الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٥
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
كتاب الدين
كتاب الرهن
كتاب الحجر
كتاب الضمان
كتاب حوالة
كتاب الكفالة كتاب الصلح
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - الدار الاسلامية
1

سلسلة الينابيع الفقهية
كتاب الدين
كتاب الرهن
كتاب الحجر
كتاب الضمان
كتاب حوالة
كتاب الكفالة كتاب الصلح
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
كتاب الدين
2

فقه الرضا
باب الدين والقرض
واعلم أنه من استدان دينا ونوى قضاءه فهو في أمان الله حتى يقضيه فإن لم ينو قضاءه
فهو سارق فاتق الله وأد إلى من له عليك وارفق بمن لك عليه حتى تأخذه من في عفاف
وكفاف، فإن كان غريمك معسرا وكان أنفق ما أخذ منك في طاعة الله فأنظره إلى ميسرة
وهي أن يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه أو يجد الرجل طولا فيقضي دينه، وإن كان أنفق ما
أخذه منك في معصية الله فطالبه بحقك فليس هو من أهل هذه الآية، وإن كان لك على
رجل مال وضمنه رجل عند موته وقبلت ضمانه فالميت قد برئ منه وقد لزم الضامن رده
عليك.
وإذا مات رجل وله دين على رجل فإن أخذه وارثه منه فهو له وإن لم يعطه فهو للميت
في الآخرة، وزكاة الدين على من استقرض، ولو كان على رجل دين ولم يكن له مال وكان
لابنه مال يجوز أن يأخذ من مال ابنه فيقضي به دينه، وإذا كان لك على رجل مال فلا زكاة
عليك فيه حتى يقضيه ويحول عليه الحول في يدك إلا أن تأخذ عليه منفعة في التجارة فإن
كان كذلك فعليك زكاته، وإذا مات رجل وعليه دين ولم يكن له إلا قدر ما يكفن يه كفن به
فإن تفضل عليه رجل بكفن كفن به ويقضى بما ترك دينه وإذا مات رجل وعليه دين ولم
يخلف شيئا فكفنه رجل من زكاة ماله فهو جائز له، فإن اتجر عليه رجل آخر بكفن كفن من
الزكاة وجعل الذي اتجر لورثته يصلحون به حالهم لأن هذا ليس بتركة الميت إنما هو شئ
صار إليهم بعد موته، وبالله الاعتصام.
3

باب الدين
قال والدي علي بن الحسين رحمه الله في وصيته إلى: اعلم يا بني إنه من استدان
دينا ونوى قضاءه فهو في أمان الله حتى يقضيه. وإن لم ينو قضاءه فهو سارق. واتق الله يا بني
وأد إلى من له عليك حق وارفق بمن لك عليه حق حتى تأخذه منه في عفاف. وإذا مات الرجل
وله دين على رجل، فإن أخذه وارثه منه فهو له. وإن لم يعطه فهو للميت في الآخرة وزكاة
الدين على من استقرض. وإذا كان للرجل على رجل مال فضمنه رجل عند موته وقبل
الذي له الحق، ضمانه فقد برئ الميت منه. ولزم الضامن رده عليه. فإن مات رجل ولك عليه
دين، فإن جعلته في حل منه كان لك بكل درهم عشرة. وإن لم تحله كان لك بكل
درهم درهم. وإن كان على الرجل دين ولم يكن له مال وكان لابنه مال، فلا بأس أن يأخذ من مال
ابنه فيقضي دينه. وإن كان لك على رجل مال وكان معسرا وأنفق ما أخذه منه في طاعة الله
فنظرة إلى ميسرة. وهو أن يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه دينه. أو يجد الرجل طولا فيقضي
دينه. وإن كان أنفق ما أخذه منك في معصية الله فطالبه بحقك، فليس هو من أهل هذه
الآية التي قال الله عز وجل: فنظرة إلى ميسرة.
وقال رسول الله ص: إياكم والدين. فإنه شين للدين. وهو هم بالليل
وذل بالنهار.
واعلم أن من كان عليه دين فنوى قضاءه. كان معه ملكان حافظان من الله عز
وجل يعينان على أدائه. فإن قصرت نيته قصر من المعونة بقدر ما قصر من نيته.
4

وإذا كان لك على رجل مال فلا زكاة عليك حتى تقبضه ويحول عليه الحول في يدك
إلا أن تأخذ منفعته في التجارة. فإن كان كذلك فعليك زكاته.
5

الهداية بالخير
باب الدين
من استدان دينا ونوى قضاءه، فهو في أمان الله عز وجل حتى يقضيه. فإن لم
ينو قضاءه، فهو سارق. وقال الصادق ع: إن الله عز وجل يحب انتظار
المعسر، فمن كان غريمه معسرا فعليه أن ينتظر إلى ميسرة، إن كان أنفق ما أخذه في
طاعة الله. وإن كان أنفق ذلك في معصية الله تعالى، فليس عليه أن ينظره إلى ميسرة.
قال: وليس هو من أهل هذه الآية التي قال الله تعالى: فنظرة إلى ميسرة.
6

المقنع
مختصر كتاب دين وحق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجوازه أمره طائعا غير مكره
لا يولي على مثله: إن لفلان بن فلان علي وقبلي وفي ذمتي وخالص مالي كذا وكذا دينارا عينا
مثاقيل وازنة جيادا - قاسانية إن كانت - كذلك أو مطيعية أو سابولاية أو غير ذلك مما هو
معروف منسوب في التعامل - بحق واجب عرفه فلان بن فلان لفلان بن فلان وأقر بوجوبه
له واستحقاقه إياه، ولا براءة لفلان بن فلان من هذه الدنانير المسماة في هذا الكتاب حتى
يستوفيها فلان بن فلان منه تامة وافية، وهي كذا وكذا دينارا عينا مثاقيل جيادا وازنة
فلانية أو يأتي ببراءة توجب خلاصه من دركها.
شهد الشهود المسمون في هذه الكتاب على إقرار فلان بن فلان لفلان بن فلان
بجميع ما فيه بعد أن قرئ عليهما بمحضر من الشهود المسمين فيه فأقرا بفهمه ومعرفته
جميعه وأشهدا على أنفسهما بجميع ما فيه في صحة منهما وجواز أمر، وذلك في شهر كذا من
سنة كذا. فصل: وإن كان الحق منجما ذكرت نجومه معينة مفصلة يذكر أولها وآخرها وكل نجم منها
على حياله.
7

فصل آخر:
وإن كان الكتاب بذكر حق مقبوض كتب فيه: وأقر فلان بن فلان أنه قبض وتسلم
من فلان بن فلان أو من ملكه كذا وكذا دينارا أو درهما أو كيت وكيت وصارت في يده،
ووجب لفلان بن فلان في ذمته وعليه أن يؤديه إليه أي وقت طالبه من ليل أو نهار وفي وقت
كذا وكذا، لا يحتج في دفعه بحجة ولا يعتل له بعلة ولا يبرأ منه إلا أداؤه إليه أو إلى من يقوم
مقامه في قبضه أو بما يخلصه من الدرك فيه بحق واجب في حكم الاسلام.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان بذلك وبقبول
فلان بن فلان منه هذا الإقرار له على الشرح المذكور، وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
مختصر كتاب براءة:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجوازه أمره طائعا غير مكره
لا يولي على مثله لفلان بن فلان: إنه كان لي عليك كذا وكذا دينارا محلها سلخ شهر كذا من
سنة كذا في كتاب باسمك من ثمن كذا أو من جهة كذا - ويذكر جهة الحق ومحله وفي
الكتاب شهادة فلان وفلان ويسمى الشهود فيه - وإنك دفعت إلي جميع هذه الدنانير أو
الدراهم أو السلعة المسماة في هذا الكتاب وفي الكتاب الموصوف أمره وافيا وتبرأت إلي منه
وقبضته منك تاما وافيا وأبرأتك منه وهو كذا وكذا، ولم يبق لي عليك ولا قبلك ولا عندك
شئ من هذه الدنانير أو الدراهم - أو كذا وكذا المسماة في الكتاب وفي الكتاب الموصوف
أمره - ولا دعوى ولا طلبة إلا وقد برأت إلي منه كله واستوفيته منك، فليس لي عليك
ولا قبلك ولا عندك في ذلك حق ولا قليل ولا كثير وقد دفعت إليك الكتاب الذي كان لي
عليك الموصوف أمره في هذا الكتاب وقبضته مني، فمن طالبك بشئ مما فيه فهو في ذلك
مبطل لا حق له فيه وأنت برئ من جميع ذلك على الوجوه كلها والأسباب.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان
بجميع ما تضمنه بعد أن قرئ عليهما فأقرا بفهمه ومعرفته، وأشهدا على أنفسهما به في
8

صحة منهما وجواز أمر طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلهما، وذلك في شهر كذا من سنة
كذا.
فصل:
وإن فقد الكتاب الذي ثبت فيه الحق كتب موضع " دفعت إليك الكتاب ": وقد فقد
الكتاب الذي كان لي عليك فيه الحق الموصوف في هذا الكتاب فمتى طالبتك بشئ مما فيه
أو طالبك عني مطالب بذلك فهو في مطالبته به - حضر الكتاب أو غاب - مبطل لا حق له
فيه، وينسق الكلام إلى آخره إن شاء الله.
فصل:
وإن لم يكن الحق قد ثبت في كتاب لم يذكر في البراءة صك ولا كتاب وجرد من ذكر
ذلك إن شاء الله.
9

المسائل الناصريات
المسألة الحادية والمائتان
لا يصير الدين للرجل حالا بموت من عليه الدين.
هذه المسألة لا أعرف لأصحابنا إلى الآن فيها نصا معينا فأحكيه، وفقهاء الأمصار
كلهم يذهبون إلى أن الدين المؤجل يصير حالا بموت من عليه الدين ويقوى في نفسي
ما ذهب إليه الفقهاء ويمكن أن يستدل على صحته بقوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها
أو دين. فعلق تعالى قسمة الميراث بقضاء الدين وإنجازه فلو تأخر بقضاء الدين إلى حين
حلول الأجل المضروب للدين تأخر قسمة الميراث وفي ذلك إضرار بالورثة، وأيضا فإن
الدين لو لم يصر حالا بموت من عليه الدين لوجب أن ينتقل الحق من ذمة الورثة والحق إذا
ثبت في ذمة شخص، لم ينتقل إلى ذمة غيره إلا برضى من ثبت له، فإن قيل ما ذكرتموه يوجب
أن خيار الشرط لا يورث وعندكم أنه يورث.
قلنا خيار الشرط إذا أثبتناه للوارث لم يقض إلى انتقال الحق من ذمة إلى ذمة أخرى
للتشاغل به.
10

الكافي
فصل في القرض والدين وأحكامهما
القرض أو تأخير الحق (كذا) سبب لإباحة التصرف في ملك الغير، وكل منهما في حق
المالك إحسان وفي حق الغير مكروه مع الغنى عنه، محرم مع فقد القدرة على قضائه وعدم
الضرورة إليه، وأخذ الزكاة مع الحاجة إليه أولى منه، فإن لم يجدها المحتاج فالقرض أفضل
من الطلب بالكف، وليقتصر على ما يحفظ الحياة ولينو أداءه في أول أحوال التمكن منه،
ويقتصد في الانفاق مما يكتسبه على البلغة ويعزل ما فضل لمدينه.
ويكره للمدين المطالبة بالدين مع الغنى عنه وظن حاجة الغريم إلى التوسع به،
ولا يحل له ذلك مع العلم أو الظن بعجز الغريم عن أدائه، ويلزم النظرة إلى حين التمكن
منه، وله الاحتساب به من الزكاة إذا كان الغريم من أهلها، وإن كان مخالفا أو منفقا ما
استدانه في حرام فله حبسه.
وإذا ألح المدين على غريمه بالمطالبة وأحضره مجلس الحكم فخاف من الإقرار الحبس
فله الانكار واليمين عليه والتورية فيها بما تخرج به عن الكذب، بشرط العزم على قضائه متى
تمكن وإعلامه بذلك قبل اليمين وبعدها، وعليه متى تمكن الخروج إليه مما أحلف عليه.
ويكره للمدين النزول على غريمه وقبول هديته لأجل الدين، ويحرم ذلك عليه مشترطا
في حال الإدانة، والنزول عليه أكثر من ثلاث على كل حال، ولا يجوز بيع المسكن والغلام و
ستر العورة ودابة الجهاد في الدين، ويباع ما عدا ذلك.
ولا تحل مطالبة الغريم في الحرم ومسجد النبي ص ومشاهد الأئمة
11

صلوات الله عليهم، ويلزم الزوج قضاء ما استدانته الزوجة وأم الولد وغيرهما ممن يجب
عليه نفقته في غيبته بالمعروف.
ويجوز القرض بشرط أن يزوجه أو يخطب له أو يعامله في بيع أو إجارة أو أن يعطيه
عوض الغلة صحاحا وعوض المصوع من الذهب عينا ومن الفضة ورقا، وعوض نقد
مخصوص من خالص الذهب والفضة من الغش من نقد غيره، ويلزم ذلك مع الشرط ومع
عدمه ليس له إلا مثل ما أقرض إلا أن يتبرع أحدهما.
ويكره للمدين أن يستحلف الغريم المنكر لأن في ذلك تضييعا للحق وتعريضا لليمين
الكاذبة، وإذا حلف الغريم فتمكن المدين من مقدار حقه لم يحل له أخذه مجاهرة، فإن أذن
له أو جاء مبتدئا بحقه حل له أخذه، وإن أنكره فلم يستحلفه جاز له إذا ظفر بشئ من
ماله أن يأخذ منه بمقدار حقه إلا أن تكون وديعة فلا يحل اقتصاص الحق منها إلا بإذن
الغريم.
وإذا استدان العبد بإذن سيده فعليه القضاء عنه، فإن عتق فالدين في ذمته إلا أن تكون
الاستدانة للسيد فيلزمه القضاء دون العبد، وإن استدان بغير إذن السيد فلا ضمان عليه ولا
على العبد إلا أن يعتق فيلزمه الخروج إلى مدينه مما عليه.
ومن مات وله وصية وعليه دين بدئ بالكفن ثم الدين وباقي الصداق منه، ثم
الوصية ثم الميراث، فإن لم يترك ما يوفى بالدين تحاص الغرماء، فإن وجد بعضهم عين
سلعته قائمة فهي له دون الغرماء وهذه حال المفلس، وإن لم يخلف إلا ما يكفن به فلا شئ
للغرماء، ويجوز قضاء دينه من مال الزكاة وهو أفضل من إعطائها للحي إذا كان المتوفى
من أهلها، واحتساب المدين ذلك من زكاة ماله أفضل من استيفائه دينه من زكاة غيره على
غريمه المتوفى والحي.
ولا يثبت الدين في تركة المتوفى إلا بإقرار جميع الورثة أو بينة المدعي مع يمينه، فإن أقر
بعض الورثة لزمه الأداء بمقدار سهمه من الإرث، ولا تحل الدعوى على الورثة ولا تسمع إلا
أن يعلم علمهم بالدين أو يدعي ذلك، وإذا شهد نفسان من الورثة بدين وكانا عدلين
لا يرتاب في شهادتهما حكم بالدين في التركة مع يمين المدعي، وإن كانا بخلاف ذلك
12

أو أحدهما فهما مقران يلزمهما من الدين بحساب سهمهما من الإرث.
وإذا قتل الغارم عمدا أو خطأ قضي دينه من الدية وورث ما فضل عنه، وإذا لم يخلف
المقتول عمدا ما يقضي دينه لم يجز لأوليائه القود حتى يتكلفوا بما عليه منه، وإذا مات حل ماله
من دين مؤجل عليه، وتكره الإدانة بغير رهن ولا بينة، والأولى الجمع بينهما فمن لم يفعل لم
يؤجر على ضياع ماله.
والكفالة والحوالة تسقطان حق المطالبة بالدين وتقتضيان براءة ذمة الغريم منه،
وعجز الغارم عن الأداء يسقط حق المطالبة ويوجب التأخير إلى حين اليسر، وينوب فعل
الوكيل في المطالبة مناب موكله.
ونحن نذكر أحكام الرهن والوكالة والحوالة والكفالة والتفليس لتعلق ذلك بأحكام
الديون.
13

النهاية كتاب الديون والكفالات والحوالات
والوكالات
باب كراهية الدين وكراهية النزول على الغريم:
يكره للإنسان الدين إلا عند الضرورة الداعية إليه، فأما مع الاختيار فلا ينبغي أن
يستدين فإن فعل فلا يفعل إلا إذا كان له ما يرجع إليه، فيقضي به دينه، فإن لم يكن له
ما يرجع إليه وكان له ولي يعلم أنه إن مات قضى عنه قام ذلك مقام ما يملك، فإذا خلا من
الوجهين فلا يتعرض له على حال وعند الضرورة أيضا لا يستدين إلا مقدار حاجته إليه من
نفقته ونفقة عياله، وقد روي: جواز الاستدانة إذا صرف ذلك في الحج ونفقته، وذلك محمول
على أنه إذا كان له ما يرجع إليه فأما إذا لم يكن له ذلك فلم يكن الحج واجبا عليه، فكيف
يجوز أن يجب عليه أن يستدين ويقضي ما لم يجب عليه؟
ومن اضطر إلى دين ولا يملك شيئا يرجع إليه وكان ممن يجد الصدقة فالأفضل له أن يقبل
الصدقة ولا يتعرض للدين لأن الصدقة حق جعلها الله له في الأموال، ومن كان عليه دين
لا ينوي قضاءه كان بمنزلة السارق، وإذا كان عازما على قضائه ساعيا في ذلك كان له بذلك
أجر كبير وثواب جزيل، ويعينه الله تعالى على ذلك، ومن كان له على غيره دين كره له
النزول عليه فإن نزل فلا يكون ذلك أكثر من ثلاثة أيام، ومتى أهدي له المدين شيئا لم يكن
قد جرت به عادته وإنما فعله لمكان الدين استحب له أن يحتسبه من الدين وليس ذلك
بواجب، وإذا رأى صاحب الدين في الحرم لم يجز له مطالبته فيه ولا ملازمته بل ينبغي له أن
يتركه حتى يخرج من الحرم ثم يطالبه كيف شاء، ومن كان عليه دين وجب عليه السعي في
14

قضائه وترك الإسراف في النفقة، وينبغي أن يتقنع بالقصد ولا يجب عليه أن يضيق على
نفسه بل يكون بين ذلك قواما.
باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت:
كل من عليه دين وجب عليه قضاؤه حسب ما يجب عليه، فإن كان حالا وجب عليه
قضاؤه عند المطالبة في الحال وإن كان مؤجلا وجب قضاؤه عند حلول الأجل مع المطالبة،
ومن وجب عليه الدين لا يجوز له مطله ودفعه مع قدرته على قضائه فإن مطل ودفع كان على
الحاكم حبسه وإلزامه الخروج مما وجب عليه، فإن حبسه ثم ظهر له بعد ذلك إعساره وجب
عليه تخليته وإن لم يكن معسرا غير أنه يدفع به جاز للحاكم أن يبيع عليه متاعه وعقاره
ويقضي عنه ما وجب عليه، وإن كان من وجب علي ويجوز له أن يبيع عليه شيئا من أملاكه
غير أنه لا يسلمه إلى خصمه إلا بعد كفلاء، فإن حضر ولم يكن له بينة تبطل بينة صاحب
لدين برئت ذمته وذمة الكفلاء، وإن كانت له بينة تبطل بينته رد الكفلاء عليه المال. و
متى كان المدين معسرا لم يجز لصاحب الدين مطالبته والإلحاح عليه بل ينبغي أن
يرفق به وينظره إلى أن يوسع الله عليه أو يبلغ خبره الإمام فيقضي دينه عنه من سهم
الغارمين، إذا كان قد استدانه وأنفقه في طاعة وإن كان لا يعلم في ما ذا أنفقه أو علم أنه
أنفقه في معصية لم يجب عليه القضاء عنه بل إذا وسع الله عليه قضى عن نفسه، ولا يجوز أن
نباع دار الانسان التي يسكنها ولا خادمه الذي يخدمه في الدين إذا كان مقدار ما فيها كفايته،
فإن كانت دار غلة ألزم بيعها. وكذلك إن كانت كبيرة واسعة وله في دونها كفاية ألزم بيعها
والاقتصار على الأدون منها ويستحب لصاحب الدين ألا يلزمه ذلك ويصبر عليه، ومتى
ألح صاحب الدين على المدين وأراد حبسه وخاف المدين إن أقر به من الحبس فيضر ذلك
به وبعياله جاز له أن ينكر ويحلف بالله ما له قبله شئ، وينطوي على أنه إذا تمكن من قضائه
قضاه ولا شئ عليه فإذا تمكن من قضائه قضاه، ومتى كان للإنسان على غيره دين فحلفه
على ذلك لم يجز له مطالبته بعد ذلك بشئ منه، فإن جاء الحالف تائبا ورد عليه ماله جاز
أخذه. فإن أعطاه مع رأس المال ربحا أخذ رأس ماله ونصف الربح وإن لم يحلفه غير أنه لم
15

يتمكن من أخذه منه ووقع له عنده مال جاز له أن يأخذ حقه منه من غير زيادة عليه، وإن
كان ما وقع عنده على سبيل الوديعة لم يجز له ذلك ولا يخون فيها.
ومن وجب عليه دين وغاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي
قضاءه ويعزل ماله من ملكه، فإن حضرته الوفاة أوصى به إلى من يثق به فإن مات من له
الدين سلمه إلى ورثته، فإن لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه فإن لم يظفر به تصدق به عنه
وليس عليه شئ، وإذا استدانت المرأة على زوجها وهو غائب عنها فأنفقته بالمعروف وجب
عليه القضاء عنها فإن كان زائدا على المعروف لم يكن عليه قضاؤه، ومن له على غيره مال لم
يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد أن يقبضه ثم يدفعه إليه إن شاء للمضاربة.
ومن شاهد مدينا له قد باع ما لا يحل تملكه للمسلمين من خمر أو خنزير وغير ذلك وأخذ
ثمنه جاز له أن يأخذ منه فيكون حلالا له ويكون ذنب ذلك على من باع، وإذا كان
شريكان لهما مال على الناس فتقاسما واحتال كل واحد منهما شيئا منه ثم قبض أحدهما ولم
يقبض الآخر كان الذي قبضه أحدهما بينهما على ما يقتضيه أصل شركتهما وما يبقى على
الناس أيضا مثل ذلك، ومن كان له دين على غيره فأعطاه شيئا بعد شئ من غير الجنس
الذي له عليه ثم تغيرت الأسعار كان له بسعر يوم أعطاه تلك السلعة لا بسعر وقت محاسبته
إياه.
باب قضاء الدين عن الميت: يجب أن يقضي الدين عن الميت من أصل تركته وهو أول ما يبدأ به بعد الكفن ثم تليه
الوصية، فإن أقيم بينة على ميت بمال وكانت عادلة وجب معها على من أقامها اليمين بالله
أن له ذلك المال حقا ولم يكن الميت قد خرج إليه من ذلك ولا من شئ منه، فإذا حلف كان
له ما أقام عليه البينة وحلف عليه وإن امتنع عنه لم يكن له عليه شئ وبطلت بينته ولم يلزم
الورثة اليمين، فإن ادعى عليهم العلم بذلك لزمهم أن يحلفوا أنهم لا يعلمون له حقا على
ميتهم، ومتى لم يخلف الميت شيئا لم يلزم الورثة قضاء الدين عنه بحال، فإن تبرع منهم
انسان بالقضاء عنه كان له بذلك الأجر والثواب ويجوز أن يكون ذلك القضاء مما يحتسب به
16

من مال الزكاة، ومتى أقر بعض الورثة بالدين لزم في حصته بمقدار ما يصيبه من أصل
التركة، فإن شهد نفسان منهم وكانا عدلين مرضيين أجيزت شهادتهما على باقي الورثة وإن
لم يكونا كذلك ألزما في حصتهما بمقدار ما يصيبهما حسب ما قدمناه ولا يلزمهما الدين على
الكمال.
ومن مات وعليه دين يستحب لبعض إخوانه أن يقضي عنه وإن قضاه من سهم
الغارمين من الصدقات كان ذلك جائزا حسب ما قدمناه، وإذا لم يخلف الميت إلا مقدار
ما يكفن به سقط عنه الدين وكفن بما خلف فإن تبرع انسان بتكفينه، كان ما خلفه للديان
دون الورثة، وإن قيل انسان وعليه دين وجب أن يقضي ما عليه من ديته سواء كان قتله
عمدا أو خطأ، فإن كان ما عليه يحيط بديته وكان قد قتل عمدا لم يكن لأوليائه القود إلا بعد
أن يضمنوا الدين عن صاحبهم فإن لم يفعلوا ذلك لم يكن لهم القود على حال وجاز لهم العفو
بمقدار ما يصيبهم، وإذا تبرع انسان بضمان الدين عن الميت في حال حياته أو بعد وفاته
برئت ذمة الميت سواء قضى ذلك المال الضامن أو لم يقض إذا كان صاحب الدين قد رضي
به، فإن لم يكن قد رضي به كان في ذمة الميت على ما كان.
ومن مات وعليه دين مؤجل حل أجل ما عليه ولزم ورثته الخروج مما كان عليه، وكذلك
إن كان له دين مؤجل حل أجل ماله وجاز للورثة المطالبة به في الحال، ومتى مات وعليه دين
لجماعة من الناس تحاصوا ما وجد من تركته بمقدار ديونهم ولم يفضل بعضهم على بعض،
فإن وجد واحد منهم متاعه بعينه عنده وكان للميت مال يقضى ديون الباقين عنه رد عليه ولم
يحاصه باقي الغرماء، وإن لم يتخلف غير ذلك المتاع كان صاحبه وباقي الغرماء فيه سواء
وكذلك لو كان حيا والتوى على غرمائه رد عليه ماله ولم يحاصه باقي الغرماء، وإذا مات من
له الدين فصالح المدين ورثته على شئ مما كان عليه كان ذلك جائزا وتبرأ بذلك ذمته إذا
أعلمهم مقدار ما عليه من المال ورضوا بمقدار ما صالحوه عليه، ومتى لم يعلمهم مقدار ما عليه
أو لم يرضوا به لم يكن ذلك الصلح جائزا.
17

باب بيع الديون والأرزاق:
لا بأس أن يبيع الانسان ماله على غيره من الديون نقدا ويكره أن يبيع الانسان ذلك
نسيئة، ولا يجوز بيعه بدين آخر مثله فإن وفى الذي عليه الدين المشتري وإلا رجع على من
اشتراه منه بالدرك، ومن باع الدين بأقل مما له على المدين لم يلزم المدين أكثر مما وزن
المشتري من المال، ولا يجوز بيع الأرزاق من السلطان لأن ذلك غير مضمون.
باب المملوك يقع عليه الدين:
المملوك إذا لم يكن مأذونا له في التجارة فكل ما يقع عليه من الدين لم يلزم مولاه شئ
من ذلك ولا يستسعي أيضا فيه بل كان ضائعا، وإن كان مأذونا له في التجارة ولم يكن
مأذونا له في الاستدانة فما يحصل عليه من الدين استسعى فيه ولم يلزم مولاه من ذلك
شئ وإن كان مأذونا له في الاستدانة لزم مولاه ما عليه من الدين إن استبقاه مملوكا أو أراد
بيعه، فإن أعتقه لم يلزمه شئ مما عليه وكان المال في ذمة العبد، فإن مات المولى وعليه دين
كان غرماء العبد وغرماؤه سواء يتحاصون ما يحصل من جهته من المال على ما يقتضيه
أصول أموالهم من غير تفضيل بعض منهم على بعض.
باب القرض وأحكامه:
القرض فيه فضل كبير وثواب جزيل وقد روي: أنه أفضل من الصدقة بمثله في
الثواب، وإذا استقرض الانسان شيئا كان عليه زكاته إن تركه بحاله وإن أداره في تجارة
كان عليه مثل ما لو كان المال له ملكا، وتسقط زكاته عن القارض إلا أن يشترط المستقرض
عليه أن يزكيه عنه فحينئذ تجب الزكاة على القارض دون المستقرض، وإذا أقرض الانسان
مالا فرد عليه أجود منه من غير شرط كان ذلك جائزا وإن أقرض وزنا فرد عليه عددا
أو أقرض عددا فرد عليه وزنا من غير شرط زاد أو نقص بطيبة نفس منهما لم يكن به بأس،
وإن أقرض شيئا على أن يعامله المستقرض في التجارات جاز ذلك وإن أعطاه الغلة وأخذ
منه الصحاح شرط ذلك أو لم يشرط لم يكن به بأس وكذلك إن أقرض حنطة فرد عليه شعير
18

أو أقرض شعيرا فرد عليه حنطة أو أقرض جلة من تمر فرد عليه جلتان كل ذلك من غير
شرط لم يكن به بأس.
وإن أقرض شيئا وارتهن على ذلك وسوغ له صاحب الرهن الانتفاع به جاز له ذلك
سواء كان ذلك متاعا أو آنية أو مملوكا أو جارية أو أي شئ كان لم يكن به بأس إلا الجارية
خاصة فإنه لا يجوز له استباحة وطئها بإباحته إياها لمكان القرض، وإذا أهدى له هدايا
فلا بأس بقبولها إذا لم يكن هناك شرط والأولى تجنب ذلك أجمع، ولا بأس أن يقرض الانسان
الدراهم أو الدنانير ويشترط على صاحبه أن ينقدها له بأرض أخرى ويلزمه الوفاء به، ومتى
كان له على انسان دراهم أو دنانير أو غيرها جاز له أن يأخذ مكان ماله من غير الجنس
الذي له عليه بسعر الوقت.
19

المراسم العلوية
ذكر أحكام الديون
القرض من أفضل الصدقة وهو يفتقر إلى إيجاب وقبول ويلزم المقترض أن يعزم على
الأداء إذا تسهل له، فإن أدى مثل ما استدان جاز وإن أدى قيمته مع التراضي فجائز.
ولا يجوز للمدين أن يطالب المقترض مع الإملاق فإن طالبه في حال الجدة لم يحرج.
20

فقه القرآن
كتاب الديون والكفالات والحوالات
والوكالات
نقدم ذكر الدين لأن الثلاثة الأخر على الأغلب تكون من توابعه. و " دان " من الأضداد
يقال دينه أي أقرضه، ودان استقرض أيضا.
باب أحكام الدين:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه.
اعلم أن أخذ الدين قد يكون مباحا ومكروها ومحظورا وواجبا ومستحبا والآية تدل
على جواز أخذ الدين لمن له مال يقضي به أو من يقضى عنه ومع هذا الشرط عند الاضطرار
ربما يكون ندبا أو واجبا، وقول النبي ع: الدين شين الدين، يدل على كراهيته،
فإن لم يكن له ما يقضي به دينه ولا ولي يعلم إن مات قضاه عنه في غيبة الإمام فلا يتعرض
البتة للدين.
فصل:
قوله تعالى: إذا تداينتم أي إذا دان بعضكم بعضا، يقال: داينت الرجل إذا عاملته
بدين آخذا أو معطيا، كما تقول: بايعته، إذا بعته أو باعك والمعنى إذا تعاملتم بدين مؤجل
فاكتبوه.
فإن قيل: أي حاجة إلى ذكر الدين مع قوله: إذا تداينتم، وما فائدة قوله: مسمى، قلنا:
21

إنما ذكر الدين ليرجع الضمير إليه في قوله تعالى: فاكتبوه، إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال:
فاكتبوا الدين، فلم يكن النظم بذلك الحسن ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال، وإنما
قال: مسمى، ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام،
ولو قال: إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية، وإنما أمر بكتب
الدين لأنه أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود والأمر هنا للندب.
وعن ابن عباس المراد به السلم، وقال: لما حرم الله الربا أباح السلف، وقال: أشهد
أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم في كتابه وأنزل فيه أطول آية، وقيل: إنما قال:
بدين، على وجه التأكيد ولا أن يختص " تداينتم " بالدين خاصة دون الدين الذي هو الجزاء،
و " أجل مسمى " معلوم.
وقوله تعالى: فاكتبوه، ظاهره الأمر بالكتابة واختلفوا في مقتضاه، فقال أبو سعيد
الخدري والشعبي والحسن هو مندوب إليه، وقال الربيع وكعب هو فرض والأول أصح لإجماع
أهل عصرنا عليه، ولقوله تعالى: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته،
ومفهومه فإن أمنه في ما له أن يأمنه، وقال الأكثرون: حكم الآية في كل دين من سلم أو غيره
أو تأخير ثمن في بيع وهو الأقوى لأنه العموم، فأما القرض فلا مدخل له فيه لأنه لا يكون
مؤجلا والقرض فيه ثواب جزيل وهو أفضل من الصدقة.
فصل:
ثم قال تعالى: وليكتب بينكم كاتب بالعدل أي كاتب مأمون على ما يكتبه يكتب
بالسوية والاحتياط لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص، فقوله: بالعدل، متعلق بكاتب
صفة له. وقيد أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجئ مكتوبه معدلا بالشرع، وهو
أمر للمبتدئين بتخير الكاتب وأن لا يستكتبوا إلا فقيها دينا، ولا يمتنع أحد من الكتاب أن
يكتب كتابة الوثائق ولا يغير ولا يبدل، وذكرنا كراهية الدين إلا عند الضرورة.
ومن لا يملك شيئا يقضي به دينه فليقبل الصدقة ولا يتعرض للدين لأن الصدقة حق
جعلها الله له في الأموال.
22

وفي هذه الآية ثلاثة وعشرون حكما: " إذا تداينتم " حكم " فاكتبوه " حكم " وليكتب
بينكم " حكم " بالعدل " حكم " ولا يأب كاتب " حكم " وليملل " حكم " ولا يبخس " حكم "
فإن كان الذي عليه الحق سفيها " حكم " أو ضعيفا " حكم " أو لا يستطيع " حكم " فليملل
وليه " حكم " بالعدل " حكم " واستشهدوا " حكم " شهيدين " حكم " من رجالكم " حكم "
فرجل وامرأتان " حكم " ممن ترضون من الشهداء " حكم " ولا يأب الشهداء " حكم "
ولا تساموا " حكم " إلا أن تكون تجارة حاضرة " حكم " وأشهدوا إذا تبايعتم " حكم "
ولا يضار كاتب " حكم " ولا شهيد " حكم.
فصل:
حدث موسى بن بكر قال، قال لي أبو الحسن ع: من طلب الرزق من حله
ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله
وعلى رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان
عليه وزره، إن الله تعالى يقول: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين، فهو فقير مسكين مغرم.
وعن سلمة قال، قلت لأبي عبد الله ع: الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به
وعليه دين، أ يطعمه عياله حتى يأتي الله بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث
الزمان وشدة المكاسب أو يقبل الصدقة؟ قال: يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس
إلا وعنده ما أدى به حقوقهم، إن الله تعالى يقول: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن
تكون تجارة عن تراض بينكم، فلا يستقرض على ظهره إلا وعنده وفاء، ولو طاف على
أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين إلا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده، وهذا
مخصوص بحال الغيبة فلا ينافي الأول.
باب قضاء الدين وحكم المدين المعسر:
اعلم أن وجوب قضاء الدين يعلم ضرورة ولذلك يعلمه كل عاقل لأنه من الواجبات
23

العقلية، ولما كان كذلك بين الله في كتابه بقوله: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، فإن
المدين متى كان معسرا لم يجز لصاحب الدين مطالبته والإلحاح عليه بل ينبغي أن يرفق به
وينظره إلى أن يوسع الله عليه.
وأشار سبحانه من فحوى الآية إلى وجوب قضاء الدين أيضا إذا طالبه صاحبه إن
كان حالا أو نزل محله، لأن معناها وإن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة وإعسار فالحكم
والأمر نظرة وهي من الإنظار إلى ميسرة أي إلى يسار، ويجوز أن يكون " كان " ناقصة
والتقدير وإن كان ذو عسرة غريما لكم أو من غرمائكم إن كان معسرا فعليكم نظرة.
وهل الإنظار واجب في كل دين أو في دين الربا فقط؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها قاله
شريح وإبراهيم: إنه في دين الربا خاصة والثاني قال ابن عباس: في كل دين، وهو قول أبي
جعفر ع، الثالث: أن المراد بالآية يجب في دين الربا لأن الكلام متصل بذلك،
والثاني هو الصحيح لعموم الكلام في كل دين لأن لكل كلام حكم نفسه وإن نزل في حكم
خاص وسبب مخصوص.
واستدل على أنه يجب في كل دين بأنه لا يخلو إما أن يجب في ذمته أو في رقبته أو في عين
ماله، فلو كان في رقبته لكان إذا مات بطل وجوبه ولو كان في عين ماله كان إذا هلك ماله
بطل وجوبه فصح أنه في ذمته ولا سبيل له عليه في ذلك من جنس ونحوه.
والغريم لا يخلو إما أن يكون له شئ أو لا يكون، فإن لم يكن له شئ أصلا يجب
لصاحب الدين أن لا يلزمه ذلك ولا يحبسه، وإن كانت له دار وكانت واسعة كبيرة يستحب
لصاحب الدين أن يصبر عليه، وإن كان له مال وتمطل جاز للحاكم حبسه، فإن دافع به
أيضا كان له أن يبيع متاعه ويقضي عنه ما وجب عليه.
وقوله: إلى ميسرة، معناه إلى أن يوسع الله عليه. وقال أبو جعفر ع إلى أن
يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معروف، وإن كان لا يعلم
في ما ذا أنفقه أو علم أنه أنفقه في معصية لم يجب عليه القضاء عنه بل إذا وسع الله عليه
قضى عن نفسه، و يجوز أن يعطي من سهم الفقراء والمساكين شئ ويقضي هو دينه.
24

