الكتاب: تقريرات الحج
المؤلف: تقرير بحث الگلپايگاني ، لمقدس
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤) / نسخة مخطوطة (حجرية)

المجلد الأول من
كتاب الحج من تقريرات بحث
آية الله الحاج السيد
محمد رضا الموسوي
الگلپايگاني قدس سره
1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله على نعمه وآلائه وله الشكر على بلائه و
الصلاة والسلام على خاتم أنبيائه محمد وآله وأوصيائه
سيما الحجة ابن الحسن صلوات الله عليه وعلى أهل بيته وآبائه.
أما بعد فيقول أقل الناس عملا وأكثرهم زللا
المشتاق إلى عفو ربه الحفى محمد هادي المقدس النجفي
ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ علي المقدس
الرشتي مولدا النجفي موطنا ومدفنا أعلى الله في
الجنان مقامه: هذا ما تلقيناه من مباحث الحج و
العمرة وواجباتها وواجبات الاحرام وحرماته
وتروكه وبعض مقدمات الحج والعمرة من ما
تلقيناه من أبحاث أستاذنا آية الله الحاج السيد
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني قدس سره وقد
كانت هذه المباحث بقلم الحقير في كراريس متعددة
ومتشتتة فأردت أن أجمعها بعد ارتحال الأستاذ أعلى
2

الله مقامه أن أجمعها في مجلد أو مجلدين وأرجو من
الله عزو جل أن يجعلها مما ينتفع به العلماء والمؤمنون
وأن يجعلها ذخرا لي بعد مماتي بجاه محمد وآله
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
(كتاب الحج:)
(الفصل الأول:)
في مقدماته وهي أمور.
الأول أن الواجب منه - أي من الحج - بالأصالة
هو حجة الاسلام فقط، فلا يجب غيرها بالأصالة
ووجوبها ما دام العمر مرة واحدة وإن كان ظاهر
بعض الأخبار وأفتى به بعض الأصحاب وجوبه
- أي الحج - في كل عام مرة للغني إلا أن هذا القول
مخالف للاجماع ولسائر الأخبار.
وأما الواجب منه بالعرض فأقسامه كثيرة كالنذر
أو العهد أو اليمين أو بالافساد فإنه إذا أفسد حجه الواجب
3

فإنه يجب عليه الحج في العام المقبل وكذا يجب بالشروع
في الحج لمستحب فإنه وإن كان مستحبا إلا أنه إذا
شرع فيه يجب عليه اتمامه واكماله.
الثاني من المقدمات أن وجوب الحج مشروط
بشروط الأول البلوغ فلا يجب على الصبي وإن
كان مستطيعا إليه سبيلا فلو حج قبل البلوغ لم يجز
عن حجة الاسلام وكان عليه أن يحج بعد البلوغ إن
فرض أنه بقي على الاستطاعة ومستند هذا الحكم
روايات كثيرة.
منها رواية مسمع عن الصادق عليه السلام قال: لو
أن غلاما حج ثم احتلم كانت عليه فريضة
الاسلام (1) ومنها رواية إسحاق بن عمار عن موسى بن جعفر
عليهما السلام إذا احتلم وكذا الجارية عليها الحج إذا طمثت (2)
وأما رواية أبان ابن الحكم قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: الصبي إذا حج فقد قضى حجة الاسلام

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحج الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الحديث 1.
4

حتى يكبر (1) - فيمكن أن يكون المراد أن له أو لوالده ثواب
حجة الاسلام خصوصا في ظهورها في الطفر غير
المميز فإن قوله (ع) إذا حج به ظاهر في غير المميز فإن
كفاية حجة عن حجة الاسلام لم يقل بها أحد.
الثاني من الشرائط العقل فلا يجب على المجنون
ولو كان أدواريا إذا كان دور إفاقته لا يفي بأعمال الحج
وهذا الشرط دل على اعتباره الاجماع.
الثالث الحرية فلا يجب على المملوك وإن قلنا
بكونه مالكا للمال نعم إذا أعتق قبل أحد الموقفين
أو حين ما كان في أحد الموقفين أجزأه ذلك الحج
عن حجة الاسلام والدليل على ذلك روايات كثيرة
منها صحيحة شهاب عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال: يجزي عن العبد
حجة الاسلام ويكتب للسيد أجران: ثواب العتق وثواب الحج (2)

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب وجوب الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
5

ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: مملوك أعتق يوم عرفة قال: إذا أدرك
أجد الموقفين فقد أدرك الحج (1) وغيرهما من الأخبار
وهل يلحق بالعبد الصبي المميز إذا احتلم قبل أحد الموقفين
أو في أحدهما؟ قيل: نعم بل قيل إنه مشهور بين الفقهاء
قال في التذكرة - على ما حكي عنه - وإن بلغ الصبي أو أعتق
العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف له أو بعرفة بالغا
أو معتقا وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الاسلام
وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع انتهى
وهو كما ترى ادعى على هذا القول الاجماع والذي استدل
به على هذا القول أمور
الأول دلالة الأخبار المتظافرة على أن من أدرك
المشعر أو من أدرك أحد الوقوفين فقد أدرك الحج
وسنذكرها إن شاء الله في موضعهما فهذا - أي - الصبي
قد أدرك المشعر بالغا فاطلاق تلك الأخبار يشمله
الثاني دلالة أخبار العبد على أنه إذا أدرك أحد
الموقفين أو المشعر أجزأه عن حجة الاسلام بأن يقال
إنه لا خصوصية للعبد في ذلك خصوصا مثل صحيحة

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
6

معاوية بن عمار المتقدمة فإن قوله عليه السلام: إذا أدرك
أحد الموقفين فقد أدرك الحج، ظاهر في أن المناط
درك أحد الموقفين فيقال إن المستفاد من روايات
العبد أن المناط القطعي هو درك أحد الموقفين
من غير خصوصية للعبد في ذلك فلا يرد على الاستدلال
بهذه الأخبار بأن الحاق الصبي بالعبد قياس لا نقول
به.
الثالث أن من لا يمكنه الاحرام بالحج من مكة
المكرمة أحرم من حيث أمكنه فالوقت صالح لانشاء
الاحرام فيه فحينئذ يحرم من أحد الموقفين إذا احتلم
فيه ولكن أورد على هذه الوجوه بأن الروايات الدالة
على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج " مختصة
بمن يدرك الحج الذي نواه بأن أحرم مثلا بقصد حجة
الاسلام إلا أنه كان الوقت ضيقا لا يتمكن من ادراك
الوقوف بعرفات فإنه إذا أدرك المشعر كفى وأما
من لم يكن قصده من أول الاحرام حج الاسلام كالصبي
7

فلا يشمله الروايات ولا أقل من أشكر فلا يمكن التمسك
بها وأما روايات العبد فالحاق الصبي به قياس
لا نقول به فادعاء العلم فالحاق الصبي به قياس
لا نقول به وادعاء العلم بوحدة المناط ادعاء بلا
دليل وصلاحية الوقت لانشاء الاحرام فيه لا يكون
دليلا يمكن الاعتماد عليه في مقام الافتاء
وكيف كان فالحاق الصبي بالعبد في هذا الحكم
المخالف للأصل وإن كان لا يخلو من وجه نظرا إلى
اطلاق الروايات إلا أن الأحوط عدم الاكتفاء
بهذا الحج وإعادته في السنة القادمة.
ثم إنه على فرض الحاق الصبي بالعبد فهل يجب
فيه الوجوب وأنه حجة الاسلام وكذا نية كون الاحرام
احرام حج الاسلام أو لا يجب ذلك؟ وتظهر الثمرة في ما
إذا احتلم ولم يعلم به إلى انقضاء أيام الحج فإن قلنا
بالأول فلا يصح حجة وإن قلنا بالثاني فحجه صحيح
ولا يبعد القول الثاني نظرا إلى أن قصد الوجه أي
قصد الوجوب والندب غير معتبر فيه كما ذكر في محله
وهل يعتبر تحقق الاستطاعة بعد بلوغ الصبي
أو اعتاق العبد أو لا؟ فيه وجهان من إناطة وجوب
8

الحج في الآية المباركة والأخبار بالاستطاعة ومن اطلاق
الأخبار الدالة على كفاية الحج عن فرضه إذا أعتق أو احتلم
قبل الموقفين وحمل هذه الأخبار الكثيرة على صورة تحقق
الاستطاعة القهرية له بأن مات مورثه في تلك
الحال أو وهب له معتقه ما يوجب استطاعته حمل
على الفرض النادر إلا أظهر هو عدم اشتراط الاستطاعة
وإن كان القول بالاشتراط لا يخلو من وجه مع أن
الاستطاعة تحقق له (- غالبا بأدنى مراتها لتلبسه بأعمال
الحج وتحقق جميع المقدمات فببذل أدنى شئ له
تحصل له الاستطاعة.
وأيضا على فرض كفاية فرضه عن حجة الاسلام
فهل تكفي عمرته التي أتى بها قبل بلوغه أو قبل عتقه إذا
كان حجة حج التمتع أو ينقلب فرضه إلى حج القران أو
حج الافراد؟ أو لا ينقلب فرضه إلى ذلك بل يجب
عليه أن يأتي بعمرة التمتع بعد الفراغ من أعمال الحج و
9

يسقط الترتيب بين العمرة والحج كسقوطه لو أتى
بصلاة العصر قبل الظهر نسيانا؟ وجوب الأول لا
يخلو من وجه لترك التفصيل بين الحج والعمرة في الروايات
واطلاق الحكم بكفاية حجه الشامل لحج المقدم عمرته
على الحج - قبل الانعتاق.
واحتمال كونه عليه السلام في مقام بيان كفاية حجه من
دون التعرض لكفاية عمرته بعيد عن مساق الأخبار و
قيل باختصاص الحكم بحج القران والافراد المأخر عمرتهما
عن الحج للاشكال الذي ذكرنا ولكن لا يبعد القول بالاطلاق
لما ذكرنا.
ثم إن المتبادر من الروايات هو ادراك اختياري
أحد الوقوفين فلا يكفي ادراك اضطراري أحدهما لأن
الضاهر من ادراك الوقوف بعرفات أو بالمشعر ادراك
الاختياري منه فلا يتبادر الاضطراري من هذه الأخبار
ويستحب للولي أن يحرم بالصبي سواء كان مميزا أم لا
10

والمراد بالاحرام به جعله محرما بأن يلبسه ثوبي الاحرام
ويلقنه التلبية إن يحسنها وإلا لبى هو عنه ويوقيه من
محرمات الاحرام والمراد بالولي هنا هو الولي الشرعي
كالأب والجد للأب والوصي لأحدهما والحاكم الشرعي
وهل يجوز للأم ذلك؟ قيل: نعم لدلالة مصححه عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول
مر رسول الله صلى الله عليه وآله برويثة وهو حاج
فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها فقالت: يا رسول
الله أيحج عن مثل هذا؟ فقال نعم ولك أجره على
ذلك (1).
واستشكل في دلالتها بامكان أن احجاجها له كان
مشروطا بإذن الولي إلا أن الاطلاق يدفعه فالقول باحجاج
الأم للصبي لا يخلو عن قوة بل لا يبعد القول باستحباب
احتجاج غير الولي للصبي وإن كان أجنبيا عنه لدلالة
الروايات الكثيرة على ذلك منها صحيحة معاوية بن عمار

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
11

عن الصادق عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من
الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو يصنع
بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم ويرمي عنهم ومن
لا يجد الهدي منهم فيصم عنه وليه (1).
ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام
أنه قال في حديث: قلت له إن معنا صبيا مولودا
فكيف نصنع به؟ فقال: أمه تلقى حميدة فتسألها كيف
تصنع بصبيانها؟ فأتتها فسألتها كنيف تصنع؟ فقالت:
إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد
المحرم وقفوا به المواقف فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه
ثم زوروا به البيت ومري الجارية أن تطوف به
بالبيت وبين الصفا والمروة (2).
والمراد بالاحرام عنه الاحرام به كما في بعض الروايات
الآخر كرواية محمد بن الفضيل قال: سألت أبا جعفر
الثاني عليه السلام وعن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا
إذا أثغر (3) ومصححة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام وعن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 8.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 8.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 8.
12

معنا عرفات بغير احرام قال قل لهم: يغتسلون
ثم يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم (1)
ومنها صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا
حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض
الحج فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى
عنه قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار
ويصوم الكبار ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب
والطيب وإن قتل صيدا فعلى أبيه (1)
ويستفاد من هذه الروايات وغيرها أن الحج
من أفعال الصغير لا من أفعال أبيه فالصغير يصير
بهذه الأفعال حاجا فإذا أخل مثلا بطواف النساء
يحرم عليه النساء بعد البلوغ فالذي يصدر منه أفعال
الحج هو الصبي إلا أنه بارشاد الولي فيلبسه ثوبي الاحرام
ويأمره بالتلبية نعم يجوز للولي أن يلبي عنه إن لم يحسنها
الصبي وكذا يأمره بالوقوف بعرفات وبالمشعر

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 5.
13

ويأمره برمي الجمرات إن قدر عليه وإلا رمي عنه ويطوفه
بالبيت وبين الصفا والمروة لا أن الولي يطوف عنه
وكذا يأمره بصلاة الطواف إن أحسنها وإلا صلى عنه
والحاصل أن كل أفعال الحج يلزم أن يصدر من الصبي لأن الحج حجه إلا
في الصورة عدم امكان صدوره منه كالصلاة ورمي الجمرات
حيث إن الغالب عدم امكان صدورها منه خصوصا
من الصبي غير المميز فيتولى الولي عنه.
ولكن اختلفت كلمات الأصحاب بالنسبة إلى
الهدي فبعضهم على أنه من مال الصبي مستدلا
على أن الحج حجه فلا بد من أن يكون الهدي من ماله
والمفروض أن الهدي من أفعال حجه ولدلالة صحيحة
زرارة المتقدمة على ذلك حيث قال: قلت: ليس
لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار ويصوم الكبار "
فإن قوله: ليس لهم (أي الصبيان) ما يذبحون ظاهر
في أن الهدي بحسب ارتكاز زرارة كان من مال
الصغار إلا أنه أشكل عليه في صورة فقدانهم للهدي
وقرره الإمام في هذا الأمر الارتكازي فيعلم أن
الهدي أولا وبالذات من مال الصبي فإذا فقد
14

الصبي الهدي فمن مال الولي وكذا صحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة حيث إن فيها " ومن لا يجد الهدي
منهم (أي من الصبيان) فليصم عنه وليه " حيث
علق (ع) وجوب الصوم على الولي بعدم وجدان
الصبيان للهدي فيعلم منه كون الهدي من مالهم
إذا كانوا واجدين له.
ولكن تنافي الروايتين مصححة إسحاق بن عمار
المتقدمة فإنه قال عليه السلام في آخرها واذبحوا عنهم كما
تذبحون عن أنفسكم فحينئذ لا بد من علاج التنافي
ويمكن رفع التنافي بأن يقال إن المراد بالنفي أعني قوله
ليس لهم ما يذبحون في الروايتين المتقدمتين هو السالبة
بانتفاء الموضوع يعني أن الصبيان ليس لهم مال أصلا
بحسب الغالب فعلى من يكون الهدي؟ فأجاب عليه السلام
" يذبح عن الصغار الخ مع أن احجاج الولي للصبي أمر
مستحب لا يقتضي جواز التصرف في ماله مضافا إلى أنه
ادعى في الجواهر عدم الخلاف على أنه من مال الولي
15

قال: وأما الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحج فكأنه لا
خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب
في حجه وقد صرح به في صحيحي زرارة (1) بل صرح فيه
أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه "
فإنه يستشعر منه أن الضرر المالي الذي يصدر من
الصبي على وليه لكن هذا الوجه الأخير لا يكون أكثر
من الاستشعار وهو غير قابل للاعتماد مع أنه يشبه
بالقياس والله العالم.
ثم إنه يستفاد من رواية زرارة (2) هذه أنه إذا تحقق
منه أي من الصبي الاصطياد فكفارته على أبيه وهل تكون
كفارات سائر محرمات الاحرام أيضا كذلك أي تكون
على أبيه أو تكون من مال الصبي أو لا يكون على الصبي
ولا على وليه شئ؟ وجوه أما وجه الأول فبأن يقال
إنه يستفاد من صحيحة زرارة المتقدمة أن كفارة الصيد
على أبيه فيستفاد منه أن سائر الكفارات أيضا كذلك
وأما وجه الاحتمال الأخير فبأن يقال إنه ولد في بعض
الأخبار " عمد الصبي خطأ " فإنه يستفاد منه أن ما يفعله

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
16

الصبي متعمدا لا يترتب عليه أثر لا عليه ولا على أبيه
فكما أن محرمات الاحرام إذا صدرت من البالغ خطاءا
ونسيانا ليس عليه شئ فكذا الصبي إذا صدرت منه
عمدا والتمسك بصحيحة زرارة الحاكمة بوجوب الكفارة
على أبيه في الصيد قياس لا نقول له
ولكن لا يمكن الالزام باطلاق قوله عليه السلام عمد
الصبي خطأ " في جميع الموارد فإن من الواضح عدم
امكان الالتزام به في الصلاة والصوم فإنه إذا تكلم
عمدا في الصلاة أو أكل عمدا في الصوم لا يمكن الالتزام
بصحة صلاته أو صومه كما هو واضح فقوله (ع) عمد الصبي
خطأ مختص بباب الديات فلا يبعد أن يقال
بالوجه الثاني أن كفارات سائر المحرمات من مال الصبي
وإن كان القول به لا يخلو من تأمل.
(الثاني)
من المقدمات أنه يعتبر في وجوب الحج الاستطاعة
والمراد بها الاستطاعة البدنية وتخلية الرب أي الطريق
17

ووجود الزاد والراحلة وتدل على ذلك جملة من
الأخبار المفسرة للآية المباركة أعني قوله تعالى " و
لله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا الآية (1).
فمن الأخبار صحيحة هشام أو حسنته عن أبي
عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: ولله إلى
آخره ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحا في
بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة (1)
ومنها رواية السكوني عنه عليه السلام قال: سأله
رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول الله أخبرني
عن قول الله عز وجل ولله إلى آخره أليس قد جعل
لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة
الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن (2)
وكأن مراد الرجل أن الاستطاعة في الآية
إذا كان المراد منها استطاعة البدن فذكرها في الآية
مستدرك للزومها في جميع التكاليف الشرعية فما معنى

(1) سورة آل عمران الآية 97.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 7 - 5.
18

تقييد الحج بها فقط؟ فأجاب عليه السلام بأنه ليس المراد منها
استطاعة البدن فقط بل المراد بها مع ذلك الاستطاعة
من حيث الزاد والنفقة أيضا فلم يكن ذكرها مستدركا
ومنها صحيحة حفص الكناسي أنه سأل أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله تعالى، ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا " ما يعني بذلك؟ قال:
من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو ممن
يستطيع الحج أو قال: ممن كان له مال فقال له حفص: فإذا
كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة ولم يحج فهو
ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم (1).
ومنها رواية الفضل بن شاذان المروية عن عيون
الأخبار عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون وحج
البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا والسبيل الزاد
والراحلة مع الصحة (2)
ومنها خبر الأعشى عن الصادق عليه السلام قال: وحج
البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا وهو الزاد و

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 4 - 6.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 4 - 6.
19

الراحلة (1) - إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي
بعضها إن شاء الله تعالى.
ويستفاد من مجموع هذه الأخبار أن المراد بالاستطاعة
في الآية المباركة المعلق عليها وجوب الحج أمور ثلاثة:
الأول الزاد والراحلة الثاني تخلية السرب أي الطريق
الثالث صحة البدن فلا يكفي الاستطاعة العقلية
أي صحة البدن وتخلية السرب فقط بلا زاد وراحلة
إلا أنه تعارض هذه الأخبار أخبار أخر.
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال:
نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي
من المسلمين ولقد كان من حج مع النبي صلى الله عليه
وآله مشاة ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله
بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء فقال: شدوا أزركم
واستبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم (2).
ومنها رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
20

قول الله عز وجل ولله إلى آخره قال: يخرج ويمشي
إن لم يكن عنده قلت: لا يقدر على المشي قال: يمشي
ويركب قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال: يخدم
القوم ويخرج معهم (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام قول الله تعالى ولله إلى آخره قال: يكون له ما يحج
به قلت فإن عرض عليه الحج فاستحى قال: هو ممن يستطيع
الحج ولم يستح ولو على حمار أجدع أبتر فقال: إن كان
يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فيفعل (2)
وربما يذكر لدفع المعارضة بين هذه الأخبار وتلك
بحمل الأخبار الأول على صورة الاحتياج إلى الزاد و
الراحلة وهذه الأخبار على عدم الاحتياج إليهما فإن
قوله عليه السلام في صحيحة حفص الكناسي فهو ممن يستطيع
الحج " يستشعر منه أن هذا الفرد من أفراد المستطيع فلا ينافيه

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب وجوب الحج وشرايطه الحديث 2.
(2) ذكر صدر الرواية في الوسائل في الباب 8 من أبواب الحج الحديث
1 وذيلها في الباب 10 منها الحديث 1.
21

أن له - أي للمستطيع فردا آخر وهو المذكور في هذه الروايات
أعني القادر على المشي غير المحتاج إلى الزاد والراحلة
أو بحمل الأولى على بيان استطاعة الحج الواجب والثانية
على بيان استطاعة الحج المندوب فيكون المراد من الاستطاعة
المذكورة في الآية القدر المشترك بي استطاعة الواجب
والندب أو بحمل الطائفة الثانية على التقية.
إلا أن الذي يسهل الخطب هو اعراض المشهور
عن هذه الأخبار مع أنها كانت بمرأى منهم ومسمع فالعمل
حينئذ على الأخبار الأولى وإن كان الأحوط احتياطا
شديدا اتيان الحج لمن ليس له زاد وراحلة وكان قادرا
على المشي.
ثم إن المراد بالزاد والراحلة المركوب الذي يكون
موافقا لشأنه والنفقة التي يمكن أن ينفق على نفسه
منها ذهابا وإيابا من المأكول والمشروب وسائر ما
يحتاج إليه في سغر الحج وهذا بعد استثناء ما يمون به
عيالا ته وينفق عليهم من حين الذهاب إلى أن يرجع
من سفره وبعد استثناء الدين من الدار والفرش و
أثاث البيت وكذا خادمه وملابسه المحتاج إليها
22

وكتبه التي يحتاج إليها وغير ذلك من مستثنيات الدين
فإن الاستطاعة لا تحصل بيع هذه المستثنيات ولا
يقال بنظر العرف إن له الزاد والراحلة إذا لا يتمكن
من تحصيلها إلا ببيع هذه المستثنيات وكذا يعتبر الزاد
والراحلة بعد استثناء ما يقدر له على تحصيل القوت لنفسه
وعياله وهو الذي يعبر عنه في كلمات الفقهاء رضوان الله
عليهم بالرجوع إلى الكفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة
أو منفعة ملك من بستان أو دكان أو غير ذلك، و
الدليل على استثناء ذلك - مضافا إلى عدم صدق
المستطيع على الفاقد لذلك بنظر العرف - هو دلالة بعض الأخبار عليه.
منها رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا فقال: ما يقول الناس؟
قال: فقلت له: الزاد والراحلة قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام
قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال هلك الناس إذا
23

لئن كان ما كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله و
يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا
إذا فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال
إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله أليس
قد فرض الله الزكاة؟ فلم يجعلها إلا على من يملك مأتي
درهم؟ (1).
ومنها رواية الأعمش المروية عن الخصال سمدا
عنه عليه السلام في شرايع الدين قال، وحج البيت واجب
على من استطاع إليه سبيلا وهو الزاد والراحلة مع صحة
البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما
يرجع إليه بعد حجه (2).
ومنها ما عن تفسير مجمع البيان عن أئمتنا عليهم السلام
في قوله تعالى: ولله إلى آخره أنه الزاد والراحلة ونفقة
من تلزمه نفقته والرجوع إلى كفاية إما من مال أو ضياع
أو حرفة مع الصحة في النفس وتخلية الدرب (السرب)
من الموانع وامكان المسير (3) إلى غير ذلك من الأخبار

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5.
24

والخدشة في سندها يدفعها عمل المشهور بها مع امكان
ادعاء عدم صدق الاستطاعة على من وجد الزاد والراحلة
إلا أنه لم يكن له الرجوع إلى كفاية، وهل تتحقق الاستطاعة
إذا كان له على أحد دين بمقدار الزاد والراحلة؟
وتفصيل الكلام فيه أن الدين إما أن يكون حالا
أو مؤجلا فإن كان حالا وكان قادرا على استيفائه
فالظاهر أنه لا اشكال في تحقق الاستطاعة به لصدق
الاستطاعة بذلك.
وأما إذا لم يكن قادرا على استيفائه إلا أنه يكون قادرا
على استيفائه بالاستعانة بالحاكم العدل أو الحاكم الجور - بناءا
جواز الاستعانة بحاكم الجور عند الانحصار فالظاهر أنه مستطيع
لما ذكرنا في الدين المقدور الاستيفاء ولكن ربما يستشكل فيه
بأنه من باب تحصيل الاستطاعة الذي هو غير واجب ولا
يكون مستطيعا فعليا لأنه بدون الاستعانة بالحاكم لا يقدر
على استيفاء دينه فلا يكون مستطيعا بدونه والاستعانة بالحاكم
تحصيل للاستطاعة الذي هو غير واجب إلا أنه يرد عليه
25

أن صدق الاستطاعة أمر عرفي فمع كونه قادرا على استيفاء
دينه ولو باستعانة الحاكم يصدق عليه أنه مستطيع فإن المقدور
بالواسطة مقدور هذا كله في الحال.
وأما المؤجل فإن أدى المديون دينه قبل حلول
الأجل فهل يجب على الدائن القبول ويثبت في ذمته
الحج ويصير بذلك مستطيعا أو لا؟ قيل لا لأنه من
باب تحصيل الاستطاعة الذي هو غير واجب.
ولكن لا يبعد القول بالوجوب فإنه ليس من باب
تحصيل الاستطاعة لتحقق الاستطاعة بذلك بنظر العرف
وأما إذا لا يمكنه استفاء دينه قبل حلول الأجل فالظاهر
عدم وجوب الحج عليه لعدم حصول الاستطاعة له
قبل استفاء دينه.
وهل يجب عليه الحج إذا أقرضه أحد بمقدار
ما يطلب من المديون وقبل منه الحوالة على المديون؟
الظاهر لا لأنه من قبيل تحصيل الاستطاعة هذا
كله بالنسبة إلى من له على أحد دين.
وأما إذا كان هو مديونا للغير وكان بيده مال
بمقدار دينه وهو قادر بأن يحج بهذا المال فإن كان
الدين حالا فالظاهر عدم وجوب الحج عليه لوجوب أداء
26

دينه بهذا المال الذي يكون بهذا المقدار ثابتا في
ذمته نعم في صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل عليه دينا عليه أن يحج؟
قال نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي
من المسلمين (1)
إلا أنه لم يعمل الفقهاء بظاهرها من وجوب الحج
على من أطاق المشي مع أنه يمكن حملها على ما إذا كان عليه
دين وكان له مال زائدا على مقدار الدين بحيث يمكنه أن
يحج بالمقدار الزائد وهل يمنع وجوب الحج الاحتياج إلى
النكاح بأن كان له زاد وراحلة بمقدار الاستطاعة إلا
أنه صار محتاجا إلى النكاح بحيث إذا صرف المال في
النكاح لا يبقى الاستطاعة؟ الظاهر لا كما عليه المشهور
بل قال بعضهم بوجوب الحج حتى مع المشقة الشديدة بترك
النكاح نعم في محكى التحرير والدروس والمنتهى والمدارك
تقديم النكاح على الحج في ما إذا كان في تركه المشقة العظيمة
لنفي الضرر في الاسلام وكذا إذا كان في تركه
27

مظنة الوقوع في الرحام كالزنا واللواط إلا أنه يمكن أن يقال
إن المشقة العظيمة غير مانعة من وجوب الحج لأن الحج أيضا
فيه مشقة عظمية فلا يمكن أن يعارضها مشقة عظيمة أخرى
وعلى فرض المعارضة يقدم وجوب الحج لأهميته في الاسلام
وكذا في ما إذا خاف الوقوع في الحرام فإن وجوب الحج
إذا علم كونه أهما وجوبه من الحرام يقدم الحج لكن
يشكل الحكم بوجوب الحج إذا زاحمه الحرام والله العالم.
ثم إنه من أقسام الاستطاعة التي حكم الشارع فيها بوجوب
الحج الاستطاعة البذلية بأن بذل أحد للآخر الزاد والراحلة
لأن يحج بهما أو يعطيه جميع مصارف الحج بأن يحج بذلك
أو يضمن له بأن جميع مصارف الحج ومصارف جميع عائلته
عليه ونحو ذلك فإن الحج يصير حينئذ واجبا عليه وهذه المسألة في
الجملة اجماعية والدليل على ذلك روايات.
منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا. قال: يكون له ما يحج به قلت: فإن عرض عليه
الحج فاستحيى قال: هو ممن يستطيع الحج (1)
ومنها وراية أبي بصير عنه عليه السلام قال:

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
28

قلت له: رجل عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أهو
ممن يستطيع الحج؟ قال مره فلا يستحيي ولو على حمار أبتر (1) الخبر
ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه
هل يجوز ذلك عن حجة الاسلام أم هي ناقصة؟ قال:
بل هي حجة تامة (2) الخبر.
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
قلت له: فإن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو
ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج
على حمارا أجدع أبتر، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا
ويركب بعضا فليحج (3) وترك العمل بذيلها للاجماع
أو غيره لا يسقطها عن الحجية في ما دلت عليه سائر
الأخبار من وجوب الحج البذلي كما لا يخفى.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 9 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 9 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 9 - 2 - 5.
29

لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر (1).
ومنها رواية الصدوق عن هشام بن سالم عن أبي
بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام ويقول من عرض
عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو
ممن يستطيع الحج (2) إلى غير ذلك من الأخبار ومقتضى
اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين بذل عين
الزاد والراحلة أو أثمانها وبين أن يملكه بالبذل أو بالهبة
بل يكفي الإباحة له فما يقال بالفرق بين البذل والهبة
باحتياج الهبة إلى القبول دون البذل لأنه من الايقاعات
وقبول الهبة من قبيل تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب
- لا يخفى ما فيه:
أما أولا فلعدم وضوح الفرق بينهما لأن المراد
بالبذل إن كان هو التمليك فلا فرق بينه وبين الهبة
في احتياجه إلى القبول وإن كان المراد غيره فلا نعلم به
إلا أن يكون المراد بالبذل الإباحة دون التمليك فإن
الاطلاق - أي اطلاق الرايات المتقدمة - يشملها
وأما ثانيا فبأن يقال: إن مقتضى اطلاق الروايات

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 7.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 7.
30

المتقدمة عدم الفرق بين البذل والهبة بل الإباحة و
غير ذلك فالتفصيل بين البذل والهبة يحتاج إلى
الدليل وهو مفقود وكذا لا فرق بين أن يكون بذل
الزاد والراحلة واجبا على الباذل بالنذر أو اليمين أو لا
للاطلاق والاشكال بأنه إذا لم يكن عليه واجبا يلزم منه
تعليق الواجب على غير الواجب يدفعه أن غاية ذلك
أنه مع عدم الوجوب لم يستقر عليه وجوب الحج إلا مع الوثوق
والاطمئنان بالبذل فيكفي التقيد بالوثوق بالبذل ولا
يحتاج إلى التقييد بوجوب البذل عليه بنذر أو غيره.
وكذا لا يعتبر في وجوب الحج البذلي نفقة العيال
ولا الرجوع إلى الكفاية لأن القدر المتيقن من اعتبارهما
هو ما إذا صار مستطيعا بماله دون مال غيره لأن قوله
تعالى: من استطاع إليه سبيلا " يشمل المستطيع العرفي
باطلاقه أي الذي يكون له الزاد والراحلة من دون اعتبار
الرجوع إلى كفاية ومن دون اعتبار نفقة العيال لكن
قيده بعض الأخبار باعتبار الرجوع إلى كفاية واعتبار نفقة
العيال والقدر المتيقن من هذا التقييد هو ما إذا صار
31

مستطيعا بماله فيبقى غيره وهو ما إذا صار مستطيعا
بمال غيره - تحت اطلاق الآية وكذا لا يمنع من الاستطاعة
البذلية وجود الدين لاطلاق الأدلة هذا حاصل
كلام الأستاذ بخط الحقير في المسودة التي كتبناها
من تقريرات بحثه رضوان الله تعالى عليه إلا أنه يمكن
المناقشة في ذلك بأن اطلاق اعتبار الرجوع إلى كفاية
واعتبار نفقة العيال لم لا يشكل الحج البذلي؟ ومن
أين دعوى اختصاص اعتبار الرجوع إلى كفاية واعتبار
نفقة العيال أو القدر المتيقن منه - ما إذا صار مستطيعا
بماله دون مال غيره؟ اللهم إلا أن يدعى الاجماع على
عدم تقييد الحج البذلي بذلك.
(مسألة:)
إذا أعطاه الزكاة أو الخمس بقدر ما يحج به
وشرط عليه بأن يحج به فهل يجب عليه الحج؟ قيل: نعم
لصدق العرض أي عرض الحج عليه فيشمله اطلاق
الروايات المتقدمة ولكن يمكن أن يقال: إن الزكاة
إن كانت من سهم الفقراء والمساكين وكانت بمقدار ما
يحصل به الاستطاعة فلا يجب عليه قبولها لأنه من قبيل
32

تحصيل الاستطاعة الذي هو غير واجب مضافا إلى أن
معطي الزكاة لا تسلط له على أزيد من أن يعين المقدار
الكلي للزكاة في الفرد المعين بأن يدفعها إلى شخص
معين وهو المستحق وأما تعيين مصرفها بأن يعين على
المستحق أن يصرفها في المصارف المعينة فلا سبيل له على
ذلك لعدم الدليل عليه مع أنا نشك في صدق العرض
على ذلك لأن المتبادر من روايات العرض هو ما إذا
عرض عليه الحج من ماله لا من مال الغير مثل مال الفقراء
والمساكين.
وإن كانت من سهم سبيل الله بأن كان من يدفع
إليه المال غنيا ولكن شرط عليه لأن يحج بهذا المال من
سهم سبيل الله فالظاهر جوازه إلا أنه لا يمكنه الحكم بوجوب
الحج على المدفوع إليه إلا إذا قبل ذلك المال منه ومع قبوله
المال نشك في وجوب الحج عليه للشك في صدق للعرض
عليه لما تقدم، نعم يمكنه الحج الاستحبابي بهذا المال من سهم سبيل
الله فلا يسقط به حجة الاسلام لأنه ليس من الحج البذلي
كما ذكرنا ثم إن هذا الحج أعني الحج البذلي مجز عن حجة الاسلام
33

على المشهور بل ادعى عليه الاجماع إلا عن الشيخ قدس سره
في الاستبصار حيث ذكر فيه - على ما حكي عنه - بعدم كفايته
عن حجة الاسلام استنادا إلى رواية الفضل بن عبد الملك
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يكن له
مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الاسلام؟ قال: نعم
فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج قلت: هل تكون حجته
تلك تامة أو ناقصة إذا مل يكن حج من ماله؟ قال: نعم قضى
عنه حجة الاسلام وتكون تامة وليست بناقصة وإن أيسر
فعليه أن يحج (فيحج خ ل) (1)
لكن هذه الرواية لا تكافئ تلك الروايات لقصور
هذه الرواية سندا ودلالة أما سندا فلضعفها وأما
دلالة فلاضطراب متنها حيث إنه مع حكمه عليه السلام
بأنه قضى حجة الاسلام وحكمه (ع) بأنها تامة ليست
بناقصة ومع ذلك حكم بوجوب الحج عليه إذا أيسر
فلذا حملها في الجواهر احتمالا على الحج النيابي قال:
ولا يأبى عنه تسميته حج الاسلام وإن استبعد هذا
الحمل في الآخر ويحتمل حملها على استحباب الحج إذا
أيسر جمعا بينها وبين سائر الأخبار وإن كان هذا الحمل

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب وجوب الحج الحديث 6.
34

بعيدا عن مساقها وكيف كان فاعراض الأصحاب
عن الافتاء بظاهرها يكفي في سقوطها عن الحجية
مع ما فيها من ضعف السند واضطراب المتن
فلذا حمل الشيخ - على ما حكي عنه - الأمر هنا على الاستحباب
واستدل بالتصريح في هذا الحديث وغيره بالاجزاء
وقال في الوسائل وهو جيد ويمكن الحمل على الوجوب
الكفائي كما مر في الحج الثاني وعلى كون الحج الأول
على وجه النيابة عن الغير انتهى.
وكيف كان فالأقوى ما عليه المشهور بل ادعى
عليه الاجماع من كفاية الحج البذلي عن حجة الاسلام.
(مسألة أخرى:)
إذا استأجره أحد للمعونة على قضاء حوائجه
أو للمصاحبة معه في طريق مكة المكرمة وكانت الأجرة
وافية لتحقق الاستطاعة فإن قبل هذه الإجارة صار
بها مستطيعا ووجب عليه حجة الاسلام وإن لم يقبلها
لا يجب عليه الحج لأنه من قبيل تحصيل الاستطاعة
35

الذي هو غير واجب ولكن يمكن الايراد على الفرض
الأول بأن المشي إذا كان موردا للإجارة فكيف يمكن له أن
يجعل المشي مقدمة لعمله الواجب حيث إن كثيرا
من العلماء قد أوجبوا الحج من البلد فكيف يمكن له
أن يجعل ملك الغير أعني المشي الذي جعله
بسبب الإجارة ملكا للغير - عملا لنفسه ويجعله من جملة فرائضه.
إلا أن هذا الاشكال يرد على من أوجب المشي
وجعله من جملة الواجبات المستقلة استدلا له بقوله
تعالى: ولله على الناس حج البيت " الخ بناءا على
أن المراد بحج البيت التوجه إليه والسعي إليه والقصد
إليه لأن أحد معاني الحج القصد فحينئذ المشي إليه
من الواجبات الاستقلالية كما يستفاد من الآية على
ما أفاده السيد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة
الوثقى فلا يمكن أخذ الأجرة عليه وأما إذا قلنا إن
الآية لا تدل على ذلك كما هو الظاهر إذ الظاهر أن
الآية في مقام بيان وجوب الحج لا في مقام بيان وجوب
المشي إلى الحج ولازم ما ذكره قدس سره عدم بيان
36

وجوب الحج في الآية المباركة مع وضوح ضعفه فلا يلزم
حينئذ ما ذكره رحمه الله لأن وجوب المشي يصير
وجوبا مقدميا تبعيا فلا مانع من جعله موردا للإجارة
لأن المشي ليس مطلوبا ذاتيا بل للتوصل إلى اتيان الحج
فلذات يصح الحج ولو كان المشي إليه من الأرض المغصوبة
أو على الدابة المغصوبة إلا أن حجه
صحيح وهذا الوجه هو الأقوى.
أقول: إلى هنا انتهت كتابتنا لمقدمات
الحج في المسودة من تقريرات بحث السيد الأستاذ
آية الله الحاج السيد محمد رضا الموسوي الكلپايكاني
رضوان الله تعالى عليه ومع الأسف جدا أنه
قد فاتنا باقي مقدمات الحج إلا أن من المبشرات
أن العالم الفاضل المعاصر الحاج الشيخ أحمد الصابري
الهمداني وفقه الله لمراضيه قد جمع جميع مقدمات الحج
في المجلد الأول من كتاب الحج من تقريرات بحث
37

السيد الأستاذ قدس سره فأغنانا حفظه الله ما دام
محاميا للاسلام بذلك - عن إدامة البحث في مقدمات
الحج فلنصرف عنان الكلام إلى التكلم حول مباحث
الحج والعمرة وأحكام الاحرام وكيفيته وبيان تروك
الاحرام ومحرماته وبيان أقسام الحج.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد
المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة
الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
(كتاب الحج والعمرة)
وواجباتهما وبيان واجبات الاحرام ومحرماته
وبيان أقسام الحج.
وأقسامه أي أقسام الحج ثلاثة: التمتع وهو فرض
من نآي - أي بعد - عن مكة وسيأتي تفصيله والقران
38

وهو فرض أهل مكة ومن يكون في نواحيها والافراد، وهو
فرض أهل مكة والفرق بينه وبين القران بسوق الهدي
في الأول ولذا سمي بالقران لمقارنته بسوق الهدي
بخلاف الثاني فإنه خال عن الهدي فلذا سمي بالافراد
لافراده عن الهدي.
وتقسيم الحج بهذه الأقسام الثلاثة اجماعي حتى من
العامة إلا أن عمر حرم التمتع مع اعترافه بأنه كان على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: متعتان
كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما
متعة الحج ومتعة النساء إلا أن كثيرا من العامة حتى
ابن عمر لم يعملوا بتحريم عمر له وحكموا بمشروعيته حتى
أنه يستفاد من بعض الروايات أن عمر بن الخطاب
لم يكن مؤمنا بمشروعية حج التمتع في زمن رسول الله صلى
الله عليه وآله فإنه روى متواترا عنه صلى الله عليه وآله
أنه خطب بعد فراغه من سعيه أنه أتاه جبرئيل وهو على
المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق الهدي
39

فقال رجل: أنحل ولم نفرغ من مناسكنا؟ فقال: نعم فلما
وقف رسول الله صلى الله عليه وآله بالمروة بعد
فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه فحمد الله و
أثنى عليه ثم قال: إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى
خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ولو
استقبلت من أمري مثل الذي استدبرت لصنعت
مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق
الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله.
قال: فقال له رجل من القوم لنخرجن حجاجا وشعورنا
تقطر؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أما
إنك لم تؤمن بعدها (بهذا ظ) أبدا الحديث (1).
ثم إن الدليل على كون الحج على ثلاثة أقسام بعد الاجماع
بل ضرورة المسلمين هو الروايات الكثيرة.
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول الحج ثلاثة أصناف حج مفرد وقران وتمتع
بالعمرة إلى الحج وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله والفضل
فيها ولا نأمر الناس إلا بها (2)

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
40

ومنها موثقة إسحاق بن عمار عن منصور الصيقل
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام الحج عندنا على ثلاثة
أوجه: حاج متمتع وحاج مفرد سائق للهدي و
حاج مفرد للحج (1).
ومنها رواية أبي بصير وزرارة بن أعين عن أبي
جعفر عليه السلام قال: الحاج على ثلاث ة وجوه: رجل
أفرد الحج وساق الهدي ورجل أفرد الحج ولم يسق
الهدي ورجل تمتع بالعمرة إلى الحج (2)، إلى غير ذلك
ثم إن حج القران والافراد فرض من كان حاضر المسجد
الحرام ومن يكون محله ومنزله من توابعه وحج التمتع فرض
من لم يكن حاضر المسجد الحرام كما دلت عليه الآية المباركة
التي هي في سورة البقرة (الآية 196) فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، واختلف في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 3.
41

في تحديد من لم يكن حاضر المسجد الحرام على قولين.
الأول البعد عن المسجد الحرام باثني عشر ميلا من
كل من جوانبه الأربعة نسب في الجواهر هذا القول
إلى المبسوط والاقتصاد والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن
وروض الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة
والسرائر والجامع والاصباح والإشارة وغيرها، ومستند
هذا القول كون الحاضر في مقابل المسافر ومن المعلوم أن
ثمانية فراسخ امتدادية أو أربعة فراسخ تلفيقية أي ذهابا
وإيابا يتحقق بها السفر وما دون ذلك يكون حاضرا
فيصدق على الأول أنه لم يكن حاضرا المسجد الحرام فيكون
فرضه التمتع.
ولكن يرد عليه أولا أن الحاضر في الآية لم يكن في
قبال المسافر بل فسروه عليهم السلام وبما إذا كان منزله دون ثمانية
وأربعين ميلا كما سيأتي وثانيا أن البحث في ما إذا كان
منزله على رأس أربعة فراسخ وأين هو من المسافر والحاضر؟
فإن البعد رابعة فراسخ لم يصير الانسان مسافرا ما لم يرد
العود من قريب وثالثا أنه يلزم على هذا القول إن أهل
مكة إذا خرجوا إلى أربعة فراسخ أن يجب عليهم حج التمتع ولم
42

يقل به أحد وكيف كان فهذا القول لم يوجد له مستند من
الأخبار فهو ضعيف جدا. ولم يذكر الأستاذ رحمه الله إلا
الايراد الأول.
التحديد الثاني البعد عن مكة بثمانية وأربعين ميلا
أي بستة عشر فرسخا (وهو قريب من مأة كيلو متر باصطلاح
زماننا) فإن كل ثلاثة أميال فرسخ ومستند هذا القول
الذي نسبه في الجواهر إلى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره
والصدوقين والمصنف (أي المحقق) في النافع والمعتبر
والعلامة في المختلف والتذكرة والتحرير والمنتهى والشهيدين
والكركي بل عن المدارك نسبة هذا القول إلى المشهور
وإن قال في الجواهر إنا لم نتحققه - هو الروايات الكثيرة المعمول
بها عند الأصحاب.
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت
له: قول الله عز وجل في كتابه ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام فقال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل
من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان
43

كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية وكل
من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة (1).
وفي الجواهر عن القاموس عسفان كعثمان
موضع على مرحلتين من مكة وعن التذكرة ذات
عرق على مرحلتين من مكة وعن المصباح المنير
المرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في كل يوم انتهى
فيصير معنى الرواية - والله العالم - إن من كان حاضر
المسجد الحرام بأن كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا
كذات عرق وعسفان فهو داخل في هذه الآية أي حاضر
المسجد الحرام وليس عليهم متعة بل عليهم حج القران أو الافراد
ومن كان أهله وراء ثمانية وأربعين ميلا فعليه المتعة.
ومنها رواية زرارة أيضا عنه عليه السلام قال: سألته عن قول
الله عز وجل ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
قال: ذلك أهل مكة ليس عليهم متعة ولا عليهم عمرة قلت
فما حد ذلك؟
قال: ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون
عسفان وذات عرق (2) مراده عليه السلام بقوله: ولا
عمرة أي ليس عليهم عمرة التمتع إلا أنه تعارض الروايتين
طائفتان من الروايات الدالة على

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 7.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 7.
44

إن كل من كان منزله دون المواقيت ليس عليه متعة
كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
في حاضري المسجد الحرام قال: ما دون الأوقات
إلى مكة.
وصحيحة الحلبي عنه عليه السلام أيضا قال في حاضري
المسجد الحرام ما دون المواقيت إلى مكة من حاضري
المسجد الحرام وليس عليهم متعة (2)
الطائفة الثانية ما دل على أن كل من كان منزله
ما دون ثمانية عشر ميلا فهو من حاضري المسجد الحرام
كصحيحة حريز أو حسنته عنه عليه السلام في قول الله عز وجل
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال:
من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية
عشر ميلا من خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية
عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرو أشباهه (3).
لكن يمكن الجواب عن هذه الروايات يما يندفع به المعارضة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 4 - 10.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 4 - 10.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 4 - 10.
45

أما الطائفة الأولى فيمكن أن يقال في جوابها بأنه يحتمل
أن تكون المواقيت ليست بأقل مساف ة من فثمانية وأربعين
ميلا حتى قيل: إن أقرب المواقيت إلى مكة لا يكون
أقل من ذلك، مع أن هذا النوع من التحديد الذي
يكون اختلاف فاحش بين افراده حيث إن من المواقيت
ما يكون بينه وبين مك ستة عشر فرسخا ومنها ما ينيف
على ثمانية فرسخا مسجد الشجرة - لا يخلو من تشويش
فلا يمكن معارضة مثل الروايات لروايات ثمانية و
أربعين ميلا.
وأما الطائفة الثانية فيمكن أن يقال فيها بأن رواية
ثمانية عشر ميلا وإن كانت صحيحة أو حسنة إلا أنه لم يعمل
أحد من الأصحاب بها فتحصل من جميع ما ذكرنا أن
القول الأول - أعني اثني عشر ميلا - لم يكن له مستند
سوى تفسير الآية بأنه إذا كان على رأس اثني عشر
ميلا لم يصدق عليه أنه حاضر المسجد الحرام وقد عرفت
ضعفه وحمل ثمانية وأربعين ميلا التي في رواية زرارة
المتقدمة على الجهات الأربع بتقسيطها عليها خلاف
ظاهر الرواية خصوصا الرواية الثانية حيص أنه صرح (ع)
بثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحي مكة فإنه يظهر منها
46

إن هذا المقدار من المسافة يلاحظ من كل واحدة من
جهات مكة وروايتا المواقيت قد عرفت احتمال
انطباقها على رواية زرارة ورواية ثمانية عشر ميلا
لم يعمل الأصحاب بها فتبقى صحيحة زرارة بلا معارض
مع أن كثيرا من الفقهاء قد أفتوا بمضمونها بل قيل
إنه المشهور فالعمل عليها متعين
ثم إن التحديد المذكور هل يلاحظ من المسجد
أو من مكة المكرمة؟ قيل بالأول لظهور قوله تعالى
ذلك لمن يم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " في
كون ملاك الملاحظة هو المسجد الحرام ولكن الظاهر
هو القول الثاني لأن المراد بحاضري المسجد الحرام
حاضري مكة لا خصوص المسجد كما يقال لأهل
النجف أو لأهل كربلاء أو لأهل المشهد الرضوي
أنه من أهل الحضرة العلوية أو الحسينية أو الرضوية
ولا يراد منه أنهم من أهل نفس الحضرة بلا المراد أنهم
من أهل تلك البلدة الشريفة المنسوبة إليهم عليهم السلام
كما لا يخفى وإذا كان له منزلا لأن أحدهما في خارج الحد
47

وثانيهما في داخله كما إذا كان أحدهما في المدينة المنورة
والآخر في مكة المكرمة فإن غلبت سكونته في أحدهما
على الآخر كأن مقيما في المنزل ثمانية أشهر
وفي منزل مكة أربعة أشهر فالواجب عليه أن يعمل على
طبق ما غلب سكناه فيه بأن يجب في المثال المذكور عليه التمتع
وإذا كان سكناه في مكة أكثر يجب عليه حج القران أو الافراد
والدليل على كون غلبة السكنى هي ملاك الفرض مضافا
إلى دعوى الاجماع على ذلك هو صحيح زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال: من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة
ولا متعة له فقلت لأبي جعفر عليه السلام: أرأيت إن كان
له أهل بالعراق وأهل بمكة فقال: فلينظر أيهما الغلب فهو
من أهله (1).
ويستفاد من هذه الصحيحة أن ملاك الفرض هو
غلبة الإقامة فمع تساويهما في الإقامة لا بد من القول بالتخيير
لفقدان الترجيح.
ثم إنه ذكروا الحج التمتع شروطا أربعة الأول النية قال
في المسالك قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم وظاهرهم
أن المراد بها نية الحج بجملته وفي وجوبها كذلك نظر ويمكن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
48

أن يريدوا بها نية الاحرام وهو حسن إلا أنه كالمستغنى
عنه فإنه من جملة الأفعال وكما تجب النية له تجب لغيره
ويظهر من سلار أن المراد بها نية الرجوع انتهى.
وحاصل ايراده قدس سره أن المراد بالنية إن كان
نية الحج والعمرة معا فلا دليل على وجوبها بل يكفي نية كل
واحد منهما مستقلا وإن كان المراد نية خصوص الاحرام
فذكرها مستغنى عنه لأن الأرحام أحد الواجبات
فكما تجب له تجب لغيره فتخصيصه بالذكر تخصيص بلا
مخصص وأما إذا كان المراد ما ذكره سلار من نية الخروج
إلى الحج فالاشكال عليه أوضح لعدم الدليل على وجوبه
ولكن يمكن أن يقال: إنه حيث يستفاد من الأخبار
الكثيرة أن حج التمتع وعمرته بمنزلة فعل واحد كما نقل عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه شبك أصابعه بعضها إلى
بعض وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (1) -
أن المراد بالنية نية حج التمتع بجملة أي نية العمرة والحج

(1) الوسائل باب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
49

كما نقل عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال
- بعد ما أمر عثمان الناس بقوله: لبيك بحجة -
قال: (ع) لبيك بحجة وعمرة (1)، وفي بعض الأخبار
انوهما (أي العمرة والحج) معا حتى أن في بعض الأخبار
أن المعتمر محتبس لا يخرج من مكة حتى يأتي بالحج فيستفاد
من هذه الأخبار أن عمرة التمتع وحجه كالشئ الواحد
وعمل فأرد ويحتمل أن يكون حج التمتع وعمرته بمنزلة ركعات
صلاة واحدة فإذا كان كذلك تلزمه نية واحدة لجملته
ولا ينافيها لزوم النية لكل واحد من أفعاله لأنه من باب
استمرار النية
هذا إذا كانا بمنزلة ركعات صلاة واحدة وأما إذا كانت
العمرة بمنزلة صلاة الظهر والحج بمنزلة صلاة العصر فيصيران
فعلين مستقلين مرتبط أحدهما بالآخر فكما لا يجوز الاتيان
بالعصر قبل الظهر فكذا لا يجوز اتيان العمرة بدون الحج أو
اتيان الحج قبل اتيان العمرة. فلا يحتاج حينئذ تصديرهما
معا بالنية بل يكفي النية لكل فعل من أفعالها وفي كثير من
الأخبار الواردة في انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة التمتع ما
يدل على عدم لزوم نية التمتع منها موثقة سماعة عن
50

الصادق عليه السلام قال: من حج معتمرا في شوال ومن
نيته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك وإن هو
أقام إلى الحج فهو يتمتع لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة
وذو الحجة فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة (1) الحديث
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: من دخل مكة
معتمرا مفردة للعمرة فقضى عمرته فخرج كان له ذلك وإن
أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، وقال ليس يكون
متعة إلا في أشهر الحج (2).
ومنها صحيحة عمر بن يزيد عنه أيضا عليه السلام قال: من اعتمر
عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا أن يدركه خروج
الناس يوم التروية (3) إلى غير ذلك من الأخبار فيستفاد
من هذه الأخبار عدم اعتبار نية التمتع في حج التمتع لظهور
كون العمرة التي أتى بها قبل ذي الحجة عمرة مفردة فتنقلب
بدخول ذي الحجة أو يوم التروية إلى عمرة التمتع قهرا فيظهر
من ذلك عدم اعتبار نية التمتع بل نية الخلاف غير ضائر
فيها إلا أن المستفاد من بعض الأخبار الآخر اعتبار نية

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 13 - 5 - 9 -
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 13 - 5 - 9 -
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 13 - 5 - 9 -
51

التمتع وقد أشرنا آنفا إلى بعضها اجمالا فلنذكر بعضها تفصيا
منها موثقة عمار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام
أن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج يقول بعض
أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت وسعيت بين
الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة وبعضهم يقول
أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج أي هذين أحب
إليك؟ قال: إنو المتعة (1)
ومنها رواية أبان بن تغلب قال لأبي عبد الله
عليه السلام بأي شئ أهل؟ فقال: لا تسم حجا ولا عمرة
وأضمر في نفسك المتعة فإن أدركت كنت متمتعا
وإلا كنت حاجا (2)
ومنها رواية أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام قال:
سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال ينوي العمرة
ويحرم بالحج (3).
ومنها رواية أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن
علي بن موسى الرضا عليه السلام كيف أصنع إذا أردت
أن أتمتع؟ قال: لب بالحج وانو المتعة فإذا دخلت مكة
52

وطفت بالبيت وصليت الركعتين خلف المقام وسعيت
بين الصفا والمروة وقصرت فنسختها وجعلتها متعة (1)
ومنها الرواية المروية عن قرب الإسناد عن أحمد
بن محمد بن أبي نصر عنه عليه السلام قال: قلت له: جعلت
فداك كيف نصنع بالحج؟ فقال: أما نحن فنخرج في وقت
ضيق يذهب فيه الأيام فأفرد فيه الحج قلت: أرأيت
إن أراد المتعة كيف يصنع؟ قال ينوي المتعة ويحرم
بالحج (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
فكيف التوفيق بين الطائفتين من الأخبار؟ فإن
الطائفة الأولى تقتضي عدم اعتبار نية التمتع والطائفة
الثانية تقتضي اعتبارها ويمكن الجمع بينهما يحمل تلك
الأخبار على ما إذا نوى الافراد من أول الأمر أي نوى العمرة المفردة
ثم صادف
ذي الحجة فتصير عمرته عمرة التمتع فيجئ بالحج فيصير حجة تمتعا
تعبدا وأما إذا كان من أول الأمر قصده التمتع فلا بد
من نية التمتع حينئذ بحمل الطائفة الثانية على هذه الصورة
53

والله العالم. (الثاني:)
من شرايط حج التمتع أن يقع عمرته وحجه في أشهر
الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة والدليل على
اعتبار هذا الشرط أو لا هو قوله تعالى: الحج أشهر
معلومات " الآية (1) وثانيا الأخبار الكثيرة.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إن الله تعالى يقول: الحج أشهر معلومات فمن
فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة (2).
ومنها روايته عن عليه السلام أنه قال في قول الله تعالى
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج " والفرض هو التلبية
والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج
ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال الله عز
وجل الحج أشهر معلومات " شوال وذو القعدة وذو
الحجة (3).

