الكتاب: تقريرات الحدود والتعزيرات
المؤلف: تقرير بحث الگلپايگاني ، لمقدس
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤) / نسخة مخطوطة (حجرية)

المجلد الثاني من كتاب
الحدود والتعزيرات من
تقريرات بحث السيد الأستاذ
آية الله الحاج السيد محمد رضا
الموسوي الگلپايگاني رضوان
الله تعالى عليه
1

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.
الحمد لله خالق البريات وبارئ النسمات وفاطر الأرض
والسماوات وصلى الله على سيد الكائنات وأشرف
المخلوقات محمد وآله وعترته أفضل العترات ولا سيما
سيدنا ومولانا الحجة ابن بالحسن صلوات الله عليه
وعلى أهل بيته ما دامت الأرض والسماوات.
أما بعد فيقول خادم أهل بيت العصمة و
الطهارة أقل الناس عملا وأكثرهم خطأ أو زللا المفتاق
إلى عفو ربه الوفي محمد هادي المقدس النجفي ابن
المرحوم المغفور له الحاج الشيخ على المقدس الرشتي
مولدا النجفي مسكنا ومد فنا: هذا هو المجلد الثاني
من كتاب الحدود والتعزيرات مما تلقيناه من أبحاث سيدنا
الأستاذ آية الله الحاج السيد محمد رضا الموسوي
الگلپايگاني مد ظله، ولعلي زدت على كلام الأستاذ
بما يسنح على خاطري الفاتر أو نقصت منه لأجل فوات
كلام الأستاذ عن خاطري أو عدم حضوري أحيانا
في مجلس المذاكرة، وأرجو من الله أن يعصمني من
2

الخطأ والزلل وأن يوفقني لا تمامه واكماله بجاه محمد وآله
9 ربيع الأول من السنة 1410 هجرية
المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي
(الباب الأول في حد المحارب:)
قال في الشرائع: المحارب كل من جرد السلاح لإخافة
الناس في بر أو بحر ليلا أو نهارا في مصر وغيره، وهل يشترط
كونه من أهل الربية؟ فيه تردد، أصحه أنه لا يشترط مع العلم
بقصد الإخافة انتهى.
وربما قيد المحارب بعضهم بمن يجرد السلاح لإخافة
الناس المسلمين احترازا عما إذا أخاف المشركين إلا
أن مطلقات الآية والروايات تدفع هذا التقييد، فإن
من أجاره الله ورسوله كالذمي أو المشرك الذي تحت
لواء الاسلام لا يجوز إخافته، وسكون إخافته محاربة لله و
لرسوله، ولنذكر بعض الروايات الواردة في هذه المسألة.
فمنها صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام قال:
3

من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص
منه ونفي عن تلك البلدة، ومن شهر السلاح في
مصر من الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال
ولم يقتل فهو محارب، فجزاءه جزاء المحارب، أمره
إلى الإمام، قال: وإن ضرب وقتل وأخذ المال
فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه
إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه، فقال
له أبو عبيدة: أرأيت إن عفى عنه أولياء المقتول،
فقال أبو جعفر عليه السلام: إن عفوا كان على الإمام
أن يقتله لأنه قد حارب وقتل وسرق، فقال أبو
عبدة: أرأيت إن عفى عنه أولياء المقتول -
إن يأخذوا منه الدية ويدعونه ألهم ذلك قال:
لا، عليه القتل (1).
ومنها رواية ضريس عنه عليه السلام قال: من حمل السلاح
بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة (2)
ومنها رواية سورة بن كليت قال قلت لأبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
4

عليه السلام: رجل يخرج من منزله يريد المسجد أو يريد
الحاجة، فيلقاه رجل ويستعقبه، فيضربه ويأخذ ثوبه
قال: أي شئ يقول فيه من قبلكم؟ قلت: يقولون
هذه دغارة معلنه، إنما المحارب في قرى مشتركة
فقال: أيهما أعظم حرمة دار الاسلام أو دار الشرك؟
قال: فقلت: دار الاسلام، فقال: هؤلاء من أهل
هذه الآية: أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
إلى آخر الآية (1).
ومنها رواية جابر عنه عليه السلام قال: من أشار بحديدة
في مصر قطعت يده، ومن ضرب بها قتل (2).
ومنها ما عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال: مسألته عن رجل يشهر إلى صاحبه
بالرمح والسكين، فقال: أن كان يلعب فلا بأس (3).
وهل يصدق المحارب على من يحمل العصا أو الحجر
أو البكس ونحو ذلك لا خافة الناس؟ قيل: نعم لاطلاق

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 3 - 1.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 3 - 1.
5

الآية، إلا أنه مشكل لعدم اطلاق السلاح على مثل ذلك
لكن في رواية السكوني عن الصادق عن أبيه عن علي
عليهم السلام أنه قال في رجل أقبل بنار يشعلها في دار قوم
فاحترقت واحترق متاعهم: إنه يغرم قيمة الدار وما
فيها، ثم يقتل (1).
فيستفاد من الرواية التعميم ولو على إرادة المجاز من اطلاق
السلاح على مطلق ما يوجب إخافة الناس أو ايذائهم
أو ايقاع الضرر المالي أو البدني عليهم ولو كان نارا أو عصا
أو حجرا أو غير ذلك، وعلى أي حال فيعتبر في حمل السلاح
قصد الإخافة، فلو حمله عبثا أو لعبا أو لا رعاب عدوه
من دون أن يحصل خوف الناس منه فليس بمحارب
كما ظهر ذلك من رواية قرب الإسناد المتقدمة،
وأماما عن الروضة البهية من أنه قال: قصد الإخافة
أم لا على القولين، فلا ريب في أنه شاذ، وإن
أمكن أن يستدل له باطلاق الأدلة إلا أنها منزلة - ولو
بقرينة الفتاوى والغلبة ودرء الحد بالشبهة والانسباق
إلى الذهن - على ما إذا قصد الإخافة لا مطلقا، و

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المحارب الحديث 4.
6

هل يشترط في صدق المحارب أن يكون من أهل الربية
- أي موردا للتهمة - أم لا قيل: نعم لدلالة ظاهر رواية
ضريس على ذلك، فإنه عليه السلام قال: من حمل السلاح
بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل
الربية (1)
إلا أن الظاهر أنه لا يشترط أن يكون من أهل
الربية، فإن الذي يكون قصده من حمل السلاح إخافة
الناس أو سلهم أو أخذ أموالهم أو قتلهم أو إخافة السبيل
يصدق عليه بحسب الطلقات أنه محارب وإن
كان قبل ذلك من أهل الصلاح والديانة إلا أنه صار
فعلا محاربا من أهل الفساد
نعم يمكن مطلق حامل السلاح بمجرده
محاربا من دون أن لا يعلم قصد وأنه هل يكون قصده
من ذلك قطع الطريق أو إخافة السبيل أم يكون
قصده اللعب والعبث أو دفع العدو الاحتمالي عن
نفسه - فإنه لا يعد بذلك محاربا فيدر الحد عنه

(1) الوسايل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
7

بالشبهة حينئذ، فبذلك يمكن أن تحمل رواية ضريس المتقدمة
على مثل هذا الشخص والله العالم
ثم قال: في الشرائع ويستوي في هذا الحكم الذكر
والأنثى إن اتفق انتهى ووجه الاستواء هو اشتراك
الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى ولا ينافي
ذلك اختصاص لفظ الآية - أعني قوله تعالى:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الخ - بالذكور
لأن الآية نظير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود الخ فإن من العلوم عدم اختصاص وجوب
الوفاء بالعقود - بالذكور خلافا للإسكافي فاعتبر
الذكورة ولصاحب السرائر.
فإنه قال - على ما حكي عنه -: ولم أجد لأصحابنا
المصنفين قولا في قتل النساء في المحاربة، والذي يقتضيه
أصول مذهبنا أن لا يقتلن إلا بدليل قاطع، فأما
تمسكه (أي الشيخ في الخلاف والمبسوط) بالآية
فضعيف لأنها خطاب الذكور دون الإناث
ومن قال: تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق
8

التبع فذلك مجاز، والكلام في الحقائق، والمواضع
التي دخلن في خطاب الرجال فبالاجماع دون غيره الخ
إلا أنه قال في آخر كلامه: قد قلنا: إن أحكام المحاربين
تتعلق بالنساء والرجال سواء، على ما تقدم من العقوبات
لقوله تعالى: إنما جزاء الدين الآية، ولم يفرق بين الرجال
والنساء، فوجب حملها على العموم انتهى.
أقول: إن بين صدر كلامه وذيله مناقضه ظاهرة
والصحيح هو ما في ذيل كلامه، فإن النساء أيضا يقتلن
في القصاص، والزناء المحصن وغير ذلك كالرجال
ولفظ الآية والرواية كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
طلب العلم فريضة على كل مسلم " وإن كان بلفظ
المذكر إلا أنه من باب تغليب الذكر على الأنثى، لا
اختصاص الحكم بالذكر، والدليل القاطع هنا موجود
وهو اشتراك الذكر والأنثى في جميع الأحكام الاسلامية
إلا في الموارد الاستثنائية، كالحيض والنفاس والجهر
والاخفات،
9

ثم قال: في الشرائع: وفي ثبوت هذا الحكم للمجرد
(سلاحه) مع ضعفه عن الإخافة تردد، أشبهه الثبوت
ويجتزأ بقصده انتهى.
أما وجه ثبوت حكم المحاربة على الضعيف عن الإخافة
مع قصده لها فلاطلاق الآية الدالة على أن من شهر
سلاحه لإخافة الناس فهو محارب فإنه قد شهر
سلاحه وكان المفروض أن قصده إخافة الناس
وكذا الروايات المطلقة.
وأما وجه عدم ثبوت حكم المحارب له فلأن
ظاهر الآية والروايات والمحارب الذي يحارب
الناس ويأخذ أموالهم ويسلبهم أو يقتلهم فالضعيف
الذي لا يتمكن من أي مقاومة لا يصدق عليه
المحارب وإن قصد المحاربة مع فرض عدم خوف
أي أخد منه.
لكن يمكن أن يقال: إن كل ضعيف يكون ضعيفا
بالنسبة إلى من هو أقوى منه إلا أنه قوي بالنسبة إلى
من هو أضعف منه، فيمكن أن يفرض كونه محاربا
للأضعف منه، فحينئذ يجرى حكم المحارب على الضعيف
10

أيضا إذا كان من قصده المحاربة وصار سببا لا خافة
السبيل ولو بالنسبة إلى من هو أضعف منه، نعم إذا
كان بمكان من الضعف بحيث لا يخاف منه
أي أحد أصلا ولا يتحقق منه إخافة السبيل لا يترتب
عليه حكم المحارب إذا حمل السلاح إلا إن هذا الفرض
فرض نادر كالمعدوم.
(وينبغي التنبيه على أمور:)
الأول: إن المحارب من يسعى في الأرض
بالفساد جهادا ويسلب الناس ويأخذ أموالهم ويقتلهم
علانية، فلا يصدق المحارب على الذي يأخذ أموالهم
خفية أو نهبا، وإن قتل أو جرح للتخلص من صاحب المال
حذرا من أن يقبض عليه، فإنه يصدق عليه السارق
أو الناهب أو المنتهب، ولا يترتب عليه أحكام المحارب.
قال في الجواهر: لكن قد يناقش في بعض الأفراد
بصدق تجريد السلاح بصدق الإخافة وإن خاف
هو ممن هو أقوى منه، إذ ذلك لا ينافي صدق محاربته
11

لمن جرد سلاحه لا خافته كي يسلب ما له أو يقتله
أو يجرحه انتهى.
إلا أن هذا الفرض خارج عما نحن فيه فإن هذا الفرض
قد اجتمع فيه عنوانان عنوان المحاربة وعنوان السرقة
وكلا منا إنما هو في ما إذا لم يصدق عليه عنوان المحاربة
بل عنوان النهب والسرقة فقط.
(الثاني:)
أنه لا يثبت هذا الحكم في الطليع والردء قاله في الشرائع
أما الطليع فهو المراقب للمارة ليخبر المحاربين من يقطع الطريق
عليهم أو يخبرهم بالقافلة التي يريدون سلبها وقتلها وأخذ
أموالها، وأما الردء فهو المعين لضبط الأموال أو لمآربهم
اللا اسلامية من دون أن يكون مشاركا لهم في المحاربة
وسلب الناس وأخذ أموالهم، كأن يكون طباخا لهم أو حمالا
لا متعتهم ونحو دلك فإنه لا يصدق على كل واحد منهما
أنه محارب وإن كان شريكا في جرائمهم ومآثمهم
خلافا لأبي حنيفة فإنه قد سوى بين المباشر وغيره
لكن فساده واضح، نعم إذا كان مدار الحكم على الافساد
يصدق عليهما ذلك أيضا إلا أن اتفاق الفتاوي
12

على اعتبار تحقق المحاربة.
(الأمر الثالث:)
اعتبار قصد الإخافة لإرادة الفساد في الأرض في
تحقق معنى المحاربة كما عرفت ذلك سابقا، وهل يكفي
قصد إخافة شخص خاص لعداوة كانت بينهما أو لغرض
من الأغراض النفسانية أو لا يعتبر ذلك لتحقق مفهوم
المحاربة بذلك أيضا؟ لا يبعد أن نقول بالاطلاق
كما يشعر بذلك الخبر المروى عن قرب الإسناد عن علي
بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل
يشهر إلى صاحبه بالرمح والسكين، فقال: إن كان يعب
فلا بأس (1).
فإنه يستشعر منه بأنه إذا كان بقصد المحاربة فهو محارب
وكذا رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام
قال في رجل أقبل بنار يشعلها في دار قوم فاحترقت
واحترق متاعهم: أنه يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل (2)

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 4، والباب 3 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المحارب الحديث 4، والباب 3 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
13

وهذه الرواية يستفاد منها أن المحاربة صادقة فيما إذا
حاربت جماعة مع جماعة أخرى لغرض من الأغراض
الدنيوية كالنزاع في المياه أو الأراضي ولو كانت
المحاربة تنجر إلى إلقاء النار في دار قوم أو متاعهم فإن المحارب
يقتل بعد ما يأخذون منه غرامة الدار المحترقة وغرامة المتاع
المحترق، إلا أنه يشكل اطلاق المحارب بالمعنى المصطلح
في لسان الفقهاء والأخبار من أن المراد منه قطاع الطريق
أو الحاملين للأسلحة لأجل إخافة الناس - على مثل هذا
الشخص الذي أحرق دار الناس ومتاعهم اللهم إلا أن
يقال: قد وسع الإمام عليه السلام المحارب إلى مثل هذا
الشخص أيضا فإنه وإن لم يكن محاربا بحسب الاصطلاح
إلا أنه يترتب عليه أحكام المحارب أو تحمل الرواية على ما
إذا استلزم احراق الدار على احتراق نفس من النفوس
المحترمة والله والعالم وهذا الاشكال وجوابه لم يذكر هما الأستاذ
دام علاه.
وقال في الشرائع أيضا: وتثبت هذه الجناية بالاقرار
ولو مرة وبشهادة عدلين ولا تقبل شهادة النساء منفردات
ولا مع الرجال انتهى، أما القرار فيكفي مرة واحدة
14

ولا يعتبر هنا التعدد لعموم الأدلة أو اطلاقها، كقوله عليه السلام:
إقرار العقلاء على أنفسهم " جائز ولزوم التعدد في بعض
الموارد كالزنا واللواط إنما كان لأجل دلالة الدليل في
ذلك المورد، ولا دليل هنا يدل على التعدد، فنأخذ
باطلاق الاقرار، بل يمكن التمسك لنفي التعدد برواية
محمد بن الصلت الآتية (1).
وأما شهادة رجلين عدلين فتدل على ذلك عمومات
الكتاب والسنة كقوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من
رجالكم " الآية، وأما عدم كفاية شهادة النساء لا منفردات
ولا منضمات مع الرجال فلعدم جواز شهادة النساء في الحدود
إلا في الموارد التي ورد النص فيها كالأمور المختصة بالنساء
كالبكارة ونحوها أو العيوب المتعلقة بها كما تقدم تفصيل
ذلك في كتاب الشهادات.
ثم قال في الشرائع: ولو شهد بعض اللصوص على بعض
لم تقبل، وكذا لو شهد المأخوذون بعضهم لبعض، أما لو
قالوا: عرضوا لنا وأخذوا هو لا قبل، لأنه لا ينشأ من ذلك

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب كتاب الشهادات الحديث 2.
15

تهمة تمنع الشهادة انتهى.
أما وجه عدم قبول شهادة اللصوص بعضهم لبعض
فلأجل فسقهم وهو واضح، وأما عدم قبول شهادة المأخوذين
بعضهم لبعض فلأجل التهمة بأن يقولون: إن هؤلاء
- أي اللصوص - قد تعرضوا لنا وأخذ وا منا جميعا
فإن شهادتهم تكون شهادة لأنفسهم أيضا كما أن شهادتهم
شهادة لرفقتهم، والشهادة لأنفسهم غير مقبولة.
مضافا إلى رواية محمد بن الصلت أنه سأل
الرضا عليه السلام عن رفقة كانوا في طريق، فقطع عليهم الطريق
وأخذ وا اللصوص، فشهد بعضهم لبعض، قال: لا تقبل
شهادتهم إلا باقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم
عيلهم (1).
وأما وجه قبول شهادة بعضهم لبعض إذا شهدوا
لرفقتهم فقط من دون إدخال أنفسهم في الرفقة بأن يقولوا
قد تعرض اللصوص لنا وأخذوا من هؤلاء أمتعتهم
سواء قالوا: لم يأخذوا منا شيئا أو لم يذكروا أنفسهم
أصلا فإنه لا مانع من قبول شهادتهم لعدم وجود التهمة

(1) الوسائل الباب 27 من كتاب الشهادات الحديث 2.
16

وأما إذا شهد هؤلاء لأولئك، وأولئك لهؤلاء
فعن كشف اللثام: ولو لم يتعرض الشهود لأخذ أنفسهم
بل قالوا: عرضوا - أي اللصوص - لنا جميعا وأخذوا
هؤلاء قبل إن لم ينعكس الأمر قطعا.
وكذا إن انعكس بأن قال المشهود لهم أيضا: إنهم
عرضوا لنا وأخذوا هؤلاء في وجه، كما إذا شهد بعض
المديونين لبعضهم وبالعكس، والوجه الآخر عدم
السماع حينئذ لحصول التهمة،
واطلاق الخبر بل الشهادتان حينئذ من القسم
الأول بعينه، فإنها لا شهادة إلا مع الدعوى، فلا تسمع
شهادة الأولين إلا إذا كان الآخرون ادعوا الأخذ
ولا شهادة الآخرين إلا إذا ادعى الأولون الأخذ
وهو كاف في حصول التهمة إن سلمت، ولا مدخل فيها
لخصوص الذكر في الشهادة إلا أن يدعى أن التهمة حينئذ
أظهر انتهى.
ومراده قدس سره بالقسم الأول هو ما إذا قالوا:
تعرضوا - أي اللصوص - لنا وأخذوا منا جميعا
17

فإنه كما تتضمن هذه الشهادة الشهادة لأنفسهم - كما ذكرنا
وهي غير مقبولة فكذا ما نحن فيه يكون من هذا القبيل
فإن شهادة هؤلاء لأولئك وشهادة أولئك
لهو لا تكون مظنة للتهمة مفاضا إلى اطلاق الخبر
الذي أشار إليه في كشف اللثام وهو خبر محمد بن
الصلت المتقدم آنفا، فالأقوى هو الوجه الثاني إي
عدم قبول شهادة هؤلاء لأولئك إذا انعكس الأمر
أي شهد أولئك لهؤلاء أيضا
ثم قال في الشرائع: وحد المحارب القتل أو الصلب
أو القطع مخالفا أو النفي، قد تردد فيه الأصحاب
فقال المفيد بالتخيير، وقال الشيخ أبو جعفر بالترتيب
يقتل إن قتل، ولو عفى ولي الدم قتله الإمام
ولو قتل وأخذ المال استعيد منه، وقطعت يده
اليمنى ورجله اليسرى، ثم قتل وصلب، وإن أخذ
المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي، ولو جرح ولم يأخذ
المال اقتص منه ونفي، ولو اقتصر على شهر السلاح
نفي لا غير انتهى
18

ولا بد أولا من ذكر الآية المباركة الواردة في هذه
المسألة، ثم نتبعها بالروايات المعتبرة
أما الآية فهي قول الله عز وجل: إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم
من خلاف أو ينفوا من الأرض الآية (1).
وأما الروايات فمنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: من شهر السلاح في مصر من الأمصار
وضرب وعقر وأخذ المال، ولم يقتل فهو محارب
فجزاءه جزاء المحارب وأمره إلى الإمام، إن شاء قتله و
صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال: وإن ضرب وقتل
وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة
ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه
قال فقال له أبو عبيدة: أرأيت إن عفى عنه أولياء المقتول
قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إن عفوا عنه كان على الإمام

(1) سورة المائدة الآية 33.
19

أن يقتله، لأنه قد حارب وقتل وسرق، قال: فقال
أبو عبيدة: أريت إن أراد أولياء المقتول أن يأخذ
منه الدية ويدعونه ألهم ذلك؟ قال: لا، عليه القتل (1)
ومنها حسنة بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله " قال: ذلك إلى الإمام يفعل
ما شاء، قلت: فمفوض ذلك إليه؟ قال: لا، ولكن
نحو الجناية (2).
ويفسر هذه الرواية رواية عبيد بن بشر الخثعمي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قاطع الطريق وقلت:
الناس يقولون: إن الإمام فيه مخير أي شئ شاء
صنع، قال: ليس أي شئ شاء صنع ولكنه يصنع
بهم على قدر جنايتهم: من قطع الطريق، فقتل وأخذ
المال قطعت يده ورجله وصلب، ومن قطع الطريق
فقتل ولم يأخذ المال قتل، ومن قطع الطريق فأخذ المال
ولم يقتل قطعت يده ورجله، ومن قطع الطريق فأخذ المال
ولم يقتل قطعت يده ورجله، ومن قطع الطريق فلم يأخذ
مالا ولم يقتل نفي من الأرض (3).
ومعنى هاتين الروايتين - على الظاهر - أنه ليس

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 2.
20

أنه ليس المراد بكون الإمام عليه السلام مخيرا في إقامة أي
حد من الحدود الأربعة على المحارب أنه مخير في
إقامة أي منها لأي محارب كان، بل المراد أنه يختار
أي حد يكون مناسبا للجناية الصادرة من المحارب
والحاصل أنه مخير من ناحية الله تعالى أن يختار الحد
الذي يكون مناسبا لجناية المحارب، فإذا حارب وقتل
وأخذ المال يقتل ويصلب، وإذا حارب ولم يقتل أحدا
بل أخذ المال فقط فلا يقتل بل تقطع يده اليمنى ورجله
اليسرى، وإذا شهر السلاح وأخاف الناس إلا أنه لم يقتل
ولم يأخذ المال نفي من الأرض التي هو فيها إلى أرض
أخرى كما دلت على ذلك الروايات المقدمة والقادمة.
ومنها رواية عبيد الله المدايني عن مولانا الرضا
عليه السلام قال: سئل عن قول الله عز وجل " إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساد " الآية
فما الذين إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟
فقال: إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض
21

فسادا فقتل قتل به، وإن قتل وأخذ المال
قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت
يده ورجله من خلاف، وأن شهر السيف وحارب
الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل
ولم يأخذ المال نفي من الأرض (1) الحديث.
ومنها رواية داود الطائي عن رجل من أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحارب
وقلت له: إن شاء صلب وإن شاء قتل
فقال: لا، أن هذه أشياء محدودة في كتاب الله عزو
جل:
فإذا ما هو قتل وأخذ قتل وصلب، وإذا قتل و
لم يأخذ قتل، وإذا أخذ ولم يقتل قطع، وإن هو فر
ولم يقدر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب فإن تاب
لم يقطع (2).
ومنها ما عن تفسير العياشي عن أحمد بن الفضل
الخاقاني من آل رزين قال: قطع الطريق بحلولا على

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 4 - 6.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 4 - 6.
22

السابلة من الحجاج وغيرهم أفلت القطاع إلى أن قال:
وعليهم العامل حتى ظفر بهم ثم كتب بذلك إلى المعتصم
فجمع الفقهاء وابن أبي داود، ثم سأل الآخرين عن الحكم
فيهم، وأبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام حاضر، فقالوا:
قد سبق حكم الله فيهم في قوله " أنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا
أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا
من الأرض " ولأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء
منهم (منها ظ).
قال: فالتفت إلى أبي جعفر عليه السلام وقال: أخبرني بما
عندك، قال: إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به، والذي يجب
في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين
قطعوا الطريق، فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا
أحدا ولم يأخذوا مالا أمر بايداعهم الحبس فإن ذلك
معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل، وإن كانوا أخافوا
السبيل وقتلوا النفس أمر بقتلهم، وإن كانوا أخافوا السبيل
وقتلوا النفس وأخذوا المال أمر بقطع أيديهم وأرجلهم
23

من خلاف، وصلبهم بعد ذلك، فكتب إلى العامل
بأن يمتثل ذلك فيهم (1)
وحاصل ما يستفاد من هذه الروايات الكثيرة
المعمول بها عند أكثر الأصحاب أن المحارب إذا حارب
الله ورسوله وأخاف السبيل وقطع على الناس الناس الطريق
وقتل وأخذ المال - قتل وصلب بعد ما يرد الأموال
إلى أصحابها.
وأن لم يقتل بل أخذ المال فقط تقطع يده اليمنى
ورجله اليسرى وهو معنى قوله تعالى: أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف أما قطع اليد اليمنى فالأجل السرقة
وأما الرجل اليسرى فلأجل المحاربة، وإذا لم يقتل ولم
يأخذ المال بل شهر السلاح وأخاف السبيل فقط
فحكمه أن ينفى من الرض بأن ينفى من مصر إلى
مصر آخر أو يودع في السجن ويكفى شره عن الناس.
إلا أنه قال في الشرائع: واستند في التفصيل
إلى إلا حديث الدالة عليه، وتلك الأحاديث
لا تنفك من ضعف في اسناد أو اضطراب في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 8.
24

متن أو قصور في دلالة، فالأولى العمل بالأول تمسكا
بظاهر الآية انتهى وتبعه في ذلك صاحب الرياض
فإنه قال في - محكى كلامه -: لم أجد حجة على شئ من
هذه الكيفيات من النصوص، وإن دل أكثرها على
الترتيب في الجملة، لكن شئ منها لا يوافق شيئا منها، فهي
شاذة مع ضعف أسانيدها جملة انتهى
لكن قال في الجواهر: وفيه أن الشهرة والاجماع المحكيين
السابقين والتعاضد والاستفاضة والمخالفة كما في
الثلاث ويومئ إليه بعض النصوص وغير ذلك -
يجبر ذلك انتهى موضع الحاجة
وحاصل ما نذكره نحن هنا أن ضعف الأخبار
- إن كان فيها ضعف - منجبر بعمل أكثر الأصحاب
مضافا إلى أن بعض تلك الأخبار صحيحة أو معتبرة
كصحيحة محمد بن مسلم (1) وحسنة بريد (2) المتقدمتان، مع
أن القول بالتخيير بين هذه الحدود مستلزم لمساواة المحارب
الذي قتل نفسا مع الذي لم يقتل ولم يأخذ المال

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 2.
25

بل شهر السلاح فقط في كون كليهما يتخير فيه الحاكم أحد
الأربعة - أي القتل أو الصلب أو قطع يده ورجله من
خلاف أو نفيه من الأرض، وهذا بعيد لا يوافقه
العقل بل يخالفه النقل.
وأما قصور الدلالة أو الاضطراب في المتن
فالاختلاف إنما وقع - في الجملة - بين صحيحة محمد بن
مسلم (1) ورواية أبي صالح (2) مع سائر الروايات.
أما صحيحة محمد بن مسلم فإنه قال (ع): من شهر
السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه، ونفي
من تلك البلدة، ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار
وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهو محارب، فجزاءه جزاء
المحارب، وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه
وإن شاء قطع يده ورجله (3) الحديث، فيستفاد من هذه
الرواية وجوب قتل المحارب أو قطع يده ورجله من خلاف
وإن لم يقتل أحدا وهو مخالف لسائر الروايات.
وأما رواية أبي صالح فهي ما رواه عن مولانا الصادق
عليه السلام قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوم

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 1 - 7.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 1 - 7.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 1 - 1 - 7.
26

من بني ضبة مرضى، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و
آله: أقيموا عندي، فإذا برأتم بعثتكم في سرية فقالوا:
أخرجنا من المدينة، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون
من أبوالها ويأكلون من ألبانها، فلما برؤا واشتدوا
قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل، فبلغ رسول الله صلى
الله عليه وآله.
فبعث إليهم عليا عليه السلام وهم في واد قد تحيروا
ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريبا من أرض اليمن
فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فنزلت هذه الآية " إنما جزاء الذين يحاربون الله و
رسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض فاختار رسول الله صلى الله عليه وآله القطع
فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (1).
فدلت هذه الرواية على أن الإمام مختار بالنسبة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 7.
27

إلى المحارب فيجوز أن يختار له أحد الحدود الأربعة
وإن كان المحارب قد قتل النفس المحترمة.
إلا أنه لالتزام بمفاد هاتين الروايتين
فإن رواية محمد بن مسلم - وإن كانت صحيحة - إلا
أنه لا يمكن الالتزام بمفاد صدرها فإنه مخالف للأخبار
الكثيرة المعمول بها عند أكثر الأصحاب، فلا بد من رفع
اليد عن ظاهر صدر هذه الرواية
وأما رواية أبي صالح فهي - مضافا إلى ضعف
سندها - يمكن حملها على أنها قضية في واقعة لا يعلم
وجهها، فيحتمل أن يكون عدم قتل النبي صلى الله
عليه وآله لهم - مع أنهم كانوا قاتلين لثلاثة أنفس - لأجل
مصالح هامة قد خفيت عينا مضافا إلى أنها موافقة
للعامة القائلين بمساواة الحدود الأربعة لجميع أقسام
المحاربين والله العالم
فحينئذ الأقوى هو القول بالترتيب في هذه الحدود
الأربعة لا التخيير، فالقتل والصلب يكونان على المحارب
الذي قتل وأخذ المال، وقطع اليد اليمنى والرجل
اليسرى يكونان على الذي قطع الطريق وأخذ المال
28

والنفي يكون على الذي شهر السلاح وأخاف السبيل
إلا أنه لم يقتل ولم يأخذ المال.
قال في الشرائع: (هنا مسائل:)
(الأولى:)
إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله قودا
إن كان المقتول كفؤا، ومع عفو الولي حدا سواء كان
المقتول كفؤا أم لم يكن، ولو قتل لا طلبا للمال كان كقاتل
العمد وأمره إلى الولي، أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص
إلى الولي، ولا يتحتم القصاص في الجرح بتقدير أن
يعفو الولي على الأظهر انتهى.
أما إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال فإن وجوب
قتله بعنوان القصاص حتما وجزما واضح فإنه قتل نفسا
متعمدا، فعلى ولي المقتول أن يقتص منه لقوله تعالى:
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا (1)، وأما
إذا عفى الولي عن قتله بأن أخذ منه الدية أو عفى عن الدية
أيضا ووهبها له فإن المحارب يقتل أيضا بعنوان الحد

(1) سورة الأسرى الآية 22.
29

حد المحارب لا القصاص سواء كان المقتول كفؤا
للقاتل أم غير كفؤ كما إذا كان ولدا للقاتل أو كان كافرا
أو عبدا فإن الأب أو المسلم أو الحر لا يقتل للولد
أو للكافر أو للعبد بعنوان القصاص بل يؤخذ من
القاتل الدية، نعم يقتل بعنوان حد المحارب
لكن هذا الذي ذكره في الشرائع من قتل المحارب
على أي حال إذا قتل غيره طلبا للمال يرد عليه أو لا أنه
مخالف لما اختاره سابقا من أن الإمام (ع) مخير من
إقامة أي من الحدود الأربعة المذكورة في الآية
على المحارب، فهل رجع هنا صاحب الشرائع عن
فتواه هناك أم تكون هذه المسألة متفاوتا حكمها
عن المسألة السابقة؟ مع أن هذه المسألة أحد مصاديق
تلك المسألة.
وثانيا ما الدليل على الفرق بين المحارب الذي
قتل طلبا للمال والذي قتل لا لطلب المال مع صدق
المحارب على كل منهما؟ مع أنه يظهر من كلامه قدس
سره أنه إذا قتل لا لطلب المال فإنه كقاتل العمد
30

وأمره إلى الولي: إن شاء قتله، وإن شاء عفى عنه بالدية
أو بغيرها، وليس عليه شئ سوى ذلك، مع أن
الأمر ليس على ما ذكره رحمه الله فإنه على فرض عفو الولي
عنه لا يسقط عنه القتل بعنوان المحارب كما هو واضح
وأما إذا جرح سواء كان لطلب المال أو كان
لغيره فإن القصاص إلى المجروح أو إلى وليه، فإن شاء
اقتص منه، وإن شاء أخذ الدية أو عفا عنه بدون الدية
وهل يكون على الجارح حد المحارب؟ قال في الشرائع:
ولا يتحتم القصاص بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر "
ومراده بالقصاص هنا هو الحد المفروض على المحارب
وهو أحد الحدود الأربعة للمحارب المذكورة في الآية
وظاهر كلامه قدس سره أنه يجوز أن يقتص منه بعنوان
الحد إلا أنه لا يتحتم خلافا لبعضهم من القول بتحتمه
عليه لكونه محاربا.
وليس هذا بأقل من المحارب الذي شهر السلاح
ولم يقتل ولم يأخذ المال بل اكتفى فقط بشهر السلاح
31