فصل: ثم قال تعالى: وأن تصدقوا خير لكم معناه وتصدقكم على المعسر بما عليه من الدين
خير لكم، وأن تصدقوا خير لكم ندب إلى أن تصدقوا برؤوس أموالكم وبديونكم كلها على
من أعسر من غرمائكم أو ببعضها، لقوله: وأن تعفوا أقرب للتقوى وقيل: أريد بالتصدق
الإنظار، لقوله ع: لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة.
إن كنتم تعلمون أنه خير لكم فتعلمونه، جعل من لا يعلم به وإن علمه كان لا يعلمه،
والصدة بعشرة لقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.
وسأل أبا الحسن الرضا ع رجل فقال: إن الله تعالى يقول: وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة، أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله في كتابه لها حد يعرف به إذا صار
هذا المعسر لا بد له من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلة
ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: نعم ينتظر بقدر
ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله، وإن
كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام. قيل: فإن لم يعلم فيما أنفقه أ في طاعة الله
أم في معصيته؟ قال: يسعى له في ماله فيرده عليه وهو صاغر.
باب القرض:
قال تعالى: إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم الآية.
القرض على ما روي بثماني عشر والآية تدل على زيادة فضله على الصدقة، والمراد إن
تقرضوا أيها الأغنياء الفقراء الذين هم أولياء الله لأنه تعالى هو الغني على الحقيقة لا يحتاج
إلى شئ.
قال الصادق ع في قوله تعالى " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أمر
بصدقة أو معروف "، قال: يعني بالمعروف القرض وإنما حرم الربا ليتقارض
الناس، قال أبو جعفر ع: من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة وكان
هو في صلاة من الملائكة حتى يقضيه.
25

وإذا أقرض انسان مالا فرد المستقرض عليه أجود منه من غير شرط لم يكن به بأس،
وكذلك إن رد عليه زيادة على ما أخذ من غير شرط، لقوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا
بأحسن منها أو ردوها.
باب قضاء الدين عن الميت:
قال الله تعالى: من بعد وصية يوصي بها أو دين.
يجب أن يقضي الدين عن الميت من أصل تركته وهو أول ما يبدأ به بعد الكفن ثم تليه
الوصية، فإن قيل: لم قدمت الوصية على الدين في الآية والدين مقدم عليها في الشريعة؟
قلنا: لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان اخراجها مما
يشق على الورثة ويتعاظمهم فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين
فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى
اخراجها بعد الدين.
وقضاء الدين عند حلول الأجل إنما يجب مع المطالبة، فمن مات وعليه دين مؤجل
حل أحل أجل ما عليه ولزم ورثته الخروج عما كان عليه من ماله وتركته، وكذلك إن كان له
دين مؤجل حل أجل ماله وجاز للورثة المطالبة به في الحال.
ومطل الدين ودفعه مع القدرة ظلم، فمن عليه دين لا ينوي قضاءه كان بمنزلة
السارق وإذا كان عازما على قضائه أعانه الله عليه وكان له بذلك أجر كبير، فإن حضرته
الوفاة أوصى إلى من يثق به أن يقضي عنه.
وإنما قدم الله الوصية على الدين في القرآن في الآيتين في سورة النساء مع وجوب البدأة
بالدين ثم بالوصية على ما أمر به على لسان رسوله، لأن أولا توجب الترتيب لأنه لأحد
الشيئين، فكأنه قال: من بعد أحد هذين مفردا أو مضموما إلى الآخر، ولأن وجوب رد الدين
يعلم عقلا فقدم الله في اللفظ الوصية عليه إشعارا بأنه أيضا واجب وإن كان اخراج الدين
من أصل التركة وإخراج الوصية من ثلثها، على أن الوصية أعم من الدين فحسن تقديمها
لفظا، فإن الدين يدخل فيها فالمحتضر يوصي بدينه، والغالب من أحوال من يحضره
الموت الوصية، والدين لا يكون إلا نادرا.
26

غنية النزوع
فصل في القرض
القرض جائز من كل مالك للتبرع، فلا يجوز للولي أو الوصي إقراض مال الطفل
إلا أن يخاف ضياعه ببعض الأسباب فيحتاط في حفظه بإقراضه.
وفي القرض فضل كثير وثواب جزيل، ويكره للمرء أن يستدين ما هو غنى عنه، ويحرم
ذلك عليه مع عدم القدرة على قضائه وزوال الضرورة إليه.
وكل ما يجوز السلم فيه يجوز للمسلم إقراضه من المكيل والموزون والمذروع
والحيوان وغير ذلك لأن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل، ويحتج على المخالف بالأخبار
الواردة في جواز القرض والحث على فعله لأنها عامة يخصص فيها.
وهو مملوك بالقبض لأنه لا خلاف في جواز التصرف فيه بعد قبضه ولو لم يكن مملوكا لما
جاز ذلك فيه.
ويجوز أن يقرض غيره مالا على أن يأخذه في بلد آخر أو على أن يعامله في بيع أو إجازة
أو غيرهما بدليل إجماع الطائفة، ولأن الأصل الإباحة والمنع يفتقر إلى دليل شرعي.
ويحرم اشتراط الزيادة فيما يقضي به سواء كانت في القدر أو الصفة، ويجوز أن يأخذ
المقرض خيرا مما كان له من غير شرط - ولا فرق بين ذلك أن يكون عادة من المقترض أم لم
يكن - بدليل الاجماع المشار إليه ولأن الأصل إباحة ذلك.
وإن كان للدين مثل بأن يكون مكيلا أو موزونا فقضاؤه بمثله لا بقيمته بدليل الاجماع
المتكرر ولأنه إذا قضاه بمثله برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا قضاه بقيمته، وإذا كان مما
27

لا مثل له كالثياب والحيوان فقضاؤه برد قيمته.
ولا يحل المطل بالدين بعد المطالبة به لغني، ويكره لصاحبه المطالبة به مع الغنى عنه
وظن حاجة من هو عليه إلى الارتفاق به، ويحرم عليه مع العلم بعجزه عن الوفاء لقوله
تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ولا يحل له المطالبة في الحرم على حال، ويكره له
النزول عليه، فإن نزل لم يجز له أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام، ويكره له قبول هديته لأجل الدين
والأولى به إذا قبلها الاحتساب بها من جملة ما عليه، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
ولا يجوز لصاحب الدين المؤجل أن يمنع من هو عليه من السفر ولا أن يطالبه بكفيل
ولو كان سفره إلى الجهاد أو كانت مدته أكثر من أجل الدين لأن الأصل براءة الذمة من
الكفيل، ودعوى جواز المطالبة به تفتقر إلى دليل، ولأنه لا يستحق عليه شيئا في الحال
فلا يستحق المطالبة بإقامة الكفيل.
ويكره استحلاف الغريم المنكر لأن في ذلك تضييعا للحق وتعريضا لليمين الكاذبة،
ومتى حلف لم يجز لصاحب الدين إذا ظفر بشئ من ماله أن يأخذ منه بمقدار حقه، ويجوز له
ذلك إذا لم يحلف إلا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده فإنه لا يجوز له أخذ شئ منها بغير إذنه
على حال بدليل الاجماع الماضي ذكره، ويخص الوديعة عموم قوله تعالى: إن الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلى أهلها.
وإذا استدان العبد بغير إذن سيده فلا ضمان عليه ولا على السيد إلا أن يعتق فيلزمه
الوفاء.
ومن مات حل ما عليه من دين مؤجل بلا خلاف إلا من الحسن البصري، ولا يحل له
ماله من دين مؤجل بلا خلاف إلا ما رواه بعض أصحابنا من طريق الآحاد أنه يصير حالا.
ولا يثبت الدين في التركة إلا بإقرار جميع الورثة أو شهادة عدلين منهم أو من غيرهم به
مع يمين المدعي، فإن أقر بعضهم ولم يكن على ما ذكرناه لزمه من الدين بمقدار حقه من
التركة ولم يلزم غيره، ومتى لم يترك المقتول عمدا ما يقضى دينه لم يجز لأوليائه القود إلا أن
يضمنوا قضاءه بدليل الاجماع المتكرر ذكره.
28

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان القرض:
القرض: كل مال لزم في الذمة بعقد عوضا عن مثله وهو ضربان: مطلق ومشروط،
فالمطلق لا يدخله الربا، فإذا أخذ قرضا على أن يرد مثله ملكه بنفس عقد القرض وصار
مثل سائر أمواله وجاز الارتهان، فإن رد أجود منه أو زائدا عليه في النوع أو القدر أو
بالعكس منه صح إذا تراضيا، وكذلك إن أخذ حنطة ورد شعيرا أو شعيرا ورد حنطة، وإن
رد من غير جنسه وتراضيا به من غير تقويم صح وإن لم يتراضيا ولم يقوم في الحال ثم تغير
السعر كان ذلك بقيمة يوم الدفع.
والمشروط ضربان: صحيح وفاسد، فالصحيح: مثل شرط الزكاة على أحدهما ورد
القرض ببلد آخر، والصحيح عن الغلة والرهن والضمان وأمثالها. والفاسد: ما يؤدي إلى
الربا مثل شرط الزيادة في الصفة أو القدر أو إباحة ما على الرهن، فإذا كان كذلك لم يملكه
بنفس القرض وبقي أمانة في يده ولا يصح الارتهان به، وإن لم يشرط الانتفاع بالرهن
وسوغه المقترض صح.
29

فصل في بيان الدين:
الدين: كل مال لزم في الذمة عوضا عن عين مثله وينقسم قسمين: حال ومؤجل.
فالحال يلزم قضاؤه متى طالبه صاحبه مع فقد العذر، والعذر الإعسار ودخول وقت
الصلاة حتى يفرع من أدائها وغيبة المال عنه وتعذره عليه في الحال بسبب شرعي.
والمستدين ينقسم ثمانية أقسام: حي وغائب وموسر ومعسر ومن استدان هو بنفسه
أو استدانت عليه زوجته أو مملوكه، وميت.
فإن كان المستدين حاضرا موسرا وطالبه المدين وقد حل أداؤه ولم يكن له عذر لزمه
الإيفاء، فإن كان له عذر أمهل حتى يزول فإن لم يكن له عذر أمر بالقضاء فإن لم يقض
الحاكم، إن التمس من له الدين فإن ماطل في الحبس عزر فإن أدى إلى ضرر من له المال
وكان له مال مال ظاهر من جنسه أخذ عنه وقضي به دينه، وإن كان من غير جنسه بيع عليه
بقدره وقضى به دينه ما لم يكن المال الدار التي يسكنها أو العبد الذي يخدمه.
وإن كان غائبا وأقام من له الدين بينة حلفه الحاكم أنه يستحق عليه اليوم جميع هذا
المال، فإذا حلف وكان له مال من جنسه أو غير جنسه كان حكمه على ما ذكرنا غير أنه
لا يدفع إليه المال إلا بكفيل، وإن كان المستدين معسرا صبر عليه من له الدين حتى يجد،
فإن كان مكتسبا أمر بالاكتساب والإنفاق بالمعروف على نفسه وعياله وصرف الفاضل في
وجه دينه وإن كان غير مكتسب خلي سبيله حتى يجد، وعلى الوجهين إن قضي من سهم
الغارمين جاز إذا لم ينفق ما استدان في معصية الله تعالى.
30

وإن استدانت عليه زوجته كان حكمها حكمه بشرطين: بحاجتها إلى النفقة، وهو
غائب لم يترك لها نفقة بقدر المعروف، والمملوك إذا استدان لم يخل من ثلاثة أوجه: مأذون في
الاستدانة أو في التجارة دون الاستدانة أو غير مأذون.
فالأول: كان حكم دينه حكم دين مولاه، والثاني ضربان: فإن علم المدين أنه غير
مأذون فيها بقي ذمته إلى أن يعتق، فإن لم يعلم استسعى فيه إذا تلف المال، والثالث: يكون
ضائعا إلا إذا بقي المال في يده أو كان قد دفع إلى سيده.
والميت ضربان: إما خلف وفاء أو لم يخلف، فإن خلف لم يخل: إما كانت له بينة أو لم
تكن، فإن كانت أقامها وحلف ولزم ماله، وإن لم تكن له بينة لم يخل: إما اعترفت لزم وإن
اعترف بعض الورثة وكان رجلين عدلين فكذلك، وإن لم يكونا عدلين أو اعترف البعض
لزم في نصيبهما أو نصيبه بقدر ما يخصهما أو يخصه وإن لم يعترف به أحد لزمها اليمين
على نفي العلم، وإن لم يخلف وفاء ضاع حقه، وإن قضى أحد من إخوانه المؤمنين من سهم
الغارمين جاز وجاز به فضلا.
والمؤجل يلزمه أداؤه عند حلول أجله إذا طولب به، فإن وضع من له الدين شيئا عنه
على أن يقضي حالا جاز وإن زاد من عليه الدين شيئا ليزيد في الأجل لم تصح، وإن مات
من عليه الدين حل أجله بموته، وإن مات من له الدين لم يحل الأجل، وإن لم يعرف ورثة من
له الدين به وأراد من عليه الدين مصالحتهم جاز إذا أعلمهم بمقدار المال.
31

إصباح الشيعة
كتاب القرض
القرض جائز من كل مالك للتبرع فلا يجوز للولي أو الوصي إقراض مال الطفل
إلا أن يخاف ضياعه فيحتاط في حفظه بإقراضه. ويكره للمرء أن يستدين ما هو غنى عنه
ويحرم ذلك عليه مع عدم القدرة على قضائه وزوال الضرورة إليه. وكل ما يجوز السلم فيه
يجوز إقراضه من المكيل والموزون والمزروع والحيوان وغير ذلك، وكل ما لا يصح ذلك فيه
مما لا يتحدد بالصفة كالجواهر لا يصح مداينته. وهو مملوك بالقبض ويجوز أن يقرض
غيره مالا على أن يأخذه في بلد آخر وعلى أن يعامله في بيع أو إجارة أو غيرهما. ويجوز أن
يأخذ المقرض خيرا مما كان له من غير شرط سواء كان ذلك عادة من المقترض أو لا. ويحرم
اشتراط الزيادة فيما يقضى به سواء كان في القدر أو الصفة، وكذا إن كان فيما لا يدخله
الربا لعموم الأخبار.
وإذا كان للدين مثل بأن يكون مكيلا أو موزونا فقضاؤه بمثله لا بقيمته، وإذا كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان فقضاؤه برد قيمته.
ولا يحل المطل بالدين بعد المطالبة به لغني، ويكره لصاحبه المطالبة به مع الغنى
عنه وظن حاجة من هو عليه إلى الارتفاق به، ويحرم عليه ذلك مع العلم بعجزه عن
الوفاء، ولا يحل له المطالبة في الحرم على حال، ويكره له النزول عليه فإن نزل لم يجز له أن
32

يقيم أكثر من ثلاثة أيام، ويكره له قبول هديته لأجل الدين والأولى به إذا قبلها الاحتساب
بها من جملة ما عليه. ولا يجوز لصاحب الدين المؤجل أن يمنع من هو عليه من السفر ولا أن
يطالبه بكفيل ولو كان سفره إلى الجهاد أو كانت مدته أكثر من أجل الدين، ويكره
استحلاف الغريم المنكر ومتى حلف لم يجز لصاحب المال إذا ظفر بشئ من ماله أن يأخذ
منه بمقدار حقه، ويجوز له ذلك إذا لم يحلف إلا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده فإنه لا يجوز
له أخذ شئ منها بغير إذنه. ويصح الرجوع في القرض كما في الهبة.
إذا كان له على غيره مال حال فأجله فيه لم يصر مؤجلا وإنما يستحب له الوفاء بما
وعده وكذا إن اتفقا على الزيادة لم يثبت، وإن حط عنه بعضه أو كله صح. ومن وجب عليه
دين وغاب عنه صاحبه غيبة لم بقدر عليه معها وجب أن يعزل مقدار ذلك من ملكه، فإن
حضرته الوفاة ولم يرجع صاحبه أوصى به إلى من يثق به فإن مات من له الدين سلمت
إلى ورثته، فإن لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه، فإن لم يجد له وارثا تصدق عنه وبرئت ذمته.
وإذا استدانت المرأة على زوجها في حال كونه غائبا عنها وجب عليه قضاء [ؤه، و]
ما أنفقته بالمعروف لا ما زاد عليه.
من مات حل ما عليه من دين مؤجل ولا يحل له ماله من دين، وقد روي من طريق
الآحاد أنه يحل أيضا. ولا يثبت الدين في التركة إلا بإقرار جميع الورثة أو شهادة عدلين منهم
أو من غيرهم به مع يمين المدعي، فإن أقر بعضهم ولم يكن على ما ذكرناه لزمه من الدين
بمقدار حقه من التركة ولم يلزم غيره، ومتى لم يترك المقتول عمدا ما يقضى به دينه لم يجز
لأوليائه القود إلا أن يضمنوا قضاءه.
إذا استدان العبد بغير إذن سيده فلا ضمان عليه ولا على السيد إلا أن يعتق فيلزمه
الوفاء، وروي أنه يستسعي العبد في ذلك في حال العبودية.
33

السرائر
كتاب الديون والكفالات والحوالات والوكالات
باب كراهية الدين وكراهية النزول على الغريم:
يكره للإنسان الدين مع الاختيار وفقد الاضطرار إليه، فإن فعل مختارا لا اضطرارا
فالأولى له أن لا يفعل إلا إذا كان له ما يرجع إليه فيقضي به دينه، فإن لم يكن له ما يرجع
إليه، فقد روي: أنه إن كان له ولي يعلم أنه إن مات قضى عنه قام ذلك مقام ما يملك.
وهذا غير واضح لأن الولي لا يجب عليه قضاء دين من هو ولي له بغير خلاف وقد أورد ذلك
شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا من طريق خبر الآحاد.
فإذا خلا من الوجهين فإنه يكره له الاستدانة وليس ذلك بمحظور إذا كان عازما على
قضائه منفقا له في الطاعات أو المباحات، وأما في حال الاضطرار فإنه غير مكروه وفي هذه
الحال لا يستدين إلا مقدار حاجته وكفايته على الاقتصاد من نفقته ونفقة عياله ممن يجب
عليه نفقته.
وما ورد من الأخبار في جواز الاستدانة للنفقة في الحج فمحمول على ما ذكرناه وحررناه لا على
من لا يكون الحج قد وجب عليه ولا يكون له ما إذا رجع إليه قضى منه دينه، لأن هذا لا يجب
عليه الحج وهو على هذه الصفة، وإذا كان ذلك لا يجب عليه فلا يجوز أن يستدين ليفعل ما لا
يجب عليه.
ولا يجوز للإنسان أن يستدين ما يصرفه في نفقة الحج إلا بعد أن يكون الحج قد وجب
عليه بوجود شرائطه ويكون له ما إذا رجع إليه قضى منه دينه.
34

ومن كان عليه دين وجب عليه العزم على قضائه، فإن ترك العزم على ذلك كان
مأثوما وهو بمنزلة السارق على ما روي في الآثار عن الأئمة الأطهار، ومن كان له غريم فلا
ينبغي له أن ينزل عليه فإن نزل فلا يقيم عنده أكثر من ثلاثة أيام.
ومن اضطر إلى الدين ولا يملك شيئا يرجع إليه وكان ممن يجد الصدقة فالأولى له
والأفضل في ديانته أن يقبل الصدقة ولا يتعرض للدين لأن الصدقة حق جعلها الله له في
الأموال، ومن كان له غريم عليه دين فأهدى المدين - بفتح الميم الذي هو الغريم - له شيئا
لم يكن قد جرت به عادته وإنما فعله لمكان الدين استحب له أن يحتسبه من دينه وليس
ذلك بواجب.
وقد روي: أنه إذا رأى صاحب الدين المدين.
قد قلنا أن المدين بفتح الميم الذي عليه الدين ويقال مديون أيضا ودائن ومديان أربع لغات
ويقال أيضا لغة خامسة مدان، فأما الفاعل الذي له الدين فهو مدين بضم الميم وكسر الدال
يقال: أدان زيد عمرا إذا أعطاه فزيد مدين وعمرو مدان ومدين بفتح الميم.
في الحرم لم يجز له مطالبته فيه ولا ملازمته بل ينبغي أن يتركه حتى يخرج من الحرم
ثم يطالبه كيف شاء.
ذكر ذلك وأورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقال ابن بابويه في رسالته: وإذا كان لك على
رجل حق فوجدته بمكة أو في الحرم فلا تطالبه ولا تسلم عليه فتفزعه إلا أن يكون أعطيته
حقك في الحرم فلا بأس بأن تطالبه به في الحرم.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: الذي يقول عندي في تحرير هذا القول وما ذكره
وأورده شيخنا في نهايته أن يحمل الخبر أن صاحب الدين طالب المدين خارج الحرم ثم هرب
منه والتجأ إلى الحرم فلا يجوز لصاحب الدين مطالبته ولا إفزاعه، فأما إذا لم يهرب إلى الحرم
ولا التجأ إليه خوفا من المطالبة بل وجده في الحرم وهو ملي بماله موسر بدينه فله مطالبته و
ملازمته.
وقول ابن بابويه: إلا أن يكون أعطيته حقك في الحرم فلك أن تطالبه في الحرم، يلوح بما
35

ذكرناه وينبه على ما حررناه، ولو كان ما روي صحيحا لورد ورود أمثاله متواترا، والصحابة
والتابعون والمسلمون في جميع الأعصار يتحاكمون إلى الحكام في الحرم ويطالبون الغرماء
بالديون ويحبس الحاكم على الامتناع من الأداء إلى عصرنا هذا من غير تناكر بينهم في ذلك
وإجماع المسلمين على خلاف ذلك ووفاق ما اخترناه وحررناه، وهذا معلوم ضرورة أو
كالضرورة فلا يرجع عن الأمور المعلومة بأخبار ضعيفة أكثر ما تثمر الظن دون اليقين والعلم،
ولا يورد ذلك في كتابه إلا الآحاد من أصحابنا ولا إجماع عليه منهم والأصل الإباحة والحظر
يحتاج إلى دليل، والإنسان مسلط على أخذ ماله والمطالبة به عقلا وشرعا.
ومن كان عليه دين وجب عليه السعي في قضائه والعزم على أدائه وترك الإسراف في
النفقة، وينبغي له أن يتقنع بالقصد، ولا يجب عليه أن يضيق على نفسه بل يكون بين
ذلك قواما، ويجب عليه عند مطالبة من له الحق دفع جميع ما يملكه إليه ما خلا داره التي
يسكنها إذا كانت قدر كفاية سكناه وخادمه الذي يحتاج إلى خدمته وقوت يومه وليلته
فحسب، وما فضل عن ذلك فيجب دفعه إلى من له عليه الدين عند المطالبة.
باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت:
كل من كان عليه دين وجب عليه قضاؤه حسب ما يجب عليه، فإن كان حالا
وجب عليه قضاؤه عند المطالبة في الحال إذا كان قادرا على أدائه لا يجوز له تأخيره بعد
المطالبة له، فإن كان في أول وقت الصلاة وصلى بعد المطالبة فإن صلاته غير صحيحة،
لأن قضاء الدين بعد المطالبة واجب مضيق وأداء الصلاة في أول وقتها واجب موسع،
وكل شئ منع من الواجب المضيق فهو قبيح بغير خلاف من محصل. وإن كان الدين
مؤجلا وجب عليه قضاؤه عند حلول الأجل مع المطالبة.
ومن وجب عليه أداء الدين لا يجوز له مطله ودفعه مع قدرته على قضائه، فقد قال
الرسول ع: مطل الغني ظلم، فإن مطل ودفع كان على الحاكم حبسه بعد إقامة
البينة بالحق وسؤال الخصم ذلك وإلزامه الخروج مما وجب عليه، فإن حبسه ثم ظهر له
36

بعد ذلك إعساره وجب عليه تخليته سواء حضر خصمه أو لم يحضر لقوله تعالى: وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وإن لم يكن معسرا غير أنه يدفع به جاز للحاكم أن يبيع عليه
متاعه وعقاره ما عدا داره، وكذلك للحاكم أن يبيع عليه ماله الظاهر قبل حبسه، وإنما له حبسه
إذا لم يكن له مال ظاهر ولا قامت له بينة بالإعسار فله حبسه حتى يستبين حاله فإن
الغرض في ذلك استخلاص الحق لصاحبه دون الحبس.
وإن كان من وجب عليه الدين وثبت عند الحاكم غائبا وجب على الحاكم بعد
سؤال صاحب الحق ومطالبته أن يبيع على الغائب شيئا من أملاكه غير أنه لا يسلمه إلى
خصمه إلا بعد كفلاء، فإن حضر الغائب ولم يكن له بينة تبطل بينة صاحب الدين برئت
ذمته وذمة الكفلاء من الكفالة، وإن كانت له بينة تبطل بينة صاحب الحق رد الكفلاء
عليه المال ويبطل البيع إن كان قد باع شيئا من أملاكه لأن الحاكم يفعل على ظاهر
الأحوال، فإن تبين له الحق رد ما فعله إليه.
ومتى كان المدين معسرا لم يجز لصاحب الدين مطالبته والإلحاح عليه، بل ينبغي له
أن يرفق به ويجب عليه أن ينظره إلى أن يوسع الله عليه أو يبلغ خبره الإمام فيقضي دينه
عنه من سهم الغارمين إذا كان قد استدانه وأنفقه في طاعة أو مباح، وكذلك إذا لم يعلم في
أي شئ أنفقه، فأما إذا علم أنه أنفقه في المعاصي فلا يجوز له أن يقضي عنه من سهم
الغارمين ويجوز أن يعطي هو من سهم الفقراء إذا كان عدلا مستحقا للزكاة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن كان لا يعلم فيما ذا أنفقه أو علم أنه أنفقه في معصية لم يجب
عليه القضاء عنه، وهذا غير واضح لأنه رضي الله عنه جعل عدم العلم فيما ذا أنفقه مثل العلم
بأنه أنفقه في معصية، ولا ينبغي أن يحمل الأمر إلا على الحلال والصحة دون الفساد، وإنما
تعبدنا بالظاهر، فأما تقييده في نهايته: إذا كان قد استدانه وأنفقه في طاعة، فما منع في إنفاقه
في المباح لأن ذلك دليل الخطاب ودليل الخطاب عند المحققين لأصول الفقه من أصحابنا غير
معمول عليه.
ولا يجوز أن تباع دار الانسان التي يسكنها ولا خادمه الذي يخدمه في الدين إذا كان
37

مقدار ما فيها كفايته، فإن كانت دار غلة وكذلك إن كانت كبيرة واسعة وله في دونها
كفاية ألزم بيعها والاقتصار على كفايته منها على ما قدمناه.
والمنع من بيع الدار والخادم في الدين على ما روي في بعض الأخبار، فإن تحقق إجماع من
أصحابنا يرجع إليه لا دليل عليه سوى الاجماع منهم.
ومتى ألح صاحب الدين على المدين وأراد حبسه ولم يكن له بينة بالدين وخاف
المدين إن أقر عند الحاكم بالدين من الحبس فيضر ذلك به وبعياله ولم يكن الحاكم عالما
بإعساره وحاله جاز له أن ينكر ويحلف بالله ما له قبلي شئ ويوري في نفسه ما يخرجه من
الكذب، ينوي عند قوله: شئ يستحقه الآن، يخفى ذلك ويظهر ما عداه مما ذكرناه،
فإنه إذا فعل ذلك صادق بار لأنه لا يستحق عليه في هذه الحال شيئا من المطالبة والخروج
إليه من حقه عند إعساره، لأن الله تعالى قال: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة،
وينطوي على أنه إذا تمكن من قضائه قضاه ويجب عليه العزم على ذلك ولا شئ عليه من
الآثام، فإذا تمكن من قضائه وجب عليه القضاء.
ومتى كان للإنسان على غيره دين فحلفه على ذلك لم يجز له مطالبته بعد ذلك
بشئ منه ظاهرا، فإن جاء الحالف تائبا ورد عليه ماله جاز له أخذه، فإن أعطاه مع رأس
المال ربحا أخذ رأس ماله ونصف الربح.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، وتحرير الفتيا بذلك أن المال المحلف عليه إن كان قرضا
أو دينا أو غصبا، فالربح للحالف لا يستحق صاحب الدين منه قليلا ولا كثيرا في الدين
والقرض، لأن هذا ربح مال الحالف لأن القرض والدين في ذمته والربح له دون القارض
وصاحب الدين بغير خلاف، فأما إن كان المال غصبا واشترى الغاصب المتاع بثمن في ذمته
ونقد الشئ المغصوب عوضا عما لزمه في ذمته، فالربح أيضا للغاصب لأنه نماء ملكه
وأرباحه، وإن كان الشراء لا في الذمة بل بعين المال المغصوب فالصحيح من أقوال أصحابنا
وعند المحصلين منهم أن البيع غير منعقد ولا صحيح والأمتعة لأصحابها والأرباح والأثمان
لأصحابها، فأما إن كان المال مضاربة شرط له من الربح نصفه فيصح القول بذلك، ويحمل
38

ويخص ما ورد من الأخبار بذلك لأن العموم قد يخص بالأدلة، فهذا تحرير القول في هذه
الفتيا فليتأمل وليفهم عنا ما قلناه فإن فيه غموضا والتباسا على غير المحصل لهذا الشأن.
وإن لم يحلفه غير أنه لم يتمكن من أخذه منه ووقع له عنده مال جاز له أن يأخذ حقه
منه من غير زيادة عليه إن كان من جنس ماله ومثلا له، وإن كان من غير جنسه فله أن
يقومه على نفسه بالقيمة العدل ويأخذه، وإن كان ما وقع عنده على سبيل الوديعة جاز له
أيضا أخذه منها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لم يجز له ذلك ولا يخون فيها، إلا أنه رجع عن هذا القول في
كتابه الاستبصار وقال بما اخترناه وقال: أحمل الخبر على الكراهة دون الحظر، ونعم ما قال
لأنه إذا أخذ ما له فما تعدى ولا ظلم ولا خان، والشارع نهى عن إضاعة المال، وقال تعالى: ما
على المحسنين من سبيل، وهذا محسن لا مسئ.
ومن وجب عليه دين وغاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي
قضاءه، على ما قدمناه، فإن حضرته الوفاة سلمه إلى من يثق بديانته وجعله وصيه في
تسليمه إلى صاحبه، فإن مات من له الدين سلمه إلى ورثته، فإن لم يعلم له وارثا اجتهد في
طلبه فإن لم يجده سلمه إلى الحاكم، فإن قطع على أنه لا وارث له كان لإمام المسلمين،
وقد روي: أنه إذا لم يظفر بوارث له تصدق به عنه وليس عليه شئ.
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته من طريق الخبر إيرادا لا اعتقادا لأن الصدقة لا دليل عليها
من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع بل الاجماع والأصول المقررة لمذهبنا تشهد بأن الإمام
يستحق ميراث من لا وارث له.
وقال شيخنا أيضا في نهايته في صدر السؤال: ومن وجب عليه دين وغاب عنه صاحبه غيبة لم
يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي قضاءه ويعزل ماله من ملكه، وهذا غير واجب أعني عزل
المال بغير خلاف بين المسلمين فضلا عن طائفتنا.
وإذا استدانت المرأة على زوجها وهو غائب عنها فأنفقته بالمعروف وجب عليه القضاء
عنها، فإن كان زائدا على المعروف لم يكن عليه قضاؤه.
39

هكذا أورده شيخنا في نهايته، وتحرير الفتيا بذلك أن الزوج يجب عليه تسليم النفقة بالمعروف
إلى المرأة ثم يقضي إذا استدانت، وأن قضاء الدين واجب عليها دون الزوج، والغريم هي دونه
وهي المطالبة بالدين دون الزوج.
ومن له على غيره مال لم يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد أن يقبضه ثم يدفعه إليه إن شاء
للمضاربة، لأن مال المضاربة والمضاربة لا تكون إلا بالأموال المعينة، ولا تكون بما في
الذمم لأن ما في الذمة غير معين ولا يتعين إلا بعد قبضه وتعيينه لأن الانسان مخير في جهات
القضاء من سائر أمواله، وهذا إجماع منعقد من أصحابنا.
فعلى هذا التحرير الذي لا خلاف فيه بيع الدين على غير من هو عليه لا يصح، لأن
البيوع على ضربين: بيوع الأعيان وبيوع ما في الذمم، وبيوع الأعيان على ضربين: بيع عين
مرئية مشاهدة فلا يحتاج إلى وصفها، وبيع عين غير مشاهدة يحتاج إلى وصفها وذكر جنسها -
وهذا البيع يسميه الفقهاء بيع خيار الرؤية - ولا بد أن يكون ملك جنسها في ملك البائع
في حال عقد البيع إلا أنها غير مشاهدة فيصفها ليقوم وصفها مقام مشاهدتها، وهي غير
مضمونة إن هلكت قبل التسليم على البائع.
فبيع الدين بيع عين غير مشاهدة مرئية بغير خلاف ولا بيع عين معينة موصوفة في ملك
البائع، فإنه لا يصح له وصفها لأنا قد قدمنا أن الدين عينه غير معين في ملك صاحبه بل
لا يتعين إلا بقبضه له، وقلنا: إن من عليه الدين مخير في جهات القضاء من سائر أمواله فلا
يتقدر أن تكون عين شئ له وهي بعينها لمن له عليه الحق، وإن كان على الجملة لصاحب
الدين على المدين حق من جنس من أجناس من الأموال وليس له عليه عين معينة من
الأعيان، والشئ المبيع بيع خيار الرؤية يحتاج إلى أن يكون ملك جنسه معينا في ملك بائعه
ويذكر جنسه ويصفه لأنه من جملة بيوع الأعيان.
فأما الضرب الآخر من البيوع الذي هو في الذمة هو المسمى بالسلم - بفتح السين
واللام - والسلف، فهذا مضمون على بائعه يحتاج إلى الأوصاف والآجال المحروسة من
الزيادة والنقصان إما بالسنين والأعوام أو بالشهور والأيام، ومن شرط صحته قبض رأس
40

