فضل من الماء شئ ألقاه على وسط القبر، وتوضع اليد
على القبر ويترحم على الميت، ويلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته،
والتعزية مستحبة وهي جائزة قبل الدفن وبعده ويكفي أن يراه صاحبها.
ويكره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة، وأن يهيل ذو الرحم على رحمه،
وتجصيص القبور وتجديدها، ودفن الميتين في قبر واحد، وأن ينقل الميت من بلد
إلى بلد آخر إلا إلى أحد المشاهد، وأن يستند إلى قبر أو يمشي عليه.
581

الخامس: في اللواحق: وهي مسائل أربع:
الأولى: لا يجوز نبش القبور ولا نقل الموتى إلى بلد بعد دفنهم ولا شق الثوب على غير
الأب والأخ.
الثانية: الشهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو، أصابهما الدم أو لم يصبهما
على الأظهر، ولا فرق بين أن يقتل بحديد أو بغيره.
الثالثة: حكم الصبي والمجنون إذا قتلا شهيدين حكم البالغ العاقل.
الرابعة: إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج وإن ماتت هي دونه شق جوفها من
الجانب الأيسر وانتزع، وخيط الموضع.
وأما الأغسال المسنونة:
فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا:
ستة عشر للوقت: وهي: غسل يوم الجمعة ووقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس
وكلما قرب من الزوال كان أفضل ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء وقضاؤه
يوم السبت، وستة في شهر رمضان أول ليلة منه وليلة النصف وسبع عشرة وتسع عشرة
وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين، ويوم عرفة، وليلة النصف من
رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، ويوم الغدير، والمباهلة.
وسبعة للفعل: وهي: غسل الإحرام، وغسل زيارة النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة
عليهم السلام، وغسل المفرط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها
على الأظهر، وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة.
وخمسة للمكان: وهي: غسل دخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة، والمدينة، ومسجد
النبي صلى الله عليه وآله.
مسائل أربع:
الأولى: ما يستحب للفعل والمكان يقدم عليهما وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.
582

الثانية: إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب، وقيل: إذا
انضم إليها غسل واجب كفاه نية القربة، والأول أولى.
الثالثة والرابعة: قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه
عامدا بعد ثلاثة أيام وكذلك غسل المولود، والأظهر الاستحباب فيهما.
الركن الثالث: في الطهارة الترابية:
والنظر في: أطراف أربعة
الطرف الأول: في ما يصح معه التيمم:
وهو ضروب:
الأول: عدم الماء: ويجب عنده الطلب فيضرب غلوة سهمين في كل جهة من جهاته
الأربع إن كانت الأرض سهلة، وغلوة سهم إن كانت حزنة. ولو أخل بالضرب حتى ضاق
الوقت أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر. ولا فرق بين عدم الماء أصلا ووجود ماء لا
يكفيه لطهارته.
الثاني: عدم الوصلة إليه: فمن عدم الثمن فهو كمن عدم الماء وكذا إن وجده بثمن
يضر به في الحال، وإن لم يكن مضرا به في الحال لزمه شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد
وكذا القول في الآلة.
الثالث: الخوف: ولا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصا أو سبعا أو يخاف ضياع
مال وكذا لو خشي المرض الشديد أو الشين باستعماله الماء جاز له التيمم، وكذا لو كان معه
ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.
الطرف الثاني: فيما يجوز التيمم به:
وهو كل ما يقع عليه اسم الأرض. ولا يجوز التيمم بالمعادن ولا بالرماد ولا بالنبات
المنسحق كالأشنان والدقيق. ويجوز التيمم بأرض النورة والجص وتراب القبر وبالتراب
المستعمل في التيمم. ولا يصح التيمم بالتراب المغصوب ولا بالنجس ولا بالوحل مع
583

وجود التراب. وإذا مزج التراب بشئ من المعادن فإن استهلكه التراب جاز وإلا لم يجز.
ويكره بالسبخة والرمل. ويستحب أن يكون من ربا الأرض وعواليها. ومع فقد التراب
يتيمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته. ومع فقدان ذلك يتيمم بالوحل.
الطرف الثالث: في كيفية التيمم:
ولا يصح التيمم قبل دخول الوقت ويصح مع تضيقه، وهل يصح مع سعته؟ فيه
تردد، والأحوط المنع.
والواجب في التيمم: النية، واستدامة حكمها والترتيب يضع يديه على الأرض ثم يمسح
الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ثم يمسح ظاهر الكفين، وقيل: باستيعاب
مسح الوجه والذراعين، والأول أظهر.
ويجزئه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه، ولا بد فيما هو بدل من الغسل من
ضربتين وقيل: في الكل ضربتان، وقيل: ضربة واحدة، والتفصيل أظهر.
وإن قطعت كفاه سقط مسحهما واقتصر على الجبهة، ولو قطع بعضهما مسح على ما بقي.
ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمم فلو أبقى منها شيئا لم يصح. ويستحب نفض
اليدين بعد ضربهما على الأرض. ولو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه كما لو تطهر بالماء
وعليه نجاسة لكن في التيمم يراعي ضيق الوقت.
الطرف الرابع: في أحكامه:
وهي عشرة:
الأول: من صلى بتيممه لا بعيد سواء كان في حضر أو سفر، وقيل: في من تعمد الجنابة
وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي ثم يعيد وفي من منعه زحام الجمعة عن
الخروج مثل ذلك. وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها، والأظهر عدم
الإعادة.
الثاني: يجب عليه طلب الماء فإن أخل بالطلب وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه
584

تطهر وأعاد الصلاة.
الثالث: من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس، قيل: يصلى ويعيد،
وقيل: يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر فإن خرج الوقت قضى، وقيل: يسقط الفرض أداء
وقضاء، وهو الأشبه.
الرابع: إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة
لم يجب الإعادة، وإن وجده وهو في الصلاة قيل: يرجع ما لم يركع، وقيل: يمضى في صلاته ولو
تلبس بتكبيرة الإحرام حسب، وهو الأظهر.
الخامس: المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء.
السادس: إذا اجتمع ميت وجنب ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان
ملكا لأحدهم اختص به، وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله
فالأفضل تخصيص الجنب به، وقيل: بل يختص به الميت وفي ذلك تردد.
السابع: الجنب إذا تيمم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل
سواء كان حدثه أصغر أو أكبر.
الثامن: إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيممه ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد
التيمم، ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ما لم يحدث أو يجد الماء.
التاسع: من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له
التيمم ولا يبعض الطهارة.
العاشر: يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب ولا يجوز له الدخول به
في غير ذلك من أنواع الصلاة.
الركن الرابع: في النجاسات وأحكامها:
القول في النجاسات:
وهي عشرة أنواع:
الأول والثاني: البول والغائط مما لا يؤكل لحمه إذا كان للحيوان نفس سائلة سواء
585

كان جنسه حراما كالأسد أو عرض له التحريم كالجلال، وفي رجيع ما لا نفس له سائلة
وبوله تردد، وكذا في ذرق الدجاج الجلال والأظهر الطهارة.
الثالث: المني وهو نجس من كل حيوان حل أكله أو حرم، وفي مني ما لا نفس له
تردد، والطهارة أشبه.
الرابع: الميتة ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة، وكل ما ينجس بالموت
فما قطع من جسده نجس حيا كان أو ميتا، وما كان منه لا تحله الحياة كالعظم والشعر فهو
طاهر إلا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر، ويجب الغسل على
من مس ميتا من الناس قبل تطهيره وبعد برده بالموت، وكذا من مس قطعة منه فيها عظم،
وغسل اليد على من مس ما لا عظم فيه أو مس ميتا له نفس سائلة من غير الناس.
الخامس: الدماء ولا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق لا يكون له رشحا كدم
السمك أو شبهه.
السادس والسابع: الكلب والخنزير وهما نجسان عينا ولعابا، ولو نزا كلب على
حيوان فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاق الاسم وما عداهما من الحيوان فليس
بنجس، وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردد، والأظهر الطهارة.
الثامن: المسكرات وفي تنجيسها خلاف والأظهر النجاسة، وفي حكمها العصير إذا
غلى واشتد وإن لم يسكر.
التاسع: الفقاع.
العاشر: الكافر وضابطه كل من خرج عن الاسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من
الدين ضرورة كالخوارج والغلاة، وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ
خلاف، والأظهر الطهارة. وما عدا ذلك فليس بنجس في نفسه وإنما تعرض له النجاسة.
ويكره بول البغال والحمير والدواب.
القول: في أحكام النجاسات:
تجب إزالة النجاسة عن الثياب والبدن للصلاة والطواف ودخول المساجد، وعن
586

الأواني لاستعمالها، وعفي عن الثوب والبدن عما يشق التحرز عنه من دم القروح والجروح
التي لا ترقي وإن كثر، وعما دون الدرهم البغلي سعة من الدم المسفوح الذي ليس من
أحد الدماء الثلاثة، وما زاد عن ذلك تجب إزالته أن كان مجتمعا، وإن كان متفرقا قيل: هو
عفو، وقيل: تجب إزالته، وقيل: لا تجب إلا أن يتفاحش، والأول أظهر.
ويجوز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا، وإن كان فيه نجاسة لم يعف عنها في
غيره. وتعصر الثياب من النجاسات كلها إلا من بول الرضيع فإنه يكفي صب الماء عليه.
وإذا علم موضع النجاسة غسل وإن جهل غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه،
ويغسل الثوب والبدن من البول مرتين، وإن لاقى الكلب والخنزير أو الكافر ثوب الانسان
رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا، وإن كان يابسا رشه بالماء استحبابا، وفي البدن يغسل
رطبا وقيل: يمسح يابسا، ولم يثبت.
وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه، فإن لم
يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة مطلقا وقيل: يعيد في الوقت، والأول أظهر.
ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتم،
وإن تعذر إلا بما يبطلها استأنف. والمربية للصبي إذا لم يكن لها ثوب إلا واحد غسلته في
كل يوم مرة، وإن جعلت تلك الغسلة في آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسنا.
وإن كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلى الصلاة الواحدة في
كل واحد منهما منفردا على الأظهر، وفي الثياب الكثيرة كذلك إلا أن يضيق الوقت فيصلي
عريانا.
ويجب أن يلقى الثوب النجس ويصلى عريانا إذا لم يكن هناك غيره، وإن لم يمكنه
صلى فيه وأعاد وقيل: لا يعيد، وهو الأشبه.
والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات عن الأرض والبواري والحصر
طهر موضعه، وكذا كل ما لا يمكن نقله كالنباتات والأبنية.
وتطهر النار ما أحالته، والأرض باطن الخف وأسفل القدم والنعل.
وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه ولا حال جريانه من ميزاب وشبهه إلا أن يتغير
587

بالنجاسة.
والماء الذي تغسل به النجاسة نجس سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية وسواء
كان متلوثا بالنجاسة أو لم يكن وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقى، وكذا القول
في الإناء على الأظهر. وقيل: في الذنوب إذا ألقي على نجاسة الأرض تطهر الأرض مع بقائه
على طهارته.
القول: في الآنية:
ولا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضة ولا استعمالها في غير ذلك. ويكره
المفضض، وقيل: يجب اجتناب موضع الفضة، وفي جواز اتخاذها لغير الاستعمال تردد
والأظهر المنع. ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو
تضاعفت أثمانها، وأواني المشركين طاهرة حتى يعلم نجاستها.
ولا يجوز استعمال شئ من الجلود إلا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيا، ويستحب
اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته: ويستعمل من أواني الخمر ما كان مقيرا أو
مدهونا بعد غسله، ويكره ما كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون.
ويغسل الإناء من ولوع الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على الأصح، ومن الخمر والجرذ
ثلاثا بالماء والسبع أفضل، ومن غير ذلك مرة واحدة والثلاث أحوط.
588

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
589

كتاب الطهارة وأركانه أربعة:
الركن الأول: في المياه:
والنظر في المطلق والمضاف والأسآر.
أما المطلق: فهو في الأصل طاهر ومطهر يرفع الحدث ويزيل الخبث وكله ينجس
باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه، ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة، ولا الكثير من
الراكد، وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح، وحكم ماء الحمام حكمه إذا كان له
مادة، وكذا ماء الغيث حال نزوله، وفي تقدير الكثرة روايات أشهرها ألف ومائتا رطل،
وفسره الشيخان بالعراقي. وفي نجاسة البئر بالملاقاة قولان، أظهرهما التنجيس.
منزوحات البئر:
وينزح - لموت البعير والثور وانصباب الخمر - ماؤها أجمع، وكذا قال الثلاثة في
المسكرات، وألحق الشيخ الفقاع والمني والدماء الثلاثة فإن غلب الماء تراوح عليها قوم
اثنين اثنين يوما، ولموت البغل والحمار ينزح كر وكذا قال الثلاثة في الفرس والبقرة. ولموت
الانسان سبعون دلوا، وللعذرة عشرة فإن ذابت فأربعون أو خمسون، وفي الدم أقوال،
والمروي في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين، وفي القليل دلاء يسيرة، ولموت الكلب وشبهه
أربعون، وكذا في بول الرجل، وألحق الشيخان بالكلب موت الثعلب والأرنب والشاة،
وروي في الشاة تسع أو عشر، وللسنور أربعون، وفي رواية سبع، ولموت الطير واغتسال
591

الجنب سبع، وكذا للكلب لو خرج حيا وللفأرة إن تفسخت، وإلا فثلاث، وقيل: دلو.
ولبول الصبي سبع وفي رواية ثلاث. ولو كان رضيعا فدلو واحد، وكذا في العصفور
وشبهه.
ولو غيرت النجاسة ماءها تنزح كلها، ولو غلب الماء فالأولى أن تنزح حتى يزول التغير
ويستوفى المقدر، ولا ينجس البئر بالبالوعة ولو تقاربتا ما لم تتصل نجاستها لكن
يستحب تباعدهما قدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة أو كانت البئر فوقها وإلا فسبع.
وأما المضاف: فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه ويصح سلبه عنه كالمعتصر من
الأجسام والمصعد والمزوج بما يسلبه الإطلاق، وكله طاهر لكن لا يرفع حدثا، وفي طهارة محل
الخبث به قولان أصحهما: المنع، وينجس بالملاقاة وإن كثر، وكل ما يمازج المطلق ولم يسلبه
الإطلاق لا يخرج عن إفادة التطهير وإن غير أحد أوصافه، وما يرفع به الحدث الأصغر طاهر
ومطهر، وما يرفع به الحدث الأكبر طاهر، وفي رفع الحدث به ثانيا قولان، المروي: المنع وفيما
يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان، أشبههما: التنجس عدا ماء الاستنجاء.
ولا يغتسل بغسالة الحمام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة، وتكره الطهارة بماء
أسخن بالشمس في الآنية وبماء أسخن بالنار في غسل الأموات.
وأما الأسآر: فكلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر. وفي سؤر ما لا يؤكل لحمه
قولان، وكذا في سؤر المسوخ، وكذا ما أكل الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة،
والطهارة في الكل أظهر.
وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان، أحوطهما: النجاسة. ولو نجس
أحد الإناءين ولم يتعين اجتنب ماؤهما، وكل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله ولو اضطر معه
إلى الطهارة تيمم
يسل لزمها مع ذلك تغيير الخرقة وغسل للغداة، وإن سأل لزمها مع ذلك غسلان: غسل
للظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما، وكذا تجمع بين صلاة
الليل والصبح بغسل واحد إن كانت متنفلة، وإذا فعلت ذلك صارت طاهرا.
592

الركن الثاني: في الطهارة المائية:
وهي وضوء وغسل.
فالوضوء: يستدعي بيان أمور:
الأول: في موجباته:
وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد والنوم الغالب على الحاستين
والاستحاضة القليلة، وفي مس باطن الدبر وباطن الإحليل قولان، أظهرهما أنه لا ينقض.
الثاني: في آداب الخلوة:
والواجب ستر العورة، ويحرم استدبار القبلة واستقبالها ولو كان في الأبنية على الأشبه،
ويجب غسل مخرج البول ويتعين الماء لإزالته، أقل ما يجزئ مثلا ما على الحشفة، وغسل
موضع الغائط بالماء وحده الإنقاء، فإن لم يتعد المخرج تخير بين الأحجار والماء، ولا يجزئ
أقل من ثلاثة ولو نقى بما دونها، ويستعمل الخزف بدل الأحجار، ولا
يستعمل العظم ولا الروث ولا الحجر المستعمل.
وسننها: تغطية الرأس عند الدخول، والتسمية، وتقديم الرجل اليسرى والاستبراء
والدعاء عند الدخول وعند النظر إلى الماء وعند الاستنجاء وعند الفراع، والجمع بين
الأحجار والماء والاقتصار على الماء إن لم يتعد، وتقديم اليمنى عند الخروج.
مكروهاتها: ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع ومواضع اللعن وتحت الأشجار
المثمرة وفئ النزال، واستقبال الشمس والقمر، والبول في الأرض الصلبة وفي مواطن الهوام
وفي الماء جاريا وراكدا، واستقبال الريح به، والأكل والشرب والسواك، والاستنجاء
باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى، والكلام إلا بذكر الله أو لضرورة.
الثالث: في الكيفية:
والفروض سبعة:
الأول: النية مقارنة لغسل الوجه ويجوز تقديمها عند غسل اليدين واستدامة
593

حكمها حتى الفراع.
والثاني: غسل الوجه وطوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وعرضه ما اشتملت
عليه الإبهام والوسطى، ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا تخليلها
والثالث: غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما، ولو نكس فقولان، أشبههما: أنه
لا يجزئ. وأقل الغسل ما يحصل به مسماه ولو دهنا.
والرابع: مسح مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا، وقيل: أقله ثلاث أصابع
مضمومة، [ولو استقبل فالأشبه الكراهية]. ويجوز على الشعر أو البشرة، ولا يجزئ على
حائل كالعمامة.
والخامس: مسح الرجلين إلى الكعبين وهما قبتا القدم، ويجوز منكوسا، ولا يجوز على
حائل من خف وغيره إلا للضرورة.
والسادس: الترتيب يبدأ بالوجه ثم باليمنى ثم باليسرى ثم بالرأس ثم
بالرجلين ولا ترتيب فيهما.
والسابع: الموالاة وهي أن يكمل طهارته قبل الجفاف.
مسائل:
والفرض في الغسلات مرة، والثانية سنة، والثالثة بدعة، ولا تكرار في المسح، ويحرك
ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا كالخاتم ولو لم يمنع حركه استحبابا، والجبائر تنزع إن
أمكن وإلا مسح عليها ولو في موضع الغسل، ولا يجوز أن يولي وضوءه غيره اختيارا، ومن
دام به السلس يصلى كذلك، وقيل: يتوضأ لكل صلاة، وهو حسن. وكذا المبطون، ولو
فجأة الحدث في الصلاة توضأ وبنى.
والسنن عشرة: وضع الإناء على اليمين، والاغتراف بها، والتسمية، وغسل اليدين
مرة للنوم والبول، ومرتين للغائط قبل الاغتراف، والمضمضة، والاستنشاق، وأن يبدأ
الرجل بظاهر ذراعيه والمرأة بباطنهما، والدعاء عند غسل الأعضاء، والوضوء بمد، والسواك
عنده، ويكره الاستعانة فيه والتمندل منه.
594

الرابع: في الأحكام:
فمن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما وجهل المتأخر تطهر، ولو تيقن
الطهارة وشك في الحدث أو شك في شئ من أفعال الوضوء بعد انصرافه بنى على الطهارة
ولو كان قبل انصرافه أتى به وبما بعده. ولو تيقن ترك عضو أتى به على الحالين وبما بعده ولو
كان مسحا، ولو لم تبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته وأجفانه ولو لم تبق نداوة استأنف
الوضوء. ويعيد الصلاة لو ترك غسل أحد
المخرجين ولا يعيد الوضوء، ولو كان الخارج أحد الحدثين غسل مخرجه دون الآخر، وفي جواز مس كتابة المصحف للمحدث، قولان أصحهما المنع.
الغسل
وأما الغسل ففيه الواجب والندب. فالواجب منه ستة.
الأول: غسل الجنابة:
والنظر في موجه وكيفيته وأحكامه.
أما الموجب: فأمران:
1 - إنزال الماء يقظة أو نوما ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن، وتكفي في المريض
الشهوة، ويغتسل المستيقظ إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به.
2 - الجماع في القبل وحده غيبوبة الحشفة وإن أكسل، وكذا في دبر المرأة على الأشبه.
وفي وجوب الغسل بوطئ الغلام تردد وجزم علم الهدي بالوجوب.
وأما كيفيته: فواجبها خمسة:
النية مقارنة لغسل الرأس أو متقدمة عند غسل اليدين، واستدامة حكمها، غسل
البشرة بما يسمى غسلا ولو كان كالدهن، وتخليل ما لا يصل الماء إليه إلا به، والترتيب
يبدأ برأسه ثم ميامنه ثم مياسره ويسقط الترتيب بالارتماس.
وسنتها سبعة: الاستبراء وهو أن يعصر ذكره من المقعدة إلى طرفه ثلاثا وينتره ثلاثا،
وغسل يديه ثلاثا، والمضمضة، والاستنشاق، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل الماء
إليه، والغسل بصاع.
595

وأما أحكامه:
فيحرم عليه قراءة العزائم، ومس كتابة القرآن، ودخول المساجد إلا اجتيازا عدا
المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولو احتلم فيهما تيمم لخروجه،
ووضع شئ فيها على الأظهر.
ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات، ومس المصحف وحمله، والنوم ما لم يتوضأ، والأكل
والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق، والخضاب. ولو رأى بللا بعد الغسل أعاد إلا مع
البول أو الاجتهاد، ولو أحدث في أثناء غسله ففيه أقوال، أصحها: الإتمام والوضوء، ويجزئ
غسل الجنابة عن الوضوء، وفي غيره تردد أظهره أنه لا يجزئ.
الثاني: غسل الحيض: والنظر فيه وفي أحكامه: وهو في الأغلب دم أسود أو أحمر غليظ
حار له دفع، فإن اشتبه بالعذرة حكم لها بتطوق القطنة، ولا حيض مع سن اليأس ولا مع
الصغر، وهل يجتمع مع الحمل؟ فيه روايات أشهرها أنه لا يجتمع. وأكثر الحيض عشرة
أيام وأقله ثلاثة أيام، فلو رأت يوما أو يومين فليس حيضا، ولو كمل ثلاثة في جملة عشرة
فقولان، المروي أنه حيض. وما بين الثلاثة إلى العشرة حيض وإن اختلف لونه، ما لم يعلم
أنه لعذر أو قرح. ومع تجاوز العشرة ترجع ذات العادة إليها.
والمبتدئة والمضطربة إلى التميز، ومع فقده ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها وأقرانها.
فإن لم يكن أو كن مختلفات رجعت هي والمضطربة إلى الروايات وهي ستة أو سبعة، أو ثلاثة
من شهر وعشرة من آخر.
وتثبت العادة باستواء شهرين في أيام رؤية الدم ولا تثبت بالشهر الواحد، ولو رأت في
أيام العادة صفرة أو كدرة، وقبلها أو بعدها بصفة الحيض وتجاوز العشرة فالترجيح
للعادة، وفيه قول آخر.
وتترك ذات العادة الصوم والصلاة برؤية الدم، وفي المبتدئة والمضطربة تردد،
والاحتياط للعبادة أولى حتى يتيقن الحيض، وذات العادة مع الدم تستظهر بعد عادتها بيوم
أو يومين ثم تعمل ما تعمله المستحاضة، فإن استمر وإلا قضت الصوم، وأقل الطهر عشرة
596