(1) سورة البقرة الآية 197.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب أقسام الحج الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب أقسام الحج الحديث 1 - 2.
54

ومنها موثقة سماعة المتقدمة عن الصادق عليه السلام قال:
من حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يعتمر ويرجع إلى
بلاده فلا بأس بذلك وإن هو أقام إلى الحج فهو متمنع
لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن اعتمر
فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة (1) إلى غير ذلك من
الأخبار.
(الثالث:)
من الشرائط أن يأتي بالحج والعمرة في سنة واحدة
لقوله صلى الله عليه وآله - بعد ما شبك أصابعه بعضها
إلى بعض -: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (2)
ولصحيحة حماد أو حسنته عن الصادق عليه السلام قال:
من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى
يقضي الحج فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى
الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 13.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
55

بالحج (1) الحديث.
وصحيحة صفوان عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا
دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا
والمروة وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم فليلحق
بأهله إن شاء وقال: إنما نزلت العمرة والمتعة لكن المتعة دخلت
في الحج ولم تدخل العمرة في الحج (2).
ومرسلة أبان عن الصادق عليه السلام قال: المتمتع محتبس
لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا أن يأبق غلامه أو تضل
راحلته فيخرج مرحما ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة (3)
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له كيف
أتمتع؟ قال: تأتي الموقف فتلبي وليس لك أن تخرج من مكة
حتى تحج (4). وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: قلت له: كيف
أتمتع؟ قال تأتي الموقف فتلبي بالحج فإذا أتى مكة طاف
وسعى وأحل من كل شئ وهو محتبس وليس له أن يخرج
من مكة حتى يحج (5) إلى غير ذلك من الأخبار وكلها

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 5 عن صفوان عن نجية.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 9 - 1 - 4.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 9 - 1 - 4.
(5) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 9 - 1 - 4.
56

يدل على ارتباط عمرة التمتع بحجة ودخولها فيه وعدم جواز
الخروج من مكة بعد الاتيان بعمرة التمتع حتى يأتي بالحج
بحيث صارا بمنزلة الشئ الواحد.
إلا أنه لا يخفى أنه يجوز الاتيان بعمرة التمتع في أول
الشوال فحينئذ يمكن الفصل بين عمرة التمتع وحجة أكثر
من شهرين لوضوح أن أول أعمال الحج - بعد الاحرام -
الوقوف بعرفات فما معنى دخول العمرة في الحج؟ إلا
أن الظاهر أن المراد بالدخول الارتباط أي تكون عمرته
مرتبطة بحجة بحيث إذا جاء بعمرة التمتع لا يمكنه الخروج من
مكة إلا لعذر حتى يأتي بالحج وليس المراد أنهما متصلان
زمانا لجواز الفصل بينهما بأكثر من شهرين فيمكن حينئذ
الفصل بينهما بسنة مع بقاء الارتباط بينهما كما احتمله الشهيد
قدس سره في محكى الدروس مثلا يمكن أن يأتي بالعمرة
في أشهر الحج ويبقى في مكة محتسبا إلى أشهر الحج من العام
القابل ثم يأتي بالحج في العام القابل هذا
إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذا الاحتمال الذي احتمله
57

الشهيد مخالف للاجماع كما ادعاه بعضهم ومناف لمنصرف
الأخبار فإن المنصرف منها هو اتيانهما - أي العمرة
والحج - في عام واحد وإن كان اطلاقها يقتضي
تصحيح هذا الاحتمال للأخبار الدالة على أن الحائض إذا
طمثت قبل الاتيان بطواف العمرة وضاق وقت
الحج انتقل فرضها إلى حج الافراد فتصير عمرتها حجا
افرديا.
فمن الأخبار صحيح جميل قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية
قال تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم
حتى تظهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن
أبي عمير كما صنعت عايشة (1).
ومنها مصححة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
قال: سألته عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف
بالبيت حتى تخرج إلى عرفات قال: تصير حجة مفردة
قلت: عليها شئ؟ قال دم تهرقه وهي دم أضحيتها (2)
وكذا يناقض هذا الاحتمال الروايات الدالة على أن من دخل

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 13.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 13.
58

مكة بعمرة وخشي فوت الوقت للحج يجعل عمرته حجا مفردا:
فمنها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهل
بالحج والعمرة جميعا قدم مكة والناس بعرفات فخشي إن هو
طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف فقال
يدع العمرة فإذا أتم حجة صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه (1) ومنها رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون
في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج
فقال: يقطع التلبية ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ويمضي
إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك
ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شئ عليه (2).
فيستفاد من هذه الأخبار أنه لا بد من ايقاع العمرة و
الحج في عام واحد وأنه إذا ضاق وقت الموقفين أي
الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر الذين هما من أركان الحج
الافراد واتيان عمرة مفردة بعد الاتيان بالحج، فلو كان
اتيان العمرة - أي عمرة التمتع في سنة واتيان حجة في سنة أخرى

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 7.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 7.
59

جائزا لما كان ينتقل فرضه إلى حج الافراد ولكان الواجب
تتميم عمرة التمتع والآتيان بحجة في السنة القادمة ولا
أقل من تجويز ذلك في الروايات والحال إنه ليس
للتجويز فيها عين ولا أثر.
(الرابع من الشرائط:)
إنه يعتبر أن يجعل ميقات حج التمتع مكة المكرمة
وادعى على اعتبار ذلك في الجواهر الاجماع فقال:
بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى بل في كشف اللثام
الاجماع عليه انتهى والدليل عليه بعد الاجماع روايات:
منها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه
لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال لا، قال: قلت: فالقاطنين
بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل
مكة فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟
قال: يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟
فقال: من مكة نحوا بما يقول الناس (1).
ومنها صحيحة ابن أبي عمير عن داود عن حماد قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن أهل مكة يتمتعون؟ قال: ليس

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
60

عليهم متعة قلت فالقاطنين بها قال: إذا إذا أقام بها سنة أو
سنتين صنع صنع أهل مكة قلت فإن مكث الشهر
قال يتمتع قلت من أين يحرم؟ قال يخرج من الحرم، قلت
من أين يهل بالحج؟ قال من مك ة نحوا مما يقول الناس (1).
ومنها رواية عمرو بن حريث الصيرفي قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من
رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق (2)
وعن الشيخ في التهذيب أنه نقل هذه الرواية إلا أنه قال
في أولها " وهو مكة " وذكر بدل " من الكعبة " من المسجد
والمراد من الرحل منزلة الذي بمكة وكذا المراد بالطريق
هو الطريق الموجود في مكة لا مطلق الطريق بقرينة رواية
الشيخ من زيادة قوله " وهو في مكة " أي كان أبو عبد الله
عليه السلام حين سؤالي في مكة.
وكذا المراد بالمسجد المسجد الحرام بقرينة رواية الكافي
" وإن شئت من الكعبة " والمراد بالكعبة المسجد دون البيت

(1) الوسائل البا 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 2.
61

ولكن تعارض هذه الروايات الدالة على لزوم الاحرام
لحج التمتع من مكة موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم
تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق
أو إلى بعض المعادن قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن
كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة
وهو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي
خرج فيه قال: كان أبي مجاورا ههنا فخرج يتلقى بعض
هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق
بالحج ودخل وهو محرم (1).
إلا أنه يمكن حمل هذه الرواية على محامل أحدها
أنه عليه السلام كان حجه افراد بقرينة قوله عليه السلام كان
أبي مجاورا هاهنا فحينئذ لم يجب الإمام عليه السلام
عن مسألة السائل التي كانت من مسائل حج التمتع،
وعدم جوابه (ع) كان لمصالح خفيت علينا وهذا
الاحتمال بعيد، ثانيها أن يحمل كلام أبي الحسن عليه السلام

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
62

الذي نقله عن أبيه أو فعل أبيه على التقية وهو بعيد
أيضا لأن العامة أيضا قائلون بوجوب احرام حج
التمتع من مكة كما تقدم في صحيحتي الحلبي وابن أبي
عمير من قوله عليه السلام في آخرها نحوا مما يقول الناس
وثالثها حمل احرامه على التجديد في مكة بأن أحرم
من ذات عرق ثم جدد الاحرام في مكة.
ورابعها أن المراد باحرامه من ذات عرق لحج
التمتع احرامه فعمرة التمتع لأن عمرة التمتع مرتبطة بحجة كما تقدم
وهذا الاحتمال أوجه الاحتمالات وكيف كان فهذه
الرواية لم يعمل أحد بظاهرها نعم عن الشيخ في التهذيب
القول بمضمونها لمن خرج من مكة اضطرارا فإنه يجوز
له الاحرام لحج التمتع من ذات عرق استنادا هذه الرواية
وكذا حكاه - أي هذا القول - الأستاذ عن العلامة في
التذكرة إلا أني لم أظفر به فيها مظانها وحينئذ فالأقوى
ما عليه المشهور من وجوب كون احرام حج التمتع من مكة
وأفضل مواضعها المسجد الحرام وأفضل مواضعه مقام إبراهيم
63

عليه السلام وحجر إسماعيل ومستند ذلك صحيحة معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم
التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل
المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ثم صلى ركعتين
عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر ثم اقعد حتى
تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك
كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج (1).
نعم قال لعض العلماء بالتخيير بين المقام والميزاب
في الأفضلية ولم يعلم مستنده
ويمكن أن يكون وجهه أن الميزاب في حجر إسماعيل
فهو بعض منه وقد عرفت التخيير بين الحجر والمقام
في الأفضلية.
ثم إنه ذكر بعض الفقهاء شرطا خامسا لحج التمتع
وهو أن يكون عمرته وحجه لواحد عن واحد بمعنى أن
يكون الشخص الواحد آتيا بالحج والعمرة بنفسه فلا يجوز
استئجار شخصين أحدهما لعمرة التمتع والآخر لحجه
وكذا لا يجوز نيابة شخص واحد عن اثنين بأن يجعل

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الاحرام الحديث 1.
64

عمرته لأحدهما وحجه الآخر والدليل على هذا الاشتراط
الاستظهار من أدلة حج التمتع فإنه يظهر من الروايات
المتقدمة أن عمرة التمتع وحجه بمنزلة فعل واحد.
إلا أنه يستفاد من رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام أنه قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتع؟
قال: نعم المتعة له والحج عن أبيه (1) - جواز ذلك
حيث إنه يظهر منها جواز كون العمرة لنفسه والحج عن أبيه
إلا أن الرواية ليست صريحة في ذلك بل يحتمل
أن يكون المراد منه أنك إذا حججت عن أبيك يكون الحج
عن أبيك ويكون التلذذ أي بالاحلال عن عمرة التمتع لك
أو يكون ذلك - أي كون العمرة له والحج عن أبيه - في الحج
المستحب لا الواجب والله العالم.
ثم إنه يجوز العدول عن عمرة التمتع إلى حج الافراد بل
يجب العدول في موضعين أحدهما ما إذا ضاق
وقت الحج واختلف في حد الضيق فقيل إنه في صبح

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
65

يوم التروية وقيل عند زوال يوم التروية وقيل عند
غروبه وقيل عند انقضاء ليلة العرفة وقيل عند زوال
يوم العرفة وقيل عند الخوف لفوات الموقف وهو
الأقوى ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار
فمنها ما يدل على التحديد بأول يوم التروية كصحيحة علي
بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن
الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج يدخلان مكة
يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها عمرة مفردة
وحد المتعة إلى يوم التروية (1)
ورواية إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام
قال: المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة
مفردة إنما المتعة إلى يوم التروية (2)
ومنها ما يدل على التحديد بزوال الشمس من
يوم التروية كصحيحة إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا
الحسن الرضا عليه السلام يقول: عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض
قبل أن تحل متى تذهب متعتها؟ قال كان جعفر
عليه يقول: زوال الشمس من يوم التروية وقال موسى

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 9.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 9.
66

عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية فقلت:
جعلت فداك عامة موليك يدخلون يوم التروية
ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج فقال: زوال
الشمس فذكرت له رواية عجلان أبي صالح فقال:
لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة فقلت فهي
على احرامها أو تجديد احرامها للحج؟ فقال: لا هي على
احرامها (1) الحديث.
قال في الوسائل فوت المتعة هذا محمول على
الخوف من فوات الوقوف لو أتم العمرة انتهى.
ومنها ما يدل على التحديد بغروب ليلة التروية
كرواية عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المتمتع يقدم يوم التروية صلاة العصر تفوته
المتعة؟ فقال له: ما بين وبين غروب الشمس قال: و
قد صنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله (2)
وصحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: إذا قدمت

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 14.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
67

يوم التروية وأنت متمتع فكل ما بينك وبين الليل
أن تطوف بالليل وتسعى وتجعلها متعة (1).
ومنها ما يدل على التحديد بسحر عرفة كصحيحة محمد
بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إلى متى
يكون للحاج عمرة؟ قال: إلى السحر من ليلة عرفة (2)
ومنها ما يدل على التحديد بأول يوم عرفة كرواية
زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون
في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع
بالعمرة إلى الحج فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة ويهل
بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ويمضي إلى عرفات ويقف
مع الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة حتى يعتمر
عمرة التمتع ولا شئ عليه (3)
ورواية زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة قال: لا متعة له يجعلها عمرة
مفردة (ع) ومنها ما دل على التحديد بادراك الناس بمنى
كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع يطوف

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 12 - 9.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 12 - 9.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8.
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8.
68

بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس
بمنى (1).
وصحيحة مرازم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام المتمتع يدخل ليلة عرفة أو المرأة الحائض متى يكون
لها المتعة؟ قال: ما أدركوا الناس بمنى (2).
ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة متى تكون؟ قال يتمتع ما
ظن أنه يدرك الناس بمنى (3).
ولكن يمكن الجمع بين هذه الأخبار على اختلافها
بتنزيل روايات التحديد بأول يوم التروية أو بزوالها
أو بليلة العرفة على عدم امكان درك الوقوف بعرفات
على فرض اتمام العمرة بقرينة هذه الأخبار وفتوى
الأصحاب بجواز اتمام العمرة إذا أمكنه ادراك الوقوف
بعرفات وعلي فرض عدم امكان حمل تلك الأخبار
على ذلك بظهورها في تحديد زمان العمرة وإن
وقت الاتيان بها ينقضي بانقضاء هذه الأزمنة
- لا بد من طرحها لاعراض المشهور عن ظواهرها

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 14 - 6.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 14 - 6.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 14 - 6.
69

أو رد علمها إلى أهله فالأقوى ما عليه المشهور من
جواز اتمام العمرة وعدم جواز نقل النية إلى حج الافراد
ما لم يضق وقت الوقوف بعرفات، والدليل عليه
- مضافا إلى الروايات المتقدمة - رواية يعقوب بن
شعيب الميثمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر
له ما لم يخف فوت الموقفين (1) وفي بعض النسخ
" أن يحرم ليلة عرفة ".
فإذا ضاق وقت الوقوف جاز بل وجب العدول
إلى حج الافراد فيأتي بعد الاتيان بالحج بعمرة مفردة
ويكفيه ذلك عن فرضه والدليل على ذلك رواية
زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون
في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة
إلى الحج فقال يقطع التلبية - تلبية المتعة - ويهل بالحج
بالتلبية إذا صلى الفجر ويمضي إلى عرفات فيقف مع
الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة
التمتع ولا شئ عليه (2) وفي بعض الأخبار التصريح

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
70

بكفاية هذا الحج عن فرضه إلا أني لم أظفر به حين الكتابة
لكن الأستاذ نقله عن الوسائل ولعل هذه الرواية الأخيرة
مشعرة بذلك بناء على أن قوله عليه السلام في آخرها:
" ولا شئ عليه " يكون إشارة إلى ذلك.
الثاني من موارد جواز العدول المرأة المتمتعة
التي لبت بعمرة التمتع ثم طمثت قبل الاتيان بالطواف
وضاق عليها وقت الوقوف بعرفات ففيه قولان
الأول ما عن المشهور بل ادعى بعضهم عليه الاجماع
أن الواجب عليها العدول إلى حج الافراد إذا ضاق
عليها وقت الوقوفين والدليل عليه روايات كثيرة:
منها صحيحة جميل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال: تمضي
كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج
إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما
صنعت عائشة (1).
ومنها موثقة عمار عن بأي الحسن عليه السلام قال:

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 2
71

عن المرأة تجيئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت
حتى تخرج إلى عرفات، قال: تصير حجة مفردة قلت
عليها شئ؟ قال: دم تهريقه وهي (وهو ظ) دم
أضحيتها (1).
ومنها صحيحة إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا
الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة
فتحيض قبل أن تحج متى تذهب متعتها؟ قال: كان
جعفر عليه السلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية
وكان موسى عليه السلام يقول صلاة الصبح من يوم
التروية فقلت جعلت فداك عامة موليك
يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون
بالحج فقال: زوال الشمس فذكرت له رواية عجلان
أبي صالح فقال: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (2)
القول الثاني ما حكي عن جماعة من أن عليها
ترك الطواف والآتيان بالسعي والتقصير ثم الاحرام
بالحج وبعد الفراغ من الحج تقضي طوالها ومستند

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 13 - 14.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 13 - 14.
72

هذا القول أيضا روايات:
منها ما في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما
بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت
وإن لم تطهر إلى التروية اغتسلت واحتشت ثم
سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى فإذا
قضت المناسك وزارت البيت طافت طوافا لعمرتها
ثم طافت فقد أحلت من كل شئ يحل منه المحرم إلا
فراش زوجها فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش
زوجها (1).
ومنها رواية عجلان أبي صالح قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف
تصنع؟ قال تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في
بيتها فإن طهرت طافت بالبيت وإن لم تطهر فإذا كان
يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.
73

إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا قدمت
مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا
والمروة فإذا فعلت فقد حل له كل شئ
ما عدا فراش زوجها الحديث (1).
ومنها رواية أخرى له أيضا أنه سمع أبا عبد الله
عليه السلام يقول: إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن
تطوف قدمت السعي وشهدت المناسك فإذا
طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة
وطواف الحج وطواف النساء ثم أحلت من كل شئ (2)
وربما يجمع بين هذه الأخبار والأخبار المتقدمة
بالتخيير بين الأمرين أي العدول إلى الافراد أو اتمام
العمرة بدون الطواف ثم قضاء الطواف بعد اتمام الحج
وهنا جمع آخر أقوى من هذا الجمع وهو حمل هذه الأخبار
على ما إذا طافت أربعة أشواط ثم رأت الدم
ويدل على هذا الجمع ما رواه الشيخ - على ما حكى
عنه - عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني
من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: في المرأة المتمتعة

(1) - (2) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 2
76

إذا طاف بالبيت أربعة أشواط صم حاضت فمتعتها
تامة وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت (1).
وما رواه أيضا عن سعيد الأعرج قال: سئل أبو
عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط
وهي معتمرة ثم طمثت قال: تتم طوافها وليس عليها غيره
ومتعتها تامة ولها أن تطوف بين الصفا والمروة و
ذلك لأنها زادت على النصف وقد مضت متعتها و
لتستأنف بعد الحج (2).
وما رواه أبو بصير عنه عليه السلام قال: إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت
النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت
بقية طوافها من الموضع الذي لعمته وإن هي قطعت طوافها في
أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (3)
وما رواه أحمد بن الحلال عن أبي الحسن عليه السلام قال
سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت قال: إذا حاضت

(1) - (2) الوسائل الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1.
77

المرأة وهي في البيت أو بين الصفا والمروة وجازت النصف
علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت
طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف
من أوله (1).
وضعف السند هذه الأخبار غير ضائر بعدما عمل
المشهور بها مع أن رواية سعيد الأعرج صحيحة فحينئذ
إذا طافت أربعة أشواط ثم رأت
الدم فلا يجب بل لا يجوز لها العدول إلى الافراد بل
تعلم موضع الطواف وتسعى بين الصفا والمروة وتتم
عمرتها ثم تحرم بالحج وبعد اتمام الحج تقضي ما عليها
من بقية الطواف بل يظهر من بعض الأخبار كفاية
الأقل من أربعة أشواط.
ففي رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت
دما قال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت واعتدت
بما مضى (2):
إلا أن هذه الرواية ضعيفة السند بالارسال وغيره

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3.
78

مع أن القائل بمضمونها نادر والروايات المتقدمة أصح
سندا والعامل بها أكثر وهي تعارض هذه الرواية،
خصوصا صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة التي زاد في آخرها في الفقيه
- على ما حكي عنه - بعد ما رواها مرسلة قوله " وإن هي
لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ".
وكذا رواية أحمد بن حلال المتقدمة فراجعها فلا
يبعد الحكم بصحة عمرتها إذا طافت أربعا فتقضي بقية
عمرتها بعد الطهارة أو بعد الفراغ من الحج وتكون عمرتها
ومتعتها تامة فلا بد من حمل تلك الأخبار الدالة على
عدولها إلى حج الافراد على ما إذا طمثت قبل الشروع
في الطواف أو بعده قبل الاتيان بأربعة أشواط
(كيفية حج التمتع:)
وكيفيته على نحو الاجمال أن يحرم للعمرة من أحد
المواقيت التي يأتي بيانها ثم يدخل مكة ويطوف
بالبيت سبعة أشواط ثم يسعى بين الصفا والمروة
سبعة مرات ثم يقصر بتقليم الأظفار أو بالأخذ من
79

شاربه فيحل من احرام عمرة التمتع بذلك ثم ينشأ
احراما آخر للحج في يوم التروية أو غيرها من مكة
فيقف يوم عرفة عند الزوال بعرفات إلى غروب
الشمس ثم يفيض بعد الغروب من عرفات إلى
المشعر فيبيت ليلة الأضحى فيه إلى طلوع الشمس
ثم يخرج إلى منى يوم العيد فيقضي فيه مناسكه كلها
كما يأتي بيانها تفصيلا إن شاء الله تعالى والفرق بين
حج التمتع وقسميه أعني القران والافراد أن عمرة
التمتع مقدمة على حجه بخلاف الأخيرين فإن
حجهما مقدم على عمرتهما.
(كيفية حج القران والافراد وشرائطهما:)
وشرائطهما ثلاثة: الأول النية الثاني وقوعهما في أشهر
الحج لقوله تعالى " الحج أشهر معلومات " الثالث أن يعقد
احرامه من ميقاته الذي يمر عليه إن كان أقرب من منزله أو من
دويرة أهله إن كان منزله أقرب من الميقات وأفعال
القران وشروطه كالافراد غير أنه يتميز بسياق الهدي
عن عقد احرام القران لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام
80

قال: إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل
نسك المفرد وليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي
(1) الخبر.
وفي رواية منصور عنه عليه السلام قال: الحاج عندنا
ثلاثة أوجه: حاج متمتع وحاج مفرد للحج وسائق الهدي
والسائق هو الفارق (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
ثم إنه ينعقد حج الافراد والتمتع بالتلبية وأما القران
فيتخير في عقد احرامه بالتلبية أو الاشعار والتقليد
لصحيحة معاوية بن عمار عن مولانا الصادق عليه السلام قال:
يوجب الأرحام ثلاثة أشياء: التلبية والاشعار والتقليد
فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم وإن لم يتكلم
بقليل ولا كثير (3).
ولكن عن السيد المرتضى وابن إدريس قدس سرهما
عدم عقد احرامه إلا بالتلبية " إلا أن الرواية وغيرها حجة
عليهما، ويستحب له اشعار ما يسوقه من البدن أو تقليده،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
(2) الوسائل البا 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
81

وكيفية الاشعار - كما في الشرائع - أن يشق سنامه من
الجانب الأيمن ويلطخ صفحة السنام بدمه وكيفية
التقليد أن يعلق في رقبة المسوق نعلا خلقا قد صلى
فيه " قال الصادق عليه السلام في حديث ثم يقلدها
بنعل خلق قد صلى فيها (فيه ظ) (1).
ثم إن الاشعار والتقليد للبدن وتختص البقرة
والغنم بالتقليد.
(البحث في المواقيت:)
التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والمشهور أنه خمسة أو ستة وربما قيل إنها عشرة
بل يمكن أن يقال: إن مجموعها أربعة عشر لاستفادة ذلك
من مجموع الأخبار وكلمات الأصحاب.
ففي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: الاحرام
من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله
لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة يصلى فيه
ويفرض الحج، ووقت لأهل الشام الجحفة ووقت لأهل

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
82

نجد الحقيق، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل،
ووقت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن
مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله (1).
وفي صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام وقال:
من تمام الحج أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول
الله 7 عليه وآله لا تجاوزها إلا وأنت محرم فإنه وقت لأهل العراق [7 صلى الله]
ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل العراق، ووقت
لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل
ووقت لأهل المغرب الجحفة وهي مهيعة، ووقت لأهل
المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت
مما يلي مكة فوقته منزله (2).
فأضاف بالخمسة هذه الرواية منزل الحاج إذا كان
أقرب إلى مكة من الميقات فصارت ستة، وأما من قال:
إن المواقيت عشرة فباعتبار إضافة مكة للمتمتع والفخ لحج
الصبيان ومحاذاة الميقات لمن لم يمر به وأدنى الحل
وأما اعتبار الأربعة عشر فبإضافة التنعيم والجعرانة والحديبية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 2
83

إلى ما ذكرنا كما ذكر ذلك في بعض الأخبار وإن لم
يذكرها الأصحاب، وكيف كان فلا خلاف بيننا في الخمسة
أو الستة حدها العقيق، وهو ميقات أهل نجد وأهل
العراق ومن يمر عليه من غيرهم، وهو كل واد عقه السيل
أي شقه كما نقل ذلك عن بعض أهل اللغة
ويدل على أنه ميقات أهل نجد صحيحة أبي أيوب
الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام إلى أن قال:
ووقت
لأهل نجد العقيق وما انجدت (1).
ويدل على كونه ميقاتا لأهل العراق صحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة عنه عليه السلام فإنه قال نقلا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله:
فإنه وقت لأهل العراق - ولم
يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق (2) الخ
وعن الصادق عليه السلام قال: وقت رسول الله
صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق
وأوله السلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق، وأوله
أفضل (3).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 9
84

وهل يجوز الاحرام من ذات عرق اختيارا وهو يختص
لمن به المرض أو من له التقية فإن ذات عرق ميقات
العامة؟ فيه خلاف، والذي يدل على كون جميع ذات
عرق من الميقات الاختياري روايات.
منها رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: حد العقيق أوله السلخ وآخره ذات عرق (1).
ومنها مرسلة الصدوق عنه عليه السلام قال: وقت
رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق
وأوله السلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق، وأوله أفضل (2)
ومنها رواية إسحاق قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المتمتع يجئ فيقضي متعته، ثم تبدو له الحاجة، فيخرج
إلى المدينة أو ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال:
يرجع إلى مكة بعمرة، (إلى أن قال:) كان أبي مجاورا ههنا
فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق
أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم (3)، ولكن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 7 - 9
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 7 - 9
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 8
85

في بعض الأخبار الصحاح ما يدل على عدم جواز
الاحرام من ذات عرق، وأن آخر العقيق غمرة.
ففي صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام قال
وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل الشرق
العقيق نحرا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة (1) الخبر
فحينئذ إن ثبت اعراض الأصحاب عن مثل هذه الصحيحة
فالتحديد هو ما ذكرنا الذي دلت عليه الروايات المتقدمة
من أن أول العقيق السلخ وآخره ذات عرق،
وإن لم يثبت اعراض الأصحاب عن هذه
فاللازم حمل تلك الأخبار على التقية، لأن ذات
عرق ميقات العامة
ويشهد لهذا الحمل رواية محمد بن جعفر الحميري
المنقولة عن كتاب الاحتجاج من أنه كتب إلى مولانا
صاحب الزمان عليه صلوات الملك المنان سأله
عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم
يحج ويأخذ عن الجادة: ولا يحرم هؤلاء من السلخ فهل
يجوز لهذا الرجل أن يؤخر احرامه إلى ذات عرق

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6
86

فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز أن يحرم
إلا من المسلخ؟ فكتب عليه السلام إليه في الجواب: يحرم
من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه فإذا بلغ
إلى ميقاتهم أظهره (1).
والظاهر هو العمل على وفق هذه الرواية والصحيحة المتقدمة
لعدم ثبوت اعراض الأصحاب عنها فإنه حكى عن الشيخ
القول بمضمونها في النهاية والصدوق في المقنع وأبيه
علي بن بابويه ويظهر من محكى المدارك الميل إليه، لضعف
تلك الروايات الدالة على أن آخره - أي آخر العقيق -
ذات عرق وموافقتها لمذاهب العامة القائلين بأن
العقيق ذات عرق، اللهم إلا أن يقال: إن ضعفها
منجبر بعمل الأصحاب، فإن أكثرهم ما عدا من ذكرنا
قد عملوا بتلك الروايات، والأحوط الاحرام من المسلخ
إلى غمرة، وعدم الاحرام من ذات عرق.
(الثاني من المواقيت)
ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة وهو ميقات أهل المدينة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث. 1
87

ومن يمر بهم لقول الصادق عليه السلام نقلا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله في الرواية المتقدمة قال: وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة يصلى فيه
ويفرض الحج (1) الحديث.
وهل هو نفس المسجد أو يكون أحد مصاديقه؟
ربما يقال بالأول لأجل هذه الرواية فإنه (ع) قال:
وهو مسجد الشجرة وفي رواية الأمالي عنه صلى الله
عليه وآله قال: ولأهل ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة (2)
الحديث
وفي رواية المقنع " ووقت رسول الله صلى الله عليه
وآله لأهل الطائف قرن المنازل إلى أن قال: ووقت
لأهل المدينة ذا الخليفة وهو مسجد الشجرة (3) الخبر
لكن في بعض الأخبار اطلاق ذي الحليفة من
غير تفسيره بمسجد الشجرة كصحيحة أبي أيوب الخزاز
فإنه عليه السلام وقال فيها: ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة (4)
وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن الصادق عليه السلام

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 11 - 12
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 11 - 12
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 11 - 12
88

قال: ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة (1)، وفي بعض الأخبار
تفسير ذي الحليفة بنفس الشجرة كصحيحة علي بن رئاب
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأوقات التي وقتها
رسول الله صلى الله عليه وآله للناس، فقال: إن رسول
الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة
وهي الشجرة (2) الحديث.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام وقال: سألته
عن المتعة في الحج من أين احرامها واحرام الحج؟ قال: وقت
رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق
ولأهل المدينة ومن يليها من الشجرة (3) الحديث.
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا
له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه
فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من
البيداء (4)، ويمكن الجمع بين هذه الطائفة من الأخبار

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 7 - 9 والباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 7 - 9 والباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 7 - 9 والباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1
89

والطائفة الأولى بأن يكون المراد بمسجد الشجرة والشجرة
موضعها لا نفس الشجرة بأن أطلق الشجرة وأريد محلها
كما يقال للبلدة التي دفن فيها مولانا الرضا على السلام بمشهد
الرضا وللبلدة التي دفن فيها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:
المشهد الغروي، وهذا الاستعمال شايع في لسان
العرب بل وغيرهم، فالمراد بالشجرة أو مسجد الشجرة هو
الموضع الذي تكون فيه الشجرة أو موضعها
ثم إنه ربما يظهر من بعض الأخبار اطلاق أن
الجحفة ميقات أهل المدينة إذا لم يحرموا من مسجد الشجرة
وهي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام:
من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة
ولا يجاوز الجحفة إلا محرما (1)
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن احرام أهل الكوفة وخراسان ومن يليهم
وأهل مصر من أين هو؟ قال: احرام أهل العراق من العقيق ومن ذي الحليفة، وأهل

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3
90

الشام من الجحفة (1) الخبر.
إلا أنه يظهر من بعض الأخبار الأخر التقييد بالضرورة
من مرض أو برد أو غيرهما كرواية أبي بصير قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: خصال عابها عليك أهل مكة
قال: وما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة ورسول
الله صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة: فقال: الجحفة
أحد الوقتين فأخذت بإذناهما وكنت عليلا (2).
فإن قوله عليه السلام: الجحفة أحد الوقتين وإن كان
فيه اطلاق إلا أن قوله: وكنت عليلا، فيه اشعار بأن
كون الجحفة ميقاتا مختص بالعليل مثلا.
ورواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا قال: إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى
أتيت الجحفة وقد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون
عني، فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون، وقد رخص
رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان مريضا أو ضعيفا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 8
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4
91

أن يحرم من الجحفة (1)، فيمكن حمل الروايات المطلقة
على صورة الضرورة بقرينة هاتين الروايتين
(الثالث من المواقيت:)
الجحفة وهي ميقات أهل مصر والشام والمغرب ومن يمر
عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها
ففي صحيحة ابن رئاب عن الصادق عليه السلام قال
في حديث: ووقت (أي رسول الله صلى الله عليه وآله)
لأهل الشام الجحفة (1).
وفي صحيحة رفاعة عن موسى بن جعفر عليهما السلام
قال: ووقت لأهل الشام المهيعة وهي الجحفة (2).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وأنه
قال في حديث: ووقت لأهل الشام الجحفة (3).
وفي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عنه عليه السلام
أنه قال في حديث: ووقت لأهل المغرب الجحفة
وهي المهيعة الحديث (4)، فذكر عليه السلام وفي هذه
الرواية أهل المغرب وأن ميقاتهم الجحفة،

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 5
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 1 - 2
92

وفي صحيحة أبي أيوب الخزاز عنه عليه السلام أنه قال
في حديث: ووقت لأهل المغرب الجحفة وهي
عندنا مكتوبة مهيعة (1).
(الرابع:)
يلملم، ويقال له: ألملم ويرمرم أيضا وهو ميقات
أهل اليمن لأنه قد تقدم قول مولانا الصادق عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل اليمن
يلملم (2) الحديث.
وفي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن الصادق
عليه السلام أنه قال في حديث: ووقت لأهل اليمن يلملم (3)
(الخامس:)
قرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء وهو
ميقات أهل الطائف، ففي صحيحة أبي أيوب الخزاز
المتقدمة عنه عليه السلام أنه قال في حديث: ووقت لأهل [الطائف قرن المنازل]

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 1 - 2
93

وكذا في حسنة الحلبي وصحيحة معاوية بن عمار
المتقدمتين عن الصادق عليه السلام (1).
(السادس:)
مكة المكرمة وهي ميقات حج التمتع قال في الجواهر:
بلا خلاف أجده نصا وفتوى، بل في كشف اللثام
الاجماع عليه انتهى ويدل عليه صحيح الحلبي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام: لأهل مكة أن يتمتعوا
قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة
أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا
فإن لهم أن يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من
الحرم، قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال: من مكة
نحوا مما يقول الناس (2)، ونحوها غيرها
(السابع:)
دويرة أهله إذا كانت أقرب إلى مكة من الميقات
ومستنده - بعد دعوى الاجماع من غير واحد عليه
- الروايات الصحيحة، منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي

(1) الوسائل الباب من أبواب المواقيت الحديث 2 - 3
94

عبد الله عليه السلام قال: من كان منزله دون الوقت إلى
مكة فليحرم من منزله (1).
ومنها صحيحة علي بن رئاب عن مسمع عنه عليه السلام قال: إذا
كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله (2)
ومنها صحيحة صفوان بن يحيى عن عبد الله بن
مسكان عن أبي سعيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال: يحرم منه (3).
(الثامن:)
محاذاة أحد المواقيت الخمسة، ومستنده - بعد
دعوى الاجماع - هو صحيحة عبد الله بن سنان
عن الصادق عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا و
هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة
الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال
فيكون حذاء الشجرة من البيداء (4)
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 3 - 4
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1
95

وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق
المدينة فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة
أميال فليحرم منها (1).
وحاصل مفاد الروايتين أن من خرج من المدينة
من غير الطريق المتعارف الذي ينتهي إلى مسجد
الشجرة والحال أنه يريد الحج فإذا بعد عن المدينة بستة
أميال صار محاذيا لمسجد الشجرة فليحرم من ذلك المكان
(التاسع:)
الفخ وهو ميقات الصبيان بمعنى جواز يا خير
احرامهم إلى هذا المكان لا أنه يتعين ذلك عليهم
والدليل عليه صحيحة أيوب أخي أديم قال: سئل
أبو عبد الله عليه السلام من أين تجرد الصبيان؟ قال:
كان أبي يجردهم من فخ (2).
ولكن في صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال
انظروا من كان معلم من الصبيان إلى الجحفة وإلى

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب المواقيت الحديث 1
96

بطن مر، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم
ويرمى عنهم ويرمى عنهم، ومن لا يجد الهدي
فليصم عنه وليه (1).
وفي رواية يونس بن يعقوب عن أبيه قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن معي صبية صغارا
وأنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال:
ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت بهم
العرج وقعت في تهامة، ثم قال: فإن خفت عليهم
فائت بهم الجحفة (2)، فيستفاد من الروايتين أن ميقات
الصبيان هو ميقات الكبار إلا أن الرواية الثانية
قد دلت على أن ميقاتهم العرج ولم أتحقق موضعه
إلا أن قوله عليه السلام: فإن خفت عليهم فائت بهم الجحفة
يستفاد منه أن العرج قبل الجحفة، فيستفاد من الروايتين
أن ليس ميقاتهم فخ، كما دلت رواية أيوب أخي أديم

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 7 مع اختلاف
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 7 مع اختلاف
97

فتقع المعارضة بين هذه الصحيحة والروايتين.
إلا أنه يمكن دفع المعارضة بحمل الحرام من الجحفة
مثلا على نية الاحرام من الجحفة، وحمل التجريد على تجريد
الثياب من فخ لا جعل التجريد كناية عن الاحرام
ثم إن سائر المواقيت كأدنى الحل والحديبية والجعرانة
والتنعيم كما يستفاد من الأخبار حيث لم تكن كثيرة الابتلاء
لم نتعرض لذكرها.
(البحث في أحكام المواقيت:)
لا يجوز الاحرام قبل الميقات ولا التأخير عنه، و
لا ينعقد الاحرام إذا أحرم قبل الميقات بل لا يكفي
المرور على الميقات محرما ولا بد من تجديد النية إذا
مر عليه وهو اجماعي منا كما ادعاه غير واحد خلافا
للعامة، حيث جوزوا الاحرام قبل الميقات، ومستند ما
ذكرناه جملة من النصوص.
منها صحيح ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الصادق
عليه السلام قال: من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له،
ومن أحرم دون الميقات فلا احرام له (1).