المال الذي هو الثمن قبل الافتراق من مجلس العقد، وبيع الدين ليس كذلك بغير خلاف.
فإن قيل: هذا خلاف إجماع الإمامية وذلك أن إجماعهم منعقد بغير خلاف على صحة بيع
الدين وإمضائه، وعموم أخبارهم على ذلك وكذلك أقوالهم وتصنيفاتهم ومسطوراتهم وفتاويهم.
قلنا: نحن ما دفعنا ذلك أجمع وأبطلناه، بل نحن عاملون بمقتضاه ومخصصون لما ناقض الدليل
ونفاه، لأنه لا خلاف بين المحصلين لأصول الفقه أن العموم قد يخص بالأدلة، وقد قلنا: إن بيع
الدين على من هو عليه جائز صحيح لا خلاف فيه، فقد عملنا بالإجماع واتبعنا ظواهر الأقوال
والأخبار والفتاوى وما في التصنيفات، وأعطينا الظاهر حقه وخصصنا ما عدا بيع من عليه
الدين بالأدلة المجمع عليها المقررة المحررة عند أصحابنا المقدم ذكرها، وهذا تحقيق لا يبلغه إلا
محصل لأصول الفقه ضابط لفروع المذهب عالم بأحكامه محكم لمداره وتقريراته وتقسيماته،
ومما يشيد ما حررناه إجماع أصحابنا الذي لا خلاف فيه وانعقاده على أن من كان له على غيره
مال دينا لم يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد أن يقبضه ويتعين في ملكه، ثم يدفعه إليه إن شاء
للمضاربة لأنه قبل قبضه وتعيينه في ملكه ملك لمن هو عليه ما انتقلت عينه إليه، فكيف يصح
له أن يضاربه بعين ماله؟ فإنه قبل أن يقبضه ويتعين عينه في ملكه مال من هو عليه فكيف
يضاربه بماله؟ ولو فعل ذلك لكان الربح كله لمن عليه المال لأنه ربح ماله، ولا تصح المضاربة
لأن حقيقتها وموضوعها في الشريعة: إن من العامل العمل ومن رب المال المال، ومن عليه
الدين منه المال والعمل جميعا.
فإن قيل: أنتم قد جعلتم من جملة أدلتكم على صحة ما حررتموه واخترتموه مسألة من كان له
على غيره دين فلا يجوز له أن يجعله معه مضاربة إلا بعد قبضه وتعيينه له في ملكه، ولا يجوز له
قبل ذلك جعله مضاربة، فعلى سياق هذا الاستدلال والاعتبار يلزمكم أن لا تجوزوا بيع الدين
على من هو عليه قبل قبضه وتعيينه في ملك بائعه.
قلنا: لا يلزمنا ذلك لأن بيع خيار الرؤية لا يحتاج إلا إلى ذكر الجنس وكونه في ملك البائع
والوصف له دون تعيين عينه بالإشارة إليه والمشاهدة له والقطع عليه، وليس كذلك حكم
مال المضاربة لأنه يجب أن يكون مذكور الجنس معينا، ولا يكفي ذكر الجنس والصفة دون
41

تعيينه في الملك كما كفى ذلك في بيع خيار الرؤية، وإن كان كل واحد من المالين مملوك
الجنس غير متعين ملك عينه ولا يتعين ملك عينه إلا بعد قبضه فيصح بيعه على من هو عليه
بيع خيار الرؤية لأنه مملوك الجنس للبائع، ومن هو عليه عالم بصفته، فقام علم من هو عليه به
وبصفته مقام وصف البائع له، فجمع هذا البيع الأمرين اللذين هما شرط في صحة بيع خيار
الرؤية، وهو ذكر الجنس وعلم من هو عليه الذي هو قائم مقام صفته، لأن ذكر الصفة في بيع
العين الغائبة يقوم مقام المشاهدة والرؤية لبيع العين الحاضرة المشاهدة، لأنا لا نحتاج أن نصف
العين المرئية عند البيع ولا ذلك شرط في صحة العقد عليها وهو شرط في صحة بيع العين
الغائبة مع ذكر جنسها، فلأجل ذلك جوزنا بيعها على من هي عليه دون من سواه، لأن البيع
عليه بيع خيار الرؤية لأن من شرطه ذكر الجنس والصفة فإذا بيع عليه فقد جمع الأمرين جميعا،
وليس كذلك بيعه على غير من هو عليه لأن أحد الأمرين لا يحصل له لأن صاحبه لا يعلم عينه
حتى يصفها للمشتري ولا يميزها للعين حتى يصفها، فإن وصفها كان كاذبا جاهلا لأن عينها
ما تميزت له في ملكه وإن كان مالكا لجنسها دون عينها قبل قبضها من الذي هي في ذمته
فيدخل في النهي عن بيع الغرر والنهي يدل على فساد المنهي عنه فلأجل هذا جوزنا بيعها على
من هي عليه دون من سواه، وليس كذلك إذا ضاربه بها لأن مال المضاربة يحتاج أن يكون
متميز العين في ملك رب المال، وقبل قبضه ممن هو في ذمته ليس هو متميز العين فافترق
الأمران.
ويعضد ما أصلناه قولهم في باب بيع الديون والأرزاق: ومن كان له على غيره دين
جاز له بيعه نقدا ويكره ذلك نسيئة. وأطلقوا القول بكراهية النسيئة وهذا لا يجوز
بالإجماع، لأنه إن كان الدين ذهبا فلا يحل بيعه بذهب نسيئة بغير خلاف.
ثم قالوا: فإن وفى الذي عليه الدين المشتري وإلا رجع على من باعه إياه بدركه. ثم
قالوا: وإذا باع الدين بأقل مما له على المدين لم يلزم المدين أكثر مما وزنه المشتري.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: إن كان البيع للدين صحيحا ماضيا لزم المدين
أن يؤدى جميع الدين إلى المشتري وإن كان قد اشتراه بأقل من الدين بأقل قليل، لأن الثمن
42

قد يكون عندنا أقل قيمة من السلعة مع علم البائع بغير خلاف، فدل هذا أجمع على فساد هذا
البيع وإبطال ما خالف ما ذكرناه.
قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الرابع من المبسوط: إذا كان لرجل في ذمة رجل حر
دين عن غير سلم فباعه من انسان بعوض أو ثوب أو غيره، قال قوم: إنه يصح لأنه لما جاز
أن يبتاع بدين في ذمته جاز أن يبتاع بدين له في ذمة غيره فإن كل واحد من الدينين
مملوك له، وقال آخرون: إنه لا يصح لأن الدين الذي له في ذمة الغير ليس بمقدور على
تسليمه فإنه ربما منعه من هو عليه وربما جحده وربما أفلس. ومن ابتاع مالا يقدر على
تسليمه بطل بيعه، كما لو ابتاع بعبد مغصوب أو آبق. قال رحمه الله: والأول رواية
أصحابنا، وقالوا: إنما يصح لأنه مضمون.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: أنظر أرشدك الله ووفقك لإصابة الحق إلى ما قال
شيخنا أبو جعفر وتأمله وأسبره ففيه ما فيه، جعل رحمه الله الدين ثمنا وأصحابنا يجعلونه مثمنا
لأنهم قالوا: بيع الدين، ثم قال رحمه الله: رواية أصحابنا، فجعله رواية ولو كان إجماعا لقال:
وإجماع أصحابنا أو مذهبنا، ثم قال: وقالوا إنما يصح لأنه مضمون.
قال محمد بن إدريس: عند أصحابنا أن البيع المضمون هو بيع السلف فهو المضمون الذي هو
في الذمة لا بيع الأعيان لأن البيع عندهم على الضربين المقدم ذكرهما، وأيضا الذي يجوز
خلاف ما نصرناه واخترناه لا يجوزه في كل دين، ويقول: إن بيع السلم بعد حلوله على غير من
هو عليه لا يجوز وعلى من هو عليه يجوز، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، ولأجل ذلك
قال في الكلام الذي أوردناه عنه في مبسوطه قبل هذا الموضع وهو: إذا كان لرجل في ذمة رجل
حر دين عن غير سلم فباعه من انسان، فاحترز من السلم فقد خصص العموم في بيع الدين،
وإذا خصص من يستدل بالعموم ساع لخصمه التخصيص وبطل استدلاله بالعموم لأنه ما هو
أولى بالتخصيص من خصمه، وأيضا فما ورد بذلك سوى خبرين فحسب أوردهما شيخنا
أبو جعفر في تهذيب الأحكام الذي ماله أكبر منه في الأخبار، ولأجل ذلك قال: رواية
أصحابنا، وهما أعني الخبرين:
43

أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال:
سئل أبو جعفر ع عن رجل كان له على رجل دين، فجاءه رجل فاشترى منه بعرض،
ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال له: أعطني مال فلان عليك فإني قد اشتريته منه،
فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر ع: يرد عليه الرجل الذي عليه الدين
ماله الذي اشتراه به الرجل الذي عليه الدين.
محمد بن أحمد بن عيسى عن محمد بن الفضيل قال: قلت للرضا ع: رجل اشترى دينا
على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له: ادفع إلي مال فلان عليك فقد اشتريته منه،
فقال ع: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبرئ الذي عليه المال من جميع
ما بقي عليه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: فهل يحل لمحصل وعامل بالأدلة يرجع في ديانته
إلى العمل بهذين الخبرين؟ وفيهما ما فيهما من الاضطراب وأصلهما وراويهما واحد وهو محمد بن
الفضيل، وأخبار الآحاد عندنا لا يعمل عليها ولا يرجع في الأدلة إليها لأنها لا تثمر علما ولا
توجب عملا.
ومن شاهد مدينا له - بفتح الميم على ما قدمناه - قد باع ما لا يحل تملكه للمسلمين من
خمر أو لحم خنزير وغير ذلك وأخذ ثمنه، جاز له أن يأخذ منه فيكون حلالا له ويكون
ذنب ذلك على من باع.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته مطلقا غير مقيد، والمراد بذلك أن يكون البائع الذي هو
المدين ممن أقرته الشريعة على ما يراه من تحليل بيع الخمر - وهو أهل الكتاب - لأن ذلك
حلال عندهم ويجوز للمسلم قبض دينه منه إذا كان ثمن خمورهم وخنازيرهم، وليس المراد
بذلك أن يكون الدين على مسلم فيبيع المسلم الخمر ويقبض المسلم من المسلم دينه منه، لأن
بيع الخمر للمسلم حرام وثمنه حرام وجميع أنواع التصرفات فيها حرام على المسلمين بغير
خلاف بينهم، وعندنا أن الخمر ليست بمملوكة للمسلم فكيف يجوز بيع غير المملوك؟ والبيع
لغير المملوك لا ينعقد ولا يملك الثمن فكيف يكون حلالا له؟
44

وشيخنا أبو جعفر قال في مسائل الخلاف في الجزء الثاني في كتاب الرهن مسألة: الخمر ليست
بمملوكة، ثم قال في استدلاله: ومن ادعى حجة أنه تملكها فعليه الدلالة، ثم قال شيخنا
أبو جعفر أيضا في مبسوطه في الجزء الثاني في كتاب الرهن: إذا استقرض ذمي من مسلم مالا
ورهن عنده بذلك خمرا يكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق فباعها وأتى بثمنها جاز له
أخذه ولا يجبر عليه، وإذا كانت المسألة بحالها غير أن الخمر كانت
عند مسلم وشرط أن يبيعها عند محل الحق فباعها وقبض ثمنها لم يصح ولم يكن لبيع المسلم الخمر وقبض ثمنها حكم ولا
يجوز للمسلم قبض دينه منه، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه.
ألا تراه قيد هاهنا وفرق بين بيع الذمي الخمر وبين بيع المسلم لها، فقيد ما أطلقه في نهايته،
وإنما يورد الأخبار الآحاد وغير الآحاد في النهاية إيرادا مطلقا على ألفاظها لا اعتقادا لأنه
كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر على ما أشرنا إليه من قبل، وأيضا قول الرسول ع:
إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، والخمر محرمة بالإجماع فيجب أن يكون ثمنها محرما لا محللا،
ولنا في ذلك - أعني بيع الخمر وهل يحل قبض الدين من ثمنها - جواب مسألة وردت من
حلب علينا من أصحابنا الإمامية سنة سبع وثمانين وخمس مائة قد بلغنا فيها أبعد الغايات
وأقصى النهايات.
وإذا كان شريكان لهما مال على الناس فتقاسما واحتال كل واحد منهما شيئا منه، ثم
قبض أحدهما ولم يقبض الآخر، كان الذي قبضه أحدهما بينهما على ما يقتضيه أصل
شركتهما وما يبقى على الناس أيضا مثل ذلك، لأن المال الذي في ذمم الغرماء من الدين غير
مقسوم فهو شركة بعد لأن ما في الذمم غير مقبوض ولا متعين حتى يصح قسمته، فلأجل
ذلك مهما حصل منه شئ يكون بينهما على ما يقتضيه أصل شركتهما.
ومن كان له دين على غيره فأعطاه شيئا بعد شئ من غير الجنس الذي له عليه ثم
تغيرت الأسعار، كان له بسعر يوم أعطاه تلك السلعة لا بسعر وقت محاسبته إياه، لأنه
أعطاه إياه عما له في ذمته وهو من غير جنس ماله فتحسب بقيمة يوم إعطائه وتسليمه إليه
لا يوم محاسبته عليه، لأنه ما أعطاه إياه قرضا بل عما له في ذمته، فيسقط عنه بقيمته وقت
45

تسليمه وإعطائه لا وقت محاسبته ولا يلزمه رد مثله إن كان له مثل، ولو كان أعطاه إياه
قرضا، لا عن دين له وجب عليه رد مثله إن كان له مثل وقت مطالبته به بخلاف ذلك،
فأما إذا لم يكن له مثل وكان يضمن بالقيمة لا بالمثلية فإنه يرد قيمته وقت إعطائه
وتسليمه دون وقت مطالبته ومحاسبته في المسألتين معا فليتأمل ذلك.
باب قضاء الدين عن الميت:
يجب أن يقضى الدين عن الميت من أصل التركة وهو أول ما يبدأ به بعد الكفن
المفروض ثم يليه الوصية ثم الميراث بعد ذلك أجمع، فإن أقيم بينة على ميت بمال وكانت
عادلة وجب معها على من أقامها اليمين بالله أن له ذلك المال حقا ولم يكن الميت قد خرج
إليه منه، فإذا حلف كان له ما أقام عليه البينة وحلف عليه، فإن امتنع عن اليمين انصرف
ولم يكن له في ظاهر الحكم شئ ولم تنفعه بينته ولم يلزم الورثة اليمين لأنه ما ادعى عليهم
شيئا، فإن ادعى عليهم العلم بذلك لزمهم أن يحلفوا أنهم لا يعلمون أن له حقا على ميتهم،
فإن لم يكن للمدعي على الميت إلا شاهد واحد وكان عدلا، لزم المدعي أيضا اليمين معه لأن
الشاهد واليمين عندنا في المال جائز ولا يلزمه يمين أخرى لأن يمينه تأتي على أن له ذلك المال
حقا، وليس لنا على عين واحدة وحكم واحد من حالف واحد يمينان، والأصل براءة
الذمة، وقد يشتبه هذا الحكم على كثير من أصحابنا وحتى سمعت جماعة يسألون عنه.
ومتى لم يخلف الميت شيئا لم يلزم الورثة قضاء الدين عنه بحال، فإن تبرع منهم انسان
بالقضاء عنه كان له بذلك الأجر والثواب إن كان المقضى عنه معتقدا للحق، ويجوز أن
يكون ذلك القضاء مما يحتسب به من مال الزكاة إذا كان قد أنفقه في الطاعات أو
المباحات على ما شرحناه فيما مضى سواء كان الميت ممن يجبر القاضي للدين على نفقته أو
ممن لا يجبر.
ومتى أقر بعض الورثة بالدين لزمه في حصته بمقدار ما يصيبه من أصل التركة على
ما رواه بعض أصحابنا، فإن شهد نفسان منهم وكانا عدلين مرضيين أجيزت شهادتهما
46

على باقي الورثة واستوفى الدين من جميع الورثة بعد يمين المدعي على ما قدمناه، وكذلك إن
شهد منهم واحد وكان مرضيا عدلا في ديانته.
وشيخنا أبو جعفر ما ذكر في نهايته إلا أن قال: فإن شهد نفسان منهم، ولم يذكر الواحد وذكر
في مسائل الخلاف في الجزء الثالث ما قلناه من شهادة الواحد المرضى، لأن أصول مذهبنا
تقضي بذلك وهو أن الشاهد واليمين ماضية في الأموال وما المقصود منه المال سواء كان دينا أو
غيره من الأموال، وبعض أصحابنا يخصه بالدين فقط والصحيح الأول.
وإن لم يكن الشاهدان أو الشاهد بالدين من الورثة عدولا ألزموا في حصصهم بمقدار
ما يصيبهم حسب ما روي ولا يلزمهم الدين على الكمال.
مثال ذلك: إذا مات انسان وخلف ابنين وتركة، فادعى أجنبي دينا على الميت وأقر
أحدهما بما ادعاه المدعي وكان المقر غير مرضي كان له نصف الدين في حصة المقر.
وبذلك قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يأخذ من نصيب المقر جميع الدين، وقد استدل بعض
أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله على صحة مقالتنا بأن قال: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم، وقال: وأيضا فإن المدعي وأحد الابنين قد اعترف بالدين على الميت وأن الدين
يتعلق بالتركة في حقه وحق أخيه بدليل أن البينة لو قامت به استوفى منهما، فإذا
كان كذلك كان تحقيق الكلام: لك على وعلى أخي، ولو قال هذا لم يجب عليه من حقه إلا نصف الدين.
وهذا الاستدلال لا أراه معتمدا بل الدليل المعتمد هو الاجماع إن كان وإلا كان الاستدلال
علينا لا لنا، لأن أصول مذهبنا تقتضي أن الورثة لا يستحقون شيئا من التركة دون قضاء جميع
الديون، ولا يسوع ولا يحل لهم التصرف في التركة دون القضاء إذا كانت بقدر الدين لقوله
تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، فشرط في صحة الميراث وانتقاله أن يكون ما يفضل
عن الدين فلم يملك الوارث إلا بعد قضاء الدين، وهذا قد ملك قبل قضاء الدين، فإن كان
على المسألة إجماع من أصحابنا فهو الدليل دون غيره.
فأما الأخبار فهي آحاد رواتها رجال العامة وهما خبران قد أوردهما شيخنا أبو جعفر في كتاب
الاستبصار، أحدهما عن الحكم بن عيينة وهو عامي المذهب، والآخر عن أبي البختري
47

وهب بن وهب وهو عامي المذهب كان قاضيا، وإلحاق ذلك بإقرار بعض الورثة بوارث قياس
وهو عندنا باطل، وأيضا فإقرار بعض الورثة بوارث من المعلوم أنه يستحق المقر شيئا من التركة
ولا يحرمها، وإقراره بالدين إقرار بأنه لا يستحق منها شيئا إلا بعد قضائه جميعه فافترق
الأمران، وأيضا فما قال بهذا غير شيخنا أبي جعفر ومن اتبعه وقلده، والسيد المرتضى وشيخنا
المفيد غير قائلين بذلك.
ومن مات وعليه دين يستحب لبعض إخوانه أن يقضي عنه دينه وإن قضاه من سهم
الغارمين من الزكاة كان ذلك جائزا حسب ما قدمناه.
وإذا لم يخلف الميت إلا مقدار ما يكفن به سقط الدين وكفن بما خلف حسب ما
قدمناه، فإن تبرع انسان بتكفينه كان ما خلفه للديان دون الورثة، فإن تبرع عليه آخر
بكفن كان للورثة دون الديان لأن الديان لا يستحقون إلا ما خلفه الميت وهذا ما خلفه
الميت.
وتحرير ذلك أن المتصدق بالكفن الثاني إن قبضه الورثة وتصدق به عليهم وإلا فهو باق على
ملكه وهو بالخيار فيه لأن الصدقة لا يملكها المتصدق بها عليه إلا بعد قبضها، فإذا لم يقبضها
فهي مبقاة على ملك صاحبها، وهذه المسألة ذكرها شيخنا ابن بابويه في رسالته وأطلق القول
فيها وتحريرها ما ذكرناه.
وإن قتل انسان وعليه دين وجب أن يقضى ما عليه من دينه سواء كان قتله عمدا أو
خطأ، فإن كان ما عليه يحيط بدينه وكان قد قتل عمدا لم يكن لأوليائه القود إلا بعد أن
يضمنوا الدين عن صاحبهم، فإن لم يفعلوا ذلك لم يكن لهم القود على حال وجاز لهم
العفو بمقدار ما يصيبهم.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول مذهبنا وما عليه إجماع طائفتنا أن
قتل العمد المحض موجبه القود فحسب دون التملك والله تعالى قال في محكم التنزيل: ولكم
في القصاص حياة، وقال تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا، ولا يرجع عن هذه الأدلة بأخبار
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى أن يخص ما ورد من الأخبار بقتل الخطأ لأن
48

قتل الخطأ يوجب المال بغير خلاف دون القود، فكأنما الميت خلف مالا أو استحق بسببه مال
فيقضي به دينه، وأما قتل العمد المحض فإنه يوجب القود دون المال فكان الميت ما خلف مالا
ولا يستحق بسببه مال، فإن عفت الورثة واصطلح القاتل والورثة على مال فإنهم استحقوه
بفعلهم وعفوهم، وفي قتل الخطأ ما استحقوه بعفوهم بل بسبب الميت لأنهم لا يستحقون غيره،
وفي قتل العمد المحض استحقوا القود دون المال، فمن أبطله عليهم ودفعه عنهم فقد أبطل
سلطانهم الذي جعله الله لهم وخالف ظاهر التنزيل، وأبطل القود إذا لم يؤدوا إلى صاحب
الدين الدية وأسقطوا اللطف الذي هو الزجر في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة، لأن م
ن علم أنه يقتل إذا قتل كف عن القتل فيحيي هو ومن يريد أن يقتله، وأيضا فصاحب الدين
لا يستحق إلا ما يخلف الميت من الأموال وكان مملوكا له في حياته، أو مالا مستحقا بسببه على
ما قلناه في قتل الخطأ لأجل الاجماع والأخبار على قتل الخطأ لأن موجبه المال، وقتل العمد
المحض لا مال ولا موجبه المال، فمن أين يستحق صاحب الدين المال ويمنع من القود حتى
يأخذ المال؟
وقد أورد شيخنا أبو جعفر في تهذيب الأحكام خبرا فحسب في هذا المعنى في باب الديون
وأحكامها، وهو: الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعيد قال:
سألت أبا الحسن الرضا ع عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية
من قاتله أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قال قلت: وهو لم يترك شيئا، قال ع:
إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وليس في هذا الحديث إذا تلقى بالقبول وسلم
ما ينافي ما قلناه لأنه ما قال: قتل عمدا محضا، وإنما قال: أخذ أهله الدية، وهذا يدل على أن
القتل كان موجبه الدية دون القود لأن أهله لا يأخذون الدية بنفس القتل إلا في قتل الخطأ
وقتل العمد شبيه الخطأ، فالخبر دليل لنا لا علينا.
فإن قيل: قد قال في الخبر: فأخذ أهله الدية من قاتله ولو كان القتل خطأ محضا ما أخذوا
الدية من قاتله بل كانوا يأخذونها من عاقلته دونه بغير خلاف.
49

قلنا: يأخذونها أيضا عندنا من القاتل في القتل العمد شبيه الخطأ دون العاقلة فتخص هذه
المواضع بقتل يوجب المال وهما قتلان: قتل خطأ محض وقتل عمد شبيه الخطأ، وإنما منعنا
من القتل العمد المحض الذي لا يوجب المال بل موجبه القود فحسب للأدلة القاهرة المقدم
ذكرها وأعطينا الظاهر حقه لئلا تتناقض الأدلة كما يعمل في آيات القرآن ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه في ذكر الشهادة على الجنايات: إذا ادعى
رجل على رجل أنه جرحه قطع يده أو رجله أو قلع عينه فأنكر، فأقام المدعي شاهدين وهما وارثاه أخواه
أو عماه بذلك لم يخل الجرح من أحد أمرين: إما أن يكون قد اندمل أو لم يندمل، فإن شهدا
بعد اندمال الجرح قبلتا وحكمت بها للمشهود له لأن شهادة الأخ لأخيه مقبولة وهذه الشهادة
بعد الاندمال لا تجر نفعا ولا يدفع بها ضررا، وإن كانت الشهادة قبل اندمال الجرح لم تقبل
هذه الشهادة لأنهما متهمان فإن الجرح قد يصير نفسا فيجب الدية على القاتل ويستحقها
الشاهدان فلهذا لم تقبل.
ثم قال رحمه الله: فرع، إذا ادعى مريض على رجل مالا فأنكر المدعى عليه فأقام المدعي
شاهدين بذلك أخويه أو عميه وهما وارثاه قال قوم: لا تقبل لأنهما متهمان لأن المريض قد
يموت فيكون المال لهما، وقال آخرون: مقبولة غير مردودة، وهو الأصح عندي لأنهما لا يجزان
منفعة ولا يدفعان ضررا، لأن الحق إذا ثبت ملكه المريض، فإذا مات ورثاه عن الميت لا عن
المشهود عليه، وليس كذلك إذا كانت الشهادة بالجناية لأنه متى مات المجني عليه وجبت
الدية بموته على القاتل يستحقها الشاهدان على المشهود عليه فلهذا ردت، هذا آخر كلام شيخنا
في مبسوطه.
ألا ترى أرشدك الله قول شيخنا وفرقه بين المسألتين في الشهادة بالجناية و
الشهادة بالمال، وأن الشهادة بالمال مقبولة وقوله: لأن الحق - يعني بالمال - إذا ثبت ملكه المريض فإذا مات ورثاه
عن الميت لا عن المشهود عليه، وليس كذلك إذا كانت الشهادة بالجناية لأنه متى مات المجني
عليه وجبت الدية بموته على القاتل يستحقها الشاهدان على المشهود عليه فلهذا ردت، فقد أفتى
بأن المال المتروك يستحقه الوارث عن الميت لا على المشهود عليه به، والدية لا يستحقها الوارث
50

عن الميت بل على المشهود عليه لأنها ليس بمال للميت حتى يستحق عنه، ولولا الدليل في
دية الخطأ ودية العمد شبيه الخطأ لما كان كذلك.
ثم قال شيخنا أيضا في مبسوطه: وإذا وجد الرجل قتيلا في داره وفي الدار عبد المقتول كان لوثا
على العبد، وللورثة أن يقسموا أو يثبتوا القتل على العبد ويكون فائدته أن يملكوا قتله عندنا إن
كان عمدا. قال رحمه الله: وفيه فائدة أخرى وهي أن الجناية إذا ثبت تعلق أرشها برقبته فربما
كان رهنا، فإذا مات كان للوارث أن يقدم حق الجناية على حق الرهن، فإذا كانت فيه فائدة
كان لهم أن يقسموا، هذا آخر كلامه رحمه الله فلو كان الدين الذي على المقتول عمدا محضا
يمنع الورثة من القود لما قال ذلك.
وقال أيضا في الجزء الثاني من المبسوط في كتاب التفليس: وإذا جنى على المفلس فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن تكون جناية عمد أو خطاء، فإن كانت خطأ توجب الأرش فإنه قد
استحق الأرش وتعلق به حق الغرماء فيأخذه ويقسمه بينهم، وإن كانت الجناية عمدا توجب
القصاص فإنه مخير بين أن يقتص وبين أن يعدل عن القصاص إلى الأرش إذا بذل له الجاني
وليس للغرماء أن يجبروه على الأرش.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: فإذا مات ورث وارثه ما كان يستحقه من القصاص، لأنه
لا خلاف في أن الوارث يستحق ما كان يستحقه مورثه من جميع الحقوق فمن منع ذلك يحتاج إلى
دليل.
وإذا تبرع انسان بضمان الدين عن الميت في حال حياته أو بعد وفاته برئت ذمة
الميت سواء قضى ذلك المال الضامن أو لم يقض إذا كان صاحب الدين قد رضي به،
فإن لم يكن قد رضي به كان في ذمة الميت على ما كان.
ومن مات وعليه دين مؤجل حل أجل ماله ولزم ورثته الخروج مما كان عليه إن
خلف تركة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكذلك إن كان له دين مؤجل حل أجل ماله وجاز للورثة
المطالبة به في الحال، وقال في مسائل خلافه مسألة: من مات وعليه دين مؤجل حل عليه بموته،
51

وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأكثر الفقهاء إلا الحسن البصري فإنه قال: لا تصير
المؤجلة حالة بالموت، فأما إذا كانت له ديون مؤجلة فلا تحل بموته بلا خلاف إلا رواية شاذة
رواها أصحابنا أنها تصير حالة ثم قال: دليلنا على بطلان مذهب الحسن إجماع الفرقة بل إجماع
المسلمين لأن خلافه قد انقرض وهو واحد لا يعتد به لشذوذه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والذي ذكره شيخنا في مسائل الخلاف هو
الصحيح وبه أفتى وأعمل لأن به تشهد الأدلة القاهرة، وما ذكره رحمه الله في نهايته فهو خبر
شاذ من أخبار الآحاد وأخبار الآحاد لا يجوز العمل بها، وقد شهد بذلك شيخنا في مسائل
الخلاف وقال: إلا رواية شاذة رواها أصحابنا أنه تصير حالة، فلو كان رحمه الله عاملا بأخبار
الآحاد لما قال ذلك ولا ساع له ترك العمل بالرواية وبخبر الواحد، فكل من قال عنه أنه كان
يعمل بأخبار الآحاد فهو محجوج بقوله هذا، وجميع ما يورده ويذكره في نهايته مما لا تشهد
بصحته الأدلة فهي أخبار آحاد يوردها كما أورد هذه الرواية، فلا يظن ظان أنه إذا قال: روى
أصحابنا أو رواية أصحابنا، إن جميع الإمامية روت ذلك وتواترت به وأجمعت عليه، وإنما مراده
رحمه الله أن هذا القول والرواية من جهة أصحابنا وراويها منهم لا من رواية مخالفيهم فهذا
مقصوده ومراده رحمه الله، فلا يتوهم عليه غير ذلك فيغلظ عليه ويعتقد أن جميع ما يورده ويطلقه
في نهايته اعتقاده وحق وصواب عنده.
ومن مات وعليه ديون لجماعة من الناس تحاصوا ما وجد من تركته بمقدار ديونهم ولم
يفضل بعضهم على بعض، فإن وجد واحد منهم متاعه بعينه عنده وكان للميت مال
يقضى ديون الباقين عنه رد عليه بغير نمائه المنفصل عنه كالحمل ولم يحاصه باقي الغرماء،
وإن لم يخلف وفاء لديون الباقين كان صاحبه وباقي الغرماء فيه سواء.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكذلك لو كان حيا والتوى على غرمائه - ومعنى التوى دافع
وماطل - رد عليه ماله ولم يحاصه باقي الغرماء.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: حكم الحي هاهنا بخلاف حكم الميت، لأن
الحي من وجد عين متاعه أخذه بعينه دون نمائه المنفصل ولم يحاصه باقي الغرماء سواء بقي له بعد
52

أخذه وفاء لديون الباقين أو لم يبق، والميت لصاحب المتاع أخذه بشرط أن يكون للميت بعد
أخذه وفاء لديون الباقين.
وإذا مات من له الدين فصالح المدين ورثته على شئ مما كان عليه كان ذلك
جائزا وتبرأ بذلك ذمته إذا أعلمهم مقدار ما عليهم من المال ورضوا - بضم الضاد - بمقدار
ما صالحوه عليه، ومتى لم يعلمهم مقدار ما عليه من المال أو لم يرضوا - بفتح الضاد - به
بعد إعلامهم لم يكن ذلك الصلح جائزا ولم تبرأ بذلك الذمة.
باب بيع الديون والأرزاق:
الدين لا يخلو إما أن يكون مؤجلا أو حالا، فإن كان مؤجلا فلا يجوز بيعه بغير خلاف
على غير من هو في ذمته، فأما إن كان حالا فلا يجوز بيعه بدين آخر لا ممن هو عليه ولا من
غيره بغير خلاف أيضا.
ونهى النبي ع عن بيع الكالئ بالكالئ وهو بيع الدين بالدين. ومثاله: أن يسلم
الانسان في طعام أو غيره إلى وقت معلوم فإذا حل الأجل لم يجد الذي عليه ذلك طعاما فيبتاعه
من الذي هو له بدين إلى أجل آخر، ومثله أيضا: أن يسلم الانسان في طعام ولا يدفع الثمن بل
يبقيه دينا عليه.
وما جرى مجرى ذلك فإن باعه ممن هو عليه بعد حلوله وكان ذهبا فباعه
بذهب أو كان فضة فباعه بذهب أو كان ذهبا فباعه بفضة وجب أن يقبضها في
يقبضها في المجلس قبل أن يفارقه لأن ذلك صرف، وإن أخذ عرضا جاز أن يفارقه قبل
القبض لأنه بيع عرض معين موجود مشاهد بثمن في الذمة، فأما إن باعه على من هو عليه
نقدا ويدا فلا بأس بذلك، وإن كان على غيره فقد قلنا ما عندنا في ذلك في باب وجوب
قضاء الدين إلى الحي والميت وبلغنا فيه إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات وأوضحنا
اعتقادنا فيه بما لا حاجة هاهنا إلى إعادته.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لا بأس أن يبيع الانسان ماله على غيره من الديون نقدا ويكره
53

أن يبيع ذلك نسيئة، ثم قال: ولا يجوز بيعه بدين آخر مثله
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: يكره أن يبيع ذلك نسيئة، لا يصح بل ذلك حرام محظور
غير مكروه بل هذا بعينه بيع الدين بالدين، وإنما يورد أخبار آحاد بألفاظها وإن لم يكن عامه
بها ولا معتقدا لصحتها ولا يكون متناقضا لأقواله لأنه قال بعده: ولا يجوز بيعه بدين آخر مثله،
وذلك أيضا دين.
ثم قال شيخنا: فإن وفى الذي عليه الدين المشتري وإلا رجع على من اشتراه منه بالدرك، ثم
قال: ومن باع الدين بأقل مما له على المدين لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري من المال.
وقال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: ومن باع الدين بأقل مما له على المدين لم يلزم المدين أكثر
مما وزن المشتري من المال، طريف عجيب يضحك الثكلى، وهو أنه إذا كان الدين ذهبا
كيف يجوز أن يبيعه بذهب أقل منه؟ أو إن كان فضة فكيف يجوز له أن يبيعه بفضة أقل منه؟
أو إن كان ذهبا فباعه بفضة أو فضة فباعه بذهب كيف يجوز انفصالهما من مجلس البيع إلا
بعد أن يتقابضا بالمبيع والثمن؟ يقبض البائع الثمن والمشتري المثمن، فإن هذا لا خلاف فيه
بين طائفتنا بل لا خلاف فيه بين المسلمين، وقوله: لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري من
المال.
قال محمد بن إدريس: إن كان البيع المشار إليه صحيحا لزم المدين تسليم ما عليه جميعه وهو
المبيع إلى المشتري لأن هذا صار مالا من أمواله لأنه اشتراه، وقد يجوز أن يشترى الانسان
ما يساوى خمسين قنطارا بدينار واحد إذا كان البائع من أهل البصيرة والخبرة، وإنما هذه أخبار
آحاد أوردها على ما وجدها إيرادا لا اعتقادا.
ولا يجوز أن يبيع الانسان رزقه على السلطان قبل قبضه له لأن ذلك بيع غرر وبيع
ما ليس بملك له لأنه لا يملكه إلا بعد قبضه إياه ولا يتعين ملكه له إلا بعد قبضه إياه،
وكذلك بيع أهل مستحقي الزكوات والأخماس قبل قبضها لأنه لا يتعين ملكها لهم إلا
بعد قبضها، فجميع ذلك غير مضمون وبيعه غير جائز ولا صحيح.
54

باب المملوك يقع عليه الدين ما حكمه:
المملوك إذا لم يكن مأذونا له في الاستدانة ولا في التجارة فكل دين يقع عليه لم يلزم
مولاه شئ منه ولا يستسعي المملوك أيضا في شئ منه بغير خلاف، بل يتبع به إذا لحقه
العتاق.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: بل كان ضائعا يريد به ما دام مملوكا، وقال في نهايته أيضا:
وإن كان مأذونا له في التجارة ولم يكن مأذونا له في الاستدانة فما يحصل عليه من الدين
استسعى فيه ولم يلزم مولاه من ذلك شئ، وقال في مبسوطه: إذا كان العبد مأذونا له في
التجارة نظر، فإن أقر بما يوجب حقا على بدنه قبل عندهم وعندنا لا يقبل، فإن أقر بما يوجب
مالا نظر، فإن كان لا يتعلق بما أذن له فيه في التجارة مثل أن يقول: أ تلفت مال فلان أو
غصبت منه مالا أو استقرضت منه مالا، فإن الاستقراض لا يدخل في الإذن في التجارة لأنه
لا يقبل على ما بيناه ويكون في ذمته يتبع به إذا أعتق، وإن كان يتعلق بالتجارة مثل ثمن
المبيع وأروش العيب وما أشبه ذلك فإنه يقبل إقرار لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به إلا أنه
ينظر فيه، فإن كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل وقضى منه، وإن كان أكثر
كان الفاضل في ذمته يتبع به إذا أعتق.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والذي أختاره وأعمل عليه وأفتى به أن العبد
المأذون له في التجارة لا يستسعي في قضاء الدين بل يتبع به إذا العتاق، وقد رجع شيخنا
أبو جعفر عما ذكره في نهايته في مبسوطه على ما أوردناه عنه، وفي استبصاره في الجزء الثالث من
كتاب العتق فإنه أورد أخبارا، ثم قال: والوجه في الخبرين أنه إنما يكون ذلك على العبد إذا
أعتق إذا لم يكن أذن له في الاستدانة وأنه إنما أذن له في التجارة فلما استدان كان ذلك معلقا
بذمته إذا أعتق، وما ذكره في نهايته خبر واحد لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه.
وقال في نهايته: وإن كان مأذونا له في الاستدانة لزم مولاه ما عليه من الدين إن استبقاه مملوكا
أو أراد بيعه، فإن أعتقه لم يلزمه شئ مما عليه وكان المال في ذمة العبد.
والصحيح الواضح أن المولى إذا أذن للعبد في الاستدانة فإنه يلزمه قضاء الدين سواء باعه أو
55

