الكتاب: مصباح الفقاهة
المؤلف: السيد الخوئي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني
الطبعة: الأولى المحققة
سنة الطبع:
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: مكتبة الداوري - قم
ردمك: ٩٦٤-٩٠٩٠-٠١
ملاحظات: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (وفاة ١٤١١)

مصباح الفقاهة
1

مصباح الفقاهة
تقرير أبحاث
سماحة آية الله العظمى
السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره
بقلم
الشيخ محمد علي التوحيدي
الجزء الخامس
منشورات مكتبة الداوري
قم / إيران
3

خوئي، أبو القاسم 1278 - 1371
مصباح الفقاهة: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو
القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره)
بقلم محمد على التوحيدي التبريزي - قم داوري، 1377.
5 ج
15000 ريال (هر جلد) (دوره) 1 0 - 9090 - ISBN 964
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرست نويسي پيش از انتشار).
أين كتاب در سالهاى مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر گرديده است.
كتابنامه
1 - معاملات (فقه) ألف - توحيدي، محمد على، 1303 - 1353، محرر بعنوان
6 م 9 خ / Br 190 373 / 297
1377 11456 - 77 م
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: مصباح الفقاهة ج 5
المؤلف: الشيخ محمد على التوحيدي
الناشر: مكتبة الداوري - قم - تليفون 732178
شابك: 5 - 2 - 90950 - 964 - (vol SET. 5)
المطبعة: العلمية - قم
الطبعة: الأولى المحققة
العدد: 1000 نسخة
4

بسم الله الرحمن الرحيم
7 - خيار العيب
قوله (رحمه الله): السابع: خيار العيب.
أقول: قد تسالم الفقهاء على صحة البيع مع الجهل بصفة المبيع التي
من أوصاف الصحة، وقالوا: إذا تخلف ثبت فيه خيار العيب.
ويمتاز هذا الخيار عن بقية الخيارات بأن من له الخيار في بقية
الخيارات مخير بين الامضاء والفسخ، ولكنه هنا مخير بين الفسخ
والامضاء مجانا أو مع العوض.
ولكن وقع الاشكال في ذلك بأنه يلزم حينئذ أن يكون البيع غرريا
فيكون باطلا، وقد أجاب المصنف عن ذلك بأنه إنما يكون البيع غرريا إذا
لم يكن هنا ما تحرز به صحة المبيع، ولا شبهة في أنها تحرز بأصالة
الصحة والسلامة، وإذا استند المتبايعان إلى أصالة السلامة فيرتفع الغرر
ويكون البيع صحيحا، وإذا ظهر العيب في المبيع فيكون للمشتري خيار
العيب لتخلف الشرط الضمني الارتكازي الذي ترك التصريح به اعتمادا
على أصالة الصحة.
5

ولكن يرد عليه أنه لا دليل على أصالة السلامة في الأمتعة بوجه حتى
يمكن الاستناد إليه في ذلك، وتوهم استصحاب الصحة إذا كانت أمرا
وجوديا فاسد، لأن عدم الصحة أيضا أمرا وجودي، والتقابل بينهما هو
العدم والملكة، فلا يجري الاستصحاب في طرف واحد، نعم الأصل
الأولى في الأشياء مع قطع النظر عن جميع الطواري هو أن يكون سالما
في العيوب، كما أن الأصل في جميع الأجسام أن يكون كرويا مع قطع
النظر عن الزواجر والقواسر الخارجية، فإن نسبة الهواء إليها على حد
سواء، ومع ذلك فالغالب في الأشياء هو عدم الكروية، وقد عرفت ذلك
في أول الخيارات.
وفي المقام أيضا نقول إن الأصل في الأشياء وإن كان هو الصحة
والسلامة، ولكن مع ذلك أن الغالب فيها غير الصحة، لأنا نشاهد
بالوجدان ونري بالعيان أن أغلب الأشياء معيوب وسقيم وغير صحيح،
وعلى هذا فكيف يحرز بأصالة الصحة أن المبيع سالم عن العيب وليس
بغرري وخطري، ومع كون أغلب الأشياء صحيحة وغير معيبة فأيضا
لا يمكن رفع الغرر عن البيع بذلك، لأن هذا لا دليل على اعتباره إلا من باب
أنه يفيد الظن، ولو من باب أن الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب، ومن
الواضح أنه لا يغني من الحق شيئا.
ويبقى دعوى الاجماع على صحة البيع في المقام بأن يقال: إن
الاجماع قد قام على صحة البيع في المقام بغير اشتراط فيكون ذلك
مخصصا للنهي عن بيع الغرر، بمعنى أن البيع الغرري باطل إلا فيما تعامل
المتعاملان على المبيع بغير الوصف الصحة، فإذا ظهر فيه عيب ثبت
خيار العيب للطرف ولكن ثبوت الاجماع التعبدي على ذلك بعيد جدا،
والحكم بفساد هذه البيوع الواقعة على الأشياء بغير علم بجميع أوصافها
أبعد، فتصبح أن المسألة تكون مورد اشكال قوي.
6

ودعوى امكان احراز ذلك فيما إذا كانت الحالة السابقة في المبيع
الصحة فاسد، إذ استصحاب الصحة لا يرفع الغرر، فإن الغرر هو الخطر
وهو أمر نفساني فلا يرتفع بالاستصحاب كما لا يخفى.
ولكن يمكن الجواب عنه على ما اخترناه في ارتفاع الغرر بالخيار على
ما تقدم خلافا للمصنف وجميع من تأخر عنه، حيث ذهبوا إلى أن الخيار
من الأحكام الشرعية الثابتة على العقد الصحيح، أي من أحكام العقد
الصحيح فلا يرتفع الغرر بذلك، فإن العقد بعد كونه صحيحا لا يعقل أن
يكون غرريا لأن غررية العقد توجب بطلانه.
ولكن قد ذكرنا سابقا أن ما لا يرتفع الغرر بالخيار إنما هو الخيار
المجعول بجعل الشارع كخياري المجلس والحيوان، وأما الخيار
المجعول بجعل المتعاملان فلا شبهة في ارتفاع الغرر به، لأن الغرر على
ما عرفت هو بمعنى الخطر، فأي خطر في اقدام الشخص على شراء
شئ مع جعل الخيار لنفسه، بأن يشترط كونه على وصف كذا وإذا ظهر
على الوصف فهو وإلا فله الخيار، فلا يكون المشتري بعد هذا الاشتراط
الذي لازمه جعل الخيار في خطر أصلا، ولا يتوجه عليه محذور كما هو
واضح.
وعلى هذا المسلك يسهل لنا دفع الاشكال المتوجه على البيوع
المتعارفة أعني اشكال غرريتها، نعم يصعب على مثل الشيخ (رحمه الله) دفع
ذلك كما عرفت.
وتوضيح ذلك: أن المتبايعين حين الاقدام على المعاملة قد اشترط كل
منهما على الآخر بحسب ارتكازهما كون العوض سالما عن العيوب، كما
اشترط كل منهما كون كل من الثمن والمثمن مساويا للآخر كما تقدم،
وإذا تخلف هذا الشرط كان للمشروط له خيار تخلف الشرط.
7

وعلى هذا فالمشتري مثلا وإن لم يعلم بأوصاف الصحة للمبيع ولكن
قد اشتراه مشترطا على البايع كون ذلك صحيحا عن العيوب، وإذا ظهر
على خلاف ما اشترط عليه كان له الخيار، فأي غرر وخطر في هذه
المعاملة.
فإنه مع ظهور المبيع سالما فلا غرر ولا خطر، ومع ظهوره غير سالم
فأيضا لا خطر هنا، فإن الفرض أن له الخيار، فإذا لم يرد يفسخ المعاملة
كما هو واضح فلا يقع فيه الغرر، كما إذا صرح بهذا الشرط في ضمن البيع
فهل يتوهم أحد أن البيع هنا غرري، ولا شبهة أن الشرط الضمني
كالاشتراط صريحا كما هو واضح.
وعلى هذا البيان لا ريب أن خيار العيب من فروع خيار تخلف الشرط
لا من الخيارات المقابلة لخيار تخلف الشرط، كخيار الحيوان والتأخير
والرؤية ونحوها، غاية الأمر ثبت هنا الأرش للرواية الخاصة.
وبالجملة على هذا المسلك فخيار العيب الذي ثبت فيه الأرش قسم
من خيار تخلف الشرط.
وعلى هذا أيضا لا يفرق في كون الخيار خيار عيب مع ظهور العيب في
المبيع بين أن يكون الشرط بحسب الارتكاز أو غيره.
ويدل على هذا التعميم الروايات: منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال:
أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له،
فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه
يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن
ذلك، لو لم يكن به (1).

1 - الكافي 5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30، صحيحة.
8

فإن اطلاق هذه الرواية وغيرها هو ثبوت خيار العيب للمشتري مع
الاشتراط صريحا أيضا، وإن لم يقتصر فيه بالشرط الضمني، وإنما ليس
له حق الرجوع بالفسخ للتصرف فلا يلزم من التصريح بالشرط أن يكون
الخيار خيار تخلف الشرط بل يكون خيار خيار عيب فيرتب عليه حكمه.
1 - الفرق بين خيار العيب وخيار تخلف الشرط
ثم إن خيار العيب وإن كان من مصاديق خيار تخلف الشرط ولكن مع
ذلك فرق بينهما، فإنه قد عرفت سابقا أنه لا دليل على مسقطية التصرف
فيه بخلافه هنا، فإن الرواية دلت على أن احداث الحدث يوجب سقوط
الخيار ويبقى حق مطالبة الأرش فقط للمشتري.
لا يقال: إن هذه الرواية لا تدل على سقوط خيار الشرط بل الساقط
خيار العيب، ويبقى خيار تخلف الشرط على حاله كما لا دلالة فيها على
سقوط خيار الحيوان.
فإنه يقال: إنه فرق بين خيار العيب وخيار الحيوان، فإن خيار العيب
غير خيار تخلف الشرط كما عرفت، فمسقطية التصرف قد جعل في
مورد خيار تخلف الشرط فلا يعقل بقاؤه بعد التصرف بخلاف خيار
الحيوان، فإنه أخص من خيار تخلف الشرط فلا يمكن كشف سقوطه من
اطلاق قوله (عليه السلام): فإن أحدث فيه حدثا فله الأرش دون الفسخ، على ما
هو مضمون الرواية، وقد عرفت سابقا أن الخيار لا يتقيد بسببه حتى أن
يقال إن موارد المقيد بكذا قد سقط، هكذا ينبغي أن يحرر المقام.
ثم إن مما ذكرناه يظهر أن ثبوت خيار العيب ليس من جهة انصراف
المبيع إلى الفرد الصحيح، حتى يجاب عنه تارة بأنه لو تم الانصراف بما
يختص بالمقام، بل يتم في سائر الموارد أيضا، من مطلق تخلف الشرط
الذي هو مورد خيار تخلف الشرط وغيره، ويجاب أخرى كما في المتن
9

بأنه لو تم الانصراف فلازم ذلك بطلان العقد، لأن ما وقع عليه العقد أعني
الصحيح ليس بموجود وما هو موجود فليس بمبيع، فيكون المقام
كتخلف الصور النوعية كما هو واضح.
تأييد المصنف (رحمه الله) في كون ثبوت خيار العيب أعم من صور الشرط الضمني
الارتكازي ومن صورة التصريح بالشرط
ثم إنه أيد المصنف كون ثبوت خيار العيب أعم من صور الشرط
الضمني الارتكازي ومن صورة التصريح بالشرط برواية يونس في رجل
اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: يرد عليه فضل
القيمة (1).
وعلل التعميم بأن اختصاره (عليه السلام) على أخذ الأرش الظاهر في عدم
جواز الرد يدل على أن الخيار خيار العيب، ولو كان هنا خيار تخلف
الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف، مع أن الاشتراط فرض في الرواية
صريحا كما هو ظاهر قوله: على أنها عذراء.
ولا يرد عليها أن الاشتراط هنا لم يكن صريحا بل ارتكازيا لئلا تعم
الرواية صورة الاشتراط صريحا، وذلك لما عرفت أن ظهور قوله: على
أنها عذراء، هو الاشتراط الصريح.
والحاصل أشكل على الرواية ثانيا بأنه لو سلمنا كون على أنها عذراء
ظاهرا في صورة الاشتراط ولكن لم يفرض في الرواية سقوطه بالتصرف
ليكون ذلك خيار عيب، وأيضا لا يرد على أن الخيار خيار تخلف الشرط
لا خيار العيب حتى يقال إنه أعم من صورة الاشتراط صريحا وعدمه،
ودعوى أنه لو كان الخيار خيار الاشتراط لم يسقط بالتصرف وقد فرض

1 - الكافي 5: 216، التهذيب 7: 64، الإستبصار 3: 82، عنهم الوسائل 18: 108.
10

في الرواية سقوطه بالتصرف وثبوت الأرش فقط دعوى غير صحيحة،
لأنه لم يفرض التصرف الرواية لو سلمنا كون هنا اشتراط.
والجواب عن ذلك هو أن التصرف مفروض في الرواية، حيث إن
الظاهر من قوله (عليه السلام): فلم يجدها عذراء، أنه تصرف فيه ولم يجدها
عذراء، لا أنه علم بذلك بالعلم الخارجي من البينة ونحوها، فإنه لا يطلق
الوجدان على ذلك بل يقال: علمها وعرفها، ولا يطلق ذلك على
المعرفة الحاصلة من العلم الخارجي.
وعلى كل حال فالرواية ظاهرة في التصرف، فلا يرد على كون
المفروض في الرواية هو خيار العيب بقرينة سقوطه بالتصرف وثبوت
الأرش فقط أنه لم يفرض التصرف في الرواية.
بل الجواب عن تأييد المصنف أنه ليس وصف الثيبوبة عيبا في المرأة
ليكون وصف العذرائية من أوصاف الصحة بل هو من وصف الكمال، فإن
العيب ما يكون نقصا في البدن فذهاب البكارة لا يوجب النقص في البدن
وإلا يلزم كون أكثر النساء معيوبة.
وعليه فلا يكون الخيار في مفروض الرواية خيار عيب بل خيار
تخلف الشرط، غاية الأمر لو كانت الرواية صحيحة لكانت دالة على
ثبوت الأرش في مورد خاص من مصاديق خيار تخلف الشرط وسقوطه
بالتصرف، كما يثبت الأرش بذهاب البكارة في النكاح يعني ينقص من
المهر ما بين تفاوت البكر والثيب، وسيأتي التعرض لكون الثيبوبة عيبا أم
لا في العيوب.
2 - ظهور العيب يوجب تسلط المشتري على الرد وأخذ الأرش
قوله (رحمه الله): مسألة: ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد
وأخذ الأرش.
11

أقول: قد تسالم الفقهاء على كون المشتري مخيرا بين فسخ العقد
وامضائه مجانا أو مع العوض، ولكن لم يوجد في الأخبار ما يدل على
ذلك.
ولذا ذكر في الحدائق (1) أن اثبات التخيير بين الفسخ والامضاء مع
الأرش من الأول بالأخبار مشكل، وإن اتفق الفقهاء على التخيير من
الأول، وذكر أنه لم يتنبه على هذه النكتة، أي عدم انطباق فتوى الفقهاء
على الروايات قبلي أحد.
وما ذكره صاحب الحدائق قوي جدا، لأن الأخبار إنما تثبت الأرش
بعد التصرف الموجب لسقوط الخيار لا قبله، وعليه فالحكم قبل
التصرف هو الخيار فقط من دون أن يكون للمشتري حق مطالبة الأرش،
نعم إن كان هنا اجماع تعبدي يوجب التخيير من الأول فهو وإلا فما ذكره
الأصحاب مشكل جدا، ولكن اثبات الاجماع أيضا مشكل، فإنه يحتمل
أن يكون مدركه الوجوه الاعتبارية، أو توهم دلالة الأخبار على ذلك.
وذكر المصنف أنه قد يتكلف اثبات التخيير من الأول بوجهين:
1 - استفادة حكم ذلك من الأخبار، بدعوى أنها تدل على الرد أعم من
رد المبيع أو الأرش، وأشار إلى ذلك بأنه يصعب استفادة ذلك من
الأخبار، وغرضه أن يدعي أن المراد من الرد في الأخبار رد المبيع في
الجملة، أعم من أن يكون بالرجوع بتمام الثمن بأن يفسخ أو بالرجوع
بالأرش، فإن أخذ الأرش أيضا رد للمبيع في الجملة حيث لم يبقه على
حالة من مقابلة المبيع بتمام الثمن.
وفيه أولا: إن الظاهر من الرد في الأخبار هو رد المبيع، ولا يصدق رد
المبيع على أخذ الأرش، وهو واضح، على أن الوصف لا يقابل بالثمن
كما سيأتي.

1 - الحدائق 19: 60.
12

2 - إن نفس وصف الصحة إنما هو يقابل بجزء من الثمن، فمن الأول
يكون الثمن في مقابل العين ووصفه، وإذا ظهرت المخالفة أي ظهر عيب
في المبيع كان المشتري مخيرا بين رد ما قابل الوصف من الثمن وبين
فسخ العقد كما هو واضح.
وأشكل عليه المصنف أن وصف الصحة وإن كان يوجب الزيادة في
المالية ولكن لا يكون الثمن واقعا في مقابل الوصف، بل يكون واقعا في
مقابل العين والوصف واسطة لثبوت المالية للعين، وكذا لا يملك
المشتري على مطالبة عين الثمن بل يطلب التفاوت مع فقدان وصف
الصحة، مع أنه لو كان الوصف يقابل بالثمن كان للمشتري مطالبة جزء من
شخص الثمن الذي وقع في مقابل الوصف.
وهذا الذي ذكره المصنف متين جدا، على أنه لو كان وصف الصحة
يقابل بجزء من الثمن فأي فرق بين هذا الوصف وبين بقية الأوصاف
كالأوصاف الكمالية كما هو واضح.
المناط في كون شئ شرطا في المعاملة أو جزءا هو الواقع لا الذكر
ثم ذكر المصنف أنه قد يكون الثمن غير واقع في مقابل الجزء أيضا
فضلا عما هو شرط واقعا، وهذا فيما إذا كان الجزء مأخوذا في العقد
على نحو الشرطية، كما إذا قال البايع: بعتك الأرض الفلانية على أنها
جربان معينة، فظهر خلاف ذلك، أو قال: بعتك الحنطة الفلانية على أنها
منان، فظهر أنها من، فذكر أنه في هذه الصورة أيضا ثبت للمشتري خيار
تخلف الشرط وليس له مطالبة جزء من الثمن بحيث يكون الخيار خيار
تبعض الصفقة.
ولكن ما ذكره المصنف لا يمكن المساعدة عليه، فإن المناط في كون
شئ شرطا في المعاملة أو جزءا ليس هو الذكر في اللفظ، بل المناط هو
13

اللب والواقع، ومن الواضح أن المبيع في مثل الأمثلة المذكورة هو جميع
أجزاء الأرض والحنطة، وقد تقدم في شرائط العوضين أن المبيع ينحل
إلى أمور متعددة كما هو واضح.
وعلى الجملة أن الصورة وإن كانت صورة شرط ولكن الواقع أن
المذكور بعنوان الشرطية هو جزء المبيع، فيكون البيع مع التخلف عن
المقدار المذكور منحلا إلى بيوع متعددة كما هو واضح، فما ذكره
المصنف ثانيا من الاشكال ليس بصحيح.
ثم إنه ذكر في المبسوط (1) أن أخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد، فإن
كان مراده من اليأس هو تحقق ما يمنع عن الرد كالتصرف ونحوه من
المسقطات، فهو يرجع إلى ما ذكرناه وما ذكره صاحب الحدائق، وهو
متين، وإلا فإن كان مراده أنه مع اليأس عن الرد ولو مع بقاء الخيار فهو
منطبق على ما ذكره المشهور ولا دليل عليه.
وعلى الجملة فلا دليل لما ذهب إليه المشهور من التخيير بين الرد
والأرش من الأول، نعم في الفقه الرضوي (2) ما يدل على ذلك كما ذكره
في المتن والحدائق (3)، بناءا على عدم زيادة كلمة الهمزة بين كلمة: وإن
شاء أخذه، وبين كلمة: رد، بأن يكون العطف بالواو لا بأو ليكون
للتخيير، ولكن قد عرفت في أول الكتاب مفصلا عدم اعتبار فقه
الرضوي.

1 - المبسوط 2: 130.
2 - فقه الرضا (عليه السلام): فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري، فالخيار إليه إن شاء رد،
وإن شاء أخذه، أو رد عليه بالقيمة أرش العيب (فقه الرضا (عليه السلام): 33، عنه المستدرك 13: 306)،
ضعيفة.
3 - الحدائق 19: 60.
14

3 - ظهور العيب في المبيع هل هو كاشف عن الخيار أو أنه مثبت للخيار؟
ثم إن ظهور العيب في المبيع هل هو كاشف عن الخيار وأن الخيار
ثابت من زمان وجود العيب أو أنه مثبت للخيار؟
وتظهر الثمرة بينهما فيما إذا أسقط المشتري خياره قبل ظهور العيب،
فإنه على القول بكونه كاشفا عنه فلا شبهة في جواز الاسقاط فلا يلزم
اشكال اسقاط ما لم يجب، وأما على القول بكونه مثبتا للخيار فلو أسقط
قبل ظهور العيب يلزم منه اشكال اسقاط ما لم يجب، ولكن قد عرفت
سابقا أنه لا محذور في ذلك أصلا، ولا دليل على عدم جواز اسقاط ما
لم يجب، إلا أنه قام الاجماع وتحقق الارتكاز على بطلان التعليق في
المعاملات، وشئ منهما لا يجري في المقام بعد وجود المقتضي
للخيار الذي سقط.
وأما أن ظهور العيب كاشف عن الخيار أو مثبت، فنقول: الذي يظهر
من الأخبار أنه كاشف عن ثبوت الخيار، فإن الظاهر من قولهم (عليهم السلام): ومن
اشترى شيئا ووجد فيه عيبا فله الرد، على ما هو مضمون الرواية أن
للوجدان طريق إلى الواقع وليس له موضوعية في ثبوت الخيار كما هو
المتفاهم العرفي من أمثال ذلك، فإنه لو سئل المفتي عن مثل ذلك
فلا يتوهم أحد أن الوجدان له موضوعية في ثبوت الخيار من حين
الوجدان، بل هو كاشف عن ثبوت ذلك من الأول ومرآة عليه.
ومع الاغماض عن ظهور هذه الأخبار فيما ذكرناه ولكن يكفي في
الدلالة على ما نقوله ما في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل
اشترى شيئا وبه عيب أو عوار ولم يتبرأ إليه ولم ينبه فأحدث فيه بعد ما
15

قبضه شيئا وعلم بذلك العوار وبذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع (1).
فإن هذه الرواية الشريفة تدل بمنطوقها على مضي البيع إذا علم
المشتري بالبيع بعد التصرف ولكن يأخذ الأرش، وتدل بمفهومها على
ثبوت الخيار له إذا علم بالعيب قبل التصرف، ثم قال: علم بذلك العوار،
حيث جعل العلم طريقا إلى كشف العوار، ولذا قال (عليه السلام): أيما رجل
اشترى شيئا وبه عيب وعوار، فظاهرها أن الخيار ثابت من الأول، ولكن
حيث إن البايع لم ينبه بالعيب فيكشف العلم عن ثبوته من الأول مما هو
واضح.
والعجب من السيد (2) حيث أنكر وجود ما يدل على كون وجدان العيب
كاشفا عن كون الخيار ثابتا من الأول، مع أن هذه الرواية ظاهرة في ذلك،
نعم هو شريك معنا في المدعى.
ثم ذكر المصنف أن ظهور العيب شرط لثبوت الخيار وأما سببه فهو
من زمان وجود العيب، فهو أيضا خلاف الظاهر من الروايات خصوصا
لصحيحة المتقدمة، فافهم، ثم إنه مما يؤيد بل يدل على كون الخيار
مسببا عن العيب لا عن ظهوره ثبوت الأرش العيب.
4 - البحث في شمول هذا الخيار للبايع
ثم إنه هل يختص خيار العيب بالمشتري أي بالمثمن فيكون الخيار
للمشتري فقط، أو يجري في الثمن ويشمل للبايع أيضا؟
الظاهر أنه لا خلاف في ثبوته للبايع أيضا، وإنما الكلام في مدرك
ذلك، والذي يمكن أن يقال فيه وجوه:

1 - الكافي 5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30، صحيحة.
2 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 69.
16

1 - قيام الاجماع على ذلك.
وفيه أن القطع بذلك مشكل جدا، ولا نعلم بالاجماع التعبدي هنا،
فإنه مع تحقق الاجماع فنحتمل أن يكون مدركه الوجوه الآتية.
2 - قاعدة نفي الضرر.
وفيه أنه قد مر مرارا أن قاعدة نفي الضرر لا يكون مدركا في شئ من
الخيارات، على أنه لو كان هو المدرك هنا لكان اثبات الأرش به مشكلا،
وإلا فلازم ذلك أن يثبت الأرش في كل مورد كان نفي الضرر دليل للخيار
كما هو واضح، ومن المعلوم أنه لم يلتزم به أحد في غير خيار العيب.
3 - أن يدعي أنه لا خصوصية للمبيع في ثبوت خيار العيب والأرش
فيه مع كون الثمن في طرق آخر من المعاملة وعدم امكان البيع بالمبيع
فقط، بل لا بد من تحقق البيع بين الطرفين والمبادلة بين العوضين، فنسبة
البيع بالنسبة إلى الطرفين على حد سواء.
وعليه فالأخبار الدالة على ثبوت الخيار والأرش في المبيع تدل على
ثبوتهما في الثمن أيضا، فيكون الخيار ثابتا للمشتري أيضا، كما ذكرنا
سابقا أن ما دل على أن ثمن العذرة سحت (1)، أو ثمن الخمر سحت، أو
ثمن الكلب سحت (2) أنه يختص بالمثمن فقط بل يجري في الثمن أيضا،
لعدم الفرق في الفرض الذي نهي عن الثمن الأمور المذكورة فهي موجود

1 - يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثمن العذرة من السحت (التهذيب
6: 372، الإستبصار 3: 56، عنهما الوسائل 17: 175)، مجهولة لعلي بن مسكين أو سكن.
دعائم الاسلام: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع العذرة، وقال: هي ميتة (دعائم الاسلام
2: 18، عنه المستدرك 13: 71)، مرسلة.
2 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن
الخمر، ومهر البغي - الخبر (الكافي 5: 126، التهذيب 6: 368، الخصال: 329، عنهم الوسائل
17: 93)، موثقة.
17

فيما إذا كانت الأمور المذكورة ثمنا لشئ آخر أو أجرة للعمل أيضا كما
هو واضح.
وإذا أمكن اثبات هذه الدعوى في المقام أيضا كان الخيار والأرش
جاريا في طرف البايع أيضا، وإن ذكر خصوص المبيع في الروايات لكنه
من جهة الغلبة، إذ الغالب أن الثمن هو النقود ولا يكون فيها عيب غالبا،
ولكن اثبات هذا أيضا مشكل، فإنه من أين علمنا أن ذكر المبيع من جهة
الغلبة كما هو واضح.
نعم لا نضائق من القول بثبوت خيار العيب للبايع أيضا، لا من جهة
العيب بل من جهة الشرط الضمني على ما تقدم، وعليه فلا يمكن الالتزام
بثبوت الأرش في طرف الثمن كما هو واضح.
ومن هنا ظهر فساد ما ذكره السيد (1) في المقام، من كفاية الظن بكون ذكر
المبيع من جهة الغلبة، وكونه كفاية عن العوض في البيع، فإنه لا دليل
على حجية هذا الظن.
وأشكل من تعدية الحكم أي للثمن تعدية الحكم إلى مطلق
المعاملات، بأن يقال: إنه إذا آجر أحد دارا من شخص فظهر فيها العيب
فيكون مخيرا بين مطالبة التفاوت والفسخ، فإنه يمكن أن في تعدية
الحكم إلى الثمن أن يقال: إن ذكر المبيع من جهة الغلبة كما تقدم، وأن
الثمن في طرف البيع، فإذا ثبت الحكم في المبيع ثبت في الثمن أيضا لعدم
الخصوصية للمبيع كما مثلنا بالأمثلة المتقدمة، فإن الفرض من الأخبار
تفهيم أن النقص في العوض يوجب الخيار والأرش، ولكن لا يمكن
النفوذ بذلك في مطلق المعاملات، وعليه فلا بأس بالالتزام بالخيار فيها
لتخلف الشرط، وأما الأرش فلا دليل على ثبوته فيها كما هو واضح.

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 69.
18

مسقطات خيار العيب
1 - اسقاط الخيار
قوله (رحمه الله): في مسقطات هذا الخيار بطرفيه أو أحدهما، مسألة: يسقط الرد
خاصة بأمور.
أقول: الظاهر بل الواقع أنه لا شبهة في سقوط خيار العيب بالاسقاط
على نهج بقية الخيارات.
وإنما الكلام في سقوط الرد فقط أو سقوطه مع الأرش، بحيث لا يكون
لمن له الخيار بعد الاسقاط حق الرجوع فقط، والظاهر أنه لا ملازمة بين
سقوط الرد وسقوط حق مطالبة الأرش، كما إذا لم يكن لكلامه ظهور إلا
في سقوط الرد فسقط، كقوله اسقاط الرد أو لم يكن ملتفتا، بأن له مطالبة
الأرش بل له الخيار فقط، فإنه حينئذ لو أسقط خياره ولو مع عدم تقييده
باسقاط الرد بل باسقاط مطلق الخيار، فإنه حينئذ يسقط الرد فقط أيضا.
بل الأمر كذلك حتى مع الالتفات بثبوت حق الرد والأرش له، ولكن
القرينة قائمة على أنه لا يسقط إلا الرد أوليس في كلامه ظهور عرفي في
ذلك وإن قال أسقط خياري.
وعلى الجملة فالمناط في اسقاط الرد والأرش هو الظهور العرفي،
فكلما دل في كلامه على سقوط الرد فقط أو الرد والأرش معا فيكون
متبعا وإلا فلا كما هو واضح.
وعليه فدعوى أن كلمة الرد ظاهرة في اسقاط الخيار فقط، وأن كلمة
الخيار ظاهرة في اسقاط الرد والأرش فقط لا يمكن المساعدة عليه، نعم
كلمة أسقط الرد ظاهرة في اسقاط الرد فقط كما هو واضح، هذا هو
المطلب الأول.
19

والحاصل أن سقوط الخيار بطرفيه من الرد والأرش وبطرفه الواحد
يحتاج إلى كون المسقط ظاهرا فيه، وعليه فلا بد من الاقتصار بالمتيقن.
2 - سقوطه بالتصرف
لا شبهة في سقوط هذا الخيار بالتصرف اجمالا، وإنما الكلام في
خصوصيات ذلك، فنقول: إن التصرف إنما يكون على أنحاء:
1 - أن يكون تصرفا مغيرا كقطع الثوب وصبغه ونحو ذلك، وهذا
لا شبهة في كونه مسقطا للخيار.
وتدل عليه الصحيحة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا
وبه عيب أو عوار ولم يتبرأ إليه ولم يبين، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا
ثم علم بذلك العوار وبذلك العيب، فإنه يمضي عليه البيع ويرد عليه
بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به (1).
ومن الواضح أن تغيير العين ولو بمثل الصبغ ونحوه احداث للحدث،
فإن المراد من الاحداث هو الكناية عن ثبوت حدث في المبيع لا معناه
الصريح، أعني اسناد الحدث إلى الفاعل فيكون موجبا لسقوط الرد،
ويبقى له حق مطالبة الأرش فقط كما لا يخفى.
ويؤيد ذلك مرسلة جميل التي يعاملون معها معاملة الصحيح، وإن
ناقشنا في ذلك، وهي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب
أو المتاع فيجد به عيبا، قال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه
وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان
العيب (2).

1 - الكافي 5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30، صحيحة.
2 - الكافي 5: 207، الفقيه 3: 136، التهذيب 7: 60، عنهم الوسائل 18: 31، ضعيفة.
20

2 - أن لا يكون هنا تصرف يوجب التأثر في العين خارجا، ولكن يكون
هنا تصرفا اعتباريا بحيث يكون مانعا عن الرجوع إلى المتصرف ثانيا،
كان يبيعه من شخص آخر فإن البيع وإن كان لم يكن مثل القسم الأول من
احداث الحدث في العين.
ولكن لا شبهة في صدق احداث الحدث على مثل هذا التصرف أيضا،
فإنه أي احداث حدث يكون أعظم من هذا الذي لا يقدر معه المتصرف
على الرد إلى ملكه، وهكذا لو آجر العين من شخص فإن العين حين ما
أخذها من البايع كانت واجدة للمنفعة وقد صارت فاقدة لها، فأي حدث
أعظم من ذلك، وسقوط الخيار قبل هذا التصرفات للنص المتقدم، وإلا
فقد عرفت عدم سقوطه بالتصرف بمثل تلف العين، غاية الأمر العقد
يفسخ وينتقل إلى المثل أو القيمة لأن الفسخ متعلق بالعقد دون العين كما
تقدم.
نعم لو نقل العين إلى غيره بمثل الهبة فالظاهر عدم سقوط حق الرد
بذلك، فإن العين وإن انتقلت إلى غيره ولكن للمشتري التمكن من رده
بالرجوع، فإذا قال: فسخت العقد، فيكون هذه العبارة فسخا للعقد
ورجوعا في الهبة كما هو واضح.
ولا يقاس ذلك بامكان الرجوع في البيع أيضا بالشراء ونحوه، فإن
اختيار الرجوع في ذلك ليس تحت يد المشتري أعني البايع الثاني،
بخلاف ما لو نقلها بالهبة، فإن اختيار ارجاع العين تحت يد الواهب كما
لا يخفى، فافهم.
ومن هنا ظهر أن ما تنظر المحقق الثاني (1)، في سقوط حق الرد بالهبة
وجيه، ولا وجه لرد المصنف إياه بأنه لا وجه له.

1 - جامع المقاصد 4: 303.
21

3 - أن يكون التصرف تصرفا خارجيا من غير أن يكون مغيرا للعين،
ولا يكون مثل القسم الثاني أيضا.
وهذا على أقسام ثلاثة:
ألف - أن يكون له ظهور عرفي في سقوط الخيار به كالمسقط اللفظي،
فإن سقوط الخيار لا يختص باللفظ كما تقدم في خيار الحيوان وغيره، بل
يسقط بالفعل أيضا، لا بما أنه تصرف بل بعنوان أنه مسقط عرفي، كما هو
واضح.
ب - أن لا يكون له بشخصه ظهور في سقوط الخيار به، فذكر المصنف
أن الفعل إذا كان له دلالة نوعية وكاشفة نوعية في الرضا بالعقد واسقاط
الرد كاللفظ كان موجبا لسقوط الخيار.
ولكن الظاهر أن هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه، للفرق الواضح
بين اللفظ والفعل في ذلك، فإن اللفظ إنما يكون كاشفا عن إرادة المتكلم
مدلول ذلك بحسب التعهد، فإن المتكلم قد تعهد بأنه إذا تكلم بلفظ فلاني
فإنه أراد المعنى الفلاني.
وعليه فيكون الظن الحاصل من كاشفية اللفظ نوعا حجة ومتبعا
بحسب قيام بناء العقلاء على ذلك، وهذا بخلاف الفعل الفلاني، فإنه
أراد المعنى الفلاني ليكون كاشفية متبعة، غاية الأمر أنه يحصل الظن من
ذلك فهو ليس بحجة لعدم الدليل على اعتباره من بناء العقلاء وغيره كما
لا يخفى، فافهم، وهذا هو الفرق بين اللفظ والفعل في الكاشفية وعدمها،
خذه واغتنم.
ج - أن لا يكون له ظهور في الاسقاط كما في القسم الأول، ولا يكون له
كاشفية نوعية كما في القسم الثاني على ما ذكره المصنف، بل يكون
مجرد التصرف كالأمر باسقيني وأغلق الباب واعطاء متاع.
22

فظاهر جماعة أنه يسقط الرد بذلك أيضا، بل هذا هو صريح العلامة
حيث ذكر في بعض كتبه أنه يسقط الرد بالأمر، كقوله: ناولني الماء أو
أغلق الباب ونحو ذلك، ولكنه لا وجه لسقوطه بذلك بوجه، فإن الدليل
على السقوط هنا هو احداث الحدث.
ومن الواضح أنه لا يصدق على مثل هذه التصرفات احداث الحدث،
وليس له كاشفية نوعية أيضا حتى يمكن القول بسقوطه من هذه الجهة
كما قيل في القسم الثاني، فيبقى القول بالسقوط بمثل ذلك حينئذ
بلا دليل كما هو واضح.
والحاصل أنك قد عرفت أن التصرف بما هو تصرف لا يكون موجبا
لسقوط الخيار حتى لو كان موجبا لتلف العين، لما عرفت أن الفسخ
والخيار إنما يتعلق بالعقد دون العين حتى لا يمكن ردها مع التلف،
فيجوز الفسخ بعد تلف العين وينتقل العين إلى المثل أو القيمة، ولكن قد
ورد النص بأن احداث الحدث في خيار العيب يكون مسقطا له، ولمكان
هذا النص فنقول بالسقوط هنا بالتصرف.
ولا شبهة في صدق احداث الحدث بمثل تغيير اللون والقص في
الثوب ونحوه وهكذا في مثل نقلها إلى غيره بالبيع اللازم، وكذلك
الايجار كما عرفت لصدق احداث الحدث في جميع ذلك، نعم لا يصدق
ذلك في مثل الهبة.
ثم إنك قد عرفت أن ذلك ليس من جهة أن الفسخ يتعلق بالعين فمع
نقلها إلى غيره لا يمكن الرد، بل هو من جهة التعبد فقط، وإلا فالفسخ
يتعلق بالعقد على ما عرفت سابقا، فإذا انفسخ العقد فإن كانت العين باقية
يأخذها وإلا فمثلها.
ثم إنه لا بد وأن يعلم أن المصنف قد عبر عن رواية زرارة بالصحيحة
23

في موردين، وهذا اشتباه، لأن في سندها موسى بن بكر، وقد اختلف في
حاله، وقال بعضهم: إنه ضعيف وواقفي، وقال بعضهم: إنه ممدوح
كالمجلسي وابن إدريس في آخر السرائر، وهذا هو الظاهر، ولعل وجه
تضعيف بعضهم إنه واقفي، وإن استشكل بعضهم في كونه واقفيا أيضا.
وكيف كان فالرواية وإن كانت معتبرة ولكنها ليست بصحيحة، ولعل
المصنف تبع في التعبير عنها بالصحيحة قول العلامة، حيث إنه عبر عنها
بذلك في ولد الملاعنة لا في هذه الرواية بل في رواية أخرى مروية بهذه
السند، وهو أيضا اشتباه، فإن العلامة قد ضعف موسى بن بكر في
الخلاصة (1)، ومع ذلك حكم بصحة روايته، وهذا استدراك مما تقدم (2).
بيان آخر وتتميم البحث
وأما التصرف الخارجي الغير المغير، فقد عرفت أنه على ثلاثة
أقسام، وعرفت القسمين منها:
ألف - كونه شخصية كاشفا عن الرضا بالعقد وكونه مسقطا للخيار.

1 - الخلاصة: 406، الرقم: 1639، ذكره في القسم الثاني قائلا إنه واقفي.
2 - ذكره في معجم الرجال 19: 29، وأيد كونه واقفيا لما ذكره الشيخ، أما وثاقته فقد رد ما
استدل به على كثرة رواياته ورواية الأجلاء عنه وتوثيق ابن طاووس إياه، ثم قال: نعم الظاهر أنه ثقة وذلك لأن صفوان قد شهد بأن كتاب موسى بن بكر مما لا يختلف فيه أصحابنا - انتهى
كلامه رفع الله مقامه.
الرواية المشار إليها هو ما رواه الكليني في الكافي في كتاب الميراث نقلا عن الحسن بن
محمد بن سماعة قال: دفع إلى صفوان كتابا لموسى بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسى بن
بكر وقرأته عليه، فإذا فيه موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة، قال صفوان: هذا مما
ليس فيه اختلاف عند أصحابنا - الحديث، لكن الظاهر أن المراد أن هذه المسألة مما لا اختلاف
فيه بين الأصحاب، والله العالم.
24

ب - ما يكون بنوعه كاشفا عنه، كما ذكره المصنف مثل دلالة الألفاظ،
وقد استشكلنا في ذلك أيضا، وانتهى الكلام إلى القسم الثالث.
ج - وهو ما لم يكن بنفسه كاشفا عن الرضا بالعقد ولا بنوعه بل يكون
مجرد التصرف الخارجي، فهل هذا مسقط للخيار أم لا؟ فقد يظهر من
جماعة سقوطه به، بل صرح به العلامة كما تقدم.
وقد استدل على ذلك بوجوه:
الوجه الأول: أنه ذكر الجماع في الرواية في كونه مسقط للرد، مع أنه
تصرف لا يوجب احداث الحدث في الأمة بوجه، بل يبقى على ما هي
عليها بعد ذلك أيضا، فيعلم من ذلك أن مطلق التصرف يكون موجبا
لسقوط الرد هنا.
وفيه أن هذه الرواية على عدم سقوط الرد بمطلق التصرف أدل، فإنه لو
كان مطلق التصرف موجبا لسقوط الرد لم تصل النوبة إلى التعبير
بالجماع، إذ يستحيل عادة خلو الجماع عن المقدمات والتصرفات من
اللمس والتقبيل والنظر إلى ما لا يحل لغير المولى ونحو ذلك، فحيث
اعتبر الجماع مسقطا دون غيره من مقدماتها فيعلم من ذلك أن مطلق
التصرف لا يكون مسقطا للرد، وإنما الجماع مسقط للنص الخاص
فلا يمكن التعدي منه إلى غيره.
الوجه الثاني: دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه أنه لا سبيل إلى دعوى الاجماع في المقام، بحيث يكون هنا
اجماع تعبدي على كون التصرف على وجه الاطلاق مسقطا للرد، وذلك
لأن أكثر الكلمات التي نقلها المصنف مشحونة بأن التصرف إنما يكون
مسقطا للرد إذا كان مع العلم بالعيب وإلا فلا، فيعلم من ذلك أن ذهاب
الفقهاء إلى ذلك من جهة قولهم بأن التصرف كاشف نوعا عن الرضا بالعقد
فيكون ذلك مسقطا للرد.
25

وحيث استشكلنا في ذلك وأن التصرف لا يكون كاشفا عنه، فأذن
لا وجه للاجماع والتمسك به ليكون التصرف مسقطا للاجماع التعبدي،
وهذا واضح لا يخفى.
الوجه الثالث: ما ورد في خيار الحيوان من تفسير الحدث بمثل التقبيل
واللمس والنظر إلى ما لا يحل لغير المولى، فيعلم من ذلك أن المراد من
الحدث ليس هو حدوث تغيير في العين، بل المراد منه هو مطلق
التصرف، وإلا لما فسره الإمام (عليه السلام) بمثل اللمس ونحوه، وإن كان ذلك
في اللغة بمعنى التغيير كما لا يخفى.
وفيه أولا: أنه قد ورد سقوط الخيار بالأمور المذكورة في مورد
خاص، وهو خيار الحيوان، وقلنا: إن ذلك ليس من جهة أن معنى
الحدث هو ذلك بل للتعبد الخاص، وقد عرفت في خيار الحيوان أنه
لا يمكن التعدي من ذلك إلى بقية التصرفات في نفس خيار الحيوان، أي
يكون التصرف موجبا لسقوط خيار الحيوان فضلا عن التعدي إلى غير
خيار الحيوان.
وثانيا: لو تعدينا إلى خيار الحيوان وقلنا بسقوطه بأي تصرف في
الحيوان فبأي وجه نتعدى إلى غير خيار الحيوان أيضا.
وكيف كان فلا يمكن التعدي من تلك الرواية إلى المقام والقول بأن
معنى الحدث هو أي تصرف وإن لم يكن مغيرا للعين.
بيان آخر
فتحصل أنه لا دليل على كون مطلق التصرف موجبا لسقوط الخيار،
بل نقول إن لنا دليل على عدم سقوط الرد بمطلق التصرف، وهو وجوه:
1 - رواية الجماع على التقريب المتقدم.
26

2 - ما دل على أنه لو اشترى أحد أمة ولم يطأها في ستة أشهر جاز
ردها (1)، ومن البديهي أنه لا يخلو عادة في هذه المدة أن المشتري
يتصرف فيها، ولو بالأمر بكنس الدار وبمثل ناولني الماء ونحو ذلك،
فلو كان مطلق التصرف موجبا لسقوط الرد لم يحكم الإمام (عليه السلام) بالرد في
ستة أشهر، فذكر الجماع دون غيره دليل على عدم سقوط ردها بمطلق
التصرف.
3 - ما دل على جواز رد المملوك من أحداث السنة، أي العيوب التي
ظهرت في مدة السنة، فإنها تكشف عن كون سبها قبل الشراء، فإن العادة
جارية بظهور العيوب السابقة في مثل هذه المدة، وتسمى ذلك أحداث
السنة، ومن الواضح أن من المستحيل عادة أن لا يتصرف المشتري في
هذه المدة أصلا ولو بتصرف لا يغير العين أصلا.
4 - نفس الرواية التي دلت على عدم جواز الرد باحداث الحدث، فإنها
تدل على ذلك إذا كان في المبيع عيب أو عوار واحداث المشتري فيه
الحدث وبمفهومها تدل على جواز الرد ما لم يحدث فيه الحدث، ومن
الواضح أنا علمنا من الخارج أن مطلق التصرف ليس من مصاديق احداث
الحدث لا عرفا ولا لغة ولا شرعا، فمقتضى مفهوم هذه الرواية يجوز
رده لذلك كما هو واضح.
وعلى الجملة أن مطلق التصرف لا يكون مسقطا لخيار العيب أولا
لعدم الدليل والمقتضي على ذلك، وثانيا: لقيام الوجوه المذكورة على
عدم السقوط بمطلق التصرف.

1 - عن داود بن فرقد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة
ولم تحض عنده حتى مضي لذلك ستة أشهر وليس بها حبل؟ قال: إن كان مثلها تحيض
ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه (الكافي 3: 108، عنه الوسائل 2: 338)، صحيحة.
27

نعم يسقط بمثل احداث الحدث للنص، بحيث لو لم يكن هنا نص
لم نقل بالسقوط بمثله أيضا بل باتلاف العين أيضا، فإن الفسخ لم يتعلق
بالعين حتى يسقط الخيار بنقلها بل بالعقد، فيمكن فسخه بتلف العين
وتنتقل العين إلى المثل أو القيمة كما هو واضح.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر لك حكم اتلاف العين كما هو واضح.
احداث الحدث مسقط له بوجوده وإن لم يبق أثره بقاءا أم لا؟
ثم إنه يقع الكلام في أن احداث الحدث الذي كان موجبا لسقوط
الخيار هو مسقط له بوجوده حدوثا وإن لم يبق أثره بقاءا، أو إنما يكون
مانعا عن الرد بقاء، الذي يظهر لنا من الرواية الدالة على مسقطية احداث
الحدث الرد، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام): فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا
وعلم بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع، أن الحدث موجود في حال
الرد، ولذلك قال (عليه السلام): يمضي عليه البيع.
وبعبارة أخرى أنك قد عرفت سابقا أن التصرف بأي نحو كان لا يكون
مسقطا للرد حتى التلف، فإن الفسخ إنما يتعلق بالعقد لا بالعين حتى
لا يمكن الفسخ ورد العين بعد التلف أو التصرف المغير للعين، وإنما ثبت
لنا بالنص الخاص أن احداث الحدث يكون مانعا عن الرد، والحكمة في
ذلك هو ارفاق البايع.
ومن الواضح أن الارفاق إنما يتحقق ويحصل إذا كان العيب موجودا
في العين حال ردها إلى البايع، وأما إذا برأ إلى وقت الرد فلا يكون ذلك
مانعا عن الرد، وهذا المعنى هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم
والموضوع.
28

فروع
الفرع الأول: وطئ الجارية يمنع عن ردها
قوله (رحمه الله): فرع: لا خلاف نصا وفتوى في أن وطئ الجارية يمنع عن ردها.
أقول: المشهور بل المجمع عليه بين الأصحاب (1) هو أن وطئ
الجارية مانع عن الرد، وإنما الكلام في دليل ذلك، مع أنه لا دليل على
كون التصرف مانعا عن الرد.
وقد علل العلامة المنع في موضع من التذكرة بأن الوطئ جناية،
ولهذا يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك، وقد ذكر
في كلام الإسكافي أيضا أن الوطئ مما لا يمكن معه رد المبيع إلى ما كان
عليه قبله، فإنه لا بد وأن يكون مراد الإسكافي أيضا ما ذكره العلامة، فإنه
لا مفهوم له إلا ذلك، إذ النظر والتقبيل ونحو ذلك أيضا يوجب أن الأمة
مع ذلك فلا يمكن ردها إلى ما كانت عليه قبل النظر والتقبيل، فلا بد وأن
يراد ما ذكره العلامة من كون الوطئ جناية.
وقد أيد المصنف ذلك بما ورد في جملة من الروايات من قوله (عليه السلام):
معاذ الله أن يجعل لها أجر (2)، فإن فيه إشارة إلى أنه لو ردها لا بد أن يراد
معها شيئا تداركا للجناية، إذ لو كان الوطئ مجرد استيفاء منفعة

1 - المقنعة: 597، النهاية 2: 157، المبسوط 2: 125، المهذب 1: 392، الكافي: 358،
المراسم: 175، السرائر 2: 298.
2 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها
ثم يجد بها عيبا بعد ذلك؟ قال: لا يردها على صاحبها ولكن تقوم ما بين العيب والصحة فيرد
على المبتاع، معاذ الله أن يجعل لها أجرا (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل
18: 103)، صحيحة.
29

لم يتوقف ردها على رد عوض المنفعة لكون الاستيفاء واقعا في ملكه
فلا يجب مع الرد رد المنفعة كما هو واضح، فإن الفسخ فسخ للعقد من
حين الفسخ لا من الأول.
أقول: أما كون الوطي جناية فهو بديهي البطلان، ولم يلتزم به أحد
في بقية الموارد، ولذا لو زنى أحد بامرأة - العياذ بالله - أو وطأ غلاما
لم يتوهم أحد أنه يؤخذ منه الجناية، نعم ثبت الجناية في إزالة البكر،
ولكن ذلك من جهة كونه إزالة صفة كمال لا من جهة الوطئ، فما ذكره
العلامة والإسكافي مما لا وجه له.
ومن هنا أنه لا فرق في التصرفات الغير المغيرة بين الوطئ وغيره،
فإنه أيضا من التصرفات الغير المغيرة كما لا يخفى.
وأما ما ذكر في الروايات من قوله (عليه السلام): معاذ الله أن يجعل لها
أجر، لا يدل على أن ذلك من باب الجناية وأن الاستعاذة من جهة نفي
الأجرة.
وأما ما ذكره المصنف من حمل الرواية على التقية، وأن أمير المؤمنين
(عليه السلام) تكلم بذلك رعاية لحال رعيته، فهو بعيد، بل ذلك من جهة أن أمير
المؤمنين (عليه السلام) تكلم بذلك اشعارا إلى أن الحكم هنا أمر ثابت بالتعبد،
لا أنه من تلقاء نفس، لأني ليست مشرعا حتى أجعل لها أجرا، ولذا قال
(عليه السلام) في رواية ميسر: معاذ الله أن أجعل لها أجرا (1).
بل التحقيق أن عدم جواز الرد مع الوطئ من جهة التعبد بالروايات
الواردة في المقام، فإنها دلت على ذلك كما هو واضح.

1 - عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب
إذا وطئت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان علي (عليه السلام) يقول: معاذ الله أن أجعل لها أجرا (الفقيه
3: 139، عنه الوسائل 18: 104).
30

الوطئ يمنع من الرد مطلقا أو استثنى منه صورة كون الجارية حاملة؟
وقد انتهى الكلام إلى أن الوطئ يمنع من الرد أم لا، وقلنا بكونه مانعا
عن الرد للروايات الخاصة لا من جهة أنه احداث الحدث، ولا من جهة أنه
تصرف، ولا من جهة أنه جناية كما ذهب إليه العلامة، وإنما الكلام في
أنه مانع عن الرد مطلقا وليس منه استثناء أو استثنى منه صورة كون
الجارية حاملة، كما أن أصل مانعية الوطئ عن الرد مستثنى عن أصل
عدم مانعية التصرف عن الرد.
والمشهور هو الثاني، وأن الحمل مع كونه عيبا والوطئ ليس مانعا
عن الرد، وكلمات أكثرهم في ذلك مطلقة، أي أعم من أن يكون هنا عيب
آخر غير الحمل أو يكون هو الحمل فقط، سواء كان الحمل هو العيب أم
لم يكن الحمل عيبا.
وقد ذكروا هنا أيضا أن الجارية ترد ويرد معها العشر كما هو
المشهور، واستندوا في ذلك إلى ظاهر من الروايات، منها صحيحة ابن
سنان الدالة على رد الجارية الحاملة ورد نصف عشر قيمتها (1).
وكذلك في روايتي عبد الملك (2) وابن أبي عمير (3)، وفي صحيحة

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم
بحبلها فوطأها، قال: يردها على الذي ابتاعها منه ويرد معها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها -
الحديث (الكافي 5: 214، التهذيب 7: 61، الإستبصار 3: 80، عنهم الوسائل 18: 105)،
صحيحة.
2 - عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها
صاحبها وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها (الكافي 5: 214، التهذيب
7: 62، عنهما الوسائل 18: 105)، ضعيفة بعبد الملك.
3 - عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في
رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى، قال: يردها ويرد نصف عشر قيمتها
(التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 80، عنهما الوسائل 18: 108)، ضعيفة بالارسال.
31

محمد بن مسلم: يردها ويكسوها (1)، وفي رواية عبد الملك: يردها و
يرد عشر ثمنها (2).
وهذه الروايات تدل على ما ذهب إليه المشهور بل ادعى الاجماع
على العمل بظاهرها، ولكن خلافا لما عن الإسكافي حيث حملها على
كون الجارية أم ولد من المولى، والتزام بوجوب الرد لبطلان بيع أم الولد،
ويكون رد نصف عشر القيمة في مكان مهر المثل في الحر الموطوءة
بشبهة.
وقد اختار ذلك في المختلف (3) بل هو ظاهر الشيخ في النهاية (4)، حيث
قال: فإن وجد بها عيبا بعد أن وطأها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب
خاصة إلا أن يكون العيب من حبل فيلزمه ردها على كل حال وطأها أو
لم يطأها ويرد معها إذا وطأها نصف عشر قيمتها.
ثم ذكر المصنف: ويمكن استفادة هذه من اطلاق المبسوط (5) القول
بمنع الوطئ من الرد، فإن من البعيد عدم استثناء وطئ الحامل وعدم

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها وهو
لا يعلم، قال: يردها ويكسوها (الكافي 5: 215، الفقيه 3: 139، التهذيب 7: 62، الإستبصار
3: 81، عنهم الوسائل 18: 107)، صحيحة.
2 - عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى
فيطأها، قال: يردها ويرد عشر ثمنها إذا كانت حبلى (التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 81، الفقيه
3: 139، عنهم الوسائل 18: 107)، ضعيفة بعبد الملك.
3 - المختلف 5: 179.
4 - النهاية 2: 161.
5 - المبسوط 2: 125.
32

تعرضه لحكمه، مع اشتهار المسألة في الروايات وألسنة القدماء واطلاع
الشيخ على الروايات الدالة على ذلك، وهذا القول هو ظاهر الرياض
والوسيلة (1).
ثم اختاره المصنف أيضا وقال: إن الروايات المتقدمة وإن كان في
بادئ النظر ما ذكره المشهور إلا أن العمل على هذا الظهور يستلزم
مخالفة الظاهر من وجوه:
1 - أنه يلزم المخالفة على هذه الرواية من أحد الطرفين، أما مخالفة
ظهورها في وجوب رد الجارية فإنها ظاهرة في وجوب رد الجارية
وحملها على الرد مع الوطي وصحة البيع لا يستقيم إلا برفع اليد عن
حملها على وجوب الرد، إذ مع صحة البيع لا يجب الرد بل كان جائزا،
وأما القول بوجوب الرد فلا يمكن القول بصحة البيع بل يلتزم بفساد البيع
لكونه بيع أم ولد، فيكون الرد واجبا لوجوب رد مال الغير إليه، ومن
الواضح هذا الحمل مخالف للظاهر بلا شبهة، لكون الجملة الخبرية
الوارد فيها ظاهرة في الوجوب كما حقق في الأصول، وحملها على
مجرد الجواز خلاف الظاهر منها.
وأما أن يقيد الحمل بكونه من غير المولى حتى يكون الجملة الخبرية
واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدمة المانعة من
رد الجارية بعد الوطئ، إذ لو بقي الحمل على اطلاقه لم يستقم دعوى
وقوع الجملة الخبرية في مقام دفع توهم الحظر.
وبالجملة إن دعوى جواز رد الجارية الحاملة وعدم مانعية الحمل من
الرد من آثار البيع الصحيح، فبعد كون البيع بيع أم ولد أم اطلاقه وكونه

1 - الوسيلة: 256، رياض المسائل 2: 535.
33

أعم من بيع أم الولد وغيره كان البيع باطلا ووجب رد الجارية إلى مالكها،
فلا بد إما من رفع اليد من ظهور الرد في الوجوب الذي هو ظاهر الجملة
الخبرية وحملها على الجواز، أو حمل الوجوب على دفع توهم الحظر
الناشئ من الأخبار، فكان السائل توهم عدم جواز الرد مع الوطئ مطلقا
فسأل عن ذلك مع كون الجارية حاملة.
ومن الواضح أن كلاهما ارتكاب على خلاف الظاهر، فلا بد من بقاء
ظاهرها وثبوت الرد على حال، فتكون الروايات حينئذ محمولة على أم
الولد وتكون خارجة عما نحن فيه.
على أنه يبعد حمل تلك الروايات على الجواز اختلاف السياق، فإنه
ذكر فيها أنه يرد الجارية ويرد نصف عشر قيمتها، فإنه من البعيد أن
تحمل كلمة يرد الجارية على الجواز، وكلمة يرد نصف عشر قيمة على
الوجوب، فمقتضى اتحاد السياق هو أن يراد من كلمة يرد وجوب الرد
في كلا الموردين، وعليه فتكون الروايات محمولة على أم ولد المولى.
2 - إن الروايات المذكورة منطبقة على وجوب رد نصف عشر القيمة
أو عشرها، وهذا لا يجتمع مع القواعد، فإن مقتضى القاعدة منافع مال
كل شخص عائدة إليه وإذا استوفاها فتكون له، وعليه فلا مقتضى
لاعطاء عشر قيمة الجارية أو نصف عشر قيمتها لكون استيفاء المنفعة
واقعا في ملكه.
وعليه فلا بد إما من الالتزام بأن استيفاء المنفعة هنا من المالك الأول
وإن كان في ملكه فيكون ما نحن فيه تخصيصا للقاعدة المذكورة المسلمة
وهو بعيد، أو لا بد من الالتزام بكون المورد تخصيصا لما هو المسلم، من
أن بطلان العقد من حين الفسخ لا من حين العقد ومن أول الأمر، ويقال في
المقام بأن الفسخ من الأول فيكون العقد باطلا من الأول ويكون ما استوفاه
34

المشتري من المنافع من أموال البايع، وعليه يجب ردها إليه ورد نصف
عشر القيمة أو عشرها من جهة ذلك.
وبعبارة أخرى أن كون العقر على المشتري مخالف لقاعدة عدم العقر
في وطئ الملك أو مخالف لقاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه لا من
أصله، وهذا أيضا بعيد.
3 - إن الالتزام بعدم كون الوطئ مانعا عن الرد مع كون الجارية حبلى
مخالف لما ورد عموما من كون احداث الحدث مانعا عن الرد، وما ورد
خصوصا من كون الوطئ مانعا عن الرد، وهذا أيضا بعيد.
4 - أنه ذكر المصنف (رحمه الله) أيضا أن هذا المعنى يستفاد من روايتين:
الأولى: رواية ابن أبي عمير في رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم (1)،
فإن السؤال في هذه الرواية عن بيع أم الولد، وإلا لم يكن لذكر جهل البايع
في السؤال فائدة، فإن ما له فائدة إنما هو جهل المشتري فإنه مع الجهل
يكون له خيار العيب، وأما مع عدم الجهل فلا يكون له خيار لاقدامه
بذلك البيع، وأما إذا كانت الجارية أم ولد فجهل البايع له فائدة، فإنه مع
عدم الجهل بالحمل لا يمكن له بيع الجارية لكونها أم ولد.
الثانية: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل يشتري
الجارية الحبلى فينكحها قال: يردها ويكسوها (2)، فإن قوله (عليه السلام)
يكسوها مشعرة بما ذكرناه، حيث إنه ثبت في الشريعة المقدسة أن

1 - عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في
رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى، قال: يردها ويرد نصف عشر قيمتها
(التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 80، عنهما الوسائل 18: 108)، ضعيفة بالارسال.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها وهو
لا يعلم، قال: يردها ويكسوها (الكافي 5: 215، الفقيه 3: 139، التهذيب 7: 62، الإستبصار
3: 81، عنهم الوسائل 18: 107)، صحيحة.
35

الكسوة ثبت للحرة يطيها، وحيث إن أم الولد فيها شأنية الحرية فلهذا
أثبت الإمام (عليه السلام) فيها الكسوة.
بيان آخر
والحاصل أنه ذكر المصنف أن الأخبار المذكورة وإن كانت ظاهرة في
بادئ النظر فيما ذهب إليه المشهور، من كون الوطئ غير مانع عن رد
الجارية الحاملة، ولكن لا بد من رفع اليد عن هذا بوجوه، وحملها عن أم
الولد:
1 - إن الجملة الخبرية الفعلية فيها، وهي قوله (عليه السلام): يردها، ظاهرة
في الوجوب، وهي لا تصح إلا في حمل الجارية على أم الولد، لوجوب
ردها إلى مالكها من جهة بطلان البيع فيها، فلو حملناها على غير أم الولد
فأما لا بد من رفع اليد عن ظهور الجملة الخبرية في الوجوب وحملها
على جواز الرد، وهو خلاف الظاهر منها، وأما ابقائها في ظاهرها ولكن
يحمل الوجوب على دفع توهم الحظر من جهة الاطلاقات الدالة على
مانعية رد الوطئ، وهذا أيضا خلاف الظاهر من الوجوب.
وبعبارة أخرى حمل البيع على البيع الصحيح يستلزم الارتكاب بأحد
خلافي الظاهر، من كون الجملة الخبرية الواقعة في الرواية ظاهرة في
الوجوب كما هو واضح.
2 - إن المنافع المستوفاة إنما هي للمشتري لكونها في ملكه، وحمل
الروايات على غير أم الولد يستلزم أن تكون تلك المنافع للبايع، لأن تلك
الأخبار تدل على رد عشر القيمة أو نصف عشر القيمة، وعليه فلا بد اما
من الالتزام بكون المنفعة هنا للبايع تخصصا، للقاعدة الدالة على أن منافع
الملك للمالك، أو من الالتزام بكون الفسخ من الأول لا من حين الفسخ،
وهذا أيضا بعيد جدا.
36

3 - إن الالتزام بعدم حملها على أم الولد والقول بجواز وطئ الجارية
الحاملة غير مانع عن الرد للزم الالتزام بتقييد ما دل باطلاقه على مانعية
الحدث والتصرف من الرد لكونه كاشفا عن الرضا بالعقد ومنافيا لاطلاق
ما دل على مانعية خصوص الوطئ عن الرد، وهذا أيضا بعيد.
4 - قد وقعت الإشارة في مرسلة ابن أبي عمير إلى كون الجارية أم ولد،
لأنه وقع في السؤال فيها أنه باع جارية حبلى وهو لا يعلم، ومن الواضح
أنه لا أثر لجهل البايع في بيع غير أم الولد، وأما في بيع أم الولد فله أثر لأنه
مع العلم بكونها أم ولد لا يبعها.
وأيضا ذكر في الصحيحة أنه يرد الجارية ويكسوها، ومن الواضح أن
الكسوة إنما هي وقعت في طلاق الحرة مع عدم فرض المهر لها، وحيث
إن أم الولد متشبثة بالحرية قد ذكر الإمام (عليه السلام) فيها الكسوة.
5 - إن هذه الأخبار الدالة على جواز رد جارية الحاملة بعد الوطئ و
عدم مانعية الوطئ عن الرد فيها ظاهرة في أن الرد إنما وقع بعد تصرف
المشتري في الجارية بغير الوطي، من مثل اسقني الماء وأغلق الباب
ومقدمات الوطئ وغير ذلك من التصرفات التي يبعد عادة بل يستحيل
خلو المشتري عنها، ولا أن الجارية تنفك عنها، وتقييد هذه الروايات
بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بها بالفرض النادر.
نعم التزمنا بالتقييد بذلك في غير هذه الأخبار مما دل على رد الجارية
بعد مدة طويلة كستة أشهر على ما تقدم، وإنما التزمنا على ذلك من جهة
الدليل الدال على لزوم العقد بالتصرف، ولكن لا داعي لهذا التقييد هنا،
لعدم امكان تقييد ما دل على رد الجارية بعد مدة طويلة بنحو آخر،
ولكنه يمكن تقييدها بنحو آخر في المقام، فإنه يمكن تقييد الحمل هنا
بكونه من المولى لتسلم هذه الأخبار الدالة على رد الجارية الحاملة بعد
الوطي عن جميع التقييدات المتقدمة كما لا يخفى.
37

غاية الأمر أن هذه الأخبار تعارض مع ما دل على منع الوطئ عن الرد
بالعموم من وجه، فيبقى ما عدا الوجه الثالث مرجحا لتقييد هذه الأخبار.
وتوضيح ذلك: إن هذه الأخبار أخص من حيث اختصاصها بصورة
الحبل وعدم شمولها لموارد الوطئ بأجمعها، ولكنها مطلقة من حيث
كون الحمل من المولى لتكون الجارية أم ولد أم من غير المولى، لئلا
تكون الجارية أم ولد، والأخبار الدالة على مانعية الوطئ عن الرد فهي
أخص من حيث موردها، وهو البيع الصحيح، وعدم شمولها الجارية
التي هي أم الولد.
لأن الكلام فيها قد فرض في البيع الصحيح، ومن الواضح أن بيع أم
الولد سواء كان مع العلم أو بدونه ليس بصحيح، فلا تكون شاملة لأم
الولد، ولكنها أعم من حيث كون الوطي وطيا للجارية الحاملة أو الحائلة
لاطلاقها، وحينئذ تقع المعارضة بينهما.
والوجوه المتقدمة مرجحة لها، وعلى تقدير التكافؤ والتساقط وجب
الرجوع إلى عموم ما دل أن احداث الحدث مطلقا مانع عن الرد لكونه
رضا بالبيع.
ثم ذكر أنه يمكن الرجوع إلى ما دل على جواز الرد مع قيام العين
كمرسلة جميل بن دراج المتقدمة (1).
ثم ذكر أنه مع المناقشة في عموم ما دل على عدم جواز الرد بمطلق
التصرف وجب الرجوع إلى أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطئ، ولكن

1 - عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا،
قال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو
صبغ يرجع بنقصان العيب، (الكافي 5: 207، الفقيه 3: 136، التهذيب 7: 60، عنهم الوسائل
18: 31)، ضعيفة.
38

يبقى أن لزوم العقر على المشتري بنصف عشر القيمة أو عشرها بلا وجه،
ولكن يمكن اثباته بعدم القول بالفصل لأنه كل من قال بلزوم رد الجارية
الحاملة بعد الوطئ قال بذلك مع العقر، وكل من لم نقل لم نقل بذلك
مطلقا.
والحاصل أن المصنف أثبت في النتيجة ما ذهب إليه صاحب
الرياض (1) وغيره، من حمل الأخبار المذكورة على أم الولد، وإن وطئ
الجارية الحاملة أيضا مانع عن الرد كما هو واضح، فافهم، هذه هي
محصل الوجوه التي ذكرها المصنف، والعمدة منها هي الوجه الأول
والخامس.
التحقيق في المقام
أقول: الأولى ما ذهب إليه المشهور من جواز رد الجارية الحاملة
بالوطئ وعدم حملها بأم الولد، والوجوه التي ذكرها المصنف تأييدا
لحملها على أم الولد وكونها أجنبية عن جواز رد الجارية الحاملة بعد
الوطئ لا ترجع إلى محصل.
أما الوجه الأول الذي هو من عمدة الوجوه، فجوابه أن ما ذكره من كون
الجملة الخبرية ظاهرة في الوجوب فهو متين، ولكن ذلك لا يوجب
حملها على أم الولد حفظا لظاهرها، بل هي ظاهر في الجارية الحاملة من
غير المولى.
فالجملة وإن كانت ظاهرة في الوجوب ولكن القرينة دلت على كون
الوجوب في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من المطلقات الدالة على

1 - رياض المسائل 2: 535.
39

مانعية الوطئ من الرد، فلا تحمل الجملة الانشائية على الجواز ابتداء
ليكون ذلك الحمل على خلاف الظاهر، بل تدل على دفع توهم الحظر،
ولازم ذلك هو جواز الرد لا وجوبه.
فالجملة باقية على استعمالها في الوجوب ولكن في الوجوب في دفع
توهم الحظر ويلزم عليه الجواز، والذي يدل على إرادة الحمل من غير
المولى ما وقع في بعض تلك الروايات المقابلة بين الجارية الحبلى إذا
وطأها المشتري فحكم الإمام (عليه السلام) بردها، وبين الجارية التي ليست
بحبلى ووطأها المشتري حيث حكم الإمام (عليه السلام) بعدم جواز ردها.
فهذه المقابلة تدل على أن الرد وعدم الرد قد وردا على الورد واحد،
ومن الواضح أن يقبل هذه المقابلة أي الرد تارة وعدم الرد أخرى هو
البيع الصحيح لا الباطل، فتكون أم الولد خارجة عن حدود تلك الأخبار،
بل الأمر كذلك إذا لم تكن هنا مقابلة، حيث إن كلمة: ترد الجارية،
صريحة في إرادة البيع الصحيح دون الفاسد، فلا يمكن حمل الجارية
حينئذ على أم الولد.
وذلك أن من الواضح جدا أن المراد من الرد ليس هو الرد الخارجي
الحقيقي، لبداهة عدم وجوب ذلك حتى مع كون الجارية أم ولد وبطلان
البيع لجواز ابقاء الجارية عند المشتري بالإجازة أو بالإجارة ونحوهما،
بل المراد من الرد هو الرد الاعتباري، أي الرد إلى ملك البايع.
وبعبارة أخرى أن المراد هو الرد الخارجي، ولكنه كناية عن الرد
الاعتباري، ومن الواضح أن الرد إلى ملك البايع لا يمكن إلا بالفسخ بعد
كون البيع صحيحا فلا يعقل صحة المعاملة مع كون الجارية أم ولد
لبطلان البيع مع ذلك.
والذي يدل على هذا المعنى، وعلى كون الوجوب لدفع توهم الحظر
40

ما في صحيحة ابن سنان، من استشهاد الإمام (عليه السلام) بقوله: لا ترد الجارية
التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها (1)، حيث إنه لا وجه لذلك بعد كون
الجارية أم ولد وبطلان البيع، فإنه مع بطلان البيع أي معنى لاستشهاده
(عليه السلام) بقسم خاص من البيع الصحيح، وأنه لا ترد الجارية في هذا القسم
فتدل هذه المقابلة على كون الصورة الأولى، وهو رد الجارية الحاملة مع
الوطئ في البيع الصحيح أيضا.
وهذه الفقرة أي الاستشهاد بكلام علي (عليه السلام) أيضا تدل على كون
الوجوب لدفع توهم الحظر، حيث إنه توهم السائل من المطلقات عدم
جواز رد الجارية بعد الوطي مطلقا، فدفع الإمام (عليه السلام) ذلك التوهم
باختلاف الموردين.
وبالجملة ففي الرواية قوة ظهور على ما ذكرناه كما لا يخفى.
فالجملة الخبرية إنما استعملت في الوجوب وفي مقام انشاء الحكم
من غير إرادة الجواز منها ليكون خلاف الظاهر منها، ولكن في دفع توهم
الحظر، ولازم ذلك هو الجواز، فإنه بعد بيان اختلاف الموردين بدفع
توهم الحظر يعلم أن فيما نحن فيه يجوز الرد، كما أن للرواية قوة ظهور
في أن المراد من الرد هو الكناية عن فسخ العقد وأن الرد خارجي، ولكن
ذلك كناية عن الرد الاعتباري وهو الرد إلى الملك وفسخ العقد، فافهم
ذلك واغتنم.
والحاصل أن المستفاد من كلمة يرد في الروايات أن المراد منها هو
جواز رد الجارية الحاملة من غير المولى بعد وطئ المشتري لها، فإن

1 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قال علي (عليه السلام): لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها (الكافي 5: 214،
التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل 18: 102)، صحيحة.
41

الرد كناية عن الرد إلى الملك لعدم وجوب الرد الخارجي قطعا لو كان
المراد من الحمل كونها حاملة من المولى، فتكون الروايات خارجة عن
أم الولد موضوعا.
وتدل على ذلك مقابلة الرد مع عدم رد الجارية بعد الوطئ إذا لم تكن
حاملة، وتكون نفس هذه المقابلة قرينة على كون الجملة الخبرية الدالة
على الوجوب واقعة في مقام توهم الحظر.
المناقشة فيما ذكره المصنف (رحمه الله)
وما أفاده المصنف من الوجه الأول الذي هو العمدة لا يتم، أما ما أفاده
ثانيا من بعد كون المنافع المستوفاة في ملك المشتري للبايع كما يقتضيه
وجوب رد نصف العشر على البايع، وهذا بخلاف ما إذا حملنا الروايات
على أم الولد فإن اعطاء نصف العشر أو العشر من القيمة في مقابل
الوطئ، كما أن في وطئ الحرة شبهة يوجب مهر المثل على الواطي،
فهو أيضا واضح الدفع، فإن ذلك حكم قد صدر من الشارع في مورد تعبدا
فلا بد من العمل به كما هو واضح.
وأما الوجه الثالث، من أن كون الحمل من غير المولى يستلزم التقييد
في الروايات الدالة على أن الوطئ مانع عن الرد، فهو محض استبعاد،
فأي مانع من التقييد والتخصيص بعد قيام الدليل على ذلك كما هو
واضح، وقد شاع تخصيص العام حتى قيل ما من عام إلا وقد خص.
وأما الوجه الرابع أعني دلالة بعض الروايات على حمل الجارية
الحاملة على أم الولد، وهي تقييد البيع بجهل البايع ففيه:
أولا: أن ذلك التقييد إنما وقع في كلام الراوي ولا فائدة له حينئذ، فإن
من يبتلي بأسئلة العوام يعلم أن في سؤالاتهم قيود لا فائدة في ذكرها
أصلا.
42

وثانيا: إن فائدة التقييد ليس منحصرا بكون الجارية أم ولد، بحيث
لو لم يكن البايع عالما بذلك لما باع، وأما لو كانت الجارية غير أم ولد
فلا فائدة للتقييد أصلا فيكون لغوا، لامكان أن يكون التقييد من جهة بيان
موضوع الخيار وأنه لو كان عالما لبين عيب الجارية وهو الحمل،
وحينئذ لما كان للمشتري خيار أصلا فيكون الغرض من التقييد وهو
الأثر الوضعي.
ويمكن أن يكون الغرض من ذلك هو رفع الحكم التكليفي أيضا، فإنه
لو كان البايع عالما بالعيب لكان بيعه بدون بيان غشا محرما وبعيد من
المسلم أن يرتكب ذلك وإنما أقدم عليه جهلا، وكيف كان فلا دلالة في
هذا التقييد على ما ذكره المصنف.
وأما ذكر الكسوة في رواية ابن مسلم (1) فهو إنما يشعر بما ذكره
المصنف، إذا قلنا إن الواجب على المشتري لزوم رد نصف عشر القيمة
أو عشر القيمة، وأما إذا قلنا إنها أحد أفراد الواجب المخير كما سنذكره
فلا اشعار فيها أصلا بما ذكره المصنف.
وأما الوجه الخامس، من أنه لو حملنا الجارية على غير أم الولد فيلزم
تقييد ما دل على كون التصرف مسقطا، لأن الوطئ لا ينفك عن
التصرفات، وهذا بخلاف ما لو حملناها على أم الولد، فإنه لا داعي لهذا
لتقييد أصلا.
وفيه أولا: أنه لا دليل على كون التصرف مطلقا مسقطا للرد، وإنما
المسقط هو احداث الحدث للنص الخاص على ما تقدم، بل يلتزم به

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها وهو
لا يعلم، قال: يردها ويكسوها (الكافي 5: 215، الفقيه 3: 139، التهذيب 7: 62، الإستبصار
3: 81، عنهم الوسائل 18: 107)، صحيحة.
43

المصنف أيضا إلا إذا كان كاشفا عن الرضا بالعقد نوعا، وقد ناقشنا في
ذلك أيضا.
وثانيا: إنه بعد ما قلنا بجواز رد الجارية الحاملة بعد وطئ المشتري
بها، فيدل ذلك بالالتزام على أن التصرفات التي لا تخلو الجارية عنها من
مقدمات الوطئ، أو مثل ناولني الماء وأغلق الباب لا يكون مانعا عن
الرد، فتكون هذه الروايات مقيدة لما دل على كون التصرف مسقطا للرد
كما هو واضح.
وأما ما ذكره من أن غاية الأمر وقوع المعارضة بين ما دل على مانعية
الوطئ عن الرد مطلقا، وبين ما دل على عدم مانعيه إذا كان الوطئ
للحاملة بالعموم من وجه.
فبناء على ما ذكرناه من حمل الأخبار الثانية على الحمل من غير
المولى فلا تصل النوبة إلى التساقط كما هو الصحيح، وقد عرفت عدم
تمامية شئ مما ذكره المصنف ليكون مرجحا لما ذكره، وقلنا إن
المتعين حمل هذه الأخبار على غير أم الولد، ومع الغض عن ذلك
فتسقط كلتا الطائفتين بالمعارضة.
فحينئذ فلا مانع من الرجوع إلى عموم ما دل على جواز الرد بالعيب إلا
مع احداث الحدث، وهو روايتان:
إحداهما حسنة زرارة المتقدمة، فإنها بعمومها تدل على الجواز،
لقوله (عليه السلام): أيما رجل - الخ (1).

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
44

والثانية: مرسلة جميل بن دراج (1)، فإنهما تدلان على جواز الرد مع بقاء
العين وعدم احداث الحدث، فمفهوم الحسنة هو أن التصرف ما لم
يحدث حدثا في المتاع لا يوجب الرد، والخارج من المفهوم هو وطئ
المشتري الجارية، للروايات الدالة على أن الوطئ مانع من الرد،
والمفروض أنها ابتليت بالمعارضة في صورة كون الجارية حاملة
وسقطت كلتا الطائفتين.
فحينئذ نرجع إلى هاتين الروايتين الدالتين على جواز الرد بالعيب
مطلقا إلا في صورة احداث الحدث.
وبالجملة فمقتضى الروايتين هو جواز الرد بالعيب مطلقا وعدم
مانعية التصرف عنه إلا إذا كان موجبا لاحداث الحدث، وقد خرج عن
ذلك وطئ الجارية، فإذا سقط دليله بالمعارضة فنرجع إلى ذلك أيضا،
فنحكم بجواز الرد لهذا العموم، فإن قوله (عليه السلام): أيما رجل عام، وأما
لزوم العقر على المشتري فنثبت ذلك بعدم القول بالفصل، فافهم.
وهذا الذي ذكرناه غير ما ذكره المصنف على فرض التساقط، فإنه ذكر
أنه إذا تساقطت كلتا الطائفتين ووقعت الخدشة في عموم ما دل على
المنع عن الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع إلى أصالة جواز الرد الثابت
قبل الوطئ، ثم أثبت لزوم العقر على المشتري بالاجماع المركب.
أما ما ذكره على تقدير الخدشة في عموم ما دل على مانعية التصرف
عن الرد فهو مسلم، لما عرفت من عدم الدليل على كون التصرف مانعا عن

1 - عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا،
قال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو
صبغ يرجع بنقصان العيب، (الكافي 5: 207، الفقيه 3: 136، التهذيب 7: 60، عنهم الوسائل
18: 31)، ضعيفة.
45

الرد بل التلف أيضا كذلك، بل لم يلتزم به المصنف أيضا على اطلاقه،
وإنما ذكر كون التصرف مسقطا إذا كان كاشفا نوعيا عن الرضا بالعقد،
وأما اثبات الجواز بأصالة الجواز ثم اثبات العقر على المشتري بعدم
القول بالفصل فلا يمكن المساعدة عليه.
امكان وقوع التفكيك في مفاد الأصول
فإن التفكيك في مفاد الأصول مما ليس بغريب، فلا بعد من الالتزام
بجواز الرد، ومع ذلك لم نقل بثبوت العقر على المشتري وإن كان في
الواقع بينهما تلازم، فإن الاستصحاب وإن كان له نظر إلى الواقع أيضا
ولكن مع ذلك لا يترتب عليه الملازمات العقلية وإن كانت ثابتة في
الواقع.
ومن هنا ذكر المصنف في كتاب الرسائل (1) أنه لو توضأ أحد بماء أحد
الإنائين المقطوع أحدهما بالنجاسة وتوضأ غفلة، فإنه يحكم بطهارة بدنه
لمكان استصحاب الطهارة، وبقاء الحدث على حاله لاستصحاب
الحدث، مع أنه نقطع بالملازمة بينهما في الواقع.
والمقصود أن الملازمة الواقعية لا تقتضي القول بها في مفاد الأصول
ففي المقام أن جواز الرد وإن كان ثابتا بالأصل، ولكن لا يترتب عليه عدم
القول بالفصل بين جواز الرد وبين ثبوت العقر على المشتري، لعدم غرابة
التفكيك بينهما.
وأما بناءا على ما ذكرناه فلا يجري ذلك لأن جواز الرد قد ثبت
بالأصل اللفظي وبالرواية، فلا محالة لا يمكن التخطي من لوازمه أيضا،
فيجوز اثبات كون العقر على المشتري بعدم القول بالفصل.

1 - فرائد الأصول: 743.
46

عدم الفرق بين البكر والثيب
ثم إنه مما لا بد من التنبيه عليه وهو أنه بناءا على حمل تلك الأخبار
على الحامل من غير المولى كما اخترناه، فلا فرق فيه بين البكر والثيب
حتى مع كون إزالة البكارة جناية، لأنه مع دلالة النص على جواز الرد
فلا مجال للمناقشة في ذلك.
وأما مع الاغماض عن ذلك والحكم بالتساقط على التقريب الذي
ذكرناه فلا بد من الفرق بين البكر والثيب، لأن الروايات التي رجعنا إليها
بعد تساقط هاتين الطائفتين إنما دلت على جواز الرد مع عدم احداث
الحدث، وأما مع احداث الحدث فلا يجوز الرد، ومن الواضح جدا أن
إزالة البكارة من البكر من أوضح أفراد احداث الحدث، فلا يجوز الرد مع
ذلك.
وجه آخر لتقييد الأخبار
ثم إنه ربما يقيد هذه الأخبار بكون الحمل من المولى بوجه سادس غير
ما ذكره المصنف من الوجوه، وحاصله:
أن هذه الأخبار الدالة على جواز الحامل بعد الوطي مطلق من حيث
كون الواطي عالما بالحمل أو جاهلا به، وحينئذ إن قلنا بعدم سقوط الرد
بالوطي مع العلم بالحمل فهو بعيد، وإن قلنا بكون هذه الروايات مقيدة
بحال الجهل فهو تقييد بلا موجب، وهذا بخلاف أن نحملها على الحمل
من المولى، فإنه حينئذ تبقى الروايات على حالها من غير أن تكون مقيدة
بالعلم والجهل، فإنه سواء علم المشتري بكون الجارية حاملا أو لم يعلم
بها ووطأها فإنه يجب عليه ردها ورد نصف العشر من قيمتها كما هو
واضح.
47

وقد أشار المصنف إلى حكم الوطئ مع العلم أو بدونه في آخر
كلامه من هذا البحث، وقد أشار إلى هذا الوجه المحقق الإيرواني
أيضا (1).
أقول: يرد عليه أولا: إن الروايات المطلقة من حيث جهل المشتري
بالحمل أو علمه به ضعيفة السند، فإن هنا ستة روايات أو سبعة، إن كان
ما ذكره في الكافي بعنوان روي رواية مستقلة، والصحاح منها وهي
ثلاثة مقيدة بجهل المشتري، وما لم يقيد به ضعيف السند.
وثانيا: إن النسبة بين وطئ الجارية مع العلم بكونها حاملا وبين
سقوط الرد بالوطي عموم من وجه، فإنه قد يكون الواطي مع العلم به
راضيا بالعقد، فحينئذ يسقط الرد، وقد يكون الرضا بالعقد بدون الوطئ
وقد يطأها ولكن ناسيا للحمل، أو غفلة من ذلك، أو مترددا في أنه
يفسخ أو لا، أو بانيا على أنه لا يفسخ، ففي هذه الصور كلها لا يسقط الرد،
فإن مجرد الوطئ لا دليل على كونه مسقطا للرد إلا في غير مورد الحمل
للروايات المطلقة المقيدة بهذه الروايات.
وإذن فلا دلالة في وطئ الجارية مع العلم بحملها على الرضا بالعقد
كما هو واضح.
فتحصل أن الظاهر هو كون هذه الأخبار ناظرة إلى ما ذهب إليه
المشهور، فلا وجه لما ذهب إليه الإسكافي وتبعه جملة من الأعاظم و
قربه المصنف بالوجوه المذكورة.
الفرع الثاني: الحكم بثبوت نصف عشر القيمة يشمل الثيب والبكر أم لا؟
ثم إنه يحكم بثبوت نصف عشر القيمة مطلقا، سواء كانت الجارية بكرا

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 53.
48

أم ثيبا، أو يحكم بثبوت نصف العشر في الثيب وأما البكر فلا فيها من رد
عشر القيمة، فالمشهور بين الأصحاب بل عن الإنتصار (1) دعوى الاجماع
على اختصاص نصف العشر بالثيب وعدم شمول ذلك للبكر، إذا كانت
حاملا بالسحق أو بالوطئ من الدبر أو نحو ذلك.
ولكن ذكر المصنف: إلا أن يدعي انصراف اطلاق الفتاوي ومعقد
الاجماع كالنصوص إلى الغالب، من كون الحامل ثيبا فلا يشمل فرض
البكر بالسحق أو بوطئ الدبر، ولذا ادعى عدم الخلاف في السرائر (2)
على اختصاص نصف العشر بالثيب وثبوت العشر في البكر، ثم ذكر: بل
معقد اجماع الغنية بعد التأمل موافق للسرائر - الخ.
أقول: لا مدرك لما ذكره في السرائر من ثبوت نصف عشر القيمة في
الثيب وعشر القيمة في البكر إلا مرسلة الكافي، من أنه إن كانت بكرا
فعشر قيمتها وإن كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها (3)، وإن قلنا بكون الشهرة
جابرة لضعف الرواية صغرى وكبرى، إن قلنا بكون المشهور استندا في
فتياهم على نصف عشر القيمة في الثيب وعشر القيمة في البكر إلى هذه
الرواية، وقلنا بكون الشهرة جابرة لضعف الرواية، فلا بأس بكونها
مستندا للتفصيل، ولكن ذلك ممنوع صغرى وكبرى.
وأما ما ورد في رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام)
من أنه يرد الجارية ويرد معها شيئا (4)، غير مناف لاعطاء نصف عشر

1 - الإنتصار: 439،
2 - السرائر 2: 298.
3 - الكافي 5: 215، عنه الوسائل 18: 106، ضعيفة.
4 - عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري
الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى؟ قال: يردها ويرد معها شيئا (الكافي 5: 215، الفقيه 3: 139،
التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 81، عنهم الوسائل 18: 106).
49

القيمة، لامكان انطباق الشئ عليه، على أن المظنون أن الرواية ضعيفة
السند.
وأما ما في رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل
يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها، قال: يردها ويرد عشر قيمتها (1).
فهي أيضا لا تدل على وجوب رد عشر القيمة في البكر، لأنها أولا:
ضعيفة السند.
وثانيا: إن حملها على البكر حمل للمطلق على المورد النادر، فإن
كون البكر حاملا بالسحق أو بالوطئ بالدبر لا يتفق إلا نادرا، ولعله
لم يتفق إلى الآن إلا مرة أو مرتين، فلا يمكن حمل المطلق على مثل هذا
الفرد النادر، وحينئذ ابقاؤها على اطلاقها يقتضي المعارضة مع
الروايات الكثيرة، فلا بد من تقديمها على هذه الرواية لكونها مشهورة،
فإن نصف العشر قد رواها المشهور بخلاف عشر القيمة.
ومن هنا ذكر بعضهم أنه سقط منها لفظ النصف قبل كلمة عشر قيمتها،
وأنها كسائر الروايات من حيث المفاد، بل قيل إن الصدوق ردها مع
إضافة كلمة نصف قبل كلمة عشر.
وأما ما في صحيحة محمد بن مسلم، من أنه يرد الجارية ويكسوها،
فحمل الكسوة على كونها مساوية لنصف عشر القيمة كما صنعه
المصنف بعيد وحمل بلا موجب، بل الصحيح أن يقال: إنه أحد أفراد
الواجب المخير، فيكون المشتري مخيرا بين رد نصف عشر القيمة
واعطاء الكسوة، لكون الرواية صحيحة من حيث السند وواضحة
الدلالة، فلا وجه لرفع اليد عنها وحملها على شئ آخر.

1 - التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 81، الفقيه 3: 139، عنهم الوسائل 18: 107، ضعيفة
بعبد الملك.
50

كما إذا ورد وجوب الاتمام في مورد وورد فيه أيضا تعين القصر،
فحيث إنه قامت الضرورة على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فنرفع
اليد عن كون الأمر ظاهر في التعين فيهما، فنحملهما على التخيير.
ودعوى أن إزالة البكر أمر آخر وراء الوطئ، بل قد عرفت أنها جناية
فكيف يمكن الحكم باتحادهما في ردها والرد معها نصف عشر القيمة،
دعوى فاسدة، لأنه يختلف نصف عشر القيمة في الثيب مع نصف عشرها
في البكر، حيث إن قيمة البكر أكثر من الثيب، فإذا رد معها إلى البايع
نصف عشر قيمتها تنجبر معه جناية البكر وأرش إزالة البكارة.
مثلا إذا كانت قيمة الثيب عشرين وقيمة البكر خمسين فيكون نصف
العشر في الثيب دينار وفي البكر دينارين ونصف، فيكون التفاوت بينهما
تفاوتا بين وطئ الثيب ووطئ البكر وإزالة بكارتها.
شموله للوطئ بالدبر
ثم إنه هل يشمل الوطئ في الدبر أيضا أم لا؟
فقد توقف المصنف في ذلك، من حيث إن اطلاق الوطئ يشمله،
فيجوز ردها مع وطئها في دبرها أيضا، ومن حيث إنه يمكن دعوى
انصرافه إلى الوطئ المتعارف، فيقتصر في مخالفة العمومات على ظاهر
اللفظ، فلا يجوز ردها بعد الوطئ في دبرها.
ولكن الظاهر أنه لا وجه لتوقف المصنف، سواء قلنا بشمول
الاطلاقات له أو قلنا بانصرافها عنه، وذلك أما بناءا على شمول الاطلاق
له فواضح، وأما بناءا على انصراف لفظ الوطئ عنه وعدم شمول
الاطلاق له، فمن جهة أنه لا يكون حينئذ مشمولا لما دل على عدم جواز
الرد بالوطئ أيضا.
51

فكلمة الوطئ في كلا الموردين قد استعملت على نسق واحد،
فلا وجه لدعوى شموله للوطئ في الدبر في تلك الأخبار وعدم شموله
في هذه الأخبار، وقد ذكرنا سابقا أن الوطئ بما هو وطئ ليس احداثا
للحدث حتى يمنع عن الرد كما هو واضح.
فعلى كل حال فلا وجه لدعوى أن الوطئ في الدبر يمنع عن رد
الجارية.
وأما اللمس والتقبيل ونحوهما من مقدمات الوطئ فلا ينبغي
التعرض لها أصلا، فإن من الواضح جدا أن الوطئ لا يخلو عن تلك
المقدمات إلا إذا كان الواطئ حيوان، فالملازمة العادية تقتضي عدم
الانفكاك بينهما، وإذا فالنص الدال على جواز رد الحامل بعد الوطئ
يدل على جواز ردها مع وقوع هذه المقدمات عليه بتلك الملازمة
العادية، فلا نحتاج حينئذ إلى دعوى الأولوية أصلا.
لو انضم إلى الحمل عيب آخر
ثم إنه لو انضم إلى الحمل عيب آخر، فقد استشكل في سقوط الرد
بالوطئ هنا، من صدق كونها معيبة بالحمل وكونها معيبة بغيره، فأجاب
عنه المصنف (رحمه الله) بأن كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير
ذلك العيب في الرد مع التصرف لا نفي تأثير عيب الحمل.
وبعبارة أخرى أن سقوط الرد بالوطئ للمطلقات من ناحية العيب
الذي غير الحمل لا يقتضي سقوط الرد من ناحية العيب الآخر الذي هو
الحمل، بل يجوز الرد لهذا، فإنه يصدق حينئذ أنها جارية حامل وطأها
المشتري، فلا تنافي بين سقوط الرد لعيب وبقاء حق الرد لعيب آخر كما
لا يخفى، فافهم.
52

3 - حدوث عيب عند المشتري
قوله (رحمه الله): الرابع من المسقطات: حدوث عيب عند المشتري (1).
أقول: ذكر المصنف أن حدوث العيب في المبيع قد يكون قبل القبض
وقد يكون بعده، وما كان بعده قد يكون في زمن الخيار للمشتري وقد
يكون بعده، فقال: إن مورد البحث هنا هو العيب الحادث بعد القبض و
بعد مضي زمان الخيار، أي خيار الحيوان والشرط والمجلس، بناءا
على الحاقه بهما، فإن ذلك يوجب سقوط حق الرد وعدم جواز رده على
البايع لكونه احداثا للحدث، وأما إذا كان قبل القبض أو بعده ولكن في
زمن الخيار فلا يكون مسقطا للرد.
أما الأول فلعدم الخلاف في أنه كالعيب الحادث قبل العقد حتى في
ثبوت الأرش كما يذكر في أحكام القبض، وأما الثاني فلعدم الخلاف في
أنه غير مانع عن الرد بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الأرش أيضا،
على الخلاف السابق فيما قبل القبض.
أقول: إن قلنا بأن نفس حدوث العيب بعد البيع وقبل القبض أو بعد
القبض ولكن في زمن الخيار، فلا شبهة في أن هذا العيب الحادث
لا يوجب سقوط الرد، فإن هذا كحدوث العيب قبل العقد سبب مستقل
لجواز الرد، فلا يكون موجبا للسقوط بل مع وجود عيب آخر قبل العقد
يكون هذا مؤكد جواز الرد، فكيف بالسقوط كما هو واضح.
وعلى هذا فلا يكون الجزء المتقدم الدال على سقوط الرد باحداث
الحدث شاملا للمقام.

1 - في كلام الشيخ (رحمه الله) في كتاب المكاسب المسقط الثالث هو تلف العين أو صيرورته
كالتالف، لكن السيد الخوئي (رحمه الله) ذكرها في ضمن البحث عن المسقط الثاني، فتذكر.
53

ولكن التحقيق هو التفصيل في المسألة، بأن نقول إن حدوث العيب
بعد العقد إن كان قبل القبض فلا يكون مانعا عن الرد، وأما إذا كان بعد
القبض كان مانعا عن الرد، وإن كان في زمن الخيار، وإن كان الضمان على
البايع، وذلك لأن رواية زرارة دلت على أن من أحدث في المبيع بعد ما
قبضه ليس له أن يرده، فتدل هذه الرواية على عدم جواز الرد بعد القبض،
وأما قبل القبض فلا.
نعم يكون الضمان على البايع بمقتضى الدليل الدال على أن العيب
والتلف قبل القبض من البايع، وبمقتضى الدليل الدال على أن العيب في
زمان خيار الحيوان والشرط والمجلس الحاقا له بهما من البايع.
ودعوى الملازمة بين كون الضمان على البايع وبين جواز الرد كما في
المتن دعوى لا يمكن تصديقها كما ذكرناه، فإن ثبوت الضمان بقاعدة أن
التلف قبل القبض أو في زمن خيار الحيوان والشرط والمجلس الحاقا
من البايع وجواز الرد قبل القبض وعدم جوازه بعده، فمن جهة رواية
زرارة (1) ومرسلة جميل (2) الدالة على عدم سقوط الرد مع قيام العين
وسقوطه مع عدم قيامها على حالها، فلا تنافي بينهما كما لا يخفى.

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
2 - عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا،
قال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو
صبغ يرجع بنقصان العيب، (الكافي 5: 207، الفقيه 3: 136، التهذيب 7: 60، عنهم الوسائل
18: 31)، ضعيفة.
54

فروع
1 - إذا كان التعيب في زمان الخيار هل يبقى حكم الضمان بعده أم لا؟
ثم إن هذا الذي ذكرناه من البحث تطفلي من جهة واستقلالي من جهة
أخرى، من جهة أنه يجوز الرد بعد حدوث العيب قبل القبض أو بعده في
زمن الخيار أو بعد زمان الخيار فالبحث استقلالي، فمن جهة أن الضمان
على البايع أولا فالبحث تطفلي، فإنه يأتي في أحكام الخيار وأحكام
القبض.
وإنما المهم الذي عقد له البحث هنا هو أن التعيب في زمان الخيار هل
يبقى حكمه أعني الضمان بعد زمان الخيار أم لا؟
وحاصل الكلام أن مورد بحثنا هو حدوث العيب في المبيع المعيوب
عند المشتري، وأنه هل يكون مانعا عن الرد أو لم يكن كذلك، سواء كان
قبل القبض أو بعده في زمان الخيار أو بعد زمان الخيار، فذكر المصنف
أن مورد بحثنا هو حدوث العيب في المبيع الذي كان معيوبا عند
المشتري هو حدوث العيب بعد زمان الخيار، وأنه هل يكون مانعا عن
الرد بالعيب السابق أو لا؟
وأما حدوث العيب قبل القبض وبعد البيع أو في زمان الخيار
فلا شبهة في عدم كونه مانعا عن الرد.
تفصيل الكلام هنا يقع في جهتين:
الجهة الأولى: إن العيب الحادث بعد زمان البيع وقبل القبض أو في
زمان الخيار وبعد القبض أو بعدهما هل يكون موجبا لحدوث الخيار
الآخر غير خيار الثابت بالعيب الحادث قبل البيع عند البايع أم لا؟
والجهة الثانية في أن العيب الحادث بعد البيع وقبل القبض أو بعده
55

وفي زمان الخيار أو بعده هل يكون مانعا عن الرد بالعيب السابق على
العقد أم لا يكون كذلك؟
والظاهر المشهور بل المجمع عليه أنه لا يجوز الرد بالعيب الحادث
عند المشتري وإنما له مطالبة الأرش فقط كما هو ظاهر، والمدرك لذلك
مرسلة جميل المتقدمة الدالة على عدم جواز الرد مع عدم بقاء العين
بعينها، ومن الواضح أن حدوث العيب يوجب عدم بقاء العين على
حالها.
وتدل على ذلك أيضا رواية زرارة التي هي العمدة في المقام، فإنا
ذكرنا أن قوله (عليه السلام): أحدث، كناية عن حدوث الحدث في الحيوان
بأي نحو كان، وإن لم يكن باختيار من المشتري أو بفعله، بل صدر منه
الحدث في حال الغفلة أو عن الغير، إذ لا خصوصية في حدوثه من
المشتري بحيث يستند الحدث إليه في حال اختيار، فتدل الرواية على
مانعية احداث الحدث في يد المشتري بأي نحو كان عن الرد في الجملة
كما هو واضح.
وإنما الكلام في أن حدوث العيب بعد البيع وقبل القبض أو بعد
القبض وفي زمان الخيار هل يكون سببا لحدوث الخيار أو مانعا عن الرد
أم لا؟
فنقول: إن مرسلة جميل وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى بعد البيع مطلقا
وأنها دلت على عدم جواز الرد بالعيب الحادث بعد العقد، ولكن العمدة
في المقام هي رواية زرارة، وهي دلت على جواز الرد بالعيب الحادث
قبل القبض وبعد العقد للعيب السابق على العقد، وإن حدث هنا عيب
أيضا وأنه لا تمنع عن الرد بالعيب السابق.
وعلى الجملة أن مقتضى القاعدة ومقتضى رواية جميل وإن كان هو
56

مانعية العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض عن الرد بالعيب السابق
والخيار بنفس هذا العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض، ولكن
مقتضى رواية زرارة هو عدم مانعية العيب الحادث بعد العقد وقبل
القبض عن الرد بالعيب السابق على العقد.
وأما إذا حدث العيب بعد القبض وفي زمان الخيار فهل يكون ذلك
مانعا عن الرد بالعيب السابق على العقد أم لا؟
فنقول: إن الظاهر وإن كان عدم ثبوت الملازمة العقلية بين كون العيب
الحادث في زمان الخيار سببا للخيار وبين كونه مانعا عن الرد بالعيب
السابق وأن إحدى الجهتين غير مربوطة بالجهة الأخرى عقلا، إلا أن
مقتضى الفهم العرفي والارتكاز العرفي هو ثبوت الملازمة بين كون
العيب الحادث قبل القبض وبعد العقد أو بعد القبض وفي زمان الخيار
بنفسه سببا للخيار وغير مانع عن الرد بالعيب السابق، بأن يكون مؤكدا له
وبين عدم كونه سببا للخيار ومانعا عن الرد بالعيب السابق، وإن قلنا في
المسألة الأولى أعني مانعية العيب عن الرد في صورة حدوث العيب قبل
القبض وبعد العقد من جهة رواية زرارة كما هو واضح.
وتظهر الثمرة بين كون العيب الحادث في زمان الخيار أو قبل القبض
بنفسه سببا للخيار أو لا، هو أنه بناءا على كونه بنفسه سببا للخيار ومانعا
عن الرد بالعيب السابق وبين عدم مانعيته هو أنه لو أسقط المشتري خياره
الثاني يبقى خياره الأول، أي الحاصل بسبب العيب الأول، وإلا فلا خيار
له أصلا.
2 - حدوث العيب هل يكون سببا لثبوت الخيار أم لا؟
وحيث إن العرف يفهم الملازمة بين كون حدوث العيب في زمان
57

الخيار أو قبل القبض سببا للخيار، وبين عدم كونه مانعا عن الرد فلا بد من
التكلم في الجهة الأخرى، وهي أن حدوث العيب هل يكون سببا لثبوت
الخيار أم لا؟
فنقول: إنه قد ثبت في الشريعة المقدسة أن التلف أو العيب قبل
القبض يكون من مال البايع، فهذا المعنى يتصور على وجوه:
1 - أن يكون المراد من كون ضمانه عليه أن دركه عليه بأن يخرج البايع
عن عهدة ضمان المال حين التلف على النحو الذي تلف، أي على القيمة
التي تلف عليها، مثلا إذا كان المال حين التلف يساوي بعشرة دنانير
فيكون ذلك من البايع، وهذا المعنى بديهي البطلان، فإن لازم ذلك أن
يكون أضعاف قيمة المبيع على البايع في بعض الأحيان، كما إذا باع
المتاع بقيمة رخيص أو ترقت قيمة السوقية، وهذا لم يلتزم به أحد بل
لم يحتمله أحد على ما نعلم.
2 - إن المراد من كون الضمان قبل القبض أو في زمن الخيار أي خيار
الحيوان والشرط بالأصالة كما تقدم وخيار المجلس بالالحاق هو كون
عهدة المال من التلف والتعيب على البايع كما كان له قبل البيع، فحينئذ
كان للقول بكون العيب موجبا لجواز الرد له وجه وجيه، ولكن لا دليل
على تنزيل العيب في زمن الخيار أو قبل القبض على التعيب قبل العقد
بحيث يكون هذا مثله.
بل الظاهر هو الوجه الثالث، وهو أن يكون ضمان العيب والتلف في
زمن الخيار وقبل القبض على البايع، بمعنى أن يفرض البيع كلا بيع،
وكأنه لم يكن هنا بيع، والتعيب والتلف إنما كان في ملك البايع.
وعلى هذا فإن تلف المبيع ينفسخ البيع من أصله، وإلا فكان له مطالبة
ضمانه، وهو الأرش، أي يطلب من البايع جزء من الثمن، وأما جواز الرد
58

فلا يستفاد من هذه القاعدة، نعم ثبت برواية زرارة جواز الرد أيضا قبل
القبض.
والحاصل أنه لا دليل على جواز الرد بعد تعيب المبيع، إلا إذا كان ذلك
قبل القبض وبعد البيع، وأما في غير هذه الصور فلم يثبت الرد بل
لا شئ على البايع أصلا، كما إذا كان التعيب بعد انقضاء الخيار أو عليه
اعطاء الأرش، كما إذا كان التعيب في زمن الخيار، كما هو واضح.
3 - المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش
قوله (رحمه الله): والمراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش
فيعم عيب الشركة.
أقول: قد ذكر المصنف أن المراد بالعيب هنا مجرد النقص، فإذا
حدث نقص في المبيع يكون مانعا عن الرد بالعيب السابق، وهذا يشمل
كلما يكون موجبا لنقص المالية، كنسيان العبد الطحن أو الخياطة ونحو
ذلك، لا خصوص العيب والنقص الذي يكون موجبا للأرش فقط،
كزوال وصف الصحة.
أقول: قد عرفت أنه لم يرد في روايات الباب لفظ العيب حتى نجمد
في ظهوره وصدقه، بل المدرك لما نحن فيه أنما هو رواية زرارة أو
مرسلة الجميل، فالمذكور في الأولى هو أن احداث الحدث مانع عن
الرد، والمذكور في الثانية هو أن عدم قيام العين بعينها مانع عن الرد صدق
شئ من أحد هذين العنوانين، فلا يجوز الرد بالعيب السابق بل يطالب
المشتري من البايع الأرش، وإلا فجاز الرد، سواء صدق عليه لفظ العيب
أم لم يصدق، فإنه على كل تقدير ليس مناطا للحكم في المقام.
وعلى هذا فلا شبهة في شمول الروايتين لما حدث فيه عيب، كما إذا
59

اشترى عبدا كان أعمى وصار أخرس عند المشتري أو أعرج، فإنه
لا يجوز حينئذ الرد بالعيب السابق، فإن ذلك من أظهر أفراد احداث
الحدث وكل من أظهر أفراد عدم قيام العين بعينها، وهذا لا كلام فيه.
وأما إذا كان الناقص عند المشتري هو وصف الكمال الذي له دخل
في زيادة المالية، كما إذا كان العبد خياطا فزال عنه وصف الخياطة، أو
كان كاتبا فزال عنه صفة الكتابة، وهكذا، أو اشترى دابة كانت تحسن
الطحن فنسيت ذلك.
ففي هذه الصورة وإن كان يصدق على العين أنها قائمة بعينها ولكنه
يصدق عليه أنه حدث فيه حدث، فإنه أي حدث أعظم من الجهل ومن
النسيان، فيكون ذلك مشمولا لرواية زرارة وإن لم يكن هذا الحدث بغير
اختيار من المشتري على ما ذكرناه من أن أحدث كناية عن حدوث
الحدث في المبيع وإن لم يكن باختيار من المشتري كما لا يخفى.
بل يمكن الاستدلال على ذلك بمرسلة الجميل أيضا، فإن قيام العين
وإن لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف، كما اعترف به بعضهم في
مسألة تقديم قول البايع في قدر الثمن مع قيام العين.
إلا أن الظاهر من التمثيل لعدم قيام العين بمثل الصبح وخياطة الثوب
يعلم أن المراد من عدم قيام العين هو مطلق حدوث الحدث وإن لم يكن
نقصا موجبا لعدم بقاء العين على ما هو عليه، فإن مجرد صبغ الثوب
وخياطته ليس موجبا لنقصان العين، بل ربما يزيد قيمة الثوب، ولكن من
حيث إن الثوب بعد الصبغ والخياطة لا يكون قابلا لصبغ آخر وخياطة
أخرى يكون حدثا وموجبا للنقص.
ومن هذا القبيل الوصف الكمال الذي يكون موجبا لزيادة القيمة عند
بعض ولكن يوجب النقص عند نوع الناس كطحن الحنطة، فإن الطحن
60

صفة كمال وتوجب زيادة القيمة أيضا، ومع ذلك الوصف لا يصدق قيام
العين بعينها، فيكون مانعا عن الرد لكونه موجبا لعدم رغبة نوع الناس إليه
كالتجار، فإنهم يرغبون في شرائهم للتجارة الحنطة دون الطحن لعدم بقاء
الطحن مدة مديدة بخلاف الحنطة فلا يجوز رد العين معه أيضا.
وعلى الجملة فالمناط في عدم جواز رد العين بالعيب السابق هو
احداث الحدث وعدم قيام العين بعينها وإن لم يكن الحدث عيبا
وموجبا لنقصان المالية، أما الأول بنص رواية زرارة، وأما الثاني فبقرينة
التمثيل بالصبغ والخياطة الذي ليسا من قبيل ما يوجب عدم قيام العين
بعينها عرفا.
ولكن الذي ينبغي أن يقال: إنا لا نعقل حدوث زوال وصف الكمال
في المبيع، ومع ذلك لا يكون سببا لنقص المالية، وأما مثل الشركة التي
مثل بها المصنف فسيأتي الكلام فيها، وعليه فإذا زال وصف الكمال
يكون موجبا لنقصان المالية أيضا، فيكون ذلك مانعا عن الرد من جهة
صدق احداث الحدث عليه وعدم قيام المال بعينها الذي أعم من
حدوث تغير في العين أو حدوث تغير في الوصف على ما استفدناه من
التمثيل بالصبغ والخياطة.
وأما توهم أن وصف الكمال لا يقابل بالمال، وأما وصف الصحة
فيقابل بالمال فيثبت الأرش في الثاني دون الأول، كما أشار إليه المصنف
فيما يأتي في جواب العلامة، فقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا، وقلنا إن
مطلق الأوصاف وإن كانت موجبة لزيادة المالية في العين ولكن شئ منها
لا يقابل بالمال، فلا يقال إن العين قيمتها كذا وقيمة بياضها كذا كما
لا يخفى.
ومن هنا ظهر حكم الوصف الذي ليس بوصف صحة ولا وصف
61

كمال، فزواله لا يوجب المنع عن الرد بالعيب السابق، لعدم صدق
احداث الحدث على زواله وعدم صدق عدم قيام العين بعينها مع انتفائه
كما هو واضح.
وإذا كان التغير بزيادة وصف الكمال في المبيع، بأن كان العبد كاتبا أو
عالما ورعا أو خياطا، فإنه لا شبهة في جواز الرد هنا بالعيب السابق،
ولا يكون حدوث ذلك مانعا عن الرد بالعيب السابق، فإن هذا لا يوجب
عدم قيام العين بعينها الذي ذكر في مرسلة الجميل، وليس ذلك أيضا
نقصا في العين، فإن الظاهر من احداث الحدث المذكور في رواية زرارة
هو أن يكون الحدث موجبا لنقص كما هو الظاهر منها بمناسبة الحكم
والموضوع أيضا، وأما ما يكون وصفا للكمال فلا يكون ذلك نقصا كما
هو واضح.
بيان آخر
وعلى الجملة إذا اشترى المشتري متاعا فوجدها معيوبا بعيب قبل
العقد، ومع ذلك حدث عنده حدث، وهذا يكون على أقسام:
1 - أن يحدث في العين عيب عنده وزال عنها وصف الصحة، كما إذا
كان العبد أعمى وصار أخرس، وهذا لا شبهة في كونه مانعا عن الرد
بالعيب السابق وينتقل إلى الأرش.
2 - أن يكون الحدث نقصان وصف كمال بحيث لا يوجب نقصان
المالية ولا يستلزم الأرش، على ما ذكره المصنف، وقد ذكرنا عدم
معقولية ذلك، وعلى تقدير تعقله فلا يكون ذلك مانعا عن الرد.
3 - أن يكون الحادث وصفا ولكن وصف كمال عند بعض وموجبا
للنقص عند نوع الناس كطحن الحنطة، فإن الطحن إذا كان قليلا فهو
62

يوجب المزية، وأما في الكثير بحيث يكون من أمتعة التجارة فهو نقص
فلا يرغب به التجار كما يرغبون الحنطة.
4 - أن يكون الزائل وصف كمال كنسيان العبد وصف الكتابة ونسيان
الدابة الطحن، فلا شبهة في كون ذلك مانعا عن الرد أيضا كما تقدم.
5 - أن يكون الحدث وصفا لا يوجب زوال وصف الكمال ولا زوال
وصف الصحة، بأن لا يكون دخيلا في المالية بوجه، وهذا أيضا لا يمنع
عن الرد.
6 - أن يكون الحادث وصف كمال، فقد عرفت عدم مانعية ذلك أيضا
عن الرد بالعيب السابق كما هو واضح، ولا يفرق في ذلك بين كون
الحادث وصفا خارجيا أو معنويا.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر الجواب عما ذكره العلامة في التذكرة (1) من
جعل مدرك الحكم دليل لا ضرر، وأن تحمل البايع النقص الحاصل في
يده ليس بأولى من تحمل المشتري لما حدث عنده من العيب، فإنه يرد
عليه مضافا إلى عدم كون المدرك هو لا ضرر بل النص كما تقدم، وأنه من
الوجوه الاستثنائية ما ذكره المصنف، فراجع.
4 - عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث وزواله
قوله (رحمه الله): ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب
الحادث وزواله.
أقول: وقع الخلاف في أنه إذا زال العيب الحادث في ملك المشتري
هل يمنع ذلك من الرد بالعيب السابق أو لا يمنع، وقد اختلف كلمات
العلامة في كتابيه، فذكر في التذكرة: عندنا أن العيب المتجدد مانع عن

1 - التذكرة 1: 522.
63

الرد بالعيب السابق سواء زال أم لا (1)، ولكن ذكر في التحرير: لو زال
العيب الحادث عند المشتري ولم يكن بسببه كان له الرد والأرش عليه (2).
وذكر المصنف (رحمه الله) أن مقتضى الأصل هو عدم الفرق في سقوط الخيار
بين بقاء العيب وزواله، فلا يثبت الخيار بعد زواله، ومراده من الأصل هو
الاستصحاب، فإن اللزوم قد ثبت باحداث الحدث، فزواله يحتاج إلى
دليل فنستصحب اللزوم وعدم الخيار.
أقول: إن كان المدرك لسقوط الرد هو رواية زرارة، كما بنينا عليه،
فلا شبهة في سقوط الرد وعدم عوده بزوال العيب، وإن كان المدرك
لذلك هو مرسلة جميل أو هي مع رواية زرارة فيعود جواز الرد بزوال
العيب.
وتوضيح ذلك: أن رواية زرارة إنما دلت على اللزوم وعدم الرد
باحداث الحدث، ومن الواضح أن اطلاق ذلك محكم حتى بعد زوال
العيب، ودعوى انصرافها إلى صورة بقاء الحدث فاسدة، فإن ذلك أنما
يتم إذا استدللنا بها بكلمة أحدث، بما أنه فعل ماض، وقلنا بأنه إذا ارتفع
العيب يكشف ذلك أن الخيار من الأول لم يرتفع، فإن المنصرف من
أحدث هو أن يكون الحدث حين الرد موجودا وأن البايع لا يأخذ ماله
على النحو الذي أعطاه للمشتري كما تقدم ذلك سابقا، وأما إذا لم يكن
موجودا فلا يوجب السقوط، ولكن لا نقول هنا هكذا، بل نقول إن
مقتضى الرواية هو اللزوم بمجرد احداث الحدث واطلاقها عدم الفرق
بين الزوال والبقاء، فنأخذ باطلاقها ونحكم باللزوم على وجه الاطلاق
كما هو واضح.

1 - التذكرة 1: 534.
2 - التحرير 1: 167.
64

وأما إذا قلنا بأن المدرك لعدم جواز الرد بالعيب السابق بما حدث عند
المشتري من العيب، فحينئذ نقول إن المدار حينئذ هو صدق بقاء العين
عند الرد، ومن الواضح أنه يصدق على العين أنها باقية إذا تعيبت وزال
عنها العيب، وعلى هذا فلا يسقط الخيار إذا تعيبت العين وزال عنها حين
الرد، بناءا على كون المدرك هي المرسلة.
وأما إذا كان المدرك هو المرسلة مع رواية زرارة، فلأن مرسلة جميل
دلت على جواز الرد مع بقاء العين، سواء حدث فيها حدث ثم زال عنها
الحدث أم لا، بل كانت العين باقية على حالها لصدق بقاء العين عرفا
حينئذ وإن لم يصدق عليها البقاء بالدقة العقلية، ورواية زرارة إنما دلت
على جواز الرد باحداث الحدث مطلقا، سواء زال عنها الحدث أم لم
يزل، فالنسبة بينهما هي العموم من وجه.
فتقع المعارضة بينهما فيما إذا حدث في العين حدث فزال عنها ذلك،
فإن مقتضى المرسلة هو جواز الرد ومقتضى رواية زرارة هو عدم جواز
ذلك، فتسقطان في مورد المعارضة فيرجع إلى عموم ما دل جواز الرد
بالعيب السابق.
ولكن هذا الكلام هنا مبني على مسألة أصولية، وهي أن أدلة حجية
الخبر الواحد هل تشمل مثل مرسلة جميل وابن أبي عمير ونحوهما
التي قيل إن مراسيل هؤلاء مثل الروايات الصحيح وادعوا الاجماع على
صحة ما يصح عن هؤلاء، وإذا وصل السند إلى هؤلاء سقط السؤال عن
كيفية السند، هل يحكم بصحة روايتهم وإن كانت مرسلة، وإن عبر
صاحب الحدائق (1) عن مرسلة جميل بالصحيحة.

1 - الحدائق 19: 61.
65

وعلى هذا المبنى تقع المعارضة المذكورة، فمقتضى القاعدة هو
الذي حققناه، ولكن ذكرناه في الجزء الأول أنه لا دليل على حجية
مراسيل هؤلاء، والاجماع الذي ادعوه لا نقطع بتحققه ولا بحجيته، إذ
لا نعلم أن الواقع بين هؤلاء وبين الإمام (عليه السلام) أشخاص موثقين كما هو
واضح.
وعلى هذا فالمدرك ينحصر برواية زرارة، وما ذكرناه من ثمرة تلك
الكبرى الكلية الأصولية.
إذا كان الحدث مانعا عن الرد فهل يجوز رده مع رضا البايع بالرد؟
ثم إذا كان الحدث مانعا عن الرد فهل يجوز رده مع رضا البايع بالرد إما
مع الأرش أو بدونه أم لا يجوز؟
فنقول: إن المشهور هو كون المشتري مخيرا بين أمور ثلاثة: الرد
والامضاء مطلقا أو مع الأرش، وأن هذا التخيير ابتدائي، ولكن قد ذكرنا
سابقا أن الظاهر من الرواية رواية زرارة (1) هو أن التخيير بدوا، وإنما هو بين
الرد والامضاء ومع سقوط الرد فيثبت له الأرش، فللمشتري حينئذ
مطالبة الأرش فقط ليس إلا، وقد حملنا على ذلك فيما سبق عبارة
المبسوط حيث التزم بثبوت الأرش مع اليأس عن الرد، وقلنا إن ما أشكل
عليه المصنف من أن الاطلاق يدفع ما ذكر في المبسوط (2)، وقلنا هناك:
أنه لا اطلاق هنا حتى ينافيه.

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
2 - المبسوط 2: 130.
66

ولكن الظاهر أن ما ذكره المصنف صحيح، حيث إن اطلاق رواية زرارة
الدالة على اللزوم بمجرد احداث الحدث مطلقا محكم، فيكون دافعا لما
ذكره في المبسوط، إذ بناءا على الأخذ بالاطلاق أنه لا يجوز الرد مع
احداث الحدث بل تصل النوبة إلى الأرش، ولكن مع رضاية البايع بالرد
جاز الرد لا من جهة الرواية بل لكونه إقالة لجوازها.
وأما مع عدم رضاء المشتري بالرد حتى مع عدم الأرش لما أحدثه من
الحدث فلا ملزم للرد بل تصل النوبة إلى الأرش، وأما بناءا على ما ذكره
الشيخ في المبسوط فلا تصل النوبة إلى الأرش مع رضي البايع بالرد مع
الأرش بما أحدثه المشتري أو بدونه، إذ لم يحصل اليأس من الرد بعد
حتى تصل النوبة إلى الأرش.
وعلى الجملة بناءا على الأخذ باطلاق رواية زرارة لا يجوز للمشتري
أن يرد المبيع مع احداث الحدث وتصل النوبة إلى الأرش، وأما مع
رضاء البايع بالرد ورضاء المشتري بذلك فلا شبهة في جوازه لكون ذلك
مثل الإقالة فلا يحتاج إلى رواية، ولكن للمشتري أن يرضى بذلك وأن
لا يرض ويطالب الأرش، ولكن بناءا على قول المبسوط فلا تصل النوبة
إلى الأرش لعدم يأس المشتري عن الرد.
ثم إذا رضي البايع بالرد مع الأرش فيرضي المشتري أيضا بذلك،
فلا بد له من رده على البايع.
وهذا الأرش غير الأرش الذي لزم رده للبايع على المشتري، فإنه هو
التفاوت بين الصحيح والمعيب والرد من الثمن بذلك التفاوت، فهذا
الأرش لازم بالضمان المعاملي.
وهذا بخلاف الأرش الذي وجب للمشتري رده على البايع، فإنه إنما
ثبت بضمان اليد والأرش هنا هو للتفاوت فيما بين الصحيح والمعيب
بالقيمة الفعلية، سواء ترقت العين عن القيمة الأولى أم لا؟ كما هو واضح.
67

5 - من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة
قوله (رحمه الله): تنبيه: ظاهر التذكرة (1) والدروس (2) أن من العيب المانع من الرد
بالعيب القديم تبعض الصفقة.
أقول: ذكر المصنف أن توضيح المقام هو أن التعدد المتصور فيه
التبعض إما في العوض ثمنا أو مثمنا أو في البايع أو في المشتري، ثم
ذكر أمثلة ذلك.
ثم قال: أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن
وبعضه الآخر بثمن آخر، فلا اشكال في كون هذا عقدين ولا اشكال في
جواز التفريق بينهما، أما الأول أي التبعض في العوض، فالمعروف أنه
لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد، بل الظاهر المصرح به في كلمات
بعض الاجماع عليه.
وذكر في إبداء المنع عن ذلك بأن المردود إن كان جزءا مشاعا من
المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة، وإن كان معيبا فهو
ناقص من حيث حدوث التفريق فيه، وكل منهما نقص يوجب الخيار لو
حدث في المبيع الصحيح.
ألف - تعدد المبيع
وتفصيل المقام:
1 - إن المبيع قد يكون شيئا واحدا شخصيا بالدقة العقلية مع كون جزء
منه معيبا، كما إذا اشترى عبدا فظهر أن رجله معيوب أو يكون المبيع

1 - التذكرة 1: 534.
2 - الدروس 3: 284.
68

واحدا شخصيا بالنظر العرفي، وإن كان في الواقع أمورا متعددة، كما إذا
كان المبيع دارا فإنها وإن كانت متعددة حقيقة ومركبة من عدة أمور،
ولكنها واحدة بالنظر العرفي الاعتباري، وكان جزء منها معيوبا من قبته
أو سردابه ونحو ذلك، والظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز فسخ العقد
في الجزء المعيب فقط والامضاء في الجزء الآخر الصحيح.
وما ربما يظهر من المصنف وجود الخلاف في ذلك، حيث عبر
بالمعروف ثم ذكر إبداء المانع عنه الظاهر أنه لا يمكن المساعدة عليه،
والحاصل إذا كان المبيع واحدا حقيقيا أو واحدا عرفيا فظهر جزء منه
معيبا فلا شبهة في عدم جواز الفسخ في الجزء المعيب، بل إن كان يفسخ
فإنما يفسخ في المجموع لكون مجموعه مبيعا واحدا، وإذا لم يفسخ
لم يفسخ في المجموع أيضا هذه هي المسألة الأولى.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون المردود جزءا مشاعا أو جزءا معينا
فإنه لا دليل على رد جزء من المبيع.
2 - أن يشتري شيئا واحدا ببيعين، كما إذا اشترى نصفا معينا من الدار
بقيمة ثم اشترى نصفها الآخر بقيمة أخرى، ثم وجد عيبا في أحد
النصفين فهل يجوز تسرية خيار العيب إلى الثاني أو لا؟
فالظاهر أنه لم يخالف أحد في أنه لا يجوز فسخ العقدين بظهور العيب
في متعلق أحدهما، فإن كل منهما عقد مستقل غير مربوط بالآخر، فإذا
أراد الفسخ لعيب يفسخ فيما ظهر فيه العيب وإلا فيأخذ الأرش، وهذه
المسألة ليست موردا للخلاف.
3 - ما إذا اشترى أمور متعددة مستقلة ببيع واحد بحيث إن كل منها أمر
مستقل يمكن وقوع البيع عليه، وليس مثل رجل العبد ورأس الحيوان
ونحوهما حتى لا يمكن التفكيك بينهما ولكن اشترها أحد ببيع واحد
69

بصرف فرضها أمرا واحدا بالاعتبار وإلا فهي في الحقيقة أمور متعددة
عقلا وعرفا كما هو واضح، وهذا نظير شراء الدار والفرس بعقد واحد
ثم وجد في أحدهما عيب، فهل يجوز فسخ مجموع العقد أولا أو يجوز
في المتاع الذي ظهر فيه العيب ولا يجوز في الآخر، وجوه، بل أقوال
ثلاثة:
الأول: جواز الفسخ في الفرد المعيب دون الصحيح من جهة كون كل
واحد منهما، منها ضامن الآخر ومستقلا في نفسه، ففسخ العقد في
أحدهما دون الآخر لا بأس به وإن كانا قد تعلق بهما عقد واحد، غاية
الأمر يثبت للبايع خيار تبعض الصفقة مع دخالة الهيئة الاجتماعية في
القيمة، ومع اسقاط جميع الخيارات إلا خيار العيب لا يثبت له ذلك
أيضا.
الثاني: أن يكون الخيار من أحدهما ساريا إلى الآخر، ويكون الفسخ
متعلقا بمجموع العقد، فإن البيع بيع واحد قد تعلق بهما معا فيكون
المجموع من حيث المجموع في حكم مبيع واحد، وهذا القول هو
المعروف بين الأصحاب.
الثالث: أن لا يكون هنا خيار أصلا، فإن هذا الذي فيه عيب فليس
بمبيع بل هو كرجل الحيوان فيكون في حكم الجزء، وما هو مبيع أعني
المجموع المركب ولو بالاعتبار أي المركب الذي فرض واحدا
بالاعتبار، فكما لا يجوز فسخ البيع في رجل الحيوان إذا كان معيوبا،
وكذا لا يجوز فسخ البيع في فرد من المبيع كالفرس الذي يبيع مع الدار.
والظاهر الأقوى هو الوجه الأول، فإن العقد وإن كان بحسب الانشاء
الذي يسميه المصنف بيعا فإن المبرز أمر واحد، ولكن كل منهما مبيع
مستقل بحسب الانحلال، فالبيع ينحل هنا إلى بيوع متعددة حسب تعدد
70

متعلقه، وليس بينهما اتحاد حقيقي ولا عرفي أصلا ليفرض المبيع
واحدا والبيع واحدا، بل هما متغائران وأحدهما أجنبي عن الآخر،
غاية الأمر جامعهما أمر اعتباري وهو البيع أي أبرز البايع بيعهما بمبرز
واحد، وهذا لا يوجب الاتحاد من جميع الجهات.
كلام صاحب الجواهر (رحمه الله) والمناقشة فيه
ولا يرد على ذلك ما ذكره صاحب الجواهر (1)، من أن المقام نظير فسخ
العقد في جزء المبيع وأنه بديهي البطلان، فإن متعلق العقد أمر واحد
فلا يجوز الفسخ في بعضه دون بعضه، فإنه بعد الالتزام بالانحلال
فلا يلزم ذلك أصلا، فإنه فرق بين المقامين، فإنه مع وحدة المبيع عقلا أو
عرفا لا معنى للفسخ في البعض دون بعض، بل لا خلاف في عدم جوازه،
وهذا غير كون المبيعين في بيع واحد.
وهل يلتزم صاحب الجواهر بانتفاء خيار الحيوان فيما لو باع فرسا مع
الدار، أو هل يلتزم بأنه إذا نهى المولى عبده تكليفا عن بيع حيوان فباعه
العبد مع الدار، فإنه يقال: إن المبيع ليس هو الحيوان هنا بل المجموع
المركب، وأيضا لازم كلامه أن لا يكون لأحد الشريكين خيار الأخذ
بالشفعة إذا كان باع شريكه الآخر حقه مع ضميمة شئ آخر، فإن المبيع
هو المجموع المركب وهو بديهي البطلان، ولا يلتزم بشئ منها
صاحب الجواهر، بل على مقالته لا بد من الالتزام ببيع ما يملك وما
لا يملك معا، فإن ما لا يملك ليس مبيعا حتى لا يجوز بيعه بل هو
المجموع.

1 - جواهر الكلام 23: 250.
71

وكل ذلك لا يمكن الالتزام به، وقد تقدم في البحث عن خيار الحيوان
أن الخيار يثبت فيه للمشتري في كل مورد صدق عليه بيع الحيوان ولو
كان في ضمن أمور آخر متعددة كما لا يخفى، فإنه فرق بين كون المبيع
واحدا عقلا أو عرفا.
فإنك قد عرفت عدم جريان الخيار في الجزء المعيب فيه بلا خلاف
وبين كونه واحدا بالاعتبار البيعي فقط كما لا يخفى، ولم يكن في دليل
خيار العيب أن لا يكون المبيع المعيوب مع غيره أيضا، لاطلاق قوله
(عليه السلام): أيما رجل باع شيئا فيه عيب أو عوار - الخ، الدالة على ثبوت
خيار العيب للمشتري ما دام لم يحدث فيه حدثا.
وهذا الكلام جار في جميع الخيارات أيضا كخيار الحيوان ونحوه،
فإنه ليس في دليل خيار الحيوان أن لا يكون مع الحيوان شئ آخر مبيعا
كما لا يخفى.
وعلى الجملة فإذا كان الحيوان مثلا أو المعيب مبيعا يترتب عليه
حكمه الوضعي والتكليفي.
بيان آخر في كون المبيع معيبا ووجود العيب فيه
وحاصل الكلام من الأول أنه كان كلامنا في كون المبيع معيبا ووجود
العيب فيه، ولا شبهة أن فرعين هنا لا خلاف فيهما:
1 - أن يكون العيب في مبيع منضم إلى مبيع آخر في الخارج من غير أن
يكون البيع الواحد واقعا عليهما في الخارج، كما إذا اشترى نصف الدار
ببيع ونصف الآخر ببيع آخر، فإنه لا يسري الخيار من أحدهما إلى الآخر
بوجه.
2 - ما إذا كان المبيع واحدا إما بالدقة العقلية أو بالوحدة الاعتبارية
72

العرفية كالعبد والدار فظهر عيب في جزء من ذلك، فإنه حينئذ لا يجوز
الفسخ في البعض دون الآخر.
والوجه فيه ليس هو أن الجزء ليس بمبيع بل هو أيضا مبيع كالجزء
الآخر وتمامه بحسب الانحلال، والانحلال كما يجري فيما إذا باع أمورا
متعددة صفقة واحدة، فكذلك يجري فيما إذا كان المبيع واحدا ولو
بالوحدة الحقيقية، فإن كل جزء منه مبيع بحسب الانحلال، ومن هنا صح
بيع نصف العبد وربعه مشاعا.
ومن هنا أيضا قلنا فيما تقدم بصحة بيع ما لا يملك ولا يملك، وبيع ما
لا يملك وما لا يملك على طبق القاعدة، فعدم جريان الخيار أي خيار
كان في الجزء في صورة وحدة المبيع حقيقية أو عرفية ليس من جهة عدم
الانحلال هنا كما عرفت، فإن الانحلال محقق في جميع موارد المبيع
مركبا كان أم واحدا، وإنما نمنع جريان الخيار في الجزء من جهة
أخرى.
وتوضيح ذلك: أن الخيار الثابت في البيع تارة بعنوان البيع كخيار
المجلس، فإن الدليل المتكفل لاثبات خيار المجلس إنما هو قوله (عليه السلام):
البيعان بالخيار ما لم يفترقا (1)، وظاهر ذلك هو ثبوت الخيار بالنسبة إلى
مجموع المبيع المتحد بالاعتبار عرفا أو عقلا، لا بالنسبة إلى جزء مشاع
أو إلى جزء معين.

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، التهذيب 7: 20، الخصال
: 127، عنهم الوسائل 18: 5)، صحيحة.
73

وأوضح من ذلك ما يكون دليل الخيار فيه من ناحية الشرط الضمني
كخيار الغبن ونحوه، حيث إن الشرط إنما هو ثبوت الخيار بالنسبة إلى
مجموع المبيع لا في الجزء الخاص المعين أو المشاع، فلا يجوز له
الفسخ في الجزء دون جزء.
هذا فيما إذا ثبت الخيار بعنوان البيع، وقد علمت أن الخيار إنما
لم يثبت في الجزء لا من جهة عدم كون الجزء مبيعا بل من جهة اقتضاء
الدليل ذلك، وأما فيما كان بعنوان آخر أي ثبوت الخيار بعنوان آخر
كعنوان الحيوان والمعيب، فالظاهر هنا أيضا أن يكون الخيار ثابتا لذي
الخيار بالنسبة إلى مجموع المعيب والحيوان، فلا يكون له الخيار في
الجزء الخاص فقط كما هو واضح.
وإذا كان موضوع خاص من الكتاب أو الدار معيبا فيقال: إن مجموع
الدار معيب ومجموع الكتاب معيب، فلا يقال: إن هذا الجزء الخاص
فقط معيب، وكذا كل شئ يكون كذلك أي شيئا واحدا وكان مبيعا،
فإنه سواء كان الخيار ثابتا فيه بعنوان البيع أو بعنوان الحيوان والمعيب،
أو كان الدليل شرطا ضمنيا، فإنه يكون الخيار ثابتا في المجموع كما
عرفت، فافهم.
وأما إذا كان المبيع أمور متعددة وباعها البايع صفقة واحدة،
ولا يكون المبيع واحدا لا بالحقيقة ولا بالاعتبار العرفي، بل إنما جمع
البايع بينها في انشاء البيع واظهاره فقط، فإذا ظهر شئ من تلك الأمور
معيبا فهل يكون خيار العيب مسريا إلى المجموع أو يختص بخصوص
المعيب أو لا يكون للمشتري حينئذ خيار أصلا؟
والتحقيق أن الخيار يختص بخصوص المعيب، فله فسخ العقد في
خصوصه أو رضائه به ومطالبة الأرش كما هو واضح.
74

نعم يثبت له خيار تبعض الصفقة الثابت بالشرط الضمني، حيث إنه قد
اشترى هذه الصفقة المركبة من أمور متعددة أن يكون كلها له ولم يكن له
بل تبعضت الصفقة.
ومن هنا ظهر الجواب عن صاحب الجواهر أيضا حيث ذكر أن مقتضى
أدلة الخيار هو ثبوته في مجموع المبيع لا في كل جزء منه، فإن له مجال
في الشق المتقدم من كون المبيع شيئا واحدا حقيقة أو عرفا كما هو
واضح.
وظهر أيضا أنه لا وجه للقول بثبوت الخيار في المجموع أو عدم ثبوته
في المجموع كما لا يخفى، فافهم.
والحاصل أنه لا قصور في شمول دليل خيار العيب، أعني قوله (عليه السلام)
في رواية زرارة المتقدمة: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار،
لصورتي كون المعيب أمرا مستقلا أو منضما إلى غيره، فإنه يثبت له
الخيار في كلا الصورتين.
فحينئذ إن كان العيب في جزء المبيع موجبا لسراية الحكم إلى الجميع
لكون المبيع شيئا واحدا حقيقة أو عرفا فيثبت الخيار في الجميع، وإلا
فيثبت الخيار في خصوص المعيب فيثبت خيار تبعض الصفقة في الجزء
الصحيح.
كلام المصنف (رحمه الله) في إبداء المانع عن ذلك
ولكن المصنف أبدى المانع عن ذلك، وحاصل كلامه: أن المعيب
الذي يرده المشتري على البايع إن كان جزءا مشاعا من المبيع الواحد
فهو ناقص من حيث حدوث الشركة فيه، وإن كان جزءا معينا ومحروزا
فهو ناقص من حيث تبعض الصفقة، ولا شبهة أن كلا منهما نقص يوجب
الخيار.
75

ثم ذكر أن ثبوت الخيار هنا أولى من ثبوته في نسيان الدابة الطحن، فإن
ذلك أي نسيان الدابة الطحن ليس بعيب في المبيع، وهذا بخلاف الشركة
أو تبعض الصفقة، فإن ذلك عيب في المبيع كما هو واضح.
ثم ذكر أن رد بعض المبيع بخيار العيب دون بعضه وإن كان ضررا
للبايع وينجبر بخياره في رد الصحيح من المشتري بخيار تبعض الصفقة
ولكنه معارض بكونه موجبا للضرر على المشتري، إذ قد يتعلق غرضه
بإمساك الجزء الصحيح.
ثم أيد ذلك بمرسلة الجميل المانعة عن رد المعيب بمثل صبغ الثوب
وخياطته، فإن المانع هنا ليس إلا بالنسبة إلى حصول الشركة في الثوب
بنسبة الصبغ والخياطة لا مجرد تغير الهيئة.
ثم ذكر في آخر كلامه أن العمدة في المسألة هو أن مرجع جواز الرد
منفردا إلى اثبات سلطنة للمشتري على الجزء الصحيح من حيث إمساكه
ولو كان ذلك من حيث الحدوث ثم سلب سلطنته عنه بخيار البايع، ومنع
سلطنته على الرد أولا أولى ولا أقل من التساوي، فيرجع إلى أصالة
اللزوم.
والذي ينبغي أن يقال إنه تارة يناقش في شمول الأدلة للمقام ويكون
المقتضي قاصرا عن اثبات الخيار للجزء المعيب، وهذا لا بأس به، ولكن
قد عرفت تمامية المقتضي لذلك.
ما يستدل به على المانعية والمناقشة فيه
وقد يناقش من جهة المانع، وقد ذكرت وجوه للمانعية وشئ منها
لا يصلح للمنع عن ذلك:
1 - كون ذلك نقصا للمبيع فلا يكون العين حينئذ قائمة بعينها.
76

وفيه أن دليل ثبوت خيار العيب في المعيب إنما دل على ذلك فيما
حصل النقص قبل الفسخ بحيث يوجب ذلك النقص والحدث الحاصل
قبل الفسخ المنع عن رد المعيب.
وفي المقام ليس كذلك، حيث إن النقص إنما يحصل برد المشتري
المعيب لا قبله، فلا يكون دليل مانعية النقص عن الرد شاملا لذلك إلا
بتنقيح المناط، وهو واضح الدفع.
2 - قاعدة نفي الضرر فإن فسخ المشتري العقد في المعيب دون
الصحيح ضرر على البايع بناءا على شمول دليل نفي الضرر لأمثال المقام
وعدم المناقشة في ذلك.
أقول: لا بد من ملاحظة أن الضرر من أي جهة ينشأ، فإنه أما من جهة
رد المعيب إلى البايع، بأن يكون البايع متضررا من هذه الجهة، فلا شبهة
أن هذا الضرر إنما ثبت من جهة جعل الخيار في المبيع المعيوب،
فلا تكون أدلة نفي الضرر حاكما على أدلة الخيار، بل تكون أدلة الخيار
متقدمة على أدلة نفي الضرر ومخصصة لها، فالضرر هنا لم ينشأ من رد
المعيب لكي يرتفع بدليل نفي الضرر، بل إنما نشأ من ناحية جعل الخيار
كما هو واضح، فلو كان دليل نفي الضرر شاملا للمقام لزم ارتفاع خيار
العيب بل ارتفاع مجموع الخيارات، على أنه يجري فيما إذا كان كل
واحد من الجزئين مبيعا مستقلا ولا يختص بصورة كونها مبيعا واحدا في
صفقة واحدة.
وإن كان الضرر من جهة عدم رد الصحيح إلى البايع، فإنه يتضرر من
ناحية تبعض الصفقة، فدليل الضرر إنما يرفع لزوم العقد، بناءا على
شموله للمقام ويكون للبايع حق رد الجزء الصحيح أيضا، وأما عدم
ثبوت الخيار للمشتري في الجزء المعيوب فإنه أي ربط لثبوت الضرر
77

على البايع في عدم رد الجزء الصحيح بعدم ثبوت الخيار للمشتري في
رد الجزء المعيوب.
وبعبارة أخرى مقتضى تضرر البايع من عدم رد الجزء الصحيح هو
ثبوت الخيار له في ذلك لا نفي خيار المشتري في رد المعيب، على أنه
يمكن منع شمول قاعدة نفي الضرر للمقام على ما تقدم في بعض
الخيارات، لامكان دفع الضرر بنحو آخر من الأرش والتفاوت ونحو
ذلك.
3 - وهنا وجه ثالث، وهو أن كل واحد من المتبايعين قد اشترط على
الآخر أن يكون المبيع سالما عن التبعض اشتراطا في ضمن العقد، فإذا
تخلف ذلك ثبت لكل منهما خيار تبعض الصفقة، بل هذا الاشتراط
بديهي في بعض الموارد، كما إذا اشترى مصراعي الباب، فإن الضرورة
قاضية على اشتراط أن لا يكون أحدهما منفكا عن الآخر في مقام
التخلف، وعلى هذا فلا يلزم من ذلك أن لا يكون للمشتري خيار في
الجزء المعيب بل يثبت له خيار العيب في ذلك، نعم يثبت لكل منهما
خيار تبعض الصفقة في الجزء الصحيح كما هو واضح.
وأما ما ذكره المصنف من تأييد مراده بمرسلة الجميل ففيه:
أولا: أنها مرسلة قد تقدم الكلام فيها، ولا يمكن العمل بها للارسال
وأنها ليست بمدركنا، وإنما مدركنا رواية زرارة.
وثانيا: لا دلالة فيها على كون الشركة عيبا ومانعة عن الرد لما ذكر،
لا أنها دلت على عدم الخيار مع قيام العين، وإن ذكر الأمثلة من خياطة
الثوب وصبغه يدل على أن عدم قيام العين تحقق بمثل ذلك أيضا كما هو
كذلك في العرف، فإنه ليرغب نوع بالثوب الغير المخيط أزيد من رغبتهم
بالثوب الغير المصبوغ، وكذلك يرغبون بالثوب الأبيض أزيد من رغبتهم
78

بالثوب المصبوغ كما هو واضح لا يخفى، ولأجل ذلك لا يكون العين
باقية في العرف مع الخياطة والصبغ.
والحق أنه لا مانع من شمول أدلة خيار العيب للمعيب، سواء كان ذلك
مبيعا مستقلا أو منضما إلى الآخر كما هو واضح.
ب - تعدد المشتري
قوله (رحمه الله): أما الثاني، وهو تعدد المشتري.
أقول: هذه هي المسألة الثالثة في عبارته المتقدمة المسوقة للتقسيم،
وتوضيح الكلام هنا أنه:
إذا باع أحد ماله من أشخاص متعددين وظهر معيبا، فهل يثبت الخيار
لكل منهم بحيث يكون له الخيار في حصته، سواء فسخ الآخر أم لا، أو
كان لهم الخيار في المجموع، أي لجميعهم خيار واحد في ذلك
المجموع من حيث المجموع؟
مقتضى اطلاق مفهوم قوله (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو
عوار ولم يحدث فيه حدثا لزم البيع ويلزم على البايع رد التفاوت، على
ما هو مضمون الرواية، هو ثبوت الخيار لكل من المشترين، لصدق قوله
(عليه السلام): أيما رجل - الخ، على كل منهم كما هو واضح.
ولا يقاس ذلك بخيار الورثة الذي ثبت لهم بالإرث، فإن الذي انتقل
إليهم بالإرث إنما هو حق واحد وخيار واحد لشخص واحد وهو
المورث، ولا يقاس بما نحن فيه الذي ثبت خيار متعدد من الأول
للمشتري، وهذا الذي ذكرناه جار في جميع موارد الخيارات إذا تعدد
المشتري، ولا يختص بخيار العيب لاطلاق الأدلة في جميع ذلك.
وأما ما ذكره المصنف من الموانع فلا يصلح شئ منها لذلك:
79

منها: أنه ليست العين قائمة بعينها، فإنه إذا فسخ أحد المشتريين البيع
وأمضى الآخر فيلزم تبعض الصفقة وهو عيب في المبيع، فيكون ذلك
موجبا لعدم قيام العين بعينها، ويكون ذلك حدثا في المبيع كما هو
واضح.
وفيه أولا: ما ذكرناه سابقا، من أن النقص في المبيع إنما يوجب المنع
عن الرد بالعيب السابق إذا كان حاصلا قبل الرد، وأما إذا تحقق ذلك
بنفس الرد فلا يكون ذلك مشمولا للأدلة كما هو واضح.
وعلى تقدير شمول الأدلة لذلك فهو إنما يفيد في المسألة السابقة
فقط لا في المقام، فإن التعدد هنا كان من الأول ولم يحصل ذلك بفعل
الراد، إذ المفروض أن المبيع هنا متعدد حسب تعدد المشتري وأنه
يصدق على كل منهم أنه اشترى شيئا وبه عيب أو عوار - الخ.
وثانيا: قاعدة نفي الضرر، فإن مقتضى ذلك عدم ثبوت الخيار لكل من
المشتريين، فإنه إذا فسخ أحدهم في حصته دون الآخر ولم يفسخ
غيرهم أو لم يفسخ هو في المجموع يلزم أن يتضرر البايع، فلازم ذلك
عدم الخيار كما هو واضح.
وفيه أنه بناءا على شمول قاعدة نفي الضرر للمقام فمقتضى ذلك
ثبوت الخيار للبايع في الجزء الآخر الذي هو حصته المشتري الآخر، لا
عدم ثبوت الخيار للمشتري الذي فسخ في حصته كما تقدم، وأما ثبوت
الضرر من جهة رد المشتري حقه من المعيب فهو ثابت بأصل دليل الخيار
فيكون مخصصا لأدلة الضرر كما هو واضح.
وثالثا: دعوى انصراف دليل خيار العيب عن ذلك، وذكر المصنف أنه
يظهر وجه الانصراف بالتأمل، ولم نفهم لذلك وجها بعد التأمل، بل
الظاهر من الأدلة هو عدم الفرق بين تعدد المشتري واتحاده كما هو
واضح.
80

نعم يجري في المقام الشرط الضمني ولكن ذلك لا يكون مانعا عن
ثبوت الخيار لكل من المشتريين، بل لازمه هو ثبوت الخيار للبايع من
جهة التبعض كما هو واضح، وهذا لا يختص بخصوص المقام كما
عرفت بل يجري في جميع الخيارات.
ومن هنا ظهر أنه لا فرق في ذلك كله بين كون البايع عالما بكون
المشتريين متعددين أم لا، نعم في صورة الجهل ثبوت الخيار له من جهة
ذلك الشرط الضمني أوضح.
ج - تعدد البايع
وأما إذا تعدد البايع التي هي المسألة الثالثة فالأمر فيه أوضح،
ولا يجري في ذلك شئ من دليل نفي الضرر، بل الظاهر من الأدلة هو
عده الفرق بين تعدد المشتري واتحاده كما هو واضح، ونحو ذلك من
الموانع.
نعم الشرط الضمني أيضا موجود هنا، ويمكن دعوى الانصراف الذي
تقدم في المسألة السابقة هنا أيضا، بأن يقال: إن دليل خيار العيب
منصرف عن ذلك إلى كون الخيار ثابتا في مجموع المبيع مع كونه مبيعا
واحدا، وجوابه هو الجواب.
ثم إنه قد يجتمع اثنان من هذه المسائل، وقد يجتمع ثلاثة منها،
وحكم كل منها يجري في صورة الاجتماع أيضا.
81

مواضع سقوط الأرش دون الرد
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط الأرش دون الرد في موضعين.
أقول: قد عرفت ثبوت الأرش فيما إذا باع شيئا وكان معيبا وحدث
فيه حدث عند المشتري، فإنه كان له مطالبة الأرش، ولكن يسقط الأرش
في موضعين:
1 - الربويات
وتفصيل الكلام هنا أن عدم ثبوت الأرش إنما هو بأحد أمرين:
1 - أن يقال إن وصف الصحة في المبيع إنما يقابل بجزء من الثمن، فإذا
باع شيئا وكان فاقدا لوصف الصحة ثبت للمشتري خيار العيب ومع عدم
الرد يثبت له الأرش في مقابل ذلك الوصف المفقود ولكن قد خصص
ذلك في الربويات، فلا يجوز أخذ الأرش فيها مع فقدان وصف الصحة
لأن أخذه يستلزم الرباء، فإنه إذا باع منا من الحنطة بمن من الحنطة وكان
أحدهما معيوبا فإنه لا يجوز أخذ الأرش هنا، فإنه يستلزم الربا في ذلك
الجزء الزائد، وكذلك الحال في جميع الربويات، وعلى هذا فيسقط
الأرش في الربويات.
وفيه أن وصف الصحة مطلقا، سواء كانت في الربويات أو غيرها
لا تقابل بالمال أصلا، وإن كان يوجب زيادة القيمة، بل هو وصف
الكمال على حد سواء، بل حكمها من حيث عدم مقابلتها بالمال
كالأوصاف التي ليست بوصف الصحة ولا وصف الكمال.
82

نعم الفرق في ذلك أن وصف الصحة ووصف الكمال إذا كان مفقودا
يوجب الخيار والأرش في الأصل، أي في وصف الصحة وله مطالبة
الأرش بالتعبد الشرعي.
ويدلنا على ذلك أن الظاهر هو تسالم الفقهاء على صحة البيع وعدم
كون ذمة البايع مشغولة فيما إذا لم يطالب المشتري الأرش من البايع، مع
أنه لو كان وصف الصحة يقابل بالمال لكانت ذمة البايع مشغولة مع
تخلف وصف الصحة في المبيع لبطلان البيع بالنسبة إلى الثمن الذي
يقابل بهذا الوصف.
وأيضا يدل على ما ذكرنا تسالم الفقهاء على أنه يجوز اعطاء الأرش
من غير الثمن، سواء كان باقيا أم لا، مع أنه لو كانت المعاملة باطلة فيما
قابل الوصف وكان الوصف يقابل بالمال لكان الواجب اعطاء نفس الثمن
لا شئ آخر.
فيعلم من ذلك كله أن الأرش حكم تعبدي محض قد ثبت في مورد
خاص بالتعبد فلا يكون مخصصا بأدلة الربا كما هو واضح.
2 - أن يقال إن الربا إنما هو زيادة أحد المتماثلين على الآخر في
المعاملة، سواء كانت الزيادة بالثمن ونحوه عند البيع أو بغيره من تبعات
البيع من الأرش ونحوه، فإن ذلك أيضا زيادة أحد المتماثلين على الآخر،
وعلى هذا فيسقط الأرش هنا، فإنه وإن لم يكن ثمنا في المبيع ولم نقل
أيضا بكون وصف الصحة يقابل بالمال، ولكن أخذه يوجب زيادة أحد
المتماثلين الذين من الربويات على الآخر فيلزم الربا.
وفيه أنه يرد عليه أيضا أنه لا دليل على أن الربا إنما هو كون أحد
المتماثلين زائدا عن الآخر في المعاملة ولو لم يكن الزيادة بالأصالة بل
بالتبع، بأن يكون الزائد في مستتبعات البيع، وإنما الدليل أي دليل حرمة
83

الربا إنما هو مختص بكون أحد المتماثلين زائدا عن الآخر عينا أو حكما
في نفس المعاملة لا في تبعاتها.
ومن هنا لا نشك أن يفتوه أحد بلزوم الربا، في أنه لو تعامل اثنان بأن
باع أحدهما من الآخر حليا ذهبا نفرضه سوارا الذي كان مقداره خمسة
مثاقيل بخمسة مثاقيل من الذهب الذي ليس بحلي، بعد ما تم البيع
والنقل والانتقال كسر البايع الحلي، فهل يتوهم أحد أنه لا يضمنه، لأنه
لو ضمن ذلك وأعطي شيئا في مقابل الصياغة يلزم الربا.
ومن الواضح أن مقامنا من هذا القبيل، فإنه كما أن الضمان بذلك أنما
هو بعد البيع ومن تبعاته وكذلك الأرش، حيث إنه يثبت بمطالبة
المشتري ولا يثبت قبله، ولذا عرفت أن البايع لا يضمن به قبل المطالبة
ولو مات لا يبقى مشغول الذمة.
وكيف كان لا يلزم الربا من أخذ الأرش في الربويات.
المرجع في المسألة إنما هو ما دل على حرمة الربا
ثم إن المصنف قد ذكر بعد الاستشكال في المسألة أن المرجع إنما هو
ما دل على حرمة الربا من الأدلة، وأشكل عليه بعضهم بأنه مع لزوم الربا
من أخذ الأرش لا مجال لرفع اليد عن دليله والرجوع إلى أدلة حرمة الربا،
وذلك لأن النسبة بينهما هو العموم من وجه، إذ قد يكون الأرش في غير
الربويات وقد يكون الربا في غير صورة الأرش، وقد يجتمعان، فبعد
التعارض في مورد الاجتماع والتساقط فالنتيجة هو تقديم أدلة الربا من
جهة أنه لا دليل يدلنا على ثبوت الأرش.
حينئذ فأصبح المورد بلا دليل دل على ثبوت الأرش، ولكن ليس
ذلك من ناحية ترجيح أدلة حرمة الربا.
84

ولكن ما ذكره المصنف وجيه، فإنا ذكرنا في مورده أن الدليلين إذا
تعارضا بالعموم من وجه وتكافئا فتقدم منهما ما يكون موافقا للكتاب،
لقوله (عليه السلام) في مقام المعارضة: خذ ما وافق الكتاب (1).
ومن الواضح أن أدلة حرمة الربا موافقة للكتاب، لقوله تعالى: أحل
الله البيع وحرم الربا (2)، بل لا يكون حينئذ الطرف الآخر حجة حتى نحتاج
إلى الترجيح ونقول بأن الموافق للكتاب قد رجحناه على الآخر، فما
ذكره المصنف متين.
ذكر السيد (رحمه الله) موردا آخر للمسألة والمناقشة فيه
ثم إنه ذكر السيد في حاشيته (3) موردا آخر لسقوط الأرش غير ما ذكره
المصنف من الموردين، ولكنه عين المورد الأول الذي ذكر المصنف
لسقوط الأرش فيه من جهة الربا، وحاصله: أن العوضين إذا كانا من
النقدين فظهر عيب في أحدهما بعد انقضاء المجلس، فإنه ذكر عدم
جواز أخذ الأرش هنا للزوم الربا.
ولكن قد عرفت أن الأرش أجنبي عن العوضين، وإنما هو غرامة
خاصة قد أثبته الشارع تعبدا، فأي ربط له بالعوضين ليلزم الربا، وهو من
تبعات المعاملة وقد عرفت عدم جريان الربا.