أيام ولا حد لأكثره.
وأما الأحكام فلا ينعقد لها صلاة ولا صوم. ولا طواف ولا يرتفع لها حدث، ويحرم عليها
دخول المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ فيها على الأظهر، وقراءة العزائم،
ومس كتابة القرآن، ويحرم على زوجها وطؤها موضع الدم ولا يصح طلاقها مع دخوله بها
وحضوره، ويجب عليها الغسل مع النقاء وقضاء الصوم دون الصلاة وهل يجوز أن
تسجد لو سمعت السجدة؟ الأشبه نعم. وفي وجوب الكفارة بوطئها على الزوج روايتان
أحوطهما الوجوب، وهي أي الكفارة دينار في أوله، ونصف في وسطه وربع في آخره.
ويستحب لها الوضوء لوقت كل فريضة وذكر الله تعالى في مصلاها بقدر صلاتها،
ويكره لها الخضاب وقراءة ما عدا العزائم وحمل المصحف ولمس هامشه والاستمتاع منها
بما بين السرة والركبة ووطؤها قبل الغسل. وإذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل مع
الإمكان قضت، وكذا لو أدركت من آخر الوقت قدر الطهارة والصلاة وجبت أداء ومع
الإهمال قضاء، وتغتسل كاغتسال الجنب لكن لا بد معه من الوضوء.
والثالث: غسل الاستحاضة:
ودمها في الأغلب أصفر بارد رقيق لكن ما تراه بعد عادتها مستمرا أو بعد غاية
النفاس وبعد اليأس وقبل البلوغ ومع الحمل على الأشهر فهو استحاضة ولو كان عبيطا،
ويجب اعتباره، فإن لطخ باطن القطنة لزمها إبدالها والوضوء لكل صلاة، وإن غمسها ولم
يسل لزمها مع ذلك تغيير الخرقة وغسل للغداة، وإن سأل لزمها مع ذلك غسلان: للظهر
والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما، وكذا تجمع بين صلاة الليل
والصبح بغسل واحد إن كانت متنفلة، وإذا فعلت ذلك صارت طاهرا.
ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد وعليها الاستظهار في منع الدم من التعدي بقدر
الإمكان. وكذا يلزم من به السلس والبطن.
597

الرابع: غسل النفاس:
ولا يكون نفاس إلا مع الدم ولو ولدت تاما.
ثم لا يكون الدم نفاسا حتى تراه بعد الولادة أو معها، ولا حد لأقله، وفي أكثره روايات
أشهرها أنه لا يزيد عن أكثر الحيض، وتعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة، فإن خرجت
القطنة نقية اغتسلت، وإلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، ولو رأت بعدها دما فهو
استحاضة.
والنفساء كالحائض فيما يحرم عليها ويكره، وغسل كغسلها في الكيفية، وفي استحباب
تقديم الوضوء على الغسل وجواز تأخيره عنه.
الخامس: غسل الأموات:
والنظر في أمور أربعة:
الأول: الاحتضار: والفرض فيه استقبال الميت بالقبلة على أحوط القولين بأن يلقى
على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إليها. والمسنون: نقله إلى مصلاه وتلقينه الشهادتين
والإقرار بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج، وأن تغمض
عيناه ويطبق فوه وتمد يداه إلى جنبيه ويغطى بثوب، وأن يقرأ عنده القرآن ويسرج عنده
إن مات ليلا ويعلم المؤمنون بموته، ويعجل تجهيزه إلا مع الاشتباه، ولو كان مصلوبا
لا يترك أزيد من ثلاثة أيام. ويكره أن يحضره جنب أو حائض، وقيل يكره أن يجعل على
بطنه حديد.
الثاني: الغسل: وفروضه: إزالة النجاسة عنه، وتغسيله بماء السدر ثم بماء الكافور ثم
بالقراح، مرتبا كغسل الجنابة، ولو تعذر السدر والكافور كفت المرة بالقراح، وفي وجوب
الوضوء قولان، والاستحباب أشبه. ولو خيف من تغسيله تناثر جسده ييمم.
وسننه: أن يوضع على مرتفع موجها إلى القبلة مظللا، ويفتق جيبه وينزع ثوبه من تحته
وتستر عورته وتلين أصابعه برفق ويغسل رأسه وجسده برغوة السدر ويغسل فرجه
بالحرض، ويبدأ بغسل يديه ثم بشق رأسه الأيمن ويغسل كل عضو منه ثلاثا في كل غسلة
598

ويمسح بطنه في الأوليين إلا الحامل، ويقف الغاسل عن يمينه، ويحفر للماء حفيرة، وينشف
بثوب. ويكره إقعاده وقص أظفاره وترجيل شعره، وجعله بين رجلي الغاسل، وإرسال الماء
في الكنيف، ولا بأس بالبالوعة.
الثالث: في الكفن: والواجب منه: مئزر وقميص وإزار مما تجوز الصلاة فيه
للرجال، ومع الضرورة تجزئ اللفافة، وإمساس مساجده بالكافور وإن قل.
والسنن: أن يغتسل قبل تكفينه أو يتوضأ، وأن يزاد للرجل حبرة يمنية عبرية غير
مطرزة بالذهب، وخرقة لفخذيه وعمامة تثني عليه محنكا، ويخرج طرفا العمامة من الحنك
ويلقيان على صدره، ويكون الكفن قطنا وتطيب بالذريرة ويكتب على الحبرة والقميص
واللفافة والجريدتين: فلان يشهد أن لا إله إلا الله. ويجعل بين أليتيه قطنا، وتزاد المرأة لفافة
أخرى لثدييها ونمطا وتبدل بالعمامة قناعا.
ويسحق الكافور باليد، وإن فضل عن المساجد ألقي على صدره، وأن يكون درهما أو
أربعة دراهم، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثا، ويجعل معه جريدتان، إحديهما من جانبه
الأيسر بين قميصه وإزاره، والأخرى مع ترقوة جانبه الأيمن يلصقها بجلده، وتكونان من
النخل، وقيل: فإن فقد فمن السدر، وإلا فمن الخلاف، وإلا فمن غيره من الشجر.
ويكره بل الخيوط بالريق، وأن يعمل لما يبتدأ من الأكفان أكمام وأن يكفن في السواد.
وتجمير الأكفان أو تطييب بغير الكافور والذريرة، ويكتب عليه بالسواد وأن يجعل في سمع
الميت أو بصره شئ من الكافور. وقيل يكره أن يقطع الكفن بالحديد.
الرابع: الدفن: والفرض فيه مواراته في الأرض على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة، فلو
كان في البحر وتعذر البر ثقل أو جعل في وعاء وأرسل إليه، ولو كانت ذمية حاملة من
مسلم، قيل: تدفن في مقبرة المسلمين، يستدبر بها القبلة إكراما للولد.
وسننه: اتباع الجنازة أو مع جانبيها وتربيعها وحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، وأن
يجعل له لحد، وأن يتحفى النازل إليه ويحل أزراره ويكشف رأسه ويدعو عند نزوله،
ولا يكون رحما إلا في المرأة. ويجعل الميت عند رجلي القبر إن كان رجلا وقدامه إن كانت
امرأة، وينقل مرتين ويصبر عليه وينزل في الثالثة سابقا برأسه، والمرأة عرضا. ويحل عقد
599

كفنه ويلقنه ويجعل معه تربة ويشرج اللحد ويخرج من قبل رجليه ويهيل الحاضرون بظهور
الأكف مسترجعين ولا يهيل ذو الرحم.
ثم يطم القبر ولا يوضع فيه من غير ترابه، ويرفع مقدار أربع أصابع مربعا، ويصب
عليه الماء من رأسه دورا، فإن فضل ماء صبه على وسطه، ويضع الحاضرون الأيدي عليه
مترحمين، ويلقنه الولي بعد انصرافهم، ويكره فرش القبر بالساج - إلا مع الحاجة -
وتجصيصه وتجديده، ودفن ميتين في قبر واحد، ونقل الميت إلى غير بلد موته إلا إلى
المشاهد المشرفة.
ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: كفن المرأة على زوجها ولو كان لها مال.
الثانية: كفن الميت من أصل تركته قبل الوصية والدين والميراث.
الثالثة: لا يجوز نبش القبر ولا نقل الموتى بعد دفنهم.
الرابعة: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، بل يصلى عليه ويدفن بثيابه
وينزع عنه الخفان والفرو.
الخامسة: إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج، ولو ماتت هي دونه يشق جوفها من
الجانب الأيسر وأخرج. وفي رواية، يخاط بطنها.
السادسة: إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر فهو كما لو وجد كله، وإن لم يوجد الصدر
غسل وكفن ما فيه عظم، ولف في خرقة ودفن ما خلا من عظم. قال الشيخان: ولا يغسل
السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة، ولو كان لدونها لف في خرقة ودفن.
السابعة: لا يغسل الرجل إلا رجل وكذا المرأة، ويغسل الرجل بنت ثلاث سنين
مجردة وكذا المرأة، ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب وكذا المرأة.
الثامنة: من مات محرما كان كالمحل، لكن لا يقرب الكافور.
التاسعة: لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين مقبرة المسلمين.
العاشرة: لولا في كفن الميت نجاسة غسلت ما لم يطرح في القبر وقرضت بعد جعله فيه.
600

السادس: غسل من مس ميتا: يجب الغسل بمس الميت الآدمي بعد برده بالموت، وقبل
تطهيره بالغسل على الأظهر.
وكذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم، سواء أبينت من حي أو ميت، وهو كغسل
الحائض.
وأما المندوب من الأغسال: فالمشهور غسل الجمعة، ووقته ما بين طلوع الفجر إلى
الزوال وكلما قرب من الزوال كان أفضل، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه،
وليلة سبع عشرة وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي
العيدين، ويوم عرفة، وليلة النصف من رجب، ويوم المبعث، وليلة النصف من شعبان،
والغدير، ويوم المباهلة، وغسل الإحرام، وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم
السلام ولقضاء الكسوف، وللتوبة، ولصلاة الحاجة، والاستخارة، ولدخول الحرم
والمسجد الحرام والكعبة، والمدينة ومسجد النبي ص، وغسل المولود.
الركن الثالث: في الطهارة الترابية:
والنظر في أمور أربعة:
الأول: شرط التيمم عدم الماء أو عدم الوصلة إليه أو حصول مانع من استعماله
كالبرد والمرض، ولو لم يوجد إلا ابتياعا وجب وإن كثر الثمن، وقيل: ما لم يضر في الحال،
وهو الأشبه. ولو كان معه ماء وخشي العطش تيمم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة،
وكذا لو كان على جسده نجاسة ومعه ما يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها وتيمم، وكذا من
معه ماء لا يكفيه لطهارته، وإذا لم يوجد للميت ماء يمم كالحي العاجز.
الثاني: فيما يتيمم به، وهو التراب الخالص دون ما سواء من المنسحقة كالأشنان
والدقيق، والمعادن كالكحل والزرنيخ، ولا بأس بأرض النورة والجص، ويكره بالسبخة
والرمل. وفي جواز التيمم بالحجر تردد، وبالجواز قال الشيخان. ومع فقد الصعيد تيمم
بغبار الثوب واللبد وعرف الدابة، ومع فقده بالوحل.
601

الثالث: في كيفيته: ولا يصح قبل دخول الوقت ويصح مع تضيقه، وفي صحته مع
السعة قولان أحوطهما التأخير. وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه
روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين. وفي عدد الضربات أقوال
أجودها للوضوء ضربة، وللغسل اثنتان. والواجب فيه النية واستدامة حكمها، والترتيب
يبدأ بمسح الجبهة ثم بظاهر اليمنى، ثم بظاهر اليسرى.
الرابع: في أحكامه وهي ثمانية: الأول: لا يعيد ما صلى بتيممه، ولو تعمد الجنابة لم يجزئ التيمم ما
لم يخف التلف، فإن خشي فتيمم وصلى ففي الإعادة تردد، أشبهه أنه لا يعيد،
وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزحام يوم الجمعة تيمم وصلى، وفي الإعادة قولان، الأجود
الإعادة.
الثاني: يجب على من فقد الماء: الطلب في الحزنة غلوة سهم، وفي السهلة غلوة سهمين،
فإن أخل فتيمم وصلى ثم وجد الماء تطهر وأعاد.
الثالث: لو وجد الماء قبل شروعه تطهر إجماعا، ولو كان
بعد فراغه فلا إعادة ولو كان في أثناء الصلاة فقولان أصحهما البناء ولو كان على تكبيرة الإحرام.
الرابع: لو تيمم الجنب ثم أحدث ما يوجب الوضوء أعاد بدلا من الغسل.
الخامس: لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية ووجود الماء مع التمكن من
استعماله.
السادس: يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ندبا.
السابع: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفي أحدهم تيمم المحدث.
وهل يخص به الميت أو الجنب؟ فيه روايتان أشهرهما أن يخص به الجنب.
الثامن: روي في من صلى بتيمم فأحدث في الصلاة ووجد الماء قطع وتطهر وأتم،
ونزلها الشيخان على النسيان.
602

الركن الرابع: في النجاسات:
والنظر في أعدادها وأحكامها:
وهي عشرة: البول، والغائط مما لا يؤكل لحمه ويندرج تحته الجلال، والمني والميتة مما
يكون له نفس سائلة، وكذا الدم والكلب والخنزير والكافر وكل مسكر والفقاع. وفي
نجاسة عرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلالة، ولعاب المسوخ، وذرق الدجاج
والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة اختلاف، والكراهية أظهر.
وأما أحكامها فعشرة:
الأول: كل النجاسات يجب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن عدا الدم فقد
عفي عما دون الدرهم سعة في الصلاة ولم يعف عما زاد عنه، وفيما بلغ قدر الدرهم مجتمعا
روايتان، أشهرهما وجوب الإزالة.
ولو كان متفرقا تجب إزالته، وقيل تجب مطلقا، وقيل بشرط التفاحش.
الثاني: دم الحيض: تجب إزالته وإن قل، وألحق الشيخ به دم الاستحاضة والنفاس،
وعفي عن دم القروح والجروح التي لا ترقا، فإذا رقا اعتبر فيه سعة الدرهم.
الثالث: يجوز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته كالتكة والجورب
والقلنسوة.
الرابع: يغسل الثياب والبدن من البول مرتين، إلا من بول الصبي فإنه يكفي صب
الماء عليه، ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون.
الخامس: إذا علم موضع النجاسة غسل، وإن جهل غسل كل ما يحصل فيه
الاشتباه، ولو نجس أحد الثوبين ولم يعلم عينه، صلى الصلاة الواحدة في كل واحد مرة.
وقيل يطرحهما ويصلى عريانا.
السادس: إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا وهو رطب غسل موضع
الملاقاة وجوبا، وإن كان يابسا رش الثوب بالماء استحبابا.
السابع: من علم النجاسة في ثوبه أو بدنه وصلى عامدا أعاد في الوقت وبعده، ولو نسي
في حال الصلاة فروايتان أشهرهما: أن عليه الإعادة. ولو لم يعلم وخرج الوقت فلا قضاء.
603

وهل يعيد مع بقاء الوقت؟ فيه قولان، أشبههما أنه لا إعادة. ولو رأى النجاسة في أثناء
الصلاة أزالها وأتم، أو عنه ما هي فيه، إلا أن يفتقر ذلك إلى ما ينافي الصلاة فيبطلها.
الثامن: المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم والليلة
مرة واحدة.
التاسع: من لم يتمكن من تطهير ثوبه ألقاه وصلى عريانا، ولو منعه مانع صلى فيه، وفي
الإعادة قولان، أشبههما أنه لا إعادة.
العاشر: الشمس إذا جففت البول أو غيره عن الأرض والبواري والحصر جازت
الصلاة عليه، وهل تطهر؟ الأشبه نعم، والنار ما أحالته، وتطهر الأرض باطن الخف
والقدم مع زوال النجاسة، وقيل في الذنوب يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهرها
مع بقاء ذلك الماء على طهارته.
ويلحق بذلك النظر في الأواني، ويحرم منها استعمال الأواني الذهب والفضة
في الأكل وغيره، وفي المفضض قولان أشبههما الكراهية. وأواني المشركين
طاهرة ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة نجاسة، ولا يستعمل من الجلود إلا ما كان
طاهرا في حال حياته مذكى، ويكره مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه، وكذا يكره من
أواني الخمر ما كان خشبا أو قرعا. ويغسل الإناء من ولوع الكلب ثلاثا، أولاهن بالتراب
على الأظهر. ومن الخمر والفأرة ثلاثا، والسبع أفضل، ومن غير ذلك مرة، والثلاث أحوط.
604

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
605

كتاب الطهارة
باب المياه:
قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماءا طهورا.
ولا تجوز إزالة النجاسة ورفع الحدث إلا بالماء المطلق، فإذا خالطه طاهر كالزعفران
وشبهه، فإن سلبه اسم الماء لم يجز رفع الحدث وإزالة النجاسة به وإن لم يسلبه جاز ذلك فيه.
وإن وقعت فيه نجاسة وكان في مصنع أو غدير وشبههما وكان كرا ومبلغه ألف ومائتا رطل
بالبغدادي، أو كان ثلاثة أشبار ونصفا طولا في عرض وفي عمق - لم ينجسه، إلا أن يغلب
على لونه أو طعمه أو رائحته، ويطهر بزوالها بالماء أو الهواء أو التراب أو من قبل نفسه، فإن
زالت النجاسة بمسك أو كافور لم يطهر لأنهما ساتران لا مزيلان، وإن كان دون كر نجس
بكل حال ويطهر بأن يتمم كرا.
ولو جمع بين نصفي كر نجسين لطهرا، فإن فرقا بعد فعلى الطهارة إلا أن تكون
النجاسة عينا قائمة.
أحكام البئر: وإن كان الماء في بئر نجس بما يرد عليها منها. وطريق تطهيرها أن ينزح منها ما
قدره الشرع وما لم يقدر فيه شيئا فالأصل ألا يستعمل لأنه نجس فإذا نزح كله فقد ذهب
وجاء غيره طاهرا.
607

وينزح لموت الانسان سبعون دلوا بالدلو المعتادة، وللعذرة الرطبة أو اليابسة التي
تقطعت ولكثير الدم - غير الدماء الثلاثة خمسون دلوا، وينزح لموت الشاة وشبهها ولبول
الرجل فيها أربعون دلوا، وللعذرة اليابسة والدم القليل - غير الثلاثة - عشر.
وينزح منها لارتماس الجنب - ولا يطهر هو - وللكلب يخرج منها حيا ولبول الصبي
الذي أكل الطعام ولموت الحمامة ولموت الدجاجة وشبههما ولموت الحية والفأرة - تنفسخ أو
تنتفخ - سبع.
وينزح لذرق الدجاج خمس، وينزح لموت الحية والفأرة يخرج لوقتها وللعقرب والوزغ
- على الفضل - ثلاث، وينزح دلو واحد لبول الرضيع غير آكل الطعام وموت العصفور
وشبهه. وينزح منها قدر كر لموت الخيل والبغال والحمير والبقر.
وينزح كلها لموت البعير ووقوع الخمر والمسكر والفقاع والدماء الثلاثة - الحيض
والاستحاضة والنفاس - والمني فإن تعذر لغزارته تراوح على نزحها أربعة رجال اثنين
اثنين من أول النهار إلى آخره. وينزح منها لما غير أحد أوصافها من النجاسات المقدرة
ما قدر فإن طابت به، وألا ينزح حتى تطيب.
ولا ينجس الماء الجاري من العيون والأنهار إلا بما غلب عليه من النجاسة، وماء الحمام
سبيله الماء الجاري إذا كانت له مادة من المجرى ولا بد من كون المادة مما لا يقبل النجاسة
بانفرادها أو اتصالها بما فيه، ويجوز استعمال الماء النجس عند الضرورة في الشرب وسقي
الدواب والزروع ولا بأس باستعمال ماء الوضوء والغسل الواجب والندب في الطهارة
وإزالة النجاسة لأنه ماء مطلق، والمياه الجارية من الميازيب من المطر كالمياه
الجارية.
وإذا اشتبه الماء الطاهر والنجس في إنائين تركا ولم يجز التحري وكذا ما زاد
أو كان في أحدهما ماء وفي الآخر بول، وماء البحر طهور، ويكره ما قصد إلى تشميسه، وسؤر
كل حيوان طاهر طاهر، وسؤر كل حيوان نجس نجس كالكلب والخنزير، ويكره استعمال
سؤر الحائض غير المأمونة وسؤر الفأرة، والجنب والحائض ليسا بنجسين، ولا فرق بين عرق
الجنابة من حلال أو حرام في طهارتها، ويكره عرق الحرام وعرق الإبل الجلالة، ولا بأس
608

بسؤر الهر ويكره سؤر الدجاج.
وإذا عجن عجين بماء نجس فروي: أنه يؤكل وأن النار طهرته، وروي: أنه يباع من
مستحل الميتة، وروي: أنه يدفن. وإذا استعمل ماء نجسا في طهارة عالما به فطهارته فاسدة
وعليه إعادة ما صلى به منها، وإن لم يكن عالما ثم علم أعاد ما كان في الوقت، وإن تقدمه
العلم أعاد بكل حال.
ولا يحتاج غسل الثياب والأواني ونزح الآبار من النجاسات إلى نية فلو غسله غير عالم
بنجاسته يطهر، ويكره التداوي بالعيون الحمية ولا بأس بالوضوء منها. والطهارة بماء زمزم
لا تكره، ويستحب أن يكون بين البئر والبالوعة سبع أذرع في الأرض الرخوة والبئر تحت
البالوعة، وخمس أذرع في الصلبة أو كون البئر فوق البالوعة من جميع جوانبها في كله،
ويجوز من قرب أو بعد إذا لم يفسد الماء.
ويكره استعمال الماء الأجن مع وجود الماء الطيب، ولا ينجس الماء وغيره بموت
ما لا نفس له سائلة فيه، وكره ما ماتت فيه العقرب والوزغة أو دخلتا فيه حيتين لمكان السم،
وإذا باشره حيوان طاهر حيا لم ينجسه كالهرة والفأرة وشبههما، وإن باشره نجس حيا
كالكلب والخنزير نجسه إن كان قليلا أو ماء بئر. وروي: في البئر يقع فيها ماء المطر فيه
البول والعذرة وروث الدواب وخرؤ الكلاب ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة.
وروي: عن الفأرة تقع في البئر ولم تنتن نزح أربعين دلوا وحمل على الندب. وروي: في الثور
نزح الماء كله. وروي: في لحم الخنزير عشرون دلوا. وروي: في البئر يقع فيها قطرات من بول
أو دم أو شئ من غيرها كالبعرة ونحوها ينزح منها دلاء
وسئل علي عليه السلام أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أو من ركو أبيض
مخمر؟ فقال: بل فضل جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة.
باب الأنجاس:
ويجب تطهير الثوب والبدن للصلاة وموضع السجود.
والنجاسة: الخمر وكل مسكر والفقاع والمني والدم المسفوح وبول وروث ما لا يؤكل
609

