الكتاب: در المنضود
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شوال المكرم ١٤١٢
المطبعة: أمير
الناشر: دار القرآن الكريم - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤)

الدر المنضود
في أحكام الحدود
الجزء الأول
تقرير أبحاث
سماحة آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية
الحاج السيد محمد رضا الگلپايگاني
مد ظله
بقلم
سماحة الحجة الشيخ علي الكريمي الجهرمي
1

الكتاب: الدر المنضود في أحكام الحدود
تقرير أبحاث الأستاذ الأكبر سماحة آية الله العظمى الگلپايگاني دام ظله الوارف
المؤلف: علي الكريمي الجهرمي
الناشر: دار القرآن الكريم - قم المقدسة
الطبعة: الأولى - 508 صفحة وزيري
طبع منه: 3000 نسخة
زنكراف: كرماني - قم
المطبعة: أمير
التاريخ: غرة شوال المكرم 1412 ه‍ ق
إيران: قم شارع ارم - دار القرآن الكريم، صندوق البريد 151
رقم الهاتف 33078 الرمز 0251
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي أسبغ نعمه ظاهرة وباطنة
- لا سيما - على عباده المؤمنين، ووفق من اختاره من بريته للتفقه في
الدين وأفضل الصلاة والسلام على من دعا إلى الحق المبين،
وبعثه الله رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى
أهل بيته الميامين الأكرمين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين
إلى يوم الدين.
3

(كلمة المؤلف)
إن صلاح حال الأمة، وتفجر استعدادات الانسان المكنونة في ذاته إنما
يتحقق في ظل اعتناقه للدين، ومراعاة أنظمة الشارع الحكيم والتسليم المحض
لتشريع المولى سبحانه وتعالى.
والدين هو مجموعة القوانين السماوية والأوامر الإلهية التي هي مناهج راقية
ضامنة لسعادة الانسان، وهدايته إلى كماله المطلوب، وعليه فإن انحراف الانسان
عن الدين مساو لهلاكه وانهياره وإذا فقد دينه فإنه يواجه الأخطار العظيمة، بل
لا خطر على المجتمع الانساني أعظم من الفوضى واللادينية والخروج عن نظام
الدين والاستخفاف بشأنه.
أجل، إنه أخطر ما يمكن أن يواجهه الانسان، وذلك لأنه يمسخ شخصية
الانسان السامية ويوجب سقوطه من ذروة الانسانية إلى حضيض البهيمية
العمياء.
إن خروج الانسان عن دائرة دين الله خروج في الحقيقة عن السلالة المختارة
التي اختارها الله له وخلق العالم كله لأجلها 1 ودخوله في السلالة التي نبذها الله
سبحانه وخلقها حطبا للجحيم ووقودا للنار، قال الله تعالى:
(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم
أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل
أولئك هم الغافلون) 2.

(1) ففي الأحاديث القدسية: يا بن آدم خلقت الأشياء لك وخلقتك لأجلي.
(2) سورة الأعراف الآية 179.
4

والحق إن الانسان لولا الدين لم يكن شيئا سوي صورة انسان فلذا اهتم خالق
الانسان العطوف عليه، العالم بما فيه صلاحه وفساده وخيره وشره، بأمر دينه الذي هو العنصر
الأصلي في حياته، فخلق الجنة لمن أطاع الله وراقب ربه وواظب على مراسم
العبودية، قال سبحانه.
(تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) 1
وخلق النار لمن عصاه وخالفه وخرج عن زي (؟) العبودية ونظام الطاعة وقرر
عقوبات عظيمة على التخلف عن تلك البرامج العالية والمناهج القويمة الراقية،
وعلى عصيان العباد في أوامره ونواهيه، وقال تعالى:
(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب
أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) 2
وقال سبحانه:
(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد،
يتجرعه، ولا يكاد يسيغه. ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن
ورائه عذاب غليظ) 3
(فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم،
يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كما أرادوا أن
يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) 4
ولا شك أن لهذا الوعيد والعقوبات المقررة في الآخرة أثرا محسوسا في تحذر
الانسان وارتداعه من المعاصي.
ترى أن الله سبحانه بعد أن ذكر عذاب الآخرة في سورة (الرحمن) يقول: فبأي
آلاء ربكما تكذبان، وبذلك يشير إلى أن ذكر عذاب الله أيضا من أنواع نعم الله
تعالى على عباده.
قال الطبرسي قدس سره الشريف - عقيب قوله تعالى:

(1) سورة مريم الآية 63
(2) سورة التوبة 35 - 34
(3) سورة إبراهيم 17 - 16 - 15 * (4) سورة الحج 22 - 21 - 20 - 19.
5

(يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما
تكذبان) 1
أي باخباره إياكم هذه الحالة لتتحرزوا عنها أم بغيره من النعم، فإن وجه
النعمة في ارسال الشواظ من النار والنحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من
الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح وذلك نعمة جزيلة انتهى 2.
فلولا النواهي والعقوبات لاسترسل الانسان في شروره ولما وقف عن فساده،
بل لو لم يكن خوف عقاب الآخرة لغشيت العالم الرذائل والاجرام، وتفاقم الاقدام
على قتل النفوس ونهب الأموال وهتك الأعراض والحرمات من كل من تمكن
من ذلك، إلا القليل من ذوي النفوس الطاهرة العالية.
غير أنه مما لا يمكن انكاره إن هذا العامل مؤثر في أجواء خاصة وطبقات
مخصوصة وهم الذيم نفذ الايمان في قلوبهم، واطمأنوا بما وعد الله تعالى من الثواب
والعقاب.
إذا فالخطر غير مستأصل من أصله وأساسه، ولا شئ يمنع عن انتشار الجرائم،
فلا بد من جعل عقوبة عاجلة تزجر الطبقات السافلة عن الاقدام على الشر
والفساد.
والشارع الحكيم لم يهمل هذه الجهة فقرر عقوبات خاصة على قسم من
المعاصي، ويعاقب المجرم بها عاجلا قبل العقوبة الأجلة في الدار الآخرة، وليست
هذه العقوبات إلا الحدود المقررة في الشرع على المعاصي المعينة، والتعزيرات على
ما سواها.
وبتقرير آخر: إن النفوس بالنسبة إلى طاعة الله تعالى على ثلاثة أقسام،
الأول: النفوس العالية القدسية المتصلة بالملأ الأعلى.
الثاني: النفوس الشريفة المؤمنة بالآخرة.
الثالث: النفوس السافلة التي لم يرسخ الايمان فيها عميقا.
أما الفئة الأولى فيكفي في ارتدادهم عن معصية الله سبحانه عرفانهم بالله
تعالى وأنهم رأوه مستحقا للطاعة فلذا لا حاجة في هذا المجال لأكثر من ذلك.
وأما الفئة الثانية الذين لم يبلغوا ذاك المقام الرفيع، فإن الذي يردعهم عن

(1) سورة الرحمن 36 - 35
(2) مجمع البيان ج 5 ص 205.
6

اقتراف الذنوب هو الخوف من النار والعقوبات الثابتة للعاصين.
وأما الفئة الثالثة الذين لم ينالوا شيئا من المقامين الأولين فلا يردعهم خوفهم
من مقام الرب، ولا خوفهم النار، فلا بد من ارتداعهم من جعل عقوبة عاجلة
دنيوية، لأنه لولا ذلك لأكبوا على المعاصي واقترفوا الجرائم والآثام، فلذا قرر
الشارع الحدود المقررة في الشريعة بلحاظ حال هذه الفئة السافلة.
(حكمة تشريع الحدود، في كلام الإمام أمير المؤمنين)
يقول الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام:
عند بيان حكمة الأحكام: (فرض الله الايمان تطهيرا من الشرك، وإقامة
الحدود اعظاما للمحارم) 1
وظيفة الإمام والقائد إقامة الحدود
من جملة وظائف الإمام وقائد الأمة المتولي لأمور المسلمين إقامة الحدود قال
أمير المؤمنين عليه السلام:
(إنه ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد
في النصيحة، والاحياء للسنة وإقامة الحدود على مستحقيها) 2
الاشتكاء من تعطيل الحدود
إن تعطيل حدود حدود الله تعالى يتعقب مصائب عظيمة ومشاكل شتى، فلذا كان
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشكو أصحابه من عدم اهتمامهم بإقامة الحدود
واهمالهم هذا الأمر العظيم.
قال سلام الله عليه في خطبة القاصعة.
(ألا وقد قطعتم قيد الاسلام وعطلتم حدوده وأمتم أحكامه) 3
الجهاد لإقامة حدود الله تعالى:
إن الرمز الوحيد في تأكيد الشارع على الجهاد في سبيل الله هو احياء

(1) نهج البلاغة، الحكمة 244
(2) نهج البلاغة، الخطبة 104 * (نهج البلاغة، الخطبة 234).
7

ما أماته الطواغيت من أحكام الله وسننه، وإقامة حدود الله سبحانه في الأرض.
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
(اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس
شئ من فصول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في
بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك) 1
ترى أنه صلوات الله عليه كان يأسف على ما وقع على الأمة الاسلامية
من اهمال الدين وقطع علائق الاسلام وتعطيل حدود الله وأحكامه ويشكو من
ذلك ويعير أصحابه عليه وكان صلوات الله عليه قد جاهد في سبيل الله وقاتل
أعداء الدين لاحياء معالم الدين وإقامة ما عطل من حدود الله فإذا كانت الأمة
الاسلامية المعاصرة أيضا غير مهمة بإقامة الحدود فهم أيضا جديرون بأن يلاموا
على ذلك لوما عنيفا كما أن على المجاهدين أن يجاهدوا ويبذلوا طاقاتهم لاحياء
شعائر الدين وحدود الله في عباده وبلاده.
ومع الأسف فقد عطلت إقامة الحدود طيلة أعوام كثيرة وذلك لسلطة
الطواغيت وتوليهم أمور المسلمين، وقد جندوا - خذلهم الله - جميع طاقاتهم لتدمير
الاسلام وأحكامه وآدابه لأنهم يريدون أن ترتد الشعوب المسلمة عن دينها
وتتخذ القرآن مهجورا.
ومع ذلك كله فإن بعض المراجع العظام والعلماء الموجهين في بعض البلاد
قد وفقوا لإقامة حدود الله تعالى قليلا أو كثيرا خصوصا بعد انتصار الثورة
الاسلامية بإيران.
ثم إن أهمية إقامة الحدود وعظم خطرها وجلالة أمرها وبالغ أثرها حملت
الفقهاء الأكابر على تبيين أحكامها وايضاح مواردها وأقسامها وما يتعلق بها،
وبذلوا طاقاتهم كاملة في تحقيقها وتنقيح أدلتها.
ومن هؤلاء الفطاحل أستاذنا الأفخم، فقيه الطائفة وزعيمها، المرجع
الأعلى وآية الله العظمى السيد محمد رضا الگلپايگاني مد ظله العالي، فإنه - أدام
الله بقاءه - مع ضعف مزاجه وكثرة مشاغله وتحمله لأعباء المرجعية الكبرى شرع
في تدريس الحدود وأبان مواضعها وبحثها بحثا كاملا جامعا طوال سنين، فقد
شرع دام ظله في هذه الأبحاث الشريفة يوم الأحد الخامس عشر من ذي الحجة

(1) نهج البلاغة الخطبة 131.
8

الحرام سنة 1405 هجرية إلى منتهى سنة 1410
ومن أعظم ما من الله سبحانه وتعالى علي أن وفقني للاستفادة من
دروسه الشريفة وأبحاثه العالية، وكنت بحمد الله ومنه مواظبا على حفظ إفاداته
وما كان يلقيه على جم غفير وجماعة كثيرة من العلماء والمجتهدين والفضلاء
والمشتغلين الذين كانوا يحضرون مجلس إفاضاته وتحقيقاته، حتى كتبت في
الحدود دفاتر ومجلدات عديدة.
وقد طلب مني عدة من العلماء الأعلام والفضلاء الكرام ممن حضروا
تلك الدراسات ومن لم يحضرها أن أقدم ما دونته إلى الطبع كي يسهل وقوفهم
على آرائه وبدايع أنظاره حول هذا الأمر الخطير الاسلامي فأجبت مسؤولهم،
وها أنا أقدمها بين يدي حضرات العلماء والفضلاء وقد سميته ب‍ (الدر المنضود
في أحكام الحدود).
وقد تكرم سيدي الأستاذ المرجع دام ظله وتفضل علي بالتقريض المطبوع
في صدر الكتاب.
أرجو المولى الكريم رب العالمين، الذي هداني لهذا، أن يجعله أثرا نافعا وإن
كان فيه خلل وخطأ فإن الانسان محل السهو والنسيان، إلا من عصمهم الله
من الزلل، وآمنهم من الخطأ وجعل بيوتهم مهابط وحيه ومختلف ملائكته
وسكان سماواته.
قال الله جل جلاله:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) 1
وفي الخبر أنه شاجر علي بن الحسين عليهما السلام بعض الناس في مسألة
من الفقه، فقال عليه السلام:
(يا هذا لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا أفيكون أحد
أعلم بالسنة منا؟) 2.

(1) سورة الأحزاب الآية 33
(2) نزهة النواظر للحلواني من أعلام القرن الخامس ص 94.
9

وسئل علي بن الحسين عليه السلام:
(بأي حكم تحكمون؟ قال: بحكم آل داود، فإن عيينا عن شئ تلقانا به
روح القدس) 1.
محرم الحرام 1412 ه‍
علي الكريمي الجهرمي

(1) كشف الغمة في معرف الأئمة ج 2 ص 113.
10

الكلام في الحدود
وقبل الشروع في البحث وتعريف الحد وأسبابه نتبرك بذكر بعض
الروايات الواردة في أهمية اجراء الحدود والفوائد الكثيرة المترتبة على ذلك:
عن محمد بن يعقوب.. عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن في كتاب علي عليه السلام أنه كان يضرب بالسوط وبنصف السوط وببعضه
في الحدود وكان إذا أتي بغلام وجارية لم يدركا لا يبطل حدا من حدود الله
عز وجل. قيل له: وكيف كان يضرب؟ قال: كان يأخذ السوط بيده من وسطه
أو من ثلثه ثم يضرب به على قدر أسنانهم ولا يبطل حدا من حدود الله عز وجل (2).
وعن حنان بن سدير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: حد يقام في الأرض

(1) وسائل الجلد 18 الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1. والأسنان جمع السن
قال الفيومي في المصباح المنير:.. والسن إذا عنيت بها العمر مؤنثة أيضا لأنها بمعنى المدة انتهى
ثم إن التقي المجلسي رضوان الله عليه قال في شرح هذا الخبر: أنه كان يضرب بالسوط في البالغ
مثلا وبنصف السوط وببعضه في الصبي مثلا بأن كان عليه السلام يضربهم في القذف ثمانين ولكن
كان يضرب بثلثي السوط لمن كان قريبا من البلوغ وبنصفه لمن كان أبعد وهكذا وربما كان
يضربهم بالسوط تاما ولكن كان ينقص من العدد وربما كان ينقصهما معا وتقدم إن التعزير منوط
برأي الإمام وكان يعزر بحسب حالاتهم في السن والقوة والضعف والعقل انتهى. راجع روضة
المتقين الجلد 10 ص 203
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 2.
13

أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها (1).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: في قول الله
عز وجل: يحيى الأرض بعد موتها، قال: ليس يحييها بالقطر ولكن يبعث الله
رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لاحياء العدل، ولإقامة الحد فيه أنفع في
الأرض من القطر أربعين صباحا (2).
القطر، بالفتح، المطر، فيه، أي في العدل.
وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: إقامة حد خير من مطر أربعين صباحا (3).
عن حفص بن عون رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ساعة
إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحد يقام لله في الأرض أفضل من مطر
أربعين صباحا (4).
عن أبي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه في حديث
طويل إن امرأة أتت أمير المؤمنين عليه السلام فأقرت عنده بالزنا أربع مرات قال:
فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنه قد ثبت عليها أربع شهادات وإنك قد
قلت لنبيك صلى الله عليه وآله فيما أخبرته من دينك: يا محمد من عطل حدا من
حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادتي (5).
وعن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أقيم عليه الحد في
الدنيا أيعاقب في الآخرة؟ فقال: الله أكرم من ذلك (6).
ثم إن هذه الروايات الشريفة ظاهرة جدا في أن الحد هو نفس العقوبة
لا ماله العقوبة على ما ذكره في الشرايع.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 5.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 6.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدمات الحدود الحديث 7.
14

ونظيرها في الدلالة على ذلك بل وأصرح منها خبر علي بن رباط عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل جعل
لكل شئ حدا وجعل على من تعدى حدا من حدود الله عز وجل حدا وجعل
ما دون الأربعة الشهداء مستورا على المسلمين (1).
وذلك لأن قوله عليه السلام: إن الله جعل لكل شئ حدا، ظاهر غايته في
أن الحد عقوبة مجعولة على الشئ وهو المعصية الخاصة مثلا لا نفسها.
ومثل ذلك خبر عمر بن قيس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا
عمرو بن قيس أشعرت أن الله أرسل رسولا وأنزل عليه كتابا وأنزل في الكتاب
كل ما يحتاج إليه وجعل له دليلا يدل إليه وجعل لكل شئ حدا ولمن جاوز الحد
حدا إلى أن قال: قلت: وكيف جعل لمن جاوز الحد حدا؟ قال: إن الله حد
في الأموال أن لا تؤخذ إلا من حلها فمن أخذها من غير حلها قطعت يده حدا
لمجاوزة الحد وأن الله حد أن لا ينكح النكاح إلا من حله ومن فعل غير ذلك أن
كان عزبا حد وإن كان محصنا رجم لمجاوزته الحد (2).
وخبر عمرو بن القيس الماصر عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك
وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبينه
لرسوله (وجعل لكل شئ حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه) وجعل على من
تعدى الحد حدا (3).
وضع الحدود في الماضي والحاضر
ثم إن مما يورث الأسف أن الحدود - مع عظم خطرها وشأنها وأهميتها
الخاصة وكونها مما تترتب عليها فوائد كثيرة ونتائج جليلة وإناطة حياة
المجتمعات وسعادة الأمم بها قد كانت معطلة طيلة أعوام وأعصار خصوصا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من مقدمات الحدود الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
15

في الأزمنة الأخيرة وعصر حكومة الطاغوت المقبور وإن كان بعض العلماء ربما
يقدمون على ضرب بعض مرتكبي المعاصي والفجور إلا أن ذلك كان من باب
التأديب لا من باب اجراء الحدود.
نعم قد رأيت مرة واحدة أنه أقيم حد من حدود الله تعالى وذلك عندما
كنت مشتغلا بالتحصيل في حوزة أراك قبل تأسيس الحوزة العلمية بقم (1).
وقد أجري هذا الحد باقدام الأعاظم من العلماء الذين كانوا يومئذ في
أراك كشيخنا الأستاذ الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري (2) والآقا نور الدين الأراكي (3) وغيرهما رضوان الله عليهم وذلك بعد أن بذلوا جهودهم وطاقاتهم
تحملوا الشاق والمتاعب وجدوا كمال الجد وطال الأمر واشتد الجدال
ولكنهم قد وافقوا لذلك وصلب المجرم اللعين على رؤوس الأشهاد خذله الله
وأخزاه (4).

(1) أقول: كان بعض العلماء قد أقام الحدود الشرعية وذلك مثل وحيد الأيام السيد محمد باقر الشفتي
الأصفهاني المشتهر بحجة الاسلام، على الاطلاق المتوفى سنة 1260 ه‍ قدس سره الشريف فإنه قد
أقام حدودا كثيرا حتى قيل: بلغ عدد من أقام عليهم الحد ثمانين وعلى قول: تسعين وفي قول
ثالث: عشرين ومأة شخصا فراجع الفوائد الرضوية الصفحة 427 وقد ذكرنا شطرا مما يناسب المقام
في كتابنا: سيماء عباد الرحمن الصفحة 92 فراجع إذا شئت.
(2) هو الآية العظمى شيخ مشايخنا الشيخ عبد الكريم بن محمد جعفر المهرجردي اليزدي الحائري،
قال العلامة الطهراني: فقيه جليل وعالم كبير وزعيم ديني شريف.. ولد في مهرجردي في قرى يزد في
سنة 1276 ه‍، وفي رجب سنة 1340 هبط مدينة قم المشرفة بدعوة بعض رجال العلم فيها رغبة في
احياء أمرها الغابر.. وتوفي ليلة السبت 17 ذي القعدة سنة 1355 ه‍، فثلم الاسلام بموته وخسر
المسلمون به زعيما كبيرا وركنا ركينا. نقباء البشر الجلد 3 الصفحة 1158.
وفي أحسن الوديعة / 2 / 118: هو اليوم أدام الله وجوده ونفع الفقراء بفيض جوده في قم بل في إيران
بل في جميع البلدان عز الشيعة وماحي البدعة والشنيعة..
(3) هو العلامة الفهامة وحيد عصره.. آية الله في العالمين السيد نور الدين الحسيني العراقي طاب
ثراه.. ولد في بلدة أراك سنة 1278 ه‍، وارتحل في رجب 1341 وكان فقيها متتبعا أصوليا دقيقا
ومتكلما حكيما وعارفا ومرجعا وحيدا للفتوى. راجع مقدمة تفسير القرآن والعقل.
(4) قال دام ظله: أصل الواقعة إن رجلا خبيثا من الفرقة الضالة المضلة قد أقدم على احراق القرآن
الكريم فصلبوه عيانا اجراء الحد الارتداد والإهانة بالمصحف الشريف وقد شاهدت بنفسي ذاك
الخبيث وهو مصلوب، هذا. "
16

ولكن بعد نجاح الثورة الاسلامية الإيرانية وانتصارها بقيادة العلماء
الأعلام فقدا قيمت حدود كثيرة من حدود الله عقيب المحاكمات الشرعية
والحمد الله وله الشكر على هذا.
وإن كان قد يصدر ويقع أحيانا ما يوجب الأسف من اجراء بعض
الحدود في غير موقعه ومن غير أهله ونسئل الله تعالى الاستقامة في الأمور
والتثبت في أمر الدين وعدم الابتلاء بالاعوجاج والانحراف، والنجاة والحفظ
من كل زيغ وزلة.
17

الحد والتعزير
الحدود جمع الحد والحد لغة بمعنى المنع (1). وبمعنى منتهى الشئ
يقال: داري محدودة من جوانبها الأربع بكذا، يعني أن منتهاها مجاورة له، وذكروا
لها معاني أخر أيضا وإن كان أكثرها من باب بيان موارد الاستعمال دون ما وضع له
اللفظ. كما أنه قد كثر استعماله في القرآن الكريم بمعنى ما حدده الله وقدره من
الأحكام من الصوم والطلاق ومعاشرة النساء والإرث وغير ذلك. قال الله تعالى
بعد ذكر الطلاق وأحكامه والعدة ودفع الصداق: تلك حدود الله فلا تعتدوها و
من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (2). إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

(1) قال الفيومي في المصباح المنير: الحد في اللغة الفصل والمنع فمن الأول قول الشاعر: وجاعل
الشمس حدا لا خفاء به، ومن الثاني: حددته عن أمره، إذا منعته، فهو محدود.
(2) سورة البقرة الآية 299، أقول: ومن تلك الآيات قوله تعالى بعد ذلك: فإن طلقها فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله
وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون البقرة / 230.
ومنها قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها.. البقرة / 187.
ومنها قوله تعالى: تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب
مهين. النساء 13 14
ومنها قوله تعالى: والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين سورة التوبة / 112.
ومنها قوله تعالى بعد بيان كفارة الظهار: وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم سورة المجادلة / 4.
ومنها قوله تعالى بعد ذكر عدة الطلاق: وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسة
/ 1.
وقد يطلق على المعاصي كقوله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها. البقرة / 187، أي المعاصي
التي نهى الله عنها فلا ترتكبوها.
18

ولعل اطلاق الحدود على أحكام الله تعالى وقوانينه لأجل إنها
الخطط النهائية التي لا يجوز التعدي عنها والإهانة بها. هذا بحسب اللغة.
وأما بحسب الشرع وإن شئت تقول: في الاصطلاح فقد عرفها
المحقق فقال في الشرايع: كل ما له عقوبة مقدرة يسمى حدا وما ليس كذلك
يسمى تعزيرا.
وقد سمى الحدود الشرعية حدا بمناسبة معنى المنع والدفع وذلك لأن
الحدود تمنع المرتكب للمعصية عن العود إلى ارتكابها ثانيا ويمنع غيره عن
الارتكاب والاقتحام فيها.
فكما أن الايمان بالآخرة والخوف من العذاب الأليم ونار الجحيم يمنع
الانسان عن ارتكاب المعاصي واتيان القبائح كذلك الحدود المقررة في الشرع
على المعاصي في الدنيا ترده وتمنعه عن الاقدام على الذنوب مخافة إقامتها
واجراءها عليه عقيب اتيانه بالمعاصي الخاصة وتلبسه بها واقدامه عليها لكونها
موجبة له.
ويمكن أن يكون تلك التسمية بلحاظ المعنى الثاني اللغوي له وبمناسبة
إن للحدود انتهاء إلا يجوز التعدي عنه.
ثم إن التعريف الذي ذكره المحقق لا يخلو عن تسامح وذلك لأن ما له
عقوبة هو نفس المعصية الخاصة وهي ليست حدا وإنما الحد هو ما أوجبتها
المعصية الخاصة، والظاهر في تعريف الحد هو ما ذكره الأعلام الثلاثة صاحبوا
التنقيح والمسالك والرياض رضوان الله عليهم أجمعين.
فقال الفاضل المقداد السيوري بعد أن ذكر معنى الحد لغة:
وشرعا عقوبة تتعلق بايلام البدن عين الشارع كميتها. انتهى (1).

(1) التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 327.
19

وقال الشهيد الثاني:.. وشرعا عقوبة خاصة تتعلق بايلام البدن بواسطة
تلبس المكلف بمعصية خاصة عين الشارع كميتها في جميع أفراده. انتهى (1).
وقال السيد: وشرعا عقوبة خاصة تتعلق بايلام بدن المكلف بواسطة
تلبسه بمعصية خاصة عين الشارع كميتها في جميع أفراده. انتهى (2).
فترى أنهم نصوا على أن الحد هو نفس العقوبة.
وظهر أيضا من تقييدهم الايلام بكونه متعلقا ببدن المكلف إن
الايلامات الروحية والسب واللعن والحبس والتغريم وأخذ المال من أحد
ليس من باب الحد وإلا فقد جعل الشارع على ارتكاب بعض المعاصي الكفارة
المعينة كاطعام ستين مسكينا مثلا.
وقولهم: تتعلق بايلام البدن انتهى لخروج مثل السجن والتغريب وما
أشبه ذلك مما يتعلق بالمكلف ولكن لا يكون من باب ايلام بدنه.
وقولهم: قد عين الشارع كميتها قيد لاخراج التعزيرات فلا بد في الحد
من أن تكون العقوبة المذكورة معينة على لسان الشرع القويم.
وأما التعزير فهو في اللغة التأديب (3) وفي الشرع عقوبة لا تقدير لها شرعا
وإنما أمره موكول إلى نظر الحاكم بحسب ما يراه من المصلحة.
ولا يخفى أن هذا أمر غالبي وإلا فقد أطلق التعزير على عقوبة خاصة معينة
أيضا في بعض الموارد فإن من جامع امرأته في نهار رمضان وهما صائمان يضرب
كل واحد منهما خمسة وعشرين سوطا فهذا من أقسام التعزيرات مع كونه معينا
محدودا ولعل ذلك لكونه أقل من الحد. وعلى الجملة فمهما لم تقدر العقوبة شرعا
تسمى تعزيرا.
قال الشهيد الثاني في تعريف التعزير: عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 423.
(2) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.
(3) أقول: وقد يجئ بمعنى النصرة والتعظيم كما في قوله تعالى: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه.. سورة
الفتح الآية 9، راجع المصباح المنير ومجمع البيان.
20

الشرع غالبا (1).
فقد ذكر في تعريفه إن عدم التقدير غالبي وقيد ذلك بقوله: غالبا،
ولكن الآخرين لم يذكرا هذا القيد.
ووجه إضافة هذا القيد هو ما تقدم من وجود موارد قد عين فيها مقدار
التعزير كالحد بعد أن الأصل فيه عدم التقدير، وذلك لورود الآيات بتقدير
بعض أفراده وقد أحصاها في المسالك وعدها خمسة: الأول: تعزير المجامع
زوجته في نهار رمضان فهو مقدر بخمسة وعشرين سوطا. والثاني: من تزوج أمة
على حرة ودخل بها قبل الإذن ضرب اثنا عشر سوطا ونصفا ثمن حد الزاني.
الثالث: المجتمعات تحت إزار واحد مجردين مقدر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على
قول. الرابع: من افتض بكرا بإصبعه قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة
وسبعين. وقال المفيد: من ثلاثين إلى ثمانين. وقال ابن إدريس: من ثلاثين
إلى تسعة وتسعين. الخامس: الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد وإزار مجردين
يعزران من عشرة إلى تسعة وتسعين. قاله المفيد وأطلق الشيخ التعزير. وقال في
الخلاف: روى أصحابنا فيه الحد انتهى كلامه زيد في علو مقامه (2).
وأما وجه عد هذه الموارد من باب التعزير مع ورود مقدر خاص فيها فهو
اطلاق ذلك في بعض الروايات.
ولا يخفى أن أكثر هذه الموارد داخلة في قاعدة التعزير ومعياره وذلك
لأنه وإن ذكر وعين فيه طرفا هذا المقدر إلا أن الأمر في اختيار ما بين الطرفين
موكول إلى نظر الحاكم وهذا غير ما قدر مقدار العقوبة معينا بلا زيادة أو نقصان
وبلا تخيير في مراتب العقوبة الذي يسمى بالحد اصطلاحا.
وتطهر الثمرة في مثل ما ورد من عدم الاقتداء بالإمام الذي أقيم عليه الحد
مع كونه قد ارتكب سابقا ما يوجب واحدة من هذه المقدرات كما إذا كان قد

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 223.
(2) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 423.
21

جامع زوجته في نهار شهر رمضان وضرب خمسة وعشرين سوطا فإنه لو كان هذا
المقدر من باب التعزير فلا بأس بإمامته والايتمام به بخلاف ما لو كان من باب
الحد لكون المقدار المزبور معينا معلوما فإنه لا يجوز الاقتداء به.
22

الكلام في أسباب الحد
ثم إن البحث هنا في ذكر أسباب الحد والتعزير.
قال المحقق بعد بيان تعريفهما: وأسباب الأول ستة: الزنا، وما يتبعه،
والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، وقطع الطريق. والثاني أربعة: البغي،
والردة، واتيان البهيمة، وارتكاب ما سوى ذلك من المحارم.
ويرد عليه كما في المسالك بأن عقوبة الباغي أي المحارب ليست من
باب التعزير بل هي من الحدود كما أنه المعروف بين الفقهاء. ولا ينافي ذلك
كون الحد مقدرا لأن عقوبته وهي القتل أيضا مقدرة بازهاق الروح إما مطلقا
أو على وجه مخصوص.
وهنا كلام آخر وهو عدم الملائمة بين الأمور الأربعة المتعلقة بالتعزير
وذلك لأن الرابع منها وهو: ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم، قد جعل قسيما
للثلاثة المتقدمة والحال أنها من أقسامه وأفراده.
ولعل ذلك لكون هذه الثلاثة منصوصة من الشارع بخصوصها وإلا
فالمعيار هو الاتيان بشئ من المحرمات إذا لم ينصب الشارع له حدا، فذكر
المحارم بعد الثلاثة في حكم قوله: ارتكاب واحد من هذه الثلاثة أو معصية
أخرى غيرها.
ولا يخفى أنه وإن كان المصطلح من الحد هو القدر المعين من العقوبة
إلا أنه قد يطلق أيضا على مجرد العقوبة وإن لم تكن محدودة بحد معين ومقدرة
23

بمقدار مخصوص.
وحينئذ يأتي البحث في أنه هل تجري الأحكام المتعلقة بالحد، في
مطلق العقوبات التي أطلق عليها الحد وكان موضوعها ذلك، أم لا وذلك كعدم
اليمين في الحد وإن للإمام العفو عن الحد الثابت بالاقرار دون البينة، وعدم
الشفاعة في الحد وغير ذلك من الأحكام، فهل هي أحكام تختص بالحد المصطلح
المشهور أو تعمه وما أطلق عليه الحد؟
الظاهر أنه لو ثبت كون الموضوع له للحد هو مطلق العقوبة فهناك تجري
فيها كل الأحكام وكذا لو كانت هناك كثرة استعمال بها تنصرف اللفظ إليه.
أما لو كان ذلك مشكوكا فمقتضى القاعدة الاقتصار في ترتيب الأحكام
المزبورة على الموارد المخصوصة أي الأمور الستة خاصة دون مطلق موارد
العقوبة.
ثم إن صاحب الجواهر رضوان الله عليه قال: لا كلام في كون المقدرات
المزبورة حدودا إنما الكلام في اندراج ما لا مقدر له شرعا تحت اسم الحد الذي هو
عنوان أحكام كثيرة في النصوص كدرء الحد بالشبهة وعدم اليمين في الحد وعدم
الكفالة فيه وللإمام العفو عن الحد الثابت بالاقرار دون البينة وعدم الشفاعة في
الحد وغير ذلك وعدم اندراجه. إلى آخر كلامه (1).
أقول: الظاهر أنه لا ثمرة بالنسبة إلى درء الحدود بالشبهة. وذلك لأنه
لا تجوز عقوبة أحد بدون دليل شرعي وقبل أن يثبت موجبها شرعا سواء كانت
هذا العقوبة مقدرة معينة التي تسمى بالحد أو غير مقدرة الموسومة بالتعزير،
فالعقوبة مع الشبهة غير جائرة مطلقا وإن كانت بعنوان التعزير، والأصل عدم
جوازها ما لم ترفع الشبهة بكاملها. ولا فرق في المفاد بين أصل عدم جواز العقوبة
قبل اثبات موجبها وبين ما ورد من درء الحدود بالشبهات (2).

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 256.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من مقدمات الحدود الحديث 4 ولفظه: ادرأوا الحدود
بالشبهات.
24

وهذا الاشكال جار في كثير من الموارد المذكورة وذلك كعدم اليمين في
الحد فإنه وإن كان كذلك لما ورد من الروايات الدالة عليه مثل ما رواه أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي أمير
المؤمنين عليه السلام برجل فقال: هذا قذفني ولم تكن له بينة فقال: يا أمير المؤمنين
استحلفه فقال: لا يمين في حد ولا قصاص في عظم (1).
ولكن لو كان المراد هو يمين المنكر كما هو الظاهر فلا فرق فيه أيضا
بين الحد والتعزير لأنه إذا ادعى أحد على غيره ما يوجب عقوبة فإن أقام العدد
المعتبر في الشهادة فهو وإلا فلا يحلف المنكر على عدم اتيانه بما يدعيه المدعي،
ولا تحوز عقوبته إلا مع إقامة الشهودا واقرار المنكر سواء أكانت حدا أو تعزيرا.
وهكذا عدم الكفالة في الحد فهو وإن كان صحيحا لورود أخبار في
ذلك كقوله صلى الله عليه وآله: لا كفالة في حد (2) إلا أن الظاهر أنه لا وجه
للكفالة في التعزير أيضا بعد أن كانت العقوبة ثابتة عليه.
وكذا عدم الشفاعة في الحد فإنه وإن دلت جملة من الأخبار (3) على
ذلك لكن لعله لا فرق فيه بين الحد والتعزير. وتفصيل المطلب وتحقيقه موكول
إلى محله ومحتاج إلى مزيد تأمل.
فيبقى عفو الإمام عن الحد الثابت بالاقرار دون البينة الذي وردت به
الأخبار (4) فهناك تظهر الثمرة بين كون التعزير حدا أيضا فإن للإمام العفو عن
مطلق العقوبة، وعدم كونه حدا بأن يكون الحد موضوعا للعقوبة المقدرة فله العفو
عن ذلك إذا كان قد ثبت موجبها بالاقرار دون البينة.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 و 2 و 3 و 4.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
25

الكلام في الزنا
قال المحقق: الباب الأول في الزناء والنظر في الموجب والحد واللواحق
أما الموجب فهو ايلاج الانسان ذكره في فرج امرأة محرمة عن غير عقد ولا شبهة
ولا ملك ويتحقق بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.
وفي الجواهر عند ذكر لفظ الزناء: الذي يقصر فيكتب بالياء ويمد
فيكتب بالألف المجمع على تحريمه في كل ملة حفظا للنسب، ولذا كان من
الأصول الخمسة التي يجب تقريرها في كل شريعة.
أقول: المراد من الأصول الخمسة: الدين والعقل والنفس والنسب
والمال ويقال لها المقاصد الخمسة أيضا (1).
ثم إن المحقق فد أضاف ونسب الايلاج إلى الانسان وعبر بايلاج

(1) أقول: ذكرها الشهيد الأول في القواعد والفاضل المقداد في نضد القواعد الفقهية. قال في الأول
الصفحة 6: الوسيلة الرابعة ما هو وصلة إلى حفظ المقاصد الخمسة وهي: النفس والدين والعقل
والنسب والمال، التي لم يأت تشريع إلا بخفضها، وهي الضروريات الخمس، فحفظ النفس
بالقصاص والدية والدفاع، وحفظ الدين بالجهاد وقتل المرتد، وحفظ العقل بتحريم المسكرات
والحد عليها، وحفظ النسب بتحريم الزنا واتيان الذكران والبهائم، ووجوب الحد بالقذف على
ذلك، وحفظ المال بتحريم الغصب والسرقة والخيانة وقطع الطريق، والحد والتعزير عليها انتهى
ثم لا يخفى أن الزنا من الكبائر التي نص على تحريمها الكتاب قال الله تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه
كان فاحشة وساء سبيلا سورة الإسراء، الآية 32 وقال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر
ولا يقتلون النفس التي حرما لله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له
العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. سورة الفرقان / 69 68.
26

الانسان، دون ايلاج الرجل، والحال إن المتبادر منه في الأذهان هو الثاني.
ويمكن أن يكون نظره في العدول والتعبير بالانسان، دون الرجل
إلى شمول التعريف للخنثى أيضا بناء على صدق (الذكر) على آلته أيضا
وعدم كونها عضوا زائدا
. قال الشهيد الثاني بشرح العبارة: ويدخل في الانسان الصغير والكبير
والعاقل والمجنون فلو زاد فيه المكلف كان أجود.
وكأنه غرضه رحمه الله إن التعريف غير مانع لشموله للصغير والمجنون بل
والمكره كما ذكره أيضا بعد ذلك والجاهل كشموله للكبير والعاقل والمختار
والعالم ولو كان قد زاد قيد (المكلف) بأن يقول: هو ايلاج الانسان المكلف الخ
لخرجت الموارد المذكورة عن التعريف وذلك لعدم تكليف بالنسبة إلى الصغير
والمجنون..
ثم صار بصدد الجواب عنه بأنه: ويمكن تكلف اخراجهما أي اخراج
الصغير والمجنون بقوله في فرج امرأة محرمة فإنه لا تحريم في حقهما، وقال
بالنسبة إلى المكره: إلا أن يخرج بما يخرج به الأولان.
أقول: وفيه أولا أنه لو كان المراد من التكليف هو التكيف الفعلي لصح
ذلك أما لو كان المراد هو المحرم بالذات وفي الواقع فلا يتم ما ذكره وذلك لأن
الوطئ المزبور حرام شأنا واقتضاءا حتى على الصغير والمجنون.
وثانيا يمكن القول بأن الحرمة هنا وضعية لا تكليفية والحرمة المختصة
بالبالغين غير الجارية بالنسبة إلى غيرهم هي الحرمة التكليفية، وأما الوضعية
منها فلا فرق فيها بين البالغين وغير البالغين.
وفي الجواهر ردا على المسالك: إنه في غير محله لأنها على التقدير المزبور
شرائط في الحد لا في تحقق حقيقة الزناء انتهى.
والذي يبدو في النظر إن ما أورده غير وارد عليه وذلك لأن الكلام
بمقتضى عقد الباب في الزنا الموجب للحد، وقد علمت أن المحقق عبر هكذا: أما
الموجب فهو ايلاج الخ ومن المعلوم أن الموجب للحد هو ايلاج الانسان المكلف
27

دون غيره كالصغير والمجنون وعلى هذا فكلام الشهيد الثاني خال عن الاشكال
من هذه الجهة.
ثم إن ظاهر قول الحقق وغيره: ايلاج الانسان ذكره الخ هو ايلاج
الجميع، ومع ذلك ففي الشرايع بعد ذلك: ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة
انتهى وظاهره أن الملاك هو الحشفة لا الزائد، وتمام الحشفة دون الناقص،
وهم يريدون تطبيق الآية الزانية والزاني فاجلدا كل واحد منهما مأة جلدة
على هذا. فيكون مصداق الزنا عندهم هو ادخال هذا الحد: فإن وجد على ذلك
دليل يعين إن المعيار في تحقق الزنا هو ادخال هذا الحد أي الحشفة فقط كما
أنهم يدعون ظهور الأخبار في ذلك فلا محالة يؤخذ به، وإلا فلو شك في المقدار
الخاص المعتبر في الحد فالشبهة مفهومية. وإني إلى الآن لم أجد ولم أصادف لغة
فارسية تفسير لفظ الزنا العربي تفسيرا بسيطا لا مركبا بأن تفسره بكلمة واحدة
مبينة كي نقول إن الزنا في العربي هو هذا المفهوم الفارسي نظير لفظ (آب) في
الفارسية في قبال لفظ الماء في العربية، وحينئذ فيؤخذ بالقدر المتيقن أي التمام
وذلك لاجمال اللفظ كما أنه لو تحقق كفاية غيبوبة الحشفة وشك لاجمال
الحشفة في أن ادخال بعض الحشفة أيضا كافية أم لا فلا بد من الأخذ
بالمتيقن الذي هو تمامها.
قوله: من غير عقد، يفيد أنه لو أولج في المرأة المحرمة إلا أنه كان يعلم
ويعتقد حليته مثل ما إذا عقد على محارمه مثلا زاعما حلية ذلك لما كان هذا
سبيا للحد كما أنه لو أولج فيها بلا عقد لكن مع الشبهة والاعتقاد بالحلية لما
أوجب ذلك حدا فالمراد كونه من دون عقد مشروع لا مجرد العقد كما سيأتي
ذلك إن شاء الله تعالى.
وقوله: ولا شبهة، لبيان اعتبار كونه عالما بالحرمة لا معتقدا للحل جهلا
مركبا فكأنه قال: إذا كانت معلوم الحرمة، وعلى هذا فلا حد مع العلم بالحل
موضوعا أو حكما وإن كان حراما في الواقع وهذا لا كلام فيه.
وأما الظن بالحل ففي الرياض أنه كالعلم به قال مزجا: وأما الزناء
28

الموجب للحد فهو ايلاج الانسان وادخاله فرجه وذكره الأصلي في فرج امرأة
محرمة عليه أصالة من غير عقد نكاح ولا متعة بينهما ولا ملك من الفاعل للقابل
ولا شبهة دارئة (ثم قال:) وضابطها ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده وبه
صرح في الغنية ولعله المفهوم منه عرفا ولغة (1).
ترى أنه جعل الضابط في الشبهة الدارئة ما أوجب ظن الإباحة مع أنه
لا يجري الأصل في الشبهة المصداقية أي فيما إذا شك مثلا في أن المرأة الفلانية
هل هي زوجة أو محللة أم لا كي يثبت الحل إلا أن ظن الإباحة أوجب دفع
الحد وهذا هو المورد للقاعدة وبدونها يجب الحد عليه.
ثم قال: واطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف إلا أنه خارج بما زدناه من
قيد التحريم. مع احتمال أن يقال: إن التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزناء
لا أنه جزء من مفهومه فلا يحتاج إلى ازدياد التحريم من هذا الوجه وإن احتيج
إليه لتحقيق معنى الزناء لعدم تحققه عرفا ولغة إلا به وإلا فدخول المجنون
بامرأة مثلا لا يعد فيهما زناء ما لم تكن المدخول بها محرمة عليه أصالة.
أقول: إن ما ذكره من أن قيد التحريم في التعريف يوجب خروج غير
المكلف بعد أن اطلاق العبارة شامل له يتم إذا كان المقصود من المحرمة، المحرمة
بالفعل، لعدم الحرمة الفعلية بدون التكليف وقبل البلوغ أو مع الجنون وأما
لو كان المراد المحرمة بالأصالة وإن لم تكن كذلك بالفعل، فغير المكلف أيضا داخل
في التعريف ومشمول للعبارة لصدقها على ايلاجه في امرأة تكون حراما عليه
بالأصالة وليست محرمة عليه بالفعل.
ثم إن ما ذكره أخيرا بقوله: وإن احتيج إلى ازدياد التحريم لتحقيق
معنى الزناء، لا يلتئم ظاهرا مع ما ذكره قبل ذلك بقوله: إن التكليف من شرائط
ثبوت الحد بالزناء لا أنه جزء من مفهومه، فإن الصدر يفيدان التكليف ليس
جزءا من مفهوم الزناء بل هو شرط في ثبوت الحد بخلاف الذيل فإنه صريح في
الحاجة إلى قيد التكليف في تحقيق معنى الزناء.

(1) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.
29

ثم إن الظاهر أن ما ذكره أولا من عدم دخل التكليف في حقيقة الزنا
ومفهومه وإنما هو معتبر في الحد وشرط له، لعله خلاف ما يظهر من الآية
الكريمة فإن ظاهر قوله سبحانه: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة
جلدة (1) هوان تمام الموضوع في اجراء الحد هو كونه زانيا وكونها زانية،
وبعبارة أخرى إن المستفاد من الآية إن الموجب للحد هو الزناء فكان الشارع قد
استعمل الزنا فيما هو موجب للحد الخاص.
وكيف كان فقد أورد عليه صاحب الجواهر بقوله: وفيه أن ذلك
لا يوجب الزيادة المزبورة، ضرورة تحقق الايلاج بامرأة بلا عقد ولا ملك ولا
شبهة وإن لم يكن في ذلك حرمة عليه لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في
تحقق معنى الزناء الذي هو على التقدير المزبور وطي الأجنبية التي هي غير
الزوجة والمملوكة عينا أو منفعة الخ.
قوله: أو منفعة، أي ما كان تحل منفعتها، والمراد منه هو التحليل فإن
ملك المنفعة في الأمة لا يتصور إلا بالتحليل.
وحاصل ايراده عليه أنه لا وجه لزيادة القيد المزبور بعد كون الزنا هو
الايلاج بامرأة بدون عقد ولا ملك للعين ولا التحليل وإن لم تكن هناك حرمة
لعدم التكليف ثم أورد عليه بأن مقتضاه كون وطي الشبهة زناءا إلا أنه
لا يوجب الحد وذلك لصدق التعريف المزبور عليه وهو مناف لمقابلته به في
النكاح المقتضية لكونه وطي الأجنبية على أنها أجنبية، ولازم ذلك عدم كون
الوطئ بالشبهة داخلا في مفهوم الزنا أصلا.
ثم رتب على ذلك أولوية ايكاله إلى العرف، فيكون الموضوع هو كلما
صدق عليه أنه زناء عرفا، والعرف يعرف المفهوم من الزنا ويرى أن الزناء اتيان
الرجل المرأة الأجنبية بعنوان أنها أجنبية لا مع الاعتقاد بأنها حليلة.
ولذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لما عز بعد اقراره بالزنا أربع
مرات: أتعرف الزنا؟ فقال: هو أن يأتي الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا (2).

(1) سورة النور، الآية 2.
(2) مسالك الجلد 2 الصفحة 425: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت
منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته.
30

هل يتحقق الزنا بالوطي في دبرها؟
قال المحقق: ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.
لكن قال ابن حمزة: في الوطئ في دبر المرأة قولان أحدهما أن يكون زنى
وهو الأثبت والثاني أن يكون لواطا انتهى (1).
وقال الشيخ المفيد قدس سره: الزنا الموجب للحد وهو وطئ من حرم الله
تعالى وطئه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان الوطئ في الفرج خاصة دون
ما سواه. انتهى (2)
وقال شيخ الطائفة: الزنا الموجب للحد هو وطئ من حرم الله تعالى وطئه
من غير عقد ولا شبهة عقد ويكون الوطئ في الفرج خاصة انتهى (3).
فمقتضى بعض هذه الكلمات هو اختصاص الزنا بالقبل.
وتظهر الثمرة في الأحكام الخاصة المترتبة على اللواط كالقائه من شاهق مثلا.
والظاهر أن الزنا أعم من الايلاج في القبل أو الدبر، والفرج بسحب
الظاهر أعم بالنسبة إلى كل واحد منهما كما أن ظاهر الروايات أيضا عدم الفرق
بينهما.
ففي خبر حفص بن سوقة عمن أخبره قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل (4).
وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: سألته: متى
يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر
والرجم (5).

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 409.
(2) المقنعة الطبع الجديد الصفحة 774.
(3) النهاية الصفحة 688.
(4) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 73 من مقدمات النكاح، الحديث 7.
(5) وسائل الشيعة الجلد 1 الصفحة 469 الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1.
31

فإذا كان الدبر أحد المأتيين فيتحقق الزنا بالدخول فيه أيضا كما أن قوله
عليه السلام: إذا أدخله الخ يصدق على الادخال فيه أيضا ويشمله، وعلى الجملة
فظاهر الاطلاقات نصا وفتوى هو عدم الاختصاص.
بل صرح بعض العلماء رضوان الله عليهم بالتعميم وعدم الفرق بينهما قال ابن
إدريس: الزنا الموجب للحد هو وطئ من حرم الله تعالى وطيه من غير عقد ولا
شبهة عقد ويكون الوطئ في الفرج، سواء كان قبلا أو دبرا بلا خلاف.. (1)
وقال العلامة أعلى الله مقامه: قال الشيخان وابن البراج: حكم الزنا
بالمرأة في الدبر حكم الزنا في القبل وهو المشهور أيضا وقال ابن حمزة: وفي
الوطئ في دبر المرأة قولان أحدهما أن يكون زنا.. والثاني أن يكون لواطا
والمشهور هو الأول فتعين المصير إليه (2).
وقال صاحب الرياض بعد قول المحقق: قبلا أو دبرا بلا خلاف
أجده (3).
ترى تصريح بعض كالعلامة بأنه المشهور والحلي وصاحب الرياض
بعدم خلاف أو خلاف أجده به (4).
حكم مقطوع الحشفة
ثم إنه لما كان المعتبر في تحقق الزنا هو غيبوبة الحشفة فهنا يأتي البحث
في أنه لو كان مقطوع الحشفة فما هو المعتبر؟
والظاهر الذي صرح به غير واحد هو اعتبار قدر الحشفة من مقطوعها.
وإن أمكن الخدشة فيه بأن ظاهر " أدخله " ادخال التمام غاية الأمر أنه خرج منه
ذو الحشفة حاصة لترتب الحكم فيه بالتقاء الختانين وبقي الباقي تحته.

(1) كتاب السرائر الصفحة 428 الطبع الجديد الجلد 3.
(2) المختلف الصفحة 762.
(3) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.
(4) أقول: وأما تقييد الفرج بخاصة في كلام الشيخين فلعله لاخراج مثل التفخيذ وفي قباله.
32

لكن فيه أن الظاهر من التقاء الختانين الوارد في الروايات المترتب عليه
الأحكام هو بيان للمصداق العرفي من الدخول لا أنه مصداق له تعبدا وعليه فلا
فرق بين المقامين ويكفي مقدار الحشفة من الباقي في مقطوعها.
شروط تعلق الحد
قال المحقق قدس سره: ويشترط في تعلق الحد العلم بالتحريم
والاختيار والبلوغ وفي تعلق الرجم مضافا إلى ذلك الاحصان.
أقول: ويدل على اعتبار العلم أو ما هو قائم مقامه أي الحجة من الاجتهاد
والتقليد أمور:
منها الاجماع المحكى، وفي الجواهر: بل يمكن تحصيل الاجماع عليه
فضلا عن محكيه مضافا إلى الأصل.
ومنها قوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (1) ثالثها ما رواه الصدوق مرسلا
أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ادرأوا الحدود بالشبهات (2).
ومن اشتراط العلم يعلم وجه اشتراط العقل أيضا وأنه بدون ذلك لا
يتعلق به الحد فإن المجنون لا علم له بالحرمة فلا تكليف عليه حتى يعاقب
بمعصية، ويأتي البحث في ذلك ومعلوم أن العقل من شرائط التكليف العامة
وهذا أحد الأمور التي يستدل بها في اعتبار العقل لاجراء الحد ومحصله أنه لولا
العقل لما كان هناك تكليف عقلا لعدم صلاحية الانسان للتكليف بدون العقل.
وثانيها حديث الرفع عن المجنون المنقول في الارشاد عن أمير المؤمنين
عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق (3).

(1) سورة الإسراء الآية 15.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
33

فإذا كان التكليف مرفوعا عن المجنون على ما هو الظاهر منه فلا شئ
عليه.
ولو قيل: إن المراد من الرفع هو رفع العقاب الأخروي لا التكليف لقنا:
يكفينا ذلك لأن العقوبة الدنيوية حينئذ مرفوعة بالأولوية.
ثالثها الروايات الخاصة كخبر حماد بن عيسى عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن علي عليهم السلام: قال: لا حد على مجنون حتى يفيق ولا على صبي
حتى يدرك ولا على النائم حتى يستيقظ (1).
وأما الاختيار أي عدم الاكراه فهو معتبر أيضا في تعلق الحد فمع الاكراه
لا حد أصلا سواء كان المكره بالفتح المرأة أو الرجل قد أكره من أي ناحية
وإن كان من ناحية زوجته كما إذا كانت المرأة تتغلب على زوجها وكانت قاهرة
عليه.
ويدل على اعتبار الاختيار في ترتب الحد قوله تعالى في قصة عمار: إلا
من أكره وقلبه مطمئن بالايمان (2).
حيث يدل على أنه لا بأس بالتكلم بكلمة الكفر مكرها إذا كان القلب
مطمئنا بالايمان فكما أن الاكراه يبرر التكلم بالكفر كذلك يسوغ الزنا هذا
مضافا إلى أن عدم سقوط الحد على الزنا مع الاكراه عليه من قبيل التكليف بما
لا يطاق. فتحصل أنه لا بد من سقوط التكليف عن المكره.
وأما البلوغ فهو شرط فيه بلا كلام وقد قام الاجماع بقسميه عليه وذلك
لعدم توجه التكليف إلى الصبي كي يقام ويجرى عليه الحد وإن كان يجوز

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
أقول: وأما وجه عدم تعرض المصنف لشرط (العقل) فلعله لما يأتي في المتن من الخلاف فيه في
الجملة.
(2) سورة النحل الآية 06 1.
أقول: ويدل على اعتبار الاختيار خبر الرفع وكذا الأخبار الكثيرة الواردة في الباب 18 من أبواب الزنا.
34

تعزيره وتأديبه وتربيته حتى ينشأ على الصلاح والسداد ويجري بعد بلوغه مجرى
الصالحين، لكن هذا غير الحد، وحديث الرفع ناطق برفع قلم التكليف عن
الصبي.
وعلى الجملة فهذه الشروط إما اجماعية أو أنه لا خلاف في اعتبارها (1)
هذا كله في الحد وأما الرجم فيشترط فيه مضافا إلى جميع هذه الشرائط كونه
محصنا وهو أن يكون له ما يغدو عليه ويروح ولا مانع له عن ذلك وقد قام على
ذلك الاجماع ودلت عليه النصوص كما يأتي ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
والحاصل أنه لا مورد للأخذ باطلاق: الزانية والزاني فاجلدوا الخ، بل تلاحظ
تلك الشرائط في إقامة الحد.
ثم إن وجه اعتبار الشرط الزائد في الرجم هو أنه حد الله الأكبر بخلاف
الجلد فإنه حد الله الأصغر كما ورد التعبير بهما في الأخبار فراجع (2).
قال المحقق: ولو تزوج امرأة محرمة كالأم والمرضعة والمحصنة وزوجة الولد
والأب فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حد.
أقول: كان البحث في شرائط الحد سواء كان لبعضها دخل في ماهية
الزنا أم لا، وقد علمت أن من جملتها العلم فيعتبر علم كل واحد منهما بالحرمة
حتى يجب عليه الحد فلو عقد على امرأة محرمة عليه ووطأها جاهلا بالتحريم
فلا حد.
ثم إن لفظ الجهل مطلق يشمل الجهل المركب والبسيط فتارة يكون
الانسان جاهلا بالحرمة ويرى نفسه عالما فهو قاطع بالحل، وأخرى لا يعلم
الحكم وهو ملتفت إلى عدم علمه بذلك.
والجاهل الأصلي أي الجاهل بالجهل المركب قد يكون جاهلا

(1) أقول: وهو أيضا من ألفاظ الاجماع وإن كان يظهر من بعض الكلمات أنه ليس في رديف
الاجماع إلا أن الشيخ المرتضى قدس سره صرح بأن نفي الخلاف لا يقصر عن نقل الاجماع
فراجع المكاسب المحرمة الصفحة 30 باب حفظ كتب الظلال.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا حديث 1.
35

بالحكم وأخرى بالموضوع فالأول كما إذا كان حديث العهد بالاسلام وكان قبل
اسلامه يستحل نكاح المحارم مثلا وبعد لم يتوجه لحرمة ذلك في الاسلام
وارتكب ذلك. والثاني كمن وطئ الأجنبية معتقدا أنها حليلته.
والجاهل بالجهل البسيط تارة يكون جهله هو الشك البدوي وأخرى
مقرونا بالعلم الاجمالي وهو على قسمين فتارة يكون الشك والشبهة في أطراف
محصورة وأخرى في أطراف غير محصورة.
كما أن الجهل البسيط قد يكون بمجرد الشك وأخرى مع الظن وثالثه
مع الوهم، لا شك ولا ترديد في سقوط الحد عن الجاهل بالجهل المركب مطلقا
سواء كان بالنسبة إلى الحكم أو الموضوع.
وإنما الاشكال في الجهل البسيط وقد اختلفت الأقوال في مسألة الجهل
فذهب بعض إلى كون الجهل مطلقا بأي صورة كان مانعا عن تعلق الحد وإن
كان جهلا بسيطا سواء أ كان الجاهل شاكا في الحرمة أو ظانا بها أو واهما لها
فمجرد عدم العلم كاف في درء الحد.
وقال بعض آخر أنه لا حد مع الجهل المركب وكذا مع الجهل البسيط
إذا كان الجاهل ظانا بالحل واهما للحرمة فقط، وعلى هذا فالصورتان
الباقيتان أي الجاهل الشاك والجاهل الواهم للحل يتعلق بهما الحد.
وقال الشهيد الثاني: ضابط الشبهة المسقطة للحد توهم الفاعل أو
المفعول إن ذلك الفعل سائغ له لعموم ادرءوا الحدود بالشبهات لا مجرد وقوع
الخلاف فيه مع اعتقاده تحريمه انتهى (1).
فاعتبر هو في درء الحد توهم الجواز.
ولا ندري أن مراده من التوهم هو التوهم المصطلح أي الاحتمال الذي هو
دون الشك أو أن مراده منه هو الظن بالجواز وعلى الأول فيكتفى في درء
الحد بمجرد الاحتمال المرجوح فضلا عن الشك والظن وهذا بخلاف الثاني
فإنه عليه لا يدرء الحد مع الشك فضلا عن التوهم وإن كان لا يبعد ظهوره في

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 423.
36

الأول أي الاحتمال المرجوح ومقتضى ذلك، الاكتفاء في حصول الشبهة
الدارئة للحد به وبالاحتمال المساوي فضلا عن الظن بالحل.
وقال صاحب الرياض عند بيان ملاك الشبهة: ما أوجبت ظن الإباحة،
فقد اعتبر رضوان الله عليه الظن بالإباحة وعليه فالشك في الحل أو احتمال المرجوح
لا ينفع شيئا ولا يدفع الحد.
لكن في كلامه اجمال من ناحية أخرى وهي أن الظن على قسمين ظن
معتبر وظن غير معتبر ولا تعرض في كلامه لاشتراط اعتباره وعدمه ومقتضى ذلك
هو الاكتفاء بالظن مطلقا وإن لم يكن معتبرا.
وبعضهم قد فسر الظن بالعلم والاعتقاد، فالملاك عنده هو القطع.
وفي الجواهر في باب النكاح: إن وطي الشبهة على ثلاثة أقسام الأول
الوطئ الذي ليس بمستحق مع اعتقاد فاعله الاستحقاق لجهل بالموضوع أو جهل
بالحكم الشرعي على وجه يعذر فيه، الثاني الوطئ الذي ليس بمستحق مع
اعتقاد فاعله الاستحقاق إلا أن النكاح معه جائز شرعا كالمشتبه بغير المحصور
والتعويل على اخبار المرأة. الثالث الوطي الغير المستحق ولكن صدر ممن هو غير
مكلف كالنائم والمجنون والسكران بسبب محلل ونحوهم وما عدا ذلك والنكاح
الصحيح الذي قد عرفت كله زناء هذا (1)
وحاصل كلامه أنه لا بد في سقوط الحد أما من العلم بالحل جهلا
مركبا وأما من قيام الظن المعتبر على حله فلو لم يكن هناك علم بالحل ولا ظن
معتبر به فلم يكن له سوى الشك فلا أقل من أن يكون مع شكه مجوز للارتكاب
فالظن أو الشك الذي لا مانع من العمل به شرعا يدرء الحد وأما بدون ذلك
فلا.
وقال أيضا بعد تحقيقات له: وقد ظهر من ذلك أن اطلاق الظن في
تعريف الوطئ بالشبهة وكذا عدم العلم بالتحريم ليس محمولا على ظاهره بل
هو مقيد بما يجوز معه الوطئ على ما صرحوا به واقتضته طريقتهم المعلومة في

(1) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 247.
37

استباحة الفروج انتهى (1).
أقول: وعلى هذا فيشترط العلم بالحل ولو بحسب الظاهر فيؤخذ بالعموم
أو الاطلاق وغيرهما وذلك كما في الشبهة غير المحصورة حيث يؤخذ فيه بعموم:
وأنكحوا الأيامى منكم، وغيره، كما أنه لو شهد عدلان بطلاق امرأة خاصة أو بموت
زوجها فإنه يجوز نكاحه لأن الشارع جعل البينة حجة وحينئذ وإن كان الشك
في جواز الوطي محققا إلا أن الدليل الشرعي يسوغ ذلك فلو لم يكن دليل أصلا
فهو في صريح كلامه زناء ويترتب عليه الحد، ولا يلحق الولد، لكنه مال إلى
خلاف ذلك في الحدود لأنه نقل أولا عن العلامة السيد الطباطبائي قدس سره
تعريف الوطئ بالشبهة بأنه: الوطئ الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد
فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف
بسبب غير محرم.
وفي الجواهر بعد نقل كلام المصابيح: والمراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم
الاستحقاق ويكون النكاح مع ذلك جائزا كما لو اشتبه عليه ما يحل من النساء بما
يحرم منهن مع عدم الحصر أو عول على اخبار المرأة بعدم الزوج أو انقضاء العدة
أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته، إلى غير ذلك من الصور التي
لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا وإن كان قريبا أو مظنونا،
وبارتفاع. إلى آخره، الجنون والنوم ونحوهما دون ما كان بسبب محرم كشرب
الخمر المسكر فإنه بحكم الزاني في تعلق الحد وغيره.
ومقتضى ما ذكره في المصابيح كما صرح به في الجواهر هو عدم ترتب
الشبهة على الظن غير المعتبر شرعا لا في الموضوع ولا في الحكم إلا أن يعتقد
الإباحة به جهلا منه وإلا كان زانيا.
وأورد قدس سره عليه بقوله: وهو وإن كان صريح بعض المتأخرين
كثاني الشهيدين وسبطه إلا أن جملة من عبارات الأصحاب مطلقة في الاكتفاء
بالظن الشامل لما لا يعلم صاحبه الحل وربما لا يكون ملتفتا لذلك ولا متصورا

(1) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 253.
38

لحكمه من هذا الجهة، انتهى (1)
فلازم كلام السيد في المصابيح هو عدم كون الاحتمال المرجوح ولا الظن
غير المعتبر موجبا للشبهة الدارئة ومقتضى كلام صاحب الجواهر في المقام وما
أورده من الاشكال، هو الاكتفاء بالظن مطلقا.
وعلى الجملة فظاهر كلام الجواهر في باب النكاح (2) هو دوران
الأمر بين وجود مجوز شرعي للارتكاب وإن كان هو الأصل فهناك يدرء الحد
وعدم ذلك فلا لأن الفروج لا تستباح إلا بسبب شرعي وليس منه مجرد
الاحتمال أو الظن فإنه قد أباحه بشرط العلم بالاستحقاق أو حصوله ما جعله أمارة
وبدونها يكون الوطئ زناءا وذلك كما إذا تزوج المفقود زوجها من دون فحص
ولا رفع إلى الحاكم ولكن بظن وفاته لطول المدة أو تعويلا على أخبار من لا يوثق به
أو شهادة العدل الواحد إلا أن يحصل له الاعتقاد بالجواز هذا.
فاختلفت الأقوال والآراء واختلف معيار الجهل عندهم في المقام. فلا بد
من مراجعة الأدلة والنظر والتأمل فيها وهي الآية الكريمة والأخبار
الشريفة.
أما الأولى: قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة
جلدة (3) وظاهرها ترتب الحكم أي الحد على من كان زانيا أو زانية لا الزاني
العالم، والمعيار هو الزناء لا الزناء المعلوم وعلى هذا فكلما صدق الزنا يجب الحد
وإن لم يكن عالما وفي مثل الجهل المركب ربما لا يصدق الزنا وكذا الجهل
البسيط مع قيام البينة كما إذا تزوج امرأة معتدة مع قيام البينة على انقضاء عدتها
فإنه وإن كان العقد باطلا مع انكشاف الخلاف لكن مفهوم الزنا غير صادق
ظاهرا وإن أمكن ادعاء أن للعلم دخلا في تعلق الحد ولا مدخل له في صدق
المفهوم.

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 263.
(2) راجع الجلد 29 الصفحة 245.
(3) سورة النور لآية 2.
39

وأما الثانية أي الأخبار
فمنها رواية الكناسي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تزوجت
في عدتها فقال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها
الرجم وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فإن عليها حد
الزاني غير المحصن وإن كانت قد تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل
انقضاء الأربعة أشهر والعشرة أيام فلا رجم عليها وعليها ضرب مأة جلدة. قلت:
أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء
المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت ولقد كن نساء الجاهلية
يعرفن ذلك قلت: فإن كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال: إذا
علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم. (1)
قوله عليه السلام: ما من امرأة الخ يحتمل أن يكون المراد منه أنه لا يمكن
أن تكون جاهلة فلو ادعت الجهل فهي كاذبة بعد أن كانت المطلب بحيث يعلمه
الكل.
ويمكن أن يكون المراد عدم كون جهلها عذرا وذلك لتقصيرها في
التعلم والحال هذه.
وقوله عليه السلام: لزمتها الحجة، يحتمل أن يراد منه لزوم الحجة في
العقاب فيقال له في الآخرة على ما ورد في بعض الأخبار هلا تعلمت (2).
ويمكن أن يراد لزوم الحجة حتى في اجراء الحد فلا تدرء الشبهة
الحد، والجهل غير مانع عنه هنا.
فهذه الرواية غير واضحة الدلالة على ما نحن بصدده.
وهنا أخبار أخر نقلها المحدث العاملي في باب عنوانه: باب إن من
فعل ما يوجب الحد جاهلا بالتحريم لم يلزمه شئ من الحد:

(1) وسائل الشيعة الجلد 8 1 الباب 27 من أبواب الحدود الحديث 3.
(2) أمالي الشيخ الطوسي الجلد 1 الصفحة 9 وتفسير الصافي ذيل الآية 149 من سورة الأنعام.
40

عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أن رجلا دخل في
الاسلام وأقر به ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين له شئ من
الحلال والحرام لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلا إلا أن تقوم عليه البينة أنه
قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته
فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحد (1).
وهذه الرواية ظاهرة في مانعية الجهل عن تعلق الحد لكن في سقوطه
للجهل البسيط تأمل وترديد، والمتيقن هو الجهل المركب.
بل يمكن أن يقال: إن الظاهر أنه إذا كان قد دخل في الاسلام جديدا
على ما هو المفروض في الرواية فهو بحسب النوع غافل محض أي الجاهل
المركب فلا يشمل ما إذا كان ملتفتا إلى جهله ظانا كان أو شاكا أو محتملا.
كما أن قوله عليه السلام: ولم يتبين له شئ من الحلال والحرام، ليس
له ظهور في الجهل البسيط ولا الأعم بل هو يساعد الجهل المركب بالخصوص
ولعل المراد منه هو أنهم لم يبينوا له ذلك ولم ينبهوه. وعلى الجملة فالرواية
ظاهرة في الجهل المركب.
وعن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دعوناه إلى
جملة الاسلام فأقر به ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين له شئ من
الحلال والحرام أقيم عليه الحد إذا جهله؟ قال: لا إلا أن تقوم عليه بينة أنه
قد كان أقر بتحريمها (2).
قوله: قد أقر بتحريمها يراد به أنه كان عالما بتحريمها فإن الاقرار
طريق إليه. ولا يخفى أنه يجري في هذه ما ذكرناه في سابقته.
عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو وجدت رجلا
كان من العجم أقر بجملة الاسلام لم يأته شئ من التفسير زنى أو سرق أو شرب

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
41

خمرا لم أقم عليه الحد إذا جهله إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد أقر بذلك وعرفه (1).
عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام في رجل دخل
في الاسلام شرب خمرا وهو جاهل قال: لم أكن أقيم عليه الحد إذا كان جاهلا
ولكن أخبره بذلك واعلمه فإن عاد أقمت عليه الحد (2).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث إن أبا بكر أتي
برجل قد شرب الخمر فقال له: لم شربت الخمر وهي محرمة؟ فقال: إني
أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ولو أعلم أنها حرام
اجتنبتها فقال علي عليه السلام لأبي بكر: ابعث معه من يدور به على مجالس
المهاجرين والأنصار فمن كان تلا آية التحريم فليشهد عليه فإن لم يكن تلا عليه
آية التحريم فلا شئ عليه ففعل فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله (3).
وهذه الأخبار كلها واردة في الجهل بالحكم وأما الجهل بالموضوع فلا
تعرض له في الروايات.
نعم هنا رواية أخرى واردة في الجهل بالموضوع وهي رواية يحيى بن
العلا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في رجل تزوج امرأة فمكثت معه
سنة ثم غابت عنه فتزوجت زوجا آخر فمكثت معه سنة ثم غابت عنه ثم تزوجت
آخر ثم إن الثالث أولدها قال: ترجم لأن الأول أحصنها قلت: فما ترى في ولدها؟
قال: ينسب إلى أبيه. قلت: فإن مات الأب يرثه الغلام؟ قال: نعم (4)
فإن الظاهر منها أنه كان الزوج أبو الغلام جاهلا بكون المرأة ذات
بعل فيلحق به الولد وتجري الوراثة بينهما فيعلم أن الحد يدرء في الجهل
الموضوعي أيضا كما هو مسلم عند العلماء في الجملة.
وحاصل الكلام بالنسبة إلى البحث الأصلي هو أنه ليس في الروايات

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 12.
42

ظهور تطمئن إليه النفس بل هي ظاهرة في الجهل المركب بلحاظ ما تقدم منا من أن من دخل في الاسلام جديدا فهو غير ملتفت أصلا إلى الأحكام وهي غير مبينة
له. فلم نجد في الأخبار أيضا ما يفيدنا بالنسبة إلى الجهل البسيط فلم يبق إلا
الحكم على حسب القواعد.
فنقول: لا شك في أنه لا حد على من اعتقد الحل مع عدم استحقاقه
واقعا بل لعله لا يصدق عليه أنه قد زنى، فمن تزوج امرأة معتقدا الحل ثم بان
أنها كانت عمته أو خالته مثلا لا يقول الناس أنه زنى بل يقال في حقه أنه وطئ
شبهة. والظاهر من لفظ الشبهة كالاشتباه هو عدم الاعتقاد الباطل كما حملت
الروايات الواردة في جديد الاسلام على ذلك على ما تقدم.
وأما من شك في الحرمة فهو من أفراد العالم بالحرمة، والعلم طريقي لا
موضوعي فتخلفه الأمارات والأصول فلو شهد عنده عدلان بأن المرأة التي يريد
تزويجها مزوجة ولم يحصل له العلم بذلك. فإنها محرمة عليه ويحد هو على
وطيها بلا توقف على أنهما صادقان في علم الله أم لا كما أنه لو كان الأصل الشرعي
يقتضي الحرمة كالمرأة المعتدة التي يراد تزويجها ويشك في انقضاء عدتها
فإن مقتضى الاستصحاب وابقاء ما كان على ما كان بحكم الشرع هو الحكم
ببقاء العدة وترتيب أحكامها كالحرمة وغيرها وعليه فيجب اجراء الحد عليه
أيضا إذا وطئها والحال ذلك وهذا هو الحكم في تمام صور الجهل البسيط
أي سواء كان شاكا أو ظانا أو واهما إذا كان هناك دليل شرعي يدل على
الحرمة كما أنه لو كان هناك دليل من الأمارة والأصل قد دل على الحل
والجواز فإنه يترتب عليه سقوط الحد.
وأما لو كان شاكا مطلقا ولم يكن دليل أو أصل شرعي يدلان على
الحرمة بأن كان في مجرد حال الشك في الحرمة أو الظن بها مع عدم كون ظنه
من الظنون المعتبرة شرعا، أو الوهم بها فهناك لا وجه لجريان الحد بالارتكاب
قبل الفحص في الأحكام.
وأما إذا كان شكه مع العلم كما إذا تردد الحرام بين أطراف في
43

الموضوعات فإن العلم الاجمالي قائم على وجود حرام في البين، وهو على قسمين
فتارة يكون أطرافه محصورة وأخرى غير محصورة والحكم في الثانية عدم لزوم
الاجتناب كما إذا تردد أحد المحارم بين أفراد غير محصورة فالمتزوج يكون
كالمعتقد بالحلية بناء على عدم تنجيز التكليف بالعلم بالحرام المردد بين غير
المحصور وأما إذا كانت أطراف الشبهة محصور فالدليل العقلي على لزوم
الاحتياط قائم وذلك لوجود الحرام المقطوع به في البين مع عدم كون أطراف
الشبهة غير محصورة فإن كانت الحجة أعم من الشرعي والعقلي فلا محالة يكون
ارتكاب أحد الأطراف غير سائغ ويترتب عليه الحد وأما على فرض الاختصاص
بالدليل الشرعي فهو مفقود فلا يترتب على ارتكابه الحد وذلك لأن اللازم على
هذا هو الحجة على التحريم المنجزة للمقاب ومن المعلوم أن ارتكاب أحد
الطرفين مثلا كوطي إحدى المرأتين المرددتين فيما إذا علم أن واحدة منهما
حلال له والأخرى محرمة عليه مما لم تقم عليه حجة شرعية على التحريم
وعلى هذا فلا يوجب الحد. والظاهر من رواية أبي أيوب هو كفاية الحجة على
العقاب لدلالتها على لزوم الحجة على المرأة بمجرد علمها بلزوم أصل العدة مع أنها
لا تعلم كم هي.
ويظهر ذلك أيضا من قوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث
رسولا (1). حيث إنه يدل على أنه لا عذاب بدون بعث الرسول والآتيان بالأحكام
وأما ابلاغها إلى كل أحد فليس معتبرا في العذاب وإنما وظيفة العباد هو الرجوع
إلى الرسول والسؤال منه.
ويدل على ذلك أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أن مثل الإمام مثل
الكعبة حيث تؤتى ولا تأتي (2).
لكن مع ذلك ليس هنا إلا الحجة على العقاب وهو حكم العقل بلزوم
الاجتناب حذرا عن ارتكاب المحرم الواقعي فلو كان الحد موقوفا على الحجة

(1) سورة الإسراء الآية 15.
(2) الإنصاف للسيد البحراني الصفحة 290 ومنتخب الأثر الصفحة 90 عن كفاية الأثر.
44

على التحريم فهنا أيضا لا حد نعم لو قلنا بكفاية الحجة على العقاب فارتكاب
أحد الطرفين يوجب الحد.
والظاهر أن الحد مترتب على العلم بالزنا وإن كان ذلك بسبب دليل
شرعي وأمارة شرعية لا على حكم العقل بلزوم الاحتياط فلذا لا حد في المقام
وبعبارة أخرى أنه كلما وجد دليل على الحرمة الظاهرية وإن لم يكن هناك علم
وجداني فلا يسقط الحد وكلما لم يوجد ذلك وإنما وجب الاحتياط عقلا فهناك
يسقط وذلك لعدم المانع من جريان قاعدة درء الحدود بالشبهات إلا على القول
بأن المراد من الشبهة هي الشبهة التي يجوز ارتكابها بإحدى الأمارات المعتبر أو
الأصول كذلك.
وفيه أنه لا شبهة هناك حتى يتمسك بالقاعدة وذلك لأنه مقطوع
الحلية بحكم الظاهر (1).
وعلى الجملة فلو كان المراد من الشبهة مجملا فكلما دل الدليل الشرعي
على الحرمة فهو كاف في ترتب الحد وإلا فلا يجرى عليه الحد وذلك لحرمة
إقامته إلا بمبرر قاطع. فلا يجوز اجرائه في أطراف العلم الاجمالي وإن كان
يحرم ارتكابها عقلا.
وأما ما ذكروه من لزوم الاحتياط في الفروج على ما هو دأب العلماء في
الشبهات الموضوعية.
ففيه أنهم قالوا بالاحتياط في الدماء أيضا فكيف يمكن الحكم بالزنا
والاقدام على الرجم (2) مثلا مع لزوم الاحتياط في الدماء إلا بدليل قاطع فبلحاظ

(1) قال سيدنا الأستاذ دام ظله في دفتر مذكراته: فتحصل من جميع ذلك، سقوط الحد غير وطي
اعتقد حرمته أو دل دليل معتبر عليها من غير فرق بين الشبهات الحكمية أو الموضوعية وذلك لأن
المتيقن من وجوب الحد ذلك والباقي مشكوك والأصل عدمه ولعل المحقق رحمه الله أراد بالعلم
أعم من الحرمة الظاهرية انتهى كلامه دام بقائه.
(2) وقد أوردت بأنه ليس حكم الزنا هو الرجم مطلقا كي يتمسك بالاحتياط في الدماء والأنفس.
فأجاب سيدنا الأستاذ الأكبر دام ظله بأنه لا فرق بين الجلد والرجم في مساسهما بالنفوس وإنما
ذكروا الرجم من باب أظهر المصاديق.
45

هذا الاحتياط لا يجوز اجراء الحد عليه.
ولا يخفى عليك إن النزاع في باب درء الحد بالشبهة قليل الجدوى
وذلك لأن الغالب هو قيام الدليل في الموارد وبحسبها إما على الحل أو الحرمة
وقلما يتفق مورد لا يكون هناك أمارة أو أصل شرعي معتبر كما إذا وجد امرأة في
فراشه مثلا ودار الأمر بين كونها حليلة أو أجنبية.
الغافل والناسي
وأما الغافل المحض أي غير المتوجه إلى المطلب بحيث لا ينقدح في ذهنه
أصلا كي يعتقد بالحل مثلا فالظاهر أن يكون كالقاطع بالخلاف فتشمله
الروايات الواردة في الجهل المركب فلا يجرى عليه الحد لدرءه بالشبهة.
وأما الناسي فالظاهر أنه أيضا كذلك فتشمله الروايات ولا خصوصية
للجهل بل المراد هو ما يشمل ذلك أيضا كما هو الظاهر من كلام شيخ الطائفة.
قال قدس سره: باب ماهية الزنا وما يثبت به ذلك. الزنا الموجب للحد
هو وطئ من حرم الله تعالى وطيه من غير عقد ولا شبهة عقد ويكون الوطئ في
الفرج خاصة ويكون الواطي بالغا كاملا فأما العقد فهو ما ذكرناه في باب
النكاح من أقسامه مما قد أباحه الله تعالى في شريعة الاسلام. وأما شبهة العقد
فهو أن يعقد الرجل على ذي محرم له من أم أو بنت أو أخت أو عمة أو خالة
أو بنت أخ أو بنت أخت وهو لا يعرفها ولا يتحققها أو يعقد على امرأة لها زوج
وهو لا يعلم ذلك أو يعقد على امرأة وهي في عدة الزوج لها إما عدة طلاق رجعي
أو بائن أو عدة المتوفى عنها زوجها وهو جاهل بحالها أو يعقد على امرأة وهو محرم
أو هي محرمة ناسيا ثم علم شيئا من ذلك فإنه يدرأ عنها الحد ولم يحكم له
بالزنا (1).
ثم لو فرض عدم شمول أدلة المقام للناسي فإنما يكفي في ذلك حديث
الرفع لكون النسيان من الأمور التسعة المرفوعة عن الأمة.

(1) النهاية كتاب الحدود الصفحة 688.
46

العقد بمجرده غير كاف في سقوط الحد
وهل يكتفي بمجرد العقد في سقوط الحد بأن ينهض شبهة فيوجب
الدرء أم لا؟ قال المحقق قدس سره: ولا ينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط
الحد فلو استأجرها للوطي لم يسقط بمجرده.
أقول: ولا اشكال في ذلك ولا خلاف فيه بل لا يحتاج هذا الكلام
إلى الاستدلال ولا حاجة إلى رد من قال بأن العقد بنفسه كاف في السقوط
وإنما قد تعرضوا لذلك ردا لأبي حنيفة فإنه الذي قال بذلك (1) ولو كان عالما
بالتحريم، مستدلا بدرء الحدود بالشهادات.
قال شيخ الطائفة قدس سره: إذا استأجر امرأة للوطئ فوطئها لزمه الحد
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا حد عليه. دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم
وأيضا قوله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وهذه ليست واحدة
منهما (2).
وقال قدس سره أيضا: إذا عقد النكاح على ذات محرم له كأمه وبنته
وأخته وخالته وعمته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنة أو أبيه أو تزوج بخامسة
أو امرأة لها زوج ووطئها أو وطئ امرأة بعد أن بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث
مع العلم بالتحريم فعليه القتل في وطئ ذات محرم والحد في وطئ الأجنبية

(1) ففي الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري الجلد 5 الصفحة 98 (في بحث العقد على المحارم):
المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف والإمام محمد بن الحنفية قالوا: إذا عقد رجل على امرأة
لا يحل له نكاحها بأن كانت من ذوي محارمه كأمه وأخته مثلا أو محرمة من نسب أو رضاع ثم وطئها
في هذا العقد وهو عالم بالتحريم فإنه يجب عليه إقامة الحد لأن هذا العقد لم يصادف محله لأنه لا
شبهة فيه عنده، ويلحق به الولد الإمام أبو حنيفة قال: لا يجب عليه إقامة الحد، وإن قال: علمت أنها على حرام، لكن يجب عليه بذلك المهر، ويلحق به الولد، ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون
من أنواع التعزير سياسيا لا حدا مقدرا شرعيا إذا كان عالما بذلك الخ.
(2) الخلاف كتاب الحدود مسألة 26.
47

وبه قال الشافعي إلا أنه لا يفصل وقال أبو حنيفة: لا حد في شئ من هذا
حتى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها لا حد عليه، فإن استأجرها
للخدمة فوطئها فعليه الحد. دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: ولا
تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة. إلى آخر
كلامه (1).
وقد يوجه كلامه بإرادة ما لا يعلم حرمته يقينا وإن كان هو حراما
بمقتضى الاجتهاد.
ولكن كلامه يأبى عن ذلك بل هو يقول بأن مجرد العقد أي عقد نكاح
المحرمات أو استيجار المرأة للوطئ كاف في حصول الشبهة وسقوط الحد.
والذي يسهل الخطب أنه لا مورد لتوجيه كلام أبي حنيفة بعد أن نعلم
ما هو المعهود منه من الفتاوى الفاسدة والآراء والنظرات الباطلة المخالفة
لضرورة الدين مثل حكمه بالحاق الولد بالرجل إذا كانت زوجته قد حملت في
أيام سفره، فلا بعد أصلا من مثله أن يقول بأن العقد ينهض شبهة في سقوط الحد.
نعم ما ذكر في هذا التوجيه في نفسه كلام حسن في الجملة ووجيه في
بعض الموارد فإن من الممكن أن يكون العقد سببا للشبهة ودرء الحد كما إذا فرض
أن خبرا صحيحا دل على كفاية عشر رضعات في التحريم ومع ذلك قد تزوجها
فإنها بحسب اجتهاده وإن كانت محرمة عليه إلا أن ذلك لا يوجب القطع
بالحرمة فإن الخبر واجب العمل عنده ظاهرا وإلا فلا يخلو الأمر في الواقع من
كفاية العشر فهي محرمة عليه أو اعتبار خمس عشر رضعة فهي عليه حلال وهذه
هي الشبهة لأن الزنا هو الوطي غير المستحق وهذا مشكوك فيه في المقام فيكون
العقد كافيا في درء الحد (2).

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود مسألة 29.
(2) فيه أنه ينافي ما كان يذكره دام ظله كثيرا في الدرس من أنه لا شبهة مع الاستظهار عن الدليل
وقد تقدم إن العلم أعم من الوجداني والحكم الظاهري اجتهادا أو تقليدا هذا مضافا إلى أنه
خروج عن محل الكلام فإنه يقول بكفاية العقد بمجرده لا العقد مع عدم العلم بالتحريم وهكذا
الكلام في فرض الإجارة.
48

وهكذا بالنسبة إلى عقد الإجارة بأن استأجر امرأة للوطي زاعما أنها
عليه بذلك فإنه لا يحد حينئذ خصوصا بلحاظ ما ورد من التعبير بالأجر عما يدفع
إليهن في الاستمتاع كقوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن
فريضة (1). وعلى الأخص بلحاظ إن العامة يفسرون آيات القرآن الكريم بما يبدو
في أذهانهم بلا مراجعة إلى أهل بيت الوحي والتنزيل، وعلى الجملة فلو تخيل
لأجل هذه الأمور أنه يباح استيجارهن لذلك فأنشأ عقد الإجارة فإنه كاف في
سقوط الحد.
ونظير ذلك ما إذا تخيل واعتقد أنه يجوز للمرأة أن تهب نفسها لرجل
وتباح له بذلك حيث رأى جواز ذلك بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله لقوله
تعالى: وامرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي (2) فزعم أن ذلك حكم عام
يشمل النبي صلى الله عليه وآله وغيره ولا يختص به فإنه لو وطئها والحال هذه
فلا حد عليه.
وكيف كان فبطلان ما ذكره أبو حنيفة بمكان من الوضوح وقد ردوا عليه في
كلماتهم.
قال العلامة أعلى الله مقامه: لو تزوج من يحرم عليه نكاحها كالأم والبنت
والأخت والمرضعة وذات البعل والمعتدة وزوجة الأب أو الابن كان العقد
باطلا بالاجماع فإن وطئها مع علمه بالتحريم وجب عليه الحد، ولا يكون العقد
وحده شبهة في سقوط الحد، ولو وطئ جاهلا بالتحريم سقط الحد وهكذا
كل نكاح أجمع على بطلانه كالخامسة والمطلقة ثلاثا، أما النكاح المختلف فيه
كالمجوسية فإنه لا حد فيه وهكذا كل نكاح توهم الواطي الحل فيه، ولو
استأجرها للوطي وجب الحد ولم يسقط به إلا أن يتوهم الحل به انتهى (3).

(1) سورة النساء الآية 24.
(2) سورة الأحزاب، الآية 50.
(3) التحرير كتاب الحدود الصفحة 219.
49

وقال المحقق الأردبيلي قدس سره: ويشترط في الحد بالزنا مطلقا
العلم بتحريمه من غير أن يحصل عنده شبهة محلله فلو توهم الواطي حل أحد
المحرمات المؤبدة نسبا أو رضاعا أو مصاهرة يسقط الحد أي لا يجب به الحد
ولا يسقط بمجرد العقد مع العلم بالتحريم معه وفساد العقد وكذلك لا يسقط
الحد بل يتعلق ويجب باستيجار المرأة للوطئ مع العلم بعدم الحل بذلك
وفساد العقد.
نعم لو توهم الحل بالاستيجار أو بغير الاستيجار مثل أن تهب نفسها
أو تبيح وطيها أو يوقعه بلفظ غير صحيح أو يكون قصده الإباحة مع الجهل بأن
ذلك غير كاف وكذا العقود الفاسدة لعدم العربية أو القصد أو الاعراب أو
المقارنة أو الاشتمال على شرط فاسد مثل أن لا يطأ وبالجملة جميع ما يمكن أن
يتوهم ويعتقد أنه ليس بمحرم وإن كان نفس رضاهما وبأي شئ كان فإنه
موجب لعدم تعلق الحد وسقوطه.
ثم قال: ودليل تحريم الزنا وجوب الحد مع الشرائط، الكتاب والسنة
والاجماع ودليل عدمه مع عدم ولو كان بوجه بعيد كون الجاهل معذور أو بناء
الحدود على التخفيف ودرء الحدود بالشبهات انتهى كلامه رفع مقامه.
قال المحقق: ولو توهم الحل به سقط
وقد فسر في الجواهر التوهم بالاعتقاد وقال عقيب قول المصنف: ولو
توهم: على وجه اعتقده، فلو قطع بأن العقد كاف في الحل فلا محالة يسقط
الحد.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون اعتقاده ناشيا عن الاجتهاد أو التقليد وقد
مر ذلك وفي الجواهر: بل وإن كان ذلك لتقصير منه في المقدمات باختيار
مذهب فاسد يقتضي ذلك أو باعراض عن أهل الشرع أو بغير ذلك مما يكون
فيه مشتبها وإن كان هو آثما في ظنه الخ.
قال المحقق: وكذا يسقط في كل موضع يتوهم الحل كمن وجد على
فراشه امرأة فظنها زوجته ولو تشبهت له فعليها الحد دونه وفي رواية يقام عليها
50

الحد جهرا وعليه سرا.
أقول: كل ذلك على أساس المعيار الذي ذكرناه من أن من بأن له الأمر
فوطئ عالما بأن عمله حرام يحكم عليه بالزنا ويحد ومن أقدم على الوطئ
مشتبها عليه الأمر فلا يحل عدم ثبوت الحرمة عليه شرعا. وعليه يتم ما أفاده من
أن من وجد على فراشه امرأة فوطئها زاعما أنها زوجته فإنه لا حد عليه. وهكذا
لو تشبه الرجل لها بحيث زعمت أنه زوجها فلا حد على المرأة وإنما يحد الرجل
والعكس العكس فلو تشبهت المرأة للرجل بحيث أيقن أنها زوجته فإن عليها الحد
لأنه لا شبهة لها فإنها قد تعمدت وأقدمت على العمل عالمة بالحرمة بخلاف
الرجل لأنه قد أقدم للشبهة الطارية عليه فلا حد عليه. هذا هو مقتضى الأدلة
والقاعدة وذلك لأن أحدهما زان دون الآخر.
نعم هنا رواية تدل على خلاف ذلك في الفرض الأخير وهي رواية
أبي الروح: إن امرأة تشبهت بأمة لرجل وذلك ليلا فواقعها وهو يرى أنها
جاريته فرفع إلى عمر فأرسل إلى علي عليه السلام فقال: اضرب الرجل حدا في
السر واضرب المرأة حدا في العلانية (1).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 38 من أبواب حدود الزنا الحديث 1، وقال الشيخ الحر
العاملي: حمله أكثر الأصحاب على شك الرجل أو ظنه وتفريطه في التأمل وأنه حينئذ يعزر لما تقدم
في تزوج امرأة لها زوج وغير ذلك وقد رواه المفيد في المقنعة مرسلا نحوه، إلا أنه قال: فوطأها من
غير تحرز انتهى.
وقال المحقق في نكت النهاية بعد التعرض لخبر الأعمى: وكذا القول في الرواية عن أمير المؤمنين
عليه السلام عن امرأة تشبهت لرجل بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فظنها جاريته فوطئها من غير
تحرز ورفع خبره إليه فأمر بإقامة الحد على الرجل سرا وإقامة الحد على المرأة جهرا، وفي هذا
الخبر شيئان كل واحد منهما يوجب الشبهة وهو أنها تشبهت، الثاني أنه ظنها جاريته ثم إذا حكم
عليه بأنه زان لم حده سرا؟
ثم قال: الجواب: أما الأعمى إلى أن قال: وأما الرواية المتضمنة إقامة الحد على الرجل سرا
فهي رواية أبي بشر عن أبي نوح أن عمر أرسل في ذلك إلى علي (ع) فقال له: اضرب المرأة حدا في
العلانية والرجل حدا في السر ذكرها الشيخ في التهذيب، والروايتان محمولتان وسمعنا من بعض
فقهائنا أنه عليه السلام أراد ايهام الحاضرين الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا ولم يقم عليه الحد
استصلاحا وحسما للمادة لئلا يتخذ الجاهل الشبهة عذرا وهذا ممكن انتهى كلامه. وقال في
الرياض: إن الرواية ضعيفة بالارسال وعدة من الجهلة انتهى، وفي كشف اللثام: وهو متروك
يحتمل لأن يكون ع علم منه العلم أو الظن بحالها وإن ادعى الشبهة.
51

فهي صريحة في أنه يحد كلاهما مع تفاوت أنه يحد الرجل في الخفاء
والمرأة في أعين الناس وعلى رؤوس الأشهاد، وقد عمل وأفتى بها القاضي
ابن البراج (1).
ولكنها مخالفة للقواعد الشرعية متروكة عند المعظم ولم يفت بها سواه (2)
وقد وجهها بعض العلماء بأن الإمام عليه السلام ذكر ذلك بحسب الظاهر لا الواقع
لايهام الحاضرين الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا استصلاحا وحسما لمادة
الفساد لئلا يتخذ الجاهل الشبهة ذريعة وعذرا، ولم يقم عليه السلام عليه الحد
بأن كان قد أمر سرا أن يدعوه ويتركوه ولا يضربوه في السر، وعلى الجملة
فالمعتقد بالحل لا شئ عليه سواء كان أحدهما أو كليهما ولذا قال المحقق بعد
ذلك:
وكذا يسقطه لو أباحته نفسها فتوهم الحل
أقول: وذلك لما تقدم من أنه لا بد في الحد من عدم شبهة في البين.
كلام حول الاختيار والاكراه
قال المحقق قدس سره: ويسقط الحد مع الاكراه وهو يتحقق في طرف
المرأة قطعا وفي تحققه في طرف الرجل تردد والأشبه امكانه لما يعرض من ميل
الطبع المزجور بالشرع.
أقول: عرفت أن من جملة شرائط تعلق الحد هو الاختيار وأن لا يكون
المرتكب لموجبه مكرها، والكلام حينئذ في مقامات.

(1) المهذب الجلد 2 الصفحة 542.
يقول المقرر: قد أفتى به يحيى بن سعيد الحلي أيضا جامعه الصفحة 548 قال: فإن تشبهت
امرأة لأجنبي بمنكوحته على فراشه حد سرا وحدت جهرا الخ.
52

منها أنه ما هو المعيار في الاكراه فهل يتحقق بتوعيده بأخذ ماله أو ضربه
وأمثال ذلك؟ ومنها أنه هل يمكن اكراه الرجل على الزنا أم لا ومنها أنه مع
تحقق الاكراه فلا حرمة ولا حد في البين.
أما الأول فالظاهر أنه ليس كلما هدده المكره بالكسر على ترك الزنا
يتحقق معه الاكراه وإن كان تحمله شاقا فاللازم هو مراعاة الأهم وتشخيصه،
ألا ترى أن الحرج يرفع التكليف لكن لا في كل الموارد فالمسح على البشرة حرج
وقد أمر الإمام عليه السلام بالمسح على المرارة (1) مستدلا بقوله تعالى: ما جعل
عليكم في الدين من حرج (2) وأما إذا كان شاب كثير الشبق غير متمكن من
النكاح لا يستريح طول ليله ولا ينام فهل يجوز له وطي المحارم مثلا تمسكا
بلا حرج؟ وهكذا من كان في شدة من الجوع فلا يجوز له الأخذ من مال غيره إذا
أمكنه التحمل نعم لو كان مشرفا على الموت فهناك يجوز له أن يأخذ منه ما يسد
به رمقه مضمونا عليه.
وعلى هذا ففيما نحن فيه لو هدده المكره بأنه يأخذ مالا منه أو يضربه مثلا
لو لم يرتكب الزنا فلا يسوغ مجرد ذلك أن يقدم على هذه المعصية نعم لو هدده بقتله
أو قتل ولده مثلا إذا ترك الزنا فهناك يجوز له ارتكاب ذلك. وعلى الجملة
فلا بد من كون ما وعده وهدده به بحيث يحق عرفا ويناسب أن يرتكب الزنا فرارا
عنه وكثيرا ما يحصل الاشتباه في أنه من موارد الاكراه أم لا.
وأما الثاني فنقول: لا خلاف ولا اشكال في تحقق الاكراه بالنسبة إلى
المرأة ولكن وقع الاشكال والبحث في امكان اكراه الرجل على الزنا وعدمه فقد
حكي عن السيد ابن زهرة الجزم بعدم امكان ذلك أصلا (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الصفحة 327 الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.
(2) سورة الحج الآية 78.
(3) أقول: لم أعثر على ذلك في الغنية وإن نسب إليه جزما في كشف اللثام بقوله: وهو خيرة. الغنية
انتهى، ولعله لذلك قال في الرياض: المحكى عن الغنية الخ وفي الجواهر: بل عن الغنية الجزم
بعدمه.
53

وقد يستدل لذلك بأن الاكراه يمنع عن انتشار العضو وانبعاث القوى
لتوقفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل.
ويقرب منه ما ذكره في كشف اللثام في مقام التعليل وهو قوله: لعدم
انتشار الآلة إلا عن الشهوة المنافية للخوف.
ويرجع هذا الكلام إلى أن المكره كالعنين فكما لا يمكن حمل العنين
على الوطي كذلك لا يمكن حمل المكره على ذلك.
وحاصل هذا الكلام والاستدلال أنه لو لم يكن له ميل نفساني فكيف
حصل له الانتشار، فانتشار عضوه كاشف عن أنه كان مائلا إلى ذلك فلا يكون
مكرها.
وفيه أنه لو كان معنى الاكراه هو خصوص حمل الشخص غيره قسرا على
اتيان ما هو خلاف ميله الطبيعي النفساني لتم الاستدلال وورد الاشكال.
أما لو كان المراد حمله على العمل الذي لا يميل إليه عادة بل يتركه
ويحترز عنه بالنظر إلى تكليفه الشرعي وما يعتنقه من العقائد الدينية فهذا
ممكن وذلك لكون العزيزة النفسانية مستعدة قوية. وعليه فيمكن أن يكون
الانسان بحيث لا يرضى بمعصية الله سبحانه حتى في حين كونه مكرها ومع ذلك
يحصل له الانتشار بمقتضى غريزته الشهوية والميل النفساني المركوز في ذاته،
ولولا الاكراه والتهديد لما ارتكب ذلك أصلا بل كان يردعه خوف الله تعالى مع
الانتشار كما قد وقع مثل ذلك في الحالات العادية حيث عزم على المعصية
وانتشر عضوه ولكنه تركها وردعه خوف الله سبحانه حينما كان مشرفا على
الوقوع فيها إلا أن القوة القاسرة حمله على الارتكاب، وهذا هو الذي أشار إليه
المحقق بقوله: لما يعرض له من ميل الطبع المزجور بالشرع.
وحاصل الكلام في المقام إن الاكراه هو حمل الغير على خلاف إرادته.
وميله وهو على قسمين فتارة يكون حملا له على خلاف إرادته الناشئة من القوى
الحيوانية وأخرى يكون حملا له على خلاف إرادته الناشئة عن دينه وايمانه،
وبلحاظ الاطلاق الثاني يتحقق الاكراه وإن كان بلحاظ الأول لا يمكن ذلك.
54

وأما ما أفاده صاحب الجواهر رضوان الله عليه اشكالا ونقضا على
الاستدلال المزبور من امكان فرض الاكراه على الزنا وتحققه بدون الانتشار
بأن يدخل الحشفة في الفرج وهو غير منتشر.
فهو غير تام وذلك لانصراف البحث عن ذلك ولا يقول أحد بعدم
امكان الاكراه بهذا النحو ولا يدعيه مدع، وعلى الجملة فالكلام في غيره.
ثم إن الشهيد الثاني بعد أن ذكر انكار بعض انتشار العضو مع الاكراه
واستظهاره بنفسه امكان ذلك معللا بأن الانتشار يحدث عن الشهوة وهو أمر
طبيعي لا ينافيه تحريم الشرع قال: وعلى كل حال لا حد لأنه شبهة والحد
يدرء بالشبهة (1).
وأورد عليه في الجواهر بعد أن نقل كلام المسالك بهذا اللفظ:
وعلى كل حال فلا حد للشبهة بأن المتجه الحد بناءا على عدم تحقق
الاكراه فيه ضرورة استلزام حصوله حينئذ لعدم كونه مكرها فيه انتهى (2).
أقول: وقد استفاد واستظهر من عبارة المسالك: وعلى كل حال الخ
إن مراده أنه سواء قلنا بامكان الاكراه على الزنا بأن لا يكون الانتشار منافيا
للاكراه أو قلنا بعدم امكان الاكراه عليه لعدم حصول الانتشار معه فلو انتشر
يعلم أنه لم يكن مكرها فلا حد فيهما للشبهة.
فلذا أورد عليه بأنه إذا بنينا على عدم امكان اكراه الرجل فاللازم هو
الحد فكيف نقول بالشبهة وعدم جريان الحد؟
ولكن يمكن أن يكون مراد المسالك غير ما استظهره منه فلا يرد عليه

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 424 أقول: وشبيه هذه العبارة عبارة الكاشاني في مفاتيحه
الجلد 2 الصفحة 64 قال: ولو اختصت الشبهة أو الاكراه بأحدهما سقط عنه للنص: ليس على
المستكرهة شئ إذا قالت: استكرهت، وقول القاضي بوجوب إقامته على المشتبه عليه سرا وعلى
الآخر جهرا شاذ ومستنده ضعيف والأصح امكان الاكراه في حق الفاعل كما في حق المفعول لأن
انتشار العضو يحدث عن الشهوة وهو أمر طبيعي وعلى التقديرين لا حد، للحديث النبوي المشهور: ادرءوا
الحدود بالشبهات انتهى.
(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 266.
55

اشكال. وذلك لأنه لو لم يكن في عبارة الشهيد الثاني كلمة (لأنه) كما هي
كذلك في نقل الجواهر عنه على ما تقدم آنفا فلا بعد أصلا في القول بكون
مراده أنه لا حد عند الشبهة والشك، وكأنه قيل: من قال بامكان الاكراه يقول
لا حد لكونه مكرها عليه، ومن قال بعدم امكانه يقول بوجوب الحد لأن ما وقع
وصدر عنه حينئذ كان باختياره وهو يوجب الحد، ومن شك في ذلك ولم يدر
أنه يمكن ذلك أم لا فلا حد لأجل الشك والشبهة.
وأما على فرض وجود كلمة (لأنه) كما هو كذلك في ضبط المسالك
نفسه كما مر، فيمكن أن يكون المراد هو الاشعار إلى عدم الحرمة وعدم الحد في
مورد الاكراه حيث إن الكلام في المكره فإنا نقطع بعدم الحرمة هذا الزنا
الصادر عن اكراه ولا حد عليه، فقد عبر عن الاكراه بالشبهة وكأنه قال: لا حد
مع الاكراه بسبب نفس الاكراه فلم يكن المراد من الشبهة، الشك، وقد عبر عن
اليقين بعدم الحرمة والحد، بالشبهة هذا (1).
وأما المقام الثالث وهو أنه لا حرمة ولا حد مع الاكراه فقد استدل لذلك
بأمور:
منها أنه لولا ذلك لزم التكليف بما لا يطاق. قال في المسالك: الاكراه
يسقط به أثر التحريم عن المكره اجماعا حذرا من تكليف ما لا يطاق انتهى.
وفيه أنه لا يجري في كل موارد الاكراه وإنما يتم ويجري في بعضها فإنه
ربما يتحقق الاكراه وليس تحمل ما توعد به تكليفا بما لا يطاق وليس مغلوبا على

(1) أقول: هكذا أفاد دام ظله في مجلس الدرس ولعله لا يخلو عن شئ، فإن الكلام وإن كان في
الاكراه كما أفاد إلا أنه بهذه المناسبة انجر الكلام إلى أنه هل يمكن اكراه الرجل على الزنا أم لا
وإلى ذكر القولين في المسألة فكيف نغض النظر عن ذلك ونقول بأن كلامنا في المكره، وعلى الجملة
فالظاهر أن الحق مع صاحب الجواهر فإنه لو قلنا بعدم امكان الاكراه في خصوص الرجل فلا بد
من أن يكون ما صدر منه اختياريا لفرض عدم تحقق الاكراه فيجب اجراء الحد عليه. وإني أظن
جدا إن مراد المسالك هو أنه سواء قيل بامكان اكراهه أو قلنا بعدمه لا يجب الحد للاختلاف في
المسألة الموجب للشبهة. ويؤيد ذلك أن فخر المحققين صرح بعدم لذلك فقال: ويمكن أن
يقال: هذه مسألة مختلف فيها فيكون محل الشبهة وقال عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات انتهى.
56

عقله كالمجنون بل إنما يرتكبه باختياره بعد الاكراه، كذا في الجواهر (1).
ومنها حديث الرفع وهو قوله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي تسعة
الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه
والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة (2).
فإنه وارد في مقام الامتنان ورفع التكليف والمؤاخذة حيث إنه كان يمكن
التكيف مع كونه مكرها بأن يقال له: لا ترتكب الزنا وإن جرى عليك ما جرى
ووقع عليك ما وقع كما أن الأمر كذلك في الاكراه على قتل الغير فإنه لا يرفع
التكليف وإن كان في ترك قتل الغير قتل نفسه وعلى الجملة فقد رفع الله
التكيف بالاجتناب عن الزنا عند الاكراه عليه امتنانا على العباد.
ومنها الأخبار الخاصة الواردة في المقام فقد عقد المحدث العاملي بابا
سماه باب سقوط الحد عن المستكرهة على الزنا ولو بان تمكن من نفسها خوفا
من الهلاك عند العطش وتصدق إذا ادعت
عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام أتي
بامرأة مع رجل فجر بها فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين. فدرأ عنها الحد
ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا لا تصدق وقد والله فعله أمير المؤمنين
عليه السلام (3).
عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام في امرأة زنت وهي مجنونة
فقال أنها لا تملك أمرها وليس عليها رجم ولا نفي وقال في امرأة أقرت على
نفسها أنه استكرهها رجل على نفسها قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها

(1) أقول: يمكن دفع هذا الايراد عنه بما ذكره المحقق الآقا جمال في حاشية الروضة بعد تمسك
الشهيد الثاني بلزوم التكليف بما لا يطاق انتهى بقوله: أراد به ما يشمل الحرج المنفى في الدين
فافهم. انتهى.
(2) خصال الصدوق باب التسعة الحديث 9، والكافي الجلد 2 الصفحة 462 بلفظ: وضع، والفقيه
الجلد 1 الصفحة 36 كذلك.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
57

فلو شاء قتلها ليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم (1).
قوله عليه السلام: هي مثل السائبة. يعني المغلوبة التي لا قدرة لها على
المدافعة فكان قوله: لا تملك نفسها تفسير لها فهي تكون بحيث يمكن أن يقتلها.
عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام في امرأة مجنونة زنت فحبلت قال: مثل السائبة لا تملك أمرها وليس
عليها رجم ولا جلد ولا نفي وقال في امرأة أقرت على نفسها أنه استكرهها رجل
على نفسها قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها فليس عليها جلد
ولا نفي ولا رجم. (2)
وعن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: ليس
على زان عقر ولا على مستكرهة حد (3).
وعن موسى بن بكير قال: سمعته وهو يقول: ليس على المستكرهة حد
إذا قالت: إنما استكرهت (4).
وعن محمد بن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: أتت امرأة إلى
عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم في حد الله فأمر برجمها وكان علي
عليه السلام حاضرا فقال له: سلها كيف فجرت؟ قالت: كنت في فلاة من
الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا
فسألته الماء فأبى إلا أن أمكنه من نفسي فوليت منه هاربة فاشتد بي العطش
حتى غارت عيناي وذهب لساني فلما بلغ مني أتيته فسقاني ووقع علي
فقال له علي عليه السلام: هذه التي قال الله عز وجل: فمن اضطر غير باغ ولا عاد،
هذه غير باغيه ولا عادية إليه فخل سبيلها فقال عمر: لولا علي لهلك عمر (5).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
58

وعن محمد بن محمد المفيد في الارشاد قال: روى العامة الخاصة إن امرأة
شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب رجل يطأها وليس ببعل
لها فأمر عمر برجمها وكانت ذات بعل فقالت: اللهم إنك تعلم أني برية
فغضب عمر، وقال وتجرح الشهود أيضا؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ردوها
واسئلوها فلعل لها عذرا فردت وسئلت عن حالها فقالت: كان لأهلي إبل
فخرجت مع إبل أهلي وحملت معي ماءا ولم يكن في إبلي لبن وخرج معي
خليطنا وكان في إبل له فنفد مائي فاستقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من
نفسي فأبيت فلما كادت نفسي أن تخرج أمكنته من نفسي كرها فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: الله أكبر، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. فلم سمع عمر
ذلك خلى سبيلها (1).
فهذه الأخبار الشريفة تدل صريحة على أنه لا حد على المرأة إذا استكرهت
على الزنا.
في ادعائها أنها مستكرهة
ثم إنه يستفاد من بعض هذه الأخبار قبول دعواها أنها مستكرهة على
الزنا ففي خبر أبي عبيدة التي مر نقلها آنفا إن عليا عليه السلام أتي بامرأة مع
رجل فجر بها فقالت استكرهني والله يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحد. إلى غير
ذلك من الأخبار الدالة على ذلك.
وهل قبول قولها وادعائها أنها مستكرهة تعبد خاص في هذا المورد أو أنه
مقبول في غير ذلك أيضا وفي جميع الموارد؟
قد يقال بأن دعوى الاستكراه غير مسموعة فلذا لو باع سلعته ثم بعد ذلك
ادعى أنه كان قد أكره على ذلك فإنه لا تسمع منه هذه الدعوى إلا أن يقيم هو
بينة أو أقر المشتري بذلك لأن ظاهر البيع صدوره عن اختيار.
ولكن الظاهر الفرق بين المقامين لأنه في باب البيع يريد البايع المدعى

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 8.
59

للاكراه استرجاع المال بدعوى الاستكراه عن يد المشتري ولا وجه لذلك بعد أن صار
ملكا له وهذا بخلاف المقام فإن مدعي الاكراه يدفع بذلك، الحد من نفسه، ولا
بأس به بعد الأمر بدرء الحدود بالشبهات وعلى هذا ففي كل الموارد التي
يتوجه حد من حدود الله تكون دعوى الاستكراه مسموعة سواء كان في باب الزنا
أو شرب الخمر أو غير ذلك، وادعاء الزاني عدم الاكراه في قبال المرأة التي
تدعي ذلك لا أثر له بالنسبة إلى المرأة ولا يوجب حدها وإن كان ينفع ويؤثر
بالنسبة إلى نفسه حيث يرفع عنه حكم القتل المترتب على الواطي اكراها إلا أن
يثبت عدم كونها مستكرهة بالأمارة كالبينة.
الكلام في مهر المستكرهة على الزنا
قال المحقق: ويثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها على الأظهر.
أقول: هذا هو المشهور كما صرح بذلك في المسالك والجواهر.
واستدل له في المسالك بقوله: لأن مهر المثل عوض البضع إذا كان محرما
عاريا عن المهر كقيمة متلف المال. والبضع وإن لم يضمن بالفوات لكنه يضمن
بالتفويت والاستيفاء (1)..
وأورد عليه في الجواهر بعدم رجوعه إلى حاصل يعتد به.
وكأنه لأجل الاشكال في صدق الاتلاف على الانتفاع هنا، وفي كون
البضع مثل المال عند الشارع، وفي كون مهر المثل قيمة وعلى هذا فليس مشمولا
لقاعدة من أتلف مال الغير.
نعم يدل على المطلوب بعض ما ورد من النصوص كخبر طلحة بن زيد عن
جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه
عشر قيمتها وإن كانت حرة فعليه الصداق (2).

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 424.
(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 3 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3 والجلد 15 الباب 45 من أبواب المهور الحديث 2.
60

وروى الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا نعى الرجل إلى
أهله أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول فإن الأول
أحق بها من هذا الأخير دخل بها الأول أو لم يدخل بها وليس للآخر أن يتزوجها
أبدا ولها المهر بما استحل من فرجها (1).
وفي رواية أخرى مثله إلا أن فيها: قد دخل بها الأخير أم لم يدخل بها (2)
ويمكن التأييد لذلك بمفهوم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من عدم
المهر لبغي (3). فإن المستفاد منه النهي عن مهر البغي، فيثب لغيرها، ومن المعلوم
أن المستكرهة ليست بغيا فلها المهر.
إذا كان المكره هو الغير
ثم إن ما ذكرناه متعلق بما إذا كان المكره هو الزاني فكان يجب عليه
مهرها، فيبقى الكلام فيما إذا كان المكره غير الزاني فهل الضامن للمهر هو المباشر
أو المكره له على الزنا؟
قال في الجواهر: مقتضى ما سمعته في كتاب الغصب إن الضمان على
المكره الذي هو أقوى من المباشر ولكن قد ذكرنا هناك أنه لو لم يكن اجماعا
أمكن القول بالرجوع عليه وإن رجع على الآخر.
وهو كما أشار إليه هنا قال في باب الغصب أولا: إن ظاهر الأصحاب
عدم رجوع المالك على المكره بشئ..

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 12 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 7 و 13، ثم لا يخفى أن بما
ذكر يخرج عن مقتضى خبر طلحة بن زيد عن علي عليه السلام: ليس على زان عقر ولا على
مستكرهة حد، الوسائل الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 5، وقد صرح بذلك في
الجواهر.
وفي المصباح المنير: العقر بالضم دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ثم كثر ذلك حتى استعمل في
المهر.
61

ثم قال بعد أسطر: ولكن مع ذلك أن لم يكن اجماعا لا يخلو من نظر
خصوصا مع عود النفع إلى المباشر باعتبار مباشرته الاتلاف وإن رجع هو على
المكره بل قد يقال: إن القاعدة تقتضي اختصاص الضمان بالمباشر الذي هو
المكره (1)..
أقول: فرق بين مسئلتنا وما في كتاب الغصب فإن البحث هناك كان
في المتلف المكره وكان يصح القول بضمان المتلف حيث إنه سبب أقوى بخلاف
المقام حيث إن المباشر مختار غير مكره وإنما أكرهت المرأة باكراه الغير ولا وجه
لضمان المكره مع اختيار المباشر.
وتحقيق الكلام إن اكراه الغير لا الزاني على الزنا يتصور على
ثلاثة وجوه: الأول أن يكون المكره قد أكره الرجل خاصة على الزنا دون المرأة
وإنما هي زنت باختيارها.
الثاني أن يكون قد أكره المرأة خاصة عليه دون الرجل.
الثالث أن يكون قد أكره كليهما على الزنا.
فلو كان مراده قدس سره هو الفرض الأول فيرد عليه أنه حينئذ تكون المرأة
زانية ولا مهر لها أصلا فكيف يطرح النزاع في أن المهر على الزاني أو على المكره.
ولو كان المراد هو الثاني وهو ما إذا أكرهت المرأة خاصة ففيه أن لازم
ذلك هو ثبوت المهر على الزاني لأنه قد باشر الزنا باختياره بلا أي اكراه ولا وجه
أصلا لاحتمال كون المهر على المكره، وهذا نظير ما إذا حبس رجلا وأتلف آخر
ماله فإنه لا اشكال في كون الضامن هو المباشر المتلف دون الحابس الذي حبس
صاحب المال ولم يخل سبيله فإن المباشر أقوى في المقام.
نعم لو كان مراده هو الفرض الثالث وهو اكراه المكره كليهما على الزنا
فهناك يصح الدعوى في أن المهر على المكره أو على الواطي ويجري هذا البحث
ولعل الأقوى حينئذ كونه على المكره الذي هو السبب فهو الضامن له دون المباشر
للوطي لكن هذا الوجه ليس الظاهر من مفروض كلامه.

(1) جواهر الكلام الجلد 37 الصفحة 58.
62

الكلام في لحوق الأولاد
من المعلوم أنه يلحق الولد في الوطي بالشبهة، بمن هو المشتبه عليه واطيا
كان أو الموطوئة أو كليهما فهل الأمر كذلك في باب الاكراه أيضا بأن يكون الولد
ملحقا بمن أكره على الزنا أم لا؟
أقول: أنا وإن لم نجد نصا معتبرا في المقام يدل عليه بالخصوص كما
ذكر ذلك صاحب الجواهر أيضا إلا أن المقام في الحقيقة من أفراد الشهبة بناءا
على كونها هو الوطي الذي اعتقد المشتبه عليه عدم الحرمة وإن لم يكن هناك
ملك البضع ومقتضى ذلك هو الحاقه به. وإن شئت فقل إن المشتبه عليه
حيث كان معتقدا للحل جهلا مركبا فهو معذور في اقدامه وعمله وهذا المناط
محقق في مورد الاكراه بل المقام أولى به من باب الشبهة وذلك لأنه وإن كان
بين المقامين فرق وهو أنه هناك يرتكب قاطعا بالاستحقاق بخلاف المقام حيث
إن المكره عالم بعدم الاستحقاق وبذلك يمكن الاشكال في المقام إلا أنه في المقام
قد رفع التكليف بسبب الاكراه فلا حرمة في البين أصلا والمكره يأتي بما هو
جائز، فالمقام أولى بالحاق الولد من الواطي شبهة الذي يأتي بالحرام وهو
معذور.
وبعبارة أخرى إن اعتقاده بعدم الحرمة مطابق للواقع بخلاف من أقدم
على الوطي جاهلا فإنه وإن كان يعتقد عدم الحرمة لكن اعتقاده لا يطابق الواقع
ويدل على المطلوب قاعدة اللحوق بأشرف الأبوين، فيما إذا كان الاكراه
في أحدهما دون الآخر وهي مستفادة من الروايات ففي خبر يحيى بن العلا قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في رجل تزوج امرأة فمكثت معه سنة ثم
غابت عنه فتزوجت زوجا آخر فمكثت معه سنة ثم غابت عنه ثم تزوجت آخر ثم إن
الثالث أولدها قال: ترجم لأن الأول أحصنها قلت: فما ترى في ولدها؟ قال:
ينسب إلى أبيه. قلت: فإن مات الأب يرثه الغلام؟ قال: نعم. (1)

(1) أمالي الشيخ الطوسي الجلد 2 الصفحة 287.
63

فحيث الزوج الذي أولدها كان جاهلا بأنها ذات بعل فلذا ينسب
الابن إليه ويرثه الغلام وبعبارة أخرى إن المانع من الالحاق، الفجور وهو منتف
بالنسبة إليه حسب الفرض.
ولك أن تقول إن الولد ملحق عرفا بمن تولد منه وإن كان زان أو زانية
وإنما رفع النسب يحتاج إلى دليل وهو وارد في الزنا، ومن المعلوم أن الوطي
بالشبهة ليس زناءا عند العرف.
الكلام في الاحصان
قد يكون الزنا موجبا للرجم وهو ما إذا كان عن احصان ويعتبر فيه
مضافا إلى الشروط المعتبرة في أصل الزنا أمور أخر لا يجوز الرجم بدونها.
قال المحقق: ولا يثبت الاحصان الذي يجب معه الرجل حتى يكون
الواطي بالغا حرا ويطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق متمكن منه يغدو
عليه ويروح.
أقول إن الاحصان لغة هو المنع وفي الشرع ورد على معاني كثيرة
كالاسلام والبلوغ والعقل والحرية والتزويج والعفة كذا في المسالك وقد (1)
استعمل في القرآن الكريم في كل واحد من هذه المعاني.
ولكن المراد منه في باب الزنا الموجب للرجم هو شئ خاص وهو ما
يجمع أمورا ذكره المحقق وهي كون الواطي بالغا وحرا ومتمكنا من الوطي
في فرج مملوك له أما بالعقد الدائم أو بالرق.

(1) قال: الاحصان والتحصين في اللغة: المنع قال تعالى: لتحصنكم من بأسكم، وقال: في قرى محصنة
وورد في الشرع بمعنى الاسلام وبمعنى البلوغ والعقل وكل منها قد قيل في تفسير قوله تعالى: فإذا
أحصن فإن أتين بفاحشة، وبمعنى الحرية ومنه قوله تعالى: فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب، يعني الحرائر، وبمعنى التزوج، ومنه قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم، يعني المنكوحات وبمعنى العفة عن الزنا، ومنه قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات،
وبمعنى الإصابة في النكاح ومنه قوله تعالى: محصين غير مسافحين ويقال: أحصنت المرأة عفت..
64

ولا يخفى أن الشرط الأول أعني البلوغ غير مختص بالمقام بل هو شرط
الحد مطلقا رجما كان أو جلدا فإن غير البالغ رفع عنه حتى يدرك أو يحتلم على
اختلاف ما ورد في الروايات من التعابير، وقد قام الاجماع على عدم حد مطلقا على
الصبي، وفي الجواهر: بل الاجماع بقسميه عليه لكن على معنى اعتبار البلوغ
حين الزناء بل الظاهر كونه كذلك أيضا بمعنى اعتباره في وطي زوجته الخ.
وأما الشرط الثاني وهو الحرية حال الزنا فلا خلاف في اعتبارها في
الرجم وإن لم تكن معتبرة في الجلد فلو زنى العبد جامعا لجميع الشرائط فإنه
لا يرجم وقد قام الاجماع على ذلك أيضا وإن كان بين الشرطين فرق فإن غير
البالغ قد رفع عنه بخلاف العبد فإنه ليس كذلك ولذا يحتاج عدم رجمه مع أنه
قد زنى جامعا للشرائط إلى دليل.
وقد وردت فيه روايات. وعقد المحدث البارع الشيخ حر العاملي بابا
عنونه بقوله: باب أنه يجب على المملوك إذا زنى نصف الحد خمسون جلدة ولا
يرجم وإن كان محصنا إلا ما استثني، ونقل ما يدل على ذلك فيه.
عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى العبد
والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم إنما عليهما الضرب خمسين، نصف
الحد (1).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلما
أو كافرا أو نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى (2).
وعن بريد العجلي عن أبي عبد الله [جعفر] عليه السلام في الأمة تزني
قال: تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج (3).
وأما الشرط الثالث وهو أن يطأ في فرج مملوك له بالعقد الدائم أو بملك

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
65

اليمين متمكن منه ليلا ونهارا فهو في الجملة مما لا خلاف فيه.
وإنما البحث والكلام في أنه هل يكتفى بمجرد التمكن أو يشترط معه
الدخول أيضا؟ وتظهر الثمرة فيما إذا تزوج وعقد امرأة لكنه بعد لم يدخل بها وزنى
والحال هذه فإنه على فرض اعتبار الوطئ لا يرجم.
وقد اعتبر نفس الوطي قبل ارتكابه للزنا كثير من العلماء كالمحقق
والعلامة وغيرهما وقد مرت عبارة المحقق.
وأما العلامة أعلى الله مقامه فقال في القواعد: المطلب الثاني في
الاحصان وإنما يتحقق بأمور سبعة: الأول الوطي في القبل حتى تغيب الحشفة
فلو عقد وخلا بها خلوة تامة أو جامعها في الدبر أو فيما بين الفخذين أو في القبل
ولم تغب الحشفة لم يكن محصنا ولا يشترط الانزال. الثاني: أن يكون الواطي
بالغا فلو أولج الطفل حتى غيب الحشفة لم يكن محصنا ولا المرأة وكذا المراهق
وإن بلغ لم يكن الوطي الأول معتبرا بل يشترط في احصانه الوطي بعد البلوغ
وإن كانت الزوجية مستمرة. الثالث أن يكون عاقلا فلو تزوج العاقل ولم يدخل
حتى جن أو زوج الولي المجنون لمصلحته ثم وطئ حالة الجنون لم يتحقق
الاحصان.. الرابع الحرية فلو وطئ العبد زوجته الحرة أو الأمة لم يكن محصنا
الخامس: أن يكون الوطي في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين..
السادس أن يكون النكاح صحيحا.. السابع أن يكون متمكنا من الفرج يغدو
عليه ويروح إلى آخر كلامه.
ترى أنه رحمه الله اعتبر مضافا إلى اعتباره التمكن الوطي واشترط
ذلك في تحق الاحصان.
ولكن قال الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام: عند شرح أول هذه
الشروط: ولا ذكر له في المقنعة والانتصار والخلاف والتبيان ومجمع البيان
انتهى.
ويظهر من اطلاق بعض آخر أيضا عدم اشتراط ذلك أصلا إلا أن
المشهور هو اعتباره بل واعتبار وقوعه في الكبر فلا اعتبار بالوطي الصادر منه في
66

حال صغره وإن كان قد زنى كبيرا.
وفي الجواهر عند البحث عن البلوغ بعد التمسك برفع القلم عن غير
البالغ: ومن هنا كان الاجماع بقسميه عليه لكن على معنى اعتبار البلوغ حين
الزناء بل الظاهر كونه كذلك أيضا بمعنى اعتباره في وطئ زوجته فلو أولج غير
بالغ ولو مراهقا في زوجته حتى غيب الحشفة ثم زنى بالغا لم يكن الوطئ
الأول معتبرا في تحق الاحصان.
وهنا قال: لأنه يشترط في احصانه الوطئ بعد البلوغ وإن كانت
الزوجية مستمرة.
وقد تمسك لذلك بأمور: الأصل والاستصحاب وقصور فعله عن أن
يناط به حكم شرعي، ونقص اللذة، وعدم انسباق نحوه من الدخول وشبهه.
ولا بد من أن يكون مراده من الأصل والاستصحاب أصالة عدم تحقق
الاحصان بالوطي قبل البلوغ وأصالة عدم الرجم الثابتة قبل الزنا فإنه حيث
يشك في ثبوته بعد الزنا يستصحب العدم السابق.
ولكن لا تصل النوبة إلى الأصل والاستصحاب إذا أمكن الاستظهار
من الروايات فلو استظهرنا منها عدم كفاية مجرد التمكن مثلا فلا حاجة
إلى الأصول.
وأما ما ذكره من قصور فعل غير البالغ عن أن يناط به حكم شرعي
ففيه أنه لا قصور فيه بل وقع ذلك أي ترتب الأثر عليه في الشرع. وذلك كما
إذا أجنب غير البالغ فإنه وإن كأنه لا يترتب عليها في حال صغره تكليف لكنه
بعد بلوغه يجب عليه الغسل فلا اشكال في أن يكون وطيه صغيرا موجبا لترتب
الرجم على زناه كبيرا.
كما أنه لا مجال للتمسك بنقص اللذة وعدم انسباق نحوه من الدخول،
لو استفيد الحكم من الأخبار.
هذا بالنسبة إلى الأقوال وأما الأخبار فهي طائفتان يظهر من إحديهما
كفاية مجرد التمكن من الوطي في صدق الاحصان وحصوله وتحققه ومن الأخرى
67

عدم حصوله بدونه بل هي صريحة في اعتبار الوطئ وأنه لا رجم بدونه.
فمن الأولى ما رواه إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو
محصن (1).
وعن حريز قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المحصن قال: فقال:
الذي يزني وعنده ما يغنيه (2).
ويؤيد الاطلاق المستفاد من هذه الروايات، التعليل الوارد في بعض الأخبار
الواردة في الاحصان والرجم وهو قوله ع: لأن عنده ما يغنيه عن الزنا (3).
وقوله ع: إنما هو على وجه الاستغناء (4).
فإن هذا التعليل جار في مطلق من كان متمكنا من الوطي وإن لم
يتحقق ذلك منه بعد.
ومن الثانية صحيح رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا (5).
ورواه الصدوق باسناده عن رفاعة بن موسى أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام وذكر مثله وزاد: قلت: هل يفرق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟
قال: لا (6).
إلى غير ذلك من الروايات. وهنا أخبار أخر واردة في خصوص العبد
وأنه لا يرجم إلا أن يزني بعد أن أعتق ويواقع بعد عتقه:
عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في العبد

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا حديث 1.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا حديث 2.
68

يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال: لا رجم عليه حتى يواقع
الحرة بعدما يعتق (1).
ومقتضى الجمع الدلالي هو تقديم هذه الأخبار الدالة على اعتبار
الوطي على الأخبار المطلقة حيث إنها ظاهرة في الاطلاق لا نصا فيه بخلاف
الأخبار الدالة على اعتبار الوطي فإنها تدل على ذلك نصا والنتيجة اعتبار التمكن مع
الوطي حتى يتحقق الاحصان وذلك لتقييد المطلق بالمقيد.
ولو قيل بأن النسبة بينهما التباين وكونهما كالمتباينين بأن يكون قسم منها
دالا على كفاية مجرد التمكن بلا حاجة إلى الوطي والآخر على اعتبار الوطي
بنفسه فهناك يحصل التعارض بالنسبة إلى ما قبل الوطي، والتقدم للأخبار
الدالة على اعتبار الوطي فإنها أكثر عددا وأصرح دلالة وقد عمل بها المشهور
أيضا.
ولو فرض تساقطهما وعدم الترجيح في البين فحينئذ يرجع إلى عموم
التنزيل وهو قوله: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، وعلى هذا
فلا رجم بدون الوطي مطلقا وإن كان له التمكن من ذلك. هذا كله لو أغمضنا
النظر عن احتمال إن المراد من يغدو عليه ويروح هو نفس الوطي كما لا يبعد
إرادة ذلك منه وإلا فالأمر واضح. فتحصل من ذلك كله أن الأقوى عدم
وجوب الرجم قبل الوطي وأما بعد الوطي فكلا الدليلين يثبتان الرجم
بلا تعارض.
ثم إن ما ذكرنا من الرجوع إلى عموم جلد الزانية والزاني مأة
جلدة يتم لو قلنا بأنه يجب جلد كل زان سواء كان محصنا أم لا، غاية الأمر أن
المحصن يرجم أيضا، فإن المخصص المجمل يكتفي فيه بالقدر المتيقن وهو
في المقام، الوطي بالفعل ويرجع في غيره إلى عموم الجلد.
أما لو قلنا بأنه في مورد الرجم ليس شئ سوى الرجم ولا مجال للجلد،
وأنه مع وجود الأكثر والأشد فلا مورد للأقل والأخف فلو لم يتحقق الوطي

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
69

لا رجم ولا جلد وذلك للتنويع فإن الجلد على هذا يختص بالزاني غير المحصن
وهو غير معلوم.
ثم إن ما ذكره في الجواهر من عدم الاعتبار بالوطي الصادر من الصبي
قبل بلوغه، في تحقق الاحصان بالزنا بعد البلوغ فلا نص في ذلك بخلاف باب
العبد فإن رواية أبي بصير المرادي (1) صريحة في عدم الاعتبار بالوطي الذي
صدر عن العبد إلا أن يواقع بعد عتقه وقد تقدمت آنفا.
ولعل العلماء استفادوا من هذه الرواية اعتبار كون الوطي بعد البلوغ كما أنه يعتبر وقوعه بعد الحرية نعم لا بأس بتحقق الزوجية قبله.
ويمكن أن يستفاد ذلك - اعتبار وقوع الوطي بعد البلوغ من الأخبار
بأن يقال: إن اشتراط الوطئ يكون على وزان اشتراط يغدوا عليه ويروح، فهو
شرط حيثما يشترط التمكن ومن المعلوم أن المورد الذي يعتبر فيه التمكن هو حال
البلوغ لا قبله فلا محالة يكون هذا هو المورد الذي يعتبر فيه الوطي (2).
حول تحقق الاحصان بالأمة
ثم إنه لا شك في تحقق الاحصان إذا كانت له زوجة معقودة بالعقد
الدائم ولا خلاف في ذلك أصلا. فهل الأمر كذلك إذا كانت له ملك يمين
حتى يحكم عليه بالرجم إذا زنى وهو كذلك أم لا؟
المشهور ذلك وخالف فيه على ما في كشف اللثام الصدوق في
الفقيه والمقنع والعلل وأبناء الجنيد وأبي عقيل فلم يروا تحقق الاحصان الموجب
للرجم بالأمة قال: ويعطيه كلام سلار (3) للأصل والاحتياط وقول الباقر

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(2) أقول: ويؤيد ذلك كما قيل ورود لفظ الرجل في بعض الروايات المشعر بعدم كونه صبيا.
(3) قال في المراسم الصفحة 252:.. وأما العاقل المحصن فإنه إذا شهد عليه أربعة رجال عدول بأنه
وطئها وكان لا حائل بينه وبين وطئ زوجته وكان نكاحها للدوام فإن المتعة لا تحصن فأما ملك
اليمين فقد روى: تحصن.
70

عليه السلام الخ.
أقول أما الأصل والاحتياط فلا يرجع إليهما مع الدليل وأما الرواية
فالتحقيق أن يقال إنه قد وردت روايات تدل على ذلك ففي صحيح محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الحر أتحصنه المملوكة؟ قال: لا
يحصن الحر المملوكة ولا يحصن المملوك الحرة، والنصراني يحصن اليهودية،
واليهودية يحصن النصرانية (1). وفي صحيح آخر له عنه أيضا قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن
الرجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال: لا ولا بالأمة (2)
وفي صحيحه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام.. وكما لا تحصنه الأمة
واليهودية والنصرانية إن زنى بحرة كذلك لا يكون عليه حد المحصن إن زنى
بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة (3).
ومفاد هذه الرواية اعتبار كون زوجته حرة وكون الزنا أيضا بالحرة
ولكن هذه الروايات معارضة بعدة أخبار تدل على تحقق الاحصان بالأمة أيضا
كالحرة وهي مفتى بها، هذا بالإضافة إلى كون هذه الصحيحة متضمنة لما أجمع
على بطلانه فإنها صريحة في عدم رجم من زنى باليهودية أو النصرانية أو الأمة
وهذا يطابق فتوى العامة ولعله يكون شاهدا على صدور الرواية تقية.
واستدل لقول المشهور بأخبار وهي هذه:
عن إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: ما المحصن
رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (4).
فهي باطلاقها تدل على تحقق الاحصان بالأمة أيضا كالزوجة الدائمة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 5 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب الزنا الحديث 9.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 9 وقد حمله الشيخ على ما في
الوسائل والكشف على ما إذا كن عنده بعقد المتعة، وفي كشف اللثام: وهو بعيد. (4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حد الزنا الحديث 1.
71

بل واطلاقها شامل للمتعة أيضا إلا أنها خرجت بدليل خاص كما سيأتي ذلك.
وعن حريز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحصن قال:
فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه (1).
وهي أيضا تدل باطلاقها على تحقق الاحصان بالأمة أيضا.
وعن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا
هو زنى وعنده السرية والأمة يطأها تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم إنما
ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟
قال: لا إنما هو على الشئ الدائم عنده (2).
وهذه صريحة في تحقيق الاحصان بأن يكون عنده أمة يطأها. والوجه في
قوله عليه السلام: لا يصدق، هو قيام الأمارة على خلاف قوله، فإن من له أمة
وهي فبيته ولا مانع في البين فإنه يبعد جدا ولا يطأها.
ومثل ذلك رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:
الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال: فقال: نعم، إنما هو على وجه
الاستغناء (3).
وعن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حد الزنا الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من الزنا الحديث 2 قوله: السرية، قال في المنجد: السرية ج
سراري الأمة التي تقام في البيت والأغلب أن اشتقاقها من السر، وفي المصباح المنير: والسرية
فعليه قيل مأخوذ من السر بالكسر وهو النكاح فالضم على غير القياس فرقا بينها وبين الحرة إذا
نكحت سرا فإنه يقال لها: سرية، بالكسر على القياس وقيل من السر بالضم بمعنى السرور لأن مالكها يسر بها فهو على القياس انتهى.
وفي القاموس: السرية بالضم الأمة التي بوأتها بيتا منسوب إلى السر بالكسر للجماع من تغيير
النسب.
وفي الروضة عند ذكر إن: في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة، قال: والمطلقة رجعية
زوجة ولا يلحق بها الأمة وكانت سرية.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حد الزنا الحديث 5.
72

سألته عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجل إذا زنى؟ قال: نعم (1)
فمع التصريح بتحقق الاحصان إذا كانت تحته أمة لا مجال للاشكال في
ذلك.
وبتقرير آخر إن هنا أخبارا صحاحا تدل على عدم تحقق الاحصان
بالأمة وفي قبالها أخبار أخر تدل على تحققه بها وحينئذ يرجع إلى المرجحات
وحيث إن بعضا من القسم الأول حاو لما يطابق فتوى العامة فهذا يوجب ترجيح
القسم الثاني على الأول احتواءه على ما يوافق فتوى العامة شاهد على صدور
القسم الأول تقية فترجح الروايات المثبتة بمخالفة العامة.
ولو قيل بأن ما هو مطابق لفتوى العامة هو عدم ايجاب الزنا باليهودية
والنصرانية للرجم وهذا لا يوجب رفع اليد عن الحكم الآخر المذكور فيها.
فحينئذ نقول: إنه قد وقع التعارض بين الطائفتين من الأخبار وبعد
التكافؤ والتساقط يرجع إلى العمومات كصحيح إسماعيل بن جابر وصحيح حريز
المذكورين آنفا نظير تساقط أكرم زيدا ولا تكرم زيدا والرجوع إلى عموم أكرم
العلماء.
لا يقال: إن المتبادر والمنصرف إليه من لفظ (من كان له فرج يغدو عليه
ويروح) هو الزوجة الحرة الدائمة دون ملك اليمين خصوصا بلحاظ أن
المتمحض في ذلك هو الحرة وأما الأمة فليست متمحضة في ذلك بل يستفاد
منها للخدمة وطبخ الطعام الغذاء وتربية الأولاد وغير ذلك (2).
لأنا نقول: ادعاء الانصراف لأجل الظروف الموجودة الآن وإلا ففي
تلك الأزمنة كانوا يتمتعون بالأمة كالحرة بعينها وكان ذلك أمرا متعارفا.
عدم تحقق الاحصان بالمتعة
وهل المتعة توجب تحقق الاحصان الموجب للرجم أم لا؟

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 11
(2) أورده هذا العبد وأجاب سيدنا الأستاذ الأفخم، دام بقاءه بما في المتن.
73

المشهور أنه لا ينفع ذلك شيئا ولا أثر لها في تحقق الاحصان بل عن
بعض أنه المتسالم عليه، وعن آخر الاتفاق عليه أو عدم الخلاف فيه والظاهر أنه
كذلك وإن كانت عبارة السيد المرتضى قدس سره مشعرة بوجود القول
بالخلاف فإنه بعد أن ذكر إن من متفردات الإمامية القول بأن الاحصان
الموجب في الزاني الرجم هو أن يكون له زوجة أو ملك يمين يتمكن من وطيها
متى شاء قال:
ونكاح المتعة عندنا لا يحصن على أصح الأقوال لأنه غير دائم ومعلق
بأوقات محدودات. انتهى كلامه رفع مقامه (1).
ومن المعلوم أن التعبير بأصح الأقوال يشعر بالخلاف وقول آخر في
المسألة.
وفي القواعد عند ذكر شروط الاحصان وما يعتبر فيه: الخامس أن
يكون الوطئ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين فلا يتحقق الاحصان
بوطي الزنا ولا الشبهة ولا المتعة
وفي كشف اللثام بعد لفظة (ولا الشبهة): اتفاقا. وبعد لفظة (ولا
المتعة): على الأصح كما في الانتصار.
هذا لكن في الجواهر بعد ذكر اشعار كلام الانتصار بوجود المخالف في
المسألة قال إلا أني لم أتحققه كما اعترف به غيرنا أيضا.
واستدلوا على عدم تحقق الاحصان بها بالأصل والاحتياط والاعتبار
والروايات.
أما الأصل فالظاهر هو أصالة عدم التخصيص فإن آية الزنا ظاهرة في
وجوب جلد مطلق الزاني والزانية ثمانين جلدة فالخروج عن هذا سواء كان
بالرجم أو بهما يحتاج إلى دليل، فإذا زنى مع أن له زوجة دائمة فقد خرج
عن تحت الحكم بالدليل قطعا أما لو كانت له متعة وقد زنى فلا يعلم أنه خرج
عن الآية أم لا وأنه هل خصصت الآية به أم لا، والأصل هو العدم.