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن على كل حق
حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (الكافي
1: 69)، موثقة.
عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة،
وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (الكافي 1: 69)، صحيحة.
2 - البقرة: 275.
3 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 86.
85

2 - إذا كان ثمن المعيوب مساويا مع الصحيح
ما إذا كان ثمن المعيوب مساويا مع الصحيح بحيث لا ينقص من قيمته
لأجل عيبه شئ، وذلك كالعبد الخصي، فإنه لأجل بعض الأغراض
كالربط بين الزوج والزوجة لبعض الحوائج يرغب به كثير من الناس
ويكون قيمة ذلك لأجل هذا مساويا من العبد الغير الخصي، وإن كان في
غير الخصي أيضا بعض المنافع التي لا تكون في الخصي، كأخذ نسله
ليكون عبد أيضا.
وفي الحقيقة أن الخصاء عيب ولكن لا يوجب الأرش فإن الأرش هو
تفاوت القيمة ما بين الصحيح والمعيب، والمفروض أنهما على حد
سواء في القيمة ولا تفاوت بينهما.
ولكن الذي ينبغي أن يقال إن الخصاء في العبد مع كونه مرغوبا بين
الناس ليس بعيب، بل ربما يكون وصف الكمال إذا كان موجبا لزيادة
القيمة، فإن العيب ليس هو كل نقص في المبيع حتى ما لا يوجب نقص
القيمة، بل النقص الذي يوجب قلة المالية والثمن، ولو كان مجرد
النقص عيبا سواء أوجب نقص القيمة أم لا لكان الختان وثقب الأناف
والأذان أيضا من العيوب، ولم يفتوه به أحد من الطلبة فضلا عن الفقيه،
وإذن فلا مجال لتوهم انتفاء الأرش في المورد الثاني أيضا.
ثم إنه قد فصل العلامة هنا تفصيلا لم نعرف وجهه، وهو أن الأرش إن
كان من جنس المبيع في الربويات فلا محذور فيه وإلا ففيه محذور.
وفيه أن الربا يتحقق بمطلق الزيادة ولو كان شرطا، وإذا كان أخذ
الأرش موجبا للربا فلا يفرق فيه بينما كان من جنس المبيع أو من غير
جنسه.
86

مواضع سقوط الأرش والرد
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط الرد والأرش معا بأمور: أحدها العلم بالعيب قبل
العقد بلا خلاف.
أقول: ذكروا لسقوط خيار العيب موارد:
1 - علم المشتري بالعيب
حينئذ لا يثبت خيار العيب للمشتري، لأن أخبار خيار العيب ناظرة
إلى صورة جهل المشتري بالعيب، فلا يشمل صورة علم المشتري
بالعيب.
بل استدل على ذلك في الجواهر (1) بصحيحة زرارة المتقدمة: أيما
رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار ولم يبين (2)، وقد تنظر فيه
المصنف، ولكن لم يبين وجه النظر فيه.
والذي يمكن أن يكون وجها له أمور ثلاثة:
1 - أن المراد من الرواية هو أنه إذا اشترى أحد شيئا وبه عيب أو عوار
ولم ينبه فله الخيار على ما هو مقتضى المفهوم، سواء كان المشتري عالما
بالعيب أو لم يكن عالما به، فالموضوع لسقوط الخيار هو تنبيه البايع
المشتري لا علم المشتري بالعيب، فإذا كان المشتري عالما لكونه من
أهل الخبرة ولكن لم ينبه به المشتري يثبت له خيار العيب كما هو واضح.

1 - جواهر الكلام 23: 238.
2 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
87

وفيه أن هذا وإن كان لا بأس به في نفسه وبه يرتفع التناقض بين كلامي
المصنف هنا، حيث منع عن الاستدلال بالصحيحة على سقوط خيار
العيب مع علم المشتري، ومع استدلال بها على سقوطه مع تبري البايع،
مع أن ملاك الاستدلال فيهما واحد، وهو المفهوم، فإنه يقال: إن وجه
النظر هنا هو الوجه الذي ذكروا، أما وجه الاستدلال هناك هو المفهوم
وعدم جريان هذا المانع هناك كما لا يخفى.
ولكن هذا الوجه خلاف متفاهم العرف، حيث إن التنبيه ليس له
موضوعية في سقوط الخيار، كما أن عدمه ليس موضوعا لثبوت الخيار،
بل هو طريق إلى معرفة المشتري العيب، والمراد من ذلك هو عدم
التعريف ليكون المشتري جاهلا ويثبت الخيار له، وأما إذا نبهه كان
عالما بالعيب فلا يكون له الخيار كما هو واضح.
وبالجملة كون التنبيه موضوعا لسقوط الخيار وعدمه موضوعا لثبوته
على خلاف المتفاهم العرفي.
2 - أن يكون وجه النظر فيه هو أن الاستدلال بالرواية في المقام إما
بمقتضى مفهوم الشرط وهو كلمة أي، أو بمقتضى مفهوم الوصف
والقيد وهو عدم التنبيه، فإن الوجه هو الأول، فلا شبهة أن الشرط هنا قد
سيق لبيان الموضوع، فإن مفهوم قوله (عليه السلام): أيما رجل اشترى، هو أنه
أيما رجل لم يشتر، وهو سالبة بانتفاء الموضوع، فلا مفهوم للقضية
الشرطية حينئذ، كما نقول: إذا ركب الأمير فخذ ركابه.
وقد ذكر ذلك المصنف آية النبأ عند الاستدلال به على حجية خبر
الواحد، من أن مفهوم: إن جاءكم فاسق بنبأ، إن لم يجئ فاسق بنبأ (1)،

1 - فرائد الأصول: 116.
88

لا أنه إن جاء عادل، ومن الواضح أن القضية حينئذ سالبة بانتفاء
الموضوع، فلا يكون له مفهوم.
وفيه أنه إن كان نظر المصنف إلى هذا الوجه فيرد عليه:
أولا: إن القضية الشرطية وإن لم يكن لها مفهوم إذا سيقت لبيان
الموضوع، ولكن إذا كان معها قيد آخر ثبت لها مفهوم بالنسبة إلى ذلك
القيد، وقد ذكرناه في محله.
مثلا إذا قال المولى: إذا ركب الأمير فخذ ركابه، بلا تقيد بقيد
فلا مفهوم لها، وأما إذا قال: إذا ركب الأمير فكان يوم الجمعة فخذ ركابه،
فإنها بالنسبة إلى القيد الأول لا مفهوم لها، وأما بالنسبة إلى القيد الثاني
فلها مفهوم، وهو أنه إذا ركب في غير يوم الجمعة فلا تأخذ ركابه.
وفي المقام أيضا كذلك، حيث إن القضية لا مفهوم لها بالنسبة إلى
قوله (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا، ليس لها مفهوم، ولكن بالنسبة إلى
القيود التي ذكرت بعدها فلها مفهوم، ومنها قوله (عليه السلام): ولم ينبه، كما هو
واضح، فما ذكره صاحب الجواهر من الاستدلال بالصحيحة متين جدا.
وثانيا: لو كان وجه النظر للمصنف هو هذا فلما ذا استدل بها على
سقوط الرد والأرش بالتبري بعد أسطر، فهل هذا إلا المناقضة،
فلا ينبغي ذلك من المصنف بهذا القريب.
وأما إذا كان غرض صاحب الجواهر من الاستدلال بالصحيحة هو
مفهوم القيد فلا شبهة أنه ليس بحجة، وفيه:
أولا: أنه أيضا تناقض، لما سيأتي منه من الاستدلال بها على سقوط
الخيار مع التبري عن العيب.
وثانيا: إن مفهوم الوصف ليس بحجة إذا كان ذلك ملحوظا بنفسه،
وأما مع احتفافه بقرائن أخر فلا شبهة في حجيته، كما قلنا به في قوله: كر
89

من الماء في جواب السائل عن أنه أي مقدار لا ينجسه من الماء (1)، فإنه قد
ورد في مقام التحديد، فلا شبهة في كون مفهومه حجة، وكذا قوله (عليه السلام)
في جواب السائل: كم يقصر الصلاة من السفر، قال (عليه السلام): بريد في
بريد (2)، فإن القرينة قائمة على كون كلامه في مقام التحديد، فلا بد وأن
يكون له مفهوم وإن كان المفهوم مفهوم لقب.
والحاصل أن أي مفهوم لم يكن حجة في نفسه فهو حجة إذا قامت
القرائن عليه كما هو واضح، ففي المقام أن مفهوم القيد وإن لم يكن حجة
في نفسه ولكن القرينة قائمة على حجيته، وهو كون الإمام (عليه السلام) في مقام
ضبط مورد الخيار مقدمة لسقوطه باحداث الحدث، وأنه (عليه السلام) في مقام
تحديد ذلك كما هو واضح، فعلى هذا أيضا فكلام صاحب الجواهر
متين.
لو اشترط العالم بالعيب ثبوت الخيار له
ثم إنه إذا اشترط العالم بالعيب الذي سقط خيار العيب في حقه ثبوت
الخيار له، أي خيار العيب بالاشتراط، فهل يصح ذلك أم لا؟
فنقول: إن كان غرض المشترط هو ثبوت الخيار له فقط فلا محذور فيه
أصلا، حيث إنه خيار ثابت بالشرط كسائر الخيارات الثابتة بالاشتراط،

1 - عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ،
فقال: كر، قلت: وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (الكافي 3: 3، التهذيب 1: 41،
عنهما الوسائل 1: 159)، ضعيفة.
2 - عن سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم،
وذلك بريدان، وهما ثمانية فراسخ - الحديث (التهذيب 3: 207، الإستبصار 1: 222، عنهما
الوسائل 8: 453)، موثقة.
90

كما إذا علم المشتري بعيب المتاع واشترط ثبوت الخيار لنفسه،
واشتراه على هذا الشرط ليختبره ويشاور غيره أن المعيب يفيده أم لا،
فهذا لا شبهة في صحته، فيكون ذلك كبقية الخيارات الثابتة بالشرط
الضمني.
وإن كان غرض المشترط هو ثبوت خيار العيب له الذي هو خيار حتى
مع أحكامه الخاصة من الأرش ونحوه، فذكر المصنف أنه فاسد ومفسد
للعقد لكونه مخالفا للسنة، فكأنه رأى أن هذا الشرط الفاسد ممتاز عن بقية
الشروط الفاسدة التي لا توجب فساد العقد، ولكن هذا يوجب فساده كما
هو واضح.
ولكن الظاهر أنه لا فارق بين هذا الشرط الفاسد وبقية الشروط
الفاسدة، نعم ذكرنا فيما سبق أن مرجع الخيار إلى تحديد الملكية إلى
زمان الفسخ، فكان البايع قد أنشأ الملكية المحدودة.
وعلى هذا فهذا الشرط يكون فاسدا ومفسدا للعقد، لأن ما أنشأه
البايع من الملكية المحدودة لم يمضه الشارع، لكون الشرط الذي أوجب
تحديد الملكية المنشأة فاسدا، لكون اشتراط الأرش في هذا الخيار أي
خيار العيب الثابت بالشرط مخالفا للسنة، فإن الأرش إنما ثبت في
خصوص خيار العيب فقط، بل مخالف للكتاب أيضا من جهة قوله
تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول (1)، فالقول بثبوت الأرش هنا مخالفة
لقول الرسول (صلى الله عليه وآله) فيكون فاسدا، وأما الملكية المطلقة فهي غير منشأة،
فيكون هذا الشرط فاسدا ومفسدا للعقد على ما ذكرناه.
وقد ذكرنا في تعليقة العروة عند قول السيد: هل يجوز جعل الخيار

1 - النساء: 59.
91

في النكاح أم لا، حيث توقف في ذلك كبعض المحشين، وقد ذكرنا
هناك أن الأقوى كون جعل الخيار مفسدا لعقد النكاح، فإنه إذا كان النكاح
مقيدا بالفسخ فيكون مقيدا بالزماني، ومن الواضح أنه غير مشروع في
الشريعة إنما المشروع هو العقد الدائم والعقد المنقطع المقيد بالزمان،
أما الزماني فلا، فافهم.
2 - تبري البايع عن العيوب
قوله (رحمه الله): الثاني: تبري البايع عن العيوب اجماعا في الجملة.
أقول: من جملة ما يسقط فيه الرد والأرش فيما كان المبيع معيبا أن
يتبرأ البايع من العيوب، وقد ادعى الاجماع على ذلك، ولكن لا مجال
لدعوى الاجماع التعبدي مع كون صحيحة زرارة دالة على المقصود.
ثم إنه لا يخفى ما في بعض نسخ المكاسب من الغلط من اسقاط الألف
بين كلمة ارتفع وكلمة لا طلاق كما في حاشية أيضا كذلك، حيث قال:
قوله: لا طلاق - الخ، إذ لا اطلاق في رواية زرارة هنا حتى يتمسك، بل
التمسك بها من جهة المفهوم، والنسخة صحيحة قوله: والأصل في
الحكم قبل الاجماع صحيحة زرارة، وكلمة الاطلاق بزيادة الألف قبل
اللام فاعل لارتفع.
وكيف كان فلا شبهة في دلالة رواية زرارة على المقصود، فإنه قد علق
ثبوت الخيار في مفهوم هذه الرواية المعتبرة، وإن لم تكن صحيحة، كما
تقدم على عدم التبري من العيب، وأما مع التبري منه فلا شبهة في
سقوطه، فتدل بمفهومها على المقصود كما هو واضح.
ثم إنه مقتضى اطلاق مفهوم هذه الرواية أنه لا فرق في سقوط الخيار
بالتبري من العيوب الظاهرة أو الباطنة، فإن مقتضى الاطلاق هو سقوط
الخيار مع التبري من العيب مطلقا، وهذا واضح جدا.
92

وكل ذلك لا كلام فيه، وإن ذكر الخلاف في بعضها، ولكن يدفعه
الاطلاق، وأيضا يجوز التبري من العيوب الموجودة حال العقد
والعيوب المتجددة بعده قبل القبض أو بعده في زمان الخيار، أي خيار
الشرط والحيوان بالنص وخيار المجلس بالاطلاق.
ما يستشكل للتبري من العيب
ولكن وقع الاشكال هنا في موضعين:
1 - فيما إذا تبرأ من العيوب الموجودة حال العقد.
2 - فيما إذا كان العيب متجددا بعد العقد.
أما الاشكال في الأول، فهو أن اسقاطه أي الخيار والتبري من العيوب
موجب للغرر فيكون موجبا لبطلان البيع.
وفيه أنه إن قلنا بأن رواية زرارة إنما دلت على صحة البيع مع سقوط
الخيار للعيب مع التبري مطلقا حتى فيما يلزم منه الغرر، فلا بأس من
الالتزام به بعد دلالة النص عليه، ودعوى كون البيع غرريا وباطلا لذلك
اجتهاد في مقابل النص، فلا يكون ذلك اشكالا في المقام.
وإن قلنا إن التبري وعدم التبري من العيوب إنما هو في البيع الصحيح
لا في البيع الباطل، فالبيع الغرري باطل، فلا يكون التبري من العيب
مصححا له وإلا كان التبري من العيب موجبا لصحة بيع الصبي وغيره من
البيوع الباطلة.
وعليه فلا بد من التفصيل بين ما يرتفع كون البيع غرريا من غير جهة
التزام البايع بكون المبيع صحيحا، وبين ما كان يرتفع ذلك بالتزام البايع
بصحة المبيع، فإنه على الأول يصح تبري البايع من العيوب، إذ دخل له
في غررية المعاملة، فإن الغرر لم يرتفع بالتزام البايع بصحة المعاملة حتى
93

يلزم الغرر من تبريه من العيوب، بل إنما ارتفع بعلم المشتري بصحة
المبيع أو برؤيته أو باخبار شخص آخر، وقد تقدم ما ينفعك في خيار
الرؤية ظاهرا.
وعلى هذا فلا بد في المقام من التفصيل بين ما كان ارتفاع الغرر عن البيع
بالتزام البايع بصحة المبيع، فلا يصح التبري لكونه موجبا للغرر، وبين ما
كان ارتفاع الغرر بغير جهة التزامه بذلك كما عرفت، فيصح التبري كما
لا يخفى.
وأما الاشكال الثاني: وهو إذا كان التبري من العيوب المتجددة بعد
العقد، فتارة يستشكل هنا من جهة لزوم الغرر، وأخرى من جهة كون
التبري عن العيوب المتجددة اسقاطا لما لم يجب، إذ لم يتعيب المبيع
حال العقد حتى يجوز التبري عنه فلا يكون التبري حينئذ إلا اسقاطا لما
لم يجب.
ولكن شئ من الاشكالين لا يرجع إلى محصل، أما اشكال لزوم الغرر
فهو واضح الدفع، إذ الغرر في المعاملة إنما يلاحظ بالنسبة إلى حال البيع
والعقد، لا بالنسبة إلى ما بعد العقد، ومن الواضح أنه لا غرر في المعاملة
في حال العقد مع التبري عن العيوب المتجددة بعد العقد، بعد ما كان
المشتري عالما بالمبيع وخصوصياته وعدم العيب فيه حال العقد.
وأما اشكال لزوم اسقاط ما لم يجب، فنعم حيث إن العيب لم يحصل
حال العقد فيكون اسقاطه اسقاطا لما لم يجب، ولكن ذكرنا مرارا أنه
لا دليل على عدم جواز اسقاط ما لم يجب إلا الاجماع، وهو إنما فيما
لم يكن المقتضي للساقط موجودا كالاسقاط قبل العقد.
وفي المقام كالتبري قبل العقد حيث إن العقد موضوع للخيار فاسقاط
خيار العيب قبل العقد بالتبري عن العيب فإنه يدخل تحت الاجماع القائم
94

على عدم جواز اسقاط ما لم يجب، وأما الاسقاط حال العقد الذي هو
مورد الخيار وموضوعه فلا بأس من اسقاط خيار العيب حال العقد،
وكذلك يجوز الاسقاط في كل مورد كان المقتضي موجودا.
نعم الاسقاط الفعلي أي اسقاط أمر معدوم فعلا بحيث يكون ساقطا
بالفعل غير معقول، لأنه اسقاط أمر معدوم، وأما اسقاط أمر استقبالي
فعلا بحيث يكون ساقطا في محله أي في الاستقبال فلا بأس، كما
لا يخفى.
وعلى الجملة فلا بأس لاسقاط خيار العيب بالتبري عنه حال العقد،
سواء كان العيب موجودا حال العقد أو عيبا متجددا، كما هو واضح.
ثم إنه ذكر المصنف أنه يندفع الغرر عن البيع مع التبري عن العيوب
بالاعتماد على أصالة الصحة، ولكن يرد عليه ما ذكرناه سابقا، من أنه
لا دليل على اعتبارها بوجه، على أنه لا يرتفع الغرر، فإنه بمعنى الخطر
وهو أمر نفساني لا يرتفع بالأصل، فإنه لا يزيل الصفة النفسانية.
احتمال إضافة البراءة إلى أمور
قوله (رحمه الله): ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أمور.
أقول: حاصل كلام المصنف أن البراءة من العيوب يحتمل أن يضاف
إلى أمور:
1 - أن يتبرأ من نفس العيوب، بأن تبرأ عن الالتزام بسلامة المبيع عن
العيوب الموجودة في المبيع حال العقد.
2 - ضمان العيب فقط، بأن يتبرأ من الأرش فقط دون الخيار، فيكون
المشتري مع ظهور العيب في المبيع مخيرا بين الرد والامضاء فقط.
3 - أن يكون المراد من التبري عن العيب التبري عن حكمه، وهو
اسقاط الخيار.
95

ثم ذكر أن الأنسب إلى معنى البراءة هو الثاني، وقد تقدم عن التذكرة (1)
المعنى الثالث، وهو بعيد عن اللفظ، إلا أن يرجع إلى المعنى الأول.
ولكن الظاهر أنه لا فارق بين المعنى الأول والثالث، وذلك لأنه
لا معنى للتبري عن نفس العيب الذي هو مفاد الوجه الأول.
وتوضيح ذلك: أنا قد ذكرنا سابقا أنه لا معنى لاشتراط وصف في البيع
بأن يبيع شيئا مع اشتراط كونه متصفا بوصف كذا، أي التزم بكونه على
وصف كذا، وهذا لا معنى له، بل مرجعه أما إلى التعليق، بأن يبيع على
تقدير كون المبيع متصفا بوصف كذا، وأما إلى اشتراط الخيار على تقدير
التخلف، بأن التزم المشتري البيع على تقدير كون المبيع موصوفا
بوصف معلوم، وأما التخلف فلا يلتزم به بل يكون البيع متزلزلا.
وأما التعليق فهو يوجب البطلان، فلا معنى لاعتبار الوصف في
المبيع بهذا المعنى، وأما الثاني فقد عرفت أن مرجعه إلى جعل الخيار،
وعليه فمعنى التبري عن العيب أي عدم الالتزام بصحة المبيع ليس
اسقاط الخيار، إذ التعليق في البيع باطلا، وإذن فيكون مفاد الوجه الأول
والوجه الثاني واحدا كما هو واضح.
وأما الوجه الثاني، فالفرق بينه وبين الوجه الأول الذي مرجعه إلى
الوجه الثاني واضح، إذ الوجه الأول والثالث كما عرفت عبارة عن اسقاط
الأرش دون الخيار كما هو واضح، إما أن المراد هو الوجه الأول أو الثاني
فيختلف ذلك باختلاف قصد المتبري وظهور كلامه، والظاهر من
الاطلاق هو سقوط الخيار والأرش معا.
ودعوى أن التبري من الأرش فقط لا دليل عليه، لكون الرواية دالة

1 - التذكرة 1: 534.
96

على التبري على وجه الاطلاق دعوى جزافية، فإن الرواية وإن كانت
كذلك ولكن قد ثبت من الخارج من الأرش غرامة ومن قبيل الحقوق،
فللمشتري أن يرفع اليد من حقه ولم يطلب الغرامة من البايع، فالتبري
عن الأرش فقط مع رضاء المشتري بذلك صحيح.
وأما دعوى كونه اسقاطا لما لم يجب فقد عرفت جوابه، وأنه لا بأس
باسقاطه في ضمن العقد.
لو تبري البايع عن العيوب مطلقا
قوله (رحمه الله): ثم تبري البايع عن العيوب مطلقا.
أقول: قد ذكر السيد (1) في المقام أن مقصود المصنف غير ما هو ظاهر
من عبارته، فإن عبارته ظاهرة في معنى ومقصود شئ آخر، وعليه فهنا
مسألتان: الأولى ما فهمه السيد من عبارة المصنف، والثاني ما هو ظاهر
كلام المصنف.
أما الأولى، فذكر السيد أن مراد المصنف أن التبري إنما يسقط الخيار
فقط، وأما حكم التلف في زمان الخيار الذي هو كونه على من لا خيار له
وهو البايع في المقام فلا يزول ولا يسقط، سواء كان التلف بسبب العيب
أو غيره، لعموم ما دل على أن التلف في زمن الخيار على من لا خيار له.
وبعبارة أخرى أن التبري إنما هو مجرد سقوط الخيار، وأما ما تقتضيه
قاعدة التلف في زمان الخيار من كونه على البايع فهو باق ولا يسقط
بمجرد التبري، فإنه يكفي في ثبوت ذلك شأنية الخيار، أي ثبوت الخيار
لولا الاسقاط وإن لم يكن الخيار ثابتا بالفعل.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 87.
97

والحاصل أن قاعدة كون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له أعم من
يكون هنا خيار بالفعل أو خيار بالشأن كما هو واضح.
ويرد على هذه المسألة أولا: إن موضوع الحكم هنا إنما هو وجود
الخيار الفعلي بحيث يكون هنا خيار بالفعل، وأما الخيار الشأني فليس
موضوعا لهذه الأحكام بوجه، وإلا فلا بد من الالتزام بكون التلف مطلقا
في أي وقت كان ولو بعد شهر أو سنة ممن لا خيار له فيما إذا لم يلتفت
المشتري إلى العيب إلى سنة مثلا بل أكثر، وتلف المبيع بعد هذه المدة
لا باتلاف المشتري والتفت المشتري بالعيب حين التلف، فإنه على هذا
فجميع أوقات وجود المبيع عند المشتري زمن خيار الشأني كما هو
واضح، مع أنه لم يلتزم به أحد.
وبعبارة أخرى أن ما هو موضوع لهذه القاعدة أعني الخيار الفعلي قد
سقط قطعا بتبري البايع، وما هو ليس موضوعا لها أعني الخيار الشأني
والتقديري فهو باق في بعض الأحيان إلى الأبد.
وثانيا: إن قاعدة كون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له إنما هو في
خصوص خيار الحيوان والشرط بالنص، وفي خيار المجلس الحاقا،
وأما الخيارات الأخر فلا تجري فيها هذه القاعدة، ومن الواضح أن خيار
العيب من جملة تلك الخيارات التي لا مرجع فيه لهذه القاعدة كما هو
واضح.
وأما المسألة الثانية التي هي ظاهر عبارة المصنف، فهي أنه إذا تبري
البايع من عيب السلعة وتلف المبيع في زمان خيار آخر للمشتري كخيار
الحيوان والشرط والمجلس، فهل يكون ضمانه على البايع أو لا، بل
يكون ضمانه للمشتري أيضا لتبري البايع عن العيب؟
فالظاهر هو أن الضمان هنا على البايع، فإنه لا منافاة بين تبري البايع عن
العيب وبين ثبوت الضمان عليه من جهة كون التلف في زمان الخيار من
98

غير جهة العيب، فإن اطلاق ما دل على أن التلف في زمن الخيار من مال
من لا خيار له محكم هنا فلا مخصص له بوجه.
وإذن فيكون التلف هنا من البايع لكونه في زمان خيار الحيوان مثلا
لا من المشتري، بل لا دلالة في لفظ التبري على كون التلف في زمن خيار
المشتري من المشتري، إذ التبري من العيب أي ربط له بذلك بل لا يسقط
الضمان عن البايع حتى بصراحته بالتبري مطلقا، حتى لو تلف المبيع به
في زمان خيار المشتري، كما إذا كان المبيع حيوانا فتلف في ضمن ثلاثة
أيام، فهذا حكم شرعي لا يسقط بالاسقاط، وتقدم أن الحكم والحق
كلاهما حكم شرعي إلا ما يسقط بالاسقاط نسمي حقا وما لا يسقط به
نسمي حكما.
وعلى الجملة فكون التلف في زمن الخيار من البايع حكم شرعي
لا يسقط بالتبري، ولا نعرف خلافا في هذه المسألة إلا عن الشهيد في
الدروس، حيث قال: لو تبرأ البايع من عيب فتلف به في زمن خيار
المشتري فالأقرب عدم ضمان البايع، وكذا لو علم المشتري به قبل
العقد أو رضي بعده وتلف في زمان خيار المشتري، ثم قال: ويحتمل
الضمان لبقاء علاقة الخيار (1).
وقد ظهر مما ذكرناه أنه لا وجه لمخالفة الشهيد ونفي الضمان عن
البايع مع التلف حينئذ، كما لا وجه لقوله: ويحتمل الضمان لبقاء علاقة
الخيار، فإنه لا معنى لتوهم هذه العلاقة، إذ لو كان المراد بها هو خيار
الحيوان فقد تبرأ البايع منه، وإن كان المراد به غير خيار الحيوان فهو وإن
كان صحيحا ولكن لا ربط له بخيار العيب حتى يقال: إن علاقة الخيار
باقية.

1 - الدروس 3: 283.
99

وبعبارة أخرى أن خيار العيب قد زال بتبري البايع فلم يبق منه شئ
أصلا، والخيار الذي هو موجود فعلا وتلف المبيع في زمنه أعني خيار
الحيوان ليس من متعلقات خيار العيب بوجه، فلا وجه لكلامه بوجه.
ثم ذكر أن الاشكال أقوى فيما لو تلف المبيع بالعيب السابق وبالعيب
المتجدد في زمن الخيار الأخر كخيار الحيوان، ووجه الأقوائية هو أن
البايع إنما تبرأ من العيب السابق الموجود حال العقد لا من العيب الحادث
بعده، فيكون اشكال كون الضمان على المشتري دون البايع قويا، بل لا بد
وأن يكون الأمر بالعكس.
ولكن قد عرفت أن الضمان في جميع ذلك على البايع، لاطلاق ما دل
على كون التلف - في زمن خيار الحيوان والشرط، وخيار المجلس
بالالحاق - من البايع، فلا مخرج عن ذلك، وأن هذا حكم شرعي لا يسقط
بالتبري حتى مع التصريح بذلك، وأن التبري لا يدل على ذلك وعلى
أزيد من التبري من الأرش والخيار أي على اسقاط الأرش والخيار.
ما قيل بسقوط الأرش والرد بها
قوله (رحمه الله): ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد والأرش بها.
أقول: ذكر الأصحاب أمورا يسقط بها الأرش والرد:
1 - زوال العيب قبل العلم به
وقد صرح العلامة بذلك في غير موضع من التذكرة (1)، ومال إليه جامع
المقاصد (2)، واختاره في المسالك، بل ذكر في التذكرة في أواخر فصل

1 - التذكرة 1: 529.
2 - جامع المقاصد 4: 306.
100

العيوب أنه يسقط الأرش والرد بعد العلم بالعيب أيضا.
وقد فصل المصنف هنا بين الرد والأرش، والتزم بسقوط الرد دون
الأرش، وأفاد في وجه ذلك: أن الظاهر من الأدلة خصوصا بملاحظة أن
الصبر على العيب ضرر، هو رد المعيوب، وهو الذي يكون حين الرد
متلبسا بالعيب، وأما ما كان معيوبا سابقا فزال عيبه فليس بموضوع للرد،
وتوهم استصحاب الخيار هنا فاسد لارتفاع موضوعه، فلا أقل من
احتمال ارتفاع موضوعه، فيكون بلا موضوع، فلا يكون متعهدا لاثبات
توسعة الحق.
هذا هو الوجه لجواز الرد، وأما الوجه لجواز مطالبة الأرش فلأنه قد
ثبت جواز مطالبة الأرش فيما كان وصف الصحة مفقودا في المبيع حين
العقد، فقد استقر الأرش على ذمة البايع بالعقد، فسقوطه يحتاج إلى
دليل، خصوصا بعد ما علم المشتري بالعيب وزال، والصحة الحادثة
لا تمنع عن ذلك لكونها حادثة في ملك المشتري.
وعلى الجملة فذمة البايع مشغولة بذلك، فسقوطه عنها يحتاج إلى
دليل كما هو واضح.
ثم ذكر أنه لم يتعرض لهذا الفرع أحد قبل العلامة، وإن احتمل
دخوله تحت القاعدة المذكورة للشافعية، من أن الزائل العائد كالذي
لم يزل، أي وصف الصحة التي كانت مفقودة وعادة كالذي لم يزل،
فلا يكون المبيع في حكم المعيوب فعلا، أو كالذي لم يعد فيكون في
حكم المعيوب.
ثم ذكر أنه لا دليل على هذه القاعدة ولا شئ تحتها، فإنها مجرد
عبارة بل نحتاج في كل مورد إلى الدليل الخاص، وقد عرفت أن مقتضى
الدليل في المقام هو سقوط الرد دون الأرش.
101

أقول: إن المستفاد من الرواية كما أن موضوع الرد هو المعيوب
الفعلي، أي ما كان متلبسا بالعيب فعلا، وكذلك موضوع جواز مطالبة
الأرش أيضا هو المعيوب الفعلي لا ما كان معيوبا حين العقد، فإن الرد
والأرش قد ثبتا في الروايات معا، من أنه إذا كان المبيع معيوبا كان له الرد
والأرش على نحو التخيير أو أنه مخير بين الرد والامضاء قبل التصرف،
وأما بعده فيكون له مطالبة الأرش فقط على ما تقدم من المصنف،
واخترناه أيضا في مورده استنادا إلى ظاهر الأدلة، فلا يستفاد من الأدلة أن
موضوع الرد هو المعيوب الفعلي دون موضوع الأرش، وإن كان يستفاد
ثبوت الأرش بعد سقوط الرد لا التخيير من الأول كما هو واضح.
نعم لو قلنا بأن وصف الصحة يقابل بالمال فيكون في مقابله حين العقد
ثمن أيضا، فلما ذكره المصنف وجه، حيث إن ما قابل من الثمن في مقابل
وصف الصحة قد أخذه البايع بلا استصحاب منه لفوات مقابله، أعني
وصف الصحة، فيبقى مشغول الذمة ما لم يخرج عن عهدته، سواء زال
العيب وعاد وصف الصحة أم لا.
ولكن قد عرفت سابقا أن هذا المبنى فاسد من أصله ولم يلتزم به
المصنف أيضا، بل وصف الصحة يوجب زيادة المالية وهو واسطة
لا زيادة المالية في المبيع وزيادة ثمنه كما هو واضح، ولذا لا يجب
للبايع دفع الأرش قبل مطالبة المشتري ذلك كما هو واضح.
وعليه فلا يبقى مجال لما ذكره المصنف هنا، بل يسقط الأرش بزوال
العيب كما يسقط الرد أيضا.
وقد ذكر السيد (1) أن الانصاف هو عدم الفرق بين الرد والأرش،
ودعوى استقرار الثاني بالعقد دون الأول كما ترى، وظهور الدليل في رد

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 88.
102

ما هو متلبس بالعيب مشترك الورود، فإنا نقول بالنسبة إلى الأرش أيضا
كذلك، خصوصا مع أن الأرش غرامة لا يثبت إلا بعد مطالبته، والتحقيق
سقوطهما معا للظهور المذكور، وعلى الجملة فلا فارق بين الرد
والأرش بحسب الدليل هذا.
ولكن يمكن أن يقال أولا: إنه ينبغي أن يعكس الأمر، بأن يسقط
الأرش دون الرد، أما سقوط الأرش فمن جهة ما عرفت من كون موضوعه
هو المبيع المعيوب، والفرض أن العيب قد زال عنه، فلا يثبت للمشتري
جواز مطالبة الأرش من البايع، فلا وجه لثبوت الأرش حينئذ بوجه.
وأما ثبوت الرد وعدم سقوطه، فمن جهة أن خيار العيب كخيار الغبن
والرؤية إنما هو ثابت بحسب الشرط الضمني على كون المبيع صحيحا
حال العقد، والمفروض أنه غير صحيح، فيكون له خيار تخلف الشرط
فلا دليل على سقوطه بعده، وإن كان العيب زائدا بعده فإنه إنما زال في
ملك المشتري دون البايع، كما إذا اشترى زيد عبدا من عمرو فاشترط
عليه أن يكون العبد كاتبا ولكن لم يكن كاتبا حال العقد وقد تعلم الكتابة
بعده، فإنه لا شبهة في ثبوت خيار تخلف الشرط للمشتري وإن كان كاتبا،
إلا أنه إنما حصل في ملك المشتري دون البايع.
ومن هنا ذكرنا أن الرواية الدالة على ثبوت خيار العيب إنما ثبت على
طبق القاعدة لا على خلافه كما هو واضح، نعم ثبوت الأرش هنا
لخصوص الرواية لا بحسب الشرط الضمني، فإنه لا يتكفل على ذلك.
التحقيق في المقام
ولكن التحقيق أن يقال بثبوت الرد والأرش كليهما وإن زال العيب بعد
العقد، فتكون النتيجة هو أن الزائل العائد كالذي لم يعد، فكان وصف
الصحة الزائل لم يعد، وتقريب ذلك:
103

أن غير رواية زرارة من الروايات الدالة على ثبوت الرد والأرش وإن
كانت ساكتة عن صورة زوال العيب من المبيع المعيوب حال العقد،
والمستفاد منها أن موضوع الرد والأرش إنما هو المعيوب الفعلي، فإنه
في هذه الصورة إما نقول بالرد والأرش تخييرا، أو بالرد أولا ومع سقوطه
فبالأرش كما تقدم.
وبالنسبة إلى ملاحظة هذه الروايات فما ذكره السيد متين جدا وفقا لما
ذكره العلامة وغيره، ولكن بالنسبة إلى النظر إلى رواية زرارة فالأمر ليس
كذلك، فإنه ذكر فيها: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار
ولم يتبرأ به وأحدث فيه شيئا ثم علم بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع
فيثبت له تفاوت ما بين الصحيح والمعيب، وهو الأرش.
فيدل مفهوم هذه الرواية على عدم مضي البيع إذا لم يتبرأ البايع من
العيب ولم يعلم المشتري بذلك حال العقد ولم يحدث فيه حدثا، فإنه
إذا التفت المشتري بذلك العيب بعد العقد فيكون له الرد، وليس في
الرواية أنه يسقط الرد بعد زوال العيب، بل هي مطلق بالنسبة إلى حال
زوال العيب أيضا، فلا دلالة فيها أن الرد إنما يثبت إذا كان العيب موجودا
حال الرد، بل بكلمة ذلك يشعر البغير مشيرا إلى العيب بكفاية وجود
العيب حال العقد فقط في جواز الرد مطلقا حتى بعد الزوال، كما هو
واضح.
وعين هذا البيان جار في ثبوت الأرش أيضا بعد زوال العيب، فإنه
مذكور مع الرد في هذه الرواية، وموضوعه إنما هو ثبوت العيب في
المبيع حال العقد، سواء زال بعده أم لم يزل كما هو واضح، وقد عرفت
أن هذه الرواية وإن لم تكن صحيحة ولكنها معتبرة.
104

2 - التصرف بعد العلم بالعيب
قوله (رحمه الله): ومنها: التصرف بعد العلم بالعيب.
أقول: إن الكلام في كون التصرف بعد العلم بالعيب الذي يوجب
الحدث في المبيع يقع في جهتين:
الجهة الأولى في أن التصرف هل يسقط الرد والأرش معا أو لا؟
والجهة الثانية في أنه هل تشمل أخبار الأرش صورة التصرف
الموجب للاحداث بعد العلم بالعيب أم لا؟
الجهة الأولى
أما الكلام في الجهة الأولى فنقول: إن كان التصرف مسقطا تعبديا كما
في التقبيل للجارية وركوب الدابة ووطئ الجارية وغير ذلك من
التصرفات التي هي مسقطة بالتعبد، فلا دلالة في ذلك على سقوط الأرش
بوجه، فإن سقوط الرد بالتصرف تعبدا غير مربوط بسقوط الأرش به، مع
وجود الدليل على ثبوت الأرش، بل قد ثبت الأرش في مورد التصرف
في الجارية بالجماع، ولم يمنع ذلك الجماع عن ثبوت الأرش كما
لا يخفى.
وإن كان التصرف مسقطا للرد لكونه كاشفا عن الرضا بالعقد والالتزام
به، فلا يكون البحث عن سقوط الرد بالتصرف نزاعا كبرويا، بل يكون
نزاعا صغرويا وراجعا إلى أن أي تصرف هو كاشف عن الرضا بالعقد وعن
سقوط الرد والخيار، وبعد كونه كاشفا عن ذلك فتنازع في أنه هل يكون
التصرف الكاشف عن الرضا بالعقد كاشفا عن الرضا بالعيب أيضا أم لا،
فيكون هذا أيضا نزاعا لفظيا ففي كل مورد يكون كاشفا عن سقوط الأرش
فيحكم به وإلا فلا يكون هنا نزاع كبروي.
105

وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: وحيث لم يدل التصرف على
سقوط الأرش فالأصل بقاؤه، وذكر أيضا: الأولى أن الرضا بالعقد لا يدل
على سقوط الأرش.
الجهة الثانية
وأما الجهة الثانية، فهي أنه هل تشمل أخبار ثبوت الأرش على صورة
التصرف بعد العلم بالعيب أم لا؟
فنقول: قد نقول بأن المشتري إذا اشترى مبيعا معيوبا فهو من الأول
مخير بين الأمور الثلاثة: إما الرد أو الامضاء مجانا أو مع الأرش، على ما
ذهب إليه المشهور، فحينئذ يقع الكلام في أن التصرف يوجب سقوط
الرد والأرش أو لا.
فالكلام حينئذ راجع إلى مسقطية التصرف، وقد تقدم الكلام في
ذلك، من أنه مسقط تعبدا أو لكونه كاشفا عن الرضا، وعلى كل تقدير فهل
يكون التصرف مسقطا للرد والأرش معا أم لا.
وتارة نقول إن المشتري ليس من الأول مخيرا بين الرد والامضاء مجانا
أو الأرش، بل بين الرد والامضاء وبعد سقوط الرد ثبت له الأرش فقط،
بحيث ليس له مطالبة الأرش قبل سقوط حق الرد.
ثم إنه يقع النزاع في أنه بعد عدم سقوط الأرش بالتصرف فهل تشمل
أخبار الأرش لصورة التصرف بعد العلم أيضا، كما تشمل لصورة
التصرف قبل العلم أو لا، بحيث لا يكون التصرف موجبا لسقوط الأرش
مطلقا، سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده؟
وفي هنا سؤال الفرق بين القول بالتخيير بين الأمور الثلاثة من الأول:
أولا: في كون ذلك دخيلا في شمول دليل الأرش لصورة التصرف بعد
106

العلم بالعيب، فذكر المصنف أن اختصاص النص بصورة التصرف قبل
العلم ممنوع، فليراجع.
أقول: قد راجعنا الأخبار الدالة على سقوط الأرش بالتصرف، ليس
فيها ما يدل على عدم سقوط الأرش بالتصرف بعد العلم بالعيب، بل تدل
على عدم سقوط الأرش بالتصرف قبل العلم بالعيب فقط، كما هو واضح.
وقد عرفت في رواية زرارة ذلك، حيث قال (عليه السلام): أيما رجل
اشترى شيئا ولم يتبرأ البايع من عيبه ولم ينبه عليه وأحدث فيه حدثا
ثم علم بذلك، فإنه يمضي عليه البيع ويأخذ تفاوت ما بين الصحيح
والمعيب (1)، فإنه (عليه السلام) قد عبر بكلمة: ثم علم بالعيب، بعد قوله:
وأحدث فيه شيئا، وهو ظاهر في كون التصرف قبل الاطلاع على
العيب كما هو واضح، وكذلك بقية الأخبار، فإنها مختصة بالتصرف الذي
كان قبل العلم بالعيب، نعم في رواية ميسر ورواية عبد الملك ما يدل
على ذلك.
أما الأول، فما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يرد
الجارية إذا وطأت ولكن يرجع بقيمة العيب (2)، فإنها مطلقة بالنسبة إلى
التصرف الذي كان قبل العلم بالعيب أو بعده.

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
2 - عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب
إذا وطأت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان علي (عليه السلام) يقول: معاذ الله أن أجعل لها أجرا (الفقيه
3: 139، عنه الوسائل 18: 104).
107

وأما الثانية، فهي ما رواه عنه (عليه السلام) قال: لا ترد الجارية التي ليست
بحبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب (1)، وهي أيضا مطلقة بالنسبة
إلى ما بعد العلم وما قبله.
وفيه أولا: إن هاتين الروايتين ضعيفتا السند، فلا تصلحان لاثبات
المقصود، بعد اختصاص بقية النصوص بما قبل العلم بالعيب.
وثانيا: إن في رواية حماد دلالة منطوقا على ثبوت الأرش وسقوط رد
إذا كان التصرف المسقط قبل العلم بالعيب، وبمفهومها تدل على سقوط
الأرش والرد معا، إذا كان التصرف بعد العلم بالعيب.
والرواية هذه روى حماد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول:
قال علي بن الحسين (عليهما السلام): كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة
فوطأها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم وله أرش العيب (2)، فإن مفهوم
هذه الرواية هو أن الأرش ساقط إذا كان التصرف في المبيع المعيوب بعد
العلم بالعيب.
وبهذا نقيد اطلاق رواية ميسر وعبد الملك الدالين على عدم سقوط
الأرش بالتصرف بعد العيب أيضا.
وعلى هذا الذي ذكرناه فما ذكره ابن حمزة (3) من كون التصرف بعد
العلم بالعيب يكون مسقطا للرد والأرش معا متين، لعدم دلالة شئ على
ثبوته مع التصرف بعد العلم بالعيب.

1 - عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها
صاحبها وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها (الكافي 5: 214، التهذيب
7: 62، عنهما الوسائل 18: 105)، ضعيفة بعبد الملك.
2 - التهذيب 7: 61، قرب الإسناد: 10، عنهما الوسائل 18: 104، صحيحة.
3 - الوسيلة: 257، عنه الدروس 3: 284.
108

3 - التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب
قوله (رحمه الله): ومنها: التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب كالبغل
الخصي.
أقول: قد ذكر المصنف (رحمه الله) أن من جملة ما يسقط به الأرش والرد معا
التصرف في المعيب بالعيب الذي لا يوجب نقصا في القيمة.
والظاهر أنه لا يناسب للمصنف أن يذكره في المقام، فإن كلامنا فيما
يكون بنفسه موجبا لسقوط الرد والأرش لا فيما يكون موجبا لذلك
بالضميمة، بأن يكون شئ موجبا لسقوط الرد وشئ آخر موجبا
لسقوط الأرش، ويضم أحدهما إلى الآخر، فيحكم بكونهما موجبا
لسقوط الرد والأرش.
وما ذكره المصنف هنا كذلك، حيث إنه ضم التصرف إلى العيب الذي
لا يوجب نقص المالية، فجعلهما قسما مما يوجب سقوط الرد والأرش،
والحال أنه ذكر التصرف مستقلا من مسقطات الرد، وذكر العيب الذي
لا يوجب نقصا في المالية من مسقطات الأرش كما هو واضح، وبعد ذلك
لا وجه لضم أحدهما إلى الآخر هذا أولا.
وثانيا: قد عرفت فيما تقدم أن مطلق نقص الشئ عن الخلقة الأصلية
ليس بعيب في المبيع، ما لم يوجب نقصا في المالية والقيمة، وإلا لكان
الختان أيضا عيبا في العبد.
وعليه فما ذكره من المثال من كون التصرف في البغل الخصي موجبا
لسقوط الرد والأرش ليس بصحيح، حيث إن الخصي ليس بعيب في
البغل أصلا، لعدم تفاوت القيمة بذلك، كما أنه في العبد أيضا ليس بعيب
لرغبة طائفة إلى الخصي، وطائفة أخرى إلى غير الخصي، نعم الخصاء
في مثل الفرس ونحوه يكون عيبا كما هو واضح.
109

وثالثا: أنك قد عرفت فيما تقدم أن مطلق التصرف ليس بمسقط
للعيب، وإنما المسقط إنما هو التصرف الذي يوجب التغيير في المبيع،
أو يكون مسقطا بالتعبد كوطئ الجارية وتقبيلها أو ركوب الدابة، أو
يكون التصرف بنفسه مصداقا للاسقاط الفعلي كما هو واضح، وإلا
فلا دليل على كونه مسقطا له كما لا يخفى.
بيان آخر
ونعيد هذا البحث لفائدة احتمالية، فنقول: إنه إذا تصرف المشتري
في المبيع الذي كان معيوبا بعيب لا يوجب ذلك العيب نقصان القيمة
كالخصي من البغل ونحوه، فهل يوجب ذلك الأرش والرد أم لا؟
فذكر المصنف أن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة والرد أيضا منتف
للتصرف، ثم ذكر أنه يشكل الأمر فيه بلزوم الضرر على المشتري بصبرة
على المعيب، وأجيب بأنه ليس هنا ضرر مالي لعدم نقص فيه أصلا، بل
لا ضرر هنا، لأن الضرر عبارة عن النقص في المال والأطراف والعرض،
فأي ضرر هنا يترتب على سقوط الرد كما هو واضح.
والصحيح أن يقال: إن الخصي ونحوه في العبد وغيره لم يكن عيبا
كما هو الظاهر على ما عرفت، فلا شبهة في أنه ليس هنا عيب فضلا عن
ثبوت الخيار والأرش حتى نبحث عن سقوطها بالتصرف، فأصل موضوع
الرد والأرش منفي هنا وإن كان يصدق عنوان العيب على ذلك، أما
سقوط الأرش فواضح لعدم ثبوته أولا فضلا عن سقوطه بالتصرف، فإنه
عبارة عن تفاوت ما بين الصحيح والمعيب والمفروض انتفاء التفاوت هنا
كما لا يخفى.
وأما سقوط الرد، فإن قلنا بكون التصرف مسقطا للرد، لكونه كاشفا
110

عن الرضا بالعقد واسقاطا عمليا للرد، فيكون موجبا لسقوط الرد،
وكذلك إذا كان مسقطا على نحو التعبد، وأما إذا لم يكن كذلك كما هو
الظاهر أن التصرف مسقطا تعبدا في موارد خاصة، وأنه لا يكشف عن
الرضا بالعقد نوعا كما عرفت في جواب المصنف سابقا، فلا يكون
التصرف حينئذ مسقطا لخيار العيب، فيكون حينئذ اطلاقات ما دل على
ثبوت خيار العيب محكمة.
هذا إذا قلنا بصدق العيب على مثل الخصي ونحوه، وأما مع عدم
الصدق فقد عرفت.
نعم إذا علم من القرائن الخارجية أو بالصراحة أن عدم كون العبد خصيا
إنما هو شرط في ضمن العقد، أي اشترط المشتري على البايع عدم هذا
الوصف في ضمن العقد، فحينئذ لا شبهة في عدم ثبوت الأرش أيضا،
لا من جهة عدم تحقق التفاوت ما بين الصحيح والمعيب كما عرفت، فإنه
إنما يجري فيما إذا كان العيب صادقا على هذا الوصف وكان مما
لا يوجب تفاوت المالية، لا في المقام فإن المفروض هنا عدم صدق
العيب على هذا الوصف وعدم ثبوت خيار العيب بعنوانه، بل الخيار من
جهة الاشتراط لا من جهة أنه لا دليل على الأرش في خيار الشرط.
وأما الرد فهو باق على حاله، فإنه ثابت من جهة تخلف الوصف،
والمفروض أن التخلف موجود وسقوطه بالتصرف لا دليل عليه، إلا إذا
كان اسقاطا عمليا عنه وهو منفي، إلا إذا كانت قرينة على أن التصرف
اسقاط عملي للخيار ورضاء بالعقد مطلقا، وهو مطلب آخر.
فتحصل أنه لا دليل على سقوط الرد على فرض ثبوته لأجل خيار
العيب أو لأجل تخلف الشرط.
111

4 - حدوث العيب في المعيب المذكور
قوله (رحمه الله): ومنها: حدوث العيب في المعيب المذكور.
أقول: قد ذكر المصنف أن اشكال لزوم الضرر على تقدير سقوط
الأرش والرد في محله.
أقول: توضيح الكلام أنه إذا اشترى أحد معيبا بعيب لا يكون به قيمة
السلعة ناقصة عن أصلها، وحدث فيها عند المشتري حدثا، فهل يكون
الأرش والرد ساقطا هنا أم لا؟
فنعيد الكلام الذي تقدم في سابقة هنا بأدنى تفاوت، وحاصله: أنه
لا شبهة في سقوط الأرش، لما عرفت من أنه تضاد ما بين الصحيح
والمعيب في الثمن، والمفروض أن العيب من العيوب التي لا توجب
نقصان القيمة.
وأما سقوط الرد فقد عرفت أن عمدة الدليل على سقوطه مع حدوث
الحدث في المعيب إنما هو رواية زرارة (1) ومرسلة الجميل (2)، ومن
الواضح أن موضوع سقوط الرد فيها بالحدث إنما هو العيب الذي يوجب
الأرش، ولذا حكم الإمام (عليه السلام) فيها في فرض احداث الحدث ثبوت

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
2 - عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا،
قال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو
صبغ يرجع بنقصان العيب، (الكافي 5: 207، الفقيه 3: 136، التهذيب 7: 60، عنهم الوسائل
18: 31)، ضعيفة.
112

الأرش وسقوط الرد، وهذا الموضوع منتف في المقام، فإن المفروض
أن العيب ليس مما يكون موجبا للأرش وكذلك مرسلة الجميل، وإذا
لم تشمله رواية زرارة فلا يبقى هنا مانع عن شمول الأدلة الدالة على
سقوط خيار العيب هنا، فبناء على صدق العيب على مثل هذا الوصف
يحكم بعدم ثبوت الأرش وبثبوت الرد كما هو واضح.
وأما إذا قلنا بعدم صدق العيب أصلا على مثل هذا الوصف، فلا يثبت
خيار العيب من الأول أصلا، نعم إذا قلنا باعتبار عدم مثل هذا الوصف في
المبيع من جهة قيام القرائن الخارجية على اعتبار عدمه في ضمن العقد أو
اشترط عدمه في العقد صريحا، فإنه حينئذ وإن لم يصدق العيب على
وجود هذا الوصف ولكن مقتضى الاشتراط هو ثبوت الخيار مع التخلف
فيكون الخيار هنا خيار تخلف الشرط دون خيار العيب.
وأما احداث الحدث فهو لا يوجب سقوط خيار الشرط، لعدم الدليل
عليه إلا إذا كان التصرف مسقطا عمليا له.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لاثبات الخيار بالاستصحاب كما في المتن،
لثبوته بأدلة خيار العيب مع صدق العيب على ذلك الوصف، وبالشرط
الضمني في صورة الاشتراط كما هو واضح، فافهم، وعدم ثبوت الأرش
حينئذ أيضا واضح كما تقدم.
وأما ما ذكره المصنف، من أن اشكال لزوم الضرر هنا في محله لا وجه
له، لما عرفت أنه ليس هنا ضرر على المشتري أصلا، فإنه عبارة عن
النقص في المال أو الأطراف أو العرض، وكل ذلك منفي هنا.
ثم إنه إذا ثبت الرد فأراد المشتري أن يرد المبيع إلى البايع فلا بد له من
رده على النحو الذي أخذه، كما هو مقتضى قانون الفسخ، فإنه يقتضي
أن يرد المال المأخوذ من البايع على النحو الذي أخذه المشتري منه،
113

وإلا كان البايع متضرر منه وهو منفي، ولا يكون ذلك معارضا بلزوم
الضرر على المشتري مع عدم الرد، لما عرفت أنه لا يلزم عليه ضرر من
ذلك أصلا، وحيث حدث فيه حدث ولم يقم بعينها فلا يمكن رده بعينه
على النحو الذي أخذه من البايع، فلا بد له أن يرده إليه مع الأرش، وقد
عرفت ذلك سابقا.
وعرفت أيضا الأرش هنا غير الأرش الذي يجب على البايع أن يعطيه
المشتري على فرض ثبوته وسقوط الرد، فإنه التفاوت من الثمن ما بين
المعيب والصحيح، وهذا بخلاف الأرش هنا، فإنه عبارة عن تفاوت
القيمة ما بين المعيب والصحيح، ولا تعرض له بالثمن أصلا، بل يجب
بالفعل أن يقوم المبيع معيبا وصحيحا ويؤخذ تفاوت ما بين الصحيح
والمعيب، سواء طابق أصل الثمن أم لا، كما لا يخفى.
5 - ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل الربا
قوله (رحمه الله): ومنها: ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز أخذ
الأرش فيه لأجل الربا.
أقول: من جملة ما يوجب سقوط الرد والأرش ما ذكروا من التصرف
فيما إذا كان الجنسان ربويان، فإن تصرف المشتري هنا يمنع عن الرد
والأرش.
الكلام هنا مبني على عدم كون التصرف مانعا من مطالبة الأرش، كما
إذا لم يكن موجبا لسقوط الأرش، إما لكونه واقعا في حال الجهل بالعيب،
أو لعدم كونه أي التصرف مما يمنع عن الرد والأرش لعدم كونه مسقطا
لهما كما تقدم، وأما إذا لم تجز مطالبة الأرش مع التصرف فلا مورد لهذا
الكلام أصلا.
114

ثم إن الكلام هنا هو الكلام بعينه في المسقط السابق، أعني حدوث
العيب في المعيب بعيب لا يوجب تفاوت القيمة، أما بالنسبة إلى الرد فقد
تقدم أن التصرف إن كان مسقطا للرد تعبدا أو كاشفا عن الرضا بالعقد وإلا
فلا وجه لسقوط الرد.
أما الاسقاط التعبدي، فهو مخصوص بموارد خاصة، كتقبيل الجارية
وركوب الدابة في خيار الحيوان، وأما كونه كاشفا عن الرضا بالعقد فهو
نزاع صغروي، ففي أي مورد كشف التصرف عن ذلك فهو وإلا فلا دليل
على سقوط الخيار.
وأما احداث الحدث الذي هو قسم خاص من التصرف، فقد عرفت
أنه إنما يوجب سقوط الرد فيما إذا كان المورد مورد ثبوت الأرش والرد
معا، والمفروض أن المورد ليس كذلك، لعدم ثبوت الأرش لوجود
المانع عنه وهو لزوم الربا، فلا يكون المورد مشمولا لدليل سقوط الرد
وثبوت الأرش، وهو رواية زرارة ومرسلة الجميل، إذا فلا وجه لسقوط
الرد هنا، أي فيما إذا كان العوضان متجانسين وكان المبيع معيبا وتصرف
فيه المشتري قبل العلم بالعيب مثلا.
وأما الأرش فقد ظهر مما ذكرناه أنه منفي للزوم الربا على الفرض،
بناءا على قبوله، وإلا فقد عرفت عدم لزوم الربا في ثبوت الأرش لعدم
كونه جزءا من الثمن، وإلا كان البايع مشغول الذمة من الأول ولم يتوقف
على مطالبة المشتري، بل الأرش غرامة ومن مستتبعات العقد كما
لا يخفى.
كلام العلامة (رحمه الله) في وجود المانع من الرد
هذا ما يرجع إلى أصل المسألة، ولكن للعلامة هنا كلام آخر قد فسره
115

المصنف، فيتفرق به هذا المقال عن سابقه، حيث ذهبا إلى وجود المانع
من الرد أيضا (1).
وحاصل كلامهما يبتني على مقدمتين:
المقدمة الأولى: إن وصف الصحة في الربويات لا تقابل بالمال لكونه
مستلزما للربا فيكون موجبا لبطلان البيع من الأول، وذلك لأنه إذا باع
جنسا بجنس كان كل منهما في مقابل الآخر على نحو التساوي، وإذا كان
في مقابل الوصف شئ آخر فيلزم أن هذا الطرف زائدا عن الطرف الآخر،
فإن الطرف الآخر قد وقع مقدار منه في مقابل هذا الطرف بخلاف
العكس، ويكون ما يؤخذ في مقابل وصف الصحة زائدا على الطرف
الآخر، فيكون موجبا للربا، فيكون البيع باطلا من الأول، فوصف الصحة
في الربويات كوصف الكتابة في غير الربويات في عدم مقابلتهما بالمال.
المقدمة الثانية: إن قانون الفسخ يقتضي رد كل عوض على مالكه على
النحو الذي أخذه من مالكه، فضم هذه المقدمة إلى سابقتها ينتج أن
التصرف في الجنس الربوي المعيب يوجب سقوط الرد والأرش معا،
وذلك لأنه إذا رده المشتري فلا بد وأن يرد المبيع إلى البايع على النحو
الذي أخذه، وقد فرضنا أنه حين ما أخذه من البايع لم يكن وصف الصحة
يقابل بالمال وإلا لبطل البيع من الأول، وحيث لم يقابل بالمال من الأول
فلا يقابل بالمال حين الفسخ أيضا، ومن هنا يبطل التقابل مع اشتراط
الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين، فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن
عليه إلا رد ما قابله من المبيع لا غير.
والسر في ذلك أن معنى الفسخ والتفاسخ هو بطلان العقد الأول

1 - التذكرة 1: 535.
116

وارجاع مال كل من المتعاملين إلى صاحبه على النحو الذي أخذ منه،
وحيث لم يكن أحد العوضين زائدا عن الآخر فلا يجوز أن يكون زائدا
بالتقابل أيضا، وكذا في الفسخ فإنه إذا لم يكن وصف الصحة مقابلا بالمال
في أصل العقد لا يكون كذلك حين الفسخ أيضا، وإلا فلا بد من التقابل
بالمال من الأول، فيلزم الربا على الفرض.
وعلى هذا فيسقط الرد والأرش، أما الأرش فلما عرفت من كونه
مستلزما للربا فلا يكون ثابتا، وأما الرد فلأنه ضرر على البايع بدون
الأرش فيكون ساقطا، وإذن فلا يثبت الرد والأرش فيما إذا كان المبيع
معيبا ومن الربويات وحدث فيه عيب عند المشتري.
وفيه أن ما أفاداه من عدم كون وصف الصحة في الربويات مقابلا بالمال
وإن كان صحيحا، إلا أن الأمر كذلك في غير الربويات أيضا فإن الأوصاف
مطلقا، سواء كانت أوصاف الصحة أو أوصاف الكمال، وسواء في
الربويات أم في غيرها، وإنما هي توجب زيادة المالية فقط فهي واسطة
في ثبوت المالية للموصوف.
وعلى هذا فلا مورد لكلام المصنف والعلامة، من أن الوصف من
الأول لا يقابل بالمال في الربويات لكونه موجبا للزوم الربا، وأما رد
المعيب مع حدوث العيب فيه عند المشتري مع التفاوت، فأيضا ليس من
جهة كون وصف الصحة مقابلا بالمال، بل من جهة أن مقتضى قانون
الفسخ هو رد كل من العوضين على مالكه على النحو الذي أخذه، ومن
الواضح أن قيمة الصحيح أكثر من قيمة المعيب، فلا بد وأن يرده إلى
مالكه مع هذا التفاوت بمقتضى ضمان اليد.
ولا يلزم الربا هنا فإن ضمان المشتري التفاوت ما بين الصحيح
والمعيب ليس من جهة الضمان المعاملي، بل من جهة ضمان اليد، فإنه
117

بعد فسخ المعاملة فيكون عليه رد مال البايع إليه على النحو الذي أخذه
بمقتضى اليد، فكأنه لم تحقق هنا معاملة أصلا، فكما أنه مع عدم تحقق
المعاملة فلا بد لمن وضع يده على مال الغير أن يرده إليه على النحو الذي
أخذه، لأن على اليد ما أخذت حتى تؤدي، فكذلك في المقام، وإلا
فلازم ذلك أنه لو غصب أحد مال غيره فزال وصف الصحة عنده أن
لا يضمن ذلك بدعوى أن وصف الصحة لا يقابل بالمال، وهي بديهي
البطلان ولم يلتزم به أحد.
وعلى هذا فإذا رد المشتري العين المعيبة التي حدث فيها عيب عنده
فلا بد له أن يرده مع الأرش، أي مع التفاوت الواقعي ما بين الصحيح
والمعيب، ويكون المقام حينئذ نظير المقبوض بالسوم إذا زال وصف
الصحة عند الأخذ أو تلف، فلا وجه لنفي كون المقام مثله، كما ذكره
المصنف.
ثم على تقدير التنزل والالتزام بكون الأرش مستلزما للربا بلزوم رد
مثل أو القيمة إذا أراد المشتري الرد، وذلك لأن الالتزام بعدم جواز الرد
أصلا ضرر على المشتري والالتزام بجواز رده بدون الأرش ضرر على
البايع فإنه لم يكن ماله حين اعطائه للمشتري معيوبا بالعيب الذي حدث
عند المشتري ورده إلى البايع مع الأرش مستلزم للربا.
وإذن فلا بد من فرض ذلك المال كالتالف، وإذا فسخ المشتري العقد
لكون متعلقه هو العقد، فتنتهي النوبة إلى البدل وهو المثل أو القيمة.
وعلى الجملة فأولا: لا وجه له لمنع الرد بدون الأرش من جهة لزوم
الربا، بل يجوز الرد مع الأرش، أي للمشتري أن يرد المبيع إلى البايع مع
بذله تفاوت ما بين الصحيح والمعيب من غير أن يلزم الربا من ذلك، ومع
التنزل نقول بعدم سقوط الخيار وبجواز الفسخ، ولكن لا بد من رد المثل
118

أو القيمة دون العين المعيبة لكونه مستلزما للضرر إذا كان بدون الأرش،
وإن كان معه فيلزم منه الربا كما لا يخفى.
6 - تأخير الأخذ بمقتضى الخيار
قوله (رحمه الله): ومنها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار.
أقول: ظاهر الغنية اسقاطه الرد والأرش بلا خلاف كليهما، وذكر في
المبسوط والوسيلة سقوط الرد بالتأخير وحده، واختاره المصنف
أيضا، وفي الكفاية اطلاق الأخبار الدال على عدم السقوط، وفي
الحدائق والمسالك: لا نعرف فيه خلافا، وفي الرياض أنه ظاهر
الأصحاب المتأخرين كافة.
وعلى الجملة فالمسألة مورد الخلاف بين الفقهاء إذا كان التأخير مع
العلم بالعيب، فإن الظاهر من الغنية أنه ادعى عدم الخلاف في سقوط الرد
والأرش بالتأخير، ولكن المبسوط صرح بسقوط الرد دون الأرش، وفي
الكفاية ادعى عدم الخلاف في عدم سقوطها بالتأخير، وكذا في
الحدائق، وجعل ذلك أي عدم السقوط صاحب الرياض ظاهر
المتأخرين من الأصحاب.
أقول: يقع الكلام فيه من جهتين:
الأولى: في وجود المقتضي للرد والأرش، بأن الاطلاقات يقتضي
ثبوتهما عند تأخير الرد أم لا؟
الثانية: في ثبوت المانع عن الأرش والرد، وأنه على تقدير تمامية
المقتضي للرد والأرش وثبوت الاطلاق بالنسبة إليهما هل هنا مانع عن
ثبوت الأرش والرد أم لا؟
أما الجهة الثانية، فالظاهر أنه لا مانع عن ذلك، لأنه إما التصرف أو
119

التأخير، أما التصرف فلا يكون كاشفا عن الرضا بالعقد فضلا عن الرضا
بالعيب، إلا إذا قامت قرينة على ذلك فهو بعيد في مورد البحث، وثبوت
كونه مسقطا للرد في خيار الحيوان بمثل التقبيل ونحوه إنما هو بالتعبد
لا لأجل كشفه عن الرضا بالعقد، كما لا يخفى.
وأما التأخير فهو أيضا لا يكشف عن الرضا بالعقد والعيب، وذلك
لأن التأخير أولا إنما يكون من دواعي مختلفة من المسامحة ونحوها،
ولا يختص بكونه عن الرضا بالعقد، ومن الواضح أن الأعم لا يدل على
الأخص، وعلى تقدير كونه كاشفة عن الرضا بالعقد فلا يكون كاشفا عن
الرضا بالعيب، وعليه فلا يكون دالا على سقوط الأرش أيضا، وإن كان
دالا على سقوط الرد كما هو واضح.
وأما الجهة الأولى، فبالنسبة إلى الأرش فلا كلام لنا فيه، ولم يخالف
في ثبوته أحد، وإن خالف صاحب الغنية بالنسبة إلى مطلق الرد
والأرش، ولكن لم يعتني به أحد، وذلك لأن اطلاق ما دل على ثبوت
الأرش محكم فلا قصور فيه، فإن ما دل عليه كرواية جميل وزرارة ليس
فيه أن الأرش مخصوص بالزمان الأول فقط، وإذا تأخر يكون خارجا عن
مورد الاطلاقات، بل هي شاملة لأول زمان الاطلاع على العيب والزمان
البعد أيضا كما هو واضح.
وأما ثبوت المقتضي بالنسبة إلى جواز الرد بعد الزمان الأول أيضا،
فذكر المصنف أنه أي جواز الرد مختص بالزمان الأول فقط، لأن
الاطلاقات قاصرة عن شمولها للزمان المتأخر، فإنها ناظرة إلى أصل
جواز الرد لا إلى كيفيته وأمده.
ولكن يرد عليه أن الروايات الدالة على ثبوت الرد أيضا مطلقة بالنسبة
إلى الزمان الأول والزمان المتأخر، لعدم قصورها عن الشمول لهما
120

بوجه، فإن منها رواية جميل وقد ذكر الإمام (عليه السلام) فيها بأن العين إن كانت
قائمة بعينها فيجوز له الرد، ولا شبهة في اطلاقه إلى الزمان المتأخر عن
زمان العلم بالعيب.
وكذلك رواية زرارة، فإنه (عليه السلام) ذكر أنه أيما رجل اشترى شيئا وبه
عيب أو عوار ولم يتبرأ منه ولم ينبه عليه وقد أحدث فيه شيئا، فإنه
يمضي عليه البيع، فإنها تدل بمفهومها على أنه إذا جاز الرد لعدم تحقق
الأمور المذكورة جاز له ذلك مطلقا من غير أن يكون جواز الرد مختصا
بالزمان الأول، وتشكيك المصنف في الاطلاقات وتخصيص ذلك بأول
زمان من الاطلاع على العيب قد عرفت جوابه.
وبعبارة أخرى أن وجود المقتضي للرد وعدم وجود المقتضي له
مبني على وجود الاطلاق لأدلة خيار العيب وعدمه، فإن قلنا بثبوت
الاطلاق لخيار العيب فلا شبهة في وجود المقتضي لثبوت خيار العيب
في الزمان المتأخر عن الزمان الأول من أزمنة الاطلاع على العيب، وإن
لم يكن المقتضي موجودا أي لم يكن اطلاق لأخبار خيار العيب كان
الكلام من صغريات تقدم الاستصحاب على العموم الدال على اللزوم
بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة وعدم تقدمه عليه، أي المورد من موارد
تعارض العموم والاستصحاب.
وقد تقدم في خيار الغبن أن العمومات الدالة على اللزوم منحلة إلى
الأفراد الطولية حسب استمرار الأزمنة، كانحلالها إلى الأفراد العرضية،
أي العمومات إنما تثبت الحكم الخاص لكل فرد خاص من الأفراد
العرضية والطولية، ومع ذلك فلا يكون هنا مورد للاستصحاب بوجه
كما هو واضح، فعلى تقدير عدم وجود المقتضي للخيار فلا مناص عن
القول بلزوم العقد لكون العمومات محكمة.
121

وأما بناءا على القول بتمامية المقتضي، فلا شبهة في تقدمها على
العمومات وكونها مخصصة لها كما هو الميزان في تقدم كل خاص على
كل عام.
وإذن فلا بد من التكلم في أصل وجود المقتضي وعدمه، وقد عرفت
أنه تمام في المقام فلا مانع من شمول الاطلاقات الدالة على ثبوت الرد
بالنسبة إلى الزمان الأول والزمان المتأخر كما هو واضح.
ثم إن هنا حاشية عجيبة للسيد (رحمه الله) (1)، فإنه ذكر في ذيل عبارة
المصنف، وهي قوله: بناءا على ما تقدم في سائر - الخ، حيث ذكر أن
العبارة سقطا، وهو عجيب، فإن مراد المصنف من العبارة واضح، وهو
سقوط الرد بناءا على ما تقدم من أصالة اللزوم، فلا سقط في العبارة.
اعلام المشتري بالعيب
قوله (رحمه الله): مسألة: قال في المبسوط (2).
أقول: إذا كان البايع جاهلا بالعيب فهو، وإن كان عالما بالعيب فهل
يجب عليه اعلام المشتري بالعيب مطلقا أو لا؟
1 - الحكم التكليفي
ذكر في المبسوط أنه إذا لم يبينه فعل محظورا أي محرما، وعليه
فيجب الاعلام مطلقا، والثاني: ما ذكره في المبسوط أيضا أنه وجب عليه
إما الاعلام أو التبري من العيب، والثالث: استحباب الاعلام كما في
التذكرة والشرايع، والرابع: التفصيل بين العيب الخفي فيجب فيه الاعلان

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 90.
2 - المبسوط 2: 129.
122

دون الجلي فلا يجب فيه الاعلان، وعلى الأول فإما يجب فيه الاعلان
مطلقا كما هو ظاهر جماعة، أو مع عدم التبري كما في الدروس (1)،
فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة.
أقول: وذكر المصنف أن منشأ الأقوال الخمسة هو أن عدم بيانه عيب
السلعة هل هو غش أم لا، وقد تقدم تحريم الغش في المكاسب
المحرمة.
فذكر السيد في حاشيته (2): أن النسبة بين الغش والنصح ليست من قبيل
النقيضين ولا من قبيل الضدين اللذين ليس لهما ثالث، بل يمكن أن
لا يكون الانسان ناصحا ولا غشا، كنوع الناس بالنسبة إلى نوعهم،
فالساكت عن شخص ليس ناصحا له ولا غاشا.
وعليه فالبايع وإن كان عالما بالعيب ولكن لا يجب عليه بيان العيب
واظهاره بأنه معيوب، بل إنما يحرم عليه الغش واظهار السلعة على نحو
يتخيل المشتري أنه صحيح، وأما السكوت عن ذلك فلا، وللمشتري
أن يدق النظر في السلعة ويسأل من البايع أو من شخص آخر أن في
المبيع عيب أم لا.
بيان آخر
كان الكلام في بيع المعيب مع العلم بكونه معيبا، فقد عرفت أن الأقوال
فيه خمسة بالنسبة إلى الحكم التكليفي:
الأول: وجوب الاعلام مطلقا، الثاني: وجوبه إذا لم يتبرأ أو مع
التبري، الثالث: استحباب الاعلام، الرابع: التفصيل بين العيب الجلي

1 - الدروس 3: 283.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 91.
123

والعيب الخفي، وعلى الثاني يجب الاعلام إما مطلقا أو مع عدم التبري،
وأما مع كون العيب جليا فلا يجب الاعلان.
فذكر المصنف أنه يجب الاعلام من جهة أن عدمه إخفاء العيب، فهو
غش فالغش حرام على ما عرفت في الجزء الأول، من دلالة الروايات
الكثيرة على حرمة غش المسلم في البيع والشراء، وأنه ليس منا من غش
مسلما (1)، ومن الواضح أنه لا شبهة في صدق الغش على عدم بيان عيب
المتاع.
وأورد عليه السيد (2) في حاشيته بأن الغش مع النصح ليس من قبيل
الضدين اللذين لا ثالث لهما، ولا من قبيل المتناقضين، بل هما من قبيل
العدم والملكة أو الضدين الذي لهما ثالث، فإذا لم يناصح أحد أخاه
فليس لازمه أن يكون غاشا، بل لا يكون غاشا ولا يكون ناصحا أيضا
كأكثر الناس، ومن الواضح أن البايع إذا لم يبين عيب متاعه لا يلزم أن
يكون غاشا، بل لا يكون غاشا ولا ناصحا، فإن مجرد بيع المعيب ليس

1 - عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس منا من غشنا (الكافي 5: 160،
التهذيب 7: 12، عنهما الوسائل 17: 279)، صحيحة.
وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل يبيع التمر: يا فلان
أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم (الكافي 5: 160، التهذيب 7: 12، عنهما الوسائل
17: 279)، صحيحة.
وعن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل عليه رجل يبيع الدقيق فقال: إياك والغش،
فإن من غش غش في ماله، فإن لم يكن له مال غش في أهله (الكافي 5: 160، التهذيب 7: 12،
عنهما الوسائل 17: 281)، مرسلة.
وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أن يشاب اللبن بالماء
للبيع (الكافي 5: 160، الفقيه 3: 173، التهذيب 7: 12، عنهم الوسائل 17: 280)، موثقة
للسكوني.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 91.
124

غش، وقد تقدم في حرمة الغش جواز بيع المعيب إذا كان ظاهرا كما في
صحيحة محمد بن مسلم (1)، هذا ملخص ما ذكره السيد في المقام.
ولكن الظاهر أنه لا شبهة في صدق الغش على بيع المعيوب مع
السكوت عن عيبه وعدم التبري منه وعدم كون العيب جليا، بحيث
يظهر للمشتري أنه معيوب، لا أن يكون بحيث يكون ظاهرا لغير
المشتري، فإنه إخفاء العيب عن المشتري، ولا يقاس ذلك بالشخص
الثالث فإنه إذا سكت عن بيان العيب لا يكون غاشا ولا إذا سئل عنه
وسكت، فإنه حينئذ يكون غاشا.
وهذا الوجه يمكن المناقشة فيه، بأنه لا معنى للالتزام بالوصف
الخارجي إلا رجوعه إلى الخيار كما عرفت سابقا، وهو ليس إلا الحكم
الوضعي، ولا بد هنا ببيان وتوضيح، وحاصله:
أن بناء العقلاء قائم على أنه إذا سكت البايع عن بيان العيوب في المبيع
يكون سكوته هذا منجز له أنه حكم بصحة المبيع، فهو كالتصريح
بالصحة، ويكون ذلك إخفاء فيكون محرما كما هو واضح.
والوجه في ذلك ما عرفته سابقا، من أن البايع بسكوته عن إظهار العيب
في المعيب يلتزم بسلامته بحسب بناء العقلاء، وإذا سكت عن بيان العيب
ولم يتبرأ ولم يكن العيب جليا فلا شبهة في التزامه بسلامة المبيع عن
العيب، وليس هذا إلا كالتصريح بأنه ليس بمعيب، وإذن فيكون غاشا
للمشتري.

1 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض وبعضه
أجود من بعض قال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي (الكافي 5: 183، التهذيب
7: 33، عنهما الوسائل 18: 112)، صحيحة.
ويظهر ذلك من بعض الروايات المتقدمة الدالة على حرمة الغش.
125

نعم إذا تبرأ من العيب فلا يكون منه حينئذ التزام على الصحة، وهكذا
إذا كان العيب جليا بحيث إن المشتري يراه لا بحيث لا يراه لغفلة منه أو
لا يلاحظه اعتمادا على أصالة الصحة كما هو واضح.
والمذكور في الصحيحة من جواز بيع المعيوب وعدم كونه غشا إنما
هو فرض كون العيب جليا، فلا تكون الصحيحة مدركا للسيد.
وإذن فالصحيح هو القول الثاني، أعني وجوب الاعلان مع عدم
التبري فيما يكن العيب جليا للمشتري، هذا بالنسبة إلى الحكم التكليفي.
2 - الحكم الوضعي
وأما بالنسبة إلى الحكم الوضعي، أعني بطلان البيع بالغش وعدم
بطلانه، ففي جامع المقاصد (1) أنه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن
بالماء، لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه والآخر مجهول، إلا
أن يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة، كما لو ضم
ماله ومال غيره وباعهما ثم ظهر البعض مستحقا للغير فإن البيع لا يبطل
في ملكه وإن كان مجهولا قدره وقت العقد - انتهى.
فلا بد من التكلم في أقسام المعيوب ليتضح كلام جامع المقاصد في
أي مورد.
أقول: توضيح المسألة: إن الغش تارة يكون من المزج، وأخرى من
غير المزج، فالمزج على أقسام أربعة:
1 - أن يكون المزج على نحو يكون الخليط مستهلكا في الشئ
المخلوط، كمزج الماء باللبن علي نحو لا يخرج اللبن عن حقيقته بل
يصدق عليه الحليب عرفا.

1 - جامع المقاصد 4: 25.
126

2 - أن يكون اللبن مثلا مستهلكا في الآخر أي في الخليط، بحيث
لا يصدق عليه اللبن عرفا، بل يقال: إنه ماء قد امتزج فيه مقدار من اللبن.
3 - أن لا يبقى عنوان كل من الممتزجين بعد الامتزاج، بل يتشكل هنا
عنوان ثالث وحقيقة ثالثة، كمزج الخل بالسكر فإنه يوجب تشكيل
حقيقة أخرى غير الخل والسكر، ويقال له السكنجبين.
4 - أن لا يستهلك أحدهما في الآخر بعد الامتزاج، كخلط التراب في
الحنطة على نحو لا يصدق عليه أنه تراب أو حنطة أو شئ ثالث، بل
يقال: إنه حنطة وتراب.
فهل يصح البيع في جميع هذه الصور أو يبطل في جميعها، أو يفصل،
فنقول:
أما إذا كان الغش من عيب آخر غير المزج والخلط، فالظاهر هو صحة
البيع مع الخيار، فإن البايع قد التزم بحسب بناء العقلاء على صحة المبيع
وكونه واجدا لوصف الصحة، وقد عرفت سابقا أنه لا معنى للالتزام
بالوصف الخارجي إلا تعليق البيع على وجوده ولزوم البيع على تقدير
وجوده، فحيث كان الأول باطلا مع كون المفروض هو صحة البيع فيتعين
الثاني، فيكون البيع صحيحا مع الخيار، وإن كانت المعاملة حراما تكليفا.
وعلى هذا فلا شبهة في صحة البيع كما هو واضح، وقد عرفت سابقا
أن خيار العيب على طبق القاعدة، والأخبار الواردة فيها وردت على طبق
القاعدة.
وأما إذا كان الغش من جهة المزج، فإن كان المزج من قبيل القسم
الأول بأن يكون الخليط مستهلكا في المبيع، كشوب الماء في اللبن، كان
البيع صحيحا لتحقق الصورة النوعية العرفية، وهو عنوان اللبن الذي هو
مبيع، غاية الأمر يكون له خيار العيب أو خيار تخلف الوصف، وهذا
واضح.
127

وإن كان المبيع مستهلكا في الخليط كان لا يصدق عنوان المبيع على
الشئ الموجود الخارجي، بأن كان الماء في اللبن بحيث لا يصدق عليه
عنوان اللبن، وإنما يصدق عليه عنوان الماء الذي امتزج فيه اللبن، وعلى
هذا فلا شبهة في بطلان البيع لتخلف الصورة النوعية المعتبرة في صحة
البيع الواقع على العين الخارجية، على ما ذكرناه مرارا فإن ما وقع عليه
البيع غير موجود وما هو موجود لم يقع عليه البيع.
ومن هنا يظهر حكم القسم الثالث من الاستهلاك، فإن الامتزاج قد
أوجب تحقق عنوان ثالث لم يقع عليه البيع كما هو واضح.
وأما القسم الرابع فهو مركز الاختلاف ومورد كلام جامع المقاصد من
الحكم ببطلان البيع للجهالة أو عدم بطلانه، وأما الأقسام المتقدمة
فليست موردا لذلك، لما عرفت من أنها إما صحيحة مطلقا مع الخيار أو
باطلة كذلك.
والصحيح هو الحكم بصحة البيع في الجزء الذي وقع عليه البيع
وبالبطلان بالنسبة إلى الجزء الآخر الذي لم يقع عليه البيع، كما إذا باع
منين من الحنطة فظهر أحدهما ترابا والمن الآخر حنطة، بحيث يصدق
على كل منهما أنه حنطة أو تراب، فلا وجه لصحة البيع في المجموع،
فإن المفروض أن نصفه لم يقع عليه البيع، ولا وجه للقول بالبطلان في
المجموع، لأن المفروض أن نصفه مما وقع عليه البيع، فيحكم بالصحة
في النصف وبالبطلان في النصف الآخر، كما هو مقتضى انحلال المبيع
إلى مبيعات متعددة وانحلال البيع إلى بيوع عديدة، غاية الأمر يثبت
للمشتري خيار تخلف شرط الانضمام وتبعض الصفقة، خصوصا إذا
كانت الهيئة الاجتماعية دخيلة في مالية المبيع أو في غرض المشتري
كما هو واضح.
128

ثم إن هنا اشكالا آخر، وهو أن المبيع حينئذ يكون مجهولا فيكون
البيع باطلا للجهالة، لعدم العلم بأن الحنطة هنا أي مقدار.
وفيه أنك قد عرفت فيما سبق في اعتبار الوزن والكيل في المكيل
والموزون أنه إذا كانت الجملة معلومة فيصح البيع وإن لم تكن الأجزاء
معلومة، ولا دليل على اعتبار العلم بالعوضين أزيد من ذلك.
129

اختلاف المتبايعين
قوله (رحمه الله): مسائل في اختلاف المتبايعين.
أقول: توضيح الكلام هنا أن الاختلاف يقع في صور ثلاثة، فإنه تارة
يقع في موجب الخيار، وأخرى في مسقطه، وثالثة في الفسخ.
1 - الاختلاف في موجب الخيار
أما الصورة الأولى ففيه مسائل:
1 - الاختلاف في تعيب المبيع وعدمه
لو اختلفا في تعيب المبيع وعدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه،
فذكر المصنف أن القول هنا قول المنكر بيمينه، والمراد منه هو البايع
غالبا، لأن الأغلب أن المشتري يدعي العيب والبايع ينكره.
وتوضيح الكلام هنا: أنه إذا اختلف البايع والمشتري في تعيب
المبيع، بأن يختلفا في كون المبيع معيوبا قبل العقد وعدمه، بحيث فعلا
أي بعد العقد أيضا لم يثبت كون المبيع معيوبا، فهذا لا يخلو عن صور:
الأولى: أن يكون المبيع قبل العقد معيوبا ولكن يدعي البايع زوال
العيب وعدم بقائه إلى زمان العقد، فحينئذ فالأصل بقاء العيب إلى زمان
العقد، فوقوع العقد محرز بالوجدان وبقاء العيب إلى زمان العقد محرز
بالأصل، فيتم الموضوع المركب، فيترتب عليه الحكم.
130

وعلى هذا فالقول قول المشتري الذي يدعي كون المبيع حال العقد
معيوبا، ولا بد للبايع من اثبات أنه لم يقع العقد على المبيع المعيوب،
وحينئذ فيحلف المشتري.
وإن كان المبيع قبل العقد سالما عن العيب ولكن يدعي المشتري
تعيبه حين العقد وأن العقد إنما وقع على المعيب دون الصحيح، وحينئذ
فالقول قول البايع لأصالة بقاء المبيع على حالته الأولية، وحينئذ فيحلف
البايع، فلا بد للمشتري أن يثبت أن المبيع كان معيوبا كما هو واضح.
وإذا لم تكن له حالة سابقة، أو كانت ولكن تبادلت الحالتان بحيث
كانت تبادل الحالتين مانعة عن جريان الاستصحاب، كما ذهب إليه
صاحب الكفاية (1)، أو لم تكن مانعة عن جريان الاستصحاب في نفسه
وإنما سقط للمعارضة.
فحينئذ بناءا على ما ذكرنا من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية
فنرجع إلى الاستصحاب العدم الأزلي، فنقول: إن طبيعي البيع وإن تحقق
في الخارج مسلما ولكن نشك في وقوعه على ما به عيب أو عوار، الذي
هو موضوع الحكم في خيار العيب على ما هو مقتضى رواية زرارة،
ونقول: الأصل عدم وقوع العقد على ما فيه عيب أو عوار، ويكون ذلك
مثل نفي الوصف عن المرأة القرشية، لا نفي أصل الموضوع، لأن طبيعي
البيع محقق في الجملة في الخارج، وبهذا الأصل أيضا نثبت عدم وقوع
البيع على المعيب، فيثبت به موضوع الحكم.
وعلى تقدير التنزل من ذلك وعدم جريان الاستصحاب العدم الأزلي
فتنتهي النوبة إلى الأصل الحكمي، ونقول: إنه ثبت بالأدلة القطعية

1 - كفاية الأصول 2: 422.
131

والقواعد العامة أنه لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه، ومن الواضح
أن مال المشتري وهو الثمن قد صار مال البايع بالمعاملة، فنشك في أنه
هل يكون مال المشتري أيضا أم لا، فنقول: الأصل عدمه، فنستصحب
مالكية البايع، أو نتمسك بالعمومات الدالة على حرمة التصرف في مال
الغير كما هو واضح.
ولكن يمكن المناقشة في ذلك من جهة أن التمسك بالعمومات تمسك
بالعام في الشبهة المصداقية، حيث نشك في أن الثمن بعد الفسخ من مال
البايع أم لا، فلم نحرز كونه من مال البايع حتى نتمسك بالعام بل هو
مشكوك، وأما استصحاب الملكية أي ملكية البايع بعد الفسخ فهو شبيه
بالاستصحاب في الشبهات الحكمية.
أما وجه عدم كون ذلك من الاستصحاب في الشبهات الحكمية هو أن
الشك في الشبهات الحكمية إنما هو من ناحية الشك في الحكم الشرعي
للشئ، وهل أن حكمه أي شئ، ومن الواضح لا نشك هنا في الحكم إذ
مع كون المبيع معيوبا فحكمه معلوم وهو ثبوت خيار العيب للمشتري
ومع عدم كونه معيوبا فلا خيار له، فلا نشك في الحكم الشرعي بل
لا ندري أن الموضوع هو معيب أم لا.
وأما وجه كونه شبيها بالشبهات الحكمية، فمن جهة أنه لا يعلم أن
المبيع كان صحيحا فتكون الملكية الحاصلة هنا مطلقة، لأن ما اشترط فيه
من وصف الصحة بحسب بناء العقلاء قد تحقق في المبيع أم لا، بل كان
معيبا بأن لم يكن الوصف المذكور موجودا هنا، فيكون الشك في ذلك
منشئا للشك في كون الملكية المجعولة مطلقة أم لا، فتكون شبيهة
بالشبهات الحكمية، حيث نشك أن ملكية البايع مجعولة على نحو
الاطلاق، أو كانت مقيدة بعدم كون المبيع معيوبا فيكون مخدوشا،
132

والعمدة ما ذكرناه من التمسك بالأصل الموضوعي، وهو استصحاب
العدم الأزلي.
وأما الاعتماد على أصالة الصحة والسلامة على ما ذكره المصنف
فيما تقدم، وفيما يأتي أشار إليها السيد في حاشيته (1)، فلا وجه له، فإنه
لا دليل على اعتبار أصالة السلامة أصلا، فإنه لم يقم بناء من العقلاء على
أن الأصل في الأشياء هو السلامة، ولم نعلم مثل هذا البناء من العقلاء،
بل لا معنى له أصلا، فأي معنى لالتزامهم على أن الأصل في الأشياء
السلامة.
نعم بناء العقلاء قائم وموجود على كون المبيع سالما من العيوب عند
البيع، بمعنى أن البايع التزم بحسب بناء العقلاء على أن يكون المبيع
سالما عن العيوب، ومع عدم السلامة فيكون للمشتري خيار تخلف
الشرط كما هو واضح.
2 - الاختلاف في كون الوصف الموجود في المبيع عيبا أم لا؟
وأما الصورة الثانية، فهي أن يكون الاختلاف في كون الوصف
الموجود في المبيع عيبا أم لا، بأن يدعي المشتري كونه عيبا ويدعي
البايع عدم كونه عيبا، ولم يجد في البين أهل الخبرة حتى يرجع إليه،
وحينئذ فالأصل أيضا مع البايع وأنه عدم كونه عيبا، وإذن فيحلف البايع
على ذلك، فلا يكون للمشتري حق الرد وحق مطالبة الأرش.
وإن كان البايع يعترف بكونه نقصا في المبيع وأن قيمة المبيع يقل بهذا
الوصف، ولكن ينكر كونه عيبا بحيث يثبت له الأرش، فإنه ثابت في

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 95.
133

فرض كون المبيع معيبا وأما مجرد فقدان وصف يوجب نقصان القيمة
فلا يكون عيبا، فيكون له أي للمشتري خيار من جهة النقصان ولا يكون
له الأرش كما هو واضح.
وقد عرفت سابقا أن مثل الصبغ والخياطة وقطع الثوب وطحن
الحنطة يوجب نقص القيمة، لعدم كون الناس راغبين بها على النحو
الذي يرغبون في الصحيح منها، ولكن مع ذلك فتلك الأوصاف ليست
بعيب في المبيع بل أوصاف توجب نقص القيمة، فله أي للمشتري رد
المبيع فقط.
وإن أنكر البايع كون الوصف كذلك أيضا، بأن أنكر كونه أي الوصف
موجبا لنقص القيمة أيضا، فيكون مثل انكاره أصل كونه عيبا، فالأصل
عدمه، فيكون القول قول البايع فيحلف وللمشتري الاثبات، وهذا
واضح.
3 - الاختلاف في كون العيب قبل العقد أو بعده
وأما الصورة الثالثة، فهي أن يكون المبيع معيوبا فعلا وبعد العقد،
ولكن وقع الاختلاف في كون العيب قبل العقد أو بعده، وعلى تقدير
اتفاقهما على حدوث العيب بعد العقد يقع الاختلاف في أنه وقع في حال
ضمان البايع أو لا، بأن وقع العيب قبل القبض أو في زمان الخيار أم لا،
فذكر المصنف هنا أن القول قول منكر تقدمه للأصل.
ولكن هذا الصورة بعينها راجعة إلى الصورة الأولى، وهي أن يكون
الاختلاف في كون العقد واقعا على المعيب، فإن معنى الاختلاف في
تعيب المبيع بالعيب المعلوم الذي هو موجود بالفعل في ملك المشتري
وفي ضمنه أولا هو أن المبيع كان معيوبا قبل العقد أم لا، فيكون ذلك
134

بعينه هو الوجه الأول كما هو واضح، فتجري فيه الوجوه المتقدمة.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر لك أنه لا وجه لكون تاريخ أحدهما من
التعيب ووقوع العقد على المعيب معلوما أو مجهولا ليجري
الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه، وذلك لما عرفت أن
موضوع الحكم في ترتب أحكام المعيب عليه من الرد والأرش إنما هو
العيب والعوار، ومن الواضح أصالة عدم وقوع البيع على المعيب إلى
زمان العقد لا يثبت وقوع العقد على المعيب فإنها بالنسبة إلى موضوع
الحكم وهو العيب أو العوار مثبت، كما هو واضح.
والحاصل أن الوجه الثالث يرجع إلى الوجه الأول، فإن مرجع ذلك
إلى وجود العيب في المبيع وعدمه ولا اعتناء بتقدم تاريخ أحدهما على
الآخر وعدمه كما هو واضح.
وذكر المصنف عن المختلف أنه حكي عن ابن الجنيد أنه: إن ادعى
البايع أن العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا،
وذكر المصنف: ولعله لأصالة عدم تسليم العين إلى المشتري على
الوجه المقصود، وقد ذكر ذلك في البحث عن خيار الرؤية، والأصل
عدم استحقاقه الثمن كلا، وعدم لزوم العقد نظير ما إذا ادعى البايع تغير
العين عند المشتري وأنكر المشتري.
أقول: قد ذكرنا في البحث عن خيار الرؤية: أما ما ذكره من أصالة عدم
لزوم العقد فلم نفهم له معنى محصلا أصلا، فإنه إن كان المراد من ذلك
هو الاستصحاب فلا شبهة أن مقتضاه هو اللزوم، وإن كان المراد من ذلك
هو المطلقات أي الأصل اللفظي، فلا شبهة أن المطلقات تقتضي اللزوم
فلا مورد لدعوى أصالة عدم اللزوم، ومع قبول ذلك وأن الأصل هو عدم
اللزوم وهو أصل حكمي فيرتفع موضوعه بواسطة الأصل الموضوعي
135

الجاري في مورده، وهو أصالة عدم كون المبيع معيبا وأصالة عدم
وقوع العقد أي هذا العقد الشخصي على المعيب الذي هو موضوع عدم
اللزوم، وقد عرفت آنفا أن العدم الأزلي يجري في المقام ويحرز به
موضوع عدم الخيار كما هو واضح.
وأما أصالة عدم استحقاق البايع الثمن، وفيه أنه بديهي البطلان، فإن
البايع يستحق الثمن على كل تقدير، أي سواء كان المبيع معيبا أم لا،
ضرورة أن الأرش إنما هو ثابت بمطالبة المشتري، فلا معنى لأن لا يكون
البايع مستحقا للثمن كما هو واضح.
وأما أصالة عدم تسليم العين إلى المشتري على الوجه المقصود،
فلا وجه له أيضا، لأن الأصل لا يجري في المركب بما هو مركب إذا
جرى في أجزائه، وقد عرفت أن الأصل هو عدم كون المبيع معيبا،
والأصل هو عدم وقوع العقد على المعيب، ومع ذلك فلا وجه لجريان
أصالة عدم تسليم العين إلى المشتري على الوجه المقصود.
ومع الغض عن جميع ذلك فقد عرفت أن مرجع الوجه الثالث إلى
الوجه الأول، من كون الشك في كون المبيع معيبا قبل العقد أم لا،
والأصل في ذلك مع البايع أي عدم كونه معيبا فيكون المشتري مدعيا،
وقد عرفت أن المصنف قد حكي الاتفاق على كون البايع منكرا هناك
وكون المشتري مدعيا، ولم ينقل الخلاف عن أحد، بل نقل الوفاق عن
ابن الجنيد أيضا.
ومع ذلك فلا وجه له لجعل المشتري منكرا والبايع مدعيا، وجعل
المسألة محل الخلاف بين الأصحاب، وتحصل أنه لا وجه للأصول
المذكورة في المقام.
136

وظيفة الحاكم عند اختلاف البايع والمشتري في ذلك
وأما وظيفة الحاكم وأنه ما إذا يفعل إذا اختلف البايع والمشتري في
ذلك، فنقول:
قد يكون لكل من البايع والمشتري بينة على غرضه، وقد يكون البينة
لأحدهما دون الآخر، وقد لا يكون لأحد منهما بينة.
أما الصورة الأولى، وهي أن تكون البينة لكل منهما، فهل تعارض بينة
كل منهما مع بينة الآخر فتسقطان، أو يتقدم بينة الداخل، وهو الذي
يكون قوله موافقا للأصل، ويسمي من يكون قوله موافقا للأصل داخلا،
فإن الأصل يقتضي أن يكون المال له، أو يقدم بينة الخارج، وهو الذي
لا يكون قوله موافقا للأصل وهو المدعى.
فنقول: مقتضى الاطلاقات الواردة في حجية البينة وإن كانت شاملة
لحجية كل من البينتين، وعليه فمقتضى القاعدة هو سقوطهما عن
الحجية، ولكن مقتضى التأمل في قوله (صلى الله عليه وآله): إنما أقضي بينكم
بالأيمان والبينات (1)، مع التأمل في قولهم (عليهم السلام): البينة للمدعي
واليمين لمن أنكر (2)، هو تقديم بينة الخارج، وهو بينة المدعي على بينة
المنكر، وهو بينة الداخل كما هو المعروف والمشهور.

1 - عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما أقضي
بينكم بالبينات والأيمان - الحديث (الكافي 7: 414، التهذيب 6: 229، معاني الأخبار: 279،
عنهم الوسائل 27: 232)، صحيحة.
2 - عن جميل وهشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على من
ادعى واليمين على من ادعى عليه (الكافي 7: 415، التهذيب 6: 229، عنهما الوسائل
27: 233)، صحيحة.
137

فإن الظاهر من ملاحظة تلك الأدلة هو أن الحكم للمدعي إنما هو
بالبينة، وأن الحكم للمنكر إنما هو باليمين، فإن الرواية الأولى خصت
القضاوة بالأيمان والبينات، والرواية الثانية فسرت ذلك وخصت البينة
للمدعي وخصت اليمين بالمنكر، وأن حسم النزاع إنما يكون بذلك،
ومقتضى الجمع بين الروايتين أي ضم إحداهما إلى الأخرى ينتج أن
إقامة البينة إنما هو وظيفة المدعي، والحلف إنما هو وظيفة المنكر.
وعليه فلا وجه للحكم بتساقط البينتين فيما إذا أقاما بينة، بل لا بد من
الحكم بتقديم بينة الخارج، إذن فتكون الروايات مخصصة لما دل على
حجية مطلق البينة.
نعم ورد في جملة من الروايات أن بينة ذي اليد تتقدم على بينة غيره،
فتكون هذه الروايات شاهدة على تقديم بينة الداخل، ولكن الظاهر أنه
لا شهادة فيها على ذلك، فإن جهة تقديم بينة ذي اليد على غيره ليس
بعنوان البينة فقط ليكون الملاك في التقديم هو كونها بينة الداخل، بل
لكون اليد بنفسها أمارة الملكية، فتكون مع قيام البينة على وفقها متقدمة
على البينة القائمة على الخارج، فنفس اليد تقتضي تقديم قول ذي اليد
مع البينة.
وبعبارة أخرى البينة أمارة واليد أيضا أمارة، فلذي اليد أمارتين،
فتكون مقدمة على بينة الخارج التي أمارة واحدة، وعلى هذا فلا شهادة
فيها على تقديم بينة الداخل على بينة الخارج كما هو واضح.
وأما إذا كانت البينة للخارج فقط وهو المدعي، فلا شبهة للعمل بها
كما هو واضح، وقد عرفت أن الحكم بالبينة إنما هو للمدعي وأن إقامة
البينة من وظائفه.
وأما إذا كانت البينة للمنكر فقط، فهل يحكم له مع البينة من غير
138

احتياج إلى الحلف، أو لا بد وأن يحكم له بالحلف، فقد ظهر مما تقدم أن
الحكم للمنكر إنما هو باليمين فلا بد وأن يحلف وإذا حلف فيحكم له
ويختم الدعوى.
وأما إذا لم تكن لكل منهما بينة، فلا شبهة في أنه إنما يحكم للمنكر
مع الحلف، وأما بدونه فلا، فإنك قد عرفت أنه مع إقامة البينة لا يحكم له
إلا باليمين، فكيف إذا لم تكن له بينة، هذا كله بالنسبة إلى وظيفة الحاكم.
بيان آخر
وقد انتهى الكلام إلى صورة عدم قيام البينة من طرف البايع ومن طرف
المشتري، وأن البايع المنكر لوجود العيب في المبيع كيف يحلف
وتوضيح الكلام:
أن البايع تارة ينكر على نفي العيب في الواقع، بأن يدعي المشتري أن
المبيع كان معيبا في الواقع والبايع ينكره، فالبايع حينئذ يحلف ويحسم
النزاع، وترتفع الدعوى حقيقة، وفي الواقع.
وبعد ذلك لو أقام المشتري بينة على كون المبيع معيوبا حين العقد
فلا تسمع، إذ الحلف قد قطع النزاع واقعا وسقط حقه قطعا، كما أنه ليس
للمشتري أخذ الأرش من البايع بعنوان الأرش، ولو على سبيل التقاص،
فإن الحلف أسقط حقه، ولو كان على خلاف الواقع يكون البايع مشغول
الذمة على المشتري.
وأما إذا كان المشتري عالم على كون الحلف على خلاف الواقع، أو
إقامته البينة على ذلك لا يجوز صحة التقاص أو الأخذ من البايع قهرا
عليه، إلا أن يكذب البايع نفسه في انكاره، فحينئذ يجوز للمشتري فسخ
العقد وأخذ الثمن أو أخذ الأرش فقط.
139

ولو لم ينكر البايع العيب الواقعي ولا يقول بأن المبيع ليس بمعيوب
واقعا، بأن ينفي البايع العلم على كون المبيع معيوبا ويقول: لا أدري،
فهل يتوجه عليه الحلف حينئذ، وإذا حلف فهل ينحسم النزاع بذلك
الحلف واقعا أيضا مثل الأول أو لا، هذه جهة من الكلام في صورة نفي
العلم بالعيب. والجهة الثانية أنه إذا لم يكن حلفه هذه موجبا لحسم النزاع
واقعا واسقاطه، فهل يكون موجبا لحسم النزاع ظاهرا أم لا؟
أما الجهة الأولى، فلا شبهة أن الحلف على نفي العلم بالعيب
لا يوجب اسقاط النزاع واقعا، بحيث لا يكون للمشتري حق أخذ الأرش
من البايع حتى مع العلم بكذبه.
والسر في ذلك أن ما يدعيه المشتري غير ما ينكره البايع، فإن
المشتري يدعي أن المبيع معيوب في الواقع والبايع لا ينكره، بل ينكر
العلم ويقول: إني قد اعتمدت في البيع على أصالة السلامة أو
الاستصحاب أو باخبار شخص آخر بالصحة ونحو ذلك، وليس له أن
يقال بحجية الاستصحاب فنعمل بمقتضيه.
والوجه في ذلك أن الاستصحاب ليس ناظرا إلى الواقع بل هو يبين
وظيفة المكلف في الظاهر، فيعمل بمقتضاه في الظاهر دون الواقع،
بخلاف الأمارات، والمشتري أيضا لا يدعي أن البايع يعلم كون المبيع
معيوبا في الواقع.
وعلى هذا فلا يكون حلف البايع على عدم علمه بالعيب موجبا
لاسقاط دعوى المشتري، وعليه فلو علم بالعيب واقعا جاز له أخذ
الأرش تقاصا من البايع، وبعد ما أقامت بينة جاز له أخذ الأرش أو الثمن
على تقدير الفسخ من البايع، إذا كان من الأول مخيرا بين الفسخ والأرش،
وإلا فأحدهما على سبيل مانعة الجمع.
140

نعم إذا كان المشتري ادعى علمه بالعيب فحلف البايع بعدم العلم
يسقط دعواه حقيقة وواقعا، إلا أن يكذب البايع نفسه في حلفه، كما هو
واضح.
وعلى الجملة فلا تنقطع الخصومة بالحلف إلا إذا كان متعلقا بنفي
الواقع وإلا فلا يوجب قطع الخصومة كما هو واضح، هذا هو الذي
تقتضيه القواعد على ما ذكره المصنف (رحمه الله).
الاختلاف في موجب الخيار إذا كان أحدهما أو كلاهما وكيل
قوله (رحمه الله): فرع: لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد.
أقول: ذكر المصنف هذا الفرع في المقام غير مناسب، بل له أن يؤخره
إلى أحكام الخيارات، وذلك لأنه غير مختص بخيار العيب بل يجري في
خيار الغبن والرؤية والمجلس وغير ذلك من الخيارات.
ومسألة الاختلاف في التقدم والتأخر في خيار العيب لا توجب
اختصاصها بالمقام، وإنما هي من صغرياته، ولكن حيث ذكرها المصنف
فنحن نتبع أثره.
وتوضيح المقام أنه: إذا وقع البيع في الخارج ووقع الخلاف المتقدم
فيه من حيث كون المبيع معيبا أو غير معيب، فتارة يقع البيع من الأصليين
ثم ادعى المشتري العيب في المبيع وينكره البايع، فهذا هو الذي تقدم
الكلام فيه، وآخر يكون المشتري مثلا أصيلا والبايع وكيلا، وحينئذ
فالوكيل قد يكون وكيلا في البيع حدوثا وبقاءا، وقد يكون وكيلا في
البيع حدوثا فقط لا بقاءا.
وعلى الأول، فإذا ادعى البايع كونه وكيلا من قبل الموكل، فحينئذ قد
يعلم المشتري بالحال ويعلم أنه وكيل من قبل الموكل حتى حين العقد،
141

وقد لا يدري بذلك، وإنما البايع يدعي كونه وكيلا من قبل البايع بعد أن
ادعى المشتري في كون المبيع معيوبا.
أما إذا كان الوكيل وكيلا حدوثا وبقاءا، فتارة يعلم البايع بوكالته،
وأخرى لا يدري ذلك كما عرفت، وعلى الأول فللبايع أن يرجع إلى أي
منهما شاء من الموكل أو البايع، فإن كل منهما طرف الدعوى، أما المالك
الموكل فلكونه مالكا، وأما الوكيل فلأن المال تحت يده وله التصرف في
ذلك، كالوكيل في المضاربة، وهو بمنزلة المالك في جميع الأحكام
المترتبة على البايع.
وعلى هذا فإن أنكر كل من الوكيل والموكل كون المبيع معيوبا
فتجري هنا الأحكام المتقدمة، فللمشتري أن يحلف الوكيل على ذلك
أو الموكل، فأي منهما حلف سقط حق المشتري في الظاهر واقعا كما
عرفت، فإذا أنكر أحدهما العيب ولكن اعترف الآخر بذلك، فإن كان
المعترف هو المالك فواضح، وإن كان هو الوكيل فكذلك أيضا، فإنه
ليس أجنبيا عن الموكل حتى يكون اعترافه اعترافا في حق الأجنبي، بل
كان اعترافه اعترافا في حق المالك، فإن يد الوكيل هو يد المالك.
هذا إذا كان الوكيل وكيلا عن المالك حدوثا وبقاءا مع علم المشتري
بكونه وكيلا عن المالك كذلك.
وأما إذا لم يعلم المشتري بالحال وإنما البايع بعد مراجعة المشتري
إليه يقول: إني وكيل من قبل الفلان، فتارة يقطع المشتري بأن البايع
يكذب ويمنعه أن يرفع الدعوى إلى شخص آخر وأخرى لا يعلم
بكذبه، وعلى تقدير عدم العلم بكذبه والموكل أيضا يعترف بكونه وكيلا
من قبله في بيع ذلك، فله أن يرجع إلى الوكيل وإلى الموكل، أما إلى
الوكيل فبمقتضى اليد، فإن المشتري يقول إني اشتريت المال منك
142

ومقتضى يدك أن يكون ملكا لك، فلا بد أن تكون أنت طرفا للدعوى،
وله أن يرجع إلى الموكل بحسب اعترافه أي الموكل بكون الوكيل وكيلا
من قبله.
وعلى هذا فإن أنكر فيجري فيه ما تقدم، وإن أنكر الموكل واعترف
الوكيل بالعيب فيرجع المشتري إلى الوكيل في أخذ الأرش أو الثمن على
تقدير الفسخ.
وعليه فيشكل هنا دعوى أخرى، وهي أن الوكيل يدعي على الموكل
أنه كان يعلم أيضا بالعيب والموكل ينكره، فيجري هنا ما تقدم من الحكم
على المدعي بالبينة وعدمها، يحلف الموكل وينحسم النزاع، وهذا
واضح.
وإذا علم المشتري وقطع بأن الوكيل كاذب في دعواه، سواء اعترف
الموكل بكونه وكيلا من قبله أم لا، فحينئذ ليس للمشتري إلا الرجوع في
دعواه إلى الوكيل، وإن اعترف الموكل بالعيب وأنكره الوكيل، فإن
المشتري بحسب اعتقاده بحسب الموكل أجنبيا، فليس له أن يرجع إلى
الموكل حينئذ، نعم يكون الموكل مع الاعتراف بالعيب شاهدا واحدا
للمشتري على اثبات دعواه.
وأما إذا كان الوكيل وكيلا في البيع حدوثا لا بقاءا، فيرجع إلى الموكل
فقط دون الوكيل، فإن الوكيل وإن كان وكيلا في البيع ولكنه حين الدعوى
صار أجنبيا، فيكون اعترافه بالعيب حين العقد كقول الأجنبي بذلك،
فيكون شاهدا واحدا للمشتري، وهذا واضح كما عرفت، نظير أخبار
شخص بنجاسة ثوب كان عنده، فإنه ليس من قبيل قول ذي اليد بل من
قبيل الشهادة.
143

بيان آخر للاختلاف في موجب الخيار إذا كان أحدهما أو كلاهما وكيل
وقد انتهى الكلام إلى وقوع العقد من الوكيل والأصيل ثم وقوع
الاختلاف بينهما، وفي هنا جهات من البحث:
الجهة الأولى
الصورة الأولى: في توجه الدعوى إلى أي من الوكيل والموكل، فإذا
وقع العقد بين الوكيل الذي هو البايع وبين الأصيل الذي هو المشتري،
ثم وقع الاختلاف بينهما، فهل يتوجه الدعوى إلى الوكيل أو إلى
الموكل؟
فنقول: تارة كان المشتري قاطعا بأن البايع في دعواه الوكالة عن الغير
كاذب، حتى مع اعتراف الغير بأنه وكله وهو وكيله، فإن المشتري
لا يوجه الدعوى ولا يرجع في هذه الصورة إلا إلى البايع الذي يدعي
الوكالة عن الغير، فإن المشتري حسب اعتقاده يرى البايع كاذبا في
دعواه، فليس له مع ذلك الرجوع إلى شخص آخر، وإن صدقه هذا
الشخص الآخر في دعواه وكونه وكيلا من قبله.
الصورة الثانية: أن يدعي البايع كونه وكيلا من قبل الموكل ولم ينكره
المشتري، وليس له قطع بكذبه بل يحتمل صدقه، ولكن يقول: إني
اشتريت المال منك، فمقتضى يدك كونه من ملكك، فإن اليد أمارة
الملكية، ومع ذلك أن من يدعي البايع كونه وكيلا من قبله أيضا يعترف
بكونه وكيلا من قبله، وحينئذ فللمشتري أن يوجه دعواه إلى الوكيل
لكونه هو المالك بحسب الأمارة، وهي اليد، وله أن يوجه دعواه إلى
الموكل لكونه معترفا بكون الوكيل وكيلا من قبله، فيكون قوله واعترافه
مسموعا.
144

الصورة الثالثة: أن يعلم المشتري بكون البايع وكيلا عن الغير، وادعى
كون المبيع معيوبا، فلا يجوز له أن يوجه دعواه إلى الوكيل، بداهة أن
الوكيل كالأجنبي فلا يسمع انكاره أو اعترافه بالمطلب في حق الموكل،
وقد ذكرنا أنه نظير من كان تحت يده ثوب متنجس فباعه ثم بعد مدة أخبر
بكونه نجسا، فإن قوله بالنسبة إلى نجاسة ذلك الثوب شهادة، فيدخل
تحت عنوان الشهادة، لا من قبيل قول ذي اليد لكي يسمع قوله بمجرد
الاخبار.
وعلى الجملة فلا يجوز للمشتري أن يوجه الدعوى إلى الوكيل وإن
اعترف بالمطلب، غاية الأمر يكون اعترافه من قبيل الشهادة فيحتاج إلى
تمامية شروطها.
نعم لو كان الوكيل وكيل مفوضا بمعنى أن يكون وكيلا في البيع حدوثا
وبقاءا لا مفوضا في مقابل الوكيل في اجراء العقد، فإنه يمكن أن يكون
وكيلا مفوضا في خصوص البيع، والمقصود أن الوكيل إذا كان وكيلا
مفوضا في البيع حدوثا وبقاءا فإنه يجوز للمشتري أن يوجه الدعوى إلى
أي من الوكيل والموكل شاء، وهذا كالوكيل في المضاربة ونحوه، هذه
هي الجهة الأولى.
الجهة الثانية
في أن اعتراف الوكيل يكون اعترافا في حق الموكل أم لا؟
الظاهر بل الواقع أن اعترافه لا يكون نافذا في حق الموكل، فإنه قد
عرفت في الجهة الأولى أنه أجنبي عن الموكل، فلا يكون اعتراف
الأجنبي نافذا في حق الأجنبي، إلا أن يكون وكيلا مفوضا في البيع
حدوثا وبقاءا، فإن اعترافه اعتراف في حق الموكل أيضا كالوكيل في
المضاربة ونحوها.
145

الجهة الثالثة
في أنه مع حكم الحاكم بالأرش أو بالفسخ هل يثبت ذلك للوكيل فقط
دون الموكل أو العكس؟
فنقول: إن كان الموكل اعترف بالمطلب وأن الوكيل وكيله والمبيع
معيب فلا كلام لنا فيه، كما أنه لا شبهة في أنه إذا لم يكن حكم الحاكم
موجبا لثبوت الأرش أو الفسخ، كما إذا كانت البايع منكرا وحلف
وانقطع الدعوى، فإنه لم يلزم شئ هنا على الوكيل البايع حتى نتكلم في
أنه عليه أو على الموكل.
وإذا ثبت على البايع شئ فتارة يثبت ذلك باعتراف الوكيل بكون
المبيع معيبا، وأخرى بالبينة، وثالثة باليمين المردودة، أما إذا ثبت
الأرش أو الفسخ باعتراف الوكيل فلا يكون الأمر الثابت إلا ثابتا على
الوكيل، فإنه إنما ثبت باعتراف الوكيل وهو أجنبي عن الموكل، فلا يكون
اعتراف الأجنبي نافذا في حق الآخر، كما قدمناه في الجهة الثانية إلا إذا
كان الوكيل وكيلا مفوضا في الحدوث والبقاء كما هو واضح.
وأما إذا كان ذلك ثابتا بالبينة فهي حجة شرعية وموجبة لكون الأرش
أو لوازم الفسخ على صاحب المال، فإن البينة إنما قام في ذلك المورد
فتكون الغرامة ثابتة على الموكل.
وإذا ثبت ذلك باليمين المردودة فقد وقع الكلام في أن ذلك لاحق
بالقسم الأول أعني الاعتراف، فلا شبهة أنه يكون موجبا لثبوت ما يحكم
به الحاكم على الوكيل، وإن كان مثل البينة فيكون ذلك مسببا لثبوت ذلك
على الموكل، ولكن الظاهر بل الواقع من الأدلة أن اليمين المردودة مسبب
مستقل لحسم الدعوى، فلا وجه لتنزيل ذلك منزلة الاعتراف أو منزلة
146

البينة، بل يلاحظ في نفسها حتى لا تكون موجبة لكون المال على
الموكل بل على الوكيل.
الجهة الرابعة
انتهى الكلام إلى جهات البحث في بيع الوكيل مع المشتري بكونه
وكيلا أو عدمه، وقلنا: إن هذا البحث ليس مختصا بالمقام بل هو يجري
في جميع الخيارات وهو من أحكامها وكثير الفائدة، وقلنا هناك جهات
للبحث.
وانتهى الكلام إلى الجهة الرابعة، وهي أن العيب الثابت بحكم الحاكم
هل يكون للوكيل أو للموكل، فنقول:
تارة لا يثبت شئ بحكم الحاكم أصلا فلا كلام لنا فيه، وإنما يكون
حكم الحاكم قد أوجب انقطاع دعوى المشتري من غير ثبوت شئ على
البايع، وأخرى يثبت العيب بحكم الحاكم على البايع، فهل يكون هذا
لازما على الموكل أو على الوكيل؟
فثبوته هذا إنما يكون بأحد وجوه: إما اعتراف الوكيل بالعيب، أو بقيام
البينة على ذلك، أو باليمين المردودة، أما إذا كانت العيب ثابتا بالبينة
فيكون لوازم العيب من الأرش أو رد ثمن العين بعد الفسخ على الموكل،
فإن البينة إنما قامت على كون العين المبيعة معيوبة، ومن الواضح أن العين
للموكل فتكون ما أثبته البينة أيضا على الموكل، سواء اعترفا الوكيل
والموكل بالعيب في هذه الصورة أم لا.
وقد يكون العيب ثابتا باعتراف الوكيل بكون المبيع معيوبا وحكم
الحاكم على طبق اعترافه، فإن لوازم العيب من الأرش ولزوم رد الثمن
على تقدير الفسخ إنما هو يثبت على الوكيل حسب اعترافه، ولا يكون
147

اعترافه ثابتا على الموكل إلا أن يعترف بالعيب كما يعترف بالوكالة، فإنه
حينئذ يكون العيب على الموكل حسب اعترافه إذا كان الوكيل وكيلا
مفوضا في الحدوث والبقاء كالوكيل في المضاربة كما تقدم.
وعلى تقدير عدم كونه وكيلا مفوضا من قبل الموكل مع كونه منكرا
للعيب فيشكل هنا دعوى ثانية بين الوكيل والموكل، فإن الوكيل يدعي
كون العيب من الأول وكون لوازمه على الموكل من الأرش ورد الثمن
على تقدير الفسخ، والمشتري ينكر ذلك، فإن أقام الوكيل بينة على كون
العيب من الأول فيحكم عليه، أي على كون لوازم العيب من الأول على
الموكل، وإلا فيحلف الموكل فيكون لوازم العيب ثابتا للوكيل، وحينئذ
يشكل تصرفه في العين بعد رد الثمن على المشتري على تقدير الفسخ،
فإنه بحسب اعتقاده يرى عدم استحقاقه بالعين وكونه معيبة وكون الثمن
لازم الرد من الموكل، ومع ذلك كيف يتصرف في العين.
ولكن الظاهر أن هذا لا يوجب الاشكال، فإنه يحصل الصلح بين الوكيل
وبين الموكل، إذ الموكل لا يدعي كونه مستحقا للعين والثمن الذي أخذه
معا، بل هو يقول إني بعت عينا صحيحة ولم يكن فيها عيب، فيكون
الثمن الذي أخذته من المشتري ملكا لي، فلا يكون الثمن الذي رده
الوكيل وأخذ العين المعيبة، فإن العيب إنما حدث في ملك المشتري
والوكيل يدعي كون العيب عليه، فإذا أنكر الموكل العيب فقد رضي كون
العين له في مقابل الثمن الذي يرده إلى المشتري، فيكون هنا صلح قهري
ومعاوضة قهرية بين الوكيل والموكل كما هو واضح.
لو لم يكن الوكيل معترفا بالعيب
ثم إذا لم يكن الوكيل معترفا بالعيب، فتارة ينكره جازما ومعتقدا بأن
المبيع لم يكن فيه عيب، وأخرى ينكره اعتمادا على أصالة الصحة أو
148

الاستصحاب، ولو استصحاب العدم الأزلي، وأنا حققنا في الأصول (1) أن
استصحاب العدم الأزلي حجة، فمقتضى ذلك هو كون العين صحيحة
عند البيع أي عدم وقوع العقد الموجود على المعيب.
أما الصورة الثانية، فإن حكم الحاكم للوكيل ولم يثبت حكمه شيئا
على المشتري من الأرش والفسخ، فلا كلام لنا فيه، كما لا كلام لنا فيما
إذا اعترف الموكل بالمطلب وإذا أوجب شيئا، فإن حكم له بالبينة فيكون
لوازم العيب على الموكل حتى مع انكار الموكل ذلك، لما عرفت أن البينة
إنما قامت على كون العين معيبة، فيكون لوازمه أي العيب على مالك
العين كما هو واضح لا يخفى.
وإن حكم له ولا يكون انكار الوكيل سببا لعدم جواز رجوعه إلى
الموكل في هذه الصورة، إذ هو مستند في انكاره إلى الأصول العملية،
وهي ترتفع مع قيام البينة كما هو واضح.
وأما إذا كان العيب ثابتا باليمين المردودة، فلا يجوز للوكيل أن يرجع
معه إلى الموكل، بداهة أنه أي الوكيل لا يعلم كون المبيع معيبا ولم يحرز
ذلك، فكيف يرجع إلى الموكل كما هو واضح، إلا أن يعترف الموكل
بالعيب فهو مطلب آخر.
أما الصورة الأولى، وهو إذا كان الوكيل عالما بعدم العيب وجازما به،
وحينئذ إن لم يثبت العيب بحكم الحاكم فهو، أو ثبت ذلك ولكن بذل
الموكل بطوع رغبته الثمن أن فسخ المشتري أو الأرش أخذ الأرش، وإلا
فلا يجوز للوكيل أن يرجع إلى الموكل، فإنه جازم بعدم كون المشتري
مستحقا لذلك وعدم كون الموكل مطلوبا بالأرش أو الثمن، ومعه كيف
يرجع إليه.

1 - مصباح الأصول 3: 123.
149

ولا يفرق في هذه الصورة بين ثبوت العيب بالبينة أو باليمين المردودة،
فإنه على تقدير أن يثبت العيب بالبينة أيضا ليس له أن يرجع إلى الموكل،
فإن الوكيل يجزمه بعدم العيب يكذب البينة فلا تكون البينة موجبة
للرجوع إلى الوكيل لقيامها على تعيب العين.
وحينئذ إن أخذ المشتري الأرش فيعطيه وإذا فسخ فيأخذ العين
ويعطي الثمن من طلق ماله، فيجري هنا الاشكال المتقدم، من أن الوكيل
بعد علمه بعدم كون العين معيبة كيف له أن يتصرف في العين، فإنه بعلمه
يعلم كونها للمشتري وعدم استحقاق المشتري أخذ الثمن من الوكيل.
ولكن يدفعه ما ذكرناه هناك من وقوع المصالحة القهرية بين المالين،
غاية الأمر هناك كانت المصالحة بين الموكل والوكيل وفي المقام كانت
المصالحة بين المشتري والوكيل، فإن المشتري لا يدعي استحقاقه
الثمن والمثمن بل يدعي استحقاقه الثمن، فهو على تقدير كون المثمن له
راض بكونه للوكيل كما هو واضح.
ثم إنه في هذه الصورة إن كان الموكل منكرا للعيب أيضا كالوكيل، فهو
وإن اعترض بالعيب والوكيل لا يعترف بذلك بل جازم بعدمه، فيكون
المقام من الموارد التي لا بد للحاكم أن يحكم بينهما بالتصالح، نظير ما إذا
قال أحد إن المال الفلاني لك الذي تحت يدك، وينكره ذلك الشخص،
وقد يتفق ذلك كثيرا، فإنه يعترف أحد بكونه مديونا من شخص وينكره
الآخر، فإن الحاكم يحكم بأن يتصالحا، إلا أن يبرأ أحد الآخر على
تقدير أن يكون له حق.
والظاهر أنه قد تم بهذه الجهات جميع ما ذكره المصنف في هذا
المقام، وما لم يذكره، يعني كانت هذه الجهات وافية بجهة البحث، وهو
وقوع العقد بين الوكيل والأصيل ودعوى الأصيل تعيب العين.
150

4 - لو رد سلعة بالعيب فأنكر البايع أنها سلعته
قوله (رحمه الله): الرابعة: لو رد سلعة بالعيب فأنكر البايع أنها سلعته.
أقول: توضيح المقام أن هنا مسائل ثلاث:
المسألة الأولى: أن يكون النزاع في المقتضي، بأن يدعي المشتري
مثلا ثبوت المقتضي للخيار والبايع ينكره.
المسألة الثانية: أن يتفقا على وجود المقتضي لذلك، ولكن يختلفا في
فعلية الخيار، بأن يدعي المشتري وجود الخيار بالفعل والبايع ينكر
ذلك.
المسألة الثالثة: أن يتفقا على المقتضي وعلى فعلية الخيار معا، ولكن
وقع الخلاف في كون المردود هو المبيع أو غيره.
وقبل التعرض لحكم المسائل لا بد وأن يعلم أن هذا البحث غير
مختص بخيار العيب، بل يجري في جميع الخيارات كالبحث السابق،
فنقول:
المسألة الأولى
أما المسألة الأولى، وهي النزاع في ثبوت المقتضي للخيار وعدمه،
بأن يرد المشتري سلعة على البايع ويدعي كونها معيوبة وينكرها البايع
ويقول: إن هذه السلعة ليست بسلعتي وإن كانت معيوبة وإنما سلعتي
غيرها وهي غير معيوبة، وليس فيها مقتضي الخيار أصلا، فالقول هنا
قول البايع، فإن الأصل عدم كون هذه السلعة سلعة البايع والأصل عدم
كون سلعتها معيوبة، ولو كان الأصل هو العدم الأزلي كما تقدم إلا أن
يقيم المشتري بينة على دعواه، هذه المسألة الأولى.
151

المسألة الثانية
وأما المسألة الثانية، وهي أن يكون الاختلاف في فعلية الخيار، بأن
يقبل البايع وجود المقتضي للخيار ولكن ينكر كون السلعة التي يردها
المشتري إلى البايع سلعة نفسه.
وقد ذكر في الإيضاح أن الاختلاف في ذلك في موضعين: أحدهما
خيانة المشتري، فيدعي البايع تعين العين بخيانة المشتري وما يريد
تسليمه إلى البايع من السلعة غيرها والمشتري ينكر ذلك، الثاني: إن
البايع يدعي أن المشتري أتلف العين والمشتري ينكر ذلك.
وكان الفخر حصر وقوع الاختلاف بهذين الموضعين ولم يتصور هنا
وجها ثالثا، ولكن يمكن أن يتصور هنا وجه آخر، وهو أن يكون انكار
المشتري مستندا إلى الغفلة أو النسيان أو نحو ذلك، لا إلى الخيانة و
الاتلاف كما هو واضح.
أما المورد الأول فذكر فخر المحققين أن البايع إذا ادعى خيانة
المشتري والمشتري ينكره، فالأصل عدم الخيانة، فإن مقتضى أصالة
الصحة هو أن المشتري لم يخن السلعة وهو صادق في انكاره، وإن كان
هنا أصول أخرى المتعددة، وهي أصالة عدم الخيار وعدم حدوث
العيب وصحة القبض، فإن أصالة الصحة من قبيل الأمارات، فهي واردة
على تلك الأصول التي ليست ناظرة إلى الواقع.
وبالجملة قد ادعى الفخر في المسألة الثانية فيما إذا كان الاختلاف في
دعوى الخيانة أن القول قول المشتري لقيام أصالة الصحة على عدم
صدور الخيانة منه، وأن بقية الأصول ساقطة كما لا يخفى.
وقد أورد عليه المصنف بالنقص، و حاصله: أن مقتضى اجراء أصالة
152

الصحة هنا هو اجرائها في المسألة الأولى أيضا، أعني مسألة الاختلاف
في مقتضى الخيار، فإن مقتضى ذلك هو أن المشتري لا يكذب في قوله
إن المبيع هو هذا المعيوب، فيكون انكار البايع كون المبيع هو هذا دون
غيره في غير محله.
مع أنه أي الفخر قدم قول البايع هناك لوجود الأصول المتعددة، من
أصالة عدم الخيار وعدم حدوث العيب ونحو ذلك، فإن أصالة الصحة
كما أنها واردة عليها في المسألة الثانية، وكذلك واردة عليها في المسألة
الأولى أيضا، فكيف لهم تقديم قول البايع لأصالة عدم كون ما أعطاه
المشتري من السلعة سلعته.
وأما حل المطلب فنقول: إن كان المراد من أصالة الصحة هي أصالة
الصحة المصطلحة الجارية في العقود، فهي مما لا ريب في حجيتها
وتقدمها على سائر الأصول، فإنها من الأمارات التي قامت السيرة القطعية
بل بناء العقلاء على حجيتها، ولكن المقام ليس من مواردها، فإن حمل
فعل المشتري على الصحة والقول بعدم خيانتها غير مربوط بصحة
العقد، فإن مورد هذا الأصل إنما هو العقد بعد الفراغ عن تحققه وكون
الشك في شرائطه.
ومن الواضح أن العقد في المقام تحقق صحيحا ولم يكن فيه شك في
تحقق شرطه بحيث يلزم من انتفائه بطلانه، ولكن النزاع في أن المشتري
صادق في دعواه أن هذه السلعة سلعة البايع التي فيها عيب أم لا،
والمشتري يدعي ذلك والبايع ينكره، وهذا غير مربوط بأصالة الصحة
المذكورة.
وإن كان المراد من أصالة الصحة هي أصالة الصحة الجارية في فعل
المسلم، أعني حمل فعل المسلم على الصحة، بمقتضى قولهم (عليهم السلام):
153

ضع فعل أخيك على أحسنه (1)، وهذا وإن كان جاريا ولكن لا يترتب
عليها أن هذه التي يدعي المشتري كونها للبايع، فإن غاية ما يترتب على
هذا الأصل أنه لا يكذب، وأما أنه صادق في قوله فلا، أي لا يرتب آثار
الكذب على كلامه، لا أنه يترتب آثار مقابلة.
مثلا لو تكلم أحد بكلام ولم ندر أنه سلم أو سب بأن ترد كلامه بين أنه قال سلام أو قال سام، فمقتضى حمل فعل المسلم على الصحة نحمل
كلامه على أحسنها، أي نقول إنه لم يسب، وأما أنه سلم بحيث يجب رد
سلامه فلا، وهذا واضح.
المسألة الثالثة
وأما المسألة الثالثة فهي أن يقبل البايع ثبوت مقتضى الخيار وثبوت
نفس الخيار فعلا، ولكن يقول إن السلعة ليست هذه التي تريد اعطائها لي
بل غير ذلك، والمشتري يقول هي هذه، وحينئذ فللمشتري أن يفسخ
العقد ويأخذ الثمن من البايع، لأنه أي البايع باعترافه يعترف بالخيار
للمشتري ويعترف كون الثمن له على تقدير الفسخ، ولكن ينكر كون هذه
السلعة الموجودة له، وحينئذ فللمشتري أن يفسخ العقد ويأخذ الثمن
لتعلق الفسخ بالعقد.
وحينئذ يرد السلعة الموجودة إلى البايع، فإنه باعترافه يعترف كونها
له، وأما غيرها فلا بل لا بد للبايع من اثبات ذلك، فإن البايع يدعي أمرا
وهو أن سلعته غير هذا وإن كان متعلقا لخيار الغبن، والمشتري ينكر

1 - عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام
له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (الكافي 12: 302، عنه الوسائل 12: 302)، ضعيفة.
154

ذلك والمشتري يدعي كون هذه السلعة له وهو ينكر ذلك، فلا بد للبايع
من اثبات أن سلعته غيره هذه.
ولكن هذه الصورة لا تجري في خيار العيب، حيث إن في خيار العيب
لا بد في الفسخ من رد العين بمقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على لزوم رد
العين في خيار العيب إذا أراد المشتري الفسخ، بخلاف بقية الخيارات،
فإنه لا يلزم فيها رد العين في الفسخ كما هو واضح.
وبعبارة أخرى إذا اعترف البايع وجود مقتضى الخيار وثبوته
للمشتري بالفعل، ولكن أنكر كون هذه السلعة التي يريد المشتري ردها
إلى البايع سلعة له، فإنه جاز للمشتري الفسخ فيما إذا لم يكن الخيار خيار
عيب، لعدم توقف الفسخ على رد العين، بل لا يتوقف على بقاء العين
أصلا، وأما في خيار الغبن فلا يمكن له الفسخ وإن اعترف البايع بوجود
الخيار له فعلا، ما لم يثبت المشتري أن العين الموجودة بالفعل التي يريد
تسليمها إلى البايع أنها للبايع.
2 - الاختلاف في مسقط الخيار
قوله (رحمه الله): وأما الثاني، وهو الاختلاف في المسقط ففيه أيضا مسائل: الأولى
لو اختلفا في علم المشتري بالعيب وعدمه.
1 - لو اختلفا في علم المشتري بالعيب وعدمه
أقول: ذكر المصنف (رحمه الله) إنه لو اختلفا في علم المشتري بالعيب
المسقط للخيار وعدمه قدم منكر العلم فيثبت الخيار، هذا لا شبهة فيه،
ولكن يبقى في المقام سؤال الفرق بين هذه المسألة وبين ما تقدم في خيار
الغبن، من أنه لو ادعى المشتري الجهل بالغبن والبايع يدعي علمه به قدم
155

قول البايع، مع أن من كلتا المسألتين أن المشتري يدعي الجهل والبايع
يدعي علمه، فكيف له أن يحكم في المقام بتقديم قول المشتري دون
المسألة السابقة.
أقول: وجه الفرق بينهما أن خيار الغبن إنما ثبت بالشرط الضمني على
ما تقدم، وإذا تنازعا في علم المشتري بالغبن وعدمه فإنه يرجع إلى
دعوى اشتراط الخيار للمشتري وعدمه. فحينئذ الأصل عدم الاشتراط
فلا يكون هنا خيار للمشتري ويكون القول قول البايع.
وأما في المقام ليس كذلك، حيث إن خيار العيب إنما ثبت بالدليل
وإن كان على وفق القاعدة، ولكن لا بد من ملاحظة الرواية، فهي دلت
على أنه أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار ولم يتبرأ منه ولم ينبه
عليه وأحدث فيه حدثا فإنه يمضي عليه البيع، حيث إن العلم بالعيب
وإن كان طريقا إلى الواقع على ما تقدم، والغرض هو سقوط الرد مع
انكشاف الواقع لدى المشتري، ولكن نفي حصول العلم بالعيب له
موضوعية في سقوط الخيار، وأن ثبوت خيار العيب يدور مدار الجهل.
وحينئذ إذا شك في كون المشتري عالما بالعيب حين العقد وعدمه
فالأصل هو عدم كونه عالما، فإن انكشاف العيب لدى المشتري أمر
وجودي يحتاج إلى الاحراز ومع عدمه فلا يكون خياره ساقطا كما هو
واضح، وهذا هو الفارق بين المسألتين.
2 - لو اختلفا في زوال العيب قبل علم المشتري
قوله (رحمه الله): الثانية: لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري.
أقول: ذكر المصنف في النزاع في زوال العيب القديم وعدمه وجهين:
1 - تقديم قول مدعي البقاء، فيثبت الخيار لأصالة بقائه وعدم زوال
المسقط للخيار.
156

2 - تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار، لأن سببه أو شرطه العلم به حال
وجوده، وهو غير ثابت، فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار.
ثم ذكر أن الأقوى هو الأول، وذكر أنه إلى هذا نظر العبارة المتقدمة من
التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تؤمي إلى
الثاني، فراجع.
أقول: إنه لا يترتب أثر على هذا النزاع، إذا قلنا بأن نفس وجود العيب
في المبيع موضوع للرد والأرش، فإنه على هذا المذهب لا يترتب أثر
على الزوال حتى مع العلم بكونه قبل العلم أو بعده، فكيف مع الجهل به،
فإن موضوع الرد والأرش على هذا إنما هو نفس وجود العيب لا غير،
فإذا اشترى أحد شيئا وبه عيب أو عوار ولم يتبرأ البايع ولم ينبه
المشتري فله أي المشتري الخيار، سواء علم به قبل الزوال أو بعده،
وهذا لا شبهة فيه، فإن المشتري متمكن من الرد بل الأرش أيضا على
المشهور.
وأيضا لا يترتب أثر على النزاع إذا قلنا بأن زوال العيب مطلقا يكون
مانعا على الرد بل الأرش، من جهة أن المردود لا بد وأن يكون معيبا
والمفروض عدمه لزوال العيب، وبعد زواله ليس هنا معيب حتى يتمكن
المشتري من رد المعيب كما هو واضح.
نعم له أثر إذا قلنا بأن موضوع هذا الخيار إنما هو وجدان العيب
وظهوره، فإنه على هذا يترتب الأثر على هذا النزاع، فإنه يقال: إذا كان
سبب الخيار هو ظهور العيب ووجدان المبيع معيبا فالأصل يقتضي عدم
الخيار للشك في سببه فيكون الأصل مع منكر الخيار.
وبعبارة أخرى أن المشتري يدعي بقاء العيب إلى زمان العلم وأنه زال
بعد العلم به، والبايع ينكر ذلك، فالأصل عدم ظهوره إلى زمان الزوال،
ولكن مرجع ذلك إلى الشك في ثبوت الخيار لا في المسقط.
157

إذا اختلفا في أن الزائل هو العيب الحادث أو القديم
ثم إذا اختلفا في أن الزائل هو العيب الحادث أو القديم مع الاتفاق
على زوال العيب هنا، فادعى المشتري أن الزائل هو العيب الحادث
فلا يكون ذلك مانعا عن الرد، بناءا على أن مجرد حدوث العيب في
المبيع عند المشتري لا يكون مانعا عن الرد، بل المانع عن الرد إنما هو
العيب الحادث الموجود حال الرد.
وعلى هذا فلا اشكال في عدم جواز الرد حينئذ، للشك في بقاء العيب
الحادث وعدمه فنستصحبه، وهذا الاستصحاب لا يعارضه أصالة بقاء
العيب القديم، فإنه لا يترتب عليه أن الزائل هو الحادث إلا على القول
بالأصل المثبت.
والعجب من المصنف فإنه مع ذكره عدم جريان الأصول المثبتة هنا
وفي محله، قد غفل عن كون هذا الأصل مثبتا، وكلما تأملت في توجيه
كلامه حتى يخرج عن كونه أصلا مثبتا ما وجدت شيئا يكون توجيها له
هذا.
وإذا قلنا إن حدوث الحدث مانع عن الرد مطلقا، فلا شبهة أنه لا يترتب
الأثر على زواله، وعدم هذا ما يرجع إلى دعوى المشتري.
وأما بالنسبة إلى دعوى البايع بأن الزائل هو العيب القديم، فإن قلنا بأن
الزوال لا أثر له أصلا وإنما العبرة بالحدوث فلا يترتب أيضا أثر على هذا
النزاع، فإنه سواء زال العيب الحادث أو القديم فمجرد حدوث العيب
الحادث يكون مانعا عن الرد بالأرش، وكذلك لا يترتب الأثر إذا قلنا بأن
زوال العيب يوجب عدم الرد، لأن الرد لا بد أن يتعلق بالمعيب، ومن
الواضح أن العيب القديم قد زال.
نعم مع ذلك هنا مانع آخر، وهو وجود العيب الحادث، وإن كان
158

الغرض أن زوال العيب يوجب عدم الأرش أيضا فالأصل بقائه
ولا يعارضه أصالة عدم زوال الحادث فإنه لا يثبت به زوال العيب القديم.
وبعبارة أخرى أن خيار العيب له أثران: أحدهما الرد، والآخر
الأرش، فإن قلنا بأن حدوث العيب مانع من الرد مطلقا، فلا أثر للنزاع من
هذه الجهة، كما أنه إذا قلنا بأن زوال العيب لا أثر له في الأرش، لا معنى
للنزاع من هذه الجهة، إذا لا بد من فرض الكلام في أن زوال العيب
الحادث يوجب الرد، فنقول: الأصل عدم الزوال، ولا يعارض ذلك مع
أصالة عدم زوال العيب القديم، فإنه لا يترتب عليه زوال الحادث حتى
يترتب عليه عدم جواز الرد.
وأيضا نقول: إن زوال العيب القديم يوجب عدم الأرش ومع الشك
فيه يحكم بعدم زواله للاستصحاب، ولا يعارضه استصحاب بقاء العيب
الحادث حتى يكون مانعا من الأرش، فإنه لا يترتب عليه زوال العيب
القديم ليترتب عليه عدم الأرش.
وعلى هذا فلا وجه لما ذكره المصنف والتذكرة من عدم جواز الرد
وأخذ الأرش، بل لا بد من التفصيل كما فصل الشافعي، فيقال بعدم جواز
الرد لأصالة عدم زوال العيب الحادث، وأيضا نقول بثبوت الأرش
لأصالة عدم زوال العيب القديم، وهذا واضح جدا، إذا فيحلف البايع
فيسقط الرد ويحلف المشتري ويأخذ الأرش، وهذا مراد الشافعي من
التحالف.
3 - لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه
قوله (رحمه الله): الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه.
أقول: تحرير الكلام هنا أن النزاع تارة يكون في تعدد العيب، بأن يتفقا
على عيب واحد وكان نزاعهما في وجود عيب آخر، فيدعي المشتري
159

وجوده بحيث يكون له الخيار من جهتين أو من جهة العيب الثاني، على
تقدير اسقاطه الخيار من جهة العيب الأول، وأخرى يكون في زيادة
العيب المتفق عليه، وثالثة في أصل الزيادة، بحيث يدعي المشتري
ذلك ليأخذ الأرش زائدا عن الأرش على العيب المتفق عليه وإن لم يكن
بنائه الرد.
أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في جهتين:
الأولى: في دعوى المشتري على البايع.
والثاني: في دعوى البايع على المشتري.
أما الجهة الأولى، فهي خارجة عن الدعوى في المسقط، بيان ذلك أن
غرض المشتري من دعواه وجود العيب الثاني هنا غير العيب الأول، أو
دعواه أصل الزيادة، أو الزيادة التي هي زائدة عن الزيادة التي يدعيها
البايع أن يكون له الرد من جهتين أو من جهة العيب الآخر، أو الزائد على
تقدير اسقاطه الخيار من جهة العيب الأول، أو غرضه أخذ الأرش زائدا
عن المقدار المتفق عليه على تقدير عدم الرد، ويقول المشتري: إن هذه
الأمور التي يدعيها موجودة من الأول وقبل العقد، غاية الأمر قد حصل
العلم بها بعد العقد والبايع ينكر ذلك.
وحينئذ فالقول قول البايع لأصالة عدم وجود العيب الآخر أو الزائد،
غير العيب المتفق عليه، فللمشتري اثبات ذلك، ولا شبهة أن هذه الجهة
غير مربوط بالمقام، فإن كلامنا هنا في المسقط ومرجع ذلك إلى دعوى
أصل الخيار أو الأرش، فتكون هذه الجهة أجنبية عن المقام.
وأما الجهة الثانية فهي مركز الكلام هنا، وبيان ذلك: أن البايع إذا ادعى
وجود المسقط في المقام بشئ من الأمور المتقدمة، بأن يدعي أن العيب
تعدد في ملك المشتري أو زاد، أو كانت الزيادة أكثر مما كانت أولا،
160

فنسقط الخيار الثابت بالعيب السابق لرواية زرارة الدالة على سقوط الخيار
بحدوث الحدث، فإنه يكون القول هنا قول المشتري مع حلفه، فعلى
البايع اثبات دعواه فيقال: إن الأصل عدم حدوث العيب الآخر في ملك
المشتري.
فيثبت الخيار بالموضوع المركب: أحدهما محرز بالوجدان والآخر
بالأصل، فإن الخيار ثابت على شراء المعيب مع عدم احداث الحدث
فيه، فشراء المعيب محرز بالوجدان، فعدم احداث الحدث محرز
بأصالة عدم حدوثه تحت يد المشتري، فلا يعارضه أصالة عدم حدوثه
في ملك البايع، فإنه لا يثبت حدوثه في ملك المشتري حتى يوجب
سقوط الخيار، بل هو يكون مثبتا بالملازمة العقلية كما هو واضح.
وهذا بخلاف العكس فإن الأثر وهو ثبوت الخيار يترتب على عدم
حدوث العيب في ملك المشتري، فإن المفروض أن الجزء الآخر محرز
بالوجدان كما هو واضح.
وعلى الجملة فإن كانت الدعوى راجعا إلى المشتري وهو يوجهها
إلى البايع، فالمسألة خارجة عن محل الكلام، وإن وجهها البايع إلى
المشتري فلها مجال واسع، فهي مربوطة بالمقام، أعني النزاع في
المسقط.
ومن هنا ظهر أن ما ذكره الشهيد في الدروس (1)، من أنه يحلف البايع إذا
كان نظره إلى الجهة الأولى، بحيث يكون المدعي هو المشتري، فلما
ذكره وجه وجيه، إلا أنه خارج عن المقام، وإن كان غرضه الجهة الثانية
فلا وجه له بوجه، لما عرفت أن البايع في الجهة الثانية هو المدعي
واليمين إنما يتوجه إلى المشتري دون البايع.

1 - الدروس 3: 288.
161

تفريق الشهيد (رحمه الله) بين النزاع في كون العيب متعددا وبين زيادة العيب
ثم إن الشهيد (رحمه الله) (1) قد فرق بين النزاع في كون العيب متعددا وبين
النزاع في زيادة العيب، حيث التزم في الأول بكون العيب كالمنفرد وأن
مرجع ذلك إلى النزاع في سبق العيب على العقد وعدمه فالأصل مع
البايع، فإن الأصل عدم سبق عيب على العقد فيحلف البايع والتزم في
الثاني، بأنه إذا ادعى البايع زيادة العيب عند المشتري وأنكر المشتري
احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن والزيادة موهومة، ويحتمل
حلف البايع اجراء للزيادة مجرى العيب الجديد - انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: لا وجه للفرق بين المقامين، فإن مرجع كليهما إلى شئ واحد،
فلا بد إما من تقديم قول البايع في كلا الموردين أو من تقديم قول
المشتري في كلا الموردين.
وتوضيح ذلك: أنه فيما كان النزاع في حدوث عيب آخر قد التزم
الشهيد بكون الحلف متوجها إلى البايع، وفي المقام أيضا كذلك، فإنه إذا
كان النزاع في أصل زيادة العيب بحيث يدعي المشتري ذلك ليأخذ
الأرش أكثر أو يرد المبيع لو سقط خيار بالنسبة إلى العيب الأول، فنقول
هنا أن الأصل عدم زيادة العيب، فيكون القول قول البايع.
فإن قيل إن الزيادة على نحو إذا كان العيب موجودا أي العيب الأول
كان موجودا مع الزيادة، فنقول هنا: إن مقتضى أصالة عدم الأزلي أيضا
هو عدم الزيادة، أي أن العيب إذا وجد وجد بدون الزيادة ومجردا عن
هذا الوصف، فيكون القول أيضا قول البايع، فلا مجال لاحتمال حلف
المشتري.

1 - الدروس 3: 289.
162

ومع الغض عن جريان الأصل الأول والبناء على عدم جريان الأصل
في الأعدام الأزلية فمقتضى الاستصحاب الحكمي هو عدم ترتب الأثر
على دعوى المشتري، فإن الأصل أنه لا يستحق الأرش أو الرد من ناحية
العيب الزائد.
وعلى هذا فلم يبق وجه لتقديم قول البايع بوجه.
4 - لو اختلف في البراءة
قوله (رحمه الله): الرابع: لو اختلف في البراءة.
أقول: ذكر المصنف (رحمه الله) أنه لو وقع الاختلاف في أن البايع تبرأ عن
العيب أم لم يتبرأ قدم منكر البراءة وهو المشتري غالبا، فإن الأصل عدم
التبري الحاكم على أصالة اللزوم.
ولكن ذكر أنه ربما يترائى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك، فإنه قال:
كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد،
فينادي عليه المنادي، فإذا نادي عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه
المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه، فإذا زهد فيه
ادعى عيوبا وأنه لم يعلم بها، فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول
المشتري: لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم
لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (عليه السلام): عليه الثمن - الخبر (1).
فإن المتوهم يتوهم أن الظاهر من هذه المكاتبة هو عدم قبول قول
المشتري بل لا بد وأن يعطي الثمن للبايع.

1 - التهذيب 7: 66، عنه الوسائل 18: 111.
163

أقول: يرد على هذا التوهم أن هذا الخبر أخص من مورد الكلام، فإن
المفهوم منه أن المشتري يدعي عدم السماع صوت الدلال بأني برئت من
جميع العيوب، فكلامنا في مطلق البراءة والمشتري ليس له شغل
بالبراءة وعدمها، وإنما يقول: إنا ما سمعت، هذا أولا.
وثانيا: ما ذكره المصنف من توجيه الرواية، من أن الحكم بتقديم قول
المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على
وجه يسمعه كل من حضر الشراء، فدعوى المشتري مخالفة للظاهر،
نظير دعوى الغبن والغفلة عن القيمة ممن لا يخفى عليه قيمة المبيع -
انتهى.
ولعل إلى هذا التوجيه ينظر كلام صاحب الكفاية (1) من جعل الرواية
مؤيدة لقاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر، بأن يكون مراده
عن المدعي هو المشتري لكون قوله مخالفا للظاهر، والمنكر هو البايع
لكون قوله موافقا له.
وأما ما ذكره صاحب الحدائق من أن المفهوم من مساق الخبر
المذكور أن انكار المشتري إنما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع وإلا
فهو عالم بتبري البايع، والإمام (عليه السلام) إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة،
حيث يعلم أنه مدلس، فحكمه (عليه السلام) من جهة خصوصية المورد (2).
وفيه أن مراد السائل ليس هو السؤال عن حكم العالم بالتبري المنكر له
فيما بينه وبين الله.
بل الظاهر من سياق السؤال هو استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع
من البايع أو المشتري بحسب المحاكمة الشرعية، على أن حكم العالم

1 - عنه الحدائق 19: 91.
2 - عنه الحدائق 19: 92.
164

بالتبري المنكر له معلوم لكل أحد، ومن هنا سؤال السائل بقوله:
أيصدق - الخ.
وأما ما ذكره الأردبيلي (1) من أنه لا يلتفت إلى هذا الخبر لكونه ضعيفا،
فهو متين جدا، فلا يتوجه إلى عدم التفاوت المصنف إليه.
وكذا لا وجه لما ذكره السيد في الحاشية (2)، من أن هذا الخبر مورد
العمل في غير هذا المقام لم نعرف له وجها، فإنه لو كان الخبر شاملا
لمضمون آخر غير هذا المضمون وكان منجبرا بعمل المشهور لذلك أو
بقرينة آخر، بناءا على انجبار ضعف الخبر بشئ فلا ربط له بالمقام، فإن
انجبار مقدار من الخبر لا يرتبط بالمقدار الآخر، كما هو واضح.
ثم إنه ذكر المصنف أنه بقي هنا اشكال آخر في الخبر، وهو أن براءة
المنادي من العيوب لا يجدي في سقوط خيار العيب، بل لا بد من اعتباره
في المتن العقد.
وفيه أنك قد عرفت سابقا أن مقتضى بناء العقلاء هو اعتبار وصف
الصحة في المبيع، بحيث يشترط المشتري على البايع أن يكون المبيع
صحيحا ومع التخلف يثبت الخيار للمشتري، ومن الواضح أن هذا
الاشتراط إنما هو في مورد لم تقم قرينة على عدم الاشتراط، سواء كان
قيام ذلك قبل العقد أو بعده.
وعليه فإذا تبرأ البايع من العيب ولم يكن هذا التبري في ضمن العقد
يكون تبريه هذا رفعا لالتزامه وقرينة على أنه لم يشترط في ضمن العقد
هذا الالتزام كما هو واضح، وعليه فلا يرد أن التبري حيث لم يكن في
ضمن العقد فلا يكون مفيدا، فافهم.

1 - قاله في شرح الإرشاد، عنه الحدائق 19: 92.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 91.
165

5 - لو ادعى البايع رضاء المشتري به بعد العلم
قوله (رحمه الله): الخامسة: لو ادعى البايع.
أقول: ذكر المصنف أنه لو ادعى البايع رضا المشتري به بعد العلم أو
اسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري
لأصالة عدم هذه الأمور، ثم ذكر أنه لو وجد في المعيب عيب - الخ، وقد
تقدم هذه المسألة منه، وذكر كلام الشافعي هناك، كما أشار إليه السيد
في حاشيته، فلا وجه للتكرار (1).
3 - الاختلاف في الفسخ
قوله (رحمه الله): وأما الثالث ففيه مسائل: الأولى: لو اختلفا في الفسخ فإن كان
الخيار باقيا فله انشاؤه.
1 - لو اختلفا في الفسخ وعدمه
أقول: لو وقع الاختلاف بين البايع والمشتري في الفسخ وعدمه،
فتارة يقع ذلك قبل مضي زمان الخيار وأخرى بعده.
وأما الكلام في الجهة الأولى بأن يدعي المشتري تحقق الفسخ منه
قبل أن ينقضي زمان الخيار وقبل طرو المسقط والبايع ينكره، فتارة
ينشئ المشتري الفسخ ثانيا، وأخرى لا ينشئ ذلك.
فعلى الأول لا شبهة في تحقق الفسخ جزما للعلم الوجداني بأنه إما
حصل الفسخ بالانشاء الأول أو الثاني، فيكون القول قول المشتري،

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 95.
166

ودعوى أن الفسخ الثاني لا تأثير له على زعم المشتري فإنه يدعي الفسخ
الأول جزافية، حيث إن الفسخ الثاني يكون مؤثرا على زعم البايع المنكر
للفسخ أو لا.
هذا إذا أنشأ المشتري الفسخ ثانيا، وأما إذا لم ينشأ الفسخ ثانيا فهل
يمكن له اثبات الفسخ الأول والحكم بانفساخ العقد أم لا، الظاهر هو
امكان ذلك بوجهين:
1 - من جهة القاعدة المعروفة: أن من ملك شيئا ملك الاقرار به، حيث إن المشتري مالك للفسخ، فهو مالك للاقرار به أيضا، وهذه القاعدة وإن لم ترد من الروايات ولكن قد تسالموا عليها، فإن ذلك أمر وجداني
وعقلائي وضروري، فإن المالك لشئ مالك لجميع شؤونه، كما هو
واضح.
ونظير ذلك ما إذا أقر الزوج بطلاق زوجته فإنه يسمع اقراره بذلك وإن
أنكرته الزوجة، فإن الزوج مالك للطلاق، فيكون مالكا للاقرار به أيضا.
2 - أن يكون دعوى المشتري الفسخ وإخباره عن ذلك بنفسه فسخا
للعقد، وتوضيح ذلك: أن الأخبار وإن كان غير الانشاء وأن كلا منهما
يبائن الآخر، ولكن المشتري إذا أخبر عن فسخه للعقد، فاخباره هذا يدل
بالملازمة على كونه راضيا بالفسخ، ومن الواضح أن الفسخ ليس إلا الرضا
بانفساخ العقد واظهاره بمظهر في الخارج، واخبار المشتري بالملازمة
تكشف عن رضاه بالفسخ، فيكون اخباره عن الفسخ بنفسه مصداقا للفسخ
بهذا المعنى، لا أن الاخبار بنفسه انشاء، بل كما عرفت فيه جهتان
ودلالتان: دلالة مطابقية ودلالة التزامية، فالاخبار بالدلالة الالتزامية
انشاء ومصداق للكشف كما عرفت.
167

ولعل هذا هو مراد الشهيد (1) من دعواه كون اخبار المشتري عن الفسخ
بنفسه مصداقا للفسخ، وإلا فالشهيد لا يدعي عن أن الاخبار انشاء.
ونظير ذلك ما إذا أخبر الزوج عن رجوعه سابقا إلى الزوجة، فإن
اخباره هذا يدل بالملازمة على تحقق الرجوع بالفعل، وأن هذا الاخبار
يكشف عن الرضا الفعلي بالرجوع كما هو واضح.
وقد ورد في بعض الأخبار أن من أخبر بعتق (2) مملوكه ثم جاء العبد
يدعي النفقة على أيتام الرجل وأنه رق لهم (3)، فالوجه في ذلك هو أن
دعواه النفقة على الأيتام بالملازمة تدل على كونه رقا لهم كما هو واضح.
وعلى الجملة إذا اختلفا البايع والمشتري في الفسخ وعدمه قبل
مضي زمان الخيار فيكون القول قول المشتري، سواء أنشأ المشتري
الفسخ ثانيا أم لم ينشئ كما عرفت.
وأما إذا كان الاختلاف بعد مضي زمان الخيار، بأن ادعى المشتري
الفسخ قبل تلف العين والبايع ينكر ذلك، وحينئذ فالقول قول البايع

1 - الدروس 3: 278.
2 - كذا في مكاسب الشيخ الأعظم (رحمه الله)، الظاهر أن نظره إلى ما نذكر بعيد هذا فيمن أقر ببيع
مملوكه ثم جاء وادعى الرقية، وإلا فلم نجد في العتق على ما وصفه بعد الفحص، فيكون لفظ
العتق غلطا من النسخة أو سهوا من القلم بدلا عن لفظ البيع - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
3: 95.
3 - عن عبد الله الكاهلي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان لعمي غلام فأبق فأتى الأنبار،
فخرج إليه عمي ثم رجع، فقلت له: ما صنعت يا عم في غلامك؟ قال: بعته، فمكث ما شاء الله،
ثم إن عمي مات فجاء الغلام، فقال: أنا غلام عمك وقد ترك عمي أولادا صغارا وأنا وصيهم،
فقلت: إن عمي ذكر أنه باعك، فقال: إن عمك كان لك مضارا وكره أن يقول لك فتشمت به وأنا
غلام بنيه، فقال: صدق عمك وكذب الغلام، فأخرجه ولا تقبله (التهذيب 7: 237، عنه
الوسائل 18: 281)، ضعيفة.
168

وللمشتري اثبات ذلك من بينة ونحوها، فعلى هذا فإن ادعى المشتري
علم البايع بالفسخ وأنه يعلم به فيتوجه الحلف على البايع ووجب عليه
أن يحلف على عدم علمه بالفسخ لا على نفي الفسخ واقعا فإنه فعل
المشتري، فيمكن أن يقع بغير اطلاع قبل البايع كما هو واضح، وإذن
فالحلف من البايع إنما هو على عدم علمه بفسخ المشتري لا على نفي
الواقع.
وأما إذا انعكس الأمر بأن ادعى البايع الفسخ ليأخذ مثل العين لترقي
القيمة وادعى المشتري عدمه، فحينئذ يتوجه الحلف إلى المشتري
دون البايع، ولكن لا بد له أي للمشتري أن يحلف على نفي الفسخ واقعا،
فإنه فعل المشتري فهو عالم بفعله واقعا، فإذا حلف فلا بد وأن يحلف
على نفي الفسخ واقعا.
إذا لم يقدر المشتري على اثبات الفسخ
ثم إنه إذا لم يقدر المشتري على اثبات الفسخ، إما لعدم دعواه علم
البايع به وعدم إقامة البينة على مدعاه، أو من جهة أنه مع دعواه علم
البايع بذلك، فحلف البايع على عدم علمه بالفسخ، فهل للمشتري
مطالبة الأرش أم لا؟
فذكر المصنف فيه وجهين: الأول ثبوته لئلا يخرج من الحقين، الثاني
عدم ثبوته لإقراره بالفسخ، وزاد في الدروس (1) أنه يحتمل أن يأخذ أقل
الأمرين من الأرش وما زاد على القيمة من الثمن إن اتفق، لأنه بزعمه
يستحق استرداد الثمن ورد القيمة، فيقع التقاص في القيمة ويبقى قدر
الأرش مستحقا على التقديرين.

