الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٦
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
الوكالة، الغصب، الجعالة، اللقطة، احياء الموات، الشفعة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
بسم الله الرحمن الرحيم
1

كتاب الوكالة
2

الوكالات:
فصل:
وإذا وكل الانسان غيره في الخصومة عنه والمطالبة والمحاكمة فقبل الموكل ذلك
وضمن القيام به فقد صار وكيله يجب له ما يجب لموكله ويجب عليه ما يجب عليه إلا ما يقتضيه
الإقرار من الحدود والآداب والأيمان، والوكالة تعتبر بشرط الموكل فإن كانت في خاص من
الأشياء لم تجز فيما عداه، وإن كانت عامة قام الكيل مقام الموكل على العموم حسب ما بيناه،
والوكالة تصح للحاضر كما تصح للغائب ولا يجب الحكم بها على طريق التبرع دون أن
يلزم ذلك بإيثار الموكل واختياره.
وحاكم المسلمين أن يوكل لسفهائهم وأيتامهم من يطالب بحقوقهم ويحتج عنهم
ولهم، وينبغي لذوي المروءات من الناس يوكلوا لأنفسهم في الحقوق ولا ينازعوا فيها
بأنفسهم، وللمسلم أن يتوكل للمسلمين على أهل الاسلام وأهل الذمة، ولأهل الذمة على
أهل الذمة خاصة، ويتوكل الذمي للمسلم على الذمي ولأهل الذمة على أمثالهم من
الكفار، ولا يجوز للذمي أن يتوكل على أحد من أهل الاسلام.
وينبغي أن يكون الوكيل: عاقلا بصرا بالحكم فيما له وعليه مأمونا عارفا باللغة التي
يحتاج إلى المحاورة بها في وكالته لئلا يأتي بلفظ يقتضي إقراره بشئ أراد به غيره، ولا يحل
لحاكم من حكام المسلمين أن يسمع من متوكل لغيره إلا أن تقوم البينة عنده بأنه وكيل له.
والكفيل والزعيم والضمين في المعنى واحد والحكم في بابهم على ما قدمناه وفصلنا القول به
3

وشرحناه، قال الله عز وجل: قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير. وأنا به زعيم،
يريد بذلك ضامنا كفيلا.
كتاب وكالة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب لفلان بن فلان كتبه له فلان بن فلان الفلاني في صحة منه وجواز أمر: إنني
جعلتك جريتي ووكيلي في طلب كل حق لي، وما يحدث لي على أحد من الناس كلهم وقبله
وعنده من الوجوه كلها والأسباب وفي قبض ذلك والخصومة فيه وفي إثبات كل حجة لي في
ذلك كله وفي شئ منه وفي جميع ما ادعى ويدعي على من الحقوق على الوجوه كلها
والأسباب وفي المطالبة بذلك من رأيت المطالبة إليه من قضاة المسلمين وحكامهم لينفذوا
ذلك، وفي استحلاف من رأيت استحلافه ممن لي عليه حق بوجه من الوجوه كلها وفي
المصالحة فيما ترى المصلحة فيه من حقوقي وفي حبس من وجب لي حبسه وإخراجه إذا
شئت جائز أمرك في ذلك على ما قضى به لك وعليك في ذلك، وقد أقمتك في جميع ذلك
مقامي ولم أجعل لك أن تبيع على عقارا ولا رقيقا ولا مالا ولا تقر على بدين ولا تعدل على
شاهدا، ولك أن توكل بكل ما وكلتك وجريتك فيه مما سمي ووصف في هذا الكتاب ممن
ترى توكيله لك فيه وبما رأيت منه، فمن وكلته بذلك أو بشئ منه فهو جائز على لازم لي
على ما توكله من ذلك كله، وهو يقوم في ذلك مقام ما تقيمه فيه جائز أمره في ذلك على ما قضي
به لك ولوكيلك وعليكما وعلى كل واحد منكما، ولك أن تستبدل بكل من توكله بذلك أو
بشئ منه وكيلا بعد وكيل وبديلا بعد بديل جائز أمرك فيه، وقد قبلت ما وكلتك به وجريتك
فيه مما سمي ووصف في هذا الكتاب.
شهد الشهود المسمون فيه على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان بجميع ما ضمنه
بعد أن قرئ عليهما وسمعاه وأقرا بفهمه ومعرفته في صحة منهما وجواز أمر طائعين غير
مكرهين لا يولي على مثلهما، وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
وليكن هذا آخر رسالة المقنعة للشيخ السعيد والعالم الرشيد محمد بن محمد بن النعمان
المفيد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم
تسليما.
4

الكافي فصل في الوكالة وأحكامها
صحة الوكالة تفتقر إلى إيجاب الموكل وقبول الوكيل حاضرا كان أم غائبا بحسب
شرطه، إن أطلق عمت الوكالة سائر الأشياء إلا الإقرار بما يوجب حدا وإن خصصت
بشئ اختصت به، وإذا انعقدت الوكالة قام الوكيل فيما جعل له مقام موكله في المطالبة
وقبض الحقوق وإسقاطها، وإن فعل ما لم يجعل له لم يمض، فإن كان فيه درك فهو لازم له
دون موكله.
والوكالة في الطلاق جائزة كالنكاح بشرط غيبة أحد الزوجين، وإن كانا في مصر
واحد لم تمض، والأولى أن يتولى ذلك بنفسه حاضرا كان أم غائبا.
ويلزم كل ناظر في أمور المسلمين أن يوكل لأطفالهم وسفهائهم وذوي النقص من ينظر
في أموالهم ويطالب بحقوقهم ويؤدى ما يجب عليهم منها، وينبغي لذوي المروءة أن يوكلوا
في مطالبة الحقوق وإسقاط الدعاوي ولا يباشروا الخصومة بأنفسهم.
ولا يجوز لمسلم أن يوكل إلا المسلم العاقل الأمين الحازم البصير بلحن الحجة العالم
لواقع الحكم العارف باللغة التي يتحاور بها، ولا يحل له أن يوكل كافرا على مسلم ويجوز له
أن يوكل المسلم والكافر على الكافر، ولا يتوكل لكافر على مسلم ويتوكل له على كافر
وإن اختلفت جهات الكفر، ولا يحل لأحد أن يتوكل فيما لا يغلب ظنه بالقيام به من حق
ولا نصرة باطل على حال.
وإذا أراد الموكل عزل الوكيل أو تخصيص وكالته فليشهد على ذلك ويعلمه به إن
5

أمكن إعلامه، فإذا فعل بطلت الوكالة فيما أشهد به ولم يمض شئ مما يفعل الوكيل بعد
الإشهاد والإعلام مع إمكانه ومن دون الإعلام مع تعذره، فإن لم يعلم الوكيل مع التمكن من
ذلك لم تنفسخ الوكالة وإن أشهد بالفسخ، وكان ما يفعله الوكيل ماضيا حتى يعلم العزل.
وإن اختلفا فادعى الموكل الإعلام وأنكر الوكيل فعلى الموكل البينة بإعلامه، ولم يكفه
ثبوت عزله مع إمكان إعلامه، فإن فقدت البينة حلف الوكيل ومضى ما فعله، وإذا أقام
الحاكم قيما للمحجور عليهم مضى فعله الموافق للمعروف لهم وعليهم وبطل ما خالف.
6

النهاية باب الوكالات:
من وكل غيره في الخصومة عنه والمطالبة والمحاكمة والبيع والشرى وجميع أنواع
ما يتصرف فيه بنفسه فقبل الموكل عنه ذلك وضمن القيام به فقد صار وكيله يجب له
ما يجب لموكله ويجب عليه ما يجب على موكله إلا ما يقتضيه الإقرار من الحدود والآداب
والأيمان، والوكالة يعتبر فيها شرط الموكل فإن شرط أن يكون في خاص من الأشياء لم يجز فيما
عداه وإن شرط أن تكون عامة قام الوكيل مقام الموكل على العموم حسب ما قدمناه،
والوكالة تصح للحاضر كما تصح للغائب ولا يجب الحكم بها على طريق التبرع دون أن
يلتزم ذلك بإيثار الموكل واختياره.
وللناظر في أمور المسلمين ولحاكمهم أن يوكل على سفهائهم وأيتامهم ونواقصي
عقولهم من يطالب بحقوقهم ويحتج عنهم ولهم وينبغي لذوي المروءات من الناس أن يوكلوا
لأنفسهم في الحقوق ولا يباشروا الخصومة بنفوسهم، وللمسلم أن يتوكل للمسلم على
أهل الاسلام وأهل الذمة ولأهل الذمة على أهل الذمة خاصة ولا يتوكل للذمي على المسلم
ويتوكل الذمي للمسلم على الذمي ولأهل الذمة على أمثالهم من الكفار، ولا يجوز له أن
يتوكل على أحد من أهل الاسلام لا لذمي ولا لمسلم على حال، وينبغي أن يكون الوكيل
عاقلا بصيرا في الحكم فيما أسند إليه الوكالة فيه عارفا باللغة التي يحتاج إلى المحاورة بها
في وكالته لئلا يأتي بلفظ يقتضي إقرارا بشئ وهو يريد غيره، ولا يجوز لحاكم أن يسمع من
متوكل لغيره إلا بعد أن تقوم له عنده البينة بثبوت وكالته عنه.
7

ومن وكل وكيلا وأشهد على وكالته ثم أراد عزله فليشهد على عزله علانية بمحضر من
الوكيل أو يعلمه ذلك كما أشهد على وكالته، فإذا أعلمه عزله أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه
إعلامه فقد انعزل الوكيل عن وكالته فكل أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلا لا يلزم الموكل منه
قليل ولا كثير، وإن عزله ولم يشهد على عزله أو لم يعلمه ذلك مع إمكان ذلك لم يعزل الوكيل
وكل أمر ينفذه بعد ذلك كان ماضيا على موكله إلى أن يعلم بعزله، فإن اختلف الموكل
والوكيل في العزل فقال الموكل: قد أعلمته العزل وأنكر ذلك الوكيل كان على الموكل البينة
بأنه أعلمه ذلك ولم يكفه إقامة البينة على أنه قد عزله فإن لم يمكنه إقامة البينة
على ذلك كان على ذلك الوكيل اليمين أنه ما علم بعزله عن الوكالة، فإن حلف، كانت وكالته ثابتة
حسب ما قدمناه وإن امتنع من اليمين بطلت وكالته من وقت ما أقام البينة على عزله.
ومتى تعدى الوكيل شيئا مما رسمه الموكل كان ضامنا لما تعدى فيه، فإن وكله في تزويجه
امرأة بعينها فزوجه غيرها لم يثبت النكاح ولزم الوكيل مهرها لأنه غرها وإن عقد له على
التي أمره بالعقد عليها ثم أنكر الموكل أن يكون أمره بذلك ولم يقم للوكيل بينة بوكالته لزم
الوكيل أيضا مهر المرأة ولم يلزم الموكل شئ وجاز للمرأة أن تتزوج بعد ذلك غير أنه لا يحل
للموكل فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن يطلقها لأن العقد قد ثبت عليه، ومن وكل غيره في أن
يطلق عنه امرأته وكان غائبا جاز طلاق الوكيل وإن كان شاهدا لم يجز طلاق الوكيل.
والرجل إذا قبض صداق ابنته وكانت صبية في حجره برئت ذمة الزوج من المهر على
كل حال ولم يكن للبنت مطالبته بالمهر بعد البلوغ، وإن كانت البنت بالغة فإن كانت
وكلته في قبض صداقها فقد برئ أيضا ذمته وإن لم تكن وكلته على ذلك لم تبرأ ذمة الزوج
وكان لها مطالبته بالمهر وللزوج الرجوع على الأب في مطالبته بالمهر، فإن كان الأب قد مات
كان له الرجوع على الورثة ومطالبتهم به كما كان له مطالبته في حال حياته.
8

وأما الوكالات: فإنها عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول. وهي على ضربين: مشروطة
ومطلقة، فالمشروطة يلزم فيها ما يشرط، ولا يجوز تعديه. والمطلقة يقوم فيها الوكيل مقام
الموكل على العموم. وكما أن للعاقل أن يوكل عن نفسه، فللحاكم أن يوكل عن السفهاء.
والوكلاء على ضربين: مسلم وذمي. فالمسلم يتوكل للمسلم على المسلم وعلى
الذمي وللذمي على المسلم. فأما الذمي فلا يتوكل لأهل الذمة على أهل الاسلام، ويتوكل
المسلم على أهل الذمة والذمي على الذمي. ولا بد في الوكيل أن يكون مأمونا عارفا بالحكم
فيما وكل فيه، وباللغة التي يخاطب بها.
9

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالوكالات
مسألة: إذا ادعى الوصي الانفاق على اليتيم، ما الحكم فيه؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول قول الوصي مع يمينه، لأنه يتعذر عليه ها هنا إقامة
البينة على سائر ما ينفقه، من قليل وكثير.
مسألة: إذا ادعى الوصي تسليم المال إلى اليتيم بعد بلوغه وأنكر اليتيم ذلك، ما
الحكم فيه؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول، قول اليتيم مع يمينه وعلى الوصي البينة على ما
ادعاه من تسليم المال، لأن الله سبحانه قال: وأشهدوا عليهم. فأمرنا بالإشهاد ولو كان
الوصي مقبول القول لما أمرنا بالإشهاد ولا طلق الرفع كما قال في رد الوديعة فليؤد الذي
أمانته. ومفارقة هذه المسألة المسألة التي تقدمتها إنما هو من حيث أن تلك تتعذر على الوصي
إقامة البينة على جميع ما ينفقه في كل حال، لأن ذلك يكثر ويقل ويتكرر في حال دون حال
وليس مثل ذلك في هذه المسألة، لأن تسليم جميع المال في دفعة واحدة لا يتعذر فيه إقامة
البينة عليه.
مسألة: إذا ادعى الوكيل تلف المال وأنكر الملأ كل ذلك، ما الحكم فيه؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول قول الوكيل مع يمينه، إذا كان وكيلا بغير جعل
لأنه أمين وقد تلف ظاهرا وباطنا ويتعذر عليه إقامة البينة على ذلك.
مسألة: إذا ادعى الوكيل رد المال الذي تسلمه من الموكل وأنكر الموكل ذلك. ما
10

الحكم فيه؟
الجواب: إذا ادعى الوكيل ذلك وكان وكيلا بغير جعل، كان القول، قوله مع يمينه،
لأنه تسلم المال لمنفعة غيره لا لمنفعة نفسه وجرى في ذلك مجرى من تدعي رد الوديعة على
صاحبها. وإن كان هذا الوكيل وكيلا بجعل، كان القول، قول الموكل لأن الوكيل قبض
المال للانتفاع بالجعل. ويجري هذا مجرى المرتهن إذا ادعى رد الرهن على صاحبه وقد ذكر
في ذلك أن القول قول الوكيل والذي ذكرناه أقوى.
مسألة: إذا ادعى الحاكم أو أمينه تلف الأمانة. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إن القول قولهما مع يمينهما لأن ذلك قد يتلف ظاهرا وباطنا ويتعذر عليهما
إقامة البينة عليه.
مسألة: إذا ادعى الحاكم أو أمينه رد الأمانة إلى اليتيم بعد بلوغه وأنكر اليتيم ذلك.
ما الحكم فيه؟
الجواب: الحكم فيه أن القول قول اليتيم مع يمينه وعليهما البينة لأنهما ادعيا أداء
الأمانة إلى من لم يأتمنهما فيها. ويجري هذا مجرى من يدعي رد الوديعة على ورثة المودع ومن
يدعي رد ثوب - طارت به الريح إلى داره. - إلى صاحبه، فإنهم لا يقبل قولهم في ذلك، لأنهم
يدعون رد أمانة لم يأتمنهم صاحبها عليها.
مسألة: إذا كان للإنسان على آخر مال وطالبه بتسليمه إليه، فقال لا أسلمه إليك
إلا بأن تشهد على نفسك بالتسليم. هل يجب ذلك أم لا؟
الجواب: إذا كان الذي عليه المال ممن يقبل قوله في التلف والرد، مثل الوكيل بلا
جعل والمودع مع من هو أمين له فليس له الامتناع من الرد ولا المطالبة بالإشهاد ومتى أخر
الرد وهذه صفته كان عليه الضمان لأنه غير محتاج إلى الإشهاد لأن أكثر ما فيه أن يدعى عليه
المال وإذا ادعى هو الرد كان القول، قوله مع يمينه. فسقط دعواه عن نفسه بقوله. وإذا لم
يكن محتاجا إلى الشهادة فليس له أن يمتنع من رد المال. وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد
مثل الوكيل بجعل والمرتهن، فإنه إن لم يكن عليه شهادة بتسليم، لم يكن المطالبة بالإشهاد
وكان عليه التسليم لأن أكثر ما فيه أن يدعى عليه المال وإذا كان كذلك كان له أن يقول ليس
11

لك عندي شئ فيكون القول، قوله مع يمينه فسقط دعواه بقوله. وإن كان له عليه بالتسليم
شهادة، كان له الامتناع من الرد والمطالبة بالإشهاد.
مسألة: إذا ادعى الموكل على وكيله أنه طالبه برد المال الذي له في يده وامتنع من
الرد مع تمكنه منه فهو ضامن. وأنكر الوكيل ذلك وقال ما طالبتني برده. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك، قول الوكيل مع يمينه، لأن الخيانة ادعيت عليه والأصل
أمانته. فإن حلف كان على أمانته. وإن كان المال قد هلك، فلا ضمان عليه. وإن نكل عن
اليمين ردت على الموكل فإن حلف أنه طالبه به فامتنع من الرد مع التمكن منه، كان عليه
الضمان. وهكذا الحكم إن أقام عليه البينة بذلك فإن الضمان أيضا يلزمه.
مسألة: إذا سلم الموكل إلى وكيله مالا وأمره بأن يقضي به دين زيد عليه، فادعى
الوكيل أنه قضاه وأنكر صاحب الحق ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك كان القول قوله مع يمينه لأن الأمين يدعي رد الأمانة
على من لم يأتمنه فلم يقبل قوله كالوصي إذا ادعى تسليم مال اليتيم إليه. فإن حلف
صاحب الحق سقطت دعوى الوكيل وكان مطالبة الموكل بالمال وبعد ذلك ينظر في مطالبة
الموكل للوكيل بالمال فإن كان الوكيل قضاه بحضرته لم يكن له الرجوع إليه به لأنه هو
المفرط في ذلك دون الوكيل وإن كان قضاه مع غيبته كان له الرجوع على الوكيل به لأنه فرط
في تركه الإشهاد عليه بذلك سواء صدقه الموكل أو كذبه، لأنه يقول مع التصديق إنما أمرتك
بأن تقضي ذلك قضاء مبرئا ولم تفعل، فعليك الضمان. فأما إذا صدق صاحب الحق الوكيل
في القضاء، ثبت القضاء وبرئ الموكل من الدين ولم يجز له مطالبة الوكيل به لأنه أمره بأن
يقضي عنه قضاء مبرئا وقد فعل ذلك.
مسألة: إذا وكل انسان غيره، فقال له وكلتك في كل كثير وقليل. هل يصح هذا
التوكيل أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن فيه ضررا عظيما لأنه ربما لزم الموكل بالعقود لا يمكنه
الوفاء به فيؤدى إلى ذهاب ماله مثل أن يعقد له النكاح في حال على أربعة نسوة ويطلقهن
عليه قبل الدخول بهن فيجب عليه أن يغرم لكل واحدة منهن نصف المهر. ثم تزوجه
12

بأربعة نسوة أخر ويفعل مثل الأول. ثم كذلك حتى يستأصل ماله ومثل أن يشترى ما لا
حاجة به إليه، من أراض وعقار وغير ذلك من أنواع التصرف، لأنه أطلق ذلك في التوكيل
فيتناول الإذن سائره ما يضره وما ينفعه. وإذا تضمن العقد مثل هذا الغرر، كان فاسدا ولم
يصح ثبوته على حال.
مسألة: إذا أذن السيد لعبده في التصرف في ماله، ثم أعتقه أو باعه، هل يبطل هذا
التوكيل أم لا؟
الجواب: ليس هذا توكيل في الحقيقة وإنما هو استخدام في حق الملك، فإذا أعتقه أو
باعه، زال الملك. وإذا زال الملك بطل الاستخدام المتعلق به.
مسألة: إذا وكل الرجل زوجته في بيع أو غيره، مما عدا النكاح ثم طلقها، هل يبطل
الوكالة أم لا؟
الجواب: لا تبطل وكالة هذه المرأة بالطلاق، لأن الطلاق ليس يمنع من ابتداء
الوكالة ولا يمنع استدامتها. وإذا لم يمنع من ذلك، كانت وكالتها ثابتة وإن طلقت.
مسألة: إذا وكل انسان غيره في المطالبة بحق له على زيد، فمات زيد هل للوكيل
مطالبة ورثته بالمال أم لا؟
الجواب: إن كان الموكل قال لهذا الوكيل: وكلتك في قبض حقي من زيد، لم يكن له
مطالبة الورثة بذلك وإن قال وكلتك في قبض حقي الذي على زيد، كان له مطالبة الورثة.
ولأن ذلك من المطالب بحقه الذي كان على زيد الميت.
مسألة: إذا وكله في ابتياع سلعة بمائة، كان ابتياعه صحيحا إذا ابتاعها بالمائة. فما
القول إن ابتاعها بأقل أو أكثر من ذلك؟
الجواب: إذا ابتاعها بالمائة. كان ابتياعه صحيحا لأنه فعل ما أمر به. فإن ابتاعها
بأكثر، لم يصح، لأنه خالفه على وجه يضر به وهذا لا يجوز. وإن ابتاعها بأقل من ذلك، كان
الابتياع صحيحا لأنه زاده نفعا ولأن الإذن في الابتياع بالمائة يتضمن الإذن بالابتياع بأقل
منها لأنه أنفع له وأعود عليه. وإن أمره بأن يبتاعها بمائة ونهاه عن ابتياعها بخمسين، فإن
ابتاعها بمائة، كان صحيحا وإن ابتاعها بأقل من المائة وأكثر من الخمسين، كان جائزا لأن
13

الأمر في المائة يتضمن الأمر في ما دونها. وإن ابتاعها بخمسين، لم يصح ذلك لأنه خالف
صريح لفظه وابتاع ما نهي عن ابتياعه به وإن ابتاعها بأقل من خمسين، لم يصح، لأن
نهيه عن ابتياع ما بخمسين يتضمن النهي عن ابتياعها بأقل من الخمسين وقد ذكر صحة
ذلك، لأنه دون المائة وصريح النهي يتناول الخمسين، دون ما هو أقل منها، والذي ذكرناه، هو
الصحيح.
مسألة: إذا وكل غيره في بيع مملوك بمائة، فباعه بمائة وقميص. ما القول في ذلك؟
الجواب: البيع صحيح، لأنه زاده نفعا كما أنه لو باعه بمأتين وقد ذكر أن ذلك لا يصح لأنه
باعه بجنسين مختلفين والأمر له يتضمن بيعه بجنس واحد والذي قدمناه هو الصحيح.
مسألة: إذا وكل غيره بأن يبتاع له مملوكا بثوب فابتاعه بنصف الثوب، هل
يصح ذلك أم لا؟
الجواب: يصح ذلك لأنه زاده نفعا وخيرا كما لو أمره بأن يبتاعه بعشرة دنانير،
فابتاعه بخمسة دنانير.
مسألة: إذا وكل غيره في ابتياع مملوكين وأطلق ذلك. ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا وكل بذلك فابتاعهما صفقة واحدة، كان ذلك صحيحا. وإن ابتاعهما
صفقتين، كل واحد منهما صفقة، صح ذلك أيضا لأنه لم يعين وأطلق.
مسألة: إذا وكل غيره في ابتياع مملوك فابتاعه صفقتين، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأنه إذا ابتاع بصفقة، حصل له فيه شركة وهذا عيب.
مسألة: إذا ذكر انسان أنه وكيل لزيد الغائب وأقام على ذلك شاهدا واحدا فهل
يصح ذلك بأن حلف مع الشاهد وإن أقام مع الشاهد امرأتين فشهدوا له بذلك، هل
يصح أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن اليمين مع الشاهد لا يقبل في الوكالات مثل الوصية
وإنما تقبل في الأموال ولا تقبل فيها أيضا الشاهد مع امرأتين لمثل ما ذكرناه ولأنه لا دليل عليه.
مسألة: إذا ادعى انسان، أنه وكيل لزيد الغائب، وأقام على ما ادعاه شاهدين
فشهد أحدهما أنه وكله وشهد الآخر بأنه وكله إلا أنه عزله. هل يحكم له بصحة الوكالة أم لا؟
14

الجواب: لا يحكم له بذلك، لأن الشاهد الواحد لم يثبت له وكالة ثابتة في الحال وكان
وجود شهادته كعدمها في أنه لا تأثير لها.
مسألة: إذا ادعى أنه وكيل زيد الغائب وشهد له بذلك شاهدان، وحكم الحاكم له
بصحة الوكالة ثم إن الشاهد الواحد قال بأنه عزله بعد أن وكله، هل يثبت له الوكالة أو
تبطل؟
الجواب: لا تبطل وكالته بل هي ماضية، ولا تقبل ما قاله هذا الشاهد، لأنه ابتداء
الرجوع عن الشهادة بعد حكم الحاكم بها، ولو قال ذلك قبل حكم الحاكم يحكم له لأنه
رجع قبل الحكم ولا يجوز للحاكم أن يحكم بعد الرجوع عن ذلك.
مسألة: المسألة المتقدمة إذا شهد أحد الشاهدين أنه وكله يوم السبت وشهد
الآخر، أنه وكله يوم الأحد هل تثبت الوكالة أم لا؟
الجواب: لا يجوز الحكم بالوكالة بهذه الشهادة، لأنها شهادة على عقد، ولم يتفقا
على عقد واحد، ولا يجري هذا مجرى شهادتهما إذا شهد أحدهما أنه أقر بأنه وكله يوم
السبت وشهد الآخر بأنه أقر بأنه وكله يوم الأحد لأن هذه الشهادة صحيحة من حيث أنها
شهادة على إقراره، والشهادة على الإقرار لا يكون إلا متفرقة، لأن الشهود عليه، لا يكلف
الحضور إلى الشهود، فيقر بين أيديهم دفعة واحدة.
مسألة: المسألة المتقدمة إذا شهد أحدهما أنه وكله في التصرف وشهد الآخر أنه
أذن له أو سلطه في التصرف في ماله هل تثبت الوكالة بذلك أم لا؟
الجواب: الوكالة لا تثبت بذلك لأن الشاهدين لم يحكيا لفظ العقد، واختلافهما في
الأداء في اللفظ، غير مؤثر في الشهادة.
مسألة: إذا ادعى انسان أنه وكيل زيد الغائب في استيفاء حقه من عمرو، فقال
عمرو قد عزلك موكلك وأنكر الوكيل ذلك، هل يسمع هذه الدعوى من عمرو، وهل يلزمه
يمين أم لا؟
الجواب: لا يسمع هذه الدعوى على الوكيل، ولا يمين عليه في ذلك، لأن الذي عليه
الحق يدعي العزل على الموكل، والنيابة في اليمين لا يجوز ولا يجري في ذلك مجرى قوله أنت
15

تعلم أن موكلك عزلك، لأنه إذا قال له ذلك فيجب له مطالبته باليمين، لأن ذلك دعوى عليه
وليست دعوى على الموكل، ويفارق دعوى العزل، لأنها دعوى على الموكل دون الوكيل
قدمناه.
مسألة: إذا ثبت عند الحاكم وكالة وكيل في استيفاء حق موكله من عمرو، وكان
الموكل له غائبا فادعى من عليه الحق أن الموكل أبرأه أو قضاه الحق، وأنكر الوكيل ذلك،
هل يسمع هذه الدعوى على الوكيل وهل يلزمه يمين إن طالبه من عليه الحق بها أم لا؟
الجواب: لا يسمع هذه الدعوى على الوكيل، لأن سماعها يقتضي بطلان الوكالة في
استيفاء الحقوق لغيبة الموكل، فما من خصم يطالبه الوكيل بالمال إلا ويدعي مثل ذلك
حتى تسقط المطالبة بالحق عن نفسه، ولا يلزم الوكيل اليمين إن طالبه من عليه الحق بها لأنه
لو أقر بالقضاء أو الإبراء لم يثبت إقراره. فإن ادعى أنه يعلم ذلك وأنكر توجهه،
توجهت اليمين عليه، ويكون واقعة منه على نفي العلم بما ادعاه عليه.
16

فقه القرآن
باب الوكالة قال الله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة
فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه، أي قال بعضهم لن يتصرف لكم في
البيع والشراء، فلما قبل المبعوث القيام بما وكلوه إليه وضمن ما وكلوه فيه فقد صار وكيلا
لهم ويصح شراؤه وبيعه.
وقال تعالى: فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، و " الفتى "
الرجل الشاب، وإنما أضيف إلى موسى لأنه كان يخدمه ويول هو إليه كثيرا من أموره
الدنياوية وموكله فيها، والعرب تسمى خادم الرجل ووكيله " فتاة " وإن كان شيخا،
والوكالة يعتبر فيها شرط الموكل، إن شرط في خاص من الأشياء لم يجز له فيما عداه، أ لا ترى
إلى قوله " فلينظر أيها أزكى طعاما "؟
وقوله: أزكى طعام، أي أنمى بأنه طاهر حلال لأن أهل تلك المدينة كان أكثرهم كفارا
وقت خروجهم منها، كانوا يذبحون للأوثان وهم أرجاس فأشاروا بأن لا يشترى غير الطعام
الطاهر. و " ليتلطف " في شرائه وإخفاء أمره " ولا يشعرن بكم أحد " وإن ظهر عليه فلا يوقعن
إخوانه فيما وقع هو فيه.
وإن شرط الموكل أن تكون الوكالة عامة كان هو الوكيل على العموم، وروي عن جابر
أنه قال: أردت الخروج إلى حنين فأتيت رسول الله ص وقلت: إني أريد
الخروج إلى حنين. فقال ع: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن
17

ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته فأثبت ع لنفسه وكيلا، وكل ع
أيضا وكيلا آخر وهو حكيم بن حزام في شراء شاة.
ومن وكل غيره في مطالبة أو محاكمة وقبل الغير ذلك منه صار وكيله، يجب له ما يجب
لموكله ويجب عليه ما يجب على موكله إلا ما يقتضيه الإقرار من الحدود والآداب والإيمان.
فصل:
ومن وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منه
كما أعلمه بالدخول فيه، وعن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله ع في رجل قال
لآخر: أخطب إلى فلانة فما فعلت من شئ من صداق أو ضمنت من شئ أو شرطت
فذلك رضا لي وهو لازم لي، ولم يشهد على ذلك، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق وغير
ذلك مما طالبوه وسألوه فلما رجع إليه أنكر هو ذلك كله. قال: يغرم لها نصف الصداق عنه
وذلك أنه هو الذي ضيع حقها لما لم يشهد عليه بذلك الذي قال له، وحل لها أن تتزوج
ولا يحل للأول فيما بينه وبين الله أن يطلقها، لأن الله يقول فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان،
فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله.
ولا يجوز لحاكم أن يسمع من متوكل لغيره إلا بعد أن تقوم له عنده البينة بثبوت وكالته
عنه، وسئل ع عن رجل قبض صداق بنته من زوجها ثم مات هل لها أن تطالب
زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها فقال ع: إن كانت وكلته بقبض صداقها
من زوجها فليس لها أن تطالبه، وإن لم تكن وكلته فلها ذلك ويرجع الزوج على ورثة أبيها
بذلك إلا أن تكون صبية في حجره فيجوز لأبيها أن يقبض عنها.
ومتى طلقها قبل الدخول فعفا عن بعض المهر من له العفو جاز ذلك وليس له أن
يعفو عن جميع المهر وهو الذي بيده عقدة النكاح من أحد ثلاثة، وذلك قوله: إلا أن يعفون
أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، يعني الأب والجد مع وجود الأب والذي توكله المرأة وتوليه
أمرها من الجد مع عدم الأب أو أخ أو قرابة أو غيرهما.
18

فصل:
فإذا ثبت جواز الوكالة فالكلام بعده في بيان ما يجوز التوكيل فيه وما لا يجوز، ونأتي به
على كتب الفقه:
فالطهارة لا يصح التوكيل فيها، وإذا استعان بغيره في صب الماء عليه على كراهة
فيه أو غسل أعضائه على خلاف فيه لأن عندنا لا يجوز ذلك مع القدرة، وينوي هو بنفسه رفع
الحدث مع الضرورة، وذلك ليس بتوكيل وإنما هو استعانة على فعل عبادة.
والصلاة لا يجوز التوكيل فيها ولا يدخلها النيابة ما دام هو حيا إلا ركعتي الطواف
تبعا للحج.
والزكاة يصح التوكيل في اخراجها عنه وفي تسليمها إلى أهل السهمان ويصح من
أهل السهمان التوكيل في قبضها.
والصيام لا يصح التوكيل فيه ولا يدخله النيابة ما دام حيا، فإذا مات وعليه
الصوم أطعم عنه وليه أو صام عنه في الموضع الذي وجب عليه وفرط فيه، وكذا في الصلاة
على بعض الوجوه.
والاعتكاف لا يصح التوكيل فيه بحال ولا يدخله النيابة بوجه.
والحج لا يدخله النيابة مع القدرة عليه بنفسه، فإذا عجز عنه بزمانة أو موت أو منع
دخلته النيابة.
والبيع يصح فيه التوكيل مطلقا في إيجابه وقبوله وتسليم المال فيه وتسلمه، وكذا
يصح التوكيل في عقد الرهن وفي قبضه، ولا يتصور التوكيل في التفليس، وأما الحجر
فللحاكم أن يحجر بنفسه وله أن يستنيب غيره فيه.
والصلح في معنى البيع يصح التوكيل فيه، والحوالة يصح فيها التوكيل وكذا في
عقد الضمان والشركة، ويصح أيضا التوكيل في الوكالة فيوكل رجلا في توكيل آخر عنه،
ويصح أيضا في قبول الوكالة عنه، والإقرار هل يصح فيه التوكيل أم لا؟ فيه خلاف،
والعارية يصح فيها التوكيل لأنها هبة منافع، والغصب لا يصح التوكيل فيه، فإذا وكل
رجل في الغصب فغصبه فالحكم يتوجه على الذي باشر الغصب كما يتوجه عليه بأن
19

لو غصبه بغير أمر أحد.
والشفعة يصح التوكيل في المطالبة بها، وكذا يصح في القراض والمساقاة والإجارة
وأحياء الموات، وكذا التوكيل في العطايا والهبات والوقف.
ولا يصح التوكيل في الالتقاط، فإذا وكل غيره في التقاطه لقطة تعلق الحكم بالملتقط
لا بالأمر، وكان الملتقط أولى بها، والميراث لا يصح التوكيل فيه إلا في قبضه واستيفائه،
والوصايا يصح التوكيل في عقدها وقبولها، والوديعة يصح التوكيل فيها أيضا.
وقسم الفئ فللإمام أن يتولى قسمته بنفسه وله أن يستنيب غيره فيه، والصدقات حكمها
حكم الزكوات، وقد بيناه والنكاح يصح فيه التوكيل في الولي والخاطب وكذا التكيل في
الصدقات يصح أيضا ويصح التوكيل في الخلع لأنه عقد بعوض ولا يصح التوكيل في
القسم بين الزوجات لأن الوطء يدخل فيه فلا نيابة فيه.
وأما الطلاق فيصح التوكيل فيه، يطلق عنه الوكيل مع غيبته والرجعة فيها خلاف
ولا يمتنع أن يدخلها التوكيل.
والرضاع لا يصح فيه التوكيل لأنه يختص التحريم بالمرضع والمرضع، والنفقات
يصح التوكيل في طرفها إلى من يجب ولا يصح التوكيل في الإيلاء والظهار واللعان لأنها
أيمان.
والعدد لا يدخلها النيابة ولا يصح فيها التوكيل، والجنايات لا يصح فيها التوكيل
فكل من باشر الجناية تعلق به حكمها، والقصاص يصح التوكيل في إثباته ولا يصح في
استيفائه يحضره الولي ويصح في غيبته عندنا، والديات يصح التوكيل في تسليمها
وتسلمها، والقسامة لا يصح فيها التوكيل لأنها أيمان، والكفارات يصح فيها التوكيل
كما يصح في الزكوات.
وقتال أهل البغي للإمام أن يستنيب فيه، والحدود للإمام أيضا أن يستنيب في إقامتها
ولا يصح التوكيل في تثبيتها، لأنه لا تسمع الدعوى فيها، وحد القذف حق الآدميين حكمه
حكم القصاص يصح التوكيل فيه.
والأشربة لا يصح التوكيل فيها، فكل من شرب الخمر فعليه الحد دون غيره.
20

والجهاد لا يصح النيابة فيه بحال لأن كل من حضر الصف توجه فرض القتال عليه
وكيلا كان أو موكلا، وقد روى أصحابنا أنه يدخله النيابة على بعض الوجوه والأقوى أن
لا يدخل الجزية التوكيل.
(والذبح يصح التوكيل فيه، وكذا السبق والرماية، لأنهما إجارة لأنه إجارة أو جعل
وكلاهما يدخل فيه التوكيل).
والأيمان والنذور لا يصح التوكيل فيها، والقضاء يصح النيابة فيه، وكذا في
الشهادات يصح الاستنابة فيها، فتكون شهادة على شهادة، وليس ذلك بتوكيل.
والدعوى يصح التوكيل فيها لأنه كل أحد لا يكمل للمخاصمة والمطالبة، والعتق
والتدبير والكتابة يصح التوكيل فيها.
21

فصل في الوكالة لا تصح الوكالة إلا فيما صح دخول النيابة فيه مع حصول الإيجاب والقبول ممن
يملك عقدها بالإذن فيه أو بصحة التصرف منه فيما هي وكالة فيه بنفسه.
فلا تصح الوكالة في أداء الصلاة والصوم عن المكلف بأدائهما لأن ذلك مما لا يدخل
النيابة فيه، ولا يصح من محجور عليه أن يوكل فيما قد منع من التصرف فيه، ولا تصح
الوكالة من العبد وإن كان مأذونا له في التجارة لأن الإذن له في ذلك ليس بإذن في الوكالة
وكذلك الوكيل لا يجوز له أن يوكل فيما جعل له التصرف فيه إلا بإذن موكله.
ولا يصح أن يتوكل المسلم على تزويج المشركة من الكافر ولا أن يتوكل الكافر على
تزويج المسلمة من المسلم لأنهما لا يملكان ذلك لأنفسهما، ولا يجوز للمسلم أن يوكل الكافر
ولا يتوكل له على مسلم بدليل إجماع الطائفة.
وتصح وكالة الحاضر ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل ولا يعتبر رضاه بالوكالة بدليل
الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بعموم الأخبار الواردة في جواز الوكالة لأن الأصل
جواز ذلك ومن منع منه فعليه الدليل.
وتصرف الوكيل موقوف على ما يقع العقد عليه، إن كان مطلقا عمت الوكالة كل
شئ إلا الإقرار بما يوجب حدا أو تأديبا، فإن كان مشروطا بشئ اختصت الوكالة به دون
ما سواه، ومتى فعل الوكيل ما لم يجعل له لم يصح ولزمه الدرك فيه.
ولو أقر الوكيل في الخصومة - دون الإقرار - بقبض موكله الحق الذي وكله في
22

المخاصمة عليه لم يلزمه إقراره لأن الأصل براءة الذمة وعلى من ألزمه ذلك بإقرار الوكيل
الدليل، فإن أذن له في الإقرار عنه لزمه ما يقر به لأن الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل،
وقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، يدل عليه.
والوكيل مؤتمن لا ضمان عليه إلا أن يتعدى.
ومطلق الوكالة بالبيع يقتضي أن يبيع بثمن المثل من نقد البلد حالا، فإن خالف لم
يصح البيع لأنه لا خلاف في صحته مع حصول ما ذكرناه وليس على صحته إذا لم يحصل
دليل، وإذا اشترى الوكيل وقع الملك للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل ولهذا لو
وكله على شراء من يعتق عليه فاشتراه لم ينعتق.
والوكالة عقد جائز من كلا الطرفين يجوز لكل واحد منهما فسخه، فإذا فسخه الوكيل
وعزل نفسه انفسخ - سواء كان موكله حاضرا أو غائبا - ولم يجز له بعد ذلك التصرف فيما
وكل فيه، ومتى أراد الموكل فسخه وعزل الوكيل افتقر ذلك إلى إعلامه إن أمكن، فإن لم
يمكن فليشهد به، وإذا فعل ذلك انعزل الوكيل ولم ينفذ بعده شئ من تصرفه، وإن اقتصر
على عزله من غير إشهاد أو على الإشهاد من غير إعلام - وهو متمكن - لم ينعزل ونفذ
تصرفه إلى أن يعلم، فإن اختلفا في الإعلام فعلى الموكل البينة به، فإن فقدت فعلى الوكيل
اليمين أنه ما علم بعزله، فإن حلف مضى ما فعله، وإن نكل عن اليمين بطلت وكالته من
وقت قيام البينة بعزله كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وتنفسخ الوكالة بموت الموكل أو عتقه للعبد الذي وكل في بيعه أو بيعه له قبل بيع
الوكيل بلا خلاف.
23

إصباح الشيعة
كتاب الوكالة
لا تصح الوكالة إلا فيما يصح دخول النيابة فيه مع حصول الإيجاب والقبول ممن
يملك عقدها بالإذن فيه أو بصحة التصرف منه فيما بنى وكالته فيه بنفسه. فلا تصح
الوكالة في أداء الصوم المكلف بأدائهما لأن ذلك مما
لا تدخل النيابة فيه، ولا يصح من محجور عليه أن يوكل فيما قد منع من التصرف،
ولا تصح الوكالة من العبد وإن كان مأذونا له في التجارة لأن الإذن له في ذلك ليس بإذن في
الوكالة، وكذا الوكيل لا يجوز له أن يوكل فيما جعل له التصرف فيه إلا بإذن (موكله)،
ولا يصح أن يتوكل المسلم على تزويج المشركة من الكافر، ولا أن يتوكل الكافر على
تزويج المسلمة من المسلم لأنهما لا يملكان ذلك لأنفسهما، ولا يجوز للمسلم أن يوكل
الكافر، ولا أن يتوكل له على المسلم، وتصح وكالة الحاضر إلا في الطلاق، ويلزم الخصم
مخاصمة الوكيل ولا يعتبر رضاه بالوكالة، وتصرف الوكيل موقوف على ما يقع العقد عليه،
فإن كان مطلقا عمت الوكالة كل شئ إلا الإقرار بما يوجب حدا أو تأديبا، فإن كان
مشروطا بشئ اختصت الوكالة به، ومتى فعل الوكيل ما لم يجعل له لم يصح ولزمه
الدرك فيه، ولو أقر الوكيل في الخصومة دون الإقرار بقبض موكله الحق الذي وكله في
المخاصمة عليه لم يلزمه إقراره إلا إذا أذن له في الإقرار عنه.
والوكيل مؤتمن لا ضمان عليه إلا أن يتعدى، ومطلق الوكالة بالبيع تقتضي أن يبيع
بثمن المثل من نقد البلد حالا، فإن خالف لم يصح البيع، وإذا اشترى الوكيل وقع الملك
25

للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل، ولهذا لو وكله على اشتراء عبد فاشترى الوكيل
من يعتق عليه لم ينعتق
والوكالة عقد جائز من كلا الطرفين يجوز لكل واحد منهما فسخه، فإذا فسخه
الوكيل وعزل نفسه انفسخ، سواء كان موكله حاضرا أو غائبا، ولم يجز له بعد ذلك
التصرف فيما وكل فيه، ومتى أراد الموكل فسخه وعزل الوكيل افتقر ذلك إلى إعلامه إن
أمكن، فإن لم يمكن يشهد به، وإذا فعل ذلك انعزل الوكيل ولم ينفذ بعده شئ من تصرفه،
وإن اقتصر على عزله من غير إشهاد، أو على الإشهاد من غير إعلام وهو متمكن لم ينعزل
ونفذ نصرفه إلى أن يعلم، فإن اختلفا في الإعلام فعلى الموكل البينة به، فإن فقدت فعلى
الوكيل اليمين أنه ما علم بعزله، فإن حلف مضى ما فعله، وإن نكل عن اليمين بطلت
وكالته من وقت قيام البينة بعزله، وتفسخ الوكالة بموت الموكل أو عتقه للعبد الذي وكل في
بيعه، أو بيعه له قبل الوكيل.
إذا وكله في كل قليل وكثير لم يصح لأن في ذلك غررا عظيما، لأنه ربما يلزمه بالعقود
ما لا يمكنه الوفاء به فيؤدى إلى ذهاب ماله كله، ولا يرضى بذلك إلا ذو سفه.
إذا وكل غريما له في إبراء غرمائه أو حبسهم ومخاصمتهم لم يكن هو من جملتهم، لأن
المخاطب لا يدخل فيما أمره المخاطب في أمر غيره.
للمدعى عليه أن يحضر مجلس الحكم وأن يوكل غيره في الخصومة رضي به المدعي
أو لا، وكذا له أن يوكل غيره في جواب خصمه مع حضوره، وللوكيل أن يقبل الوكالة في
الحال أو يؤخر قبولها إلى وقت آخر، وله القبول اللفظي أو الفعلي وهو التصرف فيما وكل
فيه.
ومتى وكله في تزويج امرأة بعينها فزوجه غيرها لم يثبت النكاح ولزم الوكيل
مهرها لأنه غرها، وإن عقد له على التي أمره ثم أنكر الموكل الأمر بذلك ولا بينة للوكيل لزمه
أيضا مهر المرأة، ولا شئ، على الموكل، وللمرأة أن تتزوج بعد، ويجب على الموكل طلاقها فيما
بينه وبين الله تعالى، وتنفسخ الوكالة بالجنون.
ومن وكل وكالة مقيدة لا يجوز له أن يوكل غيره فيها إلا بإذن موكله، وكذا إذا
26

كانت مطلقة إلا أن تكون المطلقة في عمل يترفع مثله عنه ولم تجر عادته بالابتذال به فجاز إذا
توكيله.
إذا ادعى الوكيل تلف ما سلم إليه الموكل وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل لأنه
أمين.
إذا استرد الموكل الوكيل المال قبل تصرفه فلم يرده بلا عذر فتلف ضمن، وكذا
إن تلف بعد زوال العذر وإمكان الرد.
ولا يجوز لوكيل واحد أن يتوكل للمتداعيين في الخصومة ليخاصم عنهما جميعا
فيتضاد الغرضان في ذلك، وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع مال الموكل من نفسه، ولا من ابنه
الصغير، ولا من عبده المأذون له في التجارة، لئلا تلحقه التهمة، وإذا قال: وكلتك في قبض
حقي من زيد، ثم مات زيد لم يكن له المطالبة من الورثة لأن اللفظ لم يتناول الورثة، وإن
قال: وكلتك في قبض حقي الذي على زيد، كان له مطالبة الورثة لأن ذلك من المطالبة
بحقه الذي كان على زيد.
إذا وكله في بيع ماله فباعه من رجل يعلم بوكالته من موكله في ذلك كان للموكل
والوكيل جميعا المطالبة بالثمن، ولا يكون الإبراء منه إلا للموكل.
وإذا اشترى لموكله شيئا وذكر حال العقد أنه يشتريه لموكله كان للبائع مطالبة أيهما
شاء بالثمن.
إذا وكل رجلين في التصرف وصرح بجواز تصرف كل منهما بانفراده كان كل
منهما وكيلا على حدة، وإن صرح بوكالة مشتركة بينهما، أو أطلق الوكالة لهما لم يكن لأحدهما
الانفراد بالتصرف، فإذا مات أحدهما، أو غاب، أو عزل نفسه، لم يكن للآخر التصرف
إلا بعد تجديد توكيله.
إذا اشترى الوكيل غير ما سماه الموكل لم يصح الشرى في حق الموكل، وصح في
حق الوكيل إن اشتراه في الذمة (أو) مطلقا.
27

السرائر
باب الوكالة:
الوكالة جائزة بغير خلاف بين الأمة فإذا ثبت جواز الوكالة فالكلام بعده في بيان
ما يجوز التوكيل فيه وما لا يجوز.
أما الطهارة فلا يجوز التوكيل فيها وإنما يستعين بغيره في صب الماء عليه على كراهية
فيه عند أصحابنا، فأما غسل أعضائه فعندنا لا يجوز ذلك مع القدرة فأما مع العجز فإنه
يجوز وينوي عند هذه الحال هو بنفسه رفع الحدث وذلك ليس بتوكيل وإنما هو استعانة على
فعل عبادة.
وأما الصلاة فلا يجوز التوكيل فيها ولا يدخلها النيابة سوى ركعتي الطواف تبعا للحج.
وأما الزكاة فيصح التوكيل في اخراجها عنه بغير خلاف وفي تسليمها إلى أهل
السهمان.
وقال بعض أصحابنا: ويجوز من أهل السهمان التوكيل في قبضها وقال ابن البراج من
أصحابنا: لا يجوز ذلك، وهو الذي يقوى في نفسي لأنه لا دليل عليه فمن ادعاه فقد أثبت
حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دلالة له، وأيضا فالذمة مرتهنة بالزكاة ولا
خلاف بين الأمة أن بتسليمها إلى مستحقها تبرأ الذمة بيقين وليس كذلك إذا سلمت إلى
الوكيل لأن الوكيل ليس هو من الثمانية الأصناف بغير خلاف، ولأن الزكاة والخمس
لا يستحقها واحد بعينه ولا يملكها إلا بعد قبضه لها فيتعين له ملكها والوكيل لا يستحق إلا
ما تعين ملكه للموكل واستحق المطالبة به، وكل واحد من أهل الزكاة والخمس لا يستحق
28

المطالبة بالمال لأن الانسان مخير في وضعه فيه أو في غيره فلا يجبر على تسليمه إليه.
وأما الصيام فلا يصح التوكيل فيه ولا يدخله النيابة ما دام حيا، فإذا مات وعليه صوم
أطعم عنه وليه أو صام عنه على ما حررناه في كتاب الصيام في الموضع الذي كان وجب
عليه ففرط فيه.
وأما الاعتكاف فلا يصح التوكيل فيه بحال لأنه لا يدخله النيابة بوجه.
وأما الحج فلا يدخله النيابة مع القدرة عليه بنفسه، فإذا عجز عنه بزمانة أو موت
دخلته النيابة.
وأما البيع فيصح التوكيل فيه مطلقا في إيجابه وقبوله وتسليم المال فيه وتسلمه، وكذلك
يصح التوكيل في عقد الرهن وفي قبضه.
وأما التفليس فلا يتصور فيه التوكيل.
وأما الحجر فللحاكم أن يحجر بنفسه وله أن يستنيب غيره في ذلك.
وأما الصلح فيصح التوكيل فيه، وكذلك الحوالة وعقد الضمان، وكذلك الشركة،
وكذلك في الوكالة ويصح أيضا في قبول الوكالة عنه، والإقرار يصح التوكيل فيه إذا عين
ما يقر به عنه.
وأما العارية فيصح التوكيل فيها لأنها هبة منافع، وأما الغصب فلا يصح التوكيل فيه،
وأما الشفعة فيصح التوكيل في المطالبة بها، وكذلك يصح في القراض والمساقاة والإجارات
وإحياء الموات، وكذلك يصح التوكيل في العطايا والهبات والوقوف والصدقات، ولا يصح
التوكيل في الالتقاط فإذا وكل غيره في التقاط لقطة تعلق الحكم بالملتقط لا بالآمر وكان
الملتقط أحق بها.
والميراث لا يصح التوكيل فيه إلا في قبضه واستيفائه.
والوصايا يصح التوكيل في عقدها وقبولها، وأما الوديعة فيصح التوكيل فيها أيضا،
وقسم الفئ فللإمام أن يتولى قسمته بنفسه وله أن يستنيب غيره فيه وكذلك قسمة
الصدقات.
29

وأما النكاح فيصح التوكيل فيه وكذلك التوكيل في الصدقات ويصح التوكيل في
الخلع لأنه عقد بعوض، والأولى أن يقال: لأنه إيقاع بعوض، ولا يصح التوكيل في القسم
بين الزوجات لأنه يدخله الوطء ولا تصح النيابة فيه.
وأما الطلاق فيصح التوكيل فيه فيطلق الوكيل مقدار ما أذن له إذا كان مأذونا له في
المراجعة، فعلى هذا يصح التوكيل في الرجعة، والطلاق يصح التوكيل فيه كما قلناه سواء
كان الموكل حاضرا أو غائبا.
بغير خلاف بين المسلمين إلا رواية شاذة رويت من جهة أصحابنا لا يلتفت إليها ولا يعرج
عليها، لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا خيف شقاق بينهما بعث الحاكم رجلا من أهل الزوج
ورجلا من أهل المرأة يدبران الأمر في الإصلاح بينهما، وليس لهما الفراق إلا أن يكون الزوج
قد وكل فيه من بعثه، فحينئذ يصح طلاقه ووكالته فيه مع حضور موكله بغير خلاف.
وأما الظهار والإيلاء واللعان فلا يصح التوكيل فيها.
فأما عدد النساء فلا يدخلها النيابة فلا يصح فيها التوكيل، والرضاع فلا يصح فيه
التوكيل لأنه يختص التحريم بالمرضع والمرضع.
وأما النفقات فيصح التوكيل في صرفها إلى من يجب، وأما الجنايات فلا يصح
التوكيل فيها وكل من باشر الجناية تعلق به حكمها، وأما القصاص فيصح التوكيل في إثباته
ويصح في استيفائه، وأما الديات فيصح التوكيل في تسليمها وتسلمها.
وأما القسامة فلا يصح التوكيل فيها لأنها أيمان والأيمان لا يدخلها النيابة، وأما
الكفارات فيصح التوكيل في تسليمها، وأما الحدود فللإمام أن يستنيب فيها من يقيمها
ولا يصح التوكيل في تثبيتها لأنها لا تسمع الدعوى فيها.
وأما حد القذف فحق الآدميين فحكمه حكم القصاص يصح التوكيل فيه.
وأما الأشربة فلا يصح التوكيل فيها وكل من شرب الخمر فعليه الحد دون غيره.
وأما الجهاد فلا يصح النيابة فيه بحال لمن حضر القتال لأن كل من حضر الصف
بوجه فرض القتال عليه وكيلا كان أو موكلا، وأما لمن لم يحضر الصف ولا تعين الإمام
30

عليه في الخروج فإنه يجوز له أن يستنيب ويستأجر من يجاهد عنه على ما رواه أصحابنا.
وأما الجزية والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد فلا يدخل ذلك النيابة والتوكيل.
وأما الذبح فيصح التوكيل فيه، وأما الأيمان والنذور فلا يصح التوكيل فيها، وأما
القضاء فيصح الاستنابة فيه، وأما الشهادات فيصح الاستنابة فيها على وجه مخصوص
فتكون شهادة على شهادة وذلك عندنا ليس بتوكيل، وأما الدعوى فيوكل الانسان فيها
لأن كل أحد لا يكمل للمخاصمة والمطالبة، وأما العتق والتدبير والكتابة فيصح التوكيل
في ذلك.
فإذا ثبت ذلك فجملة من يحصل في يده مال الغير ويتلف فيها على ثلاثة أضرب:
ضرب لا ضمان عليهم بلا خلاف، وضرب عليهم الضمان، وضرب فيه خلاف.
فالذين لا ضمان عليهم فهم: الوكيل والمرتهن والمودع والشريك والمضارب والوصي
والحاكم وأمينه والمستأجر والمستعير عندنا، فإذا تلف مال الغير في أيديهم من غير تفريط
وتعد منهم فلا ضمان عليهم.
والذين عليهم الضمان فهم: الغاصب والسارق والمستام والمبتاع بيعا فاسدا إذا قبض
المبيع، فهؤلاء إذا تلف المال في أيديهم كان عليهم الضمان سواء تعدوا فيه أو لم يتعدوا
فرطوا في حفاظه أو لم يفرطوا.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، والذي تقتضيه أصولنا أن المستام لا ضمان عليه إذا لم
يفرط لأنه أخذه بإذن صاحبه وعن أمره ولأن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى
دليل قاهر، فأما إن ادعى الرد فيحتاج إلى بينة.
فأما ما أورده شيخنا في مبسوطه فهو مذهب المخالفين بناء منه على أن المستعير ضامن بنفس
العارية من غير شرط قاسوا المستام على المستعير، والمستعير عندنا لا ضمان عليه إلا بالشرط، ثم
القياس عندنا باطل غير معمول عليه، والمستام أخذ الشئ بإذن صاحبه واختياره فهو أمين
وسبيله سبيل الأمناء لا ضمان عليه إلا بالتفريط فليلحظ ذلك. فأما في الرد فإنه يحتاج إلى
بينة على ما قدمناه.
31

وأما المختلف فيه فهم: الصناع الذين يتقبلون الأعمال مثل القصار والصباغ والحائك
وغيرهم، فإذا تلف المال الذي تسلموه للعمل في أيديهم فهل عليهم الضمان أم لا؟ قيل
فيه قولان: أحدهما: يلزمهم تعدوا فيه أم لم يتعدوا. والثاني: لا ضمان عليهم إلا أن
يتعدوا.
وكلا الوجهين رواه أصحابنا، والأخير هو الأظهر بين الطائفة والأصح من القولين والمعمول
عليه عند المحصلين، لأن هؤلاء سبيلهم سبيل الأمناء لأن الانسان يستأمن الصانع ويسلم
ماله إليه، ولا خلاف أن الأمين لا ضمان عليه.
وجميع من يحصل بيده مال من وكيل - سواء كان بجعل أو غير جعل - ومضارب
ومستام وأجير مشتركا كان أو غير مشترك ومرتهن ومستعير وراع وأمين وملتقط، إذا ادعوا
رد الشئ الذي حصل بأيديهم إلى مالكه وصاحبه، فلا يقبل قولهم في ذلك إلا ببينة وإن
كان يقبل قولهم في التلف على ما قدمناه، إلا المودع فحسب فإنه يقبل قوله في التلف وفي
الرد بلا خلاف للإجماع والباقون يحتاجون في الرد إلى بينة ولا تقبل بمجرد دعواهم لقوله
ع: على اليد ما أخذت حتى تؤدي، ولقوله: على المدعي البينة، فليلحظ ذلك
ويتأمل.
فأما بيان من يجوز له التوكيل فكل من يصح تصرفه في شئ تدخله النيابة صح
التوكيل فيه سواء كان الموكل رجلا أو امرأة عدلا أو فاسقا مسلما أو كافرا حاضرا أو
غائبا.
ولا يجوز للوكيل أن يوكل فيما جعل إليه إلا بإذن الموكل، ولا يجوز أن تتوكل المرأة
لزوجها في طلاق نفسها على الصحيح من المذهب، ولا بأس أن تتوكل في طلاق ضرتها
لأنه لا مانع يمنع منه لأن كل ما يصح أن يتصرف الانسان فيه لنفسه صح أن يتوكل فيه
لغيره إذا كان مما تدخله النيابة، فأما ما لا يملك التصرف فيه بنفسه فلا يصح أن يتوكل
فيه، مثل أن يزوج الكافر المسلمة فإنه لا يصح أن تتوكل فيه لأنه لا يمكن تزويجها.
والذي يقوى في نفسي أنه لا يمنع من وكالة الكافر مانع في التزويج المذكور لأنا لا نعتبر العدالة
32

في الوكيل بغير خلاف، ولأنه لا مانع منه من كتاب ولا إجماع ولا سنة متواترة، وليس للوكيل
الكافر على المسلمة هاهنا سبيل فيدخل تحت قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا.
وإذا ادعى رجل على رجل واستحضره الحاكم لمخاصمة المدعي كان له أن يحضر
وكان له أن يقعد ويوكل غيره في الخصومة رضي خصمه بذلك أو لم يرض، وكذلك إن
حضر كان له أن يجيب بنفسه أو يوكل غيره في الجواب عنه ولا يجبر على الجواب بنفسه،
وكذلك للمدعي التوكيل في الخصومة.
وإذا أوجب رجل لرجل عقد الوكالة كان بالخيار بين أن يقبل ذلك وبين أن يرده ولا
يقبله، فإذا أراد أن يقبل في الحال كان له ذلك وله أن يؤخر ذلك فيقبله أي وقت أراد،
ولهذا أجمع المسلمون على أن الغائب إذا وكل رجلا ثم بلغ الوكيل ذلك بعد مدة فقبل
الوكالة انعقدت.
فإذا ثبت هذا فله أن يقبل لفظا وله أن يقبل فعلا مثل أن يتصرف في الشئ الذي
وكله فيه وكذلك إذا أودعه مالا وأحضر المال بين يديه، فلا فرق بين أن يقبل الوديعة لفظا
وبين أن يقبلها فعلا بأن يأخذها ويحرزها، فإذا حصل القبول وانعقدت الوكالة كان لكل
واحد منهما أن يثبت عليها وله أن يفسخها لأنها عقد جائز من الطرفين لأن العقود على
أربعة أضرب:
عقد جائز من الطرفين، وعقد لازم من الطرفين، وعقد لازم من طرف وجائز من
طرف، وعقد مختلف فيه.
فالجائز من الطرفين مثل الجعالة والوكالة والشركة والمضاربة والوديعة والعارية.
واللازم من الطرفين مثل البيع بعد التفرق من المجلس والإجارة والنكاح.
والجائز من طرف فهو الرهن فإنه لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن، وكذلك
الكتابة المشروطة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة العبد.
والمختلف فيه عقد السبق والرماية فيلزمهما قولان: أحدهما أنه جعالة وهو الأقوى فعلى
33

من يكون جايزا من الطرفين.
والثاني إنه إجارة فهو لازم من الطرفين والأول هو الصحيح على ما اختاره شيخنا في
مبسوطه، والذي يقوى في نفسي أنه لازم من الطرفين لقوله تعالى أوفوا بالعقود وهذا
عقد. فأما ما به ينفسخ الوكالة فمثل الموت والجنون والإغماء فإذا مات أحدهما أو جن
أو أغمي عليه بطلت الوكالة.
فأما النوم المعتاد فلا يبطل الوكالة لأنه لا يسقط فرض الصلاة، والإغماء والجنون
يسقطان فرض الصلاة ويثبتان عليه الولاية، والنوم لا يثبتها عليه.
من وكل غيره في الخصومة عنه والمطالبة والمحاكمة والبيع والشراء وجميع أنواع ما
يتصرف فيه بنفسه فقبل الوكيل عنه ذلك فقد صار وكيله، يجب له ما يجب لموكله ويجب
عليه ما يجب على موكله إلا ما يقتضيه إلا قرار من الحدود والآداب والإيمان وغير ذلك مما
قدمنا القول في معناه.
والوكالة يعتبر فيها شرط الموكل فإن شرط أن يكون في خاص من الأشياء لم يجز فيما
عداه وإن شرط أن يكون عامة قام الوكيل مقام الموكل على العموم حسب ما قدمناه بغير
خلاف بين أصحابنا.
وبذلك تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وقال في مبسوطه
ومسائل خلافه: مسألة: إذا وكل رجل رجلا في كل قليل وكثير لم يصح ذلك
ثم قال: دليلنا أن في ذلك غررا عظيما لأنه ربما ألزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء وما يؤدى إلى ذهاب
ماله مثل أن يزوجه بأربع حرائر، ثم يطلقهن قبل الدخول فيلزمه نصف مهورهن ثم يتزوج بأربع آخر
ثم على هذا أبدا ويشترى له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا يحتاج إليه في ذلك غرر عظيم فما
يؤدى إليه فهو باطل، ثم قال وأيضا فلا دلالة على صحة هذه الوكالة في الشرع هذا آخر كلامه في
مسائل الخلاف.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: " لا دلالة فيما احتج به رحمه الله لأن الوكيل لا يصح فعله إلا فيما فيه
صلاح لموكله وكل ما لا صلاح فيه لموكله فلا يلزمه منه شئ وإنه باطل غير صحيح بغير خلاف فعلى
34

هذا التحرير لا غرر فيما أورده، وقوله رحمه الله: لا دليل على صحة هذه الوكالة في الشرع، باطل
لأن الدليل حاصل وهو إجماع أصحابنا المنعقد على صحة ذلك، وهو أيضا قائل به في نهايته،
والأخبار المتواترة أيضا دليل على صحة ذلك.
والوكالة تصح للحاضر كما تصح للغائب على ما قدمناه ولا يجب الحكم بها على طريق
التبرع دون أن يلتزم ذلك بإيثار الموكل واختياره.
وللناظر في أمور المسلمين ولحكامهم أن يوكل على سفائهم وأيتامهم ونواقصي عقولهم
من يطالب بحقوقهم ويحتج عنهم ولهم، وينبغي لذوي المروءات من الناس أن يوكلوا
لأنفسهم في الحقوق ولا يناشروا الخصومة بنفوسهم.
وللمسلم أن يتوكل للمسلم على أهل الاسلام والذمة ولأهل الذمة على أهل الذمة،
ويكره أن يتوكل للذمي على المسلم.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وللمسلم أن يتوكل للمسلم على أهل الاسلام وأهل الذمة،
ولأهل الذمة على أهل الذمة خاصة ولا يتوكل للذمي على المسلم، وقال بكراهة ذلك في
مبسوطه قال: يكره أن يتوكل المسلم لكافر على مسلم وليس بمفسد للوكالة، هذا آخر كلامه
رحمه الله وكذلك قال في مسائل خلافه، وهو الأظهر لأنه لا دليل على تحريمه، فإن تمسك
متمسك بقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، قلنا: المسلم الذي هو
الوكيل ليس بكافر وأيضا لا خلاف أن للذمي الذي هو الموكل المطالبة للمسلم بما له عليه من
الحق فله عليه سبيل لأنه الذي جعل له عليه سبيلا أعني المسلم الذي عليه الحق فللوكيل
المسلم ما لموكله من المطالبة، وإنما أورده شيخنا في نهايته من طريق خبر الآحاد دون الاعتقاد
على ما كررنا القول فيه.
ويتوكل الذمي للمسلم على الذمي ولأهل الذمة على أمثالهم من الكفار ولا يجوز له
أن يتوكل على أحد من أهل الاسلام لا لذمي ولا لمسلم على حال لأن الآية المقدم ذكرها
تتناول تحريم ذلك والنهي عنه والمنع منه.
وينبغي أن يكون الوكيل: عاقلا بصيرا بالحكم فيما أسند إليه الوكالة فيه عارفا باللغة
35

التي يحتاج إلى المحاورة بها في وكالته لئلا يأتي بلفظ يقتضي إقرارا بشئ وهو يريد غيره.
مثاله: أن يقر بعدد فيما دون الواحد إلى العشرة مذكر فيسقط الهاء منه أو يريد أن يقر بعدد
مؤنث فيلحق الهاء فيه وهو لا يريد ذلك فيلزمه الحاكم بظاهر إقراره.
ولا يجوز لحاكم أن يسمع من وكيل لغيره إلا بعد أن تقوم له عنده البينة بثبوت
وكالته.
ومن وكل وكيلا وأشهد على وكالته ثم أراد عزله فليشهد على عزله علانية بمحضر من
الوكيل أو يعلمه ذلك كما أشهد على وكالته، فإذا أعلم عزله مع تمكنه من إعلامه أو أشهد
على عزله مع تعذر إعلامه فقد انعزل الوكيل عن وكالته، وكل أمر ينفذه بعد ذلك كان
باطلا لا يلزم الموكل منه قليل ولا كثير، وإن عزله ولم يشهد مع تعذر القدرة على إعلامه
بعزله أو لم يعلمه عزله مع إمكان إعلامه لم ينعزل الوكيل، وكل أمر ينفذه بعد ذلك كان
ماضيا على موكله حينئذ إلى أن يعلم بعزله.
فإن اختلف الموكل والوكيل: في العزل فقال الموكل: قد أعلمته العزل، وأنكر ذلك
الوكيل كان على الموكل البينة بأنه أعلمه ذلك ولم يكفه إقامة البينة على أنه قد عزله إذا
كان قادرا على إعلامه غير متعذر عليه ذلك، فإن لم يكن له بينة على إعلامه كان على
الوكيل اليمين أنه ما علم بعزله عن الوكالة، فإن حلف كانت وكالته ثابتة حسب
ما قدمناه، وإن امتنع من اليمين بطلت وكالته من وقت ما أقام الموكل البينة على إعلامه
بعزله، فإن كان بحيث يتعذر عليه إعلامه أفادته إقامة البينة وكفته مؤونة الإعلام، وكل
أمر ينفذه أو أنفذه بعد إقامة البينة حينئذ على عزله عند تعذر إعلامه فهو باطل غير نافذ على
موكله.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه: إذا عزل الموكل وكيله عن الوكالة في غيبة من
الوكيل لأصحابنا فيه روايتان: إحديهما: أنه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل وكل تصرف
يتصرف فيه الوكيل بعد ذلك يكون باطلا، والأخرى أنه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك وكل
ما يتصرف فيه يكون واقعا موقعه إلى أن يعلم، ثم قال: دليلنا على ذلك أخبار الطائفة وهي
36

مختلفة وقد ذكرناها في كتابينا المقدم ذكرهما. قال: ومن راعى العلم استدل على ذلك بأن
قال: إن النهي لا يتعلق به حكم في حق المنهي إلا بعد حصول علمه به وهكذا أبواب نواهي
الشرع كلها، ولهذا لما بلغ أهل قبا أن القبلة قد حولت إلى الكعبة وهم في الصلاة داروا وبنوا
على صلاتهم ولم يؤمروا بالإعادة، وكذلك نهى الموكل وكيله عن التصرف ينبغي أن لا يتعلق به
حكم في حق الوكيل إلا بعد العلم، قال: وهذا القول أقوى من الأول وقد رجحناه في
الكتابين.
قال محمد بن إدريس: الأقوى عندي ما ذكره رحمه الله في نهايته فهو وجه الجمع بين الأحاديث
وهو الذي حررناه واخترناه في كتابنا هذا، وهو أنه إذا قدر الموكل على إعلام الوكيل بالعزل ولم
يعلمه وأشهد على عزله وعزله لم ينعزل وكل أمر ينفذه فهو ماض على موكله، فأما إذا تعذر على
الموكل إعلام وكيله بالعزل ولم يقدر على ذلك ولم يمكنه وأشهد حينئذ على عزله وعزله فقد
انعزل، وكل أمر ينفذه بعد ذلك فهو باطل غير ماض على موكله.
فتحمل الأخبار على هذا الاعتبار وقد سلمت من التعارض وعمل بجميعها من غير اطراح
لشئ منها، وقوله رحمه الله: وقد رجحناه في الكتابين، يعني تهذيب الأحكام والاستبصار، أما
تهذيب الأحكام فما رجح فيه شيئا بل أورد الأخبار وأطلق الإيراد من غير توسط منه بينها وأما
الاستبصار فما ذكر الباب جملة.
ومتى تعدى الوكيل شيئا مما رسمه موكله كان ضامنا لما تعدى فيه، فإن وكله في
تزويجه امرأة بعينها فزوجه غيرهما لم يثبت النكاح ولزم الوكيل نصف المهر المسمى لأنه
غرها هذا إذا قال الوكيل: إنه وكلني في العقد عليك، ولم يقم له بينة بذلك، فأما إذا
صدقته المرأة على صحة قوله ووكالته فلا سبيل لها عليه لأنها تقول: ظلمني زوجي، وليس
لها أن تتزوج إلا بعد موته أو طلاقه أو فراقه.
فأما إذا لم يدع الوكالة ولا قال للمرأة أنه وكيل فلان بل عقد للرجل عليها فالنكاح
موقوف عندنا على الإجازة، فإن رضي الذي عقد له على المرأة كان النكاح ماضيا ولزم
المعقود له النكاح والمهر جميعا، وإن لم يرض بالعقد كان النكاح مفسوخا ولم يلزم العاقد
37

شئ من المهر لأنه ما غر المرأة ولا ادعى الوكالة في العقد، بخلاف المسألة الأولة التي قلنا
فيها: يلزمه نصف مهرها لأنه غرها بقوله: قد وكلني فلان على العقد عليك، ولم يكن له
بينة بذلك فلزمه المهر لأنه حينئذ غرها، على ما وردت الأخبار بذلك فافترق الأمران.
فإن عقد له على التي أمره بالعقد عليها، ثم أنكر الموكل أن يكون أمره بذلك ولم يقم
للوكيل بينة بوكالته بالعقد، لزم الوكيل أيضا نصف المهر المسمى ولم يلزم الموكل شئ
وجاز للمرأة أن تتزوج بعد ذلك، غير أنه لا يحل للموكل إن كان وكله في العقد عليها فيما
بينه وبين الله تعالى إلا أن يطلقها ويغرم لها نصف المسمى، لأن العقد يكون قد ثبت
عليه، وهذا أمر راجع إليه ومنكر لا يعلمه غيره فيجب عليه إزالته وإنكاره.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: في جميع ذلك يلزم الوكيل المهر، وأطلق القول بذلك ولم يقل:
نصف المهر، وفي مبسوطه يقول بنصف المهر وكذلك في تهذيب الأحكام على ما وردت
الأخبار، وقوله في نهايته: لزمه المهر، فكأنه أراد المستحق عليه بعد تخلية المرأة وجواز العقد عليها
لغيره فهو بمنزلة الطلاق قبل الدخول، فأقام إنكاره التوكيل على العقد ودفعه النكاح مقام
الطلاق ولو قيل في ذلك: إن الوكيل يلزمه المهر المسمى كملا لأنه يجب بالعقد جميعه ويسقط
نصفه بالطلاق قبل الدخول بغير خلاف بين الأمة، لكان قويا ظاهرا وهذا لم يطلق قبل دخوله
فيسقط عنه نصفه، وبهذا أفتى وعليه اعتمد لأنه الذي تقتضيه أصولنا وتشهد به أخبارنا
وأدلتنا.
ومن وكله غيره في أن يطلق عنه امرأته جاز طلاق الوكيل سواء كان الموكل حاضرا أو
غائبا، على الصحيح من المذهب لأنه لا خلاف بين المسلمين في جواز الوكالة للحاضر
والغائب في جميع ما يجوز الوكالة فيه، فمن خصص ذلك يحتاج إلى دليل.
وقال شيخنا في نهايته: ومن وكل غيره في أن يطلق عنه امرأته وكان غائبا جاز طلاق الوكيل
وإن كان شاهدا لم يجز طلاق الوكيل، وهذا خبر واحد أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا على
ما كررنا القول في ذلك وهو من أضعف أخبار الآحاد راويه جعفر بن سماعة وهو فطحي
المذهب لم يورد شيخنا في الاستبصار غيره مخالف لجميع الأخبار التي أوردها في الكتاب
38

المذكور، فإن جميع الأخبار مطلقة عامة في جواز الوكالة في الطلاق متواترة بذلك وأورد بعدها
هذا الخبر الشاذ.
ثم قال رحمه الله متوسطا: فلا ينافي الأخبار الأولة، قال: لأن هذا الخبر محمول على أنه إذا كان
الرجل حاضرا في البلد لم يصح توكيله في الطلاق، والأخبار الأولة يحملها على جواز ذلك في
حال الغيبة قال رحمه الله: لئلا تتناقض الأخبار.
قال محمد بن إدريس: الخبر الذي أورده رحمه الله عن ابن سماعة عن جعفر بن سماعة ليس فيه
هذا التفصيل، وإنما هو مطلق في أنه لا يجوز الوكالة في الطلاق، وظاهره مخالف لإجماع المسلمين
قاطبة وما هذا حاله لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه وقوله رحمه الله: لئلا تتناقض الأخبار، إنما
يسوع ذلك إذا كانت الأخبار متواترة متكافئة فهي حينئذ أدلة فيجوز ما ذكره لئلا تتناقض
الأدلة، وهذا الخبر الشاذ ليس هو مكافئا لما أورده من الأخبار المتواترة، فكيف يجوز ما قاله
رحمه الله من الوساطة مع إنا قد بينا أن أخبار الآحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأنها
لا توجب علما ولا عملا، وأصحابنا قديما وحديثا لا يعملون بها ويزرون ويعيبون أشد عيب على
العاملين بها من أهل الخلاف.
وأيضا فلا خلاف بيننا معشر الشيعة الإمامية أن حال الشقاق وبعث الحكمين أن الرجل إذا
وكله للحكم الذي هو من أهله في الطلاق وطلق مضى طلاقه وجاز وإن كان الموكل حاضرا
في البلد بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك.
وأيضا فشيخنا في مسائل خلافه ومبسوطه يذهب إلى: أن الوكالة في جميع الأشياء التي يجوز
الوكالة فيها يصح للحاضر والغائب، ثم قال في مسائل الخلاف: دليلنا أن الأخبار الواردة في
جواز التوكيل عامة في الحاضر والغائب فمن خصصها فعليه الدلالة، وقال أيضا فالأصل جواز
ذلك والمنع يحتاج إلى دليل، هذا آخر كلامه رحمه الله فقد أقر رحمه الله أن الأخبار الواردة في
جواز التوكيل عامة في الحاضر والغائب، ثم قال: فمن خصصها فعليه الدلالة، وقال: وأيضا
فالأصل جواز ذلك والمنع يحتاج إلى دليل، فما باله رحمه الله يرجع عن الأدلة بغير أدلة؟
وتخصيص العموم عند المحصلين لأصول الفقه لا يكون إلا بأدلة قاطعة للأعذار إما من كتاب
39

أو سنة متواترة أو أدلة العقول أو إجماع، وهذا بحمد الله تعالى مفقود، هنا.
والرجل إذا قبض صداق ابنته وكانت صبية غير بالغ في حجره برئت ذمة الزوج من
المهر على كل حال لأنه القابض عنها والوالي عليها ولم يكن للبنت مطالبته بالمهر بعد
البلوغ، وإن كانت البنت بالغا فإن كانت وكلته في قبض صداقها فقد برئ أيضا ذمة
الزوج، وإن لم تكن وكلته على ذلك لم تبرأ ذمة الزوج وكان لها مطالبته بالمهر، وللزوج
الرجوع على الأب في مطالبته بالمهر.
فإن كان الأب قد مات كان له الرجوع على الورثة إن كان خلف في أيديهم شيئا
ومطالبتهم بالمهر كما كان له مطالبته في حال حياته، هذا إذا لم يصدقه الزوج على وكالته،
فأما إن ادعى الأب الوكالة من البنت بقبض المهر وصدقه الزوج على ذلك فليس للزوج
الرجوع عليه سواء كان حيا أو قد مات.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: البكر البالغة الرشيدة يجوز لأبيها أن يقبض مهرها بغير أمرها
ما لم تنهه عن ذلك، وهذا ليس بواضح لأن الزوج لا تبرأ ذمته بتسليمه ولا يجبر على ذلك، لأنه
يكون قد سلمه إلى غير من وكلته في القبض ولا إلى من ولته في قبض أموالها ولا له عليها ولاية
في أموالها بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك.
وإذا باع الوكيل على موكله ما له الذي وكله في بيعه أو الولي مثل الأب والجد
والحاكم وأمينه والوصي ثم استحق المال على المشتري فإن ضمان العهدة والدرك يجب
على من بيع عليه ماله، فإن كان حيا كان في ذمته وإن كان ميتا كانت العهدة في تركته
ولا يلزم الوكيل والوصي والولي من ذلك قليل ولا كثير، وجميع من يبيع مال الغير ستة
أنفس: الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه والوكيل، فلا يصح لأحد منهم أن يبيع المال
الذي في يده من نفسه إلا لاثنين فحسب الأب والجد ولا يصح لغيرهما.
ولا تسمع الدعوى في الوكالة إلا أن يقيم بينة شاهدين عدلين على أنه وكله فلان، ولا
يقبل في ذلك شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتان، لأن الولايات جميعها لا تقبل فيها شهادة
النساء ولا شاهد ويمين.
40

إذا كان لرجل على غيره دين فجاء آخر فادعى أنه وكيله في المطالبة وأنكر ذلك
الذي عليه الدين، فإن كان مع الوكيل بينة أقامها وحكم له بها، وإن لم يكن معه بينة
وطالب من عليه الدين باليمين لا يجب عليه، فإن ادعي عليه علمه بذلك لزمته اليمين، فإن
نكل عنها ردت على المدعي، فإذا حلف ثبتت وكالته لأن عندنا اليمين مع النكول بمنزلة
البينة.
وقال شيخنا في مسائل الخلاف: فإن ادعى علمه بذلك لم يلزمه أيضا اليمين، وهذا قول
الشافعي اختاره شيخنا وليس بواضح لأنه مخالف لأصول مذهبنا، ثم قال رحمه الله في مسائل
خلافه: إذا صدقه من عليه الدين في توكيله لم يجبر على التسليم إليه، وهذا أيضا مقالة الشافعي
اختاره شيخنا رحمه الله، والذي يقتضيه مذهبنا خلاف ذلك وهو أنه إذا صدقه من عليه الدين
في دعواه الوكالة يجبره الحاكم على التسليم إليه لأنه صار وكيلا عليه بتصديقه إياه فيما عليه لأن
إقرار العقلاء جائز على نفوسهم فيما يوجب حكما في شريعة الاسلام بغير خلاف بيننا إلا
ما خرج بالدليل من إقرار العبيد.
وليس للوكيل أن يبيع مع إطلاق الوكالة في البيع إلا بنقد البلد وبثمن المثل حالا
فإن خالف ذلك كان البيع باطلا، ولا يصح إبراء الوكيل من دون الموكل من الثمن
الذي على المشتري، وإذا اشترى الوكيل السلعة بثمن مثلها فإن ملكها يقع للموكل من غير
أن يدخل في ملك الوكيل، بدليل أنه إذا وكله في شراء من ينعتق عليه لم يعتق على
الوكيل، فلو كان الملك قد انتقل إلى الوكيل لوجب أن يعتق عليه، فلما أجمعنا على أنه
لا يعتق على الوكيل لو اشترى من ينعتق عليه إذا اشتراه لنفسه دل على أنه لا ينتقل الملك
إلى الوكيل.
وإذا قال: إن جاء رأس الشهر فقد وكلتك في الشئ الفلاني، فإن الوكالة لا تنعقد
وإن ذلك لا يصح. فأما إن وكله في الحال بأن يبيع الشئ إذا جاء رأس الشهر جاز ذلك
وصح لأن الوكالة صحت في الحال وانعقدت ثم أمره بتأخير البيع إلى، رأس الشهر.
والمسألة الأولة ما انعقدت الوكالة في الحال بل يحتاج إذا جاء رأس الشهر إلى عقد الوكالة
41

فافترق الأمران.
وإذا أوكله في السلم في الطعام فأسلف في حنطة جاز وإن أسلف في شعير لم يجز لأن
إطلاق الطعام في العادة يرجع إلى الحنطة دون الشعير والاعتبار في الوكالة بالعادة.
وقال شيخنا المفيد في مقنعة في مختصر كتاب ابتياع: فإن يوليه من شاء من جرى أو وكيل.
قال محمد بن إدريس الجري بالجيم المفتوحة والراء غير المعجمة المكسورة والياء المشددة هو
الوكيل وإنما اختلف اللفظ وإن كان المعنى واحدا، ويسمى الوكيل جريا لأنه يجري مجرى
موكله، يقال: جرى بين الجراية والجراية والجمع أجرياء.
42

شرائع الاسلام
كتاب الوكالة وهو يستدعي بيان فصول
الأول: في العقد:
وهو استنابة في التصرف ولا بد في تحققه من إيجاب دال على القصد كقوله: وكلتك أو
استنبتك أو ما شاكل ذلك، ولو قال: وكلتني، فقال: نعم أو أشار بما يدل على الإجابة، كفى في
الإيجاب، وأما القبول فيقع باللفظ كقوله: قبلت أو رضيت أو ما شابهه، وقد يكون بالفعل
كما إذا قال: وكلتك في البيع، فباع، ولو تأخر القبول عن الإيجاب لم يقدح في الصحة لأن
الغائب يوكل والقبول يتأخر، ومن شرطها أن تقع منجزة، فلو علقت بشرط متوقع أو وقت
متجدد لم تصح، نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز، ولو وكله في شراء عبد
افتقر إلى وصفه لينتفي الغرر، ولو وكله مطلقا لم يصح على قول والوجه الجواز.
وهي عقد جائز من طرفيه فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل ومع غيبته،
وللموكل أن يعزله بشرط أن يعلمه العزل ولو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل، وقيل: إن تعذر
إعلامه فأشهد العزل بالعزل والإشهاد، والأول أظهر، ولو تصرف الوكيل قبل الإعلام مضى
تصرفه على الموكل، فلو وكله في استيفاء القصاص ثم عزله فاقتص قبل العلم بالعزل
وقع الاقتصاص موقعه.
وتبطل الوكالة بالموت والجنون والإغماء من كل واحد منهما، وتبطل وكالة الوكيل
بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من التصرف فيه، ولا تبطل الوكالة بالنوم وإن تطاول،
وتبطل الوكالة بتلف ما تعلقت الوكالة به كموت العبد الموكل في بيعه وبموت المرأة الموكل
43

بطلاقها، وكذا لو فعل الموكل ما تعلقت الوكالة به، والعبارة عن العزل أن يقول: عزلتك،
أو أنزلت نيابتك أو فسخت أو أبطلت أو نقضت أو ما جرى مجرى ذلك.
وإطلاق الوكالة يقتضي ألا تبايع بثمن المثل بنقد البلد حالا وأن يبتاع الصحيح دون
المعيب، ولو خالف لم يصح ووقف على إجازة المالك، ولو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك
الإذن في ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه، ثم تستعاد العين إن كانت باقية ومثلها أو
قيمتها إن كانت تالفة. وقيل يلزم الدلال إتمام ما حلف عليه المالك، وهو بعيد، فإن تصادق
الوكيل والمشتري على الثمن ودفع الوكيل إلى المشتري السلعة فتلفت في يده كان
للموكل الرجوع على أيهما شاء بقيمته، لكن إن رجع على المشتري لا يرجع المشتري على
الوكيل لتصديقه له في الإذن، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل على المشتري بأقل الأمرين
من ثمنه وما اغترمه.
وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي تسليم المبيع لأنه من واجباته، وكذا إطلاق الوكالة في
الشراء يقتضي الإذن في تسليم الثمن، لكن لا يقتضي الإذن في البيع قبض الثمن لأنه قد لا
يؤمن على القبض، وللوكيل أن يرد بالعيب لأنه من مصلحة العقد مع حضور الموكل
وغيبته ولو منعه الموكل لم يكن له مخالفته.
الثاني: في ما لا تصح في النيابة وما تصح فيه:
أما ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة
كالطهارة مع القدرة، وإن جازت النيابة في غسل الأعضاء عند الضرورة، والصلاة
الواجبة ما دام حيا وكذا الصوم والاعتكاف والحج الواجب مع القدرة والإيمان والنذور
والغصب والقسم بين الزوجات لأنه يتضمن استمناعا والهار واللعان وقضاء والجناية و
الالتقاط والاحتطاب والاحتشاش، وإقامة الشهادة إلا على وجه الشهادة على
الشهادة.
وأما ما تدخله النيابة فضابطه ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة كالبيع
وقبض الثمن والرهن والصلح والحوالة والضمان والشركة والوكالة والعارية وفي الأخذ
بالشفعة والإبراء والوديعة وقسم الصدقات وعقد النكاح وفرض الصداق والخلع والطلاق
44

واستيفاء القصاص وقبض الديات وفي الجهاد على وجه وفي استيفاء الحدود مطلقا وفي
إثبات حدود أم حدود الله سبحانه فلا وفي عقد السبق والرماية والعتق والكتابة والتدبير
وفي الدعوى وفي إثبات الحجج والحقوق.
ولو وكل على كل قليل وكثير قيل: لا يصح لما يتطرق من احتمال الضرر، وقيل: يجوز
ويندفع الحال باعتبار المصلحة، وهو بعيد عن موضع الفرض، نعم لو وكله على كل ما يملكه
صح لأنه يناط بالمصلحة.
الثالث: في الموكل:
يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل وأن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه مما تصح فيه
النيابة، فلا تصح وكالة الصبي مميزا كان أو لم يكن، ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له
التصرف فيه كالوصية والصدقة والطلاق على رواية وكذا يجوز أن يتوكل فيه، وكذا
لا تصح وكالة المجنون ولو عرض ذلك بعد التوكيل أبطل الوكالة.
وللمكاتب أن يوكل لأنه يملك التصرف في الاكتساب، وليس للعبد القن أن يوكل إلا
بإذن مولاه ولو وكله انسان في شراء نفسه من مولاه صح، وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن
من الموكل، ولو كان المملوك مأذونا له في التجارة جاز أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل
فيه لأنه كالمأذون فيه، ولا يجوز أن يوكل في غير ذلك لأنه يتوقف على صريح الإذن من مولاه،
وله أن يوكل فيما يجوز أن يتصرف فيه من غير إذن مولاه مما تصح فيه النيابة كالطلاق،
وللمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه من طلاق وخلع وما شابهه.
ولا يوكل المحرم في عقد النكاح ولا ابتياع الصيد، وللأب والجد أن يوكلا عن الولد
الصغير، وتصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا وللحاضر على الأظهر، ولو قال
الموكل: اصنع ما شئت، كان دالا على الإذن في التوكيل لأنه تسليط على ما يتعلق به المشيئة،
ويستحب: أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما وكل فيه عارفا باللغة التي يحاور بها،
وينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة عنهم، ويكره لذوي المروءات أن
يتولوا المنازعة بنفوسهم.
45

الرابع:
الوكيل يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل ولو كان فاسقا أو كافرا أو مرتدا ولو ارتد
المسلم لم يبطل وكالته، لأن الارتداد لا يمنع الوكالة ابتداء و كذلك استدامة، وكل ما له أن
يليه بنفسه وتصح النيابة فيه صح أن يكون فيه وكيلا، فتصح وكالة المحجور عليه
لتبذير أو فلس، ولا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله كابتياع الصيد
وإمساكه وعقد النكاح.
ويجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها. وهل تصح في طلاق نفسها؟ قيل لا، وفيه
تردد، وتصح وكالتها في عقد النكاح لأن عبارتها فيه معتبرة عندنا، وتجوز وكالة العبد إذا
أذن مولاه، ويجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه، ولا تشترط عدالة الولي ولا الوكيل في
عقد النكاح، ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم على القول المشهور، وهل
يتوكل المسلم للذمي على المسل؟ فيه تردد والوجه الجواز على كراهية، ويجوز أن يتوكل
الذمي على الذمي.
ويقتصر الوكيل من التصرف على ما أذن له فيه وما تشهد العادة بالإذن فيه، فلو
أمره ببيع السلعة بدينار نسيئة فباعها بدينارين نقدا صح، وكذا لو باعها بدينار نقدا إلا أن
يكون هناك غرض صحيح يتعلق بالتأجيل، أما لو أمره ببيعه حالا فباع مؤجلا لم يصح
ولو كان بأكثر مما عين لأن الأغراض تتعلق بالتعجيل ولو أمره ببيعه في سوق مخصوصة
فباع في غيرها بالثمن الذي عين له أو مع الإطلاق بثمن المثل صح إذ الغرض تحصيل
الثمن.
أما لو قال: بعه من فلان، فباعه من غيره لم يصح ولو تضاعف الثمن لأن الأغراض
في الغرماء تتفاوت، وكذا لو أمره أن يشترى بعين المال فاشترى في الذمة أو في الذمة
فاشترى بالعين لأنه تصرف لم يؤذن فيه وهو مما تتفاوت فيه المقاصد، وإذا ابتاع الوكيل
وقع الشراء عن الموكل ولا يدخل في ملك الوكيل، لأنه لو دخل في ملكه لزم أن ينعتق
عليه أبوه وولده لو اشتراهما كما ينعتق أبو الموكل وولده، ولو وكل مسلم ذميا في ابتياع
خمر لم يصح.
46