فإنه عليه النفي كما تقدم وهل يكون الجارح أقل من الذي
شهر السلاح فقط؟ مضافا إلى دلالة صدر صحيحة
محمد بن مسلم المتقدمة على ذلك - أي على المحارب
الجارح الحد فإنه قال: من شهر السلاح في مصر من
الأمصار فعقر اقتص منه ونفي عن البلد (1) الحديث
والمراد بالعقر الجرح، وهذا القول - أي وجوب
الحد عليه هو الأقوى
ثم إنه لا معنى لقوله قدس سره: ولا يتحتم الخ
فإنه أما أن يجوز أن يقام عليه الحد أولا، فإن جاز
فهو محتوم وواجب عليه وإلا فلا يجوز، وعلى فرض عدم
وجوب الحد عليه إن فرض كون الجرح قطع اليد اليسرى
مثلا أو رجل اليمنى للمجروح مع أخذ ديتها أو عفو الولي
أو اقتص منه وقلنا بالترتيب ففي الجواهر اتجه حينئذ
تحتم القطع وكذا لو كان القصاص في أحد عضوي الحد
فإنه يكمل الحد حينئذ بقطع الآخر في الفرض المزبور
كفاقد أحد العضوين انتهى.
وفيه أنه بناءا على عدم وجوب حد المحارب على
32

المحارب الذي قد جرح الآخر، نعم عليه القصاص أو
الدية - لا دليل حينئذ على تحتم القطع عليه إذا قطع
اليد اليسرى أو الرجل اليمنى، وأما بناءا على ما اخترناه
من تحتم القطع عليه بعنوان حد المحارب يتجه حينئذ
ما ذكره قدس سره والله العالم
المسألة (الثانية:)
وفي الشرائع أيضا إذا تاب قبل القدرة عليه سقط
الحد ولم يسقط ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل
والجرح والمال، ولو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه
حد ولا قصاص ولا غرم انتهى.
أما إذا تاب قبل أن يقدر عليه وسقط الحد عنه
فلقوله تعالى: ألا الذين تابوا من قبل أن تقدروا
عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (1). مضافا إلى مرسلة
الطائي عن رجل من أصحاب عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن المحارب وقلت له: إن أصحابنا يقولون: إن

(1) سورة المائدة الآية 34.
33

الإمام مخير فيه، إن شاء قطع وإن شاء صلب، وإن
شاء قتل، فقال: إن هذه محدودة في كتاب
الله عز وجل، فإذا ما هو قتل وأخذ قتل وصلب
وإذا قتل ولم يأخذ قتل، وإذا أخذ ولم يقتل قطع،
وإن هو فر ولم يقدر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب
فإن تاب لم يقطع (1).
وفي الجواهر " إن حارثة بن زيد خرج محاربا
ثم تاب فقبل أمير المؤمنين عليه السلام توبته (2)
هذا - أي قبول توبته - فيما إذا لم يتعلق بذمته
حقوق الناس كالقتل والجرح والمال وإلا فقبول
توبته منوط بأداء حقوقهم كما هو واضح.
وأما إذا تاب بعد للظفر به فلا يسقط الحد
ولا القصاص ولا الغرم عنه للأصل أي أصالة عدم
السقوط بعد ثبوت الحد عليه بالمحاربة، ولمفهوم الآية
المتقدمة فإنها قد صرحت بقبول توبتهم من قبل أن تقدروا
عليهم، فإن مفهومها عدم قبول توبتهم بعد أن تقدروا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 6
(2) الجواهر ج 41 ص 581.
34

عليهم مضافا إلى الفرق بين الحالتين فإن التوبة قبل الظفر
بالمحارب ليست موردا للتهمة، وأما بعد الظفر به يكون
متهما بأن توبته لأجل دفع الحد عنه،
وأما إذا كان حين كون محاربا، كافرا وظفر الحاكم
به ثم تاب عن المحاربة بعد الظفر به وبعد أن أسلم أمكن
سقوط الحد عنه فإن الاسلام يجب ما قبله.
المسألة (الثالثة:)
وفي الشرائع أيضا: اللص محارب، فإذا دخل
دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته، فإن أدى الدفع إلى
قتله كان دمه ضائعا لا يضمنه الدافع، ولو جنى اللص عليه
ضمن انتهى.
ومراده قدس سره من اللص الذي يكون محاربا
هو اللص الذي يدخل دار الناس بعنوان الغلبة عليهم و
أخذه لمتاعهم كما يظهر ذلك من ذيل كلامه، فلا يشمل
كلامه للسارق الذي يسرق مستخفيا من جيب شخص
فإنه ليس عليه إلا القطع، ولذا قال في المسالك - على ما حكي عنه
35

- بعد قول صاحب الشرائع: واللص محارب - قال
بمعنى أنه يجوز دفعه ولو بالقتال
ولو لم يندفع إلا بالقتل كان دمه هدرا، أما لو تمكن
الحاكم منه لم يحده حد المحارب مطلقا، وإنما أطلق
عليه اسم المحارب تبعا لا طلاق النصوص، نعم لو
تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا، وبذلك قيد
المصنف (الشهيد) في الدروس، وهو حسن انتهى
وكيف كان فمستند هذا الحكم جملة من الأخبار
منها رواية منصور عن الصادق عليه السلام قال: اللص
محارب لله ورسوله فاقتلوه (1)
ومنها خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عن
أبيه عليهما السلام قال: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك
ومالك فإن استطعت أن تبدره فابدره واضربه
وقال: اللص محارب لله ورسوله فاقتله، فما منك عليك
منه فهو علي (2).
ومنها رواية وهب عن الباقر عليه السلام قال: قلت
له: اللص يدخل في بيتي يريد نفسي ومالي قال:

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المحارب الحديث 1.
36

اقتله، فأشهد الله ومن سمع أن دمه في عنقي (1)
ورواية الكوفي عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام
أنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين إن لصا دخل امرأتي
فسرق حليها، فقال: أما إنه لو دخل على ابن صفية لما رضي
ذلك حتى يعمه بالسيف (2).
أقول: الظاهر أن مراده بابن صفية هو زبير بن عوام
الذي كان ابن عمة مولانا علي عليه السلام وكان بمكان من
الشجاعة وكان مع مولانا علي عليه السلام حتى نشأ ابنه الميشوم
عبد الله بن زبير فصير أباه مخالفا له عليه السلام إلى أن
صار من أعدائه (ع) بل صار من قواد جيش عائشة إلى أن
أقاموا حرب الجمل بالبصرة الذي صار سببا لقتل عشرات
آلاف من الطرفين، وكأن كلام علي عليه السلام في هذه
الرواية إشارة إلى تصويب فعل الزبير إن كان اللص
دخل داره كان يعمه بالسيف.
ومنها المرسل كالموثق قال: إذا دخل عليك اللص
المحارب فاقتله، فما أصابك فدمه في عنقي (3).

(1) الوسائل الباب 6 4 من أبواب جهاد العدو الحديث 3 - 1 - 7.
(2) الوسائل الباب 6 4 من أبواب جهاد العدو الحديث 3 - 1 - 7.
(3) الوسائل الباب 6 4 من أبواب جهاد العدو الحديث 3 - 1 - 7.
37

ومنها رواية أيوب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: من دخل على مؤمن داره محاربا فدمه مباح
في تلك الحال للمؤمن وهو في عنقي (1).
وهذه الروايات مطلقة في جواز قتل اللص الداخل
إلى دار غيره، ولم يقيد فيها التدريج في النهي عن
المنكر ومراتبه من زجر اللص أولا والصياح عليه ثانيا
وهكذا إلى أن ينتهي إلى قتله.
ومن ذلك كله يعلم الحال في قطاع الطريق
وإباحة دمائهم،
ففي المرسل عن عبد الله بن عامر قال: سمعته
يقول وقد تجارينا ذكر الصعاليك: حدثني أحمد
بن إسحاق أنه كتب إلى أبي محمد عليه السلام يسأله عنهم
فكتب: اقتلهم (2)، وفي خبر آخر عن أحمد بن أبي
عبد الله أنه كتب إليه يسأله عن الأكراد، فكتب إليه:
لا تنبهوهم إلا بحر السيوف (3).
مؤيدا ذلك كله بخبر السكوني عن الصادق عن
أبيه عليهما السلام قال: إن الله ليمقت العبد يدخل عليه اللص

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الدفاع الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الدفاع الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2.
38

في بيته فلا يقاتل (1).
وكذا الحسن أو الصحيح عن الصادق أيضا عليه السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله ليمقت الرجل يدخل عليه اللص
في بيته فلا يحارب (2)
وخبر الفتح بن زيد الجرجاني عن الإمام الكاظم عليه السلام
في رجل دخل دار آخر للتلصلص أو الفجور فقتله صاحب الدار
يقتل به؟ قال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه
وليس عليه شئ (3)
ورواية الحسين بن مهران عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن امرأة دخل عليها اللص وهي حبلى، فوقع عليها فقتل
ما في بطنها، فوقعت المرأة على اللص، فقتلته فقال: أما المرأة
التي قتلت فليس عليها شئ، ودية سخلتها على عصبة المقتول
السارق (4)
ورواية محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال: سألته

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب العاقلة الحديث 3.
39

عن لص دخل على امرأة وهي حبلى، فقتل ما في بطنها
فعمدت المرأة إلى سكين فوجئته به فقتلته، قال: هدم
دم اللص (1).
وكذا رواية أبي حمزة عن الباقر عليه السلام قال: قلت
له: لو دخل رجل على امرأة وهي حبلى فوقع عليها فقتل
ما في بطنها، فوثبت عليه فقتلته، قال ذهب دم
اللص هدرا، وكان دية ولدها على المعقلة (2).
وفي بعض الروايات أنه إذا نظر أحد من خلال
شئ إلى دار أحدكما إذا نظر من الثقب ونحوه إلى داخل
الدار أو أشرف من موضع عال فنظر إلى من في الدار
فرموه وقتلوه أو فقأوا عينه فلا شئ عليهم.
ففي رواية العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه السلام
قال: إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من
خلل شئ لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقأوا عينه
فليس عليهم غرم، وقال: إن رجلا اطلع من خلل حجرة
رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء صلى الله عليه وآله
بمشقص ليفقأ عينه، فوجده قد انطلق، فقال رسول الله

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العاقلة الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العاقلة الحديث 2 - 3.
40

صلى الله عليه وآله: أي خبيث لو ثبت لي لفقأت
عينك (1).
وفي رواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: اطلع رجل على النبي صلى الله عليه وآله
من الجريدة فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لو أعلم أنك
تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ به عينك
قال: فقلت له: أذلك لنا؟ فقال: ويحلك أو ويلك
أقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل، تقول:
ذلك لنا؟ (2)
وفي روايته الأخرى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في حجراته مع بعض أزواجه
ومعه مغازل يقلها إذ بصر بعينين تطلعان، فقال: لو أعلم
أنك تثبت حتى أنحسك، فقلت: نفعل نحن مثل هذا إن
فعل مثله بنا؟ فقال: إن خفي لك فافعله (3).
ولعل المراد إن خفي فعلك به عند الحكومة لئلا تؤخذ
بذلك فافعله أنت أيضا، قوله (ص): أنحسك أي أصيرك ناقصا
وفي رواية حماد عنه عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 - 1 - 5.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 - 1 - 5.
41

عليه وآله في بعض حجراته إذا اطلع رجل من شق الباب، وبيد
رسول الله صلى الله عليه وآله مدارة، فقال له: لو كنت قريبا
منك لفقأت به (بها ظ) عينك (1).
إلى غير ذلك من الأخبار، وكيف كان فلم يعمل الأصحاب
باطلاق هذه الروايات بأن حد من يدخل دار غيره أو كان
قاطع الطريق أو نظر إلى بيت شخص من شق الباب - القتل
أو فقأ العين، بل يقولون بمراعاة مراتب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر من زجره أولا، ثم ضربه ثانيا وهكذا إلى أن ينتهي
الأمر إلى قتله
قال في الجواهر: بل ستسمع من غير واحد ما يقتضي بتقييد
النصوص الأخيرة بما إذا لم يندفع بالزجر ونحوه وإلا كان ضامنا
(إلى أن قال:) ولكن الذي يظهر منهم هنا وهناك أنه لا فرق
بين دفاع المحارب واللص وغيرهما من الظالمين، وإن اختلفت
الحدود إلا أن الجميع متحدة في كيفية الدفاع الذي ذكروا فيه
التدرج فلاحظ وتأمل، بل قد يقال بوجوب القصاص على
من قتل المحارب بعد أن كف عنه، وإن كان مفيدا ومن
حده القتل، ولكن بناءا على ما ذكرناه من التخيير لم يكن القتل
متعينا، فلا يكون مباح الدم، نعم على القول الآخر - والفرض

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
42

أنه قتل يكون كذلك، وإن أثم غير الحاكم بمباشرته انتهى.
لكن لا يخفى أنه إذا قلنا بالتخيير وأن أحد الأفراد
هو القتل فلم لا يكون مباح الدم غاية الأمر أن القتل لا يكون
معينا، وعلى فرض قتله للمحارب الذي يكون أحد حدوده
القتل فقتله بعد أن كف عنه فلم يكون على القاتل القصاص.
مع أنه كان أحد حدوده القتل.
نعم كان عليه أن يقتله بإذن الحاكم أو راجع لقتله
إليه، وقتله له بدون إذن الحاكم كان موجبا لكونه آثما
إلا أنه لا يوجب القصاص عليه فإنه كان جائز القتل
وإن كان من باب التخيير إلا أنه كان عليه أن يستأذن
الحاكم لذلك.
ثم قال في الجواهر: وعلى كل حال فقد عرفت أن
المفروض في المتن والقواعد والارشاد وغيرها من كتب
المتأخرين اللص الذي يندرج في المحارب بل بينه
تقييد هم الدخول بالتغلب وغيره تبعا لما في النصوص
وإلا فلا ثمرة معتد بها لذلك بعد فرض تقييد دفاع
المحارب واللص المحارب وغيره بمراعاة الأدنى
فالأدنى كغيرهم من المدافعين، وحينئذ فإذا قتل
43

مع توقف الدفع عليه لا ضمان عليه للأصل والخبرين و
غيرهما بل الاجماع بقسميه عليه، بخلاف جناية اللص
فإنها باقية على عمومات الضمان حتى لو وقعت عنه
مدافعة عن نفسه التي أسقط الشارع احترامها في
الحال المزبور انتهى.
ومراده قدس سره من إيراد هذا الكلام بيان وجه
تقييد الفقهاء اللص الذي يجب قتله باللص المحارب
وأن وجه تقييد هم بالمحارب أو بالمتغلب إنما لأجل
متابعتهم للنصوص وإلا فلا ثمرة معتد بها لهذا التقييد
بعد فرض دفاع المحارب واللص المحارب بمراعاة
الأدنى فالأدنى كغيرهم من المحاربين بمعنى عدم جواز
قتلهم في المرحلة الأولى من المدافعة بل لا بد من المدافعة
أو لا بغير القتل إلى أن ينهي الأمر إلى قتله.
إلا أنه يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بأن
تقييد هم للص بالمحارب باعتبار متابعتهم للنصوص
كما أشار إلى ذلك في الجواهر، فحينئذ لا بد من ملاحظة
النصوص وأنها هل تدل على التدرج ومراعاة الأدنى
فالأدنى أم لا؟ والظاهر أن النصوص مطلقة لا دلالة
44

فيها على التدرج، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه سيما
مع ملاحظة أقوال كثير من العلماء القائلين بالتدرج
ولو بحمل النصوص على ذلك.
وقال في الشرائع أيضا: ويجوز الكف عنه، أما لو
أراد نفس المدخل عليه فالواجب الدفع، ولا يجوز
الاستسلام والحال هذه، ولو عجز عن المقاومة وأمكن
الهرب وجب انتهى.
أما جواز الكف عنه فيها إذا لم يرد نفسه بل أراد المال
فلرواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يقاتل
عن ماله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد، فقنا له: أيقاتل اللص.
فقال إن يقاتل فلا بأس، أما لو كنت أنا لتركته (1).
وأما إذا أراد نفس المدخول عليه أو أهله أو ولده ونحو
ذلك فإنه يجب عليه المدافعة، وإن انتهى الأمر إلى قتل اللص
بل وإن انتهى الأمر إلى قتل المدخول عليه لوجوب حفظ النفس

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الدفاع الحديث 2 مع اختلاف.
45

عقلا وشرعا، هذا إذا أمكنه المقاومة مع اللص المحارب، وأما
إذا لا يمكنه ذلك بأن كان المحارب أقوى منه جثة أو سلاحا
أو أعوانا فلا بد له من أن يهرب منه أو يخفى نفسه تحت جدار
أو غيره حتى لا يقتله اللص، ولا يجوز له أن يستسلم للص إذا
تمكن من أن يخلص نفسه منه بأي طريق ممكن، وإن لم
يتمكن من الهرب أو من النجاة من اللص دافع عن نفسه
مهما أمكن وإن آل الأمر إلى هلاك نفسه ولا يجوز الاستسلام
له أيضا بأن يستسلم له بأن يقتله اللص.
ثم قال في الشرائع: يصلب المحارب حيا على
القول بالتخيير ومقتولا على القول الآخر انتهى
أما على القول بالتخيير فهو واضح لأن كلمة " أو
بحسب الوضع الأولى مفيدة في الآية المباركة أعني
قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله و
يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا الآية
- للتخيير فيكون الحاكم مخيرا بين أن يقتل المحارب أو
يصلبه أو يقطع يده ورجله من خلاف أو ينفيه من
الأرض، وظاهر صلبه هو أن يصلبه حيا، وأما بناءا
على القول الآخر - أي القول بالترتيب فوجه أن يصلبه
ميتا غير واضح اللهم إلا أن الروايات المتقدمة
46

الواردة في الباب 1 من أبواب حد المحارب قد دل بعضها
على أن المحارب إذا حارب وأخذ المال يقتل ويصلب
وظاهره أن الصلب بعد القتل.
ثم إنه على فرض صلبه حيا إن مات بعد الصلب
قبل ثلاثة أيام فذاك، وأما إذا لم يمت بعد الثلاثة فعن
المسالك وكشف اللثام أنه يجهز عليه بعدها " إلا أنه لا
دليل على ما ذكراه فإن المنساق من الروايات التي
سنوردها في المسألة التالية هو ما إذا مات بعد الثلاثة
أو فيها بقرنية أنه ينزل ويغسل ويصلى عليه ويدفن
ومن المعلوم أنه لا يفعل ذلك بالحي - نعم يمكن أن يكون
دليل ما ذكراه هو أنه - أي المحارب واجب القتل إما
بالقتل أو بالصلب، فإن صلب ولم يتحقق به القتل
كصلب صدر الاسلام من أنهم كانوا يرفعون المصلوب
على الخشبة من دون أن يختنق بذلك - كما صلبوا
ميثم التمار رضوان الله تعالى عليه فكان يتكلم على الخشبة
مع الناس ويخبرهم بالأعاجيب - فإنه ليس حكمه بعد
47

الثلاثة أن يدعوه لأن يذهب إلى منزله، فإن المفروض
أن المحاربة صيرته واجب القتل فإذا لم يمت بعد الثلاثة فإنه
يجهز عليه أي يقتل.
المسألة (الرابعة:)
وفي الشرائع أيضا: لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام
ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، ومن لا يصلب
إلا بعد القتل لا يفتقر إلى تغسيله لأنه يقدمه أمام القتل
انتهى
أما الفرع الأول - أي عدم إبقاء المصلوب على الخشبة
أكثر من ثلاثة أيام فلرواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تدعو ا المصلوب
بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن (1).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين
عليه السلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله يوم الرابع و
صلى عليه ودفنه (2).
وعن الفقيه عن الصادق أيضا عليه السلام قال: المصلوب
ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسل ويدفن ولا يجوز صلبه
أكثر من ثلاثة أيام (3). وكيف كان فقال في الجواهر: لا أجد

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 1 - 3.
48

خلافا بيننا في الحكم المزبور، نعم عن العامة قول بتركه حتى يسيل
صديدا، وعم آخر " حتى يسيل صليبه وهو الورك لأنه
لذلك سمي صليبا " ولا ريب في ضعفهما كضعف المحكى
عنهم من عدم تغسيله والصلاة عليه لما سمعته من النصوص
والفتاوى انتهى.
وأما الفرع الثاني - أي من لا يصلب إلا بعد القتل
من أنه لا يفتقر إلى تغسيله - فوجهه ما أشار إليه في الشرائع
من أن الغسل قد تقدمه " فإن المفروض أنهم قد غسلوه
قبل القتل، ولكن في الجواهر: وإن أشكل ذلك بعدم
الفرق بينه وبين من يريد قتله بصلبه في التقديم المزبور
بل ظاهر الأدلة الأعم، ولذا كان المحكى عن جماعة الاطلاق
وهو الأقوى، وأما الكلام في وجوب ذلك وعدمه
فقد تقدم في محله، ومع قرض الاخلال به يجب تغسيله
بعد الانزال كما هو واضح، هذا، وفي المسالك " كأن المصنف
فصل بينهما من حيث إن الصلب لا يستلزم القتل مطلقا
فلا يدخل في العموم " قلت: وكأنه مناف لما سمعته سابقا
من الاجهاز عليه لو لم يمت في الثلاثة ضرورة عدم الدليل
49

عليه بناءا على ذلك انتهى.
أقول: يمكن أن يكون مراد صاحب الشرائع من
المصلوب الذي لم يقتل قبل ذلك - المصلوب الذي
لم يغسل قبل صلبه، وإلا فالمصلوب إذا غسلوه قبل
ذلك يكون حكمه كذلك أي لا يجب تغسيله بعد المصلب
وفي الجواهر أيضا: ثم المنساق كون الثلاثة من يوم
صلبه لا من يوم موته، وفي المسالك " إن المعتبر من
الأيام النهار دون الليل، نعم تدخل الليلتان المتوسطتان
تبعا " قلت: قد سمعت ما في خبر السكوني من تنزيل
أمير المؤمنين عليه السلام إياه اليوم الرابع المقتضى لدخول
الثالثة، بل ينبغي القطع بها إذا توقف عليها تمام التكسير
بناءا على تلفيقه ضرورة كونها حينئذ كالمتوسطتين، بل قد
يحتمل ذلك في غيره أيضا بناءا على دخول الليالي في
مفهومها، فيعتبر حينئذ ثلاثة أيام بلياليها كما تكرر الكلام في
نظائره إلا أن الاحتياط هنا لا ينبغي تركه مع فرض عدم تحتم
الصلب ثلاثة وحرمته بعدها انتهى موضع الحاجة
لكن يمكن أن يقال: إن ظاهر عمل أمير المؤمنين عليه السلام
الذي أنزل المصلوب يوم الرابع أن الليالي داخلة في الأيام
50

الثلاثة، وحمل ذلك على اليوم المنكسر خلاف الظاهر اللهم إلا
أن يقال: إن فعله عليه السلام قضية في واقعة لا يعلم وجهها فيمكن
أن يكون قد صلبه في وسط النهار فاحتاج إلى ضم الليلة الثالثة و
نصف اليوم الرابع إلى أن تتم ثلاثة أيام إن لم نقل بعدم تحتم
الصلب ثلاثة أيام، بل المستفاد من الأخبار هو حرمة الصلب
زائدا على الثلاثة لا وجوب الثلاثة كملا، فالواجب هو أصل الصلب
لا صلبه ثلاثة أيام لا أقل من ذلك، نعم يحرم الزائد عن الثلاثة، والله
العالم.
ثم إنه لا فرق في الثلاثة بين الأيام الحارة والباردة و
الطويلة والقصيرة لاطلاق النصوص.
وقال في الجواهر أيضا: ولو مات المحارب قبل استيفاء
الحد لم يصلب لفوات محل العقوبة، وإن قلنا بصلبه بعد
القتل لأن المقصود هو الصلب بعد القتل للاعلان
والاعتبار، ولا يتحقق ذلك في الصلب إذا مات حتف
أنفه انتهى، إلا أنه يمكن أن يجاب بأن الاعلان والاعتبار
يتحققان بصلبه أيضا بعد موته وإن مات حتف أنفه
51

قبل ذلك
المسألة (الخامسة:)
وفي الشرائع أيضا: ينفى المحارب عن بلده، و
يكتب على كل بلد يأوي إليه بالمنع من مؤاكلته ومشاربته
ومجالسته ومبايعته، ولو قصد بلاد الشرك منع منها،
ولو مكنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه انتهى.
ومستند الحكم هو رواية المدائني عن الرضا عليه السلام
قال: قلت: كيف ينفى وما حد نفيه؟ قال: ينفى من
المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر آخر غيره، ويكتب
إلى أهل ذلك المصر بأنه منفي فلا تجالسوه، ولا
تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاوروه فيفعل
به سنة، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم
بمثل ذلك حتى تتم السنة، قلت: فإن توجه إلى أرض
الشرك ليدخلها، قال: إن توجه إلى أرض الشرك
ليدخلها قوتل عليها (1).
وفي روايته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال: قلت:
وما حد نفيه؟ قال: سنة، إلى أن قال: فلا يزال هذه حاله

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 2.
52

فإذا فعل به ذلك تاب وهو صاغر (1).
وهاتان الروايتان قد دلتا على أن مدة نفيه سنة
والرواية الثانية تدل على أنه إن تاب بعد السنة يخلى
عنه كما هو ظاهرها، إلا أن صاحب الشرائع وكذا كثير من
الفقهاء لم يبنوا مدة النفي،
وكذا يظهر من الرواية الثانية أن المنفى إذا تاب
بعد السنة يرجع إلى بلده لكن يظهر من الآية المتقدمة
- أعني قوله تعالى: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا
عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (2) خلاف ذلك، فإن
مفهومها عدم قبول توبته بعد أن تقدروا عليهم، إلا
أن يقال: إن الرواية المتقدمة مفسرة للآية لا مخالفة لها
- أي بعد أن تقدروا عليهم لا تقبل توبتهم بل ينفون
من الأرض إلى مدة سنة.
وأما ما في حسنة جميل أنه سأل الصادق عليه السلام
المنفى إلى أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر، وقال: أن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 4
(2) سورة المائدة الآية 34.
53

عليا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (1) - فهو
الظاهر من اطلاقات النفي من أنه ينفى من بلده أو
بلد الجناية التي ارتكبها فيه - أي حارب فيه - إلى بلد
آخر من دون أي قيد إلا التقييد بعدم مؤاكلته
ومجالسته ومبايعته ومناكحته ومشاورته.
ولكن عن الفقيه أنه قال: ينبغي أن يكون نفيا
شبيها بالصلب والقتل: تثقل رجلاه ويرمى في البحر
انتهى.
ولعل مستنده رواية عبد الله بن طلحة عن الصادق
عليه السلام قال: يحكم على المحارب بقدر ما يعمل، و
ينفى: يحمل في البحر ثم يقذف به حتى يكون حدا
يوافق القطع والصلب (2).
لكن في الجواهر: ولم نعرفه (أي ما قاله في الفقيه) قولا
لغيره، نعم عن الجامع " نفي من الأرض بأن يغرق على قول
أو يحبس على آخر أو ينفى من بلاد الاسلام سنة حتى
يتوب وكوتبوا أنه منفي محارب فلا تؤدوه ولا
تعاملوه، فإن أبوا قوتلوا " ولعله للعامة كالقول بالحبس

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المحارب الحديث 3
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 5.
54

الموجود في بعض نصوصنا المحمول عليه انتهى.
أقول: المراد ببعض النصوص الحكاية الواقعة بين
المعتصم ومولانا الجواد عليه السلام في خصوص المحاربين
وقطاع الطريق التي حكم عليه السلام فيها بأنهم إذا قطعوا
الطريق ولم يأخذوا المال يسجنون وهو المراد بنفيهم
من الأرض، وقد قدمنا الرواية (1).
وقال في محكى المبسوط: إذا شهر السلاح وأخاف
السبيل يقطع الطريق كان حكمه متى ظفر به الإمام التغريب
وهو أن ينفى عن بلده ويحبس في غيره، ومنهم من قال:
لا يحبس في غيره، وهذا مذهبنا غير أن أصحابنا رووا
أنه لا يقر في بلد وينفى عن بلاد الاسلام كلها، فإن قصد
بلاد الشرك قيل لهم: لا تمكنوه، فإن أمكنوه قوتلوا عليه
حتى يستوحش فيتوب، ثم قال: نفيهم أن يتبعهم أينما
حلوا كان في طلبهم ما إذا قدر عليهم أقام الحدود،
وأما قوله تعالى " أو ينفوا من الأرض " فمعناه إذا وقع منهم في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المحارب الحديث 8.
55

المحاربة ما يوجب شيئا من هذه العقوبات يتبعهم الإمام
أبدا حتى يجدهم ولا يدعهم في مكان، هذا هو النفي،
وعند قوم المنفى من قدر عليه، وقبل أن يعمل شيئا، و
النفي عنده الحبس، والأول مذهبنا انتهى موضع
الحاجة.
وهو كلام حسن جيد إلا أنه - كما في الجواهر - خلاف
صريح الفتاوى ولولا ذلك لكان في غاية الحسن بل
في خبر أبي بصير الآتي شهادة له انتهى.
ومراده بخبر أبي بصير رواية سماعة عنه قال: سألته
عن الانفاء من الأرض كيف هو؟ قال: ينفى من بلاد الاسلام
كلها، فإن قدر عليه في شئ من أرض الاسلام قتل، و
لا أمان له حتى يلحق ببلاد الشرك (1)
إلا أن الرواية ضعيفة مضمرة مع أنه لا تصريح فيها
بالمحارب، ولعل المراد منها غير المحارب، مضافا إلى أن ذيلها
مناف لبعض الأخبار الدال على وجوب قتل المحارب
إذا دخل بلاد الشرك، وإذا مكنوه من بلادهم قوتلوا حتى
يخرجوه منها، كرواية المدائني عن الرضا عليه السلام أنه قال في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 7.
56

آخرها: إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها (1)
وفي روايته الأخرى عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال
في آخرها: قلبت: فإن أم أرض الشرك يدخلها، قال:
يقتل (2).
وحاصل الكلام في نفي المحارب - كما هو المستفاد
من سائر الأخبار وكلمات علماءنا الأخيار - أن المحارب
ينفى من بلده الذي يسكن فيه أو البلد الذي حارب فيه
- إلى بلد آخر ويكتب إلى أهل ذلك البلد بأنه منفى
فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تؤاكلوه ولا تعاشروه
إلى أن يتوب ويفعل به ذلك إلى سنة.
وأما أنه يلقى في البحر أو يخرج من بلاد الاسلام كلها
أو يتبعه الإمام إلى أينما يذهب حتى يظفر به فيحده أو يخرج
إلى بلاد الشرك فليس لأي منها دليل يمكن الاعتماد عليه.
المسألة (السادسة:)
قال في الشرائع: لا يعتبر في قطع المحارب أخذ

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المحارب الحديث 2 - 4.
57

النصاب، وفي الخلاف " يعتبر " ولا انتزاعه من
حرز، وعلى ما قلناه من التخيير فلا فائدة في هذا البحث
ولأنه يجوز قطعه وإن لم يأخذ مالا، وكيفية قطعه
أن تقطع يمناه ثم تحسم، ثم تقطع رجله اليسرى وتحسم
ولو لم تحسم في الموضعين جاز، ولو فقد أحد
العضوين اقتصرنا على قطع الموجود ولم ينتقل إلى
غيره انتهى.
أما عدم اعتبار أخذ النصاب وعدم اعتبار
أخذه من الحرز فلا طلاق الأدلة في إجراء أحد الحدود
الأربعة على المحارب من غير تقييد بأخذ النصاب أو
انتزاعه من الحرز أولا، وأما وجه كلام الشيخ في الخلاف
فلا طلاق قوله صلى الله عليه وآله: القطع في ربع دينار (1)
الشامل للمحارب أيضا، ولأنه مجمع عليه في المحارب
وغيره، ولا دليل لنا فيما دون ذلك "
إلا أنه لا يخفى ما فيه ضرورة أن القدر المتيقن
من الرواية المزبورة وكذا الروايات الواردة في اللص
هو ما إذا سرق، وأما شمولها لما نحن فيه فهو بعيد، بل

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 254 على ما حكي عنه.
58

اطلاق المحارب يدفعه، وأما قوله: وعلى ما قلناه
من التخيير فلا فائدة في هذا البحث فلأنه بناء على التخيير
يجوز قطعه وإن لم يأخذ المال فضلا عما إذا أخذ المال
وأما على ما اخترناه نحن من الترتيب فإنه يقطع إذا
أخذ المال وإن لم يأخذه من الحرز ولا كان ربع
دينار، وأما إذا حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل
أحدا فإنه لا يقطع بل ينفى
وأما كيفية قطع المحارب - ففي الشرائع " أن
تقطع يمناه ثم يحسم (أي يقطع دمها بدهن الزيت
المغلى ونحو ذلك) ثم تقطع رجله اليسرى وتحسم،
ولو لم تحسم جاز في الموضعين " فإنه لا دليل على
وجوب الحسم بعد القطع، نعم يجوز أن يدع المقطوع
لأن يحسم هو نفسه، ثم يقطع رجله اليسرى، ولا امهال
في قطع عضوي المحارب فإن قطع عضويه معا حد
واحد لا حدان، ولو استحق قطع يمناه بالقصاص
ثم صار محاربا قطعت يمناه بالقصاص ورجله اليسرى
بالمحاربة بلا امهال، كما عن القواعد، قال في الجواهر
59