1 - الدروس 3: 278.
169

والوجه فيما أفاده الشهيد (رحمه الله) هو أن الثمن إذا كان زائدا على القيمة
بمقدار التفاوت ما بين المعيب والصحيح فيأخذ المشتري ذلك التفاوت،
وإن كان الأرش زائدا عنه فيأخذ التفاوت ما بين المعيب والصحيح، وإن
كان التفاوت زائدا عن الأرش فيأخذ الأرش لأنه هو القدر المتيقن.
وهذا الذي أفاده الشهيد له وجه إذا كان المشتري يطالب الأرش، فإنه
يلتزم البايع على الأرش على زعمه، وحيث لم يكن الأرش ثابتا بزعم
المشتري بل التفاوت، فيجبر البايع على اعطاء أقل الأمرين من التفاوت
أو زيادة الثمن، وأما إذا لم يطالب الأرش فلا وجه لذلك، لما عرفت أن
الأرش إنما يثبت بالمطالبة لا بمجرد العقد، وإلا لكان البايع مشغول
الذمة به على تقدير عدم الاعطاء، وأيضا كان له أن يرد مقدارا من الثمن
لا أن يعطي من كل ما يريد كما هو واضح.
2 - لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت
قوله (رحمه الله): الثانية: لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت بناءا على فورية
الخيار.
أقول: ذكر المصنف أنه لو وقع الاختلاف في تأخر الفسخ عن زمان
الخيار بأن يكون الفسخ بعد تلف العين أو كونه في زمان الخيار، ذكر أنه
في تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد وعدم حدوث الفسخ في أول
الزمان أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ وجهان.
وهذا الذي ذكره المصنف لا يخلو عن المسامحة، فإنه جمع في
كلامه بين الأصل الموضوعي، وهو عدم كون الفسخ في زمان الخيار،
والأصل الحكمي، وهو بقاء العقد أي الملكية، حيث إن المصنف
عطف الثاني على الأول، فإن الاستصحاب الحكمي وإن كان يترتب عليه
170

الأثر، بناءا على جريانه ومع الغض عما بيننا عليه في الأصول من عدم
جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، إلا أنه لا مجال له بعد
جريان الاستصحاب الموضوعي.
ثم ذكر المصنف أنه لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد
مع الاتفاق على زمان الفسخ، ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ
وجه، يضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلى أصالة عدم
تقدمه على الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول
الزمان.
ثم ذكر: وهذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة
المطلقة وادعت هي تأخرها.
بحث فيما إذا كان هناك حادثان ويشك في تأخر أحدهما وتقدم الآخر
أقول: هذه المسألة سيالة في غير هذا المورد مما كان هناك حادثان
ويشك في تأخر أحدهما وتقدم الآخر وبالعكس، مثلا لو شك في أن
التفرق في خيار المجلس أنه وقع بعد الفسخ أو قبله، أو الفسخ في خيار
الحيوان أنه وقع قبل ثلاثة أيام أو بعده، وهكذا إذا شك في أن القبض في
الصرف والسلم وقع قبل التفرق أو بعده.
وهكذا لو وقع الشك في أن الصلاة وقعت قبل الحدث ليحكم
بصحتها أو بعده ليحكم ببطلانها مع العلم بكون المصلي مطهرا، وهذا
المثال فيما لم يكن مورد لقاعدة الفراغ من جهة انتفاء شرط من شروطها،
ككونه غافلا في حال الصلاة بحيث يكون استصحاب الطهارة جارية،
وأما مع فرض جريان قاعدة الفراغ فلا موضوع للشك في صحة الصلاة،
والاحتياج إلى الاستصحاب كما هو واضح.
171

ومن هذا القبيل أيضا ما ذكره المصنف من وقوع الرجوع في العدة
الرجعية قبل انقضاء العدة أو بعدها، وكذلك إذا وقع الشك في أن بيع
الراهن العين المرهونة هل وقع قبل رجوع المرتهن عن الإذن أو بعده.
ففي هذه الموارد كلها يجري ما ذكره المصنف، من أن الأصل عدم
كون الفسخ واقعا في زمان الخيار، فيترتب عليه بطلان الفسخ وأن الأصل
عدم وقوع الرجوع في زمان العدة، فيترتب عليه بينونة الزوجة، وأن
الأصل عدم وقوع بيع الراهن قبل رجوع المرتهن، فيترتب عليه بطلان
البيع، وأن الأصل عدم وقوع الفسخ في زمان المجلس وفي ثلاثة أيام،
فيترتب عليه عدم تأثير الفسخ، وأن الأصل عدم وقوع الصلاة في حال
الطهارة فيترتب عليه بطلان الصلاة وهكذا.
وذكر بعضهم أن الأصل هنا يقتضي عكس ما ذكره المصنف، وأنه
لا بد من الحكم بتأثير الفسخ، وصحة بيع المرتهن، وصحة الصلاة، لا من
جهة ما ذكره المصنف من اجراء أصالة الصحة هنا في الفسخ، لجريان
المناقشة في هذه القاعدة كما أشار إليه السيد في الحاشية (1) وذكرناه
مرارا، بل من جهة أن الموضوع المركب إذا أحرز أحد جزئيه بالأصل
والآخر بالوجد أن يترتب عليه الأثر.
والقضية في الموارد المذكورة كذلك، حيث إن الفسخ مثلا محرز
بالوجدان وزمان الخيار محرز بالأصل، وحينئذ فيترتب عليه الأثر،
وهو كون الفسخ في زمان الخيار، وكذلك أن الصلاة متحققة وجدانا
والطهارة محرزة بالأصل، وهكذا أن البيع محرز بالوجدان وإذن المرتهن
محرز بالأصل، وهكذا بقية الموارد، وإذن فيترتب الأثر على الفسخ في
المقام وكذا في نظائره.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 95.
172

ودعوى أن الأصل يعارضه أصل آخر هنا، وهو أصالة عدم الفسخ
إلى ما بعد الانقضاء أو المسقط فاسدة، حيث إن أصالة عدم تحقق الفسخ
إلى ما بعد الانقضاء لا يثبت كون الفسخ بعد زمان الخيار الذي هو مورد
للأثر إلا على القول بالأصل المثبت الذي أثبتنا في الأصول عدم جريانه
كما هو واضح.
لا يقال: إنه لا مدفع لمعارضة الأصلين المذكورين، ولا تصل النوبة
إلى دفع الأصل المعارض بكونه مثبتا لا يترتب الأثر عليه، وذلك لأن
أصالة عدم تحقق الفسخ المقيد بكونه في زمان الخيار يرفع الموضوع
المركب ولا يترتب عليه الأثر، وكذلك أصالة عدم وقوع الصلاة مع
الطهارة، وأصالة عدم وقوع البيع مع إجازة المرتهن، وأصالة عدم كون
رجوع الزوج في حال العدة الرجعية وهكذا.
فإنه يقال: إن هذا الكلام له وجه إذا كان الموضوع هو الأمر الموجودي
أعني عنوان الاقتران أو عنوان التقيد، فإنه ينفي هذا العنوان الوجودي
بالأصل المذكور، ويقال: إن الأصل عدم التقيد وعدم الاقتران، وحينئذ
لا يترتب الأثر عليه، ولكن الأمر ليس كذلك، حيث إن الموضوع في
الموارد المذكورة إنما هو ذوات الأجزاء أي الفسخ وكونه في زمان
العقد، وأما عنوان الاجتماع أو الاقتران أو التقيد فليس موضوعا للحكم
أصلا.
وعليه فلا شبهة أن ذوات الأجزاء بعضها محرز بالوجدان وبعضها
محرز بالأصل وبحكم الشارع، وهذا الأصل المذكور لا يكون معارضا
لما ذكر من جريان الأصل في الموضوع المركب (1).

1 - على أن ما ذكره المستشكل من جريان الأصل في نفي عنوان الاقتران والاجتماع إنما
هو خلف الفرض حيث إن المفروض جريانه في المركب، وما ذكره اجراء له في العنوان البسيط
كما هو واضح - منه (رحمه الله).
173

الظاهر هو التفصيل بين ما ذكره المصنف وبين ما ذكره هذا القائل.
أقول: وتوضيح ذلك أنه إن كان الشك في السعة والضيق في
المستصحب فالأمر كما ذكره هذا القائل، وإن كانت السعة والضيق
محرزين وكان الشك من جهة أخرى، فالأمر كما ذكره المصنف، وبيان
ذلك أنه:
إذا علم بعد الصلاة بأنه أحدث حدثا بعد الطهارة ولكن لا يدري أنه
وقع بعد الصلاة أو قبلها، فإن مرجع ذلك إلى الشك في سعة الطهارة
حتى إلى ما بعد الصلاة وضيقها وكونها قبل الصلاة فقط، وحينئذ نقول
إن الصلاة متحققة وجدانا والطهارة نستصحبها إلى آخر الصلاة،
ويحكم بصحتها ووقوعها في حال الطهارة وجدانا، إذ الصلاة واقعة
وجدانا والطهارة ثابتة إلى آخر الصلاة بحكم الشارع، فتكون الصلاة
واقعة في حال الطهارة وجدانا كما هو واضح.
وهذا نظير ما إذا شك في بقاء الطهارة فاستصحب وأبقاها وصلى
بذلك، فهل يتوهم أحد بطلان ذلك الصلاة، وكذلك في المقام،
ولا معنى لمعارضة هذا الأصل بأصالة عدم وقوع الصلاة في حال
الطهارة كما عرفت، إذ المراد من ذلك الأصل هو الأصل الجاري في
الجزء، وهو عدم وقوع الصلاة إلى انقضاء الطهارة، وقد عرفت أنه مثبت.
وإن كان المراد من ذلك الأصل هو المجموع المركب أي الصلاة
المقيدة بالطهارة مثلا، فقد عرفت أنه لا يجري في المجموع المركب من
جهة عدم كون المجموع بعنوان المجموع موضوعا للحكم كما هو
واضح.
174

بيان آخر للمسألة الثانية
والحاصل أن الكلام كان في الاختلاف في فورية الخيار وعدمها،
وقد ذكر المصنف أنه لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت بناءا على
فورية الخيار، ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد وعدم
حدوث الفسخ في أول الزمان، أو مدعي عدمه لأصالة الصحة وجهان.
أقول: قد عرفت أن هذا البحث سيال وليس مخصوصا بالمقام، بل
يجري في كل حادثين في زمان واحد يشك في تقدم أحدهما على الآخر
وعدمه، كموت المورث واسلام الوارث، وكبيع الراهن ورجوع
المرتهن عن إذنه، وكالفسخ والتفرق في خيار المجلس، بل يجري في
متعلقات التكاليف أيضا كالصلاة والطهارة ونحوهما، ويجري كلام
المصنف في جميع ذلك، من أن الأصل عدم تحقق الفسخ في زمان
الخيار، وأن الأصل عدم وجود الصلاة في حال الطهارة وهكذا.
وقد عرفت أنه ذكر بعضهم عكس ذلك والتزم بأن الموضوع في أمثال
الموارد مركب من جزئين: أحدهما ثابت بالأصل، والآخر ثابت
بالوجدان، فيترتب عليه الأثر، ولا يكون أصالة عدم وقوع الفسخ مثلا
في زمان الخيار معارضا لذلك الأصل، لأن الموضوع هو ذات الجزئين
وكونهما في زمان واحد، وأما عنوان التقيد فليس موضوعا للحكم حتى
ينفى بالأصل، فراجع إلى ما ذكرناه مفصلا قبل هذا.
التحقيق في المقام
والتحقيق هو التفصيل في المقام والقول بجريان الأصل في بعض
الموارد وبعدم جريانه في بعض الموارد الأخر أصلا فضلا عن
المعارضة.
175

وتوضيح ذلك: أن موضوع الحكم في الحادثين قد يكون زمانيين
بذاتهما من غير أن يلاحظ اجتماعهما وتقيد أحد الحادثين بالآخر، وقد
يكون موضوع الحكم هو ذات الزمان والزماني من غير تقيد أحدهما
أيضا بالآخر، وقد يكون هذه الصورة أيضا مقيدا أحدهما بالآخر بحيث
يكون موضوع الحكم هو وقوع الحادث في ذلك الزمان.
الصورة الأولى
فلا شبهة في جريان الأصل في أحد الجزئين إذا أحرز الجزء الآخر
بالوجدان ويترتب عليه الأثر، والمقام من هذا القبيل، حيث إن موضوع
الحكم إنما هو ذات الفسخ وذات الخيار بحيث يكون هذان الجزءان
مجتمعين، من غير أن يكون عنوان الاجتماع قيدا للموضوع، وإنما
الموضوع هو نفس الأجزاء، ولا يستفاد من الأدلة إلا أن الفسخ في زمان
الخيار يؤثر، أما أن الزمان أيضا دخيل في الحكم فلا، بل موضوع الحكم
إنما هما الجزءان الزمانيان، وهو الفسخ والخيار، وأنهما بذاتهما مركبا
موضوع للحكم.
وكذلك الصلاة والطهارة، فإن الصحة مترتبة على الصلاة الواقعة مع
الطهارة من غير أن يكون زمان الطهارة دخيلا في موضوع الحكم، فإنه
مثل ذلك، فأحد الجزئين إذا كان محرزا بالوجدان والجزء الآخر بالأصل
يترتب عليه الحكم، فإن اللازم إنما كون المصلي متطهرا.
ومن الواضح أن الصلاة قد تحققت جزما ووجدانا، فلا معنى لاجراء
الأصل فيها والقول بأنها لم تتحقق، والجزء الآخر أعني الطهارة فقد
أحرزها بالأصل فيكون المصلي متطهرا بالتعبد ويكون وقوع الصلاة في
حال الطهارة أيضا وجدانيا، غايته في الطهارة التعبدية كما هو واضح،
176

ولا دليل هنا يقتضي لزوم وقوع الصلاة في زمان الطهارة حتى يقال إن
هذا القيد إنما ينفى بالأصل فيكون الأصلان معارضين.
ولا يبعد أن يكون خيار المجلس أيضا من هذا القبيل، وأن الزمان غير
دخيل في ثبوت الحكم، وإنما الموضوع هو ذات المجلس والفسخ
واقتران نفس ذاتهما، من غير أن يكون وقوع الفسخ في المجلس
موضوعا للحكم، بل هو أمر انتزاعي من تحقق هذين الجزئين، فإذا شك
في أن الفسخ هل وقع قبل التفرق أو بعده فنقول: إن ذات الفسخ قد تحقق
وجدانا وعدم التفرق أعني الاستصحاب العدمي، أو نفس المجلس
أعني الاستصحاب الوجودي نثبته بالأصل فيترتب عليه الأثر، وهو تأثير
الفسخ في هدم العقد، وأما كون الفسخ واقعا في زمان المجلس فلم يثبت
ذلك من الدليل بوجه.
ومن هذا القبيل أيضا بيع الراهن مع رجوع المرتهن والشك في أن
الرجوع وقع قبل البيع أم بعده، فإن ما هو موضوع الحكم هو وجود الإذن
وتحقق البيع، وأن نفس اجتماع ذات هذين الأمرين موضوع للحكم،
وأما وقوع البيع في زمان الإذن فليس موضوع للحكم ولا يظهر من الأدلة
مدخلية الزمان في ذلك.
ومن هذا القبيل ما تقدم من الصلاة والطهارة المتيقنة مع الشك في أن
الحدث هل وقع قبل الصلاة أم بعدها، كيف فهي مثل الطهارة المشكوكة
المسبوقة بالطهارة المتيقنة، فإنه إذا أبقاها المكلف وصلى بها فهل
يتوهم أحد أن الأصل عدم وقوع الصلاة في حال الطهارة، ومن الواضح
أنه لا فرق بين هذا وبين المقام.
والحاصل أن في كل مورد حدث حادثان وشك في تقدم أحدهما
على الآخر وعدمه ولم يكن الزمان دخيلا في موضوع الحكم، بل كان
177

الموضوع ذات الجزءان اللذان يجتمعان ويقترنان من غير كون التقارن
أيضا دخيلا في الموضوع أمكن اثبات الحكم، لترتبه على موضوع
مركب قد حصل أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد، ولا يمكن نفي
وقوع أحدهما في زمان تحقق الآخر بالأصل، لأن التحقق وجداني، لأن
تحقق الجزء الوجداني في حال تحقق الآخر بالتعبد وجداني، وعنوان
وقوعه في زمان الآخر ليس موضوعا للحكم، بل هو أمر انتزاعي كما هو
واضح لا يخفى.
الصورة الثانية
وأما إذا كان أحد الجزئين زمانيا والآخر زمانا من غير اعتبار وقوع
الجزء الزماني في الزمان في موضوع الحكم، فإنه أيضا يترتب الحكم
على الموضوع المركب الثابت أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل،
لأن ما هو موضوع الحكم تحقق الزمان والزماني معا واجتماعهما
بذاتهما.
وأما عنوان وقوع الزماني في الزمان أو الطرفة أو غير ذلك، فليس
بموضوع للحكم أصلا، وهذا كخيار الحيوان، فإنه إذا فسخ المشتري
العقد ووقع الخلاف في أنه هل وقع الفسخ في ضمن الثلاثة أو بعدها فإنه
يحكم بكونه في ضمني الثلاثة، وذلك لأن موضوع الحكم إنما هو الفسخ
في ضمني الثلاثة وقبل تمامها، ومن المعلوم أن الفسخ قد تحقق وجدانا
وعدم انقضاء الثلاثة أو بقاء هذا الزمان محرز بالأصل، فيتم الموضوع
المركب أحد الجزئين بالأصل والآخر بالوجدان.
وعلى هذا فلا معنى لنفي وقوع الفسخ في الثلاثة بالأصل لعدم كون
ذلك موضوعا للحكم، وإنما الموضوع ذات هذين الجزئين، وقد عرفت
أن أحدهما محرز بالأصل والآخر بالوجدان، فكما أن الفسخ وجداني
178

وكونه في الثلاثة أيضا وجداني، وإن كانت الثلاثة ثابتة بالتعبد، وليس
هنا عنوان وقوع الفسخ في الثلاثة موضوعا للحكم حتى ينفى بالأصل بل
ذات الفسخ قبل تمام الثلاثة، وقد عرفت أن ذات الفسخ في الثلاثة
وجدانية.
ومن هذا القبيل أيضا الصلاة والصوم على ما ذكرناهما في محلهما،
فإن الظاهر من الأخبار ومن قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل (1)، وكذا في قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل (2)، هو أن
الامساك إنما هو لا بد وأن يكون قبل الليل والصلاة إنما هي أداء قبل
خروج النهار، وأن الظاهر من قوله تعالى: كلوا واشربوا حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود (3)، هو أن الأكل لا بد وأن يكون قبل ذلك،
وهذا هو موضوع الحكم.
فإذا أمسكنا وصلينا أو أكلنا في شهر رمضان وشككنا في أن النهار باق
حتى لا يجوز الافطار أو تكون الصلاة أداءة أم لا، أو الأكل وقع قبل
الفجر أم لا، فإنه لا شبهة أن الصلاة واقعة وجدانا وكذلك الامساك
والأكل وبقاء الليل أو النهار نثبته بالاستصحاب الوجودي، بأن يقال:
الأصل بقاء الليل أو النهار، أو بالاستصحاب العدمي، ويقال: الأصل
عدم بقاء النهار أو الليل، فليتم الموضوع المركب فيترتب عليه الحكم.
وأما عنوان وقوع الصلاة في النهار أو الامساك كذلك فليس موضوعا
للحكم حتى ينفى بالأصل، ويكون هذا الأصل معارضا بالأصل الذي
يثبت الموضوع، هذا أيضا واضح.

1 - الاسراء: 78.
2 - البقرة: 178.
3 - البقرة: 178.
179

ومن هذا القبيل أيضا رجوع الزوج مع الشك في أنه وقع في العدة أم
لا.
الصورة الثالثة
وأما القسم الثالث، وهو أن يكون الموضوع هو الحادثان، وكان
أحدهما زمانا والآخر زمانيا مع اشتراط وقوع الزماني في الزمان، فإنه
حينئذ لا يجري هنا أصلا، لا أنه يجري ويكون معارضا مع الأصل
الجاري في استصحاب نفس الزمان، وذلك لأن استصحاب الزمان
لا يثبت وقوع الحادث في الزمان المستصحب إلا على القول بالأصل
المثبت.
وعلى الجملة فالأصل في الشق الثالث ليس بجار في نفسه، لعدم
ترتب الأثر عليه، لا أنه يجري ويكون معارضا بأصالة عدم وقوع
الحادث في ذلك الزمان المستصحب، فافهم.
وقد ذكرنا في تنبيهات الاستصحاب في تنبيه جريان الاستصحاب في
الزمان والزماني ما ينفعك هنا، فراجع (1).
ومن هنا يظهر أنه لو شك في بقاء وقت الخيار ابتداء وعدم بقائه
فاستصحب ذو الخيار وفسخ كان فسخه ماضيا، وليس لأحد أن يقول إن
الأصل عدم وقوع الفسخ كما هو واضح.
ومن هنا اتضح أيضا أنه لا فرق بين كون الحادثين مجهولي التاريخ وبين
كونهما معلومي التاريخ كما هو واضح، وأما اثبات الحكم بالصحة
بأصالة الصحة كما ذكره المصنف وجها في المقام فهو أيضا ضعيفة.

1 - مصباح الأصول 3: 123.
180

والوجه فيه أن أصالة الصحة في فعل الغير لا دليل عليها مطلقا، إذ
الدليل إنما هو فيما إذا كان من العقود، فإنه قامت السيرة القطعية على
جريانها فيها، وأما في غيرها فلا دليل عليها.
وأما القول بها لقوله (عليه السلام): ضع فعل أخيك على أحسنه (1)، فقد
ذكرنا مرارا أن معناه أن ما صدر عن المسلم فكان له وجهان: وجه صلاح
ووجه فساد، ضعه على الصلاح ولا تعامل معه معاملة الفاسق، لا أنه
يترتب عليه آثار الصدق أيضا كما هو واضح، فافهم، وأيضا أن مورد
أصالة الصحة هنا مشكوك.
3 - لو ادعى المشتري الجهل بالخيار
قوله (رحمه الله): لو ادعى المشتري الجهل بالخيار.
أقول: ذكر المصنف أنه لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته
بناءا على فوريته سمع قوله إن احتمل في حقه الجهل للأصل، ثم ذكر
التفصيل بين الجهل بالخيار فلا يعذر الانشاء في بلد لا يعرفون الأحكام
ولو ادعى الجهل بالفورية فيعذر مطلقا، لأنه مما يخفى على العامة.
أقول: قد يقال إنه لا وجه لتقييد الفورية بالعلم بالفورية، بحيث يكون
مدعي ذلك معذورا، وذلك لأنه يعقل أن يكون العلم بالحكم مأخوذا في
موضوعه.
فهل يتوهم أحد أنه لو ادعى أحد أن خيار الحيوان مقيد بعلم من له
الخيار بزمانه، وكذا خيار المجلس بل الخيار إنما ثبت بالأدلة الدالة على

1 - عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام
له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (الكافي 12: 302، عنه الوسائل 12: 302)، ضعيفة.
181

أن الخيار إنما ثبت في ذلك الزمان، فإذا انقضى ذلك الزمان لا يكون له
الخيار.
ودعوى أن خيار العيب إنما يثبت بظهور العيب فلا مانع أن يكون
فوريته مقيدة بعلم من له الخيار، قياس مع الفارق، حيث إن موضوع خيار
العيب مقيد بظهور العيب، كما في رواية زرارة، ثم علم به أي بالعيب،
وهذا بخلاف المقام، فإن العلم يكون قيدا للحكم فيكون الحكم ثابتا في
حق من هو عالم بالعيب كما هو واضح.
ولكن الظاهر أن ما أفاده المصنف صحيح متين، وذلك لأن دعوى
فورية الخيار لا يتوقف على تقييد فورية الخيار بالعلم بالفورية، وذلك
من جهة أن المدعي لا يدعي ذلك بل يقول - على ما تقدم سابقا وإن
ناقشنا فيه - أن خيار العيب أبدي، ولكن التأخير مع العلم به يكشف عن
رضاء ذي الخيار بالعقد فيكون موجبا للاسقاط، فالمرجع في ذلك إلى
دعوى المسقط لا أن المقتضي للخيار قاصر، بل المقتضي قضى ذلك إلى
الأبد ولكن التأخير وعدم الفسخ عن عمل يكشف عن الرضا المسقط
وعليه يكون فوريا.
وعلى هذا فإذا لم يعلم به إلا بعد مدة كان الخيار ثابتا في حقه على هذا
المبنى أيضا، وإن ناقشنا فيه سابقا، فإذا علم بالفورية مع علمه بالخيار
يكون له الخيار حين العلم به، وإذا أخر عن ذلك يكون ذلك موجبا
للاسقاط كما هو واضح.
182

القول في ماهية العيب
قوله (رحمه الله): القول في ماهية العيب وذكر بعض أفراده.
أقول: حيث إن لفظ العيب والعوار قد ورد في أخبار خيار العيب، فقد
تصدي الفقهاء (رحمهم الله) لبيان ذلك، فقد ذكر في الصحاح على ما حكي عنه أن
العوار هو العيب.
وأما العيب، فذكر المصنف أن الظاهر من اللغة والعرف أنه النقص عن
مرتبة الصحة المتوسطة بينه وبين الكمال، ثم ذكر أن الصحة ما يقتضيه
أصل الماهية المشتركة لو خلي وطبعه، والعيب والكمال يلحقان له
لأمر خارج عنه.
ثم ذكر أن الميزان في معرفة مقتضى حقيقة الشئ هو أن حقيقة هذا
الشئ قد تعرف من الخارج كما يعرف أن مقتضى حقيقة الحيوان
والانسان أن يكون بصيرا، فالعمى عيب فيهما، ولا بد أن يكونا سميعا
والخرس عيب فيهما، وهكذا، ويعلم من الخارج أيضا أن الكتابة كمال
في الانسان وليس مقتضى الطبيعة الأولية كونه كاتبا أو ذي صنعة كما هو
واضح، وكذلك الطبخ في الأمة فإنه من الأوصاف الكمالية فلا يكون
فقدانها عيبا فيهم.
وقد يعلم مقتضى حقيقة الشئ بملاحظة غلبة الأفراد بحيث إذا
لوحظ في الخارج أغلب أفراد الانسان نجدهم على هذا الوصف،
ونكشف من ذلك أن مقتضى الطبيعة الأصلية هو كون الانسان على هذا
الوصف وكذا الحال في غير الانسان.
183

وأما كون الأفراد النادرة على خلاف هذا الوصف فهو لا يقتضي
أن يكون على طبق مقتضى الطبيعة الأولية بل هو عيب في تلك الأفراد
النادرة، وإن تخلف الوصف الموجود في غالب الأفراد من الأفراد النادرة
لعارض فيكون عيبا، والوجه استكشاف العيب من ذلك الغلبة مع أنه
لا يكون الجزئي كاشفا عن حال جزئي آخر هو أن ملاحظة الأغلب
ووجد أنه على وصف خاص كاشف عن اتصاف القدر المشترك بذلك
الوصف، فيستدل من الأغلب إلى القدر المشترك ويحكم به على كون كل
فرد كذلك بحسب الطبيعة الأولية.
ومن هنا ظهر أن مقتضى الخلقة الأصلية قد يكون على خلاف ما
يقتضيه طبع الشئ أولا.
توضيح في مقتضى الخلقة الأصلية
وتوضيح ذلك: أن طبع الشئ قد يكون مقتضيا لكونه على وصف
خاص بحسب خلقته الأصلية ولكن تعرضها طبيعة ثانية غلبة فيقتضي
حالة على خلاف تلك الحالة الأولية، فيكون المدار على الطبيعة الثانوية،
فيكون المناط في كون فقدان وصف عيبا أو غير عيب بحسب تلك الحالة
الثانوية.
وقد مثل المصنف لذلك بالضيعة، فإنها بحسب طبيعتها الأولية
يقتضي أن لا يكون فيها خراج أصلا، فيكون ثبوت الخراج في أرض
خاصة عيبا، ولكن حيث كان أغلب أفراد الأرض قد ثبت فيها الخراج
فنكشف من ذلك أن الخراج ليس من العيوب بل عدم الخراج كمال في
الأرض، فإذا كان هناك أرض قد أسقط سلطان الوقت خراجه وضريبته
لجهة خاصة فيكون ذلك كمالا لذلك، لا أن ثبوته في مورد آخر يكون
عيبا.
184

وعلى هذا فلا بد من ملاحظة هذه الطبيعة الثانوية، فإذا كان فرد قد
تخلف فيه وصف كمال فيه ونقص عن تلك الطبيعة الثانوية فيكون ذلك
عيبا، كما إذا كان الخراج في بعض أفراد الأرض أكثر من غالب أفرادها،
فإنه حينئذ يكون ذلك عيبا في هذه الأرض.
وعلى الجملة فإذا تعارض مقتضى الحقيقة الأولية وما يقتضيه طبع
الشئ أولا مع حال أكثر أفراد هذه الطبيعة بحسب الغالب، يكون الثاني
مقدما على الأول، ولذا لم يكن الخراج في غالب الأرض عيبا فيها بل
زيادتها في بعض الأفراد على خلاف الأغلب عيب فيه، كما هو واضح.
ثم ذكر أن هذا هو الوجه في عدم كون الثيبوبة عيبا في الأمة البالغة، إذ
أغلب أفراد الإماء والجواري المجلوبة من أرض الشرك أن تكون ثيبة،
ولذا ذهب أكثر الفقهاء أيضا إلى عدم كون ذلك عيبا في الجارية.
ومن هنا اتضح أيضا أنه لا بد من ملاحظة الأغلبية الموجبة لتشكيل
حقيقة ثانوية بحسب كل صنف صنف، فلا يجوز قياس الأغلبية في
صنف إلى صنف آخر، وعلى هذا فالثيبوبة ليست عيبا في الجارية
الكبيرة، ولكنها عيب في الصغيرة، إذ أغلب أفرادها ليست ثيبة، وكذا
إذا كان الخراج في الدكان من العشر وفي الدور بنصف العشر، فإنه لا
يكون ذلك في الدكان عيبا، لأن خراج هذا الصنف بهذا المقدار، نعم و
في الصنف الآخر وهو الدور بمقدار أقل.
بل ربما يكون ما يقتضيه الحقيقة الثانوية هو الميزان في كون زيادة
وصف أو نقصانه عيبا أو غير عيب، بحيث حتى لو كان الشئ على
حسب الخلقة الأصلية يكون ذلك عيبا فيه، وهذا لكون الرجل أغلف،
فإن الغلفة وإن كانت على مقتضى الطبيعة الأولية حيث إن الولد لا يولد
مختونا، ولكن بحسب الطبيعة الثانوية تكون ذلك عيبا في العبد.
185

وعلى الجملة أن الميزان الكلي في ملاحظة مقتضى الطبيعة هو كون
الشئ على طبيعة الأولية، أو كون أغلب الأفراد على وصف خاص،
ومع التعارض يتقدم الثاني، هذا محصل كلام المصنف، فافهم.
المناقشة في تعريف المصنف للعيب
أقول: إن كان مراده من كون الصحيح ما كان على وفق مقتضى الطبيعة
والمعيب ما لم يكن ذلك، هو كونه الماهية والطبيعة المشتركة بين جميع
الأفراد مقتضيا لذلك، بحيث يكشف بالطريقين المذكورين أن مقتضى
الماهية الفلانية أن يكون أفراده متصفا بالوصف الفلاني، وإذا تخلف في
فرد يكون تخلفه هنا عيبا.
إن كان مراده هذا المعنى كما يؤيده التعبير بلفظ الماهية والطبيعة،
فيرد عليه أن الماهية لا اقتضاء فيها أصلا، وقد قرع سمعك كثيرا أن
الماهية من حيث هي هي ليست إلا هي، لا موجودة ولا معدومة، وأن
الماهية بحسب نفسها ليس فيها اقتضاء الوجود والعدم، بل الاقتضاء فيها
إنما هو من الجهات الخارجية، وهلا سمعت قول الشيخ: إن الماهية من
ناحية وجود علته ايس ومن ناحية عدم علته ليس (1).
وعلى هذا فلا معنى لتعريف العيب بأنه ما يكون ناقصا عن مقتضى
الطبيعة، إذ لا اقتضاء للطبيعة أصلا فضلا عن أن يكون خلافه عيبا، وإنما
الماهية الانسانية مثلا عبارة عن الجنس والفصل، سواء تحقق في الخارج
بصيرا أو سميعا، أو ذي يد ورجل أم لم يكن له شئ من هذه الأعضاء
أصلا.

1 - الأسفار الأربعة 3: 161.
186

نعم إن أريد من اقتضاء الماهية اقتران لوازمها بها حيث إنها لم يفترق
عن الماهية، وعبر عن ذلك مسامحة بكون الماهية مقتضية لها، وذلك
كزوجية الأربعة، وككون الانسان قابلا للعلم والكتابة، وككون الجسم
قابلا للأبعاد الثلاثة وهكذا، فهذا وإن كان له وجه إلا أن لوازم الماهية
لا تنفك عنها أصلا إلا بعدم الماهية، إذ لا يعقل تحقق الأربعة بدون كونها
زوجة، ومع انتفاء الماهية يبطل البيع من جهة عدم المبيع وظهوره شيئا
آخر.
وقد عرفت مرارا أن المبيع إذا ظهر غير ما جرى عليه البيع فيكون البيع
باطلا، والأوصاف التي يعد فقدانها عيبا مع بقاء الماهية ليس وجودها من
مقتضيات الماهية كالبصر والسمع ونحوها، ولأنهما مثل الكتابة
والعلم، كما قال الله تعالى: فجعلناه سميعا بصيرا (1)، كما قال في مورد
آخر: الرحمن، علم القرآن، خلق الانسان، علمه البيان (2)، فيعلم أن
الانسانية لا تتوقف على كونه سميعا بصيرا، كما أنه لا يتوقف على كونه
عالما كما لا يخفى فافهم.
ولكن هذا الوجه كما لا يمكن تصديقه وكذلك ليس مراد المصنف
قطعا، إذ لا يتفوه بمثله ذي مسكة فضلا عن المصنف الذي هو شمس
فلك التحقيق والتدقيق.
وإن كان المراد من ذلك، أي من مقتضى الطبيعة الأولية هو كون الشئ
بحسب وجوده مقتضيا لكونه على وصف خاص وإذا تخلف عن ذلك
يكون التخلف لعارض فيكون عيبا، وهذا هو الظاهر من عبارة المصنف
بل هو المتعين.

1 - الانسان: 2.
2 - الرحمن: 1 - 4.
187

مثلا إن الانسان حسب وجوده الخارجي يقتضي أن يكون موجودا
بصيرا وسميعا، وله رجل ويد وأذن وأنف وهكذا بقية الأوصاف،
وكذلك الحال في بقية الأشياء، فإذا باع أحد عبدا وظهر أعمى، أو باع
شيئا آخر وظهر على غير الأوصاف المشهورة المعروفة التي كان أغلب
أفراد الانسان عليها ويقتضي طبعه بحسب الوجد أن يوجد عليها،
فيكون فقدانه عيبا في المبيع كما هو واضح.
وهذا الوجه وإن كان له وجه في مقام الثبوت ولكن لا وجه له في مقام
الاثبات، إذ لا طريق إلى ذلك بحسب مقام الاثبات، فإنه من أين يعلم
ويستكشف أن الوصف الفلاني وجوده مستند إلى اقتضاء طبع ذلك
الشئ وليس مستندا إلى مقدمات وعلل أخرى.
مثلا من أين يعلم أن مقتضى طبع الانسان بحسب الوجود أن يكون
سميعا وبصيرا حتى إذا لم يكن في العالم أصلا عمى أو كان ولم يشاهده
المتبايعان، بل يمكن أن يكون مستندا إلى شئ آخر كالعلم والكتابة،
فإن السمع والبصر ليسا دخيلين في انسانية الانسان، ولذا قال الله
تعالى: فجعلناه سميعا بصيرا (1)، أي بعد كونه انسانا فجعلناه سميعا بصيرا.
مثلا إذا لاحظ أحد أي تفاحة فرآه أحمر ولم ير أصلا تفاحة أخرى
أبيض فلا يمكن له في مقام الاثبات أن يحكم بأن الاحمرار في التفاحة
بحسب اقتضاء طبع الوجود ذلك لا بحسب تصادف آخر كاشراق
الشمس ونحوه، وهذا واضح لا سترة فيه.
وعليه فلا يكون ما ذكره المصنف ميزانا في بيان حقيقة العيب
وماهيته، بل لا بد من المشي بمسلك آخر، بل قد لا يكون هنا طبيعة
أصلا فضلا عن أن يقتضي شيئا، كما في مصنوعات البشر، فإن كون

1 - الانسان: 2.
188

الفرش مثلا على هيئة غير مرغوبة عيب مع أنه لا طبيعة له حتى تقتضي
كونه على حالة خاصة ليكون خلافها عيبا، كما هو واضح.
بيان آخر لبيان حقيقة العيب
والحاصل أنه لما كان العيب والعوار مذكورين في الأخبار، فلا بد من
بيان حقيقة العيب لكونه موضوعا للخيار، وقد ورد في مرسلة السياري (1)،
وعنون في كلمات الفقهاء أن العيب ما كان زائدا عن الخلقة الأصلية أو
نقصت عنها، وتكلم المصنف في ذلك تحفظا على ظاهر كلمات الفقهاء
والمرسلة.
ومحصل كلامه أن العيب ما كان ناقصا عن الخلقة الأصلية التي تقتضي
الماهية المشتركة كون الشئ عليها، وإذا كان الشئ موافقا لها كان
صحيحا وإلا كان معيبا، وهذه الخلقة الأصلية قد تكون معلومة بحسب
الخارج بحيث يعرف من الخارج أن العمي عيب في العبد وعدمه ليس
بعيب، وقد يعرف بحسب الغلبة الخارجية بحيث يكون التخلف في
النادر لعارض فيكون فقدانه عيبا فيه.

1 - عن السياري قال: روى عن ابن أبي ليلى أنه قدم إليه رجل خمسا له فقال: إن هذا
باعني هذه الجارية، فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا، وزعمت أنه لم يكن لها قط، قال:
فقال له ابن أبي ليلى: إن الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ قال: أيها
القاضي إن كان عيبا فاقض لي به، قال: اصبر حتى أخرج إليك، فإني أجد أذى في بطني، ثم
دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له: أي شئ تروون عن أبي جعفر
(عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيبا؟ فقال محمد بن مسلم: أما هذا نصا
فلا أعرفه، ولكن حدثني أبو جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: كل
ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثم رجع إلى
القوم فقضى لهم بالعيب (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 65، عنهما الوسائل 18: 97)، ضعيفة.
189

وقد تكون الطبيعة الثانوية هو الميزان في الصحيح والمعيب،
كالأرض الخراجية، فإنها بحسب طبعها لا يقتضي الخراج ولكن بحسب
الطبع الثانوي يقتضي الخراج، وحينئذ يكون العيب زيادة الخراج عن
الخراج المعهود، بل قد يكون الطبيعة الثانوية مقدمة على مقتضى
الطبيعة الأولية في مقام المعارضة، بل قد يكون كون شئ موافقا
لمقتضى الطبع الأولي عيبا كما في الأغلف، بحيث وجب كونه موافقا
لمقتضى الطبيعة الثانوية.
ثم إن ملاحظة الطبيعة الأولية أو الثانوية وجعلهما ميزانا في بيان
المعيب والصحيح إنما هي بحسب الأصناف لا بحسب الجنس أو النوع
كما هو واضح، فإنه قد يكون وصف عيبا في صنف كالثيبوبة في الجارية
الصغيرة، وقد لا يكون عيبا كالثيبوبة في الجارية الكبيرة، مع أنهما من
نوع واحد وجنس فأرد.
ثم إن الثمرة بين كون الثيبوبة مثلا عيبا في الجارية الكبيرة أو ليست
بعيب، إنما تظهر فيما إذا باع أحد جارية واشترط المشتري على البايع
كونها بكرا فظهرت ثيبا، فإنه على القول بعدم كون الثيبوبة عيبا يكون
للمشتري خيار تخلف الشرط فقط، وأما على القول بكونها عيبا يكون
المشتري مخيرا بين الرد والامضاء والأرش، بناء على كونه من الأول
مخيرا بين هذه الأمور وإلا فيكون له الرد، ومع عدمه ثبت له حق مطالبة
الأرش على ما ذكرناه سابقا، فإن مطالبة الأرش إنما هو في صورة كون
وصف المتخلف من العيوب، وإلا فلا يثبت له حق مطالبة الأرش كما هو
واضح.
ثم قوى الوجه السابق، وقال: لكن الوجه السابق أقوى، ومراده من
الوجه السابق ما أفاده أولا من أن الثيبوبة ليست بعيب، وعليه فلا وجه
190

للحكم بكون النسخة غلطا وكون السابق عوض الثاني كما في حاشية
السيد هذا (1).
أقول: قد ذكرنا سابقا أنه لا وجه لهذا الكلام، فإنه مع عدم وجود
المقتضي للماهية المشتركة قلنا لو أردنا من ذلك لوازم الماهية مسامحة
فلا يمكن التخلف بين الماهية ولوازمها كالأربعة والزوجية، فإن كل
منهما لا يتخلف عن الآخر، وإذا تخلف في مورد وكان فرد مثلا فاقدا
لوصف لا يكون ذلك عيبا من حيث التخلف عن مقتضى الطبيعة، بل
يكشف من التخلف أن الوصف ليس من الأوصاف اللازمة ومن مقتضيات
الطبيعة، بداهة عدم امكان تخلف لوازم الماهية عن الماهية كما هو
واضح.
بل قد ورد في بعض الروايات أن الإباق في العبد ونحو ذلك عيب في
المبيع، مع أنه ليس من مقتضيات الماهية، والعرف قاض بأن فقدان بعض
الأعضاء عيب في العبد والحيوان، من أن كونه واجدا لذلك ليس من
مقتضيات طبيعة الحيوان.
بل قد لا يكون هنا طبيعة حتى تقتضي شيئا وكونه على حالة
مخصوصة كما في مصنوعات البشر، حيث إن كون الفراش على هيئة
خاصة مرغوبة للناس ليست من مقتضيات طبعه، إذ لا طبيعة للفراش
حتى تقتضي ذلك، مع أن كونه على خلاف هذه الحالة عيب، كما إذا كان
قناصا من طرف أو لم تكن ألوانه متناسبة، أو غير ذلك مما يعد عيبا فيه،
وهكذا في غير الفراش من مصنوعات البشر كما هو واضح، فافهم.
وعليه فلا يمكن المساعدة على ما ذكره المصنف من الميزان

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 98.
191

والضابطة لبيان حقيقة العيب، على أن السياري لم يكن معهود الوثاقة
على ما ببالي (1)، ومع الوثاقة فلا تزيد مرتبته عن المرسلة، فهي لا يجوز
العمل بها، على أنها مخالفة للوجدان، فإن العيب ليس منحصرا بما ذكر
فيها كما هو واضح.
التحقيق في بيان ضابطة العيب
والتحقيق في بيان ضابطة العيب أن يقال: إن أوصاف المبيع على
قسمين، فإنها تارة تكون معتبرة فيها بحسب الأغراض الشخصية، بحيث إن المشتري مثلا يرغب في نفسه إلى ذلك الوصف، ككون العبد مثلا
كاتبا أو خياطا أو نجارا، ونحو ذلك مما هو مورد للأغراض الشخصية،
وقد تكون الأوصاف معتبرة بحسب الأغراض النوعية، بحيث يرى النوع
تلك الأوصاف معتبرة في المبيع.
فإن كان التخلف في مثل الأوصاف الأولية لا يكون خيار العيب
للمشتري، بل يثبت له خيار تخلف الشرط حسب ما اعتبره من الأوصاف
الكمالية ونحوها في المبيع، فإن كان التخلف في الأوصاف الثانوية يكون
ذلك موجبا لخيار العيب، فإن العقلاء يرى مثل تلك الأوصاف معتبرة في

1 - هو أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب، ضعفه النجاشي قائلا: ضعيف
الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية كثير المراسيل، كذا ذكره الشيخ في الفهرست.
وذكر النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى أنه ضعفه محمد بن الحسن بن الوليد
وتبعه على ذلك أبو جعفر بن بابويه وأبو العباس بن نوح.
وذكر الصدوق في المشيخة حين ذكر كتاب النوادر: استثنى منه ما رواه السياري وقال:
لا أعمل به ولا أفتي به لضعفه، وحكي تضعيفه عن الصدوق أيضا في الفهرست في ترجمة
محمد بن أحمد بن يحيى.
192

المبيع، سواء اشترط المتبايعان ذلك عند البيع أم لا، فيكون التخلف عن
ذلك عيبا، سواء كان التخلف من حيث الزيادة أو من حيث النقيصة، مثلا
أن العرف يرى كون الجارية على البكارة مع عدم التصريح بالثيبوبة، فإذا
ظهرت ثيبة تكون معيوبة فيثبت للمشتري خيار العيب.
هذا كله إذا تخلف وصف من أوصاف المبيع التي اعتبرها المتبايعان
في المبيع، إما بحسب الشخص أو بحسب النوع، وأما إذا لم يكن هنا
تخلف الوصف بل كان على الوصف الذي كان المبيع الصحيح عليه،
ومع ذلك يكون فيه تفاوت القيمة، بحيث كانت قيمته ناقصة أو زائدة عن
القيمة المتعارفة، كان للمشتري أو البايع خيار الغبن لتخلف الشرط
الضمني وهو تساوي القيمة، وهذا خارج عن تخلف الوصف.
وعلى الجملة أن التخلف قد يكون في غير الوصف كتخلف الشرط
الضمني مثلا في تساوي القيمة، فيكون ذلك موجبا لخيار الغبن، وقد
يكون في الوصف، وهذا أيضا قد يكون في وصف اعتبر في المبيع
بحسب نظر شخص المتبايعين، وقد يكون معتبرا فيه بحسب نظر
العقلاء، فعلى الأول يكون موجبا لخيار تخلف الشرط، وعلى الثاني
يكون موجبا لخيار العيب، وهذا واضح لا يخفى.
بيان آخر في التحقيق في ضابطة العيب
والحاصل أن الضابطة الكلية في بيان حقيقة العيب هو أن الأوصاف
على قسمين:
1 - ما يكون معتبرا في المبيع بحسب بناء العقلاء واعتبارهم، سواء
اعتبرها المتبايعان فيه أم لا، لكفاية بنائهم في اعتبارها في ذلك بحيث
يعتبر في المبيع حتى مع السكوت، فوصف الصحة ما يكون معتبرا في
193

المبيع بحسب بناء العقلاء مع سكوت المتبايعين وعدم ذكرها، لبناء
العقلاء على كونه واجدا لهذا الوصف و اعتباره في صحة المبيع،
ويسمى ذلك بوصف الصحة، وإذا تخلف ذلك بزيادة شئ عليها أو
بنقيصتها ثبت للمشتري خيار العيب، فإن ذلك أي تخلف تلك الأوصاف
بالزيادة أو بالنقيصة عيب في المبيع.
وعلى الجملة أن كون الوصف وصف الصحة بحيث يلزم من فقدانه
كون المبيع معيبا إنما هو باعتبار العقلاء وبنائهم على كون المبيع على
هذا الوصف وأن فاقده يكون معيبا.
2 - أن يكون الوصف معتبرا في المبيع بحسب اشتراط المتبايعين،
كالأوصاف الدخيلة في أغراضهم وكونها أوصاف كمال عندهم.
وعلى الأول فإذا تخلف يثبت للمشتري خيار العيب، وعلى الثاني
يثبت له خيار تخلف الشرط.
وهذا هو الميزان في المقام، وأما كون الشئ على وصف أو كون
أغلب أفراده موصوفا بوصف فلا يكون ميزانا في المطلب على ما ذكره
المصنف، ولا يكون كاشفا عن الخلقة الأصلية كما تقدم.
وأيضا أن كون أغلب الأفراد في كل صنف فاقدا لوصف يراه النوع
وصف صحة لذلك الشئ وكونه معتبرا في ذلك شئ لا يوجب عدم
كون فقدانه عيبا، بل يكون فقدانه في أغلب الأفراد أيضا عيبا في المبيع،
وعليه فتكون الثيبوبة عيبا في الجارية، فإن العقلاء يرى البكارة من
أوصاف الصحة للمبيع، بل هو الغالب في غير الإماء المجلوبة من بلاد
الشرك.
نعم إذا كانت الأفراد الغالبة في الإماء المجلوبة من بلاد شرك ثيبة كانت
ذلك قرينة على أن المشتري أسقط خيار العيب، لا أن الثيبوبة ليست
194

بعيب، فإنه فرق واضح بين كون الثيبوبة عيبا، وبكون عدم الخيار من جهة
القرينة ويلحق بها حكم عدم الخيار وإن كان الموضوع محققا، وبين أن
لا يكون الثيبوبة خارجا عن العيب موضوعا بواسطة القرائن التي هي
الغلبة.
لو صرح المشتري باشتراط أوصاف الصحة على النحو الذي بنى
عليه العقلاء، أو صرحا باعتبار البكارة في الجارية ثبت خيار العيب أيضا
من التخلف من ناحية الاشتراط، ويكون الاشتراط دافعا للقرينة
الخارجية كما هو واضح.
المناط في تعيين الصحيح والمعيب
ثم إن المناط في تعيين الصحيح والمعيب وإن كان هو العرف وبناء
العقلاء على كون وصف خاص وصف صحة أو عدم كونه وصف صحة
ومعتبر في صحة المبيع، ولكن مطلق كون أي وصف من أوصاف
الصحة بحسب بناء العقلاء ليس ميزانا في ثبوت خيار العيب، بل لا بد
وأن يكون تخلف ذلك الوصف من حيث الزيادة أو النقيصة موجبا
لنقصان مالية المبيع كالعمى والخرس والفلج في العبد، وهكذا في
غيره.
وأما إذا لم يوجب فقدان وصف من أوصاف الصحة نقصا في مالية
المبيع فلا يكون ذلك موجبا لثبوت خيار العيب، فإن موضوع خيار
العيب ليس هو مطلق ظهور العيب في المبيع، بل ما كان موجبا للنقص من
مالية المبيع.
وذلك فإن الظاهر من رواية زرارة: من اشترى شيئا وبه عيب أو عوار
فلم يتبرأ منه ولم يبين له وأحدث فيه حدثا يأخذ التفاوت فيما بين
195

الصحيح والمعيب ويسقط الرد باحداث الحدث، على ما هو مضمون
الرواية (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية هو أن مطلق العيب وإن كان نقصا ولكنه
لا يترتب عليه حكم العيب إلا إذا كان موجبا لنقص المالية، وما لا يوجب
نقصا في المالية لا يثبت فيه التفاوت ما بين الصحيح والمعيب على تقدير
سقوط الرد باحداث الحدث.
فيعلم من ذيل الحديث، أعني قوله (عليه السلام): فإذا أحدث حدثا يأخذ
التفاوت فيما بين الصحيح والمعيب، أن تخلف الوصف إنما يوجب
خيار العيب وترتب أحكامه عليه إذا كان وجود ذلك الوصف دخيلا في
زيادة مالية الموصوف كما هو واضح.
وهذا كالخصي في العبد والديك، فإن ذلك وإن كان بحسب اللغة
نقصا في العبد والديك ولكن لا يوجب نقص المالية أصلا، فإن قيمة
الخصي لا يختلف مع غيره، بل ربما يكون أرغب من غير الخصي لأجل
بعض الأغراض العقلائية، كما إذا يريد مولاه أن يكون واسطة بينه وبين
زوجته في قضاء حوائجهما، وإن كان غرض بعضهم يتعلق بكونه غير
خصي أيضا، كما إذا أراد أن يتزوج له أمة فيولد منهما ولد يكون رقا
لمولاه، إلا أن ذلك لا يوجب كون قيمة الخصي أنقص من غير الخصي،
فمثل هذا النقص لا يكون موضوعا لأحكام العيب في المقام، بل يكون
ذلك من حيث الحكم كعدم العيب، أي يكون خارجا عن العيب حكما من

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
196

هذه الجهة فيكون موجبا للرد فقط دون الأرش، فيكون مثل خيار تخلف
شرط.
ولعل إلى هذا يشير كلام العلامة حيث قال: إذا لم يعلم المشتري
بكون الإماء مجلوبة من بلاد الشرك فتكون الثيبوبة عيبا وإلا فلا (1)، فإن
الظاهر من ذلك أنه يثبت عليها حكم العيب أو ينفى عنها ذلك أيضا،
بداهة عدم دخل العلم والجهل في حقيقة العيب.
وبعبارة أخرى أن العيب يمكن أن يدور مدار العلم والجهل حكما،
ولكن لا يمكن ذلك موضوعا، فحينئذ صورة عدم علم المشتري بكون
الأمة مجلوبة من بلاد الشرك يثبت له الرد وإلا فلا، كما أنه قد يكون
خارجا عنه حكما بواسطة الغلبة كما تقدم.
نعم إذا أطلق المبيع لم يتعرض المتبايعان لمثل ذلك الوصف يكون مع
بناء العقلاء على اعتباره في المبيع ورؤيتهم ذلك من أوصاف الصحة
يكون تخلف ذلك موجبا للخيار وإن لم يكن موجبا للأرش كما تقدم،
ولكن هذا خيار تخلف الشرط أو خيار العيب لا يترتب عليه ثمر أصلا،
بداهة أن أصل الخيار مسلم وثبوت الأرش مقطوع العدم.
وإن كان الظاهر مما ذكرناه هو كون هذا الخيار خيار تخلف الشرط دون
العيب، لما عرفت من أن موضوع خيار العيب هو العيب الذي يوجب
الرد أو الأرش، وهو مفقود في المقام، لعدم كون مثل هذا الوصف دخيلا
في زيادة المالية.

1 - قال في المختلف 5: 175: التحقيق: إن علم سبق الثيبوبة على العقد تخير المشتري
بين الرد والأرش إن لم يكن تصرف وله الأرش إن تصرف، وإن لم يعلم لم يكن له الأرش
ولا الرد، وهو الظاهر من كلام الشيخ وإياه عنى.
197

الثمرة بين كون الخيار خيار عيب أو خيار تخلف الشرط
وقد يقال بظهور الثمرة في ذلك بين كون الخيار خيار عيب أو خيار
تخلف الشرط في موردين:
1 - في أنه لو كان الخيار هو خيار العيب يسقط بالتصرف، كما صرح به
رواية زرارة، فإن أحداث الحدث موجب لسقوط الخيار، وإن كان المراد
منه خيار تخلف الشرط لا يوجب ذلك سقوط الخيار، فإن خيار تخلف
الشرط لا يسقط بالتصرف إلا إذا كان ذلك مؤذنا بالرضا بالعقد، بل لا يسقط
بالتلف أيضا على ما تقدم سابقا، بداهة أن الخيار متعلق بالعقد وهو باق
حتى مع تلف العين، وليس متعلقا بالعين حتى يسقط بالتلف كما هو
واضح، وقد أشار المصنف إلى هذه الثمرة في كلامه، ثم أشار إلى جوابه
بقوله: فتأمل.
ولعل وجه التأمل فيه هو أن خيار العيب إنما يسقط باحداث الحدث
فيما إذا ثبت لذي الخيار جواز مطالبة الأرش، إما مخيرا بين الرد
والأرش، أو يكون له الرد أولا ثم بعد سقوط الرد يثبت له جواز مطالبة
الأرش، وأما فيما ليس له جواز مطالبة الأرش لعدم كون العيب مما
يوجب نقصا في المالية حتى يطالب المشتري الأرش، فإن احداث
الحدث لا يوجب سقوط الرد كما هو واضح.
2 - إنه إذا حصل العيب بعد العقد في زمان الخيار أو قبل القبض، فقد
تقدم سابقا أن الكلام هنا يقع في جهتين:
الجهة الأولى في أن حدوث العيب في ذلك الزمان مانع عن الخيار أوليس
بمانع؟
وهذا هو الذي تقدم الكلام فيه.
198

الجهة الثانية في أن نفس حدوث العيب في ذلك الوقت يوجب
حدوث الخيار أم لا؟
وهذا هو الذي قلنا إنه يأتي الكلام فيه في أحكام الخيار.
وعلى هذه الجهة فربما يتوهم ظهور الثمرة من كون انتفاء الوصف
الغير الدخيل في زيادة المالية موجبا لخيار العيب أو الشرط، بأنه إن كان
ذلك هو خيار العيب كان ثابتا في صورة انتفاء ذلك الوصف في زمن
الخيار أو قبل القبض، وأن هذا الخيار خيار تخلف الشرط لا يكون خيار
هنا، بداهة أن الشرط الضمني إنما يقتضي كون الوصف موجودا حال
العقد فقط وأما الأزيد من ذلك فلا يقتضي كما هو واضح.
وفيه أولا: إن الالتزام بظهور الثمرة وثبوت خيار العيب بالنقص بمثل
الوصف المذكور في زمان الخيار أو قبل القبض إنما يتوقف على شمول
القاعدتان المعروفتان، أعني التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، وأن
التلف قبل القبض من مال البايع لزوال وصف الصحة أيضا.
فإنه على هذا يكون العيب الحادث في زمن الخيار أو قبل القبض
كالعيب الحادث قبل العقد، فيكون مضمونا على البايع، ولكن بعد تسليم
تمامية القاعدتين فلا وجه لتسريتهما إلى زوال الأوصاف لعدم دلالة
القاعدتين على ذلك.
وثانيا: إن مفاد القاعدتين إنما هو كون ضمان مالية المبيع مع التلف في
زمن الخيار أو قبل القبض على البايع، بحيث يفرض المبيع كأن لم يكن
ويعطي الثمن للمشتري، ومن الواضح ليس هنا نقص مالي حتى يضمنه
البايع، إذ المفروض أن الوصف الزائد في ذلك الزمان لا يوجب نقص
المالية حتى يضمنه البايع كما هو واضح.
199

الكلام في بعض أفراد العيب
قوله (رحمه الله): مسألة: لا اشكال ولا خلاف في كون المرض عيبا.
1 - كون المرض عيبا
أقول: ذكر المصنف أنه لا خلاف في كون المرض في العبد أو في
الحيوان عيبا، وهو كذلك، وإنما الاشكال في بعض أفراده، كحمى
اليوم، فإنه ربما يقال بكونه أيضا عيبا في العبد، ويؤيده شمول اطلاق
كثير بأن الحمى عيب كحمى اليوم أيضا.
ولكن الظاهر أن هذا ليس بعيب ما لم يكن نوبة، كما إذا كان في الأسبوع
مرة، فإن مثل هذا أي حمي اليوم مما لا يخلو عنه طبع الانسان نوعا،
ولا يصدق عليه العيب في العرف وإن صدق عليه المرض، فإن في نظر
العرف أن العبد الذي يعتريه الحمى يوما مساوي من حيث القيمة مع
العبد الذي لا يكون كذلك، وكيف هذا لا اشكال فيه.
2
- الحبل عيب في الإماء
قوله (رحمه الله): مسألة: الحبل عيب في الإماء.
أقول: من جملة أفراد العيب ذكروا الحبل في الإماء أو في بقية
الحيوانات.
يقع الكلام هنا تارة في الإماء، وأخرى في غيرها:
أما الأولى، فإنها قد تكون حاملا من المولى، فهذا لا شبهة في بطلان
بيعها لكونه بيع أم ولد، فلا تصل النوبة هنا إلى كون الحبل عيبا أو غير
عيب، وأخرى تكون الأمة حاملا من غير المولى، فهذا هو محل الكلام
هنا، فنقول:
200

لا شبهة في أن الحمل في الأمة عيب يرد معه الجارية، للأخبار الدالة
على ذلك (1)، وقد تقدم سابقا في كون الوطئ مانعا عن رد الأمة بالعيب أنه
لا يكون مانعا في الحامل فضلا إذا لم توطأ، وهذا لا شبهة فيه.
بل الأمر كذلك إذا لم تكن هنا أخبار تدل على جواز الرد وعدم مانعية
الوطئ عنه، وذلك لأن صدق العيب على الحمل مما لا ريب فيه، بداهة
أنها في معرض الخطر للوضع، وأنها لا تكون قابلة للاستخدام على
الوجه الذي تكون غير الحامل قابلة لذلك، فتكون مثل شراء العين
المستأجرة مسلوبة المنفعة، وهل يتوقف أحد في أن كون العين مسلوبة
المنفعة عيب في ذلك.
بل عدم كون الأمة الحاملة قابلة للاستيلاد عيب فيها، فإنها لو لم تكن
حاملا كانت حاملا من المشتري فيكون له فيها نفع من هذه الحيثية، ولكن
الحمل مانع عن هذه المنفعة.

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم
بحبلها فوطأها، قال: يردها على الذي ابتاعها منه ويرد معها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها -
الحديث (الكافي 5: 214، التهذيب 7: 61، الإستبصار 3: 80، عنهم الوسائل 18: 105)،
صحيحة.
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في رجل
باع جارية حبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى، قال: يردها ويرد نصف عشر قيمتها
(التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 80، عنهما الوسائل 18: 108)، ضعيفة بالارسال.
عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها
صاحبها وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها (الكافي 5: 214، التهذيب
7: 62، عنهما الوسائل 18: 105)، ضعيفة بعبد الملك.
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها وهو لا يعلم،
قال: يردها ويكسوها (الكافي 5: 215، الفقيه 3: 139، التهذيب 7: 62، الإستبصار 3: 81، عنهم
الوسائل 18: 107)، صحيحة.
201

وكيف كان فلا شبهة في كون الحمل في الأمة عيبا ترد به إلى البايع.
ثم إنه إذا كان الحمل في ملك المشتري فهل يكون ذلك مانعا عن الرد
أم لا؟ فالظاهر أنه مانع عن الرد، لما عرفت أنها عيب على التقريب
المتقدم، فإذا يثبت له الأرش فقط.
بل مانعية الحمل عن الرد هنا لا يتوقف على كونه عيبا، وذلك لأن
المذكور في المرسلة المتقدمة أن صبغ الثوب وخياطته يكون مانعا عن
الرد، مع أنها كمال للثوب فليس بعيب، وأن العمدة في سقوط الرد كانت
هي رواية زرارة، فالمذكور فيها أن احداث الحدث مانع عن الرد،
ولا يفرق في ذلك بين كون الحدث عيبا في المبيع أم لا، ومن الواضح أن
الحمل من أظهر أفراد احداث الحدث فيكون مانعا عن الرد.
وعلى هذا الوجه الأخير فلا وجه لما أتعب به المصنف نفسه من أن
الحمل عيب، ونقل في ذلك كلمات جل الأصحاب، بل قد عرفت أنه مع
عدم كونه عيبا أيضا يسقط به الرد كما هو واضح.
وأما الحمل في غير الأمة فقد ظهر حكم مانعيته عن الرد هنا أيضا من
السابق، وأما من حيث كونه عيبا فيه بحيث يوجب ثبوت خيار العيب
للمشتري أو للبايع، فذكر الشيخ (رحمه الله) في المبسوط (1) أن الحمل تابع
للحيوان، فإذا باع حيوانا ثم ظهر كونه حاملا فإنه يكون الحمل للمشتري
لكونه كالجزء من المبيع، وذكر بعضهم أن الحمل يكون للبايع فإنه أجنبي
عن المبيع.
وعلى القول الأول لا يكون الحمل عيبا بل هو جزء زائد، ويكون
دخيلا في زيادة المالية وأنه مرغوب إليه عند العقلاء.

1 - المبسوط 2: 126.
202

وبعبارة أخرى أن العيب عبارة عما يكون فقدانه موجبا لفقدان وصف
الصحة، ويكون وجوده معتبرا في المبيع مع عدم الذكر، ويلزم من
انعدامه نقص مالية المبيع، ومن الواضح أن الحمل في الحيوان بحيث
يكون لمالك الحيوان لا يكون عيبا، بل يكون وصف كمال ودخيل في
زيادة المالية كما هو واضح.
وتوهم أن الحيوان الحامل يكون في معرض الخطر عند الوضع توهم
فاسد، بداهة أن هذا الاحتمال موهون في الحيوانات، ولذا يقدم بذلك
جميع أرباب الحيوانات ويستنتجون بذلك عنها كما هو واضح.
وأما على القول الثاني والالتزام بأن الحمل للبايع فلا شبهة في كونه
عيبا في المبيع، لما عرفت أن المنافع التي تستفاد من غير الحامل التي
منها كونه قابلا للاستيلاد والاستنتاج لا تستفاد من غيره كما عرفت ذلك
في الأمة.
3 - الثيبوبة ليست عيبا في الإماء
قوله (رحمه الله): مسألة: الأكثر على أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء.
أقول: الظاهر أن المصنف إنما تكلم في ذلك غفلة عن المسألة
السابقة، فإنه قد اتضح من تلك المسألة أن الثيبوبة عيب أو ليست بعيب،
وقد أعاد جملة مما ذكره هناك، نعم في هذه المسألة ذكر خصوصية
لم يذكرها هناك، وهي أنه قد ورد هنا روايتان لا بد من التكلم فيهما:
1 - ما استدل بها على أن الثيبوبة ليست بعيب في الإماء، وهي رواية
سماعة عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك، قال: لا ترد
عليه ولا يوجب عليه شئ (1).

1 - الكافي 5: 215، التهذيب 7: 65، الإستبصار 3: 82، عنهم الوسائل 8: 108، ضعيفة.
203

وفيه أولا: أن الرواية ضعيفة السند.
وثانيا: أنها على القواعد، فإن مقتضى العمل بها هو عدم ثبوت خيار
تخلف الشرط فيها، مع أنها بديهي الثبوت مع الاشتراط وغير مربوط
بخيار العيب، وبيان الملازمة أن المذكور في الرواية هو اشتراط البكارة
حيث قال السائل: إن الرجل باع الجارية على أنها بكر ولم يجدها كذلك،
ومن الواضح أن ثبوت خيار تخلف الشرط هنا بديهي، سواء كانت
الثيبوبة عيبا فيها أم لا، كما هو واضح.
على أن الرواية غريبة عن الثيبوبة وكونها عيبا أو غير عيب، وذلك لما
ذكرنا في كون عدم البكارة عيبا في الحرة المتزوجة التي ظهرت غير
باكرة، أن الظاهر من اللغة هو أن البكارة عبارة عن المرأة التي لم يصبها
رجل، سواء كان دم البكارة موجودة فيها أم لا، بل زال لعارض من
المرض أو للوقوع من شاهق ونحو ذلك.
وعلى هذا ففي الرواية قد اشترطت البكارة في الجارية فلم توجد
كذلك، فقال الإمام (عليه السلام): إنه لا ترد الجارية ولا يجب عليه شئ، ومن
البديهي أن ذلك لا يثبت كونها ثيبة بل لعل عدم وجدان السائل كونها
كذلك، أي أنها غير واجدة لدم البكارة أم أنها أصابها الرجل بحيث
صارت ثيبة، فلا يستفاد من الرواية.
وبعبارة أخرى يحتمل أن السائل لم ير أثر البكارة، أعني دم العذرة
فاعتقد كون الجارية ثيبة، فسأل عن حكم ذلك والإمام (عليه السلام) لم يعتني
بذلك، بل رأى أنه لا بد في الحكم بالثيبوبة من ثبوتها، وأما بمجرد عدم
وجود أثر البكارة لا تثبت الثيبوبة.
لا يقال: إن البكر وإن كان يطلق على المرأة التي لم تر الرجل، وعلى
الرجل الذي لم ير المرأة، ولكن البكارة هي العذار وهي التي كانت
واجدة لدم البكارة، فالمعنى المذكور لا يجري في الرواية.
204

فإنه يقال: نعم ولكن لا يمكن ذلك في الرواية، حيث إن الإمام (عليه السلام)
قال: لعله كان من مرض، ومن الواضح أن هذا الكلام له وجه مع المعنى
الذي ذكرناه، وأما إذا كان المراد هذا الاحتمال فإنه بمجرد ذهاب دم
البكارة تكون ثيبة، فافهم.
2 - نعم لا بأس من الاستدلال على كون الثيبوبة عيبا برواية يونس، في
رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: يرد عليه
فضل القيمة إذا علم أنه صادق (1).
ووجه الاستدلال هو أن الإمام (عليه السلام) حكم بثبوت الأرش بعد ثبوت
الثيبوبة، فإن مراده من قوله (عليه السلام): إذا علم أنه صادق، هو العلم بكون
المدعي صادقا في دعواه الثيبوبة، فإن العلم طريق إلى الواقع، لا أن
المراد من كون العلم بكونه صادقا في عدم رؤية أثر البكارة، حتى تدل
هذه الرواية على عكس الرواية الأولى من الكفاية بثبوت الثيبوبة على
عدم وجدان أثر البكارة وهو الدم.
وكيف كان فالرواية الثانية تدل على أن الثيبوبة عيب في الجارية.
نعم لو كانت هنا غلبة، بأن تكون أغلب أفراد الجواري ثيبة كالإماء
المجلوبة من بلاد الشرك، كانت هذه الغلبة قرينة على عدم ثبوت الخيار
ورضاء المشتري بالعقد على هذا النحو، كما هو واضح.
4 - عدم الختان في العبد الكبير
قوله (رحمه الله): مسألة: ذكر في التذكرة والقواعد (2) من جملة العيوب عدم الختان
في العبد الكبير.

1 - الكافي 5: 216، التهذيب 7: 64، الاستبصار 3: 82، عنهم الوسائل 8: 108.
2 - التذكرة 1: 525، المختلف 5: 191.
205

أقول: قد عللوا كون عدم الختان عيبا في العبد ليكون للمشتري حق
الفسخ، هو أن العبد يكون بذلك في معرض الخطر، إذ ليس ختان الكبير
كختان الصغير مأمونا عن الخطر كما هو واضح.
وفيه أولا: إن هذا الدليل أخص من المدعى، إذ قد يكون العبد غير
مختون ولا يجب ختانه، كما إذا كان نصرانيا ولم يقبل الاسلام، فإن
الختان إنما يجب في العبد المسلم ففي الفرض المذكور لا يجب.
وثانيا: إن الختان إنما يكون موجبا للخطر إذا لم تكن وسائل ابتدائه،
وأما مع وجودها فلا يكون كذلك.
وثالثا: إنا لم نسمع كالختان خطريا مع كثرته في أول الاسلام.
ورابعا: إنه إذا كان خطريا لا يجب الختان أصلا فإن حفظ النفس مقدم
على ذلك وكيف كان فعدم الختان أو مثله كعدم الجدري ليس بعيب في
العبد وعليه فلا يثبت خيار العيب من جهة عدم الختان نعم لو اشترط
عدمه فظهر الخلاف ثبت خيار تخلف الشرط.
ثم إن الثمرة هنا بين كون الخيار خيار عيب أو تخلف شرط هو الثمرة
المذكورة في الثيبوبة كما أشار إليه المصنف.
5 - عدم الحيض ممن شأنها الحيض
قوله (رحمه الله): مسألة: عدم الحيض ممن شأنها الحيض بحسب السن والمكان
وغيرهما من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية.
أقول: ذكر المصنف أن من جملة العيوب التي ترد به الجارية عدم
الحيض، فإن ذلك خروج عن مجرى الطبيعي.
أقول: إن عدم الحيض في نفسه ليس من العيوب بل هو كمال في
نفسه، نعم إذا كان كاشفا عن كونها مريضة كان عيبا، فإن الجارية لا تحيض
لوجود مانع فيها ومرض يكون مانعا عن الحيض، وهذا هو المراد من
206

الرواية التي سئل السائل عن جارية لم تر الحيض في ستة أشهر، فإنه قال
الإمام (عليه السلام): فهذا عيب ترد منه الجارية (1).
وأما تقييد كون ذلك عيبا إذا كان ظهورها بعد ستة أشهر تمسكا بهذه
الرواية أيضا فاسد، بداهة أن ستة أشهر إنما ذكرت في كلام الراوي
فلا توجب تقييد الحكم.
لا يقال: إن هذه الرواية لا يمكن العمل بها، بداهة أنها مخالفة للقاعدة
التي أسسها الفقهاء، من كون التصرف مسقطا للخيار، إذ لا يخلو الأمة في
مدة ستة أشهر عن التصرف حتى بمثل: اسقني الماء، وناولني الثوب،
وأغلق الباب.
فإنه يقال: إنك قد عرفت فيما سبق أنه لا وجه لهذه القاعدة أصلا، وأن
التصرف لا يكون مسقطا للخيار إلا إذا كان كاشفا عن الرضاء بالعقد، أو
دل نص خاص عليه كما في الوطي، حيث ورد أنه مسقط للخيار.
وعلى هذا فكيف يمكن رفع اليد بمثل هذه القاعدة عن الرواية
الصحيحة.
6 - الإباق
قوله (رحمه الله): مسألة: الإباق عيب بلا اشكال ولا خلاف.
أقول: ذكروا من أفراد العيب الإباق، وادعوا عليه الاجماع، بل هو من
أفحش العيوب، وتدل عليه رواية أبي همام الآتية في عيوب السنة (2).

1 - عن داود بن فرقد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة
ولم تحض عنده حتى مضي لذلك ستة أشهر وليس بها حبل؟ قال: إن كان مثلها تحيض
ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه (الكافي 3: 108، عنه الوسائل 2: 338)، صحيحة.
2 - عن أبي همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث السنة من
الجنون والجذام والبرص فقلت: كيف يرد من أحداث السنة؟ قال هذا أول السنة فإذا اشتريت مملوكا به شئ من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه فقال له محمد بن علي: فالإباق؟ قال: ليس الإباق من ذا إلا أن يقيم البينة أنه كان آبق عنده (الكافي 217: 5 التهذيس 7: 63 عنهما الوسائل 18: 99) صحيحة
207

نعم ربما يتوهم تعارضها برواية قيس (1) أنه ليس في الإباق عهدة، ولكن
المراد من رواية قيس هو أن يكون الإباق عند المشتري من غير أن يكون
موصوفا بذلك عند البايع، فإن الظاهر من هذه العبارة أن حدوث العيب
كان عند المشتري لا عند البايع، وإلا فلا معنى لعدم كون العدة عليه،
كما يقال: إن العهدة في التلف في زمن الخيار للبايع، أو العهدة في
الجنون والبرص إلى سنة إلى البايع كما في الرواية، وهذا المعنى هو
الظاهر من الرواية كما قلنا، وهذا موافق للاعتبار أيضا، إذ ربما يكون
المولى الأول قائما بمخارجه فلا يكون آبقا بخلاف المولى الثاني،
فيكون الإباق مستندا إلى ذلك، فليس هذا حملا لها عليه كما ذكره
المصنف.
فتحصل أنه لا شبهة في كون الإباق عيبا في العبد، وإنما الكلام في أن
الإباق بمجرد تحققه ولو مرة واحدة عند البايع يكون عيبا فيه أو لا، بل
لا بد وأن يتكرر منه هذا العمل أو كان بانيا على ذلك، وإلا فلو أبق مرة ثم
تاب عن عمله فلا يكون بذلك آبقا.
الظاهر هو اعتبار الاعتياد بذلك، أو كان بانيا عليه ويعلم من حاله
الإباق، وإلا فإذا أبق مرة واحدة وعصي ثم تاب وصار عادلا لا يطلق

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى علي (عليه السلام): أنه ليس في إباق العبد
عهد إلا أن يشترط المبتاع (التهذيب 7: 237، عنه الوسائل 18: 114)، موثقة.
عن محمد بن أبي حمزة عمن حدثه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس في الإباق عهدة
(التهذيب 6: 312، عنه الوسائل 18: 114)، ضعيفة.
208

عليه الآبق، هذا هو الظاهر من بعض الروايات أيضا حيث عبر فيها بأنه كان
آبقا (1)، فإن هذا التعبير إنما يطلق في مورد يكون الاعتياد بذلك بحيث
صار وصفا عاديا له، ولا يتحقق بإباق واحد كما هو واضح.
7 - الثفل الخارج عن العادة في الزيت والبذر
قوله (رحمه الله): مسألة: الثفل الخارج عن العادة في الزيت والبذر ونحوهما عيب
يثبت به الرد والأرش.
أقول: ذكر الفقهاء والمصنف أن من جملة العيوب ما يكون الشئ
مخلوطا بشئ آخر اختلاطا خارجا عن المتعارف، فإذا باع حنطة فظهر
فيه تراب خارج عن المتعارف كان المبيع معيوبا، وكذا إذا باع السمن
الزيت وظهر أن فيه دردي كان السمن معيوبا فللمشتري خيار العيب،
وهذا الذي ذكره المصنف مما يقتضيه العرف، فإن كون الخليط أكثر من
المقدار المتعارف عيب عرفي.
وعليه فلا يفرق بين كون غالب الأفراد الموجودة في الخارج كذلك أو
بعضها، فلا وجه لما ذكره المصنف من التعليل بقوله: لكون ذلك خلاف
ما عليه غالب أفراد الشئ، فإنك قد عرفت سابقا أن الغلبة لا تكون
موجبة لتعيين الطبيعة، نعم تكون هذه الغلبة مع السكوت عن الوصف نفيا
واثباتا قرينة على كون المشتري راضيا بذلك المبيع المعيب، فيكون

1 - عن أبي همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث السنة من
الجنون والجذام والبرص، فقلت: كيف يرد من أحداث السنة؟ قال: هذا أول السنة، فإذا
اشتريت مملوكا به شئ من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه، فقال له
محمد بن علي: فالإباق؟ قال: ليس الإباق من ذا إلا أن يقيم البينة أنه كان آبق عنده (الكافي
5: 217، التهذيب 7: 63، عنهما الوسائل 18: 99)، صحيحة.
209

ذلك موجبا بسقوط خيار العيب إلا أن يشترط صريحا وجود الوصف
الذي فقده أكثر أفراد هذه الطبيعة كما هو واضح.
وحينئذ يقع الكلام في ثمرة كون هذا الخيار هو خيار عيب أو خيار
تخلف الشرط، وهي عين الثمرة المذكورة في ثيبوبة الإماء بين كون
الثيبوبة عيبا في الجارية أو يكون تخلفها موجبا لخيار تخلف الشرط كما
هو واضح.
وقد ظهر أن كون الخليط في المبيع عيبا أمر عرفي موافق للقواعد،
فيكون مشمولا لقول زرارة: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار -
الخ (1)، ومع ذلك لا نحتاج إلى الرواية في المقام.
وحينئذ فتكون رواية ميسر بن عبد العزيز مؤكدة للمطلب حيث قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه درديا (2)،
قال: فقال: إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده،
وإن لم يكن يعلم فله أن يرده (3).
وقد عرفت في السابق أن العيب لا يختلف بالعلم والجهل، فمراده من
جواز الرد مع عدم العلم وعدم جوازه مع العلم هو بالنسبة إلى حكم

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
2 - الدردي من الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله.
3 - عن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل اشترى زق زيت فوجد فيه
درديا، قال: فقال: إن كان يعلم أن ذلك في الزيت لم يرده، وإن لم يكن يعلم أن ذلك يكون في
الزيت رده على صاحبه (الكافي 5: 329، الفقيه 3: 172، التهذيب 7: 66، 7: 128، عنهم الوسائل
18: 109)، صحيحة.
210

العيب، فإن كون العيب موجبة للرد إنما هو مع الجهل به دون العلم به.
وعلى الجملة لا شبهة في كون ذلك عيبا في المبيع، نعم الظاهر من
رواية السكوني أن ذلك أي الخليط المذكور ليس بعيب، حيث روي عن
جعفر عن أبيه (عليه السلام): أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة
فيها سمن احتكرها حكرة - أي مجتمعة - فوجد فيها ربا، فخاصمه إلى
علي (عليه السلام)، فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا، فقال له الرجل:
إنما بعته منه حكرة، فقال له علي (عليه السلام): إنما اشترى منك سمنا ولم يشتر
منك ربا (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية مخالفة لحكم العيب من الرد والأرش كما
في المتن، بل يشكل الأمر فيها من جهة عدم انطباقها بالقواعد، حيث إن
المفروض في الرواية ليس هو بيع الكلي حتى يلزم البايع باعطاء الزيت
مقدار ما ظهر منه درديا، بل المبيع هو العين الخارجية، ولذا قال السائل:
اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة، ومن الواضح أن صفة
الاجتماع لا تلائم الكلية كما هو واضح.
وعليه فلا بد من توجيه الرواية، والذي ينبغي أن يقال في توجيهها هو
أن المراد من الرواية هو رد الثمن الذي يقع في مقابل الرب الذي أعطي في
مقابل السمن، فإن قوله (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا، هو أن: لك
مبتدء وخبره محذوف، فإنه لا بد وأن يكون المعطي للمخاطب بكلمة
كاف الخطاب أن يكون شيئا ويكون سمنا حالا منه أو تمييزا عنه،
ويكون التقدير: لك شئ من الثمن، لأن تقدير غير الثمن لا يناسب
المقام بكيل الرب حال كون ذلك كيل الرب سمنا، أي كان يعطي

1 - التهذيب 7: 66، عنه الوسائل 18: 110، موثقة.
211

للمشتري بكيل الرب سمن، فحيث نقص ذلك وكان بدله الرب، فحكم
الإمام (عليه السلام) أن يعطي ثمن ذلك السمن، وليس المراد من الرواية اعطاء
السمن بكيل الرب، فإنه على هذا لا بد وأن يكون السمن مرفوعا والحال
أنه منصوب.
وعلى الجملة فإن كان ظاهر الرواية هو ذلك فيها وإلا فلا بد وأن
يوجه كذلك، بحيث يكون ما يعطى للمشتري شيئا من الثمن لا شيئا من
السمن.
لو كان الخليط كثيرا وجهل بمقدار المبيع
ثم إنه أشكل المصنف في المقام اشكالا وأجاب عنه بجواب، لكن
الاشكال وجوابه بجميع شقوقه ليس مربوطا بالمقام، بل هو راجع إلى
بطلان البيع من جهة الجهل بالمبيع كما هو واضح.
أما حاصل الاشكال أنه ربما يستشكل في أصل الحكم بصحة البيع لو
كان الخليط كثيرا وجهل بمقدار المبيع، وأما ما تقدم في مسألة الاندار
من كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع كما تقدم، أو
مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا، لأن الظرف هنا مما
يتمول والدردي في المقام ليس مما يتمول.
وأما حاصل الجواب فإن كان وجود الدردي بحيث يوجب الجهل
بالمبيع من قبيل امتزاج ما لا يتمول بالمبيع بحيث لا يعلم قدر خصوص
الزيت، فلا شبهة في بطلان البيع للجهل بمقدار المبيع، وإن كان مجموع
الظرف والمظروف معلوما، إذ المفروض أن مقدارا من المظروف مال
ومقدار منه ليس بمال، فيكون المال الذي يبذل الثمن في مقابله مجهولا
فيبطل البيع للجهل، فإن انضمام الظرف بالمظروف إذا كانا مالين لا يضر
212

لأن الجهل حصل من الانضمام، وهذا بخلاف هذه الصورة فإن الجهل
هنا حصل من اختلاط غير المتمول بالمتمول كما هو واضح.
وإن كان الدردي بحيث أفاد نقصا في الزيت بحيث يرى المجموع زيتا
ولكن زيتا معيوبا لا أنه يقال: هذا زيت مخلوط بشئ غير متمول بل
مجموعه زيت ومتمول ولكنه معيوب من جهة دردي، فلا شبهة في
صحة البيع ولكن يثبت للمشتري خيار العيب كما هو واضح، لمكان
العيب الذي كان غير معلوم له.
وإن لم يكن الدردي موجبا لتعيب الزيت ولم يكن موجبا لنقص مالية
المبيع بل موجبا لنقص مقدار المبيع فقط مع وقوع المشاهدة عليه،
فلا يكون البيع باطلا هنا بل لا خيار للمشتري أيضا، كما إذا باع ما في
العكة الذي شوهد كل رطل بكذا من غير أن يكون مقدار الزيت معلوما،
ولا مقدار الزيت والظرف معلوما.
وما ذكره المصنف من كون الظرف والمظروف معلومين معا فليس
بلازم، وقد تقدم ذلك في كتاب البيع في بيع الصبرة، وقد يكون النظر
إلى بيع مجموع الزيت مثلا بعنوان كل رطل بكذا ولكن بشرط أن يكون
هذا الموجود عشرة أرطال، فإذا ظهر رطل واحد درديا كان للمشتري
خيار تبعض الصفقة.
وهذا هو الفرق بين هذه الصورة وسابقه، فإن في الصورة السابقة
لم يكن اشتراط كونه عشرة أرطال مثلا ملحوظا بخلافه هنا.
وإن باع ما في العكة على أنه كذا مقدار فتبين نقصه عنه لوجود الدردي
فيه صح البيع وكان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء، على
الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة على أنها كذا فظهر ناقصا، ولكن قد
تقدم في بيع الصبرة أيضا أن هذه الصورة ليس بمعقول، بداهة أن
213

المجموع إن كان مبيعا فلا معنى للاشتراط بعد، فيكون المجموع مبيعا
واحدا، وإن لم يكن مبيعا فلا معنى للإشارة إلى مجموع ذلك، والقول
بأنه بعتك ما في هذه العكة أو هذه الصبرة.
فما ذكره المصنف من الشقوق المتعددة صحيحة غير هذا الأخير،
فافهم.
8 - أحداث السنة
قوله (رحمه الله): مسألة: قد عرفت أن مطلق المرض عيب.
أقول: تعرض المصنف هنا بأحداث السنة، وهي أربعة: الجنون
والبرص والجذام والقرن.
وأما الحدبة، فهي تفسير القرن لما في بعض الروايات أنه يرد
المملوك لخصال أربعة، ثم عد الخمسة: الجنون والبرص والجذام
والقرن والحدبة (1)، فيعلم من ذلك أنه هو القرن، وقد استفاض الروايات
على ذلك وكونها عيبا ترد بها الجارية إلى سنة (2).

1 - عن ابن فضال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ترد الجارية من أربع خصال: من
الجنون والجذام والبرص والقرن، القرن: الحدبة، إلا أن تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج
الصدر.
كذا في الكافي، لكن في التهذيب: والقرن والحدبة لأنها تكون في الصدر - الخ،
(الكافي 5: 216، التهذيب 7: 64، عنهما الوسائل 18: 98)، ضعيفة.
2 - عن ابن فضال عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: في أربعة أشياء خيار سنة: الجنون و
الجذام والبرص والقرن (الخصال: 245، عنه الوسائل 18: 100)، موثقة.
عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): قال: سمعته يقول: الخيار في الحيوان
ثلاثة أيام للمشتري وفي غير الحيوان أن يتفرقا، وأحداث السنة ترد بعد السنة، قلت: وما
أحداث السنة؟ قال: الجنون والجذام والبرص والقرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث
فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراء (الكافي 5: 216، التهذيب 7: 63،
عنهما الوسائل 18: 99)، صحيحة.
214

وهذا لا شبهة فيه في الجملة، ولا بد من الأخذ بظاهر الروايات من
كونها بنفسها عيبا وإن وجد سببها في ضمني السنة، فلا وجه لتأويلها
بأنه لعل موادها كانت قبل السنة كما لا يخفى، فإنه ربما يكون الجنون
لأمر عرضي، كالوقوع من شاهق ونحوه من الخوف وغيره.
وإنما الكلام يقع في أربع جهات:
الجهة الأولى: الجذام
في أن الجذام أيضا من جملة هذه الأربعة أم لا؟ من جهة أنه ذكر
المصنف أن الأردبيلي (1) قد استشكل في ذلك، لعدم وجوده في رواية
محمد بن علي مع ورودها في مقام التحديد والضبط لهذه الأمور، وعليه
فيمكن وقوع تعارض بين هذه الروايات وبقية الروايات الدالة على كون
أحداث السنة أربعة.
وقد أجاب عنه صاحب الحدائق (2) بعد ما نقله عن الأردبيلي أن يشبه
هذا تعارض المطلق والمقيد، فيحمل المطلق على المقيد - الخ.
ولكن أصل كلام الأردبيلي خال عن الاشكال في الجذام من هذه
الجهة، وأن صاحب الحدائق لم ينقل من الأردبيلي، ورواية محمد بن علي مشتملة على ذكر الجذام (3)، بل جميع الروايات الواردة في المقام

1 - مجمع الفائدة 8: 448.
2 - الحدائق 19: 108.
3 - عن محمد بن علي عن الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون
والجذام والبرص، فقلت: كيف يرد من أحداث السنة؟ قال: هذا أول السنة، فإذا اشتريت مملوكا
به شئ من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه (التهذيب 7: 64، عنه
الوسائل 18: 99)، صحيحة إن كان المراد به الحلبي.
215

التي جمع أحداث السنة ذكر فيها الجذام صحيحة كانت أم فاسدة، فهذا
اشتباه من المصنف، والعصمة مخصوصة لأهلها.
الجهة الثانية: القرن
أنه قد استشكل المحقق الأردبيلي (1) في القرن، وهو الحدبة في الفرج
المانع من الوطئ، وقيل هو العظم الثابت فيه المانع من الوطئ لعدم
وجودها في صحيحة أبي همام (2)، فحيث إنها في مقام الحصر والضبط،
فتكون معارضة مع الروايات المشتملة على ذكر القرن، وليس فيها رواية
صحيحة.
وهذا الذي ذكره صاحب الحدائق وأشكل عليه، بأنه وإن لم يذكر
القرن في هذه الرواية ولكن لا يلزم من ذلك عدم كونه عيبا، بداهة أنه
يحمل المطلق على المقيد، ومراد صاحب الحدائق من هذا الحمل ليس
هو حمل المطلق على المقيد بالمعنى المتعارف، بحيث يكون هنا
تكليف واحد متعلق بطبيعة واحدة مطلقا تارة ومقيد أخرى، ويحمل
المطلق منه على المقيد، كما في أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة، بل المراد

1 - مجمع الفائدة 8: 448.
2 - عن أبي همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث السنة من
الجنون والجذام والبرص، فقلت: كيف يرد من أحداث السنة؟ قال: هذا أول السنة، فإذا
اشتريت مملوكا به شئ من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه، فقال له
محمد بن علي: فالإباق؟ قال: ليس الإباق من ذا إلا أن يقيم البينة أنه كان آبق عنده (الكافي
5: 217، التهذيب 7: 63، عنهما الوسائل 18: 99)، صحيحة.
216

من ذلك هنا أن الإمام (عليه السلام) حيث كان في مقام بيان العيوب وحصرها،
فاطلاق الكلام أي اطلاقه المقامي أن لا يكون هنا عيب آخر يرد به
المملوك في أثناء السنة، ولا شبهة في كون الرواية مطلقة من هذه الجهة،
فحيث ورد فرد آخر غير هذه الثلاثة في الروايات الأخر، فتكون تلك
الروايات مقيدة لذلك باثبات القرن فيها أي عدم كون فرد آخر من عيوب
السنة مقيد بالروايات المشتملة على عدها بأكثر من الثلاثة وبإضافة القرن
إليها.
ثم إن هذا من عجائب صاحب الحدائق، حيث إن القرن وإن لم يذكر
في هذه الرواية في طريق الكافي (1) ولكنه مذكور فيها في طريق الشيخ (2)،
والكافي وإن كان أضبط من التهذيب ولكن مع دوران الأمر بين الزيادة
والنقيصة يقدم ما هو مشتمل على الزيادة، وهذا أول مرة صادفت
باشتباه صاحب الحدائق وإلا فهو أضبط، على أنه ذكر القرن في رواية ابن
فضال (3)، وهي موثقة.
الجهة الثالثة: البرص
إن المحقق الأردبيلي (4) قد استشكل في البرص أيضا، بدعوى أنه وإن
كان مذكورا في تلك الروايات المستفيضة مع الجنون والجذام والقرن
من عيوب السنة، ولكن قد ذكر في رواية أخرى صحيحة التي تقدم في

1 - الكافي 5: 217.
2 - التهذيب 7: 63.
3 - عن ابن فضال عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: في أربعة أشياء خيار سنة: الجنون
والجذام والبرص والقرن (الخصال: 245، عنه الوسائل 18: 100)، موثقة.
4 - مجمع الفائدة 8: 449.
217

خيار الحيوان أيضا أن العهدة في البرص إلى ثلاثة أيام (1)، فيقع التعارض
بينها وبين الروايات المستفيضة، فالمتيقن هو أن كونه موجبا للرد في
الثلاثة وأما في غيرها فلا.
وهذا الذي ذكره الأردبيلي وإن كان متينا، ولكن حيث كانت الروايات
الدالة على كونه من عيوب السنة كثيرة ومستفيضة، وكان فيها صحيح
لصحيحة أبي همام ومحمد على، بناء على كونه حلبيا كما قال
الأردبيلي: أظن أنه الحلبي، وموثقة كرواية ابن فضال، وكانت هذه
الروايات موضع الاعتماد للفقهاء وعملهم بها، يحصل الاطمينان من
ذلك على صدور بعضها من الإمام (عليه السلام) وتقدمها على تلك الرواية الدالة
على كون العهدة في البرص على البايع إلى ثلاثة أيام.
وعليه فيحتمل أن البرص قد حرف وأن ما صدر من الإمام في مقام
التكلم والإفادة هو لفظ المرض، ولكن هذا احتمال نحتمل من جهة
معارضته لتلك الروايات الصحيحة التي نطمئن بصدور بعضها عن الإمام (عليه السلام)، وإلا فلو جري مثل هذا الاحتمال في الروايات لجرى في
جميعها، وعليه لم يبق حجر على حجر.
تنبيه
عن أبي همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من
أحداث السنة: من الجنون والجذام والبرص، فقلت: كيف يرد من
أحداث السنة؟ قال: هذا أول السنة فإذا اشتريت مملوكا فحدث به شئ

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام إن
كان بها حبل أو برص أو نحو هذا، وعهدته سنة من الجنون، فما بعد السنة فليس بشئ (الكافي
5: 172، التهذيب 7: 25، عنهما الوسائل 18: 12)، صحيحة.
218

من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه، فقال له
محمد بن علي: فالإباق؟ قال: ليس الإباق من ذا إلا أن يقيم البينة أنه كان
آبق عنده.
ثم قال صاحب الوسائل (1): ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن أبي همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول، وذكر نحوه، إلا أنه قال: والبرص والقرن.
وفي التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي همام قال:
سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يرد المملوك من أحداث السنة: من الجنون
والجذام والبرص، فإذا اشتريت مملوكا فوجدت فيه شيئا من هذه
الخصال ما بينك وبين ذي الحجة فرده على صاحبه، قال محمد بن علي:
فأبق، قال: لا يرد إلا أن يقيم البينة أنه أبق عنده (2).
وفي فروع الكافي (3) ذكر خبر أبي همام على النحو الذي ذكره في
الوسائل إلى قوله: ورواه الشيخ - الخ، وفي الوافي ذكر الحديث عن
أبي همام ناسبا إلى الكافي والتهذيب كما في الوسائل، ولم يذكر القرن.
وعلى هذا فما ذكره في الوسائل من إضافة القرن ونسبته إلى الشيخ
اشتباه منه، نعم ذكر في التهذيب القرن في رواية أخرى.
الجهة الرابعة: الجذام يوجب انعتاق المملوك بمجرد حدوثه
أنه قد أشكل على الروايات المشتملة على ذكر الجذام بأنه يوجب
انعتاق المملوك بمجرد حدوثه، ومعه كيف يرد على البايع بالجذام.

1 - الوسائل 18: 99.
2 - التهذيب 7: 64.
3 - الكافي 5: 217.
219

وقد وجهوا ذلك بوجوه لا يمكن المساعدة عليها، فإن من جملة
الوجوه: إن مادة الجذام يمكن أن تكون سابقة على البيع وتكون متكونة
في ملك البايع، وحينئذ يصح الرد إليه ولا ينعتق على المشتري، ولكنه
فاسد من جهة أنه يمكن أن يكون الجنون أمرا عارضيا من جهة الوقوع من
شاهق ونحوه بحيث يكون لخلل في رأسه فيظهر له الجنون.
والتحقيق: أن الروايات هنا متعارضة، فإن أمكن الجمع الدلالي فهو
وإلا فلا بد وأن يرجع إلى قواعد المعارضة، وذلك من جهة أن هذه
الروايات المستفيضة إنما تدل على أن الجذام من عيوب السنة ترد به
الجارية، ورواية السكوني دلت على أن الجذام يوجب العتق (1)، فمع قطع
النظر عن القرائن الخارجية فتلك الروايات المستفيضة تقدم على رواية
السكوني للاطمئنان بصدور بعضها، مع كون رواية السكوني ضعيفة (2)،
ولكن حيث كان الحكم بالعتق مما تسالم عليه الأصحاب فيطمئن به
الانسان باعتبار رواية السكوني.
فمقتضى الجمع بينها هو تقييد رواية السكوني بهذه الروايات
المستفيضة التي ذكر فيها الجذام، فتكون النتيجة أن المملوك إذا حدث
فيه الجذام ينعتق إلا في صورة اشترائه من الغير فإنه لا ينعتق إلى سنة بل
يجوز له رده إلى بايعه.
ثم إنه هل هذا الحكم مختص بالسنة بحيث لو لم يرده إلى بايعه حتى
خرجت السنة فلا ينعتق عليه أن ينعتق بعد خروج السنة؟

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا عمى المملوك
فلا رق عليه، والعبد إذا جذم فلا رق عليه (الكافي 6: 189، التهذيب 8: 222، الفقيه 3: 84،
عنهم الوسائل 23: 45)، موثقة.
2 - هذا على مبناه السابق، لكن عدل عنه (قدس سره) في معجمه الكبير وقال بتوثيق السكوني
والنوفلي، كما مر.
220

فذكر بعضهم أن انعتاقه بعد السنة يحتاج إلى دليل آخر، بل لو بقي
الجذام فيه كان كافيا في انعتاقه كما هو واضح، وذلك لأن رواية السكوني
شاملة للسنة وغيرها وخرج من ذلك السنة، وأن الجذام الحاصل فيها
لا يوجب الانعتاق إلى سنة، وأما أنه يحتاج انعتاقه بعد السنة إلى دليل
آخر فلا.
الجهة الخامسة: الاشكال بعدم امكان العمل بهذه الروايات على اطلاقها
إن المشهور قد ذهبوا إلى أن التصرف يكون مسقطا للخيار، ومن
البعيد أن يكون المملوك في ضمن هذه المدة خاليا عن التصرف فيه،
حتى بمثل أغلق الباب أو اسقني الماء ونحو ذلك، وعليه فلا يمكن
العمل بهذه الروايات على اطلاقها.
وفيه أنه قد ذكرنا سابقا أن التصرف على اطلاقه لا يكون مسقطا
للخيار، بل التصرف إنما يكون مسقطا للخيار إما بكونه كاشفا عن الرضاء
بالعقد أو لكونه احداث حدث، أو يكون هنا دليل خاص عليه كالتقبيل
واللمس في الجارية وركوب الدابة ونحو ذلك.
أما القسم الأول فهو تابع لكشف رضاء المشتري، ففي أي مورد
استكشفنا ذلك فهو وإلا فلا، وأما القسم الثالث فهو أيضا مختص بموارد
خاصة وهو خيار الحيوان، فلا يكون جاريا في بقية الخيارات، فكلما
تحقق ترتب عليه الحكم وإلا فلا.
وأما القسم الثاني فيقع التعارض بين ما دل على كون احداث الحدث
مسقطا للخيار وبين هذه الروايات المستفيضة بالعموم من وجه، حيث إن
مفاد هذه المستفيضة أعم من حيث كون الجذام في ضمن الثلاثة التي هي
زمان الخيار في الحيوان أو بعدها إلى سنة، ومفاد ما دل على كون
221

احداث الحدث مسقطا للرد أعم بين أن يكون الحدث هو هذه الخصال
الأربعة، أي الجنون والجذام والقرن والبرص، وبين أن يكون غير
ذلك، فيرجع في مورد التعارض إلى العمومات الدالة على لزوم العقد.
الجهة السادسة: هل يثبت له مع عدم الرد في ضمن السنة بهذه العيوب مطالبة
الأرش أم لا؟
قد عرفت سابقا أن في موارد ثبوت العيب يثبت لمن له الخيار الرد،
وإذا لم يرد يجوز له مطالبة الأرش، وعلى المشهور يكون من الأول
مخيرا بين الأمور الثلاثة، إما الرد أو الرضا بالعقد مجانا أو الرضا به مع
الأرش، وعلى كل تقدير فهل يثبت له مع عدم الرد في ضمن السنة
بالعيوب السنوية أن يطالب الأرش أم لا؟
والظاهر أنه ليس له مطالبة الأرش، بداهة أن الروايات الدالة على
ثبوت خيار العيب للمشتري مع ظهوره بعد العقد قد أثبت جواز مطالبة
الأرش مع عدم الرد، مع كون ذلك أي مطالبة الأرش على خلاف
القاعدة، ومن الواضح أن الروايات المستفيضة الدالة على جواز الرد
بالعيوب السنوية ليس فيها تعرض بالأرش، فلا يمكن الالتزام به مع كونه
على خلاف القاعدة.
نعم لو قلنا الأرش ثابت على طبق القاعدة لكونه كالجزء من الثمن،
فمع نقص ما يقابله من وصف الصحة فيرد ذلك الجزء، مع القول بأن مادة
تلك العيوب الحادثة في السنة إنما هي ثابتة قبل السنة، فللقول بالأرش
مع عدم الرد وجه وجيه، ولكن قد عرفت آنفا أن الأرش ليس جزء من
الثمن وإلا كان البايع من الأول مشغول الذمة على ذلك، مع أنه لا يثبت إلا
بالمطالبة.
222

وثانيا: إن الأوصاف مطلقا لا تقابل بالثمن كما لا يخفى، وأما الثاني
فقد عرفت قبيل هذا أن عيوب السنة قد تعرض للعبد لعارض في نفس
تلك السنة من غير أن يكون مادتها قبل البيع كما هو واضح.
عيوب متفرقة
قوله (رحمه الله): خاتمة: في عيوب متفرقة.
أقول: قد ظهر الميزان الكلي في جواز الرد بالعيوب، ولكن قد
تعرض المصنف للعيوب المتفرقة، فنتعرض لها تبعا له:
1 - أنه ذكر في التذكرة (1) أن الكفر ليس عيبا في المملوك، والظاهر أن
الكفر إن كان مثل التوثن والتمجس، فلا شبهة في كونه عيبا في الجارية
لكونه مانعا عن الاستمتاع، وأما إذا كان مثل التهود والتنصر فلا يكون
لجواز الاستمتاع منها.
وتوهم كون النجاسة فيهما عيبا واضح الفساد، بداهة عدم كون
المنافع المستفادة من المملوك منحصرا بما يتوقف على الطهارة، على
أنه ليس بمسلمية النجاسة لكونه من أهل الكتاب وقد أشكل غير واحد
في نجاستهم، على أنه يمكن أن يرى العبد اليهودي مطلوبا لبعض
الناس، فإنه يرى أن واجبات العبد تشغله مقدارا من الزمان فهو يريد أن
لا يكون كذلك لكونه غير مبال في الدين كما تقدم ذلك في الخصي.
وكيف كان إن الكفر لا يوجب نقصان مالية المملوك فلا يكون عيبا
يترتب عليه أحكام العيوب كما لا يخفى.
2 - أن يكون العبد أو الأمة محرمة الانتفاع على المشتري، كما إذا كان

1 - التذكرة 1: 530، المختلف 5: 190.
223

ممن ينعتق عليه، أو كانت الأمة أخت زوجته، فإنه لا يجوز الجمع بين
الأختين، أو كانت رضاعيا له، وغير ذلك من الجهات المحرمة، ولكن
الظاهر أنه ليس بعيب لعدم نقص فيه، بل المانع من قبل المشتري.
3 - ما لو كان المبيع متهما بالوقفية وإن لم يثبت ذلك شرعا، فإن ذلك
يوجب نقص ماليته وقلة رغبة الناس إليه، وهذا واضح.
4 - الصيام والاحرام والاعتداد، ولكن شئ من ذلك ليس بعيب.
5 - كونه نماما أو ساحرا أو قاذفا ونحو ذلك، والظاهر أن هذه
الأوصاف إذا كان بحيث ينجر إلى الفتنة والفساد فهي عيب فيه وإلا فلا،
فإنه لا يخلو منها نوع البشر أحيانا، وقل عبد يكون عادلا بل الأحرار
كذلك.
224

القول في الأرش
قوله (رحمه الله): القول في الأرش.
أقول: ذكروا أن الأرش في اللغة هو ما يؤخذ بدلا عن نقص مضمون
ودية الجزء الفائت، ولا شبهة في اطلاقه على المقام، وهو تفاوت
القيمة بين المعيب والصحيح من الثمن أو المثمن، وإن كان الغالب أن
ذلك يثبت في المبيع، فإن الثمن غالبا يكون من النقود فلا يكون معيبا،
ولا داعي للبحث عن ذلك بأنه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي،
بل المهم هو التكلم في جهات:
الجهة الأولى: هل يثبت الأرش في المقام على طبق القاعدة
في أن الأرش هل يثبت في المقام على طبق القاعدة أو على خلاف
القاعدة؟
لا شبهة في أنه يجوز للبايع جبران عيب المبيع، وإنما الكلام في أن
للمشتري إلزامه على ذلك أو لا، فإن كان على طبق القاعدة فله إلزامه
على ذلك وإلا فلا؟
الظاهر أنه يثبت على خلاف القاعدة، فإنه لا دليل على كونه على
حسب القاعدة أصلا، فإن الوجه في كون الأرش على طبق القاعدة هو
أن يكون وصف الصحة الذي يفقد في المعيب أن يقابل بجزء من الثمن،
كما أن أجزاء المبيع تقابل بالثمن، فكما أنه إذا فات جزء من المبيع ينقص
225

من الثمن ما يقابله لانحلال الثمن إلى كل جزء جزء، وكذلك إذا فات من
المبيع وصف الصحة فيكون الثمن ناقصا منه بمقدار ما يقابل من هذا
الوصف.
ولكن لا دليل على ذلك من بناء العقلاء والشرع أصلا: أما بناء العقلاء
فواضح، فإنه ليس منهم بناء على كون وصف الصحة مقابلا بالثمن ليكون
الأرش ثابتا على طبق القاعدة، ومع عدم مقابلته بالمال ليس هنا بناء آخر
على الأرش وأخذ جزء من الثمن على تقدير انتفائه، وأما من الشرع
فلم يصل إلينا ما يدل على ذلك.
وعليه فلا دليل على كون وصف الصحة مقابلا بالمال ليلزم من انتفائه
كون الأرش على طبق القاعدة، ومن هنا لو لم يطالب المشتري الأرش
لم يكن البايع مشغول الذمة على ذلك، مع أنه لو كان وصف الصحة يقابل
بجزء من الثمن لكان البايع مع عدم التفات المشتري إلى ذلك وعدم
مطالبته مشغول الذمة على ذلك مع أنه ليس كذلك، فيعلم من جميع ذلك أن الأرش لم يثبت على طبق القاعدة بل هو ثابت بعنوان الغرامة لدليل
خاص يقتضيه.
ومن هنا لو وقعت المعاوضة بين المعيب والصحيح وكانا من جنس
واحد ربوي لا يلزم الربا، مع أن الصحيح زائد عن المعيب بوصف الصحة
ولو زاد على المعيب في مقابل وصف الصحة شئ لزم منه الربا، فيعلم
من ذلك أن وصف الصحة لا يقابل بالمال، وهذا بخلاف ما كان جزء من
المبيع ناقصا فإنه يقابل بالمال، فيكون البايع مع عدم رجوع المشتري إليه
بغير التفات مشغول الذمة، وهكذا فيكون نقصان الثمن هنا على طبق
القاعدة كما هو واضح.
وعلى الجملة لا دليل على كون ثبوت الأرش على طبق القاعدة
226

فيكون ثبوته على خلاف القاعدة، فيكون الثمن بأجمعه ملكا للبايع
بمجرد البيع.
وعلى هذا فلا يلزم من انتفاء الوصف إلا خيار تخلف الوصف
والشرط، فإن مرجع تخلف الوصف إلى تخلف الشرط.
قول السيد (رحمه الله) بأن الأرش على طبق القاعدة والمناقشة فيه
ولكن التزم السيد (رحمه الله) في حاشيته (1) بأن الأرش على طبق القاعدة مع
تسليمه جميع ما ذكرناه، من عدم كون الوصف يقابل بالمال ونحو ذلك،
بدعوى:
أن للمعاملة مرحلتان: مرحلة الظاهر والانشاء، ومرحلة اللب،
ولا شبهة أن وصف الصحة وإن لم يقابل بالمال في المرحلة الأولى
ولكنه يقابل بالمال في المرحلة الثانية، بمعنى أن زيادة بعض الثمن إنما
هي بلحاظ الوصف المذكور، فتمام الثمن في عالم الانشاء جعل في
مقابل نفس العين، وليس شئ منه في مقابل الوصف، لكن في عالم اللب
بعض ذلك الثمن الذي جعل في مقابل نفس العين مقابل للوصف، فإذا
فرض تخلفه وجب على البايع أن يغرم ما فات من المشتري، وما اغترم
في عالم اللب بملاحظة ذلك الوصف.
فبالتخلف لا يلزم الانفساخ لأن الفرض كون تمام الثمن في مقابل العين
المفروض وجودها، ولكن لما كان المشتري قد اغترم من جهة ذلك
الوصف وأعطي ما لا مقابل له في ذلك العالم له أن يرجع على البايع وله
أن لا يرجع، ولذا لا تشتغل ذمة البايع على الأرش من حين العقد بل من
حين المطالبة، كما هو واضح.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 101.
227

أقول: لا نفهم معنى محصلا لذلك، فإنه كلام شبيه بالعرفان، فإنه ليس
للمعاملات عالمان: عالم الظاهر وعالم الباطن، بل ذكرنا مرارا أنها أمور
اعتبارية وحقيقتها قائمة بالاعتبار، فما وقع في مقابل الثمن من العين
واقع في مقابله ظاهرا ولبا كالأجزاء مثلا، فما لم يقع في مقابل الثمن
لا يقع في مقابله أيضا ظاهرا ولبا كأوصاف الصحة، وعلى الجملة
فللمعاملات جهة واحدة لا جهات كثيرة.
نعم قد يكون الأوصاف داعية إلى زيادة الثمن في عالم اللب، ولكنها
غير مختصة بأوصاف الصحة، بل تجري في أوصاف الكمال أيضا، فإن
جميع الأوصاف داعية إلى الثمن كما هو واضح.
وعلى هذا فالأوصاف لا تقابل بالمال أصلا، نعم هي موجبة لزيادة
المالية بل تكون في بعض الأحيان تمامية المالية بذلك، بحيث لا تكون
للمادة مع قطع النظر عن الصورة والوصف مالية أصلا، ومع ذلك
لا يكون الوصف مقابلا بالمال، وعلى هذا فالأرش ليس على طبق
القاعدة بل هو غرامة إنما ثبتت بالأخبار الخاصة.
وعلى هذا فلا بد في كيفية ثبوته من الرجوع إليها، من أنه هل هو
التفاوت بين المعيب والصحيح واقعا، أو هو التفاوت بين الصحيح
والمعيب بالنسبة إلى هذه المعاملة.
والأخبار الواردة في المقام على ثلاث طوائف:
فإن في بعضها أنه يرد قيمة العيب (1)، وبعضها مشتمل على أخذ أرش

1 - عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما رجل
اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردها، ورد البايع عليه قيمة العيب (التهذيب
7: 60، عنه الوسائل 18: 104)، موثقة.
عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى جارية فوقع عليها، قال: إن
وجد بها عيبا فليس له أن يردها، ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب، قال: قلت: هذا قول
علي (عليه السلام)؟ قال: نعم (الكافي 5: 214، التهذيب 7: 61، الإستبصار 3: 81، عنهما الوسائل
18: 102)، صحيحة.
عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا
وطأت ولكن يرجع بقيمة العيب (الفقيه 3: 139، عنه الوسائل 18: 104).
عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل اشترى
جارية فوطأها، ثم وجد فيها عيبا، قال: تقوم وهي صحيحة وتقوم وبها الداء، ثم يرد البايع
على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء (الكافي 5: 214، التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل
18: 102)، موثقة.
عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ثم يجد
بها عيبا بعد ذلك؟ قال: لا يردها على صاحبها ولكن تقوم ما بين العيب والصحة فيرد على
المبتاع، معاذ الله أن يجعل لها أجرا (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل
18: 103)، صحيحة.
228

العيب (1)، وبعضها مشتمل على استرداد مقدار العيب من الثمن (2)، وقد

1 - عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): كان
القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم وله أرش
العيب (التهذيب 7: 61، قرب الإسناد: 10، عنهما الوسائل 18: 104)، صحيحة.
رواه الحميري في قرب الإسناد، إلا أنه قال: إن البيع لازم لا يردها ويأخذ أرش العيب (
قرب الإسناد: 10، عنه الوسائل 18: 104)، صحيحة.
2 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قال علي (عليه السلام): لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها (الكافي 5: 214،
التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل 18: 102)، صحيحة.
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يرد التي ليست بحبلى
إذا وطأها، وكان يضع له من ثمنها بقدر عيبها (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل
18: 103)، موثقة.
229

أشار السيد إلى هذه الأخبار في حاشيته (1).
وظاهر جميع ذلك وجوب رد تمام قيمة العيب في هذه المعاملة إن
كان قد دفع المشتري الثمن إلى البايع، ونقص مقدار العيب من الثمن إن
كان لم يدفع الثمن إليه بعد.
المراد من التفاوت
والحاصل أن المراد من التفاوت تارة يكون هو التفاوت ما بين الصحيح
والمعيب بالفعل، أي عند ظهور العيب من غير ملاحظة التفاوت بينهما
حال العقد، بأن تقوم الجارية مثلا بالنسبة إلى القيمة الواقعية خمسين
دينارا صحيحة وخمسة وعشرون دينارا معيبة، وكان أصل الثمن
خمسة وعشرون دينارا، فإنه لو كان المراد من رد التفاوت ما بين الصحيح
والمعيب بحسب القيمة الواقعية كان اللازم هو رد تمام القيمة وهو
خمسة وعشرون دينارا، بل ربما يلزم رد الزائد عن أصل القيمة.
وهذا لا يمكن الالتزام به، لا من جهة لزوم الجمع بين العوض
والمعوض، فإنه لا محذور فيه مع دلالة الدليل كما ثبتت نظير ذلك في
جناية العبد، فإن الجناية لها مقدر شرعا وربما يكون ذلك المقدار أزيد
بمراتب من قيمة العبد لكونه مريضا أو هرما أو نحو ذلك، فهل يتوهم
أحد أن هنا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، بل المأخوذ إنما هو
بعنوان الغرامة فلا بأس بكونه أزيد من القيمة كما هو واضح.
على أنك قد عرفت أن الأوصاف لا تكون مقابلة بالثمن، وإنما الثمن قد
وقع في مقابل العين، وعليه فيكون المردود لأجل نقصان الوصف غرامة
لا قيمة حتى يلزم الجمع بين العوض والمعوض كما هو واضح.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 101.
230

نعم بناء على كون الأوصاف تقابل بالثمن يلزم ذلك، فإن الأرش
المأخوذ يكون أزيد من الثمن الذي يقع في مقابل الوصف، فيلزم الجمع
بينهما، وهذا هو الحل في عدم لزوم الجمع بينهما في باب الجناية أيضا،
بل المانع عن هذا الاحتمال هو عدم ظهور الأخبار فيه وعدم مساعدة
الفهم العرفي على ذلك.
حيث إن الظاهر منها وبمقتضى الفهم العرفي هو أن التفاوت هو
التفاوت بين المعيب والصحيح بالنسبة إلى هذه المعاملة، فإن الفهم
العرفي قاض بأن المشتري لا بد له أن يطالب من البايع ما نقص عليه من
قيمة العين بالنسبة إلى هذه المعاملة لكونها ربطا بينهما، وأما القيمة
الواقعية فلا ترتبط بينهما أصلا.
ويؤيد ذلك التعبير برد جزء من الثمن في بعض تلك الأخبار، مع أنك
قد عرفت أن التفاوت بالنسبة إلى القيمة الواقعية قد يكون أزيد من
مجموع الثمن فلا تصل النوبة إلى رد جزء من الثمن.
وأما إرادة التفاوت بالنسبة إلى القيمة الواقعية لا وجه له، كما لا وجه
للجواب عنه بحمل الأخبار على الغالب من عدم تفاوت القيمة السوقية
مع أقل القيمة حال العقد، من جهة كون الرد قرينة على ذلك كما صنعه
المصنف، أي يكون التعبير بالرد من الثمن قرينة على أن المراد من
التفاوت هو التفاوت بالنسبة إلى هذه المعاملة، وإلا قد لا يكون هنا رد
كما في المثال الذي ذكره المصنف، وذلك لاحتمال أن يكون الرد أيضا
محمولا على الغالب كما هو واضح.
وعلى الجملة هنا احتمالان: أحدهما أن يكون المراد من التفاوت هو
التفاوت ما بين الصحيح والمعيوب بالنسبة إلى هذه المعاملة، والثاني
أن يكون المراد هو التفاوت بالنسبة إلى القيمة الواقعية، واطلاق الأخبار
231

وإن كان يشمل كليهما، ولكن مقتضى الارتكاز العرفي ينصرفه إلى الشق
الأول فتكون ظاهرة فيه كما هو واضح.
ومن هنا تعرف ما في عبارة المصنف من الغلط، حيث إنه أشار إلى
الاحتمال الثاني بقوله: نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كأكثر النصوص
توهم إرادة قيمة المعيب كلها، فإن هذا الاحتمال ومورد إرادة قيمة
المعيب كلها لم يقل به أحد كما هو واضح، والظاهر أن النسخة
الصحيحة هو قيمة العيب، ومع ذلك لا يصح لمكان كلمة أزيد بعده.
بيان آخر للجهة الأولى
والحاصل قد ذكرنا سابقا أن الثابت بحسب بناء العقلاء هو كون المبيع
واجدا لأوصاف الصحة، وأنها معتبرة فيه مع السكوت عن الاشتراط،
وإذا كان كذلك أو اشترط المشتري ذلك على البايع فلا شبهة في أنه
يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط لذلك، فإن بناء العقلاء على اعتبار
الوصف.
وأما الأرش فلم يثبت بناء من العقلاء على ثبوت الأرش وإلا لكان
البايع مشغول الذمة من الأول وليس كذلك بل يكون الثمن بأجمعه ملكا
للبايع بمجرد البيع.
ومما يؤيد ذلك ما ذكرناه في أول الخيارات، من أن الأرش لا يثبت
ابتداءا، بل إنما يثبت مع عدم الرد وفي طوله، مع أنه لو كان الأرش على
القاعدة لكان ثابتا من الأول وكان المشتري مخيرا بين الرد والأرش من
الأول.
فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأخبار، والظاهر منها بحسب الفهم
العرفي هو أن المشتري يأخذ التفاوت فيما بين الصحيح والمعيب
بالنسبة إلى هذه المعاملة لا التفاوت بحسب القيمة الواقعية.
232

ومن هنا لم يذهب أحد إلى ذلك، وإن كان ظاهر الأخبار بحسب
النظرة الأولى يساعد على الاحتمال الثاني ولكن يزول بالتأمل فيها، فإن
المفروض في هذه الأخبار عدم وجود الخلل في المعاملة من غير جهة
العيب كالغبن ونحوه، فتكون المعاملة المفروض فيها كون المبيع معيبا
محمولة على المعاملة المتعارفة، وهي أن يكون ذلك بثمن متعارف،
فإذا كان هنا أرش فنسأل عن حكم ما يكون الثمن فيه قليلا، بأن اشترى
المشتري المبيع الذي يسوى بخمسين بخمسة كما يتفق ذلك أحيانا،
أو اشتراه بثمن متعارف ولكن ترقي وكان بقيمة أغلى إلى زمان ظهور
العيب.
فإن قلنا بكونه خارجا عن حدود هذه الأخبار بحيث لم نلتزم بالأرش
هنا، وقلنا إن الأرش إنما هو في المعاملات المتعارفة لكون الأخبار
ناظرة إلى حكمها فهو بعيد فلا يمكن الالتزام به، وإن قلنا إن الأخبار إنما
هي تبين حكم المعاملات المتعارفة من جهة كونها هي الغالب لا أنها
مختصة بها، بل هي تبين الميزان الكلي في جميع المعاملات
فالمعاملات الغير المتعارفة أيضا على حسب المعاملات المتعارفة،
فيكون المناط فيها هو ملاحظة أصل الثمن وأخذ التفاوت بالنسبة إلى
أصل الثمن بحسب نسبة التفاوت إلى القيمة الواقعية.
وعلى الجملة المفهوم من هذه الروايات هو الرجوع إلى التفاوت بين
الصحيح والمعيب بحسب أصل ثمن المعاملة، نسبة التفاوت إلى
الصحيح والمعيب إلى القيمة الواقعية، على أنه هو المشهور بين
الأصحاب بل لم يذهب إلى الاحتمال الرجوع إلى التفاوت بحسب القيمة
الواقعية أحد.
233

الجهة الثانية: هل يجب الأرش أن يكون من نفس الثمن؟
في أن الأرش هل يجب أن يكون من نفس الثمن، أو يجوز أن يكون من
غيره أيضا؟
الظاهر أنه لا يجب أن يكون نفس الثمن، فإنه بعد ما قلنا إن الأرش أمر
ثبت على خلاف القاعدة فليس ثابتا على طبق القاعدة لا يلزم أن يكون من
نفس الثمن، فإن الثمن يكون ملكا للبايع بمجرد العقد فلا دليل على اجبار
البايع على اعطاء الأرش من ذلك المال الخاص، وإنما هو غرامة ثبتت
بدليل خاص، فللبايع أن يعطيه من غير الثمن أيضا.
ولكن المتوهم من بعض الروايات أنه لا بد وأن يكون الأرش من نفس
الثمن خصوصا من رواية زرارة (1) التي هي المستند لنا في خيار العيب،
وقد عبر عنها المصنف بالصحيحة، حيث ذكر فيها أنه يضع له من ثمنها
بقدر عيبها، ولكن هذا التوهم فاسد، فإن المفروض في هذه الرواية
وأمثالها أن الثمن لم يرد إلى البايع بل هو عند المشتري بعد.
وعليه أن الثمن قد يكون كليا كما هو الغالب، فإن البايع يبيع متاعه
بالثمن الكلي نوعا ولا يعين ثمنا خاصا شخصيا، فعلى الأول يقع هنا
تهاتر قهري حيث إن المشتري يطلب مثل ما يطلب منه البايع، فبمقدار
الأرش يقع التهاتر كما هو واضح، وعليه فيصح أن يقال يضع له من الثمن
بقدر العيب.
وإن كان الثمن شخصيا كما هو غير الغالب، وحينئذ وإن كان ما يطلبه

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يرد التي ليست
بحبلى إذا وطأها، وكان يضع له من ثمنها بقدر عيبها (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 61، عنهما
الوسائل 18: 103)، موثقة.
234

البايع من المشتري عينا شخصية ويجوز للمشتري أن يدفعه إلى البايع
ثم يطلب منه حقه، ولا يكون هنا تهاتر قهري، ولكن لا يجب عليه ذلك
بل له أن يطبق الكلي الذي يطلب من البايع على هذا الشخص المعين
الخارجي كما هو واضح.
وكيف كان لا شبهة في أن الأرش غرامة على ذمة البايع بعد مطالبة
المشتري، فلا يتعين أن يكون من عين الثمن، نعم بناء على كون الأرش
على طبق القاعدة لزم أن يكون من عين الثمن كما هو واضح.
وأما في بقية الروايات (1) فالمذكور فيها هو أن يرد البايع على
المشتري فضل ما بين الصحيح والمعيب، وليس فيها ما يشعر بكون
المردود من الثمن.
الجهة الثالثة: هل يعتبر أن يكون الأرش من النقود؟
هل يعتبر أن يكون الأرش من النقود، أو يكفي كونه من غيرها أيضا؟
الظاهر من الأخبار الدالة على ثبوت الأرش هو أن يكون ذلك من
النقود، فإن المستفاد من مجموعها هو أن البايع يرد التفاوت ما بين
الصحيح والمعيب، سواء كان المراد من التفاوت هو التفاوت بالنسبة إلى
القيمة الواقعية أو بالنسبة إلى هذه المعاملة الخاصة.
ومن الواضح أن التفاوت إنما يعلم بالمالية المحضة، فإن تقويم
الأشياء والعلم بقيمتها إنما هو بماليتها، وما هو متمحض بالمالية فقط
إنما هو النقود، فيكون الثابت بالأخبار هو النقود، فالاكتفاء بغيرها يحتاج
إلى دليل فلم يثبت ذلك، حتى لو كان الثمن من الأعيان فإنه مضافا إلى ما
ذكرناه أنه لم يتعارف أن يقطع من الفراش الذي نفرضه ثمنا لشئ زراعا

1 - فقد مر ذكرها قبيل هذا، فراجع.
235

بعنوان أنه أرش، نعم إذا رضي المشتري بذلك فلا بأس به وإن كان
الأرش من غير جنس الثمن، سواء كان الثمن عينا أو نقدا.
ولكن يبقى البحث في أنه مع رضاء المشتري بكون الأرش عينا هل
يكون الأرش هو ذلك الشئ ابتداءا كما في حاشية السيد (1)، أو بدله فإنه
بناء على الثاني تكون هنا معاوضة ضمنية وإلا فيكون الثابت هو الأرش،
وهذا البحث لا ثمر له إلا عمليا (2)، ومع ذلك نقول إن الأرش وإن كان على
خلاف القاعدة ولكن قلنا إن اللازم على البايع هو اعطاء النقد.
وعليه فالرجوع إلى غير النقد ولو كان برضاء المشتري يحتاج إلى
معاوضة جديدة، فيكون الثابت أولا بعنوان الأرش هو النقد ثم يبدل
ذلك بالمتاع بحسب رضاء المشتري بعنوان المعاملة الجديدة ويكون
ذلك تجارة أخرى عن تراض.
الجهة الرابعة: لا يكون الأرش إلا مقدارا مساويا لبعض الثمن
أنه ذكر المصنف (رحمه الله): أنه قد تبين مما ذكرنا في معنى الأرش أنه
لا يكون إلا مقدارا مساويا لبعض الثمن ولا يعقل أن يكون مستغرقا له.
هذا هو المتعين، والوجه في ذلك أنا وإن ذكرنا مرارا أنه لا دليل على
اعتبار المالية في المبيع، بل يمكن بيع غير المتمول لغرض شخصي
عقلائي قد تعلق بذلك، كما إذا اشترى خط أبيه بقيمة جزاف مع عدم
رغبة أحد إليه لغرض له لحفظ خط أبيه، فإنه مع عدم كونه من الأموال
جاز له شراؤه.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 102.
2 - وتظهر ثمرته فيما إذا اشترط شئ في ضمنه، فإنه بناء على المعاوضة لا يكون
للشرط ابتدائيا، وإلا فيكون ابتدائيا منه (رحمه الله).
236

إلا أنه مع ذلك لا مناص عما ذكره المصنف هنا، من عدم معقولية
استيعاب الأرش القيمة بحيث تبقى العين للمشتري بلا قيمة، وذلك لأن
المستفاد من أخبار الأرش هو رد مقدار من الثمن أي بمقدار الذي نقصه
العيب على حسب المتعارف، فإن النقصان إنما يعلم بحسب يقيم أهل
الخبرة من أهل العرف، ومن الواضح أنه لا يتحقق ذلك إلا في الأشياء
التي هي أموال في نظر العقلاء، فإن غير الأموال لا قيمة لها عند العقلاء
حتى يتقوم عندهم ويرد ما ينقصه العيب، وإن كان لها قيمة عند
المشتري بحسب النظر الشخصي فيكون مورد الأرش بحسب هذه الأخبار هي الأموال.
وعلى هذا فكلما ينقص من المال بحسب العيب فلا بد وأن يبقى
للمعيب شئ من الثمن، فإن المفروض هو ملاحظة التفاوت بحسب هذه
المعاملة لا بحسب القيمة الواقعية، وعلى هذا فلا يعقل أن يكون الأرش
مستوعبا لجميع الثمن كما ذكره المصنف.
بيان آخر في القول في الأرش
وحاصل الكلام في الجهة الأولى هو أنه قد ذكرنا سابقا أن أوصاف
الصحة مما هو معتبر في العقد، سواء ذكرت عند العقد أم لم يذكر،
وبهذا يفترق الحال بينها وبين أوصاف الكمال، وعلى كل تقدير أي
سواء ذكرت في ضمن العقد أم لا فيلزم من تخلفها خيار تخلف الوصف
والشرط، إذ اعتبر في المبيع ذلك بحسب الارتكاز وبناء العقلاء ومن
الشروط الضمنية فيكون تخلفه موجبا للخيار كما هو واضح.
وأما أنه هل يوجب ثبوت الأرش أو لا يجب ذلك، وقد ذكرنا أنه أي
الأرش لا يثبت بحسب بناء العقلاء أصلا بل هو أمر تعبدي محض
237

وغرامة خاصة قد ثبت بالتعبد الشرعي، وأما كيفية ثبوته من أنه هو
التفاوت بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة الواقعية، أو التفاوت
بينهما في هذه المعاملة بأن يقوم الصحيح والمعيب وتؤخذ نسبة ذلك
التفاوت من أصل الثمن، وأما هذه الكيفية فلم تظهر من الأخبار، بل
الظاهر من بعضها بدوا هو الاحتمال الأول، وإن كان بعضها ساكتا عن
ذلك بل يدل على أخذ ما نقصه العيب.
وأما ما في بعض الأخبار من أنه يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان
فيها كما في رواية ابن سنان (1)، ويضع له من ثمنها بقدر عيبها كما في رواية
زرارة (2)، وفي روايات أخرى أيضا: يرد عليه بقيمة (3) أو بقدر ما نقصه
العيب (4)، فربما يتوهم منها أن المراد من الثمن هو الثمن في هذه المعاملة،
بدعوى أن رد مقدار من الثمن قرينة على أن المراد منه ذلك، فإنه هو

1 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قال علي (عليه السلام): لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها (الكافي 5: 214،
التهذيب 7: 61، عنهما الوسائل 18: 102)، صحيحة.
2 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يرد التي ليست
بحبلى إذا وطأها، وكان يضع له من ثمنها بقدر عيبها (الكافي 5: 215، التهذيب 7: 61، عنهما
الوسائل 18: 103)، موثقة.
3 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى جارية فوقع عليها، قال:
إن وجد بها عيبا فليس له أن يردها، ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب، قال: قلت: هذا قول
علي (عليه السلام)؟ قال: نعم (الكافي 5: 214، التهذيب 7: 61، الإستبصار 3: 81، عنهما الوسائل
18: 102)، صحيحة.
4 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
238

الذي أعطاه المشتري للبايع، فحكم الإمام (عليه السلام) برد مقدار الثمن يكون
قرينة على أن المراد هو ذلك الثمن.
ولكن لا ظهور فيها في أن المراد من التفاوت هو التفاوت بين الصحيح
والمعيب بحسب ثمن العين في هذه المعاملة، وذلك فإن هذه الأخبار
بأجمعها إنما تبين حال المبيع صحيحه ومعيبه بحسب القيمة المتعارفة،
وذلك لأن المفروض فيها أن المعاملة لا محذور فيها من بقية الجهات من
حيث الغبن وغيره إلا من حيث اشتمال المبيع على العيب، ومن الواضح
أن الغالب في المعاملات الواقعة على الميزان المتعارف ولم تشتمل
على الغبن ونحوه هو تساوي قيمة المبيع بالنسبة إلى هذه المعاملة وإلى
القيمة الواقعية، وعلى هذا فحكم الإمام (عليه السلام) برد مقدار من الثمن أو
وضعه من جهة الغلبة، وأن الغالب هو تساوي القيمة الواقعية مع قيمة
هذه المعاملة.
وبعبارة أخرى أن هذه التعبيرات وإن كان الظاهر منها أن المردود
لا يكون أكثر من أصل الثمن لمكان قرينية كلمة الرد والوضع في ذلك،
وأن هذا لا يكون إلا في ثمن العين بالنسبة إلى هذه المعاملة، لأن التفاوت
بحسب القيمة الواقعية ربما يكون أزيد من أصل ثمنها بالنسبة إلى هذه
المعاملة.
ولكن نقول إن هذا لا يدل على ذلك، فإن الغالب هو تساوي القيمتين
في المعاملات المتعارفة الغير الواقعية على الغبن ونحوه، بل هو من جهة
تساوي القيمة الواقعية للعين مع قيمتها في هذه المعاملة، فلأجل هذه
التساوي يكون رد التفاوت ما بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة
الواقعية ردا لمقدار من الثمن الذي هو التفاوت بين الصحيح والمعيب
بحسب هذه المعاملة.
239

ولا يخفى أن الغلبة التي ندعيها في المقام ليس هو غلبة الأفراد وإلا
فلا نجوز حمل المطلق على الفرد الغالب، بل الغلبة من جهة أن هذه
الروايات تبين حكم المعاملة مع فرضها حاوية لبقية الجهات كما هو
المتفاهم العرفي، وإلا فمجرد تساوي القيمتين بحسب الخارج لا يجوز
حملها على الغالب.
وبعبارة أخرى أن ورود الروايات إنما هو لأجل بيان حكم المعيب
فقط، فلا بد وأن يفرض أن المعاملة من بقية الجهات تامة، وعلى هذا قل
ما تكون قيمة الواقعية غير مساوية مع قيمة العين في هذه المعاملة، وأما
الفرض النادر وهو أن يكون قيمة المبيع في هذه المعاملة أقل بمراتب من
القيمة الواقعية أو أضعاف قيمة العين بحسب القيمة الواقعية فهو خارج
عن محط الروايات.
وهذا هو محل الكلام في المقام من أنه مع الاختلاف فالقاعدة في أخذ
الأرش هل هو التفاوت بحسب القيمة الواقعية أو بحسب هذه المعاملة،
وهذا فالالتزام بأن الأرش مختص بخصوص المعاملات المتعارفة التي
كانت القيمتان فيها متساويتين بعيد جدا، بل لم يلتزمه أحد فيما نعلم من
العامة والخاصة، ولم يعهد من أحد أن يلتزم بثبوت الأرش في
المعاملات فقط.
وعليه فحكم المعاملات المتعارفة إنما هو معلومة بهذه الأخبار وأنها
مسوقة لذلك، وحكم المعاملات الغير المتعارفة التي كان الثمن فيها
قليلا جدا أو كثيرا كذلك، ولم يكن متوسطات معلومة بالقطع بعدم الفرق
بينها وبين المعاملات المتعارفة، هذا، فاغتنم.
والسر في ذلك أن المراد من القيمة ليست القيمة الواقعية بل القيمة في
هذه المعاملة، سواء في المعاملات المتعارفة كما هو مقتضى الأخبار أو
في المعاملات الغير المتعارفة كما هو مقتضى القطع.
240

والسر هو أن الضمان هنا أي الضمان بالأرش ليس هو ضمان اليد
بحيث يكون ذلك بمقتضى اليد التي ثبتت على مال الغير وتلفت تحتها،
كما إذا أخذ دابة أحد بغير إذنه وكسر رجله أو متاعه فأتلفه فإن الضمان
هنا ضمان يد، فلا بد وأن يخرج التالف عن عهدة للمتلف، فيقوم ذلك
وتؤخذ منه القيمة الواقعية، وفي فرض التعيب يؤخذ منه التفاوت بين
الصحيح والمعيب بحسب القيمة الواقعية، فإن المال على قيمته الواقعية
داخلة تحت ضمان اليد فيخرج من عهدته.
وليس ذلك الضمان ضمان المعاوضة أيضا بأن يكون ذلك مضمونا
بحسب المعاملة أيضا، كما إذا اشترى عشرة أمنان من الحنطة كلية
وأسلم البايع تسعة أمنان، فإن منا واحدا هنا مضمون على البايع ضمان
معاملة فلا بد له من تسليمه، إلا إذا كان المبيع شخصيا فإنه لا يلزم
تسليمه، فإن الموجود الخارجي الشخصي الذي هو مبيع قد باعه البايع
بما أنه عشرة أمنان فظهر تسعة، فيكشف من ذلك عدم وجود المبيع
أصلا بالنسبة إلى من واحد، وهكذا في كل مورد يكون جزء من المبيع
ناقصا، فإن ضمان البايع لذلك ضمان معاملي، أي بحسب اقدامه على
بيع ذلك صار ضامنا له.
وأما عدم كون ضمان الأرش ضمان يد فواضح، لعدم دخوله تحت
ضمان البايع باليد بحيث يكون المبيع ملكا للمشتري وأخذه البايع
عدوانا وأوجب نقصا فيه ليكون ضامنا حسب ضمان اليد، وأنها عدم
كونه من قبيل ضمان المعاوضة فلعدم كون الوصف مقابلا بالمال حتى
يكون البايع ضامنا ضمان معاملي مع ظهور المبيع فاقدا للوصف، بل
الضمان هنا نحو آخر غيرهما فهو في حكم ضمان المعاملي، فإن غاية ما
يستفاد من هذه الأخبار أن وصف الصحة بمنزلة الجزء الذي يقابل بالمال
241

لا حقيقة، لما عرفت أن الوصف في الحقيقة لا يقابل بالمال بل حكما،
أي كما أن مقتضى نقصان الجزء يوجب نقص الثمن بمقداره وهكذا
نقصان الوصف يوجب نقص مقدار من الثمن.
وعلى هذا فيكون الناقص بملاحظة أصل الثمن كالنقص الجزئي، فإن
هذا لا يزيد عما هو في حكمه، فتكون القيمة حينئذ هي القيمة بالنسبة
إلى هذه المعاملة.
والذي ألجأني إلى هذا أنه لم يذهب أحد من العامة والخاصة إلى أن
المراد من القيمة هنا هي القيمة الواقعية، ليكون التفاوت باعتبارها فيكون
ذلك قرينة على عدم فهمهم ذلك من الأخبار، بل إنهم فهموا القيمة في
هذه المعاملة كما هو واضح.
فرض المصنف (رحمه الله) موردا يكون الأرش مستوعبا للثمن
وقد عرفت أنه ذكر المصنف (رحمه الله) أنه لا يعقل أن يكون الأرش مستوعبا
للثمن وقد عرفت وجهه، ثم فرض موردا لذلك في حصول العيب قبل
القبض أو بعده وفي زمان الخيار بناء على كون الضمان فيهما على البايع
وقال: نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا أحدث قبل القبض أو في زمان
الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشئ على صفة التملك، بناء على
أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به بل يأخذ المشتري
أرش العيب وهو هنا مقدار تمام الثمن، وعليه فتبقى العين في ملك
المشتري إن كانت إضافة الملكية باقية وإن خرجت عن المالية وإلا فتبقى
تحت حقه فتكون العين متعلقة لحقه ولا تكون راجعة إلى البايع، ثم
أشكل عليه بأن الحاقه بالتلف مشكل.
أقول: لا ربط لهذه الصورة بالمقام أصلا، بداهة أن كلامنا في الأرش
242

ومورده على ما يستفاد من الأخبار هو أن يكون الشئ معيبا قبل العقد،
كما ينادي بذلك رواية زرارة: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار -
الخ (1)، فإن الظاهر منها أن العيب كان موجودا فيه قبل العقد، ولا شبهة أن
العيب الحادث في زمان الخيار أو قبل القبض خارج عن مورد أخبار
الأرش.
وعلى هذا فإن قلنا بكون العين في ذلك مضمونة على البايع فيحكم
بضمانه، بمعنى أن المعاملة تنفسخ ويأخذ المشتري الثمن من البايع
ويأخذ البايع العين من المشتري وإن لم يكن مالا بل وإن لم يكن ملكا
أيضا بحيث خرجت عن الإضافة المالية والملكية، لا أن المشتري يأخذ
الأرش وتبقى العين تحت يده أيضا كما هو مقتضى قانون أخذ الأرش.
وإذا فالضمان هنا ليس ضمان أرش بل ضمان خاص أجنبي عن
الأرش ويفترق عنه بانفساخ العقد ورجوع العين إلى ملك البايع إن كانت
إضافة الملكية باقية وإلا فتكون متعلقة لحقه، فافهم.
نعم يمكن تصوير ذلك بأنه إذا اشترى متاعا بثمن ككتاب شرح اللمعة
وظهر معيبا، بحيث لو أصلح ذلك وأبقيت ماليته ليكون صحيحا كان
مصرفه أكثر من أصل قيمة المعيب، أو اشترى عبدا وظهر مريضا
وكانت قيمته خمسين دينارا ولكن كان مصرف مرضه بحيث يكون
صحيحا مائة دينار، فيكون الأرش في مثل هذه التصويرات أكثر من قيمة
أصل المعيب.

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه
البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك، لو لم يكن به (الكافي
5: 207، التهذيب 7: 60، عنهما الوسائل 18: 30)، صحيحة.
243

ولكن الظاهر أن هذا أيضا لا تخلو عن المناقشة، بداهة أنه مع ذلك
أيضا لا تسقط العين عن المالية بالكلية بل هي باقية على ماليتها بمقدار،
فإنها تقوم صحيحة ومعيبة فعلا ويؤخذ نسبة التفاوت ما بينهما من أصل
الثمن، لا أن مجموع قيمة الصحيح يؤخذ من البايع حتى يكون مستوعبا،
وعلى الجملة فلا نعقل صورة يكون الأرش فيها مستوعبا للثمن.
وبعبارة أخرى أن ما تصلح به العين المعيبة وإن كان يستوعب الثمن أو
يكون أكثر منه إلا أنه مع ذلك لا تخرج العين عن المالية، بل لها قيمة أيضا
فلا يكون الأرش مستوعبا للثمن كما هو واضح، وليس ذلك مثل الأعيان
التي لا مالية لها وتسقط عنها كالخل الذي لا حموضة فيه.
كلام للعلامة (رحمه الله) في الالتزام بالأرش المستوعب في العيب المتقدم على العقد
ثم إنه ذكر المصنف أنه يظهر من العلامة في كتبه أنه يلتزم بالأرش
المستوعب في العيب المتقدم على العقد، فإنه ذكر العلامة (رحمه الله) في كتبه
مسألة بيع العبد الجاني، إلى أن قال: وللمشتري الفسخ مع الجهل فيرجع
بالثمن أو الأرش، فإن استوعب الجناية القيمة والأرش ثمنه أيضا.
فإن الظاهر من هذه العبارة أن في صورة عدم الفسخ يكون الأرش الذي
يأخذه من البايع للعيب الذي هو الجناية بمقدار الثمن، فلذا عبر بكلمة
أيضا، غاية الأمر أنه على المبنى الذي ذكرناه من كون الأرش غرامة يكون
مساويا للثمن ولا يكون نفس الثمن، وأما بناء على كون الأرش جزء من
الثمن كان الأرش بعينه تمام الثمن.
التحقيق في المقام
أقول: تحقيق الكلام في هذا الفرع الذي ذكره العلامة (رحمه الله) في كتبه هو
244

أن الجناية الصادرة من العبد على قسمين: لأنها قد تصدر منه خطأ، وقد
تصدر عنه عمدا.
أما الأول فلا شبهة في أن العبد لا يكون متعلقا لحق المجني عليه
أصلا بل دية الجناية على المولى إذا كان موسرا، نعم إذا كان معسرا
ولم يقدر على اعطاء الدية كان للمجني عليه أن يستوفي ذلك من نفس
العبد، بأن يسترقه إن كانت الجناية مستوعبة وإلا يسترق بعضه، هذا
بالنسبة إلى المجني عليه، وأما المشتري فإن كان عالما فلا شئ على
البايع، لأنه قد أقدم بذلك مع علمه ورضاه فلا يرجع إلى البايع، وإن كان
جاهلا ولم يكن المولى معطيا للدية لإعساره فاسترقه المجني عليه من
المشتري فيرجع المشتري حينئذ على البايع بما اغترمه للمجني عليه،
وهذا واضح.
وأما الجناية العمدية، فهي توجب كون العبد بنفسه متعلقا لحق
الغير، ومن هنا يجعلون من جملة الحقوق حق الجناية، وفي هنا أيضا
لا يكون المبيع باطلا مع وقوعه بدون إجازة المجني عليه، لما قد عرفت
في البيع أن كون شئ متعلقا لحق الغير كحق الرهن والجناية ونحوهما
لا يمنع عن صحة البيع، سواء أجاز ذو الحق ذلك أم لا، فإن غاية الأمر له
أن يستوفي حقه من العين أينما وجدها.
وأما بطلان البيع فلا والفرض أن العين في ملك البايع أيضا فليس ملكا
للمجني عليه، بل له أن يسترقها ويدخلها في ملكه لا أنها تصير ملكا له
بمجرد الجناية، وأما المشتري فهو مع علمه بالحال ليس له شئ، لأنه
مع علمه بالحال قد أقدم على ذلك وأما مع الجهل فله الفسخ أو مطالبة
الأرش.
وتوهم سقوط المملوك عن المالية في صورة الجناية العمدية مع
245

جهل المشتري لكونه معرضا للخطر فاسد، فإنه لو كان كذلك كان
للعلامة أن يحكم بالبطلان في صورة العلم مع أنه لا يحكم بذلك فلاحظ
كلامه.
والوجه في ذلك أنه ممن يعتبر المالية في المبيع وإن لم نعتبرها في
ذلك، على أن توهم سقوطه عن المالية بلا وجه، فإن مجرد احتمال أن
المجني عليه يستوفي حقه منه بقتله ونحوه لا يخرجه عن المالية،
لاحتمال أن لا يستوفي أصلا، فافهم.
1 - طريق معرفة الأرش
قوله (رحمه الله): مسألة: يعرف الأرش.
أقول: لما عرفت أن النقص لعيب وعوار يوجب جواز مطالبة
المشتري الأرش من البايع، وأما طريق معرفته إنما هو بمعرفة قيمتي
الصحيح والمعيب ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ من البايع بنسبة ذلك
التفاوت، هذا إذا كانت القيمة معلومة.
وأما إذا لم تكن القيمة معلومة، فلا بد من الرجوع إلى العارف بها، وقد
قسم المصنف ذلك إلى ثلاثة أقسام:
1 - أن تكون القيمة معروفة ومعلومة عند أهل البلد من غير احتياج
في معرفتها إلى أهل الخبرة، ولكن البايع والمشتري جاهلان بها،
فيسألان ممن هو عارف بها ويخبر عن القيمة المتعارفة بين الناس، بأن
يخبرون أن هذه الحنطة في السوق يباع كذا، وهذا القسم داخل في
الشهادة، فيعتبر فيها التعدد.
2 - أن لا تكون القيمة معلومة في السوق، لعدم وجوده فيه أصلا،
ويخبر المخبر عن القيمة بحدسه من جهة ملاحظة أشباهه ونظائره وإن
246

كان من غير جنسه، لأنه من أهل الخبرة يعرف قيمة الأشياء بملاحظة
الأوصاف والخصوصيات الموجودة فيها، كما إذا كان المبيع تذكرة
العلامة بخطه وظهر معيوبا، فإنه ليس له نسخ كثيرة في السوق حتى
يعرف قيمتها منه بل هو منحصر بنسخة واحدة، فاخبار المخبر بقيمتها
من جهة حدسه وبملاحظة أوصافها من حيث نظائرها من الكتب الخطية،
وهذا خارج عن موضوع الشهادة والاخبار، بل هو من صغريات اخبار
أهل الخبرة كالطبيب ونحوه، وقد ثبت حجية قوله ببناء العقلاء، ومن
ذلك الرجوع إلى قول المجتهد فإنه من أهل الخبرة، مع قطع النظر عن
الروايات الواردة في حجية قوله كما هو واضح.
3 - أن تكون قيمة المبيع بحسب أجناسه معلومة في السوق ولكن
لا يعلم أنه من قسم الردي أو من قسم الجيد، فالمخبر يخبر على الانطباق
أي انطباق الصحيح بالمبيع والردي عليه، وإلا بعد العلم بكونه من أيهما
فالقيمة معلومة فالجهل إنما هو في الانطباق، فهذا داخل أيضا في أهل
الخبرة، فإن الاطلاع بذلك الخصوصية التي توجب الانطباق يجعلها أهل
خبرة فقد قام بناء العقلاء على قبول قوله كما عرفت في سابقه.
وعلى الجملة القسم الأول من قبيل الشهادة، والقسمين الأخيرين من
باب قبول قول أهل الخبرة، أما القسم الأول فلا شبهة في حجيته مع
وجود شروط الشهادة فيه، وأما بقية الأقسام فكذلك أيضا لوجهين على
سبيل مانعة الخلو، فإنه إما من جهة أن دليل حجية خبر الواحد يشمل
جميع أقسام الاخبار، سواء تعدد المخبر أم لا، وسواء كان الاخبار عن
الموضوعات أو عن الأحكام المتعددة، كباب المرافعات المسمى بباب
الشهادة ونحوه.
وقد ذكرنا ذلك في محله أن دليل حجية الخبر من بناء العقلاء وغيره
247

يقتضي حجية الخبر بقول مطلق، وأن اعتبار بعض القيود من جهة الدليل
الخارجي أو من جهة أن بناء العقلاء قائم على اعتبار الوجهين الأخيرين
أيضا من جهة حجية قول أهل الخبرة.
على أن الوجه هو الذي قلنا من شمول حجية خبر الواحد بجميع
أقسام الخبر، سواء كان في الموضوعات أو في الأحكام، واعتبار
التعدد في باب المرافعات ونحوه المسمات بباب الشهادة إنما هو بدليل
خاص وأنه خرج عن ذلك الأصل بدليل، وإلا فقول العادل الواحد يقبل
في جميع ذلك كما لا يخفى.
عدم وجدان المقوم
ثم إذا لم يوجد المقوم فهل يكتفي بمطلق الظن أو يؤخذ الأكثر أو
يكتفي بالأقل؟ أما الأول فمن جهة حجية الظن عند انسداد باب العلم،
وأما الثاني فلأن ذمة البايع مشغولة بالأرش مع مطالبة المشتري فلا تبرء
ذمته إلا بأداء الأكثر، وأما الثالث فلكونه هو المتيقن.
فالظاهر هو الأخير، لما عرفت مرارا في الأصول وغيره أن الشك في
أمثال ذلك في أصل اشتغال الذمة بالأكثر من الأول، لا أن الذمة اشتغلت
ونشك في براءتها باعطاء الأقل، وعليه فالمتيقن هو اعطاء الأقل كما هو
واضح.
2 - تعارض المقومين
قوله (رحمه الله): مسألة: لو تعارض المقومون فيحتمل تقديم بينة الأقل للأصل.
أقول: قد عرفت أنه لا بد في معرفة الأرش من الرجوع إلى المقوم من
جهة كونه من أهل الخبرة، فإذا عرف الحال بالرجوع إليه فبها، وإذا
اختلف المقومون فماذا تقتضيه القاعدة؟
248

أقول: إذا اختلف البايع والمشتري في القيمة، بأن ادعى المشتري
كون الأرش أكثر وأنكره البايع ورجعا إلى المقوم، واختلف المقومون
في ذلك أيضا، بحيث كان رجوعهما إلى المقومين بعد اختلافهم في
ذلك، ولا يخفى أن فرض البايع منكرا من جهة الغلبة، حيث يكون
المعيب هو المبيع، وإلا قد يكون المعيب هو الثمن وينعكس الأمر.
وكيف كان فالظاهر أن هذه الصورة خارجة عن مورد كلام الشيخ
وغيرهم، الذين تصدوا لبيان حكم هذه المسألة، وأنه لم ينبه أحد بذلك
فيما نعلم.
وبيان ذلك أن كلامهم مسوق لبيان حكم صورة الاختلاف في الأرش
مع جهل المتبايعين بالحال، وهذه الصورة إنما هي الرجوع إلى المقوم
مع اختلافهما في ذلك كما هو واضح.
وأما حكم هذه الصورة، فالظاهر أنه لا يجري في المقام ما ذكر في
المدعي والمنكر، فإن الظاهر من الروايات الواردة في ذلك هو
اختصاص البينة للمدعي واختصاص اليمين بالمنكر، والرجوع إلى
المقومين يقتضي أن تسمع بينة المنكر أيضا، وهو على خلاف تلك
الأخبار كما هو واضح.
وعلى تقدير الرجوع إلى ذلك القاعدة وشمولها للمقام يكون من قبيل
تعارض بينة الداخل والخارج، فكلما ذكر في ذلك يأتي هنا.
وبعبارة أخرى أن في صورة اختلاف المتبايعين في الأرش من حيث
الزيادة والنقصان كان ذلك من قبيل المدعي والمنكر، فيكون من
صغريات تلك المسألة، فإن قلنا بسماع بينة المنكر فيكون التعارض
بينهما من قبيل تعارض بينة الداخل والخارج، والبحث فيه في محله،
وإن لم نقل بسماع بينة المنكر، بل كان اللازم في حقه اليمين كما هو
الظاهر لم تسمع بينة بل بينة المدعي.
249

وأما إذا جهل البايع والمشتري بالأرش أصلا وكان رجوعهما إلى
المقومين من جهة جهلهم بالأرش، فمقتضى القاعدة أي شئ، فهل
يرجح أحد المقومين الذي يكون قوله موافقا للأصل، وهو بينة الأقل،
فإن الاختلاف هنا في الأكثر، ولا شبهة أن بينة الأقل موافقة للأصل، أو
يؤخذ ببينة الأكثر، فإن جهة الاختلاف هنا عدم وصول بينة الأقل بما
وصل إليه بينة الأكثر فتكون جاهلا بالزيادة، أو يرجع إلى الحاكم فيكون
الحاكم مخيرا بين أن يأخذ بأي بينة شاء على حسب رأيه، أو يرجع إلى
القرعة لأنها لكل أمر مشتبه، أو يرجع إلى الصلح لأن لكل منهما حجة
شرعية، فمقتضى العمل بها هو الرجوع إليها كما هو واضح، أو أنه يجمع
بينهما بطرح مقدار مفاد كل منهما والأخذ بالبقية، بأن تؤخذ من كل بينة
نصف القيمة لو كان المقومان اثنان أو الثلث لو كان ثلاثة وهكذا، وقد
اختار المصنف الوجه الأخير تبعا لمعظم الأصحاب، وأشكل في بقية
الوجوه كلها.
أقول: إن كان نظره، أي نظر المصنف، من ترجيح ما ذهب إليه المعظم
إلى الجمع بين الدليلين مطلقا، فإنه لا شبهة في كونه جمعا عرفيا ومختصا
بالموارد التي تكون في أحد الدليلين قرينة على بيان المراد.
وبعبارة أخرى أن تلك القاعدة مختصة بموارد كون أحد الدليلين ذي
القرينة دون الآخر، كما إذا صدرا معا من شخص واحد، فإنه نعلم بعدم
كذبه، فيكون ذلك قرينة على الجمع بينهما، أو صدرا من شخصين الذين
في حكم شخص واحد كالأئمة (عليهم السلام) فإنهم لسان واحد، ومن هنا ورد
أنه يقع نسبة رواية صدرت عن الصادق (عليه السلام) إلى سائر الأئمة (عليهم السلام)،
ولكن ذلك لا يجري في المقام، فإن كل واحد من المقومين غير الآخر،
فالجمع بينهما على هذا النحو موجب للمخالفة القطعية، فلا يمكن
الأخذ بهذه.
250

وقد أشكل عليه المصنف بهذا البيان في أول التعادل والتراجيح من
كتاب الرسائل (1).
وإن كان نظره في ذلك هو الرجوع إلى هذه القاعدة في المرافعات
المالية وحقوقها، بأن يكون العلم بوصول المال إلى صاحبه متوقفا على
بذل مقدار منه نظير المقدمة الوجودية، بأن يتوقف ايصال المال إلى
صاحبه على بذل مقدار منه، فيكون المراد من أولوية الجمع من الطرح
الأولوية التعينية، كالأولوية في باب الإرث، بل ذكر المصنف أن اجراء
هذه القاعدة هنا أولى من اجرائها في الأحكام، لأن الأخذ بأحدهما كلية
وترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية لا ينقص عن التعين الذي هو
مثل الجمع بين الدليلين من الأحكام، ولا يجوز الارتكاب به بخلاف ما
نحن فيه إلى آخر ما ذكره.
فهذا لا شبهة فيه لقيام السيرة على ذلك، فإن بناء العقلاء على امضاء
هذا العمل، بل ورد نظير ذلك في الأخبار كما في قضية الودعي، حيث
أوجب الإمام (عليه السلام) أن لكل من الودعيين النصف مع العلم بأن الدرهم
لأحدهما (2)، وذلك لأن العلم بوصول المال أعني الدرهم إلى صاحبه
متوقف على اعطاء نصف الدرهم لغيره.
وإن كان مراده هذا فهو لا شبهة فيه، إلا أنه أجنبي عن مقامنا، وهو
الاختلاف في الأرش، فإن ذلك كما عرفت أنما هو في الحقوق المالية،

1 - فرائد الأصول: 753.
2 - عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلين
كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: أما
الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له، وأنه لصاحبه، ويقسم الآخر
بينهما (الفقيه 3: 22، التهذيب 6: 208، 6: 292، عنهم الوسائل 18: 450).
251

ومن الواضح أنه ليس هنا حق مالي حتى يكون الاختلاف في ذلك
وينتهي النوبة إلى تلك القاعدة ويعمل بها لأجل العلم بايصال المال إلى
صاحبه، بل الأمر هنا دائر بين الأقل والأكثر كما عرفت، والأقل متيقن
والكلام في أصل اشتغال الذمة بالأكثر، فهو أول الكلام فضلا عن أن
يراجع بقاعدة التنصيف كما هو واضح.
على أن الرجوع إلى أمثال المقام يعطي القطع بعدم جواز الرجوع
بقاعدة الجمع بين الدليلين، كما إذا كان اختلاف المتبايعين في أصل
الأرش لا في الزيادة والنقيصة، كما عرفت أن الأمر في المقام يدور بين
الأقل والأكثر، فالنزاع في الأكثر أنه ثابت أم لا، مثل النزاع في ثبوت
الأرش وعدمه ابتداء، وعليه فلا بد من الرجوع إلى قاعدة الجمع بين
الدليلين.
ثم إنه كما لا يمكن الرجوع إلى قضية الودعي والاجتهاد بها للمقام
كما عرفت.
وكذلك لا يمكن الرجوع إلى ما ورد في بعض الأخبار من أن الدار التي
تحت يد شخصين ويدعي كل منهما كونها ملكا له أنه تنصف، والوجه
في خروج ذلك عن المقام هو أن الحكم بالتنصيف من جهة قاعدة اليد
وكون البينتين متعارضتين.
ويمكن التوجيه بوجه آخر وهو أن الحكم بالتنصيف في قضية الدار
من جهة أن كل منهما يدعي النصف من الآخر وينكره الأخير، فإن
النصف الآخر تحت يده على نحو المشاء، فكل منهما أقام بينة على ما
يدعيه وأوجبت ذلك كون انكار الآخر ذلك لغوا محضا، فيكون النصف
له من جهة البينة كما لا يخفى.
252

بيان آخر لتعارض المقومين
انتهى كلامنا إلى الجمع بين المقومين، وقلنا إن المشهور ذهبوا إليه،
وأن مقتضى الجمع بين البنيتين هو الأخذ بالنصف إذا كانت البينة اثنان
وبالثلث إذا كانت ثلاثة وهكذا، وقلنا إنه لا وجه لهذا الوجه، لأنه إذا كان
من جهة الجمع بين الدليلين كما ذهب إليه الشيخ الطوسي، وذكر أن
الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح، كما أن هذا يظهر من أول
كلام المصنف، وهو الذي ذكره المصنف في التعادل والتراجيح من
الرسائل.
وأشكل عليه بأنه لا وجه للجمع بين الدليلين بذلك، حيث إنه طرح
لهما وهو مخالفة قطعية، إلا أن يكون هنا قرينة على ذلك، كما إذا أورد
من شخص واحد أو من في حكم شخص واحد.
وإن كان المراد من ذلك هو قاعدة العدل والانصاف والجمع بين
الحقوق، كما يظهر ذلك من ذيل كلامه، وهو وإن كان متينا لقيام السيرة
القطعية عليه في الحقوق المالية بل ورد عليه الخبر في الودعي، فإن
العرف قاض بجواز بذل مقدار من المال مقدمة للعلم بوصول مقدار منه
إلى صاحبه نظير المقدمات الوجودية، كبذل مقدار من المال لايصال
مقدار الآخر إلى صاحبه، وهو حسن، ولكن لا ربط له بالمقام، حيث إن
في المقام ليس حق مالي وإنما الأرش يثبت بالمطالبة، ولا شبهة في أنه
لم يثبت بالمطالبة إلا ما هو المتيقن، وأما الزائد فلا كما هو واضح.
بل ذكرنا أن اختلاف المقومين في الزيادة والنقصان مثل اختلافهم في
أصل ثبوت الأرش وعدمه، لأن الأقل متيقن والأكثر مشكوك، فيكون
الأكثر مثل أصل ثبوت الأرش من الأول كما هو واضح.
253

وأما قضية الحكم بتنصيف الدار فقد عرفت أنه من جهة اليد أو من
جهة قيام البينة على كون كل من النصفين لكل منهما كما هو واضح.
وأما الرجوع إلى القرعة فلا وجه له أيضا، لأن الأدلة العامة للقرعة
الدالة على أنها لكل أمر مشتبه لا يمكن الرجوع إليها، وإلا فيلزم أن
لا يرجع إلى شئ من الأصول والأمارات لوجود الشك في مواردها.
وأما الأدلة الخاصة التي ذكرها السيد (1) الدالة على جريانها في بعض
الموارد فهي خارجة عن المقام، لأن الظاهر أنها مختصة بصورة التداعي،
فإن الإمام (عليه السلام) حكم فيما تداعيا اثنان وأقام كل منهما بينة على ما يدعيه
أنه يرجع إلى القرعة، وكل من خرجت القرعة على اسمه يحلف ويحكم
له، فيعلم من ذلك أن القرعة في مورد التداعي، وأما المقام فليس بمورد
التداعي أصلا كما عرفت في أول المسألة، بل ربما يعترف كل من البايع
والمشتري بأنه لا يدري أن التفاوت بأي مقدار، وعليه فكيف يرجع إلى
القرعة كما هو واضح.
وأما الحكم بأن الحاكم يكون مخيرا بين الأخذ بأي البينتين شاء، فهو
أيضا بلا وجه، بداهة أنا ذكرنا في التعادل والتراجيح (2) أنه لا أساس للقول
بالتخيير في باب تعارض الدليلين أصلا، وعلى تقدير جوازه فإنما يجوز
ذلك في تعارض الروايتين، وأما في تعارض مطلق الدليلين فلا،
كتعارض البينة مع البينة، والظاهر مع الظاهر، والأصل مع الأصل
وهكذا.
وأما الرجوع إلى بينة الأكثر، فهو أيضا بلا وجه، لأنه إنما يجوز ذلك
فيما إذا كانت بينة الأقل لا يعلم بالزائد، بأن يقول إن المتيقن أن قيمة هذا

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 104.
2 - مصباح الأصول 3: 425.
254

الشئ هذا المقدار على اليقين، وبينة الأكثر تدعي العلم بأن قيمته هذا
المقدار الكثير، وحينئذ فلا تعارض بين البينتين، فإن بينة من يدعي الأقل
جاهل بالقيمة الزائد عن المقدار القليل، وأنه يدعي القيمة القليلة من باب
القدر المتيقن.
وهذا بخلاف بينة من يدعي الأكثر، فإنه يدعي العلم بكون قيمة هذا
الشئ هو هذا المقدار كما هو واضح، وأما إذا ادعت بينة كل منهما العلم
بأن قيمة هذا الشئ هذا المقدار لا أكثر ولا أزيد، وحينئذ لا شبهة في
تعارض البينتين قطعا فلا مرجح للرجوع إلى بينة الأكثر، بدعوى أن بينة
الأقل لا يعلم الجزء الزائد كما هو واضح.
وأما الأخذ ببينة الأقل من جهة تعاضدها بالأصل فلا وجه له أيضا،
لما ذكره المصنف من أن الأصل إنما يكون دليلا إذا لم يكن هنا دليل
لفظي، وإلا فلا يكون الأصل دليلا ولا مرجحا كما هو واضح، وقد حقق
ذلك في علم الأصول في بحث التعادل والتراجيح (1).
إذا فالمقام من موارد تعارض الدليلين وتساقطهما، فلا بد من الرجوع
إلى الأصول العملية، فإنا ذكرنا في مورده أن القاعدة الكلية والكبرى
الكلية في تعارض الدليلين هو الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصول
العملية، وكذلك المقام كما لا يخفى، فإنه من صغريات تلك الكبرى.
وأما الرجوع إلى الصلح، بأن يكونا ملزمين عليه فلا دليل عليه، إلا أن يختار المتبايعان ذلك باختيارهما، وعليه فلو ألزما عليه كان الصلح
باطلا من جهة كونه اكراهيا كما لا يخفى.