(1) الإنتصار، الطبع الجديد الصفحة 258.
74

وأما الاحتياط فلأن الحكم بالرجم أو به مع الجلد في المتعة مع الشك
في تحقق الاحصان خلاف الاحتياط فإن الاحتياط يقتضي عدم الاقتحام في
الدماء بدون دليل قاطع.
وأما الاعتبار الذي هو وجه من الوجوه المحسنة تبدو في ذهن الفقيه، فهو
في المقام أن يقال: الزوجة الدائمة هي التي يغدو الانسان عليه ويروح وهي
التي تغنيه عن الحرام، وأما المتعة فليس هي في الحقيقة كذلك في الخارج.
وفيه أن الاعتبار بما ذكرنا له من التفسير ليس مما يثبت به حكم
شرعي، مضافا إلى أنه يمكن أن يقال: إن الاعتبار يقتضي خلاف ذلك أي
جريان الحكم في المتعة أيضا وذلك لأن صاحب الزوجة المنقطعة يصدق عليه
عرفا أن له فرجا يغنيه عن الحرام كما يصدق ذلك على صاحب الزوجة الدائمة،
والعرف مساعد لتحقق الاحصان مع المتعة إذا كان متمكنا منها بحيث يغدو عليها
ويروح، هذا مضافا إلى أنه لا سبيل للاعتبار مع وجود الأخبار.
وأما الأخبار فنقول: إنه وإن كان قد وردت روايات تشمل باطلاقها
أو عمومها المتعة كالدائمة وذلك كصحيح إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (1) وصحيح حريز عن
الصادق عليه السلام الوارد في تفسير المحصن الذي يزني وعنده ما يغنيه (2) فإنهما
وأمثالهما يشمل المتعة إلا أن هنا روايات تخصص تلك العمومات أو تقيد تلك
المطلقات فإنها صريحة في أن المتعة لا توجب الاحصان
ففي موثقة إسحاق بن عمار المذكورة آنفا قلت: فإن كانت عنده امرأة
متعة أتحصنه؟ فقال: لا إنما هو على الشئ الدائم عنده (3).
ومثلها رواية أخرى له أيضا وفيها بعد السؤال عن الجارية وجواب
الإمام عليه السلام بأنه توجب الاحصان: قلت: والمرأة المتعة؟ قال: فقال: لا،

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 2.
75

إنما ذلك على الشئ الدائم. (1)
وهل سئل إسحاق، الإمام الكاظم عليه السلام عن هذه المسألة مرتين
وأجابه الإمام عليه السلام عنها في كل مرة بتعبير خاص أو أنه سئل مرة واحدة إلا
أنه نقل مرة لصفوان وأخرى ليونس وقد حصل النقل بالمعنى؟ يحتمل الأمران.
وكيف كان فقد صرح فيه بعدم تحقق الاحصان إذا كانت عنده المتعة
وفي مرسلة ابن أبي عمير عن هشام وحفص البختري عمن ذكره عن
أبي عبد الله عليه السلام في رجل يتزوج المتعة أتحصنه؟ قال: لا إنما ذاك على
الشئ الدائم عنده (2).
وارسالها غير قادح بعد أن تقرر إن مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد.
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: لا يرجم
الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ولا صاحب المتعة (3).
قوله: لم يبن بأهله، أي لم يدخل بها.
وعلى الجملة فمقتضى هذه النصوص إن صاحب المتعة ليس بمحصن
وعلى ذلك فلا يترتب على زناه سوى الجلد المقرر في كتاب الله سبحانه.
عدم تحقق الاحصان بالمحللة
إذا زنى ولم تكن له زوجة دائمة ولا ملك يمين وإنما كانت عنده أمة
قد حللها مولاها له فهل هذا يكفي في احصانه حتى يرجم أم لا؟
الظاهر هو الثاني ويدل على ذلك أمور:
1 - التعليل الوارد في روايات المتعة وهو قوله عليه السلام: إنما هو
على الشئ الدائم (4) فإن ذلك يفيد أن الملاك والمعيار في صدق الاحصان هو أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 5.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 2 و 5.
76

يكون له ما يدوم ويثبت لا ما يزول وينقطع بحسب طبعه وبمقتضى طبيعته وذاته،
ومن المعلوم أن التحليل غير مقتض للزوم والبقاء فإن للمولى الرجوع عن التحليل
في كل وقت وآن.
2 - انصراف قوله عليه السلام: أن يكون له فرج يغدو عليه ويروح، عن
التحليل فإنه ليس له ذلك بل هو لمالكها وإنما حلل وأباحها له.
3 - الأصل. فإنه لو شك في ايجاب التحليل الاحصان فالأصل هو
العدم وهكذا بالنسبة إلى الرجم وعلى هذا فلا يكون محصنا ولا يجوز رجمه.
4 - الاحتياط، فإن الاحتياط في الدماء يقتضي عدم احصانه وعدم
رجمه. وخالف في ذلك الشهيد الثاني في الروضة فقال قدس سره: وفي الحاق
التحليل بملك اليمين وجه لدخوله فيه من حيث الحل وإلا لبطل الحصر المستفاد
من الآية ثم قال: ولم أقف فيه هنا على شئ
ومراده من الآية هو قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (1).
وقد انحصرت أسباب إباحة النساء بمقتضى الاستثناء الوارد فيها
بالزوجية أو ملك اليمين، ولمكان الحصر المزبور لا بد من القول بكفاية التحليل في
تحقق الاحصان بأن يكون هو من أفراد ملك اليمين فإنه ليس داخلا تحت
عنوان الزوجية قطعا ولولا ذلك لبطل الحصر المستفاد منها.
وفيه أنه وإن كان التحليل من شؤون ملك اليمين فالأمة المحللة
ملك لمولاها ومالكها وقد أباحها للغير لكن ذلك في خصوص الوطي ولا
يستلزم تحقق الاحصان به كما أن المتعة مبيحة للوطي ولم تكن مقتضية
للاحصان. والحاصل أن تحليل الأمة مستفاد من (ما ملكت) ولا يكفي في
الاحصان كما أن المتعة داخلة في أزواجهم ولا تكفي هي في الاحصان.

(1) سورة المؤمنون الآية 22 - 23 وسورة المعارج الآية 30 - 29.
77

الوطي المعتبر في الاحصان
ثم إنه بعد أن ثبت بمقتضى الروايات المتقدمة وادعاء الاجماع من
الإمامية إن الوطي معتبر في تحقق الاحصان، فهل المعتبر هو وطي خصوص
القبل أو يكفي الوطي مطلقا وإن كان في الدبر؟
مقتضى اطلاق لفظ الفرج هو الثاني وذلك لأنه بمعنى الثقب وهو
شامل لهما.
لكن دعوى التبادر، والانصراف إلى ما هو مبنى الزوجية وهي
الوطي في القبل خاصة ليس ببعيد.
ولم يتعرض لذلك بعض العلماء كالمحقق رضوان الله عليه لا في الشرايع ولا
في المختصر النافع ولكن العلامة أعلى الله مقامه صرح في القواعد باعتبار كون
الوطي في القبل وجعله أول الأمور السبعة المعتبرة في الاحصان فقال في كلامه الذي
نقلناه من قبل: الأول الوطئ في القبل.. فلو عقد وخلا بها خلوة تامة أو جامعها
في الدبر.. لم يكن محصنا انتهى كلامه.
فإن كان لفظ الفرج في كلام الباقين منصرفا إليه أيضا فهو وإلا فظاهره
بلحاظ المعنى اللغوي هو الاطلاق، ولو شك في شمول اللفظ المزبور الوارد في
الروايات للدبر أيضا فاللازم هو الأخذ بالمتيقن.
وفي الجواهر بعد ذكر بما يدل على الاختصاص قال هو وإن كان
مقتضى الأصل والاحتياط إلا أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال إن لم يكن
اجماعا في ما إذا وطأ بالغا دبرا وكان متمكنا من الفرج أيضا نعم لو لم يتمكن
إلا من الدبر أمكن الاشكال فيه بعدم انسياقه من النصوص أما الأول فيحتمل
قويا الاجتزاء به كما في كل مقام اعتبر الدخول فيه.
وفيه أنه لو كان هناك انصراف فلا فرق بين ما إذا وطئ دبرا متمكنا
من الفرج أو غير متمكن منه.
78

اعتبار كون زوجته معه
ثم إنه يعتبر أن يكون مع ذلك متمكنا من قضاء وطره بها ليلا ونهارا
وكونها في اختياره مهما أراد. فلو كانت له زوجة إلا أنه كان بينهما افتراق بأن
كان أحدهما مسجونا أو غائبا مثلا فليس بمحصن.
ففي خبر أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم
ويضرب حد الزاني قال: وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرة في
بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزني في السجن قال: عليه الحد (يجلد
الجلد) ويدرأ عنه الحد (1).
وفي خبر ربيع الأصم عن الحارث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجورا وهو في الحجاز فقال: يضرب حد
الزاني مأة جلدة ولا يرجم قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة وهو محبوس في
سجن لا يقدر أن يخرج إليها ولا تدخل هي عليه. أرأيت إن زنى في السجن؟
قال: هو بمنزلة الغائب عن أهله يجلد مأة جلدة (2).
تحقق الاحصان مع الموانع الشرعية
ثم إن ههنا مسألة مهمة وهي أنه لو كانت له زوجة دائمة وكانت
عنده وليس بينهما افتراق أصلا إلا أنه قد كان ممنوعا عن مقاربتها لموانع شرعية
كالحيض أو الصوم أو الاحرام مثلا حيث إن وطيها محرم إذا كانت في هذه
الأحوال فلو زنى والحال هذه فهل يكون محصنا أم لا؟
الظاهر عندنا هو أن الممنوعية بالعرض لا تمنع عن تحقق الاحصان.
وذلك لأن قوله عليه السلام: من كان له فرج يغدو عليه ويروح، يراد به أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
79

يكون قد أعطاه الله ما يقضي به وطره على ما قرر الشارع وفي المواقع التي
أباحه الله تعالى فيها. فإذا كانت له زوجة دائمة يتمكن من وطيها ولا مانع
له عن ذلك فهذا كاف في صدق الاحصان فيرجم بالزنا وإن كان قد زنى حينما
كان ممنوعا شرعيا عن وطئ زوجته لأجل الحيض مثلا وعلى الجملة
فالحيض أو الصوم أو الاحرام لا يمنع تحقق الاحصان واجراء حد الرجم عليه.
نعم من استظهر من قوله عليه السلام: يغدو عليه ويروح، كونه كذلك
بالفعل واستفاد منه الارسال المحض بأن لا يكون هناك أي مانع من
مقاربتها مطلقا فحينئذ لا يتحقق الاحصان. كما أنه لو شك في أن المراد من
يغدو عليه ويروح، هو هذا أو ذاك فإنه لا يحكم عليه بالاحصان ولا يرجم
بالزنا وذلك للشبهة الدارئة.
كلمة أخرى حول حد الاحصان.
ثم إن هنا بحثا آخر وهو أنه ما هو حد الاحصان؟ فنقول: اعتبر بعض
فيه التمكن من الوطي متى شاء. وقيده بعض بالغدو والرواح، وكيف كان فالغائب
عن أهله ليس بمحصن. ثم إن حد الغياب مكانا وزمانا أيضا محل البحث والكلام
فقد يقيد بمقدار السفر الشرعي الذي يوجب الافطار وقصر الصلاة، كما أنه قد
يقيد بمدة شهر أي إذا طال سفره إلى أن بلغ شهرا كاملا، خلافا لمن أطلق
الغائب.
قال شيخ الطائفة في المبسوط: حد الاحصان عندنا هو كل حر بالغ
كامل العقل كان له فرج يغدو إليه ويروح على جهة الدوام متمكنا من وطئه
سواء كان ذلك بعقد الزوجية أو بملك اليمين ويكون قد وطئ (1).
وقال في الخلاف: الاحصان لا يثبت إلا بأن يكون للرجل الحر فرج
يغدو إليه ويروح متمكنا من وطيه سواء كانت زوجته حرة أو أمة أو ملك يمين
ومتى لم يكن متمكنا منه لم يكن محصنا وذلك بأن يكون مسافرا منها أو محبوسا

(1) المبسوط الجلد 8 كتاب الحدود الصفحة 3.
80

أو لا يكون مخلى بينه وبينها انتهى (1).
وقريب منه عبارة المحقق والشهيد الثاني وقد تقدم كلام المحقق
وأما الشهيد الثاني فقال في المسالك: رابعها أن يكون متمكنا من الفرج يغدو
عليه ويروح بمعنى القدرة عليه في أي وقت أراده مما يصلح لذلك، والغدو
والرواح كناية عنه، وإلى هذا المعنى أشار الشيخ في النهاية فقال: أن يكون له
فرج يتمكن من وطيه انتهى (2).
وقال العلامة في القواعد في الأمور المحققة للاحصان: السابع أن يكون
متمكنا من الفرج يغدو عليه ويروح فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن من الغدو عليه
والرواح أو محبوسا لا يتمكن من الوصول إليه خرج عن الاحصان. وفي رواية
مهجورة يكون بينهما دون مسافة التقصير. انتهى.
وفي كشف اللثام عن التبيان وفقه القرآن للراوندي. (3) لو كان غائبا
عن زوجته شهرا فصاعدا أو محبوسا لا يتمكن من الوصول إليه كذلك أو كانت
مريضة لا يمكنه من وطيها خرج عن الاحصان. انتهى (4).
وقال السيد المرتضى في الانتصار: وفرقوا بين الغيبة والحيض لأن
الحيض لا يمتد وربما امتدت الغيبة ولأن قد يتمتع من الحائض بما دون موضع
الحيض وليس كذلك الغيبة. انتهى (5).

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسألة 5.
(2) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 424.
(3) وإليك عين عبارة الشيخ في التبيان في ذيل الآية 15 من سورة النور: ومن كان غائبا عن زوجته شهرا
فصاعدا أو كان محبوسا أو هي محبوسة هذه المدة فلا احصان انتهى ثم إن عبارة الراوندي هي عين عبارة
الشيخ بلا أي زيادة أو نقيصة فقال في فقه القرآن الجلد 2 الصفحة 371: ومن كان غائبا عن
زوجته شهرا فصاعدا أو هي محبوسة هذه المدة فلا احصان انتهى. ولعل الراوندي قد أخذ ذلك من
الشيخ واقتبس منه وذهب إليه، كما ذكر بعض من حقق الكتاب: إن القطب في هذا الكتاب شديد
التأثر بآراء شيخ الطائفة في كتابيه: التبيان في تفسير القرآن، والاستبصار. انتهى.
(4) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 221.
(5) الإنتصار الطبع الجديد الصفحة 258.
81

فترى أنه اقتصر في عبارة النهاية بالتمكن من الوطي ولكن كثير من
الكلمات يدل على اعتبار التمكن في كل غدو ورواح كما أن مقتضى ما نقلناه عن
الكشف هو أن الاحصان محقق إذا كان غائبا بأقل من شهر وأما إذا كان غائبا
عنها شهرا أو أكثر فهو غير محصن.
وقد مال صاحب الجواهر إلى ذلك على ما هو ظاهر عبارته حيث
قال: عند ذكر اعتبار التمكن على وجه يغدو عليه ويروح إذا شاء فمتى
لم يكن كذلك كمن كان غائبا عن زوجته شهرا على ما في التبيان وفقه القرآن
لم يكن محصنا انتهى (1) وإن كان قد جعل الملاك بالآخرة هو العرف.
ولا أدري إنهم من أين استفادوا ذلك وأي دليل لهم في القول به فإنا
لم نقف على ذكر الشهر في شئ من الروايات.
اللهم إلا أن يكون ذكر ذلك من باب ذكر المصداق العرفي وإن كان
يرد عليه إن المصداق العرفي ربما يتحقق بأقل من ذلك أيضا (2).
ولو بنينا على اعتبار الشهر في السفر فلا بد من القول به في المحبوس
والمريض أيضا لعدم وجه للفرق بينهما وبين المسافر هنا.
نعم لا يجري هذا الكلام في الحيض وذلك لعدم امتداده أكثر من
عشرة أيام.
وأما ما أفاده السيد قدس سره من التفصيل بين الحيض والغيبة وتوجيه
ذلك بأن الحيض لا يمتد ولكن الغيبة ربما امتدت وبأنه قد يتمتع من الحائض
بغير موضع الحيض بخلاف الغائب.
فنقول لو كان الملاك هو الشهر فمن المعلوم عدم جريانه في الحيض. أما

(1) الجواهر الجلد 41 الصفحة 274.
(2) أقول: لعل اعتبار الشهر لأجل خبر ربيع الأصم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل له امرأة
بالعراق فأصاب فجورا وهو في الحجاز فقال: يضرب حد الزاني مأة جلدة ولا يرجم الخ وسائل
الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 4، بأن يكون المسافة بين الحجاز والعراق
يومئذ شهرا. وقد أوردت ذلك وأجاب دام ظله بأمور منها أنه لا بد من اعتبار الأقل فيما إذ قطعت المسافة
ما بين الحجاز والعراق في عشرة أيام مثلا أو أقل. (فتأمل).
82

لو كان الملاك هو عدم التمكن عرفا - فمن لم يكن متمكنا ومستغنيا عند العرف
فليس بمحصن وأيضا الزاني الذي كانت زوجته حائضا كذلك -
ففيه أن عدم تمكنه من الوطئ أيام الحيض إنما هو بحكم الشرع
ولو كان هو معتنيا بحكم الشرع بحيث يترك الوطي في أيام الحيض فكيف
يرتكب الزنا ولا يبالي بحرمته مع أن الزنا أيضا كالوطي في الحيض بل الزنا
أشد وأعظم شرعا وعقوبة وعلى الجملة فمن كان غير متمكن من الوطي
بواسطة حكم الشرع فيأوى إلى حرام أعظم أي الزنا لا يصدق عليه أنه غير متمكن
إلا أن يكون بحيث تمنعه زوجته عن الوطي في حال الحيض ولا قدرة له على
الغلبة عليها.
هذا كله مضافا إلى أن من كانت له زوجة دائمة أو أمة مملوكة فهو
متمكن عرفا من دفع شهوته وقضاء وطره بها ومجرد كونه ممنوعا في أيام خاصة
لا يخرجه عن كونه متمكنا ومستغنيا عن الحرام.
اللهم إلا أن يؤخذ بلفظ يغدو عليه ويروح ويقال باعتبار التمكن الفعلي
جمودا على ظاهر اللفظ
لكن الظاهر أنه كما لا يعتبر في التمكن، التمكن العقلي كذلك لا يعتبر
التمكن الفعلي بهذا النحو أي بحيث لا يكون له أي مانع حتى الحيض بل المراد
هو التمكن العرفي وهو لا ينافي الحيض ولعل الأخبار بتعابيرها المختلفة تفيد
ذلك أيضا.
هذا وقد عرفت أن كلماتهم رضوان الله عليهم أجمعين في حد الاحصان من
حيث الحضور والغيبة ومن حيث مكان الغيبة وطول زمانها ومن حيث التمكن
غدوا ورواحا أو التمكن في كل زمان أو مطلق التمكن مختلفة.
وأما الأخبار ففي بعضها: (ما يغنيه) وذلك كموثقة إسحاق بن عمار
قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والأمة
يطأها تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال نعم إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن
83

الزنا (1)..
وصحيح حريز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحصن قال:
فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه (2).
وفي بعضها: كون امرأة عنده يغلق عليها بابه (3)، وذلك كخبر أبي بصير
قال: قال: لا يكون محصنا حتى (إلا أن) يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه.
وفي بعضها ذكر المعية. وذلك كرواية محمد بن مسلم قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: المغيب والمغيبة ليس عليها رجم إلا أن يكون الرجل
مع المرأة والمرأة مع الرجل (4).
ويشعر بذلك ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه
الرجم ويضرب حد الزاني قال: وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة
حرة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحد
(يجلد الجلد) ويدرأ عنه الرجم (5).
فإن المورد وهو من زنى بالكوفة مع كون زوجته بالبصرة فهو من
مصاديق المغيب والمغيبة وعدم كونها عنده ومعه.
وأما كونها عنده فلا اشكال في عدم إرادة العندية العقلية بأن تكون على
جنبه وفي حضوره نظير ما يقال في باب الصلاة بأن من تنجس ثوبه في الصلاة
وعنده ماء يمكنه تطهيره الخ الذي يراد منه كون الماء في جنبه كي لا يلزم من تطهير
به الفعل الكثير بل المراد في المقام هو كونها عنده بحسب العرف وإن لم تكن الآن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 الحديث 1، وأما قوله: المغيب والمغيبة، فقال الفيومي في
المصباح: أغابت المرأة بالألف غاب زوجها هي مغيب ومغيبة وفي القاموس: امرأة مغيب ومغيبة
ومغيب كمحسن، غاب زوجها، وفي المنجد: أغابت المرأة غاب زوجها فهي مغيب ومغيبة.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من حد الزنا الحديث 2.
84

في حجرته مثلا.
وكذلك المراد من (اغلاق الباب عليها) ليس هو الفعلي منه بل هو
كناية عن كونه متمكنا من الوقاع حيث شاء.
وهكذا بالنسبة إلى المعية الواردة في صحيح ابن مسلم فإن المراد منها
ليس هو الالتصاق بل المراد عدم الحاجة إلى مؤنة في الوصول إليها.
ولكن مع ذلك ربما يحصل الشك في صدق ذلك لكونه من المفاهيم
المشككة فهل يصدق فيما إذا كان البلد من البلاد الكبيرة وكانت المرأة في بيت
على رأس فرسخين مثلا إنها عنده أو أن عنده ما يغنيه؟ كما أنه ربما يحصل
للانسان الشك فيما إذا زنى المحبوس في أول يوم من أيام حبسه فهل يرجم هو أو لا؟
وعلى الجملة فهذه الأخبار بتعابيرها المختلفة واردة في مقام تخصيص
الآية الكريمة الناطقة بجلد الزانية والزاني فترفع حكم الجلد وتبدله بالرجم
أو تضيف الرجم إلى الجلد على ما يأتي ذلك في محله.
فحينئذ فلو كان بين هذه الروايات بأنفسها عام وخاص أو مطلق ومقيد
أو مجمل ومبين فلا محالة يحمل البعض على الآخر أي يحمل العام على الخاص
والمطلق على المقيد والمجمل على المبين، والحاصل أنه يؤخذ بما هو أضيق دائرة
منها وتخصص الآية الشريفة به. ولو لم يكن كذلك فلو استفدنا وفهمنا إن الكل
بصدد بيان أمر واحد فهو وإلا فمع ورود التعابير المختلفة مع اجمالها في الجملة
فلا مناص عن الأخذ بالقدر المتيقن أي ما يتوافق عليه الكل لكثرة القيود.
ويمكن أن يقال: إن أخص ما ذكر في حد الاحصان هو ما ورد في خبر
ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: المغيب والمغيبة ليس عليها رجم إلا أن
يكون الرجل مع المرأة والمرآة مع الرجل (1) وما في خبر أبي بصير: إلا أن يكون
عنده امرأة يغلق عليها بابه (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حد الزنا الحديث 16 أقول: ولا أدري أي فرق بين (عنده)
و (معه) حتى يكون خبر ابن مسلم المتضمن للثاني أخص من خبر أبي بصير المتضمن للأول؟
85

فالملاك والمعية فمتى تحققت يترتب عليها الرجم، والخارج عن هذا
الحكم هو المغيب والمغيبة وما إذا لم يكن الزوجان معا فلو كانا في دارين لكن في
مصر واحد فالمعية محققة والحكم هو الرجم إذا زنى بخلاف ما إذا كان هو في
بلد وزوجته في بلدة أخرى.
ثم لو سافر عن بلده التي تكون زوجته أيضا فيها إلى بلد آخر
لأجل الزنا فغاب عنها لاقتراف نفسه المعصية الزنا فهل يصدق عليه عنوان
المغيب والمغيبة حتى لا يحكم بالرجم؟
الظاهر انصراف المغيب عن ذلك فإن الظاهر منه هو الذي غاب بالطبع
وللحاجة وسبب طبيعي لا للزنا وعليه فلو زنى فإنه زان محصن لأنه وإن كان
في بلد آخر إلا أنه كالذي زنى وعنده امرأته.
وقد ظهر بما ذكرناه أن المستفاد من الروايات هو تحقق الاحصان
بمجرد التمكن من الحلال، والغناء به عن الحرام كما أقوله عليه السلام: يغدو
عليه ويروح أيضا قد كنى بهما عن التمكن لا خصوص التمكن في الوقتين بحيث
لو كان متمكنا في الظهر لما شمله. فالمقصود هو أنه بحسب طبعه لا مانع له عن
الوقاع. ويشير إلى ذلك ما ورد في بعض الروايات من قوله: مخلى بينها وبينه (1).
وهل يمكن اسراء الحكم إلى الغائب الذي يتمكن أن يعود إلى أهله
وبلده كلما شاء وحيثما أراد أم لا؟
الظاهر هو الثاني وذلك لأن المراد هو التمكن الطبيعي العرفي ومن
كان في بلد آخر فهو غير متمكن عرفا وإن كانت له وسائل وامكانيات يتمكن
معها من العود إلى موطنه حيثما شاء.
ثم إنه قد تقدم أنه لا دليل على التحديد بالنسبة إلى الزمان بالشهر مثلا
وأما بالنسبة إلى المكان فقال المحقق قدس سره:
وفي رواية مهجورة: دون مسافة التقصير.

(1) أقول: لم أجد هذه الرواية لا في الوسائل ولا في مستدركه ولعله دام ظله العالي وجدها في موضع
آخر..
86

أقول: هذه الروايات المهجورة الدالة على اعتبار عدم قصور المسافة عن مسافة
التقصير في تحقق الاحصان هي رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أخبرني عن الغائب عن أهله يزني، هل يرجم إذا كان له زوجة
وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله ولا الملك الذي لم يبن بأهله
ولا صاحب المتعة. قلت: ففي أي حد سفره لا يكون محصنا؟ قال: إذا قصر
وأفطر فليس بمحصن (1).
وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين رفعه قال: الحد في السفر
الذي إن زنى لم يرجع إن كان محصنا؟ قال: إذا قصر فأفطر (2).
وحيث إن في طريق رواية عمر بن يزيد جهالة (3) والرواية الثانية
مرفوعة (4) ولم يذهب إلى مضمونهما الأصحاب فلذا تكون الرواية في المقام
مهجورة وهم قد جعلوا المدار على نظر العرف وقضائه.
هل يعتبر في الاحصان العقل أم لا؟
قال المحقق: وفي اعتبار كمال العقل خلاف فلو وطي المجنون
عاقلة وجب عليه الحد رجما أو جلدا هذا اختيار الشيخين وفيه تردد.
أقول: المناسب هو التعبير بالعقل (لا كمال العقل) فإن المقابل للمجنون
هو العاقل.
ثم إن ترتب الحكم بوجوب رجم المجنون الذي وطئ عاقلة أو جلده
على الخلاف في اعتبار كمال العقل غير ملتئم ولا مناسب. ولذا قال قدس سره

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 4 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 4 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(3) أقول: وجه الجهالة إن في سندها عبد الرحمن بن حماد وهو مجهول ولم يرد فيه توثيق في كتب
الرجال.
(4) وجه كونها مرفوعة أنه قد سقط من السند بعض مع التصريح بلفظ الرفع وهو الملاك في المرفوعة
راجع مقباس الهداية الصفحة 39 ثم إنه يرد على هذا الرواية أنه لم يذكر فيها الراوي ولا المروى عنه.
87

بعد الحكم المزبور: هذا اختيار الشيخين، ثم تردد هو بنفسه في ذلك.
ثم إنه لا بد من تعميم عنوان البحث رجما وجلدا لجريان الاشكال في كلا
المقامين وعدم انحصاره بصورة الاحصان والرجم.
وكيف كان فالظاهر أنه لا خلاف في اعتباره في المرأة المزني بها ولو كان
خلاف فهو شاذ جدا (1).
وأما بالنسبة إلى الرجل فقد اختلفوا في ذلك - كما صرح بذلك
المحقق قدس سره - فذهب جمع من الأعلام كالشيخ المفيد وشيخ الطائفة
والصدوق والقاضي وابن سعيد إلى عدم اشتراط ذلك في الزاني، واعتبره فيه
الآخرون.
وهنا بحث وهو أنه هل يجوز ويمكن تكليف المجنون كي يجوز
عقوبته بالرجم أو الجلد؟ وهل الرجم أو الحد عقوبة للزاني المجنون أو هو
تعبد محض؟
الظاهر - بالنسبة إلى الثاني - هو أنه من باب العقوبة وحينئذ فإذا
جاز رجم المجنون أو جلده فلا بد من أن يجوز لله تعالى عقابه في الآخرة أيضا.
وعلى الجملة فالعقوبة مترتبة على مخالفة التكليف، والتكليف منوط ومشروط
بالعقل فبدونه لا يمكن التكليف فإنه يصح حيث كان هناك أثر، والمجنون
لا يدرك التكليف كي يتأثر به وإن كانت له أعمال وحركات يأتي بها على
طبق إرادتها الحيوانية لكنه لا درك له فلا يصح تكليفه، والتذاذه بالشهوات
الجنسية لا يدل على دركه كما في الحيوانات.
ولذا فإني أتعجب من تعرض العلماء لهذا البحث وذهاب بعضهم إلى
حد الزاني المجنون أو رجمه ولا أدري لماذا وقع هذا البحث منهم وهذا
النظر من بعضهم؟
واستدل القائلون بعدم اعتبار العقل في الرجل وأنه يرجم المجنون مع
احصانه ويجلد مع عدمه برواية أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا

(1) قال السيوري في التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 330: اعلم أنه لا حد على المجنونة اجماعا.
88

زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد وإن كان محصنا رجم. قلت: وما الفرق بين
المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل إنما يأتي
وإنما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة وإن المرأة إنما تستكره ويفعل بها وهي
لا تعقل ما يفعل بها (1).
وفيه - مضافا إلى ضعف الرواية (2) أن للمجنون إرادات بالنسبة إلى
أفعال خاصة كأكلة وشربه وفراره عن المخوفات في بعض الأحايين ومن هذا
القبيل زناه فإنه يزني بإرادته كما يأكل ويفر بإرادته لكن هذا لا فرق فيه بين
المجنون والمجنونة فهي أيضا تأتي بهذه الأفعال بإرادتها فكما أن المجنون
يأتي المرأة ويقصد ذلك هكذا المجنونة تقصد ذلك ولذا تخلى بينه وبين نفسها
وليس فعل الزنا متحققا وقائما بفعل الرجل وحده بل للمرأة دخل فيه ولذا
ينتسب الفعل إليها كما ينتسب إليه - اللهم إلا أن تكون المرأة مستكرهة على
الزنا كما ذكر ذلك في الرواية - بل قد يتفق أن المجنونة تدعو الرجل إلى
نفسها وتخلي نفسها له كي يزني بها فكيف نقول بأنه يحد ويرجم المجنون
دون المجنونة والحال أنهما على حد سواء؟
ولو كان المراد أن للمجنون مقدارا من العقل دون المجنونة فاللازم بيان
الفرق بين العاقل والمجنون - دون المجنون والمجنونة الذي هو المذكور في
الرواية - فإنه على ذلك يلزم القول بأنه يحد الزاني عاقلا كان أو مجنونا.
وعلى الجملة فلا يمكن للشرع تجويز ما ينكره العقل ويأباه بالاستقلال،
فإذا لا بد إما من تأويل الرواية المزبورة أو طرحها.
وقد حملها بعض العلماء على بعض الوجوه غير المنافية للحكم العقلي ومن
هؤلاء هو الشهيد الثاني قدس سره فقال في المسالك بعد ذكر اشتراط البلوغ في
الاحصان وإن الصبي ليس بمحصن:
والأظهر أن المجنون كذلك لاشتراكهما في العلة فيشترط البلوغ والعقل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) لأن في سلسلة السند إبراهيم بن الفضل (فهو الذي نقل الرواية عن أبان) وهو مجهول.
89

ويجمعهما التكليف فلو وطئ المجنون فلا حد عليه رجما ولا جلد العدم
التكليف الذي هو مناط الحدود على المعاصي.
ثم قال: وذهب الشيخان وجماعة إلى وجوب الحد على المجنون
وتحقق الاحصان منه فيثبت عليه الرجم معه والجلد دونه استنادا إلى رواية
أبان بن تغلب - وعندئذ نقل الرواية -.
وأجاب عنها بقوله: وهذا الرواية ظاهرة في كون الفاعل غير مجنون
وإن كان صدرها قد تضمن المجنون فيحمل على مجنون يعتوره الجنون إذا زنى
بعد تحصينه لتناسب العلة التي ذكرها في الرواية انتهى.
وفيه أن هذا الحمل خلاف الظاهر جدا بل خلاف الصريح فإن الرواية
صريحة في المجنون حال الزنا وأنه يكفي في صحة الحد مجرد أنه يعقل كيف
يأتي اللذة فكيف نقول: إن المراد هو الذي زنى محصنا ثم عرض عليه الجنون (1).
هذا كله مضافا إلى أن نفس هذا الحكم أي إقامة الرجم أو الجلد
على من زنى في حال عقله عند جنونه لا يخلو عن كلام وذلك لما
هو الحق من عدم صحة عقوبة المجنون مؤاخذته على ما فعله، وإن كان ما فعله كان في حال الصحة.
وحملها بعض آخر على إرادة بعض مراتب الجنون الذي يجتمع مع
العقل وبقاء ما يصلح لثبوت التكليف عليه من الشعور. وبعبارة أخرى تحمل
الرواية على قليل العقل لا كامل العقل الذي قد عبر به المحقق رحمة الله عليه
في بداية البحث فكان بحيث يصح توجه التكليف إليه وإن لم يكمل عقله.

(1) أقول مبنى اشكاله دام ظله على الشهيد الثاني هو ما استظهره من كلامه من أنه يقول بأن الزاني
قد زنى ثم عرض عليه الجنون فلذا أورد عليه بأن الرواية تقول: إذا زنى المجنون الخ.
ولكن الظاهر أن مراد الشهيد الثاني هو أن المجنون المذكور في الموضوع مجنون أدواري ولا منافاة أصلا بين
كون أحد مجنون أدواريا وبين أن يزني في دور إفاقته ومع ذلك يصدق عليه المجنون ويقال: زنى
المجنون وعلى ذلك فما ذكره رحمة الله عليه في التوجيه وجيه ولذا قد جمع بذلك الفاضل السيوري
رضوان الله عليه فقال في التنقيح الرايع الجلد 4 الصفحة 330 والرواية محمولة على من يفيق تارة ويجن
آخر فيكون قد زنا وقت تعلقه، والتعليل عليه وهو قوله عليه السلام: وإنما يأتي إذا عقل.
90

وفيه أنه إن كان بحيث يصح معه توجه التكليف إليه فهو عاقل وخارج عن
محل الكلام وإن لم يكن له أول مرتبة التعقل والتميز الذي يصح معه التكليف فلا
يمكن العقوبة لعدم التكليف.
وحينئذ فلا مفر عن ورود الاشكال العقلي على القول المزبور. هذا
مضافا إلى روايات دالة على رفع القلم عن المجنون كالصبي بعينه:
عن ابن ظبيان قال: أتي عمر بامرأة مجنونة قد فجرت فأمر برجمها فمروا
بها على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما هذا؟ قالوا مجنونة فجرت فأمر بها
عمر أن ترجم. قال لا تعجلوا فأتى عمر فقال له: أما عملت أن القلم رفع عن
ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى
يستيقظ (1).
وعن علي عليه السلام قال: لا حد على مجنون حتى يفيق ولا على
صبي حتى يدرك ولا على النائم حتى يستيقظ (2).
وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في امرأة مجنونة
زنت قال: إنها لا تملك أمرها ليس عليها شئ (3).
ومورده وإن كان هو المرأة التي لا نزاع فيها إلا أن التعليل عام كلي
يشمل الرجل أيضا.
ومثله ما رواه محمد عن أحدهما عليهما السلام في امرأة زنت وهي مجنونة
قال: إنها لا تملك أمرها وليس عليها رجم ولا نفي (4)..
وعن محمد بن محمد المفيد في الإرشاد قال: روت العامة والخاصة أن
مجنونة فجر بها رجل وقامت البينة عليها، فأمر عمر بجلدها الحد فمر بها على
أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إن رجلا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشية الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب مقدمات حد الزنا الحديث 1.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
91

فجر بها فهرب وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها. فقال لهم: ردوها إليه
وقولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان وأن النبي صلى الله عليه وآله قال:
رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وأنها مغلوبة على عقلها ونفسها، فردوها إليه
فدرأ عنها الحد (1).
وأما ما قد يتوهم من أن مقتضى هذه الأخبار هو عدم إقامة الحد على
المجنون حال جنونه وأما بالنسبة إلى بعد إفاقته فلا دليل على عدم إقامته عليه،
وعلى هذا فيقام عليه الحد بعد حصول الإفاقة له، فهو غير تام.
وذلك لأن مقتضى رفع القلم عن المجنون هو عدم شئ عليه وأنه
لا يترتب على فعله أثر أصلا والاشكال الجاري في عقوبة المجنون حال جنونه
جار في عقوبته حال إفاقته لما أتى به في حال جنونه إلا أن يرتكب المعصية في
حال صحته وإفاقته فيعاقب على فعله والمسلم المتيقن عقوبته على ذلك في
خصوص حال إفاقته وأما في حال جنونه فهو محل الكلام ويأتي في محله إن شاء الله
تعالى.
إن قلت: فما تقول في تعزير الصبي فكما أنه يجوز ذلك هكذا يجوز
اجراء الحد على المجنون.
نقول: لو كان تعزير الصبي بمعنى عقوبته على فعله لجرى فيه
الاشكال المزبور حرفا بحرف. لكن الظاهر أن تعزير الصبي بمعنى تأديبه ولأجل
أن لا يعتاد على الذنب بل يدعه ويتركه في القابل كما ترى أنه قد يضرب
الحيوان كيلا يعود إلى ما فعله - وعلى ذلك يأول ما ورد من تعزير الزاني
المجنون أيضا كخبر أصبغ بن نباته قال:
أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم
الحد وكان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم
قال: فأقم أنت الحد عليهم فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الآخر فرجمه
وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
92

فتحير عمر وتعجب الناس من فعله فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضية
واحدة أقمت عليهم خمسة حدود ليس شئ منها يشبه الآخر فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: أما الأول فكان ذميا فخرج عن ذمته لم يكن له حد إلا السيف وأما
الثاني فرجل محصن كان حده الرجم وأما الثالث فغير محصن حده الجلد وأما
الرابع فعبد ضربناه نصف الحد وأما الخامس، فمجنون مغلوب على عقله (1).
فترى أنه عليه السلام لم يحد الخامس، وأما التعزير فقد ذكرنا وجهه
وعلى الجملة فترفع اليد عن رواية أبان بهذه الروايات الشريفة ولا مقاومة لها
في اثبات الحكم لأنها على خلاف العقل المستقل وإن لم يكن لها معارض
فكيف بهذه الأخبار المعارضة لها.
ولذا قال في الجواهر بعد قول الشرايع: وفيه تردد: كما في النافع بل
منع، وفاقا لكافة المتأخرين حتى المصنف في نكت النهاية بل عن الشيخين في
العريض والخلاف ذلك أيضا بل عن المبسوط قبل النسبة المزبورة ما يشعر
بالاجماع على العدم بل هو المحكى عن صريح الغنية وظاهر السرائر الخ (2).
ثم إنه بعد أن اتضح اعتبار العقل في احصان الرجل كما اعتبر ذلك في

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 16.
(2) الجواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 274 أقول: وأما كلامه في النكت فهذه: إنما صار الشيخ إلى
ذلك لأن الواطي يفتقر إلى قصد ولا يحصل القصد إلى الوطي مع ذهاب العقل فمع حصول
الوطي يعلم أن له قصد. ويؤيد ذلك رواية أبان - وهنا نقل الرواية ثم قال قدس سره: - ويقوى
عندي أنه لا حد على المجنون لما روي عن الأصبغ أن عمر أتي بخمس أخذوا في الزنا - ونقل
تمام الرواية.
ثم قال: - وهذه وإن كانت صورة واقعة لكن التعليل فيها يؤذن بسقوط الحد ولعله احداث شبهة في
طرف المجنون لاحتمال أن يكون ذلك هو الحكم في انتهى. راجع الجوامع الفقهية الصفحة 452.
ثم أقول: إنه قد ضعفت الرواية لأن في سندها إبراهيم بن الفضل ولم يرد في توثيق ولا مدح، وفي
جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 6: والظاهر أن إبراهيم المذكور الهاشمي كما يظهر من جامع
الرواة وهو إمامي وقيل حسن واستشعر المحقق البهبهاني ره وفي تعليقته من راوية جعفر بن بشير
عنه وثاقته انتهى.
93

المرأة كي تكون محصنة فهل يعتبر في احصان الرجل كون المزني بها أيضا عاقلة
أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك فذهب كثير منهم إلى عدم اعتباره
وخالف فيه المحقق الأردبيلي رضوان الله عليه وقال في مجمع الفائدة والبرهان:
يشترط في احصان الرجل ورجمه كون المرأة المزني بها عاقلة بالغة فلو زنا
المحصن بمجنونة أو صغيرة فلا رجم انتهى.
وفي الجواهر بعد أن نقل دلك عنه: وفيه نظر يأتي عند تعرض
المصنف لذلك (1).
الكلام في ادعاء الزوجية..
قال المحقق: ويسقط الحد بادعاء الزوجية ولا يكلف المدعي بينة
ولا يمينا وكذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي.
وفي المسالك: إنما يسقط الحد عنه بمجرد الدعوى وإن لم يثبت
الزوجية لأن دعواه شبهة في الحل، والحد يدرء بالشبهة ومثله ما لو ادعى شراء
الأمة من مالكها وإن لم يثبت ذلك.
ثم قال: ولا يسقط فيه من أحكام الوطي سوى الحد فلو كانت أمة.
فعليه لمولاها العقر أو حرة مكرهة فمهر المثل إن لم يثبت استحقاق الوطي.
وفي الجواهر بعد نقل ذلك عن المسالك قال: قلت: هو كذلك إذا
لم يكن مقتضى الأصل سقوطه.
أقول: إنه قد يكون مقتضى الأصل سقوط سائر الآثار أيضا كما إذا
ادعى زوجية المزني بها مع أنها لم تكن من قبل مزوجة فإن ادعاء الزوجية
يوجب درء الحد ومقتضى الاستصحاب هو عدم الزوجية فلا يلزم المهر أيضا
لكن هذا يوجب كون الأصل مثبتا لأن استصحاب عد التزويج ينتج كونها
أجنبية فلا مهر لها وهذا الأصل المثبت الذي ليس بحجة، ولو كانت الحالة

(1) عند قوله: ولو زنا البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم انتهى.
94

السابقة هي الزوجية أو العدة فادعى المتزوج لها أنه كان يزعم رفع الزوجية
أو انقضاء العدة فحينئذ يدرء الحد بالشبهة ولكن مقتضى الاستصحاب بقاء
الزوجية أو العدة ويترتب أحكامهما.
وما ذكره في المسالك صحيح إن كان مستند السقوط الشبهة لاحتمال
صدقه أو أصالة الصحة في قوله أو فعله كما يوجد في عباراتهم وأما إن كان مستند
السقوط حجية قول المدعي بلا معارض فيسقط سائر ما يترتب على الوطي
الحرام.
وتحقيق الكلام إن هنا أمور أيمكن التمسك به في درء الحد ويتفاوت
الأمر بالنسبة إلى بقية الآثار باختلاف مقتضيات هذه الأمور.
أحدها التمسك بدرء الحدود بالشبهة ومقتضى ذلك هو درء الحد
وترتب سائر الأحكام.
ثانيها صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عليا
عليه السلام أتي بامرأة مع رجل فجر بها فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين
فدرأ عنها الحد ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا لا تصدق وقد والله فعله أمير المؤمنين
عليه السلام (1).
وهذه أيضا كالسابقة.
ثالثها أصالة الصحة كما قد يرى التمسك بها في عباراتهم.
وفيه أن مقتضى أصالة الصحة في القول هو أن يصدق في قوله وفي
دعواه الزوجية مثلا وبعبارة أخرى الحكم بصدقه لا الحكم بكذبه وفسقه في
ذلك لكن لا يترتب آثار الواقع المترتبة على الزوجية. كما أن أصالة الصحة في
الفعل تنتج أنه لم يفسق بعمله المشكوك فيه وأنه لم يزن عامدا، ولا يترتب وراء
ذلك شئ (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 18.
(2) راجع لهذا الكلام، التنبيه الخامس من تنبيهات باب أصالة الصحة من فرائد الشيخ الأعظم الجلد
2 الصفحة 728 الطبع الجديد.
95

رابعها ما بدا لنا وهو كون المقام من قبيل الادعاء بلا معارض، فكما أنه
لو كان هناك مال وكان زيد يدعي أنه له ولم يكن له معارض يعارضه في ذلك
فإنه يأخذه ويعامل معه معاملة المالك فيشترى منه ويصلى فيه ويورث منه، إلى
غير ذلك من الآثار فهنا أيضا يدعي الرجل أنها زوجته ولا تعارضه الزوجة فيعامل
معه معاملة الزوج فيترتب جميع الآثار كما أنه لا حد عليه.
ويؤيد ذلك أن صاحب الجواهر مثل بباب التزويج أيضا للدعوى بلا
معارض وهذا يشعر بأنه لا يختص ذلك بباب الأموال، والسيرة جارية على قبول
الدعوى بلا معارض إذا كان المدعي ظاهر الصلاح، وعلى الجملة فمقتضى ذلك
هو ترتيب جميع الآثار. وقد اتضح بما ذكرناه إن ترتيب الآثار كلها موقوفة على
الأمر الرابع وإن كان مجرد درء الحد يجري مع كل الوجوه الأربعة.
وظاهر عبارة المحقق إن مستنده هو الوجه الأول ولذا قال بعد فرض
ادعاء الزوجية: وكذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي.
وعلى الجملة فدرء الحد بالشبهة أمر جار في كل أمور كانت هناك شبهة
ولم يمكن اثبات الزنا بنحو القطع، فيكفي احتمال الزوجية عند ادعائها
أو احتمال الجهل بالحكم أو الموضوع أو الاشتباه المصداقي كما يكفي ادعاء
شراء الأمة من مالكها كما مر.
نعم على فرض ترتب آثار الوطي مطلقا سوى الحد يأتي اشكال في
زنا الأمة فمن حيث إنها زنت برضاها فهي بغية ولا مهر لبغية في الحرة، فلا عقر
لها في الأمة ومن حيث إنها لمولاها وهو لم يأذن في ذلك فيلزم على الزاني العقر،
وكونها بغية لا يوجب اسقاط حق المولى.
الكلام في احصان المرأة
قال المحقق: والاحصان في المرأة كالاحصان في الرجل.
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده بل عن الغنية الاجماع عليه لاشتراك
معنى الاحصان فيهما نصا وفتوى فيشترط حينئذ فيها جميع ما عرفته على النحو
96

الذي سمعته انتهى.
أقول: وعلى هذا فالمسألة من جهة الفتوى مما لا خلاف فيها بل هي
مجمع عليها. هذا بالنسبة إلى الأقوال، وأما بالنسبة إلى الأخبار التي يستفاد
منها ذلك فهي عدة أخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم إلا أن يكون الرجل مع امرأة
والمرأة مع الرجل (1).
فهي تدل على أن الغيبوبة كما توجب خروج الرجل عن كونه محصنا
كذلك توجب خروج المرأة عن كونها محصنة.
ومنها صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن امرأة تزوجت رجلا ولها زوج قال: فقال: إن كان زوجها الأول مقيما معها
في المصر التي هي فيه تصل إليه ويصل إليها فإن عليها ما على الزاني
المحصن [الزانية المحصنة] الرجم وإن كان زوجها الأول غائبا عنها أو كان
مقيما معها في المصر لا يصل إليها ولا تصل إليه فإن عليها ما على الزانية غير
المحصنة ولا لعان بينهما (2)..
وهذه تدل على أن الملاك في احصانها وصولها إليه كوصوله إليها
وكونهما في مصر واحد.
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن قول الله
عز وجل فإذا أحصن قال: احصانهن أن يدخل بهن قلت: أرأيت إن لم يدخل بهن
وأحدثن ما عليهن من حد؟ قال: بلى (3).
وهذه صريحة في اعتبار الدخول لصدق احصانهن.
ومرسلة الصدوق: محمد بن علي بن الحسين قال: سئل الصادق عليه السلام عن
قول الله عز وجل: والمحصنات من النساء قال: هن ذوات الأزواج قلت:

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
97

والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم قال: هن العفائف (1).
ومقتضى هذه هو اشتراط كونها ذات زوج كي يصدق عليها كونها
محصنة.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: فإذا أحصن قال:
احصانهن إذا دخل بهن قال: قلت: أرأيت إن لم يدخل بهن وأحدثن ما عليهن من
حد؟ قال: بلى (2).
ثم إن مقتضى الجمع بين هذه الروايات أنه يعتبر في احصان المرأة أن
تكون مزوجة أي ذات بعل ومدخولا بها وأن لا يكون زوجها غائبا عنها بل كان
مقيما معها في البلد بحيث تصل إليه ويصل إليها.
وعلى هذا فيصح القول بأن المستفاد منها هو أن جميع ما يشترط في احصان
الرجل يشترط في احصان المرأة كما لا يخفى.
نعم من جملة شرائط احصان الرجل أن يكون له فرج يغدو عليه ويروح،
ومن المعلوم أن هذا لا يتم بالنسبة إلى المرأة فإنه ليس لها أن تغدو على الرجل
وتروح بل هذا حق للزوج، والاختيار في ذلك بيده، فالمراد أنه لو كان الرجل له
زوجة يغدو عليها ويروح فهما محصنان بذلك وكما أنه سبب لاحصانه، كذلك
يكون سببا لاحصانها، والمقصود من قوله ع يصل إليها هو امكان الوصول إليها،
ومن قوله ع: وتصل إليه، هو امكان وصولها إليه مهما أراد الرجل الوصول إليها
والتمكن منها غدوا ورواحا.
ولذا قال في الجواهر: فما يعتبر في احصان الرجل معتبر في احصان المرأة
لكن المراد من تمكنها من الزوج إرادته الفعل على الوجه المزبور لا إرادتها متى
شاءت ضرورة عدم كون ذلك حقا لها انتهى كلامه (3).
ثم إنه قد تقدم أنه يعتبر في احصان الرجل أن لا تكون زوجته متعة بل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 10.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 11.
(3) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 277.
98

اللازم كونها دائمة فهل يعتبر في احصان المرأة أيضا كونها زوجة دائمة أو أنه
وإن كان ذلك شرطا في احصان الرجل لكنه ليس شرطا في احصانها؟
ربما يؤيد الثاني صدق أن لها زوجا وقد ورد في الروايات السابقة أن
المتعة لا تحصن الرجل وأما عدم كونها محصنة أيضا فلم يكن فيها شئ من
ذلك
وقد يستدل للأول أي اشتراط العقد الدائم في احصانها أيضا برواية
إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى وعنده
السرية والأمة يطأها تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم إنما ذلك لأن عنده
ما يغنيه عن الزنا. قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال: لا. إنما هو
على الشئ الدائم عنده (1).
فإن المشار إليه بقوله: ذلك، أو مرجع ضمير إنما هو على الشئ الدائم
هو الاحصان فيدل على أنه إنما يكون الاحصان في الشئ الدائم بلا فرق بين
احصان الرجل والمرأة فإن المورد وإن كان هو الرجل إلا أن الحكم عام وهو من
باب تطبيق الكبرى على الصغرى (2).
لكنه مشكل وذلك لعدم الملازمة بين أن لا تحصن المتعة الرجل الزاني
وبين أن لا تكون هي بنفسها محصنة.
والظاهر أنه يصدق عليها كونها مزوجة خصوصا إذا كان زوجها بحيث
لا يعطلها وحينئذ فلو زنت فهي محصنة وترجم إلا أن يكون هناك اجماع على
اعتبار الدوام وعدم كونها متعة في احصانها.
اللهم إلا أن يكون معنى: لها زوج، أن يكون لها زوج محصن فإن
الزوج لا يكون محصنا إلا إذا كان له ما يدوم أي الزوجة الدائمة أو ملك اليمين.
وإلا فلم يكن في الروايات ما يفيد أن المتعة لا تكون محصنة فيكفي في احصانها
كون الزوج محصنا نعم في خصوص المغيب والمغيبة والمحبوس منصوص بعدم كون

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) أورده بعض الأعاظم في مباني تكملته الجلد 1 الصفحة 207.
99

المرأة محصنة (1).
فتحصل من جميع ما ذكرناه في المقام أنه إذا كانت الزوجة مدخولا بها
وكانت بحيث كلما أراد زوجها أن يواقعها أمكنه ذلك فهي أيضا محصنة وأن
فرض إن الزوج لم يرد ذلك وإن الملاك هو امكان ذلك وتيسره حين أراد ولو
في كل أربعة أشهر مرة حيث إنه ليس لها حق أكثر من ذلك.
نعم لو كانت مريضة أو محبوسة لا تمكنها إجابة الزوج فليست بمحصنة
كما أن الزوج لا يكون حينئذ محصنا.
هل يعتبر حريتها في تحقق احصانها؟
قد تقدم أنه تعتبر في احصان الرجل، الحرية فهل هي شرط في احصان
المرأة وثبوت الرجم عليها حتى لا يحكم عليها بالرجم إذا لم تكن حرة؟
الظاهر هو الأول بل ادعى عدم الخلاف في ذلك.
وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدت من مكاتبتها فيكون
فيها حد الحرة وما لم تقض فيكون فيه حد الأمة إلى أن قال: وأبى أن
يرجمها وأن ينفيها قبل أن يبين عتقها (2).
ورواية بريد العجلي عن أبي عبد الله [جعفر] عليه السلام في الأمة تزني
قال: تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج (3).
وعلى هذا فالأمة ليست بمحصنة وإن كان لها زوج محصن وبتعبير آخر
يشترط في احصانها ورجمها حريتها كما تشترط في احصانه ورجمه حريته.
هل تعتبر حرية الزوج في احصان المرأة؟
وهل تشترط في احصانها - مضافا إلى حرية نفسها - حرية زوجها بأن

(1) أقول قد صرح في صحيح ابن مسلم بعدم الرجم على المغيب والمغيبة وأما المحبوس فالمصرح به في
رواية أبي عبيدة هو عدم رجم الرجل الزاني المحبوس وأما الزوجة فلا، نعم يمكن أن يستفاد منه
ذلك.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
100

لا تكون الحرة الزانية زوجة للعبد أم لا؟.
نقول: قد عرفت أنه لا يشترط في احصان الرجل حرية زوجته بل لو كان
له ملك يمين لكفى ذلك في كون محصنا ولا فرق بين الزوجة الدائمة والأمة
في احصان الرجل، وإنما الكلام في عكس ذلك وهو ما إذا كان زوج الزانية
الحرة عبدا، والظاهر أنه ليس في نص خاص يدل على كونها محصنة كالعكس
على ما تقدم.
بل في صحيح الحلبي: قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يحصن الحر
المملوكة ولا المملوك الحرة (1).
لكن فيه كلاما فلذا قال الشيخ الحر العاملي: حمله الشيخ على أن
المراد به إن المملوك والمملوكة لا يحصنان بالحر والحرة بحيث يجب على
المملوك الرجم لأن ذلك لا يجب عليه على حال بل عليه الجلد لما مضى
ويأتي، فهو نفي لاحصان خاص.
ونحن نقول: لا شك في أن الحر في الجملة الأولى فاعل،
والمملوكة مفعول ومعناها إن الزوج الحر لا يكون سببا لكون الزوجة المملوكة
محصنة حتى ترجم بزناها بل يشترط في احصانها كونها حرة وأما الجملة الثانية
فظاهر السياق وإن كان يقتضي كونها كالأولى بأن يكون المملوك فاعلا
والحرة مفعولا فيكون المراد أن الزوج المملوك لا يكون سببا لاحصان الحرة
فيعتبر في احصانها كون الزوج غير مملوك وأن تكون المرأة زوجة للحر إلا أنه يرفع
اليد عن هذا الظاهر لما هو المعلوم من أن العبد أو الأمة لا يغيران حكم الحر
والحرة وذلك بدليل خارج كخبر أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه:
إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل إليه ويصل إليها
فإن عليها ما على الزاني المحصن [الزانية المحصنة] الرجم (2).
فإن الظاهر منه أن المرأة إذا كان لها زوج حاضر يصل إليها وتصل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
101

إليه فلو زنت فهي زانية محصنة، وهذا بعينه صادق في المقام وإن كان زوجها
مملوكا.
وعلى هذا فتقرء الجملة الثانية بتقديم المفعول وتأخير الفاعل،
والمعنى أن الزوج المملوك لا يصير محصنا بمجرد كون الزوجة حرة بل تعتبر في
احصان الزوج حريته بنفسه فإذا كان هو حرا متمكنا من امرأة يغدو عليها
ويروح فهو محصن سواء كان لها زوجة حرة أو ملك اليمين فقد ظهر أن ما أفاده
الشيخ الطوسي قدس سره هو الظاهر.
كما أن في كشف اللثام أيضا: ولعل المملوك منصوب والحرة مرفوعة
فيكون كصحيح أبي بصير (1).
ومراده من صحيح أبي بصير هذا: عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال:
لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق (2).
ثم لو فرض كون الجملة الثانية كالأول في كون الأول المملوك
فاعلا والثاني الحرة مفعولا، فهذا يوجب التخصيص في الروايات الدالة
على أن المرأة التي لها زوج، محصنة إذا كان يصل إليها وتصل إليه، والنتيجة أن
المرأة التي لها زوج كذلك إذا زنت فهي محصنة إلا إذا كان زوجها مملوكا فلا
تكون محصنة، لوضوح أن المعنى على فرض تقديم الفاعل هو أن الزوج المملوك
لا يصير الزوجة الحرة محصنة، وهذا بخلاف العكس وهو ما إذا كان المفعول
مقدما فإنه لا يلزم التخصيص أصلا، ومعلوم أنه مع الشك في التخصيص لا
يمكن الذهاب إليه بل المرجع هو عموم المحصنات هي المزوجات، المستفاد من
الروايات فيجب الرجم (3).

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 220.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(3) أقول: وصريح عبارة صاحب الرياض عدم اشتراط حرية الزوج في احصان المرأة وإن ذلك مجمع
عليه قال - في ذيل عبارة المختصر النافع: واحصان المرأة كاحصان الرجل -: في اشتراط أن تكون
بالغة عاقلة حرة لها زوج دائم أو مولى وقد وطأها وهي حرة بالغة عاقلة وهو عندها يتمكن من
وطئها غدوا ورواحا بلا خلاف أجده في اعتبار كمال العقل فيها الخ
102

لا يقال إنه على ما ذكرتم يحتمل التخصيص فلا رجم، وعدمه فيجب
الرجم فيكون المورد من موارد الشبهة ومن المعلوم وهو درء الحدود بالشبهات.
لأنا نقول: أجل إن الحدود تدرء بالشبهات لكن بشرط عدم وجود عام
يكون هو المرجع وإلا فمع الرجوع إليه مثلا كما في المقام فلا شبهة في البين كي
تدرء.
(المطلقة الرجعية محصنة).
قال المحقق: ولا تخرج المطلقة الرجعية عن الاحصان ولو تزوجت عالمة
كان عليها الحد تاما وكذا الزوج إن علم بالتحريم والعدة ولو جهل فلا حد
ولو كان أحدهما عالما حد حدا تاما دون الجاهل، ولو ادعى أحدهما الجهالة
قبل إذا كان ممكنا في حقه.
أقول: غير خاف إن المطلقة على قسمين رجعية وبائنة أما الرجعية فهي
زوجة في الحقيقة أي في حكمها وذلك لأنه كلما أراد الزوج الرجوع إليها
يمكنه ذلك فإن أمرها بيده ما دامت في العدة كما إذا لم تكن مطلقة وعلى هذا
فله فرج يغدو عليه ويروح، وعلى الجملة فلم تتحقق البينونة الحقيقية بينهما
بالطلاق الرجعي وهي من هذه الجهة كأنها غير مطلقة وإن كان وطيها
يحتاج إلى الرجوع إلا أنه كم فرق بين من ليس له زوجة - وإن كان يمكن له
تحصيلها في كل آن - وبين من كانت له مطلقة رجعية يمكن له الرجوع إليها
مهما أراد وهذا بخلاف المطلقة البائنة التي لا سبيل للزوج إليها - وعلى
هذا فلو طلق الزوج زوجته كذلك ثم زنى حال كون زوجته في العدة فهو محصن
وإن لم تكن له زوجة أخرى في حبالته فإنه يصل إليها كلما أراد وعند ما شاء كما
أنها تصل إليه عندما أراد الزوج الوصول إليها.
هذا مضافا إلى روايات خاصة منها صحيح الكناسي قال: سألت
103

أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها فقال: إن كانت تزوجت في عدة
طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها الرجم وإن كانت تزوجت في عدة ليس
لزوجها عليها الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن، وإن كانت تزوجت
في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر والعشرة أيام فلا رجم
عليها، وعليها ضرب مأة جلدة. قلت: أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟
قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة
في طلاق أو موت ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت: فإن كانت تعلم
أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت أن عليها العدة لزمتها
الحجة فتسأل حتى تعلم (1).
ومنها رواية الكناسي الأخرى قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة
تزوجت في عدتها فقال: إن كانت تزوجت في عدة من بعد موت زوجها من قبل
انقضاء الأربعة الأشهر وعشر فلا رجم عليها وعليها ضرب مأة جلدة وإن
كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها رجعة فإن عليها الرجم وإن كانت
تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها فيها رجعة فإن عليها حد الزاني غير
المحصن (2).
فقد فصل فيما بين المطلقة الرجعية والبائنة وصرح بلزوم الرجم في
الأولى والجلد في الثانية كما أن الأمر في المتوفى عنها زوجها أيضا كذلك.
وليعلم أن المراد من التزويج في عدة الطلاق الرجعي الموجب للرجم هو
التزويج مع الدخول فإن مجرد التزويج - وإن كان محرما - لا يوجب الحد
والرجم وإنما يوجب التعزير وليس هو من أسباب الحد المذكورة في بداية
الكتاب. وعلى الجملة فبعد تحقق الوطي يتحقق الزنا الموجب للرجم فيكون
كالزنا بدون النكاح في أيام العدة الرجعية.
نعم في بعض الروايات الحكم بالرجم في أيام العدة مطلقا.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 10.
104

فعن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل
كانت له امرأة فطلقها أو ماتت فزنى قال: عليه الرجم وعن امرأة كان لها زوج
فطلقها أو مات ثم زنت عليها الرجم؟ قال: نعم (1).
وعن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل طلق و (أو) بانت امرأته ثم زنى ما عليه؟
قال: الرجم. وسألته عن امرأة طلقت فزنت بعد ما طلقت هل عليها الرجم؟
قال: نعم (2).
لكن لا بد بمقتضى خبر الكناسي الصريح في التفصيل بين الرجعية
والبائنة من حمل المطلق على المقيد ولا يمكن الأخذ باطلاق هاتين.
ولذا قال الشيخ الطوسي قدس سره عندما نقل رواية الساباطي:
ما يتضمن هذا الخبر من حكم الرجل أنه إذا طلق امرأته أو ماتت فزنى أن عليه
الرجم لا ينافي ما قدمناه من الأخبار لأن كونه مطلقا يحتمل أن يكون إنما كان
طلاقا يملك فيه الرجعة فهو محصن لأنه متمكن من وطئها بالمراجعة، وإن كانت
بائنة أو ماتت هي فلا يمتنع أن يكون إنما أوجب عليها الرجم إذا كان عنده امرأة
أخرى تحصنه وأما حكم المرأة إذا طلقها زوجها إنما يجب عليه الرجم إذا كان
الطلاق رجعيا حسب ما قدمناه في الرجل، وأما موت الرجل فلا يحصنها بعد ذلك
فإذا زنت في العدة فليس عليها غير الجلد، ويحتمل أن يكون ذلك وهما من
الراوي (3).
ترى أنه قدس سره حمل رجم الرجل المطلق زوجته على ما إذا كان
الطلاق رجعيا أو أنه لو كان الطلاق بائنا فإنما كانت عنده امرأة أخرى فكان زناه
عن احصان أيضا وبهذا وجه أيضا حكم رجم الرجل الزاني الذي ماتت زوجته

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حد الزنا الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 6 من حد الزنا الحديث 1 و 2، لكن ليس فيه لفظ (بسنة) في حين
أنه موجود في المصدر أي قرب الإسناد فراجع الصفحة 110 حيث قال: بعد ما طلقت بسنة.
(3) التهذيب الجلد 10 الصفحة 22.
105

وذلك لما هو مقرر من أن موت الزوجة يخرج الرجل عن كونه محصنا فلا بد من
حمل ما يدل على احصانه ورجمه على ما إذا كانت له زوجة أخرى. كما أنه
قدس سره حمل ذيل الرواية الدال على رجم المرأة التي زنت بعد أن طلقها
زوجها على ما إذا كان الطلاق رجعيا فكانت في الحقيقة ذات بعل قد زنت
وحكمها الرجم.
وأما رجم المرأة التي زنت بعد أن مات زوجها فقد حمل قدس سره
ذلك على وهم الراوي أي تردده في النظر، وخطأه، وذلك لتسالم الأصحاب
على أن زنا أحد الزوجين بعد موت الآخر لا يوجب الرجم لعدم الاحصان.
وعلى الجملة فالحكم برجم الرجل الذي زنى بعد أن طلق امرأته، في
رواية قرب الإسناد أيضا يحمل على كون الطلاق رجعيا كي يكون ذا زوجة
فيكون محصنا ويترتب على زناه الرجم، أو يحمل على أنه كانت له زوجة
أخرى.
وأما قوله عليه السلام في هذا الخبر: أو بانت، فحيث إن الزنا بعد الطلاق
البائن مع عدم زوجة أخرى له لا يوجب الرجم فلا بد من أن يحمل إما على كون
(أو) بمعنى الواو فيكون قوله: أو بانت امرأته، عبارة أخرى عن قوله عليه السلام:
طلق، وإما على كون المراد أنها بانت وتركت زوجها وذهبت فلا يدله عليها (1)
أو على أن المراد أنها بانت وحرمت عليه بعامل غير الطلاق كالرضاع أو النشوز
وعدم التمكين.
ولو لم يمكن الحمل على شئ من هذه الوجوه أو غيرها فلا اشكال في
طرحها لمعارضتها لروايات أخرى أقوى منها كروايتي الكناسي فإنهما بسند
صحيح ودلالة واضحة تدلان على أن الرجعية بحكم الزوجة وعلى أن الاحصان
محقق بالطلاق الرجعي دون البائن.

(1) هذا الحمل والحمل الأخير لا ينفعان شيئا وذلك لأنه وإن وجه بذلك معنى (بأن) إلا أن من
المسلم عدم إرادة هذا المعنى وذلك لأنه لا يكون حكم الزنا مع البينونة بهذا النحو الرجم في حين
أن الرواية صريحة في الرجم بزناه
106

هذا كله بناء على أن ضبط الخبر هو لفظة (أو) وأما لو كان الوارد فيه
هو لفظ (الواو) - كما هو كذلك في قرب الإسناد - فلا اشكال أصلا
ولا حاجة إلى التوجيه لأنه على ذلك تكون جملة: وبانت عند امرأته، تفسيرا
للطلاق وعبارة أخرى عنه شيئا آخر ورائه.
ثم إن الموجود في رواية قرب الإسناد على ما هو المضبوط في نفس المصدر
هكذا: وسئلته عن امرأة طلقت فزنت بعد ما طلقت بسنة.
فلو كان لفظ (سنة) بلا تشديد فهو بمعنى العام وحينئذ لا يكون ملائما
للحكم المذكور فيها وهو الرجم لأنه مع مضي سنة من طلاقها تكون بائنة
لا محالة، فلا بد من كون اللفظ مشددا مرادا به ما يقابل البدعة، وهو المعروف
بالطلاق السني وهو منسوب إلى السنة وله اطلاقان:
أحدهما أنه كان طلاق جائز شرعا وهو ما قابل الحرام وفي مقابله
البدعي أي الحرام.
ثانيهما ما هو أخص منه وهو أن يطلق على الشرائط ثم يتركها حتى
تخرج من العدة ويعقد عليها ثانيا ويقال له طلاق السنة بالمعنى الأخص.
ثم إنك قد علمت أنه صرح في روايتي الكناسي بأن المطلقة الرجعية إذا
زنت فهي محصنة وترجم لكن لا تعرض فيهما بالنسبة إلى الزوج وأنه إذا زنى
يكون محصنا إلا أنهم استظهروا منهما أن الزوج أيضا لو زنى قبل انقضاء عدتها
يكون محصنا ويرجم وذلك للعلم بوحدة المناط وهو حصول الزوجية وتحققها في
هذه المدة.
كما أن موثقة الساباطي ورواية قرب الإسناد المذكورتين آنفا تدلان
باطلاقهما على أن مطلق مطلق امرأته فزنى بعد ذلك يكون محصنا وحيث إن
الحكم المذكور فيهما هو الرجم فلذا حملتا على من طلق زوجته رجعيا، وعلى
الجملة فبمناط روايتي الكناسي ومقتضى رواية عمار الساباطي ورواية قرب
الإسناد يحكم بأن الزوج أيضا كالزوجة إذا زنى في مدة عدتها فهو محصن وحده
هو الرجم.
107

وأما ما في الموثقة من عطف موت المرأة بطلاقها الدال على أن الرجل
يرجم بالزنا بعد موت زوجته فهو لا يلائم القواعد فلذا صار معرضا عنه عند
العلماء.
ثم إن ما أفاده المحقق في عبارته المتقدمة من وجوب الحد التام على
المرأة إذا تزوجت عالمة فتكفي في الاستدلال عليه الأخبار الدالة على رجم المرأة
ذات بعل وذلك لأن الرجعية زوجة.
حول اشتراط العلم
لا شك في اعتبار العلم بالحكم والموضوع كي يوجب الزنا في المقام
الرجم وقد صرح بذلك المحقق فيما نقلناه من كلامه بلا فرق بين الرجل والمرأة
فلو جهلا أو جهل أحدهما سقط الحد عنهما أو عن الجاهل منهما.
والدليل على ذلك صدق المحصن على المطلق والمحصنة على المطلقة
إذا كان سائر شرائط الاحصان موجودة، والروايات الواردة في المقام.
وأما قوله عليه السلام في رواية الكناسي في جواب السؤال عن أنها
إذا تزوجت في أيام العدة جهلا: ما من امرأة من نساء المسلمين إلا
وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن
ذلك الخ (1) فالمراد منه نفي العلم خارجا وهو محمول على الغلبة فلو علم أنه كان
جاهلا فلا رجم ولا حد أصلا.
وفي المسالك: ولو تزوجت الزوجة بغير الزوج فكتزويج المطلقة رجعيا
وأولى بالحكم.
ثم إن من جملة الروايات الدالة على أنه مع العلم يترتب الرجم رواية
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألت عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها
زوجا قال: عليه الجلد وعليها الرجم لأنه تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم
وكفارته إن لم يقدم إلى الإمام أن يتصدق بخمسة أصابع دقيقا (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حد الزنا الحديث 5.
108

وهي صريحة في أن المرأة ذات البعل إذا تزوجت بآخر فإنها ترجم،
لكونها عالمة بأن لها زوجها وبحرمة النكاح مع ذلك.
نعم يشكل الأمر بالنسبة إلى الرجل الذي تزوجها فإنه لو كان عالما
بذلك كما هو صريح العبارة، فإن كان له فرج مملوك فلا بد من أن يرجم هو
أيضا لكونه محصنا على ذلك، وإن لم يكن له فرج مملوك فحكمه وإن كان هو
الجلد إلا أن ذلك لا يناسب تعليل الرواية فلو كان يعلل بقوله: لأنه كان عالما
ولم يكن له فرج مملوك لكان حسنا لكنه علل بقوله: لأنه تقدم بعلم.
وعلى الجملة فيحمل هذا الحكم على أن الرجل لم تكن له زوجة
فلذا يحد ولا يرجم نعم في نسخة الكافي: لأنه تقدم بغير علم، وهذا أنسب أن
يكون تعليلا للحكم بعدم رجمه مع أنها ترجم. إلا أنه يرد عليها أنه إذا كان قد
أقدم بغير علم فلا حكم له حتى الجلد وإن كان له فرج مملوك (1) والحال أنه
قد حكم عليه بالجلد.
وكيف كان فهي تدل على رجم المرأة التي قد تزوجت وكان لها زوج
وهي عالمة.
وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عن امرأة كان لها
زوج غائبا عنها فتزوجت زوجا آخر، قال: إن رفعت إلى الإمام ثم شهد عليها
شهود أن لها زوجا غائبا وأن مادته وخبره يأتيها منه وأنها تزوجت زوجا
آخر كان على الإمام أن يحدها ويفرق بينها وبين الذي تزوجها، قلت: فالمهر
الذي أخذت منه كيف يصنع به؟ قال: إن أصاب منه شيئا فليأخذه وإن لم
يصب منه شيئا فإن كل ما أخذت منه حرام عليها مثل أجر الفاجرة (2).

(1) أقول: لكن على نقل العلامة المجلسي قدس سره، حمل هذا الحد على التعزير لتقصيره في التفتيش أو على
ما إذا ظن أن لها زوجا، ثم قال: واحتمل الشيخ أن يكون متهما في دعوى التزويج. فراجع مرآة العقول
الجلد 23 الصفحة 294.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حد الزنا الحديث 6.
109

قوله: مادته يعني النفقة الواجبة عليه لها.
وهي تدل بالمنطوق على أنه إذا أقامت البينة على حياة زوجها ومع
ذلك تزوجت برجل آخر فإن عليها الحد دون الرجم لأن زوجها غائب عنها
وليس معها، وبالمفهوم على أنه لو لم تقم البينة عند الإمام على كونها عالمة بحياة
زوجها فليس له أن يحدها باستصحاب علمها إلى حال التزويج، ويستفاد منها
أنه يكتفي في اجراء الحد بالبينة فهي كالعلم وقيام البينة على أن لها زوجا
غائبا وأن خبره ونفقته يأتيها ومع ذلك فقد تزوجت بآخر فهو كالعلم بحياة
زوجها وبقاءه بلا فرق بينهما وأما لو لم تقم البينة فلا (1).
والتحقيق أن العلم إن أخذ في موضوع الحد بما هو صفة من صفات
النفس فالمعتبر في اجراء الحد مطلقا هو حصول هذه الصفة وتحققها بنفسها ولا
يقوم مقامها شئ. أما لو كان مأخوذا فيه بما هو طريق فحينئذ تقوم البينة مقامه.
وأما إنه بعد أن أخذ في الموضوع فمن أين يعلم أن أخذه كان على النحو
الأول أو الثاني فهذا قد يستفاد من ظاهر أخذه فيه وقد يستفاد من الخارج
كالتصريح به في نص من النصوص أو التصريح بقيام شئ كالبينة مقامه أو بعدم
قيامه وما نحن فيه من هذا القبيل للتصريح بقيامها مقامه في خبر أبي بصير.
وأما بالنسبة إلى قيام الاستصحاب مقامه وعدمه فمقتضى طريقية
العلم هو الأول فهذه المرأة التي كان يأتيها خبر زوجها ومادته تستصحب بقاءه
وحياته كما يستصحب علمها الحاصل في أول أزمنة غيبوبة زوجها بوجوده فلو
تزوجت وتحقق الوطي أيضا يجب اجراء الحد عليها، إلا أنه يخرج عن هذه
القاعدة لما ذكرنا من اقتضاء رواية أبي بصير قيام خصوص البينة مقام العلم دون

(1) هكذا أفاد دام ظله الشريف في مجلس الدرس وكتب كذلك في دفتر مذكراته وهو بظاهره لا يخلو
عن كلام وذلك لأن البينة المذكورة في خبر أبي بصير كانت المرافعة إلى الحاكم ولاثبات
زناها وتزويجها مع كونها ذات بعل ولم تكن بينة قائمة للزوجة وعندها حتى يستفاد من ذلك
قيام البينة مقام العلم، ثم استفادة الخصوصة لها، لا يجوز قيام الاستصحاب مقامه، وهذا
الاشكال وارد في مواقع من هذا البحث.
110

غيرها إذا فلا وجه للتمسك بالاستصحاب بعد عدم العلم.
لا يقال: يكفينا في المقام أنه من موارد الدرء للشبهة حيث إن المرأة
لم تكن عالمة ببقاء الزوج بل كانت شاكة في ذلك فيدرء الحد عنها بلا حاجة
إلى التمسك بالرواية وأخذ المفهوم.
لأنا نقول: إنه لا ينفع في المقام شيئا وذلك لأنه إذا شك في خروج
المورد عن حكم العام الدال على وجوب حد الزاني والزانية فالأصل عدمه لأن
الأصل عدم التخصيص وهذا الأصل جار بلا كلام، والعام حجة، فلا مورد
للقاعدة لعدم الشبهة والحال هذه، فلا محيص حينئذ عن التمسك بالرواية وهو
يقتضي عدم قيام غير البينة مقام العلم.
وأما ما عن ابن أبي عمير عن شعيب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل تزوج امرأة لها زوج، قال: يفرق بينهما قلت: فعليه ضرب؟ قال: لا،
ما له يضرب؟ إلى أن قال: فأخبرت أبا بصير فقال: سمعت جعفر عليه السلام
يقول: إن عليا عليه السلام قضى في رجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة
وضرب الرجل الحد، ثم قال: لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك
بالحجارة (1) فما عن شعيب يحمل على كون الرجل جاهلا وأما ما عن
أبي بصير، فلا يصح إلا إذا حمل الضرب على التعزير لمسامحته في الفحص مع
الشك والتزويج بلا سؤال عنها.
الكلام في المطلقة البائنة
قال المحقق: وتخرج بالطلاق البائن عن الاحصان ولو راجع المخالع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حد الزنا الحديث 8، أقول: وفي التهذيب الجلد 10
الصفحة 25: إن أبا الحسن (ع) نفى عنه الحد لأنه لم يعلم أن لها زوجا والذي ضربه أمير المؤمنين
عليه السلام يحتمل شيئين أحدهما أن يكون ضربه لعلمه بأن لها زوجا.. والثاني لغلبة ظنه أن لها
زوجا ففرط في التفتيش عن حالها وليس في الخبر أنه ضربه الحد تاما ويكون قوله عليه السلام: لو
علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة، المراد به أنك لو علمت يقين أن لها زوجا
لفعلت ذلك بك.
111

لم يتوجه عليه الرجم إلا بعد الوطئ.
أقول: أما الأول فلما تقدم آنفا من عدم كون البائنة زوجة لحصول
البينونة بينهما بالطلاق ومن التصريح بالتفصيل بين الرجعي والبائن وباجراء
حد غير المحصن في مورد البائن في صحيح الكناسي الذي مر نقله.
وأما الثاني فلأن طلاق الخلع من أقسام الطلاق البائن، والمختلعة
بائنة فلو زنى في العدة بلا رجوعها عن بذلها فلم يتحقق الاحصان ولا يترتب
عليه الرجم ولو رجعت عن بذلها ورجع هو في الزوجة فحينئذ يكون محصنا إذا
وطئها.
وقال أيضا في المختصر النافع: ولو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم
حتى يطأ انتهى.
وفي المسالك بعد عبارة الشرايع المذكورة آنفا: أما المخالع فلأنه
بالخلع الموجب للبينونة خرج عن الاحصان حيث لا يملك فرجا آخر غيرها
فيشترط في عوده إلى الزوجة وإن كان برجوعه (إلى الزوجة) بعد رجوعها (إلى
البذل) تجدد الوطي ليتحقق احصان جديد لبطلان الأول بالفرقة الثانية انتهى.
وفي الجواهر: لأنها بحكم الزوجة الجديدة.
وفي الرياض - بعد العبارة المذكورة عن النافع -: لزوال الاحصان
بالبينونة وخروج الاختيار عن يده، والرجوع غايته أنه كعقد جديد أو نفسه وهو
بمجرده لا يوجب الاحصان ما لم يدخل.
وقال العلامة في القواعد: ولو راجع المخالع أما لرجوعها بالبذل أو بعقد
مستأنف لم يجب الرجم إلا بعد الوطي في الرجعة.
وفي كشف اللثام - بعد ذلك -: لزوال الاحصان بالبينونة وخروج
الاختيار عن يده.
وقال العلامة في الإرشاد: ويشترط وقوع الإصابة بعد الحرية والتكليف
ورجعة المخالع.
وقال الأردبيلي في الشرح: ومن شرائط الدخول كونه بعد رجعة
112

المخالع فلو دخل رجل بامرأته ثم خالعها فرجعت المرأة في البذل فرجع الرجل
إلى زوجته المخالعة ثم زنا قبل وطي امرأته المراجعة والمخالعة لم يرجم وإن
تحقق شرائطه غير الدخول ويجلد، وجه ذلك ظاهر، فإن المرأة بعد الخلع خرجت
عن حباله وصارت أجنبية محضة وبعد الرجوع صار بمنزلة شخص تزوج امرأة
أجنبية أو التي طلقها بائنا، إلى آخر كلامه.
إلى غير ذلك من كلماتهم ونحن قد تفحصنا ما كان بأيدينا من
كتبهم وكلماتهم، وكلهم يقولون بهذا المضمون ولا مخالف في خصوص المسألة
أصلا بناء على لزوم الوطئ في الاحصان، وإنما المخالف هو من خالف في أصل
اعتبار الوطئ في تحقق الاحصان وقد تقدم في موضعه إن عدة من العلماء صرحوا
باعتبار - الوطي في كون الزاني محصنا وأطلق آخرون، والمحقق اعتبره في
الشرائع صريحا كما مر ذلك وأطلق في المختصر النافع.
وقد صار صاحب الجواهر هناك بصدد الجمع بينهما بقوله: ويمكن
حمله على الغالب، وعلى الجملة فكل من اعتبره هناك اعتبره في الراجع المخالع.
ويمكن أن يستدل على ذلك ببعض الأخبار.
منها خبر رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزني قبل
أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا (1).
ومنها صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل
يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال: لا ولا بالأمة (2).
فإنهما صريحان في عدم الرجم أو الاحصان إذا زنى مع عدم الدخول
بأهله، والمطلقة بائنة ليست بأهل للرجل ولا هو زوج لها وإن كانت تصير أهلا له
بالرجوع إلا أنه قد انقطعت العلقة بينهما بالطلاق، فإذا صارت أهلا بالرجوع
فهناك يلزم الدخول وإلا فهي أهل لم يدخل بها فلا رجم عليها ولا عليه.
إن قلت إنها بعد رجوعه إليها - عقيب رجوعها في البذل - صارت

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
113

رجعية ولذا يجوز له الوطي بعد ذلك مهما أراد والمفروض أنه قد دخل بها سابقا
كما في الرجعية المصطلحة ودخوله من قبل سبب لاحصانه.
نقول: الفرق بينهما واضح وذلك لأن الرجعية لم تنقطع أهليتها ولم
تخرج عن كونها أهلا له في حال كونها مطلقة وللزوج الاستمتاع منها منذ وقوع
الطلاق إلى تمام العدة مهما شاء بخلاف المختلعة فإنه بعد الطلاق ليس له فرج
مملوك أصلا ولذا لو زنى فإنه يجلد ولا يرجم إلى أن ترجع عن بذلها ويرجع هو
فيها وعندئذ يكون له فرج مملوك بعد أن لم يكن كذلك وصار زوجها لها بعد
انقطاع العلقة وهي صارت أهلا له بعد أن كان قد زالت الأهلية فهي زوجة
جديدة نظير ما إذا عقد عليها بعد انقضاء العدة وليس الأمر من باب إعادة المعدوم
بل علقة جديدة وزوجية حادثة.
وعلى الجملة فالعمدة في المقام هو أن العلقة في الرجعية باقية ثابتة
ولذا تجري بينهما الوراثة في أيام العدة بخلاف البائنة لانقطاعها جدا فإذا حصلت
الزوجية برجوعها ورجوعه فهي زوجية مستحدثة ولا بد في تحقق الاحصان
معها من وقوع وطي جديد فهذا هو الوجه في اتفاقهم على اعتبار الوطي في
المخالع وإلا فلا رواية في المقام تدل على اشتراط الوطي في المخالع.
ثم لو شك في ذلك أي في كونها الأهل السابق حتى يكتفي بالوطي
السابق أو أنها أهل جديد كي يحتاج إلى وطي جديد فهو في الحقيقة شك في
التخصيص فإن عموم (الزانية والزاني فاجلدوا..) يدل على جلد كل من
زنى وإنما خصص هذا العموم بالمحصن والمحصنة فإنهما يرجمان فإذا شك
في أن الزاني إذا كانت زوجته هي المختلعة الراجعة بدون الوطي فعلا هل
يكون محصنا أم لا وهل خرج عن عموم الآية لا محالة يرجع إلى العام لأنه يقتصر
في العام المردد مفهوما بين الأقل والأكثر على المتيقن.
وقد اتضح من هذه الأبحاث حول المطلقة، إن الرجعية لو تزوجت
فعليها الحد التام وهو الرجم وكذا بالنسبة إلى الزوج ويشترط ذلك بالعلم
موضوعا وحكما أي بالعدة والحرمة وإلا فلا حد ولو ثبت أن أحدهما كان عالما
114

والآخر جاهلا يختص الحد بالعالم دون الجاهل.
ولو ادعى أحدهما الجهل فهو من موارد الشبهة إذا أمكن ذلك في حقه
ومن مثله، فيدرء عنه الحد والفرق بين الشبهة ومورد الجهل هو أنه في مورد الشبهة
يحكم بدرء الحد بحسب الظاهر وأما الجاهل فلا حكم له أصلا.
قال المحقق: وكذا المملوك لو أعتق والمكاتب إذا تحرر.
أقول فقد ذكر رضوان الله عليه ثلاثة موارد يشترط فيها الوطي أحدها
المخالع الراجع، على ما تقدم، ثانيها: المملوك إذا أعتق فإنه لو وطئ ثم زنى
بكون محصنا، ثالثها: المكاتب إذا تحرر وذلك لورود النص في المملوك بأنه
لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما أعتق.
فعن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في العبد
يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال لا رجم عليه حتى يواقع
الحرة بعد ما يعتق (1).. إلى غير ذلك من الروايات وقد مر ذلك.
وفي الجواهر: وألحقنا به الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق لأن
الوطي السابق على ذلك بحكم العدم للأصل والاحتياط وغيرهما مما أشرنا
إليه سابقا انتهى.
أقول: إن هذه الموارد لم يرد فيها نص ولا عموم تعليل يشملها.
الكلام في الأعمى
لو زنى الأعمى فهل يجري عليه الحد جلدا أو رجما كما في البصير أم لا؟
قال المحقق: ويجب الحد على الأعمى.
أقول: وذلك لعموم الأدلة ولا يدفع الحد عنه عماه اجماعا بل في
الجواهر: الاجماع بقسميه عليه، إذا فلا فرق بين البصير والأعمى في ذلك أصلا.
قال المحقق: فإن ادعى الشبهة قيل لا تقبل والأشبه القبول مع
الاحتمال.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
115

أقول: في المسألة أربعة أقوال. أحدها أنه لا تقبل مطلقا ذهب إليه شيخ
الطائفة والشيخ المفيد والقاضي وسلار ثانيها القبول مطلقا مع احتمال صدقه
وهو مذهب الأكثر بل المشهور، ثالثها القبول إذا كان هناك شاهد حال على ما
ادعاه بأن كان قد وجدها على فراشه مثلا فظنها زوجته أو أمته أما لو شهد
الحال بخلاف ذلك لم يصدق، ذهب إليه ابن إدريس رابعها التفصيل بين كونه
عادلا فيقبل وعدمه فلا، ذهب إليه الفاضل المقداد قال قدس سره: ويظهر لي
[أنه إن كان على ظاهر العدالة قبل الفعل قبل منه وإلا لم يقبل (1).
ويمكن أن يكون ما ذهب إليه ابن إدريس مصداقا لكلام المشهور (2)
فإنه إذا كان هناك شاهد حال على صدقه وامكان ذلك في حق مثله فقد
اقترنت دعواه بالاحتمال.
ولا شك أن الاحتمال محقق مع دعواه ويشمله دليل الدرء كما في المبصر
وأما النافون فلم يقيموا على ما ذهبوا إليه دليلا مقنعا تطمئن إليه النفس وإنما
قالوا بذلك لبعض الوجوه الاعتبارية، قاله في الجواهر.
والوجه الاعتباري مثل أنه حيث كان أعمى فقد كان ينبغي له
التحرز والتحفظ كثيرا كي لا يقع في الفجور، أو أنه كان يجب عليه ذلك
لمكان فقده حاسة الابصار.
ومقتضى ذلك كون الأعمى مكلفا بأزيد وأشد مما كلف به المبصر
فيلزم عليه عند الوقاع أن يثبت حتى يتحقق له أن المرأة حليلته أو مملوكته.
ويمكن أن يكون من هذه الوجوه، إن قبول دعواه يفضي إلى تعطيل

(1) التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 332.
(2) قد احتمل ما احتمله دام ظله، السيد في الرياض فإنه بعد أن نقل كلام الحلي قال: وهو موافق
للقوم إن أراد بشهادة الحال بخلافة الشهادة بالقطع وضعيف إن أراد بها الشهادة بنحو من المظنة لعدم
ارتفاع الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرده وإن ضعفت معه فقوله على هذا التقدير ضعيف انتهى بل
الفاضل السيوري جعل القول بالقبول مع الاحتمال قول ابن إدريس فإنه عند قول المحقق في
النافع: فإن ادعى الشبهة فقولان أشبههما القبول مع احتمال، قال: هذا قول ابن إدريس لقوله
صلى الله عليه وآله: ادرءوا الحدود بالشبهات، والفرض احتمال ذلك في حقة انتهى.
116

الحدود والاجتراء على اقتراف المحرمات وارتكاب الفواحش.
وقد يقال ما وجه التعرض للأعمى وقبول ادعائه الشبهة والحال إن
المبصر أيضا كذلك؟
والجواب عنه إن خصوصية المقام هو كون الأعمى أقرب إلى الاشتباه
من البصير فحيث إنه يكون في معرض الاشتباه أكثر من المبصر فلذا تعرضوا له
مستقلا.
ثم إنه قد تتحقق الشبهة بدون أن يدعيها هو بنفسه كما في غير ذلك
من أموره وما يجري عليه ويصدر عنه نظير ما لو وقع في البئر فإنه لا يشك أحد
في أن وقوعه وسقوطه فيه لم يكن عن عمد واختيار بل كان ذلك لعدم تفطنه
وتذكره فوقع في البئر على حين غفلة منه، وعلى الجملة فهل الشبهة بحقيقتها
ونفسها بدون ادعائه لها توجب الدرء كما يدرء بها مع ادعائه أم لا؟
الظاهر هو الأول وذلك لما هو المفروض من تحقق الشبهة وإن الشبهة
دارئة للحد فإذا رأى الشهود أن الأعمى قد باشر الأجنبية وزنى وشهدوا
بذلك لكن كان هناك احتمال الغفلة والاشتباه وإن لم يدع ذلك أصلا
فكيف يجوز اجراء الحد عليه مع احتمال الشبهة احتمالا قويا والحدود تدرء
بالشبهات؟
لكني لم أقف على ذلك في كلمات العلماء رضوان الله عليهم أجمعين. ومثل
ذلك أن يقال بلزوم السؤال عنه والحكم على حسب ما يجيبه فربما أبدى عذرا
وأتى بشبهة كما في المرأة الحامل بلا زوج، وذلك لوقوع الشبهة واحتمال
الجذب في الحمام أو الوطي بشبهة فلا تعرض لذلك في كلماتهم.
نعم أفتى شيخ الطائفة قدس سره بلزوم السؤال، وإليك عبارته: إذا
وجدت امرأة حامل ولا زوج لها فإنها تسئل عن ذلك فإن قالت: من زنا، فعليها
الحد وإن قالت من غير زنا فلا حد عليها وقال بعضهم: عليها الحد والأول
أقوى لأن الأصل براءة الذمة لأنه يحتمل أن يكون من زنا أو من وطي بشبهة
117

أو مكرهة والحد يدرأ بالشبهة انتهى كلامه رفع مقامه (1).
وعلى الجملة فمقتضى القاعدة أنه إذا قام شاهد الحال ودل على أن
الأعمى ارتكب الزنا شبهة فلا حاجة إلى السؤال بل يكتفى به ويحكم
بالدرء.
اللهم إلا أن يقال: إنه فرق بين السقوط في البئر وارتكاب الزنا وذلك
لأن العاقل لا يقدم على القاء نفسه في البئر بعزمه وإرادته إلا في موارد شاذة
ومواقع استثنائية كما إذا أقدم على الانتحار حينما سئم الحياة وإلا فالتعمد
بذلك إما غير محتمل أصلا أو أن احتماله بعيد غايته وهذا بخلاف الاقدام على
الزنا وغير من الأمور الاختيارية فإن العاقل إذا أتى بعمل فالظاهر أنه أتى به
بعلمه واختياره فلذا لو أقر بالزنا فلا يسئل عن أنه كان عن عمد أو شبهة وإن
كان يسئل عن ذلك أحيانا كما روى ذلك بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام
إلا أن الظاهر أن العمل قد صدر عن الفاعل بعلمه واختياره وعلى الجملة
فيمكن أن يكون عدم تعرض العلماء لاحتمال الشبهة بالنسبة إلى الأعمى - مع
عدم ادعائه الشبهة - ودرء الحد بذلك لأجل هذه النكتة أي قيام الدليل وهو
شاهد الحال على أنه فعل ذلك عالما عامدا لا عن شبهة واضطرار واكراه كما
في ظاهر اقرار المقر بالزنا إلا أن يقوم شاهد الحال على الخلاف ولذا اقتصروا
على ذكر صورة ادعاء الشبهة فقط.
الكلام في ما يثبت به الزنا
قال المحقق قدس سره: ويثبت الزنا بالاقرار أو البينة.
أقول: لعل ظاهر العبارة حصر الطريق فيهما فيرد عليه بأنه لماذا لم يذكر
علم الحاكم فهل لا يكون ذلك حجة هنا مع أنه كان حجة في باب القضاء؟
نعم أنه قد ذكر ذلك في المسألة الخامسة من النظر الثالث وصرح
هناك بأنه يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزنا.

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 7 من كتاب الحدود.
118

لكن يرد عليه أنه بناء على ذلك كان الأنسب أن يقيد كلامه هنا
ويقول: لو لم يعلم القاضي بنفسه.
والذي يسهل الخطب أنه رحمه الله لم يؤد المطلب بصورة النفي والاثبات
ولم يقل: لا يثبت إلا بالبينة والاقرار، بل قال: ويثبت الزنا بالاقرار أو البينة
وهذا لا يفيد سوى اثبات الزنا بهما لا الحصر فيهما.
ثم لو فرض حصول العلم بمجرد اقرار المقر مرة واحدة أو بشهادة واحد من
الشهود لشدة وثوقه به فما يصنع هنا فهل يأخذ بعلمه ويقتصر على الاقرار الواحد
والشهادة الواحدة أو لا بد من شهادة الأربع والاقرار أربعا ولا يكون علمه هنا
حجة لأنه تمسك أولا بالبينة الاقرار؟
فيه تردد، من كون العلم هنا جزء الموضوع فإن اللازم علم الحاكم بأنه
قد زنى عالما غاية الأمر قيام البينة مقام العلم فيمكن أن يكون حجة في مورد
دون مورد، ومن عدم ورود استثناء هذا الفرض في كلماتهم، فلم نقف على
من قال بأن علم الحاكم بموجب الحد حجة إلا إذا حصل في أثناء الشهادة
أو الاقرار.
نعم قطع الحاكم اقرار المقر في الأثناء أو قطعه شهادة باقي الشهود بعد
أن شهد شاهد مثلا، بأن يقول الحاكم: لا حاجة إلى تكميل الأربعة لأنه قد
حصل لي العلم بذلك، غير معهود فلذا يشكل الفتوى بذلك جدا، فما يظهر من
بعض من اعتبار أربعة شهود أو أربعة أقارير إذا لم يتبين المطلب عند الحاكم في
غاية الاشكال.
الكلام حول الاقرار وشرائط المقر
قال المحقق قدس سره: أما الاقرار فيشترط فيه بلوغ المقر وكماله
والاختيار والحرية وتكرار الاقرار أربعا في أربعة مجالس.
أقول: أما البلوغ فاستدلوا على اعتباره بوجوه: وقبل ذكر ذلك ينبغي
تذكار إن الصبي قسمان مدرك مميز، وغير ذلك أما الثاني فعدم حجية اقراره
119

لا يحتاج إلى الاستدلال وذلك لأن العقلاء لا يعتنون باقراره أصلا وأما المميز
كالمراهق فهم يعتنون باقراره فلا بد في الحكم بعدم اعتباره من التمسك بدليل
شرعي وها هو هذه الوجوه التي أشير إليها.
الأول حديث رفع القلم عن الصبي، الثاني كون عمد الصبي خطأ
الثالث الاجماع. ولكن يرد على الأول أي التمسك برواية الرفع بأن عنوان الاقرار
على النفس الصادر عن العقلاء هو عنوان الكاشفية غاية الأمر أنه لما لم تكن
تلك الكاشفية تامة فلذا تتم وتكمل بامضاء الشرع وهو طريق نوعي عندهم
وذلك لأن العاقل لا يقدم على الاضرار بنفسه واتلاف ماله فإذا أقر بضرر نفسه
مثلا فلا محالة يفهم منه أنه صادق في اقراره.
وحينئذ نقول: إن المرفوع في مورد اقرار الصبي ما هو؟ فإن كان هو
التكليف فلا مساس له باقراره لأن رفع التكليف لا يوجب رفع اقراره ولا يمنع عن
كاشفية اقراره فلو كان يتمسك هنا بأصالة الصحة لصح أن يقال إنه لا تكليف
عليه كي تجرى أصالة الصحة في أفعاله وأما كاشفية اقراره فلا ترفع بذلك،
فترى أنهم يولون بكون الصبي مسلوب العبارة في باب المعاملات، لكن هل يوجب
ذلك عدم ظهور ألفاظ الصبي في المعاني؟ فكيف وعباداته مشروعة على المشهور
واقراره بالشهادتين - التوحيد والنبوة - مقبول.
ولو كان اقراره بلا أثر مطلقا فلازم ذلك عدم صحة اقراره بوحدانية الله
جل وعلا وبرسالة الرسول صلى الله عليه وآله إذا كان متولدا من الكافرين، وهم
لم يلتزموا به.
وإن كان المرفوع هو العقاب فهو أيضا كذلك فإن رفع العقاب لا تعلق
له بعدم صحة الاقرار وكاشفيته التي مناط حجيته عند العقلاء.
وعلى هذا فالتمسك بحديث رفع القلم عن الصبي غير سديد وأما عمد
الصبي خطأ فهو تعبد خاص ويمكن التمسك به إن لم يرد عليه ما ذكرناه من
120

الاشكال وإلا فلم يبق إلا الاجماع.
نعم قد يقال بأنه يؤدب لكذبه أو صدور الفعل منه.
وهذا أيضا لا يخلو عن اشكال وذلك لأنه لو لم يكن اقراره طريقا
فلا وجه لتأديبه لعدم تحقق الفعل، وأما كذبه فهو مشكوك فيه ويكون من باب
الشبهة المصداقية، ولو كان اقراره طريقا وحجة فلا محالة يكون التأديب على
مجرد الفعل ولا مورد للترديد وجعله من باب العلم الاجمالي (1). هذا كله بالنسبة
إلى حده.
وأما الآثار الوضعية كحرمة النكاح بأم المزني بها فهل هي تترتب على
اقراره أو لا مثل الحد بعينه؟
مقتضى عدم حجية هذا الطريق هو الثاني لكن الظاهر أنها تترتب، بل
القول بعدمه مشكل جدا حيث إن المتيقن هو عدم ترتب الأثر الخاص وهو الحد
لا إن اقرار الصبي كالعدم.
وأما الشرط الثاني أي كمال المقر بالعقل فهو واضح فإنه لا عبرة بكلام
المجنون عند العقلاء علما بأنه ليس المجنون بحيث لا يتكلم بكلام صحيح
أصلا بل ربما ينطق بعض المجانين بكلمات حسنة جيدة إلا أن الغلبة بالعكس
فلذا لا يعتني العقلاء بأقوال المجنون مطلقا ولم يردع الشارع عن هذه السيرة
العقلائية وقد اتضح بذلك أنه لا حاجة هنا إلى التمسك بحديث الرفع بعد عدم
اعتبار لقوله عند العقلاء بضم عدم ردع الشارع عنه.
وأما الشرط الثالث وهو الاختيار فهو معتبر بلا خلاف ولا اشكال وذلك
لما تقدم آنفا من أن حجية الاقرار بطريقته وكاشفيته، ولا شك في أنه مع
الاكراه كما لو هدد بالقتل مثلا فلا طريقية ولا كشف له عند العقلاء بل
يحمل على أنه لدفع الضرر ولا حاجة هنا أيضا إلى التمسك بحديث الرفع الصريح

(1) أقول: هكذا أفاد دام ظله وفيه نوع اجمال وذلك للعلم الاجمالي والقطع بأنه ارتكب واحدا من
الأمرين وإن لم يعلم شخصه، اللهم إلا أن يعتبر في التأديب العلم بخصوصية العمل الذي ارتكبه.
121

في رفع ما استكرهوا عليه (1).
وأما الشرط الرابع أي الحرية واعتبار كون المقر بالزنا حرا فيدل عليه
إن العبد ملك لمولاه فاقراره على نفسه اقرار على الغير وبضرر المولى لا على نفسه
ومن المعلوم أن اقرار العاقل - بمقتضى لسان الدليل - نافذ إذا كان في إطار
خاص وهو على نفسه لا على غيره، وعلى هذا فلا يعبأ باقرار العبد بالزنا ولا أثر
له فلا يجرى عليه الحد الخاص به الذي هو نصف حد الحر.
نعم لو صدقه مولاه لنفذ اقراره - لرفع المانع - وكذا لو أقر ثم أعتق، على
ما أفاده العلامة في القواعد بقوله: ولو أعتق بعد الاقرار فالأقرب الثبوت، وذلك
لأنه لا ضرر فعلا على مولاه حيث إنه حر.
ولكن يرد عليه إن اقراره لما وقع في حال العبودية وعند ما كان بضرر
الغير فلا عبرة به وهو لم يؤثر شيئا فلا وجه لاجراء الحد عليه بعد عتقه فإن إقامة
الحد وإن كانت في حال لا تضر بالغير إلا أن الاقرار حيث كان بضرر الغير فهو
بنفسه غير نافذ ولا يترتب عليه أثر وإلى هذا القول أشار العلامة بقوله: الأقرب،
المشعر بوجود قول غير أقرب والظاهر أن اقراره نافذ إذا لم يرجع عنه بعد أن أعتق.
وأما الخامس وهو تكرار الاقرار أربعا فاختلف فيه العامة فعن أكثرهم
الاكتفاء بالمرة وأما الإمامية فهم متفقون على ذلك إلا شاذ منهم وهو ابن
أبي عقيل رضوان الله عليه.
قال شيخ الطائفة: لا يثبت حد الزنا إلا بالاقرار أربع مرات من الزاني
في أربع مجالس متفرقة وبه قال جماعة وقال قوم: يثبت باقراره دفعة واحدة كسائر
الاقرارات واعتبر قوم أربع مرات سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرقة (2).
وقال أيضا: لا يجب الحد بالزنا إلا باقرار أربع مرات في أربعة مجالس

(1) وقد استدل له برواية أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من
أقر عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حد عليه وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب
حد السرقة الحديث 2.
(2) المبسوط الجلد 8 الصفحة 4 من كتاب الحدود.
122

فأما دفعة واحدة فلا يثبت به على حال وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: إذا أقر
دفعة واحدة لزمه الحد بكرا كان أو ثيبا وبه قال في الصحابة أبو بكر وعمر،
وفي الفقهاء حماد بن أبي سليمان ومالك وقال ابن أبي ليلا لا يثبت إلا بأن
يعترف أربع مرات سواء كان في أربع مجالس أو مجلس واحد دليلنا اجماع الفرقة
وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة وإذا أقر أربع مرات على ما بيناه لزمه
الحد بلا خلاف ولا دليل على استحقاقه باقراره مرة واحدة وروي عن
ابن عباس أن ماعزا أقر عند النبي مرتين فأعرض ثم أقر مرتين فأمر برجمه
وروي أن أبا بكر قال لماعز: إن أقررت أربع مرات رجمك رسول الله (1).
وقال الشهيد الثاني في المسالك: اتفق الأصحاب إلا من شذ على أن
الزنا لا يثبت على المقر به على وجه يثبت به الحد إلا أن يقر به أربع مرات
ويظهر من ابن أبي عقيل الاكتفاء بمرة وهو قول أكثر العامة ومنهم من اعتبر
الأربع كالمشهور عندنا لنا.. الخ.
وفي الجواهر بلا خلاف معتد به أجده عندنا ولا ريب في ضعفه الخ.
وعلى الجملة فلم ينقل الخلاف عن سوى العماني بل مذهبهم على اشتراط
الأربع مع أن سيرة العقلاء على قبول اقرار المقر بذلك بلا حاجة إلى تكراره بل
وربما يحصل القطع من قوله واقراره بخلاف باب البينة فإنه ربما لا يحصل
العلم حتى بالثلاثة بل وبالأربعة.
ففي الاقرار بشئ لا يتعقبه مال أو جاه بل جاء المقر وأقر بما يوجب
الجلد أو الرجم وهيأ نفسه لذلك ويستدعي ويلتمس أن يقام عليه الحد كي
يتطهر، ويقول: إن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع - كما سترى
ذلك في بعض الروايات - فإنه يحصل للانسان القطع بقوله واقراره ولو مرة
واحدة لأنه لا داعي له إلى اقراره سوى صدقه وخوفه من الله سبحانه وطهارة
نفسه من تبعات ما اقترفه، في الآخرة فإن هذا الاقرار بلحاظ ما يترتب عليه لا يقع

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسألة: 16.
123

إلا من أهل الاخلاص واليقين وذوي الايمان الصادق.
وعلى الجملة فمع حصول القطع عرفا وعادة باقراره مرة واحدة اعتبر
الشارع في اقراره أن يتكرر أربع مرات ففي الحقيقة لم يلاحظ الاقرار في
خصوص اجراء الحد بعنوان كاشفيته بل اعتبر خصوص كونه أربعا كما اعتبر
مرتين في بعض الموارد ولعل الحكمة في ذلك شدة عناية الشارع الحكيم باختفاء
هذه المعصية العظيمة وعدم ظهورها وبروزها واثباتها، وكيف كان فهذه من ناحية
الأقوال.
وأما الأدلة: فقد ادعي في الجواهر تطابق النصوص من الطريقين على
ذلك.
والمروي من طرقنا أخبار عديدة فعن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا
عن أحدهما عليها السلام في رجل أقر على نفسه بالزنا أربع مرات وهو محصن رجم
إلى أن يموت أو يكذب نفسه قبل أن يرجم فيقول: لم أفعل. فإن قال ذلك ترك
ولم يرجم وقال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن
السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود وقال: لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات
بالزنا إذا لم يكن شهود، فإن رجع ترك ولم يرجم (1).
فصدر هذه المرسلة وذيلها ظهورا وصراحة يدل على اعتبار الأربع مرات
في الاقرار بالزنا الموجب للرجم.
وهنا روايات تعرض لها المحدث البارع الحر العاملي رحمه الله في باب
عنونه بقوله: باب ثبوت الزنا بالاقرار أربع مرات لا أقل منها وكيفية الاقرار وجملة
من أحكام الحد فإليك هذه الروايات.
محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن علي بن
أبي حمزة عن أبي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه
قال: أتت امرأة مجح أمير المؤمنين عليه السلام فقالت يا أمير المؤمنين إني
زنيت فطهرني طهرك الله فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي

(1) المجح بتقديم المعجمة على المهملتين الحامل المقرب التي دنا ولادتها، النهاية.
124

لا ينقطع، فقال لها: مما أطهرك؟ فقالت: إني زنيت فقال لها: وذات بعل
أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضرا
كان بعلك إذ فعلت أم غائبا كان عنك؟ قالت: بل حاضرا، فقال لها:
انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ايتيني أطهرك فما ولت عنه المرأة فصارت
حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم إنها شهادة فلم تلبث أن آتته فقالت: قد
وضعت فطهرني قال: فتجاهل عليها فقال: أطهرك يا أمة الله مماذا؟ قالت:
إني زنيت فطهرني قال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم.
قال فكان زوجك حاضرا أم غائبا؟ قالت: بل حاضرا قال: فانطلقي
فارضعيه حولين كاملين كما أمرك الله قال: فانصرفت المرأة فلما صارت منه حيث
لا تسمع كلامه قال: اللهم إنهما شهادتان قال: فلما مضى الحولان أتت المرأة
فقالت: قد أرضعته حولين فطهرني يا أمير المؤمنين فتجاهل عليها وقال: أطهرك
مماذا؟ فقالت: إني زنيت فطهرني فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما
فعلت؟ فقالت: نعم قال: وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: بل
حاضر قال: فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من
سطح ولا يتهور في بئر قال: فانصرفت وهي تبكي فلما ولت وصارت حيث
لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات قال: فاستقبلها عمرو بن حريث
المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا أمة الله وقد رأيتك تختلفين إلى علي تسألينه
أن يطهرك؟ فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته أن يطهرني
فقال: اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا
يتهور في بئر وقد خفت أن يأتي علي الموت ولم يطهرني، فقال لها عمرو بن
حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بقول
عمرو بن حريث فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام وهو متجاهل عليها: ولم يكفل
عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني فقال: وذات بعل
أنت إذ فعلت ما فعلت قالت: نعم قال: أفغائبا بعلك إذ فعلت ما فعلت؟
قالت: بل حاضرا قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنه قد ثبت عليها
125

أربع شهادات، (إلى أن قال:) فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يقفأ في
وجهه فلما رأى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إني إنما أردت أن أكفله إذ
ظننت أنك تحب ذلك فأما إذ كرهته فإن لست أفعل فقال أمير المؤمنين
عليه السلام أبعد أربع شهادات بالله؟ لتكفلنه وأنت صاغر، الحديث، وذكر أنه
رجمها (1).
وهذه الرواية تدل على اعتبار الأربع في الاقرار من وجوه فإنه
لو لم يكن ذلك شرطا ومعتبرا لما أخر الإمام عليه السلام اجراء الحد هذا التأخير،
كما أن قوله عليه السلام: اللهم إنها شهادة ثم قوله: اللهم إنها شهادتان ثم في
الاقرار الثالث: اللهم إنها ثلاث شهادات وفي الرابع: اللهم إنه قد ثبت لك
عليها أربع شهادات، دليل على ذلك وعلى الجملة فهي تدل بوضوح على اعتبار
الأربع في الاقرار كما في الشهادة وإن سبيله سبيلها.
وعن علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين
عليه السلام، قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني
قال: ممن أنت؟ قال: من مزينة قال: أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: بلى
قال: فاقرأ، فقرأ فأجاد فقال: أبك جنة؟ قال: لا، قال فاذهب عني حتى
نسأل عنك فذهب الرجل ثم رجع إليه بعد، فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني قال: ألك زوجة؟ قال: بلى، قال: فمقيمة معك في البلد؟ قال:
نعم فأمره أمير المؤمنين عليه السلام فذهب وقال: حتى نسأل عنك فبعث إلى
قومه فسأل عن خبره فقالوا يا أمير المؤمنين صحيح العقل فرجع إليه الثالثة فقال
مثل مقالته فقال: اذهب حتى نسأل عنك فرجع إليه الرابعة فلما أقر قال
أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب، الحديث، وفيه أنه رجمه (2).
.. عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
126

السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ولا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات (1).
.. عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين
عليه السلام فقالت: إني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتى استقبلت
وجهه فقالت: إني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت: إني قد فجرت
فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت: إني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملا
فتربص بها حتى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط
عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين وأغلق باب
الرحبة ورماها بحجر وقال: بسم الله اللهم على تصديق كتابك وسنة نبيك ثم
أمر قنبر فرماها بحجر ثم دخل منزله ثم قال: يا قنبر ائذن لأصحاب محمد فدخلوا
فرموها بحجر حجر ثم قاموا لا يدرون أيعيدون حجارتهم أو يرمون بحجارة غيرها
وبها رمق فقالوا يا قنبر أخبره إنا قد رمينا بحجارتنا وبها رمق كيف نصنع؟
فقال: عودوا في حجارتكم فعادوا حتى قضت فقالوا له: قد ماتت فكيف نصنع
بها؟ قال فادفعوها إلى أوليائها ومروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون
بموتاهم (2).
فهذه الروايات كلها تدل على اعتبار أربع مرات في الاقرار بالزنا نعم هنا
اشكال وهو أنها واردة في مورد الرجم أو متعرضة لخصوصه كما أن رواية
ماعز المروية بطرق أهل السنة أيضا كذلك ولا ذكر فيها عن الجلد ويزيد
الاشكال التصريح الوارد في رواية جميل على اعتبار الاقرار في السرقة مرتين وفي
الرجم أربع مرات فلو كان يعتبر ذلك في الجلد أيضا لكان اللازم ذكره. وإذا
كان الأمر كذلك فكيف أطلق العلماء رضوان الله عليهم أجمعين الحكم باعتبار
الأربع في حد الزنا جلدا كان أو رجما فهل كانت هناك رواية تدل على ذلك لم
نجدها؟ أو أنه قام الاجماع على عدم الفرق بينهما؟ أو أنهم ألحقوا الجلد بالرجم
تنقيحا للمناط؟ لم يتعرضوا لذلك.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
127

بل مقتضى مفهوم صحيح فضيل هو الاقتصار في الحكم باعتبار الأربع
على خصوص الرجم والاكتفاء باقرار واحد في مورد الجلد وإليك لفظه:
.. عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر على
نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان أو عبدا أو حرة كانت
أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا
الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه
الحد مأة جلدة ثم يرجمه (1)..
فإن مقتضى قوله: (إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه
أربعة شهداء) بعد قوله: (من أقر على نفسه.. مرة واحدة فعلى الإمام أن يقيم
الحد عليه) هو أنه يكتفي بمرة واحدة في الجلد للزنا.
نعم هذه الرواية موافقة لمذهب العامة ومشتملة على أمور مخالفة للقواعد
المقررة (2).
ويمكن أن يستدل بهذا الخبر (3) لابن أبي عقيل في قوله بالاكتفاء باقرار
واحد في الزنا - على ما نسب إليه - نعم هو صريح في اعتبار الأربع بالنسبة إلى
الرجم، ولعل العماني أيضا يقول بالاكتفاء بمرة واحدة في خصوص مورد الجلد
وزنا غير المحصن لا الأعم الشامل للرجم وزنا المحصن أيضا، واللازم ملاحظة كلامه.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) أقول هي على ما ذكروه: عدم الفرق بين الحر والعبد والحال أنه لا أثر لاقرار العبد بلا تصديق
المولى، والفرق بين المحصن وغيره الذي لم يحك عن ابن أبي عقيل ذلك، وكون ظاهرها إن
الرجم لا يترتب على الاقرار وإن كان أربع مرات وإنما يثبت بشهادة أربعة شهداء وهو مخالف
لمذهب الأصحاب.
(3) إذا أريد الاستدلال بهذا الخبر فلما لا يتمسك بصدره والحال أن ذيل صريح في الاكتفاء في زنا
غير المحصن وهو: فقال له بعض أصحابنا يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقر بها عند الإمام
مرة واحدة على نفسه أقيم عليه الحد فيها؟ فقال: إذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا حده فهذا من
حقوق الله.. وإذا أقر على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله.
128

هذا ولكنهم أرسلوا اعتبار الأربعة في كل من الجلد والرجم ارسال
المسلمات فيكتفى بمرة واحدة مطلقا.
وأما العامة فهم فرقتان - كما أشرنا إلى ذلك - فمنهم من قال
بالاكتفاء بمرة واحدة وحجتهم على ذلك أمور.
1 - ما جاء في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد من قول النبي صلى الله عليه وآله
في حديث العسيف: اغد يا أنيس على امرأة في هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها
أنيس، فاعترفت فأمر النبي صلى الله عليه وآله بها فرجمت (1).
فترى أنه لم يذكر فيه العدد.
2 - عن البيهقي: أمر عمر أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد
الاعتراف (2).
3 - إن الانسان إذا أقر على نفسه بما يوجب الحد جلدا أو رجما دل هذا
على صدق قوله.
ومنهم من ذهب إلى اشتراط الاقرار بالزنا بالأربعة.
واستدلوا على ذلك بحديث ماعز وهو على ما رواه البيهقي عن ابن
المسيب وأبي سلمة أن أبا هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل من الناس وهو
في المسجد فناداه يا رسول الله إني زنيت يريد نفسه فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله
فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه
فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وآله الذي أعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات
دعاه النبي فقال: أبك جنون؟ فقال: لا يا رسول الله فقال: أحصنت؟ قال:
نعم يا رسول الله، قال: اذهبوا فارجموه (3) وفي بعض رواياته قال صلى الله عليه وآله له: لعلك
قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول الله قال: أنكتها لا تكنى؟ قال:
نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل

(1) الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 83.
(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 226.
(3) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.
129

تدري ما الزنا؟ قال: نعم آتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا
قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني فأمر به فرجم.
وفي بعض ألفاظ الحديث. شهدت على نفسك أربع شهادات اذهبوا
به فارجموه. وفي رواية أخرى أنه لما اعترف ثلاث مرات قال له: إن اعترفت
الرابعة رجمتك فاعترف الرابعة.
وقد يقال كما في المسالك: إنه ارتاب في أمره فاستثبت ليعرف أنه مجنون
أم شرب خمرا أم لا.
وفيه أن الاستثبات لا يتقيد بهذا العدد وكان يمكن البحث والسؤال عنه
في أول مرة والتثبت في بدأ الأمر.
ثم إن روايات العامة أيضا كروايات الخاصة خالية عن ذكر الجلد بل
موردها هو الرجم ولم نجد دليلا على أن الاقرار بالجلد أيضا كالرجم يحتاج
إلى وقوعه أربع مرات.
نعم قد مر أن الشيخ الطوسي قدس سره الشريف قال في الخلاف:
لا يجب الحد في الزنا إلا باقرار أربع مرات.. فأما دفعة واحدة فلا يثبت به
على حال، قد عبر قدس سره بالحد وهو شامل للجلد والرجم لو لم يكن ظاهرا
في الجلد واعتبر الأربعة وصرح بأنه لا أثر لاقرار واحد.
ثم قال: دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة وإذا
أقر أربع مرات على ما بيناه لزمه الحد بلا خلاف ولا دليل على استحقاقه
باقراره مرة واحدة انتهى.
ونحن نقول: إذا قلنا بأن خروج معلوم النسب لا يقدح في تحقق الاجماع
فالظاهر تحققه وذلك لعدم نسبة الخلاف إلى أحد سوى ابن أبي عقيل.
وأما الأخبار التي ادعى رضوان الله عليه دلالتها على اعتبار الأربع فلعله
عثر على ذلك وأما نحن فلم نجد في الروايات ما يدل على ذلك في الجلد وإنما
المستفاد منها اعتبارها في مورد الرجم وحده كما تقدم.
وأما التمسك في ذلك بتنقيح المناط والحكم بأن حكم الجلد حكم
130

الرجم فغير صحيح، وذلك لأنه لا مورد لتنقيح المناط بعد أن نعلم أن الرجم أمر
أشد من الجلد بلا كلام حيث إن فيه ازهاق النفس بخلاف الجلد الذي نرى
أن المجرم يجلد ثم يقوم ويشتغل بعيشه فأين هذا من ذاك ولا يصح أن يقال
إن كلما اشترط واعتبر في تحقق الأمر الأشق الأشد فهو معتبر في الأمر الأسهل،
وما يلاحظ في العقوبة الشديدة الصعبة يلاحظ في العقوبة الخفيفة السهلة.
وأما ما ذكره الشيخ قدس سره من الوجهين الأخيرين فيرد عليه إن ما
أفاده هنا موقوف على عدم وجود عام يرجع إليه عند الشك وإلا فالشك في
الحقيقة راجع إلى الشك في التخصيص وعدمه والمرجع حينئذ هو ذاك العام
لا أصل البراءة كما أنه على ذلك لا يتم التمسك بعدم الدليل لأن العام المزبور
دليل، وما نحن فيه كذلك لأن قوله صلى الله عليه وآله: اقرار العقلاء على
أنفسهم جائز (1) عام ظاهر في العموم وهل هو ليس دليلا حتى يرجع إلى
الأصل؟ نعم قد خرج عن هذا العام اقرار الزاني المحصن وذلك بمقتضى تلك
الروايات المتقدمة آنفا الصريحة في عدم حجية الاقرار في باب الرجم إذا كان
أقل من أربعة، وعلى الجملة فقد خصص العام بهذا المورد وأما الجلد فلم نجد ما
يدل على استثنائه أيضا كي يحتاج اثباته بالاقرار إلى وقوعه أربع مرات، ومع
الشك في التخصيص يرجع إلى العام المقتضى حجية الاقرار فيكتفى في اثبات
زنا غير المحصن باقرار مرة واحدة وذلك لوجود أصل لفظي.
اللهم إلا أن يدعى أن هذا العام ليس عاما شرعيا وارد ودليلا لفظيا
يؤخذ به وإنما هو من التقاط العلماء رضوان الله عليهم فيقتصر في التمسك به على
موارد خاصة التي تمسكوا به فيها دون غيرها.
لكن الظاهر خلاف ذلك.
لا يقال: إن مقتضى درء الحدود بالشبهات عدم تأثير الاقرار مرة
واحدة.
لأنا نقول: قد ظهر جوابه مما ذكرناه في المقام من وجود أصل لفظي في

(1) وسائل الشيعة الجلد 16 الباب 3 من أبواب الاقرار الحديث 2.
131

المقام كأصالة عدم التخصيص ومع وجوده يرجع إلى العام ولا شبهة في البين
كي يدرء الحد بها.
نعم لو كان الأصل من قبيل الاستصحاب وغيره لصح التمسك بدرء
الحدود بالشبهات.
وأما ما قد يقال من أن مورد الروايات وإن كان هو الرجم إلا أنه
يستفاد منها حكم الجلد أيضا وذلك لتنزيل الاقرار في الزنا بمنزلة الشهادة كما
عرفت ذلك من بعض الروايات الماضية حيث قال رسول الله صلى الله على وآله بعد
اقرار المقر بالزنا: اللهم إن هذه شهادة.. اللهم إن هذه شهادتان.. وغير
ذلك (1) وحيث إنه لا يكتفى بواحد في الشهادة سواء كان الحد رجما أو جلدا
فكذلك الاقرار.
ففيه أن مجرد اطلاق الشهادة على الاقرار لا يقتضي اتحاد حكمهما
حتى يقال إنه يعتبر في الاقرار بالزنا العدد الخاص أي الأربعة كما أنه يعتبر
ذلك في الشهادة خصوصا بعد العلم بتحقق الفرق بينه وبين البينة، فقد تخلف
أحدهما عن الآخر في موارد فيقولون بأنه يجوز للحاكم العفو عنه إذا تاب وكان
قد ثبت زناه بالاقرار ولا يجوز إذا ثبت بالشهادة.
فلم يبق إلا أن يتمسك بالاجماع على اعتبار الأربعة مطلقا.
نعم قد وقفنا على روايتين في باب القذف تدلان على اعتبار ذلك في
الاقرار بالزنا الموجب للجلد.
إحديهما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قال

(1) أقول: وقد أطلقت الشهادة على الاقرار في القرآن الكريم أيضا قال الله تعالى في سورة النور الآية
6: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهما أربع شهادات بالله لمن
الصادقين..
ثم قد يتمسك لاثبات اعتبار الأربعة أيضا بأن لو كان يثبت بالاقرار مرة واحدة لم يكن وجه لتأخير
الحد في الاقرار بالزنا إلى أن يتم أربع مرات كما في هذه الروايات الشريفة.
ولكن هذا لا ينفع جوابا بالنسبة إلى من يقول بالاكتفاء بالمرة في الجلد وذلك لأن هذه الروايات
واردة في باب الرجم.
132

لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك قال: عليه حد واحد لقذفه إياها وأما قوله: أنا
زنيت بك فلا حد فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام (1).
قوله: أنا زنيت. يعني أنه زنا بها قبل أن ينكحها فيكون الزنا
حينئذ هو الزنا الموجب للجلد خاصة أو المراد هو الأعم بسبب الاطلاق أو ترك
الإمام الاستفصال في ذلك. ثانيتهما مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام في رجل قال
لامرأته: يا زانية قالت: أنت أزنى مني فقال: عليها الحد فيما قذفت به وأما
اقرارها على نفسها فلا تحد حتى تقر بذلك عند الإمام أربع مرات (2).
ترى أنه عليه السلام ترك الاستفصال عن كون الموجب موجبا للرجم
أو الجلد وعلى هذا فيصح تمسكهم بالاجماع والنص في اثبات اعتبار الأربعة
في الاقرار بالزنا مطلقا فبدون ذلك لا يثبت شئ منهما إذا كان ما يثبت به هو
الاقرار.
(وهل يعزر المقر بالزنا دون الأربع؟)
بعد أن ثبت أنه إذا أقر دون الأربع فلا حد عليه، فهل يجب تعزيره أم
لا؟
قال المحقق: ولو أقر دون الأربع لم يجب الحد ووجب التعزير.
وقد قال بذلك أيضا الشيخان والعلامة في القواعد وابن إدريس.
ففي القواعد: إنما يثبت بأمرين: الاقرار أو البينة، فهنا مطلبان الأول
الاقرار ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية والاختيار والقصد وتكراره أربع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حد القذف الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حد القذف الحديث 3.
أقول: يمكن الاشكال في الاستدلال بالثانية وذلك بأنها نسبة الزنا إلى نفسها وهي محصنة فإن
الظاهر أن نسبة الزنا بلحاظ الحال لا بالنسبة إلى قبل التزويج بل لعلها منصرفة عنه نعم لا كلام
في دلالة الأولى.
133

مرات.. ولو أقر من جمع الصفات أقل من أربع لم يثبت الحد وعزر انتهى
وقد يستدل لذلك بوجوه أحدها عموم الأخذ بالاقرار.
ثانيها ما دل على أن الاقرار بالمعصية معصية.
ثالثها العلم الاجمالي لأنه أما أين يكون صادقا في اقراره وقوله أو أنه
كاذب في ذلك فيجب تعزيره على عمله لو كان صادقا في الواقع مع عدم تحقق
ملاك الحد أو على قوله لو كان كاذبا في الواقع والحاصل أن تعزيره متيقن على
كل حال.
وكل هذه الوجوه مخدوش ومحل الاشكال أما الأول فلأن عموم الأخذ
بالاقرار قد خصص في باب الزنا بلزوم التكرار، وبدونه إلا أثر له.
وأما الثاني فلأن الاقرار بالمعصية لم يكن معصية إذا كان في مقام
التوبة والتحمل للعقوبة الدنيوية فرارا عن العقوبة الأخروية.
توضيح ذلك أن المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الاقرار بالزنا هو
أن تخلص الزاني من عقوبة الله في الآخرة يحصل بواحد من أمرين ويكفيه في
رفع العذاب والعقاب واحد منهما.
أحدهما أن يتوب إلى الله سبحانه فيما بينه وبين الله قبل أن يطلع
الحاكم وبدون المراجعة إليه وقد ورود في بعض الروايات أنه أفضل (1).
ثانيهما أن يراجع الحاكم ويقر عنده حتى يقام عليه الحد ويطهر من
الذنب نظير توبة من كان عنده حق من حقوق الناس حيث إنه مضافا إلى الندم
الحاصل له يؤدي حقوق الناس إليهم فيتهيأ لأن يقتل ويصبر على ذلك كي
يتخلص من عذاب الله تعالى
وقد ورود في مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد أنه لما رجم الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام الرجل الذي كان من مزينة وقد أقر عنده بالزنا أربع مرات، فمات
فأخرجه أمير المؤمنين عليه السلام فأمر فحفر له وصلى عليه ودفنه فقيل: يا

(1) ففي مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد في الزاني الذي أقر أربع مرات: أفلا تاب في بيته فوالله لتوبته
فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد الوسائل الباب 16 من مقدمات الحدود الجلد 2.
134

أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة لقد صبر على
أمر عظيم (1).
وعلى هذا فالذي يقر لم يأت إلا بما هو أحد طرفي الواجب التخييري
فضلا عن أن يكون عمله معصية يترتب عليها التعزير.
وقد يقال (2) الاقرار الذي كان واحدا من طرفي الواجب التخييري هو
الاقرار الكامل البالغ حد الأربعة لا ما ينقطع في الأثناء ولا يبلغ حد الكمال
والنصاب المعتبر فيه.
وفيه أن للاقرار عند الحاكم هذا الأثر فالمقر في طريق تطهير نفسه وإن
لم يبلغ اقراره الأربعة ولذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله ينتظر أن يأتي المقر
ويقر ثانيا وهكذا ولا يطالبه بذلك.
وأما الثالث فلأن العلم الاجمالي لا يؤثر شيئا حيث إن الزنا بدون
الاثبات لا يترتب عليه شئ فلا عقوبة دنيوية بالنسبة إلى ما لم يثبت منه أصلا،
هذا بالنسبة إلى عمله وأما من حيث الكذب فهو مشكوك فيه.
ثم إنه يشهد بما ذكرنا من عدم التعزير في المقام معاملة النبي الأعظم
وأمير المؤمنين مع المقرين حيث إنهما لم يعزراهم باقرارهم دون الأربع وقد مر في
قصة رجل أقر عند رسول الله بالزنا أنه أعرض بوجهه عنه لشق وجهه، إلى أن أقر
ثانيا وهناك أيضا أعرض بوجهه عنه وهكذا فلو كان يجب تعزير المقر بما دون
الأربع فكيف أعرض عنه بوجهه ولم يحكم بتعزيره ولا أمر بذلك؟ أو هكذا
تقدم في قصة رجل أقر عند الإمام علي عليه السلام بالزنا أنه صلوات الله عليه قال
له: اذهب عني حتى نسأل عنك، ولو كان يجب تعزير المقر بمجرد اقراره
لما كان وجه لهذا التأخير والتواني.
وأما احتمال أن ترك تعزيرهم كان لعلمهما بأنه سيكمل الأقارير

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدمات الحدود الحديث 2، الكافي الجلد 7 الصفحة
189.
(2) أورده هذا العبد وأجاب دام ظله بما في المتن ولعله لا يخلو عن كلام
135

إلا ربعا، فهو خلاف الظاهر حيث إن عليا عليه السلام أمر بالذهاب بعد الاقرار
دون الأربع ولم يأمر بالمراجعة.
نعم يمكن أن يقال بأن الاقرار بالمعصية يوجب التعزير إلا أن في المقام
خصوصية أوجبت أنهما صلوات الله عليهما وآلهما تركا التعزير وهي ما تقدم آنفا
من أن المقر هنا قد أقدم على الاقرار تطهيرا لنفسه وخلاصا من العقاب، فلا يحمل
المقر على الاقرار إلا خوفه القلبي من مقام ربه واخلاصه الكامل فلا يعقبه
التعزير فلذا ترى في قصة ماعز أنه صلى الله عليه وآله قال -: على ما في بعض ألفاظ
الحديث - إن اعترفت الرابعة رجمتك، ولم يقل له بعد اقراره الأول أو الثاني
أو الثالث: إن لم تتم أربعة أقارير لعزرتك (1).
بقي في المقام شئ وهو أنه قد استدل بعض على عدم جواز الاقرار وأنه
معصية بأنه إشاعة الفاحشة وقد قال الله تعالى: إن الذين يحبون تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم (2).
وفيه أن هذا ليس من باب إشاعة الفاحشة وإذاعة السوء بل ربما يكون
فيه ترويج الدين وتشييد أركان اليقين حيث يراه الناس وقد هيأ نفسه للقتل مثلا
طلبا لمرضاة الله وإقامة لأمر الله، وكم من قلوب تتوجه إلى الله بسماع حاله وقوة
يقينه وتصلبه في ذات الله وتسليمه قبال أمر الله.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه لا وجه لما ذهب إليه المحقق وصاحب
الجواهر من وجوب تعزير المقر دون الأربع.