وكل موضع يبطل الشراء للموكل، فإن كان سماه عند العقد لم يقع عن أحدهما، وإن
لم يكن سماه قضي به على الوكيل في الظاهر وكذا لو أنكر الموكل الوكالة، لكن إن
كان الوكيل مبطلا فالملك له ظاهرا أو باطنا، وإن كان محقا كان الشراء للموكل باطنا،
وطريق التخلص أن يقول الموكل: إن كان لي فقد بعته من الوكيل، فيصح البيع
ولا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط ويتقاصان، وإن امتنع الموكل من البيع جاز أن
يستوفي عوض ما أداه إلى البائع عن موكله من هذه السلعة ويرد ما يفضل عليه أو يرجع
بما يفضل له.
ولو وكل اثنين، فإن شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما أن ينفرد بشئ من التصرف
وكذا لو أطلق، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة وليس للحاكم أن يضم إليه أمينا، أما لو
شرط الانفراد، جاز لكل منهما أن يتصرف غير مستصحب رأى صاحبه.
ولو وكل زوجته وعبد غيره ثم طلق الزوجة وأعتق العبد لم تبطل الوكالة، أما لو
أذن لعبده في التصرف بماله ثم أعتقه بطل الإذن لأنه ليس على حد الوكالة بل هو إذن
تابع للملك، وإذا وكل إنسانا في الحكومة لم يكن إذنا في قبض الحق إذ قد يوكل من
لا يستأمن على المال، وكذا لو وكله في قبض المال فأنكر الغريم لم يكن ذلك إذنا في
محاكمته لأنه قد لا يرتضي للخصومة.
فرع: لو قال: وكلتك في قبض حقي من فلان فمات، لم يكن له مطالبة الورثة، أما لو قال:
وكلتك في قبض حقي الذي على فلان، كان له ذلك، ولو وكله في بيع فاسد لم يملك
الصحيح وكذا لو وكله في ابتياع معيب، وإذا كان الانسان على غيره دين فوكله أن يبتاع
له به متاعا جاز ويبرأ بالتسليم إلى البائع.
الخامس: في ما به تثبت الوكالة:
ولا يحكم بالوكالة بدعوى الوكيل ولا بموافقة الغريم ما لم يقم بذلك بينة، وهي
شاهدان، ولا تثبت بشهادة النساء ولا بشاهد واحد وامرأتين ولا بشاهد ويمين على قول
مشهور، ولو شهد أحدهما بالوكالة في تاريخ والآخر تاريخ آخر قبلت شهادتهما نظرا
47

إلى العادة في الإشهاد إذ جمع الشهود لذلك في الموضع الواحد قد يمسر، وكذا لو شهد
أحدهما أنه وكله بالعجمية والآخر بالعربية لأن ذلك يكون إشارة إلى المعنى للواحد، ولو
اختلفا في لفظ العقد بأن يشهد أحدهما أن الموكل قال: وكلتك، ويشهد الآخر أنه قال:
استنبتك، لم تقبل لأنها شهادة على عقدين، إذ صيغة كل واحد منهما مخالفة للأخرى وفيه
تردد، إذ مرجعه إلى أنهما شهدا في وقتين، أما لو عدلا عن حكاية لفظ الموكل واقتصرا
على إيراد المعنى جاز وإن اختلفت عبارتهما، وإذا علم الحاكم بالوكالة حكم فيها
بعلمه.
تفريع:
لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم، فإن أنكر الغريم فلا يمين عليه،
وإن صدقه فإن كانت عينا لم يؤمر بالتسليم، ولو دفع إليه كان للمالك استعادتها، فإن
تلفت كان له إلزام أيهما شاء مع إنكاره الوكالة ولا يرجع أحدهما على الآخر، وكذا لو
كان الحق دينا وفيه تردد، لكن في هذا لو دفع لم يكن للمالك مطالبة الوكيل لأنه لم ينتزع
عين ماله، إذ لا يتعين إلا بقبضه أو قبض وكيله وهو ينفي كل واحد من القسمين، وللغريم
أن يهود على الوكيل إن كانت العين باقية أو تلفت بتفريط منه ولا درك عليه لو تلفت بغير
تفريط، وكل موضع يلزم الغريم التسليم لو أقر به يلزمه اليمين إذا أنكر.
السادس: في اللواحق وفيه مسائل:
الأولى: الوكيل أمين لا يضمن ما تلف في يده إلا مع التفريط أو التعدي.
الثانية: إذا كان أذن لوكيله أن يوكل، فإن وكل عن موكله كانا وكيلين له وتبطل
وكالتهما بموته، ولا تبطل بموت أحدهما ولا بعزل أحدهما صاحبه، وإن وكله عن نفسه كان له
عزله، فإن مات الموكل بطلت وكالتهما وكذا إن مات وكيل الأول.
الثالثة: يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل مع المطالبة وعدم العذر، فإن
امتنع من غير عذر ضمن وإن كان هناك عذر لم يضمن، ولو زال العذر فأخر التسليم ضمن،
48

ولو ادعى بعد ذلك أن تلف المال قبل الامتناع أو ادعى الرد قبل المطالبة قيل: لا يقبل
دعواه ولو أقام بينة، والوجه أنها تقبل.
الرابعة: كل من في يده مال لغيره أو في ذمته فله أن يمتنع من التسليم حتى يشهد
صاحب الحق بالقبض، ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده وبين ما لا يقبل إلا ببينة هربا
من الجحود المفضي إلى الدرك أو اليمين، وفصل آخرون بين ما يقبل قوله في ردخ وما لا
يقبل، فأوجبوا التسليم في الأول وأجازوا الامتناع في الثاني إلا مع الإشهاد، والأول أشبه.
الخامسة: الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن، ولو كان وكيلا في
قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن وفيه تردد.
السادسة: إذا تعدى الوكيل في مال الموكل ضمنه ولا تبطل وكالته لعدم التنافي، ولو
باع الوكيل ما تعدى فيه وسلمه إلى المشتري برئ من ضمانه لأنه تسليم مأذون فيه فجرى
مجرى قبض المالك.
السابعة: أذن الموكل لوكيله في بع ماله من نفسه فباع جاز وفيه تردد
وكذا في النكاح.
السابع: في التنازع: وفيه مسائل:
الأولى: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر لأنه الأصل، ولو اختلفا في التلف
فالقول قول الوكيل لأنه أمين، وقد يتعذر إقامة البينة غالبا فاقتنع بقوله دفعا لالتزام ما تعذر
غالبا، ولو اختلفا في التفريط فالقول قول منكره لقوله ع: واليمين على من أنكر.
الثانية: إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكل، فإن كان بجعل كلف البينة لأنه مدح،
وإن كان بغير جعل قيل: القول قوله كالوديعة وهو قول مشهور، وقيل: القول قول المالك،
وهو الأشبه، أما الوصي فالقول قوله في الانفاق لتعذر البينة فيه دون تسليم المال إلى الموصى
له، وكذا القول في الأب والجد والحاكم وأمينه مع اليتيم إذا أنكر القبض عند بلوغه ورشده،
وكذا الشريك والمضارب ومن حصل في يده ضالة.
الثالثة: إذا ادعى الوكيل التصرف وأنكر الموكل مثل أن يقول: بعت أو قبضت،
49

قيل: القول قول الوكيل لأنه أقر بما له أن يفعله، ولو قيل: القول قول الموكل، أمكن لكن
الأول أشبه.
الرابعة: إذا اشترى انسان سلعة وادعى أنه وكيل لإنسان فأنكر كان القول قوله مع
يمينه، ويقضى على المشتري بالثمن سواء اشترى بعين أو في ذمة إلا أن يكون ذكر أنه يبتاع
له في حالة العقد، ولو قال الوكيل: ابتعت لك، فأنكر الموكل أو قال: ابتعت لنفسي، فقال
الموكل: بل لي، فالقول قول الوكيل لأنه أبصر بنيته.
الخامسة: إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه،
ويلزم الوكيل مهرها وروي نصف مهرها، وقيل: يحكم ببطلان العقد في الظاهر، ويجب على
الموكل أن يطلقها إن كان يعلم صدق الوكيل وأن يسوق لها نصف المهر وهو قوي.
السادسة: إذا وكله في ابتياع عبد فاشتراه بمائة فقال الموكل اشتريته بثمانين، فالقول
قول الوكيل لأنه مؤتمن، ولو قيل: القول قول الموكل، كان أشبه لأنه غارم.
السابعة: إذا اشترى لموكله كان البائع بالخيار، إن شاء طالب الوكيل وإن شاء
طالب الموكل، والوجه اختصاص المطالبة بالموكل مع العلم بالوكالة واختصاص
مطالبة الوكيل مع الجهل بذلك.
الثامنة: إذا طالب الوكيل فقال الذي عليه الحق: لا تستحق المطالبة، لم يلتفت إلى
قوله لأنه مكذب لبينة الوكالة، ولو قال: عزلك الموكل، لم يتوجه على الوكيل اليمين إلا أن
يدعي عليه العلم وكذا لو ادعى أن الموكل أبرأه.
التاسعة: تقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له فيه، ولو عزل قبلت في الجميع
ما لم يكن أقام بها أو شرع في المنازعة.
العاشرة: لو وكله بقبض دينه من غريم له فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم
وأنكر الموكل فالقول قول الموكل وفيه تردد، أما لو أمره ببيع سلعة وتسليمها وقبض ثمنها
فتلف من غير تفريط فأقر الوكيل بالقبض وصدقه المشتري وأنكر الموكل فالقول قول
الوكيل لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث أنه سلم المبيع ولم يتسلم الثمن فكأنه
يدعي ما يوجب الضمان، وهناك الدعوى على الغريم وفي الفرق نظر، ولو ظهر في المبيع
50

عيب رده على الوكيل دون الموكل لأنه لم يثبت وصول الثمن إليه، ولو قيل برد المبيع على
الموكل كان أشبه.
51

المختصر النافع
كتاب الوكالة:
وهي تستدعي فصولا:
الأول: الوكالة عبارة عن الإيجاب والقبول الدالين على الاستنابة في التصرف.
ولا حكم لوكالة المتبرع.
ومن شرطها: أن تقع منجزة. فلا يصح معلقة على شرط ولا صفة. ويجوز تنجيزها
وتأخير التصرف إلى مدة. وليست لازمة لأحدهما. ولا ينعزل ما لم يعلم العزل وإن أشهد
بالعزل على الأصح وتصرفه قبل العلم ماض على الموكل
وتبطل بالموت والجنون والإغماء وتلف ما يتعلق به. ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكل
الإذن بذلك القدر، فالقول قول الموكل مع يمينه. ثم تستعاد العين إن كانت موجودة، ومثلها
إن كانت مفقودة، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل. وكذا لو تعذر استعادتها.
الثاني: ما تصح فيه الوكالة:
وهو كل فعل لا يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر معين، كالبيع، والنكاح. وتصح
الوكالة في الطلاق للغائب والحاضر على الأصح. ويقتصر الوكيل على ما عينه الموكل.
ولو عمم الوكالة صح إلا ما يقتضيه الإقرار.
52

الثالث: الموكل:
ويشترط كونه مكلفا جائز التصرف. ولا يوكل العبد إلا بإذن مولاه. ولا الوكيل
إلا أن يؤذن له. وللحاكم أن يوكل عن السفهاء والبله. ويكره لذوي المروءات أن يتولوا
المنازعة بنفوسهم.
الرابع: الوكيل:
ويشترط فيه كمال العقل. ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها ولغيرها.
والمسلم يتوكل للمسلم على المسلم، والذمي. وللذمي على الذمي وفي وكالته له على
المسلم تردد. والذمي يتوكل على الذمي للمسلم والذمي ولا يتوكل على مسلم. والوكيل
أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط.
الخامس: في الأحكام وهي مسائل:
الأولى: لو أمره بالبيع حالا فباع مؤجلا ولو بزيادة لم تصح ووقف على الإجازة. وكذا
لو أمره ببيعه مؤجلا بثمن فباع بأقل حالا. ولو باع. بمثله أو أكثر صح إلا أن يتعلق بالأجل
غرض.
ولو أمره بالبيع في موضع فباع في غيره بذلك الثمن صح ولا كذا لو أمره ببيعه من
انسان فباع من غيره فإنه يقف على الإجازة ولو باع بأزيد.
الثانية: إذا اختلفا في الوكالة، فالقول قول المنكر مع يمينه. ولو اختلفا في العزل أو في
الإعلام أو في التفريط فالقول قول الوكيل. وكذا لو اختلفا في التلف. ولو اختلفا في الرد
فقولان: أحدهما، القول قول الموكل مع يمينه. والثاني، القول قول الوكيل ما لم يكن بجعل
وهو أشبه.
الثالثة: إذا زوجه مدعيا وكالته فأنكر الموكل فالقول قول المنكر مع يمينه. وعلى
الوكيل مهرها. وروي نصف مهرها لأنه ضيع حقها. وعلى الزوج أن يطلقها سرا إن كان
وكل.
53

الجامع للشرائع باب الوكالة: هي عقد جائز من الطرفين يبطل بالموت منهما وبالجنون المطبق وبردتهما عن فطرة
ولا يبطل بالنوم المعتاد وإغماء ساعة، ولا يجوز أن يتوكل فيما لا يجوز له مباشرته، فلا يتوكل
الذمي لمسلم في تزويج مسلمة ويجوز التوكل في البيع وسائر العقود.
ويجب ذكر الموكل في النكاح والخلع والصلح عن الدم ويلزم ذكره في الباقي،
ولا يصح التوكل في الغصب والقتل والمحرمات والالتقاط والقسم بين الزوجات
والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وإحياء الموات، والمتولي لهذه هو المالك لها أو اللازمة
له أحكامها.
ويجوز التوكيل في إقامة الحد على المحدود وقتل المقاد وفي تفريق الزكاة والكفارات
والعتق والطلاق والتدبير والوكالة والقضاء بين الخصوم إن أذن الموكل والإمام أو كان
العمل وسيعا أو مما لا يمكن الوكيل بنفسه.
ولا توكيل في الإيلاء والنذور والظهار لأنه كذب ولا في اللعان لأنه يمين ولا في الرضاع
والعدد، ولا يصح التوكيل في الصلاة والصيام حيا ويصح بعد الموت ولا يصح في
الطهارة فإن لم يمكنه جاز وينوي بنفسه، ويصح التوكيل في الحج، وروى أصحابنا جواز أن
يعطي غيره ما يجاهد به ويتخلف إلا أن يدعوه الإمام، ويجوز التوكيل في استيفاء
القصاص وحد القذف والطلاق بحضرة الموكل وغيبته، توكيل الزوجة في طلاق ضرتها
ونفسها.
54

وينبغي لذوي المروءة التوكيل في الخصومة وتولي شراء الخادم والدابة والضيعة
بأنفسهم، ولا يجوز التوكيل في الإقرار ولا يكون ذلك إقرارا منه، وقيل يكون إقرارا، ويجوز
توكيل العبد غيره في طلاق زوجته وخلعها والمكاتب غيره في البيع والشراء ولغيره بجعل.
ولا ينعزل الوكيل بالعزل إلا بإعلامه إياه تمكن من إعلامه أم لم يتمكن أشهد أم لم
يشهد، فإن اختلفا حلف الوكيل أنه لم يعلم إن لم يكن للموكل بينة بالإعلام، فإن وكله في
القصاص ثم عزله على على قول أو عفي ولم يعلمه فاقتص فلا ضمان على الوكيل وقيل:
يضمن عاقلته، يضمن ويرجع على الموكل به، وإذا وكله في البيع بما شاء جاز وإن وكله في
البيع باع بنقد البلد حالا بثمن المثل أو بما يتغابن أهل البصر بمثله، فإن خالف ذلك وقف
على إجازة الموكل وقيل: يجوز لإطلاق الإذن، ولا يشترى الوكيل لموكله بالغبن الفاحش.
وتصح الوكالة العامة كالخاصة، وتصح في الدعوى إقامة وكيل للسفيه يخاصم عنه
أو له، ولا يعتبر رضي المدعي ولا المدعى عليه بوكيل أحدهما وإن حضر، وإذا وكل اثنين لم
يصح إلا ما اجتمعا عليه إلا أن يأذن على الانفراد، ولا يجوز توكيل العبد غير سيده في
العقود وكذا المدبر والمكاتب إلا بجعل للمكاتب أو بإذن السيد في الكل، ولا يجبر المكاتب
إن أمره السيد بذلك، وقيل: يجوز للعبد ذلك لأنه كلام لا يضيع حق السيد فلا يحتاج إلى إذنه
ولا يصح وكالة الصبي والمعتوه في العقود.
وخيار المجلس والرد بالعيب للوكيل في البيع، ولو صارف الوكيل ثم قام من المجلس
قبل القبض فأقبض الموكل بعده لم يصح العقد ولا يملك الوكيل المبيع ثم يملكه الموكل،
ولا يصح أن يبرئ المشتري من الثمن، ولا يجوز للمشتري منع الوكيل من الثمن إلا
أن يأذن له الموكل، فإن وكله في شراء شئ لم يبينه أو جنس كالحيوان لم يصح، فإن وكله في
نوع كعبد أو شاة وبين الثمن جاز وإن لم يبينه لم يجز، وإذا وكل في الشراء فأقبض الثمن
من نفسه لم يرجع على موكله لتبرعه، فإن كان باذنه رجع.
ويصح أن يفسخ الوكيل الوكالة بحضرة الموكل وغيبته، فإذا وكل في شراء شئ
معين كهذه الدار وهذا العبد لم يتعده، فإن تعدى لزمه ولم يلزم موكله، وإن أذن في إنكاحه
امرأة بعينها ففعل وأنكر الموكل ولا بينة فعلى الموكل اليمين وعلى الوكيل نصف مهرها،
55

وإن عين له المرأة فزوجه غيرها فعليه نصف مهرها ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها في
المسألتين، وإذا اشترى الوكيل ما وكل في شرائه لنفسه جاز لما ذكرنا.
والوكيل أمين يقبل قوله في التلف وبيع ما ولي بيعه وقبض ثمنه وفي الرد إن كان
بلا جعل، وإن كان بجعل حلف الموكل أنه لم يرد وقيل يحلف الوكيل، فإن ادعى الموكل
التفريط ولا بينة حلف الوكيل، ومن وكل في البيع لم يبع نفسه ولا عبده ولا مكاتبه، وإذا وكل
في بيع عبد فباع نصفه لم يجز، وإن وكل في شرائه فاشترى نصفه وقف على شراء
النصف الآخر فإن شراه وإلا بطل، وإذا وكل في الخصومة لم يقبض إلا بإذن، وإذا وكل
في شراء عشرة أرطال لحم بدرهم، فاشترى به عشرة ونصفا جاز، وكذا لو اشترى عشرين
بالدرهم مما يساوى عشرة بدرهم، وإذا وكله في قبض دينه لم يملك الخصومة، وكذا في قبض
العين.
وإقرار الوكيل على موكله غير لازم له، ولا يسمع الحاكم دعواه لموكله قبل ثبوت
وكالته ويسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم للموكل، ولا يشترى الوكيل
لموكله المعيب إلا أن ينص له ومتى تعدى الوكيل ما رسم له ضمن.
وتثبت الوكالة بما أنبأ عنها من لفظ والقبول بالقول أو بالفعل كالتصرف، ويجوز أن
يتوكل لمثله في الدين على مثله أو دونه، وإذا وكل في الخصومة فقبل في الحال أو بعد جاز
لقيام الإذن، وإن أذن له الغائب ثم بلغه جاز.
والمال أمانة في يد الوكيل والمودع لا يلزمهما رده إلا بعد طلبه، فإن طلبه فمنعه من
عذر ككونه في الحمام أو أكل الطعام، أو صلاة لم يضمن، فإن منعه مختارا ضمن، فإن ادعى
الرد أو التلف قبل المنع لم يصدق، فإن أقام بينة لم يسمع لأنه كذبها، وإذا طلب ذو الحق حقه
ممن عليه أو عنده فأبى حتى يشهد له بقبضه، فإن كان مما لا يقبل قوله في رده وكان عليه
بشهادة جاز له ذلك ولا ضمان عليه، وإن لم يكن مشهودا به عليه أو كان مما يقبل قوله في رده
كان ضامنا.
ولو ادعى من له الأمانة على من هي عنده أنه طلبها ومنعه مختارا ولا بينة له كان على
المدعى عليه اليمين ولا ضمان عليه إن حلف، ولو أقر بالأمانة ثم جحدها أو بالعكس
56

ضمنها، وإن جحدها ثم أقام بها ربها عليه بينة فقال: صدقت كنت رددتها، أو تلفت قبل
الجحد، لم يقبل قوله مع يمينه وإن أقام بينة بذلك لم يسمع، فإن لم يجحد لكنه قال: لا يستحق
على شئ قبل قوله مع يمينه لأنه لم يكذبها.
وإذا أمره بالدفع من دينه فأنكر من الدين له ولا بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه
ويرجع على الموكل ويرجع الموكل على الوكيل لتفريطه في ترك الإشهاد إلا أن يكون
بحضرة الموكل، وإن أمره بإيداع عين لفلان فأنكر فلان ولا بينة فلا ضمان على الوكيل،
والقول قول فلان، والوكيل مع يمينهما ويضيع المال.
وإذا وكل في الشراء بالعين فاشترى في الذمة وقع له دون موكله، وإن وكله في الشراء في
الذمة فاشترى بالعين لم يصح لموكله.
وإذا تصرف الوكيل فلبس الثوب أو ركب الدابة ضمن، فإن باعه وسلمه إلى
المشتري برئ من ضمانه لأن الوكالة اقتضت أمانة وتصرفا باذنه فإذا بطلت الأمانة بقي
الإذن، ولو وكل في الشراء فتعدى في الثمن ثم شرى به وسلمه برئ فإن أذن الموكل
لوكيله أن يبيع من نفسه جاز، وقيل: لا يجوز، وإذا وكله شخص في بيع الثوب وآخر في
شرائه لم يصح، ولو وكل الخصمان واحدا فيها لم يصح.
وإذا ادعى أنه وارث دين الميت لا سواه فاعترف من عليه الدين بذلك لزمه الدفع إليه
لإقراره أن الدفع مبرئ فإن ادعى الحوالة عليه بالدين واعترف فكذلك وفيه احتمال لجواز
أن يجحد المحيل فلا يبرأ به إقباض المدعي، وإن ادعى توكيل ذي حق له في قبضه فاعترف
الغريم بالوكالة أو في قبض وديعة واعترف الودعي بالإذن لم يجبر على التسليم في
الموضعين، وقيل: يجبر فيهما، وقيل: يجبر في الدين دون العين فإذا قدم الغائب فأنكر غرم
الغريم ولا رجوع للغريم وصاحب الدين على مدعي الوكالة، وإن كانت عينا فتلف في يد
مدعي الوكالة رجع على أيهما شاء، وإذا ادعى الموكل أن الوكيل شرعي السلعة له فأنكر
الوكيل فالقول قوله مع يمينه ولا عبرة بوزن دراهم الموكل في ثمن السلعة.
وتثبت الوكالة بشاهدين ولا تثبت بشاهد وامرأتين ولا بشاهد أو المرأتين مع اليمين،
وإذا شهد شاهد أنه وكله يرم الخميس وآخر أنه وكله يوم الجمعة لم يتم البينة، ولو شهد
57

أحدهما أنه أذن له في التصرف وآخر أنه وكله جاز لأنهما لم يحكيا لفظه، ولو شهدا بإقراره
بها في وقتين جاز.
وتقبل شهادة الوكيل على موكله وله في غير ما وكله فيه، فإن شهد له بعد في ما كان
وكل وخاصم فيه لم يكن خاصم قبلت، وإذا شهد شاهدان أن الغائب وكله فقال
الخصم: أحلف معهما، لم يكلف اليمين. فإن قال: أحلف أنه لم يعزلك بعلمك فعليه يمين
علم، فإن ادعى الغريم أن الموكل أبرأه أو وفاه لم يسمع دعواه إلا ببينة، فإن ادعى على
الوكيل العلم حلفه يمين علم.
وإذا وكل من له الحق من هو عليه في إبراء نفسه صح، فإن وكله في إبراء غرمائه وكان
منهم قيل: لا يجوز إبراؤه نفسه، كما لو وكله في تفرقة ثلثه في الفقراء وهو منهم وروى أصحابنا
جواز أخذه معهم، ويجوز أن يشترى العبد نفسه من مولاه وأن يتوكل العبد لغيره في شراء
نفسه من مولاه، ومن وكله غيره في عقد أو إيقاع فاسدين لم يملك النيابة عنه في
الصحيحين.
58

قواعد الأحكام
المقصد السادس: في الوكالة وفصوله ثلاثة
الأول: في أركانها: وهي أربعة:
الأول: العقد:
وهو ما يدل على استنابة في التصرف، ولا بد فيه من إيجاب دال على القصد
كقوله: وكلتك أو استنبتك أو فوضت إليك أو بع أو اشتر أو أعتق، ولو قال:
وكلتني، فقال: نعم أو أشار بما يدل على التصديق كفى في الإيجاب، ومن قبول
إما لفظا كقبلت أو رضيت وشبهه أو فعلا كما لو قال: وكلتك في البيع، فباع.
ولا يشترط مقارنة القبول بل يكفي، وإن تأخر نعم يشترط عدم الرد منه فلو رد
انفسخ العقد، ويفتقر في التصرف إلى تجديد الإيجاب مع علم الموكل ويجب أن
تكون منجزة، فلو جعلها مشروطة بشرط متوقع أو وقت مترقب بطلت، نعم لو نجز
الوكالة وشرط تأخير التصرف إلى وقت أو حصول شرط جاز كأن يقول: وكلتك
الآن ولا تتصرف إلا بعد شهر، وإذا فسد العقد لتعلقها على الشرط احتمل تسويغ
التصرف عند حصوله بحكم الإذن، وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع
إلى الأجرة.
الثاني: الموكل:
ويشترط فيه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، فلا يصح توكيل
59

الصبي وإن كان مميزا أو بلغ عشرا مطلقا على رأي، ولا المجنون ولو عرض بعد
التوكيل بطلت الوكالة، ولا توكيل القن إلا بإذن المولى إلا في ما لا يتوقف على
الإذن كالطلاق والخلع، ولا الوكيل إلا بإذن موكله صريحا أو فحوى مثل اصنع
ما شئت، والأقرب أن ارتفاع الوكيل عن المباشرة واتساعه وكثرته بحيث يعجز عن
المباشرة إذن في التوكيل معنى، فحينئذ الأقرب أنه يوكل في ما زاد على ما يتمكن منه
لا الجميع، ولا المحجور عليه إلا في ما لا يمنع الحجر تصرفه فيه كالطلاق والخلع
واستيفاء القصاص.
ولا يوكل المحرم في عقد النكاح محرما ولا محلا ولا في ابتياع الصيد،
وللمكاتب أن يوكل وللمأذون له في التجارة في ما جرت العادة بالتوكيل فيه،
وللأب والجد أن يوكلا عن الصغير والمجنون وللحاضر أن يوكل في الطلاق على رأي
وللحاكم أن يوكل عن السفهاء من يباشر الحكومة عنهم، ويكره لذوي المروءات
مباشرة الخصومة ويستحب لهم التوكيل، وللمرأة أن توكل في النكاح وللفاسق في
تزويج ابنته وولده إيجابا وقبولا، وليس سكوت السيد عن النهي عن تجارة عبده
إذنا له فيها والأقرب بطلان الإذن بالإباق.
وكل موضع للوكيل أن يوكل فيه فليس له أن يوكل إلا أمينا إلا أن يعين
الموكل غيره، ولو تجددت الخيانة وجب العزل، وكذا الوصي والحاكم إذا ولى
القضاء في ناحية، وإذا أذن الموكل في التوكيل فوكل الوكيل آخر كان الثاني وكيلا
للموكل لا ينعزل بموت الأول ولا بعزله ولا يملك الأول عزله، وإن أذن له أن
يوكل لنفسه جاز وكان الثاني وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله وموت الموكل،
وللأول عزله.
الثالث: الوكيل:
ويشترط فيه البلوغ والعقل فلا يصح وكالة الصبي ولا المجنون والأقرب جواز
60

توكيل عبده، ويستحب أن يكون تام البصيرة عارفا باللغة التي يحاور بها، ويصح أن
يكون الوكيل فاسقا ولو في إيجاب النكاح أو كافرا أو عبدا بإذن مولاه وإن كان
في شراء نفسه من مولاه أو في إعتاق نفسه، وأن يكون امرأة في عقد النكاح وطلاق
نفسها وغيرها وأن يكون محجورا عليه لسفه أو فلس، ولا يصح أن يكون محرما في
عقد النكاح وشراء الصيد وبيعه وحفظه، ولا معتكفا في عقد البيع، ولو ارتد
المسلم لم تبطل وكالته، ولا يصح أن يتوكل الذمي على المسلم لذمي ولا لمسلم
ويكره أن يتوكل المسلم للذمي على المسلم، وللمكاتب أن يتوكل بجعل مطلقا
وبغيره بإذن السيد.
وإذا أذن لعبده في التجارة لم يكن له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره، ولو
عين له التجارة في نوع لم يجز التجاوز عنه، ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو
أطلق لم يجز لأحدهما التفرد بشئ من التصرف وإن كان في الخصومة، ولو مات
أحدهما بطلت الوكالة وليس للحاكم أن يضم إلى الباقي أمينا وكذا لو غاب، ولو
وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما، ولو شرط لهما الانفراد جاز لكل منهما
أن يتصرف من غير مشاورة صاحبه في الجميع.
والأقرب جواز وكالة الواحد عن المتخاصمين وعن المتعاقدين فيتولى طرفي
العقد حتى في استيفاء القصاص من نفسه والدين منه والحد فلو وكله شخص ببيع
عبد وآخر بشراء عبد جاز أن يتولى الطرفين، ولو وكل زوجته أو عبد غيره ثم طلق
الزوجة أو أعتق العبد لم تبطل الوكالة، ولو أذن لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه
أو باعه بطل الإذن لأنه ليس على حد الوكالة بل هو إذن تابع للملك ويحتمل بقاء
وكالته لو أعتقه، ولو وكل عبد غيره ثم اشتراه لم تبطل وكالته.
الركن الرابع: متعلق الوكالة: وشروطه ثلاثة:
الأول: أن يكون مملوكا للموكل فلو وكله على طلاق زوجة سينكحها أو عتق
61

عبد سيملكه أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح، وكذا لو وكل المسلم ذميا في شراء خمر
أو بيعه أو المحرم محلا في ابتياع صيد أو عقد نكاح أو الكافر مسلما في شراء مسلم
أو مصحف ولا يشترط استقرار الملك، فلو وكل في شراء من ينعتق عليه صح، ولو
قال: اشتر لي من مالك كر طعام، لم يصح لأنه لا يجوز أن يشترى الانسان بما له
ما يملكه غيره، ولو قال: اشتر لي في ذمتك واقض الثمن عني من مالك، صح ولو
قال: اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ويبرأ بالتسليم إلى البائع.
الثاني: أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع والحوالة والضمان والشركة
والقراض والجعالة والمساقاة والنكاح والطلاق والخلع والصلح والرهن وقبض
الثمن والوكالة والعارية والأخذ بالشفعة والإبراء والوديعة وقسمة الصدقات
واستيفاء القصاص والحدود مطلقا في حضور المستحق وغيبته وقبض الديات
والجهاد على وجه وإثبات حدود الآدميين لا حدوده تعالى، وعقد السبق والرمي
والكتابة والعتق والتدبير والدعوى وإثبات الحجة والحقوق والخصومة وإن لم
يرض الخصم وسائر العقود والفسوخ، والضابط كل ما لا غرض للشارع فيه في
التخصيص بالمباشرة من فاعل معين.
أما ما لا يدخله النيابة فلا يصح التوكيل فيه وهو كل ما تعلق غرض الشرع
بإيقاعه من المكلف به مباشرة كالطهارة مع القدرة وإن جازت النيابة في تغسيل
الأعضاء مع العجز، والصلاة الواجبة ما دام حيا وكذا الصوم والاعتكاف والحج
الواجب مع القدرة والنذر واليمين والعهد والمعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل
أحكامها تلزم متعاطيها، والقسم بين الزوجات لأنه يتضمن استمتاعا والظهار
واللعان وقضاء العدة، وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالالتقاط
والاصطياد والاحتشاش والاحتطاب نظر، ولا يصح التوكيل في الشهادة إلا على
وجه الشهادة على الشهادة ولا في كل محرم، وفي التوكيل على الإقرار إشكال، فإن
أبطلناه ففي جعله مقرا بنفس التوكيل نظر.
62

الثالث: أن يكون معلوما نوعا ما من العلم لينتفي عظم الغرر، فلو وكله في
شراء عبد افتقر إلى وصفه لينتفي الغرر ويكفي لو قال: عبدا تركيا وإن لم يستقص
بالوصف، ولو أطلق فالأقرب الجواز، ولو قال: وكلتك على كل قليل وكثير، لم
يجز لتطرق الغرر وعدم الأمن من الضرر، وقيل يجوز وينضبط التصرف بالمصلحة،
ولو قال: وكلتك بما إلى من تطليق زوجاتي وعتق عبيدي وبيع أملاكي، جاز.
ولو قال: بما إلى من كل قليل وكثير فإشكال، ولو قال: بع مالي كله واقبض
ديوني كلها، جاز وكذا: بع ما شئت من مالي واقض ما شئت من ديوني، ولو
قال: اشتر عبدا بمائة أو اشتر عبدا تركيا، فالأقرب الجواز.
والتوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرأ عنه، ولو قال: أبرئه من
كل قليل وكثير، جاز ولا يشترط علم الوكيل ولا علم من عليه الحق، ولو قال:
بع بما باع به فلان سلعته، استدعى علم الوكيل بالمبلغ أو الموكل، ولو وكله
بمخاصمة غرمائه جاز وإن لم يعينهم.
الفصل الثاني: في أحكامها: ومطالبه خمسة:
الأول: في مقتضيات التوكيل:
إطلاق الإذن في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد إلا ما يتغابن
الناس بمثله، فليس له أن يبيع بدونه أو بدون ما قدره أو عين، ولو حضر من يزيد
على ثمن المثل فالأقرب أنه لا يجوز بيعه بثمن المثل، ولو حضر في مدة الخيار ففي
وجوب الفسخ إشكال، وله أن يبيع على ولده وإن كان صغيرا على رأي لا على
نفسه إلا أن يأذن الموكل فله أن يتولى الطرفين، وإطلاق الإذن في الشراء يقتضي
ابتياع الصحيح دون المعيب بثمن المثل بنقد البلد حالا لا من نفسه.
والتوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع إلى المشتري، ولا يملك الإبراء من
الثمن ولا قبضه لكن هل له أن يسلم المبيع من دون إحضار الثمن؟ إشكال
63

الأقرب المنع، فيضمن لو تعذر قبض الثمن من المشتري، ولو دلت قرينة على
القبض ملكه بأن يأمره ببيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو في موضع يضيع
الثمن بترك قبض الوكيل له، وليس له بيع بعضه ببعض الثمن إلا مع القرينة كما
لو أمره ببيع عبدين، ولو نص على وحدة الصفقة لم يجز له التجاوز وله حينئذ أن
يشترى من المالكين صفقة.
ولو وكله في الشراء ملك تسليم ثمنه وقبض المبيع كقبض الثمن، ولو وكله
في التزويج كان له أن يزوجه ابنته وله الرد بالعيب مع الإطلاق ومع التعيين
إشكال، فإن رضي المالك لم يكن له مخالفته، ولو استمهله البائع حتى يحضر الموكل
لم يلزم إجابته، فإن ادعى رضا الموكل استحلف الوكيل إن ادعى علمه على نفي
العلم، ولو رده فحضر الموكل وادعى الرضا وصدقه البائع بطل الرد إن قلنا بالعزل
وإن لم يعلم الوكيل لأن رضاه به عزل للوكيل عن الرد، ولو رضي الوكيل بالعيب
فحضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدقه البائع على الوكالة أو قامت البينة وإلا
ثبت الثمن على الوكيل.
الثاني: في تنصيص الموكل:
لا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل صريحا أو عرفا، فلو
وكله في التصرف في وقت معين لم يكن له التصرف قبله ولا بعده، ولو عين
المكان تعين مع الغرض كأن يكون السوق معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أو حله
أو صلاح أهله أو مودة بين الموكل وبينهم وإلا فلا، ولو عين المشتري تعين ولو
أمره بالبيع بأجل معين تعين، ولو أطلق احتمل البطلان للجهالة والصحة لتقييده
بالمصلحة.
ولو وكله في عقد فاسد لم يملكه ولا الصحيح، ولو أمره بالشراء بالعين أو في
الذمة تعين، ولو أطلق أو خيره تخير ولو عين النقد أو النسيئة تعين، ولو أطلق حمل
64

على الحلول بنقد البلد فإن تعدد فالأغلب فإن تساويا تخير، ولو باعها نقدا بما له
بيعها نسيئة مع تعيين النسيئة صح البيع إلا مع الغرض كالخوف على الثمن وشبهه،
ولو اشترى نسيئة بما أمره به نقدا صح إلا مع الغرض كخوفه أن يستضر ببقاء الثمن
معه.
ولو وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها أو أطلق فباع نصفه بثمن المثل
للجميع صح وله بيع الآخر وكذا لو أمره ببيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها، ولو
وكله في شراء عبد معين بمائة فاشتراه بخمسين صح إلا أن يمنعه من الأقل، ولو
قال: اشتره بمائة لا بخمسين، فاشتراه بأقل من مائة وأزيد من خمسين أو أقل من
خمسين صح، ولو قال: اشتر نصفه بمائة، فاشترى أكثر منه بها صح ولو قال: اشتر
لي عبدا بمائة، فاشترى مساويها بأقل صح ولو قال: اشتر لي شاة بدينار، فاشترى
شاتين ثم باع إحديهما بالدينار فالوجه صحة الشراء ووقوف البيع على الإجازة
ولو أمره بشراء سلعة معينة فاشتراها فظهر فيها عيب فالأقرب أن للوكيل الرد
بالعيب، ولو قال: بع بألف درهم، فباع بألف دينار وقف على الإجازة، وليس
التوكيل بالخصومة إذنا في الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء، ولو وكله على الصلح عن
الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل، ولو صالح على خنزير أو أبرأ
فإشكال، وليس للوكيل بالخصومة أن يشهد لموكله فيها إلا إذا عزل قبل الخصومة.
ولو وكل اثنين بالخصومة ففي انفراد كل منهما إشكال، ولو وكله في الخصومة
لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره في مجلس الحكم وغيره، ولو أذن له
في تثبيت حق لم يملك قبضه وكذا بالعكس، ولو وكله في بيع شئ أو طلب شفعة
أو قسمة لم يملك تثبيته، ولو قال: اقبض حقي من فلان، فله القبض من وكيله
لا من وارثه لو مات، ولو قال: اقبض حقي الذي على فلان، كان له مطالبة
الوارث، ولو أذن لعبده في عتق عبيده أو لغريمه في إبراء غرمائه أو حبسهم أو
لزوجته في طلاق نسائه فالأقرب دخول المأذون.
65

المطلب الثالث: في حكم المخالفة:
إذا خالفه في الشراء، فإن اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح إن أطلق ويقع
له إن لم يجز الموكل، وإن أجاز فالأقرب وقوعه له، وإن أضاف الشراء للموكل
وقف على الإجازة وإن اشترى بالعين وقف على الإجازة، فإن فسخ الموكل بطل ثم
إن صدقه البائع أو ثبت بالبينة وجب عليه رد ما أخذه وإلا حلف وضمن الوكيل
الثمن المدفوع، ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة، ولو أذن له في الشراء بالعين
فاشترى في الذمة كان له الفسخ، ولو انعكس احتمل اللزوم لأن إذنه في عقد
يوجب الثمن مع تلفه يستلزم الإذن في عقد لا يوجب الثمن إلا مع بقائه والبطلان
مع المخالفة، وتعلق الغرض وهو تطرق الشبهة في الثمن أو كراهة الفسخ بتلف
العين، ولو باع بدون ثمن المثل وقف على الإجازة وكذا لو اشترى بأكثر منه.
ولو أذن له في تزويج امرأة فزوجه غيرها أو زوجه بغير إذنه فالأقرب الوقوف
على الإجازة، فإن أجاز صح العقد وإلا فلا والأقرب إلزام الوكيل بالمهر أو نصفه
مع ادعاء الوكالة، أما لو عرفت الزوجة أنه فضولي فالوجه سقوط المهر مع عدم الرضا
ولو وكله في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب صح وكل تصرف خالف الوكيل فيه
الموكل فحكمه حكم تصرف الأجنبي.
وإذا وكله في الشراء فامتثل وقع الشراء عن الموكل وينتقل الملك إليه لا إلى
الوكيل، فلو اشترى أبا نفسه لم ينعتق عليه، وإذا باع بثمن معين ملك الموكل
الثمن، وإن كان في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة، وثمن ما اشتراه في الذمة
يثبت في ذمة الموكل وللبائع مطالبة الوكيل إن جهل الوكالة، وحينئذ لو أبرأه لم يبرأ
الموكل، وإذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل، وإن علم
وقف على الإجازة مع النسبة وإلا قضى على الوكيل، وإن كان بغبن وعلم لم يقع
عن الموكل إلا مع الإجازة وإن جهل فكذلك، وكل موضع يبطل الشراء للموكل
فإن سماه عند العقد لم يقع عن أحدهما وإلا قضى به على الوكيل ظاهرا.
66

المطلب الرابع: في الضمان:
الوكيل أمين لا يضمن ما يتلف في يده إلا مع تعد أو تفريط ويده يد أمانة في
حق الموكل فلا يضمن وإن كان بجعل، وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في
يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره إلا مع الطلب وإمكان الدفع،
ولا يضمن مع العذر فإن زال وأخر ضمن، ولو وعده بالرد ثم ادعاه قبل الطلب لم
يسمع منه إلا أن يصدقه الموكل وفي سماع بينته إشكال، ولو لم يعده لكن مطله
برده مع إمكانه ثم ادعى التلف لم يقبل منه إلا بالبينة.
ولو أمره بقبض دينار من مال مودع فقبض دينارين فتلفا فللمالك مطالبة من
شاء بالزائد، ويستقر الضمان على الوكيل والأقرب ضمان المأذون فيه، ولو كان
من مال الدافع لم يكن له مطالبة الباعث بأكثر من الدينار ويطالب الرسول بالزائد،
ولو أمره بقبض دراهم من دين له عليه فقبض الرسول دنانير عوضها، فإن أخبره
الرسول بالإذن في الصرف ضمن الرسول وإلا فلا.
ولو وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع، ولو أنكر
الآمر الدفع إلى المودع فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه في ما وكل فيه،
ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقضاء ضمن على إشكال، وكل من في
يده مال غيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بقبضه
سواء قبل قوله في الرد أو لا وسواء كان بالحق بينة أو لا، وإذا أشهد على نفسه
بالقبض لم يلزمه دفع الوثيقة.
وإذا باع الوكيل ما تعدى فيه برئ من الضمان بالتسليم إلى المشتري لأنه
تسليم مأذون فيه وكان كقبض المالك، وإذا وكله في الشراء ودفع إليه الثمن فهو
أو الموكل المطالب به، وإن لم يسلم إليه وأنكر البائع كونه وكيلا طالبه وإلا
فالموكل، ولو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق البائع
أو الوكيل أو الموكل الجاهلين ويستقر الضمان على البائع. وهل للوكيل الرجوع على
67

الموكل؟ إشكال، ولو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده فخرج المبيع مستحقا
رجع المشتري على الوكيل مع جهله ويستقر الضمان على الموكل وإلا فعليه.
المطلب الخامس: في الفسخ:
الوكالة عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخها، ويبطل بموت كل واحد منهما
أو جنونه أو إغمائه أو الحجر على الموكل لسفه أو فلس في ما يمنع الحجر التوكيل فيه،
ولا يبطل بفسق الوكيل إلا في ما يشترط فيه أمانته كولي اليتيم وولي الوقف على
المساكين وكذا ينعزل لو فسق موكله، أما وكيل الوكيل عن الموكل فإنه ينعزل بفسقه
لا بفسق موكله، ولا يبطل بالنوم وإن طال زمانه ولا السكر ولا بالتعدي مثل أن
يلبس الثوب أو يركب الدابة وإن لزمه الضمان، فإذا سلمه إلى المشتري برئ من
الضمان ولو قبض الثمن لم يكن مضمونا، فإن رد المبيع عليه بعيب عاد الضمان
لانتفاء العقد المزيل له على إشكال.
وتبطل بعزل الوكيل نفسه في حضرة الموكل وغيبته وبعزل الموكل له سواء
أعلمه العزل أو لا على رأي، وبتلف متعلق الوكالة كموت العبد الموكل في بيعه،
وكذا لو وكله في الشراء بدينار دفعه إليه فتلف أو ضاع، أو اقترضه الوكيل وتصرف
فيه سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا لأنه وكله في الشراء به، ومعناه أن ينقده
ثمنا قبل الشراء وبعده، ولو عزل الوكيل عوضه دينارا واشترى به وقف على
الإجازة، فإن أجازه وإلا وقع عن الوكيل، ولو وكله في نقل زوجته أو بيع عبده أو
قبض داره من فلان فثبت بالبينة طلاق زوجته وعتق العبد وبيع الدار بطلت
الوكالة.
وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة وما ينافيها مثل أن يوكله في طلاق
زوجته ثم يطأها فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك، وكذا لو فعل ما يحرم
على غير الزوج بخلاف التوكيل في بيع سريته، ولو وكله في بيع عبد ثم أعتقه عتقا
68

صحيحا أو باعه كذلك بطلت الوكالة، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه
ومع جهله إشكال، والأقرب في التدبير الإبطال، ولو بلغ الوكيل الوكالة فردها
بطلت وافتقر فيها إلى تجديد عقد، وله أن يتصرف بالإذن مع جهل الموكل ومع
علمه إشكال، وجحد الوكيل الوكالة مع العلم بها رد لها على إشكال لا مع الجهل أو
غرض الإخفاء، وصورة العزل أن يقول الموكل: فسخت الوكالة أو نقضتها أو أبطلتها
أو عزلتك أو صرفتك عنها، أو ينهاه عن فعل ما أمره به، وفي كون إنكار الموكل
الوكالة فسخا نظر.
الفصل الثالث: في النزاع: وفيه بحثان:
الأول: في ما تثبت به الوكالة:
وهو شيئان: تصديق الموكل وشهادة عدلين ذكرين، ولا تثبت بتصديق
الغريم ولا بشهادة النساء ولا بشاهد وامرأتين ولا بشاهد ويمين، ولا بد من
اتفاقهما، فلو شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة أو أنه وكله بلفظ عربي والآخر يوم
السبت أو بالعجمية لم يثبت ما لم ينضم إلى شهادة أحدهما ثالث، ولو شهد أحدهما
بلفظ وكلتك والآخر استنبتك أو جعلتك وكيلا أو جريا، فإن كانت الشهادة على
العقد لم تثبت وإن كانت على الإقرار ثبتت، ولو قال أحدهما: أشهد أنه وكله،
وقال الآخر: أشهد أنه أذن له في التصرف، تثبت لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل.
ولو شهد أحدهما أنه وكله في البيع والآخر أنه وكله وزيدا أو أنه لاتبعه
حتى تستأمر زيدا لم يتم الشهادة، ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده والآخر
في بيع عبده وجاريته ثبت وكالة العبد، فإن شهد باتحاد الصفقة فإشكال، وكذا
لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد والآخر في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو، ولو
شهدا بوكالته ثم قال أحدهما قد عزله، لم تثبت الوكالة، ولو كان الشاهد بالعزل ثالثا
ثبتت الوكالة دونه، وكذا لو شهدا بالوكالة وحكم بها الحاكم ثم شهد أحدهما
69

بالعزل ثبتت الوكالة دون العزل والأقرب الضمان، ولو شهدا معا بالعزل ثبت،
ولا تثبت الوكالة بخبر الواحد ولا العزل، ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب
ويقبل شهادته على موكله وله في ما لا ولاية له فيه، ولو شهد المالكان بأن زوج
أمتهما وكل في طلاقها لم يقبل، وكذا لو شهدا بالعزل ويحكم الحاكم بعلمه فيها.
البحث الثاني: في صور النزاع: وهي ستة مباحث:
أ: لو اختلفا في أصل الوكالة قدم قول المنكر مع يمينه وعدم البينة سواء كان
المدعي هو الوكيل أو الموكل، فلو ادعى المشتري النيابة وأنكر الموكل قضي على
المشتري بالثمن سواء اشترى بعين أو في الذمة إلا أن يذكر في العقد الابتياع له
فيبطل، ولو زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر وألزم الوكيل المهر
وقيل النصف وقيل يبطل العقد ظاهرا، ويجب على الموكل الطلاق أو الدخول مع
صدق الوكيل، نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه أجمع عليه ويحتمل نصفه، ثم
المرأة إن ادعت صدق الوكيل لم يجز أن تتزوج قبل الطلاق ولا يجبر الموكل على
الطلاق، فيحتمل تسلط المرأة على الفسخ أو الحاكم على الطلاق.
ولو زوج الغائب بامرأة لادعائه الوكالة فمات الغائب لم ترثه إلا أن يصدقها
الورثة أو تثبت الوكالة بالبينة، ولو ادعى وكالة الغائب في قبض ما له من غريم
فأنكر الغريم الوكالة فلا يمين عليه، ولو صدقه وكانت عينا لم يؤمر بالتسليم، ولو
دفع إليه كان للمالك مطالبة من شاء بإعادتها، فإن تلفت ألزم من شاء مع إنكار
الوكالة ولا يرجع أحدهما على الآخر، وكذا لو كان الحق دينا على إشكال إلا أنه
لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل لأنه لم ينتزع عين ماله إذ لا يتعين إلا
بقبضه أو قبض وكيله، وللغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريط،
ولا درك لو تلفت بغير تفريط، وكل موضع يجب على الغريم الدفع لو أقر يلزمه
اليمين لو أنكر.
70

ولو ادعى أنه وارث صاحب الحق فكذبه حلف على نفي العلم، وإن صدقه
على أن لا وارث سواه لزمه الدفع، ولو ادعى إحالة الغائب عليه وصدقه احتمل
قويا وجوب الدفع إليه وعدمه لأن الدفع غير مبرئ لاحتمال إنكار المحيل، ولو قال
الغريم للوكيل: لا تستحق المطالبة، لم يلتفت إليه لأنه تكذيب لبينة الوكالة على
إشكال، ولو قال: عزلك الموكل، حلف الوكيل على نفي العلم إن ادعاه وإلا فلا،
وكذا لو ادعى الإبراء أو القضاء.
ب: أن يختلفا في صفة التوكيل بأن يدعي الوكالة في بيع العبد أو البيع بألف
أو نسيئة أو في شراء عبد أو بعشرة، فقال الموكل: بل في بيع الجارية أو بألفين أو
نقدا أو في شراء جارية أو بخمسة، قدم قول الموكل مع اليمين، فلو ادعى الإذن في
شراء الجارية بألفين فقال: بل أذنت في شراء غيرها أو فيها بألف، وحلف فإن
كان الشراء بالعين بطل العقد إن اعترف البائع أن الشراء لغيره أو بمال غيره، وإلا
حلف على نفي العلم إن ادعاه الوكيل عليه فيغرم الوكيل الثمن للموكل، ولا يحل له
الجارية لأنها مع الصدق للموكل ومع الكذب للبائع فيشتريها ممن هي له في
الباطن، فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأمر صاحبها ببيعها برفق وليس له جبره
عليه.
فإن قال: إن كانت الجارية لي فقد بعتكها، أو قال الموكل: إن كنت أذنت
لك في شرائها بألفين فقد بعتكها، فالأقرب الصحة لأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا
يضر جعله شرطا، وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا
وقوفه، وإن اشترى في الذمة صح الشراء له، فإن كان صادقا توصل إلى شرائها من
الموكل، فإن امتنع إذن الحاكم في بيعها أو بعضها وتوفية حقه من ثمنها ولو اشتراها
الوكيل من الحاكم بما له على الموكل جاز.
ولو ادعى الإذن في البيع نسيئة قدم قول الموكل مع يمينه ويأخذ العين، فإن
تلفت في يد المشتري رجع على من شاء بالقيمة، فإن رجع على المشتري رجع على
71

الوكيل بما أخذ منه من الثمن، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع في
الحال بل عند الأجل بأقل الأمرين من الثمن والقيمة، ولو ادعى الإذن في البيع
بألف فقال: إنما أذنت بألفين، حلف الموكل ثم يستعيد العين ومع التلف المثل أو
القيمة على من شاء، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدقه، وإن رجع
على الوكيل رجع الوكيل عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه.
ج: أن يختلفا في التصرف كأن يقول: تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق،
فيقول الموكل: لم تتصرف بعد، فالأقرب تقديم قول الوكيل لأنه أمين وقادر على
الانشاء والتصرف إليه، ويحتمل تقديم قول الموكل للأصل الدال على عدم إلزام
الموكل بإقرار غيره، ولو قال: اشتريت لنفسي أو لك، قدم قوله مع اليمين ولو قال:
اشتريت بمائة، فقال الموكل: بخمسين، احتمل تقديم قول الوكيل لأنه أمين والموكل
لأنه غارم، والوكيل إن كان الشراء بالعين لأنه الغارم لما زاد على الخمسين،
والموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه الغارم.
د: أن يختلفا في الرد، فلو ادعى الوكيل رد العين أو رد ثمنها قدم قول الموكل
على رأي وقول الوكيل إن كان بغير جعل على رأي، ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم
ثبت ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم تسمع بينته ويقبل قول الوصي في
الانفاق بالمعروف لا في تسليم المال إلى الموصى له، وكذا الأب والجد له والحاكم
وأمينه لو أنكر الصبي بعد رشده بالتسليم إليه، والشريك والمضارب ومن حصلت
في يده ضالة.
ه‍: أن يختلفا في التلف، فلو ادعى الوكيل تلف المال أو تلف الثمن الذي
قبضه فكذبه الموكل قدم قول الوكيل مع اليمين، وكذا الأب والجد والحاكم وأمينه
وكل من في يده أمانة ولا فرق بين السبب الظاهر والخفي، ولو قال بعد تسليم
المبيع قبضت الثمن وتلف في يدي قدم قوله لأن الموكل يجعله خائنا بالتسليم قبل
الاستيفاء، ولو ظهر في المبيع عيب رده على الوكيل دون الموكل لأنه لم يثبت وصول
72

الثمن إليه والأقرب رده على الموكل، ولو قال قبله قدم قول الموكل لأن الأصل بقاء
حقه، ولو أقر بقبض الدين من الغريم قدم قول الموكل على إشكال.
و: أن يختلفا في التفريط أو التعدي فالقول قول الوكيل.
73

اللمعة الدمشقية
كتاب الوكالة
وهي استنابة في التصرف: وإيجابها: وكلتك واستنبتك أو الاستيجاب والإيجاب
والأمر بالبيع والشراء، وقبولها قولي وفعلي. ولا يشترط فيه الفورية فإن الغائب يوكل،
ويشترط فيها التنجيز، ويصح تعليق التصرف وهي جائزة من الطرفين، ولو عزله اشترط
علمه، ولا تكفي الإشهاد، وتبطل بالموت والجنون والإغماء والحجر على الموكل فيما
وكل فيه لا بالنوم وإن تطاول ما لم يؤد إلى الإغماء، وتبطل بفعل الموكل ما تعلقت به
الوكالة.
وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد وكذا في الشراء ولو
خالف فضولي، وإنما تصح الوكالة فيما لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه
كالعتق والطلاق والبيع لا فيما يتعلق كالطهارة والصلاة الواجبة في الحياة، ولا بد من
كمال المتعاقدين وجواز تصرف الموكل وتجوز الوكالة في الطلاق للحاضر كالغائب ولا
يجوز للوكيل أن يوكل إلا مع الإذن صريحا أو فحوى كاتساع متعلقها وترفع الوكيل عما
وكل فيه عادة.
ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة عارفا باللغة التي يحاور بها، وتستحب
لذوي المروءات التوكيل في المنازعات، ولا تبطل الوكالة بارتداد الوكيل، ولا يتوكل
المسلم للذمي على المسلم على قول، ولا الذمي على المسلم لمسلم، ولا لذمي قطعا وباقي
الصور جائزة وهي ثمان، ولا يتجاوز الوكيل ما حد له إلا أن يشهد العادة بدخوله
كالزيادة في ثمن ما وكل في بيعه والنقيصة في ثمن ما وكل في شرائه.
74

وتثبت الوكالة بعدلين، ولا يقبل فيها شهادة النساء منفردات ولا منضمات، ولا
تثبت بشاهد ويمين ولا بتصديق الغريم، والوكيل أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو
التفريط، ويجب عليه تسليم ما في يده إلى الموكل إذا طولب به، فلو أخر مع الإمكان
ضمن وله أن يمتنع حتى يشهد، وكذا كل من عليه حق وإن كان وديعة، والوكيل في
الوديعة لا يجب عليه الإشهاد بخلاف الوكيل في قضاء الدين وتسليم المبيع، ولو لم يشهد
ضمن.
ويجوز للوكيل تولي طرفي العقد بإذن الموكل، ولو اختلفا في أصل الوكالة حلف
المنكر، وفي الرد حلف الموكل وقيل: الوكيل، إلا أن يكون بجعل. وفي التلف حلف
الوكيل، وكذا في التفريط والقيمة. ولو زوجه امرأة بدعوى الوكالة فأنكر الزوج حلف
وعلى الوكيل نصف المهر ولها التزويج، ويجب على الزوج الطلاق إن كان وكل ويسوق
نصف المهر إلى الوكيل، وقيل: يبطل ظاهرا ولا غرم على الوكيل. ولو اختلفا في تصرف
الوكيل حلف، وقيل: الموكل. وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به
السلعة.
75

كتاب الغصب
77

المسائل الناصريات
المسألة الثانية والثمانون والمائة:
من اغتصب بيضة فحضنها فأخرجت فرخا، أو حنطة فزرعها فنبتت فالفرخ
والزرع لصاحبها دون الغاصب هنا صحيح وإليه يذهب أصحابنا والدليل عليه الاجماع
المتكرر وأيضا فإن منافع الشئ المغصوب لمالكه دون الغاصب لأنه بالغصب لم يملكه
فما تولد من الشئ المغصوب فهو للمالك دون الغاصب وهذا صحيح.
المسألة الثالثة والثمانون والمائة:
ومن اغتصب أرضا فزرعها فعليه أجرتها ونقصانها وتسليم عينها إلى صاحبها
هذا صحيح وهو مذهبنا وبمثله صرح الشافعي لأنه قال: إذا غصب رجل فزرعها ببذر من
عنده فالزرع للغاصب لأنه غير ماله وإنما تغيرت صفته واختلفت فيجب على الغاصب
أرش ما نقصت الأرض بالزراعة إن حصل بها نقص لأن ذلك حصل بفعله وعليه
أجرة مثلها مدة مقامها في يده لأنه قد انتفع بها بغير حق فصار غاصبا للمنفعة فلزمه
ضمانها وأما إذا غصب أرضا ولم يزرعها وأقامت في يده مدة فعليه ضمان نقص إن حدث
بها وعليه ضمان أجرة مثله أيضا لأنه قوت صاحبها منفعتها بغير حق وهذه الوجوه التي
ذكرها الشافعي في الدلالة على صحة ما ذهبنا إليه واضحة ويدل على صحة مذهبنا زائد على
ذلك الاجماع المتقدم ذكره.
79

المسألة الرابعة والثمانون والمائة:
إذا تلف المغصوب في يد الغاصب وكان من ذوي الأمثال فعليه أكثر قيمته في
أيام كونه في يده الذي نذهب إليه أن المغصوب إذا كان تلف في يد الغاصب وكانت له
أمثال موجودة ورضي المغصوب أن يأخذ المثل كان على الغاصب أن يعطيه ذلك
وإلا فالقيمة وقد روي أنه يلزمه أكثر قيمته أيام الغصب وإنما قيل ذلك احتياطا
واستظهار إلا أنه إذا اختلف قيمته في أيام الغصب فالأولى أن يأخذ بالأزيد للاحتياط
والاستظهار.
80

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالغصب
مسألة: إذا جنى انسان على حمار القاضي جناية لا تسري إلى نفسه هل يستوي هو
وحمار الحطاب أو الزبال أو ما جرى مجرى ذلك في أرش العيب أم لا؟
الجواب: الحماران في ذلك سواء وليس لحمار القاضي في ذلك مزية على حمار غيره لأن
الأصل براءة الذمة والقدر الذي ذكرناه متفق على لزومه على من يدعي الزياد على ذلك
الدليل.
مسألة: إذا غصب انسان جارية لغيره فزادت في يده بصنعة أو بسمن أو تعلم
قرآن وازداد بذلك ثمنها ثم ذهب ذلك في يده مثل أن يكون نسيت الصنعة والقرآن أو
هزل بعد السمن حتى عادت على ما كانت عليه وقت الغصب، هل عليه ضمان ذلك أم
لا؟
الجواب: على الغاصب ضمان هذه الزيادة لأنها حدثت في يده مضمونة وإذا زالت
وهي يده كان عليه الضمان.
مسألة: إذا غصب جارية حاملا فأسقط أو حائلا فحملت عنده ونقص ذلك من
ثمنها، هل عليه ضمان ذلك أم لا؟
الجواب: عليه ضمان ما نقص، لأن ذلك حدث عنده مضمونا كما قلناه في المسألة
المتقدمة على هذه المسألة سواء.
مسألة: إذا غصب جارية تساوى مائة، وسمنت فصارت تساوى ألفا وتعلمت
81

القرآن أو صنعة، فصارت تساوى ألفين ما الذي يجب عليه؟
الجواب: الذي يجب على الغاصب ردها إلى مالكها مع ألف وتسعمائة لأن ذلك
زيادتان يضمن كل واحدة منهما على الانفراد، فإذا اجتمعتا ضمنا.
مسألة: إذا غصب جارية سمينة، قيمتها لفرط سمنها مائة، فهزلت وحسنت،
فصارت تساوى ألفين ولم ينقص من قيمتها شئ، ما الذي يجب عليه؟
الجواب: الذي يجب عليه ردها إلى مالكها على ما هي عليه، ولا يلزمه غير ذلك
لأنه لم ينقص منها شئ له قيمة فيضمن ذلك.
مسألة: إذا غصب جارية قيمتها ألف، فسمنت فعادت إلى مائة، ثم هزلت
فصارت تساوى الألف، ما الواجب عليه؟
الجواب: عليه ردها إلى مالكها بحالها ولا يلزمه غير ذلك لأنه لم ينقص منها ما له
قيمة فيضمنها كما قلناه في المسألة المتقدمة.
مسألة: إذا غصب مملوكا يساوى مائة فخصاه فصار يساوى ألفين. ما الحكم
فيه؟
الجواب: عليه رده إلى مالكه ويرد معه قيمة الخصيتين لأنه ضمان مقدر.
مسألة: إذا غصب جارية بكرا أو ثيبا ووطئها وأتت بولد. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا وطئها وهما جاهلان بالتحريم، مثل أن يكونا قريبي عهد بالإسلام أو
لبعدهما عن ديار الاسلام ويعتقدان الملك بالغصب، فإنه لا حد عليهما لقول النبي ص
: ادرؤوا الحدود بالشبهات والمهر واجب على الواطئ، لأنه وطء بشبهة. فإن كانت
بكرا، كان عليه عشر قيمتها، وإن كانت ثيبا لم يلزمه غير المهر، وعليه أجرة مثلها من وقت
القبض إلى وقت الرد، لأن المنافع يضمن بالغصب. فأما الولد فيلحق نسبه بالواطئ لأنه
أحبلها بوطئ شبهة فيكون الولد حرا وإذا وضعته كان عليه ما نقصت بالوضع، لأنها مضمونة
باليد الغاصبة ولأن سبب النقص منه، فلزمه ضمان ذلك وإذا وضعته كان عليه قيمته لأنه
كان من حقه أو يكون مملوكا لسيدها فإذا حررناه كان عليه قيمته ووقت التقويم يوم يسقط فيه
حيا، لأنه الوقت الذي حال بين السيد وبين التصرف فيه لأنه قبل ذلك لم يملك التصرف،
82

وإن وضعته ميتا لم يكن عليه ضمان لأنه لا يعلم حيا قبل هذا، ولأنه ما حال بينه وبين سيده
في وقت التصرف، وإن كانا عالمين بالتحريم كان عليهما الحد لأن ذلك منهما زنا. فإن كانت
بكرا كان عليه عشر قيمتها، وهو أرش البكارة، لأنه أتلف عليه جزءا وعليه أجرة مثلها من
وقت القبض إلى وقت الرد، وإن أكرهها كان عليه المهر، لأن المكرهة لها المهر عندنا، وإن
طاوعته لم يكن مهر، لأنها زانية، وإن حملت وأتت بولد لم يلحق بالنسب، لأنه عاهر، لقول
النبي ص: وللعاهر الحجر، ولأنها حملت من زنا، وإذا وضعت الولد كان عليه
ما نقصت بالولادة وإن وضعته حيا كان مملوكا مغصوبا في يده مضمونا، وإن كان قائما رده وإن
كان تالفا كان عليه قيمته أكثر ما كانت من وقت قيمته الوضع إلى وقت الطلب وإن وضعته
حيا يلزمه قيمته وإن كانت هي عالمة بالتحريم وهو جاهل فيه كالحكم في كونهما جاهلين إلا في
الحد وسقوطه عنها ولزوم المهر. فإن كانت جاهلة وهو عالم فالحكم فيه كما لو كانا عالمين إلا في
سقوط الحد عنها ولزوم المهر.
مسألة: إذا غصب انسان ثوبا وشقه نصفين، وتلف أحدهما. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا فعل الغاصب ذلك، كان عليه رد ما بقي من الثوب، وقيمة التالف
أكثر ما كانت قيمته إلى وقت التلف، لأنه لو أتلف جميعه كانت قيمته عليه أكثر مما كانت
قيمته إلى وقت التلف، فإن كانت الثوب مما لا ينقص بالشق كالثياب الغليظة، رد الباقي
وقيمة التالف فإن كان الثوب مما ينقص بذلك كله يبقي والمسرب وما أشبه ذلك كان
عليه رد الباقي وقيمة التالف أكثر ما كانت قيمته إلى وقت الشق وما ينقص بالشق، لأن
نقصانه بذلك كان بجنايته عليه وكذلك يضمن كلا الأمرين.
مسألة: إذا غصب عصيرا فصار خمرا، ثم عاد بعد ذلك خلا، ما الذي يلزمه؟
الجواب: الذي يلزمه رد ذلك، ولا يلزمه غيره، لأنه عين المال المغصوب.
مسألة: إذا غصب غيره خفين قيمتهما عشرة، وتلف أحدهما، فصارت قيمة
83

الباقي ثلاثة، ما الذي يجب عليه؟
الجواب: الذي يجب على الغاصب رد فردة الخف الباقية إلى المالك ويرد معها
سبعة منها قيمة التالف خمسة، ومنها اثنان نقصان التفرقة.
مسألة: إذا غصب أرضا لغيره وغرس فيها، ما الذي يجب عليه من ذلك؟
الجواب: يلزمه نقل ما غرسه في الأرض منها، وردها إلى مالكها فارغة لقول النبي
ص: ليس لعرق ظالم حق ويلزمه أجرة مثلها من وقت قبضها إلى وقت
ردها إلى مالكها لأن المنافع تضمن بالغصب ويلزمه ما ينقص الأرض بقلع ما أنبته فيها
وتسويتها كما كانت، لأن ما يفسده منها بذلك إنما فسد بجنايته.
مسألة: إذا غصب جارية، وهلكت في يده، واختلف هو ومالكها في قيمتها وقال
سيدها مائة، وقال الغاصب خمسون. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك قول الغاصب مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة ولقول النبي
ص: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والغاصب منكر
والقول قوله مع يمينه وعلى سيدها البينة لما ذكرناه.
مسألة: إذا غصب غيره شيئا واختلفا، فقال المالك غصبتني عبدا أو جارية،
وقال الغاصب بل غصبتك ثوبا. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول قول الغاصب مع يمينه لمثل ما قدمناه قبل هذه المسألة ولأن
الغاصب معترف بما لا يدعيه المدعي وهو الثوب وهو ينكر ما ادعى عليه من العبد، أو
الجارية فالقول قوله. كما ذكرناه وعلى المدعي البينة على ما يدعيه من العبد والجارية.
مسألة: إذا غصب غيره جارية وهلكت في يده واختلف هو ومالكها فقال
الغاصب كانت جذماء أو برصاء وقال المالك كانت سليمة من العيوب. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك قول المالك مع يمينه لأن الأصل السلامة والغاصب مدع
لخلاف الظاهر فعليه البينة.
مسألة: المسألة بعينها إذا اختلفا فيها فقال المالك، كانت تقرأ القرآن أو كانت
صانعة، وأنكر الغاصب ذلك. ما الحكم فيه؟
84

الجواب: القول قول الغاصب مع يمينه لأن الأصل أن لا قراءة ولا صنعة، وعلى
مالكها البينة لأنه مدع لذلك.
مسألة: إذا غصب غيره مالا بطرابلس الشام، واجتمع به في مكة هل يجوز له
مطالبته به أم لا؟
الجواب: إذا كان هذا المال ما لا مؤنة في نقله كالدنانير والدراهم فإنه لا مؤنة
بمجرى العادة في نقلها كان له مطالبته بالمال، وإن كان مما في نقله مؤنة وله مثل كالحبوب
والأدهان وكانت القيمتان في البلدين سواء، كان له مطالبته بذلك بالنقل، لأنه لا مضرة عليه
في ذلك. وإن كانت القيمتان مختلفتين فالحكم في ما له مثل وفي ما لا مثل له سواء
فللمغصوب منه إما أن يأخذ من الغاصب بمكة قيمته بطرابلس وإما أن يترك ذلك حتى
يستوفيه منه بطرابلس من الغاصب لأن في النقل مؤنة والقيمة مختلفة وليس له المطالبة
بالفضل.
مسألة: إذا غصب من غيره ثوبا وزعفرانا، وصبغ الثوب بذلك الزعفران. ما
الحكم فيه؟
الجواب: إذا فعل الغاصب ذلك كان المغصوب منه مخيرا بين أن يأخذه كذلك
وبين أن يعتبر فيه التقويم، وإن أراد أخذ على ما هو عليه، كان له ذلك لأنه رضي به نقص أو لم
ينقص فإن اعتبر التقويم فقوم فلم يزد ولم ينقص مثل أن يكون قيمة الثوب عشرة وقيمة
الزعفران عشرة وكان الثوب بعد الصبغ تساوى عشرين لم يكن للمصبوغ منه شئ غير
ذلك. وإن نقص فصار ذلك مثلا يساوى خمسة عشر فعليه ضمان ما ينقص لأنه نقص
بفعله. وإن زاد فصارت قيمته ثلاثين، كانت الزيادة للمالك وليس للغاصب منها شئ،
لأنها آثار أفعال لا أعيان أملاك.
مسألة: إذا غصب غيره عسلا وشيرجا أو سمنا ودقيقا وعقد ذلك. ما الحكم
فيه؟
الجواب: القول في هذه المسألة كالقول في المتقدمة لها سواء.
مسألة: إذا غصب غيره نقرة فضربها دراهم أو حنطة فطحنها. ما الحكم في ذلك؟
85

الجواب: إذا فعل الغاصب ذلك كان عليه رد ذلك إلى المالك لأنها عين ماله ولا
يلزم رد ما نقص.
مسألة: إذا غصب غيره خشبة فنشرها ألواحا، ما الذي يجب عليه في ذلك؟
الجواب: إذا فعل ذلك، كان عليه رد الألواح إلى المالك لأنها عين ماله وإن نقصت
قيمة الخشب بذلك، كان عليه أرش النقص. وإن لم ينقص لم يكن عليه شئ. وإذا زادت
القيمة، كانت للمالك.
مسألة: إذا غصب من غيره شاة وأمر غيره بذبحها، فذبحها هل له المطالبة
الآمر بها أو الذابح أو بهما جميعا؟
الجواب: إن شاء مالك الشاة أخذها مذبوحة، أخذها وكان له ذلك وله ما بين
قيمتها حية أو مذبوحة، ويطالب بذلك من شاء منهما. وإن طالب الغاصب، كان له ذلك لأنه
سبب الذبح وإن طالب الذابح، كان ذلك أيضا له لأنه باشر الذبح بنفسه، وإن طالب
الغاصب لم يكن له رجوع على الذابح بشئ، لأن الذابح إنما ذبحها له، وإن طالب الذابح
كان للذابح مطالبة الغاصب لأنه ناب ذلك عنه وكانت يده يد نيابة عنه في ذلك.
مسألة: إذا غصب غيره طعاما وأطعمه غيره، ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا كان الآكل له مالكه وهو عالم به برئت ذمة الغاصب منه. وإن كان
الآكل له غير مالكه، كان للمالك أن يضمن من شاء منهما وإن ضمن الغاصب كان له ذلك،
لأنه حال بينه وبين ماله وإن طالب الأكل كان له ذلك لأنه أكل مال غيره بغير حق، ولأنه
أيضا قبضه من يد ضامنه.
مسألة: إذا غصب غيره حطبا وقال المغصوب منه: أشجر به التنور وأخبز الخبز
به، هل يزول الضمان عن الغاصب له أم لا؟ الجواب: ضمان ذلك لازم له ولا يزول الضمان عنه، بلا خلاف.
مسألة: إذا فتح انسان مراحا لغنم فخرجت منه، ودخلت زرعا فأفسدته، هل
ضمان الزرع على الذي فتح المراح أو على مالك الغنم.
الجواب: ضمان ذلك على فاتح المراح بلا خلاف.
86

مسألة: إذا حل راوية أو رأس زق فاندفق ما فيه. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الذي في الرواية أو في الزق مائعا كالدهن والخل وما أشبه ذلك
وكان خروجه بحله مثل أن يكون قد ألقي على الأرض وليس يمسكه غير الشد، كان عليه
الضمان بغير خلاف، لأنه خرج بفعله. وإن جرى بعد الحل بسبب كان منه مثل أن يكون
مستندا معتدلا فلما حل جرى بعضه، فخف هذا الجانب وثقل جانب الآخر، فوقع فاندق إذ
تدل ما جرى إلى تحته فلانت الأرض ومالت، لذلك فوقع فاندفق ما فيه كان عليه الضمان
أيضا لأنه بسببه، وإن اندفق بعد حله بفعل حدث مثل أن يكون مستندا محله فبقي كذلك
محلولا على ما كان عليه وحدث ما حركه من زلزلة أو ريح، فوقع فاندفق، فإن السبب
يسقط حكمه، لأنه قد حصلت مباشرة وسبب غير ملجئ، فسقط حكم ذلك بغير خلاف،
وإن كان ما فيه جامدا كالعسل والسمن والدقيق، وكان الزق أو الراوية على صفة لو كان
فيه مائعا لم يخرج، وبقي بحاله فذاب ما فيه واندفق بسبب آخر، لم يكن عليه ضمان، وإن
كان على صفة أو كان ما فيه مائعا خرج ثم ذاب بحرارة الشمس وخرج، كان عليه الضمان
لأن خروجه بسبب كان منه، لأنه حل الزق أو الراوية ولم يحدث بعد الحل مباشرة من غيره،
وإنما ذاب بحرارة الشمس وإذا لم يحدث فعل بعد حله كان خروجه بسبب فعله.
مسألة: إذا أدخلت شاة رأسها في قدر باقلائي ولم يمكن اخراجه منها، هل يقطع
رأسها أم لا؟
الجواب: إذا كانت يد صاحب هذه الشاة عليها ذبحت ولم يكسر القدر، لأن
التفريط في ذلك من صاحبه، ويجري ذلك مجرى مباشرته هو لإدخال رأسها في القدر، في أنه
يجب ما ذكرناه لأن التفريط منه. وإن لم يكن يده عليها وكان الباقلائي مفرطا، مثل أن وضع
القدر في الطريق فإن القدر يكسر، ولا ضمان على صاحب الشاة في كسرها لأن التفريط من
جهته وإن لم يكن واحدا منهما مفرطا، مثل أن تكون الشاة سائرة لنفسها في الطريق وقد
ترك الباقلائي في القدر في ملكه، ومرت الشاة بالقدر فأدخلت رأسها فيها فإن القدر يكسر
والضمان على صاحب الشاة لأنها كسرت لاستصلاح ماله.
مسألة: إذا كان للإنسان فصيل فدخل دارا، وبقي فيها، حتى كبر وصار لا يمكن
87

خروجه من باب الدار إلا بهدمه. ما الحكم فيه؟
الجواب: إن كان التفريط في ذلك من صاحب الدار مثل أن غصبه وأدخله داره
وبقي فيها حتى صار كبيرا، وجب هدم الباب وإخراجه، وكان ضمان الهدم على صاحب
الدار، لأن التفريط من جهته، وإن كان التفريط من صاحب الفصيل مثل أن يكون هو
أدخله فيها فضمان هدم الباب عليه، لأن التفريط منه ولأن هدم الباب لمصلحة ملكه، وإن لم
يكن واحد منهما مفرطا كان الضمان في هدم الباب على صاحب الفصيل، لأن هدمه يكون
لمصلحة ملكه.
مسألة: إذا حصل في محبرة انسان دينارا لغيره ولم يكن اخراجه إلا بكسرها، ما
الحكم فيه؟
الجواب: جواب هذه المسألة كالجواب عما تقدمناه في التفريط وغيره سواء.
مسألة: إذا دخل سارق حرزا فذبح به شاة قيمتها دينار فلما ذبحها صارت
تساوى درهمين، ثم أخرجها، ما حكمه في القطع وغيره؟
الجواب: إذا أخرجها وهي تساوى درهمين لم يكن عليه قطع، لأن القطع إنما يجب
باخراج نصاب أو قيمة ذلك وهذا اخراج ما قيمته أقل من النصاب، فلا قطع عليه وأما
الباقي ففي ذمته، ولا تقطع أيضا بما يكون في ذمته.
مسألة: إذا غصب فحلا من الضأن فأنزاه على شاة لنفسه، ما الحكم في الولد، وفي
نقص الفحل إن لحقه نقص بذلك، وهل يستحق على ذلك أجرة أم لا؟
الجواب: إذا فعل الغاصب ذلك كان الولد لصاحب الشاة، لأن الولد يتبع الأم فأما
نقص الفحل إن لحقه نقص من الضراب فضمان ذلك على الغاصب لأنه حدث بتعديه فأما
الأجرة فساقطة، لأن النبي ص نهى عن كسب الفحل.
مسألة: إذا غصب شاة فأنزى عليها فحلا لنفسه وأتت بولد، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا فعل ذلك كان الولد لصاحب الشاة على ما قلنا قبل هذه المسألة وإن
كان الفحل قد لحقه بالضراب نقص لم يكن على مالك الشاة من ذلك شئ، لأنه حدث
بتعدي نفسه، وما كان كذلك فلا يصح أن يرجع به على غيره.
88

مسألة: إذا ادعى انسان دارا في يد غيره فاعترف ذلك الغير له بدار مبهمة، ولم
يعينها ومات قبل أن يعينها، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا ادعى ذلك واعترف له المدعى عليه بدار مبهمة ومات قبل أن يعينها،
قيل لوارثه: بين أنت الدار. فإذا امتنع ولم يبين، قيل للمدعي: بين أنت الدار فإن عين دارا
وقال هذه هي التي ادعيتها وهي التي أقر لي بها المتوفى، سئل الوارث عن ذلك فإن صدقه
سلمت الدار إليه وإن لم يصدقه كان القول قول الوارث مع يمينه، فإذا حلف سقط تعيين
المدعي في الدار التي عينها وقيل للوارث: إن أنت بينت الدار التي أقر بها أبوك وإلا حبست
حتى يتبين ذلك.
مسألة: إذا غصب غيره مملوكا ثم أعاده إلى مالكه وهو أعور، واختلفا فقال مالك
العبد أصيبت عينه عندك، وقال الغاصب بل عندك، وكان العبد حيا، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك كان القول قول الغاصب مع يمينه لأنه غارم، وإن كان
ميتا وقد دفن، كان القول قول سيده مع يمينه إنه لم يكن أعور، والفرق بين الوجهين أنه إذا
مات ودفن والأصل السلامة حتى يعرف عيب وكان القول قول سيده مع يمينه وليس كذلك
إذا كان حيا، لأن العور حاصل مشاهد والظاهر أنه لم يزل حتى يعرف حدوثه عند الغاصب.
مسألة: إذا غصب غيره مملوكا ومات المملوك، ثم اختلفا فقال الغاصب رددته
حيا ومات في يدك وقال سيده للغاصب بل مات في يدك، وأقام كل واحد منهما بينة
وتقابلت البينتان، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا تقابلت البينتان سقطتا وبقيتا على الأصل وهو بقاء المملوك عنده حتى
يعلم أنه رده إلى مالكه.
مسألة: إذا غصب غيره عبدا قيمته ألف فزاد في يده وصار يساوى ألفين، ثم قتله
انسان آخر وهو في يد الغاصب، هل لسيد العبد الرجوع بالألفين الذين هما قيمة العبد،
على الغاصب أو على القاتل أو عليهما أو لا يرجع على أحد منهما؟
الجواب: للسيد الرجوع بقيمة العبد على من شاء منهما، فإن رجع على الغاصب،
رجع الغاصب على القاتل لأن الضمان استقر عليه أيضا.
89

مسألة: إذا غصب غيره عبدا أمردا فنبت لحيته فنقص ثمنه أو كان رجلا شابا
فابيضت لحيته أو جارية ناهدا فسقط ثدياها هل عليه ضمان ما نقص من ذلك أم لا؟
الجواب: عليه ضمان ذلك لأنه نقصان حصل في يده. وأيضا فإن بالتزام ذلك تبرأ
ذمته بيقين، فالاحتياط يقتضي إلزامه.
مسألة: إذا غصب لثلاثة رجال ثلاثة أجناس عسل وشيرج ودقيق وطبخ الجميع
خبيصا. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا فعل ذلك وجب أن يقوم كل واحد من هذه الأجناس ويباع ويدفع
ثمنه إلى صاحبه، فإن أراد الكل ذلك أخذ كل واحد منهم من هذا الخبيص يعتمد بقيمة ما
له.
90

المهذب
كتاب حظر الغصب والتعدي
وتحريم ذلك معلوم من جهة العقل والشرع، فأما من جهة العقل فهو معلوم من
استحقاق الذم لمن غصب مال غيره وتصرف فيه بغير إذنه وتعدى عليه فيه، وهذا وغيره
مما يدل على ذلك قد تضمنه كتب الأصول ولا معنى لإيراد كل ذلك هاهنا لأن ذكره
في كتب الأصول أولى من ذكره في كتاب من كتب الفروع، وأما من جهة الشرع
فإجماع المسلمين منعقد على حظره وتحريمه وقول الله سبحانه: لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم والغصب لا يكون عن تراض من صاحب
المال المغصوب منه والغاصب له، وروي عن رسول الله ص أنه قال:
لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، وروي أيضا عنه ص
قال: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وروي أيضا عنه ص أنه قال: من
أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين.
فإذا كان حظر ذلك وتحريمه ثابتا بما ذكرناه فكل من كان له مال فهو أحق به
وبالتصرف فيه من غيره ولا يحل لغيره أن يأخذ منه إلا ما أعطاه صاحبه عن طيب
نفس منه، ومن أخذ مال غيره بغير طيب نفس منه وجب رده عليه إن كان باقيا، فإن
كان تالفا كان عليه عوضه أو قيمته على ما يأتي تفصيله، فإن لم يعرف صاحبه أودعه في
بيت مال المسلمين إلى أن يحضر صاحبه أو وارثه ويأخذه، فإن كان زمانه سلاطين
الجور وولادته تصدق به عنه وكان عليه القيام لصاحبه بالعوض إن حضر ولم يرض
91

بالصدقة وعليه مع ذلك النقل إليه من جنسه لذلك عنه والتوبة إلى الله سبحانه منه.
فأما تفصيل أحكام ذلك فعلى ما نذكره: إذا غصب انسان غيره شيئا من الأدهان
والأقطان والتمور والحبوب والثمار والجلود التي ليس فيها ماء وما يجري مجرى ذلك
وجب عليه رده على صاحبه إن كان باقيا على ما قدمناه، وإن كان تالفا وجب عليه
المثل لأن ذلك مما له مثل، فإن أعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة، فإن لم
يقبض القيمة حتى مضت مدة اختلف القيمة فيها كان له القيمة في وقت القبض
لا وقت الإعواز.
فإن لم تكن العين تالفة فيحكم فيها بما ذكرناه وكانت موجودة فجنى عليها جناية
نقصت منها شيئا أو غصب تمرا أو طعاما فتسوس وجب عليه أرش ما نقص وليس يجب
عليه هاهنا مثل لأن ما نقص ليس له مثل وكان الضمان عليه بالأرش دون غيره، فإن
غصب ما لا مثل له وكان من جنس الأثمان ولا صنعة فيه مثل النقرة كان عليه قيمة
ما أتلف من غالب نقد المصر ثم نقد المصر إما أن يكون من جنسه أو من غير جنسه، وإن
كان من غير جنسه وذلك مثل أن يتلف فضة وغالب نقد المصر دنانير أو يتلف ذهبا
وغالب النقد دراهم فعليه قيمته من غالب النقد، فإن كان غالب النقد من جنسه
وذلك مثل أن يتلف فضة وغالب النقد دراهم، فإن كان الوزن والقيمة سواء أخذ
وزنها من غالب وإن اختلفا وكانت القيمة أكثر من وزنها من غالب نقد المصر أو أقل من
وزنها كان له قيمتها، إلا أنه لا يتمكن من أخذ ذلك من غالب نقد المصر لأنه ربا لكن
يقوم بغير جنسه ويأخذ قيمته ليسلم من ذلك ويأخذ تمام حقه.
وإن كان فيه صنعة وكان مما استعماله مباح مثل حلي النساء والخواتيم الفضة
للرجال وأشبه ذلك وكان وزنها مثلا مائة وقيمتها لأجل الصنعة مائة وعشرون، فإن
كان نقد المصر من غير جنسها قومت به لأنه لا ربا فيه، وإن كان غالب هذا النقد من
جنسها مثل أن يكون ذهبا وغالب النقد نصف قيمتها قومت بغير جنسها ليسلم من
الربا فيكون الوزن بحد الوزن والفضل في مقابلة الصنعة لأن للصنعة قيمة، أ لا ترى أنه
92

يصح الاستئجار على تحصيلها ولأنه لو كسره انسان فعادت قيمته إلى مائة كان عليه
أرش النقص، وإن كان مما استعماله حرام مثل أواني الذهب والفضة فإن الصنعة
تسقط وتكون كالتي لا صنعة فيها وقد تقدم ذكر ذلك.
وإن كان من غير جنس الأثمان كالثياب والحديد والرصاص والخشب والعقار
وما جرى مجرى ذلك من الأواني كالصحاف وغيرها كان ذلك مضمونا بالقيمة، فإن
أتلف شيئا من ذلك كان عليه قيمته، فإن تراخي وقت القبض لم يجب عليه إلا القيمة
التي تثبت في ذمته في حال الإتلاف اختلف القيمة أم لم تختلف وسواء كان اختلافها
متساويا أو متباينا، فإن جنى على شئ من ذلك جناية أتلفت بعضه مثل أن يكون آنية
كسرها أو ثوبا خرقه كان عليه القيمة فيما نقص لا غير.
وإذا غصب حيوانا فإما أن يكون آدميا أو غير آدمي، فإن كان غير آدمي فهو
كالدواب وما لا مثل له فإن أتلفها فكمال القيمة، وإن جنى عليها ففيه قيمة ما نقص بعد
اندمالها فيكون عليه قيمة ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال، وهو
جاري مجرى الثياب سواء إلا في أن الجناية على الثوب لا تسري إلى ما فيه والجناية على
البهيمة تسري إلى نفسها، وإن كان الحيوان آدميا وكان حرا فقتله كان عليه ديته، وإن
جنى عليه جناية وكان فيها مقدر فذلك المقدر وإن لم يكن فيها مقدر كان فيها حكومة
وهي أن يقوم لو كان عبدا ليس به جناية ثم يقوم وبه جناية فيلزمه بحساب ذلك.
وإن كان عبدا فقتله كان عليه قيمته فإن زادت هذه القيمة على دية الحر لم يجب
عليه هذه الزيادة، فإن مثل به كان عليه قيمته وانعتق عليه وإن جنى عليه جناية دون
التمثيل وكان لهذه الجناية في الحر أرش مقدر كالأطراف والعينين والموضحة وما أشبه
ذلك ففيه مقدار أيضا من أصل قيمته بحساب قيمته كما تضمن من الحر ديته، فأما
الحارصة والباضعة ففيها بحساب ذلك من دية الحر أيضا لأن هذه عندنا في الحر مقدرة،
وإن لم يكن لها في الحر أرش مقدر كان فيه أرش غير مقدر وهو الفصل بين قيمته
صحيحا من غير جناية وقيمته بعد الجناية واندمالها.
93

وإذا جنى انسان على عبد غيره جناية يحيط أرشها بقيمته مثل أن يقطع يديه أو
رجليه أو يقلع عينيه أو ما جرى مجرى ذلك كان سيده مخيرا بين أن يمسكه ولا شئ له
وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته على كمالها، فإن جنى عليه جناية لا تبلغ قيمته كان
لسيده المطالبة بالأرش مقدرا كان أو غير مقدر - وقد تقدم ذكر ذلك - وتمسكه، فإن
غصب جارية وزادت في يده بصنعة أو قرآن أو علم أو سمن أو ما أشبه ذلك وزاد لذلك
ثمنها ثم ذهب ذلك عنها في يده وعادت إلى صفتها التي كانت عليها في وقت غصبها
وجب عليه ضمان ما نقص في يده وكذلك عليه ضمان ما ينقص منها لو غصبها وهي
حامل أو هي غير حامل ثم حملت في يده أو أسقطت فنقص بذلك ثمنها.
وإذا غصب جارية قيمتها مائة فزادت زيادة السوق وبلغت ألفا ثم رجعت إلى مائة
لم يكن عليه ضمان هذا النقص لأن زيادة السوق غير مضمونة بلا خلاف، وإذا غصبها
وقيمتها مائة فسمنت وبلغت ألفا ثم هزلت حتى رجعت إلى المائة كان عليه ردها مع
ما نقصت وهو تسع مائة، لأن الزيادة حدثت مضمونة، وكذلك لو غصبها وقيمتها مائة
فتعلمت القرآن وبلغت ألفا ثم نسيته ورجعت إلى مائة كان عليه ردها وتسع مائة لأن
الزيادة حصلت مضمونة، فإن هلكت في يده كان عليه ضمانها.
وإذا غصب جارية سمينة مفرطة السمن قيمتها لذلك مائة فهزلت وحسنت
فصارت قيمتها ألفا أو لم ينقص من قيمتها شئ كان عليه ردها ولا شئ عليه وكذلك
لو غصبها وقيمتها ألف فسمنت وعادت إلى مائة ثم هزلت فرجعت إلى ألف ردها ولم
يكن عليه شئ لأنه ما نقص منها ما له قيمة فلم يلزمه ضمان، فإذا غصب عبدا قيمته
مائة فخصاه فبلغ مائتين كان عليه رده وقيمة الخصيتين لأن ضمان ذلك مقدر.
وإذا غصب انسان غيره جارية وباعها من آخر فحدث بها عند المشتري لها عيب
وحضر المغصوب فاستحقها أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها من العيب الحادث في
يد المشتري من الغاصب، فإن أخذه منه لم يرجع على المشتري بشئ إذا كان ذلك
العيب ليس من فعله، وإن رجع على المشتري بالعيب وأخذ ما نقصها منه رجع المشتري
94