لحمه والكلب والخنزير والكافر وميتة ذي النفس السائلة.
ويغسل البدن من البول مرتين، والثوب مرة في الجاري، ومرتين في الراكد.
ودم السمك وشبهه طاهر لأنه ليس بمسفوح، وقليل دم الحيض والاستحاضة والنفاس
ككثيرها في وجوب الإزالة، ولا يجب إزالة دم الجروح والقروح إذا شق إزالتها ولم يقف
سيلانها، وقد عفي عن دم دون سعة الدرهم الكبير عدا ما ذكرناه في ثوب أو بدن فإن كان
مفرقا لو اجتمع لكان بسعة الدرهم فلا بأس به، وعفي عن النجاسة فيما لا يتم الصلاة فيه
بانفراده كالتكة والجورب والقلنسوة والنعل والإزالة أفضل.
ولا يطهر المني بفركه وإنما يطهر بالماء المطلق كغيره، وبول الصبي قبل أن يطعم
يصب عليه الماء صبا ولا يحتاج إلى عصر، فإن أكل الطعام أو كان بول صبية وجب غسله
بكل حال، وبول وروث ما أكل لحمه طاهران، وإذا أصاب بعض الثوب أو البدن نجاسة ثم
جهل موضعها غسل ذلك كله، فإن ظن في ثوبه نجاسة رشه بالماء فإن جهل الموضع رشه
كله، وإذا أعار ثوبه ذميا ثم استرده بنى على طهارته.
وإذا مس حيوانا نجسا رطبين أو أحدهما رطب غسل يده أو ما مسه به فإن كانا يابسين
مسح عضوه بالتراب، وإذا مس ذلك ثوبا رطبين أو أحدهما غسل، فإن كانا يابسين رش
الموضع بالماء إن تعين فإن لم يتعين رش الثوب كله، وروي: إن كان كلب صيد لم يرش.
ولا يعيد صلاته من لم يرش، أو يمسح بالتراب في ما ذكرناه.
وإذا مس بثوبه أو بيده ميتا من غير الناس غسل يده أو ثوبه وإن كانا يابسين، وإن مس
ببعض أعضائه ميتا من الناس بعد برده وقبل تطهيره اغتسل وإن مس ذلك ثوبه غسله
ولا يغتسل، ولا يغسل ثوبه ولا يده من مسه قبل برده أو بعد تطهيره، وكذا إن مس قطعة
منه فيها عظم أو قطعة ذات عظم قطعت من حي، فإن لم يكن ذات عظم غسل يده فقط.
والأرض والبواري والحصر وما عمل من نبات الأرض سوى ثياب القطن والكتان
تنجس بالمائع كالبول وشبهه وتطهر بتجفيف الشمس لها ويسجد عليها ويتيمم بالأرض،
وكذلك جميع نبات الأرض فإن جف بغيرها لم يطهر.
والخف والنعل يطهران بالأرض، والخمر تطهر بانقلابها خلا بعلاج وغير علاج - وترك
610

العلاج أفضل - وتطهر آنيتها بطهارتها. ويطهر الكافر بالإسلام.
ويجب تطهير الآنية لقبح الشرب والأكل للنجس، وتطهر الآنية من النجاسات
بالغسل مرة واحدة سوى آنية الولوع والخمر، وروي: أنها تغسل ثلاثا وتختص آنية
ولوغ الكلب بالتراب في الأولى خاصة، ويستحب في الخمر أن تغسل آنيتها سبعا وفي الجرذ.
فأرة كبيرة تموت في الآنية كذلك، وليس في الخنزير تراب.
والمذي والودي طاهران، وكذلك القئ والقيح والصديد وماء المطر حال سقوطه إذا
وقع على نجاسة لم ينجس إلا أن يغلب النجاسة عليه، وماء الاستنجاء غير المتغير
بالنجاسة وماء الغسل من الجنابة طاهران إلا أن يقعا على نجاسة، والصيقل كالسيف
والمرآة تصيبهما النجاسة لا يطهران إلا بالماء.
ومن حصل معه ثوبان أحدهما متحقق النجاسة واشتبها تجنبهما وصلى عريانا وروي:
أنه يصلى في كل واحد منهما الصلاة وإن صح ذلك حمل على أنه قد فرض عليه الصلاة
مرتين كما يصلى عند التباس القبلة الصلاة أربع مرات، وإذا علم حصول النجاسة في
موضع محصور ثم اشتبه تجنب الكل لأنه لا يتخلص من القبيح إلا بذلك وإن كان غير
محصور لم يجب ذلك فيه للحرج، والمربية للصبي لا تملك إلا ثوبا تغسله في كل يوم مرة
وصحت صلاتها فيه.
وإذا أحالت النار نجاسة طهر رمادها، ودخان عين النجس طاهر، ولا يطهر جلد الميتة
بالدباغ ولو دبغ سبعين مرة، وأواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا إذا غسل طهر والأولى تجنبه.
وتجوز الصلاة في ثوب الحائض والجنب إذا لم يكن فيها نجاسة، ويغسل دم الحيض
من الثوب بالماء وحته وقرصه ليسا واجبين، ويستحب صبغه بما يغير لونه. وعن أبي
عبد الله عليه السلام: تصبغه بمشق حتى يختلط، والعلقة نجسة. ولا بأس بالصلاة في ثوب
الصبي ما لم يعلم فيه نجاسة، ويغسل من الطنفسة والفراش من البول يصيبه وهو
ثخين الحشو ما ظهر.
وطين الطريق طاهر، ويستحب إزالته بعد ثلاثة أيام، وإذا حمل أحد طرفي الثوب
طاهرا وكان الآخر نجسا لم تبطل صلاته إذا لم يحمله وإن تحرك بحركته، وإذا كان الثوب
611

نجسا يغسل بعضه طهر المغسول منه، وأواني المشركين وثيابهم وفرشهم التي استعملوها
وموائعهم يحكم بنجاستها، وما كان من حبوب وثياب جدد وأوان جدد فعلى الطهارة،
ولا يجوز أن يدخلوا المساجد ولا يجوز للمسلم أن يأذن لهم فيه ولا يجوز حمل حيوان نجس
العين - كالكلب - في الصلاة وأن حمل قارورة مشدودة فيها نجاسة لم يجز.
وما غسل به النجاسة ولم تغيره فهو طاهر كماء الاستنجاء - على قول - وقيل: هو
نجس من الغسلة الأولى لانفصاله عن محل نجس وطاهر من الثانية لانفصاله عن
طاهر، ولا يقال: إنه نجس بأول وروده، إذ لو كان كذلك لم يطهر.
وشعر الكلب والخنزير نجسان على قول الأكثر، وقال المرتضى بطهارتهما، ولا بأس
بما لا تحله الحياة من غيرهما كالصوف والشعر والوبر والعظم والظلف والحافر ولبن
الحيوان الطاهر وعرقه، ولا عبرة بأثر النجاسة وريحها في الثوب والبدن بعد إزالتها.
باب الاستطابة وسنن الحمام:
الاستنجاء واجب من البول والغائط، فإن لم يفعل وصلى فعليه الإعادة، ولا يجب
الاستنجاء من غيرهما من الأحداث. ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط في
الصحاري والبنيان، فإن كان الموضع مبنيا على ذلك انحرف إن أمكنه ويجب أن يستتر.
ويستحب أن يقدم رجله اليسرى داخلا واليمنى خارجا، وأن يتعوذ بالله من
الشيطان. ويغطى رأسه ويدعو الله عند الدخول والخروج والاستنجاء وعند الفراع منه،
ويمسح يده على بطنه.
ويكره استقبال الشمس والقمر والريح بالبول، والحدث في الماء الجاري والراكد وفي
الراكد أشد كراهية، وأفنية الدور، ومواضع اللعن في النزال، ومساقط الثمار، وجحرة
الحيوان، والبول في صلب الأرض، وقائما والتطميح به في الهواء، والأكل والشرب
والسواك، والكلام إلا بذكر الله، أو حكاية الأذان عند سماعه، وقراءة القرآن إلا آية
الكرسي فإنها عوذة أو ما اضطر إليه، ويحرم ذلك في الموضع الذي يتأذى المسلمون به،
وليجلس على نجوة.
612

ويجب غسل الإحليل من البول مرتين ولا يجزئ التراب والحجر، وإن تعدى الغائط مخرجه
وجب استعمال الماء، وإن لم يتعد خير بين الماء وأبكار الأحجار الثلاثة، والجمع أفضل
يبدأ بالأحجار، والاقتصار على الماء أفضل منه على الحجر، ويجزئ الخرق والخزف والجلد
الطاهر، فإن زالت النجاسة بحجر واحد كفى وأتم الثلاثة سنة فإن لم ينق زاد عليها والوتر
أفضل. ويجزئ الحجر ذو القرون الثلاثة.
ولا يحل الاستنجاء بما لا يزيل النجاسة كالحديد الصيقل وقشر البيض، ولا بما هو
مطعوم أو له حرمة أو كان روثا أو عظما، فإن زالت النجاسة بذلك أثم وطهر المحل، وقيل:
لا يطهر. ولا حد لماء الاستنجاء والغرض النقاء. والتختم في اليسار ليس بسنة فإن فعله
وكان عليه من أسماء الله أو رسله أو أئمته حوله عند الاستنجاء لأن الاستنجاء باليسار هو
السنة. وينبغي أن يستعمل كل حجر من الثلاثة على جميع محل النجاسة، ولو استعمل كل
حجر في إزالة جزء منه جاز. ويستنجي للمقعدة ثم الإحليل، ويمسح من عند المقعدة إلى تحت
الأنثيين ثلاثا ويمسح القضيب ثلاثا وينتره ثلاثا ثم يغسله، فإن رأى بعد ذلك بللا لم يضره،
وإن لم يفعل ذلك ثم رأى بللا أعاد الوضوء
ويكره إطالة الجلوس على الخلاء، وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:
الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير. ولا يلزمه أن يدخل الأنملة في دبره وإنما عليه ما ظهر، وروى محمد بن علي بن محبوب عن سعدان بن مسلم عن عبد الرحيم قال: كتبت إلى أبي
الحسن عليه السلام في الخصي يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل قال: يتوضأ
وينتضح ثوبه في النهار مرة واحدة.
وإذا دخل الحمام وجب عليه ستر عورته، قبله ودبره مستور بأليتيه، والفخذ
ليست بعورة عند أكثر أصحابنا وليغض بصره. والسنة التنور في كل خمسة عشرة، ولو
استعملها قبل ذلك لكان زيادة في النظافة، وإذا طلى القضيب والأنثيين بالنورة فقد استتر،
والتدلك بالدقيق ليس بسرف إنما السرف فيما أضر بالبدن وأتلف المال، والتدلك بالحناء
يذهب بالسهك ويحسن الوجه ويطيب النكهة، ولا ينبغي إدمان الحمام.
ولا بأس أن تنور الجنب، ويكره أن يدهن ويخضب، ويكره للرجل والمرأة أن يجنبا
613

مختضبين حتى يأخذ الحناء مأخذه، وأن تختضب المرأة حائضا، ويكره دخول الولد الحمام مع
الوالد لئلا يرى عورته، ولا بأس بقراءة القرآن في الحمام، ويكره أن يدخل الماء إلا بمئزر فإن
له أهلا، ولو اغتسل بارزا لجاز إذا لم يره أحد.
وعن أبي الحسن الأول عليه السلام: ولا يغتسل من الشئ التي يجتمع فيها ماء الحمام
فإنه يجتمع فيها غسالة اليهودي والنصراني والمجوس - تمام الخبر -. وعن الرضا عليه
السلام سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس.
ولا بأس أن يغتسل من الحمام المسلم والنصراني إذا كانت له مادة، وحلق الإبط
أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه.
والسنن الحنيفية خمس في الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الشعر
وقص الشارب. وخمس في البدن: قص الأظفار وحلق العانة والإبطين والختان والاستنجاء
وكان شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وفرة وهي إلى شحمة الأذن.
والسواك سنة عند كل صلاة وخاصة صلاة الليل ويكره في الحمام، والتسويك بالإبهام
والمسبحة عند الوضوء سواك ويستاك عرضا، ويدهن غبا ويكتحل وترا، وقد يترك السواك
لضعف الأسنان، وقص الأظفار يوم الجمعة وإن شئت في سائر الأيام، ويبدأ بالخنصر اليسرى
ويختم بالخنصر اليمنى، ويكره القص بالأسنان، ويحسن قص ما قصصت ودفنه وكذا
دفن الشعر والدم وحك الظفر بعد قصه، والنساء يتركن من أظفارهن فهو أزين لهن.
والخضاب سنة ولا تخل المرأة كفها من الخضاب ولا تعطل نفسها وإن كانت مسنة ولو
بقلادة في عنقها، ولا بأس بخضاب اللحية بالسواد، وقد قتل السبط ع وهو
مخضوب بالوسمة، وقيل في قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، منه الخضاب
بالسواد.
والختان واجب على الرجال ومكرمة في النساء، ويستحب أن لا تستأصل فإنه
أنور لوجهها، وحلق الرأس لا بأس به في الرجال في غير حج وعمرة، وهو جمال لكم، ومثلة
بأعدائكم، ومعناه في وصفه ع الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية وعلامتهم التسبيت وهو الحلق وترك الدهن. ويكره القزع وقال: اعفوا اللحى
614

وحفوا الشوارب، وينبغي أن يؤخذ من اللحية ما جاوز القبضة. ويكره نتف الشيب، وكان
علي عليه السلام لا يرى بأسا بجزه.
وقال الصادق: ع قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحموا يوم الأربعاء،
وأصيبوا حاجتكم من الحجامة يوم الخميس، وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة.
ولا يحتجم يوم الجمعة أصلا، وأخذ شعر الأنف يحسن الوجه، ويستحب غسل الرأس
بالسدر والخطمي كل يوم جمعة، وقيل للخارج من الحمام: طاب منك ما طهر وطهر منك
ما طاب. وقيل لجعفر بن محمد عليه السلام: أ لا نخلي لك الحمام؟ فقال: لا، المؤمن
خفيف المؤونة. وإذا اغتسل الانسان في فضاء حاذر على عورته.
باب الطهارة:
وهي ضربان: وضوء وغسل وما هو بدل عنهما، وكلهما ضربان: واجب وندب.
فواجب الوضوء: للصلاة والطواف المفروضين. وندبه: لهما مندوبين ولدخول
المساجد وقراءة القرآن وحمل المصحف و أفعال الحج عدا الطواف الفرض وصلاته
وتجديده مع بقاء حكمه لكل صلاة. والتأهب لصلاة الفرض قبل وقته، وللكون على
الطهارة، وللنوم عليه، وللصلاة على الجنائز، وللسعي في الحاجة، ولزيارة قبور المؤمنين،
ولنوم الجنب، ولجماع المحتلم، ولجماع غاسل الميت ولم يغتسل، ولمريد غسل الميت
وهو جنب، والحائض تذكر الله في مصلاها لا لرفع الحدث.
والغسل الواجب ستة: غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة على وجه، والنفاس،
ومس أموات الناس بعد البرد وقبل التطهير، وغسل الأموات.
وندب الغسل: غسل يوم الجمعة إلى الزوال أداء، وبعده يوم السبت لقضائه وتقديمه
يوم الخميس خوف عوز الماء يوم الجمعة، وغسل العيدين وأولى ليلة من شهر رمضان وليلة
النصف منه وليلة سبع عشرة منه وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين
- والغسل أول ليل هذه الليالي وروي أن الصادق ع كان يغتسل ليلة ثلاث
وعشرين أولها وآخرها - وليلة الفطر وليلة النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه
615

وليلة نصف شعبان، وغسل الإحرام للحج والعمرة ودخول مكة ودخول المسجد الحرام
والكعبة والطواف ودخول المدينة ودخول مسجد النبي ص وزيارته وزيارة
الأئمة عليهم السلام ويوم الغدير - وهو الثامن عشر من ذي الحجة - ويوم المباهلة - وهو
رابع وعشرون منه - وغسل المباهلة وغسل التوبة لكفر أو فسق وغسل تعمد السعي لرؤية
المصلوب بعد ثلاثة أيام كفارة لسعيه - وروي غسل قتل الوزغة وقال بعض شيوخنا:
علته خروجه من ذنوبه - وغسل قضاء صلاة الكسوف المحرق كل القرص بتعمد تركها
وغسل صلاتي الحاجة والاستخارة وغسل يوم عرفة وغسل يوم نيروز الفرس وغسل
المولود.
وإذا اجتمعت أغسال من هذه أجزأ عنها غسل واحد، وما كان منها لفعل فالسنة أن
يفعله على الغسل فإن أحدث قبل الفعل أعاد الغسل، وما كان منها لوقت فإذا فعله فيه
كفاه ولا يبالي بحدث بعده.
وليس شئ من الأغسال المندوبة برافع للحدث بل لا بد قبله أو بعده من الوضوء،
وغسل الجنابة كاف بمجرده في استباحة الصلاة ورفع الحدث، وباقي الأغسال الواجبة
يفتقر إلى الوضوء، وروي: أنها تكفي.
والوضوء كاف إلا وضوء الحائض والجنب ووضوء سائر الأغسال الواجبة، وإذا اجتمع
غسل الجنابة والجمعة وغيرهما من الأغسال المفروضة والمسنونة أجزأ عنها غسل واحد،
فإن نوى الواجب أجزأ عن الندب، وإن نوى به المسنون فقد فعل سنة وعليه الواجب،
وإن نوى به الواجب والندب قيل: أجزأ عنهما، وقيل: لا يجزئ لأن الفعل الواحد لا يكون
واجبا وندبا.
والطهارة الاختيارية بالماء والاضطرارية بالتراب، فمنها ما هو بدل عن الوضوء،
ومنها ما هو بدل عن الغسل الواجب، وقال بعض أصحابنا: قد يكون التيمم بدلا من غسل
الإحرام إذا لم يجد الماء وسنبين في التيمم واجب ما هو بدل عن الوضوء وندبه إن شاء الله
تعالى.
616

باب الوضوء:
والسنة وضع الإناء على اليمين وغسل اليدين قبل إدخالهما فيه مرة من بول أو نوم
ومرتين من الغائط، وتقديم الاستنجاء على الوضوء، وفتح العين عند الوضوء، والدعاء إذا
شاهد الماء، والتسمية، وأخذ الماء باليمين، وتولى الوضوء بها إلا في مسح الرجل اليسرى،
وأخذ الماء بها وإدارته إلى اليسار في غسلها، والدعاء عند غسل الوجه واليدين ومسح
الرأس و الرجلين وبعد الفراع، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق ثلاثا ثلاثا بكف
واحدة ويبدأ بالمضمضة، وتثنية غسل الوجه واليدين - ولا تكرار في المسح -، ووضع الرجل
الماء على ظاهر ذراعيه والمرأة بالعكس - وجعل الغسل المسنون كالواجب -، ووضع
المرأة القناع في صلاة المغرب والغداة فتمسح كالرجل، ولها أن لا تضعه في الباقي،
وتدخل إصبعها تحته، ومسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع مضمومة عرضا مع الشعر إلى
قصاصه والرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين بالكفين، والوضوء بمد من ماء.
ويكره الاستعانة بالغير في الوضوء والتمندل، ولا يجوز المسح على الخفين والشمشك
والنعل السندية ويجوز في التقية والضرورة المسح على الخفين، ولا يجوز غسل الرجلين بدلا
عن المسح إلا لتقية، وأن يوضؤه الغير مع القدرة، وغسل الرأس، ومسح أحد جانبيه
ومؤخره وكله، ومسح الأذنين وغسلهما، وغسل ما أقبل منهما ومسح ما أدبر وتخليلهما، والمسح
على حائل كالعمامة إلا صاحب الجبائر فإنه يمسح عليها ويصلى ولا يعيد - ويغسل
المجروح ما حول الجرح لا باطنه - ومسح الرأس والرجلين بماء جديد، ومسح باطن
القدمين، والمسح على شعر جمعه، وتثليث الغسل واستقبال شعر اليدين
ويجب النية في كل طهارة من وضوء وغسل وتيمم.
ولا يصح الطهارة من الكافر، وهي بالقلب وإن جمع بين القلب واللسان جاز، وينوي
أنه يتوضأ لرفع الحدث أو استباحة فعل لا يصح إلا بطهارة أو يستحب فيه، ويستصحبها
حكما وهو أن لا يغير نيته بما يخالفهما فإن فعل وكان في الغسل بنى وإن كان في الوضوء
وجف ما سبق استأنفه، وإن لم يجف بنى عليه، فإن نوى بطهارته رفع الحدث والتبرد جاز،
ومحلها المعين عند غسل الوجه ويجوز عند غسل اليدين أو المضمضة.
617

وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى مجاور شعر الذقن طولا، وما دارت عليه
الوسطى والإبهام عرضا في الأغلب، فإن غسله منكوسا جاز لأنه غاسل وخالف السنة، وقيل:
لا يجوز. وغسل اليدين من المرفقين ويدخلهما فيه إلى أطراف الأصابع، ومسح مقدم الرأس
مقدار ما يقع عليه اسم المسح، ومسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، ويجوز
بالعكس وبإصبع واحدة وهما قبتا القدمين، والترتيب كما رتبه الله تعالى.
ويجب تقديم اليمين على اليسار، فإن خالف قدم المؤخر وأخر المقدم ما لم يجف
السابق، والمتابعة بين أعضاء الطهارة، فإن فرق وجف ما سبق استأنف الوضوء وإن لم يجف
بنى عليه،
ويجب نزع الخاتم الضيق وشبهه وتحريك الواسع، ولا يلزم البحث عما أحاط به
الشعر إنما يغسل ما ظهر، ولا يجب تخليل اللحية ولا غسل ما استرسل منها، ولا يجوز
للمحدث مس كتابة القرآن، ولا يكره للصبيان ذلك لأنهم غير مخاطبين، ويجوز الجمع بين
الصلوات الكثيرة بالوضوء، وتجديده أفضل.
ومن قطع بعض عضوه مسح أو غسل باقيه وإن قطع كله سقط عنه ووضأ الباقي،
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال: سألته عن رجل قطعت يده من
المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك فأولئك على خلاف سنتي،
والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس.
ويجوز المسح على مقدم الرأس وإن كان فيه شعر ولا يلزم إيصاله إلى نفس البشرة
فإن استقبل الشعر بالمسح أجزأه لأنه ماسح، وإن كان له يدان على ذراع أو مفصل واحد
أو له أصابع زائدة وجب غسلها، وإن أراد غسل رجليه للنظافة قدمه على الوضوء أو أخره
والتقديم أفضل.
ومن نوى بوضوئه صلاة استباحها وغيرها، فإن ترك النية أو عضوا أو بعض عضو مما
يجب غسله أو مسحه أو ترك الترتيب أو الموالاة أو استأنف ماء للمسح أو مسح على حائل
مختارا أو وضأه غيره كذلك أو مسح على غير محل المسح أو على الجبائر من غير خوف أو
618

استقبل شعر اليدين أو مسح على الجمة بطل وأعاد ما صلى به.
باب السهو في الطهارة:
من صلى محدثا تطهر وأعاد الصلاة، فإن تيقن الحدث والطهارة ولا يعلم السابق أو
تيقن الحدث وشك في الطهارة أو شك فيهما تطهر، فإن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى
على الطهارة، فإن شك في الطهارة أو بعضها وهو على حالها تطهر أو فعل البعض المشكوك
فيه ما لم يجف السابق فإن جف استأنف الوضوء، فإن قدم ما يؤخر سهوا ثم ذكر قدم ما يقدم
وبنى ما لم يجف السابق، فإن شك بعد انصرافه من حال الطهارة لم يلتفت إليه.
ومن توضأ لكل صلاة وضوء ثم ذكر أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أو ترك عضوا
من إحداها لا يدري من أيها كان توضأ وأعاد الكل، فإن توضأ لصلاة ولم يحدث ولم يصل
ثم جدد الوضوء ثم صلى ثم ذكر ترك عضو من إحدى الطهارتين كذلك فصلاته صحيحة
فإن ذكر في هذه أنه أحدث عقيب إحدى الطهارتين كذلك أعاد الوضوء والصلاة، فإن
صلى بالأول ثم جدد الوضوء وصلى ثم ذكر ترك عضو كذلك فعليه إعادة الأولى فقط وهلم
جرا، فإن توضأ وصلى ثم جدده ثم صلى ثم ذكر حدثا عقيب إحدى الصلاتين كذلك
صحت الصلاتان معا وعلى هذا.
باب نواقض الطهارة:
وهي على ثلاثة أقسام: ما يوجب الوضوء، وما يوجب الغسل، وما يوجبهما معا.
فالأول: البول والغائط والنوم الغالب على العقل وما أشبه النوم كالإغماء والجنون
والريح المتيقن خروجها وقليل الاستحاضة.
والثاني: الجناية.
والثالث: الحيض والاستحاضة - على وجه - والنفاس ومس أموات الناس بعد
بردهم وقبل تطهيرهم على خلاف.
ومن مسح على الخفين لأمر أباحه له أو مسح على الجبائر لأجل العذر ثم زال ذلك العذر
619