(1) وقد يقال بأن اعراضه صلى الله عليه وآله عمن أقر عنده، نوع تعزير منه وفيه أنه خلاف الظاهر مضافا
إلى عدم نقل اعراضه صلوات الله عليه في سائر الموارد.
ومثله ما قد يقال أو يحتمل من أن ما هو المسلم هو عدم تعزيرهما عليهما السلام المقرين كماعز وغيره
وهو أعم من عدم الاستحقاق فلعله كان عدم تعزيرهما للمقر من باب العفو لمصالح كانت هتاك.
(2) سورة النور الآية 19.
136

وهل يعتبر تعدد المجالس أم لا؟
قال المحقق: ولو أقر أربعا في مجلس واحد قال في الخلاف والمبسوط:
لا يثبت وفيه تردد.
ثم إنه على القول بكفاية اقرار واحد فلا مورد للبحث عن اعتبار تعدد
المجلس وعدمه وأما إلى القول باعتبار الأربعة فيجري البحث في أنه هل يعتبر
تعدد مجلس الأقارير - أي وقوع كل اقرار في مجلس غير مجلس الآخر - أو أنه
لا يعتبر ذلك ويكفي كونها في مجلس واحد؟
ذهب جماعة منهم الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن حمزة إلى الأول،
وأفتى الأكثر بخلاف ذلك ومنهم الشيخ في النهاية والمفيد وابن إدريس
وغيرهم.
ويدل على الأول ما وقع في المجالس عند النبي والوصي بأمرهما
وذلك كقصة ماعز وغيره فقد وقع الأقارير الأربعة في أربعة مجالس لا في مجلس
واحد، هذا مضافا إلى أن الأصل براءة الذمة عن الحد بالاقرارات في مجلس
واحد.
وأجيب عن الأول بأن قصة ماعز وأمثالها قضايا اتفاقية فلا دلالة لها
على اعتبار تعدد المجالس، وفي الجواهر بل لعل ظاهر خبر ماعز كون
المجلس واحدا.
وفيه أنه لا فرق بين مراعاة الآداب المعمولة بحضرة رسول الله صلى الله عليه
وآله في مورد الحد وما كان يفعله ويأتي به من الأركان المخصوصة في الصلاة
مثلا.
ويمكن أن يقال بأنه ليس المراد من تعدد المجالس تفرقهما وانعطال
المجلس حتى يفتتح مجلس آخر ويأتي الحاكم والمقر ثانيا حتى يستشكل
بأن قصة ماعز لا ظهور لها في تعدد المجلس أو أنها ظاهرة في وحدته، بل يكفي
ما كان يكفي في صدق التعدد والتفرق، فهو شئ يقرب ما ذكروه في باب خيار
137

المجلس من أنه يدوم ما داما في المجلس ولم تحصل بينهما فرقة يذهب واحد
منهما إلى ناحية أخرى من المجلس ولا حاجة في صدق تعدد المجلس إلى أزيد
من هذا المقدار (1) والظاهر أن هذا المقدار من المفارقة كان حاصلا في قصة ماعز
لأنه قد ذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وآله قد أعرض عن ماعز لما أقر بالزنا
فجاء ماعز من ناحية أخرى التي توجه إليها النبي. صلى الله عليه وآله.
ولو تردد في صدق تعدد المجلس على هذا فنقول: هب أنه ليس منه
لكن لا بد من تحقق هذا المقدار من الفاصلة والتفرق سمه ما شئت لو سلم لزوم
مراعاة خصوصيات قضاء رسول الله، فلا يكفي وقوع الاقرار الثاني في موضع
الأول وبعبارة أخرى يجب التعدد وإن كان بمجرد تحقق حضوره بعد غيبوبته
عن مرأى الحاكم.
واستدل المشهور القائلون بعدم اعتبار التعدد، بأصالة عدم اشتراطه
وباطلاق الروايات الواردة في حد الزاني فإنها تدل على اعتبار أربعة أقارير
ولم يكن فيها ذكر عن تعدد المجالس ففي رواية جميل المذكورة آنفا:
لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات.
أقول: يمكن أن يكون المراد من الاطلاق هو ما كان من مقدمات الحكمة
بتقريب أنه مع كونه في مقام البيان لم يذكر هذا القيد ولو كان تعدد المجالس
معتبرا في الواقع لكان اللازم ذكره وإلا لزم نقض الغرض والاغراء بالجهل.
ويمكن أن يكون المراد هو الظهور اللفظي - لا المقامي - بلحاظ أن
تمام الموضوع هو الاقرار أربع مرات فقط وعلى هذا فلا حاجة إلى مقدمات
الحكمة.
وأما الأصل فالمراد به أنه إذا لم يعلم أن هذا الحكم مشروط بتعدد

(1) قال الأردبيلي قدس سره في الشرح بعد أن استشكل بعدم دلالة بعض الروايات الراجعة إلى
فعله صلى الله عليه وآله على تعدد المجلس فإنه كان في مجلس واحد إلا أنه كان تارة عن يمينه وأخرى عن
شماله: إلا أن يراد بتعدد المجلس تغير مكان المقر وهو بعيد على أن ذلك غير ظاهر في فعله في
الثالثة والرابعة انتهى.
138

المجالس أم لا فالأصل عدم اشتراطه به وبعبارة أخرى إن الشارع عند جعل
الحكم لم يجعل تعدد المجالس شرطا ولم يكن جعله مقرونا بهذا الشرط.
أقول: إن أصالة العدم إذا كانت من الأصول العملية فلا أثر له في قبال
عموم درء الحدود بالشبهات نعم إذا كانت من الأصول اللفظية على ما قررناه
آنفا - من عدم جعل هذا شرطا للاقرار - فهي في حكم الدليل لأنها شبيه
أصالة عدم القرينة عندما شك في وجود قرينة اختفت علينا، والنتيجة أنه
يجب الحد بمجرد اقراره أربع مرات، ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم
تخصيص الأكثر فإن عموم اقرار العقلاء على أنفسهم جائز قد خصص باعتبار
الأربعة في باب الزنا، والأصل عدم تخصيصه بأزيد من ذلك، هذا هو مقتضى
الأصل لو شك في اعتبار تعدد المجلس.
نعم يمكن أن يقال: لو لم يكن في الروايات ما يزيل الشك عن اعتبار
تعدد المجلس وعدمه فالاقرار أربع مرات في مجلس واحد مورد للشك
والحدود تدرء بالشبهات.
الرجل والمرأة في ذلك سواء
قال المحقق: ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
أقول: ويدل على ذلك أمور أحدها: ما في الجواهر من أنه لا خلاف ولا
اشكال في ذلك.
ثانيها اطلاق الأدلة الدالة على أن من أقر أربع مرات بالزنا يرجم مثلا
فراجع رواية جميل وغيرها.
ثالثها إن الوقائع الواردة على رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما
مختلفة فبعضها كان في مورد الرجال وآخر منها في مورد النساء.
الكلام في اقرار الأخرس
قال المحقق: وتقوم الإشارة المفيدة للاقرار في الأخرس مقام النطق.
139

أقول: لا خلاف ولا اشكال في ذلك بشرط أن تكون الإشارة مفهمة
ومفيدة للاقرار.
وهل يكتفى في إشارته المفهمة بإشارة واحدة أو لا بد من إشارته أربع
مرات؟ من المعلوم أن سبيل الإشارة في الأخرس سبيل النطق في الناطق،
والعرف يرتب على إشارة الأخرس ما يرتبه على نطق الناطق ولم يردع الشارع
عنه فيعتبر في هذه الإشارة ما يعتبر في ذاك النطق شرعا ومن ذلك هو كونها
أربعا فإن المعتبر في اقرار الناطق هو الأربع.
وإذا احتيج في فهم معنى إشارة الأخرس إلى الترجمة فهناك يكفي
الاثنان ولا حاجة إلى أكثر من ذلك كما أنه لا يكتفى بأقل منه وذلك لأن
الترجمة من باب الشهادة وهما يشهدان بأن الأخرس قد أقر - بإشارته بالزنا
ومن المعلوم الفرق بين اقرار أحد بالزنا أو الشهادة على زناه وبين الشهادة على
إشارة الأخرس وترجمتها فيعتبر في الأولين خصوص الأربعة بخلاف الأخيرة فإن
المترجم يفسر معنى إشارة الأخرس وفي الحقيقة تكون الشهادة هنا شهادة
بالاقرار لا بالزنا حتى يعتبر فيها الأربعة هذا هو الوجه في عدم الحاجة إلى
الأربعة، وأما وجه عدم الاكتفاء بواحد فلأن الترجمة من باب الشهادة لا من
باب الرواية التي يكتفى فيها بواحد.
ثم إن ما ذكرناه يجري في اقرار الناطق إذا كان بلغة تحتاج إلى الترجمة.
الكلام في قول القائل: زنيت بفلانة
قال المحقق: ولو قال: زنيت بفلانة لم يثبت الزنا في طرفه حتى
يكرره أربعا وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.
أقول: حيث إن هذا التعبير من أنواع تعابير الاقرار فلذا يعتبر في اثبات زنا
المقر بذلك أيضا تكراره أربع مرات فلا يقام عليه حد الزنا بدون ذلك.
وأما إنه هل يثبت بذلك القول قذف المرأة التي سماها؟ فهو محل التردد
والكلام ويحتمل الوجهان: الاثبات والنفي.
140

أما الأول فلأن العبارة ظاهرة في القذف ونسبة الزنا إليها وهتك حرمتها
عند العرف ولا يدرء هذا الحد باحتمال أنه يريد خصوص زنا نفسه عمدا دون
المرأة وذلك لأن هذا الحد مجعول حقا للمقذوف وما كان يدرء هو خصوص
حق الله تعالى، وعلى الجملة فللعبارة ظهور عرفي في نسبة الزنا إليها أيضا وإن
كان لا ملازمة بينهما إلا أن العرف يفهم منها أنه نسبها إلى الزنا.
وأما الثاني: فلأن ما هو صريح العبارة هو نسبة الزنا إلى نفسه دونها
ولا ملازمة بينهما أصلا لاحتمال الاشتباه والاكراه في ناحيتها ولا تدل قوله:
زنيت بفلانة على زناء المرأة بواحدة من الدلالات الثلاثة المطابقة والتضمن
والالتزام فإن زناء المرأة غير زناء الرجل وليس عينه ولا جزءا منه ولا لزاما له
نعم يعزر القائل لأن الكلام المزبور هتك للمرأة عرفا.
واستوجه في المسالك الوجه الأول فإنه بعد ذكر الوجهين وتقريرهما
قال: والوجه ثبوت القذف بالمرأة مع الاطلاق لأنه ظاهر فيه والأصل عدم
الشبهة والاكراه.
قوله قدس سره: (مع الاطلاق) يعني مع عدم تعرضه للشبهة أو الاكراه
بالنسبة إليها فحيث لم يلحق بكلامه قرينة تدل على عدم التعمد والاختيار فهو
في نفسه ظاهر في وقوعه عن اختيار وعلى هذا فقد نسب إليها زناها عن
اختيارها، وليس المراد من الاطلاق هو الشمول لكليهما واحتمال الاختيار
والاكراه.
وأما ما أفاده من أن الأصل عدم الشبهة والاكراه فهذا لم يعلم وجهه
ولم يتضح مراده لأنه لو كان المراد جريان الأصل بالنسبة إلى فعل المرأة فأصالة
عدم الشبهة أو الاكراه الجارية في فعلها لا تعلق لها بنسبة الزنا الصادرة عن
الرجل ولا مساس لذلك بقذفه فإن هذه قد تتحقق بدون وقوع الزنا في الخارج
أصلا ويترتب على قذفه الحد.
هذا مضافا إلى أن الزنا الواقع في الخارج مردد بين الاختياري
والاكراهي ولا يمكن اثبات ضد بنفي ضده فإنه من الأصول المثبتة حيث إن
141

اثبات أحد الضدين بنفي الآخر ليس أثرا شرعيا حتى يثبت بنفي الآخر.
وهنا اشكال ثالث وهو كون هذا الأصل معارضا بأصالة عدم كون زناها
اختياريا لأن الأصل عدم. صدور الزنا عن اختيار وذلك لأن كليهما فردان من
الزنا فيقال زناء اختياري وزناء غير اختياري.
ولو كان المراد جريان الأصل بالنسبة إلى فعل القاذف - كما فهم
صاحب الجواهر ذلك من عبارة المسالك وكان من المسلم عنده إن نظر الشهيد
الثاني إلى الافتراء والقذف - ففيه ما أورده عليه في الجواهر - بعد أن استشكل
في الظهور المزبور بأنه ظهور في بادئ النظر بقوله: والأصل المزبور لا يحقق موضوع
القذف بعد عدم دلالة اللفظ عليه في ثاني النظر، ودعوى عدم سقوط المزبور
بالشبهة لكونه حقا للمقذوف لا لله تعالى خاصة يدفعها عموم الدليل.
أقول: ويرد هنا ما أوردناه في الفرض الأول من عدم صحة اثبات أحد
الضدين بنفي الآخر.
ثم إن الشهيد الثاني قال في آخر كلامه: ولو فسره بأحدهما قبل واندفع
عنه الحد ووجب التعزير انتهى.
يعني لو صرح بأني قد أكرهتها على الزنا أو أنه اشتبه عليها الأمر،
وزعمت أنه زوجها ووقعت في الزنا من حيث لا تعلم، قبل ذلك منه ويندفع عنه
حد القذف بذلك ولكن لا يندفع عن التعزير.
وهذا أيضا لا يخلو عن كلام، لأنه إذا كان الكلام المزبور ظاهرا في نسبة
الزنا إليها كما صرح هو قدس سره بذلك فتفسيره بعد ذلك بالشبهة أو الاكراه
لا ينفع شيئا لأنه يكون من باب الانكار بعد الاقرار الذي لا أثر له أصلا كما
لو قال: أنا قتلت فلانا - المقتول - ثم فسر القتل بالضرب فإنه لا يقبل ولا يسمع
منه وعلى الجملة فلو كان هناك ظهور للفظ واقعا فلا وجه لرفع اليد عنه بتفسيره
بما ينافيه بعد ذلك.
فلا بد من القول بنقصان في الظهور بأن يكون برزخا بين الظاهر
والمجمل فلذا يقبل التفسير، وعلى الجملة فلعل ما ذكره شاهد على عدم ظهور
142

زنيت بفلانة في القذف.
نعم لو كان مقصوده قدس سره - كما يظهر من كلامه - هو التمسك
بقاعدة درء الحدود بالشبهات فلا يرد عليه اشكال الانكار بعد الاقرار وذلك
لأنه تحصل الشبهة بتفسيره بهما.
وإن كان قد يستشكل عليه أيضا بأن هذا الحد حق للمقذوف على
القاذف فلا يدرء بالشبهة وإنما يدرء الحد بها إذا لم يكن هناك حق للغير.
لكن أجاب عنه في الجواهر بأن دعوى عدم سقوط المزبور بالشبهة لكونه
حقا للمقذوف لا لله تعالى خاصة يدفعها عموم الدليل.
يعني أن دليل درء الحدود عام يشمل كل الحدود ولا اختصاص له
بحد مخصوص فيجري في كل ما كان حدا سواء كان حقا لله تعالى أو للناس.
ثم إن صاحب الجواهر قال - عند توجيه الوجه الأول من الوجهين وهو
كون القول المزبور قذفا -: وربما أيد بقول النبي صلى الله عليه وآله في خبر السكوني:
لا تسألوا الفاجرة من فجر بك، فكما جاز عليها الفجور يهون عليها أن ترمي
البرئ المسلم (1) وقول علي عليه السلام: إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت:
فلان جلدتها حدين حدا للفجور وحدا لفريتها على الرجل المسلم (2).
وفيه أنه لا تأييد فيما ذكره للمقام وذلك لأن قول المرأة في الجواب:
فجر بي فلان، غير قول الرجل: أنا زنيت بفلانة فإن الأول صريح في نسبة
الفجور إليه فلا يجري فيه احتمال الاكراه أو الاشتباه في حين أن الثاني ليس
صريحا في نسبة الزنا إليها بل يحتمل الشبهة والاكراه فلم يبق إلا الظهور
العرفي له في صدور الزنا عنها أيضا بالاختيار.
ثم إنه قدس سره عند توجيه الوجه الثاني وهو عدم كون القول المزبور
قذفا قال: وربما كان في صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في رجل قال
لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك قال: عليه حد القذف لقذفه إياها، وأما قوله:

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 41 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 41 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
143

أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع مرات بالزناء عند
الإمام (1)، نوع ايماء إلى عدم القذف بالقول المزبور.
ولعل مقصوده قدس سره من نوع ايماء أنه لو كان زنيت بك كافيا
للقذف لما احتاج إلى إضافة قوله: يا زانية
وكلامه هذا أيضا لا يخلو عن اشكال وذلك لتحقق القذف بقوله:
يا زانية، إذا فلا تصل النوبة إلى قوله: أنا زنيت بك.
وأما التعزير في المقام فهو صحيح وذلك لأنه ليس في مقام التوبة.
الكلام فيما لو أقر بحد ولم يبينه
قال المحقق: ولو أقر بحد ولم يبينه لم يكلف البيان وضرب حتى
ينهى عن نفسه، وقيل لا يتجاوز به المأة ولا ينقص عن ثمانين وربما كان صوابا
في طرف الكثرة ولكن ليس بصواب في طرف النقصان لجواز أن يريد بالحد
التعزير.
أقول: إذا أقر بما عليه حدا أي أقر بارتكابه ما يوجب الحد ولكن لم
يفصل ولم يبين ذلك الحد بل اقتصر على مجرد الاقرار الاجمالي ففيه وجوه:
الأول أنه يخلى سبيله ولم يكلف البيان فلا يترتب على اقراره شئ
ذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك وقواه.
وقد يستدل على ذلك بالأصل ودرء الحدود بالشبهات وما ورد من
ترديد جزم المقر كما في قصة ماعز.
الثاني أنه يكلف البيان فيجبر على أن يبين ما أجمله ويوضح أنه أي
حد كان هو وذلك لعدم جواز تعطيل حدود الله تعالى.
الثالث أنه يضرب لكن لا يتجاوز به المأة ولا ينقص عن ثمانين ذهب
إليه ابن إدريس نظرا إلى أن أقل الحدود حد الشرب وهو ثمانون جلدة وأكثرها
حد الزنا وهو مأة.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
144

ومقتضى اطلاقه أنه لا يتجاوز به المأة وإن لم ينه عنه بل وإن طلب
المقر أن يضربوه بعدكما أن المعتبر على ذلك أن لا يضربوه أقل من الثمانين وإن
نهى عن نفسه.
وصوبه المحقق - بعد نقل ذلك - في طرف الزيادة لأن الحد لا يزيد
عليها ولم يصوبه في طرف النقصان لجواز أن يريد بالحد التعزير (1).
فقد أورد عليه في جانب النقصان لامكان أن يكون مراده من الحد
التعزير فإنه قد يطلق عليه لغة فلا يتحقق ثبوت الحد المعهود، عليه. وقد استشكل
في المسالك والجواهر على ابن إدريس وعلى المحقق فيما استصوبه من كلامه
فبالنسبة إلى الأول - أي كلام ابن إدريس - بأن كلا الأمرين ممنوعان أما في
جانب القلة فلأن حد القواد خمسة وسبعون فليس أقله الثمانين، وأما في جانب
الكثرة
فلأن حد الزنا قد يتجاوز المأة كما لو زنى في مكان شريف أو وقت
شريف فإنه يزاد على المأة بما يراه الحاكم.
وأما بالنسبة إلى الثاني أعني كلام المحقق فأولا بأن الحد حقيقة
شرعية في المقدرات المذكورة، واطلاقها على التعزير مجاز لا يصار إليه عند
الاطلاق بدون القرينة.
وثانيا بأنه على فرض حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم وهو
يتوقف على معرفة المعصية ليرتب عليها ما يناسبها لا بالتشهي.
وثالثا بأن من التعزير ما هو مقدر فجاز أن يكون أحدها فيشكل تجاوزها
أو نقصها بدون العلم بالحال.
الرابع أنه يضرب حتى ينهي عن نفسه أي يقول: لا تضرب. أو يقول
يكفي، ولا يخفى أن الظاهر أنه يحكم عليه بذلك بمجرد اقراره ولو مرة واحدة
وقد ذهب جمع من العلماء إلى هذا القول ونسب أيضا إلى الشيخ والقاضي.
ومستندهم على ذلك خبر محمد بن قيس - وفي المسالك: إنه الأصل
في هذه المسألة عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليهما السلام في رجل أقر على

(1) وفي تحرير العلامة بعد نقل المزبور: وهو جيد في طرف الكثرة لا القلة.
145

نفسه بحد ولم يسم أي حد هو، قال: أمر أن يجلد حتى يكون هو الذي ينهي
عن نفسه في الحد (1).
وأورد عليه في المسالك بوجوه عديدة أحدها: ضعف سنده لاشتراك
محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة وغيره.
ثانيها إن الحكم الوارد فيه مخالف للأصل.
ثالثها إن الحد يطلق على الرجم وعلى القتل بالسيف وإلا حرق بالنار
ورمي الجدار عليه ونحو ذلك، وعلى الجلد وهو يختلف كمية وكيفية
فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع ولا يتم معه اطلاق إن الاقرار أربع
مرات يجوز جلد المأة.
رابعها استلزام أنه لو نهى عن نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه
وليس هذا حكم الحد ولا التعزير.
خامسها إن الحدود مختلفة فمنها ما يتوقف على الاقرار أربع مرات ومنها
ما يتوقف على الاقرار مرتين ومنها ما يثبت بمرة.
سادسها إنه معارض بما روي بطريق يشاركه في الضعف إن لم يكن منه
عن أنس بن مالك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فجائه رجل فقال يا رسول الله إني
أصبت حدا فأقمه على ولم يسمه قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله الصلاة قام إليه الرجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا
فأقم ما في كتاب الله فقال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم قال: إن الله قد غفر
لك ذنبك أو حدك (2).
قال قدس سره: ولو كان الحد يثبت بالاقرار مطلقا لما أخره النبي صلى الله عليه وآله
ولا حكم بأن الصلاة تسقط الحد وإنما أجابه بذلك من حيث عدم ثبوته مع
اطلاقه لذلك وإن تكرر الاقرار.
ثم استنتج من جميع ذلك بقوله: فالقول بعدم ثبوت شئ بمجرد الاقرار

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) صحيح البخاري الجلد 8 الصفحة 207.
146

المجمل قوي.. وعلى هذا فيمكن القول بعدم وجوب استفساره بل ولا
استحبابه.
وقد أجاب عنه في الجواهر بصحة السند لأن محمد بن قيس الوارد في
السند هو محمد بن قيس الموثق، وذلك للقرائن المفيدة لذلك كرواية عاصم بن حميد
عنه كما أن العلامة المجلسي قدس سره قال: حسن كالصحيح.
وعبر السيد صاحب الرياض عن هذا الخبر بقوله: الصحيح على
الصحيح.. يعني أن خبر قيس صحيح على القول الصحيح (1).
وأجاب قدس سره عن باقي اشكالات الرواية سوى اشكال المعارضة
بأنها كالاجتهاد في مقابل النص، أي إذا كان الخبر صحيحا فنحن متعبدون به
ونقول بكل ما دل عليه تعبدا.
ويمكن أن يجاب عنها أيضا بأن المحاذير مولودة اجماله في الاقرار فلو كان
يقر بالزنا لما كان عليه شئ باقرار مرة واحدة إلى أن يقر أربع مرات وهنا يقام
على الحد.
وأما أنه يمكن أن ينهى عن نفسه بأقل من الحد كان ينهى بعد أن
ضرب جلدتين ومقتضى الخبر القبول منه والحال إن هذا ليس حكم الحد
ولا التعزير.
ففيه أن نهيه عن نفسه قبل البلوغ إلى الحد مناف لاقراره بالحد
وسيأتي الكلام بالنسبة إلى التعزير.
وأما المعارضة ففيها إن المعارضة فرع اعتبار المعارض قال في الجواهر:
وخبر أنس الذي هو من طرق العامة المحتمل لصدور التوبة منه لا يصلح معارضا
للصحيح المعمول به من طرق الخاصة المؤيد بمرسل المقنع الخ (2).
وأما ما ذكره ايرادا على المحقق - في ما أفاده في جانب النقيصة من

(1) واستشكل الأردبيلي بأن في سنده سهلا وأجاب عنه في الجواهر بأن الأمر في سهل، سهل. راجع
الجواهر الجلد 41 الصفحة 287.
(2) المقنع الصفحة 147.
147

احتمال إرادة التعزير من الحد من أن التعزير أمره منوط بنظر الحاكم وهو
متوقف على معرفة المعصية تفصيلا كي يترتب عليها ما يناسبها.
فقد أجاب عنه بقوله: وكون التعزير مقدرا بنظر الحاكم، ولا نظر له
ما لم يعلم المعصية، إنما هو في غير المقام المحتمل تقدير الشارع بما يؤدي إليه نظر
المقر فيضرب ما لم ينه وإن زاد على المأة ويترك مع نهيه وإن نقص عن أقل الحد
لاحتمال إرادة التعزير منه ولو على أن يكون نهيه قرينة على ذلك مع فرض
المجازية انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: تارة يبحث في صحة الرواية وسقمها وقد عرفت الكلام فيه حيث
إن الشهيد الثاني ضعفها لتردد محمد بن قيس بين الموثق وغيره وقد مر أن عدة
من الأعلام صححوها واعتمدوا عليها، وأخرى بعد تصحيحها.
فلو اعتمدنا على الرواية وصححناها فلا اشكال من سائر الجهات فإن
كون الحد معينا، والتعزير منوطا بنظر الحاكم وعلى حسب ما يراه من المصلحة
وإن كان تاما صحيحا لكن ذلك في الحدود المفصلة المبينة وأما الحد
المجمل فلا بأس بأن يقال فيه أنه يضرب حتى ينهي فيكون هذا حدا في هذا
الظرف الخاص في قبال سائر الحدود وهكذا بالنسبة إلى التعزير فلا مانع عن
القول بأنه إذا أقر اقرارا مبهما يكون تعزيره منوطا برأي المقر لا بنظر الحاكم
فلا رأي له إذا لم يعرف المعصية بعينها وعلى هذا فلا معارضة بين هذا الخبر
وأدلة الحدود لأنها متعلقة بالحدود المعينة وهذا بالحد المجمل.
ثم إن هنا احتمالا آخر وهو حمل رواية محمد بن قيس على أنها قضية في
واقعة ولعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم من الطرق العادية - لا من
علم الغيب الذي ليس هو ملاك الأحكام - ما فعله المقر في الخارج وأنه أتى
كي يطهره الإمام مما ارتكبه وتلوث به فعمل عليه السلام بعلمه وأمر بأن يضرب
حتى ينهي، لأنه ليس بأزيد وأكثر من صدور فعل من الإمام عليه السلام، وعلى
هذا فلا يمكن التمسك بها.
والانصاف أن هذا الاحتمال في غير موضعه وذلك لأن الأئمة
148

عليهم السلام إذا نقلوا شيئا مما يرتبط بالأحكام عن جدهم رسول الله أو عن
أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما فالظاهر أنه حكم كلي ذكر لأجل تمسك
الناس وجيئ به للأخذ به فإنهم لم يكونوا في تلك المقامات بصدد ذكر التاريخ.
نعم يبقى الكلام في أنه ما يصنع حينئذ بدليل درء الحدود بالشبهات
لكن أمره سهل فإنه على تقدير صحة الرواية تكون هي حاكمة على دليل الدرء،
نعم لو لم تثبت صحتها فلا حجة بيننا وبين الله في الحكم بالحد وضربه مع ما
نعلم من شدة اهتمام الشارع بحرمة المؤمن وكمال عنايته في وضوح موضوع
الحدود وعدم الاقدام على إقامتها بدون ذلك فيبقى السؤال عن أنه ما هو
التكليف بالنسبة إلى المقر بالاقرار بحد مجهول؟
يمكن أن يقال إن الظاهر من الحد الذي أقر به هو الحد المقابل
للتعزير وعندئذ يتردد الأمر بين الأقل والأكثر ولا بد من الاقتصار على الأقل وهو
ما يصدق عليه الحد.
ولكن يرد عليه بأن ذلك موقوف على كون المقام من قبيل الأقل والأكثر
والحال أن كونه من باب المتباينين ليس ببعيد وعليه فالعمل بالأقل لا أثر له
أصلا بل هو في حكم العدم وربما يكون الواجب هو الفرد الآخر، وما أتى به
حراما في الواقع.
إن قلت: على ذلك يجب الزامه بتوضيح ما أجمله وتبيين ما أبهمه من
سبب الحد.
نقول: لا وجه لذلك أصلا بعد ما نعلم ونعهد من فعل النبي والأمير
عليهما السلام من التسامح في ذلك وما ورد في غير واحد من النصوص من ترديد
المقر الجازم الذي كان يقر بالحد المعين، فإذا لم يجب تكرار الاقرار، والاصرار
عليه مع كون الحد معينا فكيف نقول بوجوب الزامه بالبيان والتوضيح في الاقرار
بالمجمل؟
لا يقال فكيف يجب الزام المقر بحق الناس مجملا على البيان
والتوضيح؟ لأنا نقول: إنه وإن كان يصح ذلك في حق الناس إلا أنه ليس من
149

مذهبنا القياس.
وعلى الجملة فلا يجب الزامه بالبيان ولا يكلف التفصيل وقد وافق
على ذلك صاحب المسالك والجواهر.
وقد ظهر بما ذكرناه الجواب عن القول الثاني وهو أنه يكلف المقر،
بالبيان. كما أجاب عنه في الجواهر بالأصل وظاهر بعض النصوص والأمر بدرء
الحد بالشبهة وخبر أنس ولما في غير واحد من النصوص من ترديد جزم المقر
فكيف بالساكت ولقوله صلى الله عليه وآله: من أتى هذه القاذورات شيئا فستر
ستره الله وإن من بدا صفحته أقمنا عليه الحد، وقول أمير المؤمنين عليه السلام
للرجل الذي أقر عنده أربعا: ما أقبح في الرجل منكم أن يأتي بعض هذه
الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ أفلا تاب في بيته؟ فوالله لتوبته في ما
بينه وبين الله أفضل من إقامة الحد عليه.
فقد جعل الاقرار بالحد مجملا كالاقرار بالزنا تصريحا حيث لا يكلف
هو أن يقر ثانيا وثالثا ورابعا بل وكانوا عليهم السلام يرددون في مقال المقرين
واقرارهم ويلقونهم الشبهة كقوله صلى الله عليه وآله لعلك مجنون أو لعلك
غمزت، وأمثال ذلك.
ثم إن المحقق قدس سره كما استصوب هنا كلام ابن إدريس في طرف
الزيادة نفي عنه الاستبعاد في نكت النهاية أيضا وقد ذكر هناك نكات
ومطالب زائدة على ما أفاده هنا وإليك عبارته:
قوله: وقضى أمير المؤمنين في من أقر على نفسه بحد ولم يبينه أن يضرب
حتى ينهي هو عن نفسه الحد هل يعتبر هذا فيمن يعرف الحدود أم لا وهل
إذا بلغ معه المأة يقطع عنه الضرب أم لا؟
الجواب: روى هذه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام عن علي
عليه السلام في رجل أقر على نفسه بحد ولم يسم أي حد هو، قال: أمر أن يجلد
حتى يكون هو الذي نهى عن نفسه الحد. وهذا اللفظ مطلق فتحمل على
العارف وغيره وهذه الرواية مشهورة فيعمل بها وإن كان في طريقها قول،
150

ويؤيدها أنه اقرار من بالغ عاقل فيحكم به ولا أستبعد إذا وصل به إلى مأة
جلدة أن يقطع عنه الجلد وإن لم يمنع عن نفسه لأنه لا حد وراء المأة، وإذا نهى
عن نفسه قبل وإن كان دون الحد لاحتمال أن يكون ذلك توهمه وأنه يسمى
حدا فيسقط ما زاد للاحتمال إذ لا يثبت بالاقرار إلا ما يتحقق أنه مراد من اللفظ
انتهى كلامه رفع مقامه (1).
نقول: أما ما كان منه متعلقا بمحل الكلام هو أن النزاع في الحقيقة في أنه
هل يؤخذ باطلاق الرواية على تقدير صحتها ويحكم بأنه يضرب إلى أن ينهى
فما لم ينه يضرب وإن مات وانجر إلى زهوق روحه، أو أنه يقتصر على ضربه مأة
جلدة إن لم يزجر ضاربه قبل ذلك؟
ويدل على الأول اطلاق الرواية وعليه فيضرب كائنا ما كان.
وتمسك من قال بالثاني بأن هذا المقر لم يقر بأزيد من الحد ومن
المعلوم أنه لا حد فوق مأة وأزيد منها، وأما ما كان يزاد على هذه تغليظا ولأجل
ارتكابه القبيح في مكان شريف أو زمان كذلك فليس هو من الحد في شئ بل
هو أمر زائد على أصل الحد من باب التعزير والتأديب فيمن لم يراع شرف الزمان
المخصوص أو المكان كذلك وضيع حرمتهما، ومن المعلوم أن المقر في المقام قد
أقر بالحد لا بالحد والتعزير كليهما.
والظاهر أن هذا الكلام حسن فيكون معنى (يضرب حتى ينهى) أنه
يضرب كذلك إلى بلوغ الحد التام وهو المأة فحينئذ يخلى سبيله ولا حاجة
إلى أن ينهى فنهيه يفيد ويؤثر بالنسبة إلى ما قبل المأة إلا إذا ظن في حقه ما
يوجب القتل كزنا المحارم فهناك يمكن أن يقال إنه يضرب ما لم ينه عنه وإن
قتل به فإن حكم الزاني كذلك، وإن كان هو الرجم أو القتل لا عن جلد
وضرب، إلا أن ذلك إذا كان معينا وأما إذا كان مجملا فلا بأس بما ذكرناه.
لكني لم أر في كلماتهم من يقول بذلك.
هذا بالنسبة إلى استصوابه طرف الزيادة من كلام ابن إدريس وأما

(1) الجوامع الفقهية الصفحة 454.
151

بالنسبة إلى ما ذكره من كونه عارفا أو غيره فنقول:
وهل تعتبر في هذا الحكم - أي ضرب هذا المقر حتى ينهى - علمه
ومعرفته بالحدود المقررة في الشرع أو لا يعتبر ذلك؟
اعتبر ذلك بعض العلماء (1)، قال في كشف اللثام (عند قول العلامة ضرب
حتى ينهى عن نفسه): وإن لم يبلغ أحدا من الحدود المقدرة لأن نهيه يدل
على إرادته التعزير أو يبلغ المأة فإنها اقص الحدود وما يزاد لشرف المكان
أو الزمان تعزير زائد على أصل الحد والأصل عدمه.
ثم قال: نعم إن علم بالعدد وبالمسألة وطلب الزيادة توجه الضرب إلى أن ينهى انتهى.
أقول: والمستند في ذلك أنه إذا كان عارفا بالمسألة وبالحدود
والتعزيرات فإنه يعتمد بنهيه ويطمئن إليه فإذا نهى قبل بلوغ أقل الحدود فإنه
يعلم أنه أراد من الحد التعزير، كما أنه إذا نهى عند بلوغ الضربات ثمانين جلدة
يعرف أنه كان حده حد شرب الخمر وهكذا، بخلاف ما إذا لم يكن عالما
بالمسائل وعارفا بالحدود المقررة فإنه ربما يضرب فوق المقدار اللازم وهو لعدم كونه
عارفا لا ينهى أو أنه لشدة تسليمه قبال حكم الله تعالى وجده البلاغ في تطهير
نفسه عن دنس ما أتى به من الذنب قد هيأ نفسه لأن يضرب كملا ويرى أنه
كلما زيد في ضربه ازداد مغفرة ورحمة فلا بد من أن يكون عارفا حتى يكون نهيه
ناشيا عن علم وبصيرة فيعتمد عليه.
ولكن المحقق خالف في ذلك مستدلا بأن اللفظ مطلق فيحمل على
العارف وغيره كما عرفت آنفا من كلامه الذي نقلناه من النكت.

(1) قال الشهيد في غاية المراد: وخص هذا الحكم في النكت بالعالم بالحدود - ثم قال: - قلت:
وقول الأصحاب ببلوغ المأة فيه نظر إذ لم يعتبروا التعدد هنا وموجب المأة يعتبر فيه التعدد قطعا
وكذا في البلوغ إلى الأقل لما ذكر من اعتبار التعدد فإن كان مراد الأصحاب إن ذلك مع الاقرار
أربعا فليس ببعيد ما قالوه وإلا فهو مشكل، ولك أن تقول: إن من أقر مرة لم يتجاوز التعزير وإن
ثنى أو ثلث لم يتجاوز الثمانين وإن ربع لم يتجاوز المأة ويحتمله لجواز تغليظ الحد بالزنا في مكان
شريف أو زمان شريف ومع التعدد يحتمل حمله على التأسيس فيتعدد الحدود انتهى كلامه.
152

ويرد عليه إن الاطلاق متعلق بما إذا كان هناك حكم كلي قد تعلق
بمفهوم شامل لأفراد كما إذا قال أعتق رقبة حيث إن الرقبة شاملة للمؤمنة
والكافرة فما لم يدل دليل على اختصاص الحكم بالمؤمنة يؤخذ بالاطلاق ويقال:
إن المراد هو محض الرقبة سواءا كان مؤمنا أم كافرا، وأما إذا استعمل لفظ في مقام
الحكاية وإن كان لأجل بيان الحكم فلا اطلاق هنا كما إذا قال: رجل قتل
رقبة الخ فهل يمكن أن يقال: إن الرقبة مطلقة؟ وما نحن فيه كذلك فلا
اطلاق يشمل كليهما فالصحيح التمسك بترك الاستفصال، وذلك لوقوع هذا
الأمر بأمر الإمام عليه السلام وله وجهان فيمكن كونه في الواقع عارفا كما يمكن
كونه جاهلا ولما لم يسئل الإمام عن ذلك فلذا يحمل على العموم أي سواء
كان عارفا أو جاهلا.
ثم إن هنا كلاما آخر وهو أنه إذا ضرب مأة ثم كف عن ضربه أما بنهيه
أو لأنها أقصى الحدود فقد أجرى حد الزنا باقرار واحد والحال أنه يعتبر فيه
أربعة شهود وهكذا.
ولذا قال في كشف اللثام في مقام رفع الاشكال: واطلاق الخبر الأول
والأصحاب نزل على الحد الذي يقتضيه ما وقع منه من الاقرار فلا يحد مأة
ما لم يقر أربعا ولا ثمانين ما لم يقر مرتين ولا يتعين المأة إذا أقر أربعا ولا
الثمانون إذا أقر مرتين على قول غير ابن إدريس انتهى.
قوله: الخبر الأول يعني خبر محمد بن قيس المتقدم آنفا.
ثم إن كلامه محل النظر والاشكال وذلك لأن (أقر) ظاهر في الاقرار
مرة واحدة لا الاقرار بمقتضى الحدود مرتين أو أربع مرات فهذا تعبد خاص في
الموضع.
وقد تحصل من جميع ما ذكرناه في المقام أنه يؤخذ بالرواية ويعمل بها
فإذا أقر بحد ولم يبينه فإنه يضرب إلى أن ينهى عن نفسه إلى أن يبلغ المأة
فهناك يخلى سبيله.
153

حكم الرجل والمرأة الذين وجدا في إزار واحد
قال المحقق: وفي التقبيل والمضاجعة في إزار واحد والمعانقة روايتان
إحديهما مأة جلدة والأخرى دون الحد وهي أشهر.
البحث هنا في أنه إذا وجد الرجل والمرأة في إزار أو لحاف يقبلان
ويعانقان فهل يحكم عليهما بالحد أو التعزير؟ بعد أنه يحرم مضاجعة الأجنبيين
تحت إزار واحد مجردين.
مقتضى رواية هو الأول ومقتضى رواية أخرى هو الثاني ويستفاد من
عبارة المحقق إنه مائل إلى الثاني حيث عبر بأنه الأشهر، فهو مشعر بالتقدم
لقوله عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك (1).
وفي الجواهر في شرح (وهي أشهر): عملا على معنى أن في ذلك
التعزير المناط بنظر الحاكم الذي أقصاه مأة سوط دون الحد بل قيل إنه المشهور
بل في كشف اللثام الاجماع كما يظهر منهم عليه بل عن الغنية دعواه صريحا انتهى
والوجه في قوله: عملا إن روايات الحد أكثر.
فهم بين من عبر بالأشهر ومن عبر بالمشهور، ومن ادعى الاجماع على
ذلك، والفرق بين الأشهر والمشهور واضح لأن الأشهر مقابل المشهور وأما المشهور

(1) وقال الشيخ في المبسوط الجلد 8 الصفحة 7: إذا وجد رجل مع امرأة في فراش واحد يقبلها
أو يعانقها فلا حد عليه وعليه التعزير، وروي في بعض أخبارنا أنه يجلد كل واحد منهما مأة جلدة
وكذلك روى المخالف ذلك عن علي عليه السلام وقال بعضهم خمسين وقال الباقون يعزر انتهى.
وقال الشيخ المفيد في المقنعة الصفحة 774: فإن شهدوا عليه بما عاينوه من اجتماع في إزار والتصاق
جسم بجسم وما أشبه ذلك ولم يشهدوا عليه بالزنا قبلت شهادتهم ووجب على الرجل والمرأة التعزير
حسب ما يراه الإمام من عشر جلدات إلى تسع وتسعين جلدة ولا يبلغ التعزير في هذا الباب حد
الزنا المختص في شريعة الاسلام.
وقال العلامة في التحرير الصفحة 222: وفي التقبيل والمضاجعة في إزار واحد والمعانقة
التعزير.
154

فهو مقابل الشاذ.
وقد عقد المحدث الحر العاملي في ذلك بابا تحت عنوان: باب ثبوت
التعزير بحسب ما يراه الإمام على الرجلين والمرأتين والرجل والمرأة إذا وجدا في
لحاف واحد أو ثوب واحد مجردين من غير ضرورة ولا قرابة ويقتلان في الرابعة.
وهذه فتواه في المقام فيحب التعزير مع هذه القيود وكيف كان فقد ذكر في
هذا الباب خمسة وعشرين حديثا، وهذه الروايات على قسمين فبعضها يدل على
وجوب الحد أي مأة جلدة وبعضها الآخر على أن الحكم هنا هو التعزير وحيث
إن كل واحد من القسمين متضمن لروايات صحيحة السند صريحة الدلالة فلذا
كان الجمع بينهما وعلاج تعارضهما بما تطمئن إليه النفس مشكلا، كما أن الحكم
بالتساقط بعد تعارضهما أيضا في غاية الاشكال للاجماع على أن الحكم هنا واحد
من هذين واللازم هو المراجعة إلى الروايات والنظر فيها فلعلنا نصادف فيها شيئا
يجمع به بين الطائفتين.
فمنها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الجلد، أن
يوجدا في لحاف واحد والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد
والمرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحد (1).
وحيث إن الفرض الثاني متعلق برجلين والثالث بالمرأتين فلا بد من أن
يكون الفرض الأول متعلقا بالرجل والمرأة.
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: حد
الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد والرجلان يوجدان في لحاف واحد
والمرأتان توجدان في لحاف واحد (2).
وعن عبد الرحمن الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مأة جلدة (3)

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
155

وعن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل والمرأة
يوجدان في لحاف واحد جلدا مأة مأة (1).
وعن سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام: أن عليا عليه السلام قال: إذا
وجد الرجل مع المرأة في لحاف واحد جلد كل واحد منهما مأة (2).
إلى غير ذلك من الأخبار بهذا المضمون.
ولا شك في دلالة هذه الروايات على أن حد المجتمعين في لحاف
واحد هو الجلد، والظاهر من الجلد والحد هو حد الزنا مأة جلدة كما صرح
بكون حد ذلك مأة جلدة التي، التي هي حد الزنا في قسم منها كما عرفت
أما الأخبار الدالة على التعزير حيث استثنى فيها من المأة، واحدة فهي
هذه:
عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل والمرأة يوجدان في
اللحاف قال: يجلدان مأة مأة غير سوط (3).
وعن أبان بن عثمان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن عليا عليه السلام
وجد امرأة مع رجل في لحاف واحد فجلد كل واحد منهما مأة سوط غير سوط (4).
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلين يوجدان في لحاف
واحد قال: يجلدان غير سوط واحد (5).
وعن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام: إن عليا عليه السلام وجد رجلا
وامرأة في لحاف واحد فضرب كل واحد منهما مأة سوط إلا سوطا (6).
إلى غير ذلك من الروايات الشريفة الدالة على التعزير.
والأمر الصعب جدا هو الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات،

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 10.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 24.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 19.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 من أبواب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 20.
156

والقائلون بلزوم التعزير حملوا روايات المأة على وجوه لا تنافي ذلك بناءا منهم
على أن مقدمات الزنا ومناسباته لا تكون مثل الزنا نفسه.
ففي الوسائل في ذيل خبر ابن سنان ح 4: هذا محمول على الجلد
دون المأة في ذيل خبر الحذاء ح 5: هذا يحتمل الحمل على أنه يجلد
كل واحد منهما خمسين جلدة لوجود التصريحات الكثيرة السابقة والآتية بأنه
يجلد دون الحد انتهى.
وإن كان هذا الحمل عندنا بمكان من البعد لمخالفته للظاهر شديدا.
وقد يجمع بينهما بحمل روايات المأة على التقية وجعلوا رواية عبد الرحمن
بن الحجاج المتعرضة لدخول عباد البصري على الإمام الصادق عليه السلام: عن شاهدا
على ذلك عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه
عباد البصري ومعه أناس من أصحابه فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في
لحاف واحد فقال له: كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد
ضربهما الحد فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث
الحد حتى أعاد ذلك مرارا فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند
ذلك، الحديث (1).
قال في الجواهر: ولعل التأمل في الجمع بين النصوص يقتضي تعيين
كونه مأة إلا سوطا خصوصا بعد اشعار صحيح الحلبي الوارد في الرجلين بأن ذكر
المأة للتقية.
وفيه أن في رواية عبد الرحمن قرائن تدل على أن الحكم بالتعزير
واستثناء واحد من مأة، صدر تقية.
أحدها نسبة ضرب المأة إلى أمير المؤمنين عليه السلام فإن التقية تحصل
بالقاء الحكم على خلاف الواقع ولا حاجة إلى نسبة هذا الحكم إلى إمام آخر
فإنه كذب وافتراء (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 2 (2) أقول: يرد عليه إن في عدة من روايات هذا الباب نسب الإمام عليه السلام ضرب كل واحد مأة إلا
سوطا، إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فالاشكال مشترك الورود
157

ثانيها إن ظاهر السياق إن الإمام أبا عبد الله عليه السلام ذكر أولا الحكم
الواقعي ولما رأى الراوي نسب إليه صلوات الله عليه أنه قال من قبل (من غير
سوط) وأصر على ذلك فلم ير مقتضيا لبيان الحكم الواقعي فهناك قال: من
غير سوط.
ثالثها إن فتوى الفقهاء من العامة هو وجوب التعزير لا الحد كما صرح
بذلك الشيخ الطوسي قدس سره الشريف حيث قال:
روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبية يقبلها ويعانقها في
فراش واحد أن عليهما مأة جلدة، وروي ذلك عن علي عليه السلام وقد روي أن
عليهما أقل من الحد، وقال جميع الفقهاء عليه التعزير، دليلنا أخبار الطائفة، وقد
ذكرناها، وقد روت العامة ذلك عن علي عليه السلام (1).
قوله: وقد ذكرناها الخ مراده ذكر ذلك في كتبه الروائية مثل التهذيب
والاستبصار، وكيف كان فترى أنه نسب وجوب مأة جلدة إلى أصحابنا، والتعزير
إلى الفقهاء أي فقهاء العامة كما هو مصطلحه.
وإذا كان فتوى العامة هو وجوب التعزير فهل يصح القول بأن افتاء
الإمام عليه السلام بالمأة محمول على التقية؟ بل حمل نصوص دون الحد على التقية
أولى.
هذا كله مضافا إلى أن الحمل على التقية معناه الطرح وليس هو في
الحقيقة جمعا بين الروايات.
ومن وجوه الجمع ما أفاده شيخ الطائفة من حمل روايات المأة على صورة
علم الإمام بوقوع الزنا قال قدس سره بعد ذكر الأخبار الدالة على وجوب المأة ومن
جملتها خبر أبي الصباح الكناني المذكورة آنفا: الوجه في هذه الأخبار هو أنه إذا
انضاف إلى كونهما في إزار واحد، الفعل وعلم ذلك منهما الإمام فإن حينئذ
يقيم عليهما الحد كاملا (2).

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة: 9.
(2) التهذيب الجلد 10 الصفحة 44.
158

وعلى هذا فيعمل بأخبار التعزير لأن روايات المأة محمولة على صورة
الزنا وعلم الإمام بذلك.
وفيه أنه لا وجه لهذا الحمل بعد أن الظاهر منها هو بيان الحكم
الشرعي الكلي وليس في الروايات ما يشعر بذلك حتى يكون شاهدا له (1)
فيبعد في النظر جدا حملها على هذا الوجه فإن هذه الروايات متعرضة لأصل
الحكم وأما طريق اثبات الموضوع فهو موكول إلى مقام آخر (فتأمل).
ومنها ما أفاده أيضا من حمل روايات المأة على صورة قد زبره الإمام ونهاه
ثم وجد أنه قد عاد إلى فعل الأول.
قال قدس سره بعد ذكر خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد وقامت بذلك
عليهما البينة ولم يطلع منهما على سوى ذلك جلد كل واحد منهما مأة جلدة:
فيحتمل هذا الخبر أن يكون المراد به من قد زبره الإمام وأدبه ونهاه عن
ذلك بفعل كان منه ثم وجده قد عاد إلى مثل فعله فحينئذ جاز له إقامة الحد عليه
كاملا وهذا الوجه تحتمله الأخبار الأول والذي يدل على ذلك.. الخ (2).
أقول: وهذا أيضا خلاف الظاهر وبعده غير خفي (3) ويمكن أن
يجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على المأة على ما إذا وجدا مجردين وأما إذا
وجدا لا كذلك فهناك يضربان مأة إلا واحدا.
ويمكن الاستشهاد لذلك برواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: كان علي عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد
الزاني مأة جلدة كل واحد منهما وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد
مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مأة جلدة (4).

(1) أقول: ذكر الشيخ خبر حسين بن خالد شاهدا ودليلا على حملة فراجع.
(2) التهذيب الجلد 10 الصفحة 44.
(3) أقول: إنه قدس سره جعل رواية أبي خديجة دليلا على ما أفاده فراجع.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 15.
159

نعم لا تعرض في هذه الرواية للرجل والمرأة وإنما المفروض فيها الرجلان
مرة والمرأتان أخرى وبذلك تخصص أخبار المأة بما إذا وجدا مجردين لا مع
الثوب فإن حكمه هو أقل من مأة.
اللهم إلا أن يقال بعدم خصوصية للفرضين المذكورين، بل اجتماع الرجل
والمرأة تحت لحاف واحد أيضا كذلك وعلى هذا فتخصص الحكم في الجميع
أي الصور الثلاثة وإلا فيقتصر على الفرضين المذكورين في رواية أبي عبيدة.
وكيف كان فقد جمع بين الطائفتين بهذا النحو فإنهما كالمثبتين، وقد ذكر
هذا القيد في كلمات جماعة من العلماء القائلين بالمأة.
إلا أنه يمكن الاشكال في هذا الوجه أيضا بأن التقييد في المثبتين متعلق
بما إذا أحرزت وحدة الحكم ولم يحتمل تعدده مثل: إن ظاهرت فاعتق رقبة
وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة، وهنا لانقطع بذلك، فربما يكون الحكم في
المجردين وغير المجردين مأة جلدة، ولو قيدنا بهذا القيد فلعله يقتصر فيه على
الموردين، وأما في الرجل والمرأة الذي لم يذكر في الخبر فلا، بل يقال هناك
بالاطلاق.
كما أنه لو شك في اعتبار هذا القيد وعدمه فالحد يدرء بذلك وعلى
هذا فلا يحدان ولا يعزران بدون ذلك إلا مع فرض حرمة كونهما تحت لحاف
واحد مطلقا نعم معلوم أن كون الرجل والمرأة تحت لحاف واحد حرام لأنه أولى
من مجرد النظر الذي هو حرام بل أولى من مجرد كونهما في الخلوة الذي ورد فيه:
إن ثالثهما الشيطان فهنا لا حاجة إلى قيد التجرد كما لا حاجة في الحرمة ووجوب
التعزير إلى روايات هذا الباب وهذا بخلاف الرجلين فإن نومهما تحت لحاف
واحد ليس في حد نفسه بحرام فيقيد بما إذا كانا مجردين فيحرم ويعزران وكذلك
المرأتان.
وقد يجمع بين الطائفتين بالتخيير فإن هذا هو مقتضى تعارض الأخبار
الصحاح الواجدة لشرائط الحجية.
والذي يقتضي القاعدة هو الأخذ بروايات المأة فإنها مخالفة للعامة كما
160

رأيت ذلك في كلمات الشيخ قدس سره في الخلاف، مضافا إلى أنها أكثر عددا
فيؤخذ بهذه ويغض النظر عن روايات ما دون مأة لموافقتها لمذهب العامة.
وإن كان ربما يستبعد في الذهن تساوي النوم تحت لحاف واحد، والزنا،
في الحكم بأن يكون حد كل منهما مأة لكن إذا ثبت التعبد فلا مجال للاستبعاد.
كما أن مقتضى قوله عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك، أيضا هو
القول بالتعزير.
نعم يشكل ذلك أي القول باعتبار المأة، إن العلماء رضوان الله عليهم أجمعين
مع أنهم قد رأوا تلك الروايات الدالة على المأة ونقلوها ومع أن بناءهم على
العمل بالأخبار الصحاح واضحة الدلالة، لم يعملوا بتلك الأخبار وهذا مما
يوجب سلب الاطمينان بالنسبة إليها ويبدو في الذهن الظن بأنه كانت عندهم
قرينة حملتهم على الاعراض عن هذه الأخبار ولم يقولوا بالتخيير فضلا عن الافتاء
بخصوص المأة.
وأما احتمال الجمع بينهما بكون الأخبار الدالة على المأة في مورد الرجل
والمرأة، وأخبار التعزير في مورد الرجلين، أو المرأتين، فهو في غير محله وذلك لورود
الأخبار المتعارضة في كل واحد من الموارد الثلاثة.
أما بالنسبة إلى الرجل والمرأة فقد تقدم.
وأما في مورد الرجلين فرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد
تقدم نقلها، وفيها: والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد، الحد..
وصدر رواية عبد الرحمن بن الحجاج في قصة عباد البصري: كان علي عليه السلام
إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد..
ورواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام التي مر نقلها وفيها:
حد الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يوجدان في لحاف
واحد.
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
161

كان علي عليه السلام إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد (1)..
ورواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي عليه السلام
إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مأة جلدة كل واحد
منهما (2).
وأما ما يعارض ذلك فمنها ذيل الرواية الواردة في قصة عباد البصري
وفيها: فقال: غير سوط.
ومنها رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام.. قلت
الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: يضربان، قال: قلت: الحد قال: لا (3).
ومنها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلين يوجدان
في لحاف واحد قال يجلدان غير سوط واحد (4).
ومنها رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله
عليه السلام فقال: جعلت فداك، الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد فقال: ذوا
محرم؟ فقال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا
ثلاثين سوطا (5).
ومنها رواية حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد تحت فراش رجل فأمر به أمير المؤمنين عليه السلام
فلوث في مخرؤة (6).
وأما المرأتان، فالروايات الدالة على لزوم الحد عليهما كثيرة منها رواية
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمة ففي آخرها: والمرأتان تجلدان إذا
أخذتا في لحاف واحد الحد.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 15.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 16.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 21.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 6 من حد اللواط الحديث 1.
162

ومنها خبر عبد الله بن سنان: عن أبي عبد الله عليه السلام: حد الجلد في
الزنا.. والمرأتان توجدان في لحاف واحد (1).
ومنها خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: كان علي عليه السلام.. فإذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحد (2).
ومنها رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي
عليه السلام إذا وجد.. وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين
جلدهما كل واحدة منهما مأة جلدة (3).
ومنها رواية عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام: حد الجلد في
الزنا.. والمرأتان توجدان في لحاف واحد (4).
ومنها رواية أبي خديجة قال: لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد
إلا وبينهما حاجز فإن فعلتا نهيتا عن ذلك فإن وجدهما بعد النهي في لحاف
واحد جلدتا كل واحد منهما حدا حدا (5).
وأما ما يعارض ذلك فمنها رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال: تضربان: قلت: حدا؟
قال: لا (6).
ومنها رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله
عليه السلام.. قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحاف؟ فقال: ذواتا محرم؟ قلت:
لا. قال: من ضرورة؟ قلت: لا، قال: تضربان ثلاثين سوطا (7)..
وأما قيد المحرمية وعدمها الذي ورد في هذه الرواية رواية سليمان

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 15.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 23.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 25.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 16.
(7) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 21.
163

صدرا وذيلا فنقول: إنه لو كان كونهما تحت لحاف واحد للريبة وقصد السوء
فأمره أشد، وأثمه أعظم من غير المحرم كما أن الزنا بالمحارم كذلك فلا بد من
أن يكون سؤال الإمام عليه السلام لأجل استظهار أنه مع المحرمية والقرابة لا
يصدر منهما قصد السوء والفساد والفحشاء فالأب أو الأخ لا يصدر منهما بحسب
النوع قصد المعصية بالنسبة إلى ابنه وأخيه، وعلى الجملة فاجراء الحد
أو التعزير منوط بأن يعلم منهما إرادة الفساد والعصيان وأما بدون ذلك فلا
يترتب على مجرد كونهما تحت لحاف واحد، شئ لأن ذلك ليس بحرام.
كما أنه بالنسبة إلى التجرد وعدمه نقول: إنهما لو كانا رجلين ولم يكونا
مجردين فلا شئ، وأما لو كانا مجردين فهناك يترتب الحد أو التعزير، وكذا في
المرأتين، وأما الرجل والمرأة فمجرد كونهما تحت لحاف واحد يوجب التعزير لأنه
حرام مطلقا سواء كانا مجردين أو غير مجردين كما تقدم ذلك.
وعلى الجملة فمع وجود التعارض بين الأخبار في كل من المقامات
الثلاثة فلا وجه للحمل المزبور أي حمل أخبار المأة على صورة كونهما رجلا ومرأة
وأخبار التعزير على صورة كونهما رجلين، أو امرأتين.
هذا كله مضافا إلى أن أخبار الزنا الدالة على أنه يعتبر في الزنا أن يكون
الشهود قد رأوه ذلك بالنحو المعروف أي كالميل في المكحلة وإلا فلا يحد، تكون
بنفسها كالمعارض لأخبار الحد في المقام فإنه يبعد في النظر جدا أن يجعل حد الزنا
لمجرد كونهما تحت لحاف واحد ولو كان الأمر كذلك لما كانت حاجة إلى أن
يروهما كذلك بل يقتصر على الشهادة بكونهما تحت لحاف أو إزار واحد
ويجلدان مأة جلدة بلا حاجة إلى تلك القيود الصعب التحقق.
اللهم إلا أن يكون مجرد كونهما تحت لحاف واحد أمارة على تحقق الزنا
وطريقا إليه.
وأما ما قيل من أن الروايات الدالة على ضربهما مأة مقيدة برواية أبي
خديجة المذكورة آنفا الدالة على نهي الامرأتين اللتين كانتا في لحاف واحد، عن
ذلك ثم إن فعلتا ذلك ثانيا جلدت كل واحدة منهما حدا والنتيجة إن
164

المضطجعين تحت لحاف واحد ينهيان أولا ثم في المرة الثانية يجلدان، فجلد مأة
يختص بالمرة الثانية وأما قبلها فما دونها.
ففيه أن ذلك غير تام لخلو الروايات الكثيرة الواردة في مقام البيان عن
هذا القيد فلا يكتفى في تقييدها برواية واحدة مثلها (1).
هذا كله بالنسبة إلى أصل الحد والتعزير، والنزاع في اختيار هذا أو
ذاك، وقد ظهر بما ذكرناه أن المشهور لم يعملوا بأخبار الحد أي مأة جلدة فهي
مطروحة.
وأما البحث في نفس التعزير ومقداره فنقول: قد ورد في هذه الروايات
أنه يضرب أو يجلد مأة إلا سوطا واحدا وظاهره تعيين ذلك كما أن ظاهر رواية
سليمان بن هلال (2) هو تعيين الثلاثين سوطا.
لكن يشكل الأمر بالنسبة إلى تعيين المأة دون سوط حيث أنه قال في
الجواهر: إني لم أجد بذلك قائلا انتهى، وعلى هذا فلا بد من أن يقال بأن
المراد كون هذا أكثره.
وأما بالنسبة إلى أقله فمقتضى كون التعزير بنظر الإمام وإن كان هو
جوازه إلى واحدة لكن خبر ابن هلال صريح في اعتبار الثلاثين فإن كان
مخدوشا من حيث السند فهو وإلا فمع صحة السند أو انجبار ضعفه بالعمل فلا
محيص عن القول بأن أقله الثلاثون.
والرواية وإن كانت واردة في خصوص الرجلين وكذا المرأتين إلا أن
الظاهر اتحاد الحكم من هذه الجهة وعلى هذا فالأمر بيد الحاكم في هذه
المحدودة أي من ثلاثين إلى تسعة وتسعين بحسب ما يراه من المصالح لا
خصوص التسعة والتسعين.
والوجه في ذكر الأكثر بأن يكون منتهاه مأة إلا واحدا مع أن أمر التعزير

(1) قال العلامة المجلسي في المرآة الجلد 23 الصفحة 309 عند ذكر خبر أبي خديجة: مختلف
فيه.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 21.
165

بيد الإمام ومحول إلى نظره، هو خصوصية هذا العمل الشنيع بالنسبة إلى غيره من
المعاصي وهذا التعزير بالنسبة إلى غيره من التعزيرات فإن عظمة هذه المعصية
اقتضت أن يذكر إن لتعزيره مجالا واسعا إلى أن يبلغ مأة دون واحد ومناسبة هذه
المعصية تقتضي أن يجلد مرتكبها بأكثر من مرتكب سائر المعاصي وإلا فأمر
التعزير بيد الحاكم الشرعي.
ثم لو شك في تعيين خصوص المأة إلا واحدا أو أن الواجب هو ضربه
ما بين الثلاثين إلى تسع وتسعين فالاحتياط في اجراء الحدود يقتضي الثاني
والنتيجة إن مأة سوط غير سوط نهاية التعزير.
قال المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: فينبغي العمل
بالاحتياط التام في الحدود خصوصا القتل لا درءوا، وبناء الحد على التخفيف
مهما أمكن فتأمل انتهى.
بقي أمران. أحدهما: إن هذه المباحث كلها متعلقة بما إذا كان في حال
الاختيار وبلا ضرورة أما إذا دعتهما الضرورة كالبرد الشديد أو غير ذلك إلى أن
يكونا تحت لحاف واحد فلا بأس به ولا يجري هناك تلك المطالب كما يستفاد
ذلك من بعض الروايات الواردة في الباب أيضا (1).
ثانيهما إنه لا خصوصية للحاف بل الحكم هو ما ذكرناه إذا كانا تحت
إزار واحد أيضا فالملاك مطلق ستر يمكن لهما الاستمتاع به وتحته وقد وردت
الرويات أيضا بالتعبيرين لا بخصوص أحدهما (2).
الكلام في ما لو أنكر بعد ما أقر
قال المحقق قدس سره: لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم.

(1) أقول وذلك كخبر سليمان بن هلال (الحديث 21) حيث سئل الإمام أن ينام الرجل مع الرجل
في لحاف واحد هل كان من ضرورة؟ فراجع.
(2) كرواية أبي بصير (الحديث 7) ورواية معاوية بن عمار (الحديث 16) حيث عبرنا بالثوب،
وأما التعبير باللحاف فكثيرة وقد تقدم.
166

أقول: الظاهر من العبارة هو الاقرار المعتبر في باب الزنا وهو الاقرار أربعا
فإن الاقرار مرة واحدة مثلا لا يؤثر في الرجم فهو لم يكن ينفع شيئا حتى يحتاج
رفع الحد إلى ذلك أي الانكار بعد الاقرار.
وفي الجواهر بعد عبارة الشرايع: بلا خلاف أجده كما عن الفخر
الاعتراف بل يمكن تحصيل الاجماع عليه.
قال شيخ الطائفة: إذا أقر بحد ثم رجع عنه سقط الحد وهو قول
أبي حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن مالك، وعنه رواية أخرى أنه
لا يسقط وبه قال الحسن البصري وسعيد بن جبير وداود. دليلنا اجماع الفرقة
وأيضا فإن ماعزا أقر عند النبي صلى الله عليه وآله بالزنا فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال:
لعلك لمست، لعلك قبلت فعرض له بالرجوع حين أعرض عند اقراره وصرح له
بذلك في قوله: لعلك لمست لعلك قبلت ولولا أن ذلك يقبل منه لم يكن له
فائدة انتهى (1).
وتعبيره بالحد مطلق شامل للحد والرجم، وكيف كان فقد تمسك
قدس سره في اثبات المطلب بخبر ماعز.
وتبعه في ذلك الشهيد الثاني في المسالك فقال: وأما سقوط الرجم
بالانكار فيدل عليه قضية ماعز وتعريض النبي صلى الله عليه وآله له بالانكار بعد الاقرار ولولا
قبوله منه لم يكن لترديده فائدة (2).
وفيه أنه لا مساس لخبر ماعز بمسئلتنا هذه وذلك لأن الكلام في الانكار
بعد تمام الاقرار الموجب للرجم، والحال أن خبر ماعز يدل على أنه صلى الله عليه
وآله كان بترديده وتلقينه ما لقنه بصدد أن لا يتم ولا يتحقق الأقارير الأربعة
وكان يجد ويجتهد في أن يقول ماعز: إني لمست أو قبلت، رجاء أن لا تكمل

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة 17.
(2) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 426 واستدل قدس سره بقوله ص لأصحابه لما فر من الحفيرة
فأدركوه وقتلوه: هلا تركتموه وجئتموني به لنستتيبه، وفي بعض ألفاظها: هلا رددتموه إلي لعله
يتوب انتهى.
167

الأربعة، وأين هذا من أنه لو كان المقر ينكر ما أقر به أربعا لكان النبي صلى الله عليه وآله يقبل
منه فليس في الخبر ما يدل على ذلك وهو صلى الله عليه وآله وإن قال له: إن
أقررت الرابع رجمتك، المستفاد منه أنه إن لم يقر الرابعة لا يرجمه لكن لم يقل
بأني ما أرجمك إن أنكرت بعد تحقق الاقرارات وتمامها (1) وعلى هذا
فالاستدلال بخبر ماعز للمقام غير سديد.
والعمدة في مقام الاستدلال الروايات الواردة في الباب وهي تغنينا عن
التمسك بخبر ماعز وقد جمعها في الوسائل في باب عنونه بقوله: باب إن من أقر
بحد ثم أنكر لزمه الحد إلا أن يكون رجما أو قتلا ويضرب المقر بالرجم الحد
إذا رجع.
وقد أضاف القتل وأفتى بجريان حكم الرجم فيه وهو محل الكلام
وسنتعرض له إن شاء الله تعالى كما أنه ذكر أيضا إن من أقر بموجب الحد ثم أنكر
يضرب الحد وهذا قد ذكر في بعض الروايات وإليك تلك الأخبار.
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أقر على نفسه بحد ثم
جحد بعد فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن
رغم أنفه وإن أقر على نفسه أنه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت
فإن أقر على نفسه بحد يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟ فقال: لا ولكن كنت
ضاربه الحد (2).
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أقر الرجل على نفسه
بحد أو فرية ثم جحد جلد قلت: أرأيت إن أقر على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم
أكنت ترجمه؟ قال: لا ولكن كنت ضاربه (3).
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقر على نفسه

(1) أقول: الظاهر أن معنى قوله صلى الله عليه وآله، إن رجوعك ينفع الآن ولا ينفع بعد تمام الأربع.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدمات الحدود الحديث 2.
168

بحد أقمته عليه إلا الرجم فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم (1).
ومعلوم أن الظاهر منها اقراره أربعا وبعد تمام الأربع لا قبل ذلك فإنه
بعد ليس عليه الرجم.
الانكار بعد الاقرار في مورد القتل
وهل يلحق القتل بالرجم في أنه يسقط بالانكار بعد الاقرار - أم لا؟
فرض المسألة هو ما إذا أقر بالزنا الذي يوجب القتل كالزنا بالمحارم ثم
رجع عن ذلك، فقال ابن حمزة: ويستحب للحاكم التعريض إليه بالرجوع وإن
رجع بعد الأربع لم يسقط إن كان موجبه الجلد وسقط إن كان موجبه القتل (2).
وقال العلامة في القواعد: ولو أنكر ما أقر به من الحدود لم يلتفت إليه
إلا بما يوجب الرجم فإنه يسقط بانكاره - ثم قال: - وفي الحاق القتل به
اشكال (3).
وقال المحقق في المختصر النافع: ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكره
سقط عنه ولا يسقط غيره.
وقال السيد صاحب الرياض بشرح العبارة: ويدخل في اطلاق غير
الرجم في النص والعبارة ونحوها، القتل بغيره فلا يسقط بالرجوع عن الاقرار
واستشكله في القواعد من خروجه عن المنصوص ومن الاحتياط في الدماء وبناء
الحد على التخفيف ولعل هذا أظهر وفاقا للمحكى عن الوسيلة لذلك ولمنع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 410.
(3) وقال فخر الدين في الإيضاح، الجلد 4 الصفحة 473 في شرح العبارة: هنا مسئلتان (ألف) سقوط
الرجم بالانكار، ولا خلاف بين الأصحاب فيه (ب) سقوط القتل كالزنا بالعمة أو الخالة أو إحدى
المحرمة لو أنكره بعد الاقرار قال المصنف: فيه اشكال، ينشأ من ثبوت المقتضى وهو الانكار لما
بني على التخفيف، ولمبالغة الشارع في عصمة دم المسلم، وبنائه على الاحتياط التام ومن عدم
النص عليه، وامتناع القياس عندنا والأقرب عندي الأول انتهى.
169

اختصاص النص بالرجم.
وفي الجواهر: وفي الحاق القتل به اشكال من الاحتياط في الدماء
وبناء الحد على التخفيف، ومن خروجه عن النص، ولعل الأول لا يخلو عن
قوة. انتهى.
ويدل على كون القتل كالرجم في الحكم المبحوث عنه، مرسل جميل بن
دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: إذا أقر الرجل على
نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود فإن رجع وقال: لم أفعل ترك ولم
يقتل (1).
قوله عليه السلام: إذا أقر على نفسه بالقتل، أي بموجب القتل كالزنا
بالمحارم وليس المراد أنه أقر بقتل أحد حتى يجب قتله، وذلك لظهور كونه
من باب الحد عرفا لا القود والقصاص، خصوصا بلحاظ تعين القتل في المقام
فإن القتل قصاصا يختص بما إذا كان عمدا مع مطالبة الولي ذلك حيث إنه
حق له لقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في
القتل (2).
هذا مضافا إلى أن القصاص من حقوق الناس وهو لا يسقط بالانكار
ولذا قال المجلسي رضوان الله عليه عند ذكر الرواية: ولعل المراد ما يوجب القتل
من الحدود انتهى (3).
والرواية تدل على سقوط القتل إذا أنكر بعد ما أقر بموجبه وهي وإن
كانت مرسلة إلا أن مرسلها جميل بن دراج الذي له مكانة معلومة وتكون مرسلاته
كمرسلات ابن أبي عمير في حكم المسانيد.
وعلى هذا فلا بأس بالعمل بها في القتل الواجب بالزنا خصوصا بعد أنها
موافقة للاحتياط وبناء الحدود على التخفيف.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب مقدمات الحديث 4.
(2) سورة الإسراء 33.
(3) مرآة العقول الجلد 23 الصفحة 340.
170

وهل يجب عليه اليمين أم لا؟
الظاهر أنه يسقط الرجم والقتل على ما مر بالانكار بعد الاقرار مطلقا
بلا حاجة في ذلك إلى يمينه.
نعم نقل وحكي عن جامع البزنطي أنه يحلف ويسقط عنه الرجم وأنه
رواه عن الصادقين عليهما السلام بعدة أسانيد.
إلا أنه قال في الجواهر: ولكن لم نقف على شئ منها فالمتجه عدم
اعتباره (1).
وهل يجب جلده أو تعزيره أم لا؟
ثم إنه بعد سقوط الرجم والقتل على ما تقدم فهل يخلى سبيله
أو أنه يجب اجراء حد الجلد عليه أو أنه لا جلد عليه أيضا بل يجب تعزيره؟
مقتضى بعض الروايات الواردة في المقام، انتفاء الاحتمال الأول، إذا
فيبقى الاحتمالان الآخران، ومنشأ الإشكال هو الاختلاف في ضبط رواية
الحلبي.
ففي الكافي: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن
أبان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل.. فإن أقر على نفسه بحد
يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟ قال: لا ولكن كنت ضاربه الحد (2) ورواها
الشيخ قدس سره كذلك في التهذيب (3).
ومقتضى هذا الضبط هو وجوب حده بعد أن سقط عنه الرجم أو القتل.

(1) أقول: وفي الرياض، وليس فيها (أي النصوص) ولا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار
الحلف، وعن جامع البزنطي أنه يحلف ويسقط عنه الرجم وأنه رواه عن الصادقين ع بعدة أسانيد
فلم أقف على شئ منها. راجع الرياض الجلد 2 الصفحة 7 46.
(2) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 4.
(3) التهذيب الجلد 10 الصفحة 123 الحديث 109.
171

لكن في رواية أخرى عنه ليس فيها لفظ (الحد) وهي:.. علي بن
إبراهيم عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أقر الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد
قلت أرأيت إن أقر بحد على نفسه يبلغ فيه الرجم أكنت ترجمه؟ قال: لا ولكن
كنت ضاربه (1).
وهنا قد اقتصر على ذكر الضرب وليس هو ظاهرا في الحد.
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقر على نفسه بحد
أقمته عليه إلا الرجم فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم (2).
وهنا اقتصر على مجرد سقوط الرجم وليس فيه ذكر عن سوى ذلك. وقد
نقل الفيض رضوان الله عليه رواية الحلبي في الوافي - وهو معروف بالضبط - مع
لفظة: ولكن كنت ضاربه الحد (3) نعم نقل بعد ذلك عن التهذيب رواية محمد بن
مسلم الخالية عن ذكر الحد.
لكن حيث إن هذا اللفظ مذكور في رواية الحلبي المنقولة عن أبان
فالأقوى هو الحكم باجراء الجلد عليه بعد سقوط الرجم عنه.
وبذلك يظهر ضعف ما ذكرناه في جواب الاستفتاء عن ذلك في مجمع
المسائل من الحكم بسقوط الرجم إلا أنه يعزر ولا يسقط التعزير بالانكار بعد
الاقرار (4) نعم ذكر في الجواهر الروايتين كلتيهما بدون ذكر الحد.

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 3.
(2) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 5.
(3) الوافي الجلد 3 الصفحة 76.
(4) لعل الظاهر هو ما أفاده في المجمع الجلد 2 الصفحة 193 فإنه يبدو في الذهن إن المراد من
الحد هو التعزير كما قال العلامة المجلسي في المرآة الجلد 23 الصفحة 339 في ذيل خبر
الحلبي: حسن وهذا الخبر وما يوافقه من الأخبار الآتية محمولة على أنه جحد بعد الاقرار فإنه
يسقط به الرجم دون غيره من الحدود ويكون الحد المذكور في بعض الأخبار محمولا على التعزير، إذ
ظاهر كلامهم إنه مع سقوط الرجم لا يثبت الجلد تاما.
172

عدم تأثير للانكار بعد الاقرار في سقوط الحد
هذا كله حكم الانكار بعد الاقرار في مورد الرجم والقتل، وأما لو أقر
بحد غير ذلك ثم أنكر فهل يوجب انكاره سقوط الحد عنه؟
قال المحقق: ولو أقر بحد غير الرجم لم يسقط بالانكار.
أقول: ويدل على ذلك صدر خبر الحلبي المذكور آنفا عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل أقر على نفسه بحد ثم جحد بعد فقال: إذا أقر على نفسه عند
الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه (1).
نعم في خبر جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام
.. وقال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن السرقة ولم
يقطع إذا لم يكن شهود (2).
وهذا يدل على سقوط حد السرقة وهو القطع بالانكار بعد الاقرار. لكن
فيه أنه مع كونه مرسلا شاذ لا عامل به.
وقد حمل على الرجوع بعد الاقرار مرة أي قبل تمام الاقرار المعتبر فيه فإن
المال وإن كان يثبت بالاقرار مرة واحدة إلا أن القطع لا يثبت إلا بالاقرار مرتين.
وإن كان هذا الحمل خلاف الظاهر فإن عدم القطع حينئذ لا يحتاج
إلى الرجوع.
لا يقال: إذا كان الرجم يسقط بالانكار بعد الاقرار فلا بد من أن يسقط
الجلد بعده فإنه سقط الرجم مع كمال أهميته فالجلد أولى بالسقوط بذلك.
لأنا نقول: إن أمر الحد أسهل من الرجم والقتل فترى أنه يضرب ثم
يقوم ويشتغل بحوائجه ولوازم عيشه ومعيشته وهذا بخلاف الرجم مثلا الذي
يختم على حياته وحينئذ فلو سقط الرجم بالانكار بعد الاقرار فهذا لا يلازم أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدمات الحدود الحديث 5.
173

يسقط الجلد أيضا بذلك.
فتحصل من جميع هذه الأبحاث إن الحكم في الرجم والقتل استثنائي
ومن باب التخصيص وإلا فلا ينفع الانكار بعد الاقرار.
إذا أقر ثم تاب تخير الإمام في إقامة الحد والعفو
قال المحقق: ولو أقر بحد ثم تاب كان الإمام مخيرا في إقامته رجما كان
أو جلدا.
وفي الجواهر بعد هذه الجملة: بلا خلاف أجده في الأول بل في
محكى السرائر الاجماع عليه بل لعله كذلك في الثاني أيضا وإن خالف هو فيه
للأصل الذي يدفعه أولوية غير الرجم منه بذلك والنصوص المنجبرة بالتعاضد
وبالشهرة العظيمة الخ (1).
أقول: إن ما ذهب إليه ابن إدريس هو مقتضى مبناه المعروف من عدم
العمل بأخبار الآحاد فيبقى أن الحكم في الرجم اجماعي فيقول به ولا اجماع في
غيره فلا يقول به فيه.
قال في السرائر: لأنا أجمعنا أنه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه ولا
اجماع على غيره، فمن ادعاه وجعله بالخيار وعطل حدا من حدود الله فعليه
الدليل.
واستدل في الثاني بالأصل، بيان ذلك أنه إذا شك في سقوط الحد
بعد استحقاقه بالاقرار فالأصل عدم سقوطه.
وقد أجاب عنه صاحب الجواهر بأولوية غير الرجم منه بذلك. توضيح
ذلك أنه إذا كان الرجم مع ما هو عليه من الأهمية يسقط بالتوبة فالحد الذي
هو أخف وأهون منه أولى بالسقوط بها.
وقد تمسك بها غيره أيضا كالشهيد الثاني في المسالك (2).

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 293.
(2) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 426 قال قدس سره بعد ذكر الروايات في بيان مستند سقوط الرجم: وتخيير الإمام بعد توبة المقر، بين حده والعفو عنه مطلقا، وهو المشهور بين الأصحاب وقيده
ابن إدريس بكون الحد رجما، والمعتمد المشهور، لاشتراك الجميع في المقتضى، ولأن التوبة إذا
أسقطت تحتم شد العقوبتين فاسقاطها لتحتم الأضعف أولى انتهى كلامه رفع مقامه.
174

وفيه أن الجلد وإن كان أخف من الرجم، إلا أن هذا بنفسه يقتضي
أن لا تكون أولوية أصلا لأن في الرجم تلف النفس وزهوق الروح بخلاف
الجلد فإنه مجرد ايلام وايذاء ومن المعلوم أن حفظ النفس مما اهتم به الشارع
كثيرا كما يشهد بذلك لزوم الاحتياط في الشبهات في باب الدماء إلى أن
يتحقق ويثبت المبرر للقتل فلو كانت التوبة موجبة لجواز العفو عن الرجم فهذا لا
يلازم جواز العفو عن الجلد أيضا فضلا عن أن يكون ذلك أولى بعد ما نعلم
باهتمام الشارع في حفظ الدماء المحترمة والنفوس المصونة بما لم يهتم بشئ سواه.
نعم النصوص الواردة المنجبرة بالعمل تدل على العموم.
فمنها خبر ضريس الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يعفى عن
الحدود التي لله دون الإمام، فأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن
يعفى عنه دون الإمام (1).
فإن المفهوم من صدره هو أن للإمام العفو عن حدود الله تعالى وأنه
مختص به.
ومنها ما عن أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين
عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة فقال له:
أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدمات الحدود الحديث 1، أقول: وقد أورد عليه سندا
ومتنا أما الأول. فلأن راوي الخبر وهو ضريس الكناسي لم يرد فيه مدح وأما الثاني:
فلعدم ذكر فيه عن الاقرار فلعله يشمل ما ثبت بالشهادة.
ويمكن الجواب أما عن الأول فبجبران ضعف الخبر بعمل الأصحاب على ما هو مذاق سيدنا
الأستاذ الأكبر دام ظله وسيصرح في المتن بذلك، هذا مضافا إلى ما ذكروه من كون ابن محبوب في
سلسلة السند وهو من أصحاب الاجماع. وأما عن الثاني فبان أمره سهل بعد عدم القول
بالاطلاق، ولعل الرواية أيضا لم تكن في مقام إفادة ذلك مطلقا.
175

قال: فقال الأشعث: أتعطل حدا من حدود الله؟ فقال: وما يدريك ما هذا، إذا
قامت البينة فليس للإمام أن يعفو وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن
شاء عفا وإن شاء قطع (1).
ومنها ما عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي الحسن
الثالث عليه السلام في حديث قال: وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم
عليه البينة وإنما تطوع بالاقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب
عن الله كان له أن يمن عن الله أما سمعت قول الله: هذا عطائنا فامنن أو أمسك
بغير حساب (2).
وهذه الروايات وإن كان كلها أو أكثرها ضعيفة لكنها منجبرة بعمل
الأصحاب كما تقدم ذلك
ثم إن صريح المتن وكذا كلمات غيره من الفقهاء هو اعتبار التوبة في
حين أنه لم يكن في هذه الروايات ذكر عن التوبة أصلا، وفوق ذلك أن المستفاد
منها كون الملاك والميزان هو اقراره فإذا ثبت الاقرار يكون الحاكم مخيرا بين عفوه
واجراء الحد عليه.
اللهم إلا أن يقال: إن اقراره هذا عند الحاكم للتطهير، يكون توبة (3)
وإلا لما استسلم للقتل أو الرجم أو الحد، وعلى هذا فيصدق أنه قد تاب باقراره.
إلا أن ظاهر عباراتهم هو لزوم التوبة مضافا إلى الاقرار.
وفي الجواهر (4): ولعل اتفاقهم عليه (أي على اعتبار التوبة) كاف
في تقييدها الخ وعليه فقد خصصت تلك الروايات بالاجماع القائم على لزوم
التوبة، فلا يكفي التوبة المطوية، في ترتب هذا الأثر على الاقرار بل لا بد من

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(3) أقول: خصوصا بلحاظ اشعار لفظ (تطوع) المذكور في رواية تحف العقول بأنه تائب ونادم من
عمله.
(4) أقول: وقد قال بذلك قبله صاحب الرياض فراجع الجلد 2 الصفحة 467.
176

توبة مستقلة معه.
لكن الظاهر كفاية الاقرار للتطهير في التوبة إذا كان حاضرا لاجراء
الحد عليه.
نعم لو كان مع اقراره بموجب الحد يقول لشدة غروره واستكباره: إني
قد فعلت وسأفعل ذلك أيضا فاصنع ما شئت، فإن هذا الاقرار لا ينفع شيئا
بلا كلام ولا تشمله الأخبار فلا تخيير للإمام في هذا الفرض، في حين أنه لو كان
يقر ويقتصر عليه يجرى ما ذكرناه من التخيير للإمام في العفو عنه وعدمه.
ثم إن البحث في مسئلتنا هذه في تخيير الحاكم بين العفو والاجراء
لا في سقوط الحد بخلاف البحث السابق " الانكار بعد الاقرار " حيث إن
البحث هناك في سقوط الحد.
هل الحكم يختص بالإمام (ع) ويشمل الفقيه؟
وهل هذا الحكم مختص بالإمام المعصوم فيقتصر عليه أو أنه يشمل
الحاكم الاسلامي العادل أي الفقيه الجامع للشرائط أيضا؟
استظهر في الجواهر الأول واحتمل ثانيا الثاني وجعل الأحوط هو
الأول، قال: ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على الإمام عليه السلام وربما
احتمل ثبوته لغيره من الحكام ولا ريب في أن الأول أحوط لعدم لزوم العفو..
أقول: بيان ذلك أن الأمر دائر بين التخيير والتعيين لأن اجراء الحد جائز
للحاكم بلا اشكال ولكن لا يعلم جواز العفو أيضا فالترديد في جواز العفو وعدمه
فيتردد الأمر بين تعيين الاجراء أو التخيير بينه وبين العفو ومع الشك في جواز
العفو له فالأصل عدمه ولربما تشمله أدلة من عطل حدا من حدود الله فكذا..، ثم
قال: لكن قد يقوى الالحاق لظهور الأدلة في التخيير الحكمي الشامل للإمام
عليه السلام ونائبه الذي يقتضي نصبه إياه أن يكون له ماله انتهى (1).

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 294.
177

فقد قوى في آخر كلامه الحاق الفقيه الجامع للشرائط بالإمام الأصل في
كون التخيير له أيضا وذلك لأن المستفاد من قوله عليه السلام: فذاك إلى الإمام،
إن الحكم المجعول هنا التخيير، فإنه قد يكون الحكم الأولى هو التخيير
كما أنه قد يكون الحكم الأصلي هو تعيين اجراء الحد إلا أن للإمام أن يعفو
عنه والظاهر من الأدلة هو الأول وعلى هذا فالحكم في هذا الموضوع التخيير
لا أن يكون مختصا بالإمام عليه السلام.
فمن قال بأن الحدود ليست مما يرضى الشارع بتعطيلها ولا بد ممن يتعهد
ويتصدى لإقامتها وليس هو إلا من كان نائبا للإمام الحجة عليه السلام أي
الفقيه الجامع للشرائط وله ما للإمام المعصوم، فمن جملة ما كان له عليه السلام هو
التخيير في المقام بين اجراء الحد عليه والعفو عنه.
نعم من قال باختصاص اجراء الحدود بالإمام عليه السلام فهو في راحة
من هذه الأبحاث لأن أمر الحد على ذلك ليس بيد غيره حتى يبحث في عفوه
وعدمه.
ما هو الحد الذي للإمام العفو عنه؟
بقي الكلام في أن هذا الحد الذي للإمام اجرائه والعفو عنه ما هو؟
قال في كشف اللثام: المراد بالحد حدود الله فإن ما كان من حقوق الناس
لا يسقط إلا باسقاط صاحب الحق وسيأتي في حد القذف أنه لا يسقط إلا
بالبينة أو اقرار المقذوف أو عفوه أو اللعان وفي حد السرقة أنه لا يسقط بالتوبة بعد
الاقرار انتهى (1).
أقول: لو كان مراده من عدم السقوط أنه لا يسقط بأي نحو حتى بأن يعفو
عنه الإمام ففيه أن مرسلة البرقي المنجبرة صريحة في عفو الإمام عليه السلام عن

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 215 أقول: إذا كان الاشكال في حقوق الناس فكيف نقض
دام ظله وكذا صاحب الجواهر بحد السرقة الذي ذكروه أنه حق الله تعالى وإن كان ضمان المال حق
الناس؟
178

حد السرقة وهبته ذلك لأجل سورة البقرة.
نعم لو كان مراده أن الاقرار المتعقب بالانكار لا يوجب ثبوت الحد بل
هو ساقط بطبعه فلا مورد للعفو (1) فهو أمر آخر ومسألة غير مسئلتنا بل هو داخل
تحت المسألة السابقة.
وقال صاحب الرياض في المقام: ثم إن هذا في حدود الله سبحانه وأما
حقوق الناس فلا يسقط الحد إلا باسقاط صاحبه كما صرح به بعض الأصحاب
ووجهه واضح وفي بعض المعتبرة لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام
وأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام انتهى.
فقد استدل بمعتبرة الكناسي على اختصاص عفو الإمام في التوبة بعد
الاقرار، بما إذا كان من حقوق الله دون حقوق الناس.
وفيه أنه لا دلالة فيه على أنه ليس للإمام العفو عنه وإنما تدل على أنه
ليس لغير الإمام العفو إلا في حقوق الناس لا غير، فيمكن أن يكون للإمام العفو
عن حقوق الناس كما أن له العفو عن حق الله وعلى الجملة فلا منافاة بين
المعتبرة وبين أن يكون للإمام العفو عمن أقر وتاب كما هو واضح.
وفي الجواهر في ضمن أمور ذكرها جوابا عن الرياض: مضافا إلى
ما يفهم منها من كون ذلك حكم الاقرار من حيث كونه كذلك وإلى اطلاق
الأصحاب، ولعله لأن الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم (2).
أقول: بيان الأولوية أنه إذا كان لصاحب الحق أن يسقط حقه ويعفو
عنه فالإمام أولى بذلك منه.
هذا ولكن لا يخفى أنه وإن كان يتم التمسك بما يفهم من الأخبار من أن هذا أثر التوبة بعد الاقرار من حيث هو بلا فرق بين الموارد وكذا باطلاق

(1) أقول: هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر عبارته وسياقها فإنه ذكر ذلك عند قول العلامة قدس سره:
ولو تاب عند الحاكم بعد الاقرار تخير الإمام في إقامة الحد عليه والعفو عنه.
(2) لأن ولايته ولاية النبي وقد قال الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، سورة الأحزاب
الآية 6.
179

الأصحاب وعدم تفصيلهم وفرقهم بين الموردين إلا أن التمسك بالأولوية محل
الاشكال.
بيانه إن ذلك خلاف ظاهر قوله (ع) إذا أقر.. فللإمام الخيار، هذا
مضافا إلى كلام آخر وهو أن ظاهر الآية الكريمة: النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، بمقتضى لفظ الأولى، إن ما كان أمره بيد المؤمنين كالنكاح
والطلاق وغير ذلك فالنبي أولى بذلك منهم، وأما ما لم يكن اختيار فيه
فكيف يصح القول بالأولوية هناك؟ ولا يخفى أن الحد في باب السرقة من
قبيل الثاني فهو من حقوق الله تعالى (1) وليس أمره بيد المسروق عنه، فما ذكره وإن
كان يصح في مثل حد القذف لكنه لا يتم في حد السرقة الذي ذكره أيضا.
الكلام في ما لو حملت المرأة ولا بعل لها
قال المحقق: ولو حملت ولا بعل لم تحد إلا أن تقر بالزناء أربعا.
أقول: ومثله ما لو قامت البينة على ذلك.
ووجه عدم إقامة الحد عليها هو احتمال الاشتباه أو الاكراه أو جذب
المني من الحمامات أو تزوجها في الخفاء مثلا وليس لأحد أن يسئل عنها
لأنها تفحص عما يحرم شيوعه.
وفي الجواهر: بل ليس علينا سؤالها للأصل بل الأصول.
وهل المراد من قوله (ليس علينا) عدم الوجوب أو عدم الجواز؟
الظاهر هو الثاني فإنه من باب التفحص والتجسس، بل ومن قبيل
إشاعة ما نهى الله سبحانه عن إشاعته بقوله تعالى: والذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم (2) ولو تردد في ذلك فلا أقل من كونه
في معرض إشاعة الفاحشة.
وأما (الأصل أو الأصول) فلا يخفى أن ذلك لا يساعد إرادة عدم

(1) هذا ينافي ما أفاده دام ظله آنفا من النقض وقد أشرنا إلى ذلك فراجع الصفحة 178.
(2) سورة النور الآية 19.
180

الجواز من قوله: ليس علينا، وإنما يتم لو كان المراد عدم الوجوب وذلك لأن
الأصل عدم وجوب السؤال مثلا (1).
لكن بعد حرمة التفحص والتجسس فلا مورد للأصل، ولولا ذلك
فالأصل جواز السؤال وعدم حرمته.
وعليه فما ذكره في المبسوط من وجوب السؤال بقوله: (إذا وجدت امرأة
حامل ولا زوج لها فإنها تسئل عن ذلك فإن قالت من زنا فعليها الحد وإن
قالت من غير زنا فلا حد عليها وقال بعضهم عليها الحد والأول أقوى لأن
الأصل براءة الذمة لأنه يحتمل أن يكون من زنا أو من وطي بشبهة أو مكرهة
والحد يدرء بالشبهة انتهى) فلم يعلم وجهه إلا أن لا يراد ظاهره كأن يكون
مراده وجوب السؤال في موارد خاصة: كما إذا وقع ذلك في أسرة جليلة محترمة
رأوا وجاهتهم الاجتماعية في معرض الهتك وهجموا عليها من كل جانب
ويعيرونها ويلومونها بذلك ويظن أو يحتمل وقوع فساد عظيم فهناك تسئل
كي يرتفع بذلك، الفساد والفتنة، ويدفع الهتك عنهم، وهو في الحقيقة من باب
دفع الأفسد بالفاسد.
ويبعد أن يكون مراده السؤال مطلقا وإلا فيجب الفحص والسؤال في
كل مورد احتمل في حق أحد ارتكابه للمعصية وهو واضح البطلان.
كلام من العلامة حول الاقرار
قال العلامة أعلى الله مقامه في القواعد: ويشترط في الاقرار أن يذكر
حقيقة الفعل لتزول الشبهة إذ قد يعبر بالزنا عما لا يوجب الحد ولهذا قال
عليه السلام لما عز: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، قال: لا. قال: أفنكتها؟
لا تكنى؟ قال: نعم، فقال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ كما يغيب
المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قال: نعم. قال فعند ذلك أمر برجمه.

(1) قال في المسالك بعد عبارة المتن: لأن الحمل لا تستلزم الزنا، والأصل في تصرف المسلم حمله على
الصحة ولأصالة براءة الذمة من وجوب الحد ولاحتمال أن يكون من شبهة..
181

أقول: إن فعله صلوات الله عليه يدل على الجواز ولكن لا يدل على الوجوب
ولعل استفساره كان لخصوصية في المقام.
نعم يمكن أن يقال: إن ما أفاده لأجل أن الحد ايذاء وإيلام وربما
يوجب قبول اقراره وعدم السؤال والاستفسار عنه، قتله مع أنه ليس مستحقا للقتل
وربما يقتل بمجرد قبلة أو غمز أو لمس أطلق عليها الزنا وعلى ذلك فلا يجوز
الاقدام عليه بلا مبرر فيلزم السؤال حتى يقطع بتحققه وعدمه وذلك لاطلاق
الزنا في الأخبار والآثار على بعض المقدمات أو الأعمال كما ورد: إن العينين
تزنيان، وكذا ورد: زنا العين، وهو النظر إلى الأجنبيات أو يقال زنا الشفة، أي
القبلة.
وقد أورد في الجواهر على العلامة، بقوله: وفيه أنه - مع كونه ليس من
طرقنا قضية في واقعة وإلا فالظاهر الاكتفاء بظاهر اللفظ لعموم ما دل على
حجيته ولذا لم يستقص في جملة من النصوص.
والانصاف أن ما أفاده من كون الزنا ظاهرا في معناه الحقيقي وإن
الظاهر حجة وإن كان تاما إلا أن ما ذكره العلامة أيضا ليس بلا أساس
وملاك وذلك لأن المقام مقام اجراء الحد ومع احتمال التجوز يضعف الظاهر
عن ظهوره ولا يمكن اجراء الحد مع احتمال التجوز احتمالا عقلائيا بل تجري
قاعدة درء الحدود بالشبهات.
فروع مناسبة للمقام
ثم إن هنا فروعا ذكرها العلامة في القواعد بمناسبة الاقرار بالزنا وقد
تعرض لها صاحب الجواهر أيضا ونحن نقفوا أثرهما ونتبعهما في ذلك وإن لم
يذكرها المحقق رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
فمنها: لو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته حد دونها وإن صرح بأنها طاوعته
على الزناء إذا لا يؤخذ أحد باقرار غيره.
أقول: لا بد من أن يكون المراد أنه أقر بذلك أربع مرات وإلا فلا حد،
182

وأما عدم اجراء الحد عليها فلعدم مسوغ لذلك، ولا يكفي في الحكم بزناءها
مجرد اقرار أحد به بعد أن كانت تنكره وتكذب المقر بذلك أو ما دام لم تقر هي
أيضا بذلك.
ومنها أنه لو أقر من يعتوره الجنون حال إفاقته بالزناء وأضافه إلى حال
إفاقته حد ولو أطلق لم يحد.
أقول: أما الأول فلأن الاقرار صدر في حال الإفاقة فهو اقرار من العاقل،
والمفروض أنه نسبه إلى حال الإفاقة فقد وقع كل من الفعل والاقرار في حال
السلامة والعافية فإذا أكمل أربعة أقارير فلا بد من أن يقام عليه الحد.
وأما الثاني وهو عدم الحد فيما إذا أقر في حال الإفاقة بالزنا ولم ينسبها
إلى حال الإفاقة فقد علل ذلك باحتمال وقوعه حال جنونه لكنه رد عليه في
الجواهر بقوله: وفيه نظر خصوصا إذا قلنا باعتبار العقل في مفهوم الزنا.
بيان ذلك أن الاطلاق محمول على ما هو الظاهر منه وهو وقوع الزنا في
حال الإفاقة والعقل، لا مع الجنون ومن حيث لا يشعر، خصوصا إذا قلنا باعتبار
العقل في تحقق مفهوم الزنا فإنه على ذلك ليس وطيه في حال الجنون زناءا مع أنه قد أقر بالزناء فلا بد من اجراء الحد عليه.
وفيه إن اعتبار العقل في مفهوم الزنا شرعا لا ينافي صدقه بدونه عرفا
وفي بعض اطلاقاته وليس بنحو لا يصدق الزنا مطلقا فترى أنه يصدق الزنا على
وطئ المجنون.
والحق هو أن يقال إن المواقع مختلفة فتارة قد بقي في ذهنه صورة من
أعماله وحركاته حال الجنون والآن يريد أين يحكيها وينقلها، وأخرى لا يكون
كذلك فلو حصل الاطمينان بأنه يريد من قوله ما فعله حال جنونه فهنا لا شئ
كما أنه لو حصل الاطمينان بأنه يريد حال إفاقته فلا اشكال في اجراء الحد عليه
وأما لو لم يحصل لنا ظهور تام تطمئن إليه النفس فلا يجوز ذلك ولا يمكن
الأخذ باقرار مجمل إلا إذا سئل وانكشف الحال بالسؤال، فتحصل أن الأقوى
عدم الحد إلا بقرينة تدل على وقوعه حال إفاقته.
183

ومنها أنه لو أقر العاقل بوطئ امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت الزوجية
والوطئ فلا حد عليه وإن أقر أربعا لأنه لم يعترف بالزنا ولا مهر لها عليه
لانكارها الوطئ.
الأمر هنا واضح لأنه وإن أقر أربعا فإن اقراره كان بوطئ زوجته بزعمه
غاية الأمر أن المرأة تنكر الأمرين الزوجية والوطي ومن المعلوم أن الاقرار لا يوجب
الحد إذا لم يكن بالزنا وحيث إن المرأة تنكر وقوع الوطي فلا تستحق عليه
مهرا (1) لأنه في قبال الوطئ.
ومنها ما لو اعترفت بالوطئ وأنه زنى بها مطاوعة فلا مهر ولا حد عليه
ولا عليها إلا أن تقر أربعا.
أما عدم استحقاقها المهر فلاقرارها بالمطاوعة في الزنا، وأما عدم الحد
على الرجل فلأنه وإن كان يدعي ويعترف بالوطي لكنه يدعي أنها زوجته،
وأما عدم الحد عليها فلأنها وإن كانت تدعي الزنا لكنها أقرت مرة وهو
لا يؤثر في لزوم اجراء الحد عليها. نعم لو أقرت أربعا فهناك يجب عليها الحد.
ومنها ما لو أقرت بالوطئ إلا أنها ادعت اكراهه لها عليه أو أنه اشتبه عليها
فهنا لا حد على أحد منهما لكن عليه المهر.
أما عدم الحد على الرجل فلما تقدم، وأما بالنسبة إليها فلادعائها
الاكراه أو اشتباه الأمر عليها.
وأما وجوب المهر عليه فلأنه مدع للزوجية والوطي، وهي وإن كانت
تعترف بوقوع الوطئ المحرم لكنها لا تدعي المطاوعة كي لا يترتب عليه مهر بل
تدعي الاكراه أو الاشتباه، والوطئ الناشئ منهما يوجب المهر.
الكلام في البينة وما يعتبر فيها
قد تقدم أنه يثبت الزنا بالاقرار أو البينة، وما ذكرناه إلى هنا كان

(1) هذا لا ينافي وجوب أداء المهر على الزوج بمقتضى اقراره، ولعله إلى ذلك يشير كلام كاشف اللثام في
المقام حيث قال: وإن كان أقبضها شيئا على أنه مهر لم يكن له الاسترداد.
184

متعلقا بالاقرار، وبقي الكلام في البينة:
قال المحقق: وأما البينة فلا يكفي أقل من أربعة رجال أو ثلاثة
وامرأتين، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا شهادة رجل وست نساء.
أقول: إنه يثبت الزنا الموجب للرجم بأربعة رجال كما يثبت الزنا الموجب
للجلد بهم، وبعبارة أخرى تعتبر في اثبات الرجم أربعة رجال ولا يكتفى بغير
ذلك وأما الجلد فيثبت بذلك وبغير ذلك. ولا خلاف في اثباته مطلقا بأربعة
رجال، وفي الجواهر: بل الاجماع بقسميه عليه.
ويدل على ذلك، الكتاب والسنة المستفيضة.
أما الكتاب فآيات، منها قوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من
نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى
يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (1).
ومنها قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (2).
ومنها قوله تعالى في قصة الإفك: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم
يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (3).
والآية الأولى صريحة في اعتبار الأربعة في الشهداء كما أن مفهوم الآية
الثانية أنه إذا أتوا بأربعة شهداء ثبت قولهم، وقد أطلق في الآية الثالثة، الكاذبون
على ما دون الأربعة من الشهداء، ويستفاد منه أنهم لو أتوا بأربعة شهداء فهناك
ليسوا بكاذبين ويقبل عنهم.
وأما السنة فبالنسبة إلى حد الرجم فالروايات مستفيضة وقد أخرجها
المحدث الحر العاملي رضوان الله عليه في باب سماه: باب إن الزنا لا يثبت إلا
بأربعة شهداء يشهدون على معاينة الايلاج..

(1) سورة النساء الآية 14.
(2) سورة النور الآية 4.
(3) سورة النور الآية 13.
185

عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الرجم أن يشهد أربع
أنهم رأوه يدخل ويخرج (1).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الايلاج
والاخراج (2).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يجب الرجم حتى
يشهد الشهود الأربع أنهم قد رأوه يجامعها (3).
وأيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الرجم في الزنا
أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج (4).
وهذه الروايات بتعابيرها المختلفة من: حد الرجم أن يشهد أربع الخ
ولا يرجم حتى يشهد أربعة الخ ولا يجب الرجم حتى يشهد الشهود الأربع
الخ - ظاهرة في الحصر وإن طريق الاثبات في الرجم منحصر بأربعة شهداء
ولا يثبت بما سوى ذلك، وإذا ثبت الرجم بأربعة رجال فالجلد أولى بالاثبات
بذلك، هذا، مضافا إلى التصريح بذلك في بعض الروايات فعن محمد بن قيس
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجلد رجل ولا
امرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الايلاج والاخراج وقال: لا أكون أول
الشهود الأربعة أخشى الروعة أن ينكل بعضهم فاجلد (5) إلى غير ذلك من
الأخبار، وعلى الجملة فلا اشكال في الاثبات بأربعة رجال في الرجم والجلد
وأما اثباته بثلاثة رجال وامرأتين الذي مر في عبارة المحقق فنقول: إنه وإن
كان ظاهر الأخبار الماضية هو الحصر على ما تقدم إلا أن هنا روايات أخرى

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 11.
186

تدل على اثبات ذلك بثلاثة رجال وامرأتين أيضا وهي بالطبع تكون قرينة
على أن الحصر المستفاد من الروايات المتقدمة هو الحصر النسبي الإضافي لا
الحقيقي وهذا الجريان ليس بعزيز في أدلتنا.
ومن هذه الأخبار صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال: إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان،
وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم (1).
وصحيح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع
نسوة ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان (2)..
وصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة النساء تجوز في
النكاح؟ قال: نعم ولا تجوز في الطلاق قال: وقال علي عليه السلام تجوز
شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان وإذا كان أربع نسوة
ورجلان فلا يجوز الرجم (3).
نعم هنا رواية ناطقة بعدم قبول ذلك وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم (4).
ولكن حيث إنها موافقة لفتوى أكثر العامة على ما حكي ولم يعمل بها
المشهور بل ادعي الاجماع على عدم العمل بهذه الرواية - بخلاف
الأخبار المتقدمة عليها فإنها معمول بها عندهم - فلذا لا تصلح للمعارضة وتحمل على
التقية.
وأما الروايات الدالة على عدم قبول شهادة النساء في الحدود كرواية
غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام قال: لا تجوز

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 10.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 11.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 28.
187

شهادة النساء في الحدود ولا في القود (1) إلى غير ذلك من الروايات، فأمرها سهل
لأنها مطلقات، وروايات المقام مقيدات لها، ويحمل المطلق على المقيد، والنتيجة
أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود إلا في باب الزنا.
والفرض الثالث هنا هو شهادة رجلين وأربع نسوة واثبات الزنا بذلك
فعن كثير أنه يثبت ذلك بل قيل إنه المشهور لكن في خصوص الجلد دون الرجم
فقد صرح في الأخبار الماضية بعدم ثبوت الرجم بأقل من ثلاثة رجال وامرأتين فلا
يثبت برجلين وأربع نسوة فراجع رواية الحلبي وابن سنان وزرارة وغيرها.
وتدل على اثبات الجلد بذلك دون الرجم، معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة
رجال وامرأتان وجب عليه الرجم وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز
شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني (2).
ترى التصريح بأنه يضرب حد الزاني ولكن لا يرجم.
ولا يخفى أن الروايات بهذه الصورة والعبارة ناقصة ولا أقل من سقوط
لفظ قال (3) حتى تكون العبارة بهذه الصورة: قال: وجب عليه الرجم.
وكيف كان وتدل على الجواز في الفرضين الأخيرين مضافا إلى ما مضى
الروايات الدالة على جواز شهادة النساء في الحدود مع الرجال إلا أنها دالة على
المقام بعمومها واطلاقها لا بعنوان خصوص المورد فإن مفادها جواز شهادتهن مع
الرجال في الجملة، وذلك كرواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 29.
وسائل الشيعة جلد 18 باب 30 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) أقول: الرواية في نقل الفقيه متضمنة للفظ (قال) وأما التهذيب فأزيد من ذلك وإليك عبارته: أنه
سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان قال: فقال: إذا شهد عليه ثلاثة
رجال وامرأتان وجب الخ.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب الشهادات الحديث 21.
188

وأما الفروع الأخر التي تعادل أربعة رجال في الواقع كشهادة رجل
وست نساء، وكذا شهادة النساء منفردات بأن تشهد ثمان نسوة فلا تنفع شيئا
ولا يثبت الزنا بذلك.
تذنيب
بقي في المقام أمران: أحدهما إن مقتضى ما تحقق من عدم ثبوت
الرجم برجلين وأربع نسوة هو عدم ثبوت القتل بذلك أيضا وهذا هو مقتضى
القاعدة لكني بعد لم أتفحص كلمات العلماء رضوان الله عليهم أجمعين في ذلك.
ثانيهما إن بعضا من الأصحاب كالعماني والمفيد والديلمي على ما
حكي عنهم ذهبوا إلى عدم جواز الرجم بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين - كما لا
يجوز برجلين وأربع نسوة - وأنه لا يثبت بذلك، وذلك للأصل.
أقول: لا مجال للتمسك بالأصل بعد ورود تلك الروايات الصريحة
ولعل تمسكهم بالأصل كان جل أنهم لم يطمئنوا بحمل الروايات النافية على
التقية كي يرجحوا الأخبار المثبتة فلا مناص لهم عن الرجوع إلى الأصل ولكن
نحن قد ذكرنا إن الترجيح للأخبار المثبتة فراجع.
شهادة ما دون الأربع
قال المحقق: ولو شهد ما دون الأربع لم يجب وحد كل منهم للفرية.
أقول: إذا كان المعتبر في الشهادة بالزنا أربعة رجال أو ما في حكم ذلك
بحيث يكمل النصاب المعتبر كامرأتين مع ثلاثة رجال أو أربع نسوة مع رجلين
فكل من شهد ولم يكن داخلا تحت الضابط - كما إذا شهد ثلاثة رجال فقط
فما دون ذلك أو شهد رجل وست نسوة أو ثمان نسوة - فلا يثبت الزنا فلا يقام
على المشهود عليه رجم ولا جلد بل يحد حينئذ الشاهد أو الشهود حد الافتراء
والقذف.
ولازم ذلك أنه لو شهد بالزنا أربعة لم يكونوا عدولا ثم قامت الشهادة
189

الصحيحة من العدول عليه فإن ذلك لا يوجب سقوط الحد عن الأولين
الشهادة الصحيحة من العدول عليه فإن ذلك لا يوجب سقوط الحد عن
الأولين.
الشروط المعتبرة في شاهد الزنا
ثم إنه قد تعرض المحقق هنا للشرائط والأمور المعتبرة في شاهد الزنا
فالأول منها أن تكون الشهادة بالرؤية والمشاهدة. قال:
ولا بد في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة..
أقول: وعلى هذا فلا يكتفى بالشهادة بدون المشاهدة وإن حصل العلم
للشاهد من قول الموثقين أو من اقرار الزاني مثلا عنده بذلك أو من قرائن أخرى
والحاصل أنه لا تقبل الشهادة بالعلم والحدس مع عدم الرؤية والمشاهدة، وفي
الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده فيه بينهم ولعله للاحتياط في الحدود المبنية
على التخفيف.
وقال الشهيد في اللمعة: ويشترط ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة
انتهى. وقال الشهيد الثاني في الروضة: فلا يكفي الشهادة بالزنا مطلقا انتهى.
وفي المسالك: لما كان الزنا قد يطلق على ما دون الجماع فيقال:
زنت العين وزنت الأذن وزنى الفرج، والجماع يطلق على غير الوطئ لغة
وكان الأمر في الحدود سيما الرجم مبنيا على الاحتياط التام ويدرء بالشبهة
فلا بد في قبول الشهادة من التصريح بالمشاهدة لوقوع الفعل على وجه لا ريب فيه
بأن يشهدوا بمعاينة الايلاج ويدل عليه صحيحة الحلبي.. انتهى.
وقال في الرياض - عند كلام المحقق في النافع: ولا بد في الشهادة، من
ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة - بعد أن تمسك بالأخبار: ولأن الشهادة إنما
تسمع بما عوين.. أو سمع ولا معنى للزنا حقيقة إلا ذلك فلا تسمع الشهادة به
إلا إذا عوين كذلك وربما أطلق على غيره من التفخيذ ونحوه فلو لم يصرح
الشهود لم تكن الشهادة نصا في الموجب للحد انتهى.
190

أقول: قوله: إذا عوين كذلك، يعني المعاينة والمشاهدة بالنحو
المخصوص المذكور في النصوص وفي متن كلام المحقق.
وكلامه هذا يشير إلى أنه يشترط في الشهادة على الزنا أمران أحدهما
رؤية العمل ومشاهدته حيث قال: فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك،
ثانيهما أن تكون الشهادة صريحة فلا يذكر الألفاظ الكنائية كما هو صريح آخر
كلامه المذكور.
ثم إنه يمكن في الخارج تحقق الشهادة بالايلاج والاخراج بدون أن
يكون رأى ذلك بل اعتمادا على ما سمع ونقل له، فهذه شهادة صريحة مع أنه
لو سئل عن أنه هل رأى ذلك لأجاب بأني ما رأيت ولكن علمت بذلك من
طريق كذا، والحال أن مقتضى النصوص هو اعتبار التعرض بأنه قد رأى ذلك
وشاهد لا مجرد التصريح بالادخال والاخراج كي ينتفي احتمال المجاز
والكنية كالتفخيذ وغيره.
وعلى هذا فلا يكفي مجرد استعمال اللفظ الصريح بل لا بد من ذكر
المشاهدة والرؤية في مقام الشهادة، والنتيجة أنه لا يجوز للشاهد الاقدام على إقامة
الشهادة إلا إذا رآه وشاهد على الوجه المزبور ثم لا تعتبر شهادته مع ذلك إلا إذا
شهد بلفظ صريح أولا وبالمعاينة والمشاهدة ثانيا.
والتحقيق إن في الشهادة على الزنا ثلاثة أمور مذكورة في كلمات
الأصحاب وقد وقع خلط في بعض الكلمات بين هذه الثلاثة:
الأول أنه هل تعتبر في الشهادة على الزنا كسائر المبصرات الرؤية
والمشاهدة، وفي المسموعات السماع، أو أنه يكفي العلم ولا حاجة إلى أزيد من
ذلك؟ بل وقد يجعل البحث أوسع من ذلك فيقال: هل تعتبر الرؤية مثلا أو أنه
يكفي العلم بل والظن والاستصحاب، فلو قلنا بكفاية العلم فلا حاجة إلى احراز
الحاكم إن الشاهد قد رآه وعاينه وهذا بخلاف ما إذا اعتبرت الرؤية والمعاينة
فإنه على ذلك يشكل الأمر لأنه يلزم احراز أنه قد شاهد ذلك وعاينه ولو
بالحجة على المشاهدة والمعاينة.
191

الثاني أنه لا بد من كون الشهادة صريحة فلا تقع الشهادة بالألفاظ
الكنائية والمجازية بدون إقامة القرينة الصارفة لها عن معناها الظاهر.
ولا فرق في هذين الشرطين بين باب الزنا وغيره كالسرقة مثلا.
الثالث ذكر الرؤية والمشاهدة وهذا هو الذي يمتاز به الزنا عن غيره فإنه
يكفي في غير المقام الشهادة بأصل الفعل أما في باب الزنا فلا بد من ذكر
المشاهدة والمعاينة.
والدليل على اعتبار اللفظ الصريح دون الاستعارات والمجازات هو
قضية ماعز الذي أقر على نفسه بالزنا فكان شهادته النسبة إلى عمل نفسه لا
غيره ومع ذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنكتها؟ فقد سئله عن أن
عمله كان هو النيك الذي هو الدخول بلا كلام وصريح فيه؟ وأضاف بعد
ذلك قوله: لا تكنى؟ أي لعلك أردت من الزنا غير النيك كالتقبيل والغمز
وغير ذلك. فهذا ينادى باعتبار اللفظ الصريح في قبول الشهادة بالزنا.
وأما ذكر المشاهدة فذلك للنصوص العديدة الدالة على ذلك وقد
أخرجها الشيخ المحدث العاملي في باب سماه: باب إن الزنا لا يثبت إلا
بأربعة شهدا يشهدون على معاينة الايلاج:
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الرجم أن يشهد أربع
أنهم رأوه يدخل ويخرج (1).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الايلاج
والاخراج (2).
وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يرجم الرجل والمرأة
حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال كالميل في
المكحلة (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 4.
192

وعن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:.. فإن شهد له ثلاثة
وأبى واحد يجلد الثلاثة ولا تقبل شهادتهم حتى يقول أربعة: رأينا مثل
الميل في المكحلة (1).
وصحيح حريز هذا الصريح في المقصود يفيد أن ذلك شرط القبول في
الشهادة على الزنا مطلقا سواء كان حده هو الرجم أو الجلد وإن كان غيره من
الروايات متعرضا لخصوص الرجم.
فهذه النصوص تدل على اعتبار ذكر الرؤية والمشاهدة.
ولعل نظر الشارع الأقدس من اعتبار هذا الشرط في الزنا إلى أن لا
يثبت في الخارج تحقق هذا العمل الشنيع ووقوع هذه المعصية الكبيرة بسرعة
وسهولة كما يستشم ذلك من بعض الشرائط المعتبرة فيه غير ذلك.
وكيف كان فنظر المحقق في الكتابين: الشرايع والمختصر النافع، في المقام
إلى ذكر الشرط الأخير لكن شارح الأول في المسالك وشارح الثاني في الرياض
قد ذكرا في شرح كلامه ما لا يساعد ذلك.
فما ذكره في المسالك من أن الزنا قد يطلق على ما دون الجماع لو كان
بذلك بصدد شرح عبارة المحقق فهو بمعزل عنها لأنه بصدد اشتراط ذكر الرؤية
والمعاينة وكلام الشهيد الثاني يفيد اعتبار التصريح في الشهادة وعدم قبول
الشهادة بالألفاظ غير الصريحة وهذا شئ وذاك شئ آخر، نعم أنه قدس سره قد
مال وتوجه بقوله: فلا بد في قبول الشهادة..) وقوله: بأن يشهدوا بمعاينة
الايلاج، إلى ما هو محل البحث والكلام.
وعلى الجملة فاعتبار المعاينة لأجل النصوص لا من جهة الصراحة
فإنها شرط آخر وأمر مستقل.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى كلام المحقق في النافع وما أفاده السيد
صاحب الرياض بشرحه، فإن نظر المحقق من كلامه المذكور آنفا إلى اشتراط
ذكر المشاهدة في مقام الشهادة كعبارته في الشرايع بعينها، والحال أن الرياض

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 5.
193

علل بقوله: لأن الشهادة إنما تسمع بما عوين أو سمع، وهذا وإن كان تاما في
موضعه ومقامه أي البحث في أنه لا بد في الشهادة في المبصرات من المعاينة وفي
المسموعات من السماع إلا أنه غير مرتبط بما كان المحقق بصدده.
وبعبارة أخرى إن ما أفاده المحقق متعلق بسماع الشهادة وقبولها وهو
مرتبط بالحاكم، وما ذكره في الرياض متعلق بوظيفة الشاهد فإنه يجب عليه أن
يكون تحمله للشهادة بالمعاينة، فالمعاينة شرط إقامة الشاهد الشهادة لا القبول منه
وإلا لكان اللازم على الحاكم احراز ذلك (1) وذكر الرؤية شرط في قبول
الحاكم الشهادة منه.
كما أن ما ذكره في الرياض أيضا بقوله: (وربما أطلق الزنا على غيره
من التفخيذ وغيره فلو لم يصرح الشهود به لم تكن الشهادة نصا في الموجب
للحد) أمر غير ما ذكره المحقق فإن هذا شرط التصريح وعدم استعمال الألفاظ
المجازية والكنائية وأين هذا من اشتراط ذكر المعاينة والمشاهدة؟
والحاصل أن اشتراط الصراحة في الشهادة غير اشتراط أن يكون الشهادة
بالرؤية فإنهما شرطان، وشرط الصراحة لا يختص بباب الزنا، بخلاف شرط
الرؤية فإنه مختص بالزنا للنصوص المذكورة فلو صرح في مقام الشهادة بالادخال
بالنحو المخصوص ولكن كان منشأ ذلك علمه به للسماع عن غيره أو لقرائن
أخرى فإنه لم تقبل شهادته، ولو رأى ذلك بعينه لكنه لم يشهد بالمشاهدة والعيان
بل شهد بمطلق الزنا ولو صريحا لم تقبل أيضا.
وأورد في الجواهر على المحقق وصاحب الرياض ما حاصله بتوضيح منا
أنه لا يعتبر في الشهادة ذلك بل يكفي مجرد العلم، نعم الرؤية والمشاهدة من
طرقه، وما دل على اعتبار ذلك فالمقصود ذكر أحد طرق العلم لا لأجل
الخصوصية وعلى الجملة فلا يعتبر في الشاهد أن يكون رأى ذلك ولا يعتبر في
قبول شهادته ذكر الرؤية.
كما أنه قدس سره في باب الشهادات أفاد عدم الحاجة إلى الرؤية في
.