بذلك على الغاصب، فإن كان العيب بجناية المشتري عليها كان ما نقصها عليه وإن
كان بجناية أجنبي كان ذلك على الجاني وإن شاء على الغاصب، فإن رجع على
الغاصب رجع الغاصب على الجاني وإن شاء رجع على المشتري ويرجع المشتري على
الجاني.
وإذا غصب غيره جارية وباعها من آخر ثم حضر سيد الجارية فأجاز بيعها بالثمن
كان ذلك جائزا وهو بمنزلة بيع مجدد ويستحق سيد الجارية الثمن، فإن كان الغاصب
قبضه رجع به عليه وإن كان لم يقبضه كان لمالك الجارية في ذمة المشتري وكل ما حدث
بعد إجازة البيع عند المشتري للجارية من ولد أو أرش جناية أو كسب كان ذلك
للمشتري لأن صاحبها قد سلم المبيع إليه، وإن كان لم يسلم ذلك كان جميع ما حدث
بها من ولد أو كسب أو أرش أو وهب لها أو تصدق عليها به للمغصوب منه، فإن كانت
الجارية ماتت ثم سلم مالكها المبيع لم يجز، فإن لم تمت ولم يسلم مالكها المبيع إلا أن
الغاصب اشتراها منه لم يجز البيع الأول، وهكذا لو وهبها سيدها له أو تصدق عليه بها أو
مات فورثها منه.
وكل منفعة تضمن بعقد الإجار فإنها تضمن بالغصب مثل منافع الثياب والعبيد
والدور والدواب، وكل مقبوض عن بيع فاسد لا يملك بالبيع الفاسد ولا ينقل به الملك
بالعقد، فإن وقع القبض لم يملك أيضا به وإذا لم يملك كان مضمونا فإذا كان كذلك
وكان المبيع قائما وجب رده فإن كان تالفا رد بدله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل
رد قيمته إلى البائع لأن البائع دخل على أن سلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه، فإذا
لم يسلم له المسمى وجب الرجوع إلى عين ماله فإن هلكت كان له بدلها، وهكذا عقد
النكاح إذا كان فاسدا يضمن مع الدخول المهر وكذلك الإجارة الفاسدة، فإذا كان
الأمر على ما ذكرناه فالكلام في الأجرة والزيادة في العين.
فأما الأجرة، فإن المبيع إذا لم يكن له منافع تستباح بالإجارة مثل الأشجار والطيور
والغنم لم يضمن الأجرة لأنه ليس لها منافع، وإن كان له منافع تستباح بالإجارة مثل
95

الثياب والعقار والحيوان وما أشبه ذلك كان عليه أجرة المثل مدة بقائها عنده لأن
المشتري دخل على أن يكون له ملك الرقبة والمنافع حادثة في ملكه بغير عوض، فإذا
كان العقد فاسدا كانت المنافع حادثة في ملك البائع لأن المشتري لم يملك الرقبة، فإذا
كانت في ملك البائع والمشتري فقد استوفاها بغير إذن المالك لها بغير حق كان ضامنا
لها، وأما الزيادة فمثل تعليم القرآن والصنعة والسمن وتلك يضمنها القابض والحكم فيها
كالحكم في الغصب وقد تقدم ذكر جملة منه كافية في هذا الباب.
من غصب جارية حاملا كان ضامنا لها ولحملها وكذلك الحكم في ولد المشتراة
شراء فاسدا، فإذا غصب جارية ووطأها وهما جميعا غير عالمين بالتحريم إما لبعد دارهما
من دار الاسلام أو لأن عهدهما بالإسلام قريب وهما يعتقدان الملك بالغصب فإن الوطء
ليس حراما ولا يجب عليهما فيه حد لأنه وطء شبهة، فإن كانت الموطوءة ثيبا لم يلزمه
شئ غير المهر وإن كانت بكرا كان عليه عشر قيمتها وهو أرش البكارة عندنا وكذلك
يلزمه إن أذهب بكارتها بإصبعه، فإن جمع بينهما وجبا معا وعليه أجرة مثلها من حين
القبض إلى حين الرد لأن المنافع كما قدمناه تضمن بالغصب.
فإن أحبلها كان الحكم في المهر والحد والأرش على ما سلف ذكره، فأما الولد فهو
حر ولاحق بالواطئ لأنه أحبلها بوطئ شبهة، فإن وضعت كان ضامنا لما نقصت
بالوضع لأنها مضمونة باليد الغاصبة ولأن سبب النقص منه فوجب عليه لذلك
الضمان، فإن وضعته حيا كان عليه قيمته لأن من حقه أن يكون مملوكا لمولاها فإن
حررناه لزمه قيمته، ووقت التقويم يوم وضعته حيا لأنه الوقت الذي حال بين سيدها
وبين التصرف فيه لأنه قبل ذلك غير مالك للتصرف فيه، وإن وضعته ميتا لم يلزمه
ضمان له لأنه لم يثبت لنا حياة ولا علمناها قبل ذلك وأيضا فإنه ما حال بينه وبين
السيد في وقت التصرف.
فإن كانا عالمين بالتحريم كان الحد عليهما واجبا لأن الوطء منهما زنا، فإن كانت
الموطوءة بكرا كان عليه أرش البكارة وقد ذكرناه فيما تقدم وعليه أجرة مثلها من وقت
96

القبض إلى وقت الرد وعليه المهر إذا كان أكرهها، وإن لم يكن أكرهها لم يلزمه ذلك
لأنها إذا طاوعته في ذلك كانت زانية والزانية لا مهر لها، فإن أحبلها لم يلحق النسب به
لأنه عاهر ويكون الحمل مملوكا لأنها علقت من الزنى فإذا وضعته كان عليه ما نقصت
بالولادة، فإن وضعته حيا فهو مملوك مغصوب في يده مضمون عليه، فإن كان قائما رده
وإن كان تالفا عليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من وقت الوضع إلى وقت التلف، وإن
وضعته ميتا لم يلزمه قيمته ولا غيرها لأنا لا نعلم له حياة كما قدمناه.
فإن كانت المرأة عالمة بالتحريم والرجل غير عالم به وكانت مكرهة فالحكم فيها
كالحكم فيما ذكرناه إذا كانا غير عالمين بالتحريم، وإن كانت مطاوعة له في ذلك
فالحكم فيهما أيضا كالحكم فيهما إذا كانا غير عالمين إلا في الحد عليها، فإن كان الرجل
عالما والمرأة غير عالمة بذلك فالحكم فيه كالحكم إذا كانا عالمين إلا في وجوب المهر عليه
وسقوط الحد عنها، أما وجوب الحد عليها فلأنها عالمة بالتحريم وأما سقوط المهر عنه
فلأنها زانية ولا مهر لزانية.
وإذا غصب انسان من غيره دارا وسكنها أو لم يسكنها ومضت مدة يستحق لمثلها
الأجرة كان ذلك واجبا عليه، وإذا غصبه دابة وركبها أو لم يركبها حمل عليها أو لم يحمل
كان الحكم في أجرتها كما ذكرناه في الدار سواء، وإذا غصب خفين قيمتهما عشرة دراهم
فتلف أحدهما وكانت قيمة الباقي ثلاثة فعليه رد الباقي ويرد معه بسبعة، خمسة منها قيمة
التالف ودرهمان للنقص بالتفرقة لأن التفرقة جناية منه فوجب لذلك ما ذكرناه، وإذا
غصب غيره حملا فصار كبشا رده بعينه ولا يجب عليه بدل الحمل، وإذا غصب عصيرا
فصار خمرا كان عليه قيمة العصير فإن بقي الخمر عنده حتى صار خلا رد الخل ولم يجب
عليه بدل العصير لأن هذا الخل عين ماله.
ومن غصب عقارا كان بيع المالك له لا يصح لأن يده ليست عليه، فإن كان مالكه
محبوسا وباعه كان البيع صحيحا لأن حبسه لا يزيل يده عنه، وإذا هجم على دار غيره
وليس فيها صاحبها كان غاصبا وعليه الضمان وإن كان صاحبها فيها كان عليه ضمان
97

نصفها ولا يملك شيئا منها لأن يد صاحبها لم تزل عنها، وإذا مد انسان زمام ناقة من
موضع إلى موضع ولم يكن صاحبها عليها كان عليه ضمانها وإن كان صاحبها عليها لم
يلزمه ضمانها لأن يد مالكها لم تزل عنها.
وإذا غصب انسان دارا فزوقها أو جصصها كان لصاحبها نقله منها لأنه شغل ملك
غيره بملكه، وإن لم يطالب بذلك فأراد هذا الغاصب النقل كان ذلك له لأن ذلك عين
ماله وضعها في ملك غيره فجاز له نقلها منه، فإن قلع الغاصب ذلك بمطالبته أو غير
مطالبة ولم تنقص الدار عما كانت قبل التزويق والتجصيص عليها كان عليه أجرة المثل
من وقت الغصب إلى وقت الرد وإن نقصت وجب عليه أرش النقص والأجرة جميعا،
فإن طالب مالك الدار بالنقل فقال الغاصب: قد وهبت مالي فيها من تزويق وما أشبه
ذلك لك، لم يلزم صاحبها قبول ذلك منه لأن الأصل براءة الذمة من وجوب قبوله.
وإذا اختلف اثنان فقال أحدهما: غصبتني عبدا، وقال الآخر: غصبتك ثوبا، كان
القول قول الغاصب لأن الغاصب معترف بثوب والمدعي لا يدعيه بل يدعي عبدا
والمدعى عليه ينكر ذلك فكان القول قول المدعى عليه مع يمينه، وإذا اختلف اثنان في
جارية فقال الغاصب: كانت برصاء أو جذماء أو ما أشبه ذلك وأنكر الآخر ذلك كان
القول قول صاحبها مع يمينه لأن الأصل السلامة والغاصب يدعي خلاف الأصل، وإن
اختلفا فقال صاحبها: كانت تقرأ القرآن أو هي صانعة فأنكر الغاصب ذلك كان القول
قول الغاصب لأن الأصل أن لا قراءة ولا صنعة.
وإذا غصب انسان من غيره مالا بمصر فاجتمع به في مكة فطالبه به ولم يكن في نقله
مؤونة مثل الأثمان كان له المطالبة سواء كان الصرف في البلدين متفقا أو مختلفا لأنه
لا مؤونة في نقله في العادة، وإن كان لنقله مؤونة وكان له مثل كالأدهان والحبوب فإن
كانت القيمتان في البلدين متساوية كان له المطالبة بالنقل لأنه لا مضرة في ذلك عليه،
وإن كانت القيمتان مختلفين فالحكم له فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء فللمغصوب منه
إما أن يأخذ من الغاصب بمكة القيمة بمصر وإما أن يترك حتى يقبض منه بمصر لأن في
98

النقل مؤونة والقيمة مختلفة، فإن كان الحق وجب له عن سلم لم يجز له مطالبته به بمكة
لأن عليه أن يوفيه في مكان العقد ولا له مطالبته بالبدل سواء كان لنقله مؤونة أو
لا يكون لنقله ذلك.
وإذا ادعى اثنان على ميت ثوبا فأقام أحدهما بينة بأنه ثوبه اغتصبه الميت إياه وأقام
الآخر بينة بأنه له استودعه الميت وعدلت البينتان أحلفا، فإن حلفا جميعا أقرع بينهما فيه
فمن خرجت له القرعة دفع الثوب إليه، وإذا اختلف اثنان في جبة فقال أحدهما للآخر:
غصبتني هذه الجبة المحشوة، فقال الغاصب: إنما غصبتك الظهارة لا غير، كان القول قول
الغاصب مع يمينه، فإن قال: غصبتك الجبة، ثم قال بعد ذلك: البطانة والحشو لي، لم
يلتفت إلى قوله وكذلك لو قال: غصبتك هذه الدار وهذه الأرض، ثم قال بعد ذلك: لي
فيها جدار أو باب أو في الأرض شجر أو نهر، لم يلتفت إلى قوله.
فإن غصب نصراني من نصراني خمرا واستهلكها كان عليه مثلها فإن أسلما جميعا لم
يجب عليه شئ، فإذا أسلم أحدهما بعد الحكم له بخمر مثلها أو قبل أن يحكم له بها
فإن كان الذي أسلم هو الغاصب كان عليه قيمتها وإن كان المغصوب هو الذي أسلم
بطلت، فإن استهلك مسلم خمر ذمي كان عليه قيمة ذلك عند أهل الذمة.
وإذا غصب انسان غيره ثوبا وصبغه فإن كان الصبغ لصاحب الثوب ولم يزد ولم
ينقص أخذ صاحب الثوب ثوبه فإن زاد بالصبغ كانت الزيادة له وإن نقص كان
ضمان ما نقص على الغاصب لأنه نقص بجنايته، وإن كان الثوب لواحد والصبغ للآخر
لم يزد ولم ينقص كانا فيه شريكين وإن زاد كانت الزيادة لهما وإن نقص وكان النقص
من ناحية الصبغ كان لصاحب الصبغ مطالبة الغاصب بما نقص دون صاحب الثوب
وإن كان النقص من ناحية الثوب كان لصاحبه المطالبة بالنقص دون صاحب الصبغ،
وإن كان صاحب الصبغ الغاصب ولم زد ولم ينقص مثل أن تكون قيمته عشرة وقيمة
الصبغ عشرة وهو بعد الصبغ يساوى عشرين فإنهما يكونان شريكين فيه لأن لكل واحد
منهما عينا قائمة.
99

وإن زاد مثل أن يكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة ويساوى بعد الصبغ
ثلاثين فإن كانت الزيادة لزيادة الثوب والصبغ كان الحكم في ذلك مثل الحكم فيما
لو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فصبغه لم يزد ولم ينقص وأن يكونا
شريكين فيه، فإن كانت الزيادة لزيادة السوق مثل إن غلت الثياب فبلغت قيمة
الثوب عشرين وبقي الصبغ بحاله أو غلا الصبغ فبلغ عشرين وقيمة الثوب بحالها كانت
الزيادة لمن غلت عين ماله وحده لا يشاركه الآخر فيه.
فإن نقص فصار بعد الصبغ يساوى خمسة عشر قد نقص خمسة فتكون من صاحب
الصبغ وحده لأنه إن كان النقص عاد إلى الثوب فقد حدث بجنايته عليه، وإن كان
النقص عاد إلى الصبغ فهو الجاني على صبغ نفسه فيكونان شريكين فيه لصاحب الثوب
ثلثاه ولصاحب الصبغ الثلث، فإن نقص فصار يساوى عشرة فالنقص أيضا على
صاحب الصبغ ولا شركة له فيه.
وإذا غصب انسان غيره طعاما ثم أطعمه إياه والمغصوب منه عالم بأنه طعامه لم يكن
على الغاصب شئ وإن كان لا يعلم أنه طعامه كان عليه مثل الطعام أو قيمته لأنه
بإطعامه له متطوع بذلك، فإن اختلفا فقال المغصوب منه: أكلته وأنا غير عالم بأنه
طعامي فلي عليك مثله أو قيمته، وقال الغاصب: بل أكلته وأنت عالم بأنه طعامك فلا
شئ لك على فيه، كان القول قول المغصوب منه مع يمينه.
وإذا غصب انسان غيره دابة وشعيرا وأطعم الدابة الشعير كان عليه رد الدابة ومثل
الشعير لأنه متطوع بما فعله، وإذا غصب غيره زيتا فخلطه بزيت هو أجود منه أو مثله قيل
للغاصب: إن شئت فادفع إليه زيتا مثل زيته أو ادفع إليه من هذا الزيت مقدار حقه،
وإن كان خلطه بزيت هو شر منه ضمن الغاصب له مثل زيته لأنه قد أتلفه بخلطه له بما
هو شر منه، فإن خلطه بغير زيت مثل أن يكون خلطه بسمن أو عسل أو غير ذلك من
الأدهان المخالفة للزيت كان ضامنا له مثل زيته، فإن غصبه زيتا وأغلاه على النار
فنقص بذلك شيئا كان ضامنا لما نقص بذلك.
100

وإذا غصب من انسان حنطة ومن آخر شعيرا وخلطهما ضمن لكل واحد منهما مثل
ماله من ذلك، وإذا كان عند انسان كر حنطة لرجل وكر شعير لآخر وكان جميع ذلك
وديعة فعدا عليها انسان فخلطهما وهرب فلم يقدر عليه فإن ذلك يباع ويقسم الثمن على
قيمة الحنطة والشعير ويدفع إلى صاحب الحنطة قسط الحنطة وإلى صاحب الشعير قسط
الشعير، فإن كان يمكن تميز أحدهما من الآخر ميز ذلك وأخذ كل واحد منهما ماله فإن
عرض في ذلك نقص لم يكن على المستودع منه شئ، فإن باعا الحنطة والشعير مجازفة
واختلفا في كل ذلك وكان المشتري لهما قد استهلكهما كان القول في الحنطة قول صاحب
الشعير مع يمينه وفي الشعير قول صاحب الحنطة مع يمينه ويقسم الثمن بينهما.
وإذا غصب غيره دقيقا لخلطه بدقيق آخر فالحكم فيه كما ذكرناه في الزيت، وإذا
غصب غيره عسلا وشيرجا أو سمنا ودقيقا ثم عصده كان المغصوب منه مخيرا بين أن
يأخذه بحاله من غير أن يعتبر التقويم فليأخذه فإن زاد أو نقص كان له، وإن اختار التقويم
قوم كل واحد من الثلاثة منفردا فإن لم تزد القيمة بالعمل أخذه ولا شئ له وإن كان
أقل كان له أرش ما نقص وإن زاد بالعمل كان له.
وإذا غصب انسان حنطة فطحنها أو نقرة فضربها دراهم كان عليه رد ذلك، فإن
نقصت النقرة حين ضربها دراهم وكان النقص نقصا في الوزن دون القيمة كان ضامنا
لما نقص من الوزن لأنه أتلف جزء منها وليس عليه شئ مما زاد بالضرب لأنها آثار
وإن كان النقص في القيمة دون الوزن مثل أن ضربها ضربا وحشا كان عليه ما بين
قيمتها غير مضروبة وبينها مضروبة، فإن نقص الأمران جميعا كان عليه ضمانها.
وإذا غصب غيره خشبة ونشرها ألواحا كان عليه ردها إلى صاحبها، فإن زادت
كان ذلك للمالك وإن نقصت كان ضامنا لما نقص، فإن ألف الألواح أبوابا وسمرها
بمسامير للمالك أو من نفس الخشب أو جعل منها أواني قصاعا وما أشبهها كان عليه رد
ما عمل منها، وإن كان قد زاد في قيمته - لأن الزيادة آثار - فإن كان سمرها بمسامير
من عنده كان له قلعها لأنها عين ماله وكان عليه رد الأبواب فإن نقصت بقلع المسامير
101

كان ضامنا لذلك النقص.
وإذا غصب ساجة فبنى عليها أو لوحا فأدخله في سفينة كان عليه رده سواء كان فيه
قلع ما بنى عليه في ملكه أو لم يكن فيه قلع ذلك، فإن خاف على حائط من السقوط فلا
خلاف في أنه يجوز أن يأخذ جذع غيره بغير أمره فيسده به، وإذا كان عليه رد ذلك كما
قدمناه كان عليه أجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد، فإن كانت الساجة قد
نقصت كان عليه أرش النقص لأنه أدخل النقص بفعله، فإن عطفت في البناء وإذا
أخرجها لم ينتفع بها كان عليه قيمتها ولم يجب عليه ردها، لأنها بذلك مستهلكة.
وأما اللوح إذا أدخله في السفينة في البر أو في البحر قريبة من البر كان الحكم فيه
كالحكم الذي ذكرناه في الساجة والبناء سواء، وإن كانت السفينة في لجة البحر وكان
اللوح في أعلاها أو في مكان لا يخاف عليها من الغرق بقلعه كان عليه قلعه ورده إلى
صاحبه، وإن كان في مكان منها إذا قلع غرقت وكان فيها حيوان له حرمة وإن كان قويا
لم يقلع لأنه إن كانت حرمته سقطت في حقه فلم تسقط حرمة الحيوان في نفسه، وإن
رضي بإتلاف نفسه لم يقلع لأنه لا يملك إدخال الضرر على نفسه،
وإن لم يكن فيها حيوان وكان فيها مال لغيره لم يقلع أيضا لأنه لا يملك إدخال الضرر
على غير الغاصب، وإن كان المال للغاصب أو لم يكن له فيها متاع إلا أنه يخاف إن قلع
غرقت السفينة لم يقلع لأنه يمكن إزالة الضرر عن كل واحد منهما عن الغاصب بالتأخير
حتى تقرب من البر، وعن المالك بأن يصبر حتى يصل إليه عين ماله فلا وجه لإسقاط
أحدهما مع القدرة على حفظهما.
وإذا غصب غيره حطبا وقال لصاحبه: أسجر به التنور واخبز كان ضامنا له ولم يزل
عنه الضمان بأمره له أو فعله هو بالحطب ما أمره الغاصب به، وإذا فتح قفصا فيه طيور
أو حل دابة من مربطها ونفر كل واحد منهما حتى ذهب كان عليه ضمانه بغير خلاف،
وأيضا فإنه سبب يلزم الضمان به ويجري مجرى أن يحفر بئرا ثم يدفع فيها بهيمة أو إنسانا
في أنه يكون عليه عندنا ضمانه على كل حال، وإذا أحبس انسان عبده في بيت وأغلقه
102

عليه وجاء انسان ففتح الباب وذهب العبد عقيب الفتح كان عليه ضمانه، وإذا فتح
مراح الغنم فخرجت فدخلت زرع انسان فأفسدته كان ضامنا للزرع.
وإذا حل رأس راوية أو زق فخرج ما في ذلك وكان مائعا مثل الأدهان أو الخل أو
ما أشبه ذلك وكان خروجه لحله مثل إن كان مطروحا على الأرض ليس يمسكه غير شد
رأسه كان عليه الضمان لأنه خرج بفعله، وإن جرى بعد حله بسبب كان منه مثل أن
يكون مستندا فلما حله جرى بعضه وخف جانب وثقل آخر فدفع واندفق أو نزل
ما جرى أولا إلى تحته وبل الأرض فلانت ومال الزق فوقع واندفق ما كان فيه كان عليه
الضمان لأن ذلك كان بسبب منه، فإن اندفق ما فيه بفعل حدث بعد حله مثل إن
كان مستندا فحله وبقي مستندا محلولا على ما هو عليه ثم حدث بعد ذلك ما حركه من
زلزلة أو ريح أو ما جرى مجرى ذلك فسقط واندفق، فإن السبب يسقط حكمه لأنه قد
حصلت مباشرة وسبب غير ملج فسقط حكمه بغير خلاف.
فإن كان ما في الزق جامدا كالسمن أو العسل أو الدقيق أو ما أشبه ذلك وكان على
صفة لو كان ما فيها مائعا لم يخرج وبقي بحاله ثم ذاب فاندفع بسبب آخر فلا ضمان
عليه، وإن كان على صفة لو كان ما فيها مائعا خرج ثم ذاب بحر الشمس أو الضرب
وخرج كان عليه الضمان لأن خروجه بسبب كان عنه لأنه حل الزق ولم يحدث بعد
حله مباشرة من غيره وإنما ذاب بحر الشمس، فإذا لم يحدث بعد الحل فعل كان ذهابه
بسراية فعله.
وإذا غصب شاة فأنزى عليها فحلا لنفسه فاتت بولد كان الولد لصاحب الشاة دون
الغاصب لأن الولد يتبع الأم، فإن كان الفحل قد نقص بذلك لم يكن على صاحب
الشاة ضمان لأن التعدي من صاحبه فلا يرجع به على غيره، فإن كان غصب فحلا
فأنزاه على شاة نفسه كان الولد لصاحب الشاة، وأما أجرة الفحل فلا تلزم الغاصب لأن
كسب الفحل منهي عنه، وإن كان الفحل قد نقص بالضراب كان على الغاصب
الضمان لأنه متعد فيه.
103

وإذا غصب أرضا فزرعها بحب نفسه كان الزرع له دون مالك الأرض لأنه عين ماله
زاد ونما وعليه أجر مثلها من وقت الغصب إلى وقت الرد لأن هذه المنافع مضمونة على
الغاصب كما هي مضمونة بالبيع، فإن نقصت الأرض كان عليه أرش النقص وإن لم
يزرعها كان عليه أجرة المثل من وقت الغصب إلى وقت الرد.
وإذا غصب شجرة فأثمرت كالنخل وما أشبهها كان الثمر لمالك الشجر لأنه عين
ماله زاد ونما، فإن كان رطبا رده بحاله وإن تلف رطبا فعليه قيمته لأن كل رطب من
الثمار كالرطب والعنب والتفاح وما جرى مجرى ذلك إنما يضمن بالقيمة، فإن كان
رطبا فشمسه كان عليه رده إن كان قائما ومثله إن كان تالفا لأن الثمر له مثل، فإذا رد
مثله إن كان تالفا أو رد المشمش بحاله إن كان قائما وكانت قيمته زادت بالشمس أو لم
تزد ولم تنقص عن قيمة الرطب، لم يكن على الغاصب شئ،
وإن نقصت بالتشميس كان ضامنا لما نقص، فأما الشجر فإن كان نقص عنده
كان عليه أرش النقص وأما الأجرة فليس عليه ضمانها، والفرق بين الأرض والشجر أن
منافع الشجر ثمرها وتربيتها إلى وقت إدراكها وهذه المنافع قد رجعت إلى مالكها بكون
نماها له فلهذا لم يضمنها الغاصب كمنافع الغنم، ومنافع الأرض عادت إلى الغاصب
فلهذا كان عليه ضمان أجرتها.
فإن كان الغصب ماشية فنتجت نتاجا كان النتاج لمالكها مثل الثمرة سواء، فإن
كان النتاج قائما كان عليه رده وإن كان تالفا كان عليه رد قيمته، وأما اللبن فعليه مثله
لأنه يضمن بالمثلية كالأدهان والحبوب، وأما الشعر والوبر والصوف فعليه مثلها إن كان
لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل، وإذا كان الخمر والخنزير في يد مسلم فأتلفه متلف
لم يكن عليه ضمان مسلما كان المتلف أو كافرا، فإن كان ذلك في يد ذمي فأتلفه
متلف كان عليه الضمان عندنا مسلما كان المتلف أو كافرا، والضمان هو قيمة الخمر
والخنزير عند مستحليه ولا يضمن ذلك بالمثلية على حال.
وإذا غصب انسان بمصر طعاما ونقله إلى مكة فاجتمع به صاحبه بمكة كان له
104

مطالبته برده إلى مصر لأنه نقله بغير حق ولأن رده يجري مجرى ضمان المثل، فإن قال له
صاحبه: اتركه بمكة ولا ترده لم يجز للغاصب رده لأنه قد خفف عنه مؤونة نقله، فإن قال
للغاصب: عليك الرد إلا أنني لا أكلفك ذلك أعطني أجرة رده إلى مصر، لم يلزم
الغاصب ذلك لأن الواجب عليه هو المنفعة فلا يملك مطالبته بالبدن لأن مع القدرة على
المثل لا يضمن القيمة.
وإذا غصب انسان شيئا من الفواكه التي لا تبقى مثل الموز والتفاح والكمثرى وما
أشبه ذلك فتلف ذلك في يده وتأخرت المطالبة بقيمته كان عليه أكثر ما كانت قيمته
من وقت الغصب إلى وقت التلف، فإذا كان الغصب مما يجري فيه الربا كالأثمان
والمكيل والموزون فجنى عليه جناية استقر أرشها مثل إن كان الغصب دنانير ثم سبكها
أو طعاما فبله فاستقر نقصه كان عليه رده بعينه وعليه ضمان ما نقص.
وإذا غصب انسان عبدا فرده وهو أعور واختلفا فقال سيده: عور عندك، وقال
الغاصب: بل عندك، كان القول قول الغاصب مع يمينه لأنه غارم، فإن اختلفا في ذلك
بعد موت العبد ودفنه كان القول قول السيد بأنه ما كان أعور، والفرق بينهما أنه إذا
مات ودفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيب فكان القول قول سيده وليس كذلك
إذا كان حيا لأن العور موجود مشاهد والظاهر أنه لم يزل حتى يعلم أنه حدث عند
الغاصب.
وإذا غصب انسان جارية فولدت ولدا مملوكا كان عليه رده، فإن كانت قيمتها
نقصت بالولادة كان عليه مع رد الولد أرش ما نقصت فإن كان الولد قائما رده وإن كان
تالفا رد قيمته، فإن غصب مملوكا أمرد فنبت لحيته ونقص ثمنه أو جارية ناهدا فسقطت
ثدياها أو رجلا شابا فابيضت لحيته كان عليه ما نقص من ذلك، وإذا غصب حبا
فزرعه أو بيضة فأحضنها دجاجة، كان الزرع والفرخ للغاصب وعليه قيمة الحب والبيض
لأن عين الغصب تالفة لم يجب إلا القيمة.
وإذا تعدى انسان على ما لا يحل كسبه فأتلفه لم يكن عليه شئ، ومن كسر شيئا
105

من الملاهي كالبربط والطنابير أو آلات الزمر أو ما جرى مجرى ذلك لم يكن عليه
شئ، ونهى عن القمار والنثار الذي يؤخذ اختطافا وانتهابا ويأخذه من لم يدع إليه ولا
أبيح له أخذه، ونهى عن أن يأكل الانسان طعاما لم يدع إليه ونهى عن اخراج الجدران
في طريق المسلمين، فمن فعل شيئا من ذلك كان عليه رده إلى موضعه.
106

فقه القرآن
باب الغصب:
تحريم الغصب معلوم بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، والغصب ليس عن تراض، وقال
تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، ومن غصب مال
اليتيم فقد ظلمه، وقال تعالى: ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا
كالوهم أو وزنوهم يخسرون، والإجماع ثابت على أن الغصب حرام.
وقال النبي ع: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، وقال
ع: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، فإذا ثبت تحريم الغصب فالأموال على
ضربين: حيوان وغير حيوان، وكلاهما إذا كان قائما يجب رده، وقال النبي ع:
على اليد ما أخذت حتى تؤدي، وقال: لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا، من أخذ
عصا أخيه فليردها.
وإن كان بالغا فعليه مثله، لقوله تعالى: ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم، إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل فعليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين
الغصب إلى حين التلف لأنه مأمور برده في كل وقت فوجب عليه قيمته إذا تعذر، والله
تعذر، والله أعلم.
107

غنية النزوع
فصل في الغصب:
من غصب شيئا له مثل - وهو ما تساوت قيمة أجزائه كالحبوب والأدهان والتمور
وما أشبه ذلك - وجب عليه رده بعينه، فإن تلف فعليه مثله بدليل قوله تعالى: فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، ولأن المثل يعرف والقيمة يرجع فيها
إلى الاجتهاد والمعلوم مقدم على المجتهد فيه، ولأنه إذا أخذ المثل أخذ وفق حقه وإذا أخذ
القيمة ربما زاد ذلك أو نقص.
فإن أعوز المثل أخذت القيمة، فإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت
القيمة فيها كان له المطالبة بالقيمة حين القبض لا حين الإعواز - وإن كان قد حكم بها
الحاكم حين الإعواز - لأن الذي ثبت في ذمته المثل بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض
طولب بالمثل، وحكم الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها، وإذا كان الواجب المثل اعتبر بدل
مثله حين قبض البدل ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله. وإن غصب
ما لا مثل له - ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه كالثياب والرقيق والخشب والحطب والحديد
والرصاص والعقار وغير ذلك من الأواني وغيرها - وجب أيضا رده بعينه.
فإن تعذر ذلك بتلفه وجب قيمته لأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل لأنه إن ساواه في
القدر خالفه في الثقل وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية
كان الاعتبار بالقيمة، ويحتج على المخ لف بما رووه من قوله: ع: من أعتق شقصا
من عبد قوم عليه، فأوجب عليه القيمة دون المثل.
108

ويضمن الغاصب ما يفوت من زيادة قيمة المغصوب بفوات الزيادة الحادثة فيه
لا بفعله كالسن والولد وتعلم الصنعة والقرآن - سواء رد قيمة المغصوب أو مات في يده -
لأن ذلك حادث في ملك المغصوب منه لأنه لم يزل بالغصب وإذا كان كذلك فهو مضمون
على الغاصب لأنه حال بينه وبينه.
فأما زيادة القيمة لارتفاع السوق فغير مضمونة مع الرد لأن الأصل براءة الذمة
وشغلها يفتقر إلى دليل، فإن لم يرد حتى هلكت العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من
حين الغصب إلى حين التلف لأنه إذا أدى ذلك برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا لم يؤده.
وإذا صبغ الغاصب الثوب بصبغ يملكه فزادت لذلك قيمته كان شريكا فيه بمقدار
الزيادة فيه، وله قلع الصبغ لأنه عين ماله بشرط أن يضمن ما ينقص الثوب من قيمة لأن ذلك
يحصل بجنايته.
ولو ضرب النقرة دراهم والتراب لبنا ونسج الغزل ثوبا وطحن الحنطة وخبز الدقيق
فزادت القيمة بذلك لم يكن له شئ لأن هذه آثار أفعال وليست بأعيان أموال، ولا يدخل
المغصوب بشئ من هذه الأفعال في مل الغاصب، ولا يجبر صاحبه على أخذ قيمته لأن
الأصل ثبوت ملك المغصوب منه ولا دليل على زواله بعد التغيير، ويحتج على المخالف
بقوله ع: على اليد ما قبضت حتى تؤدي، وقوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا
بطيب نفس منه.
ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ويلزم
المغصوب منه قبوله لأنه تطوع له بخير من زيته وبين أن يعطيه مثله من غيره لأنه صار
بالخلط كالمستهلك، ولو خلطه باردا منه لزمه أن يعطي من غير ذلك مثل الزيت الذي
غصبه ولا يجوز أن يعطيه منه بقيمة زيته الذي غصبه لأن ذلك ربا، وإن خلطه بمثله
فالمغصوب منه شريكه فيه يملك مطالبته بقسمته.
ومن غصب حبا فزرعه أو بيضة فأحضنها فالزرع والفرخ لصاحبهما دون الغاصب
لأنا قد بينا أن المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب بتغييره وإذا كان باقيا على ملك
صاحبه فما تولد منه ينبغي أن يكون له دون الغاصب، ومن أصحابنا من اختار القول
109

بأن الزرع والفرخ للغاصب وعليه القيمة لأن عين الغصب تالفة، والمذهب هو الأول.
ومن غصب ساجة فأدخلها في بنائه لزمه ردها وإن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه
لمثل ما قدمناه من الدليل في مسألة ضرب النقرة وطحن الحنطة، وكذا لو غصب، لوحا
فأدخله في سفينة ولم يكن في رده هلاك ماله حرمة، وعلى الغاصب أجرة مثل ذلك من حين
الغصب إلى حين الرد لأن الخشب يستأجر للانتفاع به.
وكل منفعة تملك بعقد الإجارة كمنافع الدار والدابة والعبد وغير ذلك فإنهما تضمن
بالغصب بدليل قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم،
والمثل يكون من حيث الصورة ومن حيث القيمة، وإذا لم يكن للمنافع مثل من حيث
الصورة وجبت القيمة.
وإذا غصب أرضا فزرعها ببذر من ماله أو غرسها كذلك فالزرع والشجر له لأنه عين
ماله وإنما تغيرت صفته بالزيادة والنماء، وعليه أجرة الأرض لأنه قد انتفع بها بغير حق
فصار غاصبا للمنفعة ويلزمه ضمانها، وعليه أرش نقصانها إن حصل بها نقص لأن
ذلك حصل بفعله.
ومتى قلع الشجر فعليه تسوية الأرض، وكذا لو حفر بئرا أجبر على طمها وللغاصب
ذلك وإن كره مالك الأرض لما في تركه من الضرر عليه بضمان ما يتردى فيها.
ومن حل دابة فشردت أو فتح قفصا فذهب ما فيه لزمه الضمان سواء كان ذلك عقيب
الحل والفتح أو بعد أن وقفا، لأن ذلك كالسبب في الذهاب ولولاه لما أمكن ولم يحدث سبب
آخر من غيره فوجب عليه الضمان.
ولا خلاف أنه لو حل رأس الزق فخرج ما فيه وهو مطروح لا يمسك ما فيه غير الشد
لزمه الضمان، ولو كان الزق قائما مستندا وبقي محلولا حتى ما أسقطه من ريح أو زلزلة أو
غيرهما فاندفق ما فيه لم يلزمه الضمان بلا خلاف لأنه قد حصل هاهنا مباشرة وسبب من غيره.
ومن غصب عبدا فأبق أو بعيرا فشرد فعليه قيمته، فإذا أحرزها صاحب العبد ملكها
بلا خلاف ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد انفسخ الملك عن القيمة ووجب ردها وأخذ
العبد لأن أخذ القيمة إنما كان لتعذر أخذ العبد والحيلولة بين مالكه وبينه ولم يكن عوضا عنه
110

على وجه البيع لأنا قد بينا أن ملك القيمة يتعجل هاهنا وملك القيمة بدلا عن العين الفائتة
بالإباق لا يصح على وجه البيع لأن البيع يكون فاسدا عندنا - وعند المخالف في هذه المسألة
يكون موقوفا، فإن عاد العبد سلمه المشتري، وإن لم يعد رد البائع الثمن - ولما ملكت
القيمة هاهنا - والعبد آبق ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى العبد - ثبت أن ذلك
ليس على وجه البيع.
وما يلزم بالجناية على الحيوان سنذكر تفصيله في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى.
111

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان الغصب:
الغصب: الاحتواء على مال الغير من غير تراض، ويجب رده من غير مطالبة إن
كان باقيا مع نمائه إن كان له نماء متصل أو منفصل وبقي النماء، ومع مثله إن تلف وكان
له مثل أو قيمته إن كان من ذوات القيمة، ومع أرش النقصان إن نقص منه شئ ومع أجرة
العمل إن كان ذا عمل عمل أو لم يعمل، ومع الأجرة إن كان له أجرة مثل الدار والعقار، ومع
العقر والولد والأرش إن كان جارية وأحبلها ونقصت قيمتها بالولادة.
وكما هو إن عمل فيه عملا هو أثر غير عين من غير أن يرد عليه أجرة مثل من غصب
صوفا أو قطنا ونسج منه ثوبا، وإن عمل فيه عملا بالعين مثل أن يصبغ الثوب المغضوب
شركه صاحب الصبغ، فإن نقص قيمتها أو قيمة أحدهما ضمن الأرش، وإن تلف
المغصوب ضمن قيمته أكثر ما كانت من يوم الغصب إلى يوم التلف.
وإن غصب دجاجة فباضت واحتضنت وخرجت فراريج ضمن الجميع، وإن
غصب الأرض وزرع ببذره أو الشعير وسمن به دابته أو البيض ووضع تحت دجاجة لم
يضمن غير الأجرة وقيمة الشعير والبيض.
112

إصباح الشيعة
كتاب الغصب:
من غصب ما له مثل وهو ما تساوت قيمة أجزائه كالحبوب والأدهان والتمور وما
أشبه ذلك وجب عليه رده بعينه فإن تلف فعليه مثله فإن أعوز المثل أخذت القيمة، وإن لم
يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة فيها كان له المطالبة
بالقيمة حين القبض لا حين الإعواز وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز وإن
غصب ما لا مثل له ومعناه أن لا تتساوى قيمة أجزائه كالثياب والرقيق والخشب
والحطب والحديد والرصاص والعقار وغير ذلك وجب أيضا رده بعينه، فإن تعذر ذلك بتلفه
وجبت قيمته لأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل لأنه إن ساواه في القدر خالفه في الثقل،
وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة.
ومن لم يعرف صاحب المغصوب أودعه في بيت مال المسلمين حتى يحضر هو أو وارثه
فيأخذه، فإن كان زمان سلاطين الجور تصدق به عنه فإن حضر ولم يرض بالصدقة عوضه
عنه وتاب منه.
ويضمن الغاصب ما يفوت من زيادة قيمة المغصوب بفوات الزيادة الحادثة فيه
لا بفعله كالسمن والولد وتعلم الصنعة والقرآن سواء رد المغصوب أو مات في يده لأن
ذلك حادث في ملك المغصوب منه لم يزل بالغصب، وإذا كان كذلك فهو مضمون على
الغاصب لأنه حال بينه وبينه، فأما زيادة القيمة لارتفاع السوق فغير مضمونة مع الرد لأن
الأصل براءة الذمة، فإن لم يرد حتى هلكت العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين
113

الغصب إلى حين التلف.
وإذا صبغ الغاصب الثوب بصبغ يملكه فزادت لذلك قيمته كان شريكا فيه
بمقدار الزيادة فيه وله قلع الصبغ لأنه عين ماله بشرط أن يغرم ما ينقص من قيمة الثوب لأن
ذلك يحصل بجنايته. ولو ضرب النقرة دراهم والتراب لبنا ونسج الغزل ثوبا وطحن
الحنطة وخبز الدقيق فزادت القيمة بذلك لم يكن له شئ لأن هذه آثار أفعال وليست
بأعيان أموال ولا يدخل المغصوب بشئ من هذه الأفعال في ملك الغاصب ولا يجبر
صاحبه على أخذ قيمته.
ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ويلزم
المغضوب منه قبوله لأنه تطوع له بخير من زيته وبين أن يعطيه مثله من غيره لأنه صار بالخلط
كالمستهلك، ولو خلطه باردا منه لزمه أن يعطي من غير ذلك مثل الزيت الذي غصبه
ولا يجوز أن يعطيه منه بقيمة زيته الذي غصبه لأن ذلك ربا، وإن خلطه بمثله فالمغصوب
منه شريكه فيه يملك مطالبته بقسمته.
ومن غصب حبا فزرعه أو بيضة فأحضنها فالزرع والفرخ لصاحبهما دون
الغاصب لأن المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب بتغيره، فإذا كان باقيا على ملك
صاحبه فما تولد منه ينبغي أن يكون له دون الغاصب، ومن أصحابنا من اختار القول
بأن الزرع والفرخ للغاصب وعليه القيمة لأن عين الغصب تالفة وهو أبو جعفر وابن
البراج رضي الله عنهما. والمذهب هو الأول.
ومن غصب ساجة فأدخلها في بنائه لزمه ردها وإن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه
لما سبق في ضرب النقرة، وكذا لو غصب لوحا فأدخله في سفينة ولم يكن في رده هلاك ما له
حرمة وعلى الغاصب أجرة مثل ذلك من حين الغصب إلى حين الرد لأن الخشب يستأجر
للانتفاع به. وكل منفعة تملك بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب أيضا.
وإذا غصب أرضا فزرعها ببذر من ماله أو غرسها كذلك فالزرع والشجر له لأنه
عين ماله وإنما تغيرت الصفة بالزيادة والنماء وعليه أجرة الأرض وأرش نقصانها،
ومتى الشجر فعليه تسوية الأرض، وكذا لو حفر بئرا أجبر على طمها وللغاصب ذلك وإن
114

كره مالك الأرض لما في تركه من الضرر عليه لضمان ما يتردى فيه. ومن حل دابة فشردت أو
فتح قفصا فذهب ما فيه لزمه الضمان سواء كان ذلك عقيب الحل والفتح أو بعد أن وقفا
لأن ذلك كالسبب في الذهاب ولولاه لما أمكن ولم يحدث بسبب آخر من غيره. ولو حل
رأس الزق فخرج ما فيه وهو مطروح ولا يمسك ما فيه غير الشد لزمه الضمان، ولو
كان الزق قائما مستندا وبقي محلولا حتى حدث ما أسقطه من ريح أو زلزلة أو غيرهما
فاندفق ما فيه لم يلزمه الضمان لأنه قد حصل هاهنا مباشرة وبسبب من غيره.
ومن غصب عبدا فأبق فعليه قيمته فإذا أحرزها صاحب العبد ملكها ولا يملك
الغاصب العبد، فإن عاد انفسخ الملك عن القيمة ووجب ردها وأخذ العبد لأن أخذ القيمة
إنما كان لتعذر أخذ العبد والحيلولة بين مالكه وبينه ولم يكن عوضا عنه على وجه البيع لأنا
بينا أن ملك القيمة بتعجيل هاهنا وملك القيمة بدلا عن العين الفائتة بالإباق لا يصح على
وجه البيع، ولما ملكت القيمة هنا والعبد آبق ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى العبد
ثبت أن ذلك ليس على وجه البيع.
ومن غصب جارية بكرا فوطئها عالمين بالتحريم وحملت حدا معا وعليه أرش
البكارة عشر قيمتها ولا مهر لها إلا أن تكون مكرهة ولا يلحق النسب لأنه عاهر والولد ملك
لسيد الجارية، فإن نقصت بالولادة لزم الغاصب أرش النقصان، فإن وضعت الولد ميتا
لم يلزمه قيمته، وإن تلف الولد بعد الولادة ضمن أكثر قيمته من حين الوضع إلى حين
التلف، وإن كانا جاهلين بالتحريم لقرب عهدهما بالإسلام لم يحرم الوطء وسقط الحد ووجب
المهر مع أرش البكارة وأجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد والولد حر ويلزمه
أرش ما نقصت بالوضع وقيمة الولد أيضا إن وضعته حيا ولا يضمن الميت، فإن كانت
الجارية عالمة ومكرهة والغاصب جاهلا فكما لو كانا جاهلين وإن كانت مطاوعة فكذلك
إلا في سقوط الحد عنها والمهر عن الغاصب وإن كان عالما وكانت جاهلة فكما لو كانا عالمين
إلا في سقوط وجوب الحد عنها ووجوب المهر عليه.
فإذا باعها الغاصب فوطئها المشتري فعلى المشتري ما على الغاصب من الضمان،
وكل ما وجب بفعل المشتري من أرش بكارة ونقصان ولادة وقيمتها إن تلفت وقيمة الولد
115

والمهر والأجرة فللسيد أن يرجع على من شاء منهما، فإن رجع على المشتري لم يكن للمشتري
أن يرجع على الغاصب إذا كان قد علم الغصب، وإن لم يعلم رجع عليه بالمهر والأجرة
وقيمة الولد لا أرش البكارة ونقصان الولادة وقيمة الجارية إن تلفت، وإن رجع السيد
على الغاصب رجع الغاصب على المشتري بأرش البكارة ونقصان الولادة وقيمتها إن
تلفت لا بقيمة الولد والمهر والأجرة.
وإذا غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا وكان قيمة العصير أكثر من قيمة
الخل حين أراد رده لزمه رد الخل مع قيمة ما نقص من ثمن العصير (الآن).
إذا اشترى جارية بثمن معين في الذمة ثم أدى الثمن من مال مغصوب فالفرج
له حلال وعليه وزر المال فإن حج بذلك المال لم يجز عن حجة الاسلام.
إذا غصب عبدا فرده أعور ثم اختلفا فقال صاحبه للغاصب: عور العبد عندك،
وقال الغاصب: بل عندك، فالقول قول الغاصب لأنه غارم، وإن اختلفا فيه وقد مات العبد
ودفن فقول سيده لأنه إذا مات ودفن الأصل فيه السلامة وليس كذلك حال حياته لأنه
مشاهد عورة.
إذا غصب حرا صغيرا فتلف في يده من غير تعد وسبب من قبله لم يضمن، وإن
كان عبدا ضمن على كل حال.
116

السرائر
باب الغصب:
تحريم الغصب معلوم بأدلة العقل والكتاب والسنة والإجماع، فإذا ثبت ذلك فالأموال
على ضربين: ما له مثل وما ليس له مثل. فما له مثل هو الذي يتساوى قيمة أجزائه مثل
الحبوب والأدهان والتمور وغير ذلك، والذي لا مثل له معناه ما لا يتساوى أجزاؤه أي
لا يتساوى قيمة أجزائه.
فمن غصب شيئا له مثل وجب عليه رده بعينه، فإن تلف فعليه مثله بدليل قوله تعالى:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، لأن المثل يعرف مشاهدة
والقيمة يرجع فيها إلى الاجتهاد والمعلوم مقدم على المجتهد فيه، فإن أعوز المثل أخذت القيمة،
فإن لم يقبض القيمة بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة فيها كان له المطالبة
بالقيمة وقت الإقباض وحينه لا حين الإعواز وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز،
لأن الذي ثبت في ذمته المثل بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل وحكم
الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها، وإذا كان الواجب المثل اعتبر بدل مثله حين قبض
المبدل ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله.
وإذا غصب ما لا مثل له ومعناه ما قدمناه كالثياب والرقيق والأخشاب والحديد
والرصاص وغير ذلك وجب أيضا رده بعينه، فإن تعذر ذلك بتلفه وهلاكه وجبت قيمته
لأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل لأنه إن ساواه في القد خالفه في الثقل وإن ساواه فيهما
خالفه من وجه آخر، فإن تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة،
117

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: من أعتق شقصا من عبد قوم عليه، فأوجب
ع القيمة دون المثل.
ويضمن الغاصب ما تفوت من زيادة قيمة المغصوب بفوات الزيادة الحادثة فيه
لا بفعله، كالسمن والولد وتعلم الصنعة والقرآن سواء رد المغصوب أو مات في يده لأن ذلك
حادث في ملك المغصوب منه لأنه لم يزل بالغصب وإذا كان كذلك فهو مضمون على
الغاصب لأنه حال بينه وبينه، فأما زيادة القيمة لارتفاع السوق فغير مضمونة مع الرد للعين
المغصوبة لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل شرعي، فإن لم يردها حتى هلكت
العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف لأنه إذا أدى
ذلك برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا لم يؤده.
وإذا صبغ الصباغ الغاصب الثوب بصبغ يملكه فزادت لذلك قيمته كان شريكا فيه
بمقدار الزيادة، وله قلع الصبغ لأنه عين ما له بشرط أن يضمن ما ينقص من قيمة الثوب لأن
ذلك يحصل بجنايته، ولو ضرب النقرة دراهم والتراب لبنا ونسج الغزل ثوبا وطحن الحنطة
وخبز الدقيق فزادت القيمة بذلك لم يكن له شئ، ولا يستحق الغاصب بفعله لجميع ذلك
على المغصوب منه شيئا لا أجرة ولا غيرها لأن هذه آثار أفعال وليست أعيان أموال، ولا
تدخل العين المغصوبة بشئ من هذه الأفعال في ملك الغاصب ولا يجبر صاحبه على أخذ
قيمته لأن الأصل ثبوت ملك المغصوب منه ولا دليل على زواله بعد التغير،
ويحتج على المخالف بقوله ع: على اليد ما قبضت حتى تؤدي، وقوله لا يحل مال امرئ
مسلم إلا بطيب نفس منه.
ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ويلزم
المغصوب منه قبوله لأنه تطوع له بخير من زيته وبين أن يعطيه مثله من غيره لأنه صار بالخلط
كالمستهلك، وإن خلطه باردا منه لزمه أن يعطي من غير ذلك مثل الزيت الذي غصبه ولا
يجوز أن يعطيه منه، وإن خلطه بمثله فهو مثل المسألة الأولى إن شاء أعطاه من الزيت المخلوط
وإن شاء الغاصب أعطاه من غيره مثل زيته لأنه كالمستهلك.
118

وقال بعض أصحابنا: أنه يكون شريكه، والأول هو الذي يقتضيه أصل المذهب لأن عين
الزيت المغصوب قد استهلك لأنه لو طالبه برده بعينه لما قدر على ذلك.
ومن غصب حبا فزرعه أو بيضا فاحتضنها فالزرع والفرخ لصاحبهما دون الغاصب.
لأنا قد بينا أن المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب بتغيره خلافا لأبي حنيفة لأنه لا يخرج
بالغصب عن ملك المغصوب منه.
وإذا كان باقيا على ملك صاحبه فنماؤه المنفصل والمتصل جميعا لصاحبه.
وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا لأنه الذي تقتضيه أصولهم ويحكم به عدل أهل البيت
ع، واختار شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الثاني من مسائل خلافه مذهب
أبي حنيفة وقواه، فقال مسألة: إذا غصب حبا فزرعه أو بيضة فاحتضنتها الدجاجة فالزرع والفرخ
للغاصب، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: هما معا للمغصوب منه، وقال المزني: الفروخ
للمغصوب منه والزرع للغاصب، دليلنا أن عين الغصب قد تلفت وإذا تلفت فلا يلزم غير القيمة،
ومن يقول في الفروخ: هو عين البيض وإن الزرع هو عين الحب، مكابر بل المعلوم خلافه، هذا
آخر كلام شيخنا في نصرة خيرته.
قال محمد بن إدريس: أ لا تراه رحمه الله لم يستدل بإجماع الفرقة ولا بالأخبار على عادته بل
تمسك بشئ لا فرج لمعتمده، ولو سلمنا له أن الزرع غير الحب فبأي شئ ملك الجميع أو
المتولد عن العين المغصوبة الغاصب بإقرار أو هبة أو بيع أو بإرث؟ بل هذا نفس مذهب
أبي حنيفة الذي يرده عليه ويناظره شيخنا أبو جعفر على فساده أن بالتغيير لا يملك الغاصب
المغصوب بل الملك باق على ربه وتولد عنه ما تولد ونمى ما نمى على ملك صاحبه حصلت جواهر
النماء فلا يستحقها أحد سوى صاحبها، ثم إن شيخنا أبا جعفر ذكر في كتاب العارية في مبسوطه
ما ينقض قوله ويرد به على نفسه وهو أن قال: إذا كان له حبوب فحملها السيل إلى أرض رجل
فنبتت فيها كان ذلك الزرع لصاحب الحب لأنه عين ماله كما قلناه في من غصب حبا فزرعه أو
بيضا فاحتضنها عنده وفرخت فإن الزرع والفراخ للمغصوب منه لأنهما عين ماله، هذا آخر كلامه
رحمه الله في مبسوطه فقد دخل رحمه الله في جملة من يكابر لأنه قال هناك: من قال أن الفروخ عين
119

البيض والزرع هو عين الحب مكابر بل المعلوم خلافه، وقال هاهنا: الزرع والفراخ لمغصوب منه
لأنهما عين ماله.
ورجع شيخنا رحمه الله عما اختاره من مذهب أبي حنيفة في موضع آخر في مسائل خلافه في الجزء
الثالث في كتاب الدعاوي والبينات فقال مسألة: إذا غصب رجل من رجل دجاجة فباضت
بيضتين فاحتضنتها هي أو غيرها بنفسها أو بفعل الغاصب فخرج منها فروخان فالكل
للمغصوب منه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن باضتا عنده بيضتين فاحتضنت
الدجاجة واحدة منهما ولم يتعرض الغاصب لها كان للمغصوب منه ما يخرج منها، وإن أخذ
الأخرى فوضعها تحتها أو تحت غيرها وخرج منها فروخ كان الفروخ للغاصب وعليه قيمته،
دليلنا أن ما يحدث عند الغاصب عن العين المغصوبة فهو للمغصوب منه لأن الغاصب لا يملك
بفعله شيئا، ومن ادعى أنه إذا تعدى ملكه فعليه الدلالة لأن الأصل بقاء الملك للمغصوب منه،
هذا آخر كلامه في المسألة رحمه الله.
وقال السيد المرتضى في مسائل الناصريات ويعرف أيضا بالطبريات في المسألة الثانية
والثمانين والمائة: من اغتصب بيضة فحضنها فأفرخت فرخا أو حنطة فزرعها فنبتت فالفرخ
والزرع لصاحبهما دون الغاصب، هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا والدليل عليه الاجماع
المتكرر، وأيضا فإن منافع الشئ المغصوب لمالكه دون الغاصب لأنه بالغصب لم يملكه فما تولد
من الشئ المغصوب فهو للمالك دون الغاصب وهذا واضح، هذا آخر المسألة من كلام السيد
المرتضى رضي الله عنه أ لا ترى أرشدك الله إلى قوله: وإليه يذهب أصحابنا، ثم قال: والإجماع
المتكرر، فما خالف فيه سوى شيخنا أبي جعفر في بعض أقواله وهو محجوج بقوله الذي حكيناه
عنه في الجزء الثالث من مسائل خلافه، فإذا لم يكن على خلاف ما ذهبنا إليه إجماع ولا دليل
عقل ولا كتاب ولا سنة بل دليل العقل قاض بما اخترناه وكذلك الكتاب والسنة والإجماع
فلا يجوز خلافه.
ومن غصب ساجة فأدخلها في بنيانه لزمه ردها وإن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه.
لمثل ما قدمناه من الدلالة من قوله ع: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه،
120

وقوله أيضا: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
وكذا لو غصب لوحا فأدخله في سفينة ولم يكن في رده هلاك ما له حرمة وعلى الغاصب
أجرة مثل ذلك من حين الغصب إلى حين الرد لأن الخشب يستأجر للانتفاع به، وكل
منفعة تملك بعقد الإجارة كمنافع الدار والدابة والعبد وغير ذلك فإنها تضمن بالغصب
بدليل قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، والمثل قد
يكون من حيث الصورة ومن حيث القيمة، وإذا لم يكن للمنافع مثل من حيث الصورة
وجبت القيمة.
وإذا غصب أرضا فزرعها ببذر من عنده وماله وغرسها كذلك فالزرع والشجر له لأنه
عين ماله - وإنما تغيرت صفته بالزيادة والنماء على ما قدمناه وحررناه - وعليه أجرة الأرض
لأنه قد انتفع بها بغير حق فصار غاصبا للمنفعة فلزمه ضمانها وعليه أرش نقصانها إن حصل
بها نقص لأن ذلك حصل بفعله، ومتى قلع الشجر فعليه تسوية الأرض وكذا لو حفر بئرا أجبر
على طمها وللغاصب ذلك وإن كره مالك الأرض لما في تركه من الضرر عليه بضمان
ما يتردى فيها.
هكذا ذكره بعض أصحابنا، والأولى عندي أن صاحب الأرض إذا رضي بعد حفره بالحفر
ومنعه من الطم فله المنع ولا يكون الحافر ضامنا لما يقع فيها لأن صاحب الأرض قد رضي فكأنما
أمره بحفرها ابتداء.
ومن حل دابة فشردت أو فتح قفصا فذهب ما فيه لزمه الضمان، سواء كان ذلك
عقيب الحل والفتح أو بعد إن وقفا لأن ذلك كالسبب في الذهاب ولولاه لما أمكن ولم
يحدث سبب آخر من غيره فوجب عليه الضمان، ولا خلاف أنه لو حل رأس الزق فخرج
ما فيه وهو مطروح لا يمسك ما فيه غير الشد لزمه الضمان.
وقال بعض أصحابنا: ولو كان الزق قائما مستندا وبقي محلولا حتى حدث به ما أسقطه من ريح
أو زلزلة أو غيرهما فاندفق ما فيه لم يلزمه الضمان لأنه قد حصل ههنا مباشرة وسبب من غيره.
ومن غصب عبدا فأبق أو بعيرا فشرد فعليه قيمة ذلك، فإذا أخذها صاحب العبد أو
121

البعير ملكها بلا خلاف ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد انفسخ الملك عن القيمة ووجب
ردها وأخذ العبد لأن أخذ القيمة إنما كان لتعذر العبد والحيلولة بين مالكه وبينه ولم يكن
عوضا عنه على وجه البيع.
لأنا قد بينا أن ملك القيمة يتعجل هاهنا وملك القيمة بدلا عن العين الفائتة بالإباق لا يصح
على وجه البيع لأن ذلك يكون فاسدا عندنا على ما قدمناه وعند المخالف أيضا وعند بعض
المخالفين يكون البيع موقوفا.
فإن عاد العبد تسلمه المشتري وإن لم يعد رد البائع الثمن، ولما ملكت القيمة هاهنا
والعبد آبق ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى العبد ثبت أن ذلك ليس على وجه البيع.
إذا غصب طعاما أو تمرا فسوس كان عليه أرش ما نقص ولا يجب عليه المثل لأنه
لا مثل لما نقص فكان الضمان بالأرش.
إذا غصب ما لا مثل له فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون من جنس الأثمان أو من
غير جنسها.
فإن كان من غير جنسها كالثياب والخشب والعقار ونحو ذلك من الأواني فكل هذا
وما في معناه مضمون بالقيمة، فإذا ثبت أنه مضمون بالقيمة فإذا تلف كان عليه قيمته فإن
تراخي وقت القبض لم يكن له إلا القيمة التي ثبتت في ذمته حين التلف، وإن جنى
على هذا جناية فأتلف البعض مثل حرق الثوب أو كسر الآنية على وجه ينتفع بها فيما بعد
فعليه ما نقص وهو أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا لا شئ له غيره.
فإن كان من جنس الأثمان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون فيه صنعة أو لا صنعة
فيه.
فإن كان ما لا صنعة فيه فله مثله وأرش النقص سواء كان من جنسه أو لا من جنسه
لأن هذا ليس ببيع حتى يقال أنه ربا.
فإن كان فيها صنعة فإما أن يكون استعمالها مباحا أو محظورا،
فإن كان استعمالها مباحا كحلي النساء وحلي الرجال مثل الخواتيم والمنطقة وكان
122

وزنها مائة وقيمتها لأجل الصنعة مائة وعشرين، فإن كان غالب نقد البلد من غير جنسها
قومت به لأنه لا ربا فيه، وإن كان غالب نقده من جنسها مثل إن كانت ذهبا وغالب نقده
ذهب قيل فيه قولان: أحدهما يقوم بغير جنسها ليسلم من الربا، والقول الآخر وهو الصحيح
أنه لا يجوز لأن الوزن بحذاء الوزن والفضل في مقابلة الصنعة لأن الصنعة قيمة غير أصل
العين بدليل أنه يصح الاستئجار على تحصيلها ولأنه لو كسره انسان فعادت قيمته إلى مائة
كان عليه أرش النقص فثبت بذلك أن الصنعة لها قيمة في المتلفات وإن لم يكن لها قيمة في
المعاوضات.
وإن كان استعمالها حراما وهي آنية الذهب والفضة قيل فيه قولان: أحدهما اتخاذها
مباح والمحرم الاستعمال والثاني محظور لأنها إنما تتخذ للاستعمال، فمن قال: اتخاذها
حرام، وهو الصحيح قال: تسقط الصنعة وكانت كالتي لا صنعة فيها، وقد مضى حكمها.
فأما الحيوان فهو على ضربين: آدمي وغير آدمي. فأما غير الآدمي فهو كالثياب
والخشب وما لا مثل له فإن أتلفها فكمال القيمة وإن جنى عليها فقيمة ما نقص يقوم بعد
الاندمال فيكون عليه ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال فهو
كالثياب سواء، وإنما يختلفان من وجه واحد وهو أن الجناية على الثياب لا تسري إلى باقية
والجناية على البهيمة تسري إلى نفسها ولا يختلف باختلاف المالكين ولا باختلاف المملوك
أو المالك، فعلى هذا التحرير سواء كانت البهيمة للقاضي أو لغير القاضي.
وهذا الذي يقوى في نفسي، لأن إلحاق أحكام البهائم في الجنايات والأروش والديات
والمقدرات ببني آدم يحتاج إلى دليل قاطع للعذر، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الآحاد لأنه قد
روي في بعض الأخبار أن: في عين البهيمة ربع قيمتها، وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه:
نصف قيمتها، وربع قيمتها ذكره في نهايته، واختار في مبسوطه ما ذهبنا إليه ورجع عما ذكره في
الكتابين المشار إليهما، وهو الصحيح الذي تقتضيه أصول المذهب لأنه جنى على مال فنقص
بجنايته فيجب عليه أرش ما نقص من غير زيادة ولا نقصان.
إذا غصب عبدا قيمته ألف فخصاه فبلغ ألفين رده وقيمة الخصيتين لأنه ضامن مقدر
123

وقيمتهما قيمة العبد.
المقبوض عن بيع فاسد لا يملك بالبيع الفاسد شئ ولا ينتقل به الملك بالعقد، فإذا
وقع القبض لم يملك به أيضا لأنه لا دليل عليه إذا لم يملك به كان مضمونا، فإن كان المبيع
قائما رده وإن كان تالفا رد بدله إن كان له مثل وإلا قيمته، لأن البائع دخل على أن يسلم له
الثمن المسمى في مقابلة ملكه فإذا لم يسلم له المسمى اقتضى الرجوع إلى عين ماله، فإذا
ثبت هذا كله فالكلام في الأجرة والزيادة في العين، فأما الأجرة فإن كان لها منافع تستباح
بالإجارة كالعقار والثياب والحيوان فعليه أجرة المثل مدة بقائها عنده، فأما الكلام في
الزيادة كالسمن وتعليم الصنعة وتعليم القرآن فهل يضمن ذلك أم لا؟ فالصحيح أنه
يضمنها.
ومن غصب جارية حاملا ضمنها وحملها. إذا غصب جارية فوطئها الغاصب فإن جملة
الأمر وعقد الباب أنه إذا زنا الرجل بامرأة فلا يخلو: إما أن تكون جارية لغيره أو حرة. فإن
كانت جارية للغير فلا يخلو أن تكون ثيبا أو بكرا،
فإن كانت ثيبا فلا يخلو إما أن تكون مكرهة أو مطاوعة، فإن كانت مطاوعة فلا شئ
لسيدها على الزاني لأن الرسول ع نهى عن مهر البغي، وإن كانت مكرهة فيجب
على الزاني لسيدها مهر أمثالها.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن عليه نصف عشر ثمنها، والأول هو الصحيح لأن ذلك ورد في من
اشترى جارية ووطأها وكانت حاملا وأراد ردها على بائعها، فإنه يرد نصف عشر ثمنها ولا
يقاس غير ذلك عليه.
فأما إن كانت بكرا فلا يخلو: إما أن تطاوع أو تغصب وتكره على الفعال، فإن كانت
مكرهة فعليه مهر أمثالها وعليه ما نقص من قيمتها قبل افتضاضها بجمع ما بين الشيئين بين
المهر وما نقص من القيمة من الأرش لأنها غير بغي، وإن كانت مطاوعة فلا يلزمه المهر بل
يجب عليه ما نقص من قيمتها من الأرش والمهر لا يلزم لأنها هاهنا بغي والرسول
ع نهى عن مهر البغي.
124

فأما إن كانت المزني بها حرة، فإن كانت ثيبا وكانت مطاوعة عاقلة فلا شئ لها على
الزاني بها، وإن كانت مكرهة فيجب عليه مهر أمثالها لأنها غير بغي. وإن كانت بكرا وكانت
مطاوعة فلا شئ لها، وإن كانت مكرهة فلها مهر نسائها فحسب.
إذا غصب خفين قيمتهما عشرة فتلف أحدهما وكانت قيمة الباقي ثلاثة رده وقيمة
التالف خمسة، وما نقص بالتفرقة وهو درهمان فيرد الباقي ومعه سبعة لأن التفرقة خيانة منه
فيلزمه ما نقص بها.
إذا غصب دارا أو دابة سكنها أو لم يسكنها ركبها أو لم يركبها ومضت مدة يستحق لمثلها
أجرة لزمه الأجرة لأن المنافع تضمن عندنا بالغصب.
فإن غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا رد الخل بحاله وليس عليه بدل العصير لأن
هذا عين ماله، فإن كان قيمة الخل قيمة العصير أو أكثر رده ولا شئ عليه، وإن كان أقل
من ذلك رده وما نقص من قيمة العصير.
إذا غصب جارية فهلكت فعليه أكثر ما كانت قيمتها من حين الغصب إلى حين
الهلاك والتلف، فإن اختلفا في مقدار القيمة فالقول قول الغاصب مع يمينه لأن الأصل
براءة ذمته، ولقوله ع: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والغاصب
منكر.
وإن اختلفا فقال الغاصب: كانت معيبة برصاء أو جذماء وغير ذلك، فالقول قول
المالك لأن الأصل السلامة والغاصب يدعي خلاف الظاهر، فإن كانت بالعكس من هذا
فقال السيد: كانت صانعة أن تقرأ القرآن، فأنكر الغاصب ذلك فالقول قول الغاصب لأن
الأصل ألا صنعة ولا قراءة.
إذا غصب منه مالا مثلا بمصر فلقيه بمكة فطالبه به، فإن كان المال له مثل فله مطالبته
سواء اختلفت القيمة في البلدين أو اتفقت، وإن كان لا مثل له فله مطالبته بقيمته يوم
الغصب دون يوم المطالبة إذا أهلكه وأتلفه في يوم غصبه، فإن بقي في يده فعليه أكثر القيم إلى
يوم الهلاك، فأما ما له مثل فعليه مثله يوم المطالبة تغيرت الأسعار أو لم تتغير، فإن أعوز المثل
125

فله قيمته يوم إقباضها،
هذا تحقيق القول والذي يقتضيه أصول مذهبنا وقد ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه تفاصيل
مذهب المخالفين ونقله ابن البراج في تصنيفه على غير بصيرة.
ولأن المغصوب منه لا يجب عليه الصبر إلى حين العود إلى مصر بل يجب على الغاصب رد
مثل الغصب إن كان له مثل أو قيمته إذا لم يكن له مثل.
فإن هذا الذي يقتضيه عدل الاسلام والأدلة ولا يعرج إلى خلافه بالآراء والاستحسان.
والكلام في القرض كالكلام في الغصب سواء لا يفترقان وكذلك الكلام إن كان
الحق وجب له عن سلم.
وقال بعض أصحابنا: لم يكن له مطالبته به بمكة لأن عليه أن يوفيه إياه في مكان العقد، والذي
ذكره بعض أصحابنا حكاية قول المخالفين دون أن يكون ذلك قولا يقتضيه أصول مذهبنا أو
وردت به أخبارنا.
إذا غصب شيئا لم يملكه غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره، مثل إن كانت حنطة
فطحنها فإنه لا يملك الدقيق، وإن أخذ من غيره عصيرا فاستحال خلا أو خمرا ثم استحال
خلا في يده رده عليه لأنه عين ماله ولا يملكه بتغيره واستحالته في يده على ما قدمناه.
ما يتسلم على طريق السوم فإنه مضمون على الآخذ له أو على أنه بيع صحيح فكان
فاسدا أو عارية بشرط الضمان أو بلا شرط الضمان وتكون العارية فضة أو ذهبا، وإذا
غصب خبزا فأطعمه مالكه من غير إعلام له أنه خبزه وجب عليه الضمان، فإن كان
الآكل غير مالكه ولم يعلمه بأنه غصب كان المغصوب منه بالخيار بين أن يرجع على
الغاصب أو على الآكل، فإن رجع على الغاصب فلا يرجع الغاصب على الآكل، وإن رجع
على الآكل فللآكل الرجوع على الغاصب لأنه غره، وكذلك إذا غصب حطبا واستدعى
مالكه فقال له: أسجر به التنور، أو غير صاحبه مثل الخبز حرفا فحرفا.
أسجر به التنور، بالسين غير المعجمة يقال: سجرت التنور أسجره سجرا إذا أحميته، وسجرت
النهر ملأته، ومنه البحر المسجور.
126

إذا غصب شاة فأنزى عليها فحل نفسه فاتت بولد كان لصاحب الشاة لاحق لصاحب
الفحل في الولد لأن الولد يتبع الأم وجزء منها ونماؤها، فإن كان غصب فحلا فأنزاه على
شاة نفسه فالولد لصاحب الشاة وعليه أجرة الفحل عندنا، وإن كان الفحل قد نقص
بالضراب فعلى الغاصب أرش النقصان بتعديه.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: فأما أجرة الفحل فلا يجب على الغاصب لأن النبي
ع نهى عن كسب الفحل، وما ذهبنا إليه هو مذهب أهل البيت ع وما قاله
وذكره شيخنا في مبسوطه حكاية مذهب المخالفين فلا يتوهم متوهم عليه أنه اعتقاده.
إذا غصب عبدا ومات في يده أو قتله هو أو غيره فللمغصوب منه أكثر ما كانت قيمته
إلى يوم الهلاك وإن تجاوزت قيمته دية الحر، فأما إذا لم يغصبه وقتله فلا يتجاوز بقيمته دية
الحر، فليلحظ الفرق بين المسألتين.
إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير فأتلفه متلف فلا ضمان عليه مسلما كان المتلف أو
مشركا، فإن كان ذلك في يد ذمي وقد أخرجه وأظهره في دروب المسلمين فلا ضمان على
المتلف أيضا وإن أتلفه في بيته أو في بيعته وكنيسته فالضمان عليه عندنا مسلما كان المتلف
أو مشركا، والضمان هو قيمة الخنزير والخمر عند مستحليه ولا يضمن بالمثلية على حال.
إذا غصب من رجل دارا وباعها ثم ملكها الغاصب بميراث أو هبة أو شراء صحيح، ثم
ادعى الغاصب على الذي باعها منه فقال: اشتريت مني غير ملكي فالبيع باطل وعليك رد
الدار، وأقام البائع الغاصب شاهدين بذلك فهل تقبل هذه الشهادة أم لا؟ نظرت فإن كان
البائع قال حين البيع: بعتك ملكي، سقطت الشهادة لأنه مكذب لها لأنه قال حين البيع:
هي ملكي، وأقام البينة أنها غير ملكه فهو مكذب لها. وإن كان أطلق البيع ولم يقل:
ملكي، قبلت هذه الشهادة لأنه قد يبيع ملكه وغير ملكه، فإذا قامت البينة أنها لم تكن
ملكا له لم يكن مكذبا لها فقبلت هذه الشهادة إلا أن يكون في ضمن البيع ما يدل على أنها
ملكه مثل إن قال: قبضت ثمن ملكي أو ملكت الثمن في مقابلة ملكي، فتسقط الشهادة
حينئذ أيضا.
127

إذا ادعى في يد رجل دارا وقال: غصبتها مني، فأنكر فأقام المدعي شاهدين نظرت،
فإن شهد أحدهما أنه غصبها يوم الخميس وشهد الآخر أنه غصبها يوم الجمعة لم تكمل الشهادة
لأنها شهادة لغصبين، لأن غصبه يوم الخميس غير غصبه يوم الجمعة، وهكذا لو شهد
أحدهما أنه غصبها وشهد الآخر على إقراره بغصبها لأن الغصب غير الإقرار، فإن شهد أحدهما
على إقراره بذلك يوم الخميس وشهد الآخر على إقراره به يوم الجمعة كانت الشهادة
صحيحة لأن المقر به واحد لكن وقع الإقرار به في وقتين.
إذا غصب أمة فباعها فأحبلها المشتري فإن السيد يرجع على المشتري، وهل يرجع
المشتري على البائع أم لا؟ نظرت، فكل ما دخل على أنه له بعوض وهو قيمة الرقبة يرجع به
على البائع، وكل ما دخل على أنه له بغير عوض فإن لم يحصل له في مقابلته نفع وهو قيمة الولد
رجع به على البائع قولا واحدا، وإن حصل له في مقابلته نفع - وهو مهر المثل في مقابلة
الاستمتاع - فلا يرجع به على البائع، وإن رجع على البائع فكلما لو رجع به على المشتري
رجع المشتري على البائع فالبائع لا يرجع به عليه، وكلما لو رجع به على المشتري لم يرجع به
على البائع فإذا رجع به على البائع رجع البائع به على المشتري.
إذا أرسل في ملكه ماء فسأل إلى ملك غيره فأفسده عليه أو أجج في ملكه نارا فتعدت
إلى ملك غيره فأحرقته فالماء والنار سواء ينظر فيه، فإن أرسل الماء في ملكه بقدر حاجته
فسأل إلى ملك غيره نظرت فإن كان غير مفرط مثل إن ثقب الفأر أو غيره أو كان هناك
ثقب لم يعلم به فلا ضمان عليه لأنها سراية عن فعل مباح فذهب هدرا، وهكذا النار إذا
أججها في ملكه فحملها الريح إلى ملك غيره فأتلفته فلا ضمان عليه لأنها سراية عن مباح.
وأما إن أرسل الماء إلى ملكه وفرط في حفاظه بأن توانى وهو يعلم أنه يطفح إلى ملك
غيره فأتلفه كان عليه الضمان لأنها سراية عن فعل محظور، وهكذا إن أجج نارا عظيمة في
زرعه أو حطبه على سطحه وهو يعلم أنه في العادة يصل إلى ملك غيره كان عليه الضمان.
فأما إن أرسل الماء في ملكه بقدر حاجته إليه وهو يعلم أن الماء ينزل إلى ملك غيره وأن
للماء طريقا إليه فعليه الضمان، لأنه إذا علم أنه يجري إلى ملك غيره وأنه لا حاجز يحجزه عنه
128

فهو المرسل له، وهكذا النار إذا طرحها في زرعه أو حطبه وهو يعلم أن زرعه أو حطبه متصل
بزرع غيره وحطب غيره، وأن النار تأتي على ملكه وتتصل بملك غيره فعليه الضمان لأنها
سراية حصلت بفعله.
فإن ادعى دارا في يد رجل فاعترف له بدار مبهمة ثم مات المقر المعترف قيل للوارث:
بين، فإن لم يبين قيل للمدعي: بين أنت، فإن عين دارا وقال: هذه التي ادعيتها وقد أقر لي
بها، قيل للوارث: ما تقول؟ فإن قال: صدق، تسلم الدار المدعي، وإن قال الوارث:
ليست هذه الدار له، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف سقط تعيين المدعي وقيل للوارث:
نحبسك حتى تبين الدار التي أقر له أبوك بها وتحلف أو نجعلك ناكلا عن اليمين، ويعين
المدعي الدار وترد اليمين عليه ويستحق ما حلف عليه وإلا أدى إلى إبطال حق الآدميين
ووقوف الأحكام.
فإن غصب عبدا فرده وهو أعور واختلفا فقال سيده: عور عندك، وقال الغاصب: بل
عندك، فالقول قول الغاصب لأنه غارم ومدعى عليه.
وقال بعض أصحابنا: فإن اختلفا في هذا والعبد قد مات ودفن فالقول قول السيد أنه ما كان
أعور والفصل بينهما أنه إذا مات ودفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيب وكان القول قول
السيد، وليس كذلك إذا كان حيا لأن العور موجود مشاهد فالظاهر أنه لم يزل حتى يعلم
حدوثه عند الغاصب.
والذي يقوى عندي أن القول قول الغاصب لأنه غارم في المسألتين معا ومدعى عليه، والأصل
براءة الذمة فمن شغلها بشئ أو علق عليها حكما يحتاج في إثباته إلى دليل، وهذا الذي ذكره
بعض أصحابنا تخريج من تخريجات المخالفين مقاييسهم استحساناتهم والذي يقتضيه أصول
مذهب أهل البيت ع ما ذكرناه واخترناه فليلحظ بالعين الصحيحة.
فإن غصب عبدا ومات العبد واختلفا فقال الغاصب: رددته حيا ومات في يديك أيها
المالك، وقال المالك: بل مات في يديك أيها الغاصب من قبل أن ترده إلى وما رددته إلى
إلا ميتا، وقال الغاصب: رددته حيا.
129

فالذي عندي ويقوى في نفسي أن القول قول المالك مع يمينه، وعلى الغاصب البينة لأنه المدعي
لرد الملك بعد إقراره بغصبه وكونه في يده حيا والمالك منكر للرد وجاحد له ومدعى عليه، فالقول
قوله لأن الاجماع منعقد على أن على المدعي البينة وعلى الجاحد اليمين وهذا داخل تحت ذلك.
فإن أقام كل واحد منهما بينته سمعت بينة المدعي للموت لأن الرسول ع
جعلها في جنبته ولا بينة تشهد بشئ ربما خفي على بينة الغاصب وهو الموت.
فهذا تحرير الفتيا في هذا السؤال، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: فإن غصب عبدا ومات
العبد فاختلفا فقال: رددته حيا ومات في يدك، وقال المالك: بل مات في يدك أيها
الغاصب، وأقام كل واحد منهما البينة بما ادعاه عمل على ما نذكره في تقابل البينتين، فإن قلنا
أن البينتين إذا تقابلتا سقطتا وعدنا إلى الأصل وهو بقاء العبد عنده حتى يعلم رده كان قويا،
هذا آخر كلامه رحمه الله لم يذكر في المسألة غير ما ذكره وحكيناه عنه والذي قواه وقال: كان
قويا، مذهب الشافعي في تقابل البينتين لا مذهب أصحابنا، وإنما مذهب أصحابنا بغير خلاف
بينهم الرجوع إلى القرعة لأنه أمر مشكل، وهذا ليس من ذلك بقبيل ولا هو منه بسبيل ولا في
هذا إشكال فيرجع فيه إلى القرعة.
بل مثاله: رجل غصب رجلا مالا فقال الغاصب: رددته، وقال المغصوب منه: ما رددته إلى،
فكان القول قول المغصوب منه مع يمينه، فإن أقام كل واحد منهما بينة سمعت بينة الغاصب لأن
لبينته مزية على بينة المغصوب منه لأنها تشهد بأمر قد يخفى على بينة المالك، وكذلك من كان له
على رجل دين فقال له: قبضته وخرجت إليك منه، وأنكر من له الدين ذلك فالقول قوله مع
يمينه، فإن أقام كل واحد منهما بينة كانت المسموعة بينة القاضي لأنها تشهد بشئ قد يخفى
على بينة من له الدين، ولا يقول أحد من العلماء أن هاهنا تستعمل القرعة ولا تعاد إلى الأصل
وتقابل البينتين وأنهما تسقطان، فهذا تحرير هذه الفتيا والله الموفق للصواب.
ومرضي الجواب الذي تقتضيه أخبارنا وأصول مذهبنا أنه إذا جنى على عبد جناية تحيط
بقيمة العبد كان بالخيار بين أن يسلمه إلى الجاني ويأخذ قيمته وبين أن يمسكه ولا شئ
له، وما عدا ذلك فله الأرش إما مقدرا إن كان له في الحر مقدر أو حكومة إن لم يكن له في
130

الحر مقدر وهو ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وما عدا الرقيق من بني آدم من سائر الحيوانات
المملوكات ما عدا بني آدم المملوكين إذا جنى عليه جان فليس لصاحبه إلا أرش الجناية.
وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر وتحريره في مسائل خلافه في الجزء الثاني في كتاب الغصب في
المسألة التاسعة فإنه رجع عما قاله في المسألة الرابعة، ورجوعه هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة
على ما قاله رحمه الله، فإنه قال في المسألة التاسعة: والذي تقتضيه أخبارنا ومذهبنا أنه إذا جنى
على عبد جناية تحيط بقيمة العبد كان بالخيار بين أن يسلمه ويأخذ قيمته وبين أن يمسكه ولا
شئ له، وما عدا ذلك فله الأرش أما مقدرا أو حكومة على ما مضى القول فيه، وما عدا المملوك
من الأملاك إذا جنى عليه فليس لصاحبه إلا أرش الجناية. ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم وقد ذكرناها في الكتاب المقدم ذكره، هذا آخر كلام شيخنا في المسألة.
ثم قال في مسائل خلافه مسألة: إذا قلع عين دابة كان عليه نصف قيمتها وفي العينين جميع
القيمة، وكذلك كل ما في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع القيمة وفي الواحد نصفها. وقال
أبو حنيفة: في العين الواحدة ربع القيمة وفي العينين نصف القيمة وكذلك في كل ما ينتفع
بظهره ولحمه. وقال الشافعي ومالك: عليه الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، دليلنا إجماع
الفرقة وأخبارهم. وروي عن عمر أنه قضى في عين الدابة بربع قيمتها. ورووا ذلك عن علي
ع وهذا يدل على بطلان قول من يدعي الأرش، فأما قولنا فدليله إجماع الفرقة وطريقة
الاحتياط، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: ما ذكره رحمه الله من قوله: كل ما في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع
القيمة وفي الواحد نصفها، إنما ورد في الرقيق المماليك من بني آدم فحسب دون البهائم،
والصحيح ما ذكره في المسألة التاسعة وهو الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا لأن القياس
عندنا باطل فمن حمل البهائم على بني آدم المملوكين كان قائسا.
وأيضا فقد قال رحمه الله في مسائل خلافه مسألة: إذا جنى على حمار القاضي كان مثل جنايته على
حمار الشوكي سواء في أن الجناية إذا لم تسر إلى نفسه يلزم أرش العيب، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي. وقال مالك: إن كان حمار القاضي فقطع ذنبه ففيه كمال قيمته.
131

قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: إن كانت الطريق التي ذهب شيخنا إليها في عين
الدابة مرضية صحيحة فقول مالك صحيح مرضي لأن في الدابة ذنبا واحدة، وقد دل على فساد
قول مالك ويدخل فيه فساد قوله رحمه الله وهذا متناقض، وذكر في نهايته أن عليه ربع قيمتها،
والصحيح ما حررناه.
132

شرائع الاسلام
كتاب الغصب
والنظر في السبب والحكم واللواحق:
أما الأول:
فالغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا، ولا يكفي رفع يد المالك
ما لم يثبت الغاصب يده، فلو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت لم يضمن، وكذا لو
منعه من العقود على بساطه أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية أو تلفت عينه،
أما لو قعد على بساط غيره أو ركب دابته ضمن، ويصح غصب العقار ويضمنه
الغاصب، ويتحقق غصبه، بإثبات اليد عليه مستقلا دون إذن المالك وكذا لو أسكن
غيره، فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الأصل، وقال الشيخ: يضمن النصف،
وفيه تردد منشأه عدم الاستقلال من دون المالك، ولو كان الساكن ضعيفا عن مقاومة
المالك لم يضمن، ولو كان المالك غائبا ضمن، وكذا لو مد بمقود دابة فقادها ضمن، ولا
يضمن لو كان صاحبها راكبا لها.
وغصب الأمة الحامل غصب لولدها لثبوت يده عليهما، وكذا يضمن حمل الأمة
المبتاعة بالبيع الفاسد، ولو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب تخير المالك في إلزام
أيهم شاء أو إلزام الجميع بدلا واحدا، والحر لا يضمن بالغصب ولو كان صغيرا، ولو
أصابه حرق أو غرق أو موت في يد غاصب من غير سببه لم يضمن، وقال في كتاب الجراح:
يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا وتلف بسهب كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط. ولو
استخدم الحر لزمه الأجرة.
133

ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به لأن منافعه في قبضته، ولو استأجره في
عمل فاعتقله ولم يستعمله، فيه تردد، والأقرب أن الأجرة لا تستقر لمثل ما قلناه، ولا كذلك لو
استأجر دابة فحبسها بقدر الانتفاع، ولا يضمن الخمر إذا غصبت من مسلم ولو
غصبها الكافر، وتضمن إذا غصبت من ذمي مستترا ولو غصبها المسلم وكذا
الخنزير، ويضمن الخمر بالقيمة عند المستحل لا بالمثل ولو كان المتلف ذميا على ذمي، وفي
هذا تردد.
وهنا أسباب أخر يجب معها الضمان:
الأول: مباشرة الإتلاف سواء كان المتلف عينا كقتل الحيوان المملوك وتخريق الثوب
أو منفعة كسكنى الدار وركوب الدابة وإن لم يكن هناك غصب.
الثاني: وهو كل فعل يحصل التلف بسببه كحفر البئر في غير الملك وكطرح المعاثر في
المسالك، لكن إذا اجتمع السبب والمباشر قدم المباشر في الضمان على ذي السبب كمن
حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها إنسانا فضمان ما يجنيه الدفع على الدافع،
ولا يضمن المكره المال وإن باشر الإتلاف والضمان على من أكرهه لأن المباشرة ضعفت مع
الإكراه فكان ذو السبب هنا أقوى، ولو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره أو أجج نارا فيه
فأحرق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا مع علمه أو غلبة ظنه أن ذلك موجب
للتعدي إلى الإضرار.
ويتفرع على السبب فروع:
الأول: لو ألقي صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع.
الثاني: لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان تردد، وكذا لو حبس مالك
الماشية عن حراستها فاتفق تلفها، وكذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد.
الثالث: لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون فأبق ضمن لأنه فعل
يقصد به الإتلاف، وكذا لو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا أو بعد مكث، ولا كذا لو فتح
134

بابا على مال فسرق أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق، لأن التلف بالمباشرة لا بالسبب وكذا
لو دل السراق، ولو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن إذا لم يكن يحبسه إلا الوكاء، وكذا
لو سأل منه ما ألان الأرض تحته فاندفع ما فيه ضمن لأن فعله سبب مستقل بالإتلاف، أما لو
فتح رأس الظرف فقبلته الريح أو ذاب بالشمس ففي الضمان تردد، ولعل الأشبه أنه لا
يضمن لأن الريح والشمس كالمباشر فيبطل حكم السبب.
ومن الأسباب: القبض بالعقد الفاسد والقبض بالسوم فإن القابض يضمن، وكذا
استيفاء المنفعة بالإجارة الفاسدة سبب لضمان أجرة المثل.
النظر الثاني: في الحكم:
يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر كالخشبة تستدخل في البناء أو اللوح في
السفينة ولا يلزم المالك أخذ القيمة، وكذا لو مزجه مزجا يشق تميزه كمزج الحنطة بالشعير
أو الدخن بالذرة كلف تميزه وإعادته، ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن أمكن نزعها
ألزم ذلك وضمن ما يحدث من نقص، ولو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة،
وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم ينتزع إلا مع الأمن عليه تلفا وشينا وضمنها، ولو
حدث في المغصوب عيب مثل تسويس التمر أو تخريق الثوب رده مع الأرش:
ولو كان الغيب غير مستقر كعفن الحنطة قال الشيخ: يضمن قيمة المغصوب، ولو
قيل: برد العين مع أرش العيب الحاصل ثم كلما ازداد عيبها دفع أرش الزيادة، كان حسنا،
ولو كان بحاله رده ولا يضمن تفاوت القيمة السوقية. فإن تلف المغصوب ضمنه
الغاصب بمثله إن كان مثليا وهو ما يتساوى قيمة أجزائه، فإن تعذر المثل ضمن قيمته يوم
الإقباض لا يوم الإعواز، ولو أعوز فحكم الحاكم بالقيمة فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم
به الحاكم وحكم بالقيمة وقت تسليمها لأن الثابت في الذمة ليس إلا المثل، وإن لم يكن مثليا
ضمن قيمته يوم غصبه وهو اختيار الأكثر، وقال في المبسوط والخلاف: يضمن أعلى القيم
من حين الغصب إلى حين التلف، وهو حسن، ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد
ذلك على تردد.
135