ولعله لأنهما وإن كانا حدين، لكن لو لم يكن الحق في يمناه
بالقصاص لقطعت مع الرجل بلا امهال، والحاصل
أن الامهال تخفيف له واتقاء (وابقاء) عليه وهو
بقطع الطريق لا يستحقه، نعم من استحق يمناه بالسرقة
ويساره بالقصاص قدم القصاص لأنه حق الناس
خاصة انتهى وهو حسن.
لكن الوجه الذي ذكره في توجيه كلام صاحب
القواعد وجه الذي استحساني لا دليل قاطع يدل عليه
ثم إن فقد أحد العضوين أما بحسب الخلقة
أو بالقصاص أو بالسرقة اقتصر على قطع الموجود ولم
ينتقل إلى غيره.
المسألة (السادسة:)
وفي الشرائع أيضا: لا يقطع المستلب ولا المختلس
ولا المحتال على الأموال بالتزوير والرسائل الكاذبة
بل يستعاد منه المال ويعزر وكذا المنبج ومن سقى
غيره مرقدا، لكن إن جنى ذلك شيئا ضمن الجناية
انتهى أقول: أما المستلب فهو الذي ينهب الأموال
60

ويهرب من دون محاربة بتجريد سلاح ونحوه، فهذا
منتهب ومختطف وليس بمحارب إلا إذا كان نهبه
لأموال الناس على نحو المحاربة فإنه يصير حينئذ محاربا
وأما المختلس فهو الذي يأخذ أموال الناس ظاهرا من
غير حرز ومن غير تجريد سلاح أو قهر، لكن عن المسالك
تفسير المستلب بأنه الذي يأخذ المال جهرا ويهرب مع
كونه غير محارب، والمختلس بأنه الذي يأخذ المال
خفية كذلك، ولعل المنساق منه أخذ المال من صاحبه
عند صدور غفلة منه انتهى.
وكيف كان فيدل على عدم القطع خبر أبي بصير
عن أحدهما عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا
أقطع في الدغارة المعلنة: وهي الخلسة، ولكن أعزر (1)
ورواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اختلس
ثوبا من السوق، فقالوا: قد سرق هذا الرجل، فقال

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
61

لا أقطع في الدغارة المعلنة، ولكن أقطع من يأخذ، ثم
يخفى (1).
ورواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: إن
أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل اختلس درة من
أذن جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة، فضربه و
حبسه (2).
والدغارة - كما عن الصحاح - أخذ الشئ اختلاسا
وفي الحديث " لا قطع في الدغرة " وهي الخلسة انتهى
وكذا لا قطع في الثالث أي ما إذا أخذ المال
بالحيل والتزويرات والرسائل الكاذبة لعدم اندراجه
في السارق ولا في المحارب، ومقتضى الأصل عدم
قطعه.
لكن في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل
أتى رجلا وقال: أرسلني فلان إليك لترسل إليه
بكذا وكذا، فأعطاه وصدقه وقال له: إن رسولك
أتاني فبعثت إليك معه بكذا وكذا، فقال: ما أرسلته
إليك، وما أتاني بشئ، فزعم الرسول أنه قد أرسله

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4.
62

وقد دفعه إليه، فقال: إن وجد عليه بينة أنه لم يرسله
قطع يده، ومعنى ذلك أن يكون الرسول قد أقر مرة
أنه لم يرسله، وإن لم يجد بينة فيمينه بالله ما أرسلته، و
يستوفى الآخر من الرسول المال، قلت: أرأيت إن
زعم أنه حمله على ذلك الحاجة؟ فقال: يقطع لأنه
سرق مال الرجل (1).
وعن الشيخ أنه حمل هذه الرواية على قطعه لافساده
لا لسرقته " لكن الرواية قد عللت القطع بالسرقة لا
بالافساد، اللهم إلا أن يقال: إنها وإن عللت الحكم
بالسرقة إلا أن المراد من السرقة هو افساده بأخذ مال
الناس من غير حله، ولذا لم يقيد السرقة بكونها بمقدار
ربع دينار أو أخذها من الحرز، فالمراد بالسرقة السرقة
العرفية لا الاصطلاحية.
لكن يمكن حمل الرواية - كما في الجواهر - على قضية
في واقعة اقتضت المصلحة فيها ذلك، قال: كما أن ما
عن المقنعة والنهاية والسرائر والوسيلة والتحرير من شهر
المحتال ليحذر منه الناس محمول على ما إذا رأى الحاكم

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
63

ذلك لمصلحة انتهى.
وكذا من يبنج أحدا أي يعطيه البنج أو يعطيه المرقد
فيحصل له بذلك نوع من السكر أو اختلال الحواس
أو النوم المذهب لشعوره، فإنه لا قطع على المبنج
أو المرقد فإنه لا يصدر منه بذلك المحاربة أو السرقة
نعم إذا صدر من المبنج - بالفتج أو المرقد جناية على أحد
بشربه للبنج أو المرقد ضمنها المبنج أو المرقد بالكسر، فإنه
السبب لصدور الجناية منه فإنه كان أقوى من المباشر
للجناية، وهو واضح.
(الباب الثاني:)
وفي الشرائع أيضا:
(القسم الثاني:)
من كتاب الحدود، وفيه أبواب
(الباب الأول:)
في المرتد، وهو الذي يكفر بعد الاسلام وله قسمان
الأول من ولد على الاسلام، وهذا لا يقبل اسلامه
لو رجع، ويتحتم قتله، وتبين منه زوجته، وتعتد منه عدة
الوفاة، وتقسم أمواله بين ورثته، وإن التحق بدار الحرب
64

أو اعتصم بما يحول بين الإمام وقتله انتهى موضع الحاجة
أما ثبوت كفره فيتحقق بأحد أمور، الأول بشهادة
البينة، بأن تشهد عليه بأنه مثلا - والعياذ بالله - سب الخالق
أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو سب أحد الأئمة
عليهم السلام أو صدر منه ما أوجب كفره كتمزيقه للقرآن
العظيم أو استهزائه وسخريته بالدين أو تلويثه للمصحف الشريف
أو الكعبة المعظمة أو أحد الضرائح المقدسة بالقاذورات
ونحو ذلك.
الثاني اقراره على نفسه بخروجه عن السلام
أو ببعض ما يوجب الكفر بأن يقر على نفسه بأنه لا يعتقد
القيامة أو وجود الجنة والنار ونحو ذلك، والظاهر تحقق
الكفر بالاقرار مرة واحدة ولا يعتبر التعدد.
الثالث صدور بعض الأفعال المنبئ عن كفره
كاحراقه للمصحف الشريف أو سحقه بالأرجل أو القاءه
فيما يوجب هتكه أو سجوده للصنم أو اظهاره لعقيدة مخالفة
للاسلام كما إذا قال: شرب الخمر حلال أو الزنا أو استماع
65

الموسيقى حلال أو اظهاره بأن صلاة الجمعة بدعة ونحو ذلك
من العقائد السوء فإن ذلك موجب لكفره.
ففي رواية الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام
إن رجلين من المسلمين كانا بالكوفة، فأتى رجل أمير المؤمنين
عليه السلام فشهد أنه رآهما يصليان لصنم، فقال: ويحك
لعله بعض من يشتبه عليه أمره، فأرسل رجلا فنظر إليهما
وهما يصليان لصنم، فأتى بهما، فقال لهما: ارجعا، فأبيا
فخد لهما في الأرض خدا، فأجج نارا وطرحهما فيه (1) (فيها)
وفي موثقة الساباطي عن الصادق عليه السلام أيضا
قال: كل مسلم بين مسلمين (بين مسلم خ ل) ارتد عن الاسلام
وجحد محمدا صلى الله عليه وآله نبوته وكذبه فإن دمه مباح
لكل من سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد، فلا
تقر به ويقسم ماله على ورثته وتعد امرأته عدة المتوفى
عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (2).
وفي صحيحة الحسين بن سعيد قال: قرأت بخط
رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل ولد على

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد المرتد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3.
66

الاسلام، ثم كفر وأشرك وخرج عن الاسلام هل يستتاب
أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب عليه السلام: يقتل (1).
وفي رواية الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام
قال: إن رجلا من المسلمين تنصر، فأتي به أمير المؤمنين
عليه السلام فاستتابه، فأبى عليه، فقبض على شعره
ثم قال: طئوا يا عباد الله فوطئوه حتى مات (2).
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن مسلم تنصر قال: يقتل ولا يستتاب
قلت: فنصراني أسلم، ثم ارتد، قال: يستتاب، فإن
رجع وإلا قتل (3).
ويستفاد من الطائفة الأولى من هذه الروايات
أن المرتد الفطري يقتل لا محالة وإن تاب بعد الردة
فإنه لا تقبل توبته بدفع القتل عنه، وكذا يستفاد من موثقة
الساباطي المتقدمة أن المرتد الفطري إذا ارتد بانت
عنه امرأته وتعتد عدة الوفاة وتقسم أمواله ولا يستتاب
بل يقتل، ويستفاد من الطائفة الثانية من الروايات أن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 6 - 4.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 6 - 4.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 6 - 4.
67

المرتد الملي - أي الذي لم تغمد نطفته في الاسلام
- إذا ارتد عن الاسلام لا يقتل ابتداءا بل يستتاب
فإن تاب فهو وإلا قتل.
والمراد بالمرتد الفطري من انعقدت نطفته
والحال أن أبويه مسلمان أو أحدهما مسلم، وبالمرتد
الملي من انعقدت نطفته والحال أن كلا أبويه
كافران، وقيل: إن المرتد الفطري من ولد وأبواه
مسلمان أو أحدهما مسلم، وبلغ مسلما، ثم ارتد، وعن
كشف اللثام المراد به (أي بالمرتد الفطري) من لم يحكم
بكفره قط لاسلام أبويه أو أحدهما حين ولد، ووصفه
الاسلام حين بلغ انتهى.
وظاهر هذا الكلام كون أبويه أو أحدهما على الاسلام
حين ولادته بل اعتبار كونه حين البلوغ مسلما، ثم صار
مرتدا، فلو بلغ كافرا لم يكن مرتدا فطريا إلا أن الظاهر
أن المرتد الفطري من انعقدت نطفته وأبواه مسلمان
أو أحدهما مسلم، وإن عبر في الرواية بقوله عليه السلام: رجل ولد
على الاسلام الخ في أن الظاهر منه بأن المناط هو التولد على
68

الاسلام، لكن الظاهر أن المراد بالتولد في الرواية هو انعقاد
نطفته على الاسلام أي انعقدت نطفته والحال أن أبويه
مسلمان أو أحدهما مسلم، وإن صارا بعد انعقاد نطفته
كافرين، فإنه يكون فطريا بذلك، فإذا ارتد بعد البلوغ
يصير مرتدا فطريا.
وأما اعتبار بلوغه بوصف الاسلام أي يصير بالغا
حال كونه متصفا بالاسلام ثم يرتد فليس لنا دليل على ذلك
فإن الصبي المميز يقبل اسلامه قبل بلوغه، فإذا ارتد
بعد البلوغ فهو مرتد فطري إذا انعقدت نطفته والحال
أن أبويه مسلمان أو أحدهما مسلم، وحكمه ما ذكره في صحيحة
الحسين بن سعيد المتقدمة (1) من أنه يقتل ولا يستتاب
وكذا ما ذكره الصادق عليه السلام في موثقة عمار الساباطي
المتقدمة من أن دمه مباح وامرأته بائنة منه يوم ارتد، فلا
تقربه ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها
زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (2)، وإنما الكلام

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 6
69

في قبول توبته بالنسبة إلى غير ذلك من الأحكام
قال في الجواهر: وقد أطنبنا في ذلك في كتاب
الطهارة وحكينا القول بالقبول عن جماعة لاقتضاء
عدم القبول تكليف ما لا يطاق ونحوه مما هو مناف
لقواعد العدلية أو سقوط التكليف عن البالغ العاقل
وهما ممتنعان، فيجب تنزيل عموم نفي التوبة في
النص والفتوى على الأحكام المزبورة دون
غيرها من عباداته ونحوها، بل لعله المراد مما وقع
من بعضهم من عدم قبولها ظاهرا وقبولها باطنا
لا أن المراد به مجرد سقوط العقاب عنه في الآخرة
وإن حكم بنجاسته في الدنيا وببطلان عباداته، ولا أن
المراد به قبولها في ذلك بالنسبة إليه خاصة دون غيره
ممن يباشره، إذ هما معا كما ترى انتهى موضع الحاجة.
وحاصل الكلام في المرتد الفطري أن الأقوى
قبول توبته في ما عدا ما ذكره عليه السلام في موثقة عمار
المتقدمة من وجوب قتله وبينونة امرأته عنه وانتقال
أمواله إلى ورثته، فإن عمومات التوبة تشمله، وإن قلنا بعدم
قبول توبته فهو مستلزم للتكليف بما لا يطاق فإن اختيار
70

الاسلام أو التوبة من الارتداد واجب عليه شرعا، فإن قلنا
بعدم قبول توبته أو اسلامه يستلزم ذلك تكليفه بالمحال
وكذا إذا اخترنا القول بوجوب الصلاة عليه بعد التوبة
ووجوب قضاء ما فات منه حال الردة واخترنا عدم قبول
توبته فإنه يلزم منه تكليفه بالمحال، فإنه كيف يمكن أمره
بالصلاة ثم عدم قبوله منه؟
وإن قلنا بسقوط العبادات عنه ولو بعد التوبة
فإنه لا يمكن الالتزام به فإنه كيف يمكن الالتزام بسقوط
العبادات عن البالغ العاقل؟ هذا كله في المرتد الفطري
وأما المرتد الملي فإنه لا يقتل بمجرد الردة بل يستتاب
أولا، فإن تاب قبلت توبته اتفاقا وإلا قتل، وبهذا
يفرق بين المرتد الفطري والملي بأن الأول يقتل
مطلقا سواء تاب أو لم يتب وسواء قلنا بقبول توبته
أو عدم قبولها، بخلاف الثاني فإنه تقبل توبته
فإن تاب وإلا قتل، وباقي أحكام المرتد من بينونة
امرأته واعتدادها عدة الوفاة وأنه يقسم أمواله بين ورثته
71

لا فرق في ذلك في كلا المرتدين.
ثم إن الظاهر هو حصول الارتداد بانكار أحد
أصول الشيعة لمن كان هو من الشيعة بأن أنكر أمامة
أمير المؤمنين أو إمامة أحد الأئمة المعصومين صلوات
الله عليه وعليهم أجمعين مع علمه بأنهم الأئمة الهداة
المهديين أو أنكر حلية المتعة أو حلية متعة الحج ونحو ذلك
فإنه بانكار أحد الأمور الضرورية في الشيعة يصير
مرتدا.
ففي الرواية المروية عن محمد بن مسلم أنه قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: أرأيت من جحد إماما منكم
ما حاله؟ فقال: من جحد إماما من الأئمة وبرء منه
ومن دينه فهو كافر ومرتد عن الاسلام لأن الإمام
من الله ودينه من دينه، ومن برة من دين الله فدمه
مباح في تلك الحالة إلا أن يرجع ويتوب إلى الله
مما قال (1).
وعن أحمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض أصحابنا
إلى أبي محمد عليه السلام يسأله عمن وقف على أبي الحسن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 38.
72

عليه السلام فكتب: لا تقرهم على عمل، وتبرء منه،
إنا إلى الله منه براء فلا تتولهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد
جنائزهم ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، من
جحد إماما من الله أو زاد إماما ليست إمامته من الله
تعالى كان كمن قال: إن الله ثالث ثلاثة " إن الجاحد
أمر أو لنا جاحد أمر آخرنا (1).
إلى غير ذلك من الروايات، ولكن يمكن حمل
الروايتين ونظائرهما على من اعتقد بإمامة الأئمة
الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ثم أنكر أحدهم
عنادا، وأما من لم يكن كذلك بأن لم يكن من أول الأمر
معتقدا لإمامتهم فإن انكاره لأحدهم عليهم السلام
لا يكون موجبا لكفره، فلا يرتد إلا إذا علم بإمامتهم و
إن لم يكن من الشيعة الاثني عشرية ثم أنكر واحدا
منهم (ع) فإنه يصير حينئذ انكاره من انكار الضروري
الموجب لكفره.
وأما الغلاة والمجسمة أي القائلين بأن الله جسم

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 40.
73

والمفوضة - أي القائلين بأن الله تعالى قد فوض إلى
الخلق أمورهم والمجبرة فقد يظهر من بعض الأخبار
كفرهم،
أما الغلاة فهم الذين يغلون في علي عليه السلام
ويقولون إنه - والعياذ بالله - هو الله أو أن الله
قد فوض أمور الخلق من الخلق والرزق والاحياء و
الإماتة - إليه " ولا شك في أن من اعتقد هذا فهو
كافر، وأما المجسمة أي القائلين بأن الله جسم فظاهر
بعض الأخبار أنهم كافرون أو مشركون.
ففي رواية داود بن القاسم عن الإمام علي بن
موسى الرضا عليهما السلام قال: من شبه الله بخلقه
فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافرا (2). الخ
وفي الرواية ابن أبي عمير عن غير واحد عن الصادق
عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن أنكر
قدرته فهو كافر (2).
وأما المفوضة ففي رواية يزيد بن عمر الشامي
عن الرضا عليه السلام أنه قال في حديث: من زعم أن الله

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 16 - 17.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 16 - 17.
74

يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، ومن زعم أن
الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض
والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك (1)
وفي صحيحة حزير عن الصادق عليه السلام قال: الناس
في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أن الله أجبر الناس
على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه، فهو كافر، ورجل
يزعم أن الأمر مفوض إليهم فقد وهن الله في سلطانه
فهو كافر الحديث (2).
ويستفاد من الرواية الولي أن القائل بالتفويض
مشرك، ومن الثانية أن القائل بالتفويض كافر ويستفاد
من الروايتين أيضا أن القائل بالجبر كافر.
لكن يمكن رفع اليد عن ظاهر هذه الروايات
بالروايات العامة المتواترة الدالة على أن من شهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مسلم يحرم ماله
ودمه ويحل ذبيحته ومناكحته ويترتب عليه أحكام الاسلام
ومن المعلوم كثرة وجود المجسمة والمجبرة والمفوضة في زمن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 4 - 10.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 4 - 10.
75

الأئمة عليهم السلام والحكم بنجاستهم وكفر جميعهم كما ترى، فلا بد من
حمل هذه الروايات على الكفر الأخروي أو الكفر الواقعي
وإن كانوا بحسب الظاهر من المسلمين كما أن المنافقين
كفرة بحسب الواقع إلا أنهم إذا أظهروا الشهادتين ترتب عليهم
أحكام الاسلام كما يظهر من فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه
(ص) كان يعاشر مع المنافقين ويؤاكلهم ويناكحهم مع علمه
بنفاقهم، فهذه الروايات التقدمة نظير ما ورد في منكر أمير
المؤمنين عليه السلام.
كقول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا:
إن الله جعل عليا عليه السلام علما بينه وبين خلقه ليس
بينه وبينهم علم غيره، فمن تبعه كان مؤمنا ومن جحده
كان كافرا، ومن شك فيه كان مشركا (1).
ومن المعلوم كثرة وجد من يشك في علي عليه السلام
والالتزام بشرك جميعهم كما ترى، فالمراد بالشرك أو الكفر
هو الشرك أو الكفر الواقعي أو الأخروي، أو يقال: إن المراد
بالشرك أو الكفر هو عظم هذه المعصية، ونظير هذه التعابير
في روايات المعاصي كثير كما أوردنا بعض ذلك

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 13.
76

في كتابنا (مرقاة الكمال) فراجع.
ثم قال في الشرائع: يشترط في الارتداد البلوغ
وكمال العقل والاختيار انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده فيه
بل يمكن تحصيل الاجماع عليه مضافا إلى معلومية اعتبارها
في ذلك، فلا عبرة به من الصبي وإن كان مراهقا لحديث
رفع القلم (1) وغيره، ولكن يؤدب بما يرتدع به خلافا
للمحكى عن خلاف الشيخ، فاعتبر اسلام المراهق وارتداده
والحكم بقتله إن يتب للخبر: " والصبي إذا بلغ عشر
سنين أقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه وتنفذ
وصيته وعتقه " ولكن شذوذه وعدم صراحته و
معارضته بما هو أقوى منه من وجوه يمنع من العمل به
انتهى.
إلا أنه يرد عليه أن الصبي المميز إذا كان فاهما ذكيا، و
قلنا بقبول اسلامه كما عن الخلاف فلا مانع من قبول كفره ويترتب
على كفره وارتداده سائر ما يترتب على ارتداد البالغ إلا القتل

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
77

فإنه لا يقتل إلا بعد بلوغه، فإذا صار بالغا وبقي على ارتداده
قتل حينئذ ولعل المراد من قوله عليه السلام: " رفع القلم عن الصبي
حتى يحتلم " رفع المؤاخذة دون سائر الآثار كالنجاسة إذا
ارتد قبل البلوغ.
وأما المجنون فلا أثر لردته فإنه مسلوب العبارة لا يترتب
على ردته شئ.
وكذا المكره فإنه إذا أكره على التلفظ بالكفر نطقه
بذلك لغوا، فإن له اظهار الأفعال الدالة على الكفر الكلمات
التي تكون صريحة فيه كالبراءة من الله ومن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فإنه إذا كان مكرها فلا شئ عليه كما فعل
ذلك عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه لما أكرهته قريش
على ذلك، فأنزل الله فيه " إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالايمان " (1).
وكذا لا عبرة بالارتداد الصادر عن الغافل والساهي
والنائم والمغمى عليه بل عند الغضب المتجاوز عن حد
الاعتدال بحيث لا يتوجه ماذا يقول؟ فإنه لا يتحقق
به الارتداد، ثم إنه إذا ادعى الاكراه مع وجود الأمارة
قبل كما في الشرائع وقال في الجواهر: " ترجيحا لحقن الدماء

(1) سورة النحل الآية 106.
78

واستصحابه للاسلام ودرءا للحد بالشبهة " وعن
القواعد " وإن لم تظهر علامة الاكراه في القبول نظر
أقربه العدم " لكن فرض المسألة في ما لو شهد بردته
اثنان.
أقول: إذا شهدت البينة بردته فلم لا تثبت
ردته بذلك؟ بل شهادة البينة مثبتة لها، اللهم
إلا أن يقال: إنه إنما تشهد البينة بأصل الردة، و
أما أن ردته قد صدرت منه مكرها أو مختارا فلا
تثبت بذلك، فحينئذ استصحاب اسلامه ودرء
الحد بالشبهة هو المرجع، فلذا لو نقل الشاهد لفظ الردة
فقال المرتد: صدق ولكني قلت ذلك مكرها فإنه
يقبل منه ذلك للشبهة سواء ظهرت أمارات الاكراه
كما إذا كان ذلك منه بحضور جماعة من الكفار أو النواصب
أو لم تظهر فإنه لا يجوز قتله مع احتمال الاكراه، نعم إذا علم
انتفاء الاكراه يجب قتله حينئذ.
وقال في الجواهر: ولا يفتقر المكره على الارتداد
إلى تجديد الاسلام ولا يجب عرضه عليه لما عرفت
79

من عدم الردة وقع منه، بل لو امتنع من تجديده حيث
يعرض عليه لم يحكم بكفره كالمسلم، لكن في القواعد " دل
ذلك على اختياره في الردة " وفيه منع، ضرورة عدم
الفرق بينه وبين المسلم بعد فرض لغوية ما وقع منه
من الارتداد انتهى.
ومراد صاحب القواعد من قوله: دل على اختياره
في الردة، أنه لما امتنع من تجديد الاسلام يستكشف
من ذلك لم يكن مكرها في ردته، إلا أنه يرد عليه أولا
أن احتمال الاكراه كاف في درء الحد عنه وثانيا أن
عدم تجديد الاسلام لا يدل على كونه مختارا في الردة
بأية من الدلالات الثلاث لا المطابقة ولا التضمن
ولا الالتزام، فمن أين جاءت الدلالة على كونه
مختارا في الردة.
وفي الشرائع أيضا: ولا تقتل المرأة بالردة بل
تحبس دائما، وإن كانت مولودة على المفطرة، وتضرب
أوقات الصلاة انتهى.
ومستند هذا الحكم هو الاجماع بقسميه كما في الجواهر
80

و ثانيا هو الأخبار المعتبرة.
منها صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال: لا يخلد
في السجن إلا ثلاثة: الذي يمسك على الموت والمرأة
ترتد عن الاسلام والسارق بعد قطع اليد والرجل (1)
ومنها صحيحة حماد عنه عليه السلام في المرتدة عن الاسلام
لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام
والشراب إلا ما تمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب
وبضرب على الصلوات (2).
ومنها مرسلة ابن محبوب عن غير واحد من
أصحابنا عن الباقر والصادق عليهما السلام أنهما قالا: في المرتد
يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والمرأة إذا ارتدت
استتيبت، فإن تابت ورجعت وإلا خلدت السجن
وضيق عليها في حبسها (3).
ومنها رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن
أبيه عن علي عليهم السلام قال: إذا ارتدت المرأة عن الاسلام
لم تقتل، ولكن تحبس أبدا (4). والمراد من قوله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 1 - 6 - 2.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 1 - 6 - 2.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 1 - 6 - 2.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 3 - 1 - 6 - 2.
81

في الرواية الأولى: لا يخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي
يمسك على الموت الخ الذي يمسك غيره ليقتلوه
فإنه يخلد في السجن أبدا إلا أن المناسب في العبارة
الذي يمسك على القتل، والمراد أيضا بقوله عليه السلام
في الرواية الثانية: وتضرب على الصلوات إما أن
تضرب في أوقات الصلوات كما ذكر ذلك صاحب
الشرائع أو المراد أنها تضرب على الاتيان بالصلوات
ولعل هذا الاحتمال أظهر فيكون المراد من ذلك أنها
تضرب على رجوعها إلى الاسلام وإلى الصلاة،
وعلى هذا الاحتمال الثاني إن حملنا الرواية عليه فالذي
ذكره صاحب الشرائع من ضربها في أوقات الصلاة
لا دليل له من الأخبار يدل عليه.
ومنها رواية محمد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة كانت
نصرانية فأسلمت وولدت لسيدها، ثم إن سيدها
مات وأوصى بها عتاقة السرية على عهد عمر، فنكحت
نصرانيا ديرانيا وتنصرت، فولدت منه ولدين وحبلت
82

بالثالث، فقضى فيها أن يعرض عليها الاسلام، فعرض
عليها السلام، فأبت، فقال: ما ولدت من ولد
نصرانيا فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيدها الأول
وأنا أحبسها حتى تضع ولدها، فإذا ولدت قتلتها (1).
لكن هذه الرواية مخالفة للقواعد الفقهية من جهتين:
الأولى أنها دالة على أن الولد الذين ولدتهم النصرانية
يكونون عبيدا للولد المسلم الذي ولدته لسيدها
المسلم، مع أن الظاهر أنه لا وجه له فإن النصرانية بعد
موت سيدها الأول إما أن أعتقت بحسب وصية
سيدها أم لا؟
فإن أعتقت صار أولادها أحرارا كأمهم، وإن
لم تنعتق فتنعتق قهرا من نصيب ولدها الأول
لأن الولد لا يملك أمه، فحينئذ لا نتعقل وجه كون
أولادها من الديراني عبيدا لأخيهم الأول الذي
كان لسيدها الأول، الجهة الثانية: وجوب قتل المرتدة

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المرتد الحديث 5.
83

المستفاد من هذه الرواية مع أن الروايات المتقدمة
قد تطابقت على أن المرأة المرتدة لا تقتل بل تخلد
في السجن إلى أن تموت، فلا بد من حمل هذه الرواية
على بعض المحامل أورد علمها إلى أهله
وذكر الشيخ قدس سره - على ما حكي عنه - أن هذا
الحكم مقصور على ما حكم به علي عليه السلام ولا يتعدى
إلى غيرها، قال: ولعلها تزوجت بمسلم ثم ارتدت
وتزوجت فاستحقت القتل بذلك انتهى.
ومراده قدس سره من آخر كلامه - على الظاهر
- أن تلك الوليدة قد أسلمت وتزوجت ثم ارتدت
وتزوجت ثانيا بالديراني فاستحقت القتل بزواجها
الثاني فإنها ارتكبت بذلك الزنا بالمحصنة، والله
العالم - ولم يتعرض الأستاذ لكلام الشيخ في ذيل
هذه الرواية ولا لتوجيهه.
وقال في الجواهر: وأما الخنثى المشكل فقد يقال
إن مقتضى درء الحد وغيره الالحاق بالمرأة كما جزم
به بعض الأفاضل، ولا ينافي ذلك تعليق الحكم
84

على الولادة على الفطرة المعلوم عدم سياقها لنحو ذلك انتهى.
لكن يمكن أن يقال: إن أمر الخنثى المشكل دائر بين حكمين متباينين
فإنها إذا كانت ذكرا فحكمها إذا ارتدت وجوب القتل، وإذا كانت
أنثى فحكمها التخليد في السجن، فمقتضى العلم الاجمالي الاتيان
بكلا الأمرين مهما أمكن، ومع عدم التمكن - كما هنا - هو التخيير
بينها لا تعيين خصوص التخليد في السجن فإنه ليس من الأقل
والأكثر الارتباطيين حتى يقال: إن الأقل مسلم الوجوب
والأكثر مشكوك، فالأصل ودرء الحد بالشبهة يقتضيان
عدم وجوب قتله، فإن المفروض أنهما متبائنان كما
عرفت.
اللهم إلا أن يقال: إن القتل أعظم والتخليد في السجن
أخف فإذ أدار الأمر بينهما نختار الأخف ونجري الأصل
بالنسبة إلى الأشد إلا أن هذا الوجه لا يخلو من المناقشة.
ثم قال في الشرائع: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا
يستتاب وإن امتنع قتل، واستتابته واجبة وكم يستتاب؟
قيل: ثلاثة أيام، وقيل: القدر الذي يمكن معه الرجوع
85

والأول مروي، وهو حسن لما فيه من التأني لا زالة
عذره انتهى
وهذه المسألة - أعني مسألة المرتد الملي - قد بحثنا
فيها في الجملة في ما تقدم، وأما أن استتابته واجبة فلما تقدم
من الروايات (1)، وأما كون مدة الاستتابة ثلاثة أيام
فلد لالة رواية ضعيفة عن الصادق عليه السلام - على ذلك، قال:
إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المرتد يعزل عن امرأته
ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب
وإلا قتل يوم الرابع (2).
وأما القول الآخر - أي يمهل بمقدار الذي يمكن
معه الرجوع - فهو محكى عن الشيخ في الخلاف والمبسوط
ووجهه هو اطلاق الروايات الدالة على وجوب قتل
المرتد الملي أن لم يتب بعد عرض التوبة عليه ولم يتعين
فيها مدة امهاله إلى أن يقتل، إلا أن الأحوط هو العمل
برواية ثلاثة أيام فإنها وإن كانت ضعيفة السند إلا
أن عمل الأصحاب بها جابر لضعفها مضافا إلى أنها

(1) راجع الوسائل الباب أو 3 من أبواب حد المرتد
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 5
86

موافقة لطريق الاحتياط فإنها تدل على الثاني وعدم
التسرع إلى إراقة الدماء
ولو قال المرتد الملي: حلوا شبهتي فعن القواعد
" احتمل الانظار إلى أن تحل شبهته، والزامه التوبة
في الحال ثم تكشف له انتهى، أما وجه الاحتمال الأول
فلوجوب حل الشبه وأن التكليف بالايمان مع الشبهة
تكليف بما لا يطاق، وأما وجه الثاني فلوجوب التوبة
على الفور، ويكفي في الاسلام التوبة الظاهرية ولا يعتبر
الاعتقاد القلبي ولذا إذا أظهر المنافق الاسلام ونطق
بالشهادتين يصير مسلما وإن لم يكن معتقدا بذلك.
ويدل - على الظاهر - على عدم انظاره رواية
أبي الصيقل قال: إن بني ناجية قوم كانوا يسكنون
الأسياف وكانوا قوما يدعون في قريش نسبا، و
كانوا نصارى فأسلموا ثم رجعوا عن الاسلام، فبعث
أمير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي، قال:
فخرجنا معه، فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا وبينه أمارة
87

فقال: إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح
فأتا هم فقال: ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة، فقالوا:
نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم دينا خيرا من ديننا
فنحن عليه، وقالت طائفة: نحن كنا نصارى ثم أسلمنا
ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه.
فدعاهم إلى الاسلام ثلاث مرات، فأبوا
فوضع يده على رأسه قال: فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم
قال: فأتى بهم عليا عليه السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة
بمأة ألف درهم فأعتقهم وحمل إلى علي عليه السلام خمسين
ألفا فأبى أن يقبلها، قال: فخرج بها فدفنها في داره
وأجاز عتقهم (1).
ويستفاد من هذه الرواية أنه لا يعتبر امهال المرتد
إلى ثلاثة أيام بل يعرض عليه التوبة، فإن تاب وإلا
قتل، كما هو المستفاد من اطلاق الروايات الواردة
في المرتد الملي بأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 6.
88

إلا أن الأحوط ما ذكرناه آنفا من أنه يمهل إلى ثلاثة
أيام، وبعد مضي الثلاثة يقتل إن لم يتب في خلالها.
لكن عن كشف اللثام " وقيل: إن اعتذر بالشبهة
أول ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة أيام أو الزمان الذي
يمكنه فيه الرجوع أمهل إلى دفعها، وإن أخر الاعتذار عن
ذلك لم يمهل لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر، و
لمضي ما كان يمكنه فيه ابداء العذر وإزالته ولم يبده
فيه انتهى
إلا أنه قال في الجواهر: ولم أجده لأحد من أصحابنا
ولعله لبعض العامة، ولا ريب في وضوح ضعفه
بمنافاته لاطلاق الأدلة ضرورة اقتضاءه الامهال ولو
سنين على الأول، ويمكن دعوى القطع بأنه خلاف النص
والفتوى، فالتحقيق حينئذ ما عرفت من استتابته، والأحوط
الانتظار ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل، ذكر شبهة أو لم يذكر
انتهى، وهو كلام حسن.
ثم قال في الشرائع: ولا تزول عنه أملاكه، بل تكون
89