(1) أقول: قد مر آنفا ما لا يساعد ذلك فراجع ما أفاده دام ظله عند وروده في التحقيق
194

المبصرات وإن الضابط الكلي هو العلم وذلك لقول الله تعالى: ولا تقف ما
ليس لك به علم (1).. وإذا حصل العلم فهناك يجوز الشهادة استنادا إليه
وإن لم تكن منشأه الرؤية، وقد أكد على ذلك حتى عد قول من اعتبر الاستناد
إلى الحس من غرائب الكلام قال: ضرورة اقتضائه عدم صحة الشهادة لنا الآن
لأمير المؤمنين عليه السلام بنصب النبي صلى الله عليه وآله إماما يوم غدير خم لأنه
واصل إلينا بطرق التواتر ولم نكن حاضرين وقت النصب.
وقد بني على ذلك في كتاب الحدود وأكتفي بمجرد العلم وإن
لم يكن مستندا إلى الحس أي البصر.
نعم احتمل هنا أن تكون للزنا ونحوه مما يكون التخفيف فيه مطلوبا
للشارع خصوصية، تحكيما للأدلة الواردة في المقام على الأدلة الدالة على كفاية
العلم مطلقا مؤيدا ذلك بكلام الأصحاب.
لكنه استدرك ذلك بأنه إلا أن يدعى أن ما ورد في الباب أي روايات
رؤية الايلاج والاخراج مبني على ما هو الميزان الكلي من اعتبار الرؤية في
المبصرات لا لتعبد خاص في المقام، قال: فيرد عليه ما قدمناه في كتاب
الشهادات، يعني أنه على ذلك يرد عليه أنه لا حاجة إلى الرؤية وإن كان
المشهود به من المبصرات بل المعيار هو العلم.
ولا يخفى عليك إن ما أفاده وكان بصدد اثباته خلاف ظواهر روايات
الباب جدا فإن ظهورها الذي لا يقبل الانكار هو اعتبار نفس الرؤية والمشاهدة
فليس ذكر ذلك فيها من باب أنها الغالب في حصول العلم في المبصرات، نعم
ما ذكره من كفاية مطلق العلم صحيح بالنسبة إلى سائر الأمور دون المقام
فكرر النظر في رواية الحلبي وأبي بصير وحريز وغيرها من الروايات فإنها تدل
على اعتبار كون الشهادة بخصوص الرؤية لا بأصل الفعل وهي إما صحيحة
أو معتبرة ولا معارض لها وهي مفتى بها عندهم فلا وجه لرفع اليد عنها والقول
بكفاية مطلق العلم بل القول به طرح لهذه الروايات العديدة بلا وجه، ألا ترى أنه لو

(1) سورة الإسراء الآية 36.
195

اعتبرت في الشهادة بالهلال، الرؤية فإنه لا تصح الشهادة بالعلم بل اللازم هو
نفس الرؤية والشهادة بها، وما نحن فيه من هذا القبيل والمعتبر فيه الشهادة
بالطريق لا بذي الطريق.
نعم قد يستشكل بأنه لو اعتبرت رؤية الايلاج والاخراج على النحو
المخصوص المذكور في الروايات فوقوع هذا بعيد بل لعله لا يتحقق في الخارج
إلا نادرا وذلك يفضي ويؤدي إلى تعطيل الحدود.
وفيه إن بعض الروايات يدل على الاكتفاء برؤية الجماع ولا تعرض
فيه لرؤية الايلاج والاخراج فعن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا يجب الرجم حتى يشهد الشهود الأربع أنهم قد رأوه
يجامعها (1).
لا يقال: إن مقتضى حمل المطلق على المقيد حمل مثل رواية أبي بصير
هذه على الروايات السابقة وذلك يوجب عدم قبول الشهادة على أنه رأوه
يجامعها حتى يضموا إلى ذلك: إنه كالميل في المكحلة.
لأنا نقول: لعل المقام من قبيل المثبتين الذين لا يعلم وحدة المراد ومن
المعلوم أن الشرط في التقييد هو العلم بذلك كما في مثل إن ظاهرت فاعتق رقبة،
وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة، فإذا لم يتحقق ذلك فيؤخذ بكليهما ويكتفى
برؤية الجماع والشهادة به خصوصا بلحاظ بعد رؤية الظرف والمظروف.
ثم إن من شروط الشهادة بالزنا كما أشرنا إليه هو التصريح لبناء الحدود
على التخفيف ودرءها بالشبهة والاحتياط التام فيها ويدل على ذلك قصة
ماعز على ما أوضحناها آنفا.
وخالف في ذلك في الجواهر قائلا: إنك سمعت ما ذكرناه في الاقرار
من عدم دليل معتبر على اعتبار النصوصية فيه بل ولا الشهادة فيكفي فيهما اللفظ
الدال على ذلك وضعا أو عرفا ولا يحتاج إلى زيادة على ذلك بحيث يعلم
منه إرادة الأمر المخصوص ولو من قرائن الأحوال.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من حد الزنا الحديث 3.
196

ترى أنه نفي اشتراط صراحة الشهادة صريحا وصرح بكفاية مجرد كون
اللفظ دالا على المراد بحسب الوضع أو عند العرف فيكفي ما يعلم منه إرادة الأمر
المخصوص ولو كان ذلك بمعنونة القرائن الحالية ولا حاجة إلى أزيد من
ذلك.
لكنه ينافي ذكر الرؤية المخصوصة في تلك الروايات، وحملها على
أنها من طرق العلم خلاف الظاهر كما تقدم، فهل ترى من نفسك أنه يمكن
التعبير بأصرح من تلك التعابير الواردة في الروايات كالايلاج، والادخال،
والاخراج، وكالميل في المكحلة؟ فالظاهر أن الاكتفاء بمطلق الدال وضعا أو عرفا
وإن لم يكن صريحا في غاية الاشكال.
نعم في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام: إذا قال الشاهد: إنه قد
جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد (1).
فقد حكم بوجوب الحد بشهادة الشهود أنه قد جلس منها مجلس الرجل
من امرأته والحال إن هذا اللفظ ليس صريحا بل ولا مجعولا للزنا وضعا أو عرفا
وإنما يمكن أن يكون كناية عنه، نظير ما ورد في قصة ماعز من أنه بعد أن سئله
رسول الله صلى الله عليه وآله عن أنه يدري ما هو الزنا أم لا قال: نعم آتيت منها
حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا.
إلا أنه لا بد من طرحه لأنه قاصر عن مقاومة تلك الروايات التي هي
أقوى سندا وأكثر عددا ولم يعهد من أحد من الأصحاب العمل به.
نعم حكي عن الشيخ قدس سره احتماله بعد تخصيصه الحد بالجلد دون
الرجم ولكنه مجرد احتمال فإنه لم يفت بذلك.
ومثل ما حكي عن الشيخ ما ذكره العلامة المجلسي رضوان الله عليه
فإنه في مقام الجمع بين أخبار اجتماع الرجلين أو الرجل والمرأة في لحاف
واحد التي دل بعضها على تمام الحد وبعضها الآخر على أنقص منه قال:
والأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدالة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 10.
197

على تمام الحد بأن يقال: لا يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة
وتحمل الأخبار الدالة على ذلك على اشتراطه في الرجم كما هو الظاهر من
أكثرها وأما أخبار النقيصة فمحمولة على التقية انتهى (1).
لكنه رحمه الله كما ترى صرح بأن ذلك مع قطع النظر عن الشهرة، وأما
ما ذكره من حمل أخبار النقيصة على التقية فقد مر أنه لا يصح حملها على ذلك.
ثم إن في بعض الروايات ما يبطل هذه الوجه الذي قد جمع به بين الأخبار
وهو معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا يجلد رجل ولا امرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الايلاج
والاخراج (2) فإنها صريحة في اعتبار معاينة الايلاج والاخراج في الجلد.
ويمكن حمل الحد في الموثق الدال على كفاية اللفظ الكنائي على
التعزير وعليه فلا يرد اشكال حتى يحتاج إلى الجمع والتوجيه لعدم إرادة
الحد المصطلح عليه.
هذا مضافا إلى أنه مخالف لما ذهب إليه الأصحاب بل مخالف للاجماع
كما في الجواهر، فقد تحصل أن المستفاد من الأخبار عدم قبول الشهادة بالزنا إلا
مع ذكر رؤيته في الشهادة.
ومنه يظهر أنه ليجوز للشاهد أن يشهد عليه من دون الرؤية لأنه لو
شهد به بلا رؤية لكانت شهادته كذبا.
نعم لو كان المراد من الرؤية هو رؤية الآلتين بالحالة المخصوصة فهي
غير متيسر إلا في فروض نادرة كما إذا تعمد أحد لشدة تجريه وعدم حيائه في أن
يأتي بهذا العمل بمرأى الناس ومنظرهم قصدا منه أن يرى منه كل
الخصوصيات وإلا فبحسب المتعارف فلا يمكن ذلك وإن كان ربما يظهر من
بعض العبارات ذلك.

(1) مرآة العقول الجلد 23 الصفحة 276.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 حد الزنا الحديث 11، أقول: لكن في نسخة الكافي
الجلد 7 الصفحة 184 (لا يرجم) بدل (لا يجلد).
198

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه بشرح خبر الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام: حد الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج:
ولا خلاف بين الأصحاب في أنه لا بد في شهادة شهود الزنا من ذكر المشاهدة
للولوج كالميل في المكحلة (ثم قال:) وأما الاخراج الذي يدل عليه بعض
الروايات فلم يتعرض له أكثر المتأخرين فيمكن أن يكون ذكره مبنيا على الغالب
من كون مشاهدتهما معا، على أنه لا استبعاد في اشتراط مشاهدته أيضا فإن هذا
الحكم مخالف لسائر الأحكام في الشهادة كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد وبعض
القدماء. قال ابن الجنيد على ما حكي عنه: ليس يصح الشهادة بالزنا حتى
يكونوا أربعة عدول وليس فيهم خصم لأحد الشهود عليهما ويقولوا: إنا رأيناه
يولج ذلك منها ويخرجه كالمرود في المكحلة (1)..
لكن فيه عدم امكان رؤية الموضع بحسب النوع والعادة، واشتراط ذلك
يوجب سد باب الشهادة.
فلا بد من حمل الأخبار وكلمات العلماء على رؤية المقدمات الملازمة
الحاكية عن الدخول والخروج بحيث يصدق أنه رآه يدخل ويخرج كالميل في
المكحلة وذلك كما إذا رآهما مجردين ضامي الموضعين إلى غير ذلك من المقدمات
الملازمة فإنه في هذه الظروف والأحوال لا بد من أن يواقعها ويزني بها
وإلا فكيف يحمل الرؤية على ما لا مصداق له في الخارج نوعا؟ (2).
وتدل على ما ذكرناه قصة المغيرة بن شعبة التي رواها الشيخ قدس سره
في الخلاف فإنه استخلف عمر المغيرة على البصرة وكان نازلا في أسفل الدار،
ونافع وأبو بكرة وشبل بن معبد وزياد في علوها فهبت ريح ففتحت باب البيت
ورفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة (3)..
فإنه كيف يمكن أن يرى من كان في العلو أن من كان في السفل يولج

(1) مرآة العقول الطبع القديم الجلد 4 الصفحة 166 والجديد الجلد 23 الصفحة 278 (2) وهكذا قال بعض الأعاظم في مباني تكملته الجلد 1 الصفحة 180.
(3) راجع الخلاف الجلد 3 الصفحة 154.
199

ويخرج مع الخصوصيات؟ فالحق أنه ليس إلا الشهادة على الزنا بما رآه من
الأحوال المناسبة لا رؤية العضوين وساير الخصوصيات.
وأما ما قد يقال من أنه كيف يجمع بين رؤية جماع غيره مع العدالة؟
ففيه أن المستفاد من الأدلة عدم حرمة النظر لإقامة الشهادة، وهل ترى من نفسك
إن الآية الكريمة: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، جوزت المعصية؟ فلا بد من أن
يكون ذلك جائزا.
حول قيد آخر من قيود الشهادة
ثم إن من جملة ما اعتبره المحقق قدس سره في الشهادة هو ما ذكره
بقوله: من غير عقد ولا ملك ولا شبهة.
ومعنى ذلك أنه فعل ذلك عالما بحرمته من دون شك ولا ريبة،
وعليه فهذا من قيود الشهادة ولا بد من ذكره، كما أنه لا بد من أن يكون هذا من
الشهادة بالعلم، بخلاف الشهادة على الوطي فإنه أمر مرئي ولا بد في الشهادة به
من ذكر قيد الرؤية كما كان تعتبر فيه نفس الرؤية، ولازم ذلك أنه لو شهد برؤية
الولوج ولكنه لم يقيده بقيد: بلا عقد الخ أو قيده بقوله: بلا عقد، ولم يذكر أنه
كان بلا ملك ولا شبهة، لم يحد المشهود عليه بل حد الشهود، لكنه استدرك
وقال:
ويكفي أن يقولوا لا نعلم بينهما سببا للتحليل.
أقول: وفيه أولا إن بين كلاميه نوع تهافت لأنه اعتبر أولا ذكر الشهادة
بعدم وجود مبرر للوطي علما على ما هو ظاهر عبارته وهنا يقول بالاكتفاء
بالشهادة بعدم العلم بوجود سبب مبرر، ومن المعلوم أنهما لا يجتمعان، وكان
الأنسب أن يقول أولا: من غير علم بالعقد أو الملك أو الشبهة، حتى تكون بين
العبارتين ملائمة.
وثانيا إن نفس المطلب غير تام وذلك لأنه كيف يمكن الحكم باجراء
الحد مع أن الشهود يقولون: لا نعلم سببا للتحليل والحال أن معناه: إنه
200

لا نعلم بموجب الحد ولا نعلم بالزنا.
ولا يخفى أن سبب التحليل قسمان أحدهما أن يكون من قبيل الزوجية
والملكية وتحليل المالك، فمعنى قول الشهود: لا نعلم بينهما سببا للتحليل،
هو إنا لا نعلم الزوجية أو الملك أو تحليل المالك.
ثانيهما أن يكون المراد هو المسقط للحد بعد أن عدم الزوجية والملكية
والتحليل أمر مفروغ عنه كالشبهة والاكراه وغير ذلك.
فعلى الأول فشهادتهم بعدم العلم بسبب التحليل تؤول إلى عدم
علمهم بالحرمة أصلا وهذا لا ينفع في الشهادة شيئا.
وأما على الثاني فهو الذي حاول صاحب الجواهر حل الاشكال به
فقال بعد أن أشكل بعدم تحقق الزنا مع احتمال كونها زوجة: ويمكن إرادته
بعد العلم بكونها أجنبية عنه لكن لم يعلم الشبهة أو الاكراه أو نحوهما مما
يسقط به الحد انتهى.
يعني أن الزنا بالأجنبية بعد كون المرأة كذلك حسب الفرض موجب
للحد، والمسقط مشكوك فيه والأصل عدمه.
وفيه أولا أنه خلاف المتبادر من (سبب التحليل) لأن وطي الأجنبية
مع الشبهة محرمة واقعا وليس هناك سبب للتحليل غاية الأمر أنه لا عقاب عليه
ولا حد، والحال أن عبارة المحقق: لا نعلم سببا للتحليل، لا السبب المسقط
للحد، والحاصل المسقطات ليست سببا للتحليل.
وثانيا هب أنه كان المراد ذلك لكن هل يجوز إقامة الشهادة مع عدم
العلم بالشبهة أو كون الزنا عن اكراه؟ أو ليس هذه الموارد من موارد الشبهة
والحدود تدرء بالشبهات؟ وكيف يحد من أقيم عليه الشهادة بأنه وطئ وطئا
لم يعلم أنه يوجب الحد؟
وعلى الجملة فالشبهة الموضوعية اقتضت عدم جواز الشهادة وعدم
إقامة الحد.
وعلى قوله قدس سره، لو شهدوا كذلك لأوجبت اجراء الحد وهو
201

مشكل جدا، ومثل عبارته صدر أو ذيلا عبارة العلامة في القواعد حيث قال: ولا
تكفي شهادتهم بالزنا عن قولهم: من غير عقد ولا شبهة عقد بل لا بد من
ذلك، نعم يكفي أن يقولوا: لا نعلم سبب التحليل.
وفيه ما مر من الاشكال لأنه مع وجود احتمال الاكراه أو الشبهة لا مورد
للشهادة ولا لاجراء الحد، وفي الحقيقة إن هذه الشهادة مركبة من الوجدان
والأصل الجاري لنفي الشبهة والاكراه، وهذا لا ينفع فإن المعتبر في الشهادة
هو العلم ومآل ما ذكر إلى الشهادة مع الشك، ولا فرق بين هذا وبين ما إذا
صرح الشاهد وقال: إنه زنى ولكني لا أعلم أنه كان مكرها أم لا. فكما أنه لا
أثر لهذه الشهادة كذلك لا أثر لها بالنحو المبحوث عنه، وعلى الجملة فما ذكر غير
قابل للقبول والتصديق وإن قاله كثير من الأعلام (1).
واحتمال أن يكون مرادهما ومراد غيرهما من ذلك هو العلم بالعدم نظير
قولك: لا نعلم أنه عادل، الذي تريد منه: إني لا أراه عادلا وأعلم أنه غير
عادل، مع أنه خلاف الظاهر حيث إن الظاهر من قول الشهود: لا نعلم الخ هو
عدم علمهم لا علمهم بالعدم يرد عليه أنه لو كان المراد ذلك يكفيه قوله: من
غير عقد ولا شبهة ولم يكن مورد لقوله: ويكفي الخ.
حول كلام من الشهيد الثاني
ثم إن الشهيد الثاني قال في المسالك في هذا المقام: وإنما تحد الشهود
إذا لم يشهدوا بالايلاج على ذلك الوجه، بتقدير أن يكون شهادتهم بالزنا، ثم
قال: أما لو شهدوا بالفعل ولم يتعرضوا للزنا سمعت شهادتهم ووجب على
المشهود عليه التعزير انتهى.
ولم نقف على مراده رحمه الله من وجوب تعزير المشهود عليه بعد أن الشهود
لم يتعرضوا للزنا وإنما اقتصروا على الشهادة بأصل الفعل.

(1) راجع لهذا البحث شرح الإرشاد للأردبيلي فإن فيه ما يؤيد ما أفاده السيد الأستاذ الأكبر دام ظله
العالي.
202

ويمكن توجيه كلامه بنحو لا يرد عليه اشكال لكنه موقوف على ذكر
مطلب مقدمة وتمهيدا له.
فنقول: هل المعتبر في الشهادة على مقدمات الزنا كجلوسه معها مجلس
الرجل من زوجته، أيضا أربعة رجال أو أنه يكفي الاثنان؟ بعد أنه لا شك
أصلا في اعتبار الأربعة في الشهادة على الزنا نفسه على ما تقدم مقتضى قبول
شهادة العدلين مطلقا إلا ما خرج بالدليل هو حجية قول الاثنين وشهادتهما على
مقدمات الزنا بلا حاجة إلى أزيد من ذلك، فإن كل ما كان غير الزنا مثلا يقتصر
فيه على شهادة الاثنين ومنه مقدمات الزنا.
وحينئذ نقول: لعل مراده رحمه الله أنه لو شهد الشهود سواء كانوا اثنين
أو ثلاثة أو أربعة بالفعل أي بالمقدمات كجلوسه معها على النحو المخصوص
ولم يتعرضوا للزنا أصلا فإنه يعزر المشهود عليه على ما فعله، إلا أنه لا خصوصية
للأربعة.
نعم هذا الحمل خلاف ظاهر (الفعل) حيث إنه ظاهر في نفس
الفعل المعهود أي الوقاع والجماع (1).
جلد الشهود لو لم يشهدوا بالمعاينة
قال المحقق: ولو لم يشهدوا بالمعاينة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود.
أقول: أما الأول فلأن شرط قبول الشهادة هو ذكر الرؤية والمعاينة وهو
مفقود حسب الفرض ولا يجوز أن يسئل الشهود عن أنهم رأوا ذلك أم لا؟ لأنه
تجسس لاثبات الزنا وهو حرام، وهذا بخلاف قصة ماعز لأنه أقر بالزنا وكان
صلى الله عليه وآله بصدد ما يدفع عنه الحد.
وأما الثاني فلأن الشهود قد أقدموا على القذف فيقام عليهم حده

(1) يحتمل أن يكون المراد من الفعل هو نفس الوطي إلا أنه يعزر لعدم تحفظه عن أعين الناس وعدم
الاختفاء به، وإن لم يكن زناءا.
203

الكلام في لزوم اتفاق الشهود في الشهادة.
قال المحقق: ولا بد من تواردهم على الفعل الواحد والزمان الواحد و
المكان الواحد فلو شهد بعض بالمعاينة وبعض لا بها، أو شهد بعض بالزنا في
زاوية بيت وبعض في زاوية أخرى أو شهد بعض في يوم الجمعة وبعض في يوم
السبت فلا حد ويحد الشهود للقذف.
أقول: لا شك ولا شبهة في أنه لو تعرض الشهود لذكر الخصوصيات
واختلفوا في ذلك فإنه ترد شهادتهم فلا بد من أن تكون شهادتهم متحدة فعلا
وزمانا ومكانا.
وأضاف في المسالك الصفة أيضا فقال: لا ريب في عدم قبول شهادتهم
على تقدير الاختلاف في الفعل بالزمان أو المكان أو الصفة انتهى.
والوجه في ذلك أنه لو اختلفوا في الخصوصيات، فلم تقم أربعة شهداء
المعتبرة في الشهادة، على الفعل الواحد بل قام على الزنا في هذه الزاوية مثلا
شاهدان وعلى وقوعها في زاوية أخرى آخران، هذا إذا اختلفوا من جهة المكان،
وهكذا الأمر لو اختلفوا من جهة الزمان كما إذا شهد بعض بالزنا في يوم الجمعة
وآخران به في يوم السبت، وإن كانت الشهادة محققة على أصل الزنا إلا أنها
غير كافية بعد عدم تواردهم على فعل واحد.
بل ولو شهد بعض بوقوع الزنا حال كونهما مجردين وآخر به حال كونهما
من وراء الثوب أو شهد بعض بوقوع الزنا في ثوب أبيض وآخر بوقوعه في ثوب
أصفر مثلا فإن ذلك غير مقبول على ما هو مقتضى ما ذكره في المسالك من
اعتبار اتحاد الصفة أيضا فهذا لا كلام فيه ولذا قال بعد ما نقلناه من عبارته:
لأن كل واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر، ولم يقم على
الفعل الواحد أربعة شهداء.
وإنما النزاع والكلام في أنه هل يعتبر تعرض الشهود للخصوصيات أو أنه
يكفي الشهادة مطلقة.
204

قال في المسالك: إن ظاهر المصنف والعلامة اشتراط ذلك فلا يكفي
اطلاقهم الشهادة على الزنا على الوجه السابق إلا مع تصريحهم باتحاد الزمان
والمكان حتى لو أطلق بعضهم وقيد آخرون حدوا والنصوص خالية من اشتراط
ذلك ودالة على الاكتفاء بالاطلاق وهذا هو الظاهر من كلام المتقدمين.
ثم نقل كلام الشيخ في النهاية وقال بعد ذلك: وهذا صريح في عدم
اعتبار التقييد بالزمان.
ثم نقل عبارة ابن الجنيد، وقال بعد ذلك: وهذا صريح في ذلك
وكلام غيرهما قريب من ذلك، وهذا هو المعتمد.
ثم صار بصدد توجيه عبارة المحقق وقال: ويمكن تنزيل كلام
المصنف وما أشبهه على ذلك بحمل عدم القبول على تقدير التعرض على ذلك
والاختلاف فيه.
أقول: إن هذا الحمل خلاف الظاهر جدا بل الظاهر هو لزوم التعرض
واتحادهم في الخصوصيات ولعل الأقوى ذلك، وذلك لاحتمال أن يكون نظر
بعض الشهود إلى وقوع الفعل مع خصوصية تكون مغايرة للخصوصية التي كانت
بنظر الآخر فلم تتحقق شهادة الأربع على فعل واحد وإنما تتحقق ذلك مع
التعرض للخصوصيات والاتفاق عليها.
وما أفاده من خلو النصوص من اشتراط ذلك.
فيه أن ذلك غير قادح ولا يوجب القول بعدم اعتبار ذكر هذه القيود
والخصوصيات ولا دلالة له على صحة الشهادة وقبولها فإن ذكر ذلك في
النصوص غير لازم بعد أن المعتبر بحسبها هو شهادة الأربع على فعل واحد وهو
الزنا الشخصي فإذا تعرضوا للخصوصيات واتفقوا عليها وفيها، يتحقق موضوع
الشهادة ويمكن هناك اجراء الحد وأما إذا أطلقوا فمن الممكن أن يكون
شهادة بعض في الواقع على خلاف ما يشهد به بعض آخر.
وغاية ما يمكن أن يقال هو أن الشهادة المطلقة بلا ذكر فيها عن الزمان
والمكان تكون ظاهرة في وحدة الفعل، فليست صريحة في ذلك وقد تقدم اعتبار
205

الصراحة في الشهادة على خلاف من صاحب الجواهر فلا يكتفى بها.
ويشهد على ما ذكرناه من أن خلو النصوص عن ذكر ذلك لا يدل على
عدم اعتباره، خلوها عن قيد: بلا عقد ولا ملك ولا شبهة، فقد راجعنا
الروايات ولم نجد فيها ذكرا عن ذلك والحال أنهم اعتبروا هذا القيد و
لم يكتفوا بظهور لفظ الزنا في أنه صدر بلا عقد ولا ملك ولا شبهة (1).
ولباب الكلام إن الملاك في جواز اجراء الحد بالشهادة هو الشهادة مع
ذكر الخصوصيات لأنها الشهادة الخالية عما يوجب درء الحد فمع التعرض
والاتفاق على القيود يحصل ذلك وإلا فلا.
وبعبارة أخرى إن الشهادة بهذا النحو مصداق للشهادة الموجبة للحد
وبدون ذلك تحصل الشبهة الدارئة للحد، لاحتمال اختلافهم في القيود لو كانوا
يتعرضون لها ومع الاختلاف كان يحصل التعارض في شهادتهم ولم يتحقق
الشهادة اللازمة على فعل واحد.
وفي الجواهر بعد عبارة المصنف المذكورة آنفا بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك بل ولا اشكال في صورة عدم اتفاق الأربعة على شئ من ذلك
بل ولا اشكال في صورة عدم اتفاق الأربعة على شئ واحد كغير المقام من
المشهود عليه من البيع والإجارة وغيرهما.
يعني أنه لا فرق بين المقام وغيره في هذا المقدار وهو لزوم الاتفاق في
المشهود به مع تمام الخصوصيات إذا تعرضوا لذلك، غاية الأمر اعتبار اتفاق
الأربعة في باب الزنا، والاثنين في مثل البيع والإجارة.
ثم قال: إنما الكلام في اختصاص المقام عن غيره باعتبار ذكر الشهود
الخصوصيات والاتفاق عليها مع تعرض البعض على وجه لا يجزئ اطلاق
الآخر ولا قوله: لا أعلم به وربما شهد للثاني الموثق..
ولا يخفى أنه قد تعرض هنا لقسم من موضع البحث وهو أنه هل يعتبر
مع ذكر بعض منهم الخصوصيات أن يتعرض الآخرون لها أيضا أم لا؟ مع أن

(1) أقول: هذا مضافا إلى ما سيأتي من ذكر ذلك في بعض النصوص فانتظر.
206

المستفاد من ظاهر عبار المحقق هو اعتبار ذكر الخصوصيات وإن على الشهود
التعرض لها أولا.
ومراده من الثاني هو فرض قول واحد من الشهود: لا أعلم، في قبال
الآخرين المتعرضين لذكر الخصوصيات، فإن الفرض الأول في كلامه هو تعرض
بعض منهم واطلاق الآخرين، وأما الموثق فهو موثق عمار وقد نقله باختلاف يسير
في الألفاظ، ومتنه على ما في الوسائل هذا: عن عمار الساباطي قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنه قد زنى بفلانة ويشهد
الرابع أنه لا يدري بمن زنى قال: لا يحد ولا يرجم (1).
ولعله تمسك به جوابا عما قاله في المسالك من خلو النصوص، وكأنه
يقول: إن فيها تعرضا لذلك غاية الأمر بالنسبة إلى بعض فروضه وصوره.
والظاهر أنه يستفاد من ذلك حكم ما لو تعرض بعض الشهود
للخصوصيات وسكت الآخرون أيضا وأنه لا تقبل شهادتهم وذلك لأن عدم
قبول الشهادة في مفروض الرواية ليس لأجل قول الرابع: لا أعلم، بخصوصه
وتعبدا مخصوصا بتلك الشهادة، حتى يتفاوت الحكم بالنسبة إلى ما لو أطلق الرابع
ولم يتعرض للخصوصيات حتى بقوله: لا أعلم، بل ذلك لمكان عدم حصول
أربعة شهداء، المشترك بينه وبين المقام.
وقد ظهر بما ذكرنا أنه لا حاجة في اسراء حكم المثال إلى سائر الأمثال،
إلى التمسك بالاجماع المركب والقول بأنه يتم في غيره بعدم القائل بالفرق بين
الأصحاب، كما تمسك به في الرياض، حتى يرد عليه ما أورده في الجواهر بقوله:
لا اجماع مركب تسكن إليه النفس على عدم الاجتزاء بالشهادة على معاينة
الادخال والاخراج على وجه الزناء من غير تعرض للزمان والمكان ولا على ما
إذا تعرض بعد وأطلق الآخر على وجه لم يعلم عدم شهادته بها ثم استنتج بقوله:
فالمتجه الاقتصار في الموثق على مورده.
وذلك لأن بما ذكرنا يحصل الغناء عن ذلك وهو أنه لا بد من تحقق

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
207

أربعة شهداء على فعل واحد بحيث لا يجري احتمال تعدد الواقعة فإذا كانت
الشهادة بحيث تحتمل التعدد فلا تنفع في اثبات الحد على المشهود عليه، فمن هذا
الباب ما إذا تعرض البعض وقال الباقي: لا أعلم، ومنه ما إذا تعرض بعض
وأطلق الباقي، ومنه ما إذا لم يتعرضوا للخصوصيات أصلا فإن الرمز الأصيل
والوحيد في رد الشهادة في مورد الرواية هو احتمال تعدد الواقعة وهو محقق في غير
موردها أيضا. فكما أنه لو شهد اثنان بوقوع الزنا في مكان كذا وشهد آخران بوقوعه
في مكان آخر فإنها لا تؤثر شيئا، كذلك فيما إذا تعرض بعض وأطلق الباقون
مثلا.
وهذا الكلام يأتي في جميع الشهادات وإن كان بينها فرق من جهة
العدد المعتبر فيها فإذا شهد شاهدان بوقوع القتل إلا أن أحدهما قال بأن زيدا
قتل عمروا وقال الآخر: أن زيدا قتل ولكن لا أدري أنه قتل أي شخص
ولا أعلم أنه كان عمروا مثلا فإنه لا تقبل هذه الشهادة ولا تؤثر في استحقاق
القصاص فليس لولي المقتول الاقتصاص منه لعدم اثبات أنه قتل عمروا حتى
يجوز له ذلك وهكذا لو كانت شهادتهما من باب المطلق والمقيد بأن شهد
أحدهما بأنه قتل عمروا وقال الثاني: أنه قد قتل رجلا.
نعم في مورد لا يفضي الاختلاف في الخصوصيات إلى احتمال تعدد
المشهود به لا اشكال، وذلك كما إذا شهد الشهود إن هذا الرجل قد زنى بهذه
المرأة لكنهم اختلفوا في معرفتها والجهل لها فبعضهم يعرفها ويسميها وبعض
لا يعرفها ولا يسميها مثلا فإن اختلافهم في المعرفة بها وعدمها وأنه يعرفها
بعضهم دون الآخرين غير قادح بعد تعيينهم جميعا شخصها وذلك لعدم احتمال
التعدد حيث عينوا شخصها وزمان الزنا ومكانه.
فقوله عليه السلام في الرواية: لا يحد ولا يرجم إشارة إلى عدم تمامية
الشهادة في الواقع وذلك لاحتمال عدم اتفاقهم على شئ واحد.
وبذلك قد ظهر أيضا إن ما أفاده في الجواهر بعد التمسك بالموثق بقوله:
ومنه يعلم الوجه في اشتراط توارد الجميع على الخصوصية إذا ذكرها بعضهم
208

فيختص المقام حينئذ بذلك تعبدا من غير فرق بين الخصوصيات (1)، لا يخلو عن
اشكال فإنه لو كان المراد عدم قبول الشهادة مع تمامها وكمالها وذلك للتعبد
بسبب الخبر المزبور كما أن الظاهر من التعبد أيضا ذلك حيث إن حقيقته
الحكم بشئ مع عدمه في الواقع أو بالعكس أو الحكم بكونه من أمر مع عدم
كونه منه في الواقع أو بالعكس نظير قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء. وأولئك هم الفاسقون (2) فإنه أطلق عليهم الفاسقين مع
احتمال صدقهم في الواقع
ففيه أنه غير صحيح لأن الشهادة غير تامة على حسب الفرض وذلك
لاحتمال التعدد بأن يكون شهادة بعضهم بشئ والآخرين على شئ آخر.
نعم لو كان المراد منه أن الشارع اعتبر الأربعة تعبدا ولم يحصل ذلك
فليس فيه اشكال.
الكلام في ما لو شهد بعض بالاكراه وبعض بالمطاوعة
قال المحقق: ولو شهد بعض أنه أكرهها وبعض بالمطاوعة ففي ثبوت
الحد على الزاني وجهان أحدهما يثبت للاتفاق على الزناء الموجب للحد على
كلا التقديرين، والآخر لا يثبت لأن الزناء بقيد الاكراه غيره بقيد المطاوعة فكأنه
شهادة على فعلين.
أقول: ذهب الشيخ في المبسوط إلى الأول، واختار في الخلاف، الثاني
فقال في الأول: إذا شهد اثنان أنه أكرهها وقال آخرون أنها طاوعته فلا حد
عليها لأن الشهادة لم تكمل والرجل لا حد عليه أيضا وقال بعضهم: إن عليه
الحد، وهو الأقوى عندي، لأن الشهادة قد كملت في حقه على الزنا لأنه زان في
الحالين ومن قال بالأول، قال: لأن الشهادة لم تكمل على فعل واحد فإن
الاكراه غير المطاوعة (3).

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 302.
(2) سورة النور الآية 4.
(3) المبسوط الجلد 8 الصفحة 8.
209

وقال الثاني: إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا بامرأة فشهد اثنان
أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته قال الشافعي: إنه لا يجب عليه الحد وهو
الأقوى عندي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد وبه قال أبو العباس: دليلنا أن الأصل
براءة الذمة، وايجاب الحد يحتاج إلى دليل وأيضا الشهادة لم تكمل بفعل واحد
وإنما هي شهادة على فعلين لأن الزنا طوعا غير الزنا كرها (1).
وحاصل الاستدلال على استقرار الحد عليه كما هو مختاره في
المبسوط هو تمام الشهادة وكمالها بالنسبة إلى زناه لأن المرأة سواء كانت
مكرهة في زناها أو مطاوعة فإن الرجل قد زنى بها فيجب عليه الحد لتحقق
الشهادة المعتبرة بالنسبة إليه.
وقد مال إلى ذلك صاحب الجواهر فإنه بعد أن نقل الاستدلال على
وجوب الحد بالاتفاق على الزنا الموجب للحد على كلا التقديرين قال:
والاختلاف إنما هو في قول الشهود لا في فعله (2).
وفيه أن منشأ الاختلاف في القول اختلاف المقول ولولا اختلاف المقول
لاتحد القول، فإذا قال بعضهم: إنه قد زنى مكرها لها وقال آخرون: إنه
قد زنى بها وهي قد طاوعته فالاختلاف إنما هي في قسمي الزنا المختلفين
وذلك لأن زنا المكره قسم وزنا غير المكره قسم آخر، والشاهد على ذلك أن الأول
موجب للقتل والثاني للحد جلدا أو رجما وحينئذ فلم يتحقق أربعة شهود على
فعل واحد فإن هذا الزنا فرد خاص والآخر فرد آخر منه غير الأول، فيقال زنا
اكراهي وزنا مطاوعي فهما موضوعان متباينان ولهما حكمان مختلفان لا تعلق
لأحدهما بالآخر وهذا نظير تردد القاتل بين هذا وذاك الذي لا يمكن الاقتصاص
هناك. وعلى الجملة فلا يجوز اجراء الحد على الفعل المردد.
قال الشهيد الثاني: إذا شهد بعض الأربعة على رجل بأنه زنى بفلانة
مكرها لها في ذلك الزنا وشهد الباقون بأنه زنى بها مطاوعة له فيه فلا حد على

(1) الخلاف كتاب الحدود مسألة 24.
(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 330.
210

المرأة قطعا لعدم ثبوت المقتضي لحدها وهو الزنا مطاوعة واختلف قولا الشيخ في
الرجل فقال في الخلاف: لا حد عليه وتحد الشهود لأنها شهادة على فعلين
فإن الزنا بقيد الاكراه غيره بقيد المطاوعة وهي كشهادة الزوايا، وقال في
المبسوط: يحد الرجل لثبوت الزنا على كل واحد من التقديرين المشهود بهما
ولأن الاختلاف إنما هو في أقوال الشهود لا في فعله وهذا مختار ابن الجنيد وابن
إدريس، وتردد المصنف مقتصرا على نقل القولين وكذلك العلامة في الارشاد
والتحرير، ورجح في القواعد والمختلف الأول وكذلك الشهيد في الشرح ولعله
أوجه ويمنع ثبوت الزنا على كل واحد من التقديرين لأنه لم يشهد به على كل
تقدير العدد المعتبر فهو جار مجرى تغاير الوقتين والمكانين المتفق على أنه لا يثبت
على تقديره انتهى (1).
وإن أورد عليه في الجواهر بقوله: وفيه وضوح الفرق بينهما ضرورة
اقتضاء الاختلاف تعدد الفعل بخلافه هنا المفروض اتفاق الجميع على اتحاد
الزمان والمكان وإنما اختلفوا في حال المزني بها والزاني، الذي لا يقتضي
تعدد الفعل فيمكن اطلاع من شهد بالمطاوعة على كون الاكراه الظاهر صوريا
نعم لو لم يتعرضا للزمان وقلنا بكفايته واختلفا في الاكراه والمطاوعة على وجه
لا يمكن الجمع بينهما إلا بتعدد الفعل اتجه حينئذ عدم القبول فتأمل جيدا
انتهى (2).
لكن فيه تأمل واشكال وذلك لأنه إذا كان السواد والبياض ضدين فلا
محالة يكون الأسود والأبيض أيضا ضدين وكذلك إذا كان الاكراه والمطاوعة
ضدين فلا محالة الفعل الصادر من الاكراه والصادر من المطاوعة أيضا ضدان ولا
يجتمعان، وليس المراد من كونهما قسمين إن الواقع في الخارج فعلان وقسمان
فإنه لا شك في أن الفعل واحد وإنما تردد أمره بين أن يكون من هذا أو من
ذاك وقد شهد بعض الشهود على الأول وبعض على الثاني وبعبارة أخرى

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 427.
(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 302.
211

لا نعلم أن الواقع في الخارج من أفراد هذا القسم أو من أفراد القسم الآخر فعدد
الشهود في كل من الفردين ناقص، واتفاق الشهود إنما كان على الجامع وأمر
كلي لا على أمر شخصي الذي هو الموجب للحد.
ثم إنه قد يقال إن الوجه في عدم اثبات الزنا أمر آخر لا عدم شهادتهم
على أمر واحد وذلك لأن من شهد منهم على مطاوعة المرأة فقد قذفها
ورماها بالزنا فيجري عليه حكم القذف ويكون فاسقا فلا تقبل شهادته.
وفيه أنه مع فرض وحدة الفعل فقد كملت شهود الزنا ويثبت ذلك،
ومعه فالشهادة تؤثر في أمرين أحدهما اثبات حد الزنا على الزاني، ثانيهما نفي
حد القذف كما في كل مورد يؤخذ بشهادة الشهود الذين شهدوا على الزنا، وإلا
تكون الشهادة قذفا، وعلى الجملة فمع وحدة الفعل ليس هناك قذف وإنما يتحقق
هو فيما كان الفعل بالمآل متعددا، وبعبارة أخرى أنه مع كمال الشهود لا تدخل
الشهادة تحت عنوان القذف بل اللازم عليه هو ترتيب آثار الزنا المشهود به.
ثم إن العلامة في القواعد ذكر الوجهين في المسألة: ثبوت الحد على
المشهود عليه لكمال الشهادة على الزنا وكون اختلافهم في فعلها لا في فعله،
وثبوت الحد على الشهود، مستدلا بتغاير الفعلين ثم قال: وهو أوجه ولا حد عليها
اجماعا ثم إن أوجبنا الحد بشهادتهم لم يحد الشهود وإلا حدوا ويحتمل أن يحد
شهود المطاوعة، لأنهما قد قذفا المرأة بالزنا ولم تكمل شهادتهم عليها دون
شاهدي الاكراه لأنهما لم يقذفا وقد كملت شهادتهم وإنما انتفى عنه الحد
للشبهة انتهى.
أقول: يمكن أن يورد عليه بأنه بعد البناء على ايجاب الحد بشهادتهم
واثبات الزنا بذلك لا وجه لحد الشهود مطلقا فكيف احتمل أن يحد شهود
المطاوعة، وبعبارة أخرى إما أن نقول بأن الشهادة قد كملت وعلى هذا فلا وجه
لحد الشهود بل يحد المشهود عليه لا غير، وإما أن نقول بعدم ذلك لكون بعضهم
قاذفا وفاسقا فيلزم حد الشهود دون المشهود عليه لأنه لم تستكمل الشهادة.
وعلى الجملة فلو تحقق أن الشهادة كانت على فعلين كما استوجهه
212

العلامة قدس سره بنفسه فلم يبق إلا حد الشهود ولا مجال لانتفاء الحد عنهم
وإن قلنا بعدم التعدد كما هو المفروض والمبنى في كلامه حيث قال: إن
أوجبنا الخ فلا بد من اجراء الحد على المشهود عليه ولا شبهة كي ينتفي
الحد بعد فرض ايجاب الحد وثبوته (1).
وفي الجواهر بعد لفظ الشبهة الوارد في كلام العلامة المذكور آنفا: أي
لا لعدم الثبوت، ثم قال قدس سره: وفيه أن الشهادة بالمطاوعة أعم من القذف
لاحتمال الشبهة فيها وإن كان هو زانيا.
يعني أنه وإن شهد شاهد المطاوعة بمطاوعتها له إلا أن مجرد ذلك لا
يلازم قذفها بالزنا وذلك لامكان مطاوعتها زعما منها إن ذلك يحل لها، هذا.
أقول: وفيه أن هذا الاشكال وإن كان يصح ويأتي على مذهب من
يعتبر التصريح في الشهادة أما على مذهب من يكتفي بلفظ ظاهر في المراد كما
أكد عليه صاحب الجواهر آنفا فلا، فإنه إذا قال بعض إنها كانت مكرهة على
الزنا وشهد الباقون إنها قد طاوعته في ذلك، فإن ظاهر هذا إنها قد زنت
وكانت زانية لا أنه اشتبه عليها الأمر، فيجب عليها الحد.
هذا مع أنه فرق بين قبول الشهادة وباب القذف حيث إنه لا حاجة في
القذف إلى الصراحة بل يكفي قول: يا بن الزانية أو أنت زان وأمثال ذلك كما
ترى كلماتهم في القذف، والحاصل أنه يكفي في القذف مجرد النسبة على ما
هو ظاهر اطلاق الأدلة والكلمات من غير توقف على ادعاء الرؤية أو استعمال
لفظ صريح في ذلك بل يكفي اللفظ الظاهر في الزنا الحقيقي.
اختلاف الشهود في قميص الزاني
قال في القواعد: لو شهد اثنان بأنه زنى وعليه قميص أبيض واثنان أن

(1) أقول: وفي دفتر مذكراته دام ظله بعد نقل كلام القواعد: أقول: مع اعترافه بتغاير الفعلين فكيف
يقال: وقد كملت شهادتهم عليه إلا أن يكون المقصود على القول الآخر ولكن عليه لا ينفي الحد
انتهى هذا لكن لا يخفى أن توجه الاشكال على العلامة في المقام محل تأمل واشكال فراجع كلام
العلامة ثانيا إن شئت.
213

عليه قميصا أسود ففي القبول نظر.
وفي الجواهر: وفيه أنه لا مانع من اجتماع الخصوصيتين فلا تعدد
للفعل.
أقول: إنه وإن كان لا مانع من اجتماعهما لكن العبارة ظاهرة في انحصار
القميص كما لا يخفى.
إذا شهد بعض فلا يرتقب اتمام البينة بل يحد الشهود
قال المحقق: ولو أقام الشهادة بعض في وقت حدوا للقذف ولم
يرتقب اتمام البينة لأنه لا تأخير في حد.
وفي الجواهر بعد ذلك: بلا خلاف محقق أجده فيه إلا ما يحكى عن
جامع ابن سعيد وهو شاذ (1).
وقال العلامة في القواعد عند عد شرائط ثبوت الزنا بالبينة: الثالث
اتفاقهم على الحضور للإقامة دفعة فلو حضر ثلاثة وشهدوا حدوا للفرية ولم
يرتقب اتمام الشهادة لأنه لا تأخير في حد نعم ينبغي للحاكم الاحتياط بتفريق
الشهود في الإقامة بعد الاجتماع وليس لازما ولو تفرقوا في الحضور ثم اجتمعوا في
مجلس الحكم على الإقامة فالأقرب حدهم للفرية انتهى.
أقول: ظاهر عبارة المحقق المذكورة آنفا هو اشتراط اجتماع الشهود حين
الشهادة بخلاف كلام العلامة فإن الظاهر منه اعتبار اجتماعهم حين الحضور،
وإن أمكن أن يكون مراده ما هو الظاهر من كلام المحقق، غاية الأمر أنه أضاف
اجتماعهم وقت الحضور أيضا ولذا قال في الجواهر أنه قد بالغ الفاضل في
القواعد وولده في الشرح فاعتبر حضورهم قبل الشهادة للإقامة. الخ.
وكيف كان فعلى ما هو ظاهر العبارات، لو حضر بعضهم وشهد ثم بلا أي
تأخير شهد الباقون فإنه يكتفي بذلك عند المحقق دون العلامة لأنهم لم يحضروا

(1) قال ابن سعيد في جامع الشرايع الصفحة 548: وإن شهد ثلاثة في وقت ثم تم العدد في وقت آخر
ثبت الزنا، وروى: لا نظرة فيه ويحدو ويدرء الحدود بالشبهات.
214

جميعا ومعا وإن كانوا مجتمعين على الشهادة بعد أن من المسلم عدم اعتبار
أداءهم الشهادة دفعة واحدة ومعا.
وقد وافقه في ذلك ولده فخر الدين فقال في شرح كلام والده المذكور
آنفا: وجه القرب إن اجتماعهم على الحضور شرط في ثبوت الحد على المشهود
عليه وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط وكلما لم يوجب شهادة الزنا الحد
أوجبت حد القذف، ويحتمل عدم وجوب الحد ويمنع اشتراط الحضور دفعة
وكونه وقع في حضرة النبي صلى الله عليه وآله على هذه الحالة لا يوجب
اشتراطه بل جاز أن يكون اتفاقا.
ثم قال: والأقرب عندي الأول لأنه حد مبنى على التخفيف انتهى (1)
ولا يخفى أنه لم يقم دليل واضح على مختار العلامة أعلى الله مقامه.
وهنا قول ثالث ذهب إليه الشيخ قدس سره في الخلاف، قال: إذا
تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو في
مجالس وشهادتهم متفرقين أحوط وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كانوا
شهدوا في مجلس واحد ثبت الحد بشهادتهم وإن كانوا شهدوا في مجالس فهم
قذفة يحدون والمجلس عنده مجلس الحكم فإن جلس بكرة ولم يقم إلى
العشي فهو مجلس واحد فإن شهد اثنان فيه بكرة وآخران غشية ثبت الحد، ولو
جلس لحظة وانصرف وعاد فهما مجلسان.
ترى تصريحه بأنه يثبت الحكم بتكامل الشهود سواء شهدوا في مجلس
واحد أو في مجالس متعددة والظاهر من المجالس المتعددة هو تعدد المجالس
حقيقة بأن يشهد بعضهم في هذا اليوم مثلا وبعضهم في يوم آخر لا أن يشهد كل
من الشهود في بيت فإنه شئ آخر ذكره بقوله: وشهادتهم متفرقين أحوط، وعلى
هذا فلا فرق بين اجتماعهم في الحضور وعدمه.
وكيف كان فقد استدل على ما ذكره بقوله: دليلنا كل ظاهر ورد بأنه إذا
شهد أربعة شهود وجب الحد، يتناول هذا الموضوع فإنه لم يفصل وأيضا قوله

(1) إيضاح الفوائد الجلد 4 الصفحة 476 - 475.
215

تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين
جلدة ولم يفصل، وأيضا فإذا شهد واحد أولا لم يخل من أحد أمرين إما أن
يكون شاهدا أو قاذفا فبطل أن يكون قاذفا لأنه لو كان قاذفا لم يصر شاهدا بإضافة
شهادة غيره إليه فإذا ثبت أنه ليس بقاذف ثبت أنه يكون شاهدا وإذا كان شاهدا
لم يكن قاذفا بتأخر شهادة غيره من مجلس إلى مجلس آخر انتهى (1).
أقول: إن مقتضى اطلاقات الأدلة كتابا وسنة هو الاكتفاء في الحكم
بالزنا بأربعة شهداء مطلقا سواء كان حضورهم في المجلس دفعيا أو بالتدريج،
وبلا فرق بين كونهم معا حاضرين ومجتمعين في المجلس وعدمه وذلك لصدق
شهادة أربعة شهداء، كما أن مقتضى هذا الاطلاق هو القول بأنه لا فرق في
إقامتهم الشهادة متعاقبا وبدون أي تأخير أو معه، غاية الأمر إنا قد خرجنا عن هذا
الاطلاق بسبب الروايات مثل قوله صلوات الله عليه بعد أن شهد ثلاثة: أين
الرابع؟ (2) كما أنا قد نخرج بسبب الروايات عما أفاده الشيخ من عدم الفرق بين
وحدة المجلس وتعدده فإن مقتضى بعض الأخبار هو اعتبار وحدة المجلس.
ثم إن المحقق الأردبيلي عند تعرضه في شرح الإرشاد لقول العلامة:
ولو سبق أحدهم بالإقامة حد للقذف ولم يرتقب اتمام الشهادة.
قال: إذا حضر بعض الشهود مجلس الحكم وشهد بالزنا قبل الباقي
يجب حد الشاهد الذي أقام ولا ينتظر باقي الشهود واتمام الشهادة
وعدمها. فحضور الشهود كلهم مجلس الحاكم واجتماعهم فيه قبل الشهادة
سواء دخلوا مجتمعين أو متفرقين شرط لسماع شهادتهم وإقامة شهادتهم وثبوت
الحد بها على المشهود عليه وسقوطه عنهم فلا يجوز قبل الاجتماع ولا ينفع نعم
يجوز التفرق في الإقامة بل قالوا يستحب التفرقة بين الشهود بعد اجتماعهم حال
الإقامة فيفرق بعد الاجتماع ويستشهد واحدا بعد واحد كما قالوا باستحباب ذلك
في سائر الأحكام لكن مع الريبة وهنا مطلقا للاحتياط والتخفيف، ودليل حد

(1) الخلاف الجلد 3 الصفحة 153 المسألة 31.
(2) سيأتي نقل الخبر بكامله.
216

الشاهد السابق من غير انتظار الباقي هو أنه صدق عليه أنه افترى ورمى بالزنا
ولم يأت بأربعة شهداء وأنه كاذب فيحد بالفعل للفرية إذ لا تأخير لحد على ما
ثبت بالرواية بل بالاجماع ويدل عليه أيضا رواية نعيم بن إبراهيم عن عباد البصري
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام. ورواية النوفلي عن السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام في ثلاث شهدوا.
ثم قال: وقد ترى سندهما كأنه انجبر بالشهرة وفيه ما مر مرارا.
أقول: إن من المسلم عندهم أن الروايتين ضعيفتان لكنهم يقولون بانجبار
الضعف بالعمل نعم للأردبيلي رحمه الله في انجبار ضعف الخبر بالشهرة تأمل
واشكال.
ثم قال: وقد بالغ في القواعد في ذلك حيث قال باشتراط اجتماعهم في
الحضور مجلس الحكم فلو تفرقوا بالحضور حدوا وهو بعيد وكذا الأول.
فهنا قد استبعد كلام العلامة أولا وعطف عليه في ذلك القول الأول
الذي هو في الحقيقة قول الشرايع أيضا فهو أيضا عنده بعيد وعلل ذلك
بقوله:
لأن ثبوت الحد بعد غير معلوم حتى يقال: ولا تأخير للحد فإن الشاهد
قد يكمل شهادته بالباقي وقد يكون اعتمادا على ذلك شهد، فحده قبل شهادة
الباقي ومعلومية حالهم خصوصا مع العلم بوجود الباقي وأنه سيجيئ عن
قريب وتسهل محل التأمل، ولأنه يصدق بعد شهادة الباقي أنه أتى بأربعة
شهداء فلا حد عليه بل لا يبعد الصدق قبله وإن كان على سبيل المجاز
وبالجملة ابطال هذه الشهادة وحد الشهود بمجرد السبق مشكل مع التخفيف في
الحدود، والدرء بالشبهات، بل ينبغي أن يحمل على الوجه المتعارف في ذلك
فإن كمل الشاهد المسقط وإلا حدوا.
ثم قال: وكأنه لذلك قال الشيخ في الخلاف بعدم اشتراط اتحاد
المجلس لأنه قال: إذا تكاملت. أحوط، وتأويل المختلف وحمله على
تفرقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة نظرا إلى أن ذلك هو المذهب عندنا
217

بعيد إلا أن يثبت الاجماع وهو بعيد لخلاف الشيخ المتقدم على الظاهر نعم إن
شهد البعض ونكل البعض حد الشاهد للفرية وعدم الاتيان بالأربعة ولحسنة
محمد بن قيس.
وقد أيد ما ذهب إليه من كفاية الأربعة وإن كان قد وقع تراخ بالنسبة
إلى بعض منهم، بكلام الشيخ في الخلاف وهو عدم اشتراط اتحاد المجلس
وقد مر منا نقل كلام الشيخ فراجع واستبعد ما ذكره العلامة في المختلف
تأويلا لكلام الشيخ من التفرق بعد الاجتماع لإقامة الشهادة، وعليه فلا يكون
نظر الشيخ من تعدد المجالس تفرق الشهود في إقامة الشهادة بعد اجتماعهم
معا بل المراد هو حصول التراخي في الشهادات مستقلا.
وعلى ذلك فلم يبق في اثبات اعتبار تتابع الشهادات وحد الشهود لو
وقع بينها تراخ، سوى الروايات على ما هو المبني من الجبر وإلا فأدلة حجبة
الشهادة شاملة لما إذا تتابعت الشهادات أو بالتراخي وحصول الفصل بينهما
والنتيجة أنه لو وقعت الشهادات كل واحدة عقيب الأخرى حتى كملت فهو
وإلا فيحد الشهود خلافا للشيخ حيث جوز تعدد المجالس.
وأما كلام العلامة في المختلف فهو هذا: قال الشيخ في الخلاف: إذا
تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد
أو مجالس وشهادتهم متفرقين أحوط. وقال ابن حمزة: وإنما يقبل البينة مع ثبوت
العدالة بستة شروط: قيامها في مجلس واحد، والمعتمد ما قاله الشيخ للعموم
ولاستحباب تفريق الشهود، وإن قصد ابن حمزة اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة
صح كلامه لأنه المذهب عندنا وقال سلار: كل حدود الزنا على اختلافه لا يثبت
إلا بشهادة أربعة رجال على الوجه الذي ذكرناه في مجلس واحد انتهى كلامه (1).

(1) مختلف الشيعة الصفحة 764. أقول لعل التنزيل المزبور يستفاد من أن العلامة أولا نقل كلام الشيخ
ثم كلام ابن حمزة المخالف له الناطق باعتبار قيام الشهود في مجلس واحد، ثم جعل المعتمد كلام الشيخ
وبذلك رد كلام ابن حمزة ثم صدق كلام ابن حمزة إذا كان مقصوده اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة
وصحح كلامه على هذا الفرض ولازم ذلك أنه على هذا يكون ابن حمزة موافقا للشيخ فيعلم أن الشيخ
يقول بذلك بنظر العلامة حيث إن قول الشيخ هو المعتمد عنده.
218

أقول: وفيه أن ذلك لا يساعده دليل الشيخ وذلك لأنه علل ما ذكره
بأن الشاهد الأول إما أن يكون قاذفا أو شاهدا لكنه ليس بقاذف وذلك لأنه
لو كان قاذفا كان لا ينفع ضم شهود أخر إليه لكونه فاسقا مع أنه لو ضمت إليه
الثلاثة لقبلت وحكم بالحد على المشهود عليه فإذا ثبت أنه ليس بقاذف بل هو
شاهد فإذا لا يضره تأخير سائر الشهود من مجلس إلى مجلس آخر هذا وكان
الشيخ لم يعمل بالرواية الدالة على اعتبار حضور الشهود كلهم عند إقامة الشهادة
كي تتحقق الشهادات متعاقبة.
هذا ولكن الانصاف أنه يمكن استفادة اعتبار اجتماعهم قبل مقام
الشهادة من كلام الشيخ وذلك لمكان قوله: وشهادتهم متفرقين أحوط.
بيان ذلك أن الاحتياط جار فيما أمكن ما يقابله أيضا حتى يكون الأول
احتياطا وما يقابله خلاف الاحتياط، وفيما نحن فيه يكون تفريق الشهود أحوط،
إذا أمكن التفريق والاجتماع كلاهما وذلك لا يتحقق إلا بأن يكون الشهود
حاضرين عند إقامة الشهادة حتى يفرق الحاكم بينهم في أداءها، وأما إذا لم
يكن بعضهم حاضرين فهو أمر قهري ولا يصدق عليه أنه احتياط، فمن ذلك يمكن
أن يستفاد إن مراد الشيخ أيضا اعتبار حضورهم عند الإقامة جميعا الذي يعبر عنه
بالمجلس الواحد عرفا غاية الأمر أنه يقول بجواز إقامتهم الشهادة وأداءها في هذه
الحال وفي حال افتراق كل منهم عن الباقين وقد أضاف أن الثاني هو
المستحب لئلا يطلع أحدهم على ما شهد به الآخر، واللاحق على ما شهد به
السابق، فيتلقى منه الشهادة.
وربما يؤيد ذلك أن ابن إدريس عبر في السرائر بذلك أي مجلس واحد
أو مجالس فإنه قال: إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء
شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس ولا يعتبر حضور الشهود لأداء الشهادة في
وقت واحد إلا ههنا الخ (1) مع أنه قال قبل ذلك: ولا تقبل شهادة الشهود
على الزنا إلا إذا حضروا في وقت واحد فإن شهد بعضهم وقال: الآن يجيئ

(1) السرائر الطبع الجديد الجلد 3 الصفحة 434.
219

الباقون جلد حد المفتري لأنه ليس في ذلك تأخير انتهى (1)
وجه التأييد وبيانه أنه عبر في المقام بالمجلس أو المجالس والحال أنه
اعتبر قبل ذلك وفي كلامه السابق، الحضور في وقت واحد، فمن هذا يعلم أن
المراد من المجلس أو المجالس هو تفريق الحاكم بين الشهود وعدمه عند
الشهادة، بعد أنه يعتبر حضورهم جميعا قبل ذلك.
وبالجملة فعلى هذا فالشيخ أيضا موافق للمشهور ولذا قال في الجواهر:
وحينئذ لا خلاف في المسألة إلا من ابن سعيد الذي قد سمعت شذوذه انتهى.
استدل المشهور بروايات منها رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي
عليه السلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علي عليه السلام أين الرابع؟
قالوا: الآن يجئ فقال علي عليه السلام: حدوهم فليس في الحدود نظر
ساعة (2).
ومنها ما رواه عباد البصري قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن ثلاثة
شهدوا على رجل بالزناء وقالوا: الآن نأتي بالرابع قال: يجلدون حد القاذف
ثمانين جلدة كل رجل منهم (3).
ولو استشكل في الأولى باحتمال كونها قضية في واقعة ولعل الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم بأن الرابع لا يأتي أو يأتي بعد مضي مدة فلذا
حكم بحد الشهود، فإن الرواية الثانية لا يجري فيها هذا الاحتمال لأن السؤال
فيها قد وقع عن أمر كلي.

(1) السرائر الجلد 3 الصفحة 431 أقول: ولا يخفى أن عبارة الجواهر الطبع الجديد مغلوطة محرفة،
والصحيح هو عبارته في الطبعة القديمة وإليك متنها في الجديد: وربما أيد الحمل المزبور بأنه عبر
في السرائر أنه قال قبلها. الخ وأما متن القديم فهذا: وربما أيد الحمل المزبور بأنه عبر به في
السرائر مع أنه قال قبلها الخ وقد أوجب تحريف النسخة الجديدة أن يستشكل على ابن إدريس
بأنه ليس في ما سبق من كلام الشيخ هذا الكلام، ثم يوجه باحتمال أنه ربما كان في الخلاف الذي
كان عند ابن إدريس فلا تغفل.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 8.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
220

فقد استفيد من الأخبار اعتبار حضورهم واجتماعهم قبل الشهادة وكذا
اعتبار تتابع شهاداتهم وعدم فصل فيها.
والانصاف عدم استفادة الأول منها وأنه لا دلالة لها على عدم قبول
الشهادة إذا لم يكن الرابع مثلا حاضرا إلا أنه قد حضر بمجرد إن تمت شهادة
الثالث وشهد بما شهد به الأولون ومن قبله.
فهل ترى من نفسك إن في قصة قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
رواية السكوني لو كان الرابع يدخل مجلسه وبمجرد قوله عليه السلام: أين
الرابع؟ يجيب: ها أنا حاضر، فهل كان الإمام يرد شهادته ولم يقبل منه؟
كلا.
فتحصل أنه قد استثنى من حجية الشهادة ما إذا أدوها بتراخ وانفصال
كما إذا شهد بعضهم ولم يكن الباقي حاضرا وبعد مضي زمان دخل وشهد
فإن هذه الشهادة تكون مردودة.
أربعة فروع في المقام
ثم إن هنا فروعا تناسب المقام نتعرض لها تبعا لصاحب الجواهر وإن لم
يذكرها المحقق قدس سرهما.
الفرع الأول
لو شهد بعض وأبى الآخر بعد الحضور لها حد الشاهد للقذف كما صرح
به غير واحد نافيا للخلاف فيه.
أقول: المفروض أن الشهود قد حضروا واجتمعوا لإقامة الشهادة وقد
أداها بعضهم إلا أنه أبى من أداءها الآخرون فهنا لا خلاف في عدم ثبوت
الحد على المشهود عليه لعدم ثبوت الزنا كما أنه لا خلاف في عدم حد الناكل عن
الشهادة، وإنما الكلام في حد من أقامها وعدمه وقد وقع الخلاف في ذلك بين
العامة، وأما الخاصة فذهبوا إلى وجوب الحد عليه للقذف ولا خلاف بينهم
221

في ذلك إلا عن العلامة أعلى الله مقامه وادعى الشيخ الاجماع على ثبوت
الحد، ونفى الآخرون الخلاف فيه.
وقد استدل على ذلك بأمور.
أحدها ما مر من ادعاء الاجماع وعدم الخلاف فيه.
ثانيها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: لا أكون أول الشهود الأربعة في الزنا أخشى أن ينكل
بعضهم فاجلد (1).
ثالثها فحوى الخبرين المذكورين آنفا خبر السكوني وخبر عباد
البصري فإنه إذا وجب حد ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا مع عدم حضور
الآخر فهم أولى بالحد إذا كان الرابع حاضرا وأبى عن إقامة الشهادة لأنه
يأتي في الأول احتمال أن الرابع لم يستطع من الحضور وإلا فلو كان متمكنا
منه لحضر، وأدى الشهادة، والحاصل أنه قد عرض له مانع عن الحضور، فاحتمال
كذب الشهود هناك ضعيف، بخلاف الثاني حيث إن الرابع مثلا على حسب
الفرض حاضر ومع ذلك فلا يشهد وهذا مما يقوى احتمال كذب مقيمي
الشهادة فكأنه بإبائه يكذبهم فيها.
رابعها قصة المغيرة مع عدم انكار أحد فيها، وقد تمسك بهذا، الشيخ
قدس سره بعد أن تمسك باجماع الفرقة وأخبارهم.
قال في الخلاف: إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنا فشهد واحد أو ثلاثة
ولم يشهد الرابع لم يثبت على المشهود عليه بالزنا لأن الشهادة ما تكاملت
بلا خلاف ومن لم يشهد لا شئ عليه أيضا بلا خلاف ومن شهد فعليه الحد، حد
القذف وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه في القديم والجديد
وقال في الشهادات: لا يجب الحد وهي المشهورة بالقولين والأول أظهر في الآية
والثاني أقيس.
ثم قال: دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا ففيه اجماع الصحابة روى

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من حد القذف الحديث 2.
222

ذلك عن علي وعمر، ولا مخالف لهما أما علي (عليه السلام) فروي أن أربعة أتوه ليشهدوا
على رجل بالزنا فصرح ثلاثة وقال الرابع: رأيتهما تحت ثوب، فإن كان ذلك
زنا فهو ذلك، وأما عمر فالقصة مشهورة وهو أنه استخلف المغيرة بن شعبة على
البصرة وكان نازلا في أسفل الدار، ونافع وأبو بكرة وشبل بن معبد وزياد في
علوها فهبت ريح ففتحت باب البيت ورفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة
فلما أصبحوا تقدم المغيرة ليصلي فقال له أبو بكرة: تنح عن مصلانا فبلغ ذلك
عمر فكتب أن يرفعوا إليه وكتب إلى المغيرة: قد يحدث عنك بما إن كان صدقا
فلو كنت مت من قبله لكان خيرا لك فاشخصوا إلى المدينة فشهد نافع وأبو بكرة
وشبل بن معبد فقال عمر: أودى المغيرة الأربعة، فجاء زياد ليشهد فقال عمر:
هذا رجل لا يشهد إلا بالحق إن شاء الله فقال: أما بالزنا فلا أشهد ولكني رأيت
أمرا قبيحا فقال عمر: الله أكبر وجلد ثلاثة فلما جلد أبو بكرة فقال: أشهد أن
المغيرة زنا فهم عمر بجلده فقال له علي عليه السلام: إن جلدته فارجم صاحبك
يعني المغيرة.
فموضع الدلالة إن هذه قصة ظهرت واشتهرت ولم ينكر ذلك أحد.
واستدل من قال بعدم الحد على من شهد بأمور.
منها ما حكاه الشيخ قدس سره في الخلاف فإنه بعد ما نقلناه من عبارته
وكلامه قال: ومن قال: لا حد عليهم استدل بقول تعالى: والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، فأخبر أن القاذف
من إذا لم يأت بأربعة شهداء حد، وهذا ليس منهم فإنه لا يحد إذا أتى بأقل منهم
وهو إذا شهد معه ثلاثة فكل من خرج من قذفه بأقل من أربعة شهود لم يكن
قاذفا انتهى (1).
ومنها ما تمسك به العلامة أعلى الله مقامه وقد مر أنه قدس سره قائل
بعدم الحد - فإنه في المختلف عنون المسألة وذكر أولا كلام الشيخ في
الخلاف المذكور آنفا ثم قال: وقال الشيخ في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا إن

(1) انظر الخلاف كتاب الحدود المسألة 32.
223

عليهم الحد، وعلى ما يحكمون أصحابنا في قصة المغيرة، لا حد عليهم والشيخ
نقل قصة المغيرة في الخلاف وجعله دليلا بعد استدلاله باجماع الفرقة. وقول
الشيخ في المبسوط مشكل، وابن الجنيد قال: لو شهد ثلاثة وتأخر الرابع إلى
تصرم مجلس الحكم أو قدر ساعة صاروا كلهم بمعنى القذفة.
ثم تعرض لكلام من صاحب الشامل ونقل عنه أنه قال: إذا لم يتم عدد
الشهود كان شهد ثلاثة أو شهد واحد فهل يكون قذفة يجب عليهم القذف؟ فيه
قولان أحدهما وهو المنصوص المشهور أنهم يحدون وبه قال مالك وأبو حنيفة،
والثاني أنهم لا يحدون لأنه أضاف الزنا إليه بلفظ الشهادة عند الحاكم فلم
يجب عليه الحد كما لو شهد الأربعة ثم رجع واحد منهم، فلم يحد الباقين.
قال قدس سره: وهذا القول عندي لا يخلو من قوة وإلا لأدى ذلك
إلى امتناع الشهود عن إقامتها لأن تجويز أن يترك أحدهم الشهادة يقتضي تجويز
ايقاع الحد عليه فيمتنع من أدائها، ولأن أصحابنا نصوا على أنه لو شهد أربعة
فردت شهادة واحد منهم بأمر خفي لا يقف عليه إلا الآحاد يقام على المردود
الشهادة الحد دون الثلاثة لأنهم غير مفرطين في إقامتها فإن أحدا لا يقف على
بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد وما ذكرناه من الأمور
الباطنة (1).
أقول: والانصاف أن ما أورده على القول بحد الشهود، وارد لا محيص عنه
فإن من احتمل نكول واحد من الشهود يحتمل لا محالة أن يحد هو بنفسه، ولا
يقدم على إقامة الشهادة طبعا والحال هذه، وقل جدا من يقدم عليها ولا يبالي
باجراء الحد عليه مع نكول بعض.
ولا يمكن الذب عن هذا الاشكال بعدم الاقدام على الشهادة بدون
العلم بتكميل الشهادة وعدم نكول بعض الشهود.
وذلك لأنه لو لم يكونوا يقولون بوجوب الحد على الشهود مع نكول
البعض مطلقا حتى ولو حصل لهم العلم بعدم تخلف الباقين لكان ذلك حسنا

(1) مختلف الشيعة الصفحة 756.
224

وأما مع حكمهم بوجوب الحد على الشهود مع نكول بعض منهم وإن كانوا
عالمين بذلك فلا.
وعلى الجملة فهذه عويصة في الباب، فكيف يمكن الحكم بوجوب
الحد على من أقام الشهادة مع إباء واحد منهم بعد ذلك، والحكم بوجوب أداء
الشهادة وحرمة كتمانها وإن من يكتمها فإنه آثم قلبه (1)؟ ومعلوم أن الحكم
بحد الشهود المطمئنين بعدم تخلف واحد منهم عن الأداء، أكبر ذريعة إلى عدم
اقدام أحد على الشهادة.
فلو أمكن الاعتراض على الشهود فيما إذا شهدوا مع عدم حضور الرابع
بأنه لماذا أقدمتم على الشهادة وقد رأيتم أن رابعكم لم يحضر، فلا يمكن هذا
الاعتراض عليهم في المقام لأن الشهود كلهم حاضرون، والمقدم على الشهادة
كان مطمئنا باقدام الباقي عليها أيضا، والحاصل أن الحكم بحد الشهود هنا
مخالف بظاهره للقواعد الشرعية الثابتة.
وبعبارة أخرى إن الثلاثة الذين أقدموا على إقامة الشهادة مع حضور
الرابع وتهيئه لذلك قد أقدموا عليها إقامة لأمر الله وإطاعة لواجبه تعالى و انقيادا
لنهيه عن الإباء بقوله تعالى: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا (1) غاية الأمر أن
الرابع قد عصى وخان أو خاف من أداء الشهادة أو لم يقمها لأغراض دنيوية
فما هو تقصيرهم حتى يحدوا؟ وكيف يرضى الفقيه أن يحكم بحد من أراد
إطاعة ربه؟
وعلى هذا فالمتجه هو قول العلامة أعلى الله مقامه ولا مناص عن
الذهاب إليه، وحمل الأخبار حتى صحيحة قيس المذكورة آنفا على ما إذا
لم يكن هناك اطمينان بتمام الشهادة وقيام الباقي بها، وإلا فتنافي حكم
العقل، فإنهم إذا أقدموا على الشهادة اطمينانا بقيام الباقي أيضا فهم معذورون
عقلا وكيف لا يكون العذر المقبول عند العقل مقبولا عند الشرع؟ نعم لو لم

(1) سورة البقرة الآية 283.
225

يكونوا مطمئنين بقيام الباقي فلا اشكال في الحكم بالحد لأنهم مقصرون.
أضف إلى ذلك كله أنه ما الفرق بين المقام وبين من ترد شهادته
بأمر خفي حيث لم يحد الباقون هناك ويحكم بحد الباقين في المقام وكذلك أي
فرق بين ما إذا رجع بعضهم عن شهادته حيث يحكموا بأن لا حد عليهم،
وبين المقام الذي حكموا فيه بوجوب الحد عليهم؟
وقد ظهر مما ذكرناه أن ما أورده صاحب الجواهر على العلامة بقوله:
فما عن المختلف من عدم الحد لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح معارضا
للدليل الشرعي واضح الضعف انتهى ليس في محله وذلك لأنه ليس وجها
اعتباريا بل هو حكم العقل الصريح.
الفرع الثاني
ولو شهدوا وكانوا فساقا كلا أو بعضا حدوا، ذكره في الجواهر، ثم نقل
عن الخلاف والمبسوط والسرائر والجامع والتحرير التفصيل بين ما إذا كان رد
الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى والفسق فيجب حد الجميع وما إذا كان لمعنى
خفي فإنه يحد مردود الشهادة دون الباقين لأنهم غير مفرطين.
قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنا فردت شهادة
واحد منهم فإن ردت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنه يجب على الأربعة حد
القاذف وإن ردت بأمر خفي لا يقف عليه إلا آحادهم فإنه يقام على المردود
الشهادة الحد، والثلاثة لا يقام عليهم الحد.. دليلنا أن الأصل براءة الذمة
ولا دليل على أنه يجب على هؤلاء الحد وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامة
الشهادة فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد
ويفارق إذا كان الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم فلهذا حدوا (1)..
وقال في المبسوط: إن شهد الأربعة لكن ردت شهادة واحد منهم لم يخل
من أحد أمرين إما أن يرد بأمر ظاهر أو خفي فإن ردت بأمر ظاهر مثل إن كان

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة 33.
226

مملوكا أو امرأة أو كافرا أو ظاهر الفسق فإن حكم المردود شهادته قال قوم: يجب
عليه الحد وقال آخرون: لا يجب وكذلك اختلفوا في الثلاثة إذ لا فصل بين
أن لا يشهد الرابع وبين أن ترد شهادته بأمر ظاهر لا يخفى على الثلاثة
والأقوى عندي أن عليهم الحد وإن كان الرد بأمر خفي قبل أن يبحث
الحاكم عن حاله فوقف على باطن يرد به الشهادة فالمردود الشهادة قال قوم: لا
حد عليه وهو الأقوى والثلاثة قال قوم لا حد عليهم أيضا وهو الأقوى عندي
وفيهم من قال: عليهم الحد، لأن نقصان العدالة كنقصان العدد والأول أقوى
لأنهم غير مفرطين في إقامتها فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في
إقامتها فلهذا لا حد ويفارق هذا إذا كان الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم
فلهذا حدوا عنه من قال بذلك على ما اخترناه فبان الفصل بينهما (1).
وأنت ترى أن بين مختاره في الخلاف ومختاره في المبسوط فرقا فإنه في
الأول اختار إن مردود الشهادة في الأمر الخفي يحد دون الثلاثة الأخر فإنهم لا
يحدون بخلاف المبسوط فإن مختاره فيه أن مردود الشهادة أيضا لا يحد كما أن
الثلاثة لا يحدون فليس مختاره في الكتابين واحدا على ما هو الظاهر من عبارة
الجواهر.
ويرد على مختاره في المبسوط أنه وإن كان غير المردود ليس مفرطا
بلا اشكال فيه وأما المردود فإنه مفرط فلم لا يحد هو والحال أنه قد فرط وقصر
لأنه قد أقدم على الشهادة مع العلم بأنه لا يجوز للفاسق ذلك؟
اللهم إلا أن يكون نظر الشيخ أيضا إلى ما إذا لم يكن مردود الشهادة
مقصرا بأن لا يرى عمله الذي يأتي به فسقا موضوعا أو حكما.
لكن يرد عليه أنه على ذلك فهو ليس بفاسق لعدم تقصيره.
لا يقال: لعل المراد هو ما إذا أقدم على الشهادة زاعما جواز الاقدام عليها
مع علمه بفسقه في الخفاء (2).

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 9.
(2) أورده هذا العبد وقد تفضل بالجواب عنه بما في المتن.
227

لأنه يقال: فعلى هذا كان اللازم التفصيل في الحكم بعدم تقصيره
والحال أنه قد أطلق في ذلك.
ومما ذكرناه يعلم ما في الخلاف من اطلاق حد المردود إذا كان الرد
بأمر ظاهر، فإنه لو لم يعلم بأن شهادته مردودة فليس بمفرط.
الفرع الثالث
لو شهدوا وكانوا مستورين أي مجهولي الحال كلا أو بعضا فلا شك
في عدم الحد على المشهود عليه لأن اثبات الحد موقوف على شهادة العدول
وهي مشكوكة في المقام لأنه من قبيل الشبهة المصداقية للعادل وأما الشهود ففي
القواعد: لا حد للشبهة.
بيان ذلك أنه ربما كانوا في الواقع عدولا وربما كانوا فساقا فإن من
لم تثبت عدالته ولا فسقه يجري في حقه الاحتمالان فيشك في استحقاقه الحد
وفي جواز ذلك عليه، والحدود تدرء بالشبهات.
وأورد عليه في الجواهر بخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام في أربعة
شهدوا على رجل بالزناء فلم يعدلوا قال: يضربون الحد (1).
أقول: لو كان المراد من عدم تعديلهم مجرد عدم شهود يعدلهم مع جهل
الحال واحتمال كونهم عادلين أو فاسقين فكلام العلامة لا يلائم الرواية ويرد
بها عليه، وأما لو كان المراد من أنهم ليسوا عادلين كون هذا التعبير رمزا إلى
فسقهم فلا منافاة أصلا لأنه لا شك في اجراء الحد على الشهود الفاسقين في
المقام ولذا قال بعد اشكاله عليه بهذا الخبر: ويمكن حمله على ظهور الفسق
انتهى.
ثم إن هؤلاء الشهود تارة قد أقدموا على الشهادة علما منهم بعدم قبول
شهادتهم وعدم أثر لها في اثبات المشهود به حيث إنهم يعلمون أنهم لا يعدلون
فحينئذ يصح أن يحدوا وذلك لتفريطهم والحال هذه.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد القذف الحديث 4.
228

وأما إذا كانوا يرون أنفسهم عادلين وزعموا أن الناس أيضا يعتقدون
فيهم العدالة ويرونهم متصفين بها فاقدموا على ذلك فمقتضى القاعدة عدم حد
عليهم لكونهم غير مفرطين.
نعم هنا بحث وهو أنه إذا كان الشاهد يرى نفسه فاسقا ويراه الناس
عادلا فهل يجب عليه إقامة الشهادة احقاقا للحق أم لا؟
الظاهر هو الوجوب، ولا يضر عدم عدالته، ولا يجب عليه اعلان غيره
بفسقه كما أنه لا يجب على من يرى نفسه فاسقا أن يعلن المؤتمين به بفسقه،
وتصح صلاة من اقتدى بإمام يراه عادلا وإن انكشف بعد ذلك كونه فاسقا بل
وكافرا وعلى الجملة فالظاهر أنه يكفي للحاكم، المصحح الفعلي في حكمه وإن
لم يكن بحسب الواقع محققا وليس مثل باب الطلاق الذي لو بان فسق الشاهدين
يكشف بطلان الطلاق، كما سيتضح ذلك من بعض الفروع القادمة.
" الفرع الرابع "
لو رجعوا عن الشهادة كلا أو بعضا قبل الحكم فعليهم أجمع (1) الحد
إلا أن يعفو المقذوف وذلك لأنهم قد قذفوا فيجب حدهم ولا يثبت الزنا
حتى يحد المشهود عليه لعدم تحقق الشهادة المعتبرة، ورجوع الشاهد عما شهد به
أولا يوجب أن لا يبقى اطمينان بما قاله أولا فلم يبق لقوله كشف عن الواقع
ويزول الاطمينان بخبره فالشهادة مع الرجوع عنها مساوقة لعدم الشهادة
والحاصل أن الاختلال في الشهادة يوجب أن لا يثبت الزنا.
نعم هنا كلام بالنسبة إلى الشهود وهو أنه لو قال الراجع: إني قد
كذبت في الشهادة فهو يحد بلا كلام لاقراره بنسبة الزنا إلى الغير عمدا وكذبا،
وأما لو ادعى الخطأ في ذلك كما إذا رأى عمروا فزعم أنه زيد الذي رآه وعاينه
وهو يزني، وشهد بأن هذا قد زنى ثم ظهر له أن الزاني كان غيره فلا وجه هنا
لحده أصلا لأنه قد أخطأ وقد رفع عن الأمة خطأ، هذا كله فيما إذا رجعوا قبل

(1) أقول: يرد هنا ما أورده دام ظله من قبل ذلك.
229

الحكم.
وأما إذا رجعوا بعد الحكم ففي الجواهر أنه يختص الراجع بالحد
أخذا باقراره.
وفيه أنه لا يصح ذلك على اطلاقه لأنه لو كان ذلك خطأ فلا وجه لحده
لأن المخطئ ليس بمفرط وقد مر مرارا أن ميزان الحد كونه مفرطا ولا عقوبة
على المخطئ مطلقا دنيوية أو أخروية.
وأما ثبوت الدية في القتل خطأ فهو جبران وتدارك لدم المسلم وليس هو
من باب العقوبة، فلا بد من التقييد بما إذا كان قد تعمد في الشهادة كذبا. هذا.
لكن قال الشيخ فالخلاف إذا شهد أربعة ثم رجع واحد منهم فلا
حد على المشهود عليه بلا خلاف وعلى الراجع الحد أيضا بلا خلاف وأما الثلاثة
فلا حد عليهم، وللشافعي فيه قولان، المنصوص عليه مثل ما قلناه. وقال بعض
أصحابه هذا أيضا على قولين. وقال أبو حنيفة: عليهم الحد. دليلنا قوله تعالى:
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء. وهذا أتى بأربعة شهداء
ورجوع واحد منهم لا يؤثر فيما ثبت. وأيضا الأصل براءة الذمة. فمن أوجب عليهم
الحد فعليه الدلالة (1).
أقول: يمكن أن يقال: لماذا لا يجب الحد على المشهود عليه إذا كان
رجوع واحد منهم بعد الحكم، بعد أن حكم قدس سره بأن الثلاثة لا حد
عليهم؟
وقوله: ورجوع واحد منهم لا يؤثر فيما ثبت، لا يخلو عن شئ لأنه إذا
كان المطلب ثابتا بحيث إن رجوع واحد منهم لا يؤثر فيه فلماذا لا يحد المشهود
عليه (2)؟

(1) الخلاف الجلذ 3 كتاب الحدود المسألة 34.
(2) يمكن أن يقال: إن المقام نظير ما تقدم في مسألة شهادة البعض بالطوع وبعض آخر بالمطاوعة حيث
قال العلامة هناك بأنه يثبت الزنا بحسب الشهادة إلا أن الشبهة تمنع عن اجراء الحد وقد ذكرت
ذلك في مجلس الدرس لكن سيدنا الأستاذ كان يرى هناك أيضا التنافي بين الثبوت وبين الشبهة.
230

كما أنه يرد عليه في الحكم بوجوب الحد على الراجع، بأن هذا
باطلاقه لا يتم فإنه ربما لا يكون مقصرا في رجوعه.
ثم إنه قد يقال بأن حد القذف حق للغير ومن حقوق الناس جعله الشارع
على القاذف للمتهم جبرانا لما أتلف القاذف منه من شرفه وجاهه ومروئته فهو
نظير مال الغير الذي من أتلفه يكون ضامنا بلا تفرق بين المفرط وغيره والمتعمد
والمخطئ وكما يجب على المتلف تدارك ما أتلفه المتلف وإن كان ذلك عن
غير تعمد كذلك يجب الحد على القاذف إذا طالبه المقذوف بذلك وإن كان
ذلك عن غير تقصير وتفريط. وعلى هذا فكيف يقال بأنه لا حد على الشهود
لأنهم غير مفرطين، كما ذكر في المقام وكما عن الشيخ في الخلاف والمبسوط
بالنسبة إلى الشهود فيما ردت شهادة أحدهم لمعنى خفي، وعنه في المبسوط
بالنسبة إلى مردود الشهادة أيضا وكما عن العلامة في المختلف بالنسبة إلى
الشهود لذا شهد ثلاثة من الأربعة وأبى الرابع، على ما تقدم، إلى غير ذلك من
الفروع والمسائل.
وفيه الفرق بين حد القذف وباب الضمانات والحقوق المالية فإن
الضمانات من قبيل التدارك للمال الذي أتلفه المتلف ولذا لا فرق فيه بين ما إذا
تعمد في الاتلاف أو أخطأ أو أنه أتلف في النوم فالمال يقابل بالمال ويتدارك به
وهذا بخلاف الحد فإنه ليس من الحقوق المالية يبدل بإزائها المال حتى يكون
على المتلف بل هو عقوبة من الله تعالى على القاذف نظير عقاب الزنا لكنه بعدله
وحكمته جعلها بيد المقذوف وموكولة بإرادته تداركا لما وقع عليه من الهتك
نقصان الوجاهة والاحترام لقذفه بين الناس. فقرر سبحانه على الذي هتك
عرض المسلم بالقذف أن يهتك عرضه باجراء الحد عليه وجعل أمره بيده فله
الاستيفاء والعفو بمقتضى كونه من حقوق الناس، والعقوبة فروع التعمد فلا
عقوبة مع عدم التفريط.
وأما عدم تصريحهم في المقام بأن حد القذف منوط بمطالبة المقذوف
فأمره سهل لأن ذلك موكول إلى محله.
231

البحث في الشهادة بالزنا المتقادم
قال المحقق قدس سره: ولا يقدح تقادم الزنا في الشهادة، وفي بعض
الأخبار: إن زاد عن ستة أشهر لم يسمع وهو مطرح.
أقول: لا فرق في اثبات الزنا بأربعة شهود واجراء الحد على المشهود عليه
بين أن يشهدوا بوقوع الزنا حديثا أو فيما سبق من الأزمان فلو شهدوا بأن فلانا
قد زنى قبل سنتين مثلا فإنه يثبت أيضا ولا يقدح في ذلك مضي زمان عليه.
نعم نقل المحقق إن في بعض الأخبار أنه إن زاد عن ستة أشهر
لم يسمع، لكن لم يذكر هو ولا غيره هذه الرواية ولا أين هي؟ والحاصل إنا
لم نجدها في الروايات، وقد حكم هو كغيره بأنها مطرحة (1) وذلك لموافقتها

(1) فأفتوا بعدم الفرق بين الحديث منه والمتقادم. قال الشيخ في المبسوط الجلد 8 الصفحة 13 إذا شهد
أربعة بالزنا قبلت شهادتهم سواء تقادم الزنا أو لم يتقادم وفيه خلاف، وروي في بعض أخبارنا أنهم
إن شهدوا بعد ستة أشهر لم يسمع وإن كان لأقل قبلت. انتهى.
وقال في مسائل خلافه الجلد 3 كتاب الحدود المسألة 45 إذا شهد أربعة بالزنا قبلت شهادتهم
سواء تقادم الزنا أو لم يتقادم وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا شهدوا بزنا قديم لم
تقبل شهادتهم وقال أبو يوسف: جهدنا بأبي حنيفة أن يوقت في التقادم شيئا فأبى. وحكى
الحسن بن زياد ومحمد عن أبي حنيفة أنهم إذا شهدوا بعد سنة لم تجز وقال أبو يوسف ومحمد: إذا
شهدوا بعد شهرين من حين المعاينة لما يجز وفي الكملة إذا لم يقيموها عقيب تحملها لم تقبل. دليلنا
قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة. ولم يفرق بين الفور والتراخي دل على أنهم إذا أتوا بالشهود لم يجب عليهم الحد وإذا لم يجب عليهم الحد وجب الحد بشهادتهم لأن
أحدا لا يفرق. انتهى.
وقال العلامة في القواعد: ولا يقدح تقادم الزنا في الشهادة انتهى.
وقال في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 225: عند شرح العبارة المذكورة: ما لم يظهر توبته، للأصل
والعمومات خلافا لأبي حنيفة، وفي المبسوط: وروي في بعض أخبارنا أنهم إن شهدوا بعد سنة
أشهر لم يسمع وإن كان لأقل قبلت انتهى.
وفي اللمعة والروضة: ولا يقدح تقادم الزنا المشهود به في صحة الشهادة للأصل، وما روي في
بعض الأخبار من أنه متى زاد عن ستة أشهر لا يسمع، شاذ. راجع الجلد 2 الصفحة 331.
وقال العلامة في التحرير الصفحة 221: ولا يقدح تقادم الزنا في الشهادة فلو شهدوا بزنا قديم
وجب الحد وكذا الاقرار بالقديم يوجب الحد.
وقال في الإرشاد: ولو شهدوا بزنا قديم سمعت انتهى.
واستدل له الأردبيلي قدس سره في الشرح بعموم الأدلة وعدم مخصص بزمان قريب.
232

لمذهب بعض العامة، أو أنها تحمل على ما لو ظهر منه التوبة كما تدل على ذلك
أو تومئ إليه مرسلة جميل، فعن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن رجل عن
أحدهما عليهما السلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه
ولم يؤخذ حتى تاب وصلح فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه
الحد. قال محمد بن أبي عمير: قلت: فإن كان أمرا قريبا لم يقم؟ قال: لو كان
خمسة أشهر أو أقل وقد ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود (1).
قال العلامة المجلسي قدس سره: قوله: لو كان خمسة أشهر، لعله على
سبيل المثال، ولم أر قائلا بالتفصيل سوى ما يظهر من المصنف انتهى (2).
ثم إن الشهيد الثاني استدل في اثبات عدم قدح التقادم بأصالة البقاء
وقال بشرح عبارة المحقق: إذا ثبت موجب الحد لم يسقط بتقادم عهده
لأصالة البقاء الخ.
ولكن صاحب الجواهر عند شرح كلام المحقق تمسك باطلاق
الأدلة، ولعلك تقول: ما وجه إن الأول تمسك بالأصل دون الاطلاق والثاني
بالعكس تعلق بالاطلاق دون الأصل؟
ونحن نقول: الحق إن كلا منهما صحيح لأن كل واحد منهما دليل
في مورده فإن التمسك بالاطلاق يكون في قبال من ادعى انصراف الأدلة إلى
الزناء القريب المشهود عليه دون البعيد كالشهادة بزناه بمدة كثيرة مثل عشر سنين
قبل ذلك، فيقال في دفعه بأن الأدلة مطلقة وتشمل كل فرد من أفراد الزنا في أي

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 250 والتهذيب الجلد 10 الصفحة 122 ورواها في الوسائل الجلد 18
الباب 16 من مقدمات الحدود، الحديث 3 لكن فيها: فإن كان امرءا غريبا لم تقم.
(2) مرآة العقول الجلد 23 الصفحة 389.
233

زمان قد وقع، والحاصل أن اطلاق الأدلة لا تفرق بين الموارد ولا انصراف في
البين.
وأما أصالة البقاء فهي متعلقة بما إذا شك في سقوط الحد بمرور الزمان
ومضيه سواء كان بالشك الحكمي كما تقدم أو بالشك الموضوعي بأن احتمل
أنه قد تاب عن فعله فلا مورد لاجراء الحد عليه، فحينئذ يؤخذ باستصحاب بقاء
الحد وهذا الاستصحاب تعليقي.
بيانه إن في مورد الزاني كان حكم تعليقي وهو أنه لو أقيم عليه البينة
أي الأربعة شهود لحد، لكن حيث إنه قد تقادم عهده يحتمل أنه قد سقط حده
شرعا بذلك فيستصحب هذا الحكم ويقال الآن أيضا: هذا لو قيمت عليه أربعة
شهود لحد، وكذا لو احتملنا أنه تاب في خلال هذه المدة فارتفع عنه الحد فإنه
يقال: هذا كان بحيث لو أقيمت عليه أربعة شهود يحد فالآن أيضا كذلك وعلى
الجملة فالزنا بنفسه بدون قيام أربعة شهود مثلا لا يوجب الحد فالحكم إذا
تعلق بموضوع فما دام لم يدل دليل على ارتفاعه يحكم ببقائه ومجرد سبق الزمان
وتقادم العهد لا يقدح في الشهادة فتقبل وإن كان قد مضى على الفعل زمان
طويل (1).

(1) أقول: ويناسب هنا نقل كلام العامة أيضا، قال في الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة
72: وإذ أشهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم من إقامته بعدهم من الإمام الحاكم. اختلف فيه
الفقهاء، الحنفية قالوا: إنه لا تقبل شهادتهم في هذه الحالة لوجود شبهة التقادم في أداء الشهادة
لأن الأصل عندهم أن الحدود الخالصة لله تعالى تبطل بالتقادم، لأن الشاهد مخير بين حسبتين
إحداهما أداء الشهادة، وثانيتهما الستر على المسلم فالتأخير في أداء الشهادة لاختيار الستر فالاقدام على
الأداء بعد ذلك لوجود ضغينة هيجتهم أو لعداوة حركتهم بعد السكوت، فيتهمون في شهادتهم إلا
إذا وجد عذر لهم، أما إذا كان التأخير لغير سبب يصير الشاهد فاسقا، فنرد شهادته لتيقننا بالمانع،
المالكية والشافعية والحنابلة قالوا إن الشهادة في الزنا وفي القذف وشرب الخمر تسمع بعد
مضي زمان طويل من الواقعة وذلك لأن الحد بعد الشهادة أصبح حقا ولم يثبت لنا ما يبطله وقد
يكون عندهم عذر منعهم من أداء الشهادة في وقت وقوع الفاحشة بأن الفتنة قائمة لم تخمد إلى
ذلك الوقت الذي يقام الحد فيه فيعذرون في تأخيرهم انتهى.
234

عدم اعتبار كون المشهود به واحدا
قال المحقق: وتقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد.
أقول: لا يشترط في قبول شهادة الأربع أن تكون شهادتهم على مورد
واحد وبعبارة أخرى لا يعتبر فيه كون المشهود عليه واحدا بل هي مقبولة وإن
كانت على اثنين أو أزيد.
واستدل على ذلك أولا باطلاقات أدلة الشهادة فإنها شاملة لكلا
الموردين وثانيا بخصوص خبر عبد الله بن جذاعة قال: سألته عن أربعة نفر شهدوا
على رجلين وامرأتين بالزنا قال: يرجمون (1).
ثم لو شك في اشترط ذلك فالأصل عدمه فمجرد عدم الدليل كاف في
الحكم بالجواز كما لا يخفى.
حول تفريق الشهود
قال المحقق: ومن الاحتياط تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع
وليس بلازم.
والظاهر أن هذا الاحتياط جار بالنسبة إلى حكم الحاكم ومتعلق به
وذلك لأنه مع الاجتماع في أداء الشهادة بحيث يسمع بعضهم كلام بعض
وشهادة الباقي، يحتمل كثيرا أن يشهد الأول كذبا وعلى خلاف الواقع ثم يقفو
أثره الباقون ويتبعونه في الكذب وابداء ما هو خلاف الواقع بخلاف ما إذا فرق
بينهم واستشهد من الأول في غياب الباقين ثم يحضر الثاني ويستشهد منه
وهكذا فإن الثاني مثلا حيث لم يسمع شهادة الأول يزعم أنه قد أتى بما هو
الواقع والحق، فهو أيضا يصدق في شهادته ويبدي ما هو الحق والواقع نوعا
خصوصا إذا كان ذلك بصورة قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث إنه

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
235

فرق بين الشهود ولما شهد الأول قال عليه السلام: الله أكبر (1) فإن باقي
الشهود إذا سمعوا التكبير مثلا يزعمون جدا أن الأول شهد بصدق القضية،
وعلى الجملة فأداء الشهادة في هذه الظروف والأحوال أبعد عن الكذب
والتهمة وعن أن يتلقى بعضهم من بعض وأقرب إلى الصدق والحقيقة من أن
يشهد الشهود متكافتين جنبا بجنب.
ولذا قال صاحب الجواهر عقيب قول المحقق، بعد الاجتماع:
جميعا في المجلس فيفرقوا ويستنطق كل واحد منهم بعد واحد استظهارا في
الحدود المبنية على التخفيف وتدرأ بالشبهة، وعقيب قوله: وليس بلازم قال:
للأصل واطلاق الأدلة.
والمقصود أنه يدقق النظر في الأمر كي لا يقع في اجراء حد الزنا على من
لم يكن بحسب الواقع زانيا ولو فرق بين الشهود لبان ما كان، واتضح نوعا الواقع
والحقيقة، وإن شهادتهم كانت صدقا وعدلا أو توطئة وخيانة.
أقول: الظاهر أنه لا احتياط في المقام وذلك لأنه كما أن في عدم
تفريقهم خوف الوقوع في اجراء حد الزنا على غير الزاني كذلك في تفريقهم
خوف اجراء الحد على الشهود لأنه ربما يتفاوت ويختلف شهاداتهم ويوجب
ذلك حد القذف بالنسبة إلى أربعة أشخاص، وأي احتياط في عدم الوقوع في جلد
أحد مع الوقوع في جلد أربعة أشخاص؟ فالأمر دائر بين المحذورين (2).
هذا مضافا إلى أنه لو كان المورد من موارد الاحتياط لكان يلزم هذا
الاحتياط لأنه من قبل الاحتياط في الدماء والأعراض والحال أنه قدس سره
قال: وليس بلازم، فهذا يكشف عن عدم كون المورد من موارد الاحتياط.

(1) بحار الأنوار طبع بيروت جلد 40 الصفحة 260.
(2) أقول: إن الأمر في الحقيقة مردد بين الحد للقذف الذي هو الجلد قطعا لا غير وهو ثمانون جلدة
وبين حد الزنا الذي قد يكون مأة جلدة وقد يكون الرجم أو الجلد والرجم وقد يكون هو القتل وما
أفاده دام ظله لو كان تاما في الفرض الأول فإنه لا يتم في الفروض الأخيرة حيث إن حد الزاني
فيها أشد وأعظم، والجلد - وإن كان بالنسبة إلى الأربعة - لا يقاوم القتل أو الرجم.
236

وحينئذ لم يبق شئ سوى فعل المعصوم وصدوره عن الإمام عليه السلام
وهو يدل على جواز ذلك لا محالة وإن لم يكن الفعل دليلا على الوجوب.
ثم قال في الجواهر: ولذا كان المستحب للشهود ترك إقامتها سترا على
المؤمن إلا إذا اقتضى ذلك فسادا.
أقول: لو تعلق هذه الجملة بقوله من قبل: " وليس بلازم للأصل
والاطلاقات " كما هو مقتضى ظاهر الكلام وقربها منه وعدم الفاصلة بين
الجملتين فلا يلتئم الكلام أصلا لعدم ربط بين الكلامين كي يعلل أحدهما
بالآخر ويترتب أحدهما على الآخر، فلم يبق إلا أن تتعلق هذه الجملة بما سبق
من أن الاحتياط يقتضي تفريق الشهود في الأداء حتى يستنطق كل واحد
منهم بعد واحد وفي غياب منه فيستظهر في الحدود ويتضح الأمر جدا ويعلم
أنه لم يكن هناك تواطئ وتوطئة، وعلى هذا فكأنه قيل: ينبغي الاستظهار
حتى لا يقع حد الزنا بسهولة وسرعة بل تختلف الشهادات ببركة التفريق فلا
يقع هذا الحد ولذا يستحب ترك إقامة الشهادة أيضا.
وبتعبير آخر: فكما أنه يستحب ترك إقامة الشهادة للستر على المؤمن
كذلك ينبغي تفريق الشهود كي لا يفتضح المؤمن ولا يجري عليه حد الزنا،
لاحتمال انتهائه إلى اختلافهم في الشهادة وعدم ثبوت حد الزنا.
لكن لا يخفى أن نفس هذا الكلام " أي استحباب ترك الإقامة "
محل التأمل والاشكال وذلك لأن إقامة الشهادة واجبة من باب إقامة الدين
واحياء معالم الشريعة والنهي عن المنكر، فلا يجوز تركها إذا لم يترتب عليها فساد،
لأنها إما واجبة عينا إذا انحصر من يقوم بالشهادة بهذه الشهود أو كفائيا إذا كان
هناك من يقوم بها وعلى أي حال فلا يصح الحكم باستحباب تركها.
إن قلت أو ليس قوله رحمه الله: إلا إذا اقتضى ذلك فسادا، جوابا عن
هذا الاشكال؟ فإنه قال باستحباب ذلك بشرط عدم لزوم فساد وإلا فهي
واجبة (1).

(1) أورده هذا العبد وأجاب دام ظله بما قررناه.
237

نقول: إن المراد من هذا الفساد هو الفساد بوقوع الفتنة وإثارة
الاختلافات وبروزها وإراقة الدماء وما أشبه ذلك لا ما يقع فيه الانسان من
ترك الوظيفة وتبعات ترك الواجب معنى وعند الله سبحانه.
ولعل كلامه يحمل على ما إذا لم تكن إقامة الشهادة واجبة عليه
وذلك لإقامة الآخرين، فإذا كان قد حضر شهود لأداء الشهادة فلا داعي هناك
له إلى الشهادة وكشف سر المؤمن وايضاح قبائحه (1).
بحث عن الاقرار بمناسبة المقام
ثم لا يخفى أن هنا أمرا أعظم من استحباب ترك إقامة الشهادة
الذي ذكره وهو أنه يستحب للمؤمن الذي اقترف المعصية أن يستر ما فعله
وأتى به من المعصية ولا يكشف عن ذلك باقراره إنه قد عصى الله، وكما أن
التجاهر بالمعصية أشد إثما وأعظم ذنبا من مجرد الاتيان بها وذلك لمزيد هتك
العبد بذلك بالنسبة إلى ساحة المولى الجليل سبحانه وتعالى، كذلك ذكر اتيانه
بالمعصية أيضا يزداد إثما للعلة نفسها وحينئذ لو كان اظهار ذلك وذكره لأجل
إقامة الحد عليه فلا حرمة وإلا فهو حرام، وعند ما كان لاجراء الحد فالأحسن
ترك ذكره، والالتجاء إلى التوبة بينه وبين الله تعالى، كيلا يفتضح بين الناس.
والمستفاد من أخبار كثيرة هو أن لتطهيره طريقين أحدهما التوبة في
الخفاء وفيما بينه وبين الله تعالى، ثانيهما اقراره عند الإمام أو نائبه حتى يحد،
والثاني أولى من الأول.
ويدل على ذلك ما ورد في قصة ماعز المذكورة سابقا حيث كان النبي
صلى الله عليه وآله يلقنه المعاذير كي لا يقر بالمعصية، وقوله
صلوات الله عليه: لو سترته بثوبك كان خيرا لك، وما رواه في الوسائل في

(1) أقول: وقال المحقق في كتاب القضاء: لا بأس بتفريق الشهود ويستحب في من لا قوة عنده،
وقال أيضا: ويكره للحاكم أن يعنت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والأديان القوية مثل أن
يفرق بينهم لأن في ذلك غضاضة لهم ويستحب ذلك في موضع الريبة.
238

قصة رجل كان قد أقر عند النبي أربع مرات وفر من الحفيرة عندما أحس ألم
الحجارة لكن الناس أدركوه وقتلوه حيث قال النبي صلى الله عليه وآله: هلا تركتموه، ثم
قال: لو استتر ثم تاب كان خيرا له (1).
وفي مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث
الزاني الذي أقر أربع مرات، أنه قال عليه السلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب
وقال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على
رؤوس الملأ أفلا تاب في بيته؟ فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي
عليه الحد (2).
انظر إلى أهمية المطلب ترى التصريح بأن توبته فيما بينه وبين الله أفضل
من إقامتي الخ فنسب إقامة الحد إلى نفسه، فالتوبة أفضل من اجراء الحد
عليه بمباشرة الإمام أمير المؤمنين بمقتضى هذه الرواية الشريفة.
وفي رواية الأصبغ بن نباته في رجل أتى أمير المؤمنين عليه السلام وقال:
يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني فأعرض عنه بوجهه ثم قال له:
اجلس. فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما
ستر الله عليه فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني فقال: وما
دعاك إلى ما قلت؟ قال: طلب الطهارة، قال: وأي طهارة أفضل من
التوبة (3).
وعلى الجملة فهذه الروايات وأشباهها تدل جدا على أفضلية التوبة
سرا من الاقرار بالمعصية والتمكين للحد وترغب إلى الستر وعدم اظهار المعصية.
الشهادة بالزنا شهادة الحسبة
ثم لا يخفى أن حد الزنا حيث كان من حقوق الله تعالى فلذا يجوز أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حد الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدمات الحدود الحديث 6.
239

يقدم الشاهد على الشهادة به من دون أن يطالب منه ذلك، فتكون الشهادة به
شهادة الحسبة التي لا حاجة فيها إلى مدع يدعي هذا المطلب بل قد يجب
فيما يتوقف تركه بذلك.
والمراد من الحسبة هو الأمور التي لا بد من إقامتها وحفظها والاهتمام
بأمرها، والشارع لا يرضى بتركها واهمالها، فيجب على كل من قدر على ذلك
من المكلفين إقامة ذلك نهيا عن المنكر، وما مر من استحباب تركها، لعله فيما كان
بقدر الكفاية موجودا.
تصديق المشهود عليه أو تكذيبه
قال المحقق: ولا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه ولا بتكذيبه.
أقول: مذهب الأصحاب أنه لا أثر لتصديق المشهود عليه كما لا أثر
لتكذيبه سواء كان مرة أو مرات.
وأما العامة فاختلفوا في الفرض الأول أي تصديق المشهود عليه، فذهب
أبو حنيفة إلى أنه لو صدقهم لخرج عن باب الشهادة ودخل تحت باب الاقرار
ويترتب عليه أحكامه بناء على أنه يحتاج إلى الشاهد لغير المقر وأما المقر فلا،
وعليه فلو أقر مرة أو مرتين أو ثلاث مرات فلا أثر له وأما إذا أقر أربع مرات فإنه
يحد حد الزنا.
قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد عليه أربع شهود بالزنا فكذبهم أقيم
عليه الحد بلا خلاف وإن صدقهم أقيم عليه الحد وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا يقام عليه الحد لأنه يسقط حكم الشهادة مع الاعتراف، وبالاعتراف
دفعة واحدة لا يقام عليه الحد. دليلنا عموم الأخبار التي وردت في وجوب إقامة
الحد إذا قامت عليه البينة ولم يفصلوا.
أقول: وما ذكره المخالف إنما يتم على مذهبه وممشاه من التمسك
بالاستحسانات العقلية والاعتبارات الذهنية فإنه يقول: يؤخذ بشهادة الشهود إذا
كان المجرم أو المتهم منكرا وأما إذا كان هو بنفسه يقر بالمعصية فهناك لا مورد
240

للبينة وحينئذ يجري عليه أحكام الاقرار مرة أو مرات، وأما على مذهب العدلية
فمقتضى الأدلة هو وجوب الحد ولو كان ما ذكره تاما فيما إذا أقر أربع مرات فإنه
لا يتم فيما لم يتم الأربع بل هناك يؤخذ بقول الشهود وشهادتهم.
نعم لا تسقط بتكذيبه حتى على قول أبي حنيفة.
حكم التوبة قبل قيام البينة وبعده
قال المحقق: ومن تاب قبل قيام البينة سقط عند الحد ولو تاب بعد
قيامها لم يسقط حدا كان أو رجما.
وفي كشف اللثام الاتفاق على السقوط فيما تاب قبل قيام البينة،
للشبهة، وفي الرياض بعد قول المصنف: ويسقط لو كانت قبلها رجما كان
أو غيره: بلا خلاف أجده وبه صرح بعض الطائفة، وبالوفاق بعض الأجلة وهو
الحجة انتهى وفي الجواهر بعد الفرض الأول: بلا خلاف أجده.
وقد استدل على ذلك بأمور أحدها ما مر من الكشف فقد علل السقوط
بقوله: للشبهة.
والمقصود الشك في وجوب الحد وعدم ثبوت ذلك لأنه مع عدم قيام
البينة لا يثبت الحد لا أنه ثابت ويسقط بالشبهة وإنما يثبت إذا قامت البينة فلو
قامت البينة وثبت الزنا قبل التوبة وجب الحد وأما إذا قامت بعد التوبة
فنشك في وجوبه فيستصحب عدمه وهذا بخلاف ما إذا قامت البينة وثبت الزنا
فإنه يشك في سقوط ما وجب والأصل عدمه فإن مقتضى الاستصحاب بقاء ما
ثبت فالشبهة محققة في التوبة قبل الثبوت وبعد الثبوت لكن الأصل فيهما
مختلفان وتحصل أن الشبهة في مورد التوبة قبل البينة ترجع إلى عدم ثبوت الحد
من رأس وإذا قامت البينة يشك في سقوطه والأصل عدمه.
ثانيها الأولوية فإذا كان التائب من الذنب كمن لا ذنب له فلا عقوبة
عليه في الآخرة كما هو مقتضى الآيات والروايات الكثيرة الواردة في التوبة
فالعقاب الدنيوي أولى بالسقوط وقد تمسك بها الشهيد الثاني قدس سره في
241

المسالك قائلا: أما سقوطه بتوبته قبل قيام البينة فلأن التوبة تسقط الذنب وعقوبة
الآخرة فعقوبة الدنيا أولى انتهى وكذا صاحب الرياض حيث قال: ولسقوط
عقوبة الآخرة بالتوبة فالدنيا أولى.
وفيه أن الأولوية لو كانت تنهض دليلا للسقوط فلم لا تدل على السقوط
في التوبة بعد الثبوت فإنه لا فرق فيها بين قبل الثبوت وبعده مع أنهم فرقوا
بينهما ولا يقولون بسقوط الحد لو تاب بعد البينة.
ثالثها الأخبار الواردة في المقامين المتعين التمسك بها.
ففي مرسل جميل بن دراج عن رجل عن أحدهما عليهما السلام في رجل
سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب
وصلح؟ فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد، قال ابن
أبي عمير: قلت: فإن كان أمرا قريبا لم يقم؟ قال: لو كان خمسة أشهر أو أقل منه
وقد ظهر أمر جميل لم يقم عليه الحدود (1).
قال العلامة المجلسي: مرسل كالصحيح بسنديه ويدل على أنه
يسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته وهو موضع وفاق (2).
أقول: لا شك في ارسال الخبر إلا أن المرسل هو جميل، ومراسيل جميل
في حكم المسانيد. هذا مضافا إلى أنه معمول به فلم نعثر على مخالف لا من
القدماء ولا من المتأخرين، وعمل الأصحاب جابر لضعف الخبر على ما هو
المبنى وإن خالف فيه بعض العلماء، ومن المعلوم أن السؤال كلي لا شخصي،
وعلى ذلك فكل من تاب قبل قيام البينة فلا يحد.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أقيمت عليه البينة
بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب قال: إن تاب فما عليه شئ وإن وقع في يد

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 250 والتهذيب الجلد 10 الصفحة 122 الحديث 107، ورواه في
الوسائل الجلد 18 الباب 16 من مقدمات الحدود الحديث 3 لكن بلفظ امرءا غريبا، وقد مر
ذلك.
(2) مرآة العقول 23 الصفحة 389.
242

الإمام أقام عليه الحد وإن علم مكانه بعث إليه (1).
والظاهر أن المراد منه إن هذا الرجل الذي أقيمت عليه البينة وهرب
تارة يكون قد تاب قبل ذلك وأخرى لم يتب حتى وقع في يد الإمام فالأول لا
شئ عليه وأما الآخر الذي وقع في يد الإمام بدون التوبة فهو يحد سواء تاب بعد
ذلك أم لا.
ويستفاد ذلك أيضا من أخبار باب الاقرار بالزنا كخبر رجل أتى
النبي وقال: طهرني.. وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: لو استتر ثم تاب كان خيرا له (2)
وقد نقلناه آنفا، وخبر أصبغ المذكورة آنفا أيضا وفيه: أيعجز أحدكم إذا قارف
هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه، وفيه أيضا فقال: وما دعاك إلى
ما قلت؟ قال: طلب الطهارة قال: وأي طهارة أفضل من التوبة (3)؟
تدل هذه الروايات صريحة على أن التوبة فيما بينه وبين الله تعالى
أفضل من الاقرار عند الحاكم، وإن ما يترتب عليه من الطهارة فهو يترتب على
التوبة.
وكيف كان فيستفاد من الأخبار أن التوبة قبل وصول الأمر إلى
الحاكم وقيام البينة تسقط الحد بخلاف ما إذا كانت بعد قيام البينة فإنها لا
توجب سقوطه.
ثم إنه ذهب بعض الأصحاب كالمفيد والحلبيين ابن زهرة
وأبو الصلاح قدس الله أسرارهم إلى أن الحاكم مخير بين الإقامة وعدمها فيما
إذا تاب بعد قيام البينة لا أنه يتعين عليه الحد.
قال المفيد: ومن زنا وتاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنا درأت عنه
التوبة الحد فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه
أو إقامة الحد عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك له ولأهل الاسلام فإن لم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حد الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدمات الحدود الحديث 6.
243

يتب لم يجز العفو عنه الحد بحال انتهى (1).
وقال السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: وإذا تاب أحد الزانيين قبل
قيام البينة عليه وظهرت توبته وصلاحه سقط الحد منه.. وإن تاب بعد ثبوت
الزنا عليه فللإمام العفو منه (2).
وقال أبو الصلاح الحلبي: فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة
عليه وظهرت توبته وحمدت طريقته سقط عنه الحد، وإن تاب بعد قيام البينة
فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة وليس ذلك لغيره إلا بإذنه، وتوبة المرء
سرا أفضل من اقراره ليحد (3).
وهم قدس سرهم لم يتعرضوا لدليل على ما ذهبوا إليه واختاروه، نعم قد
استدل لهم بأمور أولها أصالة البراءة.
ثانيها إن الحد لم يثبت في الذمة بمجرد قيام البينة حتى يستصحب
ذلك بعد التوبة المسبوقة بالبينة (4).
ثالثها ظاهر خبر أبي بصير المتقدم آنفا بناء على أن المراد من قوله: إن
تاب. هو التوبة عند الهرب أو بعده، وأن قوله: وإن وقع، بمعنى الوقوع قبل
التوبة.
رابعها أولوية سقوط عقاب الدنيا من عقاب الآخرة بالتوبة.
ويرد على الأول أنه لا مجال للأصل مع وجود الدليل على وجوب الحد
إذا تاب بعد إقامة البينة وقد رأيت دلالة الأخبار على ذلك فالأصل مقطوعة بهذه
الأخبار المعمول بها، ولو شك فيه بعد ذلك فالاستصحاب يقتضي بقاءه. هذا
مضافا إلى أنه لو جرت أصالة البراءة لكان اللازم هو الحكم بسقوط الحد،
فمن أين يستفاد التخيير؟

(1) المقنعة الطبعة القديمة الصفحة 123 والحديثة الصفحة 777.
(2) الجوامع الفقهية الصفحة 622.
(3) الكافي الصفحة 407.
(4) أقول: فقد كان من أدلة المثبتين ذلك قال في المسالك: وأما عدم سقوطه بتوبته بعد إقامة البينة
فلثبوته في ذمته فيستصحب.
244

ويرد على الثاني إن المستفاد من الأخبار هو وجوب الحد بمجرد قيام
البينة وإن التوبة مسقطة للحد لا أنه يكشف بها عن أنه لم يكن حد من أول الأمر
وقد عبر عن التوبة في بعض الأخبار بالممحاة (1) الدالة على أنها تمحو ما ثبت،
وعلى هذا فعلى الحاكم اجراء الحد إلى أن يعلم ويقطع بزوال الحد ورفعه،
وبعبارة أخرى يستصحب الوجوب ما لم يدل دليل على سقوطه بالتوبة.
نعم لو كانت التوبة دافعة لا رافعة ومسقطة لصح القول بأنا لا نعلم تعلق
الحد على من يتوب في علم الله تعالى فلم يبق مورد لاستصحابه وذلك لأن
الأفراد قسمان من جعل له الحد، ومن لم يجعل له ذلك، والحد مجعول لمن لا
يتوب فإذا شك في أن هذا ممن جعل له أو ممن لم يجعل له ذلك فالأصل عدمه
فليس الحاكم ملزما باجراء الحد لجريان البراءة.
هذا مضافا إلى أن مقتضى عدم ثبوته في الذمة أن لا يكون حد الآن
أصلا فمن أين يقال بالتخيير؟
ويرد على الثالث بقصوره سندا ودلالة، وبمعارضته بما يدل على عدم
السقوط.
وعلى الأولوية بأنها لا تثبت ذلك لأنها لا تعارض الأدلة الدالة على
عدم السقوط، هذا مضافا إلى أن عقاب الآخرة مرفوع قطعا فلو كانت أولوية
لاقتضت سقوط الحد لا التخيير بينه وبين إقامته.
الكلام في أقسام الحد
قال المحقق: النظر الثاني في الحد وفيه مقامان الأول في أقسامه
وهي قتل أو رجم أو جلد وجز وتغريب.
أقول: إن العبارة غير وافية بالمراد لأنه قد يجتمع الجلد مع الرجم وقد

(1) ففي أمالي شيخنا الطوسي قدس سره الجلد 1 الصفحة 86 عن الشعبي قال: سمعت علي بن
أبي طالب عليه السلام يقول: العجب عمن يقنط ومعه الممحاة فقيل له: وما الممحاة؟ قال:
الاستغفار.
245

يجمع مع مع القتل كما أن الجلد قد يكون هو بوحده غير مقرون بالجز أو التغريب
وقد يكون الضرب السيف ثم الحبس إلى أن يتوب على القول بذلك كما أنه
قد يكون القتل وحده بلا جلد وقد يكون الرجم كذلك.
حد الزاني بالمحارم
وكيف كان فقال: أما القتل فيجب على من زنى بذات محرم كالأم
والبنت وشبههما.
أقول: وليس المراد من الأم خصوصها بل الأم وإن علت وهكذا البنت
فالمراد: هي وإن نزلت إلى غير ذلك من المحارم كالأخت الأبي أو الأمي أو
كليهما والعمة والخالة وإن علتا وبنت الأخ وبنت الأخت وإن نزلتا.
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل الاجماع
بقسميه عليه بل المحكى منهما مستفيض كالنصوص الدالة على ذلك في
الجملة.
وقال شيخ الطائفة في المبسوط: إذا ابتاع رجل ذات محرم له كالأخت
والخالة والعمة من نسب أو رضاع أو الأم والبنت من الرضاع فإنه يحرم عليه
وطيها فإن خالف ووطئ مع العلم بالتحريم وجب عليه القتل عندنا وكذلك
إذا وطئ ذات محرم له وإن لم يشترها سواء كان محصنا أو غير محصن وقال قوم:
عليه الحد وقال آخرون: لا حد عليه لأنه وطئ مملوكته فلم يجب عليه الحد
كما لو كانت زوجته أو أمته خالصا انتهى (1).
قوله قدس سره: وقال قوم الخ لا بد من أن يكون هذا القوم من العامة.
ويمكن أن يستدل لذلك بروايات كرواية جميل بن دراج قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يأتي ذات محرم أين يضرب بالسيف؟ قال:
رقبته (2).
وعنه أيضا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أين يضرب هذه الضربة؟

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 8.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
246

يعني من أتى ذات محرم قال: تضرب عنقه " أو قال: رقبته " (1).
وعن جميل بن دراج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أين يضرب
الذي يأتي ذات محرم بالسيف: أين هذه الضربة: قال: تضرب عنقه. أو قال:
تضرب رقبته (2).
والظاهر من ضرب العنق أو الرقبة هو قطعه عرفا مثل ما ورد في القرآن
الكريم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب (3) فلذا يستفاد العلماء رضوان الله
عليهم إن المراد القتل، وحكموا به وأرسلوه ارسال المسلمات، مع عدم التعبير فيها
بالقتل أصلا وإنما المذكور فيها الضرب بالسيف أو ضرب الرقبة أو ضرب العنق.
وأما احتمال إرادة أنه يضرب مجرد الضرب في ناحية عنقه دون سائر
المواضع فهو بعيد كما أن المراد من " أين " في سؤال الراوي هو الموضع من بدن
الزاني أو رأسه وليس المراد منه السؤال عن المكان، وعلى هذا فقد أجاب
الإمام عليه السلام سؤال الراوي كما بين حكم الله تعالى الذي هو القتل، فإن
المستفاد من ضرب العنق هو قطع الرقبة والفصل بين الرأس والبدن.
نعم، عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن ابن
بكير عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يأتي ذات محرم؟
قال: يضرب بالسيف قال ابن بكير: حدثني حريز عن بكير بذلك (4). وظاهر
هذا هو مجرد الضرب بالسيف مطلقا كما أنه قد ورد في بعض الأخبار التعبير
بالضرب بالسيف أخذت منه ما أخذت، مثل ما رواه أبو أيوب قال: سمعت
ابن بكير بن أعين يروي عن أحدهما عليهما السلام قال: من زنى بذات محرم
حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت وإن كانت تابعة
ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له فمن يضربهما وليس لهما

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(3) سورة محمد " صلى الله عليه وآله " الآية 4.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حد الزنا الحديث 5.
247

خصم؟ قال: ذاك على الإمام إذا رفعا إليه (1).
وما رواه عبد الله بن بكير عن أبيه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من
أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت (2).
وهذه الروايات وإن لم تدل على تعيين القتل لكن بضميمة ما ورد
في تفسير " ضرب ضربة بالسيف أخذ السيف ما أخذ " بالقتل، في حد اللواط
ونكاح البهائم، يحمل التعبير الوارد فيها أيضا على القتل.
أما الأول فهو ما رواه سليمان بن هلال عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يفعل بالرجل قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان ثقب
أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟
قال: ذاك (3).
وأما الثاني فهو ما رواه سليمان بن هلال أيضا قال: سأل بعض
أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي البهيمة قال: فقال: يقام قائما
ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال: فقلت: هو القتل:
قال: هو ذاك (4).
فإن الظاهر أن مرجع الضمير في كلتيهما هو الضرب بالسيف، وقد فهم
الراوي منه القتل وسئل الإمام في ذلك وقرره عليه الصلاة والسلام وصدقه في
ذلك أي إن المراد من الضرب بالسيف هو القتل.
هذا مضافا إلى أن الضرب بالسيف الوارد في هذا القسم من الروايات،
إذا كان على العنق كما هو مقتضى تقييد هذه بالروايات المقيدة المتقدمة فهو ملازم
نوعا للقتل كما هو المعهود من حال مجرى حدود الحكام، وقد نقل وحكى من
عاين وقعة قتل الرجل المظلوم اليزدي زائر بيت الله الحرام، بحكم القاضي

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حد الزنا الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 2.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب نكاح البهائم الحديث 7.
248

السعودي (1) عليه ما عليه أنه ضربه الحداد ضربة طار منها رأسه وسقط على الأرض.
وهنا خبر نبوي صريح في الحكم بقتل من زنى بذات محرم وهو: من
وقع على ذات محرم فاقتلوه (2).
وعلى الجملة فقد تحقق أن حكم الزاني بالمحارم هو القتل.
نعم هنا روايتان تعارضان ما دل على وجوب القتل من الروايات المتقدمة
إحديهما رواية محمد بن عبد الله بن مهران عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن رجل وقع على أخته: قال يضرب ضربة بالسيف، قلت: فإنه
يخلص؟ قال: يحبس أبدا حتى يموت (3).
والأخرى رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليهما السلام في
الرجل يقع على أخته قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فإن عاش
خلد في السجن حتى يموت (4).
فإنهما صريحتان في أنه لو لم يمت من الضربة فإنه يخلد في السجن إلى أن يموت، إلا أنهما ضعيفتان سندا ولم يعمل بهما كما قال العلامة المجلسي قدس سره
عند ذكر رواية ابن مهران: ضعيف ولم أر قائلا بها بل المقطوع به في كلامهم هو
القتل (5).
وبعد سقوط هاتين تبقى الأخبار الدالة على وجوب القتل المعمول بها
عندهم ويعمل بهما.
ثم إن هنا رواية أخرى في حد الزاني بذات محرم وهي لا تساعد شيئا

(1) وقد قتلوه في سنة 362. ه‍ بين الصفا والمروة مظلوما لفرية ثانئة عليه. راجع الغدير الجلد 2
الصفحة 316.
(2) راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 237 والمستدرك الجلد 2 الصفحة 225. أقول: قال السيد
ابن زهرة في الغنية: يحتج على المخالف بما رووه من قوله (ع): من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ولم
يفصل، ثم قال: وليس لهم أن يحملوا ذلك على المستحل لأنه تخصيص بغير دليل ولأنه لو أراد ذلك
لم يكن لتخصيص ذوات الأرحام فائدة. وروى المخالف أيضا أن رجلا تزوج امرأة أبيه قال أبو بردة
فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن اقتله.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4. (4) وسائل الشيعة الجلد 18
الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 10. (5) مرأت العقول الجلد 23 الصفحة 280.
249

من الروايات السابقة وهي رواية أبي بصير عن عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى
الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (1).
فإن الظاهر منها إن الزاني بذات محرم كالزاني بغيرها بلا فرق بينهما
وأنه لا خصوصية للزنا بذات محرم ونتيجة ذلك أنه لو كان الزاني بذات محرم
محصنا يرجم وإلا فإنه يجلد وإنما التفاوت بين الزنا بذات محرم والزنا بغيره هو
زيادة الذنب المحقق بالزنا بذات محرم، وحيث إن هذه المعتبرة مخالفة للروايات
المتقدمة الدالة على القتل فلذا ذهب الشيخ قدس سره إلى التخيير بين القتل وبين
الرجم جمعا بينهما (2).
وفيه أن هذا الحمل مشكل وهو خلاف ظاهر الرواية جدا كما لا يخفى
والعمدة أنها مطرحة غير معمول بها (3).
ثم إنه بان مما ذكرنا في المقام إن الواجب والمعتبر هو قتله بضرب العنق
بالسيف فلا يجوز قتله بغير السيف كالخنق أو بالرصاص وغير ذلك كما لا
يجوز مطلق قتله بالسيف بأن يضرب بالسيف على غير رقبته مثل أن يضرب به
في بطنه أو على وسطه وغير ذلك، وذلك لما مر من دلالة الروايات على خصوص
ضرب الرقبة.
فالقول بأن المناط في ذلك كله هو القتل من غير دخل للخصوصيات

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 8.
(2) قال قدس سره في التهذيب الجلد 10 الصفحة 23: فأما ما رواه محمد بن علي.. عن أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى الرجل..، فلا ينافي ما قدمناه من الأخبار من أنه يجب عليه
ضربة بالسيف لأنه إذا كان الغرض بالضربة قتله وفيما يجب على الزاني الرجم وهو يأتي على
النفس فالإمام مخير بين أن يضربه بالسيف أو يرجمه.
(3) أقول: ويرد عليه أيضا بالنسبة إلى الجلد فإن حد الزاني الوارد في المعتبرة أعم من الرجم والجلد
فكيف يجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة من هذه الجهة؟
ويمكن أن يكون المراد من هذا الخبر إن الزنا بذات محرم مساو للزنا بغيرها أولا فيجب الجلد ثم
ازداد عظما وإثما لأجل المحرمية فيجب القتل وعلى هذا فلا منافاة بينه وبين ساير الأخبار لأنه
يجب الجلد لكونه زنا والقتل لخصوصية زائدة أي كونه بذات محرم فتأمل فإنه غير مفتى به.
250

اجتهاد في مقابل الظاهر.
وأما النبوي المتقدم آنفا: من وقع على ذات محرم فاقتلوه، فهو وإن كان
ظاهرا في تجويز مطلق القتل إلا أني لم أجد في كلمات الأصحاب من تمسك
به واعتمد عليه واستند إليه فيشكل جبره بمجرد الوفاق في القتل وإن قال
صاحب الجواهر بأنه منجبر وحينئذ فيشكل رفع اليد عما ورد في روايات
متعددة من اعتبار ضرب العنق.
اللهم إلا أن يستظهر أن الملاك هو القتل بأي صورة ولا خصوصية لضرب
العنق لكنه مشكل عندنا (1).
وأما إنه هل يعتبر كون قتله بضربة واحدة؟ فالظاهر أنه لا خصوصية لها بعد
أن الحكم هو القتل، وعلى هذا فلو لم يقتل بالأولى فإنه يقتل بالثانية وهكذا.
وهل الحكم جار في مطلق الزاني بالمحارم وإن كان محصنا أو أنه
يختص بالزاني غير المحصن وأما المحصن فله حكمه أي الرجم؟.
أقول: إن نسبة أدلة الاحصان وأدلة الزنا بذات محرم، العموم من وجه
ولا اشكال في مادتي الافتراق أي زنا المحصن بغير ذات محرم والزنا بذات
محرم بلا احصان فإن الحكم في الأول هو الرجم وفي الثاني هو القتل، وإنما
يشكل الأمر في المجمع أي الزاني بذات محرم وهو محصن، ومقتضى القاعدة
الأصولية وإن كان هو التخيير في أخذ هذا أو ذاك لكنهم رضوان الله عليهم أجمعين
رجحوا جانب أدلة الزنا بذات المحرم وحكموا بالقتل وعلى هذا فلا فرق في
ذلك بين كونه محصنا أو غير محصن كما لا فرق بين المسلم وغيره ولا بين الحر
والعبد.
ولعل ذلك لأجل ما ربما يظهر من أدلة الزنا بذات محرم من أن لسانها
آبية عن التخصيص بخلاف أدلة الاحصان فإنها ليس بهذه المثابة.
وهل يجب مع القتل الجلد أيضا كما قد يقال بالجمع بين الجلد

(1) أقول: يبدو في الذهن قريبا إن ذكر السيف لكونه آلة متداولة للقتل آنذاك والضرب به على العنق
أسهل طريق في قتله به.
251

والرجم في المحصن أو أنه يقتصر على مجرد القتل؟
أقول: إن لنا عاما وخاصين أما العام فهو قوله تعالى: الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة (1) فإنه ظاهر في أن حكم كل زان أو زانية هو
الجلد.
وأما الخاصان فأحدهما أن الزاني بذات محرم يجب قتله، ثانيهما أن
الزاني المحصن يرجم، ولا شك في أن النسبة بين العام وكل واحد من هذين
هو العموم المطلق فإن الزاني أعم من المحصن وغيره كما وأنه أعم من الزاني
بالمحرم وغيره ومقتضى ذلك، الحكم بأن الزاني يجلد إلا إذا كان قد زنى
بذات محرم مثلا فإنه يقتل وقد ذهب إليه المشهور.
وخالف في ذلك ابن إدريس رحمه الله فإنه قال: فأما من يجب عليه
القتل على كل حال سواء كان محصنا أو غير محصن حرا كان أو عبدا مسلما كان
أو كافرا شيخا كان أو شابا فهو كل من وطئ ذات محرم له أما أو ابنة أو أختا
أو بنتيهما أو بنت أخيه أو عمته أو خالته فإنه يجب عليه القتل على كل حال بعد
جلده حد الزاني لأنه لا دليل على سقوطه عنه لقوله تعالى: الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، ولا منافاة بين جلده وبين قتله بعد الجلد،
وليس اطلاق قول أصحابنا: يجب عليه القتل على كل حال، دليلا على رفع
حد الزنا عنه انتهى (2).
وفيه أنه وإن كان الجمع بينهما ممكنا ومحتملا عقلا إلا أن الحكم

(1) سورة النور الآية 2.
(2) السرائر الطبع الجديد الجلد 3 الصفحة 437 أقول: وقد أفتى بما ذهب إليه ابن إدريس بعض آخر
كالشهيدين والأردبيلي ففي الروضة مزجا: ويجمع له أي للزاني في هذه الصور الثلاث - الزاني
بالمحرم، والذمي بالمسلمة والزاني مكرها للمرأة - بين الجلد ثم القتل على الأقوى جمعا بين
الأدلة فإن الآية دلت على جلد مطلق الزاني والروايات دلت على قتل من ذكر، ولا منافاة بينهما
فيجب الجمع انتهى راجع الصفحة 332 من الجلد 2.
وقال الأردبيلي رحمه الله: ولما أمكن الجمع بين الجلد وضرب العنق يفعل، عملا بالدليلين
انتهى.
252

بخصوص القتل في الزاني بالمحرم هو مقتضى الجمع بين العام والخاص
سواء كان الخاص ودليل الاستثناء هو الأخبار أو أنه الاجماع كما عبر هو
باطلاق قول أصحابنا، حيث إنه لا يعمل بأخبار الآحاد فإن معنى هذا
الخاص إن حكم الزاني وإن كان هو الجلد إلا أنه يستثنى من ذلك قسم
خاص من الزناة وهو الزاني بذات محرم، وعلى الجملة فظاهر الأخبار وكلمات
الأصحاب هو التنويع والتقسيم كالحاضر والمسافر والقصر في الأول والاتمام
في الثاني.
وما ذكره يصح لو لم تكن الأدلة ظاهرة في التنويع واختصاص كل
موضع بحكم، والحال أن الأخبار ظاهرة جدا في ذلك وإليك بعضها:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم حد الله الأكبر،
والجلد حد الله الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد (1).
وعن يونس عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحر والحرة إذا
زنيا جلد كل واحد منهما مأة جلدة فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم (2).
ترى أن صريح الأولى وظاهر الثانية هو أن الزاني غير المحصن يجلد
والمحصن يرجم لا غير كما أنه يستفاد من قوله عليه السلام في الرواية الأولى:
حد الله الأكبر وحد الله الأصغر، إن الحدين لا يجتمعان في مورد واحد وعمل
واحد وأنه لا يحد المرتكب للزنا حدين لصدور زنا واحد عنه (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 3، أقول: وفي نهج البلاغة خطبة
127: وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله رجم الزاني المحصن.. وجلد الزاني غير
المحصن.
(3) أقول: قال العلامة في القواعد بعد ذكره أن القتل حد أربعة..: ولا يعتبر في هؤلاء الاحصان ولا
الشيخوخية بل يقتل كل منهم حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافر شيخا كان أو شابا ويقتصر
على قتله بالسيف. انتهى
وقال فخر الدين في شرحه: أفتى المصنف بقتلهم من غير اشتراط أمر زائد على الزنا أو من غير أمر زائد
على القتل وهو قول الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج وأبي الصلاح، وقال ابن إدريس: " نقل هنا كلام السرائر إلى أن قال: " والأقوى عندي اختيار والدي المصنف انتهى
وفي الرياض بعد المناقشة في دعوى عدم المنافاة بين الأدلة قال: بعد ما عرفت من ورود أدلة القتل
في مقام الحاجة الموجب للدلالة على عدم حد آخر وإلا للزم تأخير البيان عنها وهو غير جائز بلا شبهة
ولعله لذا اختار المشهور القتل خاصة كما صرح به بعض الأجلة إلى أن قال: فإذا الشهور لا يخلو عن
قوة سيما وإن الحدود تدرء بالشبهة انتهى.
253

وقد ظهر أن ما أفاده رحمه الله بقوله: وليس اطلاق قول أصحابنا: يجب
عليه القتل على كل حال، دليلا على رفع حد الزنا عنه، ليس تاما فإن ظاهرهم
كظاهر الأخبار هو وجوب خصوص الرجم بلا ضم الجلد إليه.
هذا هو مقتضى القاعدة وإلا فلو دل الدليل في مورد على الجمع بينهما
كما في زنا الشيخ والشيخة فإنه يجمع بينهما.
لا يقال: إن الروايات الواردة في ب 15 من مقدمات الحدود تدل على
أنه يجمع بين الجلد والحد (1).
لأنا نقول: إنها واردة في الأسباب المختلفة وليس هنا إلا سبب واحد
لما ذكرنا من أن المقام من قبيل الحاضر والمسافر.
هذا كله بالنسبة إلى العام والخاصين.
وأما نسبة الخاصين أحدهما إلى الآخر فهي العموم من وجه، وذلك
لأنه يقال: من زنى بذات محرم يقتل سواء كان محصنا أو غير محصن، ومن زنى
محصنا يرجم سواء كان قد زنى بذات محرم أم لا ولا اشكال كما تقدم في
مادتي الافتراق فإنه يقتل الزاني بذات محرم وهو غير محصن كما أنه يرجم
الزاني محصنا بغير ذات محرم، وإنما النزاع في مادة الاجتماع فمقتضى دليل
الاحصان رجمه كما أن مقتضى دليل الزنا بذات محرم هو قتله وحيث إن
المقتضى لكل من الرجم والقتل موجود فالمقام من قبيل المتزاحمين نظير من رأى
غريقين ولا يقدر على إنقاذ كليهما وإنما يتمكن من إنقاذ واحد منهما فإنه
لو كان متمكنا من إنقاذ كليهما كان يجب ذلك فدليل وجوب انقاذ الغريق
والأمر به لم يخصص بالنسبة إلى أحدهما لكنه لا يتمكن إلا من إنقاذ واحد

(1) أورده هذا العبد وأجاب أدام الله بقاه بما في المتن.
254

منهما والعقل يحكم في هذا المقام باتيان واحد من الأمرين فإن كان ترجيح
فيأتي بذي المرجح كما إذا كان في المثال أحدهما عالما والآخر ليس بعالم وإلا
فهو مخير بينهما ففي المثال ينقذ واحدا أيهما شاء هذا أو ذاك، وكذا الحكم في
المقام، وحيث إن دليل الرجم والقتل تام، والمقتضى موجود إلا أنه لا يمكن
الجمع بينهما عقلا فيحكم بتخييره بينهما فله أن يرجمه أخذا بدليل الرجم،
أو يقتله تمسكا بدليل القتل، لكن المشهور بل قاطبة الأصحاب حكموا بالقتل ولم
أعثر كما مر إلى الآن على من قال بالرجم هنا والحاصل أن الترجيح لدليل
القتل للاجماع على ذلك.
وقد ذكر لتقديم القتل عندهم وجهان أحدهما إن أدلة القتل ناظرة إلى
اثبات خصوصية في الزنا بذاته محرم فيرفع اليد بها عن اطلاق ما دل على ثبوت
الرجم.
ثانيهما إن الروايات الدالة على أن الزاني بذات محرم يقتل بالسيف، أظهر
من الروايات الدالة على أن الزاني محصنا يرجم نظرا إلى أن الأولى بالعموم
ودلالة هذه بالاطلاق ومن المعلوم أن دلالة العموم وضعي ودلالة الاطلاق ليست
كذلك بل هي بالمقدمات فتقدم أدلة القتل على أدلة الرجم في مورد الاجتماع.
وكلاهما محل الاشكال أما الأول فلأنه لا فرق بينهما من جهة
الخصوصية فكما أن في الزنا بذات محرم خصوصية أوجبت القتل كذلك في الزنا
محصنا أيضا خصوصية أوجبت الرجم ولا تفاوت بينهما أصلا.
وأما الثاني فلعدم الفرق بينهما وعدم أظهرية لأدلة القتل فإذا كان
قوله (ع): من وقع أو من زنى بذات محرم دالا على العموم فقوله (ع): المحصن
يرجم أيضا يدل على العموم فإن معناه بعد كون الألف واللام للاستغراق هو أن
كل محصن يرجم بل وكذلك لو كان حرف التعريف للجنس وكما أن للزاني
بذات محرم أفراد ومصاديق كذلك الزاني المحصن.
وأما النبوي صلى الله عليه وآله: من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ففيه أولا إنهم لم
يتمسكوا به وثانيا إن النسبة بينه وبين أدلة الرجم أيضا عموم من وجه والكلام
255

هو الكلام.
نعم لو قيل بأن الميزان هو افناء هذا الشخص بلا خصوصية للقتل
بالسيف فهناك لا معارضة، لصح الحكم بالتخيير شرعا بين قتله أو رجمه،
وأما بعد البناء على خصوصية القتل بالسيف تعبدا كخصوصية رجم المحصن
فهما متزاحمان والعقل بحكم بالتخيير عند عدم مرجح في البين.
الكلام في الحاق السببي من المحارم بالنسبي
ثم إنه هل تلحق المحرمات سببا بالمحرمات نسبا في ايجاب الزنا
بهن القتل، أم لا؟ ظاهر الشرايع والمختصر النافع هو اختصاص الحكم
بالنسبي، وقذ ذهب إليه المشهور أيضا وعليه فلا يشمل الحكم المحرمات
بالسبب كأم الزوجة وبنتها، وخالف في ذلك بعض الأصحاب.
وغير خاف إن البحث ليس لغويا ولا الاختلاف في المسألة اللغوية
وذلك لعدم خفاء أصلا في معنى المحرم ووضوح إن معناه من يحرم نكاحه
وهذا المعنى يعم السببي أيضا بل والرضاعي، فلا حاجة إلى ذكر قول
اللغويين وإنما البحث في انصرافه في الأدلة إلى خصوص من يحرم نكاحه
بالسبب بحيث لا يتبادر منه إلا ذلك مع أن اللفظ باطلاقه يشمل غيرها
وعدم انصرافه، وقد ادعى ذلك بعض العلماء
قال الشهيد الثاني قدس سره والمتبادر من ذات المحرم النسبية، ثم
قال: ويمكن شمولها للسببية وقد تقدم في بابه إن المحرم من يحرم نكاحه
مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة وحينئذ فلا يقتصر على امرأة الأب بل يتعدى
إلى غيرها من المحرمات السببية والرضاعية انتهى (1).
فمع دعواه تبادر الخصوص قوى واستظهر العموم وعدم فرق بين النسبي
والسببي والرضاعي.
وقال كاشف اللثام: لما كان التهجم على الدماء مشكلا قصر الحكم

(1) مسالك الأفهام الجلد 2 الصفحة 427.
256

على ذات محرم نسبا لا سببا أو رضاعا إلا ما سيأتي في امرأة الأب وفاقا
للمحقق وبني إدريس وزهرة وحمزة بناء على أنه المتبادر إلى الفهم ولا
نص ولا اجماع على غيرها، وفي المبسوط والخلاف والجامع الحاق الرضاع
بالنسب دون السبب إلا امرأة الأب (1).
فهو قد ادعى تبادر خصوص النسبي وقصر الحكم عليه.
وقال صاحب الرياض بعد ذكر المحرمات بالنسب والحكم بأن
الزنا بهن يوجب القتل، والاستدلال بالاجماع والنصوص: وأما غيرهن من
المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة وأمها فكغيرهن من الأجانب على ما يظهر
من الفتاوى، والنصوص خالية من تخصيص النسبي بل الحكم فيها معلق
على ذات محرم مطلقا لكن سند أكثرها ضعيفة، والحسن منها قاصر عن
الصحة، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجم على
النفوس المحترمة سيما مع عدم صراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة
بناء على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى السببيات بل المتبادر منها
النسبيات خاصة (2).
وهو قد اعترف أولا بشمول اللفظ السببي والرضاعي لكنه استشكل
في ذلك، ونحن نقول إن الحكم قد تعلق بذات محرم ففي بعض الروايات:
من وقع على ذات محرم كذا، ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون الملاك
في الحكم بالقتل وهو وقوع الزنا بذات محرم، وبعبارة أخرى إن الحكم معلل في
الحقيقة وكأنه قيل: يجب قتل هذا الزاني لكون زناه زناء بذات محرم فإن
تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية وعلى هذا فالروايات شاملة لكل من انطبق

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 218.
(2) ومثله الأردبيلي فإنه قال في الشرح: العمل بظاهر الروايات يقتضي التعميم ولكن سند أكثرها غير
صحيح ومبنى الحدود على التخفيف والسقوط للشبهة، وفتوى الأكثر على خلاف ذلك على ما
يظهر من تقييد الأكثر بالنسب والتردد في غيره أو السكوت مع ذكر امرأة الأب كما في المتن فتأمل
انتهى. وقال العلامة في الإرشاد: القتل، ويجب على الزاني بالمحرمات نسبا كالأم وبامرأة
الأب انتهى.
257

عليه هذا العنوان بلا فرق بين النسبي والسببي، وأما ما ذكره بعد اعترافه باطلاق
الأدلة وشمولها للسببي أيضا، من ضعف سند الروايات الواردة في الباب
وعدم صحة سندها إلا رواية واحدة ولا يجسر بمثلها على التهجم على
النفوس، وكذا تبادر النسبيات، فهو غير تام وذلك لأنه لو كانت الرواية حجة
قابلة للاعتماد عليها والعمل بها فلا بد من الأخذ بها مطلقا بلا فرق بين
المقامين.
وبذلك ظهر الجواب عما ذكره في كشف اللثام أيضا وذلك لأن
الحكم بالالحاق مع الدليل ليس من باب التهجم على الدماء فلو لم يكن لنا
دليل على الالحاق لصح ما ذكره، وأما إذا كان هناك دليل يدل على المطلوب
فلا، وقد علمت أن الروايات تدل بظاهرها على الالحاق.
وأما بالنسبة إلى التبادر فنقول: إن المتبادر من: الزنا بذات محرم
يوجب القتل، سواء ألقيت بالعربية أو بالفارسية هو الزنا الصادر ممن كان محرما
وبالنسبة إلى المحرم أي من يحرم نكاحه ولا انصراف في البين ولا تبادر،
وعلى الجملة فالمتفاهم العرفي من مثل قوله عليه السلام: من وقع بذات
محرم، وأمثال ذلك هو الاطلاق والشمول، وإن كان قوله عليه السلام في بعض
الروايات كرواية ابن مهران: رجل وقع على أخته الخ منصرفا إلى الأخت النسبي،
ومن ذلك يعلم أن ما ذكره في الجواهر في أثناء كلامه دفاعا عن
الرياض من أن المنساق من ذات محرم هو النسبي، في محل المنع، فإن رفع
اليد عن العام الظاهر في العموم بادعاء التبادر المختلف فيه في خصوص
المقام، في غاية الاشكال (1) إلا أن يكون اجماع على اختصاص الحكم
بالنسبي.
وأما كون النسبي هو المتيقن من ذات محرم فيؤخذ به دون السببي.