والذهب والفضة يضمنان بمثلهما، وقال الشيخ: يضمنان بنقد البلد كما لو أتلف ما لا
مثل له. ولو تعذر المثل، فإن كان نقد البلد مخالفا للمضمون في الجنس ضمنه بالنقد، وإن
كان من جنسه واتفق المضمون والنقد وزنا صح، وإن كان أحدهما أكثر قوم بغير جنسه
ليسلم من الربا، ولا تظنن أن الربا يختص بالبيع بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين
متفقي الجنس. ولو كان في المغصوب صنعة لها قيمة غالبا كان على الغاصب مثل الأصل
وقيمة الصنعة وإن زاد عن الأصل ربويا كان أو غير ربوي، لأن للصنعة قيمة تظهر لو ز
يلت عدوانا ولو من غير غصب، وإن كانت الصنعة محرمة لم يضمن.
ولو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره أو عابت من قبل الله سبحانه
ردها مع أرش النقصان، وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش، ولا تقدير في قيمة شئ
من أعضاء الدابة بل يرجع إلى الأرش السوقي، وروي: في عين الدابة رقع قيمتها وحكى
الشيخ في المبسوط والخلاف عن الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها وفي العينين كمال
قيمتها، وكذا كل ما في البدن منه اثنان، والرجوع إلى الأرش السوقي أشبه.
ولو غصب عبدا أو أمة فقتله أو قتله قاتل ضمن قيمته ما لم تتجاوز قيمته دية الحر،
ولو جاوزت لم يضمن الزيادة، ولو قيل: يضمن الزائد بسبب الغصب، كان حسنا،
ولا يضمن القاتل غير الغاصب سوى قيمته ما لم تتجاوز عن دية الحر، ولو تجاوزت عن دية
الحر ردت إليه، فإن زاد الأرش عن الجناية طولب الغاصب بالزيادة دون الجاني، أما لو مات
في يده ضمن قيمته ولو تجاوزت قيمة دية الحر، ولو جنى الغاصب عليه بما دون النفس، فإن
كان تمثيلا قال الشيخ: عتق وعليه قيمته، وفيه تردد ينشأ من الاقتصار بالعتق في التمثيل
على مباشرة المولى.
وكل جناية ديتها مقدرة في الحر فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته وما ليست
بمقدرة في الحر ففيها الحكومة، ولو قيل: يلزم الغاصب أكثر الأمرين من المقدر والأرش، كان
حسنا، أما لو استغرقت ديته قيمته قال الشيخ: كان المالك مخيرا بين تسليمه وأخذ القيمة
وبين إمساكه ولا شئ له تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره، وفيه تردد. ولو زادت قيمة
المملوك بالجناية كالخصاء أو قطع الأصبع الزائدة رده مع دية الجناية لأنها مقدرة، والبحث
136

في المدبر والمكاتب المشروط وأم الولد كالبحث في القن. وإذا تعذر تسليم المغصوب دفع
الغاصب البدل ويملكه المغصوب منه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة، ولو عادت
كان لكل منهما الرجوع وعلى الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين
الغصب إلى حين دفع البدل، وقيل: إلى حين إعادة المغصوب، والأول أشبه.
ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين فتلف
أحدهما يضمن التالف بقيمته مجتمعا ورد الباقي وما نقص عن قيمته بالانفراد، وكذا لو
شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ثم تلف أحدهما، أما لو أخذ فردا
من خفين يساويان عشرة فتلف في يده وبقي الآخر في يد المالك ناقصا عن قيمته بسبب
الانفراد رد قيمة التالف لو كان منضما إلى صاحبه، وفي ضمان ما نقص عن قيمة الآخر
تردد. ولا يملك العين المغضوبة بتغيرها وإخراجها عن الاسم والمنفعة سواء كان ذلك
بفعل الغاصب أو فعل غيره كالحنطة تطحن والكتان يعزل وينسج.
ولو غصب مأكولا فأطعمه المالك أو شاة فاستدعاه ذبحها مع جهل المالك ضمن
الغاصب، وإن أطعمه غيره قيل: يغرم أيهما شاء لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع إلى
الآكل، وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره، وقيل: بل يضمن الغاصب
من رأس ولا ضمان على الآكل، لأن فعل المباشر ضعيف عن التضمين بمظانة الاغترار وكان
السبب أقوى. ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى وإن كانت
للغاصب، ولو نقص الفحل بالضراب ضمن الغاصب النقص وعليه أجرة الضراب،
وقال الشيخ في المبسوط: لا يضمن الأجرة، والأول أشبه لأنها عندنا ليست محرمة.
ولو غصب ما له أجرة وبقي في يده حتى نقص كالثوب يخلق والدابة تهزل لزمه
الأجرة والأرش ولم يتداخلا سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن. ولو أغلا
الزيت فنقص ضمن النقصان، ولو أغلا عصيرا فنقص وزنه قال الشيخ: لا يلزمه ضمان
النقيصة لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها بخلاف الأولى، وفي الفرق تردد.
137

النظر الثالث: في اللواحق: وهي نوعان:
النوع الأول: في لواحق الأحكام: وهي مسائل:
الأولى: إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب، فإن كانت أثرا كتعليم الصنعة
وخياطة الثوب ونسج الغزل وطحن الطعام ردة ولا شئ له، ولو نقصت قيمته بشئ من
ذلك ضمن الأرش، وإن كان عينا كان له أخذها وإعادة المغصوب وأرشه لو نقص، ولو
صبغ الثوب كان له إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب، ولصاحب الثوب
إزالته أيضا لأنه في ملكه بغير حق، ولو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته لم يجب على أحدهما
إجابة الآخر، وكذا لو وهب أحدهما لصاحبه لم يجب على الموهوب له القبول، ثم يشتركان
فإن لم ينقص قيمة مالهما فالحاصل لهما وإن زادت فكذلك، ولو زادت قيمة أحدهما كانت
الزيادة لصاحبها، وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش ولا يلزم المالك
ما ينقص من قيمة الصبغ، ولو بيع مصبوغا بنقصان عن قيمة الصبغ لم يستحق
الغاصب شيئا إلا بعد توفية المغصوب منه قيمة ثوبه على الكمال، ولو بيع مصبوغا
بنقصان عن قيمة الثوب لزم الغاصب إتمام قيمته.
الثانية: إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن فخلطه بمثله فهما شريكان، وإن خلطه
بأدون أو أجود قيل: يضمن المثل لتعذر تسليم العين، وقيل: يكون شريكا في فضل الجودة
ويضمن المثل في فضل الرداءة إلا أن يرضى المالك بأخذ العين، أما لو خلطه بغير جنسه
لكان مستهلكا وضمن المثل.
الثالثة: فوائد المغصوب مضمونة بالغصب وهي مملوكة للمغصوب منه وإن
تجددت في يد الغاصب أعيانا كانت كاللبن والشعر والوبر والثمر أو منافع كسكنى الدار
وركوب الدابة، وكذا منفعة كل ما له أجرة بالعادة، ولو سمنت الدابة في يد الغاصب أو
تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته ضمن الغاصب تلك الزيادة، فلو هزلت أو نسي
الصنعة أو ما علمه فنقصت القيمة لذلك ضمن الأرش وإن رد العين، وإن تلف ضمن
قيمة الأصل والزيادة.
138

فرعان:
الأول:
لو زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت الصفة ثم عادت الصفة والقيمة لم
يضمن قيمة الزيادة التالفة لأنها انجبرت بالثانية، ولو نقصت الثانية عن قيمة الأولى
ضمن التفاوت، أما لو تجددت صفة غيرها مثل إن سمنت فزادت قيمتها ثم هزلت
فنقصت قيمتها ثم تعلمت صنعة فزادت قيمتها ردها وما نقص بفوات الأولى.
الثاني: لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد بها القيمة كالسمن المفرط إذا زال
والقيمة على حالها أو زائدة.
المسألة الرابعة: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ويضمنه وما يتجدد من منافعه
وما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه، فإن تلفت في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين
قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليا، ولو اشترى من غاصب ضمن العين والمنافع، ولا يرجع
على الغاصب إن كان عالما وللمالك الرجوع على أيهما شاء، فإن رجع على الغاصب رجع
الغاصب على المشتري، وإن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب لاستقرار التلف في
يده، وإن كان المشتري جاهلا بالغصب رجع على البائع بما دفع من الثمن وللمالك
مطالبته بالدرك إما مثلا أو قيمة، ولا يرجع المشتري بذلك على الغاصب لأنه قبض ذلك
مضمونا، ولو طالب الغاصب بذلك رجع الغاصب على المشتري، ولو طالب المشتري لم
يرجع على الغاصب، وما يغترمه المشتري مما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة والعمارة
فله الرجوع به على البائع، ولو أولدها المشتري كان حرا وغرم قيمة الولد ويرجع بها على
البائع، وقيل في هذه: له مطالبة أيهما شاء، لكن أو طالب المشتري رجع على البائع، ولو
طالب البائع لم يرجع على المشتري وفيه احتمال آخر، أما ما حصل للمشتري في مقابلته
نفع كسكنى الدار وثمرة الشجرة والصوف واللبن فقد قيل: يضمنه الغاصب لا غير لأنه
سبب الإتلاف، وما بشرة المشتري مع الغرور ضعيفة فيكون السبب أقوى كما لو غصب
طعاما وأطعمه المالك، وقيل: له إلزام أيهما شاء، أما الغاصب فلمكان الحيلولة وأما
المشتري فلمباشرة الإتلاف، فإن رجع على الغاصب رجع على المشتري لاستقرار التلف في
يده، وإن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب، والأول أشبه.
139

الخامسة: لو غصب مملوكة فوطئها، فإن كانا جاهلين بالتحريم لزمه مهر أمثالها
للشبهة، وقيل: عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا، وربما قصر
بعض الأصحاب هذا الحكم على الوطء بعقد الشبهة، فلو افتضها بإصبعه لزمه دية البكارة،
ولو افتضها بإصبعه ثم وطأها مع ذلك لزمه الأمران وعليه أجرة مثلها من حين غصبها إلى
حين عودها، ولو أحبلها لحق به الولد وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش ما ينقص من الأمة
بالولادة، ولو سقط ميتا قال الشيخ: لم يضمنه لعدم العلم بحياته، وفيه إشكال ينشأ من
تضمين الأجنبي، وفرق الشيخ بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه بغير جناية، ولو ضربها
أجنبي فسقط ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر وضمن الغاصب للمالك دية جنين
أمة، ولو كان الغاصب والأمة عالمين بالتحريم فللمولى المهر إن أكرهها الغاصب على
الوطء وعليه الحد، وإن طاوعته حد الواطي ولا مهر، وقيل: يلزمه عوض الوطء لأنه للمالك،
والأول أشبه إلا أن تكون بكرا فيلزمه أرش البكارة، ولو حملت لم يلحق به الولد وكان رقا
لمولاها ويضمن الغاصب ما ينقص بالولادة، ولو مات ولدها في يد الغاصب ضمنه، ولو
وضعته ميتا قيل: لا يضمن لأنا لا نعلم حياته قبل ذلك، وفيه تردد، ولو كان سقوطه بجناية
جان لزمه دية جنين الأمة على ما نذكر في الجنايات، ولو كان الغاصب عالما وهي جاهلة لم
يحلق الولد ووجب الحد والمهر، ولو كان بالعكس لحق به الولد وسقط عنه الحد والمهر
وعليها الحد.
السادسة: إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه قيل: الزرع والفرخ
للغاصب، وقيل: للمغصوب منه، وهو الأشبه، ولو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار
خلا كان للمالك، ولو نقصت قيمة الخل عن قيمة العصير ضمن الأرض.
السابعة: لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع ونماؤه للزارع وعليه أجرة
الأرض وإزالة غرسه وزرعه وطم الحفر وأرش الأرض إن نقصت، ولو بذل صاحب الأرض
قيمة الغرس لم يجب على الغاصب إجابته، وكذا لو بذل الغاصب لم يجب على صاحب
الأرض قبوله ولو هبة، ولو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمها، وهل له طمها مع
كراهية المالك؟ قيل: نعم لتحفظها من درك التردي، ولو قيل: للمالك منعه، كان حسنا،
140

والضمان يسقط عنه برضا المالك باستبقائها.
الثامنة: إذا حصلت دابة في دار لا تخرج إلا بهدم، فإن كان حصولها بسبب من
صاحب الدار ألزم الهدم والإخراج ولا ضمان على صاحب الدابة، وإن كان من صاحب
الدابة ضمن الهدم لأنه لمصلحته، ولو أدخلت دابة رأسها في قدر وافتقر اخراجها إلى كسر
القدر، فإن كانت يد مالك الدابة عليها أو فرط في حفظها ضمن، وإن لم يكن يده عليها
وكان صاحب القدر مفرطا مثل أن يجعل قدره في الطريق كسرت القدر عنها ولا ضمان في
الكسر، وإن لم يكن من أحدهما تفريط ولم يكن المالك معها وكانت القدر في ملك صاحبها
كسرت وضمن صاحب الدابة لأن ذلك لمصلحته.
التاسعة: قال الشيخ في المبسوط: إذا خشي على حائط جاز أن يستند بجذع بغير
إذن مالك الجذع مدعيا للإجماع وفي دعوى الاجماع نظر.
العاشرة: إذا جنى العبد المغصوب عمدا فقتل ضمن الغاصب قيمته، وإن طلب
ولي الدم الدية لزم الغاصب أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية، وإن أوجبت قصاصا فيما
دون النفس فاقتص منه ضمن الغاصب الأرش، وإن عفا على مال ضمن الغاصب أقل
الأمرين.
الحادية عشرة: إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزمه إعادته، ولو طلب
المالك الأجرة عن إعادته لم يلزم الغاصب لأن الحق هو النقل، ولو رضي المالك به هناك لم
يكن للغاصب قهره على الإعادة.
النوع الثاني: في مسائل التنازع: وهي ستة:
الأولى: إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه وهو قول
الأكثر، وقيل: القول قول الغاصب، وهو أشبه، أما لو ادعى ما يعلم كذبه فيه مثل أن يقول:
ثمن الجارية حبة أو درهم، لم يقبل.
الثانية: إذا تلف وادعى المالك صفة يزيد بها الثمن كمعرفة الصنعة فالقول قول
الغاصب مع يمينه لأن الأصل يشهد له، أما لو ادعى الغاصب عيبا كالعور وشبهه فأنكر
141

المالك فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل الصحة سواء كان المغصوب موجودا أو معدوما.
الثالثة: إذا باع الغاصب شيئا ثم انتقل إليه بسبب صحيح فقال للمشتري: بعتك ما
لا أملك، وأقام بينة هل تسمع بينته؟ قيل: لا لأنه مكذب لها بمباشرة البيع، وقيل: إن
اقتصر على لفظ البيع ولم يضم إليه من الألفاظ ما يتضمن ادعاء الملكية قبلت وإلا ردت.
الرابعة: إذا مات العبد فقال الغاصب: رددته قبل موته، وقال المالك: بعد موته،
فالقول قول المالك مع يمينه، وقال في الخلاف: ولو عملنا في هذه بالقرعة كان جائزا.
الخامسة: إذا اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه، فإذا
حلف طالبه المالك بالقيمة لتعذر العين.
السادسة: إذا اختلفا فيما على العبد من ثوب أو خاتم فالقول قول الغاصب مع يمينه
لأن يده على الجميع.
142

المختصر النافع
كتاب الغصب:
والنظر في أمور:
الأول: الغصب: هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا. ولا يضمن
لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة. وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح
غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به. ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي
الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.
ويضمن حمل الدابة لو غصبها. وكذا الأمة ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب
فالضمان على الكل. ويتخير المالك. والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف
بسبب الغاصب ضمنه. ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.
ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته. ولو انتفع به ضمن أجرة الانتفاع. ولا يضمن الخمر
لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير. ولو فتح بابا على مال
ضمن السارق دونه: ولو أزال القيد عن فرس فشرد أو عن عبد مجنون فأبق ضمن. ولا
يضمن لو أزاله عن عاقل.
الثاني: في الأحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في
السفينة، ولو عاب ضمن الأرش. ولو تلف أو تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي
الأجزاء. وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى
حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في
143

العين أو الصفة.
ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الأرش. ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي،
ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية إن كانت مقدرة. وفيه قول آخر.
ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل.
ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ
والآلة في الأبنية أخذ العين الزائدة ورد الأصل، ويضمن الأرش إن نقص.
الثالث: في اللواحق. وهي ستة:
الأولى: فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف
والسمن، أو منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة. ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد
به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.
الثانية: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ويضمنه وما يحدث من منافعه
وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.
الثالثة: إذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن على
البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع
وبجميع ما غرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد. وفي الرجوع بما يضمن من
المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.
الرابعة: إذا غصب حبا فزرعه، أو بيضة فأفرخت، أو خمرا فخللها، فالكل
للمغصوب منه.
الخامسة: إذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الأرض
ولصاحبها إزالة الغرس وإلزامه طم الحفرة والأرش إن نقصت. ولو بذل صاحب الأرض
قيمة الغرس لم تجب إجابته.
السادسة: لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب. وقيل: قول
المغصوب منه.
144

الجامع للشرائع
باب الغصب:
الغصب إثبات يد التعدي على مال الغير، ويجب رد المغصوب مضيقا مع بقائه
بنمائه المتصل والمنفصل، فإن تلف رد مثله، فإن لم يكن له مثل فقيمته مذ حين غصب إلى
أن تلف، وروى أصحابنا أنه يضمن بقيمته يوم غصبه.
فإن تعذر المثل فالقيمة، فإن طولب بالقيمة حين إعواز المثل ثم وجد المثل رده فقط،
وإن تعذر ثانيا فالقيمة الآن.
فإن اختلف قيمة ما لا مثل له بعد تلفه استقرت بتلفه ولا يضمن زيادة السوق مع رد
العين، وإن نقصت القيمة بعيب رده مع أرش النقص وأجرته إن كان له أجرة كالدار
والعقار لأنها كالأعيان وأجرة المثل لعمله إن كان ذا عمل وإن لم يعمل، ولوطء الجارية البكر
عشر قيمتها وللثيب نصف عشر قيمتها وما ينقص بالولادة ويرد الولد ويضمنه.
وإن غصب قطنا فنسجه ثوبا رده ولا شئ له، وإن صبغه بصبغ من ماله فله، فإن
نقصت قيمة الثوب به ضمن النقص، وإن غصب حبا فزرعه أو بيضة فحضنها دجاجة
فذلك لصاحبه وعلى الغاصب ضمانه، وإن زرع الأرض المغصوبة أو غرسها قلع ذلك
ولا أرش له وعليه أجرة الأرض وطم الحفر وأرش النقص.
فإن غصب فحلا فأنزاه على غنمه فالسخال له وعليه الأجرة، وإن غصب شاة
فأنزى عليها فحله فالسخل لصاحب الشاة، وإن غصب شعيرا، فسمن به دابته ضمنه
فقط، وإن غصب من جنس الأثمان ما لصنعه قيمة ضمن ذلك بقيمته وإن زادت على
145

الوزن لأن للصنعة قيمة في الإتلاف.
ولو تغير المغصوب بفعل الغاصب فزال عنه الاسم لم يملكه، فلو خبز الدقيق
أو طحن الحنطة أو طبع النقرة درهما أو جعل التراب لبنا فزادت القيمة فلصاحبها ولو
نقصت ضمن نقصها.
ولحافر البئر في ملك غيره غصبا طمها وإن كره صاحب الأرض لئلا يلزمه ضمان
ما يسقط فيها، ويصح غصب العقار، والمشاع بأن يخرج أحد المالكين، دون الآخر ويثبت
يده، وإذا حل فم الزق فتبدد المائع ضمنه. وكذا إذا فتح القفص فطار الطائر.
ومن غصب بعيرا فند أو عبدا فأبق ضمن بقيمته ولم يملكه بأدائها فإذا استرجع
القيمة ورده، وإذا غصب عبدا قيمته ألف فخصاه فبلغ ألفين ثم رده رد معه قيمة
الخصيتين، وإذا غصب جارية هزيلة قيمتها مائة فسمنت عنده أو تعلمت القرآن فساوت
مائتين ثم نسيت أو هزلت فعادت إلى مائة ردها ومائة، فإن عادت بعد الهزال إلى السمن أو
الحفظ إلى القيمة الزائدة ردها فقط وذهب ما أنفقه عليها ضياعا.
والقبض في البيع الفاسد لا يملك به ويضمن كالمغصوب بأعلى قيمته مذ حين قبضه
إلى أن رده ويرد أجرته ونما المنصل والمنفصل ولا إثم عليه بخلاف المغصوب، ومن
غصب الحامل أو الحائل فحملت عنده ضمنهما معا، وإن زنى الغاصب بالمغصوبة
مطاوعة فلا مهر لها، وإن حملت منه فهو رق لمولاها وعليه ضمانها.
وإذا غصب الخفين فتلف أحدهما، رد الباقي وقيمة التالف وما نقص بالتفرقة، وإذا
اختلف الغاصب والمالك في ذمة المغصوب فالقول قول صاحبه مع يمينه إذا لم يكن بينة،
فإن قال: الغاصب كانت معيبة، وصاحبها ينكر فالقول قول الغاصب وقيل قول صاحبها
مع اليمين، وإن ادعى صاحبها أنها كانت صناعا أو يقرأ القرآن ولا بينة له حلف
الغاصب.
وإذا غصب ما لا مؤنة لنقله كالأثمان فأين وجده طالبه به وإن اختلف الصرف وبما
لنقله مؤنة مما له مثل واتحدت قيمته في بلد الغصب وغيره بمثله، فإن تعذر فقيمته وبقيمته
في موضع الغصب خاصة مع اختلافها وبقيمة ذي المؤنة مما لا مثل له فيه أيضا أو يدع حتى
146

يستوفي فيه وكذلك الحكم في القرض، ويطالب بالسلم بموضع العقد إلا أن يعين فيه غيره.
والمأخوذ على جهة السوم مضمون فإن ادعى رده لم يقبل منه إلا بالبينة، وكذلك
الغاصب والمستعير بشرط الضمان أو عارية من جنس الأثمان من غير شرط وبالبيع
الفاسد، ولا يزول الضمان عمن أطعم المغصوب صاحبه ولم يعلمه.
وإذا أتلف على مسلم خمرا أو خنزيرا لم يكن عليه ضمان، فإن أتلف ذلك على ذمي في
بيته أو بيعته ضمنه بقيمته عند أهله، وإذا باع غيره متاعا ثم ادعى أنه باعه ما لا يملكه وأنه
الآن ملكه، فإن كان ذكر حين البيع أنه باعه ملكه، أو قال: قبضت ثمن ملكي، لم يقبل منه
ولم يسمع بينة لأنه أكذبها وإن لم يكن ذلك سمعت بينته.
وإذا غصب أمة فباعها فأحبلها المشتري ردت إلى صاحبها وقيمة الولد ورجع
المشتري بها على بائعه، وإن تلفت في يد المشتري رجع صاحبها بقيمتها على من شاء من
الغاصب والمشتري، فإن رجع على المشتري لم يرجع على بائعه لاستقرار الضمان عليه،
وإن رجع على الغاصب رجع على المشتري ولصاحبها الرجوع بعقرها وأجرة خدمتها،
فإن رجع بهما على الغاصب رجع على المشتري، وإن رجع بهما على المشتري لم يرجع على
الغاصب لأنه حصل له في مقابلته استمتاع وخدمة، وكذا لو غصب دارا فباعها ردت
على المالك ورجع بأجرتها على المشتري ولا يرجع المشتري بها على البائع، وإن رجع بها على
البائع رجع البائع على المشتري والمشتري يرجع بالثمن في ذلك على بائعه لأنه أخذه
بغير حق، وقال: بعض أصحابنا إن دخل المشتري على علم لم يرجع بالثمن، وإذا باعه
أرضا فبنى فيها أو غرس فيثبت أنها لغيره رجع على البائع بالثمن وبما غرم.
فإن اختلافا في العبد فادعى الغاصب رده على صاحبه حيا والمغصوب منه رده ميتا
فالقول قول المغصوب منه مع يمينه لعدم البينة، فإن أقاما بينتين أقرع بينهما، وإن غصبه
لبنة عليها أو لوحا في سفينة ألزم درهما وإن تضرر، فإن غصب عصيرا فصار خمرا ثم
صار خلا فهو لمالكه زادت قيمته عن قيمة العصير بكونه خلا أو نقصت أو لم يزد ولم
ينقص، فإن نقصت فله أرش النقص، وإذا دخل دار غيره بغير إذنه وهو فيها لم يضمنها
ويضمنها إن لم يكن فيها، وإن رأى دابة فركبها ولم ينقلها من موضعها لم يضمنها لأنه لم
147

يقبضها.
فإن غصب عصير سدا فأغلاه بالنار فنقص كيله وزادت قيمة الباقي بقدر ما نقص
ضمن تمام الكيل.
فإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان فعليه قيمته ولم ينزع لحرمته، وإذا غصب
عبدا أعور في يد الغاصب فادعى المالك أنه أعور عند الغاصب فالقول قول الغاصب مع
يمينه.
وإذا غصب ألف درهم من زيد وألف درهم من عمرو وخلطهما فلم يتميزا فهما
شريكان ولا يملكهما الغاصب، وإذا ادعى أنه غصب منه هذا الدرهم فشهد له شاهد
بغصبه يوم الجمعة والآخر يوم الخميس لم يكمل وله الحلف مع أحدهما وثبت ذلك،
وكذلك لو شهد أحدهما بغصبه يوم الخميس وآخر بإقراره بذلك يوم الجمعة لم يكمل فإن
شهدا معا بإقراره بذلك في وقتين ثبت لأنه يرجع إلى واحد.
وإذا غصب عبدا أمرد فنبتت لحيته فنقصت قيمته أو شابا فشاخ، رده وما نقص من
قيمته، وإذا غصب زيتا فخلطه بزيت مثله أو أجود منه فهما شريكان، وإن خلطه بدونه
ضمن مثله ولا يكون شريكا، وإذا غصب عبدا أو حيوان غيره فتلف في يده ضمن قيمته
سواء مات بسبب أو حتف أنفه، فإن غصب حرا صغيرا فمات في يده لم يضمنه بسبب
كوقوع حائط أو أكل سبع أو لسع حية أو حتف أنفه، وإذا غصب عبدا فزادت قيمته في يده
ثم نقصت فباعه ضمن المشتري قيمته عنده والبائع أكثر القيمة.
148

قواعد الأحكام
كتاب الغصب وتوابعه
وفيه مقاصد:
الأول: في الغصب: وفيه مطلبان:
الأول: في الضمان: وأركانه ثلاثة:
الأول: الموجب: وهو ثلاثة:
الأول: التفويت بالمباشرة، وهي إيجاد علة التلف كالقتل والأكل
والإحراق.
الثاني: التسبيب، وهو إيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى إذا كان
السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة كالحافر وفاتح رأس الظرف والمكره على
الإتلاف.
الثالث: إثبات اليد، وإذا كان بغير حق فهو غصب، وهو الاستقلال
بإثبات اليد على مال الغير عدوانا، ولا يكفي رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب
يده، والمودع إذا جحد أو عزم على المنع فهو من وقت الجحود أو العزم غاصب.
ويتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة فيكفي الركوب والفراش الجلوس
عليه، وفي العقار بالدخول وإزعاج المالك، فإن أزعج ولم يدخل أو دخل لا بقصد
الاستيلاء ولم يزعج لم يضمن وإن قصد فهو غاصب للنصف، ولو دخل الضعيف
149

على القوي في داره وقصد الاستيلاء لم يضمن ويضمن لو كان القوي نائبا، والحوالة
على المباشر لو جامع السبب إلا مع ضعفه بالتغرير كمن قدم طعام غيره إلى آكل
جاهل فالضمان يستقر على الآمر.
ولو دفع غيره في بئر حفرها ثالث فالضمان على الدافع، ولو فتح رأس زق
فقلبته الريح الحادثة وسقط أو ذاب بالشمس ففي الضمان إشكال ينشأ من ضعف
المباشر ومن أنه لا يقصد بفتح الزق تحصيل الهبوب، ولو فك قيد الدابة فشردت أو
عن المجنون فأبق أو فتح قفصا عن طائر فطار في الحال أو بعد مكث أو أزال وكاء
الظرف وسأل ما فيه - ولا يحبسه إلا الوكاء - أو فتح رأسه فتقاطر قطرات وابتل
أسفله وسقط أو قبض بالبيع الفاسد أو السوم على إشكال أو استوفى منفعة الإجارة
الفاسدة أو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار فقتله السبع ضمن،
ولو فتح بابا على مال فسرق أو دل سارقا أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق لم
يضمن، ولو حفر بئرا في غير ملكه أو طرح المعاثر في المسالك أو أتلف منفعة
كسكنى الدار وركوب الدابة وإن لم يكن هناك غصب ضمن، ولو أرسل ماء في
ملكه فأغرق مال غيره أو أجج نارا فاحترق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر الحاجة
اختيارا مع علمه أو غلبة ظنه بالتعدي إلى الإضرار فيضمن، ولو غصب شاة فمات
ولدها جوعا أو حبس المالك عن حراسة ماشيته فاتفق تلفها أو غصب دابة فتبعها
الولد ففي الضمان نظر، ولو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت أو من القعود
على بساطه أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمة السوقية أو تلفت عينه لم يضمن.
ولو مد بمقود دابة فقادها ضمن إلا أن يكون المالك راكبا قادرا، ويضمن حمل
الغصب لا حمل المبيع بالفاسد والسوم، والحر لا يضمن بالغصب وإن كان صغيرا،
ولو تلف الصغير في يد الغاصب، بسبب كلدغ الحية ووقوع الحائط ضمن على رأي،
ولو استخدم الحر فعليه الأجرة، ولو استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله ففي استقرار
الأجرة نظر، ولو حبس صانعا ولم ينتفع به لم يضمن أجرته ولو استأجر دابة أو
150

عبدا فحبسه بقدر الانتفاع ضمن، ولو غصب خمرا من مسلم أو متظاهر لم يضمن
وإن كان كافرا، ويضمن من الكافر المستتر وإن كان مسلما بالقيمة عند مستحليه
لا بالمثل وإن أتلف الكافر على إشكال.
ولو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع ففي الضمان إشكال، ولو فتح
الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب فالضمان على الثاني، والأيدي
المرتبة على يد الغاصب أيدي ضمان فيتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند
التلف ومن يترتب يده على يده سواء علم الغصب أو لا وسواء كانت أيديهم يد
غصب للغاصب أو لا وسواء استعاده الغاصب غصبا أو لا، وللمالك الرجوع على
الجميع ببدل واحد لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكل ما يطالب به الغاصب
ويستقر الضمان عليه إذا تلف عنده، فلا يرجع على الأول لو رجع عليه ويرجع
الأول عليه لو رجع على الأول، هذا إذا تساوت القيمة أو كانت في يده الثاني
أكثر.
ولو زادت في يد الأول طولب بالزيادة دون الثاني ولو جهل الثاني الغصب،
فإن كان وضع يده يد ضمان كالعارية المضمونة والمقبوض بالسوم والبيع الفاسد
فقرار الضمان على الثاني وإلا فعلى الأول كالوديعة والرهن والوكالة، ومهما أتلف
الآخذ من الغاصب فقرار الضمان عليه إلا مع الغرور كما لو أضافه به، ولو كان
الغرور للمالك فالضمان على الغار، وكذا لو أودعه المالك أو آجره إياه، ولو وهبه
الغاصب من آخر فرجع المالك عليه احتمل رجوعه على الغاصب لغروره وعدمه لأن
الهبة لا تستعقب الضمان.
ولو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبرئ
الغاصب وفي الأرش إشكال، وكذا لو وهب منه، ولو قال: هو عبدي فأعتقه،
فالأقوى النفوذ وفي الغرم إشكال ينشأ من الغرور ومن زوال الملك بإزالته والصرف
إلى مصلحته، ولو قال: أعتقه عني ففعل ففي وقوعه عن الغاصب إشكال، ولو أمر
151

المالك بذبح الشاة فذبحها جاهلا بها ضمن الغاصب، ولو أمره بالأكل فباع أو
بالعكس أو عمم الانتفاع فالأقرب زوال الضمان إلا في الأخير على إشكال.
الركن الثاني:
المحل المغصوب إما عين أو منفعة، والأعيان إما حيوان أو غيره.
فالحيوان يضمن نفسه حتى العبد بالجناية وباليد العادية بأقصى القيمة،
وما لا تقدير فيه من الحر يجب من الرقيق ما ينقص عن قيمته حصل بالجناية أو
تحت اليد العادية من أجنبي أو من قبله تعالى والمقدر؟ الأقرب الأكثر من المقدر
والأرش، ولو تجاوزت قيمته دية الحر فالأقوى تضمين الغاصب الزائد دون الجاني،
ولو جنى عليه بما فيه القيمة فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة سواء باشر الغاصب أو
الأجنبي بخلاف الجاني على غير المغصوب فإن رجع على الأجنبي دفع إليه العبد
ورجع بقيمته على الغاصب، وإن رجع على الغاصب بهما فالأقوى رجوع الغاصب
على الجاني بالقيمة مجانا، وفي عين البقرة والفرس وأطرافهما الأرش، ولو مات في
يده ضمن القيمة وإن تجاوزت دية الحر لو كان عبدا.
وغير الحيوان يجب ضمانه بالمثل إن كان مثليا وهو ما يتساوى قيمة أجزائه،
وإن تعذر فالقيمة يوم الإقباض لا الإعواز وإن حكم الحاكم بها يوم الإعواز، وغير
المثلي يضمن بالقيمة يوم الغصب على رأي، وأرفع القيم من حين الغصب إلى حين
التلف على رأي، ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك، وإذا كسرت
الملاهي فلا ضمان فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض وكذا الصليب والصنم،
والمستولدة والمدبر والمكاتب المشروط وغير المؤدى كالعبد في الضمان.
والمنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد والتفويت، ولو تعددت المنافع
كالعبد الخياط الحائك لزم أجرة أعلاهما أجرة ولا تجب أجرة الكل، ومنفعة البضع
لا تضمن بالفوات وتضمن بالتفويت، فلو وطئ وجب مهر المثل، ويضمن منفعة
152

كلب الصيد وما صاده به للغاصب، ولو أصاد العبد المغصوب فهو للمالك، وفي
دخول الأجرة تحته نظر أقربه العدم، ولو انتقص قيمة العبد بسقوط عضو مثلا بآفة
سماوية ضمن الأرش والأجرة لما قبل النقص سليما ولما بعده معيبا، وإن كان
بالاستعمال كنقص الثوب باللبس فالأقرب المساواة للأول فيثبت الأجرة والأرش،
ويحتمل وجوب الأكثر من الأرش والأجرة، ولو غرم قيمة العبد الآبق ضمن
الأجرة للمدة السابقة على الغرم، وفي اللاحقة إشكال.
الركن الثالث: الواجب:
وهو المثل في المثلي والقيمة العليا في غيره على رأي، ولو تلف المثلي في يد
الغاصب والمثل موجود فلم يغرمه حتى فقد ففي القيمة المعتبرة احتمالات:
أ: أقصى قيمته من يوم الغصب إلى التلف ولا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال.
ب: أقصى قيمة من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز.
ج: أقصى القيم من وقت الغصب إلى الإعواز.
د: أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة.
ه‍: القيمة يوم الإقباض.
ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل فلا يرد القيمة بخلاف القدرة على العين،
ولو أتلف مثليا فظفر به في غير المكان فالوجه إلزامه بالمثل فيه، ولو خرج المثل
باختلاف الزمان أو المكان عن التقويم بأن أتلف عليه ماء في مفازة ثم اجتمعا على
نهر أو أتلف جمدا في الصيف ثم اجتمعا في الشتاء احتمل المثل وقيمة المثل في مثل
تلك المفازة والصيف، ولو أتلف آنية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال
ينشأ من مساواة الغاصب غيره وعدمها، فإن أوجبناه ففي التضمين بالمثل إشكال
ينشأ من تطرق الربا وعدمه لاختصاصه بالبيع.
ولو اتخذ من السمسم الشيرج تخير بين المطالبة بالسمسم أو بالشيرج،
153

والكسب والأرش إن نقصت قيمته أو بالشيرج والناقص من السمسم، ولو تعذر
المثل إلا بأكثر من ثمن مثله ففي وجوب الشراء نظر، ولو أبق العبد ضمن في الحال
القيمة للحيلولة فإن عاد ترادا، وللغاصب حبس العبد إلى أن يرد القيمة عليه على
إشكال، فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع الأولى، ولو
تنازعا في عيب يؤثر في القيمة ففي تقديم أحد الأصلين نظر.
والذهب والفضة يضمنان بالمثل لا بنقد البلد على رأي، فإن تعذر واختلف
المضمون والنقد في الجنس ضمنه بالنقد، وإن اتفقا فيه وفي الوزن ضمنه به، وإن
اختلفا في الوزن قوم بغير جنسه حذرا من الربا.
المطلب الثاني: في الأحكام: وفصوله ثلاثة:
الأول: في النقصان:
ولا عبرة بالنقص لتغير السعر مع بقاء العين على صفاتها، فلو ساوى يوم
الغصب عشرة ويوم الرد واحدا فلا شئ عليه فإن تلف وجبت العشرة، ولو تلف
بعضه حتى عاد إلى نصف درهم بعد رد الأصل إلى درهم وجب القدر الفائت وهو
نصف بنصف أقصى القيمة وهو خمسة مع الباقي، ولو عادت قيمته بالإبلاء إلى
خمسة ثم انخفض السوق فعادت قيمته إلى درهم لزمه مع الرد الخمسة الناقصة
بالإبلاء ولا يغرم ما نقص بالسوق من الباقي، ولو كانت القيمة عشرا فأبلاه حتى
ساوى خمسة ثم ارتفعت السوق فتلفت مع الإبلاء عشرة احتمل رده مع العشرة لأن
التالف نصفه، فلو بقي كله لساوى عشرين ورده مع الخمسة الناقصة بالاستعمال
ولا عبرة بالزيادة بعد التلف، كما لو تلف كله ثم زادت القيمة وهو أقوى.
ولو قطع الثوب قطعا لم يملكه بل يرد القطع مع الأرش، ولو كان العيب غير
مستقر - كما لو بل الحنطة حتى تعفنت واتخذ منها هريسة أو من التمر والسمن
حلواء فإن مصيره إلى الهلاك لمن لا يريده - فالأقوى رد العين مع الأرش، وكلما
154

نقص شيئا ضمنه على إشكال ينشأ من صول البراءة بدفع العين وأرش النقص
فيجوز أن يعانده المالك بعدم التصرف فيه إلى أن يتلف ومن استناد النقص إلى
السبب الموجود في يد الغاصب.
ولو غصب شيئين ينقصهما التفريق كزوجي خف ومصراعي باب فتلف
أحدهما وقيمة الجميع عشرة والواحد ثلاثة ضمن سبعة وهي قيمة التالف مجتمعا
ونقصان الباقي، وكذا لو شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ثم
تلف أحدهما، أما لو غصب أحدهما وحده ثم تلف أو أتلف أحدهما فإنه يضمن
قيمة التالف مجتمعا خاصة وهي خمسة، ويحتمل سبعة لأنه أتلف أحدهما وأدخل
النقص على الباقي بتعديه، ويحتمل ثلاثة لأنه قيمة المتلف، ولو لم ينقص الثوب
بالشق رده بغير شئ.
ويجب رد العين المغصوبة ما دامت باقية، فإن تعذر دفع الغاصب البدل
وتملكه المغصوب منه، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة فإن عادت فلكل منهما
الرجوع، وهل يجبر المالك على إعادة البدل لو طلبه الغاصب إشكال، لا على رد
النماء المنفصل وعلى الغاصب الأجرة من حين الغصب إلى حين دفع البدل، والنماء
المنفصل فيما بينهما للمالك وكذا المتصل فيضمنه الغاصب لو زال وكذا المتصل
والمنفصل على إشكال إذا تجدد بعد دفع البدل، ويضمن الأجرة وإن لم ينتفع
بأجرة المثل عن عمل مطلق مدة الغصب، ولو انتفع بالأزيد ضمن الأزيد، وإن
انتفع بالأنقص ضمن أجرة المطلق.
ولو جنى العبد المغصوب فقتل قصاصا فعلى الغاصب أعلى القيم، ولو جنى على
الطرف فاقتص منه ضمن الغاصب الأرش وهو ما ينقص من العبد بذلك دون أرش
اليد لأنها ذهبت بسبب غير مضمون ويحتمل أرش اليد وأكثر الأمرين، وكذا لو
اقتص منه بعد رده إلى السيد وكذا لو ارتد في يد الغاصب فقتل في يد المالك فإنه
يضمن القيمة، ولو غصبه مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يده ففي الضمان على
155

الغاصب نظر، فإن منعناه ضمن النقص الزائد على المقدر لو حصل وكذا الإشكال
لو انعكس ولو ارتد في يده ثم مات في يد مالكه من غير قتل ضمن الأرش خاصة،
ولو اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري ففي كونه من ضمان البائع
نظر.
ولو طلب الولي الدية في النفس أو المجني عليه في الطرف لزم الغاصب أقل
الأمرين من قيمته ودية الجناية، فإن زادت جناية العبد على قيمته ثم مات فعلى
الغاصب قيمته يدفع إلى السيد، فإذا أخذها السيد تعلق بها أرش الجناية فإذا أخذها
الولي من السيد فللسيد الرجوع على الغاصب بقيمة أخرى لاستحقاق المدفوعة أولا
بسبب في يده فضمنها، ولو كان العبد وديعة فجنى بالمستغرق ثم قتله المودع فعليه
قيمته ويتعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذها الولي لم تجب قيمة أخرى على المستودع
لأنه جنى وهو غير مضمون.
ولو جنى في يد سيده بالمستوعب ثم غصب فجنى أخرى بالمستوعب ولم
يحكم به للأول بيع فيهما، ورجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني منهما لأن
الجناية وقعت في يده وكان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون الثاني، لأن الذي
يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا فلا يتعلق به حقه،
فإن مات في يد الغاصب فعليه قيمته يقسم بينهما ويرجع المالك عن الغاصب
بنصف القيمة ويكون للمجني عليه أولا أن يأخذه، ولو جنى على سيده فالضمان
على الغاصب كالأجنبي على إشكال.
ولو خصي العبد فعليه كمال القيمة ورده على رأي، فإن سقط ذلك العضو
بآفة فلا شئ لأنه تزيد به قيمته على إشكال، وكذا لو نقص السمن المفرط ولم
ينقص القيمة وكذا الإصبع الزائدة ولو مثل به لم ينعتق على رأي، ولو ساوى بعد
الغصب الضعف لزيادة السوق فقطع يده فعادت الأولى رد العبد ومساويه، ولو
نقص الزائد ونصف الأصل وأوجبنا الأكثر لزمه المجموع وإلا الزائد، وإن نقص
156

الربع فإن أوجبنا الأرش لزمه الربع وإلا النصف، ولو غصب عبدا فقطع آخر يده
تخير فيضمن الجاني النصف خاصة ولا يرجع على أحد، والغاصب الزائد إن نقص
أكثر من النصف ولا يرجع على أحد، ولو لم يحصل زيادة استقر الضمان على
الجاني، ولو غصبه شابا فصار شيخا ضمن النقص، وكذا لو كان أمرد فنبت له
لحيته على إشكال.
ولو نقص الأرض لترك الزرع كأرض البصرة ضمن على إشكال، ولو نقل
التراب رده بعينه فإن تعذر فالمثل وعليه الأرش، وتسوية الحفر والبائع إذا قلع
أحجاره فعليه التسوية دون الأرش، ولو حفر بئرا فله طمها إلا أن ينهاه المالك فيزول
ضمان التردي، ولو ذهب نصف الزيت بالإغلاء ضمن مثل الذاهب وإن لم
ينقص القيمة، وكذا في إغلاء العصير على رأي. ولا يجبر المتجدد من الصفات
ما خالفه من التالف وإن تساويا قيمة بخلاف ما لو اتفقا جنسا.
ولو غصب عصيرا له فصار خمرا ضمن المثل وفي وجوب الدفع إشكال، فإن
أوجبناه فصار خلا في يد المالك ففي وجوب رد المثل إشكال، فإن صار خلا في يد
الغاصب رده مع أرش النقصان إن قصرت قيمة الخل، ولو غصب خمرا فتخللت في
يده حكم بها للغاصب ويحتمل للمالك، والبذر والبيض إذا زرع أو فرخ فهو
للمالك.
الفصل الثاني: في الزيادة:
لو غصب حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه لم يملك العين بل يردها مع
الزيادة وأرش النقص إن نقص القيمة بذلك ولا شئ له عن الزيادة، ولو صاع
النقرة حليا ردها كذلك فلو كسر ضمن الصنعة وإن كانت من جهته، وللمالك
إجباره على ردها نقرة ولا يضمن أرش الصنعة ويضمن ما نقص من قيمة أصل
النقرة بالكسر، ولو صبغه بما يساوى قيمته تشاركا فالفاضل بينهما بالسوية والناقص
157

من الصبغ، فلو نقص المجموع عن قيمة الثوب رده مصبوغا مع أرش النقص، وكذا
يثبت الشركة لو أطارت الريح الثوب إلى إجانة صباغ أو غصب الصبغ من آخر ولو
قبل الصبغ الزوال أجبر الغاصب على فصله، وإن استضر بعدم الصبغ أو نقص
قيمته.
ولو طلب الغاصب الإزالة أجيب إليها سواء هلك الصبغ بالقلع على إشكال أو
لا، فإن تعيب الثوب ضمن أرشه، ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم يجب
القبول وكذا لو وهبه إياه، ولصاحب الثوب الامتناع من البيع لو طلبه الغاصب
دون العكس، ولو كانت قيمة كل منهما خمسة ويساوى المصبوغ عشرة إلا أن قيمة
الثوب ارتفعت للسوق إلى سبعة وانحطت قيمة الصبغ إلى ثلاثة فللمالك سبعة، ولو
ساوى اثني عشر فللمالك نصفها وخمسها وللغاصب خمسها وعشرها وبالعكس إذ
النقص السوقي غير مضمون.
ولو مزج الزيت بزيته المساوي أو الأجود تشاركا وبالأردأ يتخير المالك في
المثل والعين مع الأرش، ولو مزجه بالشيرج فهو إتلاف فعليه المثل، ومزج الحنطة
بالشعير ليس بإتلاف بل يلزم بالفصل بالالتقاط وإن شق، ولو استدخل الخشبة
المغصوبة في بنائه ألزم بالعين وإن أدى إلى الهدم، ولو رقع باللوح المغصوب سفينة
وجب قلعه إن كانت على الساحل أو كان اللوح في أعلاها بحيث لا تغرق بقلعه،
ولو كانت في اللجة وخيف الغرق بقلعه فالأقرب الرجوع إلى القيمة إلى أن تخرج
إلى الساحل، إن كان في السفينة حيوان له حرمة أو مال لغير الغاصب ولو كان له
فالأقرب العين.
ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة وجب نزعها مع الإمكان، ولو خيف تلفها
بضعفها فالقيمة وكذا تجب القيمة لو خاط بها جرح حيوان له حرمة إلا مع أمن
التلف والشين، ولو مات المجروح أو ارتد ففي النزع إشكال من حيث المثلة، ولو
أدخل فصيلا في بيته أو دينارا في محبرته وعسر اخراجه كسر عليه وإن نقصت
158

قيمته عنها، ولو لم يكن بفعله غرم صاحب الفصيل والدينار الأرش سواء كان بفعله
أو لا، ولو نقصت قيمة الدينار عن قيمة المحبرة وأمكن اخراجه بكسره هو كسر.
ولو أدخلت دابة رأسها في قدر واحتيج إلى الكسر، فإن كانت يد مالك
الدابة عليها أو فرط في حفظها ضمن وإن لم يكن يده عليها، فإن فرط صاحب القدر
بأن جعلها في الطريق مثلا كسرت ولا شئ له، ولو انتفى التفريط عنهما كسرت
وضمن صاحب الدابة لأن ذلك لمصلحته، ولو نقصت قيمته لعيب ثم زال العيب
في يد الغاصب فلا ضمان مع بقاء القيمة.
الفصل الثالث: في تصرفات الغاصب:
ويحرم عليه كل تصرف سوى الرد، فلو وطئ الجارية جاهلين بالتحريم فعليه
مهر أمثالها وعشر قيمتها مع البكارة ونصفه مع الثيوبة على الخلاف، ويحتمل مع
البكارة الأكثر من الأرش والعشر ومع العقد جاهلين الأكثر من الأرش والعشر
ومهر المثل، ولو افتضها بإصبعه فعليه دية البكارة فإن وطئها مع ذلك لزمه الأمران
وعليه أجرة مثلها من حين غصبها إلى حين عودها، فإن أحبلها لحق به الولد وعليه
قيمته يوم سقط حيا وأرش ما نقص من الأم بالولادة، ولو سقط ميتا فإشكال ينشأ
من عدم العلم بحياته ومن تضمين الأجنبي، أما لو وقع بجناية فالأقوى الضمان.
ولو ضربها أجنبي فسقط فعلى الضارب للغاصب دية جنين حر وعلى
الغاصب للمالك دية جنين أمة ولو كانا عالمين بالتحريم، فإن أكرهها فللمولى المهر
والولد والأرش بالولادة والأجرة وعلى الغاصب الحد ولو طاوعته حدا، وفي عوض
الوطء إشكال ينشأ من النهي عن مهر البغي ومن كونه حقا للمالك، أما لو
كانت بكرا فعليه أرش البكارة ولا يلحق به الولد، فإن مات في يد الغاصب ضمنه
وإن وضعته ميتا فالإشكال كما تقدم، ولو كان بجناية جان ضمن جنين أمة ولو
كان الغاصب عالما دونها لم يلتحق به الولد ووجب الحد والمهر عليه وبالعكس تحد
159

هي دونه ولا مهر على إشكال ويلحق به الولد.
ولو باعها الغاصب فوطئها المشتري عالما بالغصب فكالغاصب، وفي مطالبة
الغاصب بهذا المهر نظر ينشأ من أن منافع البضع هل يدخل تحت الغصب؟ ولا
يجب إلا مهر واحد بوطئات إذا اتحدت الشبهة، وفي تعدده بتعدده مع الاستكراه
نظر، ومع الجهل ينعقد حرا ويضمن المشتري القيمة ويرجع بها على الغاصب فإن
الشراء لا يوجب ضمان الولد، ويضمن المشتري أجرة المنفعة التي فاتت تحت يده
ومهر المثل عند الوطء وقيمة الولد عند انعقاده حرا، ويرجع بكل ذلك على
الغاصب مع جهله ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا يرجع وكذا المتزوج من الغاصب
لا يرجع بالمهر، وفي رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف، ولو بنى فقلع بناءه
فالأقرب الرجوع بأرش النقص، ولو تعيب في يده احتمل الرجوع لأن العقد
لا يوجب ضمان الأجزاء بخلاف الجملة وعدمه، ونقصان الولادة لا ينجبر بالولد
لأنه زيادة جديدة.
ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى فالولد لصاحبها وإن كانت للغاصب،
وعليه الأجرة على رأي والأرش لو نقص بالضراب ولا يتداخل الأجرة والأرش،
ولو هزلت الدابة لزمه الأمران وإن كان النقص بغير الاستعمال، وفوائد المغصوب
للمالك أعيانا كانت كالولد والثمرة أو منافع كسكنى الدار مضمونة على الغاصب،
ولا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ويضمنه، وما يتجدد من منافعه الأعيان
أو غيرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستيفاء وبدونه إشكال وما يزداد من قيمته
لزيادة صفة فيه، فإن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين القبض إلى
حين التلف إن لم يكن مثليا.
ولو اشترى من الغاصب عالما فاستعاد المالك العين لم يكن له الرجوع بالثمن،
ولو قيل يرجع مع وجود عين الثمن كان حسنا وللمالك الرجوع على من شاء مع
تلف العين ويستقر الضمان على المشتري ومع الجهل على الغاصب، ويرجع
160

المشتري الجاهل على الغاصب بما يغترمه بما ليس في مقابلته نفع كالنفقة والعمارة
وقيمة الولد لو غرمه المالك، وفي رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته كسكنى الدار
وثمرة الشجرة، وقيمة اللبن نظر ينشأ من ضعف المباشرة بالغرور ومن أولوية
المباشر.
ولو زرع الأرض المغصوبة أو غرسها فللمالك القلع مجانا وإن قرب الحصاد
ولا يملكه المالك بل هو للغاصب وكذا النماء، وعليه أجرة الأرض وطم الحفر
والأرش، ولو بذل صاحب الغرس قيمة الأرض أو بالعكس لم يجب القبول، وقيل
لو خيف سقوط حائط أسند بجذع الغير، ولو نقل المغصوب فعليه الرد وإن استوعبت
أجرته أضعاف قيمته، ولو طلب المالك أجرة الرد لم يجب القبول ولو رضي المالك
به في موضعه لم يجز النقل، ولو بنى الأرض بتراب منها وآلات المغصوب منه لزمه
أجرة الأرض مبنية، ولو كانت آلات للغاصب لزمه أجرة الأرض خرابا.
ولو غصب دارا فنقضها فعليه الأرش وأجرة دار إلى حين نقضها، وأجرة
مهدومة من حين نقضها إلى حين ردها وكذا لو بناها بآلته، أما لو بناها بآلتها فعليه
أجرة عرصة من حين النقض إلى حين البناء وأجرها دارا قبل ذلك وبعده، ولا
يجوز لغير الغاصب رعي الكلأ النابت في الأرض المغصوبة ولا الدفن فيها، ولو
وهب الغاصب فأتلفها المتهب رجع المالك على أيهما شاء، فإن رجع على المتهب
الجاهل احتمل رجوعه على الغاصب بقيمة العين والأجرة وعدمه، ولو اتجر بالمال
المغصوب فإن اشترى بالعين فالربح للمالك إن أجاز البيع، وإن اشترى في الذمة
فللغاصب، فإن ضارب به فالربح للمالك وعلى الغاصب أجرة العامل الجاهل.
ولو أقر بائع العبد بغصبه من آخر وكذبه المشتري أغرم البائع الأكثر من
الثمن والقيمة للمالك ثم إن كان قد قبض الثمن لم يكن للمشتري مطالبته، وإن
لم يكن قبضه فليس له طلبه بل أقل الأمرين من القيمة والثمن، فإن عاد العبد إليه
بفسخ أو غيره وجب رده على مالكه واسترجع ما دفعه، ولو كان إقراره في مدة
161

خياره انفسخ البيع لأنه يملك فسخه فيقبل إقراره بما يفسخه، ولو أقر المشتري خاصة
لزمه رد العبد إلى المقر له ويدفع الثمن إلى بائعه، ولو أعتق المشتري العبد لم ينفذ
إقرارهما عليه وكذا لو باعه على ثالث، ولو صدقهما العبد فالأقرب القبول ويحتمل
عدمه لأن العتق حق لله تعالى، كما لو اتفق العبد والسيد على الرق وشهد عدلان
بالعتق.
خاتمة في النزاع:
لو اختلفا في تلف المغصوب قدم قول الغاصب مع يمينه لأنه قد يصدق ولا
بينة، فإذا حلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم الطالب للعجز
بالحلف، وكذا لو تنازعا في القيمة على رأي ما لم يدع ما يعلم كذبه كالدرهم في
قيمة العبد، وكذا لو ادعى المالك صفة تزيد بها القيمة كتعلم صنعة أو تنازعا في
الثوب الذي على العبد أو الخاتم الذي في إصبعه.
أما لو ادعى الغاصب عيبا ينقص به القيمة كالعور أو ادعى رد العبد قبل
موته والمالك بعده أو ادعى رد الغصب أو رد قيمته أو مثله قدم قول المالك مع
اليمين، ولو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقتها فادعى المالك الزيادة قبل
التلف والغاصب بعده أو ادعى المالك تجدد العيب المشاهد في يد الغاصب
والغاصب سبقه على إشكال أو غصبه خمرا وادعى المالك تخلله عند الغاصب
وأنكر الغاصب قدم قول الغاصب.
ولو باع الغاصب شيئا أو وهبه ثم انتقل إليه بسبب صحيح فقال للمشتري:
بعتك ما لا أملك، وأقام بينة فالأقرب أنه إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضم إليه
ما يتضمن ادعاء الملكية سمعت بينته وإلا فلا كأن يقول: بعتك ملكي أو هذا
ملكي أو قبضت ثمن ملكي أو أقبضته ملكي.
162

اللمعة الدمشقية
كتاب الغصب
وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا. فلو منعه من سكنى داره أو
إمساك دابته المرسلة فليس بغاصب، ولو سكن معه قهرا فهو غاصب للنصف، ولو ضعف
الساكن ضمن أجرة ما سكن قيل: ولا يضمن العين ومد مقود الدابة غصب إلا أن يكون
صاحبها راكبا قويا مستيقظا، وغصب الحامل غصب للحمل ولو تبعها ففي الضمان
قولان.
والأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان فيتخير المالك في تضمين من شاء أو
الجميع ويرجع الجاهل منهم بالغصب على من غره، والحر لا يضمن بالغصب ويضمن
الرقيق، ولو حبس الحر لم يضمن أجرته إذا لم يستعمله بخلاف الرقيق، وخمر الكافر
المستتر محترم يضمن بالغصب بقيمته عند مستحليه وكذا الخنزير، ولو اجتمع المباشر
والسبب ضمن المباشر إلا مع الإكراه أو الغرور فيستقر الضمان في الغرور على الغار. ولو
أرسل ماء في ملكه أو أجج نارا فسرى إلى الغير فلا ضمان إذا لم يزد عن قدر الحاجة ولم
تكن الريح عاصفة وإلا ضمن.
ويجب رد المغصوب ما دامت العين باقية، ولو أدى رده إلى ذهاب مال الغاصب فإن
تعذر ضمنه بالمثل إن كان مثليا وإلا فالقيمة العليا من حين الغصب إلى حين التلف،
وقيل: إلى حين الرد، وقيل: بالقيمة يوم التلف لا غير. وإن عاب ضمن أرشه ويضمن
أجرته إن كان له أجرة لطول المدة استعمله أو لا، ولا فرق بين بهيمة القاضي والشوكي
في ضمان الأرش، ولو جنى على العبد المغصوب فعلى الجاني أرش الجناية وعلى الغاصب
163

ما زاد عن أرشها من النقص إن اتفق، ولو مثل به انعتق وغرم قيمته للمالك، ولو غصب
الخفين أو المصراعين أو الكتاب سفرين فتلف أحدهما ضمن قيمته مجتمعا، ولو زادت
قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شئ عليه ولا له إلا أن يكون عينا كالصبغ فله قلعه
إن قبل الفصل، ويضمن أرش الثوب ولو بيع مصبوغا بقيمته مغصوبا فلا شئ
للغاصب، ولو غصب شاة فأطعمها المالك جاهلا ضمنها الغاصب، ولو أطعمها أجنبيا
جاهلا ضمن المالك من شاء والقرار على الغاصب، ولو مزج المغصوب كلف فصله إن
أمكن وإن شق، ولو لم يمكن ضمن المثل إن مزجه بالأردأ وإلا كان شريكا.
ومؤونة القسمة على الغاصب ولو زرع الحب أو أحضن البيض فالزرع والفرخ
للمالك، ولو نقله إلى غير بلد المالك وجب عليه نقله ومؤونة نقله، ولو رضي المالك بذلك
المكان لم يجب، ولو اختلفا في القيمة حلف الغاصب، وكذا لو ادعى إثبات صناعة يزيد
بها الثمن، وكذا لو ادعى التلف أو ادعى تملك ما على العبد من الثياب، ولو اختلفا في
الرد حلف المالك.
164

كتاب الجعالة
165

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل: في بيان الجعالة
وهي عقد جائز من الطرفين وتصح بشرطين: تعيين العمل والأجرة، فمن ضل له
عبد أو بعير أو فرس أو أبق هذا وند ذاك لم يخل: إما وافق واحدا على شئ معين على
الإطلاق أو وافق على أنه يجئ به من موضع كذا أو قال: من جاء به فله كذا، أو قال لواحد:
إن جئت به فلك عشرة، ولآخر: إن جئت به فلك خمسة أو الآخر: إن جئت به فلك خمسة
عشر.
فالأول: يلزم فيه ما سمي.
والثاني: إن جاء به من الموضع المسمى لزم المعين وإن جاء به من نصف الطريق لزم
نصف الأجرة وعلى هذا.
والثالث: لزم المسمى لمن جاء به واحدا كان أو أكثر.
والرابع: إن جاء به واحد لزم له ما سماه وإن جاء به اثنان لزم لكل واحد ثلث ما
سمي له وإن جاء به ثلاثة لزم لكل واحد ثلث ما سمي له وإن أبق من الواحد بتفريطه غرم
قيمته وإن أبق من غير تفريطه لم يلزمه شئ.
167

إصباح الشيعة
كتاب الجعالة
الجعالة من العقود الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدة مجهولين وأما العوض
فلا بد أن يكون معلوما والمجعول له بعد التلبس بالجعالة مخير بين الإتمام والرجوع.
ولا رجوع للجاعل بعد التلبس إلا أن يبذل أجرة ما عمل.
من جاء بضالة انسان أو بآبق أو بلقطة من غير جعل ولم يشترط فيه لم يستحق شيئا
وجوبا وإنما يعطي من جاء بعبد أو بعير إذا وجده خارج المصر أربعين درهما فقيمتها أربعة
دنانير، وإن وجده في المصر فعشرة دراهم ندبا، ولا موظف فيما عدا ذلك بل بحسب العادة
في مثله.
إذا قال: من جاء بعبدي الآبق فله دينار، فجاء به اثنان أو ثلاثة لم يستحقوا
أكثر من دينار بخلاف، إن قال: من دخل داري فله دينار، لأن لكل داخل من ذلك إذنا، فإن
شرط أجره مجهولة لزم أجرة المثل.
إذا قال لكل واحد من ثلاثة نفر: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة، فجاؤوا به
مجتمعين كان لكل منهم ثلث العشرة، وإن شرط لأحدهم عشرا ولآخر عشرين ولثالث
ثلاثين فجاؤوا به كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه، فإن شرط لواحد دينار فجاء به هو
وغيره فله نصف دينار (وجوبا) وللآخر نصف أجرة المثل ندبا، ومتى هرب الآبق من
المشروط له في الطريق لم يستحق شيئا، وإن شرط له دينارا إن جاء به من عشر فراسخ مثلا
فجاء به من خمس استحق نصف دينار.
168

ومتى اختلف في مقدار كان القول قول الجاعل مع يمينه ثم يستحق عليه المجعول له
أجرة المثل، وإن اختلفا في نفس الشرط فقال المشروط له شارطتني على جعل وأنكر الجاعل
فقول الجاعل مع اليمين.
169

شرائع الاسلام
كتاب الجعالة
والنظر في الإيجاب والأحكام واللواحق.
النظر الأول في الإيجاب
أما الإيجاب:
فهو إن يقول: من رد عبدي، أو ضالتي، أو فعل كذا، فله كذا. ولا يفتقر إلى قبول.
ويصح على كل عمل مقصود محلل ويجوز أن يكون العمل مجهولا، لأنه عقد جائز
كالمضاربة.
أما العوض: فلا بد أن يكون معلوما بالكيل، أو الوزن، أو العدد إن كان مما جرت
العادة بعده
ولو كان مجهولا، ثبت بالرد أجرة المثل، كأن يقول: من رد عبدي، فله ثوب أو دابة
ويعتبر: في الجاعل أهلية الاستئجار، وفي العامل إمكان تحصيل العمل ولو عين
الجعالة لواحد، فرد غيره، كان عمله ضائعا.
ولو تبرع أجنبي بالجعل، وجب عليه الجعل مع الرد. ويستحق الجعل لتسليم، فلو
جاء به إلى البلد ففر، لم يستحق الجعل. والجعالة جائزة قبل التلبس، فإن تلبس، فالجواز
باق في طرف العامل، ولازم من طرف الجاعل، إلا أن يدفع أجرة ما عمل للعامل. ولو
عقب الجعالة على عمل معين بأخرى، وزاد في العوض أو نقص عمل بالأخيرة.
النظر الثاني في الأحكام
وأما الأحكام: فمسائل:
الأولى: لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا ولو حصلت الضالة في يد
انسان قبل الجعل لزمه التسليم ولا أجرة، وكذا لو سعى في التحصيل تبرعا.
الثانية: إذا بذل جعلا، فإن عينه فعليه تسليمه مع الرد، وإن لم يعينه لزم مع الرد أجرة
170

المثل إلا في رد الآبق على رواية أبي سيار عن أبي عبد الله ع أن النبي
ص جعل في الآبق دينارا إذا أخذ في مصره، وإن أخذ في غير مصره فأربعة
دنانير، وقال الشيخ في المبسوط: هذا على الأفضل لا الوجوب والعمل على الرواية ولو
نقصت قيمة العبد، وقيل: الحكم في البعير كذلك، ولم أظفر فيه بمستند، أما استدعى الرد
ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ لأنه تبرع بالعمل.
الثالثة: إذا قال: من رد عبدي فله دينار، فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية
لأن رد العمل حصل من الجميع لا من كل واحد، أما لو قال: من دخل داري فله دينار،
فدخلها جماعة جان لكل واحد دينار لأن العمل حصل من كل واحد.
فروع:
الأول: لو جعل لكل واحد من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاؤوا به جميعا كان لكل
واحد ثلث ما جعل له، ولو كانوا أربعة كان له الربع أو خمسة فله الخمس وكذا لو ساوى
بينهم بالجعل.
الثاني: لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما ولبعضهم مجهولا فجاؤوا به جميعا كان
لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له وللمجهول ثلث أجرة مثله.
الثالث: لو جعل لواحد جعل على الرد فشاركه آخر في الرد كان للمجهول له
نصف الأجرة لأنه عمل
نصف العمل وليس للآخر شئ لأنه تبرع، وقال الشيخ: يستحق
نصف أجرة المثل، وهو بعيد.
الرابع: لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من
الجعل بنسبة المسافة.
ويلحق بذلك مسائل التنازع وهي ثلاث:
الأولى: لو قال: شارطتني، فقال المالك: لم أشارط لك، فالقول قول المالك مع يمينه،
وكذا القول قوله لو جاء بأحد الآبقين فقال المالك: لم أقصد هذا.
171

الثانية: لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه فالقول قول الجاعل مع يمينه، قال الشيخ:
ويثبت للعامل أجرة المثل، ولو قيل: يثبت أقل الأمرين من الأجرة والقدر المدعي، كان
حسنا، وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل وهو خطأ لأن فائدة يمينه
اسقاط دعوى العامل لا ثبوت ما يدعيه الحالف.
الثالثة: لو اختلفا في السعي بأن قال: حصل في يدك قبل الجعل فلا جعل لك،
فالقول قول المالك تمسكا بالأصل.
172

الجامع للشرائع
باب الجعالة
الجعالة عقد جائز من الطرفين، فهي أن يقول لشخص: إن جئت بعبدي الآبق أو
فرسي أو بعيري وشبه ذلك فلك درهم أو دينار أو هذا الثوب أو ثوب موصوف في ملكه أو
ذمته، فإن جاء به غيره لم يجب له شئ، ويجوز أن يقول: من جاء بعبدي فله ذلك، فإن جاء به
الواحد فله ذلك وإن جاء به جماعة فذلك بينهم، فإن قال: من جاء به فله شئ فأتي به،
فروى أصحابنا في رد الآبق من المصر دينارا قيمته عشرة دراهم ومن خارجه أربعة دنانير
وألحق بعضهم البعير بذلك، والظاهر يقتضي وجوب ذلك ولو أتى على القيمة ويرجع في غير
ذلك إلى أجرة المثل، ولو جاء به متبرعا لم يكن له شئ.
ولو قال لواحد: إن جئت به فلك دينار فرده هو وآخر معه مساعدة له استحق
المجعول له فقط الدينار، فإن قال: رددته لأخذ العوض فنصف دينار للمجعول له ولا شئ
للآخر وإن شرط شيئا مجهولا رجع إلى الأجرة، ولو أخذ العبد وشبهه حين وجده وجب رده
على صاحبه بغير أجرة، فإن تركه عنده على أن لا يرده فهو ضامن له، وروى الحسين بن
زيد عن جعفر عن أبيه عن علي ع أنه كان يقول في الضالة يجدها الرجل فينوي
أن يأخذ لها جعلا فتنفق قال: هو ضامن، فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا ونفقت فلا ضمان عليه.
فإن وجد عبدا فأبق من عنده لم يضمنه، فإن ادعى عليه صاحبه أنه أرسله ولا بينة له
حلف ما أرسله ولا داهن في إرساله، فإن قال: من جاء به من موضع كذا فله كذا، فجاء به من
نصف الموضع فله النصف وعلى هذا، وإن شرط لواحد كذا ولآخر كذا فمن جاء به
وحده منهم فله ما سمي له، فإن جاء اثنان به فلكل واحد نصف ما سمي له وعلى هذا.
173

قواعد الأحكام
المقصد الرابع: في الجعالة وفيه مطلبان
الأول: في الأركان: وهي أربعة:
الأول: الصيغة: كقوله: من رد عبدي أو ضالتي أو فعل كذا وما أشبهه من
اللفظ الدال على العمل فله كذا، فلو رد انسان ابتداء فهو متبرع لا شئ له، وكذا
لو رد من لم يسمع الجعالة على قصد التبرع وإلا فإشكال، ولو كذب المخبر فقال:
قال فلان من رد ضالته فله كذا لم يستحق الراد على المالك ولا المخبر لأنه لم يضمن.
ولو تبرع المخبر وقال من رد عبد فلان فله درهم لزمه لأنه ضامن.
ولو قال: من رد عبدي من العراق في شهر كذا فله كذا أو من خاط ثوبي
يوم فله كذا صح بخلاف الأجرة للزومها بخلاف الجعالة.
الثاني: الجاعل: وشرطه أن يكون أهلا للاستئجار وفي العامل إمكان تحصيل
العمل، ولا يشترط تعيينه ولا القبول نطقا، ولو عين فرد غيره فهو متبرع.
الثالث: العمل: وهو ما يصح استئجار عليه وهو كل عمل مقصود محلل
وإن كان مجهولا، ولا يشترط الجهل، فلو قال: من خاط ثوبي أو حج عني فله
دينار، صح لأن جوازه مع الجهل يستلزم أولوية جوازه مع العلم.
الرابع: الجعل: وشرطه أن يكون معلوما بالكيل أو الوزن أو العدد، ولو كان
مجهولا كثوب غير معين أو دابة مطلقة ثبت بالرد أجرة المثل، ولو قيل بجواز الجهالة
إذا لم يمنع من التسليم كان حسنا كقوله: من رد عبدي فله نصفه ومن رد ثوبي فله
ثلثه.
174

المطلب الثاني: في الأحكام:
الجعالة جائزة من الطرفين فللعامل الفسخ قبل إتمام العمل ولا شئ له لأنه
أسقط حقه، وكذا للجاعل قبل التلبس في العمل مطلقا وبعده فيدفع أجرة
ما عمل، ويستحق العامل الجعل بالتسليم فلو جاء به إلى باب منزله فهرب أو مات
لم يستحق شيئا، ويحتمل الاستحقاق مع الموت بالنسبة، ويعمل بالمتأخر من
الجعالتين سواء زادت أو نقصت قبل التلبس وإلا فبالنسبة.
ولو حصلت الضالة في يد انسان قبل الجعل وجب دفعها إلى مالكها ولا
شئ له، وكذا المتبرع سواء عرف برد الإباق أولا سواء جعل المالك وقصد العامل
التبرع أو لم يجعل وإن لم يقصد التبرع.
ولو بذل جعلا غير معين كقوله: من رد عبدي فله شئ، لزمه أجرة المثل إلا
في رد الآبق أو البعير ففي رده من المصر دينار ومن غير مصره أربعة دنانير، وإن
نقص قيمة العبد أو البعير فإشكال، ولو استدعى الرد ولم يبذل أجرة فالراد متبرع
على إشكال أقربه ذلك إن استدعى مجانا.
ولو جعل لفعل فصدر عن الجماعة تشاركوا فيه، ولو صدر عن كل منهم فعل
تام فلكل جعل كامل، ولو جعل لكل من الثلاثة على الرد جعلا متفاوتا فمن جاء
به منهم فله ما عينه له، ولو جاء به اثنان فلكل نصف جعله، ولو جاء الثلاثة فلكل
ثلث جعله، وكذا لو عين لأحدهم وجهل لغيره فللمعين بنسبة عمله من المسمى
وللآخر بنسبة عمله من أجرة المثل. ولو عين لواحد فتبرع آخر معه فللمعين النصف
ولا شئ للمتبرع، ولو قصد الثاني إعانة العامل فللعامل الجميع، ولو قصد أجرة
لنفسه فهو متبرع.
ولو جعل للرد من مسافة فرد من بعضها فله من الجعل بنسبة المسافة، ولو رد
من أبعد لم يستحق أزيد بل المسمى إن دخل الأقل دون ضد الجهة على الأقوى،
ولو لم يجده في المعين فإشكال، والقول قول المالك مع اليمين في شرط أصل الجعل
175

وشرطه في عبد معين وسعى العامل في الرد بأن قال المالك: حصل العبد في يدك
قبل الجعل، تمسكا بالأصل. ولو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه تحالفا وثبت أقل
الأمرين من الأجرة والمدعي إلا أن يزيد ما ادعاه المالك على أجرة المثل فيثبت
الزيادة، ويحتمل تقديم قول المالك كالأصل.
ولو قال: جعلت للرد من بغداد، فقال العامل: من البصرة، قدم قول
المالك. ولو قال: من رد عبدي فله دينار، فرد أحدهما استحق نصف الجعل إن
تساوى الفعلان. ولو مات الجاعل بعد الرد أخذ الجعل من التركة، ولو مات قبله
فإن لم يكن العامل قد عمل بطلت وكذا إن كان قد عمل لكن يؤخذ من التركة
بنسبة عمله.
176

اللمعة الدمشقية
كتاب الجعالة
وهي صيغة ثمرتها لتحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما، ويجوز على
كل عمل محلل مقصود، ولا يفتقر إلى قبول ولا إلى مخاطبة شخص معين. فلو قال: من رد
عبدي أو خاط ثوبي فله كذا، صح، أو فله مال أو شئ، إذ العلم بالعوض غير شرط في
تحقق الجعالة وإنما هو في تشخصه وتعينه، فإن أراد ذلك فليذكر جنسه وقدره وإلا ثبت
بالرد أجرة المثل.
ويشترط في الجاعل الكمال وعدم الحجر. ولو عين الجعالة لواحد ورد غيره فهو متبرع
لا شئ له، ولو شارك المعين فإن قصد التبرع عليه فالجميع للمعين وإلا فالنصف ولا
شئ للمتبرع، وتجوز الجعالة من الأجنبي ويجب عليه الجعل مع العمل المشروط وهي
جائزة من طرف العامل مطلقا، وأما الجاعل فجائزة قبل التلبس وأما بعده فجائزة
بالنسبة إلى ما بقي من العمل أما الماضي فعليه أجرته، ولو لم يعلم العامل رجوعه فله
كمال الأجرة، ولو أوقع صيغتين عمل بالأخيرة إذا سمعهما العامل وإلا فالمعتبر ما
سمع، وإنما يستحق الجعل على الرد بتسليم المردود، فلو جاء به إلى باب منزل المالك
فهرب فلا شئ للعامل ولا يستحق الأجرة إلا ببذل الجاعل، فلو رد بغيره كان متبرعا.
مسائل:
كلما لم يعين جعل فأجرة المثل إلا في رد الآبق من المصر فدينار ومن غيره فأربعة
دنانير والبعير كذا، ولو بذل جعلا فردوه جماعة استحقوه بينهم بالسوية، ولو جعل لكل من
177

الثلاثة مغايرا فردوه فلكل ثلث ما جعل له، ولو لم يسم لبعضهم فله ثلث أجرة المثل، ولو
كانوا أزيد فبالنسبة، ولو اختلفا في أصل الجعالة حلف المالك وكذا في تعيين الآبق، ولو
اختلفا في السعي بأن قال المالك: حصل في يدك قبل الجعل، حلف للأصل. وفي قدر
الجعل كذلك، فيثبت للعامل أقل الأمرين من أجرة المثل ومما ادعاه إلا أن يزيد ما
ادعاه المالك، وقال ابن نما رحمه الله: إذا حلف المالك ثبت ما
ادعاه، وهو قوي كمال
الإجارة.
178

كتاب اللقطة
179

فقه الرضا
باب اللقطة:
اعلم أن اللقطة لقطتان: لقطة الحرم ولقطة غير الحرم، فأما لقطة الحرم فإنها تعرف
سنة فإن جاء صاحبها وإلا تصدقت بها وإن كنت وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك
لا تعرفه، ولقطة غير الحرم تعرفها أيضا سنة فإذا جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك وإن
كان دون درهم فهي لك حلال، وإن وجدت في دار وهي عامرة فهي لأهلها وإن كان خرابا
فهي لمن وجدها، فإن وجدت في جوف البهائم والطيور وغير ذلك فتعرفها صاحبها الذي
اشتريتها منه فإن عرفها فهو له وإلا فهي كسبيل مالك.
وأفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أتتركها فلا تأخذها
ولا تمسها ولو أن الناس تركوا ما وجدوا لجاء صاحبها فأخذها.
وإن وجدت إداوة أو نعلا أو سوطا فلا تأخذه وإن وجدت مسلة أو مخيطا أو سيرا فخذه
وانتفع به، وإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله فإن جاء صاحبه
فرد عليه ثمنه وإلا فتصدق به بعد سنة، فإن وجدت شاة في فلاة من الأرض فخذها فإنما
هي لك أو لأخيك أو للذئب، فإن وجدت بعيرا في فلاة فدعه ولا تأخذ فإن بطنه وعاؤه
وكرشه سقاؤه وخفه حذاؤه.
181

المقنع
باب اللقطة
وإذا وجدت لقطة فلا تمسها ولا تأخذها. فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه.
وإن وجدت في الحرم لقطة فعرفها سنة. فإن ظهر صاحبها وإلا تصدقت بها. وإن
وجدتها في غير الحرم فعرفها سنة. فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك، وإن كانت
دون درهم فهي لك. وإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك، لا تعرفه. وإن وجدت لقطة
في دار وكانت عامرة فهي لأهلها. وإن كانت خرابا فهي لك. وإن وجدت شاة في فلاة
فخذها، فإنها لك أو لأخيك أو للذئب. وإن وجدت بعيرا في فلاة فلا تأخذه ودعه، فإن بطنه
وعاؤه وكرشه سقاؤه وخفه حذاءه. وإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك
لصاحبه ثم كله. فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة. وإن وجدت في جوف بقرة أو شاة أو
بعير شيئا فعرفها صاحبها الذي اشتريتها منه. فإن عرفها وإلا فهي كسبيل مالك.
واللقطة إذا وجدها الغني والفقير فهي بمنزلة واحدة. فإن وجدت لقيطة فهي حرة
لا تسترق ولا تباع. فإن ولدت من الزنى فهو مملوك، أعني ولدها، إن شئت بعته وإلا أمسكته.
باب ما هو اللقطة
سأل حفص بن غياث النخعي القاضي أبا عبد الله ع: عن رجل من
المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم. هل يرده عليه
قال: لا يرده عليه، فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل. وإلا كان في يديه بمنزلة اللقطة
182

يصيبها فيعرفها حولا. فإن أصاب صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خير
بين الأجر والغرم. فإن اختار فله الأجر، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له.
183

المقنع
باب اللقطة:
ومن وجد شيئا في الحرم فليعرفه سنة كاملة فإن جاء صاحبه دفعه إليه وإن لم يجد له
صاحبا فليتصدق به على الفقراء والمساكين، وليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان
لصاحبه إذا تصدق به عنه، فإن تصرف فيه واحتبسه من غير تعريف فهو ضامن له، وإن
كان الموجود في غير الحرم عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا تصرف فيه الذي وجده وهو
ضامن له، فإن كسب بالتصرف فيه كان الفضل له دون صاحبه، وإن كان الموجود متاعا
وشبهه فاستهلكه الواجد له بعد السنة من تعريفه كان في ذمته قيمته يوم استهلكه
لصاحبه، وإن تصرف فيه قبل السنة فأفاد به فضلا كان الفضل لصاحبه دونه.
ومن كنزا في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث إن كان له
شريك فيه، فإن كانت الدار منتقلة إليه بابتياع من قوم عرفه والباعة فإن عرفوه وإلا
أخرج خمسه إلى مستحقه ممن تقدم ذكرهم فيما مضى من هذا الكتاب وتملك الباقي وانتفع
به.
وإن ابتاع شاة أو بصيرا أو بقرة فذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة
عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إياه وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس
وكان أحق بالباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو شبيكة أو ما أشبه ذلك أخرج
منها الخمس وتملك الباقي.
ومن وجد في مغازة طعاما قومه على نفسه وأكله، فإن جاء صاحبه رد عليه قيمته، وإن
184

وجد فيها شاة فليأخذها وهو ضامن لقيمتها، ويتراع البعير إذا وجده في الفلاة فإنه يصبر
على المش والجوع والعطش وربما كان صاحبه في طلبه فيجده إذا ترك ولم يذهب به.
ولا بأس أن ينتفع الانسان بما يجده مما لم تبلغ قيمته درهما واحدا ولا يعرفه، ويكره أخذ
السوط والإداوة والحذاء، وينبغي لمن وجد شيئا من هذه الثلاثة الأشياء أن يتركه ليرجع
صاحبه إليه فيأخذه، فربما طلبه صاحبه وقد أخذه غيره فيؤديه فقده إلى العطب والهلاك
بذلك، لئن الإداوة تحفظ ما يقوم به الرمق من الماء، والحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة
والآفات، والسوط يسير البصير، فإذا فقده الانسان خيف عليه العطب بفقده.
وإذا تلفت اللقطة في مدة زمان التعريف لم يكن على واجدها ضمان إلا أن يفرط في
حفظها أو يتصرف فيها، وإذا لقط المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك، وينبغي له أن يرفع
خبره إلى سلطان الاسلام ليطلق النفقة عليه من بيت المال، فإن لم يوجد سلطان ينفق عليه
استعان واجده بالمسلمين في النفقة، فإن لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه، وكان له
الرجوع بنفقته عليه إذا بلغ وأيسر إلا أن يتبرع بما أنفقه عليه، وإذا أنفق عليه وهو يجد من
يعينه في النفقة فلم يستعن به فليس له رجوع عليه. بشئ من النفقة.
وإذا بلغ اللقيط تولى من شاء من المسلمين ولم يكن للذي أنفق عليه ولاء، وإن لم يتول
أحدا حتى مات كان ولاؤه للمسلمين، وإن ترك مالا ولم يترك ولدا ولا قرابة له من المسلمين
كان ما ترك لبيت مال المسلمين، وإذا ترك الانسان بعيره في جهد في كلأ وماء لم يكن لأحد
تملكه، وإن تركه في مغازة لا كلأ فيها ولا ماء فهو لمن أخذه، وكذلك إن ترك دابته فالحكم
فيها كالحكم في البعير سواء.
باب في جعل الآبق:
وإذا وجد الانسان عبدا آبقا أو بصيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك
جعل إن كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم جيادا، وإن كان وجده في غير
المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جيادا بذلك ثبتت السنة عن النبي
ص.
185

وإن كانت الضالة غير العبد والبعير فليس في جعل ردها شئ موظف لكن يرجع فيه
إلى عادة القوم فيما يبذلونه لمن وجدها ونحو ذلك، وإذا جعل صاحب الضالة لمن ردها
جعلا فواجب عليه الخروج إليه منه على ما سماه من قدره وشرطه فيه على نفسه، وينبغي
لمن وجد عبدا آبقا أو بعيرا شاردا وغير ذلك من الحيوان أن يرفع خيره إلى سلطان الاسلام
ليطلق النفقة عليه من بيت المال، فإن لم يوجد سلطان عادل أنفق عليه الواجد له من ماله،
فإذا حضر صاحبه استرجع منه النفقة عليه وسلمه إليه.
186

الكافي
فصل في اللقطة:
اللقطة على وجهين: أحدهما يحرم التقاطه والثاني يحل وتركه أولى.
فالأول: الإداوة والقربة وغيرهما من أوعية الماء، والحذاء والسوط والشاة والبقرة
والحمار في الأرض ذات الكلأ والماء والبعير على كل حال.
والثاني: ما عدا ذلك، وهو على ضربين:
أحدهما: يصح التصرف فيه من غير تعريف، وهو على ضربين: مضمون
وغير مضمون، فالمضمون ما يخاف فساده بالتعريف مما تزيد قيمته على درهم كالأطعمة، وغير
المضمون ما نقصت قيمته عن درهم من جميع اللقطة، وما يوجد في الملك المتوارث والمباح
والدارس في الديار المجهولة من الكنوز وشبهها.
والثاني: يجب تعريفه وضمانه وهو على ضروب: منها أن يكون مما يصح بقاؤه ولا يفسد
بطول المكث كالذهب والفضة وسائر العروض، فيجب تعريفه سنة كاملة في أيام الجمع
والأعياد والمواسم والأسواق، فإن جاء صاحبه رده عليه وإلا فلاقطه بالخيار بين أن يتصرف
فيه ويضمن المثل دون الربح أو يتصدق به عن صاحبه أو يعزله انتظارا للتمكن منه وهو
أحوط الأمرين، فإن هلك في مدة التعريف من غير تعد فلا ضمان عليه، وإن كان هلاكه لتعد
أو بعد ما تصرف فيه من غير تعريف فهو ضامن.
وإذا حضر صاحب اللقطة وقد تصرف فيها الملتقط فعليه رد مثلها أو قيمتها إن كان
تصرفه بعد التعريف وإن كان قبله رد معها ما أفادت من ربح، فإن كان قد تصدق بها فهو
187

بالخيار بين إمضاء الصدقة وله ثوابها وبين الرجوع عليه بها ويكون ثواب الصدقة له دونه.
فإن كانت اللقطة حيوانا عرفها ثلاثا فإن جاء صاحبها وإلا رفع خبرها إلى سلطان
الاسلام لينفق عليها من بيت المال، فإن تعذر ذلك فهو بالخيار بين الانفاق عليها متبرعا
أو محتسبا على صاحبها وبين بيعها وعزل ثمنها لصاحبها، وإذا ملك الطائر جناحه فهو
حل لمن صاده من غير تعريف.
ومن وجد شيئا في دار انتقلت إليه من غيره ببيع أو غيره فعليه تعريفه منه فإن عرفه
رده عليه وإلا تصرف فيه، ومن وجد شيئا في ذلك أو صندوقه أو بيته لا يعرفه وكان هناك
متصرف غيره في الدار أو البيت أو الصندوق عرفه منه، فإن عرفه أعطاه وإلا تصرف
فيه، وإن كان التصرف مختصا به فهو له.
وإذا سيب المرء دابته لجهدها في أرض لا كلأ فيها فهي لمن التقطها، وإن كانت في
أرض ذات ماء وكلأ فهي لا يحل التقاطها على ما سلف بيانه وحكمه، ولقطة العبد والأمة
متعلق بالمالك، وما يلتقطه المحجور عليه لوليه.
188

النهاية
باب اللقطة والضالة:
اللقطة على ضربين:
ضرب منه يجوز أخذه ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه وهو كل ما كان دون
الدرهم أو يكون ما يجده في موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه، والضرب الآخر وهو
الذي لا يجوز له أخذه فإن أخذه لزمه حفظه وتعريفه، فعلى ضربين:
ضرب منه ما يجده في الحرم والضرب الآخر في غير الحرم.
فما يجده في الحرم يلزمه تعريفه سنة في المواقف والمواسم، فإن جاء صاحبه رد عليه
وإن لم يجئ صاحبه بعد السنة تصدق به عنه وليس عليه شئ، فإن جاء صاحبه بعد ذلك لم
يلزمه شئ فإن أراد أن يخيره بين أن يغرم له ويكون الأجر له واختار ذلك صاحب المال فعل
وليس ذلك واجبا عليه.
وأما الذي يجده في غير الحرم فيلزمه أيضا أن يعرفه سنة فإن جاء صاحبه رد عليه وإن
لم يجئ كان سبيله كسبيل ماله ويجوز له التصرف فيه إلا أنه يكون ضامنا له متى جاء
صاحبه وجب عليه رده، فإن تصدق به عنه لزمه أن يغرمه عنه متى جاء إلا أن يشاء صاحب
المال أن يكون الأجر له فيحتسب له بذلك عند الله.
ومتى هلكت اللقطة في مدة زمان التعريف من غير تفريط لم يكن على من وجدها شئ،
فإن هلكت بتفريط من قبله أو يكون قد تصرف فيه ضمنه ووجب عليه غرامته بقيمته يوم
هلك، ومتى اشترى بمال اللقطة جارية ثم جاء صاحبها فوجدها بنته لم يلزمه أخذها وكان له
189

أن يطالبه بالمال الذي اشترى به ابنته ولا تحصل هذه البنت في ملكه فتكون قد انعتقت به
بل هي حاصلة في ملك الغير وهو ضامن لماله الذي وجده، فإن أجاز شراءه لها انعتقت بعد
ذلك ولم يجز له بيعها، ومتى تصرف في اللقطة قبل السنة واستفاد بها ربحا كان الربح
لصاحب المال، وإن كان تصرفه بعد السنة كان الربح له وعليه ضمان المال حسب
ما قدمناه.
ومن وجد كنزا في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث إن
كان له شريك فيه، فإن كانت الدار قد انتقلت إليه بابتياع من قوم عرف البائع فإن عرفه
وإلا أخرج خمسه إلى مستحقه وكان له الباقي، وكذلك إن ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فذبح
شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه فإن عرفه
أعطاه وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس وكان له الباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها
درة أو سبيكة وما أشبه ذلك أخرج منه الخمس وكان له الباقي.
ومن وجد في داره شيئا فإن كانت الدار يدخلها غيره كان حكمه حكم اللقطة وإن لم
يدخلها غيره كان له وإن وجد في صندوقه شيئا كان حكمه مثل ذلك، ومن وجد طعاما في
مفازة فليقومه على نفسه ويأكله فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه وإن وجد شاة في برية
فليأخذها وهو ضامن لقيمتها ويترك البعير إذا وجده في المفازة فإنه يصبر على المشي
والجوع، فإن وجد بعيرا قد خلاه صاحبه من جهد وكان في كلأ وماء لم يجز له أخذه فإن
وجده في غير كلأ ولا ماء كان له أخذه ولم يكن لأحد بعد ذلك منازعته وكذلك إن وجد دابة
فالحكم فيها مثل الحكم في البعير سواء، ويكره أخذ ماله قيمة يسيرة مثل العصا والشظاظ
والوتد والحبل والعقال وأشباه ذلك وليس ذلك بمحظور.
ومن أودعه لص من اللصوص شيئا من المغصوب لم يجز له رده عليه، فإن عرف
صاحبه رده عليه وإن لم يعرف كان حكمه حكم اللقطة سواء، والشاة إذا وجدها حبسها
عنده ثلاثة أيام فإن جاء صاحبها ردها وإلا تصدق بها.
وإذا وجد المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك وينبغي له أن يرفع خبره إلى سلطان
الاسلام ليطلق له النفقة عليه من بيت المال، فإن لم يوجد سلطان ينفق عليه استعان
190

بالمسلمين في النفقة عليه فإن لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه. وكان له الرجوع بنفقته
عليه إذا بلغ وأيسر إلا أن يتبرع عليه وإذا أنفق عليه وهو يجد من يعينه في النفقة
عليه تبرعا فلم يستعن به فليس له رجوع عليه بشئ من النفقة، وإذا بلغ اللقيط، تولى من
شاء من المسلمين ولم يكن للذي أنفق عليه ولاؤه إلا أن يتوالاه فإن لم يتوال أحدا حتى
مات كان ولاؤه للمسلمين، وإن ترك مالا ولم يترك ولدا ولا قرابة له من المسلمين كان
ما تركه لبيت المال.
ومن وجد شيئا من اللقطة والضالة ثم ضاع من غير تفريط أو أبق العبد من غير تعد
منه عليه لم يكن عليه شئ، فإن كان هلاك ما هلك بتفريط من جهته كان ضامنا وإن كان
إباق العبد بتعد منه كان عليه مثل ذلك، وإن لم يعلم أنه كان لتعد منه أو لغيره وجب عليه
اليمين بالله أنه ما تعدى فيه وبرئت عهدته، ولا بأس للإنسان أن يأخذ الجعل على ما يجده
من الآبق والضال، فإن جرت هناك موافقة كان على حسب ما اتفق عليه فإن لم تجر موافقة
وكان قد وجد عبدا أو بعيرا في المصر كان جعله دينارا قيمته عشرة دراهم فإن كان خارج
المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما فضة، وفيما عدا العبد والبعير ليس فيه شئ
موظف بل يرجع فيه إلى العادة حسب ما جرت في أمثاله فأعطى إياه، ومن وجد شيئا مما
يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال فإن لم
يجد وأنفق هو عليه كان له الرجوع على صاحبه بما أنفقه عليه، وإن كان من أنفق عليه قد
انتفع بشئ من جهته إما بخدمته أو ركوبه أو لبنه كان ذلك بإزاء ما أنفق عليه ولم يكن له
الرجوع على صاحبه.
191