1 - مصباح الأصول 3: 349.
255

طريق الجمع بين البينتين
ثم إنه على تقدير العمل بالجمع بين البينتين فماذا هو طريق الجمع،
ذكر المشهور في طريقه أنه أخذت قيمة واحدة متساوية النسبة إلى
الجميع، أي منتزعة منه نسبتها إليه بالسوية، فمن القيمتين يؤخذ
نصفهما ومن الثلث ثلثها ومن الخمس خمسها وهكذا، وضابطه أنه
تؤخذ قيمة واحدة منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى
عدد ذلك القيم.
والوجه في أخذه كذلك أن الترجيح بلا مرجح باطلا، فلا بد وأن يفعل
هكذا أن يجمع القيم الصحيحة على حدة والمعيبة كذلك، وينسب
إحداهما إلى الأخرى ويؤخذ بتلك النسبة، من غير فرق بين أن يكون
اختلاف المقومين في قيمته صحيحا ومعيبا أو في أحدهما، وتوضيح
ذلك:
أنه يؤخذ من القيمتين الصحيح نصفهما، ومن الثلث ثلثهما، ومن
الأربع ربعهما، وهكذا في المعيب، ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ
للصحيح والمأخوذ للمعيب، ويؤخذ بتلك النسبة، مثلا إذا كان إحدى
قيمتي الصحيح اثني عشر والأخرى ستة وإحدى قيمتي المعيب أربعة
والأخرى اثنين، أخذ من كلتا قيمتي الصحيح وكلتا قيمتي المعيب
النصف، أعني التسعة من قيمتي الصحيح والثلاثة من قيمتي المعيب،
فيكون التفاوت بين قيمتي المعيب وقيمتي الصحيح بالثلثين فيكون
الأرش ثلثي الثمن، فيرد من أصل ثمن المبيع ثلثاه كما هو واضح.
ويمكن ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح بالنسبة إلى مجموع قيمتي
المعيب وأخذ نصف ما به التفاوت، فإن التفاوت بين قيمتي الصحيح
256

وقيمتي المعيب هو الستة في المثال المذكور ونصفها الثلاث، وهكذا
فيما إذا كان المقوم ثلاثة أو أربعة كما هو واضح.
مثلا إذا قومه إحداهما باثني عشر والأخرى بثمانية أخذ في نصف
الأربعة بقول المثبت وفي نصفها الآخر بقول النافي، جمعا بين حقي
البايع والمشتري، وإلى هذا يرجع أيضا تنصيف ما به التفاوت بين قيمتي
الصحيح أو قيمتي المعيب، بأن تعمل نصفه بقول المثبت للزيادة وفي
النصف الآخر بقول النافي، فإذا قومه إحداهما صحيحا باثني عشر
والآخر صحيحا بثمانية، أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت وفي نصفها
الآخر بقول النافي، وكذلك في طرف المعيب، وهكذا في المثال
المتقدم.
ثم إنه قد أعرض الشهيد (رحمه الله) عن طريقة المشهور من جهة عدم الدليل
على أخذ القيمة الانتزاعية، وسلك مسلكا آخر، وهو الأخذ بنفس
النسبة بين قيمة كل معيب إلى صحيحها، ويجمع قدر النسبة ويؤخذ من
المجتمع نسبتها، بأن يرجع إلى البينة في مقدار التفاوت فقط ويجمع بين
البينات فيه من غير ملاحظة القيم، فإذا قومه إحداهما صحيحا باثني
عشر ومعيبا بثمانية، وقومه الأخرى صحيحا بالعشرة ومعيبا بثمانية،
فمقدار التفاوت بين الصحيح والمعيب في القيمة الأولى هو الثلث وفي
الثانية هو الخمس.
ثم إنه قد يتحد طريق الشهيد مع طريق المشهور وقد يختلف، وإنما
لم نفصل لأنا لم نساعد الشيخ والمشهور في المبنى.
257

الكلام في الشروط
قوله (رحمه الله): القول في الشروط التي يقع عليها العقد.
معاني الشرط
أقول: ذكر المصنف أن للشرط في العرف معنيان:
1 - المعنى الحدثي والمصدري، أعني الالتزام والالزام، والشرط
بهذا المعنى مصدري يصح أن يشتق منه المشتقات، فيقال: شرط
شرطا، وهو شارط، وذلك الأمر مشروط، وفلان مشروط له، أو
مشروط عليه، ففي القاموس أنه التزام الشئ والزامه في البيع وغيره.
ثم ذكر أن ظاهر كلام القاموس هو أن استعمال الشرط في الالزامات
الابتدائية من قبيل المجاز دون الحقيقة، ثم أشكل عليه بأنه فاسد، ولعل
صاحب القاموس لم يطلع على موارد استعمال كلمة الشرط وما اشتق
منها في الالزامات الابتدائية مع أنه كثير.
كقوله (صلى الله عليه وآله) في حكاية بيع بريرة: إن قضاء الله أحق وشرطه أوثق
والولاء لمن أعتق (1)، وكقول علي (عليه السلام) في الرد على مشترط عدم

1 - عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة، قال:
أمرها بيدها، إن شاءت تركت نفسها مع زوجها وإن شاءت نزعت نفسها منه، وقال: وذكر أن
بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقها، فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقال: إن شاءت أن تقر عند زوجها وإن شاءت فارقته، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا
على عائشة أن لهم ولاءها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق - الحديث (الكافي 5: 485،
الخصال: 190، عنهما الوسائل 21: 162)، صحيحة.
عن علي (عليه السلام) أنه قال: أرادت عائشة أن تشتري بريرة، فاشترط مواليها عليها ولاءها،
اشترتها منهم على ذلك الشرط، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه
ثم قال: ما بال قوم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، يبيع أحدهم الرقبة ويشترط الولاء،
والولاء لمن أعتق وشرط الله آكد، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد (دعائم الاسلام 2: 247،
عنه المستدرك 15: 31)، ضعيفة.
258

التزويج بامرأة أخرى في النكاح: إن شرط الله قبل شرطكم (1)، وقوله
(عليه السلام): ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري، قلت: وفي
غيره؟ قال: هما بالخيار حتى يفترقا (2).
وأيضا قد أطلق الشرط على العهد والنذر والوعد في بعض أخبار
النكاح (3).

1 - عن ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها
رجل وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فإنها طالق،
فقال: شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفي بشرطه وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسري
عليها وهجرها إن أتت بسبيل ذلك (تفسير العياشي 1: 240، عنه الوسائل 21: 277)، ضعيفة.
2 - الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11، صحيحة.
3 - عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:
من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل
حراما (التهذيب 7: 467، عنه الوسائل 18: 17، 21: 68، 21: 300)، موثقة.
عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة
على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده فإن لم تخرج معه فإن مهرها خمسون دينارا إن أبت
معه إلى بلاده؟ قال: فقال: إن أراد أن تخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها
مائة دينار التي أصدقها إياها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الاسلام فله ما
اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها
صداقها أو ترضي منه من ذلك بما رضيت وهو جائز له (الكافي 5: 404، قرب الإسناد: 124،
التهذيب 7: 373، عنهم الوسائل 21: 299)، صحيحة.
259

وقد اعترف في الحدائق بأن اطلاق الشرط على البيع كثير في الأخبار.
وتوهم أن الاستعمال في الموارد المذكورة على نحو المجاز توهم
فاسد، لكونه على خلاف الظاهر ومحتاجا إلى القرينة، على أن الإمام (عليه السلام) استدل بقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم، على العهد والنذر في
بعض أخبار النكاح.
ويضاف إلى ذلك أنه لا حجية في قول القاموس مع تفرده بالنقل،
وكون الاستعمالات على خلافه.
وعلى الجملة فلا شبهة في أن هذا المعنى للشرط معنى عرفي، وهو
الالتزام، وقد يطلق على الملتزم به مجازا، فيطلق الشرط ويراد منه
المشرط، كالخلق بمعنى المخلوق، وحينئذ فيراد منه ما يلزمه الانسان
على نفسه.
2 - ما يلزم من عدمه عدم المشروط من دون أن يلاحظ ناحية الوجود،
بأنه يلزم من وجوده الوجود أو لا يلزم، فيكون المراد من الشرط بهذا
المعنى في نظر العرف ما يكون دخيلا في تحقق الشئ ووجوده في
الخارج.
ولا ريب أن الشرط بهذا المعنى من الجوامد فلا يصح اشتقاق
المشتقات منه لعدم كونه مصدرا، ولا أنه فعل لأحد، وعلى هذا
فاشتقاق المشروط منه وكذلك الشارط ونحوهما ليس على الأصل
والقاعدة، ولذا ليسا أي الشارط والمشروط بمتضائفين في الفعل
والانفعال، بل الشارط هو بمعنى الجاعل، والمشروط هو الذي جعل له
260

الشرط كالمسبب - بالكسر والفتح - المشتقين من السبب الذي هو اسم
جامد.
والحاصل أن الشرط بمعنى الثاني نظير الأمر بمعنى الشئ الذي
لا يصح أن يشتق منه شئ، والشرط بالمعنى الأول نظير الأمر بمعنى
الطلب الذي يصح الاشتقاق منه.
ثم ذكر أن للشرط معنيين آخرين اصطلاحين:
أحدهما: ما وقع عليه اصطلاح النحاة، من أن الشرط هي الجملة
الواقعة عقيب أدوات الشرط.
و ثانيهما: ما استقر عليه اصطلاح أهل المعقول والأصول، من أن
الشرط ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده الوجود.
وهذا المعنى الثاني الاصطلاحي أخص من المعنى الثاني العرفي،
فإنه أي المعنى الثاني العرفي أعم منه، فإنك قد عرفت أنه ما يلزم من
عدمه العدم ولكن طرف الوجود مسكوت عنه، فإنه قد يلزم من وجوده
الوجود فيشمل السبب، وقد لا يلزم فيشمل هذا المعنى الثاني
الاصطلاحي كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
ثم ذكر أن في الأخبار عن الشرط بثلاثة أيام في أخبار خيار الحيوان
مسامحة واضحة، لعدم كون ثلاثة أيام شرطا فعلية، فلا بد من توجيه
ذلك بتقدير المضاف، بأن يكون المراد شرط ثلاثة أيام ليكون الشرط
بمعنى خيار، كما صرح بكون الشرط بمعنى الخيار المصنف في ذيل
كلامه.
وعليه فيكون ذلك مثل ما ورد في بعض أخبار خيار الحيوان أن في
261

الحيوان كله شرط ثلاثة أيام (1)، ولا يحتاج هذا التعبير إلى التوجيه كما
توهم بعض المحشين من كلام المصنف: ولا يخفى توقفه على التوجيه،
بل هو قيد لما قبل كلمة النعم، أعني الأخبار المشتملة على الأخبار عن
الشرط بثلاثة أيام.
وكيف كان فالشرط في هذه الأخبار إما بمعنى ما قرره الشارع وألزمه
المتبايعين أو أحدهما من التسلط على الفسخ، فيكون مصدرا بمعنى
المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع، أو يراد به
الحاكم الشرعي المقرر، وهو ثبوت الخيار.
التحقيق في معنى الشرط
أقول: الظاهر أن الشرط في جميع الموارد قد استعمل بمعنى واحد،
وهو الربط والارتباط والإناطة، وليس له معنى عرفي ومعنى
اصطلاحي، بل جميعها يرجع إلى معنى واحد، وإذا لاحظنا جميع
موارد الشرط نرى كونه مربوطا بشئ واحد ومنوطا به.
وهذه الإناطة قد تكون أمرا تكوينيا، كالشروط التكوينية كتقيد
المعلول بعلته، فإن المعلول مشروط وجوده بوجود كل جزء من أجزاء
علته وبوجود مجموع أجزاء علته، فوجود العلة شرط لوجود معلولها
تكوينا.
وقد تكون أمرا شرعيا وأناطته جعليا كالشروط الجعلية في العقد،
ومن ذلك شروط الصلاة وبقية العبادات وغيرها التي جعلها الشارع

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري،
وهو بالخيار فيها أن شرط أو لم يشترط (التهذيب 7: 24، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل
18: 10)، صحيحة.
262

شرطا، وقد ذكرنا في مقدمة الواجب من علم الأصول أن في موارد
الشروط الشرعية أن التوقف أيضا عقلي، غاية الأمر أن المنشأ أمر
مجعول، مثلا توقف الصلاة على الطهارة أمر تكويني بعد جعل الطهارة
دخيلا في الصلاة، وهكذا في بقية موارد الشروط الشرعية، نعم في
المعاملات الشروط جعلية محضة، وهي الربط، وهذا الربط بنفسه
مجعول.
وبعبارة أخرى أن الشرط قد يكون أمرا تكوينيا كتوقف المعلول على
العلة، وقد يكون أمرا شرعيا كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، وعلى كل
تقدير فالتوقف عقلي وإنما المنشأ شرعي، وقد يكون جعليا محضا
كالشروط في المعاملات، فإنها عبارة عن الإناطة المحضة، وهي
مجعولة للجاعل.
ثم إن هذا المعنى الوحداني يشمل الشروط الابتدائية أيضا، لوجود
الإناطة فيها، فإن الشرط قد أطلق على النذر واليمين، وكذا على البيع
على ما اعترف به صاحب الحدائق، مع أنها ليست في ضمنه عقد آخر
لكي لا تكون شروطا ابتدائيا، بل جميع الشروط التكوينية شروط ابتدائية
كالعلة وأجزاءها بالنسبة إلى المعلول.
وعلى هذا فلا بأس باطلاق الشرط على الشروط الابتدائية كما ذكره
المصنف، ولكن لا شهادة فيما ذكره من موارد الاستعمال على هذا
الدعوى.
أما قوله (عليه السلام): قضاء الله أحق وشرطه أوثق والولاء لمن أعتق (1)،

1 - عن علي (عليه السلام) أنه قال: أرادت عائشة أن تشتري بريرة، فاشترط مواليها عليها
ولاءها، اشترتها منهم على ذلك الشرط، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصعد المنبر فحمد الله
وأثني عليه ثم قال: ما بال قوم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، يبيع أحدهم الرقبة
ويشترط الولاء، والولاء لمن أعتق وشرط الله آكد، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد
(دعائم الاسلام 2: 247، عنه المستدرك 15: 31)، ضعيفة.
263

فلعل اطلاق الشرط هنا من جهة المقابلة، حيث إن السائل قد شرط عدم
كون الولاء لمن أعتق، فمقابلة لذلك أطلق الإمام (عليه السلام) الشرط على ذلك،
كما أن المقابلة في التعبير في غير هذه الموارد أيضا كثيرة، كقوله تعالى:
إنك تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك (1)، حيث أطلق النفس على الله
تعالى مقابلة لاطلاقها على نفسه، ومن هنا ظهر ما في قوله (عليه السلام): شرط
الله قبل شرطكم (2).
وأما اطلاق الشرط على الخيار في قولهم في أخبار خيار الحيوان فمن
جهة أن العقد منوط بالخيار ومحدود به، فلا يكون الشرط ابتدائيا، بل
في ضمن عقد البيع.
تحليل اطلاق الشرط على الخيار
ثم إن مرجع هذا المعنى من الشرط في مقام التحليل إلى أمرين:
1 - أن يكون نفس الالتزام معلقا بشئ، كان يبيع مثلا على تقدير
تحقق أمر فلاني، بأن باع عبدا بشرط أن يلتزم المشتري باعطائه للعالم
الفلاني، وبحيث أصل الالتزام مربوطا بشئ آخر، بمعنى أنه لا يبيع مع
عدم هذا الالتزام من المشتري، ولا يضر التعليق هنا لكونه واقعا على أمر

1 - المائدة: 116.
2 - عن ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها
رجل وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتي عليها سرية فإنها طالق،
فقال: شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفي بشرطه وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسري
عليها وهجرها إن أتت بسبيل ذلك (تفسير العياشي 1: 240، عنه الوسائل 21: 277)، ضعيفة.
264

حاصل، وإنما يضر التعليق إذا كان بأمر استقبالي غير حاضر كما هو
واضح.
ومن هذا القبيل الشروط الواقعة في العقد اللازمة التي لا يجري فيها
الخيار كالنكاح، فإن معنى الاشتراط فيه هو أن الالتزام بالنكاح على تقدير
التزام المشروط عليه بالشرط المعلوم، وإلا فلا يلزم، ويكون بذلك
مندرجا تحت عموم: أوفوا بالعقود (1).
وأما إذا لم يف المشروط عليه بالشرط فلا يثبت للمشروط له حينئذ
خيار بذلك، بل لعدم جريان الخيار في النكاح بل يلزم في الحكومة
بالوفاء به، وقد ذكرنا في بحث التعليق أن هذا لا يضر بالعقد، نعم إذا كان
ذلك في مثل البيع ونحوه مما يجري فيه الخيار فيثبت للمشروط له خيار
على تقدير عدم الوفاء بما التزم به، فتكون نتيجة الاشتراط أمران كما هو
واضح.
2 - هو أن يكون التزام أحد المتعاقدين بالعقد معلقا على شئ خاص
لا أصل الالتزام بالعقد، كما إذا باع أحد متاعا والشرط في ضمن العقد
صفة خاصة، أي كونه على وصف خاص، أو فعلا بأن يشترط عليه
خياطة ثوب، وقد ذكرنا سابقا أنه لا معنى لاشتراط شئ في العقد إلا
التعليق، أو ثبوت الخيار للمشروط له على تقدير التخلف، وحيث
لا معنى للأول فيكون معنى الاشتراط هو الثاني.
وقد تحصل مما ذكرنا أن الشرط في ضمن المعاملات قد يكون بإناطة
العقد بفعل كبيع شئ على تقدير التزام المشتري ببيعه من شخص آخر
أو بفعل آخر اختياري من الخياطة ونحوها، فإن أصل البيع متوقف على

1 - المائدة: 1.
265

هذا الالتزام وقد ذكرنا أن التعليق لا يضر في مثل ذلك لكونه على أمر
متحقق الحصول.
ثم إن المشروط عليه إن وفى بشرطه فهو وإلا يثبت للمشروط له خيار
تخلف الشرط، وفي الحقيقة أن شرطه هذا منحل إلى شرطين:
أحدهما: الالتزام بالفعل الخاص فعلى تقدير عدم الالتزام لا يحصل
البيع أصلا.
والثاني: ثبوت الخيار على تقدير التخلف.
وإن كان تحقق الشرط الثاني في بعض الموارد من العقود أي عقد
يجري فيه الخيار وقد يكون باطلة بالأوصاف، كان يبيع العبد بشرط كونه
كاتبا، أو يبيع العبد بشرط كونه خياطا وهكذا، وقد ذكرنا في البحث عن
خيار الشرط أن الالتزام بأوصاف المبيع لا معنى له إلا ثبوت الخيار
للمشروط له على تقدير التخلف، فإذا تخلف الوصف ثبت له خيار وله
أن يبقى العقد على حاله أو يفسخ.
1 - شروط صحة الشرط
قوله (رحمه الله): الكلام في شروط صحة الشرط.
1 - أن يكون الشرط تحت اختيار المشروط عليه
أقول: من جملة تلك الشروط أن يكون الشرط تحت اختيار المشروط
عليه وإلا فلا يصح الشرط، سواء كان صفة لا يقدر العاقد عليه التسليم
بدونها، أو كان عملا لا يقدر بايجاده، كأن يبيع داره واشترط على
المشتري بيعها من عمرو، مع أن شراء عمرو إياها ليس تحت اختيار
المشتري، أو يشتري منه زراعة واشترط عليه كون سنبلا، أو كان هند
266

زوجة له أو كون زوجة للمشتري مطلقة، مع أن الطلاق والزواج
لا يتحققان بغير سبب عينه الشارع، ولا بدون اختيار من بيده الطلاق ومن
بيده أمر النكاح، وهكذا من الأفعال غير الاختيارية للمشروط عليه،
والجامع هو ذلك أي كون الشرط غير اختياري للمشروط عليه.
ما يستدل على بطلان شرط لا يقدر العاقد عليه
وقد استدل على بطلان هذا النحو من الشرط وكونه من صغريات
الشرط الفاسد بوجوه:
1 - الاجماع.
2 - إن هذا النحو من الشرط غرر فيوجب بطلان البيع للنهي عن بيع
الغرر، إذ كما لا بد وأن يكون المتبايعين عالما بالعوضين لئلا يكون البيع
غرريا من ناحيتهما، وكذلك لا بد وأن يكونا عالمين بالشروط المعتبرة
فيه.
3 - إن هذا الشرط ليس مقدور التسليم للمشروط عليه، فإنه كما يعتبر
أن يكون المبيع والثمن مقدور التسليم، وكذلك يعتبر أن يكون الشرط
أيضا كذلك.
4 - ما ذكره شيخنا الأستاذ واعتمد عليه، وهو أن المشروط عليه لا بد
وأن يكون مالكا لما يشترط عليه، وإلا فيكون ذلك مثل بيع ما لا يملك،
وقد ذكر في الفلسفة أن فاقد الشئ لا يكون معطيا له، كما هو واضح.
أقول: أما الشرط بالمعنى الأول، وهو تعليق العقد بالفعل كتعليقه على
التزام المشتري مثلا، لا من جهة أن شرط أمر غير اختياري موجب
للبطلان، بل من جهة أن الالتزام لا يتعلق بأمر غير اختياري كما هو
واضح، بل لا يصدر اشتراط التزام الطرف بأمر غير اختياري من شخص
267

عاقل أصلا، إلا إذا كان غافلا عن كونه غير مقدور، ففي هذه الصورة
نتكلم في ذلك.
وأما الشرط بالمعنى الثاني، بأن يكون معنى اشتراط أمر غير اختياري
هو ثبوت الخيار على تقدير عدم حصول ذلك الأمر، كما في اشتراط
الأوصاف، فأي دليل يقتضي بطلان ذلك، أما الاجماع فلا نظن بوجوده،
بل نطمئن بعدم حصوله، ولذا خالف في ذلك الشيخ والقاضي على ما
ذكره المصنف في المتن (1)، وعلى تقدير تحققه فلا نظن أن يكون مستنده
رأي المعصوم (عليه السلام)، بل يحتمل أن يكون مستنده تلك الوجوه
المذكورة في المقام.
وأما توهم كون هذا الشرط غرريا وموجبا لبطلان المعاملة، فهو أيضا
واضح الدفع، لما ذكرناه في بحث الغرر أن معناه هو الخطر والهلاكة،
فإذا كان مرجع اشتراط أمر غير اختياري هو جعل الخيار للمشروط له
على تقدير عدم الحصول، فأي خطر في ذلك، فإنه إذا حصل الشرط لزم
البيع وإلا كان المشروط له بالخيار، فأي غرر هنا وأي هلاكة مال أو
شئ آخر في المقام، على أنه لو كان هذا غرريا فأي فرق بين هذا وبين
اشتراط الوصف، فإن الثاني أيضا غرري لجهل المتبايعين بالشرط أو
جهل الشارط به فيكون غرريا، مع أنه لم يقل أحد بالبطلان هنا من جهة
الغرر.
وقد أبدى المصنف الفرق بينهما بأنه للاجماع، وفيه أنه غير محتمل
أصلا، بحيث يكون هنا اجماع يكون بعض أفراد الغرر موجبا للبطلان
دون بعض.

1 - المبسوط 2: 156، جواهر الفقه: 60.
268

وأعجب من ذلك أنه ذكر أن بناء المتعاقدين بالوصف في اشتراطه
يخرج المعاملة عن الغررية.
وفيه أولا: إن البناء أمر قلبي، والغرر عبارة عن الخطر، وهو أمر
نفساني أعني التردد والحيرة، فلا يرتفع بالأمر القلبي لعدم كونه من أفعال
القلوب.
ثانيا: لو كان البناء موجبا لرفع الغرر وكيف لا يلتزمون بكونه رافعا
للغرر في المقام أيضا، بأن يبنون على حصول ذلك الأمر فيكون ذلك
موجبا لارتفاع الغرر كما لا يخفى.
وأما عدم القدرة على التسليم فهو ليس شرطا آخر وراء اعتبار عدم
الغرر، فإنها شرط واحد وسببه الجهل، على أنه إنما يفيد فيما إذا كان
الشرط بمعنى الأول أعني تعليق العقد على الفعل كالالتزام ونحوه،
وأما في المقام فأي فائدة لكون الشرط مقدور التسليم، فإنك قد عرفت أن مرجع هذا النحو من الاشتراط إلى جعل الخيار على تقدير عدم
الحصول، كما إذا باع الزرع وشرط فيه كونه سنبلا بمشية الله وإلا فيكون
له الخيار كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لما ذكره شيخنا الأستاذ من اشتراط مالكية
المشروط عليه بالشرط، وإلا يكون ذلك مثل بيع ما لا يملك، ومن هنا
ظهر الحال ما في الفرع المعروف من أنه لو باع متاعه كالدار مثلا من زيد
واشترط بيعه من عمرو فإنه لا شبهة في صحة هذا البيع ويترتب عليه
الخيار على تقدير عدم البيع وتخلف الشرط، كما هو واضح.
التحقيق في المقام
وحاصل الكلام أن الشروط التي يجب الوفاء بها ذكروا فيها شروطا
منها أن يكون الشرط مقدورا، وقد عرفت أنه استدل عليه بوجوه،
269

كالنهي عن الغرر ولزوم القدرة على التسليم، وقد يكون الاشتراط فرع
كون المشروط عليه قادرا عليه ومالكا له كما ذكره شيخنا الأستاذ، وقد
عرفت أنه لا يرجع شئ من ذلك إلى محصل، وذكرنا جملة من الكلام
الذي يرجع إلى ما نحن فيه.
وتحقيق البحث هنا أن الشرط تارة يكون شرط فعل وأخرى شرط
صفة، أما الأول فقد يكون شرطا لفعل نفس أحد المتعاقدين، وأخرى
شرطا لفعل شخص أجنبي عنهما.
ألف - الشرط إذا كان شرط فعل
أما الأول ولو كان امتناعه قياسيا كالطيران إلى السماء ونحو ذلك، مما
يكون محالا بالنسبة إليه فيكون معنى الشرط هو التزام المشروط عليه
بالشرط وعليه فلا معنى لاشتراط أحد المتعاقدين على الآخر أن يلتزم
بغير مقدور، بأن يبيع ماله ويشترط عليه أن يلتزم بأمر غير مقدور، فإن
هذا لا يصدر من عاقل أصلا.
نعم لو وقع ولم يكن الشارط ملتفتا يكون الشرط أي ما يتعلق به
الالتزام من المستحيلات.
ثم إنه إذا انكشف كونه من المستحيلات فهل يكون هذا أيضا داخلا
تحت الشرط غير المقدور فيبطل من الأول، بناء على بطلان الشرط غير
المقدور أو يدخل تحت الشرط المتعذر، فالظاهر أن يلاحظ مدرك
ذلك.
فإن كان مدركه النهي عن البيع الغرري، فلا شبهة في عدم الغرر هنا،
حيث إن الغرر على ما عرفت عبارة عن الخطر وهو قائم بالتردد والحيرة
وقد فرضنا أن المتبايعين ليسا كذلك، أي ملتفتين بكون الشرط غير
مقدور حتى يكون ذلك غرريا.
270

وإن كان مدركه عدم القدرة على التسليم، أو ما ذكره شيخنا الأستاذ
من كون الشرط فرع كون المشروط عليه مالكا له فلا، بل يحكم بالبطلان.
ولكن قد عرفت عدم صحة شئ من ذلك، وسنبين الحق كما أشرنا
إليه سابقا من كونه هو الارتباط.
وأما إذا كان الشرط متعذرا في آخر الوقت بعد ما كان مقدورا في
الابتداء، فهل يكون هذا من صغريات الشرط الغير المقدور أو يكون من
مصاديق الشرط المتعذر فلا يوجب فساد العقد، فالحق المتعين هو
الثاني، لأنه لا معنى لبطلان البيع بتعذر الشرط بعد ما كان صحيحا
والشرط مقدورا، وإن قلنا ببطلان البيع بكون الشرط غير مقدور من
الأول.
وأما إذا كان الشرط شرط فعل شخص آخر، كان يبيع ويشترط
المشتري على البايع كون الزرع سنبلا أو البسر تمرا أو غير ذلك، فإنه
حينئذ لا شبهة في صحة البيع، فإن معنى الاشتراط هنا ليس هو توقف
العقد على التزام الطرف بالشئ الخارجي، كما كان كذلك في القسم
الأول، بل معناه هو توقف التزام المشروط له بالعقد والوقوف عليه،
وعدم فسخه متوقف على حصول الفعل الفلاني وصدوره عن شخص
فلاني، وإذا لم يصدر الفعل من شخص فلاني ثبت للمشروط له خيار
تخلف الشرط.
فمرجع هذا النحو من الاشتراط هو جعل الخيار، حتى ما لو صرح
المتعاقدين باشتراط الايجاب والقبول كليهما بحيث يعلم كون الشرط
غير مقدور من حيث الشراء أي يكون بيع المشتري فعلا اختياريا ولكن
شراء شخص آخر منه ليس اختياريا له كما هو واضح.
على هذا فلا شبهة في العقد بل يجوز أن يشترط فيه الفعل الغير
271

الاختياري أيضا، كموت زيد وسقوط الحجر من شاهق ونحو ذلك، فإن
معنى جميع ذلك ليس إلا جعل الخيار ومحدودية العقد كما هو واضح.
ولعل هذا مراد العلامة (1) فيما إذا باع أحد ماله واشترط بيعه من شخص
آخر بل هو الظاهر، حيث التزم بثبوت الخيار على تقدير عدم تحقق
الفعل ولم يحكم بالبطلان.
ومع مخالفة العلامة كيف يسوغ لأحد أن يدعي الاجماع في المقام
على البطلان، وقد عرفت مخالفة الشيخ والقاضي (2).
نعم هو احتمل اللزوم، حيث ذكر أن الشارط إنما يبيع ويشترط على
المشتري بيعه من شخص خاص إنما يشترط هذا على تقدير قبول ذلك
الشخص الأجنبي الاشتراء وإذا لم يقبل فيكون البيع لازما، وهذا الذي
ذكره العلامة أيضا صحيح ولكنه خارج عن المقام، فإن كلامنا في الشرط
الغير المقدور، وما ذكره العلامة مقدور، حيث إن بيع المبيع من شخص
أجنبي على تقدير قبوله مقدور للمشتري، فلا يكون من صغريات
الشرط الغير المقدور كما هو واضح.
هذا كله في شرط الفعل لأحد المتعاقدين للأجنبي.
ثم إنه إذا علق العقد على فعل الأجنبي فلا شبهة في ثبوت الخيار
للمشروط له على تقدير التخلف كما عرفت الشرط، وإذا فعل الأجنبي
من غير أن يتوقف عليه لزوم العقد ولا أصله فقبل الأجنبي هذا الاشتراط
كما يقع ذلك في العرف كثيرا، حيث لا يقبل المشتري ويقبل الأجنبي
كما إذا باع داره واشترط اعطاء درهم للفقير، فلم يقبله المشتري ولكن
يقول الأجنبي هو على، فهل يكون هذا الشرط واجب الوفاء عليه

1 - التذكرة 1: 490.
2 - المبسوط 2: 156، جواهر الفقه: 60.
272

ويشمله عموم: المؤمنون عند شروطهم، أو لا يشمله لكونه وعدا
محضا، فسيأتي الكلام فيه في الشروط الآتية، من أن شرط الذي
لا يتوقف عليه لزوم العقد ولا أصله هل هو واجب الوفاء أم لا، وأما إذا
لم يقبله المشتري بل لم يكن حاضرا أصلا فيكون عقد لازما فلا يكون
للمشروط له خيار أيضا.
والحاصل أنه إذا علق أحد المتبايعين العقد على فعل الأجنبي
فلم يقبله كان باطلا، وإذا قبله وعمل به فهو واضح، وإلا كان للمشروط
له خيار تخلف الشرط.
ثم إنه في فرض قبول الأجنبي الشرط هل يكون ذلك واجب الوفاء
عليه أو لا، بل يكون من صغريات الوعد، فلا يجب الوفاء، وسيأتي
الكلام فيه في خلال الشروط الآتية.
ب - الشرط إذا كان شرط نتيجة
وأما شرط النتيجة بأن يبيع زيد داره ويشترط على المشتري كونه
وكيلا في بيع داره، أو تزويجه، أو شئ آخر، أو يشترط عليه كون داره
الفلانية ملكا للبايع أو غير ذلك من شروط النتيجة، فإن ذلك كله لا شبهة
فيه وخارج عن المقام، أعني اشتراط غير المقدور، فإنه بمجرد هذا
الاشتراط قد تحصل النتيجة جزما، فإن معنى الوكالة هو اعتبار الغير
وكيلا وابرازه بمبرز من المبرزات، وكذلك بقية العقود، ومن الواضح أن
البايع إذا اعتبر في ضمن بيع متاعه من عمرو وكون عمرو وكيلا في بيع
داره أو كون داره الفلانية له وأظهره بقوله بعت متاعي بهذا الشرط وقبله
المشتري فقد تحصل الوكالة، وتكون دار المشتري ملكا للبايع بنفس
هذا الابراز والاظهار كما هو واضح.
273

وأما اشتراط كون زوجة المشتري بائنة أو كون بنته زوجة له، أو غير
ذلك من الأفعال التي كانت لها أسباب معينة عند الشارع، فغير مربوط
بالمقام، فإن عدم حصول ذلك من جهة أن الشارع قد جعل لها أسبابا
خاصة فلا تحصل بغيرها، وقد ورد في الروايات أن الطلاق ليس إلا أن
يقول الزوج لزوجته: أنت طالق عند شهود (1)، وعلى هذا فكيف يحصل
بمجرد الاشتراط في ضمن العقد بدون هذا السبب.
ج - الشرط إذا كان شرط صفة
وأما شرط الصفة، فقد ذكرنا مرارا أن معنى ذلك ليس إلا اشتراط
الخيار على تقدير عدم ذلك الوصف، إذا لا معنى للالتزام بالوصف إلا
هذا.
وتوهم أن عدم الغرر هنا من جهة البناء كما عليه المصنف عجيب كما
عرفت، مضافا على ما تقدم أن هذا البناء يمكن أن يكون تشريعا بناء
كاذبا، فإن اشتراط الوصف الفعلي ليس إلا كاشتراط الوصف الاستقبالي،
فكلها يرجع إلى جعل الخيار كما هو واضح.
وتوهم أن الشرط في الأول غير مقدور وهو فاسد للوجوه المتقدمة
توهم فاسد، فإن كون فعل الغير غير مقدور لا يخل بهذه الجهة وهو
شرط الخيار، لما ذكرنا أن المرجع في ذلك كله إلى شرط الخيار كما
لا يخفى، فافهم.

1 - عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت على حرام أو
بائنة أو بتة أو برية أو خلية؟ قال: هذا كله ليس بشئ، إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعد
ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على
ذلك رجلين عدلين (الكافي 6: 69، التهذيب 8: 36، الإستبصار 3: 277، عنهم الوسائل
22: 41)، صحيحة.
274

والوجه في ذلك كله هو ما ذكرناه في معنى الشرط، من أنه عبارة عن
الربط والارتباط والإناطة، فإذا كان ذلك في ضمن العقد فقد يكون العقد
معلقا على شئ، وقد يكون الالتزام به معلقا على شئ، وفي الثاني
لا يفرق بين أن يكون ذلك الشئ المعلق عليه أمرا اختياريا أو لا، فإنه
على كل تقدير فالإناطة موجودة، فإذا حصل وتحقق الشرط فهو وإلا
حكم بكون المشروط له ذي خيار كما لا يخفى.
وتوهم أن الاجماع قائم على البطلان فاسد، لما عرفت من عدم
الاجماع هنا كما هو واضح.
قد عرفت أن شرط الفعل إنما يجوز إذا كان مقدورا من حيث متعلقه،
فلو شرط الالتزام بشئ محال ولو كان محالا قياسيا كالطيران إلى السماء
لا ينفذ هذا الشرط، بل لا يشترط هذا الشرط عاقل، فإنه بعد علمه بعدم
تمكن المشروط عليه من ذلك فيكون هذا الاشتراط لغوا محضا، نعم إذا
لم يلتفت الشارط بكونه غير مقدور لا بأس باشتراطه.
ثم إذا انكشف أنه كان غير مقدور، فإن كان الاشتراط راجعا إلى نفس
الالتزام بالغير المقدور ثم نكشف أنه غير مقدور وقد غره المشروط عليه
بذلك فيكون العقد باطلا، كما إذا اشترى أحد عبدا واشترط على البايع
كونه كاتبا والتزم البايع بذلك مع أنه لم يكن كاتبا، فإن هذا البيع يبطل
حيث إن البيع المطلق أي بيع العبد على أي نحو كأن لم ينشأ وما أنشأ
أعني البيع المقيد فهو غير واقع من الأول فيكون باطلا.
وأما إذا كان الشرط هو التزام الطرف لا بما هو واقع الالتزام بدون
الابراز بل يبرزه أيضا، وإن كان في ابرازه كاذبا وإنما غرضه الغش،
فحينئذ فالشرط قد تحقق وقد علق العقد بالتزامه، وهو قد تحقق
بحسب ابراز المشروط عليه وصار العقد مقيدا به و حصته خاصة أي
انشاء الملكية، أي على تقدير الملكية الخاصة كما تقدم سابقا في معنى
275

جعل الخيار، من أن معناه انشاء الملكية الخاصة المحدودة، وحينئذ
كان العقد صحيحا ولكن حيث كان الشرط متعذرا ثبت للمشروط له
حينئذ خيار تخلف الشرط، فلا يكون لهذا الشرط واقع بحسب البقاء
لكونه لغوا، فإن الالتزام بغير المقدور لغو، وكذلك لو كان الشارط ملتفتا
من الأول، فإن هذا الاشتراط مع العلم بعدم القدرة عليه لغو، فلا معنى
للالتزام به ولا يكون العقد خياريا به، وهذا بخلاف صورة الجهل بكونه
غير مقدور، فإن الالتزام من المشروط عليه يمكن هنا، ولو من باب
خدعة الشارط، وكذلك يصح الشرط من الشارط.
وعلى كل تقدير لا يمكن إلزام المشروط عليه بعد العلم بالحال، وإن
كان العقد خياريا.
2 - أن يكون الشرط سائغا في نفسه
قوله (رحمه الله): الثاني: أن يكون الشرط سائغا في نفسه.
أقول: الظاهر أن غرضه من هذا الشرط هو ما تقتضيه القواعد، حيث إن
مقتضى القاعدة أن يكون الشرط سائغا وإلا فلا يكون نافذا كالالتزام
بالمحرم وما لا ينفذ مخالف لمفهوم الشرط وهو الإناطة، فإن شرط غير
النافذ غير مربوطا.
وأما بحسب الروايات فسيأتي الكلام فيه، فإنها مطبقة على أن كل
شرط نافذ إلا الشرط الذي خالف الكتاب والسنة (1)، وحرم الحلال

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن على كل حق
حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (الكافي
1: 69)، موثقة.
عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة،
وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (الكافي 1: 69)، صحيحة.
276

وحلل الحرام فإنه غير نافذ (1)، وعليه فالمقام من صغريات ذلك الشرط،
وهو الشرط الرابع، فإن مصاديقه أن يكون سائغا وغير محرم، ومن
صغرياته غير ذلك، فلا مجال لذكر هذا الشرط بالخصوص، وإلا كان
المناسب التعرض لجميع مصاديق الشرط الرابع كما هو واضح.
3 - أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء
قوله (رحمه الله): الثالث: أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا أو بالنظر
إلى خصوص المشروط له.
أقول: حاصل كلام المصنف هنا أنه لا بد وأن يكون الشرط مما فيه
غرض عقلائي، وما لا يكون فيه ذلك يكون فاسدا، كاشتراط أن يكون
الوزن والكيل من أفراد الكيل والوزن المتعارفين، والوجه في ذلك أن
مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له ليكون التصرف فيه حراما أو يتضرر
المشروط له بعدم الوفاء به فيثبت له خيار، أو يعتني به الشارع وأوجب
الوفاء به كما هو واضح.
أقول: إن قلنا باعتبار المالية في أصل البيع على ما تقدم في محله
اعتمادا على ما عن المصباح من أنه مبادلة مال بمال، مع أنه لم نقبله هناك
والتزمنا بأن بذل المال في مقابل التراب أو الخنفساء مثلا ليس ببيع

1 - عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:
من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل
حراما (التهذيب 7: 467، عنه الوسائل 18: 17، 21: 68، 21: 300)، موثقة.
عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من يشرط ما يكره فالبيع جائز والشرط باطل، وكل
شرط لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما فهو جائز (دعائم الاسلام 2: 54، عنه المستدرك
13: 301)، ضعيفة.
277

ولم نكشف بالأغراض الشخصية، ولكن لا دليل على اعتبار وجود
الأغراض العقلائية في الشروط أصلا، بل يصح اشتراط ما تعلق به
الغرض الشخصي للشارط، فإذا تخلف ثبت له الخيار.
ويؤيد ذلك بل يدل عليه أنه قد يتعلق الحلف والنذر بالفعل الذي
يتعلق به غرض شخصي لا نوعي، فهل يتوهم أحد بطلان ذلك، فنفرض
المقام أيضا كذلك، فيمكن أن يكون غرض الشارط ايقاع المشروط عليه
في الصعوبة ونحو ذلك من الأغراض الشخصية.
وتوهم كون ذلك سفهية وموجبة للبطلان هذا توهم فاسد، لعدم
الدليل على بطلان المعاملة السفهية، وإنما الدليل على بطلان معاملة
السفيه.
وعلى تقدير أنه ورد في دليل أنه لا بد وأن يكون الشرط مما يتعلق به
غرض عقلائي، كما ورد أنه لا بد وأن لا يكون الشرط مخالفا للكتاب
والسنة، فأيضا لا يمكن أن يتمسك بقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند
شروطهم، عند الشك في كون شرط خاص هل تعلق به غرض عقلائي أم
لا، فإن ذلك تمسك للعام في الشبهة المصداقية.
لو شك في تعلق غرض صحيح
ثم ذكر المصنف أنه لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه،
وحمل عليه كلام العلامة في التذكرة (1)، وهذا عجيب منه (رحمه الله)، فإنه أولا
ليس معنى حمل فعل المسلم على الصحة إلا عدم معاملة الفعل الحرام
مع الفاعل من دون أن يترتب عليه آثار الفعل الصحيح.

1 - التذكرة 1: 490.
278

كمن تكلم بشئ فلا يدري أنه سب أو سلم، فمقتضى: ضع فعل
أخيك على أحسنه (1)، نحمله على الصحة ونقول إنه لم يسب، ولكن
لا يجب عليه رد السلام أي السامع، بدعوى أنه سلم فيجب رده لاقتضاء
الحمل على الصحة.
على أن الحمل على الصحة إنما هو في مورد يكون طرف الاحتمال
محرما لا لغوا، فإن اللغو يصدر عن العقلاء بل لا يخلو عاقل إلا ويصدر
الفعل اللغو كل يوم مرات عديدة، وإذا خرق أحد قرطاسا فهل يتوهم
أن يحمل فعله هذا على الصحة ويقال: إنه ليس بلغو بمقتضى حمل فعله
على الصحة، وليس كذلك، والعجب منه (رحمه الله) حيث حمل كلام العلامة
أيضا على رأيه، مع أنه ليس في كلامه فرض الشك، وإنما هو (رحمه الله) حكم
بصحة هذا الشرط الذي لم يكن فيه غرض عقلائي وحكم بكون العقد
خياريا.
والظاهر أنه أراد ما ذكرناه من عدم الدليل على كون الشرط مما يتعلق
به غرض عقلائي كما هو واضح، حيث إنه (رحمه الله) ذكر صحة اشتراط أن
لا يأكل إلا الهريسة، ولا يلبس إلا الخز.
ثم إنه على تقدير أن يرد في رواية أيضا أنه لا بد وأن يكون الشرط مما
يتعلق به غرض عقلائي، فأيضا لا يمكن الحكم بصحته في مقام الشك
لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، وهو لا يجوز.

1 - عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام
له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (الكافي 12: 302، عنه الوسائل 12: 302)، ضعيفة.
279

إذا اشترى أحد عبدا كافرا واشترط على البايع كونه كافرا
ثم إن المصنف (رحمه الله) ذكر بعض الشروط التي من صغريات الشرط التي
لا تكون موردا للغرض العقلائي، مثل ما إذا اشترى أحد عبدا كافرا
واشترط على البايع كونه كافرا، ففي صحته وفساده قولان للشيخ (1)
والحلي (2)، من تعلق الغرض المعتد به من جواز بيعه من المسلم والكافر،
مع أنه لو كان مسلما لم يجز بيعه من الكافر، ولاستغراق أوقاته بالخدمة،
فإنه لو كان مسلما لأشغل مقدارا من أوقاته بالعبادات، والقول الآخر أنه
يفسد هذا الشرط، لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه (3)، وأن الأغراض
الدنيوية لا تعارض الأغراض الأخروية.
ولكن الظاهر هو الوجه الأول، فإنه مع قطع النظر عن الأغراض
المذكورة التي أغراض عقلائية حكمنا بصحة الشروط التي لا يتعلق بها
غرض عقلائي، وكيف مع الأغراض المذكورة على أن اشترى العبد
لأجل هدايته من أهم الأغراض العقلائية، فإنه ورد أن هداية شخص خير
من ملأ الأرض ذهبا، والثاني يشبه بالتعليلات المذكورة في كتب العلامة
ولا يصلح سندا للافتاء الخاصة المبنية على أساس صحيح من الكتاب
والسنة، أما ما ذكره من أن الاسلام يعلو - الخ، فإنه أجنبي عن المقام وإلا
فلا بد من الحكم بأنه لا يصح شراء المسلم الكافر مع وجود العبد المؤمن
لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
وأما ما ذكر من عدم تعارض الغرض الدنيوي مع الغرض الأخروي

1 - المبسوط 2: 130، الخلاف 3: 112.
2 - السرائر 2: 357.
3 - الفقيه 4: 243، الرقم: 778، عنه الوسائل 26: 14، 26: 125، ضعيفة.
280

فإنه ليس هنا غرض أخروي حتى يقع التعارض بينهما ويرجح الثاني،
فإن المعاملات أغلبها للأغراض الدنيوية وإن كان في طيها أغراض
أخروية أيضا.
فتحصل أن شيئا من الشروط المذكورة لصحة الشرط الذي يجب
الوفاء به لا دليل على اعتباره.
4 - أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة
قوله (رحمه الله): الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، فلو اشترط رقية حر أو
توريث أجنبي كان فاسدا.
أقول: لا شبهة في أن الشرط المخالف للكتاب والسنة غير نافذ
للأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى، والظاهر أنه لم يخالف في ذلك
أحد فيما نعلم.
ولكن هنا أمران ربما يحتملان في المقام:
1 - إن أدلة وجوب الوفاء بالشرط يحتمل أن تكون مخصصة لأدلة
التحريم ورافعة للحرمة، ويكون المرجع إلى أن المحرمات إنما تكون
محرمة بادلتها الأولية إذا لم يطرأ عليها عنوان الشرط في ضمن عقد وإلا
تكون مباحة بل واجب الوفاء بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالشرط،
ويكون ذلك نظير طرو عنوان الثاني على الأشياء المحكومة بالأحكام
بعناوينها الأولية، وإن لم يكن المقام من ذلك القبيل كما قرر في محله،
لأن بعنوان الاضطرار يرتفع الموضوع وليس التخصيص كذلك، وكيف
هذا الاحتمال.
بل ورد نظيره في الشريعة في التكليفيات والوضعيات، أما التكليفيات
281

كجواز الصوم في السفر بالنذر (1)، مع أنه لم يكن مشروعا في السفر،
وكجواز الاحرام قبل الميقات مع النذر (2)، مع أنه لم يكن مشروعا قبل
الميقات بدون النذر، وأما في الوضعيات كجواز إرث كل من الزوجة أو
الزوج من الآخر بالشرط في ضمن عقد المتعة (3) مع التوارث في غير
القرابات النسبية وغير القرابات السببية المعروفة منتفية، إلا أن هذا
الحكم الوضعي قد ثبت بالاشتراط فيكون الدليل الدال على نفوذ هذا
الشرط تخصيصا للأدلة الدالة على عدم هذا الحكم الوضعي في غير
الموارد المذكورة.
فيمكن أن يكون المقام من هذا القبيل أيضا، بأن يكون ما دل على
وجوب الوفاء بالشرط مخصصا على الأدلة الدالة على المحرمات، أي
الأدلة الأولية.

1 - عن علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولي إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم
سبت، فإن أنا صمته ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس
عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علة
فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضي (التهذيب
4: 235، الإستبصار 2: 102، عنهما الوسائل 10: 195)، صحيحة.
2 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة
أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم
(التهذيب 5: 54، 8: 310، الإستبصار 2: 163، عنهم الوسائل 11: 327)، موثقة.
عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل جعل لله شكرا أن يحرم من الكوفة، قال:
فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال (التهذيب 5: 53، الإستبصار 2: 163، عنهم الوسائل
11: 326)، صحيحة.
3 - عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: تزويج المتعة نكاح
بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترطت كان وإن لم تشترط لم يكن (الكافي 5: 465، التهذيب
7: 264، الإستبصار 3: 149، قرب الإسناد: 159، عنهم الوسائل 21: 66)، صحيحة.
282

2 - أنه يحتمل أن تكون الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشروط
مخصصة للأخبار الكثيرة الدالة على أن كل شرط جائز بين المسلمين إلا
شرطا خالف كتاب الله وسنة نبيه من الأخبار المتواترة (1)، بأن يستكشف
من تلك الأدلة أي أدلة وجوب الوفاء بالشرط أن الشرط الفلاني المخالف
للكتاب أو السنة لا بأس به فهو واجب العمل.
وهذا الأمر الثاني إن أراد به المحتمل وجوب الوفاء بالشرط تكون
مخصصة لواقع ما هو مخالف للكتاب والسنة أي لحكم الله، سواء ذكر
في القرآن أو لا، بأن يكون الشئ في نفسه محرما بمقتضى حكم الله
ولكن يكون مقتضى الشرط هو الجواز، ولا شبهة أن هذا مناقضة محضة،
لأن عدم رفع اليد عن الحكم الأمر بنفوذ الشرط المخالف مناقضة محضة
فلا يمكن الالتزام به.
وهل يتوهم أحد جواز ورود التخصيص على إطاعة المخلوق بطرق
المعصية، ومن هنا ورد أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2).
وإن كان مراده التخصيص بظاهر الكتاب بمعنى أن يكشف من
ملاحظة أدلة وجوب الوفاء بالشرط أن ظاهر القرآن ليس بمراد، فمرجع

1 - عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من يشرط ما يكره فالبيع جائز والشرط باطل،
وكل شرط لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما فهو جائز (دعائم الاسلام 2: 54، عنه المستدرك
13: 301)، ضعيفة.
عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن على كل حق حقيقة،
وعلى كل صواب نورا، فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (الكافي 1: 69)،
موثقة.
عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة،
وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (الكافي 1: 69)، صحيحة.
2 - الوسائل 11: 157، عن المعتبر: 330.
283

ذلك إلى الأمر الأول، فإنه إذا لم يكن ظاهر الكتاب مراد يستكشف أنه
ليس بحرام في صورة الاشتراط في ضمن عقد، وهذا هو عين الأمر
الأول.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الكلام في المقام يقع في جهات:
الجهة الأولى: المراد من الكتاب
إن المراد من الكتاب المذكور في هذه الأخبار المستفيضة أو المتواترة
أي شئ، حيث ذكر فيها: أن كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل (1)،
على ما هو مضمون تلك الروايات.
فهل المراد من الكتاب هو القرآن كما هو الظاهر منها في بدو النظر، أو
المراد من ذلك ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وبينه بلسان نبيه (صلى الله عليه وآله)
ولو في غير القرآن، فيكون المراد من الكتاب هو ما كتب، كما ذكر ذلك
في القرآن أيضا بقوله عز من قائل: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم (2).
وقد عرفت أن النظر البدوي يقتضي الاحتمال الأول، وكون المراد من
الكتاب هو القرآن، ولكن النظر إلى تلك الروايات يقتضي إرادة الاحتمال
الثاني منها، بأن يكون المراد بها هو ما كتبه الله وبينه بلسان نبيه (صلى الله عليه وآله)
ولو كان في غير القرآن، وأنه ما من شئ إلا وقد كتب الله فيه حكما.
ويدل عليه وجوه:

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشرط في الإماء لا تباع ولا توهب،
قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، لأن كل شرط خالف الكتاب باطل (التهذيب
7: 67، عنه الوسائل 18: 16)، صحيحة.
2 - البقرة: 183.
284

1 - أنه ورد في بعض الروايات لفظ السنة أيضا (1)، بأن لا يخالف الكتاب
والسنة، فإن ذلك قرينة على أن يكون المراد من الكتاب ما هو مكتوب
لله من الأحكام.
2 - إن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي التعميم، حيث إنه لا
خصوصية في عدم نفوذ الشرط المخالف بين أن يكون مخالفا للقرآن أو
لحكم الشارع، وإن لم يكن مذكورا في القرآن، إذ لا فرق بين أحكام
الشرع وأفراد أحكامه، فلا خصوصية للمخالفة مع القرآن حتى لا يكون
نافذا وأما مخالف السنة فيكون نافذا، بل جميع أحكام الشارع على نسق
واحد، سواء كان مذكورا في القرآن أو في غيره.
وقد عرفت أنه لا معنى لجواز مخالفة حكم الشارع مع بقائه على
حاله، فإن أمره بنفوذ الشرط المخالف مع عدم رفع اليد عن الحكم
مناقضة واضحة.
وإذا فلا فرق بين أحكام الشارع، وبحسب مناسبة الحكم والموضوع
يحكم بأن المراد من الكتاب كل حكم شرعي، فتكون النتيجة مما ذكرنا أن
مفاد تلك الأخبار هو أن كل شرط نافذ إلا شرطا خالف الحكم الشرعي
كما هو واضح.
3 - إن مخالفة القرآن أعم من أن يكون مخالفا لحكم مذكور في القرآن
أو لعموم القرآن وأحكامه، ومن الواضح أن جميع الأحكام الشرعية قد
أمر في القرآن بالإطاعة بها والاتيان بها، بمقتضى قوله تعالى: وما أتاكم

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قضى في رجل تزوج امرأة وأصدقته هي
واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنة ووليت حقا ليست بأهله، فقضى
أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنة (الفقيه 3: 269، الكافي 5: 403، التهذيب
7: 369، عنهم الوسائل 21: 289)، صحيحة.
285

الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (1).
ومن الواضح أن شرط ما يكون مخالفا لحكم شرع من أي حكم
مخالف للقرآن كما هو واضح، فالمراد من الموافق مما يكون موافقا
لحكم الشارع ولو كان مستفادا من القواعد أو كان ثابتا بالأصل الذي دل
عليه عموم حديث الرفع أو غير ذلك.
الجهة الثانية: المراد من الشرط المخالف للكتاب
إن المراد من الشرط المخالف للكتاب هو الشرط الغير الموافق أو
الشرط المخالف، وقد يظهر من بعض الروايات الاحتمال الأول ومن
بعضها الثاني، وذكر في بعضها ما سوى كتاب الله.
الظاهر أنه لا ثمرة لهذا البحث بعد البناء على أن المراد من الكتاب هو
ما كتبه الله من الأحكام، فإنه على هذا لا يوجد شرط غير موافق للكتاب
إلا ويكون مخالفا له كما هو كذلك، وأظهر من الجميع في روايات المقام
قوله (عليه السلام): إلا شرطا سوى ما هو في كتاب الله (2)، أي يكون غير ما كتبه
الله.
نعم لا بأس للتكلم في ذلك، وأن المراد أي العنوانين في الأخبار الواردة في عرض الأخبار على القرآن، فإن المراد من الكتاب هناك هو
القرآن ولذا أمر بعرضها عليه، وحينئذ فعنوان المخالف يفترق عن
عنوان الغير الموافق.

1 - الحشر: 7.
2 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسريت
فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من اشترط شرطا سوى كتاب الله
فلا يجوز ذلك له ولا عليه (التهذيب 7: 373، الإستبصار 3: 232، عنهما الوسائل 21: 297)،
ضعيفة لجهالة طريق الشيخ إلى الميثمي.
286

الجهة الثالثة: أقسام الشرط المخالف
في أن الشرط المخالف يكون على ثلاثة أقسام:
1 - أن يشترط أحد المتبايعين على الآخر فعلا محرما، كقتل النفس
المحترمة أو الكذب أو شرب الخمر ونحو ذلك.
2 - أن يشترط اعتبارا من الاعتبارات العقلائية، ككون زوجته مطلقة،
أو كونه وارثا للآخر، أو كون ولاء العتق له مع كون المعتق شخصا آخر
وهكذا.
وهذا يرجع إلى شرط النتيجة، وقد عرفت فيما سبق أن مثل هذه
الأمور لها أسباب خاصة لا توجد إلا بها، إلا إذا كان ذلك الشرط على نحو
يتحقق في ضمن هذا العقد، بأن يوجد الاعتبار بنفس الاشتراط ويتحقق
القبول بقبول المشروط عليه العقد، لما عرفت أن هذا الشرط شرط أمر
اعتباري فلا بد من ملاحظة المورد بأنه يتحقق هذا الأمر الاعتباري أو
لا يتحقق كما هو واضح، فإن تحقق خرج الشرط عن كونه مخالف
للكتاب وإلا فيكون مخالفا له.
3 - أن يشترط أحدهما على الآخر حكما من الأحكام الشرعية، كما
إذا باع داره واشترط على المشتري أن يكون الخمر حلالا أو غير ذلك
من الأحكام.
وهذا هو اشتراط فعل الأجنبي عن العقد، وقد عرفت أنه أمر غير
مقدور للمشروط عليه، وحينئذ فإن كان التعليق هو تعليق نفس العقد
على الالتزام بفعل الغير، وقد عرفت أنه باطل، إذ لا معنى للالتزام بالأمر
الغير المقدور حتى لو قلنا بصحة التعليق في العقود وعدم بطلانه،
فلا يصح الاشتراط هنا إذ لا يمكن الالتزام بأمر غير مقدور، وإن كان
287

مرجع الاشتراط هنا إلى إناطة لزوم العقد بفعل الغير وأنه على تقدير
تحققه يلتزم المشروط له بذلك وإلا فلا فهو صحيح، فإنه على تقدير
تحقق ذلك الفعل يكون العقد لازما وإلا كان للمشروط عليه خيار تخلف
الشرط كما هو واضح.
فلا بد من التكلم في هذه الأمور الثلاثة واحدة واحدة، وقد ورد في
الروايات على ما عرفت عدم نفوذ الشرط المخالف لكتاب الله، أو سوى
كتاب الله، أو لا يوافق كتاب الله على ما في الروايات بألسنة مختلفة،
وكان الكلام في معنى هذه الروايات.
ألف - اشتراط فعل مباح أو تركه
ولا يخفى أن الشرط بحسب الاستقصاء قد يكون متعلقا بالمباح، بأن
يشترط فعل مباح أو تركه، والمراد من المباح هنا ما لم يكن فيه ايجاب
فيشمل المكروه والمستحب أيضا، والظاهر أنه لا شبهة في نفوذ ذلك
ولم نر من يستشكل فيه.
نعم قد ذكر في روايتين ما يوجب توهم عدم نفوذ ذلك أيضا وأنه
مخالف لكتاب الله:
الأولى: رواية العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل وشرط عليها وعلى أهلها إن
تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فهي طالق، فقال (عليه السلام):
شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفى بشرطه وإن شاء أمسك امرأته
وتزوج عليها وتسرى وهجرها أن أتت سبب ذلك، قال الله تعالى:
288

فانكحوا ما طاب لكم - إلى آخره (1)، وأحل لكم ما ملكت أيمانكم (2)،
واللاتي تخافون نشوزهن (3) (4)، فإن الأمور المذكورة أمور مباحة كما هو
واضح.
الثانية: رواية ابن عمار سماها المصنف موثقة: المسلمون عند
شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (5)، فإن اشتراط إلزام
بالمباح يوجب عدم جواز العمل به لكونه محرما، والرواية الأولى وإن
ذكر فيها بعض الأمور المباحة إلا أنه لا فرق بين أفراد المباح جزما.
أما الرواية الثانية فهي ضعيفة السند لغياث بن كلوب، فإنه لم يوثق في
الرجال، وإن نقل عن الشيخ أنه وإن كان عاميا ولكن الأصحاب يعملوا
بروايته، ولكنه ليس بوجه (6)، على أن المذكور فيها: أن كل شرط حرم
حلالا فهو غير نافذ، وعليه فلا يبقى مورد للعمل بالشروط الذي ثبت
بالأدلة الدالة على لزوم الوفاء بالشرط، وهذا المضمون غير موجود في
غير هذه الرواية.

1 - النساء: 3.
2 - النساء: 3.
3 - النساء: 34.
4 - تفسير العياشي 1: 240، عنه الوسائل 21: 277، ضعيفة.
5 - عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:
من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل
حراما (التهذيب 7: 467، عنه الوسائل 18: 17، 21: 68، 21: 300)، موثقة.
6 - هذا على مبناه (قدس سره) السابق، لكن عدل عنه في معجمه الكبير 13: 235، وقال:
ذكر الشيخ في العدة أنه من العامة ولكنه عملت الطائفة بأخباره إذا لم يكن لها معارض من
طريق الحق، ويظهر من مجموع كلامه أن العمل بخبر من يخالف الحق في عقيدته مشروط
باحراز وثاقته وتحرزه عن الكذب، وعليه فيحكم بوثاقة غياث بن كلوب وإن كان عاميا.
289

وأما الرواية الأولى فهي أولا: ضعيفة السند، لعدم ثبوت اعتبار
تفسير العياشي.
وثانيا: أن دلالتها غير تامة، فإنها مجملة حيث إن المذكور في صدر
الرواية أن ما تعلق به الشرط إنما هو طلاق الزوجة على تقدير التزويج،
والاتيان بالسرية أو هجرها في المضجع على تقدير اتيان الزوجة
بالنشوز، ولكن في ذيل الرواية استدل عليه بالآية، فإن ظاهر الآية أن نفس
تلك الأمور أي الزواج والاتيان بالسرية والهجر في المضاجع مما تعلق
به الشرط، لا أنها مقدمة للطلاق الذي هو متعلق الشرط كما في صدر
الرواية.
نعم يمكن توجيه الرواية بأن الآيات الشريفة التي استدل بها الإمام (عليه السلام) على عدم نفوذ الشرط إنما دلت على جواز تزويج المرأة فوق
الواحد، وهكذا دلت على أخذ السرية، وعلى جواز الهجر مع تحقق
سببه وهو النشوز، ولا شبهة أن جواز تزويج المرأة الأخرى غير الأولى
ليس مخصوصا في حكم الأعراب، وكذا أخذ السرية، بل في حق
غيرهم أيضا.
وعليه فالشارع لم يجعل الزواج وأخذ السرية سببا للطلاق بل سببه
شئ آخر، وإلا لم يجز للمزوج أن يتزوج بامرأة أخرى، وإلا يلزم
أن يكون ذلك مسببا لطلاقها.
وحينئذ فجعل الزواج وأخذ السرية سببا للطلاق مخالف للآيات
المذكورة وكتاب الله الكريم الدالة بالملازمة على عدم جعله سببا
للطلاق، وأيضا جعل النشوز سببا للهجر واشتراط عدم التهجر مع
تحقق سببه مخالف للكتاب، وهذا التوجيه وإن كان ممكنا في مقام
الثبوت ولكن لا يمكن المسير إليه بدون الدليل.
290

وعلى تقدير كون متعلق الشرط هي الأمور المذكورة في الرواية ولو
بمؤونة التوجيه المذكورة، وأيضا لا دلالة فيها على عدم نفوذ اشتراط
عدم المباح حتى في الأمور المذكورة، وذلك من جهة أن الإمام (عليه السلام) قد
استدل على بطلان الشرط بقوله (عليه السلام): وشرط الله قبل شرطكم، ومن
الواضح أنه ليس في المباح شرط الله ليتقدم على شرط المتبايعين،
فلا يمكن الأخذ بالرواية والالتزام بكون الشرط متعلقا بالأمور المذكورة
من هذه الجهة.
وقد يقال كما في المتن أن اشتراط الأمور المذكورة مناف للقرآن وأن
استدلال الإمام (عليه السلام): شرط الله قبل شرطكم صحيح، وذلك من جهة
أن التزويج على المرأة وأخذ السرية والهجر في المضاجع وإن كان من
الأمور الجائزة إلا أن غرض الشارع قد تعلق بعدم تغيرها عن إباحتها،
فلا يكون الشرط على خلافه نافذا، لأن شرط الله قبل ذلك.
وهو وإن كان ممكنا أيضا في مقام الثبوت ولكنه يحتاج إلى دليل،
وهو منتف، بل استدل الإمام (عليه السلام) بالآية على كون الأمور المذكورة
مباحة من غير كونها مقيدة بشئ، ومن الواضح أن الإباحة ليس فيها
شرط، وعليه فلا معنى للاستدلال بأن شرط الله قبل شرطكم على عدم
النفوذ، وعليه فلا بد وأن تحمل الرواية إما على التوجيه المتقدمة أو يرد
علمها على أهلها.
نعم يحتمل أن يكون بعض المباحات مما لا بد وأن يلتزم بكونه مباحا
إلى الأبد، وأن الله أثبت الإباحة في بعض الأشياء المباحة، واشتراط
خلافها خلاف شرط الله وخلاف ما كتبه الله فلا يكون ماضيا وأن شرط
الله أسبق، وهذه الكبرى وإن كانت صحيحة ولكن لم نجد لها صغرى
في المباحات كما هو واضح.
291

على أنا لو أخذنا بها وقلنا بأن اشتراط خلاف المباح لا ينفذ لم يبق
مورد للأخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشرط، فإن أي مورد نفرضه
لا بد وأن فيه حكم من الأحكام، إذ لا يوجد شئ إلا وفيه حكم الله نافذ
تشريعا وتكوينا.
وإذا فلا دلالة في شئ من هاتين الروايتين على عدم نفوذ الشرط في
المباحات، فلا بد من الرجوع إلى بقية الروايات الذي يستفاد منها، كقوله
(عليه السلام): كل شرط نافذ إلا ما خالف الكتاب (1) أو كان سوى كتاب الله (2)،
أو غير ذلك من المضامين المختلفة.
والذي يستفاد من ذلك مع ملاحظة ما دل على وجوب الوفاء بالشرط
أن أي فعل كان المكلف فيه مطلق العنان ولم يكن فيه إلزام من الفعل
والترك، وإنما تعلق الالزام به من ناحية الالتزام الشرطي لا بد من الوفاء به،
ولا يكون مخالفا للكتاب والسنة أصلا، لعدم تعلق شرط به من ناحية
الشارع حتى يجب الوفاء به، ويكون وجوب الوفاء بالشرط مناقضا له،
وإلا بأن يكون الالتزام الشرطي مسبوقا بالالتزام الآخر الشرعي بحيث
يجب أن يعمل على طبق ذلك الالتزام السابق لكونه ملزما وباعثا للعبد
نحو الفعل، لا بد من العمل به، ولا يكون شرط المخالف سابقا ومقدما

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن على كل حق
حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (الكافي
1: 69)، موثقة.
2 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسريت
فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من اشترط شرطا سوى كتاب الله
فلا يجوز ذلك له ولا عليه (التهذيب 7: 373، الإستبصار 3: 232، عنهما الوسائل 21: 297)،
ضعيفة لجهالة طريق الشيخ إلى الميثمي.
292

عليه كما هو واضح، فإن حفظ وجوب الوفاء بالشرط وعدم نفوذ الشرط
المخالف للكتاب هو ذلك.
ومع الغض عما ذكرناه فالروايتان متعارضتان مع رواية منصور (1)، فإنها
دلت على نفوذ الشرط المتعلق بترك التزويج بعد ذمه: بئس ما صنع،
وارشاده بذلك الذم وقوعه في المشقة والشدة، فتكون معارضة
للروايتين المتقدمتين ويتساقطان، ويرجع إلى عموم: المؤمنون عند
شروطهم.
وبالجملة أن هذه الرواية وإن ذكر فيها الذم إلا أنه لا يكشف من بطلان
الشرط، بل هو ارشاد إلى وقوع المشروط عليه في المشقة، وأنه يندم بعد
ذلك، وإلا فقد حكم الإمام (عليه السلام) بنفوذ الشرط في ذيل الرواية.
النسبة بين ما دل على إباحة المباحات وبين ما دل على نفوذ الشرط
ثم إنه قد يقال بأن النسبة بين ما دل على إباحة المباحات وبين ما دل
على نفوذ الشرط هي العموم من وجه، ففي مورد الاجتماع نحكم
بالتساقط.
وفيه أولا: أن الإباحة إنما تترتب على الأشياء بحسب طبيعتها، وأنها
لا تخالف الالزام على تلك الأشياء.

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
293

وثانيا: إن ما دل على نفوذ الشرط مذيل بما دل على عدم نفوذ الشرط
المخالف للكتاب والسنة، ومن الواضح أن المراد من المخالف ما يكون
مخالفا مع قطع النظر من الشرط، فإن المراد مخالفة نفس ما تعلق به
الشرط كما في بعض الروايات، لا نفس الشرط كما يتوهم من بعض
الروايات الأخرى، ولا يكون كل شرط مخالفا فلم يبق مورد لوجوب
الوفاء بالشرط.
ومن الواضح أن الإباحة غير مخالفة للكتاب مع قطع النظر عن الشرط
بخلاف الحرام مثلا، فإن فعله مخالف للكتاب والسنة كما لا يخفى.
ثم إنه قد يتوهم عدم جواز شرط فعل المباح والالتزام به لكونه مخالفا
للرواية الدالة على عدم جواز الحلف بترك العصير، وأنه التزام خلاف ما
التزم به الشارع وبينه (1).
وفيه: أن هذه الرواية في مورد الحلف وقد يعتبر فيه المرجوح، أو أن
لا يكون تركه مرجوحا، ولا شبهة أن الالتزام بترك المباح دائما مرجوح
فلا يتعلق به الحلف، بخلاف المقام فإنه لا بأس بتعلق الشرط بالمرجوح
كما هو واضح.
ب - اشتراط فعل الحرام
هذا كله فيما إذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر فعل المباح، وقد

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في رجل قال: امرأته طالق ومماليكه
أحرار إن شربت حراما أو حلالا من الطلا أبدا، فقال: أما الحرام فلا يقربه أبدا إن حلف أو
لم يحلف، وأما الطلا فليس له أن يحرم ما أحل الله عز وجل، قال الله عز وجل: يا أيها النبي
لم تحرم ما أحل الله لك، فلا تجوز يمين في تحريم حلال، ولا تحليل حرام، ولا قطيعة رحم
(الفقيه 3: 321، عنه الوسائل 22: 44)، صحيحة.
الآية في التحريم: 1، والطلا: ما طبخ من عصير العنب فذهب ثلثاه.
294

يكون الشرط على غيره في ضمن العقد فعل الحرام، بأن يشترط على
غيره شرب الخمر أو أكل الميتة وغير ذلك، وحينئذ لو كان هنا دليل
على نفوذ الشرط حتى في فعل المحرم يكون ذلك تخصيصا لأدلة
المحرمات، ونظيره أن العزل عن الزوجة الدائمة حرام ولكن مع اشتراط
ذلك في ضمن العقد نافذ للدليل الخاص (1).
ثم إنه قد يتوهم أن النسبة بين دليل المحرمات وبين أدلة وجوب الوفاء
بالشرط هي العموم من وجه، وفي مورد الاجتماع يحكم بالتساقط
ويرجع إلى الأصول العملية (2).
ولكن يرد عليه أولا: إن وجوب الوفاء بالشرط إنما في فرض يكون ما
تعلق به الشرط في نفسه خاليا عن الالزام، فإن الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله):
المؤمنون عند شروطهم، أن العمل بالشرط إنما هو من علامة الايمان
كما ورد: أن المؤمن في عدته، يعني من علامة الايمان أن المؤمن إذا وعد
يفي بوعدته، ومن الواضح أن هذا ما هو من علامة الايمان إنما هو الذي
لا يكون فيه مبغوضية.
فإنه إذا وعد أحد - العياذ بالله - بالزنا أو اللواط أو شرب الخمر، فهل
يتوهم أحد أن العمل بهذا الشرط من علائم الايمان وكذلك الشرط، فإن
وجوب الوفاء بالشرط إنما هو في مورد لا يكون الشئ مبغوض الايجاد
قبل تعلق الشرط به، وإلا فلا يكون مشمولا لدليل وجوب الوفاء بالشرط.

1 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن العزل، فقال: أما الأمة فلا بأس،
وأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها (التهذيب 7: 417، عنه الوسائل
20: 151).
روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) مثل ذلك، وقال في حديثه: إلا أن ترضي أو
يشترط ذلك عليها حين يتزوجها (التهذيب 7: 417، عنه الوسائل 20: 151).
2 - أو إلى بناء العقلاء وارتكازهم، فإنه على العمل بالشرط - منه (رحمه الله).
295

ثانيا: أنه قد ذكر في أدلة وجوب الوفاء بالشرط: إلا ما خالف كتاب الله
وسنة نبيه، أو بما سوى كتاب الله، أو لا يوافق كتاب الله، ومن الواضح
أن المراد من المخالف ما يكون كذلك مع قطع النظر عن تعلق الشرط به،
بأن يكون متعلق الشرط مخالفا لكتاب الله، فإن المراد من المخالفة
مخالفة متعلق الشرط لا نفسه، ولذا ذكر في بعض الأخبار ذلك، وما ذكر
في بعضها الآخر من مخالفة نفس الشرط إنما هو بنحو من العناية.
وعلى هذا فلا شبهة أن متعلق الشرط إذا كان فعل محرم يكون مخالفا
لكتاب الله كما هو واضح.
وقد تحصل من هذين الوجهين أنه لا بد من تقديم جانب الحرمة في
مادة الاجتماع كما هو واضح، فافهم.
بيان آخر لاشتراط فعل المباح أو تركه
والحاصل أن ما تعلق به الشرط إذا كان مباحا فلا شبهة في نفوذ الشرط
حينئذ، إذ لا وجه لصرف ما دل على وجوب الوفاء بالشرط إلى فعل
الواجب أو ترك الحرام، فإذا اشترط أحد المتعاقدين على الآخر فعل
مباح أو تركه يكون نافذا.
وأما ما توهم دلالته على عدم النفوذ كرواية العياشي وغيرها فإنه
فاسد، فإنه وإن كان رواية التهذيب موثقة ولكن لا يمكن المساعدة عليه
من حيث الدلالة، لأن المراد من المباح ما كان مباحا في كتاب الله، ومعه
فلا وجه للاستدلال عليه بأن شرط الله قبل شرطكم، إذ لا شرط في
المباح.
وتوهم أنه أريد من الأمور المذكورة في الرواية المباحة التي لا تتغير
عنه الرخصة كما ذكره المصنف يحتاج إلى دليل، كما أن توهم أن بعض
296

المباح لا بد وأن يلتزم بكونه مباحا إلى الأبد أيضا يحتاج إلى الدليل،
التوهم الثاني والثالث شئ واحد.
بيان آخر لاشتراط ترك الواجب أو فعل الحرام
وأما إذا كان الشرط متعلقا بفعل الحرام، فقد عرفت أنه لا يكون
مشمولا لعموم الأمر بالوفاء بالشرط، وذلك لأن جملة هذه الأخبار
الدالة على وجوب الوفاء بالشرط قد ذكر فيها إلا شرطا خالف الكتاب،
أو ما سوى كتاب الله، أو ما لا يوافق الكتاب.
ومن الواضح أن المراد من الشرط المخالف هو ما يتعلق به الشرط
ويكون مخالفا له مع قطع النظر عن تعلق الشرط، وذلك لأن مخالفة
الكتاب مأخوذة في موضوع الشرط المخالف فلا بد وأن يكون الموضوع
محققا قبل الحكم، بأن يكون متعلق الشرط مخالفا للكتاب قبل الشرط،
وأما اطلاق الشرط عليه أي على المتعلق مع أنا ذكرنا أن الشرط هو
الإناطة، فهو سهل لكثرة اطلاق الشرط على متعلقه ولو بالعناية
والمجاز، ولو لم يكن المراد هو ما ذكرناه لم يبق شرط إلا ويكون مخالفا
للكتاب غير اشتراط ترك الحرام وفعل الواجب.
وعلى هذا فلا شبهة أن اشتراط ترك الواجب أو فعل الحرام مخالف
للكتاب مع قطع النظر عن الاشتراط، وعليه فلا يشمل دليل الوفاء
بالشرط باشتراط فعل المحرم وترك الواجب أصلا.
نعم يمكن أن يرد التخصيص على ذلك، بأن يكون الشئ حراما ولكن
كان بالشرط جائزا، فيكون ذلك تخصيصا لما دل على عدم نفوذ الشرط
المخالف للكتاب مع قطع النظر عن الشرط، كما ورد نظير ذلك في الصوم
297

في السفر (1)، والاحرام قبل الميقات (2)، والعزل عن الزوجة الدائمة مع
اشتراطه في ضمن العقد (3) كما هو واضح.
ودعوى ضعف التخصيص هنا كما ذكره المصنف لا مجال له، فإنه
إنما يكون التخصيص ضعيفا إذا كان لحاظه مع ملاحظة متعلق الشرط مع
الشرط معا، بأن يكون شئ باقيا على حرمته حتى مع تعلق الشرط به،
فإنه حينئذ لا شبهة في ضعف دعوى التخصيص وليس كذلك كما
عرفت، بل التخصيص إنما هو في الشرط المخالف مع قطع النظر عن
الشرط ويكون مع الشرط جائزا.
وبعبارة أخرى أنه يمكن نفوذ الشرط المخالف للكتاب إذا كانت

1 - عن علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولي إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم
سبت، فإن أنا صمته ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس
عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علة
فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضي (التهذيب
4: 235، الإستبصار 2: 102، عنهما الوسائل 10: 195)، صحيحة.
2 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة
أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم
(التهذيب 5: 54، 8: 310، الإستبصار 2: 163، عنهم الوسائل 11: 327)، موثقة.
عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل جعل لله شكرا أن يحرم من الكوفة، قال:
فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال (التهذيب 5: 53، الإستبصار 2: 163، عنهم الوسائل
11: 326)، صحيحة.
3 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن العزل، فقال: أما الأمة فلا بأس،
وأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها (التهذيب 7: 417، عنه الوسائل
20: 151).
روي محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) مثل ذلك، وقال في حديثه: إلا أن ترضي أو
يشترط ذلك عليها حين يتزوجها (التهذيب 7: 417، عنه الوسائل 20: 151).
298

مخالفته مع قطع النظر عن الشرط لا مع الشرط أيضا، بأن يكون باقيا على
حرمته مع الشرط أيضا، ومع ذلك يكون نافذا وواجب الوفاء كما هو
واضح.
على أن الشرط إنما يجب الوفاء به إذا كان ذلك من علائم الايمان
كالوعد والحرام ليس كذلك كما تقدم، وهل يتوهم أحد كون فعل الزناء
مع الوعد أو الاشتراط من علائم الايمان.
ج - اشتراط أحد المتعاقدين على الآخر اعتبار أمر
وأما القسم الثالث، وهو أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر
اعتبار أمر، كان يبيع داره من هند ويشترط عليها أن تكون زوجة له، أو
يبيع فرسه من غيره ويشترط عليه كون المزرعة الفلانية ملكا للبايع
وهكذا، وهو على ثلاثة أقسام:
1 - لأن هذا الأمر الاعتباري الذي يشترط أحدهما على الآخر تحققه
قد يكون على نحو لا يحتاج إلى سبب خاص، ولا يكون من فعل شخص
آخر بل يكون فعلا اختياريا للشارط، بحيث يصح اعتباره منه بأي سبب
كان وبأي نحو أبرز.
وهذا لا شبهة في تحققه بالشرط وقبول المشروط عليه، وذلك
كاشتراط أن يكون المشتري وكيلا للبايع في فعل خاص، أو يشترط
عليه أن يكون وصيا له، أو تكون داره ملكا له بعد موته، فإن هذه الأمور
تتحقق بمجرد قبول المشتري، ويكون قبوله ابرازا للوكالة والوصية
والتمليك كما هو واضح، فإن الأمور المذكورة أمور اختيارية للشخص
وغير محتاجة إلى سبب خاص فتكون مبرزة مقبول المشتري أي من
عليه الشرط اشتراط الشارط كما هو واضح.
299

2 - وقد يكون اعتبار أمر غير اختياري للمشروط عليه، كأن يشترط
عليه كون زوجة زيد الذي هو غير المشروط عليه طالقا، أو كون ابنته
زوجة للشارط ونحو ذلك.
فإن ذلك وأمثاله من أفعال الأجنبي ومن اعتباراته النفسانية فلا معنى
لاشتراطه على المشروط عليه، على أنها محتاجة إلى سبب خاص
فلا توجد بأي سبب كما هو واضح.
3 - وقد يكون ذلك أمرا اختياريا للمشروط عليه، إلا أنه لا يوجد
لاحتياجه إلى سبب خاص ولا يوجد بكل سبب، كأن يشترط عليه كون
زوجته طالقا، أو كون بنته الصغيرة زوجة للشارط، فإن ذلك وإن كان
تحت اختيار الشارط إلا أنه لا يوجد إلا بسبب خاص، فإن الطلاق
لا يكون طلاقا إلا أن يقول: أنت طالق، ولا يكفي أن يقول: طلقتك
ونحوه، وكذلك النكاح.
نعم يمكن ورود التخصيص على كل من الشقين الأخيرين ويحكم
الشارع بتحقق الاعتبار المذكور بالاشتراط في ضمن العقد، كما يمكن
أن يرد التخصيص على الشق الأول أيضا بأن يحكم الشارع بعدم تحقق
الاعتبار بالاشتراط وإن كان أمرا اختياريا للمشروط عليه وكأن يوجد
بأي سبب، إلا أن الشارع حكم بعدم تحققه بقبول الشرط وابرازه بذلك،
فإن ذلك كله تحت يد الشارع.
د - اشتراط جعل وجود حكم من الأحكام الشرعية
وأما القسم الرابع، وهو ما اشترط على الآخر في ضمن العقد جعل
وجود حكم من الأحكام الشرعية، كأن يبيع داره ويشترط عليه حلية
الخمر أو شئ آخر من المحرمات أو إباحة واجب ونحو ذلك، وقد
ذكرنا سابقا أن هذا يرجع إلى اشتراط فعل الأجنبي.
300

وعليه فإن كان الشارط ملتفتا على كونه فعل الغير غير مقدور
للمشروط عليه وكان غرض الشارط تعليق أصل العقد على ذلك،
فلا شبهة في بطلان العقد، فإنه مضافا على بطلان التعليق في العقود أن
هذا باطل، لعدم امكان الالتزام بالغير المقدور فيكون العقد باطلا لعدم
حصول المعلق عليه وهو الالتزام، إذ لا يوجد الالتزام ولا يتحقق الأمر
الغير المقدور.
وإن لم يكن ملتفتا بذلك، أي بكونه غير مقدور وأظهر المشروط عليه
أيضا التزامه بالشرط، أو كان الشارط ملتفتا بكونه غير مقدور ولكن علق
الخيار على ذلك الشئ، فلا شبهة في صحة العقد، ولكن يكون للشارط
الخيار على تقدير التخلف.
حتى لو قال: بعتك واشترط لنفسي الخيار على تقدير عدم حلية
الخيار، كان صحيحا، فإن هذا ليس اشتراط الحرام ليكون مخالفا
للكتاب، بل اشتراط الخيار على تقدير التخلف، وهو صحيح، حتى مع
العلم بعدم الحصول وكونه حراما، فإن مرجع جعل الخيار إلى تحديد
الملكية وانشائها محدودة وانشاء الملكية المحدودة، أي الملكية على
تقدير بمكان من الأماكن، كما عرفت في معنى جعل الخيار، وهذا واضح
لا شبهة فيه.
لو شك في كون شرط مخالفا للكتاب والسنة
ثم إن المصنف (رحمه الله) بعد ما ذكر حكم مخالفة الشرط للكتاب والسنة
ذكر أنه مع الشك في كون شرط مخالفا للكتاب والسنة يرجع في
مشروعية الشرط إلى أصالة عدم مخالفته للكتاب.
301

وما ذكره هنا مخالف لما ذكره في أصوله (1)، وعقد عليه تنبيها خاصا
لعدم جريان هذا الأصل في تنبيهات الاستصحاب، وأطال شيخنا
الأستاذ الكلام في عدم جريان هذا الأصل، وذكرنا نحن أيضا في الأصول
أن هذا الأصل غير جار (2).
لأنه إن كان المراد من عدم مخالفة ذلك الشرط للكتاب والسنة هو
العدم النعتي، فليس له حالة سابقة إذ في أي زمان كان هذا الشرط
ولم يتصف بعدم كونه مخالفا للكتاب والسنة، وذلك لأن في العدم
النعتي لا بد وأن يوجد الموضوع بدون النعت ليكون مسبوقا للعدم
النعتي حتى يمكن استصحاب عدم هذا النعت عند الشك في اتصاف
ذلك الموضوع بهذا النعتي العدمي.
وإن كان المراد من العدم العدم المحمول، فهو وإن كان له حالة سابقة
ولو قبل الشرع والشريعة أو بعد الشريعة أيضا بمقدار من الزمان إلا أن
استصحاب ذلك لا يثبت الموضوع الشرعي، ولا يثبت أن هذا الشرط
غير مخالف للكتاب والسنة إلا على القول بالأصل المثبت، فإن كون هذا
الشرط غير مخالف للكتاب من اللوازم العقلية للعدم المحمولي، وكل
ذلك لا شبهة فيه ولا نحتاج إلى التطويل، ولكن قد ذكرنا في محله حجية
العدم الأزلي، ومعه لا نبتلي بهذه الاشكالات كما هو واضح، فراجع.
التحقيق في المقام
ولكن العدم الأزلي لا يجري في المقام، وذلك لعدم وصول النوبة
إليه، وبيانه:

1 - فرائد الأصول: 819.
2 - مصباح الأصول 3: 415.
302

أن الشك تارة يكون في الجعل، وأخرى في تغير الحكم بالشرط
ونحوه، والشق الأول وإن كان خارجا عن كلام المصنف ولكن نتكلم فيه
أيضا.
أما الشق الأول فتارة يكون الشك في الحكم التكليفي، وأخرى في
الحكم الوضعي، إما الأول كما إذا باع متاعا من زوجته مثلا أو تزوجها و
اشترط شرب التتن مثلا وشككنا في كونه مشروعا وعدمه، فإنه بناء على
ما ذكرناه من كون الشرط مخالفا للكتاب هو كون متعلق الشرط مخالفا له
مع قطع النظر عن الشرط.
فلا شبهة في أن هذا الشرط غير مخالف له، فإن مقتضى الأصول
العملية تثبت كون شرب التتن مباحا، فإنه من الشبهات البدوية وتجري
فيه البراءة، وكذلك الحال إذا أحرزنا حكم المشكوك بالأمارة أو
بالأصول الأخر غير البراءة، فإن هذا الموضوع الخاص مباح وغير
مخالف للكتاب والسنة.
وأما إذا شككنا في الحكم الوضعي، بأن اشترط شرطا في العقد
وشككنا في صحته وفساده أي نفوذه وعدمه، فإن مقتضى الأصل هو
الفساد، وهذا هو المعنى من قولهم: إن الأصل في العقود والايقاعات هو
الفساد، إلا أن يكون الاشتراط هنا من القسم الرابع، بأن اشترط في العقد
الخيار على تقدير وجود الحكم الفلاني، فقد عرفت أنه مع عدم التحقق
يثبت للشارط الخيار بأن يكون الشرط أي متعلقة مما يشك في كونه
صحيحا أو فاسدا.
نعم إذا كان الشك في أصل صحة جعل الخيار كان الحكم فيه أيضا
الفساد، لما عرفت أن الأصل في العقود الفساد وفي كل من هذين
الفرضين للقسم الأول لا تصل النوبة إلى الأصل أصلا حتى يستشكل فيه
أنه يجري في المقام أو لا يجري.
303

وأما إذا كان الشك في تغير الحكم بالشرط فأيضا لا تصل النوبة إلى
الأصل، لما عرفت أن المراد من مخالف الكتاب هو المخالف لولا
الشرط، وعليه فلا تتغير ذلك بالشرط إلا إذا كان هنا تخصيص وهو
يحتاج إلى الدليل، وفي كل مورد ورد دليل على نفوذ الشرط المتعلق
بالحرام كما في الأمور المتقدمة يحكم بنفوذه وإلا نحكم بالبطلان لأجل
تلك الأخبار المتواترة الدالة، على أن الشرط المخالف للكتاب والسنة
باطل كما هو واضح.
وقد تحصل أنه لا تصل النوبة في الموارد المشكوكة إلى الأصل أصلا
حتى يتكلم في جريانه وعدمه وإن نقحنا في الأصول أن الأعدام الأزلية
لا مانع عن جريانها.
بعض الفروع التي وقع الكلام في كون الشرط فيها مخالفا للكتاب والسنة
ثم إنه بقي الكلام في بعض الفروع التي وقع الكلام في كون الشرط فيها
مخالفا للكتاب والسنة أم لا، وقد أشار إلى عنوان هذا المطلب المصنف
بقوله: وإنما الاشكال في تميز مصداق أحدهما عن الآخر في كثير من
المقامات.
ألف - كون من أحد أبويه حر رقا
بأن يشترط صاحب الأمة على من يتزوجها من الحر أن يكون الولد
على تقدير حصوله رقا.
وقد وقع الكلام في كون هذا الشرط سائغا وعدمه، ومحصل كلام
المصنف هنا أنه إن كان عدم كون ولد الحر رقا الثابت بالأدلة المتواترة من
قبيل العلة بحيث لم يتخلف عنه الحكم، كان هذا الشرط مخالفا للكتاب
والسنة، فإن الولد الحاصل من الحر والأمة بمقتضى الأدلة الدالة على
304

تبعية الولد لأشرف أبويه يكون حرا لكونه ولد حر، فلا يكون اشتراط كونه
رقا في عقد الزواج نافذا لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، وإن
كان كون الولد للحر من مقتضيات كون الولد حرا لا علة تامة لذلك
فلا يكون الشرط مخالفا للكتاب والسنة، ولكن لم يرجح شيئا عن هذين
الاحتمالين.
أقول: قد عرفت أن المراد من كون الشرط مخالفا للكتاب هو مخالفته
مع قطع النظر عن الشرط، لأن ذلك أي المخالفة مأخوذة في موضوع
الشرط، فلا يمكن أن يلاحظ ذلك مع الشرط، وعليه فلا شبهة أن
اشتراط أن يكون الولد رقا في ضمن عقد التزويج مخالف للكتاب، لأن
الأدلة مطبقة على كون ولد الحر حرا.
ومما يدل على كون هذا الشرط مخالفا للكتاب أنه لم يتوهم أحد جواز
اشتراط هذا الشرط في ضمن العقد البيع أو عقد آخر، بل كل من ذكر هذا
إنما ذكره فيما إذا اشترط ذلك في ضمن عقد تزويج الأمة كما هو واضح.
وأما الخلاف في أن هذا الشرط نافذ أو غير نافذ فليس من جهة
العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالشرط، ليقال إنه أي فرق في
التمسك بها بين أن يكون الشرط المذكور في ضمن عقد الزواج أو في
غيره، بل الخلاف المذكور من جهة الروايات التي دلت جملة منها على
نفوذ ذلك الشرط (1) وجملة أخرى على عدم نفوذها (2).

1 - عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر، عن أبي سعيد، عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: لو أن رجلا دبر جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته وولدها مدبرين، كما
لو أن رجلا أتي قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك (التهذيب 7: 336،
الإستبصار 3: 203، عنهما الوسائل 21: 123).
2 - عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا تزوج العبد الحرة فولده
أحرار، وإذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار (الكافي 5: 492، التهذيب 7: 336، الإستبصار
3: 203، عنهم الوسائل 21: 122)، موثقة.
عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحر يتزوج الأمة أو عبد يتزوج حرة،
قال: فقال لي: ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا أنه يلحق بالحر منهما أيهما كان، أبا كان
أو أما (الكافي 5: 492، عنه الوسائل 21: 123)، صحيحة.
305

فمن عمل بالطائفة الأولى حكم على تخصيص ما دل على عدم كون ولد
الحر حرا بل يكون حرا بالشرط في ضمن عقد زواج الأمة للحر، ومن عمل
بالطائفة الثانية فمنع عن نفوذ ذلك الشرط فلم يقل بالتخصيص، وحيث إنه ليس هذا مورد العمل والأثر الفعلي لم نتعرض لتلك الروايات (1).
ب - إرث المتمتع بها
إرث المتمتع بها، هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد
آخر أم لا؟

1 - الرواية ضعيفة، لأن المكني بأبي جعفر مشترك بين كثيرين والمعروف منهم هو أحمد بن محمد بن عيسى وهو ثقة، إلا أنه لم يعهد ولا في رواية واحدة رواية إبراهيم بن هاشم عنه،
على أن لإبراهيم بن هاشم رواية عن أبي جعفر عن أبي بصير مباشرة، مع أن من غير المحتمل
رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي بصير بلا واسطة، ومن هنا فليس أبو جعفر في المقام هو
أحمد بن محمد بن عيسى وحيث لا يدري من هو فلا يمكن الاعتماد عليها.
ومن جهة أخرى فإن أبا سعيد مجهول ولم يرد فيه توثيق، ومن هنا فلا مجال للاعتماد
عليها من حيث السند، أما من جهة الدلالة فهي أجنبية عن محل الكلام، لأنها كالصريحة - إن لم تكن صريحة بالفعل - في أن تبعية الولد للأم إنما هي من جهة مملوكية الأم، بحيث تكون رقية
الولد ناشئة من نفس رقبة الأم مع قطع النظر عن سائر الجهات على الاطلاق، فلا تكون دليلا
على اقتضاء الاشتراط لرقيته - على ما هو محل الكلام.
فلو تم سند هذه الرواية لكانت من النصوص الدالة على مدعى ابن جنيد من الحكم برقية
الولد إذا كانت أمه مملوكة وإن كان أبوه حرا، ولا ترتبط بما نحن فيه بشئ، راجع مستند
العروة الوثقى، كتاب النكاح 2: 94.
306

أقول: الظاهر أنه لا خلاف في أن اشتراط إرث الزوجة المتمتع بها
بحيث تكون كسائر الزوجات صحيح، وذكر بما حاصله:
الظاهر أنه اتفق الفقهاء (رحمهم الله) على عدم مشروعية اشتراط الشرط
المذكور في ضمن عقد آخر، وأيضا اتفقوا على عدم مشروعية اشتراط
إرث أجنبي آخر في ضمن أي عقد كان، سواء كان هذا العقد المتعة أم
غيره.
وعلى هذا يقع الاشكال في أفراد غير الوارث وفي أفراد العقود، فإن
كان ثبوت الحكم لموضوعه على وجه العلة التامة بحيث لا يتخلف، بأن
يكون غير الوارث وارثا فلماذا تخلف في عقد المتعة، وقد فرضنا أن
ثبوت التوارث للأشخاص الخاصة على نحو العلة التامة، وإن فرضنا أن
ذلك على نحو الاقتضاء فلماذا يجري في غير عقد المتعة، ولماذا
لا يجوز اشتراط إرث غير الوارث من غير الزوجة المتمتع بها في ضمن
عقد المتعة.
أقول: قد عرفت حكم ذلك من الفرع السابق، وتوضيح ذلك:
إن العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالشرط بالنسبة إلى اشتراط
إرث أي أجنبي من الأجانب، وفي أي عقد من العقود سيان، فإن كان
ثبوت الإرث الذي هو حكم من الأحكام الوضعية على موضوعه على
نحو ثبوت المعلول لعلته فلا يصح في جميع العقود، ولا في شخص من
غير الوارث، وإن كان ذلك بعنوان المقتضي صح الاشتراط مطلقا، وقد
عرفت في القسم الثالث من الشرط أن اعتبار أمر اعتباري لشخص لا يكون
تحت اختيار الشخص دائما وبأي سبب كان، ففي المقام اعتبار مالية
التركة لغير الوارث ليس في اختيار المورث.
ولكن قد ورد في جملة من الروايات المعتبرة جواز إرث الزوجة
307

المتمتع بها في عقد المتعة (1)، وعمل بها المشهور، فيكون ذلك تخصيصا
لما دل على ثبوت التوارث في الموارد الخاصة، ونكشف من ذلك أن هذا
الشرط المتعلق بما هو مخالف للكتاب مع قطع النظر عن الشرط ليس
مخالفا له مع لحاظ الشرط كما هو واضح.
ومن هنا يعلم أنه لا وجه للاشكال المذكور، فإن جواز الشرط
المذكور في هذا المورد ليس من ناحية أدلة الوفاء بالشرط حتى يشكل
بعدم الفارق بين أفراد العقود وبين أفراد الأجانب، بل بين أن يشترط كون
الزوج والزوجة مثل سائر الزوجات أو مثل بقية الوارث من الابن والبنت
والأب والأم وغيرهم كما لا يخفى.
نعم في المقام روايتان أشار إليها السيد (رحمه الله) في المقام: إحداهما:
مرسلة الكافي (2)، الدالة على عدم جريان الإرث في المتعة اشترط أو
لم يشترط، والثانية: رواية البرقي (3)، وهي أيضا بهذا المضمون وقد
عمل بمضمونهما السيد في حاشيته (4)، وإن التزم في العروة على ما ببالي
بعدم نفوذ هذا الشرط.

1 - عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: تزويج المتعة نكاح
بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترطت كان وإن لم تشترط لم يكن (الكافي 5: 465، التهذيب
7: 264، الإستبصار 3: 149، قرب الإسناد: 159، عنهم الوسائل 21: 66)، صحيحة.
2 - قال الكليني: روي أنه ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط (الكافي 5: 465، عنه
الوسائل 21: 67)، ضعيفة.
3 - عن البرقي عن الحسن بن الجهم عن الحسن بن موسى عن سعيد بن يسار عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال: ليس
بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط (التهذيب 7: 264، الإستبصار 3: 149، عنهما الوسائل
21: 67).
4 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 110.
308

ولكن الظاهر أن ما ذهب إليه المشهور من نفوذ هذا الشرط فهو المتعين
ولا تقاوم هاتين الروايتين بذلك.
أما الرواية الأولى، فنحتمل أنها هي رواية البرقي بعينها، فإن صاحب
الكافي لم يسم بالراوي بل نقل بعنوان روي، فلعلها ما نقله البرقي،
وعلى تقدير كونها رواية مستقلة وهي ضعيفة السند للارسال، ولذا
لم يستند إليها الكليني أيضا ونقله بعنوان روي.
وأما الرواية الثانية، فالظاهر أنها أيضا ضعيفة السند، لأن في سندها
حسن وهو لم يوثق، ويحتمل أنه حسين، ولذا عنون الشيخ في أول
كلامه بعنوان حسن (1)، وسماه في آخر كلامه بحسين (2)، على ما في رجال
المامقاني، ويحتمل أن يكون إماميا، وأما التوثيق فلا (3) على خلاف
حكم الله، ومن ذلك اشتراط الإرث للزوجة المنقطعة في عقد المتعة،
ومن هنا ورد في عدة من الروايات أن المنقطعة لا ترث وزواج المتعة
ليس زواج إرث (4).
نعم ورد في جملة أخرى من الروايات أن المتعة قد تكون زواج إرث،
كما إذا اشترط فيها التوارث، وقد لا تكون زواج إرث إن لم يشترط فيها
الإرث، فيعلم من هذه الأخبار جواز الاشتراط الإرث للمنقطعة في
العقد، فتكون هذه الأخبار مخصصة لما دل على عدم الإرث في المتعة،
كما أن الأخبار الدالة على عدم الإرث في المتعة مخصصة للآية الشريفة
الدالة على إرث الزوجة، لكونها مطلقة تشمل الدائمة والمنقطعة.

1 - رجال الشيخ: 354، الرقم: 5248: الحسن بن الجهم الرازي.
2 - رجال الشيخ: 355، الرقم: 5268: الحسين بن الجهم الرازي.
3 - ذكره في معجم الرجال 4: 296، وصرح بجهالته.
4 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة: ليست من الأربع لأنها لا تطلق
ولا ترث وإنما هي مستأجرة (الكافي 5: 451، عنه الوسائل 21: 18 و 77)، صحيحة.
309

ولكن هنا روايتان تدلان على عدم إرث الزوجة المنقطعة اشترط أم
لم يشترط، إحداهما مرسلة الكافي، والثانية رواية البرقي، وذكرنا أن
المحتمل القوي أن يكون المراد من المرسلة هي رواية البرقي.
وعلى كل تقدير سواء اتحدا أم تعددا، فرواية الكافي مرسلة ورواية
البرقي ضعيفة لما تقدم، فلا تكونان متعارضين لما دل على ثبوت
التوارث في زواج المنقطعة بالاشتراط.
وعلى تقدير صحة السند ذكرنا سابقا أنه لا بد من ترجيح ما دل على
ثبوت الإرث بالاشتراط لكونه موافقا لعموم القرآن الدال على ثبوت
الإرث في الزواج مطلقا، لاطلاق المزوجة على الدائمة والمنقطعة كما
هو كثير في كثير من أبواب الفقه.
ولكن نقول إنه لا بد من تقديم ما دل على عدم التوارث، لعدم وصول
النوبة إلى الترجيح حتى نأخذ الموافق للكتاب، بل هنا عموم فوق وهو
الأخبار الدالة على عدم التوارث، وعليه فيحكم بالتساقط أي تساقط ما
دل على ثبوت الإرث بالاشتراط وعدمه سواء اشترط أم لا، فيرجع إلى
تلك الأخبار الدالة على عدم الإرث في المنقطعة مطلقا.
ج - جواز اشتراط الضمان في العارية
أقول: المشهور أن اشتراط الضمان في العارية صحيح ولكن اشتراطه
في عقد الإجارة غير صحيح، وقد أشكل ذلك بأنه إن كانت الأمانة موجبة
لعدم ضمان الأمين وعلة تامة لذلك فلا بد وأن لا يتخلف في الإجارة
والعارية كلتيهما، وإن لم تكن علة لذلك بل مقتضية له فلماذا تخلف
ذلك في العارية دون الإجارة، مع أن كل من المعير والمستأجر أمينان في
وضع اليد على العين المعيرة والمستأجرة.
310

أقول: إن المراد من الضمان هنا ليس ما هو المراد في باب الضمان، أي
الضمان على دين أحد ونحوه، فإنه بمعنى نقل الدين على ذمة الضامن،
أو ضم الذمة إلى الذمة كما عليه العامة، بل المراد من الضمان هنا هو
أن يشغل الضامن ذمته بالعين على تقدير تلفها، فيكون المراد منه الضمان
بالعين على تقدير التلف.
وسبب هذا الضمان أي ضمان العين أمران: أما اتلاف العين التي هي
ملك للغير، فيكون المتلف ضامنا لها بمقتضى: من أتلف مال الغير وهو
له ضامن، وأما بدليل: على اليد ما أخذت حتى تؤدي، ولو بضميمة بناء
العقلاء عليه، وليس هنا سبب ثالث لهذا الضمان، وعليه فاشتراط ضمان
العين في ضمن عقد من العقود مخالف لما هو ضروري في الشرعية،
أعني عدم كون غير الاتلاف سببا للضمان فيكون شرطا مخالفا لما كتبه
الله على عباده وبينه بلسان سفرائه، إلا أن يكون هنا مخصص في مورد
بحيث ورد دليل خاص على أن الاشتراط في ضمن العقد الفلاني يكون
موجبا للضمان أيضا.
لا يقال: إن دليل وجوب الوفاء بالشرط يدل على أن الشرط أيضا من
أسباب الضمان.
وفيه أنه ليس بمشرع حتى يدل على ذلك، فإنه إنما يشمل الموارد
التي كان للشخص جعل ذلك في طبعه على نفسه، أي يكون سائغا في
نفسه، ويكون دليل الوفاء بالشرط دالا على الالزام، ولم يثبت في
الشريعة أن يضمن أحد ما أتلفه شخص آخر.
وعدم ثبوت المانع عنه لا يكفي بل لا بد وأن يثبت له حق على ذلك،
كما جاز له أن يعطي قيمة العين مع التلف قبل الشرط فيجوز شرطه أيضا،
فافهم.
311

وعلى هذا فيرتفع الاشكال في المقام، حيث إنه وردت روايات
معتبرة على جواز اشتراط الضمان (1)، أي ضمان العين مع التلف على
المعير في عقد العارية، فتكون هذه الروايات مخصصة لما هو ثابت في
الشريعة من عدم كون غير الاتلاف واليد من موجبات ضمان العين (2)،
ولكن لم يرد ذلك في غير العارية فيبقى تحت القاعدة الأولية، أعني عدم
وجود سبب لضمان العين غير اليد والاتلاف وأن الاشتراط ليس من
أسبابه، وقد عرفت في القسم الثالث من الشرط أن اشتراط ما ليس سبب
لحكم وضعي أو تكليفي لا يكون نافذا ويكون الالتزام به لغوا.
ثم إن هذه فيما اشترط المؤجر على الأجير الضمان أي ثبوت ضمان
العين على ذمة المستأجر بحيث يكون من جهة ديونه، ويكون ثابتا في
التركة على تقدير عدم الاعطاء.
وأما لو اشترط عليه اعطاء قيمة التالف فهو لا يكون مخالفا للكتاب
والسنة، ولا يكون الاشتراط سببا مستقلا للضمان بل يكون ذلك من
شرط الفعل، وقد تقدم أنه نافذ بل قد تقدم في القسم الثالث من الشرط أن
اشتراط اعتبار أمر اعتباري في ضمن العقد لا بأس به إذا كان في تحت
اختياره، فهو من شرط الفعل فيكون نافذا، ومع التخلف ثبت الخيار
للمشروط له، فيكون الاشتراط موجبا لثبوت حكم تكليفي عليه، وعلى

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: إذا هلكت العارية عند المستعير
لم يضمنه إلا أن تكون اشترط عليه (الكافي 5: 238، التهذيب 7: 183، الإستبصار 3: 126،
عنهم الوسائل 19: 91)، صحيحة.
2 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان، وقال:
ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن (التهذيب 7: 183،
الإستبصار 3: 124، عنهما الوسائل 19: 93)، صحيحة.
312

تقدير العصيان لا يثبت في ماله بحيث يكون من جملة ديونه كما كان
الأول كذلك، فإن الثابت بمقتضى شرط الفعل هنا يكون هو الحكم
التكليفي فقط، وأما ثبوت الخيار فلا مجال له بعد فرض العين
المستأجرة تالفا.
ويمكن أن يرجع إلى ذلك المعاملات الرائجة بين التجار حيث
يدخلون أموالهم في البيمة، بأن يكون ضمانها مع التلف على الدولة، فإن
ذلك من جهة اشتراط كون قيمة المال على الضامن مع التلف في ضمن
عقد لازم، أو يعطي مقدارا من المال للضمان بهبة، ويشترط ذلك في
ضمنه كما هو واضح، فبذلك تكون معاملة مشروعة ولا يكون ذلك أكلا
للمال بالباطل.
د - اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلى بلد آخر
أقول: قد اختلفوا في صحة هذا الشرط وعدمه، وذهب المشهور
ظاهرا إلى نفوذه لعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط، وذهب بعضهم إلى
عدم النفوذ، لأن هذا الشرط مخالف للكتاب، فإن المكتوب لله هو
وجوب إطاعة الزوجة للزوج فالشرط المذكور مخالف له.
ولكن قد عرفت أن معنى كون الشرط مخالفا للكتاب هو المخالف مع
قطع النظر عن الشرط، ولا شبهة أن اخراج المرأة من بلدها إلى بلد آخر
في نفسه من المباحات وليس فيه مخالفة للكتاب، فلا بأس باشتراط عدم
خروجها في ضمن عقد النكاح أو البيع أو غير ذلك من العقود، فيكون
هذا الشرط نافذا وصحيحا كما هو واضح، وهذا لا شبهة فيه.
ثم إنه إذا خالف الزوج هذا الشرط وطلب من الزوجة الخروج من
بلدها فهل يجب للزوجة إطاعته أو يجوز لها أن يخالفه في ذلك؟
313

ربما يقال بالأول لوجوب إطاعة الزوجة لزوجها، والشرط المذكور
لا يوجب جواز مخالفتها الزوج لكونه مخالفا للكتاب والسنة الدالة على
وجوب إطاعة الزوجة للزوج في أي شئ يريد منها في غير معصية
الخالق.
ولكن هذا الاشكال واضح الدفع، بداهة أنه يجب للزوجة إطاعة
زوجها فيما له حق لا فيما ليس له حق، ومن الواضح أنه بعد اشتراط أن
لا يخرجها الزوج من بلدها إلى بلد آخر إلا برضايتها في ضمن عقد لازم
من العقود ليس له حق في هذه الجهة على الزوجة حتى يجب عليها أن
تطيعه في هذه الجهة أيضا، وهذا واضح لا شبهة فيه.
وتحصل أن هذا الشرط أيضا نافذ وغير مخالف للكتاب والسنة.
5 - أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد
قوله (رحمه الله): أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد.
أقول: ذكر المصنف في ذيل هذا الشرط فروعا:
1 - ما ذكره بعضهم من أنه إذا باع شيئا واشترط عدم البيع، ولكن ذكر
العلامة (1) أنه صحيح وقواه بعض من تأخر عنه.
2 - ما ذكره في سؤال في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه، إذا قال
الربح لنا ولا خسران عليك، لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية
ولكن النص مختص بالجارية (2).

1 - التذكرة 1: 490.
2 - عن رفاعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل شارك في جارية له وقال: إن ربحنا
فيها فلك نصف الربح، وإن كان وضيعة فليس عليك شئ؟ فقال: لا أري بهذا بأسا إذا طابت
نفس صاحب الجارية (الكافي 5: 312، التهذيب 7: 71، عنهما الوسائل 18: 266)، صحيحة.
314

3 - اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها إلى بلد آخر، وقد جوزه
جماعة للنص (1) وعدم المانع ومنعه آخرون.
4 - مسألة توارث الزوجين في عقد المنقطعة.
أقول: الظاهر بل الواقع أنه لم ينقح حقيقة الشرط المخالف للكتاب
والسنة وحقيقة الشرط المخالف بمقتضى العقد في كلمات الفقهاء،
ولذا ترونهم يذكرون جملة من الفروع مثالا للشرط الذي يكون مخالفا
لمقتضى الكتاب، وأيضا يذكرونها بعينها مثالا لما يكون مخالفا
لمقتضى العقد.
تنقيح البحث وبيان كيفية اعتبار الشروط في العقد
ولا بد لنا من تنقيح ذلك حتى يتضح لنا واقعهما وحقيقتهما، ويعلم
أن ما يكون مثالا لأحدهما هل يمكن أن يكون مثالا للآخر أيضا أو
لا يمكن، فنقول:
إن الشروط في العقود على نحوين، لأنها قد تكون معتبرة في العقود
بحسب الارتكاز وبناء العقلاء، وتسمى ذلك بالشروط في ضمن العقد
بحيث لا يحتاج إلى الذكر، وقد تكون معتبرة فيها بالاشتراط وبدونه
لا يكون جاريا فيها بل يكون العقد مطلقا بالنسبة إليه.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج
امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده فإن لم تخرج معه فإن مهرها خمسون دينارا
إن أبت معه إلى بلاده؟ قال: فقال: إن أراد أن تخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في
ذلك ولها مائة دينار التي أصدقها إياها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الاسلام
فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي
إليها صداقها أو ترضي منه من ذلك بما رضيت وهو جائز له (الكافي 5: 404، قرب الإسناد
: 124، التهذيب 7: 373، عنهم الوسائل 21: 299)، صحيحة.
315

ألف - الاعتبار بحسب الارتكاز وبناء العقلاء
أما القسم الأول فهو كثير، منها ما تقدم من كون المثمن بالقيمة
المساوية للقيمة السوقية، وإلا كان للمغبون من البايع أو المشتري خيار
الغبن وإن لم يشترط ذلك، فإن بناء العقلاء بحسب ارتكازهم على ذلك
فيكون هذا الشرط معتبرا في المعاملة، سواء صرح به أم لا، ومن هنا قلنا
سابقا أن خيار الغبن إنما هو ثابت بالشرط الضمني وبتخلفه يثبت الخيار
للمشروط عليه كما هو واضح.
ومنها: عدم كون كل من الثمن أو المثمن معيبا، فإن الشرط الضمني
على ذلك والارتكازي العقلائي يقتضي كونهما خاليين عن العيب وإلا
ثبت الخيار لمن كان ماله معيوبا، ومن هنا قلنا إن خيار العيب على القاعدة
ولم يحتاج إلى ورود رواية فيه، وإن كان ثبوت مطالبة الأرش فيه على
خلاف القاعدة.
ومنها: انصراف الثمن إلى نقد البلد، وهكذا انصراف تسليم المبيع إلى
بلد البيع وإن لم يصرحا بذلك، وقد ذكرنا سابقا أن الميزان في الشروط
الضمنية ما يكون معتبرا في العقد بدون التصريح والانصراف المذكور
كذلك، وعلى هذا فلو قال البايع أو المشتري: إني أريد أن أسلم الثمن أو
المبيع في بلد آخر كان للآخر خيار الفسخ، مع أنه لم يشترط الخيار في
ضمن العقد، وهكذا كل شرط ضمني.
فإن الميزان هو ما ذكرناه، فيكون المنشأ في الحقيقة هو الحصة
الخاصة من الملكية ونحوها على مقتضيات العقود المعاملية، لما ذكرنا
سابقا في معنى جعل الخيار، وقلنا إن معناه هو تحديد المنشأ وانشاء
حصة خاصة من الملكية مثلا، بل في الحقيقة أن هذا القسم من الشرط
316

ليس بشرط أصلا وإنما المنشأ هو المنشأ المضيق من الأول، فكان
المنشئ للعقد مع وجود الشروط الضمنية قد أنشأ حصة خاصة وطبيعة
مضيقة كما هو واضح.
ومن هنا لا نحتاج في اعتبار هذه الشروط الضمنية في أي عقد كان إلى
شمول دليل وجوب الوفاء بالشروط عليها، وإنما يكفي في صحتها
ونفوذها نفس عموم أدلة المعاملات من أوفوا بالعقود (1)، والصلح جائز
بين المسلمين، وغير ذلك من الأدلة حسب كل معاملة دليلا خاصة
ومخصوصا بمعاملة خاصة، كالصلح جائز بين المسلمين (2)، أو عاما
كقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (3).
والسر في ذلك هو أن المعاملة المنشأ هو معاملة مضيقة والعقد
المتحقق عقد خاص، والدليل الدال على وجوب الوفاء بالعقد إنما يدل
على الوفاء بهذا العقد المضيق، فيكون نفس ما يوجب التضيق الذي

1 - المائدة: 1.
2 - عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصلح جائز بين المسلمين
(الكافي 5: 259، التهذيب 6: 208، عنهما الوسائل 18: 443)، صحيحة.
محمد بن علي بن الحسين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (الفقيه 3: 20،
عنه الوسائل 18: 443)، ضعيفة.
3 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
317

نسميه شرطا ضمنيا ويترتب على مخالفته الخيار مشمولا لعموم الوفاء
بالعقد، فإن العقد الذي وجد في الخارج وشمله هذا العموم وغيره هو
هذا المضيق لا غير، فافهم.
نعم إنما يجري ذلك في العقود القابلة للتضيق من حيث الزمان، بحيث
يكون المنشأ فيها محدودا، ككون الملكية في البيع الخياري ملكية
محدودة، وأما العقود التي لا يكون قابلا للتضيق فلا يجري فيها ما
ذكرناه، أعني تضيق المنشأ وانشاء الطبيعة المحدودة والمضيقة ولو
بمؤونة الشروط الضمنية المأخوذة فيها بحسب ارتكاز العقلاء.
وذلك كعقد النكاح، فإن الشارع قد جعله دائميا أو مقيدا بأجل
خاص، فلا بد وأن ينشأ إما دواما بحيث لا يزول بالفسخ أصلا إلا في
موارد خاصة الثابتة بالنص الخاص ولا يرتفع إلا بالطلاق، أو مؤجلا
بأجل معلوم، وأما انشاؤه محدودا بأجل غير معين كالملكية المحدودة
بالخيار فلا، بحيث يكون كل من الزوج أو الزوجة مخيرا في فسخ عقد
النكاح في أي وقت أراد.
فإن عقد النكاح لم يثبت في الشريعة مقيدا بأجل غير معين، فحيث
جرى فيه ما ذكرناه من اعتبار الشروط الضمنية الموجبة لتضيق دائرة
المنشأ، وأن المنشأ فيها ليس إلا حصة خاصة، فلازم ذلك أن يكون
الخيار محدودا بزمان غير معين أعني فسخ من له الخيار في أي وقت
أراد، وقد عرفت أنه غير مشروع، وبذلك حكمنا بعدم جريان الخيار في
النكاح في حاشية العروة (1) من غير احتياج إلى التمسك بالاجماع كما
زعمه بعض الأعلام، فافهم.

1 - راجع مستند العروة الوثقى، كتاب النكاح 2: 211.
318

ب - الاعتبار بحسب الاشتراط
وأما القسم الثاني من الشرط، وهو ما يكون معتبرا في العقد
بالاشتراط الصريح، وهذا قد يكون شرطا موافقا للقواعد الشرعية
كجميع الشروط السائغة، كاشتراط الكتابة والخياطة وغيرهما من شرط
الفعل والنتيجة، فإن ذلك صحيح ونافذ ويجب الوفاء بها بمقتضى دليل
الوفاء بالشرط، ويكون مع التخلف موجبا للخيار، سواء كان الشرط في
أصل تعليق العقد بالالتزام بشئ أو في تعليق الالتزام بالعقد بشئ، وقد
تقدم تفصيله.
وقد يكون الشرط مخالفا لمقتضى العقد، وقد يكون مخالفا للكتاب
والسنة، والفارق بينهما أن كل عقد له مقتضي، فإذا كان الشرط ينافي
ذلك المقتضي كان هذا الشروط منافيا لمقتضى العقد، كما إذا باع داره من
شخص واشترط عليه أن يملكها، وآجر دابته من غيره واشترط عليه أن
لا تكون منفعتها له، وهكذا فإن هذا الشرط مناقض لمقتضى العقد، فإن
معناه أبيع ولا أبيع.
ثم إنه هل يكون من قبيل الشرط المخالف لمقتضى العقد ما إذا اشترط
في ضمن البيع أن يكون المبيع بلا ثمن أوليس من ذلك، وقد توهم كونه
مخالفا لمقتضى العقد، إذ البيع بلا ثمن لا يعقل، فمرجع هذا الاشتراط
إلى عدم البيع، وهذا لا يلائم البيع، ولكنه واضح الدفع، فإن هذا
الاشتراط قرينة على عدم إرادة البيع من ذلك بل أريد منه الهبة.
نعم لو أريد من هذه الجملة معناها أعني البيع حقيقة كان الشرط
مخالفا لمقتضى العقد ولكن ليس الأمر كذلك.
نعم هذا الشرط مناف لمقتضى لفظ البيع، وهذا لا محذور فيه مع
319

القرينة، فإن المجازات كلها كذلك، إذ القرينة فيها منافية لمقتضى اللفظ
كما هو واضح.
وبالجملة هذا المثال خارج عن كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد،
بل القرينة وهو الاشتراط دلت على أن المراد من البيع ليس معناه
الحقيقي، وإنما المراد منه الهبة.
نعم يتوقف صحة ذلك على ما تقدم في ألفاظ العقود، من أن اللفظ
المجاز هل يجوز أن يقع به الانشاء أم لا، فإن قلنا بالصحة كما ذهب إليه
بعضهم بل ذهبوا إلى صحته بالغلط أيضا كان انشاء الهبة بلفظ البيع مع
القرينة المذكورة صحيحا وإلا فلا.
وقد يكون الشرط المذكور مخالفا للكتاب والسنة، والمراد من ذلك
أن يكون هنا حكم شرعي قد جعله الشارع، فيكون الاشتراط مخالفا له
بحيث لو لم يكن هنا ذلك الحكم لا يكون الشرط مخالفا لشئ أصلا بل
كان واجب الوفاء، وذلك كبيع شئ واشتراط أن لا يبيعه من شخص، فإن
هذا مع قطع النظر عن حكم الشارع بجواز بيعه لغيره لا ينافي شئ أصلا،
وإنما التنافي من جهة جعل الشارع ذلك الحكم على خلاف الشرط.
أفرض أنه لو كان هنا حكم وجوب يتعلق ببيع ما يشتريه المشتري من
غيره، ومع ذلك يشترط البايع على المشتري أن لا يبيعه من غيره، كان
هذا الشرط منافيا لحكم الشارع، وهكذا في جميع موارد مخالفة الشرط
للكتاب.
فالميزان فيه أن الشرط مع قطع النظر عن حكم الشارع لا ينافي بشئ،
وإنما يطرء على العقد عنوان التنافي إذا جعل الشارع هنا حكما ويكون
الشرط على خلافه من دون أن يكون منافيا لمقتضى العقد أصلا، فالشرط
المنافي لمقتضى العقد منافية ومناقضة دائما، سواء كان هنا حكم
شرعي أم لم يكن بخلاف الشرط المخالف للكتاب.
320

فتحصل أن الشرط المخالف لمقتضى العقد لا يجتمع مع ما يكون
مخالفا لمقتضى الكتاب أصلا، فالاشتباه من جهة عدم التنقيح كما هو
واضح.
بيان آخر في تنقيح البحث وأقسام الشروط
وملخص الكلام في المقام أنه ذكروا من جملة الشروط لصحة الشرط
أن لا يكون مخالفا للكتاب، ومن جملتها أن لا يكون مخالفا لمقتضى
العقد ومثلوا لكل منهما أمثلة ولم يميز ما بينهما، بل ربما ذكروا فرعا
واحدا مثالا للشرط الأول، وأيضا ذكروا مثالا للشرط الآخر أيضا، حتى أن المحقق الثاني مع مهارته في الفقه - بحيث ذكر المصنف في حقه تارة
وبمثل هذا سمي محققا ثانيا، وأخرى ذكر أنه بهذا قد ثني المحقق -
تكلم في الشرطين ولم يأت بشئ، ثم ذكر أنه لا بد من الرجوع في ذلك
إلى الفقيه وأنه يتبع رأيه في ذلك.
مع أنه لا شأن لرأي الفقيه في كون شرط مخالفا للكتاب أو لمقتضى
العقد، وأن أي من الشروط مخالف للكتاب أو أي منهما يخالف مقتضى
العقد، وإنما يرجع إلى الفقيه في ما يرجع إلى الأحكام من حيث
الاستفادة من الأدلة.
والذي يقتضيه التحقيق في تمييز كل من الشرطين عن الآخر ما أشرنا
إليه آنفا، وحاصله أن ما يقتضيه العقد سواء كان الاقتضاء بلا واسطة أو
مع الواسطة:
الأول: أن يقتضيه بلا واسطة شئ في البين أصلا، كاقتضاء البيع ملكية
العين، واقتضاء الإجارة ملكية المنفعة، واقتضاء النكاح الزوجية
وهكذا، فالعقد بما هو عقد يقتضي الأمور المذكورة من غير أن يحتاج
ذلك إلى امضاء الشرع واعتباره أو امضاء العقلاء واعتبارهم.
321

وبعبارة أخرى أن لكل عقد له مقتضى في نفسه مع قطع النظر عن
امضاء الشارع والعقلاء واعتبارهم، حتى لو فرضنا لم يكن في العالم
شرع وشريعة ولا العقلاء وتحقق عقد بين شخصين كان لهما مقتضى -
بالفتح.
الثاني: إن العقد لا يكون مقتضيا لشئ ولكن يكون موضوعا لحكم من
الأحكام الشرعية، كجواز النظر إلى المرأة، وجواز بيع المبيع بعد
شرائه، وجواز التصرف في العين المستأجرة وهكذا، فإن الأمور
المذكورة ليست من مقتضيات العقد ابتداءا ولكن من مقتضياته ثانيا، أي
هو موضوع لها في نظر الشارع وكل شئ يترتب على العقد أولا
وبالذات ثانيا وبالعرض لا يخلو عن هذين الأمرين.
وأما الأفعال الخارجية فهي بأجمعها خارجة عن مقتضى العقد،
لا بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، فإن وقوع شئ في الخارج وعدم
وقوعه فيه مسبب عن سبب تكويني غير مربوط بالعقد، فلا يكون العقد
مقتضيا له لا ابتداءا ولا بالواسطة.
نعم يكون الفعل الخارجي موضوعا لحكم شرعي يكون ذلك الحكم
الشرعي من مقتضيات العقد بالمعنى الثاني، كأكل مبيع وشربه ونحو
ذلك، فإن أمثال هذه الأفعال ليست من مقتضيات العقد بكلا المعنيين،
ولكن موضوعة لحكم الشارع وهو جواز الأكل مثلا، وذلك الحكم من
مقتضيات العقد بالمعنى الثاني، فإن جواز الأكل مترتب على شراء ما
يؤكل، وإلا كان حرام الأكل لكونه مال الغير، هذا كله ما يرجع إلى
مقتضى العقد.
ألف - الشروط الضمنية
وأما الشرط فقد يطلق على الشروط الضمنية، فالشرط الضمني
322

يرجع غالبا أما إلى تضييق المنشأ كالملكية ونحوها على اختلاف
المنشآت في العقود، وذلك كخيار الغبن ونحوه مما ثبت بالشرط
الضمني، لأنا قد ذكرنا في السابق أن مرجع جعل الخيار هنا إلى تضييق
دائرة المنشأ، وهو الملكية.
وقد يرجع إلى تضييق دائرة الثمن كانصرافه إلى نقد البلد، والمصداق
الأوضح لذلك ما وقع البيع على شئ بخمسة دنانير، فإنه يحمل في
العراق على الدينار العراقية وليس للمشتري أن يدعي بعد المعاملة أن
المراد من الدنانير هو الدينار الإيراني، فيكون خمس ألف دينارا منطبقا
على تومان واحد، وهكذا يحمل الثمن على ثمن البلد فلا بد من اعطائه
في بلد المعاملة وليس للمشتري أن يدعي اعطائه في بلد آخر.
ففي الحقيقة أن هذا الشرط الضمني يضيق دائرة الثمن بحيث لا يكون
الثمن غيره، حتى لو أعطى المشتري الثمن في غير هذا البلد ورضي به
البايع لا يكون هذا هو الثمن الذي وقع عليه العقد، بل يكون بدلا منه
ويصير معاملة أخرى بين الثمن وبين نقد آخر.
وهكذا الحال في المثمن فإذا باع حنطة في بلد فالشرط الضمني
يوجب حمله على حنطة هذا البلد أو اشترى حنطة من شخص في
مزرعته، فمقتضى الشرط الضمني تحمل على حنطة تلك المزرعة
ويكون المبيع مقيدا بذلك ومضيقا به، بمعنى أن المبيع يكون هو الحصة
الخاصة دون غيرها، ولو أعطي البايع من غير ذلك لا يكون ذلك المبيع
الذي وقع عليه العقد إذا رضا المشتري به.
نعم يكون معاملة أخرى بين المثمن وبين حنطة أخرى كما هو واضح،
وليس لأحد أن يقول إن المبيع أو الثمن هنا الكلي، فلا يكون المعطي من
غير نقد البلد أو حنطة البلد اعطاء من غير الثمن ومحتاجا إلى مراضاة
323

جديدة لما عرفت من تضييق دائرتهما بالشرط الضمني، وإنما قلنا إن
الشرط الضمني يرجع غالبا إلى تضييق دائرة أحد الأمور الثلاثة من جهة
أنه قد لا يكون الشرط الضمني موجبا لتضييق دائرة شئ من تلك الأمور
ابتداء كأصل تسليم الثمن أو المثمن، فإن الشرط الضمني بالنسبة إلى
تسليم الثمن أو المثمن موجود، ولكن لا يكون موجبا لتضييق دائرة
المنشأ أو الثمن أو المثمن ابتداء بل يوجب الخيار مع التخلف.
ثم إن الشرط الضمني وإن كان يوجب تضييق دائرة بالنسبة إلى
الجهات المذكورة ولكن مع التخلف يثبت الخيار فلا يبطل البيع، لأنه
وقع على الكلي وإن كان كليا مضيقا ولم يقع على الشخص الخاص.
ومما ذكرناه ظهر أن الشرط الضمني لا يوجب إلا تضييق الدائرة
وجعل المنشأ أو الثمن أو المبيع حصة خاصة، وهو في الحقيقة ليس
بشرط، فكان البايع من الأول باع حنطة مزرعة خاصة ووقع البيع على نقد
هذا البلد بالصراحة، فهل يتوهم أحد أن الثمن أو المبيع مطلق وغير
مضيق.
وعلى هذا فلا يحتاج اعتبار هذا القسم من الشرط إلى شمول دليل
وجوب الوفاء بالشرط عليه، بل يكفي في مشروعية نفس الأدلة الدالة
على صحة العقد، فإن العقد قد وقع على شئ خاص، والمنشأ إنما هو
شئ خاص، فهل يتوهم أحد أنه إذا وقع العقد على مبيع خاص يحتاج
كونه خاصا إلى دليل الشرط، بل المعاملة الواقعة في الخارج معاملة
خاصة فتكون بخصوصيتها مشمولة لعموم ما دل على صحة العقد كما
هو واضح.
ثم إنا وإن ذكرنا أن معنى جعل الخيار يرجع إلى تحديد المنشأ حتى
الخيارات المجعولة إلا أنه لا ينافي بما ذكرناه هنا من كون الشروط
324

الضمنية راجعة إلى تضييق الدائرة وأنها ليست بشروط في الحقيقة
ولا يحتاج اعتبارها إلى أدلة الوفاء بالشرط، والوجه في عدم التنافي هو
ما أشرنا إليه قبيل هذا من أن الشروط المجعولة بحسب جعل المتعاقدين
إنما هو يوجب إلزام المشروط عليه على الفعل المشروط، وفي هذه
المرتبة يحتاج اثبات مشروعية هذا الالزام إلى شمول أدلة وجوب الوفاء
بالشرط عليه.
ثم مع تخلف المشروط عليه على شرطه يثبت للشارط خيار تخلف
الشرط، وهذا الخيار الثابت بالتخلف وإنما يوجب هذا الشرط تضييق
دائرة المنشأ في مرحلة تخلف الشرط لا ابتداءا، وإلا فما هو ثابت
ابتداءا أعني إلزام المشروط عليه يحتاج إلى دليل الشرط.
فالشروط الضمنية ابتداءا يوجب تضييق الدائرة بلا احتياج إلى دليل
الشرط، والخيارات المجعولة توجب تضييق دائرة المنشأ بعد تخلف
الشرط بلا احتياج إلى دليل الشرط، فإن الاحتياج إليه في منشأ الخيار
وهو الالزام، وأما ثبوت الخيار مع التخلف لا يحتاج إلى دليل أصلا،
فافهم.
ب - شرط الفعل
القسم الثاني من الشروط أن يكون شرط فعل، بأن يشترط أحد
المتبايعين على الآخر أن يبيعه من زيد، أو يشترط ترك فعل بأن لا يبيعه
من شخص، ومن قبيل شرط الفعل أيضا إذا اشترط اعتبار ملكية مال
مخصوص للبايع، وقد تقدم هذا في اشتراط الاعتبار.
325

وقد ذكر العلامة (1) أنه لو باع العبد واشترط على المشتري عتقه صح
ذلك لبناء العتق على التغليب، فكأنه لم يجوز هذا الشرط، أي شرط
الفعل وبنى في عتقه على الغلبة، مع أن كون بناء العتق على الغلبة
لا يجوز غير المشروع، فهل يتوهم أحد صحة عتق عبد الغير لبناء
الشارع على الحرية إلى غير ذلك من الأمثلة.
ففي هنا لا يكون هذا الشرط بنفسه مخالفا لمقتضى العقد ولا الكتاب
والسنة من حيث نفسه، لما عرفت سابقا أن الفعل الخارجي من حيث
الوقوع وعدمه غريب من مقتضى العقد بالكلية، فلا يقتضي العقد وقوع
فعل في الخارج ولا عدمه، وكذلك لا يكون مخالفا للكتاب والسنة،
لعدم كون الفعل الخارجي من حيث نفسه حكما شرعيا لا وجودا
ولا عدما.
نعم هو موضوع للحكم الشرعي، فلا بد من ملاحظة الشرط بالنسبة
إلى هذا الحكم المترتب على الفعل، فإن كان مخالفا له كان باطلا وإلا
صح، كما إذا باع حنطة واشترط على المشتري شرب الخمر أو فعل
حرام آخر، أو اشترط عليه ترك واجب من الواجبات، وأما إذا كان الشرط
أمرا اعتباريا فقد تقدم الكلام فيه، من أنه إن اختيار سببه بيد المتعاقدين
كالملكية في البيع ونحوه يصح وإلا كان أمرا غير اختياري، بأن يكون
فعلا للأجنبي أو كان سببه سببا خاصا فلا يكون ذلك الشرط، وعليه فإن كان البيع معلقا على الالتزام به بطل لعدم امكان الالتزام لغير المقدور
وللتعليق، وإن كان اللزوم معلقا عليه ثبت للشارط الخيار أي خيار
التخلف الشرط.

1 - التذكرة 1: 490.
326

وإذا لم يكن شرط الفعل مخالفا للكتاب والسنة بالمعنى المذكور
صح من هذه الجهة ومن جهة عدم مخالفته لمقتضى العقد، وإن كان له
مانع آخر كما إذا باع شيئا بشرط أن لا يبيعه إلا إياه، فذكر العلامة في
التذكرة أنه مستلزم للدور (1)، سيأتي الكلام فيه.
ومن قبيل شرط الفعل أيضا ما إذا باع شيئا واشترط أن يبيعه من
شخص خاص أو شرط عدمه، كأن لا يبيع من أحد فإنه ليس مخالفا
لمقتضى العقد ولا أنه مخالف للكتاب والسنة، بل هو شرط سائغ، فإذا
تعلق به غرض الشارط فلا بأس به، وقد ورد في بعض روايات بيع العبد
أنه لو باع واشترط عدم البيع من أحد أو عدم الهبة صح وإن اشترط الإرث
فلا يصح (2)، فمع قطع النظر عن القاعدة فالرواية أيضا يقتضي صحة
الشرط، والعجب أنهم ذكروا أن اشتراط عدم بيعه من زيد صح، وإذا
اشترط عدم بيعه من أحد فلا يصح، ولا ندري أنه أي فرق بين الشرطين.
والعجب من العلامة فإنه (رحمه الله) ذكر أن اشتراط عدم البيع مناف لمقتضى
ملكية، فيخالف قوله (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون على أموالهم (3).
ووجه العجب أن دليل السلطنة لم يثبت حكما إلزاميا من الوجوب أو
الترك حتى يلزم من الاشتراط ترك الواجب أو فعل الحرام فيكون مخالفا

1 - التذكرة 1: 490.
2 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث
ولا توهب؟ فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد
(الكافي 5: 212، التهذيب 7: 67، عنهما الوسائل 18: 267)، صحيحة.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى جارية وشرط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب، قال: يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث (التهذيب 7: 25، التهيب
7: 373، عنهما الوسائل 18: 268)، ضعيفة.
3 - التذكرة 1: 490.
327

للكتاب والسنة، بل هو يثبت أمرا مباحا وهو كون الانسان مرخصا في
بيع ماله وتركه وله الاختيار في ذلك، وقد تقدم أن الشرط في مورد الأمر
المباح بالمعنى الشامل للمكروه والمستحب أيضا لا ينافي الكتاب
والسنة بوجه.
ومن هذا القبيل أن يبيع دارا مثلا ويشترط على المشتري أن يجعلها
وقفا، فإنه لا ينافي بالكتاب بوجه، فإنه فعل مباح سائغ كما هو واضح.
ج - اشتراط أمر وضعي
القسم الثالث من الشرط أن يشترط أحدهما على الآخر أمرا وضعيا،
كما إذا باع متاعه من زيد واشترط عليه أن يكون زوجته مطلقة، أو يكون
بنته زوجة له، وهكذا، فإن كان ذلك الشرط أمرا منافيا ومناقضا
لمقتضى الشرط فلا يجوز لكونه مناقضة.
كما إذا باع داره من عمرو واشترط عليه أن لا تكون الدار ملكا له، أو
آجر دابته منه واشترط أن تكون المنفعة مملوكة له، أو عقد عقد نكاح
واشترط في ضمن العقد أن لا تكون زوجة له، وهكذا، فإن ذلك كله
مناقضة لمقتضى العقد فلا ينفذ.
وإن لم يكن الوضع المذكور مناقضا لمقتضى العقد، ولكن ذلك
مخالف لحكم الشارع، لأنه اعتبر في حصوله سببا خاصا فلا يكون
الاشتراط من جهة أسبابه، وقد عرفت ذلك سابقا، وذلك كاشتراط زوجية
امرأة في عقد البيع مثلا أو طلاقها فيه، وهكذا لو اشترط أمرا وضعيا
يكون نفس ذلك الأمر الوضعي مخالفا لحكم الشارع، كاشتراط أن يكون
خمر المشتري ملكا للبايع، وهذا أيضا مخالف لحكم الشارع فلا يكون
نافذا.
328

ثم إنه من قبيل الشرط المخالف للكتاب أن يشترط أحد الشريكين على
الآخر من المبيع الذي يشتريان مشاعا أن يكون النفع له والخسران على
الآخر، وهذا أيضا مخالف للكتاب، فإن مقتضى الحكم الشرعي أن ضرر
كل مال على مالكه ولم يثبت فيه جواز أن يلتزم أحدهما على الآخر
ضمانه، كما تقدم نظيره في تعهد ضمان تلف مال شخص آخر، فإنه
لم يثبت هذا النحو من الضمان في الشريعة إلا أن يشترط على الآخر لزوم
اعطاء قيمته من ماله فهو شرط الفعل فلا بأس به، وأما الرواية الدالة على
جواز شراء الجارية واشتراط هذا الشرط في ذلك (1)، فإن أمكن حملها
على شرط اعطاء قيمتها مع الخسران فهو، وإلا فلا بد من الاقتصار بها في
موردها فلا يمكن التعدي عنها إلى غيرها لكونها مخالفة للقاعدة كما
لا يخفى.
وقد ظهر مما ذكرناه من معنى المقتضي للعقد ومن معنى الشرط أنه
لا يبقى مورد للشك حتى يحتاج إلى التمسك بالأصول، بل قد اتضح أنه
كلما يكون شرطا فحكمه معلوم إما بالأمارة أو بالأصول.
ولكن العجب من هؤلاء المحققين لم يأتوا شيئا يكون ميزا بين كون
الشرط مخالفا لمقتضى العقد أو للكتاب، حتى المحقق الثاني مع مهارته
في الفقه.
6 - أن لا يكون الشرط مجهولا
قوله (رحمه الله): السادس: أن لا يكون الشرط مجهولا.