(1) أقول: وقال الفيض الكاشاني في المفاتيح الجلد 2 الصفحة 70: وكذا (يقتل) إذا زنى بذات
محرم بلا خلاف للنصوص المستفيضة. وخصه جماعة بالنسبيات لأنهن المتبادر، والأظهر شموله
للسببيات وفي التبادر منع انتهى.
258

ففيه أن القدر المتيقن إذا كان متعلقا بمقام التخاطب لكان يجب
الأخذ به وأما إذا لم يكن كذلك فهو لا يضر بالأخذ بالاطلاق.
لا يقال: إن اطلاق الروايات وإن كان شاملا للنسبي والسببي إلا أن
ذهاب المشهور إلى اختصاص الحكم بالأول يحملنا على الأخذ بقول المشهور
دون غيره كما قد يتمسك بفهم الأصحاب في بعض الموارد الأخر (1).
لأنه يقال يشكل رفع اليد عن العموم بمجرد فهم الأصحاب بعد أنه
الظاهر.
وأما القول بالحاق خصوص السببي المذكور في الآية الكريمة دون
غيره (2) فهو بلا دليل ولم يقل به أحد، وإنما ذكر بعض السببيات في الآية من
باب المثال وإرائة المصداق، غاية الأمر أن للزاني بزوجة الأب حكما خاصا
وهو الرجم.
لا يقال: إنه لا أقل من كون المقام من موارد الشبهة لعدم افتاء الأكثر
بالالحاق، والحدود تدرء بالشبهات (3).
لأنا نقول: لا شبهة بعد الاستظهار من الأدلة.
فتحصل أنه لا يتم القول بالانصراف، بل لا فرق بينهما في الحكم.
إلا أن المشهور القول بعد القتل هنا ولعله أشير إليهم من النواحي
العالية.

(1) أورده هذا العبد وتفضل دام عمره بالجواب بما ذكرناه
(2) أورده بعض زملائنا والآية هو قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم. وأمهات نسائكم
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح
عليكم وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين. سورة النساء / 27.
(3) أورده هذا العبد وقد أجاب دام ظله بما في المتن ولكن لم أقتنع كاملا فإنه لا شك في عدم افتاء
المشهور بالالحاق وهذا يوجب الشبهة في الحكم به وقد رأيت بعد ذلك أن الأردبيلي قدس سره
أيضا ذكر ذلك فراجع ما ذكرناه عنه في بعض الهوامش السابقة كما أن السيد الخوانساري
قدس سره أيضا أورد ذلك فإنه بعد نقل رواية إسماعيل بن أبي زياد الدالة على رجم الزاني بامرأة
أبيه قال: ويقع الاشكال من جهة عدم صحة السند وفتوى الأكثر على الخلاف وتدرء الحدود
بالشبهات.
259

والانصاف أنه يشكل الأمر بذلك فلو أريد الاحتياط في مورد
الاحصان يدور الأمر بين الرجم لأنه محصن والمشهور قائلون بالانصراف
وبين القتل على ما ذكرناه من عدمه والاحتياط في اختيار الأخف زجرا
وهو القتل وأما في غير مورد الاحصان فالدوران بين القتل والجلد ويؤخذ
بالأخف أي الجلد.
وهل الحكم جار في النسبي الشرعي خاصة أو أنه جار في النسبي
مطلقا وإن لم يكن شرعيا كما إذا كان من زنا؟
قال في الجواهر: نعم قد يقال باختصاص ذلك بالنسب الشرعي أما
المحرم من الزنا فلا يثبت له فيها الحد المزبور للأصل وغيره، ولم
يحضرني الآن نص لأصحابنا فيه.
أقول: الوجه في عدم الشمول هو أن الشارع قد نفى النسبة وحكم بعدم
التوارث بين الولد والوالدين وعليه فهذه الأمومة غير معتبرة شرعا وإنما المعتبر
الأمومة الشرعية الحقيقة لا العرفية.
ولكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك فإنا إذا علمنا أنه لا يجوز لولد الزنا
نكاح أمه فلا محالة تكون أمه هذه محرمة النكاح عليه وحينئذ يجري الدليل
العام وهو أن الزنا بذات محرم يوجب القتل وبعبارة أخرى إن أم ولد الزنا أم،
والزاني بالأم يقتل، وذلك لأن الأم هو من ولدت الطفل وليس له اصطلاح
خاص غير ذلك.
وعلى الجملة فالشارع وإن كان قد نفى الأمومة في بعض الأحكام
كالتوارث لكن الأمومة الحقيقية وهي الولادة، ثابتة محققة، والإرث خارج
بالنص الخاص وحيث إن الأمومة والولادة الحقيقية موضوع لترتب القتل على
الزنا هناك فلا محالة يقتل الزاني بالأم الزنائي ولا انصراف للأم عنها وإن
فرضنا انصراف ذات محرم عن السببي لأن هذه محرم نسبا وهي أم واقعا.
260

المحرمات الرضاعية
وهل الحكم في المحرمات بالرضاع أيضا هو القتل كالمحرمات
بالنسب أم لا؟ قد الحق بعض الأصحاب كالشيخ في الخلاف والمبسوط
وابن سعيد في الجامع، الرضاع بالنسب (1) وخالف فيه الآخرون.
وقد يتمسك ويستدل للأول بالخبر الشريف: الرضاع لحمة كلحمة
النسب (2) واللحمة بالفارسية يعني تار وپود ورشته، فاللحمة المحققة بالرضاع
كاللحمة الحاصلة بالنسب، ووجه الشبه واضح فإن النسب يؤثر في التكوين
والايجاد، والرضاع في النمو التربية، وكما أن الولد النسبي قد تكون وخلق
من الأب والأم، كذلك الولد الرضاعي قد نما وشب بلبن أمه الرضاعي.
وقد يستشكل في ذلك بعدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر
المقامات كالإرث والولاية وغيرها، فإن الولد الرضاعي لا يرث أمه ولا العكس
وكذا لا ولاية لأبي المرتضع، في حين أن للوالد الحقيقي الولاية على ولده،
وذلك يدل على أن لحمة الرضاع كلحمة النسب في خصوص النكاح.
وفيه أن الظاهر من الخبر هو إفادة حكم عام والمستفاد منه أن

(1) راجع الخلاف كتاب الحدود المسألة 29 والمبسوط كتاب الحدود - ج 8 - الصفحة 9،
والجامع الصفحة 549 قال الأخير: من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت نسبا أو رضاعا
أو عقد عليها ووطئها وهو يعرفها قتل وكذلك أن اشتراها فوطئها فإن زنا بأخته فضرب بالسيف
ضربة فلم يمت فروي أنه يحبس أبدا انتهى.
ويستفاد من كلامه أنه قد جمع بين الروايات بأن الزاني بالمحرمات يقتل إلا الزاني بالأخت فإنه
يضرب بالسيف فإن قتل فهو وإلا فإنه يحبس إلى أن يموت ولعله وجه حسن للجمع لأن رواية
الحبس بعد الضرب واردة في الأخت وقد ذكرت ذلك للسيد الأستاذ الأكبر لكنه دام ظله أجاب
بأنه لم يقل به أحد ويرجح طرح الرواية على حملها على ما لم يقل به أحد.
(2) الميزان الجلد 4 الصفحة 301، الجواهر الجلد 29 الصفحة 310 لكني لم أجدها في الوسائل ولا
في مستدركه،
وفي تذييلات الجواهر: لم نعثر على هذه الرواية مع التتبع التام في مظانها الخ.
261

الرضاع كالنسب في تمام الأحكام، نعم قد يخرج عن العام بدليل خاص، وعلى
هذا فيجري عليه كل أحكام الولد النسبي، منها أنه لا يجوز النكاح ومنها أنه لو
ابتاع الولد الرضاعي أباه عن رضاع لانعتق عليه كالولد النسبي وهكذا،
فالخارج كالإرث والولاية قد خرج بالدليل، ومقتضى هذا أن يكون حد الزنا
بالمحرمات بالرضاع هو حده بالمحرمات بالنسب وهو القتل.
ويؤيد ذلك ما ورد من أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1)
بضم الروايات الدالة على أن الزنا بذات محرم يوجب القتل.
نعم لو كان هناك اجماع على عدم الحاقه به فلا كلام لنا في مقابل
الاجماع.
الذمي إذا زنى بمسلمة يقتل
وممن حده القتل، هو الذمي الذي فجر بامرأة مسلمة.
قال المحقق: والذمي إذا زنى بمسلمة.
أقول: ولا فرق في ذلك بين كونها مطاوعة أو مكرهة بل الحكم
كذلك في مطلق الكافر وإن لم يكن ذميا. ولا خلاف في ذلك قال في
الجواهر: بلا خلاف أجده بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منها
مستفيض.
قال الصدوق قدس سره: والذمي إذا زنى بمسلمة قتل (2).
وقال الشيخ الطوسي: فأما من وجب عليه القتل على كل حال سواء
كان محصنا أو غير محصن.. فهو كل من وطئ ذات محرم له.. وكذلك
الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة فإنه يجب عليه القتل على كل حال (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الصفحة 280 الحديث 1 و 3 و 4.
(2 الهداية الصفحة 76.
(3) النهاية الصفحة 692.
262

وقال الشيخ المفيد: إذا فجر ذمي بمسلمة كان حده القتل (1).
وقال أيضا: إذا زنى الذمي بالمسلمة ضربت عنقه (2).
وقال ابن إدريس في السرائر: فأما من يجب عليه القتل على كل
حال.. فهو كل من وطئ ذات محرم.. وكذلك الذمي إذا زنى بامرأة
مسلمة فإنه يجب عليه القتل على كل حال (3).
وقال السيد المرتضى: ومما انفردت به الإمامية القول بأن الذمي إذا
زنى بالمسلمة ضربت عنقه (4).
وقال سلار: ويقتل الذمي إذا زنى بمسلمة على كل حال (5).
وقال ابن زهرة: ومنهم من يجب عليه القتل حرا كان أو عبدا محصنا
أو غير محصن على كل حال وهو من زنى بذات محرم له ووطئها مع العقد
عليها والعلم برحمها منه أو زنى بامرأة أبيه أو غصب امرأة على نفسه أو زنى
وهو ذمي بمسلمة.. وفي زنا الذمي بالمسلمة خرق للذمة ومن خرق الذمة فهو
مباح القتل بلا خلاف (6).
وقال ابن حمزة: أما الزناة فضربان أحدهما يستوي فيه الاحصان
وفقده، والآخر لا يستويان، فما يستويان فيه يكون موجبه القتل وهو في خمسة
مواضع: الزنا بزوجة الأب وبجاريته التي وطئها وقهر المرأة على فرجها..
وزنا الذمي بالمسلم ووطئ كل ذات محرم مع العلم بأنها ذات محرم بعقد
كان أو بابتياع (7).
إلى غير ذلك من كلماتهم في المقام.

(1) المقنعة الصفحة 783.
(2) المقنعة الصفحة 778.
(3) السرائر الجلد 3 الصفحة 439.
(4) الإنتصار الصفحة 261.
(5) المراسم الصفحة 251.
(6) راجع الجوامع الفقهية كتاب الغنية الصفحة 622.
(7) الوسيلة الصفحة 410
263

وتدل على ذلك مضافا إلى الاجماع الذي تقدم ذكره رواية حنان بن
سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال:
يقتل (1).
نعم هنا بحث وهو أنه هل الحكم كذلك أيضا حتى فيما إذا تاب
وأسلم بعد أن زنى بالمسلمة أو أنه إذا أسلم يرفع عنه هذا الحكم؟
احتمل بعض الأصحاب سقوط الحد عنه بذلك لكن المشهور خلافه.
ورواية حنان بن سدير مطلقة تشمل ما إذا أسلم بعد أن فجر وما إذا
لم يسلم وإن كان الظاهر منها هو فرض عدم اسلامه وإلا لكان يذكر ذلك.
قال الشيخ المفيد بعد أن حكم بقتل الذمي الذي فجر بمسلمة: فإن
أسلم عند إقامة الحد عليه قبل اسلامه وأمضى فيه الحد يضرب عنقه ولم
يمنع اظهاره الاسلام من قتله، فإن كان قد أسلم فيما بينه وبين الله عز وجل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 36 من أبواب حد الزنا الحديث 1، أقول: قال في جامع الرواة
الجلد 1 الصفحة 284: حنان بن سدير الصيرفي واقفي ثقة انتهى. وقال المحقق الأردبيلي في
مجمع البرهان: ولا يضر القول في حنان.
ثم أقول: قد استدل أيضا يكون ذلك خروجا عن الذمة، قال في الانتصار: والوجه في صحة قولنا
زائدا على اجماع الطائفة إن هذا الفعل من الذمي خرق للذمة وامتهان للاسلام وجرأة على أهله
ولا خلاف في أن من خرق الذمة كان مباح الدم، ثم قال: فإن قيل: كيف يقتل من لم يكن قاتلا؟
قلنا كما نقتله مع الاحصان وليس بقاتل ويقتل المرتد وليس بقاتل وبعد فإذا جاز أن يتغلظ في
الشريعة حكم زنا المحصن حتى يلحق بأخذ النفس، ما المنكر من أن يتغلظ أيضا زنا الذمي
بالمسلمة حتى يلحق بوجوب تناول النفس انتهى.
وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي الصفحة 406: وإن كان " الزاني ذميا " بمسلمة حرة أو أمة
صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة حية أو ميتة قتل لخروجه عن حرمة الذمة الخ.
وفي كشف اللثام: لخروجه بذلك عن الذمة واجترائه على الاسلام وهتكه حرمته.
(2) المقنعة الصفحة 783.
264

وقال الشيخ بعد العبارة المتقدمة عنه: فإن أسلم الذمي لم يسقط
بذلك عنه الحد بالقتل ووجب قتله على كل حال (1).
وقال ابن إدريس: فإن أسلم الذمي ما يسقط بذلك عنه الحد بالقتل
ووجب قتله على كل حال (2).
وقال العلامة: ولو أسلم الذمي الزاني بالمسلمة قتل أيضا (3).
فهؤلاء الأفذاذ كلهم متفقون على أن اسلامه بعد زناه لا يوجب سقوط
الحد عنه.
نعم في عبارة المفيد قيد زائد على غيره وهو اسلامه عند إقامة الحد
عليه، بخلاف عبارات الآخرين فإنها مطلقة في عدم سقوط الحد باسلام الذمي
بعد أن زنى بمسلمة.
ومن هذا يظهر ما في كشف اللثام في هذا المقام من عد المقنعة في
رديف النهاية والسرائر والتحرير، من التسامح وذلك لأنه قد قيد في المقنعة
اسلامه بما إذا كان عند إقامة الحد عليه.
والذي يستدل به على ذلك أمور ذكرها في كشف اللثام قال: وإن أسلم
الذمي بعد ذلك فهل يسقط منه القتل؟ في المقنعة والنهاية والسرائر
والتحرير: لا، استصحابا وعملا بالعموم ولخبر جعفر بن رزق الله.
أقول: أما الاستصحاب فهو لا يجري إلا بعد ثبوت الزنا يعني أنه إذا
أسلم بعد أن ثبت عليه الزنا فهناك لو شك في بقاء حكم القتل عليه فإنه
يستصحب ذلك بخلاف ما إذا أسلم قبل ذلك فإنه حينئذ يجري استصحاب
عدم الوجوب لأن الشك حينئذ في ثبوت القتل عليه دون سقوطه.

(1) النهاية الصفحة 692.
(2) السرائر الجلد 3 الصفحة 439 و 440.
(3) التحرير الجلد 2 الصفحة 222. أقول: وقال أبو الصلاح في الكافي الصفحة 406: فإن أسلم قبل
اسلامه وأجريت عليه أحكامه ولم يدرأ ذلك عنه الحد.
وقال ابن سعيد في جامعه الصفحة 549 عند عده من يقتل من الزناة: وكذلك الكافر إذا زنى
بمسلمة فإن أسلم لم يسقط عنه ذلك.
265

وأما العموم فالمراد به عموم مثل موثق حنان بن سدير.
وفيه أنه محكوم برواية جب الاسلام، وبعبارة أخرى إن دليل الجب
يمنع العموم.
وأما خبر جعفر فهو هذا:.. عن جعفر بن رزق الله قال: قدم إلى
المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال
يحيى بن أكثم: قد هدم ايمانه شركه وفعله وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود
وقال بعضهم يفعل به كذا وكذا فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث
عليه السلام وسؤاله عن ذلك فلما قدم الكتاب كتب أبو الحسن عليه السلام:
يضرب حتى يموت فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك وقالوا يا
أمير المؤمنين سله عن هذا فإنه شئ لم ينطق به كتاب ولم تجيئ به السنة
فكتب: إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا: لم تجيئ به سنة ولم ينطق
به كتاب، فبين لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به
مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده
وخسر هنالك الكافرون. قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات (1).
وهي تدل على أن التوبة بعد رفع الأمر إلى الحاكم وثبوت الزنا لديه
لا تنفع في رفع الحد وقد استشهد عليه السلام لذلك بالآية الكريمة، ويستفاد منه
أن البأس الذي إذا عاينه الانسان لا ينفعه الندم أعم من العقوبة الأخروية
التي هي العذاب فتشمل الدنيوية أيضا وهي الحد وذلك لمكان تطبيقه
عليه السلام الآية الكريمة على الحد فهذه سنة الله تعالى التي أجراها في الأمم
الماضين فلم يك ينفع توبتهم في رفع العذاب والعقوبة.
وشبيه هذه الآية في المؤدى والمضمون، الآية الشريفة الواردة في هلاك
فرعون ورد توبته وهي قوله تعالى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون
وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت بما آمن به بنوا إسرائيل وأنا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 36 من أبواب حد الزنا الحديث 2، والآية: سورة غافر / 84.
266

من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين (1).
وخبر جعفر وإن كان ضعيفا لعدم ثبوت وثاقته لكنه منجبر بعمل
الأصحاب إلا أن المستفاد والظاهر منه هو اسلامه عند تحتم الحد عليه فرارا
عنه.
ومقتضى ذلك هو التفصيل بين التوبة قبل ثبوت الحد عليه، والتوبة
بعده في رفع الحد، فتقبل في الأول دون الثاني خلافا لما فهم المشهور وذهبوا إليه
من الاطلاق وعدم فائدة في اسلامه بعد أن زنى، سواء كان قبل الثبوت والحكم
أو بعد ذلك..
وقد ظهر بما ذكرناه أن تفصيل المقنعة مستفاد من هذه الرواية فإن الظاهر
منها أن النصراني المذكور لما رأى العذاب أي الحد الذي هو القتل، أسلم و
قد حكم الإمام عليه السلام بأن اسلامه لا يفيد في رفع العذاب عنه وعلى هذا
فلو أسلم وتاب بعد فجوره وقبل أن يثبت ذلك فإنه يرفع عنه القتل.
وهنا وجه ثالث احتمله في كشف اللثام قائلا: ويحتمل السقوط لجب
الاسلام ما قبله، والاحتياط في الدماء، وحينئذ يسقط عنه الحد رأسا ولا ينقل إلى
الجلد للأصل انتهى.
وهو ظاهر في أن الاسلام يوجب رفع الحد عنه مطلقا سواء كان قبل
اثبات الحد عليه أم بعده.
وقد استدل على ذلك يجب الاسلام (2) ما سلف والاحتياط في الدماء.

(1) سورة يونس الآية 89 و 90، أقول: ونظيرها أيضا في المضمون قوله تعالى: فلولا كانت قرية آمنت
فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى
حين. سورة يونس / 97.
ثم إني أوردت بأنه لا كلية لعدم نفع الايمان بعد رؤية البأس وذلك لتحصيصه في قصة قوم
يونس فأجاب دام ظله بأنه هناك كان مقدمة العذاب وآثاره لا نفسه.
(2) حديث الجب رواه في كنز العمال الجلد 1 الصفحة 17 و 20، والجامع الصغير للسيوطي الجلد 1
الصفحة 160 ومسند أحمد بن حنبل الجلد 4 الصفحة 199 و 205، وأسد الغابة الجلد 5 الصفحة
54 وقد رواه القمي في تفسيره الجلد 2.
267

وقد يقال بأن حديث الجب ليس مرويا عن طرقنا بل هو مروي عن طرق
العامة.
وأجيب عن ذلك بأن المشهور من العامة والخاصة قد عملوا به فيما
لا دليل على خلافه.
نعم يرد على الاستدلال به ما مر من حكومة موثق ابن سدير وخبر
جعفر بن رزق الله، على ذلك، فالاسلام يجب ما قبله إلا فيما إذا زنى الذمي
بالمسلمة فإن اسلامه وإن كان مقبولا وهو يحسب مسلما إلا أن الحد أي القتل
لا يسقط عنه.
وهنا وجه رابع يظهر من صاحب الجواهر وهو التفصيل بين الاسلام
حقيقة والاسلام لفظا وصوريا تخلصا وفرارا عن القتل، فيقبل اسلامه ويؤثر في
الأول سواء كان قبل اثبات الحد أو بعده، ولا يؤثر مطلقا في الفرض الثاني.
وفيه أنه مخالف لما هو السيرة القطعية من معاملة النبي صلى الله عليه
وآله بالنسبة إلى المنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الاسلام فإنه
صلوات الله عليه لم يكن يؤاخذهم بعد اظهارهم الاسلام بما فعلوه وأتوا به قبل
اظهارهم الاسلام مع كونهم في الحقيقة كفارا وإنما أظهروا الاسلام حفظا
لنفوسهم وحقنا لدمائهم (1) وقد صرح الله تعالى بذلك وأخبر النبي بكذبهم
بقوله: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول لله والله يعلم أنك لرسوله
والله يشهد أن المنافقين لكاذبون (2) وعلى الجملة فلازم ما ذكره عدم جب اسلام
المنافقين ما فعلوه في حال الكفر، وهو كما تراه فإنهم كانوا يقبلون اسلامهم
ولم يؤاخذوهم بما فعلوا قبل الاسلام.
وقد ظهر من تلك الأبحاث أنه لا يبعد القول بالتفصيل بين اسلامه قبل
قيام البينة واثبات الحد عليه، واسلامه بعد ذلك، فيدفع الحد في الأول دون

(1) في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: اللهم إن قوما آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دمائهم فادركوا
ما أملوا وإنا آمنا بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا الخ
(2) سورة المنافقون الآية 1.
268

الثاني، وإن كان اسلامه يقبل في كلا الحالين.
ثم إنه قد يقال بعدم تطابق رواية جعفر مع ما هو المذكور في الكلمات
وعبارات الفقهاء، وذلك لأنهم يقولون بأن الذمي إذا فجر بامرأة مسلمة يقتل في
حين أن المذكور المصرح به في صدر الرواية أن أبا الحسن الثالث عليه السلام
كتب: يضرب حتى يموت. كما أن في ذيلها: فأمر به المتوكل فضرب حتى
مات، والضرب حتى يموت أمر غير القتل وفوقه وهو قتل مخصوص غير مطلقه.
ويمكن أن يكون حكمه هذا، لتشديد المعصية فيكون حكمه كقتل
الصبر (1).
وفيه أن هذا التعبير محمول على ما هو الوارد في نظائر المقام من الروايات
التي ورد فيها أنه يضرب بالسيف، أو يضرب عنقه، وعلى هذا فالمراد من ضربه
حتى يموت أنه يضرب بالسيف إلا أنه لو لم يمت ولم يقتل بالضربة الأولى فإنه
لا يكتفى بها بل يضرب ثانيا وثالثا إلى أن يقتل، ويبعد جدا أن يكون المراد
ضربه بالعصا وغيره إلى أن يموت.
إن قلت: إن المستند في كلمات القدماء غيره في كلمات المتأخرين
وذلك لأن المذكور في كلمات المتأخرين غالبا هو التمسك بالروايات كموثق ابن
سدير وخبر جعفر وإذا كان الأمر كذلك أمكن اسراء الحكم من الذمي إلى
مطلق الكفار، وهذا بخلاف القدماء فترى السيد المرتضى لم يتمسك بالرواية
أصلا بل استدل بخروج الذمي عن الذمة وهكذا الحلبي فراجع الانتصار
والكافي، وعلى هذا فيشكل الأمر في التعدي إلى ساير الكفار بل يقتصر على
خصوص الذمي بلحاظ التعليل والاستدلال (2).
نقول: لا بأس باسراء الحكم وإن كان تمسك القدماء بخصوص هذا
التعليل، وذلك لأن قصارى الكلام أنه بخروجه عن الذمة بزناه بالمسلمة قد
أدرج في الكافر الحربي، بل لعل ذلك بنفسه يشعر بكون الحكم ذلك في

(1) أورده هذا العبد وتكرم دام ظله بالجواب بما في المتن.
(2) أورده هذا العبد وأجاب دام بقائه بما قررناه.
269

مطلق الكفار، أما الحربي فبنفسه وأما الذمي فلصيرورته حربيا بواسطة خروجه
عن الذمة حيث إنه زنى بالمسلمة، هذا مضافا إلى أنه يمكن ادعاء الأولوية كما
ادعى ذلك.
الكلام في من زنى بامرأة مكرها لها
قال المحقق: وكذا من زنى بامرأة مكرها لها.
أقول: ممن حده القتل من الزناة هو من زنى بامرأة مكرها لها.
وفي كشف اللثام: اجماعا كما في الانتصار والغنية.
وفي المسالك: بلا خلاف..
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل
المحكى منهما مستفيض كالنصوص المعتبرة. انتهى.
وأما النصوص والأخبار الواردة في المقام الدالة على المقصود فمنها صحيح
بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها،
قال: يقتل محصنا كان أو غير محصن (1).
ومنها صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام في رجل غصب امرأة نفسها
قال: يقتل (2).
ومنها خبره الآخر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يغصب المرأة
نفسها، قال: يقتل (3).
نعم هنا روايات لا تلائم تلك الروايات لأن لسانها هو أنه يضرب
السيف، بلغت منه ما بلغت، أو، مات منها أو عاش.
ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل غصب امرأة فرجها
قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت (4).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
270

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كابر الرجل المرأة
على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش (1).
ومن المعلوم أن ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت كما هو تعبير خبر زرارة
وضربة بالسيف مات منها أو عاش، الواردة في خبر أبي بصير، غير القتل المذكور في
الروايات المتقدمة.
والذي يسهل الخطب هو أن صاحب الجواهر قال: إني لم أجد عاملا
بهما فوجب طرحهما في مقابل ما عرفت أو حملهما على ما لا ينافي ذلك
انتهى (2).
وأما احتمال أن يكون المكابرة في نفسها في معتبره أبي بصير بمعنى
المجادلة في قتلها، فهو خلاف الظاهر جدا.
هذا مضافا إلى اشتمال القسم الأول على صحيحتين وعدم اشتمال
القسم الأخير على رواية صحيحة (3).
عدم اعتبار الاحصان في المواضع المذكورة
قال المحقق: ولا يعتبر في هذه المواضع الاحصان بل يقتل على كل
حال، شيخا كان أو شابا ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر.
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده في شئ من ذلك كما اعترف به بعض
الأجلة بل قد سمعت التصريح بالأول في نصوص المكرهة ولا قائل بالفرق، على أنه لو سلم التعارض بين اطلاق الأدلة هنا وبين غيرها من وجه فلا ريب في أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 316.
(3) فإن في سلسلة سند رواية زرارة علي بن حديد وحكى المامقاني عن القسم الثاني من الخلاصة
أنه قال: ضعفه شيخنا في كتاب الاستبصار والتهذيب وقال بأنه لا يعول على ما ينفرد به، وعن الكشي
أنه فطحي، راجع رجال المامقاني الجلد 2 الصفحة 275. وأما رواية أبي بصير فقد عبر عنها سيدنا
الأستاذ الأكبر دام ظله كبعض أجلاء العصر بالمعتبرة إلا أن المجلسي قدس سره صرح بكونها
صحيحة فراجع مرات العقول الجلد 23 الصفحة 288.
271

الترجيح لما هنا ولو لفتوى الأصحاب انتهى.
أقول: أما التصريح بعدم الفرق بين الاحصان وعدمه في النصوص، ففي
صحيح العجلي في خصوص رجل اغتصب امرأة فرجها، صرح بأنه يقتل سواء
كان محصنا أو غير محصن، فراجع.
وهذا هو الذي استظهرناه قبل ذلك وقلنا إن ظاهر الأدلة هو التنويع
والتقسيم، فإذا كان الزاني زانيا بذات محرم أو ذميا زنى بالمسلمة أو زنى مكرها
للمرأة فحكمه القتل بلا فرق بين أن يكون محصنا أو غيره وبين أن يكون شيخا
أو شابا وبين أن يكون حرا أو عبدا وبين أن يكون مسلما أو كافرا.
خلافا لابن إدريس حيث قال بأنه إذا كان أحد الموارد الثلاثة مجمعا
لعنوانين يحكم فيه بحكم كل من العنوانين إذا أمكن الجمع بينهما جمعا للأدلة.
فلو كان غير محصن فإنه يجلد ثم يقتل ولو كان محصنا يجلد أولا ثم يرجم فإن
القتل يحصل بالرجم وغيره فلو رجم الزاني محصنا الذي هو من مصاديق
المسائل الثلاثة فقد عمل فيه بالقتل أيضا لأن الرجم هو القتل بأشد صوره
وأشق أنواعه (1).
وفيه أنه يصح ذلك لو لم يفهم من دليل القتل سوى مجرد ازهاق الروح
أما لو استفيد منه خصوص القتل بالسيف كما هو الظاهر منه فلا مجال لهذا
الكلام ولا يجمع بينهما أصلا لأن القتل بالسيف شئ والرجم شئ آخر.
وأما كون فتوى الأصحاب بالقتل مرجحا لو سلم التعارض بين اطلاق
الأدلة هنا وبين غيرها من وجه.
فنقول: لو كان ذلك مرجحا كما في باب السند فهو وإلا فالحكم هو

(1) أقول: إليك نص كلامه: والذي يجب تحصيله في هذا القسم وهو الذي يجب عليه القتل على كل
حال أن يقال: إن كان محصنا فيجب عليه الجلد أولا ثم الرجم فيحصل امتثال الأمر في الحدين
معا ولا يسقط واحد منهما، ويحصل أيضا المبتغى الذي هو القتل لأجل عموم أقوال أصحابنا
وأخبارهم لأن الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر بحد الرجم وإن كان غير محصن فيجب الجلد
لأنه زان ثم القتل بغير الرجم فيلحظ ذلك، راجع السرائر الصفحة 438 الجلد 3.
272

التخيير، والمسلم هو الأخذ بذلك عند التعارض السندي لا الدلالي.
اللهم إلا أن يقرر المقام بأنه نظير باب التعيين والتخيير فإن الأخذ
بمقتضى دليل القتل الذي أفتى به المشهور لا ينافي التخيير لأنه أحد طرفيه
بخلاف الأخذ بدليل الاحصان والرجم فإنه لا يطمئن إليه بعد ذهاب المشهور
إلى خلافه، والعقل يحكم بترجيح أحد الطرفين إذا كانت الحال كذلك.
الزناء بامرأة الأب
قال المحقق: وكذا قيل في الزناء بامرأة أبيه.
أقول: يستفاد من العبارة أنه قدس سره غير جازم بذلك حيث إنه نسبه
إلى القيل.
وكيف كان فالقائل به هو الشيخ والحلبي وابن زهرة وابن إدريس
وابن حمزة وابن البراج وابن سعيد، على ما في الجواهر، وقال: بل نسبه بعض
إلى كثير وآخر إلى الشهرة بل عن الغنية الاجماع عليه وهو الحجة بعد خبر
السكوني.
ويظهر من كلامه إن الزنا بامرأة الأب ليس كالزنا في الموارد الثلاثة
السابقة لأنه رحمه الله ذكر في كل واحد منها إن الاجماع بقسميه عليه، ولم يذكر
ذلك في المقام، وإنما اقتصر على ذكر الاجماع المنقول.
وأما خبر السكوني فهو خبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير
محصن (1).
وقد قيل بأنه منجبر (2) كما قد عبر عنه بالمعتبرة (3).
نعم هنا اشكال وهو أن هذا الخبر صريح في كون حده هو الرجم في

(1 وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 316.
(3) وقال في مباني التكملة الجلد 1 الصفحة 192: تدل على ذلك معتبرة إسماعيل بن زياد عن جعفر الخ.
273

حال أنهم قد حكموا فيه بالقتل كما أن مقتضى تعبير المحقق: وكذا قيل الخ
هو أن الحكم في هذا المورد أيضا هو الحكم في المسائل المتقدمة أي القتل،
فكيف يلتئم الحكم بالقتل استنادا إلى خبر صريح في الرجم، مع التصريح بأنه
كان غير محصن، الظاهر جدا في أن الحكم كذلك إذا كان محصنا بالأولوية
حيث لا يجري الحكم بالقتل الذي هو الأسهل في مورد الاحصان، وعلى هذا
فحكمه في كلتا الصورتين هو الرجم مع أنهم قالوا بالقتل.
ويمكن الذب عنه بأن الرواية قضية في واقعة ولا نعلم حقيقة الحال.
وعلى الجملة فيشكل انجبار الخبر بفتوى المشهور مع هذا الاختلاف في المؤدى.
وقد صرح غير واحد من العلماء بأنه لا فرق في المقام أيضا كالمسائل
الثلاثة الماضية بين المحصن وغيره ولا بين الحر والعبد ولا بين الكافر
والمسلم، وقد استفيد الأول من نفس الخبر، وأما الجهات الأخر فأورد عليها في
الجواهر بأنه إن كان اجماع على عدم الفرق من الجهات المزبورة فذاك وإلا فلا
يخلو من اشكال، وعلل ذلك بقوله: إذ لم نظفر فيه هنا بنص مطلق بالخصوص.
وفيه أنه وإن صح ما ذكره من عدم رواية مطلقة تدل على عدم الفرق
بين ما إذا كان حرا أو عبدا وغير ذلك من الجهات إلا أن خبر السكوني بنفسه
كاف في ذلك.
بيانه أن الإمام أبا جعفر عليه السلام نقل وحكى ذلك عن أمير المؤمنين
عليه السلام في مقام بيان الحكم ولم يكن بصدد نقل واقعة تاريخية عنه عليه السلام
ولا اشكال في أن الرجل الذي رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام إما أنه كان حرا أو عبدا
وإما أنه كان شيخا أو شابا وهكذا لأنه شخص واحد والقضية واقعة شخصية
فلو كان لواحدة من الخصوصيات دخل في الحكم بحيث كان الحكم مختصا
بالحر دون العبد أو بالشيخ دون الشاب مثلا لكان اللازم ذكره وإلا كان مخلا
بالمقصود أو لم يكن تترتب على ذكر ما ذكره ونقل هذا المطلب فائدة لأنه كان في
حكم أن يقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد رجم شخصا، ومن المعلوم أنه لا
فائدة في ذكر ذلك، فيفهم أنه لا مدخلية لهذا الحيثيات أصلا وإن تمام الموضوع
274

هو الزنا بامرأة الأب وإن هذا حكمه بلا دخالة قيد فيه.
وأما التعرض لخصوص عدم كونه محصنا فلعله لأجل رفع توهم إن رجمه
كان لأجل كونه محصنا.
والحاصل أنه لا حاجة إلى الاجماع في فهم تلك الأمور لأنه يفهم ذلك
من نفس الخبر.
ثم إنه هل يلحق بزوجة الأب في هذا الحكم أمته أو موطوئته بالملك أم
لا؟
فيه اشكال. وقال ابن حمزة عند ذكر أقسام الزنا الموجبة للقتل: والزنا
بزوجة الأب وبجاريته التي وطأها الخ (1) فقد ألحق جارية الأب بزوجته
وساوى بينهما في الحكم.
ولا يخلو عن اشكال ولذا نسب في الرياض القول به إلى الشذوذ.
واستوجهه في كشف اللثام بشمول لفظ " امرأته " الوارد في خبر السكوني لها.
وفيه أن استفادة ذلك من الخبر مشكل جدا وذلك لعدم تعلق لامرأة
الأب بجاريته حتى تشملها.
نعم لو كان الالحاق من باب أن جارية الأب من المحارم، والحكم
شامل لمطلق المحارم فهو حسن، كما أنه لا بأس بالقول بشمول امرأة الأب لامرأته
الحرة والأمة، وذلك لمكان اطلاق اللفظة أي زوجة الأب.
ثم إنه قد ألحق بعض كابن إدريس امرأة الابن أيضا، فلو زنى بامرأة
ابنه وجب قتله.
ولا دليل على ذلك إلا أن يقال بالغاء الخصوصية عن امرأة الأب
التي حكموا فيها بوجوب القتل أو يقال كما في الجواهر: لعله لادراجه إياها في
المحارم.
وإن كان يرد عليه أنه لا وجه لادراج امرأة الابن في المحارم بعد أن
قالوا باختصاص الحكم بالمحارم النسبية دون السببية.

(1) الوسيلة الصفحة 410.
275

نعم على ما ذكرناه وقررناه من تعميم المحارم لكل واحد منهما لا يرد
عليه اشكال.
تذنيب وتنبيه
بعد أن ثبت أن الزاني بذات محرم يقتل، فهل الحكم في الزانية أيضا
كذلك بأن تقتل إذا زنت بذي محرم أم لا؟
الظاهر ذلك فحد المرأة بذي محرم القتل، كالزاني بذات محرم
بعينه، وذلك لوحدة الملاك.
ثم إنه قد بقي بعض الموارد الذي يكون حد الزنا فيه القتل لم يذكره
هنا ويذكر في مناسباته، ومنه من أقدم على الزنا ثلاث مرات أو أربع فإنه بعد
حده مرتين أو ثلاث مرات يقتل.
وهل يقتصر على القتل في المواضع المزبورة؟
الكلام هنا في أنه بعد كون الحكم في المواضع الأربعة المتقدمة هو القتل
فهل يكتفى بذلك أو أنه لا بد من الجلد أولا ثم القتل في غير المحصن مثلا؟
قال المحقق: وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل نعم، وقيل يجلد
ثم يقتل إن لم يكن محصنا ويجلد ثم يرجم إن كان محصنا عملا بمقتضى الدليلين
والأول أظهر.
أقول: اختار المشهور وكذا المحقق، الأول، وخالف ابن إدريس (1) فإنه
ذهب إلى أنه لو كان محصنا يجلد أولا ثم يرجم وإلا فيجلد ثم يقتل وقد مر
كلامه فراجع.
والدليل على ذلك هو الجمع بين الدليلين فإن الآية الكريمة تدل على
لزوم جلد الزاني والزانية مأة جلدة وهي بعمومها أو اطلاقها شاملة لمطلق من

(1) أقول: ووافقه الشهيدان أيضا إلا أنهما قالا باعتبار الجلد أولا ثم القتل مطلقا بلا فرق بين
المحصن وغيره.
276

زنى، ومقتضى الأخبار هو قتل من زنى بالمحارم مثلا ورجم من زنى وهو
محصن، وعلى هذا فيجب جلد الزاني أولا ثم رجمه إن كان محصنا، وقتله إن كان
من مصاديق المسائل المبحوث عنها آنفا.
والجواب عنه إن الظاهر من الأدلة الدالة على القتل في الموارد الأربعة
أي الزاني بالمحارم والذمي الزاني بالمسلمة والمكره والزاني بزوجة الأب هو
أن هذا الموارد قد خرجت عن قول الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مأة جلدة، وإن الحد فيها هو القتل، وقد مر أن مقتضى الأدلة هو التنويع
والتقسيم كالحاضر والمسافر ولذا قال المحقق: والأول أظهر.
وقد أيد في كشف اللثام قول ابن إدريس بقول الصادق عليه السلام في
خبر أبي بصير: إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (1).
وفيه أن كونه أعظم ذنبا لا يلازم كونه أشد حدا، وظاهر ما مر من
الروايات المعتبرة كون الحد فيه واحدا، وهذه الرواية لا تصلح لمعارضتها، وعلى
هذا فلا جلد في تلك الموارد بل الحكم هو القتل وحده فلا جلد كما أنه القتل
بالسيف دون الرجم.
غاية الأمر أن مقتضى الخبر الوارد في الزنا بزوجة الأب هو الرجم
ومقتضى خبر جعفر في زنا النصراني بالمسلمة أنه يضرب حتى يموت مع أن
المشهور أفتوا بالقتل، وقد تقدم البحث عنهما.
وقال صاحب الجواهر بالنسبة إليهما: فينبغي الاقتصار عليهما فيهما
انتهى وكأنه يقول: يجب قتلهما لكن بالصورة المذكورة في الروايتين.
ويمكن أن يكون مراده أنه لو قلنا بغير القتل فإنه يقتصر على الموردين.
ولكن الظاهر أنه رحمه الله مايل إلى الافتاء بذلك في الموردين وأنه قد ألقى ذلك
مبرزا لنظره الشريف.
ولا يخفى أن الاحتياط في المسألة مع قول المشهور كما أن الاحتياط في

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 218 وراجع للرواية الوسائل الجلد 18 الباب 19 من حد الزنا
الحديث 8.
277

مورد اجتماع الاحصان وهذه العناوين يقتضي الحكم بالقتل، لأن الرجم أشد
منه وفي غير مورد الاحصان هو القتل وحده دون الجلد والقتل.
الكلام حول الرجم
قال المحقق: وأما الرجم فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة
فإن كان شيخا أو شيخة جلد ثم رجم وإن كان شابا ففيه روايتان إحداهما
يرجم لا غير والأخرى يجمع له بين الحدين وهو أشبه.
أقول: بعد الفراغ عن حد القتل في الزنا فالآن يبحث في الرجم، وهنا
مباحث أحدها أنه هل هنا رجم أم لا وبعبارة أخرى هل يجب رجم المحصن أم
لا؟ ثانيها أنه هل يجمع بين الرجم والجلد أم لا؟ ثالثها أنه هل هناك
تفصيل بين الشيخ والشيخة والشاب والشابة أو أنه لا فرق بين الموارد؟ رابعها في أن الشيخ والشيخة بعنوانهما يرجمان إذا زنيا وإن لم يكونا محصنين أم لا؟
أما الأول فلا كلام ولا نزاع فيه بل اتفق الكل على أنه إذا زنى البالغ
العاقل المحصن ببالغة عاقلة فإنهما يرجمان، وكذلك إذا زنت بالغة عاقلة محصنة
ببالغ عاقل، بل اجماع المسلمين على ذلك ولم يخالف فيه إلا الخوارج (1) فإنهم

(1) أقول: وكذا بعض المعتزلة، قال الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 58: أما
حد الزنا فقد فرقت الشريعة فيه بين الذي تزوج والذي لم يتزوج فشددت العقوبة على الأول..
وقال في الصفحة 69: تحت عنوان مبحث رأي الخوارج والمعتزلة: ولم يخالف في هذا الحد إلا
بعض المعتزلة والخوارج فإنهم قالوا: إن عقوبة الرجم كانت موجودة في صدر الاسلام ثم نسخت
بقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة فالزانيان يستحقان الجلد مطلقا
سواء كانا محصنين أو لا ولكن دليلهم هذا لا يتم إلا إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله لم يرجم أحدا بعد نزول
هذا الآية. ولكن الجمهور قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد رجم بعد نزول هذه الآية بدليل أن أبا هريرة
حضر الرجم وهو لم يسلم إلا بعد سنة سبع، وسورة النور نزلت سنة ست أو خمس وقد رجم الخلفاء
الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وآله وصرحوا بأن الرجم حد وقد نازع هؤلاء بأن الكتاب لا يصح نسخه بالسنة
وأجيب بأن السنة المشهورة تخصص الكتاب بلا خلاف وهنا خصصت السنة، الزاني، بغير المحصن
انتهى.
ثم نقل في ذيل الصفحة: عدم الرجم عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه ثم قال: ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن الكريم. ثم قال: وهذا باطل فإن الرجم قد ثبت بالسنة المتواترة
المجمع عليها، وأيضا هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر بن الخطاب عند الجماعة أنه قال: كان
مما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وآله آية الرجم فقرأناها وحفظناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا
بعده، ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم
وهنا تعرض لحديث وهو: أن فيما أنزل الله من القرآن: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما
قضيا من اللذة. ثم نقل روايات تدل على وجوب رجم المحصن.
ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام
والثيب بالثيب جلد مأة والرجم.
وقال في آخر البحث: وقد أجمعت الأمة على وجوب حد الرجم على الزاني المحصن وقال في ذيل
الصفحة 59: اتفق الأئمة على أن من كملت فيه شروطا لاحصان ثم زنا بامرأة قد كملت فيها
شروط الاحصان.. فهما زانيان محصنان يجب على كل واحد منهما الرجم حتى يموت، وهنا
استدل بحديث الشيخ والشيخة المذكور آنفا. وقال حديث متفق عليه، وبروايات أخرى وبأن
النبي صلى الله عليه وآله رجم ماعزا ورجم الغامدية وغيرهما ولأن الخلفاء الراشدون أقاموا حد الرجم بالاجماع من
غير نكير من واحد منهم فحد الرجم ثابت بالأحاديث المتواترة وفعل الرسول صلى الله عليه وآله واجماع الأمة وثابت
بالكتاب على رأي من يقول إن حديث الرجم كان آية من القرآن ثم نسخت وبقي حكمها انتهى
أقول: راجع لاستدلالات الخوارج آيات الأحكام للكاظمي 4 / 193.
278

أنكروا حكم الرجم رأسا مستدلين على ذلك بعدم ذكر عنه في الكتاب ولا في
سنة متواترة.
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده بل الاجماع بقسميه عليه والمحكى
منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص.
قال الشيخ في المسألة الأولى من كتاب الحدود من الخلاف: يجب
على الثيب الرجم وبه قال جميع الفقهاء وحكي عن الخوارج أنهم قالوا: لا
رجم في شرعنا لأنه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنة المتواترة. دليلنا اجماع
الفرقة وأيضا روى عبادة بن الصامت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خذوا عني قد
جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مأة
والرجم، وزنى ماعز فرجمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجم العامرية وعليه اجماع الصحابة
وروى عن نافع عن ابن عمر، أن النبي (صلى الله عليه وآله) رجم يهوديين زنيا وروى عن عمر أنه قال: لولا أنني أخشى أن يقال: زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في
279

حاشية المصحف: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، وروى أن عليا جلد سراقة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتهما
بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله فقد ثبت ذلك بالسنة واجماع الصحابة
انتهى.
فالرجم بالنسبة إلى المحصن أمر مفروغ عنه ولا يحتاج إلى البحث
وسيمر عليك بعض النصوص الدالة على ذلك
وأما الثاني أي الجمع بين الجلد والرجم، فنقول: هل يجمع بينهما
في المحصن مطلقا، أولا يجمع بينهما أصلا وإنما يرجم فقط، أو يفصل بين الشيخ
والشيخة والشاب والشابة فيجمع بينهما في الأول ولكن يرجم فقط في
الثاني؟
لا خلاف معتد به بيننا في أن الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين فإنه
يجمع في حدهما بين الجلد والرجم بل هو أمر مفروغ عنه بيننا وإنما نقل عن ابن أبي
عقيل أنه قد أطلق الرجم في المحصن من دون ذكر للجلد لكنه كما في
الجواهر غير معلوم المخالفة وذلك لأنه لم يصرح بعدم الجلد كي يعد مخالفا في
المسألة وليس في البين إلا اطلاق كلامه، وعلى الجملة فالاجماع بقسميه قائم على
الجمع بينهما في خصوص الشيخ والشيخة وقد علم أن المقامين ليسا محل
الخلاف والكلام، فنحن نصرف النظر عن البحث فيهما ويبقى البحث في المقام
الثالث والرابع. واستفادة الحكم فيهما منوط بصرف العنان إلى الروايات
والاستظهار منها وهي مختلفة جدا.
وتنقيح البحث يقتضي تفكيك فروع أصل المسألة والتعرض لكل منها
علي حده فنقول هنا فروع ومسائل الأول في حكم الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا
محصنين الثاني إذا زنيا ولم يكونا محصنين الثالث الشاب والشابة إذا زنيا وكانا
محصنين الرابع إذا زنيا وكانا غير محصنين.
أما الأول أي الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين فالحكم فيهما
هو الرجم مع الجلد، قال الشيخ قدس سره في النهاية: أما القسم الثاني وهو من
280

يجب عليه الحد ثم الرجم فهو الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين فإنه كان
على كل واحد منهما مأة جلدة ثم الرجم يقدم الجلد عليه ثم بعده الرجم الخ.
وقال في الخلاف في المسألة الثانية من الحدود: المحصن إذا كان
شيخا أو شيخة فعليهما الجلد والرجم وإن كانا شابين فعليهما الرجم بلا جلد
وقال داود وأهل الظاهر: عليهما الجلد والرجم ولم يفصلوا وبه قال جماعة من
أصحابنا الصحابة وقال جميع الفقهاء: ليس عليهما إلا الرجم دون الجلد.
دليلنا قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، ولم يفصل.
وروى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله خذوا عني قد
جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مأة ثم
الرجم وفيه اجماع الصحابة وروى أن عليا عليه السلام جلد سراجة يوم الخميس
ورجمها يوم الجمعة فقيل له: تحدها حدين؟ فقال: حددتها بكتاب الله
ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى.
وقد علق عليه فقيه عصره السيد البروجردي قدس الله روحه بما هذا عين
كلامه: قوله: دليلنا قوله تعالى: الزانية والزاني الخ لا دلالة فيه على الرجم ولا
على التفصيل المذكور، وكذا لا يدل خبر عبادة على التفصيل بل على ما حكاه
من جماعة من أصحابنا وكذا جلد علي عليه الصلاة والسلام سراجة ورجمها كما
لا يخفى وأما اجماع الصحابة فلم نتحققه بعد، حسين. انتهى.
أقول: إن ما أورد طاب ثراه على الشيخ من أن الآية لا دلالة فيها على
الرجم، غير وارد عليه، وذلك لأن الشيخ لم يتمسك بها لاثبات الرجم بها فإن من
المعلوم عدم تعرض الآية له أصلا وإنما أراد هو اثبات الجلد والرجم كليهما
للشيخ والشيخة المحصنين فاستدل بالآية الكريمة لاثبات الجلد فإنها لم تفصل
بين الشيخ والشاب فباطلاقها تشمل المحصن والمحصنة والشيخ والشاب،
واعتمد في اثبات الرجم على الاجماع والروايات، كما أنه رحمه الله قد تعرض في
المسألة الأولى لاثبات الرجم، فراجع ما تقدم من كلامه، وعلى هذا فلا يرد على
اشكال من هذه الجهة.
281

نعم يمكن أن يورد عليه في مورد الشاب والشابة فيقال: لم لا يجب الجمع
بين الجلد والرجم فيهما، مع أن مقتضى الجمع بين الآية والروايات هو الجمع
بين الحكمين فيهما إذا كانا محصنين كما أنه يرد هذا الاشكال على صاحب
الجواهر أيضا وعلى الجملة فيمكن أن يطالب بالدليل على نفي الجلد في
الشاب مع أن الآية تشمله.
ويمكن أن يكون دليله في نفي الجلد في الشاب الروايات النافية للجلد
فيه.
ومما ذكرنا يظهر عدم ورود ما أورده قدس سره أيضا على الشيخ من
عدم دلالة الآية على التفصيل، وذلك لأنه لم يقصد من ذكر الآية دلالتها على
التفصيل حتى يرد عليه أنها لا تدل على ذلك.
ثم إن هنا كلاما آخر وهو أن ما أفاده الشيخ قدس سره من الجمع بين
الجلد والرجم في مورد الشيخ والشيخة مع الاحصان هو عين ما كأن يقول به
ابن إدريس في باب الزنا بذات محرم فإنه قال كما تقدم بوجوب الجلد ثم القتل
لاقتضاء الجمع بين الآية والروايات ذلك، والحال أنه قد رد كلامه هناك بأن
ظاهر الأدلة هو التنويع والتقسيم.
وأما الثاني وهو حكم الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا غير محصنين فهل
يجب رجمهما حتى تكون للشيخوخة خصوصية توجب الرجم نظير خصوصية
الاحصان وإنما يتفارقان في أن مع الاحصان يجب الجلد أيضا دون الشيخوخة، أو
أنه يختص ذلك بما إذا كانا محصنين، فمع عدم الاحصان لا رجم بل يكون
الشيخ والشيخة مع عدم الاحصان كسائر الزناة وحدهما هو الجلد خاصة؟
اختلف الروايات بظاهرها في هذا المقام، فبعضها يدل على وجوب الرجم
وبعضها على عدم ذلك.
والأول: على قسمين قسم اقتصر فيه على الرجم وقسم تعرض للجلد
أيضا أي جمع بين الجلد والرجم.
ففي رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله: إذا زنى الشيخ والعجوز
282

جلدا ثم رجما عقوبة لهما (1).
وظاهرها بمقتضى التعليل الوارد فيها إن السبب في وجوب الجلد
والرجم هو عقوبتهما.
وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الشيخ
والشيخة جلد مأة والرجم، والبكر والبكرة جلد مأة ونفي سنة (2).
وفي رواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي
عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة مأة ويرجمهما ويرجم المحصن والمحصنة
ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة (3).
وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم في
القرآن قول الله عز وجل: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا
الشهوة (4).
وفي رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في
القرآن رجم؟ " قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة فارجموهما
البتة فإنهما قضيا الشهوة (5).
فمقتضى الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط بخلاف الروايات المتقدمة
عليهما فإنها صريحة في الجمع بين الجلد والرجم.
ولا يخفى أن روايتي عبد الله بن سنان وسليمان بن خالد ظاهرتان في
وقوع التحريف في القرآن الكريم، ولكن الأقوى والمستظهر عندنا عدم تحريف
فيه حتى بالنقيصة، خصوصا وإن هذه العبارة المذكورة فيهما بعنوان القرآن
لا تلائم آياته الكريمة التي قد آنسنا بها. هذا مع أن الأصل في هذا الكلام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 12.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 18.
283

عمر بن الخطاب (1).
وكيف كان فهذه الروايات تدل على وجوب الرجم في الشيخ والشيخة
مطلقا وإن لم يكونا محصنين غاية الأمر دلالة أكثرها على ضم الجلد أيضا.
وأما الثاني فهي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مأة وقضى للمحصن
الرجم وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مأة ونفي سنة في غير مصرهما
وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (2).
وهنا قد اقتصر على ذكر خصوص الجلد على ما هو الحال في سائر
الزناة. ويمكن الجمع بينهما بأخذ المتيقن من الروايات بأن يقال: القدر المسلم
من رجم الشيخ والشيخة لو كان هناك رجم عليهما كما هو صريح الروايات
المتقدمة هو المحصن منهما، كما أن المتيقن من نفي الرجم عنهما لو نفي
ذلك عنهما كما هو ظاهر رواية ابن قيس هو غير المحصن منهما فيجمع بين
القسمين من الأخبار بأن الشيخ والشيخة إذا زنيا فإن كانا محصنين فإن عليهما
الرجم، أو الرجم والجلد، وأما إذا كانا غير محصنين فعليهما الجلد فقط.
لكن لا يخفى أن الجمع كذلك ليس جمعا عرفيا.
ولذا قال الشيخ الحر العاملي في الوسائل بعد ذكر خبر محمد بن قيس:
أقول: خص الشيخ والشيخة بما إذا لم يكونا محصنين لما مضى ويأتي.
أقول: يمكن أن يقرر المطلب بأنه لما كان رجم الشيخ والشيخة مع
الاحصان أمرا مفروغا عنه فإنه قد قام الاجماع على ذلك، فلا بد من كون المراد
من قضاء أمير المؤمنين بالجلد فيهما على ما هو صريح رواية ابن قيس قضائه
عندما لم يكونا محصنين فلا تنافي ما دل على الرجم.
وهذا الجمع عرفي لأنه من باب حمل العام على الخاص، والنتيجة أن
الشيخ والشيخة يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب رجمهما.

(1) راجع بعض ما قدمناه من التذييلات.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
284

ويمكن أن يقرر بأن المحصن يرجم باجماع المسلمين سواء كان شيخا أو
شيخة أو شابا أو شابة وعلى هذا فرواية محمد بن قيس الدالة بظاهرها على جلد
الشيخ والشيخ خلاف الاجماع فلذا تخصص بسبب الاجماع، بغير المحصن، فهما
يجلدان إذا كانا غير محصنين وبعبارة أخرى يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب
رجمهما.
لكن التخصيص لا يخلو عن كلام وذلك لأن تقديم الخاص على
العام إنما يكون من باب ظهور الخاص الأقوى أي أظهريته من العام بلحاظ
خصوص الخاص ونفس العام، وأما إذا حصل التقييد من الخارج فهذا
لا ينافي ظهور العام ولا يفيد في تخصيصه لأن ظهور العام بعد محفوظ بحاله ولا
يحصل خلل فيه فلا يصح أن يقال إن ما دل على رجم الشيخ والشيخة مطلقا
محصنين كانا أو غير محصنين يخصص ويقيد بسبب الاجماع القائم على رجم
الشيخ المحصن بما إذا كانا محصنين فيقيد العام الدال على جلدهما
بما إذا كانا غير محصنين، وعلى الجملة فالقول بأن الشيخ والشيخة المحصنين
حكمهما الرجم علما منا بذلك من الخارج بالاجماع مثلا لا ينفع في تخصيص
العموم.
نعم يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن لرواية محمد بن قيس دلالتين
دلالة اثباتية ودلالة سلبية أما الأولى فهي دلالتها على وجوب الجلد، ولا
تعارض بينهما وبين روايات الرجم وأما الأخرى فهي دلالتها على نفي الرجم،
ومن هذه الجهة يحصل التعارض بينهما إلا أن الرواية ليست بحجة من هذه
الجهة والحيث، لأنه يؤول إلى مخالفة الاجماع في بعض الفروع وهو ما إذا كانا
محصنين فإن الاجماع قائم على وجوب الرجم هناك. وإذا سقط دلالتها السلبية
عن الحجية والاعتبار فلم يبق للرواية إلا حيث اثبات الجلد وقد مر آنفا أن
وجوب الجلد واثباته لا ينافي وجوب الرجم بدليل آخر، وعلى هذا فشأن رواية
ابن قيس شأن الآية الكريمة التي قد يستظهر منها إن مطلق الزاني يجلد ولا
تعرض فيها للرجم، فبذلك يرتفع التعارض بين القسمين.
285

نعم يبقى تعارض آخر أشرنا إليه آنفا وهو التعارض بين الروايات الدالة
على الرجم بوحده والروايات الدالة على الجمع بين الجلد والرجم، فترى رواية
ابن سنان المتقدمة تقول: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة (1) ورواية
سليمان بن خالد تقول: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة (2) في حين أن رواية
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: في الشيخ والشيخة جلد مأة والرجم (3)
صريحة في الجمع بينهما، ومثلهما روايات أخرى بهذا المضمون، فيتعارض هذان
القسمان في خصوص الجلد بعد اتفاقهما في اعتبار الرجم فيرجع إلى عموم الآية
الكريمة: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، الدالة على
وجوب جلد الزاني.
وقد يقال بأن المقام من باب النص والظاهر فإن ما دل على الرجم
وحده وهو الروايتان المذكورتان آنفا قد تعرض لذكر الرجم ولا تعرض فيه لذكر
الجلد أيضا وهذا بخلاف رواية الحلبي ونظائرها الدالة على وجوب الجمع
بين الجلد والرجم فإنها صريحة في اعتبار كلا الأمرين فيقدم النص على
الظاهر (4).
هذه غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الجمع بين روايات الشيخ
والشيخة، وقد تحصل أن مقتضى الجمع هو إقامة الجلد والرجم كليهما في
موردهما وعلى هذا فالشيخوخة خصوصية توجب الجلد والرجم كخصوصية
الاحصان على قول من قال بوجوب الجلد والرجم في المحصن والمحصنة.
هذا لكني بعد التتبع التام والفحص البالغ لم أجد من قال بأن الزاني
إذا كان شيخا أو شيخة يرجم وإن لم يكن محصنا حتى أن السيد المرتضى
قدس سره لم يذكر الشيخ والشيخة في الانتصار، وليس في كلامه ذكر عنهما، وإنما

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 18.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
(4) ذكره هذا العبد يوم 20 رجب المرجب سنة 1406 (ه‍).
286

ذكر المحصن والمحصنة، وعلى هذا فالروايات الدالة على وجوب الجمع بين
الجلد والرجم في الشيخ والشيخة وإن لم يكونا محصنين متروكة لم يعمل بها
الأصحاب وهذا أمر يوجب وهنها فهي مطروحة لا يؤخذ بها إن لم يكن حملها
على المحصن والمحصنة، والنتيجة أن الشيخ غير المحصن كالشاب كذلك
يقتصر على جلده ولا يرجم. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.
وأما الثالث وهو زنا الشاب والشابة إذا كانا محصنين فقال المحقق:
وإن كان شابا ففيه روايتان إحديهما يرجم لا غير، والأخرى يجمع له بين
الحدين وهو أشبه.
أقول: فمن الروايات الدالة على الرجم وحده رواية عبد الله بن طلحة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما
وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن وإذا زنى
الشاب الحدث السن جلد ونفي سنة من مصره (1).
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم حد الله
الأكبر والجلد حد الله الأصغر فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد (2).
ومنها رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحر والحرة إذا
زنيا جلد كل واحد منهما مأة جلدة فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم (3).
ومنها رواية زرارة عن أبي ج عفر عليه السلام قال: المحصن يرجم
والذي قد أملك ولم يدخل بها فجلد مأة ونفي سنة (4).
ومنها ما عن الأصبغ بن بناته قال: أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا
فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا
فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم قال: فأقم أنت الحد عليهم فقدم واحدا منهم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
287

فضرب عنقه وقدم الآخر فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه
نصف الحد وقدم الخامس فعزره فتحير عمر وتعجب الناس من فعله فقال
عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم خمسة حدود ليس شئ
منها يشبه الآخر فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما الأول فكان ذميا فخرج عن
ذمته لم يكن له حد إلا السيف وأما الثاني فرجل محصن كان حده الرجم وأما
الثالث فغير محصن حده الجلد وأما الرابع فعبد ضربناه نصف الحد وأما
الخامس فمجنون مغلوب على عقله (1).
وأما الروايات الدالة على الجمع بين الجلد والرجم فمنها صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المحصن والمحصنة جلد مأة ثم
الرجم (2).
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في المحصن والمحصنة
جلد مأة ثم الرجم (3).
ومنها ما عن زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى علي
عليه السلام في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرا فأمر بها فجلدها مأة جلدة ثم
رجمت وكانت (كان) أول من رجمها (4).
وظاهر هذه عدم كون المرأة شيخة كما أن ما تقدم عليها مطلق يشمل
الشاب والشابة لعدم ذكر عن الشيخ والشيخة فيه.
وفي صحيح الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر
على نفسه عند الإمام، إلى أن قال: إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه إلا أن
يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه الحد مأة جلدة ثم يرجمه (5).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 16.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حد الزنا الحديث 8.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حد الزنا الحديث 14.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حد الزنا الحديث 13.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حد الزنا الحديث 5 1.
288

وفي المرسل الوارد في قصة شراحة الهمدانية إن عليا عليه السلام جلدها
يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة
رسول الله صلى الله عليه وآله.
ويستفاد من الرواية الأخيرة التي كأنها تفسر الآية الكريمة الواردة في
جلد الزناة، إن للآية اطلاقا يشمل كل زان وإنها لا تختص بغير المحصن.
وإذ حصل التعارض بين الطائفتين من الأخبار فإن كان هناك ترجيح
فيؤخذ بذات الترجيح وإلا فالتخيير، وقد ادعى المحقق أن الترجيح للطائفة
الأخيرة وذلك لكونها أشبه بأصول المذهب وقواعده.
ومن جملة المرجحات هو كون هذه الروايات أصح سندا من الطائفة
الأولى ففي المسالك بعد ذكر رواية طلحة وابن سنان التصريح بضعف الرواية
وفي الجواهر بعد كلام المحقق المذكور آنفا: بقصور الخبرين سندا عن
التخصيص.
ومنها أنها أقوى دلالة، قال في المسالك: والرواية مع ضعف سندها لا
تدل على حكم الشاب إذا كان محصنا فلا ينافي غيرها مما دل على العموم.
ومنها أن الشهرة على وفق الطائفة الأخرى الدالة على لزوم الجمع، وعلى
هذا فيحكم بالجمع بين الجلد والرجم ومن المعلوم أن الروايات الدالة على
الرجم تثبت ذلك ولا تنفى الجلد وهذا غير مناف لاثبات الجلد بدليل آخر
ولو دل بعضها كرواية أبي بصير ورواية أصبغ بن نباته على الرجم وحده فهو
محمول على التقية أو غير ذلك وإن كان التعليل الوارد في مثل رواية أبي بصير
لا يلائم التقية.
وأما الفرع الرابع فهو ما إذا زنى الشاب غير المحصن وحكمه الجلد
بلا خلاف وهو المتيقن مما دل على وجوب جلد الزاني والزانية من الآية الكريمة
والروايات الشريفة، فهو شامل له قطعا وإلا فأي مورد يكون تحت هذا الحكم
لو لم يكن الشاب والشابة غير المحصنين مشمولا له؟ هذا مضافا إلى روايات
عديدة تدل على ذلك.
289

فتحصل من جميع هذه الأبحاث إن حكم الشيخ والشيخة المحصنين
هو الجلد مع الرجم، وغير المحصن منهما هو الجلد وحده، وإن كان مقتضى
الجمع بين الأخبار هو الجمع بين الجلد والرجم، إلا أن الأصحاب لم يقولوا
بذلك، وأما الشاب والشابة المحصنان فهما يجلدان ويرجمان وغير المحصن
منهما يجلد فقط ولا يرجم. واتضح أنه قد يجمع بين الحدين الجلد والرجم
وذلك فيما إذا كان الزاني محصنا، نعم في بعض الأخبار ما ربما يستظهر منه أنه لا
يجمع بينهما أصلا.
فعن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبان عن
أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ولم
يجلد، وذكروا أن عليا عليه السلام رجم بالكوفة وجلد فأنكر ذلك أبو عبد الله
عليه السلام وقال: ما نعرف هذا، أي لم يحد رجلا حدين جلد ورجم في ذنب
واحد (1).
قوله: أي لم يحد الخ من تفسير يونس لقوله عليه السلام: ما نعرف هذا،
وصريح ضبط الكافي والتهذيب والاستبصار ذلك فإن فيها: قال يونس: أي
لم يحد الخ.
وقد نسبه الشيخ قدس سره إلى الغلط في تفسيره هذا، وحمل هو كلام
الإمام عليه السلام على واحد من وجهين وزاد في الوسائل وجها ثالثا.
قال الشيخ قدس سره: الذي ذكره يونس ليس في ظاهر الخبر ولا فيه ما
يدل عليه بل الذي فيه أنه قال: ما نعرف هذا، ويحتمل أن يكون إنما أراد: ما
نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله رجم ولم يجلد لأنه قد تقدم ذكر حكمين
من السائل أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله والآخر عن أمير المؤمنين
عليه السلام وليس بأن يصرف قوله: ما نعرف هذا، إلى أحدهما بأولى من أن
نصرفه إلى الآخر وإذا احتمل ذلك لم يناف ما قدمناه من الأخبار، ثم لو كان
صريحا بأنه قال: ما نعرف هذا من أفعال أمير المؤمنين عليه السلام لم يناف

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
290

ما ذكرناه لأنه يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل ذلك لأنه لم يتفق في
زمانه من وجب عليه الجلد والرجم معا (1)..
وقال في الوسائل: ويحتمل الحمل على التقية انتهى.
ولا يخفى أن المستفاد من كلام الشيخ هو أن كلام الإمام عليه السلام في
هذا الحديث ليس إلا جملة: ما نعرف هذا.
وهو خلاف الظاهر فإن ظاهر جملة: رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ولم
يجلد، هو أنها من كلام الإمام عليه السلام.
الكلام في زنا البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة
قال المحقق: ولو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه
الجلد لا الرجم.
وفي المسالك: هذا مذهب الشيخ وجماعة من المتأخرين ومستندهم
صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام.
ولا يخفى أن الصحيحة واردة في خصوص عكس المسألة وهو زنا
غير البالغ بالبالغة. ووجه الاستدلال بها مع كونها كذلك هو الأخذ بالفحوى.
والتحقيق أن ما تمسكوا به أو يمكن أن يتمسك به في المقام أمور: 1: أصالة البراءة.
2: نقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة ولذا لا يحد قاذفها
3: نقص اللذة فيه، فلا تجب العقوبة فيه بما يجب في الكامل.
4: فحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي كما سيبحث فيه
إن شاء الله تعالى.
5: عموم التعليل الوارد في خبر أبي بصير الآتي ذكره.
6: درء الحدود بالشبهات.
7: انصراف الأدلة عنه.

(1) التهذيب الجلد 10 الصفحة 6.
291

8: مرسلة السرائر.
9: عدم القول بالفصل.
ولا يخفى أن شيئا من المذكورات لا يصلح لرفع اليد عن الأدلة الدالة
على وجوب رجم الزاني المحصن، أو الجمع بين جلده ورجمه وأكثرها أمور
اعتبارية لا تنفع في استنباط الأحكام.
فنقول في دفع هذه الوجوه: أما الأصل فإنه لا مجال له مع وجود الدليل
الشرعي وصدق الموضوع وهو زنا المحصن الموجب للرجم.
وأما نقص حرمة الصغيرة والمجنونة، ففيه أن العقوبة ليست منوطة
بكمال الاحترام بل هي حد هذا العمل.
وأما نقص اللذة ففيه أولا أنه غير مسموع في المجنونة بل الأمر كذلك في
الصغيرة فلعل اللذة تكون أزيد وأكثر في بعض الموارد منها. وثانيا أن كثرة اللذة
وقلتها ليست مناطا للحكم الإلهي، وأنت ترى أن الشيخ إذا زنى محصنا فإنه
يجلد ويرجم والحال أن اللذة في خصوصه قليلة إذا قيست بالنسبة إلى الشاب،
وهل يمكن أن يقال إذا كان الزاني في ظروف لا يلتذ فيها بزناه مطلقا فلا حد
له؟ وعلى الجملة فالعقاب وهو الحد مترتب على الزنا ولا عبرة بكمال اللذة
ونقصانها.
وأما الفحوى فالظاهر أنه لا فحوى في المقام وسيوافيك البحث في
ذلك إن شاء الله تعالى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التعليل.
وأما درء الحد بالشبهة ففيه أنه لا شبهة بعد استظهار المطلب من
الأدلة.
وأما الانصراف فيمكن أن يورد عليه بأنه لو كان، فهو بدوي وثانيا أنه على
ذلك يشك في أصل الحد أيضا ويلزم أن لا يقام عليه حد أصلا لا أن ينتفي
عنه خصوص الرجم كما هو المدعى إلا أن يدعى الاجماع على وجوب الجلد.
والانصاف أن احتمال الانصراف أقرب إلى الذهن من سائر الوجوه وإن
لم أقف على من ادعاه، لكن يمكن القول به أو احتماله في الآية الكريمة
292

والروايات الشريفة من الزنا بغير البالغ أو بالمجنونة وذلك لندرة وقوعه
وشذوذه، والأدلة محمولة على المتعارف وعلى ذلك فلا حد عليه ولا أقل من أن
يشك في ذلك.
وأما المرسلة فنقول: لا بد لنا من المراجعة إلى الأخبار المناسبة للمقام كي
يتضح حال كل ما له تعلق بالأخبار أيضا كالتعليل والفحوى فنقول:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في غلام صغير لم يدرك ابن عشر
سنين زنى بامرأة قال: يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملا قيل فإن
كانت محصنة؟ قال: لا ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك ولو كان مدركا
رجمت (1).
وهي وإن كانت صحيحة ظاهرا (2) إلا أنها كما مر واردة في عكس
المسألة لأن المفروض فيها هو زناء غير البالغ بالبالغة في حين أن مفروض المقام هو
زناء البالغ بالصغيرة مثلا.
نعم قد علل عدم رجم البالغة بأن ناكحها ليس بمدرك أي ليس ببالغ
ويمكن أن يستفاد منه أنه لو زنى البالغ بغير البالغة أيضا لا يرجم البالغ لأن
المنكوحة ليست بمدركة، وبعبارة أخرى مجرد عدم كون واحد من طرفي الزنا غير
مكلف موجب لرفع الرجم من الطرف الآخر.
لكن هذا مشكل جدا فإن ظاهر قوله: لأن الذي نكحها ليس بمدرك،
هو أنه علة مختصة بالناكح يعني أنه علة في خصوص مورده وهو ما إذا كان
الناكح غير مدرك، وأين هو من محل النزاع وهو كون المنكوحة غير مدركة بعد
ما نعلم أن الناكح غير المنكوح ومباين له، خصوصا لو لوحظ إن زنا البالغ بالصبية
مقرون باللذة له بخلاف زنا الصغير بالكبيرة حيث إنه تقل وتنقص اللذة جدا.
والعمدة إن الظاهر من الخبر اختصاص العلة بمورده فهو بعينه نظير أن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) قال في المسالك الجلد 2 الصفحة 428: وقد عرفت مرارا حال أبي بصير واشتراكه وأن صحة
روايته إضافية.
293

يقال: لو قتل صغير أحدا فإنه لا يقتل لأنه غير مدرك، حيث إنه لا يدل على أنه
إذا قتل رجل صغيرا أيضا لا يقتل الرجل، ومن المعلوم أنه لا دلالة له على ذلك.
نعم لو كأن يقول في مقام التعليل: لاقتران الزنا بعدم الادراك لكان
يحسن اسراء الحكم، لأنه كان نظير لا تشرب الخمر لأنه مسكر، وهذا بخلاف
التعليل الوارد في الرواية، الظاهر في الاختصاص، وإن العلة هو عدم مدركية
الناكح، فلا عموم للتعليل كي يتمسك به في المقام.
وقد ظهر أنه لا أولوية أيضا بأن يقال: إذا كان زنا الصغير بالكبيرة
يوجب رفع حكم الرجم عن الكبيرة فلو كان الزاني كبيرا والزانية صغيرة فأولى
بعدم رجم الكبير، ولا يعلم من أين هذه الأولوية؟ بل لعل الأمر بعكس ذلك.
وعن ابن بكير عن أبي مريم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في آخر
ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة وفجر بامرأة أي شئ يصنع بهما؟
قال: يضرب الغلام دون الحد ويقام على المرأة الحد، قلت: جارية لم تبلغ
وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال: تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل
الحد (1).
وهذه الرواية متضمنة لفرعين ثانيهما هو الفرع المبحوث عنه في المقام
فنقول في شرحها: قوله: يقام على المرأة الحد، يمكن أن يكون المراد هو مجرد الجلد بأن
يكون اللام للعهد المذكور في الغلام، فتضرب المرأة أقل من الحد ويضرب الرجل
تمام هذا الحد فلا محالة يكون المراد هو الجلد.
ويمكن أن يكون المراد أنه يقام عليها حدها المناسب لها المجعول عليها
من الجلد إن كانت غير محصنة والجلد والرجم إن كانت محصنة كما لعله يومئ
إلى هذا، العدول عن لفظة يضرب إلى يقام، وعلى هذا تكون الرواية معارضة
لرواية أبي بصير حيث إنها نفت الرجم عن المرأة.
ولكن مقتضى القاعدة أن يقال: إن هذه الرواية وإن كانت مطلقة
لكنها تقيد بصحيحة أبي بصير الصريحة في عدم الرجم فليس إلا الحد. هذا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
294

بالنسبة إلى الفرض الأول.
وأما الفرض الثاني في هذه الموثقة وهو فجور رجل بجارية غير بالغة فقد
حكم الإمام عليه السلام فيه بأنه تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل
الحد وهذا وإن كان هو فرضنا إلا أن مراده من قوله: يقام على الرجل الحد غير
واضح لأنه ربما يبدو في الذهن إن المراد منه هو الحد المناسب بحاله المجعول له
من الجلد في غير المحصن، والجلد والرجم فيه وإن كان يحتمل أيضا أن
يكون المراد منه هو خصوص الجلد.
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن
رجل وقع على صبية ما عليه؟ قال: الحد (1).
والكلام هنا هو الكلام فيما مضى.
وسألته عن صبي وقع على امرأة قال: تجلد المرأة وليس على الصبي
شئ (2).
وفي الوسائل: هذا محمول على غير المميز أو على نفي الحد دون
التعزير انتهى.
وكيف كان فقد علمت أنه لم تكن في هذه الروايات رواية واردة في
المقام صريحة في عدم الرجم نعم بالنسبة إلى عكس المسألة قد صرح في بعضها
بعدم الرجم والاقتصار على مجرد الجلد.
وإذا لم يحصل الاطمينان بعدم الرجم في رجل زنى بالصغيرة أو المجنونة
فلا محالة نرجع إلى أدلة الزنا ونقول: لو لم يكن محصنا فمقتضى الآية والأخبار هو
الجلد وإن كان محصنا فهو يجلد ويرجم على ما مضى، لعدم وجود ما يصلح أن
يكون مخصصا لروايات الزنا وحكم الاحصان.
وأما مرسلة السرائر فهذه: قد روى أن زنا الرجل بصبية لم تبلغ ولا
مثلها قد بلغ لم يكن عليه أكثر من الجلد وليس عليه رجم.. وكذلك المرأة إذا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
295

زنت بصبي لم يبلغ لم يكن عليها رجم وكان عليها جلد مأة.. وروى أن
الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصنا وكان عليه جلد مأة
وليس على المجنونة شئ بحال، لا جلد ولا رجم ولا تعزير (1).
ومن المعلوم أنه كان لا يعمل بأخبار الآحاد، ولا يعلم أنه نقل هذه
الرواية المرسلة مفتيا بها أو أنه أتى بها لمجرد نقل الرواية، وعلى هذا لا بد من العمل
بمقتضى قاعدة الاحصان لعدم اعتبار المرسلة.
نعم قال في الرياض: ارسالها مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية. ثم قال:
ولولا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجة مستقلة فالمشهور
لعله لا يخلو عن قوة لقوة ما مر من الحجة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه
من علل اعتبارية، ولو تنزلنا عن قوتها فلا ريب في ايراثها الشبهة الدارئة
للحدود اتفاقا فتوى ورواية انتهى.
وبذلك يرتفع الرجم ويبقى الجلد بمقتضى الآية والروايات الدالة على
أن الزنا يوجب الجلد قطعا.
لكن يرد عليه إن الشهرة محل الكلام وأول البحث بل في الجواهر ما
يفيد انكارها فإذا لم يتحقق ذلك فلا محالة يؤخذ بالعمومات والاطلاقات
ولا مجال للشبهة في قبالها كما أنه في موارد الظهورات لا شك في وجود
احتمال الخلاف ومع ذلك فلا يعتنى به بل يؤخذ بالظاهر ويطرح
احتمال الخلاف، وعلى الجملة فالشبهة في مقابل الحجة الشرعية لا توجب درء
الحدود إلا فما من عام أو مطلق أو ظاهر إلا ويحتمل خلافه مع أنه لا يعتنى به
فتحصل أنه إن كان محصنا يجلد ويرجم وإلا يجلد فقط ولا يرجم.
وأما دعوى عدم القول بالفصل بين المسألة الآتية ومسئلتنا هذه بتقريب
إن كل من قال بعدم الرجم في المرأة البالغة إذا زنى بها صغير فقد قال بعدمه في
الرجل الذي زنى بالصغيرة وهو محصن ومن قال بثبوته فيها قال بثبوته هنا

(1) السرائر الجلد 3 الصفحة 443 و 444.
(2) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 471.
296

فقد أجاب عنها في الجواهر بأنه لا محصل لها على وجه ترجع إلى مدرك معتد به
فإن ثبوت الاجماع بذلك كما ترى انتهى.
وذلك لأنه على ذلك ففي كل من المسئلتين قولان ولا اجماع، فيرجع
إلى الروايات الدالة على حكم الاحصان بعد صدق الزنا على الزنا بالصغيرة مثلا
أيضا.
ثم لا يخفى أنه لم يكن في هذه الروايات ذكر عن زنا العاقل بالمجنونة
لكن العلماء رضوان الله عليهم جعلوا الزنا بالمجنونة رديفا للزنا بغير البالغة.
نعم في مرسلة السرائر: وروى أن الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه
رجم إذا كان محصنا وكان عليه جلد مأة (1).
الكلام في زناء الطفل مع المرأة
هذا كله حكم زناء البالغ مع غير البالغة وأما عكس ذلك أي ما
إذا زنى غير البالغ مع البالغة فقال المحقق.
وكذا المرأة لو زنى بها طفل.
يعني أن المرأة لا ترجم إن كانت محصنة، وما ذكره هنا تام، وذلك
لصراحة صحيحة أبي بصير في ذلك وبها تخصص الأخبار الدالة على رجم
المحصن والمحصنة.
وبهذه الصحيحة يعلم أن الحد في موثقة ابن بكير الناطقة بوجوب اجراء
الحد على المرأة يراد به غير الرجم، وعلى الجملة فالفارق بين الفرعين هو النص
فإن رواية أبي بصير (2) صريحة في المقام بعدم الرجم، على خلاف الأدلة الدالة
.

(1) السرائر الجلد 3 الصفحة 444.
(2) قال العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول بشرح خبر أبي بصير: صحيح ويدل على أنه
لو زنى غير البالغ بالمحصنة لا ترجم، وذهب إليه الشيخ وجماعة من المتأخرين، وذهب جامعة منهم
ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس وهو ظاهر المفيد إلى وجوب الحد على الكامل منهما كملا
بالرجم إن كان محصنا لورود الروايات باطلاق حد البالغ منهما وهو محمول على الحد المعهود عليه
بحسب حاله من الاحصان وغيره وكذا الكلام فيمن وطأها المجنون
297

على أن زنا المحصن والمحصنة يوجب الرجم.
الكلام في ما إذا زنى المجنون
قال المحقق: وفي ثبوته في طرف المجنون تردد والمروى أنه يثبت
وخالف في ذلك كثير.
أقول: إن ما تقدم كان حكم الطرف البالغ العاقل فهنا يبحث في الطرف
الآخر أعني المجنون مثلا إذا زنى وأنه هل يقام عليه الحد أم لا؟ وقد وقع
الخلاف في ذلك، فذهب جماعة إلى وجوب الحد عليه مطلقا وإن كان محصنا
فيرجم وأنكره الكثيرون.
واستدل الأولون بخبر أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام: إذا زنى
المجنون أو المعتوه جلد الحد وإن كان محصنا رجم. قلت: فما الفرق بين
المجنون أو المعتوه والمجنونة والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي
وإنما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة، وإنما المرأة تستكره ويفعل بها وهي لا
تعقل ما يفعل بها (1).
وفي الجواهر: المشهور عدم الحد عليه حتى الجلد للأصل.
أقول: الحق هو ما ذهب إليه المشهور وأما التمسك بالأصل فهو غير
صحيح لأن الأصل يجري فيما يمكن، وهنا لا يمكن أصلا فإن من المعلوم أن العقل
شرط عقلي في التكليف وبدونه يكون لغوا فإذا كان الانسان لا يتعقل شيئا ولا
يدركه فهو ليس بمكلف حتى يجب عليه الحد لعدم ترتب أثر عليه أصلا والحال
هذه، بل الأمر كذلك في التعزير، فما ورد في بعض الروايات من ضربه وتأديبه فهو
لتخويفه كي لا يرتكب العمل المعزر عليه فإن المجنون يتخوف من عوامله
كثيرا ولو فرض عدم فهمه لذلك أيضا فلا مجال للتعزير أيضا.
وعلى الجملة فلو كان هناك تعبد خاص فهو، بأن يكون بحيث يضرب
قربة إلى الله؟! وإلا فلا وجه لحده أصلا.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
298

وقد ظهر بذلك أن مثل خبر أبان يشكل العمل به جدا كما أن فهم
المراد منه أيضا أمر مشكل لأن الرجل إذا كان يأتي عندما عقل فلذا يحد فهذا
جار في طرف المرأة أيضا لأن تهيئها لذلك يتحقق إذا عقلت فلا فرق بينهما
وعلى هذا فلا بد من حمل الرواية على ما لا يناقض القاعدة العقلية بأن يكون
المراد أن الرجل كان ناقص العقل لا مجنونا محضا فكان حال العمل عاقلا وإلا
فلو كان مجنونا محضا كما أنه قد يكون المجنون كذلك ويصدر منه الأفعال
حتى الزنا من غير توجه وإرادة فيكون كالحيوانات بل أسوء حالا منها فلا
وجه لحده أصلا ولذا لم يعمل المشهور بهذه الرواية لأنه لا يمكن الالتزام بصدور ما
يخالف الحكمة من الحكيم، فكيف يوجه الحكيم التكليف إلى المجنون الذي لا
يعقل شيئا؟ وعلى الجملة فلا بد إما من حملها إن أمكن وإلا فطرحها.
وبعضهم حملوها على مجنون يتعقل المقدار الذي يكون مصححا
للتكليف (1) لكنه غير تام لأنه على هذا فالمجنونة أيضا لو كانت كذلك فإنها تحد
بلا فرق بينهما، وأما وجه استفادة الراوي واستظهاره الفرق بين المذكر والمؤنث
فلعله هو أنه كان قد سمع من الخارج أن الإمام عليه السلام تعرض للحكم
الأنثى وأنه لا يجرى عليها الحد وبعد ما سمع أن المجنون إذا زنى جلد وإن
كان محصنا رجم، بدا له السؤال عن الفرق بينهما.
ويمكن أن يكون نظر الراوي من السؤال إلى نفس هذا الكلام بأن يكون
مراده الاستفهام عن عدم تعرض الإمام عليه السلام للمجنونة والمعتوهة مع تعرضه
عليه السلام للمجنون والمعتوه وكأنه يقول لم لا تذكر هذا الحكم في المجنونة
والمعتوهة أيضا؟
الكلام فيمن حده مع الجلد، الجز والتغريب
قال المحقق: وأما الجلد والتغريب فيجبان على الذكر غير المحصن

(1) أو على من يعتوره الجنون أدوارا وقد زنى في حال تعقله هذا مضافا إلى ضعف طريق الرواية
فراجع المسالك والجواهر.
299

فيجلد مأة ويجز رأسه ويغرب عن مصره عاما مملكا أو غير مملك.
أقول: إذا كان الزاني حرا مذكرا غير محصن فإنه يجمع في حده بين
الجلد وحلق رأسه ونفيه عن بلده عاما فيعاقب بالعقوبات الثلاث بلا فرق بين
أن يكون مملكا أو غير مملك.
أما الحكم الأول أي الجلد فلا خلاف ولا اشكال فيه وقد مر أن
حكم الزاني غير المحصن هو الجلد ويدل عليه مضافا إلى اجماع المسلمين وعدم
الخلاف فيه الكتاب والسنة وقد علمت دلالة الآية: الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مأة جلدة، والروايات الكثيرة على أن حده هو الجلد.
وأما الثاني أي جز الرأس يعني قرض شهر رأسه بالمقراض أو حلقه فقد
نسب إلى جمع من القدماء وإن لم يتعرض غير واحد منهم لذلك.
ومستندهم في ذلك روايتان إحديهما معتبرة حنان قال: سأل رجل
أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل أن يدخل
بأهله فقال: يضرب مأة ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرق بينه وبين
أهله (1).
والأخرى رواية علي بن جعفر وقد يعبر عنها بالصحيحة عن أخيه
موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها
فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرق بينه وبين أهله وينفى
سنة (2).
وقد عبر في الأولى بالجز وفي الثانية بالحلق، ولعل المقصود من الجز

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 8.
أقول: وفي المسالك: رواية عبد الله بن بكير طلحة عن الصادق عليه السلام إذا زنى الشاب الحدث
السن جلد وحلق رأسه ونفي عن مصره الخ.
وفي شرح الإرشاد للأردبيلي: ونقل في شرح الشرايع في خبر عبد الله بن طلحة وحلق رأسه بعد
الجلد وقبل النفي، وما رأيته في الأصول ولا في الفروع وهو أعلم انتهى، أقول خبر طلحة الباب 1
الحديث 11.
300

المذكور في الأولى هو الحلق المذكور في الثانية. ويمكن أن يكون المقصود هو
التخيير بينهما.
وكيف كان فلا شك أن المراد من الشعر المذكور في رواية حنان هو شعر
الرأس كما صرح بذلك في رواية علي بن جعفر فإن هذا هو المنصرف إليه من جز
الشعر وحلقه والمتبادر منه، فلا يكفي غيره كحلق اللحية وغيرها.
قال في الرياض: وظاهر اطلاق الجز فيه وإن شمل جز شعر اللحية
ونحوها إلا أن المتبادر منه جز شعر الرأس منه فينبغي تقييده به سيما مع التصريح
به في الخبر الأول يعني خبر علي بن جعفر.
وهل يعتبر حلق تمام الرأس أو موضع خاص منه أو يكفي حلق بعضه
مطلقا؟ ظاهر المقنعة والمراسم والوسيلة تخصيص ذلك بشعر الناصية.
وقد تمسك لذلك بالأصل أي أصالة البراءة من الزائد وممن تمسك
به صاحب الجواهر قال: ولعله لأصالة البراءة من الزائد وزيادة اختصاصها
بالشناعة لكن ينافيه ظاهر الخبرين المزبورين اللذين هما الأصل في الحكم.
أقول: لا مجال لأصالة البراءة أصلا بعد أن الظاهر من حلق الرأس هو
حلق تمامه، فإن كان هناك انصراف إلى الناصية لاحترامها الخاص، وأهميته
الخاصة بحيث إذا أخذ بناصية أحد فهو مسلوب القدرة وعاجز عن المقاومة كما
يومئ إلى ذلك ما ورد في الدعاء الشريف: اللهم إن هذا عبدك ناصيته
بيدك (1) وغير ذلك فيحلق خصوصها لمزيد الشناعة، أو أن جز خصوص الناصية
كان يستعمل في الأمم بعنوان التوهين والتشهير عندما يريدون عقوبة أحد،
أو أن ذلك هو المتيقن منه فهو وإلا فلا بد من الأخذ بالظاهر وهو حلق الجميع
ولا وجه للاكتفاء بحلق الناصية والظاهر أنه لا انصراف في البين.
ثم إن الروايتين كلتيهما واردتان في خصوص من تزوج ولم يدخل بها، فهو

(1) قد يقرء هذا في الصلاة على الميت كما سمعنا ذلك عن سيدنا الأستاذ في الصلاة على الأموات لكن
لم نجده في الكتب نعم في دعاء ليلة الجمعة ويومها أنا عبدك وابن أمتك وفي قبضتك
وناصيتي بيدك راجع المفاتيح الصفحة 32 وفي دعاء كميل: يا من بيده ناصيتي.
301

إذا زنى من غير احصان يجز شعره، وحيث إن بينه وبين من لم يتزوج أصلا فرقا
واضحا وذلك لأن من تزوج وعقد على امرأة ولم يدخل بها يمكنه في كل آن أن
يتمتع بها ويدفع بذلك شهوته في حين إن من لم يعقد على امرأة لا يتيسر له ذلك
فربما يكون عقوبة الزنا في حقه أقل وأسهل فلذا لا يحصل القطع بتنقيح المناط
حتى يحكم بذلك في كل زان غير محصن سواء أملك أم لا وخصوصا أن الحدود
تدرء بالشبهات.
لكن المحقق وجماعة عمموا الحكم لكل زان غير محصن وإن لم يكن
مملكا ونسبه في المسالك إلى أكثر المتأخرين وفي الجواهر بعد عبارة المحقق
المذكورة آنفا قال: مملكا كان أو غير مملك وفاقا لظاهر المحكى عن العماني
والإسكافي والحلبي وصريح المحكى عن المبسوط والخلاف والسرائر
الخ.
وأما الحكم الثالث أعني النفي عن البلد واخراجه منه ففي وجوبه
واستحبابه كلام، وذلك لاستشمام الاستحباب من بعض الروايات. لكن المشهور
هو الحكم بالوجوب بل المستفاد من بعض العبائر الاجماع على ذلك بل صرح
بذلك في الخلاف وإليك عبارته: البكر عبارة عن غير المحصن فإذا زنى
البكر جلد مأة وغرب عاما كل واحد منهما حد، إن كان ذكرا، وإن كان أنثى
لم يكن عليها تغريب وبه قال مالك وقال قوم: هما سواء ذهب إليه الأوزاعي
والثوري وابن أبي ليلى وأحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: الحد هو الجلد
فقط، والتغريب ليس بحد وإنما هو تعزير إلى اجتهاد الإمام وليس بمقدر، فإن
رأى الحبس فعل وإن رأى التغريب إلى بلد آخر فعل من غير تقدير، وسواء كان
ذكرا أو أنثى، دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة في المرأة
فمن أوجب عليها التغريب فعليه الدليل، والجلد لا خلاف أنه عليها إلى أن
قال: وأما الدليل على أنهما حدان ظاهر الأخبار وأن النبي صلى الله عليه وآله فعل
ذلك وأمر به فمن حمل ذلك على التعزير أو جعله إلى اجتهاد الإمام فعليه الدليل
302

هو اجماع الصحابة (1)..
ثم إنه لما كان مستند العلماء هو الروايات فلا بد من المراجعة إليها
والاستظهار منها.
فنقول: إنها بواحد من الاعتبارات على قسمين: قسم منها وارد في فعل
النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء والإمام أمير المؤمنين عليه السلام وناطق
بأنهم قد نفوا الزاني من البلد ولم يكن في هذا القسم تعرض لكونه مملكا أو غير
مملك ولا فيه ذكر عن ذلك.
نعم لما لم يتعرض ناقل القضية في هذه الأخبار عن أن الزاني الذي
نفي عن بلده كان مملكا أو، لا، فلعل ترك الاستفصال فيها يفيد العموم. قال
الشيخ قدس سره في الخلاف:
روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله جلد وغرب، وأن أبا بكر
جلد وغرب وأن عمر جلد وغرب. وروي عن علي عليه الصلاة والسلام

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة 3، وقال الكاظمي في مسالك الأفهام الجلد 4 الصفحة 194:
وهل يجب الجمع بين الجلد والتغريب في حد غير المحصن؟ أثبته أصحابنا والشافعية. وأنكره
الحنفية زاعمين أن التغريب مفوض إلى رأي الإمام قالوا وروي عنه (صلى الله عليه وآله):
البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام وكذا ما روي عن الصحابة أنهم جلدوا ونفوا، منسوخ أو محمول
على وجه التعزير والتأديب لا الوجوب واحتجوا على ذلك بأن ايجاب التغريب يقتضي نسخ
القرآن بخبر الواحد وذلك لأن ايجاب الجلد ترتب على الزنا بالفاء التي هي للجزاء ومعنى
الجزاء كونه كافيا في ذلك فايجاب شئ آخر غير الجلد يقتضي نسخ كونه كافيا ولأن التغريب
لو كان مشروعا لوجب على النبي صلى الله عليه وآله توقيف الصحابة عليه عند تلاوة هذه الآية
ولو فعل لاشتهر مع أن أبا هريرة روى أنه صلى الله عليه وآله قال في الأمة: إذا زنت فاجلدها
فإن زنت فاجلدها فإن زنت فبعها ولم يذكر التغريب.
والجواب أن ايجاب الجلد في الآية لا ينافي ايجاب التغريب وعدمه بل يحصل مع كل منهما
فلا اشعار في الآية بأحد القسمين إلا أن عدم التغريب لما كان موافقا للبراءة الأصلية كان ايجابه
بخبر الواحد لا يزيل إلا محض البراءة فلا يلزم نسخ القرآن به. وقول النحاة إنما سمي الجزاء جزاء
لأنه كاف في الشرط، فلا يصح حجة في الأحكام، ولا استبعاد في عدم اشتهار بعض الأحكام
كأكثر المخصصات، والأخبار الواردة في نفي التغريب معارضة بأخبار أخر دلت على ثبوته
وبالجملة فقول الحنفية ضعيف انتهى.
303

وعثمان إنها فعلا ذلك. وروي عن أبي وابن مسعود مثل ذلك فغرب أبو بكر
وعمر إلى الشام، وعثمان إلى مصر، وعلي عليه الصلاة والسلام إلى الروم ولا
مخالف لهم، وما روي من عمر أنه قال: والله ما غربت بعدها أبدا، وروي عن
علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: التغريب فتنة، الوجه فيه أن عمر نفى
شارب الخمر فلحق بالروم فلهذا حلف، وقول علي عليه الصلاة والسلام، أراد
أن نفي عمر فتنة وهذا الذي حكيناه (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك.
وأما القسم الآخر فهي الروايات الواردة عن النبي والأئمة
عليهم السلام المصرحة بأنه حد له.
ففي النبوي صلى الله عليه وآله: البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام، والثيب بالثيب
جلد مأة ثم الرجم (2).
والتقسيم بحسب هذا الخبر ثنائي فإن كانت للزاني زوجة وقد دخل
بها فهو ثيب وإلا فهو بكر سواء عقد على امرأة أم لا فإذا زنى فإنه ينفى عن
بلده ويغرب، وعلى الجملة فالبكر هنا هو من لا يجامع.
وفي خبر عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام:.. وإذا زنى
الشاب الحدث السن جلد ونفي سنة من مصره (3).
وهو أيضا كذلك يدل على أن الشاب الحدث السن إذا زنى ينفى
عن بلده سواء كان له زوجة أم لا غاية الأمر أنه قد خرج منه المحصن بدليله
فإنه يرجم ولا مورد للنفي مع الرجم فيبقى غيره تحت العنوان.
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن محمد بن أبي بكر كتب
إلى علي عليه السلام في الرجل زنى بالمرأة اليهودية والنصرانية فكتب عليه السلام
إليه: إن كان محصنا فارجمه وإن كان بكرا فاجلده مأة جلدة ثم انفه وأما

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسألة 3.
(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 222.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
304

اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما أحبوا (1).
ترى تثنية التقسيم فإما هو محصن فيرجم وإما أنه بكر فيجلد وينفى إلا
أنه قد خرج الشيخ والشيخة المحصنان بدليلهما فإنهما يجلدان ويرجمان وعلى
الجملة فالبكر هنا في مقابل المحصن فيشمل ما إذا لم يتزوج ولم يدخل بها
وعن مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الزاني
إذا جلد الحد قال: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة (2).
فهذه الأخبار ناطقة بوجوب النفي وأنه مثل الجلد حد للزاني غير
المحصن نعم في خبر سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا زنى الرجل
ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها فإنما على الإمام أن
يخرجه من المصر الذي جلد فيه (3).
والتعبير بلفظ (ينبغي) الظاهر في الاستحباب يوجب نقص ظهور الأوامر
الواردة في الروايات الأخر في الوجوب، هذا مضافا إلى نقل الشيخ الصدوق
الرواية بلفظ ليس ينبغي (4) إلا أن في مفاد الخبر على فرض عدم لفظة (ليس)
نوعا من الاجمال لعدم الملائمة بين الصدر والذيل نعم لو كانت الرواية
مشتملة عليها كما هو مقتضى نقل الفقيه فالمعنى ظاهر وذلك لأن المراد من
الأرض على هذا بقرينة تقابلها للمصر هو المملكة الاسلامية وكأنه قال: لا
ينبغي للإمام أن يخرجه من أرض الاسلام ومملكة المسلمين إلى خارجها وإنما
عليه أن يخرجه من البلدة التي جلد فيها، وعليه فلا ابهام ولا اجمال في البين
وتساعد سائر الأخبار.
ولسماعة خبر آخر غير مشتمل على هذا الذيل وهو: عن أبي عبد الله

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من حد الزنا الحديث 5.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حد الزنا الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حد الزنا الحديث 4.
(4) راجع من لا يحضره الفقيه الجلد 4 الصفحة 25، وفي الوافي الجلد 2 الصفحة 45 من أبواب
الحدود: في الفقيه فليس ينبغي للإمام، وهو الأظهر وعلى التقديرين لا يخلو متن الابهام واجمال انتهى.
305

عليه السلام قال: إذا زنى الرجل يجلد وينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي
جلد فيها إلى غيرها سنة (1).
وكيف كان فالأخبار الدالة على الوجوب كثيرة عددا ومعمول بها عند
المشهور وعلى هذا فالزاني إذا لم يكن محصنا يجب مضافا إلى جلده، نفيه عن
بلده وتغريبه إلى بلد آخر.
وأما ما ورد من حلف عمر بالله سبحانه على عدم التغريب بعدها أبدا ففيه
مضافا إلى ما مر عن الشيخ قدس سره أنه قد نقل إن عمر نفاه من بلده لأنه
شرب الخبر (2) ومن المعلوم أن حد شرب الخمر هو جلد ثمانين وليس على
شارب الخمر التغريب، ولما اعترض عليه في ارتكابه ما يخالف حكم الشرع
حلف بالله أن لا يغرب بعد ذلك أبدا وإلى ذلك يشير الإمام عليه السلام في قوله:
إن نفي عمر فتنة.
وهذه الأخبار تدل باطلاقها على تغريب مطلق الزاني غير المحصن في
حال تدل روايات أخرى على اختصاص ذلك بالبكر مثلا.
ففي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مأة وقضى للمحصن الرجم
وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مأة ونفي سنة في غير مصرهما وهما
اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (3).
ترى أنه عليه السلام قد خص النفي بالبكر والبكرة، وقد فسر ذلك بمن
تزوج ولم يدخل بها.
نعم قد يبحث في أن هذا التفسير من الإمام عليه السلام أو من الراوي
ولكن الظاهر هو الأول.
والظاهر من نقل الإمام أبي جعفر عليه السلام وحكايته عن أمير المؤمنين

(1) الوسائل الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
(2) صرح به في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
306

عليه السلام هو الاختصاص وأنه صلوات الله عليه نفى خصوص هذا الفرد وإلا
فكان يقول: نفي الزاني غير المحصن.
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المحصن يرجم
والذي قد أملك ولم يدخل بها فجلد مأة ونفي سنة (1).
وهنا جعل المحصن مقابلا المملك وعلى هذا يكون التقسيم ثلاثيا
ويبقى غير المحصن الذي لم يتزوج أصلا ولا بد أن يكون حكمه هو ما ذكر في
الآية الشريفة من وجوب الجلد.
وفي رواية زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذي لم يحصن
يجلد مأة ولا ينفى والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مأة وينفى (2).
وهذه الروايات تصلح للتقييد وخصوصا الأخيرة منها حيث نفى فيها
النفي عمن لم يحصن وإنما خصت النفي بمن تزوج ولم يدخل بها وعلى هذا
فالمحصن يرجم وغير المحصن إذا كان قد تزوج ولم يدخل بها يجلد، وينفى
وإذا لم يتزوج أصلا فإنه يجلد بلا نفي.
والتحقيق أن ههنا أخبارا مطلقة غير مقيدة بمن تزوج ولم يدخل بها
وهي واردة بالسنة مختلفة.
فمنها ما ورد بعنوان: إذا زنى الرجل، أو الشاب كرواية سماعة ورواية
عبد الله بن طلحة المذكورتين آنفا.
ومنها ما ورد بعنوان البكر كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام:
والبكر والبكرة جلد مأة ونفي سنة (3) ومثله رواية عبد الرحمان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة مأة ويرجمهما
ويرجم المحصن والمحصنة، ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة (4).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 12.
307

ومنها ما ورد بلفظ الزاني كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الزاني إذا زنى أينفى؟ قال: فقال نعم من التي جلد فيها
إلى غيرها (1).
لكن في قبالها روايات ذكر فيها: من تزوج ولم يدخل بها، وهي على
أقسام فمنها ما ورد بلفظ الاثبات وذلك كرواية زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام: والذي قد أملك ولم يدخل بها فجلد مأة ونفي سنة (2).
ومنها ما تضمن النفي والاثبات كقوله عليه السلام في رواية زرارة
الأخرى: الذي لم يحصن يجلد مأة جلدة ولا ينفى والذي قد أملك ولم يدخل بها
يجلد مأة وينفى (3) " فتأمل ".
ومنها ما دل على بيان المورد الصالح لأن يدل على عدم جريان الحكم
في غيره وذلك كرواية محمد بن قيس التي مر نقلها.
هذه مجموعة الأخبار الدالة على التقييد، والكلام هنا في أنه هل تصلح
هذه الروايات لتقييد المطلقات أم لا وإلا فلا شك في كون المطلقات دليلا على
العموم وأن النفي جار في غير المحصن سواء كان قد تزوج أم لا، فلو استشكل
في دلالة المقيدات يؤخذ بالاطلاقات بلا كلام، والظاهر عدم خلو ما يؤتى للتقييد
عن الاشكال.
أما رواية محمد بن قيس ففيها اشكالات عديدة منها ما ذكره في الجواهر
ومن قبله صاحب الرياض فيه من ضعف دلالتها وذلك لاحتمال كون
التعريف من غير الإمام وعدم العلم بكونه منه عليه السلام حتى يؤخذ به.
ومنها ضعفها وعدم الجابر لها فإنه وإن ادعى بعض عليه الشهرة
واختاره العلامة في المختلف وولده في الإيضاح وأبو العباس في المقتصر (4) إلا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(4) راجع المختلف الصفحة 757 وإيضاح الفوائد الجلد 4 الصفحة 479 والمقتصر الصفحة 401
ونسب هو إلى القاضي وابن حمزة والصدوق وظاهر المفيد وتلميذه، فراجع.
308

أنها موهونة بعدم تحقق الشهرة، هذا مضافا إلى دعوى الشهرة على خلاف
ذلك أيضا وممن ادعاها الشهيد الثاني في المسالك، وإلى رجوع الشيخ
قدس سره عما ذكره في النهاية من الاختصاص في كتابيه: الخلاف والمبسوط
إلى القول بشمول الحكم لغير المحصن مطلقا وقد ذكر ذلك صاحب الرياض
أيضا.
ومنها ما أورده هو وصاحب الجواهر من اشتمالها على نفي البكرة أيضا
مع أنهم لا يقولون به وهو خلاف المشهور بل قد ادعى الاجماع على عدم نفي
المرأة.
ومنها ما أورده بعض الأعاظم رضوان الله عليه من أن معنى البكر والبكرة
معلوم عند الناس ومعروف لدى العرف وهو الذي يذكر في كتاب النكاح حيثما
يقولون بولاية الأب والجد بالنسبة إلى الباكرة يعني من لم تتزوج وأما تقييدهما
بمن تزوج ولم يدخل بها فهو لا يخلو عن رجوعه إلى تقييد الموضوع أو إلى تعيينه فإن
رجع إلى تقييده فلا كلام، بأن يكون المراد أن حكم الله تعالى بالنفي الوارد على
البكر يراد به فرد خاص منه وهو من تزوج ولم يدخل بها، وإن رجع إلى تعيينه
فيشكل من جهة أنه اثبات الموضوع بخبر واحد مع أنه لا بد في الموضوعات من
البينة ولا يكتفى بالواحد (1).
وهذه الاشكالات وإن فرض امكان الذب عنها أو بعضها بأن يقال بالنسبة
إلى الاشكال الأول مثلا بأن الظاهر كون التفسير من الإمام، على ما ذكرنا من
قبل، وبالنسبة إلى الاشكال الثالث مثلا أي تضمن الرواية لنفي البكرة الذي
لا يقول به العلماء، بأنه لا بأس باشتمال رواية على جملتين كانت واحدة منهما
غير معمول بها وأنه لا يقدح في العمل بالأخرى، وإن كان يرد عليه بأن هذا يتم
فيما إذا كانت هناك جملتان مستقلتان كذلك وأما مثل المقام الذي ليس من هذا
القبيل بل ذكر الحكمان بانشاء واحد فلا.
إلا أن لنا اشكالا آخر لا مخلص منه، وهذا الاشكال المهم في المقام هو

(1) راجع جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 31.
309

أن رواية محمد بن قيس الدالة على وجوب نفي البكر المفسر بمن تزوج بالنسبة إلى
الروايات الناطقة بنفي كل زان إلا ما خرج بالدليل كالمحصن يكونان
من قبيل المثبتين، وشرط التقييد في المثبتين هو العلم بوحدة المطلوب فإذا ورد
مثلا: أعتق رقبة وورد أيضا أعتق رقبة مؤمنة فما لم يعلم بأن المطلوب من كلا
الدليلين واحد، بل احتمل أن يكون كل واحد مطلوبا في حد نفسه لا يمكن
التقييد. فإذا علم ذلك فهناك يقيد وفي المقام لا علم بذلك بل من المحتمل
القريب أن يكون من تزوج ولم يدخل بها محكوما بالنفي وكذا من لم يتزوج أصلا
وهو غير محصن، فكيف نقول باختصاص الحكم بمن تزوج والحال هذه؟
وعلى هذا فيقال بأن الحكم حكم العام أو المطلق وإنما ذكر خصوص
من تزوج ولم يدخل بها في بعض الروايات لأنه أحد أفراده ولئلا يتخيل أنه
صار محصنا بذلك وخارجا عن الحكم، فالحكم حكم الزاني غير المحصن
مطلقا.
هذا مضافا إلى اشكالات أخرى في الروايات الدالة على التخصيص
فإن رواية محمد بن قيس وإن عبر عنها في الجواهر بالحسنة مثلا فإنها محل
الخلاف وقال بعض بضعفها وذلك لأن محمد بن قيس مشترك، والتمسك
برواية كان سندها مختلفا فيه مشكل خصوصا بلحاظ أن الروايات الناطقة بالنفي
في مطلق الزاني غير المحصن أكثر عددا وقد أفتى بها أكثر العلماء.
كما أن رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: المحصن يرجم والذي قد
أملك ولم يدخل بها فجلد مأة ونفي سنة (1) المذكور فيها النكاح مع عدم الدخول
فالظاهر عندي أن اختصاص من أملك ولم يدخل بها بالذكر من باب
دفع توهم أن من تزوج ولم يدخل بها يكون محصنا، بل الاحصان موقوف على
الدخول، لا لخصوصية لمن تزوج ولم يدخل بها، كما أن روايته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام (2) لم يثبت كونها متضمنة لكلمة " لا " حتى تدل على

(1) قد تقدم نقلها آنفا فراجع.
(2) الحديث 7 وقد مر آنفا.
310

الخصوص ولعله يكون الصحيح: الذي لم يحصن يجلد مأة وينفى كما قال في
الوافي بعد نقلها: بيان: في التهذيب: وينفى في الموضعين بدون لا، والتي قد
أملكت على المؤنث، وفي الاستبصار مثل ما في الكافي (1).
ولذا ترى أن صاحب الرياض لم يطمئن بتخصيص الروايات برواية
محمد بن قيس ورواية زرارة قال: وقصور سند الثاني (2) وتضمن الأول نفي
البكرة مع أنهم لا يقولون به بل ادعى في الخلاف الاجماع على خلافه كما
يأتي يمنع عن العمل بهما مع ضعف دلالة الأول باحتمال كون التعريف من غير
الإمام ولا جابر لهذه القوادح عدا الشهرة المحكية في السرائر وهي موهونة بعدم
المعلومية مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها ومنهم شيخنا في المسالك كما
عرفته، ويزيد وهنا رجوع الشيخ عما يوافقها إلى القول الأول أي تغريب مطلق
غير المحصن في كتابيه المبسوط والخلاف سيما وإن في الثاني ادعى
الاجماع، فالقول الأول لا يخلو عن قوة.
ثم قال: وإن كانت المسألة لا يخلو بعد عن شبهة ولعله لذا إن الفاضل
في الارشاد والقواعد والفاضل المقداد في التنقيح والصيمري في شرح الشرايع
ظاهرهم التردد حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في
البين.
ثم قال: وبه تحصل الشبهة الدارئة وبموجبه يتقوى القول الثاني في
المسألة سيما وإن ظاهر الغنية أن عليه اجماع الإمامية انتهى (3).
وقد تبعه في ذلك صاحب الجواهر أيضا حيث قال: وهو في محله.
ونحن نقول: إنهما وإن أجادا في القول بعدم الحصول على ما يصلح

(1) الوافي الجلد 2 كتاب الحدود الصفحة 38 أقول: لكن لفظة " لا " موجودة في التهذيب الموجود
عندي.
(2) أقول: الوجه في ذلك أن من جملة رجال سنده موسى بن بكر وهو واقفي كما صرح به في جامع
الرواة.
(3) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 472.
311

لكونه مخصصا إلا أن الذي تمسكا به من الشبهة الدارئة ليس في محله وذلك لأنه
لا شبهة مع وجود المطلقات الدالة على وجوب النفي لكل زان غير محصن فلا بد
من التمسك بها بعد عدم ما يصلح لكونه مخصصا.
وقد ظهر بما حققنا أن ما أفاده المحقق " بقوله: وقيل يخص التغريب
بمن أملك ولم يدخل، (ثم قال): وهو مبني على أن البكر ما هو والأشبه أنه
عبارة عن غير المحصن وإن لم يكن مملكا. "
ليس بوجيه فإنه إذا كان الموضوع في النفي والتغريب قد جيئ به
بعناوين متعددة فكيف يبتنى البحث على فهم معنى البكر الذي هو أحد تلك
العناوين؟ مضافا إلى عدم خفاء في معنى البكر أصلا فإنه هو الذي لم يدخل
والبكرة هي التي لم يدخل بها ففي الرواية عند التعبير عن كونها بكرا لم تزن:
إن عليها خاتما من الله، فلا اجمال في البين، ويبقى أن لنا هذه الأخبار
ومقتضى عموم الموضوع في كثير منها هو تعميم الحكم بالنسبة إلى كل زان
غاية الأمر خروج المحصن بالدليل والأخذ بالخاص مشكل جدا بعد أن
أكثر الروايات الواردة في المقام دال على العموم والاطلاق، وأكثر العلماء قائلون
بذلك، وما دل على الخصوص كرواية محمد بن قيس لم يكن كما عرفت من
حيث السند والدلالة بحيث تطمئن إليها النفس وإن عبر عنها في الجواهر
بالحسنة واعتمد عليها بعض أيضا ولا يعتمد على رواية رماها بعض بالضعف
كما ترى تصريح المسالك باشتراك محمد بن قيس الذي هو في سلسلة رواتها.
فتحصل أن الأظهر والأقوى بحسب الاجتهاد هو ما ذكره المحقق
قدس سره من التعميم وإن كل زان غير محصن يجب عليه أن ينفى من بلده كما
يجب أن يجلد مأة جلدة بلا فرق بين من تزوج ولم يدخل بها أو لم يتزوج أصلا.
الكلام في أنه من أين ينفى
بعد أن ثبت وتحقق وجوب النفي تصل النوبة إلى البحث في أنه من
أين ينفى فهل الملاك هو وطنه أو بلد الزنا أو بلد الجلد؟
312

اختلفت الروايات في التعبير عن هذا الموضوع كما أن بعضها مطلق لا
تعرض فيه لذلك بل يقول بالنحو الكلي ينفى سنة كما في رواية الحلبي:
والبكر والبكرة جلد مأة ونفي سنة (1) وفي رواية زرارة: فجلد مأة ونفي
سنة (2) ومثلها روايته الأخرى وفيها: وينفى (3) وفي رواية علي بن جعفر عن
أخيه: ينفى سنة (4)، وفي بعضها: من بلدة إلى بلدة كرواية الحلبي عن
الصادق عليه السلام (5) وليس المراد منها، واضحا فهل المقصود وطنه أو غير ذلك؟
وعلى الجملة ففي بعضها: من مصره، أو: من المصر، أو: من
مصرهما، ففي خبر عبد الله بن طلحة: ونفي سنة عن مصره (6) وفي خبر حنان:
وينفى من المصر حولا (7) وفي خبر محمد بن قيس: ونفي سنة في غير مصرهما (8)
وهذه الأخبار ظاهرة في كون الملاك نفس الوطن وإن لم يكن هو بلد الزنا
والجلد.
وفي بعض منها: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة كرواية
مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام (9).
وفي بعضها أن أمير المؤمنين نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (10) وغير
معلوم أن الزنا والجلد أو واحد منهما وقع في الكوفة أم لا.
ومنها ما هو صريح في بلد الجلد وذلك كرواية سماعة: ينبغي للإمام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 8.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11.
(7) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
(8) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(9) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(10) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
313

أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها فإنما على الإمام أن يخرجه من
المصر الذي جلد فيه (1).
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزاني إذا زنى
أينفى: قال: فقال: نعم من التي جلد فيها إلى غيرها سنة (2).
فما نصنع إذا مع هذا الاختلاف في التعابير والروايات؟ وما هو
الحكم؟ ذهب الشيخ إلى أن المعيار هو بلد الزنا وإليك نص كلامه:
والنفي واجب عندنا وليس بمستحب وقال بعضهم هو مستحب موكول
إلى اختيار الحاكم إن رأى نفي وإن رأى حبس وحد التغريب أن يخرجه من
بلده أو قريته إلى بلد آخر وليس ذلك بمحدود بل على حسب ما يراه الإمام
وقال قوم ينفيه إلى موضع يقصر فيه الصلاة حتى يكون في حكم المسافر عن
البلد فإن كان الزاني غريبا نفاه إلى بلد آخر غير الذي زنى فيه (3).
واختار صاحب الجواهر التغريب عن مصره الذي هو وطنه، ولم يبين
قدس سره أنه كذلك مع وقوع الزنا أو الجلد فيه أولا.
لكنه عند توجيه كلام الشيخ أيضا قال: ولعله الظاهر من خبر مثنى
الحناط.
أقول خبر مثنى الحناط هذا: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الزاني إذا جلد الحد، قال ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة (4).
وهذا الخبر بظاهره دال على لزوم نفيه من بلد الجلد لا بلد الزنا وذلك
لأن الألف واللام في (الأرض) للعهد، والمراد الأرض التي جلد فيها الحد
وقد علمت أن روايات عديدة تدل على أنه ينفى من الأرض التي جلد فيها (5).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(3) المبسوط الجلد 8 الصفحة 3 وقد وافقه الأردبيلي أيضا فقال: الثامن التغريب الاخراج عن البلد
الذي زنا فيه إلى بلد آخر لا عن تحت حكومة قاضي تلك البلد انتهى.
(4) وسائل الشيعة الجلد 8 الباب 24 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
(5) ما أفاده دام ظله اشكالا على الجواهر لعله لا يخلو عن كلام وذلك لأن استظهار الجواهر من قول
الشيخ بكون الملاك هو بلد الزنا لا يكون من رواية الحناط على نقل الوسائل المطابق لنقل الكافي
بل إنما هو منها على نقل الشيخ في التهذيب فإن هذه الرواية المنقولة في الكافي والتهذيب وقد نقلها
الوسائل وفقا للكافي فراجع وأما هي على نقل التهذيب الجلد 10 الصفحة 197: عن مثنى
الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحد؟ قال: ينفى من الأرض
التي يأتيه إلى بلدة تكون فيها سنة، وغير خفي أن الظاهر منها هو أن المراد من " من يأتيه " أي يأتي الزنا،
قال المحدث الكاشاني في الوافي الجلد 1 الصفحة 25 من الحدود: بيان: في التهذيب: من
الأرض التي يأتيه أي يأتي الزنا انتهى فلذا احتمل في كشف اللثام عود الضمير إلى الإمام وقال
بعد نقل الخبر على ما ذكرناه: فإن الظاهر أن يأتيه بمعنى يأتي الزنا ويحتمل: يأتي الإمام فيكون
النفي من أرض الجلد إلى مصر آخر كما مر في خبري حنان ومحمد بن قيس وكما قال الصادق
عليه السلام في حسن الحلبي.. وفي خبر سماعة: إذا زنى الرجل.. وإنما على الإمام أن يخرجه
من المصر الذي جلد فيه، وهذا الخبر نص في النفي من بلد الجلد وكذا خبر أبي بصير:.. نعم
من التي جلد فيها إلى غيرها.
وعلى ما ذكرنا يترتب قول الجواهر: وربما احتمل بعد أن يأتي الإمام، فيكون النفي من أرض
الجلد إلى مصر آخر انتهى. فإن هذا ناظر إلى كلام كاشف اللثام وعلى ما أفاده دام ظله لا معنى
لهذه الجملة في الجواهر أصلا. وقد أوردت ذلك عليه دام ظله في يوم 11 شعبان المعظم 1406
314

وكيف كان فنحن نقول: اللازم مراعاة كل هذه العناوين المذكورة في
الروايات عند نفي الزاني وتغريبه.
توضيح ذلك يتوقف على ذكر مقدمتين إحديهما أنه ليس للنفي
خصوصية أصلا بل النفي والاخراج ملحوظان مقدمة وإنما العناية التامة للشارع قد
تعلقت على عدم كون الزاني هنا فهو المقصود وذو المقدمة وبعبارة أخرى إن
الهدف الأصيل والمقصد الوحيد هو أن لا يكون الزاني في المكان المذكور في
الروايات.
ثانيتهما أنه لا يستفاد من كل من الروايات الحصر ونفي المكان
المذكور في الرواية الأخرى وإنما المستفاد من كل هذه الروايات اخراجه من البلد
المذكور فيها بلا تعرض لنفي غيره.
وحينئذ نقول: إنه لا تنافي بين هذه الروايات أصلا كي يحتمل
الحكم بالتخيير أو نحكم باعتبار خصوص بلد الجلد أو بلده الذي هو وطنه كما
315

اختاره صاحب الجواهر مصرحا إن مصره هو وطنه، أو بلد وقوع الزنا كما اختاره
شيخ الطائفة فإن المواجهة مع الروايات بهذا النحو فرع التنافي بينها وعدم امكان
اجتماعها مع أن بينها كمال الملائمة ويجمع بينها بلا اشكال وحينئذ يجب
على الحاكم أن ينفيه من وطنه ومن بلد زناه ومن بلد جلده فتارة تجتمع
وتتحد تلك العناوين أي الوطن وبلد الزنا وبلد الجلد فالأمر سهل ولا كلام،
وأخرى تفترق العناوين فيكون بلد وطنه غير بلد زناه وهو غير بلد جلده وهناك
يخرج وينفى من كل هذه البلاد إلى بلد آخر أياما كان وعلى الجملة
فاللازم أن لا يكون هو لا في وطنه ولا في بلد قد زنى فيه ولا ما جلد فيه.
وهل الحكم مختص بالمصر والبلد أو أنه يجرى في القرية أيضا؟
الظاهر أنه لا فرق بينهما ولا خصوصية لعنوان البلد والمصر ولذا قال
الشيخ الطوسي قدس سره في المبسوط في كلامه المتقدم: وحد التغريب أن يخرجه
من بلده أو قريته إلى بلد آخر.
ثم إنه هل يجرى الحكم في الفلاة أيضا أم لا؟
الظاهر أنه يجرى هناك أيضا فلو كان الزاني من أهل البادية وساكنا في
الفلاة ويعيش في البراري فإنه ينفى من مكانه إلى موضع آخر فلو لم يكن ساكنا
فيها يجب منعه من دخول بلده إلى سنة (1).
وقال الفاضل الأصبهاني: لو زنى في فلاة لم يكن عليه نفي إلا أن يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر.
ثم قال: والمصلحة في النفي يحتمل أن يكون مجرد الإهانة والعقوبة
وأن يكون التبعيد عن المزني بها ومكان الفتنة وبحسب ذلك يختلف الرأي في

(1) قال المامقاني رحمة الله عليه في مناهج المتقين الصفحة 498: أما الجلد والتغريب فيجبان على
الذكر غير المحصن إذا عقد على امرأة ولم يدخل بها وكذا الجز فيجلد حينئذ مأة ويجز رأسه
وينفي من المصر الذي جلد فيه سنة، والقرية كالمصر في ثبوت النفي عنه وكذا الفلاة على الأظهر
الأقرب سيما إذا كان من سكانها ولا جز ولا تغريب على الأنثى ولا على مطلق غير المحصن من
الذكور انتهى.
316

التغريب من بلد الجلد واحتمل جواز التغريب إلى بلد الزنا.
وفي الجواهر: قد يقال: إن الظاهر كون المصلحة في التغريب الإهانة
والعقوبة فلا يختلف الحال وربما احتمل كونها التبعيد من المزني بها
ومكان الفتنة وهو بعيد فيكفي حينئذ التغريب من بلد الجلد بناء على القول به
إلى بلد الزناء انتهى.
أقول: إن المصالح والحكم الكامنة كالاعتبارات لا تصح أن تكون دليلا
على الحكم وموجبا لصرف الأدلة وهذا الذي ذكر من النفي إلى بلد الزنا بعيد
بحسب الأدلة، بل الظاهر منها ما ذكرناه من مراعاة جميع العناوين، ونفيه عن بلد
الزنا وبلد جلده وعن موطنه.
قال كاشف اللثام أيضا: وإن كان الإمام في سفر معه جماعة فجلد رجلا
منهم للزناء وهو بكر احتمل وجوب نفيه من القافلة انتهى (1).
أقول: إن احتمال نفيه عن القافلة بعيد ولذا قد أورد عليه في الجواهر
بأنه خلاف ظاهر النصوص المزبورة.
فاللازم بمقتضى الاستظهار من الروايات هو منعه عن بلده ووطنه مدة
سنة وأما مكان الزنا والجلد فيفارق منه قهرا.
ثم إنه قد يورد على ما ذكرناه في مقام الجمع بين الأخبار في المقام
من أن الغرض الأصيل هو عدم كونه في تلك الأماكن وأن النفي والاخراج
مقدمة لذلك بأن لازم ذلك هو عدم وجوب نفيه إذا خرج هو بنفسه عقيب
زناه.
ونحن نقول: إنا نلتزم بذلك ولا بأس به، ومن البعيد جدا أن يقال
إنه إذا خرج هو بنفسه يلزم أن يعاد حتى يخرجه الحاكم من البلد (2).