(1) الفروع من الكافي ج 2 ص 322 الطبعة الحديثة
98

ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: الاحرام من مواقيت
خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج
ولا معقر أن يحرم قبلها ولا بعدها (1) الحديث.
ومنها رواية ميسر قال: دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام وأنا متغير اللون، فقال لي: من أين أحرمت؟
قلت من كذا وكذا، فقال: رب طالب خير نزل قدمه، ثم
قال: يسرك أن تصلي الظهر في السفر أربعا؟ قلت: لا
قال: هو والله ذاك (2).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في
حديث: وليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقته
رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنما مثل ذلك من
صلى في السفر أربعا وترك الثنتين (3).
نعم استثنى من الاحرام قبل الميقات موضعان الأول
ما إذا نذر الاحرام قبل الميقات فإن المشهور جواز هذا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 5 - 3
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 5 - 3
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 5 - 3
99

(هل يجوز نذر الاحرام من غير الميقات)
النذر ووجوب الوفاء به ومستنده جملة من النصوص
منها صحيحة الحلبي عن الاستبصار قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل لله عليه
شكرا أن يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة وليف
لله ميا قال (1).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: لو أن
عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك
البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان
عليه أن يتم (2).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: كتبت إلى
أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل جعل لله
عليه أن يحرم من الكوفة قال: يحرم من الكوفة (3).
ولا يضر اعتبار كون متعلق النذر راجحا أو لا
أقل من أن يكون متساوي الطرفين ومن المعلوم مرجوحية
الاحرام من غير الميقات فلا يمكن أن يكون متعلق النذر
وذلك لاستكشاف راجحيته بواسطة النذر - من الأخبار
فالاشكال في مرجوحيته كأنه اجتهاد في مقابل النص

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3.
100

ولا يضر ضعف سندها بعد عمل المشهور بها مع أن
رواية الحلبي على نسخة الاستبصار صحيحة وهل يلحق
العهد واليمين بالنذر؟ وجهان والاحتياط يقتضي
عدم الالحاق لكون الحكم على خلاف القاعدة فيقتصر
على مورد النص.
الثاني من موارد جواز تأخير الاحرام عن الميقات
ما إذا أراد ادراك عمرة رجب وخاف فوت الوقت
يجوز له الاحرام قبل الميقات وادراك عمرة رجب
وإن كان بادراك احرامها وهذا الحكم ادعى عليه
الاجماع ومستنده بعض الأخبار
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس ينبغي أن يحرم دون
الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة (1).
ومنها صحيحة أو موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت
أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجيئ معتمرا ينوي عمرة رجب

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1.
101

فيدخل عليه الهلال " هلال شعبان " قبل أن يبلغ
العقيق فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أم يؤخر
الاحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: يحرم
قبل الوقت لرجب فإن (فيكون خ ل) لرجب فضلا وهو
الذي نوى (1).
والرواية الأولى وإن كانت مطلقة تعم جميع الشهور
إلا أنه يمكن حملها على ما دلت عليه هذه الرواية أي حملها
على خصوص شهر رجب.
وكذا لا يجوز تأخير الاحرام عن الميقات اختيارا
اجماعا كما في الجواهر نعم يجوز تأخيره لعذر من مرض
ونحوه لصحيحة صفوان بن يحيى عن مولانا الرضا عليه السلام
قال: فلا تجاوز الميقات إلا من علة (2)
ولمرسلة شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال:
إذا خاف الرجل على نفسه أخر احرامه إلى الحرم (3)
والظاهر جواز تأخير الاحرام الظاهري والواقعي

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 3.
102

عند طرق المانع لا الاحرام الظاهري من التعري و
لبس الثوبين كما عن ابن إدريس حيث قال - على
ما حكي عنه -: إن المرض والتقية ونحوهما لا تمنع النية
والتلبية وحاصل مراده قدس سره أنه عند التقية مثلا
أو المرض إذا وصل إلى الميقات يحرم عند نفسه بالنية
ويلبي عند نفسه من دون أن يظهره، فإذا زال المانع
أظهره، بأن لبس ثوبي الاحرام وتعرى من المخيط
إلا أن هذا تأويل للرواية الصحيحة حيث إن ظاهرها
هو جواز تأخير 7 الاحرام لا الصورة الظاهرة منه.
(المبحث 3 في أفعال الحج:)
والواجب منها اثني عشر الأول الاحرام الثاني
الوقوف بعرفات الثالث المبيت 7 الرابع: النزول [7 بالمشعر]
بمنى الخامس رمي الجمرات الثلاث، السادس
الذبح بمنى السابع الحلق بمنى الثامن الطواف أي طواف
الحج التاسع ركعتا الطواف العاشر السعي بين الصفا
والمروة، الحادي عشر طواف النساء الثاني عشر
103

ركعتا طواف النساء.
(البحث في الاحرام:)
وقبل الخوض في مستحباته وواجباته وشرائطه ينبغي
البحث عن ماهيته، فنقول: اختلف العلماء في ماهيته
على أقوال. أحدها ما عن العلامة في المختلف من أن ماهيته
مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ومقتضاه أنه ينعدم
بانعدام أحد أجزائه.
الثاني ما عن ابن إدريس من أنه عبارة عن النية
والتلبية، الثالث ما عن ظاهر الشيخ في المبسوط من أنه عبارة
عن النية فقط،
الرابع ما عن الشهيد في المسالك من أنه عبارة عن
توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن
يأتي بالمناسك، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين
نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة، فعلى هذا لا يجتمع
الاحرام مع ارتكاب بعض منهياته كلبس المخيط لأنه
[7 النفس] مناف لتوطين 7 على ترك منهياته، الخامس انشاء
الالتزام على ترك المنهيات، وهو الذي قواه الأستاذ
104

وقال: إنه يجتمع على هذا المعنى مع الاتيان ببعض 7 [7 منهيات]
الاحرام كلبس المخيط، وقد أيد هذا الوجه بكلام
بعض أجلاء العصر بأنه نظير الاسلام فكما أن انشاء
الالتزام بأحكام الشرع الأطهر لا ينافيه ارتكاب بعض
المنهيات الواردة في الاسلام ولا يخرجه عن السلام
فكذا ارتكاب بعض منهيات الاحرام لا يبطله فحينئذ
لبس الثوب المخيط أو الاصطياد لا يخرجه عن الاحرام
غاية الأمر أن عليه الكفارة.
فما ذكره السيد الطباطبائي في العروة الوثقى من أنه لو
أحرم في قميص عالما عامدا أعاد لا لشرطية
لبس الثوبين لمنعها، بل لأنه مناف للنية انتهى - في
غير محله، لأن انشاء الالتزام بأحكام الاحرام لا
ينافي ارتكاب بعض منهيات الاحرام كما عرفت
ثم إنه ينبغي ذكر بعض مستحبات الاحرام منها
توفير شعر الرأس واللحية، بل عن ظاهر المقنعة والهداية
والنهاية والاستبصار الوجوب ولعله لما دل عليه ظاهر
الأخبار. منها صحيح ابن مسكان عن الصادق عليه السلام
105

قال: لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج: في ذي
القعدة ولا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة (1).
ومنها صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: الحج
أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن
أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، ومن
أراد العمرة وقر شعره شهرا (2).
ومنها صحيح عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال:
اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة، و
للعمرة شهرا (3).
وهذه الروايات دالة على توفير الشعر من أول
ذي القعدة إذا أراد وتوفيره شهرا إذا أراد العمرة
لكن في رواية عبد الله بن جعفر المروية عن قرب
الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال: من أراد الحج
فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوال (4).
إلا أن هذه الرواية لا تقاوم تلك الصحاح لضعف
سندها، وكيف كان فظاهر هذه الروايات وإن كان
الوجوب إلا أن أكثر الأصحاب قد قالوا باستحباب ذلك

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4 - 5 - 8
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4 - 5 - 8
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4 - 5 - 8
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 4 - 5 - 8
106

الثاني من المستحبات الغسل للاحرام والدليل
عليه صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقت رسول الله (ص)
فانتف إبطيك واحلق عانتك وقلم أظفارك وقص
شاربك، ولا يضرك بأي ذلك بدأت إلى أن قال: ثم
استك واغتسل والبس، ثوبيك (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا انتهيت
إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت
وأنت تريد الاحرام إن شاء الله فانتف إبطيك وقلم
أظفارك وأطل عانتك وخذ من شاربك ولا يضرك
بأي ذلك بدأت، ثم استك واغتسل والبس ثوبيك
(2) الحديث.
وصحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله
عن التهيؤ للاحرام، فقال: أطل بالمدينة فإنه طهور وتجهز بكل
ما تريد، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي
الشجرة وتفيض عليك الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله (3)

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الاحرام الحديث 3
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 6
107

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة بل طاهر هذه
الأخبار وغيرها هو الوجوب إلا أن الأصحاب حملوها
على الاستحباب ثم إنه يستحب إعادة الغسل إذا
أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه.
لصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
إذا لبست ثوبا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا
ينبغي لك أكله فأعد الغسل (1).
ويستحب إعادة الأرحام إذا أحرم بدون الغسل
لصحيحة الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن قال:
كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام رجل
أحرم بغير صلاة أو يغر غسل جاهلا أو عاملا ما عليه
في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب يعيده
(2) وظاهره وإن كان الوجوب إلا أنه محمول على
الاستحباب لعدم القائل بالوجوب إلا نادرا مع أن
كلمة " لا ينبغي " الذي في كلام السائل طاهر في الاستحباب
وقرره الإمام عليه السلام على ذلك، وهل يكون استحباب

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الاحرام الحديث 1
108

إعادته ثانيا بعد الغسل دليلا عيل كون الاحرام الأول
أي الذي عقده بدون الغسل باطلا أو يكون كلا
الاحرامين صحيحين إلا أن الله يختار أفضلهما كالصلاة
المعاد جماعة أو يكون الأول احرامه والثاني تأكيدا له
وجوه ولعل الوجه الأخير أوجه والثاني أوفق بالاعتبار
(الثالث من المستحبات:)
اتيان ركعتين أو أربع ركعات أو ست ركعات قبل
الاحرام بعد ذلك.
ومستنده صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: إذا أردت الاحرام في غير وقت الفريضة فصل
ركعتين ثم أحرم في دبرها (1).
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: لا يكون الاحرام
إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت
في دبرها بعد التسليم وإن كانت نافلة صليت ركعتين و
أحرمت فيدبرها (2) الخبر.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
109

ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: تصلي للاحرام
ست ركعات تحرم في دبرها (1).
ورواية إدريس بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف
يصنع؟ قال: يقيم إلى المغرب قلت فإن أبى جماله أن
يقيم عليه قال: ليس له أن يخالف السنة قلت أله أن
يتطوع بعد العصر؟ قال لا بأس به ولكني أكره الشهرة
وتأخير ذلك أحب إلى قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟
قال أربع ركعات (2).
هذا ولكن عن الإسكافي القول بوجوب هذه
الصلاة أعني ركعتي الاحرام أو الأربع أو الست
نظرا إلى ظواهر الأخبار خصوصا صحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة التي قال الصادق عليه السلام فيها لا يكون
الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة (3).
وقال السيد الطباطبائي يف العروة الوثقى وقيل
بوجوب ذلك (أي وقوع الاحرام عقيب فريضة أو
نافلة لجملة من الأخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
110

للاختلاف الواقع بينها واشتمالها على خصوصيات غير
واجبة انتهى.
أقول وقوع الاختلاف بينها لا يدل على الندب
غاية الأمر حملها على مراتب الفضل وكذا اشتمالها على
الأمور غير الواجبة لا يدل على الندب كما لا يخفى فالأولى
في الجواب أن يقال إن هذه الأخبار وإن كانت ظاهرة
في الوجوب إلا أن الأصحاب لم يحملوا بطاهر بل حملوها
على الاستحباب.
ثم إنه هل يكفي ايقاع الاحرام عقيب الفريضة أو
لا بد من الاتيان بركعتي الاحرام عقيب الفريضة أو بعدها
ثم الاحرام بعد ذلك؟ مقتضى ظاهر رواية فقه الرضا
عليه السلام قال: فإن كان وقت صلاة فريضة (1)، واطلاق
صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: خمس صلوات
لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم (2) الحديث
واطلاق رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: خمس صلوات تصليها

(1) المستدرك الباب 13 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 1.
111

في كل وقت منها صلاة الاحرام (1) الحديث - هو عدم
الاكتفاء بالاتيان بالفريضة بل لا بد من الاتيان بنافلة
الاحرام وإن كان في وقت الفريضة
إلا أن في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن
كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم وإن كانت
نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما (2) الخبر - هو
ظهور كفاية الاحرام بعد المكتوبة أي الفريضة.
وكذا صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: صل المكتوبة
ثم أحرم بالحج أو بالمتعة (3)
وحملهما على كون الاحرام بعد المكتوبة وبعد نافلة
الاحرام خلاف الظاهر، ورواية فقه الرضا غير قابلة
للاعتماد لما عرفته غير مرة من عدم العلم باستناده إلى مولانا
الرضا عليه السلام وصحيحة معاوية وكذا رواية أبي بصير يمكن
حمل اطلاقهما على غير ما إذا أتى بالفريضة، وهو ما إذا أراد

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 1
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1
112

الاحرام في ليل أو نهار في غير وقت الفريضة بقرينة هاتين
الصحيحتين وكيف كان فالأولى الاتيان بها رجاءا إذا
كان الاحرام في وقت الفريضة وأوقعه بعدها.
(المبحث 4 في واجبات الاحرام)
وواجباته ثلاثة كما في الشرائع: الأول النية وهي
أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة الأول أن ما يحرم له
ما هو؟ حج أو عمرة؟ الثاني قصد التقرب إلى الله تعالى
الثالث: تعيين نوعه (من أنه تمتع أو قران أو افراد)
وصفته من وجوب وندب وما يحرم له من حجة الاسلام
أو غيرها.
الرابع أن ينوي الحج عن نفسه إن كان الحج له، وللمنوب
عنه إن كان الحج نيابيا، لكن عن العلامة في المنتهى والتذكرة
- مع أنه اعتبر الشرائط الأربعة في الاحرام - قال: ولو نوى
الاحرام مطلقا ولم يعين الحج والعمرة أو لم يعين نوع الحج
انعقد احرامه وله أن يعين الحج أو نوعه بعد الاحرام، وعن
كشف اللثام " عدم اعتبار التعيين هو الأقوى استنادا
113

إلى أن الاحرام ليس داخلا في النسكين أعني الحج والعمرة
بل النسكان غايتان للاحرام كالوضوء والغسل بالنسبة
إلى الصلاة فكما لا يكون الوضوء أو الغسل جزء للصلاة
بل الصلاة غاية لهما فكذا الاحرام لا يكون للحج والعمرة
- وإلى أن الاحرام بالحج يخالف غيره من احرام العبادات
لأنه لا يخرج منه بالافساد بخلاف سائر العبادات كالصلاة
فإنه يخرج من الاحرام بافسادها
ولما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه خرج من
المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء
بين الصفا والمروة (1).
ولما روى من أن أمير المؤمنين عليه السلام أهل اهلالا
كاهلال النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن يعرف اهلاله
في كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل
قال في ضمنه: وقدم علي عليه السلام من اليمن على رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو بمكة، فدخل على فاطمة وهي قد
أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 5 ص 6 على ما حكي عنه
114

ما هذا يا فاطمة؟ فقالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله
فخرج علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
مستفتيا محوشا على فاطمة عليها السلام فقال: يا رسول الله إني
رأيت فاطمة قد أحلت، عليها ثياب مصبوغة فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا أمرت الناس بذلك
وأنت يا علي بما أهللت؟
قال: قلت: يا رسول الله اهلالا كاهلال النبي (ص)
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: كن على احرامك مثلي
وأنت شريكي في هديتي (هديى ظ) (1) الحديث.
ولكن يرد على الأول بأن كون الاحرام خارجا عن حقيقة
النسكين خلاف ما يستفاد من الأخبار فإن الظاهر منها
أنه داخل في حقيقتهما كتكبيرة الاحرام بالنسبة إلى الصلاة
وعلى الثاني بأن عدم كونه كاحرام سائر العبادات
لا يصير دليلا على عدم اعتبار نية خصوص النسك الذي
يريد الاتيان به، بل الدليل دل على اعتبار التعيين، فمن الأدلة
صحيح حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: إني

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4
115

أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال: تقول:
اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك
وإن شئت أضمرت الذي تريد (1).
ومنها خبر إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم
عليه السلام: إن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج فيقول
بعض: أحرم الحج مفردا، فإذا طفت بالبيت وسعت
بين الصفا والمروة فأحل، واجعلها عمرة، وبعضهم
يقول: أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج أي هذين
أحب إليك؟ قال: إنو المتعة (2).
ومنها صحيح البزنطي عن أبي الحسن الأول عليه السلام
قال: سألته عن رجل تمتع كيف يصنع؟ قال: ينوي المتعة و
يحرم بالحج (3)، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على لزوم
التعيين.
ويرد على الثالث بأن ما روي عن العامة غير ثابت
عندنا على الرابع بأن ما تضمنته الروية بأن عليا عليه السلام
أهل اهلالا كاهلال النبي صلى الله عليه وآله لم يكن نصا
ولا ظاهرا في أنه عليه السلام لم يعرف بأن النبي صلى الله

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2
116

عليه وآله فيمكن أنه كان عالما باحرامه صلى الله عليه وآله وأنه
أحرم بماذا؟ ويدل على كونه (ع) عالما ما رواه معاوية بن
عمار في الصحيح المتقدم عن الصادق عليه السلام قال: وجاء
علي عليه السلام بأربعة وثلاثين (أي بدنة) أو ست وثلاثين
فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستا وستين
ونحر علي عليه السلام أربعا وثلاثين بدنة (1) الحديث.
فيعلم من ذلك أنه عليه السلام كان عالما بأن ما أحرم
به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حجا قرانا
(فروع:)
الأول لو أحرم بالحج والعمرة ونواهما معا فعن العلامة
أن احرامه باطل، وقال في الشرائع: إنه إذا كان الاحرام
في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه
أحدهما، وإن كان في غير أشهر الحج تعين العمرة (المفردة)
ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه
انتهى. ووجه البطلان فساد المنوي الذي نواه لأنه لا يجوز

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4
117

القران بين الحج والعمرة باحرام واحد. ويظهر من صاحب
الشرائع صحة الفرض الثاني أي إذا كان الاحرام في غير
أشهر الحج. ولعل وجه الصحة هو عدم امكان وقوع الحج
في غير أشهر الحج فالتعرض له يكون لغوا وخطئا فلا يضر
ضم نيته إلى نية العمرة فإنه كضم الحجر إلى الانسان.
(الفرع الثاني:)
أنه لو قال: أحرم فلان فإن كان عالما بماذا
أحرم فلان فلا بأس لكفاية النية الاجمالية، وإن كان جاهلا
فعن الشيخ والعلامة في المنتهى والتذكرة يصح احرامه
ويمكن الاستدلال للصحة بصحيحة الحلبي أو حسنته
عن الصادق عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله قال لعلي
عليه السلام في حجة الوداع: يا علي بأي شئ أهللت؟
فقال: أهللت بما أهل به النبي (1).
وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن الصادق عليه السلام
أيضا أنه قال في ضمنها: وأنت يا علي بما أهللت؟ قال: قلت
يا رسول الله اهلالا كاهلال النبي (3).
إلا أنك قد عرفت أن الصحيحة غير دالة على أنه عليه السلام

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13 - 4
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13 - 4
118

لم يكن جاهلا بحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل يظهر
من ذيلها أنه كان عالما بذلك ولذا ساق أربع أو ست
وثلاثين بدنة.
(الثالث:)
لو نسي بما أحرم ففي الشرائع " كان مخيرا بين الحج و
العمرة إذا لم يلزمه أحدهما " وربما يقال في تقريب الاستدلال
للتخير بأمور الأول استصحاب بقاء حكم التخيير الذي كان
قبل الاحرام فإنه كان مخيرا بين الحج والعمرة في صورة عدم
تعين أحدهما عليه فيستصحب حكم التخيير بعد الاحرام.
الثاني عدم الترجيح بينهما بعد ما كان مخيرا، فترجيح أحدهما
على الآخر ترجيح من غير مرجح
الثالث عدم جواز الاحلال من الاحرام إلا بالاتيان
بأحد النسكين إلا إذا صد أو أحصر فلا بد له لأجل الخروج
من الاحرام من الاتيان بأحد النسكين حتى يخرج من الاحرام
وأورد صاحب الجواهر على الأول بتغير الموضوع
حيث إن موضوع التخيير كان قبل الاحرام، وبعد الاحرام
صار اتمام أحدهما المعين واجبا عليه ويمكن استصحاب التخيير
119

ولكن يمكن دفع هذا الاعتراض بأن موضوع الاستصحاب
كان نفس المكلف الذي كان مخيرا بين الحج والعمرة وبعد
الاحرام المكلف موجود فلام مانع من استصحابه للتخير
وأما الوجه الثاني فكأنه من مقدمات الوجه الثالث
أو متمماته بأن يقال: إن الاحرام لا مخرج منه إلا بالاتيان
بأحد النسكين وحيث إنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر
فالحكم هو التخيير بينهما.
(الثاني من واجبات الاحرام:)
التلبيات الأربع ولا ريب في أصل وجوبها بل ادعى
في الجواهر تحقق الاجماع بقسميه عليه كما أنه لا خلاف ظاهرا
على أنه لا ينعقد الاحرام لمتمتع أو حاج إلا بها بمعنى عدم
وجوب شئ وعدم حرمة شئ على المكلف إلا بالتلبية
فما لم يلب لا يحرم عليه شئ من تروك الاحرام وإن انعقد
احرامه يجوز له نقضه قبل التلبية بناءا على امكان انعقاد الاحرام
بدون التلبية كما يظهر من الأخبار التالية
فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال
لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي
120

يريد أن يقوله ولا يلبي ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره
وليس عليه شئ (1).
ومنها صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عنه عليه السلام في
الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الاحرام ولم يلب قال:
ليس عليه شئ (2) ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام أنه صلى
ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الاحرام ثم خرج فأتى بخبيص
فيه زعفران فأكل منه (3).
وعن الصدوق مثله إلا أنه قال فأكل قبل أن يلبي - منه
ومنها مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن
أحدهما عليهما السلام أنه قال في رجل صلى في مسجد الشجرة
وعقد الاحرام وأهل بالحج ثم مس الطيب وأصاب
طيرا أو وقع على أهله قال: ليس بشئ حتى يلبي (5)
ومنها مرسلته الأخرى عن أحدهما أيضا عليهما السلام
في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة وعقد الاحرام ثم مس
طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله قال: ليس عليه شئ ما لم يلب (6)

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3 - 3 - 6 - 9.
121

ومنها رواية ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الاهلال بالحج وعقدته قال هو التلبية إذا لبى وهو
متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم (1).
ومنها صحيحة حريز عنه عليه السلام في الرجل إذا تهيأ
للاحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب (2)
ومنها رواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام ما تقول في رجل تهيأ للاحرام وفرغ من كل
شئ: الصلاة وجميع الشروط إلا أنه لم يلب إلا أن ينقض
ذلك ويواقع النساء قال: نعم (3).
ومنها رواية الحسن بن سويد عن بعض أصحابه قال:
كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة
فصلى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن
ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب عليه السلام
نعم ولا بأس به (4) إلى غير من الأخبار الكثيرة الدالة على
عدم وجوب شئ على المحرم وعدم حرمة شئ عليه
قبل الاتيان بالتلبية غاية الأمر أنه يجوز نقضه وكذا يستفاد

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 15 - 8 - 10 - 12
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 15 - 8 - 10 - 12
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 15 - 8 - 10 - 12
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 15 - 8 - 10 - 12
122

منها عدم اشتراط المقارنة بين الاحرام والتلبية ويدل على
اعتبار المقارنة صريحا أخبار كثيرة.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام أنه
قال في حديث ويجزيك أن تقول هذا (أي اللهم إني أريد
أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك الخ) مرة
واحدة حين تحرم ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك
الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب (1).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول إن رسول الله صلى الله عليه
وآله لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء (2).
ومنها صحيحة حفص ابن البختري ومعاوية بن
عمار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر
الصلاة ما يقول المحرم ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي
بك البيداء فإذا استوت بك فلب (3) الحديث.

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1 (2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 5
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الاحرام الحديث 3.
123

ومنها صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: إذا
صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث
يقول الناس يخسف بالجيش (1) وهذه الرواية تدل بظاهرها على عدم جواز التلبية
عند مسجد الشجرة بل لا بد من تأخيرها حتى يأتي البيداء
بل يظهر من الرواية المروية عن قرب الإسناد عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الاحرام عند
الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتى يطو البيداء؟
قال: لا يلبي حتى يأتي البيداء عند أول ميل فأما عند
الشجرة بل لا بد من أن يأتي بها من البيداء
ولكن يعارضها أولا الروايات الدالة على عدم جواز
التجاوز عن الميقات إلا بالاحرام وقد تقدم بعضها
بناء على أن التلبية عاقدة للاحرام لا جزء متمم له كما ليس
ببعيد على ما استنبطناه من الأخبار المتقدمة وثانيا
الروايات الكثيرة الدالة على جواز التلبية عند مسجد الشجرة فمنها صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام.

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 4 - 8.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 4 - 8.
124

قال: إن أحرمت من غمرة أو بريد البحث صليت وقلت
ما يقول المحرم في دبر صلاتك وإن شئت لبيت من
موضعك والفضل أن تمشي قليلا حتى تلبي (1)
ومنها صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: إن كنت
ماشيا فأجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد وإن كنت
راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء (2).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أحرمت
من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من المسجد
تقول: لبيك اللهم لبيك (3) الخ.
وربما يجمع بين هذه الرويات والروايات المتقدمة
بحمل الروايات الدالة على اتيان التلبية بالبيداء على ما إذا
كان راكبا وحمل هذه الروايات على ما إذا كان ماشيا.
إلا أنه يرد هذا الحمل صحيح معاوية بن عمار عنه
عليه السلام قال: إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب الاحرام الحديث 3.
125

ما تريد فقم وامض هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا
كنت أو راكبا فلب (1) الحديث
فإنه عليه السلام ساوى بين المشي والركوب في كونه
[7 بأن المراد] يلبي بالبيداء، وقيل في الجمع بينهما 7 بالسلبية بالبيداء الجهر بها
بأن يعقد الاحرام في مسجد الشجرة ويلبي هناك في
نفسه ثم إذا وصل البيداء أجهر بها، إلا أنه ينافي هذا
الحمل ما رواه عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام: هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية
في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم، إنما لبى النبي صلى الله عليه
وآله لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم
كيف التلبية (2).
فيظهر من هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وآله إنما
أتى بالتلبية بالبيداء لتعليم الناس، فأمرهم عليهم السلام الناس
بالتلبية إنما هو لأجل التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله
فإن التأسي به (ص) من المحبوبات الشرعية وإن لم يكن بقصد
التعليم، وقيل في الجمع بينهما بأن المراد بالاحرام من مسجد
الشجرة التهيؤ للاحرام، والمراد بالتلبية بالبيداء عقد الاحرام

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 2
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الاحرام الحديث 2
126

بالتلبية بالبيداء ويؤيده صحيح حريز عن الصادق عليه السلام
أنه قال في الرجل تهيا للاحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد
التلبية أو يلب (1).
وخبر زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
ما تقول في رجل تهيا للاحرام وفرغ من كل شئ: الصلاة جميع
الشروط إلا أنه لم يلب أله أن ينقض ذلك ويواقع النساء؟
قال: نعم (2).
لكن هاتان الروايتان معارضتان للروايات الدالة
على وجوب كون الاحرام من الميقات مضافا إلى أن بعض
الأخبار صريح في جواز التلبية في الميقات كصحيحة هشام بن
الحكم وصحيحة عمر بن يزيد المتقدمتين آنفا، فالأولى الجمع
بين الطائفتين بأن يقال: إنه يظهر من الأخبار المتقدمة
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وغيرها أن الاحرام ينعقد
بدون التلبية غاية الأمر أنه يجوز فسخه قبل التلبية وأما

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 9 - 10
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 9 - 10
127

بعد التلبية فلا يجوز فسخه، ففي الحقيقة التلبية ملزمة للعمل
بالاحرام لا أنها عاقدة له، فحينئذ يجوز بل يجب أن يكون
الاحرام من الميقات إلا أنه يجوز أن يؤخر ملزمه - وهو
التلبية - إلى البيداء، بل ظهر من الأخبار المتقدمة أفضلية
التأخير. (كيفية التلبيات الأربع:)
أما كيفيتها فعن النافع وبعض النسخ لا شريك لك لبيك
وفي بعض نسخ المقنعة والأمالي والفقيه والمقنع
والهداية والمختلف أنه يضيف إلى ذلك إن الحمد
والنعمة لك والملك، لا شريك لك "
أما مستند القول الأول فحسنة معاوية بن عمار عن الصائق
عليه السلام قال: والتلبية أن تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك
لبيك (لبيك خ ل) ذا المعارج لبيك (إلى أن قال): واعلم
أنه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن ول الكلام وهي
الفريضة وهي التوحيد وبها لبى المرسلون (1) الحديث.

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الاحرام الحديث 2
128

وهذه الرواية شاهدة على القول الأول، فإنه يظهر منها أن
قوله عليه السلام: إن الحمد والنعمة لك " الخ ليس واجبا بل الواجب
هو التلبيات التي ذكرت في أول الرواية.
ومستند القول الثاني صحيحة بن حميد قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى
الله عليه وآله لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت له ناقة
فركبها، فلما انبعثت به لبى بالأربع فقال: لبيك اللهم لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و
النعمة والملك لك، لا شريك لك " ثم قال: ههنا
يخسف بالأخابث (1) الحديث.
إلا أن القول الأول هو الأقوى لتصريح صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة بأن التلبيات الأول هي المفروضة
وهذه الرواية - أعني صحيحة عاصم بن حميد - وإن كانت
صحيحة السند إلا أنها لا تدل على أزيد من وجوب
التلبيات الأربع لاحتمال كون الزائد أعني قوله: إن الحمد
والنعمة والملك لك " الخ من الأمور المستحبة التي جاء بها

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الاحرام الحديث 6
129

النبي صلى الله عليه وآله، فمجرد اتيانه (ص) به لا يدل على
الوجوب لمداومته (ص) على الاتيان بالمستحبات.
وأما القول الثالث فلم يعلم مستنده
وهذا - أي وجوب التلبية - بالنسبة إلى حج التمتع
وعمرته، وأما حج القران فيتخير في عقد احرامه بالتلبية
بأن يجعل في رقبة هديه الذي ساقه نعلا قد صلى فيه
مثلا، ويدل على كفاية كل واحد من الثلاثة صحيحة معاوية
بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: يوجب الاحرام ثلاثة
أشياء: التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه
الثلاثة قد أحرم (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: تقلدها نعلا
خلقا قد صليت فيه، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية (2).
وفي صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال من أشعر
بدنته فقد أحرم، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير (3)
وفي صحيحة معاوية أيضا عنه عليه السلام في قول الله
عزو جل " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج " الفرض

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 20 - 11 - 21
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 20 - 11 - 21
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 20 - 11 - 21
130

التلبية والاشعار والتقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج
ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور (1).
وفي خبر جميل عنه عليه السلام قال: وإذا كانت البدن
كثيرة قام بين اثنين منها، ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى، ولا يشعر
أبدا حتى يتهيأ للاحرام لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب
عليه الاحرام، وهو بمنزلة التلبية (2)، إلى غير ذلك من النصوص
فما عن السيد وابن إدريس من وجوب التلبية وإن
أشعر وقلد - فهو مبني على أصلهما من عدم العمل
بأخبار الآحاد، وقد تبين فساد هذا الأصل في الأصول
وأما موثقة يونس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
قد اشتريت بدنة، فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى
تأتي مسجد الشجرة، فأفض عليك الماء والبس ثوبيك
ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض
بعد صلاتك ثم اخرج إليها فاشعرها من الجانب الأيمن
من سنامها، ثم قل: بسم الله اللهم منك ولك اللهم فتقبل
مني، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فتلب (3)، - فمحمولة على
الاستحباب بقرينة تلك الروايات المصرحة بأن الاشعار

(1) الوسائل للباب 11 من أبواب أقسام الحج الحديث 2
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 2
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 2
131

والتقليد بمنزلة التلبية.
الثالث من واجبات الاحرام:
لبس الثوبين، واستدل لوجوبه بأمور أربعة.
الأول الاجماع: وفيه أن هذا الاجماع غير كاشف
عن رأي المعصوم عليه السلام لاحتمال أن يكون مستند المجمعين
الأخبار الآتية.
الثاني سيرة المسلمين على لبس الثوبين، ويرد عليها
ما ورد على الاجماع.
الثالث التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله فإنه (ص)
قد لبس الثوبين، وفيه أن فعله صلى الله عليه وآله لا يدل
على الوجوب فإنه (ص) كان يأتي مهما أمكن بجميع المستحبات
الرابع الأخبار الظاهرة في الوجوب.
فمنها موثقة يونس عن الصادق عليه السلام المتقدمة
آنفا وفيها: والبس ثوبيك، ومنها صحيحة معاوية بن عمار
عنه عليه السلام قال: إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق
أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام
إن شاء الله فانتف إبطك وقلم أظفارك وأطل عانتك
132

وخذ شاربك ولا يضرك بأي ذلك بدأت
ثم استك واغتسل والبس ثوبيك (1).
ومنها صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن التهيأ للاحرام فقال: أطل بالمدينة فإنه طهور
وتجهز بكل ما تريد، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى
تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله (2).
والأمر في هذه الروايات للوجوب لأن الأمر حقيقة
فيه لولا قرينة الاستحباب ومقارنة الأمر في الرواية
الثانية والثالثة للأوامر الاستحبابية كالاطلاء والاستياك
وقلم الأظفار والغسل - غير ضائر - ولا تصير هذه الأوامر
المعلوم استحبابها قرينة لصيرورة الأمر بلبس الثوبين أمرا
استحبابيا لحصول المقارنة بين الأوامر الواجبة والمستحبة
في كثير من الأخبار وما لم يدل دليل على استحبابه نحكم
بظاهر الأمر الدال على الوجوب لأن الأمر حقيقة في

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الاحرام الحديث 3.
133

الوجوب وحمله على الاستحباب يحتاج إلى الدليل.
عن كشف اللثام من أن لبس الثوبين إن كان
على وجوبه اجماع كان هو الدليل وإلا فالأخبار التي ظفرنا
بها لا تصلح مستندا له مع أن الأصل العدم في غير محله
لما عرفت من أن الأمر ظاهر في الوجوب إلا إذا كان
هناك قرينة صارفة ومجرد مقارنة لبس الثوبين للمستحبات
لا يصلح للقرينة كما لا يخفى.
ثم هل لبس الثوبين أو نزع المخيط من شرائط صحة
الاحرام أو من واجباته؟ فالمحكى عن الدروس أنه قال: وهل
اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا
مخيطا لم ينعقد؟ نظر، وظاهر الأصحاب انعقاد حيث
قالوا لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ولو لبسه بعد
الاحرام وجب شقه واخراجه من تحت كما هو مروي
وظاهر ابن الجنيد اشتراطه انتهى.
ولكن عن كشف اللثام " قلت: كلامهم هذا قد يدل
على عدم الانعقاد فإن الشق والاخراج من تحت
للتحرز عن ستر الرأس فلعلهم لم يوجبوه أو لا لعدم الانعقاد
نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به انتهى.
134

أقول بل الوجه في التفصيل بين ما إذا كان لابسا
للمخيط قبل الاحرام وبين ما إذا لبسه بعد الاحرام الأخبار الدالة على ذلك:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: إذا لبست قمصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت
قدميك (1).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام في رجل أحرم
وعليه قميصه فقال: ينزعه ولا يشقه وإن كان لبسه
بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه (2).
ومنها رواية عبد الصمد بن بشير عنه عليه السلام في
حديث أن رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي وعليه قميصه
فقال لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت رجلا أعمل بيدي
واجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شئ
وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي
وأن حجي فاسد وأن علي بدنة فقاله له متى لبست
قميصك أبعد - البيت أم قبل؟ قال قبل أن ألبي، قال:

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
135

فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك
الحج من قابل أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه
طف بالبيت سبعا وصل ركعتين عند مقام إبراهيم
عليه السلام واسع بين الصفا والمروة وقصر من شعرك
فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل لا بحج واصنع
كما يصنع الناس (1).
وهذه الرواية كالصريح في صحة حجه غاية الأمر
أنه مع الجهل ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام أن في صورة
العلم عليه شئ كالبدنة مثلا لا أن حجه أو احرامه يكون
فاسدا كما توهمه الفاضل الهندي
وأما التفصيل بين ما إذا لبس المخيط قبل الاحرام
أو بعده بكفاية واخراجه من قبل رجله في الصورة
الثانية فيمكن أن يكون حكما تعبديا لا ما زعمه الفاضل
المذكور بقرينة هذه الرواية الأخيرة التي حكم عليه السلام فيها
بصحة حجه.
ويدل على صحة احرامه أيضا رواية خالد بن محمد

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
136

الأصم قال: دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم فدخل
في الطواف وعليه قميص وكساء فأقبل الناس يشقون
قميصه وكان صلبا فرآه أبي عبد الله عليه السلام وهم يعالجون
قميصه يشقونه فقال له كيف صنعت؟ فقال: أحرمت
هكذا في قميصي وكسائي فقال: إنزعه من رأسك ليس
ينزع هذا من رجليه إنما الجهل فأتاه غير ذلك فسأله،
فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزع
من رأسه (1).
وهذه الرواية - وإن قيدت حكم المسألة بالجاهل
إلا أن ذيلها فيه اطلاق يشمل العالم أيضا.
وأما حسنة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال:
لبست ثوبا في احرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد
غسلك وإن لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك
(2) - الظاهرة في بطلان الاحرام بلبس القميص ولزوم
إعادته بإعادة الغسل والتلبية - فمحمولة على الندب بقرينة

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5.
137

الروايات المتقدمة وبقرينة نفس هذه الرواية فإنه عليه السلام
أمر بشق القميص واخراجه من تحت قدميه فإنه إذا كان
احرامه باطلا فلا وجه لاخراج القميص من تحت قدميه
فحينئذ الأقوى أن لبس الثوبين من واجبات الاحرام
لا من شرائطه وكذلك الكلام في نزع المخيط فإنه
يستفاد من هذه الروايات أن نزعه من واجبات الاحرام
بحيث إذا لبسه صح احرامه إلا أنه يكون عاصيا يجب
عليه الكفارة لا أن لبسه موجب لبطلان الاحرام.
(كيفية لبس ثوبي الاحرام:)
وأما كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتزار بأحدهما
والارتداد بالآخر ولم يعتبروا للاتزار كيفية مخصوصة
نعم عن الدروس التصريح بجواز عقدته.
ولكن في رواية أبي سعيد أو سعيد الأعرج
أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يعقد إزاره
في عنقه؟ قال: لا (1).
ورواية الحميري المروية عن قرب الإسناد سندا
عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: المحرم لا يصلح له

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
138

أن يعقد إزاره على رقبته ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده (1).
وكذا رواية الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري
أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن المحرم
يجوز أن يشد الميزر من خلفه على عنقه بالطول ويرفع
طرفيه إلى حقويه؟ ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ويخرج
الطرفين الأخيرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته
ويشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما
هناك؟ فإن الميزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله
يكشف ما هناك وهذا أستر؟
فأجاب عليه السلام جائز أن يتزر الانسان كيف
شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراض ولا إبرة تخرجه
عن حد الميزر وغرزه غرزا ولم يعقده ولم يشد بعضه
ببعض وإذا غطى سرته وركبته كلاهما (كليهما ظ) فإن
السنة المجمع عليها سرته والركبتين والأحب
إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس
جميعا إن شاء الله تعالى (2).

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4.
139

وعنه أنه سأله (عليه السلام) هل يجوز أن يشد عليه مكان
العقد تكة فأجاب لا يجوز شد الميزر بشئ سواء
من تكة أو غيرها (1).
قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة: إذا لم يحدث في
الميزر حدثا بحيث يخرجه عن حد الميزر بواسطة
تفصيله وخياطته بحيث يصير سراويل ولا يصدق عليه
الميزر.
والاحتمال الثاني أن يكون المراد أنه لا يجوز أن
يغرزه بإبرة ونحوها على نحو التشكيل والالصاق لا
بنحو الخياطة كما ربما يؤيد هذا المعنى قوله عليه السلام: ولم
يشد بعضه ببعض " وهذه الرواية كادت تكن صريحة
في عدم جواز عقد الإزار ولا شده بتكة ونحو ذلك
إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها في حد ذاتها لكونها
مرسلة وأما رواية قرب الإسناد فمع ضعفها لا ظهور
لها في الحرمة فيمكن حملها على الكراهة وأما رواية أبي سعيد الأعرج
فإنها وإن عبد بعضهم بأنها موثقة إلا أنها معارضة بأصح منها

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
140

وهي صحيحة عبد الله بن ميمون القداح عن الصادق
عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بعقد
الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه وإن كان محرما (1)
ثم إنه لا بد من أن يكون الإزار مما يستر به
ما بين السرة والركبة على المشهور إلا أن في رواية الاحتجاج
المتقدمة آنفا قوله عليه السلام: فإن السنة المجمع عليه بغير خلاف
تغطية السرة والركبتين " ويمكن حمله على الاستحباب
مع أن رواية الاحتجاج عرفت ما فيها.
وأما الرداء فعن جماعة أنه يرتدى به أي يلقيه على
عاتقيه جميعا ويستر هما به وعن بعض آخر أنه إما أن يرتدى
به أو يتوشح به ومعنى التوشح أنه يدخل طرفه تحت إبطه
الأيمن ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح السيف
ولكن يشكل صدق التردي على المعنى الثاني
إذا لم يكن مستورا إلا أحد العاتقين فإن الطاهر من
التردي هو ستر العاتقين جميعا نعم إذا تحقق بذلك

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
141

سترهما جميعا فلا بأس فالأولى في الرداء أن يكون على
النحو المتعارف من جعله على عاتقيه.
ثم إنه لا بد من أن يحرم في ما تجوز الصلاة فيه
فلا يجوز الاحرام في ما لا تجوز الصلاة فيه كالميتة وغير
المذكى والذهب والحرير للرجال وكذا النجس والمغصوب
والدليل على ذلك صحيحة حريز أو حسنته عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كل ثوب يصلى فيه فلا بأس
بالاحرام فيه (1).
فإنها بمفهومها دالة على عدم جواز الاحرام في كل ما لا
تجوز الصلاة فيه ويدل على خصوص اعتبار الطهارة في
ثوبي الاحرام حسن معاوية بن عمار أو صحيحه عنه عليه السلام
أقل: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: لا يلبسه
حتى يغسله واحرامه تام (2).
وحسنه الآخر عليه السلام قال: سألته عن المحرم
يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها: لا بأس بذلك
إن كانت طاهرة (3).

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الاحرام الحديث 2.
142

نعم يستفاد من الرواية الأولى أنه إذا أحرم في المتنجس
أو صار ثوبه نجسا ولم يطهره بذلك احرامه وإن كان
عاصيا بترك غسله.
وهل يجوز لبس الحرير للنساء كما كان جائزا لهن في الصلاة
وغيرها؟ فعن المفيد في كتاب أحكام النساء وابن إدريس
والعلامة في القواعد نعم لجواز لبسهن له في الصلاة ولرواية
حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل ثوب تصلي فيه
فلا بأس أن تحرم فيه (1)
وصحيحة بعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الخز
والديباج؟ فقال: نعم لا بأس به وتلبس الخلخالين والمسك (2)
وخبر النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته
عن المحرمة أي شئ تلبس؟ قال تلبس الثياب كلها إلا
المصبوغة بالزعفران والورس (3) الحديث.
وهذه الروايات دالة باطلاقها أو عمومها على جواز لبسها

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
143

للحرير لكن عن الشيخ والصدوق أنه لا يجوز أي لبس الحرير
للنساء لظاهر الروايات الكثيرة الدالة على ذلك.
منها صحيحة العيص بن القاسم قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير
الحرير والقفازين (1).
أقول: القفازين - كما في الجواهر - كرمانين شئ يعمل
لليدين ويحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد انتهى والظاهر
أنه تثنيه قفاز وهو الذي يقال له بالفارسية دستكش.
ومنها رواية أبي عيينة عنه عليه السلام قال: سألته: ما
للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال: الثياب كلها ما
خلا القفازين والبرقع والحرير قلت أتلبس الخز؟ قال:
نعم قلت: فإن سداه إبريسم وهو حرير قال: ما لم يكن حريرا
محضا فلا بأس (2).
ومنها رواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا محضا
وهي محرمة؟ قال لا ولها أن تلبسه في غير احرامها (3).
ومنها موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عنه عليه السلام قال:

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 3 - 10.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 3 - 10.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 3 - 10.
144

النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الاحرام (1)
ومنها رواية سماعة قال: سألته عن المحرمة تلبس الحرير؟
فقال لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خليط فيه فأما الخز
والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة وإن مر
بها رجل استترت منه بثوب ولا تستتر بيدها نم الشمس
وتلبس الخز أما إنهم يقولون إن في الخز حريرا وإنما
يكره الحرير المبهم (2)
ومنها موثقة الآخر عنه عليه السلام قال: لا ينبغي للمرأة
أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة فأما في الحر والبرد فلا بأس (3)
ومنها رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ويجوز
للمرأة لبس الحرير والديباج في غير الصلاة واحرام (4).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن
الخز تلبسه المرأة في الاحرام قال: لا بأس إنما يكره الحرير
المبهم (5).

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب لباس المصلي الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 7 - 5.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب لباس المصلي الحديث 4 - 6.
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب لباس المصلي الحديث 4 - 6.
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 7 - 5.
145

ومنها رواية أبي الحسن الأحمسي عنه عليه السلام قال:
سألته عن العمامة السابري فيها علم حرير تحرم فيها المرأة؟
قال: نعم إنما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام قد سألني أبو سعيد
الأعرج عن الخميصة سداها إبريسم وكان وجد البرد
فأمرته أن يلبسها (1).
فحينئذ يمكن تقييد روايات الجواز بما إذا كان الحرير مخلوطا
مع أن صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة التي هي العمدة
من أدلة الجواز غير مذكور فيها المحرمة فيمكن حملها على غير
المحرمة نعم تشمل المحرمة بالاطلاق ويحتمل خروجها
بهذه الروايات وبهذا الوجه جمع شيخ الطائفة على
ما حكي عنه - بين الروايات.
ولكن يمكن أن يقال إن روايات المنع وإن كانت
كثيرة إلا أنه يمكن حملها على الكراهة بقرينة روايات الجواز
مع أن في هذه الروايات ما يدل على الكراهة ككلمة " لا
يصلح أو يكره " إلا أن الأحوط احتياطا شديدا هو الاجتناب
هذا ما ذكره الأستاذ قدس سره، ويرد عليه أن روايات

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 11.
146

الجواز ليس فيها أزيد من الاطلاق القابل للتقييد مع أن صحيحة
يعقوب بن شعيب عرفت ما في دلالتها فلم توجد رواية
مصرحة لجواز لبس المحرمة للحرير فليس هناك إلا المطلقات
القابلة للتقييد فما المانع من تقييد هذه الروايات الكثيرة
التي فيها الصحيحة والموثقة - لتلك المطلقات؟ وحمل " لا
يصلح ويكره " على الكراهة لا داعي له - بعد كثرة استعمال
الكلمتين في الحرمة في الأخبار مضافا إلى أن موثقة ابن بكير
قد صرحت بأن النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الاحرام
فاستثنى عليه السلام حال الاحرام فحمل كلمة " لا " الواقعة في رواية
إسماعيل بن الفضل الظاهرة في النهي التحريمي - على الكراهة في
غاية البعد والله العالم.
(المبحث الخامس في محرمات الاحرام:)
وهي عشرون كما في الشرائع وعن الدروس أنها ثلاثة
وعشرون، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
الأولى صيد البر فإنه يحرم على المحرم بل يحرم عليه أكل
الصيد والإشارة إليه بأن يشير إليه فيصيد غيره بل الدلالة
147

عليه بأن يدل غيره فيصيده ذلك الغير بل الاغلاق
عليه بأن يغلق عليه الباب ليصيده بعد الاحرام أو يصيده
غيره ومستند ما ذكرنا أولا هو الآية المباركة التي هي في
سورة المائدة الآية 94 - 95): يا آيها الذين آمنا ليبلونكم الله
بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من
يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم (إلى أن قال):
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون
والآية الثانية أعني قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا
تقتلوا الصيد وأنتم حرما " لا تدل على أكثر من حرمة قتل الصيد
على المحرم إلا أنه لا يبعد دلالة الآية الثالثة على حرمة أكل
الصيد وحرمة الاصطياد وحرمة ذبحه.
فإنه تعالى أسند الحرمة إلى نفس الصيد أي صيد البر
ومن المعلوم حرمة الأفعال المتعلقة به إذ لا معنى لحرمة نفس
الصيد إلا باعتبار الأفعال المتعلقة به، وأما استفادة حرمة
الإشارة إليه والدلالة عليه والاغلاق عليه من الآية فالظاهر
148

لا حيث إنها غير مفهومة من الآية لكن الأخبار يدل بعضها
على حرمة الإشارة والدلالة عليه مع دلالتها على حرمة الصيد
وحرمة أكله وإن صاده محل، بل يدل بعضها على حرمة
صيد الحرم وإن صاده محل فلنذكر بعضها بعون الله تستحلون
منها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: لا
شيئا من الصيد وأنت حرام ولا أنت حلال في الحرم
ولا تدل عليه محلا فيصطاده ولا تشر إليه فيستحل من
أجلك فإن فيه الفداء (فداء خ ل) لمن تعمده (1).
ومنها صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السلام قال:
المحرم لا يدل على الصيد فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء (2)
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: واجتنب
في احرامك صيد البر كله ولا تأكل مما صاده غيرك
ولا تشر عليه فيصيده (3).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا تأكل
من الصيد وأنت حرام وإن أصابه محل وليس عليك

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
149

فداء ما آتيته بجهالة إلا الصيد فإن عليك الفداء فيه بجهل
كان أو عمد (1)
. يستفاد من الروايتين أن ما صاده المحل في الحرم
بمنزلة الميتة أو هو ميتة بشهادة حرمة أكله على المحرم مع أنه
غير صائد له بل بعض الأخبار دال على أنه إذا صاد
المحرم شيئا وذبحه يصير ميتة لا يجوز أكله للمحل أيضا.
مثل رواية وهب عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام
قال إذا ربح المحرم الصيد لو يأكله الحرام والحلال وهو
كالميتة وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه
أو حرام (2). ورواية إسحاق بن عمار عن الصادق عن علي
عليهما السلام قال: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة
لا يأكله محل ولا محرم وإذا ذبح المحل الصيد في جوف
الحرم فهو ميتة لا يأكله محل أو محرم (3).
وقد دل الخبران على أن الصيد يصير ميتة بصيد
المحرم له سواء صاده في الحل أو في الحرم وكذا يصير ميتة

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5.
150

إذا صاده المحل في الحرم وينجبر ضعفها بعمل المشهور
بهما بل ادعى الاجماع على صيرورته ميتة، ويمكن تأييد
هذا القول بمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: المحرم يصيب الصيد فيقدمه أيطعمه
أو يطرحه؟ قال: إذا عليه فداء آخر قلت فما يصنع به؟
قال يدفنه (1).
فإنه يستشعر منها أنه ميتة وإلا لم يأمر بدفنه إلا أن
يقال إن الأمر بدفنه حذرا من أن يأكله المحرم فإنه يحرم
عليه ما صاده في الحرم.
ولكن مع ذلك تعارض الروايتين الروايات الكثيرة
التي هي أكثر عددا وأصح سندا من الروايتين منها صحيحة
منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل
أصاب من صيد أصابه محرم وهو حلال قال: فليأكل منه
الحلال وليس عليه شئ إنما الفداء على المحرم (2).