1 - عن رفاعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل شارك في جارية له وقال: إن ربحنا
فيها فلك نصف الربح، وإن كان وضيعة فليس عليك شئ؟ فقال: لا أري بهذا بأسا إذا طابت
نفس صاحب الجارية (الكافي 5: 312، التهذيب 7: 71، عنهما الوسائل 18: 266)، صحيحة.
329

أقول: ذكر الفقهاء أن من جملة شروط صحة الشرط في ضمن العقد أن
لا يكون الشرط مجهولا، فلو اشترط أحد المتبايعين على الآخر شرطا
مجهولا بطل العقد للغرر.
أقول: توضيح الكلام في المقام:
1 - إن الشرط المأخوذ في العقد قد يكون شرطا ضمنيا ومعتبرا
بحسب الارتكاز العقلائي الذي مرجعه إلى كون المنشأ أو الثمن أو
المثمن مقيدا وحصة خاصة على ما تقدم، فإنه حينئذ لا تكون الجهالة
في الشرط إلا جهالة في البيع، فيكون في الحقيقة الثمن مجهولا أو
المثمن كذلك، فيرجع هذا إلى جهالة العوضين، وقد اعتبرنا عدمها في
شرائط العوضين، فلا يحتاج اعتبارها في المقام أيضا.
إذ قد يقدم أنه ليس في أمثال المقام اشتراط غالبا بل الثمن أو المثمن
مقيد ومضيق بالحصة الخاصة، كما إذا قيد البايع أو المشتري العوضين
من الأول بحصة خاصة، ككون المبيع عبدا كاتبا أو كون الحنطة من
مزرعة فلانية، فهل يتوهم أن هذا القيد اعتبر في المبيع بعنوان الاشتراط
بحيث يحتاج نفوذه إلى دليل الوجوب الوفاء بالشرط، وليس كذلك بل
إنما وقع البيع على شئ خاص وعلى كل مقيد على حصة مخصوصة
كما هو واضح.
وعلى الجملة جهالة مثل هذه الشروط عين جهالة العوضين، كما إذا
باع منا من حنطة مزرعة مجهولة أو على ثمن مجهول، فلا شبهة في
خروج هذا القسم عن محط الكلام، والظاهر أنه لا يتوهم أحد كونه داخلا
في المقام، وإنما نذكره توفية للأقسام، فافهم.
2 - أن يكون الخيار المعتبر في العقد بحسب اشتراط المتعاقدين
مجهولا، كأن يبيع أحمد عبدا معلوما من زيد واشترط زيد على أحمد
330

أن يكون العبد كاتبا، مع أنه لا يعلم كونه كاتبا أو غير كاتب، ففي هذه
الصورة وإن كان الخيار مجهولا ولكن هذه الجهالة في الخيار لا يوجب
غررية العقد لكي يحكم ببطلانه، فإن الغرر على ما تقدم في محله هو
الخطر، ومن الواضح أنه أي خطر يتوجه على المشتري من تلك الجهالة،
إذ لو كان العبد كاتبا في الواقع وتسلمه على هذا الشرط يحكم بلزوم
البيع، وإلا يكون له الخيار له أن يفسخ العقد وله أن يبقيه على حاله
ويرضى بالعبد غير الكاتب.
نعم لو ألزم على قبول العبد بدون الكتابة ولم يكن له الخيار في ذلك
كان له ضرر مالي ويكون البيع غرريا وخطريا، وقد عرفت أن الأمر ليس
كذلك.
3 - أن يشترط أحدهما على الآخر شرطا في العقد ويكون ذلك
الشرط مجهولا، كما إذا باع حنطة من شخص واشترط على المشتري
كونها من مزرعة يعلمها البايع مثلا، فهذه الجهالة تسري إلى الجهالة في
نفس المبيع فيكون مجهولا في نفسه، فيكون البيع باطلا من جهة جهالة
نفس المبيع لا من جهة جهالة الشرط.
4 - أن يشترطا في ضمن العقد الفعل، بأن يشترط البايع على
المشتري أو العكس أن يخيط له ثوبا ولم يذكر أن الثوب أي شئ.
فإنه لا شبهة في كون البيع غرريا حينئذ، لأنه قد يكون ما قصده
الشارط قميصا فتكون أجرته خمسين فلسا، وقد يكون جبة فتكون
أجرته دينارا.
فحينئذ يكون البيع غرريا، لأنه لا يعلم المشروط عليه أن المال الذي
وصل إليه في مقابل المبيع أو العوض يساوي بما أعطاه من بدله مع
وجود هذا الشرط أولا، فإن الشرط وإن لم يكن في مقابله شئ ولكن
331

لا شبهة في كونه دخيلا في زيادة الثمن أو المثمن، فإن ما يعطي من الثمن
بدون الشرط لا يعطي معه، فتكون هذه المعاملة خطرية وغررية.
5 - أن يشترطا شرط النتيجة، بأن يشترط أحدهما على الآخر في
البيع كون ما بيده من الأموال له ولم يعلم أنها أي مقدار، فإنها أيضا
يوجب غررية المعاملة فتبطل لذلك، وكيف مع السبر والتقسيم لا نجد
موردا باطلا لوجود الغرر في نفس البيع، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون
الدليل على بطلان البيع هو النهي عن بيع الغرري، وبين أن يكون النهي
عن مطلق الغرر كما هو واضح.
7 - أن لا يكون مستلزما لمحال
قوله (رحمه الله): الشرط السابع: أن لا يكون مستلزما لمحال.
أقول: ذكر العلامة (رحمه الله) أنه لو شرط في البيع أن يبيعه من البايع لزم
الدور (1)، وأما لو شرط على أن يبيعه من غيره فلا يلزم الدور، لجواز أن
يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط البيع
على البايع.
أقول: الذي ذكره العلامة لا بأس به من حيث الكبرى، ولكن لم نجد
له صغرى في المقام، وبيان ذلك أنه:
إن أراد من كلامه هذا الشرط الفلسفي فهو صحيح من حيث الكبرى،
حيث إنه لو كان ما هو من قيود المعلول وشروطه شرطا للعلة، ونفس
المعلول شرطا فيها لزم الدور، لتوقف المعلول على علته وتوقف العلة
على المعلول باعتبار الشروط المعتبرة فيه، ولكن الأمر ليس كذلك هنا،
فإن الشرط ليس من قيود علة الملكية وسببه بل سبب الملكية في البيع

1 - التذكرة 1: 490.
332

مثلا هو العقد، والشرط إنما هو شرط اللزوم كما هو واضح، وإن كان
مراد العلامة هذا المعنى فهو لا يرتبط بالمقام، وإن كان شيئا آخر
فلا ندري ما أراد.
على أنه أي فرق بين اشتراط بيعه من البايع ومن غيره، فإن الاشتراط لو
كان موجبا للدور يوجب في كلا الموردين وإلا فلا، وما ذكره من الفارق
غير تام.
نعم ذكر صاحب الحدائق (1) هذا الشرط واستدل عليه بروايتين فسيأتي
الكلام في ذلك في النقد والنسيئة (2)، بل صرح في التذكرة (3) بجواز
اشتراط أن يقف المشتري المتاع على البايع وعلى عقبه، فأي فرق بين
هذا وسابقه، أي اشتراط بيعه على البايع، بل هذا مثل النذر والعهد،
كقولك: لله على كذا إن كان كذا، والانصاف إن هذا الاشتراط لا بأس به
فلا يكون موجبا للمحال.
فتحصل أنه لم نجد صغرى لما ذكره العلامة وإن كانت الكبرى
صحيحة كما هو واضح.
نعم لو كان الشرط راجعا إلى كون المبيع للبايع بهذا البيع، بحيث يكون
الايجاب قبولا لبيع المشتري المبيع المأخوذ من البايع له، ويكون قبول

1 - الحدائق 19: 66.
2 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث
ولا توهب؟ فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد
(الكافي 5: 212، التهذيب 7: 67، عنهما الوسائل 18: 267)، صحيحة.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى جارية وشرط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب، قال: يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث (التهذيب 7: 25، التهيب
7: 373، عنهما الوسائل 18: 268)، ضعيفة.
3 - التذكرة 1: 490.
333

المشتري بيع البايع ايجابا للبيع الثاني لزم ما ذكر، ومع شرط النتيجة إن
كان قصدهما كون المبيع له فعلا يكون بيع ما ليس عنده، وإن كان المراد
كون المبيع له بعدا لزم التعليق فهو باطل بالاجماع، ولكنه أجنبي عن
صورة الاشتراط المذكور كما عرفت، فإن الشرط المذكور لا بأس به
أصلا.
ودعوى الاجماع على هذا الاشتراط باطل جدا، فإن هذا من العلامة
ومن بعده فكيف يمكن دعوى الاجماع فيه.
8 - أن يلتزم به في متن العقد
قوله (رحمه الله): الشرط الثامن: أن يلتزم به في متن العقد.
أقول: ذكر الفقهاء (رحمهم الله) أن من جملة الشروط لصحة الشرط في ضمن
العقد أن يكون الشرط مذكورا في ضمن العقد وإلا فلا يكون واجب
الوفاء.
وتحقيق ذلك: أن الشروط التي لا يذكر في العقد قد تكون من الشروط
الضمنية، كانصراف العقد إلى كون النقد بلديا وكون التسليم في بلد البيع
وهكذا، وقد تقدم الكلام فيها، وقلنا إن معنى الشرط الضمني هو أن
لا يكون اعتباره محتاجا إلى الذكر بل يكون معتبرا في العقد، سواء ذكر
أم لم يذكر كما هو واضح.
وهذا القسم من الشروط خارج عن محل الكلام جزما، فإنها وإن لم تذكر في ضمن العقد ولكنها معتبرة فيها ببناء العقلاء عليها، ويجب
الوفاء بها بنفس الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعقد كما تقدم في
الشرط المخالف لمقتضى العقد بلا احتياج إلى أدلة وجوب الوفاء
بالشرط كما هو واضح.
334

وقد يكون الشرط مذكورا قبل العقد تصريحا وتفصيلا ولكن لا يذكر
في العقد إلا بنحو الإشارة، كقول البايع: بعتك المتاع الفلاني بدينار على
ما علم، فيقول المشتري: قبلت هكذا، فإنه لا شبهة في ارتباط العقد
بالمشروط الذي شرطوه قبل العقد كما هو واضح.
وقد يكون الشرط مذكورا قبل العقد ولكن يكون مغفولا عنه عند
العقد، فلا يذكر في ضمنه نسيانا وغفلة، وهذا أيضا خارج عن محل
الكلام جزما لكونه غير مربوطا بالعقد.
وقد يذكر الشرط قبل العقد ولم يذكر في ضمنه، ولكن يقع العقد بانيا
عليه، بحيث يقصد المتبايعان كون العقد مقيدا بذلك الشرط، فهل يجب
الوفاء بهذا الشرط أو لا؟
فهذا هو محل الكلام في المقام، وهل هذا الشرط صحيح أو فاسد،
وعلى تقدير فساده هل هو مفسد للعقد أو لا؟
أما الكلام في الجهة الثانية فسيأتي إن شاء الله، وإنما الكلام فعلا في
الجهة الأولى، فذكر المصنف أن العقد إذا وقع تواطؤهما على الشرط كان
قيدا معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك الشرط
ويكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض، إذ التراضي وقع مقيدا بالشرط،
فإنهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين، فلا فرق بين
أن يقول: بعتك العبد بعشرة وشرطت لك ماله، وبين تواطئهما على هذا
الشرط مع ذكره قبل العقد.
أقول: يرد عليه أولا: أنه لا يصح ما ذكره المصنف في المقيس، حيث
إنا ذكرنا مرارا أن الشرط لا يقابل بالمال، وإلا لكان اللازم وجوب رد جزء
من الثمن أو المثمن مع مخالفة الشرط، بل مرجع الشرط في العقد ليس
إلا تعليق نفس العقد عليه مع حصول المعلق عليه، ويترتب على عدم
335

العمل بمقتضى الالتزام الخيار، أو تعليق نفس الالتزام على الشرط
فيترتب على مخالفته الخيار، وأما كون الشرط مقابلا بجزء من الثمن أو
المثمن فلا.
ثانيا: وعلى تقدير كون الشرط كالجزء من مقابله بجزء من الثمن،
ولكن لا نسلم بطلان ذلك في المقيس عليه، بل نقول بكفاية البناء
والقصد بكون الجزء الخاص داخلا في المبيع، ولا يلزم التصريح به كما
هو واضح، فإنه يكفي ايقاع العقد بانيا على الثمن والمثمن الذين سبق
ذكرهما، ولا يحتاج اعتبارها في البيع إلى الابراز أيضا، كما يحتاج أصل
البيع إلى الابراز، فافهم.
هذا ما يرجع إلى ما ذكره المصنف الراجع إلى صحة الشرط الذي وقع
العقد مبنيا عليه.
ما يستدل به على بطلان هذا الشرط والمناقشة فيه
ثم إنه ذكر للقول بالبطلان وجهان:
1 - الاجماع على بطلانه، لكونه بمنزلة الشرط الابتدائي.
وفيه أنا لا نسلم تحقق الاجماع التعبدي على ذلك، إلا من جهة أن
الشرط كنفس العقد يحتاج إلى الابراز، وعليه فيرجع هذا الوجه إلى ما
ذكره شيخنا الأستاذ من الوجه الثاني الآتي.
2 - ما ذكره شيخنا الأستاذ، من أن الشرط كسائر أركان البيع من الثمن
والمثمن محتاج إلى الابراز والاظهار، فكما أن ايقاع البيع مبنيا على كون
الشئ الفلاني ثمنا أو مثمنا لا يكفي في صحة العقد، وكذلك ايقاعه
مبنيا على الشرط الذي سبق ذكره أيضا لا يكفي، بل يحتاج صحة ذلك
الشرط وكونه لازم الوفاء إلى ذكره في متن العقد وبدونه لا يجب الوفاء به
أصلا.
336

ولا يقاس ذلك بالشروط الضمنية، حيث إن الشروط الضمنية بسبب
تعهدها عند العرف يصير من المدلولات العرفية للفظ قصدها المتعاقدان
أو لم يقصدا، وهذا بخلاف ما تباينا عليه، فإنه لا يكاد يصير مدلولا للفظ
أبدا، بداهة أن تباني المتكلم والمخاطب على معنى لا يكاد يوجب
الدلالة وصيرورة اللفظ دالا عليه بنحو من الدلالة كما هو واضح.
وعلى الجملة البناء على الشرط في انشاء العقد لا يكفي في انشائه بل
لا بد من تعليق الانشاء بنفس الشرط بحيث ينشأ الشرط مستقلا كما ينشأ
العقد كما هو واضح.
أقول: قد تقدم أن الشرط في العقود بمعنى الربط والإناطة، فهو يرجع
إلى أمرين:
1 - تعليق نفس العقد به، وهذا فيما إذا كان الشرط هو التزام المشروط
عليه فإنه يرتبط العقد به، ولا يضر التعليق هنا لحصول المعلق عليه وهو
الالتزام، وحينئذ إذا لم يعمل المشروط عليه بشرطه يكون للشارط
الخيار، ولا شبهة أن اشتراط أن يكون هذا النحو من الإناطة محتاجا إلى
الابراز فاسد ولا دليل عليه.
ولا وجه لقياسه بنفس العقد من جهة أنه محتاج إلى الاظهار والابراز
فبدونه لا يحصل العقد في الخارج كما لا يحصل بالقصد السابق، فإنه
ليس اسما للاعتبار المحض بل للاعتبار المبرز كما تقدم مرارا وحققناه
في علم الأصول، وهذا بخلاف الشرط فإنه اسم للإناطة كما عرفت، وهو
يتحقق وإن لم يبرز في الخارج، بل يكفي فيه العلم بتحققه كما في صورة
ايقاع العقد بانيا عليه.
كما أن الأمر كذلك في نفس الثمن والمثمن أيضا، فإنه لا يحتاج
اعتباره في البيع إلى ابراز أصلا، وإن كان البيع عبارة عن مبادلة مال بمال،
337

فإنه يكفي في اعتبار ذلك مجرد علم المتبايعين بالثمن والمثمن مع انشاء
أصل البيع بمثل بعت ونحوه فقط خاليا عن ذكر الثمن والمثمن، لعدم
الدليل على اعتبار الابراز فيهما أيضا.
2 - أن يكون الالتزام معلقا عليه، بحيث إن العقد إنما وقع مطلقا ولكن
كونه لازما مشروط بشرط فبدونه يثبت الخيار للمشروط له، وهذا كما
في اشتراط الأوصاف الخارجية ونحوها، وقد ذكرنا في محله سابقا أنه
لا معنى للالتزام بالأوصاف إلا تعليق البيع بها، أي يبيع على تقدير وجود
الصفة الخاصة للمبيع، ولا شبهة في بطلانه فيكون خارجا عن صورة
الاشتراط لكون المتفاهم من الاشتراط هو القسم الصحيح، أو يكون
المراد منه جعل الخيار على تقدير التخلف.
وهذا لا شبهة في صحته، فيكون المراد من الاشتراط هو هذه الصورة،
ولا ريب أن هذه الصورة أيضا لا يحتاج إلى الذكر، فإن الإناطة التي هي
معنى الشرط تحصل بغير الذكر من القصد والبناء وايقاع العقد على هذا
البناء كما لا يخفى.
وإذا فلا محذور في التمسك لاثبات صحة البيع الذي وقع بانيا على
القصد السابق ب‍ أحل الله البيع (1) ونحوه، ومشروعية الشرط وصحته
بعموم: المؤمنون عند شروطهم، كما لا يخفى، فافهم.
نعم بناء على ما سلم شيخنا الأستاذ في الشرط، من أنه التزام آخر في
ضمن التزام يحتاج إلى انشاء آخر، أي كما يحتاج العقد إلى انشاء
وكذلك الشرط فيحتاج إلى انشاء آخر.
وأما بناء على ما ذكرناه، من كون الشرط عبارة عن الربط فقط، فيكفي

1 - البقرة: 275.
338

في ربط العقد به حينئذ بناء العقد عليه مع العلم المتبايعين علي بناء العقد
على هذا القصد والبناء، لا نقول بأن الشرط يحتاج إلى الابراز والعلم به
بل يكفي فيه مجرد الذكر السابق، بل نقول: إنه يكفي في ابراز الشرط
وجود القرينة على إناطة العقد المنشأ به وإن لم يبرز بمبرز، وهذا
بخلاف العقد فإنه ما لم يبرز لا يصدق عليه البيع مثلا، كما أن الابراز
المجرد عن القصد لا يصدق عليه البيع أصلا، وقد تقدم ذلك في أول
البيع.
نعم إذا ذكر الشرط سابقا ولكن نسيا ذلك عند العقد ولم يقصدوا وقوع
العقد على الشرط المذكور سابقا لا يكون العقد مربوطا به كما هو واضح،
ولكن الأمر ليس كذلك في ايقاع العقد بانيا على الشرط السابق الذكر،
كما هو واضح.
9 - تنجيز الشرط
قوله (رحمه الله): وقد يتوهم هنا شرط تاسع.
أقول: ذكر بعضهم - الظاهر هو المحقق الثاني (قدس سره) - أن من جملة
الشروط لصحة الشروط المعتبرة في العقد هو تنجيز الشرط، وذكروا في
سنده أمران:
1 - إن التعليق في الشرط يسري إلى تعليق العقد، فإن مرجع قولنا:
بعتك بشرط أن تخيط ثوبي إن جاء زيد، إلى أن البيع إنما هو على تقدير
مجئ زيد، وعلى تقدير عدمه لا يبيعه، ومن الواضح أن التعليق في
العقد موجب للبطلان لتسالم الفقهاء عليه إلا في موارد خاصة.
2 - إن الشرط لو لم يكن مطلقا ومنجزا لزم أن يكون البيع واقعا على
ثمنين على تقديرين، فإن بيع الدار بدينار بشرط خياطة ثوب البايع على
339

تقدير مجئ زيد إنما يقع بالدينار المجرد على تقدير عدم مجئ زيد،
وعليه وعلى خياطة الثوب على تقدير مجئ زيد، فيلزم أن يكون
المبيع الواحد له ثمنين على تقديرين.
التحقيق في المقام
والذي ينبغي أن يقال: إن التعليق الذي يوجب بطلان العقد على
قسمين:
1 - أن يكون العقد معلقا على أمر متأخر، كما إذا كان الانشاء حاليا
والمنشأ أمرا استقباليا بأن يحصل في الاستقبال، وقد وقع نظيره في
باب الوصية والتدبير، بل نظائره كثيرة في العرف، وقد تسالم الفقهاء
(رحمهم الله) بكونه مبطلا للعقد إلا في موردين: أحدهما الوصية، والثاني
التدبير، وإن لم يكن في الالتزام به محذورا عقلي، وقد تقدم تفصيل ذلك
في باب التعليق في العقود.
2 - أن يكون التعليق على أمر حالي ولكن لا يعلم بكونه حاصلا أو غير
حاصل، كأن يقول: بعتك المتاع الفلاني إن جاء زيد، والفرض أنه جاء
ولكن لا يدري المتعاملان بمجيئه، وهذا أيضا مبطل للعقد، فالتعليق
الذي يوجب البطلان إنما هو هذين القسمين.
وأما التعليق في الشرط فهل يكون من قبيل هذا القسمين المذكورين
ليوجب بطلان العقد، أو لا يكون كذلك لكي لا يكون موجبا لبطلانه
فنقول:
قد عرفت فيما سبق أن للشرط في العقد معنيان:
1 - أن يكون العقد معلقا على التزام المشروط عليه، بأن يبيع متاعه من
زيد على تقدير التزامه بفعل اختياري له وإلا فلا يبيع، وقد عرفت أنه
340

لا شبهة في صحته مع حصول الالتزام بالفعل وعلى تقدير عدم الالتزام
يبطل البيع، للتعليق أولا وعدم الشرط ثانيا، وقد عرفت أيضا أنه مع عدم
كون متعلق الالتزام أمرا اختياريا لا يحصل نفس الالتزام أيضا، لاستحالة
الالتزام بأمر ممتنع كما هو واضح.
ثم إنه يثبت الخيار للمشروط عليه على تقدير عدم العمل بطبق
التزامه، وأما البطلان فلا لحصول الالتزام حين العقد.
2 - أن يكون الالتزام العقدي معلقا على وصف أو فعل، وليس معنى
تعليق الالتزام بذلك إلا ثبوت الخيار للشارط على تقدير التخلف فيكون
المنشأ محدودا.
إذا عرفت ذلك فنقول: إذا باع أحد متاعه معلقا على التزام المشتري -
على ما هو المعنى الأول للشرط - بأمر غير اختياري على تقدير خاص،
فلا شبهة في بطلان البيع حينئذ للتعليق، بداهة استحالة تحقق الالتزام
بأمر مستحيل كما هو واضح.
ولا يخفى أن ما ذكرناه من تفسير الشرط وتعليق الالتزام عليه، أو ما
نذكره الآن من المرتكزات العرفية، وكلامنا شرح للمرتكزات.
وأما على المعنى الثاني للشرط فإذا باع متاعه مطلقا ولكن جعل فيه
شرطا كان مرجعه إلى تقييد اللزوم ذلك، وفي الحقيقة أن البايع قد أنشأ
شيئان: أحدهما أصل العقد والثاني التزامه به على تقدير حصول ما علق
عليه التزامه من الكتابة للعبد ونحوها، بحيث يكون له الخيار مع التخلف
كما عرفت.
أقسام التعليق في العقود
ثم إذا كان توقف الالتزام على الشرط المنجز فلا كلام لنا فيه، وإن كان
تعليق اللزوم به الشرط المعلق كان ذلك على أنحاء:
341

1 - لأن التعليق قد يكون بأمر متأخر في ظرفه، كأن يقول: بعتك هذا
الكتاب بشرط أن تخيط لي ثوبا إن جاء زيد في رأس السنة، فإن ما علق به
الشرط وهو الخياطة أمر استقبالي وهو مجئ زيد في رأس السنة.
وقد يكون تعليق الشرط بأمر حالي حاصل بالفعل ولكن المتبايعين
لا يعلمان به، كما إذا قال البايع للمشتري: بعتك هذا العبد على أن تخيط
لي ثوبا إن كان العبد كاتبا، وكان كاتبا في الواقع، فإن ما علق به الشرط وإن
كان حاصلا وهو الكتابة ولكن حيث لا يدريان به المتبايعين فيكون
الشرط معلقا في الظاهر دون الواقع.
وقد يجتمع هنا كلا الأمرين كما في البيع الخياري، بأن باع كتابا
وجعل فيه الخيار في رأس الشهر الآتي على تقدير رد الثمن، فإن معلق
عليه الخيار أمر متأخر وهو مقيد برد الثمن فهو مجهول، إذ لا يعلم أن
المشروط عليه يرد الثمن أو لا يرد الثمن فهو مجهول، فقد اجتمع
الأمران.
2 - الثاني من تعليق الشرط: أن يكون الالتزام مشروطا بشرط، كأن
يقول: بعتك المتاع الفلاني على تقدير التزامك بالخياطة إن جاء زيد،
فهل هذا يرجع إلى التعليق في العقد بدعوى أن الخياطة معلق بمجئ
زيد فيكون الالتزام معلقا لكونه متعلقا بالخياطة ويكون العقد معلقا
فيبطل العقد للتعليق.
وفيه أن نظير ذلك قد وقع في الواجب المعلق والمشروط، حيث إن
من حكم باستحالة الواجب المعلق لكونه مستلزما لانفكاك الانشاء عن
المنشأ فأرجعه إلى الواجب المشروط، وقد بسطنا الكلام في امكانه في
محله.
وفي المقام لا محذور أن يكون المقيد بالشرط هو الخياطة، ويكون
342

بمنزلة المنشأ الذي يتأخر زمانه في الواجب المعلق، ويكون الالتزام
مطلقا وفعليا ومحققا عند تحقق العقد، ويكون ذلك بمنزلة الوجوب
والانشاء في الواجب المعلق الذي قلنا إن الوجوب حالي والواجب
استقبالي، فلا يلزم من الاشتراط المذكور لزوم التعليق في العقد.
وكذلك الحال في الإجارة أيضا، كما إذا آجر الدار من شخص
ويشترط المستأجر على المؤجر أن يخدم ضيفه إن جاء، فإن المشروط
عليه قد التزم بالفعل، ولا شبهة أن متعلق مشروط ومشكوك الحصول
والالتزام فعلي والملتزم به أمر استقبالي مشكوك.
الكلام في حكم الشروط
قوله (رحمه الله): مسألة: في حكم الشرط الصحيح.
أقول: قد أشرنا فيما تقدم إلى أن الكلام في حكم الشروط يقع في
جهتين: الأولى في حكم الشرط الصحيح، والثانية في حكم الشرط
الفاسد.
1 - في حكم الشرط الصحيح
فقد عرفت أن الشرط على ثلاثة أقسام:
1 - شرط الفعل، بأن يشترط أحد المتعاملين على الآخر ايجاد فعل أو
تركه على ما تقدم تفصيله.
2 - شرط الصفة، بأن يشترط المشتري على البايع كون العبد كاتبا، أو
كون الحنطة أبيض أو أصفر، أو كون التمر أسود، وغير ذلك من
الأوصاف، أو ما هو في حكم اشتراط الأوصاف من الأمور الخارجة عن
اختيار المشروط عليه.
343

وقد عرفت فيما سبق أنه لا معنى لاشتراط الأوصاف والتزام
المشروط عليه بذلك، إما لتعليق العقد عليها بأن يبيع على تقدير تحقق
هذا الوصف، فلا شبهة أن هذا تعليق موجب لبطلان العقد بالاجماع، أو
مرجع ذلك إلى جعل الخيار على تقدير تخلف الوصف، وقد عرفت
سابقا أن هذا هو المتعين، إذ لم يشك أحد في صحة هذا الشرط، فلو كان
هنا تعليق لكان باطلا ونفس بنائهم على صحة هذا الشرط قرينة على
عدم إرادة الصورة الأولى.
3 - شرط النتيجة، وشرط تحقق أمر بنفس العقد، وذلك كاشتراط
تحقق أمر اعتباري في العقد، وذلك كاشتراط أن يكون بنت المشتري
زوجة للبايع، أو بالعكس بأن اشترط المشتري على البايع ذلك، أو
اشترط انعتاق عبد فلاني للمشتري، أو يكون المزرعة الفلانية ملكا له،
أو غير ذلك من الماهيات الاعتبارية.
وقد عرفت حكم هذا القسم أيضا فيما سبق، وقلنا إن هذا الأمر
الاعتباري إن كان أمرا اختياريا للمشروط عليه وسببه أيضا اختياريا له،
أي له أن يوجد هذا الأمر الاعتباري بأي سبب أراد يوجد ذلك بمجرد
تحقق العقد الذي اشترط ذلك فيه، وذلك كالملكية مثلا فإن سبب هذه
الماهية الاعتبارية إنما هو تحت يد المعتبر، فإنه بأي نحو أبرز هذه
المعتبر تحقق في الخارج وينشأ كما هو واضح.
وإن لم يكن ذلك الأمر الاعتباري تحت اختيار المعتبر أو لا يكون
سببه تحت يده بل كان له سبب خاص، فإنه لا يوجب ذلك بالعقد
كالزوجية والطلاق والعبودية والانعتاق، وكون المرهون مبيعا عند
انقضاء الأجل ونحو ذلك، كان الشرط فاسدا لمخالفته للكتاب والسنة
كما هو واضح.
344

1 - شمول دليل الوفاء بالشرط لجميع الأقسام والمستفاد منه الحكم التكليفي
والوضعي كليهما
ثم إنه هل يمكن استفادة حكم هذه الأقسام الثلاثة كلها من دليل الوفاء
بالشرط، وأن المؤمنون عند شروطهم يشمل جميع هذه الأقسام الثلاثة
أو لا، بل يختص بشرط الفعل فقط، وأن المستفاد من ذلك الوجوب
التكليفي وهو يختص بشرط الفعل كما عليه المصنف؟
والظاهر أن دليل الوفاء بالشرط يشمل جميع الأقسام المتقدمة
ولا يختص بالفعل، وأن المستفاد من ذلك الحكم التكليفي والوضعي
كليهما، فيكون جميع الأقسام مندرجة تحته، ويجب المضي في جميع
ذلك بمقتضى الشرط.
والوجه في ذلك أن الظاهر من معنى قولهم (عليهم السلام) في الروايات
المستفيضة: المؤمنون عند شروطهم (1) أو المسلمون عند
شروطهم (2) هو أنهم لدي شرطهم، كقولهم (عليهم السلام): المؤمن عند عدته،
وأن الشرط لازم له ولا ينفك عنه خصوصا مع أخذ الايمان أو الاسلام
موضوعا للحكم، فإنه يرشد إلى الايمان وعدم انفكاك الشرط عنه الذي

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه - إلى أن قال: - بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار،
قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم (التهذيب
7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل 21: 277)، صحيحة.
2 - عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:
من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل
حراما (التهذيب 7: 467، عنه الوسائل 18: 17، 21: 68، 21: 300)، موثقة.
345

التزم به لا ينفكان وأنهما متلازمان، والشرط لازم له ولاصق به، ويعبر
عن ذلك بالفارسية بكلمة: جسبيدن، كأن الشرط لصق به وضمه.
ولا شبهة أن هذا المعنى يلائم جميع أقسام الشرط، أما القسم الأول
وهو شرط الفعل فواضح، فإن معنى اشتراط الفعل أن العقد مربوط به
وقد أثبت المشروط عليه ذلك في ذمته، وهو عنده ولا ينفك عنه،
ولا يجوز له التخلف عن ذلك الفعل.
وأما القسم الثاني، وهو شرط الصفة، فقد عرفت أن مرجع ذلك إلى
جعل الخيار وأن الشارط يشترط على المشروط عليه الخيار، ويكون
الالتزام بالعقد مربوطا به بحسب التزام المشروط عليه وأنه لازم الوفاء،
وأن مقتضى كون المؤمن عند شرطه هو أن يكون الخيار ثابتا على
المشروط عليه على تقدير التخلف، لأنه اشترط على نفسه الخيار إذا
تخلف للوصف، فلا بد وأن يكون عند شرطه، ومقتضى كونه عند
شرطه هو نفوذ خيار الشارط وكونه مسلطا على فسخ العقد وامضائه،
وهذا أيضا واضح.
أما القسم الثالث، وهو شرط حصول أمر في العقد، فهو أيضا شرط في
العقد والعقد مربوط به، ومقتضى اشتراط المتعاقدين ذلك هو أن يكون
هذا أيضا نافذا، لكونه شرطا من المؤمن وشرط المؤمن نافذ وماض،
ولا ينفك ولا يتخلف، وهذا القسم من الشرط شرط أيضا لا يتخلف.
وعلى الجملة مقتضى قولهم (عليهم السلام): المؤمنون عند شروطهم، وأن
شروطهم نافذ، وإذا شرط المؤمن شرطا ينفذ، أن جميع الأقسام
المذكورة من الشرط نافذ، فإنه لا شبهة في صدق الشرط عليها كلها،
وارتباط العقد بها، وإذا كان شرطا حقيقة وقلنا إن شرط المؤمن نافذ
فلا بد من الحكم بشمول دليل الوفاء بالشرط لذلك كما لا يخفى، فافهم.
346

ويؤيد كون المؤمنون دالا على الحكم التكليفي والوضعي معا تطبيق
الإمام (عليه السلام) ذلك، أي المؤمنون عند شروطهم، تارة بالحكم التكليفي
وأخرى بالحكم الوضعي،
أما الأول ما تقدم من الرواية، أن أحدا تزوج امرأة واشترطت عليه أن
لا يأخذ عليها امرأة، فقال الإمام (عليه السلام): بئس ما صنع، فما يدري ما
يخطر بباله من الليل والنهار، وإذا اشترط فليف بشرطه، لأن المؤمنون
عند شروطهم (1).
وأما الثاني ما دل على جواز اعطاء الابن مال كتابة الأمة المكاتبة التي
هي مزوجة لأبيه، واشتراط أن لا يكون لها الخيار بعد كونها حرة، لأنه لو
لم يكن هذا الشرط لكان لها الخيار، فحكم الإمام (عليه السلام) بنفوذ هذا الشرط
وضعا، وطبق عليه قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (2).
فهاتان الروايتان قرينتان على كون المراد من دليل الوفاء بالشرط أعم
من التكليفي والوضعي كما هو واضح.

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
2 - عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل كان له أب مملوك،
وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في
مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون كالخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟
قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك، قال: لا يكون لها
الخيار، المسلمون عند شروطهم (الكافي 6: 188، التهذيب 8: 269، الفقيه 2: 352، عنهم
الوسائل 23: 155)، صحيحة.
347

دليل آخر على لزوم الشرط الصفة والنتيجة
ثم إنه بناء على ما يظهر من المصنف من اختصاص المؤمنون عند
شروطهم بشرط الفعل وعدم شموله لشرط الصفة والنتيجة، لأن ذلك
يتضمن حكما تكليفيا فلا بد من التعلق بالفعل، كالوجوب الوفاء في النذر
والعهد كما هو واضح، وهل هنا دليل آخر على لزوم القسمين الآخرين
أم لا؟
فذكر السيد (1) وشيخنا الأستاذ اشكالا على الشيخ، بأنه إذا خصصتهم
ذلك بشرط الفعل وقلتم إن مفاد الدليل هو الحكم التكليفي، فأي دليل
لكم على القسمين الآخرين.
ولكن الظاهر أنا لا نحتاج في اثبات نفوذ الشرط في القسمين الآخرين
إلى دليل الوفاء بالشرط، من جهة أنا ذكرنا سابقا أن معنى جعل الخيار
عبارة عن تحديد الملكية المنشأة، وجعل المنشأ قسما خاصا،
ولا شبهة أن اشتراط الوصف في العقد الذي مرجعه إلى جعل الخيار إنما
يوجب تضييق دائرة المنشأ، فيكون المنشأ هي الحصة الخاصة،
وكذلك المنشأ في القسم الثالث، حيث إن اشتراط العقد بكون الشئ
الفلاني حاصلا بذلك العقد أيضا الذي هو شرط النتيجة يوجب تضييق
دائرة المنشأ.
لأن معنى الشرط كما عرفت هو الربط والارتباط، وإذا كان العقد
مربوطا بشئ يكون المنشأ بلحاظ هذا الشرط مضيقا، وعليه فالمتبايعان
من الأول قد أنشأ ملكية خاصة وملكية محدودة، ويكون المشمول

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 120.
348

لعموم أوفوا بالعقود (1) هو هذه الحصة الخاصة لازمة الوفاء، فإذا كان
هذا العقد الخاص واجب الوفاء بدليل أوفوا فيكون الشرط الذي
يوجب تضييق الدائرة أيضا واجب الوفاء كما هو واضح، فلا نحتاج مع
ذلك إلى دليل وجوب الوفاء بالشرط لاثبات كون الشرط في القسم الأول
والثاني أيضا نافذا وضعا كما لا يخفى.
صيرورة الأمر الاعتباري الجائز لازما باشتراطه على نحو شرط النتيجة
ثم إنه إذا اشترط أحدهما في ضمن العقد على الآخر أمرا اعتباريا
على نحو شرط النتيجة، وكان ذلك الأمر الاعتباري جائزا في طبعة
كالوكالة، فهل يكون لازما باشتراطه في ضمن العقد، أو لا يكون كذلك
بل يكون جائزا كما كان كذلك إذا تحقق في نفسه خاليا عن اشتراطه في
ضمن عقد من العقود؟
ولم تر من تعرض لذلك إلا السيد في حاشيته (2)، حيث إنه ذكر هذا
وحكم بكونه لازما من جهة أن المستفاد من القرائن الخارجية القطعية أن
اعراض الشارط كون المشروط عليه وكيلا من قبل الشارط ليس هو
الوكالة حدوثا وابتداءا بحيث يكون المشروط عليه وكيلا له بعد العقد
حدوثا فقط لا مستمرا، بل غرضه هو الوكالة المستمرة كما هو واضح.
وفيه ليس لنا كلام في كون الوكالة المشروطة في ضمن العقد مستمرة
أو غير مستمرة، بل هي مستمرة بلا ريب، وإنما الكلام في أن هذه
الوكالة المستمرة جائزة كالوكالة في عقد الوكالة أو غير جائزة بل هي
لازمة كما هو واضح.

1 - المائدة: 1.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 121.
349

فما ذكره السيد (رحمه الله) خارج عن محل الكلام كما لا يخفى، والظاهر أنها لازمة.
والوجه في ذلك هو أن دليل الوفاء بالشرط إنما دل على أن المؤمن عند
شرطه، وشرطه لازمة عليه ولاصق به ومنضم إليه، بحيث لو أراد أن
لا يفي بشرطه ويفكه عن نفسه لا يمكن، وهذا عبارة أخرى عن لزوم
الشرط، فالوكالة وإن كانت جائزة بحسب طبعها ولكن حيث اشترط ذلك
في ضمن العقد اللازم.
فمقتضى دليل الوفاء بالشرط هو كونها لازمة وغير جائزة، وأن الوكالة
الحاصلة بعنوان شرط النتيجة لا تنحل بالفسخ، بل المأخوذ في موضوع
وجوب الوفاء بالشرط هو الايمان والإسلام، وهما يقتضيان اللزوم،
بحيث أن يكون هنا شئ لم يكن قبل الشرط، ومن الواضح أن الجواز في
الوكالة كانت قبل الشرط.
على أنا ذكرنا من أنه يكفي في لزوم الشرط نفس دليل الوفاء بالعقد
ولا نحتاج بعد ذلك إلى ما يدل على وجوب الوفاء بالشرط، وذلك لأن
الاشتراط يوجب تضييق دائرة المنشأ وكونه حصة خاصة، ولا شبهة أن
أوفوا بالعقود (1) يدل على وجوب الوفاء بهذه الحصة الخاصة كما
لا يخفى، فكما أن العقد يكون لازما بالاشتراط وجميع ما يكون من
قيوده وحدوده أيضا يكون لازما بذلك كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
نعم إذا اشترط على الآخر أن يوكل شخصا آخر في ذلك فإنها يكون
جائزة، وهذا بخلاف اشتراط كونه وكيلا، هذا ما يرجع إلى شرط أمر
اعتباري بعنوان شرط النتيجة.

1 - المائدة: 1.
350

وأما شرط الفعل فقد تقدم الكلام في بعض الجهات الراجعة إليه،
ومن جملتها هي أن مقتضى المؤمنون عند شروطهم هو شرط الفعل
فقط، لكونه دالا على الحكم التكليفي فلا يتعلق إلا بالفعل كتعلق النذر به
أو يعم بقية الأقسام.
فقد عرفت أن المصنف (رحمه الله) ذكر كونه وجوب الوفاء بالنذر بحيث لا
يتعلق إلا بالفعل، وأما بقية الأقسام فليست مشمولة لذلك، ولكن قد
عرفت أن الأمر على خلاف ذلك وأن مفاد دليل الوفاء بالشرط هو الأعم
من ذلك.
مخالفة الشهيد (رحمه الله) في كون دليل الوفاء بالشرط دالا على الحكم التكليفي
ثم إنه خالف الشهيد (رحمه الله) في كون دليل الوفاء بالشرط دالا على الحكم
التكليفي أعني وجوب الوفاء بالشرط، بل ذكر أنه لا يجب على المشروط
عليه فعل الشرط، وإنما فائدة الشرط هو جعل العقد عرضة للزوال (1).
ولكنه واضح الدفع حيث عرفت أن الظاهر من قولهم (عليهم السلام):
المؤمنون عند شروطهم، كقولهم (عليهم السلام): المؤمن عند عدته، حيث
يستفاد من أمثال ذلك وجوب الوفاء بالشرط والوعد، على أن غرض
الشارط هو أن يلزم المشروط عليه بحسب شرطه لا مجرد جعل العقد
جائزا وعرضة للزوال.
بل قد عرفت أن المأخوذ في موضوع الوفاء بالشرط هو الايمان وأن
الوفاء به من علامته، وهو يقتضي أن يكون المشروط عليه ملزما بالوفاء
ويجب عليه الوفاء بالعقد، خصوصا يتضح أن الحديث يدل على وجوب

1 - الدروس 3: 214.
351

الوفاء تكليفا بملاحظة رواية منصور المتقدمة حيث دلت على أنه إذا
اشترط ذلك فليف بشرطه، وطبق عليه الإمام (عليه السلام): المؤمنون عند
شروطهم.
2 - لزوم الوفاء بالشرط هل هو حكم تكليفي محض أو أنه من جهة حق
للمشروط له على المشروط عليه؟
ومن جملة الجهات للبحث هنا هو أن مقتضى دليل الوفاء بالشرط ما
ذكره المصنف (رحمه الله)، حيث قال:
إن للمشروط له اجبار المشروط عليه من جهة أنه التزم بالعمل له، فله
اجباره من جهة التزامه العمل للمشروط له، وهذا لا من جهة جواز الأمر
بالمعروف بل من جهة ثبوت حق له عليه بالتزام عليه بالشرط، حيث إنه
التزم له فله المطالبة بذلك.
فما أفاده (رحمه الله) متين، ويؤيده ما في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام): فليف
للمرأة بشرطها (1)، حيث عبر باللام وقال: للمرأة، الظاهر في كونه حقا
لها، وعليه فللمشتري أو للبايع أن يطالب المشروط عليه لشرطه،
مضافا إلى السيرة العقلائية فإن العقلاء يرونه حقا على المشروط عليه
ويطالبون به في المحاكم العرفية.

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
352

ثم إنه (رحمه الله) استدل على ذلك بوجه آخر، وملخصه: أن الشرط ملك
للمشروط له وله أن يطالب بمملوكه، وأن الشرط كأحد العوضين فكما
أن أجزاء العوضين لا بد من تسليمها إلى مالكهما، وكذا الشرط لأنه
كالجزء لا بد من تسليمه إلى مالكه.
وهذا لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لما قدمنا من أن الشرط
لا يوجب اشتغال ذمة المشروط عليه بالشرط على نحو لو مات أخرج من
تركته كما في العوضين، فإنه لم يثبت كون الشرط كذلك، نعم يجب عليه
الوفاء بما اشترطه على نفسه وهو حق ثابت للمشروط له، وأما الملكية
فلا كما لا يخفى.
والمتحصل أن المشروط له يتمكن من مطالبة المشروط عليه بالشرط
واجباره عليه، لأنه حقه حسب التزامه، مضافا إلى دلالة الرواية المتقدمة
وثبوت السيرة العقلائية، وأقوى من الكل أن له اسقاطه، وهو يؤيد كون
وجوب الوفاء حقيا لأنه القابل للاسقاط.
ويمكن أن يقال إن الحكم أيضا يعقل أن يرتفع باسقاطه من جهة
احتمال أنه مشروطا بعدم رفع يد المشروط له منه، وهذا أمر ممكن
بحسب مقام الثبوت، إلا أنه يحتاج إلى دليل في مقام الاثبات.
بيان آخر
هل الحكم الحكم التكليفي فقط كوجوب الوفاء بالنذر، فإنه لا يجب
للمنذور له بل لا يجوز مطالبة المنذور من الناذر لعدم استحقاقه على
الناذر شيئا أصلا إلا من باب الأمر بالمعروف يجوز المطالبة، وهو
لا يختص بالمنذور والمشروط له بل هو وظيفة كل مسلم، أو يدل على
الحكم الوضعي أيضا بحيث يكون هنا وجوب حقي يجوز للمشروط أن
353

يطالبه من الشارط، بمعنى أن هنا حقا للشارط على المشروط عليه
بحسب الاشتراط بحيث للشارط اجبار المشروط عليه على الوفاء
بشرطه بحسب الاشتراط.
وربما يفصل بين الشرط الراجع إلى مصلحة أحد المتعاقدين كخياطة
الثوب ونحوها، وبين ما لا يرجع إلى مصلحتهما كاشتراط كنس
المسجد، فالتزم بجواز الاجبار في الأول دون الثاني، كما ربما يفصل بين
الشرط الذي كالمتعلقات للعقد نظير اشتراط رهن المبيع عند البايع لعدم
اطمينانه للمشتري حتى يوثق بثمنه، وبين الشرط الأجنبي نظير الخياطة
ونحوها، ففي الأول يصح الاجبار لأنه من متعلقات العقد والعمل به
كالعمل بالعقد لازم دون الثاني.
فقد اختار المصنف الوجه الثاني، لأن مقتضى العمل بالشرط ليس هو
إلا كتسليم العوضين، فإن المشروط له له حق بحسب الاشتراط على
المشروط عليه، ولذا له أن يجبره على الوفاء، وسيأتي في البحث الآتي
أن الاجبار في عرض كون الشارط مخيرا بين الفسخ والامضاء، لا أنه ليس
الاجبار أصلا كما زعمه بعضهم.
نعم إن الشارط لا يملك شيئا بحسب الاشتراط كما في كلام المصنف،
حيث ذكر أن الشارط يملك على المشروط عليه الشرط، إذ ليس هنا
مملوك وإلا فلا بد وأن يكون من جملة الإرث على تقدير موت الشارط
وليس كذلك، وقد عرفت أن الشرط لا يقابل بجزء من الثمن ليكون
مملوكا للشارط بل هو جعل حق على المشروط عليه، والشاهد على
ذلك أنه يسقط ذلك بالاسقاط، مع أنه لو كان مفاد الدليل مجرد الحكم
التكليفي لم يسقط بالاسقاط كما هو واضح.
ثم إن ما ذكره المصنف (رحمه الله) من الاستدلال بالروايات الدالة على أن
354

المؤمنون عند شروطهم، على أنه ليس الوفاء بالشرط مجرد التكليف
المحض بل هنا شئ آخر للشارط على المشروط عليه متين، ولكن قد
عرفت أنه ليس بملك لعدم ترتب لوازمه من الإرث ونحوه على ذلك
وإنما هو حق من الحقوق، ولا شبهة في دلالة الروايات المتقدمة على
ذلك.
ويضاف على ذلك قيام السيرة القطعية على ذلك، وأن اشتراط أحد
المتعاقدين على الآخر مجرد اثبات الحكم التكليفي عليه بل غرضه
أن يجعله ملزما بهذا الشرط، بحيث يجبره على ذلك في المحاكم
المختصة على تقدير الامتناع، بل ربما لا يلتفت الشارط بالحكم
التكليفي أصلا.
وعلى الجملة فبناء العقلاء على ثبوت حق للشارط على المشروط
عليه بالاشتراط، وغرض المتبايعين أيضا هو ذلك، فإن الشارط غرضه
اثبات حق على المشروط عليه والزامه اعطاء ذلك الحق، وسيأتي أن
الاجبار على الوفاء بالشرط في عرض الخيار والفسخ لا في طوله.
ويدل على ذلك كله أن للمشروط له اسقاط ذلك، فإنه لو لم يكن من
الحقوق لم يقبل ذلك الاسقاط، فمن قبوله الاسقاط نستكشف كونه من
قبيل الحقوق كما هو واضح.
المناقشة في كلام المحقق الثاني (رحمه الله)
وما عن صاحب جامع المقاصد (1) من توجيه عدم الاجبار بأن له طريقا
إلى التخلص بالفسخ ضعيف في الغاية، بداهة أن من جعل لنفسه الخيار

1 - جامع المقاصد 4: 422.
355

إنما غرضه هو الفسخ بعد تعذر أخذ ما شرط عليه إما لعدم تمكنه أو لعدم
تسلط الشارط على المشروط عليه لشقاوته، وأما مع امكان اجباره ولو
بالشكاية إلى المحاكمة المختصة فيجبره عليه، إذ لو لم يكن للشارط حق
الاجبار لتضرر في معاملته غالبا.
فإنه لو اشترى أحد شيئا مع الشرط على البايع وترقي قيمة ذلك
الشئ أضعاف قيمته الأولى فليس للمشروط عليه أن لا يعمل بالشرط
ويقول للشارط افسخ المعاملة، بل يجبره الشارط على الوفاء إلا أن يريد
الفسخ على طبق ميله.
وليس غرضنا من ذكر الضرر التمسك بحديث نفي الضرر، بل غرضنا
استبعاد هذا المطلب، أي الالتزام بعدم جواز الاجبار، فإن نتيجة ذلك هو
تضرر الشارط كثيرا وهو على خلاف الارتكازات العقلائية وبنائهم، فإنه
ليس من المتعارف أن يشترط أحد على غيره بشرط ومضي مدة ثم يقول
المشروط عليه ليس لك إلا فسخ العقد.
وعلى الجملة ليس الغرض من الشرط هو تخلص الشارط عن
المعاملة ولوازمها حتى يقال إنه ليس منحصرا بالاجبار بالفسخ، بل
غرض الشارط هو الوصول إلى غرضه من الشرط من المنافع ودفع الضرر
ولو كانت الأغراض شخصية، فلا وجه للقول بأن له وجها إلى التخلص.
وبعبارة أخرى أن ما أفاده جامع المقاصد لا يتم، لا من جهة ما ذكره
المصنف من الخيار في مرتبة متأخرة عن الاجبار لوصول النوبة إليه، لما
سيأتي أن الاجبار في عرض الخيار لا في طوله، بل من جهة أنه إن كان
للمشروط له حق المطالبة فلا شبهة في جواز الاجبار لمطالبة الحق وإلا
كان مفاد الشرط هو الحكم التكليفي فقط كالنذر فلا يسوغ الاجبار،
مضافا إلى قيام السيرة.
356

وقد يتوهم أن ظاهر الشرط هو فعل الشئ اختياريا، فإذا امتنع
المشروط عليه فقد تعذر الشرط وحضور الفعل منه كرها بالاجبار غير ما
اشترط عليه، لأن اللازم أن يكون متعلق الشرط أمرا اختياريا كما تقدم،
فلا يكون الاجبار موجبا للوفاء بالشرط.
وفيه الظاهر أن هذا التوهم إنما نشأ من الخلط بين الكلمة الاختيارية
المستعملة في مقابل عدم القدرة وكلمة الاختيار المستعملة في مقابل
الكره وعدم المحبوبية، والذي هو موضوع صحة التكاليف هو الأول،
بمعنى أنه يشترط أن يكون التكليف متعلقا بأمر اختياري فلا يصح تعلقه
بأمر غير مقدور، وأما الثاني فلا، ومن الواضح أن الفعل أعني الشرط في
المقام وأن يصدر عن المشروط عليه بالكره ولكن مع ذلك هو فعل
اختياري له، وليس فعلا غير اختياري حتى لا يصح كونه متعلقا للشرط
إلا أن يكون الاكراه عن غير حق.
وبعبارة أخرى أن متعلق الشرط لا بد وأن يكون أمرا مقدورا، سواء
كان صادرا عن المشروط عليه كرها أم اختياريا مقابل الكره، فلا وجه
لهذا التوهم أصلا.
نعم لو اشترط على الآخر فعلا صادرا عنه بالاختيار وعدم الكره كان
لهذا التوهم مجالا واسعا كما هو واضح.
هذا كله مع الاغماض عما ذكرناه في اشتراط الوجوب بالقدرة، حيث
قلنا إن الوجوب لا يتعلق بغير المقدور، وأما إذا كان الفعل مقدورا تارة
وغير مقدور أخرى فلا مانع من ايجاب الجامع بين المقدور وغير
المقدور، لأن الجامع بينهما مقدور، وكذلك نقول في المقام، إن الالتزام
بالعمل الغير الاختياري وإن كان غير معقول إلا أن العمل إذا صدر من
الاختيار تارة ومن غير الاختيار أخرى فالجامع بين الاختياري وغيره
لا مانع من التزامه، ولكن لو لم نقل بذلك فالجواب ما عرفته آنفا.
357

3 - إذا امتنع من الوفاء هل للحاكم أن يباشر بذلك؟
قد عرفت أن شيخنا الأنصاري (قدس سره) تعرض في المقام لعدة أمور:
منها: إن الوفاء بالشرط واجب على المشروط عليه وجوبا تكليفيا.
ومنها: إن لزوم الوفاء بالشرط هل هو حكم تكليفي محض أو أنه من
جهة حق للمشروط له على المشروط عليه، ولذا يمكنه اجبار المشروط
عليه على العمل والوفاء بما لزمه على نفسه.
ذكر المصنف أن له اجبار المشروط عليه بالوفاء من جهة أنه ملك
الشرط باشتراطه، وقد وافقناه في النتيجة وناقشنا في دليلها، وقد قلنا
إن له اجباره واستشهدنا عليه بالسيرة العقلائية، وقلنا إن لزوم الفعل
بالشرط وكونه حقا للمشروط له ثابت ببناء العقلاء، وأن الأدلة الدالة على
لزوم الوفاء بالشرط وردت امضاء للسيرة المذكورة.
ثم إنه قد تعرض بعد ذلك على أمر ثالث، وهو أن المشروط عليه إذا
امتنع من الوفاء بما التزمه وكان الشرط أمرا قابلا للنيابة كالانشائيات،
نظير بيع شئ أو هبته ونحوهما، فهل للحاكم أن يباشر بذلك فيبيع
المال المشروط بيعه أو يهبه من قبل المشروط عليه، أو أنه ليس للحاكم
ذلك ولا يقع عمله نافذا عن قبل المشروط عليه؟
قد قوي تمكنه من ذلك من جهة ما ورد من أن السلطان ولي الممتنع (1)،
فيندفع ضرر المشروط له بتصدي الحاكم للوفاء بما التزمه المشروط
عليه على نفسه، هذا.
والوقت لم يسع للمراجعة إلى أن هذه الرواية هل رويت بطريقنا وأنها

1 - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في حديث: السلطان وصي من لا وصي له، والناظر
لمن لا ناظر له (دعائم الاسلام 2: 363، عنه المستدرك 14: 139)، ضعيفة.
358

معتبرة، أو أنها نظير المختصرات اللغوية لا اعتبار لها، فليراجع إلى
مظانها.
ثم على تقدير أنها رواية معتبرة لا تكفي بمجردها في اثبات المدعى،
وهو صحة تصدي الحاكم على ما امتنع من الالتزام، بل لا بد من ضم
مقدمة خارجية إليها، فإن الحاكم ليس بسلطان ولا من دونه بمرتبة أو
بمراتب، فلا بد في اثبات ولاية الحاكم من دعوى القطع بمناسبة الحكم
والموضوع.
على أن هذه الولاية الثابتة للسلطان ليست من الأحكام المختصة
للسلطان، بل هو من أحكام المنصب فيثبت للحاكم أيضا، لأن المستفاد
من الرواية أن الشارع لا يرضى بتضييع حقوق الناس، وهذا كما ثبت
للسلطان يثبت للحاكم أيضا إذا تمكن من ذلك، ولولا دعوى القطع
المذكورة احتاج اثبات المدعى في المقام إلى ضم كبرى كلية على هذه
الرواية، وهي ولايته في كل ما للسلطان من الأحكام والمناصب أو
المناصب المختصة له.
وقد تقدم في بحث الولاية أن ولاية الحاكم على نحو الكلية غير ثابتة،
وأنه ليس له الولاية في كل ما للإمام والسلطان ولاية، ولذا ذكرنا أن
اثبات المدعى في المقام بمجرد هذه الرواية غير ممكن، إلا بضم دعوى
القطع على أن هذه الولاية ليست من مختصات السلطان بمناسبة الحكم
والموضوع.
4 - إن الخيار الثابت للمشروط له على تقدير عدم الوفاء هل هو في عرض
الاجبار أو أنه في طوله؟
ثم إنه قد تعرض إلى أمر رابع في المقام، وهو أن الخيار الثابت
للمشروط له على تقدير عدم وفاء المشروط عليه بما التزمه على نفسه
359

هل هو في عرض الاجبار أو أنه في طوله، بمعنى أنه إذا تعذر عليه اجباره
ولم يتمكن منه تنتهي النوبة إلى الخيار وله أن يفسخ العقد حينئذ، أو أنه
مع تمكنه من الاجبار متمكن من الخيار أيضا.
نقل عن بعضهم أن الخيار في طول الاجبار، وعن العلامة أن الخيار في
عرضه، وأن مع تمكنه من الاجبار متمكن من الفسخ، ثم قوى (قدس سره) عدم
ثبوت الخيار مع التمكن من الاجبار.
وفي حاشية المكاسب من تقريرات شيخنا الأستاذ (قدس سره) أن هذا البحث
بعينه البحث السابق ولا اختلاف بينهما إلا في مجرد الألفاظ، واحتمل
هناك أن يكون تكراره من قلم شيخنا الأنصاري (رحمه الله)، وتعجب منه في أنه
كيف تعرض له ثانيا.
ولا يخفى وضوع الفرق بين المسألتين، لأن البحث في المسألة الأولى
إنما كان متمحضا في ثبوت أصل الاجبار وأنه جائز للمشروط له أو لا،
وأما في هذه المسألة فالبحث فيها في أن الخيار الثابت للمشروط له في
عرض الاجبار أو في طوله، فالمسألتان متغائرتان لا ربط من إحديهما
إلى الأخرى.
والعجب من شيخنا الأستاذ أنه كيف خفي ذلك عليه مع أنه أمر واضح
لا يحتاج إلى إقامة الدليل، ولعل الاشتباه من قلمه الشريف دون قلم
شيخنا الأنصاري.
وذكر بعض المحققين (1) أن أصل عنوان المسألة عجيب، لأن استحالة
اجتماع الخيار مع التمكن من الاجبار بمكان من الوضوع.
والوجه في ذلك أنا ذكرنا أن الشرط ليس هو مجرد الوفاء الاختياري
بل يعمه والوفاء الاجباري أيضا، ومن الظاهر أن الخيار إنما يثبت في

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 67.
360

المقام بعد تعذر الشرط، إذ الكلام في هذا الخيار أعني خيار تعذر الشرط
ومع التمكن من الخيار لا تعذر للشرط بل هو ممكن ومعه لا معنى
للخيار.
وبالجملة فرض التمكن من الاجبار فرض عدم تعذر الشرط الذي هو
أعم من العمل الاختياري والاجباري، وفرض عدم تعذر الشرط فرض
عدم الخيار فكيف يجتمع التمكن من الاجبار مع الاختيار.
وما أفاده (رحمه الله) متين، لو كان المراد بالخيار في المقام خصوص خيار
تعذر الشرط، إذ مع التمكن من الاجبار لم يتعذر الشرط فلم يتحقق
موضوع الخيار، وأما لو كان المراد بالخيار الأعم من تعذر الشرط كما
سيأتي فلا وجه لما أفاده.
وبعبارة أخرى أنا نلتزم بالخيار عند تعذر الشرط، لكن لا من جهة
خصوصية في التعذر، بل من جهة أنه أحد الأمور الموجبة للخيار
ومصداق من مصاديق الموجب للخيار، وحينئذ يمكن أن يثبت الخيار
مع التمكن من الاجبار ليتحقق موضوعه كما سنبينه إن شاء الله.
التحقيق في المقام
وعليه فلا بد من مراجعة مدرك الخيار لو بنى أنه يثبت مع التمكن من
الاجبار أو لا يثبت، إذ عدم امكان اجتماعها ليس من البديهيات حتى
لا يحتاج فيها إلى دليل.
فنقول أيضا: مدرك الخيار عند تخلف الشرط هو الاجماع، كما ذهب
إليه بعضهم، فلا بد فيه من الاقتصار على المورد المتيقن، وهو صورة
عدم التمكن من الاجبار، وأما معها فلا يقين بالاجماع على ثبوت الخيار
حينئذ فلا يثبت الخيار بعد عدم التمكن من الاجبار.
361

وإن كان المدرك لثبوت الخيار قاعدة لا ضرر، كما ذهب إليه
المصنف، فلا يثبت الخيار مع التمكن من الاجبار أيضا، لأنه مع تمكنه من
الاجبار لا يتوجه عليه ضرر حتى يدفع بالخيار، ومن هنا ذكر شيخنا
الأنصاري أن الخيار في طول الاجبار لا في عرضه، ولكنا ناقشنا في كون
مدرك الخيار هو قاعدة لا ضرر في خيار الغبن فراجع.
وأما إذا كان المدرك للخيار عند تخلف الشرط هو الشرط الضمني
الذي اعتمدنا عليه، فالخيار ثابت مع التمكن من الاجبار، وذلك لأن
المشروط له قد علق إلزامه في المعاملة على التزام المشروط عليه
بالشرط، وقد ذكرنا أن الشرط لا بد وأن يكون مربوط بالعقد، ولا معنى
لكونه عبارة عن الالتزام في ضمن الالتزام بأن يكون العقد ظرفا للشرط
فقط، بل لا بد وأن يكون مربوطا به.
وذكرنا أيضا أن الاشتراط يوجب تعليق أصل المعاملة على التزام
المشروط عليه بالشرط، بحيث لولا التزامه بالفعل فلا يتحقق المعاملة
أصلا، كما أن التزامه بالمعاملة وقيامه عليها معلق على وفائه بالشرط في
الخارج، بمعنى أن المشروط عليه إن لم يف بالتزامه في الخارج
فللمشروط له أن لا يف بالتزامه بالمعاملة.
وبعبارة أخرى أن التزام المشروط عليه بالشرط وإن كان محققا بحسب
الحدوث، ولذا قلنا بتحقق البيع لحصول ما علق عليه، إلا أنه إن التزم
بالشرط بحسب البقاء أيضا فيلتزم المشروط له أيضا بالمعاملة، وأما إذا
لم تلزم المشروط عليه بالشرط بحسب البقاء فللمشروط له أن لا يفي
بالتزامه بالمعاملة فيفسخها.
وعليه فالخيار يثبت للمشروط له بمجرد عدم وفاء المشروط عليه
بشرطه وعدم التزامه به بقاءا، ومعنى خياره كونه متمكنا من رفع اليد عن
362

التزامه، وقد عرفت أنه إنما يكون متمكنا من رفع اليد عن التزامه فيما إذا
لم يلتزم المشروط له عليه بالشرط بحسب البقاء، ومعه لا داعي إلى
تقييده بعدم التمكن من الاجبار لأنه كلفة زائدة، وبما ذكرنا ظهر أن الخيار
في المقام في عرض الاجبار لا في طوله.
ويمكن أن يكون نظر المصنف فيما ذكره في المقام إلى ذلك، حيث
ذكر أن المقام لا يقاس بامتناع تسليم أحد العوضين، لأن تسليم كل من
العوضين إلى مالك الآخر إنما يجب مع تسليم الآخر، فإذا لم يسلم
أحدهما فللآخر أن يمتنع عن التسليم، بمعنى أن الالتزام بالتسلم في كل
من المتبايعين مشروط وهو ثابت لكل منهما.
وهذا بخلاف المقام، لأن الالتزام بالعمل بالشرط إنما هو من أحدهما
لا من كليهما، فإذا لم يف بما التزمه فللمشروط له أن لا يفي بالتزامه،
وليس للمشروط عليه الامتناع من الوفاء حتى يف الآخر بالتزامه كما في
مسألة التسليم، إذ الالتزام ليس من الطرفين في المقام.
وقد ذكر المحقق المتقدم (1) أن هذا الكلام من الشيخ يشبه كلام الأطفال
في مقام اللجاج، حيث يقول أحدهما للآخر: إن لم تعطني لا أعطيتك،
وبما ذكرناه عرفت أن الأمر ليس كذلك، وأن هذا الكلام منه كلام متين،
ولا يشبه كلام الأطفال، لأن المشروط له قد علق التزامه بالمعاملة مع
وفاء المشروط عليه بالتزامه، فإن لم يف بما التزمه فلا يجب على
المشروط له البقاء على التزامه.
فما أفاده العلامة من أن الخيار في عرض التمكن من الاجبار هو
الصحيح.

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 67.
363

5 - إذا تعذر الشرط في الخارج فلا يثبت للمشروط له إلا خيار الفسخ
ثم إنه ذكر في المقام أمرا خامسا، وهو أنه إذا تعذر الشرط في الخارج
من جهة عروض عمى على من التزم بالخياطة أو شلل ونحوهما،
فلا يثبت للمشروط له إلا الخيار، وله أن يفسخ المعاملة حينئذ،
ولا يثبت له الأرش بأن يطالب المشروط عليه ما به التفاوت بين قيمة
الشئ مع الشرط كالخياطة وقيمته بدونه.
وربما يقال بثبوت الأرش في موارد تعذر الشرط لتفاوت قيمة المبيع
مع الاشتراط وقيمته بدونه، وثالثا يفصل بين الشروط التي تقابل في
نفسها بالمال كاشتراط خياطة الثوب لأن لها قيمة في نفسها، واشتراط
مال العبد في شرائه فيلتزم فيها بالأرش عند تخلفها وتعذرها، وبين
شرط الأوصاف مما لا يقابل بالمال في نفسه وإنما يوجب زيادة قيمة
المشروط، نظير اشتراط القدرة على الكتابة في العبد أو القدرة على
الطبخ وغيرهما من الأوصاف الكمالية الموجبة لاختلاف قيمة
الموصوف فيلتزم بعدم الأرش فيها.
ولا يخفى عليك أن الشروط، سواء كانت من شرط الأوصاف أو
غيرها، مما لا يقابل بالمال في المعاملات ويقع شئ من الثمن في
مقابلها، بل الثمن بتمامه يقع في مقابل ذات المبيع، وعليه فلا وجه
للأرش ومطالبة ما يخص بها من القيمة مطلقا، وإنما التزمنا بالأرش في
خيار العيب من جهة النصوص لا من جهة مطابقة القاعدة.
وقد أشار السيد في حاشيته (1) على ثبوت الأرش في تخلف الشروط،

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 130.
364

بدعوى أنها وإن لا تقابل بالمال في مقام الانشاء وعالم الظاهر، إلا أنها
تقابل بها في عالم اللب والواقع، وقد تقدم ذلك في مبحث خيار العيب،
وبه أثبت كون الأرش على وفق القاعدة.
وأجبنا عنه هناك بأن المعاملات مما ليس له عالمان: ظاهر وواقع،
وصورة ولب، بل صورتها لبها ولبها صورتها، لأنها ليست إلا الاعتبارات
النفسانية مبرزة بمبرز في الخارج، وهو إما موجودة أو معدومة،
ولا معنى لثبوتها لبا دون صورة، وعليه فلا يثبت للمشروط له عند
تخلف الشروط وتعذرها إلا الخيار دون الأرش كما عرفت.
6 - إن صار الشرط متعذرا والعين خرجت عن ملك المشروط عليه، فهل
يمنع ذلك عن فسخه أو لا؟
ثم إن المصنف ذكر أمرا سادسا، وهو أن الشروط إذا صار متعذرا
وثبت بذلك الخيار للمشروط له، ولكن العين خرجت عن ملك
المشروط عليه وسلطنة لتلف أو نقل لازم، فهل يمنع ذلك عن فسخه أو
لا، وعلى تقدير فسخه هل يرجع على المشروط عليه بقيمتها أو مثلها،
أو أنه يقتضي الرجوع إلى نفس العين بفسخ العقد الواقع عليها من أصلها،
أو من حين الفسخ.
وقد تعرض (قدس سره) في المقام إلى جهات:
الجهة الأولى
في أن المشروط له إذا فسخ هل يرجع إلى قيمة العين ولا يرجع إليها
بنفسها بفسخ العقد الواقع على العين، من جهة أن العقد الواقع على العين
قد صدر من أهله ووقع في محله، حيث إنه صدر من مالكها في زمان ملكه
365

فلا وجه لبطلان العقد، بل لو فسخ فلا بد من أن يرجع ببدلها، أو أن
يرجع إلى نفس العين بفسخ العقد الصادر من المشتري من أصله أو من
حين فسخه.
والصحيح أن يرجع إلى بدلها، لأن العقد الواقع عليها كان صحيحا
حين صدوره ولا وجه لبطلانه، وتعرضنا لذلك تفصيلا فيما تقدم،
والمقام أعني تعذر الشرط مع خروج العين عن ملك المشروط عليه من
أحد صغريات ما تقدم في محله، من أن الفسخ بعد انتقال العين إلى ملك
شخص آخر بعقد صحيح لا يقتضي إلا الرجوع إلى بدلها، فراجع.
الجهة الثانية
إن الشرط إذا تعذر وخرجت العين عن ملك المشروط عليه بعقد آخر
منافي لمقتضى الشرط، كما إذا اشترط عليه بيعه من زيد وهو باعه من
عمرو، أو اشترط عليه وقفه وهو باعه، وهكذا مما يكون منافيا
للاشتراط، فهل العقد الواقع على المال صحيح مع أنه مخالف لمقتضى
الشرط، أو أنه باطل.
أو يفصل فيه بين ما إذا قلنا بأن الشرط يقتضي حقا للمشروط له على
المشروط عليه فنلتزم في الأول بصحة العقد الصادر من المشروط عليه
الذي هو مخالف لمقتضى العقد، لأنه لا يستلزم حينئذ إلا مجرد
المخالفة للحكم الشرعي بوجوب الوفاء، وأما عقده فصحيح ونلتزم في
الثاني بالبطلان، إذا لم يسبقه الإذن من المشروط له ولم تلحقه إجازة منه،
لأنه حينئذ بيع شئ تعلق عليه حق الغير وبيعه باطل، وأما إذا سبقه إذنه
أو لحقه إجازته فالعقد أيضا صحيح، وهذا هو الذي ذهب إليه
المصنف.
366

وربما يفصل في المقام بتفصيل آخر، وهو التفصيل بين سبقه بالإذن
من المشروط له فالعقد يصح، وبين لحوقه بإجازته أي المشروط له
فيبطل، بدعوى أن العقد إذا سبقه إذن من له الحق فعقده وقع صحيحا
عند اسناده إلى العاقد.
وأما إذا وقع بلا إذنه حين اسناده إلى عاقده ثم لحقته الإجازة
فلا محالة يقع فاسدا لأنه عقد واحد شخصي قد حكم عليه بالبطلان حين
صدوره من العاقد، فكيف ينقلب إلى الصحة بالإضافة - والعقد باستمرار
الزمان لا يكون متعددا - إلى نفس ذلك العاقد بعد ذلك.
وقد تقدم هذا التفصيل من الشيخ أسد الله التستري (رحمه الله) في بيع
الفضولي، حيث فصل في تصحيح العقد الأول بالإجازة المتأخرة بين
العقد الفضولي المصطلح، أعني ما إذا كان العاقد غير من ينسب إليه العقد
بالإجازة، وبين مثل تزويج بنت أخت الزوجة أو بنت أخ الزوجة مما
يكون العاقد الفضولي فيه هو المنتسب إليه العقد بالإجازة، فالتزم في مثل
ذلك بصحة العقد المذكور فيها إذا سبقه الإذن من الزوجة وبالبطلان فيما
إذا لم يسبقه الإذن، سواء لحقته الإجازة أيضا أم لم تلحقه.
وذلك من جهة أن العقد حين صدوره من العاقد حكم عليه بالبطلان
لعدم اشتماله على شرط صحته، فلا يمكن أن ينقلب إلى الصحة
بالإجازة المتأخرة بالإضافة إلى ذلك العاقد لأنه عقد واحد قد حكم
بالفساد - والعقد الواحد لا يتعدد بحسب الأزمنة - بالإضافة إلى العاقد
فلا يتصف بالصحة بالإضافة إليه أبدا.
و هذا بخلاف الإجازة في الفضولي المصطلح، لأن العقد وإن اتصف
بالبطلان بالإضافة إلى العاقد إلا أنه لا مانع من اتصافه بالصحة بالإضافة إلى
المالك إذا أجاز، لأنه لم ينسب إليه قبل إجازته ليحكم بصحته أو بفساده
367

بل ينسب إليه بإجازته ويحكم بصحته له من حين الانتساب، هذا ما فصله
الشيخ أسد الله التستري هناك.
والتفصيل المذكور في المقام هو عين هذا التفصيل الذي نقلناه عن
الشيخ المذكور، وقد أجبنا عما فصله شيخ المتقدم هناك بوجوه:
منها: أن مقتضى الأخبار الواردة في صحة تزويج العبد بدون إذن مولاه
إذ الإجازة بعد تزويجه معللا بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده (1)، عدم
الفرق في صحة العقد الصادر فضوليا بالإجازة المتأخرة بين الفضولي
المصطلح وتزويج بنت أخت الزوجة أو بنت أخيها.
وذلك لأن الأخبار المذكورة تعطي ضابطة كلية في صحة العقد
الفضولي بالإجازة المتأخرة، وهي أن العقد الصادر عن الفضول إن كان
معصية لله تعالى فهو باطل ولا ينقلب إلى الجواز، وصحة الفضولي على
طبق القاعدة في جميع موارده، فلا وجه لرفع اليد عنها في بعض موارده.

1 - عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها
ثم اطلع على ذلك مولاه، فقال: ذلك إلى مولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن
فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدي فأصدقها صداقا كثيرا، فإن أجاز نكاحه فهما
على نكاحهما الأول، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إنما أتي شيئا حلالا وليس بعاص لله وإنما عصى سيده، ولم يعص الله إن ذلك ليس
كاتيانه ما حرم الله تعالى عليه من نكاح في عدة وأشباهه (الكافي 5: 478)، ضعيف بموسى بن
بكر.
وعنه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى
سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم
النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل له إجازة السيد له، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إنه لم يعص الله إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز (الكافي 5: 478)، حسن
بإبراهيم بن هاشم.
368

وأما إذا لم يكن معصية لله حتى بالإجازة المتأخرة لأنه كان معصية
ومخالفة لذلك المجيز، فإذا رضي به وأجاز جاز، وفي العقد المذكور
أيضا إذا رضيت الزوجة وأجازت عقد بنت أختها أو بنت أخيها جاز لأنه
لم يكن معصية لله، وإنما كان معصية للزوجة ومخالفا لحقها فإذا أجازت
جاز، فهذا التفصيل ساقط والتفصيل موكول إلى محله.
المناقشة في القول بالبطلان
وأما دعوى البطلان مطلقا فلعلها من جهة أن العقد حينئذ منهي عنه،
لأنه مناف للوفاء بالشرط الواجب والنهي في المعاملات يوجب الفساد،
ويرد عليه وجوه:
1 - إنه ليس في المقام نهي مولوي شرعي من بيع المشروط عليه ماله
من غير من اشترط بيعه منه، إذ لم يرد عنه نهي، وإنما أمر ببيعه ممن
اشترط بيعه منه، وهو لا يقتضي النهي عن بيعه من غيره إلا على القول بأن
الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده وهو ممنوع.
2 - ذهب إلى أن بيعه من غير من اشترط بيعه منه مورد للنهي ولو من
جهة اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده، إلا أنا ذكرنا في محله أن النهي
في المعاملات لا يقتضي فسادها مطلقا، سواء تعلق بالسبب أو بالمسبب
أو بالتسبيب.
3 - إنا لو سلمنا أن العقد المذكور منهي عنه شرعا، وسلمنا أن النهي
في المعاملات يوجب الفساد، ولكنه لا يلزم منه الالتزام بفساد العقد
المذكور مطلقا، لأنه إذا رضي به المشروط له إذنا أو إجازة فلا محالة
ترتفع النهي عنه، إذ النهي عنه ليس إلا من جهة حق المشروط له، فإذا
تجاوز عن حقه ارتفع النهي، ودعوى البطلان مطلقا لا يرجع إلى وجه
صحيح.
369

ومن ذلك يظهر أن التفصيل بين كون الوجوب تكليفيا محضا أو كونه
حقيا، كما ذهب إليه المصنف لا يمكن المساعدة عليه، لأن الوفاء
بالشرط ولو قلنا إنه من جهة ثبوت الحق للمشروط له على المشروط
عليه، إلا أن هذا الحق لا تتعلق بالمال والعين وإنما تتعلق على العقد،
فلا يكون بيعه بيعا لمتعلق حق الغير.
وليس المقام عن قبيل بيع العين المرهونة التي متعلق حق الغير، سيما
مع ملاحظة أن الخيار منعقد في المقام، فلا وجه للتفصيل بين الصورتين،
إذ في كليهما يكون بيعه مضادا لما يجب عليه الوفاء به تكليفا أو حقيا
ثبت للمشروط له الخيار من دون أن يستلزم بطلان العقد أبدا، فالصحيح
هو الالتزام بصحة العقد الصادر من المشروط عليه مطلقا، ويشمله
عمومات حل البيع والوفاء بالعقود، ولكن للمشروط له الخيار ولا وجه
للبطلان.
ثم لو قلنا ببطلان العقد الصادر من المشروط عليه فيخرج ذلك عن
محل الكلام، لأن البحث في تعذر الشرط ببيع المشروط عليه من اشترط
بيعه حينئذ، والكلام في تعذر الشرط.
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بصحة العقد من المشروط عليه، لأنه حينئذ
يكون داخلا في تعذر الشرط الذي هو محل الكلام في الجهة الخامسة
من عنوان كلام المصنف، إلا أنه إذا كان المشروط عليه متمكنا من العمل
بالشرط بفسخ عقده لجوازه أو شرائه منه ثانيا وجب عليه وألزم عليه
بمقتضى الاشتراط، فيفسخ عقده إن تمكن أن يشتريه ممن باعه منه ثانيا
ويصرفه في محله.
وهذه الصورة لا بد من اخراجها عن محل الكلام، وفرض البحث فيما
إذا لم يتمكن المشروط عليه من ارجاع العين إلى ملكه ولو بالشراء حتى
370

يتعذر عليه الشرط، فإذا كان الأمر كذلك وقلنا بصحة بيعه فقد تعذر عليه
الشرط ويثبت للمشروط له الخيار، فهو إن أمضى عقده أي عقد نفسه
فهو ولا كلام.
المناقشة في كلام العلامة (رحمه الله)
وأما إذا فسخ عقده فهل يرجع إلى بدل عينه، أو يرجع إلى نفسها
بفسخ العقد الواقع عليه من أصله، أو من حين الفسخ وجوه قدمنا
صحيحها، ولا مزية له على ما تقدم، إلا أن العلامة (رحمه الله) (1) ذكر في هذه
المسألة أنه إذا فسخ المشروط له يرجع إلى نفس عينه بانفساخ العقد
الواقع عليها من المشروط عليه، إلا إذا كان الواقع عليها هو العتق، فإنه
حينئذ يرجع إلى قيمتها لا إلى نفسها بفسخ العتق، لأن العتق مبني على
الغالب.
وهذا الكلام من العلامة مما لم يفهم له معنى محصلا أبدا، لأن معنى
بناء العتق على الغالب هو أن العبد إذا عتق منه جزء يسري الحرية إلى
جميع أجزائه، ومنه ضمان أحد الشريكين لحصة شركته في العبد إذا
عتق نصفه أي حصة نفسه، ولكنه كما كان سببا لحرية نصفه الآخر أيضا
يضمن لشريكه قيمة ذلك النصف، وهذا معنى غلبة الحرية والعتق،
لا أن معناه أنه إذا أعتق ملك الغير يكون هذا موجبا لحريته، والمفروض
أن فسخ المشروط له يكشف عن أن عتق المشروط عليه وقع في غير ملكه
فيبطل.
فالصحيح ما ذكرناه من صحة العقد مطلقا وللمشروط له الخيار، وأنه

1 - التذكرة 1: 537.
371

إذا فسخ يرجع إلى بدل العين مطلقا، لأن العقد الصادر من المشروط عليه
صدر من أهله ووقع في محله ولا وجه لبطلانه.
بقي هناك مسألة أن الخيار لا يسقط بالتصرف في العين، ونتعرض لها
في عنوان الآتي إن شاء الله.
7 - للمشروط له اسقاط شرطه
ومن جملة ما تعرض له المصنف (رحمه الله) هو أن للمشروط له اسقاط
شرطه، قد استفدنا من القرائن الداخلية والخارجية أن وجوب الوفاء
بالشرط ليس من الأحكام المجعولة لله تعالى ابتداءا، فإنه ليس من
الأحكام الأولية وإنما هو من جهة حق المشروط له الثابت بالاشتراط،
نظير وجوب الأداء في الدين، فإنه من جهة ملاحظة حق الدائن لا أنه
مجعول ابتدائي للشارع.
وقد عرفت أن الاشتراط يوجب ثبوت حق للمشروط له على
المشروط عليه عند العقلاء أيضا، وعليه فلا مانع من أن يرفع المشروط
له يده عن حقه، إذ به يرتفع وجوب الوفاء بالشرط.
عدم الفرق بين شرط العتق وغيره
وهذا أمر ظاهر إلا أن ذلك وقع مورد الخلاف بين الأعلام في شرط
العتق، وقد ذهب جماعة إلى عدم سقوطه بالاسقاط، فإذا شرط العتق في
معاملة ثم رفع المشروط له يده عن شرطه قالوا بأنه لا يوجب سقوطه، بل
يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط مع اسقاطه المشروط له أيضا،
وذلك من جهة أن في شرط العتق ثلاثة حقوق: حق للمشروط له، وحق
لله تعالى، وحق للعبد، وإذا رفع المشروط له يده عن حق نفسه فهو
372

لا يستلزم سقوط الحقين الآخرين، ومن هنا قالوا: إن اسقاط الشرط في
العتق لا يوجب السقوط هذا.
ولا يخفى أن كون العتق حقا لله وللعبد مما لا يرجع إلى محصل، كما
ذكره المصنف، لأنه أريد من كونه حقا لله تعالى أنه أمر محبوب قد ذهب
إليه الشرع، فهو وإن كان كذلك إلا أنه لا يستلزم الحق ولا وجوب الوفاء
عليه، لأنه أمر استحبابي، وإلا محبوبية العتق لله لا يختص بصورة
الاشتراط فقط لأنه محبوب على كل حال، ولازمه وجوب العتق ولو مع
عدم الاشتراط وهو مقطوع العدم، لأنه مستحب لا وجوب له فضلا عن
أن يكون حقا.
وإن أريد من كونه حقا لله أنه أمر بالوفاء به على تقدير شرطه، لأنه حق
لشارط حينئذ، وهو أيضا صحيح إلا أنه مشترك بين شرط العتق وغيره
من الشروط، فماذا وجه عدم سقوط شرط العتق دون غيره.
وأما أنه حق للعبد، ففيه أن اشتراط العتق لا يوجب حقا للعبد على
المشروط عليه، وليس له المطالبة بذلك أبدا، كما ذكرنا نظيره في النذر،
لأنه إذا نذر شيئا على الفقراء أو غيرهم فليس للفقراء مطالبة الناذر بالوفاء
بالنذر.
وإن أريد من ذلك أن العبد ينتفع بعتقه وإليه يرجع نفعه، ففيه أن رجوع
المنفعة إليه لا يوجب الاستحقاق، إذ هو نظير ما إذا اشترط في ضمن العقد
أن يهب لثالث مالا أو يبيعه منه بالعتق من ثمنه، فإنهما يوجبان رجوع
النفع إلى الثالث إلا أنه لا يوجب الاستحقاق.
وعليه فالصحيح أنه لا فرق بين شرط العتق وشرط غيره في سقوطه
بالاسقاط.
373

اسقاط الشرط والحق تارة يكون باللفظ وأخرى يكون بالفعل
ثم إن اسقاط الشرط والحق تارة يكون باللفظ وأخرى يكون بالفعل،
وهذا الأمر وإن تعرض له المصنف (رحمه الله) في الأمر المتقدم إلا أن المناسب
له ذكره في هذا الأمر.
فإذا تصرف المشروط له أو عمل عملا علمنا به أنه يسقط بذلك حقه
فلا كلام في سقوطه به، وأما إذا لم يدل عمله على اسقاطه فلا دليل على
أن مجرد التصرف أو العمل يوجب السقوط.
اللهم إلا فيما دل الدليل على كونه موجبا للسقوط، كما دل على أن
التقبيل والمس ونحوهما يسقطان الخيار في خيار الحيوان، إلا أن
التعدي من مورد النص إلى غيره غير ممكن فيما لم يقم دليل على أنه
يوجب السقوط لا دليل على سقوط الخيار به، كما قدمنا تفصيل ذلك في
الأبحاث المتقدمة، فليراجع.
8 - تخلف الشرط في الكم
ومن جملة الشروط التي ذكرها المصنف في حكم الشروط الصحيحة
أخيرا، هو أن الشرط ربما لا يكون من قبيل الكم كما في شرط الخياطة
والكتابة وغيرهما من الأوصاف والأفعال، وأخرى يكون الشرط من
قبيل الكم متصلا أو منفصلا، والأول كما إذا باع الثوب على أن عشرة
أذرع والأرض بأنها متر، والثاني كما إذا باع ما في الكيس من الجوز على
أنه مائة عدد.
ولا اشكال في أن تخلف الشرط في القسم الأول لا يوجب إلا الخيار،
ولهما الامضاء مع المطالبة بالأرش بما يخصه من الشرط، لأن الثمن إنما
374

يقع في مقابل ذات المبيع، ولا يقع في مقابل الشرط أبدا، ولو كان الشرط
في نفسه أمرا متمولا كما في الخياطة على ما تقدم.
وأما إذا تخلف الشرط في القسم الثاني فأيضا لا خلاف بينهم في
ثبوت الخيار بذلك للمشروط له، إلا أنه وقع الخلاف بينهم في أنه يتمكن
من أخذ الأرش وما يخص الشرط من الثمن أو الامضاء، أو أنه كالقسم
الأول لا يوجب إلا الفسخ أو الامضاء مجانا، ولا يتمكن من أخذ الأرش
بوجه.
وربما قيل بجواز أخذ الأرش في هذا القسم مطلقا، وقيل بعدمه
مطلقا، وثالث فصل بين متوافق الأجزاء ومختلفها بالالتزام بالأرش في
الثاني دون الأول، وهذا من غير فرق بين صورتي التخلف بالنقصان
والتخلف بالزيادة.
صور بيع الشرط في مقام الثبوت
والذي ينبغي أن يقال في المقام هو أن البيع الشرط يتصور بحسب
مقام الثبوت على أقسام وصور:
الصورة الأولى: أن يكون أصل البيع والمعاملة معلقا على ذلك الكم
كما ربما يعلق على الكيف أو غيره من الأوصاف والأمور، كما إذا صرح
بأن بيعي لهذا الثوب مشروط بأن يكون عشرة أذرع، بحيث لو كان أنقص
لا يشتريه المشتري ولا يبيعه البايع، أو صرح بأن بيعي لما في الكيس من
الجوز معلق على أن مائة عدد ولا أبيعه إذا كان أنقص كما يشتريه
المشتري إذا كان كذلك.
وفي هذه الصورة العقد باطل من رأسه لأنه من التعليق المبطل، ومع
البطلان لا يبقى للنزاع في أن له الامضاء مجانا أو له أن يطالب بالأرش
375

مجال، إذ البيع باطل وليس له الامضاء ولا الفسخ ولا المطالبة بشئ
لعدم الموضوع والمعاملة، وهذا ظاهر.
الصورة الثانية: أن يكون أصل البيع منجزا على كل تقدير ولا يكون
معلقا على ذلك الكم المشترط، كما إذا اشترى الثوب على كل تقدير إلا
أنه اشترط على البايع أن يكون ثمنه عشرة دراهم إذا كان الثوب عشرة
أذرع وتسعة إذا كان تسعة، فأصل المعاملة غير معلقة إلا أن كون الثمن
عشرة دراهم معلق على كون الثوب عشرة أذرع، وكأنه اشترى الثوب
الخارجي كل ذرع بدرهم من دون أن يعلم أنه عشرة أذرع أو أقل أو أكثر.
وقد تقدم في بيع صاع من الصبرة أن هذه المعاملة صحيحة ولا غرر
فيها بوجه، لأن الثمن بمقدار المثمن إن كان زائدا فزائدا وإن كان ناقصا
فناقصا، ولا خطر في هذه المعاملة أصلا، والعلم بما في الصبرة أو بذرع
الثوب قبل قبضه وتسليمه غير معتبر، لأنه يظهر عند تسليمه بلا خطر
على أحدهما، فالمعاملة صحيحة في هذه الصورة ويثبت للمشروط له
الخيار على تقدير عدم كون الثوب عشرة أذرع مع كون الثمن بمقدار
المثمن كل ذرع بدرهم.
وبالجملة أنه اشترط في هذه الصورة أمران: أحدهما: أن يكون له
الخيار على تقدير عدم تحقق الكم المشروط، وثانيهما: أن يكون كل
ذرع بدرهم أي كون الثمن بمقدار المثمن، فإذا ظهر المبيع ناقصا عن الكم
المشروط في هذه الصورة فيثبت للمشروط له الخيار أن الثمن ينقص
بمقدار نقص المبيع، لأنه لو كان عشرة أذرع كان ثمنه عشرة دراهم،
وحيث إنه تسعة أذرع فقيمته تسعة دراهم حسب الاشتراط.
ولكن لا يبقى في هذه الصورة مجال لامضاء العقد بتمام الثمن أي
بلا أخذ الأرش، كما هو أحد أطراف الاحتمال في المقام، فإنه صرح بأنه
376

لو لم يكن عشرة أذرع فليس ثمنه عشرة دراهم بل ثمنه تسعة بمقدار
المبيع، فالامضاء بتمام الثمن عند ظهور النقص في المبيع لا يجري في
هذه الصورة.
الصورة الثالثة: ما إذا كان كل من المبيع والثمن غير معلقين وكلاهما
منجزان على كل تقدير، كما إذا اشترى الثوب بعشرة دراهم على كل
حال ظهر ناقصا أو غير ناقص، فهذا الموجود اشتراء بهذا الثمن المعين،
وأن لا يدري أن المثمن عشرة أو أقل، إلا أنه اشترط على البايع الخيار
لنفسه على تقدير ظهور النقص في المبيع وعدم كونه عشرة أذرع.
والمعاملة في هذه الصورة صحيحة أيضا والعلم بمقدار المبيع مما
لا دليل على اعتباره في غير المكيل والموزون، إلا من جهة استلزام
الجهل بمقدار الغرر إلا أنه للنص كما مر في محله تفصيل ذلك، فراجع.
وفي هذه الصورة يثبت للمشروط له الخيار عند ظهور النقص في
المبيع، وله أن يمض العقد بتمام الثمن أيضا، إلا أنه لا يتمكن في هذه
الصورة من امضائه مع المطالبة بالأرش وقيمة الناقص لأنه بلا موجب، إذ
المفروض أن المعاملة وقعت على هذا الموجود بهذا الثمن الموجود
لا بأقل منه، فاحتمال امضائه مع الأرش الذي هو أحد الاحتمالات في
المسألة غير جار في المقام، فلا يجتمع أطراف الاحتمالات المذكورة
في صورة واحدة.
ومنه يظهر أن موردي النص والاثبات في كلمات الأصحاب متعدد،
ومعه يكون النزاع لفظيا، لأن من يقول بجواز الامضاء مع المطالبة بالأرش
نظره إلى الصورة الثانية، كما أن من أنكر الامضاء مع الأرش ولم يجوز
أخذ الأرش فنظره إلى الصورة الثالثة، وهما مختلفان، فالنزاع لفظي،
هذا كله بحسب مقام الثبوت.
377

صور بيع الشرط في مقام الاثبات
وأما في مقام الاثبات فيما إذا قال بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على
أنه عشرة أذرع، فإن أرجعنا قوله: على، يعني الشرط والتعليق إلى
أمرين: أحدهما التزامه بالمعاملة الذي معناه الخيار، وثانيهما: إن هذه
العشرة فيما إذا كان الثوب عشرة أذرع، أي أرجعناه إلى المثمن، يكون
من التعليق في الثمن، وكأنه اشترى كل ذرع بدرهم، فيثبت بذلك ما ذكره
المصنف من أن له الامضاء مع المطالبة بالأرش وقيمة النقص.
وبعبارة أخرى تكون المعاملة حينئذ من قبيل الصورة الثانية التي
يكون التعليق تعليقا لأمرين: أحدهما الخيار والالتزام بالمعاملة،
وثانيهما كون الثمن عشرة دراهم، بمعنى أن كون الثمن عشرة دراهم
معلق على كون المبيع عشرة أذرع، فإن لم يكن كذلك فالثمن أيضا
لا يكون عشرة دراهم بل بالنسبة، ولا يبقى لما ذكره جامع المقاصد من
الامضاء بلا مطالبة الأرش مجال، لأنه من التعليق في الثمن كما مر.
وأما إذا أرجعناه، أي قوله: على، إلى خصوص الالتزام بالمعاملة
فقط لا إليه وإلى كون الثمن عشرة دراهم الراجعة إلى الصورة الثالثة،
فيثبت به ما ذكره جامع المقاصد، من أنه يثبت له الخيار وله الفسخ
والامضاء من دون مطالبة الأرش، لأنه باع الثوب بعشرة دراهم بلا تعليق.
ولكن الظاهر المطابق للمستفاد العرفي من مثل التعليق المذكور هو ما
ذكره المحقق الثاني، من أنه يرجع إلى الالتزام بالمعاملة فقط وبعدمه
يثبت له الخيار، ولذا قال بأن الإشارة مقدمة على العنوان، بمعنى أنه
أشار إلى الموجود الخارجي وقال: بعتك بكذا.
فالموجود مبيع في مقابل الثمن كائنا ما كان، لا أنه يرجع إلى أمرين:
378

أحدهما الالتزام وثانيهما كون الثمن كذا مقدار، بمعنى التعليق في
الثمن، لأنه وإن كان أمرا ممكنا كما ذكرناه إلا أنه محتاج إلى التصريح به
في مقام الاثبات، ومجرد الظهور اللفظي والتعليق لا يكفي فيه، لأن
ظاهره أنه تعليق للالتزام بالمعاملة، بل ربما يصرح به البايع أو المشتري
ولا يرون الشرط إلا تعليقا من الالتزام بالمعاملة لا أنه تعليق فيه وفي الثمن
كما هو ظاهر بحسب الفهم العرفي، فما أفاده المصنف لا يمكن
المساعدة عليه، هذا كله في طرف ظهور النقص.
وكذا الحال فما إذا ظهرت الزيادة، لأن البايع تارة يعلق أصل بيعه،
بأن لا يكون زائدا على عشرة أمتار في بيع الأرض مثلا، وقد عرفت أنه
باطل، ولا يجري فيه هذا النزاع أي الامضاء مجانا أو مع مطالبة الأرش،
وأخرى يعلق التزامه بالمعاملة على كونه عشرة أذرع كما يعلق كون
ثمنها عشرة دراهم على كون الأرض عشرة أذرع، وكأنه يشترط بيع كل
ذرع منها بدرهم وعند التخلف يثبت له الخيار والزيادة باقية في ملكه،
كما أن له أن يفسخ المعاملة في عشرة أذرع المبيعة أيضا، لأنه له الخيار -
لأن الغرض التخلف بالزيادة - وثالثة يبيع هذه الأرض بهذا الثمن منجزا،
ولكنه يجعل لنفسه الخيار فقط من دون أن يكون الزيادة له، لأن الفرض
أنه باع الأرض بأجمعها بعشرة دراهم، هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات، فإن أرجعنا التعليق إلى أمرين: أحدهما الالتزام
بالمعاملة، وثانيهما كون ثمنه عشرة دراهم، أي كل ذرع بدرهم بالمعنى
المتقدم، أعني كون ثمنه عشرة دراهم معلق على كون الأرض عشرة
أذرع، فإن زاد يزيد وإن نقص ينقص، الذي هو الصورة الثانية، فيثبت له
الخيار مع مطالبته بالزائد كما ذكره المصنف.
وإن أرجعناه إلى خصوص التعليق في الالتزام الذي هو الصورة الثالثة،
379

فيثبت له الخيار فقط دون استحقاق الزيادة كما ذكره في جامع المقاصد،
وقد عرفت أن الظهور اللفظي على طبق ما ذكره جامع المقاصد.
وعليه فالظاهر أن تخلف الشرط في الكم في جميع صور الأربعة أعني
متوافق الأجزاء كما في الثوب ومختلف الأجزاء كما في الأرض لجودة
بعضها ورداءة بعضها الآخر أو الدار لاختلاف أجزائها، كان التخلف
بالنقص أم كان بالزيادة لا يوجب إلا الخيار، ولا يجوز مطالبة الأرش
معه، لأن التعليق بحسب المتفاهم العرفي يرجع إلى الالتزام بالمعاملة،
ونتيجته الخيار، ولا يرونه راجعا إلى كون المثمن عشرة أذرع الذي
نتيجته تعليق الثمن وكون الثمن بقدر المثمن.
وأما ما أفاده المصنف في الجواب عن ذلك، بأنا لا ننكر أن البيع على
أنه عشرة أذرع بيع مع الاشتراط، إلا أنا ننكر أن يكون كل شرط غير مقابل
بالمال ولا يقسط إليه الثمن، فهو لا يرجع إلى محصل، لأن فرض كون
التعليق المذكور شرطا فرض عدم وقوع المال في مقابله، والشرط مع
كونه مقابلا بالمال مما لا يجتمعان، فالحق ما أفاده جامع المقاصد كما
تقدم.
2 - في حكم الشرط الفاسد
والكلام فيه يقع في جهات كما ذكره المصنف:
1 - الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به
لا اشكال في أن الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به ولا إلزام بفعله شرعا،
لأنه معنى الفساد في مقابل الصحة والالزام به، فمعنى أنه فاسد أنه لا إلزام
بفعله ولا يجب على المكلف أن يفي به، فالشرط الفاسد بما أنه شرط
لا حكم له.
380

نعم إذا كان الشرط الفاسد في نفسه مشروعا لا مانع من أن يأتي به
المشروط عليه لأنه وعده وهذا ظاهر.
الكلام في الشرط الفاسد إذا لم يقم دليل على فساد العقد معه أو صحته
وينبغي أن يكون محل الكلام هو الشرط الفاسد الذي لم يدل دليل
على صحته مع فساد شرطه، وإنما الكلام في أن الشرط الفاسد إذا لم يقم
دليل على فساد العقد معه أو صحته معه.
وعليه فمثل بيع الخشب مشروطا بأن يجعله المشتري صنما خارج
عن محل الكلام، لأن فساد العقد في مثله لأجل النصوص بل بطلان البيع
المذكور غير مستند إلى الاشتراط، لأنه باطل حتى في صورة عدم
اشتراطه، فيما إذا علم البايع أنه يجعله صنما كما تقدم ذلك في محله،
وذكر هناك المصنف أن النص هو الفارق بين بيع الخشب ممن يعلم أنه
يجعله صنما (1)، وبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا (2)، حيث إن الأول

1 - ابن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه
صلبانا، قال: لا (الكافي 5: 226، التهذيب 6: 373، 7: 134، عنهما الوسائل 17: 176)، حسنة
لإبراهيم بن هاشم.
وعن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التوت أبيعه يصنع به الصليب
والصنم، قال: لا (الكافي 5: 226، التهذيب 6: 373، 7: 134، عنهما الوسائل 17: 176)،
صحيحة.
وفي بعض النسخ: عمرو بن حريز، وعليه فالرواية ضعيفة، ولكن المشهور هو الأول.
لا يخفى أنه ذكر في بعض نسخ الوسائل: أبان بن عيسى، في سند الرواية، بدل أبان عن
عيسى، فهو من سهو القلم.
2 - ابن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن
يحمل عليها أو فيها الخمر والخنازير، قال: لا بأس (الكافي 5: 227، التهذيب 6: 372،
الإستبصار 3: 55، عنهم الوسائل 17: 174)، حسنة لإبراهيم بن هاشم.
381

باطل والثاني صحيح، ولا فرق بينهما إلا ورود النص في الأول على
البطلان دون الثاني كما هو ظاهر.
وكذا البيع مشروطا ببيعه من البايع ثانيا، فإنه وإن كان باطلا إلا أنه من
جهة دلالة الأخبار على بطلانه، وهي الأخبار المعنونة بأخبار العينة (1)،
وإلا فالشرط أعني البيع ثانيا صحيح في نفسه.
ومن هنا لو اشترط بيعه من شخص آخر يصح بلا كلام، لأنه من قبيل
شرط فعل سائغ في نفسه، وإنما دلت الأخبار على بطلان العقد عند
مقارنته بالشرط المذكور، لا أن الشرط فاسد وأوجب فساد المشروط،
ولعله ظاهر.
فهذه الموارد خارجة عن محل الكلام، كما أن الشرط الفاسد إذا
أوجب فقد شرط من شروط البيع تكوينا يكون خارجا عن محل الكلام،
كما إذا اشترى شيئا واشترط عليه عمارة داره، ولا ندري أن داره وسيعة
أو ساحتها ضيقة، وهو يوجب اختلاف القيمة لا محاله ولكون المعاملة
غررية بالوجدان، لأنه أمر خطري لعدم علمه بمقدار ما التزمه من
مخارجات العمارة، فيكون البيع فاسدا في نفسه لفقد شرط من شروطه

1 - عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة
فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه، ثم أشتريه منه مكاني، قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن
شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، فقلت: إن أهل
المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح، قال: إن هذا تقديم وتأخير
فلا بأس (الكافي 5: 202، التهذيب 7: 51، عنهما الوسائل 18: 41)، ضعيفة.
عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على رجل دراهم من ثمن
غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك
التي لك عندي فرضي، قال: لا بأس بذلك (الفقيه 3: 165، التهذيب 7: 43، عنهما الوسائل
18: 40)، صحيحة.
382

وهو عدم كونه غررية، والبطلان في هذه الصورة مستند إلى فقد شروط
صحة البيع في نفسه، وهذا أيضا خارج عن محل الكلام.
وكما إذا باع واشترط أن يكون ما في كيس المشتري من المال له، مع
عدم علمه بمقدار ما في الكيس، ومن هذا القبيل ما إذا اشترطه الخيار في
عقد النكاح، فإن الفقهاء قد ذهبوا إلى أنه يوجب فساد النكاح ولم يتبينوا
وجه بطلانه أي بطلان النكاح، وقد ذكرنا الوجه في ذلك سابقا، وأشرنا
إليه في حواشينا على كتاب العروة، وملخصه:
إن الأدلة دلت على أن النكاح لا يخلو من أحد القسمين، لأنه إما دائمي
أو موقت بوقت مضبوط، ويعبر عنه بالانقطاع والتمتع، كتوقيته بشهر أو
شهرين ونحوهما، وقد عرفت أن معنى جعل الخيار في معاملة تحديد
ذلك المنشأ بالفسخ، لأن الاهمال في الواقع غير معقول، فالمنشأ
لمتعاقدين إما هو الملكية أو الزوجية على نحو الاطلاق، وأما هو
الملكية أو الزوجية المقيدة بوقت أو شئ، ومعنى جعل الخيار أن
المنشأ ليس هو الملكية المطلقة بل الملكية الموقتة بزمان الفسخ أو
الزوجية الموقتة بزمان فسخها.
وحيث إن أصل الفسخ وزمانه غير معينين فيكون جعل الخيار في
عقد النكاح انشاء الزوجية الانقطاعية المقيدة بوقت غير معلوم، وقد
عرفت أن النكاح لا يخلو عن أحد القسمين، فإنه أما استمراري ودائمي
وأما موقت بوقت مضبوط، ولا ثالث لهما، فالمؤقت بوقت غير معلوم
باطل، فالشرط في هذه الصورة قد أوجب فقد شرط من شروط صحة
النكاح أعني التوقيت بوقت مضبوط، وهذا أيضا خارج عن محل الكلام.
فالبحث متمحض في الشرط الفاسد الذي لا يدل دليل على بطلان
العقد معه، ولا يوجب فقد شرط من شروط صحة العقد تكوينا، فالكلام
383

يقع في أنه هل يوجب سراية الفساد إلى المشروط أو لا، وهذا كما إذا
اشترط في ضمن عقد أن يشرب الخمر أو يكذب أو يترك واجبا، فهل
فساد الشرط في المثالين يوجب فساد العقد أو لا.
الشرط الفاسد لا يوجب فساد المشروط
الصحيح أن الشرط الفاسد لا يوجب فساد المشروط أبدا، وفاقا
للمحققين من المتأخرين كالعلامة (1) والشهيدين (2) والمحقق الثاني (3)، خلافا
لبعض المتقدمين كالشيخ (4) ومن تبعه.
والوجه في ذلك أن الشرط غير راجع إلى تعليق أصل المعاملة
بوجوده، وإلا لكانت المعاملة باطلة في نفسها، كان شرطها فاسدا أم
لم يكن، لأن التعليق في العقد يوجب البطلان، بل الشرط الذي بمعنى
الربط يربط شيئين آخرين في كل معاملة، فإنه يستلزم تعليق أصل
المعاملة بالتزام الطرف بالشرط - في شرط الأفعال الاختيارية ومنه يظهر
حال شرط النتيجة أيضا - بحيث لولا التزامه به فعلا فلا بيع بينهما أصلا،
ومثل هذا التعليق لا يوجب البطلان، لأنه تعليق بأمر حاصل بالفعل،
وهما يعلمان بوجوده، فالمعاملة تتحقق بتحقق التزام المشروط عليه
بالشرط، كما يستلزم تعليق التزام البايع مثلا ببيعه على ايجاد المشروط
عليه الشرط خارجا.

1 - قال في المختلف 5: 298: مسألة: البيع إذا تضمن شرطا فاسدا، قال الشيخ في
المبسوط: يبطل الشرط خاصة دون البيع، وبه قال ابن جنيد وابن البراج، والمعتمد عندي
بطلان العقد والشرط معا.
2 - قال في الدروس 3: 214: لو شرط ما ينافيه... بطل وأبطل على الأقرب.
3 - جامع المقاصد 4: 431.
4 - المبسوط 2: 149.
384

بل ربما يصرح بأنك إن لم تأت بكذا فلا التزام بالمعاملة، وهذا التعليق
يوجب الخيار على تقديم عدم ايجاد المشروط عليه ما وجب في حقه،
وعليه فإذا باعه شيئا بشرط أن يرتكب محرما أو يرتكب ترك واجبا فقد
علق أصل بيعه على التزام المشروط عليه بذلك المحرم، كما علق
التزامه به بايجاد ذلك المحرم في الخارج، فإذا التزم المشروط عليه بذلك
المحرم عصيانا أو غفلة عن أنه حرام، أو جهلا بالموضوع كما اشترط
عليه شرب مايع مخصوص والتزم بشربه ثم ظهر أنه خمر فلا محال
تكون المعاملة صحيحة بحصول ما علقة عليه، وهو التزام الطرف
بالحرام (1).
وشرط الالتزام بالحرام في المعاملة ليس شرطا مخالفا للكتاب
ولا للسنة، فلا حرمة فيه، وهو شرط سائغ، وحيث إنه حاصل بالفعل
فالمعاملة متحققة ويشملها العمومات، فلا يكون فساد الشرط المذكور
شرعا موجبا لبطلان المعاملة، لأنها لم يعلق على وجود الشرط في
الخارج حتى ينتفي بانتفائه، وإنما علقت على التزام المشروط عليه
بالشرط، والمفروض أن الالتزام به حاصل فالمعاملة متحققة ولا وجه
لبطلانها.
وإلى هنا تحصل أن المقتضي لصحة المعاملة موجود فلا بد من
ملاحظة أنه هل هناك مانع عن صحتها أو لا مانع عنها أيضا.
كلام للمحقق النائيني (رحمه الله) في تبيين محل النزاع والمناقشة فيه
قد عرفت أن الشرط إذا أوجب فقد شرط من شروط العقد تكوينا

1 - بمعنى أن تعليق الخيار بالالتزام بالحرام كترك الصلاة ونحوه لا يوجب الحرمة
ولا البطلان - منه (رحمه الله).
385

فلا محالة يوجب فساد العقد إلا أنه خارج عن محل الكلام، كما عرفت
أمثلته، ومن ذلك ما إذا اشترط أمرا مخالفا لمقتضى العقد، كما إذا
اشترط عدم التملك في البيع، فإن هذا الشرط يوجب عدم قصده البيع
لا محالة، والبيع لا مع القصد باطل لانتفاء شرطه، وهو العقد والقصد
معا، وهذا أيضا خارج عن محل الكلام.
وذكر شيخنا الأستاذ أنه إذا باع شيئا واشترط عليه أن يصرفه في أمر
حرام، كما إذا باعه العنب واشترط عليه أن يصرفه في الخمر يكون ذلك
الشرط موجبا لفقد شرط صحة البيع، وبه يخرج عن محل الكلام.
والوجه في ذلك أن المبيع حينئذ مما لا منفعة محللة مقصودة فيفسد
بيعه، لأن الانتفاع منه يجعله خمرا قد حرمه الشارع وألغاه والانتفاع به
في غيره، من الأمور المحللة مما اشترط البايع عدمه على المشتري،
وعليه فلا منفعة مقصودة للمال فيفسد بيعه، ونظيره ما إذا باعه شيئا
واشترط عليه أن يقامر به، وتقريبه ظاهر، هذا.
ولكن الأمر ليس كذلك، لأن الاشتراط المذكور إن كان يمضي شرعا
كما إذا أمضاه الشارع وأنفذه، فهو يدل على جواز صرفه في المورد
المذكور، لأنه مما أمضاه الشارع أي ألزمه على أن يصرفه فيه، وهو من
المنافع المقصودة المحللة بالامضاء، وإن لم يعلق عليه الامضاء شرعا
فهو ساقط ولا اعتبار به، بمعنى أن المشتري أراد أن يصرفه في غير مورد
الاشتراط، لأن شرط عدم صرفه في غير مورد الشرط وقع فاسدا.
وعلى كل حال لا يستلزم هذا الشرط فقد شرط من شروط صحة البيع،
فهذا الاشتراط داخل في محل الكلام نظير غيره من الشروط الفاسدة.
نعم كبرى المسألة كما عرفتها تامة، لأن كل شرط استلزم فقد شرط
من شروط صحة البيع فهو مفسد للعقد، ويخرج عن محل الكلام، وإن
386

كان تطبيقها على المثال المذكور غير تام، فالبحث متمحض في الشرط
الفاسد في نفسه من دون أن يستلزم فقد شرط في أصل المعاملة، كما
عرفت، فلنرجع إلى ما كنا بصدده.
ما يستدل بها على فساد العقد بفساد شرطه
والوجوه التي استدل بها على فساد العقد بفساد شرطه ثلاثة:
1 - إن للشرط قسطا من الثمن لا محالة، فإذا صح الاشتراط فلا اشكال
لوقوع مجموع الثمن في مقابل مجموع المثمن وهما معلومان، وأما إذا
فسد الشرط ولم يمض شرعا فقهرا لا ينتقل إلى البايع مثلا ما يقع في
مقابل الشرط لا محالة، وحيث إن ما يقابله مجهول فيستلزم ذلك الجهل
بالثمن الواقع في مقابل ذات المبيع فيبطل المعاملة.
والجواب عن ذلك مضافا إلى النقض بالشرط الفاسد في النكاح، كما
نقضه الشيخ (رحمه الله)، إن الثمن لا يقع في مقابل الشرط أبدا، صحيحا كان
الشرط أم فاسدا، وإنما يقع المال في مقابل ذات المبيع.
نعم الشروط مما يوجب زيادة القيمة لا أنها يقع في مقابل المال، ومن
هنا قلنا إن الشروط إذا تعذر ثبت للمشروط له الخيار فقط، وليس له
مطالبة المشروط عليه ما يقابل الشرط من الثمن، وليس هذا إلا من جهة
أن الشرط قيد خارجي يوجب زيادة القيمة ولا يقع بإزائه شئ من المال
هذا أولا.
وثانيا: إن ما يقابل الشرط من الثمن فيها إذا قلنا بمقابلته للمال ليس
أمرا مجهولا، بل حاله حال الوصف في أن للموصوف بالوصف قيمة
ولفاقده قيمة أخرى، وكذا شراء الثوب بشرط الخياطة له قيمة وشرائه
بدونها له قيمة أخرى معلومة عند الناس، ولا جهالة فيما يخصه من
الثمن وهذا ظاهر.
387

وثالثا: بعد الغض عما تقدم أن المعتبر من العلم بمقدار الثمن والمثمن
هو العلم بمقدار مجموعها، ولا يعتبر العلم بقيمة كل جزء جزء من
المبيع، بل العلم بقيمة مجموع المال كاف في صحته، وليكن حال
الشرط كالجزء.
فكما إذا باع مال نفسه ومال غيره بثمن واحد صفقة واحدة، ثم ظهر أن
نصفه للغير لا يكون المعاملة الواقع على مال نفسه باطلة مع عدم العلم بما
يقع في مقابله من الثمن، فكذلك المقام، أو إذا باع خمرا وخلا بقيمة أو
شاة وخنزيرا يقع المعاملة في الخل والشاة صحيحة بما يخصهما من
الثمن، مع عدم معرفتهما لما يخصهما من المال، فكذا نقول فيما نحن فيه
أن العلم بقيمة مجموع المبيع والشرط يكفي في صحة المعاملة،
ولا يشترط في صحتها معرفة ما يخص المبيع من الثمن.
2 - الوجه الثاني الذي هو المهم في المقام هو أن التراضي المعتبر في
المعاملات معلق على المعاملة مع الاشتراط ولا يرض البايع بالمعاملة
المجردة عن الشرط، فإن المقيد ينتفي بانتفاء قيدة فيكون العقد الواقع
على ذات المبيع من التجارة لا عن تراض وهو باطل، لقوله عز من قائل:
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض (1).
والجواب عن ذلك يظهر مما أشرنا إليه سابقا، وحاصله أن الرضا
المعاملي عند الانشاء لم يعلق على وجود الشرط في الخارج، وإلا
لكانت المعاملة باطلة، لأنه من التعليق المبطل، ولو فرضنا صحة التعليق
أيضا تكون المعاملة باطلة فيما نحن فيه، لعدم حصول ما علق عليه على
الفرض والمعلق ينتفي عند عدم المعلق عليه لا محالة، وهذا من غير
فرق بين الشروط الصحيحة والفاسدة، ولازمه بطلان العقود والايقاعات

1 - النساء: 29.
388

عند الاشتراط مطلقا لأنه تعليق، أو عند عدم حصول المعلق عليه إذا قلنا
بصحة التعليق مثلا.
وحيث إن العقود والايقاعات لا تبطل عند اشتراط شئ في ضمنها
أو عند عدم حصول شرطها، فنستكشف من ذلك أن الرضا المعاملي
لم يعلق على وجود الشرط في الخارج والالتزام بايجاده لما كان حاصلا
عند المعاملة، وهما يعلمان بوجوده، فلا يكون التعليق على مثله مبطلا.
ومن الظاهر أن الالتزام بايجاد الشرط في المقام حاصل، لأنه التزم به
على الفرض وتكون المعاملة تامة ومتحققة، وكون ذلك أمرا محرما
لم يمضه الشارع مطلب آخر غير مربوط بحصول المعلق عليه للمعاملة
كما هو ظاهر.
نعم ربما يكون البايع بحيث لو كان عالما بحرمة ذلك الشرط أو كان
عالما بعدم امضاء الشارع له لما أقدم على المعاملة، وإنما أقدم عليها
باحتمال أن الشارع يمض الشرط المحرم في المعاملة تقصيرا أو قصورا،
إلا أن ذلك من باب تخلف الدواعي، وهو لا يستلزم البطلان وإلا لزم
بطلان المعاملة، فما إذا كان البايع بحيث لو علم بترقي قيمة المبيع
لم يبعه أو علم بأن المشتري لا يعمل بشرطه أو لا يدفع إليه ثمنه لم يقدم
على المعاملة، مع أن المعاملة في الأمثلة صحيحة، غاية الأمر ثبوت
الخيار له في بعض الفروض كعدم دفعه الثمن أو عدم وفائه بالشرط
وهكذا.
والوجه في ذلك أن تخلف الدواعي لا ربط له بالرضا المعاملي أبدا،
فالرضا موجود لتحقق ما علق عليه وهو الالتزام، ويشمله عموم أحل
الله البيع (1) وغيره من العمومات، ومعه لا وجه للبطلان.

1 - البقرة: 275.
389

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الصور النوعية العرفية وبين شرط الفعل أو
الوصف أو غيرهما مما لا يرجع إلى المثمن أو الثمن، لأن اختلاف
الصورة النوعية العرفية وتخلفها يوجب بطلان المعاملة والتعليق على
مثلها صحيح، لأنه تعليق على الموضوع، فإذا باعه عبدا فظهر جارية
فالمعاملة باطلة عند العرف، لأن معنى: بعتك هذا العبد، أي بعتك هذا
الموجود على أنه عبد مشروطا بأنه كذلك، فإذا ظهر جارية فالمعلق عليه
لم يتحقق في المعاملة، فهي باطلة، إذ العرف يرى كلا من الجارية والعبد
فردين متباينين وأحدهما غير الآخر.
نعم هما بحسب النظر الفلسفي واحد حقيقة واختلافهما اختلاف
وصف عرضي غير ذاتي، إلا أن المدار في الصحة والبطلان هو تخلف
الصور النوعية العرفية دون الفلسفية، وهذا بخلاف اشتراط غير الصور
النوعية، لأن تخلفه لا يوجب البطلان والمعاملة لا تتعلق عليه وإلا بطلت
من رأسها كما هو ظاهر.
3 - الأخبار المسماة بأخبار العينة (1).
وقد تقدم الجواب عنها آنفا وسابقا، وحاصل الجواب: أن مورد

1 - عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة
فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه، ثم أشتريه منه مكاني، قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن
شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، فقلت: إن أهل
المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح، قال: إن هذا تقديم وتأخير
فلا بأس (الكافي 5: 202، التهذيب 7: 51، عنهما الوسائل 18: 41)، ضعيفة.
عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على رجل دراهم من ثمن
غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك
التي لك عندي فرضي، قال: لا بأس بذلك (الفقيه 3: 165، التهذيب 7: 43، عنهما الوسائل
18: 40)، صحيحة.
390

دلالة الدليل على فساد المعاملة عند فساد شرطها خارج عن محل
الكلام، لأن الشرط فيها غير فاسد في نفسه، إذ البيع من البايع ليس أمرا
مخالفا للكتاب والسنة.
فلو سلمنا دخوله في محل الكلام فهو نص ورد في خصوص البيع
النسيئة مشروطا ببيع المشتري له ثانيا نقدا، فنلتزم ببطلان هذا الشرط
وافساده العقد في مورده، أعني خصوص بيع النسيئة، فمن أحد شرائط
صحتها أن لا يشترط فيها بيعه من البايع ثانيا، ولو مع كون هذا الشرط في
نفسه صحيحا فهو باطل للنص، أو لأنه دوري على ما ذكره العلامة (رحمه الله)،
فهذه الروايات خارجة عن محل الكلام.
وأما رواية عبد الملك، الواردة في حكم من يشتري شيئا ويشترط
على البايع أن تكون خسارة المشتري على بايع المال، فقال (عليه السلام):
لا ينبغي (1)، فهي أيضا لا تدل على فساد العقد عند فساد شرطه، لأن
قوله (عليه السلام): لا ينبغي، لم يعلم أنه راجع إلى أصل هذه المعاملة والبيع،
أي البيع المذكور مما لا ينبغي، أو أن هذا الاشتراط لا ينبغي.
ففي الثاني يخرج عن محل الكلام، لأنه نهي ورد على الشرط ابتداءا
وساكتة عن بطلان البيع، وهو ظاهر، وعلى الأول يكون دالة على بطلان
العقد بفساد شرطه، بل على هذا أيضا يخرج عن محل الكلام، لأن
البحث في الشرط الفاسد الذي لم يدل دليل على فساد العقد به، وعلى
الأول يكون دالة، ولكن الرواية لا دلالة لها على أحدهما فهي مجملة
لا دلالة فيها على المطلب، هذا أولا.

1 - عن عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل ابتاع منه طعاما
أو ابتاع منه متاعا على أن ليس على منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وجه ذلك؟
قال: لا ينبغي (التهذيب 7: 59، عنه الوسائل 18: 95).
391

وثانيا: إن قوله (عليه السلام): لا ينبغي، لا يفيد الفساد، وإنما يفيد الكراهة
ولا ربط لها بالفساد، فنذهب أن المعاملة مع الشرط المذكور مكروهة
وكلامنا في الصحة والفساد.
وثالثا: نذهب أن قوله (عليه السلام): لا ينبغي نص في الفساد والتحريم إلا
أنه لا يقتضي الحكم بفساد العقد عند فساد شرطه مطلقا، لأنه نص ورد
في مورد خاص، وهو البيع بشرط كون خسارة المشتري على البايع
ولا نتعدى عنه إلى غيره.
ورابعا: إن دلالة الرواية على فساد العقد بفساد شرطه مطلقا أو في
موردها متوقف على أن يكون المراد من كون خسارة المشتري على
البايع ضمان البايع لما يخسره المشتري في بيعه المبيع، فإنه أمر على
خلاف الكتاب والسنة، إذ لا وجه في خسارة أحد وكون الآخر ضامنا
على خسارته شرعا.
وأما إذا كان المراد من الاشتراط المذكور شرط جبران خسارة
المشتري بمال البايع، بأن يكون الشرط شرط وهو أن يعطيه البايع
مقدارا من ماله للمشتري إذا خسر، فالرواية تكون خارجة عما نحن فيه،
لأن الشرط المذكور حينئذ شرط سائغ مباح لا فساد فيه أبدا حتى
يستلزم فساد العقد أيضا كما ذكرناه سابقا، فتكون الرواية أجنبية عن
المقام، ومعتبرة في خصوص موردها.
ما تعضد القاعدة من الأخبار
وإلى هنا تحصل أن العقد لا يفسد عند فساد شرطه ولا وجه لفساد
العقد أبدا مع اقتضاء العمومات صحته، لأنه بيع وعقد وهو صحيح على
طبق القاعدة، وتعضد القاعدة جملة من الأخبار في صحة العقد عند
فساد شرطه.
392

فمنها: ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن
الصادق (عليه السلام) أنه ذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة، فاشتراها
عائشة فأعتقها، فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن شاءت قعدت عند
زوجها وإن شاءت فارقته، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على
عائشة أن لهم ولاؤها، فقال (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق (1)، حيث منع (صلى الله عليه وآله)
من الشرط لفساده ولم يمنع عن أصل البيع المشروط به.
ومنها: مرسلة جميل وصحيحة الحلبي الأولى عن أحدهما (عليهما السلام)
في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب
ولا يورث، قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم إلا المواريث (2).
وهذه الرواية أيضا دلت على منعه (عليه السلام) عن شرط عدم الإرث مع
تصحيحه العقد وسائر الشروط، وغيرها من الأخبار.
وهذه الأخبار أيضا يقتضي صحة العقد عند فساد شرطه، وقد عرفت

1 - عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة، قال:
أمرها بيدها، إن شاءت تركت نفسها مع زوجها وإن شاءت نزعت نفسها منه، وقال: وذكر أن
بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقها، فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقال: إن شاءت أن تقر عند زوجها وإن شاءت فارقته، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا
على عائشة أن لهم ولاءها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق - الحديث (الكافي 5: 485،
الخصال: 190، عنهما الوسائل 21: 162)، صحيحة.
2 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث
ولا توهب؟ فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد
(الكافي 5: 212، التهذيب 7: 67، عنهما الوسائل 18: 267)، صحيحة.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى جارية وشرط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب، قال: يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث (التهذيب 7: 25، التهيب
7: 373، عنهما الوسائل 18: 268)، ضعيفة.
393

أن الصحة هي المطابقة للقاعدة بحيث لم تكن تحتاج معها إلى الأخبار،
ولولا هذه الأخبار أيضا كنا نحكم بصحة العقد وعدم سراية الفساد من
الشرط إليه هنا.
الاستدلال على عدم سراية الفساد من الشرط الفاسد إلى العقد بالدور
ثم إنه ربما يستدل على ما ذكرناه من عدم سراية الفساد من الشرط
الفاسد إلى العقد، بأن فساد العقد من جهة فساد شرطه أمر مستحيل في
مقام الثبوت.
والوجه فيه أن صحة الشرط بمعنى وجوبه عليه متوقف على صحة
العقد، إذ وجوب الوفاء بالشرط مانع لوجوب الوفاء بالعقد، بمعنى أنه
إنما يكون واجب الوفاء فيما إذا وقع في ضمن عقد صحيح، وهذا
التوقف ظاهر، ولذا قلنا إن الشرط غير المذكور في ضمن العقد شرط
ابتدائي لا يجب الوفاء عليه، وعلى ذلك إذا كان صحة العقد أيضا متوقفة
على صحة الشرط، كما هو معنى كون العقد فاسدا بفساد شرطه لدار،
وهذا ظاهر.
وذكر المصنف أن في هذا الاستدلال ما لا يخفى، وهو كما أفاده، فإن
وجوب الوفاء بالشرط وإن كان متوقفا على صحة العقد كما عرفت، إلا
أن صحة العقد لا تتوقف على وجوب الوفاء بالشرط، بل يتوقف على
ملزوم وجوب الوفاء بالشرط، وملزومه أن لا يكون فاسدا، أي أن
لا يكون منافيا لمقتضى العقد ولا يكون مخالفا للكتاب والسنة، وهكذا
فيما تتوقف صحة العقد على أمر عدمي وهو غير ما يتوقف صحة العقد،
فلا دور.
ولأجل فساد هذا الاستدلال لم يتعرض المصنف للجواب عنه، هذا
تمام الكلام في بيان صحة العقد عند فساد شرطه.
394

بيان آخر لعدم تمامية هذا الاستدلال
ثم إنه ربما يستدل على الصحة بأن صحة الشرط فرع على صحة البيع
فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور.
وأجاب المصنف عن ذلك بأن فيه ما لا يخفى، والانصاف أن المسألة
في غاية الاشكال، ولم يبين وجهه لوضوحه، وهو أنه لا تتوقف صحة
كل من الشرط والعقد على صحة الآخر.
أما الأول، فلأن صحة الشرط و كونه لازم الوفاء فرع وجود الدليل
عليه من وجوب الوفاء بالشرط أو غيره، ولا شبهة أن هذا المعنى
لا يتوقف على صحة العقد المتوقف على شمول دليل صحة العقد عليه،
نعم تتوقف صحة الشرط على الشروط المذكورة لصحة الشرط التي ذكر
من جملتها أن لا يكون الشرط ابتدائيا، وليس من جملتها صحة البيع.
وأما الثاني، فلأن صحة العقد لا تتوقف على وجود الشرط في ضمن
العقد فضلا عن أن تتوقف على صحته، نعم إذا فسد العقد لا يبقى مجال
لوجوب الوفاء بالشرط، لأنه يصح حينئذ شرطا ابتدائيا.
وعلى الجملة فهذه الدعوى أيضا فاسدة.
على تقدير صحة العقد هل يثبت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط؟
ثم إنه على تقدير صحة العقد مع فساد الشرط، فهل يثبت الخيار
للمشروط له مع جهله بفساد الشرط أو لا؟
وقد وجه المصنف في صدر كلامه الاحتمالان:
1 - دعوى أنه في حكم تخلف الشرط الصحيح، فإن المانع الشرعي
كالعقلي، فيدل عليه ما يدل على خيار تخلف الشرط.
395

ثم ذكر أنه لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو
الحكم الشرعي، ولذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو فوريته، ثم عدل
عن هذا الاحتمال ووجه الاحتمال الثاني.
2 - دعوى أن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الاجماع وأدلة نفي
الضرر، أما الاجماع فهو منفي في المقام لمخالفة كثير من الفقهاء
وذهابهم إلى فساد العقد بفساد الشرط كالمحقق وغيره، بل حكي عدم
القول بالخيار من أحد من المتقدمين وأوائل المتأخرين، فالاجماع غير
متحقق، ومع ذلك لا مجال لدعوى الاجماع على ثبوت الخيار في
المقام للمشروط له على تقدير التخلف إذا كان جاهلا بالحال.
وأما أدلة نفي الضرر، فذكر المصنف أنه لو صح العمل بعمومها لزم
منه تأسيس فقه جديد، خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذر،
فرب ضرر يترتب على المعاملات من أجل الجهل بأحكامها خصوصا
الصحة والفساد، فإن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد، بأن الضرر
المترتب على فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك به.
على أن الضرر في المقام ليس من ناحية إلزام الشارع حتى يرتفع بدليل
نفي الضرر، بل إنما هو ناشئ من اقدام المتضرر فلا يكون ذلك مشمولا
لذلك، هذا كله مع أنا قد ذكرنا في خيار الغبن أن دليل نفي الضرر غريب
عن اثبات الخيار بالكلية أصلا، فإنه لا يتكفل لاثبات الحكم الشرعي
أصلا، وإنما شأنه نفي الحكم الشرعي الضرري كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أن معنى الخيار كون المنشأ محدودا بالفسخ وأدلة
الامضاء أيضا تمضي هذا المنشأ لا أضيق منه ولا أوسع منه، وإلا
فلا تكون العقود تابعة للقصود.
نعم قد يكون الامضاء الشارع أوسع مما أنشأه المتعاملان، وقد يكون
396

أضيق منه كما في خيار المجلس، حيث إن المتعاقدين أنشأوا البيع لازما
من الابتداء والشارع جعله لازما بعد الافتراق، وكذا في بيع الحيوان بعد
ثلاثة أيام، وفي بيع الصرف انشاء والملكية من الابتداء، والشارع
أمضاها بعد القبض.
وفي غير الموارد التي ورد الدليل على التوسعة أو التضييق، فلا يمكن
التخلف، بل ما أنشأه المتعاقدان هو الممضي للشارع، وإذا كانت
المعاملة المنشأة محدودة بالفسخ فترتفع بالفسخ، وهذا معنى جعل
الخيار، فيكون ثابتا بالشرط الضمني الذي مرجعه إلى تحديد المنشأ
بالفسخ وارتفاع العقد به كما هو واضح.
نعم امضاء الشارع للشرط بمعنى ايجاب الوفاء به في الخارج مرتفع
لأنه فاسد، ولا يلزمه الشارع بايجاد المحرم في الخارج، وأما كون
المشروط له متمكنا من الفسخ على تقدير عدم ارتكاب المشروط عليه
بالحرام أو ترك الواجب فلا مانع له أبدا.
نعم ظرف ثبوت الخيار وهو ارتكاب الحرام مبغوض للشارع وغير
ممضى لاثبات الخيار له في ذلك الظرف، وهذا نظير ما لو جعلا الخيار
لأحدهما من الابتداء عند عمل المشروط عليه بالحرام أو اتيانه الواجب -
لا أنه يشترط شيئا ويكون نتيجته الخيار - فإنه مما لم يذهب أحد إلى
بطلانه، وعدم ثبوت الخيار له عند اتيان الواجب أو ترك الحرام، فالخيار
ثابت للمشروط عليه لا محالة.
وهذا من غير فرق بين علمهما ببطلان الشرط وحرمته وجهلهما،
وبين جهل أحدهما وعلم الآخر، وهذا ظاهر.
ومنه يظهر أن هذا الخيار ليس ثابتا من ابتداء العقد، بدعوى أنه متعذر
من الأول، لأن الممنوع الشرعي كالممنوع العقلي، بل إنما يثبت له فيما
397

إذا لم يف المشروط عليه بالشرط ولو كان فاسدا، فإذا فرضنا أنه ارتكب
المحرم عصيانا فلا يثبت للمشروط له الخيار، لأنه إنما جعله على تقدير
عدم اتيانه به ولو معصية، وكون ذلك الفعل محرما مطلب آخر لا يمنع
عن عدم ثبوت الخيار.
بيان آخر
هذا تمام الكلام في الأمر الأول من الأمور المذكورة في أحكام الشرط
الفاسد، وقد اشتمل على بحث عدم وجوب الوفاء بالشرط الفاسد، وأنه
لا يمنع عن صحة العقد أنه يوجب الخيار للمشروط له.
والتحقيق أن يقال إن دليل الخيار في تخلف الشرط ليس هو الاجماع
ولا دليل نفي الضرر ولا شئ آخر، بل الدليل على ذلك أنما هو الشرط
الضمني أو الصريح، وقد عرفت ذلك في خيار الغبن وغيره، وتوضيح
ذلك اجمالا:
إن كلا من البايع والمشتري إذا اشترطا على الآخر شرطا إما صريحا أو
في ضمني العقد ثبت للشارط الخيار مع التخلف، فإن مرجع الاشتراط
إلى جعل الخيار، بداهة أن الشارط إذا اشترط ايجاد فعل على البايع أو
وصفا في المبيع معناه أن التزامي على العقد مشروط بالتزامك على ايجاد
الفعل الفلاني، أو بظهور المبيع على الوصف الفلاني، وإذا تخلف ذلك
لا يكون المشروط له ملزما بالالتزام بالعقد، ومعنى أنه لا يكون ملزما
بالالتزام على العقد أن له الخيار في فسخ العقد وابقائه.
وعليه ففي المقام أن المشروط له قد اشترط على المشروط عليه
ايجاد فعل فاسد وشرط فاسد، بحيث لو لم يفعله المشروط عليه ثبت له
الخيار، ولا شبهة حينئذ في ثبوت هذا الخيار.
398

وتوهم أن الشرط مخالف للكتاب توهم فاسد، فإن الشرط وهو جعل
الخيار للشارط ليس مخالفا للكتاب بل متعلقه مخالف للكتاب، كما إذا
باع شيئا وشرط في ضمنه أن يعصر الخمر وإلا فله الخيار، فإن جعل
الخيار ليس مخالفا للكتاب بل متعلقه كذلك، وقد تقدم صحة جعل
الخيار على تقدير ترك فعل الحرام، بأن اشترط أحد المتبايعين على
الآخر أن يفعل محرما كما هو واضح.
2 - لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد
قوله (رحمه الله): الثاني: لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد.
أقول: ذكر في تقرير شيخنا الأستاذ أنه لم يسبق هنا أمر أول ليكون
هذا ثانيا له.
ولعله اشتباه من قلم المصنف أو من النساخ، ولكنه واضح البطلان،
لأنه ذكر عند الشروع بأحكام الشرط الفاسد أن الكلام يقع في أمور، وذكر
الأمر الأول وقد أطال البحث فيه، وذكر في آخره أنه هل يثبت الخيار
للجاهل بفساد الشرط أو لا، ثم تعرض للأمر الثاني، فلا اشتباه من
المصنف ولا من النساخ.
وحاصل كلام المصنف هنا أنه بناءا على كون الشرط الفاسد مفسدا
للعقد إذا قلنا بصحة العقد وعدم فساده بفساد الشرط، فلا شبهة في
صحة العقد وسقوط الخيار باسقاط الشرط مع القول بثبوت الخيار
للمشروط له، وإذا أسقط المشروط له ذلك الشرط فهل يصبح العقد
صحيحا أو يبقى في فساده.
فقد اختار الأول بدعوى أن العقد قد انعقد بينهما فاسدا فلا ينفع
السقاط المفسد بعد ذلك، ثم احتمل الصحة بناءا على أن التراضي إنما
حصل على العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد،
399

ثم أجاب عنه بأن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد
السابق كالعقد الفضولي أو المكره، ولكن الأمر في المقام ليس كذلك،
لأن التراضي إنما هو على الانشاء المطلق وهو لم ينشأ، والمنشأ إنما هو
العقد المقيد وهو غير ممضى للشارع، فلا يقيد في المقام تحقق الرضا
المتأخر على اطلاق العقد السابق الذي أنشأ مقيدا بالشرط الفاسد.
وعن العلامة (1) التردد في فساد العقد مع اسقاط الشرط الفاسد حيث
احتمل الوجهين: الأول: بطلان العقد من أصله لما عرفت، والثاني:
توقف البيع بدون الشرط على الرضا، فإن رضي به المشروط له بدون
الشرط صح العقد وإلا بطل.
وقد رده المصنف - أي الاحتمال الثاني - بأنه لا يعرف وجه للايقاف،
فافهم.
وحاصل اشكال المصنف بأنا لا نعرف وجها لايقاف المعاملة بعد
انشائها وانعقادها باطلا، ومعه كيف ينعقد صحيحا باسقاط شرطها،
وهذا لا يقاس بالرضا والإجازة المتأخرة أو الإذن السابق في كفايتها في
صحة العقد، فإن الإذن أو الإجازة حينئذ يتعلقان على العقد السابق أو
اللاحق فيوجبان صحته، وهذا بخلاف ما إذا تعلقا على أمر آخر غير ما
رضيا به سابقا وغير ما عقد عليه، فإنه لا يقلب الباطل إلى الصحة.
3 - لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد
قوله (رحمه الله): الثالث: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد.
أقول: في بعض النسخ عقد العنوان مسألتان، مكان الأمر الثالث
والأمر الرابع، وهو إما سهو من قلم المصنف (رحمه الله) أو من النساخ،

1 - التذكرة 1: 496.
400

والصحيح أن تقول: الثالث والرابع، كما في بعض النسخ الأخرى.
وكيف كان إذا قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد وإن فساد الشرط
يسري إليه، فهل يختص ذلك بما إذا كان الشرط مذكورا في متن العقد أو
يعم ما إذا كان مذكورا قبل العقد ووقع العقد مبنيا عليه، فإن قلنا إن
الشرط المذكور قبل العقد الذي لا يذكر في ضمن العقد خارج عن
الشرط فلا كلام لنا فيه، فإنه ليس هنا شرط حتى يكون فساده موجبا
لفساد الشرط.
وإذا بنينا على أنه أيضا شرط ولا عناية في اطلاق الشرط عليه
ولا دليل على ذكره في ضمن العقد، فإن معنى الشرط هو الإناطة
والارتباط، وهو يحصل بذكره قبل العقد بحيث يقع العقد مبنيا عليه
ومربوطا به، لا في حال الغفلة عن البناء السابق، فيكون بذلك مشمولا
لعموم: المؤمنون عند شروطهم، وخارجا أيضا عن الشروط
الابتدائية، وعليه يقع الكلام في أنه يفسد العقد أو لا يفسد.
فذكر المصنف هنا وجهان مبنيان على تأثير الشرط قبل العقد، فإن
قلنا بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور لم يفسد وإلا فسد، وقد فصل
بذلك ونقل هنا قولا ثالثا عن المسالك وعبارته غلقة جدا، ولا نتعرض
لها ولاحظها.
والذي ينبغي أن يقال: إنه لا شبهة في صدق الشرط على ذلك كما
عرفت، وحينئذ فلا بد من ملاحظة مدرك أن الشرط الفاسد يفسد العقد
ويسري فساده إليه، فإن كان ذلك هو الاجماع فلا شبهة في عدم شموله
للمقام، لكونه دليلا لبيا والمتيقن منه ما يكون الشرط مذكورا في متن
العقد، وأما إذا كان مذكورا قبله ووقع العقد مبنيا عليه فلا يكون داخلا
لمعقد الاجماع.
وإن كان الدليل هو نفي الضرر فمقتضى القاعدة هو فساد العقد بفساد
401

الشرط، فإنه لا فرق بين هذا الشرط والشروط المذكورة في ضمن العقد
كما هو واضح، نعم بناءا على أن المدرك لفساد العقد بفساد الشرط هو
الأخبار الواردة في بيع الوضيعة والعينة على ما تقدم، فهي منحصرة إلى
صورة ذكر الشرط في متن العقد فلا يكون المقام مشمولا لها.
وبعبارة أخرى أن مورد تلك الأخبار صورة ذكر الشرط في متن العقد،
وأما إذا وقع العقد مبنيا عليه، أي على ذكر الشرط السابق، فهو خارج
عن مورد الأخبار، فلا بد من الاقتصار بمورد التعبد كما هو واضح، إلا أنها
غير تامة الدلالة كما تقدم.
وبعبارة أخرى إذا قلنا بأن فساد العقد عند فساد شرطه على طبق
القاعدة ومن جهة قصور المقتضي للصحة حينئذ، لأن للشرط قسطا من
الثمن، فإذا فسد وأخرج قسطه يكون الثمن مجهولا والمعاملة غررية،
أو لأن الرضا إنما وقع على عقد خاص وهو المعاملة بهذا الشرط الفاسد،
فإذا انتفي القيد ينتفي المقيد، فلا محاله نلتزم بالافساد عند التباني أيضا،
فأما إذا قلنا إنه في حكم الشرط الملفوظ لأن اخراج قسط من الثمن فيه
أيضا يوجب الجهالة في الثمن والرضا بالمعاملة مقيد باقترانها للشرط،
فإذا انتفي ينتفي الرضا فلا تشمله الأدلة لقصور العقد بحسب المقتضي
فيفسد العقد عند فساد التباني.
وأما إذا كان على خلاف القاعدة فيقتصر بمورد النص، والظاهر على
ما عرفت أنه بناءا على أن فساد الشرط يسري إلى العقد فالشرط السابق
على العقد يوجب فساده أيضا، لكونه شرطا حقيقة على ما عرفت.
نعم إذ أنسى المتبايعان ذلك وأوجد العقد بغير بنائه على الشرط
السابق لا يكون الشرط حينئذ مؤثرا في العقد، فإن العقد بحسب القاعدة
إذا لم يقيد حين الانشاء بشئ أنشأ مطلقا وغير مقيد بشئ، وقد فرضنا
أنه لم يقيد بشرط.
402

ومن هنا ذكرنا سابقا أن ترك ذكر الأجل في المتعة يوجب كون العقد
المنشأ دواما على طبق القاعدة، والرواية الواردة في ذلك مواقفة للقاعدة
لا مخالفة لها (1)، لأن طبع العقد أن يوجد مطلقا مع عدم التقيد بشئ.
4 - لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به
قوله (رحمه الله): الرابع: لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به.
أقول: ذكروا موردا يكون الشرط لغوا ولا يكون موجبا لكون العقد
لغوا، فكأنه مستثنى من موارد فساد العقد بفساد الشرط، وهو ما إذا كان
الشرط لم يتعلق به غرض العقلاء، بأن يشترط أحدهما على الآخر أن
يوزن المبيع بكيل فلاني، مع أنه لا فرق بينه وبين الكيل المعروف عندهم
بوجه، وهذا الشرط لا يزيد المالية بوجه ولا يكون دخيلا في الرغبة إلى
المبيع أصلا، وقد صرح في موارد من التذكرة بعدم الافساد (2).
ومن هنا ذكر الشهيد (رحمه الله) (3) أنه لو اشترط كون العبد كافرا وظهر مسلما

1 - عن عبد الله بن بكير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث: إن سمي الأجل فهو متعة،
وإن لم يسم الأجل فهو نكاح بات (الكافي 5: 456، التهذيب 7: 262، عنهما الوسائل 21: 47)،
موثقة.
عن هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة؟ قال:
فقال: ذاك أشد عليك ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين، قلت:
أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال: أياما معدودة بشئ مسمى مقدار ما تراضيتم به، فإذا مضت
أيامها كان طلاقها في شرطها ولا نفقة ولا عدة لها عليك - الحديث (التهذيب 7: 267،
الإستبصار 3: 153، عنهما الوسائل 21: 48)، ضعيفة.
2 - التذكرة 1: 490.
3 - الدروس 3: 215، وتبع في ذلك الشيخ في المبسوط 2: 130، خلافا لابن إدريس في
السرائر 2: 357.
403

كان الشرط لغوا، وليس له الخيار من ناحية تخلف الشرط.
ووجه المصنف أن الوجه في ذلك هو أن الوفاء بمثل هذا الشرط حيث
لم يكن واجبا شرعا ولم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرج هذا
الشرط عن قابلية تقيد العقد بذلك.
ثم أشكل عليه بأن لغويتها لا تنافي تقيد العقد بها في نظر المتعاقدين،
فاللازم أما بطلان العقد وأما وجوب الوفاء، كما إذا جعل بعض الثمن مما
لا يعد مالا عرفا، وهذا لا بأس به، لأنا لو أغمضنا عما ذكرناه سابقا من
كفاية تعلق الغرض الشخصي في العوضين فضلا عن الشروط وأنه مع
اعتبار المالية بحسب أغراض العقلاء في العوضين فلا دليل على اعتبار
ذلك في الشروط، فلا شبهة أن ما أنشأ بحسب نظر المتبايعين إنما هو
العقد المقيد، فلا يعقل أن يكون الممضي غير ما أنشأ حين العقد، وعليه
فأصل الشرط ليس بلغو فضلا عن أن يتكلم في أن فساده يسري إلى
العقد بناءا على السراية أو لا يسري، فهذا البحث لغو أصلا.
وعلى الجملة بعد ما فرضنا أن معنى الشرط هو الربط فلا شبهة في
ارتباط العقد بالشرط المذكور، وعليه فلا بد إما من الالتزام بعدم فساد
الشرط مع عدم ترتب الغرض العقلائي عليه لصدق الشرط عليه فيحكم
بوجوب الوفاء به لأدلة الشروط أو لعموم دليل الوفاء بالعقد.
وأما أن نلتزم بالافساد في هذا الشرط أيضا، بناءا على أن عدم ترتب
الغرض العقلائي على الشرط يوجب الفساد، فإنه بعد الفساد فلا محالة
يوجب فساد العقد بناءا على السراية كما هو واضح، فلا وجه للاستثناء
أصلا.
404

الكلام في أحكام الخيار
قوله (رحمه الله): الكلام في أحكام الخيار.
1 - كون الخيار موروثا
أقول: لا خلاف بين الفقهاء في أن الخيار يورث بأنواعه، ولم نجد في
ذلك خلافا إلا عن الشافعي في خيار المجلس، ولعله من جهة أنه يرى
الموت افتراقا، بل ادعى بعضهم الاجماع على ذلك.
واستدل على أنه يورث مضافا إلى الاجماع المتقدم بأن الخيار حق
للميت فيورث، لعموم ما تركه الميت من حق فلوارثه.
الفرق بين الحق والحكم وكون الخيار من قبيل الحقوق
أقول: لا شبهة في أن الخيار من قبيل الحقوق، وذلك من جهة أنه وإن
لم يكن فرق حقيقة بين الحق والحكم بل كل ذلك من قبيل الأحكام
الشرعية، ولكن قد تقدم في أول الخيار وفي أول البيع أن ما يكون
اختياره تحت يد الانسان من الأحكام الشرعية بحيث حقا يقبل النقل
والانتقال أو السقوط والاسقاط سمي ذلك حقا، وما لا يكون كذلك
يسمى ذلك حكما.
فالجواز في الهبة من قبيل الحكم، إذ لا يقبل شيئا من الأمور المذكورة
ولا يتغير عن حاله بوجه، إلا أن يكون هبة لذي رحم أو على وجه قربي
405

فإنه يكون لازما، وأما غيرهما فلا يكون لازما حتى باسقاط الواهب حق
رجوعه.
ويقابل هذا الجواز الحكمي اللزوم الحكمي في النكاح، فإنه أيضا
حكم من الأحكام الشرعية، ولذا لا يقبل الانفساخ ولو برضاية الموجب
والقابل، بل طريق ارتفاعه الاختياري منحصر بالطلاق الذي بينه
الشارع، وأما رفعه بغير ذلك كالإقالة مثلا فلا يكشف من ذلك أن هذا
اللزوم حكمي لا حقي كما هو واضح.
وهذا بخلاف الجواز في الوكالة، فإنه يقبل التغير، وكذلك اللزوم في
البيع، فإنه يقبل الحل بالإقالة أيضا، وهو الانفساخ، كما يقبل الحل
بالفسخ.
فيعلم من ذلك أن اللزوم هنا حقي وقابل للحل، وليس الإقالة بيعا
جديدا حتى يتوهم أنه لا يكون حلا للعقد السابق، إذ تصلح الإقالة بعد
تلف العينين، ولو كان بيعا جديدا لما كانت صحيحة كما هو واضح.
وعلى الجملة أنه لا شبهة في وجود الفرق بين الحق والحكم وإن
كانت حقيقتهما واحدة.
وأما الخيار فهو أيضا من قبيل الحقوق لما عرفت سابقا أنه ملك فسخ
العقد على ما يستفاد من الأخبار، كقوله (عليه السلام): وذلك رضا بالبيع (1)،
ونحو ذلك سواء كان ذلك الخيار مجعولا بجعل شرعي كخيار المجلس
ونحوه، أو مجعولا بجعل المتعاقدين كخيار الشرط، وأشباهه كخيار

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
406

الغبن والعيب ونحوهما الثابت بالشرط الضمني، فإن جميع تلك
الخيارات التي توجب جواز العقد من قبيل الحقوق واختيارها بيد
صاحبها وضعا وحلا، وابقاءا واسقاطا كما هو واضح، فإن قوله (عليه السلام):
فذلك رضا بالعقد، ظاهر في أنه يقبل الاسقاط، وهذا هو معنى الحق،
فافهم.
اثبات الإرث في الخيارات بالنبوي
ولكن الكلام في شمول النبوي: ما تركه الميت من حق أو مال فهو
لوارثه، لأن شموله للخيارات يحتاج إلى أمرين:
1 - احراز أن الخيارات من قبيل الحقوق، وقد تقدم ذلك، ودلالة
جملة من الأخبار عليه، كقوله (عليه السلام): وذلك رضا بالعقد، أي امضاء
العقد واسقاط الخيار، فإنه لو لم يكن من قبيل الحق لم يكن الاسقاط،
فضلا عن أن يكون ذلك رضا بالعقد.
2 - أن يحرز أن هذا الحق عما يصدق عليه أنه تركه الميت، بأن يكون
قابلا للانتقال حتى يصدق عليه ذلك، فإن مفاد النبوي: أن ما تركه الميت
وأبقاه بموته في الخارج فهو لوارثه.
ومن الواضح أن هذا المعنى يصدق في مثل حق التحجير، حيث إن
المحجر قد ثبت له حق في الأرض المحجرة بواسطة التحجير، وقد
تعلق حقه بالأرض التي هي موجودة في الخارج، فإذا مات يصدق عليه
أنه ترك في هذه الأرض حقا، وكذلك في أمواله، فإنها مملوكة له فيصدق
عليها أنه قد تركها الميت، ويكون ذلك المتروك للوارث، نظير أن يسافر
أحد وترك متاعه في منزله، فيقال إنه مشي وترك متاعه في منزله، غاية
الأمر أن الانتقال هنا من عالم إلى عالم آخر كما لا يخفى.
407

ولكن لا يصح ذلك في الخيارات، لما عرفت أن معنى جعل الخيار
ابتداءا أو بالالتزام ليس إلا تقييد العقد بالفسخ، فتكون الملكية المنشأة
مغياة بالفسخ والفسخ يكون غاية لها، ولا شبهة أن من جعل لنفسه الخيار
ويقيد الملكية بتلك الغاية لا بجعل تلك الغاية وسيعة أي أعم من فسخ
نفسه وفسخ وارثه.
ومع ذلك كيف يعقل أن يثبت الإرث في الخيارات إلا أن يكون هنا
اجماع كما هو كذلك، فإن الفقهاء قد تسالموا على أن الخيار يورث،
وقد عرفت أن المخالف هو الشافعي في خيار المجلس فقط، ولكن مع
قطع النظر عن الاجماع فلا يمكن اثبات الإرث في الخيارات بعموم: ما
تركه الميت من حق فلوارثه.
اثبات الإرث في الخيارات بالتمسك بالاستصحاب
وأما اثبات إرث الخيارات بالتمسك بالاستصحاب مشكل على ما
ذكره المصنف، لأنه يرد عليه:
أولا: إن الشبهة حكمية ولا يجري الاستصحاب في الشبهات
الحكمية للمعارضة دائما، فإن استصحاب ثبوت الخيار بعد الموت
معارض بعدم جعله للوارث.
وثانيا: إن الموضوع غير محرز، إذ لا ندري أن الخيار حق مختص
بالميت وقائم به لكي لا يجري الاستصحاب هنا، أو أنه أمر وسيع قائم
بالميت مع وجوده وحياته وبوارثه مع موته، فيكون ذلك مشكوكا،
والتمسك بعموم لا تنقض اليقين بالشك في المقام تمسك بالعام في
الشبهة المصداقية.
وثالثا: إنه بعد ما ذكرنا من اختصاص الخيار بالميت لكون الملكية
408

المنشأة محدودة بفسخه لا يبقى هنا مورد للشك حتى نتمسك
بالاستصحاب كما هو واضح.
والظاهر أنه لا يمكن اثبات إرث الخيار بغير الاجماع، والله العالم.
تنبيهات
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال.
أقول: وينبغي التنبيه على أمور:
1 - إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال
لا شبهة في أن ما يكون مانعا عن الإرث في الوارث بحيث لا يكون معه
مانع عن الإرث من الموروث شيئا كالقتل والكفر ونحوهما، وهو مانع
عن إرث الخيار أيضا، بناءا على جواز إرث الخيار، وهذا لا كلام فيه،
وإنما الكلام في أن من لا يكون وارثا بالنسبة إلى شئ خاص من أموال
الميت، كعدم إرث الزوجة من العقار وعدم إرث غير الولد الأكبر من
الحبوة هل يكون وارثا للخيار الثابت في بيع تلك الأموال، بأن مات البايع
للعقار أو الحبوة بعد بيعه الخياري فهل يكون غير الولد الأكبر وارثا
لذلك الخيار وكذلك الزوجة أم لا؟
ففي المقام وجوه، بل أقوال:
1 - القول بالإرث مطلقا.
2 - عدمه كذلك، وإن لم يظهر من يصرح بالعدم، ولكن قد استشكل
بعضهم في الإرث.
3 - أن يفصل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميت أو منتقل
عنه إلى غيره، فإنه على الأول يحكم بعدم الإرث، وذلك لأن الخيار
409

علاقة فيما انتقل عنه بعد كونه مسلطا على ما انتقل إليه، بحيث أن يخرج
ما انتقل إليه من ملكه إلى ملك من انتقل عنه ذلك العين بالفسخ وادخال ما
انتقل عنه إلى غير في ملكه بذلك.
ولا شبهة أن المرأة ليس لها السلطنة على ما انتقل إلى الميت وهو
العقار، وكيف لها الفسخ وارجاع كل من المالين إلى مالكه الأول بالفسخ،
وعليه فلا خيار للمرأة في هذه الصورة، لعدم تسلطها على ارجاع العين
إلى ما انتقل عنه، ولا يقدر على ايجاد معنى الفسخ، ولا معنى لثبوت
الخيار لمن لا يقدر على الفسخ، وهذا بخلاف ما إذا كان ما لا ترث منه
الزوجة منتقلا عن الميت إلى غيره، فإنه حينئذ لها السلطنة على المال
المنتقل إلى الميت، وهو ثمن العقار، فهي قادرة على الفسخ حينئذ
لتحقق مفهوم الخيار هنا.
4 - أن يفصل على عكس الصورة السابقة، والوجه في هذا التفصيل
هو أن الثمن المنتقل إلى البايع ملك متزلزل للبايع، وإذا فسخ العقد ينتقل
الثمن إلى الميت، فيرث منه كل من الزوجة وغيرها، وهذا بخلاف ما إذا
كان العقار منتقلا عن الميت، لأن الزوجة لا ترث منه فيما إذا فسخ العقد
ورجع المبيع إلى ملك الميت فلا خيار لها، لأن الخيار حق لصاحبه فيما
انتقل عنه يوجب سلطنة ما انتقل عنه بارجاعه إلى ملكه، والمفروض أن
الزوجة ليس لها علاقة ولا سلطنة على العقار فيما إذا انتقل إلى الميت،
بدعوى أنه إن كان ما انتقل من الميت عقارا فلا خيار لها لأنها لا تملك شيئا
بعد الفسخ.
وأما إن كان ما انتقل إليه عقارا فلها الخيار، لأنها بالفسخ تملك قيمة
العقار، لأن الفسخ يجعل العقد كأن لم يكن، فيكون ما أعطاه الميت في
مقابل العقار من الثمن مملوكا للزوجة وغيرها بعد الفسخ، فإن معنى
410

الخيار هو التسلط على حل العقد وجعله كأن لم يكن، وإن لم يكن
الفاسخ مالكا لما انتقل إلى البايع كالأجنبي.
وقد ذكر المصنف تفصيل ذلك في المتن.
التحقيق في المقام
أقول: الظاهر هو القول بعدم الإرث مطلقا، وذلك لما عرفت من أنه
ليس هنا دليل لفظي دل على جواز إرث الخيار حتى نتمسك باطلاقه، بل
الدليل على ذلك هو الاجماع، ولا شبهة أنه لا اجماع في المقام بعد هذه
الاختلافات كما عرفت، وعليه فلا يمكن القول بإرث الزوجة للخيار
لعدم الدليل عليه.
وعلى تقدير التنزل والقول بأنها ترث الخيار في فرض بيع الميت
العقار أو شرائه ذلك، فلا وجه للاشكال في إرثها لما تعلق به البيع مع
الفسخ، سواء قلنا بثبوت الخيار لها بالإرث أم لا، فإنه على كل تقدير
ترث الزوجة من متعلق البيع بعد الفسخ كما هو واضح، فلا ثمرة حينئذ
للبحث عن ثبوت الخيار لها بالإرث وعدمها، كما هو واضح.
ومن جهة أن الزوجة غير مالكة للعقار فلا سلطنة لها عليها كما ذكره
المصنف فكيف لها أن تفسخ العقد ويرجع الثمن من المشتري،
وتوضيح ذلك أنه:
إذا كان الميت قد اشترى عقارا ببيع خياري، بأن كان له الخيار أو كان
الخيار لصاحبه وهو المشتري، وفسخ الوارث أو المشتري ذلك البيع،
فإن البيع ينقلب إلى عدمه، فكأنه لم يكن من الأول، فتكون العقار ملكا
للمشتري والثمن ملكا للميت، فيكون ذلك من جملة تركته فترث منه
الزوجة أيضا كسائر الورثة.
411

ولا وجه في هذه الصورة في حرمان الزوجة عن الإرث والاشكال في
ذلك حينئذ، لأن معنى الفسخ هو رجوع كل من العوض والمعوض إلى
مكانه الأول، فيكون الثمن ملكا للمشتري والمثمن ملكا للبايع، وإن كان
معنى الفسخ هو حل العقد من حين الفسخ كما هو كذلك إلا أنه ليس معناه
أن الفاسخ يملك العوض بالملكية الجديدة، لأن الفسخ ليس معاملة
جديدة بل هو إعادة للملك السابق، فيكون الفسخ وسيلة لملك الميت
العوض أو المعوض بذلك، كما إذا نصب شبكة للصيد فوقع فيها ذلك
الصيد بعد موت من نصب الشبكة، فإنه يكون مالكا للصيد لأنه أوجد
سببه قبل الموت.
وعلى الجملة أن الفاسخ أي شخص كان يكون فسخه سببا لتملك
الميت العوض أو المعوض، فتكون الزوجة أيضا وارثة من ذلك وإن
لم يكن لها الخيار أصلا، لأن المفروض أن المنتقل إلى الميت كان عقارا
والمنتقل عنه غيرها، فبالفسخ ينحل البيع وينتقل العقار إلى غير الميت
ومقابله إلى الميت، ولا مانع من إرث الزوجة من غير العقار كما هو
واضح.
وإن كان المنتقل إلى الميت بالمعاملة غير العقار ولكن في مقابلها بأن
باع العقار بثمن هو غير العقار، فإذا فسخ ذلك العقد إما فسخه الوارث أو
فسخه المشتري أي طرف الميت، فحينئذ ينحل العقد فترجع العقار إلى
الميت والثمن إلى المشتري.
ولكن في هذه الصورة لا معنى من حرمان الزوجة من ثمن العقار الذي
كان من جملة ما تركه الميت وإن كانت محرومة من نفس العقار، بتوهم أن
الثمن بعد فسخ العقد يكون ملكا للمشتري فيؤخذ من الورثة ويعطى
للمشتري كما هو واضح.
412

وذلك لأن الثمن قبل فسخ العقد كان ملكا للوارث الذي من جملته
الزوجة، فلا وجه لعدم إرثها عنه مع كونه من التركة، غاية الأمر بعد فسخ
العقد ورجوع العقار إلى ملك الميت كان ثمن العقار من جملة ديون
الميت فيخرج من أصل المال، فكما أن الانسان إذا أخرج ماله عن ملكه
بالهبة ثم أرجعه إليه، فتظهر الثمرة في إرث الزوجة.
وعلى الجملة فبناء على كون الخيار موروثا، فلا وجه لحرمان الزوجة
من ثمن العقار التي اشتراها الميت أو ثمنها الذي باعها به كما عرفت
سابقا.
ثم إن جميع ما ذكر في إرث الزوجة للخيار وعدم إرثها ذلك في بيع ما
لا تملكه الزوجة جار في بيع الحبوة أيضا بالنسبة إلى إرث الخيار هنا لغير
الأخ الأكبر.
الدين المستغرق لتمام التركة يمنع عن إرث الخيار أم لا؟
قد ذكر المصنف أن الدين المستغرق لتمام التركة وإن كان يمنع عن
إرث المال، إلا أنه لا يمنع عن إرث الخيار، فللورثة فسخ المعاملة التي
أوقعها الميت حال حياته، ثم إن جميع ذلك جار في صورة أن يكون
للميت دين مستغرق ولا يكون له تركة أزيد من الدين وقد باع شيئا
وجعل لنفسه فيه الخيار، فهل ترث الورثة الخيار هنا أو لا ترث.
فما ذكره المصنف من الاشكال في إرث الزوجة للخيار في بيع العقار
جار هنا أيضا، بل هنا أولى بالاشكال من ذلك ما يستوضح لك، فلا وجه
للتفكيك ونفي الاشكال هنا.
وتوضيح ذلك أنه: تارة نقول بأنه إذا كان للميت دين مستغرق لا ينتقل
المال منه إلى الورثة أصلا، كما إذا لم يكن له دين إلا بمقدار بعض أموال
413