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219.
(2) أقول: لا بعد في ذلك بعد أن المفروض كون التغريب حدا فإن الحد لا بد أن يكون بنظر
الحاكم.
317

فروع تتعلق بالمقام
ثم إن في نفي الزاني عن بلده فروعا أخر نتعرض لها تتميما لبحث
واكمالا للفائدة.
منها أنه بعد أن تحقق وجوب النفي فإلى أين ينفى؟ إلى بلد الاسلام أو
بلد الشرك أو يختار الحاكم في ذلك فله نفيه إلى أي واحد منهما قد شاء؟
أقول: في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين
عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (1).
ولكن في خبر بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان
أمير المؤمنين عليه السلام إذا نفى أحدا من أهل الاسلام نفاه إلى أقرب بلد من
أهل الشرك إلى الاسلام فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى
الاسلام (2).
ومقتضى هذا الخبر هو النفي إلى خارج أرض الاسلام مع مراعاة
كونه قريبا إلى أرض الاسلام.
وقد مر أن عليا عليه السلام غرب إلى روم فراجع والحال أن أرض روم
لم تكن في زمن الإمام صلوات الله عليه، أرض الاسلام.
نعم في الوسائل بعد نقل خبر بكير: الظاهر أن النفي هنا للمحارب.
انتهى.
وما قد يقال من أن هذا خلاف ظاهر لفظ (كان) الظاهر في الدوام
والاستمرار ولفظ: إذا نفى، كذلك ولفظ: أحدا، الدال على العموم (3).
ففيه أنه يمكن أن يجاب عنه بناء على ما ذكره الوسائل بأن دأبه
عليه السلام في نفي المحارب مطلقا كان دائما على نفيه إلى أقرب بلد من أهل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 6.
(3) أورده هذا العبد.
318

الشرك.
لكن الرواية في نفيه عليه السلام إلى بلاد الشرك ليست منحصرة في هذه
وقد مر نقل بعضها عن الخلاف، والظاهر هو صدق النفي والتغريب فيكتفى
بصدق هذين العنوانين سواء كان إلى بلاد الاسلام أو إلى ديار الكفر بحسب ما
تقتضيه المصلحة، وما ذكره في الوسائل فهو خلاف ظاهر الرواية.
وعلى هذا فلا بد من أن يكون قوله عليه السلام في رواية سماعة: ليس
ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها فإنما على الإمام
الخ (1) محمولا على الكراهة أو غير ذلك من الوجوه غير المنافية للتخيير والإناطة
بالمصلحة.
وإن كان مقتضى القاعدة هو الاقتصار على بلاد الاسلام وعدم نفيه
إلى بلاد الكفر إلا بدليل قاطع وذلك لأنه من مصاديق التعرب بعد الهجرة
وهو حرام بلا كلام.
وأما ما ذكره الأردبيلي قدس سره من عدم جواز نفيه إلى بلد يخرج عن
تحت حكومة هذا القاضي قائلا: الثامن التغريب الاخراج عن البلد الذي زنا فيه
إلى بلد آخر لا عن تحت حكومة قاضي تلك البلدة انتهى، فلم يظهر له وجه
أصلا ومقتضى كلامه أنه لو كان في جنب البلد بلد آخر له قاض مستقل فإنه لا
يجوز اخراجه إلى ذاك البلد، وهو مشكل، وليس في الروايات ولا في الكلمات
مما ذكره عين ولا أثر.
ومنها ما هو الحد المعتبر في البعد من البلد؟
الظاهر عدم ورود تحديد له في الأخبار سوى ما حكي عن الفقه الرضوي
عليه السلام: حد التغريب خمسون فرسخا، ومن المعلوم أن فقه الرضا بنفسه لا
يصلح للافتاء به ولم نعثر على من قيد النفي بذلك. وأظن أني رأيت في رواية
أنه ينفى إلى موضع يقصر فيه الصلاة (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حد الزنا الحديث 4 لكن بنقل التهذيب على ما تقدم.
(2) أقول: لم أعثر إلى الآن على هذا الخبر نعم ورد ذلك في كلمات الشيخ ففي المبسوط الجلد 8 الصفحة 3 من كتاب الحدود: وحد التغريب أن يخرجه من بلده أو قريته إلى بلد آخر وليس ذلك
بمحدود بل على حسب ما يراه الإمام. وقال قوم: ينفيه إلى موضع يقصر فيه الصلاة حتى يكون في
حكم المسافر عن البلد الخ.
319

لا يقال: إنه وإن لم يرد دليل صريح صحيح يدل على اعتبار خمسين
فرسخا إلا أن ما حكي من نفي الإمام علي عليه السلام بحسب الموارد والمصاديق
كان إلى مواضع لا تقصر عن ذلك فإنه عليه السلام قد نفى إلى البصرة مثلا
ومعلوم أن المسافة بينها وبين الكوفة أزيد من خمسين فرسخا وهكذا ما نقل من
نفيه إلى الروم وغير ذلك (1).
لأنه يقال: إنه مجرد ذلك لا يدل على الاختصاص واعتبار هذا الحد
لأنه مجرد العمل ولعله عليه السلام رأى مصالح في ذلك.
أضف إلى ذلك ما نقل من أن عمر نفى إلى فدك وهو وإن لم يكن
بنفسه دليلا إلا أنه دليل بضم أنه كان ذلك بمرأى ومنظر الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام والظاهر كفاية مطلق التغريب وصدق كونه غريبا ومجرد نفيه إلى بلد
آخر أيا ما شاء، وذلك بمقتضى لفظ التغريب والنفي واطلاقهما، وعدم ما يصلح
للتقييد والتحديد.
ومنها أنه يجب نفيه إلى أي مدة؟
نقول: مقتضى الأخبار الكثير الواردة في هذا الباب إن مدة نفيه التي
يجب منعه فيها عن دخول البلد سنة كاملة، وهذه الأخبار بعضها بلفظ حول
وبعضها بلفظ عام وبعضها بلفظ سنة.
فمن الأول خبر حنان، ففيه: يضرب مأة ويجز شعره وينفى من المصر
حولا ويفرق بينه وبين أهله (2).
ومن الثاني النبوي صلى الله عليه وآله: البكر بالبكر جلد مأة وتغريب
عام..

(1) من هذا العبد وقد تفضل سيدنا الأستاذ الأفخم دام ظله بما هو مذكور في المتن.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
320

ومن الثالث الحديث 2 و 6 و 9 و 11 و 12 من الباب الأول من حد
الزنا والحديث 8 من الباب 7 والحديث 4 و 5 من الباب 24 وقد طفحت
بذلك كلمات العلماء، ومر كلام الشيخ في الخلاف آنفا فراجع.
وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: التاسع مدة التغريب سنة لا
أزيد انتهى.
ومنها أن المراد من السنة والعام هو الهلالي منهما دون الشمسي فإن
الأحكام الواردة من الشرع في الشهور والسنة فهي محمولة على القمرية كالحج
والصوم والأشهر الحرم وسنة التكليف وغير ذلك. قال الله تعالى: إن عدة
الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة
حرم (1) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
نعم استثنى خصوص باب الخمس حيث إنهم قد قالوا ويستفاد
من بعض الأخبار أيضا إن الزارع يجعل مبدأ سنته حين حصول فائدة
الزوع ووصولها بيده وهو عند تصفية الغلة..
وعلى الجملة فالملاك هو السنة القمرية، ولذا قيد الشهيد الثاني في
الروضة، العام المذكور في عبارة الشهيد في المقام بقوله: هلاليا.
ومنها أنه لو غرب ونفي لكنه في أثناء الحول وقبل أن ينقضي العام،
فر من منفاه ورجع عن محل النفي فإما أن يرجع إلى بلده وإما إلى بلد آخر فعلى
الأول يجب على الحاكم نفيه ثانيا من بلده، فإن ذلك مقتضى وجوب كونه
منفيا عن البلد وخارجا عنه مدة حول.

(1) سورة التوبة الآية 36. أقول: ومن هذا القبيل قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن..
فمن شهد منكم الشهر فليصمه.. البقرة الآية 185.
وقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. البقرة الآية 194.
وقوله تعالى: الحج أشهر معلومات.. البقرة الآية 197.
وقوله تعالى يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير. البقرة الآية 217.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام.. المائدة الآية 2.
وقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم سورة التوبة الآية 5.
321

قال الشهيد الثاني في الروضة: إن رجع إلى ما غرب منه قبل اكماله
أعيد.
وأما على الثاني أي ما إذا فر وراح إلى بلد آخر فهناك لا يجب بحسب
الظاهر اخراجه عنه وارجاعه إلى المنفى وذلك لأن المستظهر من الأدلة هو عدم
كونه في بلده، وما كان على الحاكم فهو اخراجه وأما تعيين الموضع الذي ينفى
إليه فليس بيد الحاكم، نعم لا يجوز له أن يخرج إلى بلاد الكفر كما تقدم الإشارة
إلى ذلك قريبا.
ومنها أنه هل اللازم بعد ما أعيد إلى منفاه هو الاستيناف أو أنه يكفي
البناء على ما مضى من نفيه؟
الظاهر هو الثاني كما قال في الروضة بعد عبارته السابقة: بانيا على ما
سبق وإن طال الفصل.
ومنها أنه هل يعتبر في هذه المدة أي السنة الكاملة، التوالي أو لا يعتبر فيها
ذلك؟
ظاهر الأدلة الناطقة بوجوب نفيه سنة هو السنة متوالية وعلى هذا فلا
يجوز له أن يقيم مدة في المنفى ومدة في بلده مثلا هذا هو حكم المقام من حيث
هو وذلك لا ينافي البناء على ما مضى في الفرع السابق (1).
ومنها أنه هل يجوز له أن يخرج من المنفى إلى بلد آخر بعد مفروغية
عدم جواز الخروج إلى بلده ما لم يقض الحول؟
الظاهر بحسب ما تقدم من أن اختيار النفي وحده بيد الحاكم دون
اختيار موضعة فإنه بيد الزاني هو الجواز.
ومنها أنه إذا نفي الزاني عن بلده ولكنه قد زنى في منفاه أيضا فما
يصنع هناك؟ مقتضى وجوب نفي الزاني عن بلد الزنا هو اخراجه من هذه
الأرض أيضا، وعلى ما تقدم منا لو كان وطنه وبلد جلده غير بلد زناه يجب أن
يطرد عنهما أيضا فإن كان بعد مضي الحول وانقضائه يجب نفيه حولا آخر،

(1) لعل الثمرة تظهر في أنه لا يجوز له في ابتداء الأمر أن يقبل النفي منفصلا وغير متتابع فتأمل.
322

وأما إذا كان قد زنى في أثناء الحول كما إذا انقضى منه ستة أشهر فقط
فزنى ثانيا فإنه يخرج من هذا البلد إلى بلد آخر، وهل تتداخل السنتان حينئذ
بأن ينفى من هذا البلد ويمنع من الدخول فيه حولا فقط أو أنه يجب اكمال
السنة الأولى أو لا ثم يبدأ في سنة أخرى لزناه الثاني؟
يمكن أن يقال بالأول وذلك لأنه بعد أن نفاه الحاكم ثانيا ففي
المنفى يصدق أنه قد أخرج عن البلد الأول كما يصدق أنه قد أخرج من البلد
الثاني الذي زنى فيه ثانيا فيكتفى بمضي سنة بعد ذلك خصوصا أن مبنى
الحدود على درءها بالشبهات.
هذا لكن التحقيق خلاف ذلك فإن أثر الزنا هو نفي الزاني عن البلد
وإذا لم يتم الحول الأول وقد زنى مرة أخرى فإنه يتم ويكمل الحول الأول ثم
يشرع في الثاني فإن كل سبب يوجب ويطلب مسببا مستقلا، والتداخل يحتاج
إلى الدليل.
نعم حيث إنه قد زنى هنا يجب أن يخرج من هذا المكان حتى بالنسبة
إلى ما بقي من الحول الأول وعلى هذا فبحسب الظاهر لا مانع مع انقضاء
ما بقي من العام الأول أن ينفى إلى بلد قد زنى فيه أولا إذا لم يكن وطنه وكذا
بالنسبة إلى بلد الجلد، وعلى الجملة فيمنع من وطنه على أي حال، وأما بالنسبة
إلى الزنا الثاني فإنه يمنع عن بلد الزنا والجلد الفعليين.
ومنها أنه إذا كان في نفيه فساد له في المنفى أو لعائلته في البلد فما يصنع
هناك؟
أقول: إنه من باب الأهم والمهم وتزاحمهما فيلاحظ الأهم، ولا وجه
لسقوط النفي من رأس، فإذا رأى الحاكم أنه يمكن حدوث قتل وقتال وإثارة
الفتن بين الطوائف والقبائل مثلا بسبب نفيه عن البلد فإنه يتوقف الحاكم بنفيه
إلى أن يرتفع المانع ويزول المحذور وتيسر نفيه كما أن الأمر كذلك في الحد
بنفسه ولذا ترى أنه يؤخر حد المرأة الزانية إذا كانت حاملا، والحد قد يؤخر
لعلل وأسباب لكنه لا يسقط، وعلى الجملة فمقتضى القاعدة هو كونه عليه،
323

ومقتضى حكم العقل تقديم جانب الأمر الأهم لا أنه وردت به رواية، وهكذا لو
منع من نفيه مانع آخر فإنه ينتظر زواله ولا يرفع النفي عنه فينتظر زواله فينفي
بعده وإن طالت المدة.
ومنها أنه هل مؤنته ومخارجه في تلك المدة على نفسه حتى يشتغل في
منفاه بعمله وحرفته ويديم تجارته وصنعته أو أنها على الإمام وفي بيت مال
المسلمين؟
مقتضى القاعدة أنه لو كان له مال فلا وجه لأداء مخارجه ومصارفه عن
بيت المال، فهي على نفسه بمقتضى تمكنه ويساره وأنه بنفسه وبسوء اختياره
صار سببا لوقوعه في هذا الابتلاء، بل لعل الأمر كذلك لو لم يكن له مال بالفعل
إلا أن له صنعة وحرفة يمكن له الاكتساب بهما وبعمله فإنه يكلف بذلك
ويكون مؤنته على نفسه وفي حاصل عمله وكسبه، كما أن مخارج عائلته
ومؤنتهم أيضا يجب عليه لو أمكن وتيسر له بواحد من الوجهين ولو لم يتمكن من
أداء مؤنتهم ومصارفهم فإنه يؤخر نفيه إلى رفع المانع عنه.
وأما لو لم يكن له مال ولا له شغل وعمل يتمكن به من إدارة معاشه فإن
رزقه ومؤنته على الإمام ويدفع إليه من بيت المال.
هذا إذا كان هناك بيت مال أمكن التوفر منه عليه وإلا فلو لم يكن
كذلك فمؤنته على المسلمين وحينئذ يمكن أداءها من الزكوات والصدقات وأموال
الفقراء وسهامهم. وهذا البحث جار بالنسبة إلى المحبوسين والمسجونين أيضا.
بقي في المقام أمران
ثم إنه قد بقي في المقام أمران لا بد من التعرض لهما.
أحدهما أنه هل تعتبر مراعاة الترتيب بين الأمور الثلاثة والعقوبات
المذكورة أو أنه لا ترتيب في البين وإنما اللازم الاتيان بهذه الأمور كيف اتفق؟
الظاهر هو وجوب تقديم الجلد والجز على النفي وذلك لأنه تقديمهما
فقد أسرع في ايقاع حد الله تعالى، وذلك لعدم افتقارهما إلى وقت كثير بخلاف
324

ما لو أخر إلى ما بعد النفي فإنه بمقتضى احتياج النفي إلى زمان زائد فقد
لزم تأخيرهما وهو تأخير حد الله تعالى، وعلى ذلك فتقديم الجلد والجز على
النفي بمقتضى القاعدة. هذا وأما بينهما فالظاهر أنه لا ترتيب.
ثانيهما إن من المعضلات المتعلقة بهذه الأبحاث ما ورد في بعض أخبارها
من التفريق بينهما أي بين الزاني وأهله وهو حكم آخر غير الأحكام الثلاثة
المذكورة في كلام المحقق التي كنا بصدد اثباتها وهو عقوبة من عقوبات هذا
الزاني، فإن من كانت له زوجة يمكنه أن يتمتع ويلتذ بها كل حين ومع ذلك
فقد ارتكب الزنا فإن عقوبته وكفارته أن يفرق بينه وبين حليلته فتكون العقوبة
متجانسة للجرم الذي قد أتى به، نظير إن من أفطر في شهر رمضان فإن عليه بدل
كل يوم صوم ستين يوما.
لا يقال إن المراد منه هو التفريق بينه وبين أهله بالسفر والتغريب فيكون
قوله عليه السلام في خبر حنان: ويفرق بينه وبين أهله عطفا تفسيريا لنفيه عن
المصر كما أن قوله عليه السلام في رواية علي بن جعفر: ينفى سنة عطف تفسير
لقوله: يفرق بينه وبين أهله.
لأنا نقول: إن المراد بالأهل هنا ليس هو العائلة والأقرباء بل المراد هو
الزوجة وذلك بقرينة ذكر الأهل وإرادة الزوجة منه في صدر رواية حنان حيث
قال: ففجر قبل أن يدخل بأهله.
هذا هو مقتضى الخبرين وأما أنه هل أفتى العلماء بذلك أم لا فهو
كلام آخر.
والتحقيق أن هنا جهات من الاشكال منها الاجمال في لفظ التفريق
ومنها الاجمال في لفظ الأهل ومنها الذي يقوى الاشكال جدا هو أنى مع الفحص
البالغ التام وصرف أوقات كثيرة في ذلك لم أجد أحدا من المتقدمين والمتأخرين
والمعاصرين قد تعرض لذلك وإن كانوا قد نقلوا الأخبار المتضمنة له لكنهم في
مقام الافتاء لم يتعرضوا لذلك لا نفيا ولا اثباتا بل سكتوا عنه ومضوا.
وأما وجه الاجمال في لفظ الأهل فلاحتمال أن يكون المراد منه خصوص
325

الحلية كما أن يحتمل أن يكون المراد هو مطلق الأهل والعشيرة، نعم الأخص
مراد على أي حال فإن الأخص داخل في الأعم.
وأما بالنسبة إلى التفريق فلأنه من المحتمل أن يكون المراد هو فسخ
النكاح وابطاله وأن يكون المراد هو وجوب الطلاق كما أن المحتمل أن
يكون المراد هو مجرد التفريق بينهما بأن لا يكون الزاني في مصاحبة أهله،
وعلى الأولين يكون المراد من الأهل هو الزوجة وعلى الأخير يلائم إرادة
الزوجة كما أنه يلائم إرادة الأعم.
والذي يبدو في الذهن أن يكون المراد من الأهل هو الزوجة ومن التفريق
افتراقه وانقطاعه عنها وعدم كونها من مصاحبته في السفر وإن أمكن أن يكون
المراد من التفريق ما تقدم، ومن الأهل مطلق أقاربه وعشيرته وخواصه ومنهم
زوجته وكيف كان فيشترط أن لا يخرج إلى المنفى مع زوجته وفي مصاحبتها
فإن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك وهو عقوبة له على ارتكاب الزنا.
ولعل وجه عدم تعرض العلماء لذلك اكتفاءهم بذكر النفي عن ذكر
ذلك واستغناءهم بذلك عنه فإن نفي الزاني عن البلد خصوصا بمناسبة كونه
زانيا قد ارتكب الفحشاء وإن النفي عقوبة له على هذا العمل الشنيع هو خروجه
عن أهله وحرمانه عن مصاحبتهم وعدم كونه معهم، وذهابه إلى مكان لا
يصاحبهم، ولو كان يجوز له أن يذهب بهم معه لذكروا ذلك طبعا وتعرضوا له
لكنهم لم يذكروه لأنهم لم يروا حاجة إلى ذكر ذلك بعد أن النفي عقوبة له
على فعله وهو يقتضي ذهابه وحده ومتفردا، خصوصا بمناسبة الحكم والموضوع
التي توجب أن يكون محروما عن الالتذاذات المباحة المتعلقة بالنساء.
وأما رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام في المرأة
إذا زنت قبل أن يدخل بها قال: يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان
من قبلها (1) فأمرها أسهل وذلك لأنه لا ذكر فيها عن الزوج.
قوله: زنت قبل أن يدخل بها يحتمل ثبوتا أن يكون أنها قد تزوجت ولم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 7.
326

يدخل بها وأنها لم تتزوج أصلا، ولعل المراد في المقام هو الثاني ويكون المراد من
التفريق بينهما، التفريق بينهما وبين الزاني كي لا يكونان في معرض ذلك ثانيا
بعد حصول ترابط بينهما.
لا يقال: إن قوله: ولا صداق لها يوجب ظهور الخبر في المتزوجة التي لم
يدخل بها وينقص من ظهوره في من لم تتزوج أصلا.
لأنا نقول: عدم صداق لها لا يوجب ذلك لأن الجملة المزبورة ناظرة
إلى ما ورد في الروايات من أن من اغتصب فرجا بحرام واكراه امرأة على الزنا
فعليه مهر مثلها، فهذه الروايات تقول إنه لا مهر لها على الزاني وذلك لأن المرأة
قد زنت وابتدأت بالزنا فلا حق لها في المهر حيث كان الحدث أي الزنا من
ناحيتها ولا مهر لبغي أصلا.
وأما إرادة التفريق بين الزوج والزوجة ففيه مضافا إلى عدم ذكر عن
الزوج فيها فلعل الحكم بوجوب التفريق وبطلان العقد أو وجوب طلاق الزوجة
إذا زنت بعد العقد عليها، وعدم وجوب المهر لها خلاف الضرورة.
وأما رواية رفاعة عن نقل الصدوق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا، قلت هل يفرق بينهما
إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: لا (1) فهي معارضة لما هو صريح في لزوم
التفريق خبر حنان ورواية علي بن جعفر.
وقد تقدم إن العلماء لم يتعرضوا لهذا الحكم أصلا، نعم للمحدث
الكاشاني في المقام كلام في وجه الجمع بين الأخبار وأما الافتاء بما أفاده
رحمه الله فلم يظهر منه ذلك (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) أقول إن المحدث المزبور قدس سره قد عنون في الوافي الجلد 2 كتاب النكاح الصفحة 25 بابا سماه
باب زنا أحد الزوجين قبل الدخول. وروى هناك عن التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه
عليهما السلام قال: قرأت في كتاب علي عليه السلام إن الرجل إذا تزوج المرأة فزنى من قبل أن يدخل
بها لم تحل له لأنه زان ويفرق بينهما ويعطيها نصف الصداق. ثم نقل صحيح علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام المذكورة آنفا ثم رواية فضل بن يونس الدالة على التفريق بين الزوجين بزناها ولا
صداق لها ثم رواية السكوني - التي مر نقلها - ثم قال: بيان: قال الصدوق طاب ثراه في كتاب
علل الشرايع بعد ايراد حديث طلحة: والذي أفتي به وأعتمد عليه في هذا الباب ما حدثني به
محمد بن الحسن.. عن رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزني قبل أن يدخل
بأهله أيرجم؟ قال: لا قلت: يفرق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: لا. وزاد فيه ابن
أبي عمير ولا يحصن بالأمة. أقول: التوفيق بين الخبرين يقتضي أن يحمل حديث طلحة وما في
معناه على ما إذا شهر بالزنا كما مر في الباب السابق وحديث رفاعة
على ما إذا لم يشتهر انتهى.
327

الكلام في النفي والجز بالنسبة إلى المرأة
قال المحقق: وأما المرأة فعليها الجلد مأة ولا تغريب عليها ولا جز.
وفي الجواهر بعد ذلك: بلا خلاف معتد به أجده بل في كشف اللثام
الاتفاق عليه في الظاهر في الثاني وعن الخلاف والغنية وظاهر المبسوط الاجماع
عليه في الأول.
وقال الشيخ في المبسوط بعد أن حكم بوجوب الجلد مأة والنفي سنة في
الرجل: ولا نفي عندنا على المرأة وفيهم من قال: يجب عليها النفي أيضا
انتهى.
وقال في الخلاف: إذا زنى البكر جلد مأة وغرب عاما كل ذلك حد
إن كان ذكرا، وإن كان أنثى لم يكن عليها تغريب وبه قال مالك وقال قوم:
هما سواء ذهب إليه الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وأحمد والشافعي.. ثم
قال: دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة في المرأة فمن
أوجب عليها التغريب فعليه الدليل انتهى.
ثم إنه يدل على ذلك أمور أحدها وهو العمدة، الاجماع.
ثانيها الأصل، وقد تمسك به الشيخ.
ثالثها وقد تمسك هو به أيضا قوله تعالى: فعليهن نصف ما على
328

المحصنات من العذاب (1) تقريب الاستدلال به، إنه لو كانت المرأة الحرة
يجب عليها التغريب لكان على الأمة نصفها وقد أجمعنا على أنه لا تغريب على
الأمة لقوله عليه السلام: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، فكان هذا كل الواجب.
قوله: لكان على الأمة نصفها، يعني ستة أشهر مثلا.
وهنا أمور اعتبارية قد تمسك بها بعض وزاد في الاستدلال.
منها أنه لو غربت فإما مع محرم لها أو زوج ولا تزر وازرة وزر أخرى (2)
أولا، ولا يجوز لقوله (عليه السلام) لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم.
ومنها أن الشهوة غالبة فيهن والغالب أن انزجارهن واحترازهن عن الزنا
لاستحيائهن من الأقارب ووجود الحفاظ لهن من الرجال، وبالتغريب يخرجن
من أيدي الحفاظ ويقل حياؤهم لبعدهن من أقاربهن ومعارفهن وربما اشتد
فقرهن ويصير مجموع ذلك سببا لانفتاح باب هذه الفاحشة العظيمة عليهن.
ومنها أنه ربما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب والمعارف.
ولا يخفى أن هذه الأدلة ليست بحيث يتمسك بها ويعتمد عليها في
اثبات الحكم الشرعي إذا كان في قبالها دليل متين على اعتبار النفي فيهن.
أما الأصل فحاله معلوم لأنه دليل حيث لا دليل، وأما الآية فيمكن
الخروج عن ظاهرها في مورد بالدليل وأما هذه الأمور فأمور اعتبارية ووجوه
استحسانية لا يتمسك بها إلا توجيها للحكم الثابت لا في اثبات أصل الحكم.
نعم لو تحقق الاجماع فهو الدليل الذي لا مفر عنه، ولعله محقق، فإن
الخلاف في المسألة غير معتد به لأنه لم يخالف إلا واحد أو اثنان وهما حسن بن أبي
عقيل وابن الجنيد (3) وهو لا يقدح في الاجماع.

(1) سورة النساء، الآية 25.
(2) سورة الأنعام الآية 164، سورة الإسراء / 15، سورة فاطر / 18، سورة زمر / 7.
(3) أقول: والصدوق أيضا فإنه قال في المقنع الصفحة 145: والبكر والبكرة إذا زنيا جلدا مأة جلدة ثم
ينفيان سنة إلى غير مصرهما انتهى. وتردد فيه الشهيد الثاني فقال في المسالك: ولكن القول
بالثبوت هو الأقرب انتهى. نعم أنه قد وافق المشهور في الروضة فإليك عبارته مزجا: ولا جز على
المرأة ولا تغريب بل يجلد مأة لا غير لأصالة البراءة وادعى الشيخ عليه اجماع وكأنه لم يعتد
بخلاف ابن أبي عقيل حيث أثبت التغريب عليهما للأخبار السابقة، والمشهور أولى بحال المرأة
وصيانتها ومنعها من الاتيان بمثل ما فعلت. وقد مال إلى هذا القول بعض الأعاظم قائلا: لا
موجب لرفع اليد عما دلت عليه الروايات الصحيحة.
329

ثم إنه يدل على وجوب النفي فيها أيضا عدة من الروايات.
منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام.. وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مأة ونفي سنة
في غير مصرهما وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (1).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الشيخ
والشيخة جلد مأة والرجم، والبكر والبكرة جلد مأة ونفي سنة (2).
ومنها صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي
عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة ويرجمهما ويرجم المحصن والمحصنة
ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة (3).
فإن ظاهر هذه الأخبار نفيه عن مصره ونفيها أيضا عن مصرها.
واختار ذلك بعض أجلاء العصر وزاد الاستدلال له بالروايات الواردة
في نفي الرجم والتغريب عن المرأة المجنونة والمستكرهة معللة بأنها لا تملك
أمرها، فإنها تدل بالوضوح على أنها لو كانت مالكة لأمرها لكان عليها رجم
ونفي (4).
لكن لا يخفى أن الروايات المذكورة ليست معمولا بها بل قد أعرض عنها
المشهور، والرواية إذا كانت كذلك تسقط عن حد الاعتبار، وإن كان هناك
أيضا بحث مبنائي فذهب بعض إلى أنه لا وجه لرفع اليد عن الرواية المعتبرة
بسبب اعراض المشهور عنها، لكن المبنى المعروف المحقق عند كثير وعندنا هو
سقوطها بذلك عن الاعتبار وقد اشتهر أنه كلما ازدادت صحة ازدادت وهنا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 13.
(4) راجع تكملة المنهاج الجلد 1 الصفحة 201.
330

باعراض المشهور، وكلما ازدادت ضعفا ازدادت قوة بعملهم وذلك لأن بناؤهم على
العمل بالروايات، فإذا كانت الرواية في متناول أيديهم ولم يحتمل في حقهم عدم
وصولها إليهم ومع ذلك لم يعملوا بها فإن ذلك كاشف عن شئ فيها، وقد خفي
علينا، ويقل الاطمينان بها (1).
ثم إنه كما لا تغريب على المرأة كذلك لا يجز رأسها بل الأمر في جزها
أصعب، وذلك لورود تلك الروايات الدالة على النفي رجلا كان أو امرأة، في حين
أنه لم يرد رواية تدل على وجوب حلق رأس الزانية، فإن ما تعرض لذكر الجز
روايتان وكلتاهما واردتان في الزاني دون الزانية حيث إن السؤال فيهما عن
بكر، أو رجل قد تزوج وقد زنى أو فجر قبل أن يدخل بها وهما رواية حنان
ورواية علي بن جعفر (2) ولذا قال المحقق:
وأما المرأة فعليها الجلد مأة ولا تغريب عليها ولا جز.
الكلام في حد المملوك
هذا كله بالنسبة إلى الحر وأما إذا كان الزاني مملوكا فقال
المحقق: والمملوك يجلد خمسين محصنا كان أو غير محصن ذكرا كان أو
أنثى.
أقول: وسواء كان مسلما أو نصرانيا كما سترى ذلك في الروايات فليس
عليه الجز ولا التغريب وإنما يجلد خاصة نصف حد الحر.

(1) أقول: هذا مضافا إلى اشكال آخر في الرواية وهو ما ذكره في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219
بقوله: خلافا للحسن لما مر من حسن محمد بن قيس وليس نصا في نفيها لجوازه أن يراد أنه عليه السلام
قضى فيما إذا زنى ببكر بجلد مأة ونفي سنة إلى غير مصرهما أي المصر الذي زنيا فيه وهو ليس
صريحا في نفيهما فيجوز اختصاصه به انتهى وتبعه في الرياض ج 2 الصفحة 472 فقال: مضافا
إلى ما قيل عليه " الصحيح " من أنه ليس صريحا في تغريبها لجواز أن يراد أنه (عليه السلام) قضى فيما
إذا زنى بكر ببكرة بجلد مأة ونفي سنة إلى غير مصرهما أي المصر الذي زنيا فيه وهو ليس صريحا
في تغريبها فيجوز اختصاصه به.
(2) الوسائل الجلد 18 الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 7 و 8.
331

وفي الجواهر بعد عبارة المصنف: شيخا أو شابا بكرا أو غير بكر
بلا خلاف أجده فيه بل الظاهر الاجماع عليه للآية وقول الباقر عليه السلام الخ.
أقول: يدل على أن العبد يجلد خمسين ولا شئ آخر عليه الكتاب
والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم
بأيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف
محصنات غير مسافحات ولا متخذات خدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم
وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم (1).
قوله تعالى: فنصف ما على المحصنات يشير إلى الجلد المذكور في
الآية الكريمة: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة.
وقد يقال: كيف يستدل بالآية على أن على المملوك خمسين جلدة مع
أن على المحصنات الرجم؟ وبعبارة أخرى إن حد المحصنات ليس هو الجلد
حتى ينتصف في الأمة وإنما ترجم المحصنة إذا زنت فكيف نقول بأنه إذا زنت
الأمة فحدها نصف حد الحرة وهو خمسون التي هي نصف المأة.
وفيه أن المراد من المحصنات في ذيل الآية هو المراد من المحصنات
المذكورة في صدر الآية، ولا شك أنه ليس المراد منها في الصدر، المتزوجات وذوات
البعل لأن ذات البعل لا تتزوج ثانيا فالمراد منها في الصدر هو الحرات فيقول
سبحانه إذا لم يتمكن أحد منكم بسبب العوز المالي والفقر الاقتصادي من أن
يتزوج الحرة المؤمنة فهو ينكح من المملوكات المؤمنات، ومن المعلوم أن الحرة
الزانية تجلد مأة جلدة إلا أن تكون ذات بعل وحينئذ يتم أن يقال إن الأمة تجلد
خمسين وهي نصف حد الحرة فالمراد من العذاب هو الجلد وأما الرجم فلا
يتصور له نصف.

(1) سورة النساء الآية 25.
332

وأما الأخبار: فمنها عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: قيل له: فإن زنى وهو مكاتب ولم يؤد شيئا من مكاتبته؟ قال: هو
حق الله يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين (1).
ومنها عن بريد العجلي عن أبي عبد الله " أبي جعفر " عليه السلام في الأمة
تزني، قال: تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج (2).
ومنها عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى
العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم إنما عليهما الضرب خمسين نصف
الحد (3).
ومنها عن عاصم بن حميد عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مملوك طلق امرأته تطليقتين ثم جامعها بعد فأمر
رجلا يضربهما ويفرق بينهما يجلد كل واحد منهما خمسين جلدة (4).
وفي هذه الرواية حكم بالجلد والتفريق بينهما أي بين الزاني والزانية
ولعل الحكمة فيه أن لا يكونا معا فلا يقعان في الزنا ثانيا ومرة أخرى، ويمكن
أن يكون المراد من التفريق بينهما حرمة نكاحها عليه فإن الأمة إذا طلقت
تطليقتين تكون كالحرة التي طلقت ثلاث طلقات فتحرم هي عليه بدون
المحلل، ومقتضى هذه الرواية على الاحتمال الثاني هو حرمتها مؤبدا عليه
بزناه بها ولكن العلماء لا يفتون بذلك فإن الموجب للحرمة أبدا هو الزنا بالمرأة في
العدة الرجعية فإنها كذات البعل بخلاف البائنة فلا يوجب الزنا في عدة البائن
الحرمة الأبدية.
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلما

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
333

أو كافرا أو نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى (1).
وهنا قد صرح بعدم الرجم والنفي على العبيد
وعن بريد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى العبد جلد خمسين
فإن عاد ضرب خمسين فإن عاد ضرب خمسين إلى ثمان مرات فإن زنى ثماني
مرات قتل وادعى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال (2).
والتعبير في الخبرين الأخيرين وكذا في بعض ما سلف وإن كان بالعبد
لكن الظاهر عدم خصوصية له، فالأمة أيضا كذلك فلا رجم على الأمة ولا نفي
وإنما عليها الجلد خمسين جلدة (3).
وإذا استظهرنا عدم النفي والجز في الحرة فالأمة أولى بذلك ولا أقل
من كون الأمة كالحرة في هذه الجهة.
وفي رواية عبيد بن زرارة أو بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أمة زنت؟ قال: تجلد خمسين جلدة، قلت: فإنها عادت؟ قال: تجلد
خمسين، قلت فيجب عليها الرجم في شئ من الحالات؟ قال: إذا زنت ثماني
مرات يجب عليها الرجم قلت: كيف صار في ثماني مرات؟ فقال: لأن الحر
إذا زنى أربع مرات وأقيم عليه الحد قتل. فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت
في التاسعة قلت: وما العلة في ذلك؟ قال: لأن الله عز وجل رحمها أن يجمع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(3) وفي آيات الأحكام للكاظمي ج 4 الصفحة 193 عند البحث عن آية جلد الزاني.. وهذا العموم
مخصوص بالاجماع والأخبار بالحر والحرة غير المحصنين، فلو كان عبدا أو أمة ينصف عليهما
الحد كما اقتضاه قوله: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، وقال بعض الظاهرية:
عموم قوله: الزانية والزاني، يقتضي وجوب المأة على العبد والأمة إلا أنه ورد النص بالتنصيف في
حق الأمة فلو قسنا العبد عليه لزمنا تخصيص عموم الكتاب بالقياس، ومنهم من قال: الأمة إذا
تزوجت فعليها خمسون لقوله: فإذا أحصن " آي تزوجن " فإن أتين بفاحشة مبينة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب فإذا لم تتزوج فعليها المأة للعموم واتفاق العلماء على خلاف هذين القولين
يردهما انتهى.
334

عليها ربق الرق وحد الحر قال: ثم قال: وعلى إمام المسلمين أن يدفع ثمنه
إلى مواليه من سهم الرقاب (1).
وأما التصريح بأنها ترجم في التاسعة مع اقتضاء التعليل القتل في الثامنة
فيمكن أن يكون ذلك لمزيد الترحم على الأرقاء والعبيد في قبال الأحرار.
وكيف كان فهي أيضا دالة على المقصود والمطلوب، فالمستفاد من هذه
الروايات مضافا إلى الآية الكريمة هو أن حد المملوك والمملوكة نصف حد
الحر والحرة فيضربان خمسين جلدة ولا شئ سوى ذلك عليهما ولذا قال
المحقق: ولا جز على أحدهما ولا تغريب انتهى وخالف الشافعي في ذلك
فقال بأن المملوك أيضا ينفى إذا زنى ومدة نفيه ستة أشهر (2).
وأنت قد علمت التصريح بعدم النفي في العبيد في رواية محمد بن قيس
وغيرها. هذا مضافا إلى ما فيه من الاضرار بالسيد وتفويت المنفعة عليه.
وأما الجز فما ورد فيه روايتان، وهما واردتان في الرجل ولعل المنصرف
منه هو الحر لا مطلقا.
هذا كله في العبد المحض سواء لم يقع عليه عقد الكتابة أصلا أو وقع
لكنه لم يؤد شيئا أصلا أو وقع وأدى لكنه كان من المكاتب المشروط الذي لا يؤثر
أداء بعض المال في عتقه شيئا.
وأما العبد المبعض فلم يتعرض له المحقق قدس سره نعم تعرض له
صاحب الجواهر رضوان الله عليه فقال: ويحد المبعض حد الأحرار بنسبة ما عتق فيحد
من انعتق نصفه خمسة وسبعين.
وقد وردت في ذلك أخبار شريفة أوردها صاحب الوسائل في باب تحت

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) أقول: قال الشيخ في حدود الخلاف المسألة 4: لا نفي على العبد ولا على الأمة وبه قال مالك وأحمد،
وللشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه والثاني أن عليهما النفي، وكم النفي؟ له فيه قولان
أحدهما سنة مثل الحر والآخر نصف السنة. دليلنا أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فإن زنت فليجلدها،
ولم يذكر التغريب.
335

عنوان: باب أن المملوك إذا تحرر بعضه ثم زنى فعليه حد الحر بقدر الحرية
وحد الرق بقدر الرقية.
فعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في المكاتب قال: يجلد في الحد
بقدر ما أعتق منه (1).
وعن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجلد
المكاتب على قدر ما أعتق منه. وذكر أنه يجلد ببعض السوط ولا يجلد به
كله (2).
أقول: ولعل المراد منه أنه إما أن يضرب من أعتق نصفه مثلا خمسين
جلدة وإما أن يضرب مأة ببعض السوط.
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدت من مكاتبتها فيكون فيها حد
الحرة وما لم تقبض فيكون فيه حد الأمة. وقال في مكاتبة زنت وقد أعتق منها
ثلاثة أرباع وبقي الرابع جلدت ثلاثة أرباع الحد حساب الحرة على مأة
فذلك خمس وسبعون جلدة وربعها حساب خمسين من الأمة اثني عشر سوطا
ونصف فذلك سبع وثمانون جلدة ونصف وأبى أن يرجمها وأن ينفيها قبل
أن يبين عتقها (3).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام مثله إلا أنه قال: يؤخذ
السوط من نصفه فيضرب به وكذلك الأقل والأكثر (4).
إلى غير ذلك من الروايات الدالة على أنه يعتبر شقصه الحر وهو المعيار
بالنسبة إلى المأة التي هي حد الحر الخالص، ويعتبر شقصه من الرق بالنسبة
إلى الخمسين التي هي حد العبد الخالص فمن كان نصفه حرا ونصفه عبدا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
336

فبالنسبة إلى نصفه الحر يجب خمسون وبالنسبة إلى نصفه الآخر يجب خمسة
وعشرون فيجب خمسة وسبعون.
نعم في رواية ما يخالف ذلك وهي رواية سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله عليه السلام في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم إن العبد أتى
حدا من حدود الله. قال: إن كان العبد حيث أعتق نصفه قوم ليغرم الذي أعتقه
نصف قيمته فنصفه حر يضرب نصف حد الحر ويضرب نصف حد العبد وإن
لم يكن قوم فهو بعد يضرب حد العبد (1).
لكن ربما يتضح المراد منها بذكر ما قالوه في باب العتق عند البحث عن
السراية حيث قالوا من أعتق شقصا من عبده أو أمته وإن قل الجزء سرى العتق
فيه وعتق كله. ولو كان له في هذا المملوك شريك بالسوية مثلا قوم على
معتق النصف موسرا بأن كان مالكا لما زاد عن مستثنيات الدين فإذا قوم عليه
سهم شريكه وتعهد بالأداء فإنه يعتق سهمه وسهم شريكه، ولو كان معسرا فإن
العبد يسعى بنفسه في باقي قيمته ويؤدي قيمة سهم الشريك ويصير حرا
بأجمعه.
وعلى هذا فلو كان موسرا وقوم نصيب الشريك ليغرمه له المعتق فإنه يصح
عتق المعتق بالنسبة إلى سهمه فعلا وإذا أدى قيمة سهم الشريك يصير كله
حرا وحينئذ فلو زنى بعد تحقق عتق نصفه أعني إذا أعتق سهمه وقوم سهم
الشريك ليدفع إليه وقد ارتكب هذا العبد الزنا في الأثناء أي قبل أن يدفع قيمة
سهم الشريك فهنا يضرب العبد نصف حد الحر ويضرب نصف حد العبد،
وأما إذا كان قد أعتق سهم نفسه ولم يقوم سهم شريكه لأنه لا يريد أداء قيمته

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 6، قال في الوافي: بناء هذا
الحكم على أن بالتقويم يتم عتق النصف وبأداء القيمة يتم الكل، وهذا الأصل غير مستقيم كما
تبين في أبواب العتق انتهى. وعن بعض الحواشي على الفقيه: لعل التقويم كناية عن صحة
العتق أي لم يقصد المعتق الاضرار بالشريك ليبطل العتق حيث لم يقصد القربة بل قصدها ورضى
بتقويم حصة الشريك عليه لكن لم يقوم عليه لمانع فبقي النصف في الرق فيكون المعنى: إن كان
عتق نصفه صحيحا فكذا وإلا فهو عبد. انتهى راجع تذييلات المقنع الصفحة 147.
337

إليه فهناك يبطل عتق سهم نفسه أيضا وعلى هذا فلو زنى العبد والحال هذه فهو
عبد خالص فيضرب حد العبد وهو خمسون جلدة وذلك لعدم وقوع العتق أصلا.
وفي خبر عباد بن كثير البصري عن جعفر بن محمد عليهما السلام في
المكاتبين إذا فجرا يضربان من الحد بقدر ما أديا من مكاتبتهما حد الحر
ويضربان الباقي حد المملوك (1).
وعن محمد بن محمد المفيد في الارشاد قال: روت العامة والخاصة إن
مكاتبة زنت على عهد عثمان قد عتق منها ثلاثة أرباع فسأل عثمان أمير المؤمنين
عليه السلام فقال: يجلد منها بحساب الحرية ويجلد منها بحساب الرق وسأل
زيد بن ثابت فقال: يجلد بحساب الرق وقد أعتق ثلاثة أرباعها؟ وهلا
جلدتها بحساب الحرية فإنها كثر؟ فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب
توريثها بحساب الحرية فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل ذلك واجب
فأفحم زيد وخالف عثمان أمير المؤمنين عليه السلام (2).
ويستفاد من كلام زيد إن كون حد الرق على نصف من الحر كان أمرا
مفروغا عنه عند الصحابة، وإنما الاختلاف في النظر والفتوى كان فيما إذا عتق منه
شئ وبقي الباقي.
وقوله عليه السلام: أجل ذلك واجب، جواب لقياس استعمله زيد.
قتل الزاني في الثالثة أو الرابعة.
قال المحقق: ولو تكرر من الحر الزناء فأقيم عليه الحد مرتين قتل في
الثالثة وقيل في الرابعة وهو أولى.
أقول: الكلام هنا في من زنى وأقيم عليه الحد ثم زنى ثانيا وأقيم
عليه الحد ثم زنى ثالثا فهنا ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يقتل في الثالثة وهذا هو

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 الحديث 9 أقول: وفي ارشاد المفيد الصفحة 102 في آخر
الخبر ولم يصغ إلى ما قال بعد ظهور الحجة عليه.
338

الذي اختاره المحقق وهو قول الصدوقين وابن إدريس بل هو أظهر الأقوال على
ما في المسالك.
ثانيها: أنه يقتل في الرابعة بعد ثلاثة حدود واختاره الشيخ في النهاية
والمبسوط، وكذا المفيد والسيد المرتضى والأتباع والعلامة، وهو الأولى عند
المحقق.
ثالثها: وهو أغرب الأقوال: إنه يقتل في الخامسة وقد ذكره الشيخ
قدس سره في الخلاف فقال: إذا جلد الزاني الحر البكر أربع مرات قتل في
الخامسة وكذلك في القذف يقتل في الخامسة والعبد يقتل في الثامنة، وقد
روى أن الحر يقتل في الرابعة وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا عليه الحد
بالغا ما بلغ، دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وهذا القول مرمي بالشذوذ والندرة (2) ولعل الأخبار والاجماع الذين
ادعاهما كان بالنسبة إلى أصل المطلب أي القتل فإن العامة لا يقولون بالقتل في
الزنا وإن بلغ ما بلغ ومهما تكرر، ولا شك في دلالة الأخبار على القتل في
الجملة كما أن الاجماع أيضا قائم على ذلك، وإلا فلم نعثر على خبر يدل على أن
الزاني يقتل في الخامسة كما وإنا لم نجد قائلا. بذلك غيره قدس سره.
واستدل للقول الأول بصحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي
عليه السلام قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في
الثالثة (3).
واستدل للقول الثاني أي قتله في الرابعة بعد أن أقيم عليه الحد ثلاث
مرات برواية أبي بصير الموثقة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الزاني إذا زنى
يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة يعني جلد ثلاث مرات (4) رواها المشايخ الثلاثة.

(1) الخلاف المسألة 55 من كتاب الحدود.
(2) قال في الرياض: وأما القول بقتله في الخامسة كما يحكي عن الخلاف فشاذ غير واضح المستند
مخالف للاجماع انتهى.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
339

وقد أورد عليها بأن في طريقها محمد بن عيسى عن يونس وإسحاق بن
عمار وهو فطحي المذهب كما أن أبا بصير مشترك.
وأجيب بأنهم عبروا عن الرواية بالموثقة وهذا يكفي في الاستدلال بها
ولو كانت الرواية ضعيفة فضعفها منجبر بعمل الأصحاب.
وعن العلل وعيون أخبار الرضا باسناده عن محمد بن سنان عن الرضا
عليه السلام فيما كتب إليه: وعلة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني
والزانية لاستحقاقهما وقلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنه مطلق لهما ذلك. وعلة
أخرى إن المستخف بالله وبالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر (1).
وقد جمع الشيخ القائل بالقول الثاني بين صحيح يونس وموثق
أبي بصير بأن صحيح يونس محمول على غير الزاني، والنتيجة أن أصحاب الكبائر
كلهم يقتلون في الثالثة سوى الزاني فإنه يقتل في الرابعة وذلك بمقتضى العموم
والخصوص فإن الخاص مقدم على العام.
وقد كان هذا القول عند المحقق أولى والمراد منه كما في المسالك هو
الأولى من حيث الاحتياط في الدماء لا من حيث الفتوى؟ فإن مختاره في الكتابين
هو الأول.
وفي الرياض. بالنسبة إلى القول الثاني: هذا القول في غاية القوة مع
كونه أحوط بلا خلاف ولا شبهة، لما فيه من عدم التهجم على إراقة الدماء
وحفظ النفس المحترمة.
فاختار هو أيضا قتله في الرابعة بعد أن حد ثلاث مرات.
ونحن نقول: إما أن يقال باعتبار خبر أبي بصير أو بعدمه فعلى الأول لا بد
من الأخذ به، والتخصيص، والافتاء بأن الملاك هو المرة الرابعة فلا يجوز قتله في
الثالثة، وعلى الثاني فالملاك هو المرة الثالثة وفي الحقيقة الأمر دائر بين
محذورين فإن القتل في الثالثة ربما يكون بلا مسوغ ومبرر فهو محذور كما أن القتل
في الرابعة أيضا ربما يكون من باب التأخير في الحد وعدم اجرائه وهو أيضا حرام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
340

ومحذور وكما أن القتل بلا مسوغ كبيرة موبقة كذلك ترك اجراء الحد أيضا من
الكبائر فلا وجه للاحتياط لأنه نطير باب التعارض.
هذا مضافا إلى أن التأخير إلى الرابعة من باب الاحتياط إذا كان
المعتبر بحسب الواقع قتله في الثالثة يؤدي إلى خلاف الاحتياط لأن جلده في
الثالثة ايذاء للمؤمن بلا وجه، وعلى الجملة فالظاهر أنه لا وجه لهذا الاحتياط
الذي قاله المحقق وفسره في المسالك على ما تقدم.
وأما ما يستفاد من كلام السيد صاحب الرياض من كونه من باب
الأهم والمهم (1)، ففيه أن مورد قاعدة الأهم والمهم هو ما إذا كان هناك دليلان
وتكليفان إلا أن عدم قدرة المكلف على الاتيان بهما اضطره إلى الأخذ بأحدهما
وهناك لا بد من الأخذ بالأهم وترك المهم كما في غريقين أحدهما عالم
والآخر عامي، وما نحن فيه ليس، كذلك فإنه كما تقدم نظير باب التعارض
فإما أن يكون التكليف هو القتل في الثالثة أو في الرابعة.
نعم يمكن أن يقال إن الآية الكريمة تدل على وجوب جلد الزانية
والزاني مأة جلدة وصحيح يونس: (إن أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد
مرتين قتلوا في الثالثة) يقتضي تخصيص الآية الكريمة بأنهما يقتلان في المرة
الثالثة مع اجراء الحد عليهما مرتين وموثق أبي بصير يقتضي تخصيصها بالمرة
الرابعة فهما يقتلان بعد جلدهما ثلاث مرات وهذا يوجب الشبهة في تخصيصها
بالثلاث أو بأربع في باب الزنا والمتيقن هو المرة الرابعة إما بنفسها أو لأنه قد
وجب القتل قبل الرابعة أي في المرة الثالثة، وأصالة العموم وأصالة عدم
التخصيص تقتضيان عدم خروج الزاني عن تحت عموم الآية إلى المرحلة المسلمة
وهي المرة الرابعة.
لكن من الواضح إن هذا يقتضي عدم القول بالقتل في الثالثة رأسا
ولزوم تأخيره إلى الرابعة، وفي الحقيقة هذا دليل مستقل في استظهار القول
الثاني كما أن صاحب الرياض كان بصدد ذلك على خلاف المحقق

(1) راجع الرياض الجلد 2 الصفحة 473.
341

والشهيد الثاني هذا، وعلى الجملة فالأظهر عندنا هو القول الثاني فإن
الخاص مقدم بعد اعتباره بالتوثيق.
ولا يخفى أن ما ذكر من وجوب قتله سواء كان في المرة الثالثة أو
الرابعة جار فيما إذا أقيم عليه الحد مرتين على الأول وثلاث مرات على الثاني
ومشروط به وإلا فإنه لا يقتل اجماعا كما سيأتي ذلك أيضا.
قتل المملوك في الثامنة أو في التاسعة
هذا كله في الحر وأما المملوك مطلقا فقال المحقق:
أما المملوك فإذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة وقيل في التاسعة
وهو أولى.
أقول: هنا أيضا ثلاثة أقوال: أحدها: قتله في الثامنة وهو مختار الشرايع
وقد ذهب إليه المشهور.
ثانيها أنه يقتل في التاسعة وقد ذهب إليه الشيخ في النهاية، والقاضي
وجماعة وجعله المحقق أولى، ويظهر من عبارة صاحب الوسائل أنه اختار هذا
القول فإنه قال في عنوان الباب المتعلق بالمقام: باب إن المملوك إذا جلد ثمان
مرات في الزنا رجم في التاسعة عبدا كان أو أمة..
ثالثها التفصيل بين ثبوته بالبينة فيقتل بعد الثامنة وبين ثبوته باقراره فلا
يقتل إلا بعد التاسعة وهو المحكى عن الراوندي.
وقد استدل للقول الأول بعد ادعاء الاجماع عليه من الانتصار والغنية
بصحيح بريد عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا زنى العبد جلد خمسين، فإن عاد
ضرب خمسين فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرات فإن زنى ثماني مرات
قتل وأدى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال (1).
أقول: وهذا هو المناسب لكون حد المملوك نصف حد الحر المستفاد

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 2.
342

من الآية الكريمة: وعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (1) فإنه
إذا كان عذاب الحر في المرة الرابعة فعذاب المملوك في المرة الثامنة.
واستدل للقول الثاني بخبر عبيد أو بريد قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أمة زنت؟ قال: تجلد خمسين جلدة قلت: فإنها عادت، قال: تجلد
خمسين، قلت: فيجب عليها الرجم في شئ من الحالات؟ قال: إذا زنت
ثماني مرات يجب عليها الرجم قلت: كيف صار في ثماني مرات؟ فقال:
لأن الحر إذا زنى أربع مرات وأقيم عليه الحد قتل فإذا زنت الأمة ثماني
مرات رجمت في التاسعة (2).
وفيه أنه وإن كان يدل على اعتبار التاسعة إلا أنه ضعيف السند (3) مختل
الدلالة وترى أن التعليل لا يلائم الذيل والحكم، وذلك لأن مقتضى لحاظ
حال الحر هو قتله في الثامنة الذي ذكر في صدر الرواية ومع ذلك فقد فرع عليه
أنه يقتل في التاسعة، ولعل ذلك من خطأ الراوي هذا، مضافا إلى أنه لا قائل
بالرجم بالنسبة إلى المملوك وقد صرح الخبر برجمه وهذا مما يوجب مزيد
الوهن في الرواية.
وعلى هذا فالترجيح بحسب الرواية للقول الأول أي قتله في الثامنة ومع
ذلك فقد جعل المحقق القول الثاني أولى.
ويرد عليه ما ذكرناه آنفا بالنسبة إلى الحر فإن المقام ليس بنحو يخرج
المكلف عن عهدة التكليف بأي واحد من التكليفين حتى يكون أحدهما أحوط

(1) سورة النساء الآية 25.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
(3) صرح في المرآة الجلد 23 الصفحة 366 يكون الخبر مجهولا.
أقول: إن أصبغ بن أصبغ على ما قاله المامقاني: ليس له في كتب الرجال ذكر أصلا فهو مجهول انتهى راجع
الجلد 1 الصفحة 150. وأما محمد بن سليمان، ففي روضة المتقين الجلد 10 الصفحة 87 عن
رجال الشيخ: محمد بن سليمان له كتاب يرمى بالغلو انتهى وفي رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة
122: مقتضى نقل الشيخ رميه بالغلو هو ضعفه وإن تأمل أحد في ذلك فلا أقل من جهالته انتهى.
وأما مروان بن مسلم فقط اختلفوا فيه كما يظهر ذلك من رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة 210.
343

مع الاجتزاء بالآخر بل هو من قبيل الدوران بين المحذورين.
كما أنه يرد على كلام صاحب الرياض هنا ما أوردناه عليه في ذلك
المقام من عدم كون محل الكلام من باب الأهم والمهم حتى يؤخذ بالأهم بل
المقام من قبيل المتعارضين فإن الخصوصية ليست هي عدم قدرة المكلف على
الاتيان بهما.
نعم يمكن التمسك بما ذكرناه هناك من الشك في التخصيص وعدمه
والأصل عدمه (1).
الكلام في الزنا المتكرر بلا تخلل الحد
قال المحقق: وفي الزناء المتكرر حد واحد وإن كثر.
أقول: بلا فرق بين أقسامه من الحر أو المملوك وكون الزنا بامرأة
واحدة أو متعددة في يوم واحد أو في أيام، نعم الظاهر أنه لا تشمل العبارة ما إذا
أوجب الزنا كل مرة حدا غير الآخر، كالزناء الموجب للجلد، والزنا الموجب للرجم،
فالمقصود هو ما إذا كان حد كل واحد هو الجلد.
وفي المسألة قولان أحدهما أنه لا يتكرر الحد بل يكتفى بحد واحد
وهذا هو المشهور.
ثانيهما أنه إن زنا بامرأة واحدة كفى حد واحد، وإن زنا بجماعة نساء
في ساعة واحدة حد لكل امرأة حدا، ذهب إليه ابن الجنيد والصدوق في المقنع.
واستدل على الأول بأصل البراءة وصدق الامتثال.
أقول: إنه لو وصلت النوبة إلى الشك ولم يمكن الاستظهار من الأدلة
فالحكم هو الرجوع إلى البراءة وأما مع الاستظهار منها فلا، سواء استظهر الاكتفاء
بالمرة أو اعتبار التكرار.

(1) لم يتعرض دام ظله لاستدلال القول الثالث فأقول: إن مأخذه الجمع بين الخبرين بحمل الأول
على ما إذا أقيمت البينة والثاني على حالة الاقرار، قال في الرياض: وهو مع شذوذه تحكم كما
صرح به جمع لفقد التكافؤ ثم الشاهد انتهى.
344

وحينئذ يجري الكلام في الاستظهار من الأدلة وإن المستفاد من الآية
الكريمة: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة " هل هو الوحدة أو
التعدد والتكرار؟ وهكذا الكلام بالنسبة إلى الروايات المساوقة للآية الكريمة.
وبعبارة أخرى: يبحث في أن الموضوع في الدليل الشرعي ملحوظ في
المقام بنحو صرف الوجود وأصل الطبيعة حتى لا تقبل التعدد أو أنه ملحوظ بنحو
الطبيعة السارية حتى يتكرر بعد إنا نعلم أنه في مواضع بنحو الأول وأخرى بنحو
الثاني، فإن من أكل مرات متعددة في يوم من شهر رمضان فليس عليه إلا كفارة
واحدة ولا يوجب ذلك تكرارها وإن كان يجب عليه الامساك بعد افطاره،
وهكذا باب الحدث والخبث فإن البول مهما تكرر لا يوجب إلا وضوءا
واحدا، وتلطخ الثوب أو البدن بالدم مثلا لا يوجب إلا غسلا واحدا لتطهير المعتبر
في الصلاة وإن كان قد تلطخ به مرارا، وهذا بخلاف من أفطر أياما من شهر
رمضان فإن لكل يوم من تلك الأيام كفارة مخصوصة به، فالافطار في هذا اليوم غير
الافطار في يوم آخر، وعلى الجملة فربما يوجب تعدد السبب تعدد المسبب وأخرى
لا يوجبه وذلك لدلالة الدليل بعد أن القاعدة تقتضي تكرار المسببات بتكرر
الأسباب والأصل عدم التداخل.
ولعله يستظهر من الآية الكريمة مثلا إن وجود العلة أي الزنا ليس
مأخوذا بنحو وجود الشئ وجودا ساريا بل بنحو أصل الطبيعة وصرف الوجود غير
القابل للتكرر وعلى ذلك فلا يجب إلا حد واحد لأن نفس الطبيعة غير متكررة
فلا يتكرر المسبب عنها.
لا يقال على هذا فالمسألة السابقة أيضا كذلك يعني إذا كان صرف
الوجود سببا للحد فإذا حد فلا يوجب الزنا التالي حد آخر لعدم تكرر صرف
الطبيعة (1).
لأنا نقول: إن هذا خلاف ظاهر الدليل فإن الظاهر منه أنه بعد تحقق
الزنا يجب الحد، فإذا زنى وأقيم عليه الحد ثم زنى ثانيا فلو اكتفى بالحد الأول

(1) راجع جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 34.
345

لزم كون حد الزنا السابق كافيا للزنا اللاحق مع أن الحد حد للزنا الذي وقع
الحد عقيبه لا لما يأتي بعده.
وقد ذكر في الجواهر قرائن لاستظهار ذلك أي كون المراد هو أصل
الطبيعة الذي لا يقبل التكرر.
منها ما أشار إليه بقوله: مع ابتناء الحدود على التخفيف ولذا تدرء
بالشبهة.
وفيه أن قرينية هذا لصرف الظاهر عن ظهوره محل تأمل واشكال لو كان
الظاهر من الآية هو الاستغراق أو الجنس الذي ينتج نتيجته، والتعبير وإن كان
بلفظ الزانية والزاني إلا أن من المعلوم ملاحظة علية الوصف للحكم وكأنه قيل:
فاجلدوا الزانية والزاني لمكان زناهما فهو نظير " لا تصل خلف الفاسق، أو،
لا يجوز الايتمام بالفاسق " فإنه ظاهر في أن العلة في ذلك، هو فسقه، وعلى
الجملة فبعد تحقق هذا الظهور وإن كل فرد من أفراد الزنا يوجب حدا مستقلا
فصلاحية ابتناء الحدود على التخفيف لصرف هذا الظاهر محل التأمل.
ومنها ما أفاده بقوله: وغلبة تكرار الخروج والولوج في المرة الواحدة
فضلا عن تكراره مستقلا.
وفيه أولا أن غلبة ذلك غير مسلم وثانيا سلمنا ذلك إلا أن المقصود من
الزنا هو الزناء العرفي الذي لا ينافيه تكرار الخروج والولوج ويحسب مع هذه
الخصوصيات زناء أو أحدا لا متعددا.
ومنها قوله: بل لعل التأمل الجيد في تعليق الحكم في الآية الشريفة على
الزانية والزاني يقتضي ذلك ضرورة كون التعدد في أشخاص الزنا حينئذ
كالتعدد في أسباب الحدث والنجاسة ولكن يكفي طهارة واحدة وتطهير واحد
لأن العنوان طهارة المحدث وتطهير النجس وهو صادق على متعدد السبب
ومتحده، فكذلك الكلام في الزناء فإن الزاني والزانية يصدق كذلك، إلى آخر
كلامه.
وفيه إنا لا نعلم فرقا بين التعبيرين لأنا لو استفدنا العلية فكل زناء يوجب
346

حدا مستقلا نعم لو لم يستظهر ذلك لتم ما أفاده.
وكيف كان فإرادة الطبيعة أو الوجود الساري أمر موكول إلى لحاظ المتكلم
فإن استظهر أنه أراد ولاحظ أصل الطبيعة وإن كان بمعونة القرائن التي ذكرها
العلماء الأعلام رضوان الله عليهم فهو، كما أنه لو استظهرت الطبيعة السارية فلا
كلام، ولو شك في ذلك يتمسك بأصل البراءة.
وفي الرياض عند الاستدلال على كفاية حد واحد وعدم تعدده بتعدد
الزنا قال: قيل لأصالة البراءة وصدق الامتثال وابتناء الحدود على التخفيف
وللشك في وجوب الزائد فيدرء بالشبهة.
أقول: هذه هي الوجوه التي استدل بها للقول بعدم تعدد الحد، والعمدة
من بينها هو الاطلاق.
ثم قال: وفي الأولين مناقشة لاقتضاء تعدد الأسباب تعدد المسببات
والتداخل خلاف الأصل.
ثم رد على هذه المناقشة المقتضية للتعدد والتكرار فقال: لكن مقتضى
هذا لزوم التعدد مطلقا ولو كان المزني بها مكررا، واحدة، ولم يقل به أحد من
الطائفة حتى الإسكافي والصدوق الذين حكى عنهما الخلاف في المسألة
فإنهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحد، وأوجبا التعدد إن
وقع بالمتعدد، فحينئذ لا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدد المسببات عند
تعدد أسبابها، المخالفة عمومها الاجماع هنا فلا بد من المصير إلى أحد
القولين إما التفصيل المتقدم أو المنع عن التعدد مطلقا والأول غير ممكن لعدم
الدليل عليه عدا خبر واحد قاصر السند بل ضعيف شاذ مطروح كما صح به الماتن
في الشرايع فتعين الثاني. انتهى.
ويرد عليه كما في الجواهر بأنه لو كان المقام من باب تعدد الأسباب
فلا بد من العمل بالقاعدة والأخذ بها إلا في خصوص ما قام الاجماع على
الخلاف ولازم ذلك العمل بها فيما إذا زنى بنسوة متعددة دون ما إذا زنى
مرارا بامرأة واحدة لقيام الاجماع في هذا المورد على عدم التعدد والتكرار، وأما
347

بالنسبة إلى النسوة المتعددة فلا وجه لذلك بعد اقتضاء القاعدة التكرار. وقولهم " لا
يمكن الأخذ بالقاعدة " لا يتم هنا أصلا.
نعم يمكن أن يتمسك بما أشرنا إليه من قبل من أن الحكم فرع
الموضوع ومتعلق به، والموضوع هنا الزانية والزاني وهذا لا تعدد فيه فيكون
الزاني زانيا سواء زنى مرة أو مرات بالواحدة أو بالمتعددة نظير وجوب الغسل
على الجنب فإن الجنب جنب سواء كان بالانزال أو بالدخول أو كليهما.
وعلى الجملة فالعلمان صاحبا الرياض والجواهر متفقان في أنه مع
عدم تخلل الحد لا يتعدد ذلك بتعدد الزنا إلا أن الأول يستند في ذلك إلى
الاجماع القائم على خلاف القاعدة بحيث لولاه لكان الحكم هو التعدد
بمقتضى القاعدة فالاجماع مانع عنها، في حين أن الثاني يقول بأنه لا تعدد
أصلا لعدم دليل يدل على ذلك فعدم التكرار عنده هو مقتضى القاعدة.
وأما القول بالتفصيل فقد ذهب إليه ابن الجنيد والصدوق في المقنع
فقالا: إن زنا بامرأة واحدة كفى حد واحد وإن زنا بجماعة نساء في ساعة
واحدة حد لكل امرأة حدا، وقد استندا في ذلك إلى رواية أبي بصير كما قال
المحقق:
" وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: إن زنا بامرأة مرارا
فعليه حد وإن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حد وهي مطرحة ".
وقد نقلها بالمعنى ومحصلا فإليك متنها:
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعن علي بن
إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرارا كثيرة
قال: فقال: إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة فإنما عليه حد واحد فإن
هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد وفي ساعة واحدة فإن عليه في كل امرأة فجر
بها حدا (1).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 باب 23 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
348

وقد أورد بأن في طريق الرواية ضعفا وذلك لأن علي بن أبي حمزة
البطائني الذي نقلها عن أبي بصير واقفي وإن كان الخبر معتبرا عندهما
ولذا فقد تمسكا به.
هذا كله بحسب استظهارات العلماء رضوان الله عليهم أجمعين فلو قلنا
بشئ منها فهو وإلا فلو شك في الوحدة والتعدد وإن الموضوع هل هو الفعل
القابل للتكرار أو الفعل الذي لا يقبل التكرار وبعبارة أخرى لو شك في أن
الموضوع مأخوذ بنحو صرف الوجود حتى لا يقبل التكرار والتعدد أو بنحو
الطبيعة السارية الصالحة للتعدد فهناك لا اشكال في جريان أصالة البراءة كما
تقدم ذلك لأن الحد الواحد مقطوع به ومتيقن والزائد عليه مشكوك فتجري
البراءة عنه.
لا يقال: إن كل واحدة من المرات المتعددة حرام قطعي فكيف
يجري أصل البراءة بالنسبة إلى الحد مع العلم بالحرمة؟
لأنا نقول إن التحريم وإن كان أمرا مسلما مفروغا عنه لكنه أمر آخر
غير الحد، فالموضوع بالنسبة إلى الحرمة مأخوذ بنحو الطبيعة السارية بلا كلام ولا
ترديد، ولا منافاة بين تعدد المعصية ووحدة الحد أصلا.
الكلام فيما إذا زنى الذمي بالذمية
قال المحقق: لو زنى الذمي بذمية دفعه الإمام إلى أهل نحلته ليقيموا
الحد على معتقدهم وإن شاء أقام الحد بموجب شرع الاسلام.
أقول: ادعى كثير من العلماء عدم الخلاف في ذلك. قال في
الرياض: بلا خلاف أجده وبه صرح بعض الأجلة وهو الحجة انتهى.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه كما عن بعضهم الاعتراف به.
وعلى هذا فالحاكم الاسلامي مخير بين أن يحكم هو بنفسه بحكم الاسلام
وأن يعرض عنه ويدفعه إلى الحكام الذميين كي يحكموا عليه بمقتضى
349

مذهبهم (1).
ويمكن أن يستدل على ذلك بوجوه: الدليل الكلي بلحاظ أنهم في
ذمة الاسلام، والكتاب، والسنة.
أما الأول فبيانه إن ذلك مطابق أو مستلزم للوفاء بعهدهم لشرائط
الذمة فمقتضى كونهم من أهل الذمة متعهدين بشرائطها ملتزمين بأداء الجزية
وغير ذلك من الأمور المشروطة عليهم هو كونهم في ذمة الاسلام وفي أمن
وأمان وراحة وسلام، وعدم اجبارهم على الالتزام بمقررات الاسلام وآدابه،
وعدم الزامهم بأحكام المسلمين فلهم أن يعملوا بما هو مقتضى مذهبهم فترى
أن من أهم الواجبات على المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فيجب حمل تاركي الصلاة على الاتيان بها وهكذا بالنسبة إلى سائر شعائر
الاسلام ولكن لا يجوز ذلك بالنسبة إلى أهل الذمة وليس للمسلمين اجبارهم
على الصلاة أو غيرها فإن الاسلام يتركهم وما يدينون ولهم أن يعيشوا في
ظل الاسلام آمنين مطمئنين وهذا من الحقوق التي أوجب عقد الذمة لهم علينا
وعلى هذا فيجوز للحاكم ارجاعهم في المرافعات إلى حكامهم. هذا.
ويمكن أن يقال: إذا حدث بينهم ما يحتاج إلى التحاكم وفصل
الأمر واطلع على ذلك الحاكم الاسلامي فلا يجوز له أن يلزموهم بالرجوع إلى
حكم الاسلام واعتناق ما هو المقرر عند المسلمين بل الأمر هنا بيدهم ولا مانع
لهم عن الرجوع إلى حكامهم إذا اختاروا ذلك.
وأما إذا وقع أمرهم بيد الحاكم الشرعي كما إذا كانوا قد ترافعوا إليه
فهنا لا دليل على جواز ترك الحكم بمقتضى الأحكام الاسلامية فإن من
المعلوم أن الأحكام الإلهية الاسلامية كلها متعلقة بكل المكلفين وكافة أبناء
البشر من المسلم والكافر كتابيا كان أو غيره، وإن دينهم صار منسوخا بطلوع
الاسلام غاية الأمر أن الشارع قرر عقد الذمة لمصالح عالية في ذلك وهو يمنع

(1) أقول: وقد تعرض العلامة أعلى الله مقامه لهذه المسألة في كتاب الجهاد من التذكرة الجلد 1
الصفحة 451 فراجع.
350

عن الزامهم ابتداءا بأحكام الاسلام، وأما عند ترافعهم إلى الحاكم الاسلامي
وايكالهم الأمر إليه وتسليمهم لدى نظره فليس له أن يترك الحكم الشرعي
المكتوب على كل المكلفين وارجاعهم إلى حكامهم فبحسب الأدلة الكلية يشكل
الحكم بالتخيير بل مقتضى القواعد الشرعية هو تعين الحكم بحسب الأحكام
الاسلامية.
وأما الثاني وهو الكتاب فقوله تعالى في مذمة اليهود: سماعون
للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب
المقسطين (1).
فإن الظاهر منه إن النبي صلى الله عليه وآله كان مخيرا بين أن
يحكم هو بنفسه بينهم إذا جاءوه أو يعرض حتى يحكم بينهم حكامهم.
وأما مجرد الاعراض وترك القضية فوضى فهو بعيد عن مقام الرسول
العظيم صلى الله عليه وآله ودينه الشامل الجامع فإن من كان منصوبا من قبل الله
إلى الناس أجمعين لاصلاح أمورهم وحل مشاكلهم كيف يمكن أن يقال له:
احكم بينهم أو اتركهم بحالهم؟ فلا بد أن يكون الاعراض عنهم المذكور في
الآية الكريمة مقدمة لأن يحكم بينهم من هو من أهل نحلتهم لو كان لهم في
ذلك حكم، والعقل يأبى أن يأتي قوم عنده لفصل الخصومة وهو يتركهم بلا
جواب بل لا بد من أن يحكم بينهم بنفسه أو يرسلهم إلى فاصل خصومة وإن
كان من أهل مذهبهم وعلى الجملة فالآية الكريمة تدل على تخيير الحاكم
بين الأمرين.
لا يقال إن كون (أو) في الآية الكريمة للتخيير غير مسلم وقد تردد في
ذلك بعض كالمحقق الأردبيلي حيث قال في مجمع الفائدة والبرهان: إن
الآية غير صريحة في التخيير.
لأنا نقول: إن ظهورها في التخيير مسلم واحتمال خلاف ذلك خلاف

(1) سورة المائدة الآية 42.
351

الظاهر جدا (1).
نعم قد ينافي التخيير قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما
بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله.. (2) فإن ظاهره وجوب
الحكم بما أنزل الله على نبيه الأعظم بنفسه وتعيين ذلك لا بما أنزل الله إلى
الأنبياء السابقين. ولا ينافي ذلك ما ذكره بعده بقوله تعالى: لكل جعلنا منكم
شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة (2) فإن الظاهر أن المراد منه: إن
لكل من الأنبياء شريعة ومنهاجا ولم يجعلكم الله أمة واحدة فلهم شريعتهم ولك
شريعتك فاعمل بها وليس المراد أنه جعل لكل منهم شريعة، ولك أن تعمل
بشريعة غيرك فإن ذلك ليس من متفاهم الآية الكريمة بل المقصود من الشريعة
الآن هو الاسلام ولا غير فهو الذي يجب اتباعه والحكم بمقتضاه، وعلى الجملة
فظاهر هذه الآية الكريمة هو تعيين الحكم بمقتضى ما أنزل الله على رسوله
الخاتم وعلى هذا فتنافي الآية السابقة الدالة على التخيير.
وعالج بعض العامة هذا التنافي بأن الآية السابقة منسوخة بهذه (3)

(1) أقول: هكذا أجاب دام ظله عن الاشكال ولكن هنا كلام وهو أنه وإن كان ظهور " أو " في
التخيير غير قابل للانكار إلا أنه ليست ظاهرة في التخيير بين حكمه صلى الله عليه وآله بنفسه وارجاعه إياهم
إلى أهل نحلتهم بل التخيير بين الحكم طبق الاسلام أوردهم وتركهم ولا اشكال فيه وتؤيد ذلك
تتمة الآية الكريمة: وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله
يحب المقسطين وعلى الجملة فإني كلما تأملت في الآية لم أر فيها دلالة على ارجاعهم إلى حكامهم
وإن كان " أو " فيها للتخيير فضلا عما إذا قيل بأنه ليس للتخيير أصلا بأن يكون للجمع مثلا، وعلى
ذلك فلم يبق إلا الروايات.
(2) سورة المائدة الآية 49.
(3) قال الشيخ قدس سره في التبيان الجلد 3 الصفحة 524: وفي اختيار الحكام والأئمة الحكم
بين أهل الذمة إذا احتكموا إليهم قولان أحدهما قال إبراهيم والشعبي وقتادة وعطاء والزجاج
والطبري وهو المروى عن علي عليه السلام والظاهر في رواياتنا أنه حكم ثابت والتخيير حاصل،
وقال الحسن وعكرمة ومجاهد والسدي والحكم وجعفر بن مبشر واختاره الجبائي أنه منسوخ
بقوله: وإن احكم بينهم بما أنزل الله، فنسخ الاختيار وأوجب الحكم بينهم بالقسط وهو العدل
انتهى.
352

ولكن لم يثبت ذلك والأصل عدمه.
ويمكن الجمع بينهما بأن الآية الأخيرة متعرضة لواحد من طرفي
التخيير فلا منافاة بينهما.
لا يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله كان بمقتضى الآية الثانية مأمورا
بالحكم بين الناس كلهم بما أنزل الله ولعل ما أنزل الله إليه بالنسبة إلى أهل
الكتاب هو ارجاعهم إلى حكامهم إذا احتكموا إليه صلى الله عليه وآله إذا لا
تنافي بينهما.
لأنه يقال: إنه لا شك في نسخ الأديان السابقة بسبب الاسلام
فالحكم الواقعي لكافة المكلفين وأهل الأرض بعد ذلك هو الاسلام لا غير
غاية الأمر أن مقتضى عقد الذمة والمسالمة جواز ارجاعهم إلى حكامهم
وبتعبير آخر أن جواز أن يحكم الحاكم الاسلامي وأن يتركهم كي يحكم
بينهم حاكمهم، هو الحكم الواقعي بالنسبة إلى الحاكم، فكان حكم النبي
صلوات الله عليه هو تجويز أن يعملوا بأحكامهم المنسوخة مع أداء الجزية لمصلحة
مقتضية لذلك لا أن يكون هذا هو الحكم الواقعي بالنسبة إلى أهل الذمة فإن
وظيفتهم قبول الاسلام والعمل بأحكامه ولذا فهم معذبون في الآخرة لو ماتوا
على ذلك.
فتحصل أن التنافي بحسب الظاهر محقق وبعد أنه لم يثبت النسخ فلا
محالة يجمع بين الآيتين بحمل الأولى على ذكر عدلي التخيير والثانية على ذكر
واحد منهما خاصة.
وأما الثالث وهو الاخبار فهي روايات واردة في خصوص المقام أي الزنا
بخلاف الدليلين الماضيين فإنهما كانا في مورد ترافع أهل الكتاب إلى النبي
والحاكم الاسلامي، وعنوان بابها في الوسائل: باب وجوب إقامة الحد على
الكفار إذا فعلوا المحرمات جهرا أو رفعوا إلى حكام المسلمين.
فمنها ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:
سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال:
353

يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير
أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكام المسلمين (1).
ومقتضى ظاهر هذا الخبر هو تعين الحكم عليهم بحكم الاسلام (كما
أن المجوسي قد ألحق فيه بأهل الكتاب).
ومثله ما رواه في باب الديات عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن دية اليهود والنصارى والمجوس قال: هم سواء ثمان مأة درهم.
قلت إن أخذوا في بلاد المسلمين وهم يعملون الفاحشة أيقام عليهم الحد؟
قال: نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين (2).
وعن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام
إن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي عليه السلام في الرجل زنى بالمرأة اليهودية
والنصرانية فكتب عليه السلام إليه: إن كان محصنا فارجمه وإن كان بكرا
فاجلده مأة جلدة ثم انفه وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما
أحبوا (3).
ترى التصريح فيها بأن الإمام عليه السلام أمر ببعث اليهودية إلى أهل
ملتها حتى يحكموا هم فيها.
ومقتضى هذا الخبر هو تعين البعث إليهم وعدم الحكم بحكم
الاسلام.
لا يقال: إن هذه الرواية متعلقة بالمرأة اليهودية والحال أنه كان
الكلام في الرجل الذمي لا في المرأة وقد تقدم في خبر علي بن جعفر إن السؤال
كان عن يهودي أو نصراني.. أخذ زانيا.
ففيه أن هنا من الموارد التي لا خصوصية لأحدهما فإذا وجب بعث
اليهودية يجب بعث اليهودي أيضا ويشعر بوحدة الحكم في المقام قوله تعالى:

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 29 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 19 الباب 13 من أبواب ديات النفس الحديث 8 الصفحة 162.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
354

الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، فإنه يستشعر منه أنه لا فرق
في أحكام الزنا بين الرجل والمرأة في غير ما أخرجه الدليل.
وعلى الجملة فإذا كانت رواية علي بن جعفر ورواية أبي بصير ظاهرتين
في تعين حكم الاسلام واجراء حدود المسلمين، ورواية إسماعيل بن زياد ظاهرة
في تعين بعثهم إلى قضاتهم وأهل نحلتهم فيرفع اليد عن ظهور كل منهما في
التعيين ويؤخذ بما هو المقطوع به من جواز كل واحد منهما، ونتيجة ذلك هو
التخيير بين الأمرين.
ويشهد لذلك ما في باب القضاء عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إن الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه كان ذلك
إليه إن شاء حكم بينهم وإن شاء تركهم (1).
وقد ظهر مما ذكرنا في هذا المضمار أن الأخبار على ثلاثة أقسام: منها
ما يفيد الرجوع إلى حكامهم ومنها ما يفيد إقامة حكم الاسلام ومنها ما يفيد
كون الحاكم مخيرا بينهما، والأخير شاهد الجمع بين الأولين لسقوط ظهورهما في التعيين بالمعارضة.
ثم إنهم عنونوا المسألة بعنوان زناء الذمي كما رأيت ذلك في كلام
المحقق ولكن بدل بعض العلماء لفظ الذمي بالكافر فعمم محل البحث وقال:
لو زنى الكافر..، وقد تقدم إن المحدث صاحب الوسائل رضوان الله عليه ذكر
رواية علي بن جعفر تحت عنوان باب وجوب إقامة الحد على الكفار، مع أن
السؤال فيها كان عن يهودي أو نصراني أو مجوسي.
ونحن نقول إن الكفار على أقسام: كتابي ذمي، وكتابي غير ذمي،
وغير أهل الكتاب من الكفار الحربيين. والذي يقطع بشمول الأخبار له هو
الأول أي الكتابي الذي كان في ذمة الاسلام مع العمل بشرائط الذمة وأما غير
ذلك وإن كان ذميا لا يبالي ولا يعتني شرائط الذمة فلا، ولو فرض تعميم
الحكم وتسريته فإنما يتجاوز عن المورد المقطوع به إلى مطلق الكتابي وإن

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
355

لم يكن ذميا وذلك بلحاظ انتحاله إلى شريعة إلهية ودين سماوي وإن كان
محرفا وأما الحربي وغير المعتقد بدين إلهي أصلا كالاشتراكيين فلو راجعوا إلى
حكام الاسلام في واقعة فلا يصح القول بجواز ارجاعهم إلى حكامهم
وأحكامهم التي ليست إلا مجعولات بشرية وقوانين خاطئة فيجب هناك عندما
راجعوا إلى حكام المسلمين اجراء أحكام الاسلام وتنفيذها بالنسبة إليهم
وإلا فإنهم ربما يبيحون بحسب مقرراتهم الوضيعة المنحطة نكاح الرجال للرجال
وكيف يمكن الالتزام بجواز الارجاع إليهم والحال هذه؟ وعلى الجملة
فالظاهر أن الأدلة كتابا وسنة منصرفة عن هذا.
ولو شك في اختصاص الأدلة بالمورد المتيقن وهو إذا كانت لهم شريعة
وأحكام ينتحلون بها إلى الله سبحانه أو شمولها لمطلق الكفار فلا بد من الاكتفاء
بالقدر المسلم والرجوع في غيره إلى أحكام الاسلام.
لكنا قد ذكرنا أن الأدلة ظاهرة في الاختصاص بأهل الملل الذين يعملون
بمقتضى معتقداتهم ويعيشون في ضوء الحكومة الاسلامية مع تعهدهم بالجزية
وغيرها من الشرائط.
نعم إذا كان الذمي قد زنى بالمسلمة فلا محالة يقتل كما مر ذلك لأنه
قد هتك حرمة الاسلام وخرج عن شرائط الذمة. كما أنه لو زنى المسلم بالذمية
فإنه يحكم على المسلم بما مضى سابقا من الأحكام من كونه محصنا أو غير محصن
وأما بالنسبة إلى الذمية فالحاكم بالخيار..
ثم إنه قد يستشكل في جواز الارجاع إليهم إذا كان قوانينهم محرفة
وأحكامهم مبدلة ليست على ما جاء به التوراة والإنجيل وإنما يقتصر في ذلك
على ما إذا وافقت قوانينهم الدائرة كتابهم السماوي، كما ربما يدل على ذلك
ما رواه المحدث العاملي في باب القضاء عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيان أو يهوديان كان بينهما
خصومة فقضى بينهما حاكم من حكامهما بجور فأبى الذي قضى عليه أن يقبل
356

وسأل أن يرد إلى حكم المسلمين قال: ير إلى حكم المسلمين (1).
وفيه أنه يجوز الارجاع إليهم حتى فيما حرف من قوانينهم فإنه يكفي
في ذلك مجرد انتحالهم إلى الله وأنهم ينسبون مقرراتهم الجارية بينهم إلى الله
تعالى، ويشهد على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قررهم على قوانينهم
وأحكامهم والحال إن كثيرا من مقرراتهم وأحكامهم كانت محرفة.
وأما الرواية فالظاهر أن الحكم بالجور كان لأجل إن الحاكم قد حكم
بخلاف ما هو المقرر على حسب نظامهم القضائي وليس المراد أنه حكم على
خلاف كتابهم السماوي.
الكلام فيما إذا كانت المزني بها حاملا
قال المحقق قدس سره: ولا يقام الحد على الحامل حتى تضع
وتخرج من نفاسها وترضع الولد إن لم يتفق له مرضعة ولو وجد له كافل جاز
إقامة الحد (2).
وفي الجواهر بعد قول المحقق: وتخرج من نفاسها: بلا خلاف
أجده نصا وفتوى بل ولا اشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت
لعدم السبيل عليه.
أقول: إن المراد من الحد أعم من الرجم والجلد كما أن الحامل أعم
من كون حملها من الحلال أو من الزنا.
ثم إنه تارة يكون في اجراء الحد عليها وهي حامل ضرر على

(1) الوسائل الجلد 18 الباب 27 من كيفية الحكم الحديث 2، أقول: أورده هذا العبد وقد أجاب
دام ظله العالي بما ذكرناه في المتن.
(2) وقال ابن البراج في المهذب الجلد 2 الصفحة 528: وإذا زنت امرأة هي حامل لم يقم عليها حد
بجلد ولا رجم وهي كذلك فإذا وضعت ولدها وخرجت من نفاسها وأرضعته جلدت أو رجمت
وقال سلار في المراسم الصفحة 253: ولا يحد الحامل حتى تضع.
وقال ابن سعيد في جامع الشرايع الصفحة 554: ولا تحد الحامل حتى تضع وترضع.
357

نفسها، وأخرى على ولدها، وقد نفى صاحب الجواهر الاشكال في الصورة
الثانية.
ويمكن أن يقال إنه لا فرق في ذلك بين ضرر الولد وضرر الأم إذا كان
زائدا على ما هو من طبع الحد ومقتضاه، وإن كان يمكن أن يقال إنه إذا كان
حدها الرجم فلا ضرر أعظم من القتل والموت فلا يعتنى بذلك الضرر،
فالحكم بعدم اجراء الحد عليها حينئذ موقوف على تعبد خاص.
وكيف كان فإذا كان في اجراء الحد عليها ضرر على الولد فتارة يكون
الضرر هو سقطه أو موته عند الرضاع وأخرى من قبيل المرض وغيره ففي الأول
يتمسك في عدم اجراء الحد حينئذ بقاعدة الأهم والمهم.
بيان ذلك أن التسريع في اجراء الحد كنفس اجرائه واجب ومن
ناحية أخرى فإن حفظ النفس المحترمة أيضا واجب إلا أنه لا شك في كون
حفظ الدماء والنفوس المحترمة أهم من ترك التسريع في إقامة الحد وتأجيله
ومن المعلوم أن الأهم مقدم على المهم عند دوران الأمر بينهما بل لا يلزم العلم
بموت الولد فإنه يكفي مجرد خوف ذلك وكونه في معرض التلف والهلاك
فيكون العلة حكمة في الحكم لا علة حقيقية حتى يعتبر العلم بها ويدور
الحكم مدارها وطبقا لهذه القاعدة العقلية وردت الرواية عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال لعمر وقد أتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له علي
عليه السلام: هب لك سبيل عليها أي سبيل لك على ما في بطنها والله يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى، فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن.
ثم قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن؟ قال: احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت
ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحد عليها (1).
وأما إذا لم يكن الضرر اللازم هو الموت والتلف بل كان من قبيل المرض
مثلا كما إذا فسدت لبن الأم عقيب اجراء الحد عليها وكان ذلك موجبا لفساد
مزاج الولد واضطراب حاله أو لزم من ذلك أن يتغذى بلبن غير لبن أمه الذي

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
358

هو أنسب لبن بحال الولد وأنفعه لمزاجه ولذا جعله الله تعالى غذاءا له وأفضى
ذلك إلى مرضه فحينئذ يتمسك بلا ضرر فإنه حاكم على جميع الأدلة فيجب
التأخير في الحد إلى ما بعد الرضاع.
ثم إنه قد اكتفى بعض من أيام الرضاع باللبأ مستندا إلى إناطة حياة
الولد به، قال بعض الأجلة إذا كانت المزني بها حاملا فإن كانت محصنة تربص
بها حتى تضع حملها وترضعه مدة اللباء ثم ترجم.
واستدل على ذلك بعد ذكره عدم خلاف ظاهر بين الأصحاب
بمعتبرة عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محصنة زنت وهي
حبلى، قال: تقر حتى تضع ما في بطنها وترضع ولدها ثم ترجم (1) قال:
والارضاع في الرواية لا بد من حمله على الارضاع مدة اللباء فإن الطفل على
ما قيل لا يعيش بدونه والدليل على ذلك صحيحة أبي مريم عن أبي جعفر
عليه السلام (2)..، قال: فإن هذه الصحيحة واضحة الدلالة على أن الرجم لا
يؤخر إلى اتمام الرضاع حولين كاملين..
ثم أورد على الرواية بعدم اعتبارها لاشتراك أبي مريم بين من ثبتت
وثاقته ومن لم يثبت وثاقته، وأجاب بوجهين يوجبان حمله على الثقة.
وقال أيضا: وإن كانت غير محصنة حدت إلا إذا خيف على ولدها
واستدل على ذلك بقوله: أما لزوم الحد فلعدم الدليل على التأخير لما عرفت من
اختصاصه بالرجم إلى أن تضع حملها نعم إذا خيف على ولدها وجب التأخير
تحفظا عليه.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث.
(2) قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتى
استقبلت وجهه فقالت: إني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت: إني قد فجرت فأعرض
عنها ثم استقبلته فقالت: إني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت ثم
أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى
الحقو.. ورماها بحجر. الحديث 5.
359

أقول: إن أصل إناطة حياة الطفل باللبأ محل الترديد والكلام، وليس
ذلك بمسلم وإن كان هو المشهور. ولذا قال بعض الأعاظم مجيبا عنه ويمكن
أن يقال: ما ذكر من لا بدية حمل الارضاع على مدة اللباء مشكل حيث إن
ما ذكر من أن الطفل لا يعيش بدون اللبأ مورد الانكار فكيف يصرف اللفظ إليه
بلا قرينة وما ذكر في رفع شبهة الاشتراك ليس يقيد إلا الظن، والظن ما لم
يصل إلى حد الوثوق والاطمينان كيف يصح الاعتماد عليه في رفع الشبهة (1).
والتحقيق أن يقال: إن ما تمسك به في اثبات مدعاه من صحيح
أبي مريم لا ينفع في ذلك أصلا فإن قوله عليه السلام: حتى وضعت ثم أمر بها
بعد ذلك فحفر لها الخ ليس له اطلاق فإنه بيان لما وقع وصدر عنه صلى الله عليه
وآله ولا يمكن حمله على صورة عدم المرضع والكافل أصلا بأن يكون يجب
التسريع في اجراء الحد وإن أفضى ذلك إلى هلاك الصبي، والعقل حاكم
بذلك فلا بد من أن يحمل على صورة وجود المرضع والكافل ومن المعلوم أن هذا
مطابق للقاعدة العقلية ولا شك في أنه مع وجود الكافل لا يؤخر اجراء الحد
أصلا وأما مع عدم وجوده فيجب التأخير في الحد عقلا ونقلا وعلى هذا فالخبر
لا ينفع في اثبات مدعاه من وجوب ارضاع الصبي اللبا.
هذا مضافا إلى التصريح بالارضاع حولين كاملين في روايات أخرى وعلى
الجملة فهذا الصحيح لا يقول إلا ما قالت به الروايات الأخرى من أنه مع وجود
الكافل يقام عليها الحد وعلى هذا فلا حاجة إلى تجشم الذب عن الاشكال
الوارد في الرواية من جهة اشتراك أبي مريم، والاشكال الذي أورده بعض
الأعاظم على هذا الذب، فإن الصحيح المزبور لا ينفع في اثبات مراده شيئا.
وأما ما ذكره من أن رواية أصبغ أجنبية عن المقام فإن الأمر بالارضاع
كان قبل الثبوت، ففيه ما أورد عليه من أنه يشكل حيث إنه مع اصرار المرأة
بتطهيرها والعلم العادي بأنها تقر مكررا حتى يجرى عليها الحد كيف تؤمر
بالارضاع حولين كاملين إلى آخر كلامه.

(1) جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 39.
360

وكيف كان فمقتضى القاعدة أنه لا يجوز رجم الحامل كما لا تجوز رجم المرأة
إذا كانت ترضع الولد وكان في رجمها هلاك الولد وموته لفساد تغذيته أو لغير
ذلك فيجب التأخير في الحد رعاية لقاعدة الأهم والمهم، وأما إذا لم يلزم موته
بل كان في إقامة الحد عليها ضرر عليه فمقتضى تقديم أدلة الضرر لزوم التأخير
في الحد وأما إذا لم يلزم ضرر أصلا فالقول بجواز تأخير الحد هناك إلى ما بعد
الرضاع مثلا يحتاج إلى تعبد خاص واستفادة ذلك من الروايات، وإلا فمقتضى
القاعدة وجوب التسريع فيه والظاهر أنه لا يبعد استفادة ذلك منها.
ففي خبر أبي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه قال:
أتت امرأة مجح أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني طهرك الله.. فقال لها: مما أطهرك؟ فقالت إني زنيت.. فقال
لها: انطلق فضعي ما في بطنك ثم ايتيني أطهرك فلما ولت عنه المرأة فصارت
حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم إنها شهادة فلم تلبث أن أتته فقالت: قد
وضعت فطهرني قال: فتجاهل عليها فقال: أطهرك يا أمة الله مماذا؟ قالت:
إني زنيت فطهرني.. قال فانطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك الله
قال: فانصرفت المرأة فلما صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم إنهما
شهادتان. قال: فلما مضى الحولان أتت المرأة فقالت: فقد أرضعته حولين
فطهرني يا أمير المؤمنين فتجاهل عليها وقال: أطهرك مماذا؟ فقالت: إني
زنيت فطهرني.. قال: فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا
يتردى من سطح ولا يتهور في بئر، قال: فانصرفت وهي تبكي فلما ولت
وصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات قال: فاستقبلها
عمرو بن الحريث المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا أمة الله وقد رأيتك
تختلفين إلى علي تسألينه أن يطهرك فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين عليه السلام
فسألته أن يطهرني فقال: اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا
يتردى من سطح ولا يتردى في بئر وقد خفت أن يأتي علي الموت ولم يطهرني
فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين
361

عليه السلام بقوله عمرو بن حريث فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام وهو متجاهل
عليهما؟ ولم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني.. فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنه قد ثبت عليها أربع شهادات
إلى أن قال: فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه فلما رأى
ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إني إنما أردت أن أكفله إذ ظننت أنك تحب
ذلك فأما إذ كرهته فإني لست أفعل فقال أمير المؤمنين عليه السلام أبعد أربع
شهادات بالله؟ لتكفلنه وأنت صاغر (1).
قوله: المجح بتقديم المعجمة: الحامل المقرب التي دنا ولادها،
والفقوء الشق والبخص على ما في المصباح المنير والمراد به أنه أحمر وجهه عليه
غضبا. لتكفلنه وأنت صاغر أي ذليلا بلا أجر لأنك عاهدتها والمسلمون عند
شروطهم ويطلق هذا الكلام في مقام السب والذم.
ترى أنه عليه السلام أمرها بالانطلاق حتى ترضعه حولين كاملين وبعد
ذلك أمرها بكفالة الصبي.
لا يقال إن الرواية أجنبية عن المقام حيث يظهر من قوله عليه السلام:
اللهم إنها شهادة، اللهم إنها شهادتان وهكذا، إن المانع من الحد كان عدم
كون الشهادة كاملة.
فإنه يقال: إن قوله عليه السلام: انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ايتيني
أطهرك وقوله عليه السلام في المرة الثانية: انطلقي فارضعيه حولين كاملين كما
أمرك الله، صريح في أن المانع كان هو الحمل والرضاع ولا ينافي ذلك أنه كلما
أقرت عنده عليه السلام كأن يقول: اللهم إنها شهادة، أو شهادتان أو ثلاث
شهادات..
وعلى الجملة فبالنسبة إلى حال الحمل مضافا إلى عدم الخلاف،
والروايات القاعدة العقلية أيضا تقتضي عدم جواز اجراء الحد عليها، وأما

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 186 والوسائل الجلد 18 الباب 16 من أبواب الزنا الحديث 1، وقد
تقدم نقل الخبر بكامله.
362

بالنسبة إلى حال الرضاع فهل هو كحال الحمل أمر عقلي ويكون الروايات
أيضا ناظرة إلى القاعدة العقلية أو أن مقتضى الروايات حصول توسعة زائدة
بالنسبة إلى حال الرضاع بتقريب أنه لو كان النظر إلى القاعدة العقلية لكان
يكتفى من رضاعه باللبأ ولكان اللازم أن لا يؤخر الحد إلى اكمال الرضاع
والحال أنه يستفاد من الأخبار تأخيره إلى تمامه؟
قال في كشف اللثام عند قوله العلامة " وإن وجدت له مرضع أو حاضن
جاز إقامة الحد ": بل وجبت لارتفاع المانع كما أن عمرو بن حريث لما كفل
لتلك المرأة وولدها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام لتكفلنه وأنت صاغر ثم
رجمها.
ثم قال رحمة الله عليه: ولما لم يكمل نصاب الاقرار إلا بعد ذلك لم
يسترضع لولدها وإلا فالظاهر وجوبه، والأجرة من بيت المال إن لم يتبرع أحد ولا
كان للولد مال إذ ليس في الحدود نظر ساعة.
أقول: الوجه في كون الأجرة من بيت المال هو أنه لمصالح المسلمين وهذا
منها فإن الحد قد أقيم على الأم لحفظ حدود الله تعالى.
وكيف كان فقد حملت الروايات على مقتضى العقل وحيث إنه كان
الاسترضاع للولد ممكنا فلذا حكم بوجوب رجمها واسترضاع من يرضعه.
وأورد عليه في الجواهر بقوله: قد يقال: إن اطلاق الموثق والنبوي
المذكورين يقضي بعدم وجوب ذلك مضافا إلى الأصل وبناء الحدود على
التخفيف الذي يصلح أن يكون هذا وشبهه عذرا في تأخيره فتأمل انتهى
كلامه.
أقول: المراد من الموثق هو موثق عمار الساباطي المذكور آنفا، وأما
النبوي فهو المروى عن سنن البيهقي وقد نقله رحمه الله بعد الموثق وهو أنه
صلى الله عليه وآله قال لها: حتى تضعي ما في بطنك فلما ولدت قال:
اذهبي فارضعيه حتى تفطميه، فإن اطلاقهما شامل لما إذا أمكن استرضاع
الغير أيضا، وبعبارة أخرى مقتضى هذين هو تأخير الحد إلى حصول الفطام سواء
363

أمكن استرضاع الغير أو لم يمكن.
ويمكن الانتصار لكشف اللثام، فإن ما ذكره الجواهر من اطلاق
الامهال إلى ما بعد الرضاع محمول على ما إذا لم يتيسر مرضع وكافل وإلا فكما
يجب حفظ النفس فإنه يجب أن لا يؤخر اجراء الحد فإذا تيسر الاسترضاع يلزم
ذلك حتى يجمع بين حفظ النفس والتسريع في اجراء الحد.
كما أن ما تمسك به في الجواهر من الأصل غير تام وذلك لأنه لا مجال
للتمسك به عندما كان المطلب عقليا ألا ترى إنه في الدوران بين الأهم
والمهم الذي يؤخذ بالأهم فإنه لا مورد لأصالة عدم وجوب المهم بعد العلم
بوجوب كل واحد منهما وعدم قدرة للمكلف على اتيان كليهما فإذا استفدنا من
حال الشارع عدم جواز التأخير في الحد كما استفدنا أنه يهتم بحفظ النفوس
اهتماما بالغا كاملا فلا يصح التمسك بأصالة عدم وجوب الاسراع كما لا يفيد هنا
ما ذكره أخيرا من بناء الحدود على التخفيف ولا يصلح هذا وشبهه لأن يكون
عذرا في تأخيره.
ولعله لذلك أمر هو قدس سره بعد ذلك بالتأمل، وعلى الجملة فالقدر
المتيقن من جواز التأخير في الحدود هو ما إذا لم يمكن الارضاع والتكفل وهناك
يلزم عليها أن ترضعه وتكفله ويؤخر الحد طبعا، وبعبارة أخرى أنه مع عدم
امكان مرضعة أخرى فاطلاقات لزوم الارضاع مثلا عليها، شاملة لها وأما في غير
ذلك فشمولها مشكوك فيحكم بعدمه ولا يرد أن ذلك يؤل إلى حملها على الفرد
النادر، وذلك لأن الغالب هو أن الانسان يكفل ولده بنفسه وقلما يتفق أن يودعه
بيد غيره وذلك لقلة من يقبل ذلك مع كونه ممن يوثق به ويطمئن إليه.
فإذا أفضى الحد إلى هلاك الولد فالقيد العقلي مانع عن التمسك
باطلاقات اجراء الحدود فيبقى الباقي بحاله ولا يجوز تخصيص هذه الاطلاقات
المحكمة الدالة على لزوم اجراء الحد والتسريع فيه بل لعلها آبية عن
التخصيص نعم لو لزم الضرر بسبب ارضاع غير الأم كما لعله يلزم ذلك غالبا
فهناك يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر.
364

ثم إنه هل المراد من الوجدان وجدان المرضع والكافل بنفسه حتى يكون
كالواجب المشروط فلا يجب تحصيل مقدماته كالاستطاعة في باب الحج حيث
إنه يجب إذا حصلت مقدماته أو إن الملاك هو الوجدان بأي نحو كان، ولو كان
بالاستيجار والاسترضاع من ناحية الحاكم بحيث إنه لو أمكن الحاكم أن
يسترضع مرضعا فعل حتى يجري على الأم حد الله تعالى؟ حتى يكون شبيه باب
التيمم الذي قال الله تعالى فإن لم تجدوا ماءا فتيمموا ولا شك أنه يجب طلب الماء
غاية الأمر أن الشارع جعل له حدا معينا فإذا لم يحصل الماء ولو بالطلب
يصدق عدم وجدان الماء وتصل النوبة إلى التيمم.
ذهب بعض العلماء إلى الأول وأما الآخرون فليس في عبائرهم
ما ينافي ذلك وإن لم يصرحوا بالموافقة بل تكون عباراتهم بحيث يمكن حملها
على ما ذهب إليه خصوصا ما تضمن منها للفظ إذا لم يوجد، وإليك بعض
عباراتهم: قال العلامة في التحرير: الحامل لا يقام عليه الحد سواء كان
جلدا أو رجما حتى تضع وترضع الولد إن لم تحصل له مرضع سواء كان الحمل
من زنا أو غيره.
وقال في القواعد: ولا يقام على الحامل جلدا كان أو رجما حتى تضع
ويستغني الولد بها عن الرضاع إن لم تتفق له مرضع وإن وجدت جاز إقامة الحد.
وقال المحقق: وترضع الولد إن لم يتفق له مرضعة ولو وجد له كافل
جاز إقامة الحد.
وفي الرياض عند قول المحقق في النافع: ولا يقام على الحامل
حد ولا قصاص حتى تضع وتخرج من نفاسها: إذا كان المقصود جلدها وإلا
فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها وإلا فيتربص بها حتى
ترضع الولد وتحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن إذ لا سبيل على حملها ولا تزر
وازرة وزر أخرى إلى أن قال: ولو وجد له أي للولد كافل يرضعه ويحضنه جاز
بل وجبت إقامة الحد عليها انتهى.
هذا كله بحسب الأقوال، وأما بحسب الأدلة فنقول: إن أدلة وجوب
365

الحد ولزوم تسريعه شاملة لجميع الموارد وإنما خرج المورد الذي يلزم المحذور
العقلي كتلف الطفل، لقاعدة الأهم والمهم وإلا فهو أيضا مشمول للأدلة
فيبقى البحث في أن الارضاع الذي خرج بالدليل هل له خصوصية وموضوعية
أو أنه لأجل المحافظة على الولد والاهتمام بحياته؟ المستفاد من الروايات هو
الثاني فترى أنه لم يقتصر في الحكم بتأخير الحد في رواية ابن ميثم على الارضاع
وحده بل أمر صلوات الله عليه بأن تكفله حتى يعقل ولا يتردى ولا يسقط في بئر أو
غير ذلك، وهذا ظاهر جدا في أن الغرض الأصلي هو الاحتفاظ على حياة الولد
وعليه فكلما توقف حياته على ارضاع خصوص الأم فهو وأما إذا لم تتوقف على
ذلك ولم يكن خطر عليه في ارضاع الغير فهناك يجب الاسترضاع والاستيجار
كي يجرى الحد ولا يحصل تأخير في إقامته وعلى ذلك فيجب على الحاكم
استيجار المرضعة لأنه لا وجه أصلا في تأخير الحد. نعم قد مر أنه لو كان في
ارضاع الغير ضرر عليه فناك يتمسك بقاعدة لا ضرر ويؤجل الحد.
لا يقال إن هذا البيان يستلزم حمل الروايات المتضمنة لأمر النبي
أو الوصي الزانية بالصبر إلى أن ترضع ولدها على صورة عدم تمكن ارضاع الغير
وإلا فكانا صلوات الله عليهما يطلبان ذلك ويأمران به مع أنه لم ينقل ذلك عنهما
عليهما السلام ولم يرد في مورد أنهما طلبا المرضع والكافل.
لأنه يقال: من الممكن أنه لم يكن يوجد في تلك الأحائين والأزمنة
مرضع تتكفل أمر الصبي فلذا أمرا صلوات الله عليهما بارضاع الأم إلى أن يتم رضاع
الولد.
هنا فروع
منها أنه لو مات الولد حين الوضع، رجمت الأم الزانية وهذا واضح فإن
المانع من الرجم كان هو الولد وهو قد مات، وأما كون المرأة في حال النفاس فليس
مانعا عن الرجم فإنه لا يتفاوت الحال بالنسبة إلى من يقتل أو يرجم بين
حال صحته وسقمه ولا بين كونه صحيحا أو سقيما.
366

ومنها أنه لو مات الولد وكان حد المرأة هو الجلد آخر الحد حتى تخرج
من نفاسها فإن الجلد ربما أثر فيها وأوجب تشديد المرض بل وقتلها ومن المعلوم
أنه يحد المجرم إذا لم يستلزم ضررا متزايدا على ما هو مقتضى طبيعة اجراء الحد.
ويدل على ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن أمة لرسول الله
صلى الله عليه وآله زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث بنفاس فخشيت أن
أجلدها فأقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم
عليها الحد (1).
قال الشيخ: فإن وجب على امرأة حامل الحد فإنه لا يقام عليها حتى
تضع لأنها ربما أسقطت، فإذا وضعت فإن لم يكن بها ضعف أقيم عليها الحد في
نفاسها وإن كانت ضعيفة لم تقم عليها حتى تبرأ كالمريض انتهى (2).
وقال ابن حمزة: والحامل إذا وضعت حملها وكان حدها الرجم تركت
حتى ترضع ولدها حولين كاملين وإن كان حدها الجلد وكانت ضعيفة أخرت
حتى قويت وإن كانت قوية جلدت منفوسة (3).
والظاهر أنه لا خصوصية لحال النفاس بل الضعف أيضا إذا كان معرضا
للضرر فهو مانع عن اجراء الحد وإن لم يكن مع النفاس.
ومنها أنه لو لم يكن عليها أثر من الحمل ولا أنها ادعت ذلك (4) فقال في
الجواهر: لم يؤخر الحد ولا اعتبار بامكانه نعم لو ادعته قبل قولها.
ولكن يرد عليه بأنه بعد ما نعلم بأن مورد الحد هو الزانية غير الحامل
يكون المقام من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وذلك لاحتمال كونها
حاملا فكيف يمكن اجراء الحد عليها والحال هذه: وثانيا إن المقام من قبيل
موارد الشبهة وذلك لاحتمال وجود الحمل المانع عن اجراء الحد، والحدود
تدرء بالشبهات، وعلى الجملة فالظاهر أنه لا بد هنا من التأخير في اجراء الحد

(1) راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 229.
(2) المبسوط الجلد 8 الصفحة 5.
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 412.
(4) أقول: ذكر العلامة هذا الفرع في التحرير الصفحة
223 قائلا: ولو لم يظهر الحمل ولم تدعه لم تؤخر بل تحد في الحال ولا اعتبار بامكان الحمل من الزنا نعم لو ادعت الحمل قبل قولها انتهى لكني لم أدر ما هو وجه التقييد بل لزنا في كلامه؟
367

إلى أن يتبين الحال.
وما قد أورد علينا من أنا نستصحب عدم الحمل الذي هو أمر حادث
فيثبت مصداق عدم الحمل ويستعجل في اجراء الحد وليس من باب الشبهة
المصداقية.
ففيه أنه لو كان الحكم متعلقا بالحمل لكان يتم ذلك مثلا لو كان
الدليل يقول: إن الحمل يوجب التأخير في الحد، لكنا نستصحب عدم الحمل
وينتج ذلك عدم جواز التأخير وأما لو لم يكن كذلك بل كان الحكم قد تعلق
بالزانية غير الحامل أي الموضوع المتصف والمقيد فاستصحاب عدم الحمل لا
يترتب عليه أنها زانية غير حامل بل هذا أثر عقلي مترتب عليه ويكون من قبيل
الأصل المثبت.
لا يقال: إنه إذا كان الموضوع مركبا من جزئين وكان أحد الجزئين
ثابتا بالوجدان يمكن اثبات الجزء الآخر بالاستصحاب ويترتب عليه الحكم.
لأنا نقول: هذا يتم في الموضوعات المركبة من جزئين لا في المقيد وما
نحن فيه من هذا القبيل فإن الموضوع أمر واحد مقيد.
في رجم المريض والمستحاضة
قال المحقق: ويرجم المريض والمستحاضة ولا يجلد أحدهما إذا لم يجب
قتله ولا رجمه توقيا من السراية ويتوقع بهما البرء.
أقول: أما رجم المريض والمستحاضة فلاطلاق أدلة الحدود وكذا الأدلة
الدالة على عدم جواز تأخير الحد فلا فرق بينهما وبين الصحيح بعد أن كان
الواجب هو الرجم فإن من كان حده الرجم مثلا فهو في معرض التلف شرعا
ونفسه مستوفاة ولا فرق بين كونه صحيحا أو سقيما وقد ورد في الأخبار أنه ليس
368

في الحدود نظر ساعة.
نعم احتمل في المسالك جواز تأخيره فيما إذا ثبت موجبه أي الزنا بالاقرار
إلى أن يبرء لأنه سبيل من الرجوع وربما رجع بعد ما رمى فتعين ما وجد من
الرمي على قتله قال: ومثله يأتي في رجمه في شدة الحر والبرد (1).
وكأنه تبع العلامة في القواعد فإنه بعد أن حكم بعدم إقامة الحد في حر
شديد أو برد شديد قال: وكذا الرجم إن توهم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره
انتهى. أي لا يقام الرجم في شدة الحر أو البرد إن توهم سقوط الرجم عنه
برجوعه عن الاقرار أو توبته أو فراره، وقد علل ذلك في كشف اللثام بقوله:
احتياطا في الدم واتقاء عليه ما أمكن انتهى.
وليعلم أنه لم يرد نص يدل على أنه مع احتمال الرجوع مثلا يؤخر الرجم
وإنما ذكروا ذلك على حسب القواعد مثل إن حفظ الدماء مطلوب للشارع فيلزم
الاهتمام به مهما أمكن ذلك ومع احتمال عروض ما يمنع من القتل أو الرجم
يؤخر في اجراء حده.
ولكن الظاهر أن ذلك مشكل فكيف يجوز تأخير الحد مع تلك
التأكيدات البليغة على التسريع في اجرائه بمجرد الاحتمال وليت ولعل، وعلى
الجملة ففتح هذا الباب يفضي إلى تأخير حدود الله سبحانه وهو غير جائز حتى
إلى ساعة ولم نظفر على مورد من موارد الاقرار عند النبي أو الوصي أنهما أخرا
الحد باحتمال رجوعه من اقراره، ولذا أورد عليه في الجواهر بقوله وفيه ما لا
يخفى.
هذا كله بالنسبة إلى الرجم وأما الجلد فقد حكموا بأن المريض
والمستحاضة لا يجلدان توقيا من السراية ولتوقع البرء.