استبقاه أو أعتقه لأنه وكله في أن يستدين له فالدين في ذمة المولى لا يلزم العبد منه شئ بحال
من الأحوال ولم يزده العتق إلا خيرا، وقد رجع شيخنا أبو جعفر عما ذكره في نهايته في كتاب
الاستبصار في الجزء الثالث، وما ذكره في نهايته خبر واحد رواية ظريف الأكفاني وهو مجهول
خامل الذكر وهو من أضعف أخبار الآحاد أعني هذا الخبر، وقد بينا أن أخبار الآحاد لا
توجب علما ولا عملا وأن شيخنا أبا جعفر رحمه الله أوردها في نهايته إيرادا على ما هي عليه
ورجع عنها عند تحقيق الفتوى في كتبه الباقية على ما قد أوردناه وحكيناه عنه في هذا الكتاب
كثيرا.
وقال في الجزء الثاني من مبسوطه: وإذا أذن لعبده في التجارة فركبه دين، فإن كان أذن له في
الاستدانة فإن كان في يده مال قضاه منه وإن لم يكن في يده مال كان على السيد القضاء عنه،
وإن لم يكن أذن له في الاستدانة كان ذلك في ذمة العبد يطالب به إذا أعتق، وقد روي أنه يستسعي العبد في ذلك، هذا آخر كلامه.
فعلى ما اخترناه من أن العبد إذا كان مأذونا له في الاستدانة يكون الدين في ذمة
مولاه على كل حال، فإن مات المولى وعليه دين كان غرماء العبد وغرماؤه سواء
يتحاصصون ما يحصل من جهته من المال على ما تقتضيه أصول أموالهم من غير تفضيل
بعض منهم على بعض لأن الدينين جميعا دين على المولى الذي هو السيد وفي ذمته.
باب القرض وأحكامه:
القرض فيه فضل كبير وثواب جزيل، وقد روي أنه أفضل من الصدقة بمثله في
الثواب، فإن أقرض مطلقا ولم يشرط الزيادة في قضائه فقد فعل الخير، وإن شرط الزيادة
كان حراما ولم ينعقد العقد وكان فاسدا والملك باقيا على المقرض ولم ينتقل عنه إلى ملك
المستقرض ولا يجوز حينئذ للمستقرض أن يتصرف فيه، ولا فرق بين أن يشرط زيادة في
الصفة أو في القدر، فإذا لم يشرط ورد عليه خيرا منه أو أكثر كان جائزا مباحا، ولا فرق
بين أن يكون ذلك عادة أو لم يكن.
56

وإذا شرط عليه أن يرد خيرا منه أو أكثر منه كان حراما على ما قدمناه، وإن كان من
الجنس الذي لا يجوز فيه الربا مثل أن يقرضه ثوبا بثوبين فإنه حرام لعموم الأخبار.
وقضاء القرض إن كان مما له مثل من المكيل والموزون فإنه يقضيه مثله، وإن كان
مما لا مثل له مثل الثياب والحيوان والخشب يجب عليه قيمته ولا يجب عليه رد العين
المستقرضة لأنها صارت بالقبض والإقباض ملكا للمستقرض وخرجت من ملك
القارض لأن المستقرض عندنا يملك القرض بالقبض بغير خلاف بيننا.
فعلى هذا التحرير لا يجوز للمقرض الرجوع في عين القرض بل له المطالبة بمثله إن
كان له مثل أو بقيمته إن أعوز المثل يوم المطالبة لا يوم إقباض القرض، وإن لم يكن له
مثل وكان يضمن بالقيمة رجع بقيمته يوم إقباض القرض لا يوم المطالبة بالرد.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف: للمقرض الرجوع في عين القرض، وليس
على ما قال دليل ولا دل عليه بشئ يرتضى.
وقال في مبسوطه: لا يجوز إقراض ما لا يضبط بالصفة. والصحيح أن ذلك يجوز لأنه لا خلاف
بين أصحابنا في جواز إقراض الخبز وإن كان لا يضبط بالصفة، لأنهم أجمعوا أن السلم لا يجوز
في الخبز لأن السلف لا يجوز فيما لا يمكن ضبطه بالصفة والخبز لا يضبط بالصفة.
وقال شيخنا رحمه الله أيضا في مبسوطه: يجوز استقراض الخبز إن شاء وزنا وإن شاء عددا لأن
أحدا من المسلمين لم ينكره ومن أنكره من الفقهاء خالف الاجماع، هذا آخر قول شيخنا في
مبسوطه.
ويجوز إقراض الحيوان رقيقا كان أو غيره، فإذا استقرض جارية تنعتق عليه بالملك
فإنه إذا قبضها عتقت عليه وليس له ردها على المقرض ولا له المطالبة بها لأنا قد بينا أنه
يملك بالقبض. وإذا ملك انعتقت عليه.
وإذا كان لرجل على غيره مال حالا فأجله فيه لم يصر مؤجلا ويستحب له أن يفي به
ويؤخر المطالبة إلى محله، فإن لم يفعل وطالب به في الحال كان له سواء كان الدين ثمنا أو
أجرة أو صداقا أو كان قرضا أو أرش جناية، وكذلك إن اتفقا على الزيادة في الثمن
57

لا يصح ولم يثبت، وإن حط من الثمن شيئا أو حط جميعه يصح وكان إبراء ولا يلحق
بالعقد وإنما هو إبراء في الوقت الذي أبرأه منه.
فإذا استقرض الانسان شيئا كان عليه زكاته إذا كانت الشرائط فيه موجودة وتسقط
زكاته عن القارض لأنه ليس بملك له.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إلا أن يشرط المستقرض عليه أن يزكيه عنه فحينئذ يجب
الزكاة على القارض دون المستقرض.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا غير واضح لأنه لا دليل عليه لأنا قد بينا أن
بالقبض يملك المستقرض المال ويخرج من ملك القارض، فكيف يشترط أن يزكي مال الغير
ولا خلاف أن الزكاة تجب على أرباب الأموال دون غيرهم؟ وأيضا كل شرط يخالف
الكتاب والسنة فهو باطل وهذا يخالف الكتاب والسنة ولم يرد به حديث في باب القرض،
فإن شيخنا أبا جعفر رحمه الله ما أورد في تهذيب الأحكام وهو أكبر كتاب له في الأحاديث في
باب القرض حديثا بما ذكره في نهايته والأصل براءة الذمة ووجوب الزكاة على رب المال دون
غيره.
وإذا أقرض الانسان مالا فرد عليه أجود منه من غير شرط كان ذلك جائزا، وإن
أقرض وزنا فرد عليه عددا أو أقرض عددا فرد عليه وزنا من غير شرط زاد أو نقص بطيب
نفس منهما لم يكن بذلك بأس كل ذلك من غير شرط كان ذلك جائزا سائغا، وإن أقرض
شيئا على أن يعامله المستقرض في التجارات جاز ذلك، وإن أعطاه قراضة الذهب أو
مكسرة الفضة فرد عليه الصحاح من الجنسين لم يكن بذلك بأس إذا لم يشرط، فأما إذا
شرط أن يرد عليه الصحاح عوضا مما أخذه منه من المكسرة فإن ذلك حرام محظور.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن أعطاه الغلة - يريد بذلك مكسرة الدراهم - وأخذ منه
الصحاح شرط ذلك أو لم يشرط لم يكن به بأس، وهذا غير واضح لأنه لا خلاف بين أصحابنا
أنه متى اشترط زيادة في العين والصفة كان باطلا والإجماع حاصل منعقد على هذا، وقول
الرسول ع: شر القرض ما جر نفعا، والخبر الذي أورده شيخنا في كتابه تهذيب
58

الأحكام ليس فيه ذكر الشرط ولا في الخبر أنه شرط،
وهو: محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن يعقوب بن شعيب قال:
سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة فيأخذ منه الدراهم
الطازجية طيبة بها نفسه؟ قال: لا بأس، وذكر ذلك عن علي ع.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وليس في هذا الخبر للشرط ذكر، والطازجية - بالطاء غير المعجمة
والزاء المعجمة والجيم - الدراهم البيض الجيدة، وشيخنا أبو جعفر لم يذكر الشرط في سائر كتبه
سوى نهايته فحسب في الغلة التي هي مكسرة الدراهم، بل قال في مبسوطه: لا يجوز أن يشترط
في القرض زيادة العين ولا زيادة الصفة وهو الحق اليقين.
وإن أقرض حنطة فرد عليه شعير أو أقرض شعيرا فرد عليه حنطة أو أقرض جلة من
تمر فرد عليه جلتان أو قوصرة فرد عليه قوصرتان كل ذلك من غير شرط لم يكن به بأس،
وإن أقرض شيئا وارتهن عليه وسوغ له صاحب الرهن الانتفاع به من غير شرط جرى بينهما
جاز له ذلك سواء كان ذلك متاعا أو آنية أو مملوكا أو جارية أو أي شئ كان لم يكن به
بأس.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إلا الجارية خاصة فإنه لا يجوز استباحة وطئها بإباحته إياها
لمكان القرض، والذي عندي في هذا أنه إذا أباح المالك له وطأها من غير اشتراط في القرض
ذلك فإنه جائز حلال، وإنما منع شيخنا من ذلك لأنه في بعض كتبه يراعي في اللفظ من
السيد لفظ التحليل وهو أن يقول له: أحللت لك وطء جاريتي، فمتى لم يقل ذلك وقال غيره
من الألفاظ لم يجز له الوطء بذلك.
مثاله أن يقول له: أبحتك وطء جاريتي، فلا يجوز عنده فلأجل هذا قال: فلا يجوز استباحة
وطئها بإباحته إياها، وقد رجع في مبسوطه وقال: يحل بالإباحة من المولى، وقوله رحمه الله:
لمكان القرض، إن أراد بالتعليل أنه اشترط في القرض فالجميع لا يجوز، وليس الجارية
بالتخصيص أولى من غيرها، وإن أراد أنه لم يشترط في القرض فالجميع أيضا متساو في الإباحة
فلا وجه لقوله: لمكان القرض، حتى تنفرد الجارية بذلك.
59

وإذا أهدي له هدايا فلا بأس بقبولها إذا لم يكن هناك شرط والأفضل تجنب ذلك
أجمع والتنزه عنه، ولا بأس أن يقرض الانسان الدراهم أو الدنانير ويشترط على صاحبه أن
ينقدها له بأرض أخرى لأن هذا الشرط لا في زيادة عين ولا صفة.
ومتى كان له على انسان دراهم أو دنانير أو غيرهما من السلع جاز له أن يأخذ مكان
ماله من غير الجنس الذي له عليه بسعر الوقت، فإن كانت دراهم ويعامل الناس بغيرها
وأسقط السلطان الأولى فليس له إلا مثل دراهمه الأولى ولا يلزمه غيرها مما يتعامل الآن
به إلا بقيمتها من غير الجنس لأنه لا يجوز بيع الجنس بالجنس متفاضلا.
60

شرائع الاسلام
المقصد الخامس: في القرض:
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: في حقيقته:
وهو لفظ يشتمل على إيجال كقوله: أقرضتك، أو ما يؤدي معناه مثل: تصرف فيه أو
انتفع به، وعليك رد عوضه، وعلى قبول وهو اللفظ الدال على الرضا بالإيجاب ولا ينحصر
في عبارة، وفي القرض أجر ينشأ عن معونة المحتاج تطوعا والاقتصار على رد العوض فلو
شرط النفع حرم ولم يفد الملك، نعم لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة جاز، ولو
شرط الصحاح عوض المكسرة قيل يجوز، والوجه المنع.
الثاني: ما يصح إقراضه:
وهو كل ما يضبط وصفه وقدره، فيجوز إقراض الذهب والفضة وزنا والحنطة والشعير
كيلا ووزنا والخبز وزنا وعددا نظرا إلى المتعارف، وكل ما يتساوى أجزاؤه يثبت في الذمة
مثله كالحنطة والشعير والذهب والفضة وما ليس كذلك يثبت في الذمة قيمته وقت التسليم
ولو قيل: يثبت مثله أيضا، كان حسنا، ويجوز إقراض الجواري، وهل يجوز إقراض اللآلئ؟
قيل لا، وعلى القول بضمان القيمة ينبغي الجواز.
61

الثالث: في أحكامه: وهي مسائل:
الأولى: القرض يملك بالقبض لا بالتصرف لأنه فرع الملك فلا يكون مشروطا به،
وهل للمقرض ارتجاعه؟ قيل نعم، ولو أكره المقترض وقيل لا، وهو الأشبه لأن فائدة الملك
التسلط.
الثانية: لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم وكذا لو أجل
الحال لم يلزم وكذا لو أجل الحال لم يتأجل، وفيه رواية مهجورة تحمل على الاستحباب، ولا فرق بين أن يكون مهرا أو
ثمن مبيع أو غير ذلك، ولو أخر بزيادة فيه لم يثبت الزيادة ولا الأجل، نعم يصح تعجيله
بإسقاط بعضه.
الثالثة: من كان عليه دين وغاب صاحبه غيبة منقطعة يجب أن ينوي قضاءه وأن
يعزل ذلك عند وفاته ويوصي به ليوصل إلى ربه أو إلى وارثه إن ثبت موته، ولم لم يعرفه اجتهد
في طلبه ومع اليأس يتصدق به عنه على قول.
الرابعة: الدين لا يتعين ملكا لصاحبه إلا بقبضه، فلو جعله مضاربة قبل قبضه لم
يصح.
الخامسة: الذمي إذا باع مالا يصح للمسلم تملكه كالخمر والخنزير جاز دفع
الثمن إلى المسلم عن حق له، وإن كان البائع مسلما لم يجز.
السادسة: إذا كان لاثنين مال في ذمم ثم تقاسما بما في الذمم فكل ما يحصل لهما وما
يتوى منهما.
السابعة: إذا باع الدين بأقل منه لم يلزم المدين أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بدله
على رواية.
المقصد السادس: في دين المملوك:
لا يجوز للمملوك أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ولا غير ذلك من العقود ولا بما في
يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ولو حكم له بملكه، وكذا لو أذن له المالك أن يشتري لنفسه،
وفيه تردد لأنه يملك وطء الأمة المبتاعة مع سقوط التحليل في حقه، فإن أذن له المالك في
62

الاستدانة كان الدين لازما للمولى إن استبقاه أو باعه، فإن أعتقه قيل: يستقر في ذمة العبد،
وقيل: بل يكون باقيا في ذمة المولى، وهو أشهر الروايتين، ولو مات المولى كان الدين في
تركته ولو كان له غرماء كان غريم العبد كأحدهم.
وإذا أذن له في التجارة اقتصر على موضع الإذن، فلو أذن له بقدر معين لم يزده ولو أذن
له في الابتياع انصرف إلى النقد، ولو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمة المولى ولو تلف
الثمن وجب على المولى عوضه، وإذا أذن له في التجارة لم يكن ذلك إذنا لمملوك المأذون
لافتقار التصرف في مال الغير إلى صريح الإذن، ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة
فاستدان وتلف المال كان لازما لذمة العبد وقيل: يستسعي فيه معجلا، ولو لم يأذن له في
التجارة ولا الاستدانة فاستدان وتلف المال كان لازما لذمته يتبع به دون المولى.
فرعان:
الأول: إذا اقترض أو اشترى بغير إذن كان موقوفا على إذن المولى، فإن لم يجز كان
باطلا وتستعاد العين، فإن تلفت يتبع بها إذا أعتق وأيسر.
الثاني: إذا اقترض مالا فأخذه المولى فتلف في يده كان المقرض بالخيار بين مطالبة
المولى وبين اتباع المملوك إذا أعتق وأيسر.
خاتمة:
أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع وأجرة ناقد الثمن ووزانه على المبتاع وأجرة
بائع الأمتعة على البائع ومشتريها على المشتري، ولو تبرع لم يستحق أجرة ولو أجاز المالك،
وإذا باع واشترى فأجرة بيع على الآمر ببيعه وأجرة الشراء على الآمر بالشراء ولا يتولاهما
الواحد، وإذا هلك المتاع في يد الدلال لم يضمنه ولو فرط ضمن، ولو اختلفا في التفريط كان
القول قول الدلال مع يمينه ما لم يكن بالتفريط بينة وكذا لو ثبت التفريط واختلفا في القيمة.
63

الجامع للشرائع
باب الدين:
والدين: ما ثبت في الذمة بقرض أو بيع أو إتلاف أو جناية أو نكاح أو خلع أو نفقة
زوجة وبسبب جناية من يعقل عنه، وكل قرض دين ولا ينعكس، والدين مكروه
إلا لضرورة لحاجته وحاجة عياله، فإن كان له ما يقضى منه أو ولي يقضي عنه جاز،
ولا يستدين في الحج إلا إذا كان له ما يقضى منه، وإذا وجد المضطر الصدقة قبلها لأنها حقه،
وإذا استدان فلينو قضاه يعنه الله عليه فإن لم ينو فهو كالسارق. وإذا نكح لا ينوي قضاء
المهر فهو كالزنى.
ويكره أن ينزل على غريمه فإن نزل فلا يكن أكثر من ثلاث، وأن يقبل منه هدية لم
يعتدها فإن قبلها استحب له أن يحسبها من الدين، ولا يطالبه في الحرم ولا يسلم عليه فيه
لئلا يروعه حتى يخرج. ويجب أداء الدين ويتضيق عند المطالبة واليسار، فإن مطله لغير
عذر فله إثبات دينه عند الحاكم وللحاكم حبسه وجبره على أداء الحق، فإن كان معه من
جنس دينه وإلا أجبر على البيع والإيفاء أو فعل الحاكم ذلك، وإن كان غائبا قضى عليه
الحاكم وأوفى غريمه بعد إقامة كفيل بالمال، فإن جاء الغائب بما يبطل الدعوى رجع على
الكفيل بذلك فإن كان عين ماله قائمة استرجعها.
فإن كان مال الغريم غائبا أنظر حتى يحضر، فإن كان معسرا أنظر حتى يوسر، فإن لم
يعلم الحاكم حاله حبسه حتى يبين أمره، فإذا بأن عسره خلاه وأمره بالتكسب لنفسه
وعياله على الاقتصاد لا سرف ولا تقتير وما فضل لدينه، فإن قدمه إلى الحاكم وخاف
64

الحبس إن أقر جاز أن يحلف وينطوي على القضاء عند اليسر، وإن كان الدين مؤجلا لم يحل
المطالبة به حتى يحل، ويجوز تعجيل المؤجل بالوضع منه ولا يجوز تأجيله بالزيادة فيه،
ولا تباع في الدين دار السكنى والخادم، وإن كانت الدار كبيرة يكفيه وعياله بعضها باع
الفاضل وقضى به وكذا لو كان في بعض الخدم كفايته.
وإن أحلف غريما له عند الحاكم على دين جحده لم يجز له مطالبته به ظاهرا، وإن ظفر له
بمال فله أن يأخذ قدر حقه على كراهة، وإن لم يحلفه جاز أن يأخذ من ماله بقدره من الجنس
وغيره ويكره إن كان المال وديعة، فإن استودعه وديعة فجحدها وحلفه عليها الحاكم ثم
جاء الحالف تائبا برأس المال وربحه أخذه ونصف الربح وحلل المستودع منه لتوبته وهذا
ندب لأن ربح الوديعة لصاحبها.
وإذا أقر له الغريم بدينه ومطله مع يساره جاز أن يأخذ من ماله قدر ما عليه، وإذا
استدان ممن لا يعرفه وغاب أو غصب منه تصدق به عنه فإن عرفه نوى قضاه، فإن حضره
الموت وصى إلى ثقة به واجتهد الوصي في طلبه، فإن مات طلب وارثه فإن لم يجده تصدق به
عنه، ويجب أن يقضي الزوج الغائب عن زوجته ما استدانته في نفقتها بالمعروف دون
الزيادة، فإن كان حاضرا ومنعها جاز لها أن تأخذ من ماله لها ولولده بالمعروف من جنس
النفقة وغير جنسها، ولا يصح جعل الدين شركة ولا مضاربة ولا رهنا حتى يقبض.
وإذا كان لشريكين ديون على جماعة فاحتال كل منهما بغريم فقبض أحدهما دون
الآخر فالمقبوض وغير المقبوض بينهما على الشركة.
ويبدأ من تركة الميت بكفنه ثم دينه ثم الوصية ثم الإرث، فالدين يقضى من أصل المال
فإن ادعي على الميت دين ببينة عادلة من الورثة أو غيرهم و حلف معها المدعي أن حقه
ثابت على الميت الآن قضي له، فإن امتنع من اليمين لم يعط شيئا، ويحكم له بشاهدين
وشاهد وامرأتين وشاهد ويمين وامرأتين ويمين، فإن لم يقم بينة أو أقامها ولم يحلف وادعى على
الوارث العلم فله عليه اليمين أنه لا يعلم، وإن لم يدع العلم فلا يمين
له، فإن أقر بعض الورثة ممن ليس بعدل بالدين حكم عليه بما يصيبه منه، وقيل: لا يرث
شيئا حتى يقضى الدين.
65

ولا يجب على وارثه قضاء دينه إذا لم يخلف تركة ويستحب لهم ولغيرهم قضاؤه، وإن
قضوه من سهم الغارمين من الزكاة جاز إن كان أنفقه في غير معصية، وإن تبرع شخص
بالقضاء عنه وقد خلف مالا برأت ذمته وكان ما خلف لورثته، وإن قتل وعليه دين قضي من
ديته عمدا أو خطأ وليس للوارث القصاص حتى يضمن الدين ويرضى صاحبه.
ومن ضمن دينا عن حي أو ميت برضا صاحبه برأت ذمته قضى الضامن أو لم يقض،
فإن لم يرض صاحب الدين فالدين في ذمة الميت، ويحل الدين المؤجل بموت من هو عليه،
وروي أنه يحل بموت من هو له أيضا، وإن كان عليه ديون ولم يف ماله بها وزع عليهم
بحساب ديونهم وليس لأحد منهم اختيار عين ماله، فإن خلف وفاء فله أخذها، ومن مات
وعليه دين يحيط بتركته لم ينفق منها على عياله وإن لم يحط بها أنفق عليهم من وسطها، ومن
كان عليه دين لميت فسلمه إلى ورثته برأت ذمته فإن لم يقضهم فهو للميت في الآخرة.
ومن قدم غريما إلى سلطان ليحلف له فترك اليمين إعظاما لله تعالى لم يرض الله له إلا
منزلة إبراهيم ع، ويكره الاستقصاء في الحق فمن استقصى فقد أساء وإذا أقر
المريض في مرضه بما عليه ومات فيه لم يحلف الغريم، ومن له على غيره حق ولذلك عليه
مثله من جنسه تساقطا، وإن لم يكن من جنسه لم يتساقطا إلا بالتراضي.
66

باب القرض:
والتصرف في مال اليتيم والمعتوه ودين العبد:
قرض الدرهم أفضل من صدقته، الصدقة بعشرة والفرض بثمانية عشر، ولأن يقرض
الدينار مرتين خير من الصدقة به مرة، والمعروف في قوله تعالى: إلا من أمر بصدقة
أو معروف، القرض.
ويصح قرض ذوات الأمثال كالحبوب والأدهان وما يصح السلف فيه، وهو الممكن
تحديده بالوصف كالثياب والحيوان والعبيد والإماء لذي محرم لها كالأب والأخ ولغيره، ويرد
المثل فيما له مثل والقيمة حين القرض فيما لا مثل له، ولا يصح قرض ما لا يضبط بالوصف
كالجوهر، وقرض الخبز جائز وقد سبق الاجماع فيه ويرد بدله وزنا أو عددا وإن رد بدل
القرض من غير جنسه أو أقل منه قدرا أو دون صفته مع الرضا جاز، وإن رد خيرا منه قدرا
أو صفة وكان القرض مطلقا كان حسنا وهو الفضل ويكون الزيادة على القدر هبة.
وإن وقع مشروطا بالزيادة في القدر أو الصفة أو شرط عليه رهنا شرط الانتفاع به
المقرض كان حراما، وقبل: يملكه المستقرض، وقيل لا يملكه، وإن أقرضه على أن يرد عليه
مثله وزنا وصفة في بلد آخر أو أن يعامله في تجارة أو أن يبيع له أو كان من عادته أن يرد
الزيادة على من يستقرض منه جاز ذلك، وإن أقرضه ثوبا على أن يرد عليه ثوبين كان حراما
ويملك المقترض القرض بقبضه، والرجوع للمقرض فيه إن كان وإلا فالبدل في ذمته، وإن
أقرضه نصف دينار فرد عليه دينارا بعضه قضاء وبعضه وديعة لم يلزمه قبوله، وإن قبله جاز
67

وجاز لكل واحد منهما التصرف في نصفه مشاعا.
والقرض دين حال غير مؤجل فإن شرط تأجيله لم يصح الشرط، وإن ارتهن على
القرض رهنا وسوغ صاحب الرهن الانتفاع به وكان القرض مطلقا جاز وله الرجوع في
العارية، ويجوز أن يبيع سلعة وشرط أحدهما صاحبه أن يقرضه قرضا إلى أجل أو مطلقا لأن
القرض حسن والبيع جائز فلا وجه للفساد، وقيل للصادق ع: إن عندنا يروون
أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، فقال: أو ليس خير القرض ما جر منفعة، ومن أقرض
غيره دراهم ثم سقطت وجاء غيرها كان له الدراهم الأولى.
وإذا أوصله درهما على أنه جيد فخرج رديئا لم يكن له رده عليه وأخذ بدله من ملكه من
غير معرفته به.
ويجوز لولي اليتيم والمعتوه التجارة في ماله نظرا له، فإن ربح فله وإن وضع فعليه،
ويشترى له ويبيع من ماله ماله فيه الحظ، وينفق عليه بالمعروف، فإن زاد ضمن الزيادة. وإن
أقرض ماله لمصلحته أشهد وارتهن ما يفي بالقيمة أو أكثر منها، وإن اقترضه الولي وكان له
ما يقضى لو تلف وفيه مصلحة لليتيم جاز، وإن لم يكن له ما يقضى أو لم يكن وليا فالربح
لليتيم والخسران عليهما، وإذا باع له الأب أو الحد للأب ثم بلغ فادعى أنه لم يكن لمصلحة لم
يقبل قوله، ويقبل مع يمينه في غيرهما من الأولياء إلا أن يقوم بينة بأنه كان لمصلحة أو غبطة
والأولى أن لا يحتاج إلى بينة، فإن ادعى الولي تسليم المال إليه بعد بلوغه فأنكر فعلى الولي
البينة وإلا فاليمين على المذكور ويغرم له، وإن ادعى الانفاق بالمعروف فالقول قوله مع يمينه
للمشقة.
ولا يصح بيع الصبي وشراءه وإن أذن له الولي، وللولي إذا كان فقيرا أن يأخذ من
مال المولى عليه أقل الأمرين من كفايته أو أجرة مثله، وقيل: يأخذ أجرة المثل ولا قضاء
عليه، وإن كان خلطه بنفسه وعياله أصلح له جاز وإن كان الإفراد أصلح لم يجز خلطه،
ولا بأس أن يسوي بينهم في المأكول فأما الملبوس فيثبت على كل منهم حاجته، وإذا خلطهم
بنفسه وعياله اجتهد على تفضيل نفسه وعياله ويتصرف في مال اليتيم جده لأبيه ثم الوصي
فإن لم يكونا أو كانا خائنين فالحاكم، فإن كان الوصي ثقة ضعيفا قواه بآخر، وإذا رأى
68

الولي صلح من لليتيم عليه مال صلاحا فعل وصح.
والعبد إذا أدان بإذن سيده فالدين على السيد، وإن كان بغير إذن سيده وأذن له في
التجارة قضى مما في يده، فإن عجز استسعى فيه، وإن لم يأذن له في التجارة والدين اتبع به
إذا عتق، وإن استقرض بغير إذنه رجع المقرض في قرضه، فإن كان تالفا اتبع به بعد العتق
واليسار، وإن أقر بسرقة وأنكرها المولى لم يقطع وإذا عتق غرم ما أقر به، وإن أقر بجناية
عمد أو خطاء وبسرقة واعتراف السيد بالكل قطع العبد واسترجعت عين السرقة وإن كان
أتلفها فبعد العتق واليسار وتثبت الجناية، وإن أنكر السيد لم يقبل إقراره ويقبل بعد العتق،
وإن أذن لي في ضمان دين غيره فكما إذا أذن له في النكاح.
69

قواعد الأحكام
كتاب الدين وتوابعه
وفيه مقاصد:
الأول: في الدين: وفيه مطلبان:
الأول:
يكره الاستدانة اختيارا وتخف الكراهية لو كان له ما يرجع إليه لقضائه،
وتزول مع الاضطرار إليه فيقتصر على كفايته ومؤنة عائلته على الاقتصاد، ويجب
العزم على القضاء، ويكره لصاحب الدين النزول عليه فإن فعل فلا يقيم أكثر من
ثلاثة أيام، وينبغي له احتساب ما يهديه إليه مما لم تجر له به عادة من الدين،
والأفضل للمحتاج قبول الصدقة ولا يتعرض للدين، ولو التجأ المديون إلى الحرم لم
يجز مطالبته أما لو استدان فيه فالوجه الجواز.
ويجب على المديون السعي في قضاء الدين وترك الإسراف في النفقة بل يقنع
بالقليل ولا يجب أن يضيق على نفسه، ولو طولب وجب دفع ما يملكه أجمع عدا
دار السكنى، وعبد الخدمة وفرس الركوب وقوت يوم وليلة له ولعياله إن كان
حالا وعند حلول الأجل مع المطالبة إن كان مؤجلا، ولا يصح صلاته في أول
وقتها ولا شئ من الواجبات الموسعة المنافية في أول أوقاتها قبل القضاء مع المطالبة
وكذا غير الدين من الحقوق كالزكاة والخمس، وتباع دار الغلة وفاضل دار السكنى
ودار السكنى إن كانت رهنا.
70

ولو غاب المدين وجب على المديون نية القضاء والعزل عند وفاته والوصية به
ليوصل إلى مالكه أو وارثه، ولو جهله اجتهد في طلبه، فإن أيس منه قيل: يتصدق
به عنه، والمعسر لا يحل مطالبته ولا حبسه ويجوز له الانكار والحلف إن خشي
الحبس مع الاعتراف ويوري وينوي القضاء مع المكنة، ولو استدانت الزوجة النفقة
الواجبة وجب على الزوج دفع عوضه.
ولا تصح المضاربة بالدين قبل قبضه لأن تعينه بقبضه، فإن فعل فالربح
بأجمعه للمديون إن كان هو العامل وإلا فللمالك وعليه الأجرة، ويصح بيع الدين
على من هو عليه وعلى غيره، ويجب على المديون دفع الجميع إلى المشتري وإن كان
الثمن أقل على رأي، ولو باع الذمي على مثله خمرا أو خنزيرا جاز أخذ الثمن في
الجزية والدين، ولو كان البائع مسلما لم يحل.
ولا يصح قسمة الدين فلو اقتسما ما في الذمم كان الحاصل لهما والتالف منهما،
نعم لو أحال كل منهما صاحبه بحصته وقبل المدينان صح، ولا يصح بيع الدين
بدين آخر ولا بيعه نسيئة، ولو كان الثمن والمثمن من الربويات اشترط في بيعه
بجنسه التساوي قدرا، والحلول وأرزاق السلطان لا يصح بيعها إلا بعد قبضها وكذا
السهم من الزكاة والخمس.
المطلب الثاني: في القرض:
وفيه فضل كثير وهو أفضل من الصدقة بمثله من الثواب ولا بد فيه من إيجاب
صادر عن أهله كقوله: أقرضتك أو تصرف فيه أو انتفع به أو ملكتك وعليك رد
عوضه، وشبهه، وقبول وهو ما يدل على الرضا قولا وفعلا، وشرطه عدم الزيادة في
القدر أو الصفة فلو شرطها فسد ولم يفد جواز التصرف وإن لم يكن ربويا، ولو تبرع
المقترض بالزيادة جاز، ولو شرط رد المكسرة عوض الصحيحة أو الأنقص أو تأخير
القضاء لغا الشرط وصح القرض لأنه عليه لا له، ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز
71

لأنه إحكام ماله.
أما لو شرط رهنا بدين آخر فالأقرب الجواز، وكذا يجوز لو أقرضه بشرط أن
يقترض منه أو يقرضه آخر أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه،
ولو قال: أقرضتك بشرط أن أقرضك غيره، صح ولم يجب الوعد بخلاف البيع،
ويصح قرض كل ما يضبط وصفه وقدره، فإن كان مثليا ثبت في الذمة مثله
كالذهب والفضة وزنا والحنطة والشعير كيلا ووزنا والخبز وزنا و عددا للعرف،
وغير المثلي تثبت قيمته وقت القرض لا يوم المطالبة، ولو تعذر المثل في المثلي
وجبت القيمة يوم المطالبة، ويجوز اقتراض الجواري واللآلئ لما قلناه من ضمان
القيمة.
ويملك المقترض القرض بالقبض فليس للمقرض ارتجاعه بل للمقترض دفع
المثل مع وجود الأصل، فلو اقترض من ينعتق عليه انعتق بالقبض، ولو شرط الأجل
في القرض لم يلزم لكن يصح أن يجعل أجله شرطا في عقد لازم فيلزم، وكذا لا يلزم
لو أجل الحال بزيادة فيه ولا يثبت الزيادة، وله تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه مع
التراضي.
فروع:
أ: لو قال: ملكتك وعليك رد عوضه، فهو قرض، ولو قال: ملكتك،
وأطلق ولم توجد قرينة دالة على القرض كسبق الوعد به فهو هبة، فإن اختلفا
احتمل تقديم قول الواهب لأنه أبصر بنيته وتقديم المتهب قضية للظاهر من أن
التمليك من غير عوض هبة.
ب: لو رد المقترض العين في المثلي وجب القبول وإن رخصت، وكذا غير
المثلي على إشكال منشأه إيجاب قرضه القيمة.
ج: للمقرض مطالبة المقترض حالا بالجميع وإن أقرضه تفاريق، ولو أقرضه
72

جملة فدفع إليه تفاريق وجب القبول.
د: لو اقترض جارية كان له وطؤها وردها إذا لم تنقص على المالك مجانا،
ولو حملت صارت أم ولد يجب دفع قيمتها، فإن دفعها جاهلا بحملها ثم ظهر استردها
وفي الرجوع بمنافعها إشكال، ويدفع قيمتها يوم القرض لا يوم الاسترداد.
ه‍: لو أقرضه دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن أو قبة من طعام غير معلومة
الكيل أو قدرها بمكيال معين أو صنجة معينة غير معروفين عند الناس لم يصح لتعذر
رد المثل.
و: ينصرف إطلاق القرض إلى أداء المثل في مكانه، فلو شرط القضاء في بلد
آخر جاز سواء كان في حمله مؤنة أولا، ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد
أو فيه مع شرط غيره وجب الدفع مع مصلحة المقترض، ولو دفع في غير بلد الإطلاق
أو الشرط وجب القبول مع مصلحة المقرض.
ز: لو اقترض نصف دينار فدفع دينارا صحيحا وقال: نصفه قضاء ونصفه
أمانة، جاز ولم يجب القبول. أما لو كان له نصف آخر فدفعه عنهما وجب القبول.
ح: لو دفع ما اقترضه ثمنا عن سلعة اشتراها من المقرض فخرج الثمن زيوفا،
فإن كان المقرض عالما وكان الشراء بالعين صح البيع وعلى المقترض رد مثل
الزيوف، وإن كان في الذمة طالبه بالثمن وللمشتري احتساب ما دفعه ثمنا عن
القرض، ولو لم يكن عالما وكان الشراء بالعين كان له فسخ البيع.
ط: لو قال المقرض: إذا مت فأنت في حل، كان وصية، ولو قال: إن، كان
إبراء باطلا لتعلقه على الشرط.
ي: لو اقترض ذمي من مثله خمرا ثم أسلم أحدهما سقط القرض، ولو كان
خنزيرا فالقيمة.
يا: لو دفع المديون أعواضا على التفاريق من غير جنس الدين قضاء ثم تغيرت
الأسعار كان له سعر يوم الدفع لا وقت المحاسبة، وإن كان مثليا، ولو كان الدفع
73