باقية عليه، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته، ويقف
نكاحها على انقضاء العدة، وهي كعدة الطلاق
(المطلقة خ ل) ويقضى من أمواله ديونه وما عليه من
الحقوق الواجبة، وتؤدى منها نفقة الأقارب
ما دام حيا، وبعد قتله تقضى ديونه وما عليه من
الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب، ولو قتل
أو مات كانت تركته لورثته المسلمين فإن لم يكن
له وارث مسلم فهو للإمام، وولده بحكم المسلم، فإن
بلغ مسلما فلا بحث، وإن اختار الكفر بعد بلوغه استتيب
فإن تاب وإلا قتل انتهى.
وهذا الكلام منه قدس سره يحتوي على فروع
(الفرع الأول:)
أن المرتد الملي بعد ارتداده لا تزول أملاكه
عنه ولا تنتقل إلى ورثته إذ لا دليل على زوالها عنه
فإن الروايات الدالة على انتقال أموال المرتد إلى
ورثته مختصة بالمرتد الفطري أو القدر المتيقن منه
ذلك فلا تشمل المرتد الملي، ففي موثقة عمار الساباطي
90

عن الصادق عليه السلام قال: كل مسلم بين مسلمين ارتد
عن الاسلام وجحد محمدا صلى الله عليه وآله نبوته
وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، وامرأته
بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته
وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام
أن يقتله ولا يستتيبه (1).
فإن من المعلوم أن الرواية مختصة بالمرتد الفطري
كما يظهر من قوله: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الاسلام
الخ فإن المسلم بين المسلمين هو المرتد الفطري، فالمرتد
الملي باق على اطلاق سائر الروايات من عدم انتقال
ماله وعدم فسخ زوجية زوجته إلا أنه قال في الشرائع
هنا - أي في كتاب الحدود -: ينفسخ العقد بينه و
بين زوجته ويقف نكاحها على انقضاء العدة " ولكنه
رحمه الله قال في كتاب النكاح في المرتد على
الاطلاق: ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3.
91

وقع الفسخ في الحال وسقط المهر إن كان من
المرأة ونصفه إن كان من الرجل، ولو وقع بعد
الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة من أيهما
كان انتهى.
فذكر قدس سره في باب الحدود بأن نكاحها
ثانيا - بعد الفسخ بالردة - متوقف على انقضاء
العدة، وذكر في باب النكاح أن فسخ النكاح
متوقف على انقضاءها، ولم يعلم كيف التوفيق
بين هذين الكلامين، والحاصل أن بين هذين
الكلامين تهافتا بينا لا يمكن - على الظاهر - التوفيق
بينهما، والذي يمكن أن يقال في هذه المسألة أي مسألة
المرتد الملي أن الأحوط أنه إذا ارتد ثم تاب ورجع
إلى الاسلام أن يعقد على امرأته، ولعله يستظهر
من الرواية التي قدمناها، وهي الرواية المروية عن
الصادق عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
المرتد عن الاسلام تعزل عنه امرأته ولا تؤكل ذبيحته
ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل يوم الرابع (1)

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 5.
92

فإن ظاهر قوله (ع): ولا تؤكل ذبيحته أنه يصير بسبب
الردة كافرا، فتحرم حينئذ ذبيحته إلا أن قوله: تعزل
عنه امرأته ليس بهذه المثابة من الظهور بل يمكن أن
يستشعر منه أنه ما دام على الردة فلا تقربه المرأة، وأما
بعد التوبة فلا مانع من ذلك، وقد عرفت اختلاف
عبارتي الشرائع في هذا الباب وفي باب النكاح
فحينئذ الأحوط هو ما ذكرنا من تجديد صيغة عقد
النكاح، فإنها إما أن تكون زوجته ولو بعد الردة إلا
أنه لا يجوز أن يقربها إلا بعد التوبة وإما أن تبين منه
بعد الردة ويحتاج أن يعقد عليها ثانيا بعد التوبة
فالأحوط هو ما ذكرنا.
(الفرع الثاني:)
أنه بعد قتل المرتد الملي أو موته تقضى عنه ديونه
وما كان عليه من الحقوق الواجبة كالزكاة والكفارات
وكذا في حال حياته تقضى عنه ديونه وما كان عليه من
الحقوق الواجبة لنفقة الزوجة والأقارب الواجبي النفقة
93

كالأولاد والوالدين إذ لا دليل على سقوطها بردته بعد
ثبوتها عليه فإنه وإن كان محجورا للتصرف في أمواله بواسطة
الردة إلا أن هذا الحجر لا يبرء ذمته عن الحقوق الواجبة
عليه، فيؤدى عنه من أمواله الإمام عليه السلام أو من نصبه
الإمام (ع) أو المجتهد الجامع للشرائط، وأما نفقة الأقارب
غير الواجبي النفقة كالأخ والأخت والعم والخال فإنها
لا تقضى بموته أو قتله، فإنها كانت مجرد مواساة لا يجب
أدائها.
(الفرع الثالث:)
أنه لو قتل لو مات فإن تركته لورثته المسلمين
دون الكافرين، فإنه إذا لم يرتد فمات كانت تركته
للمسلمين من ورثته، فبمجرد ارتداده وموته أو قتله بعده
نشك في أن تركته صارت للكافرين من ورثته أم
لا؟ فالأصل بقاءها على ما كانت عليه قبل الردة، فإن
لم يكن له وارث مسلم فتركته تكون للإمام عليه السلام أو المجتهد
الجامع للشرائط
(الفرع الرابع:)
أن ولده بعد ارتداده بحكم المسلم لاقتضاء الاستصحاب
94

ذلك، فإن الولد في حال اسلام الأب كان بحكم
المسلم، فبردة الأب نشك أنه صار الولد تابعا
لوالده في النجاسة والكفر أم لا؟ فالأصل يقتضي
بقائه على ما كان عليه من أنه بحكم المسلم، بل وكذا
لو انعقدت نطفته وأحد أبويه مسلم حكم باسلامه
ولذا لو كانت الأم حاملة به ثم ارتدت وماتت قبل
التوبة تدفن في مقابر المسلمين لاحترام اسلام ولدها
(الفرع الخامس:) أنه إن بلغ هذا الولد مسلما فلا بحث، وإن اختار
الكفر بعد البلوغ استتيب، فإن تاب وإلا قتل كما
في الشرائع، وقال في الجواهر: لكونه بحكم المرتد عن
ملة، وإن انعقد أو ولد وأبواه مسلمان بناءا على
اعتبار وصف الاسلام بعد البلوغ في الردة
عن فطرة والفرض عدمه، بل عن كشف اللثام " الظاهر
أن ولد المسلم والمسلمين أيضا إذا بلغ كافرا استتيب
ولو ولد هو وأبواه على الفطرة، وقد نص عليه في لفظة
95

المبسوط انتهى، لكن قال في محكى المسالك: هذا
لا يوافق القواعد المتقدمة من أن المنعقد حال اسلام
أبويه يكون ارتداده عن فطرة ولا تقبل توبته، وما
وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا، ولو
قيل بأنه يلحقه حينئذ حكم المرتد عن فطرة كان وجها
وهو الظاهر من الدروس لأنه أطلق كون الولد السابق
على الارتداد مسلما ولازمه ذلك انتهى.
إلا أنه قال في الجواهر: قد عرفت سابقا أن ما
حضرنا من النصوص ظاهرا في الحكم بردة من وصف
الاسلام عن فطرة بل هو الموافق لمعنى الارتداد الذي
هو الرجوع، ولا دليل يدل على الاكتفاء بالاسلام
الحكمي، بل ظاهر المرسل في الفقيه عن علي عليه السلام
" إذا أسلم الأب جر الولد إلى الاسلام، فمن أدرك
من ولده دعي إلى الاسلام، فإن أبى قتل (1) - ذلك
أيضا بناءا على شموله للمنعقد، بل وكذا خبر عبيد بن
زرارة عن الصادق (عليه السلام) في الصبي يختار الشرك

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 7.
96

وهو بين أبويه، قال: لا يترك، وذلك إذا كان أحد
أبويه نصرانيا (1).
ومرسل أبان عنه (عليه السلام) في الصبي إذا شب
واختار النصرانية وأحد أبويه نصراني أو بين مسلمين
قال: لا يترك ولكن يضرب على الاسلام (2) - بناء
على أن المراد منها وصف الكفر بعد البلوغ انتهى.
لكن يمكن أن يقال: إن الروايات المتقدمة لا دلالة
لها على ما استظهره قدس سره منها من وصفه للاسلام
بعد البلوغ ثم تحقق الارتداد منه ليصير مرتدا فطريا
بل غاية ما تدل الروايات المتقدمة عليه أنه إذا أسلم
الرجل يصير ولده الصغير تابعا له في الاسلام، وأبا
أنه يصير بذلك مرتدا فطريا إذا أشرك بعد البلوغ
فلا دلالة لهذه الروايات عليه أصلا، فلذا قال صاحب
الجواهر في آخر هذا المبحث: والأصل عدم ثبوت
أحكام الفطري مضافا إلى درء الحد بالشبهة والاحتياط

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المرتد الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد المرتد الحديث 1 - 2
97

في الدم انتهى.
ومراده رحمة الله من الحد هنا هو حد المرتد الفطري
الذي يقتل بمجرد صدور الردة منه من دون أن
يستتاب.
ثم قال في الشرائع: ولو قتله قاتل قبل وصفه للكفر
قتل به سواء قتله قبل بلوغه أو بعده، ولو ولد بعد الردة
وكانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول، وإن كانت
مرتدة والحمل بعد ارتدادهما كان بحكمهما لا يقتل
المسلم بقتله، وهل يجوز استرقاقه؟ تردد الشيخ، فتارة
يجيز لأنه كافر بين كافرين، وتارة يمنع لأن أباه لا
يسترق لتحرمه بالاسلام، وكذا الولد، وهذا أولى انتهى
وهذه المسألة أيضا تحتوي على فروع.
(الفرع الأول:)
ما إذا قتل المسلم هذا المرتد قبل اتصافه بالكفر
فهل يقتل المسلم به أم لا؟ أما قبل بلوغه فإنه إذا قتله
المسلم قتل به لأنه قد قتل من كان بحكم المسلم فإنه كان
تابعا لأبويه في الاسلام أو تابعا لأحدهما إذا كان
أحدهما مسلما، وأما بعد بلوغه والمفروض أنه قد صدر
98

منه ما أوجب الشك في إسلامه لكنه لم يظهر منه
الاسلام ولا الكفر، فإن قتل المسلم به مشكل فإن
التبعية لأبويه قد انقطعت ببلوغه فلا وجه لاجراء
الأصل فيها، وإن كان غير جائز القتل ما لم يطهر منه
الكفر، وأصالة طهارته بعد البلوغ لا تثبت اسلامه
وبهذا يظهر حكم من علم منه التردد في الاسلام أو
الكفر وفي من جهل حاله والفرض أنه عالم عاقل.
إلا أن يقال: إن معلوم التردد في الاسلام
والكفر كافر شرعا، فلا يترتب على قتله القصاص،
لكن القاتل لا بد له أن يثبت عليه أنه كان معلوم
التردد بالبينة ونحوها.
(الفرع الثاني:)
أنه لو ولد المولود بعد ردة الأبوين وكانت أمه
مسلمة ثم ارتدت كان حكمه كالأول أي صار ولدها
بانعقاده مسلما بحكم المسلم، فيقتل المسلم به إذا قتله
99

وأما إذا كانت الأم مرتدة والحمل قد تحقق بعد ارتداد
الأبوين فلا يقتل المسلم به لأن الولد يصير حينئذ
بحكم ولد الكافر إذا لم يصف الاسلام بعد صيرورته
كاملا أي بالغا عاقلا، نعم إذا أسلم الأبوان بعد انعقاد
نطفته فإنه يصير الولد تابعا لهما أو لأحدهما إذا أسلم
أحدهما، فيقتل المسلم به إذا قتل هذا الولد بعد اسلام
أبويه.
(الفرع الثالث:)
هل يجوز استرقاق هذا الولد الذي كان
أبواه قبل انعقاد نطفته مسلمين، ثم ارتدا فانعقدت
نطفته بعد ارتدادهما؟ للشيخ فيه قولان، الأول
أنه جائز لأنه كافر بين كافرين، فتشمله العمومات الدالة
على جواز استرقاق الكافر، والقول الثاني له رحمه
الله المحكى عنه في كتاب قتال أهل الردة من المبسوط
أنه لا يجوز لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالاسلام أي
لأجل أنه صار مسلما قبل الردة صار محترما بذلك
فلا يجوز استرقاقه بعد الردة فليكن ولده تابعا له في
هذا الاحترام الذي كان لوالده، وقال في الشرائع " و
100

هذا أولى " أي القول الثاني للشيخ أولى بالقبول
ولكن الأقوى هو القول الأول أي جواز استرقاق
الولد، لعموم أدلة جواز استرقاق الكافر، ولا دليل
على تبعية الولد للوالد في عدم الاسترقاق إذا كان
مسلما ثم ارتد، وعلى فرض عدم استرقاق الولد
وصيروته بالغا يؤمر بالاسلام، فإن أسلم وإلا فيؤمر
بالجزية إذا كان من أهلها.
وهل يلحق ولد المعاهد به إذا تركه عندنا؟
الظاهر لا، فإنه بعد البلوغ يعرض عليه الاسلام،
فإن قبله فهو وإلا يؤمر بالجزية، فإن قبلها فهو وإن لم
يقبلها يرد إلى مأمنه من دار الحرب فيصير بذلك كافرا
حربيا إذ لا دليل على تابعية الولد لوالده في عقد المعاهدة
إلا قبل البلوغ، وأما بعده فلا تؤثر المعاهدة الواقعة في
حق أبيه بالنسبة إليه.
ثم قال في الشرائع في المرتد الملي: ويحجر الحاكم على
أمواله لئلا يتصرف فيها بالاتلاف، فإن عاد فهو أحق بها
101

وإن التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ ويباع
منها ما يكون له الغبطة في بيعه كالحيوان انتهى.
الفرق بين المرتد الفطري والملي أن الأول
بمجرد ردته ينتقل أمواله إلى ورثته بخلاف الثاني
فإنه تبقى أمواله على ملكيته إلا أنه لا يتمكن من التصرف
فيها بل يصير بمجرد الردة محجورا أي ممنوعا من التصرف
فيها على قول، وقيل - كما عن المشهور - إن الحاكم يحجر
على أمواله، وقبل حجر الحاكم لا يكون ممنوعا من التصرف
وهذا القول - أي حجر الحاكم على أموال المرتد الملي -
وإن لم يوجد له دليل معتبر من الآيات والروايات
إلا أن الأصحاب رضي الله عنهم قد أرسلوه ارسال
المسلمات ولعلهم قد ظفروا لذلك بدليل معتبر من
اجماع أو رواية معتبرة لم يصل إلينا والله العالم.
ولذا قال في الجواهر في شأن هذه المسألة: لا خلاف
أجده بيننا في أنه يحجر الحاكم على أمواله أي يمنعه من التصرف
فيها حتى ما يتجد دله باحتطاب أو اتهاب أو اتجار
أو غير ذلك انتهى.
وإنما يحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالاتلاف
102

ونحوه مما يكون فيه الضرر على وارثه المسلم ولو كان الوارث
هو الإمام عليه السلام إن لم يكن له وارث مسلم.
ثم إن المرتد إن عاد إلى الاسلام فهو أحق
بأمواله، وإن التحق بدار الكفر بقيت أمواله على الاحتفاظ
عينا أو قيمة، وما يكون في بيعة غبطة - أي حسن حال -
كالحيوان يباع، وكذا ما يفسد بقاءه كالثمار، ويبقى
ثمن ذلك محفوظا عند الإمام (ع) أو عند الحاكم الشرعي
إلى أن يتبين حاله، فإن عاد إلى الاسلام ينتقل إليه
أمواله، وإن علم عدم انتقاله إلى الاسلام أو مات أو قتل
على الردة قسمت أمواله على ورثته.
بقي هنا شئ وهو أنه هل يمضي تصرفه في ذمته
بأن ضمن شيئا عن شخص أو اشترى شيئا نسيئة ونحو
ذلك مما هو تصرف في الذمة لا في المال؟ فيه وجهان،
قد يقال: إن مقتضى الاطلاقات جواز ذلك، لكن في
الجواهر " قد يناقش بخلو النصوص عن ذكر مانعية الردة
عن مثل هذا التصرف، ضرورة اقتصارهم في سائر الأبواب
103

على ذكر البلوغ و الرشد وغيرهما اللهم إلا أن يكون
ذلك من لوازم الحجر عليه المذكور في غير المقام
وقد يحتمل بقاؤه مراعى بعوده إلى الاسلام
وعدمه، فينفذ الأول دون الثاني نحو ما ذكره
غير واحد في تصرفه بماله بهبته ونحوها إلا العتق المشترط
فيه التنجيز ضرورة عدم نقصانه عنه بل لو قلنا
بالبطلان فيه كما هو ظاهر محكى التحرير قال " ولو
تصرف بعد حجر الحاكم فإنه باطل " - أمكن الفرق
بينهما بما عرفت، وإن كان قد يناقش بعدم الدليل
على بطلانه والحجر أعم من ذلك انتهى.
إلا أنه يرد عليه أن العتق وإن كان يشترط فيه
التنجيز لكن بقائه مراعى بعوده إلى الاسلام لا ينافي
التنجيز فإنه بحسب الواقع إما أن يعود إلى الاسلام
أو لا يعود، فإن عاد يستكشف منه أن العتق قد
تحقق من أول الأمر، لا أنه تحقق الآن، وإن لم
بعد يستكشف منه أنه لم يتحقق من أول الأمر، لا أنه
تحقق ثم بعد عدم عوده إلى الاسلام ارتفع حتى يكون
104

منافيا لتنجزه، وعن الخلاف أنه قال: " إن في تصرفه
أقوالا " يعني الصحة والبطلان والوقف، وقال
في الجواهر: وفيه أنه لا وجه للصحة بناءا على الحجر عليه
بالردة، وكذا بعد حجر الحاكم، اللهم إلا أن يراد بها أنه
لا حجر عليه أصلا - وإن كان هو كما ترى لم نعرفه قولا
لأحد.
نعم هي متجهة قبل حجر الحكم بناء على توقفه عليه
وأنه لا تكفي الردة، وأما بعده أو قلنا بكفاية الردة فالمتجه
الوقف لا البطلان انتهى
وحاصل الكلام في تصرفات المرتد الملي في أمواله
أنه بمجرد الردة إن قلنا: إنه يصير محجورا وممنوعا من التصرف
وإن لم يحجر الحاكم بعد - يصير ممنوع التصرف في
أمواله: وبناء على حجر الحاكم يصير محجورا بعد حجر الحاكم
فحينئذ لا يتمكن من التصرف في أمواله، فإن تصرف
كان موقوفا على رجوعه إلى الاسلام، فإن رجع وإلا
فتصرفاته غير نافذة، وإن بقي دائما على كفره أو مات
105

أو قتل مرتدا انتقلت أمواله إلى وراثه المسلمين
هذا كله في التصرف المالي، أما غيره ففي الجواهر
" فلا يمنع منه وكذا ما يتجد عليه من الحقوق أو ما تشتغل
ذمته به من اتلاف أو غصب لأن المتجه ضمانه، و
أداؤه عنه، وفي القواعد: أنه لا يمكن من قضاء
المتجدد عليه من الحقوق، وقد يشعر بأنه لا يمنع من
قضاء الحقوق السابقة على الارتداد، وفي كشف
اللثام: ولعله كذلك لأنه أداء حق سبق لزومه "
وفيه أنه لا فرق بين قضاء الحقوق السابقة والمتجددة
بعد وجوب قضاء الجميع من ماله كما هو واضح فإن
كان هو تصرفا ممنوعا منه ففي الجميع وإلا جاز مباشرته
فيهما والله العلم انتهى.
أقول: لا يبعد أن يقال: أنه لا يجوز قضاء الحقوق
المتجددة - بعد الردة - على ذمته إذا تجددت على ذمته
باختياره بأن غصب أموال الناس أو كسرا وأعدم متاعهم
متعمد فإنه لا يجوز أدائها من أمواله، فإن المفروض أنه
محجور عليه من التصرف فيها وأنه يتمكن من الرجوع إلى
الاسلام فلم يفعل، فلا معنى لقضاء الحقوق المتجددة
106

من أمواله بعد كونه محجورا عن التصرف فيها وبعد أن
صار هو سببا لثبوت الضمان على ذمته متعمدا، نعم
إذا كان سهوا أو غفلة أو: من غير اختيار فلا يبعد أن
يقضى ذلك من أمواله بإذن الحاكم، وكذا الضمان
الثابت في ذمته قبل الردة، وهذا الذي ذكرناه لم
يذكره الأستاذ.
وفي الشرائع: (مسائل من هذا الباب:)
(الأولى:) إذا تكرر الارتداد قال الشيخ: يقتل في الرابعة
قال: وروى أصحابنا (أنه) يقتل في الثالثة أيضا "
أما مستند القول الأول فعن الخلاف أنه استدل
له باجماع أصحابنا أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة
وعن المبسوط أنه قال: روي عنهم عليهم السلام أن أصحاب الكبائر
يقتلون في الرابعة " وأما مستند القول الثاني فهو
موثق يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال: أصحاب الكبائر
كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة (1).

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
107

ومن المعلوم أن الارتداد أعظم الكبائر، أما رواية
قتل أصحاب الكبائر في الرابعة فلم نعثر عليها، وأما
قتل أصحاب الكبائر في الثالثة فهو وإن دلت عليه
الرواية المتقدمة آنفا الشاملة للمرتد أيضا باطلاقها
إلا أن الرواية قد قيدت الحكم - أي وجوب قتله
في الثالثة - بأنهم - أي أصحاب الكبائر - إذا أقيم
عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة.
ومن الواضح عدم تحقق هذا المعنى في المرتد الملي
فإنه بمجرد صدور الارتداد منه يستتاب فإن تاب
وإلا قتل، ولا تصل النوبة إلى إجراء الحد عليه للمرة
الأولى وللمرة الثانية أو الثالثة ثم قتله في المرة الثالثة
أو الرابعة لأن المفروض أن الارتداد حده القتل
وإن صدر منه للمرة الأولى، فلم يتحقق مصداق قوله:
" إذا أقيم عليهم الحد مرتين "
فلذا قال بعض أعاظم العصر: ما مضمونه: إذا تكرر
منه الارتداد فإنه لا يقتل بذلك " ومقصوده أنه بتكرره
لا يكون مستوجبا للقتل وإن تكرر منه عشر مرات، فإذا
108

ارتد ثم تكرر منه عشرة مرات في خلال ثلاثة أيام ثم تاب
قبل انقضاء الثلاثة فإنه لا يقتل، وإن صدر منه الردة مرارا
وأما إذا ارتد وإن لم يتكرر الارتداد منه في خلال الثلاثة
ولم يتب من ردته فإنه يقتل في اليوم الرابع فالتكرار لا أثر
له في وجوب قتله إن لم يتب إلى اليوم الرابع.
اللهم إلا أن يقال: إن مناط الحكم في جميع الكبائر
واحد وهو تكرر الكبيرة منه فإنه إذا تكرر منه مرتين قتل
في الثالثة، ولذا قيل لجميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام
- كما في المسالك -: ما تقول في المرتد إن تاب ثم رجع
ثم تاب ثم رجع؟ فقال: لم أسمع في هذا شيئا، ولكن عندي
بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك "
إلا أنه لا يخفى ما فيه فإن الردة ليست كسائر الكبائر،
ورواية جميل لم ينته سندها إلى الإمام عليه السلام فلذا لم يسندها
في الجواهر إليه (ع) ويظهر ذلك أيضا من قوله: لم أسمع في
هذا شيئا، فإن مثل هذا الكلام لم يصدر من الإمام عليه السلام
ويظهر أيضا من ذيله أن جميل ذكر ذلك من قبل نفسه
109

فقاس الارتداد بالزنا، مع أن الزنا ما لم يتخلل الحد فيه مرتين
لم يقتل في الثالثة، ولا يمكن ذلك في الارتداد.
وأما ما روي عن جابر عن الصادق عن أمير المؤمنين
عليهما السلام أنه قال لمسلم تنصر ثم رجع: قد قبلت منك رجوعك
هذه المرة فلا تعد فإنك إن رجعت لم أقبل منك رجوعا (1)
- ففي الجواهر: لم أجد بها عاملا فهي مطرحة أو محمولة
على سبق رجوع منه انتهى.
لكنك عرفت آنفا أن تكرار الارتداد لا أثر له فإن
الارتداد حده القتل فلا يمكن تخلل الحد فيه مرتين حتى
يقتل في الثالثة، فلا بد من رد علم هذه الرواية إلى أهله.
المسألة (الثانية:)
الكافر إذا أكره على الاسلام فإن كان ممن يقر على
دينه لم يحكم باسلامه، وإن كان ممن لا يقر حكم به قاله في
الشرائع
أما الفرض الأول فالمراد أن الكافر إذا أكره على الاسلام
فأسلم كرها مع أنه مقر على دينه بأن يعبد الأصنام أو هو
قائل - والعياذ بالله - بألوهية المسيح (ع) ونحو ذلك فإنه يعلم

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 4.
110

منه أنه لم يسلم فلا يقبل إسلامه، وأما إذا أظهر الشهادتين
ولو كرها ثم لم يستقر على دينه ولم يأت بما هو مناف
لظاهر الاسلام فإنه بحسب الظاهر يحكم باسلامه لاحتمال
مقارنة الاسلام للقصد - مضافا إلى فعل النبي صلى الله
عليه وآله وعلي عليه السلام فإنهما كانا يرتبان أحكام الاسلام
على الذي أسلم كرها كما يظهر من كلام الإمام السجاد عليه
السلام في خطبته التي ألقاها في مجلس يزيد بن معاوية
بالشام حيث قال في خلالها: أنا ابن من ضرب خراطيم
العرب حتى قالوا: لا إله إلا الله " فيعلم من ذلك أن
الاسلام الاكراهي محقق للاسلام، وإلا فلا معنى لضربه لخراطيمهم
لأن يقولوا: شيئا لا تترتب على ذلك فائدة ولا يتحقق
به الاسلام كما لا يخفى.
قال في الجواهر: ولعل قول رسول الله (ص) لأسامة
لما قتل الأعرابي الذي أظهر الاسلام مقارنا للخوف مدعيا
أنه كان ذلك منه خوفا: هلا شققت عن قلبه " ظاهر فيما قلناه انتهى
والحاصل أن الاسلام الاكراهي محقق للاسلام الظاهري
111

وإن علم عدم تطابق قلبه مع لسانه، فلذا كان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كان يقبل إسلام المنافقين كأبي سفيان
ويرتب عليهم أحكام الاسلام مع علمه بكفرهم ونفاقهم،
فما استبعده صاحب الجواهر بقوله: واحتمال أن الاسلام
القول باللسان وإن علم عدم القصد إلى مدلوله بعيد
- في غير محله.
المسألة (الثالثة:)
إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده سواء فعل ذلك
في دار الحرب أو دار الاسلام قاله في الشرائع.
وقال الشهيد إن في اللمعة وشرحها: ولا تكفي الصلاة
في إسلام الكافر مطلقا وإن كان بجحدها لأن فعلها
أعم من اعتقاد وجوبها فلا يدل عليه، إن كان كفره
بجحد الإلهية أو الرسالة وسمع تشهده فيها لأنه لم يوضع ثم
للاسلام بل ليكون جزءا من الصلاة وهي لا توجبه فكذا
جزئها، بخلاف قولها منفردة لأنها موضوعة شرعا له انتهى.
وقال ثاني الشهيدين في المسالك في شرح قول صاحب
الشرائع، إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده: إنما لم تكن الصلاة
اسلاميا لامكان فعلها تقية أو إراءة، وهذا يتم مع عدم سماع
لفظ الشهادتين أو مع كون الارتداد بانكار غير الصلاة من
112

فروض الاسلام، أما مع سماع لفظها وكون المطلوب من
إسلامه ذلك فالمشهور أن الأمر فيه كذلك، لأن الصلاة
لأن الصلاة لم توضع دليلا على الاسلام ولا توبة المرتد
وإنما وضعت الشهادتان دلالة عليه مستقلتين لا جزء
من غيرهما، وفيه نظر انتهى.
ولكن يرد عليهما - قدس سرهما - أن الشهادتين مطلقا
تدلان على الاسلام سواء ذكرتا مستقلتين أو منضمتين
مع شئ وفي خلال شئ وسواء ذكرتا تقية أو رياءا
ولا دليل لنا يدل على اتيانهما مستقلتين ومنفردتين
في تحقق الاسلام بل الطلاق الروايات يدفع ذلك
ففي موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أخبرني عن الاسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال: إن
الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان
فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله
والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله، به حقنت
الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة
113

الناس، والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من
صفة الاسلام وما ظهر من العمل به والايمان أرفع من الاسلام
بدرجة، إن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر، و
الاسلام لا يشارك الايمان في الباطن، وإن اجتمعا
في القول والصفة (1).
وفي رواية سفيان بن السمط قال: سأل رجل أبا
عبد الله عليه السلام عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما؟
فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم التقيا في الطريق وقد أزف (2)
من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: كأنه قد
أزف منك رحيل، فقال: نعم. فقال: فالقني في البيت
فلقيه، فسأله عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما؟ فقال:
الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان
فهذا الاسلام، وقال: الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن
أقربها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا (3).
والروايات في ذلك كثيرة جدا، راجع لذلك باب
التوحيد من كتاب البحار، وهذه الروايات على كثرتها وتواترها لا تفصيل

(1) الكافي ج 2 ص 25 - 24
(2) أي قرب.
(3) الكافي ج 2 ص 25 - 24
114

فيها بين أن يقر بالشهادتين حقيقة وبين أن يقربها نفاقا أو تقية
أو رياءا أو قصدا لمدلولهما أو غير قاصد له فالاطلاق شامل
لذلك كله، فلذا كان النبي صلى الله عليه وآله يقبل اسلام
المنافقين كما ذكرنا مع علمه بكفرهم وشركهم بحسب الواقع.
فحينئذ إذا صلى بعد ارتداده وتشهد الشهادتين في
تشهده لا يبعد أن يصير مسلما ويدرء عنه حد الردة سواء
كان ارتداده بانكار الألوهية أو بانكار الرسالة أو بانكار
غيرهما من ضروريات الاسلام، ولا دليل لنا على اعتبار
ذكر الشهادتين منفردتين كما ذكرنا، ولا فرق في ذلك بين
أن يصلي في دار الحرب أو في دار الاسلام، ولعل قول
صاحب المسالك في آخر كلامه " وفيه نظر " إشارة إلى بعض
ما ذكرناه الله العالم.
المسألة (الرابعة:)
وفي الشرائع أيضا " قال الشيخ في المبسوط: السكران
يحكم باسلامه وارتداده " وهذا يشكل مع اليقين بزوال
تمييزه، وقد رجع في الخلاف انتهى.
115

أما وجه الحكم باسلامه أو ارتداده في حال السكر
بأن كان كافرا قبل ذلك ثم أسلم في حال السكر أو كان
مسلما فارتد في حال السكر فإنه يصير مسلما بذلك أي
إذا أظهر الشهادتين أو مرتدا إذا أنكر ضروريا من ضروريات
الاسلام في حال السكر، فلأجل أنه ملحق بالصاحي في بعض
الموارد عندنا كالجنايات والقذف والزنا واللواط واتلاف
مال الغير فإنه يقاد منه أو يجرى عليه الحدود الشرعية أو هو
ضامن لما أتلفه من أموال الناس، وكذا ما أجراه من الطلاق
فإنه يلزم بذلك على قول بعضهم.
ولعل وجه ذلك كله - مع فقدان تميزه بالمنكر - هو أن
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فإن الذي يوقع
نفسه من فوق السطح يحرم عليه أن يقع على الأرض مع أنه
يمتنع عليه من أن يمسك نفسه - في الطريق - من الوقوع
على الأرض، لكن لما كان الامساك عن الوقوع كان من
أول الأمر باختياره، ومع ذلك ألقى نفسه بالاختيار
فلا مانع من حرمة وقوعه على الأرض، فكذا السكران
فإن سكره بواسطة شربه للخمر كان اختياريا، وكذا ما يترتب
عليه من الاسلام أو الارتداد أو سائر الجنايات، فإن ذلك
116

كله بحكم الاختيار لأن سببه كان اختياريا، فالذي يترتب
عليه - أي على السكر - يكون بحكم الاختيار
وأما وجه القول الآخر - وهو عدم ترتب الأثر على
اسلامه أو ارتداده وهو مختار الشيخ قدس سره في محكى
الخلاف فهو أنه فاقد للتميز ومع فقدانه للتميز كيف يمكن
ترتب الأثر على اسلامه أو ارتداده؟ أما اسلامه فلا يبعد
أن يلتزم به لأنه يكون له - على اشكال فيه أيضا، وأماما يكون
عليه كالارتداد فلا يمكن الالتزام به لعدم تميزه ومن المعلوم
أن التمييز شرط في التكاليف الشرعية.
وأماما يصدر منه من الجنايات والقذف والزنا و
اللواط والاتلاف فلعل ترتب الأثر على ذلك لأجل
الاجماع أو دليل معتبر لم يصل إلينا، وكذا وقوع الطلاق
منه على قول بعضهم وهو أيضا لا يخلو من اشكال.
المسألة (الخامسة:)
وفي الشرائع أيضا: كل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه
في دار الحرب أو دار الاسلام حالة الحرب وبعد انقضاءها
وليس كذلك الحربي، وربما خطر (أي بالبال) اللزوم في
117