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق باللقطة:
مسألة: إذا أخذ لقطة، هل يجب عليه الضمان أم لا؟
الجواب: عليه ضمان ذلك، لأنه أخذ مال الغير بغير حق.
مسألة: المسألة بعينها. إذا أخذها ولزمه الضمان ثم نسيها، هل يزول عنه الضمان أم
لا؟
الجواب: لا يزول عنه الضمان بذلك، لأن ذمته قد اشتغلت به ويحتاج في زواله إلى
دليل ولا دليل عليه. وأيضا فهو يجري مجراه إذا سرق من غيره شيئا ثم ألقاه في منزله في أنه
لا ينفك عنه ضمانه نسيه أو لم ينسه.
مسألة: وإذا وجد انسان لقطة ثم أخذها ثم ضاعت منه ثم وجدها آخر، فأخذها
هل يكون الأول أولى بها أم الثاني؟
الجواب: الأول أولى بها من الثاني لأن الأول لما أخذها استحق التعريف باليد والتالي
أخذها بغير استحقاق.
مسألة: إذا وجد انسان لقطة وحضر آخر فوصفها، هل يجوز على الملتقط تسليمها
أم لا؟
الجواب: لا يجب على الملتقط تسليمها إليه إلا بسند شاهدين أو شاهد ويمين، وأما مع
خلافه ذلك فإنه لا يجب عليه التسليم ولا يجوز تسليمها عند الواصف لها، إذا أقام في قلبه أن
الواصف لها إما صادق إلا أنه ذلك يجب عليه ويلزمه، من حيث أن وجوب ذلك عليه ولزومه
192

له إنما يكون مع البينة، وإنما قلنا إنه لا يجب عليه تسليمها إلا ببينة أنه لا دليل يدل على
وجوب ذلك عليه ولزومه له بغير البينة.
مسألة: إذا سلم اللقطة إلى من يدعيها بالبينة، وحضر آخر وادعاها وأقام بذلك
البينة، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن يقرع بينهما، فمن خرج اسمه أخذها لأن على ذلك
العمل بين الطائفة وفيها الحجة كما قدمناه.
مسألة: انسان ضاع له عبد بالشام، فوجده بمصر وحضر سيده عند قاضي مكة
فقال له ضاع عبد لي من صفته كذا وحاله كذا وذكر صفته، وأقام بذلك شاهدان يشهدان
بأنه ضاع منه عبد هذه صفته ولم يعلم أنه زال عن ملكه إلى الآن، فلما ثبت له البينة عند
قاضي مكة سأله أن يكتب له كتابا بذلك إلى قاضي مصر يعرفه فيه بما ثبت عليه، فكتب له
بذلك كتابا حكيما وأوصل الكتاب إلى قاضي مصر، هل يجوز تسليم العبد إليه بهذا
الكتاب أم لا؟
الجواب: لا يجوز تسليم العبد إليه بذلك، لأن الصفة قد يتفق ويشتبه، ويطلق أيضا
الصفة، فيجوز أن يكون عبدا آخر وافقت صفته لصفة هذا الآخر فإذا حضر الشاهدان
اللذان شهدا بمكة عند قاضي مصر وحضر العبد، فشهد بأن قالا نشهد بأن هذا العبد لهذا
الرجل فيجب تسليمه إليه، لأن الشاهدين شهدا على عين، وشهادتهما في الأول على صفة،
والصفة قد ذكرنا ما فيها.
مسألة: هل يجوز له إن ضاع له متاع أو شئ من الضوال أن يجوز لمن يجد جعلا أم
لا؟
الجواب: هذا جائز لقول الله تعالى: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم.
مسألة: إذا أبق عبد انسان وأحضر له انسان آخر، واختلفا وقال الذي جاء به:
شارطني على جعل وأنا استحقه عليك وقال الآخر: لم يشارطني على جعل ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك، كان القول قول صاحبه مع يمينه لأن الذي أحضر يدعي
إحداث شرط والأصل أن لا شرط، وعليه في ذلك البينة، وإلا كان القول قول الآخر مع
193

ما قدمناه.
مسألة: إذا كان لإنسان مملوكان أبقا. فقال لغيره إن جئتني بمملوكي الفلاني كان
لك على كذا. فجاء بأحد المملوكين واختلفا. فقال المالك: لم أشارطك على هذا وإنما
شارطتك على الآخر، وقال الذي جاء به: ما شارطتني إلا على هذا، دون ذلك. ما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك كان القول قول المالك مع يمينه، لأن الأصل أن لا شرط كما
قدمناه في المسألة المتقدمة على هذه.
مسألة: المسألة بعينها إذا اختلفا فقال المالك: شرطت لك نصف دينار، وقال
الذي جاء بالمملوك: بل شرطت لي دينارا. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا في القدر المشروط على ما ذكر في المسألة، كان للذي جاء
بالمملوك أجرة المثل مع يمين المالك لأنه المدعى عليه.
مسألة: إذا قال انسان: من جاء بمملوكي الآبق، فله دينار، فمن قولكم إنه إن جاء
به واحد، فله دينار وإن جاء به اثنان فلهما الدينار وإن جاء به الثلاثة، فلهم الدينار، فما
القول فيه إذا قال من دخل داري فله دينار، قد دخلها واحد أو أكثر؟ وهل يجري ذلك
مجرى ما تقدم في الدينار المجهول لمن أحضر الآبق أم لا؟
الجواب: إنما قوله في المملوك الآبق بما ذكروا، أن عندنا أن الدينار يكون لمن جاءه
به سواء كان الذي يجئ به واحدا أو أكثر وهو صحيح. وأما قوله في الدار بما ذكره أنه يلزمه
لكل واحد دخل الدار دينار، بخلاف الرد في المملوك. والفرق بين المسألتين أن مسألة
الدار على الاستحقاق فيها بالدخول، والدخول قد وجد من كل واحد منهم وإنما يردهم
جميعهم فاستحق جميعهم الأجرة لأن السبب المطلوب والغرض المقصود حصل من
جميعهم لا من كل واحد منهم على الانفراد، وليس مثل ذلك في مسألة الدار. لأن السبب
المطلوب والغرض المقصود حصل من كل واحد منهم على الانفراد فبان الفرق بين ما ذكرناه.
مسألة: إذا قيل لغيره إن جئتني بمملوكي الآبق فلك عشر دراهم، وقال للآخر إن
جئتني به فلك عشرون درهما، وقال للآخر إن جئتني به فلك ثلاثون درهما فوجده الثلاثة في
194

دفعة واحدة وجاؤوا به في دفعة واحدة، هل تجب على كل واحد عليه ما سماه له أم لا؟
الجواب: إذا جاؤوا به في دفعة واحدة على الوجه المذكور كان لكل واحد منهم ثلث
ما سمي له، لأنه عمل له ثلث العمل فيكون لمن سمي له عشرة ثلاثة وثلث، ولمن سمي له
عشرين ستة وثلثان، ولمن سمي له ثلاثين عشرة لأنهم جاؤوا به في دفعة واحدة، على ما
ذكرناه في المسألة المتقدمة، وإنما كان كل واحد منهم يستحق الأخذ لما سمي له لو جاء به كل
واحد على الانفراد.
مسألة: إذا قال من أحضر مملوكي الآبق كان له دابة أو قميص، هل يصح ذلك
أم لا؟
الجواب: هذا لا يصح، لأنه مجهول. فإن أحضره كان له أجرة المثل، لأن هذا العقد
فاسد.
مسألة: إذا قال لغيره إن أحضرت مملوكي الآبق كان لك على قميص وقال
للآخر إن أحضرته كان لك عشرون درهما، فأحضره جميعهم في دفعة واحدة، ما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر في المسألة كان لمن سمي له قميص ثلث أجرة
مثله لأن المسمى له مجهول، ولكل واحد من الآخرين ثلث ما سمي له، على ما قدمناه في
المسألة المتقدمة لأنهم جاؤوا به في دفعة واحدة ولأنه عمل ثلث العمل.
مسألة: إذا قال لغيره إذا أحضرت مملوكي الآبق كان لك على دينار فأحضره هو
وغيره، هل يستحق الدينار الذي سمي له، أو يشاركه الآخر فيه، أو لا يستحق الذي
سمي له شيئا.
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر في المسألة كان للذي سمي له الدينار، نصف
دينار لأن غيره أحضره معه في دفعة واحدة ولأنه عمل نصف العمل وأما الآخر فلا يستحق
شيئا لأنه تطوع بذلك فإن طلب شيئا كان له نصف أجرة المثل.
مسألة: إذا وجد اثنان لقيطا واختلفا في أخذه وتشاحا عليه. كيف الحكم بينهما؟
الجواب: إذا تشاحا في ذلك أقرع بينهما فيه فمن خرج اسمه دفع إليه لأن القرعة
195

تستعمل عندنا في كل أمر مشكل، ولا فرق في هذين الاثنين أن يكونا رجلين وامرأتين أو
رجلا وامرأة وإن كانا غير متساوين مع كونهما مسلمين مقيمين دفع إلى الأفضل منهما وإن
كان أحدهما كافرا والآخر مسلما وكان اللقيط أبواه كافرين، سلمه إلى الكافر، وإن كان
الصبي أحد أبويه مسلما سلم إلى المسلم فإن كان أحدهما مقيما والآخر يريد السفر
سلم إلى المقيم. اللهم إلا أن يكون هذا المسافر يريد السفر إلى موضع بلده فيه قرينة أو
أهل أو مصلحة يزيد على مصلحته مع المقيم فإنه يسلم إليه.
مسألة: إذا جنى اللقيط على غيره جناية وكان مسلما، ما الذي يحكم به في ذلك؟
الجواب: إذا جنى على غيره وكان مسلما صغيرا أو كبيرا جناية خطأه، كانت
الدية على عاقلته، وهي بيت المال، لأنه لا عاقلة له سواه ولأن نفقته في بيت المال ولأنه لو كان
له مال ومات فكان لبيت المال. وأيضا، فإنه لا خلاف في ما ذكرناه. وإن كانت الجناية عمدا
أو كان صغيرا فعمده وخطؤه سواء، والدية في بيت المال وإن كان كبيرا فالذي جنى عليه
مخير بين أن يعفو عنه أو يقتص منه.
196

فقه القرآن
باب اللقطة والضالة:
قال الله تعالى: ألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة.
الأصل في ذلك السنة ويمكن الاستدلال عليها من القرآن بما تلوناها وبقوله تعالى:
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا، وكل ما يلتقط من الآدميين فحكمه أن يكون حرا
سواء وجد في دار الاسلام أو في دار الحرب.
فأما اللقطة فإنه يجوز أخذ كل ما كان قيمته دون الدرهم منها من غير ضمان ولا تعريف
وكذا ما يوجد في موضوع خرب مدفونا لا من أثر أهل الزمان وعلى خلافه ما يوجد في الحرم،
وما يجده الانسان في غير الحرم وكان درهما فما فوقه فإنه يجب تعريفه سنة، فإن لم يجئ
صاحبه كان كسبيل ماله إلا أنه يكون ضامنا له متى جاء صاحبه.
والشاة متى وجدها في برية فليأخذها وهو ضامن لقيمتها فإن وجدها في العمران
حبسها ثلاثة أيام، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها عنه.
باب الزيادات:
أما معنى قوله: فاكتبوه، في آية المعاملة بالدين أي فاكتبوا الدين في صك كيلا يقع فيه
جحود أو نسيان، وليكون ذلك نظرا للذي عليه الحق وللذي له الحق وللشهود، فوجه النظر
للذي عليه الحق ليكون أبعد به من الجحود فلا يستوجب النقمة والعقوبة، ووجه النظر
للذي له الحق أن يكون حقه موثوقا بالصك والشهود فلا يضيع حقه، ووجه النظر للشهود
197

أنه إذا كتب خطه كان ذلك أقوم للشهادة وأبعد من السهو وأقرب إلى الذكر.
مسألة:
روى أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع في الرجل يكون عليه دين
إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه ويقول: أنقذني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته،
أو يقول: أنقدني بعضا وأمد لك في الأجل فيما بقي؟ فقال: لا أرى بأسا ما لم يزد على رأس
ماله شيئا، يقول الله تعالى: فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون.
مسألة:
عن الصادق ع وقد سأله يزيد العجلي أن على دينا لأيتام وأخاف إن بعت
ضيعتي بقيت وما لي شئ. فقال: لا تبع ضيعتك ولكن أعط بعضا وأمسك بعضا، وعن
سماعة بن مهران في من عليه الدين؟ قال: يقضي ما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس إلا
وعنده ما يؤدى إليهم حقوقهم، إن الله تعالى يقول: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل.
مسألة:
وعن الصادق ع: أفضل ما يستعمله الانسان في اللقطة إذا وجدها أن
لا يأخذها ولا يتعرض لها، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه، وسئل عن
الأضحية يوجد في جوفها جوهر أو غيره من المنافع؟ فقال ع: عرفها البائع فإن
لم يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه.
وأما ما يكون حكمه حكم اللقطة، فقد سئل ع عمن أودعه اللص سرقة
ولا خوف على المودع فيه. فقال: لا يردها عليه فإن أمكنه أن يردها على صاحبها فعل وإلا
كان في يده بمنزلة اللقطة يعرفها حولا فإن أصاب صاحبها وإلا تصدق بها عنه.
198

غنية النزوع
فصل في اللقطة:
من وجد ضالة من الإبل لم يجز له أخذها بإجماع الطائفة، وقد روي عن النبي
ص أنه قال وقد سئل عن ذلك: ما لك ولها خفها حذاؤها وكرشها سقاؤها،
ومن وجد ما عدا ذلك كره له أخذه، فإن أخذه وكانت قيمته دون الدرهم لم يضمنه
ويحل له التصرف فيه، وفيما بلغ أيضا الدرهم وزاد عليه مما يخاف فساده بالتعريف
كالأطعمة من غير تعريف.
وأما ما سوى ذلك فعليه تعريفه حولا كاملا في أوقات بروز الناس وأماكن اجتماعهم
كالأسواق وأبواب المساجد وهو بعد الحول إن لم يأت صاحبه بالخيار بين حفظه انتظارا
للتمكن منه وبين أن يتصدق به عنه ويضمنه إن حضر ولم يرض وبين أن يتملكه ويتصرف
فيه وعليه أيضا الضمان إلا لقطة الحرم فإنه لا يجوز تملكها ولا يلزم ضمانها إن تصدق بها.
ويدل على ذلك كله الاجماع المشار إليه، وقد روي عن النبي ص أنه
قال وقد سئل عن اللقطة: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا
فاستمتع بها، وفي خبر آخر: وإلا فشأنك، والعفاص: هو الذي يكون فوق رأس القارورة
وشبهها من جلد أو غيره فوق الصمامة، وهي: ما يحشى في الرأس، والوكاء: هو ما يشد به
العفاص من سير أو خيط.
وحكم لقطة المحجور عليه يتعلق بوليه، ولقطة العبد يتعلق حكمها بمولاه، واللقيط حر
لا يجوز تملكه، وإذا تبرع ملتقطه بالإنفاق عليه لم يرجع عليه بشئ إذا بلغ وأيسر، وإذا لم يرد
199

التبرع ولم يجد من يعينه على الانفاق من سلطان أو غيره فأنفق للضرورة جاز له الرجوع،
وليس له عليه بالإنفاق ولاء.
إذا ادعى اثنان في لقيط أنه ولد لهما ألحق بمن أقام البينة، فإن أقاماها جميعا وتكافأت
أقرع بينهما فمن خرج اسمه ألحق به بدليل الاجماع المشار إليه، وقد بينا فيما مضى حكم
الموجود من الكنوز وقدر أجرة العبد والبعير.
200

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان اللقطة والضالة:
اللقطة: ما وجده الانسان لغيره فأخذه، والضالة: ما يضيع من الانسان من حيوان
وغيره.
فالحيوان ثلاثة أضرب: آدمي وغير آدمي مما هو ممتنع من صغار السباع مثل الإبل
والخيل والبغل والثور، ومما هو غير ممتنع من صغار السباع مثل الحمير والغنم، وغير
الحيوان: إما وجده في الحرم أو في غيره، وهو ضربان: إما وجده في فلاة أو في عمران أو في
بطن حيوان أو تحت الأرض.
فالآدمي: حر ومملوك صغير ومراهق فما فوقه، فالحر لم يملك بالوجدان، فإذا التقط
حرا صغيرا رفع خبره إلى الحاكم لينفق عليه فإن لم يجد أنفق هو عليه إن لم يعنه أحد، فإذا
بلغ وأيسر رجع عليه إن شاء، والصغير من المملوك في حكم اللقطة، والمراهق رفع خبره
إلى الحاكم لينفق عليه، فإن لم يجد كان ذا كسب كانت نفقته في كسبه، فإن لم يكن أنفق عليه
ورجع به على صاحبه إذا ظهر، فإذا ظهر وجعل لذلك جعلا استحق وإن يجعل وجرت في
البلد عادة بشئ استحقه، وإن لم تجر ووجده في المصر كان له دينار وإن وجده خارج
المصر كان له أربعة دنانير قيمة كل دينار عشرة دراهم.
والحيوان الممتنع من صغار السباع: إما ضل أو تركه صاحبه، فإن ضل وكان بعيرا
كان حكمه حكم المملوك إذا رد على صاحبه، وإن كان غير بعير لم يكن فيه شئ موظف،
فإن جعل له صاحبه جعلا استحقه وإن لم يجعل كان فيه على حسب العادة، وإذا أخذه
201

ضمن.
وإن تركه صاحبه من جهد وكلال في كلأ وماء لم يجز له أخذه بحال وإن تركه في غير
كلأ ولا ماء فكذلك، وإن كان غير ممتنع ووجده في برية كان مخيرا بين ثلاثة أشياء: إن كان
غنما إما أكل بالضمان أو أنفق عليه تطوعا أو رفع خبره إلى الحاكم ليحكم فيه، وإن وجد في
العمران أو ما يتصل به إلى نصف فرسخ، فهو مخير بين الانفاق عليه تطوعا وبين أن يرفع
خبره إلى الحاكم.
وغير الحيوان إن وجد في الحرم عرف سنة، فإن جاء صاحبه وإلا تصدق به عنه بعد
سنة من غير ضمان، وإن وجد في برية وكان طعاما إن شاء أكلها بضمان وإن شاء رفع خبره
إلى الحاكم، وإن كان إدارة أو محظرة، أو حذاء لم يتعرض له بحال، وإن كان غير ذلك مما
قيمته درهم فما دونه أخذه وكان له، وإن كانت زائدة على ذلك عرف سنة فإن جاء صاحبه
وإلا كان مخيرا بين شيئين: إما حفظ لصاحبه بغير ضمان وإما تصرف فيه بضمان.
وإن وجد في عمران في ملكه عرف على ما ذكرنا وإن كان في ملك غيره عرفه، فإن عرف
كان له وإن لم يعرف فحكمه ما ذكرناه، وإن وجد خافيا تحت الأرض في خراب لم يعرف له
مالك أخرج منه الخمس والباقي له وإن عرف له مالك عرف، فإن عرف رد عليه وإن لم
يعرف أخرج منه الخمس على ما ذكرنا.
وإن وجد في ملك الغير ولم يعرفه كان حكمه على ما ذكرناه، وإن وجد في ملكه وقد
ورثه ولم يعرف له صاحبا كان له ولمن هو شريكه فيه، وإن اشتراه عرف المشتري منه فإن
عرف وإلا فهو له أخرج منه الخمس، وإن وجد في جوف سمكة أخرج منه الخمس والباقي
له، وإن وجد في بطن غيرها من الحيوان وكان قد ورثه كان في حكم السمكة، وإن كان قد
اشتراه عرف المشتري منه فإن عرف وإلا فهو له على ما ذكرنا.
وإن وجدها اثنان واستبقا إليها كان لمن سبق إليها فإن تساويا كانت لهما، وإن ادعاها
أحد استحقها بشاهدين أو شاهد ويمين بعد ما وصفها بالوعاء، والوكاء والوزن والعدد
والحلية.
202

إصباح الشيعة
كتاب اللقطة
من وجد في البرية حيوانا يستطيع الامتناع من صغار السباع إما بقوته أو لسرعة
عدوه أو بطيرانه وكان مملوكا للغير فليس له أخذه لقوله ع لا يؤوي الضالة إلا
ضال فإن أخذه ضمنه ولم يزل ضمانه إلا برده على صاحبه أو إلى الإمام، وإن وجد فيها دابة
في غير كلأ وماء قد خلاها صاحبها من جهد فله أخذها ولا نزاع لأحد فيه، وإن كانت في
كلأ وماء فلا.
وإن وجد في البرية ما لا يمتنع من صغار السباع فله أخذه لقوله ع:
خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، فإن أخذه فإما أن يأكله ويضمن قيمته لصاحبه
إذا جاء أو ينفق على صاحبه إن جاء. وإن كان مطعوما أكله وضمن قيمته عليه أو ينفق عليه
تطوعا أو يرفع خبره إلى الإمام أو الحاكم، فإن أنفق عليه ولم يتمكن من رفع خبره أو لم
ينتفع منه بلبن أو ركوب أو خدمة رجع بذلك على صاحبه، وإن تمكن من ذلك أو انتفع فلا
رجوع.
وإن وجد بهيمة في العمران إلى نصف (ال) فرسخ منها فله أخذها ممتنعة كانت
من السباع أم لا ثم هو مخير فيها فيما سوى الأكل مما سبق، فإن وجد من غير الحيوان ما
كان هو أو قيمته دون (ال) درهم أو كان في موضع خرب باد أهله وتنكر رسمه وإن كثر
فله أخذه بلا ضمان وتعريف. وما عدا ذلك يكره أخذه، فإن أخذه وكان مما يجوز البقاء عليه
عرفه سنة فإن لم يجئ صاحبه حفظه عليه أو أنفقه على نفسه بشرط العزم على رد قيمته
203

على صاحبه إن جاء، وإن كان مطعوما أكله وضمن قيمته لصاحبه أو سلمه إلى الحاكم
ليبيعه ويعرف ثمنه، فإن لم يجئ صاحبه رده إلى الملتقط. وإن كان الحظ في تجفيفه دون بيعه
أنفق الحاكم بعضه على تجفيفه ويدخر لمجئ صاحبه أو يتصدق به.
واللقطة أمانة في يد واجدها ويلزمه أن يعرفها سنة ثم إما أن يحفظها إلى مجئ
صاحبها أو يتصدق بها عن صاحبها خاصة بشرط الضمان إن لم يرض الصاحب أو
يتصرف فيها وضمنها لصاحبها، وإن وجدها في الحرم يكون بعد التعريف سنة مخيرا فيما
عدا التملك من الحفظ والتصدق بشرط الضمان. وإذا اتجر بها من له التصرف فيها وربح
لم يكن لصاحبها استرداد الربح إلا إذا كان ذلك قبل اختياره تملكها. ويشهد على اللقطة
واجدها ندبا ولا يزول ضمان واجدها إلا بالرد على صاحبها.
وتعريفها ينبغي أن يكون حين يراه الناس في المواسم والجمعات والمحافل
وأبواب المساجد دون داخلها وفي الأسواق وفي أول جمعة وأسبوع صابها، فإن عرف ستة
أشهر ثم ترك جاز أن يبني عليها إذ ليس من شرطه التوالي ويجوز أن يستعين في التعريف
بغيره أو يستأجر لذلك عنه غيره بماله، ومتى أراد حفظ اللقطة على صاحبها من حين
وجدانها لم يلزمه تعريف سنة.
إذا ضاعت اللقطة قبل التعريف ووجدها آخر كان الأول (ال) أولى بها لأنه لما
وجدها استحق للتعريف باليد. واللقطة في يد واجدها أمانة وإن كان بعد الحول ما لم يتخير
تملكها. فإن هلكت أو أبقت بتفريط من الواجد ضمن.
إذا وجد اللقطة عبد لم يكن له أن يتملكها، فإن تملكها كانت مضمونة في رقبته يتبع
به إذا أعتق، هذا إذا لم يعلم به مولاه، وإن علم به وتركه في يده وكان العبد غير أمين كان
في ضمان المولى، وإن كان أمينا جاز وعلى المولى التعريف، فإن كان أعتقه قبل علمه باللقطة
فله أخذها منه لأنها من كسبه، وحكم العبد الصغير في اللقطة حكم المال وحكم الكبير
الميز حكم الضوال يلتقط الأول دون الثاني بل يرفع حكم الثاني إلى الحاكم إن أخذه.
من جاء ووصف لواجد اللقطة عقاصها ووكاءها ووزنها وعدها وحليتها وغلب في
ظنه أنه صادق جاز له أن يعطيها ولا يلزمه ذلك إلا ببينة.
204

من ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فوجد في جوفه ما له قيمة عرفه من ابتاعه منه فإن
عرفه أعطاه وإلا أخرج خمسه وله الباقي. وإن اشترى سمكة فوجد في جوفها درة
أو نحوها أخرج الخمس وله الباقي. وكذا من ابتاع دارا فوجد فيها كنزا من دفن أهل
الاسلام عرف البائع فإن عرفه وإلا أخرج خمسه وله الباقي، وإن كان من دفن الجاهلية فلا
تعريف. ومن أودعه لص مغصوبا لم يجز له رده عليه فإن عرف صاحبه رده عليه وإلا
فكاللقطة.
205

كتاب اللقطة
أخذ اللقيط فرض على الكفاية لأنه بمنزلة المضطر وإطعام المضطر واجب. ويملك
الصبي المنبوذ ما كان معه وعليه، فإن لم يكن ملتقطه أمينا انتزعه الحاكم من يده وسلمه
إلى أمين ونفقته من ماله إن كان له مال ولا ينفق الملتقط عليه ذلك إلا بإذن الحاكم، وإن
أنفق عليه بغير إذن الإمام أو الحاكم ضمن، فإن لم يكن إمام ولا حاكم وأنفق الأمين عليه منه
لم يضمن لأنه موضع (ال) ضرورة، وإن لم يكن للقيط مال ينفق عليه من بيت المال، فإن لم
يكن في بيت المال مال استعان بالمسلمين إلى أن يظهر في بيت المال مال، فإن لم يعاون أنفق
عليه من مال نفسه بالمعروف ورجع بذلك على اللقيط إذا بلغ، وإن كان من يعينه فلم
يستعن فلا رجوع له. وإن ادعى أكثر من المعروف لم يقبل قوله في الزيادة، وإن اختلفا في
قدر النفقة فالقول قول الملتقط. وإذا للقيط مال وأنفقه عليه الملتقط وادعى عليه بعد البلوغ
أنه لم ينفق ماله عليه فالقول قول الملتقط مع يمينه.
لو وجد اثنان لقيطا فتشاحا على حضانته وتربيته وقد تساويا في الحرية والإسلام
والأمانة واليسار ولم يتركه أحدهما للآخر أعطي أحدهما بالقرعة، فإن كان أحدهما فاسقا
أو عبدا أو بدويا أو مسافرا أو كافرا أعطي من ليس كذلك. واللقيط المحكوم عليه بالكفر
يترك في يد ملتقطه الكافر بخلاف المحكوم ع.
الطفل يحكم بإسلامه إذا كان أحد أبويه أو كلاهما مسلما أو يكون من سباه مسلما إذا
لم يكن معه أحدهما أو وجد لقيط في بلد إسلام أو بلد كفر فيه مسلم مستوطن أو أسارى
206

مسلمون، وإن وجد في بلد كفر ليس فيه من ذكرناه حكم بكفره سواء كان الملتقط مسلما أو
كافرا بخلاف السابي فإن السابي الكافر يتبعه المسبي في الكفر حكما والمجنون يتبع
والديه في الاسلام حكما سواء بلغ مجنونا أو جن بعد البلوغ.
207

السرائر
باب اللقطة:
الضالة من البهائم ما يضيع يقال ضال، ومن العبيد يقال آبق، ومن الأحرار لقيط
ومنبوذ، وما يكون عن غير الحيوان يقال لقطة.
قال الخليل بن أحمد: اللقطة الرجل الذي يلتقط يقال له لاقط ولقطة بتحريك
القاف، فأما الشئ الملتقط يقال أنه لقطة بسكون القاف. وقال أبو عبيدة وما عليه
عامة أهل العلم: إن اللقطة بتحريك القاف هي الشئ الذي يلتقط.
إذا ثبت هذا فاللقطة لا تخلو إما أن تكون حيوانا أو غير حيوان، فإن كانت حيوانا فلا
يخلو إما أن يكون وجدها في البرية أو في العمران، فإن وجدها في البرية والصحاري فلا
يخلو إما أن يكون حيوانا قويا ممتنعا من صغار السباع مثل الإبل والبقر والخيل والبغال
فإنها تمتنع من صغار السباع مثل الثعلب وابن آوى والذئب فإنه لا يقدر عليه، أو يكون
مما يمتنع بسرعة مشيه مثل الظباء والغزلان، أو مما يمتنع بطيرانه فيدفع بالطيران عن
نفسه. فما هذه صفته فليس لأحد أن يأخذها لنهيه ع لما سئل عن ضالة الإبل
فقال: ما لك ولها، وغضب حتى احمرت وجنتاه، فإن أخذها لزمه الضمان ويكون عليه
مضمونا لأنه أخذ مال الغير بغير حق، فإن سيبها بعد ذلك لم يزل عنه الضمان، فإن ردها
إلى صاحبها زال عنه الضمان وبرئ، وإن سلمها إلى الإمام فهل يسقط عنه الضمان أم
لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما: يزول الضمان وهو الأقوى، والآخر: لا يزول.
فإذا ثبت أن الإمام أخذها، فإن كان له حمى يدع فيه ليرعى حتى يجئ صاحبها،
208

وليس لللاقط العامي إمساكها ولا له أن يفعل وأن يمسك لأنه لا يقوم لمصالح المسلمين ولا
يلي أمورهم وليس كذلك الإمام لأنه منصوب لذلك، هذا إذا كان حيوانا ممتنعا من
صغار السباع.
فأما إذا كان غير ممتنع مثل الشاة وغيرها من أولاد البقر فله أن يأخذها لقوله
ع: خذها فإنما هي لك ولأخيك أو للذئب، فإن أخذها فهو بالخيار بين أن
يأكلها وتكون القيمة في ذمته إذا جاء صاحبها ردها عليه، وإن شاء أن ينفق عليها تطوعا
وإن شاء يرفع إلى الحاكم ليأخذها الحاكم ويبيعها ويعرف ثمنها. ومن أخذ لقطة ثم
ردها إلى موضعها لم يزل ضمانه.
واللقطة على ضربين:
ضرب منه يجوز أخذه ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه بل يجوز له التصرف
فيه قبل التعريف، ومتى أقام صاحبه بينة وجب رده عليه لأنه ملك الغير، وإنما أباح
الشارع التصرف فيه قبل التعريف كما أباح الشارع التصرف بعد السنة فيما يجب تعريفه
من اللقط. وهو كلما كان دون الدرهم أو يكون مما يجده في موضع خرب قد باد أهله
واستنكر رسمه.
والضرب الآخر هو الذي لا ينبغي له أخذه فإن أخذه لزمه حفظه وتعريفه فهو على
ضربين: ضرب منه ما يجده في الحرم، والضرب الآخر ما يجده في غير الحرم.
فما يجده في الحرم يلزمه تعريفه سنة في المواقف والمواسم وعلى أبواب الجوامع يوم
الجمعات وأيام الأعياد ومحافل الجماعات، فإن جاء صاحبه رد عليه وإن لم يجئ صاحبه
بعد السنة تصدق به عنه أو يحفظه عليه ويكون في يده أمانة إلى أن يجئ صاحبه، وهذا
الضرب لا يجوز تملكه ولا يصير بعد السنة كسبيل ماله، فإن تصدق به ثم جاء صاحبه ولم
يرض بصدقته كان ضامنا له.
وقال شيخنا في نهايته في باب اللقطة: تصدق به عنه وليس عليه شئ، فإن جاء صاحبه بعد
ذلك لم يلزمه شئ، فإن أراد أن يخيره بين أن يغرم له ويكون الأجر له واختار ذلك صاحب
209

المال فعل وليس ذلك واجبا عليه، إلا أن شيخنا يرجع عن هذا ويقول بما اخترناه في النهاية
أيضا في باب آخر من فقه الحج، قال: ومن وجد شيئا في الحرم فلا يجوز له أخذه، فإن أخذه
فليعرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا تصدق به عنه وكان ضامنا إذا جاء صاحبه ولم يرض بفعله،
وإذا وجد في غير الحرم فليعرفه سنة ثم هو كسبيل ماله يعمل به ما شاء إلا أنه ضامن إذا جاء
صاحبه، هذا آخر كلام شيخنا في الباب المشار إليها وهو الحق اليقين لأنه مال الغير والرسول
ع قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، وهذا ما طابت نفسه
بالصدقة عنه.
وأما الذي يجده في غير الحرم فيلزمه أيضا تعريفه سنة، فإن جاء صاحبه رد عليه، وإن
لم يجئ كان كسبيل ما له بعد السنة والتعريف فيها يجوز له التصرف فيه بسائر أنواع
التصرفات إلا أنه يكون ضامنا له بقيمته بعد السنة متى جاء صاحبه وجب عليه رده عليه،
فإن تصدق به عنه لزمه أيضا أن يغرمه له متى جاء إلا أن يشاء صاحبه أن يكون له الأجر
ويرضى بذلك فيحتسب له بذلك عند الله تعالى.
وجميع النماء المنفصل والمتصل بعد الحول في هذا الضرب يكون لمن وجدها دون
صاحبها لأنه بعد الحول صارت كسبيل ماله ولصاحبها قيمتها فحسب، فهو في هذا
الضرب بين خيرتين: بين أن يتصدق بها بعد السنة وتعريفها ويكون ضامنا لقيمتها بعد
الحول إذا جاء صاحبها ولم يرض بفعله، وبين أن يجعلها كسبيل ماله ويضمن قيمتها
لصاحبها بعد السنة والتعريف.
وإلى هذا يذهب شيخنا في نهايته وهو مذهب أصحابنا أجمع وبه تواترت أخبارهم، وذهب
شيخنا في مسائل خلافه إلى: أن لقطة غير الحرم يعرفها سنة ثم هو مخير بعد السنة بين ثلاثة
أشياء: بين أن يحفظها على صاحبها وبين أن يتصدق بها عنه ويكون ضامنا إن لم يرض
صاحبها بذلك وبين أن يتملكها ويتصرف فيها وعليه ضمانها إذا جاء صاحبها، وهذا مذهب
الشافعي وأبي حنيفة اختاره هاهنا لأن بينهما خلافا في لقطة الفقير والغني، والصحيح الحق
اليقين إجماع أصحابنا على أنه بعد السنة يكون كسبيل ما له أو يتصدق بها بشرط الضمان ولم
210

يقولوا هو بالخيار بعد السنة في حفظها على صاحبها.
وشيخنا أبو جعفر في الجزء الأول من مسائل خلافه ومبسوطه قال مسألة: إذا وجد نصابا من
الأثمان أو غيرها من المواشي عرفها سنة ثم هو كسبيل ماله وملكه، فإذا حال بعد ذلك حول
وأحوال لزمته زكاته لأنه مالك وإن كان ضامنا له، وأما صاحبه فلا زكاة عليه لأن مال
الغائب الذي لا يتمكن منه لا زكاة فيه، وقال الشافعي: إذا كان بعد سنة هل يدخل في ملكه
بغير اختياره؟ على قولين: أحدهما وهو المذهب: أنه لا يملكها إلا باختياره، والثاني يدخل بغير
اختياره، فإذا قال: لا يملكها إلا باختياره، فإذا ملكها فإن كان من الأثمان يجب مثلها في
ذمته وإن كانت ماشية وجب قيمتها في ذمته، فأما الزكاة فإذا حال الحول حين التقط
فلا زكاة فيها لأنه أمين، وأما صاحب المال فله مال لا يعلم موضعه على قولين مثل الغصب، وأما
الحول الثاني فإن لم يملكها فهي أمانة أبدا في يده ورب المال على قولين مثل الضالة، وإذا ملكها
الملتقط وحال الحول فهو كرجل له ألف وعليه ألف فإن قال: الدين يمنع، فهاهنا يمنع وإن قال
الدين: لا يمنع، فهاهنا لا يمنع إذا لم يكن له مال سواه بقدره، فإن كان له مال سواه لزمته
زكاته، ورب المال على قولين كالضالة والمغصوب قال: دليلنا ما روي عنهم ع أنهم
قالوا: لقطة غير الحرم يعرفها سنة ثم هي كسبيل ماله وسبيل ماله أن يجب فيه الزكاة، قال:
فبهذا الظاهر يجب فيه الزكاة، هذا آخر كلام شيخنا في مسائل الخلاف في الجزء الأول في
كتاب الزكاة.
فلو كان بعد السنة لا يدخل في ملكه وهو مخير بين ثلاث خير على ما قاله في الجزء الثاني في
كتاب اللقطة في مسائل الخلاف، لما وجبت عليه الزكاة بعد السنة والتعريف وحؤول الحول
بعد ذلك، واستدلاله رحمه الله بأن قال: دليلنا ما روي عنهم ع أنهم قالوا: لقطة غير
الحرم يعرفها سنة ثم هي كسبيل ماله، وما قالوا: يكون مخيرا بعد السنة بين ثلاث خير، على
ما يذهب الشافعي إليه في أحد قوليه، وأيضا من قال بهذا القول لا يوجب التعريف وإنما
يوجب التعريف حتى يتملكها فأما إذا لم يرد أن يتملكها فلا يجب عليه التعريف، ولا
خلاف بين أصحابنا في وجوب التعريف في مدة السنة، فدل هذا أجمع على أن الذي اختاره
211

شيخنا في الجزء الثاني مذهب الشافعي وأن مذهبنا وقول أصحابنا ورواياتهم بخلاف ذلك.
ولا يجوز التصرف في اللقطة قبل مضى السنة فإن تصرف كان مأثوما ضامنا إن
هلكت بغير خلاف في أي موضع التقاطها حرما كان أو غيره، ومتى هلكت اللقطة في يده
في مدة زمان التعريف من غير تفريط لم يكن على من وجدها شئ، فإن هلكت بتفريط
من قبله أو يكون قد تصرف فيها ضمنها ووجب عليه غرامتها بقيمتها يوم هلكت إن كانت
تضمن بالقيمة أو مثلها إن كانت تضمن بالمثلية.
ومتى اشترى بمال اللقطة جارية ثم جاء صاحبها فوجدها بنته لم يلزمه أخذها وكان له
أن يطالبه بالمال الذي اشترى به ابنته، لأنه ما وكله في شرائها فلا تحصل هذه البنت في
ملكه فتكون قد انعتقت عليه، بل هي حاصلة في ملك الغير وهو ضامن لماله الذي وجده،
لأنه إن كان اشتراها بالمال قبل السنة وتعريفه فإن الشراء غير صحيح لأنه بعين المال
الذي لا يجوز له التصرف فيه، وإن كان اشتراها في الذمة ونقده فالشراء صحيح ويقع
ملك الجارية للمشتري دون صاحب المال فلا تنعتق على صاحب المال الذي هو أبوها
لأنها ما دخلت في ملكه بحال، وإن كان اشتراها بعد السنة وتعريف المال بعينه أو في
الذمة فالشراء صحيح والملك يقع أيضا للمشتري دون الأب الذي هو صاحب المال، فعلى
جميع الأحوال ما دخلت في ملك الأب حتى تنعتق عليه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أجاز شراءه انعتقت بعد ذلك ولم يجز له بيعها، وهذا غير
واضح ولا مستقيم لأن البيع على الصحيح من المذهب لا يقف عندنا على الإجازة، وهذا
مذهب شيخنا في مسائل الخلاف وهو الحق اليقين وإن كان قد جوزه في نهايته فقد رجع عنه
في مسائل خلافه.
فإن أراد الأب عتقها وملكها فيحتاج أن يشتريها منه بما له في ذمته فعند الشراء تنعتق
على الأب بغير خلاف.
ومن وجد كنزا في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث إن
كان له شريك فيه، فإن كانت الدار قد انتقلت إليه بابتياع من قوم عرف البائع فإن
212

عرف سلمه إليه، وإن لم يعرفه أخرج خمسه إلى مستحقه إن كان بمقدار ما تجب فيه الزكاة
على ما شرحناه في كتاب الزكاة وباب الخمس وكان له الباقي.
وكذلك إن ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة وذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا قل عن
مقدار الدرهم أو كثر عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إياه وإن لم يعرفه
أخرج منه الخمس بعد مؤونته طول سنته لأنه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي،
وكذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة وما أشبه ذلك، لأن البائع
باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري فلذلك وجب عليه تعريف البائع.
وشيخنا أبو جعفر الطوسي لم يعرف بائع السمكة الدرة بل ملكها المشتري من دون تعريف
البائع، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا ولا رواه عن الأئمة أحد منهم، والفقيه سلار في رسالته
يذهب إلى ما اخترناه وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
ومن وجد في داره شيئا فإن كانت الدار يدخلها غيره كان حكمه حكم اللقطة وإن لم
يدخلها غيره كان له، وإن وجد في صندوقه شيئا كان حكمه مثل ذلك، ومن وجد طعاما
في مفازة فليقومه على نفسه ويأكله فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه، فإن وجد شاة في برية
فليأخذها وهو ضامن لقيمتها، ولا يجب عليه الامتناع من التصرف في الطعام والشاة قبل
التعريف سنة بل ينتفع بذلك وقت وجوده ويضمن المثلية في الطعام والقيمة في الشاة،
فإن أعوزت المثلية فالقيمة يوم الوجدان أو يوم الإعواز، والصحيح أنها يوم الإعواز.
ويترك البعير إذا وجده في المفازة إلا أن يكون صاحبه قد خلاه من جهد في غير كلأ
ولا ماء فليأخذه فإنه بمنزلة الشئ المباح وليس لصاحبه بعد ذلك المطالبة به، فإن كان
خلاه في كلأ وماء فليس له أخذه، وكذلك الحكم في الدابة.
ويكره أخذ ما له قيمة يسيرة مثل العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه
ذلك وليس هو بمحظور. ومن أودعه لص من اللصوص شيئا من الغصوب لم يجز له رده
عليه، فإن رده عليه مع قدرته على تركه كان ضامنا له، فإن عرف صاحبه رده عليه، وإن لم
يعرف صاحبه تصدق به عنه بشرط الضمان.
213

والشاة إذا وجدها في الأمصار حبسها عنده ثلاثة أيام يعرفها فيها، فإن جاء صاحبها
ردها عليه وإلا تصدق بها بشرط الضمان أو تصرف فيها وكان ضامنا لقيمتها.
وإذا وجد المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك وينبغي أن يرفع خبره إلى سلطان الاسلام
ليطلق له النفقة عليه من بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد سلطان ينفق عليه استعان
بالمسلمين في النفقة عليه، فإن لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه بعد ما يشهد أنه يرجع
عليه وكان له حينئذ الرجوع عليه بنفقته إذا بلغ وأيسر.
على ما روي في بعض الأخبار، والأقوى عندي أنه لا يرجع به عليه لأنه لا دليل على ذلك
والأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى أدلة ظاهرة.
وإذا تبرع بما أنفقه عليه ولم يشهد بالرجوع أو أنفق عليه وهو يجد من يعينه بالنفقة عليه
تبرعا فلم يستعن به فليس له رجوع عليه بشئ من النفقة.
وإذا بلغ اللقيط توالى من شاء من المسلمين ولم يكن للذي أنفق عليه والتقطه ولاؤه
إلا أن يتوالاه، فإن لم يتوال إلى أحد حتى مات كان ولاؤه لإمام المسلمين لأنه داخل في
ميراث من لا وارث له.
وقال شيخنا في نهايته: كان ولاؤه للمسلمين، وهذا غير مستقيم على إطلاقه. وقال أيضا: وإن
ترك مالا ولم يترك ولدا ولا قرابة له من المسلمين كان ما تركه لبيت المال، وهذا أيضا على
إطلاقه غير واضح وإنما مقصوده هاهنا لبيت مال الإمام دون بيت مال المسلمين، فإذا كان
كذلك فالمراد أيضا بقوله: كان ولاؤه للمسلمين، أي لإمام المسلمين لأنا بغير خلاف بيننا
مجمعون على أن ميراث من لا وارث له لإمام المسلمين، وكذلك ولاؤه فإذا ورد لفظ في مثل
ذلك بأنه للمسلمين أو لبيت المال فالمراد به لبيت المال مال الإمام، وإنما أطلق القول بذلك لما
فيه من التقية لأن بعض المخالفين لا يوافق عليه ويخالف، وهكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في آخر
الجزء الأول من مبسوطه وهو الحق اليقين.
ومن وجد شيئا من اللقط والضوال ثم ضاع من غير تفريط أو أبق العبد - بفتح الباء
يأبق بكسر الباء في المستقبل إباقا بكسر أوله - من غير تعد منه عليه لم يكن عليه شئ،
214

فإن كان هلاك ما هلك بتفريط من جهته كان ضامنا، وإن كان إباق العبد بتعد منه
عليه كان مثل ذلك، وإن لم يعلم أنه كان لتعد منه أو لغيره وجب عليه اليمين بالله أنه
ما تعدى فيه وبرئت عهدته.
ولا بأس للإنسان أن يأخذ الجعل على ما يجده من الأبق والضوال واللقط إذا جعل
ذلك صاحبه وسماه وقدره كان له ما قدره وبذله وجعله دون ما سواه، فإن جعل جعلا
على رده ولم يقدر الجعل بتقدير وأطلق ذلك عاد إطلاقه إلى عرف الشرع وتقييده فيحمل
عليه، فإن كان عبدا أو بعيرا في المصر كان جعله دينارا بجعل صاحبه وإطلاقه، وإن كان
خارجا من المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما فضة.
وفيما عدا العبد والبعير ليس فيه شئ موظف ولا تقييد في عرف الشرع يرجع في
إطلاقه إليه، بل يرجع فيه إلى عرف العادة والزمان حسب ما جرت في أمثاله فيعطى
واجده إياه، فإن لم يجعل صاحبه جعلا لمن رده لا مطلقا ولا مقيدا فلا يستحق واجده على
صاحبه شيئا بحال من الأحوال، ويجب عليه رده على صاحبه من غير استحقاق لشئ
لقوله ع: المسلم يرد على المسلم، ولقوله ع: لا يحل مال امرئ مسلم
إلا عن طيب نفس منه.
فلا يظن ظان ويتوهم متوهم أن من رد شيئا من الضوال والأبق واللقط يستحق على صاحبه
جعلا من غير أن يجعله له فإن ذلك خطأ فاحش وقول فظيع لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا
سنة مقطوع بها ولا إجماع، فإنه كان يؤدى إلى أن البعير يساوى مثلا دينارا فرده واجده من
خارج المصر فإنه كان يستحق على صاحبه أربعة دنانير يأخذها منه بغير اختياره، وهذا أمر
لا يقوله محصل.
وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله قال في مبسوطه في الجزء الثالث في كتاب اللقطة: من جاء
بضالة انسان أو بآبق أو بلقطة من غير جعل ولم يشرط فيه، فإنه لا يستحق شيئا سواء كان
ضالة أو آبقا أو لقطة قليلا كان ثمنه أو كثيرا سواء كان معروفا برد الضوال أو لم يكن، وسواء
جاء به من طريق بعيدة تقصر الصلاة إليه أو جاء به من طريق دون ذلك، ثم ذكر بعد هذا
215

القول أقوال المخالفين ثم قال: وأول الأقوال أصح وأقرب إلى السداد. ثم قال: وقد روى
أصحابنا في من رد عبدا أربعين درهما قيمته أربعة دنانير، ولم يفصلوا ولم يذكروا في غيره شيئا،
ثم قال رحمه الله: وهذا على جهة الأفضل لا الوجوب، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في
مبسوطه وهو الحق اليقين.
ولا تدخل الأمة في العبد بل لو وجد انسان أمة لم يكن حكمها حكم العبد لأن
القياس عندنا باطل فلم ترد الأخبار إلا بالعبد، والأنثى يقال لها: عبدة وأمة، ولا تدخل
الأناث في خطاب الذكران إلا على سبيل التغليب عند بعضهم وذلك مجاز والكلام في
الحقائق، وليس كذلك البعير لأن البعير يدخل فيه الذكر والأنثى لأنه بمنزلة الانسان من
ابن آدم فليلحظ ذلك ويتأمل.
ومن وجد شيئا يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه
من بيت المال، فإن لم يجده وأنفق عليه هو وأشهد على ما قلناه كان له الرجوع على صاحبه
بما أنفقه عليه، وإن كان ما أنفق عليه قد انتفع بشئ من جهته إما بخدمته أو ركوبه أو
لبنه وكان ذلك بإزاء ما أنفق عليه لم يكن له الرجوع على صاحبه بشئ.
والذي ينبغي تحصيله في ذلك أنه إن كان انتفع بذلك قبل التعريف والحول فيجب عليه أجرة
ذلك، وإن كان انتفع بلبن فيجب عليه رد مثله والذي أنفقه عليه يذهب ضياعا لأنه بغير إذ
من صاحبه، والأصل براءة الذمة، وإن كان بعد التعريف والحول فإنه لا يجب عليه أجرة ولا
رد شئ من الألبان والأصواف لأنه ما له بل هو ضامن للعين الموجودة فحسب.
إذا وجد لقطة وجاء رجل فوصفها فإنه لا يخلو أن يكون معه بينة أو لم يكن معه بينة،
فإن وصفها ومعه بينة فإنه يعطيه، فإن كان معه شاهد واحد حلف معه، وإن لم يكن معه
بينة فإنه لا يعطيه، فإن وصفها ولم يكن معه بينة ووصف عقاصها - بالعين غير المعجمة
المكسورة والفاء والصاد غير المعجمة وهو الجلدة التي فوق صمام القارورة - ووكاءها وهو
شدادها، وذكر وزنها وعددها وحليتها ووقع في قلبه وغلب على ظنه أنه صادق يجوز أن
يعطيه فأما اللزوم فلا يلزمه الدفع إليه، وقال قوم شذاذ من غير أصحابنا: يلزمه أن يعطيه
216

إذا وصفها، والأول أصح لأنه لا دلالة على وجوب تسليمها إليه، فإذا ثبت ذلك ووصفها
انسان وقلنا يجوز أن يسلمها إليه فأعطاه، ثم جاء آخر وأقام بينة بأنها له انتزعت من
الذي تسلمها وأعطيت للذي أقام البينة لأنه أقام بينة وليس عليه أكثر من إقامتها، فإن
أقام آخر بينة بأنها له فالذي يقتضيه مذهبنا أنه يستعمل القرعة والأقوى عندي أنه إذا لم
تقم البينة لا يعطيه إياها سواء غلب في ظنه صدقه أو لم يغلب لأنه لا دليل عليه، والذمة
اشتغلت بحفاظها وتعريفها وألا يسلمها إلا إلى صاحبها، وهذا الواصف لها ليس بصاحبها
على ظاهر الشرع والأدلة.
إذا قال: من جاء بعبدي الآبق فله دينار، فجاء به واحد استحق الدينار وكذلك إن
جاء به اثنان أو ثلاثة وما زاد على ذلك، ولو قال: من دخل داري فله دينار، فدخلها
اثنان فصاعدا استحق كل واحد دينارا، والفرق بينهما أن من قال: من دخل داري فله
كذا، علق الاستحقاق بالدخول وقد وجد من كل واحد منهم ذلك فاستحقه، وليس
كذلك الرد لأنه علق الاستحقاق برده ولم يرده كل واحد منهم بانفراده، وإنما جاء به
جميعهم فبجميعهم حصل المقصود فلهم كلهم الأجرة لأن السبب وجد من جميعهم ولم
يوجد من كل واحد على الانفراد.
الذمي إذا وجد لقطة في بلاد الاسلام كان حكمه فيها حكم المسلمين سواء، ومن
وجد لقطة فإذا عرفها سنة فقد أتى بما عليه وإن عرف ستة أشهر ثم ترك التعريف فهل
يستأنف أو يبني؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يستأنف والآخر يبني عليها، وهو الأقوى لأنه
ليس في الخبر أكثر من أن يعرف سنة ولم يقل متوالية ولا متواترة.
فإذا ثبت ذلك فالكلام في ثلاثة أشياء: أحدها: وقت التعريف، والثاني: كيفية
التعريف، والثالث: مكان التعريف.
فأما وقت التعريف فإنه يعرف بالغداة والعشي وقت بروز الناس، ولا يعرف بالليل
ولا عند الظهر والهاجرة التي يقيل فيها الناس.
فأما كيفية التعريف فإنه يقول: من ضاع له لقطة، أو يقول: من ضاع له دينار
217

أو درهم، أو يقول مبهما ولا يفسره وهو الأحوط لأنه ربما طرح عليه انسان علامة.
فأما المكان فإنه يعرف في الجماعات والجمعات، ويقف على أبواب الجوامع ولا
يعرفها داخلها فإنه منهي عنه، وأقل ما يعرف في الأسبوع دفعة واحدة.
ولا يجب عليه التعريف كل يوم ولا كل ساعة فإن كان ممن يعرف بنفسه فعل وإلا
استعان بغيره أو يستأجر من يعرف من ماله، ولا يرجع على صاحبها به لأن التعريف واجب
عليه وأخذ اللقطة عند أصحابنا على الجملة مكروه لأنه قد روي في الأخبار أنه لا يأخذ
الضالة إلا الضالون.
218

شرائع الاسلام
كتاب اللقطة
الملقوط إما انسان أو حيوان أو غيرهما
فالقسم الأول
يسمى لقيطا أو ملقوطا أو منبوذا وينحصر النظر فيه في ثلاثة مقاصد:
المقصد الأول: في اللقيط:
وهو كل صبي ضائع لا كافل له، ولا ريب في تعلق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز
وسقوطه في طرف البالغ العاقل، وفي الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه لصغره
وعجزه عن دفع ضرورته، ولو كان له أب أو جد أو أم أجبر الموجود منهم على أخذه، وكذا
لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر ألزم الأول أخذه، ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه
حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط
ضمن، ولو اختلفا في التفريط ولا بينة فالقول قول الملتقط مع يمينه، ولو أنفق عليه باعه في
النفقة إذا تعذر استيفاؤها.
المقصد الثاني: في الملتقط:
ويراعى فيه البلوغ والعقل والحرية، فلا حكم لالتقاط الصبي ولا الجنون ولا العبد
لأنه مشغول باستيلاء المولى على منافعه، ولو أذن له المولى صح كما لو أخذه المولى ودفعه
إليه، وهل يراعى الاسلام؟ قيل: نعم لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه
219

ظاهرا أو لأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين، ولو كان الملتقط فاسقا قيل: ينتزعه الحاكم من يده
وبدفعه إلى عدل لأن حضانته استئمان ولا أمانة للفاسق، والأشبه أنه لا ينتزع.
ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه أو حضري يريد السفر به قيل: ينتزع
من يده لما لا يؤمن من ضياع نسبه فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه، والوجه الجواز، ولا
ولاء للملتقط عليه بل هو سائبة يتولى من شاء، وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان
به، وإلا استعان بالمسلمين. وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية لأنه دفع ضرورة مع
التمكن وفيه تردد، فإن تعذر الأمران أنفق عليه الملتقط ويرجع ما أنفق إذا أيسر إذا نوى
الرجوع، ولو أنفق مع إمكان الاستعانة بغيره أو تبرع لم يرجع.
المقصد الثالث: في أحكامه: وهي مسائل:
الأولى: قال الشيخ: أخذ اللقيط واجب على الكفاية لأنه تعاون على البر ولأنه دفع
لضرورة المضطر، والوجه الاستحباب.
الثانية: اللقيط يملك كالكبير ويده دالة على الملك كيد البالغ لأن له أهلية التملك،
فإذا وجد عليه ثوب قضي به له وكذا ما يوجد تحته أو فوقه، وكذا ما يكون مشدودا في ثيابه،
ولو كان على دابة أو جمل أو وجد في خيمة أو فسطاط قضي له بذلك وبما في الخيمة
والفسطاط، وكذا لو وجد في دار لا مالك لها، وفيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه تردد أشبهه
أنه لا يقضى له، وكذا البحث لو كان على دكة وعليها متاع، وعدم القضاء له هنا أوضح
خصوصا إذا كان هناك يد متصرفة.
الثالثة: لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط لأنه أمانة فهو كالاستيداع.
الرابعة: إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الانفاق عليه إلى إذن الحاكم لأنه لا ولاية
له في ماله، فإن بادر فأنفق عليه منه ضمن لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة، ولو تعذر
الحاكم جاز الانفاق ولا ضمان لتحقق الضرورة.
الخامسة: الملقوط في دار الاسلام يحكم بإسلامه ولو ملكها أهل الكفر إذا كان فيها
مسلم نظرا إلى الاحتمال وإن بعد تغليبا لحكم الاسلام، وإن لم يكن فيها مسلم فهو رق،
220

وكذا إن وجد في دار الشرك ولا مستوطن هناك من المسلمين.
السادسة: العاقلة اللقيط الإمام إذا لم يظهر له نسب ولو يتوال أحدا سواء جنى عمدا
أو خطأ ما دام صغيرا، فإذا بلغ وجنى بعده ففي عمده القصاص وفي خطئه الدية على
الإمام، وفي شبيه العمد الدية في ماله، ولو جنى عليه وهو صغير، فإن كانت على النفس
فالدية إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا، وإن كانت على الطرف قال الشيخ:
لا يقتص له ولا يأخذ الدية لأنه لا يدري مراده عند بلوغه فهو كالصبي لا يقتص له أبوه
ولا الحاكم ويؤخر حقه إلى بلوغه، ولو قيل بجواز استيفاء الدية للمولى مع الغبطة إن
كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا كان حسنا إذ لا معنى للتأخير مع وجود السبب،
ولا يتولى ذلك الملتقط إذ لا ولاية له في غير الحضانة.
السابعة: إذا بلغ فقذفه قاذف وقال: أنت رق، فقال: بل حر، للشيخ فيه قولان
أحدهما: لا حد عليه لأن الحكم بالحرية غير متيقن بل على الظاهر وهو محتمل فيتحقق
الاشتباه الموجب لسقوط الحد، والثاني عليه الحد تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا، والأمور
الشرعية منوطة بالظاهر فيثبت الحد كثبوت القصاص، والأخير أشبه.
الثامنة: يقبل إقرار اللقيط على نفسه بالرق إذا كان بالغا رشيدا ولم تعرف حريته
ولا كان مدعيا لها.
التاسعة: إذا ادعى أجنبي بنوته قبل إذا كان المدعي أبا وإن لم يقم بينة لأنه مجهول
النسب فكان أحق به حرا كان المدعي أو عبدا مسلما كان أو كافرا، وكذا لو كان أما، ولو
قيل: لا يثبت نسبه إلا مع التصديق، كان حسنا. ولا يحكم برقه ولا بكفره إذا وجد في دار
الاسلام، وقيل: يحكم بكفره إن أقام الكافر بينة ببنوته وإلا حكم بإسلامه لمكان الدار وإن
لحق نسبه بالكافر، والأول أولى.
ويلحق بذلك أحكام النزاع ومسائله خمس:
الأولى: لو اختلفا في الانفاق فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف، فإن ادعى
زيادة فالقول قول الملقوط في الزيادة، ولو أنكر أصل الانفاق فالقول قول الملتقط، ولو كان له
221

مال فأنكر اللقيط إنفاقه عليه فالقول قول الملتقط مع يمينه لأنه أمينه.
الثانية: لو تشاح ملتقطان مع تساويهما في الشرائط أقرع بينهما إذ لا رجحان وربما
انقدح الاشتراك، ولو نزل أحدهما للآخر صح ولم يفتقر النزول إلى إذن حاكمها.
الثالثة: إذا التقطه اثنان فكل واحد منهما لو انفرد أقر في يده، وإن تشاحا فيه أقرع
بينهما سواء كانا موسرين أو أحدهما حاضرين أو أحدهما، وكذا إن كان أحد الملتقطين
كافرا إذا كان الملقوط كافرا، ولو وصف أحدهما فيه علامة لم يحكم له.
الرابعة: إذا ادعى بنوته اثنان، فإن كان لأحدهما بينة حكم بها، وإن أقام كل
واحد منهما بينة أقرع بينهما وكذا لو لم يكن لأحدهما بينة، ولو كان الملتقط أحدهما فلا ترجيح
باليد إذ لا حكم لها في النسب بخلاف المال لأن لليد فيه أثرا.
الخامسة: إذا اختلف كافر ومسلم أو حر وعبد في دعوى بنوته قال الشيخ: يرجح
المسلم على الكافر والحر على العبد، وفيه تردد.
القسم الثاني: في الملتقط من الحيوان:
والنظر في المأخوذ والآخذ والحكم:
أما الأول:
فهو كل حيوان مملوك ضائع أخذ ولا يد عليه ويسمى ضالة، وأخذه في صورة الجواز
مكروه إلا بحيث يتحقق التلف فإنه طلق، والإشهاد مستحب لما لا يؤمن تجدده على الملتقط
ولنفي التهمة، فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلأ وماء أو كان صحيحا لقوله ص:
خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه. فلو أخذه ضمنه ولا يبرأ لو أرسله ويبرأ لو سلمه إلى
صاحبه، ولو فقده سلمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح، فإن كان له حمى أرسله فيه
وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه وكذا حكم الدابة، وفي البقرة والحمار تردد أظهره المساواة
لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير، أما لو ترك البعير من جهد في غير كلأ وماء جاز
أخذه لأنه كالتالف ويملكه الآخذ ولا ضمان لأنه كالمباح، وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار إذا
ترك من جهد في غير كلأ وماء.
222

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي
معرضة للتلف، والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ويضمن على تردد، وإن شاء احتبسها أمانة في
يده لصاحبها ولا ضمان، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى
المالك، وفي حكمها كل ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير
على تردد، ولا تؤخذ الغزلان واليحامير إذا ملكا ثم ضلا التفاتا إلى عصمة مال المسلم
ولأنهما يمتنعان عن السباع بسرعة العدو.
ولو وجد الضوال في العمران لم يحل أخذها ممتنعة كانت كالإبل أو لم تكن كالصغير
من الإبل والبقر، ولو أخذها كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانة وعليه نفقتها من غير
رجوع بها وبين دفعها إلى الحاكم، ولو لم يجد حاكما أنفق ورجع بالنفقة، وإن كان شاة
حبسها ثلاثة أيام، فإن لم يأت صاحبها باعها الواجد وتصدق بثمنها، ويجوز التقاط كلب
الصيد ويلزم تعريفه سنة ثم ينتفع به إذا شاء ويضمن قيمته.
الثاني: في الواجد:
ويصح أخذ الضالة لكل عاقل بالغ، أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ فيهما
بالجواز لأنه اكتساب، وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة، فإن لم يأت مالك فإن
كان الغبطة في تمليكه وتضمينه إياها فعل وإلا أبقاها أمانة، وفي العبد تردد أشبهه الجواز
لأن له أهلية الحفظ، وهل يشترط الاسلام؟ الأشبه لا، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.
الثالث: في الأحكام: وهي مسائل:
الأولى: إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة أنفق من نفسه ورجع به، وقيل:
لا يرجع لأن عليه الحفظ وهو لا يتم إلا بالإنفاق، والوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر
بالالتقاط.
الثانية: إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة قال في النهاية: كان ذلك بإزاء ما
223

أنفق، وقيل: ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصان، وهو أشبه.
الثالثة: لا تضمن الضالة بعد الحول إلا مع قصد التملك، ولو قصد حفظها لم يضمن
إلا مع التفريط أو التعدي، ولو قصد التملك ثم نوى الاحتفاظ لم يزل الضمان، ولو قصد
الحفظ ثم نوى التملك لزم الضمان.
الرابعة: قال الشيخ: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان كالضالة الممتنعة
ولو كان صغيرا جاز أخذه، وهذا حسن لأنه مال معرض للتلف.
الخامسة: من وجد عبده في غير مصره فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم
يدفع إليه لاحتمال التساوي في الأوصاف ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين، ولو تعذر
إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولا بيعه على من يحمله، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا
جاز، ولو تلف قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد وأجرته.
القسم الثالث: في اللقطة: وهو يعتمد على بيان أمور ثلاثة:
الأمر الأول: اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه، فما كان دون الدرهم جاز
أخذه والانتفاع به بغير تعريف، وما كان أزيد من ذلك، فإن وجد في الحرم قيل: يحرم أخذه،
وقيل: يكره، وهو أشبه، ولا يحل إلا مع نية الإنشاد، ويجب تعريفها حولا، فإن جاء صاحبها
وإلا تصدق بها أو استبقاها أمانة وليس له تملكها، ولو تصدق بها بعد الحلول فكره المالك
فيه قولان أرجحها أنه لا يضمن لأنها أمانة وقد دفعها دفعا مشروعا، وإن وجدها في غير
الحرم عرفها حولا إن كانت مما يبقى كالثياب والأمتعة والأثمان ثم هم مخير بين تملكها وعليه
ضمانها، وبين الصدقة بها عن مالكها ولو حضر المالك فكره الصدقة لزم الملتقط ضمانها
إما مثلا وإما قيمة، وبين إبقائها في يد الملتقط أمانة لمالكها من غير ضمان.
ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومه على نفسه وانتفع به، وإن شاء دفعه إلى الحاكم
ولا ضمان، ولو كان بقاؤها يفتقر إلى العلاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى
الحاكم ليبيع بعضها وينفقه في إصلاح الباقي، وإن رأى الحاكم الحظ في بيعه وتعريف ثمنه
جاز. وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف أظهره الجواز مع كراهية، وكذا
224

العصا والشظاظ والحبل والوتد والعقال وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر
قيمتها، ويكره أخذ اللقطة مطلقا خصوصا للفاسق ويتأكد فيه مع العسر ويستحب
الإشهاد عليها.
مسائل خمس:
الأولى: ما يوجد في المقوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف،
وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها، ولو كان لها مالك أو بائع، عرفه، فإن عرفه فهو
أحق به وإلا فهو لواجده، وكذا لو وجده في جوف دابة ولم يعرفه البائع، أما لو وجده في
جوف سمكة فهو لواجده.
الثانية: من أودعه لص مالا وهو يعلم أنه ليس للمودع لم يرده عليه مسلما كان أو
كافرا، فإن عرف مالكه دفعه إليه وإلا كان حكمه حكم اللقطة.
الثالثة: من وجد في داره أو في صندوقه مالا ولا يعرفه، فإن كان يدخل الدار غيره أو
يتصرف في الصندوق سواه فهو لقطة وإلا لهو له.
الرابعة: لا تملك اللقطة قبل الحول ولو نوى ذلك ولا بعد الحول ما لم يقصد التمليك،
وقيل: يملكها بعد التعريف حولا وإن لم يقصد، وهو بعيد.
الخامسة: قال الشيخ رحمه الله: اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك، وهو
بعيد لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق.
الأمر الثاني: في الملتقط:
وهو من له أهلية الاكتساب أو الاحتفاظ، فلو التقط الصبي جاز ويتولى الولي
التعريف عنه وكذا المجنون، وكذا يصح الالتقاط من الكافر لأن له أهلية الاكتساب، وفي
أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردد ينشأ من كونهم ليسوا أهلا للاستئمان، وللعبد أخذ كل واحدة
من اللقطتين، وفي رواية إلى خديجة عن أبي عبد الله ع: لا يعرض لها المملوك.
واختار الشيخ الجواز وهو أشبه لأن له أهلية الاستئمان والاكتساب وكذا المدبر وأم الولد،
225

والجواز أظهر في طرف المكاتب لأن له أهلية التملك.
الأمر الثالث: في الأحكام: وهي مسائل:
الأولى: ليس التوالي شرطا في التعريف فلو فرق جاز، وإيقاعه عند اجتماع الناس
وبروزهم كالغدوات والعشيات، وكيفيته أن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب، أو ما
شاكل ذلك من الألفاظ، ولو أوغل في الإبهام كان أحوط كأن يقول: من ضاع له مال أو شئ
فإنه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين، وزمانه أيام المواسم والمجتمعات كالأعياد وأيام الجمع،
ومواضعه مواطن الاجتماع كالمشاهد وأبواب المساجد والجوامع والأسواق ويكره داخل
المساجد، ويجوز أن يعرف بنفسه وبمن يستنيبه أو يستأجره.
الثانية: إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها، فإن وجد مالكها دفعها إليه وإلا ردها
على الملتقط لأن له ولاية الصدقة أو التملك.
الثالثة: قيل: لا يجب التعريف إلا مع نية التملك، وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها
عن المالك، ولا يجوز تملكها إلا بعد التعريف ولو بقيت في يده أحوالا، وهي أمانة في يد
الملتقط في مدة الحول لا يضمنها إلا بالتفريط أو التعدي فتلفها من المالك وزيادتها له
متصلة كانت الزيادة أو منفصلة، وبعد التعريف يضمن إن نوى التملك ولا يضمن إن
نوى الأمانة، ولو نوى التملك فجاء المالك لم يكن له الانتزاع وطالب بالمثل أو القيمة إن لم
تكن مثلية، ولو رد الملتقط العين جاز وله النماء المنفصل، ولو عابت بعد التملك فأراد
ردها مع الأرش جاز، وفيه إشكال لأن الحق تعلق بغير العين فلم يلزمه أخذها معيبة.
الرابعة: إذا التقط العبد ولم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته
يتبع بذلك إذا أعتق، كالقرض الفاسد، ولو علم المولى قبل التعريف ولم ينتزعها منه ضمن
لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا وفيه تردد، ولو عرفها العبد ملكها المولى إن شاء وضمن،
ولو نزعها المولى لزمه التعريف وله التملك بعد الحول أو الصدقة مع الضمان أو إبقائها
أمانة.
الخامسة: لا تدفع اللقطة إلا بالبينة ولا يكفي الوصف، ولو وصف صفات لا يطلع
226

عليها إلا المالك غالبا مثل أن يصف وكاءها وعقاصها ووزنها ونقدها، فإن تبرع الملتقط
بالتسليم لم يمنع وإن امتنع لم يجبر.
فرعان:
الأول: لو ردها بالوصف ثم أقام آخر البينة بها انتزعها، فإن كانت تالفة كان له
مطالبة الأخذ بالعوض لفساد القبض وله مطالبة الملتقط لمكان الحيلولة، لكن لو طولب
الملتقط رجع على الآخذ ما لم يكن اعترف له بالملك، ولو طالب الآخذ لم يرجع على الملتقط.
الثاني: لو أقام واحد بينة بها فدفعت إليه ثم أقام آخر بينة بها أيضا، فإن لم يكن
ترجيح أقرع بينهما، فإن خرجت للثاني انتزعت من الأول وسلمت إليه، ولو تلفت لم يضمن
الملتقط إن كان دفعها بحكم الحاكم ولو كان دفعها باجتهاده ضمن، أما لو قامت البينة
بعد الحول وتملك الملتقط ودفع العوض إلى الأول ضمن الملتقط للثاني على كل حال لأن الحق
ثابت في ذمته لم يتعين بالدفع إلى الأول ورجع الملتقط على الأول لتحقق بطلان الحكم.
227

المختصر النافع
كتاب اللقطة:
وأقسامها ثلاثة:
الأول: في اللقيط:
وهو كل صبي أو مجنون ضائع لا كافل له. ويشترط في الملتقط التكليف. وفي اشتراط
الاسلام تردد. ولا يلتقط المملوك إلا بإذن مولاه: وأخذ اللقيط مستحب.
واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق. وإذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه:
الإمام إذا لم يكن له وارث ويقبل إقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده. وإذا وجد
الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فإن لم يجد استعان بالمسلمين. فإن تعذر الأمر أنفق
الملتقط ورجع عليه إذا نوى الرجوع. ولو تبرع لم يرجع.
القسم الثاني: في الضوال:
وهي كل حيوان مملوك ضائع. وأخذه في صورة الجواز مكروه. ومع تحقق التلف
مستحب. فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة. ويؤخذ لو تركه
صاحبه من جهد في غير كلأ ولا ماء، ويملكه الآخذ. والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها
الواجد لأنها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام
فإن جاء صاحبها وألا تصدق بثمنها.
وينفق الواجد على الضالة إن لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال. وهل يرجع على
228

المالك؟ الأشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر أو اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بإزاء
ما أنفق، والوجه التقاص.
القسم الثالث وفيه ثلاث فصول:
الأول: اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير
تعريف. وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان أزيد فإن وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم
ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فإن جاء صاحبه وإلا تصدق به عنه
أو استبقاه أمانة، ولا يملك. ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على
الأشهر.
وإن وجده في غير الحرم يعرف حولا. ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة وإبقائها
أمانة. ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند
الوجدان وضمنها وانتفع بها وإن شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.
ويكره أخذ الإداوة، والمخصرة، والنعلين، والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل،
والعقال، وأشباهها.
مسائل:
الأولى: ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده. ولو وجده في أرض لها
مالك أو بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك أو البائع فإن عرفه فهو أحق به وإلا كان للواجد.
وكذا ما يجده في جوف دابته. ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.
الثانية: ما وجده في صندوقه أو داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة
إذا أنكره.
الثالثة: لا تملك اللقطة بحول الحول وأن عرفها ما لم ينو التملك. وقيل: تملك بمضي الحول.
الثاني: الملتقط من له أهلية الاكتساب. فلو التقط الصبي أو المجنون جاز ويتولى
الولي التعريف. وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز. وكذا المكاتب، والمدبر، وأم الولد.
229

الثالث: في الأحكام، وهي ثلاثة:
الأول: لا يدفع اللقطة إلا بالبينة. ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الأموال الباطنة
كالذهب والفضة، وهو حسن.
الثاني: لا بأس بجعل الآبق فإن عينه لزم بالرد، وإن لم يعينه ففي رد العبد من المصر:
دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها الشهرة. وألحق الشيخان:
البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.
الثالث: لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.
230

الجامع للشرائع
باب اللقيط والضالة والمنبوذ:
قال الأصمعي وابن الأعرابي: اللقطة بفتح القاف المال، وقال الخليل: هي بسكونها
وبالفتح، الملتقط والضالة الحيوان غير الآدمي واللقيط والمنبوذ الآدمي.
وإذا وجد حيوانا يمتنع من صغار السباع كابن آوى وولد الذئب وولد الذئب وولد
السبع، كالإبل والدواب والطائر والغزال في قفر مريضا أخذه وليس عليه رده لأنه كالشئ
المباح، وإن كان صحيحا أو مريضا في كلأ وماء لم يجز أخذه وضمنه إن أخذه ويبرأ برده على
صاحبه، فإن لم يجده وسلمه إلى الحاكم برئ، فإن التقطها الحاكم للحفظ جاز بخلاف
غيره، فإن كان ثمة حمى تركه فيه وإلا أنفق عليه من كسبه، فإن لم يكن له كسب ورأي
بيعه وحفظ ثمنه فعل.
وإن كان لا يمتنع من صغر السباع كصغار الإبل والبقر والغنم ووجدها في القفر
أخذها وقومها على نفسه وغرم لصاحبها إذا جاء، وإن وجدها في العمران عرفها ثلاثة
أيام ثم قومها على نفسه كما قلناه وأنفق في الموضعين تبرعا أو رفعها إلى الحاكم، وروي إذا
وجدها في العمران جواز بيعها والتصدق بثمنها.
وإن وجد غير الحيوان فإن كان دون الدرهم أو ما قيمته كذلك أخذه وليس عليه
تعريفه ولا ضمانه كالعصا والوتد والإداوة والشظاظ، وتركه أفضل ليجئ صاحبه فيأخذه
وفي فقد صاحبه له أذى ممض وإن كان درهما فما فوقه أو ما قيمته ذلك فوجده في موضع باد
أهله أخذه من غير تعريف.
231

وإن وجده في غير ذلك فأما في الحل أو في الحرم، فإن وجده في الحل عرفه حولا في
النهار الذي وجده فيه والأسبوع في أسواق وأبواب المساجد والجوامع ولا ينشدها في
المسجد، ويجوز بنفسه وبمن يساعده أو يستأجره والأجرة من ماله لأن التعريف عليه، ويقول:
من ضاع له ذهب، أو فضة أو متاع، إن كان، ولا يزيد على ذلك فإن جاء صاحبها في الحول
ووصف عقاصها أو وكاءها وجنسها وقدرها جاز له أن يعطيه إياها، وإن أقام البينة وجب
أن يعطيه إياها، وقيل يجب أن يعطيها بالصفة لقوله (ع): أعرف عقاصها
ووكاها، وليس بجيد لاحتمال أن يكون أمره بذلك استحفاظا به لأن العادة أن يرمى أو تنبيها
على حفظها وأنه لا يفرط في ظرفها فيكون هي أولى بالحفظ، أو ليتميز من ماله أو ليعطيها
طالبها إن وصف ذلك لغلبة الظن به.
وقيل: يجب لتعذر البينة بذلك وينتقض بالمسروق والمغصوب، وهي أمانة في الحول
ترد على صاحبها بنمائها المنفصل والمتصل ولا يضمن إلا بالتفريط أو أخذها على أن
لا يعرفها والقول قول الملتقط في هلاكها وإنكار التفريط فيها مع اليمين، وإن ادعى ردها
احتاج إلى بينة وإلا حلف صاحبها، فإن تصرف فيها قبل التعريف ضمنها بقيمتها مذ يوم
تعدى.
فإن اتجر بها فربح فالربح لصاحبها، وإن عرفها حولا ثم جاء صاحبها ردها بنمائها
المتصل دون المنفصل وتدخل في ملكه بعد حول وعليه ضمانها، فإن تصدق بها ضمنها
لصاحبها إلا أن يشاء صاحبها أن يكون الأجر له ولا يكون أمانة بعد حول التعريف، ومتى
جاء صاحبها وعينها باقية استرجعها، فإن كان الملتقط اشترى بها بعد الحول جارية
فخرجت بنت صاحبها لم ينعتق عليه وكان له بدل المال، فإن اشتراها منه عتقت عليه.
وإن وجدها في الحرم لم يجز له أخذها إلا بنية التعريف دون التملك ويعرفها حولا ثم
هي كما كانت فيه أمانة لا تضمن إلا بالتفريط، وإن شاء تصدق بها عن صاحبها ولا ضمان
عليه إلا أن يتبرع باختيار الأجر لنفسه وقيل: إذا لم يرض صاحبها بالصدقة، وإذا عرف
اللقطة ستة أشهر ثم قطع بنى على ذلك، وأخذ اللقطة مكروه جدا، وإن وجدها صبي أو
مجنون أو سفيه ولى القاضي وليه أمرها وتعريفها ثم ملكها المتلقط بعد.
232

وقيل: لأم الولد والعبد والمدبر الالتقاط، فإذا عرفها هو أو السيد ملكها السيد بعد،
والأصح أنهم لا يجوز لهم التقاطها فإن أعطوها السادة يوفوا وإن لم يعطوها فتلفت في
أيديهم فعليهم ضمانها ويرجع عليهم إذا أعتقوا.
وإذا التقطها شخصان أقرت في أيديهما ويعرفانها ثم يملكانها فيما بعد، وإذا ضاعت
من الملتقط ثم وجدها غيره وأقام الأول البينة سلمت إليه والإشهاد على اللقطة غير واجب،
وإذا وجد من نصفه عبد ونصفه حر لقطة دون الدرهم فهي بينه وبين سيده، وإن كان
بينهما مهاياة ووجدها في يومه فهي له، وقيل: المكاتب كالحر يلتقط ويملك، والفاسق إذا
التقط ضم الحاكم إليه أمينا وعرفها الفاسق ويشرف عليه ثقة ويملكها، والذمي يلتقط في
دار الاسلام ويعرف ويملك.
وإن وجد طعاما في قفر قومه على نفسه وأكله ورد على صاحبه قيمته، وروي في من
صاحب شخصا فسافر فوجد شيئا من ماله وهو لا يعرفه ولا بلده تصدق به عنه على أهل
الولاية، وإذا وجد في داره أو صندوقه وهو منفرد بالتصرف فيهما شيئا فهو له، وإن كان
يشاركه في الدخول إليها أو الوضع في الصندوق غيره فهو لقطة.
وإن وجد كنزا في ملك هو ميراث له فله، فإن شركه غيره كان له ولشركائه في الإرث،
فإن كان مما اشتراه عرف البائع فإن عرفه إلا خمسه إن كان بلغ نصاب العين أو الورق
والباقي له، وإن لم يبلغ فالكل له إذا كان من دفن الجاهلية فإن كان من دفن الاسلام فلقطة.
وإن اشترى حيوانا كالإبل والبقر والغنم والخيل والسمك فوجد في جوفه جوهرا أو
مالا عرف بائعه، فإن عرف بائعه وإلا فهو له، وإذا وجد طائرا وهو يعرف صاحبه وجب
رده عليه، فإن لم يعرف له صاحبا فهو له إذا ملك جناحه، وروي إذا جاءك من لا يتهمه
رددته.
وإذا مات الملتقط بعد التعريف ورثها وارثه فإن جاء صاحبها ردها عليه، وإذا دفع
الملتقط اللقطة إلى واصفها بلا بينة ثم جاء آخر ببينة وهي باقية ردت عليه، فإن كانت تالفة
فعلى أيهما شاء رجع بقيمتها، فإن رجع على الدافع رجع على الواصف إلا أن يسمع منه
أنها للواصف، وإن كان سلمها بعينها إلى الواصف بحكم حاكم رجع صاحبها على
233

الواصف لأن الدافع لم يفرط.
أحكام اللقيط:
واللقيط والمنبوذ والطفل يوجد وأخذه واجب على الكفاية ويأثم الكل بتركه، وهو حر
ويملك ثيابه وما شد فيها وما جعل فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش وعين وما هو راكبه
من دابة أو وجد فيه كالخيمة والدار، وألحق بذلك ما قرب منه من ثوب موضوع أو ذهب م
وضوع، وقيل هو لقطة.
والكنز المدفون تحته لا يملكه لأنه ليس في يده، فإن التقطه غير الثقة نزعه الحاكم إلى
الثقة، ويأمر الحاكم بالإنفاق على المنبوذ مما في يده بالمعروف، فإن أنفق عليه منه من غير إذنه
ضمن فإن لم يكن حاكم لم يضمن للضرورة وقيل يضمن، وإذا أنفق باذنه وبلغ الطفل فأنكر
الانفاق أو خالفه في قدر النفقة حلف لأنه أمين، فإن لم يكن مع المنبوذ مال فمن بيت المال،
فإن لم يكن في بيت المال شئ استعان بالمسلمين، فإن أنفق من نفسه عليه لم يرجع عليه،
فإن لم يجد من يعينه أنفق وأشهد ورجع عليه إذا بلغ وأيسر.
فإن وجده شخصان وتشاحا أقرع بينهما إلا أن يكون أحدهما كافرا وقد حكم للقيط
بالإسلام والمسلم أولى به، فإن وجده عبدا تنزع منه إلا أن يكون التقطه بإذن سيده، فإن
وجده حر وعبد مأذون له فيه فهما سواء والرجل والمرأة فيه سواء، ويحكم بإسلام الصبي
بابويه، فإن لم يكونا فبالسابي فإن لم يكن فبالدار دار الاسلام كبغداد والكوفة والبصرة
وإن كان فيها أهل الذمة، والدار التي فتحها المسلمون فأقروهم بالجزية وملكوها أو لم
يملكوها ورضوا بالجزية فيحكم للقيط بالإسلام وإن كان فيها مسلم واحد، فإن لم يكن حكم
بكفره وما كان دار الاسلام فغلب المشركون عليها كذلك.
ودار الكفر يحكم للقيطها بالكفر وإن كان فيها مسلم، ومن حكمنا بإسلامه إذا بلغ
واختار الكفر لم يقر عليه، ومعنى الحكم بإسلامه وهو طفل دفنه في مقادير المسلمين وتوريثه
من المسلم وقتل قاتله والصلاة عليه، وإن كنا حكمنا بإسلامه بالدار فاختار الكفر لم
يقتل ولم يجبر على الاسلام لأنه إنما حكم بإسلامه ظاهرا، ولو ادعاه ذي بينة قبل البلوغ سلم
234

إليه، ولو أقر بالرق قبل منه وقيل: يقبل ويجبر على الاسلام.
وإذا أسلم وهو صبي أو مجنون لا يميز لم يكن لكلامه حكم، وإن أسلم وهو صبي مميز
عاقل حكم بإسلامه لأنه يمكنه معرفة التوحيد والعدل بالأدلة. ويتوقف تكليفه الشرعيات
على بلوغه وقيل: لا يحكم بإسلامه لكن يفرق بينه وبين أبويه لئلا يفتن عن دينه وولاء اللقيط
لبيت المال، وخطؤه عليه وعمده كالخطأ إن كان طفلا أو مجنونا، فإن قتل فللإمام القصاص
والعفو على دية، فإن قتل خطأ فديته على عاقلة الجاني، وإن جرح وهو صغير انتظر بلوغه
ويحد قاذف اللقيط البالغ لأنه حر. وإن ادعاه شخصان وصف أحدهما شامة على ظهره
أو خالا على بدنه لم يقدم دعواه.
وإن التقطه شخصان متساويان أقرع بينهما، وإن كان في يد شخص فادعى غيره أنه
التقطه قبله وله بينة سلم إليه، وإن لم يكن له بينة حلف وأقر في يده، وإن باع أو اشترى أو
نكح ثم أقر أنه عبد لم يقبل فيما له ويقبل فيما عليه، وقيل: لا يقبل مطلقا وقيل: يقبل مطلقا.
235

قواعد الأحكام
المقصد الثالث: في اللقطة: وفيه فصول:
الأول: في اللقيط: وفيه مطلبان:
الأول:
الملقوط إما انسان أو حيوان أو غيرهما، ويسمى الأول لقيطا وملقوطا
ومنبوذا، وهو كل صبي ضائع لا كافل له. وإن كان مميزا. فإن كان له من يجبر على
نفقته أجبر على أخذه، ولو تعاقب الالتقاط أجبر الأول، والتقاطه واجب على
الكفاية ولا يجب الإشهاد، ولا يلتقط البالغ العاقل.
ولو ازدحم ملتقطان قدم السابق، فإن تساويا ففي تقديم البلدي على القروي
والقروي على البدوي والموسر على المعسر وظاهر العدالة على المستور نظر، فإن
تساويا أقرع أو شركا في الحضانة، ولو ترك أحدهما للآخر صح سواء كانا موسرين
أو أحدهما حاضرين أو أحدهما أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط، ولا يحكم
لأحدهما بوصف العلائم.
ولو تداعيا بنوته ولا بينة أقرع، ولا ترجيح بالالتقاط إذ اليد لا تؤثر في
النسب، وكذا لو أقاما بينة، ويحكم للمختص بها، وفي ترجيح دعوى المسلم أو
الحر على الكافر أو العبد نظر. ولو انفردت دعوى البنوة حكم بها من غير بينة حرا
كان المدعي للبنوة أو عبدا مسلما أو كافرا، ولا يحكم برقه ولا كفره إذا وجد في
دارنا إلا مع بينة البنوة، والأقرب افتقار الأم إلى البينة أو التصديق بعد بلوغه.
236

ولو كان اللقيط مملوكا وجب إيصاله إلى مالكه، فإن أبق أو ضاع من غير
تفريط فلا ضمان ويصدق في عدم التفريط مع اليمين، ويبيعه في النفقة بالإذن مع
تعذر استيفائها، فإن اعترف المولى بعتقه فالوجه القبول فيرجع الملتقط عليه بما أنفق
إن كان العتق بعده قبل البيع، ولو كان بالغا أو مراهقا فالأقرب المنع من أخذه
لأنه كالضالة الممتنعة، وإن كان صغيرا كان له التملك بعد التعريف.
وولاية الالتقاط لكل حر بالغ عاقل مسلم عدل. فلا يصح التقاط العبد
فإن أذن المولى صح وانتقل الحكم إليه - ولا المكاتب، ولا حكم لالتقاط
الصبي والمجنون بل ينتزع من يدهما، ولا يصح التقاط الكافر للمسلم ويصح لمثله،
ولا الفاسق لأن الحضانة استئمان فلا يليق به، والأقرب ثبوت الولاية للمبذر
والبدوي ومنشئ السفر.
ويجب على الملتقط الحضانة فإن عجز سلمه إلى القاضي، وهل له ذلك مع
التبرم والقدرة؟ نظر ينشأ من شروعه في فرض كفاية فلزمه. والأقرب أن له السفر
به والاستيطان به في غير بلد الالتقاط فلا يجب انتزاعه منه حينئذ، ونفقته في ماله
وهو ما وقف على اللقطاء أو وهب منهم أو أوصى لهم - ويقبله القاضي - أو
ما يده عليه عند الالتقاط كالملفوف عليه والمشدود على ثوبه والموضوع تحته، والدابة
تحته والخيمة والفسطاط الموجود فيهما، والدار التي لا مالك لها وما في هذه الثلاثة
من الأقمشة، ولا يحكم له فيما يوجد قريبا منه أو بين يديه أو على دكة هو عليها، ولا
بالكنز تحته وإن كان معه رقعة أنه له على إشكال، فإن لم يكن له مال استعان
الملتقط بالسلطان، فإن تعذر استعان بالمسلمين ويجب عليهم بذل النفقة على الكفاية،
فإن تعذر أنفق الملتقط، فإن نوى الرجوع رجع وإلا فلا، ولو ترك الاستعانة مع
إمكانها فلا رجوع، ولو ظهر رقه رجع مع عدم التبرع على سيده وعليه مع الحرية إن
كان موسرا أو كسوبا وإلا فمن سهم الفقراء أو الغارمين.
وليس للملتقط الانفاق من مال اللقيط بدون إذن الحاكم، فإن بادر بدونه
237

ضمن إلا مع التعذر، ولا يفتقر في احتفاظه إلى الإذن، ولو اختلفا في قدر الانفاق
قدم قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف، وكذا في أصل الانفاق وإن كان
للملقوط مال.
المطلب الثاني: في الأحكام: وهي أربعة:
الأول: النسب: فإن استلحقه الملتقط أو غيره ألحق به ولا يلتفت إلى إنكاره
بعد بلوغه، وإن استلحق بالغا فأنكر لم يثبت.
الثاني: الاسلام: وإنما يحصل بالاستقلال بمباشرة البالغ العاقل دون الصبي،
وإن كان مميزا لكن يفرق بينه وبين أبويه خوف الاستنزال، وغير المميز والمجنون
لا يتصور إسلامهما إلا بالتبعية وهي تحصل بأمور ثلاثة:
أ: إسلام أحد الأبوين فكل من انفصل من مسلم أو مسلمة فهو مسلم، ولو
طرأ الاسلام أحد الأبوين حكم بالإسلام في الحال، وكذا أحد الأجداد والجدات
وإن كان الأقرب حيا على إشكال.
ب: تبعية السابي المسلم على رأي إن سبي منفردا، ولو كان معه أحد أبويه
الكافرين لم يحكم بإسلامه، ولو سباه الذمي لم يحكم بإسلامه وإن باعه من مسلم.
ج: تبعية الدار وهي المراد فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الاسلام إلا أن
ملكها الكفار ولم يوجد فيها مسلم واحد فيحكم بكفره، وبكفر كل لقيط في دار
الحرب إلا إذا كان فيها مسلم ساكن ولو واحد حر أو أسير، فإن بلغ وأعرب عن
نفسه الكفر ففي الحكم بردته تردد ينشأ من ضعف تبعية الدار.
الثالث: الجناية: وعاقلة اللقيط الإمام إذا فقد النسب ولم يتوال أحدا دون
الملتقط، فإن جنى عمدا اقتص منه وخطأ يعقله الإمام وشبيه العمد في ماله، وإن
قتل عمدا فللإمام القصاص وخطأ الدية، ولو جنى على طرفه فالأقرب مع صغره
جواز استيفاء القصاص أو الدية له ولا يتولى الملتقط ذلك بل الحاكم، ولو أخذ
238