لم ينتقض وضوؤه، وقال بعض أصحابنا: يستأنف الوضوء، ولا ينقض الوضوء ما يخرج من
الدبر من دود وغيره إلا الغائط أو شيئا ملوثا به، والخارج من تحت المعدة وقد انسد المعتاد
أو لم ينسد ناقض ولا ينتقض وضوء المسلم بارتداده إذا رجع إلى الاسلام، ولا ينقضه فعل
الكبائر ولا شئ سوى ما قدمناه.
باب الجنابة:
وهي بالجماع في فرج آدمي حي أو ميت قبل أو دبر، ويجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا
ولا غسل على مجامع غير الآدمي، وبإنزال المني من رجل أو امرأة بشهوة وغير شهوة وقد
لا يندفق لضعف.
وعلامة مني الرجل بياضه وثخانته وريحه ريح الطلع رطبا وريح البيض جافا وقد
يخرج رقيقا أصغر كمني المرأة لعلة، ويخرج محمرا إذا جهد نفسه. فإن أجنب الكافر ثم
أسلم وجب عليه الغسل.
ويحرم على الجنب: الصلاة، وقراءة عزائم القرآن وهي أربع: الم سجدة وحم
السجدة والنجم واقرأ باسم ربك، ودخول المساجد إلا عابر سبيل إلا المسجد الحرام
ومسجد النبي ص، ووضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف وكل كتابة
فيها من أسماء الله أو أسماء أنبيائه أو أئمته عليهم السلام.
ويكره له: الأكل والشرب حتى يتمضمض ويستنشق، والنوم حتى يتوضأ، والخضاب،
وحمل المصحف ومسه إلا الكتابة، وقراءة ما عدا العزائم، والارتماس في راكد الماء وإن
كثر.
ويستحب له: غسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاثا، والمضمضة والاستنشاق، والغسل
بصاع من ماء، والرجل والمرأة معا يغتسلان بخمسة أمداد، والدعاء عند الغسل،
وتثنية غسل العضو وتثليثه.
ويجب عليه: الغسل بإيصال الماء إلى أصول شعره بأقل ما يسمى به غاسلا ونية
الغسل على ما قدمناه واستصحابها حكما، والترتيب: الرأس ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر،
620

فإن ارتمس في الماء ارتماسة أجزأه، وعلى الرجل الاستبراء بالبول فإن لم يتأت له فالاجتهاد،
ولا يجب ذلك على المرأة، فإن جامعها ثم ألقت نطفة بعد الغسل لم تعده. فإن لم يستبرئ
الرجل عمدا ثم وجد بللا أعاد الغسل، وإن استبرأ ثم وجد بللا لم يضره.
ولا يجب الموالاة وروى محمد بن علي بن محبوب عن علي بن السندي عن حماد بن
عيسى عن شعيب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب
بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم قال: ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ. وروى الحسين بن سعيد
عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه قد احتلم، قال:
فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته. وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
اغتسل أبي من الجنابة فقيل له. قد أبقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال: ما كان عليك
لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده.
وإذا احتلم الرجل والمرأة وأنزلا وجب الغسل وإن لم ينزلا لم يجب، وإذا غسل رأسه
ثم أحدث أعاد الغسل، وقيل: تمم ويتوضأ، وقيل: من غير وضوء وروي في الجنب ينتهي
إلى وهدة فيها ماء يخاف أن يصيب عنه الماء الذي يغتسل به: يأخذ كفا أمامه وكفا عن
يمينه وكفا عن يساره وكفا عن خلفه ثم يغتسل.
وإمرار اليد على أعضاء الطهارة لا يجب، وإن طال الشعر لم يلزمه غسل ما استرسل
منه، فإن كان على رأس المرأة حشو ثخين يمنع الوصول وجب إزالته، وإن كان عليه حشو
أو دهن رقيق لا يمنع لا يجب إزالته، ويجب تحويل السوار والخاتم والدملج وشبهها لضيقها،
وإن كان واسعا حركه.
ولا يجب الغسل والوضوء من المذي مخففا بالذال المعجمة، ويقال: مذي وأمذى مثل
مني وأمنى من المني مشددا لأنه يمنى أي يراق وسميت منيا لما يراق فيها من الدماء. ولا
وضوء وغسل من الودي بالدال المهملة مخففا وهو ماء ثخين عقيب البول، يقال، ودي
لا أودى ومنه الوادي. فإن جامع خنثى مشكلا في الدبر وجب الغسل، وفي القبل لا يجب
لجواز كونه زائدا من الرجل.
621

باب: الحيض والاستحاضة والنفاس:
الحيض: دم يجب له ترك الصوم والصلاة، ولقليله حد والصفرة والكدرة في أيام
الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر، فإن اشتبه بدم القرح استلقت على ظهرها رافعة
رجليها وأدخلت الوسطى فإن خرج من الجانب الأيسر فهو حيض ومن الأيمن فمن
القرحة، وإن التبس بدم العذرة استدخلت قطنة فإن تطوقت به فمن العذرة، وإن
انغمست فمن الحيض.
وأقل الحيض ثلاثة أيام متواليات وأكثره عشرة، وإن توالى ثلاثة أيام ثم يفرق إلى
العشرة فالكل حيض، وأقل الطهر بين حيضتين عشرة أيام، ولا حد لأكثره.
ويحرم على الحائض الصوم والصلاة والطواف والاعتكاف ودخول المساجد
إلا عابرة سبيل إلا المسجدين ولا تدع فيها شيئا ومس كتابة القرآن والأسماء المعظمة،
ويحرم على الزوج والسيد وطؤها، ويحرم عليها كتمانه وتمكينه، فإن فعل مع العلم به
وبتحريمه كفر في أول الحيض بدينار أو عشرة دراهم وفي أوسطه بنصفه وفي آخره بربعه.
ولا كفارة على الجاهل بحالها أو بالتحريم ويعزرهما الإمام مع العلم، فإن كرر الوطء لم
يتكرر الكفارة، وإن كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة مساكين متى كان،
ويحرم طلاقها إن كانت مدخولا بها غير غائب عنها زوجها على وجه.
ولا يصح منها وضوء وغسل يرفعان الحدث، وتقضي الصوم دون الصلاة،
ويستحب لها غسل الجمعة والإحرام والعيدين والوضوء لذكر الله تعالى في مصلاها زمان
صلاتها. ويكره لها الخضاب ومس المصحف وحمله وقراءة ما عدا العزائم.
وإذا انقطع الدم اغتسلت كغسل الجنب وتتوضأ قبله أو بعده، وإذا رأت تركت
الصلاة والصوم، فإن استمر ثلاثة أيام أو ما زاد عليها إلى العشرة وانقطع فالكل حيض،
وإن تجاوزها جعلت ما كان منه بصفة الحيض - وهو الأسود الثخين المحتدم - حيضا إذا
استمر ثلاثا وما كان رقيقا أصفر باردا استحاضة، فإن لم يتميز تحيضت حيض نسائها فإن
اختلفن تحيضت في كل شهر سبعة أيام أو ثلاثة.
وإن كانت ذات عادة ذاكرة لوقتها وعددها عملت على العادة تميز أو لم تتميز وقيل: إن
622

تميز رجعت إليه، وإن نسيتهما معا وتميز لها الدم عملت عليه، وإن لم تتميز تحيضت في كل
شهر سبعة أو ثلاثة، فإن ذكرت الوقت دون العدد تحيضت في الوقت أقل الحيض ثم عملت
عمل المستحاضة وصامت وصلت ولا يطأها الزوج ولا يطلقها باقي العشرة واغتسلت عند
كل صلاة لجواز انقطاع الدم إليها، وتقضي الصوم عشرة احتياطا في زمان تعين الطهارة،
ويطلقها ويطأها فيه.
وإن ذكرت العدد دون الوقت،
فإن كان لها طهر بيقين، مثل أن تقول: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأول لا أدري
موضعها، فإنها تعمل عمل المستحاضة في العشر الأول وتصوم وتصلي ولا تطلق ولا توطأ
وتغتسل بعد مضى الخمسة الأولى عند كل صلاة لجواز انقطاع الدم فيها وعند مضى العشر
كذلك وتعمل عمل المستحاضة باقي الشهر وتطلق وتوطأ وتصوم وتصلي، فإن جاء
الشهر الثاني كذلك فعلت كما ذكر وتقضي صوم الخمسة في زمان تعين الطهارة لأنا نعتبر
تعيين النية في الصوم.
وإن لم يكن لها طهر بيقين، كمن قالت: كان حيضي إحدى العشرات لا أدري أيها هي
فإنها تعمل عمل المستحاضة طول الشهر وتغتسل عند انقضاء كل عشر لجواز انقطاع
الدم فيه وتصوم وتصلي ولا تطلق ولا توطأ وفي الشهر الثاني مثله، وتقضي فيه عشرين
يوما ليحصل لها منه عشرة بيقين فتبرأ ذمتها.
فإن قالت: كان حيضي عشرة وكنت أخلط إحدى العشرات بالأخرى بيوم، فلها يوم
في أول الشهر ويوم في آخره طهر بيقين.
فإن قالت: كنت أخلط بيوم أو أكثر، فتعين طهرها كذلك.
فإن قالت: كان عشرة لا أدري إحدى العشرات بانفرادها أم مختلطة، فليس لها حيض
وطهر بيقين فإن رأت في العشرة ثلاثة متفرقة أو ساعات فيها يتلفق ثلاثة أيام لفقت ثلاثة
وكانت وحدها حيضا على رواية يونس وعلى خلافها الكل استحاضة، ولو رأت يومين
ونصفا وانقطع لم يكن حيضا لأنه لم يستمر ثلاثة بلا خلاف بين أصحابنا.
وإذا انقطع عنها الدم لدون العشرة استبرأت نفسها بقطنة، فإن خرجت ملوثة فهي
623

بحكم الحائض، وإن خرجت بيضا اغتسلت وجاز للزوج والسيد وطؤها وإن كان لأقل
الحيض، وأن تعجل أمرها بغسل الفرج ووضوء الصلاة ثم وطئها، وإذا بلغت العشرة
فلا استبراء عليها.
وإذا صامت طاهرا ثم حاضت أفطرت للدم وأمسكت بعد العصر وقضت، وإن دخل
وقت الصلاة وخرج وهي حائض فلا قضاء عليها، وإن دخل وقتها ثم حاضت فإن تمكنت
من الطهارة والصلاة فلم تفعل قضت الصلاة وإن لم يبلغ ذلك فلا قضاء، وإن كانت
حائضا ثم طهرت في بعض نهار الصوم أمسكت و عليها القضاء.
وتستقر عادة المرأة بتوالي حيضتين أو ثلاث لوقت وعدد سواء فترد المختلف منه
إليها.
دم الاستحاضة:
وما رأت من الدم دون ثلاث أيام، أو ثلاثة متفرقة وبعد أكثر أيام الحيض والنفاس وبعد
بلوع ستين سنة في القرشية والنبطية وخمسين سنة في غيرهما والزائد على عادتها - وهي دون
عشرة وتجاوز العشرة - وما رأته الحامل بعد عشرين يوما من وقت عادتها فذلك دم
استحاضة.
وإن رأته الحامل في أيام عادتها واستمر ثلاثة أيام كان حيضا، وقيل: إنه استحاضة
بكل حال.
وإذا كان دم الاستحاضة يسيرا لا يظهر على القطنة كان عليها الوضوء لكل
صلاة وتصلي عقيبه بلا فصل، فإن أخرته بطل واستأنفت غيره وتغير القطن والخرقة،
وإن ظهر عليها فعليها مثل ذلك وغسل واحد لصلاة الغداة، وإن ظهر ورشح على
القطنة فعليها ذلك مع غسلين، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما تؤخر الظهر وتعجل
العصر بغير نافلة بينهما وغسل للمغرب والعشاء مثل ذلك.
وهي إذا فعلت ذلك بحكم الطاهرات وهي مريضة فلا يقام عليها حد لا يوجب القتل،
ويكره لها دخول الكعبة، ويحل للزوج وللسيد وطؤها فإن لم تفعله كان للسيد وللزوج جبرها
عليه، ومتى صامت ولم تفعل الغسل في حال، قضت الصوم، ومتى صلت ولم تتوضأ أو لم
624

تغتسل وتتوضأ معا، في حال قضت الصلاة.
دم النفاس:
والنفاس: دم تراه عقيب الولادة لتمام أو نقصان، ولها حكم الحائض في كل محرم
ومكروه وأكثر الأيام، ولا حد لأقلها، وإذا ولدت توأمين ورأت الدم عقيبهما لكل واحد منهما
نفاس، فلو رأته خمسة أيام عقيب الأول وعشرة عقيب الثاني لكان كله نفاسا.
وإذا رأت الدم عقيب الولادة وانقطع فرجع يوم العاشر فكله نفاس، وإن لم تره إلا يوم
العاشر أو عقيب الولادة ولم يرجع كان ذلك وحده نفاسا، فإن رأته بعد العاشر لم يكن
نفاسا لمضي وقته، فإن تطهرت ثم ولدت ولم تر دما لم تنتقض طهارتها.
وانقطاع دم الاستحاضة ليس بحدث فلو انقطع في الصلاة أتمتها، وإن فرغت من
الوضوء وانقطع في وقت واحد صلت به.
باب التيمم:
التيمم طهور المسلم يستباح به الصلاة ولا يرفع الحدث، وإنما يجوز عند عدم الماء
أو عدم ثمنه أو آلته، فإن وجده بثمن وجب شراؤه وإن كثر ثمنه مع القدرة، وإن بيع نسيئة
شراه وإن لم يجد ثمنه في الحال، وإن وهب له وجب القبول.
أو الخوف من استعماله على نفسه أو ماله، ولا فرق بين أن يكون الخوف من برد أو
مرض أو تلف وروي: في من اختار الجنابة اغتسل وإن لحقه مرض، وإن خاف التلف تيمم
وصلى ولا إعادة، وإن لم يخترها تيمم إذا خاف مرضا ولم يعد.
ومن كان في الجامع يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث ولم يمكنه الخروج لكثرة الناس
تيمم وصلى وأعاد، وروي: في من نسي الماء في رحله وتيمم الإعادة في الوقت وأما في غير ذلك
فلا إعادة لأنه فعل أحد الطهورين. ويتيمم في آخر وقت الحاضرة.
ويجوز التيمم لصلاة النافلة وقضاء فريضة على كل حال، ويؤدى بذلك ما شاء من
النوافل وفوائت الفرائض والفرض لدخول وقته وتجديده أفضل مع بقاء حكمه. ويتيمم
625

من كان معه قليل ماء يحتاج إليه للشرب ليحفظ به نفسه ومن معه ماء لا يكفي للطهارة ومن
تيمم عن غسل ثم أحدث ومعه ماء يكفي للوضوء.
ومن كسر بعض أعضاء طهارته أو أكثرها جاز له أن يتيمم، وإن كان في بعض عضو
كسر جاز له المسح على الخرقة أو الجبائر بالماء ويغسل باقيه ويوضئ باقي الأعضاء، ومن
أجنب في مسجد الله تعالى أو مسجد رسوله ص تيمم وخرج متيمما، ولا يجب
ذلك في غيرهما.
ويجوز التيمم سفرا وحضرا مع الأعذار للمحدث والجنب وغيرهما طويلا كان السفر أو
قصيرا، ويجوز التيمم للنوم من فراشه ولصلاة الجنائز مع وجود الماء، ومن خاف فوت
الحاضرة إن تطهر بالماء تيمم.
ويجب على الانسان طلب الماء في السهل والحزن فإن تيمم من غير طلب مع التمكن
فلا تيمم له إلا أن يخاف على نفسه أو متاعه، ويتيمم المجدور والمحترق وذو الجروح
والقروح من الجنابة وشبهها.
واجبات التيمم:
ويجب فيه: النية ومقارنتها مسح الوجه والقصد به استباحة الصلاة بدلا عن غسل
أو وضوء - ووضع يديه على الأرض، ومسح الوجه بهما من قصاص شعر الرأس إلى طرف
الأنف الذي يرغم به في الصلاة لا المارن، ومسح ظهر كفه اليمنى ببطن كفه اليسرى من
الزند إلى أطراف الأصابع، ومسح ظهر اليسرى ببطن اليمنى كذلك.
والترتيب: يبدأ بالوجه ثم باليمنى ثم باليسرى.
ما يتيمم به:
والتيمم يكون بالأرض أو ما أطلق عليه اسمها، ولا يجوز بالمعادن والنبات والشجر
والرماد، ويجوز بالجص وأرض النورة، ويبدأ بالتراب فإن لم يجده فبغبار ثوبه أو عرف دابته
أو سرجها أو لبدها، فإن لم يجده تيمم بالحجر فإن لم يجده فبالوحل، فإن لم يجده مسح بالثلج
626

جميع أعضاء الطهارة إن كان عليه وضوء أو جميع جملته إن كان عليه غسل، فإن لم يجده أخر
الصلاة حتى يجد ولا قضاء عليه.
ويكره التيمم بالرمل وأرض السبخ، ويستحب من الرباة وتفريج أصابعه حين ضرب
يديه ونفض يديه من التراب لأنا لا نعتبر ترابا تعلق بالأعضاء، وإذا اجتمع محدث وميت
وجنب ومعهم ماء، فإن كان ملكا لأحدهم لم يقهر عليه، ولو استعمله المحدث والجنب
وجمع ثم غسل به الميت جاز إذا لم يكن عليهما نجاسة يفسده، وإذا كان عليه وضوء ضرب
بيده مرة، وإن كان جنبا أو المرأة حائضا أو نفساء أو مس الميت ضرب يديه ضربتين ضربة
للوجه وضربة لليدين والكيفية واحدة.
ونواقض التيمم نواقض الطهارة بالماء، ويبطل التيمم وجدان الماء والتمكن من
استعماله، ومن كان على ثوبه أو بدنه نجاسة ومعه ما يكفيه لإزالتها فقط أزالها به وتيمم، وإن
يممه غيره مع القدرة بطل تيممه، وييمم الميت لتعذر الماء أو لعذر به بصفة تيمم الجنابة،
ويستباح بالتيمم ما استبيح بالماء، وإذا وجده توضأ إن كان تيممه عن وضوء واغتسل إن
كان عن غسل وإن وجد الماء بعد التحريمة أتمها وإن عدم قبل التحليلة صلى بتيممه ما شاء.
وروي إن وجده قبل الركوع تطهر به واستأنفها وإن وجده بعد أتمها.
باب أحكام الأموات:
يشتمل هذا الباب على: الغسل، والتكفين، والصلاة، والدفن، وتتقدم على ذلك من
السنن عيادة مرضى المسلمين وإقلال اللبث عندهم إلا أن يؤثروا ذلك، وأن يدعو له وتمني
البقاء والعافية ويعاد بتحفة يتحف بها ولو بتفاحة أو سفرجلة أو مشموم.
ويدعو العوادة، ولا بأس أن يصف مرضه، ولا يشكو وهو قوله: بليت بما لم يبتل به
أحد، وعائد المريض في مخارف الجنة، وإذا طال به المرض ترك وعياله، ولا عيادة في وجع
العين، والمرض فيه تكفير السيئات، وحمى يوم كفارة سنة، وحمى
يومين كفارة سنتين وحمى ثلاثة أيام كفارة سبعين سنة وحمى الطفل كفارة لأبويه.
ومن السنة عند الاحتضار استقبال القبلة بباطن قدميه ملقى على قفاه وتلقينه
627

الشهادتين وأسماء الأئمة ع واحدا واحدا، وكلمات الفرج - لا إله إلا الله الحليم
الكريم إلى آخره، ولا يمسك على أعضائه حال النزع لأن في ذلك راحته، ولا يضرب الحاضر
إحدى راحتيه على الأخرى لئلا يحبط أجره، ولا يحضره جنب ولا حائض وروي أن الملائكة
تأذى بهما، ولا بأس أن يليا غسله.
فإن يصعب عليه خروج نفسه نقل إلى مصلاه وفرش تحته ما كان يصلى عليه،
ويتلى القرآن عنده وخاصة الصافات وغمض عيناه، وأطبق فوه، وشد لحياه بعصابة إلى
رأسه، ومد يداه وساقاه وسجى بثوب، وأسرج عنده مصباح إلى الغداة - إن مات ليلا -
وذكر الله عنده ولم يترك وحده، ولا حديدة على بطنه، ولا ينبغي أن ينتظر به النهار أو الليل
بل يعجل إلا المصعوق، والمسكت والمدخن عليه والمهدوم والمبطون حتى يبين أمرهم، فإن
لم يبين فإلى ثلاثة أيام ثم يجهزون.
وإذا بلغ السقط أربعة أشهر غسل وكفن وحنط ودونها يدفن بدنه، وإن مات الولد في
بطنها وماتت وهي ذمية وأبوه مسلم دفنت مع المسلمين ظهرها إلى القبلة، وإن مات هو
دونها أدخلت امرأة أو رجل يده فأخرجه، فإن ماتت دونه شق بطنها من يسارها وأخرج
وخيط الفتق.
والمقتول بين يدي إمام عدل أو نائبه في نصرته والحرب قائمة لا يغسل و دمه طهوره
وثيابه كفنه فإن جرد كفن ويصلى عليه، فإن ارتث أي حمل وبه رمق ومات بعد الحرب
فكغيره من القتلى، وكل قتيل مسلم ظالما كان أو مظلوما يغسل ويكفن ويصلى عليه،
وإن وجدت عظامه بلا لحم فكذلك، وإن قطع بنصفين فعل بما فيه القلب كذلك، وإن وجد
لحم ذو عظم بغير قلب فكذلك إلا في الصلاة، وإن وجد لحم بلا عظم دفن فقط.
ومن وجب عليه القتل حدا أو قودا أمر بالغسل والتكفين ثم قتل أو رجم وصلى عليه،
ولا يجوز ترك المصلوب أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل ويوارى.
وإذا خيف من تغسيل الميت بقطع أعضائه صب عليه الماء، فإن خيف أيضا يمم
بالتراب بصفة تيمم الجنب العاجز بالزمانة، وإن كان صبيا له ثلاث سنين جاز للنساء
تغسيله مجردا وإن كان الأكثر فبثيابه، وإن كانت صبية لثلاث سنين غسلها الرجال الأجانب
628

بثوبها ولأكثر من ذلك تدفن بلا غسل، وإن مات المسلم بين رجال ونساء مسلمين أو رجال
فقط غسله أولى الرجال به في الإرث، وإن مات بين نساء مسلمات وفيهن زوجته أو ذات
محرمة كأمه وأخته غسلته بثوبه، وإن لم يكن فيهن من ذكرنا وكان عنده رجال ذميون أمر
النساء الذمي بالغسل وغسل المسلم وإن لم يكونوا دفن بلا غسل.
وإن ماتت المسلمة بين نساء مسلمات أو رجال ونساء مسلمين غسلتها المسلمة، وإن
ماتت بين رجال مسلمين فيهم زوج أو ذو محرم لها غسلها بثوبها، وإن لم يكن فيهم ذلك دفنت
بلا غسل، وروي: أنهم يغسلون منها ما ليس بعورة بطن كفيها ثم وجهها ثم ظهر كفيها،
وإن ماتت بين رجال مسلمين ونسوة ذميات أمر الرجال النسوة بالغسل وتغسل المسلمة.
ويجوز للزوجين أن ينظر كل منهما إلى الآخر بعد الموت سوى العورة، وإنما يجب
تغسيل المسلمين وأطفالهم ومجانينهم.
والغسل يشتمل على: الواجب والندب والمكروه والمحظور.
فالواجب تنجية الميت، وغسله ثلاثة أغسال على صفة غسل الجنابة بلا وضوء، وقيل:
الواجب واحد. وغسل الخارج من نجاسة منه في أثناء الغسل، وتمم وكذا قبل التكفين
ولا يعاد، وتجريده من ثيابه إلا عورته إلا لعذر.
ويكره: الغسل تحت السماء مع القدرة، وإسخان الماء له إلا لبرد يخاف منه الغاسل،
وغمز بطنه في الثالثة وغمز بطن الحبلى، وركوبه في حال الغسل وبين رجليه، وإدخال الماء
مسامعه ومنخريه، وإدخال ماء الغسل في الكنيف.
ويحرم: قص شعره، وتخليل ظفره، وتسريح رأسه ولحيته، وحلق شعره وكشف عورته،
وإقعاده ونفضه، وختانه، ويستحب أن يجعل في كفنه ما سقط من شعره وظفره.
ويستحب: توجيهه إلى القبلة حال غسله كحالة الاحتضار، وإضافة قليل سدر إلى
الماء الأول، ونصف مثقال من كافور إلى الثاني، وتنجيتها بالحرض والسدر، ولف خرقة
على يد الغاسل إلى الزند وطرحها إذا غسله، ويوضئه من غير مضمضة واستنشاق، وتليين
أصابعه إن أمكن والرفق به، وغسل رأسه بسدر قد ضربه بالماء في إناء نظيف حتى رغا
وأشنان، وغسل شق الرأس الأيمن من لحيته ووجهه ثم شقه الأيسر في كل غسلة، وغسل
629