الميت لا ينتقل ماله إلى الورثة بهذا المقدار، كما هو ظاهر قوله تعالى:
من بعد وصية يوصي بها أو دين (1)، فإن المستفاد منها أن التركة غير ما
يكون مقابلا للدين كما هو واضح.
وعلى هذا المبنى فليس للورثة حق في مال الميت أصلا، ومعه كيف
يكون له الخيار في فسخ عقد الميت وارجاع المبيع إلى ملك الميت مع
أنهم غير مسلطين على ما انتقل إلى الميت لكونه ملكا للديان، وإذا قلنا إن
جميع أموال الميت تنتقل إلى الورثة ولكن تكون ذلك متعلقة لحق الغير
وهم الغرماء والديان، كما هو خلاف ظاهر الآية، فإن ظاهرها هي
الصورة الأولى.
وحينئذ وإن كان الوارث مسلطا على ما انتقل إلى الميت ومالكة له إلا
أن فسخهم العقد ورد ما انتقل إلى الميت إلى صاحبه ورد ما انتقل عنه
إليه إلى الميت تصرف في حق الغير، وهو غير جائزة على هذا الاشكال،
فإرث الورثة الخيار هنا أسوء من إرث الزوجة الخيار في بيع الميت العقار،
لأن القول بالإرث هنا يستلزم التصرف في حق الغير، ولكن القول به هنا
لا يستلزم ذلك.
وعليه فلا وجه لتوهم أن إرث الورثة للخيار في صورة الدين
المستغرق مورد للوفاق، وإرث الزوجة للخيار في صورة بيع العقار مورد
للخلاف، بل الخلاف في أحدهما ينافي الوفاق في الأخرى.
ثم إنه لا وجه لثبوت الخيار حينئذ وارثة له بوجه، وأما على مسلكه
من كون التركة ملكا للورثة بعد الموت، فلأنه فرع تسلطه على ما بيده من
المال حتى يتمكن من ارجاعه إلى مالكه، والمفروض أن الورثة

1 - النساء: 11.
414

لا يتمكنون من التصرف في التركة، لأنه وإن كان ملكا لهم عند المشهور
إلا أنه متعلق لحق الغرماء والديان، ولا يجوز التصرف في متعلق حق
الغير.
ثم إنه بناءا على عدم إرث الزوجة للخيار فليست الورثة مستقلة في
اعمال الخيار في بيع العقار، وذلك لا من جهة أن الزوجة لها الخيار، بل
قد عرفت أنه لا خيار لها على الفرض، بل من جهة أن دليل إرث الخيار
كما تقدم ليس هو دليلا لفظيا لكي يتمسك بظاهره، بل عرفت أن مقتضى
القاعدة هو أن يكون الخيار موروثا، لأن مرجع جعل الخيار عبارة عن
تعليق اللزوم بالتزام الطرف الآخر بالشرط، ومرجع ذلك إلى تحديد
الملكية - لا المملوك - بالفسخ، وكون الفسخ غاية لها، ومن الواضح أن
الغاية هو فسخ ذي الخيار لا هو ووارثه، وحينئذ فلا دليل على ثبوت
الخيار للورثة.
لكن قامت الضرورة والاجماع على إرث الخيار، ومن الواضح أن
المتيقن من ذلك هو اجتماع جميع الورثة على الفسخ لا بعضه دون بعض
خصوصا إذا كان الفسخ على ضرر الزوجة، بأن باع الميت عقارا، فإذا
فسخت الورثة لم ترث الزوجة، فإنا لم نطمئن بثبوت الاجماع هنا، إذا
فلا بد من ملاحظة المتيقن وهو اجتماع جميع الورثة، ومنها الزوجة على
الفسخ كما هو واضح.
2 - كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار.
أقول: بعد ما بنى على جواز إرث الخيار فيقع الكلام في كيفية ذلك مع
تعدد الورثة، وقد ذكر فيها وجوه:
415

1 - أن يكون لكل منهم خيار مستقل بحيث يكون كل منهم مستقلا في
الفسخ والامضاء، بحيث يكون لكل منهم خيار مستقل من حيث الفسخ
أو الامضاء، ويكون اختيار العقد تحت يده على ما استفدناه من الروايات
المتقدمة في باب الخيار، لقولهم (عليهم السلام): وذلك رضا منه بالعقد (1)، فإنه
يعلم من هذا التعبير أن معنى الخيار هو أن يكون اختيار العقد تحت يد
ذي الخيار بحيث كان له الفسخ أو الرضا، فإنه لا يطلق الرضا في مورد إلا
كان طرفي الأمر من الفعل والترك تحت اختيار الفاعل كما هو واضح، بل
هذا هو معنى الفسخ أيضا.
وأما على مسلكنا فلأنه لا اجماع محقق في إرث الخيار في المقام،
وذلك لأن المتيقن منه ما إذا لم يكن متعلقه ملكا لشخص آخر أو كان
متعلقا لحق الغير، سيما إذا كان استلزم إرث الورثة الخيار ضررا على
الديان، كما إذا اشتراه الميت بأرخص من قيمة السوقية مثلا، أو اشتراه
بخمسين درهما مع أن القيمة السوقية مائة، فإن فسخ الورثة بارجاع ما
يسوى بمائة إلى مالكه الأولى وأخذ ما يقابله ضرر على الديان، وحيث
لا اجماع في مقام لا يثبت للورثة الخيار فيما إذا كان للميت دين مستغرق
بحيث يكون لكل منهم ذلك، فلو سبق منهم أحد في الفسخ بأن فسخ
العقد أو في الامضاء بأن أمضاه لم يبق مجال للآخرين.
2 - الوجه الثاني كصورة السابقة ولكن أن يكون كل منهم مستقلا في
الفسخ فقط، بحيث إذا فسخ العقد لا يبقى مجال لفسخ الآخرين، وأما

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
416

الامضاء فلا يكون امضاؤه امضاء للآخرين بل يبقى بعد امضاء أحدهم
مجال الامضاء غيره كما هو واضح، وهذا نظير خيار المجلس الثابت
للمتعدد، فإن لكل من المتعاملين في المجلس فسخ المعاملة دون
إجازتهما لا منهما لتتوقف على إجازة كليهما، نعم تكون إجازته نافذة
في حقه فقط.
3 - أن يكون الخيار ثابتا للطبيعة ولصرف الوجود، بحيث يكون هنا
خيار واحد، فكل من الورثة تصدى لاعمال ذلك من حيث الفسخ أو
الامضاء كان له ذلك لتحقق الطبيعة بذلك، ولكن لا يبقى مجال لاعمال
غيره خياره في ذلك لعدم الموضوع لذلك، لأن المفروض أن الخيار قائم
بالطبيعة وقد حصل.
4 - أن يكون لكل من الورثة الخيار بحسب حصته من الثلث أو النصف
أو الربع، بحيث له أن يفسخ العقد في نصفه أو ثلثه أو ربعه وهكذا، لا أن
الحق يقسم لأنه غير قابل للتقسيم، بل من جهة أن لكل منهم نصف من له
الحق أو ربعه أو ثلثه.
5 - ما قواه المصنف، من أن الخيار حق واحد قائم بالمجموع، فكأن
الورثة قائم مقام الميت ومجموعهم شخص واحد فيكون الخيار
للمجموع كما هو واضح.
وهذه هي الوجوه التي ذكرت في المقام، ولكن مع اختلافهم في كيفية
إرث الحق لم يختلفوا في كيفية إرث المال، بل اتفقوا وتسالموا على أن
كل من الورثة يرث مقدار حصته، وأن المال ينتقل إليه على نحو التقسيم
كما هو واضح، ولم يخالف في ذلك أحد فيما نعلم.
ويقع الكلام هنا في مقامين: الأول: في كيفية انتقال المال إلى الورثة،
والمقام الثاني في كيفية انتقال الحق إلى الورثة.
417

المقام الأول: في كيفية انتقال المال إلى الورثة
المقدمة الأولى
المعروف المشهور بل المجمع عليه أن المال الذي للميت إنما ينتقل
إلى الورثة على نحو التقسيم يعني حين ما ينتقل إليها المال ينتقل إلى كل
منهم بمقدار حقه دون الأزيد ولا الأنقص، وهذا هو الظاهر من الآية
الشريفة أيضا، حيث إنها ظاهر في أن لكل واحد من الوراث هو الثلث أو
السدس أو الثمن من حيث الانتقال لا أنه تنتقل التركة إلى المجموع، وهم
يقتسمونها بعد ذلك.
وقد عرفت أن هذا وإن كان موردا للتسالم وظاهر الآية ولم نسمع
المناقشة فيه من أحد، ولكن يشكل الذهاب إليه من جهتين:
الجهة الأولى: إن التركة إذا انتقلت إلى الورثة على سبيل الافراض
فنسأل أنها انتقلت إليهم معينا بحيث يكون حق كل معلوما عند الله تعالى
وإن كان مجهولا عند الورثة، أو على نحو الغير المعين، مثلا إذا مات زيد
فترك ابنين وانتقل ماله إليهما بحيث انتقل نصفه إلى أحدهما ونصفه
الآخر إلى الآخر معينا ولو في علم الله تعالى أو غير معين.
فإن كان الأول فيرد عليه أنه فالمرجع في تعيين أحد النصفين لهذا الابن
والنصف الآخر للابن الآخر مع أن نسبة المال إليهما كان على حد سواء
وجهة الانتقال كانت واحدة وهو الإرث، فتخصيص أحد النصفين
بأحدهما والنصف الآخر بالآخر تخصيص بلا مخصص وترجيح بلا
مرجح.
فلا وجه لتوهم أن المال الميت انتقل إلى الورثة معينا، أي حصة كل
معينة في علم الله تعالى وإن كانت مجهولة في علمهم، بحيث إن من كل
شئ نصفه المعين لأحدهما ونصفه المعين عند الله للآخر.
418

وإن كان الثاني، بأن انتقل حصة كل من الورثة إليها غير معينة، فيرد
عليه أن مال الميت كان شيئا معلوما وأمرا مشخصا كالدينار الخارجي
الشخصي مثلا فبماذا صار غير معين.
وتوهم أن كل منهما قد ملك عنوان النصف المشاع وهو أمر غير معين
كما في الشركة وبيع نصف الدار مشاعا فلا محذور فيه فاسد، بداهة أن
عنوان النصف كعنوان الثلث والربع وغيرهما من العناوين الانتزاعية
وليست أمورا واقعية، وكلامنا في واقع المال الذي تركه الميت، فإنه أمر
معين ومشخص بلا شبهة.
وإلا فلو لاحظنا الأمور الانتزاعية فلازم ذلك أن يملك كل من الورثة
أمورا غير متناهية، لأنا نفرض النصف من اليمين أو الشمال أو اليسار أو
ربعا أو خمسا أو سدسا إلى غير ذلك من الفروض غير المتناهية، وهذا
لا يمكن الالتزام به بأن يقال: إن من ملك نصف الدينار فقد ملك أموالا غير
متناهية كما هو واضح.
نعم يتصور ذلك في تملك الكلي في المعين وتمليكه كبيع صاع من
الصبرة المعينة، فإن المملوك إنما هو العنوان الانتزاعي الكلي ينطبق
على الصياع الخارجية وأين ذهب التشخص عن ملكه، وعليه لا يمكن
بناءا على أن مال الميت قد انتقل إلى الورثة مفروضا من الأول هذا هو
الوجه الأول.
الجهة الثانية: أنه إذا فرضنا أن الميت قد خلف عشرة أبناء وترك من
المال فلسا واحدا بحيث لو قسم إلى العشرة تخرج حصة كل منهم عن
المالية ويكون موردا لحق الاختصاص فقط، هذه هي المقدمة الأولى.
المقدمة الثانية
إنا ذكرنا مرارا عديدة أن دليل الضمان لا يدل على أزيد من ضمان
419

الأموال كقاعدة الضمان بالاتلاف ونحوها، وإذا أتلف أحد مملوك أحد
الذي غير متمول في نظر العرف لا يكون ذلك موجبا للضمان بل لم يفعل
محرما أيضا، لأن الدليل دل على حرمة التصرف في مال امرئ مسلم
لا في ملكه، وهكذا لو أتلف ما ليس بمملوك لأحد بل هو متعلق لحق
الغير كالميتة المختصة لأحد ونحوها، فإنه لا يوجب الضمان بل لا دليل
على تحريمه أيضا من حيث التصرف في متعلق حق الغير ما لم يوجب
ذلك إزالة حقه.
ونتيجة المقدمتين أنه بناءا على المشهور من انتقال التركة إلى الورثة
ابتداءا على سبيل الافراض، أن اتلاف التركة التي كانت قليلة بحيث مع
التقسيم إلى الورثة تخرج عن المالية كفلس واحد لا يوجب الضمان، لأن
حق كل منهم ليس بمال، والمجموع وإن كان مالا ولكنه ليس مملوكا
لأحد كما هو المفروض، وهذا مما لا يمكن الالتزام به.
وعلى هذا فلا بد من القول بأن التركة إنما تنتقل إلى الورثة من حيث
المجموع ويكون الوراث بأجمعهم قائمين مقام الميت، فكان الميت
مالكا للمال بوحدته، وقد ملكتها الورثة بأجمعهم فمجموع الورثة مالك
واحد وشخص واحد قد قاموا مقام الميت، فكان كل واحد منهم نصف
المالك أو ثلثه أو ربعه أو سدسه على حسب استحقاقهم وحصصهم.
وهذا المعنى حيث كان أمرا دقيقا لا يفهمه نوع العرف ولذا يعبر في
العرف أن كل واحد من الورثة مالك للثلث أو الربع أو السدس أو غير
ذلك، ومن جهة لحاظ الفهم العرفي قد عبر في الآية بلحاظ حصتهم،
وظاهر الآية طرف القسيمة، فلا تنافي الآية بكون انتقال التركة إلى
مجموع الورثة وأن كل واحد من الورثة مالكيته بمقدار حصته.
وبعبارة أخرى أن الآية لا تنافي ما ذكرناه، من كون انتقال الإرث من
الميت إلى الوارث إنما هو بحسب مجموع من حيث المجموع، بأن انتقل
420

مجموع التركة إلى مجموع الورثة بحيث تكون الآية ظاهرة في انتقال
التركة إلى الورثة بحسب النسبة ابتداء، لتنافي ما ذكرناه، فإنه مع القول بما
ذكرناه أن استحقاقهم للإرث إنما بحسب النسبة، أي وإن لم يكن الانتقال
بحسب النسبة بل انتقل مجموع التركة إلى مجموع الورثة ولكن لم يبق
ذلك إلى الأبد، بل إذا أرادوا القسمة فاستحقاقهم بعد الانتقال إنما هو
بحسب النسبة.
فحيث إن لحاظ جهة الانتقال معنى دقيق لا يلتفت إليه نوع الناس بأن
يفهم كل أحد أن مالكية كل وارث بحسب نسبة استحقاقه، لا أن كل واحد
مالك للسدس أو الربع مثلا، بل نصف المالك وربع المالك وسدس
المالك ونحو ذلك، ولأجل هذه الجهة أعني عدم التفات نوع الناس
بذلك يعبر في العرف أن لكل واحد من الورثة المقدار الفلاني، أي يسمى
في مقام البيان والذكر جهة الاستحقاق التي ثبت عند إرادة القسمة لا عند
الانتقال.
والقرآن الكريم أيضا جرى في التعبير على هذا المعنى العرفي، لا أنه
ينكر أن كيفية الانتقال ليست على النحو الذي ذكرناه كما هو واضح.
والحاصل أن كيفية انتقال التركة إلى الوارث وإن كان على سبيل ما
ذكرناه، ولكن في مقام التعبير عنها عرفا يلاحظ كيفية الاستحقاق ونسبة
القسمة لأجل السهولة في الفهم كما عبر كذلك في القرآن أيضا.
ويؤيد ما ذكرناه من كون انتقال التركة إلى الورثة على نحو العموم
المجموعي، أنه قد يكون ما تركه الميت أمرا بسيطا غير قابل للقسمة،
كما إذا آجر أحدا لاتيان ركعتين من الصلاة، فمات قبل أن يأتي بها
الأجير، فإنه بناءا على كون الانتقال بحسب النسبة وعلى نحو القسمة
ابتداءا، كيف تكون حال هذا العمل البسيط، فهل يكون بعض الورثة
421

مالكا لركعة وبعضه الآخر مالكا لركعة أخرى أو بعضه مالكا لفاتحة
الكتاب وبعضه للسورة وكل ذلك لم يكن، فتعين ما ذكرناه، فافهم.
ثم إن هذا الذي ذكرناه جار في جميع موارد الشركة القهرية
والاختيارية، وكذلك في بيع نصف المبيع مشاعا فإن معنى الشركة واقع
في المال الخارجي هو هذا، نعم يتصور التمليك على نحو الكلي ولكنه
خارج عن هذا.
المقام الثاني: في كيفية انتقال الحق إلى الورثة
وعلى هذا المسلك الذي سلكناه في إرث المال يتضح الأمر في إرث
الحق أيضا، فإنه إذا كان الانتقال بعنوان المجموع فيما أمكن التبعيض
والتقسيم حين الانتقال كارث الأموال، فكون الانتقال على نحو العموم
المجموعي فيما لم يمكن الانتقال بعنوان التبعيض كما في إرث الحق
أولى، فإن الحق أمر واحد بسيط غير قابل للتبعيض، فكيف يمكن
التقسيم فيه بحيث ينتقل إلى كل ورثة نصف الحق، على أن دليل إرث
الحق هو دليل إرث المال من النبوي: ما تركه الميت من حق أو مال
فلوارثه.
هذا إذا كان دليل إرث الخيار هو النبوي، وأما إذا استشكلنا فيه كما
تقدم وقلنا إن مدركه هو الاجماع وتسالم الفقهاء، على ما تقدم،
فالمتيقن منه هو أن يلتزم بكون انتقال حق الخيار إلى الورثة على نحو
العموم المجموعي، بأن ينتقل مجموع الخيار إلى مجموع الورثة.
فيكون النتيجة على هذا وعلى المسلك المتقدم هو ما ذكره المصنف،
فلا يكون فسخ كل واحد من الورثة العقد وأعماله الخيار بذلك أو امضائه
422

ذلك الذي عبر في الروايات بالرضا، فقال (عليه السلام): وذلك رضا منه بالعقد (1)،
فلا يكون ذلك موردا للأثر مع قطع النظر عن اعمال الوارث الأخر الخيار
بالفسخ أو الامضاء.
وإذا لم نقل على المقالة المتقدمة وقلنا في إرث المال أنه على سبيل
التبعيض والتقسيم من الابتداء كما هو ظاهر الآية ومورد تسالم
المشهور، فحينئذ فالأمر في الحقوق أيضا على نهج ما سبق، ولا يمكن
الالتزام بانتقال الحق إلى الورثة على حسب النسبة والاستحقاق، وذلك
أما بناءا على كون دليل إرث الخيار هو الاجماع فواضح، فإن المتيقن منه
أن ينتقل إلى المجموع وتكون الورثة بأجمعهم في حكم شخص واحد
قائم مقام الميت، فإنه لم يكن للميت إلا حق واحد بسيط ولم يتبعض له
فكيف يتبعض للورثة، فمقتضى أخذ القدر المتيقن هو ذلك.
وأما على فرض أن يكون الدليل على ذلك هو عموم ما تركه الميت
من حق أو مال فلوارثه، فمن جهة أنه لا دليل على تبعيض الخيار للورثة
بأن ينتقل إليهم بحسب نسبة استحقاقهم، لأن الدليل إنما دل على أن ما
تركه الميت من الحق فلوارثه، ومن الواضح أن الميت قد ترك خيارا
واحدا وحقا بسيطا غير متبعض، وحينئذ فكيف يكون لكل وارث بعض
ذلك الحق، فلا بد وأن يكون هذا الحق الواحد البسيط منتقلا إلى
المجموع من حيث المجموع.
وبعبارة أخرى ما تركه الميت هو الحق الواحد فلا بد في فرض إرث

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
423

الورثة الحق أن يرثوا هذا الحق الواحد، وما يرثه الوارث من حصص
الخيار لم يتركها الميت.
فلا دليل على إرث الخيار حسب نسبة استحقاق الورثة، بل لا بد في
فرض الإرث أن يفرض المجموع شخصا واحدا قائما مقام الميت،
ويكون كل واحد نصف ذي الخيار أو ربعه، وهكذا على فرض نسبة
استحقاقهم في مقام التقسيم، بل الدليل على عدم إرث الخيار بحسب
نسبة الاستحقاق في المال هو أي الدليل على العدم أن الميت لم يكن له
اعمال هذا الحق بالنسبة إلى بعض أجزاء المبيع دون بعض، سواء في
الخيارات المجعولة من قبل الشارع أو المجعولة لنفسه فليس له أن
يفسخ العقد في خيار الحيوان في بعضه دون بعض، وكذا في خيار
المجلس و غيره.
وقد تقدم ذلك في ثبوت خيار المجلس للأصيل والوكيل، فإذا لم
يكن للميت ذلك فكيف يكون لورثته أن يفسخ العقد في بعض المبيع
دون بعض على الجملة، فاحتمال أن يرث كل ورثة من الميت خيارا
بحسب نسبة استحقاقه في المال بحيث يكون مسلطا على فسخ العقد أو
امضائه في بعض دون بعض واضح البطلان.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه للقول بثبوت الخيار للطبيعي أيضا، بل هذا
أسوء من سابقه، فإن في السابق كان أقلا لكل ورثة خيار بحسب استحقاقه
المال من التركة ويصدق عليه أن ما تركه الميت من حق فلوارثه، وفي
هذه الصورة ليس كذلك، بداهة عدم الدليل عليه بأن يكون الخيار ثابتا
لصرف الوجود، فإذا سبق أحد الورثة إلى اعماله فسخا أو امضاء لم يبق
للآخر مجال، مع أن الدليل كان دل على أن ما تركه الميت من حق أو مال
فلوارثه لا لطبيعي الوارث ليكون الخيار لمن سبق.
424

على أن دليل إرث الخيار هو دليل إرث المال، فهل يتوهم أحد كون
الإرث ثابتا للطبيعي، بحيث كل من سبق إلى أخذ التركة لا يكون لغيره
ذلك.
بطلان الاحتمال الثاني وهو أن يكون لكل منهم خيار مستقل من حيث الفسخ
وقد اتضح مما ذكرناه بطلان الاحتمال الثاني المتقدم في أول
المسألة، وهو أن يكون لكل منهم خيار مستقل من حيث فسخ العقد دون
الامضاء، فإنه لا دليل على ذلك أيضا.
على أنه إذا كان له خيار من حيث الفسخ فلماذا ليس له خيار من حيث
الامضاء، مع أن الدليل مطلق، وكذا لا دليل على الاحتمال الأول أيضا
بأن يكون الخيار لكل واحد من الورثة فسخا وامضاء على نحو
الاستحقاق، بحيث لا يبقى مجال مع اعماله الخيار إلى الورثة الأخرى،
وذلك لأن الدليل كان يقتضي أن يكون ما تركه الميت من الحق والمال
للوارث بأجمعهم لا لوارث واحد.
وبعبارة أخرى أن الوارث لم يتلق الخيار ابتداءا من الشارع ليكون
مستقلا في اعماله بل يتلقاه من الميت وهو خيار واحد، فلا يمكن أن
يكون هذا لكل ورثة خيار مستقل إذا سبق إلى اعماله، بل هذا الخيار
الواحد ثبت لمجموع الورثة، ولم يتوهم ذلك أحد في إرث المال مع أن
الدليل واحد.
وعلى الجملة أن ملاحظة كيفية الإرث في المال واتحاد الدليل على
إرث الخيار والمال يقتضي بطلان هذه المحتملات أجمع، فلا دليل
على أن يرث كل من سبق إلى اعمال الخيار الحق المذكور، ولا يبقى
مجال للبقية.
425

فما ذكره المصنف من كون الخيار ثابتا للمجموع بحيث لا يؤثر اعمال
واحد منهم الخيار فسخا وامضاء بدون الآخر واضح البطلان، كما
لا يخفى.
ثم إن ما ذكرناه من كون انتقال الحق إلى مجموع الورثة كان من حيث
القاعدة مع أخذ المدرك للإرث في الخيار هو النبوي ما تركه الميت من
حق أو مال فلوارثه، مع العلم الخارجي بأن الحق من جملة ما تركه
الميت، وقد ذكرنا أن القاعدة هو ذلك في تقسيم المال أيضا، وإن كان
المال قابلا للقسمة والحق غير قابل لها، وأما إذا كان المدرك هو
الاجماع فالأمر أوضح، لأن المتيقن منه أن تكون مجموع الورثة
مجتمعين على الفسخ أو الامضاء ولا يكون لكل واحد حق فسخ العقد
ولو في البعض على نحو الاستقلال، بل مقتضى أخذ القدر المتيقن أن
لا ينفذ اعماله الخيار فسخا وامضاء على نحو الاستقلال حتى في البعض
أيضا كما هو واضح.
كيفية انتقال الحق إلى الورثة في سائر الحقوق
ثم إنه بعد ما بنى المصنف على أن إرث الخيار على نحو المجموع أي
ينتقل الخيار من الميت إلى مجموع الورثة، ذكر أن هذا جار في مطلق
الحقوق إلا أن يثبت من الخارج عدم سقوط الحق عن الآخر بعفو بعضه،
بل يكون هو مستقلا في الاستيفاء، ولا يقيد استيفاء حقه باجتماع الورثة
على الاستيفاء، بحيث إذا خالف أحدهم وعفى عن حقه لم يكن للآخر
الاستيفاء، بل مع العفو من أحد يستوف الآخر حقه، غاية الأمر في مثل
حقه القصاص يدفع إلى المقتص منه بمقدار حق من عفى عنه، والظاهر
426

أن هذا الحكم مشهور بين الفقهاء (1) على ما في المتن وإن احتمله في
الدروس (2)، من أن أحد الورثة إذا عفى عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل
المبيع.
وكيف فالكلام في مدرك الفرق بين هذه الحقوق وبين الخيار، حيث إنا
ذكرنا أن الإرث في الخيار على نحو المجموع، فليس لأحد الورثة أن
يعمل خياره مع اسقاط الآخر ذلك بخلافه في الحقوق المذكورة.
وذكر المصنف أن وجه الفرق بينهما هو دليل لا ضرر، حيث إن منع
من له حق القذف من الورثة باسقاط الوارث الآخر حقه وكذلك في حق
القصاص والشفعة ضرر على ذي الحق، فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد
الشريكين تضرر الآخر بالشركة، فيكون دليل نفي الضرر مانعا عن منع غير
العافي عن اعمال خياره، وكذلك أن سقوط حق القذف والقصاص بعفو
البعض ضرر على غير العافي، لأن الحكمة فيها التشفي فابطالها بعفو
أحد الشركاء اضرار على غير العافي، ولا شبهة أن قاعدة لا ضرر غير
موجود في المقام.
ولكن للنظر فيما ذكره المصنف مجالا واسعا، وذلك من جهة أن عدم
سقوط حق القذف عن بعض الورثة بعفو بعض الآخر إنما هو من جهة
النص الخاص (3) لا من جهة دليل نفي الضرر، وإلا كان ذلك مثل الخيار،

1 - المبسوط 3: 113.
2 - الدروس 3: 374.
3 - عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن الحد لا يورث كما
تورث الدية والمال، ولكن من قام به من الورثة فهو وليه، ومن تركه فلم يطلبه فلا حق له،
وذلك مثل رجل قذف وللمقذوف إخوان، فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقه لأنهما
أمهما جميعا، والعفو إليهما جميعا (التهذيب 10: 83، الإستبصار 4: 235، الكافي 7: 255، عنهم
الوسائل 28: 208)، موثقة.
عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو أن رجلا قال لرجل: يا ابن الفاعلة
- يعني الزنا - وكان للمقذوف أخ لأبيه وأمه فعفا أحدهما عن القاذف وأراد أحدهما أن يقدمه
إلى الوالي ويجلده أكان ذلك له؟ قال: أليس أمه هي أم الذي عفا؟ ثم قال: إن العفو إليهما
جميعا إذا كانت أمهما ميتة، فالأمر إليهما في العفو، وإن كانت حية فالأمر إليها في العفو
(التهذيب 10: 82، الكافي 7: 253، عنهم الوسائل 28: 208)، موثقة.
427

فهذا الواحد لا كلام فيه للنص الخاص.
وأما عدم سقوط حق القصاص عن البعض بعفو الآخر، فمن جهة أن
الوراث الذين في الطبقة الأولى أو في الدرجة الأولى يتقدمون على أهل
المرتبة الثانية والدرجة الثانية، فمع وجود الأولاد لا تصل النوبة إلى
أولاد الأولاد أو إلى الإخوة مثلا، ومع انتفائهم تصل النوبة إلى المرتبة
الثانية والدرجة الثانية، لا أن أهل الدرجة الثانية والمرتبة الثانية يكونون
ولي الدم من جهة إرثهم حق القصاص من المورث، لأن معنى الولي هو
الذي يلي أمر الميت، فالوراث كلهم يلون أمر الميت، غاية الأمر كل في
مرتبته.
وعليه فمقتضى قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا (1)،
هو أن كل من يلي أمر الميت ولو من الوراث الواقعين في المرتبة الثانية أو
في الدرجة الثانية فهو ولي الميت في أخذ حق القصاص من القاتل،
وعليه فلكل من الورثة أن يقتص من القاتل لكونه ولي الدم وإن عفى
الآخر عن حقه، غاية الأمر أنه لا بد له أن يعطي من دية المقتص منه لوارثه
المقدار الذي عفى الآخر، كما أنه لا بد له أن يعطي حق الوارث الأخر إذا
لم يعف عن حقه ولم يرض بالقصاص أيضا.

1 - الاسراء: 33.
428

وعلى الجملة أن عدم سقوط حق القصاص بعفو البعض أيضا غريب
عن دليل نفي الضرر كما هو واضح.
وأما حق الشفعة فإن لم يرد فيه نص على عدم سقوطه بعفو الآخر،
ودليل آخر يقتضي تلقي الورثة ذلك ابتداءا من الله تعالى، ولكن لا نلتزم
فيه بغير ما التزمناه في حق الخيار بل نجري فيه عين ما ذكرناه في إرث
الخيار، بأن نقول إن الميت إذا كان له حق الشفعة على أحد فمات يقومون
الوراث بأجمعهم مقامه في ذلك، فلهم جميعا أن يأخذوا ويتملكوا
حصة الشريك المبيعة بحق الشفعة.
وأما إذا عفى أحدهم عن حقه أو لم يعمل حقه وسكت لا دليل على
استقلال البقية بأعمالهم حقهم والأخذ بالشفعة لما تقدم من التفصيل في
حق الخيار، سواء كان المدرك لإرث حق الشفعة هو النبوي: ما تركه
الميت من حق أو مال فلوارثه، مع العلم الخارجي بأن حق الشفعة من
جملة ما تركه، أو كان الدليل على ذلك هو الاجماع كما تقدم في الخيار،
فافهم.
المناقشة في قول المصنف في الفرق بين الخيار وسائر الحقوق
وأما ما ذكره المصنف من الفرق بين الخيار والحقوق المذكورة أعني
حق القذف وحق القصاص وحق الشفعة، ودعواه أن حديث نفي الضرر
هو الفارق بينهما، فيرد عليه:
أولا: أن لا ضرر إنما هو مسوق لنفي الأحكام الضررية في الشريعة
المقدسة وليس مسوقا لدفع ما يوجب عدم جلب المنفعة، ومن الواضح
أن الوارث بأعماله حق الشفعة يجلب المنفعة، وهي ضم حصة الشريك
المبيعة لحصة نفسه، خصوصا إذا كانت الحصة المبيعة مبيعة بقيمة
429

رخيصة، ولا شبهة أن عدم ثبوت حق الشفعة له لا يوجب ضررا عليه،
لما ذكرنا في قاعدة لا ضرر وفي خيار الغبن، أن الضرر إنما هو نقص في
المال والطرف والعرض وليس هنا نقص بوجه من الوجوه كما هو
واضح.
وثانيا: أنه لو كان دليل نفي الضرر جاريا في المقام وكان موجبا لثبوت
الحق للوارث لتملك حصة الشريك المبيعة بالشفعة، فلماذا لا يجريه
المصنف عين ذلك في الخيار أيضا، لكن يلتزم بثبوته للوارث أيضا، إذ
لا فارق من هذه الجهة بين الخيار وحق الشفعة، خصوصا إذا كان ما باعه
الميت بقيمة رخيصة، فإنه يقال هنا: إن عدم ثبوت الخيار للوارث ضرر
عليه كما هو واضح.
وثالثا: إن حديث نفي الضرر إنما ورد في مقام الامتنان على الأمة،
ولا يجري في الموارد التي كانت على خلاف الامتنان، ومن الواضح أن
جواز أخذ الوارث الحصة المبيعة من الشريك الذي هو المشتري ضرر
عليه، فلا يمكن الحكم بشمول المقام لذلك.
نعم أصل جعل حق الشفعة للشريك مبني على الضرر خصوصا بعد ما
ورد في بعض روايات الشفعة من تطبيق لا ضرر ولا ضرار بذلك (1)، إلا أنه
لا بد من الاقتصار بمورد التطبيق، وأما بالنسبة إلى الوارث فلا نطمئن
بذلك، فإن لاحتمال اختصاص التطبيق بمورده وهو نفس الشفيع مجالا
واسعا كما هو واضح.
وعلى الجملة فلا يمكن التمسك لاثبات حق الشفعة للوارث بدليل

1 - عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين
الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أرفت الأرف وحدت
الحدود فلا شفعة (الكافي 5: 280، التهذيب 7: 164، الفقيه 3: 45، عنهم الوسائل 25: 399).
430

لا ضرر، إذا فحق الشفعة والخيار على حد سواء، فلا بد من الالتزام بأن
حق الشفعة إذا التزمنا بانتقالها إلى الوارث إنما ينتقل إلى المجموع من
حيث المجموع.
على أنه لو التزمنا بثبوته للوارث أيضا فلماذا لا يختص كل منها بحصة
نفسه، بأن يفسخ العقد بالمقدار الذي يرث من الحق، أي بنسبة حقه
الذي وصل إليه من المورث، بل التزم المشهور بأن الوارث الواحد أيضا
يعمل حقه في تمام المبيع، فإن هذا لا يقتضيه دليل نفي الضرر، كما أنه لو
قلنا بثبوت الخيار لكل واحد من الورثة له أن يعمل خياره بنسبة حقه،
وأما الأزيد فلا، فإذا أراد الفسخ يحل العقد في مقدار حقه كأنه لم يكن من
الأول، وفي الشفعة أيضا إذا أعمل حقه في مقدار نصيبه وفسخه وجعله
كأن لم يكن يدفع به الضرر كما هو واضح.
ولكن هذا الايراد الأخير واضح الدفع، بداهة أن حق الشفعة لا يتعلق
بالعقد بحيث يكون مثل الفسخ موجبا لحل العقد وجعله مثل الأول
بحيث لم يكن هنا عقد أصلا، بل إنما يتعلق بالعين ويتملكها بالشفعة
وأن كل من له حق الشفعة إذا أعمل حقه فلا بد وأن يعمل ذلك في
مجموع الحصة المبيعة ويتملكها بالشفعة، وهذا حكم شرعي قد ثبت
بالروايات في الشريعة المقدسة، فيكون ذلك مثل الغصب غاية الأمر أنه
غصب شرعي لا غصب محرم.
ومن هنا ذكر المحقق في الشرايع الشفعة بعد الغصب لأجل المناسبة
بينهما كما لا يخفى، ويكون ذلك تخصيصا لدليل التجارة عن تراض
بحيث مع عدم رضا المشتري أيضا يفسخ الشفيع ولو كان البايع باعه
بقيمة رخيصة.
وعليه فحق الشفعة من هذه الجهة أجنبية عن الخيار بالكلية كما هو
431

واضح، فلا دفع للاشكال المذكور أي دعوى أنه لا ملزم لاعمال حق
الشفعة في مجموع العقد بل لا بد وأن يعمل في بعضه المختص لنفسه
لاندفاع الضرر به.
3 - اجتماع الورثة على الفسخ فيما باعه مورثهم
قوله (رحمه الله): فرع: إذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورثهم.
أقول: إذا بنى جميع الورثة على الفسخ وفسخوا العقد، فيقع البحث
هنا في جهات:
الجهة الأولى
في أنه إذا مات من له الخيار وكان له دين مستغرق للتركة فهل يجوز
للورثة الفسخ هنا أو لا؟
وقد تقدم في إرث الزوجة الخيار والاشكال في إرث الخيار في صورة
استغراق الدين التركة، من جهة أنه أي ذي الخيار لا يتمكن من الفسخ،
فإن قانون الفسخ أن يكون الفاسخ مالكا لما انتقل إليه ليخرجه من ملكه
ويتملك في مقابله المال المنتقل عنه.
ومن الواضح أن الورثة ليست كذلك لما ذكرنا أن المال لا ينتقل إلى
الورثة في صورة استغراق الدين كما هو مقتضى قوله تعالى: من بعد
وصية توصون بها أو دين (1)، وكذلك هو مقتضى الروايات (2) كما هو

1 - النساء: 12.
2 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الدين قبل
الوصية، ثم الوصية على أثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فإن أول القضاء كتاب الله (الكافي
7: 23، الفقيه 4: 143، التهذيب 9: 165، الإستبصار 4: 116، عنهم الوسائل 19: 330)، صحيحة.
عن أبان بن عثمان عن رجل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى إلى رجل وعليه
دين؟ قال: يقضي الرجل ما عليه من دينه، ويقسم ما بقي بين الورثة - الحديث (الكافي
7: 24، التهذيب 9: 166، عنه الوسائل 19: 330)، ضعيفة.
432

واضح، وكذلك على القول بالانتقال إلى الورثة أن التركة متعلقة لحق
الغرماء فليس لهم التصرف في متعلق حق الغير.
ومع الاغضاء عن ذلك أن الفسخ قد يكون موجبا للمفسدة، كما إذا
كانت التركة قبل فسخ الورثة العقد تساوي ألف دينار وبعد الفسخ
تساوي خمسمائة دينار، لترقي قيمة ما أخذه الميت بالمعاملة الخيارية،
فإن الفسخ هنا يوجب المفسدة بين الديان، وقد لا يكون موجبا للمفسدة
كما إذا كانت التركة تساوي مائة دينار، سواء كان قبل الفسخ أم بعده،
فهل للورثة في المقام حق الفسخ أو لا؟
فنقول: إن كان مدرك ثبوت الخيار للورثة هو النبوي، أعني
قوله (صلى الله عليه وآله): ما تركه الميت فلوارثه، فلا اشكال في جواز الفسخ لهم
وثبوت الخيار لهم، كما هو مقتضى الاطلاق بعد احراز أن حق الخيار
مما يصدق عليه التركة ومن جملة ما تركه الميت، أي بعد احراز
الصغرى من الخارج ولو بالعلم الوجداني فإنه في هذه الصورة يتمسك
باطلاق الدليل اللفظي ويحكم بثبوت الخيار للورثة، وإن لم يحصل لهم
شئ من ذلك، وليس للديان المنع من ذلك.
فإنه لا يجب للورثة حفظ موضوع التركة للديان بل لهم اعدام
موضوعها أو ابقائها كما هو واضح، فإن الفسخ يعدم موضوع بقاء التركة
بالمقدار الكثير، كما أن عدم الفسخ يوجب كثرتها.
433

وإن قلنا إن مدرك الخيار هو الاجماع، فالمتيقن هو صورة عدم وجود
الدين المستغرق للميت، ومع القول بالجواز هنا أي شمول الاجماع
لهذه الصورة أيضا فالمتيقن هو كون الفسخ مصلحة للديان، ومع التنزل
فلا، أقلا لا بد وأن يكون الفسخ وعدمه بالنسبة إلى حال الورثة سيان،
بأن لا يكون مصلحة لهم ولا مفسدة لهم كما هو واضح.
الجهة الثانية
إنه إذا كان الفسخ مصلحة للديان، فهل يجب الفسخ للورثة، أو لهم
اجبارهم على الفسخ، أوليس لهم ذلك ولا يجب عليهم الفسخ؟
فإنه لا يجب للورثة ايجاد الموضوع للتركة أصلا فضلا عن ايجاد
الموضوع لكونها زيادة، بل بناءا على ثبوت الخيار لهم بالوراثة فهم
مخيرين أيضا في ذلك، أي في الفسخ وعدمه كما هو واضح.
الجهة الثالثة
فيما يعطي لمن هو طرف العقد مع الميت بعد فسخ العقد، فصور
المسألة هنا ثلاثة:
الصورة الأولى: أن يكون دين الميت مستغرقا لتركته، ومع ذلك فسخ
الورثة العقد، وحينئذ فتارة تكون عين الثمن الذي أخذه الميت من
المشتري أو عين المبيع الذي اشتراه من البايع الأجنبي باقية بعين أموال
الميت، وحينئذ فلا شبهة في أنه يأخذ المشتري في الفرض الأول
والبايع في الفرض الثاني عين ماله من أموال الميت، فإن قانون الفسخ
يقتضي رد كل مال إلى صاحبه الأولي بعد الفسخ، وحيث إن المبيع في
الفرض الأول والثمن في الفرض الثاني قد رجع إلى ملك الميت وإلى
محلهما الأولي، فلا بد وأن يرجع ما يقابلهما إلى محلهما أيضا.
434

والمفروض أن في صورة استغراق الدين لا تنتقل التركة إلى الورثة،
بل هي باقية في ملك الميت، كما هو ظاهر قوله تعالى: من بعد وصية
يوصي بها أو دين (1) على ما تقدم، فلا بد من رد عينهما إلى مالكهما الأول،
كما هو مقتضى ضمان اليد.
وإن لم تكن الثمن أو المثمن في الفرضين المذكورين باقيين بل كانا
تالفين، فإن ذلك يكون من جهة الديون أيضا، فتضرب التركة عليهم
وتقسم بينهم على حسب ديونهم، فإن مقتضى ضمان اليد رد العين
المضمونة مع البقاء ومع التلف ينتقل الضمان إلى البدل، فيكون من
جملة الديون، فإن كانت التركة وافية بجميع فهو وإلا يقدم المشتري
والبايع في أخذ ما يقابل مالهما على بقية الديان أو لا.
فذكر شيخنا الأستاذ أنهما أحق بذلك بعد فسخ العقد، ولكن لا نعرف
وجها لذلك، فإن الأحقية بالنسبة إلى بقية الديان قد ثبت في موردين:
1 - في العين المرهونة، فإنه إذا مات الراهن ولم يفك العين من الرهن
وكان عنده ديون مستغرقة للتركة، فإن المرتهن أولى بالعين المرهونة من
البقية، فيبيع ذلك ويستوفي حقه منها، وإذا كانت فيها زيادة يردها إلى
التركة.
2 - فيما باع الميت قبل الموت شيئا كليا ولم يسلمه قبل الموت حتى
مات، فإنه يخرج المبيع من تركته قبل الديان.
وكل ذلك للنص الخاص، ولا شبهة أن المورد ليس منها، ولا أنه ورد
فيه نص خاص، فما ذهب إليه شيخنا الأستاذ فاسد جدا.
الصورة الثانية: أن لا يكون للميت دين أصلا وفسخ الوارث العقد، فإن كانت العين المنتقلة إلى الميت بالمعاملة الخيارية تالفة، كان قيمتها دينا

1 - النساء: 11.
435

عليه بعد الفسخ، فلا بد وأن يخرج من تركته، ومن الواضح أنه لا فرق في
وجوب أداء دين الميت من التركة بين الدين القديم أو الحادث بعد الموت
كما عليه الضرورة، كما أنه يملك بعد الموت أيضا بلا شبهة لصحة اعتبار
الملكية له، كما يصح اعتبار الملكية للكلي كمساجد ونحوه.
إذ الاعتبار خفيف المؤونة، فيصح أن يتعلق بالمعدوم كما يصح
أن يتعلق بالموجود، فافهم، والفرض أنه لا دين له فيخرج ذلك منها
فيكون ما ينتقل إليه بعد الفسخ من جملة تركته.
والوجه في ذلك، أي في كون ذلك دينا للميت وكون ما يرد بالفسخ
من جملة تركته، أن قانون الفسخ كما عرفت هو رد كل من الثمن والمثمن
إلى مالكه الأول، ومقتضى اعمال قانون الفسخ هو ما ذكرناه كما هو
واضح.
وإن كانت العين باقية، صريح كلام المصنف بل التسالم بين الفقهاء أن
صاحب الميت أعني الطرف الآخر للمعاملة يأخذ العين بعد الفسخ،
ويكون ما ينتقل إلى الميت بالفسخ من جملة التركة.
ولكن للمناقشة فيه مجالا واسعا كما عرفته سابقا في إرث الزوجة
الخيار، وذلك لأن التركة بأجمعها مع عدم القرض والوصية انتقل إلى
الورثة، ومن جملتها المال المنتقل إلى الميت بالمعاملة الخيارية،
ومقتضى قانون الفسخ هو أن ينتقل كل من العوضين إلى ملك مالكه
الأولى.
وإذن فالمال الذي انتقل من الميت قبل موته بالمعاملة إلى طرف
معاملة ينتقل إلى الميت كما هو مقتضى قانون الفسخ، ولا شبهة في
تصوير مالكية الميت أيضا كما في صورة مالكية المسجد والجهات
العامة، وحيث إن مقابله كان في حكم التلف لخروجه من ملك الميت
ودخوله في ملك الوارث فيكون ذلك من جملة ديون الميت، فلا معنى
436

للحكم بأخذ البايع أو المشتري - الذي هو طرف المعاملة مع الميت -
عين ماله من جملة التركة.
وعلى الجملة فلا دليل على أخذ صاحب الميت العين المنتقلة إلى
الورثة بعد كونها بذلك في حكم التلف كما هو واضح.
الصورة الثالثة: أن يكون للميت وصية أو دين ولكن لم يكن دينا
مستغرقا للتركة ثم فسخ الوراث العقد.
وإن كانت العين المنتقلة إلى الميت تالفة قبل الفسخ كان مقابلها من
جملة الديون، لأن مقتضى دليل اليد هو لزوم رد العين، ومع التعذر
ينتقل الضمان إلى القيمة والبدل، ويكون بدله دينا للميت فيخرج من
التركة، ويكون ما انتقل من البايع مثلا إلى الميت من الثمن بالفسخ من
جملة التركة.
وإن لم تكن العين تالفة، فهل يأخذ طرف الميت في المعاملة عين ما
انتقل منه إلى الميت، أو تنتقل إلى البدل، أو يلتزم هنا بالأمر المتوسط،
الظاهر هو الأخير، فإنه بعد ما مات أحد وكان عنده دين غير مستغرق
لا ينتقل جميع أمواله إلى الورثة، بل يبقى بمقدار الدين والوصية أيضا،
لو كانت في ملك الميت كما هو مقتضى ظاهر الآية على ما تقدم، وإذن
فيكون الميت مشتركا مع الوارث في التركة مشاعا لعدم تعين حصة كل
منهما بعين خاصة، ومن الواضح أن من جملة التركة تلك العين المأخوذة
من الغير بالبيع، فتكون هي أيضا مشتركة بينهم.
وعليه فإذا فسخ الوراث العقد فيرجع ما انتقل من الميت البايع مثلا
إلى ملك الميت، كما هو قانون الفسخ، فيكون من جملة التركة، ويرد من
العين المبيعة التي هي كانت تحت يد الميت إلى البايع بعد الفسخ
بالمقدار الذي في ملك الميت، فيكون البايع شريكا بنسبة مالكية الميت
437

في العين شركة مشاعية، وأما بالنسبة إلى بقية حقه أي البايع فيكون ذلك
دينا في ذمة الميت، فيخرج من أصل التركة كما تقدم، فافهم وتأمل.
بيان آخر لهذا الفرع
والتكلم في هذه المسألة لا يتوقف على القول بإرث الخيار، بداهة أن
الكلام هنا متمحض لبيان حال انفساخ معاملة الميت بعد موته، وهذا
تارة يكون بفسخ الوارث التي يتوقف على القول بإرث الميت الخيار،
وأخرى يكون طرف المعاملة مع الميت من المشتري أو البايع، وهذا
لا يتوقف على القول بإرث الخيار.
كما إذا باع الميت ماله من غيره بمائة دينار وكانت قيمته خمسين
دينارا، فإن للمشتري خيار الغبن، فإذا لم يفسخ حتى مات البايع وفسخ
المشتري بخيار الغبن، فإن بيان هذه المسألة وتنقيح ذلك لا يتوقف على
القول بإرث الخيار، وكذلك إذا ترافعا في الفسخ وعدمه وحكم بالفسخ،
فإنه يكون أيضا من صغريات هذه المسألة كما هو واضح.
صور المسألة التي لا يترتب عليها الأثر
ثم إن الظاهر أن تنقيح هذه المسألة يقع في ضمن صور ثلاثة التي
يترتب الأثر عليها، وأما الصور التي لا يترتب عليه الأثر فهي كثيرة
ولا يهم التعرض لجميع ذلك.
الصورة الأولى
أن يكون الدين مستغرقا للتركة، وقد تقدم أنه قد يكون ما أخذه الميت
من الغير من الثمن أو المثمن تالفا، وأخرى يكون باقيا.
438

وأما في صورة البقاء، فلا ريب أنه بعد انفساخ العقد من ناحية الورثة
أو من ناحية من هو طرف الميت من المشتري أو البايع يرجع إلى ماله
الذي كان منتقلا إلى الميت ويسترده، وذلك لما عرفت أن قانون الفسخ
هو رجوع كل من العوض والمعوض إلى ملك من خرج من ملكه، ومن
الواضح أن المفروض أن في صورة استغراق الدين أن التركة لا تنتقل إلى
الورثة وجملتها ما أخذه الميت من طرفه في المعاملة، فحيث كان ذلك
باقيا بعينه فيأخذه، فإن مقتضى دليل ضمان اليد أن يأخذ المالك عين
ماله من الضامن ومع تلفها يأخذ بدلها، والمفروض أن عين المال في
المقام موجودة.
وأما في صورة تلف العين بأن يكون ما انتقل إلى الميت تالفا فيكون
ذلك من جملة ديون الميت قسم التركة عليهم بحسب نسبة ديونهم،
ودعوى أن البايع أو المشتري أحق باستيفاء ما انتقل عنه إلى الميت من
بقية الديان كما ادعاه شيخنا الأستاذ لا يمكن المساعدة عليه لعدم الدليل
عليها كما تقدم.
الصورة الثانية
أن لا يكون للميت مال أصلا، ومع ذلك فسخ الوراث أو من باع المال
من الميت المعاملة، فإنه حينئذ ينتقل الثمن إلى الميت، وأما المبيع
فحيث كان تالفا فيكون الميت مديونا ببدله، وإذن فإن وفى الثمن بقيمة
المبيع الذي هو دين على الميت يستوفي البايع الثمن من المبيع فلا كلام.
وإن كان هنا دين آخر للميت، أو كان منحصرا به ولكن لم يكن الثمن
وافيا بقيمة المبيع لكونه أغلى، وقد كان الميت اشتراه بأقل للغبن مثلا،
هل يكون الثمن حينئذ دينا على الميت أو يكون من مال الورثة كما أن
الإرث لهم، وجهان كما في المتن:
439

1 - ما قواه المصنف في آخر كلامه من أن الورثة قائمون مقام الميت
في الفسخ برد الثمن أو بدله وتملك المبيع، فإذا كان المبيع مردودا على
الورثة من حيث إنهم قائمون مقام الميت اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث
إنهم كنفس الميت، كما أن معنى إرثهم لحق الشفعة هو أن يتملك الورثة
الحصة المبيع ويعطون الثمن من كيسهم لا من مال الميت، فإذا فسخ
الورثة العقد في صورة عدم وجود المال للميت أو فسخه المشتري
الذي هو طرف المعاملة مع الميت كان الضرر على الورثة، أي يعطون
المثن للمشتري من كيسهم، كما أن ثمن الحصة المبيعة في بيع الشريك
حقه من كيس الورثة مع أخذهم ذلك بالشفعة.
2 - أن لا يكون الثمن من مال الورثة في هذه الصورة، أعني صورة عدم
وجود التركة الميت، بداهة أن الورثة لهم حق الفسخ في ذلك وأما لزوم
الثمن عليهم فلا، كما إذا كان الخيار للأجنبي أو للوكيل الغائب عن
الموكل، فهل يتوهم أحد لزوم الثمن عليهم مع الفسخ وأعمالهم الخيار
في ذلك العقد الذي لهم الخيار فيه.
وعليه فإذا فسخوا العقد وحلوه فمقتضى قانون الفسخ دخول المبيع
في ملك الميت ودخول الثمن في ملك المشتري، وحيث إنه قد تلف
الثمن فيكون دينا في ذمته، كما إذا كان له دين آخر مع عدم وجود التركة
له ويوفي عنه ديون الميت، وعلى هذا فقد خرج الثمن عن ملك
المشتري فيكون ذمة الميت مشغولة بالثمن الكلي فلا يكون مال الورثة
عوضا عن الثمن إلا إذا أعطوه برضايتهم، كما إذا أعطاه شخص آخر أو
أبرأه المشتري.
ومدرك الوجهين هو أن الفسخ هل هو فسخ العقد الواقع بين البايع
والمشتري، بحيث إنه يعدمه من الأول بقاء ويجعله كأن لم يكن من حيث
440

البقاء لا من حيث الحدوث، أو لا بل هو عقد جديد فيحصل به التبادل
الجديد بين العوض والمعوض، فإنه على الأول يكون الفسخ موجبا
لرجوع الثمن إلى المشتري ورجوع المبيع إلى البايع كما هو قانون حل
العقد وجعله كأن لم يكن، وعلى الثاني فيكون الفسخ عقدا جديدا واقعا
بين الورثة والمشتري، فيأخذ الورثة المبيع ويردون عوض المثمن إليهم
من مالهم الشخصي.
ولكن الظاهر هو الأول، فإن معنى الفسخ هو حل العقد من الأول بقاء
كأنه لم يكن، وعلى هذا فلا يمكن المساعدة على الوجه الأول، بل لا بد
من اختيار الوجه الثاني، فإنه بعد كون معنى الفسخ هو حل العقد الأول
فلا يبقى مجال لاحتمال كونه عقدا جديدا، فافهم، وأنه هو الصحيح لما
عرفت من أنه ليس للورثة إلا حق الفسخ فقط كالأجنبي.
وأما قياس المقام بالشفعة واضح الفساد، للفرق البين بينهما، حيث
عرفت سابقا أن في حق الشفعة إنما يتملك الشفيع الحصة المبيعة
بالشفعة من غير أن يكون له تماس بالعقد من حيث الفسخ والامضاء، بل
من له حق الشفعة في فرض صحة العقد يتملك الحصة المذكورة بالشفعة
تملكا جديدا كالبيع، غاية الأمر أنه تجارة عن غير تراض الطرف وغصب
شرعي، ويكون ذلك تخصيصا لدليل التجارة عن تراض وغصبا شرعيا،
وأي ربط له بفسخ العقد باعمال الخيار وارجاع كل من العوض
والمعوض إلى محلهما الأول.
وما ذكره المصنف من كون الورثة كالميت في فسخ العقد ويقومون
مقامه كأنهم نفس الميت، وعليه فلا بد أن يعطوا الثمن من مالهم كما أن
الميت إذا كان حيا يعطي ذلك عن ماله، لا يمكن المساعدة عليه، لعدم
الدليل على ذلك، غاية الأمر أن الدليل قام على إرث الورثة الخيار وأما
أزيده فلا، كما لا يخفى، فافهم.
441

الصورة الثالثة
أن يكون للميت مال ولم يكن له دين، أو كان ولم يكن مستغرقا
للتركة، وباع قبل موته متاعا وكان له الخيار أو لصاحبه، فإنه ينتقل ماله
حينئذ إلى الورثة، وإذا فسخ الوارث العقد أو فسخه المشتري فبمقتضى
قانون الفسخ ينتقل مال المشتري إلى الميت، أي ينتقل المبيع إلى الميت
لأنه كان خارجا من ملكه فيكون من التركة.
وأما الثمن فإن كان تالفا فيكون بدله دينا على الميت فيخرج من التركة،
لعدم الفرق في اخراج دين الميت من التركة بين الدين السابق على الموت
والدين الحادث بعد الموت، فإن جميع ذلك يخرج من التركة، أو يأخذ
المشتري مقابل الثمن من المبيع الذي انتقل إلى الميت بعد الفسخ، فإنه
يدخل في ملك الميت، والمفروض أن الثمن قد تلف في ملك الميت إما
تلفا حقيقيا، أو تلفا حكميا كنقله إلى غيره في حياته بالبيع أو بالهبة ونحو
ذلك، فيكون بدله دينا عليه.
وحينئذ لا ينتقل ذلك المبيع إلى الورثة لمكان الدين، على ما اخترناه
في إرث المال من أنه إذا كان للميت دين لا ينتقل ماله إلى الورثة بمقدار
الدين، وإن كان المبيع وافيا بالثمن الذي يطالبه المشتري من البايع فهو
وإلا فيأخذ البقية من التركة التي ورثتها الوارث، لما عرفت من عدم
الفارق بين الدين السابق على الموت أو اللاحق به، فإن جميع ذلك لا بد
وأن يخرج من التركة.
وإن كانت العين باقية وانتقلت التركة إلى الورثة التي من جملتها تلك
العين، ثم فسخ الوراث أو المشتري العقد، وحينئذ كان المبيع الذي
اشتراه المشتري من الميت قبل الموت من جملة التركة، وهل يكون عين
442

الثمن منتقلا إلى المشتري بالفسخ كما هو قانون الفسخ، فإنه يقتضي
رجوع كل من العوض والمعوض إلى ملك من خرج من ملكه أو لا، بل
يكون الثمن من جملة التركة لانتقاله إلى الورثة قبل الفسخ، وإن طرأ
الفسخ على العقد بعد ذلك فلا بد وأن يكون من جملة ديون الميت
فيخرج من التركة التي من جملتها الثمن المذكور لا عن عين الثمن فقط،
كما عرفت.
ربما يقال بالثاني كما ذكرناه سابقا، وعليه دعوى انتقال التركة إلى
الورثة مع عدم الدين، ومن الواضح أن الثمن كان ملكا للميت فينتقل إلى
الورثة والفسخ إنما نحقق بعد كون الثمن ملكا للورثة، فلا معنى لعوده
إلى الميت بعد الفسخ العقد حتى يعود إلى ملك المشتري بقانون الفسخ.
ولكن الظاهر هو الاحتمال الأول، وأنه إذا فسخ العقد إما بفعل الورثة
أو بفعل المشتري يرجع كل من العوض والمعوض إلى مالكه الأول مع
بقاء العين، ولو في ملك الورثة كما هو قانون الفسخ، ولا ينتقض قانونه
بانتقال التركة إلى الورثة كما هو واضح.
والسر في ذلك أن مقتضى أدلة الإرث لفظية كانت أو لبية ليس أزيد من
كون ما يملكه الميت على أي كيفية كان منتقلا إلى الورثة، فإن كان يملك
أمواله بالملكية المطلقة تنتقل تلك الأموال بتلك الكيفية إلى الورثة، وإن
كان مالكا لها بالملكية المقيدة ينتقل إليه كذلك، فإن الدليل دل أن ما تركه
الميت فلوارثه، ومن الواضح أن الميت إذا ترك شيئا في ملكه بالملكية
المقيدة لا يقتضي دليل الإرث انتقاله إلى الورثة بالملكية المطلقة كما هو
واضح.
وعليه فإن الميت كان مالكا للثمن أو المبيع مثلا في البيع الذي له
الخيار أو للمشتري بالملكية المحدودة بالفسخ لا بالملكية المطلقة، لما
443

ذكرنا أن مرجع جعل الخيار في العقد كالبيع مثلا إلى تحديد الملكية
بالفسخ، بمعنى أن كل من البايع والمشتري مالك للعوض أو المعوض
بالملكية الخاصة المحدودة بالنهاية المعينة، وهي الفسخ، فإذا مات
البايع مثلا وانتقل ماله الذي من جملته الثمن المأخوذ من المشتري إلى
الورثة فينتقل ذلك على تلك الكيفية الخاصة أي بالملكية المحدودة،
فكما أن ملكيته كانت تزول بايجاد الغاية وهي الفسخ في حال حياته،
وكذلك تزول ملكية الورثة بايجاد تلك الغاية كما هو واضح.
وحينئذ فإذا فسخ العقد إما بفعل الورثة أو بفعل المشتري انتقل كل
من العوضين إلى صاحبه، أي ينتقل المبيع إلى الميت ومن الميت إلى
الورثة، وينتقل الثمن من الورثة إلى المشتري لحصول غاية ملكيتهم
المغياة من الأول ومن حين البيع، بل هذا أمر ارتكازي للمتشرعة في باب
الإرث، وعليه بناء العقلاء، فإنهم حاكمون بأنه إذا انتقل شئ من شخص
إلى الورثة لمكان مالكيته له إنما ينتقل إليهم على الكيفية التي كان في
ملكه، بل هذا ضروري في بيع الخياري.
كما إذا باع أحد من شخص داره بالبيع الخياري بقيمة رخيصة
لاحتياجه إلى ثمنه وجعل لنفسه الخيار إلى مدة ليفسخ بعد ذلك، ثم
مات المشتري، وهل للورثة أن يتملكوا الدار بالملكية المطلقة بدعوى
أنها انتقلت إليهم فتكون مملوكة لهم بالملكية المطلقة، بل ليس للورثة
أن يخرجوا المبيع من ملكهم في زمن الخيار للشرط الضمني على الميت
عند العقد.
فيعلم من ذلك أن ما ينتقل من الميت إلى الوارث ليس مملوكا بأجمعه
بالملكية المطلقة بحيث يوجب الانتقال تبدل الكيفية أيضا، بل مالكيتهم
تابعة لمالكية الميت خاصة وعامة كما هو واضح.
444

فتحصل أنه إذا فسخ العقد بفعل الورثة أو بفعل شخص آخر الذي كان
له الخيار انتقل مال كل إلى مالكه الأول ولو كان منتقل إلى الورثة، نعم لو
تصرف الورثة فيما انتقل إليه في غير ما يكون المعاملة عليه بالبيع
الخياري فإن البيع الخياري قد تقدم حكمه، إما باتلافه حقيقة، أو بما هو
في حكم الاتلاف كنقله إلى غيره ببيع أو هبة أو نحوهما، يكون ذلك في
حكم التلف، فليس للمشتري مثلا أن يطالب الورثة عين الثمن، ولا يفيد
ما ذكرناه من كون الملكية محدودة في المقام.
والسر في ذلك - بحيث يظهر منه حكم سائر النواقل غير الإرث - هو
أن الوارث وإن كان يملك الثمن المنتقل إليه من الميت بالملكية
المحدودة بالفسخ، كما أن نفس الميت كان كذلك، إلا أن ما كان محدودا
إنما هو هذه الملكية فقط، وأما المملوك فهو مطلق وغير مقيد بشئ أي
المملوك مملوك لمالكه مطلقا بحيث له أن يفعل فيه ما يشاء وكيف
يشاء.
نظير أن شخصا سلطانا لمملكة إلى شهر ولكن كون سلطنته مقيدة
ومحدودة بمدة لا يوجب كون نفوذ سلطنته فيمن له السلطنة عليه أيضا
محدودا بتلك المدة، بل يمكن أن يكون نافذا إلى الأبد إلى مدة أزيد من
مدة السلطنة، والمثال الواضح لهذا سلطنة رئيس الوزراء، فإن سلطنته
وإن كانت محدودة ولكن مع ذلك ما يفعله نافذ إلى أزيد من مدة السلطنة
كما هو واضح.
وفي المقام أيضا كذلك، حيث إن سلطنة من ملك شيئا بالبيع الذي فيه
الخيار وإن كانت محدودة بالفسخ وهو مالك إلى غاية خاصة، ولكن
المملوك مملوك له على نحو الاطلاق، فإن كون المبيع ملكا له غير مقيد
بوقت أصلا.
445

وعليه فإذا تصرف فيه في أثناء سلطنته المحدودة تصرفا متلفا أو في
حكم الاتلاف كنقله إلى غيره يكون ذلك نافذا إلى الأبد.
والسر في ذلك هو ما ذكرناه ا، ن المحدود إنما هو السلطنة والملكية
دون المملوك، ومن هذا ظهر الفرق بين الإرث والنواقل الأخر أيضا،
لأنك قد عرفت أن أدلة الإرث لا يقتضي أزيد مما تقدم من كون الورثة
مالكا للتركة على الكيفية التي كان المورث مالكا لها، وأما في النواقل
الأخر حيث وقع بالمملوك الغير المقيد بشئ فيكون نافذا إلى الأبد.
نعم استثني من ذلك البيع الخياري، فإنه لا يجوز بيع المبيع بهذا البيع
في مدة الخيار وذلك للشرط الضمني، وسيأتي ذلك في خلال البحث
في أحكام الخيار، فإنه لا بد من البقاء المبيع إلى تمام زمان الخيار، فإن
انقضي زمان الخيار كان البيع لازما، فإن فسخ المشتري العقد يأخذ
المبيع ويعطي بدل الثمن كما هو واضح لا يخفى.
ثم إن المصنف (رحمه الله) قد ذكر في آخر كلامه، أن المقام يحتاج إلى
التنقيح أزيد من ذلك، وكتب السيد في حاشيته (1) أنه لم ينقح المصنف
المقام أصلا حتى يحتاج إلى تنقيح أزيد، كما أن الصورة الثالثة لم أر
من يتعرض لها من الفقهاء، وقد حققناها بحول الله وقوته، فلاحظ
وتأمل.
4 - لو كان الخيار لأجنبي ومات
قوله (رحمه الله): لو كان الخيار لأجنبي ومات ففي انتقاله إلى وارثه - الخ.
أقول: إذا كان الخيار للأجنبي ومات، فهل يكون خياره للمتعاقدين

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 151.
446

أو للورثة أو يكون ساقطا، وجوه، فاختار المصنف السقوط لأجل الشك
في مدخلية نفس الأجنبي، إذ الخيار لم يجعل للأجنبي ولوارثه بل
للأجنبي.
ونتكلم في ثبوت الخيار لوارثة بأدلة الإرث، ونحتمل أن يكون
لخصوصية الأجنبي دخل في اختصاص الخيار به.
أقول: إن ما ذكره المصنف (رحمه الله) من الحكم بالسقوط بموت الأجنبي
متين، ولكن لا من جهة ما ذكره من الوجه، بداهة مدخلية الأجنبي في
ثبوت الخيار له، فضلا عن الشك فيه، فإن الخيار ليس دائرته وسيعة
بحيث يكون مجعولا للأجنبي، ومع عدمه فلوارثه أو للمتعاقدين من
الأول قطعا، بل إنما جعل الخيار لخصوص الأجنبي وخصوصية
الأجنبي دخيل في الخيار قطعا، ولكن نتكلم في ثبوته لوارثه بأدلة
الإرث، بأنه إذا مات الأجنبي فهل ينتقل خياره هذا إلى وارثه أم لا، وأي
ربط لهذا لمدخلية خصوصية كونه للأجنبي في الخيار كما هو واضح.
وعليه فيمكن أن يرث وارث الأجنبي خياره إذا صدق عليه أنه مما
تركه الميت، وحينئذ فإن كان مدرك ثبوت الخيار وانتقاله من الميت
إليهم من جهة الاجماع، فلا شبهة أنه دليل لبي، فالمتيقن منه هو صورة
كون الورثة لذي الخيار من المتعاقدين، وإن كان مدركه الدليل اللفظي
وعموم ما تركه الميت من حق أو مال فهو لوارثه، فقد عرفت الاشكال
في ذلك.
ومع الاغضاء أن الظاهر من الحق المتروك أن يكون لجلب المنفعة
ولا منفعة للأجنبي في ذلك وإلا فسخ العقد (1).

1 - وإن كان يمكن منعه بأنه قد يعطي أحد مالا له ليفسخ العقد أو امضاء، على أنه منقوض
بثبوت الخيار لورثة المتعاقدين في صورة استغراق الدين التركة - منه (رحمه الله).
447

لو جعل الخيار لعبد
ثم إن المحكي عن القواعد أنه لو جعل الخيار لعبد أحدهما ملك
المولى فالخيار لمولاه (1)، ووجهه المصنف بأنه يحتمل أن يكون ذلك من
جهة عدم نفوذ فسخ العبد وامضائه بدون إذن مولاه.
ولكن لا نعرف وجها صحيحا لما ذكره في القواعد، ولما ذكره
المصنف من التوجيه، بداهة أن ارجاع الأمر إلى عبد الغير من الوكالة
وغير ذلك قد يكون تصرفا فيه ويكون ذلك تصرفا في ملك مولاه، فمثل
ذلك لا ينفذ بدون إذن مولاه، كما إذا أمر عبد غيره أن يمشي إلى السوق
ويشتري له متاعا أو أمره بالخياطة والبناية ونحو ذلك، فإن مقتضى
قوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ (2)، أنه ليس للعبد ولا لغيره أن
يتصرفوا فيه بمثل هذه التصرفات.
وقد ورد في رواية أنه سئل الإمام (عليه السلام) عن طلاق العبد زوجته، فقال
الإمام (عليه السلام): لا، واستدل بقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ،
وذكر أنه شئ لا يقدر عليه العبد (3).
وقد يكون ما يرجع إلى عبد الغير من الأمور التي لا يكون تصرفا في
سلطنة مولاه ولا يكون مزاحما لاستيفاء منافعه بوجه من الوجوه، كأن
يوكله أحد في اجراء عقد من النكاح وغيره، فإن ذلك أمر لا يزاحم

1 - راجع جامع المقاصد 4: 308.
2 - النحل: 75.
3 - عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه
إلا بإذن سيده، قلت: فإن السيد كان زوجه بيد من الطلاق: قال: بيد السيد: ضرب الله مثلا
عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، أفشئ الطلاق (الفقيه 3: 350، التهذيب 7: 347، الإستبصار
3: 214، عنهم الوسائل 19: 101).
448

المولى ولا يكون تصرفا في ملكه بدون إذن، ولا دليل على عدم نفوذ
مثل هذه الأفعال من العبد (1).
وأما إذا مات هذا العبد الذي جعل له الخيار، فقد ظهر مما ذكرناه أنه
لا ينتقل إلى وارثه، وأما توهم انتقاله إلى مولاه بديهي الفساد، لعدم كونه
وارثا للعبد، وكون أموال العبد راجعا إلى مولاه ليس من جهة الإرث بل
من جهة أن العبد لا يملك، وأما بناءا على كون مالكيته في طول مالكية
المولى لا في عرضه فيكون أمواله راجعا إلى مولاه كما هو واضح.
2 - سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: ومن أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار.
أقول: قد تقدم في خياري المجلس والحيوان أن ما يكون مسقطا
للخيار وامضاء له أمران:
1 - ما يكون مصداقا للاسقاط، بحيث يكون ذي الخيار معتبرا لكون
العقد لازما وباقيا ويظهره بمبرز، سواء كان ذلك المبرز هو الفعل أو
القول، فإن ذلك أي اسقاط الخيار كبقية الأمور الانشائية يحتاج إلى
الاعتبار أولا وإلى الاظهار ثانيا، بحيث يكون مسقطا له بالحمل الشايع،
وهذا لا شبهة فيه.
وبهذا أشار الإمام (عليه السلام) في جملة من الروايات: وذلك رضا بالعقد (2)،
أي مصداق لاظهار الاسقاط، لا أن الرواية تدل على كون التصرف مسقطا

1 - كما أنه لا يتوهم أحد أن تصور العبد شيئا بدون إذن المولى واطلاعه حرام، وهذا أيضا
نظير التصورات القلبية - منه (رحمه الله).
2 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
449

للخيار تعبدا، بل يعلل أن كونه مسقطا من جهة الرضا بالعقد وقصد ذي
الخيار الاسقاط كما هو واضح.
2 - أن يكون مسقطا تعبدا، وإن لم يكن مصداقا للاسقاط بالحمل
الشايع، بل لم يقصد المتصرف سقوطه أو قصد عدمه، ولكن التعبد
الشرعي أوجب سقوطه بذلك، كالتقبيل واللمس والنظر إلى ما لا يحل
النظر إليه، فإن ذلك كله يوجب سقوط الخيار تعبدا، أو لم يكن هنا تصرف
أصلا في شئ من العوضين، كالتفرق الموجب لسقوط خيار المجلس
فإنه يوجبه تعبدا كما هو واضح، وقد تقدم ذلك كله.
والكلام هنا في أن ما يوجب سقوط الخيار هل يوجب تحقق الفسخ به
أيضا أم لا؟
الظاهر أنه لا شبهة في أن ما يكون مصداقا لسقوط الخيار فهو مصداق
للفسخ أيضا، سواء كان بالقول أو بالفعل أو بغير ذلك، فمن هذه الجهة
لا فارق بينهما، هذا لا شبهة فيه.
أن ما يكون موجبا لامضاء العقد وسقوط الخيار إذا وقع على ما انتقل إلى ذي
الخيار هل يكون ذلك فسخا أم لا؟
وإنما الكلام في أن ما يكون موجبا لامضاء العقد وسقوط الخيار من
التصرف، إما لكونه مصداقا للسقوط أو تعبدا، إذا وقع على ما انتقل إلى
ذي الخيار، بأن تصرف المشتري في الحيوان مثلا أو ما اشتراه من المتاع
في مجلس العقد، وهل يكون ذلك فسخا تعبدا أو لكونه مصداقا له إذا
وقع على ما انتقل عنه، بأن باع زيد جارية قبلها بعد التسليم، أو نظر إلى
ما لا يحل النظر إليها أو لامسها، أو لا يوجب الفسخ؟
فقد ذهب جمع من العلماء إلى الثاني، وأن الفسخ يتحقق بذلك، كما أن الامضاء كان متحققا بها إذا وقعت على ما انتقل إلى المتصرف.
450

أقول: إن كان التصرف فيما انتقل عنه مصداقا للاسقاط، فلا شبهة في
كونه موجبا للفسخ ومصداقا له كما كان مصداقا للامضاء أيضا، وإن
لم يكن ذلك مصداقا للاسقاط إذا وقع على ما انتقل إليه بل يكون مسقطا
تعبدا، كما إذا تصرف بها ولم يكن ذلك بنفسه مصداقا للفسخ، ولا أنه
قصد كونه مصداقا له، فلا يكون موجبا للفسخ إذا وقع على ما انتقل عنه،
لا من جهة التعبد لكونه ثابتا في التصرف فيما انتقل إليه، فلا يمكن
تسريته إلى التصرف الواقع على ما انتقل عنه، كما إذا باع جارية ثم قبلها
أو لامسها أو نظر إلى ما لا يحل النظر إليها.
ولا من جهة كونه مصداقا للفسخ، لما عرفت أنه لم يكن مصداقا
للامضاء ولسقوط الخيار وامضاء العقد، فلا يكون مصداقا للفسخ أيضا
كما هو واضح، لأن كلا منها يحتاج إلى الاعتبار والاظهار فالتصرفات
المذكورة غير قابلة لذلك.
وعلى الجملة إن كان التصرف على نحو يكون مصداقا للفسخ بحسب
المتفاهم العرفي وإن لم يعلم قصد الفاسخ أو علم قصده بأنه أراد بفعله
هذا فسخ العقد، لا شبهة في تحقق الفسخ بذلك كما يتحقق به الامضاء
وإن لم يكن كذلك، بل كان ذلك امضاء للعقد من جهة التعبد فقط
فلا يكون فسخا للعقد قياسا كما هو واضح، فإنه تسرية من مورده، وهو
التصرف فيما انتقل إليه إلى التصرف فيما انتقل عنه، هذا كله في مقام
الثبوت.
وأما في مقام الاثبات، فإذا تحقق الأمور المذكورة من اللمس والنظر
والتقبيل، بأن أوقع الأمور المذكورة فيما انتقل منه، فهل تكون ذلك
أمارة على كون البايع مثلا قاصدا للفسخ أم لا؟
والفرق واضح بين المقام وبين ما تقدم في مقام الثبوت، فإن الكلام
هناك في كونه مصداقا للفسخ مع القصد وعدم كونه مصداقا له مع عدمه،
451

وفي المقام البحث في كاشف القصد بأنه يكشف عند الظهور أم لا،
فافهم.
بحث في قاعدة حمل فعل المسلم على الصحة
ذكر المصنف أن الأمر هنا أسهل، بناءا على أن ذا الخيار إذا تصرف
فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه دل ذلك
بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا على إرادة انفساخ العقد
قبل هذا التصرف، ونقل ذلك عن بعض الفقهاء أيضا كالعلامة وغيره، ثم
ذكر أن أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة
شرعا، كما صرح به جماعة كغيرها من الأمارات الشرعية فيدل على
الفسخ، لا من الأصول التعبدية حتى يقال إنها لا تثبت لوازمها، وذكر أن
ذلك حقق في الأصول.
أقول: ذكر في الأصول أمران:
1 - إن لوازم الأصول ليست بحجة بخلاف لوازم الأمارات، فإنها تثبت
بها كما تثبت الدلالات المطابقية، وذكرنا نحن أيضا في البحث المذكور (1)
أنه لا فارق في ذلك بين لوازم الأصول ولوازم الأمارات، فإنها في كليهما
لا تثبت إلا إذا قام الدليل على ثبوتها، وحجية الأمارات بالنسبة إليها،
كما أنها حجة في الدلالات المطابقية وقد قام بناء العقلاء على ثبوت
تلك اللوازم في الأمارات التي كانت من قبيل الألفاظ، فإنه كما قام على
حجية الظواهر واعتبار الدلالات المطابقية بحسب ما يستفاد من ظواهر
اللفظ، وكذلك قام على ثبوت لوازمها أيضا وحجيتها بالنسبة إليها،
وذلك كالروايات والقرآن ومن القبيل الأقارير.

1 - مصباح الأصول 3: 151.
452

والجامع أن كل ما يكون في مقام التكلم والإفادة والاستفادة
والمرافعات وغيرها من قبيل الألفاظ تثبت فيها ببناء العقلاء لوازمها كما
تثبت مدلولاتها المطابقية أيضا كما هو واضح.
وأما إذا لم يكن من هذا القبيل فلا تثبت اللوازم بثبوت الملزوم، ومثلنا
لذلك هناك بأنه ورد أنه إذا اشتبهت القبلة يتحرى من اشتبه عليه ذلك
فيأخذ ما هو أحرى، فإن الظن وإن كان حجة هنا للمتحري ولكن لا يثبت
بذلك لوازمه كالوقت مثلا، بأن يثبت بكون القبلة هذا الطرف الخاص
المظنون الظهر، مثلا يحكم بأن الشمس إذا وصلت إلى النقطة الفلانية
يحكم بتحقق الظهر.
ومقامنا من هذا القبيل حيث إنه على تقدير أن حمل فعل المسلم على
الجائز والصحيح من الأمارات، ولكن لا يثبت بها لوازمها، لعدم الدليل
عليه، ففي المقام غاية ما يستفاد من السيرة أو من الروايات كقوله (عليه السلام):
ضع فعل أخيك على أحسنه (1) ونحو ذلك، أن نحمل فعل ذي الخيار
الواقع على ما انتقل عنه على الصحيح وأنه لم يفعل محرما، وأما أنه
فسخ العقد لكونه لازم كون فعله صحيحا لا يثبت بذلك كما هو واضح.
2 - ما ذكره المصنف أيضا ونحن تبعناه، من أن الثابت في الشريعة
المقدسة إنما هو حمل فعل المسلم على أحسنه وعلى الوجه الصحيح،
كما إذا صدر فعل من شخص واحتمل كونه حراما أو حلالا، فلا بد من أن
يحمل على الصحيح وعلى الجائز، بأن لا يعامل معه معاملة الفساق من
جهة ترتيب أثر الفعل المحرم على ما صدر منه.

1 - عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام
له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (الكافي 12: 302، عنه الوسائل 12: 302)، ضعيفة.
453

ومثل لذلك بأنه إذا تجاوز شخص عن شخص وتكلم بكلام،
واحتملنا أنه تسب واحتملنا أنه سلم، فإن مقتضى حمل فعل المسلم
على الصحة أن يقال إنه لم يصدر منه السب، لأن المسلم لا يفعل محرما
ولا يباشره، وأما اثبات أنه سلم بحيث يجب رد جوابه فلا، لعدم الدليل
عليه.
وهذا الذي ذكره (رحمه الله) في قاعدة حمل فعل المسلم على الصحة في
الأصول وأنها لا تثبت لوازمها متين جدا، ولا يمكن المساعدة على ما
ذكره في المقام كما هو واضح.
وعليه فالمسلم إنما هو حمل فعل المتصرف على الوجه الجائز، وأنه
لم يفعل حراما إن شاء الله، وأما فسخ العقد لكونه لازم عدم صدور
الحرام منه فلا دليل عليه كما هو واضح، هذا كله فيما إذا لم يعلم أن
التصرف إنما صدر منه عن علم والتفات، أو علم أنه تصرف عن غير علم،
وأما إذا علم أنه تصرف في ذلك غفلة عن بيعه ذلك أو نسيانا، فإن الأمر
هنا أوضح، فإنه لم يحتمل أحد بل لا يحتمل أنه فسخ العقد بذلك
التصرف كما هو واضح.
فتحصل أن حمل فعل المسلم على الصحة وأن التصرف لم يكن
محرما لا يدل على الفسخ تعبدا لكونه لازما لحمل فعل المسلم على
الصحة الذي من قبيل الأمارات.
فتحصل أن حمل فعل المسلم على الصحة ليست من الأمارات بل من
الأصول العملية، فلا تثبت به لوازمه وهو تحقق الفسخ به، وعلى تقدير
كونه من الأمارات فلا دليل على حجية لوازم مطلقا الأمارات، لفظية كانت
أم غيرها، كما هو واضح.
454

إذا لم يكن التصرف من التصرفات المحرمة
هذا كله فيما إذا كان التصرف مما يحرم تعلقه بملك الغير كالتصرفات
الخارجية، ولذا احتاج إلى حمله على الصحة، وأما إذا لم يكن من
التصرفات المحرمة كما إذا لم تكن خارجية بل من التصرفات الاعتبارية
التي يجوز تعلقها بملك الغير أيضا من غير أن يكون محرمة تكليفا وإن
كان نفوذه وضعا يحتاج إلى الإذن، وذلك كالبيع والهبة والعتق ونحوها،
فإن مثل هذه التصرفات الاعتبارية يصح تعلقها بمال الغير فضولة
فلا يكون محرما.
ودعوى أن الفضولية لا تجري في مثل العتق ونحوه من الايقاعات
للاجماع وإن كانت صحيحة إلا أن ذلك لا يدل على تحقق الفسخ
لاحتمال الغفلة والاشتباه والجهل في حق المتصرف.
وعليه فإذا تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه تصرفا اعتباريا ناقلا
كالبيع والهبة والعتق ونحوها، فإنه لا شبهة في أن الظاهر من هذه
التصرفات أنها وقعت في ملكه، إذ لا بيع إلا في ملك، ولا عتق إلا في
ملك، ولا يجوز هبة مال الغير، فيكشف ذلك عن أنه فسخ بنفس هذه
التصرفات، وإن كان لا بأس بجواز بيع مال الغير فضولة إلا أنه على خلاف
ظاهر هذه الأفعال، بل لا يقع عتق مال الغير صحيحا للاجماع وللتسالم
على عدم جريان الفضولي في الايقاعات كالعتق والطلاق.
ولكن الكلام في حجية هذا الظاهر وإن كان هو موجودا، فإن كل ظاهر
ليس بحجة، فإنه كان حجيته بالظن الحاصل من ذلك الظاهر، فإن
المظنون أن الانسان إذا باع مال نفسه أو عتق مال نفسه وهكذا، فلا دليل
على حجيته إلا من جهة الغلبة، ولا حجة للظن الحاصل منها.
455

وبعبارة أخرى أن مدرك حجية هذا الظهور إن كان هو الظن فلا دليل
على حجيته، وإن كان شئ آخر من الأدلة الخاصة فلم نر دليلا خاصا
على اعتباره كما هو واضح.
وقياس المقام بحجية ظواهر الألفاظ قياس مع الفارق، بداهة أن الوجه
في حجية ظواهر الألفاظ هو الوضع، بمعنى أن العقلاء تعهدوا على كلما
أرادوا شيئا فلانيا مثلا أن يتكلموا بلفظ فلاني، وبنوا أيضا على أنه إذا
تكلم أحد بكلام له ظاهر في معناه الموضوع له يؤخذ بظهور كلامه وإلا
فلا دليل على حجية مطلق الظواهر كما هو واضح.
وربما يقال إنه إذا باع ذي الخيار مثلا ما انتقل عنه، فيحتمل أنه باع
ذلك عن مالكه الفعلي فضولة، ويحتمل أنه باعه عن نفسه أصالة ولكن
فسخ العقد ببيعه هذا، فالأصل عدم قصده بيع ذلك عن غيره.
وفيه أولا: إن هذا الأصل مثبت، لأن فسخ العقد من لوازم عدم قصد
البيع عن غيره لا نفسه، والأصل المثبت ليس بحجة.
وثانيا: إنه لا يعتبر القصد في بيع مال الغير فضولا كما لا يعتبر ذلك في
بيع مال نفسه، بل يكفي مجرد قصد البيع وابرازه بمبرز، وقد ذكرنا في
أول البيع أن حقيقة البيع هو هذا، وعليه فلا قصد هنا حتى ننفيه بالأصل
وهذا واضح.
نعم يعتبر ذلك في بيع الكلي كما تقدم في بيع الكلي، بداهة أنه لا يتعين
بدون الإضافة إلى ذمة معينة، سواء كانت ذمة نفسه البايع أو شخص
آخر، وإنما يتعين الكلي بالإضافة إلى محل خاص وتقيده بقيد خاص،
ولكنه أجنبي عن المقام كما هو واضح.
وبالجملة فلا يمكن اثبات كون التصرفات الواقعة على ما انتقل عنه
فسخا للعقد، لا بمقتضى حمل فعل المسلم على الصحة، ولا بظهورها
في الفسخ، ولا بالأصل العملي كما مر، فافهم.
456

1 - هل الفسخ يحصل بنفس التصرف؟
قوله (رحمه الله): مسألة: هل الفسخ يحصل بنفس التصرف؟
أقول: إذا قلنا بأن التصرف يحصل به الفسخ، سواء كان خارجيا
تكوينيا أو اعتباريا، وهل يحصل به الفسخ قبل وقوعه وتحققه، أو
بعده، أو في أثنائه، وجوه.
ربما يقال بالأول كما عن التذكرة (1)، بدعوى أن الاسلام يصان به
المسلم عن القبيح، فلو قلنا بعدم حصول الفسخ قبل التصرف فلا بد وأن
يقع جزء منه أو تمامه محرما، وهو ينافي حمل فعل المسلم على
الصحة وصيانة الاسلام المسلم عن ارتكاب القبيح، وإذن فلا بد وأن
يكون التصرف كاشفا عن وقوع الفسخ قبله.
واستدلوا على مرامهم بالروايات الدالة على لزوم العقد بالتصرف،
معللا بأنه رضا بالعقد (2)، فإنه يكون كاشفا عنه بعد الوقوع، وحملوا على
ذلك كلمات جملة من الأعلام، ولا يمكن أن يحصل الفسخ بنفس تلك
التصرفات الاعتبارية، بداهة أن حصول الملك بالبيع مثلا يحتاج إلى
حصول الفسخ، وحصول الفسخ لو توقف بمثل هذه التصرفات لزم
الدور.
وفيه أولا: أنا ذكرنا آنفا أن التصرفات على تقدير كونه موجبا للفسخ
إنما هو من باب كونه مصداقا للفسخ لا كاشفا عنه، فلا معنى لكونه كاشفا

1 - التذكرة 1: 529.
2 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
457

عنه، على أنه لو كان الأمر كذلك فلازمه أن يكون الإرادة فسخا، فإن ما
هو قبل الفسخ هي الإرادة، ومن الواضح أنه ليس بفسخ بل إرادة فسخ كما
هو واضح.
وثانيا: إن لازم ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصلا، فإنه يكون
كاشفا عنه لعدم الفارق بين كون الفسخ باللفظ أو بغيره، وهو خلاف
الضرورة بين الفقهاء، فإنهم حكموا بكون الفسخ محققا باللفظ أيضا.
وأما الروايات الدالة على تحقق الرضا بالتصرف، فلا شهادة فيها على
ذلك، بداهة أن معنى الرضا هنا عبارة عن الامضاء، أي التصرف رضاء
بالعقد وامضاء له، ضرورة أنه لا معنى لحمل الرضا الذي هو أمر قلبي
على الفعل التكويني الخارجي، فيكون الروايات الدالة على حصول
الرضا بالتصرف أجنبية عن القول بحصول الفسخ بعد التصرف لكونه
كاشفا عن الفسخ.
وبعبارة أخرى الرضا له معنيان: أحدهما الرضا القلبي، والثاني
الرضاء الخارجي، والمراد منه في المقام الثاني، بمعنى أن التصرف
امضاء للعقد وانفاذا له وإجازة ورضاء علمي به، لا أنه رضاء قلبي،
والقرينة على كون الثاني مرادا هو عدم صحة حمل الأمر القلبي على
الفعل الخارجي كما هو واضح.
ويمكن حمل كلمات الفقهاء أيضا على ذلك، فإن حكمهم بكون
التصرف رضاء بالعقد لعله من جهة كون بنائهم على كون التصرف مصداقا
للرضا العلمي وللامضاء والإجازة، ومن هنا التجأ بعضهم إلى كون
الفسخ حاصلا بعد تحقق التصرف في الخارج وحينئذ فيكون التصرف
مصداقا للفسخ.
ولكن يرد عليه أن لازم ذلك وقوع التصرف الاعتبارية كلها في ملك
458

الغير، فإذا باع يكون بيعه في ملك الغير، وإذا وهب أو عتق يكون كل
ذلك واقعا في ملك الغير، فيلزم أن الأمور المذكورة لم تقع في ملك نفس
الانسان المتصرف.
نعم لا بأس به بناءا على جواز بيع الانسان شيئا ثم ملكه، إلا أنه
لا يجري في مثل العتق، للاجماع على أنه لا يجري الفضولية في
الايقاعات كما عرفت، بل ربما يكون التصرف حراما، وإذا ترتب عليه
الأثر وهو الفسخ وتملك الفاسخ المال المنتقل عنه، كما إذا كانت
التصرفات خارجية كالتقبيل والوطي واللمس في الجارية، وغير ذلك
من التصرفات التكوينية الخارجية، وهذا كله لا يمكن الالتزام به.
وقد اختار المصنف معنى متوسطا بين كون الفسخ حاصلا من الأول
وقبل التصرف أو بعده، وقال بما حاصل كلامه:
إن المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد، لأن
العرف لا يفهمون من لفظ البيع إلا المعنى المأخوذ من العرف في قولهم
بعت، وعليه فالفسخ الموجب لملك الفاسخ المال المنتقل عنه إنما
يحصل بأول جزء من التصرف الاعتباري أو الخارجي، وأما النقل
والتملك العرفي إنما يحصلان بتمام التصرف أي بالبيع والعتق مثلا،
وحينئذ يقع البيع أو العتق أو غيرهما من التصرفات القولية عقدا كان
أو ايقاعا في الملك.
ولا دليل على كون البيع أو العتق وغيرهما من التصرفات القولية واقعا
في الملك بجميع أسبابها ومسبباتها، بل يكفي في وقوعها في الملك
أن يقع فيها عند تمام السبب، أي ويحصل المسبب في الملك، وأما
لا بد وأن يكون سببه أيضا بجميع أجزائه حتى الجزء الأول في الملك،
فلا دليل عليه كما هو واضح.
459

ثم التزم بحرمة الجزء الأول تكليفا في التصرفات الخارجية، كالوطي
والتقبيل ونحوهما، ولكن هذا لا ينافي حرمة ذلك حصول الفسخ به
وضعا، أي لا ينافي حرمة السبب من بعض الجهات صحة حصول
المسبب كما لا يخفى.
ثم قال: وبالجملة فما اختاره المحقق (1) والشهيد الثانيان لا يخلو عن
قوة، وبه ترتفع الاشكال عن جواز التصرفات وضعا وتكليفا.
وكذا لا ندري أنه كيف يرتفع الاشكال بما ذكره عن جواز التصرفات
وضعا وتكليفا، مع أنه (رحمه الله) صرح قبل أسطر بحرمة الجزء الأول من
التصرفات الخارجية، وأيضا كيف ظهر من كلامه أن الحق ما ذهب إليه
المحقق والشهيد الثانيان مع أنهما ذهبا إلى حصول الحل والفسخ قبل
التصرف بالقصد المقارن كما تقدم رأيهما قبل أسطر في كلامه.
بيان آخر
والحاصل أن الكلام في تحقق الفسخ بالتصرف فيما انتقل عن ذي
الخيار إلى غيره، بأنه هل يحصل الفسخ قبل التصرف والتصرف كاشف
عنه أو بعده أو يحصل في أثناء التصرف وجوه.
وقد ذكر غير واحد أنه يحصل قبل الفسخ بدعوى صيانة الاسلام
المسلم عن فعل القبيح، فلا بد من الالتزام بحصول الفسخ قبل التصرف
لئلا يكون أمثال البيع والعتق وغيرهما من التصرفات الاعتبارية تصرفا
في ملك الغير، ولئلا يكون مثل الوطي والتقبيل وأمثال ذلك من
التصرفات الخارجية محرمة تكليفا.

1 - جامع المقاصد 4: 295.
460

ولكن ذكرنا أنه واضح البطلان من جهة أن البيع وغيره من التصرفات
الاعتبارية وكذلك التصرفات الخارجية بنفسها مصداق للفسخ ومبرز له،
لا أنه كاشف عن تحقق الفسخ قبلها، وإلا فلا بد وأن يكون الفسخ محققا
بإرادة الفسخ، ومن الواضح أن إرادة الفسخ ليس بفسخ على أنه مخالف
لكلمات الفقهاء القائلين بأن الفسخ يتحقق بنفس التصرف.
ويضاف إلى ذلك أن لازم ذلك هو عدم تحقق الفسخ باللفظ أيضا بل
لا بد وأن يكون ذلك كاشفا عنه، لعدم الفرق في ذلك بين اللفظ وغيره،
وهو بديهي البطلان لحكم جمع من الأعلام بأن الفسخ يتحقق باللفظ.
وكيف كان فهذا الوجه لا يمكن الذهاب إليه كما هو واضح، على أنه
ذكر المصنف وغيره بأن الفسخ لا يحصل بالنية والبناء القلبي بل هي من
الأمور الانشائية، فلا بد وأن يتحقق بالاظهار بمبرز، فبمجرد إرادة
الفسخ لا يتحقق الفسخ كما هو واضح.
وقد تقدم الاستدلال على ذلك بروايات لسقوط الخيار بالتصرف
كقولهم (عليهم السلام): وذلك رضا بالعقد، والجواب عن ذلك في البيان الأول
فراجع.
ومن هنا التجأ بعضهم إلى أن الفسخ إنما يتحقق بعد التصرف ويكون
حاصلا بعد تمامية السبب.
وفيه أن لازم ذلك أن يكون التصرفات الاعتبارية من البيع والهبة
والعتق واقعة في ملك الغير، والالتزام بجواز بيع مال الغير ثم تملكه وإن
كان متينا ولكنه لا يتم في العتق، حيث إنه وقع التسالم بين الفقهاء بعدم
صحة العتق بالإجازة المتعقبة وعدم جريان الفضولية فيه فلا يمكن رفع
الاشكال بهذا الالتزام.
وأما التصرفات الخارجية من الوطي والتقبيل وغير ذلك فتكون
461

محرمة تكليفا، والحال أنه وقع التسالم على حصول الفسخ بالتصرفات
الاعتبارية والخارجية من غير أن يلزم منه محذور كما هو واضح.
وقد أجاب المصنف عن الاشكال بالالتزام بالأمور المتوسط،
وحاصله: إن التصرفات الوضعية فإنما يحصل الفسخ بها بالجزء الأول
ويحصل النقل والانتقال بتمامية السبب، غاية الأمر لا يكون تمام السبب
في ملك البايع أو المعتق، وهذا لا دليل عليه بأن يكون تمام السبب واقعا
في ملك البايع، وإنما المسلم هو لزوم كون البيع واقعا في ملك،
والمفروض أنه وقع فيه.
وبهذا يحمل الأخبار الدالة على أنه لا بيع إلا في ملك (1) ولا عتق إلا في
ملك (2)، فإن الظاهر منها أن يكون البيع واقعا في الملك وكذا العتق، وأما
أن يكون تمام سببها أيضا واقعا في الملك فلا يقتضيه الدليل.
والسر في هذا الالتزام هو أن المراد من البيع هو البيع العرفي، وهو
النقل والانتقال المعبر عنه بمبادلة مال بمال، ولا شبهة في حصول
المبادلة والنقل والانتقال هنا بنظر العرف، وإن كان جزء سبب ذلك
واقعا في ملك الغير، فإن ذلك لا يضر بالمسبب الذي يسمى بيعا أو غيره
من المعاملات.

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن
أرض اشتراها بفم النيل، وأهل الأرض يقولون: هي أرضهم، وأهل الأستان يقولون: هي من
أرضنا، فقال: لا تشترها إلا برضا أهلها (الكافي 5: 283، التهذيب 7: 149، عنهما الوسائل
17: 335)، صحيحة.
2 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا طلاق قبل
نكاح ولا عتق قبل ملك (الكافي 6: 179، التهذيب 8: 217، الفقيه 3: 69، عنهم الوسائل
23: 15)، صحيحة.
462

وبعبارة أخرى البيع الحقيقي وواقع البيع عبارة عن المسبب الذي هو
البيع العرفي المسمى بالمبادلة، وهو حاصل في ملك البايع، وكذلك
العتق، وأما السبب فليس بواقع البيع وحقيقته، فلا محذور في وقوع
جزء منه في ملك الغير.
وأما في التكليفيات فلم يدفع الاشكال والتزم بكون التصرفات
الخارجية محرمة بالنسبة إلى الجزء الأول.
نعم ذكر في النتيجة أن الأقوى ما ذكره الشهيد والمحقق الثانيان
بالنسبة إلى الجواز التكليفي والوضعي، ولكنه لم يبين وجه ذلك ودليله،
فيبقى الاشكال على حاله كما هو واضح، هذا محصل كلام المصنف.
ولكنه لا يمكن المساعدة عليه فيما ذكره في الوضعيات أيضا، وذلك
لأن ما تقدم من الاشكال على كون التصرف مسقطا قبل العقد جار هنا
أيضا، فإن ذلك يرجع إلى كون إرادة الفسخ مسقطا أوليس بمسقط،
بداهة أن الجزء الأول من التصرف بنفسه ليس مصداقا للفسخ حتى يقال
إنه حصل الفسخ بنفس الجزء الأول.
وإذن فلا بد من الالتزام بكونه كاشفا عن إرادة الفسخ، ويكون ذلك هو
المسقط كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
على أنه لو حصل الفسخ بالجزء الأول من الفعل لحصل بالجزء الأول
من القول أيضا، كالتكلم بكلمة: بع، من دون أن يعقب ببقية الصيغة، مع
أنه لم يلتزم به أحد، على أن لازم ذلك أنه لو ندم بعد ايجاد الجزء الأول
من التصرف عن البيع أن يلتزم بالفسخ، ويقال: إنه حصل بمجرد لفظ: بع،
وهذا أيضا بديهي البطلان ولم يلتزم به أحد فيما نعلم، بل المصنف
أيضا، فلا وجه للذهاب إلى أن الجزء الأول من التصرف يكون مسقطا كما
هو واضح.
463

التحقيق في المقام
والتحقيق أن يقال: إنه تارة يقع الكلام في الوضعيات، وأخرى في
التكليفيات.
ألف - الكلام في الوضعيات
أما الكلام في الأولى فأيضا يقع في جهتين: الأولى في العقود، والثانية
في الايقاعات أيضا.
أما الجهة الأولى، فنلتزم فيها بأن الفسخ إنما في الانشاء، ولكن
لا على النحو الذي ذكره المصنف بل بالايجاب فقط، فإنه بعد ما تم سواء
كان بالفعل أو بالقول كان ذلك مصداقا للفسخ وايجابا للبيع، ولم يتحقق
البيع به بعد حتى يقال: إن الفسخ قد حصل بعد التصرف فيقع في ملك
الغير، بداهة أن البيع لم يتم بالايجاب الساذج بل يتوقف تماميته بتحقق
القبول بعده وبالقبول يتحقق تمام البيع، فلا يكون البيع بما هو بيع في
ملك الغير بل الايجاب فقط.
ومن الواضح أنه ليس ببيع بل كونه بيعا معلق على مجئ القبول
وتحققه في الخارج، فكأنه قال البايع: بعتك على تقدير تحقق القبول من
القابل، ولا يضر التعليق هنا، فإن توقف الايجاب على القبول وتعلقه
عليه من طبيعي البيع وبقية العقود، فهو في مثل ذلك ضروري.
وقد ذكرنا في أول البيع في أنه مبادلة مال بمال أن مثله لا يضر، حيث
ذكرنا أن البيع ليس مطلق المبادلة بل المبادلة الخاصة، أي على تقدير
قبول المشتري وكونه تعليقا لا يضر فإنه طبيعي البيع ومن الأمور
الضرورية، فإنه لا يبيع البايع متاعه مطلقا ولو لم يقبل الآخر، بل على
464

تقدير قبول الآخر كما هو واضح، ووقوع الايجاب فقط في ملك الغير
لا يضر بالبيع، لما ذكره المصنف من أن ما يضر بالبيع هو وقوع ذلك في
ملك الغير لا ما هو جزء السبب، فإنه لا يزيد من اللفظ كقوله: بعتك المتاع
الفلاني.
فلا يقال بمجرد وقوع الايجاب من اللفظ وغيره في ملك الغير: إن
البيع وقع في ملك الغير، ضرورة أن البيع عبارة عن المسبب وهو بعد
لم يتحقق بالايجاب، وكيف يكون واقعا في ملك الغير، ولا دليل أيضا
على عدم جواز وقوع السبب في ملك الغير، والروايات الدالة على أنه
لا بيع إلا في ملك إنما هي ناظرة إلى عدم تحقق البيع - الذي هو المسبب
والبيع العرفي الذي هو النقل والانتقال كما في المتن - إلا في ملك لا ما
هو جزء السبب أعني الايجاب الساذج.
أما الجهة الثانية أعني الايقاعات، فالجواب المتقدم وإن لم يكن
جاريا هنا، ولكن يمكن الجواب عن الاشكال هنا بمثل ما التزم به
المشهور في المعاطاة من كونها مفيدة للإباحة، أن الملكية في مثل أعتق
عبدك عني إنما تحصل آنا ما ثم يعتق العبد، وذلك لا من جهة اقتضاء
الدليل العقلي أو العرفي ذلك بل من جهة الجمع بين الأدلة، حيث إن
مقتضى الروايات أنه لا بيع إلا في ملك، وأن مقتضى تسلط الناس على
أموالهم هو وقوع العتق عن الغير.
فمقتضى الجمع بينها أن الملكية إنما تحصل آنا ما بحيث لا يترتب
عليها أي آثار فرضتها إلا العتق، وقلنا إن الالتزام بذلك الذي سمي
بالملكية التقديرية ليس مجرد فرض، كما ربما يتوهم من التعبير بالملكية
التقديرية، بل لها حقيقة وأن الملكية تحصل حقيقة وواقعا، غاية الأمر
أن زمانه قليل وأن هذه الملكية غير قابلة لأن يترتب عليه أثر غير العتق
فقط.
465

ومثل هذا الكلام نلتزمه هنا أيضا، بأن يقال إنه تحصل الملكية الآنية
الحقيقية التي تسمى بالملكية التقديرية للمتصرف ثم يعتق.
وبيانه: أن الفاسخ إذا تكلم بصيغة العتق فقبل إن تتم الصيغة بأن يبقى
منها حرف واحد فقط نلتزم بحصول الملكية الآنية بين هذا الحرف الباقي
وما تحقق منها، فنحكم بوقوع العتق في الملكية، فإن العتق إنما يحصل
بعد تمامية الصيغة أجمع، بحيث لا يبقى منها حرف واحد لكونها سببا
للعتق، لا ما هو جزء من الصيغة، فإنه جزء السبب فلا يتحقق المسبب
الذي هو العتق إلا بتمامية سببه.
وقد عرفت أنه لا محذور في وقوع مقدار من سبب البيع والعتق في
ملك الغير، لأنه لم يدل دليل على أنه لا بد وأن يكون سبب العتق واقعا
في ملك، بل إنما دل على وقوع المسبب فيه وعدم وقوعه في ملك الغير
وهو العتق كما هو واضح.
نعم عند ايجاد السبب لم يحصل العتق بل هو متوقف على تمامه،
فيكون حصول العتق معلقا على حصول الملكية الآنية المتوقفة على
تحقق الفسخ، وقد فرضنا أنه أي الفسخ يحصل بايجاد السبب إلا الجزء
الأخير منه، فمن زمان الاشتغال بايجاد السبب إلى زمان تحقق الجزء
الأخير منه لا بد وأن يلتزم بالتعليق، ولكن مثل هذا لا يضر بالعقد لكونه
تعليقا على الموضوع والتعليق بالموضوع لا يضر، كما إذا قال: بعتك
المتاع الفلاني على تقدير كونه موجودا.
وهذا الجواب يجري في العقود أيضا إذا منعنا عن وقوع الفسخ
بالايجاب فقط، فإنه يلتزم بالملكية التقديرية في الآن الأخير من زمان
تمامية القبول من ناحية المشتري.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر لك أن ما ذكره بعضهم من لزوم الدور على
تقدير الالتزام بحصول الفسخ بالتصرف لا يرجع إلى محصل.
466

وتقريب الدور هو أن البيع يتوقف على الملكية أي حصولها للبايع
وحصولها للبايع يتوقف على الفسخ، والفرض أن الفسخ لا يحصل إلا
بالبيع الذي يتوقف على الملكية، فلزم الدور المستحيل.
لا لما ذكره الشهيد (رحمه الله) من كون الدور معيا، إذ لا نفهم أنه ماذا أراد من
كلامه هذا، بداهة أن الدور المعي إنما هي في المتلازمين الذين معلولان
لعلة واحدة، كالبنتين الموضوعتين على هيئة خاصة، ولا نعقل هذا
المعنى في المقام، فإن الدور لو كان فإنما هو توقفي لا معي.
ولكن الذي يسهل الخطب أنه لا دور في المقام، هذا كله في
الوضعيات، فقد اتضح أنه لا اشكال في تحقق الفسخ بذلك.
ب - الكلام في التكليفيات
وأما الحال بالنسبة إلى الحكم التكليفي في التصرفات الخارجية، فقد
ذكر المصنف أولا: أنه يحرم التصرف الخارجي في الجزء الأول تكليفا،
ثم ذكر: وبالجملة فما اختاره المحقق والشهيد الثانيان في المسألة
لا يخلو عن قوة، وبه ترتفع الاشكال عن جواز التصرفات تكليفا ووضعا
ولم يبين وجه ذلك.
أقول: تارة نقول إن جواز التصرف في المال هو مترتب على كونه ملكا
له قبل هذا التصرف قبلية رتبية، فلو لم تحصل الملكية للمتصرف بعد
وإنما تحصل الملكية بنفس التصرف لا يجوز ذلك، ولا يكفي في الجواز
التكليفي إلا أن يترتب التصرف على الملكية، وأما اتحاد الزمان
فلا يكفي في الجواز التكليفي وإن حصل الفسخ بذلك وضعا وكذلك
التصرف في الأمة.
وهذا نظير أن يقال: إن التصرف في المرأة حرام ما لم تحصل الزوجية
467

قبل ذلك، بأن يقال: إن الظاهر من قوله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما
ملكت أيمانهم (1)، أن جواز النظر أو التصرفات الأخر التي لا تجوز لغير
الزوج في زوجته في مرتبة متأخرة عن الزوجية والملك اليمين،
فلو حصلت الزوجية أو الملكية في زمان واحد فلا يكفي ذلك في جواز
ذلك التصرف الذي به تحصل الملكية والزوجية.
ففي المقام أن الملكية إنما تحصل بنفس التصرف الخارجي،
فيتحققان في زمان واحد، وإن كان التصرف متقدما على الملكية من
حيث الرتبة.
وعلى الجملة قد يقال بأن المستفاد من الآية الشريفة أن حلية الأمة
بحيث يجوز التصرف فيها لا بد وأن تكون مترتبة على الملكية، بحيث إن
تحرز الملكية في الرتبة المتقدمة ثم يجوز التصرف الخارجي فيها
وكذلك في الأعيان الأخر التي وقعت مبيعة أو ثمنا، بأن يقال إن جواز
التصرف فيها تكليفا مترتبة على تحقق الملكية قبل ذلك وإلا فلا يجوز
التصرف تكليفا، وإن حصلت الملكية والتصرف في زمان واحد.
نظير أن يقال إن جواز التصرف في المرأة مترتب على تحقق الزوجية
قبل هذه المرتبة، وعليه فلا يجوز التصرف التكليفي في المال المنتقل
عنه بحيث يحصل الفسخ والملكية بذلك، فإذا قلنا بذلك فالحرمة باقية
على حالها وإن حصل الفسخ بالتصرف كما هو واضح.
وكنظير ما ورد أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شئ (2)، أن الظاهر هو

1 - المؤمنون: 6.
2 - عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ،
فقال: كر، قلت: وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (الكافي 3: 3، التهذيب 1: 41،
عنهما الوسائل 1: 159)، ضعيفة.
468

أن تكون الكرية متحققة قبل تحقق الملاقاة، بحيث لو كانت الكرية
متحقق حين تحقق الملاقاة يحكم بالنجاسة لأجل ملاقاة النجاسة بما
ليس بكر، فإن ظاهر من قوله (عليه السلام): الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه
شئ، أن الكرية لا بد وأن يتحقق قبل الملاقاة بالنجاسة قبلية رتبية.
وأخرى نقول بأنه يكفي في جواز التصرف في الأموال كونها مملوكا
للمتصرف ولو كانت الملكية حين زمان التصرف، كما في حصول طهارة
البدن والغسل بالغسلة الأولى، فيما إذا كان البدن متنجسا بنجاسة
لا يحتاج تطهيرها إلى تعدد الغسل، فإن الأقوى حصول التطهير والغسل
عن النجاسة أو عن غيرها بهذه الغسلة الوحدة كما ذكرناه في حاشية
العروة، إلا إذا كانت النجاسة مما يحتاج تطهيرها إلى تعدد الغسل، فإنه
لا يمكن الالتزام حينئذ بحصول التطهير والاغتسال بالغسلة الواحدة بل
تبقى النجاسة بعد على حالها.
وعلى هذا فيمكن الالتزام بجواز التصرف لأحد المتعاملين فيما انتقل
عنه لكفاية حصول الملكية في زمان التصرف في جواز التصرف تكليفا،
من غير احتياج إلى تحقق الملكية قبل التصرف رتبة.
وعلى الجملة فإن قلنا بالاحتمال الأول فلا يمكن دفع الاشكال عن
التصرف بالنسبة إلى الجواز التكليفي، بل لا بد من الالتزام بالحرمة
التكليفية، وإن قلنا بالثاني فيجوز التصرف تكليفا لكفاية تحقق الملكية
في زمان الفسخ والتصرف في الحكم بجواز التصرف تكليفا كما هو
واضح.
والذي ينبغي أن يقال هو أن الظاهر من قوله (عليه السلام): لا يجوز التصرف
469

في مال امرء إلا بطيب نفسه (1)، هو أن التصرف الواقع في ملك الغير بدون
إذنه حرام، بحيث لم يكن التصرف في زمان كون الشئ ملكا له، وأما إذا
كان التصرف في زمان حصول الملكية للمتصرف وإن لم يكن في مرتبته
فإنه لا يشمله دليل حرمة التصرف، لعدم كونه في مال الغير، بل إنما هو
في مال نفسه.
وبعبارة أخرى أن مقتضى الظاهر من الأدلة الدالة على حرمة التصرف
في مال الغير هو أن يكون المال مال للغير في زمان التصرف، بأن يكون
المال حين اشتغال المتصرف بالتصرف مال للغير، وأما لو كان ما تصرف
فيه المتصرف مال نفسه في زمان التصرف، وإن كان مرتبة التصرف قبل
مرتبة الملكية، بحيث إن التصرف بحسب الرتبة قد وقع في مال الغير
فلا يشمله دليل حرمة التصرف، والله العالم.

1 - عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كانت
عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس
منه (الكافي 7: 273، الفقيه 4: 66، عنهما الوسائل 5: 120)، موثقة بزرعة وسماعة الواقفين.
وعن تحف العقول، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة حجة الوداع: أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه (تحف العقول: 34)، مرسلة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه (عوالي
اللئالي 3: 473، عنه المستدرك 3: 331)، مرسلة.
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه (عوالي اللئالي 1: 146، عنه
المستدرك 3: 331)، مرسلة.
عن محمد بن زيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم... لا يحل مال إلا
من وجه أحله الله (الكافي 1: 460، المقنعة: 46، التهذيب 4: 140، الإستبصار 2: 60، عنهم
الوسائل 9: 539)، مرسلة.
470

ويكون ذلك نظير حصول طهارة البدن والغسل بغسلة واحدة في
زمان واحد كما هو واضح.
نعم كون التصرف الخارجي جائزا تكليفا في مثل الأمة متوقف على
اثبات أن يكون المراد من قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهم (1) أيضا ظاهرة
في كون حصول الملكية في زمان التصرف كافيا في الجواز التكليفي وإن
كانت رتبة التصرف قبل الملكية.
المناقشة فيما يقال: إن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به
ثم إنه نقل المصنف عن بعض أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل
ما يحصل به قولا كان أو فعلا، وأجاب عنه بأنه فاسد، فإن معنى جواز
الفسخ لأجل الخيار الجواز الوضعي لا التكليفي، فلا ينافي تحريم ما
يحصل به الفسخ.
ولكن ظاهر المصنف أنه فكك بين الجواز الوضعي والجواز التكليفي،
فكأنه حكم بكون التصرف مع كونه حراما تكليفا موجبا لانفساخ العقد
وضعا لعدم الملازمة بينهما.
إلا أن هذا وإن كان تماما فإنه لا ملازمة بين الأحكام التكليفية
والوضعية، ولكن الأمر في المقام ليس كذلك، حيث إن الشارع قد حكم
بجواز الفسخ وضعا وتكليفا وأنه مباح تكليفا، ولكنه من الأفعال
التوليدية، فيحصل بالقول تارة وبالفعل أخرى.
وعلى كل تقدير لا ملازمة بين جواز الفسخ وضعا وتكليفا الذي حكم
الشارع بذلك، وبين جواز ما يتولد منه الفسخ من الفعل، بل القول أيضا،
فإنه قد يكون الفعل الموجب للفسخ مباحا وقد يكون حراما.

1 - المؤمنون: 6.
471

كما إذا باع خبزا بأخذه في شهر رمضان وأكله، حيث إن الفعل مع كونه
حراما، لأن الأكل في شهر رمضان حرام، ومع ذلك يتحقق به الفسخ،
وكذلك القول كما إذا قال فسخت العقد، ولكن كان هذا القول في أثناء
الصلاة، فإن التكلم في الصلاة حرام، ولكن مع كونه حراما يحصل به
الفسخ.
ولعل مراد المصنف هذا، يعني لا ملازمة بين جواز الفسخ بأن يكون
جائزا وضعا وتكليفا، وبين جواز ما يتولد منه ذلك من الفعل أو القول،
فإنه ربما يكون حراما، لا أن يكون مراده هو التفكيك بين الجواز الوضعي
والجواز التكليفي، بأن يكون الفسخ جائزا وضعا وحراما تكليفا، فإن
هذا لا يمكن المساعدة عليه، بداهة أن الشارع قد حكم بإباحة الفسخ
لذي الخيار، فكيف معه يكون حراما في نفسه بما هو فسخ.
نعم يمكن أن يحكم بحرمة سببه بما هو سبب الفسخ، وهذا غير حرمة
الفسخ في نفسه مع قطع النظر عن سببه كما هو واضح، فافهم.
2 - لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار
قوله (رحمه الله): فرع: لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار.
أقول: عقد العنوان ولو كان في شراء العبد بجارية، ولكنه يجري في
غيرهما أيضا، فالميزان هو اعمال الخيار بالنسبة إلى الفسخ والامضاء
معا كما هو واضح، إذا اشترى أحد عبدا بجارية ثم قال: اعتقهما، فهل
يكون ذلك إجازة في العبد وفسخا في الجارية، أو فسخا في الجارية
فقط ولا يكون إجازة في العبد، أو إجازة في الجارية ولا يكون فسخا في
العبد، وجوه.
أما الاحتمال الأول فلا يمكن المساعدة عليه بوجه، بداهة أنه لا يعقل
اجتماع الإجازة والفسخ في آن واحد، فإنه يستلزم المناقضة والخلف.
472

وأما الاحتمال الثاني، أعني حصول الفسخ في الجارية فقط ولا يكون
إجازة في العبد، من جهة دعوى أن الفسخ يتقدم على الإجازة.
ويرد عليه ما ذكره المصنف، من أنه لا دليل على تقدم الفسخ على
الإجازة، ولم يرد في ذلك آية ولا رواية، نعم يتقدم الفسخ على الإجازة
فيما إذا صدر الفسخ من طرف والإجازة من طرف آخر، ولكن التقديم
هنا ليس من جهة الدليل الخاص بل لأجل ما يقتضيه القاعدة، بداهة أن
الإجازة إنما هي إجازة من قبل المجيز فقط، فلا يكون ذلك إجازة من قبل
الطرف الآخر الذي له الخيار فنفرضها البايع والمشتري.
وهذا بخلاف الفسخ، فإن أيا من البايع والمشتري فسخ العقد ينحل
وينفسخ، فلا يبقى لإجازة الآخر مجال أصلا وإن جاز قبل فسخ
الفاسخ، ولكن إذا كان الفسخ والإجازة من طرف واحد بأن يتحققا معا،
سواء اتحد المجيز والمجاز أو تعدد، فلا وجه لتقديم أحدهما على
الآخر، كما إذا أوجد الفسخ والامضاء دفعة واحدة، بأن يقول: اعتقهما
كما تقدم، أو كان للبايع وكيل وقد جعل الخيار له ولوكيله، فأجاز
أحدهما العقد وفسخ الآخر.
فإنه لا دليل في شئ من هذين الموردين على تقديم الفسخ على
الإجازة أو العكس، فإن تحققهما معا يستلزم المناقضة بأن يقال بصحة
العقد وبطلانه فهو محال، وتقديم أحدهما على الآخر ترجيح
بلا مرجح، فيسقط كلاهما.
وكذلك الأمر في المقام، حيث إن نفوذ العتق بالنسبة إليهما يستلزم
التناقض وترجيح الفسخ على الآخر أي الإجازة ترجيح بلا مرجح،
فيسقط كلاهما كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
وأما احتمال الثالث، وهو أن يعتق العبد وتبقى الجارية، بدعوى
473

تقديم الإجازة على الفسخ، ففيه أنه لا دليل عليه أيضا، فإنه يستلزم
الترجيح بلا مرجح كما تقدم.
وقد ذكر المصنف (رحمه الله) أنه ربما يقال بتقديم الإجازة على الفسخ من
جهة أنها ابقاء للعقد والأصل فيه الاستمرار.
وفيه أولا: أن أصالة استمرار العقد لا يثبت كون المعتق هو العبد إلا
على القول بالأصل المثبت.
وثانيا: إن الصادر من ذي الخيار إنما هو قوله: اعتقهما معا، ولا شبهة
أن القول بعتق العبد يستلزم القول بعتق الجارية، كما أن العكس كذلك،
وعليه فلا بد من الالتزام بما ذكره المصنف من القول بأن الأصل هو
استمرار العقد، ومع ذلك لا يحصل الفسخ ولا الإجازة كما هو واضح
لا يخفى.
نعم لا بد وأن يحكم بحصول العتق في العبد الذي اشتراه بالجارية،
وبعدم حصول العتق في الجارية، لأن تحقق العتق في الجارية يتوقف
على تحقق الفسخ الذي هو مؤونة زائدة بخلاف تحقق العتق في العبد،
فإنه ملك نفسه فيكون عتقه نافذا لأن الناس مسلطون على أموالهم.
بيان آخر في المسألة
والحاصل أن الكلام كان فيما لو اشترى عبدا بجارية وكان له أي
للمشتري خيار، فإنه وقع الكلام هنا في أنه هل يقدم الفسخ على
الإجازة، أو تتقدم الإجازة على الفسخ بأن يكون العبد معتقا دون الجارية،
أو لا يكون شئ منهما معتقا، فإن عتق كليهما غير معقول لكونه مستلزما
للتناقض، وعتق واحد منهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فيحكم
بسقوط كليهما.
474

وقد ذكر المصنف وشيخنا الأستاذ وبعض المحققين أن المقام خارج
عن بحث تقديم الإجازة على الفسخ أو العكس.
والوجه فيه: أن النزاع في أن الفسخ يتقدم على الإجازة أو العكس إنما
هو في مورد يكون الخيار لكل من الطرفين، فإنه حينئذ إذا فسخ أحدهما
وأجاز الآخر يكون الفسخ هنا متقدما على الإجازة، ولكن هذا ليس من
جهة دليل خارجي بل لأجل اقتضاء القواعد ذلك، حيث إن الإجازة إنما
هي رضاء بالعقد وامضاء له من قبل نفسه، وهذا بخلاف الفسخ فإنه هدم
للعقد من أصله، فيتقدم على الإجازة، وأما إذا كان الخيار لواحد أو
لمتعدد من طرف واحد فلا دليل على تقدم أحدهما من الآخر، وعليه
فيحكم ببقاء العقد على حاله وسقوط العتق من الجانبين أي من العبد
والجارية كليهما.
ولكن يرد عليه ما ذكرناه، من أن نفوذ العتق في الجارية يتوقف على
الفسخ لترجع إلى ملكها ولو آنا ما ليتحقق العتق، لأنه لا عتق إلا في ملك،
وهذا بخلاف نفوذ العتق وتحققه في العبد، فإنه لا يتوقف على شئ بل
ينفذ ابتدءا لكونه ملكا للمعتق فيصح عتقه، لأن الناس مسلطون على
أموالهم، ولا يكون العتق متحققا في الجارية فإنها مال الغير، ولا عتق إلا
في ملك فإن كونها ملكا للمعتق يحتاج إلى الفسخ والفسخ لم يتحقق بعد
لكونه مزاحما مع الإجازة.
وعليه فلا وجه للحكم بسقوط كلا العتقين من جهة عدم الترجيح
لأحدهما، فالترجيح بلا مرجح باطل.
نعم هذا كلام صحيح بالنسبة إلى الإجازة والفسخ، حيث إنه لا ترجيح
لأحدهما على الآخر، فيحكم بعدم تحقق شئ منهما، ولا منافاة بين
تحقق العتق والقول بصحته وعدم تحقق الإجازة، فإنه لا ملازم بينهما،
475

فإنه لا يكون التصرف بالعتق إجازة للعقد، فإنه ربما يكون قصده مع هذا
التصرف على الفسخ بعد ذلك، فإن التصرف إنما يكون إجازة إذا كان
مصداقا للإجازة، وهذا لا يكون إلا مع القصد إلا كان التصرف إجازة
بالتعبد، وسيأتي كما هو واضح.
وبعبارة أخرى لم تقع المزاحمة هنا بين عتق العبد وعتق الجارية، بل
وقعت المزاحمة بين الإجازة والفسخ، فسقوط الإجازة والفسخ معا
لا يستلزم سقوط العتقين كذلك كما هو واضح، لعدم كون عتق العبد
محتاجا إلى شئ، هذا كله بالنسبة إلى الحكم الوضعي.
وكذلك الكلام بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فإنه جائز فيما أخذ
المشتري من الغير وغير جائز فيما انتقل عنه إلى غيره، مثلا إذا اشترى
فاكهة بخبز فأكلهما معا، فإن هذا التصرف بالنسبة إلى الفاكهة جائز لكونه
تصرفا في مال نفسه، ولا يتوهم أحد حرمته، وأما بالنسبة إلى الخبز غير
جائز فإنه تصرف في مال الغير فهو غير جائز إلا بإذنه، وكذلك إذا كان
التصرف في العبد والجارية معا تصرفا لا يكون فسخا أو إجازة تعبدا بأن
أمرهما معا بالاتيان بالماء أو شئ آخر، فإنه جائز بالنسبة إلى العبد دون
الجارية، هذا كله إذا كان التصرف بنفسه مصداقا للفسخ وقصد الفاسخ أو
المجيز الفسخ أو الإجازة بذلك.
وبعبارة أخرى أن الفسخ أو الإجازة من الأمور الانشائية، فيعتبر فيها
القصد والابراز، وما ذكرناه من الأحكام إنما يجري في صورة القصد
بكونه إجازة أو فسخا ليكون التصرف مبرزا لهما ومصداقا لهما خارجا،
وأما إذا كان التصرف من التصرفات التي تكون إجازة تعبدا وبحكم
الشارع لا من جهة كونها انشاء للإجازة وقاصدا به ذلك، بل يتحقق به
الإجازة بحكم الشارع حتى مع عدم القصد بها بل مع القصد بعدمها، فإنه
476

حينئذ لا شبهة في كون التصرف إجازة أيضا، مضافا إلى ما تقدم في خيار
الحيوان، وذلك كالتقبيل واللمس والوطي ونحو ذلك من التصرفات
التي تكون مسقطة تعبدا كما هو واضح.
إذا كان الخيار للبايع فقط
هذا فيما إذا كان الخيار لخصوص المشتري، وأما إذا كان الخيار هنا
للبايع فقط ومع ذلك اعتقهما المشتري فإن عتقه بالنسبة إلى الجارية
لا ينفذ، أما مع عدم إجازة مالكها فعدم النفوذ قطعي كما هو واضح، وأما
مع الإجازة فأيضا لا يصح، لما مر مرارا أن الفضولي لا يجري في العتق
لكونه من الايقاعات، وقد قام الاجماع بعدم صحة الفضولي في
الايقاعات كما هو واضح.
وأما بالنسبة إلى العبد الذي هو ماله فنفوذ العتق فيه وضعا متوقف
على البحث الآتي من أحكام الخيار، وهو أنه هل يجوز تصرف من عليه
الخيار فيما انتقل إليه بما يوجب خروج العين عن ملكه بأنه يتلفه أو
يتصرف فيه بما هو في حكم الاتلاف أم لا يجوز؟
فإن قلنا بالجواز كما هو الحق فلا شبهة في نفوذ العتق وإلا فلا ينفذ،
لما سيأتي من أنه متعلق لحق الغير فلا ينفذ التصرف فيه، وأما تصرف
البايع فيهما معا فالكلام فيه هو الكلام فيما تقدم، من صورة ثبوت الخيار
للمشتري فقط وتصرف فيهما معا فلاحظ وتأمل.
إذا كان الخيار ثابتا لهما معا
وأما إذا كان الخيار ثابتا لهما معا فأعتق المشتري العبد والجارية معا
فهل هنا أيضا يتقدم الفسخ على الإجازة أو العكس، أو يحكم بالسقوط،
فنقول:
477

إذا بيننا في المسألة الآتية على جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل
إليه تصرفا متلفا أو ما هو في حكم الاتلاف، كاخراجه عن ملكه ببيع أو
شراء، وحينئذ يجري في المقام جميع ما ذكرناه فيما كان الخيار ثابتا
لخصوص المشتري، وقد ذكرنا هناك أن العتق ينفذ في العبد فقط دون
الجارية، وأن نفوذه في العبد لا يتوقف على شئ، لكونه عتقا في ملكه
والناس مسلطون على أموالهم، وأما عتقه في الجارية لا ينفذ فإنه يحتاج
إلى الفسخ ولم يتحقق الفسخ بعد لكونه مزاحما مع الإجازة كما هو
واضح، وهكذا الكلام في طرف البايع، لأن كلا منهما ممن له الخيار
ويجري هنا ما ذكره المصنف أيضا كما أشار إليه في المتن، وجوابه ما
قدمناه.
وإن قلنا بأنه لا يجوز لمن عليه الخيار أن يتصرف في المال الذي انتقل
إليه لكونه متعلقا لحق الغير، فلا يكون عتق كل من البايع والمشتري
العبد والأمة نافذا كما ينفذ تصرفاتهما الأخرى الناقلة والمتلفة، وإذا
تصرف كل من البايع والمشتري في هذا الفرض فيما انتقل عنه لا فيما
انتقل إليه حتى يتوقف على المسألة الآتية ينفسخ العقد قطعا فيكون
التصرف فسخا لعدم تزاحمه بالإجازة، لأن المفروض أن التصرف فيما
انتقل إليه لا يجوز لكونه ممن عليه الخيار، وإذن فلا تزاحم بين الفسخ
والإجازة كما هو واضح.
ثم إنك قد عرفت أن المصنف وإن عنون الكلام في العبد والجارية
ولكنها من باب المثال، فإن البحث يجري في غيرهما أيضا، والميزان
هو أنه هل ينفذ تصرف المشتري في كل من المبيع والثمن، أو لا بل في
أحدهما فقط، أو لا ينفذ في شئ منهما بل يحكم بالسقوط، والتفصيل
هو ما ذكرناه فافهم.
478

3 - عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين
قوله (رحمه الله): مسألة: من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا
يمنع من استرداد العين.
أقول: قد وقع الخلاف بين الأعلام أن التصرفات المانعة عن استرداد
العين هل هي جائزة وضعا وتكليفا لمن عليه الخيار أو غير جائزة؟
قد يقال بالأول، وقد يقال بالثاني، وربما يفصل بين التصرف عتقا فهو
نافذ لكونه بائنة على التغليب وبين غيره فلا ينفذ، وفرق بعضهم بين
الاتلاف وغيره وجوز في الثاني دون الأول، لكن إذا فسخ العقد ينفسخ
من أصله، وقيل بالانفساخ من حين الفسخ، وجوه بل أقوال.
ولا بد وأن يعلم أن هذا البحث إنما له ثمر ووجه إذا لم نقل بمقالة
الشيخ الطوسي (1)، من القول بأنه لم تحصل الملكية لكل من ذي الخيار ومن
عليه الخيار في زمن الخيار، وإنما يحصل ذلك بعد انقضاء مدة الخيار،
فإنه على هذا لا يجوز التصرف لمن عليه الخيار لكونه تصرفا في ملك
الغير بدون إذنه فهو حرام.
ثم إنه بناءا على حصول الملكية لكل من البايع والمشتري في زمن
الخيار، غاية الأمر أن ذي الخيار له حق الرجوع إلى ماله بفسخ المعاملة،
فإن كانت العين باقية يرجع إلى عينه وإلا فإلى مثله، فلا شبهة على هذا
المبنى من وجود المقتضي لجواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه
وهو الملكية، ولا نعرف وجها لمنع المقتضي، وإنما الوجه في عدم
جواز تصرف من عليه الخيار في العين المنتقلة إليه هو وجود المانع عن

1 - المبسوط 2: 85، كما في السرائر 2: 247، خلافا للفاضلين في الشرايع 2: 22، إرشاد الأذهان
1: 374، راجع الدروس 3: 269.
479

التصرف، وهو كون العين متعلقة لحق الغير، وحينئذ فتصرفه إنما يكون
تصرفا في حق الغير فهو غير جائز.
نظير التصرف في العين المرهونة مع كونها متعلقة لحق المرتهن،
وكالتصرف في المبيع في البيع الخياري، وكالتصرف في أموال المفلس
فإنها متعلق لحق الغرماء فهو لا يجوز، وكتصرف الورثة في تركة الميت
مع كون الدين مستغرقا للتركة فإن ذلك تصرف في حق الغرماء، وغير
ذلك من الموارد التي يحكم بحرمة التصرف من جهة كونه واقعا على
متعلق حق الغير.
ومقامنا من هذا القبيل، حيث إن العين متعلقة لحق الغير فيكون
التصرف فيها تصرفا لا في متعلق حقه بل موجبا لزوال حقه، فهو لا يجوز
كما هو واضح لا يخفى.
وأجاب عنه المصنف بأن الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز
التفاسخ بعد تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد، بحيث
إن الخيار حق تعلق بالعقد لا بالعين وإلا فحين تلف إحدى العينين أو
كلاهما لسقط حق الفسخ، وليس كذلك بل يجوز الفسخ مع تلف العينين
ولكن يرجع إلى البدل.
وعلى هذا فلا مانع من تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه في العين
لكونه مسلطا على ماله.
بيان آخر
كان كلامنا في جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه، وقد ذكرنا
أن البحث هنا متوقف على القول بحصول الملكية من الأول في البيوع
الخيارية كما تحصل في البيوع اللازمة أيضا، غاية الأمر أنها في البيوع
480

الخيارية ملكية متزلزلة، فإنه على هذا المنهج يقع البحث في أنه هل
يجوز لمن عليه الخيار أن يتصرف فيما انتقل إليه أم لا.
وأما على ما سلكه الشيخ الطوسي (رحمه الله) من عدم حصول الملك أصلا
في زمان الخيار لكل ممن له الخيار، وعليه الخيار فإن عدم جواز تصرف
من عليه الخيار فيما انتقل إليه لا يحتاج إلى البحث، فإنه يتصرف في مال
الغير فهو لا يجوز بدون إذنه، وإذن فالمقتضي لجواز التصرف قاصر من
غير احتياج إلى وجود المانع، وأما على المسلك المعروف فلا شبهة في
وجود المقتضي لذلك وهو حصول الملكية من حين العقد، وإنما الكلام
في وجود المانع.
ما قيل في وجه المنع
والذي قيل في وجه المنع عن التصرف لمن عليه الخيار فيما انتقل إليه
هو أن العين أي ما انتقل إلى من عليه الخيار إنما هي متعلقة لحق الغير،
وهو من له الخيار، ومن الواضح أنه لا يجوز التصرف في متعلق حق الغير
بدون إذنه كما لا يجوز التصرف في مال الغير بدون إذنه، كما لا يجوز
التصرف في العين المرهونة بدون إذن المرتهن، وفي أموال المحجورين
عليهم من جهة الفلس بدون إذن الغرماء، وفي الأمة المستولدة لتعلق
حق العتق بها وهكذا.
والمتحصل أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث
ارجاعهما بحل العقد إلى مالكهما السابق، فالحق بالآخرة متعلقة بالعين
التي انتقلت منه إلى صاحبه، وإذن فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل
ذلك الحق كالتصرف المتلف أو ما هو بحكم الاتلاف.
وأشكل عليه المصنف (رحمه الله) أولا: بأن الخيار أمر تعلق بالعقد، حيث
ذكرنا في أول الخيارات أنه ملك فسخ العقد أو امضائه، لا أنه تعلق بالعين
481

ليكون ذلك متعلقا لحق الغير، فلا يجوز التصرف فيه، وعليه فالمقتضي
لجواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه وهو الملكية موجود، وما
ذكر من المانع لا يصلح للمانعية، فيبقى دليل جواز تصرف الملاك في
أموالهم على حاله، أعني النبوي المعروف: الناس مسلطون على
أموالهم.
ومما يدل على تعلق حق الفسخ بالعقد دون العين جواز تفاسخ العقد
بعد تلف العينين أيضا، بديهة أنه لو كانت العين موردا لحق الغير لما جاز
التفاسخ بعد تلف العينين كما هو واضح، ولا يقاس المقام بحق الرهن
الذي تعلق بالعين الموجب لعدم جواز اتلافها، فإن العين هنا وثيقة
فاتلافها ينافي ذلك.
وثانيا: إن النص إنما دل على عدم جواز التصرف فيها (1).
هذا محصل كلام المصنف، فالنتيجة أنه يجوز تصرف من عليه الخيار
فيما انتقل إليه بلا ريب كما هو واضح.
المناقشة في كلام المانعين
أقول: إن كان غرض المانعين من كلامهم هذا ما فهم المصنف، من كون
الخيار وحق الفسخ متعلقا بالعين بحيث يكون العين ابتداء متعلقة لحق
الغير، فما ذكره المصنف من الجواب عنه متين جدا، فإن الفسخ يتعلق

1 - عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل رهن رهنا إلى غير وقت ثم غاب،
هل له وقت يباع فيه رهنه؟ قال: لا، حتى يجئ (الكافي 5: 234، التهذيب 7: 169، الفقيه
3: 197، عنهم الوسائل 18: 384)، موثقة.
عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون عنده الرهن فلا يدري
لمن هو من الناس؟ قال: لا أحب أن يبيعه حتى يجئ صاحبه (الكافي 5: 233، التهذيب
7: 168، الفقيه 3: 197، عنهم الوسائل 18: 384)، موثقة.
482

بالعقد دائما دون العين، ولذا يسقط حق الفسخ بتلف إحدى العينين أو
كلتيهما، وقد يكون غرضهم من ذلك هو أن الفسخ يتعلق بالعقد بحيث
يرتفع به العقد والاعتبار الذي كان مظهرا في الخارج، وكأنه لم يكن هنا
عقد، وبقانون هذا الفسخ يرجع كل من العوضين إلى ملك مالكه الأول
ويفرض العقد الموجود كالعدم.
ولكن مرجع ذلك بالآخرة ليس إلا كون العين متعلقة لحق الغير، بداهة
أنه إذا أوجب الفسخ ارتفاع العقد وجعله كالعدم فيكون شأن كل من
العوضين شأن أنه لم ينتقل من مالكه الأول إلى غيره، فالعين بالآخرة تكون
موردا لحق الغير ومتعلقا له، فإنه بانهدام العقد واعدامه يرجع إلى تلك
العين بمقتضى دليل اليد.
نعم مع عدم بقائه يرجع إلى قيمته ولكنه لا يجوز اتلافها اختيارا بعد
العلم بأنه ربما يفسخ العقد ويفرض كالعدم ويرجع مالك كل عوض إليه
كما هو واضح.
وإذن فلا وجه لما أجاب به المصنف عن كلامهم، فإنهم لا يدعون
عدم تعلق الفسخ بالعقد بل يدعون تعلقه به، كما هو ظاهر كلامهم الذي
ينقله المصنف، ولكن حيث إنه بعد فسخ العقد يرجع كل من البايع
والمشتري إلى ماله فبالأخرة العين متعلقة لحق من له الخيار، فإنه مسلط
على فسخ العقد.
فيحتمل أن يفسخ هو ذلك العقد ويرجع إلى ماله، فمن الآن أي قبل
الفسخ أن تلك العين المنتقلة عمن له الخيار متعلقة لحقه، كما أن العين
المرهونة متعلقة لحق الراهن، بلحاظ أنه مع عدم اعطاء الراهن حق
المرتهن يبيعها المرتهن ويستوفي منها حقه.
والحاصل أن الفسخ إنما يتعلق بالعقد ولكن بعد الفسخ وفرض العقد
كالعدم أن المرجوع إلى ذي الخيار هو تلك العين التي كانت عند من عليه
483

الخيار، فتكون من الأول متعلقة لحقه فلا يجوز التصرف فيها، ولا ينافي
ذلك انتقال حق من له الخيار إلى بدلها إذا فسخ العقد ووجد العين تالفة
عند من عليه الخيار كما هو واضح.
وعلى هذا فلا وجه لما أجاب به المصنف عن دليل المانعين.
التحقيق في المقام
والذي ينبغي أن يقال في جوابهم، هو أنه لا شبهة في كون العين
المنتقلة إلى من عليه الخيار متعلقة لحق من له الخيار، ولكن لا دليل على
عدم جواز التصرف في كل ما يكون هو متعلق حق الغير، فإن ذلك ليس
من الضروريات حتى لا يحتاج إلى دليل، بل إنما هو من الأمور النظرية
فيحتاج إلى دليل فلا يمكن اثباته بلا دليل، فإن هذا التصرف إنما هو صدر
من أهله لكونه مالكا ووقع في محله.
بل إنما ثبت ذلك في موارد عديدة من جهة الدليل الخاص، كعدم
جواز التصرفات المتلفة في العين مرهونة بل مطلق التصرف إلا بإذن
المرتهن، فإن ذلك من جهة النص، وكذلك عدم جواز بيع ما تعلق به حق
الاستيلاد كالأمة المستولدة، وكعدم جواز التصرف في أموال من هو
محجور بالفلس لكون أمواله متعلقة لحق الغرماء، وأما في غير هذه
الموارد فلا.
ففي المقام أيضا لم يرد دليل خاص على عدم جواز تصرف من عليه
الخيار فيما انتقل إليه تصرفا متلفا مع كون التصرف صادرا من أهله وهو
المالك وواقعا في محله، بل إنما ذهب المشهور إلى ذلك من جهة
البرهان المتقدم من حرمة التصرف في متعلق حق الغير، وإلا لو كان هنا
مدرك آخر من الأخبار وغيرها لوصل إلينا وكان في مرئ من الناس
ومسمع خصوصا من المانعين حيث يذكرونه في مقام الاستدلال على
484

مقصدهم، فيعلم من عدم ذكرهم ذلك وتمسكهم بالدليل المذكور أنه
ليس هنا دليل آخر يدل على الحرمة كما هو واضح.
وما ذكروه من الدليل واضح المنع، فإن المقام شبيه بكون أموال كل
شخص متعلقة لحق الورثة قبل الموت، وهل يتوهم أحد أنه لا يجوز
للملاك التصرف المتلف في أموالهم لكونها متعلقة لحق الورثة ولا يجوز
التصرف في متعلق حق الغير، وكذا في المقام، فإن العين وإن كانت
متعلقة لحق ذي الخيار في زمن الخيار بأن يفسخ العقد ويرجع إليها في
زمان الخيار ولا دليل على حرمة مثل هذا التصرف كما هو واضح.
نعم قامت القرينة القطعية على عدم جواز تصرف من عليه الخيار
تصرفا متلفا في المبيع في البيع الخياري فيما إذا اشترط البايع على
المشتري أن لا يبيع المبيع في مدة الخيار ولا يوهبه كذلك، كما إذا باع
أحد داره التي تساوي ألف دينار بخمسمائة دينار واشترط على
المشتري الخيار إلى سنة، فإن جاء بالثمن فهو وإلا يسقط خياره، أو
اشترط عليه أن لا يبيعها إلى سنة ولا يوهبها، فإن تقليل الثمن في ذلك
لمكان جعل الخيار قرينة قطعية على عدم جواز التصرف المتلف في
المبيع في مدة الخيار.
وقد أشرنا إلى ذلك في طي بعض المسائل السابقة قبيل هذا، بل قامت
السيرة القطعية الارتكازية على ذلك، حيث إن من احتاج إلى نقد يبيع
متاعه الذي مورد احتياجه، ولا يريد أن يخرج من ملكه يبيعه بعنوان بيع
الخياري، ويجمع بذلك بين دفع احتياجه بثمنه وبين عدم خروج متاعه
عن ملكه بقدر الامكان، وإلا لو كان نظره إلى اخراجه من ملكه جزما
ولازما لباعه من الأول بثمن كان ضعف الثمن الذي كان في صورة اشتراط
الخيار.
485

فيكون هذا المورد أيضا من جهة الموارد التي قام الدليل على عدم
جواز التصرف في متعلق حق الغير في موارد وجود الخيار، ولكن
لا يقاس بذلك بقية الموارد من البيوع الخيارية، فإن ما انتقل إلى من عليه
الخيار وإن كان متعلقة لحق من له الخيار إلا أنه لا دليل على حرمة
التصرف في تلك العين.
ثم إن هنا كلاما بيننا وبين شيخنا الأستاذ في تصرف من عليه الخيار في
المبيع في البيع الخياري، من أنه هل يحرم التصرف في ذلك وضعا
وتكليفا أو تكليفا فقط.
فبنى شيخنا الأستاذ في ذلك وأمثاله على أن الممنوع شرعا كالممتنع
عقلا فحكم بفساد المعاملة بذلك، وبهذا بنى في باب النهي عن
المعاملات هل يوجب الفساد أو لا على فساد المعاملة المنهي عنها،
وننقل ذلك في المبحث المذكور قريبا في بحث الأصول.
ونورد عليه بأنه لم يرد دليل على أن الممنوع الشرعي كالممنوع
العقلي بل المسلم من المنع الشرعي هو التحريم التكليفي فقط، وعليه
فتصرف من عليه الخيار في البيع الخياري المشروط فيه الخيار أو عدم
البيع والهبة إلى مدة خاصة يكون حراما فقط تكليفا من جهة مخالفة
الشرط، وأما من حيث الوضع فلا يترتب عليه فساد المعاملة المشروط
فيها هذا الشرط.
وإذن فإذا فسخ ذي الخيار ووجد العين تالفة أو ما هو في حكم التلف
يرجع إلى بدلها من المثل أو القيمة، وإن لم تكن العين تالفة يرجع إلى
نفسها كما هو واضح.
486

سر جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه من العوض
وكيف كان فلا شبهة في جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه
من العوض، بل هذا مما قام عليه الاجماع وتسالم الفقهاء في بعض
الموارد كالثمن في بيع الحيوان، فإنه هل سمعت من أحد يتوقف في
التصرف هذا الثمن تصرفا متلفا بدعوى أنه متعلق لحق الغير، وكذا في
الثمن في البيع الخياري حتى مع وجود الخيار للمشتري أيضا من خيار
المجلس أو الحيوان أو الشرط، فإنه لم يتوهم أحد في جواز التصرف
حينئذ في الثمن، بل بناء البيع الخياري على التصرف في الثمن، إذ البايع
إنما باع ذلك العين بثمن رخيص مع الخيار مدة لاحتياجه إلى التصرف في
الثمن كما هو واضح.
والسر في جميع ذلك هو أن التصرف إنما هو صدر من أهله ووقع في
محله، بل تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه من الضروريات كما في
خيار الرؤية والتأخير والغبن، فإن الغابن أو الذي يؤخر الثمن عن المدة
المعلومة في المبيع المؤجل، أو عن المدة التي رضا البايع بالتأخير في
هذه المدة في بيع النقد، وكذا فيما اشترى شيئا برؤية قديمة ثم ظهرت
العين على غير الوصف السابق، فإن في جميع ذلك لا شبهة في جواز
تصرف من عليه الخيار في المبيع، بل هو أمر ارتكازي ضروري
فلا يحتاج إلى التأمل أصلا.
وتوهم أن الخيار في الموارد المذكورة ليس من الأول بل من زمان
ظهور الغبن أو الرؤية أو تأخير الثمن عن العدة المعينة توهم فاسد، بداهة
ثبوت الخيار فيها من الأول كما تقدم في السابق.
والوجه في ذلك هو ما ذكرناه في مبحث خيار الغبن والرؤية والعيب،
487

من وجود الشرط الضمني من المتعاملين من حين المعاملة على تساوي
العوضين في المعاملة لئلا يتحقق الغبن وظهور كل من العوضين على
الصفة المرئية في خيار الرؤية، وعدم تعيب المبيع في خيار العيب، وإذا
كان هذا الشرط الضمني موجودا فيثبت من تخلفه الخيار أي خيار تخلف
الشرط، وحيث إن هذا الشرط موجود من الأول من المتعاملين فيكون
الخيار أيضا ثابتا من الأول كما هو واضح.
نعم زمان ظهور الغبن وتحقق تأخير الثمن وظهور المبيع على غير
الوصف السابق هو زمان ظهور الخيار لا زمان ثبوته كما هو واضح.
نعم قد يوجد الخيار بعد تحقق العقد بزمان بحيث لم يكن هذا خيار من
الأول، كما إذا باع شيئا من شخص بثمن مؤجل أو نقد فرضي بتأخيره إلى
مدة فعرض الحجر لفلس على المشتري في أثناء المدة وصار مفلسا
ومحجورا بحكم الحاكم وتعلق حق الغرماء، فإنه حينئذ يثبت الخيار
للبايع من زمان عروض الحجر فيكون مخيرا في فسخ العقد وأخذ عين
ماله لوجود النص الخاص في المقام (1).
وهذا هو الذي ذكرناه سابقا وقلنا إن البايع أولى بالعين المبيعة من بقية
الديان والغرماء، وأما في غير هذا المورد من الموارد لا نعرف موردا
يكون الخيار موجودا بعد زمان من حين تحقق العقد، بل هو موجود من

1 - عن عمر بن يزيد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد
متاع رجل عنده بعينه، قال: لا يحاصه الغرماء (التهذيب 6: 193، الإستبصار 3: 8، عنهما
الوسائل 18: 415)، صحيحة.
عن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل باع متاعا من رجل فقبض
المشتري المتاع ولم يدفع الثمن ثم مات المشتري والمتاع قائم بعينه، فقال: إذا كان المتاع
قائما بعينه رد إلى صاحب المتاع، وقال: ليس للغرماء أن يحاصوه (الكافي 7: 24، الفقيه
4: 167، التهذيب 9: 166، الإستبصار 4: 116، عنهم الوسائل 18: 414)، ضعيفة.
488

الأول لوجود مقتضيه، غاية الأمر لم يظهر من حين العقد وإنما ظهر بعد
مدة كما هو واضح، فافهم.
ثم إن هذا كله فيما كان التصرف الصادر ممن عليه الخيار تصرفا لازما،
فقد تحصل أنه لا مانع من تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه من
العوض وضعا وتكليفا، وأنه لا دليل على المنع عن ذلك وإن كانت العين
متعلقة لحق ذي الخيار، وأنه لا يزيد على تعلق حق الورثة بأموال
الانسان، ولم يتوهم أحد حرمة تصرفه مراعاة لحق الورثة، ولا دليل
على وجوب ابقاء متعلق حق من له الخيار فيما نحن فيه، كما أنه لم يرد
دليل على وجوب ابقاء الإرث للورثة كما هو واضح.
فروع
1 - المراد من الخيار هو الخيار الفعلي أو يعم الخيار الانشائي؟
إن مورد البحث كما عرفت هو تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه
تصرفا متلفا للعين أو ما هو في حكم الاتلاف مع كون تصرفه في زمن
الخيار؟
وقد تقدم الكلام مفصلا في جوازه وإن منعه جمع من الأكابر، وإنما
الكلام في أن المراد من الخيار الذي يقع التصرف في زمانه هل هو الخيار
الفعلي أو يعم الخيار الانشائي أيضا، بمعنى أن مورد البحث ما يكون هنا
خيار بالفعل أو يعم صورة وجود الخيار بعد ذلك وإن لم يكن فعليا وإنما
يكون سببه فعليا.
فنقول: إن الخيار بحسب ثبوته بالفعل أو بالقوة على ثلاثة أقسام:
1 - أن يكون ثابتا فعلا، كخيار المجلس والحيوان ونحوهما، فإن
الخيار في أمثال ذلك موجود بالفعل، أي من أول العقد، وإذا تصرف من
عليه الخيار فيما انتقل إليه كان تصرفه في زمن الخيار، فموضوع الخيار
489

في هذا القسم إنما هو العقد، وليس فيه تعليق على شئ بوجه، فيكون
حكمه وهو الخيار أيضا فعليا كما هو واضح.
2 - أن يكون الخيار فعليا حتى باعتبار سببه أيضا بل منشأه كنفسه
يكون ثابتا في زمان متأخر عن العقد كالخيار الناشئ من الفلس، حيث إنه
لم يكن في زمان تحقق العقد، بل العقد حينما تحقق إنما تحققا لازما
وغير خياري، بل إنما نشأ الخيار من كون المشتري مفلسا وغير قادر
على أداء الثمن.
فإنه ورد النص هنا بكون البايع له الخيار بالنسبة إلى نفس المبيع إن كان
باقيا، فيكون هذا الخيار ناشئا من فلس المشتري مع كونه قادرا أولا،
وإنما لم يترق الثمن إما لكون البيع مؤجلا أو لعذر في ذلك.
وبعبارة أخرى إذا باع شخص متاعه من عمرو مؤجلا أو نقدا مع
رضائه بتأخير الثمن مع كون المشتري غير محجور بالفلس، بل واجدا
للمال كثيرا وقادرا لاعطاء الثمن ثم طرأه الفلس بعد زمان مع بقاء المبيع
بعينه، فإنه يثبت الخيار للبايع حينئذ بالنسبة إلى ارجاع عين ماله، وأنه
لا يضرب مع الغرماء، وهذا الخيار سببه هو الفلس، وإنما يحصل ذلك
ونفس الخيار بعد زمان مضي من زمان العقد.
3 - أن يكون منشأ الخيار من زمان العقد ولكن يكون نفس الخيار
متأخرا عن العقد بزمان، كما في الخيار الثابت بتخلف الشروط الضمنية
أو الصريحة، أي المذكورة في ضمن العقد، حيث إن الخيار ليس بثابت
من زمان العقد ولا يكون فعليا من حينه، بحيث لو تصرف من عليه الخيار
إنما يقع تصرف في غير زمان الخيار الفعلي قبل ثبوت الخيار كما في
القسم الثاني أيضا كان كذلك، وإنما يثبت الخيار بعد التخلف.
وبعبارة أخرى الخيار مجعول من زمان العقد ولكن ظرفه متأخر،
490

حيث إن المتبايعين جعلا خيارا للمشترط عليه عند ايجاد العقد وفي
زمان تحققه ولكن مشروطا بتخلف الشرط، فيكون ذلك نظير الواجب
المشروط.
التحقيق في المقام
فهل هذه الأقسام الثلاثة مورد للبحث المذكور، وهو جواز تصرف من
عليه الخيار فيما انتقل إليه وعدم جوازه، أو بعضها داخل وبعضها غير
دخل، فنقول:
أما القسم الأول، فلا شبهة في دخوله في محل النزاع، فإن الخيار
فعلي ومحقق عند تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه، فلو تم ما ذكر
من وجه المنع من كون التصرف في متعلق حق الغير فهو لا يجوز لجرى
في المقام، فإن المصداق الواضح لهذا البحث هو هذا القسم.
وأما القسم الثاني فهو خارج عن محل الكلام جزما، بداهة أنه لا يمكن
أن يقال إن تصرف المشتري في المبيع تصرف في حق الغير باعتبار أنه
يطرأه الفلس بعد ذلك، فيثبت الخيار للبايع وتكون العين المبيعة متعلقة
لحق البايع مع عدم وجود سبب الخيار ومنشأه، لا في زمان العقد ولا في
زمان التصرف، بل كان البيع لازما من جميع الجهات ولم يكن فيه خيار
حتى بنحو المشروط نظير الواجب المشروط.
ومع ذلك كيف يمكن أن يكون المبيع متعلقا لحق الغير حتى يباحث
في جواز التصرف فيه وعدمه، وعليه فسواء قلنا بجواز تصرف من عليه
الخيار فيما انتقل إليه أم لم نقل، فهذا القسم خارج عن حريم البحث
جزما كما هو واضح، وإنما المتصرف قد تصرف في ملكه اللازم من
جميع الجهات من غير أن يكون فيه شوب الجواز، وصدر ذلك التصرف
من أهله ووقع في محله كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
491

وأما القسم الثالث من الخيار فهو مورد البحث والنزاع، في أنه داخل
في محل الكلام أو لا، بحيث إذا قلنا بحرمة تصرف من عليه الخيار فيما
انتقل إليه كون تصرفه هنا غير جائز قبل فعلية الخيار أو أنه خارج عن
مورد البحث، بحيث إنه مع القول بحرمة تصرف من عليه الخيار فيما
انتقل إليه لا يمكن القول به هنا، ففيه كلام واشكال من حيث إن الخيار
ليس بفعلي عند التصرف لعدم ثبوته في زمان العقد، فيكون التصرف
جائزا حتى مع القول بحرمة تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه، بداهة
أن هذا التصرف لم يكن في زمان الخيار، ومن حيث إن سبب الخيار كان
موجودا في زمان التصرف.
فمع تمامية البرهان المتقدم للمانعين فالعين هنا متعلق لحق الغير
أيضا، غاية الأمر أن رجوعه أي ذي الخيار في القسم الأول كان على
تقدير واحد وهو الفسخ، وفي هذا القسم على تقديرين: أحدهما
التخلف الموجب لثبوت الخيار، والثاني الفسخ في فرض التخلف،
وهذا هو الأقوى، فإن كون رجوع العين إلى ذي الخيار بتقدير وتقديرين
لا يوجب الفرق بين كون العين متعلقا لحق ذي الخيار فيقع التصرف في
متعلق حق الغير كما هو واضح، فافهم.
2 - هل يجوز لمن عليه الخيار أن يتصرف فيه بما هو المعرض لفوات العين
أو لا يجوز؟
إنه بناءا على عدم جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه تصرفا
متلفا للعين أو ما هو بحكم الاتلاف، هل يجوز لمن عليه الخيار أن
يتصرف فيه بما هو المعرض لفوات العين أو لا يجوز ذلك، كما لا يجوز
التصرف المتلف في العين.
492