الحاكم الأرش في العمد فبلغ وطلب القصاص فإشكال ينشأ من أن أخذ المال
للحيلولة أو لإسقاط القصاص.
الرابع: الحرية: فإن لم يدع أحد رقة فالأصل الحرية، ويحكم بها في كل ما
لا يلزم غيره شيئا فنملكه المال ونغرم من أتلف عليه شيئا وميراثه لبيت المال. وإن
قتله عبد قتل، وإن قتله حر فالأقرب سقوط القود للشبهة واحتمال الرق فحينئذ
تجب الدية أو أقل الأمرين منها ومن القيمة على إشكال.
وإن ادعى رقه لم يقبل من غير صاحب اليد ولا منها إذا أسندت إلى
الالتقاط، وإن أسندت إلى غيره حكم ظاهرا على إشكال، فإن بلغ وأنكر ففي
زوال الرق إشكال، ولو أقام بينة حكم بها سواء أطلقت أو أسندت إلى سبب
كإرث أو شراء، ولو شهدت بأنه ولد مملوكته فإشكال ينشأ من أنها قد تلد حرا.
ولو بلغ وأقر بالعبودية حكم عليه إن جهلت حريته ولم يقر بها أولا، ولو أقر
أولا بالحرية ثم بالعبودية فالأقرب القبول، ولو أقر بالعبودية أولا لواحد فأنكر فأقر
لغيره فإشكال ينشأ من الحكم بحريته برد الأول إقراره ومن عموم قبول إقرار
العاقل.
ولو سبق منه تصرف فإن أقيم بينة على الرق جعلت التصرفات كأنها
صدرت من عبد غير مأذون، ولو عرف رقه بإقراره لم يقبل فيما يضر بالغير فيستمر
النكاح لو كانت امرأة ويثبت للسيد أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل والأولاد
أحرار وعدتها ثلاثة أقراء وفي الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام.
ولو قذفه قاذف وادعى رقه وادعى هو الحرية تقابل أصلا براءة الذمة
والحرية فيثبت التعزير. ولو قطع حر يده تقابلا أيضا لكن الأقرب هنا القصاص
لأن العدول إلى القيمة مشكوك فيه أيضا بخلاف التعزير المعدول إليه فإنه متيقن.
ولا ولاية للملتقط عليه بل هو سائبة يتولى من شاء.
239

الفصل الثاني: في الحيوان:
ويسمى ضالة، ويجوز لكل بالغ عاقل على كراهة - إلا مع تحقق تلفه وإن
كان عبدا أو كافرا أو فاسقا - التقاط كل حيوان مملوك ضائع لا يد لأحد عليه في
الفلاة، فالبعير لا يؤخذ إن كان صحيحا أو كان في كلأ وماء، فإن أخذه حينئذ
ضمنه ويبرأ بتسليمه إلى المالك أو الحاكم مع فقده لا بإرساله في موضعه ويرسله
الحاكم في الحمى، فإن لم يكن باعه وحفظ ثمنه لمالكه، ولو تركه من جهد في غير
كلأ وماء جاز أخذه ويملكه الآخذ ولا ضمان وفي رد العين مع طلب المالك
إشكال، وكذا التفصيل في الدابة والبقرة والحمار، أما الشاة فتؤخذ ويتخير
الآخذ بين حفظها لمالكها أو دفعها إلى الحاكم ولا ضمان فيهما وبين تملكها
والضمان على إشكال، وكذا صغار الإبل والبقر وغيرهما، ولا يؤخذ الغزلان
المملوكة وشبهها مما يمتنع بعدوه.
أما العمران فلا يحل أخذ شئ من الضوال فيها وإن لم يكن ممتنعة كأطفال
الإبل والبقر، فإن أخذها تخير بين حفظها لمالكها وعليه نفقتها من غير رجوع وبين
دفعها إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق ولم يرجع، ولو كانت شاة حبسها ثلاثة أيام،
فإن جاء المالك وإلا باعها، وفي اشتراط الحاكم إشكال، وتصدق بثمنها وضمن
أو احتفظه ولا ضمان، وفي الصدقة بعينها أو قبل الحول بثمنها إشكال. ويجوز
التقاط الكلاب المملوكة، ويلزم تعريفها سنة ثم ينتفع بها إن شاء ويضمن السوقية.
ويستحب الإشهاد على أخذ الضالة، ولو التقط الصبي أو المجنون الضالة
انتزعه الولي وعرفه سنة، فإن لم يأت المالك تخير مع الغبطة في إبقائها أمانة
وتمليكه مع التضمين.
وإذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق أنفق ورجع على إشكال، ويتقاص مع
المالك لو انتفع بالظهر وشبهه.
والضالة أمانة مدة حول التعريف، فإن قصد بعده التملك ملك وضمن وإلا
240

فلا إلا مع التفريط، ولو قصد التملك ثم نوى الحفظ أو قصد الحفظ ثم نوى
التملك ضمن بقصد التملك فيهما.
الفصل الثالث: في لقطة الأموال: وفيه مطلبان:
الأول: في الأركان: وهي ثلاثة:
الالتقاط وهو: عبارة عن أخذ مال ضائع للتملك بعد التعريف حولا أو
للحفظ على المالك. وهو مكروه وإن وثق عن نفسه إن كان في غير الحرم، وفيه
يحرم على رأي ولا يحل تملكه وإن عرف طويلا. ويستحب الإشهاد فيعرف
الشهود بعض الأوصاف لتحصل فائدة الإشهاد، ولو علم الخيانة حرم الالتقاط، ولو
خاف ففي الجواز نظر. ويحصل الالتقاط بالأخذ لا بالرؤية وإن اختصت بغير
الملتقط إذا أعلمه بها، ولو قال: ناولنيها، فإن نوى الأخذ لنفسه فهي له وإلا
فللآمر على إشكال.
الثاني: الملتقط: وهو كل من له أهلية الكسب وإن خرج عن التكليف أو
كان عبدا أو كافرا أو فاسقا. نعم يشترط في لقطة الحرم العدالة، ثم للعدل أن يحفظ
اللقطة بنفسه أو يدفع إلى الحاكم، وغيره يتخير الحاكم بين انتزاعه منه وبين نصب
رقيب إلى أن يمضى مدة التعريف، ثم إن اختار الفاسق أو الكافر للتملك دفعه
الحاكم إليه وإلا فالخيار للملتقط حينئذ إن شاء أبقاه أمانة في يد الحاكم أو غيره،
وليس للحاكم مطالبة الفاسق بعد الحول بكفيل.
أما الصبي والمجنون فللولي نزعه من يدهما
وتمليكهما إياه بعد مدة التعريف،
ويتولاه الولي أو أحدهما، ولو أتلفه ضمن، ولو تلف في يده فالأقرب ذلك لأنه
ليس أهلا للأمانة ولم يسلطه المالك عليه بخلاف الإيداع، ولو قصر الولي فلم
ينتزعه حتى أتلفه الصبي أو تلف فالأقرب تضمين الولي.
وللعبد أخذ اللقطتين، فإن عرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته يتبع به
241

بعد العتق وكذا لو لم يعرف، ولو علم المولى ولم ينتزعها ففي تضمينه إشكال ينشأ
من تفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ومن عدم الوجوب بالأصل.
ولو أذن له المولى في التملك بعد التعريف أو انتزعها بعده للتملك ضمن
السيد، ولو انتزعها السيد قبل مدة التعريف لزمه إكماله، فإن تملك أو تصدق
ضمن وإن حفظها لمالكها فلا ضمان، ولو أعتقه المولى قال الشيخ: للسيد أخذها
لأنه من كسبه، والوجه ذلك بعد الحول.
الثالث: اللقطة: وهي كل مال ضائع أخذ ولا يد لأحد عليه، فإن كان في
الحرم وجب تعريفه حولا، فإن لم يوجد المالك تخير بين الصدقة به وفي الضمان
قولان وبين الاحتفاظ ولا ضمان، وإن كان في غير الحرم، فإن كان دون الدرهم
ملكه من غير تعريف، ولو وجد المالك فالأقرب الضمان، وإن كان أزيد من ذلك
وجب تعريفها حولا، ثم إن شاء تملك أو تصدق وضمن فيهما، وإن شاء احتفظها
للمالك ولا ضمان.
ويكره التقاط ما تقل قيمته ويكثر منفعته كالعصا والشظاظ والوتد والحبل
والعقال وشبهها، وأخذ اللقطة مطلقا مكروه ويتأكد للفاسق وآكد منه المعسر،
ويستحب الإشهاد.
المطلب الثاني: في الأحكام: وهي أربعة:
الأول: التعريف: وهو واجب وإن لم ينو التملك سنة من حين الالتقاط،
وزمانه النهار دون الليل، ولا يجب التوالي بل يعرف كل يوم في الابتداء ثم كل
أسبوع ثم كل شهر بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى، وإيقاعه عند اجتماع الناس
وظهورهم كالغدوات والعشيات وأيام المواسم والمجتمعات كالأعياد وأيام الجمع
ودخول القوافل، ومكانه الأسواق وأبواب المساجد والجامع ومجامع الناس.
ويتولاه بنفسه ونائبه وأجيره والأجرة عليه وإن نوى الحفظ، والأقرب
242

الاكتفاء بقول العدل ففي وجوب الأجرة حينئذ نظر. ويذكر في التعريف الجنس
كالذهب والفضة، وإن أوغل في الإبهام كان أحوط بأن يقول: من ضاع له مال
أو شئ.
وينبغي أن يعرفها في موضع الالتقاط ولا يجوز أن يسافر بها فيعرفها في بلد
آخر، ولو التقط في بلد الغربة جاز أن يسافر بها إلى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة
ثم يكمل الحول في بلده، ولو التقط في الصحراء عرف في أي بلد شاء.
وما لا بقاء له كالطعام يقومه على نفسه وينتفع به مع الضمان، وله بيعه
وحفظ ثمنه ولا ضمان، أو يدفع إلى الحاكم، ولو افتقر بقاؤها إلى العلاج
كالرطب المفتقر إلى التجفيف باع الحاكم الجميع أو البعض لإصلاح الباقي، ولو
أخر الحول الأول عرف في الثاني وله التملك بعده على إشكال.
الثاني: الضمان: وهي أمانة في يد الملتقط أبدا ما لم ينو التملك أو تفرط،
ولو نوى التعريف والتملك بعد الحول فهي أمانة في الحول مضمونة بعده، ولو قصد
الخيانة بعد قصد الأمانة ضمن بالقصد وإن لم يخن بخلاف المودع لتسليط المالك
هناك، ولو نوى التملك ثم عرف سنة فالأقرب جواز التملك، وبنية التملك
يحصل الضمان وإن لم يطالب المالك على رأي.
الثالث: التملك: وإنما يحصل بعد التعريف حولا ونية التملك على رأي،
ولو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده وإن لم يجدد قصدا، ولا يفتقر إلى
اللفظ ولا إلى التصرف وسواء كان غنيا أو فقيرا مسلما أو كافرا.
أما العبد فيتملك المولى، ولو نوى التملك دون المولى لم يملك، نعم له التصرف
ويتبع به بعد العتق، ومن انعتق بعضه حكمه حكم الحر في قدر الحرية وحكم العبد
في الباقي، ولو نوى أحد الملتقطين اختص بملك نصيبه، وهل يملكها مجانا ويتجدد
وجوب العوض بمجئ مالكها أو بعوض يثبت في ذمته؟ إشكال، والفائدة وجوب
عزلها من تركته واستحقاق الزكاة بسبب الغرم ووجوب الوصية بها ومنع وجوب
243

الخمس بسبب الدين على التقدير الثاني.
وتملك العروض كالأثمان، ولا يجوز التملك إلا بعد التعريف وإن بقيت
في يده أحوالا، ويكفي تعريف العبد في تملك المولى لو أراده.
وما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو لواجده من غير تعريف إن لم
يكن عليه أثر الاسلام وإلا فلقطة على إشكال، وكذا المدفون في أرض لا مالك
لها، ولو كان لها مالك فهو له، ولو انتقلت عنه بالبيع إليه عرفه، فإن عرفه فهو
أحق به وإلا فهو لواجده، وهل يجب تتبع من سبقه من الملاك؟ إشكال وكذا
التفصيل لو وجده في جوف دابة، أما لو وجده في جوف سمكة فهو لواجده وتحته
دقيقة.
ولو وجد في صندوقه أو داره مالا ولا يعرفه فهو له إن لم يشاركه في الدخول
غيره وإلا فلقطة، ولو دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها رد الثمن على المالك، فإن لم
يعرف بعد الحول ردها على الملتقط لأن له التملك والصدقة، ولو وجد عوض ثيابه
أو مداسه لم يكن له أخذه، فإن أخذه عرفه سنة ثم ملكه إن شاء إلا أن يعلم بشاهد
الحال أنه تركه عوضا فيجوز أخذه حينئذ من غير تعريف.
ولو مات الملتقط عرف الوارث حولا وملكها، والبحث فيه كالموروث، ولو
مات بعد الحول ونية التملك فهي موروثة، ولو لم ينو كان للوارث التملك
والحفظ، ولو فقدت من التركة في أثناء الحول أو بعده من غير نية التملك احتمل
الرجوع في مال الميت وعدمه.
الرابع: الرد: ويجب مع قيام البينة، ولا يكفي الواحد ولا يكفي الوصف،
وإن ظن صدقه للإطناب فيه نعم يجوز، فإن امتنع لم يجبر عليه، فلو دفع إلى
الواصف فظهرت البينة لغيره انتزعها الغير، فإن تلفت رجع على من شاء، ويستقر
الضمان على الواصف إلا أن يعترف الدافع له بالملك فلا يرجع إليه لو رجع عليه
المالك، ولو أقام كل منهما بينة بعد الدفع إلى الأول ولا ترجيح أقرع فإن خرج
244

الثاني انتزعت من الأول، ولو تلفت لم يضمن الملتقط إن كان قد دفع بحكم
الحاكم، فإن دفع باجتهاده ضمن.
ولو تملك بعد الحول فقامت البينة لم يجب دفع العين بل المثل أو القيمة إن لم
تكن مثلية، فإن رد العين وجب على المالك القبول، وكذا لو عابت بعد التملك مع
الأرش على إشكال.
والزيادة المنفصلة والمتصلة في الحول للمالك، وفي التبعية للقطة نظر أقربه
ذلك وبعده للملتقط إن تجددت بعد نية التملك وإلا فكالأول، ولو رد العين لم
يجب رد النماء.
فلو دفع العوض لمن قامت له البينة ضمن للثاني مع البينة لأن المدفوع ليس
نفس العين ويرجع على الأول للتحقق ببطلان الحكم.
245

اللمعة الدمشقية
كتاب اللقطة
وفيه فصول:
الأول: في اللقيط:
وهو كل انسان ضائع لا كافل له ولا يستقل بنفسه. فيلتقط الصبي والصبية ما لم
يبلغا، فإذا علم الأب أو الجد أو الوصي أو الملتقط السابق سلم إليهم، ولو كان اللقيط
مملوكا حفظ حتى يصل إلى المالك ولا يضمن إلا بالتفريط. نعم، الأقرب المنع من أخذه
إذا كان بالغا أو مراهقا بخلاف الذي لا قوة معه.
ولا بد من بلوع الملتقط وعقله وحريته إلا بإذن السيد، وإسلامه إن كان اللقيط
محكوما بإسلامه قيل: وعدالته. وحضره فينتزع من البدوي ومن مريد السفر به وينفق
عليه من بيت المال أو الزكاة، فإن تعذر استعان بالمسلمين، فإن تعذر أنفق ورجع عليه
إذا نواه ولا ولاء عليه للملتقط، وإذا خاف عليه التلف وجب أخذه كفاية وإلا
استحب، وكلما بيده أو تحته أو فوقه فله ولا ينفق منه إلا بإذن الحاكم، ويستحب
الإشهاد على أخذه، ويحكم بإسلامه إن التقط في دار الاسلام أو في دار الحرب وفيها
مسلم وعاقلته الإمام، فلو اختلفا في الانفاق أو قدره حلف الملتقط في المعروف، ولو تشاح
ملتقطان أقرع ولو ترك أحدهما للآخر جاز، ولو تداعى بنوته اثنان ولا بينة فالقرعة، ولا ترجيح بالإسلام على قول ولا بالالتقاط.
246

الثاني: في الحيوان:
ويسمى ضالة وأخذه في صورة الجواز مكروه، ويستحب الإشهاد، ولو تحقق التلف
لم يكره.
والبعير وشبهه إذا وجد في كلأ وماء صحيحا ترك فيضمن بالأخذ ولا يرجع آخذه
بالنفقة، ولو ترك من جهد لا في كلأ وماء أبيح.
والشاة في الفلاة تؤخذ لأنها لا تمتنع من صغير السباع وحينئذ يتملكها إن شاء، وفي
الضمان وجه، أو يبقيها أمانة أو يدفعها إلى الحاكم، قيل: وكذا كل ما لا يمتنع من
صغير السباع. ولو وجدت الشاة في العمران احتبسها ثلاثة أيام فإن لم يجد صاحبها
باعها وتصدق بثمنها.
ولا يشترط في الآخذ إلا الأخذ فتقر يد العبد والولي على لقطة غير الكامل، والإنفاق
كما مر ولو انتفع قاص، ولا يضمن إلا بتفريط أو قصد التملك.
الثالث: في المال:
وما كان في الحرم حرم أخذه ولو أخذه حفظه لربه وإن تلف بغير تفريط لم يضمن،
وليس له تملكه بل يتصدق به، وفي الضمان خلاف، ولو أخذه بنية الإنشاد لم يحرم
ويجب تعريفه حولا على كل حال.
وما كان في غير الحرم يحل منه دون الدرهم من غير تعريف، وما عداه يتخير الواجد
فيه بعد تعريفه حولا بنفسه وبغيره بين الصدقة والتملك، ويضمن فيهما وبين إبقائه أمانة
ولا يضمن، ولو كان ما لا يبقى قومه على نفسه أو دفعه إلى الحاكم، ولو افتقر بقاؤه إلى
علاج أصلحه الحاكم ببعضه.
ويكره التقاط الإداوة والنعل والمخصرة والعصا والشظاظ والحبل والوتد والعقال،
ويكره أخذ اللقطة وخصوصا من الفاسق والمعسر، ومع اجتماعهما تزيد الكراهية
وليشهد عليها مستحبا ويعرف الشهود بعض الأوصاف.
والملتقط من له أهلية الاكتساب، ويحفظ الولي ما التقطه الصبي وكذا المجنون،
247

ويجب تعريفها حولا ولو متفرقا سواء نوى التملك أو لا، وهي أمانة في الحول وبعده ما لم
ينو التملك فيضمن، ولو التقط العبد عرف بنفسه أو بنائبه، فلو أتلفها ضمن بعد عتقه،
ولا يجب على المالك انتزاعها منه وإن لم يكن أمينا، ويجوز للمولى التملك بتعريف
العبد، ولا تدفع إلا بالبينة لا بالأوصاف وإن خفيت، نعم يجوز الدفع. فلو أقام غيره بها
بينة استعيدت منه، فإن تعذر ضمن الدافع ورجع على القابض.
والموجود في المفازة والخربة أو مدفونا في أرض لا مالك لها يتملك من غير تعريف إذا
لم يكن عليه أثر الاسلام وإلا وجب، ولو كان للأرض مالك عرفه فإن عرفه وإلا فهو
للواجد، وكذا لو وجده في جوف دابة عرفه مالكها، أما السمكة فللواجد إلا أن تكون
محصورة تعلف، والموجود في صندوقه أو داره مع مشاركة الغير لقطة ولا معها حل، ولا
يكفي التعريف حولا في التمليك بل لا بد من النية.
248

كتاب إحياء الموات
249

النهاية
باب بيع المياه المراعي وحريم الحقوق وأحكام الأرضين وغير ذلك:
إذا كان للإنسان شرب في قناة فاستغنى عنه جاز له أن يبيعه بذهب أو فضة أو حنطة
أو شعير أو غير ذلك وكذلك إن أخذ الماء من نهر عظيم في ساقية يعملها ولزم عليها مؤونة
ثم استغنى عن الماء جاز له بيعه والأفضل أن يعطيه لم يحتاج إليه من غير بيع عليه، وهذه هي
النطاف والأربعاء التي نهى النبي ص عنهما وقضى رسول الله ص
في سبيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب
وللزرع إلى الشراك، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه ثم كذلك يعمل من هو دونه مع من هو
أدون منه، قال ابن أبي عمير: المهزور موضع الوادي، ولا بأس أن يحمي الانسان الحمى من
المرعى والكلأ إذا كان في أرضه وسقاه بمائه، فأما غير ذلك فلا يجوز بيعه لأن الناس كلهم
فيه شرع سواء.
وقد رخص النبي ص أن تشتري العرايا بخرصها تمرا، والعرايا بخرصها تمرا، والعرايا جمع
عرية وهي النخلة تكون في دار انسان لرجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا يجوز
ذلك في غيرها، ومن باع نخيلا فاستثنى منها نخلة معينة في وسطها كان له الممر إليها
والمخرج منها وله مدى جرائدها من الأرض، وحد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون
ذراعا ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا وما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع
إذا كانت الأرض صلبة فإن كانت رخوة فألف ذراع، والطريق إذا تشاح عليه أهله فحده
مع أذرع، وإذا كان للإنسان رحا على نهر والنهر لغيره وأراد صاحب النهر أن يسوق الماء
251

في نهر آخر إلى القرية لم يكن له ذلك إلا برضا صاحب الرحى وموافقته.
والأرضون على أقسام أربعة:
قسم منها أرض الخراج وهي كل أرض أخذت عنوة بالسيف وعن قتال، فهي أرض
للمسلمين قاطبة لا يجوز بيعها ولا شراؤها والتصرف فيها إلا بإذن الناظر في أمر المسلمين،
وللناظر أن يقبلها بما شاء من ثلث أو ربع أو نصف أو أقل أو أكثر مدة من الزمان وله أن
ينقل من متقبل إلى غيره ويزيد عليه وينقص إذا مضى مدة زمان القبالة ليس عليه
اعتراض في ذلك.
ومنها أرض الصلح وهي أرض أهل الذمة يصالحهم الإمام على أن يأخذ منهم شيئا
معلوما بحسب ما يراه من المصلحة قل ذلك أم كثر وله أن يزيد عليهم وينقص بحسب
ما يراه صلاحا ولأرباب هذه الأرضين أن يبيعوها، ومتى باعوها انتقلت الجزية عنها إلى
رؤوسهم وأموالهم، وإن اشتراها مسلم كانت ملكا له يجوز له التصرف فيها كما يتصرف
في سائر الأملاك وليس عليه فيها أكثر من الزكاة العشر أو نصف العشر حسب ما قدمناه
فيما مضى من الكتاب.
ومنها أرض من أسلم عليها طوعا فهم أملك بها وكانت ملكا لهم وليس عليهم أكثر
من الزكاة العشر أو نصف العشر، ويجوز لهم بيعها وهبتها ووقفها والبناء فيها حسب
ما يريدون من أنواع التصرف.
ومنها أرض الأنفال وهي كل أرض انجلى أهلها عنها من غير قتال، والأرضون الموات
ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وقطائع الملوك وهذه كلها خاصة للإمام يقبلها من شاء
بما أراد ويهبها ويبيعها إن شاء حسب ما أراد.
ومن أحيا ميتا كان أملك بالتصرف فيها من غيره فإن كانت الأرض لها مالك معروف
كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض وليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو
راغبا فيها، وإن لم يكن لها مالك وكانت للإمام وجب على من أحياها أن يؤدى إلى الإمام
طسقها ولا يجوز للإمام انتزاعها من يده إلى غيره إلا أن لا يقوم بعمارتها كما يقوم غيره أو
لا يقبل عليها ما يقبله الغير، ومتى أراد المحيي لأرض من هذا الجنس الذي ذكرناه أن يبيع
252

شيئا منها لم يكن له أن يبيع رقبة الأرض وجاز له أن يبيع ماله من التصرف فيها، وإذا
اشترى الانسان من غيره جربانا معلومة من الأرض ووزن الثمن ثم مسح الأرض فنقص
عن المقدار الذي اشتراه كان بالخيار بين أن يرد الأرض ويسترجع الثمن بالكلية وبين أن
يطالب برد ثمن ما نقص من الأرض، وإن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض وجب عليه
أن يوفيه تمام ما باعه إياه.
1 - وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد العسكري ع: رجل
اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلى في
حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع ع: ليس له إلا ما اشتراه في سهمه وموضعه إن
شاء الله.
2 - وكتب إليه في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها وفوقها بيوت
ومسكن آخر، هل يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن
الأسفل الذي اشتراه أم لا؟ فوقع: ليس له من ذلك إلا الحق الذي اشتراه إن شاء الله.
3 - وكتب إليه في رجل قال لرجلين: اشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا
بجميع حدودها كلها لفلان بن فلان وجميع ما له في الدار من المتاع، والبينة لا تعرف المتاع
أي شئ هو، فوقع ع: يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله.
4 - وكتب إليه رجل كانت له قطاع أرضين في قرية وأشهد الشهود أنه قد باع هذه
القرية بجميع حدودها، فهل يصلح ذلك أم لا؟ فوقع ع: لا يجوز بيع ما ليس
يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك.
5 - وروى السكوني بإسناده عن النبي ص أنه قال: من غرس شجرا
أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله.
6 - وروي عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن النزول على أهل الخراج فقال:
ثلاثة أيام، روي ذلك عن النبي، ص.
7 - وروى إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله ع عن السخرة في
القرى وما يؤخذ من العلوج والأكراد إذا نزلوا القرى فقال: تشترط عليهم ذلك، فما
253

اشترطت عليهم من الدراهم والسخرة وما سوى ذلك فيجوز لك وليس لك أن تأخذ منهم
شيئا حتى تشارطه، وإن كان كالمستيقن أن من نزل تلك الأرض أو القرية أخذ منه ذلك.
قال: وسألته عن أرض الخراج اشترى الرجل منها أرضا فبنى فيها أو لم يبن غير أن أناسا
من أهل الذمة نزلوها إله أن يأخذ منهم أجر البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ فقال:
يشارطهم فما أخذه منهم بعد الشرط فهو حلال.
8 - وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد ع في رجل اشترى من
رجل أرضا بحدودها الأربعة، فيها الزرع والنخل وغيرهما من الشجر ولم يذكر النخل
ولا الزرع ولا الشجر في كتابه وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها
والخارجة عنها، أ يدخل النخل والأشجار والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع
ع: إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليها بابه فله جميع ما فيها إن شاء الله.
9 - وروى صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجاء قال: قلت لأبي عبد الله ع:
كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين قال، قلت:
يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا بأس، اشتر حقه
منها وتحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه.
ولا يجوز أن يأخذ الانسان من طريق المسلمين شيئا ولو قدر شبر ولا يجوز له أيضا بيعه
ولا شراء شئ يعلم أن فيه شيئا من الطريق، فإن اشترى دارا أو أرضا ثم علم بعد ذلك
أنه كان صاحبه قد أخذ شيئا من الطريق فيها لم يكن عليه شئ إذا لم يتميز له الطريق، فإذا
تميز له وجب عليه رده إليها وكان له الرجوع على البائع بالدرك، وإذا كان الانسان في يده
دار أو أرض ورثها عن أبيه عن جده غير أنه يعلم إنها لم تكن ملكا لهم وإنما كانت للغير
ولا يعرف المالك لم يجز له بيعها بل ينبغي أن يتركها بحالها، فإن أراد بيعها فليبع تصرفه
ولا يبع أصلها على حال.
254

المهذب
باب إحياء الموات والتفريع القطائع والشرب
روي عن رسول الله ص أنه قال: من أحاط حائطا على أرض فهي له،
وقال ع: موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني، وقال: من سبق إلى ما لم
يسبقه إليه مسلم فهو أحق به. فإذا صح ذلك فالبلاد ضربان: أحدهما بلاد الاسلام
والآخر بلاد الشرك.
فبلاد الاسلام ضربان: عامر وغامر.
فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد التصرف فيه إلا بإذن صاحبه ومرافقها التي لا بد لها
منها مثل الطرق والقنى ومسيل الماء هي في معنى العامر من حيث إن صاحب العامر أحق
به من كل أحد، ولا يجوز لأحد التصرف فيه إلا باذنه، وكذلك إذا حفر بئرا في موات
ملكها وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة، فإن أراد انسان أن
يحفر بئرا تحت هذا البئر ليسوق مائها منها لم يجز ذلك له.
والغامر ضربان: غامر لم يجر عليه ملك لمسلم وهو الموات الذي قصد به الأحياء،
وغامر جرى عليه ملك مسلم فهو مثل قرى أهل الاسلام التي خربت وتعطلت، فإن كان
لشئ منها صاحب معين أو لصاحبه عقب معين كان صاحبه المعين أو عقبه أحق به من
كل أحد، وإن لم يكن له صاحب ولا عقب لصاحبه معين صح أن يملك بالإحياء وذلك
يكون بأمر الإمام ع.
وأما بلاد الشرك فضربان أيضا: عامر وغامر، فالعامر ملك لأهله وكذلك جميع
255

ما يكون به صلاح العامر من الغامر فإن صاحب العامر أحق به من غيره، والغامر
ضربان: أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد والآخر جرى عليه ملكه، فأما ما لم يجر عليه ملك
لأحد فهو للإمام وأما ما جرى عليه ملك وصاحبه معين فهو له ولا يملك بالإحياء، وإن لم
يكن له صاحب معين كان للإمام.
فأما الأرضون الموات فهي للإمام أيضا لا يملكها أحد إلا بالإحياء باذنه.
وإحياء الأرض يكون للدار والحظيرة والزراعة، فأما إحياؤها للدار فهو أن يحوط عليها
حائطا ويسقف عليه فإذا فعل ذلك فقد أحياها وملكها ملكا مستقرا، ويجوز أن يكون
هذا الحائط مبنيا بآجر أو حجر أو لبن أو طين أو خشب أو جص، فأما إن أخذها للحظيرة
فإحياؤه لها كذلك أن يحوطها بحائط من آجر أو حجر أو طين أو لبن أو خشب، وليس من
شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ويعلق عليها باب كالدور، فأما الأحياء للزراعة فهو أن
يجمع حولها ترابا وهو الذي سمي مرزا، وأن يرتب لها الماء إما بساقية يحفرها ويسوق الماء
إليها فيها أو بقناة يحفرها أو بئرا أو عين يستنبطها، فهذه الثلاثة شرط في صحة الأحياء
للزراعة، وإذا أحيا الانسان الأرض على ما ذكرناه وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا يصلح
الأرض إلا بها.
وإذا حفر بئرا وشق ساقية أو نهرا فإنه يملك حريمها، وجملة ذلك أن ما لا بد منه في
استيفاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء وكريت الساقية والنهر فإن ذلك يكون على
حسب الحاجة إليه قليلا كان أو كثيرا، وروى أصحابنا أن حد بئر الناضح أربعون
ذراعا، ووردت الرواية عن النبي ص بما يوافق ذلك وهو أنه قال: حريم
البئر أربعون ذراعا، وروي أن حد القناة في الأرض السهلة ألف ذراع وفي الحزنة
خمس مائة ذراع، وإذا حفر انسان بئرا في موات وملكها ثم أراد غيره أن يحفر إلى جانبها
بئرا يسوق الماء منها بذلك لم يجز ذلك وكان له منعه من حفرها بغير خلاف، وكذلك
القول في العين إلا أن يكون بينها وبين ما يريد غير حفره الحد الذي ذكرناه متقدما.
وإن أراد حفر بئر في ملكه أو داره ثم أراد جاره حفر بئر لنفسه بقرب تلك البئر لم يجز
256

منعه من ذلك وإن نقص ماء البئر الأول لأن الانسان مسلط على ملكه. والفرق بين الملك
والموات فيما ذكرناه: أن الموات يملك بالإحياء فمن سبق إلى حفر بئر ملك حريمه وكان أحق
به من غيره، وليس كذلك الملك لأن ملك كل واحد من المالكين مستقر ثابت وللمالك
أن يفعل ما شاء في ملكه بغير اعتراض عليه، وإذا حفر بئرا في داره وأراد جاره حفر بالوعة
أو خلاء بقرب هذا البئر لم يكن له أيضا منه من ذلك وإن أدى إلى تغيير ماء البئر أو كان
صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقرب البالوعة والخلاء منها لأن له التصرف في ملكه كيف
شاء وأراد.
وإذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب أرض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان
الغراسين ويلتقي عروقهما كان للأول منعه من ذلك، وإذا أقطع السلطان إنسانا قطعة من
الموات كان أحق بها من غيره وكذلك إذا تحجر من الموات أرضا، والتحجر أن يؤثر فيها
أثرا لم يبلغ به حد الأحياء مثل أن يحوط عليها حائطا أو ما جرى مجرى ذلك من آثار
الأحياء فإنه أحق بها من غيره وإقطاع السلطان بمنزلة التحجر.
وإذا أخر الأحياء وقال له السلطان إما أن تحييها أو تخلي عنها ليحييها غيرك، فإن ذكر
في ذلك عذرا منعه من الأحياء مثل أن الأكارين والعمال الذين معه هربوا وأن آلاته
التي للعمل عابت أو ما أشبه ذلك وسأل التأجيل في ذلك السلطان، وإن لم يكن له عذر
وخيره السلطان بين الأمرين فلم يفعل شيئا أخرجها من يده، فإن وثب عليها غيره
وأحياها قبل أن يخرجها السلطان من يده لم يملكها بذلك الأحياء، وإذا تحجر انسان أرضا
وباعها لم يصح بيعها لأن رقبة الأرض لا يملك بالإحياء وإنما يملك التصرف فيها بشرط أن
يؤدى ما يلزمه عليها إلى الإمام.
وما لا يملكه أحد ولا يملكه إلا بما يستحدث فيه، وذلك مثل الموات من الأرض وقد
سلف ذكر ذلك فإنما يملك بالإحياء التصرف فيه بإذن الإمام وإنه أحق به من غير بحق،
ويجوز للإمام أن يقطعه من غير إحياء ولا تحجير لأن الموات ملكه فله أن يقطعه من غير
خلاف، وما كان من المعادن ظاهرا مثل الماء والكبريت والملح والنفط والقير والمومياء
257

وما جرى مجرى ذلك فإنه لا يملك بالإحياء ولا يصير الانسان بالتحجر به أحق من غيره،
وليس للإمام أن يقطعه بل جميع الناس فيه سواء يأخذ كل أحد منهم حاجته ويجب عليه
قيمة فيها الخمس، ولا يجوز للإمام أن يقطع مشارع الماء فيجعل المقطع أحق بها من غيره.
وإذا سبق إلى بعض المعادن الظاهرة رجلان ولم يتقدم أحدهما الآخر أقرع الإمام أو
من نصبه الإمام بينهما في ذلك، وإذا كان في الساحل موضع إذا حفر وانساق إليه الماء
ظهر له ملح كان ذلك في حكم الموات لأنه لا ينتفع به إلا باستحداث شئ فيه فيملك
بالإحياء ويصير بالتحجر عليه أولى به وللإمام أن يقطعه، فإذا حصل لواحد منها كان
أحق به من غيره، والقطائع ضربان: أحدهما يملك بالإحياء وهو الموات وقد تقدم ذكر
ذلك، والآخر الإرفاق وهو ما يجلس الانسان فيه إذا كان في المواضع الواسعة من رحاب
الجوامع والطرقات، وليس للإمام أن يقطع أحدا من ذلك وقد قيل بأن له ذلك والأظهر
أنه ليس له ذلك لأن الناس فيه شرع سواء.
وأما المعادن التي ليست ظاهرة مثل الذهب والفضة والرصاص والنحاس وما جرى
مجرى ذلك مما يكون في بطن الأرض والجبال ولا يظهر إلا بالعمل فيها والمؤنة عليها فإنها
يملك عندنا بالإحياء، ويجوز للإمام إقطاعه لأنه يملكه، ومن أحياه فهو أحق به وبمرافقه
التي لا بد له منها على حسب الحاجة إليه إن كان يخرج ما يخرج منه بالأيدي، وإن كان
يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات، وإذا تحجر المعدن بالحفر وأراد غيره إحياءه قال
الإمام له: إما أن تحييه أو تخلي بينه وبين غيرك، فإن طلب منه التأجيل أجله حسب
ما قدمناه في إحياء الموات سواء.
وإذا أحيا انسان مواتا من الأرض وظهر فيه معدن ملكه بالإحياء وملك المعدن لأن
المعدن مخلوق بخلقة الأرض فهو جزء من أجزائها، وهكذا إذا ابتاع دارا فوجد فيها معدنا
كان للمشتري دون البائع، فإن ظهر فيها كنز مدفون وكان من دفن الجاهلية ملكه
بالإصابة له والظهور عليه وحكمه حكم الكنوز، وإن كان من دفن أهل الاسلام فهو
لقطة، وإن كان ذلك في أرض ابتاعها لم يدخل الكنز في المبيع لأنه مودع فيه، وإذا كان
258

الموات فيما غنم من بلاد الشرك قد عمل جاهلي في معدن فيه لم يكن غنيمة ولا يملكه
الغانمون بل يكون على الإباحة لأنه لا يدري هل من أظهره قصد التملك أم لا، فلا يدري
أنه كان ملكه فيغنم فالأصل أنه على الإباحة كما ذكرناه.
وبلاد الاسلام ضربان: أحدهما أسلم أهلها عليها والآخر افتتحت.
فأما التي أسلم أهلها عليها فمثل مدينة النبي ص فإن العامر لأهله بغير
خلاف في ذلك، وأما الموات فجار مجرى الموات الذي قدمنا ذكره.
وأما الذي افتتح فإنه إن كان افتتح عنوة وكان عامرا كان غنيمة وقد تقدم ذكر من
يستحق ذلك عندنا وهو جميع المسلمين فأما الموات فما لم يقاتلوا عنه فإن حكمه حكم موات
دار الاسلام وأما ما قاتلوا عنه من الموات فهو للإمام، وأما إذا فتح صلحا على أن يكون
الدار لهم بشئ يبذلونه صح ذلك ويكون الدار لهم والعامر ملكهم والموات على ما كان
عليه، ومن أحيا شيئا منه بإذن الإمام كان أحق به من غيره، وإن أحيا المسلم شيئا منه
بإذن الإمام كان أحق به أيضا.
فإن كان الصلح على أن يكون الدار لنا صح ذلك وكان الحكم في ذلك حكم
دار الاسلام لأن ذلك صار للمسلمين بالمصالحة فحكم عامره ومواته حكم عامر بلاد
الاسلام ومواتها على ما تقدم ذكره، وما يحصل بالمصالحة فهو فئ وحكمه حكم الفئ في
أربعة أخماسه وخمسه وقد سلف ذكر ذلك أيضا، ومن يستحق الخمس فإن حصل الصلح
على عامرها ومواتها كان العامر للمسلمين والموات الإمام على ما سلف بيانه.
وإذا ملك انسان معدنا في أرض أحياها أو ابتاعها فظهر فيها ثم عمل فيها رجل
فأخرج منه قطعا، فإن كان بغير إذنه كان متعديا في عمله ولم يكن له أجرة ويكون
ما أخرجه لصاحب المعدن، وإن كان باذنه وكان قد شرط أن يكون ما يخرجه لنفسه دون
المالك لم يصح لأن ذلك هبة مجهولة والمجهولة لا يصح تملكه وجميع ما يخرجه يكون
لصاحب المعدن إلا أن يستأنف له هبة بعد الإخراج ويقبضه ذلك، ولا أجرة للعامل لأنه
عمل لنفسه وإنما يثبت الأجرة له إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة، وإذا كان
259

العامل عمل على أن ما يخرجه فهو للمالك فله أجرة المثل.
والقول المتعلق بهذا الباب في المياه يقع في ملكها والسقي منها والمباح من ذلك
والمملوك، فإذا كان لإنسان بئر وقناة أو عين أو مصنعة احتفر ذلك في ملكه أو داره إليه
بوجه من وجوه الأملاك فهي ملكه، ويجوز له بيعه لمن يستقي منه النخل والشجر
والأرض والزرع وما جرى مجرى ذلك وهو مال من الأموال المتملكة، وكذلك ما تخرجه أرض
الانسان من كلأ أو عشب أو ما يعانيه من عشب إذا قطعه أو نفاه من مكان إلى مكان.
فإن نبت في الصحاري والقفار والأرض الموات أو بحيث لا ملك لأحد عليه أو ما كان
من الماء مسيلا في الأدوية من الأمطار والأنهار الكبار الذي لا يعرف ابتداؤها ولا ملك
لأحد على منابعها ومجاريها، وما استقر منه في وجه الأرض أو المصانع الجاهلية التي ليس
لأحد عليها ملك فالناس في ذلك شرع واحد، ومن سبق إلى شئ منه فهو أحق به إما
لشربه أو حيازته في وعائه أو سقي زروعه أو سقي ماشيته، وكذلك الحكم فيما كان من
العشب النابت في البراري.
ومن وقع ملكه على بعض المياه مثل العين والبئر والقناة والمصنعة وما جرى مجرى
ذلك، فيستحب له أن لا يمنع ابن السبيل من الشرب منه وسقي دابته وجملة وماشيته وأن
يتطوع بما يفضل عنه من ذلك، ولا يجوز لأحد أن يسقي أرضه ولا زرعه ولا شجره من بئر
هذا الانسان أو قناته أو العين أو المصنعة التي له إلا باذنه، ولو كان له نهر خاص فأراد بيع
جزء من مائه أو جميعه كان جائزا، وكذلك لو كان النهر مشتركا وأراد بيع حصته من غيره
أو هبته أو الوصية به أو الإجارة له كان جائزا، فإن باع الانسان أرضه دون شربها كان
أيضا جائزا ويكون مالكا للشرب يفعل فيه ما أراد، وإذا اشترى انسان أرضا مع شرب
مائها أو استأجرها مع شربها كان جائزا، وإذا اشتراها بكل حق هو لها كان الشرب
ومسيل الماء لها.
وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لا يعرف كيف كان أصله بينهم ثم اختلفوا فيه
واختصموا في الشرب كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم، فإن كان الأعلى منهم
260

لا يشرب حتى يسكر النهر لم يجز أن يسكره على الأسفل ولكن يشرب بحصته، فإن تراضوا
على أن يسكره الأعلى على الأسفل حتى يشرب كان ذلك جائزا، ويجوز أن يصطلحوا على
شرب كل واحد منهم في يومه، فإن اختلفوا لم يجز لأحد منهم أن يسكره على آخر، وإذا أراد
واحد منهم أن يكري نهرا لم يكن ذلك له إلا برضا أصحابه، وكذلك لو أراد واحد منهم
أن ينصب عليه رحى لم يجز له ذلك أيضا إلا برضا الباقين، اللهم إلا أن يكون النهر أو
الماء لا يستضر بالرحى فإنه يجوز ذلك.
وإذا احتاج هذا النهر إلى كري وتنقية ونظافة وإصلاح كانت تنقيته على الجميع من
أعلاه إلى مفتتح الماء إلى أقرب الأراضي إلى الفوهة، فإذا جاوز ذلك رفعت النفقة عن
صاحب تلك الأرض وكانت النفقة على من بعده حتى ينتهي إلى من يليه فترفع عند
حصته من النفقة مع الشركاء من أهل الأسافل، وهكذا أبدا كلما انتهى العمل إلى حق
أحدهم كانت النفقة على من بعده دونه.
والأنهار الكبار مثل دجلة والفرات والنيل وسيحان وجيحون وما أشبه ذلك فجميع
المسلمين فيها شرع واحد وكل واحد منهم له شرب أرضه وزرعه ونخله وشجره وسائر منافعه
لا يحبس الماء عن أحد دون أحد ولا لإنسان أن يمنع منه غيره، وإذا أراد انسان أن يكري
منه نهرا في أرضه أو في أرض موات قد أذن له في إحيائها ولا ضرر على غيره فيها، كان له
ذلك إلا أن يكون ما يحدثه مما ذكرناه فيه ضرر على النهر الأعظم، فإن الإمام يمنعه من
ذلك وكذلك الحكم لو أراد أن يعمل مصنعة لشرب السابلة أو الحيوان ويجري الماء إليها
من النهر الأعظم في أرض يملكها أو موات قد أذن له فيها سواء.
وإذا احتاج النهر الأعظم إلى عمل جنابه إن حصل خوف من الغرق منه، أو من أن
يغلب ماؤه فينصرف إلى بعض الجهات التي تستضر بانصرافه إليها كان على السلطان
كريه وعمل جنابه ومسناته، وكذلك ما كان من الأنهار الصغار التي تؤخذ من النهر
الأعظم لسقي أرض الخراج من البلاد المفتتحة عنوة وكان الوالي يأخذ خراجها، فإن حفر
هذه الأنهار وعمل جميع ما يحتاج اليد واصلاحه على السلطان، فإن كانت الأراضي التي
261

على جانب أحد هذه الأنهار بعضها خراجية وبعضها مملوكة عشرية كانت النفقة بين
الوالي ومالك تلك الأراضي يسقط كل واحد مما يلزمه فيها، ولا يجري ذلك مجرى نهر
خاص لقوم ليس لأحد أن يدخل عليهم فيه، ولهم منع من أراد أن يسقي من نهرهم أرضه
ونخله وشجره لأن ذلك عليهم.
وإذا كان النهر عظيما فإذا انتهى إلى مكان معين كان قسمة بين أهله بالحصص
لكل قوم منهم كوة معروفة فاتخذ انسان أرضا كانت مواتا ولم يكن لها شرب من ذلك
النهر وكوة لها نهرا من فوق موضع القسمة في مكان ليس لأحد فيه ملك فساق الماء إلى
أرضه من ذلك النهر في ذلك الموضع، فإن كان النهر المحدث يضر بأهل النهر الأعظم في
مائهم ضررا بينا لم يجز له ذلك وكان للسلطان منعه منه وإن كان لا يضرهم كان جائزا.
وإذا كان لإنسان من ذلك النهر الأعظم كوة معروفة وأراد الزيادة عليها بكوة أو
كوتين وكانت هذه الزيادة غير مضرة بأهل النهر الأعظم كان له ذلك وجرى ذلك مجرى
الأول، وإن كانت الكواء في نهر مخصوص يأخذ من هذا النهر الأعظم لم يكن لأحد من
ذلك النهر أن يزيد كوة وإن كان ذلك لا يضرهم إلا بإذنهم، وإذا أراد بعض الشركاء في
النهر أن يعمل عليه جسرا أو يعقد قنطرة أو ما أشبه ذلك لم يجز له ذلك إلا برضا شركائه.
وإذا كان نهر بين رجلين له خمس كواء من هذا النهر الأعظم وأرض أحد الرجلين في
أعلى هذا النهر وأرض الآخر في أسفل النهر فقال صاحب الأعلى: أريد أن أسد بعض
هذه الكواء لأن ماء النهر يفيض في أرضي ويكثر عليها، لم يكن له ذلك إلا برضى
الآخر، فإن قال: اجعل لي نصف الشهر ولك نصفه فإذا كان في حصتي سددت ما أردت
سده من ذلك، وتراضيا على ذلك كان جائزا، وإذا قال أهل أسفل النهر: نريد أن نوسع
رأس النهر أو نزيد في كواته، وقال أهل أعلاه: إذا فعلتم ذلك زاد الماء على أرضنا وفاض
فوقها فأفسد عليها، لم يكن لأهل أسفله أن يوسعوا فيه شيئا ولا أن يزيدوا في شئ من
كوائه.
وإذا كان لجماعة أراضي وشربها من نهر يأخذ من النهر الأعظم لا يعلم قسط كل
262

واحد منهم أو كل قرية شربها منه، فاختصموا في الشرب كان ماؤه بينهم بمقدار حصصهم
من الأراضي ومساحتها ولم يكن لأحد منهم أن يأخذ من مائه أكثر من قدر ري أرضه، ولا
يغير ما يتقرر بينهم في ذلك إلا بإذن الباقي من شركائه.
وإذا كانت فوهة النهر تجري في أرض انسان ثم يصير جاريا بين أراض مشتركة فقال
الذي فوهة النهر وأوله في أرضه: هذا النهر لي وإنما أرسله إليكم تبرعا وليس لكم حق في
مائه وأنا أريد سده عنكم، وقال الذي يجري النهر بين أراضيهم: النهر لنا وليس لك أنت
فيه شئ وإنما الأرض لك على حسبه دونه، ولم يكن لأحدهم بينة على ما ادعاه لم يجز له
قطع الماء على الشاربة منه، ولو أقام بينة على أن رسمه جرى بسده على أرضه أوقاتا معلومة
لم يكن له قطعه على أهل أسفله بالكلية، ولا أن يتجاوز بسده الأوقات التي جرى رسمه
بمثلها.
وإذا كان نهر بين جماعة يأخذ من النهر الأعظم لهم فيه كواء مسماة ولكل واحد منهم
نهر صغير من هذا النهر أو كو وكان نهر أحدهم في أسفل أرضه فإذا أراد أن يحول نهره
فيجعله في أعلى أرضه لم يكن له ذلك لأن النهر يذهب من الماء حينئذ بأكثر مما كان
يذهب قبل ذلك ويضر بأصحابه، فإن أراد صاحب النهر أن يكري نهره فيسفله عن
موضعه وإن كان متى فعل ذلك أخذ من الماء أكثر كان ذلك له وكان له أيضا أن يرفع
الكو إن كانت مستقلة ليكون الماء أقل في أرضه، وإذا سقى انسان أرضه أو شجره وسأل
الماء في مسيله على أرض لإنسان آخر فغرقت به لم يلزمه ضمان ذلك.
263

غنية النزوع
فصل في إحياء الموات:
قد بينا فيما مضى أن الموات من الأرض للإمام القائم مقام النبي ص
خاصة وأنه من جملة الأنفال يجوز له التصرف فيه بأنواع التصرف، ولا يجوز لأحد أن
يتصرف فيه إلا باذنه، ويدخل على ذلك إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من
قوله ع: ليس لأحدكم إلا ما طابت به نفس إمامه.
ومن أحيا أرضا بإذن مالكها أو سبق إلى التحجير عليها كان أحق بالتصرف فيها
من غيره، وليس للمالك أخذها منه إلا أن لا يقوم بعمارتها أو لا يقبل عليها ما يقبل غيره
بالإجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: من أحيا أرضا
ميتة فهي له، وقوله: من أحاط حائطا على أرض فهي له، والمراد بذلك ما ذكرناه من كونه
أحق بالتصرف لأنه لا يملك رقبة الأرض بالإذن في إحيائها.
ولا يجوز لأحد أن يغير ما حماه النبي ص من الكلأ لأن فعله حجة في
الشرع يجب الاقتداء به كقوله، على أن ذلك لمصلحة المسلمين وما قطع على أنه مفعول
لمصلحتهم لم يجز نقضه.
وللإمام أيضا أن يحمي من الكلأ لنفسه ولخيل المجاهدين ونعم الصدقة والجزية
وللضوال ما يكون في الفاضل عنه كفاية لمواشي المسلمين، وليس لأحد الاعتراض عليه
ولا نقض ما فعله لأنه عندنا يجري في وجوب الاقتداء به مجرى الرسول، ولأنا قد بينا أن
الموات ملك له ومن ملك أرضا فله حمايتها بلا خلاف، وقد روى المخالف أن النبي ص
264

قال: لا حمى إلا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين.
ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئا من الشوارع والطرقات ورحاب الجوامع لأن هذه المواضع
لا يملكها واحد بعينه والناس فيها مشتركون فلا يجوز له والحال هذه إقطاعها، ومن أجاز
ذلك فعليه الدليل.
والماء المباح يملك بالحيازة سواء حازه في إناء أو ساقه إلى ملكه في نهر أو قناة أو غلب
بالزيادة فدخل إلى أرضه، وهو أحق بماء البئر التي ملك التصرف فيها بالإحياء، وإذا كانت
في البادية فعليه بذل الفاضل عن حاجته لغيره لنفسه وماشيته ليتمكن من رعي ما جاور
البئر من الكلأ المشترك، وليس عليه بذله لزرعه ولا بذل آلة الاستقاء، وقد روى
المخالفون أنه ص قال: من منع فضل مائه ليمنع به الكلأ منعه الله فضل
رحمته يوم القيامة.
ولمن أحيا البئر من حريمها ما يحتاج إليه في الاستقاء من آلة ومطرح الطين، وروى
أصحابنا أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح
ستون ذراعا، وما بين بئر العين إلى بئر العين في الأرض الصلبة خمس مائة ذراع وفي الرخوة
ألف ذراع، وعلى هذا لو أراد غيره حفر بئر إلى جانب بئره ليسوق منها الماء لم يكن له ذلك
بلا خلاف، ولا يجوز له الحفر إلا أن يكون بينهما الحد الذي ذكرناه.
فأما من حفر بئرا في داره أو في أرض له مملوكة فإنه لا يجوز له منع جاره من حفر بئر
أخرى في ملكه ولو كانت بئر بالوعة يضر به بلا خلاف أيضا، والفرق بين الأمرين أن الموات
يملك التصرف فيه بالإحياء فمن سبق إلى حفر البئر صار أحق بحريمه وليس كذلك الحفر
في الملك لأن ملك كل واحد منهما مستقر ثابت فجاز له أن يفعل فيه ما شاء.
ومن قرب إلى الوادي أحق بالماء المجتمع فيه من السيل ممن بعد عنه، وقضى رسول الله
ص أن الأقرب إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى
أول الساق، وللزرع إلى أن يبلغ إلى الشراك ثم يرسله إلى من يليه ثم هكذا يصنع الذي
يليه مع جاره.
265

ولو كان زرع الأسفل يهلك إلى أن يصل إليه الماء لم يجب على من فوقه أن يرسله إليه
حتى يكتفي ويأخذ منه القدر الذي ذكرناه.
266

إصباح الشيعة
كتاب إحياء الموات
فصل:
الموات من الأرض للإمام القائم مقام النبي ص خاصة لا يجوز
لأحد أن يتصرف فيه إلا باذنه ومن أحيا أرضا بإذن مالكها أو سبق إلى التحجير عليها
كان أحق بالتصرف فيها من غيره وليس للمالك أخذها منه إلا أن لا يقوم بعمارتها ولا
يقبل عليها ما يقبل غيره، ولا يجوز لأحد أن يغيرها حماه النبي ع من الكلأ لأن
فعله حجة يجب الاقتداء به كقوله وللإمام أيضا أن يحمي من الكلأ لنفسه ولخيل
المجاهدين ونعم الصدقة والجزية والضوال ما يكون في الفاضل عنه كفاية لمواشي المسلمين
ولا اعتراض لأحد عليه، ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئا من الشوارع والطرقات ورحاب
الجوامع إذ لا يملكها واحد بعينه والناس فيها مشتركون.
والماء المباح يملك بالحيازة سواء حازه في إناء أو ساقه إلى ملكه في نهر أو قناة أو
غلب بالزيادة فدخل إلى أرضه وهو أحق بماء البئر التي ملك التصرف فيها بالإحياء وإذا
كانت بالبادية فعليه بذل الفاضل عن حاجته لغيره لنفسه وماشيته ليتمكن من رعي
ما جاور البئر من الكلأ المشترك وليس عليه بذله لزرعه ولا بذل آلة الاستقاء ولمن
أحيا البئر من حريمها ما يحتاج إليه في الاستسقاء من آلة ومطرح الطين وروي: أن حد
ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا وما بين بئر الناضح إلى بين الناضح ستون
ذراعا وما بين بئر العين بئر العين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع وفي الرخوة ألف ذراع.
267

وعلى هذا لو أراد غيره حفر البئر إلى جانب بئره ليسترق منها الماء لم يكن له ذلك.
ولا يجوز له الحفر إلا أن يكون بينهما الحد المذكور فأما من حفر بئرا في داره أو في
أرض له مملوكة فإنه لا يجوز له منع جادة من حفر بئر أخرى في ملكه ولو كانت بئر بالوعة
تضربه، والفرق بينهما أنه الموات يملك التصرف فيه بالإحياء فمن سبق إلى حفر البئر صار
أحق بحريمه، وليس كذلك الحفر في الملك لأن ملك كل واحد منهما مستقر ثابت فجاز له أن
يعمل فيه ما شاء.
ومن قرب إلى الوادي أحق بالماء المجتمع فيه من السيل ممن بعد عنه وقضى
رسول الله ص: أن الأقرب إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ
في أرضه إلى أول الساق وللزرع إلى أن يبلغ إلى الشراك ثم يرسله إلى من يليه ثم هكذا
يصنع الذي يليه مع جاره، ولو كان ذرع الأسفل يهلك إلى أن يصل إليه الماء لم يجب على
من فوقه أن يرسله إليه حتى يكتفي ويأخذ منه قدر الزكاة.
268

السرائر
باب بيع المياه والمراعي وحريم الحقوق وأحكام الأرضين وغير ذلك:
إذا كان لإنسان شرب في قناة فاستغنى عنه جاز أن يبيعه بذهب أو فضة أو حنطة أو
شعير أو غير ذلك من الأعراض والسلع، وكذلك إن أخذ الماء من نهر عظيم في ساقية يعملها
ولزم عليها مؤونة ثم استغنى عن الماء جاز له بيعه. والمعنى في هذا وأمثاله أنه إن أريد نفس
الملك فلا خلاف ولا مسألة، وإنما المقصود والمراد في ذلك منفعة الشرب والساقية أياما
معلومة فسماه بيعا وإن كان إجازة، ولا مانع يمنع من تسمية ذلك بيعا في هذا الموضع
للإجماع عليه والأفضل في ذلك أن يعطيه لمن يحتاج إليه من غير بيع عليه وهذه هي النطاف
والأربعاء التي نهى النبي ص عنها.
قال محمد بن إدريس: النطاف جمع نطفة وهي الماء سواء كان كثيرا أو قليلا، وقد روي عن
أمير المؤمنين ع في حديث الخوارج: والله ما يعبرون هذه النطفة، يعني ع
النهر. والأربعاء ممدود جمع ربيع وهو النهر.
وقضى رسول الله ص في سيل وادي مهزور.
بالزاء أولا والراء ثانيا، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: مهزور السيل الموضع الذي يجتمع فيه
ماء السيل. وفي غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام: سيل مهزور وادي بني قريظة، وكذا
أورده ابن دريد في الجمهرة: مهزور بالميم المفتوحة والهاء المسكنة والزاي بعدها المضمومة والواو
المسكنة والراء غير المعجمة. وقال شيخنا محمد بن علي بن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه:
سمعت من أثق به من أهل المدينة أنه وادي مهزور ومسموعي من شيخنا محمد بن الحسن
269

رضي الله عنه أنه مهروز بتقديم الراء غير معجمة وذكر أنها كلمة فارسية وهو من هرز الماء، الهرز
بالفارسية الزائد على المقدار الذي يحتاج إليه، هذا آخر كلام ابن بابويه رحمه الله. فأما من يقول
مهرور برائين غير معجمتين على ما كنا نسمع ممن أدركناه من أصحابنا فذلك تصحيف
بلا ريب.
أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب وللزرع إلى الشراك ثم
يرسل الماء إلى من هو دونه، ثم كذلك يعمل من هو دونه مع من هو أدون منه.
قال ابن أبي عمير: المهزور موضع الوادي هكذا حكى شيخنا في نهايته، وقال في مبسوطه: روى
أصحابنا: أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل وللشجر إلى القدم وللزرع إلى الشراك.
ولا بأس أن يحمي الانسان الحمى من المرعى والكلأ إذا كان في أرضه وسقاه بمائه،
فأما غير ذلك فلا يجوز بيعه لأن الناس كلهم فيه شرع - بفتح الراء - سواء.
ومن باع نخيلا واستثنى منها نخلة معينة في وسطها جاز له الممر إليها والمخرج منها، وله
مدى جرائدها من الأرض على ما روي وحد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا
وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا وما بين العين إلى العين خمس مائة ذراع إذا
كانت الأرض صلبة، فإن كانت رخوة بكسر الراء فألف ذراع.
قال محمد بن إدريس: بئر المعطن هي البئر التي يستقى منها لسقي الإبل وأصل المعطن والعطن
مباركها حول المياه لتشرب، قال الشاعر: بين الحوض والعطن فأراد أن يكون في الأرض المباح
إذا حفر الانسان فيها بئرا ليسقي إبله فحسب وأراد غيره أن يحضر إلى جنبه بئرا أخرى ليسقي
أيضا إبله أن يكون بينه وبين بئره أربعون ذراعا لا أقل منها، فأما إن كانت البئر لسقي الزرع
يستقى منها باليد ولا يحتاج إلى الناضح لقلة ما يؤخذ منها وهذه يؤخذ منها ماء كثير يحتاج إليها
للزرع فيسقى عليها بالناضح، والطريق إذا تشاح عليه أهله في الأرض المباحة واختلفوا في سعته
سبع أذرع.
270

وإذا كان لإنسان رحى بأمر حق واجب على نهر والنهر لغيره وأراد صاحب النهر أن
يسوق الماء في نهر آخر إلى القرية لم يكن له ذلك إلا برضا صاحب الرحى وموافقته.
وقد ذكرنا أحكام الأرضين وأقسامها في كتاب الزكاة من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته.
ومن أحيا أرضا كان أملك بالتصرف فيها إذا كان ذلك بإذن الإمام ع لأن
هذه الأرض له، فإن كانت الأرض الميتة لها مالك معروف.
وهي مثل أرض خراسان وجميع الأراضي التي لم تؤخذ عنوة ولها مالك معروف ثم خربت فلا
تخرج بخرابها عن ملك صاحبها ولا تدخل في جملة الأرض الميتة التي هي لإمام المسلمين، فهذا
معنى لها مالك معروف.
كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض وليس للمالك انتزاعها من يده
ما دام هو راغبا فيها وإن لم يكن لها مالك وكانت للإمام وجب على من أحياها أن يؤدى إلى
الإمام طسقها، ولا يجوز للإمام انتزاعها من يده إلى غيره إلا أن لا يقوم بعمارتها كما يقوم
غيره أو لا يقبل عليها ما يقبله الغير،
على ما روي في بعض الأخبار، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته وهذه أخبار آحاد، ثم قال:
ومتى أراد المحيي لأرض من هذا الجنس الذي ذكرناه أن يبيع شيئا منها لم يكن له أن يبيع
رقبة الأرض وجاز له أن يبيع ماله من التصرف فيها، وكل هذه أخبار آحاد أوردها على
ما وجدها في كتابه النهاية والأولى عرضها على الأدلة فما صححته منها كان صحيحا وما لم
يصححه كان باطلا مردودا.
وروي: أنه إذا اشترى الانسان من غيره جربانا معلومة من الأرض ووزن الثمن ثم
مسح الأرض فنقص عن المقدار الذي اشتراه كان بالخيار بين أن يرد الأرض ويسترجع
الثمن بالكلية وبين أن يطالب برد ثمن ما نقص من الأرض، وإن كان للبائع أرض بجنب
تلك الأرض وجب عليه أن يوفيه تمام ما باعه إياه.
قال محمد بن إدريس: هذا خبر فيه نظر، أما قوله: وإن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض
271

وجب عليه أن يوفيه تمام ما باعه إياه، فغير واضح. لأن العقد وقع على شئ معين فانتقاله إلى
عين أخرى يحتاج إلى دليل. وأما قوله: كان بالخيار بين أن يرد الأرض ويسترجع الثمن بالكلية
وبين أن يطالب برد ثمن ما نقص، أما الخيار بين الرد والإمساك فله ذلك بغير خلاف، بل بقي
بأي شئ يرجع من الثمن إن لم يرد وأمسك الأرض فيه قول،
ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه قال: إذا قال: بعتك هذه الأرض على أنها مائة ذراع فكانت
تسعين فالمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه بجميع الثمن لأن العقد وقع عليه،
وإن كانت أكثر من مائة ذراع قيل فيه وجهان: أحدهما يكون البائع بالخيار بين الفسخ وبين
الإجازة بجميع الثمن وهو الأظهر. والثاني باطل لأنه لا يجبر على ذلك، وكذلك الثياب والخشب
وجميع ما لا يتساوى قيمة أجزائه وهو الذي لا مثل له بل يضمن بالقيمة فحكمه حكم الأرض في
البيع، وهو ما مضى ذكره من الزيادة والنقصان، فأما ما يتساوى قيمة أجزائه وهو الذي له مثل
ويضمن بالمثلية فإنه إذا اشترى صبرة طعام على أنها مائة كر فأصاب خمسين كرا كان المشتري
بالخيار إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء فسخ البيع، وإن وجدها أكثر من مائة كر أخذ
المائة بالثمن وترك الزيادة، ويخالف الأرض والثياب والخشب على ما تقدم. والفرق بين
المسألتين أن الثمن ينقسم هاهنا أعني فيما يتساوى أجزاؤه على أجزاء الطعام لتساوي قيمتها،
وليس كذلك الأرض والثياب والخشب فإن أجزاءها مختلفة القيمة فلا يمكن قسمة الثمن على
الأجزاء لأنه لا يعلم أن الناقص من الذراع لو وجدكم كانت تكون قيمته، فإذا كان كذلك
خير البائع في الزيادة بجميع الثمن وخير المشتري في النقصان بجميع الثمن، ولأجل هذا
الاعتبار لو باع ذراعا من خشب أو من دار أو ثوب ويكون الذراع غير معين من الثوب أو الدار أو
الخشبة لم يجز وكان البيع باطلا لأنه مجهول ولأن قيمته مختلفة، ولو باع قفيزا غير معين من صبرة
معينة لكان البيع صحيحا بلا خلاف فهذا جملة ما أورده ومعانيه وتفاصيله وخلاصته.
قال محمد بن إدريس: لا خلاف أن الخيار يثبت في هذه المسائل فيما وجده ناقصا مما لا مثل له
أو مما له مثل للمشتري خاصة لأن له غرضا في جميعه وأن يكون مكملا، فإذا وجده بخلاف
ذلك فله الخيار، فإن اختار الرد واسترجاع الثمن فلا كلام وله ذلك وإن اختار الإمساك فله
272

ذلك أيضا إلا أنه يمسك ما له مثل بما يخصه من الثمن المعقود عليه، وما ليس له مثل يمسكه
ويسقط من الثمن على قدر القيم بالحصة من الثمن لئلا يجتمع الثمن والمثمن جميعا مع المشتري
فليلحظ ذلك ويتأمل.
وأما إن كان زائدا فإن كان له مثل أخذ ما له ورد الباقي ولا خيار لواحد منهما لقوله تعالى: أوفوا
بالعقود، وإن كان لا مثل له فالمبتاع بالخيار، لأن له غرضا ألا يكون له في ذلك شريك فإن شاء
رد واسترجع الثمن أجمع وإن شاء أمسك المبيع وكان شريكا للبائع، وليس للبائع في فسخ البيع
خيار على حال لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، ولي في هذه المسألة الأخيرة نظر وتأمل.
وروي أنه كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد العسكري ع: رجل اشترى من
رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه، وفوقه بيت آخر هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت
الأسفل أم لا؟ فوقع ع: ليس له إلا ما اشتراه في سهمه وموضعه إن شاء الله.
وكتب أيضا إليه: رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها وفوقها بيوت ومسكن
آخر، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي
اشتراه أم لا؟ فوقع: ليس له من ذلك إلا الحق الذي اشتراه إن شاء الله.
وكتب أيضا في رجل قال لرجلين: اشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بجميع
حدودها كلها لفلان ابن فلان وجميع ماله في الدار من المتاع و البينة لا يعرف المتاع أي شئ
هو؟ فوقع ع: يصلح إذا أحاط المشتري بجميع ذلك إن شاء الله.
وكتب أيضا إليه: رجل كانت له قطاع أرضين في قرية وأشهد الشهود أنه قد باع هذه القرية
بجميع حدودها فهل يصلح ذلك أم لا؟ فوقع: لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من
البائع على ما يملك.
قال محمد بن إدريس: وقد قدمنا فيما مضى أنه من باع ملكه وملك غيره في صفقة واحدة مضى
البيع في ملكه وبطل في ملك الغير ويأخذه بحصته من الثمن وإن شاء المبتاع رد المبيع على البائع
فهو بالخيار في ذلك.
وروي عن الرسول ع رواه السكوني بإسناده أنه قال: من غرس شجرا أو حفر واديا لم
273

يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله تعالى ورسوله، وقد قدمنا أمثال ذلك
وما يعمل عليه.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن النزول على أهل الخراج فقال: ثلاثة أيام، روي
ذلك عن النبي ص.
وروى إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله ع عن السخرة في القرى وما يؤخذ
من العلوج والأكراد إذا نزلوا القرى قال: تشترط عليهم ذلك فما اشترطت عليهم من الدراهم
والسخرة وما سوى ذلك فيجوز لك، وليس لك أن تأخذ منهم شيئا حتى تشارطه، وإن كان
كالمستيقن أن من نزل تلك الأرض أو القرية أخذ منه ذلك.
قال محمد بن إدريس: هذا إذا كانت القرية ملكا للإنسان، فإن نزلوها بغير إذنه فله عليهم
أجرة المثل وإن نزلوها باذنه وإباحته فلا شئ له عليهم إلا أن يشارطهم ويؤجرهم ذلك بأجرة
مسماة أو يجعل عليهم جعلا. فأما السخرة - بالسين الغير معجمة المضمومة والخاء المعجمة
المسكنة والراء غير المعجمة المفتوحة والهاء - فهي من التسخير وهو تكليفه عملا بغير أجرة وفلان
سخرة يتسخر في العمل. يقال: جاد به سخرة، يعني تكلف العمل بلا أجرة.
قال: وسألته عن أرض الخراج اشترى الرجل منها أرضا فبنى فيها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل
الذمة نزلوها أ له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ فقال: يشارطهم فما أخذه
منهم بعد الشرط فهو حلال.
وروي: أنه كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد ع في رجل اشترى من رجل
أرضا بحدودها الأربعة فيها الزرع والنخل وغيرهما من الشجر ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا
الشجر في كتابه وذكر فيه أنه اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها أ يدخل النخل
والأشجار والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع ع: إذا ابتاع الأرض بحدودها وما
أغلق عليها بابه فله جميع ما فيها إن شاء الله. قوله ع في الجواب: وما أغلق عليها بابه،
يريد بذلك جميع حقوقها فالجواب مطابق للسؤال.
ولا يجوز أن يأخذ الانسان من طريق المسلمين شيئا ولو قدر شبر، ولا يجوز له أيضا بيعه
274

ولا شراء شئ يعلم أن فيه شيئا من الطريق، فإن اشترى دارا أو أرضا ثم علم بعد ذلك أنه
كان صاحبه قد أخذ شيئا من الطريق فيها لم يكن عليه شئ إذا لم يتميز له الطريق فإذا
تميز وجب عليه رده إليها وكان له الرجوع على البائع بالدرك أو فسخ البيع.
وروي: أنه إذا كان للإنسان في يده دار أو أرض ورثه عن أبيه عن جده غير أنه يعلم
أنها لم يكن ملكا لهم وإنما كانت ملكا للغير ولا يعرف المالك لم يجز له بيعها بل ينبغي أن
يتركها بحالها، فإن أراد بيعها فليبع تصرفه فيها ولا يبيع أصلها على حال.
قال محمد بن إدريس: يمكن أن يقال إنما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث والوجه في ذلك
وكيف يجوز له تركها في يده وبيع ما جاز له بيعه وهو يعلم أنه لم يكن لمورثه إن هذه الدار لم يحط
علمه بأنها غصب، وإنما قال في الحديث: لم يكن لمورثه ومن كان بيده شئ ولم يعلم لمن هو.
فسبيله سبيل اللقطة فبعد التعريف المشروع يملك التصرف فجاز أن يبيع ما له فيها وهو التصرف
الذي ذكره في الخبر دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتتحة عنوة. فهذا وجه في تأويل
هذا الحديث.
وبعد هذا كله فهذه كلها أخبار آحاد أوردها شيخنا في نهايته لئلا يشذ من الأخبار شئ على
ما اعتذر به رحمه الله في عدته، فأوردناها نحن في كتابنا هذا كما أوردها - والله أعلم - الكثير من
أصحاب الأخبار والحديث فإنهم يوردون ما سمعوا ويروون ما روي لهم وحدثوا.
والأرضون الموات التي لم يجر عليها ملك لأحد لإمام المسلمين خاصة لا يملكها أحد
بالإحياء إلا أن يأذن له الإمام، وأما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الاسلام
وكذلك المستأمن.
والناس في الحمى على ثلاثة أضرب: النبي ع والأئمة المعصومون من بعده
ع وآحاد المسلمين.
فأما النبي ع فكان له أن يحمي لنفسه ولعامة المسلمين لقوله ع:
لا حمى إلا لله ولرسوله.
وروي عنه ع أنه حمى النقيع - بالنون - لخيل المجاهدين ترعى فيه.
275

وأما آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم ولا لعامة المسلمين لقوله ع:
لا حمى إلا لله ولرسوله.
وأما الأئمة ع فإن حموا كان لهم ذلك لأن أفعالهم حجة عندنا.
فأما الذي يحمى له فإنه يحمى للخيل المعدة لسبيل الله ونعم الجزية والصدقة
والضوال.
وأما قدر ما يحميه فهو ما لا يعود بضرر على المسلمين أو يضيق مراعيهم لأن الإمام عندنا
لا يفعل إلا ما هو من مصالح المسلمين، فإذا ثبت هذا فإنه يحمي القدر الذي يفضل عنه
ما فيه كفاية لمواشي المسلمين، وإذا أذن واحد من الأئمة ع لغيره في إحياء ميت
فأحياه فإنه يملكه، فأما من يحييه بغير إذنه فإنه لا يملك به حسب ما قدمناه.
وأما ما به يكون الأحياء فلم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون، غير أنه
إذا قال النبي ع: من أحيا أرضا فهي له، ولم يوجد في اللغة معنى ذلك فالمرجع فيه
إلى العرف والعادة فما عرفه الناس إحياء في العادة كان إحياء وملك به الموات، كما أنه
لما قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، رجع في ذلك إلى العادة.
هذا مذهبنا، فأما المخالف لنا فله تفاصيل في الأحياء يطول شرحها.
فإذا أحياها وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا صلاح للأرض إلا بها، وإذا حفر بئرا أو
شق نهرا أو ساقية فإنه يملك حريمها.
وجملته إن ما لا بد منه في استقاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء فكربت الساقية
والنهر ويكون ذلك على حسب الحاجة قل أم كثر، وأما إن أراد أن يحفر بئرا في داره أو ملكه
وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا بقرب تلك البئر لم يمنع منه بلا خلاف في جميع ذلك وإن كان
ينقص بذلك ماء البئر الأولى لأن الناس مسلطون على أملاكهم.
والفرق بين الملك والموات أن الموات يملك بالإحياء فمن سبق إلى حفر البئر ملك
حريمه وصار أحق به وليس كذلك في الملك لأن ملك كل واحد منهما ثابت مستقر وللمالك
أن يفعل في ملكه ما شاء، وكذلك إذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب أرض فيها غراس لغيره
276

بحيث يلتف أغصان الغراسين وبحيث يلتقي عروقهما كان للأول منعه لما ذكرناه.
وإن حفر رجل بئرا في داره وأراد جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر لم
يمنع منه وإن أدى ذلك إلى تغير ماء البئر لأنه مسلط على التصرف في ملكه بلا خلاف.
وأما المعادن فعلى ضربين: ظاهرة وباطنة.
فالباطنة لها أحكام مذكورة في مواضعها.
وأما الظاهرة فهي الماء والقير والنفط والمومياء والكبريت والملح وما أشبه ذلك، فهذا
لا يملك بالإحياء ولا يصير أحد أولى به بالتحجر من غيره، وليس للسلطان أن يقطعه بل
الناس كلهم فيه سواء يأخذون منه قدر حاجتهم بل يجب عندنا فيه الخمس ما عدا الماء،
ولا خلاف في أن ذلك لا يملك، وليس للسلطان أن يقطع مشارع الماء بغير خلاف وكذلك
المعادن الظاهرة، فإذا ثبت أنها لا تملك، فمن سبق إليها أخذ قدر حاجته منها وانصرف،
فإن سبق إليه اثنان أقرع بينهما الإمام، وليس للسلطان أن يقطع الشوارع ورحاب الجوامع.
وأما المعادن الباطنة مثل الذهب والفضة والنحاس والرصاص وحجارة البرام
والفيروزج وغير ذلك مما يكون في بطون الأرض والجبال ولا يظهر إلا بالعمل فيها والمؤونة
عليها فهل يملك بالإحياء أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما: أنه يملك، وهو مذهبنا. والثاني:
لا يملك، وهو مذهب مخالفينا.
إذا أحيا أرضا من الموات فظهر فيها معدن ملكها بالإحياء، وملك المعدن الذي ظهر فيها
بلا خلاف لأن المعدن مخلوق خلقة الأرض فهو جزء من أجزائها، وكذلك إذا اشترى دارا
فظهر فيها معدن كان للمشتري دون البائع. فأما إذا وجد فيها كنز مدفونا كان له ويخرج
منه الخمس إذا بلغ مقدار ما يجب فيه الزكاة سواء كان من دفن الجاهلية أو دفن الاسلام،
وإن كان ذلك الكنز في أرض اشتراها فإن الكنز لا يدخل في البيع لأنه مودع فيه، ويجب
عليه تعريف البائع ذلك فإن عرفه سلمه إليه وإلا أخرج منه الخمس إذا بلغ مقدار عشرين
دينارا، على ما قدمناه.
الآبار على ثلاثة أضرب: ضرب يحفره في ملكه، وضرب يحفره في الموات ليملكها،
277

وضرب يحفره في الموات لا للتمليك.
فما يحفره في ملكه فإنما هو نقل ملكه من ملكه، لأنه ملك المحل قبل الحفر.
والثاني إذا حفر في الموات ليتملكها بالإحياء. فإذا ثبت هذا فالماء الذي يحصل في
هذين الضربين هل يملك أم لا؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما: أنه يملك.
والثاني: أنه
لا يملكه، لأنه لو ملكه لم يستبح بالإجارة وإنما قلنا: إنه مملوك، لأنه نماء ملكه مثل ثمرة
الشجرة وإنما يستباح بالإجارة بمجرى العادة، ولأنه لا ضرر على مالكه، لأنه يستخلف
في الحال بالنبع وما لا ضرر عليه فليس له منعه مثل الاستظلال بحائطه.
فإذا أراد بيع شئ منه وهو في البئر وشاهده المشتري جاز ذلك كيلا أو وزنا، ولا يجوز
أن يبيع جميع ما في البئر لأنه لا يمكن تسليمه لأنه ينبع ويزيد كلما استقي منه شئ فلا يمكن
تمييز المبيع من غيره.
وأما الضرب الثالث فهو إذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا بئرا ليشربوا ويسقوا
بهائمهم منها مدة مقامهم ولم يقصدوا التملك بالإحياء، فإنهم لا يملكونها. لأن المحيي إنما
يملك بالإحياء إذا قصد تملكه به، فإذا لم يقصد تملكه فإنه يكون أحق به مدة مقامه، فإذا
رحل فكل من سبق فهو أحق به مثل المعادن الظاهرة.
والكلام في المياه في فصلين: أحدهما في ملكهما، والآخر في السقي منها.
فالكلام في ملكهما فهو على ثلاثة أضرب: مباح ومملوك ومختلف فيه.
فالمباح: مثل ماء البحر والنهر الكبير مثل دجلة والفرات والنيل وجيحون وسيحان،
فأما سيحان فنهر بلخ، وأما جيحون وقيل: جيحان، فذكر في كتاب الكوفة أنه دجلة. وقال
الجوهري اللغوي في كتاب الصحاح: سيحان نهر بالشام وساحين نهر بالبصرة وسيحون نهر
بالهند وجيحون نهر بلخ وجيحان نهر بالشام.
فكل هذا مباح ولكل أحد أن يستعمل منه ما أراد ويأخذ كيف شاء.
وأما المملوك فكل ما حازه من الماء المباح في قربة أو جرة أو بركة أو مصنع فهذا كله
مملوك كسائر المائعات المملوكة الأدهان والألبان وغيرهما.
278

وأما المختلف فيه فكل ما نبع في ملكه وقد قلنا: إنه مملوك.
فأما السقي من الماء المباح كماء دجلة والفرات فإن الناس فيه شرع سواء لا يحتاج فيه
إلى ترتيب وتقديم وتأخير لكثرته، والثاني ماء مباح في نهر غير مملوك صغير يأخذ من النهر
الكبير ولا يسقي جميع الأراضي إذا سقيت في وقت واحد ويقع في التقديم والتأخير نزاع
وخصومة، فهذا يقدم فيه الأقرب فالأقرب إلى أول النهر الصغير.
وروى أصحابنا: أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل وللشجر إلى القدم وللزرع إلى
الشراك، فإذا ثبت هذا فالأقرب إلى الفوهة يسقى ويحبس الماء عمن دونه، فإذا بلغ الماء
الحد المحدود لما يسقيه أرسله إلى جاره، هكذا الأقرب فالأقرب. فإن كان زرع الأسفل
يهلك إلى أن ينتهي الماء إليه لم يجب على من فوقه إرساله إليه.
279

شرائع الاسلام
كتاب إحياء الموات
والنظر في أطراف أربعة:
الأول: في الأرضين:
وهي إما عامرة وإما موات.
فالعامرة ملك لمالكه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنه، وكذا ما به صلاح العامر
كالطريق والشرب والقناة، ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الاسلام وما كان من بلاد
الشرك، غير أن ما كان من بلاد الاسلام لا يغنم وما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه.
وأما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء
عليه أو لاستيجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع، فهو للإمام ع لا يملكه أحد
وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام، وإذنه شرط، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ولا
يملكه الكافر، ولو قيل: يملكه مع إذن الإمام ع، كان حسنا.
والأرض المفتوحة عنوة للمسلمين قاطبة لا يملك أحد رقبتها ولا يصح بيعها ولا
رهنها، ولو ماتت لم يصح إحياؤها لأن المالك لها معروف وهو المسلمون قاطبة وما كان
منها مواتا في وقت الفتح فهو للإمام ع، وكذا كل أرض لم يجر عليها ملك لمسلم.
وكل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعهد، وإن لم يكن لها مالك
معروف معين فهي للإمام ولا يجوز إحياؤها إلا باذنه، فلو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه لم
280

يملك، وإن كان الإمام ع غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فلو
تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، ومع ظهور الإمام ع يكون له رفع يده
عنها، وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقا للعامر ولا حريما
له.
ويشترط في التملك بالإحياء شروط خمسة:
الأول: ألا يكون عليها يد لمسلم فإن ذلك يمنع من مباشرة الأحياء لغير المتصرف.
الثاني: أن لا يكون حريما لعامر كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط،
وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع، وقيل: سبع أذرع،
فالثاني يتباعد هذا المقدار، وحريم الشرب بمقدار مطرح ترابه والمجاز على حافتيه،
ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي به له مع يمينه لأنه يدعي ما يشهد به
الظاهر وفيه تردد، وحريم البئر المعطن أربعون ذراعا وبئر الناضح ستون، والعين ألف
ذراع في الأرض الرخوة وفي الصلبة خمسمائة ذراع، وقيل: حد ذلك أن لا يضر الثاني
بالأول، والأول أشهر، وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه نظرا إلى إمساس
الحاجة إليه لو استهدم، وقيل: للدار مقدار مطرح ترابها ومصب مياهها ومسلك الدخول
والخروج. وكل ذلك إنما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات أما ما يعمل في الأملاك
المعورة فلا.
فرع: لو أحيا أرضا وغرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلى المباح أو تسري
عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤها، ولو حاول الأحياء كان للغارس منعه.
الشرط الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة كعرفة ومنى والمشعر، فإن
الشرع ذل على اختصاصها موطنا للعبادة فالتعرض لتملكها تقويت لتلك المصلحة،
أما لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدى إلى ضيقها عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع
منه.
الرابع: ألا يكون مما أقطعه إمام الأصل، ولو كان مواتا خاليا من تحجير كما أقطع
النبي ص الدور وأرضا بحضرموت وحضر فرس الزبير فإنه يفيد
281

اختصاصا مانعا من المزاحمة فلا يصح دفع هذا الاختصاص بالإحياء.
الخامس: ألا يسبق إليه سابق بالتحجر فإن التحجير يفيد الأولوية لا ملكا للرقبة،
وإن ملك به التصرف حتى لو هجم عليه من يروم الأحياء كان له منعه، ولو قاهره فأحياها
لم يملكه، والتحجير هو أن ينصب عليها المروز أو يحوطها بحائط، ولو اقتصر على
التحجير وأهمل العمارة أجبره الإمام على أحد الأمرين، إما الأحياء وإما التخلية بينها وبين
غيره، ولو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطلها، ولو بادر إليها من أحياها لم يصح
ما لم يرفع السلطان يده أو بإذن في الأحياء.
وللنبي ص: أن يحمي لنفسه ولغيره من المصالح كالحمى لنعم
الصدقة، وكذا عندنا لإمام الأصل، وليس لغيرهما من المسلمين أن يحمي لنفسه فلو
أحياه محي لم يملكه ما دام الحمى مستمرا، وما حماه النبي ص أو الإمام
ع لمصلحة فزالت جاز نقضه، وقيل: ما يحميه النبي ص
خاصة لا يجوز نقضه لأن حماه كالنص.
الطرف الثاني: في كيفية الأحياء:
والمرجع في إلى العرف لعدم التنصيص شرعا ولغة، وقد عرف أنه إذا قصد سكنى
أرض فأحاط ولو بخشب أو قصب أو سقف مما يمكن سكناه سمي إحياء، وكذا لو قصد
الحظيرة فاقتصر على الحائط من دون السقف وليس تعليق الباب شرط، ولو قصد
الزراعة كفى في تمليكها التحجير بمرز أو مسناة وسوق الماء إليها بساقية أو شابهها،
ولا يشترط حراثتها ولا زراعتها لأن ذلك انتفاع كالسكنى. ولو غرس أرضا فنبت فيها
الغرس وسابق إليها الماء تحقق الأحياء، وكذا لو كانت مستأجمة فعضد شجرها
وأصلحها، وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة وهيأها للعمارة، فإن العادة قاضية بتسمية
ذلك كله إحياء لأنه أخرجها بذلك إلى حد الانتفاع الذي هو ضد الموت، ومن فقهائنا
الآن من يسمى التحجير إحياء وهو بعيد.
282

الطرف الثالث: في المنافع المشتركة:
وهي الطرق والمساجد والوقوف المطلقة كالمدارس والمساكن.
أما الطرق: ففائدتها الاستطراق والناس فيها شرع، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره
إلا ما يفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضر بالمارة وإذا قام بطل حقه، ولو
عاد بعد أن سبق إلى مقعده لم يكن له الدفع، أما لو قام قبل استيفاء غرضه لحاجة ينوي
معها العود قيل: كان أحق بمكانه. ولو جلس للبيع أو الشراء فالوجه المنع إلا في
المواضع المتسعة كالرحاب نظرا إلى العادة، ولو كان كذلك فقام ورحله باق فهو أحق به،
ولو رفعه ناويا للعود فعاد قيل: كان أحق به لئلا يتفرق معاملوه فيستضر، وقيل: يبطل حقه
إذ لا سبب للاختصاص وهو أولى، وليس للسلطان أن يقطع ذلك كما لا يجوز إحياؤه
ولا تحجيره.
وأما المسجد فمن سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا، فلو قام مفارقا بطل
حقه ولو عاد، وإن قام ناويا للعود، فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به وإلا كان مع غيره
سواء، وقيل: إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة وما أشبهه لم يبطل حقه، ولو استبق
اثنان فتوافيا، فإن أمكن الاجتماع جاز وإن تعاسرا أقرع بينهما.
أما المدارس والربط: فمن سكن بيتا ممن له السكنى فهو أحق به وإن تطاولت
المدة ما لم يشترط الواقف أمدا فيلزمه الخروج عند انقضائه، ولو اشترط مع السكنى
التشاغل بالعلم فأهمل ألزم الخروج، فإن استمر على الشرط لم يجز إزعاجه وله أن يمنع
من يساكنه ما دام متصفا بما به يستحق السكنى، ولو فارق لعذر قيل: هو أولى عند
العود، وفيه تردد ولعل الأقرب سقوط الأولوية.
الطرف الرابع في المعادن الظاهرة:
وهي التي لا تفتقر إلى إظهار كالملح والنفط والقار لا تملك بالإحياء ولا يختص بها
الحجر، وفي جواز إقطاع السلطان المعادن والمياه تردد، وكذا في اختصاص المقطع
بها ومن سبق إليها فله أخذ حاجته، ولو تسابق اثنان فالسابق أولى، ولو توافيا وأمكن أن
283

يأخذ كل منهما بغيته فلا بحث وإلا أقرع بينهما مع التعاسر، وقيل يقسم وهو حسن، ومن
فقهائنا من يخص المعادن بالإمام ع فهي عنده من الأنفال، وعلى هذا لا يملك ما
ظهر منها وما بطن، ولو صح تملكها بالإحياء لزم من قوله اشتراط إذن الإمام وكل ذلك لم
يثبت، ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر فيها بئر وسيق إليها الماء صار
ملحا صح تملكها بالإحياء واختص بها المحج (جر، ولو أقطعها الإمام صح، والمعادن
الباطنة هي التي لا تظهر إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والنحاس فهي تملك بالإحياء
ويجوز للإمام إقطاعها قبل أن تملك، وحقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها، ولو حجرها وهو أن
يعمل فيها عملا لا يبلغ به نيلها كان أحق بها ولم يملكها، ولو أهمل أجبر على إتمام
العمل أو رفع يده عنها، ولو ذكر عذرا أنظره السلطان بقدر زواله ثم ألزمه أحد الأمرين.
فرع:
لو أحيا أرضا وظهر فيها معدن ملكه تبعا لها لأنه من أجزائها، وأما الماء فمن حفر بئرا
في ملكه أو مباح لتملكه فقد اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ الماء فقد ملك البئر والماء
ولم يجز لغيره التخطي إليه، ولو أخذه منه أعاده ويجوز بيعه كيلا ووزنا ولا يجوز بيعه
أجمع لتعذر تسليمه لاختلاطه بما يستخلف، ولو حفرها لا للتملك بل للانتفاع فهو أحق
بها مدة مقامه عليها، وقيل: يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته، وكذا قيل في
ماء العين والنهر، ولو قيل لا يجب كان حسنا، وإذا فارق فمن سبق إليها فهو أحق
بالانتفاع بها، وأما مياه العيون والآبار والغيوث فالناس فيها سواء ومن اغترف منها
شيئا بإناء أو حازه في حوضه أو مصنعه فقد ملكه.
وهنا مسائل:
الأولى: ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح قال الشيخ: لا يملكه الحافر كما
إذا جرى السيل إلى أرض مملوكة بل الحافر أولى بمائه من غيره لأن يده عليه، فإذا كان
فيه جماعة، فإن وسعهم أو تراضوا فيه فلا بحث، وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة
284