موضع النجو ثلاثا، وتثنية غسل الأعضاء وتثليثها، وتثنية الأغسال وتثليثها على قول،
وإكثار الماء عند حقويه ووركيه وتحت أبطيه.
والذكر والاستغفار عند الغسل وأن يقف على جانبه الأيمن، وأن يغسل واحد
ويصب عليه آخر، ويغسل الغاسل يديه إلى المرفقين كلما فرع من غسلة، وفتق جيب
ثوب الميت ونزعه من أسفل وإكثار الماء للغسل، وروي: أنه عليه السلام أمر عليا أن
يغسله بسبع قرب من بئر غرس، وغسل الأواني عند الفراع من كل غسلة، وتجفيف الميت بثوب
بعد غسله، ويغتسل الغاسل ثم يكفن ما لم يخف حادثا به فيتوضأ ثم يكفنه، ويقرض بعد
التكفين ما أصاب كفنه من الخارج منه بالمقراض، وإدخال ماء الغسل في حفرة جديدة
ويجوز إدخاله في البالوعة.
ويبطل حكم الجنابة والحيض والنفاس بالموت، وروى أبو بصير عن أحدهما في
الجنب إذا مات قال: ليس عليه إلا غسلة واحدة. وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال: مثل غسل الطاهر
وكذلك الحائض وكذلك الجنب إنما يغسل غسلا واحدا فقط. وروى عيص عن أبي عبد الله
قال: إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك.
في التكفين:
والواجب من الكفن ثلاثة أثواب: مئزر وقميص وإزار. وقيل: واحد يلف به جسد
الميت والسنة أن يكون فيها برد أحمر، ولا يجوز أن يكون من محض الإبريسم ويجوز أن يكون
ممزوجا به ولا يجعل له كم ابتداء ولا زر، ويجوز تكفينه في القميص ولا يقطع كمه ويقطع زره،
ويستحب التكفين في القطن الأبيض، ويجوز في الكتان وما جازت الصلاة فيه.
وأفضل الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث درهم، والقصد أربع مثاقيل، وأقله درهم ويجوز
دونه ولا يحنط بالمسك.
ويستحب أن يضاف إلى الثلاثة خرقة لشد الفخذين طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض
شبر إلى شبر ونصف، وشد الحقوين والوركين إلى الفخذين، وإخراج رأسها من تحت
630

رجله إلى جانب الأيمن وغمزه في الموضع الذي لف فيه الخرقة، وحبرة يمنية غير مطرزة
بذهب أو إبريسم، وعمامة ليست من الكفن يضع وسطها على رأسه ويثبتها بالتدوير ويضع
طرفيها على صدره بعد تحنيكه بها وتزاد المرأة على ذلك خرقة لشد ثدييها إلى صدرها ويشد
ظهرها، وإزارا ومقنعة ليست من الكفن، وكون الإزار عريضا يبلغ من الصدر إلى الساقين
يؤزرها به.
وسحق الكافور باليد ووضعه على مساجده السبعة ورد القميص عليه بعده، وأن
يجعل معه جريدتين خضراوين من النخل وإلا فمن الخلاف وإلا فمن السدر وإلا فمما
كان من رطب الشجر قدرهما عظم الذراع، ولا يجوز اليابس يضع إحديهما مع جانبه الأيمن
يلصقها بجلده من ترقوته إلى حيث بلغت، والأخرى مع الأيسر كذلك ما بين القميص
والإزار، وروي: أن إحديهما يترك من الركبتين نصفا يلي الساق ونصفا يلي الفخذ
والأخرى تحت أبطه الأيمن.
وقطع الكفن بغير حديد، وخياطة الكفن بغزله، ولا يبل الخيط بالريق ولا يقرب
ببخور، وإن لم يوجد حبرة أقام مقامها لفافة أخرى وأن يكتب على الجريدتين والحبرة
والأكفان والعمامة الشهادتان وأسماء الأئمة عليهم السلام بالتربة أو بالإصبع إن لم توجد،
وأن يؤخذ قدر رطل من قطن ليحشى به ما يخاف خروج شئ منه ويكثر للمرأة منه.
ويحشى الدبر وقبل المرأة به بعد ذر " ذريرة " على القطن وفرش الحبرة على موضع طاهر
وذر ذريرة عليها ثم الإزار كذلك ثم القميص، وعقد الكفن مما يلي رأسه ورجليه، والمحرم
إذا مات فعل به كما يفعل بالحلال إلا الكافور، والزيادة على واجب الكفن وندبه بدعة.
ويكره الكتابة بالسواد على الكفن، والتكفين في المصبوغ والأسود، وجعل القطن في
فيه إلا لخوف شئ منه، وجعل الكافور في فيه وسمعه وبصره، وتعميمه بلا حنك.
وإذا فرع من ذلك حمل إلى قبره، والواجب دفنه مستقبل القبلة، والسنة أن يكون
رجلاه شرقية، رأسه غربيا على جانبه الأيمن، ويستحب إعلام أهل دينه ليصلوا عليه، وأن
يمشوا خلفه أو من جانبيه اختيارا، وأن يربعوه بالابتداء بالأيمن من مقدم سريره دور الربى
حتى يرجع إلى المقدم من جانب الأيسر، والدعاء عند نظرها بالمأثور ووضع جنازة الرجل
631

عند رجلي القبر والمرأة قدام القبر مما يلي القبلة، وحمله إلى قبره في ثلاث دفعات وليكن
النازل الولي أو من يأمره حافيا من وراء الرجلين وخروجه كذلك وترا أو شفعا حاسر
الرأس محلول الإزار يسله سلا داعيا عند رؤية القبر.
ويؤخذ الرجل من قبل رأسه من قبل رجلي القبر والمرأة عرضا والأحق بها الزوج، فإن
تعذر فذو المحرم فإن تعذر فامرأة صالحة، فإن تعذرت فأجنبي صالح، يأخذ شخص من
قبل كتفيها وآخر يدخل يده تحت حقويها.
ويحل عقد الكفن ويضع خده على التراب يكشف وجهه ويجعل التربة معه، ويلحده
قدر ما يجلس فيه الرجل متمكنا، والقبر قدر قامة أو إلى الترقوة، وليحمل إلى بعض
المشاهد، ويلقن عند وضعه في اللحد ويحركه ويدعو له عند تشريج اللحد باللبن، وإن كان
القبر نديا فلا بأس بفرشه بساج أو صفاة، ويهيل عليه التراب الحاضرون بظهور أكفهم بعد
قبض التراب بالأصابع إلا ذا الرحم، وكذلك لا ينزل إلى القبر إلا الولد فإنه يدخل والده
بترابه، ولا ينزله جنب ولا حائض، ويسوى القبر ويربع ولا يسنم ويحصب وينضح بالماء في
أربعة جوانبه يبدأ بالرأس، والفضل على وسطه، ويضع اليد عليه حتى تؤثر فيه، ويلقنه
الولي أو غيره جاهرا بعد انصراف الناس عنه مستقبلا وجهه فإن خاف لقنه سرا.
ويجوز التعزية قبل الدفن وبعده، ولا يجوز لطم الخد وجز الشعر ونتفه، ولا بأس بشق
الثوب في موت الوالد والأخ، ولا يحل في موت الزوجة والولد.
ويكره النياحة ووضع الرداء في مصيبة غيره ونزول القبر بالخفين، ونقل الميت إلى بلد
آخر إلا إلى مشهد شريف، وتعزية الشابة لغير المحرم.
ويحرم نبشه بعد الدفن، وروي: رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد سمعت
مذاكرة. وإذا مات ميت بعرفات فالأفضل حمله إلى الحرم ودفنه، وينبغي وضع الحذاء
والرداء لذي المصيبة، ومن السنة عمل الطعام إليه لاشتغاله بمصابه، ولا ينبغي
الجلوس للمشيع حتى يوضع الميت في لحده ثم لا بأس به، ولا بأس أن يغشى قبر الرجل
والمرأة بالثوب، ونهى النبي ع عن القعود على القبر والصلاة عليه والبناء
عليه، ولا يركب المشيع فإذا رجع فلا بأس، وإذا وضع يده على قبر المؤمن فليقم مستظهره
632

مستقبل القبلة، وإذا دعي إلى وليمة وجنازة أجاب الجنازة.
ويستحب إعداد الكفن وتجويده ويؤجر كلما نظر إليه، ومن الأمانة ألا يخبر الغاسل بما
رأى، ومن كفن ميتا فكأنما كساه إلى يوم القيامة، ومن قبره فكأنما بوأه بيتا موافقا له.
ويكره تغسيل المخالف، فإن اضطر غسله غسله ولم يقربه جريدة، ويكره الضحك بين
القبور، وليس من السنة القيام عند مرور الجنازة، ولا بأس بتكفين الميت وتجهيزه وتحنيطه
من الزكاة، فإن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا، فإن أتاه شخص بكفن آخر وعليه دين
لم يقض به دينه، وأصلح به ورثته شأنهم، ولا يدفن ميتان في قبر إلا لضرورة، ولا يحمل
ميتان على جنازة واحد.
وأما الصلاة عليه فستذكر في باب الصلاة إن شاء الله.
633

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ - ق.
635

كتاب الطهارة
وفيه مقاصد:
المقصد الأول في المقدمات: وفيه فصول:
الفصل الأول في أنواعها:
الطهارة: غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في
العبادة وهي: وضوء وغسل وتيمم، وكل واحد منها إما واجب أو ندب
فالوضوء يجب للواجب من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن، ويستحب للصلاة
والطواف المندوبين ودخول المساجد وقراءة القرآن وحمل المصحف والنوم وصلاة الجنائز
والسعي في الحاجة وزيارة المقابر ونوم الجنب وجماع المحتلم وذكر الحائض والكون على
طهارة والتجديد.
والغسل يجب لما وجب له الوضوء ولدخول المساجد وقراءة العزائم إن وجبا ولصوم
الجنب مع تضيق الليل إلا لفعله ولصوم المستحاضة مع غمس القطنة، ويستحب للجمعة
من طلوع الفجر إلى الزوال، ويقضي لو فات إلى آخر السبت وكلما قرب من الزوال كان
أفضل، وخائف الإعواز يقدمه يوم الخميس فلو وجد فيه أعاده، وأول ليلة من رمضان
ونصفه وسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وليلة الفطر ويومي
العيدين وليلتي نصف رجب ونصف شعبان ويوم المبعث والغدير والمباهلة وعرفة ونيروز
الفرس وغسل الإحرام والطواف وزيارة النبي والأئمة ع وتارك صلاة
637

الكسوف عمدا مع استيعاب الاحتراق والمولود وللسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام
والتوبة عن فسق أو كفر وصلاة الحاجة والاستخارة ودخول الحرم ومكة والمسجد الحرام
والكعبة والمدينة ومسجد النبي ع، ولا تداخل وإن انضم إليها واجب ولا يشترط
فيها الطهارة من الحدثين ويقدم ما للفعل والمكان وما للزمان فيه.
والتيمم يجب للصلاة والطواف الواجبين ولخروج الجنب من المسجدين.
والمندوب ما عداه وقد تجب الثلاثة باليمين والنذر والعهد.
الفصل الثاني: في أسبابها:
يجب الوضوء لخروج البول والغائط والريح من المعتاد وغيره مع اعتياده، والنوم
المبطل للحاستين مطلقا، وما أزال العقل، والاستحاضة القليلة، والمستصحب للنواقض
كالدود الملطخ ناقض أما غيره فلا، ولا يجب بغيرها كالمذي والقئ وغيرهما.
ويجب الغسل بالجنابة والحيض والاستحاضة مع غمس القطنة والنفاس ومس الميت
من الناس بعد برده قبل الغسل أو ذات عظم منه وإن أبينت من حي، وغسل الأموات ولا
يجب بغيرها، ويكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس فإن انضم الوضوء
فإشكال، ونية الاستباحة أقوى إشكالا.
ويجب التيمم بجميع أسباب الوضوء والغسل وكل أسباب الغسل أسباب الوضوء
إلا الجنابة فإن غسلها كاف عنه وغسل الأموات كاف عن فرضه.
الفصل الثالث: في آداب الخلوة وكيفية الاستنجاء:
يجب في البول غسله بالماء خاصة أقله مثلاه، وفي الغائط المتعدي كذلك حتى يزول
العين والأثر ولا عبرة بالرائحة، وغير المتعدي تجزئ ثلاثة أحجار وشبهها من خرق
وخشب وجلد مزيلة للعين والماء أفضل كما أن الجمع في المتعدي أفضل، ويجزئ ذو الجهات
الثلاث والتوزيع على أجزاء المحل، وإن لم ينق بالثلاثة وجب الزائد، ويستحب الوتر ولو
نقى بدونها وجب الإكمال، ولا يجزئ المستعمل ولا النجس ولا ما يزلق عن النجاسة،
638

ويحرم بالروث والعظم وذي الحرمة كالمطعوم وتربة الحسين عليه السلام ويجزئ.
ويجب على المتخلي ستر العورة، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا، وينحرف في
المبني عليهما، ويستحب ستر البدن وتغطية الرأس والتسمية وتقديم اليسرى دخولا
واليمنى خروجا والدعاء عندهما وعند الاستنجاء والفراع منه، والاستبراء في البول
للرجل بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ومنه إلى رأسه ثلاثا وينتره ثلاثا، فإن
وجد بللا بعده مشتبها لم يلتفت، ولو لم يستبرئ أعاد الطهارة، ولو وجده بعد الصلاة
أعاد الطهارة خاصة وغسل الموضع ومسح بطنه عند الفراع.
ويكره استقبال الشمس والقمر بفرجه في الحدثين، واستقبال الريح بالبول في
الصلبة وقائما ومطمحا، وفي الماء جاريا وراكدا، والحدث في الشوارع والمشارع ومواضع
اللعن وتحت المثمرة وفي النزال وجحرة الحيوان والأفنية ومواضع التأذي والسواك عليه،
والأكل والشرب والكلام إلا بالذكر أو حكاية الأذان أو قراءة آية الكرسي أو طلب الحاجة
المضر فوتها، وطول الجلوس والاستنجاء باليمين واليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى
أو أنبيائه أو الأئمة عليهم السلام أو فصه من حجر زمزم فإن كان حوله.
فروع:
أ: لو توضأ قبل الاستنجاء صح وضوءه، وعندي أن التيمم إن كان لعذر لا يمكن
زواله كذلك. ولو صلى والحال هذه أعاد الصلاة خاصة.
ب: لو خرج أحد الحدثين اختص مخرجه بالاستنجاء.
ج: الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج من غير المعتاد إذا صار معتادا.
د: لو استجمر بالنجس بغير غائط وجب الماء وبه تكفي الثلاثة غيره.
المقصد الثاني: في المياه: وفصوله خمسة:
الفصل الأول في المطلق والمراد به ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير قيد ويمتنع سلبه عنه وهو
المطهر من الحدث والخبث خاصة ما دام على أصل الخلقة، فإن خرج عنها بممازجة طاهر فهو
639

على حكمه وإن تغير أحد أوصافه ما لم يفتقر صدق اسم الماء عليه إلى قيد فيصير مضافا،
وإن خرج بممازجة النجاسة فأقسامه ثلاثة:
الأول: الجاري وإنما ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة أعني اللون والطعم والرائحة
التي هي مدار الطهورية وزوالها لا مطلق الصفات كالحرارة بالنجاسة إذا كان كرا
فصاعدا ولو تغير بعضه نجس دون ما قبله وبعده وماء المطر حال تقاطره كالجاري، فإن
لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره فكالواقف وماء الحمام كالجاري إن كانت له مادة هي كر
فصاعدا وإلا فكالواقف.
فروع:
أ: لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته إن كان
تغير بمثلها على تقدير المخالفة وإلا فلا.
ب: لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ولو تغير بعضه بها اختص
المتغير بالتنجس.
ج: الجريات المارة على النجاسة الواقفة طاهرة وإن قلت عن الكر مع التواصل
الثاني: الواقف غير البئر إن كان كرا فصاعدا مائعا على إشكال هو ألف ومائتا
رطل بالعراقي أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق لا ينجس بملاقاة النجاسة
بل بتغيره في أحد أوصافه، وإن نقص عنه نجس بالملاقاة لها وإن بقيت أحد أوصافه سواء
قلت النجاسة كرؤوس الإبر من الدم أو كثرت. وسواء كان ماء غدير أو آنية أو حوض
أو غيرها، والحوالة في الأشبار على المعتاد والتقدير تحقيق لا تقريب.
فروع:
أ: لو تغير بعض الزائد على الكر وإن كان الباقي كرا فصاعدا اختص المتغير
بالتنجس وإلا عم الجميع.
640

ب: لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة كان المأخوذ طاهرا والباقي
نجسا، ولو لم يتميز كان الباقي طاهرا أيضا.
ج: لو وجد نجاسة في الكر وشك في وقوعها قبل بلوع الكرية أو بعدها فهو طاهر، ولو
شك في بلوع الكرية فهو نجس.
الثالث: ماء البئر إن غيرت النجاسة أحد أوصافه نجس إجماعا وإن لاقته من غير
تغيير فقولان أقربهما البقاء على الطهارة.
الفصل الثاني: في المضاف والأسآر:
المضاف: هو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه ويمكن سلبه عنه، كالمعتصر من
الأجسام والممتزج بها مزجا يخرجه عن الإطلاق، وهو طاهر غير مطهر لا من الحدث ولا من
الخبث، فإن وقعت فيه نجاسة فهو نجس قليلا كان أو كثيرا، فإن مزج طاهرة بالمطلق فإن
بقي الإطلاق فهو مطلق وإلا فمضاف، وسؤر كل حيوان طاهر، وسؤر النجس و
هو الكلب والخنزير والكافر نجس، ويكره سؤر الجلال وآكل الجيف مع طهارة الفم
والحائض المتهمة والدجاج والبغال والحمير والفأرة والحية وولد الزنى.
فروع:
لو نجس المضاف ثم امتزج بالمطلق الكثير فغير أحد أوصافه فالمطلق على طهارته،
فإن سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهرا لا طاهرا.
ب: لو لم يكفه المطلق للطهارة فتمم بالمضاف الطاهر وبقي الاسم صح الوضوء به، و
الأقرب وجوب التيمم.
ج: لو تغير المطلق بطول لبثه لم يخرج عن الطهورية ما لم يسلبه التغير الإطلاق.
الفصل الثالث: في المستعمل:
أما ماء الوضوء فإنه طاهر مطهر وكذا فضلته وفضلة الغسل، وأما ماء الغسل من
641

الحدث الأكبر فإنه طاهر إجماعا ومطهر على الأصح.
والمستعمل في غسل النجاسة نجس وإن لم يتغير بالنجاسة عدا ماء الاستنجاء فإنه
طاهر مطهر ما لم يتغير بالنجاسة أو يقع على نجاسة خارجة، والمستعمل في الأغسال
المندوبة مطهر إجماعا، وتكره الطهارة بالمشمس في الآنية وتغسيل الميت بالمسخن بالنار
إلا مع الحاجة، وغسالة الحمام لا يجوز استعمالها إلا مع العلم بخلوها من النجاسة،
والمتخلف في الثوب بعد عصره طاهر فإن انفصل فهو نجس.
الفصل الرابع: في تطهير المياه النجسة:
أما القليل إنما يطهر بإلقاء كر دفعة عليه لا بإتمامه كرا على الأصح. ولا بالنبع من تحته، و
أما الكثير فإنما يطهر بذلك إن زال التغير وإلا وجب إلقاء كر آخر، فإن زال وإلا فآخر و
هكذا، ولا يطهر بزوال التغير من نفسه أو بتصفيق الرياح أو بوقوع أجسام طاهرة فيه غير
الماء فيكفي الكر وإن لم يزل التغير به لو كان، ولو تغير بعضه وكان الباقي كرا طهر بزوال
التغير بتموجه.
والجاري يطهر بتكاثر الماء وتدافعه حتى يزول التغير، والمضاف بإلقاء كر دفعة وإن
بقي التغير ما لم يسلبه الإطلاق فيخرج عن الطهورية أو يكن التغير بالنجاسة فيخرج عن
الطهارة، وماء البئر بالنزح حتى يزول التغير، وأوجب القائلون بنجاستها بالملاقاة نزح
الجميع لوقوع المسكر أو الفقاع أو المني أو دم الحيض أو الاستحاضة أو النفاس أو موت
بعير، فإن تعذر تراوح عليها أربعة رجال يوما كل اثنين دفعة.
ونزح كر لموت الدابة أو الحمار أو البقرة، وسبعين دلوا لموت الانسان، وخمسين للعذرة
الرطبة والدم الكثير كذبح الشاة غير الدماء الثلاثة، وأربعين لموت الثعلب أو الأرنب
أو الخنزير أو السنور أو الكلب أو لبول الرجل، وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة و
خرؤ الكلاب، وعشرة للعذرة اليابسة والدم القليل كذبح الطير والرعاف القليل، وسبع
لموت الطير كالحمامة والنعامة وما بينهما وللفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ ولبول الصبي و
اغتسال الجنب ولخروج الكلب منها حيا، وخمس لذرق جلال الدجاج، وثلاث للفأرة
642

والحية ويستحب للعقرب والوزغة، ودلو للعصفور وشبهه وبول الرضيع قبل اغتذائه
بالطعام.
فروع:
أ: أوجب بعض هؤلاء نزح الجميع فيما لم يرد فيه نص وبعضهم أربعين.
ب: جزء الحيوان وكله سواء وكذا صغيره وكبيره وذكره وأنثاه ولا فرق في الانسان
بين المسلم والكافر.
ج: الحوالة في الدلو على المعتاد فلو اتخذ آلة تسع العدد فالأقرب الاكتفاء.
د: لو تغيرت البئر بالجيفة حكم بالنجاسة من حين الوجدان.
ه‍: لا يجب النية في النزح فيجوز أن يتولاه الصبي والكافر مع عدم المباشرة.
و: لو تكثرت النجاسة تداخل النزح مع الاختلاف وعدمه.
ز: إنما يجزئ العدد بعد اخراج النجاسة أو استحالتها.
ح: لو غار الماء سقط النزح فإن عاد كان طاهرا ولو اتصلت بالنهر الجاري طهرت،
ولو زال تغيرها بغير النزح والاتصال فالأقرب نزح الجميع وإن زال ببعضه لو كان على
إشكال.
الفصل الخامس: في الأحكام:
يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة وإزالة النجاسة مطلقا، وفي الأكل والشرب
اختيارا، فإن تطهر به لم يرتفع حدثه، ولو صلى أعادهما مطلقا، أما لو غسل ثوبه به فإنه يعيد
الصلاة إن سبقه العلم مطلقا وإلا ففي الوقت خاصة، وحكم المشتبه بالنجس حكمه، و
لا يجوز له التحري وإن انقلب أحدهما بل يتيمم مع فقد غيرهما، ولا تجب الإراقة بل قد يحرم
عند خوف العطش، ولو اشتبه المطلق بالمضاف تطهر بكل واحد منهما طهارة، ومع انقلاب
أحدهما فالوجه الوضوء والتيمم، وكذا يصلى في الباقي من الثوبين وعاريا مع احتمال
الثاني خاصة.
643