الموضعين لتساويهما في سبب الغرم انتهى.
أما وجه الفرع الأول - أي إذا أتلف المرتد على
المسلم سواء أتلف نفسا بأن قتل المسلم أو أتلف طرفا
بأن قطع يده أو رجله أو أتلف مالا للمسلم فإنه ضامن
لجميع ذلك، فإن قوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا
لوليه سلطانا " (1) شامل للمرتد أيضا القاتل للمسلم وكذا
قوله عليه السلام: من أتلف مال الغير فهو له ضامن شامل للمرتد
أيضا بل المرتد أولى بالشمول من المسلم خلاف للمحكى عن أبي
حنيفة والشافعي فلم يضمناه في حال الحرب إلا أن
قولهما مخالف لاطلاق الأدلة أو عمومها، هذا كله في المرتد
الملي.
وأما المرتد الفطري فبناءا على عدم قبول توبته
وانتقال أمواله إلى ورثته يكون ضامنا للنفس أو المال
في الآخرة أي يبقى ضمانه للمال الذي أتلفه أو النفس التي
قتلها في ذمته فيعذب بذلك زائدا على عذابه للردة
ولسائر أعماله الخبيثة أو يكون في ذمته في الدنيا إلى أن يتبرع
عنه متبرع، فتفرغ ذمته بتبرع المتبرع عنه، وأما المرتد الملي فإنه

(1) سورة الإسراء الآية 33.
118

فإنه إذا قتل مسلما متعمدا قتل به، ويقدم قتله على قتله
للردة، وإذا كان القتل شبه العمد أو كان خطاءا فالدية
في ماله كما عن الشيخ في قتل الخطأ إلا أن ما عن الدروس
أنه أشكل ذلك بأن ميراثه لهم (أي للورثة) وكذا المرتد
الفطري فإنه إذا قتل مسلما فإنه يقتل به قبل قتله بالردة.
ولو قتل المسلم مرتدا عن ملة قبل الاستتابة قتل به
كما في الجوهر، وبعد الاستتابة والإباء عن التوبة إذا قتله
فلا أثر له لأنه كان واجب القتل، إلا أنه يمكن أن يقال
بوجوب تعزيره لأنه قتله بدون إذن الحاكم الشرعي.
وأما الفرع الثاني - أي إذا قتل الكافر الحربي مسلما
أو أتلف ماله ففي الجواهر " إن أتلف في دار الحرب
لم يضمن وإن أتلف في دار الاسلام ضمن كما صرح به
غير واحد بل هو العمل المعهود في أهل الذمة ممن كان
في دار الاسلام بل في كشف اللثام ضمن اتفاقا إذا أسلم
وإن كان قد يناقش أو لا بأن مقتضى العموم المزبور
الضمان مطلقا كما أن ظاهر المحكى عن الشيخ عدم الفرق
بين الدارين وسواء أسلم أولا " قال في المسالك: إنه أطلق
119

عدم ضمانه وإن أسلم لقوله صلى الله عليه وآله: الاسلام
يجب ما قبله (1)، وفي غاية المراد " أما الحربي ففي
المبسوط: لا ضمان عليه لعدم التزامه الأحكام الاسلامية
ذكره في فصل المرتد، وفي فصل البغاة الاجماع
على عدم ضمانه بعد اسلامه انتهى موضع الحاجة من
كلام صاحب الجوهر.
أقول: أنا لا أدري ما الذي كان سببا
لحكمهم بعدم ضمان الكافر الحربي إذا قتل المسلم أو
أخذ ماله؟ سواء كان ذلك في دار الحرب أو في دار
الاسلام، وهل يكون الحربي أعلا وأشرف من المسلم؟
فإذا كان المسلم ضامنا إذا قتل مسلما أو أخذ ماله
فالحربي يلزم أن يكون أولى بالضمان، وإذا حكمنا
بأن الكافر الحربي غير ضامن لما يتلفه من المسلم وسمع
الكافر ذلك تجرء على سفك دماء المسلمين وأخذ
أموالهم ويتوجه بذلك فساد عظيم على المسلمين
وكذا لا أدري لم لا تشمل الأدلة العامة الدالة على

(1) مستدرك الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2.
120

ضمان من أتلف مال الغير - للكافر الحربي مع أنه
أولى بالشمول من المسلم؟
نعم إذا أسلم الكافر أمكن القول بعدم ضمانه لما
أتلفه من المسلم من نفس أو مال لقوله صلى الله عليه
وآله: الاسلام يجب ما قبله " وما ذكره في غاية المراد
من أن الكافر غير ملتزم للأحكام الاسلامية، ضعيف
إذ يلزم من ذلك أن يكون الكافر مطلق العنان
يفعل ما يشاء في بلاد الاسلام أو في بلاده وهذا لم
يقل به أحد، فعدم التزامه لا يدل على عدم الزامه
ولذا قال في الشرائع: وربما خطر اللزوم في الموضعين
لتساويهما في سبب الغرم انتهى.
وسبب الغرم هو اطلاق الأدلة الدالة على الضمان الشامل لكلا
الموضعين، بل عن فخر المحققين التفصيل فأسقط عنه
ضمان ما أتلفه في حال الحرب مع إسلامه نفسا كان
المتلف أم مالا إذا لم تكن العين موجودة وضمنه في
غير الحرب مطلقا سواء كان ذلك في دار الحرب أم
دار الاسلام انتهى، لكن التحقيق ما أشرنا إليه آنفا
121

من ضمانه مطلقا سواء كان الاتلاف في دار الاسلام
أم في دار الكفر وسواء أتلف في حال الحرب أو في
غير حال الحرب وسواء كانت العين موجودة أو
معدومة، نعم إذا أسلم ارتفع منه الضمان مطلقا.
فظهر لك أن الأقوال في هذه المسألة - أي
في الكافر الحربي إذا قتل المسلم أو أتلف مسألة - ثلاثة
الأول الضمان مطلقا أي سواء أتلف في دار الحرب
أو في دار الاسلام وسواء أسلم بعده أم لا.
الثاني أنه لا يضمن مطلقا وهو القول الذي ضعفناه
الثالث أنه يضمن إذا لم يسلم ولا يضمن إذا أسلم
وهذا القول مستنده قوله (ص): الاسلام يجب ما قبله "
قال في الجواهر: ومن ذلك كله ظهر لك أن الأقوال
ثلاثة، ولا ريب أن الموافق لعموم الأدلة الضمان مطلقا
لولا دعوى الاجماع المزبورة المؤيدة بالسيرة على عدم
القصاص من الحربي بعد اسلامه فضلا عن ضمانه المال
بل هو المحكى من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) بالنسبة
إلى قائل حمزة (1) وغيره، بل ربما كان في ذلك نفرة

(1) السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 76 على ما حكي عنه.
122

للكفار عن الاسلام، ولعله لذا لم يجزم المنصف بالضمان
بل ذكره احتمالا بالعبارة المزبورة، بل ربما قيل: إن
محل البحث في المال دون النفس " وإن كان فيه أن صريح
بعضهم وظاهر الاستدلال عدم الفرق، والتحقيق
الضمان في الدارين في حال الحرب وعدمها، نعم
إذا أسلم وكان ما أتلفه نفسا أو مالا من حيث الكفر
والاسلام وخصوصا حال الحرب أشكل الضمان
للاجماع المزبور المؤيد بخبر جب الاسلام (1)، ولمعلومية
ذلك من السيرة انتهى.
وحاصل الكلام في هذه المسألة أن الكافر
الحربي إن قتل مسلما سواء كان في دار الحرب أو في
دار الاسلام أو أتلف ماله كذلك فإن لم يسلم
بل بقي على كفره فهو ضامن للمسلم مطلقا أي سواء
كان ذلك في دار الاسلام أو دار الكفر فإنه ليس
بأفضل من المسلم كما عرفت، وأما إذا أسلم بعد ذلك
فليس عليه شئ كما أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقد

(1) المستدرك الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث.
123

الوحشي عن دم عمه حمزة رضي الله عنه - بعد اسلامه
إلا أنه قال له: لا ترني وجهك " ولأن الاسلام
يجب ما قبله كما عرفت، وأما احتمال عدم ضمان
الكافر الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف ماله ولم يسلم
بعد ذلك ففي غاية من الضعف، فإن من المعلوم
أنه لم يكن أشرف من المسلم، والمسلم إذا فعل ذلك
يكون ضامنا فالكافر أولى.
إلى هنا انتهى بحث سيدنا الأستاذ ولم يتمكن
بعد ذلك من استدامة البحث والتدريس لعروض
المرض وكهولة السن ودام به الضعف والمرض إلى
أربعة أعوام تقريبا ثم مع الأسف أنه انتقل إلى رحمة الله ورضوانه
عن ثمانية وتسعين سنة مضت من عمره الشريف
فأفجعنا بمصابه، وذلك في اليوم الخامس والعشرين
من شهر جمادى الثانية من عام 1414 هجرية قمرية
الموافقة 19 / 9 / 1372 من السنة الشمسية فإنا لله
وإنا إليه راجعون ورحمة الله وبركاته عليه بجاه محمد
وآله، وحيث إن هذا الكتاب قد بقي ناقضا بارتحال
124

ينبغي لنا أن نكمله بعون الله تعالى وحسن توفيقه
على حسب فكرتنا الفاترة القاصرة.
المسألة (السادسة:)
إذا جن المرتد الملي بعد ردته قبل استتابته
لم يقتتل، لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة ولا
حكم لامتناع المجنون، نعم لو طرء الجنون بعد الامتناع
المبيح لقتله قتل، كما يقتل الفطري على كل حال، لعدم
سقوط قتله بالتوبة قاله في الشرائع والجواهر.
والمسألة واضحة، فإن المرتد الملي إذا ارتد، ثم
صار مجنونا قبل أن يتوب من ردته لا يجوز قتله
لأنه لا يمكن استتابته، وعلى فرض امتناعه من التوبة
إفاقته من الجنون فإن أفاق عرض عليه التوبة
فإن تاب وإلا قتل، هذا في المرتد الملي، وأما الفطري
فإنه يقتل على كل حال جن أو لا يجن تاب بعد
جنونه أو لا لأن توبته غير مقبولة كما تقدم.
125

المسألة (السابعة:)
وفي الشرائع والجواهر أيضا: إذا تزوج المرتد لم يصح
سواء كان تزوج بمسلمة أم كافرة لتحرمه بالاسلام
المانع من التمسك بعقد الكافرة واتصافه بالكفر
المانع من نكاح المسلمة " وإليه يرجع ما في الدروس
من التعطيل بأنه دون المسلم وفوق الكافر، لكنه لا
يتم في الكتابية بناءا على جواز تزويج المسلم بها مطلقا
أو متعة، ضرورة أن الاسلام لا يمنع من التمسك
بعقدها فأولى أن لا يمتنع ما دونه، ومن هنا لم
يقتصر عليه في الدروس:
قال: ولا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الاطلاق
لأنه دون المسلم وفوق الكافرة ولأنه لا يقر على
دينه والمرتدة فوقه لا تقتل إلى آخره
بل مقتضاه انفساخ النكاح بينهما تساويا في الارتداد
جنسا ووصفا أو اختلفا فيه، بل لعل الانفساخ يدل
على عدم جواز الابتداء الذي هو أضعف من الاستدامة
ولكن مع ذلك كله لا يخلو من نظر في الجملة إن لم يكن
126

إجماعا أو نصا انتهى كلامهما قدس سرهما.
أقول: لا بأس ببسط الكلام في هذه المسألة
فنقول: إن المرتد إما أن يتزوج بالمسلمة أو بالكتابية
أو بالكافرة، فإن تزوج بالمسلمة لا يصح لأنه وإن كان
بحسب اللفظ مسلما لاقراره بالشهادتين إلا أنه لأجل ردته
قد خرج عن الاسلام وصار بحسب الباطن كافرا " لن
يجعل الله الكافرين على المؤمنين سبيلا "
وأما زواجه بالكافرة فلا يجوز أيضا لتحرم المرتد
بالاسلام أي صار محترما باسلامه الظاهري الذي
يدعيه فلا يجوز له أن يتمسك بعقد الكافرة إلا أنه بشكل
بالنسبة إلى الكتابية بناءا على جواز زواج المسلم بالكتابية مطلقا
أو متعة فإن المسلم إذا جوزنا زواجه بالكتابية فالمسلم اللفظي
- أي المرتد - الذي يكون دون المسلم يكون زواجه
بالكتابية أولى.
وأما زواجه - أي المرتد - بالمرتدة فعن الدروس
(أنه) لا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الاطلاق لأنه
127

(أي المرتد) دون المسلم وفوق الكافرة، لأنه لا يقر
على دينه، والمرتد فوقه لأنها لا تقتل انتهى.
وحاصله أن المرتد لا يجوز زواجه بالمرتدة مطلقا
لأنه وإن كان - أي المرتد - دون المسلم إلا أنه
فوق الكافرة لتحرمه بالاسلام، فلا يجوز زواجه بالكافرة
مضافا إلى أنه لا يقر على دينه، فتارة يصير مسلما
وأخرى يصير مرتدا، ولأن الكافرة أشرف منه
لأن المرتد إذا استتيب فلم يتب يقتل بخلاف المرتدة
فإنها إذا لم تتب لا تقتل بل تسجن إلى أن تتوب أو
تموت في السجن فهي أشرف من المرتد فلا يجوز
زواجه بها.
فحينئذ إذا تحقق الزواج بين المرتد والمرتدة أو
الكافرة بل وكذا المسلمة سواء تساويا في الارتداد
جنسا أو وصفا أو اختلفا فيه انفسح العقد بل انفساخ
العقد كاشف عن عدم جواز الابتداء به الذي
هو أضعف من استدامته إلا أنه قال في الجواهر:
ولكن مع ذلك كله لا يخلو من نظر في الجملة إن لم يكن
اجماعا أو نصا انتهى، ولعل وجه نظره أن مطلقات أدلة
128

الزواج في الاسلام محكمة لا يجوز تخصيصها إلا بمخصص
قطعي، كقوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من
فضله الخ (1) وقول النبي صلى الله عليه وآله: النكاح
سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني "
نعم قد خرج جزما زواج المسلم للكافرة وكذا
نكاح الكافر للمسلمة من هذه المطلقات فيبقى الباقي
على اطلاقه من الزواج.
إلا أن هذا الوجه لا يخفى ما فيه فإن المرتد
بحكم الكافر وإن صلى وصام وأقر بالشهادتين فلا
يجوز زواجه بالمسلمة، نعم بالنسبة إلى زواجه بالكتابية
- بناء على جواز زواج المسلم بها - يجوز للمرتد أيضا
ذلك فإن المرتد ليس بأشرف من المسلم.
المسألة (الثامنة:)
وفي الشرائع أيضا: لو زوج (أي المرتد) بنته المسلمة

(1) سورة النور الآية 32.
129

لم يصح لقصور ولايته عن التسلط على المسلم، ولو
زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد أشبهه الجواز انتهى.
وقال في الجواهر - بعد قوله: أشبهه الجواز: كما عن
التحرير، ولقوه الولاية المالكية، ومن ثم يملك الكافر
المسلم وإن أجبر على بيعه ويقدم على اختياره المشتري
على اختيار الحاكم عليه.
ولكن مع ذلك الأقوى العدم لانتفاء السبيل
وللحجر عليه، وإن كان قد يناقش بعدم عموم يقتضي
ذلك انتهى.
والظاهر أن ما قواه من انتفاء السبيل والحجر
عليه هو الأقوى فإن تمكن المرتد من بيع أمته
المسلمة نوع سبيل للمرتد على المسلمة وهو محجور عليه
من ذلك وإن كان مالكا لها، والكافر وإن كان
يملك المسلم إلا أنه يجبر على بيعه لئلا يكون للكافر
على المسلم سبيل.
المسألة (التاسعة:)
وفي الشرائع أيضا: كلمة الاسلام أن يقول: لا إله
130

إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإن قال مع ذلك
وأبرأ من كل دين غير الاسلام كان تأكيدا، ويكفي
الاقتصار على الأول، ولو كان مقرا بالله سبحانه
وتعالى وبالنبي (صلى الله عليه وآله) جاحدا عموم
نبوته أو وجوده احتاج إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده انتهى.
وفي الجواهر: بل إن ترك لفظ الشهادة ففي
كشف اللثام حكم باسلامه ما لم يظهر منه ما ينافيه، ولا بأس
به إذا كان ذلك منه لإرادة الاسلام، ولو قال: أشهد
أنا النبي رسول الله ففي القوائد: لم يحكم باسلامه
لاحتمال أن يريد غيره " وفيه احتمال الاكتفاء بظاهر
إرادته العهد انتهى.
ومراد صاحب كشف اللثام أن يقول مثلا:
لا إله إلا الله ولا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أو
مراده أنه لا يذكر الكلمتين أصلا لا بلفظ الشهادة
ولا بدون ذلك فإنه إذا كان في بلاد الاسلام
131

ولم يظهر منه ما ينافي الاسلام يحكم بحسب الظاهر
باسلامه بل إذا قال ترجمة اللفظين بأي لغة كانت
كفى في اسلامه،
وأما إذا قال: أشهد أن النبي رسول الله فالظاهر
أنه كاف في اسلامه لظهور إرادته العهد أي يريد
بذلك نبينا صلى الله عليه وآله، و احتمال إرادته
لغيره ضعيف، وإذا قال - مع الشهادة - وأبرأ من كل
دين غير الاسلام كان ذلك تأكيدا للشهادة إلا
أنه يكفي الاقتصار على الأول أي كلمة لا إله إلا الله
ومحمد رسول الله (ص).
وأما إذا شهد بالشهادتين ثم زعم أن النبي
سيبعث أو أنه ليس الذي بعث أو أنكر فريضة من
فرايض الاسلام أو أصلا من أصوله كالمعاد الجسماني
يحتاج اسلامه إلى ذكر زيادة تدل على رجوعه عما جحده
ولا يكفي الاقرار بالشهادتين حينئذ في اسلامه.
وكذا إذا أنكر نبيا من الأنبياء الذي نبوته من
ضروريات الدين كموسى وعيسى وإبراهيم عليهم و
على نبينا أفضل الصلاة والسلام أو أنكر آية من آيات
132

الله أو كتابا من كتبه أو ملكا من ملائكة الذين يكون
وجودهم من الضروريات كجبرئيل أو ميكائيل أو استباح
محرما من محرمات الاسلام كالقمار والموسيقى فإنه
لا بد في اسلامه من أن يزيد على الشهادتين شيئا
يدل على رجوعه عما جحده.
ولو قال: أنا مؤمن أو مسلم فعن القواعد: الأقرب
أنه لسلام في الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية
بخلاف من كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه
لأنه يحقل أن يكون اعتقاده أن الاسلام ما هو عليه.
وفيه - كما في الجواهر - أنه لا صراحة في الأولين
أيضا لاحتمال إرادة الايمان بالنور والظلمة، و
الاستسلام لهما وغير ذلك، وأن الأخير مبني
على كفر منكر الضروري وإن كان معتقدا للجهل
وإلا فهو غير كافر مع اعتقاده ولو جهلا فلا يحتاج
إلى توبة، وعن القواعد وشرحها للأصبهاني: أن الأقرب
قبول توبة الزنديق الذي يستر الكفر ويظهر الايمان
وهو المحكى عن ابن سعيد معللا له في الأخير بأنه
133

إنما كلفنا بالظاهر إذ لا طريق إلى العلم بالباطن
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأسامة
لما قتل الأعرابي الذي أظهر الاسلام ولم يقبل
منه: هلا شققت عن قلبه (1).
والتهجم على القتل عظيم " وقال في الجواهر:
وفيه منع العلم بحصول التوبة باظهار ما كان معتادا
له ولذا كان المحكى عن الخلاف وظاهر المبسوط
عدم قبول توبته ناسبا له إلى رواية أصحابنا وإلى
إجماعهم على هذه الرواية " ثم قال (أي الأصبهاني):
وأيضا فإن قتله بالزندقة واجب بلا خلاف وما
أظهره من التوبة لم يدل دليل على اسقاطه القتل
عنه فإن مذهبه اظهار الاسلام، وإذا طالبته بالتوبة
طالبته باظهار ما هو مظهر له، فكيف يكون اظهار دينه
توبة؟
قلت: لا يخفى عليك جودته إن كان المراد
الاكتفاء بما يظهره في الحكم بتوبته بخلاف ما إذا شهدت
القرائن بها، وفي خبر مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) تفسير الدر المنثور ج 2 ص 200 على ما حكي عنه.
134

أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحكم في الزناديق إذا شهد
عليه رجلان عدلان مرضيان، وشهد له ألف بالبراءة
جازت (أجاز ظ) شهادة رجلين وأبطل شهادة الألف
لأنه دين مكتوم (1).
وفي خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا أن أمير المؤمنين
(عليه السلام) أتي بزنديق، فضرب علاوته، فقيل له: إن
له مالا كثيرا فلمن يجعل ماله؟ قال: ولده وورثته و
لزوجته (2).
وفي مرفوعة عثمان بن عيسى إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام) أنه كتب إلى عامله: أما ما كان من المسلمين
ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا تستتبه
ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه فإن تاب وإلا
فاضرب عنقه (3) الحديث انتهى كلام صاحب الجواهر.
أقول: العلاوة: الرأس أو أعلاه، ولم يبن الفقهاء
وكذا الأخبار بأنه من المراد بالزنديق؟ فإن كان المراد منه
الذي يظهر الايمان ويبطن الكفر فهو المنافق، والمنافق

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 1 - 5.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 1 - 5.
135

إذا أظهر الشهادتين ولم يظهر منه ما يدل على كفره صريحا
لا يجوز قتله.
قال في مجمع البحرين: الزنديق كقنديل، والمشهور عند
الناس هو الذي لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام
الدهر، والعرب تعبر عنه بقولهم " ملحد " والجمع زنادقة
وفي الحديث " الزنادقة هم الدهرية الذين يقولون:
لا رب ولا جنة ولا نار ولا يهلكنا إلا الدهر " وفي
الجمع: الزنادقة قوم من المجوس يقال لهم الثنوية يقولون:
النور مبدء الخيرات، والظلمات مبدء الشرور، وقيل:
مأخوذ من الزند وهو كتاب الفلوية (1) كان لزرادشت
المجوس ثم استعمل في كل ملحد في الدين، وقيل: هم
قوم من السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ أظهر الاسلام
ابتغاء الفتنة وتضليلا للاسلام، فسعى أولا بإثارة الفتنة
على عثمان، ثم انضوى إلى الشيعة فأخذ في تضليل جهالهم
حتى اعتقدوا في علي العبودية 7 [الألوهية] فاستتابهم علي عليه السلام
فلم يتوبوا فأحرقهم مبالغة في النكاية.
وفي مفاتيح العلوم: والزنادقة هم المانوية وكانت المزدكية

(1) معرب الپهلوية.
136

يسمون بذلك، ومزدك هو الذي ظهر في أيام قباذ
وزعم أن الأموال والحرم مشتركة وأظهر كتابا سماه
زندا وهو كتاب المجوس الذي جاء به زردشت
الذي يزعمون أنه نبي ونسب أصحاب مزدك إلى
زند، فأعربت الكلمة فقيل: زنديق والجمع زنادقة، و
الهاء عوض من الياء المحذوف، وأصله الزناديق
والاسم الزندقة عرب من الزند وهو اسم كتاب لهم.
وفي القاموس: زنديق معرب زن دين أي
دين المرأة وفي الحديث " إني أصبت قوما من المسلمين
زنادقة " قتل: تسميتهم مسلمين باعتبار ما كانوا عليه وإلا
فليسوا بمسلمين انتهى.
فعلى ما ذكروه من معنى الزنديق يظهر منه أن الزنديق
أظهر كفرا من المنافق، فإن المنافق يظهر الايمان ولا يظهر
الكفر بخلاف الزنديق فإنه يدعي الاسلام ويظهر الشهادتين
إلا أنه يطهر منه ما يخالف الاسلام كالاستهانة بكتاب الله
وسنة رسول الله (ص) وكالاستهانة بفرائض الاسلام
137

كالصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وكتكذيبه للنبي
أو لأوصيائه عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
ويحتمل أن يكون من أقسام الزنديق الذي يظهر
الشهادتين إلا أنه يثير الفتنة بين المسلمين ويلقي العداوة
والبغضاء والاختلاف والتشاجر بينهم إلى أن يؤول
الأمر إلى سفك الدماء وهتك الأعراض وذهاب
الأموال والله العلم.
ثم إن الزنديق إن انعقدت نطفته في الاسلام
أي كان أحد أبويه مسلما أو كلاهما مسلمين يصير
بهذه الأعمال ضد الاسلام مرتدا فطريا يجب قتله
وإن تاب من زندقته، وأما إذا كان مرتدا مليا
بأن كان كلا أبويه كافرين، ثم أسلم هو بعد البلوغ
ثم ارتد فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ففي الحقيقة الزنديق داخل في المرتد أو هو
نفس المرتد، وقد عرفت قبل ذلك أنه على قسمين
فطري وملي وقد عرفت أحكام المرتد بكلا قسميه،
ويستفاد هذا الذي ذكرناه من مرفوعة عثمان بن عيسى
المتقدمة (1)، فإنها دالة على كون الزنديق هو المرتد.
138

وقال في الشرائع (تتمة فيها مسائل)
(الأولى:)
الذمي إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب فأمان
أمواله باق، فإن مات ورثه وارثه الذمي والحربي، وإذا
انتقل الميراث إلى الحربي زال الأمان عنه، وأما الأولاد
الأصاغر فهم باقون على الذمة، ومع بلوغهم يخيرون
بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية وبين الانصراف إلى
مأمنهم انتهى.
وقال في الجواهر - بعد قوله: فأمان أمواله باق:
بلا خلاف أجده فيه بل في المسالك - بعد نسبته إلى
المصنف وغيره من الأصحاب - قال: وكأنه موضع
وفاق، وعن الخلاف والمبسوط نفى الخلاف فيه
ولعله الحجة إن تم، لا ما فيهما من أنه عقد الأمان لكل
منهما على حدته أي نفسه وماله، ولم يحصل في المال
ما يوجب نقض العهد إذ هو كما ترى ضرورة تبعيته
له في الحل والحرمة مع الاطلاق، نعم يصح له عقد الأمان
لماله دون نفسه، كما إذا بعث بماله إلى دار الاسلام
139

بأمان ولنفسه دون ماله، وحينئذ إذا انتقض أحدهما
لم ينتقض الآخر، أما مع الاطلاق فالمتجه ما ذكرناه
فالعمدة حينئذ ما عرفت انتهى.
لكن يمكن أن يقال: إن الأمان الذي أخذه
الذمي إذا بقي على عهده ولم ينقض يشمل الأمان
لنفسه ولماله ولعياله وأولاده، فإذا نقض العهد وذهب
إلى دار الحرب فهو فقط خرج من الأمان، ولا وجه
لخروج ماله وأهله منه، وكيف كان فالأمر سهل بعد
عدم وجود الخلاف في المسألة.
وقال في الجواهر أيضا - بعد قوله: وإذا انتقل
الميراث إلى الحربي زال الأمان عنه -: لصيرورته
ملكا لمن لا حرمة له ويكون للإمام (عليه السلام) من الأنفال
التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، بل إن قتل
الناقض في الحرب فالحكم كذلك عند الشيخ والأكثر
على في المسالك خلافا للمحكى عن ابن الجنيد من
أنه يكون ماله للمقاتلة لأنه من جملة فتوحاته وهو ممنوع
نعم قد يشكل بارتفاع الأمان عن ماله بأن مقتضى
140

العهد الأول وصول ماله إلى مستحقه وإن كان حريبا
كما إذا لم ينقض العهد ومات وكان وارثه حريبا
فإن الظاهر بقاء أمانه اللهم إلا أن يكون العهد على
أمانه في نفسه وماله على الوجه المزبور، ولعله لذا
كان المحكى عن الشافعي في أحد قوليه بقاء أمانه و
هو لا يخلو من وجه انتهى.
أما وجه ما إذا انتقل ماله بعد موته إلى وارثه
الذمي والذمي يصير مالكا فلأجل أن الذمي كما
يكون مالكا لما يكتسبه يكون له الأمان بالنسبة إلى نفسه وماله
وأما وجه تملك الوارث الحربي لمال الذمي
الناقض للعهد فهو كسائر الكفار الذين يرثون
المال من مورثهم المسلم أو الكافر، إلا أن الكافر
الحربي كما لا أمان له في نفسه فكذا لا أمان له في ماله
فحينئذ يكون ماله للإمام عليه السلام وهو من الأنفال
وعن ابن جنيد أنه يكون للمقاتلين المسلمين، وليس
لهذا القول مستند، والصحيح أنه للإمام عليه السلام يضعه
141

حيث يشاء.
إلا أن في الجواهر أنه أشكل ذلك أيضا وقال:
قد يشكل أصل الحكم بارتفاع الأمان عن ماله بأن
مقتضى العهد الأول وصول ماله إلى مستحقه، وإن
كان حربيا فإن الظاهر بقاء أمانه اللهم إلا أن يكون العهد
على أمانه في نفسه وماله على الوجه المزبور الخ
هذا كله بالنسبة إلى ماله، وأما بالنسبة إلى أولاده
الصغار فهم باقون على أمانهم، وبعد بلوغهم يصيرون
مخيرين بين بقاءهم على عقد الذمة وأداء الجزية وبين
الانصراف إلى ما منهم كغيرهم من الكفار الساكنين
في بلاد الاسلام بأمان.
المسألة (الثانية:)
وفي الشرائع أيضا: إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي
قتله قودا، ويسقط قتل الردة، ولو عفى الولي قتل
بالردة، ولو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة
لأنه لا عاقلة له على تردد، ولو قتل أو مات حلت كما
تحل الأموال المؤجلة انتهى.
142

أما إذا قتل المرتد - سواء كان فطريا أو مليا -
- مسلما متعمدا فلولي المقتول أن يقتل المرتد قودا
- أي قصاصا، فحينئذ يسقط عن المرتد قتله بالردة
لعدم إمكان تعدد القتل وهذا - أي قتل الولي
له - من باب تقديم حق الناس على حق الله تعالى
وهذه المسألة - كما قيل - لا خلاف فيها.
وأما إذا عفى الولي عن قتله أو صالح المرتد بمال
يدفعه إليه قتل المرتد حينئذ بالردة التي صدرت منه
وأما إذا قتل المرتد مسلما خطاءا كانت الدية
في ماله مخففة مؤجلة إلى ثلاث سنين لا مغلظة
كما ستعرف ذلك في محله إن شاء الله تعالى لأنه
لا عاقلة له من المسلمين الذين لا يعقلون الكفار
ولا من الكفار الذين لا يرثونه على تردد من ذلك
(أي من الجهة التي ذكرنا من أنه لا عاقلة له) ومن
أن المسلمين ورثة لهم، ومن كان الإرث له كان العقل
عليه، كذا في الجواهر.
والمراد من العاقلة هو الذي تكون دية الجاني
143

إذا جنى على أحد خطأ أو شبهه - عليه كالولد يكون
ما يجنيه على أحد إذا كان صغيرا أو فقيرا - على والده
وكذا العبد إذا جنى تكون ديته على سيده، والمفروض
أن المرتد إذا جنى خطأ لم يكن له عاقلة لا من المسلمين
ولا من الكفار، فإن المسلم لا يكون عاقلة للكافر
فإن المرتد بردته صار كافرا لا يعقله المسلم، والكافر
لا يرث المرتد الذي كان مسلما لأن أمواله بعد
ردته تنتقل إلى وارثه المسلم، وهذا هو وجه تردد
صاحب الشرائع بأن من كان وارثا لأحد يكون
عاقلة له، والمفروض أن المسلم يكون وارثا للمرتد، فتكون
دية المرتد عليه إذا جنى على أحد ويكون عاقلة له
فلذا تكون ديته مخففة مؤجلة
نعم لو قتل - أي المرتد - أو مات حلت ديته
أي صارت حالا لا بد من أدائها فورا من أمواله
كما تحل سائر ديونه المؤجلة بموته.
إنما الكلام في المرتد عن فطرة الذي مقتضى اطلاق
المصنف ومحكى المبسوط ذلك فيه أيضا
144

بل عن القواعد التصريح بذلك، و يشكل بعدم المال
له، نعم لو قلنا بملكه المتجدد بعد الردة أمكن ذلك حينئذ، قاله
في الجواهر وهو حسن.
(الثالثة:)
إذا تاب المرتد، فقتله من يعتقد بقاءه على الردة
قال الشيخ: يثبت القود بتحقق قتل المسلم ظلما، ولأن
الظاهر أنه لا يطلق الارتداد بعد توبته " وفي القصاص
تردد لعدم القصد إلى قتل المسلم " قاله في الشرائع.
أما وجه القود - أي القصاص - عليه فلأنه قتل
المسلم متعمدا فإنه - بعد ما تاب - لا يطلق عليه المرتد
بل صار مسلما، وكان عليه - أي على القاتل - أن يحقق
حاله وأنه هل هو باق على ردته أو تاب منها؟ وليس له
أن يتسرع إلى قتله من غير تحقيق في ذلك، فإن أمر
القتل عظيم في الاسلام، مضافا إلى قوله تعالى: النفس
بالنفس (1)، وأما وجه التردد في القصاص منه فلعدم
القصد إلى قتل المسلم بل كان قصده من قتله قتل المرتد

(1) سورة المائدة الآية 45.
145

بزعمه ولم يكن عالما بتوبته، فإن قوله تعالى " ومن
يقتل مؤمنا متعمدا (1) إلى آخره ظاهر في إرادة
العمد في قتل المؤمن، فلا يبعد أن يقال في هذا
المورد إن القتل من قبيل شبه العمد الذي فيه الدية
دون القصاص.
بل عن الشيخ في محكى كتاب زكاة الفطرة
من كتاب الخلاف أنه حكم بأن من قتل مسلما
في دار الحرب بظن أنه كافر لم يكن عليه أكثر من
الكفارة، ويؤيده أيضا أن جمعا من الصحابة منها
أسامة بن زيد وجدوا أعرابيا في غنيمات، فلما
أرادوا قتله تشهد، فقالوا: ما تشهد إلا خوفا من
أسيافنا، فقتلوه واستاقوا غنيماته فنزل " ولا
تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا " الآية
(2)، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال لأسامة:
هلا شققت قلبه (3)، وربما أيد ذلك بأن النبي
صلى الله عليه وآله لم يقتص منهم ويؤيده أيضا - كما قيل