المعروف هو الأول، ولم يظهر من المصنف اختيار أحد الطرفين،
وجزم شيخنا الأستاذ على العدم، ومثال ذلك وطي الأمة، فإنه معرض
لكونها مستولدة والاستيلاد مانع عن الرد.
وعلى هذا فيرد الاشكال على المشهور بأنه كيف يمكن الجمع بين
الحكم بمانعية الاستيلاد عن الرد وبين تجويز الوطي الموجب
للاستيلاد، ومن هنا منع بعضهم عن ذلك، ولكن تجويز الوطي مع
الالتزام بمانعية الاستيلاد عن الرد بأنه قد يعلم الواطي بعدم حصول
الحمل بالوطي لكون الأمة يائسة، وحينئذ فلا فرق بين الوطي والتقبيل
وغيره من التصرفات غير المانعة عن الرد، وإن قلنا بعدم جواز التصرف
المانعة عن الرد من التصرفات الاعتبارية والخارجية، وعليه فالوطي
يلازم الاستيلاد احتمالا أيضا، بحيث إن الواطي يحتمل حصول
الاستيلاد ومع عدم العلم بذلك، فالظاهر أن مراد من يجوز الوطي مع
قوله بمانعية الاستيلاد عن الرد هو أن الواطي لا يعلم بحصول الاستيلاد،
غاية الأمر أنه يحتمل ذلك، فبناء على جريان الاستصحاب في الأمور
الاستقبالية كما هو كذلك يحكم بعدم حصول الاستيلاد بهذا الوطي،
ومع الاغماض عن هذا الاستصحاب فيمكن التمسك باستصحاب العدم
الأزلي.
وتوضيح ذلك: إنا نشك في أن الوطي مفوت للعين ومعرض لها إلى
التلف أم لا نستصحب عدم ذلك، ومع الغض عن ذلك نتمسك بأصالة
البراءة والحل ونحكم بجواز الوطي لمن عليه الخيار وإن التزمنا بمانعية
الاستيلاد عن الرد كما هو واضح.
وعلى هذا فلا وجه لما أفاده شيخنا الأستاذ من تقوية حرمة الوطي،
بناءا على عدم جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه.
493

وحاصل كلامه أن الاستيلاد أمر خارج عن اختيار المكلف فإنه أمر
قهري الحصول بعد تحقق الوطي، وعليه فلا يكون ذلك موردا لتعلق
النهي به وإنما متعلق النهي هنا هو الأمر الاختياري من فعل المكلف
الذي يكون وسيلة للاستيلاد وهو الوطي، فيكون الوطي في نفسه
ممنوعا عنه، وعليه فنفس الوطي تفويت لحق ذي الخيار لا في معرض
التفويت، ولا يقاس ذلك بعرض المبيع للبيع لأنه بنفسه ليس تفويتا بل
المفوت هو البيع الذي هو أمر اختياري للمكلف.
وهذا الوجه الذي ذكره الأستاذ قد يصر عليه في عدة موارد خصوصا
في الأصول، وبنى أن التكاليف قد يتعلق بالمسبب وقد يتعلق بالسبب،
ووجه الظهور أن مقتضى الاستصحاب هو عدم كونه مفوتا كما تقدم
ومقتضى أصالة البراءة هو جواز الوطي كما يجوز التقبيل، فافهم.
3 - إذا نقل العين بعقد جائز هل ينفسخ العقد الثاني بفسخ ذي الخيار العقد
الأول أو لا ينفسخ؟
أنه إذا نقل من عليه الخيار العين إلى غيره بعقد جائز، فهل ينفسخ العقد
الثاني بفسخ ذي الخيار العقد الأول أو لا ينفسخ، وعلى تقدير عدم
الانفساخ فهل لمن له الخيار اجبار البايع الثاني على فسخ العقد الثاني أوليس
له ذلك؟
أقول: أما بناءا على عدم جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه
فلا شبهة في عدم جواز تصرفه في ذلك، سواء كان بالتصرف الخارجي
أو الاعتباري، وسواء كان التصرف الاعتباري من التصرفات اللازمة أو
الجائزة كما هو واضح، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وأما بناءا على جواز التصرف فإن نقل من عليه الخيار العين إلى غيره
494

بعقد لازم فلا شبهة في أن فسخ من له الخيار العقد لا يكون فسخا للعقد
الثاني، ولا أن له اجباره برد العين من المشتري الثاني، فإن تصرف البايع
الثاني تصرف صدر من أهله ووقع في محله، فإنه وإن كانت ملكيته
محدودة إلا أن العين كان مملوكا له مطلقا لا مقيدا بزمان.
وإن كان النقل بعقد جائز وفسخ البايع الأول الذي هو ذو الخيار العقد
فهل يكون فسخه فسخا للعقد الثاني أيضا أو لا؟
الظاهر أنه لا يكون فسخا، بداهة أن المشتري الثاني لم يتلق البيع من
البايع الأول حتى يكون البايع الأول مسلطا على فسخ العقد الثاني كما
ذكره المصنف، ولا أن سلطنة البايع الثاني من فروع سلطنة البايع الأول
وفي طولها ليكون مسلطا على فسخ العقد الثاني من هذه الجهة، بل إنما
يتلقى المشتري الثاني البيع من البايع الثاني الذي كان مالكا للعين وقد
نقلها إليه فيكون نافذا، لكون الناس مسلطون على أموالهم.
هل لذي الخيار اجبار البايع الثاني على فسخ العقد الثاني؟
ثم هل لذي الخيار اجبار البايع الثاني على فسخ العقد الثاني بعد
فسخه العقد الأول أو لا؟
ذكر بعضهم ومنهم السيد في حاشيته (1) أن له ذلك، فإن قانون الفسخ
رجوع كل من العوضين إلى مالكه الأول، فإذا كان مقتضى قانون الفسخ هو
ذلك فيكون من عليه الخيار ضامنا بالعين ابتداءا ضمانا معاوضيا، فإن
تمكن من أداء العين فلا بد له ذلك، وإلا فيكون منتقل إلى المثل أو القيمة،
وحيث إن البايع الثاني الذي هو من عليه الخيار متمكن عن رد العين إلى

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 160.
495

البايع الأول بفسخه العقد الثاني، فلا بد له أن يفسخ هذا العقد الثاني
ويرجع العين إلى مالكها الأول، وهو ذي الخيار، كما في ضمان
الحيلولة.
أقول: تارة نقول إن سلطنة ذي الخيار لم تنقطع عن العين، وأخرى
نقول بانقطاعها عنها وإنما يكون مالكا لها بالفسخ، أي ترفع اليد عن العقد
بالفسخ وترجع العين إلى ملك ذي الخيار من غير أن تكون سلطنة
مستمرة في ذلك.
فعلى الوجه الأول فلا شبهة في أن له أن يجبر الثاني على ارجاع العين
إليه كما في موارد البدل الحيلولة، ولكن لم يتوهم أحد أن سلطنة البايع
الأول لم تنقطع عن العين كما هو واضح.
وأما الثاني كما هو كذلك، فالظاهر أنه ليس لذي الخيار بعد فسخه
العقد أن يجبر البايع الثاني، وهو من عليه الخيار على فسخ العقد الثاني،
بداهة أن مقتضى قانون السلطنة إنما هو رجوع كل من العوضين إلى مالكه
الأول، على تقدير بقاء كل منهما في سلطنة من انتقل إليه بأنه إذا فرض
العقد حينئذ كالعدم بواسطة الفسخ يرجع كل من العوضين إلى مالكه
الأول كأنه لم يقع هنا عقد.
وأما إذا لم يكن باقيا في ملك من انتقل إليه فقهرا ينتقل العوض إلى
البدل، فبقانون الفسخ يكون البايع الثاني مشغول الذمة ببدل العين من
المثل أو القيمة، ولا دليل على اجبار البايع الأول البايع الثاني على
ارجاع العين بفسخ العقد الثاني.
وبعبارة أخرى أن العقد إذا انفسخ فيرجع كل عوض إلى مالكه الأول
كان العقد لم يقع، فيخرج كل من العوضين عن سلطنة من انتقل إليه
ويدخل في ملك من انتقل عنه، وأما إذا لم يكن هنا سلطنة لأحد الطرفين
496

على العين لخروجها عن ملكه ولو لعقد الجائز، فقهرا ينتقل إلى البدل
كما هو واضح.
وتوهم أن الذمة ابتداءا تشتغل بالعين كما هو مقتضى الضمان
الخارجي بحسب اليد المضمنة، وإذا لم يمكن من أداء العين تنتقل العين
إلى البدل، ومن الواضح أن أداء العين هنا ممكن بفسخ العقد الثاني توهم
فاسد، بداهة أن هذا غير الضمان الخارجي، فإن الذمة هناك مشغولة
بالعين ابتداءا بخلاف المقام، فإن مقتضى قانون الفسخ رجوع كل من
العوضين إلى مالكه الأول بفرض العقد كأن لم يكن، ولكن إذا فسخ العقد
ولم تكن العين موجودة عند من انتقل إليه فإن مقتضى قانون الفسخ هنا
ليس إلا ارجاع المالكية السابقة لكل من المتبايعين، فحيث لم تكن العين
موجودة فلا بد من أن تكون موجودة في متعلق آخر كالبدل.
وبعبارة أخرى أن ذمة من نقل العين إلى غيره لا تكون مشغولة ابتداءا
إلا بالبدل، لأن مقتضى قانون الفسخ ليس إلا ارجاع ملكية الفاسخ بفسخ
العقد، فإن كانت العين باقية فترجع السلطنة في ضمنها وإلا في ضمن
بدلها، لا أن الذمة تكون مشغولة بالعين ابتداء ثم مع التعذر تنتقل إلى
البدل، فإن العقد إنما انفسخ في زمان لم تكن العين موجودة في ذمة من
عليه الخيار حتى تكون ذمته مشغولة بها بل كانت منتقلة إلى الغير،
فلا ترجع بقانون الفسخ إلا الملكية فقط في ضمن البدل.
وعليه فلا وجه لدعوى أن البايع في البيع الثاني متمكن من فسخ العقد
لفرض كونه جائزا، فما دام متمكن من ارجاع العين لا تنتقل إلى العوض،
لما عرفت أن الذمة أصلا لا تشتغل بالعين، بل حينما تشتغل بالبدل،
فافهم.
لا يقال: إن معنى الخيار هو تحديد الملكية المنشأة، ففي المقام أن
497

الملكية المنشأة لمن عليه الخيار إنما هي محدودة بالفسخ، وهو قد نقل
العين إلى غيره بالعقد الجائز بحيث له فسخه أي العقد الثاني، فيكون
المنشأ هنا أيضا ملكية محدودة، ففي الحقيقة قد بقي هنا حصة من
الملكية في اختياره، بأن فسخ البايع الأول العقد الأول فله أن يرجع إلى
هذه الملكية الباقية، أي لحصته بعد الفسخ، فيجبره بذلك أي البايع
الثاني بفسخ العقد الثاني.
فإنه يقال: إنما يرجع إلى هذه السلطنة مع بقاء العين، والفرض أنه
منتقل إلى غيره، وحينئذ لا يرجع بالفسخ إلا مطلق السلطنة فتكون
متعلقة بالبدل، على أن مقتضى ما ذكر هو انفساخ العقد الثاني بفسخ العقد
الأول، وقد عرفت أن المشتري الثاني لم يتلق البيع من البايع الأول،
فلا معنى لانفساخ العقد بفسخ البايع الأول العقد الأول.
وبعبارة أخرى وإن كان مقتضى قانون الفسخ هو فرض العقد الأول
كأن لم يكن بحيث يرجع كل من العوضين إلى مالكه، ولكن إذا كانت العين
تالفة كان مقتضى قانون الفسخ هو فرض العقد كالعدم، إلا أنه بارجاع
الملكية السابقة متعلقة بالبدل، وأما ارجاع السلطنة السابقة المتعلقة
بالعين مع كون العين منتقلة إلى الغير فلا، فإن السلطنة المتعلقة بالعين
لا ترجع إلا مع كون العين موجودة كما هو واضح.
4 - هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار؟
قوله (رحمه الله): الثاني: أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي
الخيار فيه وجهان.
أقول: تحقيق هذه المسألة في أنه إذا آجر من عليه الخيار العين
المستأجرة من غيره، فهل تبطل الإجارة بفسخ ذي الخيار لكون الإجارة
498

بعد ذلك واقعة في ملك الغير أي بقاءا وإن كانت واقعة في ملك المؤجر
حدوثا، أو لا يبطل لأنها واقعة في ملك المؤجر الذي كان مالكا بالعين
مطلقا وإن كانت ملكيته محدودة.
فذهب المحقق القمي إلى بطلان الإجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل
الثمن، وعلله بأنه يعلم بفسخ البيع أن المشتري لم يملك منافع ما بعد
الفسخ وأن الإجارة كانت متزلزلة ومراعاة بالنسبة فسخ البيع، وذهب
المصنف إلى الصحة، فغاية الأمر يأخذ ذي الخيار ممن عليه الخيار مثل
منفعة العين أي أجرة مثل في المدة الباقية.
وحاصل ما ذكره في وجه ذلك أن من عليه الخيار إنما ملك العين
ملكية مستعدة للدوام، من غير أن تقيد ملكيته بقيد، ومن نماء هذه
الملكية المطلقة المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها المشتري بالإجارة
فلا وجه لرجوع تلك المنفعة إلى الفاسخ، وإنما تعود العين إليه مسلوب
المنفعة في مدة الإجارة، كما إذا باع العين في زمن الخيار فإنه لا شبهة في
نفوذ البيع، وكما إذا تفاسخ البايع والمشتري فإنه لم يحتمل أحد ببطلان
الإجارة بالتفاسخ، مع أنه لا فرق بين الفسخ والتفاسخ.
ثم ذكر الفارق بين المقام وإجارة العين الموقوفة للأولاد، فإنه إذا
آجرها البطن الأول إلى مدة معينة فتبطل الإجارة بعد انقراضه ولا تنتقل
العين الموقوفة إلى البطن الثاني إلا مسلوبة المنفعة.
وحاصل ما ذكره من الفارق هو أن البطون المتأخرة إنما يتلقون الوقف
من المالك الأول لا البطن الأول، فماليتهم أي البطون المتأخرة للانتفاع
من الوقف من شؤون ملك الواقف دون البطن الأول.
وإذن فليس للبطن الأول أن يتصرف في العين الموقوفة إلا بمقدار
حقه، فإن حقه محدودا بموته وليس له أن يؤجر العين إلى خمسمائة سنة
499

ويأخذ أجرتها، فتبقى العين مسلوبة المنفعة بالنسبة إلى البطون
المتأخرة، لعدم سلطنته على هذا المقدار من التصرف في العين، كما هو
واضح.
وعلى الجملة فلب مرام المصنف أن من عليه الخيار إنما ملك العين
على نحو الاطلاق وإن كان لذي الخيار ارجاع ذلك إلى ملكه، ولكن قبل
أن يرجعها إلى ملكه فلمن عليه الخيار أن يتصرف فيها كيف يشاء باعدام
العين أو اعدام منافعها إلى وقت خاص، وهذا واضح جدا.
ولكن مضافا إلى بعد ذلك في نفسه ومخالفته للارتكاز، حيث إنه من
البعيد أن يقال إن المشتري مثلا بمجرد أن اشترى شيئا مع البيع الخياري
إن آجر ذلك إلى خمسين سنة أو أزيد، فإذا فسخ ذي الخيار العقد فيقول:
إن العين كانت مملوكة لي وقد آجرتها للغير، فأنت مستحق للعين
مسلوبة المنفعة، فإن ذلك خلاف الضرورة قطعا، فافهم.
ولكن هذا المطلب يتوقف على ما ذكرناه من معنى الخيار، وحاصله:
أن معنى جعل الخيار في العين ليس إلا انشاء الملكية المحدودة بالفسخ
بحيث تكون غايتها حاصلة بالفسخ وتنتهي مدته، لا أن الفسخ رافع
للملكية، وإنما نقول بكونه رافعا لها بالمسامحة والمساهلة، وإلا ففي
الحقيقة أن المنشأ ليس أزيد من الملكية الخاصة المحدودة، ومن
الواضح أن الأمور المحدودة ينتهي أمدها بحصول الغاية كالصوم المغيي
بدخول الليل، وجواز الأكل في شهر رمضان المغيي بدخول الفجر،
وإذا كانت الملكية على العين محدودة بالفسخ وبالتبع تكون الملكية على
المنافع أيضا مقيدة بالفسخ تابعة للعين والملكية عليها مترتبة على ملكية
العين، فلا يعقل أن يكون ملكه للمنافع مطلقة ولكن ملكه للعين مقيدة
بالفسخ.
500

وعليه فإذا فسخ ذو الخيار العقد تنفسخ الإجارة أيضا لتمامية أمد
ملك من عليه الخيار أعني مؤجر العين لغيره بالفسخ وحصول غايته
بذلك.
نعم المملوك وإن كان مملوكا لمن عليه الخيار مطلقا، بحيث له أن
يتصرف فيه كيف يشاء وإن كانت ملكيته لها مقيدة بالفسخ، كالسلطنة
الموقتة والوزارة الموقتة وغيرها من المناصب الموقتة، وكرئيس
الجمهور في مدة أربع سنوات مثلا، فإنه وإن كانت سلطنتهم موقتة ولكن
التصرفات الواقعة في زمان هذه السلطنة الموقتة يمكن أن تكون مطلقة،
فإنهم مالكون للتصرف في الأمور في هذه المدة على نحو الاطلاق.
وكذلك في المقام، حيث إن الملكية وإن كانت مقيدة بالفسخ مغياة به،
ولكن المملوك في مدة هذه السلطنة مملوكة مطلقة، وعليه فينفذ فيه
جميع التصرفات من الاتلاف حقيقة أو حكما كالنقل إلى غيره ببيع
ونحوه، ولكن مع ذلك كله فإذا آجر العين من غيره فلا تكون الإجارة
نافذة لما بعد الفسخ أيضا.
والسر في ذلك أن العين في فرض الإجارة لم تخرج من ملك المؤجر،
بل إنما ملك المنفعة للمستأجر، فإذا فرضنا أن ملكيته للعين مقيدة
بالفسخ، بمعنى أن العين إذا بقيت في ملكه فملكيته لها مقيدة بالفسخ
فتكون المنافع أيضا كذلك.
ولسنا نقول: إن ملكية المنفعة لا تنفك عن ملكية العين، حتى يقال إنه
قد يبيع الانسان العين مسلوبة المنفعة، كما إذا آجرها لشخص ثم باعها
من شخص آخر، بل نقول: إنه إذا ملك الانسان العين بالملكية المحدودة
فلا يعقل أن يملك المنفعة بالملكية المطلقة، لأن الملكية الثانية مترتبة
على الأولى كما هو واضح.
501

وعلى هذا فالوقف وما ذكرناه شئ واحد، ولا فارق بينهما أصلا،
فما ذكره المصنف من الفارق ممنوع.
ومن هنا لا وجه للقول بأنه كما يمكن لمن عليه الخيار أن يملك العين
لشخص آخر ملكية مطلقة في زمان الخيار كالبيع ونحوه ولم يكن البيع
باطلا بالفسخ بل ينتقل العوض إلى البدل، فكذلك الحال في المنفعة
أيضا، وذلك من جهة أن العين لمكان كونها من قبيل الجواهر لا يتقيد
بالزمان، كما ذكره أهل المعقول، فإن الزمان لا يكون مقدرا للجواهر،
فلا يقال دار اليوم ودار الغدو، إن أحدهما غير الآخر، ولكن المنافع
تقدر بذلك لكونها من قبيل الأعراض.
وعليه فيمكن تمليك المنفعة بمقدار خاص من الزمان، ولكن لا يمكن
ذلك في تمليك العين بأن يملكها لشخص زمانا خاصا، وعليه فلا يمكن
تمليك العين للغير مقيدة بزمان، وأما المنافع فلمكان كونها من قبيل
الأعراض فيمكن أن تقدر بالزمان.
وحينئذ فحيث كانت ملكية المنافع يتبع ملكية العين والمفروض أنها
باقية في ملك من عليه الخيار، فإذا فسخ ذو الخيار العقد فيرجع إلى العين،
فبتبع ذلك يرجع إلى المنفعة أيضا، لما عرفت أن تمليك المنفعة في زمان
ممكن.
نعم إذا ملك العين من شخص ببيع ونحوه ولا يمكن الرجوع إليها بعد
الفسخ، لما عرفت أن الملكية العين لا تقطع بالزمان لكون العين من
الجواهر والجواهر لا يقيد بالزمان كما ذكر أهل المعقول، فافهم.
وما ذكره المصنف من قياس المقام بالتفاسخ قياس مع الفارق، بداهة
أن معنى الفسخ هل هو حل العقد السابق وحصول أمد الملكية الحاصلة
بالعقد، وليس هنا ملكية جديدة حاصلة بالعقد، وهذا بخلاف التفاسخ،
502

فإن الملكية الحاصلة به ملكية جديدة وحاصلة بالمراضاة الجديدة كما
هو واضح.
وعليه فيكون إجارة العين للغير قبل التفاسخ نظير بيع العين
المستأجرة فتكون منتقلة إلى المشتري مسلوبة المنفعة، وهذا بخلاف
المقام، فإن الملكية ليست جديدة كما عرفت، فما ذكره المحقق القمي
هو متين جدا، ولعل غرضه هو ما ذكرناه، من ذهابه إلى كون الملكية
مقيدة بالفسخ وإن لم يصرح به.
لا يقال: إنه لو آجر من عليه الخيار العين المنتقلة إليه ثم فسخ ذي
الخيار العقد لا تبطل الإجارة، لعدم كون الملكية على هذا مقيدة بالفسخ.
فإنه يقال: إن ملكيته لما انتقل إليه تابعة لملكية ما انتقل عنه، فإذا كانت
الملكية هناك مقيدة فتكون هنا أيضا مقيدة، وعليه فإذا قلنا ببطلان
الإجارة هناك فنقول ببطلانها هنا أيضا (1).
لا يقال: إن الملكية في البيع الخياري إذا كانت مقيدة بالفسخ فيما إذا
انتقل هذه الملكية أعني الحصة الباقية إلى من عليه الخيار بالإجازة.
فإنه يقال: إنها تنتقل إليه بالفسخ مجانا، وليس بيعا ثانيا حتى يورد
عليه بعدم ترتب آثار البيع عليه، وليس له الرجوع إليها ثانيا كما هو
الحال في الهبة المجانية، فإن الرجوع إنما يكون إذا كانت الهبة متعلقة
بالعين لا بنفس الملكية.
ودعوى أنه لا معنى لاسقاط الملكية لعدم شمول دليل السلطنة عليه
مدفوعة، بأن الاسقاط بدليل أدلة اسقاط الخيار، كقوله (عليه السلام): وذلك

1 - أقول: قد أوردت على الأستاذ بهذا الاشكال وأجاب عنه بهذا الجواب، ولكنه أيضا لا
يتم، فإن الملكية في هذا الطرف أيضا لو كانت مقيدة لما أوجب زيادة القيمة في ناحية من عليه
الخيار ونقصانه في ناحية من له الخيار، فافهم - منه (رحمه الله).
503

رضا منه بالبيع (1)، لا بدليل السلطنة ليورد بعدم شموله على رفع اليد عن
السلطنة كما هو واضح.
وإن شئت فقل: إن معنى الخيار هو كون المنشأ هو الملكية المحدودة
بالفسخ على تقدير عدم امضاء ذي الخيار ذلك، فحينئذ لا نحتاج بذلك
الطريق الاعوجاج من نقول إن دائرة المنشأ مضيقة من الأول بعدم
الامضاء، لا أنه مضيق مع قطع النظر عنه حتى يرد الاشكال المذكور.
5 - هل يجوز ايجار العين في زمان الخيار أو لا؟
قوله (رحمه الله): ثم إنه لا اشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار.
أقول: ذكر المصنف أنه إذا إذن من له الخيار لمن عليه الخيار في إجارة
العين يسقط خياره بذلك لدلالة العرف على ذلك، ومنع بذلك عما ذهب
إليه المحقق الأردبيلي (2) من منع دلالة الإذن على سقوط الخيار، ثم أبدل
ذلك بأنه لا يكون الإذن في البيع أقل من التقبيل الموجب لسقوط الخيار،
وكذلك أيده برواية السكوني من كون العرض على البيع موجبا لسقوط
والتزاما بالعقد (3) فالإذن لا يقل عنه.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
2 - جامع المقاصد 4: 312.
3 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل اشترى ثوبا
بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبعه
إن شاء، فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه (الكافي 5: 173، التهذيب 7: 23، عنهما
الوسائل 18: 25)، موثقة.
504

أقول: هذه المسألة أيضا متوقفة على ما ذكرناه في معنى الخيار، فإنه
إذا كان معنى الخيار هو تحديد الملكية وأن ملكية المنفعة تابعة لملكية
العين كما عرفت، فتكون ملكية المنفعة أيضا محدودة بالفسخ بالتبع،
فلا محال يكون الإذن موجبا بسقوط الخيار، وذلك إذ ليست ملكية من
عليه الخيار للعين مطلقة حتى لا تبقى خيار لذي الخيار، بداهة أنه إذا
آجر من عليه الخيار العين بإذن من له الخيار إلى مدة وغير مقيدة بالفسخ،
فقهرا تكون الإجارة بالنسبة إلى الزائد عن زمان الفسخ بإذن ذي الخيار،
فيكون معناه حينئذ أن ذي الخيار رفع اليد عن التحديد المذكور، ومع
ذلك القول ببقاء الخيار التزام بالتحديد، وليس هذا إلا خلفا ومناقضة
كما هو واضح.
هذا إذا أذن من له الخيار لمن عليه الخيار أن يؤجر العين لنفسه، وأما
لو أذن في الايجار فقط من غير أن يقيده بكون الإجارة لمن عليه الخيار
فلا وجه للبطلان، لعدم دلالة ذلك الكلام على كون الإجارة لمن عليه
الخيار حتى يكون ذلك دالا على إلغاء التحديد عن ملكية من عليه الخيار
فيحكم بسقوط الخيار، بل يمكن أن يكون إذنا في الإجارة لتكون أجرته
للمؤجر، وهو من عليه الخيار في مدة الإجارة ولمن له الخيار بعد
الفسخ، وإذن فلا دلالة لكلامه على سقوط خياره، كما إذا صرح بذلك فإنه
ليس فيه محذورا أصلا، فافهم.
فما ذكره المصنف من دلالة الإذن عرفا على السقوط ممنوع على
اطلاقه، وإنما هو يدل على ذلك في الصورة الأولى دون الثانية، كما
لا يخفى.
505

بيان آخر في الفرع الخامس
وحاصل الكلام أن من جملة الفروع التي ذكرها المصنف أنه هل يجوز
ايجار العين في زمان الخيار أو لا؟
وتحقيق هذه المسألة في ضمن جهات:
الجهة الأولى
فيما يرجع إلى عبارة المصنف، حيث إنه ذكر أولا في مطلع كلامه: أنه
هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار، فيه وجهان،
من كونه ملكا له فيكون التصرف صادرا من أهله وواقعا في محله فيحكم
بصحة الإجارة، ومن كون العين متعلقة لحق الغير فيحكم ببطلان هذا
التصرف، فإن الفاسخ مسلط لأخذ العين ومع ذلك فلا وجه للحكم بصحة
الإجارة، فإنه بعد ما أخذ الفاسخ العين من المستأجر لا يبقى مجال لصحة
الإجارة، فإن صحتها متوقفة على أن يأخذ المستأجر العين لاستيفاء
المنفعة منها.
ثم ذكر أنه لو آجر العين بإذن من له الخيار أو من نفس ذي الخيار ثم
فسخ ذي الخيار فلا تبطل الإجارة، ثم بعد أسطر ذكر أنه لا شبهة في نفوذ
التصرف إذا كان الايجار بإذن من له الخيار، وإنما الكلام في أنه هل يكون
ذلك الإذن موجبا لسقوط الخيار أو لا، وعلى القول بعدم سقوطه بالإذن
فهل تبطل الإجارة بنفس التصرف المتحقق في الخارج أو لا.
فيعلم من ذلك أن ما ذكره من أنه لو آجر العين بإذن من له الخيار أو من
نفس ذي الخيار ففسخ لا تبطل الإجارة أمر مسلم فلا شبهة فيه، وكان
هذا ليس موردا للاشكال بين الفقهاء، بل الظاهر أن كلام المحقق القمي
506

أيضا ليس في هذه الصورة، وإنما مورد الخلاف ومورد كلام المحقق
القمي هو الشق الأول، أعني ما إذا آجر من عليه الخيار العين من غير ذي
الخيار بدون إذن من له الخيار.
و حينئذ كيف ساغ للمصنف (رحمه الله) عن تعقيب ما هو ليس بمورد
للخلاف بالتعليل بأن من عليه الخيار قد ملك العين ملكية مطلقة - الخ، ثم
نقل فيه خلاف المحقق القمي.
والظاهر - والله العالم - أن في العبارة سقطا، فكأنه لما ذكر الوجهان في
الشق الأول، وهو فرض إجارة العين بغير إذن ذي الخيار، ثم ذكر الشق
الثاني وحكم فيه بعدم بطلان الإجارة بالفسخ، ثم ذكر: وأما الشق الأول
فالأظهر والأقوى هو صحة الإجارة، وعلله بما ذكره إلى آخر كلامه،
وإلا فالشق الثاني ليس مورد التكلم أصلا فضلا عن مخالفة القمي في
ذلك، ولذا لم يستشكل فيه فيما بعد أيضا من حيث بطلان الإجارة
وعدمه، وإنما تكلم فيه من حيث كون الإذن اسقاطا للخيار وعدمه، ومع
عدم كونه مسقطا فهل يسقط بالتصرف أو لا.
الجهة الثانية
أنه ذكر المصنف (رحمه الله) وجهان فيما إذا آجر من عليه الخيار العين
للأجنبي بدون إذن من له الخيار، ثم اختار صحة ذلك من جهة أن من عليه
الخيار إنما آجر العين في زمان كان مالكا لها في ذلك الزمان ملكية مطلقة
مستعدة للدوام، ومن نماء تلك الملكية المطلقة المنفعة الدائمة، فإذا
استوفاها المشتري بالإجارة، فلا وجه لرجوعها إلى الفاسخ بل يعود
الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة نظير البيع بعد الإجارة، فإن
العين تكون حينئذ ملكا للمشتري مسلوب المنفعة في مدة الإجارة.
507

ثم ذكر الفارق بين المقام وإجارة البطن الأول العين الموقوفة - على
البطون على حساب البطن بعد البطن - أزيد من مدة عمرهم، فإنه تبطل
الإجارة هنا بموت البطن الأول بخلاف ما نحن فيه، فإن الفارق هو أن
البطون المتأخرة إنما تلقوا العين الموقفة من أصل السبب، وهو الواقف
دون البطن الأول، فلا يكون البطن الأول مالكا للانتفاع بالوقف أزيد من
مدة حياته، لكونه أي البطن الأول مالكا للمنفعة المحدودة بالموت،
فكان الواقف صرح بذلك كما هو واضح.
بخلاف المقام فإن المشتري الأول قد ملك العين ومنافعها مطلقة ما
دام لم يفسخ، فله التصرف فيها وفي منافعها كذلك أي على وجه
الاطلاق، فيكون تصرفه نافذا لكونه صادرا من أهله وواقعا في محله،
وإذن فلا وجه لبطلان الإجارة بالفسخ.
ثم ذكر أن المقام بعينه نظير إجارة العين إلى مدة ثم تفاسخا المتبايعان
بالإقالة، حيث إنه لم يحتمل أحد هنا بطلان الإجارة، وكذلك إذا باع من
عليه الخيار العين في مدة الخيار، فإن البيع يكون نافذا فلا يبطل بالفسخ
بل يرجع مالك العين في الصورة الأولى إلى عين ماله ولكن مسلوبة
المنفعة، وفي الثانية يرجع إلى بدل العين كما هو واضح، هذا ملخص
كلامه في المقام.
ولكنه لا يتم على مسلكنا الذي استثناه في معنى الخيار، وقلنا إن
حقيقته يرجع إلى تحديد الملكية المنشأة بالفسخ على تقدير عدم
الامضاء.
وعلى هذا فلا معنى لصحة الإجارة الواقعة بدون إذن ذي الخيار بعد
فسخه العقد ويكون عقد الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية من زمان
الإجارة بعد الفسخ فضولية وموقوفة على إجارة المالك، وهو ذو الخيار
ذلك العقد أي عقد الإجارة وإلا بطلت، إذ ملكية المنافع كانت تابعة
508

لملكية العين، فبعد ما كانت ملكية العين محدودة بالفسخ فكانت ملكية
المنافع أيضا كذلك، فإذا فسخ العقد مع عدم خروج العين عن ملك من
عليه الخيار، فكما يتم أمد ملكية العين فكذلك يتم أمد ملكية المنفعة
أيضا كما هو مقتضى التبعية.
نعم لو كانت العين منتقلة إلى شخص آخر ببيع ونحوه ولم يكن له
الرجوع إليها بعد الفسخ، فإن ملكية من عليه الخيار وإن كانت مطلقة
ولكن المملوك كان مملوكا مطلقا، كما مثلناه بمثل السلطنة والوزارة،
وحيث إن العين من قبيل الجواهر وهي لا تتقيد بزمان فيكون الانتقال إلى
المشتري الثاني أبديا، وهذا بخلاف المنافع، فإنها من قبيل الأعراض
فتقدره بالزمان، فيمكن أن تملك حصة منها دون الحصة الأخرى، وعليه
فبالإجارة تملك للمستأجر إلى أن يتحقق الفسخ، وأما الحصة الباقية
بعد الفسخ فلا كما هو واضح.
وأما قياس المصنف ذلك بالتفاسخ قياس مع الفارق، بداهة أن معنى
الفسخ هو ارجاع الملكية السابقة وإن كان انحلال العقد إنما هو من زمان
الفسخ، وهذا بخلاف التفاسخ فإنه تمليك جديد من الطرفين، فلا بأس
في التمليك الجديد أن تمليك الانسان العين مسلوبة المنفعة، كما إذا
آجرها من شخص ثم باعها من شخص آخر وكذلك الأمر بالتفاسخ.
وإذن فالمقام بعينه مثل الوقف ولا فارق بينهما من هذه الجهة أصلا،
فما ذكره المصنف من الفرق بينهما غير واضح.
بيان ثالث للفرع الخامس
قوله (رحمه الله): ثم إنه لا اشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار وأنه يسقط
خياره.
أقول: قد عرفت أن المصنف (رحمه الله) قد أشار إلى عدم بطلان الإجارة
509

بالإذن فيها أو باستئجار نفسه العين ممن عليه الخيار، وهذا لا شبهة فيه،
ولا أنه مورد الخلاف بين الفقهاء، ولذا أرسله المصنف إرسال المسلم
على النهج الذي ذكرناه من وقوع التصحيف في العبارة، وإنما أشار إلى
جهتين أخيرتين في المقام: إحداهما سقوط الخيار بالإذن في الايجار،
والثانية مع قبول عدم سقوط بذلك لسقوطه بالتصرف، بحيث إن الجهة
الثانية في طول الجهة الأولى.
الجهة الأولى: سقوط الخيار بالإذن في الايجار
فبناء على مسلكنا في معنى الخيار من كونه عبارة عن كون المنشأ
مقيدة بالفسخ على تقدير عدم الامضاء، وعليه فما لم يأذن من له الخيار
في الايجار أو لم يجز العقد بعد الايجار يكون العقد فضوليا بالنسبة إلى
ما بعد الفسخ، فتبطل الإجارة بالرد وبعدم الامضاء، وأما إذا إذن فيه
أن يستأجر العين لنفسه، بأن قال: أجر هذه العين ولك أجرتها.
وبعبارة أخرى تدل على كون الأجرة للمؤجر، فلا شبهة حينئذ في
صحة الإجارة مطلق وسقوط الخيار بهذا الإذن، بداهة أنه لا يعقل كون
مجموع الأجرة للمؤجر مع عدم الفسخ، فإن من عليه الخيار الذي هو
المؤجر لم يكن مالكا للعين والمنفعة إلا بالملكية المحدودة، بحيث كان
أمدها حاصلا بعد الفسخ وصارت العين ومنفعتها ملكا للمستأجر، وإذا
صرح ذي الخيار كون جميع أجرة العين في زمان الإجارة للمؤجر حتى
بعد الفسخ.
فلا يعقل هذا إلا برفع اليد عن الفسخ وامضاء العقد وجعل ملكية من
عليه الخيار مطلقة وإلا يلزم التناقض، فإن مقتضى كون مجموع الأجرة
له الملكية مطلقة وإلا لم يكن الأجرة بعد الفسخ له، ومقتضى عدم
سقوط الخيار أن الملكية ليست بمطلقة، وهما متناقضان، فافهم.
510

نعم لو لم يدل الإذن على كون الأجرة للمؤجر بل يجتمع مع كونها
لذي الخيار أيضا بعد الفسخ فلا يسقط الخيار بالإذن المذكور، فإن الإذن
بالايجار لا ينافي بقاء الخيار، كما إذا صرح بذلك ويقول: آذنك في ايجار
العين كيف شئت إلا أن الأجرة لك ما لم تفسخ العقد، وأما بعد الفسخ
فهي ملك لي وهذا واضح.
وأما على مسلك المصنف فإنه (رحمه الله) قد استدل على سقوط الخيار
بوجهين:
الأول: دلالة الإذن عرفا على سقوط الخيار، فإن أهل العرف يفهمون
من مثل ذلك السقوط كما هو واضح، ثم ناقش في دلالة الإذن على
السقوط في آخر كلامه وشبهه بإذن المرتهن للراهن ببيع العين المرهونة،
حيث ذكر أنه لا يسقط حق الرهانة بذلك عن العين المرهونة، بحيث له
الرجوع عن إذنه قبل البيع، وكذلك في المقام.
ثم تمسك بالوجه الثاني للقول باسقاط الإذن ذلك، وهو أن الإذن
تضمن للرضاء بالعقد، بداهة أنه ليس بأدون من تقبيل الجارية، فكما أنه
يدل على سقوط الخيار فيها، وكذلك الإذن في التصرف فإنه يكشف عن
رضاء ذي الخيار بالعقد فيحكم بالسقوط، ثم أيده برواية السكوني في
كون العرض على البيع موجبا لسقوط الخيار، فالإذن بالتصرف أولى
بذلك منه كما هو واضح.
أما الوجه الأول فيرد عليه أن المراد من دلالة الإذن في التصرف من ذي
الخيار، إن كان هو الدلالة المطابقية أو التضمنية فهو بديهي البطلان،
بداهة أنه ليس لسقوط الخيار من ذي الخيار بإذن منه في تصرف من عليه
الخيار في العين التي انتقلت إليه معنى مطابقيا للإذن ولا معنى تضمنيا
لذلك، لعدم وضع هذه اللفظ في لغة من اللغات على ذلك، فلا يعقل معه
دعوى الدلالة المطابقية أو التضمنية.
511

وأما الدلالة الالتزامية فهي أيضا منفية، وذلك من جهة أن إذن ذي
الخيار في التصرف من عليه الخيار في العين لا يزيد على ما يقتضيه طبع
العقد شيئا، فإن مقتضى البيع هو أن كون من عليه الخيار مالكا للتصرف
فيما انتقل إليه غايته ملكية محدودة، ولا شبهة أنه يجوز للملاك
أن يتصرفوا في أموالهم لكونهم مسلطين على ذلك، سواء أذن لهم من له
الخيار أو سكت بل منع عن التصرف، فإذا كان ذلك من مقتضيات طبع
المعاملة فلا يترتب على الإذن في تصرفه فيها أثر أصلا، إذ لا يزيد على
أصل مقتضى طبع المعاملة شيئا أصلا.
فحيث إن المصنف (رحمه الله) قد التزم بحصول الملكية المطلقة لمن عليه
الخيار من غير أن تكون مقيدة بالفسخ فلا محالة فجاز له التصرف بحسب
مقتضى طبع العقد كذلك، وإذن من له الخيار في ذلك لا يوجب شيئا وراء
ما يقتضيه أصل طبع المعاملة.
فهل يتوهم أحد أنه لو اشترى شخص ثوبا وقال له صاحبه وهو البايع:
ألبسه، أن هذا اسقاط لخيار المجلس وكذلك نظائره، فإن العرف
لا يشكون في عدم دلالة قوله ألبسه على سقوط الخيار، وأي فرق بينه
وبين المقام كما هو واضح.
بل يمكن أن يتوهم أن دلالة إذن المرتهن للراهن ببيع العين المرهونة
على سقوط حق الرهانة عن العين دلالة عرفية موجودة، ولكن لا سبيل
لهذا التوهم هنا، وذلك لأن الراهن لم يكن له التصرف في العين المرهونة
قبل إذن المرتهن، وهذا بخلاف المقام، فإن من عليه الخيار له التصرف
في العين المنتقلة إليه بحسب مقتضى طبع العقد بدون إذن ذي الخيار كما
عرفت.
وبعبارة أخرى معنى الدلالة الالتزامية أن يلزم العلم باللازم بتصور
512

الملزوم في الالتزام البين بالأخص، وفي البين بالمعنى الأعم أن يلزم من
تصور اللازم والملزوم والنسبة بينهما العلم باللزوم، ومن الواضح أن
كليهما منفي في المقام، فإنه لا يلزم من تصور الإذن وسقوط الخيار
وتصور الملازمة بينهما العلم بالملازمة بينهما، فعلى مسلك المصنف
فلا وجه لسقوط خيار ذي الخيار بإذنه في التصرف من عليه الخيار في
التصرف في العين المنتقلة إليه كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أيضا أنه لو أذن ذي الخيار لمن عليه الخيار في بيع العين
من غيره فلا يسقط خياره، فإن جواز نقل العين لمن عليه الخيار من
مقتضيات نفس العقد، فلا يكون الإذن فيه موجبا لزيادة الإذن في
التصرف، ليكون التصرف مستندا إليه ليكون الإذن حينئذ موجبا لسقوط
الخيار.
والحاصل أن الإذن لا يوجب زيادة التصرف الذي لم يكن قبل الإذن،
بحيث يكون مشروعية ذلك التصرف مستندا إلى الإذن لكي يحكم بدلالة
الإذن حينئذ على سقوط الخيار كما هو واضح.
ومن هنا التزمنا بسقوط الخيار بالإذن في التصرف بناءا على مسلكنا،
فإن جواز تملك من عليه الخيار منفعة العين بعد فسخ العقد أيضا مستند
إلى إذن ذي الخيار لعدم وجوده قبل ذلك، فيكون حينئذ دالا على سقوط
الخيار لتحقق الملازمة بينهما على هذا، بل يمكن أن يكون مع إذنه بانيا
على الفسخ بل يصرح بذلك، مع أنه لو كان الإذن دالا على السقوط لكان
ذلك منافيا لمفهوم الإذن.
وأيضا قد ظهر مما ذكرناه أنه لو آجر ذو الخيار العين المنتقلة إلى من
عليه الخيار من الغير لنفسه بأن تكون الأجرة له، فلا مناص عن كون ذلك
فسخا للعقد مقابل ما ذكرناه من إذنه له أن يؤجرها من غيرها لتكون
513

الأجرة له أي لمن عليه الخيار، فإنه لا معنى لبقاء العين في ملكه أي من
عليه الخيار مع أن تكون المنافع ملكا لذي الخيار بحيث تكون الأجرة
التي في مقابل المنافع ملكا له كما هو واضح.
وأما الوجه الثاني، وهو الالتزام بدلالة الإذن على كون ذي الخيار
راضيا بالعقد كالتقبيل، ففيه أنا ذكرنا في خيار الحيوان أن أمثال هذه
التصرفات كالتقبيل واللمس والنظر بل الوطي على كون المتصرف
راضيا بالعقد (1)، بل يمكن ذلك مع بنائه على عدم الفسخ أصلا فضلا عن
أن يكون خاليا عن البناء أيضا وكذلك الإذن، فإنه يمكن أن يأذن في
التصرف على ما هو مقتضى طبع العقد ومع ذلك كان بناؤه على الفسخ أو
مسكوتا عنه، من غير أن يكون ذلك منافيا لمفهوم الإذن كما عرفت.
نعم التزمنا بكون الأمور المذكورة موجبة لسقوط الخيار، لا من جهة
كشفها عن الرضا بالعقد بل من جهة التعبد الشرعي ودلالة النص على
السقوط بها كما واضح، فافهم.
ومن هنا ظهر عدم دلالة رواية السكوني أيضا على ذلك، لكونها واردا
على نحو التعبد على أنها ضعيفة السند على الظاهر (2)، نعم إذا كانت هنا
قرينة خارجية دالة على سقوط الخيار بالإذن وأنه مصداق لذلك فلا بأس
به.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
2 - هذا على مبناه السابق، أما على ما ذكر (قدس سره) في معجمه الكبير السكوني والنوفلي
كلاهما ثقة، فالرواية موثقة، كما ذكرنا.
514

لا يقال: على ما التزمتم من كون الخيار راجعا إلى تحديد الملكية يلزم
الالتزام بصحة البيع إلى أمد خاص، مع أنه لم يلتزم به أحد.
وفيه أنه لم يكن نص على بطلان مثل ذلك البيع لم يكن محذور فيه،
ولكن النص دل على بطلانه.
لا يقال: بناءا على ما التزمتم من المبنى المذكور يمكن لنا القول بجواز
رجوع ذي الخيار إلى من عليه الخيار فيما إذا نقل العين إلى غيره وأبقى
المنفعة في ملكه، فإنه مع الفسخ يرجع إلى المنفعة ويتملكها بالفسخ
وأن الفسخ ارجاع الملكية الأولى.
وفيه أن ملكية المنفعة تابعة لملكية العين، فإذا أمكن ارجاع العين إلى
الملكية السابقة فترجع معها المنفعة وإلا فلا كما هو واضح، وأما
الرجوع إلى المنفعة فقط دون العين على خلاف الارتكاز العرفي من تبعية
ملكية المنفعة لملكية العين، فافهم.
الجهة الثانية: سقوط الخيار بوقوع التصرف في الخارج بإذن ذي الخيار
أنه ذكر المصنف (رحمه الله) أن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق وهي
العين بإذن صاحبه، فلا ينفسخ التصرف ولا يتعلق الحق بالبدل لأن أخذ
البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوط الحق
عنه.
أقول: إن كان المراد من هذه العبارة أنه يعتبر أن يكون التلف في زمان
وجود الحق لا في حال سقوطه، بمعنى أنه إنما يبقى حق الفسخ لذي
الخيار مع تصرف من عليه الخيار في زمان وجود حق الفسخ لذي الخيار
و حلوله، فإنه حينئذ يكون التصرف في متعلق حق الغير فلا يكون مثل
هذا التصرف موجبا لسقوط الخيار، فإن حين تحققه أي التصرف قبل
تحقق في متعلق حق الغير.
515

وعليه فله أي لذي الخيار أن يفسخ العقد بعد التصرف المذكور، فإن
كانت العين باقية يرجع إلى العين وإلا فإلى البدل، وأما إذا كان التصرف
واقعا على العين في زمان ليس لذي الخيار حق بل سقط ذلك بواسطة
التصرف ولم يكن التصرف في متعلق حق الغير، فحينئذ لا يكون له خيار
حتى يفسخ العقد ويرجع إلى البدل.
ومن المفروض أنه إذا أذن لمن عليه الخيار أن يتصرف في العين فقد
أسقط خياره بذلك ووقع التصرف في زمان سقوط الخيار لا في زمان
وجوده وحلوله ليكون التصرف واقعا في متعلق حق الغير فلا يكون
منافيا لثبوت الحق.
وإن كان مراده هو هذا فلا نفهم معنى ذلك بوجه، ولا يمكن تصحيحه
بوجه، إذ يرد عليه أولا: أن كلامنا في سقوط الخيار بالتصرف، بأنه هل
يسقط بذلك أو لا يسقط، ففرض سقوط الخيار به بحيث يكون التصرف
واقعا في زمان سقوط الخيار ليس إلا دورا واضحا، فإن سقوط الخيار
يتوقف على وقوع التصرف، وكون التصرف مسقطا للخيار متوقف على
سقوط الخيار ليكون واقعا في زمان سقوطه لا في زمان حلوله كما هو
واضح.
والحاصل لو قلنا بأن التصرف في مثل الفرض يكون مسقطا يلزم
الدور، على أنه كيف يكون التصرف مسقطا للخيار مع أنه في زمان كان له
الخيار ليس هنا التصرف وفي زمان تحقق فيه التصرف ليس هناك خيار
فلا ربط بالتصرف بسقوط الخيار أصلا كما لا يخفى.
وثانيا: لا دليل على وقوع التصرف الذي يثبت منه الخيار، أي لا يضر
بوجوده في زمان وجود الحق ليكون التصرف في متعلق حق ذي الخيار،
بل مع كونه واقعا في زمان عدم الخيار أيضا يمكن أن يبقى لذي الخيار
حق الفسخ.
516

فإذا أتلف من عليه الخيار العين فبفسخ ذي الخيار العقد فيأخذ ممن
عليه الخيار بدل العين، كما إذا كان لأحد المتبايعين خيار منفصل ككونه
في رأس الشهر فقد تصرف الآخر في العين تصرفا متلفا أو ما هو في حكم
الاتلاف كنقله إلى غيره ببيع ونحوه، فإن ذلك يمنع عن ثبوت الخيار لذي
الخيار في رأس الشهر، ولم يحتمل أحد سقوط الخيار بتصرف من عليه
الخيار قبل وصول زمان الخيار.
وعليه فإذا وصل وقت الخيار وفسخ ذو الخيار العقد ينتقل ضمان
العين إلى البدل فيأخذ ممن عليه الخيار بدل ماله من المثل أو القيمة،
فلا ملازمة بين فسخ العقد والرجوع إلى البدل، وبين كون التلف أو ما هو
في حكمه في زمان حلول الحق لا في زمان سقوطه كما هو واضح.
وأيضا لا شبهة في جواز تفاسخ المتبايعين بالإقالة مع تلف إحدى
العينين أو كليهما، فإنه بعد ذلك يرجع إلى البدل مع أنه لم يكن حق
لأحدهما كما فيما انتقل إلى الآخر وبالعكس ليكون التلف في زمان
وجود الحق كما هو واضح فكيف مع عدم الدليل، على ما ذكره المصنف
على ما هو ظاهر كلامه، فالدليل على خلافه كما عرفت، فلا يمكن
المساعدة على هذا الرأي بوجه.
وحيث كان هذا الاحتمال بعيدا عن المقام المصنف ولم يكن له معنى
محصلا أصلا، فقد وجه شيخنا الأستاذ سقوط خيار من له الخيار بتصرف
من عليه الخيار بإذن ذي الخيار بوجه آخر، ولعله هو مراد المصنف
أيضا، وقال:
إن الأولى أن يعلل لسقوط الخيار بالتصرف بما أشرنا إليه في خيار
الغبن، وهو أن التصرف المأذون فيه مفوت لمحل الحق، حيث إن
الغرض من الفسخ استرجاع الملك السابق إما بعينه أو ببدله وكل منهما
517

متعذر، أما العين فلخروجها عن ملك المشتري بالتصرف الناقل أو
بالاتلاف، وأما البدل فلأنه فرع كون العين مضمونة عليه وبعد كونه
مأذونا في التصرف لا يمكن أن يكون ضمان العين عليه، فلا موضوع
لانتقال الضمان إلى بدلها، فإذا امتنع الضمان امتنع الفسخ فامتنع الخيار.
وهذا الذي ذكره الأستاذ له وجه، وقد ذكرنا أنه يمكن أن يكون مراد
المصنف، ولكن يرد عليه: أنه كما أن إذن ذي الخيار في تصرف من عليه
الخيار لا يوجب سقوط الخيار وكذلك وقوع التصرف في الخارج بإذن
ذي الخيار أيضا لا يوجب سقوط الخيار وإن كان التصرف واقعا في
متعلق حق الإذن.
والسر في ذلك هو ما تقدم، من أن جواز تصرف من عليه الخيار فيما
انتقل إليه من العوض إنما هو من مقتضيات طبع العقد، سواء أذن له ذو
الخيار أم لم يأذن، لأن العين كانت مملوكا له، ولا شبهة في جواز تصرف
الملاك في ملكهم بأي تصرف شاؤوا.
وعلى هذا فإذن ذي الخيار في التصرف فيها مع تحقق التصرف أيضا
في الخارج لا يوجب سقوط حقه وعدم كون التصرف في متعلق حقه، بل
يمكن أن يكون بناؤه أي الإذن هو الفسخ ولو بعد تلف العين، أو يصرح
بذلك وأنه يرجع إلى البدل مع كون التصرف متلفا للعين، مع أنه لو كان
بينهما منافاة لما جاز التصريح بذلك.
نعم لو كانت العين مملوكة لذي الخيار لكان إذنه في التصرف فيها
موجبا لسقوط الضمان وليس كذلك، فإذن لا شبهة في بقاء حق ذي
الخيار مع تحقق التصرف في الخارج، فإذا فسخ ذي الخيار العقد فإن
مقتضى قانون الفسخ هو رجوع كل من العوضين إلى مالكه الأولي، ومع
عدم بقاء العين يرجع إلى البدل.
518

وبعبارة أخرى أن مقتضى طبع العقد هو جواز تصرف من عليه الخيار
فيما انتقل إليه من العين، سواء أذن به ذو الخيار أم لا، وسواء تحقق
التصرف في الخارج بإذن من له الخيار أم لا، فإن إذن من له الخيار في ذلك
لا يزيد بالنسبة إلى أصل الجواز شيئا أصلا.
وعليه فلا ينافي إذن ذي الخيار في ذلك ببقاء الخيار أصلا كما إذا
صرح بذلك لعدم التنافي في ذلك أصلا.
وأما كون من عليه الخيار ضامنا بالبدل بعد فسخ العقد، فإنما هو من
جهة قاعدة ضمان اليد أو ضمان الاتلاف، وذلك فإن مقتضى قانون
الفسخ هو رجوع كل من العوضين إلى مالكه الأولي بعد الفسخ، فإذا فسخ
فمقتضى دليل اليد هو لزوم أداء العين، فحيث لم تكن العين موجودة
فمقتضاه لزوم أداء البدل.
وهذا هو الذي تقتضيه قاعدة الضمان بالاتلاف، فإن مقتضى: من أتلف
مال الغير فهو له ضامن (1)، الرجوع إلى البدل من المثل أو القيمة، فإنه بعد

1 - عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم،
وهو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك، أعلى الرجل أن يرد على صاحبه مائتي درهم، قال: نعم
لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيعه - الحديث (الكافي 5: 324، الفقيه 3: 199، التهذيب 7: 172،
الإستبصار 3: 120، عنهم الوسائل 18: 391)، موثقة.
وعن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن القصار يفسد، قال: كل أجير يعطى
الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن (الكافي 5: 241، التهذيب 7: 219، الإستبصار
3: 131، عنهم الوسائل 19: 141)، صحيحة.
وعن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمن القصار
والصباغ والصائغ احتياطا على أمتعة الناس - الحديث (الكافي 5: 242، الفقيه 3: 162،
التهذيب 7: 219، الإستبصار 3: 131، مستطرفات السرائر: 63، عنهم الوسائل 19: 143)،
موثقة.
519

رجوع العوض إلى مالكه الأول أن ما أتلفه من عليه الخيار إنما أتلف مال
غيره فهو له ضامن بأداء المثل أو القيمة، فافهم، فلا يكون الإذن ممن له
الخيار في التصرف ووقوع التصرف في الخارج سببا لسقوط خيار ذي
الخيار أصلا.
نعم إذا صدر الإذن في التصرف من المالك ووقع التصرف المتلف أو
ما هو في حكم الاتلاف في الخارج، فلا شبهة في كون هذا النحو من
الإذن موجبا لعدم ضمان المتلف بذلك العين، فإن الإذن قد صدر من أهله
ولا بد من الالتزام بلوازمه.
وهذا غير من له الخيار في التصرف فيما انتقل إلى من عليه الخيار، فإن
ذلك التصرف كان مقتضى طبع العقد بخلاف التصرف هنا، فإنه لم يجز
لمأذون له أن يتصرف في مال غيره قبل الإذن وإنما جاز ذلك بعده كما
هو واضح، فلا يكون موجبا للضمان.
فكان شيخنا الأستاذ خلط بين التصرف الواقع في الخارج في مال
شخص آخر بإذنه، فإنه لا يوجب الضمان سقوط حقه عن ماله بإذنه
بالاتلاف، وبين المقام حيث إن وقوع هذا التصرف المتلف في الخارج
لا يوجب سقوط حق من له الخيار عن العين، أعني أنه لو فسخ لكانت
العين له فإن وقوع التصرف المذكور بإذنه في الخارج لا يوجب سقوط
حقه عن الرجوع إلى البدل بعد فسخ العقد، لعدم كون إذنه في هذا
التصرف موجبا لشئ لم يكن لمن عليه الخيار كما هو واضح.
نعم لو ثبت من القرائن الخارجية أن إذن من له الخيار التصرف في العين
الخارجية لمن عليه الخيار موجب لسقوطه لكونه قاصدا به سقوط خيار،
أو أنه قصد ذلك بوقوع التصرف في الخارج وإن لم يكن قاصدا ذلك
بالإذن لكان للقول بالسقوط مجالا واسعا، ولكنه خلاف الفرض فإن
520

الكلام في دلالة نفس الإذن على سقوط الخيار كما في الجهة الأولى في
دلالة نفس وقوع التصرف في الخارج على سقوط الخيار، كما في الجهة
الثانية، فافهم ذلك.
6 - المبيع يملك بالعقد لا بانقضاء زمان الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: المشهور المبيع يملك بالعقد وآثر الخيار تزلزل الملك.
أقول: الظاهر أن الأولى تقديم هذه المسألة على المسألة السابقة كما
أشرنا إليه في أول المسألة السابقة، بأن يتكلم أولا في توقف حصول
الملكية بانقضاء زمان الخيار أولا وعدمه، ثم يتكلم في أنه هل يجوز
تصرف غير ذي الخيار فيما انتقل إليه أو لا.
فقد ذكرنا أنه لا يجوز ذلك على قول الشيخ لكونه تصرفا في ملك الغير
بدون إذنه فهو لا يجوز، وأما على قول غير الشيخ من المشهور القائلين
بعدم توقف الملكية على انقضاء زمان الخيار ففيه خلاف.
فالمقصود أن الأولى تقديم هذه المسألة على المسألة السابقة لتوقفها
عليها بخلاف العكس كما عرفت.
ثم إن المعروف والمشهور بين الفقهاء أن الملكية حاصلة من حين
العقد في البيع الخياري غايته ملكية متزلزلة، ولكن الظاهر من الشيخ
الطوسي (1) ومن تبعه أنها تحصل بعد انقضاء زمان الخيار لكل من ذي الخيار
وغيره، إذ لا معنى لحصول الملكية لطرف واحد دون الآخر، فإن البيع
مبادلة مال بمال، فلا معنى للانتقال من طرف دون الآخر، فافهم.
وقد اضطربت كلمات الفقهاء في فهم كلام الشيخ وبيان مراده، فإن

1 - المبسوط 2: 85.
521

ظاهر اطلاق المحكي عن المحقق وجماعة (1) أن الشيخ التزم بعدم حصول
الملكية في زمان الخيار المختص بالمشتري أيضا، بل صرح في التحرير (2)
بشموله لذلك.
لكن ذكر الشهيد في الدروس (3) خلافا في حصول الملكية من حين العقد
أو بعد انقضاء الخيار، ثم نسب إلى الشيخ (4) التزامه بحصول الملكية من حين
العقد في الخيار المختص للمشتري، ونقل عن ابن الجنيد (5) توقف حصول
الملكية على انقضاء زمان الخيار.
ثم وقع الخلاف بين الأعلام في أن الشيخ فيما يقول بتوقف الملكية
على انقضاء زمان الخيار هو من باب الكشف أو النقل، وأيضا وقع الكلام
في أنه يقول بذلك في الخيارات المتصلة فقط أو مطلقا وإن كانت
الخيارات منفصلة عن العقد، وأن مراده هو ذلك في صورة كون الخيار
لكل من البايع والمشتري أو للبايع، وأما إذا اختص بالمشتري فلا يقول
بذلك، أو يقول به مطلقا كما عرفت الإشارة إلى كون كلامه مطلقا بالنسبة
إلى الخيار المختص بالمشتري أيضا، على ما هو المحكي عن المحقق
وجماعة، وظاهر بعضهم عدم التوقف في صورة اختصاص الخيار
بالمشتري كخيار الحيوان ونحوه.

1 - الشرايع 2: 22، إرشاد الأذهان 1: 374.
ذكر المحقق في جامع المقاصد 4: 308 في ذيل كلام العلامة في القواعد: المبيع يملك بالعقد
على رأي: هذا أصح القولين، كما عن ابن البراج في المهذب 1: 351، والعلامة في التذكرة
1: 533، وولده في الإيضاح 1: 488.
2 - التحرير 1: 169.
3 - الدروس 3: 269.
4 - الخلاف 2: 10.
5 - عنه المختلف 5: 63.
522

وعلى الجملة اضطربت كلمات الفقهاء في نسبة القول بتوقف الملكية
على انقضاء زمان الخيار إلى الشيخ، فإن منهم من قال بأن الشيخ التزم
بذلك في مطلق زمان الخيار وإن كان مختصا بالمشتري، أو يقول بذلك
فيما كان الخيار ثابتا للمتبايعين معا أو لخصوص البايع، وأيضا وقع
الخلاف في أنه يقول بذلك في الخيار المتصل أو في الخيار المنفصل
أيضا، وقد نسب إليه في القول بعدم التوقف فيما إذا صار أحد المتبايعين
مفلسا إلى غير ذلك من الاختلافات والاضطرابات كما ذكره المصنف في
المتن.
ولا يهمنا تحقيق هذا المطلب، وإنما المهم بيان مدرك الشيخ القائل
بالتوقف مطلقا أو في الجملة، وبيان مدرك المشهور القائلون بعدم
التوقف، بل التزموا بحصول الملكية من حين العقد.
الاستدلال على قول المشهور من كون الملكية حاصلة من الأول بالعمومات
الظاهر أنه لا شبهة في دلالة عمومات صحة العقود والمعاملات
ولزومها على كون الملكية حاصلة من الأول لا أنها متوقفة على شئ،
فإن الظاهر من قوله تعالى: أحل الله البيع (1)، أن ما ينتقل إلى كل من
المتبايعين بوسيلة البيع يجوز له التصرف فيه بخلاف ما كان فيه الرباء،
فإنه لا يجوز، فإن معنى حلية البيع ملازم لحلية ما يحصل النقل والانتقال
بواسطة البيع.
وكذلك أوفوا بالعقود (2)، خصوصا قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم

1 - البقرة: 275.
2 - المائدة: 1.
523

بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض (1)، فإن الأكل ليس هو الازدراد
بل هو كناية عن التملك.
فمحصل الآية أنه لا تتملكوا أموالكم بالباطل ولكن تتملكوا بالتجارة
عن تراض، فالله تبارك وتعالى قد حصر أسباب التملك المشروع
بمقتضى النفي والاثبات بالتجارة عن تراض وجعلها سببا وحيدا لذلك
مقابل التملك الباطل.
فمقتضى ذلك أن الملكية حاصلة من حين العقد لصدق التجارة عن
تراض على البيع من حين العقد، وقد فرضنا أن التجارة عن تراض هو
السبب الوحيد لحصول الملكية، فتحصل الملكية في البيع من حين العقد
من غير توقف على انقضاء زمان الخيار.
بل هذا هو الذي قامت عليه السيرة بين الناس، فإنهم يعاملون مع
المثمن معاملة الملكية من حين العقد من غير توقف في ذلك على شئ،
ومن الواضح أن الشارع قد أمضى ما هو المتعارف بين الناس من
المعاملات، وليس له في ذلك طريق خاص، غاية الأمر قد منع عن بعض
المصاديق تخطئة للعرف كما أضاف إليها بعض الشروط لذلك، ومع
الشك في مورد أنه اعتبر الشارع هنا شرطا أو لم يعتبر فيتمسك
بالاطلاقات والعمومات الدالة على صحة المعاملات ونفوذها، ويحكم
بحصول الأثر من الأول وعدم توقفه على شئ آخر.
بل هذا هو مقتضى ما أنشأه المتعاملان، فإن غرضهما جعل البيع سببا
للملكية وهو يقتضي حصولها من حين العقد إلا دل دليل خارجي على

1 - النساء: 29.
524

توقفها على شئ آخر، كما في بيع الصرف (1) والسلم فإن الدليل الخاص
دل على توقف حصول الملكية بالتقابض في المجلس وعدم حصولها
بمجرد البيع كما هو واضح.
ثم إنه لا يكفي مجرد وجود هذه العمومات والاطلاقات في بطلان
مسلك الشيخ، بل لا بد وأن يلاحظ أن هنا رواية تدل على مسلكه أو لا،
وعلى تقدير وجود الرواية على ذلك فهل هنا رواية أخرى تدل على
مسلك المشهور ورواية آخر تدل على مسلك الشيخ مع تمامية ميزان
الحجية فيهما فيقع المعارضة، فإما يحكم بالتساقط فيرجع إلى عمومات
الكتاب واطلاقاتها، أو يؤخذ ما هو موافق للكتاب وهو ما دل على عدم
توقف حصول الملكية على انقضاء زمان الخيار، فيثبت بذلك أيضا قول
المشهور، وإذن فلا بد من صرف عنان الكلام إلى ما استدل به على كل
واحد من القولين.
ما يستدل به على قول المشهور من الروايات
وقد استدل على القول المشهور، وهو عدم توقف حصول الملك
على انقضاء زمان الخيار بوجوه، مضافا إلى اقتضاء العمومات ذلك:
1 - الأخبار الواردة في خيار المجلس، كقولهم (عليهم السلام): البيعان
بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع (2)، حيث إن الظاهر من لفظ

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يبتاع رجل
فضة بذهب إلا يدا بيد، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد (الكافي 5: 251، التهذيب 7: 99،
الإستبصار 3: 93، عنهم الوسائل 18: 168، صحيحة.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
525

الخيار الوارد فيها هو كون البيع مخيرا في فسخ العقد وعدمه بحيث قد
فرض هنا بيع ثم حكم بثبوت الخيار له، ومن الواضح جدا أن البيع إنما
يصدق على المتعامل بعد حصول الملكية.
فالمتحصل من الرواية بقرينة اطلاق البيع على المتبايعين هو حصول
الملكية في زمن الخيار، إذ ما لم تتحقق الملكية لم يتحقق البيع وإذا
لم يتحقق البيع لا يصدق البيعان على المتعاملين فحيث أطلق البيعان
عليهما فنكشف من ذلك حصول الملكية في زمان الخيار كما لا يخفى.
ومن هنا اتضح أنه لا يتوقف الاستدلال بهذه الروايات على المقصود
على كون الخيار بمعنى الاختيار في استرجاع العين وكون المتبايعين
مخيرين في بيع العوضين من شخص آخر مثلا وابقائها كذلك، فإنه على
هذا استكشف حصول الملكية من الأول، ووجه الفساد أنك قد عرفت
وجه الاستدلال مع تعلق الخيار بالعقد.
وتوهم أن اطلاق البيع باعتبار حصول صورة البيع وايجادهما ما يكون
مستعدا لذلك، أي لحصول النقل والانتقال والملكية بعد ذلك كما في
الفضولي توهم فاسد، فإنه خلاف الظاهر من الاطلاق، ومن هنا نفى البيع
في بيع الصرف والسلم قبل القبض الذي لم تحصل الملكية، مع أن
صورة البيع قد حصلت كما لا يخفى، فلا بأس بدلالتها على المقصود،
فافهم.
526

2 - الأخبار الواردة في جواز النظر إلى الجارية وتقبيلها بل وطيها في
زمان الخيار بعد شرائها (1)، بحيث لم يجز ذلك قبل الشراء، فيدل ذلك
على حصول الملكية في زمان الخيار، فإنه لو لم تحصل الملكية في ذلك
الزمان لكان زمان الخيار وقبله سيان في ذلك، فلم يجز التصرف في زمان
الخيار أيضا كما لا يجوز التصرف قبل زمان الخيار أيضا.
وناقش المصنف في دلالة هذه الأخبار بأنه يمكن أن يكون التصرفات
الواقعة على الجارية بعد العقد في زمان الخيار امضاء للعقد واسقاطا
للخيار، كما يتحقق الرجوع بنفس الوطي في زمان العدة في المطلقة
الرجعية، فإنه إذا طلق الرجل زوجته ثم وطأها في العدة بغير أن يرجع
إليها يكون رجوعا إليها، وإن لم يقصد الرجوع بذلك بل كان قاصدا عدمه
كما هو واضح.
ولكنه توهم فاسد، بداهة أن في المطلقة الرجعية أن علقة الزوجية
لم تنقطع بعد الطلاق، ومن هنا اشتهر في ألسنة الفقهاء أن المطلقة
الرجعية زوجة، وعليه فلو وطأها الزوج إنما وطئ زوجته حقيقة من
غير أن تكون الزوجية حاصلة بنفس الوطئ، وإنما الوطئ يكون دليل
على الرجوع ورافعا لأثر الطلاق فقط، سواء قصد به الرجوع أم لا، بل
الأمر كذلك حتى لو قصد عدم الرجوع بل قصد الزناء أيضا، كأن كان
جاهلا لحصول الرجوع بذلك الوطئ وقصد الزناء، فإنه لا يكون إلا
تجريا محضا وأما الحرام فلا، بداهة أن الوطئ إنما صدر من أهله ووقع

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل إن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
527

في محله فيكون رافعا لأثر الطلاق، لما أنه يوجد الزوجية أيضا بحيث
كانت الزوجية منتفية فأوجب الوطي رجوعها، بل الزوجية كانت ثابتة
فالوطي أوجب رفع أثر الطلاق فقط كما هو واضح.
هذا بخلاف المقام فإنه على القول بعدم حصول الملكية في زمن
الخيار يكون التصرف واقعا في ملك الغير فيكون حراما، وقد حكم
الإمام (عليه السلام) بحلية ذلك، فيكشف من ذلك أن الملكية قد حصل في زمان
الخيار والحلية مستندة إليها.
إلا أن يقال بما أشرنا إليه سابقا، من كون الملكية حاصلة في زمان
التصرف ولم نعتبر التقدم الرتبي في جواز التصرف، ونقول بذلك في
كفاية جواز التصرف في ملك اليمين، ونقول بأن المستفاد من قوله تعالى:
أو ما ملكت أيمانهم (1)، هو كون المملوك مملوكا للمتصرف في زمان
التصرف، وإن حصلت الملكية في زمان التصرف ولم تكن متقدمة عليه
رتبة.
وحينئذ يجوز التصرف في الأمة في زمان الخيار بما لا يجوز لغير
المالك إذا قصد المتصرف لتصرفه هذا امضاء العقد كما هو ليس ببعيد،
بأن نقول بكفاية حصول الملكية في زمان التصرف في جوازه، ولكنه
لم نلتزم الفقهاء بذلك، فالظاهر أن من حكم بجواز التصرف فيها بالأمور
المذكورة إنما هو من جهة حصول الملكية بالعقد في زمان الخيار كما هو
واضح، فإذا فتدل الرواية على مسلك المشهور.
إلا أن يقال إن غاية ما يستفاد من هذه الروايات هو حصول الملكية
للمشتري في زمن خيار الحيوان، لأن المفروض أنه اشترى جارية

1 - المؤمنون: 6.
528

وتصرف فيها ما لا يجوز لغير المالك، وأن جوازه يكشف عن حصول
الملكية له بالعقد، ولكن الشيخ لم يلتزم في فرض وجود الخيار
للمشتري بخلاف مقالة المشهور، وإذا فالرواية غريبة عما نحن فيه، كما
هو واضح.
3 - ما تقدم في أدلة بيع الخيار، أي البيع المشروط برد الثمن المسمى
في العرف بالبيع الشرط والبيع الخياري وبيع الخيار (1)، فإن في هذه
الرواية ما يدل على أن نماء المبيع في زمن الخيار للمشتري وتلفه أيضا
عليه، فيكشف من ذلك أن المبيع ملك للمشتري من زمان العقد وإلا
لم يكن وجه لكون الملك للبايع والنماء للمشتري، فإن النماء تابع
للملكية.
وقد أورد عليه المصنف (رحمه الله) بوجهين:
ألف - أنه يمكن أن يكون هذه الروايات غريبة عما نحن فيه، أعني البيع
بشرط الخيار، ليكون ما ذكر فيها من كون النماء ملكا للمشتري شاهدا
على حصول الملكية في زمان الخيار، بل إنما هو من قبيل اشتراط
الانفساخ في البيع برد الثمن، بأن ينفسخ بنفسه متى رد البايع الثمن من

1 - عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نخالط أناسا من أهل السواد
وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر، ونؤخر ذلك فيما بيننا
وبين السنة ونحوها ويكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل
الذي أخذ منا الشراء قد باع وقبض الثمن منه، فنعه إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن
نرد عليه الشراء، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما تري في الشراء؟ فقال: أري أنه
لك إن لم تفعل، وإن جاء بالمال للوقت فرد عليه (الكافي 5: 172، الفقيه 3: 128، التهذيب
7: 22، عنهم الوسائل 18: 18)، صحيحة.
عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن بعت رجلا على شرط فإن أتاك بمالك وإلا
فالبيع لك (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 18)، موثقة.
529

غير احتياج إلى الفسخ، فلا يكون هذه الروايات مربوطة بالمقام.
وفيه أنه بعيد عن مساق هذه الروايات، غايته كما أشار إليه المصنف
خلاف الظاهر منها، بل اشتراط انفساخ العقد بلا سبب أمر غير مشروع
في الشريعة، فإنه لم يثبت جواز ذلك في نفسه فلا يكون ما هو غير
مشروع مشروعا بالاشتراط كما هو واضح.
ب - ما ذكره من أنه يمكن أن يكون هذه الروايات خارجة عن مورد
كلامنا، فإن محل الكلام إنما هو عدم حصول الملكية في زمان الخيار،
وعليه فلو كان النماء في هذه المدة لمن انتقل إليه العين كان للتمسك بهذه
الروايات على اثبات حصول الملكية في زمان الخيار وجه، ولكن الأمر
ليس كذلك، فإن النماءات إنما حصلت في زمان لزوم العقد، فإن الخيار
إنما يحصل للبايع بعد رد الثمن لا قبله فلا منشأ لهذه التوهم أصلا، إذ ما
يتوهم كونه كاشفا عن حصول الملكية به لم يكن حاصلا في زمان الخيار
بل في زمان لزوم العقد كما هو واضح.
وفيه أولا: أن اطلاق الرواية يشمل صورة كون الخيار بشرط رد الثمن
من أول العقد أيضا.
وثانيا: أنه لم يعلم من مذهب الشيخ القائل بتوقف حصول الملكية
على انقضاء زمان الخيار اخراج الخيارات المنفصلة عن مورد الكلام، بل
ما ذكره أعم من خياري المنفصل والمتصل أيضا، فهذه الروايات أيضا
لا بأس بدلالتها على حصول الملكية في زمن الخيار.
4 - الأخبار الواردة في خيار الحيوان الدالة على ثبوت الخيار
للمشتري في ضمن ثلاثة أيام، كقوله (عليه السلام): صاحب الحيوان المشتري
530

- بالفتح أو الكسر - بالخيار إلى ثلاثة أيام (1)، حيث إن الظاهر من اطلاق
الصاحب على المشتري ظاهر في أن الملكية إنما حصلت في زمان
الخيار، وإلا لم يصح اطلاق الصاحب عليه، وتوهم أنه باعتبار أنه سيصير
صاحبا خلاف الظاهر من الرواية جدا، فالرواية ظاهرة الدلالة على
المقصود.
اللهم إلا أن يقال بأن غاية ما يدل هذه الروايات هو أن الملكية حاصلة
للمشتري في زمان خياره، والشيخ لا ينكر ذلك وإنما لم يلتزم الشيخ
بعدم حصول الملكية في زمان الخيار إذا كان الخيار للبايع فقط أو للبايع
والمشتري معا، فإنه يلتزم بعدم حصول الملكية لذي الخيار وغيره إذ
الملكية إذا حصلت حصلت للطرفين، فلا معنى لحصولها لغير ذي
الخيار وعدم حصولها لذي الخيار فإن البيع تبديل مال بمال، وإذن
فالرواية أجنبية عن المقام.
5 - الأخبار الواردة في العينة (2)، وهي أن يشتري الانسان شيئا نسيئة ثم

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام
للمشتري - الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم
الوسائل 18: 11)، صحيحة.
عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول:
صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام (التهذيب 7: 67، عنه الوسائل 18: 10)، موثقة.
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاث - الحديث (الكافي 5: 170، التهذيب 7: 24، عنه الوسائل
18: 11)، صحيحة.
2 - عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة
فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه، ثم أشتريه منه مكاني، قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن
شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، فقلت: إن أهل
المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح، قال: إن هذا تقديم وتأخير
فلا بأس (الكافي 5: 202، التهذيب 7: 51، عنهما الوسائل 18: 41)، ضعيفة.
عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على رجل دراهم من ثمن
غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك
التي لك عندي فرضي، قال: لا بأس بذلك (الفقيه 3: 165، التهذيب 7: 43، عنهما الوسائل
18: 40)، صحيحة.
531

يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا، فإن الظاهر من جملة منها أن البيع
إنما يكون في مجلس الاشتراء، وبضميمة صحيحة بشار بن يسار يتم
المطلوب، وهو حصول الملكية في زمن الخيار.
وهي أنه سئل عن الرجل يبيع ويشتريه عن صاحبه الذي يبيعه منه
قال: نعم لا بأس به، قلت: اشترى متاعي؟ فقال (عليه السلام): ليس هو متاعك
ولا بقرك ولا غنمك (1)، فإن ظاهر الذيل بل صريحها، وهو قوله (عليه السلام):
ليس هو متاعك ولا غنمك، أن المبيع قد انتقل إلى المشتري ولم يبق
في ملك البايع.
وقد عرفت عن جملة منها أن البيع الثاني قد وقع في مجلس البيع
الأول، والمفروض أن هذا الزمان زمان خيار المجلس، فتدل الرواية
على أن الملكية قد حصلت في زمان خيار المجلس، فإذا حصلت
الملكية للمشتري حصلت ملكية الثمن للبايع أيضا لأن البيع مبادلة مال
بمال.

1 - عن بشار بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه
من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به، فقلت له: أشتري متاعي؟ فقال: ليس هو
متاعك ولا بقرك ولا غنمك (الكافي 5: 208، الفقيه 3: 134، التهذيب 7: 48، عنهم الوسائل
18: 41)، صحيحة.
532

بل يمكن التمسك لاثبات أن الملكية قد حصلت في زمان الخيار
باطلاق الصحيحة مع قطع النظر عن ضميمة الطائفة الأولى كما لا يخفى.
وقد أشكل المصنف على الرواية بعدم دلالتها على حصول الملكية
في زمان الخيار، إذ البيع عند القائل بالتوقف جائز ولكن يكون لازما
بالتواطي، كما صرح الشيخ في المبسوط (1)، فتحصل الملكية قبل البيع
الثاني، وبهذا دفع الاشكال، وقد تقدم نظيره سابقا من أن الملك إذا
حصل بنفس البيع الثاني مع أنه موقوف على الملك للزوم الدور، وقد
كان هذا الاشكال واردا على من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ،
وعلى هذا حمل قول السائل: اشترى غنمي على ارتكاز مذهب الشيخ
في أذهانهم، فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنه ليس غنمك، لكون التواطي مسقطا
للخيار.
وفيه أن مجرد التواطي على البيع مع عدم التصريح به لا يكون موجبا
للزومه، كما أن التباني على الخيار لا يوجب أن يكون العقد خياريا،
والسر في ذلك أن اسقاط الخيار أو الفسخ من الأمور التي يحتاج إلى
الانشاء والاظهار، على ما تقدم في مبحث الخيارات، فلا تحقق بمجرد
القصد والبناء ما لم يبرزه في الخارج بمبرز، وقول السائل اشترى غنمي
ليس من جهة ركوز مذهب الشيخ في أذهانهم، إذ لا سبيل لنا إلى هذه
الدعوى، بل سؤاله هذا من جهة استغرابه من صحة شرائه باعه قبل هذا
الزمان بقليل، لأن الغرض أن البيع الثاني قد تحقق في مجلس البيع الأول،
ومع تسليم أن مسلك الشيخ كان مركوزا في أذهانهم من أين يعلم أنه كان
صحيحا ومسلما حتى عند الإمام (عليه السلام)، بحيث كان جواب الإمام (عليه السلام)

1 - المبسوط 2: 85.
533

مبنيا على كون التواطي على البيع السابق موجبا لسقوط الخيار ويصير
البيع به لازما كما هو واضح.
وكيف كان فظهور هذه الأخبار في اثبات مسلك الشيخ واضح جدا.
6 - صحيحة محمد بن مسلم عن رجل أتاه فقال: ابتع لي متاعا لعلي
اشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله، قال (عليه السلام): ليس به
بأس، إنما يشتريه منه بعد ما يملكه (1)، فإن اطلاق قوله (عليه السلام): ليس به
بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه، شامل لحصول الملكية عن زمان
العقد، ومن الواضح أن حصولها من زمان العقد يقتضي حصولها في زمان
خيار المجلس أيضا كما هو واضح، وإذن فتدل الرواية على مسلك
المشهور.
ولكن يرد على هذا الاستدلال أن هذه الرواية ناظرة إلى أن هذه
المعاملة ليست من قبيل بيع ما ليس عنده لاستيجاب العقد الأول كما
ذكره المصنف في المتن، فقوله (عليه السلام): ما يملكه، إشارة إلى هذا
استيجاب، فليست الرواية ناظرة إلى حصول الملكية من حين العقد
وعدمه، إذ ليس تلك الجهة موردا للسؤال أصلا.
وقد ورد في جملة من الروايات: لا توجب البيع قبل أن تستوجبه (2)،
وفي بعضها أنه قال (عليه السلام): أليس إن شاء فعل وإن شاء ترك (3)، يعني أن

1 - التهذيب 7: 51، عنه الوسائل 18: 51)، صحيحة.
2 - عن يحيى بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب
وهذه الدابة، وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن
تستوجبها أو تشتريها (التهذيب 7: 58 الكافي 5: 198، عنهما الوسائل 18: 52)، موثقة.
3 - عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجي يريد أن يتعين من الرجل
عينة فيقول له الرجل: أنا أبصر بحاجتي منك فأعطني حتى أشتري فيأخذ الدراهم فيشتري
حاجته، ثم يجئ بها إلى الرجل الذي له المال فيدفعه إليه، فقال: أليس إن شاء اشترى وإن
شاء ترك، وإن شاء البايع باعه وإن شاء لم يبع؟ قلت: نعم، قال: لا بأس (التهذيب 7: 52، عنه
الوسائل 18: 52)، صحيحة.
534

الأمر إذا كان كذلك بحيث إن من وعد لأحد أن يشتري شيئا وهو أيضا
يشتري منه بنقد أو نسيئة أليس له أن يشتري بعد اشتراء من كان بينهما
تبان وتعاهد أو ترك ذلك ولم يشتر، فإن كان كذلك فلا بأس، لأنه ليس
ايجابا قبل الاستيجاب بل وعد محض، وإلا إن كان مجبورا في قبوله
لتحقق البيع في عقيدتهم فهو باطل، لكونه ايجابا قبل الاستيجاب.
على أن وقوع الثاني في مجلس البيع الأول نادر جدا، فإن الغالب أن
المشتري بعد استيجاب البيع الأول يتفرق من مجلس العقد ويذهب إلى
صاحبه لإنشاء البيع الثاني، بل على هذا سيرة التجار، فإنهم لا يبيعون ما
يشترون عند البايع بل يخفون أمر المعاملة الثانية.
وعلى هذا فلا يبقى هنا خيار المجلس حتى يكون قوله (عليه السلام): ما
يملكه، دليلا على حصول الملكية في زمان الخيار كما هو واضح ليكون
التملك بنفس العقد، فافهم.
ما يستدل به على قول الشيخ (توقف حصول الملك على انقضاء الخيار)
وقد استدل على قول الشيخ بالروايات الدالة على أن تلف المبيع في
ضمن ثلاثة أيام في خيار الحيوان، أو شرط أيام معدودة من مال البايع (1).

1 - عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى أمة
بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان؟ فقال: ليس
على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه (الكافي 5: 171، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل
18: 14)، موثقة.
535

كصحيحة ابن سنان عن الرجل يشتري العبد أو الدابة ويشترط إلى
يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان
ذلك، فقال (عليه السلام): على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير
المبيع للمشتري، شرط له البايع أو لم يشترط، قال: وإن كان بينهما
شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من
مال البايع (1).
حيث استدلوا بهذه الرواية على أن المبيع في زمان الخيار في ملك
مالكه الأول فهو البايع ولذا يكون تلفه على البايع، وإنما تحصل الملكية
بعد مضي زمان الخيار، ولذا قال (عليه السلام) حتى ينقضي ثلاثة أيام ويصير
المبيع للمشتري.
أقول: الظاهر أنه لا ينكر ظهور الرواية في قول الشيخ وإن التزم هو (رحمه الله)
في الخيار المختص بالمشتري حصول الملكية بالعقد من حينه، ولكن
حيث عرفت ظهور الروايات المتقدمة بل صراحة بعضها في حصول
الملكية بالعقد فيمكن حمل هذه الصحيحة على أن لزوم الملكية
واستقرارها إنما هو من زمان انقضاء الخيار لا أصل تحققها، ويكون
المراد من قوله (عليه السلام): ويصير المبيع له، أن يثبت ويجب، كما ورد في
أخبار خيار المجلس: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب
البيع (2)، أي يكون لازما وثابتا، فإن المراد من الكون والثبوت واللزوم

1 - الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل 18: 14)، صحيحة.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
536

وصيرورة المبيع للمشتري هو التحقق والاستقرار والثبوت لا الحدوث
بعد ما لم يكن.
وعلى الجملة فالرواية قابلة للحمل على هذا المعنى بعد كون ظهور
الروايات المتقدمة في حصول الملكية من حين العقد أقوى.
ومع الاغماض عن ذلك فيقع التعارض والتكافؤ بين الروايات
المتقدمة الظاهرة في حصول الملكية من زمان العقد وبين صحيحة ابن
سنان الظاهر في حصولها من حين انقضاء الخيار.
علاج التعارض بين الروايات الواردة
فذكر المصنف أن في فرض المعارضة بينهما يرجع إلى أصالة عدم
حصول الملكية من حين العقد، ولكن التعارض منتف في المقام، بداهة
أن الطائفة الأولى معروفة ومشهورة فلا بد من الأخذ بها ورفع اليد عن
الصحيحة لكونها غير معروفة، فتكون الشهرة المؤيدة بالاجماع موجبا
لترجيح تلك الطائفة الأولى ورفع اليد عن الصحيحة وإن كانت صحيحة.
أقول: كان نظر المصنف من ترجيح الأولى من الروايات إلى الشهرة
الفتوائية وإلا فكلتا الطائفتين من حيث الناقل والراوي في مرتبة واحدة،
فإن كلتيهما خبر واحد، نعم المشهور من الفقهاء ذهبوا إلى حصول
الملكية من زمان العقد، فتكون الشهرة فتوائية، فبناء على كون اعراض
المشهور موجبا لوهن الخبر الصحيح تكون هذه الشهرة موجبة لوهن
الصحيحة وترجيح لطائفة الأولى.
ولكن الأمر ليس كذلك، إذ المراد من الشهرة الموجبة للترجيح في
مقام التكافؤ هو الشهرة في الرواية، بمعنى كون الرواية في نفسها ظاهرة
537

وبارزة كما ذكره المصنف في الرسائل (1)، واستدل على ذلك بالاطلاقات
العرفية واللغوية، فيقال: سيف شاهر أي ظاهر، ومقابل هذه الشهرة هو
النادر والخفي، أي تكون الرواية الأخرى في مقابلها نادرة وشاذة،
وهذا المعنى غير مربوط بالشهرة الفتوائية كما هو واضح.
وإذن فلا بد من معاملة المعارضة بينهما بعد الاغماض عن الحمل
المذكور، فلا يكون هذه الشهرة رافعة للمعارضة بكونها موجبة لترجيح
الطائفة الأولى، ومع التكافؤ فلا بد من الرجوع إلى العمومات الدالة على
حصول الملكية من الأول، كما ذكرناه قبل ذكر أدلة الطرفين.
وعليه فلا وجه لرجوع إلى أصالة عدم حصول الملكية من زمان العقد
كما ذكر المصنف (رحمه الله)، وعلى الجملة مقتضى القاعدة هو الأخذ بقول
المشهور كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
لا يقال: إن غرض المصنف من دعوى كون الطائفة الأولى متقدمة على
الثانية لأجل الشهرة، وأن غرضه هو الشهرة في الفتوى، ولكن مبنى
المصنف أن الشهرة الفتوائية إذا قامت على خلاف الخبر الصحيح يكون
موجبا لضعفه ووهنه، وإذن فتكون الروايات الدالة على حصول الملكية
من حين العقد متعينة، وهذا لا ينافي لكون الشهرة الموجبة لترجيح
أحدي الروايتين المتكافئتين هي الشهرة في الرواية دون الفتوى.
فإنه يقال: نعم ولكنه على هذا لا تصل النوبة إلى التكافؤ أصلا، بل
يكون ما هو موافق للشهرة حجة وما هو مخالف لها غير حجة لاعراض
المشهور عنها، وقد فرض المصنف التكافؤ ثم رجح الطائفة الأولى
بالشهرة في الفتوى كما لا يخفى.

1 - فرائد الأصول: 107.
538

والتحقيق أن يقال إنه بناءا على الاغماض عن الحمل المذكور فلا بد
من ترجيح ما هو المدرك للمشهور بعد فرض التكافؤ، فإنها موافقة لعموم
الكتاب واطلاقه الدالة على حصول الملكية من الأول كما هو واضح.
الاستدلال بالخراج بالضمان على كلا القولين
ثم استدل على كل من قولي المشهور والشيخ بالنبوي المشهور:
الخراج بالضمان (1).
أما الاستدلال على قول المشهور فبتقريب أن المبيع في زمان الخيار
المشترك أو المختص بالبايع في ضمان المشتري وخراجه له، وبقاعدة
التلازم بين ملك المنفعة وملك العين يثبت حصول الملك بنفس العقد.
وبعبارة أخرى أن يكون الضمان للمشتري في زمن الخيار يكشف
كون المنفعة له كشفا لميا، وبكون المنفعة له يكشف كون العين داخلة في
ملكه بالعقد كشفا إنيا.
وفيه أولا: أنه لم يعلم من القائلين بالتوقف، كالشيخ ومن تبعه،

1 - عوالي اللئالي 1: 219، الرقم: 89.
عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى من
الروايات: أنه قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله): الغلة بالضمان.
سنن النسائي 2: 215 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، سنن أبي داود 3: 284 الرقم: 3508
كتاب البيع باب من اشترى عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا، سنن البيهقي 5: 321 كتاب البيع باب
المشتري يجد فيما اشتراه عيبا وقد استغله زمانا، مصابيح السنة للبغوي 2: 10 كتاب البيع باب
المنهي عنه من البيوع، مسند أبي داود الطياليسي 6: 206، الحاكم للمستدرك 2: 15 كتاب البيع،
المسند لأحمد 6: 208، سنن ابن ماجة 2: 31 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، تاريخ بغداد
للخطيب 8: 298 ترجمة خالد بن مهران، كنز العمال 2: 211 الرقم: 4571 باب خيار العيب.
539

التزامهم بكون التلف في زمان خيار المشتري له وضمانه عليه، والذي
هو المبدأ لهذا الاستدلال هو اثبات ضمانه في زمن الخيار للمشتري
وهو ممنوع.
وثانيا: على القول بالضمان أن الملازمة بين ضمان العين وملك
المنافع إنما يتم بناءا على ما ذكره أبي حنيفة، من القول بكون الخراج لمن
عليه الضمان وإن كان ذلك الضمان بالغصب، حيث ذكر في الدابة
المغصوبة أن الضمان للغاصب والمنافع أيضا له (1).
ولكنه على هذا المبنى أيضا لا يكون ملك المنافع كاشفا عن ملك
العين، أنا قد ذكرنا في المقبوض بالعقد الفاسد فساد هذا المبنى، وقلنا إن
المراد من النبوي: الخراج بالضمان، هو الضمان المعاملي لا مطلق
الضمان، يعني أن من ضمن الشئ بالمعاملة بحيث لو تلف لكان التلف
من كيسه فالمنافع أيضا له، ومن المعلوم أن الضمان المعاملي في المقام
معدوم، بناءا على مسلك الشيخ، لعدم تحققها في الحقيقة الملك إلى
انقضاء زمان الخيار فكيف يحكم بالضمان، غاية الأمر يكون المقام من
قبيل الضمان في المقبوض بالسوم كما هو واضح، فلا دلالة في الحديث
على مسلك المشهور.
وثالثا: قد عرفت أنه ليس المعروف من مسلك الشيخ أن تكون الملكية
متوقفة على انقضاء الخيار في كون الخيار للمشتري أيضا، بل التزم في
هذا الفرض بعدم التوقف، وإذن فلا يكشف من حصول الملكية من زمان
العقد في فرض كون الخيار للمشتري بالحديث حصولها بنفس العقد
مطلقا كما هو واضح.

1 - في شرح فتح القدير 7: 394: ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه، لأنها حصلت على
ملك الغاصب، إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان.
540

وعلى الجملة فلم يتم الاستدلال بالنبوي على قول المشهور.
وأما الاستدلال به على قول الشيخ، فإن مقتضى النبوي: الخراج
بالضمان، هو أن المنافع بإزاء الضمان، وينعكس بعكس النقيض إلى أن
من ليس ضامنا ليس الخراج له، وبضميمة قاعدة: التلف في زمان الخيار
ممن لا خيار له، ينتج عدم حصول الملك في زمان الخيار، فإن كون
التلف على البايع في زمان خيار المشتري يقتضي أن يكون منافع المبيع
للبايع لأن الخراج بالضمان، ومقتضى كون المنافع له أن يكون المبيع
أيضا في ملكه.
وإذن فلم تحصل الملكية للمشتري في زمان الخيار وهكذا العكس،
بأن كان الخيار للبايع دون المشتري كما هو واضح.
ولكن يرد عليه أنه مضافا إلى اعتراف الشيخ بحصول الملكية
للمشتري في زمان خياره ومقتضى النبوي هو عدم الحصول، أنك قد
عرفت أن المراد من النبوي هو الضمان المعاملي دون مطلق الضمان،
بمعنى أن المستفاد منه أن الضمان العقدي في مقابل الضمان الغصبي
يقتضي كون المنافع للضامن، وحينئذ فالضمان في المقام كان حاصلا
لمن لا خيار له، وليس المقام مثل الاستدلال السابق حتى نمنع عدم
الضمان، ولكن هذا الضمان ليس بضمان معاملي، إذ المنافع لذي الخيار
ولا ضمان غصب بل هو ثابت بالتعبد.
وعليه فكون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له يكون خارجا عن
القاعدة بالنص، فإن مقتضى القاعدة كون تلف كل مال على مالكه، فهذا
الضمان لا ضمان غصب ولا ضمان معاملي بل ضمان تعبدي، وكذلك
كون التلف قبل القبض من مال البايع أيضا خارج عن القاعدة بالنص، فإن
مقتضى القاعدة هو كون تلف كل مال على مالكه وإنما التخلف هنا
بواسطة النص، فالضمان هنا تعبدي كما هو واضح.
541

وعلى الجملة كون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له وكذلك كون
التلف قبل القبض من مال البايع إنما خرج عن القاعدة الكلية أعني كون
تلف كل مال على مالكه بواسطة النص، فالضمان فيها لا معاملي
ولا غصبي بل هو تعبدي، فلا يكشف من هذا الضمان أن الملكية
لم تحصل قبل القبض أو في زمان الخيار كما هو واضح بل الضمان
حاصل ولكنه ضمان تعبدي، بخلافه في الاستدلال بالنبوي على القول
المشهور فإن الضمان أيضا هناك لم يكن حاصلا.
وعلى الجملة فلا دلالة في النبوي على قول الشيخ أيضا.
ويضاف إلى جميع ذلك، أي الأجوبة المذكورة عن الاستدلالين، أن
النبوي ضعيف السند وغير منجبر بشئ، ولم ينقل في كتب الخاصة إلا
مرسلا فلا يكون حجة لنا في شئ أصلا.
4 - كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: ومن أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار
في الجملة.
بمعنى انفساخ العقد بالتلف، لا أن يكون على من لا خيار له اعطاء بدل
المبيع كما هو واضح، ويتضح هذه المسألة في ضمن جهات:
1 - جريان الحكم في سائر الخيارات
في بيان أن هذا الحكم تختص بخياري الحيوان والشرط، أو يجري
في غيرهما من الخيارات كما ذهب إليه صاحب الرياض وغيره مدعيا له
الاتفاق.
وبعبارة أخرى بعد ما قلنا بكون التلف بعد القبض في زمن الخيار من
مال لا خيار له في خياري الشرط والحيوان، يقع الكلام في أن هذا
542

الحكم من مختصات هذين الخيارين أم لا، بل يجري في غيرهما من
الخيارات أيضا.
فنقول: أما ثبوت ذلك الحكم في الخيارين المذكورين أعني خياري
الشرط والحيوان فمما لا شبهة فيه، لرواية ابن سنان: وإن كان بينهما
شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال بايعه حتى ينقضي
شرطه ويصير المبيع للمشتري (1)، وقد تقدم أن المراد من صيرورة
المبيع للمشتري كونه له مستقرا، فإنه كان قبل انقضاء زمان الخيار له
متزلزلا لا أنه لم يحصل الملك له أصلا، على ما سلكه الشيخ الطوسي،
وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا.
وكيف كان فلا شبهة في صراحة هذه الرواية في أن التلف في زمان
خيار الحيوان والشرط ممن لا خيار له، وإن كان ذلك أي التلف بعد
القبض.
ما يستدل به على جريان الحكم في سائر الخيارات
وإنما الكلام في جريان هذا الحكم في غيرهما من الخيارات، وقد
استدل على كونه من أحكام جميع الخيارات بوجوه:
1 - الاتفاق، حيث إنه قد ادعى صاحب الرياض وغيره كالمحقق آقا
جمال في حاشية اللمعة الاتفاق على جريان ذلك في غير خياري
الحيوان والشرط من بقية الخيارات.

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط
إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك، فقال (عليه السلام):
على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري، شرط له البايع أو
لم يشترط، قال: وإن كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط
فهو من مال البايع (الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل 18: 14)، صحيحة.
543

وفيه أولا: أن وجود الاتفاق أعم من وجود الاجماع، إذ يمكن أن
يكون هنا اتفاق العلماء على مسألة ولا يكون هنا اجماع تعبدي لوجود
مخالف لم يصل إلى مدعي الاتفاق، فلا يلازم دعوى الاتفاق دعوى
الاجماع التعبدي كما هو واضح.
وثانيا: على تقدير أن يكون الاتفاق اجماعا فيمكن أن يكون مستنده
الوجهان الاتيان، فلا يكون هنا اجماع تعبدي أصلا كما هو واضح.
وثالثا: ليس هنا اتفاق، كيف فإنه خالف في المسألة جملة من الأكابر،
كالمحقق وأمثاله كما هو لا يخفى.
2 - أنه قد ثبت ضمان المبيع على البايع وضمان الثمن على المشتري
قبل القبض، فنشك في ثبوت ذلك عليهما بعد القبض وفي زمن الخيار،
أي ثبوت الضمان على البايع في زمان خيار المشتري وثبوت الضمان
على المشتري في زمان خيار البايع وعدمه، نستصحب ذلك حتى يصير
العقد لازما.
وفيه أولا: أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية، على ما
ذكرناه في محله، للمعارضة الدائمية (1).
وثانيا: أنه تعليق فلا نقول بحجية الاستصحاب التعليقي، وفيه أن
الاستصحاب التعليقي فيما إذا كان الحكم التعليقي ثابتا بعد
الاستصحاب، ففي المقام الحكم الثابت قبل القبض نستصحبه بعده.
وثالثا: أن الموضوع غير باق في حاله، بداهة أن الضمان إنما ثبت قبل
القبض وكلامنا بعد القبض، وقد تبدل موضوع القضية المتيقنة إلى
موضوع آخر فلا اتحاد بين موضوعي قضيتين المشكوكة والمتيقنة،
فلا يجري الاستصحاب مع تبدل الموضوع.

1 - مصباح الأصول 3: 233.
544

ورابعا: أن المقام من صغريات المسألة المتقدمة في محلها، من
دوران الأمر بين العمل بالعام أو استصحاب حكم المخصص، وقد قلنا إنه يتمسك بالعموم، فإن مقتضى العمومات هو حصول المبادلة بين
المالين وصيرورة كل منهما ملكا للآخر بحيث يكون تلف كل من مالكه
الفعلي، وقد خرج من ذلك العموم زمان قبل القبض فيبقى الباقي تحت
العام، كما هو مقتضى العمل بالعمومات بحسب الأزمان كما هو واضح،
وقد تقدم ذلك مفصلا في بعض المباحث السابقة.
وخامسا: إن الدليل أخص من المدعى، فإنه قد لا يكون ضمان على
البايع من أول الأمر حتى قبل القبض لكي يستصحب ذلك الضمان بعد
القبض في زمن الخيار إلى أن ينقض ذلك، كما إذا كان المبيع عند
المشتري قبل البيع، وحينئذ فلا ضمان للبايع حتى يستصحب ذلك إلى
زمان لزوم العقد كما هو واضح.
وعلى الجملة فلا يمكن اثبات كون التلف في زمن الخيار على من
لا خيار له بمثل هذه الوجوه، وإذن فلا بد من ملاحظة دليل أصل الحكم،
أعني الرواية الواردة في المقام ليلاحظ أنه هل تشمل هذه الرواية لغير
خياري الشرط والحيوان أم لا.
فإن قلنا بأن المراد من قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان: حتى ينقضي
شرطه أو الشرط باللام خاليا عن الضمير، وكذا المراد من قوله (عليه السلام): فإن
كان بينهما شرط أيام معدودة، إن كان المراد من كلمة الشرط في هذه
الرواية الطبيعة المطلقة الشاملة لكل شرط، سواء كان في الحيوان أو في
غيره، وسواء كان مجعولا للمتعاقدين وثابتا باشتراطهما أم لا كخيار
المجلس وغيره، وكذلك خيار الرؤية والعيب والغبن، فلا شبهة في
صدق الشرط على جميع ذلك.
545

وعليه فمقتضى الرواية أن يكون التلف في زمن أي خيار من مال من
لا خيار له وإن كان غير خياري الحيوان والشرط.
وإن قلنا إن المراد من الشرط المذكور في الرواية هو العهد، بأن يراد
منه خصوص الشرط في خيار الحيوان المجعول للشارع، أو خصوص
الشرط الثابت في خيار الشرط الثابت بجعل المتعاقدين، فلا تشمل
الرواية لغير خياري الحيوان والشرط.
ولكن الظاهر هو الثاني، فإن الظاهر أن اللام في قوله (عليه السلام): حتى
ينقضي الشرط، إشارة إلى الشرط المعهود في خيار الحيوان، وهذا
ظاهر لو كانت النسخة حتى ينقضي شرطه، فإن الضمير يرجع إلى
الحيوان.
ومن هنا يتضح الحال من قوله (عليه السلام): إن كان بينهما شرط أياما، فإنه
وإن لم يكن مصحوبا باللام ولا ملحوقا بالضمير، إلا أن المراد منه هو
الشرط الذي الشرط باللام الداخل فيه، أي الشرط المعهود كما تقدم،
فإنهما قد وردا في رواية واحدة، فيكون ما هو المراد من مصحوب اللام
هو المراد من الخالي منه.
وكيف كان فإرادة الطبيعة منهما خلاف الظاهر من الرواية، فإن محط
الكلام في الرواية هو الشرط في بيع الحيوان والشرط الذي جعل بجعل
المتعاقدين.
على أنه مع الغض عن ذلك أن قوله (عليه السلام): إن كان بينهما شرط أياما
معدودة، ظاهر في خياري الحيوان والشرط، بحيث يكون المراد من
القيد أعني أياما معدودة هو القيد الاحترازي، فلا نريد أن نتمسك
بالمفهوم حتى يستشكل فيه بعدم حجية مفهوم الوصف، بل نقول إن
مقتضى الظاهر أن قيد الأيام قيد احرازي، بمعنى أن الموضوع من الأول
546

مضيق بما إذا كان الشرط أياما معدودة بحيث يكون محدودا من الأخير،
فالحكم ثابت على هذا الموضوع المضيق.
ولا شبهة أن الشرط أياما معدودة ومحدودا من الآخر لا يكون إلا في
خيار الحيوان الذي إلى ثلاثة أيام، وفي خيار الشرط فإنه أيضا يكون
أياما بحسب الجعل ومحدودا من الآخر، وأما في غيرهما وإن كان
يمكن أن يكون أياما ولكنه لا يكون محدودا من الآخر ليكون أياما
معدودة، فإن الشرط في غيرهما قد يكون قليلا وقد يكون كثيرا، كما إذا
كان المتبايعين محبوسين في مكان فإن خيار المجلس يبقى مدة، وقد
يكون قليلا كما إذا تفرقا بعد دقيقة، وكذا خيار العيب والرؤية والغبن.
هذا إذا قلنا بأن الخيار في موارد خيار الغبن والرؤية والعيب إنما ثبت
من الأول، حيث إنه يمكن أن يكون قليلا ويمكن أن يكون كثيرا، إلا أنه
غير محدود بحد، وليس ذلك مثل خيار الحيوان ليكون ثلاثة أيام دائما
ومحدودا، ولا مثل خيار الشرط ليكون أياما عديدة أيضا ومحدودا،
ومن هنا يعلم أنه لا تشمل الرواية لغرض قبول خيار الشرط لازما مدة
العمر لعدم كونه محدودا.
وأما إذا قلنا بأن الخيار في أمثال ذلك أنما ثبت من زمان ظهور العيب
فقط، فشمول الرواية لها أشكل، حتى مع القول بعدم اختصاص الحكم
بخياري الحيوان والشرط.
بداهة أن الظاهر من قوله (عليه السلام): حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع
للمشتري، أن الحكم مختص بمورد لم يتصف العقد باللزوم بعد، بحيث
يكون لازما ويكون المبيع للمشتري ملكية مستقرة بعد زوال زمن الخيار،
وأما إذا كان العقد لازما في زمان ويكون الخيار طارئ عليه بعد اللزوم
بحيث يكون الخيار خيارا منفصلا، فلا شبهة في عدم شمول الرواية لهذه
547

الصورة أصلا، لعدم صدق قوله (عليه السلام): حتى يصير المبيع ملكا له، كما هو
واضح لا يخفى، فافهم.
لأن المبيع قد صار ملكا لازما له قبل ذلك، وظاهر الرواية أنه لم يصر
ذلك ملكا له كذلك، بل إنما يكون كذلك بانقضاء زمن الخيار، لما عرفت
أن المراد من صيرورة المبيع ملكا له ليس هو كونه ملكا له حقيقة من ذلك
الزمان، بل المراد أن يكون ملكا له لازما وإلا كان ملكا له متزلزلا بنفس
العقد.
والحاصل أنك قد عرفت الكلام في الجهة الأولى، وملخصه أنه
لا شبهة في أن التلف في زمان خيار الحيوان والشرط من مال البايع
للروايات الخاصة، فتكون تلك الروايات موجبة لرفع اليد عن مقتضى
القاعدة، وهو كون تلف كل مال على مالكه، وأما التعدي من خيار
الحيوان والشرط إلى غيرهما فإنما هو من وجوه، وهي الاتفاق و
الاستصحاب والاستفادة من الرواية، وشئ من ذلك لم يتم دلالتها على
المقصود، ولا يمكن رفع اليد بها عن مقتضى القاعدة، وهو كون تلف مال
كل مالك على مالكه، هذا هي الجهة الأولى.
2 - لو تلف المبيع في زمان خيار البايع هل يكون ذلك من المشتري؟
أنك قد عرفت الكلام في كون التلف في زمان خيار المشتري من مال
البايع، وأن هذا الحكم مختص بخياري الحيوان والشرط، وإنما الكلام
في هذه الجهة في أنه إذا كان الخيار للبايع وتلف المبيع في زمان خياره
فهل يكون ذلك من المشتري أم لا؟
أقول: تارة يقع الكلام بعد قبض المشتري المبيع وأخرى قبله:
أما الكلام في الأول، فلا شبهة في كون التلف من المشتري لكونه
548

موافقا للقاعدة، إذ المفروض أنه مملوك له فيكون تلفه على مالكه، وليس
ذلك مثل الجهة الأولى بأن يكون التلف على غير المالك حتى نحتاج إلى
الدليل الذي يكون مخرجا عن القاعدة كما هو واضح، بل هو موافق
للقاعدة كما لا يخفى.
وأما إذا كان التلف قبل القبض، ففي المقام تظهر الثمرة، فإن قلنا
بشمول قاعدة: أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له شاملة لما قبل
القبض أيضا، فيكون التلف للمشتري مع أنه كان من البايع لكونه تلفا قبل
القبض.
وإن قلنا بعدم الشمول كان التلف من البايع، الظاهر أنه لا يكون من
المشتري وأن القاعدة لا تشمل لما قبل القبض، وذلك لأن الظاهر من
الروايات الدالة على هذه القاعدة، أي كون التلف في زمن الخيار ممن
لا خيار له أنها واردة في مقام توسعة ضمان البايع، حيث إن ضمان المبيع
على البايع قبل القبض، فقد أثبتت هذه القاعدة كونه على البايع بعد
القبض أيضا توسعة لذلك، وحينئذ لا معنى للالتزام بكونها تخصيصا
لقاعدة أن التلف قبل القبض من مال البايع، بأن لا يكون له في زمان خياره
للمشتري، بل كانت القاعدة حاكمة عليها وواردة في مقام التوسعة
القاعدة الأولى.
وعليه فلا مورد لهذه القاعدة أصلا، أعني قاعدة كون التلف لمن
لا خيار له فيما لم يقبض البايع المبيع مع كون الخيار له، فلا يكون هذه
الصورة مشمولة للروايات الدالة على كون التلف في زمن الخيار ممن
لا خيار له، على أن المذكور في الروايات هو البايع ولم يذكر المشتري
في شئ منها، بأن يكون التلف من المشتري في فرض كون الخيار للبايع
كما هو واضح.
549

3 - هذا الحكم مختص بالمبيع أو يشمل الثمن أيضا؟
في أن هذا الحكم مختص بالمبيع أو يشمل الثمن أيضا، بأن تلف
الثمن في زمان خيار البايع، وعليه فإذا تلف الثمن في بيع الخيار كان على
البايع دون المشتري.
وذلك من جهة أنا نعلم أن الضمان الثابت هنا عبارة عن ضمان واحد
ثابت من أول العقد إلى انقضاء زمان الخيار، وهو عدم كون عهدة المبيع
على ذي الخيار وكون عهدته على غيره، ومن الواضح أن الثابت من حين
العقد إلى زمان القبض ليس الضمان إلا انفساخ العقد بالتلف لا كون مثل
المبيع أو قيمته على البايع، فيكون معناه بعد القبض أيضا كذلك، فقد
حكم الإمام (عليه السلام) في هذه الروايات باستمرار ذلك الضمان الثابت قبل
القبض إلى بعد القبض أيضا.
وعليه فلا يكون هذه القاعدة مخصصة للضمان قبل القبض بل حاكمة
لها بمعنى توسعة دائرتها، فلو كان ضمان المبيع على المشتري إذا تلف
قبل القبض مع كون الخيار للبايع فلازمه أن يلتزم بضمان المثل أو القيمة،
ومن هنا ظهر عدم شمول القاعدة مورد خيار تأخير التسليم كما هو
واضح، فافهم.
وقد عرفت أن ما دل على تسرية الحكم إلى غير خيار الحيوان
والشرط إنما هو بأحد وجوه ثلاثة: الاتفاق والاستصحاب والاستفادة
من الروايات، وقد عرفت الجواب عن جميع ذلك، وهل يمكن التمسك
بشئ من تلك الوجوه هنا لتسرية الحكم إلى الثمن أم لا؟ والظاهر أنه
لا يصح.
أما دعوى الاتفاق فهي مجازفة لعدم تصريح أحد بذلك ممن يعتد
550

بقوله من الأكابر، فكيف يمكن دعوى الاجماع هنا، وعلى تقدير ثبوته
فالجواب هو الجواب الذي تقدم في الجهة الأولى.
وأما الاستصحاب، فيقرب بأن الثمن قبل أن يقبضه المشتري من
البايع كان ضمانه على المشتري دون البايع، فإذا أقبضه منه وكان الخيار
للبايع فإنا نشك في بقاء الضمان عليه وعدمه، فنستصحب ضمان
المشتري قبل الاقباض.
ولكن يرد عليه جميع ما ذكرناه في الجهة الأولى من عدم كون
الاستصحاب حجة في الشبهات الحكمية، ومن تبدل الموضوع، بداهة
أن الضمان كان على المشتري قبل القبض ففي المقام بعد القبض ومن
كون الدليل أخص من المدعى فإنه قد لا يكون ضمن الثمن على المشتري
من الأول فلا يكون هنا موضوع للاستصحاب، ومن أن مقتضى
العمومات هو كون العقد ثابتا بعد التحقق في جميع الأزمنة إلا فيما كان
التلف في زمن خيار المشتري في خياري الشرط والحيوان فإنه يكون
العقد حينئذ منفسخا، ففي المقام لا دليل على الانفساخ لعدم الوجه
لاستصحاب حكم المخصص.
وبعبارة أخرى أن المقام من قبيل دوران الأمر بين الحكم بحكم العام
وبين العمل بحكم المخصص، وقد ذكرنا مرارا هنا وفي الأصول أنه
يتمسك بالعام في غير زمان التخصيص دون استصحاب حكم
المخصص كما هو واضح، فما ذكره المصنف (رحمه الله) من التمسك
بالاستصحاب ضمان المشتري قبل القبض لا وجه له.
وقد بقي الكلام في أن هذا الاستصحاب الذي يتوهم جريانه في
المقام وفي الجهة الأولى أيضا استصحاب تنجيزي أو استصحاب
تعليقي.
551

فنقول: إن كان معنى الضمان هنا عبارة عن كون مثل التالف أو قيمته
ثابتا على عهدة البايع الذي ليس له خيار، فالاستصحاب تنجيزي كما
التزم به شيخنا الأستاذ، مع كون مبناه أن الضمان بمعنى انفساخ العقد
الذي مقتضاه أن يقول بكون الاستصحاب تعليقيا الذي لا يقول بحجيته،
بداهة أن ضمان الثمن كان على المشتري قبل الاقباض وعهدته عليه
وثبوت المثل أو القيمة على تقدير التلف من أحكام ذلك ومن آثار ثبوت
العهدة على المشتري، لا أن معنى الضمان عبارة عن التعهد بالمثل أو
القيمة على تقدير التلف، لكي يقال إن الاستصحاب تعليقي بمعنى أنه لو
تلف كان مثله أو قيمته على المشتري، فإن هذا الحكم كان ثابتا قبل
القبض فنستصحب بعد القبض أيضا.
وعلى هذا فالاستصحاب تنجيزي ولكنه لا يجري في المقام لأنه من
القسم الثالث للاستصحاب الكلي، لأن ثبوت العهدة على المشتري قبل
الاقباض موجود حيث لم يقبض الثمن، وأما بعده فنشك في حدوث
سبب آخر للضمان وفرد آخر يوجب ثبوت العهدة على المشتري مقارنا
لذهاب الفرد الأول من سبب الضمان وهو كون المال تحت يده قبل
القبض فلا يجري الاستصحاب في ذلك.
وبعبارة أخرى أن الضمان قبل القبض إنما هو من جهة الشرط الضمني
فيرتفع موضوعه بالتسليم وثبوته بعده إنما هو سبب آخر مشكوك
الحدوث، فالمستصحب داخل في القسم الثالث من استصحاب الكلي
فلا يجري الاستصحاب في مثل ذلك.
وأما إذا كان الضمان هنا بمعنى انفساخ العقد كما عليه المصنف وأن
المبيع أو الثمن يدخل في ملك الضامن آنا ما فيتلف من ملكه فيكون
الاستصحاب تعليقيا، لأن الانفساخ إنما يثبت ويتحقق بعد التلف
552

فالانفساخ على تقدير التلف حكم تعليقي، فاستصحابه بعد التلف
يتوقف على جريان الاستصحاب التعليقي، فلا نقول به كما لا يقول به
شيخنا الأستاذ، فيكون هذا اشكالا آخر للتمسك بالاستصحاب هنا،
وفي الجهة الأولى كما لا يخفى، سيأتي الكلام فيه أن شاء الله تعالى.
وأما استفادة حكم ذلك من الأخبار، سواء قلنا بالتعدي عن خيار
الحيوان والشرط أم لم نقل بذلك فلا يمكن ذلك، لأن المذكور في
الروايات إنما هو تلف المبيع دون الثمن فيكون فرض تلفه خارجا عن
حدود الروايات كما هو واضح.
إلا إن تمسك بها من جهة تنقيح المناط بدعوى أن المناط في كون تلف
المبيع على البايع في زمان الخيار إنما هو تزلزل العقد، وهذا المناط
موجود في صورة كون التالف هو الثمن في زمان خيار البايع فيكون تلفه
على المشتري ولكنه واضح البطلان لكونه مبنيا على جواز العمل
بالقياس والاستحسان، ونحن لا نقول به فلا يمكن تعدية الحكم إلى
الثمن، سواء قلنا بتعديته إلى غير خيار الحيوان والشرط أم لا.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لتوهم كون التلف ممن عليه الخيار في بيع
الخيار، بأن باع داره بثمن وجعل لنفسه الخيار إلى سنة ثم تلف الثمن في
ذلك زمان فإنه لا يكون على البايع.
4 - المراد من الضمان الذي نبحث في ذلك أي شئ؟
في أن المراد من الضمان الذي نبحث في ذلك أي شئ، هل المراد
منه ثبوت عهدة المبيع على البايع بالمثل والقيمة، أو المراد من ذلك انفساخ العقد؟
553

والذي يظهر من الشهيد (1) واختاره شيخنا الأستاذ هو الأول، ولكن
المشهور المعروف بل المتسالم عليه هو الثاني، كما اختاره في المتن،
والوجه في ذلك أمران:
1 - إن الظاهر من الضمان الذي ثبت في المقام هو ضمان واحد ثابت
من أول العقد وابتدائه إلى انتهاء خيار الحيوان والشرط أو خيار آخر
أيضا، بناءا على التعدي من خياري الحيوان والشرط إلى غيرهما،
ولا شبهة أن الضمان الثابت قبل القبض ليس إلا هو انفساخ العقد على
تقدير التلف.
ولم يتوهم أحد كون الضمان هنا هو التعهد بالمثل أو القيمة، بل
معناه هو انفساخ العقد وفرضه كأن لم يكن، إذ الشارع قد حكم بكونه أي
التلف قبل القبض من البايع، وكأنه لم يتحقق العقد ولم يخرج البايع من
ضمان العين بالاقباض، وإذا كان قبل القبض بهذا المعنى فيكون كذلك
بعد القبض أيضا، فإن الظاهر أن الضمان الوارد في الروايات الدالة على أن
التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له بمعنى واحد وعلى نهج فأرد كما
لا يخفى، ودعوى ثبوت القاعدة في مورد خيار التأخير بلا وجه، وقد
تقدم عدم ثبوت القاعدة قبل القبض ليكون مقتضى للضمان قبل القبض
بأن يكون التلف من المشتري في زمان خيار البايع.
2 - إن المذكور في الروايات أن التلف في زمن الخيار من مال البايع في
جواب السائل عن كون الضمان على من (2)، ولا شبهة أنه إنما يكون من مال

1 - الدروس 3: 271.
2 - عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى أمة
بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان؟ فقال: ليس
على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه (الكافي 5: 171، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل
18: 14)، موثقة.
554

البايع إذا كان الضمان هنا بمعنى انفساخ العقد، فإنه يكون المبيع للبايع
آنا ما قبل التلف ثم يتلف.
وأما إذا كان الضمان بمعنى التعهد بالمثل أو القيمة فلا يكون التلف
من مال البايع بل يكون من مال شخص آخر، إذ لا معنى لنسبة التلف إلى
مال البايع مع كون التالف مال شخص آخر، فيعلم من ظاهر الرواية أن
الضمان هنا بمعنى انفساخ العقد كما هو واضح.
5 - شمول البحث للعين الكلية
في أن مورد هذه المسألة هل هو العين الشخصية، بأن باع شيئا فتلف
في زمن الخيار، سواء كان مختصا بالمبيع أو أعم منه ومن الثمن، وسواء
كان مختصا بخياري الحيوان والشرط أو أعم منهما، أو يعم مورد
البحث عين الكلية أيضا بأن باع كليا وأقبض فردا منه ثم تلف ذلك الفرد
في زمن الخيار؟
الظاهر هو الأول لوجهين:
1 - إن ما وقع عليه العقد إنما هو الكلي دون الفرد، والفرد إنما دفعه
البايع إلى المشتري من جهة انطباق الكلي عليه لا أنه هو المبيع، ولذا لو
ظهر فيه عيب أو غش أو تخلف وصف يبدله بشخص آخر غيره، لا
أنه يكون مخيرا بين الفسخ والامضاء مع الأرش أو مجانا، كما كان الأمر
كذلك لو ظهر المبيع الشخصي معيوبا.
وفي المقام أيضا كذلك، فإنه إذا باع كليا وسلم فردا منه وتلف ذلك
في زمان خيار الحيوان أو الشرط، فإنه لا يكون ذلك من مال البايع لعدم
كون المبيع تالفا، فإنه هو الكلي والكلي لا يتلف وإنما التالف هو ما انطبق
عليه الكلي.
555

ومن الواضح أن الظاهر من الرواية هو أن يكون التالف هو المبيع
بنفسه، كما هو واضح لمن راجع إليها.
2 - أنك قد عرفت أن الضمان هنا بمعنى انفساخ العقد وكون التالف
على البايع كأن لم يكن هنا عقد أصلا بحيث يكون المبيع داخلا في ملك
البايع آنا ما قبل التلف فيكون تلفه عليه، ولا معنى لانفساخ العقد الواقع
على الكلي باتلاف الفرد كما ذكره المصنف (رحمه الله).
6 - شمول البحث إذا كان التالف جزءا من المبيع أو وصفا منه
أنه هل مورد البحث مختص بما إذا كان التالف مجموع المبيع، أو يعم
بما إذا كان التالف جزءا منه أو وصفا من أوصافه الصحة، بل وصفا غير
دخيل في الصحة، وأنه على تقدير عمومه لذلك فما هو معنى الضمان
هنا.
فقد ذكر المصنف أن معنى الضمان في فرض كون التالف هو جزء
المبيع انفساخ العقد في الجزء كبيع ما يملك وما لا يملك في صفقة
واحدة، فإنه يفسخ في أحدهما دون الآخر لانحلاله إلى بيعين وسكت
عن كون التالف وصفا من أوصاف المبيع، سواء كان ذلك وصف الصحة
أم لا.
ولكن الظاهر أن مورد البحث لا يعم بصورة كون التالف جزءا من
المبيع أو وصفا من أوصافه.
والذي ينبغي أن يقال هو أن مورد البحث مختص بتلف المبيع
بأجمعه، فلا يعم بما إذا كان التالف جزءا منه أو وصفا من أوصافه،
وذلك لأن الظاهر من قول السائل: إذا حدث فيه حدث على من يكون
556

ضمانه، ومن قوله (عليه السلام): على البايع (1)، وإن كان يشمل تلف الجزء
والوصف كليهما، وهذا لا شبهة فيه.
ولكن لا بد وأن يلاحظ أن المراد من الضمان هو التعهد بالعين وكون
عهدتها على الضمان، وهذا معنى واحد يشمل لصورة تلف العين قبل
القبض وبعده في زمان الخيار، فيكون العقد منفسخا ويكون المراد من
كون عهدة العين التالفة على البايع كون التلف في ملكه كأنه لم يقع عليه
العقد، وفي صورة كون التالف هو الوصف كون العهدة على البايع عبارة
عن فرض هذا التلف قبل البيع، فلو كان البيع واقعا على مبيع بعنوان كونه
واجدا لوصف الصحة أو الكمال الموجب لزيادة المالية أو لوصف لا
يكون دخيلا في زيادة المالية ثم علم بذلك، فإن المشتري يكون له
الخيار أي خيار تخلف الوصف وفي فرض ظهور المبيع معيوبا يكون
مخيرا بين الفسخ والامضاء مجانا أو مع الأرش، وقد تقدم تفصيل ذلك
وكون الأرش واقعا في الطول أو العرض.
وإذ عرفت ذلك ففي المقام أيضا كذلك، حيث إن المبيع إذا حدث فيه
حدث في زمان الخيار فمعنى كون التلف على البايع فرض ذلك الحدث
في المبيع قبل وقوع العقد عليه، فكما كان المشتري في فرض ظهور
المبيع معيوبا أو فاقدا للوصف مخيرا في فسخ العقد وامضائه وفي
صورة كونه معيوبا كان له أخذ الأرش أيضا، وكذلك له ذلك إذا كان
حدوث الحدث فيه في زمان الخيار كما تقدم.

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط
إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك، فقال (عليه السلام):
على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري، شرط له البايع أو
لم يشترط، قال: وإن كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط
فهو من مال البايع (الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل 18: 14)، صحيحة.
557

ومن هنا اتضح أنه لا ينفسخ العقد في صورة تلف جزء المبيع كما
ذهب إليه شيخنا الأستاذ، بل يثبت للمشتري خيار الفسخ، بداهة أن
الظاهر من الروايات الدالة على كون التالف من مال البايع أن يكون
مجموع المبيع تالفا لا بعضه.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر أنه لا يكون الضمان الوارد في الروايات في
هذه المسألة مستعملا في أكثر من معنى واحد، لما عرفت أنه بمعنى كون
التالف على عهدة البايع، وهذا المعنى تختلف بحسب اختلاف
المصاديق، ولا شبهة أن اختلاف المصاديق بحسب الموارد أجنبي عن
استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد كما لا يخفى.
وأيضا ظهر من ذلك أن ما ذكرناه سابقا من كون الاستصحاب تنجيزيا
متوقف على كون الضمان بمعنى العهدة، وفي المقام بمعنى الانفساخ
فيكون الاستصحاب تعليقيا ليس كذلك، بل الضمان بمعنى انفساخ العقد
فيكون الاستصحاب تنجيزيا كما هو واضح.
وأما ما دل على كون ضمانه على البايع في زمان خيار المشتري إذا
حدث فيه حدث فقد عرفت معناه، وأن المراد من ذلك فرض الحدث
حادثا قبل البيع كما لا يخفى.
وعلى الجملة فلا يستفاد من الروايات انفساخ العقد بالنسبة إلى الجزء
الفائت في زمان الخيار.
لا يقال: إن البيع وإن كان بحسب الحدوث واحدا ولكنه منحل إلى
الأجزاء كما في بيع ما يملك مع ما لا يملك، وعليه فلا بأس من الالتزام
بانفساخ العقد في الجزء الفائت كما ذهب إليه المصنف واختاره شيخنا
الأستاذ أيضا.
فإنه يقال: إن الانحلال وإن كان صحيحا بحسب نفسه ولكن لا يمكن
الالتزام به في جميع الموارد بل يختلف بحسب اختلاف الأحكام كما
558

تقدم في خيار المجلس، فإنه إذا باع أحد شيئين بصفقة واحدة وإن كان
البيع منحلا إلى شيئين ولكن ليس له أن يفسخ العقد في أحدهما بخيار
المجلس دون الآخر، فإن الانحلال لا يجري بالنسبة إلى مثل هذا
الأحكام الثابتة لمجموع المبيع بما هو مجموع.
ومقامنا أيضا من هذا القبيل، حيث إن الظاهر من الدليل أن التلف إنما
يكون موجبا لانفساخ العقد إذا كان واقعا على مجموع المبيع لا على
بعضها، وإن كان البيع الواقع على كل جزء بحسب الانحلال ولكن بيعا
مستقلا، والانحلال لا يجري بالنسبة إلى هذا الحكم لكونه على خلاف
الظاهر من الرواية كما هو واضح، فافهم.
7 - هل يعم الحكم بصورة الاتلاف؟
أنه لا شبهة في أنه إذا كان التلف بآفة سماوية أو نحوها، بأن افترسه
حيوان أو مات لمرض ونحوه كالسقوط من شاهق، إن التلف يكون
حينئذ من مال البايع فيما إذا كان التلف في زمان خيار المشتري، هذا هو
مورد الروايات، لقوله (عليه السلام): أو هلك، فإن الظاهر من ذلك هو الهلاكة
بمعنى اتلاف متلف.
وهل يعم الحكم بصورة الاتلاف بأن يستند التلف إلى فعل أحد
الصادر عنه بالإرادة والاختيار، فيكون حينئذ أيضا من مال لا خيار له، أو
لا يعم الحكم بذلك بل يكون التلف من المتلف؟
فنقول: إن الصور المعقولة المتصورة في المقام لا يخلو عن ثلاثة:
1 - أن يكون المتلف هو الذي كان عليه الخيار كالبايع مثلا.
2 - أن يكون هو المشتري الذي له الخيار.
3 - أن يكون المتلف هو الشخصي الأجنبي.
559

أما الصورة الأولى فلا شبهة أن التلف يكون عليه، لأنه هو السبب التام
في ذلك، فمقتضى قاعدة الضمان بالاتلاف يكون التلف محسوبا عليه من
غير احتياج إلى قاعدة كون التلف في زمن الخيار على من لا خيار له.
وأما الصورة الثانية فكذلك أيضا، فإن الضمان إنما على المشتري
فلا يكون ذلك موجبا لانفساخ العقد، وإلا لا يتمكن أحد من شراء حيوان
وذبحه وأكله وضيافته في زمان الخيار، فإنه بالذبح المجرد ينفسخ العقد
ويفرض كالعدم ويكون المذبوح راجعا إلى ملك البايع كما هو واضح،
وهذا على خلاف الضرورة من الشرع والعقلاء، بل اتلاف ذي الخيار
المبيع مع العلم بالحكم يكون اسقاطا للخيار والتزاما للعقد.
والحاصل أن اقدامه باتلاف المبيع بإرادته واختياره موجب لثبوت
الضمان له واسقاطا لخياره واقرار للعقد، فلا يكون مثل هذا الاتلاف
وسيله لكون التلف ممن لا خيار له كما هو واضح.
ومن هنا ظهر الحال في الصورة الثالثة أيضا، حيث إن ضمان ذلك
المال على المتلف لا على من عليه الخيار كما لا يخفى.
8 - بقاء الخيار إذا استند التلف إلى الاتلاف
ثم إن هنا مسألة أخرى يوهم كلام المصنف الخلط بينها وبين المسألة
المتقدمة من تجزية الاتلاف عن التلف، فيتخيل أن المسألة الثانية من تتمة
المسألة الأولى ومن ذيلها، ولكن الأمر ليس كذلك بل غرض المصنف
مع غلق عبارته واضطرابه أنه استند التلف إلى الاتلاف، فماذا يصنع في
المقام، فهل يبقى الخيار في حاله أو لا، ومع فسخ ذي الخيار في هذه
الحالة إلى من يرجع؟
وذكر أنه إن كان المتلف هو ذو الخيار فلا شبهة في سقوط خياره، فإن
560

العقد لازما بهذا التصرف كما عرفت فلا خيار له، وحينئذ وإن كان
المتلف هو من عليه الخيار كان خيار المشتري باقيا في حاله، فإن أراد أن
يفسخ العقد ويرجع إلى الثمن الذي هو عين ماله السابق على العقد، وإن
أراد أن يمضي العقد فيرجع إلى من عليه الخيار فهو البايع في المقام و
يأخذ منه بدل المبيع.
وهذا أيضا لا كلام فيه، وإنما الكلام فيما إذا كان المتلف هو الأجنبي،
فإنه لا شبهة في بقاء خيار المشتري على حاله، فإن أمضى العقد أو خرج
زمان الخيار ولم يمض العقد فيرجع هو إلى الأجنبي ويأخذ منه بدل
ماله، وهذا أيضا لا شبهة فيه، وإن فسخ العقد فمقتضى قانون الفسخ
أن يرجع كل من العوضين إلى مالكه الأصلي، وحينئذ فلا شبهة في
رجوع الثمن إلى ملك المشتري فيرجع المشتري إلى البايع ويأخذ الثمن
منه، كما لا شبهة في رجوع بدل المبيع إلى البايع، ولكن الكلام في أن
البايع هل يرجع إلى المشتري أو لا؟
والحاصل أن المتلف لا يخلو إما أن يكون هو البايع الذي عليه الخيار،
أو المشتري الذي له الخيار، أو الأجنبي.
أما الأول فلا شبهة في كون ضمان التالف عليه لقاعدة الضمان
بالاتلاف، وحينئذ لا تصل النوبة إلى قاعدة أن التلف في زمان الخيار
ممن لا خيار بحيث يحكم بانفساخ العقد، فإن القاعدة في مورد لا يكون
هنا ما يدل على ضمان شخص معين بالخصوص، سواء كان هو من له
الخيار أو من عليه الخيار، بل المشتري الذي له الخيار مخير بين امضاء
العقد والرجوع إلى البايع بالمثل أو القيمة، أو الفسخ والرجوع إلى
الثمن.
أما الثاني، أي كان المتلف هو المشتري، فلا شبهة أن ضمانه عليه بل
561

يسقط خياره أيضا، فضلا عن أن يكون التلف من مال من لا خيار له، فإن
هذا النحو من التصرف كاشف عن رضاه بالعقد فيكون لازما، وهذا مما
لا ريب فيه.
أما الثالث، أي إذا كان المتلف هو الأجنبي، فأيضا يكون الضامن هو
الأجنبي لقاعدة الضمان بالاتلاف، فلا يتوهم في شئ في صور الاتلاف
كون التلف ممن لا خيار له.
نعم لو كان هنا أيضا دليل على كون التلف من مال من لا خيار له لأخذنا
به ولكنه منتف، فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر، وهو قاعدة الضمان
بالاتلاف.
لو كان المتلف هو الأجنبي هل يرجع البايع هو إلى المشتري أم لا؟
ثم إنه لا شبهة في بقاء خيار المشتري إذا كان المتلف هو الأجنبي كما
أنه كان باقيا في فرض كون المتلف هو البايع، وحينئذ إن كان راضيا
بالعقد وممضيا له فلا شبهة في لزوم العقد وسقوط خياره، فيتعين عليه
الرجوع إلى الأجنبي، وإن فسخ العقد فإنه يرجع إلى البايع الذي من عليه
الخيار فيأخذ الثمن منه، وأما البايع فهل يرجع هو إلى المشتري أو إلى
الأجنبي، أو يتخير في الرجوع إلى أي منهما شاء، وجوه.
وقبل التعرض لبيان مدرك الوجوه وترجيح المختار منها على غيره
لا بد وأن يعلم أن مورد البحث في كلام المصنف هو تلف المبيع وأن
الفاسخ هو المشتري، كما هو مسوق الكلام من الأول، فما ذكره شيخنا
الأستاذ من جعل مورد البحث هو تلف الثمن وأن الفاسخ هو البايع،
استنادا إلى أمور وقرائن استفادها من العبارة لا وجه له.
نعم الظاهر أن كلمة الفاسخ في الموارد الثلاثة وكلمة المفسوخ عليه
562

في آخر العبارة إما من سهو القلم أو من اشتباه النساخ، فإنه لا بد وأن
يكون المذكور مكان الفاسخ كلمة المفسوخ عليه، وفي مكان كلمة
المفسوخ عليه كلمة الفاسخ كما هو واضح.
أما الوجه في رجوع البايع إلى المتلف، فقد ذكر المصنف فيه وجهين:
الأول: إن بدل العين التالفة إنما هو في ذمة المتلف، والثاني أن العين
التالفة بعد الفسخ ملك للمالك السابق وهي في عهدة المتلف، فتكون
كما لو كانت موجودة عنده، فلا بد من الرجوع عليه.
وأجاب المصنف عن ذلك أن البدلية إنما هي بالنسبة إلى التلف من
حيث وجوب دفعه إلى المالك، وأن ذمة المتلف غير فارغة عن ذلك،
لا أنه يترتب على هذا البدل جميع الآثار المترتبة على العين بحيث، كما
أن العين لو كانت موجودة في يد الأجنبي كان البايع المفسوخ عليه يرجع
إليه وكذلك البدل، وليس كذلك بل البدل مثل العين في اشتغال ذمة
المتلف بذلك فقط لا في جهة أخرى، وحينئذ فيرجع البايع إلى
المشتري فالمشتري يرجع إلى الأجنبي.
وأيضا أن مقتضى الفسخ وإن كان عود العين التالفة إلى المالك السابق
لكن تلك العين التالفة مضمونة ضمانا معاوضيا على المشتري الذي
يفسخ العقد بحيث لا بد له أن يعطي البدل للبايع الذي هو المالك السابق
للمبيع.
وعليه فلا بد وأن يخرج المشتري عن عهدة ذلك ويعطي بدله للبايع،
وإذن فيرجع البايع إليه، وأما الأجنبي فهو ضامن ضمانا غراميا بالنسبة
إلى المالك حين الفسخ، وهو من له الخيار.
وعليه فالوجه هو الرجوع إلى المشتري، وقد اختاره السيد في
563

حاشيته (1)، وأيده بأن الأمر كذلك في الإقالة أيضا، فإن فيها أيضا يرجع
البايع إلى الآخر وإن كان المتلف هو الأجنبي، وعلى الجملة حكم
الفسخ والانفساخ مطالبة العوض من الطرف كما هو قانون الفسخ، فإنه
يقتضي أن يخرج كل من المتبايعين عن عهدة العوض ويرجع ذلك إلى ما
انتقل عنه ذلك العوض إليه كما هو واضح.
وأما وجه التخيير فقد ذكر المصنف أن يد الفاسخ يد ضمان بالعوض
قبل الفسخ وبالقيمة بعده واتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان فيتخير
في الرجوع، ثم ذكر أن هذا أضعف الوجوه.
التحقيق في المقام
أقول: الظاهر أن القول بالتخيير أصح الوجوه، وذلك من جهة أن جواز
الرجوع إلى الفاسخ لأجل ضمان المعاوضة، فإن مقتضى الضمان
المعاوضي أن يرجع البايع إليه بالثمن، فإذا فسخ المشتري العقد فيرجع
البايع إليه بالمبيع كما هو مقتضى قانون الفسخ، فحيث كانت العين تالفة
فيرجع إلى بدلها كما هو واضح.
وأما جواز رجوعه إلى المتلف، فمن جهة أن المتلف قد اشتغلت
ذمته ببدل العين التالفة بمقتضى قاعدة الضمان بالاتلاف وكان اللازم عليه
أن يعطي ذلك إلى المشتري حدوثا إلى زمان فسخ المشتري العقد، وإذا
فسخ المشتري العقد كانت ذمته مشغولة ببدل العين التالفة بقاءا بالنسبة
إلى البايع، كما إذا كان مال أحد تحت يد أجنبي إما بعنوان الغصب أو
بعنوان الأمانة فمات المالك، فإنه لا بد أن يعطي ذلك إلى وارثه، وهكذا
لو كانت ذمته مشغولة لأحد لأجل اتلاف ماله ثم مات المالك فإنه يجب

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 168.
564

عليه أن يعطي بدله لوارثه، والمقام أيضا كذلك كما هو واضح.
وإذن فالخيار للمفسوخ عليه أن يتخير بين الرجوع إلى الفاسخ أو
المتلف.
ثم إنه لا يفرق في الحكم بالتخيير بين القول بأن ضمان المتلف بقيمة
يوم التلف أو أعلى القيم أو قيمة يوم المطالبة، فإنه إذا قلنا بقيمة يوم
التلف مع كونه زائدا عن قيمة يوم الفسخ والمطالبة يعتبر من حين الفسخ
اشتغال ذمة المتلف بذلك القيمة، ولا يلزم من ذلك أن نقول يتعين
الرجوع إلى الفاسخ وإلا لزم أن يكون الزائد عن قيمة يوم الفسخ للفاسخ
كما هو واضح.
نعم فرق بين الرجوع إلى المتلف والفاسخ، فإنه إن رجع إلى الفاسخ
فيرجع الفاسخ إلى المتلف وإن رجع إلى المتلف فلا يرجع المتلف إلى
أحد لاستقرار الضمان عليه كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لقياس المقام ببيع ذي الخيار المبيع من
شخص آخر في زمان الخيار، فإنه بعد الفسخ لا يرجع البايع إلى
المشتري الثاني لعدم اشتغال ذمته فعلا ببدل العين التالفة حتى ينتقل
ذلك إلى البايع بقاء، نعم يصح قياسه بباب تعاقب الأيدي في الغصب مع
تلف العين المغصوبة كما هو واضح.
5 - لا يجب على البايع والمشتري تسليم المبيع والثمن
قوله (رحمه الله): مسألة: ومن أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة، فقال: لا يجب
على البايع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار (1).
أقول: إن هنا فرعان:

1 - التذكرة 1: 523.
565

الفرع الأول
أنه لا يجب على البايع تسليم المبيع في زمان لم يسلم المشتري الثمن،
وذلك من جهة الشرط الضمني فإن العقلاء بانون على اشتراط تسليم
المبيع بتسليم الثمن، فبانتفاء الثاني لا يجب الأول، وهذا واضح.
الفرع الثاني
أنه إذا سلم البايع المبيع لا يجب على المشتري تسليم الثمن في زمان
خياره بتوهم أنه من أحكام الخيار، وقد استشكل عليه بأنه بأي دليل
لا يجب ذلك، فمجرد كون المشتري له الخيار لا يثبت جواز تأخير
التسليم بل لا بد وأن يكون له دليل، ولذا ذكر المصنف أيضا أنه لا نعرف
وجها لهذا الحكم.
نعم لو قلنا بمقالة الشيخ الطوسي (رحمه الله)، على ما نسب إليه من القول،
بتوقف حصول الملك على انقضاء زمان الخيار وأنه لم تحصل الملكية
قبل ذلك، لتوجه ما ذكره العلامة من عدم وجوب التسليم على المشتري
في زمان خياره وإن سلم البايع أيضا المبيع إليه، إذ ليس الثمن ملكا للبايع
حتى يجب تسليمه إليه، كما أن المبيع ليس ملكا للمشتري وإن سلمه
البايع إليه.
ولكن قد تقدم الاشكال في ذلك وعدم الدليل عليه، وقلنا إن مقتضى
العمومات حصول الملكية لكل من البايع والمشتري من أول العقد، غاية
الأمر تكون الملكية في زمان الخيار متزلزلة وإنما تستقر بانقضاء زمان
الخيار كما لا يخفى.
ثم إن شيخنا الأستاذ قد تعجب من قول المصنف حيث ذكر أنا لا نعرف
566

وجها للقول بعدم وجوب تسليم الثمن على المشتري مع تسليم البايع
المبيع إياه، ثم ذكر الوجه في ذلك، وحاصله:
أن أدلة الوفاء بالعقد قد خصصت بمدلولاتها المطابقية، وهي لزوم
العقد بالأدلة الدالة على ثبوت الخيار للمتبايعين أو لأحدهما وكان العقد
في زمان الخيار جائزا ومتزلزلا، بحيث كان العقد بجميع مدلولاته
المطابقية والالتزامية تحت يد ذي الخيار لا يجب عليه التسليم، كما
لا يجب عليه الوفاء بأصل العقد، فلا يكون هذا مخالفا لقاعدة السلطنة،
لأن من لا خيار له لو انتقل إليه المال على نحو كان لمالكه الأصلي التسلط
على عدم التسليم لم يثبت له السلطنة المطلقة.
وبالجملة أن قاعدة السلطنة قابلة للتضيق، وكيف أن الوجه في عدم
وجوب تسليم الثمن على المشتري في زمان خياره قدرته على فسخ
العقد، فحيث كان قادرا على ذلك فقادر على لوازمه ومن جملة لوازمه
عدم وجوب تسليم الثمن كما هو واضح.
ولكن هذا الكلام عجيب منه، من جهة أن دليل التخصيص إنما ورد
على العمومات من حيث دلالتها على لزوم العقد مطلقا وجعله جائزا في
زمان الخيار، وأما الملكية الحاصلة من أول العقد فهي باقية على حالها
وغير مخصصة بأدلة الخيار، وحينئذ فلا يجوز لذي الخيار المنع من
تسليم العوض فإنه تصرف في مال الغير بدون إذنه فهو حرام.
ودعوى تضييق دائرة دليل السلطنة بأدلة الخيار أو انصراف الأدلة
الدالة على حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه عن موارد البيوع
الخيارية كما عن بعض دعوى جزافية، بداهة أنه لا دليل على التضييق
ولا موجب للانصراف بل لا بد من الأخذ بمفادها والحكم بوجوب تسليم
مال الغير إليه إلا إذا رضي بالبقاء عنده.
567

نعم يمكن توجيه عدم وجوب التسليم كما ذكره العلامة من جهة أنه
لا يتعين التسليم لعدم لزوم العقد بل أن يفسخ العقد، فمراد من التزم بعدم
التسليم أن ذي الخيار له فسخ العقد لكي يكلف بالتسليم فيكون البيع
لم يقع كما هو واضح.
ولكن هذا توجيه بعيد كما ذكره في المتن، ومع ذلك ذكرنا لا نعرف
وجها لذلك أي لعدم وجوب التسليم لذي الخيار.
1 - الكلام في سقوط الخيار وعدمه في جملة من موارد الخيارات
قوله (رحمه الله): مسألة: قال في القواعد: لا يبطل الخيار بتلف العين (1).
أقول: لا شبهة أن موضوع هذا البحث إنما هو صورة عدم انفساخ
العقد، وعليه فلا تزاحمها قاعدة التلف قبل القبض وقاعدة التلف في
زمان خيار الحيوان أو خيار الشرط، فإنك قد عرفت أن مقتضى القاعدة
في هذه الموارد هو انفساخ العقد كما هو واضح.
وأيضا أن مورد البحث ما إذا لم يكن اعمال الخيار فيه متوقفا على بقاء
العين كما في مورد خيار العيب، بداهة أنه يتوقف على بقاء العين بحالها،
فلو تغيرت عما وقع العقد عليه ولم تكن العين قائمة بعينها سقط الخيار
ويكون النزاع في سقوطه بالتلف أو بقائه لغوا كما هو واضح، بل يتعين
عليه أخذ الأرش.
والسر في ذلك أن المستفاد من روايات خيار العيب هو كون الخيار
متوقفا على رد المعيوب.
وأيضا أن مورد البحث ما إذا لم يكن الخيار بحسب جعل المتعاقدين
مختصا بصورة بقاء العين بأن يكون المجعول هو الحصة الخاصة من

1 - جامع المقاصد 4: 316.
568

الفسخ فيكون المقتضي من الأول مضيقا، كما إذا جعل لنفسه الخيار في
بيع مقيدا برد مثل الثمن كان باع داره بثمن معين واشتراط جواز رده برد
مثل الثمن إلى مدة خاصة وتلف الدار في ضمن هذه المدة، فإنه يسقط
الخيار بالتلف فلا يبقى خيار هنا، فإن المجعول إنما كان هو الخيار
الخاص والفسخ الخاص أعني الفسخ مع بقاء العين كما هو واضح.
وكذا الحال إذا كان الخيار متعلقا برد العينين كما في المعاملات، فإنه
بناءا على كونها جائزة فإنما يكون جواز الرد متعلقا بالعين، وهذا إنما
يتحقق ما دام العين باقية في حالها وإذا تلفت سقط موضوع جواز الرد
أصلا كما هو واضح بل يحكم بلزوم العقد.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنه وقع الكلام في سقوط الخيار وعدمه في
جملة من موارد الخيارات كخيار الغبن، فإن المحقق الثاني تردد في
سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه (1).
ومنها المرابحة فيما إذا ظهر كذب البايع في رأس المال، بأن أخبر
بأنه اشتراه عشرة دراهم ويأخذ منه الربح درهمين فيكون الثمن اثنا عشر
درهم، فظهر أنه اشتراه بثمانية دراهم، فإنه قد تخلف الشرط في المقام،
فقد وقع الخلاف في سقوط الخيار هنا بتلف العين وعدمه.
وقد تردد العلامة في ذلك (2)، بل عن المبسوط الجزم بالعدم (3)، وعلل
ذلك بأن الرد إنما يتحقق مع بقاء العين، ولكن قوى في المسالك وجامع
المقاصد (4) ثبوته.

1 - جامع المقاصد 4: 294، كما في الدروس 3: 219.
2 - التذكرة 1: 545.
3 - المبسوط 2: 143.
4 - جامع المقاصد 4: 262.
569

ومنها خيار الرؤية، فإن المحقق الثاني ألحقه بخيار الغبن في سقوطه
بتلف العين (1)، وكذلك تلف الثمن في خياري الحيوان والشرط المجعول
على نحو الاطلاق لا في تلف المبيع، فإنك قد عرفت خروجه عن مورد
البحث وتعين انفساخ العقد هناك.
والظاهر أن القائلين بسقوط الخيار في الموارد المذكورة وغيرها إنما
توهموا أن الخيار إنما تعلق برد العين، ومن الواضح أن هذا إنما يكن فيما
إذا كانت العين باقية، وأما إذا تلفت فلا يمكن الرد فيسقط الخيار كما هو
واضح.
التحقيق في المقام
ولكن التحقيق في المقام أن يقال: إن الخيار تارة يثبت بالأدلة الخاصة
والروايات الدالة على ذلك وأخرى بالشرط الضمني.
أما الأول كخيار المجلس مثلا، فالظاهر بقاء الخيار بعد تلف العين
أيضا لاطلاق الأدلة وعدم تقيدها بصورة تلف العين كما هو واضح، فإن
مقتضى قولهم (عليهم السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا (2)، هو كون الخيار
دائرا مدار الاجتماع، فما دام المتبايعان في المجلس كان الخيار باقيا
وإذا تفرقا يسقط الخيار، ولا شبهة أن التفرق قد يكون بعد تلف العين
وأخرى قبله فاطلاق الرواية محكم.

1 - جامع المقاصد 4: 301.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
570

ومن هنا ظهر أنه لا وجه لتوهم أنه لا نجد في أدلة الخيارات، كما في
كلام المصنف تكون مطلقة في اثبات الخيار بالنسبة إلى ما بعد تلف
العين، وكذلك اطلاق قوله (عليه السلام): وهم بالخيار إذا دخلوا السوق (1)، فإنه
مطلق بالنسبة إلى ما بعد التلف وما قبله.
وأما إذا كان دليل الخيار هو الشرط الضمني فقد مر مرارا أن معنى
جعل الشرط في العقد مرجعه إلى جعل الخيار، ومن الواضح في كون
الانسان مخيرا في فسخ العقد وامضائه لا يفرق فيه بين تلف العين وبقائه
كما هو واضح، كما أن الإقالة ليست بمقيدة ببقاء العين فكذلك الفسخ، إذ
لا فرق بينهما إلا من أن الإقالة فسخ من الطرفين والفسخ بالخيار فسخ من
طرف واحد، إذن فمقتضى القاعدة هو الحكم بثبوت الخيار بتلف العين
كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه للتمسك بالاستصحاب كما في المتن لعدم
وصول النوبة إليه حتى يستشكل فيه بما ذكرناه سابقا من عدم كون
الاستصحاب جاريا في الشبهات الحكمية وغير ذلك من المناقشات.
2 - لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة
قوله (رحمه الله): مسألة: لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة بلا خلاف.
أقول: إذا فسخ ذو الخيار العقد فلا شبهة في كون العين مضمونة
لصاحبها على الفاسخ، إذا فرط في اعلان صاحبها وجعله متمكنا في

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهي عن تلقي الركبان وقال: من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل
السوق (عوالي اللئالي 1: 218، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فإن تلقي متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (الغنية
: 526، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
571

أخذ ماله عرفا، فإن يده حينئذ يد ضمان من حيث البقاء، وإن لم يكن
كذلك من حيث الحدوث وبناء العقلاء أيضا على ذلك، وأما إذا جعل
صاحبه متمكنا من الأداء باعلانه إياه ونحو ذلك لا يكون ذلك ضامنا عليه
فإن يده أمانة شرعية كما هو واضح.
وأما المفسوخ عليه فهل يكون ضامنا لمال الفاسخ أو لا؟ فقد ذكر
شيخنا الأستاذ أنه يكون ضمانه عليه لدليل اليد، وذلك فإن المستفاد من
من الدليل أن كون مال الغير تحت استيلاء شخص يقتضي أن يكون
ضمانه عليه إلا أن يتحقق رافعه ولم يؤخذ مال الغير عنوانا للمأخوذ
حتى يقال إنه حين الأخذ لم يكن مال غيره، فلا يشمله قوله: على اليد ما
أخذت، بل اعتبر بالقرينة العقلية موضوع الحكم بوجب الأداء،
ولا شبهة أنه حين الحكم بوجوب الأداء هذا العنوان موجود، لأنه في هذا
الحين مال الغير وإن لم يكن حين الأخذ كذلك.
وبالجملة المال المقبوض إذا طرأ عليه عنوان مال الغير يترتب عليه
الضمان، كما أنه لو خرج عن هذا العنوان يرتفع عنه الضمان.
ولكن يرد عليه أولا: أن على اليد ما أخذت حتى تؤدي رواية نبوية
مروية من طرق العامة (1)، فلا يمكن المساعدة على صحتها كما تقدم
سابقا.