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
151

ومنها موثقة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا
أصاب محرم صيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له
أن يدفنه ولا يأكله أحد وإذا أصاب في الحل فإن
الحلال يأكله وعليه الفداء (1).
ومنها رواية منصور بن حازم أيضا قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: رجل أصاب صيدا وهو محرم آكل
منه وأنا حلال؟ قال إنا كنت فاعلا، قلت له: فرجل أصاب
مالا حراما فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك الله إن ذلك
عليه (2).
ومنها صحيحة الحلبي أو حسنته عنه عليه السلام قال: المحرم
إذا قتل الصيد فعليه جزائه ويتصدق بالصيد على مسكين (3)
ومنها صحيحة معاوية قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أصاب صيدا وهو محرم أيأكل منه الحلال؟
فقال لا بأس إنما الفداء على المحرم (4).
إلا أنه ليس في هذه الأخبار التصريح بأن المحرم ذبح الصيد
فيحتمل أن يكون المراد أصاب الصيد حيا فذبحه

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
152

المحل في الحل فحينئذ يحل على المحل أكله فلا منافاة بين
هذه الأخبار والروايتين المتقدمتين.
لكن يأبى هذا الحمل صحيحة الحلبي المتقدمة آنفا
فإنها قد صرحت بأن المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاءه
ويتصدق بالصيد على مسكين " فنسب قتل الصيد إلى
المحرم فالأولى في الجواب عن هذه الأخبار بأنها وإن
كانت صحيحة أو موثقة إلا أنها غير معمول بها بين الأصحاب
إلا ما نقل عن المفيد والصدوق والسيد المرتضى
رضوان الله عليهم فإن هؤلاء من القدماء قد عملوا
بها فقط وباقي الأصحاب أعرضوا عنها واعراض الأصحاب
عنها - مع صحة سندها وكونها بمرئى منهم يوجب وهنها
وضعفها وعدم إن كان العمل بمضمونها للخدشة في سندها
أو دلالتها باعراض الأصحاب عنها.
ثم إنه بناء على القول بأن الصيد يصير كالميتة فهل
يجري عليه جميع أحكام الميتة أو من جهة حرمة الأكل فقط
فيجوز فيه سائر الاستعمالات كالصلاة فيه؟ لا يبعد الوجه
153

الأول، فإن الظاهر من قوله عليه السلام: ميتة أو كالميتة
والحكم بترتيب جميع آثار الميتة عليه، ولا يضره وجود التشبيه
في قوله: كالميتة في ذلك بعد ما ذكر عليه السلام في رواية
أخرى بأنها ميتة، هذا كله بالنسبة إلى صيد الحرم
وكذا يحرم على المحرم أكل لحم الصيد وإن صاده
المحل. بل وإن صاده هو أو غيره في غير الحرم لرواية
عمر بن يزد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: واجتنب
صيد البر كله، واجتنب ما صاده غيرك 01) الخ
ولا طلاق صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا
تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل (2) الخ
واطلاق رواية الحلبي عنه عليه السلام حيث سأله
عن لحوم الوحش تهدى للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده
ولم يأمره به أيأكله؟ قال: لا (3).
وهذه الرواية دالة على حرمة أكل مشكوك الصيدية
على المحرم إلى غير ذلك من الأخبار، هذا كله في المحرم

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1
154

وأما المحل فيحرم عليه الصيد في الحرم ومستند ذلك
الخبران المتقدمان ففي خبر وهب بن وهب عن علي
عليه السلام قال: وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال
ذبحه أم حرام (1).
وفي الخبر الآخر قال: وإذا ذبح المحل الصيد في جوف
الحرم فهو ميتة لا يأكله محل أو محرم (2).
وفي صحيح منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام
في حمام ذبح في الحل قال: ما يأكله محرم وإذا أدخل مكة
أكل المحل بمكة، وإذا أدخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا
تأكله لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه (3).
وهذه الصحيحة مع دلالتها على حرمة ذبحه في الحرم
وحرمة أكله يدل صدرها على عدم جواز أكل المحرم
الصيد وإن ذبحه المحرم أو المحل في الحل.
وفي خبر شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إني أتسحر بفراخ أوتى بها من غير مكة فتذبح في الحرم

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
155

فأتسحر بها، فقال: بئس السحور سحورك، أما علمت أن ما
دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وامساكه (1).
وكذا صحيحة معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله عليه
السلام عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمس
إن الله عز وجل يقول: ومن دخله كان آمنا " (2) إلى غير
ذلك من الأخبار.
ويحرم أيضا على المحرم بل على المحل فرخ الصيد وبيضه
كما في الروايات الدالة على أن صيد الفرخ فيه الكفارة وسنذكرها
في باب الكفارات إن شاء الله تعالى.
ويحرم على المحرم أيضا صيد الجراد بل يحرم على المحل
في الحرم أيضا لصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: مر
علي عليه السلام على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون، فقال
سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا: إنما هو من صيد البحر
فقال: ارمسوه في الماء إذن (3)، قال في الجواهر: أي لو كان
بحريا لعاش فيه " وصحيحة بن عمار عن الصادق
عليه السلام قال: الجراد من البحر، وكل شئ أصله من البحر

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
156

ويكون في البر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الفداء
كما قال الله تعالى (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال 6 ليس للمحرم أن يأكل
جرادا ولا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة
وهو محرم؟ قال: تمرة خير من جرادة، وهو من البحر، وكل
شئ يكون أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي
للمحرم أن يقتله، فإن قتله متعمدا فعليه الفداء كما قال الله
تعالى (2).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: قلت له:
الجراد يكون في الطريق والقوم محرمون كيف يصنعون؟
قال: ينكبونه ما استطاعوا، قال: فإن قتلوا منه شيئا ما
عليهم؟ قال: لا بأس عليهم (3): أي مع عدم الاستطاعة
وعدم الامكان من الاحتراز عن قتلهم كما يدل عليه رواية
حريز عنه عليه السلام قال: على المحرم أن يتنكب
الجراد إذا كان على طريقه. فإن لم يجد بدا فقتل فلا بأس (4)

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1
(4) الوسائل الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1
157

وتدل هذه الأخبار على أن الجراد أصله من البحر إلا أنه
يكون في البر والبحر ويحرم صيده على المحرم فحينئذ اطلاق
هذه الروايات يشمل جميع أقسام الجراد سواء كان بريا أو
بحريا، عما عن التهذيب من أن الجراد منه ما يكون بريا ومنه
ما يكون بحريا، و البحري منه لا يحرم صيده على المحرم خلاف
ما يستفاد من اطلاق الروايات خصوصا بعد التصريح
في بعضها بأن الجراد أصله من البحر والظاهر أن المراد أن
جميع أقسامه كذلك.
ثم إنه لا يحرم على المحرم صيد البحر لقوله تعالى: أحل
لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة (1)
ولصحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال: لا بأس
بصيد المحرم السمك ويأكل مالحه وطريه ويتزود قال
الله: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم قال: مالحه
الذي تأكلون، وفصل ما بينهما: كل طير يكون في الآجام
يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر، وما كان
من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر فهو من صيد البحر (2)

(1) سورة المائدة الآية 97
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
158

ويستفاد من هذه الرواية أن الملاك في تشخيص كون
شئ من صيد البحر أن يبيض ويفرخ في البحر فما كان كذلك
يكون من صيد البحر ويجوز للمحرم اصطياده وإن كان تارة
في البر وتارة في البحر.
وفي قباله ما لا يبيض ولا يفرخ في البحر فإنه لا يجوز
اصطياده على المحرم وإن كان ربما يعيش في البحر، فالميزان
في تشخيص كون شئ من صيد البر أو صيد البحر هو ما
ذكر في هذه الرواية لا بنظر العرف كما توهم.
ويؤيد هذه الرواية ما ذكر في روايات الجراد من
أن أصله من البحر ومع ذلك حكم عليه السلام بأنه لا يجوز قتله
فيحتمل أن يكون الجراد لا يبيض ولا يفرخ إلا في البر وإن كان
أصله من البحر، وإن كنا لم نتحقق معنى قوله عليه السلام: وما كان
من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر حيث
إنا ما علمنا إلى الآن أن طيرا يبيض أو يفرخ في البحر والله العالم
(الثاني من محرمات الاحرام:)
الجماع قبلا ودبرا بل يحرم على المحرم مقدمات الجماع من اللمس
159

والتقبيل بل النظر بالشهوة، ويدل على حرمة الجماع - بعد
دعوى الاجماع عن غير واحد من العلماء - أولا قوله تعالى
في سورة البقرة الآية 197): فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج وقد فسر الرفث في الأخبار الآتية وكذا فسره
غير واحد من المفسرين بالجماع، وثانيا الأخبار.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام
إلا بخبر فإن اتمام الحج والعمرة أن يحفظ لسانه إلا من خير، كما
قال الله تعالى: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق و
جدال في الحج والرفث هو الجماع والفسوق الكذب و
السباب، والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله (1)
ومنها صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى
عليه السلام عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على
من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء، والفسوق الكذب
والمفاخرة، والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله (2)
ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
عن رجل وقع على أهله في ما دون الفرج قال: عليه بدنة

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4
160

وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه (1) الخبر
قوله: في ما دون الفرج الظاهر أن المراد به الوطئ
في الدبر بقرينة قوله: تابعته على الجماع.
وأما حرمة لمس النساء وتقبيلها والنظر إليها بشهوة
فلدلالة حسنة أبي السيار عن الصادق عليه السلام أنه قال:
يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة: إن قبل امرأته على غير
شهوة 7 فعليه دم شاة، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى [7 وهو محرم]
فعليه جزور، 7 ومن مس امرأته وهو محرم على شهوة فعليه [7 ويستغفر الله]
دم شاة، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه
جزور، وإن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شئ
عليه (1).
ويستفاد من هذه الرواية أن تقبيل امرأته إنما يجب
فيه الجزور إذا لوحظ فيه قيدان: الأول أن يكون بشهوة
الثاني أن يمني بذلك فبانتفاء أحد القيدين ينتفي وجوب
الجزور إلا أنه يعارض ظاهر هذه الرواية رواية علي بن

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3
161

أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قبل
امرأته وهو محرم قال: عليه بدنة وإن لم ينزل وليس له
أن يأكل منها (1).
وصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته؟ قال:
نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها، قلت:
أفيمسها وهي محرمة؟ قال: نعم، قلت: المحرم يضع يده بشهوة
قال: يهريق دم شاة، قلت: فإن قبل، قال: هذا أشد
ينحر بدنة (2).
فلا بد حينئذ من حمل صحيحة أبي سيار على أن التقبيل
بشهوة هو ملاك الحكم أي وجوب الجزور عليه، وذكر
الامناء من باب ذكر النتيجة من دون أن يكون له دخل
في الحكم بوجوب الجزور عليه أي نتيجة قبلته أنه أمنى.
وهل تكون هذه الأحكام - أعني حرمة النظر وحرمة
القبلة وحرمة المس بشهوة ووجوب الكفارة بها عليه مختصة
بامرأة المحرم أو تشمل الأجنبية أيضا؟ الظاهر هو الثاني

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4
(2) اختصر الحديث في الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع
الحديث وروى تمام الحديث في الكافي ج 4 ص 375
162

لأنها - أي النظر والتقبيل والمس بشهوة - بالنسبة إلى
الأجنبية أعظم جرما وأكبر حرمة، فيشملها وجوب الكفارة
بالنسبة إلى الأجنبية بطريق أولى، وإن كان مورد هذه
الأحكام امرأة المحرم، فإن ذكرها من باب الغالب
أو المتعارف لا من باب التقييد والله العالم مضافا إلى
ورود بعض الأخبار بالنسبة إلى الأجنبية.
منها صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال: عليه
جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة (1).
ومنها صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: رجل محرم نظر إلى امرأة فأمنى، فقال:
إن كان موسرا فعليه بدنة وإن كان وسطا فعليه بقرة
وإن كان فقيرا فعليه شاة، ثم قال: أما إني لم أجعل عليه هذا
لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لأنه نظر إلى ما لا يحل له (2)
ويستفاد من هذه الرواية صريحا أن ملاك وجوب
الفداء عليه هو النظر دون النظر والامناء معا كما توهم في

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 2
163

صحيحة أبي سيار المتقدمة، ومثل هذه الرواية مرسلة أبي
بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن محرم نظر إلى ساق امرأة
أو إلى فرجها حتى أمنى، قال: عليه بدنة، أما إني لم أجعلها
عليه إلا لنظره إلى ما لا يحل له النظر إليه (1).
وكون مورد هذه الروايات الأجنبية غير ضائر بعد
ما علم من هذه الأخبار من أن مناط الحرمة هو النظر إلى ما
لا يحل إليه النظر المشترك بين الزوجة والأجنبية في حال
الاحرام.
ولكن تعارض روايات حرمة النظر ووجوب الفداء
روايات أخرى دالة على عدم وجوب شئ عليه.
فمنها حسنة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال:
سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق ولم يطف
ولم يسع بين الصفا والمروة: اطرحي ثوبك ونظر إلى فرجها
قال: لا شئ عليه إذا لم يكن غير النظر (2).
ومنها موثقة إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام في
رجل نظر إلى امرأة بشهوة فأمنى قال: ليس عليه شئ (3)

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4 - 7
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4 - 7
164

ومنها حسنة معاوية بن عمار عنه عليه السلام في محرم نظر إلى
غير أهله فأنزل قال: عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحل له (إلى
ما لا يحل له خ ل)، فإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد وليس
عليه شئ (1).
وهذه الرواية قد فصل فيها بين ما إذا نظر إلى غير أهله
فأنزل فأوجب عليه دما وبين ما إذا لم ينزل فإنه قال في
حقه: فليتق الله ولا يعد وليس عليه شئ.
إلا أنه لا بد من حمل هذه الأخبار على بعض المحامل
كحملها على ما إذا كان النظر لا بشهوة لكن لا مساغ لهذا
الحمل بالنسبة إلى الرواية الثانية لأنه قد صرح فيها بأنه نظر إلى
امرأة بشهوة فأمنى بل الرواية الأولى أيضا حيث إن الأمر
بطرح ثوبها والنظر إلى فرجها لا يكون بحسب الغالب إلا
بشهوة، فاللازم حينئذ إما طرح هذه الأخبار لعدم عمل الأصحاب
بها أو رد علمها إلى أهله.
(الثالث من المحرمات)
النكاح بأن يتزوج امرأة نفسه أو يزوجها لغيره، وحرمته
165

أيضا اجماعية على ما حكاه في الجواهر، وربما يجعل هذا من
متفرعات القسم الثاني، وكيف كان فيدل على حرمته
روايات كثيرة:
منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج، وإذا
تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل (1).
وزاد في رواية أخرى عن الصدوق عنه عليه السلام
أن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم، فأبطل رسول
الله صلى الله عليه وآله نكاحه (2).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال سمعته يقول:
أن يتزوج للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلا (3)
ومنها رواية الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عنه
عليه السلام قال: المحرم لا ينكح ولا ينكح، 7 فإن نكح فنكاحه
باطل (4)، إلى غير ذلك من الأخبار التي يأتي بعضها في الفروع
الآتية، ويستفاد من هذه الروايات بطلان نكاح المحرم
ولا يعارض هذه الروايات رواية عمر بن أبان الكلبي عن

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6 - 7
166

المفضل أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: هذا الكلبي
على الباب وقد أراد الاحرام وأراد أن يتزوج ليغض
الله بذلك بصره إن أمرته فعل وإلا انصرف عن ذلك
فقال لي: مره فليفعل وليستتر (1)، - لأنها محمولة على إرادة
الزواج قبل التلبس بالاحرام بقرينة أنه صرح فيها بأنه قد أراد الاحرام
لا أنه كان محرما.
بل يستفاد من بعض الأخبار أنه إذا تزوج تحرم عليه
المرأة أبدا كرواية إبراهيم بن الحسن عن الصادق عليه السلام قال:
إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا (2).
ورواية أديم بن الحر الخزاعي عنه عليه السلام قال: إن
المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا (3)
ولا يعارض الروايتين رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ملك يضع امرأة
وهو محرم قبل أن يحل أن يخلى سبيلها، ولم يجعل نكاحه شيئا

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
167

فإذا أحل خطبها إن شاء، وإن شاء أهلها زوجوه وإن شاؤوا
لم يزوجوه (1) - لحمل هذه الرواية على صورة الجهل بالحرمة
بقرينة رواية داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام
أنه قال في حديث: والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام
لم تحل له أبدا (2).
فإنه عليه السلام قيد التزوج بأنه يعلم أنه حرام فيخرج
صورة الجهل بالحرمة.
وكذا صحيحة أو موثقة سماعة عنه عليه السلام قال: لا ينبغي
للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له،
قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، فقال: إن كانا عالمين
فإن على كل واحد منهما بدنة (3) الحديث.
ومقتضى التقييد بالعلم بأنه لا يحل له عدم وجوب
البدنة في صورة الجهل سواء كان جهلا بالحكم أو بالموضوع
كما يقتضيه اطلاق الرواية.
(فروع:)
الأول كما يحرم على المحرم التزويج يحرم عليه توكيل

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح الحديث
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 10
168

الغير التزويج لنفسه، وهذا الفرع يتصور في فروض ثلاثة
لا يحرم إلا بعضها
الفرض الأول أن يوكل محلا في حال الاحرام بأن
يزوج امرأة لنفسه في حال كونه محرما وهذا حرام قطعا
الفرض الثاني أن يوكل محرما أن يزوجه في حال
احرام ذلك الغير مع كونه - أي الموكل - محلا، وهو
أيضا حرام، الفرض الثالث أن يوكل محلا أن يزوجه في
حال الاحرام أي يكون التوكيل في حال الاحرام، ولكن
يشرط عليه أن يكون التزويج في حال احلال نفسه أو جعله
مطلقا أي لم يقيده بحال الاحلال فإنه جائز، والمطلق
ينصرف إلى الفرد الجائز وهو حال الاحلال، فلم يبق من
التوكيل المحرم إلا الفرضان الأولان، و الدليل على حرمة
هذا التوكيل أن المحرم يحرم عليه التزويج سواء كان على
نحو المباشرة أو التسبيب، والمفروض أن فعل الوكيل
هو فعل الموكل وينسب إلى الموكل مضافا إلى دعوى
الاجماع على حرمة التوكيل عن غير واحد من الأصحاب
169

وإلى استفادة الحرمة من بعض الأخبار مثل مرسلة
ابن أبي شجرة عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام في
المحرم يشهد على نكاح المحلين؟ قال: لا يشهد، ثم قال:
يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل (1) - بناء على أن
المراد من ذيل الرواية هو الاستفهام الانكاري، أي كما
أن المحرم لا يجوز له الإشارة إلى الصيد فيصيده غيره
فكذا لا يجوز له أن يشهد النكاح فينكح المرأة غيره فيستفاد
من الرواية أن كل ماله دخل في النكاح لا يجوز للمحرم
ارتكابه.
(الفرع الثاني:)
قال في محكى القواعد: الأقرب جواز توكيل الجد
المحرم محلا - أي في تزويج المولى عليه، بل مقتضاه الصحة
وإن أوقعه الوكيل والولي محرم انتهى، وقال في الجواهر:
ولعله لأنه - أي الوكيل والمولى عليه محلان، والتوكيل ليس
من التزويج المحرم بالنص والاجماع وفيه ما لا يخفى عليك
في ما لو أوقعه الوكيل حال الاحرام إذا الوكيل نائب الموكل

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5
170

ولا نيابة في ما ليس له فعله من التزويج المحرم المنهى عنه
في النصوص، ولذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج
لنفسه وبطلان العقد، ولعله من هنا كان خيرة محكى
الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الاجماع على أنه لا وجه لتخصيص
الجد بالذكر انتهى
ولكن الظاهر هو الجواز لأن التوكيل - كما ذكره قدس
سره - ليس من التزويج قطعا، فلذا يصح له أن يوكل في
حال الاحرام محلا بأن يزوجه بعد الاحرام، وما نحن فيه
يمكن أن يكون من هذا القبيل، فإن الوكيل والمولى عليه
محلان، فلا مانع من اجراء الوكيل العقد للمولى عليه، و
عدم جواز اجراء الموكل العقد في حال الاحرام غير ضائر
بعد عدم ممنوعية الوكيل عنه، ولا يقاس هذا المورد بالتوكيل
للتزويج لنفسه، فإن التزويج لنفسه محرم في حال الاحرام قطعا
فكذا التوكيل فيه بخلاف ما نحن فيه فإنه لا مانع منه، بل ما
نحن فيه من قبيل التوكيل بأن يزوجه بعد الاحرام كما عرفت
171

وأما اعتراضه على القواعد بأنه لا وجه لتخصيص الجد
بالذكر فهو اعتراض في محله فإنه إذا قلنا بأن المحرم
إذا وكل محلا لأن يزوج المولى عليه وقلنا بجواز ذلك
فلا فرق بين الجد للأب ونفس الأب بل مطلق
ولي المولى على ولا وجه لتخصيص ذكر الجد.
(الفرع الثالث:)
أنه لو عقد الفضولي امرأة للمحرم في حال الاحرام
وبعد أن صار محلا أجاز ذلك العقد فهل يكون
ذلك العقد صحيحا أو باطلا؟ والمسألة مبتنية على أن
الإجازة كاشفة أو ناقلة فإن قلنا بالأول كما هو الحق من
قولنا بالكشف الحكمي بطل لأنها تكشف بأن العقد وقع
في حال الاحرام، وإن قلنا بالثاني صح لأنه بالإجازة يصير
العقد صحيحا و يحصل النقل حين الإجازة، والمفروض أن
الإجازة وقعت بعد الاحلال فكان العقد وقع حين الاحلال
(الفرع الرابع:)
أنه يحرم الشهادة على العقد للمحرم كما ذكره غير واحد
بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ومستنده رواية
172

الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام
قال: المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد، فإن نكح فنكاحه
باطل (1).
ومرسلة ابن أبي شجرة عنه عليه السلام في المحرم يشهد
على نكاح محلين؟ قال: لا يشهد (2) الحديث، ولا يضرهما
ضعف السند بعد اعتضادهما بعمل الأصحاب.
والمراد بالشهادة إما بمعنى تحملها أي الحضور في
مجلس العقد حتى يتمكن من إقامة الشهادة إذا أريد منه
ذلك، وإما المراد منها إقامة الشهادة بأن يشهد على وقوع
العقد في تاريخ كذا في حال الاحرام، ويؤيد المعنى الثاني
ما في مرسلة ابن أبي شجرة من قوله: يشهد على نكاح محلين
فتعديته بعلى لا يخلو من اشعار أن يكون المراد إقامة الشهادة
لا الحضور في مجلس العقد، بل هي ظاهرة فيها، وكيف كان
فحيث إنه يحتمل الروايتان كل واحد من الاحتمالين يلزم للمحرم
الاجتناب عن كليهما للعلم الاجمالي بحرمة أحدهما بل أفتى بعض

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 5
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 5
173

الفقهاء بحرمة كليهما.
(الرابع من محرمات الاحرام:)
استعمال الطيب وشمه، ومستند الحرمة - بعد دعوى
الاجماع - الأخبار الكثيرة، منها صحيحة زرارة عن الباقر
عليه السلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب
فعليه دم، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه ويستغفر الله و
يتوب إليه (1).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن
واتق الطيب وامسك على أنفك من الريح الطيبة
ولا تمسك عليها من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم أن
يتلذذ بريح طيبة، واتق الطيب في زادك، فمن ابتلى
بشئ من ذلك فليعد غسله وليتصدق بصدقة بقدر
ما صنع، وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء:
المسك والعنبر والورس والزعفران غير أنه يكره للمحرم
الأدهان الطيبة إلا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به (2)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8
174

ومنها صحيحة 7 إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام [7 محمد بن]
كشف بين يديه طيب لينظر إليه وهو محرم، فامسك
بيده على أنفه بثوبه من رائحته (من ريحه خ ل) (1).
ومنها رواية سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما
تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي للمحرم
أن يأكل شيئا فيه زعفران ولا شيئا من الطيب (2).
ومنها رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إني جعلت ثوبي احرامي مع أثواب قد جمرت
فآخذ من ريحها، قال: فأنشرها في الريح حتى يذهب ريحها (3)
إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها إن شاء الله.
والتعبير في بعض هذه الروايات بلفظ " لا ينبغي "
المشترك بين الحرام والمكروه غير مناف للحرمة بعد العلم
بحرمة استعمال الطيب للمحرم بواسطة ملاحظة جميع روايات
الباب التي قد عبر في بعضها بالحرمة، وفي بعضها النهي عن مس
الطيب الظاهر في الحرمة والأمر بالامساك على الفم من الريح الطيبة
الظاهر في الوجوب كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فلاحظها

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
175

مضافا إلى دعوى الاجماع على الحرمة من غير واحد من الفقهاء
رضوان الله عليهم.
ثم إنه هل يحرم استعمال جميع أقسام الطيب أو الحرمة
مختصة بأربعة منها؟ أعني المسك والعنبر والورس والزعفران
كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإنه قال فيها: وإنما
يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر
والورس والزعفران.
وفي صحيحته الأخرى قال: الرجل يدهن بأي
دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا
ورس قبل أن يغتسل للاحرام، قال: ولا تجمر ثوبا لاحرامك (1)
أو المراد بالأربعة المسك والعنبر والزعفران والعود
على ما في رواية ابن أبي يعفور - كما في الجواهر - قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: الطيب المسك والعنبر والزعفران
والعود (2)، أو يحرم خمسة منها كما يقتضيه الجمع بين هذه الأخبار
التي ذكر في بعضها الورس ولم يذكر فيه العود وفي بعضها
العود ولم يذكر فيه الورس أو يحرم ستة بإضافة الكافور إلى

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 15
176

الخمسة كما يستفاد من بعض الأخبار التي نذكرها؟ وجوه 7 أما
وجه القول الأول فبأن يقال: إن مقتضى اطلاق كثير
من الأخبار ذلك، بل في بعض الأخبار ما يستفاد منه العموم
كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإن صدرها وهو
قوله عليه السلام: لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم مفيد
للعموم لأن النكرة في سياق النفي دالة على العموم كما ثبت
ذلك في محله، اللهم إلا أن يقال: إن صدرها وإن كان
ظاهرا في العموم إلا أن ذيلها يدفع هذا الظاهر فإنه قد خصص
التحريم بالأربعة، فيعلم من الذيل أن الصدر ليس على ظاهره،
لكن يرد هذا الوجه أنه يمكن أن يكون وجه التخصيص
بالأربعة إما بأشدية التحريم فيها، أو هذه الأربعة
كانت من الطيب المتعارف في ذلك الزمان وإلا
فيعلم من سائر الروايات أن الحصر في الأربعة لم يكن حصرا
حقيقيا بقرينة ذكر العود في رواية أخرى بدل الورس وذكر
الكافور في رواية أخرى مضافا إلى أن ذيل نفس هذه
الرواية - أعني صحيحة معاوية بن عمار - معارض للحصر المذكور
177

حيث إنه في ذيله بعد ما ذكر أن المحرم: المسك والعنبر
والزعفران والورس - قال: غير أنه يكره للمحرم الأدهان
الطيبة إلا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به (1).
والظاهر أن المراد بالكراهة الحرمة لكثرة استعمال الكراهة
في الحرمة في الأخبار وقلة استعمالها في الكراهة المصطلحة
إلا بالقرينة، فحينئذ إذا كان المحرم الأربعة فقط فما معنى
كراهة الأدهان الطيبة؟
فيعلم من جميع ما ذكرنا أن الحصر فيها وفي غيرها إضافي
ووجه القول الثاني - أعني التخصيص بالأربعة
هو ذكرها في الروايات المتقدمة لكن مع الاختلاف فذكر
في بعضها الورس - بعد المسك والعنبر والزعفران - و
في بعضها العود بدل الورس كما قدمنا
ووجه القول الثالث - أعني حرمة الخمسة - ما
ذكرنا آنفا من أنه مقتضى الجمع بين الأخبار
ووجه القول الرابع - أعني حرمة الستة أنه مقتضى
الجمع بين هذه الأخبار المتقدمة التي ذكر فيها الأربعة بالاختلاف

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8
178

وبين أخبار حرمة الكافور للمحرم الميت كرواية أبي مريم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: توفي عبد الرحمن بن الحسن
بن علي (ع) بالأبواء وهو محرم ومعه الحسن والحسين عليهما السلام
وعبد الله بن جعفر وعبد الله وعبيد الله ابنا عباس
فكفنوه وخمروا وجهه ورأسه ولم يحنطوه، وقال: هكذا
في كتاب علي عليه السلام (1).
وعن صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال في محرم وقصت به ناقته فمات: لا تقربوه طيبا
فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا (2).
ولكن الأوجه من هذه الوجوه هو الوجه الأول
أعني حرمة مطلق الطيب على المحرم عدا ما استثني
من خلوق الكعبة وخلوق القبر والرياحين والظاهر
أن المراد منها البقولات المشتملة على الريح الطيبة كالنعناع
والريحان وعد الفواكه كالتفاح والكمثرى والسفرجل و
البرتقال وغيرها مما له ريح طيبة، ثم إنه كما يحرم على المحرم

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب غسل الميت الحديث 7
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 457 على ما حكي عنه
179

مس الطيب على جسده أو على ثوبيه كذلك يحرم عليه أكل
الطيب ومستنده روايات كثيرة.
منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإنه قال فيها: فإنه لا
ينبغي 7 أن يتلذذ بريح طيبة واتق الطيب في زادك (1).
ومنها صحيحة سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما
تقول في الملح فيه زعفران؟ قال: لا ينبغي للمحرم أن يأكل
شيئا فيه زعفران ولا شيئا من الطيب (2).
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا تمس ريحانا وأنت محرم ولا شيئا فيه زعفران
ولا تطعم طعاما فيه زعفران (3).
توله (ع) لا تمس ريحانا الخ هذه الفقرة من الرواية
محمولة على الكراهة للاجماع على عدم حرمة الريحان على المحرم
ومنها رواية حمران عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في
حديث: وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا تجهز إلى مكة
قال لأهله: إياكم أن تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب ولا
الزعفران نأكله أو نطعمه (4)

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 2 - 10 - 18
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 2 - 10 - 18
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 2 - 10 - 18
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 2 - 10 - 18
180

ثم إن مستند ما استثني من المحرمات كالرياحين
وخلوق الكعبة والفواكه أمور
أما مستند استثناء الرياحين فهو الاجماع على ما ادعاه
في الجواهر وغيره: وأما استثناء خلوق الكعبة وخلوق
القبر فمستنده صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في
ثوب الاحرام قال: لا بأس بهما هما طهوران (1): والمراد
بكونهما طهوران ليس الطهارة من الخبث بل المراد ظاهرا
التطهير من الأرياح المنتنة، و يمكن أن يكون قوله تعالى:
وطهر بيتي للطائفين والعاكفين منزل على ذلك.
وصحيحة ابن سنان عنه عليه السلام قال: سألته عن
خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال: لا بأس ولا
يغسله فإنه طهور (1).
والخلوق - كما عن النهاية - طيب معروف مركب من
الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفوة
وعن ابن جزلة في منهاجه أن صفته زعفران ثلاثة دراهم

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
181

(5) قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنه درهمان قرنفل وقرفد
من كل واحد درهم يدق ناعما و ينخل ويعجن بماء ورد ودهن
ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه والرهشي هو السمسم
المطحون قبل أن يعصر ويستخرج دهنه انتهى.
ثم إنه هل يكون المستثنى خصوص خلوق الكعبة أو
تشمل هذه الأخبار مطلق طيب الكعبة وإن لم يكن من الخلوق
كالمسك والعنبر المتلطخان بالكعبة؟ وكذا هل يكون خصوص
الخلوق المتلطخ بالكعبة مستثنى أو يكون المستثنى مطلق الخلوق
وإن يكن متلطخا بالكعبة؟ فيه اشكال فإن القدر المتيقن من المستثنى
هو الخلوق المتلطخ بها فخروج غيره من المستثنى منه - أعني حرمة
مطلق الطيب مشكوك فيه فالأصل عدم استثناء الزائد على ما ذكر.
إلا أنه يؤيد استثناء مطلق طيب الكعبة صحيح يعقوب بن
شعيب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المحرم يصيب
ثيابه الزعفران من الكعبة.
قال: لا يضره ولا يغسله (1).
ورواية سماعة أنه سأله عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه
زعفران الكعبة وهو محرم، فقال: لا بأس وهو طهور فلا تتقه

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
182

أن تصبك (1).
وإن كان المحتمل أن يكون المراد من الروايتين الزعفران
الذي يكون في الخلوق لا مطلق الزعفران لكن يدفع الاحتمال
اطلاق الروايتين.
وأما مستند استثناء الفواكه فروايات أيضا منها رواية
عمار عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن المحرم يأكل الأترج؟
قال: نعم قلت: فإن له رائحة طيبة قال: الأترج طعام ليس
هو من الطيب (2)
ولكن في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه
عليه السلام قال: سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طاب
ريحه فقال: يمسك على شمة ويأكله (3)
إلا أنها محمولة على الاستحباب بقرينة رواية عمار
فإن المستفاد منها أن المحرم على المحرم ما يعد بنظر العرف
طيبا والتفاح وسائر الفواكه وإن كان لها رائحة طيبة إلا أنها
لا تكون بنظرهم معدودة من الطيب.

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
183

(الخامس من محرمات الاحرام)
لبس المخيط للرجال بلا خلاف أجده فيه كما في الجواهر
بل عن التذكرة وموضع من المنتهى دعوى الاجماع عليه
وربما يستدل الحرمة بما روي عن العامة كما عن سنن
البيهقي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى
عليه (وآله) وسلم: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات
ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدا لا يجد النعلين
فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين (1).
واستدل أيضا بصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال:
سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلا
ثوبا يتدرعه (2).
وصحيحة معاوية وحسنته عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوبا تزره ولا تدرعه
ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ولا خفين
إلا أن لا يكون لك نعلان (3).

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 49 - على ما حكي عنه.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
184

وصحيحة عبيد الله الحلبي عنه عليه السلام في المحرم
يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال نعم في كتاب علي
عليه السلام لا تلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره " وقال
إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل فأما الفقيه فلا بأس
بأن يلبسه (1).
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ قال:
نعم وفي كتاب علي عليه السلام " لا تلبس طيلسانا حتى تنزع
أزراره " فحدثني أبي أنه كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه (2)
هذا ولكن الاستدلال للحرمة بهذه الروايات ضعيف
جدا إما من حيث السند وإما من حيث الدلالة أما
الرواية الأولى فمن حيث السند لأنها عامية كما عرفت فلا
يمكن الاعتماد عليها وأما الروايات الخاصة التي نقلتها
فمن حيث الدلالة فإنها لا تدل على أزيد من حرمة التدرع
بالثوب أو أزراره وأما حرمة لبس المخيط فلا دلالة فيها

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2.
185

على ذلك ولكن ربما يقال إن الطيلسان الممنوع لبسه
لأجل الأزرار كما يظهر من الروايتين الأخيرتين إنما هو
لأجل أن الأزرار مشتملة على الخياطة فإن الطيلسان - كما
فسره بعض اللغويين - هو الثوب المصنوع بالحياكة من غير
تفصيل ولا خياطة إلا من جهة الأزرار فالممنوعية للبسه
إنما جاءت من الأزرار المشتملة على الخياطة مضافا إلى
إلى بعض الأخبار الناهية عن لبس القميص والعباء والسراويل
المشتملة على الخياطة، فإن الظاهر أن وجه النهي فيها هو اشتمالها على
الخياطة.
أما رواية النهي عن لبس القميص فهي صحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لبست ثوبا في احرامك
لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك، وإن لبست قميصا
فشقه وأخرجه تحت قدميك (1).
ورواية خالد بن محمد الأصم قال: دخل رجل المسجد الحرام
وهو محرم فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء فأقبل الناس
عليه يشقون قميصه وكان صلبا فرآه أبو عبد الله عليه السلام وهم
يعالجون قميصه يشقونه فقال: كيف صنعت؟ قال: أحرمت هكذا

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
186

في قميصي وكسائي فقال: إنزعه من رأسك ليس ينزع
هذا من رجليه إنما جهل فأتاه غير ذلك فسأله فقال:
ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال ينزع من رأسه (1).
فإن كان لبس القميص جائزا في حال الاحرام لما أمره بنزعه
وأما النهي عن لبس السراويل فقد مر بعض أخباره (2)
مضافا إلى صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا تلبس
ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ولا توبا تدرعه و
لا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ولا خفين إلا أن
لا يكون لك نعلين (نعلان ظ) (3).
إلا أنه يستفاد من مجموع هذه الأخبار أن وجه المنع من
لبس القميص والسراويل والطيلسان هو وجود الأزرار فلذا
حكم عليه السلام بجواز لبس الثوب المزرور إذا نكسه أي لبسه مقلوبا
لأنه في صورة التنكيس لا يمكن أزراره فلو كانت الخياطة مانعة
فالتنكيس لا يذهب وجه المنع لأن الخياطة بالتنكيس باقية
وكذا لبس العباء مقلوبا الذي جوز في بعض الأخبار لبسه كذلك

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب تروك الاحرام والباب 35
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
187

فإنه أيضا غير رافع لخياطته فيمكن أن يكون الممنوع من الثوب
في حال الاحرام هو ما يحيط بالصدر واليدين
والبطن بسبب الأزرار أو الشد بالخيط أو ادخال اليدين فيه
كالعباء فلذا إذا لبسه مقلوبا فلا مانع منه مع أنه مخيط.
ولكن مع ذلك كله ادعى غير واحد من العلماء الاجماع
على حرمة لبس المخيط على المحرم وهو كاف في الحجية فالأحوط
لو لم يكن أقوى الاجتناب منه في حال الاحرام.
ومن الأخبار التي يمكن الاستدلال بها لحرمة المخيط على
المحرم - وإن لم نر من استدل بها ما رواه الطبرسي في محكى
الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن مولانا
صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين
أنه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه على
عنقه (عقبه خ ل) بالطول ويرفع من خ طرفيه إلى حقويه ويجمعهما
في خاصرته ويشد طرفيه إلى وركيه؟ فيكون مثل السراويل
يستر ما هناك فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب
الرجل جملة يكشف ما هناك وهذا أستر.
فأجاب عليه السلام جائز أن يتزر الانسان كيف شاء
إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا إبرة تخرجه
188

به عن المئزر وغرزه غرزا ولم يشد بعضه ببعض وإذا
غطى سرته وركبته (وركبتيه) كلاهما فإن السنة المجمع عليها
بغير خلاف تغطية السرة والركبتين والأحب إلينا والأفضل لكل
أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله تعالى (1).
ومراده عليه السلام بأن لا يحدث فيه حدثا بمقراض ولا
إبرة تفصيله وخياطته فهو ظاهر في حرمة المخيط على المحرم
إلا أن يقال إن المراد عدم جواز صيرورته إلى الإزار
كالسراويل فإنه منهى عنه كما عرفته من الروايات
المتقدمة فالمنهى عنه جعله كالسراويل لا جعله مخيطا والله العالم
ثم إن المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع عليه إلا
عن الشيخ في النهاية جواز لبس المخيط للنساء واستدل على الجواز
مضافا إلى دعوى الشهرة بل الاجماع بجملة من النصوص.
منها رواية يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخز
والديباج؟ فقال: نعم لا بأس به (2) الحديث.

(1 9 الوسائل الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 1.
189

ومنها رواية نضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال:
سألته عن المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس
الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ولا تلبس
القفازين (1).
ومنها رواية أبي عينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته ما يحل للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال: الثياب
كلها ما خلا القفازين (2) إلى غير ذلك من الأخبار
الدالة بعمومها أو اطلاقها على جواز لبس المخيط للنساء.
(السادس من محرمات الاحرام:)
النظر في المرآة ومستند الحرمة - بعد دعوى الأشهر
من الأقوال - كما في الشرائع - هو صحيحة حماد عن الصادق
عليه السلام قال: لا تنظر في المرآة وأنت محرم فإنه من الزينة (3)
وصحيحة حريز عنه عليه السلام قال: لا تنظر في المرآة وأنت
محرم لأنه من الزينة (4).
وحسنة معاوية عنه عليه السلام قال: لا ينظر المحرم في المرآة لزينة
فإن نظر فليلب (5).

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4.
190

(السابع من المحرمات)
لبس الخفين وكل ما يستر به ظهر القدم والدليل
على الحرمة - بعد دعوى عدم الخلاف - كما عن الغنية
- روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
لا تلبس - وأنت تريد الاحرام - ثوبا تزره ولا تدرعه
ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ولا خفين
إلا أن لا يكون لك نعلان (1).
ومنها رواية الحلبي عنه عليه السلام قال: أي محرم هلكت
نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى
ذلك والجور بين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما (2).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام في رجل هلك نعلاه
ولم يقدر على نعلين قال له أن يلبس الخفين إذا اضطر
إلى ذلك وليشقه من ظهر القدم (3).
ومنها رواية رفاعة بن موسى أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام.

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3.
191

عن المحرم يلبس الجوربين؟ قال نعم والخفين إذا اضطر إليهما (1)
ومنها ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المحرم
يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق
ظهر القدم (2) إلى غير ذلك.
ويستفاد من هذه الروايات جواز لبس الخفين إذا
اضطر إلى ذلك بأن فقد أو انعدم نعله أو لم يكن له مال
يشتري به النعل فيصير مضطر إلى لبس الجوربين
في حال الاضطرار بأن يحفظانه من الحر أو البرد وإلا
ففي حال الاختيار لا يجوز له ذلك.
(الثامن:)
من المحرمات الفسوق ويدل على حرمته - قبل الاجماع
والأخبار - الآية المباركة - أعني قوله تعالى فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج " (3) وأما الاجماع فقد
ادعاه في الجواهر بل قال: بل الاجماع بقسميه عليه وأما
الأخبار فهمنا رواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
(2) سورة البقرة الآية 197.
192

عن الرفث والفسوق والجدال قال: أما الرفث فالجماع
وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى " يا أيها
الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة " الحديث (1) وسيأتي تتمته في الجدال.
ومنها رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام في قول الله
عز وجل الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج فالرفث الجماع والفسوق
الكذب (2) الحديث.
ومنها صحيحة معاوية أيضا عنه عليه السلام قال إذا أحرمت
فعليك بتقوى الله وذكر الله تعالى وقلة الكلام إلا بخير
فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما
قال الله تعالى فإن الله تعالى يقول: فمن فرض فيهن
الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " فالرفث الجماع
والفسوق الكذب والسباب (3) الحديث.
ومنها صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى
عليه السلام عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 9 - 1.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 9 - 1.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 9 - 1.
193

من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخرة (1) الخبر.
ويستفاد من مجموع هذه الأحاديث أن الفسوق
الكذب والسباب والمفاخرة لا الكذب فقط كما يستفاد
من بعض هذه الروايات فالأحوط الاجتناب من جميعها
(التاسع:)
من المحرمات الجدال كما في الآية المتقدمة أعني
قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " و
نفي الموضوع في الموارد الثلاثة باعتبار نفي الحكم فمعنى
أنه لا يكون رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج مع أنه يمكن
وقوع هذه الثلاثة في الحج - أنه لا يجوز وقوعها فيه - مضافا
إلى دعوى الاجماع على حرمة الجدال في الحج ودلالة الأخبار.
منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن الصادق عليه السلام
قال: والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله (2).
ومنها صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل يقول لا لعمري وهو محرم قال: ليس بالجدال

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب ترك الاحرام الحديث 4 - 9.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب ترك الاحرام الحديث 4 - 9.
194

إنما الجدال قول الرجل لا والله وبلى والله الحديث (1)
ثم إن الظاهر أن الجدال المحرم في حال الاحرام
هو الخصومة والمنازعة المشتملة على قول الرجل لا والله
وبلى والله وأما مطلق الخصومة والنزاع فليس بمحرم
وكذا لا يحرم على الظاهر الخصومة المشتملة على اليمين غير
" لا والله وبلى والله ".
وعن كشف اللثام والجدال في العرف الخصومة
وهذه خصومة متأكدة باليمين والأصل والبراءة من غيرها
وكأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها وحكى
السدان الاجماع عليه انتهى والظاهر أن المراد بكلامه هذا
أن المحرم على المحرم هو خصوص قول الرجل: لا والله
وبلى والله الذي تأكدت المنازعة باليمين وأما المنازعة
بغير ذلك فالأصل والبراءة يقتضيان جواز ذلك على
المحرم.
ثم اعلم أن الظاهر أنه يكفي أحد اليمينين - أعني لا والله
وبلى والله، ولا يحتاج إلى اجتماعهما بل لا معنى لاجتماعهما

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
195

في قضية واحدة لأنه إما أن يكون في مقام نفي ما يدعيه خصمه
أو اثبات ما يدعيه هو، وكل واحد منهما تكفيه إحدى الجملتين
- أعني لا والله وبلى والله فاجتماعهما في موضع واحد
يكون من اجتماع النقيضين اللهم إلا أن يدعى بأن النفي
متوجه إلى ما يدعيه خصمه والاثبات إلى ما يدعيه هو فلم
يكن من اجتماع النقيضين إلا أن الظاهر هو كفاية إحدى
الجملتين كما عن المدارك وكشف اللثام ولا فرق في
حرمة الجدال بين أن يكون محقا أو مبطلا لاطلاق الأدلة.
(العاشر من المحرمات:)
قتل هوام الجسد كالقمل والبق ومستند الحرمة رواية
أبي الجارود قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل
قتل قملة وهو محرم قال: بئسما صنع قال: فما فداءها؟ قال:
لا فداء لها (1).
ورواية زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل
يحك المحرم رأسه؟ قال يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2)
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال في حديث
اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة (3)

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
196

ويكن الاستدلال لحرمة قتل هوام الجسد على المحرم
برواية أن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا يرمي
المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا فإن
فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قال:
كم؟ قال كفا من طعام (1).
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: المحرم
يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده (2).
وتقريب الاستدلال بهاتين الروايتين هو أن القاء
القملة من جسده إذا كان حراما فحرمة قتلها بطريق أولى وفيه
أن هذا قياس لعدم العلم باتحاد الملاك والأولوية ممنوعة
لاحتمال أن يكون في الالقاء خصوصية لا توجد في القتل
فالعمدة في مستند حرمة قتل هوام الجسد هو ما ذكرنا
من الأخبار المتقدمة.
ثم إنه هل يحرم قتل جميع الدواب المماسة للجسد حتى
الذباب والبرغوث أو لا يحرم إلا ما كان تكونه من الجسد؟

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5.
197

الظاهر هو الثاني وإن كان في رواية زرارة العموم
حيث قال: اتق الدواب كلها إلا الأفعى (1) الخ.
ولكن يمكن تخصيصها بما هو المتكون في جسده بقرينة
رواية الالقاء حيث إنه خص حرمة الالقاء بما يكون من
جسده وإن كانت الرواية ليست مما نحن بصدد اثباته.
وربما يؤيد ما نحن فيه في الجملة - مضافا إلى استفادة
ذلك من بعض الأخبار - القاء قراد البعير.
كرواية أبي بصير قال سألته عن المحرم ينزع الحلمة عن
البعير؟ قال: لا هي بمنزلة القملة من جسدك (2).
ورواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن القراد
ليس من البعير والحلمة من البعير (وفي رواية أخرى) بمنزلة
القملة من جسدك فلا تلقها وألق القراد (3).
فيستفاد من هذه الروايات ونحوها أن الهوام المتكونة
من الجسد لا يجوز كالبرغوث والذباب فلا مانع من قتلها
ولكن المحكى عن جماعة جواز قتل القمل وأن تكون من الجسد

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 80 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2.
(3) الوسائل الباب 80 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2.
198

واستدل لهذا القول بجملة من الأخبار الظاهرة في الجواز
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما تقول في محرم تقتل قملة؟ قال: لا شئ عليه
في القمل ولا ينبغي أن يتعمد قتلها (1) وكلمة لا ينبغي
ظاهرة في الكراهة.
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا بأس بقتل القمل في الحرم (2)
ومنها مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة
عنه عليه السلام قال: لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة
في الحرم (3).
لكن ليس في هذه الأخبار ظهور في الجواز أما صحيحة
معاوية الأولى فبأن يقال: إن كلمة لا ينبغي ليست
ظاهرة في الكراهة فإنها مشتركة بين الكراهة والحرمة وتستعمل
في كل واحدة منهما كما يظهر ذلك بملاحظة الأخبار وقوله:
فيها لا شئ عليه يحتمل أن يكون المراد ليس عليه شئ من

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
(2) الوسائل الباب 84 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
(3) الوسائل الباب 84 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
199

الكفارة لا المراد منه الجواز والله العالم
وأما الروايتان الأخيرتان فليستا ظاهرتين في جواز الحرم
للمحل وعلى فرض وجود الاطلاق فيهما لا بد من تقييدهما
بتلك الروايات المعمول بها بين الأصحاب
(الحادي عشر من المحرمات)
القاء هوام الجسد من ثوبه وجسده وهو المشهور بين
الأصحاب ومستند ذلك جملة من الروايات.
منها رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا
فإن فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قال: كم قال:
كفا من طعام (1)
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: المحرم
يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده (2)
ومنها صحيحة حماد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم
مكانها طعاما (3)

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الحرام الحديث 3 - 5
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الحرام الحديث 3 - 5
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1
200

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام قال: سألته
عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم
مكانها طعاما (1)
ويستفاد من صحيحة معاوية بن عمار أن القملة حيث
إنها من جسده لا يجوز القاءها فيستفاد من عموم التعليل
أن كلما يتكون من الجسد لا يجوز القائه سواء كان قملة
أو غيرها ولا تعارض هذه الروايات رواية مرة مولى
خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القملة يلقي القملة
فقال: القوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة (2)
لأنها أولا ضعيفة السند وثانيا أنه يمكن حملها على صورة الايذاء
(الثاني عشر:)
من المحرمات لبس المحرم للخاتم للزينة ولا يحرم لبسه
للسنة والفارق بينهما القصد فإنه إذا لبسه بقصد الزينة حرم
وأما إذا لبسه بقصد السنة فلا يحرم، ومستند الحرمة رواية مسمع
عن الصادق عليه السلام أنه قال في حديث: وسألته أيلبس

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6
201

المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه لزينة (1)
وفي مرسلة الكليني: ولا يلبسه للزينة (2)
مضافا إلى ما يستفاد من بعض الأخبار من أن
الحاج ممنوع من تزيين نفسه كصحيحة حماد عنه عليه السلام
قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد إن السواد زينة (3)
وصحيحة حريز عنه عليه السلام قال: لا تنظر في المرآة
وأنت محرم لأنه من الزينة (3)
ورواية مسمع المتقدمة آنفا وإن كانت ضعيفة السند
إلا أن ضعفها منجبر بعمل الأصحاب حيث ادعى الشهرة
على الحرمة بل ادعى عدم العلم بالخلاف إلا من ابني
سعيد من القول بالكراهة و يحتمل أن يكون مرادهما
منها الحرمة أيضا.
وأما إذا لبس الخاتم للسنة فلا مانع منه والدليل عليه
صحيح نجيح عن أبي الحسن عليه السلام قال: لا بأس
بلبس الخاتم للمحرم (4) - المحمول على أن لبسه للسنة دون الزينة
ورواية محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد الصالح عليه السلام

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
(5) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
202

وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة (1)
ورواية مصدق بن صدقة عن عمار عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب (2)
ورواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: رأيت على أبي
الحسن الرضا عليه السلام وهو محرم خاتما (3)
ولا بد من حمل هذه الروايات على ما إذا لبسه للسنة
بقرينة تلك الرواية والروايات الدالة على ممنوعية الحاج
من الزينة ولذا يستفاد من بعض الأخبار أن لبس المرأة
حليها للزينة محرم عليها فلذا قال في الشرائع: ولبس المرأة
(أي من المحرمات) لبس المرأة الحلي للزينة والدليل على
الحرمة - بعد دعوى الشهرة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا
مشهورا للزينة (4)
وحسنة الكاهلي عنه عليه السلام قال: تلبس المرأة المحرمة

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5 - 6
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5 - 6
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5 - 6
(4) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
203

الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة (1)
ومراده عليه السلام بالمشهور الظاهر في قبال المختفى
فيستفاد من الروايتين أن تزيين المحرمة بالحلي المشهور ممنوع
شرعا أما تزيينها بمطلق الحلي فليس بممنوع وتدل على
هذا المعنى صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليها (2)
وصحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب
والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل
حجتها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه و
تلبسه من غير أن تظهره لرجال في مركبها ومسيرها (3)
وبهاتين الروايتين يمكن الجمع بين الروايات بأن يقال:
إن الروايات المانعة من لبس المحرمة للحلي محمولة على ما إذا
قصدت به الزينة بأن تظهره للرجال أو تحدثه للاحرام بأن
لم تكن معتادة للبسه فلما أحرمت لبسته ومن المعلوم أن
قصدها في هذا الفرض لم يكن إلا التزيين وإلا فكيف

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 1
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 1
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 1
204

لم تلبسه قبل الاحرام؟ وأما الحلي الذي كان عليها
قبل الاحرام فحيث إنه كان عليها قبل الاحرام فلم يكن
قصدها من ابقائه الزينة بل كانت معتادة للبسه وإن
كان أصل لبسه من أول الأمر للزينة ولكن لم يكن ابقائها
في حال الاحرام للزينة بل لأجل الاعتياد فلا مانع من لبسها
إلا أنه مشروط بشرط آخر وهو أنها لم تظهره للرجال في حال
صعودها على المركب ولا في حال نزولها منه ولا في
مسيرها.
بل يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز اظهار الحلي
لزوجها في حال الاحرام كرواية نضر بن سويد عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سألته عن المرأة المحرمة أي شئ تلبس من
الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران
والورس ولا تلبس القفازين ولا حليا تتزين به لزوجها
ولا تكتحل إلا من علة الحديث (1) وهذه الرواية من الروايات
التي يستفاد منها الاطلاق إلا أنه لا بد من تقييدها بقصد

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
205

الزينة وقال في الشرائع: ولا بأس بما كان معتادا لها
ولكن يحرم عليها اظهارها لزوجها انتهى والظاهر أن
مستنده في هذا الحكم أعني جواز لبس الزينة إذا كان
معتادا لها وعدم جواز اظهارها لزوجها هو هذه الرواية
التي ذكرناها آنفا.
ولكن التخصيص بالزوج فقط مما لا وجه له - بعد
ما مر من الروايات المتقدمة الدالة على عدم جواز
اظهارها الحلي للرجال الشامل للزوج وغيره أو الدالة
على عدم جواز احداث الحلي التي استنبطنا منها
عدم جواز لبسها الحلي للزينة
هذا كله بالنسبة إلى المعتاد اللبس من الزينة وأما
غير المعتاد من الحلي فيشكل عليها لبسه لأنه غالبا يكون
لبسها له بقصد الزينة فلذا قد قيد الزينة التي يجوز لبسها
بما إذا لم تحدثه في حال الاحرام في صحيحة حريز المتقدمة (1)
فما في الشرائع من قوله: وما لم يعتد لبسه منه على الأولى
إن كان المراد أنها إذا لبسته بقصد الزينة فالأولى تركه
فهو مخالف لصريح الرويات المتقدمة إلا أن يكون مراده

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9
206

قدس سره أنها إذا لبسته بدون قصد الزينة وهذا لفرض
بعيد التحقق بالنسبة إلى غير المعتاد من الحلي ويحتمل
بعيدا أن يكون مراده عدم جواز لبس غير المعتاد من الحلي
بطريق أولى والله العالم
(الثالث عشر من المحرمات:)
استعمال الدهن الذي فيه الطيب للمحرم بل قبل الاحرام
إذا بقيت رائحته إلى زمان الاحرام ومستند الحرمة
أولا هو الاجماع كما ادعاه غير واحد قال في الجواهر:
بلا خلاف ولا اشكال وقال في محكى المنتهى: أجمع
علمائنا على أنه يحرم الادهان بالأدهان الطيبة كدهن
الورد والبان والزيبق وهو قول عامة أهل العلم و
تجب له الفدية اجماعا انتهى.
وثانيا الأخبار منها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام
قال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا
عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم وادهن
بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم فإذا أحرمت فقد حرم
207

حرم عليك الدهن حتى تحل (1)
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: الرجل
يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر
ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل للاحرام قال
ولا تجمر ثوبا لاحرامك (2)
ومنها رواية علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل المحرم يدهن قبل
الغسل؟ قال: نعم إلى أن ذكر عليه السلام أن أباه (ع) كان
يدهن بعد ما يغتسل للاحرام وأنه يدهن بالدهن ما لم يكن
فيه غالية أو دهن فيه مسك أو عنبر (3) إلى غير ذلك من الأخبار
وأما الادهان بدهن ليس فيه طيب فلا مانع منه قبل
الاحرام وأما بعد الاحرام فيحرم الادهان بمطلق الدهن
وإن لم يكن فيه طيب وكيف كان فهنا فروع ثلاثة.
(الفرع الأول:)
الادهان بالدهن الذي فيه الطيب حرام سواء
كان قبل الاحرام إذا بقيت رائحته بعد الاحرام وبعده