(1) سورة النساء الآية 93 (2) سورة النساء الآية 94
(2) تفسير الدر المنثور ج 2 ص 200 - على ما حكي عنه.
146

- بأن القصاص حد، والحد يبدء بالشبهة، لكن لا
يخفى ما فيه فإنه قد قتل المسلم متعمدا بتخيل أنه مرتد
لا أنه مشتبه القتل، فلا يبعد أن يكون الأقوى هو
ما ذكرنا من أن عليه الدية لا القصاص.
(الباب الثالث:)
في نكاح البهائم ووطء الأموات.
قال في الشرائع: إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة
مأمولة اللحم كالشاة والبقرة تعلق بوطؤهما أحكام:
تعزير الواطئ وإغرام ثمنها إن لم تكن له وتحريم الموطوئة
(ونسلها كما في الجواهر) ووجوب ذبحها واحراقها
أما التعزير فتقديره إلى الإمام، وفي الرواية: يضرب
خمسة وعشرين سوطا وفي أخرى: الحد، وفي أخرى:
يقتل والمشهور الأول انتهى موضع الحاجة وسنورد
بالتدريج كلامه قدس سره ثم نبحث فيه إن شاء الله تعالى
وحاصل الكلام في هذا الفرع أن البالغ العاقل
إذا وطئ البهيمة المأكولة كالشاة والبقرة والجاموس
147

والبعير ونحوها سواء وطئها قبلا أو دبرا فأول حكم ذلك
تعزير الحاكم للواطئ بما يراه، والثاني إغرام ثمنها حين الوطء
إن لم تكن البهيمة له، والحكم الثالث تحريم الموطوءة و
نسلها وتحريم لحمها ولبنها.
والحكم الرابع وجوب ذبحها ثم إحراقها.
قال في الجواهر: إن مجموع الأحكام المزبورة التي
منها التعزير لا تترتب إلا على وطئ البالغ العاقل المختار
لانتفاء التعزير - المراد هنا - عن الصبي والمجنون و
المكره، وإن أدب الأولان، وإلا فقد عرفت في
كتاب الأطعمة (1) أن حرمة اللحم واللبن والذبح والاحراق
تترتب على مطلق وطء الانسان صغيرا وكبيرا
عاقلا أو مجنونا عالما أو جاهلا حرا أو عبدا مكرها أو
مختارا للاطلاق انتهى
وكيف كان ففي رواية مسمع عن الصادق عليه السلام
أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن البهيمة التي تنكح
فقال: حرام لحمها وكذلك لبنها (2).
فحينئذ إذا وطئ الصبي أو المجنون البهيمة يجب

(1) راجع ج 36 ص 284
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
148

في ذمتهما قيمتها يتبعان بها بعد البلوغ أو الإفاقة أو
يدفع أولى عنهما إن كان لهما مال عنده
وأما الذبح والاحراق فقال في الجواهر: ينفذه
الحاكم إن لم يقع من غيره، ولو كان المراد منها الظهر
ففي الروضة " لا شئ على غير المكلف إلا أن يوجب
نقص القيمة تحريم اللحم أو لغيره فيلزمه الأرش " وفيه
أن النص (1) والفتوى تتطابقان على ثبوت المال
في ذمة الفاعل مطلقا، ولا ينافي ذلك بيعها
في غير البلد انتهى.
ومراده قدس سره من النص بعض الروايات
الآتية في المباحث القادمة.
أما التعزير ففيه خلا فقيل تقديره إلى الإمام عليه السلام
كغيره مما ثبت فيه التعزير لقول الصادق عليه السلام:
في روايتي الفضيل والربعي: ليس عليه حد ولكن
يضرب تعزيرا (2)

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 5.
149

ومن الروايات أيضا ما عن قرب السناد عنه عليه السلام
عن أبيه عن علي عليه السلام أنه سئل عن راكب البهيمة فقال:
لا رجم عليه ولا حد، ولكن يعاقب عقوبة موجعة (1)
ومنها رواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يأتي بهيمة: شاة أو ناقة أو بقرة قال: فقال:
عليه أن يجلد حدا غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيرها
وذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم ولبنها (2).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن عليه السلام
وكذا عن السحاق بن عمار عن موسى بن جعفر عليهما السلام
في الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا: إن كانت البهيمة
للفاعل ذبحت فإذا ماتت أحرقت بالنار، ولم ينتفع
ها، وضرت هو خمسة وعشرين سوطا: ربع حد
الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها منه ودفع إلى
صاحبها، وذبحت وأحرقت بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب
خمسة وعشرين سوطا.
فقلت: وما ذنب البهية؟ فقال: لا ذنب لها ولكن
رسول الله صلى الله عليه وآله فعل هذا وأمر به لكيلا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 11 - 2.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 11 - 2.
150

يجترء الناس بالبهائم وينقطع النسل (1).
وهذه الروايات دالة على أن لا حد عليه بل عليه خمسة وعشرين سوطا.
وبعض الأخبار يدل على أن عليه الحد كخبر
أبي بصير عن الصادق عليه السلام في رجل أتى بهيمة
فأولج، قال: عليه الحد (2).
ورواية أبي فروة عن أبي جعفر عليه لسلام قال:
الذي يأتي بالفاحشة والذي يأتي البهيمة حده حد الزاني (3)
وفي بعض الروايات أن حده القتل.
وهي رواية جميل أو صحيحته عن الصادق عليه السلام في
رجل أتى بهيمة قال: يقتل (4).
ورواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي البهيمة، فقال: يقام
قائما ثم يضرب بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال:

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 1 - 8 - 9 - 6.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 1 - 8 - 9 - 6.
151

قال: قلت: هو القتل، قال: هو ذلك (1)
لكن الشيخ قدس سره - على ما حكي عنه - قد جمع
بين الروايات بقوله: الوجه في هذه الروايات
أن تكون محمولة على أنه إذا فعل دون الايلاج فعليه
التعزير، وإذا كان الايلاج كان عليه حد الزاني
كما تضمنه خبر أبي بصير، أو محمولة على من تكرر منه
الفعل انتهى. والحمل الثاني هو الأولى كما لا يخفى لما يظهر
من رواية يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام
قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين
قتلوا في الثالثة (2).
بناءا على أن الفعل مع البهائم من الكبائر.
ثم قال في الشرائع: والذبح إما تلقيا (من الشارع)
أو لما لا يؤمن من شياع نسلها وتعذر اجتنابه واحراقها
لئلا تشتبه بعد ذبحها بالمحللة انتهى.
وحاصله أن وجه وجوب ذبح الموطوئة إما

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 7
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
152

تعبدي قد تلقيناه من الشرع الأطهر وإما لأجل أن لا
يشيع نسلها بين الناس ويتعذر عليهم اجتنابه، وأما
علة إحراقها فلأن لا تشتبه بالمحللة بعد الذبح فيأكلونها
بتوهم أنها ذكية مذبوحة بالذبح الشرعي، هذا إذا كان
المقصود من البهيمة لحمها.
وأما إذا كان الأمر الأهم.
فيها ظهرها لا لحمها كالخيل والبغال والحمير (فإنها)
لم تذبح وأغرم الواطئ ثمنها لصاحبها وأخرجت
من بلد الواقعة إلى غيره وبيعت في غيرة إما عبادة لا
لعلة مفهومة لنا أو لئلا يعير صاحبها بها، وما الذي
يصنع بثمنها؟ قال بعض الأصحاب: يتصدق به
ولم أعرف المستند، وقال آخرون: يعاد إلى المغترم
وإن كان الواطئ هو المالك دفع إليه وهو أشبه
قاله أيضا في الشرائع.
ومستند الحكم حسنة سدير عن مولانا الباقر
عليه السلام قال: وإن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها
وجلد دون الحد، وأخرجت من المدينة التي فعل بها
153

إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف فيبيعها فيها كي
لا يعير بها (1).
قال في الجواهر: وعن بعض العامة أنها تذبح
وهو باطل، نعم عن بعض اشتراط بعد البلد
بحيث لا يظهر له خبرها فيه عادة، وفي الروضة
" إن ظاهر التعليل (أي قوله عليه السلام: فيبيعها فيها
كيلا يعير بها) يدل عليه، وإن كان فيه أنه يقتضي عدم
معرفتها بذلك لا خصوص البعد ولعله لذا أو لأنه
حكمة لا علة أطلق المعظم.
ثم إن المنساق من النص والفتوى فورية الأمور
المزبورة عرفا، والظاهر عدم وجوب مباشرة الحاكم
ذلك إلا مع الامتناع، ولو بيعت فعلم المشتري بها
الحتمل قوتا جواز الفسخ مع استلزامه نقص القيمة بالنسبة
إلى العالم لأنه حينئذ عيب ولو لحرمة لحمها أو لغيره انتهى
وأما ثمنها الذي يأخذه صاحبها من الفاعل فلم
يعلم ما يصنع به؟ أيتصدق به كما عن الشيخ المفيد؟
قال في الجواهر في وجه التصدق به - عقوبة ورجاءا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 4.
154

لتكفير الذنب ولكونه إذا لم يكن المالك الواطئ - غير
مال لهما، أما المالك فلأخذه القيمة والواطئ لكونه
غير مالك لها انتهى.
أقول: أنا ما عرفت ما مقصوده رحمه الله من
هذا الكلام فإن البحث في أن الثمن الذي أخذه
مالك الدابة من الواطئ ما يصنع به أيتصدق به؟
أو هو ملك له؟ لأن الواطئ أفسد عليه دابته فكيف
لا يصير ملكا له؟ نعم الثمن لم يكن ملكا للواطئ فلا
يجوز له أن يتصدق به إلا بإذن مالك الدابة، نعم
يجوز للمالك ذلك إلا أن الزامه بذلك لا دليل
عليه لأن المفروض أن الثمن صار ملكا له بواسطة
العيب الذي أوقعه الواطئ على دابته، فلا يبعد أن يقال
إنه مخير في الثمن بين أن يصرفه في حوائجه وبين أن
يتصدق به كسائر أمواله ولا وجه لالزامه بالتصدق به
بعد ما كان ماله وصار باختياره
اللهم إلا أن يقال بأن الواطئ وإن وجب عليه
دفع الثمن إلى مالك الموطوئة إلا أن صاحبها لا يصير
155

مالكا له، لكن هذا الاحتمال ضعيف جدا لعدم الوجه
بعدم مالكيته له بعد ما أخذه بعنوان الغرامة بما أورده
من العيب على ماله، ولذا قال في الشرائع: ولم أعرف
المستند، ثم قال: وقال آخرون: يعاد إلى المغترم
وإن كان الواطي هو المالك دفع إليه، وهو أشبه
انتهى.
وقال في الجواهر - بعد قوله: وهو أشبه -: بأصول
المذهب وقواعده انتهى.
أقول: أنا لا أدري أن البحث هنا في أي موضوع؟
فإن الواطي إذا دفع ثمن البهيمة التي وطئها - إلى صاحبها
غرامة عن العيب الوارد عليها فالبحث بأن الثمن يعاد
إلى من لماذا؟ ولماذا يعاد إلى المغترم أي الذي
تحمل الغرامة؟
مع أنه كان الواجب عليه دفع الغرامة إلى
صاحبها إذا وطئها، ومن الذي دفع إليه ثمن البهيمة إذا
كان هو الواطي لها؟ حتى يرد الثمن إلى الواطي؟ وهذه اشكالات
في المسألة لا نعرف جوابها.
ثم قال في الجواهر: ولو ادعى المالك الفعل وأنكر
المدعى عليه كان له الاحلاف للعموم (أي عموم واليمين
على المدعى عليه)، وليس هذا من اليمين في الحد
156

المنفى في النصوص (1)، وحينئذ فلو رد اليمين لم
يثبت التعزير بناءا على أنه من الحد دون غيره من
الأحكام خصوصا على ما حققناه في محله من عدم
كونها بمنزلة البينة أو الاقرار بل هي أصل برأسها، و
على كل حال فلا اشكال في حرمة المأكولة أخذا على
المالك باقراره، وينجس رجيع المأكولة كسائر المحرمات
وربما يشعر به ما سمعته في الخبر (2) من أنه لا ينتفع به
ويحرم استعمال جلدها بعد الذبح في ما يستعمل فيه
جلد غير المأكول على اشكال من الأصل ومن كونه
فيه منع واضح انتهى.
أما حرمة المأكولة إذا ادعى مالكها بأنها موطوئة فتثبت
باقراره بذلك ولو مرة، وأما رجيع الموطوئة أي روثها
فهو نجس كسائر النجاسات، وأما جلدها فهل يجوز
استعمالها في غير الأشياء المشروطة بالطهارة كاستعمال

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود ج 1 - 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 1.
157

جلود السباع فيها؟ فيه اشكال من أن الأصل هو الجوان
ومن أن الانتفاع منفي بحسب الشرع ويجب احراقها
مع الجلد إلا أنه قال في الجواهر: وإن كان فيه منع واضح
انتهى.
لكن يرد عليه أنا إن استفدنا من الأخبار أنه يجب
احراق المأكولة الموطوئة فظاهر ذلك احراق جميعها
ولم يستثن في الأخبار شيئا منها والله العالم
وفي الشرائع أيضا: ويثبت هذا (أي الوطئ) بشهادة
عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء انفردن أو انضممن
وبالاقرار ولو مرة إن كانت الدابة له، وإلا ثبت التعزير
حسب، وإن تكرر الاقرار، وقيل لا يثبت إلا بالاقرار
مرتين وهو غلط انتهى.
وفي الجواهر - بعد قوله: ويثبت هذا بشهادة عدلين
- قال: بلا خلاف أجده فيه للعموم، نعم في كشف اللثام:
كلام المبسوط يعطي اشتراط أربعة رجال أو ثلاثة
مع امرأتين، وعلى تقديره لا دليل له سوى القياس
على الزناء الذي ليس من مذهبنا، لكن في الرياض
جعله استقراءا ثم قال: لا بأس إن أفاد ظنا معتمدا
158

ويحتمل مطلقا لا أنه الشبهة الدارئة لا أقل منها فتأمل
ولا يخفى عليك ما فيه انتهى.
والظاهر أن الحق مع صاحب الجواهر فإن شهادة
العدلين كاف في اثبات الأشياء حتى في القتل
نعم الزناء لا يثبت إلا بأربعة أو ثلاثة رجال وامرأتين
أو رجلين وأربع نسوة، فقياس وطء البهائم على الزنا
ليس من مذهبنا، وأما الاستقراء الذي ادعاه صاحب
الرياض فمراده رحمه الله منه أنه - كما لا بد من شهادة أربعة
رجال في الزنا واللواط وكذا المساحقة فليكن هنا أيضا
كذلك، لأنه يوجب ظنا يمكن الاعتماد عليه، بل وإن
لم يفد الظن ولا أقل من أنه موجب للشبهة الدارئة
للحد إذا شهد بذلك عدلان لا غير.
إلا أن فيه ما لا يخفى فإنه لا يمكن اثبات حكم
من الأحكام الشرعية لا بالقياس ولا بالاستقراء ولا
بالاستحسان، بل ولا بالظن فضلا عما إذا لم يكن هناك
ظن، ولعل أمره بالتأمل في انتهاء كلامه إشارة إلى
ما ذكرناه، فحينئذ الأقوى ما ذكره صاحب الشرائع
159

من أنه يثبت بشاهدين عدلين.
وكذا يثبت بالقرار ولو مرة إن كانت الدابة
له لعموم قوله عليه السلام: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1)
. أما إذا لم تكن الدابة له ثبت عليه التعزير باقراره
وإن تكرر منه الاقرار، لأنه في ما إذا لم تكن الدابة له
يكون اقراره إقرار في حق الغير لا يقبل من اقراره إلا
ما يكون عليه.
وقال في الجواهر: ولو كان الفعل بينه وبين الله
وكانت الموطوئة مأكولة اللحم وملكا له وجب عليه
فعل ذلك (أي ذبحها واحراقها)، أما إذا كان المراد
منها ظهرها ففي الروضة " في وجوب بيعها خارج
البلد وجهان أجودهما العدم للأصل وعدم دلالة
النصوص وللتعليل (2) بأن بيعها خارجه ليخفي
خبرها وهو مخفي هنا، ومن أن ذلك حكمة وظاهر
النص والفتوى عدم الفرق في تعلق أحكام الموضوعين
وفيها (أي في الروضة) أيضا " لو كانت لغيره

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث 1.
160

فهل يثبت عليه الغرم ويجب عليه التوصل إلى اتلاف
المأكولة بإذن المالك ولو بالشراء منه؟ الظاهر العدم
نعم لو صارت ملكه بوجه من الوجوه وجب عليه
اتلاف المأكولة لتحريمها في نفس الأمر، وفي وجوب
كونه بالذبح ثم الاحراق وجه قوي ".
ولا يخفى عليك ما فيه بعد ظهور النص والفتوى
بثبوت المال في ذمة الفاعل بمجرد الفعل فيجب التوصل
إلى ايصاله كما يجب عليه تنفيذ الأحكام المزبورة
ولو كان لم يتمكن فذبحها المالك لم يحل للفاعل الأكل
من لحمها وكذا نسلها ولبنها انتهى.
أقول: ألحق مع صاحب الجواهر فإن الأحكام
التي للموطوئة من الذبح والاحراق وحرمة لحمها ولبنها
ونسلها وكذا وجوب اخراجها من البلد الذي فعل
بها إلى بلدة أخرى وبيعها فيها إذا كان المقصود منها
ظهرها - تشمل ما إذا فعل بها خفاءا أو جهادا فإن الأخبار
الدالة على الأحكام المذكورة مطلقة، والحاصل أن الاخفاء
بهذا العمل الشيخ لا يغير الأحكام المترتبة عليه.
161

ثم قال في الشرائع: ولو تكرر مع تخلل التعزير ثلاثا
قتل في الرابعة " وفي الجواهر: أو الثالثة على البحث
السابق، لكن قد عرفت ورود القتل هنا بخصوصه انتهى
وهذا المبحث - أعني القتل في الثالثة أو الرابعة
- مبني على ما حققناه في كتاب القضاء من أن أصحاب
الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة؟ وقد بينا
المختار منها فراجع إلى كتاب القضاء، وهذا أي
وجوب قتله في الثالثة أو الرابعة مبني على أن هذا
العمل الشنيع من الكبائر إلا أنك قد عرفت قبل ذلك
أن بعض الأخبار قد دل على وجوب قتله، وحمل
على اجراء حد وطئ البهائم عليه مرتين أو ثلاث مرات فإنه
يقتل في الرابعة والله العالم.
(الباب الرابع:)
في حد وطئ الميتة من بنات آدم واللواط مع
الرجل أو الغلام الميت.
قال في الشرائع: ووطء الميتة من بنات آدم
كوطء الحية في تعلق الإثم والحد. واعتبار الاحصان
وعدمه، وهنا الجناية أفحش، فتغلظ العقوبة
162

زيادة عن الحد بما يراه الإمام، ولو كانت زوجته
اقتصر في التأديب على التعزير وسقط الحد بالشبهة
وفي عدد الحجة على ثبوته خلاف، قال بعض الأصحاب
يثبت بشاهدين، لأنه شهادة على فعل واحد بخلاف
الزناء بالحية، وقال بعضهم: لا يثبت إلا بأربعة لأنه زناء
وهو الأشبه انتهى.
وحاصل الكلام في مسألة وطء الميتة أنه إذا
زنى أحد بالميتة فزنائه بها كالزنا بالحية، فإن كان
الزاني محصنا رجم وإلا جلد، قال في الجواهر: بلا
خلاف أجده بل يمكن تحصيل الاجماع فضلا عن
محكيه في بعض العبارات وعما عن الانتصار والسرائر
من الاجماع على تحقق الزناء بوطئ المية الأجنبية بلا
شبهة انتهى.
وعن عبد الله بن محمد الجعفر قال: كنت عند أبي
جعفر عليه السلام وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك
في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ونكحها، فإن الناس
قد اختلفوا علينا: فطائفة قالوا: اقتلوه وطائفة قالوا:
163

أحرقوه، فكتب عليه أبو جعفر عليه السلام: إن حرمة الميت
كحرمة الحي: حده أن تقطع يده لنبشه وصلبه الثياب
ويقام عليه الحد في الزناء: إن أحصن رجم، وإن
لم يكن أحصن جلد مأة (1).
وعن علي بن إبراهيم عن أبيه أنه قال: لما مات
الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر
عليه السلام وقد حضر خلق من الشيعة - إلى أن قال - فقال أبو
جعفر عليه السلام: سئل أبي الرجل نبش قبر امرأة
فنكحها، فقال أبي: يقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا
فإن حرمة الميتة كحرمة الحية (2) الحديث.
بل الجناية هنا أفحش وأغلظ، فتشدد عليه العقوبة
بما يراه الإمام عليه السلام بلا خلاف أجده فيه بل في كشف
اللثام الاتفاق عليه كما في الجواهر.
ففي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام في
الذي يأتي المرأة وهي ميتة فقال: وزره أعظم من ذلك الذي
يأتيها وهي حية (3).

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد النباش الحديث 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب وطئ الأموات الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب وطئ الأموات الحديث 1 - 2.
164

هذا كله في ما إذا كانت المرأة أجنبية، وأما إذا كانت
زوجته ففعل بها وهي ميتة وكذا أمته فإنه يقتصر في التأديب
على تعزيره وسقط عنه الحد للشبهة أي لأنه اشتبه عليه
الأمر وتوهم أنها تكون حلالا عليه كما كانت عليه حلالا
في حياتها مضافا إلى بقاء علقة الزوجية بين الرجل وزوجته
بعد وفاتها إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، فالزوجة والأمة
ليستا كالأجنبية وإن كانتا محرمتي النكاح بعد وفاتهما
فالوطئ مع زوجته الميتة أو أمته الميتة وإن كان محرما
إلا أنه ليس زناءا ولا بحكمه، فاللازم عليه التعزير فقط.
ثم إنه هل يثبت هذا العمل الشنيع مع الميتة بشاهدين
أم لا بد من أربعة؟ الظاهر هو الثاني فإنه بعد ما قلنا:
إنه من أقسام الزناء يندرج في عمومات الزنا الذي
لا بد فيه من شهادة أربعة، ولا أقل من شمول إطلاقات
أدلة اعتبار ثبوت الزناء بأربعة شهداء - لهذا الفرع أيضا
بل قلنا: إن هذا أقطع وأفحش من الزنا بالحية.
قال إسماعيل بن أبي حنيفة: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان والزناء لا يجوز فيه
165

إلا أربعة شهود والقتل أشد من الزناء؟ فقال: لأن
القتل فعل واحد والزنا فعلان، فمن ثم لا يجوز إلا
أربعة شهود: على الرجل شاهدان، وعلى المرأة
شاهدان (1).
واستدل بعضهم بأن المستفاد من هذه الرواية
أن شهادة الشاهدين كافية في اثبات الوطئ
بالميتة، لأن وطء الميتة فعل واحد كالقتل يكفي فيه
شاهدان بخلاف الزنا بالحية فإنه في الحقيقة فعلان
فعل صادر عن الفاعل وفعل صادر عن المفعول
بها فلذا يعتبر فيه شهادة أربعة.
إلا أنه قال في الجواهر: لكنه (أي الخبر) قاصر
السند بل الظاهر إرادة الحكمة فيه لا التعليل المنتقض
بالاكراه والمجنونة والنائمة وغيرها مع اشتراط الأربعة
بل في بعض النصوص (1) الاستدلال بذلك
على بطلان القياس مضافا إلى معلومية شهادة
الاثنين على الألف فصاعدا انتهى.
وقال بعضهم كابن إدريس - على ما حكي عنه -
لا يثبت (أي الزنا بالميتة) إلا بأربعة رجال لأنه - أي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 الزنا
(2) علل الشرائع ص 40 على ما حكي عنه.
166

الزنا بالميتة زناء أيضا بل هو أفحش كما مر وهو لا يثبت إلا
بأربعة وهو عند صاحب الشرائع هو الأشبه (أي بأصول
المذهب وقواعده التي منها درء الحد بالشبهة، والأشهر
قال في الجواهر: بل قيل: إنه مشهور بل لعله لا خلاف فيه
بين المتأخرين.
نعم الظاهر كفاية الأربع ولو ثلاثة رجال مع امرأتين
كما في الزنا، لكن في القواعد الاشكال في ذلك ولعله
من ابتناء الحدود على التخفيف وأن الأصل والنص (1)
والفتوى عدم قبول شهادتهن في الحدود، خرج الزناء
بالحية بالنص والاجماع - ومن كونه زناء أو أضعف منه
إن ثبت بشاهدين، وإن كان لا وجه للأول بعد فرض
كونه زناءا لغة عرفا وشرعا، نعم يتجه القول بثبوته بالشاهدين
في وطء الرجل زوجته وأمته لعموم البينة، وإن لم أجد
تصريحا به بل ظاهر اطلاقهم عدم الفرق إلا مع ملاحظة التعليل
انتهى.
لكن الأقوى هو ما اخترناه من اعتبار شهادة أربعة رجال

(1) الوسائل الباب 24 من كتاب الشهادات الحديث 29 - 5.
(2) الوسائل الباب 24 من كتاب الشهادات الحديث 29 - 5.
167

ولا يبعد أن يقال بكفاية شهادة ثلاثة رجال وامرأتين
أيضا إذا قلنا بأنه لا فرق في الزنا بين الزنا بالحية و
الميتة وأن الاطلاق يشملهما جميعا إلا أن يدل دليل
على الفرق بين الزناء بالحية والميتة، نعم لا نسبة إلى زوجته
أو أمته لا بأس بثبوت ذلك بشاهدين
ثم في الشرائع: أما الاقرار فتابع للشهادة، فمن
اعتبر في الشهود أربعة اعتبر في الاقرار مثله، ومن
اقتصر على شاهدين قال في الاقرار كذلك انتهى
وقال في الجواهر: بلا خلاف "
وفي الشرائع أيضا قال: (مسألتان)
(الأولى:)
من لاط بميت كان كاللائط بالحي ويعزر تغليظا
انتهى، وهذه المسألة كالمسألة قبلها - أي الذي زنى
بالميتة فإن أوقب أي أدخل بالميت قتل، وإلا
وجب الجلد بعدم الايقاب ويعزر أيضا مضافا
إلى الحد الذي وجب عليه - تغليظا
وقال: (الثانية:)
168

من استمنى بيده عزر، وتقديره منوط بنظر الإمام وفي
رواية: إن عليا (عليه السلام) ضرب يده حتى احمرت، و
زوجه من بيت المال " وهو تدبير استصلحه لا أنه من
اللوازم، ويثبت بشهادة عدلين والاقرار ولو مرة وقيل
لا يثبت بالمرة وهو وهم انتهى، وعلة تعزيره لأنه فعل محرما
بل كبيرة.
ففي رواية أحمد بن عيسى عن أبيه أنه سئل الصادق
عليه السلام عن الخضخضة، فقال: إثم عظيم قد نهى الله عنه
في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بمن يفعله ما أكلت
معه، فقال السائل: فبين لي يا بن رسول الله من كتاب
الله فيه، فقال: قول الله: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك
هم العادون " (1) وهو مما وراء ذلك، فقال الرجل: أيما
أكبر الزنا أو هي؟ فقال: هو ذنب عظيم (2) الحديث.
وفي صحيحة العلاء بن رزين عن رجل عنه عليه السلام قال:
سألته عن الخضخضة فقال: هي من الفواحش ونكاح الأمة خير منه (3)

(1) سورة المؤمنون الآية 6 (2) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح البهائم
(3) الوسائل الباب من أبواب النكاح المحرم الحديث 5.
169

وفي موثقة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه
السلام يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر
إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الناتف شيبه و
الناكح نفسه والمنكوح في دبره (1).
وفي موثقة عمار عنه عليه السلام في الرجل ينكح بهيمة
أو يدلك، فقال: كل ما أنزل به الرجل ماءه من هذا
وشبهه فهو الزناء (2).
والمراد أنه بحكم الزناء.
وأما ما في خبر ثعلبه بن ميمون وحسين بن زرارة
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل يبعث بيديه
حتى ينزل، قال: لا بأس به ولم يبلغ به ذلك شيئا (3) -
ففي الجواهر - (أنه) شاذ محمول على نفي الحد أو على
السؤال عمن عبث بيديه مع زوجته أو أمته لا مع ذكره
أو غير ذلك أو مطرح للاتفاق ظاهرا على الحرمة انتهى.
وفي الوسائل: حمله الشيخ على أنه ليس عليه شئ
موظف لا يجوز خلافه، بل عليه التعزير بحسب ما يراه

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب النكاح المحرم الحديث 7
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب النكاح المحرم الحديث 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح البهائم الحديث 3.
170

الإمام، ويمكن حمله على التقية انتهى.
ثم قال في الجواهر: نعم الظاهر عدم البأس
به في تفخيذ الزوجة والأمة ونحوه من الاستمناء
بين أليتيها ونحوهما للأصل وقوله تعالى: إلا على
أزواجهم (1) وغيره، وإن كان الأولى تركه أيضا انتهى
وكيف كان فتقدير التعزير بنظر الإمام عليه السلام
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
إن عليا عليه السلام أتي برجل عبث بذكره حتى
أنزل فضرب يده حتى
احمرت قال: ولا أعلمه إلا قال: زوجه من بيت
مال المسلمين (2).
وفي رواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام
قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل عبث
بذكره، فضرب يده حتى احمرت ثم زوجه من
بيت المال (3).

(1) سورة المؤمنون الآية 6
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح البهائم الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح البهائم الحديث 2 - 1.
171

وهذا الذي فعله عليه السلام من تزويج ذلك الرجل
من بيت المال إنما كان هو لاصلاح حاله واخراجه
من الفساد إلى الصلاح ولم يكن هذا لازما عليه عليه السلام
وأما ثبوته - أي الاستمناء - بشهادة عدلين فهو
للعمومات الدالة على ثبوت كل شئ بشهادتهما إلا
ما استثني كالزناء فإنه لا بد فيه من شهادة أربعة.
وأما ثبوته بالاقرار فهو أيضا لعموم قوله عليه السلام:
اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، نعم لا يثبت ذلك
بشهادة النساء.
(الباب الخامس:) في وجوب الدفاع عن النفس والمال والعرض
قال في الشرائع: للانسان أن يدفع عن نفسه
وحريمه وماله ما استطاع، ويجب اعتماد الأسهل
فلو اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه إن كان في موضع
يلحقه المنجد، وإن لم يندفع عول على اليد فإن لم تغن
فبالعصا، فإن لم تكف فبالسلاح، ويذهب دم
172

المدفوع هدرا جرحا كان أو قتلا، ويستوي في ذلك
الحر والعبد، ولو قتل الدافع كان كالشهيد انتهى
أما وجوب الدفاع عن النفس والحريم والمال
فلقول أمير المؤمنين عليه السلام في رواية الأصبغ: يضحك
الله تعالى إلى رجل في كتيبة يعرض لهم سبع أو لص
فحماهم حتى يجوزوا (1)، والمراد بضحكه تعالى سروره منه.
ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سمع رجلا
ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم (2).
وفي الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: عونك
الضعيف من أفضل الصدقة (1).
وفي الجواهر: فلا اشكال حينئذ في جواز الدفاع
مطلقا، بل في كشف اللثام: ولو قدر على الدفع عن
غيره فالأقوى - كما في التحرير - الوجوب مع أمن الضرر
إن كان لا يخلو من نظر، انتهى.