قرضا لا قضاء كان له المثل إن كان مثليا وإلا فالقيمة وقت الدفع لا وقت المحاسبة
في البابين معا.
يب: ويجوز بيع الدين بعد حلوله على الغريم وغيره بحاضر أو مضمون حال لا
بمؤجل.
يج: لا يجب دفع المؤجل سواء كان دينا أو ثمنا أو قرضا أو غيرها قبل
الأجل، فإن تبرع لم يجب أخذه، وإن انتفى الضرر بأخذه ومع الحلول يجب قبضه،
فإن امتنع دفعه إلى الحاكم ويكون من ضمان صاحبه، وكذا البائع سلما يدفع إلى
الحاكم مع الحلول ويبرأ من ضمان المشتري وكذا كل من عليه حق حال أو مؤجل
فحل فامتنع صاحبه من أخذه، ولو تعذر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه فالأقرب
أن هلاكه منه لا من المديون.
يد: لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط وليس لصاحبه المطالبة
في الحال.
يه: لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه
إلا الدراهم الأولى، فإن تعذرت فقيمتها وقت التعذر ويحتمل وقت القرض من غير
الجنس لا من الدراهم الثانية حذرا من التفاضل في الجنس المتحد وكذا لو جعل
قيمتها أقل، ولو ضارب فالأقرب أن رأس المال الدراهم الساقطة مع احتمال جبر
النقص بالربح، ولو سقطت أو نقصت بعد البيع لم يكن للبائع إلا النقد الأول،
ولو تعاملا بعد النقص والعلم فلا خيار وإن كان قبل العلم، فالوجه ثبوت الخيار
للبائع سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره.
74

اللمعة الدمشقية
كتاب الدين
وهو قسمان:
الأول: القرض:
والدرهم بثمانية عشر درهما مع أن درهم الصدقة بعشرة. والصيغة: أقرضتك أو
انتفع به أو تصرف فيه وعليك عوضه، فيقول المقترض: قبلت وشبهه. ولا يجوز اشتراط
النفع فلا يفيد الملك حتى الصحاح عوض المكسرة خلافا لأبي الصلاح وإنما يصح
إقراض الكامل، وكلما يتساوى أجزاؤه يثبت في الذمة مثله، وما لا قيمته يوم القبض
وبه يملك فله رد مثله وإن كره المقرض ولا يلزم اشتراط الأجل فيه وتجب نية القضاء
وعزله عند وفاته والإيصاء به لو كان صاحبه غائبا ولو يئس منه تصدق به عنه.
ولا تصح قسمة الدين بل الحاصل لهما والثاوي منهما، ويصح بيعه بحال لا بمؤجل
وبزيادة ونقيصة إلا أن يكون ربويا، ولا يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري إلا ما دفع،
على رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا ع، ومنع ابن إدريس من
بيع الدين على غير المديون والمشهور الصحة، ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم ثم قضى
منه دين المسلم صح قبضه ولو شاهده، ولا تحل الديون المؤجلة بحجر المفلس خلافا لابن
الجنيد رحمه الله وتحل إذا مات المديون، ولا تحل بموت المالك، وللمالك انتزاع السلعة في
الفلس إذا لم تزد زيادة متصلة، وقيل: يجوز وإن زادت.
وغرماء الميت سواء في تركته مع القصور ومع الوفاء لصاحب العين أخذها في
المشهور، وقال ابن الجنيد: يختص بها وإن لم يكن وفاء. ولو وجدت العين ناقصة بفعل
75

المفلس ضرب بالنقص مع الغرماء مع نسبته إلى الثمن ولا يقبل إقراره في حال التفليس
بعين لتعلق حق الغرماء ويصح بدين ويتعلق بذمته فلا يشارك المقر له وقوى الشيخ
المشاركة.
ويمنع المفلس من التصرف في أعيان أمواله وتباع وتقسم على الغرماء ولا يدخر
للمؤجلة شئ ويحضر كل متاع في سوقه، ويحبس لو ادعى الإعسار حتى يثبت فإذا ثبت
خلي سبيله، وعن علي ع: إن شئتم آجروه وإن شئتم استعملوه. وهو يدل على
وجوب التكسب واختاره ابن حمزة رحمه الله ومنعه الشيخ وابن إدريس، والأول أقرب.
وإنما يحجر على المديون إذا قصرت أمواله عن ديونه وطلب الغرماء الحجر بشرط حلول
الديون، ولا تباع داره ولا خادمه ولا ثياب تجمله، وظاهر ابن الجنيد بيعها، واستحب
للغريم تركه والروايات متضافرة بالأول.
القسم الثاني: دين العبد:
لا يجوز له التصرف في نفسه ولا فيما بيده إلا بإذن السيد، فلو استدان باذنه فعلى
المولى وإن أعتقه، ويقتصر في التجارة على محل الإذن وليس له الاستدانة بالإذن في
التجارة فيلزم ذمته لو تلف يتبع به به عتقه على الأقوى، وقيل: يسعى فيه. ولو أخذ المولى
ما اقترضه تخير المقرض بين رجوعه على المولى وبين اتباع العبد.
76

كتاب الرهن
77

المقنع
باب الرهن
إذا رهن رجل عندك رهنا على أن يخرجه إلى أجل فلم يخرجه فليس لك أن تبيعه.
فإن الرهن رهن إلى يوم القيامة. فإن اشترط أنه إن لم يحمل في يوم كذا وكذا فبعه. فلا بأس
أن تبيعه إذا جاء الأجل ولم يحمل. وإن كان فيه فضل فبعه وأمسك ما فضل حتى يجئ
صاحبه فرد عليه، وإن كان فيه نقصان فعلى الله الأجر.
فإن رهن رجل عند رجل دارا فاحترقت وانهدمت، فإن ماله في تربة الأرض. فإن
رهن عنده مملوكا فأجذم، أو رهن عنده متاعا فلم ينشر المتاع ولم يحركه ولم يتعاهد
فانفسد. فإن ذلك لم ينقص من ماله شيئا. فإن رهن عنده رهنا فضاع أو أصابه شئ رجع
بماله عليه. فإن هلك بعضه وبقي بعضه فإن حقه في ما بقي. فإن ضيعه المرتهن من غير أن
ضاع فإن عليه أن يرد على الراهن، الفاضل إن كان فيه. وإن كان ساوى مقدار حقه
وضيعته فليس عليه شئ، وإن كان الرهن أقل من ماله أدى الراهن إليه فضل ماله.
فإن اختلف رجلان في الرهن، فقال أحدهما: رهنته بألف درهم وقال الآخر: بمائة
درهم فإنه يسأل صاحب الألف البينة. فإن لم يكن له بينة حلف صاحب المائة. وإن قال
أحدهما: هو رهن وقال الآخر: هو وديعة عندك فإنه يسأل صاحب الوديعة ببينة، فإن لم تكن
بينة حلف صاحب الرهن.
وإن رهن رجل عند رجل دارا لها غلة فالغلة لصاحب الدار. وإن رهن أرضا
فقال الراهن ازرعها لنفسك فليزرعها وله ما حل منها كما أحله، لأنه يزرعها بماله ويعمرها.
79

وسئل أبو الحسن ع عن رجل هلك أخوه وترك صندوقا فيه رهون
وبعضها عليه اسم صاحبها وبكم هو رهن، وبعضها لا يدرى لمن هو وربكم هو ولا بكم هو
رهن. ما ترى في هذا الذي لا يعرف صاحبه؟ فقال: هو كماله.
فإن رهن رجل أرضا فيها ثمر فإن ثمرها من حساب ماله وله حساب ما عمل
فيها وأنفق عليها. وإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها.
واعلم أنه متى ما رهن رجل عند رجل رهنا فضاع من غير أن يضيعه فهو من مال
الراهن ويرتجع المرتهن عليه بماله. وليس على مستعير عارية ضمان إلا أن يشترط، إلا
الذهب والفضة لأنهما مضمونان، شرط أم لم يشرط. وصاحب الوديعة والرهن مؤتمنان. فإن
أعطى رجل رجلا مالا مضاربة ونهاه من أن يخرج من البلاد فخرج به، فإنه يضمن المال
إن هلك والربح بينهما. وكان أمير المؤمنين ع يضمن القصار والصائغ وكل من
أخذ شيئا ليصلحه فأفسده. وكان أبو جعفر ع يتفضل على القصار والصائغ
إذا كان مأمونا.
80

المقنعة
باب الرهون:
ولا يصح الارتهان إلا بالقبض فإذا رهن الانسان شيئا وقبضه المرتهن منه لم يكن
للراهن والمرتهن أن يتصرف فيه، فإن كان الرهن دارا مسكونة فأجرتها للراهن وإن كانت
غير مسكونة لم يكن لأحدهما سكناها ولا إسكانها إلا أن يصطلحا على ذلك، وإن كان
الرهن ضيعة لم يكن للراهن والمرتهن زراعتها ولا إجارتها إلا على الصلح حسب
ما ذكرناه، فإن باع الراهن العقار كان بيعه مفسوخا وإن استأنف إجارته كانت باطلة، وإن
كان الراهن عبدا أو أمة فأعتقه مالكه لم ينعتق، وإن دبره كان تدبيره باطلا وإن كاتبه لم
تصح مكاتبته، وليس له وطء أمته المرهونة ولا استخدامها.
وإن باع المرتهن الرهن قبل الأجل أو بعده كان البيع باطلا، فإن أمضاه الراهن رجع
على المرتهن بما يفضل من قيمته عن الدين إن فضل ذلك وإن نقص عن قدر الدين كان
عليه الخروج إليه بتمامه، وإن استوى ثمن الرهن والدين لم يؤذن لأحدهما شئ بعد إمضاء
الراهن البيع، وإذا هلك الرهن من حرز المرتهن فهو من مال الراهن ويرجع المرتهن على
صاحبه بما ارتهنه عليه، فإن هلك من تفريط المرتهن فيه كان ضامنا له وقاص الراهن
بقيمته، فإن فضلت عن الدين رد الفضل على صاحبه وإن نقصت طالبه بالتمام دون
الأصل.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن ولم تكن لأحدهما بينة كان القول قول
صاحب الرهن مع يمينه بالله عز وجل في قيمة الرهن يوم هلك دون يوم قبضه، وإن نقص
81

الرهن فهو على صاحبه وإن زاد فهو له إلا أن يكون نقصانه بتفريط وقع من المرتهن فيه
فالحكم عليه حسب ما ذكرناه.
ومن رهن حيوانا حاملا فأولاده خارجون عن الرهن، فإن حمل الحيوان في مدة
الارتهان كان ولده رهنا مع أمهاته، ورهن المشاع جائز كما أن بيعه جائز، ومن رهن شيئا
يستحق بعضه عليه كان ما يستحق منه رهنا على جميع الدين، وتفسير ذلك: أن يرهن دارا
بملك نصفها على دين مبلغه ألف درهم فيظهر أنه رهن ما لا يملك وهو النصف فذلك غير
مبطل للرهن جملة لكنه يبطل رهن ما لا يملكه ويبقى ما ملكه رهنا على الألف درهم.
وإذا وكل الراهن المرتهن في بيع الرهن عند حلول الأجل كان له بيعه وقبض حقه منه
ورد ما يبقى على صاحبه إن بقي منه، وإن نقص ثمنه عما هو له عليه رجع بما يبقى من دينه
عليه، وإذا مات الراهن وعليه دين لجماعة لم يكن لهم في الرهن شئ حتى يستوفي المرتهن
ماله منه ويكون ما بقي بعد ذلك بين أصحاب الدين، فإن لم يف ثمن الرهن بما للمرتهن
حاص الغرماء فيما خلفه الميت من سوى الرهن إن خلف شيئا غيره، وإذا أذن الراهن
للمرتهن في البيع فباع لم يؤذن له قبض شئ من الثمن إلا أن يكون أجل الرهن قد حل
فله قبض ماله من ذلك دون سواه.
وإذا كان الرهن أرضا مزروعة فالزرع خارج من الرهن، وكذلك إن كان فيها شجرة
مثمرة فالثمرة خارجة من الرهن، فإن أثمرت الشجرة بعد الرهن كانت الثمرة هنا مع
الأرض ولم يكن للراهن والمرتهن التصرف في الثمرة إلا على اتفاق منهما، ولا بأس
بتعديل الرهن عند ثقة يرضى به الراهن والمرتهن وقبض الثقة له قبض المرتهن.
ومن باع شيئا وقبض ثمنه واشترط على المبتاع أن يقابله البيع بعد شهر أو سنة إذا
أحضر المال، كان الشرط باطلا والمبتاع بالخيار إن شاء أقاله وإن شاء لم يقله، وإذا اقترن
إلى البيع اشتراط في الرهن أفسده، فإن تقدم أحدهما صاحبه كان الحكم له دون المتأخر.
82

الانتصار
مسألة
في الرهن:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من رهن حيوانا حاملا فأولاده خارجون عن
الرهن، فإن حمل الحيوان في الارتهان كان أولاده رهنا مع أمهاته. وخالف باقي الفقهاء في
ذلك فقال أبو حنيفة: إذا ولدت المرهونة بعد الرهن دخل ولدها في الرهن، وكذلك اللبن
والصوف وثمر النخل والشجر وهو قول الثوري والحسن بن حي.
وقال مالك: ما حدث من ولد فهو رهن وليست الثمرة الحادثة رهنا مع الأصل. وقال
الليث، إذا كان الدين حالا دخلت الثمرة في الرهن، فإن كان إلى أجل فالثمرة لصاحب الأصل وروي عنه أنها لا تدخل فيه
إلا أن تكون موجودة يوم الرهن.
وقال الشافعي: لا يدخل الولد ولا الثمرة الحادثة في الرهن ومن تأمل هذه الأقوال
على اختلافها علم أن قول الشيعة: منفرد عنها. والذي يدل على على صحة الطريقة
ذكرناها في المسألة التي قبل هذه بلا فصل.
83

المسائل الناصريات
المسألة الثمانون والمائة:
الرهن غير مضمون على المرتهن. عندنا أن الرهن غير مضمون على المرتهن فمتى
تلف فمن مال الراهن وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة هو مضمون على المرتهن بأقل
الأمرين من قيمته أو الحق الذي هو مرهون به فإن تلف سقط أقل الأمرين وقال إسحاق بن
راهويه المرهون مضمون عليه بكمال قيمته وقال الحسين وشريح والشعبي والنخعي يسقط
بتلف الرهن الحق الذي للمرتهن وقال مالك إن تلف بأمر ظاهر كالعبد يموت والدار تحترق
فهو من ضمان الراهن وإن ادعى المرتهن تلفه بأمر باطن لم يقبل دعواه وعليه قيمته الدليل
على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وما روي عن النبي ع من قوله لا يعلق
الرهن الرهن من راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه أراد بالغنم الزيادة وبالغرم
النقصان والتلف فإن قيل أراد بالغرم نفقته ومؤونته قلنا نحمله على الأمرين فإن تعلقوا
بما روي من أن رجلا رهن فرسا عند غيره فنفق فسأل النبي عن ذلك يعني المرتهن فقال
ذهب حقك ومعلوم أنه لم يرد ذهاب حقه من الوثيقة لأن ذلك معلوم مشاهدة فثبت أنه أراد
ذهاب حقه من الدين فالجواب عنه أن المراد ذهاب حقك من الوثيقة يدل على ذلك وجهان
أحدهما: أنه وحد الحق ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا لقال ذهب حقاك والوجه الثاني
أن عند أبي حنيفة أن الدين إنما يسقط إذا كان مثل قيمتا الرهن أو أقل وإذا كان أكثر فإن
ما زاد على قيمته الرهن لا يسقط فلو كان المراد سقوط حقه من الدين لكان ع
يفصل ولم يفعل ذلك فدل على أن المراد سقوط حقه من الوثيقة لأن ذلك يسقط على كل
84

حال وليس سقوط حق الوثيقة من المعلوم عند التلف مشاهدة كما ذكر لأن حقه من ذلك
لا يسقط بتلف الرهن وهو إذا أتلفه الراهن أو أتلفه أجنبي فإن القيمة تؤخذ ويجعل رهنا
مكانه فقصد النبي ع أن الرهن إذا تلف من غير جناية يسقط حق الوثيقة بذلك.
المسألة الحادية والثمانون والمائة:
ولو أعتق الراهن العبد المرتهن لم ينفذ عتقه. هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا
ووافق في ذلك الشافعي على الصحيح من أقواله وقال أبو حنيفة ينفذ العتق فإن كان
موسرا ضمن قيمته ويكون رهنا مكانه وإن كان معسرا سعى العبد في قيمته إن كانت أقل
من الدين ورجع به على الراهن الدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر وأيضا فإن
الرهن وثيقة في يد المرتهن ومحبوس على ماله وفي عتقه فسخ للرهن وإسقاط لحق الوثيقة
والراهن لا يملك فسخ عقد الرهن فإن تعلقوا بما روي عنه ع لا عتق إلا فيما يملك
ابن آدم والرهن مملوك الراهن فينبغي أن ينفذ عتقه فالجواب عنه أن المشهور من هذا
الخبر لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وعلى هذه الرواية لا يتناول موضع الخلاف إلا بدليل
الخطاب وليس بصحيح على أنا نحمل اللفظ الذي رووه على الملك الذي ليس هو بمرهون
بالأدلة التي ذكرناها.
85

فصل في أحكام الرهن:
تفتقر صحة الارتهان إلى قبض الرهن فيما يصح قبضه أو رفع الحظر فيما لا يصح
قبضه وقبول ذلك، وثمر الشجر الظاهر وولد الحيوان الحامل ونبات الأرض الحاصل قبل
الارتهان خارج عنه، وما تجدد من ذلك في حاله لا حق بالأصل.
ولا يجوز للراهن ولا المرتهن التصرف في الرهن ولا الانتفاع به إلا عن اتفاق قبل
عقدة الرهن أو في حالها، ويجوز للمرتهن إذا كان حيوانا فتكلل بمؤنته أن ينتفع بظهره
أو خدمته أو صوفه أو لبنه وإن لم يتراضيا، ولا يحل شئ من ذلك من غير تكل مؤنة
ولا مراضاة، والأولى أن تصرف قيمة منافعه في مؤنته.
وإذا كان للرهن غلة يصح بقاؤها كالحنطة والشعير رهن مع الأصل، وإن كانت مما
لا يصح بقاؤها كالخيار والأترج فعلى المرتهن بيعه وقبض ثمنه والاحتساب به عن إذن
الراهن إن أمكن وإلا فهو رهن مع الأصل، وإذا عمر المرتهن الأرض وغرس فيها عن إذن
الراهن في حال الارتهان فله غلة ذلك، وإن كان بغير إذنه فهو آثم وعليه أجر الأرض وله
غلتها.
ورهن المشاع جائز كالمقسوم، وإذا رهن ما يملك بعضه صح الرهن فيما يملك وكان رهنا
على جملة الدين ويبطل فيما لا يملكه، ولا يصح بيع الرهن إلا عن تراض منهما متقدم
أو متأخر، فإن هلك الرهن في مدة السوم لأجله (كذا) وكان البيع سائغا فهو من مال الراهن
وعليه الخروج من الحق إلى المرتهن، وإن كان ممنوعا منه فهو من مال المرتهن.
86

وإذا كان هلك الرهن من غير تفريط فهو من مال الراهن وعليه الخروج إلى المرتهن
مما عليه من الحق، وإن كان عن تفريط فهو من مال المرتهن، فإن اختلفا في الاحتياط
والتفريط فكانت لأحدهما بينة حكم بها وإلا فالقول قول المرتهن مع يمينه، وإذا ثبت التفريط
واختلف في قيمة الرهن وفقدت البينة فالقول قول الراهن مع يمينه.
وإذا ادعى المرتهن مبلغا من الدين فأقر الراهن ببعضه وأنكر البعض قبل إقراره
فيما أقر به وحلف على ما أنكر، وإذا اختلف اثنان في شئ فقال أحدهما: هو عندي رهن،
وقال الآخر: هو وديعة، فعلى مدعي الرهن البينة، فإن فقدت طولب الآخر بها، فإن تعذرت
حلف أنه وديعة ويسلمه، فإن نكل عن اليمين فهو رهن.
وإذا حل الدين وتعذر إيذان الراهن في بيعه فالأولى تركه إلى حين تمكن الإيذان ويجوز
بيعه، فإن نقصت قيمته عن الدين لم يكن له غيرها، وإن كان بيعه باذنه فعليه القيام بما
بقي من الدين عن ثمن الرهن، وإن فضل عن مقدار الدين فهو للراهن، وإذا لم يعلم ما
عليه من دين ضمن قيمته، فإذا حضر الراهن فالقول قوله مع يمينه، وإذا فلس الغريم
أو مات فالمرتهن أحق بالرهن من باقي الغرماء، فإن فضل عنه شئ كان لهم وإن نقص
حاصهم فيما عداه.
وإذا رهن عصيرا فصار خلا فهو رهن، وإن صار خمرا بطلت وثيقة الرهن ووجبت
إراقته وعلى الغريم القيام بالدين، وإن كان مائعا طاهرا فصار نجسا بفعل المرتهن أو
تعديه فهو من ماله يوم نجسه، وإن لم يتعد فهو من مال الراهن يهراق ما لا يصح الانتفاع
به كالخل، ويباع ما يصح الانتفاع به كالدهن ويحتسب بثمنه من مال الدين.
ولا يصح للراهن ولا المرتهن وطء الأمة المرهونة ويجوز استخدامها عن تراض من
الراهن والمرتهن، وإن وطئها الراهن أثم وعليه التعزير، وإن وطئها المرتهن فهو زان وولده
منها رق لسيدها ورهن معها.
87

النهاية
باب الرهون وأحكامها:
إذا كان لإنسان على غيره مال فلا بأس أن يستوثق من ماله بأن يأخذ منه رهنا ولا
يدخل الشئ في أن يكون رهنا إلا بعد قبض المرتهن له وتمكنه منه، ولا بأس أن يكون
الرهن أكثر قيمة من المال الذي عليه وكذلك لا بأس أن يكون أقل ثمنا منه، ومتى هلك
الرهن من عند المرتهن من غير تفريط من جهته كان له أن يرجع بالمال على الراهن
ويكون ضياع الرهن من مال الراهن دون المرتهن ومتى هلك بتفريط من جهته أو تضييع
منه كان ضامنا لثمن الرهن في وقت هلاكه وتراد الفضل، فإن كان ثمن الرهن أكثر
من الذي كان عليه قاصه بما له ورد عليه الباقي وإن نقص من ذلك كان على الراهن أن
يوفيه تمام ما عليه وأن تساوى الرهن والمال لم يكن لأحدهما على صاحبه سبيل.
ومتى اختلف الراهن والمرتهن في تضييع الرهن كان القول قول المرتهن مع يمينه بالله
فإن أقام الراهن بينة أن المرتهن ضيعه أو فرط فيه لزمه ضمانه ولم يقنع منه باليمين، وإن
اختلفا في قيمة الرهن كان القول قول صاحب الرهن مع يمينه بالله بقيمته يوم هلك
دون يوم رهن الرهن فإن اختلفا في مقدار ما على الرهن من المال كان على المرتهن البينة
فإن لم يكن معه بينة فعلى صاحب الرهن اليمين، وقد روي: أن القول قول المرتهن مع
يمينه لأنه أمينه والبينة على الراهن ما لم يستغرق الرهن ثمنه، ومتى اختلفا في متاع فقال
الذي عنده: إنه رهن، وقال صاحب المتاع: إنه وديعة، كان القول قول صاحب المتاع
مع يمينه وعلى المدعي لكونه رهنا البينة بأنه رهن عنده، وقد روي: أن القول قول من
88

عنده مع يمينه إلا أن يأتي صاحبه ببينة أنه وديعة.
وإذا كان الرهن مما له غلة مثل أن يكون دارا أو أرضا، كانت الغلة والأجرة
لصاحب الرهن وعلى المرتهن أن يقاصه بذلك من ماله عليه، ومتى جعل صاحب الرهن
المرتهن في حل من التصرف في الرهن كان ذلك حلالا له سواء كان ذلك دارا أو
ضياعا أو حيوانا أو متاعا أو غير ذلك ومتى لم يجعله من ذلك في حل وتصرف فيه كان
ضامنا له ولما يحدث فيه من الحوادث ومتى سكن الدار وزرع الأرض كان عليه
أجرة المثل للدار وطسق الأرض، ولا يجوز للمرتهن أن يبيع الرهن إلا بإذن صاحبه فإن
غاب عنه صبر عليه إلى أن يجئ أو يأذن له في بيعه، وإن كان شرط المرتهن على الراهن
أنه إذا حل أجل ماله عليه كان وكيلا له في بيع الرهن وأخذ ماله من جملته كان ذلك
جائزا، فإذا حل الأجل ولم يوفه المال باع الرهن فإن فضل منه شئ رده على صاحبه
وإن نقص طالبه به على الكمال وإن تساويا لم يكن له ولا عليه شئ.
وإذا كان عند الانسان رهن ولا يدري لمن هو صبر إلى أن يجئ صاحبه فإن لم
يجئ باعه وأخذ ماله وتصدق عنه بالباقي، وإذا مات من عنده الرهن ولم يعلم الورثة
الرهن كان ذلك كسبيل ماله فإن علموه بعينه وجب عليهم رده على صاحبه وأخذ
ما عليه منه، ولا يجوز للراهن أن يتصرف فيما رهنه فإن كان الرهن دارا لم يجز له أن
يسكنها ولا أن يبيعها ولا أن يواجرها وإن كان أرضا لم يجز له زراعتها ولا بيعها ولا
إجارتها وإن كان مملوكا أو جارية لم يجز له استخدامها ولا وطء الجارية فإن وطئها كان
مخطئا ولا يكون بفعله زانيا.
ومتى باع الرهن أو تصدق به أو وهبه أو آجره أو عارضه من غير علم المرتهن كان
ذلك باطلا وكذلك إن أعتق المملوك أو دبره أو كاتبه كان ذلك باطلا، فإن أمضى
المرتهن ما فعله الراهن كان ذلك جائزا ماضيا ولم يكن للمرتهن رجوع فيما أمضاه، وإذا
كان عند انسان رهون جماعة فهلك بعضها وبقي البعض كان ماله فيما بقي فإن هلك
الكل كان ماله في ذمة الراهن إذا لم يكن ذلك عن تفريط منه حسب ما قدمناه، ومن
89

عنده الرهن جاز له أن يشتريه من الراهن بقيمته.
ومتى رهن الانسان حيوانا حاملا كان حمله خارجا عن الرهن فإن حمل في حال
الارتهان كان مع أمه كهيئتها رهنا، وحكم الأرض إذا رهنت وهي مزروعة كذلك فإن
الزرع يكون خارجا عن الرهن وكذلك حكم الشجرة إذا كان فيها الثمرة فإن ثمرها
يكون خارجا عن الرهن وإن حملت الشجرة في حال الارتهان كان ذلك رهنا مثل
الشجرة، ولا بأس أن يرهن الانسان ما هو مشاع غير مقسوم، وإذا رهن ما يملك وما
لا يملك على مال معلوم كان المال لازما على ما يملكه ولم يلزم على ما لا يملك شئ.
وإذا كان عند الانسان رهن بشئ مخصوص فمات الراهن وعليه دين لغيره من
الغرماء لم يكن لأحد من الغرماء أن يطالبه بالرهن إلا بعد أن يستوفي المرتهن ماله على
الرهن فإن فضل بعد ذلك شئ رد على الورثة وكان ذلك لباقي الغرماء، وقد روي:
أنه يكون مع غيره من الديان سواء يتحاصون بالرهن والأول أحوط، وإذا كان له على
الراهن مال على غير هذا الرهن لم يجز له أن يجعله على هذا الرهن ومتى مات الراهن كان
المرتهن في غير ما له على الراهن مع غيره من الديان سواء، وإذا قال الراهن للمرتهن: بع
الرهن قبل حلول الأجل فباعه لم يكن له أن يتصرف في المال إلا بعد حلول أجل ماله
فإن أذن له صاحب المال كان ذلك سائغا له حلالا.
وإذا كان الرهن دابة فركبها المرتهن كانت نفقتها عليه وكذلك إن كانت شاة
وشرب لبنها كان عليه نفقتها وإذا كان عند انسان دابة أو حيوان رهنا فإن نفقتها على
الراهن دون المرتهن، وإن أنفق المرتهن عليها كان له ركوبها والانتفاع بها أو الرجوع على
الراهن بما أنفق، وإذا اختلف نفسان فقال أحدهما: لي عندك دراهم دين وقال الآخر:
هي وديعة عندي، كان القول قول صاحب المال مع يمينه، ومن كان عنده رهن فمات
صاحبه وخاف إن أقر به طولب به ولم يعط ماله جاز له أن يأخذ منه بمقدار ماله عليه
ويرد الباقي على ورثته، فإن لم يفعل وأقر أن عنده رهنا كانت عليه البينة أنه رهن فإن لم
يكن معه بينة كان على الورثة اليمين أنهم لا يعلمون أن له عليه شيئا ووجب عليه أن يرد الرهن الذي
أقر به.
90

المراسم العلوية
ذكر أحكام الرهون
لا يصح الارتهان إلا بقبض والراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن،
فلو رهن دارا غير مسكونة أو أرضا غير مزروعة فليس لأحدهما أن يعير ذلك إلا بأن يتراضيا
به، ومتى باع الراهن الرهن - أو أعتقه إن كان عبدا أو دبره أو استخدمه، أو أراد وطأها - إن
كانت أمة - لم يجز له شئ من ذلك وهو باطل.
وهلاك الرهن من غير تفريط من المرتهن لا ضمان عليه فيه وبالتفريط يلزمه. وإن
اختلفا في قيمة الرهن وعدما البينة فالقول قول صاحب الرهن مع يمينه. ويقوم بقيمته يوم
هلك.
ورهن الحامل من الإماء والبهائم والنخل والشجر والأرض المزروعة جائز، فما
يحصل منه غير داخل في الرهن، وإن حمل عند المرتهن دخل في الرهن. ومن رهن رهنا
يملك بعضه استقر الرهن في ملكه خاصة.
وإن مات الراهن - وعليه دين لجماعة - فأول من يستوفي المرتهن. فإن قصر ثمن
الرهن عن ماله - وكان للراهن مال غيره - ساهم المرتهن الغرماء فيه.
91

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالرهن
مسألة: هل يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة أم لا يجوز؟
الجواب: الكتابة إن كانت مشروطا فيها، فلا يجوز أخذ الرهن على المال المتعلق
بها، لأن للعبد الامتناع، وإذا امتنع من هذا المال كان لسيده رده إلى الرق وعلى هذا لا
يحتاج إلى الرهن وأيضا فللعبد إسقاطه عن نفسه متى شاء، فهو غير ثابت في الذمة وإذا لم
يكن ثابتا لم يصح أخذ الرهن عليه.
مسألة: إذا استأجر إنسانا إجارة متعلقة بعينه مثل أن يستأجره ليعمل له بنفسه
عملا أو يخدمه، هل يجوز له أخذ الرهن على ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأن الرهن إنما يؤخذ على حق ثابت في الذمة، وهذا غير ثابت
في ذمة الأجير، وإنما هو متعلق بعينه، ولا يقوم عمل غيره مقام فعله.
مسألة: إذا استأجر إنسانا على عمل في ذمته مثل أن يخيط له في خياطة وغير ذلك
مما يجري هذا المجرى، هل يجوز له أخذ الرهن عليه أم لا؟
الجواب: يجوز ذلك، لأنه ثابت في ذمته لا يتعلق بعين، فله أن يخيط بنفسه أو بغيره
وإذا هرب جاز بيع الرهن واستيجار غيره بذلك ليحصل له العمل.
مسألة: إذا قال لغيره: رهنتك كذا على أن تقرضني دينارا أو درهما في غد، هل
92

مسألة: إذا رهن جارية وأقر بأنه وطأها. فظهر بها حمل أو لم يظهر. ما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إذا ظهر بهذه الجارية حمل وولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء،
فإن الولد مملوك ولا يلحق به لأنه لا يجوز أن يكون من الوطء الذي أقر به ونسب ولد هذه
الجارية لا يثبت إلا من وطء يقر به من غير خلاف. فإن ولدته لستة أشهر أو أكثر، إلى تسعة
أشهر كان الولد حرا وثبت نسبه منه ورهن الجارية ثابت لا يخرج بذلك عنه عندنا.
مسألة: إذا رهن عند غيره مملوكا فضربه المرتهن فمات، هل يثبت عليه قيمته أم
لا؟
الجواب: إن كان الراهن أذن له في ضربه، لم يجب عليه قيمته، لأنه تلفه باذنه. وإن لم
يكن الراهن أذن له في ضربه كان عليه القيمة.
مسألة: إذا رهن جارية وقبضها المرتهن، هل له وطؤها أم لا؟
الجواب: لا يجوز له ذلك بغير خلاف، لأنه ربما أحبلها فنقصت قيمتها أو ماتت
عند الولادة.
مسألة: إذا كان الخمر مما لا يصح تملكها بغير خلاف، فما القول فيها، إن رهنها
فانقلبت في يد المرتهن خلا هل يصح مع ذلك رهنها أو لا يصح؟ فإن لم يصح فهل
يكون ملكا للراهن أو للمرتهن أو لهما جميعا؟
الجواب: إذا رهن خمرا لم يصح ذلك، لأن صحة الرهن يتبع الملك، والخمر ليست
مملوكة ولا يصح رهنها فإن رهنها وانقلبت خلا في يد المرتهن كانت ملكا للذي انقلبت في
يده خلا ولم يجز أن يكون ملكا للراهن، ولا أن يكون شريكا للآخر فيها لأنه لما رهنها لم
ما هو ملك له، فلا يصح عودها إلى ملكه لما انقلبت خلا.
مسألة: إذا رهنه عصيرا فانقلبت في يد المرتهن خمرا هل يصح بقاؤه رهنا أم لا
فإن قلت يصح بقاؤه رهنا، قيل لك كيف يصح ثبوت الرهن في الخمر وقد خرجت عن
الملك. وإن قلت لا يصح قيل لك فما القول إن عادت خلا؟
الجواب: إذا رهنه عصيرا فقد رهنه ما يتملك بغير خلاف وإذا انقلب في يد
93

ينعقد الرهن أم لا؟
الجواب: لا ينعقد ذلك لأن الرهن إنما ينعقد بعد لزوم الحق وهذا قبل لزومه فلا
يصح انعقاده.
مسألة: إذا كان في سفينة، فقال لإنسان ألق متاعك في البحر وعلى ضمان قيمته. هل
يصح ذلك ويلزمه الضمان أم لا؟
الجواب: يصح ذلك ويلزمه الضمان، لأنه يكون بدل ماله ويكون غرضه التخفيف
وسلامة النفوس.
مسألة: إذا أذن الراهن للمرتهن بقبض الرهن، ثم جن أو أغمي عليه هل يجوز
للمرتهن قبض الرهن أم لا يجوز؟
الجواب: يجوز له قبضه لأن ذلك لزمه بالإيجاب والقبول.
مسألة: إذا أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن هل يجوز له الرجوع عن هذا الإذن
ومنعه من قبضه أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك لأن الإيجاب والقبول أوجب قبض الرهن فله قبضه على كل
حال ولا يجوز للراهن ذلك.
مسألة: إذا رهنه شيئا ثم خرس الراهن ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم فيه أنه إذا كان هذا الراهن يحسن الكتابة أو يعقل الإشارة، فكتب
أو أشار بالإذن جاز، لأن ذلك يقوم مقام النطق. وإن كان لا يحسن الكتابة ولا يعقل الإشارة
لم يجز للمرتهن قبض الرهن لأنه يفتقر في ذلك إلى رضاه ولا سبيل له إلى ذلك وكان على وليه
تسليم الرهن إلى المرتهن لأن بالعقد قد وجب ذلك.
مسألة: إذا أجر الرهن من صاحبه أو أعاره، فكان ذلك قبل القبض وبعده هل
ينفسخ الرهن أم لا؟
الجواب: ليس للمرتهن التصرف في الرهن فلا يجوز له أن يؤجره ولا يعيره. فإن
فعل ذلك لم ينفسخ الرهن لأن استدامة القبض ليست شرطا في الرهن وإن استحقت أجرة
بذلك فهي للراهن وليس للمرتهن فيها شئ.
94