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4
208

كما عرفته من الأخبار.
(الفرع الثاني:)
استعمال الدهن الذي ليس فيه الطيب قبل التلبس
بالاحرام وهذا قد عرفت من الأخبار المتقدمة جوازه
وأزيدك هنا من الروايات صحيحة هشام بن سالم قال: قال
له ابن أبي يعفور: ما تقول في دهنه بعد الغسل للاحرام؟
فقال: قبل وبعد ومع ليس به بأس قال: ثم دعى
بقارورة بان سليخة ليس بها شئ فأمرنا فأدهنا منها
الحديث (1)
وفي الوسائل: ورواه الصدوق باسناده عن ابن أبي
عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام مثله
قوله: قبل وبعد ومع أي قبل الغسل للاحرام أو بعده
أو معه قوله: ليس فيه شئ الظاهر أن المراد ليس فيه
شئ من الطيب (الفرع الثالث:)
الادهان بمطلق الدهن في حال الاحرام وهو

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6
209

(محرمات الاحرام)
محرم قطعا ومستند الحرمة بعد دعوى 7 عن ظاهر الخلاف
هو الأخبار: منها صحيحة الحلبي المتقدمة فإنه قال في
آخرها: فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (1)
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تمس شيئا من الطيب ولا الدهن في احرامك (2)
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا تمس
شيئا من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن (3)
(الرابع عشر:)
من محرمات الاحرام إزالة الشعر من الرأس والبدن
حتى الشعرة الواحدة ونصفها كما في الجواهر ولكن إذا كان
مبناه اطلاق الأخبار الآتية فهو حسن وإلا فلا يصدق
الحق على إزالة شعرة واحدة أو نصفها.
وكيف كان فمستند الحرمة أولا دعوى الاجماع
كما في الجواهر قال: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه انتهى وثانيا قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله (4) وكذا مفهوم قوله تعالى: فمن كان

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
(4) سورة البقرة الآية 196
210

منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة
أو نسك " (1) إلا أن الجملتين من الآية المباركة لا اطلاق
فيهما يشمل إزالة في شعر الرأس فلا يشمل سائر موضع البدن.
اللهم إلا أن يدعى باستخراج ذلك من تنقيح المناط
لكن القطعي منه غير حاصل والظني منه غير حجة.
وثالثا هو الأخبار منها صحيح زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو
جاهلا فلا شئ عليه ومن فعله متعمدا فعليه دم (2).
ومنها صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام فعليه دم (3).
ومنها حسن الحلبي عنه عليه السلام قال: إن نتف
المحرم من شعر لحيته وغيرها فعليه أن يطعم مسكينا في يده (ع).
ومنها صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع

(1) سورة البقرة الآية 196.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 9.
211

الشعر (1)
ومنها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلا أن لا يجد بدا ولا يحلق
مكان المحاجم (2) - أي لا يزيل الشعر الذي في مكان الاحتجام
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: لا بأس بحك
الرأس واللحية وغيرهما خصوصا صحيحة الحلبي المتقدمة، و
كذا فيها اطلاق بالنسبة إلى الحلق والنتف بل مطلق إزالة الشعر
وإن كانت بنحو القص بل الاحراق بل يشمل اطلاقها الشعرة
بل نصفها كما ذكره صاحب الجواهر.
هذا كله مع الاختيار وأما مع الضرورة بأن يكون
الشعر باعثا لتأذيه من الحر أو القمل فلا أثم عليه في إزالته
لصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال مر رسول
الله صلى الله عليه وآله على كعب بن عجرة الأنصاري

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
212

والقمل يتناثر من رأسه فقال: أتؤذيك هوامك؟ فقال:
نعم فنزلت الآية (أي فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه)
فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بحلق رأسه وجعل
عليه صيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل
مسكين مدان والنسك شاة.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: وكل شئ في القران
" أو " فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شئ في القران
" فإن لم يجد كذا فعليه كذا " فالأولى الخيار (1) قال في الجواهر
أي هو المختار وما بعده عوض عنه مع عدم امكانه "
ثم إنه كما يحرم على المحرم إزالة شعر نفسه فكذا يحرم عليه
إزالة شعر محرم آخر بل يظهر من بعض الأخبار حرمة إزالة
شعر المحل عليه كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا يؤخذ المحرم من شعر الحلال (2) ويظهر استفادة
الحرمة من هذه الرواية بالنسبة إلى إزالة شعر محرم آخر بطريق

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
213

أولى حيث إنه إذا كان المحرم يحرم عليه إزالة شعر الحلال
أي المحل فحرمة إزالة شعر المحرم عليه بطريق أولى وإلا كونه
هنا قطعية لا ظنية مضافا الدعوى الاجماع على حرمة
إزالة شعر المحرم كمتا ادعاه في الجواهر نقلا عن المدارك.
(الخامس عشر:)
من المحرمات على المحرم تغطية الرأس على الرجل
دون المرأة ومستند الحرمة - بعد دعوى الاجماع عدة
روايات.
منها رواية القداح عن أبي جعفر عليه السلام قال: احرام
المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه (1).
ومنها حسنة عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: المرأة لا تتنقب لأن احرام المرأة في وجهها
واحرام الرجل في رأسه (2).
ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟
قال: لا (3) ومنها صحيحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
214

عليه السلام يقول لأبي وشكى إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى
به وقال أترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك
ما لم يصب رأسك (1).
ومنها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل
المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب؟ قال نعم و
لا يخمر رأسه والمرأة المحرمة لا بأس أن تغطي وجهها كله (2).
أقول لم يعمل الأصحاب بذيل هذه الرواية لمنافاته
للأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز ستر وجهها كما مر بعض تلك
الأخبار وسيأتي في بعضها الآخر.
ومنها صحيح حريز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم
غطى رأسه ناسيا قال يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شئ
عليه (3).
ويستفاد من اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين
ستر جميع الرأس أو بعضه نعم ستثنى من ذلك عصام القربة
اختيار وعصابة الصداع أما عصام القربة فمستند استثنائه

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 59 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
215

- صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال:
نعم (1).
وأما عصابة الصداع فتدل على استثنائه صحيحة معاوية
بن عمار عنه عليه السلام قال: لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه
من الصداع (2).
ويستفاد من هذه الرواية اختصاص جواز تعصيب
الرأس بصورة الضرورة حيث إنه عليه السلام قيد نفي
البأس بصورة الصداع فيظهر منه إن في صورة عدم
الصداع لا يجوز التعصيب، ويستفاد أيضا من الروايتين
عدم جواز تغطية الرأس ولو بالشئ غير المتعارف وإلا
فلا معنى لاستثناء عصام القربة إذا كان المراد بالتغطية
- تغطية على النحو المتعارف فإن التغطية بعصام القربة
لا تكون من التغطية المتعارفة فحينئذ تحرم التغطية بجميع
أنواعها من غير فرق بين المتعارف منها كالخمار أو غير
المتعارف كالحناء والطين وحمل المتاع، فما عن المدارك

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
216

من حمل التغطية على المتعارف منها لأن المنهى عنه في
الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع واستر بالثوب
ونحوه لا مطلق الستر مع أن النهي لو تعلق به لوجب
حمله على المتعرف منه وهو الستر بالمعتاد انتهى - لا يخلو
من الضعف لما عرفت آنفا من استفادة حرمة مطلق
التغطية من بعض الأخبار.
مع أن تخمير الرأس كما في بعض روايات التغطية
لا يختص بستره بالخمار فإن التخمير - كما عن بعض أهل
اللغة - هو الستر يقال خمر رأسه أي ستره ولم يقيدوه
بستره بالخمار بل مطلق ستره يسمى تخميرا مضافا إلى اطلاق
قوله عليه السلام احرام الرجل في رأسه " أي إذا أراد الرجل
أن يكون رأسه محرما كسائر أعضائه فلا بد له من أن لا يغطيه
ومضافا إلى حرمة الارتماس بالماء على المحرم إذا كانت
حرمته من باب حرمة تغطية الرأس لا أنه حرام برأسه، و
سيجيئ في محله وإلى حرمة تغطية المرأة وجهها بالمروحة
بناء على أن التغطية بها تغطية بغير المتعارف كما هو
الظاهر ثم إنه يطهر من الروايتين أعني رواية عصام القربة
217

ورواية العصابة المتقدمتين أنه لا فرق في حرمة تغطية
الرأس بين المتعارف وغيره فإنه استثنى عصام القربة
وعصابة الرأس فلو لم يكن في ستر بعض الرأس محذور
لما كان لاستثناء عصابة القربة وعصابة الرأس معنى، فإن
العصام وكذا الصداع لا يستوعبان جميع الرأس
بل تحيط العصابة بأطراف الرأس وكذا عصام القربة
فإنه لا يحيط الرأس إلا قسما قليلا منه وباقي الرأس مكشوف
ظاهر.
ولكن تعارض الروايتين صحيحة زرارة قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل
بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ولا بأس
أن يغتسل بالماء ويصب على رأسه (1) الحديث.
فإن حك الرأس وكذا صب الماء على الرأس
يستلزم تغطية بعض الرأس باليد أو بالماء.
وكذا صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا بأس
أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس وقال: لا بأس
أن يستر بعض جسده ببعض (2) ولذا حكى جواز الستر

(1) الوسائل الباب 75 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
218

باليد عن المبسوط والتذكرة والمنتهى إلا أنه يمكن الجواب
عن الرواية الأولى بأن حك الرأس من الضرورة التي
أحل الله معها المحرمات.
وعن الرواية الثانية بأن جعل الذراع على الوجه لا
يستلزم ستر الرأس كما لا يخفى مع أن الستر باليد
لا يطلق عليه الستر فلذا يجوز المسح على الرأس في الوضوء
وكذا صب الماء على الرأس لا يكون بنظر العرف
سترا أو يكون إلا أنه استثناه الشارع كاستثنائه عصام القربة
وعصابة الرأس فالأولى عدم ستر بعض الرأس.
ثم إن الظاهر أن المراد بالرأس هن منابت الشعر
كما يظهر من رواية أبي البختري عن جعفر عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: المحرم يغطي وجهه عند النوم والغبار إلى طرار شعره " (1)
أي إلى أطراف شعره.
ولكن في بعض الأخبار ادخال الأذنين إما موضوعا
أو حكما كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة قال سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟ قال: (2)

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 1.
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 1.
219

ويمكن أن يقال إن الرأس اسم لمجموع الرأس والوجه والرقبة
فلذا إذا قيل اقطع الرأس لا يتبادر إلى الذهن إلا القطع من
الرقبة فدخول الأذنين في الرأس من باب اطلاق
اسم الرأس عليهما لا من باب دخولهما فيه حكما فحينئذ استثناء
الوجه - كما في بعض الأخبار الآتية إنما هو لأجل دلالة
النص لا من أجل خروج الوجه من الرأس.
ولكن الظاهر أن أخبار جواز كشف الوجه على المحرم
من الأدلة الدالة على خروج الوجه من الرأس فعندئذ ترديد
العلامة في محكى المنتهى والتذكرة في دخولهما في الرأس
ليس في محله بعد وجود النص.
هذا كله بالنسبة إلى ستر الرأس وأما الوجه فالظاهر
جواز ستره وعدم وجوب كشفه لدلالة الأخبار الكثيرة
عليه منها الروايات الدالة على أن احرام الرجل في رأسه و
احرام المرأة في وجهها (1) فإنه إذا كان ستر وجهه محرما
لما قيده عليهم السلام بالرأس ومنها صحيحة زرارة قال: قلت:

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام.
220

لأبي جعفر عليه السلام: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي
وجهه من الذباب؟ قال نعم ولا يخمر وجهه (1).
ومنها رواية منصور بن حازم قال: رأيت أبا عبد
الله عليه السلام وقد توضأ وهو محرم ثم أخذ منديلا فمسح
وجهه (2).
ومنها رواية عبد الملك القمي قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: الرجل يتوضأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمره
كله قال: لا بأس (3).
ومنها رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي
عليهم السلام قال: المحرم يغطي وجهه عند النوم والغبار
إلى طرار شعره (4) أي إلى أطراف شعره.
ومنها رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: في
المحرم له أن يغطي رأسه إذا أراد أن ينام (5).
إلا أنه تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن
عمار عن الصادق قال: يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه (6)

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 8.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 8.
(5) الوسائل الباب 56 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(6) الوسائل الباب 61 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
221

وصحيحة حفص وهشام عنه عليه السلام قال: يكره
للمحرم أن يجوز بثوبه أنفه من أسفل وقال أضح لمن أحرمت
له (1) أي أظهر للشمس لأجل الله تعالى الذي أحرمت له.
بل يظهر من مضمرة الحلبي وجوب الكفارة إذا غطى
وجهه. قال: المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده (2)
فإذا يكون في هذا الفرع ثلاثة أقوال، الأول جواز ستر
الوجه بلا وجوب الكفارة وهو المشهور بين العلماء.
الثاني جوازه مع وجوب الكفارة جمعا بين الأخبار و
هو المحكى عن الشيخ في التهذيب.
الثالث عدم الجواز مع وجوب الكفارة إن فعل
ذلك وهو المحكى عن ابن أبي عقيل فحينئذ يمكن حمل
الروايات الدالة على الجواز على بعض المحامل أما
الروايات الدالة على الجواز عند النوم والذباب فيمكن
اختصاصها بالنوم والذباب فلا يشمل حال الاختيار
وأما روايات المنديل فيمكن أن يقال بعدم تحقق

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
222

الستر عرفا بمجرد امرار المنديل على الوجه ويشهد لذلك
ما إذا أمر المولى عبده بستر وجهه فأخذ منديلا وأمره على
وجهه لم يصدق عليه أنه ستر وجهه.
ولكن الانصاف أن حمل الكراهة على المعنى المصطلح
أي المرجوحية أهون من حمل روايات الجواز على صورة
الاضطرار مع أن سيرة المتشرعة قديما وحديثا على عدم
لزوم كشف الوجه للمحرم والتقييد في بعض الأخبار
بحال النوم والغبار والذباب إنما هو لأجل تحقق الداعي
على الستر فإن الرجل في غير هذه الصور لا داعي له على ستر
وجهه لا أن الجواز مقيد بهذه الصور.
ثم إن الارتماس في الماء يتحقق به التغطية أيضا وادعى
على حرمته الاجماع، والأخبار الدالة على حرمته إن عدم جوازه
كثيرة منها صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال: لا يرتمس
المحرم ولا تمس شيئا فيه زعفران ولا تأكل طعاما
فيه زعفران ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك (2).

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2. و 1 مع اختصاص الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2. و 1 مع اختصاص الحديث 1.
223

ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب عنه عليه السلام قال:
لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم (1).
ومنها رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام: هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟
قال: لا وللمحرم وقال: مررت ببركة بني فلان وفيها
قوم محرمون يترامسون فوقفت عليهم فقلت لهم: إنكم تصنعون
ما لا يحل لكم (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
ثم هل يكون الارتماس من مصاديق تغطية الرأس
أو يكون هو محرما بنفسه؟ يظهر من بعض الأخبار أنه محرم
برأسه وتظهر الثمرة فيما إذا ارتمس في غير الماء ولو كان
الماء مضافا أو ارتمس في الطين فإنه إذا كان من باب
التغطية يحرم عليه ذلك أيضا وأما إذا كان محرما برأسه
فلا يحرم عليه ذلك لعدم صدق الارتماس في الماء
ثم إنه هل يكون ارتماس بعض الرأس كارتماس كله
في الحرمة كما احتملنا ذلك في التغطية أو لا يكون محرما
إلا ارتماس جميع الرأس كما في الصوم؟ يمكن أن يقال:

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
224

بحرمة رمس البعض لاطلاق الأخبار المتقدمة فإن
الرأس يطلق على الكل والبعض فإذا رمس بعضه
يصدق عليه أنه رمس رأسه في الماء.
ولكن في صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال:
إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء ويميز
الشعر بأنامله بعضه ببعض (1).
وفي صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن المحرم يغتسل؟ قال: نعم يفيض الماء على
رأسه ولا يدلكه (2) فيستفاد من الصحيحتين عدم المانع
من إحاطة الماء على بعض الرأس بالإفاضة إلا أن الصحيحتين
لا تدلان على جواز ارتماس بعض الرأس في الماء فإن
إفاضة الماء على الرأس ليس من الارتماس في شئ كما هو
واضح فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم ارتماس بعض الرأس
في الماء أيضا.
ثم إنه لا فرق بين الرجل والمرأة في حرمة الارتماس
في الماء إذا كانا محرمين لاطلاق الأخبار والاطلاق
هو من الأدلة الدالة على حرمة الارتماس برأسه لا أنه من باب
حرمة تغطية الرأس على المحرم فإن المحرمة لا يحرم عليها تغطية

(1) الوسائل الباب 75 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 75 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
225

رأسها في حال الاحرام كما ادعى عليه الاجماع نعم يجب
عليها أن تستر رأسها عن الأجانب وهذا لا ارتباط
له بمحرمات الاحرام هذا كله في تغطية الرجل رأسه
في حال الاحرام.
وأما المرأة فلا يجب عليها تغطية رأسها في حال
الاحرام وادعى على ذلك الاجماع بقسميه عليه (أي على جواز تغطية
المرأة رأسها حال الاحرام) وهو الحجة بعد الأصل والنصوص
التي منها صحيح زرارة السابق الفارق بين الرجل والمرأة
بتغطية الوجه كله المستلزم ستر بعض الرأس ومنها قوله
عليه السلام احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه انتهى
وأما وجهها فلا يجوز له تغطية ومستنده - بعد دعوى
الاجماع - أخبار كثيرة منها قوله عليه السلام احرام المرأة في وجهها
واحرام الرجل في رأسه (1).
ومنها سنة الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام مر
أبو جعفر عليه السلام بامرأة منقبة وهي محرمة فقال احرمي
واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك فإنك إن

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
226

تنقبت لم يتغير لونك فقال له رجل: إلى أين ترخيه؟
فقال تغطي عينها قال: قلت: يبلغ فهمها؟ قال: نعم (1).
ومنها رواية أحمد بن محمد عن بأي الحسن عليه السلام قال:
مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة استترت بمروحة فأماط
المروحة بنفسه عن وجهها (2) أي أزال المروحة عن وجهها
ويظهر من هذه الرواية عدم جواز التستر بالشئ غير المتعارف
أيضا فما عن المدارك من اختصاص الحرمة بالبرقع و
النقاب تدفعه هذه الرواية وغيرها.
ومنها رواية أبي عيينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال:
الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير (3).
ومنها خبر ابن أبي العلاء عنه عن أبيه عليهم السلام أنه كره للمحرمة
البرقع والقفازين (4) بناء على أن المراد بالكراهة الحرمة
كما هو ليس ببعيد لا الكراهة المصطلحة
ومثله صحيحة العيص عنه (ع) أيضا أنه كره النقاب
وقال: تسدل الثوب على وجهها قال: قلت إلى أين؟ قال:
إلى طرف الأنف قدر ما تبصر (5) إلا أنه تعارض هذه الروايات

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الحديث 3 - 6.
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب الحديث 3 - 6.
227

روايات أخرى دالة بحسب الظاهر على اسدال ثوبها
على وجهها
منها حسنة الحلبي المتقدمة آنفا فإنه قال أبو جعفر عليه السلام
بعد ما أمر المرأة المحرمة بأسفار وجهها: وأرخي ثوبك
من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك
فقال له رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال: تغطي عينها قال:
قلت يبلغ فمها؟ قال: نعم فإذا كان ستر وجهها إلى فمها
جائزا فلا يبقى شئ معتد به من الوجه مسفرا.
ومنها صحيحة العيص المتقدمة فإنه عليه السلام جوز اسدال
الثوب أي ارخائه على وجهها إلى طرف الأنف بقدر ما تبصر
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
تسدل المرأة ثوبها على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت
راكبة (1)
ومنها صحيحة زرارة عنه عليه السلام قال: المحرمة تسدل ثوبها
إلى نحرها (2) ومنها صحيحة حريز عنه عليه السلام قال: المحرمة
تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن (3) فإنه عليه السلام إذا
جوز اسدال الثوب إلى طرف الأنف أو إلى الفم بل إلى النحر

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 7 - 6
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 7 - 6
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 7 - 6
228

أو إلى الذقن فلا يبقى مصداق لاسفرار الوجه، فإن
الاسدال إلى النحر وكذا إلى الذقن يستوعب جميع الوجه
فكيف يجتمع مع اسفرار الوجه، فلذا قيل أو يمكن أن يقال
في التوفيق بين الطائفتين من الروايات وجوه الأول ما
عن المدارك كما مر من اختصاص الحرمة بالبرقع والنقاب
وفيه ما مر من عدم جواز ستر وجهها بالمروحة التي هي من
الستر غير المتعارف مضافا إلى أن قوله عليه السلام في حسنة
الحلبي: واسفري فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك الخ
يكون كالصريح في خلافه فإنه يظهر منه أن مطلوب الشارع
اسفرار الوجه وتغيير اللون بسبب اشراق الشمس فإذا أسدلت
على وجهها بغير البرقع والنقاب كالثوب لم يتغير لونها كما
لم يتغير بالبرقع والنقاب، فالملاك في جميعها واحد وهو لزوم
ابداء وجهها حتى تغيره الشمس.
الثاني من وجوه الجمع أن لا يكون الساتر مماسا للوجه
بأن تبعده عن وجهها بيدها أو بخشبة أو عود ونحو ذلك
بأن تحمل الأخبار الناهية عن ستر الوجه على ما إذا كان الستر
مماسا للوجه والمجوزة على ما إذا لم يكن مماسا، وفيه أن الأخبار
المجوزة مطلقة ولم يكن فيها التقييد بعدم المماسة مع أنها في
229

مقام البيان
الثالث الجمع بينهما بحمل الأخبار الناهية عن الستر
على عدم وجود الرجل الأجنبي والأخبار المجوزة على
وجوده، ويشهد لهذا الجمع مرسلة سماعة عن الصادق
عليه السلام قال: إن مر بها رجل استترت منه بثوبها
ولا تستتر بيدها من الشمس (1)
والمرسلة التي نقلت عن عائشة قالت كانت الركبان
يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فإذا جاؤونا أسدلت إحدانا جلبابها من
رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا (2)
وهذا الوجه أحسن الوجوه في الجمع بين الروايات
جمعا بين حكم الاحرام من وجوب اسفرار وجهها وحكم
التستر من الرجل الأجنبي.
(السادس عشر:)
من محرمات الاحرام تظليل الرجل المحرم على نفسه

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 10
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 48 على ما حكي عنه
230

حال كونه سائرا كما إذا جلس في محمل أو قبة أو عمارية أو سيارة
مظللة على المشهور بل حكى عن الانتصار والخلاف و
المنتهى والتذكرة الاجماع عليه
نعم عن الإسكافي القول باستحباب عدم التظليل
والمحكى عن عبارته هكذا يستحب للمحرم أن لا يظلل على
نفسه لأن السنة بذلك جرت فإن لحقه عنت أو خاف
من ذلك فقد روي عن أهل البيت عليهم السلام جوازه وروي
أيضا أنه يفتدى به عن كل يوم بمد انتهى موضع الحاجة.
وهذا كما ترى ليس صريحا في الخلاف لاحتمال أن يريد
بالاستحباب الوجوب. بقرينة قوله: فإن لحقه عنت إلى قوله:
روي عن أهل البيت (ع) جوازه فيظهر منه أن مراده من الاستحباب
هو الوجوب وكيف كان فالأخبار الدالة على حرمة التظليل
كثيرة.
منها صحيحة ابن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
أظلل وأنا محرم؟ قال لا قلت: فاظلل وأكفر؟ قال: لا، قلت
فإن مرضت؟ قال: ظلل وكفر، ثم قال: أما علمت أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: ما من حاج يضحي ملبيا حتى
تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها (1).

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
231

ويظهر من هذه الصحيحة أن التظليل إنما يكون من الشمس
لا مطلقا فلا يحرم التظليل إذا كان الغيم موجودا أو كان في
الليل حيث إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد غيى الاضحاء
إلى أن تغيب الشمس حيث قال: ما من حاج يضحي
ملبيا حتى تغيب الشمس الخ أن الاضحاء أي البروز إلى الشمس
غايته إلى غروب الشمس وسيجيئ تحقيقه.
ومنها صحيحة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يركب الكنيسة؟ قال: لا، وهو في النساء جائز (1)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته
عن المحرم يركب القبة؟ فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال:
نعم (2).
ومنها صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: سألته عن المحرم يظلل على نفسه؟ قال:
أمن علة؟ فقلت يؤذيه حر الشمس وهو محرم، فقال: هي
علة يظلل ويفدي (3).
ومنها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
قال: سألته عن المحرم يظلل عليه وهو محرم؟ قال: لا إلا مريضا

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 1
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 1
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5
232

أو من به علة والذي لا يطيق حر الشمس (1) إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة المستفيضة.
وهل يكون المحرم التظليل من الشمس فلا يحرم
التظليل إذا لم تكن الشمس بواسطة الغيم موجودة أو كان
التظليل في الليل؟ مقتضى ظاهر لفظ التظليل هو الأول
فإن التظليل هو من الظل والظل لا يطلق غالبا إلا
إذا كانت الشمس طالعة مضافا إلى استشعار ذلك
من بعض الأخبار كأخبار الاضحاء كرواية عبد الرحمن
بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المحرم
كان إذا أصابته الشمس شق عليه وصدع فيستتر منها؟
فقال: هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس
فليستظل منها (2).
ورواية عثمان بن عيسى الكلابي قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام: إن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد
ويريد أن يحرم، فقال: إن كان كما زعم فليظلل، وأما أنت
فاضح لمن أحرمت له (3)، أي فأبرز نفسك للشمس لله

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 4
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 13
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 13
233

تعالى الذي أحرمت له.
وصحيحة هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام قال:
إنه يكره للمحرم أن يجوز ثوبه فوق أنفه من أسفل وقال: اضح
لمن أحرمت له (1)، وكالروايات الدالة على النهي عن الاستتار
من الشمس.
كرواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده؟
قال: لا إلا من علة (2)
ورواية المعلى بن خنيس عنه عليه السلام قال: لا يستتر
المحرم من الشمس بثوب ولا بأس أن يستتر ببعض (3)
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا بأس
أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ولا بأس
أن يستتر بعض جسده ببعض (4).
ودلالتها على المدعى أعني ممنوعية استتار المحرم

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9
(3) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الأحكام الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الأحكام الحديث 2 - 1.
234

الاستتار من الشمس إلا بهذا المقدار فحينئذ يمكن
حمل مطلقات النهي عن الجلوس في القبة والكنيسة و
نحوهما الواردة في الأخبار - على ما إذا تحقق الاستتار
من الشمس لا مطلقا بقرينة هذه الروايات.
ولكن الانصاف أن في بعض هذه الروايات
ما يدل على أن الممنوع هو التظليل أي جعل المظلة
على رأسه مطلقا أي وإن لم تكن الشمس طالعة.
كموثقة عثمان بن عيسى قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام: إن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد
ويريد أن يحرم فقال: إن كان كما زعم فليظلل فأما
أنت فاضح لمن أحرمت له (1).
ورواية محمد بن عبد الله الحميري أنه كتب إلى
مولانا صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة
والسلام وسأله عن المحرم يستظل من المطر ينطع أو غيره
حذرا على ثيابه وما في محمله فهل يجوز ذلك؟ الجواب:
إذا فعل ذلك في المحل في طريقه فعليه دم (3) فإنه يظهر من

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 13.
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
235

يظلل على محمله ويفدي إذا كان الشمس والمطر يضران به
قال: نعم: قلت: كم الفداء؟ قال: شاة (1).
ومنها رواية علي بن محمد قال: كتبت إليه: المحرم هل
يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضا
أم لا؟ فإن ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب:
يظلل على نفسه ويهريق دما إن شاء الله (2).
ومنها رواية محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال:
أرى أن يفديه شاة يذبحها بمنى (3).
ومنها موثقة سعد بن سعد الأشعري قال: سألته
عن المحرم يظلل على نفسه، فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه
حر الشمس وهو محرم، فقال هي علة يظلل ويفدي (4)،
إلى غير ذلك من الأخبار.
وهل يختص الجواز بما إذا حصل الاضطرار الذي يسقط
معه التكليف وتشمله أدلة نفي الضرر والحرج؟ كما يستشعر
ذلك من موثقة عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5 - 1 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5 - 1 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5 - 1 - 3 - 4
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5 - 1 - 3 - 4
238

عن المحرم يظلل عليه وهو محرم؟ قال: 7 إلا مريضا أو من علة
والذي لا يطيق الشمس (1)
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق
عليه وصدع، فيستتر منها؟ فقال: هو أعلم بنفسه: إذا علم
أنه لا يستطيع أن تصيب الشمس فليستظل منها (2)
فإنه يستفاد من الروايتين عدم الطاقة وعدم الاستطاعة
البروز إلى الشمس؟ أو يكفي مطلق الأذية وإن لم يحصل
إلى حد سقوط التكليف؟ لا يبعد الاحتمال الثاني بأن
يقال: إن المناط في جواز التظليل هو حصول الأذى
زائدا على المتعارف بأن يطلق عليه أنه متاذ بحر الشمس
أكثر مما يتأذى به أكثر الناس بأن يحصل له صداع أو مرض
أو كان شيخا كبيرا أو فانيا كما في سائر الأخبار فحينئذ يحمل عدم
الطاقة أو عدم الاستطاعة على العرفي منهما كما يظهر من قوله
عليه السلام: إذا كان شيخا كبيرا أو فانيا فإن من المعلوم أنه لا ملازمة
دائما بين الشيخوخة والضرر ولا حرج فالمراد ظاهرا هو الضرر العرفي

(1) الجواهر 18 ص 395
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6
239

الثالث من موارد الاستثناء لحرمة التظليل هو
جوازه في حال النزول والدليل عليه روايات كثيرة.
منها رواية جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن
الفضيل وبشير (وبشر خ ل) ابن إسماعيل قال: قال لي محمد:
ألا أسرك (أبشرك خ ل)؟ يا بن مثنى فقلت: بلى فقمت
إليه.
فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن
عليه السلام ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم
يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فيستظل في الخباء؟
فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن
فما فرق بين هذا (هذين ظ) فقال: يا أبا يوسف إن الذين
ليس بقياس كقياسكم، أنتم تلعبون، إنا صنعنا كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقلنا كما قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب
راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده
ببعض، وربما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل بالخباء
وفي البيت وبالجذار (1).

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
240

ومنها رواية محمد بن الفضيل قال: كنا في دهليز يحيى بن
خالد بمكة، وكان هناك أبو الحسن موسى عليه السلام وأبو يوسف
فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه، فقال: يا أبا الحسن جعلت
فداك المحرم يظلل؟ قال: لا، قال: فيستظل بالجدار و
المحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال: نعم.
قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له
أبو الحسن عليه السلام: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس
كقياسك وقياس أصحابك، إن الله عز وجل أمر في
كتابه بالطلاق وأكد فيه شاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين
وأمر في كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين
فيما أبطل الله وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله عز وجل
وأجزتم طلاق المجنون والسكران، حج رسول الله صلى
الله عليه وآله، ولم يظلل ودخل البيت والخباء واستظل
بالمحمل والجداد، فقلنا (فعلنا خ ل) كما فعل رسول الله صلى
الله عليه وآله، فسكت (1).
ومنها رواية عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال
أبو يوسف للمهدي وعنده موسى بن جعفر عليهما السلام:

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
241

أتأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شئ؟
فقال له: نعم فقال لموسى بن جعفر عليه السلام: أسألك؟
قال: نعم، قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح
قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال:
نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن عليه السلام
ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال:
فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: هكذا جاء
فقال أبو الحسن عليه السلام: وهكذا جاء هذا فقال المهدي
لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا، قال: رماني
يحجر دامغ (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
ثم إنه استثنى من التظليل المحرم التظليل بظل المحمل
والتظليل بالثوب واليد
أما التظليل بظل المحمل فيدل على جوازه صحيح ابن بزيع
قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: هل يجوز للمحرم أن يمشي
تحت ظل المحمل؟ فكتب: نعم (2)
وأما التظليل بالثوب فالدليل على جوازه صحيح ابن
سنان عن الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول لأبي وشكى

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
242

إليه الشمس وهو محرم 7 وقال: أترى أن أستتر بطرف [7 وهو يتأذ]
ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (1)
لكن تعارض هذه الصحيحة رواية المعلى عنه عليه السلام
أيضا قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب ولا بأس
أن يستتر بعضه ببعض (2)
واطلاق رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل يستتر المحرم من الشمس؟
قال: لا، إلا أن يكون شيخا كبيرا أو قال: ذا علة (3)
ورواية قاسم الصيقل قال: ما رأيت أحدا كان أشد
تشديدا في الظل من أبي جعفر عليه السلام كان يأمر
بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم (4)
ورواية سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده؟ قال: لا إلا من علة 05)
فيمكن حمل صحيحة ابن سنان على الضرورة بقرينة قوله:
قوله: وهو يتأذى به، إلا أن الانصاف أن حمل هذه الروايات
على الكراهة أولى أما أولا فلضعف سندها، فلا تقاوم

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 2
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 12
(4) الوسائل الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 12
(5) الوسائل الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
243

صحيحة ابن سنان وثانيا وجود بعض القرائن في نفس
هذه الأخبار فإن لفظ التشديد في رواية قاسم الصيقل
ظاهر في الكراهة، وكذا رواية سعيد الأعرج فإن الظاهر
منها عدم جواز التستر بيده مع أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قد فعله كما سيجيئ مضافا إلى دلالة رواية الاحتجاج
عن محمد بن عبد الله الحميري أنه كتب إلى مولانا صاحب
الزمان عليه السلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع
خشب العمارية أو الكنيسة ويرفع الخشب وأنه سأله عن
إليه لا شئ عليه في تركه رفع الخشب وأنه سأله عن
المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و
ما في محله أن يبتل فهل يجوز ذلك؟
الجواب: إن فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه
دم (1).
فيستفاد من هذه الرواية أن الممنوع على المحرم جعل
المظلة على رأسه لا المشي في الظلال ثم إن القدر
المتيقن من جواز المشي تحت الظلال أو في ظل المحمل
هو ما إذا كان نازلا وأما إذا كان في حال السير والركوب

(1) نقل في الوسائل الرواية في ب 67 من أبواب تروك الاحرام باختصار.
244

فيشكل جوازه استنادا إلى هذه الروايات اللهم إلا أن
يدعى اطلاق هذه الروايات والله العالم.
وكذا جعل المظلة على رأسه فإن القدر المتيقن
هو جوازه ما دام نازلا وأما إذا كان نازلا لكن ينتقل
من مكان إلى مكان آخر لقضاء بعض حوائجه فهل يجوز
أن يجعل الشمسية على رأسه أو يركب السيارة المغطاة؟
مشكل جدا فالاحتياط الاقتصار على المقدار المتيقن الج. از
كالاستتار بالبيت والجدار والخباء في حال النزول.
(السابع عشر:)
من محرمات الاحرام اخراج الدم من جسده سواء
كان بحجامة أو قلع سند أو غيرهما وهو المشهور بين الفقهاء
رضوان الله عليهم وحكي عن الشيخ في الخلاف القول
بالكراهة أما مستند القول بالحرمة فروايات وهي على
طوائف منها ما يدل على حرمة اخراج الدم بالحجامة.
كرواية الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن المحرم يحتجم؟ قال لا إلا أن يخاف التلف ولا يستطيع
الصلاة وقال إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الرأس (1).

(1) الوسائل البا 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
245

وحسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: سألته عن المحرم
يحتجم؟ فقال لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق
مكان المحاجم (1).
ورواية ذريح أنه سأله عليه السلام أيضا عن المحرم يحتجم؟
قال نعم إذا خشي الدم (2).
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يحتجم
المحرم إلا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة (3) ثم
إنه يستفاد من هذه الروايات أن المجوز للاحتجام
أمور ثلاثة الأول خوف التلف الثاني عدم الاستطاعة
للاتيان بالصلاة الثالث التأذي من الدم وبين
هذه الثلاثة عموم وخصوص من وجه لامكان تحقق
خوف التلف مع الاستطاعة لاتيان الصلاة ومع
عدم الاستطاعة للاتيان بها وكذا يمكن تحقق الأذى
مع عدم تحقق خوف التلف أو مع خوف التلف
فيمكن اجتماع هذه الأمور الثلاثة أو افتراقها، فهل يعتبر
اجتماعهما في جواز الحجامة أو يكفي تحقق أحدهما؟ لا يبعد

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 8 - 2.
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 8 - 2.
(3) الوسائل الباب 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 8 - 2.
246

القول الثاني فإنه ذكر في بعض الأخبار بعضها كعدم الاستطاعة
للصلاة كرواية زرارة فحينئذ كل واحد من هذه الثلاثة يكون
سببا لجواز الحجامة، وهل يكفي في التأذي من الدم مطلق
التأذي أو لا بد من أن يكون بحيث يسقط معه التكليف
ويكون مصداقا لأدلة الضرر والحرج؟ لا يبعد الوجه الأول
لاطلاق الأخبار نعم لا يكفي التأذي المتعرف الذي
يكون غبر قابل للاعتناء.
ولكن تعارض الروايات المتقدمة روايات أخرى
منها صحيحة حريز عن الصدق عليه السلام قال: لا بأس
بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر (1).
ومنها رواية مقاتل بن مقاتل قال: رأيت أبا الحسن
عليه السلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و
هو محرم (2).
ومنها رواية الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا
عليه السلام يحدث عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام أن رسول
الله صلى الله عليه وآله احتجم وهو صائم محرم (3).
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن المحرم هل له أن يحتجم؟ قال نعم ولكن لا يحلق

(1) الوسائل ب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 9 - 10.
(2) الوسائل ب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 9 - 10.
(3) الوسائل ب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 9 - 10.
247

مكان المحاجم ولا يجزه (1) هذا
إلا أنه يمكن حمل هذه الأخبار على صورة الضرورة
خصوصا روايات حكاية فعل المعصوم عليه السلام فإن الفعل
من حيث هو لا دلالة له إلا على الجواز وأما وجه الجواز
وأنه هل كان مضطرا على ذلك أو لا فلا يدل الفعل
على ذلك فيحتمل كون احتجامهم عليهم السلام كان لأجل الضرورة
ثم إن دليل حرمة اخراج الدم على المحرم لا ينحصر
بروايات الاحتجام حتى يستشكل بأن هذه الروايات
لا تدل على أكثر من حرمة الاحتجام بل الروايات طوائف
كما ذكرنا:
منها روايات الاحتجام ومنها روايات حك الجسد
حتى يدميه كرواية عمر بن يزيد عن الصدق عليه السلام قال:
لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ويحك الجسد
ما لم يدمه (2).
وصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم ويقطع الشعر (3)

(1) الوسائل 62 من أبواب تروك الاحرام الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل البا 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
248

ومنها روايات السواك.
كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يستاك؟ قال نعم ولا يدمي (1)
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟ قال لا بأس
ولا ينبغي أن يدمي (2).
وكلمة " لا ينبغي " لا تدل على الكراهة بل هي أعم
منها فتحمل على الحرمة بقرينة سائل الروايات.
ولكن تعارض الروايتين صحيحة معاوية بن عمار
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم يستاك؟ قال
نعم قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال نعم هو من السنة (3).
إلا أنك خبير بأن مضمون هذه الرواية مخالف
لفتوى الأصحاب فإن فتواهم على الكراهة في صورة
الادماء وإن كان في غير حال الاحرام وهذه الرواية
تدل على الاستحباب حتى في صورة الادماء فهي
بظاهرها معرض عنها إلا أن تحمل على الادماء من غير قصد

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5.
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 5.
(3) الوسائل الباب 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
249

ثم إنه قال بعض الفقهاء منهم المحقق في الشرائع في خصوص
ادماء الجسد وادماء الأسنان بالسواك - بالكراهة أي
كراهة ادماء الجسد مثلا بالحك ونحوه وادماء الأسنان
بالسواك استنادا إلى بعض الروايات المتقدمة التي
عرفت ما في دلالتها وأنه لا بد من حملها على بعض المحامل
وكذا استدلوا برواية الدمل.
كصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة: فقال لا بأس
به (1).
ومن المعلوم أن عصر الدمل ملازم غالبا لخروج الدم
ومع ذلك قد ترك عليه السلام الاستفصال وكذا استدلوا
برواية حك الجرب كموثقة عمار عنه عليه السلام قال: سألته
عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال يحكه وإن سأل منه
الدم فلا بأس (2).
وكذا استدلوا برواية قلع الضرس كرواية الصيقل أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال: نعم

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 71 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
250

لا بأس به (1).
ويمكن الجواب عن هذه الروايات أما عن روايات
تجويز الاحتجام والسواك ولو مع الادماء فقد عرفت الجواب
عنها، وأما رواية عصر الدمل وربط الخرقة عليه فهي محمولة
على صورة الاضطرار ضرورة عدم وجود الداعي إلى
العصر مع عدم الحاجة، وأما رواية حك الجرب فهي
ظاهرة في أن موردها صورة الاضطرار التصريح فيها
بأنه يؤذيه وكذا رواية قلع الضرس فإن فيها أيضا التصريح
بأنه يؤذيه الأقوى ما عليه المشهور من حرمة الادماء على
المحرم إلا مع الاضطرار.
(الثامن عشر:)
من المحرمات قلم الأظفار أي قصها قال في الجواهر:
بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه انتهى:
ومستند الحمن - بعد الاجماع - روايات كثيرة
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قلم
أظفاره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه ومن فعله متعمدا
فعليه دم (2).

(1) الوسائل الباب 95 من أبواب تروك الاحرام الحديث.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5.
251

ومنها موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل نسي أن يقلم أظفاره عند احرامه
قال يدعها قلت فإن رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم
أظفاره ويعيد احرامه ففعل فقال: عليه دم يهريقه (1).
ومنها موثقة الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
أحرم فنسي أن يقلم أظفاره قال فقال يدعها قال قلت إنها:
طوال قال: وإن كانت قلت فإن رجلا أفتاه أن يقلمها
ويغتسل ويعيد احرامه ففعل قال عليه دم (2).
ويظهر من الروايتين أن الدم يجب على المحرم الذي قلم
أظفاره ولكن يظهر من رواية إسحاق الصيرفي أن الدم
يكون على من أفتاه بالخطأ.
وهي رواية إسحاق الصيرفي قال: قلت لأبي إبراهيم
عليه السلام: إن رجلا أحرم فقلم أظفاره وكانت له إصبع عليلة
فترك ظفرها لم يقصد فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه
فقال على الذي أفتى شاة (3) هذا كله في حال الاختيار
وأما في حال الاضطرار كما إذا انكسر بعض ظفره وكان ما بقي
منه يؤذيه فإنه يجوز له أن يقلمه والدليل عليه صحيح معاوية بن عمار

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 2.
(2) الوسائل الباب 77 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2 - 2.
252

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم تطول
أظفاره أو ينكسر بعضها قال: لا يقص منها شيئا فإن كانت
تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام (1).
وظاهرها أنه ما دام يستطيع أن لا يقص من أظفاره
لا يجوز له قصها فحينئذ الجواز مشروط بأذية يسقط معها
التكليف لا مطلق الأذية اللهم إلا أن تحمل الأذية على
الأذية العرفية.
(التاسع عشر:)
من المحرمات قطع شجر الحرم وحشيشه قال في
الجواهر بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه انتهى
ومستند الحكم - بعد الاجماع جملة من النصوص.
منها صحيحة حريز وحسنته عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كل شئ في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين
الأم ما أنبته أنت أو غرسته (2).
وتدل الرواية بعمومها على حرمة كل حشيش في الرحم
سواء كان رطبا أو يابسا سواء كان القاطع محرما أو محلا.

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 86 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
253

ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل
فقال: حرم فرعها لمكان أصلها قلت فإن أصلها
في أحل وفرعها في الحرم قال: حرم أصلها لمكان فرعها
وكل شئ ينبت في الحرم فلا يجور قلعه على وجه (1).
ومنها حسنة سليمان بن خالد أنه سأله عليه السلام أيضا
عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه
يتصدق به ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر
الفواكه (2).
ومنها مرسلة عبد الكريم وحسنته وحسنة حريز عني عليه السلام
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة يوم
افتتحها فتح الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست
ثم أخذ بعضادتي الباب فقال لا إله إلا الله وحده لا
شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
(إلى أن قال:) إلا أن الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السماوات
والأرض فهي حرام بحرم الله إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها
ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها (3) الحديث قوله ولا يختلى

(1) الوسائل الباب 90 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) اختصر الحديث في الوسائل ب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث - 1.
(3) اختصر الحديث في الوسائل في ب 88 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
254

خلاها أي لا يقطع حشيشها أو نباتها
ومنها صحيحة زرارة وموثقته عن أبي جعفر عليه السلام
قال: حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه ويعضد
شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره (1) الخلا كما عن الجوهري
الحشيش اليابس يقال خليت الخلا واختليته أي جززته
وقطعته ولكن عن القاموس الخلا مقصورا الرطب
من النبات وعن النهاية " الخلا مقصورا النبات الرقيق
ما دام رطبا " فحينئذ يدور الأمر في الخلا بين أن يكون
الحشيش اليابس أو النبات الرطب قفلا بد من الاحتياط
في الاحتزار عن اجتذاذ كليهما حتى يحصل العمل بالامتثال
بعد تحقق توجه التكليف بحرمة اجتذاذ الخلا.
ثم إنه إذا عصى أحد وقطع من الشجر شيئا فهل
يجوز لغير القاطع استعمال ذلك العود في السواك أو غيره
أم لا؟ كما أن أهل مكة كثيرا ما يكون فعلهم كذلك فهل
يجوز لغيرهم استعمال ذلك أو لا؟ ربما يحتمل القول بعدم
الجواز للنهي عن قطع شجر الحرم فهذا العود مما قطع محرما
فلا يجوز استعماله كما أن الصيد إذا صاده المحرم حرم على

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
255

المحل أكله إلا أن الظاهر أن ما نحن فيه ليس كالصيد أما
أولا فلحرمة القياس له نص خاص بخلاف
ما نحن فيه وثانيا بأن الصيد يشترط فيه أن يكون الصائد
أهلا للصيد ومع فقدان الأهلية كالمحرم يحرم الصيد بخلاف
ما نحن فيه فلذا إذا انكسر الغصن بالهواء أو غيره لا نلتزم بحرمة
استعماله مع أنه يمكن دعوى انصراف الأدلة عما نحن فيه
مما يكون قلعه أو كسره بسبب جان آخر فإن أدلة حرمة
قطع الشجر أو النبات لا تتوجه إلى هذا الذي يستعمله
بعد قطع الآخر له لعدم كونه قاطعا وعدم الدليل على حرمة
استعماله على غير القاطع.
ثم إنه استثنى في الأخبار من حرمة قطع الشجر والنبات
أمور الأول ما إذا نبت الحشيش أو النبات والشجر في
ملكه - كما في الشرائع - والظاهر عدم اعتبار كون الملك في البيت
أو المنزل كما يظهر من الأخبار الآتية، والدليل على هذا الاستثناء
الروايات منها رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: إن بنى
المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وإن كانت نبتت
في منزله وهو له فليقلعها (1) والدليل على اعتبار الملكية

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
256

في المنزل يمكن أن تكون هذه الرواية فإن عبر فيها " وهو له "
ولكن لا دلالة فيها على ذلك فإن اللام كما تجيئ بمعنى
الملكية تجيئ بمعنى الاختصاص أيضا والظاهر هنا إرادة
المعنى الثاني بقرينة صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم؟
فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ
المضرب فليس له أن يقلعها وإن كانت طرأت عليه فله
قلعها (1).
فإن من المعلوم أن المضرب أي محل ضرب الخيمة
لم يكن غالبا ملكا للمالك الضارب للخيمة كما لا يخفى فإذا
المناط في جواز قلع الشجر والنبات هو ما إذا طرأتا بعد
نزوله بالمنزل سواء كان المنزل ملكا له أو أرضا مباحة أو إجارة
بل أو غصبا وإن لم يذكر الأستاذ هذا الأخير ولا يكفي
مجرد الملكية إذا لم يصدق عليه المنزل فما في الجواهر من أن
الظاهر عدم الفرق بين المنزل وغيره " إن كان مراده عدم
الفرق بين المنزل وغيره بأن يعتبر كونه ملكا له سواء كان

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
257

فيه منزل له أو لا فهو غير صحيح لأن المستفاد من رواية
حاد وصحيحته الأخرى اعتبار وجود المنزل وإن كان
مراده أنه لا يعتبر أن يكون له منزل مبنى من الطين
والآجر والسمند بل يكفي المنزل وإن كان ينحو الخيمة
أو غيرها بأن نزل في ذلك المكان بأي نحو اتفق
فهو صحيح كما يستفاد من قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة
أو يتخذ المضرب.
ومنها رواية إسحاق بن يزيد أو حسنته قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام الرجل يدخل مكة فيقطع من
شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع
ما لم يدخل منزلك (1).
ثم إنه على فرض جواز قطع الشجر أو النبات في صورة
ما كان داخلا عليه في المنزل بأن دخل عليه بعد بناء
المنزل فهل يجوز له أن يستنيب غيره في قطعه؟ ربما
يقال: حيث إن فعل النائب كفعل المنوب عنه فلا مانع
من قطع الغير له، ويرد عليا جميع الموارد ليس من هذا

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
258

القبيل فإنه إذا كان كنس المسجد له مستحبا لا يجوز له استنابة
الحائض أو الجنب لكنسه فجواز الاستنابة منوط بجواز تحقق هذا
الفحل من النائب وحيث إن النائب لم يكن نازلا
في هذا المنزل فالشجر أو النبات باق على حكمه من حرمة
قطعه.
الثاني من موارد الاستثناء من حرمة القطع.
ما إذا كان القاطع أنبته أو غرسه فحينئذ يجوز له قطعه
ومستند الاستثناء صحيحة حريز المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على
الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته (1).
وربما يعد هذا من فروع القسم الأول فإن
القسم الأول مفروضه ما إذا نبت في ملكه إلا أنك قد عرفت
هناك عدم اعتبار الملكية في المنبت مضافا إلى الفرق
بين القسمين فإن القسم الأول هو ما إذ سبقته النبات
قبل أن ينزل في هذا المنزل أو خرج النبات بعد نزوله
وهذا القسم ما إذا أنبته أو غرسه هو إلا أن يقال إن هذا
القسم من متفرعات القسم الأول ببيان أن القسم الأول

(1) الوسائل الباب 86 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
259

هو ما إذا لحقه النبات بعد نزوله أي خرج بعد أن نزل المنزل
سواء كان خروج النبات بسبب غرسه أو خرج بنفسه فحينئذ
يمكن عد كليهما قسما واحدا من موارد الاستثناء
القسم الثالث من موارد الاستثناء قلع شجر الفواكه
والدليل على استثنائه - بعد دعوى الاجماع - رواية سليمان
بن خالد أو حسنته عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق
به ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه (2).
وضعف الروايتين منجبر بما عرفت من دعوى الاجماع
الرابع من موارد الاستثناء الإذخر والنخب ل والدليل
على استثنائهما أولا دعوى الاجماع كما عن المنتهى والتذكرة
وثانيا بعض الأخبار أما استثناء النخل فقد عرفت من الروايتين
المتقدمتين آنفا، وأما الإذخر فعن دعائم الاسلام عن جعفر
بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلى الله
عليه وآله نهى أن ينفر صيد مكة وأن يقطع شجرها وأن يختلى خلاها