الضياع، ولو قيل: يقسم على قدر انصبائهم من النهر، كان حسنا.
الثانية: إذا استجد جماعة نهرا فبالحفر يصيرون أولى به، فإذا وصلوا منتزع
الماء ملكوه وكان بينهم على قدر النفقة على عمله.
الثالثة: إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعة بدء بالأول وهو
الذي يلي فوهته فأطلق إليه للزرع إلى الشراك وللشجر إلى القدم وللنخل إلى الساق ثم
يرسل إلى ما دونه، ولا يجب إرساله قبل ذلك ولو أدى إلى تلف الأخير.
الرابع: لو أحيا انسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي لم يشارك السابقين وقسم له
مما يفضل عن كفاءتهم وفيه تردد.
285

المختصر النافع
كتاب إحياء الموات:
والعامر ملك لأربابه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم. وكذا ما به صلاح العامر
كالطريق والشرب والمراح.
والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك أو ملك وباد أهله، فهو للإمام لا يجوز
إحياؤه إلا باذنه، ومع إذنه يملك بالإحياء. ولو كان الإمام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان
أحق به، ومع وجوده له رفع يده.
ويشترط في التملك بالإحياء: ألا يكون في يده مسلم. ولا حريما لعامر. ولا مشعرا
للعبادة كعرفة ومنى. ولا مقطعا ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب
عليها مرزابا. وأما الأحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.
ويلحق بهذا مسائل:
الأولى: الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة
أذرع.
الثانية: حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا. والناضح ستون ذراعا. والعين ألف ذراع.
وفي الصلبة خمسمائة.
الثالثة: من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل إليها والمخرج ومدى جرائدها.
286

الرابعة: إذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الأعلى للنخل إلى الكعب. وللزرع إلى
الشراك. ثم يسرحه إلى الذي يليه.
الخامسة: يجوز للإنسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة. وللإمام مطلقا.
السادسة: لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها إلا برضا
صاحبها.
السابعة: من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: أن كان ذلك فيما اشترى
فلا بأس. وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ. وأن تميز رده ورجع على البائع بالدرك،
والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان. وعلى تقدير الامتياز
يفسخ إن شاء ما لم يعلم.
الثامنة: من له نصيب في قناة أو نهر جاز له بيعه بما شاء.
التاسعة: روى إسحاق بن عمار عن العبد الصالح في رجل لم يزل في يده ويد آبائه
دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها. قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له،
ويجوز أن يبيع سكناه. والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي
النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير
المالك باذنه فللمحيي التصرف والأصل للمالك.
287

الجامع للشرائع
باب إحياء الموات:
روى السكوني بإسناده عن النبي ص: من غرس شجرا أو حفرا واديا
بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله، والموات ما لا ينتفع
به من الأرض لانقطاع الماء عنه أو غلبته عليه وشبه ذلك.
والأرض ضربان: عامرة وغامرة، فالعامر بدار الاسلام ودار الكفر وما لا بد له منه من
العامر كالطريق والشرب وشبه ذلك لمالكه، ويملك بالقهر عامر دار الكفر، والغامر في
دار الاسلام، فما جرى عليه ملك مسلم معين لم يملك بالإحياء وإن لم يكن معينا ملك
بالإحياء، وما كان منه بدار الشرك وله صاحب معين فكالعامر، وما لم يكن له رب معين فللإمام
ولا يملك بالإحياء، وما به تكون الأحياء ما لم يرد ببيانه الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض
وافتراق البيعين.
فإحياء الموات للدار أن يجعل عليها حائط من لبن أو آجر أو خشب بحسب العادة
وسقف، للحظيرة أن يحاط عليها حائط، وللزراعة أن يجعل عليها ما يميزها من غيرها
كتراب يجمع حولها أو قصب أو شوك ويرتب الماء عليها بساقية يحفرها من نهر أو قناة أو
بئر وللغراس بغرسه فيها، ويملكها من مرافقها كالطريق والشرب، ويصح إقطاع
الموات من الإمام وهو كالتحجر، فإذا أقطعها أو تحجرها ولم يتمها بالإحياء لعذر أجل وإلا
قيل له: إن أتممتها وإلا فخلها، والتحجر أن يشرع في الأحياء كحائط الدار، وليس لأحد أن
يدخل عليه وإن مات فوارثه أحق بها، فإن أحياها غيره أساء وملك وقيل لا يملك،
288

ولا يصح منه بيع ما تحجره لأنه لم يملكه.
وليس للإمام إقطاع المساجد ورحاب الجوامع والأسواق والطريق والمعادن الظاهر
كالقير والنفط والكبريت، لأن الناس في ذلك سواء ولا يصح إحياؤها، فإن جاء إلى المعدن
شخص أخذ حاجته فإن أقام لأخذ الزيادة فله منعه، فإن جاء اثنان واتسع لهما جاز، وإن
ضاق عليهما أقرع بينهما، وللإمام على مذهبنا أن يحمي لنفسه، ولنعم الجزية وللضوال
والجهاد والصدقة وما حماه رسول الله ص لا يستباح بعده وكذلك الإمام،
وليس لأحد المسلمين أن يحمي المرعى لأن الناس فيه سواء، وإنما يحمي الإمام ما لا يضر
بالمسلمين.
ولا يملك الذمي والمستأمن بالإحياء في دار الاسلام إلا بإذن الإمام، وإذا أحيا أرضا فظهر
فيها معدن أو اشترى دارا فظهر فيها، ملكه لأنه من أجزائها، وإن ظهر فيها كنز فقد بيناه في
اللقطة، وإذا كان في الساحل موضع إذا حفر غشيه الماء فظهر ملحه، ملك بالإحياء وجاز
إقطاعه.
ويجوز إقطاع المعادن الباطنة كالذهب والفضة ويملك بالإحياء، وصاحب المعدن إذا
أذن لغيره في عمله والإخراج منه للمالك فما أخرج منه فهو له، ولا أجرة له عليه، وقيل: له
الأجرة كالغسال إذا أعطي ثوبا وأمر بغسله من غير شرط أجرة، فإن شرط أجرة مما يخرج
منه كانت فاسدة ووجب أجرة المثل، وإن أذن له في الإخراج لنفسه فاسدة للجهالة وما
أخرج فللمالك ولا أجرة له لأنه عمل لنفسه.
وقد بينا حريم الآبار والعيون وقدر الطريق فيما مضى، ومن حفر بئرا في موات ليشرب
أو تشرب ماشيته ولم ينو التملك لم يملك، وإن نواه ملكها ومرافقها ويملك ببلوغ النيل، وكذا
المعدن فإن لم ينله فهو تحجر ليس بإحياء، وقيل: لا يملك الماء لأن المستأجر استباحه، والماء
لا يدخل في الإجارة فإن تخطى متخط فأخذ منه شيئا ملكه وأساء كما لو توحل الظبي في
أرضه فأخذه شخص أو عشش طائر في شجرته، ولو وثبت سمكة في سفينة فيها ملاحها
والراكب، فسبق أحدهما، وأخذها، ملكها.
وقيل الماء يستبيحه المستأجر لأن صاحبه لا يتضرر به كالاستظلال بجداره، ولا يصح
289

بيع الماء في البئر لأنه يختلط بما يأتي ويكره بيع ما فضل من الماء عن حاجته، ويستحب بذله
للمحتاج بلا عوض، وقيل: يجب بذله بلا عوض، وقيل: بالعوض، وإذا عمل جماعة في
معدن باطن فما حصل منه فبينهم على قدر نفقاتهم، ولا خلاف أن من أخذ ماء في جرة أو
كوز أو مصنع أو بركة لم يجب عليه بذله ولو فضل عن حاجته.
وأما البحر والأنهار الكبار كدجلة والفرات والعيون النابعة في موات السهل والجبل
مباحة، فإن زادت فدخلت ملك الغير لم يملكه كالثلج يسقط في أرضه، فإن حفر نهرا في
موات ووصل إلى أحد هذه ملكه وليس لأحد مزاحمته لأن النهر ملكه، فإن كانوا جماعة فلكل
منهم الانتفاع به على قدر الملك لأنه لأجله، فإن وسعهم الماء سقوا منه وإن ضاق وتراضوا
جاز، وإن تشاحوا قسمه الحاكم بخشبة محفرة بقدر حقوقهم.
وإذا باع دارا فيها بئر لم يدخل الماء في البيع إلا أن يشترطه وقيل: يدخل بيعا كاللبن
في الضرع في بيع اللبون، وهو قوي، وأما الأملاك: فإذا حفر الجار بئرا جاز لجاره أن يحفر في
ملكه بئرا وأن تلاصقتا أو كنيفا أو ما شاء، ومن له نهر في أرض غيره فليس له حريمه إلا
ببينة على قول المساواة الحريم الأرض في الصورة والمنفعة، وقيل: له الحريم، لأنه لا ينتفع
بالنهر إلا به يمشي عليه ويلقى عليه طينه، وإذا كان النهر لجماعة كروه كلهم من فمه إلى أن
يجاوز الأول ثم كرى الباقون دونه إلى الثاني ثم يكري الباقون دونه على هذا.
290

قواعد الأحكام
المقصد الثالث: في إحياء الموات:
المشتركات أربعة ينظمها أربعة فصول:
الأول: الأراضي:
والميت منها يملك بالإحياء ونعني بالميت ما خلا عن الاختصاص ولا ينتفع به
إما لعطلته لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستيجامه أو لغير ذلك، وهو
للإمام خاصة لا يملكه الآخذ وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام فيملكه إن كان مسلما
بالإحياء وإلا فلا، وأسباب الاختصاص ستة.
الأول: العمارة: فلا يملك معمور بل هو لمالكه، وإن اندرست العمارة فإنها
ملك لمعين أو للمسلمين إلا أن تكون عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في يد
المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها بالإحياء، ولا فرق في ذلك بين الدارين
إلا أن معمور دار الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم، ومواتها التي لا يذب
المسلمون عنها فإنها تملك بالإحياء للمسلمين، والكفار بخلاف موات الاسلام فإن
الكافر لا يملكها بالإحياء، ولو استولى طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ففي
اختصاصهم بها من دون الأحياء نظرا ينشأ من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس
بمملوك.
وكل أرض لم يجر عليها ملك لمسلم فهي للإمام وما جرى عليها ملك مسلم
291

فهي له وبعده لورثته، وإن لم يكن لها مالك معين فهي للإمام ولا يجوز إحياؤها
إلا باذنه، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم
يملكها، فإن كان غائبا كان أحق بها
ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق
وللإمام بعد ظهوره رفع يده، وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم
يكن مرفقا للعامر ولا حريما.
الثاني: وكل أرض عليها يد مسلم لا يصح إحياؤها لغير المتصرف.
الثالث: حريم العمارة: فإذا قرر البلد بالصلح لأربابه لم يصح إحياء ما
حواليه من الموات من مجتمع النادي ومرتكض الخيل ومناخ الإبل ومطرح القمامة
وملقى التراب ومرعى الماشية وما يعد من حدود مرافقهم، وكذا سائر القرى
للمسلمين والطريق والشرب وحريم البئر والعين، ويجوز إحياء ما قرب من العامر
مما لا يتعلق به مصلحته.
وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع وقيل
سبع فيتباعد المقابل ذلك، وحريم الشرب مقدار مطرح ترابه والمجاز على طرفيه، ولو
كان النهر في ملك الغير فتداعيا الحريم قضي له مع يمينه على إشكال، وحريم بئر
المعطن أربعون ذراعا والناصح ستون والعين ألف في الرخوة وخمسمائة في الصلبة،
وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه لو استهدم، وللدار مطرح ترابها ومصب
الميزاب والثلج والممر في صوب الباب هذا في الموات.
ولا حريم في الأملاك لتعارضها. ولكل واحد أن يتصرف في ملكه كيف
شاء، ولو تضرر صاحبه فلا ضمان، فلو جعل ملكه بيت حداد أو قصار أو حمام
على خلاف العادة فلا منع، ولو غرس في أرض أحياها ما يبرز أغصانه أو عروقه إلى
المباح لم يكن لغيره إحياؤه وللغارس منعه وإن كان في مبدأ الغرس.
الرابع: أن لا يكون مشعرا للعبادة كعرفة ومنى وجمع وإن كان يسيرا
لا يمنع المتعبدين.
292

الخامس: التحجير وهو بنصب المروز أو التحويط بحائط أو بحفر ساقية محيطة
أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار، ولا يفيد ملكا فإن الملك يحصل بالإحياء لا
بالشروع فيه والتحجير شروع في الأحياء بل يفيد اختصاصا بل أولوية، فإن نقله إلى
غيره صار أحق به وكذا لو مات فوارثه أحق به، فإن باعه لم يصح بيعه على
إشكال، ويملك به التصرف فله منع من يروم إحياءه فإن قهره فأحياها لم يملك، ثم
المحجر إن أهمل العمارة أجبره الإمام على الأحياء أو التخلية عنها فإن امتنع أخرجها
السلطان من يده، فإن بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع الإمام يده أو يأذن في
الأحياء.
السادس: إقطاع الإمام: وهو متبع في الموات فلا يجوز إحياؤه وإن كان
مواتا خاليا من التحجير، كما أقطع النبي ع بلال بن الحارث العقيق فلما
ولى عمر قال له: ما أقطعته فاقطعه الناس وأقطع أرضا بحضرموت، وأقطع
الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه، وهو يفيد الاختصاص.
وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال، وفي حكم
الإقطاع الحمى وهو منع الإمام الناس عن رعي كلأ ما حماه في الأرض المباحة
ليختص به دونهم، كما حمى النبي ع النقيع، وللإمام أن يحمي لنفسه
ولنعم الصدقة والضوال وليس لغيره ذلك، ولا يجوز نقض ما حماه الإمام ولا
تغيره. ومن أحيا منه شيئا لم يملكه ما دام الحمى مستمرا، فإن كان الحمى لمصلحة
فزالت فالوجه جواز الأحياء.
الفصل الثاني: المنافع:
وهي الطرق والمساجد والوقوف المطلقة كالمدارس والربط والمشاهد.
وفائدة الطرق الاستطراق والجلوس غير المضر بالمارة، فإن قام بطل حقه وإن
كان بنية العود قبل استيفاء غرضه فليس له دفع السابق إلى مكانه، ولو جلس
293

للبيع والشراء في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز للعادة، فإن قام ورحله باق فهو
أحق به، فإن رفعه بنية العود فالأقرب بطلان حقه وإن استضر بتفريق معامليه،
ولو ضاق على المارة أو استضر به بعضهم منع من الجلوس، وليس للسلطان إقطاع
ذلك ولا إحياؤه ولا تحجيره، وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية
وثوب، وليس له بناء دكة ولو استبق اثنان فالأقرب القرعة.
وأما المسجد فمن سبق إلى مكان فهو أحق به فإذا قام بطل حقه، وإن قام
لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو نوى العود إلا أن يكون رحله باقيا فيه، ولو استبق
اثنان ولم يمكن الاجتماع أقرع، ولا فرق بين أن يعتاد جلوس موضع منه لقراءة
القرآن ولتدريس العلم أولا.
وأما المدارس والربط فمن سكن بيتا ممن له السكنى لم يجز إزعاجه وإن
طال زمانه ما لم يشرط الواقف مدة معينة فيلزم بالخروج عند انقضائها، ولو شرط على
الساكن التشاغل بالعلم أو قراءة القرآن أو تدريسه فأهمله أخرج، وله أن يمنع من
المشاركة في السكنى ما دام على الصفة فإن فارق لعذر أو غيره بطل اختصاصه. وهل
يصير أو لي ببقاء رحله؟ إشكال.
الفصل الثالث: المعادن:
وهي قسمان: ظاهرة وباطنة، أما الظاهرة وهي التي لا يفتقر في الوصلة
إليها إلى مؤنة كالملح والنفط والكبريت والقار والمومياء والكحل و البرام
والياقوت، فهذه للإمام يختص بها عند بعض علمائنا والأقرب اشتراك المسلمين
فيها، فحينئذ لا يملك بالإحياء ولا يختص بها المحجر ولا يجوز إقطاعها ولا يختص
المقطع بها، والسابق إلى موضع منه لا يزعج قبل قضاء وطره، فإن تسابق اثنان
أقرع مع تعذر الجمع ويحتمل القسمة وتقديم الأحوج، ولو كان إلى جنب المملحة
أرض موات فحفر فيها بئرا وساق الماء إليها فصار ملحا صح ملكها ولم يكن لغيره
294

المشاركة، ولو أقطع الإمام هذه الأرض جاز.
وأما الباطنة فهي التي تظهر بالعمل كالذهب والفضة والحديد والنحاس
والرصاص والبلور والفيروز ج فقيل أنها للإمام أيضا خاصة والأقرب
عدم الاختصاص، فإن كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء أيضا وإن لم يكن ظاهرة
فحفرها انسان وأظهرها أحياها، فإن كانت في ملكه ملكها وكذا في الموات، ولو
لم يبلغ بالحفر إلى النيل فهو تحجير لا إحياء وتصير حينئذ أخص ولا يملكها بذلك،
فإن أهمل أجبر على إتمام العمل أو الترك وينظره السلطان إلى زوال عذره ثم يلزمه
أحد الأمرين، ويجوز للإمام إقطاعها قبل التحجير والأحياء ولا يقتصر ملك المحيي
على محل النيل بل الحفر التي حواليه وتليق بحريمه ويملكها أيضا.
ولو أحيا أرضا ميتة فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها ظاهرا كان أو باطنا
بخلاف ما لو كان ظاهرا قبل إحيائها، ولو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من
الحفر من ناحية أخرى، فإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه لأنه يملك المكان
الذي حفره وحريمه، ولو حفر كافر أرضا فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون ففي
صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال، ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره فالحاصل
للمالك ولا أجرة للغاصب ولو أباحه كان الخارج له، ولو قال له: اعمل ولك
نصف الخارج، بطل لجهالة العوض إجارة وجعالة فالحاصل للمالك وعليه الأجرة.
الفصل الرابع: في المياه:
وأقسامها سبعة:
الأول: المحرز في الآنية أو الحوض أو المصنع وهو مملوك لمن أحرزه وإن
أخذ من المباح ويصح بيعه.
الثاني: البئر إن حفرت في ملك أو مباح للتملك اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ
الماء ملكه ولا يحل لغيره الأخذ منه إلا باذنه، ويجوز بيعه كيلا ووزنا ولا يجوز
295

بيعه أجمع لتعذر تسليمه، والبئر العادية إذا طمت وذهب ماؤها فاستخرجه انسان
ملكها، ولو حفر في المباح لا للتملك بل للانتفاع فهو أحق به مدة مقامه عليها،
وقيل: يجب بذلك الفاضل من مائها عن قدر حاجته، وفيه نظر، فإذا فارق فمن
سبق فهو أحق بالانتفاع ولا يختص بها أحد، ولو حفرها جماعة ملكوها على نسبة
الخرج، وإذا حفر بئرا في ملكه لم يكن له منع جاره من حفر أعمق في ملكه وإن
كان يسري الماء إليها، والملك في القناة المشتركة بحسب الاشتراك في العمل أو
الخرج.
الثالث: مياه العيون والغيوث والآبار في الأرض المباحة لا للتملك شرع
لا يختص بها أحد، فمن انتزع عنها شيئا في إناء وشبهه ملكه ويقدم السابق مع تعذر
الجمع، فإن اتفقا أقرع.
الرابع: مياه الأنهار الكبار كالفرات ودجلة والناس فيها شرع.
الخامس: الأنهار الصغار غير المملوكة يزدحم الناس فيها ويتشاحون في مائها أو
في مسيل يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه، ولا يفي لسقي ما عليه دفعة فإنه يبدأ
بالأول، وهو الذي يلي فوهته ويحبس على من دونه حتى ينتهي سقيه للزرع إلى
الشراك وللشجر إلى القدم وللنخل إلى الساق ثم يرسل إلى من دونه ولا يجب
الإرسال قبل ذلك، وإن تلف الأخير فإن لم يفضل عن الأول شئ أو عن الثاني
فلا شئ للباقين.
ولو كانت أرض الأعلى مختلفة في العلو والهبوط سقى كلا على حدته، ولو
تساوى اثنان في القرب من الرأس قسم بينهما فإن تعذر أقرع، فإن لم يفضل عن
أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ثم يتركه للآخر، وليس له السقي بجميع
الماء لمساواة الآخر له في الاستحقاق، والقرعة تفيد التقديم بخلاف الأعلى مع
الأسفل، ولو كانت أرض أحدهما أكثر قسم على قدرها لأن الزائد مساو في
القرب.
296

ولو أحيا انسان أرضا على هذا النهر لم يشارك السابقين بل يقسم له ما يفضل
عن كفايتهم، وإن كان الأحياء في رأس النهر وليس لهم منعه من الأحياء، ولو
سبق انسان إلى الأحياء في أسفله ثم أحيا آخر فوقه ثم ثالث فوق الثاني قدم الأسفل
في السقي لتقديمه في الأحياء ثم الثاني ثم الثالث.
السادس: الجاري من نهر مملوك ينزع من المباح، بأن يحفر انسان نهرا في مباح
يتصل بنهر كبير مباح فما لم يصل الحفر إلى الماء لا يملكه وإنما هو تحجير وشروع في
الأحياء، فإذا وصل فقد ملك بالإحياء وسواء أجرى فيه الماء أو لا لأن الأحياء
التهيئة للانتفاع، فإن كان لجماعة فهو بينهم على قدر عملهم أو النفقة عليه ويملكون
الماء الجاري فيه على رأي، فإن وسعهم أو تراضوا وإلا قسم على قدر الأنصباء،
فتجعل خشبة صلبة ذات ثقب متساوية على قدر حقوقهم في مصدم الماء ثم يخرج
من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد، فلو كان لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه
وللثالث سدسه، جعل لصاحب النصف ثلاث ثقب تصب في ساقية ولصاحب
الثلث ثقبتان تصبان في أخرى ولصاحب السدس ثقب، ويصح المهاياة وليست
لازمة.
وإذا حصل نصيب الانسان في ساقية سقى به ما شاء سواء كان له شرب من
هذا النهر أو لا، وكذا البحث في الدولاب له أن يسقي بنصيبه ما شاء، ولكل واحد
أن يتصرف في ساقيته المختصة به بمهما شاء من إجراء غير هذا الماء أو عمل رحى أو
دولاب أو عبارة وغير ذلك وليس له ذلك في المشترك، ولو فاض ماء هذا النهر
إلى ملك انسان فهو مباح كالطائر تعشش في ملك انسان.
السابع: النهر المملوك الجاري من ماء مملوك بأن يشترك جماعة في استنباط
عين وإجرائها فهو ملك لهم على حسب النفقة والعمل، ويجوز لكل واحد الشرب
من الماء المملوك في الساقية والوضوء والغسل وغسل الثوب ما لم يعلم كراهية، ولا
يحرم على صاحبه المنع ولا يجب عليه بذل الفاضل ولا يحرم عليه البيع لكنه يكره،
297

ولو احتاج النهر إلى حفر أو إصلاح أو سد بثق فهو عليهم على حسب ملكهم
فيشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الأدنى من أوله ثم لا شئ عليه، ويشترك الباقون
إلى أن يصلوا إلى الثاني وهكذا ويحتمل التشريك.
تتمة:
المرجع في الأحياء إلى العرف فقاصد السكنى يحصل إحياؤه بالتحويط ولو
بخشب أو قصب والسقف والحظيرة يكفيه الحائط، ولا يشترط تعليق الباب
والزراعة بالتحجر بساقية أو مسناة أو مرز وسوق الماء، ولا يشترط الحرث ولا
الزرع لأنه انتفاع كالسكنى والغرس به وسوق الماء إليه، ولو كانت مستأجمة فعضد
شجرها أو قطع المياه الغالبة وهيأها للعمارة فقد أحياها، ولو نزل منزلا فنصب فيه
خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء وكذا لو أحاط بشوك وشبهه، ولا يفتقر في
الأحياء إلى إذن الإمام ولا الاسلام إلا في أرض المسلمين، وإحياء المعادن بلوع
نيلها.
298

اللمعة الدمشقية
كتاب إحياء الموات
وهو ما لا ينتفع به لعطلته أو لاستئجامه أو لعدم الماء عنه يتملكه من أحياه مع غيبة
الإمام وإلا افتقر إلى إذنه.
ولا يجوز إحياء العامر وتوابعه كالطريق والشرب ولا المفتوحة عنوة إذ عامرها
للمسلمين وخرابها للإمام، وكذا كل ما لم يجر عليه ملك لمسلم ولو جرى عليه ملك مسلم
فهو له ولوارثه بعده، ولا ينتقل عنه بصيرورته مواتا.
وكل أرض أسلم عليها أهلها طوعا فهي لهم وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع
الشرائط.
وكل أرض ترك أهلها عمارتها فالمحيي أحق بها وعليه طسقها لأربابها.
وأرض الصلح التي بأيدي أهل الذمة لهم وعليهم الجزية، ويصرف الإمام حاصل
الأرض المفتوحة عنوة في مصالح المسلمين، ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها ولا نقلها
وقيل: يجوز تبعا لآثار المتصرف.
وشروط الأحياء المتملك ستة: انتفاء يد الغير وانتفاء ملك سابق وانتفاء كونه حريما
لعامر وكونه مشعرا لعبادة أو مقطعا أو محجرا. وحريم العين ألف ذراع في الرخوة
وخمسمائة في الصلبة، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا والمعطن أربعون ذراعا، وحريم
الحائط مطرح آلاته، والدار مطرح ترابها وثلوجها ومسلك الدخول والخروج في صوب
الباب.
والمرجع في الأحياء إلى العرف كعضد الشجر وقطع المياه الغالبة والتحجير بحائط أو
299

مرز أو مسناة، وسوق الماء أو اعتياد الغيث لمن أراد الزرع والغرس، وكالحائط لمن أراد
الحظيرة، ومع السقف إن أراد البيت.
القول في المشتركات:
فمنها المسجد فمن سبق إلى مكان فهو أولى به، فلو فارق بطل حقه إلا أن يكون
رحله باقيا وينوي العود، ولو استبق اثنان ولم يكن الجمع أقرع.
ومنها المدرسة والرباط فمن سكن بيتا ممن له السكنى فهو أحق به وإن تطاولت
المدة إلا مع مخالفة شرط الواقف وله أن يمنع من يشاركه، ولو فارق لغير عذر بطل حقه.
ومنها الطرق وفائدتها الاستطراق والناس فيها شرع ويمنع من الانتفاع بها في غير
ذلك مما يفوت به منفعة المارة، فلا يجوز الجلوس للبيع والشراء إلا مع السعة حيث لا
ضرر، فإذا فارق بطل حقه.
ومنها المياه المباحة فمن سبق إلى اغتراف شئ منها فهو أولى به وتملكه مع نية
التملك، ومن أجرى فيها نهرا ملك الماء المجرى فيه، ومن أجرى عينا فكذلك وكذا من
احتقن شيئا من مياه الغيث أو السيل، ومن حفر بئرا ملك الماء بوصوله إليه ولو كان
قصده الانتفاع والمفارقة فهو أولى به ما دام نازلا عليه.
ومنها المعادن فالظاهر لا يملك بالإحياء، ولا يقطعها السلطان، ومن سبق إليها فله
أخذ حاجته فإن توافيا وأمكن القسمة وجب وإلا أقرع، والباطنة تملك ببلوغ نيلها.
300

كتاب الشفعة
301

فقه الرضا
باب الشفعة:
واعلم أن الشفعة واجبة في الشركة المشاعة وفي المجاز المقسوم وفي المجاورة
والشرب الجامع وفي الأرحية وفي الحمامات، ولا شفعة ليهودي ولا نصراني ولا مخالف، ولا
شفعة في سفينة ولا طريق يجمع المسلمين ولا حيوان، ولا ضرر في شفعة ولا ضرار، والشفعة
على البائع والمشتري ليس للبائع أن يبيع أو يعرض على شريكه أو مجاورة ولا للمشتري
أن يمتنع إذا طولب بالشفعة.
وروي أن الشفعة واجبة في كل شئ من الحيوان والعقار والرقيق إذا كان الشئ بين
شريكين فباع أحدهما فالشريك أحق به من الغريب، وإذا كان الشركاء أكثر من اثنين
فلا شفعة لواحد منهم وإنما يجب للشريك إذا باع شريكه أن يعرض عليه فإن لم يفعل بطلت
الشفعة متى ما سأل، لا أن يتجافى عنه أو يقول: بارك الله لك فيما اشتريت أو بعت أو يطلب
منه مقاسمة وروي أنه ليس في الطريق شفعة ولا في النهر ولا في الرحى ولا في حمام ولا في
ثوب ولا في شئ مقسوم، فإذا كانت دارا فيها دور وطريق أبوابها في عرصة واحدة فباع
رجل دارا منها من رجل كان لصاحب الدار الأخرى شفعة إذا لم يتهيأ له أن يحول باب
الدار التي اشتراها إلى موضع آخر فإن حول بابها فلا شفعة لأحد عليه، وإنما يجب عليه
الشفعة لشريك غير مقاسم فإذا عرف حصة الرجل من حصة الشريك فلا شفعة لواحد
منهما، وبالله التوفيق.
303

المقنع
باب الشفعة
اعلم أنه لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم. ولا شفعة في سفينة ولا طريق ولا حمام
ولا نهر ولا رحى ولا ثوب ولا شئ مقسوم. وهي في كل شئ واجبة: من حيوان وأرض
ورقيق وعقار. فإذا كان الشئ بين شريكين فباع أحدهما، فالشريك أحق به من الغريب.
وإن كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم. وإذا كانت دار فيها دور وطريق
أربابها في عرصة واحدة، فباع أحدهم دارا منها من رجل فطلب صاحب الدار الأخرى
الشفعة. فإن له عليه الشفعة إذا لم يتهيأ له أن يحول باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر.
فإن حول بابها فلا شفعة لأحد عليه.
واعلم أن الشفعة لا تجب إلا لشريك غير مقاسم. وروي إذا رفت الآرفة وعرفت
الحدود فلا شفعة. ووصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له بالشفعة وللغائب شفعة.
304

الهداية بالخير
باب الشفعة
والشفعة واجبة، ولا تجب إلا في مشاع، فإذا عرفت حصة الرجل من حصة
شريكه، فلا شفعة لواحد منهما.
وقال على ابن أبي طالب ع: الشفعة على عدد الرجال. وقال: وصي
اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة. وللغائب الشفعة ولا شفعة في سفينة ولا نهر، ولا
في حمام، ولا في رحى ولا في طريق ولا في شئ مقسوم. ومن حكم في درهمين بغير ما
أنزل الله فهو كافر.
305

المقنع
باب الشفعة:
والشفعة واجبة في كل مشاع إذا كان مشتركا بين اثنين، فإن كانت الشركة فيه بين
ثلاثة نفر وأكثر فلا شفعة لواحد منهم، وإذا تحيزت الأملاك بالحدود لم يكن فيها شفعة،
وليس لكافر على مسلم شفعة.
ومتى باع انسان شيئا له فيه شريك على أجنبي والشريك حاضر فأمضى البيع و
بارك للمبتاع بطلت شفعته، وإن طالب بالمبيع كان أحق به بمثل ما نقده الأجنبي فيه من
غير زيادة ولا نقصان، فإن كان الشريك طفلا أو مؤوفا كان لوليه المطالبة عنه بالشفعة،
فإن أهمل ذلك كان للطفل عند بلوغه المطالبة بالشفعة وللمؤوف بحكم الحاكم ذلك له،
وإذا عجز الشريك عن تصحيح الثمن لم يكن له شفعة وكذلك إن أخره ودافع به
فلا شفعة له، وإذا مات صاحب الشفعة كان لورثته القيام مقامه فيها.
ولا شفعة في الهبة والصدقة، ولو قال انسان لشريك له في ملك: ثمن هذا الشقص
كذا فإن اخترته فخذه به، فامتنع عليه منه وابتاعه أجنبي بذلك فقبض منه البائع بعض
الثمن ووهب له البعض الآخر لم يكن للشريك المطالبة فيه، ولو عقد البيع على الأجنبي
بدون ما عرضه على الشريك لكان للشريك الشفعة على المبتاع وقبضه منه بمثل ما نقده
فيه، وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في الثمن فالقول قول المبتاع مع يمينه، وإذا وهب
صاحب الشقص بعضه لأجنبي ثم باعه بعد والهبة باقية بطلت فيه الشفعة.
ومن أمهر امرأة شقصا من ملك له لم يكن للشريك فيه شفعة على المرأة ولا على
306

غيرها لأن المهر ليس بثمن بمبيع ولا عقدته عقدة ابتياع، وإذا باع الانسان شقصا بعبد
أو أمة كان لشريكه الشفعة على المبتاع بقيمة العبد أو الأمة، وكذلك الحكم في جميع
العروض والضياع إذا كانت متفرقة بالحدود وشربها واحد وجبت الشفعة به، وكذلك
الدور إذا افترقت وكان الطريق إليها واحدا كانت الشفعة فيها بالطريق ما لم يكثر
الشركاء ويزيدوا على اثنين حسب ما ذكرناه، والشفعة للشريك على المبتاع دون البائع
ويكتب عليه الدرك ويكون للمبتاع الدرك على البائع.
وإذا باع انسان شقصا إلى أجل كان الشفيع أحق به إلى الأجل إن كان مليا، وإن
كان الشفيع غير ملي بالثمن فلا شفعة له إلا أن يقيم للمبتاع ثقة يضمن له المال في
الأجل، وإن عجل المال قبل الأجل كان المبتاع بالخيار في قبضه وتأخيره على الضمان
له إلى الأجل.
307

الانتصار
كتاب الشفعة
مسألة:
وما انفردت به الإمامية: إثباتهم حق الشفعة في كل شئ من المبيعات من عقار وضيعة
ومتاع وعروض وحيوان إن كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لا يحتملها، وخالف باقي
الفقهاء في ذلك وأجمعوا على أنها لا تجب إلا في العقارات والأرضين دون العروض والأمتعة
والحيوان، وقد روي عن مالك خاصة أنه قال: إذا كان طعام أو بر بين شريكين فباع أحدهما
حقه أن لشريكه الشفعة، ثم اختلف أبو حنيفة والشافعي فقال أبو حنيفة تجب الشفعة فيما
يحتمل القسمة، ولا ضرر في قسمته وفيما لا يحتملها، وأسقط الشافعي الشفعة عما لا يحتمل
القسمة ويلحق الضرر بقسمته.
دليلنا على صحة مذهبنا إجماع الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون فيه، ويمكن أن
يعارض المخالفون في هذه المسألة بكل خبر ورد عن الرسول ص في إيجاب
الشفعة مطلقا كروايتهم عنه ع أنه قال: الشفعة فيما لم يقسم.
وأيضا ما رووه عنه ص من قوله: الشفعة في كل شئ والأخبار في ذلك كثيرة
جدا، ومما يمكن أن يعارضوا به أن الشفعة عندكم إنما وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع، وهذا
المعنى موجود في جميع المبيعات من الأمتعة والحيوان، فإذا قالوا: حق الشفعة إنما يجب خوفا
من الضرر على طريق الدوام، وهذا المعنى لا يثبت إلا في الأرضين والعقارات دون العروض،
قلنا: في الأمتعة ما يبقى على وجه الدهر مثل بقاء العراص والأرضين كالياقوت وما أشبهه
308

من الحجارة والحديد فيدوم الاستضرار بالشركة فيه وأنتم لا توجبون فيه الشفعة.
وبعد فإن إزالة الضرر الدائم أو المنقطع واجبة في العقل والشرع، وليس وجوب
إزالتها مختصا بالمستمر دون المنقطع، فلو كان التأذي بالشركة في العروض منقطعا على ما
ادعيتم لكانت إزالته واجبة على كل حال، فأما علة الشافعي في وجوب الشفعة بما على
الشريك من الضرر بأجرة القاسم متى طلب القسمة فينتقض بالعروض، لأن هذا المعنى
ثابت فيهما وربما ضم إلى هذه العلة أن القسمة تؤدي إلى الضرر من حيث يحتاج الشريك أن
يحدث ميزابا في حصته ثانيا بعد إن كان واحدا. وكذلك البالوعة وما أشبههما وهذا ليس
بشئ، لأن الشفعة قد تجب فيما لا يحتاج فيه إلى شئ من ذلك كالعراص الخالية من أبنية
والحصص التي متى قسمت كان في كل واحد منهما كل ما يحتاج إليه من ميزاب وبالوعة
وغير ذلك فبطلت هذه العلة أيضا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الشفعة إنما تجب إذا كانت الشركة بين اثنين، فإذا
زاد العدد على الاثنين فلا شفعة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأوجبوا الشفعة بين الشركاء
قل أو كثر عددهم.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فإن حق الشفعة حكم شرعي
والأصل انتفاؤه، وإنما أوجبناه بين الشريكين لإجماع الأمة فانتقلنا بهذا الاجماع عن حكم
الأصل ولم ينقلنا في من زاد على الاثنين ناقل فيجب أن يكون في ذلك على حكم الأصل
فإن قيل: التي تختصون بها عن أئمتكم ع أن الشفعة تجب على عدد
الرجال، وهذا يدل على أن الشفعة تثبت فيما زاد على الاثنين، ع وروي عن أبي
عبد الله ع أنه قال قضى رسول الله ص بالشفعة بين الشركاء في
الأرضين والمساكن، ولفظة الشركاء تقع على أكثر من الاثنين
قلنا: هذه كلها أخبار آحاد وما لا يوجب علما من الأخبار ليس بحجة ولا تثبت به
الأحكام الشرعية على ما بيناه في غير موضع ويمكن تأويل ظواهر هذه الأخبار بأن نحمل
309

قوله الشفعة على عدد الرجال أنها إنما تجب بالشركة وسواء زادت سهام أحد الشريكين
على سهام الآخر أو نقصت فالمعتبر إنما هو بالشركاء لا بمبالغ سهامهم. ونحمل لفظ
الرجال على الشركاء في الأملاك الكثيرة لا في ملك واحد، ويجوز حمل هذه اللفظة على
الشريكين في ملك واحد على أحد وجهين: إما على قول من يجعل أقل الجمع الاثنين أو على
سبيل المجاز كما قال تعالى: فإن كان له إخوة.
وتأويل الخبر الثاني داخل فيما ذكرناه، فأما الخبر الذي وجد في روايات أصحابنا أنه
إذا سمح بعض الشركاء بحقوقهم من الشفعة فإن لمن لم يسمح بحقه على قدر حقه يمكن
أن يكون تأويله أن الوارث لحق الشفعة إذا كانوا جماعة فإن الشفعة عندنا تورث ومتى
سمح بعضهم بحقه كانت المطالبة لمن لم يسمح، وهذا لا يدل على أن الشفعة في الأصل
تجب لأكثر من شريكين.
فإن قيل: قد ادعيتم إجماع الإمامية وابن الجنيد يخالف في هذه المسألة ويوجب
الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين، وأبو جعفر بن بابويه يوجب الشفعة في العقار فيما زاد
على الاثنين وإنما الاثنين في الحيوان خاصة على ما حكيتموه عنه في جواب مسائل أهل
الموصل التسع الفقهية.
قلنا: إجماع الإمامية قد تقدم الرجلين فلا اعتبار بخلافهما، وقد بينا في مواضع من
كتبنا أن خلاف الإمامية إذا تعين في واحد أو جماعة معروفة مشار إليها لم يقع به اعتبار.
مسألة:
ومما انفراد الإمامية به القول: بأنه لا شفعة لكافر على مسلم، وأكثر الفقهاء يوجبون
الشفعة للكافر، ولا يفرقون بينه وبين المسلم.
وقد حكى عن ابن حي أنه قال: لا شفعة للذمي في أمصار المسلمين التي ابتدأها
المسلمون لأنهم لا يجوز لهم سكناها ولا تملكها ولهم الشفعة في القرى. وانفراد قول الإمامية
عن قول ابن حي باق إلا أنه قد حكى عن الشعبي وأحمد بن حنبل أنهما أسقطا شفعة
الذمي على المسلم، وهذه منهما موافقة للإمامية.
310

والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتكرر ذكره قوله تعالى: لا يستوي أصحاب
النار الجنة، ومعلوم أنه تعالى إنما أراد لا يستوون في الأحكام، والظاهر يقتضي العموم إلا ما
أخرجه دليل قاهر.
فإن قيل: أراد في النعيم والعذاب بدلالة قوله: أصحاب الجنة هم الفائزون
قلنا: قد بينا في الكلام على أصول الفقه أن تخصيص إحدى الجملتين لا يقتضي
تخصيص الأخرى وإن كانت لها متعقبة.
ومما يمكن الاستدلال به أن الأصل انتفاء الشفعة عن المبيعات لأن حق الشفعة حكم
شرعي، ولما ثبت حق الشفعة للمسلم على الكافر وللكفار بعضهم على بعض أثبتناه
بدليله وبقي الباقي على حكم الأصل.
ومما يمكن أن نعارض به مخالفينا في هذه المسألة ما رووه ووجد في كتبهم عن التي ص
من قوله: لا شفعة لكافر، وفي خبر آخر: لا شفعة لذمي على مسلم.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به أن حق الشفعة لا يسقط إلا بأن يصرح الشفيع بإسقاط
حقه، ولا يكون مسقطا بكفه في حال علمه عن الطلب، وهذا القول أحد أقوال الشافعي
الأربعة لأن له أقوالا أربعة: أحدهما إن طلب الشفعة يجب على الفور، وثانيها أن يثبت إلى
ثلاثة أيام، وثالثها أنه يجب على التأبيد إلى أن يصرح بالعفو، وهذا وفاق الشيعة ورابعها أنه
ثابت إلى أن يعفو أو يعرض بالعفو.
وحكى أيضا عن شريك أنه قال: إذا علم فلم يطلب فهو أيضا على شفعته، وهذا
أيضا موافقة للإمامية وباقي الفقهاء على خلاف ذلك، لأن أبا حنيفة وأصحابه وابن حي
يذهبون إلى أنه متى لم يطلبها مكانها بطلت شفعته، وقال الحسن بن زياد: إذا أشهد أنه
على شفعته ولم يقم بها ما بينه وبين أن يصل إلى القاضي فقد أبطل شفعته.
قال الحسن: فأما أبو حنيفة فقال ثلاثة أيام. وروى محمد عن أبي حنيفة أنه على شفعته
أبدا بعد الشهادة. وقال محمد: إذا تركها بعد الطلب شهرا بطلت وقال أبو يوسف: إذا
أمكنه أن يطلب عند القاضي أو يأخذه فلم يفعل بطلت، وقال ابن أبي ليلى: إذا علم
311

بالبيع فهو بالخيار ثلاثا. وقال الشعبي: يوما. وقال البستي: ثلاثة. وقال مالك: إذا علم
بالشراء فلم يطلب حتى طال بطلت، والسنة ليست بكثيرة وله أن يأخذ وهذا في الحاضر.
فأما الغائب فلا تبطل شفعته وقال الثوري: إذا لم يطلبها أياما بطلت شفعته، وذكر المعافي
عنه ثلاثة أيام. وقال الأوزاعي والليث وعبيد الله بن الحسن والشافعي: إذا لم يطلب حتى
علم بطلت.
وقد تقدم بياننا أقوال الشافعي المختلفة في هذه المسألة، وإن كان هذا القول الذي
ذكرناه أنفا أظهرها، وقال الشعبي: من بيعت من بيعت شفعته وهو شاهد لم ينكر فلا شفعته
له. والذي يدل على صحة مذهبنا الاجماع المتكرر، ويمكن أن يقول ذلك بان الحقوق في أصول
الشريعة وفي العقول أيضا لا تبطل بالإمساك عن طلبها، فكيف خرج حق الشفعة عن
أصول الأحكام العقلية والشرعية، أ لا ترى أن من لم يطلب وديعته أو لم يطالب بدينه فإن
حقه ثابت لا يبطل بالتغافل عن الطلب، فإذا قالوا: هذه حقوق غير متجددة وحق الشفعة
متجدد قلنا: نفرضه متجددا لأن من حل له أجل دين فقد تجدد له حق ما كان مستمرا، ومع
ذلك لو أخر المطالبة لم يبطل الحق.
وكذلك من مات له قريب واستحق في الحال ميراثه وعلم بذلك ثم لم يطالب بالميراث
من هو في يده لم يبطل الحق، ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى.
فإن قيل: هذا الذي تذهبون إليه يؤدى إلى الإجحاف بالمشتري لأن المدة إذا تطاولت لم
يتمكن المشتري من التصرف في المبيع وهدمه وبنائه وتغييره لأن الشفيع إذا طالبه بالشفعة
أمره بإزالة ذلك، وهذا ضرر داخل على المشتري.
قلنا: يمكن أن يتحرز المشتري من هذا الضرر بأن يعرض المبيع على الشفيع ويبذل
تسليمه إليه فهو بين أمرين إما أن سلم أو ترك شفعته فيزول الضرر عن المشتري بذلك،
وإذا فرط فيما ذكرناه وتصرف من غير أن يفعل ما أشرنا إليه فهو المدخل للضرر على
نفسه.
فإن قيل: كيف تدعون أنه ليس في الأصول الشرعية حق يجب على الفور ويسقط
بالتأخير، وحق الرد بالعيب يجب على الفور ومتى تأخر بطل؟
312

قلنا: المعنى في حق الرد بالعيب أنه ربما كان في تأخيره إبطال له من حيث تخفي أمارات
العيب فلا تظهر فتقع الشبهة في وجود العيب فلزمت المبادرة إلى الرد لهذا المعنى وذلك غير
موجود في حق الشفعة لأنه يجب بعقد البيع وذلك مما لا يجوز أن يتغير ولا يخفى في وقت ويظهر
في آخر.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي
ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد ومصالح المسلمين، وكذلك كل ناظر بحق في
وقف من وصي وولي له أن يطالب بشفعته، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والدلالة على صحة مذهبنا الاجماع المتردد، ويمكن أن يقال للمخالف على سبيل
المعارضة له الشفعة إذا كانت إنما وجبت لدفع الضرر فأولى الأشياء بأن يدفع عنها الضرر
حقوق الفقراء ووجوه القربات، فإن قالوا: الوقوف لا مالك لها فيدفع الضرر عنه بالمطالبة
بشفعته، قلنا: إذا سلم أنه لا مالك لها فهاهنا منتفع بها ومستضر بها يعود إلى المشاركة فيها
وهم أهل الوقف ومصالح المسلمين أيضا يجب من دفع الضرر عنها مثل ما يجب من دفع
الضرر عن الآدميين.
313

المسائل الناصريات
المسألة السابعة والسبعون والمائة:
لا يستحق الفاسق الشفعة بالجوار. الذي يذهب إليه أصحابنا: أن أحدا لا يستحق
الشفعة بالجوار من مؤمن ولا فاسق وإنما يستحقها بالمخالطة وهو مذهب الشافعي وقال
أبو حنيفة الشفعة بالجوار إذا لم يكن بين الملك طريق نافذ وإنما مقتضى المسألة أن الفاسق
لا يستحق الشفعة بالسبب الذي يستحق به غير الفاسق الشفعة ونحن ندل على أن
الشفعة لا تستحق بالجوار على أن الفاسق كالمؤمن في استحقاق الشفعة وأما المسألة الأولى
فالدليل عليها الاجماع المتردد وأيضا ما رواه جابر أن النبي ع قال: الشفعة فيما لم
تقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فإن تعلقوا بما روي عن النبي ع الجار أحق
بسقيه وفي خبر آخر الجار أحق بدار جاره فالجواب عن ذلك أن في الخبر إضمارا وإذا
أضمروا أنه أحق في الأخذ بالشفعة أضمرنا نحن أنه أحق بالعرض عليه لأن ما قلناه جميعا
ليس في الظاهر وليس أحدهما أولى من الآخر وأيضا قد يجوز أن يريد بالجار الشريك وقد
يقع اسم الجار على الشريك لغة وشرعا أما الشرع فروى عمرو بن الشريد عن أبيه قال:
بعت حقا لي في أرض فيها شريك فقال شريكي أنا أحق بها فرفع ذلك إلى النبي ص
فقال الجار أحق بسقيه الشريك جارا وأما اللغة فإن الزوجة تسمى جارة
لمشاركتها الزوج في العقد قال الأعشى أيا جارتي بيني فإنك طالقة ليس لأحد أن يقول إنما
سمينا الزوجة جارة لقربها من الزوج ومجاورتها لأنها تسمى بذلك إن كانت بالمشرق وهو
بالمغرب فأما استحقاق الفاسق الشفعة بالسبب الذي يستحق به من ليس بفاسق
314

فصحيح لا شبهة فيه وإنما الكافر عندنا لا يستحق الشفعة على المؤمن ولعل من ذهب إلى
أن الفاسق لا يستحق الشفعة على المؤمن ذهب إلى أنه كافر بفسقه وليس كل فسق كفر
والفاسق عندنا في حال فسقه مؤمن له الإيمان والفسق ويسمى باسمهما وكل خطاب دخل
فيه المؤمنون دخل فيه من جميع بين الفسق والإيمان وكيف لم يبطل فسقه حقوقه كلها من
دين ووديعة وثمن مبيع وغير ذلك وأبطل حقه من الشفعة.
المسألة الثامنة والسبعون والمائة:
كل حيلة في الشفعة وغيرها من المعاملات التي بين الناس فإني أبطلها ولا أجيرها
هذا غير صحيح لأن من احتال في بيع الدراهم بأن ضم إليها صفح الحديد وما أشبهه صح
عقد بيعه لإخراجه ما فعله من الصفة التي تناولها النهي لأ النبي ص إنما
نهى بيع الفضة بالفضة وإذا ضم إليها غيرها فقد خرج عن هذه الصفة وكذلك إذا أقر
الرجل بسهامه من دار فوهبها له ولم يأخذ منه عن ذلك ثمنا وأعطاه ذلك الموهوب شيئا
على سبيل الهدية والهبة سقط الشفعة عن هذا الموهوب لأنه عقد بغير عوض ولم يلزم فيه
الشفعة بخروجه عن الصفة التي تستحق معها الشفعة ولسنا نمنع من قصد بهذه الحيل
إلى إبطال الحقوق أن يكون إثما مستحقا للعقاب وإن كان عقده صحيحا ماضيا وما نعرف
خلافا بين محصلي الفقهاء في ذلك فإن قال أ لستم تروون أن من فر من الزكاة بأن سبك
الدراهم والدنانير سبائك حتى لا تلزمه الزكاة وما جرى هذا المجرى من فنون الهرب من
الزكاة أن الزكاة تلزمه ولا ينفعه هربه قلنا ليس نمنع أن يكون لزوم الزكاة من هرب من
الزكاة لسبك السبائك وما أشبهها لم تجب بالسبب الأول الذي يجب له فيه في الأصل
الزكاة لأن الزكاة لا تجب عندنا فيما ليس بمضروب من العين والورق وإن تكون الزكاة إنما
تلزمه ههنا عقوبة على فراره من الزكاة لا أن هذه العين في نفسها يستحق فيها الزكاة
ويمكن أن يكون ما ورد من الرواية في الأمر بالزكاة لمن هرب من الزكاة هو على سبيل
التغليظ والتشديد لا على سبيل الحتم والإيجاب.
315

المسألة التاسعة والسبعون والمائة:
ولو اشترى رجل ثلاثة أقطاع أرضين من مواضع شتى بصفقة واحدة فللشفيع في
أحدهما أن يأخذ جميعها وليس له تفريق الصفقة. هذا غير صحيح لأن للشفيع أن يأخذ
من هذه الأقطاع ما له فيه حق الشفعة دون غيرها مما لا حق له فيه وما أظن في ذلك بين
الفقهاء خلاف وإنما الخلاف بينهم في الرجل يشترى دارين صفقة واحدة وللدارين معا
شفيع واحد هل له أن يأخذ إحدى الدارين دون الأخرى فقال أبو حنيفة إما أن يأخذ
الجميع أو يترك الجميع وليس له أن يفرق الصفقة وقال زفر له أن يأخذ أحدهما دون
الأخرى والوجه في المسألة الأولى ظاهر لأن حق الشفعة إنما يثبت له في إحدى الدارين
فكيف يأخذ أخرى بغير حق يجب له عليها وليس كذلك المسألة الثانية لأن حق الشفعة
قد ثبت في الدارين معا.
316

الكافي
فصل في الشفعة:
الشفعة استحقاق الشريك في المبيع تسليمه على المبتاع بمثل ما نقد، وإنما يثبت حقها
بشروط: منها كون المبيع سهما من اثنين، ومشاعا بالاختلاط أو الشرب أو الطريق، وأن يكون
الشفيع مسلما، أو يتساوى رأي الشفيع والمبتاع، ولا يسقط حق المطالبة إلا أن يعجز الشفيع
عن الثمن، وأن يكون جملة السهم مبيعا، والثمن معلوم القدر أو القيمة، وإن يمضى
العقد.
فمتى اختل شرط لم تثبت شفعته، وإن كان السهم المبيع سهم شريك من ثلاثة
فما زاد فلا شفعة لواحد منهم ولا جميعهم، وإن انتقل سهم الشريك عن ملكه بهبة أو صدقة
أو مهر زوج إلى غير ذلك مما ليس ببيع فلا شفعة فيه، وإن كان المبتاع مسلما والشريك كافرا
فلا شفعة له عليه، وإن علم بالبيع وأسقط حق المطالبة بطلت الشفعة، وإن طالبه المبتاع
بإحضار مثل ما نقد فمضت ثلاثة أيام ولما يحضره من المصر بطلت الشفعة، وإن ادعى
إحضاره من غير المصر وجب الصبر عليه بمقدار مضيه إليه وعوده وزيادة ثلاثة أيام ثم
لا شفعة له وإن وهبه بعض السهم أو تصدق به أو مهره وباعه الباقي بطلت فيه الشفعة،
وإن وقع البيع على غير معلوم القيمة كالسيف والفص والفرس المفقودي العين مضى البيع
وبطلت الشفعة.
والشفعة مستحقة على المبتاع دون البائع، وعلى الشفيع أن ينقده مثل ما نقد البائع
ويكتب عليه ويضمنه الدرك ويضمن هو للبائع، وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في مبلغ
317

الثمن وفقدت البينة فالقول قول المبتاع مع يمينه، وإذا كان الشريك غائبا فله المطالبة
بالشفعة متى حضر، وإن كان صغيرا أو مأوف العقل فلوليه أو الناظر في أمور المسلمين
المطالبة، فإن لم يفعل فللصغير إذا بلغ والمأوف إذا عقل المطالبة بالشفعة.
وإذا استهدم المبيع أو هدمه المبتاع من غير علم بالمطالبة فليس للشفيع إلا الأرض
والآلات، وإن هدمه بعد المطالبة فعليه رده إلى أصله، وإن أحدث فيه شيئا يزيد في قيمته
فهو له يأخذه بعينه أو قيمته، والشفعة مستحقة في جميع المبيعات من العروض والحيوان
كالرباع والأرضين.
318

النهاية
باب الشفعة وأحكامها:
كل شئ كان بين شريكين من ضياع أو عقار أو حيوان أو متاع ثم باع أحدهما
نصيبه كان لشريكه المطالبة بالشفعة. ووجب عليه مثل ثمنه الذي بيع به من غير زيادة
ولا نقصان، وإذا زاد الشركاء على اثنين بطلت الشفعة وكذلك إذا تحيزت الحقوق
وتميزت وتحددت بالقسمة فلا شفعة فيها، وتثبت الشفعة بالاشتراك في الطريق والنهر
والساقية كما تثبت بالاشتراك في نفس الملك، وإذا كانت الشفعة بالاشتراك في
الطريق وأراد المبتاع ترك ذلك الطريق وتحويل الباب في طريق آخر بطلت أيضا
الشفعة وكان الملك ثابتا في الطريق للبائع، فإن باع المالك الطريق مع الملك واشتراهما
المبتاع كانت الشفعة ثابتة وإن أراد تحويل الباب، ولا شفعة فيما لا يصح قسمته مثل
الحمام والأرحية وما أشبههما.
والشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر وتثبت للصغير كما تثبت للكبير وللمتولي
الناظر في أمر اليتيم أن يطالب بالشفعة إذا رأى ذلك صلاحا له، ولا شفعة للكافر على
المسلم وتثبت الشفعة للمسلم على الكافر، وإذا علم الشريك بالبيع ولم يطالبه بالشفعة
أو شهد على البيع أو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما ابتاع لم يكن له بعد ذلك
المطالبة بالشفعة، ومتى طالب بالشفعة فيما له فيه المطالبة بها وجب عليه من الثمن مثل
الذي انعقد عليه البيع من غير زيادة ولا نقصان فإن كان الشئ بيع نقدا وجب عليه
الثمن نقدا، فإن دافع ومطل أو عجز عنه بطلت شفعته فإن ذكر غيبة المال عنه أجل
319

ثلاثة أيام فإن أحضر الثمن وإلا بطلت شفعته، فإن قال: إن ماله في بلد آخر أجل
بمقدار ما يمكن وصول ذلك المال إليه ما لم يؤد إلى ضرر على البائع فإن أدى إلى ضرره
بطلت شفعته.
وإن بيع الشئ نسيئة كان عليه الثمن كذلك إذا كان مليا فإن لم يكن مليا وجب
عليه إقامة كفيل بالمال، ومتى بيع الشئ نسيئة ووزن صاحب الشفعة في الحال كان
البائع بالخيار في قبضه وتأخيره إلى وقت حلول الأجل ومتى عرض البائع الشئ على
صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائدا عليه لم يكن
لصاحب الشفعة المطالبة بها، وإن باع بأقل من الذي عرض عليه كان له المطالبة بها،
ولا شفعة في هبة ولا في إقرار بتمليك ولا معاوضة ولا صدقة ولا فيما يعله الانسان مهرا
لزوجته وإنما تثبت الشفعة فيما يباع بثمن معلوم.
وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في ثمن الملك كان القول قول المبتاع مع يمينه بالله
تعالى، والشفعة للشريك على المبتاع ويكتب عليه الدر ك بالملك ويكتب المبتاع على
بائعه بمثل ذلك، ولا يصح أن تورث الشفعة كما يورث الأموال، والغائب إذا قدم
وطالب بالشفعة كان له ذلك وقد وجب عليه أن يرد مثل ما وزن من غير زيادة ولا
نقصان، فإن كان المبيع قد هلك بآفة من جهة الله تعالى أو جهة غير جهة المشتري أو
هلك بعضه بشئ من ذلك لم يكن له أن ينقص من الثمن بمقدار ما هلك من المبيع
ولزمه توفية الثمن على الكمال فإن امتنع من ذلك بطلت شفعته.
320

المراسم العلوية
ذكر: أحكام الشفعة:
ما ينتقل من الأملاك على ثلاثة أضرب: أحدها يكون مالكه واحدا، والآخر أن
يكون مالكه اثنين، والآخر أن يكون مالكه أكثر من اثنين.
فما كان مالكه زائدا على اثنين لا شفعة فيه وكذلك ما كان مالكه واحدا. وما كان
مالكه اثنين على ضربين: أحدهما انتقل بالبيع والآخر بغير البيع، فما انتقل بالبيع على
ضربين: مقسوم ومشترك. فما انتقل بغير البيع والمقسوم الذي لا شركة فيه من وجه لا
شفعة فيهما.
والمشترك على ضربين: أحدهما تصح القسمة فيه والآخر لا تصح. فما لا
تصح قسمته لا شفعة فيه أيضا. وما تصح قسمته على ضربين: أحدهما مقسوم مشترك
الشرب أو الطريق الخاص، والآخر غير مقسوم الشرب وفيهما جميعا الشفعة.
وقد بينا أنه لا شفعة في مقسوم بكل حقوقه، ولا شفعة لذمي على مسلم. ولا في هبة
ولا في صدقة ولا مهر، إنما هي في ما يباع خاصة. وقد بينا جملته. ولا شفعة لم يعجز عن مبلغ
الثمن. فإذا اختلف المتبايعان مع الشفيع في المبلغ فالقول قول المبتاع مع يمينه.
321

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالشفعة
مسألة: إذا كانت الشفعة قد وجبت للشفيع ولم يعلم حتى تقايلا. هل لشفيع
إبطال الإقالة ورد المبيع إلى المشتري وأخذ ذلك بالشفعة أم لا؟
الجواب: للشفيع ذلك، لأن حق الشفعة ثبت على وجه لا يملك المتعاقدان إسقاطه.
مسألة: إذا باع أحد الشريكين شقصا له بشرط الخيار، وعلم الشفيع ذلك، ثم
باع نصيبه بعد العلم بما ذكرناه، هل تبطل شفعته أم لا؟
الجواب: إذا كان كذلك فالشفعة المذكورة تسقط ههنا لأنه إنما استحقها بالملك. إذا
كان الملك باق استحقها به قد زال بعد العلم بالبيع المذكور لم يكن له شفعة.
مسألة: إذا ادعى البائع البيع، وأنكر المشتري وحلف، هل يثبت للشفيع شفعة أم
لا؟
الجواب: الشفعة ثابتة ههنا، وللشفيع أخذها من البائع، لأن البائع معترف بحقين،
الوجه منهما عليه وهو حق الشفعة، والآخر على المشتري، فلا يقبل قوله على المشتري لأن
الحق له وقبلنا قوله للشفيع لأنه حق عليه.
مسألة: إذا كان الشفيع وكيلا في البيع للبائع ووكيلا في الشراء للمشتري، هل
تسقط شفعته لذلك أم لا؟
الجواب: لا تسقط شفعته، لكونه وكيلا في ذلك لأنه لا مانع من وكالته لهما ولا دليل في
الشرع يدل على سقوط حقه من الشفعة بذلك.
322

مسألة: إذا اشترى شقصا فيه عيب ولم يعلم، وقبضه الشفيع منه بالشفعة وهو
عالم بالعيب، هل للمشتري رده على البائع بالعيب أو مطالبته بالأرش، أم لا؟
الجواب: ليس للمشتري شئ من ذلك بعد قبض الشفيع للشقص بالشفعة، لأنه قد
خرج عن ملكه، وليس للشفيع الرد لأنه دخل على العلم بالعيب.
مسألة: إذا اشترى شقصا وقبض منه بالشفعة، فظهر بعد ذلك أن الدنانير التي
دفعها البائع إلى المشتري ثمنا للشقص ليست للمشتري، بل هي لغيره. ما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر في هذه المسألة، فليس يخلو الشراء من أن يكون
أو بثمن معين أو بثمن في الذمة، وإن كان بثمن معين مثل أن يقول المشتري للبائع بعني بهذه
الدنانير، فالشراء لا يصح لأن الأثمان عندنا كالثياب في أنها تتعين بالعقد، وإذا كان
الشراء لا يصح بطلت الشفعة، لأن الشفيع إنما يملك من المشتري ما يملك، ولم يملك ههنا
شيئا لأن البيع لم يصح. وإن كان الشراء بثمن في ذمة المشتري، فهو والشفعة صحيحان
ماضيان ويأخذ المستحق الثمن ويطالب البائع المشتري بالثمن لأن الثمن في ذمته،
فإذا دفع إليه ما لا يملك، لم تبرأ ذمته. وكان البائع يطالبه بالثمن.
مسألة: إذا أسقط البائع عن المشتري بعض الثمن وانحط ذلك عنه، هل ينحط
عن الشفيع أم لا؟
الجواب: إذا أسقط البائع عن المشتري ذلك لا يخلو من أن يكون قبل لزوم العقد،
أو بعده فإن كان قبل لزومه، مثل أن حط عنه في مدة خيار المجلس أو الشرط كان ذلك حطا
من حق المشتري والشفيع، لأن الشفيع يأخذ من حق الشقص بالثمن الذي استقر عليه
العقد وهذا هو الذي استقر العقد عليه، وإن كان هذا الحط بعد انقضاء مدة الخيار ولزوم
العقد وثبوته، لم يلحق بالعقد ويكون هبة محدودة من البائع للمشتري. ولا فرق في ذلك بين
حط بعض الثمن أو جميعه ولا ينحط من الشفيع.
مسألة: إذا اختلف الشريكان في دار ويدهما عليها، فقال الواحد منهما للآخر،
ملكي فيها قديم وأنت مبتاع لما في يدك الآن منها، وأنا استحقه عليك بالشفعة وأنكر
323

الآخر، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أنكر هذا الخصم ما ادعى عليه به، كان القول قوله مع يمينه ولا
يستحلف إلا على أنه لا يستحق ذلك عليه بالشفعة، ولا يستحلف على أنه ما ابتاعه لأنه
يمكن أن يكون اشتراه فقد سقطت الشفعة بعد ذلك بعقد، أو غير عقد فلا يجب أن
يستحلف إلا على ما ذكرناه ولو أجاب بأن قال ما اشتريته لم يحلف إلا على ما قدمناه ولا
يحلف إلا على ما اشتراه.
مسألة: إذا قبض الشفيع الشقص بألف، وثبت للبائع بينة بأن المشتري اشتراه
منه بألفين وقبضها منه، هل للمشتري الرجوع على الشفيع بالألف الآخر أم لا؟
الجواب: ليس للمشتري الرجوع على الشفيع بشئ، لأنه إما أن يقول إنني
اشتريتها بألف والأمر على ما قلت، أو يقول نسيت إنني ابتعتها بألفين، فإن قال بالأول لم
يكن له الرجوع عليه، لأنه يقول البائع ظلمني بألف ولا أرجع بذلك على الغير. وإن قال،
اشتريت إلا بألفين إلا إنني نسيت فأخبرت بأني اشتريت بألف لم يقبل ذلك منه، لأنه يدعي
على غيره كما إذا أقر بألفين ثم قال ما كان له على الألف، وإنما نسيت فقلت ألفين، لم يقبل
قوله على المقر له، لأنه يريد اسقاط حق غيره بهذا القول فلا يقبل منه ذلك.
مسألة: إذا كانت الدار لاثنين ويد كل واحد منهما على نصفها، فادعى انسان آخر
على أحدهما ما هو في يده، وقال النصف الذي في يدك لي فصالحت عليه بألف، هل يجب
الشفعة للآخر، أم لا؟
الجواب: لا يثبت عندنا ههنا شفعة لأن الصلح عندنا ليس بيع ومن يقول إنه بيع
يجيز علك، ولا غرض لنا في ذكر مذهب المخالف.
مسألة: إذا اشترى انسان شقصا ووجد به عيبا وأراد رده على البائع، هل
للشفيع منعه من ذلك أم لا؟
الجواب: إذا كان كذلك فللشفيع منع المشتري من الرد بالعيب، لأن حق الشفيع
أسبق، لأنه وجب بالعقد وحق الرد بالعيب بعده لأنه وجب في وقت العلم بالعيب. فإن لم
يعلم الشفيع بذلك حتى رده المشتري بالعيب، كان له إبطال الرد والمنع من الفسخ، لأنه
324

تصرف في ما فيه إبطال الشفعة كما قدمناه. وإذا تقايلا ثم علم بالعيب أن له إبطال
الإقالة فرده إلى المشتري.
مسألة: إذا كانت الدار بين شريكين فقال الشفيع للمشتري اشتر نصف شريكي
فقد نزلت عن الشفعة وتركتها لك ثم اشترى المشتري ذلك على هذا الشرط. هل تبطل
شفعة الشفيع بذلك أم لا؟
الجواب: لا تسقط شفعة الشفيع بذلك، وله المطالبة بها لأنه إنما يستحق الشفعة بعد
العقد. فإذا عفي قبل ذلك لم يصح لأنه يكون قد عفا عما لم يجب له ولا يملكه، فلا يسقط حقه
حين وجوبه بذلك.
مسألة: الدار إذا كان نصفها طلقا ونصفها وقفا فباع مالك الطلق ذلك، هل
لأهل الوقف الشفعة في ذلك أم لا؟
الجواب: ليس لأهل الوقف في هذا المبيع شفعة بلا خلاف.
مسألة: إذا كان ثمن الشقص خمسين فاشتراه بمائة، ثم أعطى البائع بدل المائة ما
قيمته خمسون وباعه إياه بمائة، هل يثبت للشفيع بذلك شفعة أم لا؟
الجواب: لا يثبت ههنا للشفيع شفعة لأنه إنما يأخذ بثمن الشقص لا بدل ثمنه منه.
مسألة: إذا كان الثمن جزافا مشار إليه، وحلف المشتري أنه لا يعلم مبلغه، هل
تصح الشفعة بذلك أم لا؟
الجواب: لا تثبت الشفعة ههنا، لأن الثمن شئ لا يعلم مبلغه وليس يمكن أخذ
الشفعة بشئ مجهول.
مسألة: إذا اشترى انسان من غيره شقصا من أرض أو دارا لمملوك، وقبض
الشقص ولم يسلم المملوك. كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن للشفيع الأخذ بقيمة المملوك فإن قبضه ثم هلك المملوك
في يده بطل البيع ولم يبطل الشفعة في الشقص ولزمه البائع قيمة الشقص وقت قبضه،
ووجب على الشفيع قيمة المملوك في الوقت الذي كان فيه بيعه لأن ثمن الشقص إذا لم
يكن له مثل، وجبت القيمة فيه وفي وقت البيع.
325

المهذب
كتاب الشفعة
روي عن رسول الله ص أنه قال: الشفعة فيما لم تقسم فإذا وقعت
الحدود فلا شفعة، وروي عنه ص أنه قال: الشفعة في كل مشترك، ربع
أو حائط ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه فإن باعه فشريكه أحق به،
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: لا شفعة فيما وقعت عليه الحدود وليس للجار
شفعة وله حق وحرمة.
واعلم أن الشفعة لا تثبت إلا لشريك مخالط وتثبت للغائب كما تثبت للحاضر،
وإذا كان اثنان شريكين في دار وليس فيها شريك غيرهما وباع أحدهما نصيبه منها كان
لشريكه الشفعة، وفي أصحابنا من ذهب إلى أن الاشتراك معها إذا زادوا على اثنين
كانت الشفعة بينهم بالحصص والذي ذكرنا هو الظاهر من مذهبنا، وإذا اقتسما
الشريكان الدار وتميز نصيب كل واحد منهما من نصيب الآخر لم يثبت لأحدهما في
ذلك شفعة والشفعة تثبت بالاشتراك في الطريق، مثال ذلك: زقاق مشترك بين اثنين
داراهما فيه فإذا باع أحدهما داره كانت الشفعة له في ذلك فإن أفرد بيع الدار عن الممر
المشترك بأن يحول الباب إلى زقاق آخر أو دار أخرى بطلت الشفعة، وإن كانت الدور
أكثر من دارين والشركاء أكثر من اثنين بطلت الشفعة عند أكثر أصحابنا على ما قدمناه.
وإذا اشترى انسان دارا والطريق إليها من شارع أو درب نافذ لم يكن في الطريق
شفعة لأنه غير مملوك، وأما الدار فليس فيها شفعة لأن الشفعة لا تثبت بالجوار كما
326

قدمناه، فإن كان الطريق مملوكا مثل الدرب - الذي لا ينفذ - المشترك بين أهله
وطريقهم إلى دورهم، فمتى اشترى انسان منه دارا وكان الشركاء أكثر من واحد لم يثبت
فيها شفعة وإن كان واحدا فله شفعة إلا أن يكون المشتري يحول باب الدار إلى درب
آخر فلا يثبت الشفعة حينئذ في الدار وهذا الدرب يثبت به الشفعة عندنا.
والشفعة واجبة للمولى عليه ولوليه أخذ ذلك له، والمولى عليه: المجنون والصبي
والمحجور عليه لسفه والولي لهؤلاء: الأب والجد أو الوصي من قبل واحد منهما أو أمين
القاضي إن لم يكن هناك أب ولا جد، ولوليه أن يأخذ ذلك له من غير انتظار لبلوغه
ورشاده إذا كان له غبطة في ذلك، فإذا أخذ له ذلك لم يكن للصبي إذا بلغ أو غيره إذا
علم رشده رد ذلك على المشتري فإن ترك الأخذ له لم يبطل حق الصبي، فإذا بلغ ورشد
كان مخيرا بين المطالبة بذلك وأخذه وبين تركه.
وإذا باع انسان شقصا بشرط الخيار وكان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري لم يكن
للشفيع شفعة لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه، وإن كان الخيار للمشتري
وجبت الشفعة للشفيع لأن الملك ثبت للمشتري بنفس العقد، وإذا باع شقصا بشرط
الخيار فعلم الشفيع بذلك فباع نصيبه بعد العلم بذلك بطلت شفعته لأنه إنما يستحق
الشفعة بالملك وملكه الذي يستحق الشفعة به قد زال فبطلت شفعته، وإذا استحق
الشفيع الشفعة ووجبت له على المشتري وكان المشتري قد قبض الشقص قبضه الشفيع
منه ودفع الثمن إليه وكان ضمان الدرك على المشتري لا على البائع، وإن كان قبل أن
يقبضه المشتري كان الشفيع يستحقها على المشتري أيضا ويدفع إليه الثمن ويقبض
الشفيع الشقص من يد البائع ويكون هذا القبض بمنزلة قبض المشتري من البائع ثم
قبض المشتري من المشتري.
فإن أراد الشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع لم يكن له ذلك وإذا أخذها من يد
البائع لم يكن الأخذ منه فسخا للبيع، فإن باع المشتري الشقص كان الشفيع مخيرا بين
أن يفسخ العقد الثاني ويأخذ بالشفعة في العقد الأول وبين أن يطالب بالشفعة في
327

الأخذ الثاني، وإن تقابل البيعان كان للشفيع دفع الإقالة ورد الملك إلى المشتري
والأخذ منه، فإن ادعى البائع البيع وأنكره المشتري وحلف كان للشفيع أن يأخذ من
البائع وتكون العهدة عليه، وإذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحقه
بالشفعة لم تسقط بذلك شفعته ولا فرق في ذلك بين أن يكون وكيلا للبائع في البيع أو
المشتري في الشرى لأنه لا مانع من وكالته لهما ولا دليل يدل على سقوط حقه من الشفعة
بذلك.
وبيع الشقص من الدار والأرض بالبراءة من العيوب جائز علم المشتري بالعيب أو
لم يعلم، فإذا بيع الشقص كذلك وأخذه الشفيع بالشفعة وظهر به عيب لم يخل من أن
يكون المشتري والشفيع غير عالمين بالعيب أو يكونا عالمين به أو يكون المشتري غير عالم
والشفيع عالما أو يكون الشفيع غير عالم والمشتري عالما، فإن كانا غير عالمين كان للشفيع
رده على المشتري، وإن كانا عالمين به استقر الشراء والأخذ بالشفعة معا لأن كل واحد
منهما دخل مع العلم بالعيب، وإن كان المشتري غير عالم والشفيع عالما سقط رد البيع
لأنه دخل مع العلم بالعيب، وإن كان الشفيع غير عالم والمشتري عالما كان للشفيع رده
على المشتري لأنه اشتراه مع العلم بالعيب فلم يكن له رده.
وإذا كانت يد اثنين على دار فادعى أحدهما على شريكه فقال: ملكي فيها قديم وقد
اشتريت ما في يديك الآن وأنا أستحقه عليك بالشفعة فأنكر المدعى عليه كان القول
قوله مع يمينه لأنه مدعى عليه، فإن حلف على أنه لا يستحقه عليه بالشفعة حلف على
ما أجاب ولم يكلف أن يحلف على أنه ما اشترى لأنه قد يكون اشتراه ثم سقطت الشفعة
بعد الشراء بعقد أو غير عقد، فإن نكل عن اليمين رددناها على الشفيع فإن حلف حكمنا
له بالشقص ويكون الشفيع معترفا بالثمن للمشتري والمشتري لا يدعيه، فإذا كان
كذلك قيل له إما أن يقبض أو يتبرع فإن لم يفعل وضع في بيت المال حتى إذا اعترف
المشتري به سلم إليه لأنه حكم عليه بتسليم الشقص والاعتراف قد حصل بأن الثمن
بدل عنه فمتى طلبه دفع إليه.
328

وإذا كانت دار بين اثنين نصفين فادعى كل واحد منهما على الآخر أن النصف
الذي في يده يستحقه عليه بالشفعة رجعنا إليهما في وقت الملك، فإن قالا: جميعا،
ملكناها جميعا في وقت واحد بالشراء من رجل واحد أو من رجلين لم يكن لأحدهما
على الآخر شفعة لأن ملك كل واحد منهما لم يتقدم ملك الآخر، وإن قال كل واحد
منهما: ملكي متقدم وأنت ملكت بعدي فلي الشفعة، فإن لم يكن مع أحدهما بينة في
ذلك فكل واحد منهما مدع ومدعى عليه فإن سبق أحدهما بالدعوى على الآخر قلنا له
أجب عن الدعوى، فإن قال: ملكي هو المتقدم، قلنا له: ليس هذا جواب الدعوى بل
ادعيت كما ادعى فأجب عن الدعوى، فإن قال: لا يستحق الشفعة على، كان القول
قوله مع يمينه.
وإن نكل عن اليمين رددناها على المدعي فإذا حلف حكم له بالشفعة وسقطت
دعوى الآخر لأنه لم يبق له ملك يدعي الشفعة به بعد ذلك، وإن حلف سقطت دعوى
صاحبه وقبل له الدعوى بعد هذا، فإذا ادعى بعد ذلك على صاحبه فإن نكل حلف هو
واستحق الشفعة وإن لم ينكل وحلف سقطت الدعوى وبقيت الدار بينهما جميعا
كما كانت قبل المنازعة.
فإن كان مع أحدهما بينة وشهدت له بالتأريخ فقالت: نشهد أنه ملكها منذ سنة أو
في الشهر الفلاني، قلنا: ليس في هذا التاريخ فائدة لأنا لا نعلم وقت ملك الآخر، فإن
قالت: نشهد بأنه ملك قبل الآخر، حكم له بالبينة والشفعة لأن البينة متقدمة على
دعوى صاحبه، فإن كان مع كل واحد منهما بينة وكانتا غير متعارضتين وهو أن تكونا
مؤرختين بتأريخين مختلفين حكمنا بالشفعة للذي تقدم ملكه، فإن كانتا مؤرختين تاريخا
واحدا لم يكن لواحد منهما شفعة وإن كانتا متعارضتين وهو أن تشهد كل واحدة منهما أن
هذا سبق الآخر بالملك استعملنا القرعة، فمن خرج اسمه حكمنا له به مع يمينه.
وإذا اشترى انسان شقصا ثم وجد به عيبا كان له رده، فإن منعه الشفيع من رده
كان ذلك له لأن حق الشفيع أسبق لأنه وجب بالعقد وحق الرد بالعيب بعده لأنه
329

وجب حين العلم، فإن لم يعلم الشفيع بذلك حتى رد بالعيب كان له دفع الفسخ
وإبطال الرد لأنه تصرف فيما فيه إبطال الشفعة كما لو تقايلا ثم علم بالعيب كان له رد
الإقالة وإعادته إلى المشتري.
وإذا كانت الدار بين شريكين نصفين فوكل أحدهما شريكه فيها في بيع نصف
نصيبه وهو الربع وقال له: إن شئت أن تبيع نصف نصيبك مع نصيبي صفقة واحدة
فافعل، فباع الوكيل نصفها، الربع بحق الوكالة والربع بحق الملك كان البيع في الكل
صحيحا لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة وقت العقد، فإذا كان كذلك فقد
صح البيع في نصف الوكيل وهو الربع وفي نصف الموكل فهو الربع، فأما الموكل فله أن
يأخذ نصيب الوكيل بالشفعة لأنه ليس فيه أكثر من رضا الموكل بالبيع وإسقاط شفعته
قبل البيع وهذا لا يسقط به الشفعة ولأنه لا شفيع سواه، وأما الوكيل فليس له الأخذ بها
لأنه لو أراد أن يشترى من نفسه هذا المبيع لما صح ذلك له وأيضا فلو جعل له أخذه
بالشفعة لكان متهما في تقليل الثمن.
وإذا كانت الدار بين شريكين فباع أحدهما منها نصيبه ولم يعلم الشفيع بذلك حتى
باع هو ملكه منها ثم علم بعد ذلك كانت الشفعة واجبة له لأنها وجبت له بالملك
الموجود حين الوجوب وكان مالكا له وقت الوجوب والرد، وجميع ما هو من ضياع أو
متاع أو عقار أو حيوان فإن الشفعة تصح فيه وهو الأظهر في المذهب، وإذا تميزت
الحقوق وتحددت بالقسمة لم يصح فيها شفعة وكذلك لا شفعة في الأرحية ولا الحمامات
ولا ما لا تصح فيه القسمة، ولا شفعة للكافر على المسلم وتثبت الشفعة للمسلم على
الكافر.
وإذا طالب انسان بشفعة فوجبت له كان عليه من الثمن للمشتري مثل ما وزنه كما
قدمناه، فإن كان البيع بالنقد وجب عليه نقدا وإن كان بنسيئة كان عليه نسيئة إن
كان مليا به فإن لم يكن مليا به كان عليه أن يقيم به كفيلا، ومن وجبت له الشفعة
فطولب بإحضار المال فمطل به ودافع أو كان عاجزا عنه بطلت شفعته، فإن ادعى غيبة
330

المال ضرب له أجل ثلاثة أيام فإن أحضره وإلا بطلت شفعته، فإن ذكر أن المال في بلد
آخر ضرب له أجل بمقدار ما يصح وصوله إليه فيه إذا لم يكن ذلك مؤديا إلى دخوله ضررا
على البائع، فإن أدى إلى ذلك بطلت شفعته.
والشفعة لا تكون موروثة كما تورث الأموال، فمن كانت له المطالبة بشفعة فمات
قبل المطالبة بها ثم حضر وارثه ليطالب بما كان يستحقه الميت من المطالبة بها لم يكن له
ذلك، وكذلك إن طالب بها ولم يحضر المال ومات ثم حضر وارثه ليطالب بها عن الميت
ويحضر المال لم يجز له أيضا ذلك.
وإذا اختلف البائع والمشتري والشفيع في ثمن المبيع الذي وجبت فيه الشفعة كان
القول قول المشتري مع يمينه في ذلك، والشفعة لا تثبت في معاوضة ولا هبة ولا إقرار
بتمليك ولا صدقة ولا ما يكون مهرا وإنما تثبت فيما يكون مبيعا بثمن معين، ومن باع
شيئا تجب فيه الشفعة نسيئة وأحضر صاحب الشفعة المال في الحال كان الذي وجبت
عليه الشفعة مخيرا بين قبضه وبين تأخيره إلى حلول الأجل.
331

فقه القرآن
باب الشفعة:
قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، وقد بين مسائل
الشفيعة وغيرها رسول الله ع وقد قال: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود
فلا شفعة، والكافر لا شفعة له على المسلم، والدليل عليه قوله: لا يستوي أصحاب النار
وأصحاب الجنة، ومعلوم أنه تعالى إنما أراد أنهم لا يستوون في الأحكام، والظاهر يقتضي
العموم إلا ما أخرجه دليل قاهر.
فإن قيل: أراد في النعيم والعذاب، بدلالة قوله تعالى: أصحاب الجنة هم الفائزون،
قلنا: معلوم في أصول الفقه أن تخصيص إحدى الجملتين لا يقتضي تخصيص الأخرى وإن
كان متعقبة لها.
والشفعة جائزة في كل شئ من حيوان أو أرض أو متاع، إذا كان الشئ بين شريكين
فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره، وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم
هذا قول المرتضى رضي الله عنه.
وقال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: الأشياء في الشركة على ثلاثة أضرب: ما يجب
فيه الشفعة متبوعا وما لا يجب فيه تابعا ولا يجب فيه متبوعا وما يجب فيه تابعا ولا يجب
متبوعا بحال فكل ما ينقل ويحول غير متصل كالحيوان والنبات والحبوب ونحو ذلك
لا شفعة وفي أصحابنا من أوجب الشفعة في ذلك، وأما ما يجب فيه تابعا ولا يجب فيه
متبوعا فكل ما كان في الأرض من بناء وأصل وهو البناء والشجر، فإن أفرد بالبيع دون
332

الأرض فلا شفعة فيه.
وإن بيعت الأرض تبعها هذا الأصل فوجبت الشفعة في الأرض أصلا وفي هذه على
وجه التبع بلا خلاف، فأما ما لم يكن أصلا ثابتا كالزرع والثمار فإذا دخلت في البيع
بالشرط كانت الشفعة واجبة في الأصل دونها، ولا تثبت الشفعة إلا لشريك مخالط، فأما
الشفعة بالجوار فلا تثبت إلا إذا اشتركا في الطريق أو النهر ولا يشركهما فيه ثالث.
333

غنية النزوع
فصل في الشفعة:
الشفعة في الشرع عبارة عن استحقاق الشريك المخصوص على المشتري
تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته، وهي مأخوذة من الزيادة لأن سهم الشريك يزيد بما
ينضم إليه فكأنه كان وترا فصار شفعا.
ويحتاج فيها إلى العلم بأمرين: شروط استحقاقها، وما يتعلق بها من الأحكام.
وشروط استحقاقها ستة: وهي أن يتقدم عقد بيع ينتقل معه الملك إلى المشتري، وأن
يكون الشفيع شريكا بالاختلاط في المبيع أو في حقه من شربه أو طريقة، وأن يكون واحدا
وأن يكون مسلما إن كان المشتري كذلك، وأن لا يسقط حق المطالبة، ولا يعجز عن الثمن.
اشترطنا تقدم عقد البيع لأن الشفعة لا تستحق قبله بلا خلاف ولا تستحق بما ليس ببيع
من هبة أو صدقة أو مهر زوجة أو مصالحة أو ما أشبه ذلك بدليل إجماع الطائفة، ولأن إثبات
الشفعة في المهر وفي المصالحة وفي الهبة على بعض الوجوه يفتقر إلى دليل شرعي وليس في
الشرع ما يدل عليه، واعتبرنا أن ينتقل الملك معه إلى المشتري تحرزا من البيع الذي فيه
الخيار للبائع أو له وللمشتري معا فإن الشفعة لا تستحق هاهنا لأن الملك لم يزل عن البائع،
فأما ما لا خيار فيه أو فيه الخيار للمشتري وحده ففيه الشفعة لأن الملك قد زال به عنه.
واشترطنا أن يكون شريكا للبائع تحرزا من القول باستحقاقها بالجواز فإنها
لا تستحق بذلك عندنا بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله:
الشفعة فيما لا يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، ولا يعارض ذلك ما رووه من قوله ع
334

: بسقبه، الجار أحق لأن في ذلك إضمارا وإذا أضمروا أنه أحق بالأخذ بالشفعة أضمرنا
أنه أحق بالعرض عليه، ولأن المراد بالجار في الخبر الشريك لأنه خرج على سبب يقتضي ذلك،
فروى عمرو بن الشريد عن أبيه قال: بعت حقا من أرض لي فيها شريك فقال شريكي: أنا
أحق بها فرفع ذلك إلى النبي ص فقال: الجار أحق بسقبه، والزوجة تسمى
جارة لمشاركتها للزوج في العقد قال الأعشى:
يا جارتي بيني فإنك طالقة.
وهي تسمى بذلك عقيب العقد وتسمى به وإن كانت بالمشرق والزوج بالمغرب فليس
لأحد أن يقول إنما سميت بذلك لكونها قريبة مجاورة، فقد صار اسم الجار يقع على الشريك
لغة وشرعا.
واشترطنا أن يكون واحدا لأن الشئ إذا كان مشتركا بين أكثر من اثنين فباع أحدهم
لم يستحق شريكه الشفعة بدليل إجماع الطائفة، ولأن حق الشفعة حكم شرعي يفتقر في
ثبوته إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدل على ذلك هاهنا، وعلى هذا إذا كان الشريك
واحدا ووهب بعض السهم أو تصدق به وباع الباقي للموهوب له أو المتصدق عليه لم
يستحق فيه الشفعة.
واشترطنا أن يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك تحرزا من الذمي لأنه لا يستحق على
مسلم شفعة بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا عموم قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: لا شفعة لذمي على
مسلم.
واشترطنا أن لا يسقط حق المطالبة لأنه أقوى من قول من يذهب إلى أن حق الشفعة
على الفور وتسقط بتأخير الطلب مع القدرة عليه من أصحابنا وغيرهم، لأن ما قلناه هو
الأصل في كل حق عقلا وشرعا ولا يخرج من هذا الأصل إلا ما أخرجه دليل قاطع كحق الرد
بالعيب، على أن حق الرد ربما كان في تأخيره إبطاله لجواز تغير أمارات العيب خفائها
فحصلت الشبهة في وجوده فوجب لذلك المسارعة إلى الرد وليس كذلك حق الشفعة لأن
ما يجب به من عقد البيع قد أمن ذلك فيه، وما يتعلق به المخالف في ذلك أخبار آحاد لا يعول
335

على مثلها في الشرع.
وقولهم: إذا لم تبطل الشفعة بتأخير الطلب دخل على المشتري ضرر لأنه إذا علم بذلك
امتنع من التصرف في المبيع بما يحتاج إليه من غرس وبناء وتغيير لأن الشفيع يأمره بإزالة
ذلك إذا أخذ وهو من أخذه على وجل وذلك ممنوع منه عقلا وشرعا، الجواب عنه أن يقال:
يمكن أن يتحرز من هذا الضرر بما به يسقط الشفعة أصلا أو بما لا ينشط معه الشفيع إلى الأخذ
أو لا يقدر عليه من زيادة الثمن ووجوه التحرز من ذلك كثيرة، ثم يقال لهم على سبيل
المعارضة: في مقابلة ضرر المشتري بما ذكرتموه من ضرر الشفيع بالشركة، وإزالة ضرره هاهنا
هو المقصود المراعي دون إزالة ضرر المشتري، ولهذا يستحق بالشفعة من علم بالبيع بعد
السنين المتطاولة بلا خلاف وإن كان حاضرا في البلد، وكذا حكم المسافر إذا قدم
والصغير إذا بلغ، ولم يمنع ما ذكرتموه من ضرر المشتري من استحقاقها.
واشترطنا عدم عجزه عن الثمن لأنه إنما يملك الأخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله
البائع فإذا تعذر عليه ذلك سقط حقه من الشفعة، وسواء كان عجزه لكونه معسرا أو لكون
ما وقع عليه العقد أو بعضه غير معلوم القيمة وقد فقدت عينه بلا خلاف في ذلك، وروى
أصحابنا أن كذا حكمه متى لم يحضر الثمن من البلد التي هو فيه حتى مضت ثلاثة أيام
ومتى ادعى إحضاره من مصر آخر فلم يحضره حتى مضت مدة يمكن فيها وصول الثمن
وزيادة ثلاثة أيام، هذا ما لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر، فإن أدى إلى ذلك بطلت الشفعة
بدليل إجماع الطائفة.
وإذا كان الثمن مؤجلا فهو على الشفيع كذلك ويلزمه إقامة كفيل به إذا لم يكن مليا،
وهذا لا يتفرع على مذهب من قال من أصحابنا أن حق الشفعة لا يسقط بالتأخير.
وإذا حط البائع من الثمن بعد لزوم العقد فهو للمشتري خاصة ولم يسقط عن
الشفيع لأنه إنما يأخذ الشقص بالثمن الذي انعقد البيع عليه وما يحط بعد ذلك هبة مجددة
لا دليل على لحوقها بالعقد.
وإذا تكاملت شروط استحقاق الشفعة استحقت في كل مبيع من الأرضين والحيوان
والعروض - كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لم يكن - وهذا هو المذهب الذي تقدم الاجماع
336