(1) توضيح المقام إن المحكومين بالرجم مثلا قسمان قسم يتحتم عليه ذلك كما إذا ثبت زناه بالبينة
وقسم لا يتحتم عليه ذلك كمن ثبت زناه الموجب للرجم باقراره فترى أنه لو فر من الحفيرة لا يرجع
إليها كما أنه لو رجع عن اقراره لا يرجم فإذا كان الزاني من هذا القسم فلا يجوز رجمه في حال
أو زمان يعين على قتله كحال المرض وشدة الحر والبرد لأنه ربما يوجب ذلك قتله.
369

وتدل على ذلك أخبار أخرجها الوسائل في مقدمات الحدود فعن
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقام الحد على المستحاضة حتى
ينقطع الدم عنها (1).
وعن السكوني أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي أمير المؤمنين
عليه السلام برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: اقروه حتى تبرا لا تنكؤها عليه فتقتلوه (2).
قوله عليه السلام لا تنكؤها الخ من نكأ القرحة أي قشرها قبل أن تبرأ
وقوله عليه السلام: فتقتلوه، لا يراد به خصوصية القتل بل لزوم مطلق الأذية
والضرر أيضا يمنع عن ذلك وكأنه عليه السلام قد ذكر القتل كي يخوف ويحذر
المخاطبين أن يقعوا في هذا الأمر العظيم أي إن ذكر القتل لأجل أن يخافوا ولا
يقربوا من اجراء الحد على المريض أصلا.
وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام إن أمير المؤمنين
عليه السلام أتي برجل أصاب حدا وبه قروح ومرض وأشباه ذلك فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: أخره حتى تبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت ولكن إذا برأ
حددناه (3).
فمقتضى هذه الأخبار إن المريض والمستحاضة لا يجلدان لأن في ذلك
ضررا عليهما زائدا على أصل الحد وهو مظنة الخطر والتلف.
وهل للمرض موضوعية توجب أن يكون هو بنفسه سببا للتأخير ومقتضيا
له أو أنه لا خصوصية له وإنما ذكر ذلك لكونه مظنة للخطر؟ وجهان.
وكيف كان فلا شك في أن المرض يوجب التأخير وقد حكم العلماء
رضوان الله عليهم أجمعين بمقتضى اطلاق الروايات بأن المريض لا يجلد إلى أن
يحصل له البرء.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3 و 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3 و 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 6.
370

ضرب المريض بالضغث إذا اقتضت المصلحة التعجيل
قال المحقق: وإن اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بالضغث المشتمل
على العدد.
أقول: ومن المصلحة الموجبة للتعجيل ما إذا علم أنه لا يحصل له البرء
وحصل اليأس عن ذلك كالزمانة وغيرها فإنه يعجل في حده لأنه لا يرجى برؤه
وهناك يحد إلا أنه يضرب بالضغث أي بحزمة مشتملة على العدد المعتبر في الحد
من شماريخ أو أعواد بل والسياط على ما ذكره بعض العلماء -.
وقد ذهب إلى ذلك الأصحاب رضوان الله عليهم بل وعدة من أهل
الخلاف قال الجزيري: إذا كان المطلوب جلده نحيفا أو هزيلا شديد الهزال
أو مريضا مرضا خبيثا لا يرجى برؤه كالمسلول والمجذوم والمصاب بالسرطان و
غير ذلك من الأمراض الفتاكة الخطيرة يجلد بمكتال النخل أي عرجون عليه
غصن وبه مأة غصن أو خمسون ففي المأة يضرب به مرة واحدة وفي
الخمسين يضرب به مرتين مع ملاحظة مس الأغصان لجميع جسمه أو يضرب
بطرف ثوب مفتول أو يضرب بالنعال كما حدث أيام الرسول صلى الله عليه
وسلم فقد روى البخاري وأبو داود أن أبا هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وآله برجل قد
شرب فقال: اضربوه، فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما
انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا
هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان (1).
وقال شيخ الطائفة أعلى الله مقامه: المريض المأيوس منه إذا زنى وهو
بكر أخذ عذق فيه شمراخ أو مأة عود يشد بعضه إلى بعض ويضرب به ضربة
واحد على وجه لا يؤدي إلى التلف (ثم قال): وقال أبو حنيفة: يضرب مجتمعا
ومتفرقا ضربا مؤلما. وقال مالك: بالسياط مجتمعا ضربا مؤلما، وقال

(1) الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 62.
371

الشافعي: يضرب مأة بأطراف الثياب والنعال ضربا لا يؤلم الماء شديد الخ (1).
أقول: أما أصل مشروعية الضرب فيدل عليها الكتاب الكريم: وخذ
بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث (2). فإن أيوب عليه السلام حلف أن يضرب
زوجته في أمر ثم ندم عليه فحل الله يمينه بذلك.
وتدل على كون حد المريض هو الضغث الروايات الشريفة فمنها رواية
يحيى بن عباد المكي قال: قال لي سفيان الثوري: إني أرى لك من
أبي عبد الله عليه السلام منزلة فسله عن رجل زنى وهو مريض، إن أقيم عليه الحد
مات [خافوا أن يموت] ما تقول فيه؟ فسألته، فقال: هذه المسألة من تلقاء نفسك
أو قال لك انسان أن تسألني عنها؟ فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك
عنها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتي برجل
احتبن [آحبن] مستسقى البطن قد بدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة،
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بعذق فيه شمراخ فضرب به الرجل ضربة
وضربت به المرأة ضربة ثم خلى سبيلهما، ثم قرأ هذه الآية: وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث (3).
أقول: وفي اللغة: حبن عظم بطنه ورم واحبن امتلأ غيظا.
وعن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي رسول الله
صلى الله عليه وآله برجل دميم قصير قد سقى بطنه وقد درت عروق بطنه قد فجر
بامرأة فقالت المرأة: ما علمت به إلا وقد دخل علي فقال له رسول الله صلى الله
عليه وآله أزنيت؟ فقال له: نعم ولم يكن أحصن فصعد رسول الله صلى الله
عليه وآله بصره وخفضه ثم دعا بعذق فقده مأة ثم ضربه بشماريخه (4).
وعن سماعة عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة 18.
(2) سورة ص الآية 42. (3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
372

صلى الله عليه وآله أنه أتي برجل كبير البطن قد أصاب محرما، فدعا رسول الله
صلى الله عليه وآله بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه مرة واحدة فكان الحد (1).
أقول: العرجون أصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن
تقطع عنه الشماريخ، والشمراخ بالكر العثكال وهو ما يكون فيه الرطب.
وعن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو أن رجلا أخذ حزمة من
قضبان أو أصلا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدة ما يريد أن يجلد
من عدة القضبان (2).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله أتي بامرأة مريضة ورجل أجرب مريض قد بدت
عروق فخذيه قد فجر بامرأة فقالت المرأة: يا رسول الله أتيته فقلت له: اطعمني
واسقني فقد جهدت، فقال: لا حتى أفعل بك ففعل، فجلده رسول الله
صلى الله عليه وآله بغير بينة مأة شمراخ ضربة واحدة وخلى سبيله، ولم يضرب
المرأة (3).
قال الشيخ بعد العبارة التي نقلناها عنه آنفا: دليلنا اجماع الفرقة
وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث، وهذه
قصة لأيوب معروفة، وروي أن مقعدا أقر عند النبي بالزنا فأمر أن يضرب مأة
بانكال باسكال النخل انتهى.
ثم إنك قد عرفت أن أخذ مأة شمراخ مجتمعة والضرب بها ضربة واحدة
مما قد ورد به الكتاب الكريم وقد ورد ذلك في الروايات أيضا المذكورة آنفا.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 7.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 8.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 9 أقول: لا يخفى عليك أنه
لم يكن في هذه الروايات ذكر عن المصلحة نعم قال في النهاية الصفحة 701: ومن وجب عليه الجلد
وكان عليلا ترك حتى يبرأ ثم يقام عليه الحد فإن اقتضت المصلحة تقديم الحد عليه أخذ بعرجون
فيه مأة شمراخ أو ما ينوب منابه ويضرب ضربة واحدة وأجزأه عنه انتهى، ولصاحب الرياض هنا
كلام فراجع إن شئت.
373

لكن قد تعدى بعض عن مأة شمراخ إلى مأة سوط مجتمعة والضرب بها
فإن ذلك أمر ممكن حيث كان لكل واحد من الشرطة سوط، هذا من ناحية ومن
ناحية أخرى إن ضم مأة سوط لعله كان بنظرهم أقرب إلى الحد اللازم فإن
الجلد يقع بالسوط فإذا ضمت مأة سوط وضرب المجرم بها لكان ذلك أقرب
إلى ضرب مأة سوط مستقلة منفردة
كما أنه قد تعدى بعض عن المأة شمراخ إلى خمسين، غاية الأمر أنه يضرب
بها مجتمعة مرتين وهكذا، قال في الجواهر: ولو اشتمل الضغث على خمسين
ضرب به دفعتين وهكذا بل لعله أولى من الضربة به دفعة.
ولكن الظاهر أن التعدي من الشمراخ إلى السياط أمر مشكل وذلك لأنه
صلوات الله عليه قد دعا بعذق فقده مأة ثم ضرب بمشاريخه مع أنه كما ذكرناه
كان يمكن له أن يدعو بمأة سوط ويضرب بها مجتمعة (1).
وهل يعتبر في ضربه بالعرجون أو الضغث وصول كل شمراخ وعود إلى
جسده أم لا؟
لا خلاف بين الأصحاب في عدم اشتراط ذلك بل ولا خلاف ظاهر منهم
أيضا فيه وإن كان قد يتوهم من عبارة الجزيري المذكورة آنفا اعتبار ذلك لكنها
لا تدل عليه أصلا وذلك لأنه قال: مع ملاحظة مس الأغصان لجميع جسده،
ولم يقل: مع ملاحظة مس جميع الأغصان لجميع جسده. نعم نفس العبارة مجملة
في حد ذاتها وليس لها معنى ظاهر، ولعل المراد أنه لا بد من مس الأغصان أي
عضو وموضع من بدنه الذي يضرب بها وكيف كان فلا دلالة لها أصلا على اشتراط
وصول كل شمراخ إلى الجسد.
قال المحقق قدس سره: ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده.
وقد ذكر العلامة عين هذه العبارة في القواعد.
واستدل على ذلك بوجهين أحدهما اطلاق الأدلة كما في الجواهر.
ثانيهما التعذر عادة فيكفي التأثير بالاجتماع، كذا ذكره في كشف

(1) أقول: فيما أفاده دام ظله من الاستدلال مجال للكلام.
374

اللثام، وهو كذلك فكيف يمكن أن يمس كل واحد واحد من الشماريخ بدن
المضروب بعد كونها مجتمعة ولو جعلت الشماريخ بحيث يكون كل واحد منها في
جنب الآخر فربما يصير المجموع أطول من طول البدن.
وقد ظهر بما ذكرنا ما في كلام الشهيد الثاني قدس سره في المسالك،
قال: وينبغي أن يمسه الشماريخ أو ينكبس بعضها على بعض ليثقل الغصن
ويناله الألم، فإن انتفى الأمران أو شك فيه لم يسقط الحد انتهى.
وذلك لأن ما كان متعذرا لا يتيسر عادة فكما لا يصح أن يشترط ويلزم
عليه كذلك لا يصح أن يستحسن ويندب إليه بعنوان: ينبغي
ثم إنه لا يختص عدم اجراء الحد الدائر على المريض والمستحاضة بباب
الزنا بل الظاهر بملاك وحدة المناط جريانه في كل واحد من الحدود، بل وربما
يأتي ذلك في الجراحات التي يقتص فيها ممن أوردها والبحث يحتاج إلى
مزيد تأمل وتحقيق.
ثم إن النفساء أيضا كالمستحاضة والمريض فيؤخر حدها إلى أن تمضي
تلك الأيام وتخرج عن النفاس وقد مرت حكاية أمة لرسول الله قد زنت فراجع
ولاحظ.
ثم إنه لو لم تسع اليد العدد فماذا يصنع؟ قال في الروضة: ضرب به
مرتين فصاعدا انتهى وعلى هذا فلو وسعت نصف العدد فهناك يضرب بها مرتين
ولو وسعت للربع فقط يؤخذ به ويضرب به أربع مرات وهكذا.
وفي الجواهر: ولو اشتمل الضغث على خمسين ضرب به دفعتين وهكذا
بل لعله أولى من الضربة دفعة.
وظاهره جواز ذلك وإن أمكن الضغث المشتمل على المأة فمع وجوده يؤخذ
بنصفه ويضرب به دفعتين.
وفيه أن الظاهر اختصاص ذلك بحال الاعواز والاضطرار، واستفادة
جواز ذلك عند الاختيار من الأدلة كقوله تعالى: فخذ بيدك ضغثا، وغير ذلك،
أمر مشكل وما أفاد من الأولوية وإن كان تاما بلحاظ حصول مزيد الألم،
375

لكن استفادة جوازه اختيارا غير ظاهرة، والحكم بذلك يحتاج إلى تنقيح
مناط قطعي وهو غير ممكن لنا، وعلى هذا، فلو كان هناك ضغث مشتمل
على المأة فلا يجوز ضربه بخمسين منها مرتين ولا ضربه مرة بنصف ومرة بنصف
آخر، ولو لم يكن إلا الضغث المشتمل على النصف مثلا فلا بد من تحصيل
المشتمل على المأة مقدمة للواجب خصوصا بلحاظ أنه لم يرد في الأدلة: وإن لم تجدوا
المشتمل على المأة فاضربوه بالمشتمل على الخمسين مثلا، إذا فلا بد من تحصيل ما
هو الواجب إلا أن يتعذر ذلك من رأسه. فهناك يضرب بالضغث الموجود مكررا
إلى أن يكمل العدد ولا فرق في تعذره بين عدم وجدانه أو عدم اتساع اليد للعدد
أجمع.
وأما ما مر من قول أهل الخلاف وهو جواز ضرب المريض بطرف ثوب
مفتول أو النعال، فهو من مخترعاتهم وكم لهم أمثال ذلك من نظير، وما نقلوه من
الرواية فلم يثبت من طرقنا وإنما الثابت بمقتضى الروايات هو ضربه بالعرجون
والضغث المشتمل على مأة شماريخ.
وما هو حكمه إذا أمكن جلده في أيام؟
الظاهر أن الضغث حد المريض مطلقا سواء أمكن جلده مأة جلدة في
الأيام المتفرقة أم لا وقد اقتصر المحقق على ذكر الضرب بالضغث ولم يتعرض
للتفريق على الأيام. لكن قال العلامة في القواعد: ولا يفرق السياط على الأيام
وإن احتمله.
وقال كاشف اللثام: لا يجب بل لا يجوز أن يفرق السياط على الأيام بأن
يضرب كل يوم بعضا منها حتى يستوفى بل إذا لم يحتمل النصاب في يوم واحد
عدل إلى الضغث لأنه مأثور وقد ورد أنه لا نظرة في حد.
وفي اللمعة عند ذكر أقسام الحد الثمانية: سابعها الضغث المشتمل على
العدد وهو حد المريض مع عدم احتماله الضرب المتكرر.
وفي الروضة، بعد ذلك: متتاليا وإن احتمله في الأيام متفرقا
وفي المسالك: ولا يجب تفريق السياط على الأيام وإن احتمل
376

التفريق بل يقام عليه الممكن ويخلى سبيله.
نعم في كلماتهم نوع ابهام واجمال من جهات ومن جملتها اختلافهم في
التعبير بالوجوب والجواز فبعضهم قال: لا يجب الخ ومن المعلوم أن هذا ظاهر في
أصل الجواز إلا أنه لا الزام عليه، في حين أن في كلمات بعضهم الآخر التعبير
ب‍ لا يجوز وهو صريح في عدم الجواز.
ولكن الظاهر من قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
مأة جلدة، هو جلدهما متالية فهو المطلوب أولا فإذا لم يتيسر ذلك تصل النوبة
إلى الضرب مرة واحدة بالضغث المشتمل على العدد المعتبر ولا دليل على جواز
تفريق المأة على الأيام لأن الشرط في الحد بالضغث بحسب الأخبار هو عدم
امكان ضرب المأة متتالية.
لا يقال: إن الأمر مردد بين صرف النظر عن الحد الأصلي وهو جلد
مأة الذي هو ممكن على حسب الفرض، ورفع اليد عن ايقاعها في يوم واحد،
ولا بد من أن ندع التوالي والتعاقب ونرفع اليد عنه كي يتحقق أصل الحد
ولا يتبدل إلى الضغث.
لأنا نقول: الظاهر هو وحدة المطلوب فإذا لم يمكن ضرب المأة متتالية تصل
النوبة إلى الضغث فإن وظيفة الحاكم الاسلامي هو حل الدعاوي وفصل
الخصومات وتوجيه الأمور دفعة واحدة، فايكال الحد إلى أيام متعددة بحيث
بضرب كل يوم ما يتحمله منه يوجب تعويق الأمور والتأخير فيها وهذا ينافي
الغرض المقصود من الحكم.
ثم إن الشهيد الأول قال في اللمعة بعد ما نقلناه من عبارته السابقة:
واقتضاء المصلحة التعجيل، وقد مر أن المحقق أيضا قال: لو اقتضت المصلحة
التعجيل ضرب بالضغث المشتمل، وهذا أيضا من الأمور المجملة في كلماتهم
وذلك لأنه لا يدري ما هو المراد من المصلحة بنظر الحاكم فهل هي إن في التأخير
خوف فوت الحد أو يكفي كون التسريع والضغث أوفق للمريض؟
ويمكن أن يقال: إن مقتضى الآية الكريمة هو وجوب جلد الزاني مأة
377

جلدة مهما أمكن، فيجب العمل على طبقها والجري بمقتضاها إلا إذا لم يمكن
ذلك ولم نقدر عليه، أو كان العمل بها مزاحما بالأهم كما إذا أفضى جلده مأة
إلى موته وتلفه، أو دل دليل قطعي على تبديله بحد آخر يكون أسهل، ارفاقا عليه
وتسهيلا له، وملاحظة الآية الكريمة المفيدة لاجراء الحد التام تقضي اجراء
الجلد مأة حتى بالنسبة إلى المريض إذا كان بحيث يحصل له البرء بالتأخير فيؤخر
في حده إذا رجى برءه وبعد ذلك يضرب تاما كما يدل على ذلك خبر السكوني
وخبر مسمع بن عبد الملك ففي الأول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: اقروه حتى تبرأ لا تنكؤها عليه فتقتلوه (1) وفي الثاني
قال أمير المؤمنين عليه السلام أخروه حتى تبرأ.. ولكن إذا برأ حددناه (2) نعم هذا
إذا كان برؤه قريبا لا موقوفا على مضي زمان طويل كأعوام وسنوا وإلا فيسرع في
حده وليس إلا الضغث فإن الاسراع في الحد مصلحة تقتضي ذلك وأما إذا
كان يحصل له البرء عن قريب فلا مصلحة توجب الاسراع في الحد حتى يحد
بالضغث بل لعل المصلحة في التأخير وجلده بعد البرء وكذا لو كان يلزم عليه الضرر
إذا حد ولو بالضغث فإنه يؤخر إلى أن يبرء فالقدر المتيقن من الحد بالضغث هو
ما إذا لم يرج زوال مرضه أو يرجى ذلك لكن بطيئا، ولا يبعد التبديل إلى
الضغث أيضا إذا كان ذلك أوفق بحال المريض.
ثم إنه لو كان يحتمل سياطا ضعافا فهل يقام عليه الحد كذلك أم لا؟
ذهب في الجواهر إلى أنه أولى من الشماريخ وأحوط، ولكن الظاهر
أنه ليس بتام لعدم الدليل على ذلك، وهذا أيضا مما لم يتضح المراد منه وذلك
لأنه لا يعلم أن المراد هو أنه احتمل مأة جلدة ضعاف خفاف أو أنه احتمل مأة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 6.
378

مجتمعة بدل الشماريخ (1) وكيف كان فالحكم في حال المرض هو ضربه بالضغث
المشتمل على المأة وما ذكره ليس بأحوط بل لعله خلاف الاحتياط.
تذكار
ثم إن مقتضى صحيحة أبي العباس المذكورة آنفا هو كفاية الاقرار مرة
واحدة في اثبات الحد والحال إن الروايات تدل على اعتبار الأربعة، فهل هذه
معارضة لها أو إنها مخصصة لها؟
أقول: لم أقف على من قال بالتخصيص حتى يقال إنه يعتبر في اثبات
الزنا أربعة أقارير إلا في حد الضغث فإنه يكفي اقرار واحد بل لعل ذلك مقطوع
العدم وخلاف الاجماع، والظاهر أنه ليس من باب التعارض أيضا.
ويمكن أن يقال: إنه فعل من رسول الله صلى الله عليه وآله، والاستدلال
بالفعل موقوف على العلم بجهته فلو لم تكن جهته معلومة لا يتم الاستدلال به
وهنا ليس كذلك، ولعله كان قد ثبت الأمر عنده صلوات الله عليه بغير اقراره فلم
يكن اقراره للاثبات حتى يحتاج إلى أربع مرات بل كان لسد احتمال رجوعه،
أو أنه صلوات الله عليه قد اعتمد هناك على علمه بالواقعة وعلى ذلك فاقراره
عند النبي صلى الله عليه وآله مرة واحدة ليس بحجة لنا.

(1) أقول: لعل الظاهر هو الأول وإلا فظاهر كلماتهم عدم الفرق في الضغث المجتمع بين أن يكون
مركبا من السياط أو من الشمراخات. اللهم إلا أن يقول سيدنا الأستاذ أدام الله بقاه بخصوصية
الشمراخات والأغصان الدقيقة ارفاقا بحال المريض.
379

الكلام في الحائض
هذا كله في المريض والمستحاضة والنفساء وأما الحائض فليست
كذلك فلا يجوز التأخير في حدها وذلك لأن الاستحاضة والنفاس من المرض
بخلاف الحيض فإنه ليس كذلك بل قيل بأنه يدل على صحة مزاجها واعتدال
حالها ولذا قال المحقق: ولا يؤخر الحائض لأنه ليس بمرض.
وقال العلامة في التحرير: ولا يؤخر الحائض لأن الحيض ليس
بمرض.
لا يقال: إن ظاهر الآية الكريمة خلاف ذلك، لأن الله تعالى يقول:
ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض (1)..
لأنه يقال: ليس الأذى بمعنى المرض وإنما هو بمعنى القذر والمستقذر
والنجس يؤذي من يقربه نفرة منه له فهو سبب لايذاء الرجل لو قاربها ولذا ترى
أن الأصحاب. رضوان الله عليهم لم يفتوا بكون الحائض كالنفساء والمستحاضة بل
اقتصروا في الحكم المزبور على المريض والمستحاضة والنفساء.
إن قلت: إن ظاهر الآية الكريمة أن الحيض أذية لها بنفسها ولذا رتب
على هذا، الحكم بالاعتزال عنهن في الحالة المزبورة كما أن بعض المفسرين

(1) سورة البقرة الآية 222.
380

فسروها كذلك (1) ويؤيده أن مفهوم الأذى هو مفهومه في آية الحج: وإن كان
به أذى من رأسه (2) ففديه ولعل العرف يساعد ذلك ولذا يراعون المرأة في تلك
الحالة ويرافقونهن، وما نرى بينهم من الارفاق والتسهيل في حقهن شاهد على
أنهم يرون الحيض مرضا بل يعاملون المرأة في حال الحيض بما لا يعاملونها في
حال الاستحاضة من الرفق وعدم التحميل عليهن، هذا مضافا إلى ورود رواية
تدل على أن الحيض أيضا مرض وهي ما رواه في الجعفريات إن عليا
عليه السلام قال: ليس على الحائض حد حتى تطهر ولا على المستحاضة حد
حتى تطهر (3) وقد أفتى الكاشاني رحمه الله بما ذكرناه وألحق الحائض
بالمريض والمستحاضة (4).
نقول: اثبات ظهورها في ذلك مشكل وكذا إرادة المعنى المزبور عند
العرف، وأما تفسير بعض المفسرين ففيه أن بعضهم فسروه بما ذكرناه أيضا فراجع
تفسير الصافي للفيض الكاشاني وأما الرواية فدلالتها وإن كانت واضحة إلا
أنها ليست معمولا بها عندهم وأما افتاء الفيض فلا يخرج المطلب عن الشذوذ
بعد كونه منفردا في الافتاء بذلك ومخالفة الواحد لا يضر بالاجماع خصوصا
إذا كان من المتأخرين وأنه بنفسه قد أفاده في تفسيره خلاف ذلك.
اعتراض الجنون أو الارتداد غير مانع من الحد
قال المحقق: ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد.

(1) أقول: راجع مجمع البيان، الجلد 1 الصفحة 319، إليك ما أفاده وحكاه في
مجمع البيان: معناه قذر ونجس.. وقيل هو أذى لهن وعليهن لما فيه من المشقة انتهى.
(2) سورة البقرة الآية 196.
(3) الجعفريات ص 137.
(4) مفاتيح الشرايع الجلد 2 الصفحة 80 قال: ويرجم الحائض والمريض والمستحاضة والنفساء ولا
يجلد أحدهم..، أورد الاشكال هذا العبد وأجاب دام ظله بما في المتن ويؤيده أني كلما تفحصت
كلماتهم لم أر من أفتى بسقوط الجلد عن الحائض.
381

أقول: وذلك لأن المفروض أنه قد زنى في حال كونه مكلفا أي أنه
كان عاقلا ثم عرض له الجنون فلا مانع من إقامة الحد عليه.
ويدل على ذلك صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل
وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه
الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل أقيم على الحد كائنا ما كان (1).
وفي المسالك: ثم إن كان قتلا لم ينتظر بالمجنون الإفاقة وإن كان
جلدا ففي انتظار إفاقته إن كان له حالة إفاقة وجهان، من أنه أقوى في الردع،
ومن اطلاق الأمر بإقامته عليه في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام، وهذا
أجود.
وأورد عليه في الجواهر في احتماله الانتظار بقوله: والأقوى خلافه
للأصل وصحيح أبي عبيدة، ثم فرع على هذا قوله: فما عن بعض من احتمال
السقوط في المطبق مطلقا وآخر من السقوط كذلك أن لم يحس بالألم وكان بحيث
ينزجر به، كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى.
أقول: ويمكن توجيه ما احتمله في المسالك وهذا البعض، بأن المقصود
الأصلي من الضرب هو ردع المضروب وعقابه على عمله القبيح، والمجنون
إذا كان بحيث لا يدرك ولا يحس أصلا فلا فائدة في ضربه وجلده لأن ضربه
وضرب الحجر والجدار على حد سواء، ولماذا يضرب وهو لا يدرك الألم الآن،
ويتذكر بعد أن أفاق، إنه قد جلد في حال جنونه.
لا يقال: فكيف يقام عليه حد القتل والرجم إذا كان قد أتى بسبب
ذلك في حال عقله؟
لأنا نقول: فرق بين هذا وذاك فإن المقصود في باب القتل والرجم هو
اعدام هذا الشخص، وأن لا يبقى في صفحة الوجود في حين أن المقصد الأعلى
في باب الجلد هو تأديبه وإذاقته ألم الجرم والمعصية وارتداعه وانزجاره عن
العود إلى ما اقترفه من المعاصي وهذا لا يحصل بدون الحس والادراك. اللهم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من مقدمات الحدود الحديث 1.
382

إلا أن يلاحظ ردع الآخرين، وهو أيضا ربما لا يحصل بضرب المجنون الذي لا
يدرك ولا يعقل شيئا، والآية الكريمة الآمرة بالجلد الواردة في مقام التخويف
منصرفة عنه.
وعليه فليس ما حكي عن هذا البعض بهذه المثابة من البعد، ولا ينبغي
أن يرمى بكونه كالاجتهاد في مقابلة النص فإنه بالحمل على مجنون لا يحس شيئا
يتم كلامه.
وأما كون المجنون بهذه الحالة فهو أمر واقع وربما يكون بحيث لا يتألم
مما يصيبه ولذا لا يفر ممن يريد أن يضربه، ولا يخاف منه.
وبذلك ظهر الكلام وانكشف الظلام عن فرع ربما يذكر في هذا المقام
وهو أنه لو كان المجرم شللا لا يحس ألم الضرب فهل هو يجلد الحد أو يضرب
بالشماريخ؟ وذلك لأنه إذا كان بهذه المثابة فلا فائدة في ضربه لأنه لا ينزجر
ولا يرتدع بذلك.
هذا كله بالنسبة إلى الجنون وأما الارتداد فهو أيضا ليس بمانع عن إقامة
الحد عليه بعد أن أتى بموجبه في حال اسلامه فلا يسقط الحد الواجب باعتراض
الارتداد، فلو زنى وهو غير محصن يقام عليه الحد ويجلد أولا ويقتل ثانيا
لارتداده، ولا وجه أصلا لسقوط جلده، ولو كان محصنا فقد اجتمع عليه الرجم
والقتل وحيث إنه لا كيفية خاصة للقتل بخلاف الرجم الذي هو كيفية خاصة
من القتل فلذا يقدم الرجم، والظاهر أن المطلب واضح لا يحتاج إلى مزيد بحث
وبيان واستدلال فلذا نقتصر على ذلك روما للاختصار كما أن شراح الشرايع
أيضا لم يتعرضوا لذلك.
حول إقامة الحد في اعتدال الهواء
قال المحقق: ولا يقام الحد في شدة البرد ولا شدة الحر ويتوخى به
في الشتاء وسط النهار وفي الصيف طرفاه.
أقول: وقد علل ذلك كثير من العلماء ومنهم صاحبا المسالك والجواهر
383

بخوف التلف وخشية الهلاك بتعاون الجلد والهواء فيؤخر من شدة البرد والحر
إلى اعتدال الهواء، ففي الشتاء ينتظر وسط النهار وفي الصيف طرفاه.
وتدل على ذلك الأخبار الشريفة التي أخرجها المحدث الحر
العاملي في باب عنوانه: باب أنه ينبغي إقامة الحد في الشتاء في آخر ساعة من
النهار وفي الصيف في أبرده.
فعن هشام بن أحمر عن العبد الصالح عليه السلام قال: كان جالسا في
المسجد وأنا معه فسمع صوت رجل يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البدر فقال:
ما هذا؟ قالوا رجل يضرب، فقال: سبحان الله في هذه الساعة؟ إنه لا يضرب
أحد في شئ من الحدود في الشتاء إلا في آخر ساعة من النهار ولا في الصيف
إلا في أبرد ما يكون من النهار (1).
وعن أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا قال: مررت مع أبي عبد الله
عليه السلام وإذا رجل يضرب بالسياط، فقال أبو عبد الله عليه السلام: سبحان الله في
مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له: وللضرب حد؟ قال: نعم، إذا كان في البرد
ضرب في حر النهار، وإذا كان في الحر ضرب في برد النهار (2).
وعن سعدان بن مسلم عن بعض أصحابنا قال: خرج أبو الحسن
عليه السلام في بعض حوائجه فمر برجل يحد في الشتاء فقال: سبحان الله ما ينبغي
هذا فقلت: ولهذا حد؟ قال: نعم، ينبغي لمن يحد في الشتاء أن يحد في حر النهار
ولمن حد في الصيف أن يحد في برد النهار (3).
والظاهر من هذه الروايات هو الوجوب فإن الاستعجاب الوارد فيها لا
يناسب ارتكاب خلاف المستحب وإنما يناسب ارتكاب أمر ليس بجائز، ولا ينافي
ذلك اطلاق لفظ ينبغي في الرواية الأخيرة بعد ظهور ساير الأخبار بل ونفس
هذا الخبر في الوجوب فإن قول الراوي: لهذا حد؟ وجواب الإمام عليه السلام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 2.
وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 3.
384

وتقريره يدل على الوجوب ولزوم مراعاة هذا الأمر، وعلى الجملة فلو لم نقل
بالوجوب جزما فلا أقل من كونه هو الأحوط، وعلى هذا فلا وجه للقول
بالاستحباب بل اللازم مراعاة أن لا يلزم ضرر وأذية زائدة على ما هو اللازم من
طبع الحد.
ثم إنه هل وجوب ذلك على نحو وحدة المطلوب أو تعدده؟ وتظهر الثمرة
فيما إذا خالف مجري الحد وأقامه في هواء غير معتدل فإنه على الأول يترتب أمران
أحدهما إنه على ذلك لم يقم الحد بل كان ما فعله جناية بخلاف ما إذا كان
وجوب مراعاة الوقت من باب تعدد المطلوب ومن قبيل الواجب في الواجب فإن
الحد قد تحقق وصح وإن كان المجري قد عصى الله باجراء الحد في غير
الوقت المفروض، ثانيهما إن مقتضى القاعدة هو تكرار الحد على فرض وحدة
المطلوب دون فرض تعدده والأصناف إن الحكم بتكرار الحد مشكل كما أن
الحكم بسقوط الحد أيضا غير واضح.
وأما استظهار هذا المذهب أو ذاك فنقول: مقتضى ظاهر كلمات العلماء
هو تعدد المطلوب وإن المقام من قبيل الواجب في الواجب فإنهم كما تقدم
يتمسكون بخوف التلف وخشية الهلاك، وهذا يفيد أن الواجب اثنان أحدهما
إقامة الحد ثانيهما عدم التسريع عند خوف التلف نظير ما مضى في المريض من
أنه لا يقام عليه الحد في حال المرض لخوف الهلاك بل يؤخر إلى أن يحصل له
البرء أو يقام عليه الحد بالضغث.
هذا لكن ظاهر تقرير الإمام عليه السلام: لكل حد حد، هو وحدة المطلوب
فإن ظاهر ذلك أنه إذا تعدى الحد عن مقرراته ومحدودته فليس هو هذا الحد
وإنما الحد هو الحد المخصوص مع ما اعتبره الشارع فيه، ولعل نظر العلماء
رضوان الله عليهم أجمعين إلى أن خوف الهلاك علة أو حكمة في جعل هذا الحكم
على سبيل وحدة المطلوب.
والانصاف أنه يمكن أن يستفاد من روايات الباب إن هذا من باب تعدد
المطلوب وذلك لأنه وإن كان الإمام عليه السلام أنكر عليهم فيها اجراء الحد في
385

غير اعتدال الهواء إلا أنه لم يأمر في شئ منها بتكرار الحد، وإقامته ثانيا على
الوجه الصحيح ولو كان ذلك واجبا لكان اللازم عليه أن يذكر ذلك لأن وظيفته
بيان الأحكام فيستفاد من عدم ذكر ذلك في كلماتهم إن وجوب ايقاع الحد
في الهواء الملائم والمناسب كان بعنوان الواجب في الواجب، ولو ثبت أنه كان من
باب القيد ووحدة المطلوب فلا محيص عن القول بأن الشارع قد جعل هذا الذي
وقع على المحدود مسقطا عن الحد من باب التفضل وإن لم يكن حدا واقعا
وكيف كان فلو شك في اعتبار القيد الزائد فالأصل هو العدم كما أنه لا شك في
أنه لو مات بسبب الجلد وعدم مناسبة الهواء فإن المجري ضامن وتكون ديته
عليه سواء قلنا بوحدة المطلوب أو تعدده.
وليعلم أن هذا البحث أي وجوب اجراء الحد في الجو المعتدل مخصوص
بالجلد، وأما في مورد الرجم فلا مجال لهذه المطالب، وذلك لأن المحكوم بالرجم
محكوم بالاتلاف والاعدام ولا يتفاوت الحال بالنسبة إليه بين اعتدال الهواء
وعدمه.
نعم في كلمات بعض الأصحاب لزوم مراعاة ذلك بالنسبة إلى من
حده الرجم إذا كان قد ثبت ذلك باقراره وذلك لاحتمال رجوعه عن اقراره
الذي يوجب عدم رجمه، فلو رجم في الهواء الحار مثلا فربما وقع عليه أول حجر
وقد أثر فيه ذلك في تلك الهواء الخاص فيقضيان عليه ويوجبان موته وهلاكه فلا
ينفعه الرجوع.
قال العلامة أعلى الله مقامه في القواعد: ولا يقام الحد في حر شديد
أو برد شديد بل يقام في الشتاء وسط النهار وفي الصيف طرفيه وكذا الرجم إن
توهم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره.
وقال الشهيد الثاني في المسالك عند البحث عن المريض: المشهور أن
الرجم لا يؤخر بالمرض مطلقا لأن نفسه مستوفاة فلا يفرق بين المريض والصحيح
ويحتمل جواز تأخيره إن ثبت زناه بالاقرار إلى أن يبوء لأنه سبيل من الرجوع
وربما رجع بعد ما رمي فتعين ما وجد من الرمي عليه قتله. (ثم قال): ومثله
386

يأتي في رجمه في شدة الحر والبرد.
نعم ظاهر كلامه رحمه الله إن هذا البحث من توابع بحث المرض ولكن
الحق إن اجراء الحد في الحر والبرد بحث مستقل غير متعلق بالمرض (1).
ثم إنه قد ظهر بما ذكرناه تقديم أخبار التأخير إلى الهواء المعتدل على
أخبار عدم جواز التأخير في الحد وليس من باب المعارضة بينهما.
وشرح هذا المقام يتوقف على ذكر ما ورد من الاشكال ثم الجواب عنه
فنقول: إن بعض الأعاظم قدس سره قال بعد ذكر الأخبار الناطقة بتأخير الحد
إلى اعتدال الهواء: ويمكن أن يقال: كيف يجمع بين هذه الأخبار وما دل على
عدم جواز التأخير؟
ثم تعرض لهذه الجملة من كلام أمير المؤمنين في خبر ابن ميثم المشتمل على
قصة المرآة المحصنة: اللهم.. وإنك قد قلت لنبيك صلى الله عليه وآله فيما
أخبرته من دينك: يا محمد من عطل حدا من حدودي فقد عاندني وطلب
بذلك مضادتي.
قال قدس سره: وحمل التعطيل على ترك الحد أصلا بعيد انتهى وهو
كذلك ثم ذكر تصريح معتبرة السكوني بعدم جواز التأخير،: عن علي عليه السلام في
ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علي عليه السلام أين الرابع: قالوا الآن يجيئ
فقال: حدوهم فليس في الحدود نظر ساعة.
أقول: تأييدا لمراده أنه بعد ما شهد ثلاثة بالزنا لم يكن الناقص من
الشهود إلا واحدا ويقرب في الأذهان جدا لزوم الصبر إلى أن يلحقهم الرابع
ويشهد بالزنا ويقام الحد على المرأة ومع ذلك فلم يصبر عليه السلام لحظات قليلة

(1) أظن أنه لا يخلو هذا الاستظهار من شئ وذلك لأن الظاهر أن كلام الشهيد الثاني: ومثله يأتي
في رجمه الخ لا يراد به رجم المريض بل رجم من ثبت رجمه بالاقرار فهو يقول: إن من ثبت زناه
بالاقرار لا يرجم في حال المرض ولا في زمان الحر والبرد، وذلك لأنه كما أنه يعين المرض على
الهلاك كذلك ربما أدى إقامة الحد في شدة الحر أو البرد إلى التلف والهلاك وهذا عين ما قرأناه
في عبارة القواعد فليس ذكر هذا الفرع عند بحث المرض من متفرعاته بل هو قسيم له فلاحظ
387

للحوق الرابع حتى يقيم حدا واحدا عليها، وأقام حد القذف على الثلاثة فليس
العدول عن حد شخص واحد إلى حد ثلاثة أشخاص إلا لالتزامه الكامل التام
بعدم تأخير الحد.
ثم أيد المطلب بمرسل الصدوق قدس سره عن أمير المؤمنين عليه السلام:
إذا كان في الحد لعل أو عسى فالحد معطل. وعلى الجملة فقد تعرض لهذه
الأخبار بتعابيرها الشديدة الدالة على وجوب التسريع في الحد وعدم التأخير فيه
وإن الحكم بتأخير الحد إلى اعتدال الهواء لا يساعد هذه الأخبار ولا يجمع
بينهما، وقال أخيرا: لا يبعد الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار الدالة على التأخير
على الاستحباب.
أقول: إن الحمل على الاستحباب مشكل جدا بل لو كان الدليل مصرحا
باستحباب التأخير إلى اعتدال الهواء كان لا يعارض دليل وجوب التسريع، فإذا كان
التسريع واجبا والتأخير حراما كما هو مقتضى الروايات التي ذكرناها آنفا
فكيف يمكن أن يقال بأنه يستحب التأخير إلى اعتدال الهواء؟ وعلى الجملة فلا
يمكن الجمع بين قوله عليه السلام: ليس في الحدود نظر ساعة، واستحباب
التأخير أصلا كما قد أشار هو قدس سره أيضا إلى ذلك.
والذي يبدو في النظر هو أنه لا معارضة أصلا في البين بل إن
الأخبار الدالة على التأخير إلى اعتدال الهواء، كالحاكم على أخبار عدم جواز التأخير، فإن
هذه الأخبار تبين وتوضح شرائط الحد ومقرراته وإن الحد الواجب شرعا هو ما
يقام في معتدل الجو، فالتأخير عن هذا الموقع غير جائز، كما أنه لو لم يقيد الحد
بايقاعه في وقت خاص بل كان مطلقا فالتأخير عن أول وقته كان محرما وعلى
هذا فقد عملنا بالطائفتين وذلك لأن الواجب هو اجراء الحد في وقت ملائم
مناسب ولا يجوز التأخير عن هذا الوقت، والحاصل أنه على فرض استفادة
وجوب التأخير إلى اعتدال الهواء لا معارضة في المقام، وأما الوجوب فهو الظاهر
من الأخبار الشريفة.
ثم إنه قد بدا لي هنا بحث لم أظفر على من تعرض له أصلا وهو أنه هل
388

الحد واجب تعبدي أو توصلي، وبتعبير آخر هل يجب أن يؤتى بقصد أمر المولى
أو أنه يكفي مجرد اجرائه وايقاعه وإن كان لامتثال أمر الحاكم والرئيس وغير
ذلك من الغايات غير المولى سبحانه وتعالى؟
أقول: لعل الظاهر من بعض الروايات هو الأول وذلك كمرفوعة حفص
بن عون قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ساعة إمام عادل أفضل من عبادة
سبعين سنة وحد يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا (1).
فإن قوله عليه السلام: يقام لله، ظاهر في أن الحد أمر تعبدي لا بد من أن
يقام لله تعالى، ولعله الظاهر أيضا من الروايات التي عبر فيها عن الحدود
بحق الله أو، حده، مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم
حد الله الأكبر والجلد حد الله الأصغر (2).
لا يقام الحد في أرض العدو
قال المحقق: ولا في أرض العدو مخافة الالتحاق.
أقول: المستفاد من عبارته هو أن خوف الالتحاق بالكفار حكمة في عدم
اجراء الحد في أرضهم.
لكن الظاهر من عبارة بعض المعاصرين إن خوف الالتحاق قيد في
الحكم بحرمة اجراء الحد في أرض العدو وبلاد الكفار، قال: لا يجوز إقامة
الحد على أحد في أرض العدو إذا خيف أن تأخذه الحمية ويلحق بالعدو.
فإن المستفاد من هذه العبارة هو أنه يجب تأخير حده إلى أن يخرج من
أرض الكفار، لكن هذا عندما خيف على المحدود من التحاقه بهم لا مطلقا
فحينئذ يلزم مراجعة الأخبار والنظر فيها حتى نرى ما هو المستفاد منها.
عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدود الزنا الحديث 1.
389

لا يقام على أحد حد بأرض العدو (1).
وعن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال:
لا أقيم على رجل حدا بأرض العدو حتى يخرج منها مخافة أن تحمله الحمية فيلحق
بالعدو (2).
وظاهر هذا التعليل هو الاطلاق فيفيد أنه لا يقام عليه الحد في أرض
الكفار لأن هذا الخوف حاصل لا أنه لا يقام عليه إذا خيف عليه ذلك. ولذا قال
بعض الأعاظم قدس سره: والأظهر أن يكون ما ذكر من باب الحكمة من جهة
أن المطلق لا بد فيه من بقاء الغالب فيه بعد التقييد لا الأقل ولا المساوي.
ومراده رحمه الله أنه لا بد في التقييد أن لا يخرج الأكثر حتى لا يكون من
باب تخصيص الأكثر.
أقول الظاهر أنه وإن لم يكن الالتحاق بنفسه محققا إلا أن خوف
الالتحاق محقق نوعا لهذا هو النجاشي الشاعر المخصوص لأمير المؤمنين
عليه السلام فقد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه عليه السلام ثمانين ثم حبسه
ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين لتجرئه على شرب الخمر في شهر رمضان
وصار هذا سببا لفراره واقباله على معاوية والالتحاق به (3) وعلى هذا فهذا
الخوف محقق نوعا فيكون القيد من القيود والواردة مورد الغالب وهو لا يقيد الدليل
العام أو المطلق وعلى هذا فيؤخر الحد وإن لم يكن في مورد خوف أصلا.
لا يقام الحد في الحرم
قال المحقق: ولا في الحرم على من التجأ إليه بل يضيق عليه في
المطعم والمشرب ليخرج، ويقام على من أحدث موجب الحد فيه.
أقول: وقد استدل على ذلك بأمور: الأول الاحترام، أي احترام الحرم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
(3) في رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة 267: النجاشي الحارثي الشاعر، عده الشيخ رحمه الله في
رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وكان شاعر أهل العراق بصفين وكان علي (ع) يأمره
بمحاورة شعراء أهل الشام مثل كعب بن جعيل وغيره فشرب الخمر بالكوفة أول يوم من شهر
رمضان مع أبي سماك الأسد فأخذ وجيئ به إلى علي (ع) فأقامه في سراويل فضربه ثمانين للخمر ثم
زاده عشرين لجرأته على الافطار بالمحرم في شهر رمضان فغضب لذلك وهرب حتى لحق بمعاوية
في الشام وهجا عليا (ع) فقال: - ألا من مبلغ عني عليا * بأني قد آمنت فلا أخاف
لما عمدت لمستقر الحق * رأيت أموركم فيها اختلاف
390

فإن عقوبة من التجأ إلى الحرم وإقامة الحد على الملتجئ به إهانة له وكذا
اخراج من لاذ به عنه جبرا وقسرا.
الثاني قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا (1)..
الثالث صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا تقام عليه الحد ولا يطعم ولا
يسقى ولا يكلم ولا يبايع فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه
الحد وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم
حرمة (2).
وهي تدل بالوضوح على أن الجاني الذي جنى في غير الحرم ثم لاذ
إلى الحرم لا يجوز اجراء الحد عليه وإنما يضيق عليه في طعامه وشرابه وساير
الجهات كي يخرج منه ويقام عليه الحد في خارج الحرم. نعم لو أقدم هو على
الجناية في نفس الحرم وهتك حرمته فحينئذ أقيم عليه الحد في الحرم كما هو
صريح ذيل الصحيحة وسيأتي إن في بعض الروايات ما ينافي هذا الذيل
فانتظر.
ثم إن التحقيق في المسألة يقتضي التعرض لأمور:
الأول هل إن احترام الحرم الذي تمسك به العلماء واستدلوا به دليل
مستقل أو أنه أمر مستفاد من الآية الكريمة: ومن دخله كان آمنا. الصريحة في

(1) سورة آل عمران الآية 97.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 34 من مقدمات الحدود الحديث 1.
391

أن بيت الله تعالى محل أمن وأمان ومن دخله فقد دخل دار الأمن والسلام كائنا
من كان؟
أقول: إن اجراء الحد في الحرم على الجاني لم يكن هتكا وخلافا
للاحترام اللازم له عرفا ما لم يرد دليل من الشرع فإنه من قبيل إقامة أمر الله في
بيت الله وإذا كان هو حكما إلهيا وطاعة لأمره سبحانه فكيف يكون اجرائه في
بيته خلاف الاحترام؟ وخصوصا بلحاظ إن في الاخراج إلى خارج الحرم
وإقامة الحد عليه هناك تأخيرا في اجراء الحدود، وعلى الجملة فيمكن
التشكيك في كون إقامة الحد في الحرم هتكا وفي خارجه احتراما له، نعم بعد
ملاحظة إن الشارع جعله بيت الأمن ومركز الأمان يصح أن يقال: إن عدم إقامة
الحد عليه في الحرم نوع احترام منه.
الثاني إنه هل التضييق في المطعم والمشرب على من التجئ إلى الحرم
إلى أن يتعب ويضطر إلى الخروج لا ينافي كون الحرم آمنا، وأن من دخله كان
آمنا؟
الظاهر أنه مع غض النظر عن الرواية ينافي كونه محل الأمن فإن
مقتضى كون الحرم كذلك أن يكون الداخل فيه في سعة وراحة لا في الضيق
والشدة وتحت ضغط الجوع والعطش ولازم كونه آمنا هو كونه مأمونا من جميع
أنواع الأذى دون خصوص القتل أو الضرب نعم بلحاظ الرواية نقول بذلك.
ولعل الأمر بالتضييق عليه مع كونه آمنا ولائذا بدار الأمن هو التنبيه
على لزوم مراعاة جانب الحدود أيضا فإنه لولا ذلك للزم تعطيل حدود الله تعالى
ويصير ذلك ذريعة لنشر الفساد واقتراف المعاصي والمحرمات.
الثالث إن الظاهر كون النسبة بين أدلة الحدود كآية الجلد وروايات
الرجم والجلد وبين أدلة حرمة الحرم، العموم من وجه فإن مالهما إلى أنه يجلد
الزاني مثلا في الحرم وغيره، ولا يجلد في الحرم سواء كان الحد حد الزنا
أو غيره، فيتعارضان في المجمع وهو حد الزنا في الحرم لكنا لم نجد أحدا قال
بأن بينهما تعارضا كذلك حتى يسقط الدليلان مثلا ولعل ذلك لأجل إن
392

النسبة بين الدليلين وإن كانت بحسب المفهوم هو العموم من وجه لكن إذا كان
أحد الدليلين بحيث لو عمل به لم يبق للآخر مورد ومصداق أصلا يجب أن يعاملا
معاملة العموم المطلق وما نحن فيه من هذا القبيل لأنه لو عمل بدليل الحدود
والجنايات كدليل جلد الزاني الذي نسبته إلى دليل احترام الحرم عموم من
وجه وكذلك دليل جلد الشارب مطلقا وساير الحدود، لم يبق مورد لدليل
احترام الحرم بخلاف ما لو انعكس الأمر بأن يترك اجراء الحد في الحرم
بالخصوص فإنه يبقى لدليل الجلد والقطع والرجم موارد أخر، وعلى هذا
فيكون المقام كالتخصيص فتخصص أدلة الحدود بأدلة احترام الحرم.
الرابع إنهم رضوان الله عليهم ذكروا في موضوع المسألة، التجاء الجاني
إلى الحرم وقد رأيت عبارة المحقق في الشرايع.
ولكن الظاهر أنه لا خصوصية لهذا القيد بل ظاهر الآية الكريمة،
العموم لأن ذلك احترام للحرم، فكل من دخل فيه فهو آمن وإن لم يكن ملتجيا
ولائذا بل كان قد دخل لاتيان مناسك الحج وقد أتى بما هو سبب للحد،
وهذا من مزايا الحرم وخصائصه بالنسبة إلى سائر الأماكن فإن المراد ليس هو
العقوبة التي لا تستحق لأن كون الانسان آمن بالنسبة إليها شامل لكل
الأماكن بلا فرق بين الحرم وغيره، وإنما يفرق بينهما في العقوبة المستحقة لها
يعني إذا أتى الانسان بما يوجب الحد بحيث لو كان في خارج الحرم لا قيم
عليه ذلك فإن حرمة الحرم تقتضي عدم إقامته عليه فلا يجوز عقوبة الداخل
وإن لم يكن ملتجيا لأن المناط هو حرمة الحرم فلا يجوز عقوبة من دخل هذا المأمن
وأما ذكر قيد الالتجاء في صحيحة هشام المذكورة آنفا ففيه أنه ليس في
كلام الإمام عليه السلام بل هو من كلام الراوي، وهذا لا ينافي جريان الحكم
في موضوع آخر أيضا كما إذا دخله ولم يكن ملتجيا وذلك لما مر من أن المقصود
احترام الحرم ولا فرق فيه بين الملتجي والناسك وغير ذلك، كما أنه لا فرق في
العقوبة بين القتل والرجم والجلد والتعزير.
لا يقال: إن مقتضى الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على القدر
393

المتيقن، هو اختصاص الحكم بصورة الالتجاء، فإن القاعدة تقتضي عدم تأخير في
الحد غاية الأمر إن الدليل اقتضى خروج المجرم الملتجئ، فيقتصر على هذا
المقدار، وعليه فالداخل لا للالتجاء يقام عليه الحد في الحرم (1).
لأنا نقول: هذا خلاف مقتضى ظاهر الآية فإنها تفيد أن الحرم، حرم
الأمن ومحل الأمان وهذا بظاهره آب عن التخصيص بما إذا كان قد دخله لا
للالتجاء حتى يفيد أنه ليس آمنا له.
لا يقال: إن هذا العموم قد خصص قطعا لأنه إذا دخل الحرم وجنى
فيه فإنه يقام عليه الحد فيه.
لأنا نقول: لعل العام كان من أول الأمر منصرفا عمن دخل الدار
وجنى فيه، ألا ترى أنه لو قيل: إن دار العالم الفلاني محل أمن وأمان، فإنه
منصرف عمن دخل دار هذا العالم ليقتله؟ وعلى الجملة فلا وجه للتقييد
بالالتجاء أصلا بل الحكم لكل من دخل الحرم وإن لم يكن ملتجيا بل قد
دخله للعبادة ولنسك الحج والعمرة مثلا.
فتحصل أنه لا يجوز إقامة الحد على الداخل مطلقا خصوصا الملتجئ به
ما دام فيه بل يضيق عليه حتى يخرج فإذا خرج يقام عليه الحد.
الخامس: إن صريح صحيح هاشم: لا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا
يبايع، كما أن المحقق قال: يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج، انتهى،
ومن المعلوم أنه إذا منع مطلقا وبالكل عن الطعام والشراب فهو ادعى لأن يخرج
ويستوفى منه الحد مما إذا أعطى الماء والطعام قليلا، فكيف قال صاحب
الجواهر بشرح عبارة الشرايع: بأن يقتصر على ما يسد به الرمق انتهى ولماذا
أضاف ذلك وفسر التضييق باعطاء ما يسد به رمقه ودفع مقدار يسير من الماء
والغذاء إليه؟
هذا مضافا إلى أن مقتضى ذكر (لا يسقى ولا يطعم) عقيب ذكر
عدم الحد أنه لا يسقى ولا يطعم أصلا.

(1) أورده هذا العبد وكذا الاشكال الآتي وقد أجاب دام ظله عنهما بما في المتن.
394

أقول: إن منعه عن الماء والطعام مطلقا إلى أن يموت خلاف كون البيت
آمنا وينافي أن من دخله كان آمنا كما أنه خلاف المصلحة الملحوظة في المقام من
اضطراره والجائه إلى الخروج فيقام عليه الحد.
هذا مضافا إلى أنه لا يجوز الاقدام على هلاك أحد واتلافه بذنبه وإن
كانت عقوبته القتل أو الرجم فإنه لا بد من اجراء الحد عليه بالنحو المشروع
والمنهاج المأثور لا مطلقا ولا يجوز قتله بالجوع والعطش.
السادس: إنه قد استشكل بعض الأعاظم قدس سره في شمول لفظ
الجناية المذكورة في صحيح هشام، للزنا، قال: والتعبير بالجناية في السؤال
وشمولها لارتكاب الزنا لا يخلو عن النظر وإن كان الجواب مناسبا انتهى.
وفيه أن ذكر الصحيحة في كلماتهم رضوان الله عليهم أجمعين عند البحث
عن ارتكاب الزنا والالتجاء في الحرم شاهد على أنهم بأجمعهم قد فهوا شمول
الجناية لمثل الزنا وساير موجبات الحد.
والسر في ذلك ووجهه هو أن للجناية معنيين أحدهما ايجاد الجرح
وايصال الألم إلى بدن الانسان كله أو بعضه والأول جناية النفس والثاني
جناية الطرف.
ثانيهما ذنب أخذ الانسان بعقوبته، والزنا وإن لم يشمله الجنابة بمعناها
الأول لكنها تشمله بمعناها الثاني.
هذا مضافا لي أن الراوي أطلق الجناية وأجابه الإمام بأنه لا يقام عليه
الحد وهذا ظاهر في كون الموضوع هو ما له حد في الشرع وليس المراد هو ايراد ما
يعاقب المورد على مثله، وليس هذا إلا لواحد من الوجهين فإما أن تكون الجناية
هو الذنب الذي له عقوبة وإما أنه كان هناك قرينة على أن مقصود السائل هو
هذا وكان الإمام عليه السلام عالما بذلك.
السابع: إن الضمير في قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا، وإن كان
يرجع إلى البيت المذكور في الآية السابقة وهي قوله تعالى: إن أول بيت وضع
للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (1)، إلا أن المراد بحسب الآثار هو مطلق

(1) سورة آل عمران الآية 97.
395

الحرم.
نعم يستثنى من الحكم المزبور وهو عدم جواز إقامة الحد في الحرم فيما
إذا كان الجاني قد ارتكب الجرم في الحرم فإنه يقام عليه الحد فيه وذلك
لأنه بنفسه قد هتك الحرم وضاع حرمته ولم يراعها.
وتدل على ذلك صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام
التي مر نقلها فإن في آخرها: وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في
الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة.
إلا أن في مرسل الصدوق ما ينافي ذلك، وإليك نصة: قال الصادق
عليه السلام ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة ومن
الحرم وضربت عنقه (1).
فهذا يفيد أنه يخرج الجاني من الحرم ويقام عليه الحد في خارجه مع
أنه قد ارتكب الجناية في الحرم.
وقال صاحب الجواهر: ولعله الأحوط والأولى.
ولكن الظاهر عند خلاف ذلك، وذلك لما مر من تصريح صحيح
هشام بأن الجاني في الحرم يقام عليه الحد في نفس الحرم معللا بأنه لم ير
للحرم حرمة، وليس لنا ما يدل على اعتبار اخراجه إلى خارج الحرم سوى هذا
المرسل، وكيف يمكن رفع اليد عن الرواية الصحيحة برواية مرسلة لا يقويها
شئ سوى ما ذكره الصدوق بنفسه في مقدمة كتابه من لا يحضره الفقيه
بقوله: ولم أقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما
أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره
وتعالت قدرته (2).
هذا مضافا إلى أنه قدس سره قد رجع عما وعد، وأورد في كتابه ما لا
يعمل ولا يفتي به أيضا وعلى هذا فليس في قبال الخبر الصحيح الصريح في

(1) وسائل الشيعة الجلد 9 الباب 46 من مقدمات الطواف الحديث 3.
(2) من لا يحضره الفقيه الجلد 1 الصفحة 3.
396

لزوم اخراجه إلى الخارج واجراء الحد عليه في غير الحرم في مفروض المقام
دليل حجة يدل على اخراجه إلى خارج الحرم، فهنا يحد في نفس الحرم،
والاحتياط يقتضي ذلك.
حكم من جنى في حرم النبي أو الأئمة عليهم السلام
ثم إن ما ذكرناه كان بالنسبة إلى الحرم المعهود، وما هو المتبادر من
الحرم، المعهود بمكة المشرفة فحينئذ تصل النوبة إلى البحث في أنه هل الحكم
في حرم المدينة وحرم الأئمة عليهم السلام أيضا كذلك أم لا؟
قد ألحق ابن حمزة خصوص حرم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (1).
وعن شيخ الطائفة الحاق حرم النبي وكذا الأئمة عليهم السلام به (2)
وحكى ذلك أيضا عن الحلي.
ولكن خالف في ذلك الشهيد الثاني قدس سره فقال في المسالك:
وألحق به بعضهم حرم النبي والأئمة عليهم السلام وهي مشاهدهم المشرفة،
ولم نقف له على مأخذ صالح انتهى. كما أن صاحب الجواهر قال بعد نقل
القولين: ولا دليل على شئ منهما.
ونحن نقول إن كل واحد من هذين العلمين قد تمسك بالاحترام في
قبال الآية الكريمة والرواية الشريفة، فإذا كان الدليل الذي يتمسك به في عدم
إقامة الحد على المحرم في الحرم هو الاحترام فهذه العلة موجودة في ما نحن فيه
وذلك لأن أخذ من دخل دارا من تلك الدار إهانة بصاحب البيت عرفا، وكانت
العرب يعتبر ذلك أعظم إهانة بالنسبة إليه ولذا كان هاني بن عروة رحمة الله عليه
الذي قد أجار مسلما وحماه وآواه في داره بذل له تمام النصرة وامتنع شديدا من
تسليمه إلى ابن زياد واختار القتل على ذلك وقال لابن زياد: والله لا آتيك
بضيفي لتقتله أبدا، ولما قال له ابن زياد لتأتيني به، قال: والله لا آتيك به،

(1) أقول: فإنه عبر بقوله: أو في الحرمين إذا التجأ إلى أحدهما.
(2) قال في النهاية: ولا يقام الحد أيضا على من التجأ إلى حرم الله ورسوله أو حرم أحد من الأئمة الخ.
397

وفي رواية والله لو أنه تحت قدمي ما رفعتهما عنه ولا أجيئك به.
وإني أتذكر بيوت العلماء ومنازلهم كانت مأمنا للملتجئين
والواردين حتى أن الحكام والسلاطين كانوا يهمون ذلك يهتمون به كما أن
حرم الإمام الرضا عليه السلام كان مأمنا للواردين واللائذين والملتجئين على مر
الدهور والأعصار إلى أن جاء پهلوي الطاغوت ونقض هذا الأمان، بعد أن كان
الأمر بحيث قد عرف بعض الشوارع والبيوت المتصلة بالحرم الشريف بذلك
العنوان وبقي له هذا العنوان والاسم إلى يومنا هذا.
وعلى الجملة فهذا الأمر عرفي دائر بين الأقوام، والعرف يرى اخراج
أحد من دار دخل فيها ولجأ إليها إهانة برب البيت وقد أمضى الشارع هذا الأمر
العرفي ولم يردع عنه كما في حرم الله سبحانه، ومن المعلوم أن هذه العلة
والخصوصية لا تختص بحرم الله بل هي جارية في حرم الرسول والأئمة
الطاهرين، وعلى هذا فالأحوط بل الأقوى عندنا مراعاة حرمة حرمهم وعدم
التعرض لمن دخل تلك المشاهد الشريفة والمواقف الكريمة، وقد أتى بما أوجب
الحد، إلى أن يخرج منه.
لا يقال: إن لازم ذلك هو اسراء الحكم المساجد وحرم أنباء أئمة
عليهم السلام أيضا.
لأنا نقول: إن ما ذكرناه جار في كل حرم يوازن حرم الله سبحانه
أو يقرب منه في الحرمة والتكريم كحرم المعصومين عليهم السلام، فلا يجري في
مطلق المشاهد المشرفة والبقاع المقدسة نعم هتك تلك المشاهد والأماكن محرم
قطعا.
الترتيب في الحدود المجتمعة
قال المحقق: إذا اجتمع الجلد والرجم جلد أولا وكذا إذا اجتمعت
حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر.
أقول: إذا اجتمع على المكلف حد وتعزير أو حدان فصاعدا وأمكن
398

الجمع بحيث لا ينافي اجراء واحد إقامة الباقي فلا محالة يجمع بين الأمور
اللازمة ويتخير المستوفى بين تقديم أي واحد وتأخيره، كما إذا وجب على
أحد الجلد والقطع والتعزير، وأما إذا لم يمكن الجمع مطلقا وإن أمكن الجمع
في بعض الصور وبعبارة أخرى لو كان أحد الحدين مثلا بحيث لو قدم على الآخر
ينتفى موضوع الآخر دون العكس فهناك يجب تقديم ما أمكن معه اجراء الباقي
وذلك كما إذا اجتمع حد السرقة والجلد لحد الزنا غير المحصن، والرجم
أو القتل كزنا المحصن أو الزنا بالمحارم فإنه لو قدم الرجم أو القتل لم يبق
موضوع ومورد للقطع والجلد، ولا عكس، فيجب تقديم الجلد وحد السرقة ثم
الرجم أو القتل، والبدأة بما لا يفوت معه الباقي.
والدليل على ذلك أولا القاعدة العقلية فإن إذا كان هناك تكليفان
وأمكن العمل بهما والجمع بينهما وجب أن يؤتى بكل واحد منهما عملا
بالتكليفين المستقلين، والعقل لا يجوز البدأة بما لا يبقى معه موضوع الآخر لأنه لا
يجوز إزالة التكليف الإلهي فيقدم الجلد كي يجمع بين التكليفين.
وثانيا الأخبار الشريفة فقد وردت نصوص مستفيضة معتبرة تدل على
ذلك ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما رجل اجتمعت
عليه حدود فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ثم يقتل بعد ذلك (1).
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤخذ وعليه
حدود أحدها القتل، قال: كان علي عليه السلام يقيم عليه الحد ثم يقتله ولا
تخالف عليا عليه السلام (2).
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤخذ وعليه
حدود أحدها القتل، فقال: كان علي عليه السلام يقيم عليه الحدود ثم يقتله ولا
تخالف عليا عليه السلام (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 4.
399

وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون عليه
الحدود منها القتل، قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ويقتل بعد (1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل،
قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ويقتل بعد (2).
وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في من قتل وشرب خمرا وسرق فأقام عليه الحد فجلده لشربه الخمر
وقطع يده في سرقته وقتله بقتله (3).
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما رجل اجتمعت عليه
حدود فيها القتل فإنه يبدأ بالحدود التي دون القتل ثم يقتل (4).
وهنا بحث وهو أنه هل الأوامر في تلك النصوص مولوية بحيث لو
خولف الترتيب وقدم القتل لما وقع الحد أصلا بل كان هو جناية صدرت من
المجري ويترتب عليها الضمان وعلى الجملة فيكون المقام كصلاتي الظهر
والعصر، حيث إن صلاة العصر مترتبة على صلاة الظهر، ولو قدم صلاة العصر
لكانت باطلة، أو إن الأوامر الواردة فيها ارشادية ترشد إلى ما يحكم به العقل حيث
إنه حاك بلزوم مراعاة كلا التكليفين مع الامكان؟
وتظهر الثمرة فيما أشرنا إليه من أنه على الأول كان ما أتى به جناية
وعصيانا للأمرين وذلك لترك الأول رأسا مع امكان الاتيان به وترك الثاني
لعدم الاتيان بشرائطه. ولم يتحقق حد أصلا في حين أنه على الثاني كان ما
صدر منه هو الحد غاية الأمر أنه قد انتفى بهذا الحد موضوع الآخر ويصدق أنه
قد فعل ذلك وترك الآخر ويعاقب على ترك الثاني.
وقد تقدم مثل ذلك في اجراء الحد في غير اعتدال الهواء وإن الكلام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 5.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 7.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 8.
400

يأول إلى وحدة المطلوب وتعدده.
والظاهر أن المقام من قبيل تعدد المطلوب وارشاد العقل نظير قوله تعالى
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، حيث إن العقل يحكم بذلك وإن لم يكن شرع فعند
ما ورد في القرآن الكريم وعلى لسان الله تعالى يكون للارشاد إلى ما حكم به
العقل، ويبعد جدا أن يحصل الجزم بتعبد زائد على ذلك في الأمر بتقديم الجلد
على القتل أو الرجم.
نعم لو اشترطت العدالة أو القربة في المجري فلا بد من أن يفرض البحث
في ما إذا كان ناسيا مثلا وأتى بالمؤخر أولا.
لا يقال: إنه ينافي الارشادية ما ورد في الرواية عن علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل أخذ وعليه ثلاثة حدود: الخمر والزنا
والسرقة بأيها يبدأ به من الحدود؟ قال: بحد الخمر ثم السرقة ثم الزنا (1).
لأنا نقول إن ذكر الزنا في الآخر محمول بقرينة سائر الروايات
على ما إذا كان مع الاحصان، وأما تقديم الجلد للخمر على القطع للسرقة
المستفاد من لفظة (ثم) فلأجل أن تقديم القطع على الجلد قد يوجب تفويت
الموضوع، وعلى الجملة فالاحتفاظ على ايقاع كل واحد من هذه الحدود يقتضي
تقديم الجلد على القطع والقطع على الرجم أو القتل.
ثم إنه قد ظهر بما ذكرنا إن هذا البحث غير البحث الذي تقدم مفصلا من
أنه هل يجب في مورد رجم الزاني جلده أيضا أو أنه يكتفى برجمه وحده فإن
الكلام في المقام في الموارد التي ثبت أن حد المجرم هو الاثنان فصاعدا وبعد
الفراغ عن تعدد الحد فإذا وجب في مورد الجلد والرجم مثلا فهناك يبحث في
أنه أي واحد منهما يقدم وأيهما يؤخر، في حين إن الكلام في ذلك البحث في
أصل التعدد وعدمه.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 3. وقد أورد الاشكال، هذا
العبد وأجاب أدام الله بقاه بما في المتن
401

الكلام في توقع برء جلده وعدمه
قال المحقق: وهل يتوقع برء جلده وعدمه؟ قيل نعم تأكيدا في
الضرب وقيل: لا، لأن القصد الاتلاف.
أقول: إن في المسألة أربعة أقوال: أحدها وجوب التأخير، ثانيها استحبابه،
واقتصر في الشرايع على نقل هذين، ثالثها المنع وعدم جواز التأخير رابعها جواز
التأخير بيوم لا أزيد فقد حكي عن الإسكافي القول بوجوب الجلد قبل الرجم
بيوم.
وقد نسب الأول إلى الشيخين وابن زهرة وابن حمزة وابن البراج وابن
سعيد، واستدل على ذلك بقولهم تأكيدا للضرب والزجر.
توضيح ذلك أن للجلد ألمين أحدهما ألم ايقاع الضرب عليه، ثانيهما الألم
الباقي في موضع الضرب إلى مدة حتى يبرأ، فإذا لم يتوقع البرء في المقام فقد قل
ايلامه وزجره فيجب تأخيره حتى يذوق الألمين جميعا.
ونحن لا نعلم من أين استفادوا لزوم التأكيد في الزجر أفهل كان هذا
استنباطا من أصل تشريع الحد حيث إنه كان للايلام وإذاقة الألم له. فاستفيد
من ذلك اعتبار ايذائه وايراد الألم عليه حتى بامهاله بعد جلده إلى أن يبرأ
ثم بعد ذلك يرجم أو يقتل، أو إنهم اعتمدوا في ذلك على الآية الكريمة
واستندوا إليها حيث يقول الله سبحانه بعد الأمر بجلد الزانية والزاني مأة جلدة:
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؟
وكيف كان فاستفادة هذا المطلب مشكل إما على الأول فواضح وإما على
الثاني فقد وردت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير الآية أنه قال: في
إقامة الحدود (1) هكذا في تفسير الصافي عن التهذيب، وعلى هذا فالآية الكريمة
غير متعلقة بهذا المطلب ولا ربط لها به بل المقصود منها أن لا تحمل الرأفة

(1) التهذيب الجلد 10 الصفحة 150 وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 5.
402

والرحمة على ترك اجراء الحدود المقررة، سلمنا إن الآية متعرضة لما نحن بصدده
لكنها في مورد الزاني فكيف نقول بذلك في جميع الموارد ونحكم بوجوب تأخير
القتل أو الرجم إلى أن يبرأ؟
هذا مضافا إلى أنه على ما ذكروه يلزم الحكم بعدم جواز مداواته ليبرأ
وتندمل جراحاته ولا أن يدهن بدنه المجروح حتى يذوق ألم الجلد
والجراحة كليهما تأكيدا للزجر، وهذا في غاية البعد.
والعمدة هو أن هذا ينافي عدم التأخير المعتبر في إقامة حدود الله تعالى وقد
عرفت مبلغ تأكيد الشارع وشدة اصراره واهتمامه على ايقاع الحدود سريعا
ومضى أنه قد بلغ التأكيد في ذلك إلى أن المريض إذا لم يكن بحيث يبرأ عاجلا
يضرب في حال مرضه بالضغث كي لا يؤخر الحد.
وقد ظهر بما ذكرنا أنه لا وجه لاستحباب ذلك أيضا وكيف نقول
باستحباب ما يؤول إلى التأخير في اجراء الحد بل الحق هو عدم جواز التأخير
أصلا، ولو كان مستند القول بالاستحباب هو التأكيد في الزجر، ففيه ما ذكرناه
على القول بالوجوب.
وأما ما ذكره ابن الجنيد من القول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم فهو
لأجل الخبر: إن أمير المؤمنين عليه السلام جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم
الجمعة (1).
وأورد عليه في الرياض بقوله: وهو شاذ كالمنع عن التأخير بل لعله
احداث قول ثالث لاتفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه وإن اختلفوا في وجوبه
وعدمه وعلى هذا فالتأخير لعله أحوط وإن لم يظهر للوجوب مستند عليه معتمد،
نعم نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب انتهى.
أقول: إن وجه عدم ظهور مستند يعتمد عليه في الحكم بوجوب التأخير
واضح فقد مر إن اعتمادهم في ذلك على التأكيد على الزجر، وقد قدمنا ما فيه
وأما الاستناد إلى رواية الأصحاب، فهو في حكم خبر مرسل بل لعله أدون من

(1) راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 220.
403

المرسل وذلك لأنه استظهر ذلك منهم، وأين هو من الاستناد إلى الخبر مرسلا
فهذا لا ينفعنا شيئا.
وأما كون التأخير أحوط، ففيه أنه لو كان الأمر يدور بين الوجوب والجواز
لصح القول بأن الاحتياط في الاتيان به رعاية لاحتمال الوجوب، وليس هنا
كذلك، وذلك لاحتمال حرمة التأخير، فإن مقتضى أدلة وجوب التسريع في
الحدود هو عدم التأخير فيها أصلا، وعلى هذا فليس في التأخير احتياط، وليست
الفتاوى بحيث يطمئن ببلوغها حد الاجماع، فهذا هو المحقق الأردبيلي
قدس سره وقد أفتى بوجوب التسريع وعدم تأخير إلى أن يبرأ فقال في مجمع
البرهان: يجوز بل يجب أن يقتل بعد ذلك بما لا يعد تأخيرا انتهى، والأقوى
بنظرنا أيضا هو هذا.
وأما التأخير إلى يوم فلعله كان بنحو لا ينافي الفورية العرفية أو كان
الحكم به لجهات خارجية.
تذكرة وتتميم
ثم إنه لو مات المحدود في أثناء الجلد يسقط عنه باقي الضربات
كما يسقط عنه الرجم أيضا لفوات الموضوع ولا ضمان أصلا وذلك للاتيان
بما هو وظيفته من ايقاع الجلد قبل الرجم، بخلاف ما لو عكس الترتيب
فقدم الرجم فإنه قد فوت التكليف بالجلد بتقديم الرجم على الجلد وعصى
بذلك، وأما الضمان فهو موقوف على وحدة المطلوب وتعدده فعلى الأول فهو
ضامن وعلى الآخر فلا ولو شك في وحدة المطلوب وتعدده وشك في الضمان
وعدمه فالأصل عدم الضمان.
كيفية وضع المرجوم حال رجمه
قال المحقق: ويدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة إلى صدرها.
أقول: إن الكلام هنا في موارد، أحدها في اعتبار حفر الحفيرة وعدمه
404

ثانيها في اعتبار الدفن وعدمه ثالثها في تعيين المقدار الذي يعتبر ستره أو دفنه في
الحفيرة إلى غير ذلك وقد اختلفت كلماتهم رضوان اللهم عليهم بالنسبة إلى كل
واحد من هذه الأمور (1).
وإليك قسما من كلماتهم: قال في المقنعة: تحفر له حفيرة إلى صدره ثم
يرجم بعد ذلك وقال أيضا: وإذا وجب على المرأة رجم حفر لها بئر إلى صدرها
كما يحفر للرجل ثم تدفن فيها إلى وسطها وترجم هذا إذا كان عليها شهود بالزنا
وإن كانت مقرة بلا شهود لم تدفن ونزلت كما ينزل الرجل الخ.
وقال الصدوق في المقنع: والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها
فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم ويبدأ الشهود برجمه الخ.
وقال سلار في المراسم: وتحفر له حفيرة ويقام فيها إلى صدره ثم يرجم
والمرأة تقام إلى وسطها. الخ.
وفي الغنية يحفر للمرجوم حفيرة يجعل فيها ويرد التراب عليه إلى صدره
ولا يرد التراب عليه إن كان رجمه باقراره.
قد مضى أن المحقق قال بدفن المرجوم، وهو رد التراب عليه بعد وضعه
في الحفيرة.
وحيث إن الأصل في ذلك هو الأخبار فاللازم هو المراجعة إليها والنظر
فيها والاستظهار منها.
فعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: تدفن المرأة إلى وسطها
إذا أرادوا أن يرجموها ويرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار (2).
وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تدفن المرأة إلى وسطها ثم
يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى

(1) لم يكن في الكلمات التي نقلها دام ظله العالي ما يدل على وجود قول بعدم الحفر أو الترديد فيه
لكن كلام الشهيد الثاني في المسالك ظاهر في الترديد في ذلك وأظهر منه في ذلك كلام الأردبيلي
فراجع.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
405

حقويه (1).
وعن أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: أتاه
رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، ثم ذكر أنه أقر أربع
مرات إلى أن قال فأخرجه إلى الجبان فقال: يا أمير المؤمنين انظرني
أصلي ركعتين ثم وضعه في حفرته.. فأخذ حجرا فكبر أربع تكبيرات ثم رماه
بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السلام مثل
ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام ثم رماه الحسين عليه السلام فمات الرجل فأخرجه
أمير المؤمنين فأمر فحفر له وصلى عليه ودفنه (2)..
وعن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني
عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال:
يرد ولا يرد، فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: إن كان هو المقر على نفسه ثم هرب
من الحفيرة بعد ما يصيبه شئ من الحجارة لم يرد وإن كان إنما قامت عليه
البينة وهو يجحد ثم هرب رد وهو صاغر حتى يقام عليه الحد وذلك أن ماعز
بن مالك أقر عند رسول الله صلى الله عليه وآله بالزنا فأمر به أن يرجم فهرب
من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه ثم
أخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال لهم: فهلا تركتموه إذا هرب
يذهب فإنما هو الذي أقر على نفسه (3)..
وعن أبي العباس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتي النبي صلى الله
عليه وآله رجل فقال: إني زنيت فصرف النبي صلى الله عليه وآله وجهه
عنه.. فأقر على نفسه الرابعة، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله أن يرجم فحفروا
له حفيرة فلما إن وجد مس الحجارة خرج يشتد فلقيه الزبير فرماه بساق

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من حد الزنا الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حد الزنا الحديث 1.
406

بعير (1).
وعن أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المرجوم
يفر من الحفيرة فيطلب؟ قال: لا ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم
يطلب فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه ألم العذاب (2).
وعن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين
عليه السلام فقالت: إني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها.. ثم أمر بها بعد ذلك
فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو
وموضع الثديين وأغلق باب الرحبة ورماها بحجر (3)..
إلى غير ذلك من الروايات وهي متفقة في اعتبار ادخاله في الحفيرة
وفيها ما هو الصحيح كرواية أبي مريم، والموثق كخبر سماعة، ولو كان كلها
ضعيفا فأيضا يعمل به وذلك لأنه المشهور بينهم كما صرح بذلك في الجواهر.
نعم بعض الأخبار ساكتة عن ذكر ذلك لكنه ليس في مقام البيان من
هذا الجهة ولم يرد فيها التصريح بالعدم حتى يحصل التعارض سوى ما عن
أبي سعيد الخدري في قصة ماعز: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله برجمه فانطلقنا به إلى
بقيع الغرقد فما أوثقناه ولا حفرنا له حفيرة ورميناه بالعظام والمدر والخزف..
لكن الرواية عامية منقولة عن سنن البيهقي فلا تقاوم تلك الروايات
العديدة الدالة على ذلك، وهكذا ما نقلوه من أن النبي صلى الله عليه وآله حفر للعامرية ولم
يحفر للجهنية.
هذا مضافا إلى أن قصة ماعز منقولة بطرقنا أيضا وقد ذكر فيها أنه حفر
له فراجع رواية حسين بن خالد المنقولة آنفا.
نعم قد يستشكل في دلالة الروايات لكونها متضمنة للجملة الخبرية
بدل الأمر.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حد الزنا الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حد الزنا الحديث 5.
407

وفيه أن الجملة الخبرية أيضا تدل على الوجوب كالأمر بل إنها أظهر
في إفادة الوجوب وذلك لأن من يأتي بالجملة الخبرية يرى القضية محققة
الوقوع وكأنه يخبر عن أمر سيقع ولا يحتمل الخلاف في حين أن الأمر لا
يدل على أزيد من طلب الفعل ولا فرق فيما ذكرنا بين المضارع المعلوم والمضارع
المجهول فكما أن المضارع المعلوم يدل على الوجوب كذلك المجهول منه.
هذا كله مضافا إلى ما دل على الوجوب من التأسي بفعل النبي
والوصي صلوات الله عليهما وآلهما.
وما نقلوه من عدم الحفر للجهنية، أو عدم الحفر لماعز فمضافا إلى ما
مر، أنهما حكاية فعل في بعض الأحائين وهو ليس بحجة ولو فرض ظهور الفعل في
عدم الوجوب فهذا لا يقاوم ظهور القول في الوجوب وذلك لأن وجه الفعل ليس
بمعلوم لنا، ولامكان طرو العارض الحامل على عدم الحفر.
ومع ذلك كله لو شك في اعتبار الحفر فلا شك في حسنه وإنما البحث
في الوجوب والاستحباب ومن المعلوم أن الوظيفة حينئذ مراعاة ذلك، وعلى
الجملة فوجوب حفر الحفيرة أحوط لو لم يكن أقوى.
فتحصل أن ما ذكره المشهور هو الصحيح فيلزم الحفيرة وأما القول بعدم
اعتبارها فهو شاذ ولعل القائل حمل هذه الأخبار على الاستحباب وإلا فلا دليل
عليه ظاهرا هذا بالنسبة إلى اعتبار حفر الحفيرة ووجوب ذلك.
وأما الدفن فقد عبر بذلك بعض الفقهاء كما رأيت ذلك في عبارة
المحقق وهو مذكور في قسم من الروايات أيضا وقد تقدم ذلك قريبا.
وغير خاف أن الدفن بمعناه المعهود المذكور في باب الأموات هو المواراة في
الأرض بحيث يختفي المدفون عن تناول يد الغير ورؤيته، وهذا المعنى غير مناسب
للمقام الذي يجب الرجم والرمي فإن دفنه كالميت ينافي الرجم، والدفن بذاك
المعنى مذكور في بعض الروايات بالنسبة إلى ما بعد موته كما في مرفوعة أحمد بن
محمد بن خالد حيث قال فيها: فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السلام فأمر
408

فحفر له وصلى عليه ودفنه (1).
ويشهد لما ذكرناه ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه ولا يرجم من وجهه لأن الرجم والضرب
لا يصيبان الوجه وإنما يضربان على الجسد على الأعضاء كلها (2).
وذلك لأنه إذا دفن في الأرض خصوصا لو كان بحيث دفن إلى ثدييه
أو منكبيه فلم يبق من جسده حتى يقال: إنما يضربان على الجسد على الأعضاء
كلها، فلا بد أن يكون المراد من الدفن والستر هو نفس الستر في الأرض.
والانصاف أن اثبات إرادة مجرد الستر في الحفيرة مشكل، والظاهر أن
المراد من دفن المرجوم الوارد في الروايات هو مواراته إلى الموضع المعتبر، في
الحفيرة رد التراب عليه.
وأما قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم: وإنما يضربان على الجسد
على الأعضاء كلها، فلا ينافي ما ذكرناه وذلك لأن الضرب على الأعضاء كلها،
كان قد وقع عقيب قوله: لا يصيبان الوجه ويؤكد عدم وقوع الضرب على الوجه
والرأس لا أن يكون العناية على وقوع الضرب على كل موضع موضع من جسده.
وأما منافاة الدفن بهذا المعنى للفرار الذي يكون في من ثبت زناه بالاقرار
موجبا لتخلية سبيله. ففيه أن رد التراب وطمه لا ينافي الفرار باعمال شدة وقوة
ولا يجب تسهيل سبيل الفرار على المحكوم بالرجم وإنما المسلم هو أنه لو فر يترك
بحاله ويخلى سبيله لا أزيد من ذلك ولا أكثر.
وأما الحد والمقدار الذي ينزل ويجعل من المرجوم في الحفيرة فالأخبار
المتعرضة لذلك مختلفة منها ما اقتصر فيه على ذكر دفن المرأة إلى وسطها وذلك
كرواية أبي بصير، ولا تعرض فيها للرجل أصلا، ومنها ما يدل على أنه تدفن المرأة
إلى وسطها ولا يدفن الرجل إلا إلى الحقوين وذلك كرواية سماعة، ومنها ما
ورد في فعل أمير المؤمنين عليه السلام من أنه دفن المرأة المقرة بالزنا إلى الحقوين

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
409

كرواية صالح بن ميثم، ومنها ما يقول بأن أمير المؤمنين عليه السلام أدخل المرأة التي
ثبت عليها الرجم في الحفرة إلى الحقو وموضع الثديين.
والحقو هو معقد الإزار وأما الوسط فلا يخلو المراد منه عن اجمال،
ومقتضى مقابلة الوسط في المرأة في موثق سماعة، الحقوين في الرجل هو أن
يكون الوسط ما يقرب الثديين مثلا وإلا فلا وجه للتفصيل المزبور، وهذا ينافي
ما ورد في رواية صالح من دفن المرأة المقرة إلى الحقوين كما أن رواية أبي مريم
لا تساعد شيئا من الروايات لأن المعتبر بحسبها دفن المرأة إلى الحقو وموضع
الثديين فإذا كان (إلى) لانتهاء الغاية وكانت الغاية الحقو فما وجه ذكر موضع
الثديين مع أنه لو كان المعتبر هو موضع الثديين فالحقو داخل لا محالة ولا
ينفك عند أبدا بخلاف العكس -؟
ويمكن أن يكون المقصود هو ستر كل هذه المواضع إلى موضع الثديين
وإن كان ذلك خلاف الظاهر، وعلى الجملة فلو كان الملاك هو موضع الثديين
فيمكن الجمع بين هذا وبين ما دل على الدفن إلى الوسط إن كان المراد من
الوسط هو ما يحاذي الصدر، ولو أريد منه ما يحاذي موضع الإزار فهو يساعد رواية
صالح الدالة على دفنها إلى الحقوين لكن لا يساعد ما دل على وجوب دفنها
إلى موضع الثديين.
اللهم إلا أن يقال: إن الحد الأقل هو إلى الحقوين والأكمل هو إلى
الصدر والثديين، والوسط هو الوسط بينهما.
وقد حكى صاحب الجواهر رواية أبي مريم، بلفظ: دون موضع الثديين،
بدل: موضع الثديين، بل هكذا كانت في بعض النسخ الأصلية الروائية (1) وهذا
يسهل الأمر ويرفع الاشكال، وإن كان يبقى الاشكال بأنه لا يساعد ما ورد من
اعتبار الصدر في المرأة.
وكيف كان فالظاهر هو ما أفاده المشهور من لزوم دفن المرجوم إلى حقويه
إن كان رجلا، وإلى الصدر إن كان امرأة، كما هو مقتضى قوله عليه السلام في موثق

(1) أقول: لكن في نسخة الفقيه المطبوعة جديدا: وموضع الثديين، فراجع الجلد 4 الصفحة 30.
410

سماعة: تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الإمام.. ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا
إلى حقويه،، وما ورد من أنه صلى الله عليه وآله حفر للعامرية إلى الصدر وأنه
صلوات الله عليه رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة، فإن الثندوة هو موضع الثدي، إلى
غير ذلك من الروايات.
بقي في المقام أمران
أحدهما إن المحقق لم يتعرض للحفر أصلا وإنما اقتصر على قوله:
ويدفن المرجوم، وأضاف في الجواهر قبل ذلك، قوله: ويجب أن.. " حتى
يفيد أنه ولو فرض استظهارهم كالشهيد الثاني عدم الوجوب، فهو بنفسه
استظهر الوجوب ويقول بذلك.
ثم استدل على وجوب الدفن بقوله: للأمر بالحفر له في جملة من
النصوص المعتبرة الخ.
ونحن نقول: هل المراد منه أنه إذا وجب الحفر وجب الدفن أيضا ففيه
أنه لا ملازمة لامكان أن يجعل في الحفيرة بدون الدفن أي رد التراب وطمه، هذا
مضافا إلى عدم ورود الأمر بالحفر في هذه الروايات حتى بلفظ المضارع بل هي
متعرضة للدفن فقط نعم ورد في ثلاثة من الروايات أنه صلوات الله عليه أمر أن يحفر
له حفيرة، فلو كان نظره من وجوب الدفن إلى هذه الروايات ففيه ما ذكرناه من
عدم الملازمة.
نعم يمكن التمسك بالسيرة في موارد الرجم فإنهم صلوات الله عليهم كانوا
يحفرون ويدفنون المرجوم في الحفيرة.
وكيف كان فلو لم يكن الروايات صريحة في الوجوب فلا أقل من
أن الاحتياط هو الحفر والدفن.
ثانيهما إنه هل الحفر والدفن واجبان مستقلان أو أنهما شرطان في
الحد؟ الظاهر هو الأول، واستفادة الشرطية مشكلة جدا، وعلى هذا فلو وقع
الرجم بدون ذلك فقد تحقق أمر الرجم وصح، وإلا لكان اللازم التعرض له
411

والتصريح به في النصوص والكلمات، والتنصيص على أن الرجم بدونهما ليس
برجم شرعي بل هو قتل وجناية، فعدم التعرض والتصريح يدلنا على أن هذين
الأمرين من قبيل الواجب في الواجب لا من قبيل القيد والشرط.
حكم فرار المحكوم بالرجم عن الحفيرة
قال المحقق: فإن فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة، ولو ثبت بالاقرار لم يعد
وقيل إن فر قبل إصابته بالحجارة أعيد.
أقول: أما الحكم الأول وهو أنه إذا فر المرجوم عن الحفيرة أعيد ليتم
رجمه إن كان زناه قد ثبت بالشهود، فتدل عليه أمور: الأصل والاجماع
والنصوص.
والمراد من الأصل هو أصالة عدم سقوط الرجم الثابت بثبوت موجبه،
بفراره من الحفيرة، فإذا دل الدليل على وجوب الرجم وشك في أن الفرار
مسقط له أم لا فالأصل هو العدم وبقاء ما ثبت عليه من الحد.
ووجه ذكر الأصل مع وجود النصوص في المسألة هو أنه لو لم يتم
الاستدلال بها عند أحد وسقطت عن حد الاعتبار وصلاحية الاستدلال ووصلت
النوبة إلى الأصل كان مقتضاه ما ذكره.
وأما الاجماع ففي الجواهر: لا خلاف أجده فيه انتهى وفي كشف
اللثام بعد قول العلامة: فإن فر أحدهما أعيد إن ثبت الزنا بالبينة: اجماعا
كما هو الظاهر انتهى وفي الرياض: فإن فر أحدهما من الحفيرة أعيد إليها إن
ثبت الموجب لرجمها بالبينة بلا خلاف أجده فيه بل عليه الاجماع في عبائر جماعة
وهو الحجة الخ.
وأما النصوص فهي الأخبار الآتية الصريحة في ذلك.
وأما لو ثبت زناه بالاقرار وفر عند رجمه من الحفيرة فإنه لا يعاد إليها
بل يخلى وسبيله ويترك بحاله مطلقا على ما ذهب إليه المفيد والحلي وسلار
وابنا سعيد بل المشهور أو بشرط إصابة الحجر له مطلقا على ما ذهب إليه الشيخ
412

في النهاية وابن حمزة في الوسيلة.
قال الأول: إذا أراد الإمام أن يرجمه فإن كان الذي وجب عليه ذلك
قد قامت عليه به بينة أمر بأن يحفر له حفيرة ودفن فيها إلى حقويه ثم يرجم
والمرأة مثل ذلك تدفن إلى صدرها ثم ترجم فإن فر واحد منهما من الحفيرة رد
حتى يستوفى منه الحد بالرجم وإن كان الرجم وجب عليهما باقرار منهما على
أنفسهما فعل بهما مثل ذلك غير أنه إذا فرا وكان قد أصابهما شئ من الحجر لم
يردا انتهى (1).
وقال ابن حمزة عند بيان حد الرجم: فإن فر بعد ما مسته الحجارة لم يرد
انتهى وقال بعد ذلك عند بيان ما إذا ثبت عليه الحد بالبينة: فإن فر رد على
كل حال (2).
والحاصل أن في المقام مذهبين أحدهما إن مع اثبات الرجم بالاقرار لا
يعاد إلى الحفيرة إن فر منها مطلقا ثانيهما إنه فر بعد إصابة الحجارة لم يعد وإن
فر قبل ذلك يعاد ويستوفى منه الحد.
واختار المحقق وصاحب الجواهر أيضا القول الأول.
وقد استدل على ذلك بأمور أحدها: مرسل الصدوق وسيأتي ذكره
ثانيها: مفهوم التعليل في خبر حسين بن خالد الآتي ذكره أيضا: " فإنما
هو الذي أقر على نفسه " يعني أنه يخلى سبيله إذا فر لأنه قد أقر فإن مفهومه: إن
من لم يقر بل قامت عليه البينة فإنه يرد وقد يؤيد ذلك بأن الفرار بمنزلة الرجوع
عن الاقرار الذي لا يرجم معه.
ثالثها: الشبهة ودرء الحد بها.
رابعها: الاحتياط في الدماء.
وأما المرسل فهذا: محمد بن علي بن الحسين، قال: سئل الصادق
عليه السلام عن المرجوم يفر، قال: إن كان أقر على نفسه فلا يرد وإن كان شهد

(1) النهاية الصفحة 699.
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 412.
413

عليه الشهود يرد (1).
ومقتضاه أنه إذا ثبت الموجب بالاقرار فلا يرد المرجوم مطلقا سواء قد
أصابه من الحجارة شئ أم لا.
واستدل للقول الثاني برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه
إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة رد (2).
ومقتضى ظاهر هذه إن الفارق هو الإصابة وعدمها مطلقا فمن أصابته
الحجارة لا يرد إلى الحفيرة سواء ثبت الموجب للرجم بالبينة أو بالاقرار، ومن لم
تصبه يرد كذلك. ولا تختص بظاهرها بما إذا أثبت الموجب بالاقرار، والنسبة
بينهما هو العموم من وجه. ويجتمعان فيما إذا ثبت الموج باقرار ولم تصبه
الحجارة فإن مقتضى المرسل هو عدم الرد ومقتضى خبر أبي بصير وجوب رده.
وفي قبال هاتين ما قد جمع بين الاقرار والإصابة وهو خبر حسين بن
خالد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب
من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد ولا يرد، فقلت: وكيف
ذاك؟ فقال: إن كان هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه
شئ من الحجارة لم يرد، وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب
رد وهو صاغر حتى يقام عليه الحد وذلك أن ماعز بن مالك أقر عند رسول الله
صلى الله عليه وآله بالزنا فأمر به أن يرجم فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام
بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه ثم أخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله
بذلك فقال لهم: فهلا تركتموه إذا هرب يذهب فإنما هو الذي أقر على نفسه
وقال لهم: أما لو كان علي حاضرا معكم لما ضللتم قال: ووداه رسول الله
صلى الله عليه وآله من بيت مال المسلمين (3).
فحينئذ إما أن يقال بتعارض الخبرين السابقين وتساقطهما فيرجع إلى

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 5.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
414

رواية حسين بن خالد الناطقة باعتبار كلا الأمرين في عدم جواز الرد إلى الحفيرة.
وإما أن يقال بأنه يلاحظ واحد منهما مع الخاص المشتمل لكلا
القيدين وحيث إن النسبة العموم المطلق فيخصص العام ثم يلاحظ هذا المقيد
والمخصص إلى العام الآخر فيكون النسبة العموم المطلق فيخصص العام
بالخاص لانقلاب النسبة لكن هذا هو الذي حكاه الشيخ المرتضى قدس سره
عن بعض ولم يرتضه وليس هو المنهاج الدائر بينهم بل البناء على ملاحظة النسبة
بينهما وبالنسبة إلى الخاص والنتيجة أن بين الدليلين الأولين بنفسهما عموما من
وجه وبين كل واحد منهما مع الثالث أي رواية ابن خالد العموم المطلق ويؤل إلى
أنه لو قيل بالتساقط عند تعارض الدليلين فيرجع إلى رواية ابن خالد ويحكم
باعتبار كلا الأمرين معا وأنه مع انتفاء أي واحد من القيدين ينتفي الحكم
بعدم الرد وعلى الجملة فهذا كله على القول بالتعارض.
ويمكن أن يجمع بين الروايتين بتقييد اطلاق كل منهما بقيد الآخر
فتتوافقان مع رواية ابن خالد ولعله هو الأحسن.
كما يمكن أن يقال بأن رواية ابن خالد شاهد للجمع بين المرسلة ورواية
أبي بصير.
نعم يمكن الاشكال في رواية ابن خالد بتعارض الصدر والذيل وذلك
لأن الصدر يفيد أن المسقط للرجم بعد الفرار هو كون الموجب قد ثبت بالاقرار مع
كون الفرار بعد الإصابة والحال إن التعليل الوارد في الذيل وهو قوله صلوات الله
عليه وآله: " فإنما هو الذي أقر على نفسه " ظاهر في أن المسقط هو مجرد كون الموجب
الاقرار.
مع صاحب الجواهر في مناقشاته
ثم إن صاحب الجواهر قد ناقش أولا في القول الأول فقال بعد ذكر
القول الثاني والاستدلال عليه: بل قد يناقش في الأول بمنع كون الهرب بمنزلة
الرجوع في ذلك.
415

أقول: إن من جملة ما تمسك به للقول الأول كما تقدم هو أن الفرار بمنزلة
الرجوع عن الاقرار ومعلوم أنه مع الرجوع لا يرجم وذلك لأن من هيأ نفسه
للتطهير عن المعصية بسبب الرجم فلو كان باقيا على اقراره فهو لا يفر طبعا عن
الحفيرة بل يقوم ويثبت حتى يجرى حد الله تعالى عليه كي يتطهر من دنس
المعصية.
فناقش رحمة الله عليه في ذلك بأن كون الفرار بمنزلة الرجوع في اسقاط
الرجم عنه غير معلوم.
وما أفاده في محله وذلك لأنه يمكن أن يكون فراره للألم الشديد الذي
لا يتحمله فعلا مع أنه قد أعد نفسه لتحمله فليس هربه في معنى الرجوع.
وناقش في الاستدلال باطلاق المرسل باحتمال اختصاصه بصورة الفرار
بعد الإصابة كما هو الظاهر في فرار من أقر على نفسه.
أقول: إن هذه المناقشة لا تخلو عن كلام وذلك لأنه لا وجه لرفع اليد
عن ظاهره الذي هو الاطلاق وإلا فكل المطلقات يمكن أن تحمل على شئ مثل
ذلك.
نعم لو كانت خصوصية اقتضت صرف المطلق عن اطلاقه لكان يتم ما
ذكره وهو رحمة الله وإن ادعى وجود هذه الخصوصية في المقام حيث تمسك
بما هو الظاهر من فرار من أقر على نفسه لكنها ليست بهذه المثابة أي بحيث يوجب
صرف الاطلاق فلربما يفر ولم يصبه شئ من الحجارة أصلا فهذا لا ينفع إلا
لمن جزم بقرينية هذه الجهة فهو يقول بأن المراد من المرسل هو ما إذا أصابته
الحجارة.
ثم تعرض للتعليل الوارد في قصة ماعز حيث اعترض رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أنهم لحقوا ماعز وقتلوه بعد أن فر من الحفيرة قائلا: فإنما هو الذي أقر على
نفسه،، فإن الظاهر منه أن الفرار هو الذي يوجب أن يترك بعد أن فر وهرب.
فرد رحمة الله عليه بأن هذا التعليل وارد في صورة الإصابة فلا يشمل
غيرها وهو ما إذا هرب بلا إصابة. فقال: وإن كان العبرة بالعموم دون المورد
416

بناءا على أن صدر الرواية المعللة ظاهر في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى
الحفيرة.
أي إن العبرة بعموم الوارد لا بخصوص المورد ففيما نحن فيه العبرة بحسب
القاعدة بالفرار بعد أن كان الموجب للرجم هو الاقرار ولا اعتبار بخصوصية المورد
هو أن ماعز كان قد هرب مع إصابة الحجر إلا أنه لا يعتبر ذلك في المقام بل الأمر
بالعكس، والعبرة بخصوص المورد فيلاحظ الإصابة وذلك لمراعاة صدر الخبر
الدال بظاهره على اعتبار الإصابة وهو قوله عليه السلام: إذا كان هو المقر على
نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شئ من الحجارة،،
قال: فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط أو القيد في صدره فيتساقطان
لو لم يكن الأول صارفا للثاني ومخصصا له بمورده فلا حجة فيهما.
يعني أن مفهوم الذيل كفاية مجرد الاقرار في الحكم بعدم الرد إلى
الحفيرة، وهو معارض بمفهوم الصدر وهو إما مفهوم الشرط بلحاظ (إذا) الشرطية،
أو مفهوم القيد بلحاظ ذكر لفظة: بعدما يصيبه،، الذي يعتبر حالا في المقام،
وكيف كان فهذا المفهوم يفيد اعتبار الإصابة أيضا فيتعارضان ويتساقطان إن
لم يكن مفهوم الصدر موجبا لصرف الذيل عن ظاهره ومخصصا له بمورده الذي كان
مع الإصابة وعلى هذا فلا حجية لا في هذا ولا في ذاك.
أقول: إن الإمام عليه السلام قد ذكر الإصابة وقيد الاقرار بها بلا ترديد ثم
استدل عليه السلام بقصة ماعز وما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله فيها وما قاله،
فلولا أنه كان تعليله صلى الله عليه وآله مقيدا بهذا القيد لما صح التمسك
والاستدلال بقصة ماعز وفعل رسول الله وقوله: فهذه قرينة على أن الإصابة
كانت معتبرة في الذيل أيضا إلا أن الإمام عليه السلام لم يذكر ذلك واقتصر
على مجرد ذكر الاقرار وذلك لعدم صحة الاستدلال بالأعم للأخص، فيعلم
أن قوله صلى الله عليه وآله: إنما هو الذي أقر على نفسه،، معناه إن من أصابته
الحجارة قد أقر على نفسه،، فيدل على دخل كل من الاقرار والإصابة في عدم
الرد إلى الحفيرة.
417

وعلى هذا فليست هذه الرواية لا صدرا ولا ذيلا دليلا على كفاية مجرد
الاقرار بل تدل على عدمها بدون الإصابة.
نعم يبقى أن يدعى كون هذا القيد المذكور في الصدر واردا مورد
الغالب وعليه فلا مفهوم له كما في قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم (1)،
قال صاحب الجواهر: والذب عن مفهوم الشرط وإن كان ممكنا بدعوى ورود
القيد مورد الغالب كما عرفته إلا أن في بعض النصوص ما يدل على اعتبار مفهومه
هنا كالمرسل في الفقيه بغير واحد المحتمل للصحة عند بعض الخ.
أقول: إن المرسل الذي أشار إليه هذا: عن صفوان عن غير واحد عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد وإن
لم يكن أصابه ألم الحجارة رد (2).
ترى أن الصدوق عليه الرحمة نقل عن صفوان وهو عن أشخاص كثيرين
ولربما كان بعضهم ممن تصح روايته ويؤخذ بها وقد تمسك قدس سره بمرسل
الصدوق الصريح في المفهوم حيث صرح بأنه إذا لم يكن أصابه رد لاثبات
إن القيد في رواية حسين بن خالد ليس واردا مورد الغالب بل هو لإفادة المفهوم.
هذا ولكن لا يخفى أن القيد وإن كان بحسب طبعه واردا مورد الغالب
لكنه إذا وقع تلو الشرط فلا محالة يفيد المفهوم، فإذا قال: وربائبكم إذا كانت في
حجوركم، فإنه تختص وتقيد بهذا القيد، وما نحن فيه كذلك لوقوع قيد الإصابة
عقيب إذا الشرطية وعلى هذا فنفس رواية ابن خالد تدل على الاشتراط.
قال: وفيه أن ضعف الخبرين المزبورين مع عدم الجابر يمنع من العمل
بهما في تقييد المرسل السابق المنجبر بهما.

(1) سورة النساء الآية 23.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
418

يعني أن رواية حسين بن خالد ضعيفة لأنه مجهول ومرسل الصدوق عن
صفوان عن غير واحد، ضعيف للارسال، ولا جابر لهما فلا يصلحان لتقييد المرسل
السابق الدال على كفاية مجرد الاقرار في أن لا يرد إلى الحفيرة، وهو منجبر بهما.
قال: ودعوى اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة لأنه الظاهر واضحة
المنع كدعوى أن مقتضى الأصل بقاء الحد، فينبغي الاقتصار على اسقاطه على
القدر المتيقن سقوطه منه بالنص والاجماع وهو الزائد عن ألم الحجارة ويمكن أن
يجبر به قصور السند الخ.
أي إن دعوى اختصاص المرسل الذي دل على كفاية الاقرار في
الإعادة بما إذا كان فراره بعد الإصابة حيث إن الظاهر ذلك، واضحة المنع
كدعوى أن مقتضى الأصل بقاء الحد، ويقتصر في اسقاطه على القدر المتيقن
سقوطه بالنص والاجماع وهو ما إذا أصابته الحجارة فحينئذ لا يرد فإنه المتيقن من
مورد عدم الرد فلا يعاد للزائد عن ألم الحجارة التي أصابته، ولعل كونه متيقنا
يكون جابرا لقصور السند في خبر حسين وأبي بصير الدالين على اعتبار الإصابة.
ثم قال: ضرورة انقطاع الأصل بالمرسل المنجبر بالعمل الذي لا أقل من
أن يكون موجبا للتردد كما هو ظاهر السرائر والتحرير والصيمري ومقتضاه عدم
الإعادة درءا للحد بالشبهة إن لم نقل بعدم فائدتها بعد الأصل.
يعني أن الأصل أصل بقاء الحد دليل حيث لا دليل ولما كان
المرسل الدال على كفاية الاقرار وعدم الحاجة إلى الإصابة منجبرا بالشهرة كما
سبق ذلك فالأصل يكون منقطعا بهذا المرسل المنجبر ولا أقل من كون ذلك
موجبا للتردد كما يظهر ذلك أي التردد من الأعلام المذكورين.
والحاصل أنه بالآخرة ذهب إلى ما اختاره الشرايع من كفاية مجرد
الاقرار وعدم اعتبار الإصابة.
ونحن نقول: إن ظاهر رواية حسين بن خالد هو اشتراط الإصابة وهي
صحيحة عند بعض العلماء ومنهم بعض المعاصرين أو موثقة وعلى هذا فمقتضى
الأخذ بالخبر الصحيح أو الموثق الظاهر الدلالة هو اعتبار الإصابة في عدم الإعادة
419

إلى الحفيرة.
ويؤيد ذلك أن المتيقن هو هذا الفرد ولا خلاف في عدم إعادة من فر
من الحفيرة بعد أن ثبت زناه بالاقرار وكان قد أصابه حجر من أحجار الرجم.
نعم من قال: بأن حسين بن خالد مشترك ومردد بين الثقة وغيرها فلا
يرد عليه ذلك. كما أن القدر المتيقن يمكن أن يقرر هنا بوجه آخر تكون نتيجته على
خلاف ما تقدم لأنه إذا قيل إن المتيقن من المقيد هو ما إذا ثبت الموجب بالاقرار
وكان فراره بعد الإصابة فهذا الفرد خارج عن أدلة الرجم قطعا.
وأما إذا لوحظ أن المتيقن من مطلقات الرجم هو ما إذا كان قد أقر ولم
يفر فهذا يفيد خلاف الأول لأنه يستلزم اجراء الحد إذا أقر بالموجب لكنه قد فر
من الحفيرة سواء أصابته الحجارة أم لا.
دفع توهم
لا يقال: إن قوله عليه السلام في رواية حسين بن خالد: وإن كان إنما
قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب رد وهو صاغر، يفيد بمقتضى التقييد
بالجحد أنه إذا قامت عليه البينة لكنه لم يكن يجحد بل كان ساكتا مثلا لم يرد.
لأنا نقول: إن ذكر ذلك في الرواية من باب ذكر أجلى الفردين
وأعلى المصداقين للمفهوم نظير أن يقال: إن الماء القليل يتنجس بالملاقاة ثم يقال:
أما ماء البحر فلا يتنجس أبدا، فليس المراد عدم انفعال خصوص ماء البحر
وهكذا فيما نحن فيه قال عليه السلام بأن المقر يرد بخلاف الذي قامت عليه البينة
وهو جاحد فالمقصود هو غير المقر وإنما ذكر وأضاف قيد:،، وهو يجحد،، لتحقيق
المطلب وذكر أعلى فردي المفهوم، وأما إفادة اخراج صورة سكوته كي يكون
مفهوم الجملة الأولى خصوص من يجحد فهو غير مراد وخلاف المتعارف في
ذكر المفهوم.
420

في حكم فرار الزاني في وسط الجلد
ثم إن ما مر كله كان حكم فرار المحكوم بالرجم، فلو فر المحكوم بالجلد في
أثنائه فلا ينفع الفرار منه شيئا وإن كان قد أصابه بعض تلك الجلدات وكان
قد ثبت موجبه باقراره، وذلك لدلالة الآية الكريمة على جلد الزانية والزاني مأة
جلدة فهو واجب بلا كلام ولم يرد دليل على سقوطه فلذا يجب الاكمال إذا فر
وهرب في أثنائه، هذا مضافا إلى ورود الرواية الصريحة في ذلك.
فعن محمد بن عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحد أيجب عليه أن يخلى
عنه ولا يرد كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا ولكن يرد حتى يضرب
الحد كاملا قلت: فما فرق بينه وبين المحصن وهو حد من حدود الله؟ قال:
المحصن هرب من القتل ولم يهرب إلا إلى التوبة لأنه عاين الموت بعينه وهذا
إنما يجلد فلا بد من أن يوفى الحد لأنه لا يقتل (1).
فترى أنها صريحة في وجوب رده واجراء الحد عليه بكامله.
نعم هنا نوع اجمال بالنسبة إلى ذيل الرواية، وما وقع من السؤال
والجواب، فإن الراوي سئل عن الفرق بين مورد الرجم الذي لا يرد الهارب
ومورد الجلد الذي يرد، فأجاب عليه السلام بأن المحصن هرب من القتل ولم
يهرب إلا إلى التوبة لأنه عاين الموت بعينه الخ.
ولعل المراد أنه حيث عاين الموت لما قد رآه من الرجم فقد تاب لأن من
عاين الموت فهو بالطبع يتوب من معاصيه.
لكن يلزم على هذا عدم قبولها كما في قصة فرعون حيث إنه قد تاب
بعد ما عاين الموت فردت توبته قال الله تعالى: حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنت
أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 35 من حد الزنا الحديث 1.
421

وكنت من المفسدين (1).
هذا مضافا إلى أنه كيف تاب وهو يفر من الرجم ولو كان قد تاب
لكان يقوم على قدمه حتى يرجم ويتطهر من العصيان.
أضف إلى ذلك كله إن التوبة تنفع قبل أن يثبت الموجب عند
الحاكم، أما بعد ذلك فالظاهر أنه لا تنفع التوبة كما هو الظاهر من الروايات،
وكيف كان فهذا ما ورد في الرواية وهو حكمة لا نعلم مغزاها.
نعم يمكن أن يقال: إن بين الموردين فرقا وهو أن الحكم في مورد
المحصن هو الرجم وازهاق روح انسان بخلاف الجلد الذي ليس هو إلا مجرد
ضرب المجرم ومن المعلوم أن للشارع اهتماما بالغا بحفظ النفوس فلذا يحكم بأنه
إذا فر المحكوم بالرجم من الحفيرة فإنه لا يرد وأما المحكوم بالجلد إذا فر
فإنه يرد.
ثم إنه قد استدل صاحب الجواهر (2) على عدم سقوط الجلد بالأصل
أيضا، وهو أصالة عدم سقوط الحد.
وفيه أنه لا مجال للتمسك بالأصل مع وجود الآية والرواية، والتحقيق
أنه إما أن يكون الزاني الهارب، والزاني غير الهارب، فردين من الزاني فلا كلام
في شمول آية الجلد لهما وهكذا بالنسبة إلى الرواية، وإن كانا موضوعين مختلفين
فمن الأول يشك في شمول الآية للزاني الهارب ومعلوم أنه حينئذ لا وجه
للتمسك بالأصل بعد أن كان شمول الدليل لهذا الفرد أي الزاني الهارب
مشكوكا فيه من رأسه، والحق هو الأول.
الكلام فيمن يبدأ بالرجم
قال المحقق: ويبدأ الشهود برجمه وجوبا ولو كان مقرا بدأ الإمام.
أقول: هذا التفصيل مشهور وقيل يبدأ الإمام في رجمه مطلقا. وتنقيح

(1) سورة يونس الآية 90 و 91.
(2) أقول: وقد تمسك به قبله صاحب الرياض فراجع إن شئت.
422

الكلام أنه لا شك في لزوم رعاية الترتيب في مقام الرجم ولا شك أيضا في أنه
ليس للرعية التقدم على الإمام، وإنما البحث والكلام في أنه هل يقدم الإمام مطلقا
وبنحو كلي أو أنه يفصل في الموارد، فهم بين من يقول بتقدم الإمام مطلقا وبين
من يفصل بين ما إذا ثبت الموجب بالشهادة فيبدأ الشهود أو بالاقرار فيبدأ الإمام
وهو مختار المحقق رضوان الله عليه والمشهور.
ومستندهم في ذلك مرسلة صفوان عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس، فإذا قامت
عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام ثم الناس (1) وهذا الخبر منقول
بطريق آخر أيضا فراجع الوسائل.
وبهذا الخبر يقيد اطلاق رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها ويرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد
بأحجار صغار (2).
ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تدفن المرأة إلى وسطها
ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار (3).
وإلا فهما بظاهر هما يدلان على ابتداء الإمام سواء كان قد ثبت الموجب
بالبينة أو بالاقرار كما هو القول الآخر في المسألة.
وأما ضعف رواية صفوان بالارسال فلا يقدح في التخصيص فإنها
منجبرة بذهاب المشهور إلى القول بالتفصيل وعلى هذا فالقول المزبور أقوى.
ولعل الوجه في تقدم الإمام عند ثبوت الموجب بالاقرار هو حصول
الاطمينان للناس بلزوم الرجم في مورده كما أن الوجه في ابتداء الشهود بالرجم
عند ثبوته بالبينة ذلك أيضا فإنه لو كانت البينة كاذبة لارتعشت يد الشهود عند
الرجم وتأخروا عنه نوعا فإذا رأى الناس أنهم قد ابتدأوا بالرجم يحصل لهم

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
423

الاطمينان بذلك فالنكتة المقتضية للابتداء في الموردين واحدة وهو حصول
الاطمينان للناس.
ثم إن بعض الروايات الواردة في فعل أمير المؤمنين عليه السلام ناطق بأنه
عليه السلام ابتدأ بنفسه برجم من كان أقر بالزنا.
فعن أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: أتاه
رجب بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني ثم ذكر أنه أقر أربع
مرات، إلى أن قال: فأخرجه إلى الجبان فقال: يا أمير المؤمنين انظرني أصلي
ركعتين ثم وضعه في حفرته إلى أن قال فأخذ حجرا فكبر أربع تكبيرات ثم
رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السلام مثل
ما رماه أمير المؤمنين ثم رماه الحسين عليه السلام فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين
عليه السلام فأمر فحفر له وصلى عليه ودفنه فقيل يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال:
قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم (1).
ثم إنه هل بدأة الإمام في مورد الاقرار والشهود في مورد البينة واجب
أو مستحب؟ الظاهر من الأخبار هو الوجوب.
وفي كشف اللثام: وإذا ثبت الموجب للرجم بالبينة كان أول من
يرجمه الشهود وجوبا كما يظهر من الأكثر، وفي الخلاف وظاهر المبسوط إن عليه
الاجماع، إلى أن قال: وإن ثبت بالاقرار بدأ الإمام وجوبا كما هو ظاهرهم،
وفي الخلاف وظاهر المبسوط الاجماع عليه انتهى.
لكن قال في المسالك: وفي كثير من الأخبار اطلاق بدأة الإمام
ويحتمل حمل ذلك على الاستحباب لضعف المستند عن اثبات الوجوب وللأخبار
المستفيضة بقصة ماعز، وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يحضر رجمه فضلا عن
بدأته به انتهى.
ونحن قد ذكرنا أن الاطلاقات تقيد بما ورد فيه التفصيل، وأما ضعف
الخبر فمنجبر بعمل الأصحاب.
وأجيب عن الاستدلال بقصة ماعز بأن الرواية ساكتة عن رميه صلى الله

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
424

عليه وآله وليس فيها تصريح بأنه لم يرم فمن المحتمل أنه رمى ولكن لم ينقل في
الخبر (1).
وإن أبيت إلا عن ظهوره في عدم رميه فهذا ظهور فعلى لا يقاوم الظهور
القولي الذي مر بقوله عليه السلام: يرمي الإمام، فإنه ظاهر في الوجوب جدا،
والفعل محتمل لوجوه خصوصا بعد أن صرح في بعض الروايات الواردة في اقرار
الزاني عند أمير المؤمنين عليه السلام بأنه (عليه السلام) أقدم على الرمي بنفسه.
وقد أورد بعض الأعاظم خدشة أخرى في دلالة الروايات على الوجوب
فقال: نعم يمكن الاشكال من جهة منع ظهور الجملة الخبرية في اللزوم (2).
وفيه أنه لا يقتصر في إفادة الوجوب على الأمر بالصيغة أو الأمر الغائب
بل كثيرا ما يؤتى بلفظ المضارع لإفادة الوجوب واللزوم، بل قد تدعى أظهريته
في الوجوب من فعل الأمر كما تقدم ذلك.
في اعلام الناس ليتوفروا على الحضور
قال المحقق: وينبغي أن يعلم الناس ليتوفروا على حضوره.
أقول: يحتمل أن يقرء لفظ " يعلم " بصيغة المعلوم ومبنيا للفاعل فيكون
فاعله الإمام وعلى هذا قال في الجواهر بعد لفظة ينبغي: للإمام ومن قام
مقامه إذا أراد استيفاء الحد أن يعلم الناس انتهى. ويحتمل أن يقرء بصيغة
المجهول ومبنيا للمفعول، وكيف كان فظاهر عبارة المحقق أنه مستحب فإنه عبر
بلفظ ينبغي، وقد نفى صاحب الجواهر الاشكال والخلاف في ذلك، لكن لا

(1) أقول: قال في الرياض الجلد 2 الصفحة 475: والمستفيضة قيل ما تضمنت أنه صلى الله عليه وآله لم
يحضر بل غايتها عدم تضمنها أنه حضر، وأحدهما غير الآخر فيحتمل الحضور ولم ينقل، ولو سلم
الدلالة على عدم حضوره فيحتمل كونه لمانع انتهى.
يقول المقرر: ولا يخفى ما فيه فإن قوله صلى الله عليه وآله: لو كان علي حاضرا لما ضللتم، دال على عدم حضورهما
صلوات الله عليهما.
(2) جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 48.
425

يعلم أن المشار إليه أصل الاعلام مطلقا أو هو استحبابه، وعلى أي حال فظاهر
بعض الروايات هو وجوب الاعلام.
فعن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه إن امرأة أقرت عند
أمير المؤمنين عليه السلام بالزنا أربع مرات فأمر قنبرا فنادى بالناس فاجتمعوا وقام
أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن إمامكم
خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحد إن شاء الله فعزم عليكم
أمير المؤمنين لما خرجتم وأنتم متنكرون ومعكم أحجاركم لا يتعرف منكم أحد
إلى أحد فانصرفوا إلى منازلكم إن شاء الله قال: ثم نزل فلما أصبح الناس بكرة
خرج بالمرأة وخرج الناس معه متنكرين متلثمين بعمائمهم وبأرديتهم والحجارة
في أرديتهم وفي أكمامهم حتى انتهى بها والناس معه إلى الظهر بالكوفة (1).
وفي مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد المذكورة آنفا: ثم نادى في الناس يا
معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد ولا يعرفن أحدكم
صاحبه (2)..
ومنها خبر أصبغ بن نباته أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عند
بالزنا ثلاث مرات فقال له: اذهب حتى نسأل عنك. إلى أن قال: ثم عاد
إليه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني. فقال: إنك لو لم تأتنا
لم نطلبك ولسنا بتاركيك إذ لزمك حكم الله عز وجل. ثم قال: أيها الناس إنه
يجزي من حضر منكم رجمه عمن غاب فنشدت الله رجلا منكم يحضر غدا لما
تلثم بعمامته حتى لا يعرف بعضكم بعضا وأتوني بغلس حتى لا يبصر بعضكم
بعضا فإنا لا ننظر في وجه رجل ونحن نرجم بالحجارة قال: فغدا الناس كما
أمرهم (3). وعن الصادق عليه السلام: إن رجلا جاء إلى عيسى بن مريم عليه السلام

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حد الزنا الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حد الزنا الحديث 4.
426

فقال: يا روح الله إني زنيت فطهرني فأمر عيسى عليه السلام أن ينادى في
الناس أن لا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان فلما اجتمع الناس و (1)..
وعلى الجملة فظاهر هذه الروايات هو وجوب الاعلان ليحضروا ويكونوا
ناظرين وشاهدين لعذابه، فالاعلان مقدمة للحضور، وعلى هذا فلو حضروا
بأنفسهم متوفرين فلا حاجة إلى ذلك لعدم وجوب نفسي بل حضور هذه العدة
للتنبه وتعظيم الشعائر وحصول الانذار كي يتنبهوا ويواظبوا على أنفسهم أن لا
يقعوا في مثل هذه المشكلات والمواقف الخطيرة فلو كان حضورهم موقوفا على
الاعلام يلزم عليه ذلك، وكيف كان فالتأسي بأمير المؤمنين عليه السلام يقتضي
اعلان الحاكم الناس بذلك
ثم إن صاحب الجواهر قال: بل الذي ينبغي له أيضا أن يأمرهم
به انتهى مع أن المحقق اكتفى بقوله: ينبغي أن يعلم الناس،،
نعم لا يبعد أن يكون مراد المحقق هو الاعلان والأمر بالحضور،
وبعبارة أخرى الاعلان المقترن بالأمر.
ثم إنه هل يكتفي بحضور النساء فقط أم لا؟
لم أجد في الروايات موردا تعرض لذلك، لكن القرينة قائمة على عدمه
فإن النساء لا تشارك الرجال في المجامع العامة بل يقوم بتلك الأمور الرجال
خاصة.
في حضور طائفة لإقامة الحد
قال المحقق: ويستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة وقيل: يجب
تمسكا بالآية وأقلها واحد وقيل عشرة وخرج متأخر ثلاثة والأول حسن.
أقول: الأصل في ذلك قوله تعالى بعد بيان حكم الزانية والزاني
ووجوب جلدهما: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (2) فإنه قد أمر بأمر الغائب

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حد الزنا الحديث 5.
(2) سورة النور الآية 2.
427

بحضور الطائفة.
قال الشهيد الثاني في المسالك: واختلفوا في الموضعين أحدهما الأمر
للوجوب أم الاستحباب فقيل بالأول واختاره ابن إدريس والمصنف في النافع
وجماعة عملا بظاهر الأمر فإن الأصل فيه الوجوب وقيل بالثاني وهو الذي
اختاره المصنف هنا وقبله الشيخ في كتب الفروع لأصالة عدم الوجوب وحمل
الأمر على الاستحباب لأنه بعض ما ورد بمعناه ولا يخفى قوة الأول الخ.
أقول: إنه وإن كان الأمر قد يأتي لإفادة الاستحباب بل قال صاحب
المعالم: أنه يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم الصلاة
والسلام إن استعمال صيغة الأمر في الندب كان شايعا في عرفهم انتهى،، لكن
الظاهر من الأمر هو الوجوب وعلى هذا فلا بدل من القول بوجوب ذلك لا
استحبابه أخذا بظاهر صيغة الأمر. إلا أن يكون هناك اجماع على عدم وجوب
شهود الطائفة وحضورهم. وقد مر أن اعلان الإمام الناس بذلك وأمرهم
بالحضور كان من باب المقدمة للحضور ولذا قد يكون الاعلان أيضا واجبا إذا
كان الحضور متوقفا عليه.
وأما الموضع الثاني من الموضعين اللذين ذكر أنهما محل الكلام فهو في
العدد المعتبر في المقام، المراد من الطائفة.
فنقول: هنا ثلاثة أقوال: أحدها الواحد فإن أقل الطائفة واحد وهي
تصدق به وقد ذهب إلى ذلك الشيخ الطوسي في النهاية وكذا المحقق هنا
وفي النافع، والعلامة في القواعد.
ثانيها إن أقلها ثلاثة ذهب إليه ابن إدريس.
ثالثها إن أقلها عشرة وقد اختاره الشيخ في الخلاف.
واستدل للقول الأول: بوجوه أحدها ما مر من صدق الطائفة بالواحد،
ثانيها: أصالة البراءة من الزائد.
ثالثها: رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام
في قول الله عز وجل: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله، قال: في إقامة الحدود،
428

وفي قوله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، قال: الطائفة واحد (1).
أقول: إنه لا وجه للتمسك بالأصل مع وجود الدليل كرواية غياث، فإن
كانت هي حجة معمولا بها كما هي كذلك فهي المرجع، ونحن في غنى عن
المعنى اللغوي لأنا مأمورون بالأخذ بتفسير الإمام عليه السلام والعمل بقوله دون
قول اللغوي وإن كان الإمام عليه السلام فسر اللفظ بالمجاز، وإلا فالأقوال
مختلفة لمناسبات مختلفة فقد يقال بأن الطائفة بمعنى القطعة وهي تصدق بواحد
فكذا الطائفة، وقد يقال: إنها من الطوف والإحاطة والاحتفاف، وعليه فيعتبر
وجود أربعة تحف به من الجهات الأربعة أو ثلاثة مثلا، إلى غير ذلك من
الكلمات.
لا يقال: إن ظاهر قوله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا (2).. بمقتضى ضمير الجمع في:
ليتفقهوا وكذا في: ولينذروا، هو أن الطائفة ثلاثة وما فوقها.
لأنا نقول: لعل ضمير الجمع باعتبار إن من كل فرقة أحدا ويؤل إلى
آحاد وذلك لا ينافي كون الطائفة واحدا.
وحينئذ فلو كان هناك مفهوم عرفي يجب الأخذ به وذلك لتعلق
التكليف أولا وبالذات بالمتفاهم العرفي من الألفاظ، والخطابات الشرعية منزلة
عليه ومن المعلوم أن الطائفة بحسب المتفاهم العرفي لا تستعمل في الواحد بل
لا أقل من الثلاثة وهذا هو المرتكز في الأذهان لولا دليل صارف عن ذلك.
قال العلامة أعلى الله مقامه بعد أن نقل عن الشيخ في الخلاف أنه
قال: أقل ذلك العشرة، وبعد أن نقل كلام بعض آخر من الأصحاب: وقال
ابن إدريس: الذي أقول في الأقل أنه ثلاثة نفر لأنه من حيث العرف دون

(1) تهذيب الأحكام الجلد 10 الصفحة 150، وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا
الحديث 5، أقول: وقد استدل أيضا بقوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا.. بدليل قوله
تعالى: فأصلحوا بين أخويكم. راجع كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 221.
(2) سورة التوبة الآية 122.
429

الوضع، والعرف إذا طرأ صار الحكم له دون الوضع الأصلي، وشاهد الحال
يقتضي ذلك، وألفاظ الأخبار، لأن الحد إذا كان قد وجب بالبينة فالبينة
يرجمه ويحضره وهم أكثر من ثلاثة، وإن كان باعترافه فأول من يرجمه الإمام
ثم الناس مع الإمام، وإن كان المراد والمعنى حضور غير الشهود والإمام فالعرف
والعادة اليوم إن أقل ما يقال: جئنا في طائفة من الناس أو جاءنا طائفة من الناس
المراد به الجماعة عرفا وعادة، وأقل الجمع ثلاثة، وشاهد الحال يقتضي أنه
أراد تعالى الجمع، وفيه الاحتياط، وخيرة شيخنا في الخلاف لا وجه له، فأما
الرواية فمن الأخبار الآحاد وقد بينا ما في ذلك.
ثم قال: والمعتمد في ذلك المصير إلى العرف فمهما دل عليه لفظ الطائفة
صرف إليه وإلا فعلى الموضوع اللغوي لانتفاء العرف الشرعي فيه (1).
هذا كله مقتضى الاستظهار فيبقى الكلام في أنه لو لم تكن الرواية حجة
لنا ولا كان هناك مفهوم عرفي للفظ الطائفة وتردد أمرها بين معاني مختلفة
ووصلت النوبة إلى الأصل فما هو مقتضاه؟
الظاهر أن الأصل هنا أصالة الاحتياط لا أصالة البراءة. تقرير ذلك أنه
إذا وقع مفهوم مجمل في كلام الشارع فإن كان قد نهى عنه فمقتضى اجماله هو
الأخذ بالمتيقن فيحرم على المكلف هذا المقدار، وأما الزائد عليه فلا،
لعدم حجية المشكوك فيه وهذا بخلاف ما إذا أمر بهذا المفهوم المجمل فإنه
لا بد من الاتيان بالمقدار المتيقن الذي يخرج به عن العهدة وهو ما لا مزيد
عليه قطعا وذلك كما إذا أمر بالركوع وتردد أمره بين انحناء يسير أو إلى حد يبلغ
كفاه ركبتيه فإنه يجب الاحتياط بذلك لأنه المتيقن وإذا أريد الاحتياط فالظاهر
أن ما ذكره الشيخ في الخلاف هو حد الاحتياط ولا حاجة إلى أزيد من
ذلك وهو العشرة لأنه لا شك ولا شبهة في صدق لفظ الطائفة عليها.
بقي إن الشيخ قدس سره استدل على ما ذهب إليه، بالاحتياط، قال في

(1) المختلف الصفحة 761.
430

الخلاف المسألة الأولى من باب الحدود: وأقل ذلك عشرة وبه قال الحسن
البصري، وقال ابن عباس: أقله واحد وقد روى ذلك أصحابنا أيضا.. دليلنا
طريقة الاحتياط لأنه إذا حضر عشرة دخل الأقل فيه الخ.
ينبغي كون الحجارة صغارا
قال المحقق: وينبغي أن تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف.
وقال العلامة في القواعد: ثم يرمي بالأحجار الصغار.
وقال كاشف اللثام بعد ذلك لئلا يتلف سريعا، وللأخبار.
وقال الشهيد في اللمعة: وينبغي كون الحجارة صغارا لئلا يسرع تلفه
انتهى.
وقال الشهيد الثاني بعد ذلك بالكبار وليكن كما يطلق عليه اسم
الحجر فلا يقتصر على الحصى لئلا يطول تعذيبه أيضا انتهى.
أقول: وعلى هذا فلا يرمى بصخرة واحدة عظيمة تجهز عليه وتقتل بها
سريعا بل ربما لا يصدق الرجم بذلك ولذا قال بعض بأنه يرمى بالأحجار
الصغار وأنه لا يجزي غير ذلك.
ويدل على ذلك أو يؤيده ما ورد في الأخبار من التعبير بالأحجار كما أنه
يدل على ذلك صريحا النصوص الناطقة بذلك ففي رواية أبي بصير: ويرمي
الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار (1).
وفي موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:.. ثم يرمي الإمام
ويرمي الناس بأحجار صغار (2).
وعلى هذا فلا بد من أن يكون بنحو يصدق الأحجار الذي هو لفظ
الجمع، وبناءا عليه أي بناء على عدم صدق الرجم لو ضرب بحجر كبير أسرع

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب الحدود الحديث 3.
431

التلف يلزم الضارب القصاص إن كان قد تعمد في ذلك، أو الدية إن لم يتعمد
فيه لكنهم لم يتعرضوا لذلك، كما أنهم لم يتعرضوا أيضا لما إذا كان رماه بحجر
معتبر في الرجم إلا أنه وقع على موضع منه أوجب قتله، وأنه ما حكمه؟
ثم إنه كما يلاحظ أن لا تكون الأحجار كبيرة لأنها تسرع في قتله
وتوجب أن لا تذوق ألم العذاب كذلك العكس يعني يلاحظان لا تكون
الأحجار في غاية الصغر فإن ذلك يوجب أن يطول الأمر ويؤذيه ويتعبه كثيرا
ويعذب بطول الضرب مع بقاء الحياة ورمقه، وهذا خلاف المتعارف، وعلى
الجملة فالمعيار هو الحد المتوسط بين هذا وذاك، وكونه في حول ما ذكر في
مرفوعة أحمد بن خالد في رجل أتى أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة، إلى أن قال:
فأخذ حجرا فكبر أربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث
تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام ثم رماه
الحسين عليه السلام فمات الرجل (1).
وكذا ما ورد في خبر ابن ميثم من قوله: والحجارة في أرديتهم
وأكمامهم (2) فإن ذلك لا يمكن في الحجر الكبير جدا، هذا بل وربما ينصرف
لفظ الرجم عن رميه بالحجر الكبير فإنه بالفارسية (سنگباران) وإن هذا مما
يقتله دفعة كما أنه لا يجوز بالصغار جدا لعدم صدق الحجر عليها.
وخلاصة الكلام أنه لو كان هناك متعارف فإنه يؤخذ به وإلا فاللازم
الاحتياط والأخذ بالمتيقن.
وبقي بعد فروع لم ينص عليها ولم تذكر في الكلمات. مثل أنه هل يعتبر
فيه التوالي أم لا بل تجوز مع الفصل في الرمي، وأنه هل يعتبر فيه أن يكون بلا
واسطة أو أنه يجوز ذلك بواسطة بعض الآلات مثلا؟
وغير خاف أن أصل المسألة هام ويحتاج الافتاء به جدا إلى تحقيق
كامل وحصول الاطمينان إلى أحكامها.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدود الزنا الحديث 4.
(2) الكافي الجلد 7 الصفحة 187.
432

والحكم في الجميع مع عدم دليل يتمسك به ويستند إليه، وعدم
عرفية في البين هو الاحتياط وملاحظة القدر المتيقن.
لا يرجم من كان لله عليه حد
قال المحقق: وقيل: لا يرجمه من لله قبله حد وهو على كراهية.
أقول: ظاهر قوله: لا يرجمه، هو الحرمة وإن كان لم يذكر قائله وإنما
نسبه إلى القيل، بل قال صاحب الجواهر بعد لفظة قيل،، في عبارة
المحقق: وإن كنا لم نتحققه.
أقول: وقد أفتى المحقق في النافع بالحرمة فقال: ولا يرجمه من لله
قبله حد فقد استدل له في الرياض بظاهر النهي عنه في المعتبر المستفيضة، وهكذا
العلامة أعلى الله مقامه أفتى في الارشاد بالحرمة فقال: ولا يرجمه من عليه حد
انتهى وقال الأردبيلي في شرحه: ظاهر هذه تحريم الرجم فيمن كان لله عليه
حد سواء كان رجما أو غيره.
والتحقيق أن البحث هنا في موضعين أحدهما في أنه هل هو حرام
أو مكروه؟ ثانيهما أنه هل يختص بما إذا كان عليه حد مثل حد المرجوم أو مطلق
الحد؟
أما الأول فنقول: قد اختلفوا في ذلك وليس بنحو يقال بقيام الاجماع
على عدم الحرمة وذلك لافتاء مثل المحقق والعلامة بها فإنه إذا أفتى مثلهما
بشئ وإن كان في بعض كتبهم يعلم أن خلافه ليس اجماعيا، وعلى الجملة ففي
المسألة قولان وإن كان المشهور هو القول بالكراهة، وفي الرياض أنه ظاهر الأكثر
بل المشهور، بل في كشف اللثام: هو مذهب الأصحاب.
وقد استدل للقول بالحرمة بالنصوص والأخبار الكثيرة المتضمنة للنهي
عن ذلك، والنهي ظاهر في الحرمة، وليس لنا ما يوجب صرفه عنها.
ففي رواية ابن ميثم في قصة امرأة أقرت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالزنا
أربع مرات: ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ونادى بأعلى صوته: أيها الناس
433

إن الله عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله إلي
بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها فلا يقيم
عليها الحد قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن
والحسين عليهم السلام الخ (1).
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام
برجل قد أقر على نفسه بالفجور فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: اغدوا غدا
على متلثمين فقال لهم: من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف، قال: فانصرف
بعضهم وبقي بعضهم فرجمه من بقي منهم (2).
وفي مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد في رجل أتي أمير المؤمنين عليه السلام
بالكوفة وأقر عنده أربع مرات بالزنا وطلب منه أن يطهره: واستقبل عليه السلام
الناس ثم قال: معاشر المسلمين إن هذه حقوق الله فمن كان لله في عنقه حق
فلينصرف، ولا يقيم حدود الله من في عنقه حد، فانصرف الناس وبقي هو
والحسن والحسين، فرماه كل واحد ثلاثة أحجار فمات الرجل (3)..
وفي خبر أصبغ بن نباته: إن رجلا أتي أمير المؤمنين عليه السلام، إلى أن
قال: فأقبل علي عليه السلام ثم قال: نشدت الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا
الحق أن يأخذ لله به فإنه لا يأخذ لله بحق من يطلبه الله بمثله (4).
وفي خبر الفقيه قال الصادق عليه السلام: إن رجلا جاء إلى عيسى بن
مريم عليه السلام فقال: يا روح الله إني زنيت فطهرني فأمر عيسى عليه السلام أن
ينادى في الناس أن لا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان، فلما اجتمع الناس
وصار الرجل في الحفيرة نادى الرجل: لا يحدني من لله في جنبه حد فانصرف
الناس كلهم إلا يحيى وعيسى (5).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 5.
434

فمقتضى الأخذ بظاهر هذه الروايات هو الحكم بالحرمة.
وأما ما استدل به القائل بالكراهة أو يمكن أن يستدل له فأمور:
أحدها شيوع استعمال النهي في الكراهة على وزان استعمال الأمر في
الاستحباب الذي هو كالمجازات الراجحة، أو كأنه يكون استعمال النهي في
الحرمة والأمر في الاستحباب من قبيل المشترك اللفظي الذي يحتاج استعماله في
معانيه المختلفة محتاجا إلى القرينة وحيث إن المشهور أفتوا بالكراهة فلا يصح
حمله إلا على ذلك.
ثانيها أن القول بالحرمة يحتاج إلى مستند صحيح ودليل قاطع بخلاف
الكراهة فإنها لا تحتاج إلى ذلك بل يتساهل في أمرها ويتسامح فيها كما في
الاستحباب وهذا الروايات ضعيفة لا تصلح لاثبات الالزام والتحريم، وبعبارة
أخرى: إن قصور سند النهي عن إفادة الحرمة يوجب الحمل على الكراهة.
ثالثها ما استدل به بعض الأصحاب من وجوب القيام بأمر الله تعالى
وعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرجم من هذا القبيل.
رابعها الأصل (1).
ويرد على الأول أنه ليس استعمال النهي في الكراهة إلى حد يوجب
صرفه إليها كما أن الأمر أيضا ظاهر في الوجوب ولا تطمئن النفس إلى أن
استعماله في الندب صار راجحا على الوجوب.
وأما الثاني فيرد عليه أن الروايات ليست بأجمعها ضعيفة بل بعضها
صحيح كخبر زرارة وبعضها معتبر كخبر أصبغ، وعلى هذا فلا يصح الاشكال فيها
من ناحية قصور السند كما أن دلالتها واضحة.
وأما الثالث ففيه ما ذكره في الرياض من أن مقتضاه الوجوب أي
وجوب إقامة الحد وهو ينافي الكراهة المتفق عليها.
وأما الرابع أي أصالة عدم الحرمة، فهو دليل حيث لا دليل.
وعلى هذا فمقتضى الدليل هو القول بالحرمة، وقد مال إليه صاحب

(1) أقول: وقد استدل بعض بعدم ذكر ذلك في قضية ماعز ولو كان واجبا لما تركه.
435

الرياض أيضا وإن ادعى في أثناء كلامه الاتفاق على الكراهة وعليه
فالأقوى هو الحرمة.
اللهم إلا أن تكون الروايات معرضا عنها بأن يقال: إنه كانت عندهم
قرينة حملتهم على عدم العمل بهذه الروايات.
وفيه ما ذكرنا من الافتاء بالحرمة من مثل المحقق والعلامة في بعض
كتبهما (1).
نعم ما علل به الحكم أشد مناسبة للكراهة من التحريم وهو أن من
عليه الحد فلا يرجم، فإنه مشعر بالعلية وكأنه قيل: كيف يرجم من كان عليه
حد الله تعالى؟!
وأما الموضع الثاني فنقول: إن الروايات بظاهرها مختلفة وهي على
ثلاثة أنحاء فمنها ما يستظهر منها اعتبار المثلية هو صحيح زرارة، ففيه: من فعل
مثل فعله فلا يرجمه (2). ومعتبرة أصبغ بن نباته وفيها: نشدت الله رجلا منكم لله
عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به (3)..
ومنها ما هو ظاهر في الاطلاق وإن الملاك هو مجرد كون الحد عليه
وذلك كمرفوعة أحمد بن محمد بن خالد ففيها: فمن كان لله في عنقه حق فلينصرف،
ولا يقيم حدود الله من في عنقه حد (4).. وكذا رواية الإمام الصادق في حكاية
عيسى بن مريم، وفيها: لا يحدني من لله في جنبه حد (5).