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 9.
(2) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 9.
260

ورخص في الإذخر وعصا الراعي (1).
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: رخص
رسول الله صلى الله عليه وآله في قطع عودي المحالة وهي
البكرة التي يستسقى بها من شجر الحرم والذخر (2).
وضعف الروايتين منجبر بما عرفت من دعوى الاجماع
الخامس مما استثناه بعضهم من شجر الحرم ومستند الاستثناء
الرواية المتقدمة آنفا أعني رواية زرارة.
إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها لضعفها وعدم جابر
لها فإنه لم يعمل بها إلا القليل كابن سعد والشيخ في التهذيب
على ما حكي عنهما فحينئذ لا يوجد دليل معتبر على استثنائهما
فالمرجع حينئذ العمومات الدالة على حرمة شجر الحرم.
(العشرون:)
من المحرمات تغسيل الميت المحرم وتحنيطه بالكافور والطيب
ومستند الحرمة - بعد دعوى عدم الخلاف كما في الجواهر روايات
مستفيضة منها رواية أبي مريم عن الصادق عليه السلام قال: خرج الحسين
بن علي عليهما السلام وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس وعبد الله

(1) مستدرك الوسائل (الطبعة القديمة) ج 2 ص 125.
(2) الوسائل الباب 87 من أبواب تروك الاحرام الحديث.
261

بن جعفر ومعهم ابن الحسن عليه السلام يقال له: عبد الرحمن فمات
بالأبواء وهو محرم فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه
ورأسه ودفنوه (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد
الله عليهما السلام قال: سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟
قال يغطي وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل (بالحلال خ ل) غير أنه
لا يقربه (لا يقرب خ ل) طيبا (2).
ومنها رواية ابن أبي حمزة عن بأي الحسن عليه السلام في المحرم
يموت قال: يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس
شيئا من الطيب (3).
ومنها ما عن عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الأحسائي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في محرم وقصت
به ناقته فمات: لا تقربوه كافورا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا (4).
ثم إنه كما إذا امتنع تغسيل الميت بماء الكافور لفقدانه يجب
تغسيله بماء القراح كذلك إذا امتنع تغسيله بماء الكافور شرعا
كما عنا لأن الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي فحينئذ يقوم

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب غسل الميت الحديث 8.
(2) الوسائل الباب 83 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 10.
(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 10.
262

تغسيله بماء القراح مقام تغسيله بماء الكافور والظاهر عدم
وجوب غسل مس الميت على من مسه بعد هذا الغسل
وإن احتمله بعضهم.
(فرع:)
هل يجوز تطييب الميت المحرم بخلوق الكعبة؟
يحتمل جواز ذلك لأن هذا الميت عندما كان حيا
كان يجوز له أن يطيب نفسه بخلوقها وبعد موته فليكن
كذلك أو بطريق أولى.
ولكن يرد عليه أن هذا قياس مع الفارق فإن
ما كان جائزا في حال حياته هو تطييب الغير إياه بالخلوق
فالذي كان جائزا هو فعل نفسه وما نريد اثبات جوازه
هو فعل غيره فلا يقاس أحد الفرضين بالآخر فلا يبعد
القول بعدم الجواز والله العالم.
(الحادي والعشرون:)
لبس السلاح للمحرم وحرمته مشهورة بين الأصحاب
ومستندها روايات منها صحيحة عبد الله بن سنان
263

قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أيحمل السلاح المحرم؟ فقال:
إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح (1).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: المحرم إذا
خاف لبس السلاح (2).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس
بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو (3).
ومنها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: إن
المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه (4).
وهذه الروايات تدل مفهوما على حرمة لبس السلاح
على المحرم إذا لا يخاف العدو.
إلا أنه أورد على دلالتها بأن الشرط - أي قوله
" إذا خاف العدو فيها البيان تحقق الموضوع كما إذا
قيل إذا رزقت ولدا فاختنه ومن المعلوم أن لا حاجة
إلى حمل السلاح مع عدم الخوف من العدو فحينئذ قوله
إذا خاف العدو فلبس السلاح لبيان موضوع حمل
السلاح وليس لمثل هذا الشرط مفهوم ويمكن الجواب

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب تروك الاحرام ح 2 - 3 - 4 - 1
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب تروك الاحرام ح 2 - 3 - 4 - 1
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب تروك الاحرام ح 2 - 3 - 4 - 1
264

عنه بأن مورد الروايات ليس من قبيل إن رزقت ولدا
فاختنه فإن المثال لا معنى لتحقق الختان بدون تحقق
الولد بخلاف ما نحن فيه فإنه يمكن فيه حمل السلاح بدون
تحقق الخوف فحينئذ السالبة فيه بنفي المحول ففيه
المفهوم ومن المعلوم حجية مفهوم الشرط كما حقق في
الأصول.
والقدر المتيقن من مورد هذه الروايات هو حرمة
لبس السلاح على المحرم فلا تشمل مثل حمل السلاح لأنه لا
يصدق عليه لبس السلاح مع أن مورد هذه الأخبار هو
لبس السلاح فلاحظها نعم في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيحمل السلاح المحرم؟ فقال:
إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح " اشعار باتحاد
الحمل واللبس فإن مورد السؤال الحمل فأجاب (ع) باللبس
فيعلم من الرواية اتحادهما حكما إلا أن المشهور لم يحكوا بحرمة الحمل
وحكموا بحرمة اللبس فقط، ومقابل المشهور القائلين في جملة من كتبه و
مستند هؤلاء أو لا هو التمسك بالأصل - أي أصالة البراءة
- من الحرمة وفيه أن الأصل مقطوع أي أصالة البراءة
- عن الحرمة وفيه أن الأصل مقطوع بالدليل وثانيا الخدشة
265

في دلالة الروايات المتقدمة بحملها على الاستحباب تارة و
بأن الشرط فيها لبيان تحقق الموضوع أخرى وثالثة بأن
مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة مشتمل على ما لا قائل به وهو
وجوب الكفارة على من لبس السلاح بلا عذر وثالثا ظهور
حسنة حريز عن الصدق عليه السلام قال لا ينبغي أن يدخل المحرم
بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه (1) - في الكراهة دون
الحرمة.
والجواب أما عن الأول فبأن الحمل على الاستحباب لا
دليل عليه وعن الثاني فبما مؤمن أنكاه حمل الشرط على السالبة
بانتفاء المحمول وعن الثالث بأن اشتمال الرواية على ما لا
قائل بن لا يخرجها عن الحجبة غاية الأمر سقوط هذه الجملة
غير معمول بها عن الحجية لاعراض الأصحاب عنها، وأما
كلمة " لا ينبغي " فمع أنه لا ظهور لها في الاستحباب خصوصا
بعد ملاحظة سائر الأخبار يمكن أن يكون موردها هو
من يدخل الحرم سواء كان محلا أو محرما لأنه ليس في الرواية
ظهور في كون الحكم مختصا بالمحرم فهذه الرواية نظير أبي بصير

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.
266

قال لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده ولكن إذا دخل
مكة لم يظهره (1).
فهذا الحكم أعني دخول مكة أو الحرم غير متسلح من أحكام
مكة أو الحرم فتلخص مما ذكرنا أن المحرم
لا يجوز له لبس السلاح على الأقوى إلا ما استثنى وأما
حمل السلاح فيجوز له ذلك والأدلة المشعرة بحرمته أو المدعاة
دلالتها على الحرمة قاصرة أما باعراض المشهور عنها أو يكون
موردها مطلق من دخل الحرم ولا اختصاص لها بالمحرم
وهي - أي الأدلة الدالة على أنه لا يدخل الحرم مع السلاح
- أيضا قاصرة لإفادة حرمة حمل السلاح عند دخول الحرم
أما سندا أو دلالة قان الأصحاب قد أعرضوا عن الافتاء
بمضمونها فلا بد من حملها على الكراهة
وقد ذكر بعض الفقهاء المحرمات للمحرم غير ما ذكرنا
والمشهور هو الذي ذكرناه.
وأما مكروهات الاحرام فهي عشرة ينبغي لنا أن
نذكرها الأول الاحرام في الثياب السود لقول الصادق
عليه السلام في موثقة الحسين بن المختار: قال قلت له: يحرم
الرجل في الثوب الأسود؟ قال: لا يحرم في الثوب الأسود

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 فقلناها ملخصا.
267

ولا يكفن به الميت (1).
والقرينة على كون المراد منها الكراهية - مع أن ظاهرها الحرمة
هي قوله عليه السلام: ولا يكفن به الميت " للاجماع على جواز تكفين
الميت بالأسود فهذه الرواية نظير قول أمير المؤمنين عليه السلام
لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون (2).
ونظير قول الصادق عليه السلام يكره السواد إلا في ثلاثة:
الخف والعمامة والكساء (3).
بل الرواية الثانية فيها التعبير بالكراهة وإن كانت الكراهة
بحسب مصطلح الأخبار غير صريحة في الكراهة المصطلحة.
الثاني من المكروهات الاحرام في الثياب المصبوغة
بالعصفر وهو لون أصفر معروف وكذا المصبوغة بالزعفران والورس
إذا ذهب ريحهما وبقي لونهما بعد الغسل.
لرواية أبان بن تغلب قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام
أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل
ألبسه وأنا محرم؟ فقال: نعم ليس العصفر من الطيب ولكن
أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس (ع)، إلا أن في بعض
الروايات ما يدل على أن المكروه هو اللون المشبع لا مطلق

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب لباس المصلي الحديث 5 - 1.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب لباس المصلي الحديث 5 - 1.
268

اللون كرواية عامر بن جذاعة أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
مصبغات الثياب يلبسها المحرم؟ قال: لا بأس به إلا المفدمة
المشهورة (1).
قال في مجمع البحرين الثوب المفدم باسكان الفاء:
المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا كأنه لتناهي حمرته كالممتنع من قبول
زيادة الصبغ انتهى.
وفي رواية علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه السلام يلبس - المحرم
الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس
به (2). وهما محمولتان على مطلق الجواز ولا تنافيان الكراهة.
وفي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: لا
تلبس المحرمة الحلي والثياب المصبغات إلا ثوبا لا
يردع وفي بعض النسخ " إلا صبغا لا يردع " (3).
وعن القاموس: الردع الزعفران أو لطخ منه أو من الدم
أو أثر الطيب في الجسد انتهى وحاصل معنى الرواية على
هذا المعنى أن الثوب المصبوغ لا تلبسه المحرمة إلا الصبغ
الذي لا يتأثر الجسد منه بأن كان خفيفا فيعلم من هذه
الروايات أن المكروه لبس الثوب بالمصبوغ الشديد الحمرة
أو غيرها في الاحرام لا مطلق الملون وإن كان لونه خفيفا

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
269

وربما يستفاد من رواية أبان المتقدمة أن ملاك الكراهة
هو حصول الشهرة في ما بين الناس فحينئذ كل لون يكون
سببا للشهرة يمكن أن يقال بكراهيته وإن لم يكن معصفرا
أو أحمر بل وإن كان أخضر أو أزرق فما في خبر خالد
بن أبي العلاء قال: رأست أبا جعفر عليه السلام وعليه رداء
أخضر وهو محرم (1):
وكذا رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سمعته وهو يقول كان علي عليه السلام محرما ومعه بعض
صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان فرم به عمر بن الخطاب
فقال: يا أبا الحسن ما هذان الثوبان؟ فقال له علي عليه
السلام ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة إنما هما ثوبان
صبغا بالمشق (2) - يمكن حملهما على ما لا يحصل به
الشهرة وكيف كان فالروايتان دالتان على عدم الكراهة
في مطلق الصبغ.
وكذا يكره النوم عليها - أي على الثياب المزبورة على
ما حكي عن النهاية والمبسوط والتهذيب والجامع والتذكرة

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الاحرام الحديث 1. (2) الوسائل الباب 42 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
270

والتحرير والمنتهى إلا أنا لم نظفر بمستند الكراهة سوى رواية
أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكره للمحرم أن ينام
على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء (1) الموفقة المخدة
ورواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كره أن ينام المحرم على فراش أخضر أو على مرفقة
صفراء (2).
ولا بأس بالقول بها - أي الكراهة - فإنه يتسامح في
أدلة السنن والمكروهات ما لا يتسامح في غيرهما.
(الثالث:)
الاحرام في الثياب الوسخة ومستند الكراهة صحيحة محمد
بن مسلم أنه سأل أحدهما عليهما السلام عن الرجل يحرم في ثوب
وسخ؟ قال لا ولا أقول إنه حرام ولكن تطهيره إلى أحب (3)
والمراد بتطهيره غسله ولو عرض له الوسخ في الأثناء أخر
غسله إلى أن يحل وتدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام أيضا قال: لا يغسل الرجل
ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل، وإن توسخ إلا أن تصيبه

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
271

جنابة أو شئ فيغسله (1).
(الرابع:)
الاحرام في الثياب المعلمة لصحيحة معاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام قال: لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب
المعلم وتركه أحب إلى إذا قدر على غيره (2).
والمراد بالثياب المعلمة ما اشتملت على لون يخالف
لونها إما بالحياكة كالمقلم أو بالتطريز أو بالصبغ.
(الخامس:)
الحناء للزينة بل قيل بالحرمة ومستند القول بالأول - أي
الكراهة - رواية الكناني أنه سأل الصادق عليه السلام عن امرأة
خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها
بالحناء قبل ذلك؟ قال ما يعجبني أن بفعل (3) - بناءا
على حملها على صورة عدم الضرورة بأن لا ينحصر علاج
الشقاق بالحناء وإلا فلا يكره أيضا وهذه الرواية وإن كان
موردها المرأة إلا أن اشتراك الرجل مع المرأة في الأحكام
الشرعية يستلزم عدم الاختصاص ولكن تعارض الرواية

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
272

بالنسبة إلى الرجل صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام
قال: سألته عن الحناء فقال: إن الحرم ليمسه ويداوى به
بعيره (بغيره كدا خ ل) وما هو بطيب وما به بأس (1).
إلا أن هذه الرواية لا تدل على أكثر من الجواز غير المنافي
للكراهة وأما مستند القول بالحرمة فهو عمومات المنع من
الزينة كالنظر في المرآة للزينة والاكتحال ولبس الخاتم للزينة
ولكن هذا القول كالاجتهاد في مقابل النص فإن
الروايتان المتقدمتان دلتا على جواز هذا النحو من الزينة
فكأن هذا الحكم أعني حرمة الزينة على المحرم مخصوص بغير
الحناء والفارق بين كونه للزينة أو غيرها هو القصد.
(السادس:)
النقاب للمرأة قال في الشرائع والنقاب للمرأة على
تردد " أي من المكروهات النقاب الخ ومستند الكراهة
صحيح العيص عن الصادق عليه السلام قال: المحرمة تلبس ما
شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين وكره النقاب (2).
ورواية يحيى بن أبي العلاء عنه عليه السلام أنه كره للمحرمة
البرقع والقفازين (3) بناءا على أن المراد بالبرقع النقاب

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9 - 6.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9 - 6.
273

والظاهر هو الفرق بينهما ويمكن أن يكون وجه تردد صاحب
الشرائع هو دلالة الأخبار المتقدمة في باب حرمة تغطية
المرأة وجهها - على وجوب أسفار الوجه عليها.
كحسنة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المحرمة لا تتنقب لأن احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه (1).
وحسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: مر أبو جعفر عليه السلام
بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال: احرمي واسفري وأرخي
ثوبك من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير
لونك (2).
ورواية أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال: مر
أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة وقد استترت بمروحة فأماط
المروحة بنفسه عن وجهها (3).
ورواية أبي عيينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما
يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال: الثياب
كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير (4).
فكيف التوفيق بين هذه الروايات وصحيحة العيص
التي كره عليه السلام النقاب عليها؟ وقيل في الجمع بينهما - كما عن

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب مقدمات الاحرام ح 1 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب مقدمات الاحرام ح 1 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب مقدمات الاحرام ح 1 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 3.
274

كشف اللثام - بحمل صحيحة العيص على النقاب الذي
لا يكون مماسا للوجه وحمل الروايات الدالة على الحرمة
على الذي يكون مماسا للوجه وفيه أنه إذا صح هذا
الحمل فلا وجه للتردد في الكراهة - مضافا إلى أن هذا الحمل
لا يحتمله حسن ابن ميمون فإنه صرح فيه بأن المحرمة لا تتنقب
الشامل باطلاقه للمماس للوجه وغير المماس له وكذا حسن
الحلبي الدال على النهي عن النقاب مع أن هذا الجمع لا يلائم
الروايات الدالة على وجوب اسفرار الوجه على المحرمة حيث إن
النقاب غير المماس للوجه لا يصدق عليه أنها سافرة الوجه بل
هي مغطية الوجه.
وربما يجمع بينهما بالقول بكراهة خصوص النقاب بخلاف
سائر أقسام الستر له فإنها محرمة إلا أن هذا الجمع أضعف من
سابقه فإنه - مضافا إلى ما يرد على سابقه من أنه لا وجه للتردد
في الكراهة - تعرضه نفس الروايات الدالة على التحريم فإنه
قد صرح في حسن ابن ميمون أنها (أي المحرمة) لا تتنقب فالأقوى
- وفاقا لصاحب الجواهر - هو الحكم بحرمة النقاب على المحرمة وحمل
لفظ الكراهة في الروايتين المتقدمتين على الحرمة فإن الكراهة
الواقعة في الروايات ليست بمعنى الكراهة المصطلحة إلا ما إذا
دل الدليل في مورد على ذلك.
275

(السابع:)
دخول الحمام، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه انتهى
والدليل على الكراهة هو رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال لا يدخل (1).
أقول الرواية وإن كانت ظاهرة في الحرمة إلا أن الأصحاب
حملوها على الكراهة، ولا تعارض الرواية الروايتان الآتيتان في
التدلك لأنهما في بيان أصل الجواز الذي لا ينافي الكراهة.
(الثامن:)
يكره للمحرم التدلك في الحمام وغيره لصحيحة معاوية بن
عمار عنه عليه السلام عن المحرم يغتسل؟ قال نعم يفيض الماء على رأسه
ولا يدلكه (3)، وهاتان الروايتان تصلحان للقرينية
بأن المراد في قوله عليه السلام في رواية عقبة بن خالد لا يدخل
الكراهة لا الحرمة فالمراد منهما بيان أصل جواز دخول الحمام وهو

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 76 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 75 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
276

لا ينافي الكراهة.
(التاسع:)
أنه يكره للمحرم أن يلبي من يناديه لأنه - كما في الجواهر -
في مقام التلبية لله تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك
غيره معه " ولصحيحة حماد عن الصادق عليه السلام قال: ليس
للمحرم أن يلبي من دعاه حتى يقضي احرامه قال: قلت:
كيف يقول؟ قال: يقول: يا سعد (1).
ومرسلة الفقيه عنه عليه السلام قال: يكره للرجل أن يجيب
بالتلبية إذا نودي وهو محرم (2).
(العاشر:)
استعمال الرياحين أو شمها، قال في الجواهر كما في
النافع والقواعد وعن الإسكافي والنهاية والوسيلة بل والحلي
وإن كنا لم نتحققه لأنه ترفه وتلذذ لا يناسب المحرم الأشعث
الأغبر انتهى ومستند هؤلاء للكراهة هو حسنة معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة (3).
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال: لا بأس أن تشم الإذخر

(1) الوسائل الباب 91 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 91 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
277

والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم (1).
وما عن الفقيه عن إبراهيم بن أبي سفيان أنه كتب
إلى أبي الحسن عليه السلام المحرم يغسل يده بالأشنان فيه اذخر؟
فكتب لا أحبه لك (2).
ولكن هذه الأخبار معارضته لجملة من النصوص التي فيها الصحيحة
والموثقة والحسنة التي تقدم بعضها في حرمة مس المحرم للطيب
أو شمه فلنذكر هنا بعضها.
منه رواية النضر بن سويد عن موسى بن جعفر عليهما السلام
قال: إن المحرمة لا تمس طيبا (3).
ومنها رواية حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله عليهما السلام
إني جعلت ثوبي احرامي مع أثواب جمرت فأخذا من ريحها
فقال انشرها في الريح حتى يذهب ريحها (4).
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال من أكل
زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم قفان كان ناسيا
فلا شئ عليه ويستغفر الله ويتوب إليه (5).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال لا تمس
شيئا من الطيب ولتا من الدهن في احرامك واتق الطيب في زادك (6)

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 4 - 9.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 4 - 9.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
(6) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7 - 4 - 9.
278

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة وهذه الروايات كما تراها
فيها اطلاق يشمل جميع أقسام الطيب فتلك الأخبار بحسب
الظاهر معارضة لهذه الروايات.
إلا أنه يمكن الجمع بينهما بحمل الروايات الدالة على عدم البأس
كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة - على عدم البأس في
أمور معدودة كالتي ذكرها (ع) في الصحيحة من الإذخر والقيصوم
والخزامي والشيح وإنما يقع الكلام في قوله (ع) " وأشباهه "
فإن وجه الشبه إن كان من حيث إنه ريحان فتعارضه الروايات
المتقدمة وإن كان وجه الشبه من حيث إنه ريحان فتعارضه الروايات الماضية وإن
كان وجه الشبه من جهة أنه من نبات البر ومن نبات الصحراء
التي لا ينبتها الآدميون يندفع المعارضة حينئذ بين الروايات
فتختص الحرمة بالنبات الذي له ريح طيبة وينبته الآدميون،
والحلية وعدم البأس بالنبات الذي له ريح طيبة ولا ينبته
الآدميون كنبات الصحراء الذي ينبت من قبل نفسه،
وحيث إنه لا يعلم ما المراد من كلمة " أشباهه " لا يمكن حمل
الأخبار الظاهرة في الحرمة بالنسبة إلى استعمال الطيب على المحرم
- على الكراهة لأجل هذه الأخبار الظاهرة في الكراهة.
279

الوقوف بعرفات والنظر في مقدمته وكيفيته وختمته
أما المقدمة فيستحب للمتمتع أن يخرج يوم التروية إلى
عرفان بمعنى الخروج من مكة يوم التروية وهو يوم الثامن
من ذي الحجة إلى منى بعد ما يصلي ركعتين أو الظهرين
على ما يأتي ثم المبيت ليلة العرفة بمنى والخروج يوم عرفة
إذا أصبح من منى إلى عرفات.
أما الخروج يوم التروية لا قبله فيدل على استحبابه صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم
التروية إن شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوبك وادخل
المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ثم صل ركعتين
عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر ثم اقعد حتى تزول
الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت
حين أحرمت من الشجرة وأحرم بالحج الخبر (1).
وظاهر الأمر وإن كان هو الوجوب إلا أن الأصحاب
لم يعملوا بظاهره وحكموا بالاستحباب مضافا إلى دلالة الأخبار
الآتية. وأما جواز التأخير من يوم التروية فمع تحويز الأصحاب

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
280

ذلك دلت الروايات الكثيرة عليه.
فمنها الرواية المروية عن أبي الحسن عليه السلام من أنه (ع)
دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأعمال العمرة وأحل وجامع
بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج إلى منى (1).
ومنها صحيحة أحمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عنه
عليه السلام أنه قال في حديث وموسع للرجل أن يخرج إلى
منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح (2).
فإنه يستفاد منها أنه لا يفوته الموقف.
ومنها رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الذي يريد أن يتقدم فيه إلى منى الذي ليس له
وقت أول منه قال إذا زالت الشمس وعن الذي يريد
أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أي ساعة يسعه أن يتخلف؟
فقال: ذلك موسع له حتى يصبح بمنى (3).
يعني يجوز له أن يبيت بمكة بمقدار إذا خرج من مكة إلى
منى للإفاضة إلى عرفات يقدر أن يصبح بمنى فيجوز له
أن يخرج آخر ليلة عرفة حتى يصبح بمنى فيخرج صباحا من منى
إلى عرفات فما حكي عن ابن حمزة من عدم جواز التأخير

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب التقصير الحديث 1.
(2) التهذيب ج 5 ص 176 - على ما حكي عنه.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
281

عن زوال الشمس من يوم التروية عملا بصحيحة عمار المتقدمة
أي بظاهرها - ليس في محله - بعد ظهور هذه الروايات
في جواز التأخير إلى أن يضيق وقت الموقف.
وأما ايقاع الاحرام بعد الركعتين أو الظهرين فهو
مختص بمن عدا الإمام والمراد بالإمام هنا هو أمير
الحاج وأما الإمام فيستحب أن يأتي بالظهرين في منى
فحينئذ يستحب أن يكون خروجه قبل الزوال والدليل على
ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
إذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم هذه مني وهي مما مننت بها
علينا من المناسك فأسألك أن تمن علي بما مننت به
على أنبيائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ثم تصلي
بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والإمام يصلي
بها الظهر لا يسعه إلا ذلك وموسع لك أن تصلي
بغيرها أن لن يقدر (1).
وصحيحة جميل بن دراج عنه عليه السلام قال: ينبغي
للإمام أن يصلي الظهرين يوم التروية بمنى ويبيت
بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج (3).

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب احرام الحج الحديث 2 نقلها باختصار.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث 6.
282

وكلمة " ينبغي " ظاهرة في الاستحباب فتحمل صحيحة معاوية
التي قال فيها " لا يسعه إلا ذلك " على الاستحباب المؤكد
كما عن المشهور نعم عن الشيخ في التهذيب أنه قال فأما
الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية
إلا بمنى " وحمل كلامه رحمه الله على الاستحباب المؤكد.
وأما غير الإمام فقد عرفت أن المستفاد من صحيحة
معاوية بن عمار التي نقلناها في صدر هذا المبحث أنه يحرم
من مكة بعد الزوال وبعد المكتوبة ولكن لا يعلم ما المراد
بالمكتوبة الواقعة في الصحيحة فإن كان المراد منها الظهرين
كما هو اختيار الشيخ في محكى النهاية فيعارضها صحيح عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية
فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام
ثم أهل بالحج.
فإن كنت ماشيا فلب عند المقام وإن كنت راكبا
فإذا نهض بك بعيرك وصل الظهر إن قدرت بمنى (1).
وكذا تعارضها صحيحته الأخرى التي تقدمت آنفا عنه عليه السلام
قال: إذا انتهيت إلى منى فقل (وذكر الدعاء إلى أن قال:) ثم تصلي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1
283

بها الظهر والعصر للحديث (1).
وإذا ذهب المفيد والمرتضى رضوان الله تعالى عليهما
إلى استحباب الخروج إلى منى قبل الاتيان بالظهرين وايقاعهما
بمنى وقال في محكى المدارك والأصح التخيير لغير الإمام
بين الخروج قبل الصلاة وبعدها انتهى.
وحينئذ يحتمل أن يكون المراد بالمكتوبة الواقعة في صحيحة
عمار الظهرين ويحتمل أن يكون المراد بها صلاة واحدة مفروضة
وإن كانت قضاءا فإن قلنا بالاحتمال الأول فمقتضى الجمع
بينها وبين غيرها من الروايات التخيير بين ايقاعهما أعني
الظهرين بمكة وايقاعهما بمنى وإن قلنا بالاحتمال الثاني
يندفع المعارضة بين الروايات.
ووجه آخر للجمع بين الروايات إن في بعض روايات
اتيان الظهر بمنى التقييد بقوله عليه السلام " إن قدرت " كصحيحة
عمر بن يزيد وصحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: إذا انتهت إلى منى فقل (وذكر الدعاء إلى أن قال:)
ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر
والإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك موسع عليك

(1) الوسائل الباب الأول من أبواب احرام الحج الحديث 1.
284

أن تصلي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات (1).
وموثقة أبي بصير عنه عليه السلام أنه قال في حديث ثم
تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت وتقول
لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك وإن قدرت أن يكون رواحك
إلى منى زوال الشمس وإلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية (2).
فحينئذ يمكن الجمع بين الروايات بأن الأفضل الاتيان
بالظهر بمنى في صورة القدرة وإن لم يقدر فالأفضل اتيانها
في المسجد الحرام وهذا الجمع أوجه من التخيير الذي اختاره في
المدارك والله العالم.
(وأما كيفية الوقوف بعرفات:)
فهو - أي الوقوف - يشتمل على واجب ومستحب
وهل يعتبر فيه خصوص الوقوف أو يكفي مطلق الكون سواء
كان قائما أو قاعدا أو راكبا أو مضطجعا بل أو نائما؟ الظاهر
هو الثاني فحينئذ التعبير بالوقوف في الأخبار وكلمات الأصحاب
لأجل أنه أفضل الأفراد خلافا لكشف اللثام من الاستشكال

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 2.
285

بالنسبة إلى الركوب إلا أنه في غير محله لرواية حماد بن عيسى
قال رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام بالموقف
على بغلة رافعا إلى السماء عن يسار وإلى الموسم حتى
انصرف وكان في موقف النبي صلى الله عليه وآله وظاهر
كفيه إلى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابتيه (1).
ثم إنه هل يجب استيعاب الكون بعرفات من أول الزوال
إلى غروب الشمس أو يكفي مسمى الكون ولو آنا ما بل ولو
بنحو المرور منها؟ ربما يقال بالثاني.
فعن التذكرة إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء
عرفة ولو مجتازا مع النية وعن السرائر إن من الواجب
هو الوقوف بسفح الجبل أي جبل عرفات ولو قليلا بعد الزوال
واستدل لهذا القول بأنه يكفي مسمى الوقوف في تحقق
الركن فليكن الواجب هو الركن وهو مسمى الوقوف.
ولكن الظاهر هو القول الأول أما وجوب الوقوف
إلى غروب الشمس من يوم عرفة وحرمة الخروج منها قبل
الغروب فيدل عليه مضافا إلى دعوى الاجماع بقسميه عليه روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
286

المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم
رسول الله صلى الله عليه وآله فأفاض بعد غروب
الشمس (1).
ومنها موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام متى تفيض من عرفات؟ فقال إذا
ذهبت الحمرة من ههنا وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع
الشمس (2).
ومنها روايته الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة
يعني من الجانب الشرقي (3).
ومنها الروايات الدالة على وجوب الكفارة على من
أفاض قبل الغروب من عرفات وستأتي إن شاء تالله تعالى
وأما وجوب الوقوف من أول الزوال فلم يدل
عليه دليل سوى ما يستشعر من بعض الأخبار.
منها ما في صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
المبين لحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى الله عليه
وآله انتهى إلى نمرة وهي بطن أرنة بحيال الأراك فضرب قبته
وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
287

رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قريش وقد اغتسل
وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم
ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى
إلى الموقف فوقف به (1) الحديث.
ومنها رواية سماعة بن مهران عن أبي بصير عنه عليه السلام
قال: لا ينبغي الوقوف تحت الأراك فأما النزول تحته
حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس (2).
ومنها رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال إنما تعجل
الصالة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء
ومسألة ثم تأتي الموقف (2) للحديث.
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال إن إبراهيم
عليه السلام أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية
فقال: يا إبراهيم ارتو من الماء لك ولأهلك (إلى أن قال):
ثم ذهب به حتى أتى منى، فصلى بها الظهر والعصر و
العشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل
بنمرة وهي بطن عرفة فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل فصلى
الشهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وصلى في موضع من

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب احرام الحج الحديث 7.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
288

المسجد الذي بعرفات (إلى أن قال): ثم مضى به إلى
الموقف (1) الحديث.
وليس في هذه الروايات دلالة على وجوب الوقوف
من أول الزوال بل هي على عدم اعتبار الوقوف من أول
الزوال أدل فإنها تدل على جواز التأخير إلى أن يصلي
الظهرين في غير عرفات ثم يأتي الموقف بل في رواية
المجالس ما يدل على أن الواجب الوقوف بعد العصر
ففي المجالس قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل وكان
فيما سأله أن قال: أخبرني لأي شئ أمر الله بالوقوف
بعرفات بعد العصر؟ فقال النبي صلى الله وآله وسلم
إن العصر هي الساعة التي عصى آدم فيها ربه ففرض
الله عز وجل على أمتي الوقوف والتضرع والدعاء في
أحب المواضع إليه وتكفل لهم بالجنة (2) الحديث.
ولكن يمكن حملها على أن المراد ببعد العصر بعد الصلاة
العصر كما في سائر الروايات وكيف كان فهذه الروايات

(1) لم نظفر بالرواية في مظانها.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 8.
289

وإن لم تكن دالة على وجوب الوقوف من أول الزوال إلا
أنها تدل في الجملة على عدم كفاية الوقوف آنا ما حيث إن
الظاهر منها أن الواجب هو الوقوف بعد صلاة الظهرين
وبإضافة روايات عدم الإفاضة من عرفات قبل الغروب
يستفاد منها وجوب الوقوف من بعد صلاة الظهرين
إلى غروب الشمس خصوصا مع ضميمة الروايات الدالة
على ثبوت الكفارة عليه إذا خرج من عرفات قبل غروب
الشمس.
ثم إنه إذا خرج من عرفات قبل الغروب فإما أن
يخرج عامدا أو ناسيا أو جاهلا فإن خرج عامدا فعليه
بدنة ومستنده - بعد دعوى الاجماع كما في الجواهر - روايات
منها صحيحة مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام
في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال:
إن كان جاهلا فلا شئ عليه وإن كان متعمدا فعليه بدنة (1).
ومنها رواية الحسن بن محبوب عن رجل عنه عليه السلام
في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغرب الشمس قال:
عليه بدنة فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما (2).

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2.
290

ومنها صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب
الشمس قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فإن لم يقدر
صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله (1).
نعم عن الصدوقين إن عليه دم شاة، ولم يعلم
مستنده سوى اطلاق ما روي عن النبي صلى الله
عليه وآله قال: من ترك نسكا فعليه دم (2) إلا أنه لا يمكن
رفع اليد من تلك الروايات التي فيها الصحيحة المصرحة
في كون الكفارة بدنة باطلاق هذه الرواية المرسلة التي
يمكن تقييدها بتلك الروايات.
ثم إنه بخروجه عن الموقف قبل الغروب يأثم
سواء عاد إليه قبل الغروب أو لا فما في الجواهر من
تقييد الإثم بعدم عوده لا وجه له بعد ما اختاره من
وجوب الاستيعاب من أول الزوال إلى غروب الشمس
إلا أنه مع العود تسقط عنه الكفارة كما عن الشيخ وابن
حمزة وابن إدريس تسقط عنه الكفارة كما عن الشيخ وابن
حمزة وابن إدريس واختاره في الشرائع قال في الجواهر
للأصل ولأنه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب احرام الحج الحديث 3.
(2) مستدرك الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
291

شئ انتهى والظاهر أن مراده بالأصل البراءة.
ويرد عليه أن الأصل حيث لا دليل ومع فرض الدليل
وهو اطلاق الروايات المتقدمة لا وجه لاجراء الأصل
وأما الوجه الثاني فيشبه بالاستحسان والقياس.
إلا أنه يمكن أن يقال بانصراف روايات الكفارة
عما إذا عاد قبل الغروب فلا تشملهما من أول الأمر لا أنها
تشملها من أول الأمر ثم تسقط الكفارة بسبب العود
قبل الغروب حتى يرد على ما أورده صاحب النزهة على
ما حكي عنه من أنه لا دليل على السقوط بعد ثبوت
الكفارة عليه بالخروج قبل الغروب هذا ما ذكره الأستاذ
رحمه الله تبعا لصاحب الجواهر وغيره.
ولكن يقوى بنظري القاصر أن الحق مع صاحب
النزهة من شمول المطلقات لهذا الفرض حيث إنه
يصدق عليه أنه خرج قبل الغروب فبمجرد الخروج قد شملته
روايات الكفارة باطلاقها فسقوطها عنه بالعود يحتاج
إلى الدليل وليس، ودعوى الانصراف مجازفة
هذا كله إذا خرج متعمدا وأما إذا خرج ناسيا أو
جاهلا فلا يلزمه شئ قال في الجواهر بلا خلاف أجده
فيه بل الاجماع بقسميه عليه " ومستند الحكم بعد دعوى الاجماع
292

- هو صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمة عن أبي
عبد الله عليه السلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب
الشمس قال: إن كان جاهلا فلا شئ عليه (1) الحديث.
ولفظ الرواية وإن كان لا يشمل النسيان إلا أن صورة
العمد لا يشمل النسيان أيضا وموضوع الكفارة في هذه
الصحيحة هو صورة العمد فلا يشمل صورة النسيان والروايتان
المتقدمتان أعني رواية الحسن بن محبوب وصحيحة ضريس
- وإن كانتا مطلقتين إلا أنه لا بد من حملهما على صورة
العمر جمعا بين الروايات مضافا إلى الأصل في عدم الكفارة
عليه التي تترتب على الذنب الذي هو مفقود في صورة
النسيان.
وأما الجهل الذي هو موضوع عدم وجوب الكفارة
فالظاهر أن المراد به الجهل من قصور فإن الجهل من تقصير
ملحق بالعمد.
ثم إن الوقوف بعرفات آنا ما ركن يبطل الحج
بتركه سواء كان عن عمد أو سهو أو نسيان إذا لم يدرك
الوقوف بالمشعر كما سيجيئ والدليل على كونه ركنا روايات

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
293

الكثيرة منها النبوي العامي قال: الحج عرفة (1).
ومنها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله في الموقف: ارتفعوا
عن بطن عرفة وقال أصحاب الأراك لا حج لهم (2).
ووجه أنه لا حج لهم أي الذين يقفون عند
الأراك أن الأراك من حدود العرفة وليس بها
فالوقوف عند الأراك موجب لتفويت الحج.
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: إذا وقفت
بعرفات فادن من الهضبات والهضبات هي
الجبال فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: أصحاب
الأراك لا حج لهم يعني الذين يقفون عند الأراك (3)
إلى غير ذلك من الروايات.
فالمستفاد من هذه الروايات هو بطلان الحج بترك
الوقوف بعرفات سواء كان الوقوف بغيرها بأن وقف
عند الأراك أو لم يقف أصلا ومن تركه جهلا أو نسيانا
أو لعذر تداركه ما دام وقته باقيا، وقد عرفت أن وقته
الاختياري من حين زوال يوم العرفة إلى غروبه فإن لم

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 173 على ما حكي عنه.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 10 - 11.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 10 - 11.
294

يمكنه تدارك الاضطراري منه، ووقته من أول غروب
ليلة النحر إلى طلوع الفجر بحيث يمكنه درك الوقوف بالمشعر
والدليل على ذلك كله - بعد دعوى الاجماع - الروايات
أيضا.
فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في رجل
أدرك الإمام وهو بجمع، فقال إن ظن أنه يأتي عرفات
ويقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها،
وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد
تم حجه (1).
ومنها رواية الحلبي أو صحيحته قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات
فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف
بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا
فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات وإن قدم وقد فاتته عرفات
فليقف بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض
الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة
مفردة (2).

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2.
295

ويستفاد من هذه الرواية أنه إذا لم يدرك اختياري العرفة يجب
عليه ما أمكن درك اضطراريها فإذا تركه عمدا بطل حجه وإن
أدرك المشعر حيث قال عليه السلام فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات
ومنها رواية إدريس بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أردك الناس بجمع وخشي إن مضى
إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها
فقال: إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس
فليأت عرفات فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف
بجمع ثم ليفيض مع الناس فقد تم حجه (1) إلى غير ذلك من
الأخبار.
والمراد بجمع في الروايتين المشعر الحرام وهذه الروايات
تشمل الناسي والجاهل القاصر الذي ضاق وقته ولا تشمل
العامد بقرينة قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: فإن الله تعالى أعذر لعبده
فيستفاد منها أن مورد هذه الروايات هو ما إذا كان
تركه للوقوف لعذر لا عمدا، وكذا قوله عليه السلام في الرواية
المذكورة وقد فاتته عرفات فإن لفظ الفوت يستعمل
في الفوت القهري لا العمدي.
ثم إنه إذا ترك الوقوف بعرفات جهلا بالحكم أو نسيانا

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
296

أو غفلة فأما إذا علم بامكان درك اضطراري الوقوف
بعرفات مع العلم بدرك اختياري المشعر أو يظن
بدركها أو يشكل فإن علم بدركها معا يجب عليه الرجوع
إلى عرفات والوقوف بها ودرك اضطراري الوقوف
وكذا إذا ظن بدركهما معا فإنه يجب عليه أن يدركهما
معا لما تقدم من دلالة صحيح معاوية بن عمار فإنه أناط (ع)
وجوب الوقوف بعرفات بظن درك اختياري المشعر
وأما إذا شك بدرك اختياري المشعر ففي المسالك
" احتمل الوجوب الحاضر فيرجع إلى عرفة وتقديم المشعر
وفي تركه تعرض لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات
الحج ولعله أقوى انتهى
ومراده قدس سره بالوجوب الحاضر وجوب الوقوف
بعرفة فإن وجوبه فعلي في ليلة النحر قبل طلوع الفجر بخلاف
وجوب الوقوف بالمشعر فإن وجوب الوقوف بالمشعر
وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لم يحضر بعد
فيحتمل وجوب المشعر ويحتمل تقديم الوقوف بالمشعر لأن في
تركه والآتيان بالوقوف بعرفات تعرضا لفوات الاختياريين
297

الموجب لفوات الحج فإن الوقوف الاختياري بعرفات
قد ذهب بالفرض ويحتمل ذهاب اختياري المشعر
أيضا بالوقوف بعرفات فلذا قوى - رحمه الله - هذا
الاحتمال أي تقديم اختياري المشعر هذا حاصل تقريب
كلامه.
أقول لا وجه للاحتمال الأول بعد إناطة عدم جواز
الرجوع إلى عرفات - في رواية إدريس بن عبد الله المتقدمة
- بالخشية لعدم ادراك الناس بالمشعر فإنه عليه السلام قال:
فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض
مع الناس فقد تم حجه (1).
ومن المعلوم أن خشية خوف فوت المشعر يجتمع
مع الشك لدرك المشعر ثم إن الظاهر أن الجاهل
المقصر بوجوب الوقوف بعرفات بحكم العامد فلا
تشمله هذه الروايات هذا كله إذا تذكر ذلك قبل
الوقوف بالمشعر وأما إذا جهل وجوب الوقوف بعرفات
أو نسيه لو يتذكر إلى أن وقف بالمشعر وفرغ منه فهل يشمله
هذا الروايات أم لا؟ والظاهر نعم بل شمولها لهذا الفرض

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
298

بطريق أولى فإنه إذا كان تذكره بعدم الاتيان بالوقوف
بعرفات قبل الوقوف بالمشعر ولم يمكنه ادراك الوقوف
بعرفات كافيا للاتيان بالوقوف بالمشعر فبعد الفراغ
منه يجزيه بطريق أولى، هذا ما ذكره الأستاذ ره
لكن الأولوية لا تخلو من نظر هذا إذا ترك الوقوف
بعرفات إلا أنه أتى الوقوف بالمشعر.
وأما إذا كان بالعكس بأن أتى بالوقوف بعرفات
وترك الوقوف بالمشعر جهلا أو نسيانا وأتى إلى منى
فإن تذكر قبل الزوال من يوم النحر رجع إلى المشعر وأتى
بالوقوف الاضطراري ووقته من طلوع الشمس إلى
الزوال من يوم النحر قال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه
بل الاجماع بقسميه عليه ومستند الحكم روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام ما تقول في رجل أفاض من عرفات
إلى منى؟ قال فليرجع فليأت جمعا: فيقف بها وإن
كان الناس قد أفاضوا من جمع (1).
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: من أفاض
من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وإن كان

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
299

قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع (1)
وهذان الخبران وإن كان يحتمل فيهما أن يكون
المراد أنه يأتي الجمع قبل طلوع الشمس وإن كان الناس
قد أفاضوا منها عصيانا أو نسيانا قبل طلوع الشمس إلا
أن الظاهر بقرينة بناء الناس على الاستفاضة بعد
طلوع الشمس أنه يأتيها بعد ارتفاع النهار كما دلت
عليه الرواية التالية.
ومنها موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر
فلم يقف حتى أتى إلى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى
ارتفع النهار قال يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع
فيرمي جمرة العقبة (2).
وهذه الرواية وإن كان ظاهرها اختصاص الحكم
بالجاهل إلا أن الروايتين الأوليين تشملان الناسي أيضا
مع أن هذه الرواية موردها وإن كان الجاهل إلا أن المراد
منها بقرينة سائر الروايات هو المعذور والله العالم.
هذا كله ما إذا أدرك اضطراري المشعر وأما إذا

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3.
300

لم يدرك المشعر أصلا وأدرك اختياري العرفة فقط
فعن المسالك أنه صح حجه أيضا وفي موضع آخر منها
" أنه لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين
ولكن أشكل عليه سبطه الشيخ علي - على ما حكي عنه - بانتفاء
ما يدل على الاجزاء بادراك اختياري العرفة فقط مع أن
الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة في المنتهى صرح
بعدم الاجتزاء بذلك.
وهذه عبارته: ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا
وفاته الآخر مطلقا فإن كان الفائت هو عرفات فقد صح
حجه لادراك المشعر وإن كان هو المشعر ففيه تردد أقربه
الفوات وقال في التحرير ولو أدرك أحد الاختياريين
وفاته الآخر اختيارا واضطرارا فإن كان الفائت هو عرفة
صح الحج وإن كان هو المشعر ففي ادراك الحج اشكال
ونحوه في التذكرة فعلم من ذلك أن الاجتزاء بادراك
اختياري عرفة ليس اجماعا كما ذكره الشارح انتهى.
أقول لم يكن دعوى الاجماع من صاحب المسالك
فقط بل عن التنقيح نفي الخلاف في الصحة وعن المجلسي
نسبته إلى الشهرة وكذا عن السيد نعمة الله الجزائري في
301

شرح التهذيب وعن شارح المفاتيح حكاية عن بعضهم
الاجماع على الصحة وأما دعوى السبأ بفقدان الدليل
على الاجتزاء فقد استدل للاجتزاء وصحة الحج بروايات
لا يخلو بعضها عن ظهور.
منها النبوي العاملي " الحج عرفة " (1).
ومنها حسنة محمد بن يحيى أو صحيحته عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يلب
بها حتى أتى منى فقال: ألم ير الناس لم يكونوا بمنى
حين دخلها؟ قلت فإنه جهل ذلك، قال: يرجع
قلت إن ذلك قد فاته قال،: لا بأس (2).
ومنها مرسلة محمد بن يحيى الخثعمي عنه عليه السلام فيمن
جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يلب حتى أتى منى قال:
يرجع قلت إن ذلك قد فاته قال: لا بأس به (3).
ومنها ما رواه الصدوق - على ما حكي عنه - بسند
صحيح عن محمد بن حكم (حكيم خ ل) قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة

(1) المستدرك الباب 18 من أبواب احرام الحج الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 - 5.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 - 5.
302

تكون (يكونان خ ل) مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات
مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا قال: أليس قد صلوا
بها؟ فقد أجزأهم قلت فإن لم يصلوا بها قال فذكروا
الله فيها: فإن كانوا قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم (1)
ولكن هذه الرواية الأخيرة قد دلت على الاجتزاء
بمسمى الكون فيه تقربا إلى الله وإن لم يلتفت بأن هذا الكون
من واجبات الحج فحينئذ نخرج من مفروض المسألة
فإن المفروض أنه قد أتى بالعرفات وفاته المشعر إلا
أنه بناء على مفروض الرواية قد أدرك الموقفين بهذا
النحو أي بادراك مسمى الكون بالمشعر.
وكيف كان فتعارض هذه الروايات - على ما قيل
- عموم صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من أدرك جمعا فقد أدرك الحج (2).
فدلت الرواية بمفهومها على أن لم يدرك المشعر
لم يدرك الحج.
وصحيحة عبيد الله وعمران ابني على الحلبيين عنه
عليه السلام قال: إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج (3).

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
303

وكذا رواية محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج فقال: إذا أتى
جمعا والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج
ولا عمرة له وإن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي
عمرة مفردة ولا حج له وعليه الحج من قابل (1) إلى غير ذلك
من الأخبار.
ولكن يمكن دفع المعرضة بأن هذه الروايات من الروايات
المطلقة القابلة لتقييدها بالروايات المتقدمة فيصير موردها
ما إذا لم يدرك اختياري العرفة وأما إذا أدركه أي
اختياري عرفة وإن لم يدرك المشعر أصلا صح حجه
بمنطوق الروايات المتقدمة وضعف سندها أو ارسالها
منجبر بعمل الأصحاب بها فإن الاجماع ما عدا العلامة
- على صحة حجه وخروج العلامة منه - بعد معلومية نسبه
غير ضائر مضافا إلى أنه قد تردد في بعض كتبه بالبطلان
ولم يجزم به.
(فرع:)
إذا لم يدرك اختياري عرفة إلا أنه أدرك

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
304

اضطراريها وكذا لم يدرك اختياري المشعر بل أدرك
اضطرارية والحاصل أنه فاته الاختياريان وأدرك
الاضطراريين فهل يصح حجه أو يبطل؟ مقتضى الروايات
المتقدمة آنفا الدالة على فوات الحج بفوات اختياري
المشعر إلا إذا أدرك اختياري عرفة - هو البطلان
قال: محمد بن فضيل سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج فقال: إذا أتى
جمعا والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك
الحج ولا عمرة له، وإن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي
عمرة مفردة ولا حج له وعليه الحج من قابل (1).
وهذه الرواية وغيرها قد دلت على بطلان الحج إن لم
يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس.
ولكن تعارضها روايات أخرى دالة على كفاية
ادراك المشعر قبل الزوال من يوم النحر.
منها صحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام
قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد
أدرك الحج (2).