عليه من أصحابنا.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: الشفعة فيما لم يقسم، ولم
يفصل، وبقوله: الشفعة في كل شئ، على أنه يقال لهم: إذا كنتم تذهبون إلى أن الشفعة
وجبت لإدخاله الضرر على الشفيع وكان هذا المعنى حاصلا في سائر المبيعات لزمكم القول
بوجوب الشفعة فيها.
وقولهم: من صفة الضرر الذي تجب الشفعة لإزالته أن يكون حاصلا على جهة الدوام
وهذا لا يكون إلا في الأرضين، ليس بشئ لأن الضرر المنقطع يجب أيضا إزالته عقلا وشرعا
كالدائم فكيف وجبت الشفعة لإزالة أحدهما دون الآخر؟ - على أن فيما عدا الأرضين
ما يدوم كدوامها ويدوم الضرر بالشركة فيه لدوامه كالجواهر وغيرها.
ومن أصحابنا من قال: لا يثبت حق الشفعة إلا فيما يحتمل القسمة شرعا من العقار
والأرضين ولا يثبت فيما لا يحتمل القسمة من ذلك كالحمامات والأرحية ولا فيما لا ينقل ويحول
إلا على وجه التبع للأرض كالشجر والبناء.
والشفعة مستحقة على المشتري دون البائع وعليه الدرك للشفيع بدليل إجماع
الطائفة، ولأنه قد ملك بالعقد والشفيع يأخذ منه ملكه بحق الشفعة فيلزمه دركه.
وإذا كان الشريك غير كامل العقل فلوليه أو الناظر في أمور المسلمين المطالبة له
بالشفعة بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بقوله ع: الشفعة فيما لم
يقسم، ولم يفصل، وإذا ترك الولي ذلك فللصغير إذا بلغ والمجنون إذا عقل المطالبة
بدليل الاجماع المتكرر ولأن ذلك حق له لا للولي وترك الولي لاستيفائه لا يؤثر في إسقاطه.
وإذا غرس المشتري وبنى ثم علم الشفيع بالشراء وطالب بالشفعة كان له إجباره
على قلع الغرس والبناء إذا رد عليه ما نقص من ذلك بالقلع، لأن المشتري فعل ذلك في ملكه
فلم يكن متعديا فاستحق ما ينقص بالقلع، ولأنه لا خلاف في أن له المطالبة بالقلع إذا رد
ما نقص به ولا دليل على وجوب المطالبة إذا لم يرد.
وإذا استهدم المبيع لا بفعل المشتري أو هدمه هو قبل علمه بالمطالبة بالشفعة فليس
للشفيع إلا الأرض والآلات، وإن هدمه بعد العلم بالمطالبة فعليه رده إلى ما كان بدليل
337

الاجماع المشار إليه.
وإذا عقد المشتري البيع على شرط البراءة من العيوب أو علم بالعيب ورضي به لم
يلزم الشفيع ذلك بل متى علم بالعيب رد المشتري إن شاء.
وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في مبلغ الثمن وفقدت البينة فالقول قول المشتري
مع يمينه بدليل الاجماع المتكرر.
وحق الشفعة موروث عند بعض أصحابنا لعموم آيات الميراث وعند بعضهم لا تورث.
338

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
باب الشفعة:
الشفعة تجب لأحد الشريكين عند انتقال نصيب شريكه عنه بسبعة شروط: أحدهما:
أن ينتقل عنه بالبيع.
والثاني: أن يباع بذوات الأمثال من الثمن.
والثالث: الخلطة في نفس المبيع أو في حقوقه من الطريق، والنهر والساقية إذا لم
يقتسمها بالمهاياة.
والرابع: أن يقبل المبيع القسمة إذا كان ضيعة أو عقارا.
والخامس: أن يكون المبيع بين اثنين.
والسادس: أن يكون الشفيع مسلما إذا كان المبتاع مسلما.
والسابع: المطالبة بها على الفور.
وتسقط بثلاثة عشر شيئا: بانتقال الملك بغير البيع وبذوات القيمة وبزيادة الشريك
على اثنين وبتمييزه بجميع الحقوق وبإشراع باب المبيع إلى موضع آخر إذا وجبت الشفعة
بالاشتراك في الطريق، وبأن يكون الشريك كافرا والمبتاع مسلما وبقسمة الساقية بالمهاياة
وبتبريك الشفيع على المتبايعين أو على أحدهما، وبأن يشهد على البيع وأن يسكت عن
طلب الشفعة مختارا وبإبائه عن الابتياع إذا عرض عليه بثمن معين وبيع بأكثر منه أو بمثله
وإذا عرض عليه بالبيع من فلان، وبيع منه وبيع نصيبه بعد ما علم بثبوت الشفعة قبل
المطالبة بها، ويعجز الشفيع عن الثمن وبالمدافعة بالثمن.
339

وإنما تجب الشفعة على المبتاع ويلزمه الثمن على حد ما يلزم المبتاع ويلزمه الغائب
والطفل والوقف إذا كان غبطة له، وللشفيع أن يمنع من الإقالة والرد بالعيب وأن يفسخ
البيع إذا باع ما ابتاعه إذا علم به وهو مخير بين إبطال البيع والشفعة على المبتاع الأول،
والرضى بالبيع والشفعة على المبتاع الثاني، والشفعة لا تورث كالأموال.
340

إصباح الشيعة
كتاب الشفعة
الشفعة عبارة عن استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل
ما بذل فيه أو قيمته. وهي مأخوذة من الزيادة لأن سهم الشريك يزيد ينضم إليه فكأنه كان
وترا فصار شفعا.
ويحتاج إلى معرفة شروط استحقاقها وأحكامها.
أما الشروط فستة وهي: أن يتقدم عقد بيع ينتقل منه الملك إلى المشتري، وأن يكون
الشفيع شريكا بالاختلاط في المبيع أو في حقه من شربه أو طريقه، وأن يكون واحدا، وأن
يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك، وأن لا يسقط حق المطالبة، ولا يعجز عن الثمن.
اشترطنا تقدم عقد البيع لأن الشفعة لا تستحق قبله ولا تستحق بما ليس ببيع من هبة
أو صدقة أو مهر زوجة أو مصالحة وما أشبه ذلك، واعتبرنا أن ينتقل الملك معه إلى المشتري
تحرزا من البيع الذي فيه الخيار للبائع أو له و للمشتري معا فإن الشفعة لا تستحق هاهنا لأن
الملك لم يزل عن البائع، فأما ما لا خيار فيه أو فيه الخيار للمشتري وحده ففيه الشفعة لأن
الملك قد زال به عنه، واشترطنا أن يكون شريكا للبائع تحرزا من القول باستحقاقها
بالجوار فإنه لا يستحق بذلك، واشترطنا أن يكون واحدا لأن الشئ إذا كان مشتركا بين
أكثر من اثنين فباع أحدهم لم يستحق شريكه الشفعة عند أكثر أصحابنا، وعلى هذا إذا
كان الشريك واحدا ووهب بعض السهم أو تصدق به وباع الباقي للموهوب له أو المتصدق
عليه لم يستحق الشفعة، واشترطنا أن يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك تحرزا من الذمي
341

لأنه لا يستحق على مسلم شفعة، واشترطنا أن يكون لا يسقط حق المطالبة لأنه أقوى من
قول من يذهب إلى أن حق الشفعة على الفور ويسقط بتأخير الطلب مع القدرة عليه لأن ذلك
هو الأصل في كل حق عقلا وشرعا ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل قاطع، واشترطنا عدم عجزه
عن الثمن لأنه إنما يملك الأخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذل للبائع فإذا تعذر عليه ذلك سقط
حقه من الشفعة وسواء كان عجزه لكونه معسرا أو لكون ما وقع عليه العقد أو بعضه غير
معلوم القيمة وقد فقدت عينه، وروى أصحابنا أن حكمه كذا متى لم يحضر الثمن من
البلد الذي هو فيه حتى مضت ثلاثة أيام ومتى ادعى إحضاره من حضر آخر فلم يحضر
حتى مضت مدة يمكن فيها وصول الثمن وزيادة ثلاثة أيام هذا ما لم يؤد الصبر عليه إلى
ضرر، فإن أدى إلى ذلك بطلت الشفعة، وإذا كان الثمن مؤجلا فهو على الشفيع كذلك
ويلزمه إقامة كفيل به إذا لم يكن مليا، وهذا لا يتفرع على مذهب من قال من أصحابنا أن
حق الشفعة لا يسقط بالتأخير.
وإذا حط البائع من الثمن بعد لزوم العقد فهو للمشتري خاصة ولم يسقط عن
الشفيع لأنه إنما يأخذ الشقص بالثمن الذي انعقد البيع عليه وما يحط بعد ذلك هبة مجددة
لا دليل على لحوقها بالعقد.
إذا تكاملت شروط استحقاق الشفعة استحقت في كل مبيع من الأرض والحيوان
والعروض كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لا، ومن أصحابنا من قال: لا يثبت حق الشفعة
إلا فيما يحتمل القسمة شرعا من العقار والأرضين لا فيما لا يحتملها كالحمامات والأرحية
ولا فيما لا ينقل ولا يحول إلا على وجه التبع للأرض كالشجر والبناء.
والشفعة مستحقة على المشتري دون البائع وعليه الدرك للشفيع. وإن لم يقبض
المشتري المبيع قبض الشفيع وكان قبضه بمنزلة قبض المشتري، وإذا كان الشريك غير
كامل العقل فلوليه والناظر في أمور المسلمين المطالبة له بالشفعة وإذا ترك الولي ذلك
فللصغير إذا بلغ والمجنون إذا عقل المطالبة. وإذا غرس المشتري وبنى ثم علم الشفيع
بالشراء وطالب بالشفعة كان له إجباره على قلع الغرس والبناء إذا رد عليه ما نقص من
ذلك بالقلع، وإذا استهدم المبيع لا بفعل المشتري أو هدمه هو قبل علمه بالمطالبة من ذلك
342

بالشفعة فليس للشفيع إلا الأرض والآلات، وإن هدمه بعد العلم بالمطالبة فعليه رده إلى ما كان،
وإذا عقد المشتري البيع على شرط البراءة من العيوب أو علم بالعيب ورضي به لم يلزم
الشفيع ذلك بل متى علم بالعيب رده على المشتري إن شاء، وإذا اختلف المتبايعان
والشفيع في مبلغ الثمن وفقدت البينة فالقول قول المشتري مع يمينه.
وحق الشفعة موروث عند بعض أصحابنا لعموم آيات الميراث، وعند بعضهم
لا يورث لأن الشفعة في المعاوضة عند أكثر أصحابنا. وتثبت الشفعة للغائب. ومتى ثبتت
الشفعة للشفيع ولم يعلم بها إلا بعد استقالة البائع المشتري فأقاله كان للشفيع اسقاط
الإقالة ورد الشقص إلى المشتري وأخذ بالشفعة.
إذا اشترى شقصا واستحق الشفيع الشفعة فأصابه نقض وهدم قبل أخذ الشفيع
كان بالخيار بين أخذه ناقصا بكل الثمن وبين تركه إن كان بآفة سماوية وإن كان بفعل
آدمي أخذ الشفيع العرصة بحصتها.
إذا أخذ الشفيع الشقص من المشتري فليس لهما خيار المجلس لأنه ليس ببيع. ومتى
صالح المشتري الشفيع على ترك الشفعة بعوض بعد ثبوتها جاز.
إذا بلغ الشفيع أن الثمن دنانير أو حنطة فعفا فكانت دراهم أو شعيرا أو غيرهما لم
تسقط الشفعة.
إذا بيع بعض الدار بدين ميت لم تثبت الشفعة لورثته لأن ملك الورثة كالمتأخر عن البيع
لأنه حادث بعد موته، وكذا إذا أوصى ببيع بعض الدار والتصدق بثمنه فلا شفعة لورثته،
وكذلك إذا كانت دارا بين ثلاثة شركاء أثلاثا فاشتر أحدهم نصيب أحد شريكيه
فالمشتري والشريك الآخر في المبيع شريكان يملك المشتري نصفه بالبيع ويملك الآخر
نصفه بالشفعة، هذا على قول من يثبت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين، وإن كان
المشتري أجنبيا استحق الشريكان ما اشتراه بالشفعة.
343

السرائر
باب الشفعة وأحكامها:
الشفعة في الشرع عبارة عن استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل
ما بذل فيه أو قيمته،
على الصحيح من أقوال أصحابنا لأن بعضهم يذهب ويقول: إذا كان الثمن مما لا مثل له فلا
يستحق الشفعة، والأول هو الأظهر بينهم.
وهي مأخوذة من الزيادة لأن سهم الشريك يزيد بما ينضم إليه وكأنه كان وترا فصار
شفعا ويحتاج فيها إلى العلم بأمرين: شروط استحقاقها وما يتعلق بها من الأحكام. فشروط
استحقاقها ستة: وهي أن يتقدم عقد بيع ينتقل معه الملك إلى المشتري، وأن يكون الشفيع
شريكا بالاختلاط في المبيع أو في حقه من شربه أو طريقه إذا بيع الملك والطريق معا
لواحد، وأن يكون الشريك واحدا على الصحيح من المذهب سواء كان في البساتين أو في
الدور، وأن يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك، وإلا يسقط حق المطالبة بعد عقد البيع
ووجوبها له، ولا يعجز عن الثمن.
اشترطنا تقدم عقد البيع لأن الشفعة لا يستحق قبله بلا خلاف ولا تستحق بما ليس
ببيع من هبة أو صدقة أو مهر أو مصالحة أو ما أشبه ذلك، بدليل إجماع أصحابنا عليه ولأن
إثبات الشفعة في المهر والصلح والهبة وغير ذلك يفتقر إلى دليل شرعي وليس في الشرع
ما يدل عليه.
واعتبرنا أن ينتقل الملك معه إلى المشتري تحرزا من البيع الذي فيه الخيار للبائع أو لهما
344

جميعا، فإن الشفعة لا تستحق ههنا لأن الملك لم تزل علقته عن البائع، فأما ما لا خيار فيه أو
فيه الخيار للمشتري وحده ففيه الشفعة لأن الملك قد زال عنه.
هذا على قول شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه والذي يقتضيه المذهب ويشهد بصحة أصوله أن
الشفعة يستحقها الشفيع على المشتري بانتقال الملك إليه، والملك عند جميع أصحابنا ينتقل من
البائع إلى المشتري بمجرد العقد لا بمضي الخيار ومدته وتقضي الشرط بل بمجرد العقد، وإنما ذلك
مذهب الشافعي وفروعه فإن له ثلاثة أقوال: أحدها بمجرد العقد والآخر بانقضاء مدة الخيار
والآخر مشاعا. وشيخنا فقد رجع وقال: ينتقل الملك بمجرد العقد فإذا قال ذلك ثبتت الشفعة.
واشترطنا أن يكون شريكا للبائع تحرزا من القول باستحقاقها بالجوار فإنها لا تستحق
بذلك عندنا.
بدليل إجماعنا ونحتج على المخالف بما روي من قوله ع: الشفعة فيما لم تقسم فإذا وقعت
الحدود فلا شفعة، ولا يعارض ذلك بما روي من قوله ع: الجار أحق بسقبه، لأن في
ذلك إضمارا وإذا أضمروا أنه أحق بالأخذ بالشفعة أضمرنا أنه أحق بالعرض عليه، ولأن المراد
بالجار في الخبر الشريك لأنه خرج على سبب يقتضي ذلك، فروى عمرو بن الشريد عن أبيه
قال: بعت حقا من أرض لي فيها شريك، فقال شريكي: أنا أحق بها، فرفع ذلك إلى النبي
ص، فقال: الجار أحق بسقبه، والزوجة تسمى جارا لمشاركتها الزوج في العقد.
قال الأعشى: أيا جارتي بيني فإنك طالقة، وهي تسمى بذلك عقيب العقد وتسمى به وإن
كانت بالشرق والزوج بالغرب، وليس لأحد أن يقول إنما سميت بذلك لكونها قريبة مجاورة
فقد صار اسم الجار يقع على الشريك لغة وشرعا.
واشترطنا أن يكون واحدا لأن الشئ إذا كان مشتركا بين أكثر من اثنين فباع أحدهم
لم يستحق شريكه الشفعة، بدليل الاجماع من أصحابنا ولأن حق الشفعة حكم شرعي
يفتقر ثبوته إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدل على ذلك ههنا، وعلى هذا إذا كان
الشريك واحدا ووهب بعض السهم أو تصدق به وباع الباقي للموهوب له والمتصدق عليه لم
يستحق فيه الشفعة.
345

واشترطنا أن يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك تحرزا من الذمي لأنه لا يستحق
على مسلم شفعة، بدليل إجماع أصحابنا وأيضا قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا، وبما روي عنه ع من قوله: لا شفعة لذمي على مسلم.
واشترطنا ألا يسقط حق المطالبة لأن بعض أصحابنا يقول: حق الشفعة على الفور
ويسقط بتأخير الطلب مع القدرة عليه، وبعضهم يذهب إلى: أنه لا يسقط مع القدرة والعلم
وتأخير الطلب.
وهذا هو الأظهر بين الطائفة ويعضده أن الحقوق في أصول الشريعة وفي العقول أيضا لا تبطل
بالإمساك عن طلبها فكيف خرج حق الشفعة عن أصول الأحكام العقلية والشرعية وهو اختيار
المرتضى والأول اختيار شيخنا أبي جعفر.
واشترطنا عدم عجزه عن الثمن لأنه إنما يملك الأخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله للبائع
فإذا تعذر عليه ذلك سقط حقه من الشفعة، وإذا كان الثمن مؤجلا فهو على الشفيع كذلك
ويلزمه إقامة كفيل به إذا لم يكن مليا.
وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وذهب في مسائل خلافه إلى: أن للشفيع المطالبة بالشفعة
وهو مخير بين أن يأخذه في الحال ويعطي ثمنه حالا وبين أن يصبر إلى سنة ويطالب بالثمن
الواجب عندها. والذي يقوى عندي ما ذكره في نهايته.
ومتى طالب بالشفعة فيما له فيه المطالبة بها وجب عليه من الثمن مثل الذي انعقد عليه
البيع من غير زيادة ولا نقصان، فإن كان الشئ بيع نقدا وجب عليه الثمن نقدا فإن دافع
ومطل أو عجز عنه بطلت شفعته، فإن ذكر غيبة المال عنه أجل بمقدار ما يمكن وصول ذلك
المال إليه ما لم يؤد إلى ضرر على البائع المأخوذ منه فإن أدى إلى ضرره بطلت الشفعة، فإن
بيع الشئ نسيئة فقد ذكرناه، وإذا حط البائع من الثمن الذي انعقد عليه الإيجاب
والقبول فهو للمشتري خاصة وسواء حط ذلك عنه قبل التفرق من المجلس أو بعده ولم يسقط
عن الشفيع لأنه إنما يأخذ الشقص بالثمن الذي انعقد عليه البيع، وما يحط بعد ذلك عنه
مجددة لا دليل على لحوقها بالعقد.
346

وإذا تكاملت شروط استحقاق الشفعة استحقت في كل مبيع من الأرضين والحيوان
والعروض سواء كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لم يكن.
على الأظهر من أقوال أصحابنا، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته في أول باب الشفعة لأنه
قال: كل شئ كان بين شريكين من ضياع أو عقار أو حيوان أو متاع ثم باع أحدهما نصيبه
كان لشريكه المطالبة بالشفعة. ثم عاد في أثناء الباب المذكورة وقال: ولا شفعة فيما لا يصح
قسمته مثل الحمام والأرحية وما أشبههما، وإلى هذا ذهب في مسائل خلافه واستدل بأدلة فيها
طعون واعتراضات كثيرة.
والدليل على صحة ما اخترناه الاجماع من المسلمين على وجوب الشفعة لأحد الشريكين إذا باع
شريكه ما هو بينهما وعموم الأخبار في ذلك والأقوال، والمختص يحتاج إلى دليل وتمسك من
قال من أصحابنا بما رواه المخالف من قوله ع: الشفعة فيما لم يقسم، دليل لنا لا علينا
لأنه قال ع: فيما لم يقسم، والأشياء المخالف فيها لم تقسم وقولهم: أراد أن ما لم تتقدر
القسمة فيه لا شفعة فيه، قول بعيد من الصواب لأن ذلك دليل الخطاب وهو عندنا لا يجوز العمل
به على أنه يقال لهم: إذا كنتم تذهبون إلى أن الشفعة وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع وكان هذا
المعنى حاصلا في سائر المبيعات لزمكم القول بوجوب الشفعة فيها، وقولهم: من صفة الضرر
الذي تجب الشفعة لإزالة أن يكون حاصلا على جهة الدوام وهذا لا يكون إلا في الأرضين،
ليس بشئ لأن الضرر المنقطع يجب أيضا إزالته عقلا وشرعا كالدائم، فكيف وجبت الشفعة
لإزالة أحدهما دون الآخر؟ على أن فيما عدا الأرضين ما يدوم كدوامها ويدوم الضرر بالشركة فيه
لدوامه كالجواهر وغيرها.
وفي أصحابنا من قال: لا يثبت حق الشفعة إلا فيما تحمل القسمة شرعا من العقار والأرضين ولا
يثبت فيما لا يحتمل القسمة من ذلك كالحمامات والأرحية - على ما قدمناه وحكيناه عنهم - ولا
فيما ينقل ويحول إلا على وجه التبع للأرض كالشجر والبناء.
والصحيح أن الشفعة تجب في كل مبيع إذا تكاملت شروط الشفعة،
وهو مذهب السيد المرتضى وغيره من المشيخة. وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى: أن
347

كل ما ينقل ويحول لا شفعة فيه، واحتج بخبر واحد يرويه مخالف أهل البيت ع.
والشفعة مستحقة على المشتري دون البائع وعليه الدرك للشفيع، بدليل إجماع الطائفة
على ذلك ولأنه قد ملك العقد والشفيع يأخذ منه ملكه بحق الشفعة فيلزمه دركه، وإذا كان
الشريك غير كامل العقل فلوليه أو الناظر في أمور المسلمين المطالبة بالشفعة إذا رأى ذلك
صلاحا له، ويحتج على المخالف بقوله ع: الشفعة فيما لم يقسم ولم يفصل. وإذا ترك
الولي ذلك فللصغير إذا بلغ والمجنون إذا عقل المطالبة لأن ذلك حق له لا للولي، وترك
الولي استيفاؤه لا يؤثر في إسقاطه.
وإذا غرس المشتري وبنى، ثم علم الشفيع بالشراء وطالب بالشفعة كان له إجباره على
قلع الغرس والبناء إذا رد عليه ما نقص من ذلك بالقلع، لأن المشتري فعل ذلك في ملكه
فلم يكن متعديا فاستحق ما ينقص بالقلع، ولأنه لا خلا ف في أن له المطالبة بالقلع إذا رد
ما نقص به ولا دليل على وجوب المطالبة إذا لم يرد، وإذا استهدم المبيع لا بفعل المشتري أو
هدمه هو قبل علمه بالمطالبة بالشفعة فليس للشفيع إلا الأرض والآلات، وإن هدمه بعد
العلم بالمطالبة فعليه رده إلى ما كان.
وإذا عقد المشتري البيع على شرط البراءة من العيوب أو علم بالعيب ورضي به لم يلزم
الشفيع ذلك بل متى علم بالعيب يرد على المشتري إن شاء، وإذا اختلف المتبايعان والشفيع
في مبلغ الثمن وفقدت البينة فالقول قول المشتري مع يمينه لأن الشئ ينتزع من يده وهو
مدعى عليه فالقول قوله، فإن شهد البائع للشفيع لا تقبل شهادته لأن في شهادته دفع ضرر
عن نفسه، لأنه ربما خرج المبيع مستحقا فرجع بالدرك عليه بالثمن فيريد أن يقلله، لذلك
فإن أقام كل واحد من المشتري والشفيع بينة فالبينة المسموعة المحكوم بها بينة الخارج
المدعي شرعا وهو الشفيع.
وقال بعض أصحابنا: البينة المسموعة في ذلك بينة المشتري، والأظهر الأول لأنه الذي يقتضيه
أصول المذهب لأن الرسول ع قال: البينة على المدعي، فجعل البينة في جنبة المدعي
والشفيع هو المدعي لتقليل الثمن والمشتري منكر لذلك.
348

وحق الشفعة موروث،
على الأظهر من أقوال أصحابنا لعموم آيات الميراث، لأنه إذا كان حقا للميت يستحقه وارثه
مثل سائر الحقوق لعموم الآيات، ومن أخرج شيئا منها فعليه الدلالة وهو مذهب المرتضى
وشيخنا المفيد في مقنعته وجلة أصحابنا.
وذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته إلى أنها لا تورث وكذلك ذهب في مسائل خلافه في كتاب
الشفعة إلا أنه رجع في مسائل الخلاف في الجزء الثاني في كتاب البيوع إلى أنها تورث كسائر
الحقوق، فقال: مسألة: خيار الثلاث موروث كان لهما أو لأحدهما ويقوم الوارث مقامه ولا
ينقطع الخيار لوفاته، وكذلك إذا مات الشفيع قبل الأخذ بالشفعة قام وارثه مقامه وهكذا في
خيار الوصية إذا أوصي له بشئ ثم مات الموصي كان الخيار في القبول إليه فإن مات قام وارثه
مقامه ولم ينقطع الخيار بوفاته، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة: كل هذا ينقطع بالموت
فلا يقوم الوارث مقامه، وقال في البيع: يلزمه البيع بموته ولا خيار لوارثه، وبه قال الثوري وأحمد،
دليلنا أن هذا الخيار إذا كان حقا للميت يجب أن يرثه مثل سائر الحقوق لعموم الآية، ومن
أخرج شيئا منها فعليه الدلالة، هذا آخر كلامه رحمه الله في المسألة.
ومن ذهب من أصحابنا إلى أنها لا تورث لا حجة له وإنما يتمسك بأخبار آحاد ضعيفة لا توجب
علما ولا عملا فكيف يترك لها الأدلة والإجماع؟ وقد قلنا إنه إذا زاد الشركاء على اثنين بطلت
الشفعة، وكذلك إذا تميزت الحقوق وتحيزت وتجددت بالقسمة.
ومتى شهد الشفيع عقد البيع لم تبطل شفعته إذا طالب بها بعد العقد على الفور كما
قدمناه.
ومتى عرض البائع الشئ على صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده فباعه من غيره
بذلك الثمن أو زائدا عليه لم يكن لصاحب الشفعة المطالبة بها على ما روي، وإن باع بأقل
من الذي عرض عليه كان له المطالبة بها.
والأولى أن يقال: أن على جميع الأحوال للشفيع المطالبة بها لأنه إنما يستحقها بعد البيع ولا حق
له قبل البيع، فإذا عفا قبله فما عفا عن شئ يستحقه فله إذا باع شريكه أحدها لأنه تجدد له حق
349

فلا دليل على إسقاطه، وقبل البيع فما أسقط شيئا يستحقه فليلحظ ذلك.
وكذلك إذا كانت الدار بين شريكين فقال الشفيع للمشتري: اشتر نصيب شريكي
فقد نزلت عن الشفعة وتركتها لك، ثم اشترى المشتري ذلك على هذا لا يسقط شفعته بذلك
وله المطالبة لأنه إنما يستحق الشفعة بعد العقد، فإذا عفا قبل ذلك لم يصح لأنه يكون قد عفي
عما لم يجب له ولا يملكه فلا يسقط حقه حين وجوبه، وكذلك الورثة إذا عفوا عما زاد على
الثلث في الوصية قبل موت الوصي ثم مات بعد ذلك فلهم الرجوع لمثل ما قلناه على
الصحيح من المذهب.
إذا كانت الشفعة قد وجبت للشفيع ولم يعلم بها حتى تقايلا هل للشفيع إبطال الإقالة
ورد المبيع إلى المشتري وأخذ ذلك بالشفعة أم لا؟ للشفيع ذلك لأن حق الشفعة ثبت على
وجه لا يمكن ولا يملك المتعاقدان إسقاطه.
إذا ادعى البائع البيع وأنكر المشتري وحلف فإن الشفعة ثابتة وللشفيع أخذها من
البائع، لأنه معترف بحقين الواحد منهما عليه وهو حق الشفعة والآخر على المشتري فلا يقبل
قوله على المشتري لأن الحق له، وقبلنا قوله للشفيع لأنه حق عليه.
هكذا أورده شيخنا في مسائل خلافه واختاره وقواه وهو قول المزني وتفريعه، وقال ابن شريح
أبو العباس: لا شفعة لأنها إنما ثبتت بعد ثبوت المشتري.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا الذي تقتضيه أصول أصحابنا ومذهبهم،
لأن الشفعة لا تستحق إلا بعد ثبوت البيع ويستحقها ويأخذها الشفيع من المشتري دون البائع،
والبيع ما صح ولا وقع ظاهرا ولا يحل لحاكم أن يحكم بأن البيع حصل وانعقد، فكيف يستحق
الشفعة في بيع لم يثبت عند الحاكم؟ وكيف يأخذها من البائع؟ وأيضا الأصل ألا شفعة فمن
أثبتها يحتاج إلى دليل قاطع هاهنا في هذا الموضع، وهذه مسألة حادثة نظرية لا يرجع فيها إلى قول
بعض المخالفين بل يحتاج إلى تأمل وأن ترد إلى أصل المذهب وما تقتضيه أصول أصحابنا فليلحظ
ذلك.
وإذا كان الشفيع وكيلا في البيع للبائع أو وكيلا في الشراء للمشتري فإنه يستحق
350

الشفعة ولا تسقط بوكالته لأنه لا مانع من وكالته لهما ولا دليل في الشرع يدل على سقوط حقه
من الشفعة بذلك.
إذا اشترى شقصا وقبض منه بالشفعة وظهر بعد ذلك أن الدنانير التي دفعها البائع إلى
المشتري ثمنا للشقص ليست للمشتري بل هي لغيره، فإنه لا يخلو الشراء من أن يكون بثمن
معين أو بثمن في الذمة،
فإن كان بثمن معين مثل أن يقول المشتري للبائع: بعني بهذه الدنانير، فالشراء لا يصح
لأن الأثمان عندنا تتعين كالثياب، فإذا كان الشراء لا يصح بطلت الشفعة لأن الشفيع
إنما يملك من المشتري ما يملك ولم يملك هاهنا شيئا لأن البيع لم يصح.
وإن كان الشراء بثمن في ذمة المشتري فهو والشفعة صحيحان ماضيان، ويأخذ
المستحق الثمن ويطالب البائع المشتري بالثمن لأن الثمن في ذمته فإذا دفع إليه ما لا يملك
لم تبرأ ذمته وكان للبائع مطالبته بالثمن.
قد ذكرنا أنه إذا أسقط البائع عن المشتري بعض الثمن وانحط ذلك عنه لا ينحط عن
الشفيع سواء أسقطه قبل انقضاء مدة خيار المجلس أو خيار الشرط أو بعد ذلك بغير تفصيل،
لأن الشفيع يأخذ الشفعة بما انعقد عليه العقد.
وقال بعض أصحابنا: لا يخلو من أن يكون قبل لزوم العقد أو بعده، فإن كان قبل لزومه مثل أن
حط عنه في مدة خيار المجلس أو الشرط كان ذلك حطا من حق المشتري والشفيع لأن الشفيع
يأخذ الشقص بالثمن الذي يستقر عليه العقد، وهذا هو الذي استقر العقد عليه، وإن كان الحط
بعد انقضاء الخيار ولزوم العقد وثبوته لم يلحق بالعقد ويكون هبة مجددة من البائع للمشتري.
والذي اخترناه هو الصحيح الذي تقتضيه أصول المذهب، واستدلال هذا المستدل بأن الشفيع
يأخذ الشقص بالثمن الذي يستقر عليه العقد غير صحيح، لأنا قد بينا أن الشفيع يأخذ الشقص
بالثمن الذي انعقد به العقد لأن الحط هبة من البائع على كل حال.
إذا اختلف شريكان في دار ويدهما عليها فقال الواحد منهما للآخر: ملكي فيها قديم
وأنت مبتاع لما في يدك الآن منها وأنا استحقه عليك بالشفعة، فأنكر ذلك كان القول قول
351

المنكر مع يمينه ولا يستحلف إلا على أنه لا يستحق ذلك عليه بالشفعة ولا يحلف على أنه
ابتاعه لأنه يمكن أن يكون اشتراه ثم سقطت الشفعة بعد ذلك.
وإذا اشترى انسان شقصا ووجد به عيبا وأراد رده على البائع فللشفيع منعه من ذلك،
لأن حق الشفيع أسبق لأنه وجب بالعقد وحق الرد بالعيب بعده لأنه وجب في وقت العلم
به بالعيب، فإن لم يعلم الشفيع بذلك حتى رده المشتري بالعيب كان له إبطال
الرد والمنع من الفسخ لأنه تصرف فيما فيه إبطال الشفعة كما قدمناه إذا تقايلا.
إذا اشترى انسان من غيره شقصا من أرض أو دار بمملوك وقبض الشقص ولم يسلم
المملوك فللشفيع الأخذ بقيمة المملوك، فإن قبضه ثم هلك المملوك قبل تسليمه إلى البائع
بطل البيع ولم تبطل الشفعة في الشقص لأن الشفيع استحقها قبل موت المملوك وهلاكه
وقبل بطلان العقد ولزمه للبائع قيمة الشقص وقت قبضه، ووجب على الشفيع للمشتري
قيمة المملوك في وقت البيع الذي كان فيه بيعه لأن ثمن الشقص إذا لم يكن له مثل وجبت
القيمة فيه في وقت البيع.
على الصحيح من أقوال أصحابنا على ما قدمناه، وقد يوجد في أبواب الشفعة وفي الحديث: وأي
مال اقتسم وأرف عليه فلا شفعة فيه. معنى أرف بضم الألف وتشديد الراء الغير معجمة أي
أعلم عليه لأن الأرفة على وزن عرفة، العلامة والحد وجمعها أرف مثل غرفة وغرف.
لا يأخذ الشفيع الشفعة من البائع أبدا لأنه إنما يستحق الأخذ بعد تمام العقد ولزومه
وإبرامه وثبوته بالملك حينئذ للمشتري، فوجب أن يكون الأخذ من مالكه لا من غيره.
إذا أخذ الشفيع الشقص فلا خيار للمشتري خيار المجلس بلا خلاف، ولا خيار أيضا
للشفيع لأنه أخذه بالشفعة لا بالبيع، وإلحاق ذلك بالبيع قياس.
إذا وجبت له الشفعة وصالحه المشتري على تركها بعوض صح وبطلت الشفعة لأن
الصلح جائز بين المسلمين.
إذا بلغ الشفيع أن الثمن دنانير فعفا وكان دراهم أو حنطة وكان شعيرا لم تبطل شفعته.
ذهب بعض أصحابنا بأن لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون
352

فيها على المساكين أو على المساجد ومصالح المسلمين، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصي
وولي له أن يطالب بشفعته،
وهو اختيار السيد المرتضى، وذهب الأكثرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك.
والذي ينبغي تحصيله أن الوقف إذا كان على جماعة المسلمين أو على جماعة، فمتى باع صاحب
الطلق فليس لأصحاب الوقف الشفعة ولا لواليه ذلك لأن الشركاء زادوا على اثنين، فإن كان
الوقف على واحد صح ذلك.
353

شرائع الاسلام المقصد الثاني:
في الشفيع:
وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن: ويشترط فيه
الاسلام إذا كان المشتري مسلما، فلا تثبت الشفعة للجار بالجوار ولا
فيما قسم وميز إلا مع الشركة في طريقه أو نهره وتثبت بين الشريكين،
وهل يثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال أحدهما نعم، وتثبت مطلقا
على عدد الرؤوس، والثاني تثبت في الأرض مع الكثرة ولا تثبت في
العبد إلا للواحد، والثالث لا تثبت في شئ مع الزيادة عن الواحد وهو
أظهر.
وتبطل الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن وبالمماطلة وكذا لو هرب،
ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت شفعته، فإن
ذكر أن المال في بلد آخر أجل بمقدار وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام ما لم
يتضرر المشتري، وتثبت للغائب والسفيه وكذا للمجنون والصبي ويتولى
الأخذ وليهما مع الغبطة، ولو ترك المولى المطالبة فبلغ الصبي أو أفاق
المجنون فله الأخذ لأن التأخير لعذر، وإن لم يكن في الأخذ غبطة فأخذ
المولى لم يصح.
354

وتثبت الشفعة للكافر على مثله ولا تثبت له على المسلم ولو اشتراه
من ذمي، وتثبت للمسلم على المسلم والكافر، وإذا باع الأب أو الجد
عن اليتيم شقصه المشترك معه جاز أن يشفعه وترتفع التهمة لأنه لا يزيد
عن بيع ماله من نفسه، وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ: لا، لمكان
التهمة، ولو قيل بالجواز كان أشبه كالوكيل، وللمكاتب الأخذ بالشفعة
ولا اعتراض لمولاه، ولو ابتاع العامل في القراض شقصا وصاحب المال
شفيعه فقد ملكه بالشراء لا بالشفعة، ولا اعتراض للعامل إن لم يكن ظهر
فيه ربح وله المطالبة بأجرة عمله.
فروع:
على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء، وهي عشر:
الأول: لو كان الشفعاء أربعة فباع أحدهم وعفي آخر فللآخرين
أخذ المبيع، ولو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما لأن الشفعة
لإزالة الضرر وبأخذ البعض يتأكد، ولو كان الشفعاء غيبا فالشفعة لهم،
فإذا حضر واحد وطالب فإما أن يأخذ الجميع أو يترك لأنه لا شفيع الآن
غيره، ولو حضر آخر أخذ من الآخر النصف أو ترك، فإن حضر الثالث
أخذ الثلث أو ترك، وإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك.
الفرع الثاني: لو امتنع الحاضر أو عفي لم تبطل الشفعة وكان
للغائب أخذ الجميع، وكذا لو امتنع ثلاثة أو عفوا كانت الشفعة بأجمعها
للرابع إن شاء.
الفرع الثالث: إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم ثم حضر الآخر فطالب فسخ القسمة وشارك الأول وكذا لو رده الشفيع الأول
بعيب ثم حضر الآخر كان له الأخذ لأن الرد كالعفو.
355

الفرع الرابع: لو استغلها الأول ثم حضر الثاني شاركه في الشقص
دون الغلة.
الخامس: لو قال الحاضر لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل
شفعته لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك وفيه تردد.
السادس: لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه
ودفع إليه النصف مما دفع إلى البائع ثم خرج الشقص مستحقا كان دركه
على المشتري دون الشفيع الأول لأنه كالنائب عنه في الأخذ.
السابع: لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه استحق
الشفعة الثالث دون المشتري لأنه لا يستحق شيئا على نفسه، وقيل:
يكون بينهما، ولعله أقرب.
الثامن: لو باع اثنان من ثلاثة صفقة فللشفيع أخذ الجميع وأن
يأخذ من اثنين ومن واحد لأن هذه الصفقة بمنزلة عقود متعددة، ولو كان
البائع واحدا من اثنين كان له أن يأخذ منهما ومن أحدهما، ولو باع اثنان
من اثنين كان ذلك بمنزلة عقود أربعة، فللشفيع أن يأخذ الكل وأن يعفو
وأن يأخذ الربع أو النصف أو ثلاثة الأرباع، وليس لبعضهم مع الشفيع
شفعة لانتقال الملك إليهم دفعة فيتساوى الآخذ والمأخوذ منه، فلو باع
الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة فله أن يأخذ الكل وأن يعفو وأن
يأخذ من البعض، فإن أخذ من الأول لم يشاركه الثاني والثالث، وكذا لو
أخذ من الأول والثاني لم يشاركه الثالث، ولو عفي عن الأول وأخذ من
الثاني شاركه الأول، وكذا لو أخذ من الثالث شاركه الأول والثاني
لاستقرار ملكهما بالعفو.
التاسع: لو باع أحد الحاضرين شيئا ولهما شريكان غائبان فالحاضر
هو الشفيع في الحال إذ ليس غيره، فإذا أخذ وقدم أحد الغائبين شارك
356

فيما أخذ الحاضر بالسوية، ولو قدم الآخر شاركهما فيما أخذاه فيكون له
ثلث ما حصل لكل واحد منهما.
العاشر: لو كانت الدار بين أخوين، فمات أحدهما وورثه ابنان،
فباع أحد الوارثين، كانت الشفعة بين العم وابن الأخ، لتساويهما في
الاستحقاق. وكذا لو كان وارث الميت جماعة.
المقصد الثالث
في كيفية الأخذ
ويستحق الشفيع الأخذ بالعقد وانقضاء الخيار، لأنه وقت اللزوم،
وقيل: بنفس العقد وإن لم ينقض الخيار، بناء على أن الانتقال يحصل
بالعقد، وهو أشبه. أما لو كان الخيار للمشتري خاصة، فإنه يستحق
بنفس العقد، لتحقق الانتقال.
وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يدع، ويأخذ
بالثمن الذي وقع عليه العقد، وإن كانت قيمة الشقص أكثر أو أقل. ولا
يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة، أو وكالة، أو غير ذلك من المؤن.
ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار، لم يلحق
الزيادة، بل كانت هبة، ولا يجب على الشفيع دفعها. ولو كانت الزيادة
في زمان الخيار، قال الشيخ: يلحق بالعقد، لأنها بمنزلة ما يفعل في
العقد، وهو يشكل على القول بانتقال الملك بالعقد. وكذا لو حط البائع
من الثمن، لم يلحق بالعقد.
ولا يلزم المشتري دفع الشقص، ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي
وقع عليه العقد. ولو اشترى شقصا وعرضا في صفقة، أخذ الشقص
بحصة من الثمن. ولا يثبت بذلك للمشتري خيار، لأن استحقاق الشفعة
357

تجدد في ملك المشتري، ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا،
كالذهب والفضة وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر، قيل:
يسقط لتعذر المثلية، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد الله ع،
وقيل: يأخذها بقيمة العرض وقت العقد، وهو أشبه.
وإذا علم بالشفعة، فله المطالبة في الحال، فإن أخر لعذر عن
مباشرة الطلب وعن التوكيل فيه، لم تبطل شفعته. وكذا لو ترك لتوهمه
كثرة الثمن فبان قليلا، أو لتوهم الثمن ذهبا فبان فضة، أو حيوانا فبان
قماشا وكذا لو كان محبوسا لحق هو عاجز عنه، وعجز عن الوكالة.
وتجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم، لكن على ما جرت العادة
به غير متجاوز عادته في مشيه. ولو كان متشاغلا بعبادة واجبة أو مندوبة
لم يجب عليه قطعها، وجاز الصبر حتى يتمها. وكذا لو دخل عليه وقت
الصلاة، صبر حتى يتطهر ويصلى متأيدا. ولو علم بالشفعة مسافرا، فإن
قدر على السعي أو التوكيل فأهمل، بطلت شفعته. ولو عجز عنهما لم
يسقط وإن لم يشهد بالمطالبة.
ولا تسقط الشفعة بتقايل المتبايعين، لأن الاستحقاق حصل بالعقد
فليس للمتبايعين إسقاطه، والدرك باق على المشتري. نعم، لو رضي
بالبيع ثم تقايلا، لم يكن له شفعة، لأنها فسخ وليست بيعا. ولو باع
المشتري، كان للشفيع فسخ البيع، والأخذ من المشتري الأول، وله أن
يأخذ من الثاني. وكذا لو وقفه المشتري، أو جعله مسجدا، فللشفيع
إزالة ذلك كله، وأخذه بالشفعة.
والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه، ولا يأخذ من البائع. لكن
لو طالب والشقص في يد البائع، قيل له: خذ من البائع أو دع. ولا
يكلف المشتري القبض من البائع مع امتناعه، وإن التمس ذلك الشفيع.
358

يقوم قبض الشفيع مقام قبضه، ويكون الدرك مع ذلك على المشتري.
وليس للشفيع فسخ البيع. ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع، لم
يصح.
ولو انهدم المبيع أو عاب، فإن كان بغير فعل المشتري، أو بفعله
قبل مطالبة الشفيع، فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والإنقاض
للشفيع باقية كانت في المبيع أو منقولة عنه، لأن لها نصيبا من الثمن.
وإن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة، ضمنها المشتري، وقيل:
لا يضمنها، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ، والأول أشبه.
ولو غرس المشتري أو بنى، فطالب الشفيع بحقه، فإن رضي
المشتري بقلع غراسه أو بنائه فله ذلك، ولا يجب إصلاح الأرض،
وللشفيع أن يأخذ بكل الثمن أو يدع. وإن امتنع المشتري من الإزالة،
كان الشفيع مخيرا بين إزالته ودفع الأرش وبين بذل قيمة الغراس
والبناء، ويكون له مع رضا المشتري، وبين النزول عن الشفعة.
وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعا، كالودي المبتاع مع الأرض
فيصير نخلة، أو الغرس من الشجر يعظم، فالزيادة للشفيع. أما النماء
المنفصل، كسكنى الدار وثمرة النخل، فهو للمشتري. ولو حمل النخل
بعد الابتياع، وأخذ الشفيع قبل التأبير، قال الشيخ رحمه الله: الطلع
للشفيع لأنه بحكم السعف، والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع.
ولو باع شقصين من دارين، فإن كان الشفيع واحدا فأخذ منهما أو
ترك، جاز. وكذا إن أخذ من أحدهما وعفي عن شفعته من الأخرى.
وليس كذلك لو عفي عن بعض شفعته من الدار الواحدة. ولو بان الثمن
مستحقا، فإن كان الشراء بالعين، فلا شفعة لتحقق البطلان. وإن كان
في الذمة، تثبت الشفعة لثبوت الابتياع. ولو دفع الشفيع الثمن، فبان
359

مستحقا، لم تبطل شفعته على التقديرين.
ولو ظهر في المبيع عيب، فأخذ المشتري أرشه، أخذه الشفيع بما
بعد الأرش. وإن أمسكه المشتري معيبا، ولم يبطل بالأرش، أخذه
الشفيع بالثمن أو ترك.
مسائل ست:
الأولى: لو قال: اشتريت النصف بمائة فترك، ثم بان أنه اشترى
الربع بخمسين، لم تبطل الشفعة. وكذا لو قال: اشتريت الربع
بخمسين فترك، ثم بان أنه اشترى النصف بمائة، لم تبطل شفعته لأنه قد
لا يكون معه الثمن الزائد، وقد لا يرغب في المبيع الناقص.
الثانية: إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة، فإن كان عالما
بالثمن صح، وإن كان جاهلا لم يصح. وكذا لو قال: أخذت بالثمن
بالغا ما بلغ، لم يصح مع الجهالة تقصيا من الغرر.
الثالثة: يجب تسليم الثمن أولا، فإن امتنع الشفيع، لم يجب
على المشتري التسليم حتى يقبض.
الرابعة: لو بلغه أن المشتري اثنان، فترك فبان واحدا، أو واحد
فبان اثنين، أو بلغه أنه اشترى لنفسه فبان لغيره، أو بالعكس، لم تبطل
الشفعة لاختلاف الغرض في ذلك.
الخامسة: إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته، فالشفيع
بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال، وبين الصبر حتى يحصد، لأن له
في ذلك غرضا، وهو الانتفاع بالمال، وتعذر الانتفاع بالأرض
المشغولة، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة، تردد.
السادسة: إذا سأل البائع من الشفيع الإقالة فأقاله، لم يصح، لأنها
إنما تصح من المتعاقدين.
360

المختصر النافع
كتاب الشفعة:
وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع
والنظر فيه يستدعي أمورا:
الأول: ما تثبت فيه: وتثبت في الأرضين والمساكن إجماعا. وهل تثبت فيما ينقل
كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان، والأشبه: الاقتصار على موضع الاجماع. وتثبت في النخل
والشجر والأبنية تبعا للأرض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: أنها لا تثبت. ومن
فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.
ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الأشبه.
ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة أو صلح أو صداق أو صدقة أو إقرار.
ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه. وقال
المرتضى: تثبت، وهو أشبه.
الثاني: في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن. فلا تثبت للذمي
على مسلم. ولا بالجوار. ولا لعاجز عن الثمن. ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق
أو النهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص.
وتثبت بين شريكين. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين. ولو ادعى غيبة الثمن
أجل ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت. ولو قال إنه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام
ما لم يتضرر المشتري. وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع
361

الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله الأخذ،
الثالث: في كيفية الأخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن
الثمن مثليا كالرقيق والجواهر أخذه بقيمته. وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها
احتمال.
وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته. وفيه قول آخر. ولو كان
لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من
المشتري ودركه عليه.
ولو انهدم المسكن أو عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن أو ترك. وإن كان
بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن. ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين
الأخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله. وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون
الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.
ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذه ولو ترك الشفيع قبل البيع لم
تبطل. أما لو شهد على البائع أو بارك للمشتري أو للبائع أو أذن في البيع ففيه التردد.
والسقوط أشبه.
ومن اللواحق مسألتان:
الأولى: قال الشيخ: الشفعة لا تورث. وقال المفيد، وعلم الهدي: تورث، وهو أشبه.
ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.
الثانية: لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه
ينتزع الشئ من يده.
362

الجامع للشرائع
باب الشفعة:
الشفعة تجب فيما ينتقل بالبيع بشرط كونه مشتركا بين اثنين لا أكثر على الأظهر بين
أصحابنا، ومنهم من قال: إنها على عدد الرؤوس، وأن ينتقل بالبيع خاصة ويباع بالأثمان
أو بما تتساوى أجزائه كالدهن والطعام، ولو بيع بمتاع أو جوهر أو بز لم يكن فيه شفعة عند
بعض أصحابنا، عند الآخرين يجب الشفعة بقيمة، وأن يكون البيع مشتركا في ذاته أو
طريقه أو شربه الخاصين إذا بيعا معا، فإن باع الملك دون الشرب والطريق لم يكن لجاره
شفعة، وأن يكون المبيع مما ينقسم كالضيعة والعقار الممكن قسمته، ولا شفعة فيما لا يصح
قسمته كالعضايد والحمامات الضيقتين، ولا شفعة في نهر ولا سفينة ولا رحى ولا فيما
يتساوى أجزاؤه كالطعام وشبهه ولا في الحيوان والأمتعة والجوهر والبز والزرع والنخل
والشجر والبناء إذا بيعت منفردة عن الأرض، فإن بيع النخل والشجر والبناء معها ففي
الكل الشفعة.
وروي الشفعة في الحيوان إذا كان بين اثنين وقيل: تجب في كل مشترك، وأن يكون دين
الشفيع والمشتري واحدا أو الشفيع مسلما والمشتري كافرا ولا شفعة في عكسه، فإن باع
الذمي الشقص بخمر أو خنزير أخذها المسلم بقيمة ذلك عندهم.
وأن يطالب الشفيع بها على الفور، فإن عرف البيع ولم يطالب أو شهد البيع أو بارك
لشريكه في البيع أو للمشتري فلا شفعة له، وإذا عرض عليه بثمن معين فلم يجب فبيع بمثله
أو أكثر منه فلا شفعة له، وإن بيع بأقل منه أو بجنس غيره فله الشفعة، ولا شفعة للعاجز عن
363

الثمن، وإذا انتقل الشقص بجعله مهرا أو عوضا في الخلع أو صولح عليه أو وهبه هبة
معاوضة لم يكن فيه شفعة.
والشفعة تجب للشفيع على المشتري ويأخذها منه قهرا ولا خيار فيها لهما في المجلس
ويكتب عليها الدرك ولا يؤخذ الشفعة من البائع، ولولي الطفل والمعتوه الأخذ له بالشفعة
إذا كان فيها الحظ له.
وإذا كان بعض الملك طلقا وبعضه وقفا وبيع الطلق فلا شفعة، وقيل:
للموقوف عليه أو وليه أخذه بالشفعة، وإذا تقايل البيعان أورد المشتري بعيب فسخهما
الشفيع وأخذ بالشفعة، وإن أخذ المشتري أرشه أخذ الشفيع بما بعده، وإن باعه المشتري
وشاء الشفيع أخذها بالثمن الأول من المبتاع الأول أو من الثاني بما انتقل إليه.
وروي أنه الشفعة لا تورث والأصح عند أصحابنا أنها تورث، فإذا مات الشفيع
وخلف وارثين فأباها أحدهما الآخر، والشفعة تجب بالبيع ويملك بالقبض بعد وزن الثمن
للمشتري فإن أبي قبض الثمن قبضه الحاكم، وإذا اختلف المبتاع والشفيع في الثمن
حكم لذي البينة، فإن أقاما بينتين أقرع بينهما، فإن فقد البينة حلف المبتاع وأخذ ما ادعاه.
وإذا أقر الشريك بالبيع وأنكره المشتري ولا بينة حلف المشتري وانفصل ولا شفعة
للشريك الآخر، وقيل: له الشفعة ويأخذه من البائع، وإذا باع نصيبا من أرض وسيفا
بثمن معلوم فالشفعة في الأرض دون السيف بحصتها من الثمن.
وإذا لم يأخذ الولي للمولى عليه الشفعة أو عفي وفيها الحظ ثم رشد الطفل فله الأخذ
بحقه، وإن عفي لعدم الحظ ثم رشد سقطت، وقيل: لا تسقط، وإذا تبايعا بشرط الخيار لهما أو
للبائع فلا شفعة، وإن تبايعا بخيار للمشتري خاصة فالشفعة للشفيع، وإن زاد في الثمن أو
نقص منه في مجلس الخيار لحقا بالثمن ولم يلحقا به بعده، وإذا باع شقصا من بستان ذي
نخل مثمر وزرع أخذ الأرض والنخل بالشفعة بحصتهما من الثمن دون الثمرة
والزرع.
والشفعة تثبت للغائب فإذا قدم أخذها، إذا اشترى الشقص بثمن مؤجل فللشفيع
مثل الأجل ويأخذ الشقص، فإن لم يكن مليا أقام ضمينا بالثمن، وإذا ذكر الشفيع غيبة
364

المال أنظر حتى يذهب ويرجع وزيادة ثلاثة أيام فإن لم يواف فلا شفعة له.
وإن زرع في المبيع زرعا أو غرس أو بنى ثم علم الشفيع بالبيع أخذ الشفيع المبيع
بالشفعة وأجبر المشتري على القلع بعد ضمان الأرش، وقيل: يقلعها بلا أرش، وإن انهدمت
الدار من غير جناية المشتري والأعيان باقية أو تالفة وشاء الشفيع أخذها بالثمن كله
وإلا تركها، وإن انهدمت بجناية المشتري والأعيان باقية فكذلك، وإن تلف أو عرض أو
احترق بعض العرصة بجنايته أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإذا باع شريكه فلم
يعلم بالبيع حتى باع حصته لم تبطل شفعة وقيل تبطل، وإن باع بعد العلم بطلت وإذا
صالح على ترك الشفعة بعوض سقطت ووجب العوض.
365

قواعد الأحكام
المقصد الثاني: في الشفعة:
وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع وليست بيعا
فلا يثبت خيار المجلس.
وفيه فصول:
الأول: المحل:
وهو كل عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة، فلا يثبت في المنقولات
على رأي، ولا في البناء والغرس إذا بيعا منفردين ولو بيعا منضمين إلى الأرض
دخلا في الشفعة تبعا، وفي دخول الدولاب نظر ينشأ من جريان العادة بعدم نقله،
ولا يدخل الحبال التي يتركب عليها الدلاء ولا في الثمرة وإن بيعت على شجرها
مع الأرض.
واحترزنا بالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل
فإنه لا ثبات لها إذ لا أرض لها، ولو كان السقف لهما فإشكال من حيث إنه في
الهواء فليس بثابت، واحترزنا بالمشترك عن غيره فلا يثبت بالجوار ولا فيما قسم
وميز إلا مع الشركة في الطريق أو النهر إذا ضمهما البيع، واحترزنا بقبول القسمة
عن الطاحونة والحمام وبئر الماء والأماكن الضيقة وما أشبهها مما لا يقبل القسمة
لحصول الضرر بها وهو إبطال المنفعة المقصودة منه فلا شفعة فيها على رأي،
366

ولو انتفى الضرر بقسمة الحمام تثبت الشفعة، وكذا لو كان مع البئر بياض
أرض بحيث تسلم البئر لأحدهما أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن
ينفرد كل منهما بحجرين أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة، ولو ضم
المقسوم أو ما لا شفعة فيه إلى ما فيه الشفعة تثبت في الثاني بنسبة قيمته من الثمن
وإنما تثبت لو انتقلت الحصة بالبيع، فلو وهب الشقص بعوض أو جعله صداقا أو
عوضا عن صلح أو غير ذلك لم تثبت الشفعة.
ولو كان الشريك موقوفا عليه ثبتت الشفعة في الطلق إن كان واحدا على رأي
والأقرب عدم اشتراط لزوم البيع، فلو باع بخيار تثبت الشفعة اشترك أو اختص
بأحدهما ولا يسقط خيار البائع حينئذ، وكذا لو باع الشريك ثبت للمشتري الأول
الشفعة وإن كان لبائعه خيار الفسخ، فإن فسخ بعد الأخذ فالمشفوع للمشتري وإن
فسخ قبله فلا حق للبائع، وفي المشتري إشكال.
الفصل الثاني: في الآخذ والمأخوذ منه:
أما الآخذ فكل شريك متحد بحصة مشاعة قادر على الثمن فلا تثبت لغير
الشريك الواحد على رأي ولا للعاجز ولا المماطل والهارب، فإن ادعى غيبة الثمن
أجل ثلاثة أيام فإن أحضره وإلا بطلت شفقته بعدها، ولو ذكر أنه في بلد آخر
بقدر وصوله منه وثلاثة أيام بعده ما لم يستضر المشتري، فإن كان المشتري مسلما
اشترط في الشفيع الاسلام وإن اشتراه من ذمي وإلا فلا.
وللأب وإن علا الشفعة على الصغير والمجنون، وإن كان هو المشتري لهما أو
البائع عنهما على إشكال وكذا الوصي على رأي والوكيل، وتثبت للصغير والمجنون
ويتولى الأخذ عنهما الولي مع المصلحة، فلو ترك فلهما بعد الكمال المطالبة إلا أن
يكون الترك أصلح، ولو أخذ الولي مع أولوية الترك لم يصح والملك باق
للمشتري، وتثبت للغائب والسفيه والمكاتب وإن لم يرض المولى، ويملك صاحب
367

مال القراض بالشراء لا بالشفعة إن لم يكن ربح أو كان لأن العامل لا يملكه بالبيع
وله الأجرة، وأما المأخوذ منه فهو كل من تجدد ملكه بالبيع واحترزنا بالتجدد عن
شريكين اشتريا دفعة.
ولو باع المكاتب شقصا بمال الكتابة ثم فسخ السيد الكتابة للعجز لم تبطل
الشفعة، ولو اشترى الولي للطفل شقصا في شركته جاز أن يأخذ بالشفعة، ولو حابى
في مرض الموت فإن خرج من الثلث أخذه الشفيع بالمسمى وإلا ما يخرج منه
بالنسبة وإن كان الوارث الشفيع، وللولي البائع عن أحد الشريكين الأخذ للآخر
وكذا الوكيل لهما، ولو بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الأخذ بالشفعة إلا بعد
أن يولد حيا، ولو عفي ولي الطفل مع غبطة الأخذ كان للولي أيضا المطالبة على
إشكال ينشأ من أدائه إلى التراخي، بخلاف الصبي عند بلوغه لتجدد الحق له
حينئذ، ولو ترك لإعسار الصبي لم يكن له الأخذ بعد يساره ولا للصبي، والمغمى
عليه كالغائب.
وللمفلس الأخذ بالشفعة وليس للغرماء الأخذ بها ولا إجباره عليه ولا منعه
منه وإن لم يكن له فيها حظ، نعم لهم منعه من دفع المال ثمنا فيها، فإن رضي
الغرماء بالدفع أو المشتري بالصبر تعلق حق الغرماء بالمشفوع وإلا كان للمشتري
الانتزاع، وللعبد المأذون في التجارة الأخذ بالشفعة ولا يصح عفوه، ولو بيع شقص
في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها مع عدم الربح ومطلقا إن أثبتناها مع
الكثرة، فإن تركها فللمالك الأخذ، وقيل تثبت مع الكثرة، فقيل على عدد
الرؤوس، وقيل على قدر السهام.
فروع على القول بالثبوت مع الكثرة:
أ: لو كان لأحد الثلاثة النصف ولآخر الثلث وللثالث السدس فباع
أحدهم فانظر مخرج السهام فخذ منها سهام الشفعاء، فإذا علمت العدة قسمت
368

المشفوع عليها وتصير العقار بين الشفعاء على تلك العدة، فلو كان البائع صاحب
النصف فسهام الشفعاء ثلاثة: اثنان لصاحب الثلث وللآخر سهم، فالشفعة على
ثلاثة ويصير العقار كذلك، ولو كان صاحب الثلث فالشفعة أرباعا: لصاحب
النصف ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه، ولو كان صاحب السدس فهي بين الآخرين
أخماسا: لصاحب النصف ثلاثة وللآخر سهمان، وعلى الآخر يقسم المشفوع
نصفين.
ب: لو ورث أخوان أو اشتريا فمات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما نصيبه
فالشفعة بين أخيه وعمه.
ج: لو باع أحد الثلاثة من شريكه استحق الثالث الشفعة دون المشتري،
وقيل بالشركة، وحينئذ لو قال المشتري: قد أسقطت شفعتي فخذ الكل أو اترك،
لم يلزم لاستقرار ملكه على قدر حقه فكان كما لو أخذا بالشفعة ثم عفا أحدهما عن
حقه
د: لو عفا أحد الشركاء كان للباقي أخذ الجميع أو الترك سواء كان واحدا
أو أكثر، ولو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره لم
يصح، ولو باع شقصا من ثلاثة دفعة فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة ومن اثنين ومن
واحد لأنه بمنزلة عقود متعددة، فإذا أخذ من واحد لم يكن للآخرين مشاركته لعدم
سبق الملك على استحقاق الشفعة، ولو رتب فللشفيع الأخذ من الجميع ومن
البعض، فإن أخذ من السابق لم يكن للاحق المشاركة، وإن أخذ من اللاحق
شاركه السابق ويحتمل عدم المشاركة لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه
بالشفعة فلا يكون سببا في استحقاقها.
ولو أخذ من الجميع لم يشاركه أحد، ويحتمل مشاركة الأول الشفيع في شفعة
الثاني ومشاركة الشفيع، والأول والثاني في شفعة الثالث لأنه كان ملكا صحيحا
حال شراء الثالث ولهذا يستحق لو عفا عنه، فكذا إذا لم يعف لأنه استحق الشفعة
369

بالملك لا بالعفو، كما لو باع الشفيع قبل علمه فحينئذ للشفيع سدس الأول وثلاثة
أرباع سدس الثاني وثلاثة أخماس الثالث، وللأول ربع سدس الثاني وخمس
الثالث، وللثاني خمس الثالث فيصح من مائة وعشرين، للشفيع مائة وسبعة
وللأول تسعة وللثاني أربعة، وعلى الآخر للأول نصف سدس الثاني وثلث
الثالث، وللثاني ثلث الثالث فيصح من ستة وثلاثين، للشفيع تسعة وعشرون
وللأول خمسة وللثاني اثنان.
ه‍: لو باع أحد الأربعة وعفا آخر فللآخرين أخذ المبيع، ولو باع ثلاثة في
عقود ثلاثة ولم يعلم الرابع ولا بعضهم ببعض، فللرابع الشفعة في الجميع وفي
استحقاق الثاني والثالث فيما باعه الأول وباستحقاق الثالث فيما باعه الثاني
وجهان، وفي استحقاق مشتري الربع الأول فيما باعه الثاني والثالث، واستحقاق
الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه الاستحقاق لأنهما مالكان حال البيع وعدمه لتزلزل
الملك وثبوته للمعفو عنه خاصة.
فإن أوجبناه للجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع لأن له شريكين فصار له
الربع مضمونا إلى ملكه فكمل له النصف، وللبائع الثالث والمشتري الأول الثلث
لكل منهما سدس لأنه شريك في شفعة مبيعين، وللبائع الثاني والمشتري الثاني
السدس لكل منهما نصفه لأنه شريك في شفعة بيع واحد ويصح من اثني عشر.
و: لو كان الشفعاء الأربعة غيبا فحضر أحدهم أخذ الجميع وسلم كل الثمن
أو ترك، فإن حضر آخر أخذ من الأول النصف أو ترك فإن حضر الثالث أخذ
الثلث أو ترك فإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك، ولو قيل أن الأول يأخذ الجميع
أو ترك أما الثاني فله أخذ حقه خاصة لأن المفسدة وهي تبعيض الصفقة على
المشتري منتفية هنا أو أخذ النصف كان وجها، فإن امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل
الشفعة وكان للغائبين أخذ الجميع، وكذا لو عفا ثلاثة أو امتنعوا فللرابع الجميع إن شاء.
370

ولو حضر الثاني بعد أخذ الأول فأخذ النصف وقاسم ثم حضر الآخر
وطالب فسخت القسمة، ولو رده الأول بعيب فللثاني أخذ الجميع لأن الرد كالعفو
ويحتمل سقوط حقه من المردود لأن الأول لم يعف بل رد بالعيب وكان كما لو
رجع إلى المشتري ببيع أو هبة، ولو استغلها الحاضر ثم حضر الثاني شاركه في
الشقص دون الغلة، ولو قال الحاضر: لا آخذ حتى يحضر الغائب، لم يبطل شفعته
على إشكال، وإذا دفع الحاضر الثمن فحضر الغائب دفع إليه النصف، فإن خرج
المبيع مستحقا فدرك الثاني على المشتري دون الشفيع الأول لأنه كالنائب.
ز: لو كان الشفعاء ثلاثة فأخذ الحاضر الجميع ثم قدم أحد الغائبين وسوغنا
له أخذ حقه خاصة أخذ الثلث، فإن حضر الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في
يده فيضيفه إلى ما في يد الأول فيقتسمانه نصفين فيصح من ثمانية عشر، لأن
الثالث أخذ من الثاني ثلث الثلث ومخرجه تسعة وليس للسبعة نصف، فيضرب
اثنين في التسعة للثاني أربعة ولكل من الباقيين سبعة، لأن الثاني ترك سدسا كان
له أخذه وحقه منه ثلثاه وهو التسع فيتوفر على شريكه في الشفعة، والأول والثالث
متساويان في الاستحقاق ولم يترك أحدهما شيئا من حقه فيجمع ما معهما ويقسم
بينهما.
ح: لو اشترى واحد من اثنين شقصا فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر،
وإن تبعضت الصفقة على المشتري ولا خيار له، ولو اشترى اثنان نصيب واحد
فللشفيع أخذ نصيب أحدهما بعد القبض وقبله، ولو وكل أحد الثلاثة شريكه في
بيع حصته مع نصيبه فباعهما لواحد فللثالث أخذ الشفعة منهما ومن أحدهما، ولو باع
الشريك نصف الشقص لرجل ثم الباقي لآخر ثم علم الشفيع فله أخذ الأول
والثاني وأحدهما، فإن أخذ الأول لم يشاركه الثاني وإن أخذ الثاني احتمل مشاركة
الأول، وعلى ما اخترناه من سقوط الشفعة مع الكثرة للشفيع أخذ الجميع أو تركه
خاصة.
371

الفصل الثالث: في كيفية الأخذ:
يملك الشفيع الأخذ بالعقد وإن كان في مدة الخيار على رأي وهو قد يكون
فعلا، بأن يأخذه الشفيع ويدفع الثمن أو يرضى المشتري بالصبر فيملكه حينئذ،
ولفظا كقوله: أخذته أو تملكته، وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الأخذ مع
دفع الثمن أو الرضى بالصبر، ويشترط علم الشفيع بالثمن والمثمن معا، فلو جهل
أحدهما لم يصح الأخذ وله المطالبة بالشفعة، ولو قال: أخذته بمهما، كان لم يصح
مع الجهالة.
ويجب تسليم الثمن أولا فلا يجب على المشتري الدفع قبله، وليس للشفيع أخذ
البعض بل الترك أو الجميع، فلو قال أخذت نصف الشقص، فالأقوى بطلان
الشفعة ويجب الطلب على الفور، فلو أخر مع إمكانه بطلت شفعته على رأي وإن لم
يفارق المجلس، ولا تجب مخالفة العادة في المشي ولا قطع العبادة وإن كانت
مندوبة ولا تقديمه على صلاة حضر وقتها.
ولو أهمل المسافر بعد علمه السعي أو التوكيل مع إمكان أحدهما بطلت، ولو
عجز لم يسقط وإن لم يشهد على المطالبة، ثم تجب المبادرة إلى أحدهما في أول وقت
الإمكان وانتظار الصبح ودفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وإغلاق الباب
والخروج من الحمام والأذان والإقامة وسنن الصلاة، وانتظار الجماعة أعذار إلا
مع حضور المشتري وعدم اشتغاله بالطلب عن هذه الأشياء، ويبدأ بالسلام والدعاء
وإنما يأخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد، فإن كان مثليا فعلى الشفيع مثله وإن
كان من ذوات القيم فعليه قيمته يوم العقد على رأي سواء كان مثل قيمة المشفوع
أولا، ولا يلزمه الدلالة وغيرهما من المؤن.
ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد لم يلحق الزيادة وإن كان في مدة الخيار
على رأي، ولا يسقط عنه ما يحطه البائع وإن كان في مدة الخيار ويسقط أرش
العيب إن أخذه المشتري، ولو كان الثمن مؤجلا فللشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة
372

كفيل إذا لم يكن مليا وليس له الأخذ عند الأجل على رأي، ولو مات المشتري
حل الثمن عليه دون الشفيع، ولو باع شقصين مع شريكين لواحد صفقة فلكل
شريك أخذ شفعته خاصة، ولو اتحد الشريك فله أخذ الجميع وأحدهما.
ولو ترك لتوهم كثرة الثمن فبان قليلا أو لتوهمه جنسا فبان غيره أو كان
محبوسا بحق هو عاجز عنه أو بباطل مطلقا وعجز عن الوكالة أو أظهر له أن المبيع
سهام قليلة فبان كثيرة أو بالعكس أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو بالعكس أو
أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه مع غيره أو بالعكس لم تبطل شفعته.
ولو أظهر له أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن
فبان أنه اشترى به بعضه بطلت شفعته، وتصرف المشتري قبل الأخذ صحيح فإن
أخذه الشفيع بطل، فلو تصرف بما تجب به الشفعة تخير الشفيع في الأخذ بالأول أو
الثاني، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر بثلاثين فإن أخذ من الأول دفع
عشرة ورجع الثالث على الثاني بثلاثين والثاني على الأول بعشرين لأن الشقص
يؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده وكذا الثاني، ولو أخذ من الثاني صح الأول
ودفع عشرين وبطل الثالث فيرجع بثلاثين، ولو أخذ من الثالث صحت العقود
ودفع ثلاثين.
ولو وقفه المشتري أو جعله مسجدا أو وهبه فللشفيع إبطال ذلك كله والثمن
للواهب أن يأخذه إن لم تكن لازمة وإلا فإشكال، فإن قلنا به رجع المتهب بما دفعه
عوضا وإلا تخير بينه وبين الثمن، فإن تقايل المتبايعان أو رده بعيب فللشفيع فسخ
الإقالة والرد والدرك باق على المشتري، ولو رضي بالشراء لم يكن له الشفعة
بالإقالة، ولو قلنا بالتحالف عند التخالف في قدر الثمن وفسخنا البيع به فللشفيع
أخذه بما حلف عليه البائع لآخذه منه هنا، والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه.
ولو كان في يد البائع كلف الأخذ منه أو الترك ولا يكلف المشتري القبض
والتسليم، ويقوم قبض الشفيع مقام قبض المشتري والدرك مع ذلك على المشتري،
373

وليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع ولا يصح الإقالة بين الشفيع والبائع،
ولو انهدم أو تعيب بفعل المشتري قبل المطالبة أو بغير فعله مطلقا تخير الشفيع بين
الأخذ بالجميع أو الترك والإنقاض للشفيع وإن كانت منقولة، ولو كان بفعل
المشتري بعد المطالبة ضمن المشتري على رأي، أما لو تلف بعض المبيع فالأقرب أنه
يأخذ بحصته من الثمن وإن لم يكن بفعل المشتري.
ولو بنى المشتري أو غرس بأن كان الشفيع غائبا أو صغيرا وطلب المشتري من
الحاكم القسمة فللمشتري قلع غرسه وبنائه، وليس عليه طم الحفر ويحتمل وجوبه
لأنه نقص دخل على ملك الشفيع لتخليص ملكه، أما نقص الأرض الحاصل
بالغرس والبناء فإنه غير مضمون لأنه لم يصادف ملك الشفيع ويأخذ الشفيع بكل
الثمن أو يترك، ولو امتنع المشتري من الإزالة تخير الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش
على إشكال وبين بذل قيمة البناء والغرس إن رضي المشتري ومع عدمه نظر وبين
النزول عن الشفعة.
فإن اتفقا على بذل القيمة أو أوجبنا قبولها على المشتري، مع اختيار الشفيع لم
يقوم مستحقا للبقاء في الأرض ولا مقلوعا لأنه إنما يملك قلعه مع الأرش، بل إما أن
يقوم الأرض وفيه الغرس ثم يقوم خالية فالتفاوت قيمة الغرس فيدفعه الشفيع أو ما
نقص منه إن اختار القلع أو يقوم الغرس مستحقا للترك بأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا
امتنعا من قلعه، ولو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق يقصر قيمته
عن قلعه في وقت آخر فله ذلك، ولو غرس المشتري أو بنى مع الشفيع أو وكيله في
المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم كذلك، ولو زرع المشتري فللشفيع أخذه وعليه
إبقاء الزرع إلى أوان الحصاد مجانا.
والنماء المنفصل المتجدد بين العقد والأخذ للمشتري وإن كان نخلا لم يؤبر
على رأي وعلى الشفيع التبقية إلى وقت أخذه مجانا، أما المتصل فللشفيع، ولو كان
الطلع غير مؤبر وقت الشراء فهو للمشتري فإن أخذه الشفيع بعد التأبير أخذ الأرض
374

والنخل دون الثمرة بحصتهما من الثمن، ولو ظهر استحقاق الثمن فإن لم يكن معينا
فالاستحقاق باق وإلا بطلت الشفعة ولا تبطل لو كان المدفوع من الشفيع مستحقا،
ولو ظهر عيب في الثمن المعين فرده البائع قدم حق الشفيع فيطالب البائع بقيمة
الشقص إن لم يحدث عنده ما يمنع الرد وبالأرش إن حدث ولا يرجع على الشفيع
إن كان أخذه بقيمة العوض الصحيح.
ولو عاد إلى المشتري بهبة وشبهها لم يملك رده على البائع ولو طلبه البائع لم
تجب إجابته، ولو نقصت قيمة الشقص عن قيمة الثمن فالأقرب أن الشفيع لا يرجع
بالتفاوت، ولو كان في يد المشتري فرد البائع الثمن بالعيب لم يمنع الشفيع لسبق
حقه ويأخذه بقيمة الثمن وللبائع قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة الثمن، ولا
يرجع المشتري بالزيادة ويحتمل تقديم حق البائع لأن حقه استند إلى وجود العيب
الثابت حالة البيع والشفعة تثبت بعده، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا لأن
حقه استرجاع الثمن وقد حصل من الشفيع فلا فائدة في الرد.
أما لو لم يرد البائع الثمن حتى أخذ الشفيع فإن له رد الثمن وليس له
استرجاع المبيع، لأن الشفيع ملكه بالأخذ فلا يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه
المشتري لأجنبي، ولو تلف الثمن المعين قبل قبضه فإن كان الشفيع قد أخذ
الشقص رجع البائع بقيمته وإلا بطلت الشفعة على إشكال، ولو ظهر العيب في
الشقص فإن كان المشتري والشفيع عالمين فلا خيار لأحدهما وإن كانا جاهلين،
فإن رده الشفيع تخير المشتري بين الرد والأرش وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري
الفسخ.
وهل له الأرش؟ قيل: لا، لأنه استدرك ضلامته ورجع إليه جميع ثمنه
فكان كالرد، ويحتمل ثبوته لأنه عوض جزء فائت من المبيع فلا يسقط بزوال ملكه
فحينئذ يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره وكذا لو علم الشفيع خاصة، ولو علم
المشتري خاصة فللشفيع رده وليس له الأرش، ولو كان المشتري قد اشتراه بالبراءة
375

من كل عيب فإن علم الشفيع بالشرط فكالمشتري وإلا فله الرد.
الفصل الرابع: في مسقطات الشفعة:
وتسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب على رأي، فإذا بلغه الخبر
فلينهض للطلب وإن منع بمرض أو حبس في باطل فليوكل إن لم يكن فيه مؤنة أو
منه ثقيلة، فإن لم يجد فليشهد فإن ترك الإشهاد فالأقرب عدم البطلان، ولو بلغه
متواترا أو بشهادة عدلين فقال: لم أصدق، بطلت شفعته ويقبل عذره لو أخبره صبي
أو فاسق أو عدل واحد، ولو أخبره مخبر فصدقه ولم يطالب بالشفعة بطلت وإن لم
يكن عدلا لأن العلم قد يحصل بالواحد للقرائن.
ولو أسقط حقه من الشفعة قبل البيع أو أنزل عنها أو عفا أو أذن فالأقرب
عدم السقوط، وكذا لو كان وكيلا لأحدهما في البيع أو شهد على البيع أو بارك
لأحدهما في عقده أو أذن للمشتري في الشراء أو ضمن العهدة للمشتري أو شرطا له
الخيار فاختار الإمضاء إن ترتبت على اللزوم، ولو جهلا قدر الثمن أو أخر المطالبة
لبعده عن المبيع حتى يصل إليه أو اعترف الشفيع بغصبية الثمن المعين أو أتلفه قبل
قبضه على إشكال بطلت، فيجوز الحيلة على الإسقاط بأن يبيع بزيادة عن الثمن ثم
يدفع به عوضا قليلا أو يبرئه من الزائد أو ينقله بغير بيع كصلح أو هبة.
ولو قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت أو قاسمني، بطلت ولو صالحه
على ترك الشفعة بمال صح وبطلت الشفعة، ولو كانت الأرض مشغولة بالزرع فإن
أخذ الشفيع وجب الصبر، وهل له الترك عاجلا والأخذ وقت الحصاد؟ نظر، ولو
باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة بطلت وللمشتري الأول الشفعة على الثاني،
ولو باع بعض نصيبه وقلنا: ثبوتها مع الكثرة، احتمل السقوط لسقوط بعض
ما يوجب الشفعة والثبوت لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء، فله أخذ الشقص من
المشتري الأول. وهل للمشتري الأول الشفعة على الثاني؟ فيه إشكال ينشأ من
376

ثبوت السبب وهو الملك ومن تزلزله لأنه يؤخذ بالشفعة، أما لو باع الشفيع نصيبه
قبل علمه ففي الإبطال إشكال ينشأ من زوال السبب ومن ثبوته وقت البيع.
والشفعة موروثة كالمال على رأي سواء طالب الموروث أو لا، فللزوجة مع
الولد الثمن ولو لم يكن وارث فهي للإمام، فإن عفا أحد الوراث عن نصيبه لم
تسقط وكان للباقين أخذ الجميع أو الترك، أما لو عفا الميت أو أخر الطلب مع
إمكانه فإنها تبطل، ولو عفا أحد الوارثين فطالب الآخر فمات الطالب فورثه العافي
فله الأخذ بالشفعة على إشكال، ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان
لوارثه الشفعة، ولو بيع بعض الملك للميت في الدين لم يكن لوارثه المطالبة بالشفعة،
وكذا لو كان الوارث شريكا للموروث فبيع نصيب الموروث في الدين، ولو اشترى
شقصا مشفوعا ووصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لسبق حقه ويدفع الثمن
إلى الورثة وبطلت الوصية لتعلقها بالعين لا البدل.
ولو وصى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل القبول استحق الشفعة
الورثة، ويحتمل الموصى له إن قلنا أنه يملك بالموت، فإذا قبل الوصية استحق
المطالبة لأنا بينا أن الملك كان له ولا يستحق المطالبة قبل القبول ولا الوارث،
لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد ويحتمل مطالبة الوارث لأن الأصل عدم القبول
وبقاء الحق، فإذا طالب الوارث ثم قبل الموصى له افتقر إلى الطلب ثانيا لظهور
عدم استحقاق المطالبة، ويحتمل أن المشفوع للوارث لأن الموصى به إنما انتقل إليه
بعد أخذ الشفعة، ولو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له
لتأخر ملكه عن البيع، وفي الوارث وجهان مبنيان على من باع قبل علمه ببيع
شريكه، ولو اشترى المرتد عن فطرة فلا شفعة إن قلنا ببطلان البيع وعن غير فطرة
ثبت الشفعة.
ولو قارض أحد الشركاء الثلاثة الآخر فاشترى من الثالث نصف نصيبه فلا
شفعة لأن أحدهما رب المال والآخر عامل، فإن باع الثالث باقي نصيبه لأجنبي
377

فالشفعة أخماسا لكل من المالك والعامل خمسان ولمال المضاربة خمس بالسدس
الذي له إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة، ولو باع أحد الثلاثة حصته من شريكه
استحق الثالث الشفعة دون المشتري ويحتمل التسوية.
فإن باع المشتري على أجنبي ولم يعلم الثالث بالبيعين فإن أخذ بالعقد الثاني
أخذ جميع ما في يد مشتريه إذ لا شريك له في الشفعة، وإن أخذ بالأول أخذ نصف
المبيع وهو السدس لأن المشتري شريكه ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه
من الثاني لأن شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما، فإذا باع الثلث من جميع ما في
يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده، والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو
السدس فصار منقسما في أيديهما نصفين فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف
السدس، ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن ويكون المسألة من اثني عشر
ثم يرجع إلى أربعة للشفيع النصف ولكل واحد الربع.
وإن أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول، فله ثلاثة
أرباع ولشريكه الربع ويدفع إلى الأول نصف الثمن الأول وإلى الثاني ثلاثة
أرباع الثمن الثاني، ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لأنه يأخذ نصف
ما اشتراه الأول وهو السدس فيدفع إليه نصف الثمن، كذلك وقد صار نصف هذا
النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ويرجع الثاني على الأول بثمنه،
وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع
الثمن.
الفصل الخامس: في التنازع:
لو اختلفا في الثمن ولا بينة قدم قول المشتري مع يمينه، ولو أقاما بينة
فالأقرب الحكم ببينة الشفيع لأنه الخارج ويقبل شهادة البائع لأحدهما ويحتمل
القبول على الشفيع مع القبض وله بدونه، ولو كان الاختلاف بين المتبايعين وأقاما
378

بينة فالأقرب الحكم لبينة المشتري ويأخذ الشفيع به، ولو لم تقم البينة حلف البائع
فيتخير الشفيع بين الأخذ به والترك والأقرب الأخذ بما ادعاه المشتري وكذا لو
أقام البائع البينة، ولو قال المشتري: لا أعلم كمية الثمن، كلف جوابا صحيحا.
ولو قال: أنسيته أو اشتراه وكيلي ولا أعلم به، حلف وبطلت الشفعة.
ولو اختلفا في قيمة العوض المجعول ثمنا عرض على المقومين فإن تعذر قدم قول
المشتري على إشكال، ولو اختلفا في الغراس أو البناء فقال المشتري: أنا أحدثته،
وأنكر الشفيع قدم قول المشتري لأنه ملكه والشفيع يطلب تملكه عليه، ولو ادعى
أنه باع نصيبه على أجنبي فأنكر الأجنبي قضي للشريك بالشفعة بظاهر الإقرار
على إشكال، وللشفيع دون البائع على إشكال إحلاف المشتري، ولو ادعى تأخير
شراء شريكه فالقول قول الشريك مع يمينه ويكفيه الحلف على عدم استحقاقه
الشفعة.
ولو ادعى كل منهما السبق تحالفا مع عدم البينة ولا يكفي البينة على الشراء
المطلق، فإن شهدت بتقدم أحدهما قبلت ولو شهدت بينتان لكل منهما بالسبق
احتمل التساقط والقرعة، ولو ادعى الابتياع وادعى الشريك الإرث وأقاما بينة
قيل: يقرع، والأقرب الحكم ببينة الشفيع، ولو صدق البائع الشفيع لم تثبت وكذا
إن أقام الشفيع بينة أنه كان للبائع ولم يقم الشريك بينة بالإرث لأنها لم تشهد
بالبيع، وإقرار البائع لا يقبل لأنه إقرار على الغير ولا يقبل شهادته عليه، وليست
الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع.
ولو ادعى الشريك الإيداع وأقاما بينة قدمت بينة الشفيع لعدم التنافي بين
الإيداع والابتياع، نعم لو شهدت البينة بالابتياع مطلقا والأخرى أن المودع أودعه
ما هو ملكه في تاريخ متأخر قيل: قدمت بينة الإيداع لانفرادها بالملك ويكاتب
المودع، فإن صدق بطلت الشفعة وإلا حكم للشفيع، ولو شهدت بينة الشفيع أن
البائع باع وهو ملكه وبينة الإيداع مطلقا قضي للشفيع من غير مراسلة لانتفاء
379

معناها، ويطالب مدعي الشفعة بالتحرير بأن يحدد مكان الشقص ويذكر قدره
وكمية الثمن.
فإن قال الخصم: اشتريته لفلان، سئل فإن صدق ثبت الشفعة عليه وإن
قال: هو ملكي لم اشتره، انتقلت الحكومة إليه وإن كذبه حكم بالشفعة على
الخصم على إشكال، وإن كان المنسوب إليه غائبا انتزعه الحاكم ودفعه إلى الشفيع
إلى أن يحضر الغائب ويكون على حجته إذا قدم، وإن قال: اشتريته للطفل وله
عليه ولاية، احتمل ثبوت الشفعة لأنه يملك الشراء له فيملك إقراره فيه والعدم
لثبوت الملك للطفل، والشفعة إيجاب حق في مال الصغير بإقرار وليه، فإن اعترف
بعد إقراره بالملكية للغائب أو الطفل بالشراء لم يثبت الشفعة.
ولو ادعى الحاضر من
الشريكين على من في يده حصة الغائب الشراء من
الغائب فصدقه احتمل ثبوت الشفعة لأنه إقرار من ذي اليد وعدمه لأنه إقرار على
الغير، فإن قدم الغائب وأنكر البيع قدم قوله مع اليمين وانتزع الشقص وطالب
بالأجرة من شاء منهما ولا يرجع أحدهما على الآخر، ولو أنكر المشتري ملكية
الشفيع افتقر إلى البينة وفي القضاء له باليد إشكال، فلو قضي له بالنصف الذي
ادعاه في يده مع مدعي الكل باليمين لم يكن له الشفعة لو باع مدعي الكل إلا
بالبينة إن لم يقض باليد، ولو ادعى كل من الشريكين السبق في الشراء سمع من
المدعي أولا، فإن لم تكن بينة حلفنا المنكر فإن نكل حلفنا المدعي وقضي له، ولم
يسمع دعوى الآخر لأن خصمه قد استحق ملكه.
ولو اختلف المتبايعان في الثمن وأوجبنا التحالف أخذه الشفيع بما حلف
البائع لا بما حلف المشتري لأن للبائع فسخ البيع، فإذا أخذه بما قال المشتري منع
منه، فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز وملك الشفيع أخذه بما قال
المشتري، فإن عاد المشتري وصدق البائع وقال: كنت غالطا، فهل للشفيع أخذه
بما حلف عليه؟ الأقرب ذلك، ولو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد له
380

الآخر لم يقبل، فإن عفا وأعاد الشهادة لم تقبل لأنها ردت للتهمة فإن شهد ابتداء
بعد العفو قبلت، ولو ادعى عليهما فحلفا ثبتت الشفعة.
ولو نكل أحدهما فإن صدق الحالف الناكل في عدم العفو فالشفعة لهما ويأخذ
الناكل بالتصديق لا بيمين غيره ودركه على المشتري، وإن كذبه أحلف الناكل له
ولا يكون النكول مسقطا لأن ترك اليمين عذر على إشكال فإن نكل قضي للحالف
بالجميع، وإن شهد أجنبي بعفو أحدهما فإن حلف بعد عفو الآخر بطلت الشفعة
وإلا أخذ الآخر الجميع، ولو شهد البائع بعفو الشفيع بعد قبض الثمن قبلت، ولو
قال أحد الوارثين للمشتري: شراؤك باطل، وقال الآخر: صحيح، فالشفعة بأجمعها
للمعترف بالصحة وكذا لو قال: إنما اتهبته أو ورثته، وقال الآخر: اشتريته.
ولو ادعى المتبايعان غصبية الثمن المعين لم ينفذ في حق الشفيع بل في حقهما
ولا يمين عليه إلا أن يدعي عليه العلم، ولو أقر الشفيع والمشتري خاصة لم تثبت
الشفعة وعلى المشتري رد قيمة الثمن على صاحبه ويبقى الشقص معه يزعم أنه
للبائع، ويدعي وجوب رد الثمن والبائع ينكرهما فيشتري الشقص منه اختيارا
ويتبارئان، وللشفيع في الثاني الشفعة، ولو أقر الشفيع والبائع خاصة رد البائع
الثمن على المالك وليس له مطالبة المشتري ولا شفعة، ولو ادعى ملكا على اثنين
فصدقه أحدهما فباع حصته على المصدق، فإن كان المكذب نفي الملك عنه فلا شفعة
وإن نفي دعواه عن نفسه فله الشفعة.
381

اللمعة الدمشقية كتاب الشفعة
وهي استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركته، ولا تثبت لغير الواحد، وموضوعها
ما لا ينقل كالأرض والشجر تبعا، وفي اشتراط إمكان قسمته قولان، ولا تثبت في
المقسوم إلا مع الشركة في المجاز والشرب، ويشترط قدرة الشفيع على الثمن وإسلامه إذا
كان المشتري مسلما، ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة ما لم يتضرر المشتري، وتثبت
للغائب فإذا قدم أخذ، وللصبي والمجنون والسفيه ويتولى الأخذ الولي مع الغبطة، فإن
ترك فلهم عند الكمال الأخذ، ويستحق بنفس العقد وإن كان فيه خيار، ولا يمنع من
التخاير فإن اختار المشتري أو البائع الفسخ بطلت.
وليس للشفيع أخذ البعض بل يأخذ الجميع أو يدع ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه
العقد، ولا يلزمه غيره من دلالة أو وكالة، ثم إن كان مثليا فعليه مثله، وإن كان قيميا
فقيمته يوم العقد وهي على الفور، فإذا علم وأهمل بطلت، ولا تسقط الشفعة بالفسخ
بالمتعقب بتقايل أو فسخ لعيب، ولا بالعقود اللاحقة كما لو باع أو وهب أو وقف بل
للشفيع إبطال ذلك كله، وله أن يأخذ بالبيع الثاني، والشفيع يأخذ من المشتري ودركه
عليه، والشفعة تورث كالمال بين الورثة، فلو عفوا إلا واحد أخذ الجميع أو ترك، ويجب
تسليم الثمن أولا ثم الأخذ إلا أن يرضى الشفيع بكونه في ذمته، ولا يصح الأخذ إلا بعد
العلم بقدره وجنسه، فلو أخذ قبله لغا ولو قال: أخذته بمهما، كان.
ولو انتقل الشقص بهبة أو صلح أو صداق فلا شفعة، ولو اشتراه بثمن كثير ثم عوضه
عنه بيسير أو أبرأه من الأكثر أخذ الشفيع بالجميع أو ترك، ولو اختلف الشفيع والمشتري
382

في الثمن حلف المشتري، ولو ادعى أن شريكه اشترى بعده حلف الشريك ويكفيه
الحلف على نفي الشفعة، ولو تداعيا السبق تحالفا ولا شفعة.
383