المرتهن خمرا فقد خرج بذلك عن ملكه، وإذا عادت خلا عاد ملكه كما كان في حال الارتهان
وثبت كونه رهنا لأن الرهن يتبع الملك والفرق بين هذه المسألة والمسألة التي تقدمتها، إنه لما
كان رهنها خمرا كان راهنا لما ليس ملكا له على حال من الأحوال. فإذا عادت خلا لم يعد
بذلك إلى ملك كان له على حال. فإذا رهن العصير فقد رهن ما هو ملك له فأعاد خمرا ثم
عاد خلا فقد عادت على ما كان عليه من الملك وثبت كونها رهنا.
مسألة: إذا اختلف المتراهنان فقال المرتهن: أرسلت رسولك برهن عندي بمائة وقد
فعل. وقال الراهن: ما أذنت إلا في خمسين، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك، قول الراهن مع يمينه، لأن الأصل أنه لم يرهن وإذا أشهد
الرسول لأحدهما لم يقبل شهادته، لأنه شهد على فعل نفسه وإذا شهد كذلك، لم يقبل
شهادته.
مسألة: إذا كان في يده قميص، فقال هو رهن عندي رهنته أو رهنه رسولك بإذنك
وقال الآخر ما رهنته ولم أذن في رهنه وإنما رهنت العبد أو أذنت في رهنه وقد قتلته وعليك
قيمته ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول قول الراهن مع يمينه بالله في القميص والقول قول المرتهن في العبد،
لأن الأصل في القميص أنه غير مرهون والأصل براءة ذمة المرتهن بما يدعيه الراهن من
العبد.
مسألة: إذا اختلفا في عبد وقميص فقال الراهن العبد رهن عندك والقميص
وديعة. وأنا مطالب لك برد القميص وقال المرتهن بل القميص رهن عندي والعبد وديعة.
وليس لك مطالبتي برد القميص، ما الحكم بينهما في ذلك؟
الجواب: الحكم بينهما في ذلك أن العبد بجحود المرتهن لكونه رهنا قد خرج من
الرهن وأما القميص فهو يدعي رهنه وصاحبه ينكر ذلك والقول قول الراهن مع يمينه لأن
الأصل أنه غير رهن وعلى المرتهن البينة في ما ادعاه.
مسألة: إذا كان له على غيره مال إلى أجل فرهنه رهنا على أن يزيده في الأجل هل
يجوز ذلك أم لا؟
95

الجواب: لا يجوز ذلك والحق ثابت إلى الأجل المضروب له، كما كان والزيادة في
الأجل لا يصح، لأنه لا دليل على ذلك فيقال بصحته.
مسألة: إذا اختلفا في الرهن أو اتفقا فيه واختلفا في مقدار الحق فقال المرتهن
رهنتني عبدين وقال الراهن رهنتك أحدهما. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على ما ذكر، كان القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه لم
يرهنه العبد الثاني. وإن اتفقا في الرهن فقال المرتهن رهنتهما عندي على مائة. وقال الراهن
بل رهنتهما على خمسين. كان القول قول الراهن أيضا مع يمينه، لأن الأصل أنه لم يرهنه في ما
زاد على ما أقر به.
مسألة: إذا كان على غيره دين، فرهنه بذلك داره، وجعلت في يد المرتهن ثم اختلفا.
فقال الراهن ما سلمتها إليك رهنا، وإنما استأجرتها أو غصبتها مني أو استأجرها مني
انسان وأنزلك فيها. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم فيه أن القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل عدم الإذن والرضا
بتسليم ذلك رهنا.
مسألة: إذا قال انسان لآخر من رد مملوكي، فله دينار. هل يجوز له أخذ الرهن عليه أم لا؟
الجواب: بعد رد المملوك فيجوز أخذ الرهن عليه. لأنه يأخذ على ما قد استحقه وأما
قبل الرد فلا يجوز، لأن الرهن إنما يؤخذ على ما يستحقه المرتهن وقبل الرد لم يستحق شيئا
ولا يجوز أخذ الرهن على ذلك.
مسألة: إذا جنى المملوك جناية عمدا أو خطأ. هل يصح رهنه أم لا؟
الجواب: لا يصح رهنه لأن جنايته إن كانت عمدا فقد استحقه المجني عليه بها. وإن
كانت خطأ تعلق الأرش برقبته.
مسألة: إذا اتفق المتراهنان على أن يكون الرهن على يد عدل ووكل الراهن العدل
في بيعه عند حلول الحق ثم جنى انسان على الرهن جناية أوجبت أخذ القيمة منه وجعلت
عند العدل عوضا عن الرهن وحل أجل الحق هل يجوز للعدل بيع القيمة المذكورة أم لا؟
96

الجواب: لا يجوز ذلك لأن الراهن إنما وكله في بيع نفس الرهن ولم يوكله في بيع غيره
وأيضا فبيع هذه القيمة يفتقر فيه إلى دليل ولا دليل على ذلك.
97

المهذب
كتاب الرهن
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، إلى قوله:
فرهان مقبوضة، وروي عن النبي ص: أنه رهن درعه عند يهودي
على شعير أخذه لأهله.
والإجماع حاصل على جواز الرهن، فإذا كان كذلك فالرهن الشرعي: هو جعل المال
عند صاحب الدين وثيقة له على ماله، ويفتقر في صفة الرهن إلى الإيجاب والقبول، ولا
يصح الرهن قبل ثبوت الحق، والوقت الذي يجوز أخذ الرهن فيه هو بعد
اللزوم الحق أو مع لزومه أيضا، فأما قبل ذلك فلا يصح كما ذكرناه.
ويجوز عقد الرهن في الحضر والسفر، ويجوز أخذه في كل دين ثابت في الذمة مثل
القرض والأجرة والمهور وعوض الخلع وقيم المتلفات وأروش الجنايات، ويجوز أخذ الرهن
على مال الجعالة وعلى الدية على العاقلة بعد سنة، ويجوز أخذه بالثمن في مدة الخيار المتفق
عليها، ويجوز أخذه على الباقي في مال الكتابة من المكاتب الذي ليس بمشروط عليه إذا
تحرر منه جزء، لأنه بعد أن يتحرر منه جزء لا يجوز رده في الرق، فيجوز أخذ الرهن على
ما ذكرناه.
وأما مال الكتابة المشروطة فلا يجوز أخذ الرهن عليه لأن للعبد المشروط عليه اسقاط
ذلك من نفسه أي وقت أراد إسقاطه فهو غير ثابت في ذمته، وأيضا فإنه متى امتنع من مال
الكتابة كان لسيده رده في الرق، فلا يحتاج مع ذلك إلى الرهن.
98

وإذا استأجر انسان غيره إجارته يتعلق بعينه مثل أن يستأجره ليخدمه أو يستأجره في
عمل يعمله بنفسه لم يصح أخذ الرهن منه، لأنه إنما يجوز أخذه على حق ثابت في الذمة
وليس ذلك ثابتا في ذمة الأجير، فلا يجوز أخذ الرهن منه عليه، فإن استأجره على عمل في
ذمته مثل أن يجعل له عملا من خياطة أو غير ذلك جاز أخذ الرهن عليه لأن ذلك ثابت
في ذمة الأجير وغير متعلق بعين، وللأجير أن يعمله بنفسه أو بغيره، وإن هرب هذا الأجير
جاز بيع الرهن واستئجار غيره به ليحصل العمل.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن أخذ الرهن لا يجوز إلا بعد ثبوت الحق في الذمة أو في حال
لزومه، فإذا كان كذلك وقال أحد المتعاقدين لصاحبه: بعتك هذا الشئ بكذا على أن
ترهن كذا بالثمن، وقال المشتري: اشتريته على هذا، صح شرط الرهن وأخذه بعد عقد
البيع وتسليمه إليه، وإذا قال: بعتك هذا الشئ مائة أو رهنت منك كذا بالثمن، وقال
المشتري: " اشتريته منك بمائة ورهنتك هذا الشئ، صح لحصول عقد البيع وعقد
الرهن، فأما قبل ذلك فقد قلنا أنه لا يجوز وذلك مثل أن يقول: رهنتك هذا الشئ على
دينار أو درهم تقرضينه في غد، فإذا دفع ذلك إليه في غد لم ينعقد الرهن على ذلك.
ومما يصح إلحاقه بذلك أن يقول الانسان لغيره: أعتق عبدك وعلى ألف، في أن
ذلك يصح، فإن أعتق العبد وجب عليه الألف، وكذلك إذا قال: طلق امرأتك وعلى
ألف، ففعل لزمه الألف لأنه يجوز من هذا الباذل للمال أن يعلم أنه على فرج حرام مقيم
فيستنزله عنه بما يبذله من المال، فإذا طلق كان عليه ألف له، وكذلك لو قال له وهو في
سفينة البحر: ألق متاعك في البحر وعلى ضمان قيمته، صح إذا كان غرضه تخفيف
السفينة وخلاص النفوس من الغرق، فإذا فعل ذلك كان عليه قيمة المتاع لصاحبه، وإذا
عقد الرهن أو سلمه من ليس بكامل العقل أو هو محجور عليه لم يصح عقده ولا تسليمه،
لأن ذلك إنما يصح ممن هو كامل العقل غير محجور عليه.
وكل ما جاز بيعه من مشاع أو غيره فإنه يجوز رهنه، فإن اختلف المرتهن والشريك
فقال المرتهن: لست أرضى بأن يكون الرهن في يد الشريك، وقال الشريك: لا أرضى
99

بكونه في يد المرتهن، ولم يتفقا على من يجعلانه في يده من عدل أو ممن يرضيانه لذلك
أخذه الحاكم وآجره، وجعل لكل واحد من الشريكين قسطا من الأجرة، ويكون إيجاره
له إلى حين محل الدين ليمكن بيعه في حق المرتهن، وإذا أذن الراهن للمرتهن في قبض
الرهن ثم رجع عن الإذن في ذلك، ومنعه من قبضه لم يجز له ذلك لأن بالإيجاب والقبول
أوجب قبض الرهن، فليس له بعد ذلك الرجوع فيه ولا منعه منه.
وإذا رهن شيئا ثم جن أو أغمي عليه كان للمرتهن قبضه، لأن ذلك قد لزم
بالإيجاب والقبول، وإذا رهن انسان شيئا ثم خرس، فإن كان يحسن الإشارة أو الكتابة
فأشار أو كتب بالإذن في القبض كان جائزا وقام ذلك منه مقام الكلام، وإن كان
لا يحسن الكتابة ولا يعقل الإشارة لم يجز للمرتهن قبض الرهن لأنه يفتقر إلى رضاه وكان
على وليه تسليمه إليه لأنه بالعقد قد وجب ذلك الرهن.
وإذا قبض المرتهن الرهن بإذن صاحبه، فقد لزم بغير خلاف ولم يجز للراهن فسخه لما
قدمناه من أنه وثيقة المرتهن على الراهن فلا يجوز له إسقاطه، ويجوز للمرتهن إسقاطه وفسخ
الرهن لأنه حقه ولا حق للراهن فيه، فإذا كان كذلك وأسقطه أو فسخه بأن يقول:
فسخت الرهن أو أبطلته أو أقلته فيه أو ما جرى مجرى ذلك كان جائزا، فإن أبرأه من
الدين أو افترقا سقط الدين وبطل الرهن، لأنه يتبع الدين فإذا سقط الدين سقط الرهن،
فإن أبرأه من بعض الدين أو قضاه بعضه لم ينفك الرهن، فكان باقيا بحاله إلى أن لا يبقى
من الدين شئ، لأنه وثيقة المرتهن على جميع ماله من الدين إلى أن لا يبقى منه قليل ولا
كثير.
وإذا آجر المرتهن الرهن من صاحبه أو أعاره لم ينفسخ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
إيجاره له أو إعارته قبل القبض أو بعده، لأن استدامة القبض ليست شرطا فيه، وإن كان
إعارته له وإيجاره غير جائز لأنه ليس للمرتهن التصرف فيه، وأجرة الرهن للراهن دون
المرتهن، وإذا استأجر شيئا وارتهن الرقبة ثم آجره أو أعاره من الراهن أو أوصى له بمنفعة
عين من الأعيان، ثم ارتهن الرقبة من صاحبها ثم آجر منفعتها منه أو أعاره، كان الإيجار
100

والإعارة جائزين ولا يقتضي ذلك فسخ الرهن، وإذا كان لإنسان في يد غيره وديعة أو
إجارة أو عارية أو غصب، فجعله رهنا عنده على دين له عليه كان جائزا ويكون ذلك
قبضا، لأنه في يده ولا يفتقر إلى نقله إذا كان قد أذن له الراهن في قبضه عن الرهن.
وإذا أقر المرتهن والراهن بقبض الرهن في وقت يمكن صدقهما فيه صح الإقرار ولزم
الرهن، وإن كان لا يصح صدقهما في الوقت الذي ذكرا أن القبض وقع فيه كان الإقرار
باطلا، مثال ذلك أن يقول للشاهدين: أشهدا على بأنني قد رهنته اليوم داري التي بمكة،
أو ما أشبه ذلك وأقبضته إياها، ويتصادقان على ذلك فإنه يكون باطلا، لأنه لا يمكنه
قبض الرهن من يومه.
وإذا أقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن ثم ادعى بعد ذلك أنه لم يكن قبضه لم يحلف،
لأن دعواه تكذيب لنفسه فلا يسمع منه ولا يمين على المرتهن، فإن كان إقراره بقبض
الشئ الغائب عنه، على الظاهر بكتاب ورده من وكيل له أو بخبر من يأنس إلى قوله
ويركن إليه، ثم قال: ثبت أنه لم يكن قبضه وأن من أخبرني كذب أو أخطأ، وأراد يمين
المرتهن كان له ذلك، لأنه لا يكذب بيمينه الإقرار في الحقيقة لأنه أخبره بقبضه على
الظاهر، ثم بين أن الباطل بخلاف ذلك.
وإذا شهد شاهدان على مشاهدة القبض من المرتهن لم يسمع دعوى الراهن بأنه لم
يقبضه ولا يحلف المرتهن لأنه تكذيب للشاهدين، وهكذا إذا شهدا على إقراره بالقبض
فقال: ما أقررت بقبضه، لم يسمع منه ذلك لأنه تكذيب للشاهدين اللذين شهدا عليه
بذلك.
وجميع ما يكون قبضا في البيوع يكون قبضا في الرهن، والهبات والصدقات لا يختلف،
وجملة القول أن المرهون إذا كان خفيفا يمكن تناوله باليد كان القبض فيه التناول بها،
وإن كان ثقيلا مثل دابة أو عبد كان القبض فيه نقله من موضعه إلى غيره، وإن كان
طعاما معينا وارتهن منه مكيالا معينا كان قبضها نقلها من موضعها إلى موضع آخر، وإن
كان مما لا ينقل ولا يحول من أرض ودار عليها باب مغلق فقبض ذلك أن يخلى صاحبها
101

بينها وبين المرتهن ويفتح بابها أو يسلم مفتاحها إليه، وإن لم يكن عليها باب فقبضها أن
يخلى بينها وبينه من غير حائل.
فإن كان بينهما مشاعا وكان مما لا ينقل خلي بينه وبينه سواء حضر الشريك فيه أو لم
يحضر، وإن كان مما ينقل ويحول مثل الشقص من سيف أو جوهر أو ما أشبه ذلك،
فلا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلا بحضرة الشريك فيه لأنه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه
إلى يده، فإذا حضر وسلمه إليه ورضيا بأن يكون الجميع على يد المرتهن كان ذلك جائزا
وإن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك كان أيضا جائزا وإن رضيا أن يكون على يد
عدل كان جائزا، فإن اختلفا أو تشاحا في ذلك فقد تقدم القول فيه.
وإذا رهن انسان عند غيره شيئا بدين إلى شهر على أنه إن لم يقبض ذلك إلى محله كان
الرهن مبيعا بالدين الذي عليه، لم يصح الرهن ولا البيع بغير خلاف لأن الرهن مؤقت
والبيع قد علق بزمان مستقبل، فإن هلك هذا الرهن في يده في الشهر لم يكن مضمونا
عليه، لأن صحيح الرهن غير مضمون، فكيف الرهن الفاسد، وبعد الأجل فهو مضمون
عليه لأنه في يده ببيع فاسد، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه بغير خلاف، وإذا
غصب انسان من غيره عينا من الأعيان وجعلها المغصوب منه رهنا في يد الغاصب بدين
له عليه قبل أن يقبضها منه صح كونها مرهونة في يده، وعليه ضمان الغصب، فإن باعها منه
زال الضمان.
ومن أعار غيره شيئا ثم رهنه كان الرهن صحيحا ويخرج بذلك عن حد العارية،
ولا يجوز للمرتهن الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل أن يصير رهنا عنده، وإذا رهن دارين
سلعتين وبطلت إحديهما وكان ذلك قبل القبض، والرهن مما ينقل ويحول، فإنه ينفسخ
في التالف ولا ينفسخ في الباقي ويكون رهنا لجميع المال، فإن كان الرهن شرطا في البيع
كان البائع مخيرا بأن يرضى بإحدى الوثيقتين ويجيز البيع، وبين أن يفسخ لهلاك إحدى
الوثيقتين، فإن أجاز البيع كان الباقي رهنا بجميع الثمن، لأن الرهن كله وكل جزء من
أجزائه مرهون بجميع الدين وبكل جزء من أجزائه.
102

وإن كان مما لا ينقل ولا يحول مثل دارين احترقت إحديهما قد تلف خشبها، وذلك
يأخذ قسطا من الثمن ويكون الحكم في ذلك مثل ما ذكرناه في ما ينقل ويحول.
فإن انهدمت ولم يتلف منها إلا التأليف فذلك لا يقابله بالثمن، والذي يقابله الثمن
من الأعيان باقية إلا أن قيمتها بالانهدام نقصت، وإذا كان كذلك لم ينفسخ من الرهن
شئ، والبائع مخير إن كان الرهن شرطا في عقدة البيع لنقصان قيمة الرهن في يد الراهن
قبل تسليم الرهن فإن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه ورضي بالدار المنهدمة رهنا، فيكون
العرصة والنقض كلها رهنا، وأما إن كان التلف والانهدام بعد القبض فإن الرهن
لا ينفسخ في الباقي ولا يثبت له الخيار للمرتهن البائع، وليس له أن يطالب ببدله لأن العقد
تناوله بعينه.
وإذا رهن جارية قد أقر بوطئها كان الرهن صحيحا، فإن لم يظهر بها حمل فقد استقر
الرهن بغير خلاف، وإن ظهر بها حمل وولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء فإن
الولد مملوك لا يلحق به لأنه لا يجوز أن يكون من الوطء الذي أقر به، ونسب ولد الجارية
لا يثبت إلا من وطء أقر به بغير خلاف، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا إلى تمام تسعة
أشهر كان الولد حرا ويثبت نسبه منه، ولا تخرج الجارية من الرهن عندنا، وإذا رهن
الجارية وقبضها المرتهن لم يجز للراهن وطؤها بغير خلاف لأن الوطء ربما أحبلها فينقص
قيمتها، وربما هلكت بالولادة.
وأما سكنى الدار المرهونة وزراعة الأرض المرهونة واستخدام العبد المرهون وركوب
الدابة المرهونة، فإن جميع ذلك لا يجوز عندنا، وإن وطأها لم يجب عليه الحد، وإذا وطئها
الراهن بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن سواء حملت أو لم تحمل، فإن باعها باذنه انفسخ
الرهن ولا يجب عليه قيمتها مكانها، وإذا أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات
لم يجب عليه قيمته لأنه أتلفه باذنه، فإن فعل ذلك بغير إذنه فمات كانت قيمته عليه.
وإذا أذن المرتهن للراهن في العتق أو الوطء ثم رجع عن الإذن، فإن كان رجوعه بعد
إيقاع المأذون فيه الفعل لم ينفعه الرجوع ولا يكون له تأثير، وإن كان الرجوع قبل الإيقاع
103

وعلم الراهن برجوعه فقد بطل إذنه ولم يجز له الوطء ولا العتق، فإن لم يكن عالما بالرجوع
كان ما فعله ماضيا وليس عليه شئ.
وإذا وطئ الراهن أو أعتق واختلف هو والمرتهن، فقال الراهن: فعلته بإذن المرتهن،
وقال المرتهن: فعلته بغير أمري، كان القول قول المرتهن مع يمينه لأن الأصل عدم الإذن،
والراهن مدع لذلك فعليه البينة على ما ادعاه، فإذا حلف المرتهن كان بمنزلة ما لو فعله
الراهن بغير إذنه، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن، فإذا حلف صار كأنه فعله
بإذن المرتهن، فإن نكل الراهن أيضا لم يلزم الجارية المرهونة يمين، وإذا حلف الراهن
والمرتهن، حلف على القطع والبتات.
وإن كان هذا الاختلاف بين ورثتهما فإن وارث المرتهن يحلف على العلم فيقول: والله
لا أعلم أن مورثي فلانا ابن فلان أذن لك في كذا، لأنه ينفي فعل الغير واليمين على نفي فعل
الغير يكون على العلم، وإن نكل عن اليمين فردت على وارث الراهن حلف على القطع
والبتات.
وإذا أقر المرتهن بأربعة أشياء: بالإذن للراهن في الوطء وبأنه وطئ وبأن الجارية
ولدت منه وبمدة الحمل، مثل أن يقر بأنها ولدت من وقت الوطء لستة أشهر فصاعدا ثم
ادعى هذا المرتهن المقر بما ذكرناه بأن الولد من غيره، لم يصدق وكانت الجارية أم ولد
للراهن والولد حر لا حق بالراهن ثابت النسب منه، وليس على الراهن يمين هاهنا لأن
المرتهن قد أقر بما يقتضي إلحاق الولد بالراهن وأنها أم ولده لأنه أقر بوطئها، وأنها ولدت
لستة أشهر من وقت ذلك الوطء ومع ذلك لا يقال بأن الولد من غيره.
فإن اختلفا في شئ من هذه الشروط الأربعة كان القول قول المرتهن مع يمينه بأنه لم
يأذن فيه، فإن اتفقا على الإذن واختلفا في فعل الوطء كان القول أيضا قول المرتهن مع
يمينه أنه لم يطأها، فإن اختلفا في ولادتها فقال المرتهن: إنما لم تلده وأنها التقطته أو
استعارته، وقال الراهن: بل ولدته كان القول قول المرتهن، وكذلك إذا قال - المرتهن:
ولدته من وقت الوطء لما دون ستة أشهر، كان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف في هذه
104

المسائل كان حرا وكان نسبه لا حق بالراهن لإقراره بذلك، وحق المرتهن لا يتعلق به ولا
تصير الجارية في حقه أم ولد، ويباع في دينه، فإذا عادت إلى الراهن كانت أم ولده،
وكذلك لو قال الراهن: أعتقها بإذنك، وقال المرتهن: ما أذنت لك في ذلك، وحلف
وبيعت في دينه ثم ملكها الراهن عتقت عليه، لأنه أقر بأنها حرة.
فأما المرتهن فلا خلاف في أنه لا يجوز له وطء الجارية المرهونة، فإن خالف ووطأ
وكان وطؤه بغير إذن الراهن كان زانيا ولم يكن عقد الرهن شبهة فيه وكان عليه الحد، وإن
ادعى الجهالة لم يقبل منه ذلك إلا في الموضع الذي يقبل الدعوى لذلك بتحريم الزنى،
وهو أن يكون نشأ في موضع بعيد عن بلاد الاسلام يجوز أن يخفى عليه ذلك أو يكون نشأ في
بلاد الكفر وكان قريب العهد بالإسلام لا يعرف ذلك، فأما إذا كان بخلاف ما ذكرناه
فإنه لا يقبل منه الدعوى للجهالة ويجب عليه الحد.
فأما المهر فلا يجب عليه ذلك لسيدها إذا طاوعته لأن مهر البغي منهي عنه، وإذا
طاوعته الجارية وكانت عالمة بتحريم الزنى كان عليها الحد، وإن كانت جاهلة وأمكن
ذلك أو كانت مكرهة لم يجب عليها حد، فإن أحبلها كان الولد رقا، هذا إذا لم يدع
الجهالة بتحريمه أو ادعاها وكان ممن لا تقبل دعواه، وإن ادعى الجهالة وكان ممن تقبل
دعواه لم يجب عليه حد، وأما المهر فإنه إن كان أكرهها أو كانت نائمة وجب، وإن طاوعته
وهي تدعي الجهالة وهي ممن يقبل منها ذلك وجب المهر.
ويكون الاعتبار في وجوب المهر بها، والحد ولحوق الولد وحريته فإنه يعتبر، فإذا قبل
دعواه الجهالة أسقط عنه الحد وألحق به الولد وكان حرا، وعليه قيمته يوم يسقط حيا، فإن
كان وطئها بإذن الراهن وكانت ممن تدعي الجهالة بتحريم الوطء، قبل منها وأسقط الحد
عنها ويلحق النسب ويكون الولد حرا بغير خلاف، وإن كانت ممن لا تدعي الجهالة
بتحريم الوطء فهو زنى والحكم فيه على ما تقدم، وأما المهر فقد اختلف في وجوبه،
والأحوط أنه لا يجب لأنه ليس على وجوبه دليل والأصل براءة الذمة، وأما الولد فإنه
يكون حرا ولا يجب عليه قيمته.
105

وإذا كان الرهن في دين إلى أجل وأذن المرتهن للراهن في بيعه إذنا مطلقا فقال له قبل
حلول الحق: بع الرهن، فباعه نفذ البيع وبطل الرهن وكان ثمنه للراهن دون المرتهن، ولم
يجب على الراهن أن يجعل موضوعه رهنا غيره، فإن كان إذنه مشروطا بأن يكون ثمنه
رهنا عوضه كان الشرط جائزا ويكون ثمنه رهنا عوضه، فإن قال المرتهن: أذنت في البيع
مطلقا لفظا وكان في نيتي واعتقادي أن يجعل الثمن لي قبل محل الحق، لم يلتفت إلى هذه
الدعوى منه ولم يكن بنيته اعتبار في ذلك ولا يفسد إذنه المطلق بما نواه واعتقده، فإن شرط
أن يجعل ثمنه في ذمته قبل محله فباع الرهن كان البيع ماضيا ويكون الثمن رهنا إلى وقت
الاستحقاق.
فإن اختلفا فقال الراهن: أذنت مطلقا، فالرهن باطل والبيع نافذ، وقال المرتهن:
أذنت لك بشرط تعجيل الحق من ثمنه، كان القول قول المرتهن لأنهما لو اختلفا في أصل
الإذن لكان القول قوله مع يمينه، فكذلك إذا اختلفا في صفته، فإن أذن له مطلقا بعد محل
الحق في البيع فباع صح البيع، وكان الثمن رهنا مكانه حتى يقضى ما عليه منه أو من
غيره، لأن عقد الرهن يقتضي بيعه عند محله عند امتناع من عليه الدين من بذله.
أرض الوقف وأرض الخراج وهي كل أرض افتتحت عنوة وهي لكافة المسلمين،
لا يجوز رهن شئ من ذلك فإن رهن منه شئ كان باطلا، فإن كان في أرض الوقف
بناء من ترابها كان وقفا، وإن كان من غير ترابها كان طلقا وكانت الأرض وقفا، وكذلك
القول في الشجر إذا غرست فيها فإنه يكون طلقا، فإن رهنها دون البناء والشجر كان باطلا
وإن رهنها جميعا بطل ذلك في الأرض وصح في البناء والشجر فإن رهن البناء والشجر
دونها كان جائزا، وإذا رهن انسان أرضا من أرض الخراج أو آجرها كان الخراج على
المكري والراهن لأنها في يده، فإن أدى المرتهن الخراج أو المكترى لم يرجع به على المكري
ولا الراهن.
ومن ابتاع عبدا بشرط الخيار له وحده دون البائع ورهنه في مدة الخيار، كان الرهن
صحيحا وسقط الخيار لأنه تصرف فيه والخيار له وحده، فإن لم يكن الخيار له وحده وكان
106

لهما جميعا ورهنه واحد منهما وكان هذا الراهن هو البائع، كان هذا التصرف منه فسخا
للبيع وانقطع خيار المشتري، وإن كان الراهن هو المشتري لم يصح تصرفه لأن في إنفاذه
إبطال حق البائع من الخيار وذلك لا يجوز، وإذا بطل تصرفه انقطع الخيار من جهته.
وإذا رهن انسان عبدا وأقبضه وهلك بعد القبض ثم علم بعيب كان به، لم يكن فيه
خيار ولا أرش، فإن رهنه عبدا وأقبضه إياه فقطع بسرقة وقعت منه قبل القبض كان له
الخيار، فإن كان العبد جنى جناية ثم رهن كان باطلا سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ
لأنها إن كانت عمدا كان عليه القصاص، وإن كانت خطأ كان على سيده تسليمه إلى
المجني عليه، فإن فداه سيده سقط ما على رقبته من الأرش وبقي رهنا، وإن بيع في الجناية
وكانت الجناية تستغرق الثمن بيع فيه كله وسقط الرهن، وإن كان لا يستغرق الثمن بيع
منه بقدرها وكان الباقي رهنا.
وإذا اقترض انسان من غيره ألفا ورهن بها عبدا ثم زاده بالحق رهنا آخر، وهو إن
رهن عنده عبدا آخر ليكون العبدان رهنا بالألف كان صحيحا بلا خلاف، فإن لم يرهن
عنده رهنا آخر إلا أنه اقترض منه ألفا آخر على أن يكون الرهن الأول رهنا به وبالألف
الثاني كان ذلك أيضا جائزا، ويتعلق بالرهن الألفان معا، وإذا دبر انسان عبده ثم رهنه
بعد ذلك سقط التدبير لأن التدبير وصية، ورهنه رجوع منها.
إذا رهن انسان غيره عصيرا كان الرهن صحيحا لأنه مملوك، فإن استحال عين
عصيره فصار إلى ما لا يخرج به عن الملك مثل أن يصير خلا أو مرا أو شئ لا يسكر كثيره
كان الرهن بحاله، وإن استحال إلى ما يخرجه عن الملك مثل الخمر فإنه يزول ملك الراهن
وينفسخ الرهن لأن الخمر لا يصح أن يملكها مسلم بغير خلاف، فإن عادت الخمر بعد
ذلك خلا عاد ملك الراهن كما كان، وإذا عاد ملكه عاد الرهن بحاله لأنه تابع للملك.
ومن كان عنده خمر، فأراقها، فجمعها انسان آخر فاستحالت في يده خلا، أو كان
عنده خمر فرهنها من انسان آخر فاستحالت في يد المرتهن خلا، كانت ملكا لمن انقلبت في
يده لأن الإراقة أزالت يده عنها، وإذا اختلف المتراهنان في الخمر فقال أحدهما: أقبضته
107

عصيرا، وقال المرتهن: أقبضتني خمرا، كان القول قول المرتهن مع يمينه إذا لم يكن للراهن
بينة، وإذا رهن الذمي عند الذمي خمرا فصارت خلا فهي رهن على ما كانت عليه، وكذا
القول إذا رهنه عصيرا فصار خمرا، وإذا ارتهن انسان حيوانا وقبضه كان جائزا، وطعام
الرقيق وأجرة الراعي على الراهن.
وإذا كان لإنسان جارية ولها ولد مملوك صغير فأراد أن يرهن الجارية دون ولدها
كان ذلك جائزا لأن الرهن لا يزيل الملك ولا يمنع من الرضاع، فإذا حل الدين وقضاه
الراهن انفكت من الرهن وإن لم يقضه من غيرها، وكان الولد قد بلغ سبع سنين أو أكثر
بيعت الجارية دون الولد، لأن التفريق بينهما إذا انتهى الولد إلى هذا السن جائز.
وإذا كان الولد لم يبلغ إلى ذلك السن لم يجز التفريق بينهما وبيعا معا، فما قابل قيمة الجارية
كان رهنا يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وما قابل الولد لم يدخل في
الرهن ويكون الجميع فيه سواء، هذا إذا علم المرتهن أن لها ولدا فأما إذا لم يعلم ذلك ثم
علم كان له ردها وفسخ البيع لأن ذلك نقص في الرهن فإن بيعها مفردة أكثر لثمنها،
وذلك غير جائز هاهنا لأن التفرقة بينها وبين الولد في البيع لا يجوز إذا كان الولد دون سبع
سنين، وإذا رهن جارية لا ولد لها ثم ولدت في يد المرتهن فإنهما يباعان، ويكون للمرتهن
مقدار ثمن الجارية إذا بيعت، ولا ولد لها لأنه يستحق بيعها غير ذات ولد.
وإذا رهن انسان نخلا مثمرا وشرط المرتهن دخول الثمر في الرهن كان جائزا وكان
الجميع رهنا، وإن لم يشترط ذلك لم يدخل في الرهن، وإن كانت النخل مطلعة لم يدخل
الطلع في الرهن، وإذا رهن أرضا وفيها نخل وشجر أو بناء فإنها لا تدخل في الرهن إلا
بشرط ويكون الأرض وحدها رهنا.
وإذا هلك الرهن في يد المرتهن صحيحا كان أو فاسدا لم يكن على المرتهن ضمان إلا
أن يفرط فيه فيضمن حينئذ ذلك، وإذا رهن ما يسرع إليه التلف مثل: البقول والبطيخ
وما أشبه ذلك، فإن رهنه إلى محل قريب لا يفسد إليه كان رهنه صحيحا لأنه يمكن بيعه
واستيفاء الحق من ثمنه في محله، وإن كان المحل يتأخر عن مدة فساده وشرط المرتهن على
108

الراهن بيعه إذا خيف فساده وترك عنه رهنا عوضه كان صحيحا وإن شرط الراهن أن
لا يبيعه إذا كان رهنه باطلا لأن المرتهن لا ينتفع به، فإن أطلقا ذلك لم يجز الرهن لأنه
لا يجبر على بيعه فلا ينتفع المرتهن به.
وإذا رهن انسان أرضا بيضاء وسلمها إلى المرتهن ونبت فيها بعد ذلك نخل أو شجر
بإنبات الراهن أو حمل السيل إليها نوى فنبت فيها، لم يدخل ذلك في الرهن ولا يجبر
الراهن على قلعه في الحال لأن تركه في الأرض انتفاع بها، والراهن لا يمنع من الانتفاع
بالرهن لأن منفعته له، فإذا حل الدين فإن قضى دينه من غيرها انفكت الأرض من
الرهن، فإن لم يقض الدين من غيرها وكان أرش الأرض إذا بيعت وحدها يفي بالدين
بيعت من غير نخل وشجر، وترك النخل والشجر على ملك الراهن.
فإن كان لا يفي بدين المرتهن إلا أن الغرس الذي فيها لم ينقص ثمنها، وإن لم يكن فيها
غرس لكان ثمنها مثل ثمنها مع الغرس يبيعها لأجل المرتهن، فإن كان ما فيها من الغرس
من نخل وشجر نقص ثمن الأرض لكثرة النخل والشجر فإن الراهن مخير بين أن يبيعها
جميعا وبين أن يقلع الغرس ويسلم الأرض بيضاء معدلة من الخضر لتباع للمرتهن، هذا
إذا لم يكن هناك غرماء، وإن كان هناك غرماء وقد فلس بدين لهم فإنه لا يجوز قلعه لأنه
ينقص قيمته ولكن يباعان جميعا ويدفع إلى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء لم يكن فيها نخل
ولا شجر، ويكون الباقي خارجا من الرهن لأن المرتهن استحق بيع الأرض منفردة عن
النخل والشجر فوجب جبران النقص الداخل في ثمنها.
فإن رهنه أرضا وفيها نخل وشرط دخولها في الرهن ثم اختلفا في بعض النخل الذي في
الأرض، فقال الراهن: هذا نبت بعد الرهن ولم يدخل في الرهن، وقال المرتهن: بل كان
موجودا في حال الرهن وقد دخل فيه، فإن كانت كبارا لا يمكن حدوثها بعد الرهن كان
القول قول المرتهن من غير يمين لأنا نعلم كذب الراهن في ذلك، وإن كانت صغارا لا يمكن
وجودها في حال عقد الرهن كان القول قول الراهن من غير يمين لأنا نعلم كذب المرتهن في
ذلك، فإن كان ما ذكره كل واحد منهما ممكنا كان القول قول الراهن مع يمينه لأن
109