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 8.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 8.
305

ومنها صحيحته الأخرى أو حسنته عنه عليه السلام قال: من
أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد
أدرك الحج (1).
ومنها موثقة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال: من
أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس قبل أن
تزول الشمس فقد أدرك الحج (2).
ومنها صحيحة عبد الله بن مغيرة قال: جاء رجل
بمنى فقال: إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا (إلى
أن قال): فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السلام
فسأله عن ذلك فقال إذا أدرك مزدلفة فوقف بها
قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج (3).
ومقتضى اطلاق هذه الأخبار خصوصا الأخيرة
منها التي صرحت بعدم ادراك الموقفين جميعا حيث
يظهر منها أنه لم يدرك اضطراري العرفة أيضا فضلا
عن اختياريها وأنه جاء مستقيما إلى منى إلا أنه أدرك
الوقوف بالمشعر قبل أن تزول الشمس - أي أدرك
اضطراري المشعر فقط - هو جواز الاكتفاء بادراك
اضطراري المشعر خاصة، ولم يقل أحد بالاكتفاء به، قال

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 6.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 6.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 6.
306

في الجواهر نقلا عن الدروس أنه أي اضطراري العرفة
غير مجز قولا واحدا وعن الذخيرة لا أعرف فيه خلافا
وقال في ادراك اضطراري المشعر خاصة وفيه البحث
السابق (يعني ما نقله في اضطراري عرفة عن الدروس
والذخيرة) ثم قال الذي قد عرفت أن الأقوى فيه عدم
الصحة انتهى.
وتعارض الطائفتين من الروايات أعني ما دل على
أن من يدرك المشعر بعد طلوع الشمس فاته الحج وما
دل على كفاية ادراك المشعر بادراكه قبل زوال الشمس
من يوم النحر - صحيحة الحسن العطار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من
عرفات ولم يشهد الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا
فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا
شئ عليه (1).
فيمكن تقييد اطلاق كلتا الطائفتين من الروايات بهذه الصحيحة
فنقول إن الطائفة الأولى التي دلت على فوات الحج إذا لم
يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس يقيد اطلاقها

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
307

بأن هذا إذا لم يدرك اضطراري عرفة واضطراري
المشعر ويقال بأنه إنما يكفي ادراك اضطرايه إذا أدرك
الموقفين في صحيحة عبد الله بن مغيرة (1) المتقدمة عدم
ادراك اختياريهما بقرينة ادراكه لاضطراري المشعر
فيظهر بذلك أن المراد من عدم ادراك موقف المشعر
عدم ادراك اختيارية لا مطلقا فيعلم أن المراد من عدم
ادراك موقف عرفات عدم ادراك اختيارية لا
مطلقا مضافا إلى أن ظاهر عدم درك الناس للموقعين
هو عدم ادراك اختياريهما فإن الناس لا يأتون بالموقفين
إلا اختياريهما بحسب الغالب.
وتعارض الروايات الدالة باطلاقها على كفاية اضطراري
المشعر صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال إن كان في
فهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6.
308

الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات
وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله
تعالى أعذر لعبده وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل
طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر
الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل (1).
فإنها دالة فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل (1).
فإنها دالة بالصراحة بفوات الحج لأجل فوات اختياري
المشعر إذا فاته اختياري العرفة واضطرارية.
وحاصل أقسام ادراك عرفات اختيارا أو اضطرارا
انفراد أو مع ادراك المشعر وكذا ادراك المشعر انفرادا
أو مع ادراك عرفات اختيارا أو اضطرارا - إن الأقسام
أحد عشر ثمانية منها صحيحة وثلاثة منها يفوته الحج معها،
وتفصيل الأقسام على نحو الاختصار أنه إما أن يدرك
اختياري عرفة فقط أو اضطرارية فقط أو اختياري عرفة
مع اضطراري المشعر الذي يكون قبل الزوال من يوم النحر
أو اضطراري العرفات الذي كيون في ليلة النحر أو مع اختياري
المشعر فهذه خمسة أقسام جميعها يصح الحج معها إلا القسم
الثاني منها وهو ادراك اضطراري العرفة فقط فإنه يبطل الحج

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
309

بادراكه فقط وإما أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري
المشعر أو اضطرارية ليلة النحر أو اضطرارية قبل الزوال من
يوم النحر فهذه ثلاثة كلها يصح معها وإما أن يدرك
اختياري المشعر فقط أو اضطرارية الليلي فقط أو اضطرارية
النهاري فقط وهذه القسام لا يحص الحج معها إلا القسم
الأول منها وهو ادراك اختياري المشعر فقط وذكر
الأستاذ أن الأقسام اثني عشر والظاهر أن الصحيح ما
ذكرنا لصاحب الجواهر.
(خاتمة مبحث الوقوف بعرفات:)
في مستحبات الوقوف وهي كثيرة منها الوقوف في
ميسرة الجبل صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال قف في ميسرة الجبل فإن رسول الله صلى الله
عليه وآله وقف بعرفات في ميسرة الجبل (1) الخبر.
وهل تكون الميسرة باعتبار القادم من مكة أو باعتبار
المستقبل لها؟ فيه احتمالان لا يظهر من هذه الرواية ولا
من غيرها تعيين أي منهما، ومنها الوقوف في سفح الجبل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
310

أي أسفله لرواية مسمع عنه عليه السلام قال: عرفات كلها موقف
وأفضل الموقف سفح الجبل (1).
ومنها الدعاء بالمأثور كدعاء مولانا الحسين ومولانا
السجاد عليهما السلام وغيرهما وغير المأثور فإن يوم عرفة
يوم الدعاء والتضرع والإنابة وربما يقال بوجوب الدعاء
في الموقف ويستدل له برواية عبد الله بن جذاعة الأزدي
عن أبيه أنه قال للصادق عليه السلام رجل وقف في الموقف
فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو
حتى أفاض الناس قال يجزيه وقوفه ثم قال أليس قد
صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قال
بلى قال فعرفات كلها موقف وما قرب من الجبل
فهو أفضل (2).
وبرواية أبي يحيى زكريا الموصلي قال: سألت العبد
الصالح عليه السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي
أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر الله تعالى بشئ
أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ثم أفاض الناس

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب احرام الحج الحديث 2.
311

فقال: لا أرى عليه شيئا وقد أساء فليستغفر الله أما لو
صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل
الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا (1).
ولكن لا ظهور للروايتين في الوجوب أما الرواية
الأولى فلا تدل على أزيد من الاتيان بوظيفته بالقنوت
في الصلاة والوظيفة أعم من الوجوب والاستحباب.
وأما الرواية الثانية فالذي يمكن الاستشهاد به للوجوب
قوله: " قد أساء " قوله " فليستغفر الله " إلا أنه لا دلالة
لشئ منهما على الوجوب لأنه كما يحتمل أن يتكون الإسائة
لترك الدعاء وكذا الاستغفار فكذا يحتمل أن يكونا
لأجل الجزع وعدم الصبر على المصائب وربما يشهد لذلك
قوله عليه السلام: أما لو صبر واحتسب الخ مضافا إلى ضعف
الروايتين وإلى عدم افتاء الأصحاب بظاهرهما، وإلى أن
الإسائة والاستغفار يستعملان في العمل المرجوح المشترك
بين المكروه والحرام.
ومنها أن يقف على السهل المقابل للحزن والمراد
به المكان المستوى من الأرض لرجحان الاجتماع في الموقف

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب احرام الحج الحديث 3.
312

ومنها أن يسد الخلل والفرج بينه وبين إخوانه بمعنى
أن لا يكون بينه وبين إخوانه فرجة وفاصلة.
روى معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق عليه السلام
قال: فإذا رأيت خللا فسده بنفسك وبراحتك فإن
الله عز وجل يحب أن تسد تلك الخلال (1).
واحتمل بعضهم أن يكون الجار - أعني بنفسك - متعلقا
بمحذوف أي الخلل الكائن بنفسك وبراحلتك فيكون
معناه بأن تسد الخلل الموجود بنفسك بأن تشبع نفسك
إذا كنت جائعا وتروي نفسك إذا كنت عطشانا وكذا
براحلتك لئلا يشتغل قلبك بهذه الأمور عن الدعاء إلا
أنه خلاف الظاهر وهذه الرواية غير دالة على الذي نحن
بصدده من سد الخلل والفرج بينه وبين إخوانه إلا أن يقال
إن الخلل نكرة يشمل الخلل الواقع في أمور نفسه وفي أمور
سائر إخوانه فسد الخلل مطلقا محبوب للشارع.
ومنها أن يدعو قائما ومستنده وإن كان غير معلوم
إلا أنه حيث إنه أحمز الأعمال فلا يبعد دخوله في قوله عليه السلام
أفضل الأعمال أحمزها، هذا إذا لا يوجب التعب المنافي

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب احرام الحج الحديث 2.
313

للخشوع والتوجه إلى الله تعالى وإلا فيصير مرجوحا.
ويكره الوقوف فوق الجبل لخبر سماعة قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام ثم إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟
قال: يرتفعون إلى الجبل (1)
فإنه عليه السلام خص الارتفاع إلى الجبل بصورة ضيق
الموقف.
وكذا رواية مسمع المتقدمة عنه عليه السلام قال: وأفضل
المواقف سفح الجبل (2).
وكذا يكره الوقوف قاعدا وراكبا وكذا يكره الوقوف
بعرفات على غير وضوء لرواية علي بن جعفر أنه سأل أخاه
عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير
وضوء؟ قال لا يصلح له إلا وهو على وضوء (3) المحمولة بقرينة
الاجماع على الكراهة.
(الثالث:)
من واجبات الحج الوقوف بالمشعر ويقال له المزدلفة
ويقال له الجمع أيضا وحده من المأزمين الذين هما جبلان

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج الحديث 2 - 4.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب احرام الحج الحديث 1.
314

بين عرفات والمشعر كما في الجواهر ومستند هذا التحديد
روايات.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: حد المشعر الحرام المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر (1).
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال
للحكم بن عيينة: ما حد المزدلفة؟ فسكت فقال أبو جعفر
عليه السلام حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر (2)
ومنها رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال:
حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين (3).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أنه قال في حديث
ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة (4).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
قال سألته عن حد جمع قال ما بين المأزمين إلى وادي محسر (5)
ومقتضى هذه الروايات هو خروج المأزمين وكذا
وادي محسر عن المشعر لخروج الحد عن المحدود خصوصا
بعد تصريح بعضها بأن الحد ما بين المأزمين إلى وادي محسر

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 4 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 4 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 4 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 4 - 3 - 5
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 4 - 3 - 5
315

إلا أن في صحيحة معاوية المتقدمة " حد المشعر الحرام
المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر "
ومقتضاها أن المأزمين داخل في المشعر الحرام
إلا أن يقال إن مضمونها هو مضمون سائر الأخبار وكيف
كان فلا يجوز الوقوف في غير المشعر الحرام وفي الشرائع
" نعم يجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل " أي المأزمين
قال في الجواهر " كما عن الفقيه والجامع والمنتهى والتذكرة
بلا لا أجد فيه خلافا بل في المدارك أنه مقطوع به
في كلام الأصحاب بل عن الفقيه الاجماع عليه انتهى.
ومستنده موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال:
يرتفعون إلى المأزمين (1).
لكن يشكل الجمع بين هذه الرواية ونحوها وبين الروايات
الدالة على وجوب الوقوف بالمشعر فإنه إذا كان المأزمين
من حدود المشعر ومن المعلوم أن الحد خارج عن المحدود
فكيف يجوز الوقوف عليه ويحتمل أن يكون الجبل الذي
يجوز الارتفاع إليه عند الازدحام غير المأزمين كما عن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
316

كشف اللثام وهو من الجبال التي تكون في المشعر إلا أنه
ينافيه التعبير في الرواية من الجبل بالمأزمين وعن الرياض
" إن المأزمين وإن كان من حدود المشعر والحد خارج
عن المحدود إلا أن الشارع استثناه عند الزحام، و
جوز الصعود عليه فيكون إلى بمعنى على هنا انتهى.
ويرد عليه أنه لا دليل على جعل إلى بمعنى على ويحتمل
أن يكون المراد الانتهاء إلى المأزمين لا بمعنى الصعود
عليه بل بمعنى الوصول إليه عند الزحام فإن الصعود عليه
غير ممكن كما حكاه في الجواهر عن بعض الشاهدين له فيصير
هذا نظير ما ذكرنا في جبل عرفات من كراهة الوقوف عليه
إلا عند الزحام.
ومن الواجب في الوقوف بالمشعر أن يكون
الوقوف بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والواجب
هو جميعه والركن مسماه قال في الجواهر بلا خلاف
أجده فيه بل في المدارك والذخيرة وكشف اللثام
الاجماع عليه انتهى، ومستنده - بعد دعوى الاجماع - روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريبا
317

من الجبل وإن شئت حيث شئت فإذا وقفت
فاحمد الله عز وجل واثن عليه واذكر من آلائه وبلائه
ما قدرت عليه وصل على النبي (ص) ثم ليكن من
قولك الله رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار
وأوسع علي من رزقك الحلال وادرأ عني شر فسقة
الجن والإنس اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو
وخير مسؤول ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتي
في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وأن
تجاوز عن خطيئتي ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي
الحديث (1).
ومنها رواية مسمع عنه عليه السلام في رجل وقف مع الناس
بمجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس فقال إن كان
جاهلا فلا شئ عليه وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه
دم شاء (2)
دلت الرواية على حرمة الإفاضة من المشعر قبل طلوع الفجر
فيعلم منه وجوب الوقوف بعد الفجر إلى طلوع الشمس
ومنها اطلاق قوله عليه السلام في الروايات المتقدمة من ادراك

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
318

المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج "
هذا كله بالنسبة إلى الوقوف بعد طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس وأما وجوب المبيت بالمشعر قبل طلوع
الفجر فاستدل له بأمور الأول التأسي بالنبي صلى الله
عليه وآله وسلم حيث إنه (ص) بعد ما أفاض من عرفات
وأتى إلى المشعر بات فيه الليل كله إلى طلوع الشمس.
وفيه أن فعله (ص) كان مشتملا على الواجبات والمستحبات
فبمجرد اتيانه (ص) بشئ لا يستفاد منه الوجوب اللهم إلا أن يقال
أنه (ص) حيث كان في مقام تعليم الأمة الاسلامية فإنه
قال صلى الله عليه وآله خذوا عني مناسككم ولم يبين
جهة الوجوب والندب - فيستفاد من فعله الوجوب
فلذا استفاد الناس من وقوفه في ميسرة الجبل بعرفات
الوجوب فوقفوا حول ناقته إلى أن قال لهم: أيها الناس
ليس الموقف موضع أخفاف ناقتي (1) الحديث.
الثاني صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
أنه قال في حديث ويستحب للصرورة أن يقف على
المشعر ويطأ رجله ولا يتجاوز الحياض ليلة المزدلفة (2) الخبر

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 7 و 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 1.
319

الثالث دلالة مفهوم الروايات التي دلت على
جواز الإفاضة قبل طلوع الفجر للنساء والصبيان ومن
يخاف على نفسه.
كرواية سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
جعلت فداك معنا نساءنا فأفيض بهن بليلى؟ فقال:
نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و
آله؟ قلت: نعم قال: أفض بهن بليل، ولا تفض بهن
حتى تقف بهن بجمع (1) الحديث.
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: رخص رسول
الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا
بليل وأن يرموا الجمار بليل وأن يصلوا الغداة في
منازلهم فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن
من يضحي عنهن (2).
ورواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام قال:
أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا
فلا بأس (3) الخبر.
ورواية سعيد السمان قال: سمعت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
320

عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عجل
النساء ليلا من المزدلفة إلى منى وأمر من كان منهن عليها
هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ومن لم يكن عليها
منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور (1).
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: رخص رسول
الله صلى الله عليه وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا
من جمع بليل وأن يرموا الجمرة بليل فإن أرادوا أن يزوروا
البيت ووكلوا من يذبح عنهن (عنهم خ ل) (2) إلى غير ذلك
من الأخبار.
ومفهوم هذه الأخبار عدم جواز الإفاضة بالليل
من المشعر الحرام للرجل المختار.
الرابع الروايات الدالة على وجوب الكفارة على من
أفاض من المشعر الحرام قبل طلوع الفجر.
كرواية مسمع عن أبي إبراهيم أو أبي عبد الله عليهما السلام
في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض
الناس قال: إن كان جاهلا فلا شئ عليه وإن كان أفاض
قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة (3).

(1) الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 6.
(2) الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
321

ورواية علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام قال: من
أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع
ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة (1).
كذا استدل الأستاذ رحمه الله تبعا لصاحب الجواهر
لوجوب المبيت ليلا.
ولكن يرد على الاستدلال بكلتا الطائفتين من الأخبار
بأنه يحتمل أن يكون المراد منهما هو حرمة تفويت الوقوف
بالمشعر بعد طلوع الفجر لا وجوب المبيت ليلا فيه، وكيف
كان فعلى القول بوجوب المبيت ليلا بناءا على دلالة
هذه الأخبار تقع المعارضة بينها وبين صحيحة هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في التقدم من منى
إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والتقدم من
المزدلفة (مزدلفة خ ل) إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في
منازلهم بمنى لا بأس (2).
دلت الرواية على جواز الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الفجر
والآتيان بصلاة الفجر بمنى وكذا تقع المعارضة بين تلك الأخبار
وبين حسنة مسمع عنه عليه السلام في رجل وقف مع الناس

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8.
322

بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس فقال: إن كان
جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر
فعليه دم شاة (1).
دلت الرواية عيل عدم وجوب الرجوع أي المشعر
الحرام لو أفاض منه قبل طلوع الشمس إلا أن الرواية الأولى
حملت على صورة الاضطرار كالخائف وأما الرواية
الثانية فدلالتها على وجوب المبيت أظهر حيث إنها
أوجبت الكفارة على من أفاض منه قبل طلوع الفجر
ومن المعلوم أن الكفارة تترتب غالبا على الإثم فيظهر
منها أنه يأثم بترك المبيت بالليل.
أقول لا داعي إلى تأويل صحيحة هشام وحملها
على الضرورة بعد عدم دليل قطعي على وجوب المبيت
ليلة النحر نعم هي - أي صحيحة هشام - منافية للروايات
الدالة على وجوب الكفارة على من ترك المبيت بالمشعر
كرواية علي بن رئاب ورواية مسمع المتقدمتين آنفا، و
تعارض الروايتين صحيحة هشام المتقدمة ولكن ليس فيها
التصريح بعدم وجوب الكفارة بل بالنسبة إلى الكفارة ساكتة

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
323

فيمكن الجمع بينها وبين غيرها بجواز الإفاضة مع جبرها
أي جبر الإفاضة بشاة ونحوها.
فيستفاد من مجموع الروايات أن الركن من الوقوف
بالمشعر هو الوقوف فيه آنا ما إما في جزء من الليل أو بعد
طلوع الفجر والواجب غير الركن هو الوقوف بعد الفجر
إذا وقف بالليل آنا ما وإما إذا لم يقف بالليل
فيصير الواجب والركن هو الوقوف آنا ما والباقي
إلى طلوع الشمس يكون واجبا غير ركن، فإذا ترك
الواجب غير الركن لم يبطل حجه إلا أن عليه كفارة
إما بدنة أو شاة على اختلاف الروايتين المتقدمتين
آنفا هذا إذا لم يترك مسمى الوقوف بل أتى به ولو
آنا ما وأما إذا تركه رأسا فقد بطل حجه على التفصيل الذي
ذكرناه سابقا من اختياري العرفة واضطراريه واختياري
المشعر واضطراريه.
هذا حاصل ما استنبطناه من الأخبار خلافا للأستاذ رحمه الله
وهل يجب استيعاب الكون بالمشعر من أول الفجر إلى
طلوع الشمس أولا؟ يمكن الاستدلال للوجوب بحسنة
324

معاوية بن عمار أو صحيحته عن الصادق عليه السلام فإنه قال
في ذيلها: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل
موضع أخفافها (1).
حيث إن الظاهر منها أنه يجوز الإفاضة حينما أشرقت
الشمس على ثبير وهو جبل بمشعر وكذا إذا رأت
الإبل موضع أخفافها أي ترى طريقها الذي تمشي
عليه وهو بعد طلوع الشمس.
وكذا يمكن الاستدلال برواية هشام بن الحكم
أو صحيحته عنه عليه السلام قال: لا تجاوز وادي محسر حتى
تطلع الشمس (2).
لكن تعارض الروايتين مرسلة علي بن مهزيار عمن حدثه عن حماد بن عثمان
عن جميل بن دراج عنه عليه السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس
وسائر الناس إن شاؤوا عجلوا، وإن شاؤوا أخروا (3).
ورواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام
أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل
أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إلى قلت

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1.
325

فإن مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس (1).
مضافا إلى معارضة صدر صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة
لذيلها حيث قال عليه السلام في صدرها أصبح على طهر
بعد ما تصلي الفجر وقف إن شئت قريبا من الجبل (2) الخ
فإنه لو كان الوقوف من أول طلوع الفجر واجبا
لما أجاز عليه السلام بأنه يقف بعد ما يصلي الفجر.
نعم رواية هشام بن الحكم أو صحيحته لا تخلوا من الدلالة
على ذلك إلا أنه لا بد من حملها على الاستحباب بقرينة هذه
الروايات ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.
(خاتمة:)
يستحب للحاج إذا ورد المشعر التقاط الحصى لرمي الجمار
وهي سبعون حصاة كما سيجئ تفصيله إن شاء الله تعالى
لحسنة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: خذ
الحصى من جمع وإن أخذتها من رجلك بمنى أجزئك (3).
ورواية زرارة عنه عليه السلام قال: سألته عن الحصى التي
يرمى بها الجمار قال: تؤخذ من جمع وتؤخذ بعد ذلك من منى (4).
ويستفاد منها استحباب أخذها من منى بعد المشعر

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2.
326

وإن لم أجد من نص عليه قاله في الجواهر، ولو أخذ الحصى من
غيره أي غير منى جاز فما عن بعض من عدم جواز الأخذ
من وادي محسر - في غير محله لما سيجئ من جواز الأخذ
من جميع الحرم ما عدا المسجدين.
(الرابع:)
من واجبات الحج رمي الجمرة العقبة بمنى يوم الأضحى
ويجب فيه أمور أربعة الأول الرمي بما يسمى حجرا فلا
يجزي الرمي بالحجر المكسور الصغير جدا الذي لا يطلق عليه اسم الحصاة
وكذا لا يجزي الرمي بالجواهر والمعادن كالعقيق والفيروزج
والياقوت والنورة والزرنيخ ونحوها فإنها غير مجز خلافا
للخلاف: واشترط بعض في الحصى أن يكون طاهرا
لما روي عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام
من الأمر بغسله (1) ولكن منع الغض عن ضعف سنده
يمكن حمله على الندب أو على إزالة قذارته.
الثاني أنه يشترط أن تكون الحصاة من الحرم، و
يكفي التقاطه من جميع الحرم عدا المسجدين أعني المسجد

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 381 على ما حكي عنه.
327

الحرام ومسجد الخيف.
الثالث إصابة الجمرة بها فلو وقعت الحصاة على
شئ فارتفعت حصاة أخرى فأصابت الثانية الجمرة
لم تجز لخروجه عن مسمى رميته نعم إذا وقعت على شئ
فانحدرت منه على الجمرة جان لصحيحة معاوية بن عمار
عن الصادق عليه السلام قال: وإن أصابت انسانا أو جملا
ثم وقعت على الجمار أجزأك (1).
ولعله لصدق استناد الرمي بالآخرة إليه خلافا لبعض
الشافعية فلم يجتز بها إن وقعت على أعلى الجمرة لأن رجوعها
لم يكن بفعله إلا أن القول بالصحة هو الأقوى عملا بالرواية.
الرابع أن تكون الحصاة أبكارا بمعنى عدم رمي الجمار
بها قبل ذلك رميا صحيحا قال في الجواهر بلا خلاف أجده
فيه بيننا انتهى.
ومستنده مرسل حريز عن الصادق عليه السلام قال: لا
تأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار (2)
ورواية عبد الأعلى عنه عليه السلام قال: ولا تأخذ من
حصى الجمار (3)، المنجبر ضعفهما بعمل الأصحاب وكيف

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
328

كان فيجب في يوم النحر رمي جمرة العقبة فقط دون
سائر الجمار. (الخامس:)
من واجبات الحج الذبح في يوم النحر وهو واجب
على المتمتع فقط دون المفرد والقارن نعم إذا أشعر
القارن هديه أو قلده وجب عليه ذبحه والدليل على
هذا الحكم - بعد دعوى الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر
- قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ما استيسر من
الهدي (1).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتضمنة
لصفة حج التمتع قال: وعليه الهدي قلت: وما الهدي
قال أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخسه شاة (2).
ورواية سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام قال:
شاة (3) وصحيحة العيص عنه عليه السلام قال: في رجل اعتمر في

(1) سورة البقرة الآية 192.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
329

رجب فقال إن كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد
وجب عليه هدي (1) الحديث.
والمراد من الرواية أنه يحرم من مكة وهو لا يكون إلا
في حج التمتع فلا يكفي فيه العمرة التي أتى بها في رجب
بل لا بد من الاتيان بعمرته في أشهر الحج كما مر.
ورواية إسحاق بن عبد الله قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟
فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا وإن لم يكن
متمتعا لا يجب عليه الهدي (2) إلى غير ذلك من الأخبار
الدالة على وجوب الهدي على خصوص المتمتع.
ثم إنه يشترط في الهدي أمور الأول النية الثاني أن
يكون ذبحه بمنى والدليل على هذا الشرط عدة روايات
منها ما رواه الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخي
عن الصادق عليه السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر
فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى وإن كان ليس
بواجب فلينحره بمكة إن شاء (3) الحديث.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 2.
(2) التهذيب ج 5 على ما حكي عنه ص 200.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 1.
330

(الهدي يجب أن يذبح بمنى)
ومنها صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السلام في رجل
يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره قال: إن كان نحره بمنى
فقد أجزء عن صاحبه الذي ضل عنه وإن كان نحره بغير
منى لم يجز عن صاحبه (1).
ومنها صحيحة عبد الأعلى عنه عليه السلام قال: لا هدي
إلا من الإبل ولا ذبح إلا بمنى (2).
ولا تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار
عنه عليه السلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت
فاشترى بمكة ثم ذبح قال: لا بأس قد أجزأه عنه (3)
وحسنة معاوية أيضا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في
منزلك بمكة فقال إن مكة كلها منحر (4).
لعدم صراحة الرواية الأولى بأنه ذبح هديه بمكة لاحتمال
أن يكون المراد أنه بعد ما بذكر بمكة أنه لم يذبح بمنى لا
بأس بأن يرجع إلى منى ويذبح هديه بها وأما الرواية الثانية
فيمكن حملها على الهدي المستحب.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6 - 2.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 6.
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 5.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6 - 2.
331

ثم إنه لا يجزي الهدي الواحد إلا عن واحد وقيل:
يجزي مع الضرورة عن خمسة بل عن سبعة إذا كانوا أهل
خوان واحد ولكن في الشرائع " والأول أشبه " ومستند
القول الأول - أعني أنه لا يجوز الواحد إلا عن واحد هو
- صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر
تجزيهم البقرة؟ قال أما الهدي فلا وأما في الأضحى
فنعم (1).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: تجزي البقرة
أو البدنة في الأمصار عن سبعة ولا تجزي بمنى الأعز واحد (3)
ولا يعارض هذه الروايات رواية معاوية بن عمار عنه
عليه السلام قال يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل
خوان واحد (4) ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال:
البدنة والبقرة التي تضحي بها تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من
أهل بيت واحد ومن غيرهم (5)

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6.
(5) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6.
332

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عنه عليه السلام عن أبيه عن
علي عليهما السلام قال: البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من
أهل بيت واحد والمسنة تجزي عن سبعة متفرقين والجزور
تجزي عن عشرة متفرقين (1).
ورواية حمران قال عزت البدنة مسنة بمنى حتى بيعت
البدنة مأة دينار: قال قلت كم؟ قال: ما أخف فهو أفضل
قال: قلت: عن كم؟ فقال عن سبعين (2).
وخبر الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام حيث
سئل عن كم تجزي البدنة؟ فقال عن نفس واحدة قال:
فالبقرة؟ قال تجزي عن خمسة (3) الحديث.
ورواية سوادة قال كنا جماعة بمنى فعزت الأضاحي
بمنى فإذا أبو عبد الله عليه السلام واقف على قطيع يساوم
بغنم ويماكسهم مكاسا شديدا فوقفنا ننظر فلما فرغ أقبل
علينا وقال أظنكم قد تعجبتم من مكاسي؟ فقلنا نعم فقال:

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 7 - 11 - 18.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 7 - 11 - 18.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 7 - 11 - 18.
333

إن المغبون لا محمود ولا مأجورا لكم حاجة؟ قلنا نعم
أصلحك الله أن الأضاحي قد عزت علينا قال:
فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها قلنا: فلا تبلغ نفقتنا
ذلك قال: فاجتمعوا فاشتروا شاة واذبحوها فيما بينكم
قلنا تجزي عن سبعة؟ قال نعم وعن سبعين (1).
وذلك لأن هذه الروايات - مع ضعف سندها
واختلافها فيما بينها فإن رواية الحسين بن خالد قد دلت
على عدم كفاية البدنة إلا عن واحد بخلاف سائر الروايات
- يمكن حملها على الأضحية المندوبة خصوصا رواية أبي
بصير ورواية إسماعيل بن أبي زياد فإنهما لم يذكر فيهما
كلمة " منى " فلم يعلم أن المراد بها الهدي الواجب فلا
بد من حملها على الهدي المستحب أو على الضرورة بأن يكون
تكليفه الصوم لأجل فقره فيستحب أن يسترك في ثمن
الهدي لأن يكون شريكا في ثوابه.
وعليه تحمل رواية زيد بن جهم قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام متمتع لم يجد هديا فقال أما كان معه درهم
يأتي به قومه فيقول أشركوني بهذا الدرهم (2).

(1) الإستبصار ج 2 ص 267 على ما حكي عنه.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 13.
334

وكذا صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام
عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم موافقون
ليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم
واحد ألهم أن يذبحوا بقرة؟ فقال لا أحب ذلك
إلا عن ضرورة (1).
وعلى فرض ظهور هذه الأخبار في كفاية البدنة أو
الشاة لأكثر من واحد فلا بد من طرحها لاعراض الأصحاب
عنها نعم عن المبسوط " ولا يجوز في الهدي الواجب إلا واحد
عن واحد مع الاختيار سواء كان بدنا أو بقرا ويجوز عند
الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين وكلما قلوا
كان أفضل " وعن كشف اللثام " هو خيرة القاضي
والمختلف والمنتهى ومحتمل التذكرة انتهى.
وكيف كان فهذا القول مخالف للقواعد المستفادة من
الأخبار من أن توجه الأمر إلى كل فرد من أفراد المكلف
يقتضي تعدد المكلف به، وكذا هو مخالف للأخبار الصحيحة

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 10.
335

الصريحة المعمول بها بين الأصحاب التي تقدم بعضها و
مخالف لما عليه الأصحاب من أنه مع الاختيار لا يجزي
إلا واحد عن واحد ومع الاضطرار ينتقل وظيفته إلى
الصوم وهو المستفاد من الأخبار الآتية.
(فرع:) وهل يجب بيع ثياب التجمل عند فقدان ثمن الهدي؟
الظاهر لا بل يجب حينئذ عليه الصوم.
ومستنده صحيح ابن أبي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج
إليه فتسوى تلك الفضول مأة درهم هل يكون ممن
يجب عليه؟ فقال له بد من كسر أو نفقة قلت له كسر أو
ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال وأي شئ
كسوة بمأة درهم؟ هذا ممن قال الله " فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " (1).
ومرسلة علي بن أسباط المنجبر ضعفها بعمل الأصحاب
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: رجل تمتع

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب الذبح الحديث 1.
336

بالعمرة إلى الحج وفي عيبته ثياب له أيبيع من ثيابه شيئا
ويشتري هديه؟ قال لا هذا يتزين به المؤمن يصوم
ولا يأخذ من ثيابه شيئا (1).
ثم هل يجزي الهدي إذا باع من ثيابه واشتراه أم
لا؟ يمكن أن يقال بعدم الاجزاء لأن الصيام كان
حينئذ مأمورا به ولم يأت به اللهم إلا أن يقال إن
النهي عن بيع ثيابه إنما هو لعدم وجوب الهدي عليه
لا لعدم الجواز فالأحوط أنه إذا باعها واشترى الهدي
الجمع بين الهدي والصوم.
(فرع آخر:)
إذا أضل الحاج هديه فوجده غيره فقال في الشرائع:
- كما في بعض النسخ -: لم يجز عنه أي عن صاحبه كما عن النافع
للأصل أي أصالة عدم اجزاء فعل أحد عن الآخر ولكن
الأصل مقطوع بصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب الذبح الحديث 2.
337

عليه السلام في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره
فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي
ضل عنه وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه (1)
ويستفاد من بعض الأخبار وجوب تعريفها إلى
ثلاثة أيام لعله يظفر بصاحبها.
وهو صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال
في حديث إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر
والثاني والثالث ثم ليذبحها عشية الثالث (2).
والظاهر أنه يجب أن ينوي ذبحها عن صاحبها فلو
نوى عن نفسه لم يجز عنه وكذا لو لم ينو لا عن صاحبها ولا
عن نفسه فإنه لم يجز عن نفسه وأما عن صاحبها فإنه مجز
عنه إذا ذبحها بمنى كما س = يستفاد ذلك من اطلاق صحيحة منصور
بن حازم المتقدمة آنفا.
والروايتان وإن كانتا مطلقتين إلا أنه لا بد من حملهما
على صورة ما إذا نوى الذبح عن صاحبها لأن هذا الحكم
مخالف للأصل فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن وهو
ما إذا نواه عن صاحبها نعم إذا قلنا بتملك الضالة إذا
وجدها في الحل وكذا في الحرم اتجه القول بجواز نيته

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1.
338

عن نفسه لصيرورتها حينئذ ملكه، إلا أن يقال بخروج
الهدي عن حكم مطلق الضالة ولو بقرينة الروايتين
المقدمتين هذا ما استفدناه من كلام الأستاذ ره.
ولكن قد ذكرنا آنفا أنه لا يبعد أن يقال: بكفالة ذبح الضالة
عن صاحبها إذا نوى الملتقط الهدي عن صاحبها لا عن
نفسه كما يدل على ذلك اطلاق صحيحة منصور المتقدمة.
ثم إنه هل يجب التعريف على الملتقط - بناءا على وجوبه
حتى في ما بعد الثلاثة وفائدته حينئذ اعلام الحاج بذبحها
حتى لا يشتري الهدي ويذبحه ثانيا أو لا؟ قيل نعم
لعمومات أدلة التعريف وللوجه الذي ذكرناه في فائدة
التعريف وقيل لا يجب للتحديد في الصحيحة بثلاثة
أيام وهو الأوجه خصوصا بعد عدم ذكر التعريف في
صحيحة منصور بن حازم المتقدمة.
وكذا في مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد
من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى
شاة فسرقت منه أو هلكت، فقال: إن كان أوثقها في رحله
339

فضاعت فقد أجزأت عنه (1).
بناءا على شمول الرواية للهلك والضياع كما ليس
ببعيد بل يستفاد من هذه الرواية والروايات الأخر
كفاية الهدي عن صاحبه بمجرد السرقة أو الهلاك إذا
صار في رحله.
وهي رواية على عن عبد صالح عليه السلام قال: إذا اشتريت
أضحيتك وقمطها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله (2)
ويقرب من ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أضحيته
فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال: لا بأس وإن
أبدلها فهو أفضل وإن لم يشتر فليس عليه شئ (3).
ويقرب منهما رواية إبراهيم بن عبد الله قال: اشترى
لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا
عبد الله عليه السلام فأسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته
فقال ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك (4)
(الفرع الثالث:)
قال في الشرائع ولا يجوز أخرج شئ مما ذبحه عن
منى بل يخرج إلى مصرفه بها الخ وقال في الجواهر وفاقا

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 1 - 5
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 1 - 5
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 1 - 5
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 1 - 5
340

للمشهور على ما في الذخيرة بل في المدارك هذا مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا انتهى.
وكيف كان فمستند الحكم - على ما قيل - صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن اللحم يخرج به
عن الحرم؟ فقال: لا يخرج منه بشئ إلا السنام بعد ثلاثة
أيام (1).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تخرجن شيئا من لحم الهدي (2).
ورواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام قال:
لا يتزود الحاج من أضحيته وله أن يأكل بمنى في أيامها (3)
ولكن صحيحة محمد بن مسلم لا تدل على النهي عن
اخراج اللحم من منى بل غايتها النهي عن اخراج اللحم من الحرم
وهو غير ما نحن فيه وصحيحة معاوية بن عمار وإن كانت
مطلقة إلا أنه يمكن حملها على مدلول الرواية الأولى والرواية
الثالثة لا تدل على أزيد من النهي عن تزود الحاج من أضحيته

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
341

فلا تدل على مطلق اخراج اللحم من منى ولو كان من غير
الحاج الذي ذبحه بمنى.
إلا أن الانصاف أن صحيحة معاوية بن عمار
تدل باطلاقها أو بمناسبة ورودها في المحل الخاص أعني
منى - بمعنى أن مورها - أي مورد مضمونها هو
منى - دالة على المطلوب ولا منافاة بين مضمونها
الدال بطلاقه على حرمة الخروج من منى وبين مضمون
صحيحة محمد بن مسلم لعدم المنافاة بين حرمة الاخراج من
الحرم وحرمة الاخراج من منى فيمكن أن يكون كلاهما
حراما.
والرواية الثالثة غير خالية عن الاشعار بالحرمة في الجملة
أي بالنسبة إلى نفس صاحب الهدي فقط.
ولكن هنا روايات دالة على أن الاخراج كان منهيا
عنه إلا أنه ارتفع النهي
فمنها رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن اخراج لحوم الأضاحي من منى فقال كنا
نقول لا يخرج منه بشئ لحاجة الناس إليه فأما اليوم
342

فقد كثر الناس، فلا بأس باخراجه (1).
ومنها رواية أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن لحوم الأضاحي
بعد ثلاث ثم أذن فيها وقال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك
وادخروا (2)
ومنها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
كان النبي صلى الله عليه وآله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي
فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة، فأما اليوم فلا بأس به (3)
ومنها رواية زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم
عن زيارة القبور ألا فزوروها، ونهيتكم عن اخراج لحوم الأضاحي
من منى بعد ثلاث، ألا فكلوا وادخروا ونهيتكم عن النبيذ ألا
فانبذوا وكل مسكر حرام (4)
وكيف كان فهذه الروايات دالة على أن الاخراج من
منى كان منهيا عنه لقلة الناس وقلة اللحم واحتياج الناس إليه

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 7
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 7
(4) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 7
343

ولكن ارتفع النهي بسبب كثرة الناس وكثرة اللحم واحتياج
الناس إليه
(شرائط الهدي:)
ويشترط في الهدي أمور الأول أن يكون من
النعم الثلاثة أعني الإبل والبقر والغنم ومستند هذا الشرط
بعد دعوى الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر ما يحكى
عن المفسرين في قوله تعالى: ليذكروا اسم الله على ما رزقهم
من بهيمة الأنعام (1) من أنها الثلاثة المذكورة
وكذا صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في المتمتع
قال: وعليه الهدي قلت: وما الهدي فقال: أفضله بدنة
وأوسطه بقرة وأخسه 7 شاة (2)
وهذه العبارة وإن لم تفد بنفسها الحصر في الثلاثة
لعدم وجود أدوات الحصر فيها إلا أنه (ع) بعد ما ذكر أفضل
أفراد الهدي وهو الإبل وأخس أفراده وهي الشاة يعلم
منه أنه لم يكن أخس من الشاة شئ في الهدي فلا يكفي فيه
ما هو أخس من الشاة ثم إنه لا فرق في الشاة عليهما جميعا الثاني

(1) سورة الحج الآية 34
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 5
344

من الشرائط السن فلا يجزي في الإبل إلا الثني وهو الذي
له من السن خمس سنين ودخل في السادسة وفي البقر
والمعز ما له سنة ودخل في الثانية وفي الضان يكفي الجذع
بالفتحتين وهو ما كمل له ستة أشهر ودخل في السابعة
ومستند هذا التحديد في السن هو صحيح العيص بن
القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام عن علي عليه السلام أنه كان
يقول: الثنية من الإبل والثنية من المعز والجذعة من الضان (1)
وصحيح ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
يجزي من الضان الجذع ولا يجزي من المعز إلا الثني (2)
ورواية حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي؟ فقال:
الجذع من الضان قلت: فالمعز قال: لا يجوز الجذع من المعز
قلت: ولم؟ قال لأن الجذع من الضان يلقح والجذع من
المعز لا يلقح (3)
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
ويجزي في المتعة الجذع من الضان ولا يجزي الجذع من

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
345

من المعز (1)
ورواية سلمة أبي حفص عنه عن علي عليهما السلام
أنه قال في حديث: يجزي من البدن الثني ومن المعز
الثني ومن الضان الجذع (2)
ورواية الفقيه قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
يوم الأضحى وذكر الخطبة يقول فيها: ومن ضحى منكم
بجذع من المعز فإنه لا يجزي عنه والجذع من الضان
يجزي (3)
قال: وروى أنه لا يجزي في الأضاحي من البدن
إلا الثني وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في السادسة
ويجزي من المعز والبقر الثني وهو الذي له سنة ودخل
في الثانية ويجزي من الضان الجذع لسنة (4)
وهذه التفاسير التي ذكرناها للثني من الإبل والثني
من البقر والمعز والجذع من الضان هو المشهور بين
الفقهاء رضوان الله عليهم وهذه الرواية المحكية عن الصدوق
فإن كان التفسير فيها من كلام الإمام عليه السلام وأمكن الاعتماد
على الرواية فهي تكون مستند هذه التفاسير التي ذكرناها للثني

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 6 - 9 - 10 - 11
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 6 - 9 - 10 - 11
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 6 - 9 - 10 - 11
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 6 - 9 - 10 - 11
346

ولكن يمكن أن تكون التفاسير المذكورة في هذه الرواية
من كلام الصدوق لا من كلام الإمام عليه السلام كما اتفق
نظيره في غير مورد من كتاب من لا يحضره الفقيه
وعن بعض: إن الثني من البقر والمعز ما كمل له
سنان ودخل في الثالثة وفي الجذع اختلاف كثير
فقيل: إنه الذي كمل له ستة أشهر وقيل ما كمل له سبعة
أشهر وقيل ما كمل له ثمانية أشهر أو تسعة أشهر وقيل
ما كمل له سنة كاملة
ولا شاهد لشئ من هذه التفاسير سوى ما حكيناه
عن الصدوق وقد عرفت أنه يحتمل أن يكون التفسير
المذكور من كلام الصدوق لا من الرواية مضافا إلى أنها
مرسلة فحينئذ الأحوط في الثني أن يكمل له سنان ودخل
في الثالثة لأنه القدر المتيقن في كونه مجزيا وغيره مشكوك
في اجرائه وكذا الأحوط في الجذع ما كمل له سنة كاملة لأن
غيره مشكوك الاجزاء الثالث من الشرائط أن يكون
تاما فلا يكفي العوراء البين عورها ولا العوجاء البين
347

عوجها ولا المريضة البين مرضها قال في الجواهر بلا خلاف
أجده فيه بل في المدارك الاجماع عليه في الأولين
ومستند الحكم روايات معتبرة منها صحيحة علي بن
جعفر قال سألت أخي عليه السلام عن الرجل يشتري
الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل يجزي عنه؟
قال: نعم إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون
ناقصا (1)
ومنها ما عن البراء بن عازب من طريق العامة قال
قام فينا رسول الله عليه (وآله) وسلم خطيبا فقال أربع
لا تجوز في الأضحى (الأضحية ظ): العوراء البين عورها و
المريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكبيرة
التي لا تنقى (2)
والمراد بالتي لا تنقى التي لا مخ لها لأن النقي
بالنون المكسورة والقاف الساكنة كما عن المنتهى المخ
ومنها رواية شريح بن هاني عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نستشرف
العين والأذن ونهاها عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 242 على ما حكي عنه
348

والمدابرة (1).
ومنها رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يضحى بالعرجاء
بين عرجها ولا بالعوراء بين عورها ولا بالعجفاء ولا
بالخرقاء ولا بالعضباء (2).
العضباء مكسورة القرن والجذعاء مكسورة الأذن
والعجفاء المهزولة والخرقاء يمكن أن يراد بها مشقوقة الأذن، و
سيأتي البحث عنها إن شاء الله وهذه الأخبار كما تراها مطلقة لا
تفصيل فيها بين العالم بالنقص والجاهل به بل صحيحة علي بن جعفر
المتقدمة قد صرحت بعدم معذورية الجاهل، وكذا لا تفصيل
فيها بين ما إذا دفع ثمن الهدي نقدا أو اشتراه نسيئة
ولكن في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال:
إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وإن يم يكن نقد ثمنه رده فاشترى
غيره (3).

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 1.
349

وصحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: من اشترى
هديا ولم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تم (1)
- ما ينافي الروايات المتقدمة ولذا حمل الشيخ قدس
سره - على ما حمى عنه - الروايتين على تعذر رده.
وكيف كان فمع أن الروايتين صحيحتان إلا أنه لا يمكننا
العمل بهما لاعراض الأصحاب عنهما، وعملهم على طبق
الروايات السابقة.
وكذا لا يجزي المكسورة القرن الداخل منها ولا المقطوعة
الأذن وأم القرن الخارج فلا بأس بكسره
لما في صحيح علي بن جعفر المتقدم فإنه صرح فيه أنه لا
يجوز أن يكون ناقصا.
ولصحيح جميل عنه عليه السلام أنه قال في المقطوع القرن
والمكسورة القرن إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس
وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا (2).
وكذا مرسلة ابن أبي نصر عن أحدهما عليهما السلام قال:
سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة
بسمة فقال ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس (3).

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 1
350

فإنها دلت بمفهومها أنها إذا كانت مقطوعة الأذن
فلا تجزي
وفي حسنة الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الضحية تكون الأذن مشقوقة فقال إن كان شقها
وسما فلا بأس وإن كان شقا فلا تصلح (1)
ولعل المراد بالشق القطع وكذا لا يجزي سلول الخصية
المسمى بالخصي لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل
الكاظم عليه السلام عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه
إذا هو خصي مجبوب ولم يكن يعلم أن الخصي المجبوب
لا يجوز في الهدي هل يجزيه أم يعيد؟ قال: لا يجزيه إلا
أن يكون لا قوة به عليه (2).
ويستفاد من هذه الصحيحة كفاية الخصي إذا لم
يقدر على غيره ولم ينتقل فرضه إلى الصوم إلا أن في
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: وسألته أيضحى
بالخصي؟ فقال: لا (3) فيها اطلاق يشمل صورة القدرة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1
351

على ذبح 7 وعدمها ولكن يمكن الجمع بينهما بحمل صحيحة محمد
بن مسلم على صورة القدرة بقرينة تلك الصحيحة
وكذا لا يكفي مرضوض الخصيتين حتى تفسدا وفاقا
للفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير على ما حكي عنها
وربما يستشعر عدم الجواز من حسنة معاوية بن
عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث: اشتر فحلا
سمينا للمتعة فإن لم تجد فموجوءا فإن لم تجد فمن فحولة
المعز فإن لم تجد فنعجة فإن لم تجد فما استيسر من الهدي (1)
أقول: الموجوء: مرضوض الخصيتين
وفي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: والفحل
من الضان خير من الموجوء والموجوء خير من النعجة والنعجة
خير من الضان (2)
نعم عن النهاية والوسيلة والمبسوط والمهذب البارع
اجزائه إذا تعذر الهدي ولكن التعذر يبيح مسلول
الخصيتين فضلا عن مرضوضهما والروايتان غير صريحتين
في عدم اجزاء الموجوء فيمكن حملهما على أفضلية غير الموجوء

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 7
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الذبح الحديث 1
352

على الموجوء إلا أن حسنة معاوية غير خالية عن الظهور
فإنه قد جوز الموجوء في صورة عدم وجدان غيره
فالأحوط في صورة وجدان غيره عدم ذبح الموجوء.
(القول في بدل الهدي:)
قال: في الشرائع: من فقد الهدي ووجد ثمنه
قيل: يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة وقيل ينتقل
فرضه إلى الصوم وهو الأشبه انتهى
أما وجه القول الثاني فبأن يقال إن الآية المباركة
أعني قوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام و
سبعة إذا رجعتم الخ قد أناطت وجوب الصوم على
عدم وجدان الهدي ومن الظاهر أن عدم وجدان
الهدي يصدق عليه هذا العنوان وإن كان واجدا
لثمنه لعدم وجدان العين مع وجدان ثمنها لأن الظاهر
من وجدان شئ وجدان عينه لا وجدان ثمنه
وأما وجه القول الأول فهو ما رواه جرير عن الصادق
عليه السلام في الصحيح في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم
353

قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري
له ويذبح عن وهو يجزي عنه فإن مضى ذو الحجة أخر
ذلك إلى قابل من ذي الحجة (1)
ويمكن الاستدلال لهذا القول برواية النضر بن قرواش
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة
إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده وهو موسر
حسن الحال وهو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن
يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان
يريد المضي إلى أهله وليذبح عنه في ذي الحجة فقلت
فإنه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا
وأصابه بعد ذلك قال: لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة
ولو أخره إلى قابل (2)
والتقييد في قوله: وهو يضعف عن الصيام وإن كان
يخصص الحكم أعني وجوب دفع ثمن الهدي بمن يضعف
عن الصيام إلا أن الأصحاب لم يلتفتوا إلى هذا التقييد
أما لاعراضهم عن هذا التقييد أو لأنهم لم يروا لهذا التقييد
مفهوما لأنه في كلام السائل وكيف كان فالمشهور هو الحكم

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
354

بوجوب دفع الثمن إلى من يشتري الهدي ويذبحه عنه
في ذي الحجة سواء ضعف عن الصيام أو لا فحينئذ المستفاد
من الروايتين أنه يصدق واجد الهدي على الواجد لثمنه
ولا يعارض الروايتين رواية أبي بصير أنه سأل أحدهما
عليهما السلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدى حتى إذا كان
يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم
فإن أيام الذبح قد مضت (1)
لأنها مع ضعف سندها موردها غير ما نحن
فيه فإن ما نحن فيه هو ما إذا لم يقدر في منى الأعلى
ثمن الهدي ولا يقدر على شراء الهدي بمنى لفقدانه
فعلا ومورد هذه الرواية أو ظاهرها كون شراء الهدي
كان مقدورا له بمنى إلا أنه في غير زمان ذبح الهدي
وحملها الشيخ قدس سره على ما حكي عنه على من صام
ثلاثة أيام ثم وجد الهدي كرواية حماد بن عثمان أنه
سأل الصادق عليه السلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3
355

ثم أصاب هديا يوم خرج من منى قال: أجزأه صيامه (1)
ولكن هذا الحمل بعيد بالنسبة إلى رواية أبي بصير
فإن الظاهر منها بقرينة السؤال أيذبح أو يصوم عدم
اتيانه بالصوم بعد إلا أن يقال إن المراد بالصوم صوم
السبعة دون الثلاثة والله العالم.
وكيف كان فإذا فقد الهدي وثمنه صام عشرة أيام
ثلاثة متوالية في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لدلالة الآية
الكريمة والأخبار الكثيرة عليه أما الآية فقوله تعالى فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة الآية.
وأما الأخبار فمنها صحيحة ابن سنان قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال:
فليصم ثلاثة أيام ليس منها أيام التشريق ولكن يقيم بمكة
حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله (2)
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة
أيام قلت له: أفيها أيام التشريق؟ قال: لا ولكن يقيم بمكة

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
356

حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله فإن لم يقيم
عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا
رجع إلى أهله (1).
ثم اعلم أن أفضل صوم الأيام الثلاثة يوم
قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة كما دلت على
ذلك الروايات الكثيرة:
فمنها رواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال:
يصوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة قلت:
فإنه قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق
قلت: لم يقم عليه جمالة قال: يصوم يوم الحصبة وبعده
بيومين قال: قلت: وما الحصبة؟ قال: يوم نفره
قلت: يصوم وهو مسافر؟ قال: نعم أليس هو يوم عرفة
مسافر؟ إنا أهل بيت نقول ذلك بقول الله عز وجل
فصيام ثلاثة أيام في الحج يقول: في ذي الحجة (2).