(1) أقول: ويظهر من المقداد قدس سره إن القائل بالحرمة أيضا غير قليل حيث قال في التنقيح الجلد 4
الصفحة 345: لا شك أنه ورد النهي عن ذلك في الروايات فيحتمل أن يكون ذلك للتحريم
مناسبة لاعظام حدود الله تعالى ومحارمه، ويحتمل أن يكون الكراهة لأصالة البراءة من التحريم
ووجوب القيام بحقوق الله وعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلذلك قال جماعة بالتحريم
وجماعة بالكراهة انتهى.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 3.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 5.
436

ومنها ما قد جمع بينهما بحسب صدر الرواية وذيلها وذلك كرواية ابن ميثم
ففيها: لا يقيم الحد من لله عليه حد، فإن ظاهر هذه الجملة هو الاطلاق وكفاية
مجرد كون الحد عليه أي حد كان فلا يعتبر المثلية، إلا أن فيها بعد ذلك
بلا فاصلة: فمن كان لله عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد (1)، وهذه العبارة
ظاهرة في اعتبار المثلية.
ولكن التحقيق أنه لا اعتبار بالمثلية وإنما المعتبر هو كون حد عليه وذلك
لأمرين: أحدهما مناسبة الحكم والموضوع فإنها تقتضي إن من كان عليه حد
من حدود الله فلا يشارك الناس في رجم أحد.
وثانيهما ملاحظة التفريع الذي ورد في هذه الرواية فإن التفريع لا يناسب
إلا إذا كان المفرع من أفراد المفرع عليه واحد مصاديقه فلو كان الثاني عين
الأول فلا معنى لتفريعه عليه وهو بعيد عن نطاق البلاغة، وإذا كان الثاني
متفرعا على الأول فلا محالة يفيد إن من كان عليه مثل هذا الحد فلا يرجم ومن
كان عليه حد مطلقا فلا يرجم أيضا، وعلى هذا فهذه الرواية التي ظهر المراد منها
ببركة فاء التفريع تفسر ما دل منها على اعتبار خصوص المثلية ويفهم منها أنه ليس
الملاك ذلك وإنما الملاك تعلق حد من حدود الله تعالى به.
لا يقال: لعل ذيل رواية ابن ميثم يكون مفسرا لصدره لا أن يكون
تفريعا عليه، وحينئذ يكون الملاك هو خصوص الحد المماثل.
لأنا نقول: إنه خلاف ظاهر لفظ الفاء ولا يلائم البلاغة وإنما الظاهر
منه التفريع.
وهل الحكم يجري فيما إذا كان قد تاب إلى الله تعالى، أو أنه إذا تاب
فليس عليه حد ويجوز له أن يرجم؟
المختار عندهم هو الثاني ويؤيد ذلك أو يدل عليه ما ذكروه من أنه
لو لم يجز على من كان عليه الحد مع أنه قد تاب، أن يرجم فلعله لا يوجد من
يرجم فإنه قلما يوجد من لم يكن عليه حد أصلا بخلاف ما إذا قلنا بقبول التوبة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.
437

فإنه وإن كان قد تعلق عليه الحد لكن التوبة فيما بينه وبين الله قد طهرته،
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذا يسهل الخطب، وبه يمكن اقدام
كثيرين على رجم من وجب رجمه والمستفاد من أدلة التوبة إنه بعد ما تاب
فليس عليه شئ ولا عليه حق ودين من الله كي لا يمكنه الاقدام على الرجم.
قال في الجواهر: وظاهر النص والفتوى سقوط الحد بالتوبة قبل ثبوته
عند الحاكم فيتجه حينئذ ما سمعته من ابن إدريس.
أقول: وما ذكره ابن إدريس هو ما حكاه عنه آنفا بقوله: وفي السرائر:
وروى أنه لا يرجمه إلا من ليس لله سبحانه في جنبه حد، وهذا غير متعذر لأنه
يتوب في ما بينه وبين الله تعالى ثم يرميه انتهى.
نعم يشكل الأمر على هذا بلحاظ ما ورد في رواية ابن ميثم حيث قال في
آخره: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين
عليهم السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم الخ (1).
لأنه إذا كانت التوبة كافية في رفع الحكم الحد فلماذا لم يتوسلوا
بالتوبة؟ وكيف يمكن أن يقال بأن هذه الجماعة كلهم كانوا قد ارتكبوا موجب
الحد ومع ذلك فلم يتوبوا حتى في هذه الساعة ورجعوا؟
ولذا قال صاحب الرياض: وربما يظهر من الصحيحة الأولى ونحوها
مما تضمن انصراف الناس بأجمعهم بعد ما قيل لهم ذلك ما خلا أمير المؤمنين
والحسنين عليهم السلام عدم الفرق فإن من البعيد جدا أن جميعهم لم يتوبوا من
ذنوبهم ذلك الوقت انتهى (2).
وفي الجواهر بعد ايراد هذا الاشكال: ويمكن أن يكون لعدم علمهم
بالحكم انتهى.
أقول: ويحتمل أنهم كانوا في ذاك الوقت غافلين عن التوبة، وأمثال
ذلك من التوجيهات.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) الرياض الجلد 2 الصفحة 477.
438

وكيف كان لا يمكن رفع اليد بهذه الرواية عن الأصل المسلم وهو قبول
التوبة.
ثم إن الظاهر أنه لا فرق في النهي كراهة أو تحريما بين ثبوت الزنا بالاقرار
أو البينة.
إلا أنه حكي عن الصيمري اختصاص الحكم بالأول قائلا إنه محل
خلاف وإنه إذا قامت البينة فالواجب بدأة الشهود، ولأن النهي إنما ورد في
صورة الاقرار.
ويرد على الوجه الثاني أنه لا عبرة بخصوص المورد بل العبرة بعموم
الوارد، وموارد النهي في المقام وإن اختصت بالاقرار إلا أن النهي فيها وارد على
سبيل العموم.
وأما الوجه الأول أعني وجوب بدأة الشهود بالرجم فيما إذا قامت البينة
عليه فوجه الاستدلال به هو أنه إذا كان يجب على الشهود الابتداء بالرجم فكيف
يقال: بأن من كان عليه الرجم فلا يرجم، وبعبارة أخرى: إن أدلة بدأة الشهود
بالرجم لا يساعد بل ينافي الحكم بأنه لا يرجم من عليه الحد فلذا يختص هذا
الحكم بمن ثبت زناه بالاقرار خاصة.
وفيه أن ذلك لا يوجب تخصيص الحكم بالاقرار فإن لنا عامين من
وجه أحدهما إن من عليه الحد لا يرجم سواء كان قد ثبت الموجب بالاقرار أو
بالبينة، والآخر: يجب بدأة الشهود بالرجم سواء كان عليهم حد أم لا، ولا وجه
لتقديم الثاني على الأول وذلك لاحتمال العكس فتخصص أدلة وجوب البدأة
بما إذا لم يكن على الشهود حد لله تعالى.
وفي الجواهر: ودليل بدأة الشهود لا يقتضي تخصيص النص والفتوى
بما سمعت بل العكس أولى انتهى.
ومراده من العكس الذي جعله أولى، هو أن يكون النص والفتوى
يقتضيان تخصيص أدلة بدأة الشهود فيقال إن الشهود يبتدأون إذ لم يكن عليهم
حد لله سبحانه.
439

وأما وجه الأولوية فغير ظاهر حيث إنهما مثلان ولا مزية لأحدهما على
الآخر.
اللهم إلا أن يكون مراده إن أدلة عدم الرجم حاكمة على أدلة البدء
وذلك لأن مفاد دليل بدأ الشهود أنه كلما كان حد يبدأ الشهود به وأدلة: لا
يرجم من كان كذا، تفيد إن الشهود الذين كان عليهم الحد ليس عليهم اجراء
الحدود كي يبتدأون بها فالبدء بالحد متعلق بما إذا كان عليهم اجراء الحد (1).
نعم هنا كلام وهو أنه كيف يتصور في حق الشهود كون حد عليهم
والحال إن المعتبر في الشهود هو العدالة؟
اللهم إلا أن يقال بامكان ذلك بكون الشاهد قد ارتكب موجب الحد
خفاءا بعد ايقاع الشهادة وإلا فلو كان عليه ذلك من قبل، لم تكن شهادته نافذة
ولم يجز له أن يقدم على أدائها.
ثم إنه هل على الحاكم أن يستفسر الشهود عن تعلق حد بهم باتيان
ما يوجبه أم لا؟ الظاهر أنه ليس عليه ذلك بل لا يجوز لأنه من باب التجسس
والتفتيش وهو غير جائز.

(1) أقول: لعل وجه الأولوية هو أنه إذا كان قد اعتبر في باب الاقرار الذي ثبت الموجب باقرار المجرم
دون الناس أن لا يكون على الراجمين حد فكيف بما إذا كان المجري للحد وهو الشهود قد أثبتوا
الحد بشهادتهم وبعبارة أخرى إذا اعتبر عدم حد علي الراجمين مع عدم كونهم مثبتين للرجم
فاشتراط ذلك فيمن أثبت الجرم أولى.
440

الكلام في وجوب دفن المرجوم
قال المحقق: ويدفن إذا فرغ من رجمه ولا يجوز اهماله على حاله.
أقول: لا خلاف أصلا في وجوب دفن المرجوم بعد الفراغ عن رجمه، كما
لا خلاف أيضا في وجوب دفنه في مقابر المسلمين وذلك لأنه مسلم فيكون كسائر
أموات المسلمين ولم يخرج بسبب معصيته ولا رجمه عن الاسلام فليس المستحق
للرجم بكافر كما أن كثيرا ممن يستحق القتل أيضا كذلك ومنهم المسلم الذي
ارتكب القتل فإنه يقتل وليس بكافر إلى غير ذلك من الموارد بل ربما يظهر من
بعض الأخبار إن حضوره وتسليمه تجاه إقامة حكم الله يوجب له أجرا عظيما وربما
كان الله سبحانه قد غفر له بسبب اجراء الحد عليه وهو في حكم التوبة وإن كان
لو تاب فيما بينه وبين الله تعالى لكان أفضل، لكن صبره على اجراء حكم الله تعالى
أمر عظيم جدا ومظنة لمغفرة الله سبحانه.
ففي رواية الجهنية لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله برجمها فرجمت
صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ فقال (صلى الله عليه وآله): لقد
تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل
من أن جادت بنفسها لله؟ (1).
وفي خبر العامرية لما رجموها فأقبل خالد بحجر فرمى رأسها فينضح الدم
على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وآله سبه إياها فقال: مهلا يا

(1) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.
441

خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس ميسر لغفر له
ثم أمر بها صلى عليها ودفنت (1).
ويدل على وجوب دفنه ما دل على لزوم معاملة المرجوم معاملة ساير
الموتى من الأخبار.
ففي رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتت امرأة
أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها ثم استقبلته
فقالت إني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت
ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا
وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين وأغلق باب الرحبة ورماها بحجر
وقال: بسم الله اللهم على تصديق كتابك وسنة نبيك ثم أمر قنبر فرماها بحجر
ثم دخل منزله ثم قال: يا قنبر ائذن لأصحاب محمد فدخلوا فرموها بحجر حجر ثم
قاموا لا يدرون أ يعيدون حجارتهم أو يرمون بحجارة غيرها وبها رمق، فقالوا يا
قنبر أخبره إنا قد رمينا بحجارتنا وبها رمق كيف نصنع؟ فقال: عودوا في
حجارتكم فعادوا حتى قضت فقالوا له: قد ماتت فكيف نصنع بها؟ قال:
فادفعوها إلى أوليائها ومروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم (2)
ثم لا يخفى أن في حكم دفنه حكم الصلاة عليه، كما صرح بصلاة
رسول الله صلى الله عليه وآله على المرجوم في رواية الجهنية وقد تقدمت آنفا.
الكلام حول غسل المرجوم
بقي البحث والنزاع في سائر تجهيزاته كالغسل. فنقول: ربما يظهر من
رواية أبي مريم وأمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قنبر أن يأمر الناس أن يصنعوا
بها كما يصنعون بموتاهم، خصوصا بلحاظ عدم ذكر عن غسلها قبل رجمها، أنه
يجب غسله أيضا كالصلاة عليه ودفنه.

(1) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 221، وقيل إن المراد بصاحب المكس هو العشار.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حد الزنا الحديث 5.
442

لكن قال المحقق في الشرايع في كتاب الطهارة عند البحث عن أحكام
الميت: وكذلك من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسل بعد
ذلك.
وقال العلامة في الإرشاد: ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال أولا ثم لا
يغسل.
وقال الأردبيلي في الشرح: كان دليله الاجماع وإلا فليس له مستند
واضح عام (1).
أقول: إنه وإن فرض عدم كونه اجماعيا إلا أن الشهرة غير قابلة للخدشة
وهي مفروغ عنها.
قال الكلباسي (2) في منهاج الهداية: ولو كان الحد رجما أمر المرجوم
والمرجومة أولا بالاغتسال والتحنيط والتكفين للنصوص المستفيضة المؤيدة بالشهرة
المحققة والمحكية انتهى.
فقد ادعى رحمه الله النصوص المستفيضة المؤيدة بالشهرة بقسيمها على
وجوب التجهيزات في قبال الأردبيلي الذي ادعى عدم مستند واضح عام
لذلك.
وقال في الجواهر بعد العبارة المذكورة آنفا عن المحقق في الطهارة:
والأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني بسند ضعيف جدا عن مسمع كردين
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان
الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل

(1) مجمع الفائدة والبرهان الطبع الجديد الجلد 1 الصفحة 208.
() قال في الكنى والألقاب الجلد 3 الصفحة 89: الكرباسي: الشيخ الأجل الأفقه الأورع الحاج
المولى محمد إبراهيم بن محمد حسن الكاخكي الأصبهاني المعروف بالكلباسي مصدر العلم والحكم
والآثار، مركز دائرة الفضلاء الأخيار ركن الشيعة وشيخها الجليل المنزلة والمقدار صاحب كتاب
المنهاج والنخبة والإشارات تلمذ على العلامة الطباطبائي بحر العلوم والشيخ الأكبر وصاحب
الرياض وغيرهم رضوان الله عليهم بل أدرك مجلس الأستاذ الأكبر المحقق البهبهاني توفي سنة
1262 وقبره بأصبهان..
443

ويحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه، ورواه الصدوق مرسلا عن
أمير المؤمنين عليه السلام، والشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب وباسناد ثان فيه
ارسال وغيره، لكن في التهذيب يغتسلان من الافتعال بخلاف ما في الكافي فإنه
فيه يغسل بالتشديد مع البناء للمجهول (1).
أقول: إن الرواية واضحة الدلالة على المراد وأما من حيث السند فهي
وإن كانت ضعيفة إلا أنها منجبرة بالشهرة لو لم يكن اجماع على ما قاله
الأردبيلي.
وهنا بحث وهو أنه ربما يقال: إن غسله هذا هو غسل الميت الواجب بعد
الموت إلا أنه يفعله المرجوم مثلا بنفسه قبل الموت تعبدا من الشارع.
وهذا في النظر بعيد، فإن غسل الميت موقوف على زهوق روح الانسان
حتى يتنجس بدنه ويلزم بعده الغسل فكيف نقول بأنه مع كونه حيا يغتسل
بنفسه يكون غسله هو غسل الميت المعتبر بعد الموت؟ والمترجح في النظر أنه ليس هو
ذاك الغسل وإنما يؤمر بالاغتسال، فإذا اغتسل فقد جعل الشارع غسله هذا مسقطا
عن غسل ما بعد الموت وكذا بالنسبة إلى الحنوط والكفن.
وتظهر الثمرة في أنه على ما ذكرنا فلا يعتبر في هذا الغسل ما يعتبر في غسل
الميت من التعدد وكذا الخليطين وغير ذلك لأنه بعد عدم الدليل على شئ سوى
الغسل يشك في اعتبار هذه الأمور والشرائط، والأصل عدم الوجوب، والبراءة منها
وإن كان الاحتياط حسنا في حين أنه لو كان الغسل هو غسل الميت فإنه يعتبر فيه
ما يعتبر في غسل الميت، ولكنه عندنا بعيد.
وفي القواعد استشكل في وجوب الثلاثة بعد أن قال بها، قائلا: ويؤمر
من وجب قتله الاغتسال قبله ثلاثا على اشكال (2) والتكفين والتحنيط.

(1) جواهر الكلام الجلد 4 الصفحة 94، ورواية مسمع: وسائل الشيعة الجلد 2 الباب 17 من غسل الميت
الحديث 1.
(2) وقال ولده الشارح فخر الدين قدس سره في بيان الاشكال: من حيث إنه غسل الأموات ومن أنه حي وعدم اقتضاء الأمر المطلق التكرار، والأصح عندي الأول لأنه تقديم لغسل الأموات على
الموت وهو هو بعينه انتهى، راجع إيضاح الفوائد الجلد 1 الصفحة 59.
444

واستدل بعضهم على أنه غسل واحد، بأمور: منها أصالة البراءة ومنها اطلاق
النصوص والفتاوى وعدم التعرض فيها للثلاثة وكذا غيرها من الشرائط المعتبرة
في غسل الأموات، ومنها إن هذا الغسل يأتي به الحي، واغتسال الأحياء ثلاثا
غير معهود.
كما أنه استدل من اعتبر الثلاثة بأن الظاهر كون هذا الغسل غسل الميت
الذي قدم على الموت بأمر الشارع فحينئذ يعتبر فيه ما هو المعتبر في غسل الأموات.
والانصاف أن الظاهر من النص والفتوى هو الثاني فهو غسل الميت
وإنما يقدم للتعبد وأمر الشارع فلذا يعتبر فيه ما يعتبر في غسل الأموات كما قوى
ذلك في الجواهر قال: من غير خلاف أجده فيه سوى العلامة في القواعد وتبعه
بعض من تأخر عنه، ثم تعرض قدس سره لاستدلالات المخالف وأجاب عنها
بضعف الجميع، ثم قال: وكذا لا اشكال في الاجتزاء به عن الغسل بعد الموت
وأنه به ترتفع النجاسة الحاصلة بسبب الموت في غيره وكذا ساير ما يترتب على
غسل الميت من عدم وجوب الاغتسال بالمس ونحوه ولا وجه لاستبعاد ذلك من
حيث تقديم الغسل على سبب النجاسة بعد فرض ثبوت ذلك من النص
والفتوى إذ الأحكام الشرعية موكولة إلى صاحبها انتهى.
وفي مفتاح الكرامة بعد كلام العلامة في القواعد المذكور آنفا: هذا
الحكم في الجملة مما لا خلاف فيه كما في المعتبر والذكرى، وعليه الاجماع كما
في الخلاف.
ثم قال: ووقع الخلاف في مواضع، الأول: إن هذا الأمر على سبيل
الوجوب أو الاستحباب، الثاني: الحكم عام أو مقصور على المرجوم والمقتول قودا
الثالث: إن الواجب أو المستحب الغسل مع التكفين والتحنيط أو بعضها الرابع:
أنه يغسل ثلاثا أو واحدة وهذا هو الذي استشكل فيه المصنف (1)..
ونحن نقول: أما بالنسبة إلى الموضع الأول فيمكن أن يقال: إنه لا يجب
ما لم يأمر الحاكم به وإنما يجب ذلك إذا أمره به.

(1) مفتاح الكرامة الجلد 1 الصفحة 423.
445

ولكن الظاهر أنه يجب الغسل على المرجوم بنفسه وإنما يجب أن يؤمر
بذلك تحفظا على ايقاع العمل وعلى ذلك فلو فعله هو بنفسه لكفى ذلك عن
أمره به، وذلك لأنه إذا أمر الشارع أحدا أن يأمر آخر بشئ فلا بد أن يكون
ذلك الشئ واجبا على المأمور، ولذا أوجب أمره به وعلى الجملة فتارة نقول
بضعف سند الخبر كما عبر صاحب الجواهر بقوله: بسند ضعيف جدا بلا
جابر له في البين فهو، وأما لو كان ضعف سنده منجبرا بعمل المشهور كما هو
كذلك فلا وجه حينئذ لحمله على الاستحباب فإن ظاهره الوجوب.
نعم ربما يوهم مرفوعة ابن خالد في رجل طلب من الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام أن يطهره من الزنا عدم لزوم الغسل أصلا فإن فيها: فأخرجه أمير المؤمنين
فحفر له وصلى عليه ودفنه فقيل يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال: قد اغتسل بما
هو طاهر إلى يوم القيامة. لقد صبر على أمر عظيم (1) عدم وجوب الغسل مطلقا لا
قبل الرجم ولا بعده وإلا لكان اللازم أن يجيب " عليه السلام " بأنه قد اغتسل قبل رجمه.
وفيه أنها ليست صريحة ولا ظاهرة في ذلك ولعل وجه عدم التعرض له
هو أنه عليه السلام كان قد أمره بالغسل قبل رجمه.
وأما بالنسبة إلى الموضع الثاني وهو أنه هل الحكم عام لكل من كان
محكوما بالقتل أو أنه يختص بالمرجوم والذي يحكم عليه بالقتل قصاصا؟
فنقول: إن المذكور في رواية كردين التي هي الأصل في الحكم هو
المرجوم والمرجومة وكذا المقتص منه ولم يزد فيها على ذلك شئ، فإن كان قد
تحقق اجماع على التعميم والالحاق فهو وإلا كما هو الواقع فلا وجه للتعميم،
استنادا إلى المشاركة في السبب، بل هو قياس لا نقول نحن به، فالقدر المسلم
والمتيقن الذي لا مناص عن الأخذ به هو المرجوم والمقتول قودا، كما أنه لو شك
في ذلك فالأصل عدم الالحاق، فيكون غير الموردين الخاصين تحت أدلة غسل
الميت فيجب غسله بعد قتله وموته.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
446

وأما الموضع الثالث وهو اعتبار التكفين والتحنيط ففي خبر كردين (1)
ذكرهما مع الغسل حيث قال: المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان
الكفن، لكن عبارات الأصحاب مختلفة فبعضها ساكت عن ذكرهما رأسا وذلك
كعبارة المحقق في " حدود الشرايع " كما أنه اقتصر على ذكر أمره بالاغتسال قبل
القتل في " كتاب الطهارة " وبعضها متعرض لكليهما كما أن بعضها قد تعرض
لواحد منهما.
ففي المبسوط: إذا رجم غسل وصلى عليه وحكمه بعد الرجم حكم
المسلم إذا مات وحكم من يقتل قصاصا يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر
المسلمين بلا خلاف، وروى أصحابنا أنه يؤمر بالاغتسال قبل الرجم والتحنيط،
وكذلك من وجب عليه القصاص فإذا قتل صلى عليه ودفن (2).
فقد ذكر هنا مع الاغتسال التحنيط خاصة.
وقال الصدوق في المقنع: والمرجوم يغسل ويحنط ويكفن ثم يرجم بعد
ذلك، وكذا القاتل إذا أريد قتله قودا (3).
ترى أنه ذكر مع الغسل، التحنيط والتكفين كليهما، نعم ظاهر كلامه
إن المباشر لهذه الأمور هو غير المرجوم ومقتضى ذلك هو أنه يجب أن يغسل آخر
ويحنطه ويكفنه لا أنه يؤمر هو بذلك كي يأتي به بنفسه.
وقال الشيخ المفيد: والمقتول قودا يؤمر بالاغتسال قبل قتله فيغتسل كما
يغتسل من جنابته ويتحنط بالكافور فيضعه في مساجده ويتكفن ثم يقام فيه بعد
ذلك الحد بضرب عنقه ثم يدفن (4).
ولكن الظاهر هو وجوب كل هذه الأمور، وإن ترك ذكر التحنيط
أو التكفين في بعض الكلمات كان للاختصار لا لعدم الاعتبار.

(1) وسائل الشيعة الجلد 2 الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
(2) المبسوط الجلد 8 الصفحة 4.
(3) المقنع الصفحة 20.
(4) المقنعة الصفحة 85.
447

وأما الموضع الرابع أي البحث في أنه يغتسل ثلاثا أو واحدة فهو محل
الكلام كما تقدم. وقد يستظهر من عبارة المفيد المذكورة آنفا أنه غسل واحد
وذلك لأنه قال: يغتسل كما يغتسل من جنابته انتهى فإن من المعلوم أن غسل
الجنابة غسل واحد لا أزيد.
نعم يمكن أن يحمل كلامه على أن غسل هذا كغسل الجنابة في الترتيب
والكيفية ولا ظهور كامل له في تشبيهه بغسل الجنابة في عدم التعدد والتكرار
وإن كان هذا الحمل بعيدا وذلك لظهوره في المثلية مطلقا لا في خصوص
الترتيب وكيفية الايقاع فتشمل جهة الوحدة وعدم التعدد أيضا.
ثم إن ممن أنكر اعتبار الثلاثة هو الفقيه الهمداني رضوان الله عليه وقد
بالغ وأكد على ذلك قال بعد كلام له: وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن
المراد في النص والفتاوى ليس إلا الغسل بالماء القراح دون الغسل مع مزج
الخليطين إذ من المستبعد جدا بل المحال عادة في خصوص الفتاوى أن يكون
المقصود بالغسل الأغسال الثلاثة من دون إشارة إليها مع أنه لا ينسبق إلى الذهن
من أمر الحي بالغسل كما وقع في عبائرهم إلا الغسل بالماء القراح فكيف يجوز
في مثل الفرض الاهمال في بيان المقصود اتكالا على ظهور العبارة في إرادة غسل
الميت مع أنه على تقدير تسليم الظهور لا دلالة فيها على إرادة الأغسال الثلاثة
لاحتمال اختصاص الغسل بالممزوج، بالميت، لخصوصية فيه، وكون الغسل
الحقيقي المؤثر في رفع حدثه هو الغسل بالماء القراح فاستظهار اعتبار التثليث من
اطلاق النص وفتاوى الأصحاب كما زعمه غير واحد من المتأخرين غير سديد
فالأظهر كفاية الغسل الواحد بالماء القراح وإن كان الثلاث أحوط خروجا من
شبهة الخلاف انتهى.
ولقد أجاد فيما أفاد من عدم ذكر عن التعدد ولا الخليطين في النصوص
والفتاوى، وهذا يقوى في الذهن عدم اعتبارهما أصلا خصوصا بلحاظ ذكر
الحنوط والكفن في العبائر وعلى هذا فلا يعتبر التعدد ولا الخليطان على ما هو
المنساق إلى الأذهان من غسل واحد بالنسبة إلى الحي.
448

ولكن مع ذلك لا يترك الاحتياط، بمراعاة الأمرين وذلك لما ذكرناه
آنفا من أن هذا الغسل بمقتضى مقام الاستظهار هو الغسل المقرر للأموات بعد
تحقق الموت لكنه قد قدم في المورد على الموت، وإذا استظهر كونه هو بنفسه فلا بد
من مراعاة ما كان له من الشرائط ولا أقل من الاحتياط بمراعاته. لأن الغسل بالماء
القراح يتحقق على كلا القولين وضم الغسل بالخليطين لا يبطل الغسل بالماء
الخالص، وإن كان لو شك واقعا تجري أصالة البراءة عن الزائد لكن بلحاظ ما
ذكرناه يحتاط بثلاثة أغسال على ما هو المعهود في غسل الأموات.
وإذا اغتسل قبل رجمه أو قتله فيترتب على غسله ما يترتب على
غسل الأموات فلا يوجب مسه بعد ذلك الغسل لأن بدنه طاهر.
نعم هنا بحث وهو أن غسل الميت حيث يكون عقيب الموت يوجب زوال
النجاسة الحاصلة بالموت فكان الميت قبل أن يغسل نجسا ويؤثر مسه بعد برده الغسل
وإذا غسل يكون طاهرا ولا يوجب مسه الغسل، وأما إذا وقع الغسل قبل الموت
فكيف يتصور أن يزيل النجاسة التي لم تحصل بعد.
اللهم إلا أن يقال في رفع الاشكال بأنه لا يحكم بنجاسة الميت الذي قد
اغتسل قبل قتله بأمر الشارع ويكون غسله هذا مانعا عن حصول النجاسة وبعبارة
أخرى: إنه قد يكون الغسل رافعا للنجاسة وقد يكون دافعا لها، والغسل بعد الموت
في المورد المبحوث عنه من قبيل الدفع الذي هو المنع عن تقرر الشئ خارجا
ويؤل الأمر إلى القول بأن الانسان يتنجس بالموت إلا الذي اغتسل قبل موته في
الموارد الخاصة فإنه لا يتنجس أصلا.
وبعبارة ثالثة: إن الأمر يدور بين أن نقول بأن هذا المرجوم مثلا يتنجس
بموته ولكن يجب دفنه كذلك تعبدا وعلى هذا فقد خصص دليل وجوب تطهير
المؤمن قبل دفنه وكأنه قيل: إلا في المرجوم ويجب غسل الميت المسلم إلا في
هذه الموارد المعينة، وبين أن نقول بأنه يلزم تطهير المسلم قبل دفنه وبعد موته إلا
في المرجوم مثلا فإنه يغتسل قبل الموت لقيام الدليل على ذلك وعلى هذا فقد
خصص دليل وجوب كون الغسل بعد الموت، والظاهر هو الثاني.
449

الكلام فيما إذا لم يغتسل قبل الرجم
ولو لم يغتسل قبل الرجم مثلا فما هو الوظيفة؟ الظاهر أنه يجب تغسيله
بعده لأنه لو كان يغتسل قبل رجمه لكان غسله كافيا عن الغسل بعد الموت
بلا كلام وأما إذا لم يغتسل قبل ذلك فأدلة وجوب تغسيل المسلم مطلقا تقتضي
وجوب تغسيله الآن، ولذا قد يقال: بأن وجوب الغسل قبل موته أو بعده من قبيل
الوجوب التخييري.
ولكن فيه أنه يمكن أن يقال بأن الواجب هو غسله قبل الرجم مثلا إلا
أنه لو خولف ذلك وعصى هذا الأمر يجب غسله بعد الموت وعلى هذا فلم يكن
من قبيل الوجوب التخييري بل من باب الوجوب التعييني والترتيبي.
الكلام فيما إذا كان جنبا
ثم إنه لو كان جنبا فهل يكفي غسله هذا عن الجنابة أم لا؟ معلوم أنه
في غسل الحي يتداخل الأغسال إذا كان قد نوى الجميع ويسقط الأغسال
المتعددة بذلك بل ولو قصد الجنابة لكفى ذلك عن باقي الأغسال وأما في
المقام فيشكل الثاني فإذا نوى الجنابة بغسله لا يكون هذا كافيا عن غسل
المرجوم.
نعم لو نوى به غسل الجنابة أيضا وكذا سائر الأغسال إذا كانت عليه
فهناك يكتفى به لكن لا يخفى أن التداخل يجري في الغسل بالماء القراح وأما
بالماء الممزوج بالخليطين فلا معنى للتداخل فيه.
لا يقال: إن وجوب غسل الجنابة كالحيض والنفساء غيري ومع الموت
يرتفع التكليف بالصلاة مثلا فلا يبقى وجوب لهذا الغسل ولا أثر لهذه الجنابة
كي يغتسل عنها وينوي باغتساله للرجم الغسل للجنابة أيضا.
لأنا نقول: إنه وإن كان قد سقط الغسل من هذه الناحية إلا أنه لا
450

ينحصر أثر الغسل في تجويز العبادة بل له آثار أخر عظيمة كعدم وروده في المحشر
مع الجنابة التي هي نوع قذارة روحية فيؤثر غسل الجنابة في أن يرد القيامة
طاهرا متطهرا بخلاف ما إذا لم يغتسل منها كما يظهر ذلك من قصة الشاب الذي
كان ينبش القبور وينزع أكفان الموتى وكلام الجارية التي كانت من بنات
الأنصار بعد موتها وعندما زنى ذلك الشاب بها وأخذ كفنها حيث نطقت
بإذن الله وقالت: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما
تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني
وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي فويل لشبابك من النار (1)..
ومع ذلك كله ففي وجوب غسل الجنابة هنا اشكال لأنهم لا يقولون
بوجوبه على الميت الذي كان جنبا وإن كان خبر عيص قال: قالت لأبي
عبد الله عليه السلام: الرجل يموت وهو جنب قال: يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد
غسل الميت (2) يدل على الوجوب لكن المشهور لم يعملوا به فلا اعتبار له
فلو كان هذا الخبر والخبران الآخران المنقولان عنه بهذا المضمون معتبرة معمولة بها
لكنا نقول بالوجوب، ولكن مع عدم افتاء المشهور فلا، وعلى هذا فليس يجب على
الميت غسل الجنابة لعدم مستند صحيح، لا لأن غسل الجنابة غيري وهو ساقط
عن الميت وذلك لما عرفت من ضعفه، ولولا ضعف الخبر لكان اشكال الوجوب
الغيري قابلا للدفع بما ذكرناه من الوجه.
هذا مضافا إلى روايات عديدة ناطقة بعدم وجوب غسل الجنابة مع
كونه جنبا والاكتفاء بغسل الميت ولعل ما ذكر في خبر عيص كان لتحصيل
مزيد الثواب.
نعم أنه وإن لم يكن بواجب لكن الاحتياط حسن.
وهذا الذي ذكرناه في الميت الجنب يجري في المحكوم بالرجم الذي
كان عليه غسل الجنابة ويزيد هنا التأييد بمرفوعة محمد بن خالد وقول أمير المؤمنين

(1) أمالي الصدوق المجلس 11 الصفحة 27 وبحار الأنوار الجلد 6 الصفحة 23.
(2) وسائل الشيعة الجلد 2 الصفحة 722 الحديث 7 من الباب 31 من غسل الميت والحديث 5 و 6.
451

فيها بالنسبة إلى رجل أقر عنده بالزنا ورجمه الإمام عليه السلام: قد اغتسل بما هو
طاهر إلى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم، وقد تقدم ذكرها آنفا فإنها ظاهرة
في أن حضوره للرجم وصبره عليه موجب لطهارته وعلى هذا فلو اغتسل للرجم فلا
حاجة إلى غسل الجنابة بعد ذلك. وأما عدم اشتمال هذا الخبر على ذكر
الغسل قبل الرجم فقد مر أنه لا يدل على عدمه حتى يخالف النص والفتوى.
هذا مضافا إلى أن روايات اغتساله قبل رجمه مطلقة تشمل ما إذا كان
عليه غسل الجنابة أم لا.
وعلى ما ذكرنا من حسن الاحتياط فإن لم يغتسل لجنابته بنفسه ولا أنه
نواها في غسله للرجم فيحسن أن يغسل بعد موته لهذا.
هذا كله إذا كانت الجنابة من قبل وأما لو وقعت بعد غسله للرجم فهل
هو كما إذا كان السبب من السابق؟
أقول: الظاهر عدم بطلان غسله للرجم بالجنابة اللاحقة لعدم استفادة
ذلك من الأدلة وإن كان الاحتياط حسنا.
فروع مناسبة لغسل المرجوم
ثم إنه لو اغتسل للرجم مثلا لكنه مات بعد الغسل حتف أنفه فهل يجزيه
غسله السابق أم لا؟
الظاهر عدم اجزائه عن غسل الميت وذلك لدلالة العمومات على وجوب
غسل الميت المسلم مطلقا وإنما خرج ما إذا كان محكوما بالرجم أو القتل فإنه يقدم
غسله وحيث إن المقام لم يكن من مصاديق المرجوم والمقتول فالمرجع هو العمومات
الدالة على وجوب الغسل.
وبعبارة أخرى أنه من قبيل تبدل الموضوع، فالغسل المقدم كان للمرجوم
وهذا ليس بمرجوم وإنما مات هو حتف أنفه.
ولو اغتسل للرجم ثم قتل بسبب آخر غيره كما إذا قتل قصاصا قبل أن
يرجم فالظاهر عدم الاكتفاء بغسله الذي قد أتي به للرجم.
452

وهكذا عكس ذلك كما إذا اغتسل لأن يقتص منه ثم رجم للزنا.
وأما لو اغتسل لأن يقتص منه لشخص ثم قتل لشخص آخر كما إذا
عفى عنه وارث المقتول الأول واقتص منه ولي المقتول الثاني أو أنه في الذهاب
به إلى موضع القصاص للأول صادفه ولي الثاني فقتله، فقد استشكل صاحب
الجواهر هنا في وجوب التجديد وذلك لاتحاد السبب.
وفيه أن المعيار والميزان في لزوم التجديد وعدمه في هذه الفروع كلها أمر
واحد وهو أنه هل الغسل هنا من التوصليات التي لا تحتاج إلى قصد القربة
كرفع الخبث عن الثوب والبدن حيث يكتفى بمجرد ذلك وإن لم يكن مقترنا
بالقصد أو كان مقترنا بقصد آخر أو قصد الخلاف فيتطهر الثوب المتنجس بنجاسة
كذا إذا غسله متخيلا تنجسه بنجاسة أخرى، أو أنه ليس كذلك بل هو يحتاج
إلى القصد؟
الظاهر هو الثاني ولذا لو أتى بطهارة حدثية بلا قصد ولا نية فإنها
باطلة قطعا، وأما صحة الوضوء بلا حاجة إلى نية كونه لصلاة الظهر أو العصر
فهو لأجل كفاية قصد الطهارة غاية، سواء صلى الظهر أو العصر، وأما الموارد
الأخر فهي تحتاج إلى القصد فلذا لو وقع الغسل بقصد الحيض ثم بان أنه كان
نفاسا لا حيضا أو بالعكس فإنه لا يكتفى به.
وأما الاجتزاء بقصد الجنابة عن سائر الأغسال اللازمة بأسبابها فهو
لدليل خاص وإلا فكل سبب يحتاج إلى قصد خاص وإن تداخلت الأسباب، ولو
غسل ميتا بتصور أنه زيد ثم انكشف أنه عمرو فإنه لا يجتزى بذلك الغسل إلا
إذا كان قد نوى غسل هذا الميت فإنه لا يضره الخطأ في المصداق.
والحاصل أنه يشكل الاكتفاء بالغسل الذي أتى به للاقتصاص عن أحد
ثم قتل قصاصا عن آخر.
ولو فرض الشك في الاكتفاء وعدمه فحيث إن المسألة من قبيل العام
والخاص يلزم الاحتياط للشك في التخصيص.
453

كيفية جلد الزاني
قال المحقق: ويجلد الزاني مجردا وقيل على الحال التي وجد عليها
قائما أشد الضرب وروى متوسطا.
الكلام هنا في أمور: أحدها أنه هل يجلد الزاني مجردا أو مع ثيابه؟
فنقول: إن في المسألة قولين: أحدهما أنه يجرد عدا عورته ويجلد وقد ذهب
إلى ذلك المحقق في الشرايع والنافع، والعلامة في القواعد وكذا غيرهما وعن
الصيمري في غاية المرام أنه المشهور.
ثانيهما أنه يجلد على الحال التي وجد عليها فإن كان عاريا في تلك
الحال جلد عاريا وإن كان كاسيا فكاسيا ذهب إلى ذلك: الشيخ وجماعة بل
هو المشهور بل عن ظاهر الغنية الاجماع عليه.
وهل المراد من الحال التي وجد عليها هو حال الزنا أو حال أخذه؟
عبارة المحقق وعباراتهم مجملة ولا يتضح أن المراد هذا أو ذاك؟ (1).
واحتمل كاشف اللثام أن يكون لفظ (يوجد) في رواية طلحة الآتية
تصحيفا أن يكون الصحيح: (يؤخذ) حتى يكون المراد هو حال أخذه ورفع أمره
إلى الحاكم.
وعلى الجملة فعلى القول الثاني يلاحظانه كان الزاني كاسيا أو عاريا
فيضرب كاسيا إن كان هو بنفسه كذلك.
نعم عن ابن إدريس: ما لم يمنع الثوب من ايصال شئ من ألم الضرب.
كما أن الشيخ قدس سره اعتبر نزع ما كان يمنع ألم الضرب قال: وأما

(1) أقول: إن عبارات عدة منهم صريحة في أن المراد هو حال الزنا، قال المفيد في المقنعة: ويجلد
قائما في ثيابه التي وجد فيها زانيا.. وإن وجد عريانا في حال الزنا جلد عريانا بعد أن يستر
فرجه انتهى ومثلها عبارة الصدوق في المقنع الصفحة 143.
وفي الغنية: ويقام الحد على الرجل على الهيئة التي رأى زانيا عليها من عرى أو لباس.
وفي القواعد: ثم الحد إن كان جلدا ضرب مجردا وقيل على حالة الزنا انتهى.
454

صفة المضروب، فإن كان رجلا ضرب قائما ويفرق الضرب على جميع بدنه ولا
يجرد عن ثيابه لأن النبي عليه وآله السلام أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد، وروى
أصحابنا إن في الزنا يقام عليه الحد على الصفة التي وجد عليها إن كان عريانا
فعريانا وإن كان عليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه فإن كان عليه ما يمنع ألم الضرب
كالفروة والجبة المحشوة نزعها وترك بقميصين ولا يشد ولا يمد ولا يقيد
ويترك يداه يتقي بهما لأن النبي عليه وآله السلام يأمر بذلك (1).
ثم إن منشأ القولين في المسألة هو الروايات فإن فيها اختلافا.
فعن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الزاني كيف
يجلد؟ قال: أشد الجلد، قلت، فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه قلت:
فالمفتري؟ قال: يضرب بين الضربين جسده كله فوق ثيابه (2).
وعن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الزاني
كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، فقلت: من فوق الثياب؟ قال: بل يجرد (3).
وأنت ترى التصريح هنا بلزوم تجريده وخلع ثيابه.
ولكن في رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال: لا يجرد في حد،
ولا يشنح يعني يمد وقال: يضرب الزاني على الحال التي يوجد عليها إن وجد
عريانا ضرب عريانا وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه (4).
وهي صريحة في النهي عن التجريد.
نعم قد يترائى التعارض بين صدر هذا الخبر وذيله وذلك لأن الصدر
ينهى عن التجريد ويمنع عن ذلك، والذيل يفصل بين وجدانه عريانا فيضرب
عريانا وبين وجدانه وعليه ثيابه فيضرب وعليه ثيابه فالملاك بحسب الذيل هو
الحال التي وجد عليها.
ونحن نقول إن في صدر الخبر احتمالين: أحدهما أن يكون المراد أنه لا

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 69.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
455

يضرب في حال التجرد أصلا بل يلزم ويعتبر أن يكون عليه ثياب ثانيهما أن يكون
المراد منه أنه لو كان كاسيا عليه ثيابه فلا يجرد وبعبارة أخرى أنه لا يتعين تجريده
للحد بحيث لو كان كاسيا لكان يجب تجريده.
فعلى الأول: فبين الصدر والذيل وإن كان نوع تناف لكنه بنحو العموم
والخصوص أو المطلق والمقيد وذلك لأن الصدر يقول: لا يجرد في حد من الحدود
أصلا فيلزم أن يكون عليه ثيابه، والذيل يقول إن كان الزاني وجد عريانا ضرب
كذلك، وإن وجد وعليه ثيابه يضرب وعليه ثيابه، فيخصص الصدر بالذيل،
والنتيجة أنه لا يجوز تجريد أحد في حده إلا الزاني فإنه لو وجد عريانا ضرب
عريانا فقد خصص العموم بخصوص باب الزنا في حالة خاصة.
وعلى الثاني: فلا منافاة أصلا بين الصدر والذيل لأن مفاد الصدر أنه
لو كان كاسيا لا يعتبر تجريده، والذيل أيضا يقول لو كان حين وجد عريانا ضرب
عريانا وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وهو في أثوابه، ومن المعلوم أنهما متوافقان
وبينهما كمال الملائمة.
وعلى الجملة فعلى فرض ليس بينهما أدنى نخالف وتهافت، وعلى فرض
يكون هناك تناف لكنه بنحو العموم المطلق الذي يحمل العام على الخاص
فكيف يقال بأن بينهما التعارض؟
ثم إنه بعد أن ثبت عدم مشكلة في البين من ناحية صدر هذا الخبر وذيله
تصل النوبة إلى ملاحظة هذا الخبر مع سائر الأخبار فمقتضى خبر إسحاق بن
عمار هو اعتبار التجريد وخلع اللباس عن المحكوم بالجلد في حين أن خبر
طلحة يدل على عدم التجريد وينهى عن ذلك ففي مورد الكاسي يتعارضان
لأن أحدهما يوجب التجريد والآخر يمنع التجريد.
وقد صاروا بصدد الجمع بينهما وذكروا له وجوها:
منها التخيير بينهما، قال كاشف اللثام قدس سره: وقد يجمع بينه وبين
ما تقدم بالتخيير انتهى وفي الحقيقة قد حمل النهي في خبر طلحة بقوله: " لا
يجرد " على عدم تعين التجريد وعدم وجوبه وقوله: يضرب من فوق ثيابه، في خبر
456

إسحاق، على جواز ذلك وعدم تعين هذا أيضا.
وهذا خلاف الظاهر جدا.
ومنها أنهما تسقطان بالتعارض والمرجع هو اطلاقات أدلة الجلد من
الكتاب والسنة، ومقتضاها جواز الجلد كاسيا.
وأورد عليه بعض الأعاظم قدس سره بأنه مع تعارض الخبرين بنحو
التباين فما هو وجه عدم الأخذ بالتخيير خصوصا مع الاشكال في كون ما في
الكتاب والأخبار في مقام البيان.
وفيه أن الظاهر أنه ليس هذه الأدلة في مقام أصل التشريع بل الظاهر
أنها في مقام البيان من كثير من الجهات وقد استقرت عادتهم على الأخذ
بعمومها أو اطلاقها في مواقع مختلفة وأما التخيير فهو موقوف على كون الدليلين
متكافئين ومتساويين لا مع وجود المزية والرجحان كالشهرة وغيرها ففي الخبر
خذ بما اشتهر بين أصحابك، وهنا المشهور هو الأول.
وقد يقال: إنه بعد تساقط الروايتين لا يرجع إلى مثل الآية كي يستشكل
بعدم كونها في مقام البيان بل يرجع إلى بعض الروايات الوارد في خصوص باب
الجلد مع عدم تعرضه لهذه الجهة وذلك كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: يضرب الرجل الحد قائما والمرأة قاعدة ويضرب على كل عضو الخ.
وفيه أن الرجوع إليه موقوف على كون هذا الخبر في مقام البيان من هذه
الجهة وهو غير معلوم بل لعل الظاهر كونه في مقام البيان من حيث خصوص
القيام والقعود وكذا جهة ضرب مطلق الأعضاء، وأما الاشكال في الرجوع إلى
العمومات فقد أجبنا عنه آنفا.
ومنها ما قاله بعض بأن خبر إسحاق بن عمار حيث تضمن السؤال عن
الجلد من فوق الثياب فدلالته على وجوب التجريد أقوى وأظهر من دلالة خبر
طلحة في عدمه.
وفيه أولا أنه لا فرق بينهما لأنه وإن كان خبر إسحاق ظاهرا من هذه
الجهة إلا أن خبر طلحة أيضا لاشتماله على الذيل المشتمل على التشقيق يصير
457

ظاهرا جدا، فهما مثلان في الظهور ولا مزية لأحدهما على الآخر في ذلك.
وثانيا أنه لا يرفع اليد عن الظهور العرفي الحجة ولا يصرف النظر عنه
بمجرد أن في قباله ما هو أظهر.
ومنها ما قد يقال من أن معتبرة إسحاق بن عمار مطلقة من جهة أنه كان
في حال وجدانه عاريا واكتسى بعد ذلك أو أنه كان كاسيا حال وجدانه وعليه
فيقيد اطلاقها بمعتبرة طلحة بن زيد، والنتيجة هي اختصاص وجوب الخلع
والتجريد بما إذا كان في حال وجدانه عاريا وأما إذا كان كاسيا حين أن وجد،
ضرب وعليه ثيابه.
وفي الجواهر: بعد الاستدلال للقول بالتفصيل بخبر طلحة بن زيد:
مؤيدا ببناء الحدود على التخفيف ولذا تدرأ بالشبهة فضلا عن المقام فيخص به
حينئذ ما سمعت الخ.
يعني أن الخبر يؤيد بأن بناء الحدود على التخفيف فمهما أمكن
يلاحظ ذلك في اجراء الحد ومن شؤونه هو عدم جلده عريانا ومجردا مطلقا وإنما
يجرد إذا وجد في حال الزنا مثلا مجردا، هذا إذا لوحظ مجرد الشبهة مع صرف
النظر عن الدليل الوارد في المقام فكيف بما إذا لوحظ الدليل الناطق بعدم تجريده
إذا وجد وعليه ثيابه.
ونحن نقول: هذا كلام لا يخلو عن اشكال بل هو خلاف ظاهر الروايات
الواردة في كيفية الضرب الدالة على أنه يضرب أشد الضرب.
والتحقيق أنه فرق بين مقام اثبات الحد ومقام اجرائه، ودرء الحدود
بالشبهات متعلق بالمقام الأول دون الثاني فإنه مقام التشديد لا التخفيف.
لكن قوله: فيخص الخ فهو تام فإن خبر طلحة صريحة في أنه إن وجد
عريانا ضرب عريانا وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه، فلا يجرد إذا كان
قد وجد وعليه ثيابه وأما خبر إسحاق الدال على التجريد للجلد فهو مطلق شامل
لكل زان سواءا كان وجد عاريا أو وجد وعليه ثيابه ونتيجة التخصيص وجوب
تجريده إذا وجد عاريا وأما إذا وجد وعليه ثيابه فلا.
458

نعم أورد عليه بعض الأعاظم بقوله: وأما ما ذكر من اختصاص وجوب
الخلع بما إذا كان في حال وجدانه عاريا واكتسى بعد ذلك فالظاهر أنه من
حمل المطلق على غير الغالب، ومقتضى الحكمة ذكر المطلق، والباقي فيه بعد
التقييد، الأكثر، لا الأقل ولا المساوي انتهى.
وحاصل ذلك لزوم تخصيص الأكثر.
وفيه أن ذلك غير مسلم فلا يعلم حال الأغلب في تلك الحال كي
يقال بتخصيص الأكثر أو عدمه.
ثم إنه يمكن أن يستفاد من رواية العلل " عن محمد بن سنان عن الرضا
عليه السلام فيما كتب إليه: وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته
الزنا واستلذاذ الجسد كله به الخ (1) " لزوم التجريد مطلقا وذلك لأن اللازم هو
احساس الجسد ألم الحد بعد ما أحس لذة الحرام، فإن هذا التعليل لا يتحقق
إلا بأن يجرد البدن كي يتألم جسده ولا أقل من أن التجريد أنسب لاحساس الألم
المطلوب في حد الزنا.
اللهم إلا أن يقال بأن الأثواب الخفيفة غير مانعة عن احساس الألم
ولذا قيد بعض العلماء عدم كون الثوب مما يمنع من ألم الضرب كالفروة والجبة
وغير ذلك، وهو كذلك، بل لعل أدلة الضرب والجلد تكون منصرفة عن ذلك،
لأنه إذا كان قد كسى الجبة والمحشوة والفروة وأمثال ذلك فهو لا يحس ألم
الضرب ولا يترتب على هذا الجلد أثر وفائدة أصلا فيلزم أن يجرد من مثل هذه
الأثواب حتى ولو كان حين الزنا لابسا لها.
أضف إلى ذلك كله أنه لو لم يمنع عن مثل ذلك وكان مجازا أن يضرب
وعليه مثل الجبة فربما يجعل الزناة ذلك ذريعة إلى هذه المعصية العظيمة لأنه
لا ألم في الجلد والحال هذه.
لا تخلع ثياب المرأة لإقامة الحد عليها
ثم إن هذا كله كان بالنسبة إلى الرجل وأما المرأة فلا بد من أن يكون

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 8.
459

عليها ثيابها وذلك لأن بدن المرأة عورة.
وأما جواز تجريدها إذا كان مجري الحد هو المرأة فهو يحتاج إلى
البحث في جواز اجراء المرأة الحد وعدمه، ولم نعثر إلى الآن على مورد في
الروايات يفيد أن المجري كان هو المرأة والبحث محتاج إلى الفحص التام
والتأمل الكامل وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
وفي الجواهر: وعن المقنع: ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما
حين زنيا وإن وجدا مجردين ضربا مجردين، وفيه كما عن المختلف أن بدن
المرأة عورة فلا يجوز تجريدها كعورة الرجل والخبر المزبور ظاهر في الرجل،
واحتمال إرادة الجنس منه مجاز محتاج إلى قرينة وهي مفقودة بل لعل القرينة
على خلافها موجودة انتهى.
أقول: هكذا نقل الجواهر عن المقنع واعترض عليه بما نقلناه ولكن نحن
قد راجعنا عبارة الصدوق فيه ولم تكن على طبق المحكى عنه وإليك عبارة
المقنع بنفسها. ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا انتهى
كلامه (1) وأنت ترى أنه لا تعرض فيها لحال تجردهما أصلا وعلى هذا فلا يرد
عليه أما أورده صاحب الجواهر.
فلو كان الصدوق قال بذلك لما قد وقف عليه من رواية فيه لكان
يمكن توجيهه بأن قد استثنى هذا المورد الخاص عن الحكم بوجوب ستر بدن
المرأة نظير استثناء رؤية الطبيب بدنها عند الضرورة إليها، عن الحكم الكلي
بوجوب ستر بدنها، إلا أن الكلام في أنه رحمه الله قال بذلك أم لا، وقد نقلنا
عبارته آنفا.

(1) المقنع الصفحة 144، أقول: إنه لا اشكال على صاحب الجواهر فإنه حكى ذلك عن المختلف
وإليك عبارة المختلف الصفحة 762: قال الشيخ في النهاية: وهو المشهور أن الرجل يجلد قائما على
حالته التي وجد عليها إن وجد عريانا جلد كذلك وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه والمرأة
إذا أريد جلدها ضربت مثل الرجل غير أنها لا تضرب قائمة بل تضرب وهي جالسة عليها ثيابها
قد ربطت عليها لئلا تنهتك فتبدو عورتها، وقال الصدوق في المقنع: ويجلدان في ثيابهما التي
كانت عليها حين زنيا وإن وجدا مجردين ضربا والمعتمد الأول الخ.
460

والتحقيق أن هذه الروايات الواردة في التجريد لا تعرض فيها للمرأة
أصلا ولا يصح أن يقال إن المراد من الرجل، الأعم من الرجل والمرأة بل
الروايات منصرفة عنها بالنسبة إلى هذا الحكم، فإن المطلوب منها شرعا هو الستر
وما يلائم عفافها، بل في بعض الروايات ما يدل على لزوم سترها كيلا تبدو لغير
ذي محرم عليها وذلك كرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام في امرأة أتت
أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني قد فجرت إلى أن أقرت بذلك أربع مرات
وبعد أن وضعت حملها رجمها، وفي هذا الخبر: ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها
حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو (1).
لا يقال: إن هذا الخبر متعلق بالرجم ووارد في المحصنة، والكلام الآن
في الجلد وفي غير المحصنة.
لأنه يقال: إن الملاك الوحيد والرمز الأصلي في ذلك هو سترها وعدم
هتكها برؤية الأجانب لها وأن لا تنكشف لديهم، ولا فرق في ذلك بين
المحصنة وغيرها وما إذا كان حدها الرجم أو الجلد وإن كانت الرواية كما
ذكر واردة في المحصنة ورجمها.
لا يقال إنه بعد ورود الروايات في تجريد الرجل نقول بذلك في المرأة
أيضا الغاءا للخصوصية.
لأنا نقول: إنه لا يمكن ذلك بعد أن الله تعالى لم يلغ الخصوصية هنا بل
أثبتها وأكد عليها وذلك لتأكيد الشرع على كمال سترها بحيث ورد في بعض
الآثار والكلمات أنه يرتبط عليها ثيابها أي تشد عليها لئلا تنهتك وتبدو
عورتها، والسر في ذلك هو المراقبة عليها كيلا يرتفع ثوبها بهبوب الرياح أو بإصابة
الجلدات فتبدو بدنها وعلى الجملة فالأمر بالتجريد منصرف إلى الرجل ولا
يشمل المرأة أصلا.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
461

الكلام في أنه يجلد قائما أشد الضرب
ومما ذكره المحقق وغيره في كيفية الجلد هو ضربه قائما وأنه يضرب
أشد الضرب.
أقول: أما الأول، فيدل عليه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
يضرب الرجل الحد قائما والمرأة قاعدة (1).
وأما الثاني، أي ضربه أشد الضرب فهو الأشهر رواية وفتوى كذا في
الجواهر وتدل عليه عدة من الأخبار ففي خبر إسحاق بن عمار قال: سألت
أبا إبراهيم عليه السلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، فقلت: من فوق
ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه (2).
ومثله رواية أخرى لإسحاق بن عمار عنه عليه السلام فراجع (3).
وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الزاني كأشد ما
يكون من الحدود (4). وفي رواية العلل وعيون الأخبار عن محمد بن سنان عن الرضا
عليه السلام فيما كتب إليه: وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا
واستلذاذ الجسد كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم
الجنايات (5).
وأما قول المحقق رحمه الله: وروى متوسطا انتهى فالمراد به رواية
حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:.. ويضرب بين
الضربين (6).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 3.
(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 4.
(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 8.
(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 6.
462

قال في الجواهر: وعن بعض العمل به ولم نتحققه - وفي الوسائل:
لعله مخصوص بغير الزنا،، انتهى، والسر في ذلك عدم ذكر في هذا الخبر عن الزنا
بخلاف الأخبار السابقة حيث إنها واردة في الزاني -.
الكلام في تفريق الضرب على جسده واتقاء بعض المواضع
قال المحقق: ويفرق على جسده ويتقى وجهه ورأسه وفرجه.
أقول: وذلك لدلالة روايات على ذلك ففي صحيح زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام المذكور آنفا: ويضرب كل عضو ويترك الرأس
والمذاكير (1).
وفي مرسل حريز المذكور عن قريب - عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
يفرق الحد على الجسد كله ويتقى الفرج والوجه (2).
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذي يجب عليه
الرجم يرجم من ورائه ولا يرجم من وجهه لأن الرجم والضرب لا يصيبان الوجه
وإنما يضربان على الجسد على الأعضاء كلها (3).
وقد علل تفريق الضرب على تمام الجسد - في رواية العلل والعيون
المذكورة آنفا - باستلذاذ الجسد كله من الزنا، وعلى هذا فيضرب كل البدن حتى
يحس الكل ألم الجلد والعقوبة كما أحس الكل لذة المعصية. نعم تستثنى الأعضاء
المذكورة في الروايات المتقدمة.
ثم لا يخفى أنه ليس المراد من التفريق على كل الجسد هو التفريق
العقلي وبالدقة العقلية بحيث لا يبقى شئ من أجزاء الجسد لم يصبه الضرب
حتى يكون كغسل الأعضاء في الوضوء والغسل، بل المراد هو ضرب كل الجسد
عرفا وإن بقي أجزاء من الجسد لم يصبه الضربات أو وقعت ضربة منها مكان

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من حدود الزنا الحديث 6.
463

ضربة أخرى منها، وإلا فلو كان المراد أن لا يبقى جزء من البدن غير مضروب
فهو مستلزم للعسر والحرج وهكذا لو كان يعتبر عدم إصابة الضربة عضوا من
الأعضاء مرتين.
كيفية جلد المرأة
قال المحقق: والمرأة تضرب جالسة وتربط عليها ثيابها.
أقول: وتدل على الأول رواية زرارة المذكورة آنفا عن أبي جعفر
عليه السلام قال: يضرب الرجل الحد قائما والمرأة قاعدة (1).
وفي كشف اللثام: ولأنه أستر لها.
وأما الثاني أي ربط ثيابها عليها فيدل على ذلك ما ورد في قصة
الجهنية من أنه صلوات الله عليه أمر فشد على الجهنية ثيابها ثم رجمت (2) ولعله
يستفاد ذلك أيضا من رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام في امرأة رجمها
أمير المؤمنين عليه السلام من أنه عليه السلام أمر بها فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط
عليها ثوبا جديدا (3).
وفي كشف اللثام: وأما ربط الثياب عليها فلما ذكره الشيخان وغيرهما
من أن لا ينهتك فتبدو عورتها.
وقد تقدم منا أنه لو لم تربط ثيابها، بها فربما ترفع ثيابها بهبوب الرياح
أو بوقع الجلدات ويوجب ذلك هتكها.
هل تجوز إقامة المرأة الحد؟
وأما إنه هل يجوز أن يباشر المرأة في حد المرأة كي لا يحتاج إلى ربط
ثيابها - غاية الأمر اشتراط كون الطائفة المشاهدين أيضا النساء أم لا؟
(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حد الزنا الحديث 5.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حد الزنا الحديث 1.
464

الظاهر عدم جواز ذلك كما يستفاد هذا من الروايات الدالة على مباشرة
أمير المؤمنين عليه السلام بنفسه في رجم المرأة المقرة بالزنا وكذا الروايات الدالة على
أن الإمام يبدأ بالرجم فيما إذا ثبت الزنا بالاقرار ثم باقي الناس ويبدأ الشهود فيما
إذا ثبت بالبينة ثم باقي الناس، وذلك لأنه لو كان يجوز مباشرة النساء لما أقدم
هو بنفسه على ذلك كما في باب غسل الميت فإنه حيث يجوز مباشرة النساء في
تغسيل المرأة لما جاز للرجل الأجنبي أن يباشر في ذلك.
وعلى الجملة فهنا من الموارد التي يكون الجواز للمرأة ملازما للوجوب
عليها وحرمته على الرجال فجواز هذا للرجال كان لمكان عدم جوازه على النساء
هذا في مباشرة النساء في إقامة الحد وأما حضورهن لمشاهدة العذاب فالظاهر أنه
لا بأس به على حسب القاعدة.
مسائل عشر: الأولى فيما لو ادعت المرمية بالزنا إنها بكر
قال المحقق: النظر الثالث في اللواحق وهي مسائل عشر الأولى إذا
شهد أربعة على امرأة بالزناء قبلا فادعت إنها بكر فشهد لها أربع نساء بذلك فلا
حد وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم. وقال في المبسوط: لا حد
لاحتمال الشبهة في المشاهدة، والأول أشبه.
أقول: من المعلوم أنه إذا شهد أربعة رجال، أو رجلان وأربع نسوة، على
الزنا فإنه يثبت ذلك ويحد المشهود عليه، هذا من حيث هو وأنه بلا مزاحم
أو منازع.
فلو شهد أربعة شهود عدول على امرأة بزناها قبلا لكن المرأة ادعت إنها
بكر وشهد لها أربع نساء عدول بذلك فهنا لا يحد المرأة فإن شهادة النساء مقبولة
في البكارة وليست مثل باب الزنا الذي لا يكتفى بشهادتهن محضا ومنفردات،
وقد ادعوا على ذلك عدم الخلاف، بل والاجماع.
واستدل على ذلك بأمرين أحدهما الشبهة الدارئة للحد وذلك لتعارض
البينتين فيكون زناءها موردا للشبهة.
465

ثانيهما الأخبار ففي قوى السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي
عليه السلام أنه أتي رجل بامرأة بكر زعمت أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها
فقلن: هي عذراء فقال علي عليه السلام: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله
وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا (1).
ومنها خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا
فقالت: أنا بكر، فنظر إليها النساء فوجدنها بكرا فقال: تقبل شهادة النساء (2).
وأما احتمال عدم التنافي بين ادعائها كونها بكرا وشهادة النساء لها
بذلك وبين شهادة الشهود بالزنا، وذلك لاحتمال عود البكارة مع أنها قد
زنت لترك المبالغة في الافتضاض.
ففيه كما في الجواهر أنه كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى وهم لم
يعتنوا بهذا الاحتمال وإلا كان اللازم اجراء الحد عليها مع قيام الشهود على
زناها.
وأما الشبهة الدارئة فالمراد منها هو ما يعرض مع صرف النظر عن نفس
البينة فإن البينة حجة وإن لم تكن موجبة للقطع فربما يكون الاحتمال المخالف
محققا معها لكن الشارع جعلها حجة وليس هذا الاحتمال موجبا للشبهة بل الشبهة
دائرة مدار أمر خارج وزائد على ذلك وهو هنا حاصل، وكيف كان فالرواية كافية
في ذلك.
ثم إنه يمكن حمل الروايتين على التعبد في خصوص المورد بأن لا يكون
البينة حجة في هذا المقام في قبال قول النساء وشهادتهن بكونها بكرا فكونها بكرا
طريق إلى عدم زناها وكاشف عنه وهذا يفيد أن الشهود قد شهدوا كذبا
وافتراءا ولازم ذلك أن يحدوا حد القذف ولعل نظر من قال بأنهم يحدون، إلى هذا
البيان فترى المحقق والشيخ في النهاية وابن إدريس ذهبوا إلى أنه يحد الشهود
للحكم برد شهادتهم مع تحقق القذف بالزنا. لكن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 25 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 44.
466

فإن احتمال التخصيص بعيد في النظر جدا.
ويمكن أن يقال بأن بينة الزنا حجة لم تخرج عن عموم حجية البينة
بالتخصيص إلا أنها معارضة ببينة المرأة على كونها بكرا فلا يؤثر بينة الزنا في
الحد لا للتخصيص بل للمعارضة فالبينتان تتعارضان وتتساقطان ولم يثبت
موجب حد المرأة بل يبقى الشبهة من الطرفين فالمرأة لا تحد لعدم الحجة على
زناءها، وكذا الشهود لعدم حجة على الافتراء.
وبتقرير آخر لا بد للحاكم الشرعي المجري للحد أن لا يقدم على اجراء
الحد إلا أن يحصل له العلم بموجبه أو يثبت ذلك شرعا بدليل معتبر وفي المقام
لم يحصل أي واحد منهما وذلك لأن المفروض هو عدم العلم، والبينة قد سقطت
بالتعارض كما أن موجب حد القذف أيضا لم يثبت حتى يجري حده والحاصل
أن موجب الحد في المرأة هو الزنا وفي الرامي والشهداء، الفرية وكل منهما غير
معلوم ولا ثابت بالحجة الشرعية لتعارض البينتين وتساقطهما فيبقى كل من
الأمرين مشكوكا ومشتبها، والحدود تدرء بالشبهات، والفرية هو الكذب، وكذب
الشهود غير معلوم، ولا حجة عليها للتعارض.
ويمكن أن يقال إن الآية الكريمة: الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة.. تدل بالمفهوم على أن من رمى وأتى
بأربعة مقبولي الشهادة فلا يجلد، ولا يشترط في سقوط الحد عدم المعارض فإنه لم
تقيد الأربعة شهداء بكونهم غير معارضة بل يكفي في سقوط حد الرمي مجرد
الاتيان بأربعة شهداء والمفروض في المقام الاتيان بأربعة شهداء كما أنه لا حد
على المرأة لعدم قيام الحجة على زناها بعد قيام المعارض.
فروع في المقام
ثم إن هنا فروعا تعرض لها صاحب الجواهر رحمه الله.
الأول قال: وكذا يسقط الحد عن الزاني الذي شهدوا على زناه بها
قبلا أو أطلقوا للشبهة انتهى.
467

أقول: صورة المسألة هي صورة أصل المسألة المبحوث عنها آنفا إلا أن
الكلام هناك كان بالنسبة إلى المرأة وهنا بالنسبة إلى الرجل، فإذا شهد أربعة
بزنا رجل خاص بامرأة لكن شهدت أربعة نسوة إنها بكر عقيب دعويها ذلك
فإنه لا يحد الزاني وذلك لعين ما سبق وهو حصول الشبهة، ولا فرق بين أن
يكونوا قد شهدوا بزناه بها قبلا أو أطلقوا في ذلك ولم يتعرضوا لهذه الجهة أصلا
كما لا يحد الشهود أيضا.
الثاني: ولو ثبت جب الرجل المشهود على زناه في زمان لا يمكن حدوث
الجب بعده درئ الحد عنه وعن التي شهد إنه زنى بها وحد الشهود للفرية
بتحقق كذبهم.
وفي هذا الفرع يدرء الحد عن المشهود عليه بالزنا مطلقا دون الشهود
أما عدم حد المشهود عليه فلأن الجب الذي يمتنع عادة حصوله في هذه المدة موجبة
للشبهة فلذا لا حد للزنا، وأما حد الشهود فلظهور كذبهم وافترائهم فيما شهدوا
به.
الثالث: وكذا يسقط الحد عنها لو شهدن النساء بأنها رتقاء ولكن
قيل: حد الشهود لعدم امكان حدوث الرتق عادة.
أقول: إذا كانت رتقاء بحيث كان هناك مانع عن دخول الحشفة
فشهادة الشهود بالزنا افتراء فلذا لا تحد المرأة، وأما الشهود فقد قيل بأنهم يحدون
وذلك لأنه لا يمكن حدوث الرتق بحسب العادة فشهادتهم كذب وافتراء.
وأورد عليه في الجواهر بأن غايته التعارض بين الشهادتين يعني أن غاية
الأمر حصول التعارض بين شهادة الشهود بالزنا وشهادة النساء بكونها رتقاء
فيتساقطان.
قال: ومثله القول في الجب.
ويرد عليه بالفرق بين المسألة المبحوث عنها ومسألة الجب وذلك لأنه
يحصل العلم نوعا بكونه مجبوبا حتى للحاكم ويسهل الأمر هنا خصوصا لو قلنا
بأن حرمة النظر تختص بالعورة دون محلها لمن لم يكن له شئ، في حين أن
468

الأمر في الرتقاء ليس كذلك وعلى هذا فيحصل العلم للحاكم بالجب نوعا
دون الرتق فليسا من واد واحد حتى يتساويا في الحكم.
ثم قال رحمه الله: نعم إن حصل العلم به أو بالرتق بالمعاينة أو شهادة
عدد التواتر وكان المشهود به الزناء قبلا اتجه حينئذ حدهم للفرية.
أقول: فالضابط الكلي هو أنه لو شهدت الشهود بما ثبت للحاكم أنه
افتراء عليه وجب عليهم الحد، ولو شهدوا بما لم يعلم ذلك منها واحتمل الصدق
والكذب سقط الحد عنهم للشبهة، وما ذكره من مصاديق هذا الضابط الكلي
الجامع.
لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد
المسألة الثانية قال المحقق: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد بل
يقام وإن ماتوا أو غابوا لا فرارا، لثبوت السبب الموجب.
أقول: هنا مسائل: منها أنه هل يجب حضور الشهود عند إقامة الحد أم لا؟
ومنها أنه لو لم يحضروا هل يسقط الحد بذلك أم لا؟ ومنها أنه لو حضروا
ولكنهم أبوا عن ضرب المحكوم بالحد بشهادتهم فما يصنع هناك؟ إلى غير
ذلك مما يساعد ويناسب المقام.
والظاهر أنه لا دليل لوجوب حضورهم في مجلس الحد وذلك لأن ما هو
متعلق بهم هو الشهادة وقد أقدموا عليها.
نعم مقتضى ما دل من الروايات على بدء الشهود بالحد إذا ثبت بها
هو وجوب ذلك وإن كان الظاهر أنه لا وجوب للحضور نفسيا بل الأصل عدمه
وإنما الذي يمكن أن يقال قطعا هو أنه إذا حضروا في موقف الحد وجب عليهم
الابتداء بذلك وإلا فلا فإنه لا يستفاد من وجوب بدئهم به وجوب حضورهم
أيضا لذلك بل المتيقن هو الوجوب التقديري لا الشرطي بحيث لولاه لا يجب الحد
وإن كان الظاهر من أدلة الاجزاء والأوصاف هو دخلها في نفس العمل فهي
ظاهرة في الاشتراط، والخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل، ولكن الظاهر في
469

المقام أنه ليس كذلك، ولعل الدليل هو الاجماع على عدم الاشتراط وعدم
كون استيفاء الحد مشروطا بحضورهم ولا أقل من الشهرة المحققة.
وممن يظهر منه ذلك هو الشيخ قدس سره فإنه قال في الخلاف في
كتاب الحدود المسألة 15: إذا حضر الإمام والشهود موضع الرجم فإن كان
الحد ثبت بالاقرار وجب على الإمام البدئة به ثم يتبعه الناس وإن كان ثبت
بالبينة بدأ أولا الشهود ثم الإمام ثم الناس الخ.
ترى أنه أوجب الابتداء إذا كانوا قد حضروا لا مطلقا.
ومثله كلامه في المبسوط حيث قال: وليس من شرط استيفائه (يعني
الحد) حضور شاهد الإمام ولا الإمام (1).
كما أن المحقق أيضا لم يذكر الشرطية عند البحث عن البدأة، وإنما
اقتصر على ذكر وجوب بدأ الشهود برجمه وهنا صرح بعدم اشتراط الحضور.
وكيف كان فقد خالف أبو حنيفة وذهب إلى عدم وجوب الحد لو غاب
الشهود أو ماتوا.
قال الشيخ في الخلاف (المسألة 30): إذا تكاملت شهود الزنا أربعة
شهدوا به ثم ماتوا أو غابوا جاز للحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد على
المشهود عليه وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: متى غابوا أو ماتوا لم يجز
للحاكم أن يحكم بشهادتهم الخ.
ولكن مقتضى ما ذكرناه هو عدم اعتبار حضورهم في اجراء الحد بل
يحكم الحاكم به ويقام عليهما وإن غابوا أو ماتوا ولا يعطل الحد بذلك وإن
كان ذلك من باب الميسور بأن كان الواجب هو حضورهم والاقدام على اجراء
الحد وحيث تعذر مقدار من ذلك فالباقي بحاله ولا يسقط الميسور بالمعسور، وقد
مر أن وجوب الابتداء غير ملازم للشرطية بل قال صاحب الجواهر: ولا دليل على

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 4 أقول لكنه رحمه الله قال بعد ذلك: وروى أصحابنا أنه يبدأ الشهود
بالرجم إن ثبت بالبينة ثم الإمام ثم الناس وإن ثبت باعترافه بدأ برجمه الإمام ثم الناس وهذا يدل
على أن من شرطه حضور الإمام والشهود وبه قال جماعة انتهى.
470

وجوب التأخير إلى حضورهم إذا توقع إذ لا نظرة في الحدود.
ثم إن ذلك كله فيما إذا لم يكن غيابهم فرارا وإلا سقط الحد للشبهة
الطارئة وذلك لأن مقتضى صدقهم في شهادتهم هو حضورهم والاقدام على
اجراء الحد لا الفرار عن اجرائه فإن ذلك مما يوهم إن الشاهد غير معتقد
بما قد شهد به وإنه كاذب في قوله وإلا لما كان يفر بل كان هو الأولى
بالحضور.
نعم يشكل فيما إذا علم أن فراره لم يكن لهذه الجهة بل لجهة أخرى كما
إذا كان ضعفه وعدم تحمله في تلك المواقف حمله على أن يترك هذا الموقف.
وكيف كان فيدل على أصل المطلب رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل جاء به رجلان وقالا: إن
هذا سرق درعا فجعل الرجل يناشده لما نظر في البينة وجعل يقول: والله لو كان
رسول الله صلى الله عليه وآله ما قطع يدي أبدا قال: ولم؟ قال: يخبره ربه إني
برئ فيبرئني ببرائتي فلما رأى مناشدته إياه دعا الشاهدين وقال: اتقيا الله ولا
تقطعا يد الرجل ظلما وناشدهما ثم قال: ليقطع أحدكما يده ويمسك الآخر يده
فلما تقدما إلى المصطبة ليقطع يده ضرب الناس حتى اختلطوا فلما اختلطوا أرسلا
الرجل في غمار الناس حتى اختلطا بالناس فجاء الذي شهدا عليه فقال: يا
أمير المؤمنين شهد علي الرجلان ظلما فلما ضرب الناس أرسلاني وفرا ولو كانا
صادقين لم يرسلاني فقال أمير المؤمنين عليه السلام من يدلني على هذين
انكلهما (1).
والرواية وإن كانت واردة في مورد حد السرقة ولكن الظاهر أنه لا
خصوصية له، والملاك متحد فالأمر في حد الزنا أيضا كذلك.
ومما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كانوا حاضرين عند اجراء الحد لكنهم
امتنعوا من الشركة في إقامته، فإن ذلك مما يورث الشبهة ويتردد الانسان في

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 264.
471

أمرهم، فيقال إنه لو كانوا صادقين في شهادتهم فلماذا امتنعوا عن مشاركة الناس
في اجراء الحد بل الشبهة هنا أقوى من الفرع السابق وهو ما إذا حضروا
واختاروا الفرار، وعلم أيضا حال ما إذا لم يكن غائبا مسافرا لكنه أبى عن
الحضور في موضع الحد من رأس.
وعلى الجملة فمجرد عدم حضور الشهود لا يوجب سقوط الحد وذلك
لأن حضورهم وإن كان واجبا فهو مقدمي وليس شرطا في الحد حتى ينتفي
الحد بانتفاءه فإن ضربهم واجب نفسي وليس هو شرطا فإذا انتفى الحضور
لا ينتفي الحد بذلك وإن كانوا قد ارتكبوا الإثم بعدم حضورهم أو عدم
ضربهم مع حضورهم.
ولو كان حاضرا ولا يشاركهم في إقامة الحد إلا أنه كان بحسب حاله
مثلا معذورا فإن الآخرين يأتون الواجب، وعدم المشاركة في الرمي مع الحضور لا
يلازم الشبهة كما أن عدم حضورهم أصلا لا يلازمها، فإذا لم يكن موجبا لها فإنه
يجري الحد الواجب وقد عصى الشاهد، في عدم الحضور أو عدم المشاركة
لو لم يكن معذورا وإلا فلا معصية أيضا.
نعم قد يقترن عدم الحضور أو عدم الضرب أو الفرار من الموقف موجبا
لحصول احتمال الكذب زائدا على ما هو طبع القضية الخبرية التي تحتمل
الصدق والكذب فهناك يتوقف الحد (1).
وجوب حضور الشهود موضع الرجم
قال المحقق: قال الشيخ: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم
ولعل الأشبه الوجوب لوجوب بدأتهم بالرجم.
أقول: تحصل من المسألة السابقة عدم اشتراط الحضور، وهذه المسألة

(1) وفي المسالك بعد تقرير اشتراط حضورهم: هذا إذا لم يكن الغيبة فرارا وإلا تربص بالحد
إلى حضورهم لحصول الشبهة حينئذ ولا حد عليهم لأنه ليس برجوع انتهى.
472

متعرضة لوجوب الحضور وعدمه (1) وقد وقع فيه الخلاف فذهب الشيخ
قدس سره إلى عدم الوجوب وخالف فيه المحقق ومال إلى الوجوب واستدل
على ذلك وعلله بأنه يجب بدأة الشهود بالرجم فإذا وجب ذلك وجب حضورهم
أيضا. وما أفاده هو الأصح وذلك لما مر من دلالة النصوص على وجوب بدأ
الشهود إذا كان الموجب قد ثبت بالبينة، وبدأ الإمام إذا كان قد ثبت ذلك
بالاقرار، وحيث إنه موقوف على الحضور فيجب ذلك أيضا.
وأما عدم حضور الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض تلك الموارد مع
لزوم ابتدائه عليه السلام لمكان الاقرار فلعله كان للعذر وإلا فقد نقل حضوره في
كثير من الموارد.
فيما إذا كان الزوج أحد الشهود
قال المحقق: إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان، ووجه الجمع
سقوط الحد إن اختل بعض شروط الشهادة مثل أن يسبق الزوج بالقذف فيحد
الزوج أو يدرأ باللعان فيحد الباقون وثبوت الحد إن لم يسبق بالقذف ولم يختل
بعض الشرائط.
أقول: إن في المسألة أقوالا مختلفة الأول أنه إذا شهد أربعة أحدهم الزوج
ترجم المرأة فلا فرق بين كون كل واحد من الأربعة أجنبيا أو كان أحدهما هو
الزوج، وقد ذهب إليه الأكثر.
الثاني أنه إذا كان أحدهم الزوج فإنه يحد الشهود الثلاثة ويلاعن
الزوج وهو المحكى عن جماعة.

(1) يظهر مما أفاد سيدنا الأستاذ دام ظله العالي إن الفرعين كليهما متعلقين بمورد واحد إلا أن الأول
متعرض لجهة الشرطية والآخر لجهة الوجوب، وهذا لا يخلو عن كلام وذلك لأنه قد عبر في الأول
بالحد وهنا بالرجم، ولذا قال في المسالك: المراد بالحد هنا ما عدا الرجم لما سيأتي من الخلاف
فيه ويمكن أن يريد ما يعمه الخ.
473

الثالث ما عن السرائر والوسيلة والجامع من أنه إذا سبق الزوج بالقذف
فإنه يعتبر الأربعة غيره بخلاف ما إذا شهد هو مع الثلاثة بلا سبق القذف منه
فإنه يكتفى بالأربعة وإن كان أحدهم الزوج وقد استحسنه المحقق في الشرايع.
الرابع ما عن ابن الجنيد من التفصيل بأن الزوجة إن كانت مدخولا
بها ردت الشهادة وحدوا ولاعن الزوج وإلا حدت هي.
الخامس ما عن الصدوق من أنه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة
وإلا حد الثلاثة ولا عنها وذلك بناءا على ما اختاره من أنه لا لعان إلا إذا
نفى الولد.
والأصل في المسألة واختلافهم فيها هو الروايات والاختلاف فيها ففي
رواية إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أربعة شهدوا على
امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال: تجوز شهادتهم (1).
وهذا الرواية صريحة في قبول شهادة الزوج مع الثلاثة على زنا زوجته
ونفوذ تلك الشهادة.
ويؤيد ذلك عدم الفرق بين الزوج وغيره في قبول شهادته للمرأة وعليها.
بل الزوج أولى بالقبول من غيره وذلك لأنه يشهد بما هو ضرر عليه
وفيه هتك لعرضه فتكون نظير الاقرار على نفسه فيندرج فيما دل على ثبوت الزنا
بشهادة الأربع.
كما وأنه يؤيده أيضا ما يستشعر من الآية الكريمة قال الله تعالى:
ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم الخ (2) فإنها مشعرة بأن نفسه أيضا شاهد لو
حصل معه تمام العدد فإن الظاهر أن الاستثناء متصل لا منفصل.
لكن في قبال الرواية المذكورة رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في
أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال: يلاعن الزوج ويجلد
الآخرون (3).

(1) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من أبواب اللعان الحديث 1.
(2) سورة النور الآية 6.
(3) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من اللعان الحديث 2.
474

وقد يؤيد ذلك بقوله تعالى: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء (1) وذلك
لأنه لا يقال جاء الانسان بنفسه.
وكيف كان فهذه الرواية صريحة في عدم قبول شهادة الشهود بل يجلد
الثلاثة ويدرأ الزوج الحد عن نفسه بالملاعنة وأين هذه من رواية إبراهيم؟
نعم قال في الجواهر: إنها ضعيفة جدا ولا جابر (2) ومخالفة للعمومات فهي
قاصرة عن معارضة الأولى من وجوه.
أقول: ومن جملة تلك الوجوه إنها خلاف المشهور: وأما كونها مخالفة
للعمومات فلأن العمومات تدل على قبول شهادة أربعة شهود في باب الزنا، وإن
أمكن الايراد عليه بأن كل خاص يخالف العام.
نعم هنا رواية أخرى صحيحة وهي رواية أبي سيار مسمع عن
أبي عبد الله عليه السلام في أربعة شهدوا على امرأة بفجور، أحدهم زوجها، قال:
يجلدون الثلاثة ويلاعنها زوجها ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا (3).
لكن قد رماها بعض بالضعف أيضا (4) فلو ثبت ذلك وشك في الأمر
فالمرجع هو العمومات.
ويمكن الجمع بين القسمين من الروايات بوجه عرفي من الوجوه
كحمل الثانية على اختلال بعض الشرائط، أو يجمع بينهما بسبق رمي الزوج
وعدمه.
والذي يبدو في النظر هو أنه لا معارضة بينهما بل هما من قبيل العام والخاص
لأن رواية إبراهيم بن نعيم الناطقة بالجواز والاجتزاء شاملة للمدخول بها وغيرها
وهذا بخلاف رواية زرارة ومسمع فإنها تختص بالمدخول بها وهذا وإن لم يصرح
به في الرواية إلا أنه مستفاد من جواب الإمام عليه السلام حيث حكم بأن الزوج

(1) سورة النور الآية 13.
(2) أقول: لأن في سندها إسماعيل بن خراش الذي قيل إنه مجهول.
(3) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من أبواب اللعان الحديث 3.
(4) راجع شرح الإرشاد للأردبيلي.
475

يلاعن، والآخرين يجلدون، فإن اللعان على ما صرح به المحقق بنفسه، متعلق
بالمدخول بها وجار فيها، قال قدس سره في باب اللعان: الأول في السبب وهو
شيئان الأول القذف ولا يترتب اللعان به إلا على رمي الزوجة المحصنة
المدخول بها بالزنا قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة.. السبب الثاني
انكار الولد الخ.
وعلى هذا فيعلم أن السؤال كان عن المدخول بها فلو كانت رواية مسمع
حجة فهي تخصص رواية إبراهيم، والنتيجة أنه تقبل الشهادة المبحوث عنها
أعني ما إذا كان أحد الشهود هو الزوج إذا لم تكن الزوجة مدخولا بها وأما إذا
كانت مدخولا بها فهناك تصل النوبة إلى اللعان، نعم لو كانت رواية مسمع
ضعيفة فلا مخصص هناك لعموم رواية إبراهيم. وتمام الكلام في باب اللعان.
في حكم الحاكم بعلمه
قال المحقق: يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزناء
أما حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيرا.
أقول: هنا أبحاث أحدها وجوب إقامة الحدود في عصر غيبة ولي الأمر
ثانيها أنه بعد وجوبها، على من تجب هي: ثالثها في جواز عمل الحاكم بعلمه
رابعها في التفصيل بين الحقوق.
أما الأول فالظاهر هو الوجوب وذلك لأن إدارة الأمور وحفظ النظام
واجبان لا محيص عنهما وهما موقوفان على اجراء حدود الله وإقامة أمره.
وأما الثاني فهنا احتمالات: وجوبها على كل الناس ممن توجه إليه
التكليف، وعلى المجتهدين الجامعين لشرائط الفتوى، وعلى خصوص السلطان
الذي بيده إدارة الأمور وحفظ النظام لكن الأول غير صحيح وذلك للأدلة
المذكورة في محلها من اللزوم الهرج والمرج وغير ذلك.
وأما الثالث فقد حقق في محله أنه يجوز للحاكم أن يعمل بعلمه وقد
حققناه نحن أيضا في كتاب القضاء.
476

وأما التفصيل الذي ذكره المحقق فليس تفصيلا في عمل الحاكم
بعلمه بل مآل هذا التفصيل إلى أنه يجب على الحاكم أن يعمل بعلمه مطلقا،
غاية الأمر أنه في حقوق الله بغير توقف على شئ وهذا بخلاف حقوق الناس فإنها
موقوفة على مطالبة صاحبها فإذا أذن صاحبها في ذلك فهو يعتمد على علمه
ويحكم بمقتضاه ولا يطالب بالبينة.
ووجه هذا التفصيل هو أن إحقاق الحق وأخذه منوط بمطالبة من له
الحق، ومن له الحق في حقوق الله تعالى هو الحاكم بنفسه لأنه حافظ
حدود الله، ومقيم أمر الله، قد قام مقام الله ومقام خلفائه وأوصيائه، في حين أن
المطالب بحقوق الناس هو بأنفسهم فلا يجوز الاقدام على أخذها بدون إذنهم
ومطالبتهم.
وهنا روايات تدل على عمل الحاكم بعلمه والفرق بين حقوق الله
وحقوق الناس، قال الشيخ المحدث صاحب الوسائل: باب إن الإمام إذا ثبت
عنده حد من حقوق الله وجب أن يقيمه وإذا كان من حقوق الناس لم يجب إقامته
إلا أن يطلبه صاحبه.
عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر على نفسه
عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان أو عبدا أو حرة كانت أو أمة
فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني
المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه الحد
مأة جلدة ثم يرجمه. قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: ومن أقر على نفسه عند
الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان أو عبدا أو حرة كانت أو أمة فعلى
الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني
المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه الحد
مأة جلدة ثم يرجمه قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: ومن أقر على نفسه عند
الإمام بحق من حدود الله في حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد
الذي أقر به عنده حتى يحضر صاحب الحق أو وليه فيطالبه بحقه قال: فقال له
477

بعض أصحابنا يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقر بها عند الإمام مرة واحدة
على نفسه أقيم عليه الحد فيها؟ فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه
فهذا من حقوق الله وإذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا فهذا من حقوق الله قال: وأما
حقوق المسلمين فإذا أقر على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب
الفرية أو وليه وإذا أقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم
صاحبهم (1).
فهذه من جهة الفرق بين الحقوق وأنه يقدم الحاكم بنفسه في حقوق الله
بخلاف حقوق الناس فإنها مفوضة إلى نظر صاحب الحق ومطالبته.
وأما من جهة عمل الحاكم بعلمه فلا دلالة لها عليه إلا من حيث حكمه
عليه السلام بكفاية الاقرار مرة واحدة حتى في مثل الزنا لأنه قد استثنى خصوص
الزنا المحصن فإن الاكتفاء بالاقرار مرة واحدة مخالف لما هو المسلم من الروايات
من اعتبار الأربعة في مثل الزنا فلا بد من حمل هذه الرواية على ما إذا كان الإمام
عالما بنفسه بحيث لم يكن لاقراره أثر في الحكم أو يحمل على حصول العلم باقراره
مرة واحدة، وإن كان يلزم من هذا، الالتزام بكفاية علم الحاكم في الحكم
مطلقا وإن كان ناشيا من اقرار المقر بالزنا بالمرة الأولى وهذا مشكل لأني لم
أعثر على من صرح بالاجتزاء بذلك وعدم الحاجة إلى المرة الثانية والثالثة
والرابعة.
وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقر على نفسه
عند الإمام بحق أحد من حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد
الذي أقر به عنده حتى يحضر صاحبه حق الحد أو وليه ويطلبه بحقه (2)..
وهذه أيضا تدل على أن إقامة حد الناس منوطة بمطالبة صاحبه.
وعن الحسين بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
478

ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه وإذا نظر إلى رجل يسرق أن
يزبره وينهاه ويمضي ويدعه قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله
فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس (1).
وهذه صريحة في المطلوب وهو اكتفاء الإمام بعلمه وإقامة حدود الله
تعالى معتمدا على ذلك.
نعم يشكل الأمر فيها من جهة تصريحها بأن السرقة من حدود الناس
وأن على الإمام إذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويدعه معللا بأن الحق
إذا كان للناس فهو للناس، والحال أن الرواية الأولى صرحت بأنه إذا أقر على
نفسه بالسرقة قطعه وأنه من حقوق الله.
وحيث إن المسلم بحسب الروايات هو أن السرقة وإن كانت من جهة
أخذ المال من حقوق الناس إلا أنها من جهة القطع من حقوق الله سبحانه،
فاللازم رفع اليد عما هو مذكور في رواية ابن خالد، فإن ذلك أمر مفروغ عنه
ولذا يكتفى في جهة ماليته إلى اقرار واحد بخلاف جهة قطعه فإنه يحتاج إلى
اقرارين.
وكيف كان فالحاكم يعمل في حقوق الله بعلمه بلا حاجة إلى شئ آخر،
وفي حقوق الناس بشرط طلبهم والتماسهم ذلك.
في ما إذا ردت شهادة بعض الشهود
قال المحقق: إذا شهد بعض وردت شهادة الباقين قال في الخلاف
والمبسوط إن ردت بأمر ظاهر حد الجميع، وإن ردت بأمر خفي فعلى المردود الحد
دون الباقين وفيه اشكال من حيث تحقق القذف العاري من بينة..
أقول: تارة ترد شهادة الباقين بأمر ظاهر وأخرى بأمر خفي فالأول كما
إذا كان فاسقا متجاهرا لفسقه فحينئذ يحد كل الشهود أما الفاسق فمعلوم وأما
سائر الشهود فلأنهم علموا أن شهادتهم غير نافذة حيث يكون من جملة الأربعة

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
479

من تردد شهادته ومع ذلك أقدموا على إقامة الشهادة عالمين بأنها مردودة لعدم
كونها واجدة لشرائط القبول، وهذا بخلاف الثاني وهو ما إذا كان جهة الرد
أمر خفيا. فهنا لا يحد الشهود لأنهم لا يعلمون بهذا الأمر حيث كان خفيا وإلا
للزم عدم اقدام أحد على الشهادة نعم يحد المردود شهادته بنفسه وذلك لفسقه.
قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنا فردت شهادة
واحد منهم فإن ردت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنه يجب على الأربعة حد
القذف وإن ردت بأمر خفي لا يقف عليه إلا آحادهم فإنه يقام على المردود
الشهادة الحد والثلاثة لا يقام عليهم الحد.. دليلنا أن الأصل براءة الذمة ولا
دليل على أنه يجب على هؤلاء الحد وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامة الشهادة
فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد ويفارق
إذا كان الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم فلهذا حدوا والدليل على أن مع
الرد بأمر ظاهر يجب الحد قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، وهذا ما أتى بأربعة شهداء لأن من كان
ظاهره ما يوجب الرد لا يكون شاهدا (1).
وقال في المبسوط: فإن ردت بأمر ظاهر مثل إن كان مملوكا أو امرأة
أو كافرة أو ظاهر الفسق فإن حكم المردود شهادته قال قوم: يجب عليه الحد وقال
آخرون: لا يجب وكذلك اختلفوا في الثلاثة.. والأقوى عندي أن عليهم
الحد، وإن كان الرد بأمر خفي قبل أن بحث الحاكم فوقف على باطن يرد به
الشهادة فالمردود الشهادة قال قوم: لا حد عليه وهو الأقوى والثلاثة قال قوم: لا
حد عليهم أيضا وهو الأقوى عندي ومنهم من قال: عليهم الحد لأن نقصان
العدالة كنقصان العدد والأول أقوى لأنهم غير مفرطين في إقامتها فإن أحدا لا
يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد، ويفارق هذا إذا كان
الرد بأمر ظاهر، لأن التفريط كان منهم فلهذا حدوا عند من قال بذلك.

(1) الخلاف كتاب الحدود المسألة 33.
480

انتهى (1).
ومقتضى عبارة الخلاف التفصيل بين ما إذا كان الأمر ظاهرا فيحد
الجميع وبين ما إذا كان خفيا فيحد المردود الشهادة دون الباقين، وهذا
بمقتضى القاعدة لأنه مع الأمر الجلي فقد أقدموا على الشهادة غير المقبولة فيحد
الجميع، بخلاف عبارة المبسوط فإنها تفيد أن في العيب الظاهر يحد الجميع
وفي الخفي لا حد على أحد منهم.
وقد اختار العلامة في المختلف مختار الشيخ في الخلاف من أنه إذا
ردت شهادة بعض الأربعة بأمر خفي أقيم الحد على المردود الشهادة دون الثلاثة
الباقية، واستدل لذلك بقوله: لنا إنه مردود الشهادة فيجب عليه الحد كما
لو ردت بأمر ظاهر، ثم نقل عن الشيخ إنه احتج على مذهبه في المبسوط من أن
الأقوى إن مردود الشهادة بأمر خفي لا حد عليه بأنه قد لا يعلم أنه يرد
شهادته بما ردت به فكان كالثلاثة (2).
وأجاب عنه بقوله: والجواب الفرق فإنه يعلم أنه على سبب صفة
ترد به الشهادة لو علم به بخلاف الشهود.
وفيه أن المفروض أنه عالم وقاطع بكون شهادته مقبولة عند الحاكم ولا
يبدو في ذهنه في هذا الحال الذي هو بسبب جهله المركب قاطع أنه ربما
يظهر حاله للحاكم وترد شهادته بسبب ذلك فكان ما ذكره قدس سره خلاف
الفرض.
وأشكل في الشرايع ما حكاه عن الخلاف من التفصيل في مورد الخفي
بين المردود فيحد هو والباقين فلا يحدون وذلك لتحقق القذف العاري عن
البينة.
وأضاف في الجواهر قوله: أو شبهة دارئة للحد انتهى والنتيجة أنه قد

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 9.
(2) أقول: كلما راجعت المبسوط لم أجد هذا الاستدلال في كلامه في المسألة المزبورة من كتاب الحدود
اللهم إلا أن يكون في موضع آخر منه.
481

تحقق القذف وهو موجب للحد على القاذف إلا أن يأتي بأربعة شهداء أو تكون
هناك شبهة تدرء الحد بها ولم يتحقق أي واحد من هذين الذين يكون أحدهما
دارئة للحد بنص القرآن الكريم والآخر بالأخبار الشريفة فلا بد من أن يحد
الجميع.
ثم قال: والتفريط وعدمه لا مدخلية له بعد تناول الأدلة، أي إن وقوع
التفريط من المردود وعدمه من الباقين لا يؤثر شيئا بعد شمول الاطلاق واقتضائه
أن يحد المردود معهم أيضا هذا.
قال بعد ذلك: نعم لو كانوا مستورين ولم تثبت عدالتهم ولا فسقهم فلا
حد عليهم للشبهة، وكأنه رحمه الله صار بصدد إرائة مصداق لما ذكره آنفا بقوله:
أو شبهة دارئة للحد، فهذا مثال لها لأنه بعد أن كانوا مستورين ولا يعلم حالهم
من العدالة والفسق فإنه يحصل الشبهة وهي تقتضي أن لا يحدوا.
ثم تعرض لخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام في أربعة شهدوا على
رجل بالزنا فلم يعدلوا قال: يضربون الحد.
وأجاب بأنه ضعيف محتمل لظهور الفسق.
وكل واحد من كلاميه هنا محل الاشكال أما الأول فلأن العدالة التي
هي شرط في الشهادة هي العدالة المحرزة، والاطلاقات الدالة على اعتبار أربعة
شهود في درء الحد عن القاذف يراد منها أربعة مقبولو الشهادة كما أن الأمر
كذلك في سائر الشروط والأوصاف، فإذا لم يكن الشاهد مقبول الشهادة فإنه
ترد شهادته، وكون الشك في تحقق الشرط كالعدالة شبهة دارئة مشكل في
النظر، وكيف نقول بأنه مع الشك لا تقبل الشهادة ومع ذلك لا يحدون لأجل
الشبهة؟
فمطلق الشبهة بأي نحو كانت لا تكون دارئة للحد وإلا فمن أقام
شهودا فسقة بظاهر حالهم فإنه يتحقق بذلك الشبهة لاحتمال صدقهم أيضا فهل
يدرء بذلك الشبهة الحد؟ وهكذا لو قذف الرامي ولم يأت بشاهد أصلا فإن
مجرد قذفه يوجب الشبهة إلا في مورد يكون الأمر الذي قذفه به مقطوع العدم
482

فهل يمكن أن يقال بدرء الحد بالشبهة فلا يحد القاذف؟ ولو كان الأمر كذلك
فلا مورد لحد القذف إلا في موارد نادرة ويؤل الأمر إلى اختصاص الحد بما إذا
أقيمت الشهادة العادلة فيحد المشهود عليه وأما في غير ذلك فلا حد مطلقا لا
بالنسبة إلى المشهود عليه ولا القاذفين وذلك للشبهة، فاتضح أن اللازم هو احراز
الشرط فيحكم بحسب الشهادة، ولو لم يحرز ذلك فهو بعينه كما إذا علم بعدم تحقق
الشرط ولازم ذلك أن يحد القاذف.
وأما الثاني فنقول: إن الرواية على مقتضى القاعدة فإنه إذا لم يتحقق
التعديل لهم لا بد من أن تطرح شهادتهم ويحدون فلا وجه لرفع اليد عن مقتضاها
والحال هذه.
وقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما قاله بعد ذلك أيضا وهو قوله: فالمتجه في
الفرض حينئذ عدم ثبوت الزنا فيتوقف الحكم إلى أن يظهر حالهم فإما أن
يحدهم أو المشهود عليه وقبل ذلك يدرأ الحد عنه وعنهم انتهى.
فإن مقتضى ما تقدم منا أنهم يحدون حد القذف، هذا مضافا إلى أنه لا
وجه لتوقف الحكم بعد أن لا نظرة في الحد ولا تأخير أصلا فإما أن يكون
الشهود مقبولة فيحكم على المشهود عليه وإلا فيحكم بقذفهم وحدهم.
والتحقيق أنه لا شك في أن الاتيان بأربعة شهود المعتبر بنص الآية
الكريمة الذي به يدفع الحد عن الرامي لا يراد به الاتيان بأربعة كيف ما
كانت بل المعتبر هو الأربعة المقبولة المرضية وهي الأربعة العادلة إلا أن الكلام في
أنه هل المعتبر هو العادل الحقيقي أو العادل بنظره والمقبول في علمه؟ فعلى
الأول فهو لم يأت بما هو المعتبر لأن بعضا من هذه الشهود مردود شهادته في الواقع
وعند الحاكم بخلاف ما لو كان الملاك هو الثاني فإن الشرط موجود وهو
العدالة بنظره وعنده، والظاهر هو الثاني وذلك لأنه لو كان الملاك هو العادل
الواقعي فهذا يتوقف على علمه بالغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.. ويكون كالأمر
بالمحال، فمن أين يوجد أربعة كانوا عدولا في الواقع وثانيا أنه يلزم من ذلك سد
باب الشهادة فلو كان الملاك هو العدالة في الواقع والتي تكون مقبولة عند
483

الحاكم فمن يقدم على الشهادة والحال أنه يحتمل عند نفسه أن لا يقبل الحاكم
شهادته ويردها ويقيم عليه حد المفتري؟
وبتقرير آخر أنه كما قد يكون العادل عادلا في الواقع كذلك قد يكون
عادلا بمقتضى الطريق وبحسب الظاهر فهو بحكم الشرع يحتسب عادلا وإن
لم يكن كذلك في الواقع، والمفروض أن هذا الشاهد يرى نفسه عادلا فهو محكوم
بحسب الظاهر بالعدالة وحيث إنه يعتقد قبول شهادته عند الحاكم فلا شئ عليه
وإن كان علمه هذا جهلا مركبا، ومقتضى ذلك قبول شهادته، ولا فرق في
ذلك بين الشاهد نفسه وبين كون القاذف يرى الشاهد عادلا مرضيا ويعتقد كونه
مقبول الشهادة فلا وجه لاجراء الحد عليه كما أن الآخرين أيضا كذلك لفرض
كون الأمر خفيا هذا مضافا إلى شمول حديث الرفع له ولهم أيضا.
وأما ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام من أنه قال: إني لا أكون أول
الشهود فهذا لأجل أنه لو كان يشهد أولا فربما لا يأتي الآخرون للشهادة وإلا
ففي ما نحن فيه لا وجه لاجراء الحد ظاهرا.
حول رجوع واحد منهم بعد شهادة الأربع
قال المحقق: ولو رجع واحد بعد شهادة الأربع حد الراجع دون غيره.
أقول: ويتصور ذلك بأن يقول الراجع: ما رأيت، بعد أن كان قد شهد
برؤيته أو أنه يقول: ما زنى، بعد أن كان قد شهد بزناه، سواء قال: بأني قد
كذبت أو نسب نفسه إلى الغلط والاشتباه.
وهذا هو مقتضى اقرار العقلاء على أنفسهم جائز فإنه قد أقر على نفسه
فيحد.
ويمكن تقرير الآية الكريمة: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
484

بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة (1). بحيث تنطبق على ذلك وهو أن
المستفاد منها أنه إذا رمى الرامي وكان صادقا بحسب دعواه وأقام أربعة شهود
على ذلك مقبولة بلا رجوع فهو أما لو رماه واتهمه ولم يأت بالدارء سواء كذب
نفسه أو خطأه أو لم يتم له الشهود الأربعة المقبولة فإنه يحد ويجلد للفرية وظاهر
عبارة الشرايع هو الاطلاق وعدم الفرق بين أن يكون رجوعه قبل حكم الحاكم
أو بعده.
لكن في الجواهر أضاف الحكم بالشهادة وعليه فالحكم مختص بما إذا
شهدوا وحكم الحاكم بمقتضى شهادتهم وخص الحكم بحد الراجع دون
غيره بهذه الصورة وسيأتي تمام الكلام في ذلك.
وعلل عدم حد غير الراجع، بصدق الاتيان بالبينة المسقطة.
وفي بعض الكلمات: لتمامية البينة وكونها بينة كاملة.
وفيه أنه لو صدق على هذه أربعة شهداء لزم سقوط الحد حتى عن
الراجع بخلاف ما لو قلنا بعدم صدقها على ذلك أصلا وإن شهادة الأربع
غير متحققة إذا رجع واحد منهم أو أنه وإن صدقت على ذلك لكن الآية منصرفة
عن ذلك فيلزم أن يحد الراجع أو هو والباقون أيضا وذلك لصيرورة الأربعة
ثلاثة وعدم صدق الأربعة مع رجوع واحد منهم فليس مما يدرأ عنه الحد
والظاهر أنه على ذلك لا وجه للتفصيل بين الراجع وغيره لأنه لو صدقت على
هذه أربعة شهود، بأن تكون مطلقة شاملة لما إذا رجع واحد منهم وما إذا ثبتوا
جميعا على شهادتهم ولم يكن هناك انصراف فلا فرق بين الراجع وغيره كما أنه
لو شك في صدقها أو قيل بالانصراف فهناك أيضا لا وجه للتفصيل بل لا بد من
الحكم بحدهم مطلقا.
ولذا ترى العلامة أعلى الله مقامه حكم بلزوم الحد عليهم جميعا.
قال في القواعد: ولو رجعوا عن الشهادة أو واحد منهم قبل الحكم
فعليهم أجمع الحد ولا يختص الراجع بالحد ولا العفو انتهى وفي كشف اللثام

(1) سورة النور الآية 4.
485

في مقام التعليل لذلك: أما مع رجوع الكل فظاهر وأما إذا رجع البعض فلأن
رجوعه قبل الحكم بمنزلة عدم شهادته فلم يكمل شهادة الأربعة أما بعد الحكم
فيختص الراجع بالحد أخذا باقراره ولا يتعدى إلى الباقين (1).
أقول: ولكن الظاهر أنه لا فرق من جهة عدم تحقق الشهادة بين ما إذا
كان قبل الحكم أو بعده كما أطلق في الشرايع ولذا قال في الجواهر بل مقتضى
اطلاق المصنف وغيره من الأصحاب أنه كذلك أيضا قبل الحكم بها للاطلاق
المزبور، فقد أقر رحمه الله بأن عبارة المحقق بل وغيره من الأصحاب مطلقة.
وما ذكره بعد ذلك بقوله: لكن قد يشكل بأن الرجوع قبل الحكم
بمنزلة عدم الشهادة انتهى لا يساعد ما ذكره آنفا من صدق الاتيان بالبينة
المسقطة. فإنه لو صدق ذلك فلا فرق بين ما إذا كان قبل الحكم أو بعده ولو لم
يصدق أيضا كذلك كما لا فرق بين الراجع وغيره فإذا كان هذا الرجوع يجعل
الشهادة كالعدم فهذا جار في القبل والبعد ولو كان الشارع قد اكتفى بصورة
الشهادة فهو أيضا جار في المقامين، والظاهر أنه يشكل شمول اطلاق الآية للمقام
أي ما إذا رجع واحد من الشهود بعد أن أدى الشهادة وإلا فلو كانت صورة
الشهادة أيضا مؤثرة فلكان اللازم أن يحد المشهود عليه أيضا. وعلى هذا فيلزم أن
يحد كل واحد منهم حد القذف.
ثم إنه رحمه الله بعد أن استشكل في مورد يكون ذلك قبل الحكم وذكر
جزم كاشف اللثام بذلك أي عدم الحاقه بما إذا كان بعد الحكم وحكم هنا
بحد الجميع قال: قلت قد يقال إن مقتضى الآية وغيرها السقوط أيضا خصوصا
علي بناء الحد على التخفيف.
ومقتضى كلامه هنا عدم حد الشهود مطلقا لا الراجع ولا غيره. لكن
قد مر منا الاشكال في شمول الشبهة لمثل هذه الأمور.
وفي المسالك في باب الشهادات: ولو كانوا قد شهدوا بالزنا ورجعوا
واعترفوا بالتعمد حدوا للقذف ولو قالوا غلطنا ففي حد القذف وجهان:

(1) قد تقدم قسم من هذه الأبحاث في أوائل الكتاب
486

أحدهما المنع لأن الغالط معذور وأظهرهما الوجوب لما فيه من التعيير وكان من
حقهم التثبت والاحتياط وعلى هذا ترد شهادتهم. ثم قال: ولو قلنا لا حد
فلا رد.
وكأنه رحمه الله ادعى الملازمة بين عدم الحد وعدم الرد يعني لو قلنا
بأنهم لا يحدون فاللازم قبول شهادتهم والحكم بها.
وفي الجواهر (1): ولو كان المشهود به الزناء واعترفوا بالتعمد حدوا
للقذف ولو قالوا غلطنا فعن المبسوط والجواهر يحدان أيضا وفي المسالك
وجهان الخ.
وقد ذكر مؤيدا لما اختاره المسالك من رد شهادتهم مرسل ابن محبوب
عن الصادق عليه السلام فراجع (2).
وعلى الجملة فالمختار عندنا هو أنهم يحدون حد الافتراء حتى فيما إذا ادعى
الراجع الغلط والخطأ فإن المصحح للحد موجود وهو أنه لم يتثبت في شهادته
واطلاق حد من رمى المحصنات ولم يأت بأربعة شهداء، شامل للمقام فيقام
الحد.
ولا يرد ما قد يقال من أنه كيف يحد باقي الشهود والحال أنه لا
تقصير من ناحيتهم حيث إنهم قد أدوا الشهادة عالمين بتحقق الأربعة فإذا رجع
واحد منهم فلا تعلق له بغيره من الشهود فكيف يحد؟
وذلك لأن الحكمة الكامنة الملحوظة في المقام وهي كون الأمر مستورا
لا يقدم الناس على كشفه واظهاره أوجبت ذلك وبلحاظ هذه الحكمة الغالبة
بجوز حد الباقين مع عدم تقصير منهم في رجوع الراجع عن شهادته (3).

(1) كتاب الشهادات الصفحة 221.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من الشهادات الحديث 1.
(3) قد مضى ما فيه فراجع.
487

في حكم من وجد مع زوجته رجلا يزني بها
قال المحقق: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما ولا إثم
وفي الظاهر عليه القود إلا أن يأتي على دعواه بينة أو صدقه الولي.
أقول: لا اشكال في أنه لا يجوز على من اطلع على الزانين استيفاء الحد
منهما إذا لم يكن أهلا لإقامة ذلك فإن أمره موكول إلى نظر الحاكم. نعم قد
استثنى من ذلك موارد منها مسئلتنا هذه وهي ما إذا اطلع الزوج ورأي من
يزني مع زوجته فإنه يجوز له أن يقتلهما مع احراز الموازين كالعلم بأنه لا اكراه
من ناحية الزاني بالنسبة إليها أو بالعكس، ولا إثم عليه في ذلك لترخيص
الشارع فيه. نعم لو انجر الأمر إلى اعتراض أولياء الدم ومطالبتهم له دم المقتول فلا بد
له من اثبات ذلك عند الحاكم وإلا فيقاد منه سواء كانا محصنين أم غير
محصنين سواء كان الزوجان حرين أم عبدين أم بالتفريق وسواء كان الزوج قد
دخل بها أم لا وسواء كان النكاح دائما أم متعة كل ذلك للرخصة الواردة عن
الشرع، هكذا قالوا.
والدليل على ذلك هو الأخبار العامة الشاملة بعنوانها العام للمقام
والأخبار الخاصة.
ففي خبر عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل
أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا قال: ليس عليها شئ
فيما بينها وبين الله عز وجل وإن قدمت إلى إمام عادل أهدر دمه (1).
تقريب الاستدلال أنها تدل على جواز المدافعة عن العرض وجواز قتل من
تعرض لذلك كما يجوز المدافعة عن المال ومن جملة موارد الدفاع عن العرض هو
المقام إلى ما إذا رأى أحدا يزني مع زوجته.

(1) وسائل الشيعة الجلد 19 كتاب القصاص الباب 23 الحديث 1.
488

نعم يرد عليه إنها واردة فيمن أراد، فيجوز هناك المدافعة كي لا يقع
الحرام، وأين هذا مما نحن بصدده من جواز القتل بعد أن وقع الأمر وتحققت
المعصية، مضافا إلى عدم التعرض فيها لحال المرأة وجواز قتلها أيضا.
وعن أبي مخلد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت عند داود بن علي
فأتي برجل قد قتل رجلا فقال له داود بن علي ما تقول: قتلت هذا الرجل؟
قال: نعم أنا قتلته فقال له داود: ولم قتلته؟ فقال: إنه كان يدخل منزلي بغير
إذني فاستعديت عليه الولاة الذين كانوا قبلك فأمروني إن هو دخل بغير إذن أن
اقتله فقتلته، فالتفت إلي داود بن علي فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا؟
فقلت: أرى أنه أقر بقتل رجل مسلم فاقتله فأمر به فقتل، ثم قال أبو عبد الله
عليه السلام: إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان فيهم سعد بن
عبادة فقالوا: يا سعد ما تقول لو ذهبت إلى منزلك فوجدت فيه رجلا على بطن
امرأتك ما كنت صانعا به؟ فقال سعد: كنت والله أضرب رقبته بالسيف قال
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهم في هذا الكلام فقال: يا سعد من هذا
الذي قلت: أضرب عنقه بالسيف؟ فأخبره الذي قالوا وما قال سعد فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد فأين الشهود الأربعة الذين قال الله
عز وجل؟ فقال سعد: يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أنه قد فعل؟! فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إي والله يا سعد بعد رأي عينك وعلم الله أن الله قد
جعل لكل شئ حدا وجعل على من تعدى حدود الله حدا، وجعل ما دون الشهود
الأربعة مستورا على المسلمين (1).
ولكن ليست لهذا الخبر دلالة واضحة على المراد بل لعل الظاهر منه إن
قتله موقوف على وجود أربعة شهود إن مقتله بدون ذلك فقد تعدى حدود الله
تعالى وبعبارة أخرى إن قتله لهذا الرجل بلا وجود أربعة شهود يحتسب من باب
التعدي عن حدود الله تعالى لأنه كان مشروطا بوجود الشهود.
نعم يمكن أن يقال إن هذا الشرط معتبر بلحاظ الظاهر والتحفظ على

(1) وسائل الشيعة الجلد 19 الباب 69 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
489

نفسه لأنه إذا بلغ الأمر إلى الحاكم واحتيج إلى اثبات إن القتل كان لأجل أنه
رآه يزني مع زوجته فإنه يحتاج في اثبات ذلك إلى أربعة شهود ولا فيحكم بقتله
لاقراره بنفسه بأنه قد قتله فلولا هذه الجهة لم يكن عليه بأس في قتله فيما بينه
وبين الله تعالى وعلى الجملة فلو كان له أربعة شهود فلا يتعرض عليه في اقدامه
بنفسه على القتل ومباشرته في ذلك وعدم ارجاع الأمر إلى الحاكم.
وعن عبد الله بن القاسم الجعفري عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام
قال: قال سعد بن عبادة أرأيت يا رسول الله إن رأيت مع أهلي رجلا فأقتله؟ قال:
يا سعد فأين الشهود الأربعة (1).
وهذه أيضا كالسابقة.
وعن سعيد بن المسيب إن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري إن ابن
أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله فاسأل لي عليا عن هذا قال أبو موسى
فلقيت عليا عليه السلام فسألته إلى أن قال: فقال: أنا أبو الحسن إن جاء
بأربعة يشهدون على ما شهدوا لا دفع برمته (2).
ولهذا الخبر دلالة في الجملة على جواز القتل وعدم إثم عليه في ذلك
إلا أن دفع القتل عنه موقوف بأربعة شهود.
نعم يشكل الأمر بالنسبة إلى قوله: وجد رجلا مع امرأته، فإن مجرد ذلك
لا يسوغ القتل.
اللهم إلا أن يكون ذلك كناية عن الزنا كما يشهد على ذلك اعتبار
أربعة شهود على ما هو صريح كلام الإمام عليه السلام في الجواب وإن لم يكن في
السؤال ذكر عن الزنا فيمكن أن يكون الإمام عليه السلام قد كان علم بنفسه أو من
القرائن إن السؤال كان عن الزنا وأجاب على ما حسب ما علمه أي بالنسبة إلى
الزنا.

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 45 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة الجلد 19 الباب 69 من أبواب القصاص الحديث 2، وفي التهذيب الجلد 10
الصفحة 214 والفقيه الجلد 4 الصفحة 172 وفيه: وإلا دفع إليه برمته.
490

ومع ذلك فليس في هذه الروايات ذكر عن قتل الزوجة، والذي اشتمل
على كلتا الجهتين هو مرسل الشهيد قدس سره في الدروس حيث قال: روي أن
من رأى زوجته تزني فله قتلهما (1).
وعلى هذا فلا بأس بأصل القتل فيما بينه وبين الله ويكون شهادة الأربع
لاثبات الاستناد عند الحاكم فإذا قيل له لماذا قتلت وأجاب بأنه رآه يزني مع
زوجته وشهد الشهود بذلك يثبت مدعاه وإلا فإنه يقتل قودا.
وهل اللازم شهادتهم على أصل الزنا أو على أن الزوج رآه يزني مع
زوجته بحيث لو علموا بأصل الزنا لكنهم لم يروا أن الزوج رأى ذلك لما جازت
لهم الشهادة ولما درءت القتل عن الزوج؟ لعل الظاهر كفاية الشهادة على أصل
الزنا وإن لم يتعرضوا لرؤيته.
وقد أبدع الشهيد الثاني قدس سره طريقا آخر لخلاص الزوج عن القتل
وإن لم يكن له أربعة شهود وهو الانكار مع التورية قال في المسالك: إذا اطلع
الانسان على الزانيين ولم يكن من أهل الحدود فمقتضى الأصل عدم جواز
استيفائه منهما بنفسه لكن وردت الرخصة في جواز قتل الزوجة والزاني بها إذا
علم الزوج بها سواء كان الفعل يوجب الرجم أو الجلد كما لو كان الزاني بها غير
محصن أو كانا غير محصنين وسواء كان الزوجان حرين أو عبدين أم بالتفريق
وسواء كان الزوج قد دخل أم لا وسواء كان دائما أم متعة عملا بالعموم، ثم
قال رحمة الله عليه: وهذه الرخصة منوطة بنفس الأمر أما في الظاهر فإن ادعى
ذلك عليها لم يقبل وحد للقذف بدون البينة ولو قتلهما أو أحدهما قيد بالمقتول إن
لم يقم بينة على ما يبيح القتل ولم يصدقه الولي وإنما وسيلته مع الفعل باطنا
الانكار ظاهرا ويحلف إن ادعى عليه ويورى بما يخرجه عن الكذب إن أحسن
لأنه محق في نفس الأمر مؤاخذ في ظاهر الحال وقد روى داود بن فرقد في
الصحيح، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أصحاب النبي قالوا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 45 من حد الزنا الحديث 2. ولكن. عبارة الدروس الموجودة
عندي الصفحة 165: روى أنه لو وجد رجلا يزني بامرأته فله قتلهما.
491

لسعد بن عبادة.. الخ.
وكيف كان فإذا جاز القتل فيما بينه وبين الله فيكون المورد من باب
التخصيص للأدلة الدالة على لزوم الارجاع إلى الحاكم وكون الأمر في اجراء
الحدود موكولا إليه فيجوز له في خصوص المقام الاقدام على القتل بدون ذلك
لكن إذا أحرز عدم اكراه في البين كما قد يظهر ذلك من القرائن فإذا رأى الزوجة
تأبى عن ذلك وتدافع عن نفسها وتصيح عليه فإن يعلم أن الزاني قد أكرهها
على الزنا فهنا لا يجوز له قتل الزوجة.
قال في المسالك: واعلم أن مقتضى قوله: إلا أن يأتي ببينة أو يصدقه
الولي أنه لو أتى ببينة على الزنا فلا قود عليه وهو يشمل أيضا ما لو كان الزنا
يوجب القتل أو الجلد وحده ويشكل الحكم في الثاني بعدم ثبوت مقتضى
القتل، والرخصة منوطة بحكمه في نفس الأمر لا في الظاهر إلا أن يقال إنه أباحت
له قتلهما مطلقا وإنما يتوقف جريان هذا الحكم ظاهرا على ثبوت أصل الفعل
ويختص تفصيل الحد بالرجم والجلد وغيرهما بالإمام دون الزوج وهذا أمر
يتوقف على تحقيق النص في ذلك، والرخصة مقصورة على وجدان الزوج ذلك
بالمشاهدة، وأما البينة فسماعها من وظيفة الحاكم الخ.
أقول: إن هنا اشكالا آخر وهو أنه على ما ذكروه يلزم من اجراء هذا
الحكم بدون الشهود أن يجعل الانسان نفسه في معرض القتل والاتلاف وذلك
لأنه ربما يؤاخذ على ما فعله وأوجب ذلك أن يحكم الحاكم بقتله فكيف يحكم
بجواز ذلك؟
ويمكن أن يقال: بل لا بد من أن يقال بأنه تعبد من الشارع فيجوز له
شرعا عند المدافعة والانكار على الحرام أن يقدم على ذلك وإن أفضى ذلك
إلى قتله فإنه قد جعل نفسه فداء لدين الله. هذا مضافا إلى أن من أعظم العناوين
الحسنة التي يبتغيها الرجال وإباء الضيم هو الدفاع عن العرض، والقتل فيه
أشرف أنواع القتل.
ولكن قد مر أن الشهيد الثاني تخلص عن الاشكال بانكاره القتل والتورية
492

فيه.
ثم إنه لما كان أصل هذا الحكم خلاف القاعدة حيث إن أمر القتل بيد
الحاكم وموكول إلى نظره فلذا يقتصر في ذلك على المتيقن وهو ما إذا رأى
الزوج بعينه لا أنه سمع أو علم بطريق آخر كما أنه لا يجوز لغير الزوج ذلك عندما رأى
أحدا يزني بزوجة الغير كما أنه يقتصر على قتله عندما رأى لا بعد ذلك.
نعم من جهة الاحصان وعدم الاحصان وإن كان المتيقن هو الأول إلا
أن الظاهر هو عدم الفرق بينهما وذلك لاطلاق المرسلة والروايات الأخرى وأما
ضعف المرسلة فمنجبر بالشهرة.
وقد علم مما تقدم إن الروايات الأخرى غير المرسلة تدل على جواز قتل
الزاني من حيث الدفاع عن العرض وأما بالنسبة إلى الزوجة فهي ساكتة والذي
يدل على كلا الحكمين هو مرسلة الشهيد.
" حكم من افتض بكرا بإصبعه "
قال المحقق: التاسعة: من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها
ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها وقيل يلزمه الأرش والأول مروي.
أقول: إذا افتض بكرا فإما أن يكون هو الأجنبي وإما أن يكون هو
الزوج أما الأول فإما أن يكون المرأة حرة أو أمة.
فإذا كان الأجنبي افتض الحرة بإصبعه فعليه مهر نسائها.
ومستند ذلك عدة روايات فمنها صحيحة عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام في امرأة افتضت جارية بيدها قال: قال: عليها مهرها
وتجلد ثمانين (1).
ومنها صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا في امرأة افتضت
جارية بيدها قال: عليها المهر، وتضرب الحد (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من حد الزنا، الحديث 4 و 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من حد الزنا، الحديث 4 و 2.
493

وقال الصدوق: وفي خبر آخر: تضرب ثمانين (1).
وعن ابن محبوب عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين
عليه السلام قضى بذلك وتجلد ثمانين (2).
فإن مفاد هذه الأخبار إن افتضاض الحرة يوجب تدارك النقص
الحاصل لها بافتضاضها باعطاء صداقها وهو مهر نسائها فعلى من أتى بذلك
دفعه إليها.
كما أنه يستفاد منها إن افتضاض الحرة يوجب التعزير نعم قد اختلفت
كلمات الأصحاب في ذلك فقال بعض يجلد من ثلاثين إلى ثمانين كما حكي
ذلك عن المفيد والديلمي وقال بعض كالشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين
وعن ابن إدريس من ثلاثين إلى تسعة وتسعين، ما هو الأصلح بنظر الحاكم،
بعد ما حملوا الثمانين الذكور في هذه الأخبار على واحد من أفراد التعزير؟ لعدم قائل
به أصلا أو يطرح كما في الجواهر وقد اختار كون أمره بيد الحاكم وتفويضه
إلى رأيه كما عن الأكثر.
وأما إذا افتض الأجنبي الأمة ففيه قولان، أحدهما أن عليه عشر قيمتها،
والثاني أن عليه الأرش، ورواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي
عليه السلام تدل على الأول وإليك نصها: قال: إذا اغتصب أمة فافتضها فعليه
عشر قيمتها وإن كانت حرة فعليه الصداق (3).
وأما لو كان المفتض بالإصبع هو الزوج ففي الجواهر: فعل حراما، قال
بعضهم (4): وعزر واستقر المسمى فتأمل انتهى.
أقول: فيه إن حرمة ذلك مع رضاء الزوجة غير معلوم خصوصا إذا كان
الزوج ضعيفا وأقدما على ذلك لتمكن الدخول، وأما استقرار المهر بالدخول فلا

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 3، أقول: وهذه الأخبار
وإن كانت مطلقة إلا أنها تحمل على الحرة للتصريح بذلك في رواية طلحة الآتية عن قريب.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 3، أقول: وهذه الأخبار
وإن كانت مطلقة إلا أنها تحمل على الحرة للتصريح بذلك في رواية طلحة الآتية عن قريب.
(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حدود الزنا الحديث 5.
(4) راجع كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 226.
494

يلازم استقراره بإزالة البكارة بغيره. اللهم إلا أن يكون له دليل خاص.
فيمن تزوج أمة على حرة
قال المحقق: التاسعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن
كان عليه ثمن حد الزاني.
أقول: واستدل على ذلك بخبر حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها؟ قال: يفرق بينهما قلت: عليه
أدب؟ قال: نعم اثنا عشر سوطا ونصف، ثمن حد الزاني وهو صاغر (1).
أقول: وليس فيها ذكر عن الوطي في حين إن ظاهر عبارة الشرايع إن
الحد للوطي بعد التزويج، وفي الجواهر: لا أجد فيه خلافا بل عن بعض
الاجماع عليه، وفي كشف اللثام: وذكر الوطي المصنف والمحقق بناء على
صحة التزوج وإباحته والتوقف على الإذن ابتداءا أو استدامة انتهى واختاره في
الجواهر.
فإن كان العقد صحيحا وكان معلقا على الإذن فلازم ذلك عدم
التفريق مع عدم الإذن السابق واللاحق فإذا أذن يكشف عن عدم حرمة الوطي
وعدم بطلان العقد ولو رد يكشف عن البطلان ولزوم الحد عليه.
والظاهر أن الحد محصوص بالوطي قبل الرد حيث إنه فعل ما هو مردد
بين الحلال والحرام.
ثم إنه لا اشكال في عدم جواز نكاح الأمة على الحرة بلا إذن من الحرة
سابقا أو لاحقا كما أنه لا اشكال في بطلانه كذلك.
ففي رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن عليه السلام: هل
للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال: نعم إذا رضيت
الحرة قلت: فإن أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال: نعم (2).

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب المتعة الحديث 1.
495

وبذلك يقيد ما دل على عدم جوازه وبطلانه مطلقا مثل ما رواه يعقوب بن
يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة
متعة؟ قال: لا (1).
وما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تزوج الحرة على
الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل (2).
وفي الرياض ادعى الاجماع على ذلك أي بطلانه مع عدم إذن الحرة
فقال بعد قول النافع: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها: باجماعنا
حكاه جماعة من أصحابنا كالمبسوط والسرائر والغنية والروضة وغيرهم والأخبار
به مستفيضة.. ولا فرق فيه بين الدائم والمنقطع الخ (3).
واختار المحقق القمي رضوان الله عليه في جامع شتاته اعتبار خصوص
الإذن السابق.
ولكن الظاهر كفاية الإذن مطلقا وإن كان بعد وقوع التزويج.
وفي الجواهر بعد قول المحقق: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة
إلا بإذنها بلا خلاف أجده في المستثنى والمستثنى منه إلا ما عساه يظهر مما
حكاه الشيخ عن قوم من أصحابنا من عدم الجواز وإن أذنت وهو مع أنه غير
معروف القائل واضح الضعف بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (4)..
وعلى الجملة فالنكاح كان من أول الأمر صحيحا إلا أن ترد الحرة
ذلك وعلى هذا فثمن الحد كان على الوطي قبل أن تأذن الحرة، أما بعد الرد فالحد الكامل.
وأما اثنا عشر سوطا ونصفا فالمراد بالنصف أن يؤخذ بوسط السوط
ويضرب به كما أوضح ذلك خبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في
رجل تزوج ذمية على مسلمة قال: يفرق بينهما ويضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب المتعة الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(3) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 99 كتاب النكاح.
(4) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 409.
496

سوطا ونصفا فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما، قلت: كيف
يضرب النصف؟ قال: يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به (1).
وقيل في كيفية التنصيف أنه يضرب ضربا بين الضربين وقد حكاه في
المسالك.
وفيه أنه لا شاهد عليه بل لا وجه له بعد ورود النص بخلاف ذلك.
من زنى في زمان أو مكان شريف
قال المحقق: من زنى في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب زيادة
على الحد لانتهاكه الحرمة وكذا لو كان في مكان شريف أو زمان شريف.
أقول: مستند ذلك مضافا إلى عدم الخلاف فيه، مرسل أبي مريم قال:
أتي أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان
فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعا من الغد فضربه عشرين فقال له: يا أمير المؤمنين
هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر وهذه العشرون ما هي؟ قال: هذا
لتجرئك على شرب الخمر في شهر رمضان (2).
والرواية وإن كانت متعلقة بشرب الخمر في رمضان إلا أن التعليل يفيد
عدم الاختصاص بشرب الخمر كما أن من المعلوم بحسب الاعتبار أنه لا خصوصية
لشهر رمضان بل الحكم شامل لسائر الأزمنة المباركة بل ولا خصوصية للزمان،
فالحكم شامل للمكان المحترم أيضا.
والانصاف أن استفادة التعميم لكل زمان شريف أو مكان كذلك
من التعليل الوارد في الرواية المتقدمة مشكلة جدا فإن قوله عليه السلام: (هذه
لجرأتك في شهر رمضان) ظاهر في أن حرمة شهر رمضان أوجبت هذه الزيادة،
ولو كان الأمر كما فهمه الأصحاب للزم الحكم بذلك في كل شهر له مزيد

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
497

شرف عند الله كشهري رجب وشعبان بل وكل زمان شريف وساعة لها فضل،
كبين الطلوعين مثلا، فلو شرب الخمر في هذه الساعة وجب أن يجلد ويزاد في
حده لهتكه الساعة الشريفة، وللزم أن يزاد في حده إذا كان في ليلة القدر من
شهر رمضان التي هي خير من ألف شهر مضافا إلى الزيادة التي كانت لشهر
رمضان وهكذا لزم الزيادة إذا أتى بموجب الحد في المسجد أو على قرب من
قبور أبناء الأئمة أو لدى مضاجع العلماء والأولياء الصالحين، بل وفي مثل أرض
قم المشرفة التي شهدت بفضلها العظيم الأخبار الواردة عن خزان الوحي، فهل
يمكن القول بأن من شرب الخمر بأرض قم المقدسة يزاد في حده؟ ومجرد أن
الأصحاب فهموا التعميم وشهد له الاعتبار على ما أفاده صاحب الجواهر
غير كاف في ذلك وكأنهم قالوا بذلك من باب أصل التجري وإن لهذا
المجرم جرأة على العصيان.
وكيف كان فالجزم بذلك مشكل جدا والمقدار المسلم هو خصوص شهر
رمضان وما له حرمة كحرمته مثل الكعبة ومسجد النبي وحرم الأئمة
الطاهرين. وإني لا أظن أن الأصحاب يقولون بالتعميم إلى كل زمان أو مكان له
نوع شرف وفضل.
وعلى أي حال فكلما شككنا في أنه يوجب الزيادة في الحد أم لا
فمقتضى قاعدة الدرء هو العدم.
تم بحمد الله والمنة ونحن نقول: " الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين. ".
العبد: علي الكريمي الجهرمي.
498