1 - رواه الحسن البصري، عن سمرة بن جندب، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، راجع سنن البيهقي
6: 90، كتاب العارية، وكنز العمال 5: 257.
أما الحسن البصري فمضافا إلى انكار جماعة منهم سماعة من سمرة أنه من المنحرفين عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) وله كلمة جافة في حقه لا تصدر إلا ممن عانده وناواه.
أما سمرة هو الذي انحرف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان أيام مسير الحسين (عليه السلام) إلى
الكوفة على شرطة ابن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين (عليه السلام) وقتاله، وقد
مر في الجزء الثاني تفصيلا، فراجع.
572

وثانيا: إن شيخنا الأستاذ وقد اعتبر في مفهوم الأخذ عنوان القادرية
والاستيلاء، كما هو كذلك في قوله تعالى: لا تأخذه سنة ولا نوم (1)، ومن
الواضح أنه ليس هنا كذلك، بل المدرك لهذه القاعدة إنما هو السيرة
القطعية العقلائية، ولا شبهة أنها منتفية في المقام، بل هي على عكس
ذلك، فإن السيرة قائمة على أنه لا ضمان في مثل هذه الموارد.
-
1 - البقرة: 255.
573

الكلام في النقد والنسيئة
قوله (رحمه الله): القول في النقد والنسيئة.
أقول: إن البيع بحسب تقسيمه إلى النقد والنسيئة له أربعة أقسام: لأنه
أما يكون كل من العوضين نقدا فهو بيع النقد، وأما يكونا كلاهما نسية
وهو الكالئ بكالئ، وأما يكون أحدهما نقدا والآخر نسيئة فإن النقد هو
الثمن والنسيئة هو المثمن وهو بيع السلم، وأما بالعكس فهو بيع النسيئة
المعروف.
ثم إن القسم الثاني أعني بيع الكالئ بكالئ والمراد منه أن يكون كل من
العوضين كليا في الذمة ودينا للآخر بأن باع أحد منا من الحنطة كليا
بدرهم كلي مع كون كل منهما مؤجلا، وأما إذا كانا لشخصين فقد أجل
في التسليم من الطرفين فلا يكون من بيع الكالئ بكالئ، فتقسيم البيع إلى
النقد والنسيئة أمر آخر لا يكون مربوطا بتقسيمه إلى الحاضر وغيره.
والوجه في اختصاص الكالئ بكالئ بالكلي هو رواية النهي عن بيع
الدين بالدين (1) والاجماع، فإن الدين لا يكون إلا كليا والمتيقن من
الاجماع هو ذلك، فافهم.
نعم المعنى اللغوي للكالئ بكالئ موجودة هنا، فإن العوضين من
الطرفين فلو اشترط فيهما الأجل فإن التأخير هنا بحسب الشرط، فما

1 - عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يباع الدين
بالدين (التهذيب 6: 189، الكافي 5: 100، عنهما الوسائل 18: 298)، موثقة.
574

ذكره شيخنا الأنصاري من المراد بالمؤجل خصوص الكلي إشارة إلى
ذلك.
المراد من كون المثمن أو الثمن نسيئة
ثم إن المراد من كون المثمن أو الثمن نسيئة أي شئ؟ وقد يكون
المراد من ذلك كون التمليك في أمثال ذلك تعليقيا من ناحية المؤجل، بأن
يملك البايع مثلا فعلا ولكن الملكية تحصل بعد زمان، بحيث يكون
الانشاء فعليا والمنشأ استقباليا نظير الوصية ولكنه باطل، وصحته في
باب الوصية لدليل خاص.
وبيان ذلك: أن العلماء ذكروا في بيان بطلان التعليق في العقود مثلا
تارة ينشئ تمليك ماله للمشتري على تقدير أن يكون هذا اليوم يوم
جمعة مع تردده في كونه يوم جمعة فإنه يملك على هذا التقدير،
وأخرى ينشئ ملكية ماله لشخص في مقابل العوض الخاص بعد عشرة
أيام بحيث يكون البيع حاصلا بعد عشرة أيام، كما إذا آجر داره بعد
شهر، وفي المقام من الآن يبيع المبيع الفلاني بعد سنة بحيث تكون
الملكية من الطرفين حاصلة بعد سنة، وليس الموجود من الآن إلا انشاء
البيع فقط ليس إلا، وقد اتفقت كلمات الأصحاب على بطلان كلا هذين
القسمين، ولكن بطلان البيع هنا على تقدير كون انشاء التمليك على
التقدير المذكور بحيث يكون الانشاء فعليا والمنشأ استقباليا لا يتوقف
على بطلان التعليق.
بل لو لم يقم الاجماع على بطلان التعليق فأيضا لا بد من الالتزام ببطلان
ذلك، من جهة أنا ذكرنا في محله أن البيع مبادلة مال بمال بحيث يدخل
الثمن فعلا في ملك من خرج المعوض من ملكه.
575

ومن الواضح أنه على التقدير المذكور قد صار الثمن ملكا للبايع فعلا
من غير أن يكون المبدل أي المبيع داخلا في ملكه، ولا شبهة أن هذا
خارج عن مفهوم المبادلة المفروض حصولها بالفعل فلا يكون مشمولا
لمفهوم المبادلة كما هو واضح.
وأيضا يحكم ببطلانه من جهة عدم صدق البيع عليه، سواء قلنا
ببطلان التعليق أم لا.
وقد يقال: إن معنى البيع النسيئة عبارة عن كون الانشاء فعليا و
المملوك متأخرا كالواجب المعلق، وكبعض أقسام الإجارة كما إذا آجر
الدار المعهودة فعلا بعد عشرة أيام، ففي المقام أن البايع يملك
المشتري ماله بعنوان أن يكون الانشاء حاليا وكذلك المنشأ ولكن
المملوك يكون متأخرا كما في الإجارة حيث إن المؤجر الآن يؤجر الدار
المعينة بعد شهر فإنه بذلك يملك منفعتها من الآن ملكية فعلية ولكن
المملوك متأخر، وكذلك في المقام.
وهذا وإن كان معقولا في الإجارة ولكنه غير معقول في البيع، بداهة
أن الإجارة تمليك المنفعة، وهي من الأعراض، والأعراض تقدر
بالزمان، ولكن البيع ليس كذلك فإنه تمليك الأعيان فهي لا تقدر بالزمان،
فإن حنطة اليوم مثلا هي عين هذه الحنطة بعد عشرة أيام وهكذا.
وعليه فلا معنى أن يملك البايع للمشتري حنطة الشهر الآتي بحيث
تكون هذه الحصة من الحنطة مبيعا كما هو واضح.
وعلى الجملة لا يعقل بيع الأعيان فعلا وتمليكها بالملكية الفعلية بعد
مدة، نظير تمليك الدار المعينة فعلا لشخص بعد مدة بحيث يكون
مملوك المشتري متأخرا وذلك لما عرفت، فافهم.
بل المناط في النسيئة هو كون كل من العوضين للآخر بالفعل وتكون
576

ذمته مشغولة بذلك بحيث يجب لكل منهما الخروج عن العهدة فعلا،
ولكن يشترط أحدهما على الآخر تأخير الثمن إلى وقت كما في النسيئة
أو تأخير المثمن كما في السلم، فيكون التأجيل من ناحية الشرط لا من
ناحية كيفية الانشاء كالتعليق ونحوه ليلزم المحاذير المتقدمة.
وهذا الذي ذكرناه لا يحتاج إلى التفتيش الذي ذكرناه، بل هو أمر
عرفي وثابت بحسب ارتكاز العقلاء أيضا كما هو واضح، وعليه
فلا يجب دفع الثمن المشترط تأخيره إلى مدة حتى مع مطالبة الطرف، إذ
ليس له حق المطالبة قبل الوقت المعين.
1 - اطلاق العقد يقتضي النقد
قوله (رحمه الله): مسألة: اطلاق العقد يقتضي النقد.
أقول: قد ظهر مما ذكرناه أن اطلاق العقد يقتضي التعجيل، وذلك من
جهة أنه إذا كان مقتضى البيع هو مبادلة مال بمال بالفعل، فمقتضى ذلك أن
كل من العوضين ملك لكل من المتبايعين بالفعل، وهذا يقتضي أن يعطي
كل منهما العوض للآخر بغير تأخير عند المطالبة، فإن جواز تأخير أداء
مال الغير مع المطالبة يحتاج إلى دليل، بل يجب ذلك بدون المطالبة
أيضا، فإن كل من كانت ذمته مشغولة بمال الغير وجب عليه افراغ ذمته
وأداء مال الغير إليه، سواء طالب أم لم يطالب، فإن عدم المطالبة
لا يكشف عن رضاه بذلك، فإنه ربما يكون من جهة الغفلة.
نعم إذا انكشف بالقرائن الخارجية جواز تأخير الأداء ورضي المالك
بالبقاء عنده لا يجب الأداء فورا.
ومن هنا اتضح أنه لا يتوقف وجوب ايصال مال الغير إليه على
المطالبة، بل مقتضى اشتغال ذمة المديون أو من وضع يده على مال الغير
أن يوصله إليه وإن لم يطالب ذلك، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا
577

بطيب نفسه، فإنه شامل باطلاقه لذلك أيضا، راجع في ذلك إلى حاشية
السيد (1) إلا مع العلم برضاه للبقاء عنده ما لم يطالب كما هو واضح.
وعلى هذا فلو اشترط أحد المتبايعين على الآخر التعجيل في التسليم
وعدم التأخير كان هذا تأكيدا للاطلاق لا تأسيسا، إذ ما يستفاد من الشرط
إنما يستفاد من الاطلاق كما عرفت، فلا يكون للاشتراط فائدة كما ذكره
الشهيد في الدروس (2)، من أن فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان
النقد فأخل المشتري بل نفس هذه الفائدة مترتبة على الاطلاق أيضا كما
ذكره الشهيد الثاني مع الاطلاق أيضا يعين عدم تعيين الزمان إذا أخل به
في أول وقته.
نعم للاشتراط فائدة إذا كان الاطلاق يقتضي وجوب التسليم ولكن
بحسب العرف بأن يقضي العرف بلزوم التسليم في ستة أيام مثلا وهو
يشترط على صاحبه التسليم فورا، فإن هذا المقدار من الفورية لا تستفاد
من الاطلاق.
وأيضا تترتب القاعدة على الاشتراط إذا كانت القرينة العرفية قائمة
على رضاء كل من المتبايعين ببقاء كل من العوضين عند الآخر، فإن
بالاشتراط ترتفع هذه القرينة، وتكون فائدة الاشتراط هو لزوم التسليم
فورا ولا يجوز التأخير اعتمادا إلى رضاء الطرف بمقتضى الاشتراط كما
هو واضح.
ثم إن لصاحب الجواهر هنا كلاما (3)، وهو أن الخيار هنا إنما هو مع عدم
التمكن من الاجبار وأنه واقع في طوله وإلا فلا يثبت الخيار.

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 3: 176.
2 - الدروس 3: 203.
3 - جواهر الكلام 23: 99.
578

وقد أشكل عليه المصنف بأن ذلك غير مربوط بالمقام، فإن الكلام
هنا في ثبوت خيار تخلف الشرط وعدمه في نفسه والشرائط الأخر غير
مربوطة بذلك فإنه يبحث في بقية الشرائط في مواردها، فمن جملتها
اشتراط ثبوت الخيار مع التمكن من الاجبار أو بوجوبه معه وشئ منهما
لا يرتبط بالمقام كما هو واضح، هذا أولا.
وثانيا: أنه لا معنى لاعتبار عدم التمكن من الاجبار أو وجوبه مع
التمكن منه في ثبوت الخيار، بداهة أن الخيار هنا من ناحية تأخير التسليم
في المدة المعينة المضبوطة بحسب الاشتراط في ضمن العقد بحيث
يكون الخيار هنا من ناحية التأخير في الزمان الخاص، وحينئذ فما
لم يصل ذلك الزمان فلا معنى للاجبار، إذ لا حق له في ذلك قبل وصول
الوقت فضلا عن وجوب الاجبار وبعد وصوله، فإذا كان وقت الأداء باقيا
أيضا لا وجه لجواز الاجبار أو وجوبه لوسعة الوقت، وإذا خرج الوقت
فقد فات الوقت وثبت الخيار، فأيضا لا يبقى مجال للاجبار كما هو
واضح.
وعلى الجملة بعد السبر والتقسيم والتفتيش لا نرى وجها لكون
الخيار مشروطا بعدم التمكن من الاجبار أو وجوبه بعد التمكن منه، نعم
إذا اشترط فعل في ضمن العقد كالخياطة ونحوها فأمكن اعتبار هذا
الشرط فيه لعدم كون الخيار من حيث الزمان.
أما ما ذكره المصنف من الوجه الأول فهو متين، فإنه لا معنى لذكر
جميع شرائط خيار تخلف الشرط في المقام، بل لها مورد آخر قد تقدم
الكلام في ذلك، فاعتبار عدم التمكن من الاجبار أو وجوبه مع التمكن منه
في ثبوت خيار التأخير الذي من مصاديق خيار تخلف الشرط لا وجه له،
يعني لا مورد له هنا بل مورده محل آخر.
579

وأما ما ذكره صاحب الجواهر فهو أيضا حسن، فإنه نبه على أن هذا
الشرط موجود في موارد خيار تخلف الشرط وهذا المورد منها، فيعتبر
فيه ذلك أيضا، وهو تنبيه حسن.
ولكن الكلام في أصل اعتبار هذا الشرط وأن الخيار واقع في طوله،
وقد تقدم في مورده أنه لا دليل على هذا الشرط، بداهة أن خيار تخلف
الشرط ثابت على فرض التخلف بالشرط الضمني المعتبر في العقد عند
التحقق، ولا شبهة أنه لم يقيد هذا الشرط من حيث كونه تخلفه موجبا
للخيار لم يقيد بالتمكن من الاجبار ووجوبه معه، بل بمجرد أن المشروط
عليه تخلف عن العمل بالشرط ثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط كما
هو واضح.
وأما ما ذكره ثانيا فلا يمكن المساعدة عليه، فإنه لو صح لجرى في
جميع الشروط أيضا حتى الخياطة والكتابة ونحوهما، فإنه يقال إنه
لا معنى لاشتراط هذا الشرط أصلا، فإنه قبل زمان الشرط لا معنى
للاجبار، وفي زمانه فالوقت موسع، وبعد خروج الوقت لا يبقى مجال
لذلك أي للاجبار بل يجري ذلك في الواجبات التكليفية أيضا بعين ما
ذكر، وقد ذكر نظير ذلك الإيرواني في المحرمات.
وقد تقدم في البحث عن حرمة الإعانة على الإثم، من أنه لا يتوجه
النهي إلى المكلف قبل الاقدام بالحرام وبعده قد فات محله، فإنه بالنسبة
إلى جرأة لم يشربها من الخمر لم يتوجه إليه التكليف، وبالنسبة إلى
جرأة شربها قد مضي وقت النهي، فأيضا يكون توجهه إليه غير مقدور
كما لا يخفى، فافهم.
وكيف كان فلا مجال لما ذكره المصنف من الاشكال الثاني، بل المراد
من اعتبار عدم التمكن من الاجبار في ثبوت الخيار وأنه مع التمكن منه
580

لا يثبت الخيار أنه إذا وصل وقت الشرط وعلم من المشروط عليه علائم
عدم الوفاء بالشرط مع مضي مدة من الوقت إذا كان الوقت موسعا، وفي
أول الوقت إذا كان مضيقا فإنه حينئذ يجبر على الوفاء به، وهذا هو
مرادهم من التمكن من الاجبار، ولكن الكلام في أصل وجود الدليل على
اشتراط هذا الشرط، وقد عرفت المناقشة في ذلك وقد تقدم تفصيل
ذلك في محله.
2 - جواز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة
قوله (رحمه الله): مسألة: يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة.
أقول: الكلام في ضرب المدة في البيع المؤجل وكيفية ذلك، لا شبهة
في أنه لا بد من ضرب الأجل المعين في البيع المؤجل، ولو لم يعين
الأجل كان ذلك موجبا لبطلانه للغرر المنفي بالنص والاجماع، بداهة أن
الغرر بمعنى الخطر.
ومن الواضح أن عدم تعيين المدة في البيع المؤجل موجب للخطر في
المال، ضرورة أن مالية المبيع تختلف باختلاف زيادة المدة ونقصانها،
حيث إن قيمة المبيع تزيد بزيادة تأخير ثمنه ويقل نقصانه، فلو باعه نسية
بقيمة رخيصة بزعم أنه يسلم المشتري الثمن بعد عشرة أيام ولم يسلم
إلى سنة، فإن ذلك من أوضح أفراد الغرر المنفي بالنص والاجماع على
تقدير تماميتهما، وعليه فلا بد من ضرب المدة المعينة في البيع
المؤجل.
وقد استدل المصنف على اعتبار تعيين الأجل هنا بما ورد في السلم
581

من لزوم تعيين المدة (1)، فإن كان نظره من ذلك إلى وجود الملازمة بينهما
وتنقيح المناط القطعي، بدعوى أنه نقطع بعدم الفرق بينهما فإن الأجل
فيهما على حد سواء ولا نحتمل الخصوصية في السلم فهو، وإلا
فلا وجه لذلك الاستدلال، فإن كل من السلم والبيع المؤجل أمر مستقل
في نفسه فلا يرتبط أحدهما بالآخر كما هو واضح.
ثم إن هذه المدة المعينة لا بد وأن لا يكون على مقدار كثير أوجب
خروج الثمن عن المالية، وعدم اعتبار العقلاء المالية لذلك، كاشتراط
تأجيل الثمن عشرة آلاف مليون سنة، فإن العقلاء في مثل ذلك
لا يعتبرون المالية للثمن، فمثل هذه التأجيلات خارج عن مورد البحث
كما هو واضح.
وتوهم صحة ذلك بدعوى أن الأجل وإن كان طويلا ولكن بالموت
يكون الثمن حالا توهم فاسد، فإن حلول الثمن بالموت من أحكام البيع
المؤجل فهو مترتب بالبيع الصحيح، فلا يمكن الحكم بصحة البيع بهذا
اللحاظ، وقد فرضنا أن البيع مع قطع النظر عن لحاظ الحكم الشرعي
فاسد لعدم اعتبار المالية على الثمن.
ثم إنه لا فرق في الأجل المعين بين القصير والطويل ما لم ينجر إلى
خروج الثمن عن المالية في نظر العقلاء كالفرض المتقدم، ولكن عن

1 - عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس
بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم، ولا تسلمه إلى دياس ولا إلى حصاد (الكافي 5: 184،
التهذيب 7: 27، الفقيه 3: 167، عنهم الوسائل 18: 289)، موثقة.
عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي
يصنع في البلد الذي أنت به؟ قال: نعم إذا كان إلى أجل معلوم (الكافي 5: 199، التهذيب 7: 27،
عنهما الوسائل 18: 289)، موثقة.
582

الإسكافي أنه لا بد وأن لا يكون المدة إلى ثلاث سنين، وقد يستشهد له
بالنهي عنه في بعض الأخبار، حيث جوز فيها الإمام (عليه السلام) للسائل
التأجيل في المعاملة مع أهل الجبل إلى سنة وسنتين، ولم يجوز ذلك
إلى ثلاث سنين (1).
ولكن الظاهر أن النهي في الروايتين ليس تحريميا بحيث لا يجوز
التأخير إلى ثلاث سنين أو أكثر، بل ارشاد إلى أن التأجيل مع أهل الجبل
بمقدار ثلاث سنين ينجر إلى تلف المال وانكارهم الثمن ومسامحتهم
في الأداء، بحيث يوجب ذلك ذهاب رأس المال أيضا، فكأن السائل
شاور الإمام (عليه السلام) في ذلك فهو لم ير مصلحة في معاملتهم التأجيل بهذا
المقدار كما لا يخفى.
ثم إنه إذا ضرب الأجل بمقدار لا يبقى المتبايعان إلى هذه المدة في
ذلك الأجل عادة كألف سنة أو مائتين سنة مثلا فهل يصح ذلك أو لا؟
فذكر المصنف أن في الصحة نظر، من حيث خروج الثمن عن الانتفاع
به، ومن الأجل المضبوط وحلوله بموت المشتري، ثم اختار الثاني،
وقربه بأن ما في الذمة ولو كان مؤجل إلا أنه مال يصح الانتفاع به في

1 - عن أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني أريد الخروج إلى بعض الجبال
فقال: ما للناس بد من أن يضطربوا سنتهم هذه، فقلت له: جعلت فداك إنا إذا بعناهم بنسيئة كان
أكثر للربح، قال: فبعهم بتأخير سنة، قلت: بتأخير سنتين؟ قال: نعم، قلت: بتأخير ثلاث؟ قال:
لا (الكافي 5: 207، عنه الوسائل 18: 35)، ضعيفة.
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر أنه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إن هذا الجبل قد فتح على
الناس منه باب رزق، فقال: إن أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطرب، وليس للناس بد من
معاشهم، فلا تدع الطلب، فقلت: إنهم قوم ملاء ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة،
قال: بعهم، قلت: سنتين؟ قال: بعهم، قلت: بثلاث سنين؟ قال: لا يكون لك شئ أكثر من
ثلاث سنين (قرب الإسناد: 164، عنه الوسائل 18: 36).
583

حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع، بل وبالبيع أيضا كما في التذكرة (1).
ثم أشكل عليه بوجهين:
1 - إن هذا الاشتراط لغو محض، بداهة أنه يكون حالا بالموت، فأي
فائدة لذلك.
2 - إن الاشتراط المذكور وهكذا الشرط كلاهما مخالف للمشروع
وللسنة، بداهة أنه قد ثبت في السنة أن الأجل يحل بموت المشتري
ومرجع الشرط إلى أنه لا يحل هو باق بعد الموت أيضا، فإن المفروض
أن الأجل أكثر من مدة عمر المشتري فيكون الاشتراط والشرط مخالفين
للسنة فيكون الشرط فاسدا، بل ربما كان مفسدا بناءا على كون الشرط
الفاسد مفسدا للعقد.
والجواب عن ذلك أن كون الشرط مخالفا للمشروع أو غير مخالف له
إنما يلاحظ بالنسبة إلى العقد الصحيح لا بلحاظ حكم العقد، وبعد
الفراغ عن العقد وفرض تحققه في الواقع صحيحا يترتب عليه الحكم كما
هو واضح.
وعلى هذا فلا يكون اشتراط التأجيل بالمدة المزبورة مخالفا
للمشروع إذا لم تكن المدة بحيث توجب عدم اعتبار العقلاء المالية
للثمن، وأما مجرد كون التأجيل بمقدار يعلم عادة عدم بقاء المتبايعين
إلى هذه المدة لا يوجب بطلان المعاملة وكون الشرط مخالفا للمشروع،
بل يعتبرون العقلاء المالية للثمن ويترتب عليه آثار المال ويعاملون عليه
المعاملات، وإلا فلازم ذلك أن يكون جل المعاملات المشروط فيها
التأجيل باطلا ولو كانت المدة قليلة، إذا مات المشروط عليه قبل وصول

1 - التذكرة 1: 546.
584

الأجل وصار الثمن حالا، فإنه يكشف بذلك أن الشرط المذكور كان
مخالفا للشرع كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أن هذا الاشتراط ليس بلغو أيضا، فإن اللغوية إنما تكون
إذا كان لحاظ الشرط باعتبار الحكم، وقد عرفت أنه يلاحظ مع قطع النظر
عن الحكم وفي العقد الصحيح، وبعد تحقق العقد صحيحا يترتب عليه
الحكم كما هو واضح، وذكرنا أن هذا الاشتراط في نفسه ليس بلغو أصلا
ما لم يكن منجرا إلى عدم اعتبار العقلاء المالية للثمن، وإلا فمجرد بعد
الأجل وكونه زائدا عن وقت العمر لا يجعل الشرط لغوا.
ودعوى كون هذا الشرط مجهولا من حيث عدم العلم بوقت الموت
ليكون حالا وموجبا لبطلان العقد من جهة الغرر كما توهم دعوى فاسدة،
بداهة أن الشرط أمر مضبوط وأنه في نفسه صحيح يعتبر العقلاء معه
المالية للثمن، فلا وجه للحاظه إلى وقت الموت ليكون مجهولا وموجبا
لغررية المعاملة كما هو واضح، إلا إذا كانت المدة المشروطة من أصلها
مجهولة، فهو أمر آخر قد تقدم الكلام في ذلك وكونه موجبا للغرر
وبطلان المعاملة آنفا.
ثم إن المناط في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها بحيث يكون
معينا في الواقع وعند أهل العرف، سواء علم بذلك المتعاقدان أم
لا يعلما بذلك، أو لا بد من علم المتعاقدين بذلك، أو لا بد مع اشتراط علم
المتعاقدين من اشتراط علم عادلين بالأجل من غيرهما.
ولكن الظاهر هو اشتراط علم المتعاقدين في صحة العقد المؤجل، إذ
لا يرتفع الغرر بدونه، فلو باع شيئا بمن مؤجل إلى النيروز، وهو عيد
الفرس، أو المهرجان وهو عيد آخر لهم، ولكن لا يعلم كل من
المتعاقدين أن النيروز بعد شهر أو بعد ستة أشهر، وكذلك المهرجان،
585

فإن ذلك يوجب الغرر البين، بداهة أن لبعد الأجل وقربه دخل في زيادة
مالية المبيع ونقصانه، فيكون ذلك خطرا في مالية المبيع بلا شبهة كما هو
واضح فيكون البيع باطلا، وإن كان ذلك معلوما في الواقع وعند
الأشخاص الآخرين فإن ذلك لا يرفع الغرر.
وقد يتوهم قياس المقام بأوزان البلد، حيث إنهم ذكروا كفاية الشراء
والبيع بأوزان البلد المضبوط في نفسها وإن لم يعرف المتعاقدين مقدار
الوزن تفصيلا، ولكنه واضح البطلان بداهة أن الحكم غير مسلم في
المقيس عليه أيضا، وتسليمه فيه أحيانا من جهة ارتفاع الغرر المشاهدة
ونحوه، وإلا المقيس والمقيس عليه داخلان تحت أصل واحد، وأن
جهل المتعاقدين يوجب الغرر الموجب لبطلان البيع.
على أنه لو كان معلومية العوضين أو الأجل في الواقع كافيا في صحة
البيع وارتفاع الغرر لزم الحكم بصحة كل ما هو مجهول عند المتعاقدين
ومعلوم عند الله، من العوضين أو الأجل في البيع أو الشروط الأخر غير
شرط التأجيل، مع أنه واضح البطلان.
على أنه يلزم أن يكون النهي الوارد عن بيع الغرر بلا مورد، فإنه ما من
بيع مؤجل بالأجل إلا فهو معلوم كما عرفت.
ومن هنا ظهر بطلان توهم كفاية العلم في صحة البيع المؤجل من غير
المتعاقدين.
وأما الاحتمال الثالث فهو محكي عن الشافعي، ولعله من جهة قطع
الترافع إذا وقع النزاع بين المتبايعين، ولكنه أيضا واضح الفساد، بداهة أن
قطع الترافع لا ينحصر بذلك، بل يمكن بالحلف أيضا كما هو واضح.
586

3 - لو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا
قوله (رحمه الله): مسألة: لو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا.
أقول: إذا باع أحد متاعه بثمنين على تقديرين، بأن يكون الثمن عشرة
على تقدير كونه حالا وعشرون على تقدير كونه مؤجلا، فهل يصح ذلك
أم لا؟
تحقيق الكلام هنا يقع في مقامين: الأول من حيث القواعد، والثاني من
حيث الروايات.
المقام الأول: من حيث القواعد
فلا بد من بيان المراد من هذا البيع وتصويره، وأنه كيف يكون بيع
واحد بثمنين، فنقول: إن هذا البيع يحتمل وجوها:
1 - أن يكون المراد من ذلك أن البايع قد باع ماله على تقدير أن يكون
المبيع مؤجلا بكون ثمنه عشرون، وعلى تقدير أن يكون حالا يكون
ثمنه عشرة، ويقبل المشتري على هذا النحو ويقول: قبلت كذلك، من
غير أن يكون الثمن أحدهما المعين أو أحدهما المخير، مع كون البيع
منشئا جزما، وهذا لا شبهة في بطلانه.
ووجه البطلان أن البيع مبادلة مال بمال، بحيث إذا خرج المثمن من
ملك البايع فيدخل المبيع في ملك المشتري ويدخل الثمن في ملك
البايع مكان المثمن، ولا يمكن ذلك إلا بتملك كل من المتبايعين من الآخر
بالبيع بدل ما يملكه للآخر.
ولا شبهة أن البايع لم يتملك في هذه الصورة أي مع كون الثمن مرددا
بين أمرين شيئا أصلا، إذ لا واقعية للأمر المردد حتى في علم الله،
587

وحيث لا واقعية للأمر المردد الذي جعل ثمنا في البيع فبأي شئ
يملك البايع حتى يكون ذلك مكان ماله وهو المبيع، وإذن فمفهوم البيع
أصلا غير صادق على هذه الصورة.
وعلى الجملة هذه الصورة خارجة عن البيع بثمنين، إذ لا معنى
لاختلاف العلماء في ذلك أصلا بعد كونها باطلة قطعا.
2 - أن يراد من البيع بثمنين التعليق، بأن يقول: بعتك هذا المتاع إن كان
الثمن نسية بعشرون وإن كان نقدا بعشرة، ويقبله المشتري كذلك بحيث
إن البايع ينشئ بانشاء واحد بيعين، ويكون الانشاء واحدا والمنشأ وهو
البيع اثنين، والمشتري أيضا يقبله كذلك، والفارق بين هذه الصورة
والصورة الأولى أن البيع في الصورة الأولى قد أنشأ جزما ولكن الترديد
في الثمن.
بخلاف هذه الصورة فإن البيع لم ينشأ منجزا، وإنما أنشأ معلقا
والمشتري أيضا قبل ذلك هكذا، فبعد القبول إن أعطي الثمن نقدا يكون
الثمن عشرة وإن لم يعط نقدا كان الثمن عشرون فيعطيه مؤجلا، ولا شبهة
أن التعليق في العقود ليس مستحيلا في نفسه ليكون باطلا من هذه الجهة،
وإنما هو باطل للاجماع، فإن قلنا بشمول الاجماع لذلك فيحكم
بالبطلان وإلا فلا كما هو المحتمل، إذ بطلان البيع بثمنين مورد الخلاف
للعلماء فليس هنا اجماع، وسيأتي الكلام في صحة الاجماع وبطلانه من
جهة هذه المخافة.
ويحتمل بعيدا أن يراد التخيير بأن يبيع البايع المتاع بأحد الثمنين
على التقديرين بحيث ينشئ البيع منجزا، ويكون الترديد في الثمن
لا على نحو لا يكون له واقعية كما في الصورة الأولى ليكون البيع باطلا،
بل يملك المثمن للمشتري ويتملك منه الثمن وهو أحد الثمنين،
588

ولا شبهة أن عنوان أحدهما له واقعية كالواجب التخييري كما هو
واضح، إلا أن هذا بعيد، فلا يمكن حمل كلام الفقهاء وحمل الروايات
الواردة في المقام على ذلك.
3 - أنه يمكن أن يراد من هذا البيع البيع المؤجل المنجز دون المعلق،
ولكن يكون التقدير الآخر وهو كون الثمن نقدا شرطا فيه، بأن يبيع البايع
المتاع من المشتري بعشرون إلى سنة، أي يشترط المشتري على البايع
في ضمن العقد التأجيل، وأيضا يشترط عليه شرطا آخر، وهو أنه إذا
أعطى الثمن نقدا أن يكون عشرة بأن ينزل من العشرين إلى العشرة.
وبعبارة أخرى يشترط المشتري على البايع النزول على تقدير،
ولا شبهة في جواز هذا الاشتراط وصحته، فإن النزول جائز بدون
الاشتراط، فلا بأس باتيانه تحت الالزام بالاشتراط.
وإذا أريد من البيع بثمنين هذه الصورة فلا شبهة في صحة ذلك، ولكن
ذلك مخالف لصراحة الروايات، بداهة أن موردها وكذلك مورد كلمات
الفقهاء هو البيع بثمنين، وهذا الشق ليس من البيع بثمنين، بداهة أن الثمن
هنا واحد وهو عشرون، وأما كفاية اعطاء العشرة على تقدير أن يعطيه
نقدا ليس من جهة كونه ثمنا آخر بل هو من جهة اشتراط النزول،
ولا شبهة أن باب الشروط خارج عما نحن فيه كما هو واضح.
وإن كان المراد عكس هذه الصورة، بأن يبيع نقدا بعشرة ولكن اشترط
على المشتري أنه إذا لم يرد الثمن نقدا أن يعطي بعشرين، وهذا مضافا
إلى كونه خارجا عن البيع بثمنين كما عرفت في عكسه أنه بيع ربوي
فيكون محرما، ولعل من أفتى بحرمة البيع مع التزامه بالصحة حمل
الروايات على ذلك مراده هذه الشق، كما هو واضح.
ولكن قد عرفت خروج ذلك عن مورد المسألة.
589

ثم إنه إذا كان اشتراط زيادة الثمن على فرض التأخير كاشتراط الرباء
الذي هو شرط فاسد، فهل يكون بعد فساده للبايع حق مطالبة الثمن قبل
الأجل ومعجلا، أوليس له ذلك؟
ربما يقال بلزوم الأقل ويكون التأخير جائزا من طرف المشتري
ولازما من طرف البايع لرضاه بالأقل، فالزيادة ربا ولذا ورد النهي عنه
وهو غير مانع من صحة البيع، وقد ذهب الشهيد إلى ذلك في الدروس (1)
واستقربه.
وأشكل عليه المصنف بأن الزيادة ليست في مقابل الأجل إلا لاسقاط
البايع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي وطبعه، والزيادة وإن
كانت ربا كما سيجئ إلا أن فساد مقابلتها لا يقتضي فساد اسقاط البايع
حق مطالبته الثمن إلى أجل خاص، كما احتمل ذلك في حق القصاص
بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته، بل قال في التحرير بالرجوع
إلى الدية، وحينئذ فلا يستحق البايع الزيادة ولا المطالبة قبل الأجل،
لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول، إذ لم يوجد له بسبب المقابلة
الفاسدة حق في التأجيل حتى يكون له الامتناع عن القبول قبل الأجل
وإنما سقط حقه فقط عن التعجيل.
أقول: يرد عليه أن جواز مطالبة البايع حقه من المشتري الثمن ليس من
قبيل الحقوق حتى يقبل الاسقاط باسقاطه في مقابل العوض ليتوهم بقاء
الاسقاط وإن بطلت المقابلة، بل هو حكم من الأحكام الشرعية الغير
القابلة للاسقاط.
ولا يقاس ذلك بحق القصاص فإنه حق قابل للاسقاط، وعليه فيجوز

1 - الدروس 3: 203.
590

للبايع مطالبة الثمن قبل وصول الأجل، بل يجب للمشتري أن يعطيه إياه
أيضا، وأن له أن يطالب إذا لم يعلم بكون البايع راضيا بالتأخير، وذلك
لأن التصرف في مال الغير وابقائه عنده بدون رضاه حرام فلا يحل ذلك
إلا بطيب نفسه، والمفروض أنه لم يحرز طيب نفسه بالابقاء فيجب الأداء
كما لا يخفى، فافهم.
إذا عرفت هذه الشقوق فعلمت أن مورد البحث ومحط الروايات
ومحلها هو الشق الثاني، بداهة أن الفرضين الأخيرين خارجان عن البيع
بثمنين، والفرض الأول خارج عن مفهوم البيع والتأخير، فيثبت الشق
الثاني وهو التعليق وهو نفسه لا محذور فيه، ولكن الاجماع قائم على
بطلانه في العقود، إلا أن يقال بعدم وجود الاجماع في المقام لوجود
القول بالصحة، ولا يضر خلافهم بالاجماع، هذا كله بحسب القواعد.
المقام الثاني: من حيث الروايات
المستفاد من بعض الروايات صحة ذلك البيع، ولكن على نحو خاص،
ففي رواية محمد بن قيس أنه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع سلعة
وقال: إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد، وثمنها كذا وكذا نظرة، فخذها بأي
ثمن شئت (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية هو صحة ذلك البيع وأنه صفقة واحدة،
ولكن لا تعرض في ذلك لكون البيع مؤجلا على تقدير أن يعطيه
المشتري بثمن نقد، بل حكم الإمام (عليه السلام) على نحو الاطلاق بالأخذ
بقوله: فخذها، من غير تعرض فيها لعدم جواز مطالبة البايع الثمن إلى

1 - الكافي 5: 206، الفقيه 3: 179، التهذيب 7: 47، عنهم الوسائل 18: 37، صحيحة.
591

آخر الأجل إلا بعد وعدم جوازه كما هو واضح، هذه هي الرواية الأولى.
الثانية: رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): أن عليا
(عليه السلام) قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين، بالنقد كذا وبالنسيئة كذا،
فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقل الثمنين وأبعد
الأجلين (1).
فإن هذه الرواية أيضا تدل على صحة البيع بثمنين ولكن مقيدا بكون
الثمن هو الأقل وكون الأجل هو الأبعد، فقد تعرضت هذه الرواية بالمدة
أيضا وأن البايع ليس له حق المطالبة إلى أن يصل الأجل الأبعد.
وإذن فلا مانع من الالتزام بصحة البيع بثمنين على هذا النحو الذي
استفدناه من رواية السكوني، فإن كانت الروايتين معتبرتين كما حكم
الشيخ باعتبار الأولى والسيد باعتبار الثانية فبها، ولا بد من الرجوع إلى
سند الروايتين خصوصا الأخيرة لأنها هي العمدة في المقام (2)، وإلا فلا بد
من الرجوع إلى مقتضى القواعد، وقد تقدم الكلام في ذلك وقلنا إنه
لا اشكال في هذا البيع من غير ناحية التعليق وهو مجمع على بطلانه في
العقود وإن لم يكن فيه محذور في نفسه.
وتوهم عدم وجود الاجماع في المقام لوجود القائل بالصحة توهم
فاسد، فإنا نعلم قطعا أن القائل بالصحة قد اعتمد على الرواية، وبعد
ضعف الرواية فلا مدرك له، فيكون الاجماع تماما ومخالفة القائلين
بالصحة غير مضرة كما هو واضح.
وأما الروايات الناهية عن البيع بثمنين والآمرة بتعيين الثمن، فهي
محمولة على الكراهة بقرينة ما تقدم من الروايتين، روايتي محمد بن

1 - التهذيب 7: 53، عنه الوسائل 18: 37، موثقة.
2 - الرواية الأولى صحيحة، والثانية موثقة، على ما بنى (قدس سره) في معجمه الكبير.
592

قيس والسكوني الدالتان على جواز البيع كذلك وتعيين الثمن الأقل
والأجل البعيد كما هو واضح.
ثم إنه بناءا على العمل بروايتي السكوني ومحمد بن قيس الدالتان
على جواز البيع المذكور ولكن على النحو الخاص يلزم أن لا يكون العقد
تابعا للقصد، فإن البايع قد أنشأ البيع بثمن خاص على تقدير وبثمن آخر
على تقدير آخر، ورواية السكوني دلت على امضائه بأقل الثمنين وبأبعد
الأجلين، فهو غير مقصود للمتبايعين، فما هو مقصود لم يقع وما هو واقع
غير مقصود.
وفيه أنه لا محذور في الالتزام بذلك بعد دلالة الرواية عليه تعبدا كما
وقع نظيره في عقد المتعة، فإنه مع عدم ذكر الأجل انقلب دائما (1)، بناءا
على عدم إفادتهما الملك، فإنه مقتضى الجمع بين الدليلين هو حصول
الإباحة الشرعية كما ذهب إليه صاحب الجواهر.
وكيف كان بعد دلالة الرواية في المقام على الحكم المذكور لا يكون
تخلف العقد عن القصد فيه محذور أصلا، انتهى كلامنا في بيع شئ
بثمنين معجلا بكذا ومؤجلا بكذا.
وقد وردت هنا روايات، فطائفة منها تدل على المنع وأنه نهى النبي
(صلى الله عليه وآله) عن البيع بثمنين معجلا بكذا ومؤجلا بكذا (2)، وطائفة أخرى تدل

1 - عن عبد الله بن بكير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث: إن سمي الأجل فهو متعة
وإن لم يسم الأجل فهو نكاح بات (الكافي 5: 456، التهذيب 7: 262، عنهما الوسائل 21: 47)،
موثقة.
2 - عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث رجلا إلى أهل
مكة وأمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع (التهذيب 7: 231، عنه الوسائل 18: 37)، موثقة.
عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: ونهي عن بيعين في بيع (الفقيه 4: 4، عنه الوسائل 18: 38)، ضعيفة.
593

على الجواز كرواية السكوني، ولكن رموا رواية السكوني إلى الضعف،
ولأجل ذلك استشكلوا في صحة ذلك البيع.
ولكن ذكر في الحدائق (1) أن دليل الصحة ليس منحصرا برواية السكوني
لترمي بالضعف ونحكم بعدم جواز مثل هذا البيع، بل هنا روايتان عن
محمد بن قيس: أحدهما صحيحة، وهي ما روي عن طريق الفقيه (2)،
والثانية: حسنة كالصحيحة، وهي ما روي عن طريق الكافي (3)، وهاتان
الروايتان تدلان على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في مثل هذا البيع بأقل
الثمنين وبأبعد الأجلين، ولذا عبر الشيخ (رحمه الله) في المتن عن رواية محمد
ابن قيس بالمعتبرة.
وكيف كان فلا اشكال في الرواية من حيث السند، وإنما الكلام في
دلالة ذلك، والمحتمل في دلالتها وإن كان كثيرا ولكن القريب إلى الذهن
منها وجهان:
1 - أن يكون غرض الإمام (عليه السلام) من البيع بثمنين بيع متاع بثمن لعشرة
دنانير معجلا ولكن يشترط البايع على المشتري كون الثمن عشرون
دينارا على تقدير التخلف في الأداء عن المدة المؤجلة، فيكون الزائد في
مقابل المدة الزائدة كما هو واضح، وحيث كان هذه الزيادة رباء وهو
حرام، فحكم الإمام (عليه السلام) بلزوم البيع بأقل الثمنين وبأبعد الأجلين.
ولكن يرد على هذا الوجه أن شرط الرباء من الشروط الفاسدة المخالفة

1 - الحدائق 19: 123.
2 - الفقيه 3: 179: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
عبد الرحمان بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس.
3 - الكافي 5: 206: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد،
عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام).
594

للكتاب والسنة فلا يكون نافذا، وعليه فلا يكون البايع ملزما بتأخير
الثمن إلى أبعد الأجلين، فحمل الرواية على هذا الوجه مشكل من هذه
الجهة، بل مقتضى حملها على هذا أن لا يجوز للمشتري تأخير الثمن
إلى هذه المدة المضروبة، ويجوز للبايع أن يطالب الثمن معجلا وقبل
وصول المدة المضروبة، لأن التصرف في مال غيره بدون إذنه غير جائز،
وكيف يجوز للمشتري أن لا يعطي مال الغير بدون رضاه كما هو واضح.
ولأجل هذا الاشكال قد وجه المصنف هذه الرواية بأن البايع قد
أسقط حق مطالبته بهذا الاشتراط، وإن كان الشرط فاسدا ولكن فساد
شرطه لا يضر باسقاطه حقه كما يسقط حق القصاص بمصالحة ولي الدم
حقه بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو كونه حرا، وفي المقام أيضا
كذلك، فإن فساد الشرط لا يضر بالاسقاط.
ولكن ما أفاده المصنف (رحمه الله) ليس بتمام، من جهة أن حق القصاص وإن
كان أيضا حكما شرعيا ولكنه حق من الحقوق المصطلحة، لأنه يقبل
الاسقاط بالكتاب والسنة، وهذا بخلاف حق المطالبة فإنه حكم شرعي
غير قابل للاسقاط، حتى لو أسقطه لم يسقط، بل له أن يطالب حقه بعد
ذلك، نعم له أن لا يطالب حقه ويرضي بتأخير حقه، وحينئذ فلا يجب
للمشتري المبادرة بالأداء، وأما مع عدم الرضاء فلا يجوز له التأخير،
لما عرفت من أن التصرف في مال غيره بدون إذنه حرام.
والتحقيق أن تحمل الرواية على الوجه الثاني، الذي هو مورد النقض
والابرام في المقام، حيث نفاه بعضهم وأثبته آخر، وهو أن يقال: إن
المراد بالرواية هو التعليق، حيث إن البايع قد أنشأ بانشاء واحد بيعين على
تقديرين، يعني على تقدير كون الثمن معجلا أنشأ بيعا وعلى تقدير كونه
مؤجلا أنشأ بيعا آخر، فهنا بيعان معلقان بثمنين على تقديرين،
595

ولا محذور للالتزام بذلك إلا التعليق الذي باطل في العقود اجماعا،
إلا أنه ليس هنا اجماع، وذلك لاختلاف العلماء في ذلك، حيث حكم
جمع بالبطلان وحكم جمع آخر بالصحة، فلا يكون المقام مشمولا
للاجماع.
وعليه فلا بأس بحمل الرواية على امضاء ذلك البيع التعليقي ولكن
على نحو خاص، بأن يكون الأجل من أحدهما والثمن من الآخر، حيث
قال يمضي بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.
ولكن أشكل الأردبيلي (1) على الرواية بأنها مخالفة للقواعد العقلية
والشرعية، فإن مقتضى القواعد هو أن يكون البيع واقعا على النحو الذي
أنشأه المتبايعان، والمفروض أن الرواية تدل على صحته غير الشكل
الذي أنشأه البايع، وقد دلت الأدلة الشرعية والقواعد العقلية على حرمة
التصرف في مال غيره بدون إذنه وطيب نفسه، والمفروض أن المنشئ
أعني البايع لا يرضى بالتصرف في ماله بغير ما أنشأه، وإذن فتكون
الرواية مخالفة لتلك القواعد العقلية والشرعية، فتسقط عن الحجية
ويرجع علمها إلى أهلها.
وما ذكره الأردبيلي متين جدا، فإن القواعد العقلية والشرعية تقتضي
ذلك، ولكن ليست تلك القواعد من القواعد التي تكون غير قابلة
للتخصيص، وإذن فلا مانع بتخصيصها بهذه الرواية الصحيحة، فإنها تدل
على جواز التصرف في مال غيره إذا أنشأ بيع ماله على هذا الشكل،
فالشارع رغما لأنفه حكم بإمضائه على غير الشكل الذي أنشأه وأخبر
عنه أي امضاء الشارع الإمام (عليه السلام).

1 - مجمع الفائدة 8: 328.
596

بل وقع نظيره كثيرا، كإذن الشارع في أكل مال غيره في المخمصة،
وحكم الشارع بعدم الملكية في بيع الصرف والسلم إلى زمان القبض
وغير ذلك من الموارد، فإن ذلك كله حكم بالتصرف في مال الغير على
خلاف قصد المالك، وكذلك حكمه بدوام العقد مع قصد الانقطاع.
وعلى الجملة أن الرواية الصحيحة إذا دلت على حكم تعبدي يكون
تخصيصا للقواعد، وتبعية العقود للقصود ليست من الأحكام التي تكون
غير قابلة للتخصيص كما هو واضح، فما ذكره الأردبيلي لا يمكن
المساعدة عليه وإن كان متينا في نفسه.
نعم لا يعقل تخلف العقد عن القصد إذا أمضى الشارع غير المنشأ
بحيث يكون حكمه بعنوان الامضاء لا بعنوان الحكم المولى بحيث يكون
انشاء المنشئ موضوعا لحكم الشارع كما هو واضح.
ثم إنه إن كانت الروايات الدالة على المنع معتبرة فلا بد من حملها على
الكراهة لأنها ظاهرة في التحريم، وما يعارضها أعني رواية محمد بن
قيس صريحة فيه، فيرفع اليد بنص هذه الرواية عن ظهور رواية المنع،
فتحمل على الكراهة كما هو واضح.
ويمكن حملها على وجوه آخر غير الكراهة، وقد ذكرها في
الحدائق (1).
ثم هل يمكن التعدي من مورد الرواية إلى ما يكون البيع بثمنين على
تقديرين، بحيث يكون كل تقدير منهما مؤجلا لا أحدهما مؤجلا
والآخر معجلا، غاية الأمر يكون الثمن بالنسبة إلى الأجل القليل أقل
وبالنسبة إلى الأجل البعيد أكثر؟

1 - الحدائق 19: 123.
597

وقد جعل في الحدائق (1) هذا الفرع ملازما للفرع الأول وموردا لحكم
الفقهاء بالصحة إن حكموا بصحة الفرع الأول، وبالفساد إن حكموا بفساد
الفرع الأول.
ولكن الظاهر أن هذا الفرع بعيد عن الفرع الأول، وأن الإمام (عليه السلام) قد
حكم في الفرع الأول بالصحة على خلاف القواعد تعبدا، فلا بد من
الاختصار بموردها والتعدي من ذلك إلى غيره قياس فلا نقول بحجيته،
وإذن فلا بد إما من الحكم بالبطلان في الفرع الثاني للاجماع على بطلان
التعليق، أو الحكم بالصحة على النحو الذي أنشأه المنشئ، أعني البيع
بثمنين إلى أجلين إذا لم يكن هنا تعليق، لا الحكم بصحة البيع بأقل الثمنين
وبأبعد الأجلين كما هو واضح.
والظاهر هو البطلان لعدم وجود الاختلاف هنا، وإن زعم صاحب
الحدائق الملازمة بين الفرعين ونسبه إليهم ذلك، وكيف كان فالميزان هو
ما ذكرناه، فافهم.
4 - لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل
قوله (رحمه الله): مسألة: لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول
الأجل.
أقول: من جملة أحكام المؤجل أنه لا يجب على المشتري أن يدفع
الثمن إلى البايع قبل حلول الأجل، سواء طالب البايع أم لم يطالب، وهذا
اجماعي على أن ذلك فائدة الاشتراط كما هو واضح.
ثم إنه إذا تبرع المشتري بدفعه هل يجب على البايع قبوله أم لا؟

1 - الحدائق 19: 124.
598

الظاهر هو الثاني، بل لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل عن الرياض دعوى
الاجماع عليه، وفي باب السلم من جامع المقاصد (1) نسبة الخلاف في ذلك
إلى بعض العامة.
ولكن الظاهر أن المقام ليس مما يكون موردا للاجماع التعبدي، فإن
الأمر في المقام يدور مدار الاشتراط وعدمه، وعلى كل تقدير فيتبع
حكمه، وعليه فلعل القائل بعدم الوجوب قد لاحظ كون الشرط من
البايع على المشتري أيضا بأن لا يسلم الثمن قبل الأجل، وإلا فلو كان
الاشتراط من خصوص المشتري على البايع فلا مناص يجب للبايع أن
يقبل الثمن لأنه ماله ولا يجب للمشتري حفظ مال شخص آخر.
ومن هنا ظهر فساد ما ذكره العلامة (2) من تعليل عدم الوجوب بأن في
ذلك منة على البايع فإن التعجيل كالتبرع بالزيادة، ووجه الظهور أن
التعجيل إنما هو بحسب القواعد وليس فيه منة بل ايصال حق الغير إليه
بخلاف اعطاء الزيادة، فإن فيه منة كما هو واضح (3).
وعليه فلا بد من التكلم هنا في بيان ذلك من ناحية مقامي الاثبات
والثبوت، فنقول:
إن الاشتراط التأخير بحسب مقام الثبوت يتصور على وجوه:
1 - أن يكون الشرط لخصوص المشتري، بأن يشترط المشتري على
البايع أن لا يكون للبايع حق المطالبة إلى أجل خاص، وحينئذ فلو تبرع

1 - جامع المقاصد 4: 249.
2 - التذكرة 1: 559.
3 - أقول: لعل كلام العلامة مبني على الفرع الثاني من الشرط لا يسقط بالاسقاط، وحينئذ
يكون التعجيل تبرعا وتكون فيه منة على البايع إذا في التبرع منة مع وجود الحق للمشتري،
نعم إذا قبل ذلك الاسقاط كما هو كذلك فلا منة - منه (رحمه الله).
599

المشتري وأعطي الثمن قبل حصول الأجل لوجب على البايع قبول ذلك
لأنه ماله وليس له حق أن لا يقبل لعدم اشتراطه على المشتري ذلك، بل
الغرض من اشتراط التأخير هو التوسعة على المشتري فقط.
وعلى هذا يترتب فساد ما ذكره العلامة، من أنه لا يجب للبايع قبول
ذلك لأن فيه منة، فإنه أي منة فيه في ذلك بعد ذلك، بعد ما كان غرض
المشتري ايصال مال البايع إليه.
2 - أن يكون الشرط من ناحية البايع على المشتري، بأن يشترط البايع
على المشتري أن لا يسلم الثمن إلا بعد مدة خاصة، كما إذا كان في بلد
أخرى غير بلده وباع متاعا ويخاف من أخذ ثمنه أن يسرقه السارق، فإن
الحق هنا للبايع فقط فليس للمشتري أن يسبق إلى دفع الثمن ويدفعه إلى
البايع قبل الأجل، فإنه على خلاف اشتراط البايع على المشتري.
3 - أن يكون الاشتراط من كل من الطرفين على الآخر، وقد ظهر
حكمه من القسمين المتقدمين.
هذا بحسب مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات فالظاهر هو القسم
الأول مع عدم القرينة على القسمين الأخيرين، فإن المرتكز بحسب عامة
الناس والمتعارف عندهم أن الغرض من الاشتراط إنما هو التوسعة على
المشتري للتهيئة إلى أداء الثمن، ومن هنا لو تبرع المشتري بأداء الثمن
وأعطى الثمن للبايع وجب له القبول، إذ لا يجب للمشتري حفظ ماله
ولا أن للبايع أن يمنع عن قبوله، لما عرفت أنه ليس له حق في ضرب
الأجل.
ومن هنا ظهر الجواب عما احتمله المصنف، من أن التأجيل كما هو
حق للمشتري يتضمن حقا للبايع، من حيث التزام المشتري لحفظ ماله
في ذمته وجعله إياه كالودعي، فإن ذلك حق عرفا، كما ظهر ما ذكره من
ابطال توهم اختصاص الحق بالمشتري.
600

وأيضا عرفت جواب ما ذكره العلامة فيما تقدم، فإنه لا منة في اعطاء
حق البايع له، إذ ليس هو إلا مجرد اعطاء الحق، وعليه فلا يجوز للبايع
عدم القبول، ولا يقاس ذلك باعطاء الزائد عن الثمن فإن في ذلك منة
فلا يجب عليه قبوله، كما هو واضح.
وإذن فما ذكره بعض العامة هو الصحيح، هذا كله في أصل ثبوت
الحق وجعله، وأنه بأي كيفية جعل.
ثم إذا أسقط المشتري حقه أي حق تأخير الثمن إلى أجل خاص،
فهل يسقط هذا أو لا يسقط؟
وقد ذكر في التذكرة (1) أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه
لم يسقط، وليس لصاحب الدين مطالبته في الحال، وعلله في جامع
المقاصد (2) بأن التأجيل إنما ثبت بعقد لازم فلا يسقط بالاسقاط إلا بمثل
الإقالة لارتباط الشرط بالطرفين.
وفيه أن الشرط وإن ثبت في عقد لازم ولكنه حق لخصوص المشتري
فقط فيسقط باسقاطه، مع أنه لو كان ذلك أي الثبوت في العقد اللازم
وجها لعدم السقوط كان اللازم عليه أن لا يقبل سقوطه حتى مع الإقالة
أيضا، إلا أن تكون الإقالة في أصل العقد.
ثم ذكر أن في الأجل حق لصاحب الدين أيضا ولذا لم يجب عليه
القبول قبل الأجل ولذا يجوز لهما التقاؤل.
وفيه أن الصغرى ممنوعة، فإنه ليس هنا إلا حق واحد مجعول
للمشتري أعني التأجيل، وليس فيه حق للبايع أصلا بحيث يكون
مشتركا بينهما لعدم الدليل عليه، على أن وحدة الحق الثابت للمجموع

1 - التذكرة 1: 559.
2 - جامع المقاصد 4: 249.
601

تتصور في مثل إرث الخيار كما تقدم، ولكن لا يعقل هنا لأن أطرافه
متعددة من جميع الجهات، كما في حاشية بعض مشائخنا المحققين (1)،
فراجع.
ولعل المحقق الثاني لم يعتمد على الوجه الأول بل على الوجه الثاني،
ولذا حكم بجواز الإقالة في الوجه الثاني، فإن مقتضى الوجه الأول كما
عرفت عدم جواز الإقالة، بخلاف مقتضى الوجه الثاني فإنه يجوز الإقالة
لكون الحق واحدا ومشتركا بينهما، كما لا يخفى.
ويمكن أن يكون مراد جامع المقاصد من الوجه الثاني أن يكون لكل
من البايع والمشتري حق مستقل، لا أن هنا حقا واحدا مشتركا بينهما،
وحينئذ فيكون الجواب عنه هو المناقشة في الصغرى أيضا، وأنه
لا دليل على جعل الحق على البايع أيضا، وأن ذلك ممكنا في مقام
الثبوت كما لا يخفى، فافهم.
4 - وذكر العلامة (رحمه الله) هنا وجها رابعا، وهو أن الأجل صفة تابعة
والصفة لا تفرد بالاسقاط، ولهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة
الدنانير الصحيح الجودة لصحة لم يسقط.
وفيه أن الشرط لا يقاس مما ذكره، من عدم اسقاط صفة الجودة
والصحة من المستحق لذلك، فإن ذلك الوصف تقييد في المبيع
فلا يمكن الاسقاط إلا بالتراضي الجديد، بأن تكون هنا معاملة أخرى غير
المعاملة السابقة، لأن ما وقع عليه البيع هو هذه الحصة الجيدة أو
الصحيحة وغيرهما ليس بمبيع أصلا، ومعه كيف يمكن اسقاط صفة
الجودة والصحة بدون التراضي الجديد والمعاملة الجديدة.

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 79.
602

وهذا بخلاف المقام، فإن اعتبار التأجيل من الاشتراط فيجوز لمن له
الشرط أن يسقط ذلك لكونه حقا كما عرفت وجواز التبعية لا تمنع عن
الاسقاط.
نعم لو كان اعتبار الجودة والصحة في المبيع من باب الاشتراط بأن وقع
البيع على الحنطة المطلقة وعلى طبيعي الحنطة، أو على طبيعي الدينار
واشترط المشتري الصحة في ذلك فإن ذلك قابل للاسقاط، فالمانع عن
الاسقاط في المقيس عليه هو كون الوصف قيدا في المبيع وكون المبيع
هو الحصة الخاصة لا أن التبعية مانعة عن ذلك، وإلا لم يقبل شئ من
الشروط الاسقاط حتى بالتقائل أيضا، لوجود الملاك المذكور وهو
التبعية كما هو واضح.
مع أنه وقع الاتفاق على أنه يجوز الاسقاط بالتقائل، مع أنه لو كان ما
ذكره العلامة تماما لا تصح الإقالة أيضا.
وأيضا لا شبهة أن بعض الشروط يقبل الاسقاط، بل لم يخالف فيه
أحد ظاهرا كشرط الخياطة ونحوها، ولا شبهة أنه لا فارق بينما نحن فيه
وبين شرط الخياطة كما هو واضح.
بيان آخر
وقد انتهى الكلام إلى أنه لو أسقط المشتري أجل الدين فهل يسقط
حق المشتري أو لا يسقط؟ فالمشهور بين العلماء أنه لا يسقط، وذكروا
في وجه ذلك وجوها:
1 - ما ذكره في جامع المقاصد، من أن التأجيل قد ثبت في العقد اللازم
فلا يسقط بمجرد الاسقاط.
وفيه أولا: أنه لا حق هنا إلا لخصوص المشتري، وهو يسقط
603

باسقاطه، وبعده ليس للبايع حق بالنسبة إلى التأجيل حتى يسقط
بالاسقاط.
وثانيا: أنه لو كان ذلك غير قابل للاسقاط باسقاط المشتري لم يكن
قابلا له بالإقالة أيضا، مع أنه كغيره يلزم سقوطه بالإقالة.
2 - إن الحق لكل من البايع والمشتري، بحيث يكون لكل منهما حق
مستقل، فإذا أسقط المشتري حقه لا يسقط معه حق البايع بل يبقى هو
على حاله.
وهذا الوجه يمكن أن يكون مراد المحقق الثاني من الوجه الثاني في
كلامه، من أن في الأجل حقا لصاحب الدين - الخ.
وفيه أنه وأن يقبل الإقالة ولكن ذكرنا فيما سبق أنه لا دليل عليه في
مقام الاثبات وإن كان ممكنا في مقام الثبوت، على أن ثبوت حق للبايع
أيضا لا يمنع عن سقوط حق المشتري كما هو واضح.
3 - إن الحق وإن كان واحدا ولكن قد ثبت ذلك الحق الواحد لكل من
البايع والمشتري، وعليه فلا يسقط ذلك باسقاط المشتري فقط.
وفيه أولا: إن الصغرى ممنوعة، إذ ليس هنا إلا حق واحد ثابت
لخصوص المشتري، وليس هنا حق للبايع أصلا لعدم الدليل عليه.
وبعبارة أخرى أن هذا الحق ثابت بالاشتراط، وهو إنما بالنسبة إلى
خصوص المشتري فقط كما هو الظاهر من المعاملات المؤجلة، حيث
إن الغرض هو تسهيل الأمر على المشتري بتأخير الثمن كما هو واضح،
نعم بناءا على هذا فأيضا يسقط ذلك بالإقالة كما التزم به المحقق الثاني
أيضا.
نعم يمكن الالتزام بذلك مع مساعدة الدليل عليه، كما التزمنا به في
ثبوت حق الخيار للورثة على القول به، فإنه ليس هنا إلا حق واحد ثابت
لمجموع الورثة.
604

4 - ما ذكره العلامة، من أن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالاسقاط - الخ،
وقد تقدم جوابه، فراجع.
5 - ما ذكره المصنف (رحمه الله) من أن الحق وإن كان واحدا وثابتا لخصوص
المشتري دون البايع ولكن مرجع التأجيل في البيع إلى أن البايع قد أسقط
حق المطالبة، ومن الواضح أن الزائل لا يعود، وعليه فاسقاط المشتري
حق التأجيل وعدمه سيان من هذه الجهة كما هو واضح، ثم قاس ذلك
بأنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد
العقد بأن التزم بالصحة ولم تعد العيوب مضمونة كما كانت مضمونة لو
كانت بدون الشرط.
وفيه أولا: أن جواز المطالبة ليس من الحقوق ليسقط بالاسقاط بل هو
حكم شرعي لا يقبل الاسقاط كما تقدم سابقا، وهل يتوهم أحد أنه إذا
أسقط البايع حق مطالبة الثمن بعد البيع يسقط ذلك بل له بعد اسقاطه أن
يطلب الثمن أيضا.
والسر في ذلك هو أن جواز المطالبة ليس من الحقوق المصطلحة من
الأحكام الشرعية غير القابلة للاسقاط كما هو واضح.
وثانيا: إن لازم ذلك أن لا يقبل الإقالة أيضا، بأن لا يكون للبايع حق
المطالبة حتى بعد الإقالة، مع أن الفقهاء التزموا بجواز الإقالة كما هو
واضح.
وثالثا: إن التأجيل ليس إلا جعل الحق للمشتري على البايع فقط وأنه
لا يجوز له المطالبة في ظرف هذه المدة، فإذا أسقط المشتري حقه
فبمقتضى تسلط الناس على أموالهم أنه يجوز للبايع المطالبة بل يجب
للمشتري رد ماله إليه، فإن التصرف في مال الغير بدون إذنه حرام.
ورابعا: أنه لا وجه لقياس المقام بالتبري عن العيوب، فإن عدم سقوط
التبري بالاسقاط والتزام المتبري بالصحة بعد العقد لا يستلزم عدم
605

سقوط اشتراط التأجيل، فإن عدم لزوم الالتزام بالصحة بعد العقد إنما هو
من أحكام العقد اللازم، فإنه بعد ما صار لازما لا يكون جائزا،
والمفروض أن البايع لم يلتزم بالعيب والتزامه بعد العقد لا يكون لازما إلا
أن يكون هنا تراض جديد بين المتبايعين وهو أيضا غير مربوط بالعقد
الأول.
وبعبارة أخرى أن العقد قد وقع على المبيع الغير المقيد بكونه
صحيحا الذي يعتبر في ضمن العقد بحسب الارتكاز ويكون شرطا
ضمنيا، لأن البايع قد أسقط هذا الشرط بالتبري عن العيب وتحقق العقد
اللازم خاليا عن الشرط، وبعد ما صار هذا العقد لازما فلا يمكن اشتراط
شرط الصحة في ضمنه بعد لزومه وإن كان اشتراطه بالتراضي الجديد
كما هو واضح.
وهذا بخلاف المقام، فإن المشتري قد اشترط على البايع التأجيل
وصار له حق عليه، فله أن يبقى هذا الشرط وله اسقاطه، ولذا تجوز فيه
الإقالة، وأما في التبري فلا يجوز فيه الإقالة أيضا، فإنه هل يتوهم أحد
أنه إذا تبرى البايع عن العيب ثم أقال البايع مع المشتري في اسقاط التبري
يكون اشتراط الصحة في المبيع لازما، وهذا واضح لا شبهة فيه.
فتحصل أن ما ذهب إليه المشهور، من أنه لا يسقط التأجيل بالاسقاط
غير صحيح، وما ذكروه من الوجوه على ذلك غير تام، وما ذهب إليه غير
المشهور ونسب إلى بعض العامة من أنه يسقط بالاسقاط صحيح، كما هو
واضح على ما عرفت.
5 - إذا كان الثمن حالا وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه
قوله (رحمه الله): مسألة: إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه
قبوله عند دفعه إليه.
606

أقول: قد أشار المصنف (رحمه الله) في هذه المسألة إلى جهات من الكلام:
الجهة الأولى
أنه إذا كان الثمن مؤجلا وحل أجله أو كان معجلا وأعطاه المشتري
للبايع، فهل يوجب على البايع قبوله أم لا يجب عليه ذلك، وجهان،
ولعل المشهور أنه يجب على البايع قبوله، وقد اختار المصنف (رحمه الله)،
واستدل عليه بأن في امتناع البايع عن القبول اضرارا وظلما، إذ لا حق له
على من في ذمته في حفظ ماله في ذمته.
أقول: الكلام هنا في وجوب القبض مع الاقباض، ولا كلام لنا في أن
القبض بأي شئ يتحقق فلا يرد أنه إذا لم يقبل، فالتخلية بين الثمن
والبايع اقباض.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن المراد من الضرر تارة يكون الضرر
الخارجي، وأخرى يكون الضرر الاعتباري، أما الأول فهو عبارة عن
النقص في المال أو الأعضاء أو الأعراض، ولا شبهة أن عدم قبول البايع
الثمن لا يستلزم شيئا من هذه الأمور، فلا يكون هنا ضرر خارجي، وأما
الضرر الاعتباري والشؤوني فنعم، فإنه لو لم يقبل البايع الثمن لم تفرغ
ذمة المشتري ويكون مديونا، ويعد بين الناس مديونا ويقل بذلك
اعتباره بينهم.
ولا شبهة في أن هذا ضرر عليه، ولكن الكلام في أن اندفاع هذا الضرر
منحصر بالاقباض ليقع المشتري بعدم قبول البايع الثمن على الضرر
الاعتباري أوليس بمنحصر بذلك، والظاهر أنه غير منحصر به بل يمكن
دفعه بأن يلقي بالطريق أو يدفعه إلى الحاكم أو يكون عنده أمانة، نعم
قبوله الثمن موضوع لرفع الضرر، ومن الواضح أن ايجاد هذا الموضوع
ليس بواجب.
607

وبعبارة أخرى أن دليل الضرر إنما يرفع الحكم الناشئ منه الضرر،
ولا شبهة أن الحكم الذي ينشأ منه الضرر إنما هو حكم الشارع بلزوم دفع
الثمن إلى البايع، فإذا امتنع البايع عن القبول يكون بقاء هذا الحكم على
حاله ضرريا على المشتري، ومن الواضح أن اندفاع هذا الضرر لا ينحصر
بقبول البايع ليحكم بوجوبه عليه، بل كما يدفع بوجوبه كذلك يدفع ذلك
بدفعه إلى الحاكم، أو بالقائه في الطريق، أو بجعله عند نفسه أمانة شرعية
كما هو واضح.
وتوهم أن قبض الحاكم لا يدفع الاضرار والظلم، وهكذا بعزله وكون
ضمانه على مالكه توهم فاسد، كما عرفت.
ولا وجه لقياس ذلك بمن يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله، فإن
الوجوب هنا باق على حاله حتى مع قيام الغير على بيع ماله وصرفه في
نفقة عياله، فإنه من جهة ما دل على وجوب الاتفاق لا لدليل الضرر كما
هو واضح.
وكيف كان فإذا امتنع عن قبول حقه سقط وجوب الاعطاء له، لا أنه
يبقى على حاله وسقط اعتبار رضاه في بيع ماله كما لا يخفى.
بيان آخر للجهة الأولى
والحاصل أن الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:
الجهة الأولى: أنه هل يجب على البايع قبول الثمن وقبضه مع حلول
أجله إذا اعطاء المشتري أو لا يجب؟
فذكر المصنف أنه يجب على البايع قبوله إذا لم يرض المشتري ببقائه
عنده لدليل نفي الضرر، ولكن قد عرفت أن الضرر إنما نشاء من حكم
الشارع باشتغال ذمته وكونه مديونا فإنه ضرر على اعتباره، ولم ينشأ
الضرر من عدم قبوله.
608

نعم قبوله سبب لارتفاع الضرر وموضوع له، ولكن لا يجب عليه
ايجاد هذا الموضوع، وبمقتضى دليل نفي الضرر يكون هذا الحكم الذي
نشأ منه الضرر مرتفعا وله أن يدفع حقه إليه، وإذا لم يقبل وامتنع عن
ذلك يدفعها إلى الحاكم أو يطرحه في الطريق.
ثم على القول بوجوب الاقباض وامتناعه عن قبوله، فهل يجبره
الحاكم بالقبول أو لا، والظاهر هو عدم اختصاص الحاكم بذلك، فإنه
بناءا على وجوب القبض وامتناعه عنه يكون المورد من موارد الأمر
بالمعروف، ومن الواضح أن عدول المؤمنين بل فساقهم في عرض
الحاكم في ذلك لاطلاق أدلة وجوب الأمر بالمعروف كما هو واضح.
وقد اعترف المصنف أيضا بكون ذلك من باب الأمر بالمعروف في
أثناء كلامه.
الجهة الثانية
أنه إذا قلنا بوجوب الاقباض للبايع وامتنع هو عن قبوله، فربما يقال:
إن الحاكم يجبره بالقبض لأنه ولي الممتنع فله أن يجبره بذلك، ولكنه
واضح الدفع، فإنه لا دليل على ثبوت الولاية للحاكم فقط في أمثال
الموارد، لأنه ليس إلا من جهة الأمر بالمعروف وأنه يجب عليه أن يقبض
ولا يمتنع عن ذلك، ولا شبهة أن الأمر بالمعروف يشترك فيه الحاكم
وغيره، فإنه واجب لكل من يقدر عليه ولا يختص ذلك بالحاكم، لاطلاق
أدلة الأمر بالمعروف بالنسبة إلى الحاكم وغيره، وبالنسبة إلى العدول
وغيرهم، وعليه فالتخصيص بالحاكم أولا ثم بعدول المؤمنين وهكذا
بلا وجه.
609

الجهة الثالثة
إن البايع إذا امتنع عن القبض إما لعدم وجوبه أو لعدم امكان اجباره،
فهل يتولى الحاكم بالقبض لكونه ولي الممتنع، أو لا يجب عليه ذلك؟
والظاهر أنه لا دليل على مباشرة الحاكم بذلك، إذ لا ولاية له على
ذلك، غاية الأمر أنه ولي الممتنع عن أداء الحق، فإنه يجبره على الأداء بل
يجبره عدول المؤمنين بل فساقهم على ذلك، فإنه من باب الأمر
بالمعروف، ومع عدم قبوله يتولاه الحاكم وغيره من المؤمنين، وأما إذا
كان الامتناع عن قبول حق نفسه فلا دليل على ولاية الحاكم عليه، بأن
يقبل ماله ويقبضه ولاية عنه، وإن قلنا للغائب ونحوه حسبة، وكذا ليس
للحاكم أن يطالب المديون بالدين مع حلول الأجل ورضاء المالك ببقائه
في ذمته أي المديون.
وكيف كان فمباشرة الحاكم بالقبض في أمثال الموارد تصرف في مال
الغير بدون إذنه فيحتاج إلى دليل، ومع الرضا بذلك فيجوز للحاكم قبضه،
لا أنه يجب عليه بحيث يكون ذلك وظيفة له بما أنه حاكم، وهذا واضح
جدا.
ومن هنا ظهر أن ما ذهب إليه في السرائر (1) من الحكم بوجوب القبض
للحاكم وعدم وجوب اجبار الدائن ليس في محله، وكذلك لا وجه لما
رجحه جامع المقاصد (2)، من تولي الحاكم بالقبض مع عدم الاكراه للبايع.

1 - السرائر 2: 311.
2 - جامع المقاصد 4: 248، كما في الدروس 3: 259.
610

الجهة الرابعة
إنه بعد ما كان اشتغال ذمة المديون ضررا عليه مع عدم قبول الدائن
دينه فلا بد من عزل حقه وتعيينه في شخص معين، وهل المتصدي لهذا
العزل هو المديون أو الحاكم أو شخص آخر؟
والظاهر أنه هو الحاكم، فإن ما يدفع به الضرر هو جواز العزل، وأما
أن يكون المتصدي هو المديون فلا يقتضيه دليل نفي الضرر، لما ذكرنا
في باب الولاية أنه وإن كان لا دليل على ولاية الحاكم ولكن مع ذلك نلتزم
بثبوت الولاية له من باب القدر المتيقن، وكذلك في المقام، فإنه قد
اقتضى دليل نفي الضرر ارتفاع حكم الشارع باشتغال ذمة المديون وأنه
يعزل حقه مع امتناعه، ولكن الأمر دائر بين أن المتصدي لذلك هو الحاكم
أو غيره، فالقدر المتيقن هو أن يكون المتصدي لذلك هو الحاكم.
ثم إنه بعد العزل هل يدفع إلى الحاكم أو يجعل أمانة عند المديون أو
عند شخص آخر، أو يلقي إلى نفس المالك سواء أخذ أم لا؟
وقد يقال إنه يعطي للحاكم لأنه ولي من لا ولي له، ولكنه واضح
الدفع، فإنه إنما يدفع المال إليه إذا لم يكن مالكه حاضرا ولم يكن له ولي
يحفظه، فإنه يعطي للحاكم وهو يأخذه ويحفظه حسبة، وأما في المقام
فالمالك حاضر فلا حسبة لأخذه عنه، ولا دليل بالخصوص يدلنا عليه،
فلا دليل لوضعه عند الحاكم، كما لا دليل على لزوم أن يأخذه الحاكم
كما تقدم بحيث يكون وظيفة له، ومن هنا ظهر حكم غير الحاكم أيضا.
وأما المديون، فذكر المصنف أنه يجعل عنده فإن تلف فعلى ذي
الحق، لأن هذا فائدة العزل وثمرة إلغاء قبض ذي الحق، ومع ذلك
لا يخرج بالعزل عن ملك مالكه لعدم الدليل عليه، فإن التملك كان
611

مشروطا بالقبض فلا يسقط بدليل نفي الضرر بل يسقط الضمان ونماء
المعزول أيضا للمديون، لما عرفت أنه ملكه.
فيكون المقام عكس قاعدة الخراج بالضمان فلا تكون القاعدة
المذكورة جارية هنا، فإن نفي الضرر ينفي الضمان واعتبار القبض في
الملك يدل على عدم خروج المعزول عن الملك، ويكون ذلك كتعلق
حق المجني عليه برقبة العبد الجاني.
ولكن يرد عليه أنه إذا كان المعزول باقيا في ملك المديون وكانت ذمته
أيضا فارغة عن الدين، فأين ذهب مالك الدائن، مع أنه كان مالكا لذمته
قطعا، فلا مناص عن تعيين ملكه بالمعزول، وقد عرفت أن دليل نفي
الضرر لا يقتضي أزيد ما يدفع به ضرر المديون إذا عزل حق الدائن
لا انعدام ملكه بالكلية، وقد عرفت أنه يندفع بعزل الحاكم وإذا عزله
الحاكم فيتعين حقه بذلك، وعليه فيكون تلفه عن المالك فيكون نماؤه
أيضا له، على ما تقتضيه قاعدة الخراج بالضمان كما هو واضح.
الجهة الخامسة
أنه إذا عزل حق الدائن، فهل حفظه على الدائن أو للحاكم، أوليس
على أحد حفظه؟
أما الحاكم فقد عرفت الكلام فيه، فإنه ولي الغائب لا ولي الحاضر،
وكذلك المديون فإنه لا دليل على وجوب حفظه عليه بل حفظه كذلك
أضر من بقائه في ذمته كما ذكره المصنف، وعليه فللمديون أن يحفظ
ذلك وله أن يطرحه عليه أو على الطريق، فإنه بعد ما عرض ذلك على
مالكه وامتنع مالكه عن القبض فلا يكون حفظه على أحد حسبة بل على
مالكه، والمفروض أن المالك لا يأخذه، فسقط احترام ماله من حيث
وجوب الحفظ، فيلقيه المديون أين ما يريد، كما هو واضح.
612

ثم إنه بقي هنا شئ قد تعرض له المصنف وإن لم يكن مربوطا بالمقام،
وهو أن مورد حديث نفي الضرر هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أسقط ولاية سمرة
وأمر بقلع الشجرة ورميها إليه.
ولكن قد ذكرنا في البحث عن قاعدة لا ضرر أن هذا وإن كان يدل على
نفي الحكم الضرري في الاسلام ولكن لا دلالة فيه على سقوط ولاية
المالك عن ماله، لأن حكم النبي (صلى الله عليه وآله) بقلع الشجرة ليس من جهة الضرر،
لأن بقاءها في بستان الأنصاري لم يكن ضررا عليه بل الضرر إنما كان ناشئا
عن دخول سمرة على الأنصاري بلا استيذان منه، وكان يندفع الضرر
بمنعه عن الدخول عليه بدون الاستيذان، وإنما كان أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك
من جهة التأديب، حيث إنه لم يقبل كلما وعده النبي (صلى الله عليه وآله) تأديبا له أمر
بقلع شجرته ورميها إليه، وإلا فالحديث لا يقتضي رفع ولاية المالك عن
ماله بعنوان لا ضرر (1).

1 - القول بأن القلع للتأديب كما قال بعض كثير من الفقهاء لعدم انطباقها على القاعدة،
بحسب ما قالوا في قاعدة لا ضرر.
الظاهر - كما قال بعض مشائخنا المحققين - أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الأنصاري بقلع الشجرة ليس
من جهة التأديب بل القلع منطبق على القاعدة، لأن الأنصاري بعد امتناع سمرة من الاستيذان
وقع بين أمرين متزاحمين، وهما: حفظ حرمة أهله وحفظ مالكية سمرة على ماله، وبعد
امتناع سمرة لا يمكن للأنصاري الجمع بينهما، وحفظ حرمة الأهل أهم أو محتمل الأهمية،
فللأنصاري قلع الشجرة لأنها مادة الفساد، وحيث إن وجوب حفظ العرض أبدي لا يسقط جواز
قلع الشجرة في كل زمان الشجرة باق في ملك الأنصاري.
وعلى ما قلنا كلا الحكمين على طبق القاعدة، أما جواز الدخول يبدل بالحرمة لأن سمرة
رجل مضار، ولا ضرار، ويحرم الاضرار بالغير، أما حرمة القلع يبدل بالجواز لأنه أمر ضرري
في حق الأنصاري، ولا ضرر.
613

فرعان
ثم إنه بقي هنا فرعان قد تعرض لهما المصنف لأجل المناسبة، وإن لم يكونا مربوطين بالمقام:
1 - أنه إذا كان مال مشترك عند شخص وأخذ الغاصب منه بقصد أنه من
حصة شريكه لا ممن عنده مال، فهل يكون المأخوذ محسوبا من صاحبه
أو يكون محسوبا منهما.
2 - أن يتصدى الظالم بنفسه لذلك بأن أخذ من المال المشترك مقدار
نصيب صاحبه.
وقد ذكر المحقق الثاني هذين الفرعين، ثم ذكر أنا لم نجد تصريحا
بهما في كلمات الأصحاب وتردد هو فيما بعد حكمه فيما نحن فيه بكون
تلف المعزول من صاحب الدين.
ولكن لا وجه لتوهم أن الفرعين مما نحن فيه كما ذكره المصنف
وحكم بخروجهما عن المقام، بأن يدعي أن دليل نفي الضرر ينفي كون
الضرر ممن بيده المال لعدم توجه الضرر عليه بل يكون من صاحبه، بأن
يكون دليل الضرر مقتضيا لكون المعزول ممن قصد الظالم وقوع الضرر
عليه.
أما الفرع الثاني، فمن جهة أنا لا نسلم كون المأخوذ من صاحب
الشريك كما فيما نحن فيه، لأن دليل نفي الضرر بنفسه لا يقتضي تأثير نية
الظالم في التعيين، فإذا أخذ الظالم جزءا خارجيا من المشاع فتوجيه
الضرر إلى من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، فإن نيته ليست موجبة
لتعين المال لعدم كونها بارزة، كما إذا أخذ الظالم من المديون مقدار مال
الغريم بنية أنه من الدائن، أو أجبر أحدا أن يبيع ماله من شخص ثم أخذ
614

الغاصب المال المعلوم، فإن دليل لا ضرر لا يثبت الولاية لأحد أن يبيع
ماله من شخص أصالة عن نفس وولاية عن غيره، وهذا واضح جدا.
نعم هنا كلام من جهة أخرى، وهي أن الضرر المتوجه إلى شخص هل
يجب دفعه لغيره عنه مع تمكنه عن ذلك أو لا يجب دفعه عليه؟
وقد تقدم ذلك في الجزء الأول وقلنا إنه لا يجب دفعه ولكنه غير
مربوط بالمقام، لما عرفت أن الضرر هنا إنما توجه إلى المال المشاع
المشترك ونية الظالم لا يوجب توجهه إلى خصوص ما قصده الغاصب،
فإن نيته لا توجب تعين حق أحدهما، فإن أمر الافراز ليس بيده، ولا أن
دليل نفي الضرر يقتضي ذلك بعد توجه الضرر إلى المال المشاع.
وأما الفرع الأول، فربما يتوهم أن الشريك لما كان في معرض التضرر
لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة بمقتضى دليل نفي الضرر،
ولكنه توهم فاسد كما ذكره المصنف، وفيه أن التضرر وإن كان يجوز
القسمة ولكن القسمة أيضا ضرر على الطرف الآخر، فيكون دليل نفي
الضرر بالنسبة إليهما متعارضا.
وبعبارة أخرى أن دليل نفي الضرر إنما ورد في مقام الامتنان، فكما أن
الامتنان يقتضي جواز القسمة وهكذا أن الامتنان يقتضي عدم جواز
القسمة فعدم كل منهما خلاف الامتنان فيتعارضان، فلا يكون دليل نفي
الضرر شاملا لما نحن فيه.
6 - عدم جواز التأجيل في الثمن
قوله (رحمه الله): مسألة: لا خلاف على الظاهر من الحدائق (1) المصرح به في غيره.
أقول: لما كان الكلام في البيع المؤجل، فتعرض المصنف لأجل

1 - الحدائق 20: 47.
615

المناسبة لعدم جواز التأجيل في الثمن بل في مطلق الدين بأزيد منه، بأن
يزاد في الأجل بزيادة الدين، بحيث تكون زيادة الثمن في مقابل الأجل
الزائد.
وكيف كان فلا شبهة في حرمة ذلك وكونه ربوي محرما، ولم تسمع
خلاف أحد في ذلك.
ثم إن مورد الكلام ما إذا كانت الزيادة في مقابل الأجل ابتداءا، بأن
يزيد الدين بمقدار من الأثمان فيزيد الدائن الأجل، ولا يختص ذلك
بمعاملة دون معاملة ولا بمعاملة دون دين، بل يجري في جميع ذلك،
فالميزان الكلي ازدياد الثمن في مقابل ازدياد الأجل من غير أن يكون ذلك
في ضمن معاملة.
وأما إذا صالح المديون بابراء الدين الحال بأزيد منه مؤجلا فلا بأس به
وأنه خارج عن المقام.
وكذلك ما إذا باع ما في ذمته من المتاع الربوي كالحنطة مثلا بأزيد
منها مؤجلا فإنه باطل، لا من جهة الرباء والزيادة العينية بل من جهة أن
بيع الحال بمثله مؤجلا في الربويين باطل كما هو المشهور، لا من جهة
كون الزيادة في مقابل الأجل، فهذا أيضا خارج عن المقام.
وأيضا ليس مربوطا بالمقام ما إذا باع الحال بما في ذمته من الأثمان
كالدينار والدرهم بأزيد منه من غير جنسه معجلا كالمروءات ونحوه،
فلا بأس به أيضا.
وعلى الجملة فمورد الكلام ما إذا زاد المديون على الدين بعد حلوله
أو في وقت المداينة في مقابل الأجل، بحيث تكون الزيادة في مقابل
الأجل الزائد، وقد اتفقت كلمات الأصحاب على حرمة ذلك من غير
خلاف بينهم نصا وفتوى.
وقد استدل المصنف (رحمه الله) على حرمة ذلك بوجوه:
616

1 - الخبر الذي رواه في مجمع البيان (1) عن ابن عباس في تفسير قوله
تعالى: وحرم الربا، من أنه كان الرجل من أهل الجاهلية إذا حل دينه
على غريمه فطالبه، قال المطلوب منه: زدني في الأجل أزيدك في المال،
حتى إذا قيل لهم ربا فيتعجبون من ذلك ويقولون هما سواء، بمعنى أنه
كزيادة الثمن حال البيع، فكما أنها ليست بحرام وكذلك الزيادة في مقابل
الأجل بعد البيع، فذمهم الله والحق بهم الوعيد وخطأهم في ذلك بقوله:
أحل الله البيع وحرم الربا (2).
وفيه أن هذه الرواية وإن كانت دلالتها تامة ولكن لم تثبت حجيتها
لعدم كونها منقولة من طرقنا.
2 - أنه استدل على ذلك بروايات من طرقنا عن الأئمة (عليهم السلام)، وهي
على طائفتين:
الطائفة الأولى: ما دل على جواز وضع البعض مع اعطاء البعض من
الدين كصحيحة ابن أبي عمير، قال: سئل عن الرجل يكون له دين إلى
أجل مسمى، فيأتيه غريمه فيقول له: أنقدني من الذي لي كذا وكذا
وأضع لك بقيته، أو يقول: انقد لي بعضا وأمد لك في الأجل فيما بقي
عليك، قال (عليه السلام): لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا، يقول
الله: لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (3). (4)
فإنه (عليه السلام) علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد البعض
بعدم الازدياد على رأس المال كما ذكره المصنف، فيدل على أنه لو زاد

1 - مجمع البيان 1: 390.
2 - البقرة: 275.
3 - البقرة: 279.
4 - التهذيب 6: 207، الكافي 5: 259، الفقيه 3: 21، عنهم الوسائل 18: 448، صحيحة.
617

ذلك على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير، فيكون ذلك رباء كما
يقتضيه ذيل الآية، أعني قوله تعالى: لكم رؤوس أموالكم - الخ.
فهذه الرواية تدل على عدم جواز الزيادة في مقابل الأجل بعد الدين
فتدل على حرمتها عند المداينة أيضا، إذ لا فرق في ذلك بين الحدوث
والبقاء.
الطائفة الثانية: الأخبار الواردة عن تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير
الدين بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاملة أخرى للفرار عن الربا (1)،
فلو جاز التأجيل بزيادة ابتداءا وبقاءا لم يكن داعي إلى التوصل بأمثال
تلك الحيل، حتى صاروا (عليهم السلام) بذلك موردا لاعتراض العامة في
استعمال بعض هذه الحيل، كما في غير واحد من الأخبار الواردة في
ذلك، وكان كيف تدل هذه الروايات أيضا على حرمة الزيادة في مقابل
الأجل حدوثا وبقاءا.
وعلى الجملة أن ما استدل به المصنف على مقصوده بهذه الروايات
صحيحة وتامة.
7 - بيع العين الشخصية بعد شرائه مؤجلا من الشخص الذي اشتراه منه
قوله (رحمه الله): مسألة: إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بايعه وغيره
قبل حلول الأجل، ويعده بجنس الثمن وغيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا،
حالا أو مؤجلا.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان محمد بن المنكدر يقول
لأبي (عليه السلام): يا أبا جعفر رحمك الله، والله إنا لنعلم أنك لو أخذت دينارا والصرف بثمانية عشر،
فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، وما هذا إلا فرار، فكان أبي يقول:
صدقت والله ولكنه فرار من باطل إلى حق (الكافي 5: 247، التهذيب 7: 104، عنهما الوسائل
18: 179)، صحيحة.
618

أقول: الكلام في بيع العين الشخصية بعد شرائه مؤجلا من الشخص
الذي اشتراه منه، فالكلام يقع في أنه هل يجوز بيع العين الشخصية من
الشخص الذي اشتراه منه مؤجلا، أو لا يجوز بيعه منه قبل حلول الأجل
أو بعده بجنس الثمن الذي اشتراه منه أو بغيره مساويا له أو زائدا عليه أو
ناقصا عنه، حالا أو مؤجلا.
ففي هنا مسائل:
1 - أنه يجوز بيع ما اشتراه الانسان مؤجلا، وقد منع الشيخ عن ذلك
بعد حلول الأجل بنقصان من الثمن.
2 - ما نسب إلى الشيخ أيضا في خصوص الطعام، بأنه بعد حلول
الأجل، فإن كلام الشيخ وإن كان في بيع الطعام ولكن علله على نحو يفهم
منه التعميم، فراجع المتن: ولا يجوز أخذ الطعام بدلا عن الثمن إلا بما
يساويه.
3 - أن يبيع الشئ بشرط أن يبيعه منه بالمال كما نسب إلى المشهور.
المسألة الأولى
فالظاهر أنه لا خلاف في جواز ذلك بين الأصحاب إلا عن النهاية
للشيخ (1)، فإنه حكم بعدم جواز أن يأخذ البايع من المشتري ما كان باعه إياه
أن يأخذ منه بثمن ناقص فما باع منه ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به، كما
هو ظاهر عموم كلامه في بيع الطعام، وعن الشهيد (2) أنه تبع الشيخ في ذلك
جماعة.

1 - النهاية 2: 150.
2 - الدروس 3: 261.
619

ولكن الظاهر ما هو المشهور (1)، ويدل عليه مضافا إلى العمومات الدالة
على صحة المعاملات ولزومها صحيحة بشار بن يسار، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء مرابحة، فيشتريه من صاحبه
الذي يبيعه منه؟ فقال: نعم لا بأس به - الخ (2).
فهذه الرواية وإن كانت خاصة من حيث اختصاصها بشراء البايع المتاع
الذي باعه من المشتري مؤجلا، ولكنها مطلقة من حيث كون الشراء ثانيا
بأقل من الثمن الذي باعه أو أزيد أو مساوي، وكذلك مطلقة من حيث
كون الشراء ثانيا بعين الثمن الذي باع به أولا أو بغيره قبل حلول الأجل أو
بعده، فهذه الرواية باطلاقها من حيث ترك الاستفصال بين الحلول وعدمه
تدل على المقصود.
وتدل على المقصود أيضا صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى
الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم
بدراهمك التي لك عندي فرض، قال: لا بأس بذلك. (3)
فهذه الرواية ليست مطلقة من حيث كون البيع الثاني قبل الأجل أو
بعده، بل الظاهر منها أن المطالبة إنما كانت بعد حلول الأجل، ولذا قال
السائل أنه أتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فإنه لو كان ذلك قبل الأجل

1 - راجع السرائر 2: 287، المختلف 5: 139.
2 - الكافي 5: 208، الفقيه 3: 134، التهذيب 7: 48، عنهم الوسائل 18: 41، صحيحة.
3 - عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كان له على رجل دراهم من
ثمن غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم
بدراهمك التي لك عندي فرضي، قال: لا بأس بذلك (الفقيه 3: 165، التهذيب 7: 43، عنهما
الوسائل 18: 40)، صحيحة.
620

لم يكن له حق المطالبة، ولكن الظاهر من الرواية أن للبايع حق المطالبة (1).
ولكن الرواية ليست فيها صراحة بالنسبة كون البيع الثاني واقعا على
المبيع الأول بل هي مطلقة من هذه الجهة، فلا دلالة لها على ذلك إلا من
حيث الاطلاق.
ويؤيد ذلك ما من كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن
رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحل؟ قال: إذا
لم يشترط ورضيا فلا بأس (2).
فهذه الرواية على تقدير صحة سندها ظاهرة في المطلوب، ولكن
لا صراحة فيها أيضا في كون البيع قبل حلول الأجل أو بعده.
وكيف كان ففي هذه الروايات مع العمومات الواردة في صحة
المعاملات غنى وكفاية.
المسألة الثانية
وقد استدل الشيخ على المقصود بروايتين:
الأولى: رواية خالد بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى، فلما حل الأجل أخذته
بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره مني،
فقال: لا تشتره منه فإنه لا خير فيه (3).

1 - إلا أن يكون البيع حالا فتكون الرواية على ذلك أجنبية عن المقام - منه (رحمه الله).
2 - قرب الإسناد: 114، عنه الوسائل 18: 42، ضعيفة.
رواه علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابه (مسائل علي بن جعفر (عليه السلام): 127)، وطريق الشيخ إلى
كتابه صحيح في الفهرست.
3 - التهذيب 7: 33، الإستبصار 3: 76، عنهما الوسائل 18: 311.
621

وفيه أنه على تقدير صحة الرواية فلا دلالة فيها على المقصود، إذ
ليس فيها أن المبيع ثانيا عين المبيع أولا، فإن المشتري قال: ليس عندي
طعام فاشتر مني طعاما، فيمكن أن يكون هذا الطعام غير الطعام الذي
وقع عليه البيع أولا كما يقتضيه التعبير عنه بالنكرة، حيث إنه طلب الثمن
فأعطاه الطعام عنه، بل قيل إن تكرار النكرة بالنكرة يدل على التعدد كما
في قوله تعالى: إن مع العسر يسرا - الخ (1)، وأما إذا كان تكرار النكرة
بالمعرفة فيدل التكرار على الاتحاد.
نعم لا يبعد شمولها للمبيع الأول بالاطلاق وثانيا لا دلالة فيها على
الحرمة، بل الظاهر منها الكراهة، ولذا لم يقتصر الإمام (عليه السلام) في المنع
بقوله: لا تشتر، بل عقبه بالتعليل بقوله: فإنه لا خير فيه، فإن الظاهر من
كلمة لا خير هو الكراهة، فإنها مثل كلمة: لا ينبغي ولا يصلح، ونحو
ذلك.
وعلى الجملة فظهور الرواية في المنع عن الاشتراء من حيث كون البيع
ثانيا هو الطعام الأول، ومن حيث الزيادة والنقيصة والمساواة، والشيخ
لا يقول بذلك، فلا تنطبق الرواية على مسلكه.
الثانية: رواية عبد الصمد بن بشير قال: سأله محمد بن قاسم الحناط
فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من الرجل إلى أجل فأجئ وقد تغير
الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم، قال: خذ منه بسعر يومه،
فقال: افهم أصلحك الله أنه طعامي الذي اشتراه مني، فقال: لا تأخذ
منه حتى يبيعه ويعطيك (2).
فهذه الرواية صريحة في كون المبيع ثانيا هو المبيع أولا، فعلى تقدير

1 - الانشراح: 6.
2 - التهذيب 7: 35، الإستبصار 3: 77، الفقيه 3: 130، عنهم الوسائل 18: 312.
622

صحتها فتدل على المقصود من هذه الجهة، ولكن لا دلالة فيها على
خصوص مذهب الشيخ، وهو عدم جواز البيع بثمن ناقص من الثمن الذي
اشتراه المشتري به من البايع.
كما لا دلالة على ذلك في الرواية الأولى أيضا على تقدير شمولها
المبيع الأول باطلاقها.
والوجه في ذلك أنه لا شبهة في أن هذه الرواية صريحة في كون البيع
مؤجلا كما أنها صريحة في كون المبيع ثانيا عين المبيع أولا، وإن دلت
هذه الرواية على الجهة الثالثة أيضا، وهي أن يكون الثمن في البيع الثاني
أقل من الثمن في البيع الأول، فتكون هذه الرواية أخص من العمومات
الدالة على صحة هذا النحو من البيع، وأيضا تكون أخص من الروايتين
المتقدمتين، فبمقتضى الجمع العرفي كون هذه مخصصة لها،، إذ ليس
في المقام ما يعارض هذه الرواية بل العمومات والروايتين المتقدمتين
كلها أعم من هذه الرواية.
ولكن الظاهر أن رواية عبد الصمد مع الغض عن سندها والحكم
باعتبارها من حيث السند فلا دلالة لها على المقصود، فإنها إما مجملة أو
خارجة عن المقام جدا.
والوجه في ذلك أن الراوي حيث سأل الإمام (عليه السلام) عن جواز شراء
الطعام ثانيا الذي باعه من شخص مؤجلا وقد حل الأجل حيث يقول
المشتري: ليس عندي دراهم خذ طعامك فقد تغير سعره، فقال الإمام
(عليه السلام): خذ طعامك بسعر يومه الذي تطلب منه الثمن، ثم كرر السائل
السؤال، فقال: هو طعامي، فأجاب الإمام (عليه السلام) أنه لا يجوز أن تشتري منه
بل لا بد وأن يبيع لشخص آخر فيعطيك ثمنه ثم ندم السائل عن سؤاله
ثانيا حيث قال: أرغم الله أنفي - الخ.
623

لا شبهة أن المبيع الثاني الذي سأل السائل عن حكمه ليس الثمن فيه
مساويا للبيع الأول، بل إما زائدا عنه أو ناقص، ولذا قال الراوي: فقد
تغير سعره، فإن كان المراد هو الناقص فدلت الرواية على مقصود الشيخ،
فإنه تكون الرواية أخص من العمومات والروايتين المتقدمتين فتكون هي
مخصصة لهما.
ولكن ليس في الرواية ظهور في ذلك، بل الظاهر منها أن السائل بعد ما
سأل عن حكم البيع الثاني فجاوبه الإمام (عليه السلام)، فرأى أنه ليس على نفعه
لكون الثمن فيه زائدا من ثمن بيع الأول، فأراد الفرار عن ذلك، فسأل ثانيا
أنه طعامي فكيف أعطي الثمن أكثر مما أعطاه المشتري لي بل لا بد وأن
يعطيه المشتري لي بمثل الثمن الذي أعطيه إياه، فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنه
لا تأخذ منه - الخ، فتخيل السائل من ذلك أنه لا يجوز البيع بأزيد من
الثمن الذي في البيع الأول، فقال: أرغم لله أنفي رخص لي فررت عليه
وشدد على.
فإن الظاهر (1) من هذه الجملة أنه فهم عدم الجواز من الشراء بالزائد
فتندم لأنه كان حاضرا بالشراء الزائد، ولكن لا دلالة في قوله (عليه السلام):
لا تأخذ منه - الخ، على عدم جواز الشراء ثانيا بالأكثر كما تخيله
الراوي، بل الإمام (عليه السلام) أرشده إلى أنه إذا ثقل عليه أن تشتري متاعك
بالثمن الزائد من الذي بايعته فلا تأخذ منه ذلك، فخلي أن يبيعه من غيرك
فيعطيك دراهمك.
وعليه فلا دلالة في الرواية على المنع عن البيع بأزيد من الثمن الذي
كان في البيع الأول.

1 - ولكن الظاهر من ذيل الرواية أنه كان الثمن في البيع الثاني، فمنع الإمام (عليه السلام) منه
فتكلم هو بهذه الجملة فإنها أمس بصورة القلة والندامة بها أخرى وأما في الزائد فلا - منه (رحمه الله).
624

وعلى هذا فالرواية بالكلية أجنبية عن رأي الشيخ الطوسي، فإن
الرواية لا تمنع عن البيع الثاني لا بالثمن الناقص من البيع الأول كما صرح
به الشيخ الطوسي، وقال: إنه لا يجوز بالناقص ولا بالثمن الزائد، كما هو
ظاهر كلامه في مورد بيع الطعام، وإن أبيت عن ظهورها في ذلك
فلا ظهور لها في المنع عن البيع بالثمن الناقص من الثمن الأول، فلا أقل
من الاجمال كما هو واضح.
ثم إنه ربما يستدل على مذهب الشيخ بما نسب إليه في السلم، من أنه
لو باع أحد طعاما من غيره سلما فحل الأجل ولم يتمكن البايع من تحويل
الطعام فإنه لا يجوز له أن يعطي درهما بدل الطعام إلا بنحو التساوي، فإنه
يرجع إلى بيع الدرهم بدرهم، فهو لا يجوز في غير صورة التساوي،
وعكس ذلك في البيع المؤجل فإنه إذا باع طعاما بدراهم مؤجلا فحل
الأجل ولم يتمكن المشتري من اعطاء الدراهم، فإنه لا يجوز له أن يعطي
الطعام بدل الدراهم لرجوعه إلى بيع الطعام بالطعام، فهو لا يجوز إلا
بنحو التساوي وإلا يلزم منه الربا.
والأصل في ذلك ما ورد في السلم من خبر علي بن جعفر (عليه السلام) قال:
سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟
قال (عليه السلام): إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم
فلا يصلح دراهم بدراهم (1).
وفيه أولا: أن الرواية ضعيفة السند.
وثانيا: أنها معارض في موردها برواية أخرى.
وثالثا: أن مورد هذه الرواية هو البيعي الكلي، فإنه قال: سألته عن

1 - التهذيب 7: 30، الإستبصار 3: 74، عنهما الوسائل 18: 308، ضعيفة.
رواه علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابه: 123، وسند الشيخ إلى كتابه صحيح في الفهرست.
625

رجل له على آخر تمر، ولا أقل من اطلاقه بالنسبة إلى الكلي
والشخصي، ولا شبهة أن كلام الشيخ في البيع الشخصي دون الكلي،
بداهة جواز ذلك في الكلي، وإذن فلا مانع من هذه الناحية أيضا لأن البيع
الثاني بأقل من الثمن الأول لا بأس به.
فتحصل أن مذهب الشيخ (رحمه الله) مبني على وجوه ثلاثة كلها لا يرجع إلى
محصل كما هو واضح.
المسألة الثالثة
فهي أن يبيع شيئا ويشترط في ضمنه أن يبيعه ثانيا، فقد نسب إلى
المشهور بطلان ذلك، وعلله العلامة بأنه مستلزم للدور وهو محال وما
يلزم منه المحال فهو محال.
ولكنه لا يناسب مقام العلامة بل مقام من هو دونه، وذلك لأنه إن كان
معنى الاشتراط هو تعليق البيع على الشرط بحيث أن يكون البيع على
تقدير هذا الشرط وإلا فلا بيع فلتوهم الدور مجال، لأن حصول البيع
الأول متوقف على البيع الثاني فالبيع الثاني متوقف على الملكية الحاصلة
من البيع الأول فيتوقف البيع الثاني على البيع الأول فهو دور.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإنك قد عرفت أن معنى الشرط ليس هو
التعليق الذي قام الاجماع على بطلانه، بل الالتزام معلق على الشرط
والعقد معلق على الالتزام بالشرط، ولا يضر مثل هذا التعليق، لأنه إنما
تعليق بأمر حاصل لتحقق الالتزام حال العقد والتعليق بأمر حاصل
لا تضر كما هو واضح، وإنما الذي هو غير حاصلة هو الملتزم به دون نفي
الالتزام، كما هو كذلك في جميع الشروط غير شرط النتيجة كشرط
الخياطة والبناية ونحوهما.
626

وأما على ما هو المعروف من معنى الشرط من ارتباط الالتزام بالعقد
مستمرا متوقف على الشرط والارتباط إنما هو بينهما، فالملكية حاصلة
بالبيع سواء حصل الشرط أعني الملتزم به أم لم يحصل، غاية الأمر أنه
يثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط، وأما توقف الملكية على الشرط
المتوقف حصوله على البيع الثاني فلا كما هو واضح، وحيث إن هذا
المعنى من الشرط واضح فلا وجه للزوم الدور بوجه.
على أنه منقوض بالإجارة أيضا فإنه لو باع عينا من شخص واشترط
استجارتها للبايع لزم الدور المذكور، وكذلك ينتقض باشتراط بيعه من
شخص آخر، فإن توهم الدور متوجه في جميع ذلك، فلا وجه للفرق
بينهما.
ثم إنه حيث إن الدور بظاهره الذي عرفت بشيع، والقول بلزومه في
صورة اشتراط البيع للبايع منقوض بالأمور المذكورة، فقد وجهه
المصنف بوجه آخر، وحاصله:
إن الشرط لا بد وأن يكون محرز الصحة قبل البيع ولا يكون ممتنعا
قبله، فلو كانت صحة الشرط ناشئة من ناحية الاشتراط في البيع بحيث
يكون البيع موجبا لمعقوليته لزم الدور، ففي المقام لا شبهة أن بيع مال
الشخص من نفسه معقول، فلو اشترط ذلك في ضمن البيع لكان صحة
هذا الشرط متوقفة على البيع، والمفروض أن صحة البيع أيضا متوقفة
على هذا الشرط فيلزم الدور.
ولكن يرد عليه نقضا وحلا، أما النقض فلأن النقوض المذكورة وإن
لم تكون واردة، فإن بيع المالك ماله من شخص آخر، وكذلك ايجاره
صحيح في نفسه فيمكن أن يكون ذلك شرطا في البيع أيضا، ولكن ينقض
ذلك بما إذا اشترط الايجار لنفسه، فإن الظاهر أن العلامة لم يمنع في ذلك
627

كما هو المتعارف كثيرا، أو يشترط كون السكنى له إلى سنة ويشترط أن
يرهن عنده.
ودعوى المصنف أن النقض بالرهن غير وارد لأنه من توابع البيع
ومصالحه فيجوز اشتراطها نظير نقد الثمن أو عدم تأخيره عن وقت
دعوى لا نفهمها، إذ الاشكال ليس من ناحية جعل مال الغير وثيقة، فإنه
كثير فإنه ربما يستعير مال شخص آخر ويجعله وثيقة عند شخص
ويأخذ منه الدراهم، بل الاشكال من ناحية أن مال شخص لا يمكن أن
يجعل عنده رهنا، وأنه إذ لا يعقل أن يجعل مقدار من مال شخص ثم
يجعل رهنا عنده، فحيث كان هذا غير معقول فلا بد وأن لا يكون
الاشتراط ممكنا في البيع أيضا على توجيه المصنف لكلام العلامة.
وأوضح من النقضين المذكورين أن يبيع أحد ماله واشترط أن يقفه
عليه، مع أن وقف الانسان ماله لنفسه غير معقول.
والظاهر أن العلامة لم يلتزم بعدم الجواز في شئ مما ذكر، فالأمر
يدور بين أن يلتزم بعدم صحة الشرط في الموارد المذكورة أيضا، وهو
بعيد، أو لا يلتزم بعدم الصحة في اشتراط أن يبيع المشتري المبيع من
البايع ثانيا، فحيث لا يمكن الالتزام بالأول فلا بد من عدم الالتزام بذلك
في الثاني أيضا.
وأما أن الشرط غير مقدور قبل البيع فكيف يمكن اشتراطه فيه فواضح
الاندفاع، لأنه لا يعتبر في الشروط أن يكون مقدورا قبل العقد، بل يكفي
في مقدوريته كونه مقدورا بالعقد أيضا كما في المقام، وتقدم نظيره سابقا
في حصول جواز التصرف بنفس البيع كما هو واضح.
وأعجب من كلام العلامة ما استدل به الشهيد (1) على بطلان البيع الأول

1 - الدروس 3: 216.
628

أن البايع لا قصد له على البيع وإلا لم يشترط بيعه من البايع ثانيا، ووجه
العجب أن البايع قد قصد النقل إلى المشتري، ودعوى أنه لم يقصد
مكابرة.
وإن أبيت عن ذلك فنفرض الكلام فيما إذا صرح البايع بذلك القصد،
غاية الأمر أنه مع هذا القصد قد اشترط بيعه ثانيا من البايع الأول وتعلق
القصد به أيضا، على أنه لو كان اشتراط البيع من البايع الأول ثانيا مضرا
لكان قصد المتبايعين النقل إلى البايع الأول من دون اشتراطها إياه لفظيا
أيضا مضرا وموجبا لعدم القصد إلى البايع الأول، بل قد يقصد رجوع
المبيع إلى البايع كما في البيع بشرط رد الثمن، فإن غرض البايع تسهيل
أمره مع حفظ متاعه بذلك البيع، فيبيعه كذلك ويجعل لنفسه الخيار إلى
مدة بحيث إذا أتاه الثمن أخذ المتاع.
وعلى الجملة فلا نرى بأسا بما إذا باع أحد ماله واشترط في ضمن
البيع أن يبيعه المشتري منه ثانيا، لا من حيث الالتزام ليكون تعليقا،
ولا من حيث الملتزم به، بأن يوجب الدور، بل قد يشترط رجوع البايع
إلى المبيع إذا أتى بالثمن فضلا عن البيع له ثانيا كما عرفت.
والحاصل أن الكلام في صحة البيع واشتراط أن يبيع المشتري المبيع
ثانيا من البايع، وقد تقدم أن المانع ذلك هو الدور الذي ذكره العلامة وقد
عرفت جوابه وأنه ليس هنا دور، بل المقام كبقية الاشتراط، من غير فرق
بينها.
فإذا لزم الدور من الاشتراط فيلزم في جميعها وإلا فلا، فحيث لم نر
محذورا في بقية الشروط من حيث الالتزام ولا من حيث الملتزم به،
لكونه أمرا مقدورا وكانت مقدوريته بنفس العقد، فلا محذور في صحة
ذلك البيع الذي وقع فيه هذا الشرط، بل قد عرفت أن البيع المشروط برد
الثمن من البديهيات صحته، مع أن اشكال الدور لو تم لجرى فيه أيضا
629

بتوهم أن البيع متوقف على صحة الشرط وصحة الشرط متوقف على
صحة البيع.
وكيف كان فأصل صحة البيع الأول غير متوقفة على شئ بل هو يفيد
الملكية سواء عمال المشروط عليه بالشرط أم لا غاية الأمر أنه مع
التخلف وعدم العمل بالشرط تثبت الخيار للمشروط له وهذا جار في
جميع الشروط كما هو واضح.
وأما ما ذكره الشهيد (رحمه الله) من أنه لا قصد للبايع إلى البيع مع هذا الشرط
فقد عرفت جوابه، وأنه قصد النقل بهذا البيع واشتراط هذا الشرط
لا ينافيه، أي لا ينافي قصده هذا كما هو واضح.
ثم إنه قد استدل صاحب الحدائق وبعض آخر على فساد البيع الذي
وقع فيه هذا الشرط برواية الحسين بن المنذر الدالة على فساد البيع بهذا
الشرط (1)، وبرواية علي بن جعفر المروية في قرب الإسناد (2).
ولكن الظاهر من الرواية كما ذكره المصنف هو بطلان البيع الثاني،
ويدلنا على ذلك اختلاف أهل المسجد فيه وحكمهم بأنه لا يجوز البيع

1 - عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة
فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه، ثم أشتريه منه مكاني، قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن
شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، فقلت: إن أهل
المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح، قال: إن هذا تقديم وتأخير
فلا بأس (الكافي 5: 202، التهذيب 7: 51، عنهما الوسائل 18: 41)، ضعيفة.
2 - عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم
اشتراه بخمسة دراهم أيحل؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس (قرب الإسناد: 114، عنه
الوسائل 18: 42، ضعيفة.
رواه علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابه (مسائل علي بن جعفر (عليه السلام): 127)، وطريق الشيخ إلى
كتابه صحيح في الفهرست.
630

في مكانه بل بعد أشهر، فإن هذا في البيع الثاني دون الأول، والإمام (عليه السلام)
أيضا حكم بجواز البيع الثاني إن كان البيع الأول متحققا بحيث كان
المشتري بعده له أن يبيع وله أن لا يبيع، ومن البديهي أن مورد البحث
كان هو البيع الأول كما هو ظاهر كلام المشهور بل صريح كلام بعضهم.
وإذن فالروايتان أجنبيتان عن مورد المسألة، وتدلان على بطلان البيع
الثاني.
ولكن الذي يسهل الخطب أنهما ضعيفتان السند، أما الأولى فلحسين
ابن المنذر، وأما الثاني فلعبد الله بن الحسن، فلا تصلحان للمانعية عن
صحة البيع الثاني أيضا، وعليه فمقتضى القاعدة المتصيدة من العمومات
الدالة على صحة المعاملات هو صحة البيع الثاني أيضا كما هو واضح.
631

القول في القبض
قوله (رحمه الله): وهو لغة الأخذ مطلقا - الخ.
أقول: اختلفت الأقوال في معنى القبض على ما ذكره المصنف في
المتن، ولكن الظاهر أن القبض بمعنى واحد، فيكون بهذا العنوان شاملا
لجميع الموارد، وهو ما يكون به ضمان الغاصب، وهذا المعنى الواحد
عبارة عن الاستعلاء على المال بحيث يكون اختياره تحت يده أو يد من
يؤول إليه أمر المالك، وهذا المعنى هو الذي يحكم به العرف ويوافقه
اللغة العربية، بل كل لغة، وليس له حقيقة شرعية أو متشرعية حتى تكون
متبعة.
وعلى هذا المعنى فيختلف القبض بحسب اختلاف الموارد، فإنه في
مثل الدار عبارة عن التخلية بين المالك وبينها، فإن استعلاء المالك
يحصل بذلك، وفي مثل الجواهر هو القبض بالكف، وفي مثل الحيوان
هو الأخذ باللجام أو السوق أو نحوهما.
وكيف كان فالقبض له معنى عرفي واضح، ليس فيه اختلاف أصلا،
وإنما الاختلاف في مصاديقه وأفراده كما هو واضح.
نعم ربما يعبر عما قبضه بالتخلية بالاقباض مسامحة، ولا يلزم من
ذلك أن يكون المراد منه هو القبض بالكف، كما يقال في تسليم الثمن أو
المثمن إلى كل من المتبايعين بالاقباض، ويقال إنه يجب الاقباض، ولكن
هذا تعبير مسامحي، والمراد هو اقباضه بما يناسبه، واختلاف الحكم
632

في تحقق القبض هنا من ناحية الاستناد إلى رواية عقبة (1) الدالة على تحققه
بمطلق التخلية بقرينة الاخراج من البيت، أو النبوي: كل مبيع تلف قبل
القبض فهو من مال بايعه (2)، الظاهر في تحقق الفعل من المشتري لا يرتبط
بحقيقة القبض، ويمكن أن الغرض من الروايتين واحدا.
وكذلك وقع الكلام في أن اقباض الغاصب مال المغصوب بأي شئ
يحصل، بمعنى أنه بماذا تفرغ ذمته، وهذا أيضا ليس مربوطا بحقيقة
القبض وماهيته، فإن اقباض كل شئ بحسبه كما عرفت، وبحسب
اختلاف المغصوب يختلف الحكم بفراغ ذمته أيضا، ولعل هذا هو
المقصود من النبوي: على اليد ما أخذت حتى تؤدي (3).
نعم إذا كان المراد من الأداء الأداء الخارجي فيعتبر فراغ من ذمة
الغاصب الأداء لا مجرد التخلية بين المال وصاحبه، ولكن في
المنقولات لا في غيرها.

1 - عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير
أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع، من مال من يكون؟
قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه
من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه (الكافي 5: 171، التهذيب 7: 21، و 230، عنهم
الوسائل 18: 23)، ضعيفة.
2 - عوالي اللئالي 3: 212، عنه المستدرك 13: 303.
3 - رواه الحسن البصري، عن سمرة بن جندب، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، راجع سنن البيهقي
6: 90، كتاب العارية، وكنز العمال 5: 257.
أما الحسن البصري فمضافا إلى انكار جماعة منهم سماعة من سمرة أنه من المنحرفين عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) وله كلمة جافة في حقه لا تصدر إلا ممن عانده وناواه.
أما سمرة هو الذي انحرف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان أيام مسير الحسين (عليه السلام) إلى
الكوفة على شرطة ابن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين (عليه السلام) وقتاله، وقد
مر في الجزء الثاني تفصيلا، فراجع.
633

وأيضا وقع الكلام في أنه إذا باع أحد ما اشتراه من المكيل والموزون
هل يكفي الوزن أو الكيل الأول في البيع الثاني أم لا، بل لا بد من الوزن
والكيل ثانيا، مع كون الكلام في أن هذا الوزن أو الكيل ثانيا اقباض أم لا،
وهذا أيضا غير مربوط باختلاف حقيقة القبض، بل هو حكم آخر قد
تقدم الكلام فيه عند البحث في شرائط البيع، وأنه يكفي الوزن في البيع
الأول عن الوزن في البيع الثاني أو لا، وأما أنه إذا أوجبنا الوزن في الثاني
فهل أنه قبض أو يحتاج إلى قبض آخر، فسيأتي الكلام فيه.
وعلى الجملة فشئ من الأحكام المزبورة لا يرتبط بالقبض كما هو
واضح.
وجوب القبض
قوله (رحمه الله): القول في وجوب القبض.
أقول: لا شبهة في وجوب الاقباض لكل من المتبايعين، فإنه بعد
تحقق البيع يكون الثمن مال للبايع ويكون المثمن مالا للمشتري، فيحرم
إمساكه لكل منهما لأنه تصرف في مال الغير وامساكه إياه بغير إذنه، فهو
حرام، وإنما الكلام في أنه يجب ذلك على الاطلاق سواء سلم الآخر
العوض أم لا، كما ذهب إليه الأردبيلي، أو يجب على البايع فقط دون
المشتري كما ذهب إليه بعضهم (1)، أو يجب على كل منهما مشروطا كما
ذهب إليه المصنف (2).
وأما ما ذهب إليه الأردبيلي ففيه ما ذكره المصنف، من أن تسليم كل

1 - الخلاف 3: 151، وفيه: يجبر البايع أولا.
2 - قال في المختلف 5: 291: المعتمد أن الحاكم يجبرهما معا دفعة واحدة، لأن حالة
انتقال المبيع إلى المشتري هي حالة انتقال الثمن إلى البايع، فلا أولوية.
634

من البايع والمشتري العوض للآخر مشروط بتسليم الآخر العوض إياه
بحسب بناء العقلاء، وإذا امتنع أحدهما من التسليم فللآخر أيضا أن
يمتنع من ذلك، وعليه فلا وجه للقول بالوجوب على وجه الاطلاق كما
هو واضح.
وأما توهم أنه واجب على البايع مطلقا دون المشتري، فإنه يجب عليه
التسليم مشروطا بدعوى أن الأصل في البيع هو المعوض والثمن عوض
عنه، فيجب ابتداء تسليم المعوض سواء سلم المشتري العوض أم لا،
ولكنه واضح البطلان، فإن كون الثمن عوضا في مقام الانشاء لا يقتضي
عدم وجوب التسليم مطلقا مثل المثمن، بل بعد تمامية البيع يصير
كل منهما مالا للآخر، فإذا وجب على البايع التسليم بأي كيفية وجب
على المشتري التسليم على هذا النحو أيضا، وحيث قلنا إنه واجب على
كل منهما مشروطا بحسب بناء العقلاء، فيكون هذا التوهم فاسد من
أصله.
ثم إنه ذكر المصنف أنه يجبر الحاكم الممتنع عن التسليم بالتسليم أو
غير الحاكم من باب النهي عن المنكر، فإن منع مال الغير عنه منكر فينهي
عنه، ولكنه واضح الدفع، بداهة أنه بعد ما كان وجوب التسليم وجوبا
مشروطا، فلا يكون عدم تسليم كل منهما مع منع الآخر عن التسليم
منكرا حتى يجب ذلك من باب النهي عن المنكر، نعم إذا لم يمتنع
أحدهما عن التسليم ولكن امتنع الآخر عنه، فلا بأس لكلام المصنف هنا
من اجبار الممتنع من باب النهي عن المنكر.
ثم إنه إذا كان كل منهما حاضرا للتسليم وواقفا لتسليم الآخر، ولكن
لا يبادره إلا أن يبادر الآخر بالتسليم لغرض في ذلك، فهل تجري الوجوه
المتقدمة هنا أيضا أم لا؟
635

الظاهر أن هذه مسألة أخرى غير المسألة المتقدمة، والظاهر أن ما
ذكره الأردبيلي متين هنا، بداهة أنه لم يثبت بناء من العقلاء في المعاملات
على وجوب التسليم فورا لعدم تعلق الغرض العقلاء بذلك حتى يجئ
ذلك تحت الشرط الضمني، بل بناؤهم إنما يثبت على اشتراط أصل
تسليم كل من العوض والمعوض لتسليم الآخر، وعليه فيكون المبادرة
لكل منهما واجبة كما هو واضح.
ودعوى أن المبادرة واجبة على البايع لقبح أن يطلب تبادر من
المشتري بتسلم الثمن بخلاف العكس دعوى فاسد، بل الوجوب من كلا
الطرفين.
ثم إنه إذا كان البيع من ناحية مؤجلا، أما الثمن كما في بيع النسيئة، أو
المثمن كما في بيع السلم، ولم يسلم البايع إلى أن حل الأجل، فهل يجب
على المشتري التسليم بعد حلول الأجل أم لا، وهل يجب على البايع
ذلك أم لا؟
أما المشتري فقد ظهر حكمه من المسألة السابقة، حيث إن الشرط
الضمني بحسب بناء العقلاء إنما هو على وجوب التسلم مشروطا، وقد
أخرج المشتري مقدارا من الزمان عن تحت هذا الاشتراط بالتصريح، أي
يشرط عدمه على خلاف بناء العقلاء، فبقي الباقي تحت الشرط
الضمني.
وأما البايع فقد يقال إنه يجب عليه التسليم، سواء سلم المشتري أم
امتنع عن ذلك، فإنه أي غير مؤجل قد التزم بالتسليم بحسب الشرط
الضمني وإن لم يسلم الآخر من ناحية مؤجل، ولكنه أيضا واضح الدفع،
فإنه إنما التزم بالتأجيل برهة من الزمان لا مطلقا، فإذا خرج هذا الزمان
الخاص فيكون حاله حال المشتري، وحال كلاهما ما ذكرناه في المسألة
636

السابقة من كون تسليم كل منهما مشروطا بتسليم الآخر كما لا يخفى،
فافهم.
فتحصل أن الاقباض إنما يجب لكل من البايع والمشتري على تقدير
تسليم الآخر وإلا فلا، حتى في البيع المؤجل بعد خروج الأجل كما هو
واضح.
1 - لو قبض المشتري الثمن بدون إذن البايع هل يحسب هذا قبضا أم لا؟
ثم إنه لو قبض المشتري الثمن بدون إذن من البايع فيما لو كان المبيع
من الأعيان الشخصية، فهل يحسب هذا قبضا أم لا؟
فنقول: تارة تكون المعاملة مما يتوقف الملكية فيها على القبض كما
في بيع الصرف والسلم، وأخرى لا يتوقف على ذلك ولكن كان البقاء
المبيع للبايع عنده عن حق، فعلى الأول فلا شبهة أن ما أخذه المشتري
هو مال الغير فلا يحصل الملكية بقبضه، بل لا بد له أن يرده إلى صاحبه،
فإن المفروض أن المعاملة ليست بوحدتها سببا وحيدا لحصول الملكية،
وإنما هي مع اقباض البايع دخيل في ذلك، فإذا انتفى الاقباض انتفى
الملكية إلا أن يرضى البايع ببقائه عند المشتري، فهو وإن لم يكن عن
قبض حدوثا ولكنه يكون قبضا بقاء.
وعلى الجملة فمع عدم رضاء البايع بما أخذه المشتري وقبضه لا بد
له أن يرده إلى البايع كما هو واضح.
وأما إذا لم تتوقف الملكية على القبض بل كان للبايع حق ابقاء المبيع
عنده فقط، فالظاهر أنه لا شبهة في جواز التصرف في المبيع للمشتري
لأنه لم يتصرف إلا في ماله، غاية الأمر أن القبض لم يكن عن حق.
وتوهم أن التصرف في متعلق حق الغير كالتصرف في ماله فلا يجوز
637

توهم باطل، فإنه بعد كون متعلق حق الغير مالا للمتصرف فلا معنى
لحرمة التصرف فيه، نعم لا يترتب على المبيع الأحكام المترتبة على
القبض كبيعه من شخص آخر، فإنه قبل قبض المبيع عن البايع إما حرام
أو مكروه فلا يرتفع ذلك إلا بالقبض من البايع كما هو واضح.
لو حصل القبض من جانب وامتنع الآخر من التسليم
ثم إنه إذا حصل القبض من جانب وامتنع الآخر من التسليم فهل يجوز
للممتنع أن يتصرف فيه أو لا يجوز؟
الظاهر أنه لا مانع من التصرف فيه لأنه ماله، غاية الأمر إذا لم يسلم
العوض إلى حد كان للآخر خيار تخلف الشرط الضمني، فإذا فسخ العقد
يسترجع المبيع من المشتري.
2 - يجب على البايع تفريغ المبيع من أمواله
قوله (رحمه الله): مسألة: يجب على البايع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا.
أقول: هذه المسألة غير المسألة السابقة، أعني وجوب تسلم العوض
على كل من البايع والمشتري، نعم وجوب كل منهما بالشرط الضمني
بحسب بناء العقلاء، فإنه كما أن العقلاء يحكمون بوجوب التسليم على
كل منهما، وكذلك يحكمون بوجوب التسليم مفرغا، بمعنى أنه يجب
على البايع مثلا أن يسلم العوض للمشتري مفرغا عن ماله وغير مشغول
به.
وليس هذا عين المسألة السابقة، فإنه يمكن انفكاك إحداهما عن
الآخر، إذ يمكن أن يحصل التسليم ومع ذلك يكون المسلم به مشغولة
بمال المسلم، كما إذا باع زيد دارا وسلمها إلى المشتري، ولكن كانت
638

مشغولة بمال البايع بحيث لا يمكن افراغه عادة إلى شهر أو شهرين مثلا،
أي لا يمكن افراغها في مدة يتسامح فيها عرفا كيوم أو نصف يوم، بل
لا بد وأن تبقى مشغولة في مدة معتد بها كشهر أو شهرين، وحينئذ يثبت
للمشتري خيار الفسخ كما يثبت ذلك مع عدم أصل التسليم على ما
تقدم.
ثم إنه ذكر المصنف أنه إذا لم يفرغ البايع المبيع إلى مدة يتضرر فيها
المشتري ثبت له خيار الفسخ، والظاهر أنه لا وجه لهذا التقييد، بداهة أن
الخيار لم يثبت بدليل نفي الضرر حتى يكون مقيدا بعدم الضرر، بل إنما
هو من جهة التخلف بالشرط الضمني، وعليه فيثبت له الخيار بمجرد
طول المدة وإن لم يتضرر المشتري بل كان عدم الفراغ على نفعه، كما إذا
كان في مسافرة فلو حصل الفراغ لم يكن أحد حافظا للمبيع، وهذا
واضح لا شبهة فيه، ويجب على البايع حينئذ أن يعطي الأجرة في المدة
التي أشغلها على تقدير عدم فسخ المشتري وعدم رضاه بالبقاء مجانا،
كما هو واضح.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون عدم الافراغ عن قصور أو عن تقصير،
فما ذكره المصنف من الجزم بالخيار في الثاني دون الأول لا وجه له، فإن
التصرف في مال الغير لا يجوز على كل تقدير، ومعه يكون ضامنا له
سواء فوت عينه أو منفعته كما هو واضح، ففي المقام حيث فوت منفعة
مال الغير فيكون عليه ضمانها.
ثم إن هذه الفروع في فرض جهل المشتري بالواقع، وإلا فمع علمه
يكون المبيع مشغولة، ومع ذلك أقدم على الشراء مع علمه بأنه لا يحصل
الفراغ إلى شهر لا يكون له الخيار إلا مع تسامح البايع بأزيد من ذلك.
وقد يقال إنه إذا كان المشتري غافلا عن كون المبيع مشغولا وأقدم
639

على الشراء ثم انكشف أنه كان مشغولا فإنه لا يكون له الأجرة في ذلك،
لأنه مثل أن تكون العين مستأجرة فكما ليس للمشتري مطالبة الأجرة
على ذلك في مدة الإجارة، وكذلك ليس له الأجرة مع انكشاف كون
المبيع مشغولا بمال البايع، نعم يثبت له الخيار فقط من ناحية تخلف
الشرط ولكنه واضح الفساد، بداهة أن مقتضى كون العين وجميع منافعها
مملوكة للمشتري بالبيع، فلا بد للبايع أن يخرج من عدة ماله مع اتلاف
شئ منها ولو كان هي المنفعة.
ولا يقاس ذلك بكون العين مستأجرة، فإن المنفعة لم تكن داخلة في
ملك المشتري حتى يكون ضمان تفويتها على البايع، بل كانت حين البيع
مملوكة لشخص آخر، وهذا بخلاف المقام، فإن المنفعة هنا كأصل
العين صارت مملوكة للمشتري بواسطة البيع، فتفويتها يوجب الضمان
كما لا يخفى.
وعلى الجملة فإذا كانت العين مشغولة بمال البايع مثلا مدة معتدة بها
لا بما يتسامح عرفا كان للمشتري خيار تخلف الشرط، وعلى تقدير
عدم الفسخ يستحق الأجرة في مدة عدم الفراغ كما هو واضح.
لو اشترى أحد أرضا كانت مشغولة بالزرع والأشجار
ثم إنه لو اشترى أحد أرضا وعلم كونها مشغولة بالزرع والأشجار
فلا شئ على البايع كما في الفرع الأول، وإن لم يعلم بذلك فهل يكون
المشتري مخيرا بين قلعها وابقائها، أو يتخير البايع في ذلك.
قد يقال: إن قلع الأشجار أو الزرع ضرر على البايع فيكون مرفوعا
بدليل نفي الضرر، ويكون هو مخيرا بين القلع والابقاء.
ولكن يرد عليه أن دليل نفي الضرر لا يشمل المقام، فإنه معارض
640

بكون البقاء ضررا على المشتري، فلا يشمل دليل نفي الضرر لمورد
يكون فيه ضرر الغير لكونه في مقام الامتنان.
ودعوى أن ضرر المشتري متدارك بالخيار دون البايع دعوى فاسدة،
لأنا ذكرنا مرارا أن دليل نفي الضرر إنما يرفع الضرر الحكم الضرري الذي
يتوجه الضرر منه إلى الشخص، ولا نظر فيه إلى كون الضرر متداركا
بحكم آخر، وإلا فيمكن أن يتدارك ضرر البايع من بيت المال بأن يلتزم
بحديث نفي الضرر بوجوب اعطاء ضرر البايع من بيت المال.
وعلى الجملة أن حديث نفي الضرر وارد في مورد نفي الضرر الناشئ
من قبل الحكم الشرعي، من غير ملاحظة أنه يتدارك بشئ آخر أم لا،
فلا نظر له بوجه إلى تداركه بشئ أصلا، فالاختيار في القلع والابقاء
للمشتري لأنه مسلط على ماله، فليس لأحد أن يزاحمه في تصرفاته
السائغة بأي نحو من أنحاء المنع.
ثم إنه لو رضي المشتري ببقاء الزرع والأشجار في الأرض فهل
يستحق الأجرة بذلك أم لا؟
الظاهر هو الاستحقاق لأنه مالك لمنفعة الأرض، فتفويتها موجب
للضمان، ولا يصح قياس المقام ببيع الدار وانكشاف كونها مستأجرة،
فإن المنفعة هناك مملوكة لشخص آخر بخلاف المقام كما عرفت.
ثم إنه إذا قلع البايع زرعه وأشجاره فلا بد له أن يطم مواضعها ويصلح
الأرض لأنه نشأ من قبله فلا بد له اصلاحه، ولكن هنا نزاع في أن مثل هذه
النواقص التي أوردها شخص على مال غيره هل هي من قبيل القيميات
أو المثليات، ومن هذا القبيل كسر زجاجة الغير ونحو ذلك.
الظاهر أنه يختلف ذلك باختلاف الموارد، فلا يبعد أن يكون الزجاجة
من قبيل المثليات، لأنه يمكن عرفا إعادة مثل الأول، فلو كسر أحد
641

زجاجة شباك أحد فعليه أن يعيد مثله، وفي مثل تخريب القبة ونحوها
يحكم بوجوب القيمة ظاهرا، فإن الظاهر أنها من القيميات لأنه لا يمكن
عادة إعادة مثل القبة الأولى، لاختلافها اختلافا فاحشا من حيث الجدد
والعتاقة وجودة المواد والأساس ورداءتها وغير ذلك من الجهات
الموجبة للاختلاف كما هو واضح، فافهم.
3 - لو امتنع البايع من التسلم
قوله (رحمه الله): لو امتنع البايع من التسلم.
أقول: يقع الكلام هنا في مقامين:
أما المقام الأول: أن يكون امتناع البايع من التسليم لحق، وهذا على
نحوين:
الأول: أن يكون البحث في ذلك من حيث استحقاق المشتري الأجرة،
والثاني من حيث الآثار الوضعية.
أما من حيث استحقاق المشتري الأجرة، فقد يقال بأن المشتري
يستحق الأجرة للمبيع، لأن البايع إنما فوت عليه منافع العين وهي
مملوكة للمشتري فيكون ضامنا لها، فلا بد وأن يعطي الأجرة له، ولكنه
واضح البطلان، بداهة أنه بعد كون الامتناع عن حق فلا يكون ضامنا
للأجرة أيضا، ويكون اشتراط عدم التسليم وسيلة لتقييد بناء العقلاء
على الضمان كما هو واضح.
وأما من حيث الآثار الوضعية، فهو أن نفقة المبيع هل هي على البايع
في ضمن الحفظ أو على المشتري، فذكر في جامع المقاصد أنها في
المقام كنفقة الزوجة على الزوج، فكما أن امتناع الزوجة عن الزوج
لا تكون موجبة لسقوط نفقة، وهكذا في المقام، ثم احتمل العدم،
والظاهر هو الأول، ولكن ثبوت النفقة على المالك هنا بملاك المالكية،
642

فإن نفقة المال على مالكه وفي الزوجية بملاك الزوجية، ولم يرد للأول
تخصيص إلا إذا كان الآخذ غاصبا، وفي الثاني قد خرج عنه النفقة حال
النشوز، فإنه ليست نفقة الزوجة على الزوج حينئذ ولكن في غير حال
النشوز لم يرد تخصيص كما هو واضح.
وأما المقام الثاني، وهو أن يكون عدم التسليم لحق، فلا شبهة هنا في
ثبوت الأجرة على البايع في زمان عدم التسليم، كأن باع دارا من زيد
وسلم زيد الثمن والبايع لم يسلم المبيع، فإنه يثبت له الأجرة في هذا
الزمان على البايع.
وأما الحكم الوضعي، فأيضا لا شبهة في ترتبه عليه، ككون النفقة
على البايع، فإن الغاصب ملزم بحفظ مال المالك ورده إليه، فكل ما
يصرف في طريق الحفظ فيكون عليه، وقد ذكر ذلك في صحيحة
أبي ولاد (1) المتقدمة في باب الضمان بالمثل أو القيمة، وهو موافق

1 - قال: اكتريت بغلا إلى القصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا، وخرجت في طلب
غريم لي، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل، فتوجهت نحو
النيل، فلما أتيت النيل خبرت أن صاحبي توجه إلى بغداد، فاتبعته وظفرت به وفرغت مما
بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب
البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن
يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل، فقال لي: وما صنعت بالبغل،
فقلت: قد دفعته إليه سليما، قال: نعم بعد خمسة عشر يوما، فقال: ما تريد من الرجل، قال:
أريد كري بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: ما أري لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن
هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكري، فلما رد البغل
سليما وقبضته لم يلزم الكري.
قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتي به أبو حنيفة،
فأعطيته شيئا وتحللت منه، فحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) بما أفتى به
أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها، قال:
فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فما تري أنت، قال: أري له عليك مثل كري بغل ذاهبا من الكوفة إلى
النيل، ومثل كري بغل راكبا من النيل إلى بغداد، ومثل كري بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه
إياه، قال: فقلت: جعلت فداك إني قد علفته بدراهم فلي عليه علفه، فقال: لا لأنك غاصب،
فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني، قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز (وفي التهذيب: عقر، وفي الوافي: غمر) فقال: عليك قيمة ما
بين الصحة والعيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك، قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على
القيمة فتلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل
بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين أكري كذا وكذا فيلزمك، قلت: إني كنت أعطيته دراهم
ورضي بها وحللني، فقال: إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم،
ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك بعد ذلك.
قال أبو ولاد: فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله
(عليه السلام) وقلت له: قل ما شئت حتى أعطيكه، فقال: قد حببت إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) ووقع
في قلبي له التفضيل وأنت في حل، وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذت منك فعلت (الكافي
5: 290، التهذيب 7: 215)، صحيحة.
643

للقواعد أيضا، لأنك عرفت أن حفظ مال المغصوب على الغاصب ما دام
تحت يده بمقتضى دليل اليد، وما ذكره المصنف في المتن، من أن
مقتضى القاعدة أن نفقته على المشتري إما زائدا أصلا، أو سقطت عنه
كلمة ليست، أي أن مقتضى القاعدة أن نفقته ليست على المشتري، وإلا
فنفي المصنف قد ذكر ذلك في باب الضمان بالمثل، وحكم هناك بأن
النفقة على الغاصب وليست للمقام خصوصية تقتضي كون النفقة على
المشتري كما هو واضح.
هذا كله في فرض أن لا يكون البايع شاغلا للمبيع، وإلا فثبوت الأجرة
عليه بلا شك وريب كما هو واضح.
644

أحكام القبض
1 - انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض
قوله (رحمه الله): مسألة: من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض.
أقول: ذكر الفقهاء أن من أحكام القبض اللاحق عليه أن يكون الضمان
مع التلف على البايع، بل لا خلاف في ذلك بينهم، والكلام في مدرك
ذلك.
وقد استدل عليه بالنبوي المشهور التلف قبل القبض من البايع، وفيه أن هذه الرواية نبوية غير منقولة من طرقنا، فلا تكون حجة، وعلى تقدير
استناد المشهور بها قلنا إن الشهرة لا توجب انجبار ضعف الرواية.
وقد استدل أيضا برواية عقبة بن خالد (1)، الدالة على كون الضمان على
البايع حتى يخرج المال من بيته ويقبضه من المشتري، ولكن هذه الرواية
أيضا ضعيفة السند وغير منجبرة بعمل المشهور صغرى وكبرى.
وقد يستدل على ذلك بالاجماع، ولكنه أيضا ليس بحجة لأن مدركه
هو القطع بقول الإمام (عليه السلام)، ومنشأه إما دخوله في المجمعين وهو غير
معلوم، أو قاعدة اللطف وهي غير تامة، أو الحدس القطعي وهو أيضا
غير معلوم، إذ لا نعلم أن الحكم الذي وصل إلينا يدا بيد أنه بإمضاء الإمام (عليه السلام) ورضائه بذلك.

1 - عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير
أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع، من مال من يكون؟
قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه
من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه (الكافي 5: 171، التهذيب 7: 21، و 230، عنهم
الوسائل 18: 23)، ضعيفة.
645

ولعل القائلين بذلك استندوا بعضهم بالنبوي كما في الكتب
الاستدلالية، وبعضهم برواية عقبة بن خالد، وبعضهم بالشهرة، وبمجرد
أنه رأي المسألة مشهورة بين الأصحاب ذهب إليه تبعا لهم، فيكون
الاجماع أيضا ساقطا في المقام.
والعمدة هو التمسك بالسيرة التي نسميها بالدليل الرابع نوعا، لا من
جهة كونها في المقام دليلا رابعا، بل من جهة الاصطلاح كالدليل
الانسدادي المسمى بالدليل الرابع.
وتوضيح ذلك أن الدائر بين الناس بل ما يجري عليه بناؤهم أن التسليم
والتسالم في المعاملات من مكملات الملكية، بحيث إن العرف يرى
اجمالا عدم حصول الملكية قبل التسليم والتسالم، ولذا يعبر عن ذلك
في الفارسية بلفظ: داد وستد، ونعم التعبير هو، وعلى هذا فإذا تلف
المبيع قبل التسليم والتسلم يكون التلف من البايع، فإن ملكية المشتري
لم تتم بعد على العين وإن كان مملوكا له في الجملة.
وبعبارة أخرى أن البيع يفيد الملكية والتسلم ليس شرطا فيه، ولكن
السيرة قائمة على كون التسليم من مكملات البيع، بمعنى أنه ينحل بدون
التسليم فيكون شأن السيرة شأن النبوي الدال على أن التلف قبل القبض
من مال بايعه، لا أن الملكية ناقصة بدون التسليم.
وبعبارة ثالثة أن الملكية مقيدة بالانفساخ الحاصل بالتلف، فيكون
كتقيد الملكية بالفسخ في مورد الخيار، ولا نقول إن التسليم والتسلم من
شرائط حصول الملكية، بل نقول إن السيرة قائمة على أن المشتري
لا يلزم بدفع الثمن قبل دفع البايع المثمن إليه، بل يقول ما أعطيت لي شيئا
حتى أعطيك الثمن، وإلا فالملكية حاصلة حتى لو لم تكن هذه السيرة
لكان التلف من المشتري لأنه ماله، وهذا ثمرة واضحة.
646

فإنه بناءا على كون المدرك هو السيرة فلا يفرق في كون التلف قبل
القبض على المالك الأول بين أن يكون التالف هو الثمن أو المثمن، فإن
السيرة موجودة فيهما.
وأما بناءا على كون المدرك هو الرواية أو الاجماع، فينحصر الحكم
بالمبيع، أما الرواية فلأن المذكور فيها هو المبيع فلا يتعدى إلى الثمن بل
يقتصر فيما خالف الأصل على موضع النص، وأما الاجماع فلأن المتيقن
منه هو ذلك.
وأيضا تظهر الثمرة فيما إذا خلي البايع بين المشتري والمبيع
ولم يأخذه المشتري حتى تلف، فإنه بناءا على كون المدرك هو السيرة
يكون الضمان على المشتري، لأن المتيقن منها هو صورة كون المال
تحت يد البايع وقد رفع اليد عنه وإن لم يحصل القبض، لما ذكرنا سابقا
أن القبض عبارة عن الاستعلاء الذي يحصل به الغصب، ولا شبهة أن
مجرد التخلية لا يحقق القبض كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا كان المدرك هو الرواية، فإن المذكور فيها هو
القبض وهو لا يتحقق بالتخلية كما عرفت.
وأيضا تظهر الثمرة فيما إذا قبض المشتري قهرا على البايع، بحيث
لم يصدق القبض ولم يتحقق، فيكون التلف حينئذ أيضا على المشتري،
بناءا على كون المدرك هو السيرة لأن المتيقن منها هو كون التلف تحت
يد البايع ولم يتلف المال هنا تحت يده.
وهذا بخلاف ما إذا كان الدليل هو الرواية فإن الظاهر منها أن يكون
التلف على البايع ما لم يتحقق القبض، والمفروض أنه لم يتحقق هنا كما
لا يخفى، فافهم.
647

إذا كان التلف بفعل متلف
وهذا كله إذا كان التلف سماويا، وأما إذا كان ذلك بفعل متلف، فهل
يكون ذلك أيضا من البايع ويحسب عليه أو من المشتري أو من المتلف؟
فنقول: إن المتلف قد يكون هو المشتري نفسه، وقد يكون هو البايع،
وقد يكون هو الأجنبي، أما إذا كان المتلف هو المشتري نفسه، فالظاهر أنه لا خلاف في ثبوت الضمان على المشتري فلا يحكم بانفساخ العقد
ليكون التالف على البايع.
وذلك من جهة أن المشتري قد أتلف مال نفسه فيكون ضمانه عليه،
على ما تقتضيه القاعدة والنبوي وهكذا رواية عقبة منصرفات عن هذه
الصورة قطعا، والاجماع دليل لبي لا يشمل المقام، والسيرة قائمة على
ضمان المشتري فضلا عن قيامها على ضمان البايع.
ولا يفرق في ذلك بين علم المشتري يكون المبيع ماله وبين جهله
بالحال، فإن العلم والجهل في باب الضمانات غير مؤثر في الفرق.
نعم يفرق بين العلم والجهل إذا كان المشتري مقدما على الاتلاف
بتغرير البايع، بأن أقدم البايع الطعام المشتري على المشتري فأكله
المشتري فيكون المتلف هنا هو البايع بقاعدة الغرور، فإن المتلف هو
الغار الذي هو البايع والمشتري لم يقدم على اتلاف ماله بل أقدم على
اتلاف مال البايع مجانا، هذا في غاية الوضوح مع علم البايع بالحال.
وأما مع جهله بالحال فقد احتمل المصنف فيه وجهان، ولكن الظاهر أن لا يفرق بين علم البايع بالحال وجهله بها، فإنه على كل تقدير لم يقدم
المشتري على اتلاف ماله بل على اتلاف مال البايع مجانا، وأن السبب
في ذلك هو تقديم البايع ذلك إليه، وعلى هذا فيكون ذلك من صغريات
اتلاف البايع وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
648

وعلى الجملة فلا وجه لضمان المشتري مع كون البايع غارا له في
الاتلاف كما هو كذلك في غير المقام أيضا، كما إذا أودع أحد وديعة عند
شخص فقدم الودعي الأمانة على المستودع فأتلفه المستودع، فإنه وإن
أتلف في الواقع مال نفسه ولكن ذلك باغراء الودعي، فيكون الودعي
ضامنا وهكذا وهكذا.
لو كان المتلف هو البايع
وأما لو كان المتلف هو البايع الذي من مصاديق اتلافه ما تقدم من كونه
غارا للمشتري للاقدام بالاتلاف، فهل يحكم بانفساخ العقد كما عن
المبسوط والشرايع والتحرير لعموم أن التلف قبل القبض من مال البايع
بذلك، أو يحكم بضمان البايع للقيمة لخروج المورد عن منصرف دليل
الانفساخ فيدخل تحت قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن، أو تكون
المشتري مخيرا بين مطالبة القيمة ومطالبة الثمن (1)، إما لتحقق سبب
الانفساخ وهو من جهة التلف قبل القبض المقتضي للانفساخ وسبب
الضمان المقتضي للضمان فيتخير المشتري في اختيار أي منها، أو يقال
بالتخيير بوجه آخر، بأن يقال إن التلف على هذا الوجه إذا خرج عن
منصرف دليل الانفساخ فيكون ذلك داخلا تحت حكم تعذر تسليم
المبيع، فيكون المشتري مخيرا بين أخذ عوض المبيع من المثل أو القيمة
وبين أن يفسخ العقد ويرجع إلى عين الثمن الذي أعطاه للبايع؟ وهذا
ملخص ما ذكره المصنف.
وكل ذلك محتمل إلا التخيير على الوجه الأول، بأن يكون المشتري

1 - كما في الدروس 3: 212.
649

مخيرا بين الانفساخ والأخذ بقيمة المبيع، بل هو غير معقول بداهة أن
انفساخ العقد أمر عارض لطبع العقد من بعض العوارض فلا يكون هو
مربوطا باختيار أحد المتبايعين، ومعه فكيف يعقل كون المشتري مخيرا
بين الانفساخ وأخذ قيمة المبيع.
وبعبارة أخرى أنه مع انفساخ العقد لا يبقى مجال لاختيار المشتري
كما هو واضح بل يتعين ذلك، نعم القول بتخير المشتري على النحو
الثاني الذي ذكره المصنف ثانيا وقواه متين، فإن المال التالف مال
للمشتري فله أن يرجع إلى البايع لكونه متلفا ومن أتلف مال الغير فهو
له ضامن، وله أن يفسخ العقد لأنه ثبت له خيار تخلف الشرط الثابت
بحسب بناء العقلاء ضمنا وهو تحقق التسليم والتسلم، ومن الواضح
أنه لو يتحقق التسليم من البايع بتعذر فيكون للمشتري خيار تعذر
التسليم.
هل للبايع أن يمتنع عن الأداء قبل أخذ الثمن؟
ثم إنه على القول بثبوت الخيار للمشتري واختياره أن يأخذ قيمة
المبيع، أو مع القول بثبوت الضمان من الأول لقاعدة الضمان بالاتلاف،
وعدم شمول قاعدة التلف قبل القبض له لانصرافه عن ذلك فرجع إلى
البايع، فهل للبايع أن يمتنع عن الأداء قبل أخذ الثمن، أو لا بد له من
الأداء.
فذكر المصنف وجهين، من أنها بدل عن العين، ومن أن دليل الحبس
وهو الانفهام يختص بالبدل، ثم ذكر أن أقواهما العدم، ولكن الظاهر أنه
لا شبهة في جواز حبس البدل ما لم يرد إليه الثمن، فإن مقتضى قانون
الضمان بالبدل هو ذلك.
650

بداهة أن دليل الضمان يقتضي الضمان بالعين ابتداء ومع عدم التمكن
من أداء العين فيقتضي الضمان بالمثل ثم الضمان بالقيمة، وعليه فيثبت
للبدل كلما ثبت للأصل لا أنه يحكم في البدل بوجوب الدفع فورا، بل
السيرة أيضا تقتضي ذلك الحكم، فإنها قائمة على أنه ليس للمشتري
قبل أن يعطي الثمن أن يطالب المثمن من البايع بل يضحك عليه لو فعل
ذلك.
وأما لو كان المتلف هو الأجنبي فيكون المشتري مخيرا بين أن يرجع
إلى البايع أو إلى المتلف كما في تعاقب الأيدي في الغصب، أما إلى البايع
فلأنه لم يقبض ماله بعد، وأما إلى المتلف فلأنه أتلف ماله، وأما التخيير
بين الانفساخ والرجوع إلى القيمة، فقد تقدم أنه غير معقول كما هو
واضح.
وقد اتضح لك مما ذكرناه من جعل الدليل على كون ضمان التالف
على من تلف العوض عنده، أنه لا يفرق في ذلك بين الثمن والمثمن
ولا بين البيع وبقية المعاملات المعاوضية، وإن ذكر المصنف أني لم أجد
مصرحا بذلك، فإن السيرة جارية في كلها، فإن الغرض من المعاوضة هو
الأخذ والاعطاء الذي يعبر عنه بالفارسية ب‍ داد وستد، ويقال في
العرف وبين أهل السوق أنك لم تعط لي شيئا حتى تأخذ شيئا آخر في
مقابله.
وعلى الجملة فالتلف قبل القبض في جميع ذلك على حين تلف
التالف عنده كما ذهب إليه المشهور، بل ذكروا المضان في صداق النكاح
وعوض الخلع، ولكن وقع الكلام فيها في أن الضمان في بقية المعاملات
المعاوضية هو انفساخ العقد، ومن الواضح أن النكاح والخلع غير قابلين
للانفساخ، ولكن ذكر الفقهاء الضمان في ذلك.
651

والظاهر أنه وقع الخلط هنا بين الضمان في التلف قبل القبض الذي هو
كون التلف على المالك الأول وانفساخ العقد به أي بالتلف، لأن معنى
الضمان هو أن قيمة التالف أو مثله يثبت للمالك الأول، وهذا بخلاف
الضمان في مثل الخلع والصداق، فإن الضمان هنا ضمان يد أي كون
التلف موجبا لثبوت الضمان على ذي اليد، إما من جهة قاعدة الضمان
باليد أو بدليل آخر، وعين ذلك ذكروا في المقبوض بالسوم إذا تلف في
يد من يريد الشراء
ففي أمثال ذلك لا يمكن الحكم بالضمان بالدليل الذي حكمنا
بالضمان في التلف قبل القبض في المعاملات المعاوضية لما عرفت، بل
لا بد من طلب دليل آخر، وحيث إنه ليس هنا دليل غير قاعدة اليد
وقاعدة الضمان بالاتلاف فيشكل الحكم بالضمان، لأن قاعدة اليد
لا تشمل المقام.
فإن الظاهر منها أن يكون هنا أخذ من الغير واعتداء عليه وليس هنا
كذلك بل مقتضى القاعدة هو أن يكون تلف مال كل شخص على مالكه،
ففي المقام أيضا كذلك، وأما يد ذي اليد ليست إلا يد أمانة وكذلك
قاعدة الضمان بالاتلاف، فإنها أيضا لا تشمل المقام، لأن من بيده المال
لم يتلف المال كما هو واضح، بل تلف المال بآفة سماوية.
2 - لو تلف بعض المبيع قبل قبضه
قوله (رحمه الله): لو تلف بعض المبيع قبل قبضه.
أقول: لا شبهة أن البيع منحل إلى البيوع المتعددة حسب تعدد المبيع
وإن كان كل بيع يحسب جزء من مجموع المبيع، ولكنه لا ينافي
الانحلال في الحقيقة وحسبان المجموع مبيعا واحدا من جهة المسامحة
كما هو واضح.
652

وعليه فما ذكرناه من قيام السيرة على كون التسليم من مكملات البيع
جار في أجزاء المبيع أيضا، فإن العرف لا يرون البيع تماما ما دام لم يقع
التسليم والتسالم فيه، وهذا لا شبهة فيه.
نعم يمكن المناقشة فيه بناءا على ما ذكره المصنف من كون مدرك
الحكم هو الاجماع أو الرواية، أما الاجماع فإن تحصيل قول الإمام (عليه السلام)
في أصل المسألة كان مشكلا فضلا في المقام، وأما الرواية فلأن الظاهر
منها تمام المبيع لا الجزء، ثم إنه بعد انفساخ العقد في الجزء يكون
للمشتري خيار تبعض الصفقة، بل يمكن القول بثبوت الخيار للبايع
أيضا (1).
هذا كله في الأجزاء التي تلاحظ بعنوان المبيعية بحيث يكون ذلك
مبيعا مستقلا بعد الانحلال، وأما الأجزاء التي هي أجزاء لذات المبيع
لا للمبيع بعنوان المبيعة، بمعنى أن الملحوظ في المقام كون ذات الشئ
مبيعا مع قطع النظر عن أجزائه بحيث لا يسقط الثمن إلى الأجزاء، وإلا
فلا معنى لكون الجزء جزء للمبيع، ومع ذلك لا تقسط إليه الثمن والنكتة
في عدم التقسيط هذا كما لا يخفى، ولا شبهة في عدم الانحلال هنا،
وعليه فلا نحكم بالانفساخ في صورة ورود العيب به قبل القبض.
ثبوت الرد والأرش للمشتري عند فوت بعض الأوصاف
ويلحق بذلك فوت كل وصف يكون وصف الصحة للمبيع دون
الأوصاف الكمالية، ولكن هل يثبت الرد والأرش للمشتري، فيكون
مخيرا بينهما أو الرد فقط دون الأرش أو العكس، أو لا يثبت شئ منها؟

1 - ولكنه يمكن دفعه بأنه بناءا على الانحلال يكون الأبعاض أيضا مبيعا - منه (رحمه الله).
653

فالمقام كما ذكره المصنف من صغريات العيب الحادث بعد البيع
وقبل القبض، فإن قلنا بأنه مثل العيب الحادث قبل البيع فيثبت الأرش
والرد وإلا فلا بد من طلب دليل آخر عليهما، ولكن حيث لا دليل على
كونه مثله فلا بد من مطالبة دليل آخر.
فنقول: أما الأرش فهو على خلاف القاعدة، فإن التعيب إنما كان في
ملك نفسه، فلا معنى لكون الغرامة على شخص آخر، والدليل الدال
على ثبوته في مورده لا يدل على ثبوته في المقام، فإنه دل على أن كل
مبيع فيه عيب أو عوار فعهدته على البايع، ومن الواضح أن المبيع ليس
فيه عيب أو عوار وإنما العيب في مملوك المشتري.
وأما الرد، فقد يقال بأن الانفساخ قد ثبت في الكل فيكون ثابتا في
فقدان الأوصاف الصحة أيضا ولكن على نحو يناسب لها، وفيه أنه قياس
محض فلا نقول به (1).
وقد استدل المصنف على ثبوت الرد بقاعدة نفي الضرر، ولكنه فاسد
فإنه كما يكون عدم ثبوت الرد ضررا على المشتري فيكون ثبوت الرد
أيضا ضررا على البايع، فقاعدة لا ضرر خارجة عن أمثال المقام، ودعوى
انجبار ضرر المشتري بالخيار دون البايع دعوى فاسدة، كما تقدم ذلك.
وقد استدل بعين هذا العلامة على ثبوت الأرش أيضا، وقد ظهر
جوابه، على أن مقتضى التمسك بدليل نفي الضرر هو أن يؤخذ الأرش
من شخص آخر أيضا فلا معنى لاختصاص الأخذ من البايع، فإنه لا فرق
بينه وبين شخص آخر إلا مجرد أن البايع باع هذا المبيع وإلا فهو بالفعل
أجنبي عنه كبقية الأشخاص، وأيضا مقتضى التمسك بدليل نفي الضرر

1 - على أن أصل القياس هنا ليس بتمام، أن القياس يقتضي الانفساخ فلا يمكن الانفساخ
في أوصاف الصحة - منه (رحمه الله).
654

في اثبات الأرش أو الرد هو ثبوت ذلك بعد القبض أيضا، فإن كون المبيع
معيوبا ضرر على المشتري ولو كان التعيب بعد القبض مع أنه لم يقل به
أحد.
نعم هنا دليل ثالث يمكن اثبات جواز الرد به دون الأرش، لأن ثبوت
الأرش في مورده على خلاف القاعدة فيقتصر فيه بمورده فلا يتعدى إلى
غيره، وليس هنا دليل آخر تثبت الأرش به كما تقدم.
وتوضيح ذلك: الدليل الثالث الدال على ثبوت الرد هو أن بناء العقلاء
إنما على كون تسليم كل من الثمن والمثمن على نحو صحيح وغير
معيوب، ولا شبهة أن هذا معتبر في ضمن العقد بحسب بناء العقلاء، فإذا
تعيب ذلك ولو كان بعد البيع فلا يكون التسليم تسليما صحيحا، فيثبت
للمشتري في المقام خيار تعذر التسليم فله أن يفسخ العقد وله أن
يرضى به بلا ثبوت أرش له كما هو واضح.
لو كان التعيب بواسطة اتلاف المتلف
ثم إن هذا كله فيما إذا تعيب المبيع قبل القبض بآفة سماوية أو ما هو
بحكمها كافتراس الأسد ذلك ونحوه، وأما لو كان التعيب بواسطة اتلاف
المتلف فإن كان هو المشتري فلا يثبت له الأرش ولا الرد، لأنه أورد
العيب في ماله فلا يكون له شئ في ذلك، وإن كان هو البايع أو شخص
آخر فذكر المصنف أنه يثبت للمشتري على البايع أرش الجناية دون
الخيار، ثم احتمل ثبوت الخيار أيضا.
أما ثبوت الأرش فلا شبهة في ذلك، لأن الجاني ضامن لما أحدثه من
العيب في مال الغير لبناء العقلاء على ذلك، وأما الخيار فهو من جهة أن
بناء العقلاء في المعاملات على التسليم الصحيح، والمفروض أنه متعذر
هنا لتعيب المبيع فيثبت له خيار تعذر التسليم.
655

وعلى الجملة الظاهر أنه لا شبهة في ثبوت الأرش والخيار على نحو
التخيير في هذه الصورة، ثم مع كون المتلف هو غير البايع فللمشتري أن
يرجع في أرش الجناية إلى البايع أو إلى شخص الجاني، وإذا رجع إلى
البايع فهو يرجع إلى الجاني، أما رجوعه أي المشتري إلى البايع من جهة
أنه الموظف بالتسليم، وأما إلى الجاني لأنه أورد النقص في ماله.
والحمد لله رب العالمين قد وقع الفراغ من المكاسب صبيحة يوم
الاثنين 6 / ع / سنة 1377 ه.
656