ولو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما فإن تطهر بهما فالوجه البطلان، ولو غسل ثوبه
أو بدنه من النجاسة به أو بالمشتبه به طهر، وهل يقوم ظن النجاسة مقام العلم؟ فيه نظر
أقربه ذلك إن استند إلى سبب وإلا فلا، ولو شهد عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول وإن
استند إلى السبب ويجب قبول العدلين، فإن عارضهما مثلهما فالوجه إلحاقه بالمشتبه، ولو
أخبر الفاسق بنجاسة مائه أو طهارته قبل، ولو علم بالنجاسة بعد الطهارة وشك في
سبقها عليها فالأصل الصحة، ولو علم سبقها وشك في بلوع الكرية أعاد، ولو شك في
نجاسة الواقع بنى على الطهارة وينجس القليل بموت ذي النفس السائلة فيه دون غيره و
إن كان من حيوان الماء كالتمساح، ولو اشتبه استناد موت الصيد في القليل إلى الجرح
أو الماء احتمل العمل بالأصلين، والوجه المنع.
ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بقدر خمس أذرع مع صلابة الأرض أو فوقية
البئر وإلا فسبع، ولا يحكم بنجاسة البئر مع التقارب ما لم يعلم وصول ماء البالوعة
إليها مع التغير عندنا ومطلقا عند آخرين.
ويكره التداوي بالمياه الحارة من الجبال التي يشم منها رائحة الكبريت، وما مات فيه
الوزغة والعقرب أو خرجتا منه، ولا يطهر العجين بالنجس بخبزه بل باستحالته رمادا
وروي بيعه على مستحل الميتة أو دفنه.
المقصد الثالث: في النجاسات: وفيه فصلان:
الفصل الأول:
في أنواعها وهي عشرة: البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول، و
إن كان التحريم عارضا كالجلال، والمني من كل حيوان ذي نفس سائلة وإن كان مأكولا،
والدم من ذي النفس السائلة مطلقا، والميتة منه، والكلب، والخنزير وأجزاؤهما وإن لم تحلها
الحياة كالعظم، والمسكرات، ويلحق بها العصير إذا غلى واشتد، والفقاع، والكافر سواء
كان أصليا أو مرتدا وسواء انتمى إلى الاسلام كالخوارج والغلاة أولا، ويلحق بالميتة ما قطع
من ذي النفس السائلة حيا وميتا.
644

ولا ينجس من الميتة ما لا تحله الحياة، كالعظم والشعر إلا ما كان نجس العين كالكلب
والخنزير والكافر، والدم المتخلف في اللحم مما لا يقذفه المذبوح طاهر، وكذا ما لا نفس له
سائلة كالسمك وشبهه، وكذا منيه، والأقرب طهارة المسوخ ومن عدا الخوارج والغلاة
والنواصب والمجسمة من المسلمين، والفأرة والوزغة والثعلب والأرنب وعرق الجنب من
الحرام والإبل الجلالة.
والمتولد من الكلب والشاة يتبع الاسم، وكلب الماء طاهر، ويكره ذرق الدجاج وبول
البغال والحمير والدواب وأرواثها.
فروع:
أ: الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس.
ب: الدود المتولد من الميتة أو من العذرة طاهر.
ج: الآدمي ينجس بالموت، والعلقة نجسة وإن كانت في البيضة
د: اللبن تابع.
ه‍: الأنفحة: وهي لبن مستحيل في جوف السخلة طاهرة وإن كانت ميتة.
و: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، ولو اتخذ منه حوض لا يتسع للكر نجس الماء فيه وإن
احتمله فهو نجس والماء طاهر، فإن توضأ منه جاز إن كان الباقي كرا فصاعدا.
الفصل الثاني: في الأحكام:
يجب إزالة النجاسة عن البدن والثوب للصلاة والطواف ودخول المساجد، وعن
الأواني لاستعمالها لا مستقرا، سواء قلت النجاسة أو كثرت عدا الدم فقد عفي عن قليله في
الثوب والبدن وهو ما نقص عن سعة الدرهم البغلي إلا دم الحيض والاستحاضة
والنفاس ونجس العين، وعفي أيضا عن دم القروح اللازمة والجروح الدامية وإن كثر مع
مشقة الإزالة، وعن النجاسة مطلقا فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكة والجورب والخاتم
والنعل وغيرها من الملابس خاصة إذا كانت في محالها ولو زاد الدم عن سعة الدرهم مجتمعا
645

وجبت إزالته، والأقرب في المتفرق الإزالة إن بلغه لو جمع.
ويغسل الثوب من النجاسات العينية حتى يزول العين، أما الحكمية كالبول اليابس في
الثوب فيكفي غسله مرة، ويجب العصر إلا في بول الرضيع فإنه يكتفى بصب الماء عليه،
ولو اشتبه موضع النجاسة وجب غسل جميع ما يحتمل ملاقاتها له، وكل نجاسة عينية لاقت
محلا طاهرا، فإن كانا يابسين لم يتغير المحل عن حكمه إلا الميت فإنه ينجس الملاقي له
مطلقا ويستحب رش الثوب الذي أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر يابسين، ولو كان
أحدهما رطبا نجس المحل، ولو صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة مغلظة وهي التي لم يعف
عنها عالما أو ناسيا أعاد مطلقا، ولو جهل النجاسة أعاد في الوقت لا خارجه ولو علم في
الأثناء ألقى الثوب واستتر بغيره وأتم ما لم يفتقر إلى فعل كثير، أو استدبار فيستأنف،
وتجتزئ المربية للصبي ذات الثوب الواحد، أو المربي بغسله في اليوم مرة ثم يصلى باقيه
فيه وإن نجس بالصبي لا بغيره.
ولو اشتبه الطاهر بالنجس وفقد غيرهما صلى في كل واحد منهما الصلاة الواحدة،
ولو تعدد النجس زاد في الصلاة على عدده بواحد، ومع الضيق يصلى عاريا، ولو لم يجد
إلا النجس بيقين نزعه وصلى عاريا ولا إعادة عليه، ولو لم يتمكن من نزعه لبرد أو غيره
صلى فيه ولا إعادة.
وتطهر الحصر والبواري والأرض والنبات والأبنية بتجفيف الشمس خاصة من
نجاسة البول وشبهه كالماء النجس لا ما يبقى عين النجاسة فيه، وتطهر النار ما
أحالته، والأرض باطن النعل وأسفل القدم، وتطهر الأرض بإجراء الماء الجاري أو الزائد
على الكر عليها لا بالذنوب وشبهه، وتطهر الخمر بالانقلاب خلا وإن طرح فيها
أجسام طاهرة ولو لاقتها نجاسة أخرى لم تطهر بالانقلاب، وطين الطريق طاهر ما لم يعلم ملاقاة
النجاسة له ويستحب إزالته بعد ثلاثة أيام، ودخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران، وفي
تطهير الكلب والخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا والعذرة إذا امتزجت بالتراب و
تقادم عهدها حتى استحالت ترابا نظر.
وتكفي إزالة العين والأثر وإن بقيت الرائحة واللون لعسر الإزالة كدم الحيض و
646

يستحب صبغه بالمشق وشبهه، ويستحب الاستظهار بتثنية الغسل وتثليثه بعد إزالة
العين، وإنما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه لا ما لا يمكن كالمائعات وإن
أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب.
فروع:
أ: لو جبر عظمه بعظم نجس وجب نزعه مع الإمكان.
ب: لا يكفي إزالة عين النجاسة بغير الماء كالفرك، ولو كان الجسم صقيلا كالسيف لم
تطهر بالمسح.
ج: لو صلى حاملا لحيوان غير مأكول صحت صلاته بخلاف القارورة المصمومة
المشتملة على النجاسة، ولو كان وسطه مشدودا بطرف حبل طرفه الآخر مشدود في
نجاسة صحت صلاته وإن تحركت بحركته.
د: ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس فإن عكس نجس الماء ولم يطهر المحل.
ه‍: اللبن إذا كان ماؤه نجسا أو نجاسة طهر بالطبخ على إشكال، ولو كان بعض
أجزائه نجاسة كالعذرة.
و: لو صلى في نجاسة معفو عنها كالدم اليسير أو فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا في
المساجد بطلت.
كلام في الآنية: وأقسامها ثلاثة:
أ: ما يتخذ من الذهب أو الفضة: يحرم استعمالها في أكل وشرب وغيره وهل يحرم
اتخاذها لغير الاستعمال كتزيين المجالس؟ فيه نظر أقربه التحريم، ويكره المفضض، و
قيل: يجب اجتناب موضع الفضة.
ب: المتخذ من الجلود: ويشترط طهارة أصولها وتذكيتها سواء أكل لحمها أو لا، نعم
يستحب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه، أما المتخذ من العظام فإنما يشترط فيه طهارة الأصل
خاصة.
647

ج: المتخذ من غير هذين يجوز استعماله مع طهارته وإن غلا ثمنه وأواني المشركين
طاهرة وإن كانت مستعملة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة وتغسل الآنية من ولوغ الكلب
ثلاث مرات أولاهن بالتراب ومن ولوع الخنزير سبع مرات بالماء ومن الخمر والجرذ ثلاث مرات
ويستحب السبع، ومن باقي النجاسات ثلاثا استحبابا والواجب الإنقاء وهذا
الاعتبار مع صب الماء في الآنية، أما لو وضعت في الجاري أو الكر فإنها تطهر مع زوال
العين بأول مرة.
فروع:
أ: لو تطهر من آنية الذهب أو الفضة أو المغصوبة أو جعلها مصبا لماء الطهارة صحت
طهارته وإن فعل محرما بخلاف الطهارة في الدار المغصوبة.
ب: لا يمزج الماء بالتراب.
ج: لو فقد التراب أجزأ مشابهة من الأشنان والصابون، ولو فقد الجميع اكتفى بالماء
ثلاثا، ولو خيف فساد المحل باستعمال التراب فكالفاقد، ولو غسله بالماء عوض التراب لم
يطهر على إشكال.
د: لو تكرر الولوع لم يتكرر الغسل ولو كان في الأثناء استأنف.
ه‍: آنية الخمر من القرع والخشب والخزف غير المغضور كغيره.
المقصد الرابع: في الوضوء وفصوله ثلاثة:
الفصل الأول: في أفعاله: وفروضه سبعة:
الأول: النية وهي إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا. وهي شرط في كل
طهارة عن حدث لا عن خبث لأنها كالترك ومحلها القلب، فإن نطق بها مع عقد القلب
صح وإلا فلا، ولو نطق بغير ما قصده كان الاعتبار بالقصد. ووقتها استحبابا عند غسل
كفيه المستحب ووجوبا عند ابتداء أول جزء من غسل الوجه ويجب استدامتها حكما إلى
آخر الوضوء، ويجب في النية القصد إلى رفع الحدث أو استباحة فعل مشروط بالطهارة
648

والتقرب إلى الله تعالى وأن يوقعه لوجوبه أو ندبه أو لوجههما على رأي، وذو الحدث الدائم
كالمبطون وصاحب السلس والمستحاضة ينوي الاستباحة فإن اقتصر على رفع الحدث
فالأقوى البطلان.
فروع:
أ: لو ضم التبرد صح على إشكال ولو ضم الرياء بطل.
ب: لا يفتقر إلى تعيين الحدث وإن تعدد فلو عينه ارتفع الباقي وكذا لو نوى استباحة
صلاة معينة استباح ما عداها وإن نفاها سواء كانت المعينة فرضا أو نفلا.
ج: لا تصح الطهارة من الكافر لعدم التقرب في حقه إلا الحائض الطاهر تحت
المسلم لإباحة الوطئ إن شرطنا الغسل - للضرورة، فإن أسلمت أعادت ولا تبطل
بالارتداد بعد الكمال ولو حصل في الأثناء أعاد.
د: لو عزبت النية في الأثناء صح الوضوء وإن اقترنت بغسل الكفين نعم لو نوى التبرد
في باقي الأعضاء بعد عزوب النية فالوجه البطلان.
ه‍: لو نوى رفع حدث والواقع غيره فإن كان غلطا صح وإلا بطل.
و: لو نوى ما يستحب له كقراءة القرآن فالأقوى الصحة.
ز: لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة الواجبة فتوضأ احتياطا ثم تيقن الحدث فالأقوى
الإعادة.
ح: لو أغفل لمعة في الأولى فانغسلت في الثانية على قصد الندب فالأقوى البطلان وكذا لو
انغسلت في تجديد الوضوء.
ط: لو فرق النية على الأعضاء بأن قصد عند غسل الوجه رفع الحدث عنه وعند غسل
اليدين الرفع عنهما لم يصح. أما لو نوى غسل الوجه عنده لرفع الحدث وغسل اليمنى
عنده لرفع الحدث وهكذا فالأقرب الصحة.
ي: لو نوى قطع الطهارة بعد الإكمال لم تبطل ولو نواه في الأثناء لم تبطل فيما مضى إلا
أن يخرج عن الموالاة.
649

يا: لو وضأه غيره لعذر تولى هو النية.
يب: كل من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب وغيره ينوي الندب، فإن نوى
الوجوب وصلى به فرضا أعاد فإن تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الأولى خاصة ولو دخله
الوقت في أثناء المندوبة فأقوى الاحتمالات الاستئناف.
الثاني: غسل الوجه بما يحصل به مسماه وإن كان كالدهن مع الجريان، وحده من
قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى
عرضا، ويرجع الأنزع والأغم وقصير الأصابع وطويلها إلى مستوي الخلقة ويغسل من
أعلى الوجه فإن نكس بطل، ولا يجب غسل مسترسل اللحية ولا تخليلها وإن خفت وجب
وكذا لو كانت للمرأة بل يغسل الظاهر على الذقن وكذا شعر الحاجب والأهداب
والشارب.
الثالث: غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع فإن نكس أو لم يدخل المرفق
بطل، ويغسل الزائدة مطلقا إن لم يتميز عن الأصلية وإلا غسلت إن كانت تحت المرفق
واللحم والإصبع الزائدان إن كانا تحت المرفق ولو استوعب القطع محل الفرض سقط
الغسل وإلا غسل ما بقي
فروع:
أ: لو افتقر الأقطع إلى من يوضئه بأجرة وجبت مع المكنة وإن زادت عن أجرة المثل
وإلا سقطت أداء وقضاء.
ب: لو طالت أظفاره فخرجت عن حد اليد وجب غسلها ولو كان تحتها وسخ يمنع
وصول الماء وجب إزالته مع المكنة.
ج: لو انكشطت جلدة من محل الفرض وتدلت منه وجب غسلها ولو تدلت من
غير محله سقط ولو انكشطت من غير محل الفرض وتدلت منه وجب غسلها.
د: ذو الرأسين والبدنين يغسل أعضاؤه مطلقا.
الرابع: مسح الرأس والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ويستحب بقدر ثلاث أصابع مقبلا
650

ويكره مدبرا ومحله المقدم فلا يجزئ غيره، ولا يجزئ الغسل عنه ولا المسح على حائل وإن
كان من شعر الرأس غير المقدم بل إما على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم إذا لم
يخرج عن حده، فلو مسح على المسترسل أو على الجعد الكائن في حد الرأس إذا خرج بالمد
عنه لم يجزئ.
الخامس: مسح الرجلين: والواجب أقل ما يقع عليه اسمه ويستحب بثلاث أصابع و
محله ظهر القدم من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما حد المفصل بين الساق والقدم ولو
نكس المسح جاز، ولو استوعب القطع محل الفرض سقط المسح وإلا مسح على الباقي،
ويجب المسح على البشرة ويجوز على الحائل كالخف وشبهه للضرورة أو التقية خاصة فإن
زال السبب ففي الإعادة من غير حدث إشكال.
ولا يجزئ الغسل عنه إلا للتقية، ويجب أن يكون مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة
الوضوء فإن استأنف بطل ولو جف ماء الوضوء قبله أخذ من لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه
ومسح به فإن لم يبق نداوة استأنف.
السادس: الترتيب: يبدأ بغسل وجهه ثم بيده اليمنى ثم اليسرى ثم يمسح رأسه ثم
يمسح رجليه ولا ترتيب بينهما، فإن أخل به أعاد مع الجفاف وإلا على ما يحصل معه الترتيب
والنسيان ليس عذرا ولو استعان بثلاثة للضرورة فغسلوه دفعة لم يجزئ.
السابع: الموالاة ويجب أن يعقب كل عضو بالسابق عليه عند كماله فإن أخل وجف
السابق استأنف وإلا فلا، وناذر الوضوء مواليا لو أخل بها فالأقرب الصحة والكفارة.
الفصل الثاني: في مندوباته:
ويتأكد السواك وإن كان بالرطب للصائم آخر النهار وأوله سواء، ووضع الإناء على
اليمين والاغتراف بها والتسمية والدعاء، وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء مرة من حدث
النوم والبول ومرتين من الغائط وثلاثا من الجنابة، والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا
والدعاء عندهما وعند كل فعل، وبدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما
والمرأة بالعكس والوضوء بمد وتثنية الغسلات والأشهر التحريم في الثالثة، ولا تكرار
في المسح، ويكره الاستعانة والتمندل وتحرم التولية اختيارا.
651

الفصل الثالث: في أحكامه:
يستباح بالوضوء الصلاة والطواف للمحدث إجماعا، ومس كتابة القرآن إذ يحرم عليه
مسها على الأقوى، وذو الجبيرة ينزعها مع المكنة أو يكرر الماء حتى يصل البشرة، وإن تعذرا
مسح عليها وإن كان ما تحتها نجسا وفي الاستيناف مع الزوال، إشكال، والخاتم أو السير أو
شبههما إن منع وصول الماء حرك وجوبا وإلا استحبابا، وصاحب السلس والمبطون
يتوضأن لكل صلاة عند الشروع فيها وإن تجدد حدثهما وكذا المستحاضة.
وغسل الأذنين ومسحهما بدعة وكذا التطوق إلا للتقية وليس مبطلا، ولو تيقن
الحدث وشك في الطهارة تطهر دون العكس ولو تيقنهما متحدين متعاقبين وشك في المتأخر
فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر وإلا استصحبه، ولو علم ترك عضو أتى به وبما بعده
فإن جف البلل استأنف، ولو شك في شئ من أفعال الطهارة فكذلك إن كان على حاله وإلا
فلا التفات في الوضوء وفي المرتمس والمعتاد على إشكال، ولو ترك غسل أحد المخرجين
وصلى أعاد الصلاة خاصة وإن كان ناسيا أو جاهلا بالحكم.
ويشترط طهارة محل الأفعال عن الخبث لا غيره، ولو جدد ندبا وذكر إخلال عضو
من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة وإن تعددت على رأي، ولو توضأ وصلى وأحدث ثم توضأ
وصلى أخرى ثم ذكر الإخلال المجهول أعادهما مع الاختلاف عددا بعد الطهارة ومع
الاتفاق يصلى ذلك العدد وينوي به ما في ذمته، ولو كان الشك في صلاة يوم أعاد صبحا
ومغربا وأربعا، والمسافر يجتزئ بالثنائية والمغرب، ولو كان الإخلال من طهارتين أعاد
أربعا صبحا ومغربا وأربعا مرتين، والمسافر يجتزئ بثنائيتين والمغرب بينهما والأقرب جواز
إطلاق النية فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء فيطلق
بين الباقيتين مراعيا للترتيب وله الإطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين.
ولو كان الترك من طهارتين في يومين فإن ذكر التفريق صلى عن كل يوم ثلاث صلوات
وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلى أربعا، وتظهر الفائدة في إتمام أحد اليومين وتقصير
الآخر حتما وبالتخيير ووجوب تقديم فائتة اليوم على حاضرته لا غير، ولو جهل الجمع
والتفريق صلى عن كل يوم ثلاث صلوات وكذا البحث لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة
652

عن حدث ثم ذكر تخلل حدث بين الطهارة والصلاة واشتبه.
ولو صلى الخمس بثلاث طهارات فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلى أربعا صبحا
ومغربا وأربعا مرتين [والمسافر يجتزئ بثنائيتين والمغرب بينهما] وإلا اكتفى بالثلاث. وتجب
الطهارة بماء مملوك أو مباح طاهر، ولو جهل غصبية الماء صحت طهارته وجاهل الحكم
لا يعذر ولو سبق العلم فكالعالم.
المقصد الخامس: في غسل الجنابة: وفيه فصلان:
الفصل الأول: في سببه وكيفيته:
الجنابة تحصل للرجل والمرأة بأمرين:
إنزال المني مطلقا وصفاته الخاصة رائحة الطلع والتلذذ بخروجه والتدفق، فإن
اشتبه اعتبر بالدفق والشهوة وتكفي الشهوة في المريض، فإن تجرد عنهما لم يجب الغسل
إلا مع العلم بأنه مني.
وغيبوبة الحشفة في فرج آدمي قبل أو دبر، ذكر أو أنثى، حي أو ميت أنزل معه أو لا،
فاعلا أو مفعولا على رأي، ولا يجب في فرج البهيمة إلا مع الإنزال.
وواجد المني على جسده أو ثوبه المختص به جنب بخلاف المشترك ويسقط الغسل
عنهما ولكل منهما الائتمام بالآخر على إشكال ويعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها، ولو خرج
مني الرجل من المرأة بعد الغسل لم يجب الغسل إلا أن تعلم خروج منيها معه.
ويجب الغسل بما يجب به الوضوء وواجباته النية عند أول الاغتسال ويجوز تقديمها
عند غسل الكفين مستدامة الحكم إلى آخره، وغسل جميع البشرة بأقل اسمه بحيث
يصل الماء إلى منابت الشعر وإن كثف، وتخليل كل ما لا يصل إليه الماء إلا به، وتقديم
الرأس ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر فإن عكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب،
ولا ترتيب مع الارتماس وشبهه وفي وجوب الغسل لنفسه أو لغيره خلاف.
ويستحب المضمضة والاستنشاق والغسل بصاع وإمرار اليد على الجسد وتخليل
ما يصل إليه الماء والاستبراء للرجل المنزل بالبول، فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل
653

القضيب ثلاثا ومنه إلى رأسه كذلك وينتره ثلاثا.
الفصل الثاني: في الأحكام:
يحرم على الجنب قبل الغسل الجلوس في المساجد ووضع شئ فيها والاجتياز في المسجد الحرام
ومسجد النبي عليه السلام، ولو أجنب فيهما تيمم واجبا للخروج منهما ويجب أن
يقصد أقرب الأبواب إليه، ويحرم عليه قراءة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نواها منها، و
مس كتابة القرآن وما عليه اسم الله، ويكره الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق،
والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب، وقراءة ما زاد على سبع آيات وتشتد الكراهية فيما زاد على
سبعين، وتحرم التولية اختيارا، ويكره الاستعانة ويجوز أخذ ما له في المسجد والجواز فيه.
فروع:
أ: الكافر المجنب يجب عليه الغسل وشرط صحته الاسلام ولا يسقط بإسلامه
ولا عن المرتد ولو ارتد المسلم بعد غسله لم يبطل.
ب: يحرم مس المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته خاصة.
ج: لو وجد بللا مشتبها بعد الغسل لم يلتفت إن كان قد بال أو استبرأ وإلا أعاد
الغسل دون الصلاة الواقعة قبل الوجدان.
د: لا موالاة هنا نعم يشترط عدم تجدد حدث أكبر أو أصغر فإن تجدد أحدهما في الأثناء
أعاد فيهما على الأقوى.
ه‍: لا يجب الغسل بغيبوبة بعض الحشفة ويجب على مقطوعها لو غيب بقدرها وفي
الملفوف نظر.
و: لو خرج المني من ثقبة في الصلب فالأقرب اعتبار الاعتياد وعدمه
ز: لا يجب نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى ما تحتها وإن لم يمس الماء الشعر بجملته.
ح: لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة بل تجب إزالة النجاسة أولا
ثم الاغتسال ثانيا.
654