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب جهاد العدو الحديث 3 - 1 - 2.
173

أقول: لا يبعد أن يقال بوجوب الدفاع عن المؤمن
وماله وعرضه إذا أمكنه ذلك ولم يتوجه إليه الضرر
ولا سيما إذا استغاث به
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله في الرواية
المتقدمة: من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه
فليس بمسلم (1)
وقد جمعنا روايات كثيرة في الباب 4 و 5 و 6
من كتابنا " مرقاة الكمال " في أهمية حقوق المسلم
والسعي في قضاء حوائجه وتفريج كربه ولزوم إغاثته
فراجعها
ثم إن اللازم أن يتدرج في الدفاع فما دام يتمكن
دفع العدو بالأسهل لا يستعمل الأشد فربما يندفع
الخصم بالسعال والتنحنح فإن لم يندفع فبالصياح
إن كان هناك أحد يغيثه، فإن لم يندفع فباليد
وإن لم يندفع فبالعصا وإن لم يندفع فبالسلاح
كالسيف والبندقة إذا لا يندفع بدون ذلك

(1) السائل الباب من 59 أبواب جهاد العدو الحديث 1.
174

وربما لا يندفع الخصم إلا بقتله، فيصير حينئذ قتله
لازما، وهذا التدريج الذي ذكرناه وإن لم يستفد
من الأخبار إلا أن العقل قد دل عليه والاعتبار
فإن الذي يشرد بمجرد السعال أو التنحنح أو الصياح
لا يحتاج في دفعه إلى استعمال العصا، والذي
يهرب بمجرد العصا لا يلزم أن يستعمل فيه
الآلات الحربية، والذي يفر باستعمال السلاح
لا يجوز قتله ما دام يمكن رفعه بارائة آلات
الحرب.
وعلى فرض أنه لا يندفع إلا بجرحه أو قتله
يصير دمه هدرا، ويستوي في ذلك الحر والعبد
والمسلم والكافر وسواء كان ذلك بالليل أو النهار
وسواء قتله بمثقل - أي بشئ ثقيل أو بشئ
خفيف خلافا لأبي حنيفة فضمنه مع القتل
بمثقل إن قتله نهارا ولا يخفى ضعفه إذ لا دليل
عليه، ولو قتل الدفع حين الدفاع فهو بحكم الشهيد
175

كما يظهر من الروايات المعتبرة
فمنها رواية البجلي عن الصادق عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من قتل دون
عقال (عياله خ ل) فهو شهيد (1).
ومنها رواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل بقاتل دون ماله
فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد، فقلت: أيقاتل
أفضل أولا؟ (لم خ ل) بقاتل؟ فقال: إن لم يقاتل
فلا بأس أما أنا فلو كنت لم أقاتل وتركته (2).
ومنها ما عن صفوان بن يحيى عن أرطأة بن
حبيب الأسدي عن رجل عن علي بن الحسين
عليهما السلام قال: من اعتدى عليه في صدقة ماله فقاتل
فقتل فهو شهيد (3).
ومنها ما عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: من ألفاظ
رسول الله صلى الله عليه آله سلم: من قتل دون ماله

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو ج 5 - 10 - 11.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو ج 5 - 10 - 11.
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو ج 5 - 10 - 11.
176

فهو شهيد (1).
ومنها رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قتل دون
مظلمته فهو شهيد، ثم قال، يا أبا مريم هل تدري ما
دون مظلمته؟ قلت: جعلت فداك الرجل يقتل دون
أهله ودون ماله وأشباه ذلك، فقال:
يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق (2).
وكأنه عليه السلام صدقه بهذا الكلام على فهم مراده
وهل يجوز الدفاع عن المال إذا ظن السلامة؟ قيل
نعم، ومستنده مرسلة البرقي عن مولانا الرضا عليه السلام
عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له فيجيئ قوم
يريدون أخذ جاريته أيمنع جاريته من أن تؤخذ
وإن خاف على نفسه القتل؟ قال: نعم قلت: وكذلك
إن كان معه امرأة؟ قال: نعم قلت: وكذلك الأم والبيت
وابنة العم والقرابة يمنعهن وإن خاف على نفسه القتل؟

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 13 - 9.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 13 - 9.
177

قال: نعم، قلت: وكذلك المال يريدون أخذه
في سفر فيمنعه وإن خاف القتل؟ قال: نعم (1).
قال في الجواهر: وعلى كل حال فلا اشكال في أنه
يضمنه المدفوع نفسا وطرفا ومالا للعمومات، نعم قد
تقدم سابقا الفرق بين النفس والمال بالنسبة
إلى وجوب الدفاع وعدمه فيجب في الأول
مع انحصار الأمر فيه، ولا يجوز الاستسلام بخلاف
المال الذي لا يتوقف حفظ النفس عليه بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه للنصوص
(1) السابقة، بل لو علم تلف النفس حرم عليه
ذلك لأهمية حفظ النفس وإن كان قد يتوهم
من اطلاق النصوص جوازه أيضا.
وأما العرض ففي الرياض: هو محل نظر بل الظاهر
جواز الاستسلام كما صرح به في التحرير وغيره لأولوية
حفظ النفس من حفظ العرض كما يستفاد من
جملة من الأخبار الواردة في درء الحد عن المستكرهة

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 12
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو.
178

على الزناء معللة بقوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد
فلا إثم عليه (1).
وفيه أن أهمية حفظ النفس من العرض بعد تسليمها
مع التعارض لا في الدفاع المعلوم فيه النجاة أو المظنون
فيه ذلك، والمفروض وجوب حفظ العرض كالنفس
ولا دليل على الإذن في الاستسلام كالمال والأخبار
الواردة في سقوط الحد عن المستكرهة (2) المعللة
بما ذكر مساقة لبيان حكم الاكراه الذي لا يتمكن معه
من الدفع كما لو قيد الامرأة مثلا، والمراد هنا أن العرض
كالمال في جواز الاستسلام وإن تمكن من الدفاع
انتهى.
ولكن يرد عليه أن الظاهر أن مراد صاحب الرياض
أن الدفاع إذا كان مستلزما للقتل أو مظنونا فيه
ذلك فإن حفظ النفس أهم من حفظ العرض، وليس

(1) سورة البقرة الآية 173
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب حد الزنا.
179

مراده عدم جواز الدفاع عن العرض وإن كان عالما
أو ظانا بنجاته من القتل، فإنه في هذه الصورة أي في
صورة علمه بالنجاة أو ظنه بذلك بحب الدفاع عن العرض
وأما في صورة علمه بالهلاك أو ظنه به فيشكل الجواز
فضلا عن الوجوب.
نعم يستفاد من مرسلة البر في المتقدمة (1) جواز
ذلك بل جواز الدفاع عن المال أيضا وإن خاف على
نفسه القتل إلا أن الرواية - مضافا إلى أنها مرسلة
- لا يمكن الالتزام بظاهرها فإنه كيف يمكن أن يقال
بوجوب الدفاع عن المال وإن استلزم قتله ومن
المعلوم أن حفظ النفس أهم من حفظ المال، وحينئذ
يمكن حمل الرواية المزبورة وكذا قوله عليه السلام: من قتل
دون ماله فهو شهيد (2) - على ما إذا دافع عن ماله
بظن السلامة أو الاطمينان بذلك فقتله الخصم
لا مع العلم بالهلاك أو الظن به، نعم إذا كان ذهاب
المال موجبا لذهاب نفسه بأن كان قوته أو مصارفه

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 12 - 13.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 12 - 13.
180

منحصرة في ذلك بعد ذهاب اللص بذلك المال
يموت من الجوع مثلا يجوز حينئذ الدفاع عن ماله،
لعل الروايتين المتقدمتين موردهما هذا الذي فرضناه
والله العالم.
وعليه يحمل ما في المسالك قال: والأقوى وجوب
الدفع عن النفس والحريم مع الامكان ولا يجوز الاستسلام
فإن عجز ورجى السلامة بالكف أو الهرب وجب، أما
المدافعة عن المال فإن كان مضطرا إليه وغلب على ظنه
السلامة وجب وإلا فلا انتهى، وهذا كالصريح فيما ذكرناه
وعن القواعد: يجب الدفاع عن النفس والحرم ما
استطاع ولا يجوز الاستسلام " وفي كشف اللثام
- على ما حكي عنه -: لوجوب دفع الضرر عقلا والنهي
عن المنكر بمراتبه، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر غياث
إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك فإن استطعت
أن تبدره وتضربه فابدره واضربه (1)، انتهى وأجاز الشافعي

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الدفاع الحديث 1.
181

- على ما حكي عنه - الاستسلام وإن لم يكن وأمكن الهرب
وجب وكذا يجوز مع المكان الدفع "
ثم قال القواعد - على ما حكي عنه -: وللانسان
أن يدافع عن المال كما يدافع عن نفسه وإن قل ولكن
لا يجب، وافقه على ذلك في محكى كشف اللثام
نعم قال: إلا مع الاضطرار والتضرر بفقده ضررا يجب
أو كان المال أمانة في يده، وربما وجب الدفع عنه
مطلقا من باب النهي عن المنكر،
ثم في جواز القتل أو الجرح للدفع عن المال له أو لغيره
إن لم يندفع إلا به مع القطع بأنه لا يريد سواه من نفس
أو عرض تأمل، وقد مر في باب الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر التردد في جواز القتل أو الجرح إن لم ينته بدونه
بغير إذن الإمام، ولكن أطلق الأصحاب ثم ذكر جملة من النصوص
الدالة على جواز القتال عن المال وإن قتل دون ماله
ولو عقال فهو شهيد انتهى.
لكن يرد عليه أن المال إذا كان أمانة في يده يمكن
منع وجوب القتال عنه مع خوف الضرر على نفسه
182

فإنه إذا لم يدافع عن المال الأماني مع خوف الضرر و
ذهب اللص لم يكن ضامنا لعدم التعدي والتفريط
في حفظه ولا يجوز أن يلقي نفسه في التهلكة لأجل
حفظ مال الغير كما لا يجوز له ذلك لأجل حفظ ماله
أيضا.
وأما تأمله في جواز الجرح والقتل في الدفاع عن
ماله فهو كالاجتهاد في مقابلة النص، فإن النصوص
المتقدمة قد دلت على جواز الدفاع عن النفس والعرض
والمال غاية الأمر أنا قد حملنا الروايات الدالة
على الدفاع عن العرض والمال على ما إذا لم يكن
يقين أو مظنة بالهلاك.
وأما ما ذكره من احتمال وجوب الدفاع عن المال
مطلقا فلا وجه له لما ذكرنا من أن الدفاع عن المال
إنما يجوز إذا لم يعلم ولا يظن بالهلاك وإلا فلا يجوز
ذلك ويجب الاستسلام، وأما قياس مسألة الدفاع
بمسألة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر فهو قياس
مع الفارق فإنه لا اشكال في إباحة دم الظالم حين
183

الدفاع بخلاف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فإنه لا تصل النوبة إلى قتل من يرتكب المنكر ولا يرتدع
منه بسهولة، وعلى فرض وصول النوبة إلى قتله فلا بد من
أن يكون بإذن الإمام عليه السلام.
وأما العرض ففي الجواهر أن له المدافعة عنه وإن
خاف القتل ضرورة كونه أهم من المال، إنما الكلام
في وجوبها ما لم يعلم القتل، يحتمل ذلك، لقول الصادق
(عليه السلام) في الحسن أو الصحيح قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
إن الله ليمقت الرجل يدخل عليه اللص في بيته فلا
يحارب (1) ونحوه خبر السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام (2)، وخروج المال بالتصريح بالرخصة في ما
سمعته في النصوص لا يقتضي إلحاق غيره به، بل قد يشعر
الاقتصار فيها على المال بعدم ذلك في غيره من النفس
والعرض، مضافا إلى وجوب دفع الأقل ضررا بالأعظم
ولا ريب في أهمية العرص من النفس عند ذوي النفوس
الأبية، نعم لو علم القتل وأنه لا يدفع عنه شئ احتمل القول
حينئذ بالحرمة حفظا للنفس مع احتمال المدافعة عنه جوازا
ووجوبا كالنفس انتهى موضع الحاجة، لكن يرد عليه أن

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2 - 13 العرض.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2 - 13 العرض.
184

العرض - وإن كان أهم من النفس عند بعض النفوس
الأبية وذوي الحمية والغيرة إلا أنه ليس بحيث
يقتل الانسان نفسه لأجله عند الشرع الأطهر
فالأقوى في النظر ما اخترناه قبل ذلك وهو
الذي احتمله قده في آخر كلامه من أنه لو علم القتل
لا يجوز حينئذ المدافعة بل الظن بذلك في حكم
العلم فإن حفظ النفس أعظم من حفظ العرض
فإن الواجب دفع الأقل ضررا بالأعظم ضررا
فتلف النفس أعظم ضررا فلا بد من دفعه بأقل
ضررا وهو العرض.
ثم قال في الشرائع: ولا يبدره (أي المدفوع) ما لم
يتحقق قصده إليه، ويتعين الكف مع إدباره ولو ضربه
فعطله لم يدفف عليه لاندفاع ضرره، ولو ضربه
مقبلا فقطع يده فلا ضمان على الضارب في الجرح
ولا في السراية، ولو ولى فضربه أخرى فالثانية مضمومة
فإن اندملت فالقصاص في الثانية، ولو (فلو خ ل)
185

اندملت الأولى وسرت الثانية ثبت القصاص
في النفس، ولو سرتا فالذي يقتضيه المذهب ثبوت
القصاص في النفس انتهى موضع الحاجة.
أما عدم جواز مبادرته بالضربة إذا لم يتحقق قصده
إليه أو إلى عرضه أو ماله ولو بالطريق الظني فلأن من
المعلوم عدم جواز الاضرار بالمسلم من دون جهة
فإن ضربه ممن دون أن يحقق قصده فهو ضامن
له، بل وإن ظن أنه قصده بسوء فضربه لذلك
فبان خطأه ضمنه أيضا.
ولو قصده من وراء حائل من نهر أو حائط أو
حصن يحول عادة بينه وبين التسلط على يريده كف
عنه كما صرح به في محكى كشف اللثام، ووجهه معلوم
فإنه من وراء الحائل لا يتمكن من التعرض له ولحريمه و
أمواله فلا داعي لدفعه.
وأما إذا كان مدبرا معرضا عن ظلمه فيتعين حينئذ
الكف عنه ولا يجوز ضربه ولا يلزم دفعه لأنه مدفوع
بنفسه، ولو ضربه وعطل بعض أعضاءه لم يدفف
أي لم يجهز عليه ولا يقتله لأنه قد اندفع شره بتعطيل بعض
أعضاءه فلا وجه لقتله، فلو تعدى عليه كان ضامنا له
186

ولو ضربه حال كونه مقبلا إليه للايذاء فقطع يده فلا ضمان
على الضارب لا في الجرح ولا في السراية إذا سرى
الجرح من يده إلى سائر أعضاءه أو صار سببا لهلاكه
إذا توقف دفعه على ذلك، ولو ولى اللص بالضربة
الأولى معرضا عما كان عليه فضربه ضربة أخرى فالثانية
مضمونة لأنها ظلم له ووقعت في غير محلها فتندرج تحت
العمومات.
فإن اندملت الضربتان كان القصاص في الثانية
مثلا إذا ضربه - بعد أن أدبر - ضربة أخرى على يده فلا
بد من أن يجعل نفسه في معرض القصاص فيضربه
السارق على يده أيضا، ولو سرتا - أي الضربة الأولى
والثانية صارتا سرية في جسده أو صارتا سببا لهلاكته
ففي الشرائع: فالذي يقتضيه المذهب ثبوت القصاص
بعد رد نصف الدية " ومراده قدس سره أنه لا بد من
أن يجعل الضارب نفسه في معرض القصاص بعد
أن يأخذ نصف الدية من المضروب كما في كل مقتول
عمدا بسببين أحدهما غير مضمون عليه فإنه يقتص منه بعد
رد ما قبل الجناية الأخرى وهو نصف الدية وهذا من أفراده
187

خلافا لما عن المبسوط من اسقاط القصاص في النفس
وثبوته في اليد أو نصف الدية، إلا أنه استقر
المذهب على خلافه
أقول: إن كان هنا اجماع فهو وإلا فللخدشة
فيه مجال فإنه كيف يجوز قتله وقصاصه بسببين
كان المقتول مستوجبا لأحدهما دون الآخر، وهل
يجوز قتل أحد ببعض سبب القتل؟ اللهم إلا أن
يقال: إن قول صاحب الشرائع: فالذي يقتضيه
المذهب الخ يستفاد منه أن ههنا كان مستند لهذا
الحكم إما اجماع أو دليل معتبر لم يصل إلينا وإلا
لم يقل ذلك صاحب الشرائع، فإن كان هنا
دليل معتبر فذاك وإلا فالأولى هو ما ذكره في
المبسوط من سقوط القصاص ووجوب الدية على
الضارب والله العالم.
ثم قال في الشرائع: ولو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا
ثم يده مقبلا ثم سرى الجميع قال في المبسوط: عليه ثلث
الدية إن تراضيا، وإن أراد الولي القصاص جاز بعد
رد ثلثي الدية، أما لو قطع يده ثم رجله مقبلا ويده
188

الأخرى مدبرا وسرى الجميع فإن توافقا على الدية
فنصف الدية، وإن طلب القصاص رد نصف
الدية والفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى
الجرح الواحد وليس كذلك في الأولى، وفي الفرق
عندي ضعف والأقرب أن الأولى كالثانية لأن
جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية، كما لو قطع
يده، وآخر رجله ثم قطع الأول يده الأخرى فمع السراية
هما سواء في القصاص والدية انتهى.
أما الفرع الأول - وهو ما إذا قطع يد اللص حال اقباله إلى
التلصص ورجله في حال ادباره ثم سرى الجميع - فصار
الجميع سببا لقتله - فعن المبسوط: أن عليه ثلث الدية إن
تراضيا، وإن أراد الولي القصاص جاز بعد رد
ثلثي الدية " الموزعة عنده على الجناية لا الجاني
ولكن فيه - كما في الجواهر - مضافا إلى ما سمعته من
المنصف أنه مناف لما سمعته منه سابقا من عدم القصاص
في مثله، بل يخير الولي بين القصاص في الرجل أو بين
189

ثلث الدية نحو ما تقدم، بل في كشف اللثام:
عنه عدم القصاص انتهى.
وحاصل الكلام منا في هذا الفرع أنه إن قطع يد
اللص في حال تهاجمه إليه، ثم قطع رجله في حال
إدباره عنه ثم قطع يده الأخرى في حال تهاجمه إليه
ثانيا ثم سرى الجميع في جسده فقتله فهل عليه أي على
الضارب القصاص أو ثلث الدية؟ فإن قلنا
بالقصاص فلا بد لوليه أن يدفع للضارب ثلثي
الدية فإن المفروض أن ضربتين من ضربات
الضارب كانتا في محلهما لأنهما وقعتا في حال
تهاجم اللص إليه، نعم ضربة منها قد وقعت في غير
محلها لأنها وقعت في حال إدباره لكن مجموع
الضربات صار سببا لهلاكه، فهو - أي الضارب
- صار سببا لهلاكه بالحق وبغير الحق، وهل يكون
الضربة بالحق والضربة بغير الحق موجبا للقصاص؟
مشكل جدا
فإن المفروض أن جميع الضربات لم يكن بغير حق
بل بعضها كان بغير حق فكيف يوجب ذلك القصاص
190

فالأوجه أن عليه ثلث الدية، وعلى فرض أن نقول بالقصاص
فلا بد من أن يرد ولي المقتول على الضارب ثلثي الدية
ثم يقاص منه لأن جنايته كانت ثلثا بالنسبة إلى سائر
ضرباته للص، فإن سائر ضرباته له كانت على الحق، وفقط
ضربته في حال إدبار اللص كانت بغير الحق، وحيث
إن في هذه المسألة لم يكن لنا دليل معتبر من اجماع أو رواية
معتبرة فلا نقول بالقصاص بل عليه الدية لأن القتل لم يكن
مستندا فقط بالضربة العادية، بل هو مستند إلى جميع الضربات
من العادية والحقة.
وأما الفرع الثاني - أي ما إذا قطع يد اللص حين
التهاجم ثم رجله، ثم قطع يده الأخرى حين إدباره وسرى
الجميع وصار سببا لهلاكه فعن المبسوط: إن توافقا على الدية
فنصف الدية (عليه) وإن طلب (أي ولي المقتول) القصاص
رد نصف الدية (على الضارب)، والفرق (بين الفرعين)
أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد وليس كذلك
في الأولى " إلا أنه قال في الشرائع: وفي الفرق عندي ضعف
191

والأقرب أن الأولى كالثانية لأن جناية الطرف
يسقط اعتبارها مع السراية، كما لو قطع يده وآخر رجله
ثم قطع الأول يده الأخرى، فمع السراية هما سواء
في القصاص والدية انتهى.
وقال في الجواهر في تلو ذلك: وإن تعددت الجناية
من أحدهما متواليا أو لا واتحدت من الآخر، والفرض
في المقام أنه مات بجنسين من الجناية: مباح ومحظور
وإن تعدد أحدهما واتحد الآخر، والجناية إنما يعتبر
اتحادها وتعددها مع السلامة لا مع السراية انتهى موضع
الحاجة.
وحاصل كلام الشرائع والجواهر أنه لا فرق بين هذا
الفرع والفرع الأول لأن تعدد الجناية الصادرة من
الضارب لا فرق فيها بين أن تقع متوالية أو متفرقة
بأن ضرب يده أولا حين التهاجم ثم ضرب رجله
ثم ضرب يده الأخرى في حال إدباره وسرى
الجميع فإن سرايته وإن صارت سببا لهلاكه فإنه لا يضمن
إلا واحدة من هذه الضربات وهي التي ضربها إياه
في حال إدباره وليس جميع الضربات مضمونا عليه
192

مع الضربتين الأوليين ليستا بمضمونتين على لأنهما
وقعتا على اللص حين التهاجم، فغير المضمونة والمضمونة
إذا وقعتا على اللص وصارتا سببا لهلاكه لا يصير ذلك
سببا للقصاص فإن أحد السببين كان غير مضمون
عليه، وتوالي الجنايتين عليه لا يصيرهما بمنزلة جناية
واحدة وعلى فرض ذلك إذا كانت الجنايتان قد استوجب
اللص كليهما لا تكونان مضمونتين نعم الجناية الأخيرة
كانت مضمونة، والسبب الخير إذا انضم إلى السببين
قبله وكانا غير مضمونين وصار الجميع سببا لقتله لم يكن
موجبا للقصاص بعد كون السبب الخير وحده
لم يكن موجبا لهلاكه.
مضافا إلى ما ذكروه في باب القصاص من أن
جناية الطرف - أي العضو - إذا سرت يسقط اعتبارها
بمعنى أنه لم يترتب عليها القصاص، وحينئذ الأقوى
هو الذي ذكرناه في الفرع الأول من أن عليه أي على
الضارب الدية بمقدار جنايته المضمونة عليه
193

وليس عليه القصاص والله العالم
(قال في الشرائع:)
(مسائل من هذا الباب:)
(الأولى:)
لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه (وأضاف في
الجواهر: أو ولده أو بنته أو أحد من أرحامه) من ينال دون
الجماع فله دفعه، فإن أتى الدفع عليه فهو هدر انتهى.
وقال في الجواهر: لأنه عرضه الذي عرفت قوة احتمال
مساواته للنفس، بل قد تقدم سابقا البحث في أن له قتل
من يجده يجامع زوجته بل ومملوكته وغلامه في وجه تقدم
الكلام فيه في ما مضى، بل له الدفع عن الأجنبي لما عرفته
سابقا من النصوص، ولكن في كشف اللثام هنا بعد أن
جزم بأن له الدفع عنه بل عليه لم يجوز قتله لو توقف الدفع عليه
ولعله لعدم كونه عرض الأجنبي عرضا أذن له في القتل
في الدفع عنه، وفيه أن ذلك مقتضى جواز الدفع له
أو وجوبه عليه انتهى.
وكيف كان فمستند هذه المسألة أي وجوب الدفع
عن عرضه روايات قد قدمنا بعضها في باب الدفاع
194

منها ما في الحسن أو الصحيح عن الصادق عليه السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله ليمقت الرجل
يدخل عليه اللص في بيته فلا يحارب (1).
ومنها رواية وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنه قال:
إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره
بالضربة أن استطعت فإن اللص محارب لله ولرسوله
فما تبعك منه شئ فهو على (2).
ومنها رواية أحمد بن محمد بن: خالد عن ذكره عن
الرضا عليه السلام عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له
فيجيئ قوم يريدون أخذ جاريته أيمنع جاريته من أن
تؤخذ، وإن خاف على نفسه القتل؟ قال: نعم قلت
وكذلك إذا كانت معه امرأة؟ قال: نعم قلت: وكذلك
الأم والبنت وابنة العم والقرابة يمنعهن وإن خاف
على نفسه القتل؟ قال: نعم، قلت: وكذلك المال
يريدون أخذه في سفر فيمنعه وإن خاف القتل؟
قال: نعم (3).

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2 - 3 - 2.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2 - 3 - 2.
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 2 - 3 - 2.
195

وحاصل الكلام في هذه المسألة أنه لو وجد مع زوجته
أو مملوكته أو غلامه بل أمه وأخته وبنته وبنت أخيه أو بنت
أخته من يرتكب معها أعمالا شنيعة دون الجماع فله دفعه
بلا خلاف ولا اشكال، فإن قتل المدفوع بذلك
الدفع فدمه هدر لا يضمنه الدافع لأنه قد دافع عن عرضه
الذي قد عرفت احتمال مساواته للنفس، وإن ذكرنا ضعف
هذا الاحتمال هناك.
وكذا يجوز له أن يقتل الذي رآه يجامع امرأته أو مملوكته
أو غلامه، بل عن كشف اللثام أنه يجوز الدفع عن عرض
غيره بل عليه ذلك إلا أنه استشكل قتل المدفوع لو توقف
الدفع عليه، وفيه أن مقتضى الدفع هو جواز قتله إن
لم يندفع بغير ذلك.
لكن قد عرفت في باب الدفاع أنا قد استشكلنا
في جواز الدفاع عن العرض وإن خاف القتل وأولى
بهذا الاشكال الدفاع عن المال إذا خاف القتل
فإن النفس أهم من العرض والمال، فحينئذ لا بد
من حمل مرسلة أحمد بن محمد بن خالد (1) المتقدمة

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 120.
196

الدالة على جواز دفع العدو عن العرض بل عن المال و
إن خاف القتل - على بعض المحامل أو رد علمها
إلى أهلها مضافا إلى أنها مرسلة لم ينجبر ضعفها
بعمل الأصحاب، نعم يجوز دفع العدو عن عرضه
وإن استلزم قتل العدو إلا أنه لا بد من ملاحظة
التدرج في الدفع كما مر في باب الدفاع إلا أني لم
أجد من صرح بالتدرج هنا.
وأما الدفع عن عرض غيره فليس لنا دليل على
وجوبه إلا من باب النهي عن المنكر، والنهي عن المنكر
يعتبر فيه التدرج الذي ذكرناه في باب الدفاع
المسألة (الثانية:)
من اطلع على قوم فلهم زجره، فلو أصر فرموه بحصاة أو
عود فجنى ذلك عليه كانت الجناية هدرا، ولو بادره
من غير زجر ضمن، ولو كان المطلع رحما لنساء صاحب
المنزل اقتصر على زجره، ولو رماه والحال هذه فجنى عليه
ضمن، ولو كان من النساء مجردة جاز زجره ورميه
197

لأنه ليس للمحرم هذا الاطلاع، قاله في الشرائع.
أما الاطلاع على عورات الناس وأسرارهم فهو حرام
قطعا، فلا بد أولا من زجره ونهيه فإن انزجر فهو وإلا
فيجوز رميه بحصاة أو عود أو حجارة ونحوها فإن رماه
بذلك وجنى ذلك غليه بأن أعماه أو كسر رأسه
أو أسال دماءه كانت الجناية هدر لا يضمنها الرامي
قال في الجواهر: بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه مع
توقف الدفع عليها انتهى.
ووجه ذلك أنه من المدافعة عن العرض مضافا
إلى دلالة النصوص على ذلك.
منها صحيحة حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض حجراته
إذا طلع رجل في شق الباب، وبيد رسول الله صلى
عليه وآله مدارة فقال: لو كنت قريبا منك لفقأت به
عينك (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
عورة المؤمن حرام، وقال: من اطلع على

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
198

مؤمن في منزله فعيناه مباحة للمؤمن في تلك الحال
ومن دمر على مؤمن بغير إذنه فدمه مباح للمؤمن
في تلك الحالة (1).
ومنها صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام
قال: اطلع رجل على النبي صلى الله عليه وآله من الجريد
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لو أعلم أنك تثبت
لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ به عينيك، قال:
فقلت له: وذاك لنا؟ فقال: ويحك أو ويلك
أقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل
وتقول: وذاك لنا؟ (2).
ومنها موثقة العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه السلام
قال: إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر
من خلل شئ لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقئوا
عينيه فليس عليهم غرم الحديث (3).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أنه قال في حديث: أيما

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 4 - 6.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 4 - 6.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 4 - 6.
199

رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقئوا
عينه أو جرحوه فلا دية عليهم وقال: من اعتدى فاعتدي
عليه فلا قود له (1).
أقول: المشقص فصل السهم، والقود القصاص
وأما قوله قدس سره: ولو بادره من غير زجر ضمن
انتهى، وفي محكى المبسوط: إن لم يكف الزجر استغاث
عليه إن كان في موضع يبلغه الغوث، فإن لم يكن
استحب أن ينشده، فإن لم ينفع فله ضربه بالسلاح
أو بما يردعه - قال -: وإن أخطأ في الاطلاع لم
يكن له أن يناله بشئ لأنه لم يقصد الاطلاع، فإن
ناله قبل أن يفزع بشئ فقال: ما عمدت ولا رأيت
شيئا لم يكن على الراعي شئ لأن الاطلاع ظاهر
ولا يعلم ما في قبله (ما في قلبه ظ)، ولو كان أعمى
فناله بشئ ضمنه لأن الأعمى لا يبصر بالاطلاع "
أقول: لا بأس بما ذكره قدس سره إلى أن ما ذكره
أولا من ملاحظة الترتيب لا دليل عليه بل اطلاق
الأخبار يدفعه، وعن العلامة في التحرير أنه قال: لو

(1) وسائل الشيعة المجلد 19 ص 5.
200

كان عاريا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه، ولو زجره
فلم ينزجر ففي جواز الرمي نظر " وعن كشف اللثام الظاهر
جواز الرمي إن كان تعريه عن اضطرار أو اكراه.
وفي الجواهر قلت: لا يخفى عليك تحقيق الحال
بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المدار على الدفع عن العرض
متدرجا الأسهل فالأسهل، نعم بقي شئ وهو أنه قد
يقال: بأن الاجماع المزبور الذي خرج به عن مقتضى اطلاق
النصوص إنما هو الضمان إذا دفع بالأصعب مع التمكن
من الدفع بالأسهل، أما مع الجهل بالحال واحتمل أن التنبيه
بالأسهل يترتب به الضرر عليه من اللص أو المحارب أو
غيرهما فقد يقال: إن مقتضى الاطلاق المزبور جواز
المبادرة بالأشد لعدم العلم بالاجماع هنا، نعم لو لم يحتمل
الضرر بالتنبيه بالأسهل راعاه ثم تدرج
وأولى من ذلك العمل بالطلاق النصوص المزبورة
بعد حصول العنوان، لهدر الدم مع الجهل بأن الدافع
قد تدرج أولا؟ أو ادعى ذلك، وحينئذ يكون أصل
201

شرعي مستفاد من الاطلاق المزبور وارد على أصالة
الضمان، فلا يحكم به حتى يعلم حصول سبب الضمان
ولعله على ذلك بناء ما تسمعه في المسألة الثالثة، والله
العالم انتهى.
أقول: الأقوى قو ما ذكره أخيرا من اطلاق
النصوص فإن ما احتمله أولا من الضمان إذا دفع
بالأصعب إذا تمكن من الدفع بالأسهل أو احتمل دفعه
بذلك - شئ لا يرى له في الأخبار عين ولا أثر
نعم إذا راعى ذلك ولم يتسرع في إهراق دم المسلم
ما لم يطمئن بسوء قصده كان أولى.
وأما لو كان المطلع رحما لنساء صاحب المنزل فلا يجوز
قتله، بل يقتصر على زجره لأن المفروض أنه محرم لنساء
صاحب المنزل، فلم يرتكب محرما حتى يستوجب دفعه
نعم قد ارتكب أمرا خلافا باشرافه على بيت الناس
ولو كانوا من محارمه، فحينئذ إذا رموه لجهة إشرافه
عليهم كانوا ضامنين له نعم إذا كانت النسوة اللاتي
من محارمه عراة فلا يجوز له أن يشرف عليهن فلو
فلو أشرف في هذه الحال عليهن فزجروه ولم ينزجر
فرموه فجنى الرمي عليه لم يكونون ضامنين له
202

لكونهم محقين لذلك، لأن المحرم لا يجوز له أن ينظر
إلى عورات محارمه، نعم يجوز له أن ينظر إلى زينتهن
كما عن الفاضل غيره وكذا البدن إذا لم يكن ذلك
بشهوة ريبة.
(الثالثة:)
وفي الشرائع أيضا: لو قتله في منزله فادعى أنه أراد
نفسه أو ماله، فأنكر الورثة، فأقام هو البينة أن الداخل
كان ذا سيف مشهور مقبلا على صاحب هذا المنزل
كان ذلك علامة قاضية برجحان قول القائل ويسقط
الضمان انتهى.
والمقصود أن صاحب المنزل قتل الوارد عليه
وادعى أنه أراد نفسه أو ماله بل وكذا عرضه وأنكر
ورثة المقتول ذلك فإن كان لصاحب المنزل بينة
على أن المقتول قد دخل عليه شاهرا سيفه كان ذلك
علامة بأن دعاه صادقة لأن علم الشاهد بقصد الداخل
للقتل مما يتعذر عادة، فيكتفى بالقرائن الحالية: وتقبل
شهادته بذلك ويرتفع عنه الضمان، نعم قال في محكى
كشف اللثام " بخلاف ما لو اقتصرت البينة على هجوم
203

داره أو مع سلاح غير مشهور، وفي الجواهر ولعله لأصالة عصمة
دم المسلم، بل إن يكن إجماعا كما هو مقتضى إرسال
الفاضلين وثاني الشهيدين والإصبهاني له إرسال
المسلمات - أمكن النظر فيه ضرورة أعمية ما قامت به
البينة من الدعوى المزبورة المسقطة لضمانه الذي
هو مقتضى الأصل
واحتمال قطعه بالظن المزبور مع اقتضائه التعدية
إلى غيره من أفراد الظنون لا دليل على حجيته اللهم
إلا أن يقال بما لما أشرنا إليه سابقا من أن الدالة المزبورة
قضت باهدار دم اللص والداخل إلى دار غيره
والناظر إلى عورة غيره وغير ذلك مما عرفت، و
الفرض تحقق موضوع الهدر، فيحكم به حينئذ
حتى يعلم حصول سبب الضمان انتهى.
وحاصل تشكيك صاحب الجواهر أنه قد أرسل
الفاضلان - أي المحقق والعلامة - والشهيد الثاني
وصاحب كشف اللثام - هذه المسألة إرسال
المسلمات، فإن كان هنا اجماع فهو وإلا فللنظر فيه
مجال، لأن ما قامت به البينة أعم من الدعوى التي ادعاها
204