الأصل أن لا رهن، والمرتهن يدعي الرهن فعليه البينة.
وإذا رهن انسان عند غيره شيئا وشرط الراهن للمرتهن إذا حل الأجل أن يبيعه كان
الشرط صحيحا، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن سواء كان ذلك بحضرة الراهن أو
غيبته، وإذا شرط المتراهنان أن يكون الرهن على يد عدل صح ذلك، وإن شرطا أن يبيعه
العدل صح ذلك أيضا، فإذا حل أجل الدين لم يجز للعدل بيعه إلا بإذن المرتهن لأن البيع
في الدين حق له، فإذا لم يطالب به لم يجز بيعه ولا يحتاج إلى إذن الراهن.
وإذا أراد العدل بيع الرهن عند حلول الحق بإذن المرتهن والراهن واتفقا على مبلغ
الثمن وجنسه، باعه بما اتفقا عليه ولم يجز له مخالفتهما في ذلك لأن الحق لهما وليس له فيه
حق، فإن أطلقا الإذن له بالبيع لم يجز له بيعه إلا بثمن مثله ويكون الثمن حالا ومن نقد
البلد، فإن خالف الوكيل وباعه نسيئة أو باع بغير نقد البلد لم يصح البيع، ونظر فإن كان
المبيع باقيا في يد المشتري استرجع منه وإن كان هلك فالراهن بالخيار، إن شاء رجع على
المشتري بجميع القيمة وإن شاء رجع على العدل، وكان له الرجوع على العدل لتفريطه،
وعلى المشتري لأنه قبض ماله بغير حق، فإن رجع على العدل رجع العدل على المشتري،
وإن رجع على المشتري لم يرجع على العدل لأن المبيع هلك في يد المشتري، فيستقر عليه
الضمان.
فإن كان باع بأقل مما يساوي وكان ذلك نقصانا كبيرا لا يتغابن أهل البصيرة بمثله،
مثل أن يكون الرهن يساوى مائة ويتغابن الناس فيه بخمسة وباعه العدل بثمانين كان
البيع باطلا، فإن كان المبيع باقيا استرجع، وإن كان هالكا كان للراهن الرجوع على من
أراد منهما، فإن رجع على المشتري رجع بجميع قيمته ولا يرجع المشتري على العدل، وإن
رجع على العدل رجع عليه بجميع قيمته لأنه لم يجز له اخراج الرهن بأقل من قيمته، فهو
مفرط في حقه ولزمه جميع قيمته.
فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله، مثل أن يكون الرهن يساوى مائة ويتغابن الناس
فيه بخمسة فباع بخمسة وتسعين، كان البيع صحيحا لأن هذا القدر لا يمكن الاحتراز
110

منه، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة والمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، فإن باعه بثمن مثله
أو بنقصان يتغابن الناس بمثله كان البيع صحيحا، فإن حضر من يزيد في ثمنه وكان
ذلك بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما لم يلتفت إلى ذلك ولا يجوز قبول هذه الزيادة،
ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال، وإن كان ذلك في زمن الخيار مثل أن يكون قبل
التفرق من المجلس أو في زمان خيار الشرط كان قبول الزيادة وفسخ العقد جائزا، فإن لم
يقبل الزيادة لم ينفسخ العقد.
والعدل إذا باع الرهن وقبض ثمنه كان من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن، وإذا
كان الرهن على يد عدل ومات الراهن انفسخت وكالة العدل ولزم الوارث قضاء الدين،
أما بأن يبيع الرهن ويقضي ذلك من ثمنه أو يقضيه من غير ذلك، فإن امتنع ولم يقضه
من الثمن ولا من غيره أقام الحاكم عدلا يبيع الرهن ويقضي الدين من ثمنه.
وإذا باع العدل الرهن وهلك ثمنه من يده واستحق الرهن من يد المشتري أمر الحاكم
المشتري بتسليم الرهن إلى مستحقه، ويرجع المشتري بالثمن على تركة الراهن وليس على
العدل في ذلك شئ، ويكون المشتري كغيره من الغرماء وله أسوة بهم، ولا يقدم عليهم
لأنهم قد استووا في ثبوت حقوقهم في الذمة، هذا إذا كان العدل بائعا للرهن بأمر
الحاكم، فإن كان الرهن باقيا وباعه العدل بتوكيل الراهن وقبض الثمن ثم هلك في يده
واستحق المبيع في يد المشتري فإنه يرجع على الراهن، وكذلك كل وكيل باع شيئا
فاستحق وهلك الثمن في يد الوكيل فإن المشتري يرجع على الموكل دون الوكيل.
وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه وهلك ذلك من يده لم يلزمه ضمانه، لأنه أمين
والأمين لا يضمن إليه بالتفريط، وإذا ادعى هلاكه كان القول قوله مع يمينه ولا يجب
عليه إقامة بينة على ذلك، فإن حلف أنه هلك من يده بغير تفريط برئ منه، وإن لم يحلف
ردت اليمين على الراهن، فإن حلف أنه في يده لزمه ذلك وكان له حبسه حتى يخرج إليه
منه، وإذا ادعى العدل دفع ثمن الرهن إلى المرتهن وأنكر المرتهن ذلك، كان القول قول
المرتهن مع يمينه.
111

وإذا كان العدل وكيلا في بيع الرهن فقال له الراهن: بعه بدنانير، وقال له المرتهن:
بعه بدراهم، لم يجز له تقديم قول أحدهما على صاحبه لأن لكل واحد منهما حقا في بيعه
وكان على الحاكم أن يأمره ببيعه بنقد البلد لأن نقد البلد هو الذي يقتضيه عقد الوكالة،
فإن كان حق المرتهن من جنسه قضى عنه، وإن كان من غير جنسه صرفه في ذلك الجنس
وقضى منه دينه، وإن كانا جميعا نقدي البلد باع بأكثرهما وأغلبهما استعمالا، فإن استويا
باع بأوفاهما حظا فإن استويا وكان أحدهما من جنس الحق باع به، وإن كان الحق من
غير جنسهما باع بالذي يكون تحصيل جنس الحق به أسهل، فإن استويا عمل الحاكم على
تقديم أحدهما بما يراه صلاحا.
وإذا باع العدل الرهن بدين كان عليه الضمان لأنه بذلك مفرط، وإذا فسق العدل
نقل الرهن من يده لأنه غير مأمون عليه، وإذا حدثت عداوة بينه وبين الراهن أو المرتهن
وأراد نقله نقل لأنه ليس من أهل الأمانة في حق عدوه، وإذا تغيرت حال العدل بمرض أو
كبر حتى صار غير متمكن من حفظ الرهن ولا القيام به فإنه ينقل من يده لأنه يخشى
هلاكه.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في من ينقل إليه فأراد أحدهما غير ما أراده الآخر كان
على الحاكم أن يجتهد في ذلك وينقله إلى أمين ثقة، فإن اختلفا في تغير العدل فقال
أحدهما: تغير، وقال الآخر: لم يتغير، كشف الحاكم عنه، فإن كان لم يتغير أقر الرهن
عنده بحاله، فإن كان قد تغير نقله من يده، وكذلك الحكم إذا كان الرهن في يد المرتهن
وادعى الراهن تغيره سواء، وإذا مات المرتهن وصار الرهن في يد وارثه أو وصيه، وطالب
الراهن بنقله من يد الذي صار إليه كان له ذلك لأنه لم يرض بأن يكون في يد الوارث أو
الوصي، وينبغي للحاكم أن ينقله إلى يد ثقة أمين وكذلك الحكم سواء إذا كان في يد
العدل ومات.
وإذا لم يتغير حال العدل، واتفق المتراهنان على نقله من يده كان ذلك جائزا لأن
الحق لهما، فإن اختلفا فأراد أحدهما نقله من يده ولم يرده الآخر، لم ينقل من يده لأنهما قد
112

رضيا بأمانته ونيابته عنهما في حفظه، فليس لأحدهما الانفراد بنقله وإخراجه عن يده، وإذا
كان الرهن على يد العدل وأراد رده على المتراهنين وكانا حاضرين قبضه ألزمهما الحاكم
قبضه أو قبضه عنهما ويبرأ العدل من حفظه أيضا.
فإن سلم العدل إلى الحاكم قبل امتناعهما من قبضه لم يجز له ذلك، لأنه لا يجوز
للعدل دفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان إيصاله إليهما، ولا يجوز للحاكم
أيضا قبضه منه قبل امتناعهما من قبضه لأنه لا يثبت له ولاية عليهما إلا إذا امتنعا من
القبض وتعذر إيصاله إليهما، وكذلك إذا دفعه إلى ثقة عدل ضمنا جميعا لأنه لا يجوز أن
يخرجه من يده إلى غير المتراهنين، وأما العدل الذي قبضه فإنه قبضه بغير حق فعليه
ضمانه، فإن سلمه إلى أحد المتراهنين كان عليهما أيضا ضمانه لأنه وكيل لهما في حفظه،
فلم يجز له دفعه إلى أحدهما دون الآخر.
فإن كان المتراهنان غائبين وكان للعدل عذر من سفر أو مرض مخوف، فإن الحاكم
يقبضه منه عنهما ولا يجوز له دفعه مع وجود الحاكم إلى غيره، فإن لم يقدر على حاكم ودفعه
إلى ثقة عدل لم يلزم ضمانه، وإن لم يكن له عذر لم يجز له دفعه إلى الحاكم، وإذا كان أحد
المتراهنين حاضرا والآخر غائبا لم يجز للعدل تسليم الرهن إلى الحاضر لأنه نائب في حفظه
عنهما جميعا، فإن سلمه إلى الحاضر كان عليه ضمانه ولا يقوم الحاكم هاهنا مقام الغائب
كما قام مقام الغائبين على ما قدمناه، وإذا تراضى المتراهنان على أن يكون الرهن على يد
عدلين وأراد أحدهما أن يسلم الآخر حتى ينفرد بحفظه، لم يجز له ذلك لأن الراهن لم يرض
بأمانة أحدهما وإنما رضي بأمانتهما جميعا، فلا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه على حال.
وإذا جنى انسان على الرهن فأتلفه وهو على يد العدل كان على الجاني قيمته ويكون
على يد العدل رهنا عوضا عن الأول، وليس يجوز للعدل بيع هذه القيمة عند محل الدين
لأن الراهن إنما وكله في بيع الرهن دون غيره، وإذا كان عند انسان رهن لم يجز له أن
يسافر به، فإن فعل ذلك كان عليه ضمانه، فإن رجع به إلى بلده لم يزل عنه الضمان لأن
الاستئمان قد بطل ولا يعود الأمانة إلا بأن يرجع إلى صاحبه، ثم يعيده إليه أو إلى
113

وكيله.
وإذا وكل المتراهنان عبدا بغير إذن سيده في حفظ الرهن وبيعه عند محل الحق بجعل أو
غير جعل، لم يجز ذلك لأن منفعته لسيده، فإن أذن في ذلك كان جائزا، وإذا وكلا في
ذلك مكاتبا بغير جعل، لم يجز ذلك لأنه ليس له أن يتبرع لتعلق حق سيده بمنافعه، وإذا
كان ذلك بجعل كان جائزا لأن للمكاتب أن يؤجر نفسه من غير إذن سيده.
وإذا اقترض الذمي من مسلم مالا ورهن عنه به خمرا ليكون على يد ذمي آخر يبيعها
عند محل الدين فباعها وأحضر الثمن إلى صاحب المال جاز له أخذه ولا يجبر على ذلك،
فإن شرط أن يكون الخمر على يد المسلم وأن يبيعها هذا المسلم عند محل الحق فباعها
وقبض ثمنها، لم يصح ذلك ولم يكن لبيع المسلم الخمر ولا قبضه لثمنها حكم، ولم يجز
للمسلم الذي هو صاحب الدين قبضه دينه من ذلك.
وإذا أرسل انسان رسولا إلى غيره مع عبد له ليقترض له منه دنانير ويرهن العبد عنده
بها، ففعل الرسول ذلك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن: أرسلت رسولك ليرهن
العبد بعشرين دينارا وقد فعل ذلك، وقال الراهن: ما أذنت له إلا في عشرة دنانير، كان
القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه لم يرهن، فإن شهد الرسول للراهن أو للمرتهن لم
يسمع شهادته لأنه شهد على فعل نفسه وذلك مما لا تقبل فيه شهادته.
وإذا أرسل إلى غيره عبدا وثوبا ثم اختلفا فقال الراهن: العبد هو الرهن والثوب
وديعة وأنا مطالب لك بالثوب، وقال المرتهن: الثوب رهن والعبد وديعة فليس لك
مطالبتي بالثوب، كان العبد قد خرج من الرهن بإنكار المرتهن كونه رهنا، فأما الثوب فهو
مدع بأنه رهن وصاحبه ينكر ذلك، فالقول حينئذ قول الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه
ليس برهن وعلى المرتهن البينة على أنه رهن.
وإذا كان في يد انسان ثوب فقال لصاحبه: هو الرهن في يدي رهنتنيه أو رهنه عبدي
بإذنك، فقال صاحبه: لم أرهنه ولا أذنت في رهنه وإنما رهنت أو أذنت في رهن عبدي
وقد فعلته وأنا مطالب لك بقيمته، كان القول قول الراهن في الثوب والقول قول المرتهن
114

في العبد مع يمينه لأن الأصل في الثوب أنه غير رهن، والقول قول المرتهن في قيمة العبد لأن
الأصل براءة ذمته من ذلك.
وإذا رهن انسان عبده عند غيره فجنى هذا العبد على سيده، فإن كانت جنايته مما
دون النفس مثل قطع اليد أو قلع العين أو قطع الأذن وما أشبه ذلك من الجراح التي فيها
القصاص، كان لسيده أن يقتص منه ويبقى بعد القصاص رهنا كما كان، وإن لم يقتص
منه وعفا على مال لم يصح ذلك لأنه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق في مال
ابتداء، وعلى هذا ينبغي أن يكون الجناية هدرا، وإذا كانت خطأ فكما ذكرناه من أنه
لا يصح أن يثبت له على عبده مال ابتداء فإذا كان كذلك بقي العبد رهنا، ولا يؤثر فيه
جناية الخطأ ولا العمد بعد العفو فإن القصاص سقط والمال لا يثبت، وإن كان الجناية
على نفس السيد كان للوارث قتل العبد، فإن فعل ذلك بطل الرهن وإن عفا على مال لم
يصح لأنه لا يجوز أن يستحق على ماله مالا، وهذا العبد فهو للورثة فلم يجز ذلك لما
ذكرناه.
وإذا رهن انسان عبده عند غيره فقتل هذا العبد عبدا آخر لسيده، فإن كان المقتول
ليس برهن كان لسيده أن يقتص منه لأن العبد كف ء للعبد، وإن أراد أن يعفو على مال
ليبيع العبد المرهون ويقبض ثمنه لم يجز له ذلك لأنه ليس للسيد أن يعفو عن جناية عبده
على مال لنفسه من حيث إنه لا يثبت له على عبده مال إلا أن يكون قائما مقام غيره فيما
يثبت له، وإن كانت الجناية خطأ لم يثبت المال وكانت هدرا على ما قلناه.
وإذا كان الرهن جارية حبلى فجني عليها، فإن ضربها انسان فألقت جنينا ميتا كان
على الجاني عشر قيمتها ولا يجب ما نقص من قيمة الأم لأن ذلك داخل في دية الجنين،
ويدفع ذلك إلى الراهن لأن ولد المرهونة لا يدخل في الرهن وكذلك بدل نفسه، وليس
للمرتهن فيه شئ ولا يتعلق به حق له على حال، فإن كان دابة حاملا فضربها فألقت
جنينا ميتا كان على ضاربها ما نقص من قيمة الأم ولا يجب بدل الجنين الميت من البهيمة،
ويكون داخلا في الرهن لأنه بدل ما نقص من أجزاء الرهن، فإن ألقت جنينا حيا ثم
115

مات كان عليه قيمة الولد ولا يلزمه غير ذلك، ويدخل نقصان الأم في ذلك ويكون ذلك
للراهن دون المرتهن.
وإذا جنى انسان على المرهون جناية ولم يعرف الجاني وأقر انسان بأنه الذي جنى عليه
وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الآخر، فإن كان المكذب له هو الراهن والمصدق له هو
المرتهن ثبت إقراره في حق المرتهن وأخذ منه أرشا ويكون رهنا، فإن أبرأ المرتهن الراهن من
دين المرتهن رجع الأرش إلى المقر ولم يستحقه الراهن لأنه أقر بأنه لا يستحقه فلزمه إقراره،
فإن صدقه الراهن وكذبه المرتهن كان الأرش واجبا للراهن وليس للمرتهن فيه حق.
وإذا رهن مسلم عند كافر عبدا مسلما أو رهن عنده مصحفا وشيئا من أحاديث
النبي ص أو الأئمة ع كان ذلك جائزا ويودع هذا الرهن على يد
مسلم.
وإذا باع انسان من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم، وشرط فيه أن يرهنه بالثمن
رهنا معلوما كان ذلك صحيحا ويصير الرهن معلوما بالمشاهدة أو بالصفة، فإذا كان ذلك
صحيحا كما ذكرناه وسلم المشتري ما شرط من الرهن فقد وفي ووجب العقد، فإن لم يسلم
ذلك أجبر عليه أو يتفاسخان العقد، وإذا باع شيئا بثمن معين إلى أجل معلوم وشرط أن
يضمن انسان الثمن جاز ذلك ويجب أن يكون من يضمنه معلوما، إما بالإشارة أو
بالتسمية والنسب وإما بالوصف بأن يقول: يضمنه رجل غنى ثقة، فإن لم يجب إلى ضمان
ذلك كان القول في أنه يجبر على ذلك أو يتفاسخان العقد كما ذكرناه فيما تقدم، وإذا اتفقا
أن يضمن ذلك انسان معين أو اتفقا على رهن معين، فأحضر الراهن غير الرجل المعين أو
الرهن المعين، لم يلزم المرتهن أن يقبل ذلك منه ويكون الحكم فيه مثل ما قدمناه أيضا.
وإذا وجد المرتهن في الرهن عيبا ولم يختلفا في أنه حدث في يد المرتهن، لم يكن له رده
لأنه حدث بعد القبض، وإن كان في يد الراهن وهو به كان له رده، فإذا رده كان مخيرا
في فسخ البيع أو في إجازته بغير رهن، فإن اختلفا في حدوثه وكان حدوثه لا يمكن في يد
المرتهن كان القول قوله بغير يمين لأنه أمين، وإن كان لا يمكن حدوثه في يد الراهن كان
116

القول قوله من غير يمين، وإن كان حدوثه يمكن في يد كل واحد منهما كان القول قول
الراهن مع يمينه لأن الظاهر بقاء عقد الرهن وفقد الخيار، وإذا كان في الرهن عيب ودلس
به الراهن على المرتهن كان المرتهن مخيرا بين رده بالعيب وبين الرضا به معيبا، فإن رده
بالعيب كان مخيرا في فسخ البيع أو إجازته بغير رهن.
وإذا رهن انسان عبدين وسلم إلى المرتهن واحدا منهما فمات في يده وامتنع من تسليم
الآخر إليه لم يكن للمرتهن خيار في فسخ البيع لأن الخيار في فسخه إنما يثبت له إذا رد
الرهن وليس يمكنه رد ما قبضه، وهكذا الحكم إذا قبض أحد العبدين وحدث به عيب في
يده وامتنع الراهن من تسليم الآخر إليه في أنه لا خيار له في فسخ البيع لأنه لا يجوز له رد
المعيب للعيب الحادث في يده.
ومتى لم يكن الرهن شرطا في عقد البيع فتطوع المشتري فرهن بالثمن ثوبا أو عبدا أو
غير ذلك مما يجوز رهنه وسلمه إلى البائع كان الرهن صحيحا ولزم، لأن كل وثيقة
صحت مع الحق فهي صحيحة بعده، وإذا كان ذلك صحيحا لم يكن للراهن انفكاكه إلا
بعد الوفاء بجميع الحق وليس له انفكاكه وقد بقي منه شئ قليلا كان الباقي أو كثيرا،
فإن رهنه ولم يسلمه لم يكن له ذلك وأجبر على تسليمه ولم يكن للبائع خيار في فسخ البيع
لأنه قد رضي به منه من غير رهن، وإنما يكون له الخيار إذا لم يرض به منه وشرط الرهن في
عقد البيع، فإذا امتنع من تسليم الرهن كان قد امتنع من الوفاء بموجب العقد وكان مخيرا
في فسخه.
فإن باع شيئا من غيره وشرط أن يكون المبيع رهنا في يد البائع كان البيع غير
صحيح، لأن شرطه أن يكون رهنا لا يصح لأنه شرط أن يرهن ما لا يملك والمشتري لا يملك
البيع قبل تمام العقد، وإذا بطل الرهن بطل البيع لأن البيع يقتضي إيفاء الثمن من ثمن
المبيع وذلك متناقض من وجه آخر، إن الرهن يقتضي أن يكون أمانة في يد البائع والبيع
يقتضي أن يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض أيضا.
فإن شرط البائع تسليم المبيع إلى المشتري ثم يرده إلى يده رهنا بالثمن، فإن الرهن
117

والبيع يكونان فاسدين مثل ما ذكرناه متقدما، وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن:
رهنتني عبدين، وقال الراهن: رهنتك أحدهما، كان القول قول الراهن مع يمينه لأن
الأصل أنه لم يرهنه العبد الآخر، وإن اتفقا على الرهن واختلفا في مقدار الحق الذي رهناه
كان القول قول الراهن مع يمينه، لأن الأصل أنه لم يرهن فيما زاد على ما أقر به.
وإذا كان لإنسان على غيره ألفا درهم، ألف واحد برهن والألف الآخر بغير رهن،
فقضاه ألفا واختلفا، فقال القاضي: هو الألف الذي ب‍ " رهن "، فطالب برد الرهن الذي
على هذا الألف، وقال الذي قبض الألف: هو الذي بغير رهن، والذي بالرهن باق
والرهن لازم، كان القول قول القاضي للألف مع يمينه، لأنهما لو اختلفا في أصل القضاء
كان القول قوله مع يمينه، وإن اتفقا على أنه قضاه ألفا ولم يلفظ بشئ منه ولم يدع نيته،
وقال القاضي: لم أنو شيئا، كان له أن يصرف إلى أيهما شاء، وكذلك إذا أبرأه من ألف
واختلفا في لفظه أو نيته أو اتفقا على أنه أطلقه كان بمنزلة قضائه.
وإذا كان له على اثنين ألف درهم على كل واحد منهما خمس مائة، وكان لهما عبد
مشترك بينهما، فادعى صاحب الدين أنهما رهناه العبد الذي بينهما بالألف الذي هو
عليهما، فإن أنكراه كان القول قولهما مع يمينهما لأن الأصل أنهما لم يرهنا وكان عليه البينة
بذلك، وإن صدقاه صار رهنا وكان نصيب كل واحد منهما رهنا بما عليه من الدين، فإذا
قضاه انفك من الرهن وإن كان دين الآخر باقيا، فإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر كان
القول قول المكذب مع يمينه، ويكون نصيب المصدق رهنا بما عليه من الدين، فإن شهد
المصدق منهما على المكذب سمعت شهادته لأنه شهد على شريكه بأنه رهن نصيبه، فإذا
شهد عليه وقبلت شهادته كان لصاحب الدين أن يحلف مع شاهده ويحكم له بذلك، فإن
أنكراه وشهد كل واحد منهما على الآخر بأنه رهنه حصته وأقبضه قبلت شهادتهما وكان
عليه اليمين لكل واحد منهما، فإذا حلف حكم له برهن جميعه.
وإذا كان لإنسان على غيره دين فرهنه داره وصارت الدار في يد المرتهن، فاختلفا
فقال الراهن: ما سلمتها إليك رهنا إنما أعرتكها أو غصبتها مني أو استأجرها انسان
118

وأسكنك فيها، كان القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل عدم الإذن والرضا بتسليمه
رهنا.
واعلم أن الرهن لا يجوز لمالكه التصرف فيه على حال، فإن آجره كان الأجرة له،
فإن زوج الراهن عبده المرهون كان تزويجه جائزا إلا أنه لا يجوز تسليم الجارية إلى الزوج
إلا بعد أن يفكها من الرهن، والنفقة على الرهن واجبة على الراهن حيوانا كان أو غير
حيوان، وكل زيادة لا يتميز من الرهن فهي رهن معه مثل أن يكون جارية فتكبر أو ثمرة
فتدرك.
وإذا رهن ماشية فإن الراهن إذا أراد الضراب للنتاج كان له ذلك سواء كان المرهون
فحلا أو أنثى، فإن كان فحلا وأراد أن ينزئه على ماشيته أو أراد أن يعيره غيره لذلك لم
يكن للمرتهن منعه لأنه مصلحة للراهن وليس على المرتهن فيه مضرة، وإن كان الماشية
المرهونة إناثا وأراد أن ينزئ عليها فحولة ليست مرهونة وكان محل الدين يتأخر عن الولادة
كان ذلك للراهن، وإن كان محل الدين لا يتأخر عن ذلك لم يكن له ذلك، وقد ذكر أنه
له والأظهر أنه له إن لم يكن فيه ضرر يدخل على الراهن والمرتهن في ذلك، وللراهن رعي
الماشية نهارا فإذا كان بالليل أتى بها إلى المرتهن.
وإذا أراد الراهن أن ينتجع بها من موضعها وكانت الأرض محضبة فيها ما يكفي
الماشية، لم يكن له ذلك إلا برضا المرتهن، وإذا أجدبت الأرض ولم يكن فيها ما يتماسك
الماشية ويكتفى برعيه، كان للراهن الانتجاع بها ولم يجز للمرتهن منعه من ذلك لكن يوضع
على يدي عدل يأوي إليه بالليل ويكون في حفظه ومراعاته، وإن لم ينتجع الراهن وانتجع
المرتهن كان له الانتجاع بها ولم يكن للراهن منعه منها لأن للرهن فيه صلاحا، فإن أراد
المتراهنان جميعا أن ينتجعا إلى موضعين مختلفين سلم إلى الراهن لأن حقه أقوى من حق
المرتهن لأنه يملك الرقبة ويحفظ الماشية على يد عدل ثقة.
وإذا كان الرهن طفلا ذكرا أو أنثى لم يمنع الراهن من أن يعذرهما وقد ذكر أن ذلك
مسنون، وذكر وجوبه والقول بالوجوب أظهر، فإن مرض هذا الرهن واحتاج إلى دواء
119

وامتنع الراهن منه لم يجبر عليه لأنه قد يبرأ من غير دواء، وإن أراد المرتهن أن يداويه لم يجز
للراهن منعه من ذلك إذا لم يكن من الأدوية المخوفة التي يخالطها السموم ويخشى عاقبتها،
وإن كانت المداواة بالفصد أو ما يجري مجراه من فتح العروق فإن ذلك جائز للراهن
والمرتهن، من أراده منهما لم يكن للآخر منعه عنه، إذا أشاره الثقات من أهل الصنعة بفعله
وأنه لا يخاف منه وأنه متى لم يفصد لم يؤمن التلف أو حدوث مرض يخشى عاقبته، فإن
ذكر أهل الصنعة أنه ينفع وربما أدى إلى ضرر وخشي منه التلف، كان للمرتهن منع
الراهن منه.
فإن كان به أصبع زائدة أو سلعة لم يكن للراهن قطعها لأن تركها لا يضر وقطعها
يخشى منه، فإن كانت قطعة لحم ميتة يخشى من تركها ولا يخاف من قطعها جاز قطعها
من كل واحد منهما ولم يكن لأحدهما منع الآخر من ذلك، وإن كان الرهن شيئا من
الدواب وعرض له ما يحتاج إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ وتعريب وأشار أهل
هذه الصنعة بذلك جاز لكل واحد منهما فعله، ولم يجز لواحد منهما منع الآخر من ذلك.
وإن كان الرهن نخلا فاطلعت النخلة وأراد الراهن تأبيرها، لم يكن للمرتهن منعه
من ذلك لأن فيه مصلحة لماله ولا مضرة للمرتهن، وما يحصل من النخل من كرب
يابس وليف وعرجون فهو للراهن دون المرتهن لأن الرهن لم يتناول ذلك.
وإذا رهن اثنان عند غيرهما عبدا بمائة له عليهما وسلماه إلى المرتهن جرى ذلك مجرى
عقدين، فإن أفتك أحدهما نصيبه صح ذلك في نصيبه ولم يكن له مطالبة المرتهن
بالقسمة لأن القسمة للشريك المالك، فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخر كانت
القسمة صحيحة، فإن كان ذلك بغير إذن الراهن لم يصح، وإذا كان الراهن للعبد
واحدا والمرتهن اثنين صح الرهن وجرى مجرى عقدين، وكان نصف العبد رهنا عند
أحدهما بحصته من الدين والنصف الآخر عند الآخر بحصته أيضا من الدين، فإذا قضى
لواحد منهما ما عليه أو أبرأه هو منه خرج منه نصفه من الرهن.
وإذا رهن انسان عند اثنين عبدا وادعى كل منهما أن رهنه وقبضه كان قبل صاحبه
120

ولم يكن الرهن في يد واحد منهما فصداق الراهن أحدهما فصدق الراهن كان القول قول
الراهن بغير يمين، فإن كان مع واحد منهما بينة حكم له ببينته، وإن كان مع كل واحد
منهما بينة وكان البينتان متساويتين أقرع في ذلك بينهما، فإن أقر لأحدهما بالسبق وكان
الرهن في يد عدل أجنبي دفع إلى المقر له لأنه انفرد بمزية الإقرار فوجب تقديم
دعواه على دعوى صاحبه ويحلف مع ذلك، وقيل أنه لا يحلف والأحوط الأول، فإن نكل عن اليمين
كان عليه قيمة الرهن للآخر وردت اليمين على المدعي وحلف، وإن كان الرهن في يد
المقر له كان أحق به من الآخر لمزية الإقرار، وإن كان في يد الآخر كان المقر له أولى
للإقرار أيضا، وإن كان في أيديهما جميعا فإن نصفه في يد المقر له فقد اجتمع له فيه يد وإقرار
فهو أولى به وفي النصف الآخر له إقرار وللآخر يد، والإقرار مقدم على اليد.
فإن رهن أرضا وفيها شجر أو بناء لم يدخل ذلك في الرهن، فإن قال بحقوقها دخل
ذلك في الرهن، وإذا رهن شجرا وبين الشجر أرض لم يدخل في الرهن كما لا يدخل في
البيع لأن الاسم لم يتناوله، ولا يدخل فيه قرار الأرض، وإذا رهن نخلا مؤبرة لم يدخل
الثمرة في الرهن إلا أن يشترط ذلك، وإن كانت غير مؤبرة ثم أبرت فالأظهر أنها
لا تدخل في الرهن لأن الاسم لا يتناولها، وإذا رهن انسان غنما عليها صوف لم يدخل
الصوف في الرهن، وله أن يجزه ويتصرف فيه كيف أراد.
وإذا رهن الأصل مع الثمرة صح ذلك ولا فرق بين أن يكون الثمرة مؤبرة أو غير
مؤبرة بدا منها صلاح أو لم يبد، فإن كان رهنها بدين حال صح العقد وبيعا معا واستوفى
الثمن من ذلك، وإن كان بدين مؤجل يحل قبل إدراكها ومعه كان صحيحا أيضا، وإن
كان يحل بعد إدراكها ولا يبقى إليه الرطب، فإن كان مما يصير تمرا صح الرهن وأجبر
الراهن على تجفيفه وكانت المؤنة واجبة عليه لأن ذلك يتعلق ببقاء الرهن، وإن كان مما
لا يصير تمرا بطل الرهن في الثمرة ولم يبطل في الأصل، والحكم في جميع الثمار والحبوب
مثل ما ذكرناه في الرطب سواء.
وإذا رهن انسان ثمرة يخرج بطنا بعد بطن مثل الباذنجان والتين والبطيخ وما جرى
121

مجرى ذلك، فإن كان بدين حال جاز وإن كان بمؤجل يحل قبل حدوث البطن الثاني أو
يحل بعد حدوثه أو معه وهو متميز عنه كان الرهن جائزا، وإن كان لا يحل حتى يحدث
الحمل الثاني ويختلط بالأول اختلاطا لا يتميز عنه كان الرهن باطلا إلا أن يشترطا قطعه
إذا حدث البطن الثاني، لأنه لا يتميز عند محل الدين عما ليس برهن.
ولا يجوز رهن المجهول وكذلك الزرع الذي لا يستخلف، لا يجوز أن يرهن النابت إلا
بشرط القطع لأنه يحصل فيه زيادة لم يدخل في الرهن فيختلط به، وإذا كان المحل يتقدم
على حدوث البطن الثاني كان الرهن صحيحا، وإذا حل الدين فتوانيا في بيع ذلك حتى
حدث البطن الثاني لم يفسد الرهن بالاختلاط بينهما، فإن اختلطا قيل للراهن ترى
بالمسامحة بما اختلط، فإن أجاب إلى ذلك كان الجميع رهنا، وإذا حل الحق بيع الجميع
فيه، فإن لم يجب إلى المسامحة كان القول قول الراهن مع يمينه في مقدار ما كان رهنا سواء
كان الرهن في يد المرتهن أو الراهن.
وإذا كان الرهن أرضا فغرس المرتهن فيها غرسا، فإن كان غرس في مدة الرهن أمر
بقلعه لأنه لم يؤذن له في غرسه وإن كان غرسه في مدة البيع بإذن الراهن فهو له، وإن أراد
المرتهن قلعه ونقله كان له لأنه عين ماله، وإن امتنع من قلعه كان الراهن مخيرا بين أن يقره
في أرضه فيكون الأرض للراهن والغرس للمرتهن، وبين أن يدفع إليه ثمن الغرس فيكون
الجميع للراهن، وبين أن يطالبه بقلعه على أن يضمن له ما نقص الغرس بالقلع، وكذلك
البناء لا فرق بينهما فيما ذكرناه، وإذا أقرض غيره ألف درهم على أن يرهنه بالألف داره
ويكون منفعة الدار للمرتهن لم يصح القرض لأنه قرض يجر منفعة، ولا يصح الرهن لأنه
تابع له.
وإذا كان لإنسان على غيره ألف درهم قرضا، فقال الذي عليه الألف للذي له
الألف: أقرضني ألفا على أن أرهنك به وبالألف الذي لك عندي بغير رهن هذه الدار،
ففعل ذلك كان جائزا لأنه لا مانع يمنع من ذلك.
وإذا شرط المرتهن شرطا لنفسه فإما أن يكون شرط نماء الرهن ومنفعته لنفسه أو شرط
122

أن يكون نماؤه داخلا في الرهن، فإن شرط لنفسه ذلك فإما أن يكون ذلك في دين مستقر
في ذمته أو في دين مستأنف، فإن كان في دين مستقر في ذمته فرهنه به رهنا وشرط له نماؤه
كان الشرط باطلا والرهن صحيح، وإن كان في دين مستأنف فإما أن يكون في قرض أو
بيع، فإن كان في قرض مثل أن يقول: أقرضتك هذا الألف على أن ترهن دارك به
وتكون منفعتها لي أو دابتك ويكون نتاجها لي، لم يجز ذلك لأنه قرض يجر منفعة، ويكون
القرض باطلا والرهن صحيحا.
فإن كان في بيع فإما أن يكون المنافع معلومة أو مجهولة، فإن كانت معلومة مثل أن
يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن ترهن دارك به ويكون منفعتها لي سنة، كان هذا
بيعا وإجارة وذلك صحيح ويكون منافع الدار للمرتهن سنة ويكون كأنه اشترى عبدا
بألف ومنافع الدار سنة، وإن كان المنافع مجهولة كان البيع فاسدا لأن الثمن مجهول، وإذا
بطل البيع بطل الرهن لأنه فرع عليه.
هذا إذا شرط منفعة الرهن للمرتهن، فأما إن شرط أن يدخل بها في الرهن، فإن كان
ذلك في دين مستقر في ذمته بطل الشرط ولم يدخل في الرهن.
وإذا رهن نخلا على أن ما أثمرت يكون رهنا مع النخل أو رهن ماشية على أن
ما نتجت يكون النتاج داخلا في الرهن كان ذلك جائزا، وإذا قال: رهنتك هذا الحق بما
فيه لم يصح الرهن بما فيه للجهل به ويصح في الحق، وإذا قال: رهنتك الحق دون ما فيه،
صح ذلك بغير خلاف، والحكم في الجراب والصندوق والخريطة مثل ما ذكرناه في الحق
على حد واحد.
وإذا شرط على المرتهن أن يكون الرهن مضمونا كان الشرط باطلا وإذا تلف الرهن
كان للمرتهن الرجوع بدينه على الراهن سواء كان دينه أكثر من قيمة الرهن أو أقل لأنه
أمانة، وسواء كان هلاكه بأمر ظاهر مثل الحريق أو النهب أو الغرق أو بأمر خفي مثل
السرقة والتلصص الخفية أو الضياع، فإن اتهم المرتهن كان القول قوله مع يمينه إذا لم يثبت
بينة على بطلان قوله، فإن فرط في حفظه أو استعمله كان ضامنا له.
123