ط: لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء فأقوى الاحتمالات الاجتزاء بغسلها لسقوط
الترتيب ثم غسلها وغسل ما بعدها لمساواته الترتيب ثم الإعادة لعدم صدق الوحدة.
المقصد السادس: في الحيض: وفيه فصلان:
الفصل الأول: في ماهيته:
الحيض دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة ثم تعتادها في أوقات معلومة غالبا لحكمة
تربية الولد، فإذا حملت صرف الله تعالى عنه صورة ذلك الدم إلى تغذيته، فإذا وضعت
الحمل خلع الله تعالى عنه صورة الدم وكساه صورة اللبن لاغتذاء الطفل، فإذا خلت المرأة
من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل
شهر ستة أيام أو سبعة أو أقل أو أكثر بحسب قرب المزاج من الحرارة وبعده عنها، وهو في
الأغلب أسود يخرج بحرقة وحرارة فإن اشتبه بالعذرة حكم لها بالتطوق وللقرح إن خرج
من الأيمن.
وكل ما تراه قبل بلوع تسع سنين أو بعد سن اليأس، وهو ستون للقرشية والنبطية و
خمسون لغيرهما، أو دون ثلاثة أيام أو ثلاثة متفرقة أو زائدا عن أقصى مدة الحيض
أو النفاس فليس حيضا ويجامع الحمل على الأقوى، وأقله ثلاثة أيام متوالية وأكثره عشرة
وهي أقل الطهر، وكل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض وإن كان أصفر أو غيره، فلو
رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة فهما حيضان، ولو استمر ثلاثة وانقطع ورأته قبل
العاشر وانقطع على العاشر فالدمان وما بينهما حيض، ولو لم ينقطع عليه فالحيض الأول
خاصة.
ولو تجاوز الدم العشرة، فإن كانت ذات عادة مستقرة وهي التي يتساوى دمها أخذا و
انقطاعا شهرين متواليين رجعت إليها، وإن كانت مضطربة أو مبتدئة رجعت إلى التميز و
شروطه اختلاف لون الدم ومجاوزته العشرة، وكون ما هو بصفة الحيض لا ينقص عن
الثلاثة ولا يزيد على العشرة فجعلت الحيض ما شابهه والباقي استحاضة، ولو فقدتا
التميز رجعت المبتدئة إلى عادة نسائها، فإن فقدن أو اختلفن فإلى عادة أقرانها، فإن فقدن أو
اختلفن تحيضت هي والمضطربة في كل شهر بسبعة أيام أو بثلاثة من شهر وعشرة من آخر
ولها التخيير في التحييض، ولو جامع التميز والعادة فالأقوى العادة إن اختلفا زمانا.
655

فروع:
أ: لو رأت ذات العادة المستقرة العدد متقدما على العادة أو متأخرا فهو حيض لتقدم
العادة تارة وتأخرها أخرى.
ب: لو رأت العادة والطرفين أو أحدهما فإن تجاوز العشرة فالحيض العادة وإلا
فالجميع.
ج: لو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت تخيرت في تخصيصه وإن منع الزوج
التعيين، وقيل: تعمل في الجميع عمل المستحاضة وتغتسل لانقطاع الحيض في كل وقت
تحتمله وتقضي صوم العدد، ولو انعكس الفرض تحيضت بثلاثة واغتسلت في كل وقت
يحتمل الانقطاع وقضت صوم عشرة احتياطا إن لم يقصر الوقت عنه وتعمل فيما تجاوز
الثلاثة عمل المستحاضة.
د: ذاكرة العدد الناسية للوقت قد يحصل لها حيض بيقين وذلك بأن تعلم عددها في
وقت يقصر نصفه عنه فيكون الزائد على النصف وضعفه حيضا بيقين بأن يكون
الحيض ستة في العشر الأول فالخامس والسادس حيض، ولو كان سبعة فالرابع والسابع
وما بينهما حيض، ولو كان خمسة من التسعة الأولى فالخامس حيض، فلو ساوى النصف
أو قصر فلا حيض بيقين.
ه‍: لو ذكرت الناسية العادة بعد جلوسها في غيرها رجعت إلى عادتها، ولو تبينت ترك
الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها وقضاء ما صامت في الفرض في عادتها، فلو كانت
عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة ثم ذكرت قضت ما تركت من
الصلاة والصيام في السبعة وقضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.
و: العادة قد تحصل من حيض وطهر صحيحين وقد تحصل من التميز كما إذا رأت
في الشهر الأول خمسة أسود وباقي الشهر أصفر أو أحمر وفي الثاني كذلك، فإذا استمرت
الحمرة في الثالث أو السواد جعلت الخمسة الأولى حيضا والباقي استحاضة عملا بالعادة
المستفادة من التمييز.
656

ز: الأحوط رد الناسية للعدد والوقت إلى أسوأ الاحتمالات في ثمانية: منع الزوج
من الوطئ ومنعها من المساجد وقراءة العزائم وأمرها بالصلوات والغسل عند كل صلاة
وصوم جميع رمضان وقضاء أحد عشر على رأي وصوم يومين أول وحادي عشر، قضاء عن
يوم وعلى ما اخترناه تضيف إليهما الثاني وثاني عشر ويجزئها عن الثاني والحادي عشر يوم
واحد بعد الثاني وقيل الحادي عشر.
ح: إذا اعتادت مقادير مختلفة متسقة ثم استحيضت رجعت إلى نوبة ذلك الشهر فإن
نسيتها رجعت إلى الأقل فالأقل إلى أن تنتهي إلى الطرف.
الفصل الثاني: في الأحكام:
يحرم على الحائض كل عبادة مشروطة بالطهارة كالصلاة والطواف ومس كتابة
القرآن، ويكره حمله ولمس هامشه، ولا يرتفع حدثها لو تطهرت ولا يصح صومها، ويحرم
عليها الجلوس في المسجد، ويكره الجواز فيه ولو لم تأمن التلويث حرم أيضا، وكذا يحرم
على المستحاضة وذي السلس والمجروح معه، ويحرم قراءة العزائم وأبعاضها ويكره
ما عداها، ولو تلت السجدة أو استمعت سجدت، ويحرم على زوجها وطؤها قبلا فيعزر لو
تعمده عالما، وفي وجوب الكفارة قولان أقربهما الاستحباب وهي دينار في أوله قيمته عشرة
دراهم ونصفه في أوسطه وربعه في آخره، ويختلف ذلك بحسب العادة فالثاني أول لذات
الستة ووسط لذات الثلاثة فإن كرره تكررت مع الاختلاف زمانا أو سبق التكفير وإلا فلا.
ولو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد من طعام، ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل،
ولا يصح طلاقها مع الدخول وحضور الزوج مطلقا أو حكمه وانتفاء الحمل، ويجب عليها
الغسل عند الانقطاع كالجنابة لكن يجب الوضوء سابقا أو لاحقا، ويجب عليها قضاء
الصوم دون الصلاة إلا ركعتي الطواف، ويستحب لها الوضوء عند وقت كل صلاة
والجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى بقدرها، ويكره لها الخضاب.
وتترك ذات العادة العبادة برؤية الدم فيها والمبتدئة بعد مضى ثلاثة على الأحوط،
ويجب عليها عند الانقطاع قبل العاشر الاستبراء بالقطنة فإن خرجت نقية طهرت وإلا
657

صبرت المبتدئة إلى النقاء أو مضى العشرة، وذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين
فإن انقطع على العاشر أعادت الصوم وإن تجاوز أجزأها فعلها ويجوز لزوجها الوطء قبل
الغسل على كراهية، وينبغي له الصبر حتى تغتسل فإن غلبته الشهوة أمرها بغسل
فرجها، وإذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة بقدر الطهارة وأدائها قضتها ولا يجب لو
كان قبله، ولو طهرت قبل الانقضاء بقدر الطهارة وأداء ركعة وجب أداؤها، فإن أهملت
وجب القضاء ولو قصر الوقت عن ذلك سقط الوجوب.
المقصد السابع: في الاستحاضة:
وهي في الأغلب أصفر بارد رقيق ذو فتور، وقيدنا بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصفات
حيضا فإن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر، وكلما ليس
بحيض ولا قرح ولا جرح فهو استحاضة وإن كان مع اليأس، ثم إن ظهر على القطنة ولم
يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة وتغيير القطنة، وإن غمسها من غير
سيل وجب مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة، وإن سأل وجب مع ذلك غسل
للظهر والعصر وغسل آخر للمغرب والعشاء مع الاستمرار وإلا فاثنان أو واحد ومع
الأفعال تصير بحكم الطاهر، ولو أخلت بشئ من الأفعال لم تصح صلاتها، ولو أخلت
بالأغسال لم يصح صومها وانقطاع دمها للبرء يوجب الوضوء.
المقصد الثامن: في النفاس:
وهو دم الولادة فلو ولدت ولم تر دما فلا نفاس وإن كان تاما، ولو رأت الدم مع الولادة
أو بعدها وإن كان مضغة فهو نفاس، ولو رأت قبل الولادة بعدد أيام الحيض وتخلل النقاء
عشرة فالأول حيض وما مع الولادة نفاس، وإن تخلل أقل من عشرة فالأول استحاضة
ولا حد لأقله فجاز أن يكون لحظة وأكثره للمبتدئة أو مضطربة الحيض عشرة أيام ومستقيمته
ترجع إلى عادتها في الحيض إلا أن ينقطع على العشرة فالجميع نفاس، ولو ولدت التوأمين
على التعاقب فابتداء النفاس من الأول والعدد من الثاني، ولو لم تر إلا في العاشر فهو
658

النفاس، ولو رأته مع يوم الولادة خاصة فالعشرة نفاس ولو رأته يوم الولادة وانقطع عشرة
ثم عاد فالأول النفاس والثاني حيض إن حصلت شرائط، والنفساء كالحائض في جميع
الأحكام.
المقصد التاسع: في غسل الأموات: وفيه خمسة فصول:
مقدمة:
ينبغي للمريض ترك الشكاية كأن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، وشبهه. ويستحب
عيادته إلا في وجع العين وأن يأذن لهم في الدخول عليه، فإذا طالت علته ترك وعياله،
ويستحب تخفيف العيادة إلا مع حب المريض الإطالة، ويجب الوصية على كل من عليه حق،
ويستحب الاستعداد بذكر الموت في كل وقت وحسن ظنه بربه، وتلقين من حضره الموت
الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة ع، وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلاه إن
تعسر خروج روحه، والإسراج إن مات ليلا، وقراءة القرآن عنده، وتغميض عينيه بعد
الموت، وإطباق فيه، ومد يديه إلى جنبيه، وتغطيته بثوب، وتعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه
فيرجع إلى الأمارات أو يصبر عليه ثلاثة أيام، وفي وجوب الاستقبال به إلى القبلة حالة
الاحتضار قولان. وكيفيته أن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة بحيث
لو جلس لكان مستقبلا، ويكره طرح حديد على بطنه وحضور جنب أو حائض عنده.
الفصل الأول: في الغسل: وفيه مطلبان:
الأول: الفاعل والمحل:
يجب على كل مسلم على الكفاية تغسيل المسلم ومن هو بحكمه وإن كان سقطا
له أربعة أشهر أو كان بعضه إذا كان فيه عظم، ولو خلا من العظم أو كان للسقط أقل من
أربعة أشهر لفا في خرقة ودفنا، وحكم ما فيه الصدر أو الصدر وحده حكم الميت في
التغسيل والتكفين والصلاة عليه والدفن وفي الحنوط إشكال.
وأولى الناس بالميت في أحكامه أولاهم بميراثه، والزوج أولى من كل أحد والرجال
659

أولى من النساء، ولا يغسل الرجل إلا رجل أو زوجته وكذا المرأة يغسلها زوجها أو امرأة،
وملك اليمين كالزوجة ولو كانت مزوجة فكالأجنبية، ويغسل الخنثى المشكل محارمه من
وراء الثياب، ولو فقد المسلم وذات الرحم أمرت الأجنبية الكافر بأن يغتسل ثم يغسله
غسل المسلمين، ولو كان امرأة وفقدت المسلمة وذو الرحم أمر الأجنبي الكافرة بالاغتسال
والتغسيل، وفي إعادة الغسل لو وجد المسلم بعده إشكال.
ولذي الرحم تغسيل ذات الرحم من وراء الثياب مع فقد المسلمة وبالعكس مع فقد
المسلم، ولكل من الزوجين تغسيل صاحبه اختيارا، ويغسل الرجل بنت ثلاث سنين
الأجنبية مجردة وكذا المرأة، ويجب تغسيل كل مظهر للشهادتين وإن كان مخالفا عدا
الخوارج والغلاة.
والشهيد المقتول بين يدي الإمام إن مات في المعركة صلى عليه من غير غسل ولا كفن
فإن جرد كفن خاصة ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال قبله ثلاثا على إشكال والتكفين
والتحنيط ويجزئ، ولو فقد المسلم والكافر وذات الرحم دفن بغير غسل ولا تقربه
الكافرة وكذا المرأة، وروي أنهم يغسلون محاسنها يديها ووجهها، ويكره أن يغسل مخالفا
فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف.
المطلب الثاني: في الكيفية:
يجب أن يبدأ الغاسل بإزالة النجاسة عن بدنه ثم يستر عورته ثم يغسله ناويا بماء
طرح فيه من السدر ما يقع عليه اسمه ولو خرج به عن الإطلاق لم يجزئ مرتبا كالجنابة ثم
بماء الكافور كذلك ثم كذلك بالقراح، ولو فقد السدر والكافور غسله ثلاثا بالقراح، ولو
خيف تناثر جلد المحترق والمجدور لو غسله يممه مرة على إشكال وكذا لو خشي الغاسل
على نفسه من استعمال الماء أو فقد الغاسل.
ويستحب وضع الميت على ساجة مستقبل القبلة تحت الظلال وفتق قميصه ونزعه
من تحته، وتلين أصابعه برفق وغسل رأسه برغوة السدر أولا ثم فرجه بماء السدر والحرض
ويديه ويوضئه، والبدأة بشق رأس الأيمن ثم الأيسر وتثليث كل غسلة في كل عضو ومسح
660

بطنه في الأوليين إلا الحامل، والوقوف على الأيمن وغسل يدي الغاسل مع كل غسلة وتنشيفه
بثوب بعد الفراع صونا للكفن وصب الماء في الحفيرة، ويكره الكنيف ولا بأس بالبالوعة،
ويكره ركوبه وإقعاده وقص أظفاره وترجيل شعره.
فروع:
أ: الدلك ليس بواجب بل أقل واجب الغسل إمرار الماء على جميع الرأس والبدن
والأقرب سقوط الترتيب مع غمسه في الكثير.
ب: الغريق يجب إعادة الغسل عليه.
ج: لو خرجت نجاسة بعد الغسل لم يعد، ولا الوضوء بل تغسل ولو أصابت الكفن
غسلت منه ما لم يطرح في القبر فتقرض.
الفصل الثاني: التكفين: وفيه مطلبان:
الأول: في جنسه وقدره:
وشرطه أن يكون مما يجوز الصلاة فيه فيحرم في الحرير المحض ويكره الكتان
والممتزج بالإبريسم ويستحب القطن المحض الأبيض، وأقل الواجب للرجل والمرأة ثلاثة
أثواب مئزر وقميص وإزار على رأي وفي الضرورة واحدة.
ويستحب أن يزاد للرجل حبرة عبرية عبرية غير مطرزة بالذهب فإن فقدت فلفافة أخرى
وخرقة لفخذيه طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر وتسمى الخامسة، وعمامة وتعوض
المرأة عنها قناعا وتزاد لفافة أخرى لثدييها ونمطا، والعمامة ليست من الكفن ولو تشاح
الورثة اقتصر على الواجب ويخرج ما أوصى به من الزائد عليه من الثلث وللغرماء المنع
منه دون الواجب، ولا يجوز الزيادة على الخمسة في الرجل وعلى السبعة في المرأة، ويستحب
جريدتان من النخل قدر عظم الذراع فإن فقد فمن السدر فإن
فقد فمن الخلاف فإن فقد فمن شجر رطب.
661

المطلب الثاني: في الكيفية:
ويجب أن يبدأ بالحنوط فيمسح مساجده السبعة بالكافور بأقل اسمه ويسقط مع
العجز عنه والمستحب ثلاثة عشر درهما وثلث ودونه أربعة دراهم والأدون درهم، ويستحب
أن يقدم الغاسل غسله أو الوضوء على التكفين، والأقرب عدم الاكتفاء به في الصلاة إذا لم
ينو ما يتضمن رفع الحدث، وأن يجعل بين أليتيه قطنا وإن خاف خروج شئ حشا دبره، وأن
يشد فخذيه من حقويه إلى رجليه بالخامسة لفا شديدا بعد أن يضع عليها قطنا وذريرة،
ويجب أن يؤزره ثم يلبسه القميص ثم يلفه بالإزار، ويستحب الحبرة فوق الإزار وجعل
إحدى الجريدتين مع جلده من جانبه الأيمن من ترقوته والأخرى من الأيسر بين القميص
والإزار، والتعميم محنكا يلف وسط العمامة على رأسه ويخرج طرفيها من تحت الحنك ويلقيان
على صدره، وينثر الذريرة على الحبرة واللفافة والقميص، وكتبة اسمه وأنه يشهد
الشهادتين وأسماء الأئمة ع بتربة الحسين ع إن وجد فإن فقد فبالإصبع
وتكره بالسواد على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين، وخياطة الكفن بخيوط
منه، وسحق الكافور باليد ووضع الفاضل على الصدر وطي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن
وبالعكس، ويكره بل الخيوط بالريق والأكمام المبتدأة وقطع الكفن بالحديد وجعل الكافور
في سمعه وبصره.
تتمة:
لا يجوز تطييب الميت بغير الكافور والذريرة ولا يجوز تقريبهما من المحرم ولا غيرهما
من الطيب في غسل وحنوط ولا يكشف رأسه ولا تلحق المعتدة ولا المعتكف به، وكفن المرأة
الواجب على زوجها وإن كانت موسرة. ويؤخذ الكفن أولا من صلب المال ثم الديون ثم
الوصايا ثم الميراث ولو لم يخلف شيئا دفن عاريا، ولا يجب على المسلمين بذل الكفن بل
يستحب نعم يكفن من بيت المال إن كان وكذا الماء والكافور والسدر وغيره، ويجب طرح
ما سقط من الميت من شعره أو لحمه معه في الكفن.
662

الفصل الثالث: في الصلاة عليه: ومطالبه خمسة:
المطلب الأول:
الصلاة واجبة على الكفاية على كل ميت مظهر للشهادتين وإن كان ابن ست
سنين ممن له حكم الاسلام سواء الذكر والأنثى والحر والعبد، ويستحب على من نقص سنه
عن ذلك إن ولد حيا ولا صلاة لو سقط ميتا، وإن ولجته الروح والصدر كالميت والشهيد
كغيره، ولا يصلى على الأبعاض غير الصدر وإن علم الموت ولا على الغائب، ولو امتزج
قتلى المسلمين بغيرهم صلى على الجميع وأفرد المسلمون بالنية.
المطلب الثاني: في المصلي:
والأولى بها هو الأولى بالميراث، فالابن أولى من الجد والأخ من الأبوين أولى من الأخ
لأحدهما والأب أولى من الابن والزوج أولى من كل أحد والذكر من الوراث أولى من الأنثى
والحر أولى من العبد. وإنما يتقدم الولي مع اتصافه بشرائط الإمامة وإلا قدم من يختار
ولو تعددوا قدم الأفقه فالأقرأ فالأسن فالأصبح، والفقيه العبد أولى من غيره الحر ولو تساووا
أقرع، ولا يجوز لجامع الشرائط التقدم بغير إذن الولي المكلف وإن لم يستجمعها، وإمام
الأصل أولى من كل أحد والهاشمي الجامع للشرائط أولى إن قدمه الولي وينبغي له تقديمه،
ويقف العراة في صف الإمام وكذا النساء خلف المرأة وغيرهم يتأخر عن الإمام في صف وإن
اتحد، وتقف النساء خلف الرجال فتنفرد الحائض بصف خارج.
المطلب الثالث: في مقدماتها:
يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليتوفروا على تشييعه، ومشى المشيع خلف
الجنازة أو إلى أحد جانبيها وتربيعها، والبدأة بمقدم السرير الأيمن ثم يدور من ورائها إلى
الأيسر، وقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم، وطهارة
المصلي ويجوز التيمم مع الماء، ويجب تقديم الغسل والتكفين على الصلاة فإن لم يكن له
663

كفن طرح في القبر ثم صلى عليه بعد تغسيله وستر عورته ودفن.
ثم يقف الإمام وراء الجنازة مستقبل القبلة ورأس الميت على يمينه غير متباعد عنها
كثيرا وجوبا في الجميع، ويستحب وقوفه عند وسط الرجل وصدر المرأة وجعل الرجل
مما يلي الإمام إن اتفقا يحاذي بصدرها وسطه، فإن كان عبدا وسط بينهما، فإن جامعهم خنثى
أخرت عن المرأة، فإن كان معهم صبي له أقل من ست أخر إلى ما يلي القبلة وإلا جعل بعد
الرجل، والصلاة في المواضع المعتادة ويجوز في المساجد.
المطلب الرابع: في كيفيتها:
ويجب فيها القيام والنية والتكبير خمسا والدعاء بينها بأن يتشهد الشهادتين عقيب
الأولى، ثم يصلى على النبي وآله عليهم السلام في الثانية ويدعو للمؤمنين عقيب الثالثة ثم
يترحم على الميت في الرابعة إن كان مؤمنا ولعنه إن كان منافقا ودعا بدعاء المستضعفين إن
كان منهم وسأل الله تعالى أن يحشره مع من يتولاه إن جهله وأن يجعله له ولأبويه فرطا إن كان
طفلا. ويستحب الجماعة ورفع ورفع يديه في التكبيرات ووقوفه حتى ترفع الجنازة ولا قراءة
فيها ولا تسليم ويكره تكرارها على الواحدة.
المطلب الخامس: في الأحكام:
كل الأوقات صالحة لصلاة الجنازة وإن كانت إحدى الخمسة إلا عند تضيق
الحاضرة، ولو اتسع وقتها وخيف على الميت لو قدمت صلى عليه أولا، وليست الجماعة شرطا
ولا العدد بل لو صلى الواحد أجزأ وإن كان امرأة، ويشترط حضور الميت لا ظهوره، فلو دفن
قبل الصلاة عليه صلى عليه يوما وليلة على رأي، ولو قلع صلى عليه مطلقا نعم تقديم
الصلاة على الدفن واجب إجماعا، والمسبون يكبر مع الإمام ثم يتدارك بعد الفراع فإن
خاف الفوات والى التكبير، فإن رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر ولو سبق الإمام
بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الإمام.
وإذا تعددت الجنائز تخير الإمام في صلاة واحدة على الجميع وتكرار الصلاة على
كل واحدة أو على كل طائفة، ولو حضرت الثانية بعد التلبس تخير بين الإتمام واستئناف
الصلاة على الثانية وبين الإبطال والاستئناف عليهما، والأفضل تفريق الصلاة على
664