صاحب المنزل، لأن البينة على أنه دخل
شاهرا لسيفه، ودعوى صاحب المنزل أنه دخل
ليقتله أو ليأخذ ماله، وأين هذا من ذاك، مضافا
إلى أن الظن بأنه دخل ليقتله أو ليأخذ ماله ليس بحجة
فإنه إذا كان حجة فمقتضاه أن يكون كل ظن حجة
ولا يمكن الالتزام به. اللهم إلا أن يقال: أن الأدلة الدالة على اهدار دم
اللص أو المهاجم أو الداخل إلى دار الغير أو الناظر
إلى عورة الغير قضت باهدار دم هذا أيضا، و
لا يحتاج إلى العلم بأن قصده كان قتل صاحب
المنزل أو أخذ ماله أو هتك عرضه بل القرائن الحالية
من أنه دخل شاهرا لسيفه كاف في جواز قتله
كما أن دخول اللص أو المهاجم لا يحتاج إلى العلم بذلك
بل شاهد الحال كاف لذلك.
المسألة (الرابعة:)
وفي الشرائع أيضا: للانسان دفع الدابة الصائلة
فلو تلفت بالدفع فلا ضمان انتهى والصائلة: المهاجمة
هذه المسألة كالمسألة قبلها، فإن الدابة إذا صالت
205

على الانسان وأرادت أن تقتله أو تصدمه فإنه
لا بد له من الدفاع عن نفسه، فإن أمكنه أن يدافع
عن نفسه بغير قتله بأن يشردها بالحملة عليها وطردها
أو يشرد عنها من دون أن يقتلها فعل، وأما إذا انحصر
الأمر في المدافعة عن نفسه بأن يقتلها فدمها هدر
لا يضمنه.
فلذا قال في الجواهر - بعد قول صاحب الشرائع - فلا ضمان:
مع فرض توقف الدفع عليه بلا خلاف أجده فيه، بل
في كشف اللثام " عندنا " مشعرا بالاجماع عليه خصوصا
بعد ما حكى في مقابله عن أبي حنيفة الضمان مع
تجويزه الاتلاف، ولا ريب في ضعفه للأصل و
فحوى ما سمعته في الانسان، بل مقتضى اطلاق
المصنف وغيره والفحوى المزبورة ذلك أيضا وإن
تمكن من الهرب.
إلا أنه قد يشكل خصوصا في بعض أفراده بقاعدة
حرمة التصرف في مال الغير فضلا عن إتلافه، وليس
هو كدفاع الظالم الذي له شعور وتكليف وقاصد
للظلم، فإن لك دفاعه مع الامكان وإن تمكنت
206

من الهرب، وليس في الأدلة هنا ما يشمل الفرض
المزبور في الدابة انتهى.
إلا أن الوجه هو الذي ذكرناه من أنه إذا تمكن
من دفعها بأن يشردها عن نفسه أو يهرب منها فعليه
ذلك ولا يقتلها، وأما إذا انحصر النجاة منها بقتلها
فقتلها فدمها هدر لا يضمنها، والدابة ليست بأعظم
جاها وأكبر قدرا من الانسان المسلم، فإذا كان جائز
القتل في حال الدفاع فالدابة أولى، وهذا وإن كان
وجها استحسانيا ولم يكن لنا دليل خاص في هذه المسألة
إلا أن فحوى الروايات في المسائل السابقة الدالة على جواز
قتل المتهاجم كافية في دلالتها على قتل الدابة الصائلة
والله العالم
المسألة (الخامسة:)
وقال أيضا في الشرائع: لو عض على يد انسان
فانتزع المعضوض يده فندرت (أي سقطت)
أسنان العاض كانت هدرا، ولو عدل إلى تخليص
207

نفسه بلكمه أو جرحه إن تعذر التخلص بالأخف
جاز، ولو تعسر ذلك جاز أن يبعجه بسكين أو خنجر
ومتى قدر على الأسهل فتخطى إلى الأشق ضمن
انتهى.
وقال في الجواهر - بعد قوله: كانت هدرا: عندنا
وعند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى في محكى المبسوط
وروى أن رجلا فعل ذلك فأتى النبي (صلى الله
عليه وآله) فأهدر سنه (1)، مضافا إلى أنه دفاع
نعم لو كان المعضوض الظالم تخلصا من ظلمه اتجه
الضمان كغيره من جنايات المدفوع، ولو لم يكن
تخلصا فلا ضمان للأصل، وكونه ظالما له في شئ
آخر لا يقتضي جواز العض له، فهو حينئذ عاد فيه
فلا ضمان بسقوط أسنانه بالنزع انتهى
والحاصل أن مستند هذه المسألة هو مستند
ساير مسائل الدفاع من أنه إذا دافع عن اللص أو الظالم
بأي نحو من الدفاع فلا ضمان، وهذا المورد من تلك
الموارد أي إذ عضه انسان فأراد أن يستخلص يده
منه فجذب يده بشدة من بين أسنانه فسقطت أسنانه

(1) صحيح البخاري ج 9 ص 58 على ما حكي عنه.
208

فلا ضمان عليه، فإن العاض قد ظلمه بعضه ليده، فدفعه
عن ذلك ولو كان بسقوط أسنانه غير موجب للضمان
وتدل عليه أيضا - مضافا إلى اطلاقات روايات
الدفاع الشاملة لهذه المسألة - الرواية العامية المنقولة
عن النبي صلى الله عليه وآله التي تقدمت آنفا
وادعى في هذه المسألة اتفاق جميع الفقهاء عليها والمراد
فقهاء العامة والخاصة إلا ابن أبي ليلى وهو كان من
قضات العامة ولا ضير في مخالفته.
نعم لو كان المعضوض هو الظالم وعضه المظلوم
لأجل التخلص من ظلمه فسقطت أسنان المظلوم
بجر الظالم يده عن أسنانه فالظالم ضامن له لأنه
كان السبب لعض المظلوم يده بظلمه له، وأما إذا
عضه المظلوم لا لأجل التخلص من ظلمه بل انتقاما
من ظلمه له فيما سبق فجر الظالم يده وسقطت بذلك
أسنان المظلوم فالظاهر أنه لا ضمان عليه فإن ظلمه
له لا يصير مجوزا لعضه ليده فهو حينئذ يكون عاديا
209

في ذلك، ولو عدل إلى تخليص نفسه بلكمه أي يضربه
برجله أو بجرحه إن تعذر التخلص بالأخف فلا اشكال
في جوازه فإنه أيضا من أقسام الدفاع عن النفس
ولو تعسر ذلك أيضا جاز أن يبعجه أي يشق بطنه
بسكين أو خنجر وإن أدى ذلك إلى قتله، فإنه يصير
ضامنا لذلك لأنه من الدفاع عن النفس
نعم إذ كان قادرا في الدفاع بالأخف فاستعمل
الأشد صار ضامنا.
وقال في الجواهر: فلو تمكن من فك لحييه باليد الأخرى
اقتصر عليه لئلا تندر أسنانه لكن عن التحرير أنه استقرب
جواز جذب اليد، وإن سقطت الأسنان مطلقا
لأن جذب يده مجرد تخليص ليده، وما حصل من سقوط
الأسنان حصل من ضرورة التخليص الجائز " قلت
بل من إصرار العاض مضافا إلى اقتضاء الطبيعة ذلك
وإلى أن اطلاق أدلة الدفاع مساغ إلى المتعارف فيه
الذي يدخل فيه الفرض من غير ملاحظة التدرج ولعل
ذلك هو الأقوى انتهى.
أقول: إذ تمكن من أن يفك المعضوض لحيى
210

العاض - أي فكيه - اقتصر عليه ولا تصل النوبة إلى سقوط
أسنان العاض، فإنه إذا تمكن تخليص يده عن العاض
بالأسهل لا ينبغي لله أن يستعمل الأشد.
إلا أنه نقل عن التحرير أنه استقرب جواز جذب
اليد وإن سقطت الأسنان مطلقا أي سواء تمكن
من استخلاص يده بطريق أسهل كفك لحييه ونحو ذلك
أم لا، لأن جذب يده هو استخلاص ليده من العض
وسقوط الأسنان إنما حصل من ضرورة تخليص
اليد الذي كان جائزا بأي نحو اتفق، ولا دليل
على لزوم الاستخلاص بكيفية خاصة، هذا ملخص
مقصوده قده، وقد أيد كلامه في الجواهر بقوله: مضافا
إلى اقتضاء الطبيعة ذلك الخ
لكن يمكن أن يقال: إذا تمكن من تخليص يده
بطريق أسهل يشكل استعمال الطريق الأشق ولذا
قال في الشرائع: ومتى قدر على الأسهل فتخطى
إلى الأشق ضمن انتهى، فالأحوط إن لم يكن أقوى
211

تخليص يده مراعاة الأسهل فالأسهل إلى أن قصل
النوبة إلى الأشق والله العالم.
المسألة (السادسة:)
وفي الشرائع أيضا: الزحفان العاديان يضمن كل
منهما ما يجنيه على الآخر، ولو كف أحدهما فصال
الآخر، فقصد الكاف الدفع لم يكن عليه ضمان
إذا اقتصر على ما يحصل به الدفع، والآخر يضمن، و
لو تجارح اثنان وادعى كل منهما أنه قصد الدفع
عن نفسه حلف المنكر، وضمن الجارح انتهى.
والمراد بالزحفين اللذان يزحفان أي يقربان
لأجل أن يحاربا سواء كانا راجلين أو فارسين
والعاديان: تثنية العادي وهو الذي يتعدى على غيره
والحاصل أن الزحفين العاديين إذا كان كل منهما
جنى على الآخر ضمن.
وأما إذا كفت أحدهما عن ضرب الآخر أو جرحه
وتهاجم الآخر عليه فدافع عن نفسه لم يكن على الكاف
- أي الذي كف عنه - ضمان وإن ضربه أو جرحه
لأنه فعل ذلك بعنوان الدفاع لا بعنوان المحاربة
وأما الآخر فهو ضامن لكل ما أورده على الكاف
212

لنفسه من الضرب والجرح لأنه هو الذي تعدى عليه
والكاف إذا اقتصر على ما يحصل به الدفع عن نفسه
لم يكن عليه ضمان وإن تعدى عن ذلك فهو ضامن
أيضا لأنه يصير ظالما عاديا، ولا يعتبر في الدفاع
إذن الإمام عليه السلام.
ولو تجارح اثنان أي جرح كل واحد منهما للآخر
وادعى كل منهما أنه قصد الدفع عن نفسه ففي الشرائع:
حلف المنكر وضمن الجارح انتهى وفيه أن كلا منهما
يكون مدعيا ومنكرا، مدعيا بأنه قصد الدفع عن نفسه
ومنكرا للتعدي على أخيه المسلم، فكيف يكون أحدهما
مدعيا فعليه الضمان والآخر منكرا ليس عليه الضمان؟
مع أنهما متساويان في الدعوى والجرح والانكار؟
فلا بد - على الظاهر - من اجراء أحكام المدعيين
عليهما بأنه إذا كان لأحدهما بينة بأنه لم يكن محاربا بل
كان مدافعا حكم له بذلك وليس عليه الضمان، وإن
كان لكل منهما بينة فلا بد من ملاحظة الترجيح بينهما
فمن ترجحت بينته قدم قوله، ومع تساقط البينتين
213

بالتعادل يحلف كل واحد منهما بأن قصده
الدفاع، فمن حلف سقط عنه الضمان، ومن
لم يحلف فهو ضامن من للجناية التي أوردها على
أخيه المسلم طبقا لأصل الضمان في الجناية إلا
ما خرج بالدليل وهو ما إذا جنى عليه لأجل
دفعه، هذا ما ظهر لي في هذه المسألة والله
العالم بحقيقة الأحوال.
وقد أشار في الجواهر في الجملة بما ذكرناه فقال:
وإن حلفا معا ضمن كل منهما جناية ضرورة كونهما
دعويين، وأما احتمال حلف كل منهما على عدم العدوان
فلا يضمنان فهو واضح الفساد بعد ما عرفت من الأصل
المزبور انتهى ومراده قده من الأصل المزبور هو
أصالة الضمان في الجناية كما أشرنا إليه آنفا.
المسألة (السابعة:)
وفي الشرائع أيضا: إذا أمره الإمام بالصعود إلى
نخلة أو النزول إلى بئر فمات، فإن أكرهه قيل كان
ضامنا لديته، وفي هذا الفرض منافاة للمذهب
ويتقدر في نائبه، ولو كان ذلك لمصلحة عامة
214

كانت الدية في بيت المال، وإن لم يكرهه فلا دية أصلا
انتهى.
والحاصل أن الإمام عليه السلام إذا أمر أحدا بأن يصعد
على النخلة أو ينزل إلى البئر فصعد أو نزل فمات
بوقوعه عن النخلة أو في البئر فإن أكرهه الإمام عليه السلام
بذلك قيل: إنه كان ضامنا لديته، ولكن هذا القول
مناف لعصمة الإمام (ع) التي تمنع من اكراهه على ذلك
وعن المسالك أنه قال: وعلى تقدير جواز إكراهه
لا يجامع الحكم بضمانه، ثم قال: والحق أنه متى كان في
الفعل مصلحة عامة فأمره به وجب عليه الامتثال و
لا ضمان عليه لأن طاعته واجبة، وإن لم يكن كذلك
لم يتحقق أمره به فضلا عن إكراهه.
وقال في الجواهر: إن وجوب الطاعة لا ينافي الضمان
في بيت المال إذا كان الاكراه لمصلحة المسلمين، وسقوط
الضمان بالاكراه على الجهاد الذي شرع كذلك لا يقتضي
سقوطه في الفرض الواضح ما بينهما من الفرق لعدم
بطلان دم المسلم، سواء أكرهه على ما وجب عليه
215

أو لم يكرهه، ولعله لذا ونحوه قال في الدروس: ولو
تلف من أمره الإمام (عليه السلام) بالصعود إلى نخلة
أو النزول في بئر لمصلحة المؤمنين فالضمان في بيت
المال، وإن لم يكرهه لوجوب طاعة الإمام ولو كان
نائبه ضمن بالاكراه في ماله إن لم يكن لمصلحة عامة، وقد
استحسنه هو أيضا في آخر كلامه فيهما انتهى
أقول: الإمام عليه السلام لا يكره أحدا على
شئ إلا لمصلحة الاسلام أو لمصلحة المسلمين
وليس من شأنه التسيطر والغلبة على أي أحد
من المسلمين لأن عصمته مانعة من ذلك
فإذا أمر أحدا بشئ فإطاعته واجبة على ذلك الشخص
وإن كره ذلك بل وإن صار سببا لهلاكه فإنه
يجب عليه أن يطيع أمره.
فإذا كان إطاعته واجبة فأي فرق بينه وبين
وجوب الجهاد عليه؟ نعم الجهاد بشرائطه واجب
بأصل الشريعة أي واجب من الله تعالى وهذا
الذي أمر به الإمام عليه السلام واجب بأمر الإمام (ع)
216

إلا أن إطاعته هي إطاعة الله في الحقيقة لقوله تعالى
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "
(1).
فإذا كان إطاعته واجبة فأي دليل لصاحب
الجواهر تبعا للدروس بأنه إن تلف بالصعود على
النخلة أو النزول في البئر يكون ديته في بيت المال؟
وعلله في الجواهر بعدم بطلان دم المسلم " وفيه
أن دم المسلم كيف يصير باطلا بعدم اعطاء ديته
مع أنه قد أطاع ولي أمر المسلمين ومن أمر الله تعالى
بإطاعته، فقد فاز بذلك وبلغ الدرجات العلى
بإطاعته لسيده ومولاه وإمامه فهو كالمجاهد الذي
يستشهد في سبيل الله وبين يدي رسول الله صلى
الله عليه وآله فكما أن الشهيد لا يبطل دمه باستشهاده
فكذا من أطاع إمامه المعصوم فتلف في طريق طاعته
اللهم إلا أن يقال: يمكن أن يكون لصاحبي الجواهر والدروس

(1) سورة النساء الآية 59.
217

دليل معتبر لم يصل إلينا، فإن كان ذلك فهو وإلا
فللمناقشة في ما ذكراه مجال.
هذا تمام الكلام في ما إذا أكرهه الإمام عليه السلام على
شئ فهلك، وأما إذا أكرهه نائبه فهلك فإن ديته
تكون عليه لأن نائب الإمام ليس بمعصوم فيصيب
ويخطئ، وليست إطاعته على كل حال واجبة، بل
يجب إطاعته - إذا كان عادلا وجامعا لسائر الشرائط
- إذا لم يعلم بخطأه، وإلا فلا يجب إطاعته - فإذا أطاعه
فهلك بذلك فإن نائب الإمام ضامن له فيدفع
ديته إلى ورثته، هذا إذا أكرهه على شئ بحق وأما إذا
أكرهه على شئ بغير حق فهو يسقط وينعزل عن النيابة
لأنه يصير بذلك فاسقا.
قال في محكى القواعد: ولو أمره نائب الإمام بالصعود
إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات فإن أكرهه ضمن الدية
ولو كان لمصلحة المسلمين فالدية في بيت المال، ولو لم
يكرهه فلا ضمان، وكذا لو أمرا انسان غيره بذلك
من غير إجبار انتهى.
وفي الجواهر: قلت: قد يقال: إن النائب
218

بالاكراه بغير حق ينعزل عن النيابة أيضا اللهم إلا أن
يفرض إكراه لا ينعزل به وإلا توجه الضمان حينئذ
على ماله مطلقا كالأجنبي الذي لا ولاية له على
المسلمين، بل عن التحرير احتمال القصاص، وإن كان
فيه أن الفرض عدم كون ذلك مما يحصل به القتل
غالبا إلا أنه اتفق ترتب القتل عليه ولا قصد به
القتل فلا وجه للقصاص، نعم تثبت الدية لكون الفرض
حصول القتل في إكراهه عليه، فيكون قاتلا مندرجا في
عموم الأدلة، ومن هنا كان ظاهرهم الاتفاق عليه في
النائب انتهى.
وأما الإمام عليه السلام فإن أمره بذلك لمصلحة عامة للمسلمين
كانت الدية في بيت المال الذي يصرف في مصالح المسلمين
وأما إن كان لمصلحة نفسه أو مصلحة خاصة أولا لمصلحة
ففي ماله كذا في الجواهر إلا أنه يرد عليه أن الإمام (ع) لا يريد
مصلحة نفسه أو مصلحة خاصة كمصلحة أهله وعشيرته وأولاده
وكذا ألا يأمر أحدا لا لمصلحة بل لا يكون نظره إلا مصالح
الاسلام أو مصالح المسلمين فحينئذ لو أكرهه على شئ
فمات بذلك لا يكون عليه الدية لا في ماله ولا في بيت
219

مال المسلمين، ولا جدوى للبحث في هذه المسألة
لأن الإمام عليه السلام أعرف بوظائفه منا.
ثم قال في الشرائع: وإن لم يكرهه فلا دية أصلا "
وقال في الجواهر: ولعلهم فرضوه في إكراه لمصلحة
المسلمين لا ينعزل به عن النيابة، وأما غير النائب
فالضمان في ماله مطلقا مع الاكراه لعدم ولاية له
على المسلمين، ولا ضمان مطلقا مع عدم الاكراه
انتهى موضع الحاجة، وهو حسن.
المسألة (الثامنة:)
وفي الشرائع أيضا: إذا أدب زوجته تأديبا مشروعا
فماتت قال الشيخ: عليه ديتها لأنه مشروط بالسلامة
وفيه تردد لأنه من جملة التعزيرات السابغة، ولو
ضرب الصبي أبوه أو جده لأبيه فمات فعليه ديته في
ماله انتهى، ووجه الأول - أي عليه ديتها - أن التأديب
أي جواز تأديبه لها مشروط بأن لا يضربها ضربا موجبا
لهلاكها، فإن ضربها كذلك فعليه ديتها لأنه لم يكن مأذونا
شرعا لهذا المقدار من التأديب، بل يمكن أن يقال:
إذا أدبها بما صار سببا لتلفها عمدا فعليه القصاص، وهذا
220

الذي ذكره في الشرائع من أن عليه ديتها في فرض صورة
أن الضرب والتأديب لم يكن بقصد هلاكها فلذا قيد
ذلك بقوله: تأديبا مشروعا، والتأديب الذي قصده
فيه هلاكها لم يكن مشروعا، والمقصود من التأديب الشرعي
ما لا يكون بحسب المعمول سببا لتلفها، إلا أنها بحسب الاتفاق
ماتت بذلك.
ووجه تردد صاحب الشرائع أن التأديب كان
جائزا شرعا فلا وجه لأن تكون عليه الدية " وفيه - كما في
الجواهر - أن مجرد الإذن لا ينافي الضمان " وقياس
هذا المورد على تأديب الحاكم للمجرم قياس مع الفارق
فإن الحاكم غير ضامن إذا أدب المحرم ثم مات
بتأديبه فليس عليه الدية وذلك لدليل خاص
وليس هنا دليل خاص يدل على عدم الضمان
مضافا إلى أن تأديب الولد مأذون فيه للولي الشرعي
مع أنه إذا مات بالتأديب فعلى الولي الدية، وهو
يؤيد الضمان في الزوجة أيضا إذا ماتت بالتأديب
مع أنه لا نص أو اجماع هنا يفرق بين المسألتين
221

فالذي يقوى في النظر فعلا هو أن عليه ديتها والله
العالم.
المسألة (التاسعة:)
وفي الشرائع أيضا: من به سلعة إذا أمر بقطعها
فمات فلا دية له على القاطع، ولو كان مولى عليه
فالدية على القاطع إن كان وليا كالأب والجد
للأب، وإن كان أجنبيا ففي القود تردد، والأشبه
الدية في ماله، لأنه لم يقصد القتل انتهى
أما الفرع الأول - أي من كان به سلعة - أي
عقدة إما في الرأس أو البدن - إذا أمر الطبيب
أو الدكتور بقطعها واتفق أنه مات بذلك فلا دية
له على القاطع، وعلله في الجواهر بقوله: للأصل و
للإحسان إلا أن يكون قطعها مما يقتل غالبا ويعلم به
القاطع، فلا ينفع الإذن، بل وإن لم يعلم في وجه قوي
ولكن في المسالك بعد أن فرض موضوع أذن الكامل
بقطعها ولم يكن قطع مثلها مما يقتل غالبا قال:
ومقتضى القواعد أنه لا ينفعه الإذن في سقوط
222

وإنما أطلق المصنف الحكم بعدم الضمان بناءا على الغالب
من أن قطعها لا يقتضي الهلاك، وفي الدروس:
أطلق الحكم بالقصاص على القاطع قاطعا به "
قلت: لا يخفى عليك ما في كلامه أولا، والموجود
في الدروس " وقاطع السلعة والآكلة والجنية بإذن
صاحبها الكامل لا ضمان عليه، ولو لم يأذن البالغ اقتص
من القاطع " وهو صريح في عدم الضمان في الفرض
وإن أطلق في غيره ولعل الوجه في الأول - وإن صدق
القتل به - الشك في الضمان به مع كونه مما لا يقتل
غالبا ولم يقصد به القتل بعد أمر الكامل به الذي
هو أقوى في التأثير أو مساو له كالأمر به في الحيوان
المملوك مثلا.
وفي صحيح الشحام عن الصادق (عليه السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ألا من كانت عنده
أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرء
مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ولا تظلموا أنفسكم
223

ولا ترجعوا بعدي كفارا " (1) بناءا على عود الاستثناء
إليهما وأن المراد بطيب النفس في الدم هذا وشبهه
انتهى كلام صاحب الجواهر.
أقول: المراد بكلامهم: " الكامل " البالغ العاقل
في قبال الصبي أو المجنون بل المكره والسكران و
الساهي فإن إذنهم بقطع السلعة لم يترتب عليه
شئ، ثم إن إذنه بقطع السلعة لم يكن إذنا بهلاكه
فإن كان هنا إجماع بعدم ضمان الطبيب إذا أذن
المريض بقطع سلعته فمات بذلك فهو وإلا فللمناقشة
فيه مجال، فإن تضييع مال الغير أو كسره أو اتلافه
أو تعييبه - وإن كان عن غفلة أو سهو أو نسيان إذا
كان موجبا للضمان فنفس المسلم لا بد أن يكون
أولى بذلك،
قال السيد الطباطبائي في باب الإجارة من
كتاب العروة الوثقى، الطبيب المباشر للعلاج إذا
أفسد ضامن وإن كان حاذقا، وأما إذا لم يكن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النفس.
224

مباشرا بل كان آمرا ففي ضمانه اشكال إلى أن يكون
سببا أقوى من المباشر وأشكل منه إذا كان واصفا للدواء
من دون أن يكون آمرا كأن يقول: أن دوائك كذا وكذا
بل الأقوى فيه عدم الضمان، وإن قال: الدواء الفلاني
نافع للمرض الفلاني فلا ينبغي الاشكال في عدم ضمانه
فلا وجه لما عن بعضهم من التأمل فيه، وكذا لو قال: لو كنت
مريضا بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني انتهى.
وقال رحمه الله في المسألة بعدها: إذا تبرء الطبيب
من الضمان وقبل المريض أو وليه ولم يقصر في الاجتهاد
والاحتياط برء على الأقوى "
وقال قدس سره في ضمان الحمال - بعد المسألتين:
إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلا ضمن
لقاعدة الاتلاف انتهى.
فإذا كان عثور الحمال وكسر متاع الناس موجبا للضمان
مع أنه لم يكن متعمدا بل كان بلا اختيار، فإنه قد عثر بشئ
من غير توجه فوقع متاع الناس من رأسه أو من ظهره فانكسر
فإنه يصير ضامنا له فكيف من يقتل الناس بدواء مشتبه
225

لا يكون ضامنا لديته وقد قتل مسلما ولو اشتباها أو أوقع
عملية خطاءا عليه فقتله خطاءا؟ وهل يكون المسلم أقل
خطرا وقدرا من متاع الرجل؟ فالذي يقوى عجالة في
النظر أن الطبيب ضامن إذا قطع سلعة الرجل فمات
بذلك - لديته فلا بد من دفعها إلى ورثته فإنه محسوب
من القتل الخطأ الذي فيه الدية سواء أذن الرجل بذلك
أو لا.
وأما الفرع الثاني - أي لو كان (أي من به السلعة)
مولى عليه فالدية على القاطع إن كان وليا كالأب والجد
للأب، وإن كان أجنبيا ففي القود تردد والأشبه الدية
في ماله لا قود لأنه لم يقصد القتل كذا في الشرائع، ووجه
كون الولي ضامنا لدية المولى عليه إذا قطع سلعته فمات أن
الولي وإن كان له الولاية على المولى عليه كالأب والجد
للأب فإنهما وليان شرعيان للابن والسبط فيجوز لهما
بل قد يجب عليهما ما يكون بمصلحة الطفل الصغير
من تأديبه أو معالجته إذا صار مريضا إلا أن العلاج إذا أدى
إلى موته يكون الولي ضامنا لديته كما إذا ضربه لتأديبه فأدى
الضرب إلى موته يكون ضامنا لديته أيضا، فالولاية
226

عليه لا ترفع الضمان كما أن ضربه لتأديبه إذا أدى إلى
جرحه أو كسر يده أو رجله يكون عليه الدية أيضا، بل يمكن
أن يكون عليه القصاص في بعض الموارد إذا كان متعمدا
لذلك، وهذا أيضا يؤيد ما ذكرناه في الفرع الأول من أن
الطبيب إذا قطع سلعته فمات فعليه الدية، وكذا الفرع الثالث
يؤيد ما ذكرناه أيضا.
وأما الفرع الثالث وهو ما إذا قطع الأجنبي سلعة
المولى عليه بدون إذن وليه فمات بذلك ففي القود
- أي القصاص - تردد والأظهر أن عليه الدية أيضا لأنه
لا يقصد بذلك قتله، ولم يكن مثله - أي مثل هذا القطع
- قاتلا بحسب العادة فاتفق أنه مات بذلك، ولم يتحقق
موضوعه أي الموضوع القصاص وهو القتل العمدي
بذلك، قال في الجواهر: بل الظاهر ذلك لو كان بإذن
الولي أيضا للعمومات، واحتمال ثبوت الدية عليهما (أي
على الأب والجد) بالإذن لا دليل عليه كالمداواة، إنما
أقصاها رفع الإثم، واحتمال أن إذن الولي هنا يقوم
مقام إذن المالك في سقوط الضمان عن المباشر
227

- يدفعه عدم الدليل على القيام مقامه على الوجه المزبور
ولذا يضمن هو لو باشر، مع أن فعله فعل المولى عليه
المقتضي لسقوط الضمان، فيعلم من ذلك كله
اشتراط السلامة فيما يفعله من الاحسان والمصلحة فمع
فرض عدم مصادفة ذلك في الواقع يترتب الضمان
لا طلاق دليله، فيكون حينئذ إذنه بالفعل كذلك
أيضا.
إلى أن قال: وكيف كان فالحكم في البالغ لو قطع بدون
إذنه كذلك أيضا في ثبوت الدية مع فرض عدم القصد
إلى القتل به وعدم كونه مما يقتل غالبا وإن أطلق
في الدروس القصاص، لكن من المعلوم كونه غير الفرض
وللحاكم ختن الكامل الممتنع منه بل وللآحاد بطريق
الحسبة مع فقد الحاكم، نعم الواجب كشف جميع البشرة، فلو زاد
الفاعل ضمن، وإن أذن له في الاختتان، ولو فعل ذلك
الحاكم في حر أو برد مفرطين فعن الشيخ أنه قوي الضمان
في كتاب الأشربة عدمه في كتاب الحدود، ولعل الأول
لا يخلو من قوة مع ظن الضرر بل قد يقال بالضمان باتفاق
الموت به بناءا على ما سمعته سابقا من ضمان النائب بالاكراه
ولو لمصلحة المكره اللهم إلا أن يكون المفروض في الأول مصلحة
228

لا يقتضي الوجوب، فيكون الاكراه بغير حق، بخلاف
المقام، فإن الفرض وجوبه عليه، فلا يستعقب إكراهه
عليه ضمانه كما في غير المقام ولعله الأقوى انتهى
وحاصل مراده قدس سره أن احتمال ثبوت
الدية على الأب والجد للأب لأجل إذنهما بايقاع
قطع السلعة على المولى عليه الذي صار سببا لموته - لا
دليل عليه كما أن مداواته التي استعقبت قتله لا دية
عليهما لأنه لا يكون قصدهما إلا الاحسان إليه وغاية
ذلك رفع الإثم عنهما لأجل العمل بوظيفتهما
واحتمال أن أذن الولي كإذن المالك للعبد أو
الأمة هنا فكما أن إذن المالك بقطع السلعة موجب
لعدم ضمان القطع لدية العبد إذا مات بذلك
القطع فكذا إذا الولي - مندفع بعدم الدليل على قيام الولي مقام
المالك حتى يسقط الضمان بذلك، ولذا يضمن هو
أي الولي إذا باشر القطع بنفسه فمات المولى عليه، مع
أن فعله بمنزلة فعل المولى عليه المقتضي لسقوط الضمان
229

عنه، فيعلم من ذلك كله اشتراط السلامة في ما يفعله
من الاحسان والمصلحة في قطعه للسلعة، فمع مصادفة
قطعه لها لموته يترتب الضمان ولا طلاق دليل الضمان
وكيف كان فما لحكم في البالغ لو قطع بغير إذنه كذلك
أي فيه الضمان والمراد به الدية مع فرض أنه لم يقصد
به قتله وإلا فعليه القصاص، وكذا عليه القصاص إذا
كان مما يقتل به غالبا، وإن أطلق في الدروس - على
ما حكي عنه - القصاص إلا أن من المعلوم تقييده
بما ذكرناه من قصده لقتله أو مما يقتل به عادة
ثم ذكر رحمه الله مسألة أخرى وهي ما إذا ختن
الحاكم الممتنع من الاختتان فقال: وللحاكم ختن الكامل
الممتنع منه، بل ولآحاد (الناس) بعنوان الحسبة (أي
طلب الأجر والثواب أن يختنوه) مع فقد الحاكم إلا
أن قوله: نعم الواجب كشف جميع البشرة " لم أعلم
ما مراده من ذلك
وهل يكون مراده كشف جميع العورة عند الاختتان
فما الدليل على ذلك؟ وإن كان المراد كشف جميع
الجسد عند الاختتان فهو أيضا لا دليل عليه
230

اللهم إلا أن يكون مراده أن يكشف جميع العورة عند
من يختنه لئلا يقطع منها الزائد عن مقدار الواجب
فلذا قال: فلو زاد الفاعل ضمن أي لو زاد عن قطع
المقدار الواجب يكون ضامنا وإن إذن له في الاختتان
ووجه ضمانه أنه لم يأذن له في قطع الزائد عن الواجب
ثم إنه إن فعل ذلك الحاكم لي ختنه في حر أو برد
مفرطين أي في شدة الحر أو البرد فعن الشيخ أنه قوي
الضمان في كتاب الأشربة وعدمه في كتاب الحدود
(من المبسوط على الظاهر).
والظاهر أن الصحيح ما ذكره في كتاب الأشربة
من الضمان إذا أضر الحر أو البرد لأجل شدته بالمختون
فقتله أو أمرضه فإنه ضامن له والله العالم
وقد تم - بحمد الله تعالى ومنه - المجلد الثاني
من كتاب الحدود الذي كان كثير منه من تقريرات
بحث سيدنا الأستاذ آية الله الحاج السيد محمد
رضا الموسوي الگلپايگاني رضوان الله تعالى
عليه المتوفى في يوم الخميس من شهر جمادى الثانية
231

- وهو اليوم الخامس والعشرون منه من سنة 1414
هجرية فبقي الكتاب - بعد ارتحاله رحمه الله - غير
تام، فشمرت ساعدي لاتمامه وإكماله إلى أن
وفقني الله لذلك وذلك في يوم الأحد السابع
عشر من شهر شعبان المعظم من سنة 1414 هجرية
قمرية الموافقة ل 10 / 11 / 1372 هجرية شمسية والحمد
لله أولا وآخرا وظاهرا
وباطنا وصلى الله على
سيدنا ونبينا محمد
وآله الطاهرين و
اللعنة على أعاديهم
أجمعين إلى
قيام يوم
الدين
232