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7 - 1
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7 - 1
357

ويستفاد من هذه الرواية أن المراد بالحج في الآية هو ذو
الحجة فيكون معنى الآية - والله العالم - أن ذا الحجة ظرف
للاتيان بصوم ثلاثة أيام فليس المراد بالحج في الآية الكريمة
هو التلبس بأعمال الحج فإنه لا يجوز الاتيان بالصوم في
أكثر الأيام التي يكون متلبسا بأفعال الحج لأن أكثرها إما
أن يكون عيدا أو يكون أيام التشريق وكل ذلك لا يجوز
فيه الصوم.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال سألته
عن متمتع لم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج:
يوما قبل التروية ويوم عرفة قال قلت:
فإن فاته ذلك قال: يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك
اليوم ويومين بعده قلت: فإنه لم يقم عليه جماله، يصومها
في الطريق؟ قال إن شاء صامها في الطريق وإن شاء
إذا رجع إلى أهله (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
الصوم الثلاثة أيام إن صامها فآخرها يوم عرفة وإن لم
يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ولا تصمها

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 9.
358

في السفر (1).
ومنها صحيحة حماد بن عيسى قال سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: قال علي عليه السلام في قول الله عز وجل فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة قال قبل التروية ويوم التروية ويوم
عرفة فمن فاتته هذه الأيام فلينشئ يوم الحصبة وهي ليلة
النفر (2). إلى غير ذلك من الأخبار
ويستفاد من بعض الأخبار جواز صوم يوم التروية ويوم عرفة
ويم آخر بعد أيام التشريق وهي رواية عيد الرحمن بن
الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن صام يوم التروية ويوم
عرفة قال يجزيه أن يصوم يوما آخر (3).
ورواية يحيى الأزرق أو موثقته عن أبي الحسن عليه السلام
قال سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي
فصام يوم التروية ويوم عرفة قال يصوم يوما آخر بعد
أيام التشريق (4).

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 14.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 14.
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
359

ولكن تعارض الروايتين جملة من النصوص.
فمنها صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي
قال فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة
الحصبة فيصبح صائما وهو يوم النفر ويصوم يومين
بعده (1).
ومنها رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه
هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم
التروية ويوم عرفة قال: فإن فاته صوم هذه الأيام
فقال لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم
ثلاثة أيام متتابعات (2).
وقد دلت هذه الرواية على وجوب كون الثلاثة أيام
متتابعات وفيها اطلاق فيما إذا لم يصم جميعها أو لم يصم بعضها
ومنها رواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال: يصوم قبل التروية
ويوم التروية ويوم عرفة قلت: فإنه قدم يوم التروية قال:

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 5 - 3.
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 5 - 3.
360

يصوم ثلاثة بعد التشريق (1) الحديث.
ومنها رواية معاوية بن عمار عليه السلام قال: سألته عن متمتع
لم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج يوما قبل التروية ويوم
التروية ويوم عرفة قلت فإن فاته ذلك قال: يتسحر ليلة الحصبة
ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده (2).
وفيها أيضا اطلاق يشمل ما إذا لم يصم الثلاثة جميعها أو لم يصم
بعضها إلا أنه يمكن دفع المعارضة بين الطائفتين من الأخبار
بحمل الطائفة الثانية على الكراهية أو يقال إن المشهور قد عملوا
بالطائفة الثانية على الكراهة أو يقال إن المشهور قد عملوا
بالطائفة الأولى وأعرضوا عن الطائفة الثانية فلا يمكن الاعتماد
على ظواهرها فلا بد من حملها على بعض المحامل أو رد علمها
إلى أهله.
ثم إنه إذا لم يمكنه صوم قبل يوم التروية وصوم يوم التروية
أخره إلى ما بعد أيام التشريق لوجوب التتابع بين الثلاثة أيام
إلا ما خرج بالدليل والدليل على وجوب التتابع الأخبار
فمنها رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4.
361

صيام الثلاثة الأيام في الحج أيصومها متوالية أم يفرق
بينهما؟ قال يصوم الثلاثة لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق
بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا (1).
ومنها رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة
عن أبي الحسن عليه السلام التي قال في ضمنها ولكن يصوم
ثلاثة أيام متتابعات (2)، وغير ذلك من الأخبار.
ثم إنه وإن ظهر من الأخبار المتقدمة أن وقت صوم
الثلاثة أيام هو يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة
إلا أنه يجوز أن يأتي بها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالحج
أو عمرة التمتع التي هي كالجزء في الحج وكذا يجوز الاتيان بها
طول ذي الحجة.
أما الدليل على الفرض الأول فرواية زرارة أو موثقته
عن الصادق عليه السلام قال: من لم يجد هديا وأحب أن
يصوم الثلاثة أيام في أول العشر فلا بأس (3) مضافا
إلى أنك قد عرفت في رواية رفاعة المتقدمة أن المراد
بقوله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج " هو ذو الحجة فإنه قال

(1) الوسائل البا 46 من أبواب الذبح الحديث 17 - 2.
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 3.
(3) الوسائل البا 46 من أبواب الذبح الحديث 17 - 2.
362

في آخر الرواية بعد ذكر الآية يقول في ذي الحجة (1).
وحاصله أن المراد بالحج ليس التلبس بأفعال الحج
بل المراد منه ذي الحجة الذي يقع الحج فيه.
وأما الدليل على الفرض الثاني - فمع أنه معروف
بين الأصحاب بل عن المدارك " أنه قول علمائنا " وأن
المراد بقوله تعالى " فصيام ثلاثة أيام في الحج " هو ذو الحجة
كما عرفت ذلك من رواية رفاعة - خصوص رواية زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم يجد ثمن الهدي
فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس
بذلك (2).
ورواية ربعي بن عبد الله قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن قوله تعالى " فصيام ثلاثة أيام في الحج قال يوم
قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليقض
ذلك في بقية ذي الحجة قان الله تعالى يقول في كتابه " الحج أشهر معلومات (3).

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح 1 - 13 - 14.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح 1 - 13 - 14.
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح 1 - 13 - 14.
363

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت قائما أصلي
وأبو الحسن عليه السلام قاعد قدامي وأنا لا أعلم فجائه عباد
البصري فسلم ثم جلس فقال: يا أبا الحسن ما تقول
في رجل تمتع ولم يكن له هدي قال: يصوم الأيام التي
قال الله تعالى فجعلت سمعي إليهما فقال له عباد وأي
أيام هي؟ قال: قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة قال:
فإن فاته ذلك، قال: يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد
ذلك قال فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال:
فأي شئ قال؟ قال يصوم أيام التشريق قال: إن جعفرا
كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بلالا
ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد
قال: يا أبا الحسن إن الله قال " فصيام ثلاثة أيام في الحج "
وسبعة إذا رجعتم " قال: كان جعفر يقول ذو الحجة
كله من أشهر الحج (1).
ومحل الشاهد ذيل هذه الرواية أعني قوله (ع) ذو الحجة
كله من أشهر الحج، وأما الدليل على اعتبار التلبس بالحج ولو بعمرته
في وجوب الصوم - فمع دعوى الاجماع على اعتباره من صاحب

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 4.
364

الجواهر - ظاهر ثوله تعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر
من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج الآية وهو
ظاهر في التلبس مضافا إلى أن الصوم بدل عن الهدي
الذي يجب على الحاج بعد تلبسه بالحج لا قبله فكيف يصير
بدله واجبا قبل الشروع في الحج؟
إلا أنه يبقى هنا اشكال وهو أنه يصير الهدي في يوم
العيد واجبا لا قبله، فقبل العيد لا يجب عليه الهدي فكيف
يجوز الاتيان ببدله من أول ذي الحجة؟ - كما هو مقضى رواية زرارة
المتقدمة - والجواب أنه يمكن أن يقال: إن الهدي يصير واجبا
عليه بمجرد تلبسه بالحج غاية الأمر أن ظرف الاتيان بالواجب
هو يوم العيد فالواجب حالي وإن كان الواجب استقباليا
فكذا بدله.
ثم إنه كما يجوز الاتيان بصوم الثلاثة في مكة أو في الطريق
فكذا يجوز الاتيان بها بعد الوصول إلى منزله ومستنده روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال في حديث قد مر صدوره: قلت فإن لم يقم عليه جماله
365

أيصومها في الطريق؟ قال إن شاء صامها في الطريق
وإن شاء إذا رجع إلى أهله (1).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال: سألا أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال: يصوم
ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله فإن لم يقم عليه
أصحابه ولم يستطيع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع
إلى أهله (2).
وهذه الصحيحة وإن كانت ظاهرة في تقييد الجواز بصورة
الاضطرار إلا أن تلك الصحيحة صريحة في حال الاختيار
فلا بد من رفع اليد عن ظاهر هذه الصحيحة بقرينة تلك
الصحيحة.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الصوم
الثلاثة الأيام إن صامها فآخرها يوم عرفة وإن هو لم يقدر
على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله (3) الخبر
وهذه الرواية نظير سابقتها من أنه لا بد من رفع اليد عن ظاهرها
ومنها مرسلة المفيد في محكى المقنعة عن الصادق عليه السلام
قال: سئل عمن لا يجد هديا وجهل أن يصوم الثلاثة أيام

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4 - 7 - 10
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4 - 7 - 10
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4 - 7 - 10
366

كيف يصنع؟ فقال: أما إني لم آمره بالرجوع إلى مكة ولا
أشق عليه ولا آمره بالصيام في السفر ولكن يصوم إذا
رجع إلى أهله (1).
ثم إنك قد عرفت من مطاوي الروايات المتقدمة
أن ظرف الاتيان بصوم الثلاثة هو ذو الحجة فإذا خرج
ذو الحجة ولم يصم الثلاثة تعين عليه الهدي قال: في الجواهر
بلا خلاف أجده فيه بل ظاهر المدارك وصريح المحكى عن الخلاف
الاجماع عليه انتهى.
مضافا إلى صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل المحرم فعليه
شاة وليس له صوم ويذبح بمنى (2).
والرواية المحكية عن سنن البيهقي الذي هو من العامة
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من ترك نسكا فعليه دم (3)
وصحيحة عمران الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 5.
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 152 على ما حكي عنه
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1.
367

عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع
إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله قال: يبعث بدم (1)
وهذه الصحيحة وإن خصصت الحكم بالنسيان لا
أنه يمكن استنباط حكم العمد منها بطريق أولى لأنه لا يمكن
أن يكون حكم النسيان أشد من العمر فلا أقل من التساوي
إن لم نقل بأن حكم العمد أولى هذا
ولكن تعارض هذه الروايات روايات كثيرة أخرى
منها صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته المتقدمة عن الصادق
عليه السلام أنه قال في حديث فإن لم يقم عليه جماله أيصومها
في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق وإن شاء
إذا رجع إلى أهله (2).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة عنه عليه السلام أنه
قال في حديث: فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام
بمكة فليصم عشرة أيام إذ رجع إلى أهله (3).
ومنها مرسلة المقنعة المتقدمة (4) ومنها صحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة أيضا عنه عليه السلام أنه قال في حديث وإن
لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله (5).

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 3.
(2) الوسائل البا 46 من أبواب الذبح الحديث 4 - 7.
(3) الوسائل البا 46 من أبواب الذبح الحديث 4 - 7.
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4.
(5) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4.
368

ومنها صحيحة الأخرى عن عبد صالح عليه السلام قال: سألته
عن المتمتع ليس له ضحية وفاته الصوم حتى يخرج وليس له
مقام، قال: يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء وإن
شاء صام عشرة في أهله (1) إلى غير ذلك من الأخبار
إلا أنه يمكن دفع المعارضة بين الطائفتين من الأخبار
بحمل هذه الأخبار الدالة على الاتيان بالسبعة إذا رجع إلى
أهله على ما إذا أتى بها إذا رجع إلى أهله في ذي الحجة
لدلالة الأخبار المتقدمة وغيرها على أن وقت هذه الثلاثة أيام
وكذا السبعة هو ذو الحجة فيصير مفاد كلتا الطائفتين أنه إذا أتى
بها في ذي الحجة ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله فليس
عليه الهدي وإن أهل هلال المحرم ولم يصمها يجب عليه
الهدي كذا بخط الحقير نقلا عن الأستاذ ره
ولكن يرد عليه بالنسبة إلى صوم السبعة أيام أن هذا الحمل
بعيد فإن الآية الكريمة وكذا الأخبار قد صرحنا بأنه يأتي بها
إذا رجع إلى أهله ومع عدم وجود هذه الوسائل الحديثة

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 2
369

الموجودة في العصر الحاضر في الأزمنة السابقة كيف
كان الحاج في ذلك الزمان متمكنا إلى الوصول إلى
أهله في هذه المدة القصيرة أي أيام ذي الحجة حتى
يصوم السبعة أيام في أهله مع تلك المسافة البعيدة؟
وربما كان الحاج في ذلك الزمان ستة أشهر في
الطريق إلى أن يصل إلى أهله.
نعم من كان منزله في بلدة جدة أو المدينة المنورة
وفي النهاية إذا كان منزله في عمان أو الشام لعله كان
يتمكن من الاتيان بالصوم في ذي الحجة وأما البلاد
البعيدة كبلاد إيران وتركيا وكذا العراق فلا يمكن ذلك
في ذلك الزمان أي بأن يصل إلى أهله في ذي الحجة
كما هو واضح.
(مسألة:)
لو صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي أجزأه ذلك
ولم يجب عليه الهدي وعليه المضي على الصوم قال في
الجواهر: عن الخلاف الاجماع على ذلك ومستند هذا
الحكم مضافا إلى الأصل أي أصالة البراءة عن وجوب الهدي
روايتان الأولى رواية حماد بن عثمان قال: سألت أبا
370

عبد الله عليه السلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب
الهدي يوم خرج من منى قال: أجزأه صيامه (1)
الثانية رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي (ولم يصم الثلاثة
أيام خ) حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو
يصوم؟ قال: بل يصوم فإن أيام الذبح قد انقضت (2)
وظاهر هذه الرواية بل صريحها إذا كانت مشتملة على
زيادة قوله " ولم يصم الثلاثة أيام، فإن هذه الزيادة لم تكن إلا في
بعض الأخبار - أنه لم يصم بعد، فوجد ثمن الشاة،
فيستفاد من هذه الرواية أن مناط وجوب الهد
هو وجدانه في الأيام الثلاثة التي يصوم فيها فبعد انقضائها
تتبدل وظيفته إلى الصوم صام ثلاثة أيام قبل ذلك أولا
بضميمة رواية حماد المتقدمة.
ولكن تعارض الروايتين رواية عقبة بن خالد قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا

الوسائل البا 45 من أبواب الذبح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 4.
371

فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أيشتري هديا فينحره
أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟
قال يشتري هديا فينحره ويكون صيامه الذي صامه
نافلة (1).
فلذا حكم القاضي ابن البراج - على ما حكي عنه - بوجوب الهدي
لصدق الوجدان، إلا أنه يمكن أن يقال إنه لا بد من حمل
هذه الرواية على الاستحباب لأنها ضعيفة السند وعمل المشهور
بالروايتين المتقدمتين وضعفهما منجبر بعمل المشهور بهما
والحاصل أن هذه الروايات ضعيفة السند إلا أن الروايتين
المتقدمتين لهما جابر بخلاف رواية عقبة بن خالد فإنه لا
جابر لها.
(مسألة:)
هذا الذي قلنا حكم صوم الأيام الثلاثة وأما الأيام
السبعة فإنه يجب صومها بعد الوصول إلى بلده بمقتضى
الآية المباركة والأخبار أما الآية فقوله تعالى " وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة " ولفظ الرجوع وإن كان مطلقا إلا أنه
بحسب المتفاهم العرفي هو الرجوع إلى بلده، وأما الأخبار

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 2
372

فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان متمتعا فلم
يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع
إلى أهله (1).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام
بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله (2).
ثم إنه إذا رجع إلى أهله ولم يمكث فيهم وسافر إلى موضع
آخر يجوز له الاتيان بها في ذلك الموضع ولا يلزم عليه الاتيان
بها في خصوص بلده، والدليل عليه رواية إسحاق بن عمار قال
قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إني قدمت الكوفة
ولم أصم السبعة حتى فزعت في حاجة إلى بغداد قال:

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4
(2) الوسائل البا 46 من أبواب الذبح الحديث 7.
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 16.
373

صمها ببغداد قلت أفرقها؟ قال: نعم (1).
ثم إنه هل يشترط في السبعة الموالاة أو لا؟ قال
في الشرائع ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح " و
استدل له في الجواهر - بعد دعوى الشهرة عليه بل
دعوى عدم معرفة الخلاف من التذكرة والمنتهى
بأمور:
الأول الأصل والمراد بالأصل أصالة البراءة
من وجوب المولاة وفيه أن الأصل مقطوع بالدليل، و
ستعرف الدليل على الوجوب.
الثاني اطلاق أدلة السبعة من الآية الروايات "
وفيه أن الاطلاق قابل للتقييد، والذي نذكره نم الدليل
يقيد هذا الاطلاق.
الثالث عموم قول أبي عبد الله عليه السلام في حسن عبد
الله بن سنان كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة
اليمين (2) وفيه أنه لا يمكن الالتزام بظاهر هذه الرواية
لأن من المعلوم أن كفارة صوم شهر رمضان وكفارة

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 2.
(2) الباب 10 من أبواب بقية الصوم من كتاب الصوم الحديث 1.
374

القتل وكذا صيام ثلاثة أيام في الحج وغير ذلك لا يجوز
فيها التفريق فالعموم ليس على ظاهره فالأظهر هو اعتبار
المولاة لأن هذه الأدلة لا تغني عن الحق شيئا ورواية
إسحاق المتقدمة آنفا وإن كانت صريحة في جواز التفريق
إلا أنها ضعيفة السند لا تقاوم بعض الروايات الآتية
وأما الروايات الدالة على اعتبار المولاة فهي روايتان:
منها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة يصومها
متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق
بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة
جميعا (1).
ومنها رواية الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق إنما
هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين (2) لكن الروايتين

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.
375

ضعيفتا السند أما رواية علي بن جعفر فقد طعن في
سنده بمحمد بن أحمد العلوي وهو مجهول إلا أن العلامة
على ما حكي عنه - وصف الروايات التي وقع محمد
هذا في سنده - بالصحة لهذا التوصيف كالشهادة على
صحة الروايات التي وقع فيها فيمكن حملها أي الروايتين على
كراهة التفريق بين السبعة جمعا بينهما وبين رواية إسحاق بن
عمار المتقدمة فإن رواية عمار وإن كانت ضعيفة السند
إلا أن عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها ومع ذلك الأحوط
الاتيان بها متوالية.
والظاهر أنه يعتبر أن يفرق بين صوم الثلاثة والسبعة
إذا أراد أن يأتي بالعشرة في أهله قال في الجواهر بلا
خلاف أجده فيه انتهى ومستند الحكم أولا ظاهر الآية
فإنه تعالى قد بين موضع الاتيان بالثلاثة بأنه مكة و
موضع الاتيان بالسبعة بأنه إذا رجع إلى أهله.
وثانيا بعض الأخبار منها ذيل رواية علي بن جعفر
المتقدمة عن أخيه موسى عليه السلام قال ولا يجمع السبعة
والثلاثة جميعا (1).

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 2.
376

ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن صوم ثلاثة أيام في الحج أيصومها متوالية أو يفرق
بينها؟ قال يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها، و
السبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعا (1)
إلا أن الظاهر أن هذه الرواية هي بعينها رواية علي
بن جعفر المتقدمة التي في طريقها محمد بن أحمد العلوي
وكيف كان فرواية علي بن جعفر لا يعارضها هنا شئ
فالعمل بها متعين.
لكن في الجواهر " الظاهر اختصاص ذلك بما إذا
صام بمكة أما لو وصل إلى أهله ولم يكن قد صام الثلاثة
لم يجب عليه التفريق كما نص عليه الفاضل في محكى
المنتهى بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من
النصوص انتهى ويرد عليه أن استظهاره باطلاق رواية
علي بن جعفر مناف لما ذكره هنا فإن اطلاقها يشمل
ما إذا جمع بينهما في أهله أو أتى بالثلاثة في مكة والسبعة في أهله

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 2.
377

بل يمكن أن يقال إن موردها ما إذا أمكنه الجمع وأما إذا
أتى بالثلاثة في مكة أو في الطريق فقهرا يتحقق التفريق
بينهما فلا يمكن حينئذ الجمع بينهما حتى يشمل النهي بالجمع
واطلاق الأمر بالعشرة منزل على ما ذكرنا من التفريق
بين الثلاثة والسبعة بقرينة الرواية المتقدمة.
(مسألة:)
لو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم مع التمكن
وجب على وليه صوم الثلاثة دون السبعة كما عن الشيخ
وجمع من الفقهاء لحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن رجل تمع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام
ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع إلى أهله
قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟
قال ما أرى عليه قضاء (1)، دلت الرواية على عدم وجوب
قضاء السبعة على الولي مضافا إلى أصالة براءة ذمة الولي
عن صوم السبعة هذا
إلا أن هذه الحسنة معارضة بأقوى منها وهي صحيحة معاوية
بن عمار عنه عليه السلام قال: من مات ولم يكن له هدي لمتعته

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 2.
378

فليصم عنه وليه (1).
وهذه الرواية تشمل الثلاثة والسبعة معا فيمكن حمل
تلك الحسنة على أنه بعد وروده على أهله لم يتمكن من الصوم
إلى أن مات فاه لا خلاف معتد به في عدم وجوب السبعة
حينئذ على وليه لعدم استقرار الوجوب عليه فعند ذلك
أصل البراءة مقطوع بالدليل وهو صحيح معاوية بن عمار
الذي أوردناه آنفا فح الأقوى وجوب صوم جميع العشرة
على وليه إذا تمكن الميت بعد الرجوع إلى أهله من صيامها
ولم يصمها عملا بالصحيحة المتقدمة وبالعمومات الواردة في
باب صوم الولي الدالة على وجوب كل صوم استقر على
الميت ولو بالاطلاق.
ولذا قال ابن إدريس وأكثر المتأخرين على ما حكي
عنهم - بوجوب صوم العشرة على وليه.
(مسألة:)
من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد كان
عليه سبع شياه قاله في الشرائع ويمكن أن يكون مستند

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 1
379

هذا الحكم رواية داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في نداء قال: إذا لم يجد
بدنة فسبع شياه فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو
منزله (1).
إلا أن مورد هذه الرواية الفداء فلذا اقتصر ابن سعيد
- على ما حكي عنه - على الفداء فالحاق النذر والكفارة به
مشكل إلا مع العلم بالمناط القطعي وأنى لنا به مع عدم إحاطتنا
بمناطات الأحكام، ثم بناءا على العمل بهذه الرواية أما في
الفداء فقط أو مطلقا - إذا كانت معمولا بها بين الأصحاب
في الجملة - فضعف سندها غير مانع من العمل بها بعد انجبار
ضعفها بعملهم.
وهل يمكن التعدي عن موردها بأن يقال بكفاية السبع
الشياه عن البقرة إذا اعوزت؟ لأن السبع الشياه إذا أجزأت
عن البدنة فاجزائها عن البقرة بطريق أولى لأن البدنة أكثر
لحما من البقرة كما عن التذكرة والمنتهى أولا؟ والظاهر عدم
الاجزاء لحرمة القياس عندنا، وإذا عجز عن السبع الشياه سواء
عجز عن جميعها أو عن بعضها ينتقل فرضه إلى صوم ثمانية عشر
يوما كما هو مدلول هذه الرواية.

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب الذبح الحديث 1.
380

(مسألة:)
لو تعين عليه الهدي فمات من وجب عليه الهدي
أخرج من أصل تركته كسائر الديون.
(البحث في هدي القران)
ويقال له هدي السياق أيضا، ولا يخرج هدي
القران عن ملك سائقه وله ابداله والتصرف فيه
إلا إذا أشعره أو قلده فإنه يجب عليه حينئذ أن يذبحه أو ينحره
ولا يجوز له ابداله لكنه لا يخرج بذلك عن ملكه فله التصرف
فيه بأنواع التصرف غير الناقلة من ركوبه وشرب لبنه
وإن وجب عليه ذبحه أو نحره كما ذكرنا لقوله تعالى:
لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي و
لا القلائد (1).
ولرواية الحلبي أو صحيحته قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها
أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه

(1) سورة المائدة الآية 2.
381

قال إن لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء نحرها وإن شاء
باعها وإن كان أشعرها نحرها (1).
ثم إنه يجب ذبح الهدي بمنى إن كان الاحرام
بالحج وبفناء الكعبة إن كان لاحرام العمرة - ومستنده
- مضافا إلى دعوى الاجماع - كما عن المدارك -
موثقة شعيب العقرقوئي قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال بمكة (1)
ورواية عبد الأعلى قال قال أبو عبد الله عليه السلام
لا هدي إلا من الإبل ولا ذبح إلا بمنى (2) المقيد
اطلاقها بموثقة العقرقوئي المتقدمة الدالة على أن موضع
هدي العمرة مكة.
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: من ساق
هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق ومن ساق هديا
وهو معتمر نحر هديه في المنحر وهو ما بين الصفا والمروة
وهي بالحزورة (3) الخبر - والحزورة بالحاء المهملة على وزن
فقسورة تل كان خارج المسجد بين الصفا والمروة والتقييد
بخصوص هذا الموضع لكونه أفضل فإن مكة كلها منحر

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6 - 3.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6 - 3.
382

لموثقة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك
في منزلك بمكة فقال إن مكة كلها منحر (1)
ثم إنه إذا هلك هدي القران فإن كان تطوعا
بأن لم يكن عليه واجبا من أول الأمر بل صار واجبا
بالاشعار والتقليد فلا يجب عليه إقامة بدله وأما إذا
كان واجبا من أول الأمر بأن كان منذورا بالنذر
المطلق أو النذر المعين أو كان كفارة لبعض محرمات
الاحرام ككفارة الصيد يجب إقامة بدله.
ومستند الحكمين - بعد نفي الخلاف - روايات
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب قال:
إن كان تطوعا فليس عليه غيره وإن كان جزاء أو نذرا
فعليه بدله (2).

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1.
383

ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن الهدي إذا عطب قبل أي يبلغ المنحر
أيجزي عن صاحبه؟ فقال إن كان تطوعا فلينحره و
ليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ فليس عليه
فداء وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ
المنحر أو لم يبلغ وعليه مكانه (1).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن
رجل أهدى هديا فانكسرت فقال إن كانت مضمونة
فعليه مكانها والمضمون ما كان نذرا أو جزاءا أو يمينا وله
أن يأكل منها فإن لم يكن مضمونا فليس عليه شئ (2)
ومنها مرسلة حريز عمن أخبره عنه عليه السلام قال كل من
ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شئ عليه ينحره و
يأخذ نعل التقليد فيغمسها في الدم فيضرب به صفحة سنامه
ولا بدل عليه وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب
فعل مثل ذلك وعليه البدل وكل شئ إذا دخل الحرم
فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره (3).
وهذه الرواية قد جعلوها من الروايات المعارضة لتلك

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 3 - 2 - 6
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 3 - 2 - 6
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 3 - 2 - 6
384

الروايات فإن في ذيلها قوله " وكل شئ إذا دخل الحرم
فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره فإنه كالصريح
في عدم وجوب البدل حتى في الواجب بنذر وشبهه
ولكن الظاهر أن من جعل هذه الرواية معارضة لم
يلاحظ صدرها فإنه عليه السلام قد صرح في صدرها " و
ما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك
وعليه البدل " فمع تصريحه (ع) بوجوب البدل لجزاء الصيد
والنذر - إذا عطب الهدي - أين هلك - كيف يمكن
جعلها من الروايات المعارضة فلا بد من حمل ذيلها على
بعض المحامل كالمنذور المعين أو العجز عن البدل ونحو
ذلك.
والأستاذ رحمه الله لم يلتفت إلى صدرها فلذا جعلها
من الروايات المعارضة وأجاب عنها ببعض هذه المحامل
هذا كله إذا هلك هدي القران وأما إذا عجز عن الوصول
إلى محل الذبح بكسر أو غيره جاز بل وجب ولو تخييرا كما
سيجيئ توضيحه أن ينحره أو يذبحه في ذلك المكان
385

الذي عجز فيه ويعلم بما يدل على أنه هدي بكتابة و
بتلطيخ نعله بدمه وضربه بصفحة سنامه ليعلم من مر به
أنه هدي ليجوز له أكله ومستند هذا الحكم روايات كثيرة.
منها صحيحة الحفص قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من
يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي قال ينحره ويكتب كتابا
يضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة (1).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: أي رجل ساق
بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك
فلينحرها إن قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها الذي قلدت به
بدم حتى يعلم من مر بها أنه قد ذكيت فيأكل من لحمها فإن
أراد وإن كان الهدي كسر أو هلك مضمونا فإن
عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك والمضمون هو
الشئ الواجب عليك في نذر أو غيره وإن لم يكن مضمونا
وإنما هو شئ تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا أن يشاء
أن يتطوع (3).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4.
386

عن رجل ساق بدنه فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو
عرض لها موت أو هلاك قال: يذكيها إن قدر على
ذلك ويلطخ نعلها الذي قلدت به حتى يعلم من مر
بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد (1)
ومنها مرسلة حريز عنه عليه السلام قال كل من ساق هديا
تطوعا فعطب هديه فلا شئ عليه ينحره ويأخذ نعل
التقليد فيغمسه في الدم فيضرب به صفحة سنامه ولا بدل عليه
وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك
وعليه البدل (2).
ومنها رواية عمرو بن حفص الكلبي قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام رجل ساق الهدي فعطب في
موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا على من
يعلمه أنه هدي قال: ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه
فيعلم من مر به أنه صدقة (3).
وظاهر هذه الروايات انحصار الحكم بالذبح أو النحر

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 6.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 6.
387

إذا عطب الهدي أو عجز عن الوصول إلى موضع النحر
إلا أنه قال في الشرائع " ولو أصابه (أي هدي
السياق) كسر جاز بيعه والأفضل أن يتصدق بثمنه
أو يقيم بدله ".
ومستنده صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
قال سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب
أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال يبيعه
ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر (1).
وحسنة الحلبي قال سألته عن الهدي الواجب
إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه
في هدي آخر؟ قال يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي
هديا آخر (2).
ولكن أورد المحقق الكركي على هذا الحكم - على ما حكي
عنه - في حاشيته على الشرائع بأن مقتضى جواز التصدق
رجوعه إلى ملكه وهو مناف لما عليه الروايات السابقة
من وجوب ذبحه بالاشعار والتقليد.
وأجاب عن هذا المراد في المسالك بأن الواجب

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1.
388

كان ذبحه فإذا تعذر وسقط وجوب الذبح فجاز
بيعه وتستحب الصدقة بثمنه كما تستحب الصدقة ببعض
لحمه (أي في صورة وجوب ذبحه) إلى أن قال: نعم ربما
أشكل بما تقدم من وجوب ذبحه عند عجزه وهو قريب
من الكسر بل العجز أعم منه لكن النص قد ورد بالفرق،
انتهى ملخصا.
أقول والأحسن في الجواب عن الاشكال المذكور
أن يقال إنه لا منافاة بين وجوب ذبحه ونحره وجواز
بيعه والتصدق بثمنه بحمل روايات وجوب الذبح أو
النحر على الوجوب التخييري بأن يقال إذا أصابه كسر
أو عطب قبل الوصول إلى المنحر فإنه يجب عليه أما ذبحه
في محل العطب وأما بيعه والتصدق بثمنه وهذا هو مقتضى
الجمع بين تلك الروايات الدالة على الأمر بالذبح أو النحر و
بين صحيحتي محمد بن مسلم والحلبي فإن كلتا الطائفتين
من الروايات قد ورد فيهما الكسر والعطب فما في المسالك
من أنه ورد النص بالفرق أي بين العجز والكسر لم نظفر
389

به فإن في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قد جمع الراوي
بين الكسر والعطب ومع ذلك جوز (ع) عليه بيعه و
التصدق بثمنه وكذا صحيحة الحلبي المتقدمة عن أبي
عبد الله عليه السلام فإنه قال فيها أي رجل ساق بدنة
فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض موت أو هلاك
فلينحرها الخ فجمع بين الكسر والموت والهلك كليهما قال
في محكى القاموس عطب كفرج هلك والبعير و
الفرس انكسر " فعلم أنه يستعمل في كلا المعنيين.
ثم إنه لا منافاة بين وجوب ذبحه أو نحره بمنى
وبين جواز بيعه إذا أصابه عجز إن كسر قبل الوصول إلى
المنحر كما توهمه المحقق الكركي لامكان أن يقال بالاشعار
والتقليد لا يخرج الهدي وسيجئ وإن وجب ذبحه أو نحره
بالاشعار والتقليد.
فحينئذ يمكن أن يجوز الإمام عليه السلام بيعه والتصدق
بثمنه إذا أصابه عجز أو كسر كما جوز (ع) ذلك في الصحيحة
390

المتقدمة.
والحاصل إنا لم نجد الفرق بين الكسر والهلاك في
الحكم فما في الشرائع " إذا أصابه (أي هدي السياق كسر
جاز بيعه والأفضل أن يتصدق بثمنه ويقيم بدله
والظاهر منه اختصاص هذا الحكم أعني بيعه والتصدق
والظاهر منه اختصاص هذا الحكم بيعه والتصدق
والظاهر منه اختصاص هذا الحكم أعني بيعه والتصدق
بثمنه بما إذا أصابه كسر لم نقف له على مستند لأنك
قد عرفت آنفا عدم الفرق بين الكسر والهلاك في الحكم.
(مسألة:)
قال في الشرائع أيضا ولا يتعين هدي السياق
للصدقة إلا بالنذر ولكن استقرب الشهيد في محكى
الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه
والاطعام " ولا يبعد أن يقال: إنه كذلك لقوله تعالى
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر (1).
مسألة:
لو سرق هدي السلاق من غير تفريط لم يجب إقامة

(1) سورة الحج الآية 36.
391

بدله وإن كان عينه بالنذر وشبهه للأصل ولصحيحة
معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها
قال لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل وإن لم يشتر
فليس عليه شئ (1).
بناءا على شمول الأضحية للهدي كما هو ليس بجيد
لاطلاق الأضحية على الهدي في كثير من الأخبار.
ومرسلة إبراهيم بن عبد الله عن رجل قال اشترى
لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي ائت أبا عبد الله
عليه السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال لي:
ما ضحى بمنى أفضل من شاتك (2).
هذا كله في غير النذر المطلق والكفارات وأما فيهما
فيجب بدله لتعلق النذر والكفارة بالكلي.
(مسألة:)
يجوز ركوب الهدي ما لم يضربه وكذا يجوز شرب
لبنه ما لم يضر به بولده قال في الجواهر: بلا خلاف أجده
فيه بل في المدارك هو موضع وفاق وعن غيرها الاجماع

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3.
392

مطلقا إلا من الإسكافي في الواجب انتهى.
وهذا الحكم مما لا اشكال فيه وفاقا للقواعد
بناءا على عدم خروجه عن ملكه بمجرد الاشعار أو التقليد
غاية الأمر وجوب ذبحه أو نحره إذا بلغ المنحر مضافا إلى
دلالة الأخبار على الجواز.
منها رواية أبي الصباح الكناني وأبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل لكمن فيها منافع إلى
أجل مسمى (1) قال: إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير
أن يعنف بها وإن كان لها لبن حلبها حلبا لا ينهكها (2).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه السلام قال:
إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما
جميعا قلت أشرب من لبنها وأسقي؟ قال نعم وقال:
إن عليا عليه السلام كان إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم المشي
حملهم على بدنة وقال إذا صلت راحلة الرجل لو هلكت
ومع هدي فليركب على هديه (3).

(1) سورة الحج الآية 33.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6.
393

(يجوز الركوب على بدنة الهدي وشرب لبنها)
ومنها صحيحة حريز أن أبا عبد الله عليه السلام قال: كان
علي عليه السلام إذا ساق البدنة ومر على المشاة حملهم على
بدنه وإن ضلت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير
مضر ولا مثقل (1).
ومنها صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السلام قال كان
علي عليه السلام يحلب البدنة ويحمل عليها غير مضر (2).
إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها إلا أنه تعارض
هذه الروايات رواية السكوني عنه عليه السلام أنه سئل ما
بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال: أما النعل
فيعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله وأما الاشعار
فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا
يستطيع الشيطان أن يتسنمها (2).
ولكن لا تكافئ هذه الرواية تلك الروايات الصحاح
والمعتبرة لضعف سندها أولا واحتمال أن يكون
المراد بالحرمة الحرمة العرفية ثانيا بأن يكون مراده عليه السلام
أنه مع مجروحية سنامه يحترز الانسان من ركوبه غالبا

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 8.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 8.
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4 - 8.
394

بحسب العادة لا أنه حرام شرعا وكيف كان فهي غير
معمول بها بين الأصحاب ويحتمل أيضا حملها على الكراهة
ثم إن البدنة إذا أنتجت فالولد تابع لها في وجوب
ذبحه ومستنده الروايات المعمول بها.
منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة فإنه قال: (ع)
في ضمنها ثم انحرها جميعا (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال احلبها حلبا غير مضر
بالولد ثم انحرها جميعا: قلت يشرب من لبنها؟ قال نعم
ويسقي إن شاء (2).
ومنها رواية معاوية بن عمار أو صحيحته عن الصادق عليه السلام
قال في رجل ساق بدنة فنتجت قال ينحرها وينحر ولدها، و
إن كان الهدي مضمونا فهلك اشتر مكانها ومكان ولدها (3)
ثم إن هذه الروايات هل تشمل المضمون أيضا بالنسبة
إلى الركوب وشرب لبنه كالنذر والكفارة أو هي مختصة

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 1.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 1.
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 1.
395

بغير المضمون كهدي السياق الذي هو مستحب من
أول الأمر إلا أنه بعد اشعاره وتقليده يجب ذبحه؟
فعن المسالك والمنتهى اختصاص جواز الركوب و
شرب اللبن بغير المضمون
قال في محكى الأول ولو كان الهدي مضمونا
كالكفارات والنذر لم يجز تناول شئ منه ولا الانتفاع
به مطلقا فإن فعل ضمن قيمته أو مثله للمستحق أصله وهو
مساكين الحرم انتهى، وادعى في محكى المنتهى الاجماع
على استثناء المضمون عن حكم جواز الركوب وشرب
اللبن،
قلت ولكن الظاهر مساواة المضمون لغيره في
الحكم لولا لاجماع على خلاف ذلك - لاطلاق الروايات
المتقدمة وحملها على غير المضمون يحتاج إلى المقيد و
هو مفقود ثم إنه لا فرق في تبعية الولد للهدي في
وجوب ذبحه أو نحره معه بين ما إذا كان موجودا لحين
السياق أو وجد بعده للاطلاق نعم إذا كان عند السوق
مولودا ولم يقصد سوقه أصلا يشكل شمول الاطلاقات
له والصل يقتضي عدم وجوب ذبحه.
(مسألة:)
قال في الشرائع كل هدي واجب كالكفارات
396

لا يجوز أن يعطى الجزار منها شيئا ولا أخذ شئ من جلودها
ولا أكل شئ منها فإن أكل تصدق بثمن ما أكل انتهى.
أما عدم جواز أن يعطى الجزار منها شيئا فمستند ذلك
روايات كثيرة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصدق عليه السلام قال:
سألته عن الإهاب فقال تصدق به أو تجعله مصلى
تنتفع به في البيت ولا تعطى الجزارين وقال نهى رسول
الله صلى الله عليه وآله أن يعطى جلالها وجلودها و
قلائدها الجزارين وأمر أن تصدق بها (1).
ومنها صحيحة حفص بن البختري عنه عليه السلام قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطى الجزارين من
جلود الهدي وجلالها شيئا (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار أيضا عنه عليه السلام قال:
ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله - إلى أن قال - ولم يعط
الجزارين من جلالها ولا من قلائدها ولا من جلودها (3)

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 1 - 3
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 1 - 3
397

نعم تعارض هذه الروايات رواية صفوان بن يحيى
الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يعطى
الأضحية من يسلخها بجلدها؟ قال لا بأس إنما قال:
الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا والجلد لا يؤكل ولا
يطعم (1).
وحمل هذه الرواية على الأضحية المندوبة ولكن قيل
عموم التعليل في قوله (ع) والجلد لا يؤكل الخ يمنع من حملها
على المندوبة إلا أنه يدفع هذا القول إنه وإن كان هذه
الرواية كذلك إلا أن في مرسلة الصدوق (2) إضافة
قوله (ع) ولا يجوز ذلك في الهدي بعد قوله (ع) والجلد
لا يؤكل ولا يطعم وهو كالصريح في الأضحية المندوبة.
والذي يسهل الخطب أن كلتا الروايتين ضعيفتا
السند وقد أعرض الأصحاب عن العمل بهما والحاصل
أنه يستفاد من الروايات المتقدمة أنه لا يجوز أن يعطى
الجزار أي القصاب - جلودها ولا قلائدها ولا
شئ منها بعنوان الأجرة للذبح أو النحر بل كما يجب عليه

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8 - 7.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8 - 7.
398

ذبحها فكذا يجب عليه أجرة الذبح أو النحر لأن مقدمة الواجب
واجبة فحينئذ كما يجب عليه أن يتصدق بلحمها يجب
عليه أن يتصدق بجلودها وقلائدها كما هو ظاهر من الأخبار
المتقدمة لكن في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بعد الأمر
بالتصدق قال: أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت (1).
فيستفاد منها أنه لا يجب عليه التصدق على التعيين بل
أما أن يتصدق بها أو يستفيد منها في البيت وهذا الحكم
- أعني جعله مصلى - لم يكن معرضا عنه عند الأصحاب
كما ذكر الأستاذ فعند ذلك الممنوع شرعا هو اعطاء الجزار
منها بعنوان الأجرة فقط وأما إذا كان بعنوان التصدق
عليه وكان من الفقراء فلا مانه منه كما ادعاه غير واحد من
الأصحاب.
وأما الأكل منه فما كان من الهدي التبرعي أي كان
مستحبا من أول الأمر وإن صار واجب الذبح بالاشعار
أو التقليد يجوز الأكل منه بل يجب على قول بعض وسيجئ
التكلم فيه إن شاء الله وما كان واجبا كجزاء الصيد والنذر

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5.
399

ومستند هذا التفصيل روايات كثيرة
منها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن نداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه؟ قال يأكل من
أضحيته ويتصدق بالفداء (1).
ومنها رواية البصري عنه عليه السلام قال: سألته عن الهدي
ما يؤكل منه؟ قال كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه
وكل هدي من تمام الحج فكل (2).
ومنها رواية السكوني عنه عن أبيه عليهما السلام قال إذا أكل
الرجل من الهدي تطوعا فلا شئ عليه وإن كان واجبا
فعليه قيمة ما أكل (3).
ومنها مضمرة أبي بصير قال سألته عن رجل أهدى
هديا فانكسر فقال إن كان مضمونا ما كان
في سمين يعني نذرا أو جزاء - فعليه فدائه قلت يأكل منه؟
فقال لا إنما هو للمساكين فإن لم يكن مضمونا فليس عليه شئ
قلت أيأكل منه؟ قال: يأكل منه (4).
ومنها رواية أبي البختري عنه عليه السلام قال: إن علي بن أبي
طالب عليه السلام كان يقول لا يأكل المحرم من الهدية والكفارات

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 5 - 16.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 5 - 16.
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 5 - 16.
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 5 - 16.
400

ولاجزاء الصيد ويؤكل مما سوى ذلك (1).
ومنها مضمرة حريز فإنه قال في آخرها أن الهدي
المضمون لا يؤكل منه إذا عطب فإن أكل منه غرم (2)
هذا ولكن تعارض هذه الروايات روايات أخرى
وهي كثيرة.
فمنها رواية عبد الملك القمي عن الصادق عليه السلام
قال يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاءا (3).
ومنها رواية جعفر بن بشير عنه عليه السلام أنه سأله عن
البدنة التي تكون جزاء الأيمان والنساء ولغيره يؤكل منها؟
قال: نعم يؤكل من كل البدن (4).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: يؤكل من كل
الهدي مضمونا كان أو غير مضمون (5).
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: قال الله في
كتابه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27 - 26 - 10 - 7 - 6
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27 - 26 - 10 - 7 - 6
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27 - 26 - 10 - 7 - 6
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27 - 26 - 10 - 7 - 6
401

من صيام أو صدقة أو نسك (1) فمن عرض له أذى
أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا لصيام
ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الصيام
والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وإنما عليه واحد
من ذلك (2).
ومنها رواية صفوان بن يحيى المروى عن العلل أنه
سأل الكاظم عليه السلام الرجل يعطي الأضحية من يسلخها
بجلدها قال لا بأس به قال الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا " و
الجلد لا يؤكل ولا يطعم (3) إلى غير ذلك من الأخبار.
إلا أنه يمكن أن يقال في دفع المعرضة إن هذه الأخبار
مع أنها ضعيفة سندا - قد أعرض الأصحاب عنها فلم يعملوا
بها فالعمل بالأخبار السابقة حينئذ متعين.
ثم قال في الشرائع: ويستحب أن يأكل من هدي
السياق وأن يهدي ثلثه ويتصدق بثلثه كهدي
التمتع انتهى ومستنده موثقة شعيب العقرقوقي قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام سقت في العمرة بدنة

(1) سورة البقرة الآية 192.
(2) الوسائل البا 14 من أبواب كفارات الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 7.
402

فأين أنحرها؟ قال: بمكة قلت: فأي شئ أعطي منها؟
قال كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث (1).
وصحيحة سيف التمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام
قال إن سعد (سعيد خ ل) بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي (ع)
فقال إني سقت هديا فكيف أصنع؟ فقال له أبي
أطعم أهلك ثلثا وأطعم القانع والمعتر ثلثا وأطعم المساكين
ثلثا فقلت المساكين هم السؤال؟ فقال نعم وقال القانع
الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها والمعتر ينبغي
له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك (2).
إلا أن ظاهر الروايتين هو وجوب التثليث لا استحبابه
لوجود الأمر فيهما الذي هو ظاهر في الوجوب ولعل مراد صاحب
الشرائع من الاستحباب الاستحباب على بعض الأقوال من
دون أن يكون الاستحباب مختاره لتشبيهه هدا السياق بهدي التمتع
ومختاره في هدي التمتع هو وجوب الأكل.
قال في هدي التمتع ما نص عبارته: ويستحب أن يقسمه أثلاثا

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18 - 3
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18 - 3
403

يأكل ثلثه ويتصدق بثلثه ويهدي ثلثه وقيل يجب
الأكل منه وهو الأظهر انتهى فاختار هناك وجوب
الأكل فليكن هنا مختاره كذلك للتشبيه الذي ذكرنا
مضافا إلى اطلاق قوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا
القانع والمعتر (1) وقوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا
البائس الفقير (2) فإن اطلاقها يشمل هدي السياق.
ثم إن المراد بالتثليث ليس التثليث الحقيقي
فإنه لا يمكن أكل ثلث الهدي عادة إلا أن يكون
مع الحاج أهله لكنه من الأفراد النادرة فالمراد تقسيم
الهدي: قسم يأكله وقمس يهديه وقسم يتصدق به
من دون ملاحظة المساواة بين الأقسام الثلاثة
وفي الصحيح عن أبي حعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن
يؤخذ من كل بدنة جذوة (أي قطعة) فأمر بها رسول الله صلى
الله عليه وآله فطبخت فأكل هو وعلي (ع) وحسوا من
المرق وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أشركه في هديه (3)

(1) سورة الحج الآية 36، (2) سورة الحج الآية 28
(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 2.
404

أقول: قوله: وحسوا من المرق أي شربا من المرق
شيئا بعد شئ قاله في مجمع البحرين.
وقال أبو عبد الله عليه السلام في الصحيح أو الحسن
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله حين ينحر أن يؤخذ من
كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في برمة ثم تطبخ فأكل
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (ع) منها وحسيا
من مرقها (1).
وعن الصدوق مرسلا قال: كان النبي صلى الله
عليه وآله ساق معه مأة بدنة له ولعلي عليه السلام ونحوها ثم
أخذ من كل بدنة جذوة طبخها في قدر وأكلا منها، و
حسيا من المرق (2).
هذا كله بالنسبة إلى الثليث، وأما وقت الذبح أو
النحر أما بمنى فأربعة أيام، أولها يوم النحر وهو العيد الأضحى
للروايات الدالة على ذلك: منها صحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الأضحى كم هو منى؟

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 11 - 21
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 11 - 21
405

فقال: أربعة أيام وسألته عن الأضحى في غير منى
فقال: ثلاثة فقلت: ما تقول في مسافر قدم بعد
الأضحى بيومين أله أن يضحي في اليوم الثالث؟
قال: نعم (1).
والظاهر أن المراد أنه يضحي بثلاثة أيام فيكون
الأضحى حينئذ أربعة أيام
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن الأضحى بمنى فقال: أربعة أيام و
عن الأضحى في سائر البلدان فقال: ثلاثة أيام (2)
ولكن في بعض الأخبار أن الأضحى ثلاثة أيام
كرواية كليب الأسدي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن النحر فقال: أما بمنى فثلاثة أيام وأما في
البلدان فيوم واحد (3).
وحسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الأضحى
يومان بعد يوم النحر ويوم واحد بالأمصار (4).

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 6 - 7
406

ورواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام قال: الأضحى ثلاثة أيام وأفضلها أولها
(1).
ولكن يمكن حمل هذه الروايات كما قيل على أيام
النحر التي يحرم صومها ويؤيد هذا الحمل رواية منصور
بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
النحر بمنى ثلاثة أيام: فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي
الثلاثة الأيام والنحر بالأمصار يوم فمن أراد أن يصوم
صام من الغد (2)
وهذا الحمل ليس ببعيد إلا أنه يحرم صوم اليوم
الثالث من أيام التشريق أي اليوم الثالث عشر أيضا
ويمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بأنه يمكن حمل
هذه الأخبار على الصوم بدل الهدي فإنك قد عرفت
أنه إذا صام اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة بدل

(1) الوسائل الباب من أبواب الذبح الحديث 4 - 5
(2) الوسائل الباب من أبواب الذبح الحديث 4 - 5
407

الهدي يجوز له صوم يوم آخر بعد يومين من العيد و
هو المسمى في لسان الأخبار بيوم الحسبة كما تقدم
قد تم المجلد الأول من كتاب الحج من تقريرات
بحث السيد الأستاذ آية الله الحاج السيد محمد
رضا الموسوي الگلپايگاني رضوان الله تعالى
عليه وهذا المجلد حاو على ذكر بعض مقدمات
الحج وعلى واجبات الاحرام ومحرمات الاحرام
وواجبات العمرة وواجبات الحج إلى أن انتهينا
إلى وجوب الهدي بمنى فلنشرع بعون الله عز
وجل وحسن توفيقه وتأييده في المجلد الثاني
باقي واجبات الحج من الحلق والتقصير والمبيت
بمنى وزيارة البيت أي طواف الحج والسعي
بين الصفا والمروة وطواف النساء وغير ذلك
وقد فرغنا من المجلد الأول من المسودة
في السنة ألف وثلثمأة وأربع وتسعين من
السنة الهجرية القمرية وفرغنا من تبييض المجلد
408

الأول في اليوم السادس من جمادى الثانية من سنة
ألف وأربع مأة وخمس عشر من الهجرية النبوية
على مهاجرها ألف ألف صلاة وسلام وتحية
الموافقة لسنة 1373 من السنة الهجرية الشمسية
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا
وباطنا وصلى الله على سيدنا و
نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الغر الميامين واللعنة الدائمة
على أعاديهم أجمعين إلى
قيام يوم الدين
آمين رب العالمين
المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي
409