الجنائز المتعددة وتجزئ الواحدة فينبغي أن يجعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب
وهكذا صفا مدرجا ثم يقف الإمام وسط الصف.
الفصل الرابع في الدفن:
والواجب فيه على الكفاية شيئان: دفنه في حفيرة تحرس الميت عن السباع وتكتم
رائحته عن الناس، واستقبال القبلة به بأن يضجع على جانبه الأيمن.
والمستحب وضع الجنازة على الأرض عند الوصول إلى القبر وأخذ الرجل من عند
رجلي القبر والمرأة مما يلي القبلة، وإنزاله في ثلاث دفعات وسبق رأسه والمرأة عرضا، وتحفى
النازل وكشف رأسه وحل أزراره وكونه أجنبيا إلا المرأة، والدعاء عند إنزاله وحفر القبر
قامة أو إلى الترقوة واللحد مما يلي القبلة، وحل عقد الأكفان من عند رأسه ورجليه، وجعل
شئ من تربة الحسين ع معه، وتلقينه والدعاء له وشرج اللبن والخروج من قبل
رجلي القبر، وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف مسترجعين، ورفع القبر أربع أصابع
وتربيعه وصب الماء عليه من قبل رأسه ثم يدور عليه وصب الفاضل على وسطه ووضع اليد
عليه، والترحم وتلقين الولي بعد الانصراف مستقبلا للقبر والقبلة بأرفع صوته والتعزية
وأقلها الرؤية له قبل الدفن وبعده.
الفصل الخامس: في اللواحق:
راكب البحر مع تعذر البر يثقل أو يوضع في وعاء بعد غسله والصلاة عليه ثم يلقى
في البحر. ولا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم إلا الذمية الحامل من مسلم ويستدبر بها
القبلة.
ويكره فرش القبر بالساج لغير ضرورة وإهالة ذي الرحم وتجصيص القبور
وتجديدها والمقام عندها والتظليل عليها ودفن ميتين في قبر واحد والنقل إلا إلى أحد
المشاهد والاستناد إلى القبر والمشي عليه.
ويحرم نبش القبر ونقل الميت بعد دفنه وشق الرجل الثوب على غير الأب والأخ، ويشق
665

بطن الميتة لإخراج الولد الحي ثم يخاط ولو انعكس أدخلت القابلة يدها وقطعته وأخرجته.
والشهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان وإن أصابهما الدم سواء قتل بحديد أو غيره،
ومقطوع الرأس يبدأ في الغسل برأسه ثم ببدنه في كل غسلة ويوضع مع البدن في الكفن بعد
وضع القطن على الرقبة والتعصيب فإذا دفن تناول المتولي الرأس مع البدن.
والمجروح بعد غسله تربط جراحاته بالقطن والتعصيب، والشهيد الصبي
أو المجنون كالعاقل، وحمل ميتين على جنازة بدعة، ولا يترك المصلوب على خشبته أكثر
من ثلاثة ثم ينزل ويدفن بعد تغسيله وتكفينه والصلاة عليه.
تتمة:
يجب الغسل على من مس ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل
وكذا القطعة ذات العظم منه، ولو خلت من العظم أو كان الميت من غير الناس أو منهم قبل
البرد وجب غسل اليد خاصة ولا يشترط الرطوبة هنا والظاهر أن النجاسة هنا حكمية،
فلو مسه بغير رطوبة ثم لمس رطبا لم ينجس، ولو مس المأمور بتقديم غسله بعد قتله
أو الشهيد لم يجب الغسل بخلاف من يمم ومن سبق موته قتله ومن غسله كافر، ولو كمل
غسل الرأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل ولا فرق بين كون الميت مسلما
أو كافرا.
المقصد العاشر: في التيمم: وفصوله أربعة:
الفصل الأول: في مسوغاته:
ويجمعها شئ واحد وهو العجز عن استعمال الماء وللعجز أسباب ثلاثة:
الأول: عدم الماء ويجب معه الطلب غلوة سهم في الحزنة وسهمين في السهلة من الجهات
الأربع إلا أن يعلم عدمه، ولو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم وصلى ولا إعادة وإن كان
مخطئا إلا أن يجد الماء في رحله أو مع أصحابه فيعيد، ولو حضرت أخرى جدد الطلب ما لم
يحصل علم العدم بالطلب السابق، ولو علم قرب الماء منه وجب السعي إليه ما لم يخف
666

ضررا أو فوت الوقت وكذا يتيمم لو تنازع الواردون وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد
فوات الوقت ولو صب الماء في الوقت تيمم وأعاد ولو صبه قبل الوقت لم يعد.
الثاني: الخوف على النفس أو المال من لص أو سبع أو عطش في الحال أو توقعه في المال
أو عطش رفيقه أو حيوان له حرمة أو مرض أو شين سواء استند في معرفة ذلك إلى الوجدان
أو قول عارف وإن كان صبيا أو فاسقا ولو تألم في الحال ولم يخش العاقبة توضأ.
الثالث: عدم الوصلة بأن يكون في بئر ولا آلة معه ولو وجده بثمن وجب شراؤه، وإن زاد عن
ثمن المثل أضعافا كثيرة ما لم يضر به في الحال فلا يجب وإن قصر عن ثمن المثل، ولو لم يجد
الثمن فهو فاقد وكما يجب شراء الماء يجب شراء الآلة لو احتاج إليها، ولو وهب منه الماء
أو أعير الدلو وجب القبول بخلاف ما لو وهب الثمن أو الآلة، ولو وجد بعض الماء وجب
شراء الباقي فإن تعذر تيمم ولا يغسل بعض الأعضاء، وغسل النجاسة العينية عن البدن
والثوب أولى من الوضوء مع القصور عنهما فإن خالف ففي الاجزاء نظر.
الفصل الثاني: فيما يتيمم به:
ويشترط كونه أرضا أما ترابا أو حجرا أو مدرا طاهرا خالصا مملوكا أو في حكمه،
فلا يجوز التيمم بالمعادن ولا الرماد ولا النبات المنسحق كالأشنان والدقيق، ولا
بالوحل ولا النجس ولا الممتزج بما منع منه مزجا يسلبه إطلاق الاسم ولا المغصوب، ويجوز بأرض
النورة والجص وتراب القبر والمستعمل والأعفر والأسود والأبيض والأحمر والبطحاء وسحاقة
الخزف والمشوي والآجر والحجر، ويكره السبخ والرمل، ويستحب من العوالي، ولو فقد
التراب تيمم بغبار ثوبه أو عرف دابته أو لبد السرج، ولو لم يجد إلا الوحل تيمم به، ولو لم
يجد إلا الثلج فإن تمكن من وضع يديه عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلا
وجب وقدمه على التراب وإلا تيمم به بعد فقد التراب، ولو لم يجد ماء ولا ترابا طاهرا
فالأقوى سقوط الصلاة أداء وقضاء.
667

الفصل الثالث: في كيفيته:
ويجب فيه النية المشتملة على الاستباحة دون رفع الحدث فيبطل معه، والتقرب،
وإيقاعه لوجوبه أو ندبه مستدامة الحكم حتى يفرع، ووضع اليدين على الأرض ثم مسح
الجبهة بهما من القصاص إلى طرف الأنف مستوعبا لها ثم ظاهر الكف الأيمن من الزند إلى
أطراف الأصابع مستوعبا ثم الأيسر كذلك، ولو نكس استأنف على ما يحصل معه الترتيب،
ولو أخل ببعض الفرض أعاد عليه وعلى ما بعده، ويستحب نفض اليدين بعد الضرب قبل
المسح ويجزئه في الوضوء ضربة واحدة وفي الغسل ضربتان، ويتكرر التيمم لو اجتمعا
ويسقط مسح المقطوع دون الباقي ولا بد من نقل التراب، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف
ولو يممه غيره مع القدرة لم يجزئ ويجوز مع العجز، ولو كان على وجهه تراب فردده بالمسح
لم يجزئ ولو نقله من سائر أعضائه جاز، ولو معك وجهه في التراب لم يجزئ إلا مع العذر
وينزع خاتمه ولا يخلل أصابعه.
الفصل الرابع: في الأحكام:
لا يجوز التيمم قبل دخول الوقت إجماعا ويجوز مع التضيق وفي السعة خلاف أقربه
الجواز مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه، ويتيمم للخسوف بالخسوف
وللاستسقاء بالاجتماع في الصحراء وللفائتة بذكرها، ولو تيمم لفائتة ضحوة جاز أن
يؤدى الظهر في أول الوقت على إشكال ولا يشترط طهارة البدن عن النجاسة، فلو تيمم
وعلى بدنه نجاسة جاز ولا يعيد ما صلاه بالتيمم في سفر أو حضر، تعمد الجنابة أو لا، منعه
زحام الجمعة أولا، تعذر عليه إزالة النجاسة عن بدنه أولا.
ويستباح به كلما يستباح بالمائية وينقضه نواقضها والتمكن من استعمال الماء فلو
وجده قبل الشروع بطل فإن عدم استأنف، ولو وجده بعد التلبس بتكبيرة الإحرام استمر
وهل له العدول إلى النفل؟ الأقرب ذلك. ولو كان في نافلة استمر ندبا فإن فقد بعده ففي
النقض نظر، وفي تنزل الصلاة على الميت منزله التكبير نظر فإن أوجبنا الغسل ففي إعادة
الصلاة إشكال.
668

ويجمع بين الفرائض بتيمم واحد ولو تيمم ندبا لنافلة دخل به في الفريضة، ويستحب
تخصيص الجنب بالماء المباح أو المبذول وييمم الميت ويتيمم المحدث، ولو انتهوا إلى ماء
مباح واستووا في إثبات اليد فالملك لهم وكل واحد أولى بملك نفسه، ويعيد المجنب تيممه
بدلا من الغسل لو نقضه بحدث أصغر، ويتيمم من لا يتمكن من غسل بعض أعضائه
ولا مسحه ومن يصلى على الجنازة مع وجود الماء ندبا ولا يدخل به في غيرها.
669

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
671

كتاب الطهارة
وهي لغة النظافة، وشرعا استعمال طهور مشروط بالنية، والطهور هو الماء والتراب.
قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
فالماء مطهر من الحدث والخبث وينجس بالتغيير بالنجاسة ويطهر بزواله إن كان
جاريا أو لاقى كرا قدره ألف ومائتا رطل بالعراقي، وينجس القليل والبئر بالملاقاة
ويطهر القليل بما ذكر، والبئر بنزح جميعه للبعير والثور والخمر والمسكر ودم الحدث
والفقاع، وكر للدابة والحمار و البقرة، وسبعين دلوا معتادة للإنسان، وخمسين للدم الكثير
والعذرة الرطبة، وأربعين للثعلب والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهر وبول الرجل،
وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلب، وعشر ليابس العذرة وقليل الدم،
وسبع للطير والفأرة مع انتفاخها وبول الصبي وغسل الجنب وخروج الكلب حيا، وخمس
لذرق الدجاج، وثلاث للفأرة والحية والوزغة، ودلو للعصفور.
ويجب التراوح بأربعة رجال يوما عند الغزارة، ووجوب نزح الجميع، ولو تعسر جمع
بين المقدر وزوال التغير.
مسائل:
المضاف ما لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه وهو طاهر غير مطهر مطلقا، وينجس
بالاتصال بالنجس، وطهره إذا صار مطلقا على الأصح، والسؤر تابع للحيوان، وتكره
673

سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة والحائض المتهمة والبغل والحمار
والفأرة والحية وولد الزنى.
الثانية: يستحب التباعد بين البئر والبالوعة
بخمس أذرع في الصلبة أو تحتية البالوعة وإلا فسبع، ولا تنجس بها وإن تقاربتا إلا مع العلم بالاتصال.
الثالثة: النجاسة عشرة: البول والغائط من غير المأكول ذي النفس، والدم والمني من
ذي النفس وإن أكل، والميتة منه، والكلب والخنزير والكافر والمسكر والفقاع. يجب
إزالتها عن الثوب والبدن، وعفي عن دم الجروح والقروح مع السيلان، وعن دون
الدرهم من غير الثلاثة، وتغسل الثوب مرتين بينهما عصر إلا في الكثير والجاري،
ويصب على البدن مرتين في غيرهما، وكذا الإناء فإن ولغ فيه كلب قدم عليهما مسحة
بالتراب، ويستحب السبع في الفأرة والخنزير والثلاث في الباقي، والغسالة كالمحل
قبلها.
الرابعة: المطهر عشرة: الماء مطلقا، والأرض باطن النعل وأسفل القدم، والتراب في
الولوغ، والجسم الطاهر في غير المتعدي من الغائط، والشمس ما جففته من الحصر
والبواري وما لا ينقل، والنار ما أحالته، ونقص البئر، وذهاب ثلثي العصير، والاستحالة
وانقلاب الخمر خلا، والإسلام. وتطهر العين والأنف والفم باطنها وكل باطن بزوال
العين. ثم الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم.
فهنا فصول ثلاثة:
الفصل الأول: في الوضوء:
وموجبه: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر و مزيل العقل
والاستحاضة.
وواجبه: النية مقارنة لغسل الوجه مشتملة على التقرب والوجوب والاستباحة،
وجرى الماء على ما دار عليه الإبهام والوسطى عرضا وما بين القصاص إلى آخر الذقن
طولا وتخليل خفيف الشعر، ثم اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع ثم اليسرى
674

كذلك، ثم مسح مقدم الرأس بمسماه، ثم مسح الرجل اليمنى ثم اليسرى بمسماه ببقية
البلل فيهما مرتبا مواليا بحيث لا يجف السابق.
وسننه: السواك، والتسمية، وغسل اليدين مرتين قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة،
والاستنشاق، وتثليثهما، وتثنية الغسلات، والدعاء عند كل فعل، وبدأة الرجل بالظهر
وفي الثانية بالبطن عكس المرأة. وتتخير الخنثى فيه، والشاك فيه في أثنائه يستأنف وبعده
لا يلتفت، وفي البعض يأتي به على حاله إلا مع الجفاف فيعيد وبعد انتقاله لا يلتفت،
والشاك في الطهارة محدث والشاك في الحدث متطهر وفيهما محدث.
مسائل:
يجب على المتخلي ستر العورة، وترك القبلة ودبرها، وغسل البول بالماء والغائط مع
التعدي، وإلا فثلاثة أحجار أبكار أو بعد طهارتها فصاعدا أو شبهها، ويستحب التباعد،
والجمع بين الطهرين، وترك استقبال النيرين والريح، وتغطية الرأس، والدخول
باليسرى، والخروج باليمنى، والدعاء في أحواله، والاعتماد على اليسرى، والاستبراء،
والتنحنح ثلاثا والاستنجاء باليسار، ويكره باليمنى وقائما ومطمحا وفي الماء والشارع
والمشرع والفناء والملعن والمثمرة وفئ النزال والجحرة والسواك والكلام والأكل
والشرب.
ويجوز حكاية الأذان وآية الكرسي وللضرورة.
الفصل الثاني: في الغسل:
وموجبه: الجنابة والحيض والاستحاضة مع غمس القطنة والنفاس ومس الميت
النجس آدميا والموت.
وموجب الجنابة: الإنزال، وغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا أنزل أولا، فيحرم عليه قراءة
العزائم، واللبث في المساجد، والجواز في المسجدين، ووضع شئ فيها، ومس خط
المصحف أو اسم الله تعالى أو النبي أو الأئمة ع، ويكره الأكل والشرب
675

حتى يتمضمض ويستنشق، والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب، وقراءة ما زاد على سبع
آيات، والجواز في المساجد.
وواجبه: النية مقارنة، وغسل الرأس والرقبة، ثم الأيمن ثم الأيسر، وتخليل مانع
وصول الماء، ويستحب الاستبراء والمضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاثا،
والموالاة، ونقض المرأة الضفائر، وتثليث الغسل، وفعله بصاع، ولو وجد بللا بعد
الاستبراء لم يلتفت وبدونه يغتسل، والصلاة السابقة صحيحة، ويسقط الترتيب
بالارتماس، ويعاد بالحدث في أثنائه على الأقوى.
وأما الحيض: فهو ما تراه المرأة بعد تسع وقبل ستين إن كانت قرشية أو نبطية وإلا
فالخمسون، وأقله ثلاثة متوالية وأكثره عشرة وهو أسود أو أحمر حار له دفع غالبا. ومتى
أمكن كونه حيضا حكم به ولو تجاوز العشرة، فذات العادة الحاصلة باستواء مرتين
تأخذها، وذات التمييز تأخذه بشرط عدم تجاوز حديه في المبتدئة والمضطربة، ومع فقده
تأخذ المبتدئة عادة أهلها، فإن اختلفن فأقرانها، فإن فقدن أو اختلفن فكالمضطربة في
أخذ عشرة من كل شهر وثلاثة من آخر أو سبعة سبعة.
ويحرم عليها الصلاة والصوم وتقضيه والطواف ومس القرآن ويكره حمله ولمس هامشه
كالجنب ويحرم اللبث في المساجد وقراءة العزائم وطلاقها ووطؤها قبلا عالما عامدا
فتجب الكفارة احتياطا بدينار في الثلث الأول ثم نصفه في الثلث الثاني ثم ربعه في
الثلث الأخير، ويكره قراءة باقي القرآن والاستمتاع بغير القبل، ويستحب الجلوس في
مصلاها بعد الوضوء وتذكر اسم الله تعالى بقدر الصلاة، ويكره لها الخضاب وتترك ذات
العادة برؤية الدم وغيرها بعد ثلاثة ويكره وطؤها بعد الانقطاع قبل الغسل على الأظهر
وتقضي كل صلاة تمكنت من فعلها قبله أو فعل ركعة مع الطهارة بعده.
وأما الاستحاضة: فهي ما زاد على العشرة أو العادة مستمرا أو بعد
اليأس أو بعد النفاس، ودمها أصفر بارد رقيق فاتر غالبا. فإذا لم تغمس القطنة تتوضأ لكل صلاة مع
تغيرها، وما يغمسها بغير سيل يزيد الغسل للصبح، وما يسيل تغتسل أيضا للظهرين ثم
للعشاءين وتغير الخرقة فيهما.
676

وأما النفاس: فدم الولادة معها أو بعدها وأقله مسماه وأكثره قدر العادة في الحيض
فإن لم يكن فالعشرة. وحكمها كالحائض، وتجب الوضوء مع غسلهن، ويستحب قبله.
وأما غسل المس: فبعد البرد وقبل التطهير ويجب فيه الوضوء.
القول في أحكام الأموات وهي خمسة:
الأول الاحتضار: ويجب توجيهه إلى القبلة بحيث لو جلس استقبل، ويستحب نقله إلى
مصلاه وتلقينه الشهادتين والإقرار بالاثني عشر عليهم السلام وكلمات الفرج وقراءة
القرآن عنده والمصباح إن مات ليلا، ولتغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه إلى جنبيه
ويغطى بثوب، ويعجل تجهيزه إلا مع الاشتباه فيصبر عليه ثلاثة أيام، ويكره حضور
الجنب أو الحائض عنده وطرح حديد على بطنه.
الثاني: الغسل: ويجب تغسيل كل مسلم أو بحكمه ولو سقطا إذا كان له أربعة
أشهر بالسدر ثم الكافور ثم القراح كالجنابة بالنية، والأولى بميراثه أولى بأحكامه والزوج
أولى مطلقا، وتجب المساواة في الرجولية والأنوثية في غير الزوجين ومع التعذر فالمحرم من
وراء الثياب فإن تعذر فالكافر والكافرة بتعليم المسلم، ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاثة
سنين مجردة وكذا المرأة، والشهيد لا يغسل ولا يكفن بل يصلى عليه وتجب إزالة النجاسة
عن بدنه أولا ويستحب فتق قميصه ونزعه من تحته وتغسيله على ساجة مستقبل القبلة
وتثليث الغسلات وغسل يديه مع كل غسلة ومسح بطنه في الأولتين وتنشيفه بثوب
وإرسال الماء في غير الكنيف وترك ركوبه وإقعاده وقلم ظفره وترجيل شعره.
الثالث: الكفن: والواجب مئزر وقميص وإزار مع القدرة، وتستحب الحبرة والعمامة
والخامسة وللمرأة القناع عن العمامة والنمط، ويجب إمساس مساجده السبعة بالكافور،
ويستحب كونه ثلاثة عشر درهما وثلثا ووضع الفاضل على صدره وكتابة اسمه وأنه
يشهد الشهادتين وأسماء الأئمة ع على العمامة والقميص والإزار والحبرة
والجريدتين من سعف النخل أو شجر رطب فاليمنى عند الترقوة بين القميص وبشرته
والأخرى بين القميص والإزار من جانبه الأيسر وليخط بخيوطه ولا تبل بالريق، وتكره
677

الأكمام المبتدأة وقطع الكفن بالحديد وجعل الكافور في سمعه وبصره على الأشهر،
ويستحب اغتسال الغاسل قبل تكفينه أو الوضوء.
الرابع: الصلاة عليه: وتجب على من بلغ ستا ممن له حكم الاسلام.
وواجبها: القيام والقبلة وجعل رأس الميت إلى يمين المصلي والنية وتكبيرات خمس
يتشهد الشهادتين عقيب الأولى ويصلى على النبي وآله عقيب الثانية ويدعو للمؤمنين
والمؤمنات عقيب الثالثة وللميت عقيب الرابعة وفي المستضعفين بدعائه والطفل لأبويه
والمنافق يقتصر على أربعة ويلعنه، ولا تشترط فيها الطهارة ولا التسليم، ويستحب إعلام
المؤمنين به ومشى المشيع خلفه أو إلى جانبيه والتربيع والدعاء والطهارة ولو متيمما مع
خوف الفوت والوقوف عند وسط الرجل وصدر المرأة على الأشهر والصلاة في المعتادة ورفع
اليدين في التكبير كله على الأقوى، ومن فاته بعض التكبير أتم الباقي ولاء ولو على القبر
ويصلى على من لم يصل عليه يوما وليلة أو دائما، ولو حضرت جنازة في الأثناء أتمها
ثم استأنف عليها، والحديث يدل على احتساب ما بقي من التكبيرات لهما ثم يأتي
بالباقي للثانية وقد حققناه في الذكرى.
الخامس: دفنه: والواجب مواراته في الأرض مستقبل القبلة على جانبه الأيمن،
ويستحب عمقه نحو قامة ووضع الجنازة أولا ونقل الرجل في ثلاث دفعات والسبق برأسه
والمرأة عرضا ونزول الأجنبي إلا فيها وحل عقد الأكفان ووضع خده على التراب وجعل
تربة معه وتلقينه والدعاء له والخروج من الرجلين والإهالة بظهور الأكف مسترجعين
ورفع القبر أربع أصابع وتسطيحه وصب الماء عليه من قبل رأسه دورا والفاضل على وسطه
ووضع اليد عليه مترحما وتلقين الولي بعد الانصراف، ويتخير في الاستقبال
والاستدبار، وتستحب التعزية قبل الدفن وبعده وكل أحكامه من فرض الكفاية أو ندبها.
الفصل الثالث: في التيمم:
وشرطه عدم الماء أو عدم الوصول إليه أو الخوف من استعماله، ويجب طلبه من
678

الجوانب الأربعة غلوة سهم في الحزنة وسهمين في السهلة، وتجب بالتراب الطاهر أو
الحجر لا بالمعادن والنورة، ويكره بالسبخة والرمل، ويستحب من العوالي.
والواجب: النية، والضرب على الأرض بيديه مرة للوضوء فيمسح بهما جبهته من
قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ثم ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى
أطراف الأصابع ثم اليسرى كذلك ومرتين للغسل ويتمم غير الجنب مرتين، ويجب في
النية البدلية والاستباحة والوجه والقربة، وتجب الموالاة، ويستحب نفض اليدين وليكن
عند آخر الوقت وجوبا مع الطمع في الماء وإلا استحبابا، ولو تمكن من الماء انتقض، ولو
وجده في أثناء الصلاة أتمها على الأصح.
679