وإذا قضى الراهن دين المرتهن وطالبه برد الرهن عليه فأخره ثم تلف، فإن كان
تأخيره لغير عذر كان ضامنا له وإن كان لعذر لا يتمكن معه من دفعه إليه في الحال بشئ
من الموانع مثل درب مغلق أو تضيق وقت صلاة فريضة أو طريق مخوف أو جوع شديد
يخشى منه على نفسه، فإذا أخره لشئ من هذه الأعذار أو ما جرى مجراها لم يلزمه
الضمان.
وإذا ادعى المرتهن رد الرهن على الراهن لم يقبل قوله إلا ببينة، وكذلك المستأجر إذا
ادعى رد العين المستأجرة على صاحبها لم يقبل قوله إلا ببينة، ويخالف الوديعة لأن المودع
إذا ادعى رد الوديعة على صاحبها قبل قوله مع يمينه لأنه أخذها لمنفعة المودع، والوكيل إذا
ادعى الرد على الموكل، فإن لم يكن له جعل كان بمنزلة المودع وإن كان له جعل أو كان
العامل في القراض إذا ادعى الرد وكذلك الأجير المشترك، لا يقبل قوله إلا ببينة.
وإذا أسلم انسان إلى غيره في طعام وأخذ به رهنا صح الرهن، فإن تقايلا وفسخا عقد
السلم سقط الطعام عنه وبرئت ذمته منه وانفك الرهن لأنه تابع للدين، فإذا سقط بطل
الرهن.
وإذا باع العدل بإذن الراهن والمرتهن وسلم الثمن إلى المرتهن ثم وجد المشتري بالرهن
عيبا فأراد رده لم يكن له رده على المرتهن ولم يكن له مطالبته بالثمن الذي قبضه لأن
المرتهن ملكه بتصرف حادث بعد البيع، كما أن من باع ثوبا بعبد وقبض العبد وباعه ثم
وجد المشتري بالثوب عيبا كان له رده على البائع، ولم يكن له مطالبة المشتري بالعبد
الذي ملكه بالشراء معه البائع وكذلك إذا رهنه أو أعتقه.
فإذا كان كذلك فإن كان العدل قرر في حال البيع أن المبيع للراهن وأنه وكيل فيه لم
يتعلق به من أحكامه شئ ولم يكن للمشتري رده عليه ومطالبته بالثمن، وكانت
الخصومة بينه وبين الموكل في البيع وهو الراهن وينظر فيه، فإن صدقه على أن العيب كان
في يده رده عليه وكان عليه مثل الثمن الذي قبضه منه وكيله، فإن لم يبين العدل حين
باعه أنه وكيل تعلق حكم العقد به في حق المشتري.
124

فإن أقر العدل والراهن بأن العيب كان قبل قبض المشتري رده على العدل ورجع
عليه بالثمن ورجع العدل على الراهن، وإن لم يقرأ بذلك وكان للمشتري بينة فهو كذلك.
وإن لم يكن له بينة كان القول قول العدل مع يمينه، فإن نكل عن اليمين ردت على
المشتري، فإن حلف رد المبيع على العدل واسترجع منه مثل الثمن الذي دفعه، ولا يرجع
العدل هاهنا على الراهن لأنه مقر بأن العيب حادث في يد المشتري وأنه لا يستحق الرد،
وأنه ظالم بما رجع عليه من الثمن فلم يجز أن يرجع الظلم إلا على ظالم.
فأما إذا استحق الرهن من يد المشتري وجب على المشتري رده على مستحقه، وكان له
الرجوع على المرتهن بما قبضه من الثمن لأن ذلك عين ماله لم يملكه الراهن ولا المرتهن لأن
البيع وقع فاسدا في الأصل، فإن كان الرهن قد تلف في يد المشتري كان للمستحق أن
يرجع بقيمته على من شاء من المشتري أو الراهن أو العدل.
أما المشتري فلأنه قبض ماله بغير إذنه وكذلك العدل، وأما الراهن فلأنه غاصب،
ويستقر الضمان على المشتري لأنه تلف في يده ويرجع هو بما دفع من الثمن على المرتهن إن
كان باقيا في يده وإن شاء رجع على العدل، وإن كان قد مات وخلف تركة ووارثا وعليه
دين يستغرق جميع التركة، فرهن الوارث بعضها أو باعه لم يصح ذلك لتعلق الضمان
بالتركة.
125

فقه القرآن
باب الرهن وأحكامه:
قال الله تعالى: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة، الرهن في
اللغة الثبات والدوام وفي الشريعة اسم لما يجعل وثيقة في دين، وهو جائز بالإجماع والسنة
والكتاب، قال الله تعالى: فرهان مقبوضة، تقديره الوثيقة رهن ويجوز فعليه رهن مقبوضة،
وقال أبو عبد الله ع: إن النبي ع رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي
على شعير أخذه لأهله، فقيل: وإنما عدل عن أصحابه إلى يهودي لئلا يلزمه منه بالإبراء فإنه لم
يأمن إن استقرض من بعضهم أن يبرئه منه، وذلك يدل على أن الإبراء يصح من غير قبول
المبرأ.
وعقد الرهن يحتاج إلى إيجاب وقبول وقبض برضا الراهن، وليس الرهن بواجب
وإنما هو وثيقة جعلت إلى رضا المتعاقدين ويجوز في السفر والحضر، والدين الذي يجوز أخذ
الرهن به هو كل دين ثابت في الذمة، مثل الثمن والأجرة والمهر والعوض في الخلع وأرش
الجناية وقيمة المتلف، كل ذلك يجوز أخذ الرهن به، وفي الدية على العاقلة يجز بعد الحول
لا يجوز، فإن لم يقبض المرهون لم ينعقد الرهن لأن الله جعل من شرط صحة الرهن أن
يكون مقبوضة، قال تعالى: فرهان مقبوضة.
والرهن والرهان كلاهما جمع، واحدهما رهن كجبل وجبال وسقف وسقف، ولا يعرف
في الأسماء فعل وفعل غير هذين، ولو قلنا الرهن جمع الجمع لأن فعالا وفعلا كثير لكان
أقيس، ويجوز أخذ الرهن في الحضر مع وجود الكاتب لما قدمنا أن النبي ع
اشترى طعاما نسيئة ورهن فيه درعا.
126

ولما أمر تعالى بالإشهاد في السلم بقوله تعالى: وأشهدوا إذا تبايعتم، سنة واحتياطا أمر
بالرهن احتياطا أيضا إذا لم يوجد كاتب ولا شهيد، وإنما أورد ذكر كون السفر فيه وشرط
الكلام به: إما لأن تلك الحال التي نزلت الآية فيها كانت على تلك الصفة، وإما لأن فقدان
البينة على الأغلب في حال السفر لا لأنه شرط في صحته.
فصل:
ثم قال تعالى: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته، لبين سبحانه بهذا أن
الإشهاد والكتابة في المداينة والرهن ليس بواجب على ما ذكرناه وإنما هو على جهة
الاحتياط، معناه إن ائتمنه فلم يقبض منه رهنا فليؤد الذي اؤتمن أمانته، يعني على الذي
عليه الدين بأن يؤدي إليه حقه في محله ويؤدي الأمانة كما وثق به واعتقد فيه أي ليقض
فيه الذي أمنه عليه. والائتمان افتعال من الأمن، يقال: أمنه وائتمنه، " وليتق الله ربه " أن
يظلمه أو يخونه وهو وثق به وائتمنه ولم يرتهن منه شيئا، وقرأ ابن عباس ومجاهد: ولم تجدوا
كتبا، يعني ما تكتبون فيه من طرس وغيره.
وإذا ارتهن صاحب الدين وأشهد فقد أكد الاحتياط، ولا بأس أن يكون الرهن أكثر
قيمة من المال الذي عليه أو أقل ثمنا منه أو مساويا له لأن عموم اللفظ يتناوله على الأحوال،
وإنما قلنا إن الأحوط هو الإشهاد مع التمكن وإن استوثق من ماله رهنا لأنه إن اختلفا في
مقدار المبلغ الذي الرهن لأجله كان على المرتهن البينة، فإن لم يكن معه بينة فعلى صاحب
الرهن اليمين، وكذا إذا اختلفا في متاع فقال الذي عنده: إنه رهن، وقال صاحب المتاع:
إنه وديعة، كان على المدعي لكونه رهنا البينة بأنه رهن، وقد روي: أن القول قول المرتهن مع
يمينه لأنه أمينه والبينة على الراهن ما لم يستغرق الرهن ثمنه.
ومن أدل الدليل على أن الإشهاد والارتهان يصح اجتماعهما قوله تعالى بعد هذا
ولا تكتموا الشهادة، يعني بعد تحملها: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، إنما أضاف إلى القلب
مجازا لأنه على الكتمان وإلا فالآثم هو الحي، وقالت عائشة: الصامت عن الحق كالناطق
بالباطل وكاتم الشهادة كشاهد الزور، " والله بما تعملون عليم " يعني بما تسترونه وبما تكتمونه.
127

وإنما ذكر تعالى بعد ذلك: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، لأن المعنى فيه
كتمان الشهادة، ويحتمل أن يريد جميع الأحكام التي تقدمت، خوفهم الله من العمل بخلافه.
128

غنية النزوع
فصل: في الرهن
الرهن في الشريعة عبارة عن جعل العين وثيقة في دين إذا تعذر استيفاؤه ممن هو
عليه استوفى من ثمن العين.
وشروط صحته ستة: حصول الإيجاب والقبول من جائزي التصرف، وأن يكون
المرهون عينا لا دينا لأنا قد بينا أنه وثيقة عين في دين، وأن يكون مما يجوز بيعه لأن كونه
بخلاف ذلك ينافي المقصود به، وأن يكون المرهون به دينا لا عينا مضمونة كالمغصوب
مثلا لأن الرهن إن كان على قيمة العين إذا تلفت لم يصح لأن ذلك حق لم يثبت بعد وإن كان
على نفس العين فكذلك لأن استيفاء نفس العين من الرهن لا يصح، وأن يكون الدين ثابتا
فلو قال: رهنت كذا بعشرة تقرضنيها غدا لم يصح، وأن يكون لازما لعوض القرض
والثمن والأجرة وقيمة المتلف وأرش الجناية، ولا يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة
المشروطة لأن عندنا أن ذلك غير لازم على ما قدمناه.
وإذا تكامل ما ذكرناه من هذه الشروط صح الرهن بلا خلاف وليس على صحته مع
اختلال بعضها دليل، فأما القبض فهو شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن، ومن
أصحابنا من قال: يلزم بالإيجاب والقبول لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، قال: وهذا عقد يجب
الوفاء به، والقول الأول هو الظاهر من المذهب والذي عليه الاجماع، وإذا تعين المخالف من
أصحابنا باسمه ونسبه لم يؤثر خلافه في دلالة الاجماع لأنه إنما كان حجة لدخول قول
المعصوم فيه لا لأجل الاجماع، ولما ذكرناه يستدل في المسألة بالإجماع وإن كان فيها خلاف
129

من بعض أصحابنا فليعرف ذلك، وأما قوله تعالى: أوفوا بالعقود، فلا يمتنع ترك ظاهره
للدليل.
واستدامة القبض في الرهن ليست بشرط بدليل إجماع الطائفة، وأيضا قوله تعالى:
فرهان مقبوضة، فشرط القبض ولم يشترط الاستدامة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله
ع: الرهن محلوب ومركوب، وذلك لا يجوز بالإطلاق إلا للراهن بلا خلاف.
ولا يجوز للراهن أن يتصرف في الرهن بما يبطل حق المرتهن كالبيع والهبة والرهن عند
آخر والعتق، فإن تصرف كان تصرفه باطلا ولم ينفسخ الرهن لأن الأصل صحته والقول
بفسخه يحتاج إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدل عليه، وإنما ينفسخ الرهن إذا فعل
ما يبطل به حق المرتهن منه باذنه.
ويجوز له الانتفاع بما عدا ذلك من سكنى الدار وزراعة الأرض وخدمة العبد وركوب
الدابة وما يحصل من صوف ونتاج ولبن إذا اتفق هو والمرتهن على ذلك وتراضيا به، وكذا
يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب والصوف واللبن إذا أذن له
الراهن وتكفل بمؤونة الرهن، والأولى أن يصرف قيمة منافعه من صوف ولبن في مؤنته
وما فضل من ذلك كان رهنا مع الأصل، يدل على ذلك إجماع الطائفة، فإن سكن المرتهن
الدار أو زرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار وكان الزرع له لأنه
عين ماله والزيادة حادثة فيه وهي غير متميزة منه.
ولا يحل للراهن ولا المرتهن وطء الجارية المرهونة، فإن وطئها الراهن بغير إذن المرتهن
أثم وعليه التعزير، فإن حملت وأتت بولد، فإن كان مؤسرا وجب عليه قيمتها تكون رهنا
مكانها لحرمة الولد، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين بدليل الاجماع
المشار إليه، فإن وطئها بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن حملت أو لم تحمل لأن ملكه لها ثابت على
ما بيناه فيما مضى وإذا كان ثابتا كان الرهن على حاله، فإن وطئها المرتهن بغير إذن الراهن
فهو زان وولدها منه رق لسيدها ورهن معها، فإن كان الوطء بإذن الراهن وهو عالم بتحريم
ذلك لم يلزمه مهر لأن الأصل براءة الذمة وإلزامه المهر يفتقر إلى دليل شرعي، فإن أتت بولد
كان حرا لا حقا بالمرتهن بلا خلاف ولا يجب قيمته لأن الأصل براءة الذمة وشغلها بذلك
130

يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه.
ورهن المشاع جائز كالمقسوم بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى فرهان
مقبوضة ولم يفصل ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن بدليل الاجماع المشار إليه وأيضا
فالأصل جواز ذلك والمنع منه يفتقر إلى دليل، ويحتج على المخالف بعموم الأخبار الواردة في
جواز التوكيل، وإذا كان الرهن مما يسرع إليه الفساد ولم يشترط بيعه إذا خيف فساده كان
الرهن باطلا لأن المرتهن لا ينتفع به والحال هذه، وإذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن
بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه كان ذلك جائزا ولم يبطل البيع بدليل قوله تعالى: وأحل
الله البيع، ويحتج على المخالف بقوله: المؤمنون عند شروطهم، وإن قال له: بع الرهن
بشرط أن تجعل ثمنه من ديني قبل محله، صح البيع وكان الثمن رهنا إلى وقت المحل ولم
يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله لأنه لا دليل على لزوم ذلك.
والرهن أمانة في يد المرتهن إن هلك من غير تفريط فهو من مال الراهن، ولا يسقط
بهلاكه شئ من الدين بدليل الاجماع المشار إليه.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه
الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه، لأن المراد بالغنم الزيادة وبالغرم النقصان والتلف،
وقولهم: المراد بالغرم النفقة والمؤونة، لا ينافي ما قلناه فيحمل اللفظ على الأمرين، وأيضا
فقوله: الرهن الرهن من صاحبه، المراد به من ضمان صاحبه، ومعنى قوله
ص: لا يغلق، أي لا يملكه المرتهن، ويحتج عليهم بقوله: الخراج بالضمان، وخراجه إذا كان
للراهن بلا خلاف وجب أن يكون من ضمانه.
ولا يعارض ذلك ما رووه من أن رجلا رهن فرسه عند انسان فنفق فسأل المرتهن النبي
ص عن ذلك فقال: ذهب حقك، لأن المراد بذلك ذهب حقك من الوثيقة
لا من الدين، وقلنا ذلك لوجهين: أحدهما: أنه وحد الحق ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا
لقال: ذهب حقاك، والثاني: أن الدين إنما يسقط عند المخالف إذا كان مثل قيمة الرهن
أو أقل ولا يسقط الزيادة منه إذا كان أكثر فلو أراد ذهاب حقه من الدين لاستفهم عن
مبلغه أو فصل في الجواب.
131

وقولهم: سقوط الحق من الوثيقة معلوم بالمشاهدة فلا فائدة في بيانه، غير صحيح لأن
تلف الرهن لا يسقط حق المرتهن من الوثيقة على كل حال بل إذا أتلفه الراهن أو أتلفه
أجنبي فإن القيمة تؤخذ وتجعل رهنا مكانه فأراد ع أن يبين أن الرهن إذا تلف
من غير جناية سقط حق الوثيقة.
وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن كان القول قوله مع يمينه سواء ادعى ذلك بأمر ظاهر أو
خفي بدليل إجماع الطائفة، وأيضا فقد بينا أنه أمانة في يده وإذا كان كذلك فالقول قوله في
هلاكه.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في الاحتياط والتفريط وفقدت البينة فالقول قول المرتهن
أيضا مع يمينه، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن أو مقدار قيمته فالقول قول الراهن مع يمينه، وإذا
اختلفا في مبلغ الدين أخذ ما أقر به للراهن وحلف على ما أنكره ويدل على ذلك كله الاجماع
المتكرر ذكره.
132

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل: في بيان حكم الرهن
الرهن أنما يصح بثلاثة شروط: بالإيجاب والقبول والقبض برضا الراهن إلا إذا شرط
في العقد، والرهن بمال لزم في الذمة حصل سبب لزومه من حر عاقل غير محجور عليه أو
عبد مأذون له في التجارة، ويجوز رهن المشاع والمقسوم.
والرهن مطلق ومشروط، فالمطلق لا يجوز بيعه إلا بإذن الراهن، فإن لم يأذن أو غاب
باعه الحاكم وقضى الدين من ثمنه، فإن أباح الراهن فيه الانتفاع بالمرهون صح إلا وطء
الجارية إن كانت مرهونة.
والمشروط ضربان: أحدهما يقتضيه العقد والآخر لا يقتضيه، فالأول: تأكيد للعقد مثل
تسليم الرهن وبيعه في الدين ومنافعه للراهن ودخول نمائه في الرهن إذا حصل بعد الرهن،
والثاني: ثلاثة أضرب:
أحدها يناقض الرهن ويبطل الشرط دون الرهن مثل أن بشرط أن لا يسلم الرهن
أولا يبيع في الدين بحال أو إلا بما يرضاه الراهن أو فلان.
والثاني: يكون مصلحة للمرتهن ويجوز ذلك ذلك مثل التوكيل في بيع الرهن إما
للمرتهن أو غيره ودخول النماء الحاصل في الرهن، فإن شرط التوكيل في نفس العقد لم
يكن له عزله وجاز بيعه بحضرة الراهن وغيبته، وإن شرط بعد العقد كان له عزله.
والثالث: أن يشرط النماء لنفسه وهو على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون ذلك في دين
في الذمة ويصح الرهن ويبطل الشرط، والثاني: أن يكون ذلك في قرض مستأنف ولا
133

يصح القرض ولا الرهن تبعا ولا الشرط، والثالث: أن يكون ذلك في بيع وهو ضربان:
أحدهما: يكون النماء مجهولا ولم يصح الشرط، والثاني: يكون معلوما ويصح ذلك.
وإذا ثبت الرهن لم يصح من مالكه التصرف فيه بالبيع والشراء والعتق والتدبير
والهبة وغير ذلك إلا من المرتهن فإنه يصح بيعه منه وهبته، فإن أذن المرتهن له في التصرف
صح، وإن هلك الرهن بغير تفريط لم يضمن المرتهن وإن هلك بتفريط منه ضمن، وإن
اختلف المتراهنان لم يخل من أربعة أوجه: إما اختلفا في مقدار ما على الرهن أو في قيمة
الرهن بعد التلف أو في التفريط أو في مدة الأجل ولم يكن لأحدهما بينة.
فالأول: كان القول قول الراهن مع اليمين، والثاني: كذلك، والثالث: كان القول قول
المرتهن مع يمينه، والرابع: كذلك.
فإن ادعى صاحب المتاع كونه وديعة عنده وخصمه كونه رهنا، فإن اعترف صاحب
المتاع بالدين كان القول قول خصمه وإن لم يعترف بالدين كان القول قول صاحب المتاع
مع اليمين، وإن رهن حيوانا كان نفقته على الراهن، فإن أنفق عليه المرتهن كان له الرجوع
على صاحبه ما لم ينتفع به فإن انتفع به ولم ينفق رد قدر ما انتفع به.
134

إصباح الشيعة
كتاب الرهن
الرهن جعل العين وثيقة في دين وغيره، وشروط صحته حصول الإيجاب والقبول،
وجواز التصرف، وأن يكون المرهون عينا لا دينا، وأن يكون مما يجوز بيعه، وأن يكون
المرهون به دينا لا عينا مضمونة كالمغصوب مثلا، لأن الرهن إن كان على قيمة العين إذا
تلفت لم يصح لأن ذلك حق لم يثبت بعد، وإن كان على نفس العين فكذلك لأن استيفاء نفس
العين من الرهن لا يصح، وأن يكون الدين ثابتا، فلو قال: رهنت كذا بعشرة تقرضنيها
غدا لم يصح، وأن يكون لازما ثابتا في الذمة، كالقرض والثمن والأجرة وقيمة التلف
وأرش الجناية، ولا يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة المشروطة لأنه غير لازم، وأما القبض
فشرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن، وقيل: يلزم بالإيجاب والقبول لقوله تعالى:
أوفوا بالعقود، والظاهر من المذهب المجمع عليه هو الأول وظاهر الآية يترك للدليل،
واستدامة القبض في الرهن ليست بشرط.
ولا يجوز للراهن أن يتصرف في الرهن بما يبطل حق المرتهن كالبيع والهبة والرهن
عند آخر والعتق، فإن تصرف كان تصرفه باطلا ولم ينفسخ الرهن وإنما ينفسخ الرهن
إذا فعل ما يبطل به من المرتهن منه باذنه، ويجوز له الانتفاع بما عدا ذلك من سكنى الدار،
وزراعة الأرض، وخدمة العبد، وركوب الدابة، وما يحصل من صوف ونتاج ولبن إذا اتفق
هو والمرتهن على ذلك، وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب
والصوف واللبن إذا أذن له الراهن أو تكفل بمؤونة الرهن، والأولى أن
135

يصرف قيمة منافعه من صوف ولبن في مؤونته وما فضل من ذلك كان رهنا مع الأصل،
فإن سكن المرتهن الدار وزرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار،
وكان الزرع له لأنه عين ماله والزيادة حادثة فيه وهي غير متميزة منه.
ولا يحل للراهن ولا المرتهن وطء الجارية المرهونة، فإن وطأها الراهن بغير إذن
المرتهن أثم وعليه التعزير، فإن حملت وأتت بولد، فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها
تكون رهنا مكانها لحرية الولد، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين،
فإن وطأها بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن حملت أو لم تحمل، فإن وطأها المرتهن بغير إذن
الراهن فهو زان وولده منها رق لسيدها ورهن معها فإن كان الوطء بإذن الراهن وهو عالم
بتحريم ذلك لم يلزمه مهر، فإن أتت بولد كان حرا لا حقا بالمرتهن ولا تجب قيمته، ورهن
المشاع جائز كالمقسوم.
ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن، وإذا كان الرهن مما يسرع إليه الفساد ولم
يشترط بيعه إذا خيف فساده كان الرهن باطلا لأن المرتهن لا ينتفع به والحال هذه، وإذا أذن
المرتهن للراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه جاز ولم يبطل البيع، وإن
قال له: بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني قبل محله، صح البيع وكان الثمن رهنا إلى
وقت المحل ولم يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله.
والرهن أمانة في يد المرتهن، وإن هلك من غير تفريط فهو من مال الراهن، ولا يسقط
بهلاكه شئ من الدين، وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن كان القول قوله مع يمينه سواء ادعى
ذلك بأمر ظاهر أو خفي، وإذا اختلف الراهن و المرتهن في الاحتياط والتفريط وفقدت البينة
فالقول قول المرتهن مع يمينه، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن أو مقدار قيمته فالقول قول
الراهن، وإذا اختلفا في مبلغ الدين أخذ ما أقر به الراهن وحلف على ما أنكره.
إذا مات المرتهن قبل القبض لم ينفسخ الرهن ويجب على الراهن تسليم الرهن إلى
ورثته، وإن جن سلم إلى وليه، ويسقط الأجل بموت الراهن ويصبر حالا ولا يسقط بموت
المرتهن، وينفسخ الرهن بفسخ المرتهن دون الراهن، ولا يجوز للمرتهن أن يعير الرهن
أو يكريه فإن أكراه كان الكراء للراهن دونه فإن اكترى شيئا ثم ارتهن الرقبة ثم أكراه من
136

الراهن أو أعاره منه جاز.
إذا رهن شيئا بدين إلى شهر على أنه إن لم يقبض إلى محله كان مبيعا منه بالدين
الذي له عليه لم يصح الرهن، ولا البيع.
ونفقة الحيوان على الراهن دون المرتهن، فإن أنفق المرتهن عليها كان له ركوبها
والانتفاع بها أو الرجوع على الراهن بما أنفق، فإن احتاجت الماشية إلى الرعي كان على
الراهن رعيها النهار ثم يأوي بها إلى المرتهن بالليل.
إذا دبر عبده ثم رهنه صح رهنه وبطل تدبيره.
إذا رهن عصيرا ثم صار خمرا زال ملك الراهن وانفسخ الرهن، فإذا صار بعده
خلا عاد ملك الراهن كما كان وعاد الرهن بحاله.
لا يدخل الشجر والبناء في رهن الأرض إلا بالشرط، فإن رهن الأرض بحقوقها
دخل فيها ذلك، وإن رهن حيوانا حاملا لم يدخل الحمل في الرهن إلا بالشرط وإن حمل
حال الارتهان كان مع أمه رهنا.
إذا رهن نخلا مثمرا أو مؤبرا أو دار غلة أو أرضا أو غنما أو غيرها لا يدخل الثمرة
ولا الغلة ولا الأجرة في الرهن إلا بالشرط.
إذا رهن أرضا بيضاء وسلمها إلى المرتهن ثم نبت فيها شجر بإنبات الراهن أو حمل
السيل إليها نوى فنبتت فيها لم يدخل في الرهن.
إذا وضعا الرهن على يد عدل وشرطا أن يبيعه العدل وقت حلول أجل المال صح
توكيلا في البيع، ولا ينعزل بعزل الراهن والمرتهن عن البيع إذا كانت الوكالة شرطا في
عقد الرهن، ويجب على الوكيل ألا يبيعه في المحل إلا بإذن المرتهن ومطالبته، ولا يحتاج إلى
إذن الراهن.
إذا امتنع الراهن عن قضاء الدين في محله وعن بيع الرهن حبسه الراهن أو باع
عليه الرهن وقضى من ثمنه دينه.
إذا مات الراهن لم يكن لأحد من غرمائه أن يطالب بالرهن إلا بعد استيفاء المرتهن
ماله على الرهن.
137

إذا سافر المرتهن بالرهن ضمن، ولا يزول ضمانه إلا بأن يسلمه الراهن إليه من
الرأس أو يبرئه من الضمان.
إذا حدث بالرهن عند المرتهن بعد القبض حدث ينقص به ثمنه لم يكن له رده.
من كان عنده رهن ولا يدري لمن هو ولم يطالبه به أحد باعه وأخذ ماله عليه وتصدق
بالباقي عن صاحبه.
138

السرائر
باب الرهون وأحكامها
الرهن في اللغة هو الثبات والدوام، تقول العرب: رهن الشئ إذا ثبت والنعمة
الراهنة هي الثابتة الدائمة. ويقال: رهنت الشئ فهو مرهون ولا يقال: أرهنت. وقد قيل:
إن ذلك لغة. وتقول العرب: أرهن الشئ إذا غالى في سعره، وأرهن ابنه إذا خاطر به
وجعله رهينة.
وأما الرهن في الشريعة: فإنه اسم لجعل المال وثيقة في دين إذا تعذر استيفاؤه ممن عليه
استوفي من ثمن الرهن.
وهو جائز بالإجماع وعقد لازم من جهة الراهن وجائز من جهة المرتهن وشروط صحته
ستة: حصول الإيجاب والقبول من جائزي التصرف، وأن يكون المرهون عينا لا دينا لأنا قد
بينا أنه وثيقة عين في دين، وأن يكون ما يجوز بيعه لأن كونه بخلاف ذلك ينافي المقصود به،
وأن يكون المرهون به دينا لا عينا مضمونة كالمغصوب مثلا. لأن الرهن إن كان على قيمة
العين إذا تلفت لم يصح لأن ذلك حق لم يثبت بعد وإن كان على نفس العين فكذلك لأن
استيفاء نفس العين من الرهن لا يصح، وأن يكون الدين ثابتا فلو قال: رهنتك كذا بعشرة
دنانير تقرضنيها غدا، لم يصح. وأن يكون لازما كعوض القرض والثمن والأجرة وقيمة
المتلف وأرش الجناية، ولا يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة المشروطة، لأنه عندنا غير لازم.
وإذا تكامل ما ذكرناه من هذه الشروط صح الرهن بلا خلاف وليس على صحته مع
اختلال بعضها دليل.
139

فأما القبض فقد اختلف قول أصحابنا هل هو شرط في لزومه أم لا؟
فقال بعضهم: بأنه شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن. وقال الأكثرون المحصلون منهم:
يلزم بالإيجاب والقبول، وهذا هو الصحيح لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به.
وأما قوله تعالى: فرهان مقبوضة، فهذا دليل الخطاب وهو متروك عند المحصلين من أصحابنا وقد
يرجع عن دليل الخطاب عند من يعمل به ويترك بدليل، فالآية الأولى دليل على ذلك.
فالأول: مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته، والثاني: مذهب شيخنا
أبي جعفر في مسائل خلافه فإنه رجع عما ذهب إليه في نهايته.
واستدامة القبض في الرهن ليست شرطا في صحته ولزومه، ولا يجوز للراهن أن
يتصرف في الرهن بما يبطل أو ينقص حق المرتهن كالبيع والهبة والرهن عند آخر والعتق،
فإن تصرف كان تصرفه باطلا ولم ينفسخ الرهن لأن الأصل صحته والقول بفسخه يحتاج
إلى دليل، وإنما ينفسخ الرهن إذا فعل ما يبطل به حق المرتهن منه باذنه، ويجوز له الانتفاع
بما عدا ذلك من سكنى الدار وزراعة الأرض وخدمة العبد وركوب الدابة وما يحصل من
صوف ولبن و نتاج إذا اتفق هو والمرتهن وتراضيا على ذلك.
وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب والصوف واللبن إذا
أذن له الراهن، لأن الحق لهما لا يخرج منهما ولا يستحقه سواهما، فإن سكن المرتهن الدار أو
زرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار وكان الزرع له، لأنه عين ماله
والزيادة حادثة فيه وهي غير متميزة منه.
ولا يحل للراهن ولا للمرتهن وطء الجارية المرهونة فإن وطأها الراهن بغير إذن المرتهن
أثم وعليه التعزير ولأحد عليه، فإن حملت وأتت بولد كان حرا لا حقا بأبيه الراهن ولا تخرج
من كونها رهنا وجاز بيعها في الدين الذي هي مرهونة عليه.
وقال بعض أصحابنا: فإن حبلت وأتت بولد فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها يكون رهنا
مكانها لحرية الولد، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين، وهذا غير صحيح
لأنه مخالف لأصول مذهبنا.
140

فإن وطأها بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن حملت أو لم تحمل لأن ملكه ثابت، وإذا كان
ثابتا كان الرهن على حاله وجاز بيعها في الدين أيضا لأنه في الأول ما
رهن أم ولده بل رهن رهنا يصح بيعه في حال ما رهنه على كل حال وبلا خلاف.
فإن وطأها المرتهن بغير إذن الراهن فهو زان وولده منها رق لسيدها ورهن معها ويجب
عليه الحد، فإن كان الوطء بإذن الراهن كان الولد حرا لا حقا بأبيه المرتهن لا قيمة عليه
للراهن فيه ولا يلزمه مهر لأن الأصل براءة الذمة، ويصح بيعها بعد ذلك أيضا في الدين بغير
خلاف.
ورهن المشاع جائز كرهن المقسوم ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن، و إذا كان الرهن
مما يسرع إليه الفساد قبل حلول الأجل ولم يشرط بيعه إذا خيف فساده كان الرهن باطلا
لأن المرتهن لا ينتفع به والحال هذه.
وإذا أذن المرتهن الراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه كان ذلك
جائزا، ولم يبطل الرهن لقوله تعالى: وأحل الله البيع، وقول الرسول ع: المؤمنون
عند شروطهم، والشرط جائز بين المسلمين.
وإن قال له: بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني قبل محله، صح البيع وكان الثمن
رهنا إلى وقت المحل ولم يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله ولأنه لا دليل عليه.
والرهن أمانة في يد المرتهن إن هلك من غير تفريط فهو من مال الراهن ولم يسقط بهلاكه
شئ من الدين، بدليل إجماعنا وقوله ع: لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي
رهنه له غنمه وعليه غرمه.
لأن المراد بالغنم الاستفادة والنماء والزيادة، والغرم النقصان والتلف والمراد بقوله: الرهن من
صاحبه، المراد به من ضمان صاحبه. ومعنى قوله: لا يغلق الرهن بالعين المعجمة وفتح الياء
واللام، أي لا يملكه المرتهن بالارتهان.
وإن شرط الراهن للمرتهن أنه إذا لم يأت بالمال كان الرهن له بالدين لا يلزم ذلك ولا
يملكه المرتهن بهذا الشرط لقوله ع: لا يغلق الرهن.
141

قال الهروي صاحب الغريبين في الحديث: لا يغلق الرهن أي لا يستحقه مرتهنه إذا لم يؤد الراهن
ما رهنه فيه وكان هذا من أفعال الجاهلية فأبطله الاسلام، إلى هاهنا كلام الهروي. وقال
الجوهري في كتاب الصحاح: غلق الرهن غلقا إذا استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتك في الوقت
المشروط، وفي الحديث: لا يغلق الرهن. قال زهير:
وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
ويحتج على المخالف بقوله ع: الخراج بالضمان، وخراجه إذا كان للراهن بلا خلاف
وجب أن يكون من ضمانه، ولا يعارض ذلك ما رووه: من أن رجلا رهن فرسه عند انسان
فنفق، فسأل المرتهن النبي ع عن ذلك فقال: ذهب حقك، لأن المراد بذلك ذهب
حقك من الوثيقة لا من الدين وقلنا ذلك لوجهين:
أحدهما: أنه وحد الحق ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا لقال: ذهب حقاك.
والثاني: أن الدين إنما يسقط عند المخالف إذا كان مثل قيمة الرهن أو أقل ولا تسقط الزيادة منه
إذا كان أكثر، فلو أراد ذهاب حقه من الدين لاستفهم عن مبلغه وفصل في الجواب، وقولهم:
سقوط الحق من الوثيقة معلوم بالشاهد فلا فائدة في بيانه غير صحيح، لأن تلف الرهن لا يسقط
حق المرتهن من الوثيقة على كل حال، بل إذا أتلفه الراهن أو أتلفه أجنبي فإن القيمة تؤخذ
وتجعل رهنا مكانه، فأراد ع أن يبين أن الرهن إذا تلف من غير جناية سقط حق
الوثيقة وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن كان القول قوله مع يمينه سواء ادعى ذلك بأمر ظاهر أو
خفي، والدليل عليه إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم.
وأيضا فقد بينا أنه أمانة في يده فإذا كان كذلك فالقول قوله في هلاكه.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في الاحتياط والتفريط وفقدت البينات فالقول قول
المرتهن أيضا مع يمينه، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن أو في مقدار قيمته بعد الإقرار من المرتهن
بالتفريط أو إقامة البينة عليه بذلك، فالقول قول المرتهن أيضا في ذلك على الصحيح من
المذهب لأنه غارم ومدعى عليه، ولا خلاف أن القول قول الجاحد المنكر المدعى عليه إذا
عدم المدعي البينة، وقال بعض أصحابنا: القول قول الراهن في ذلك، وهذا مخالف لما عليه
142

الاجماع وضد لأصول الشريعة.
وإذا اختلفا في مبلغ الدين أخذ ما أقر به الراهن وحلف على ما أنكره، لأن القول قوله
في ذلك مع يمينه لأنه مدعى عليه.
وقد روي في شواذ الأخبار رواه السكوني العامي المذهب واسمه إسماعيل بن أبي زياد: أن
القول قول المرتهن مع يمينه لأنه أمينه والبينة على الراهن ما لم يستغرق الرهن ثمنه.
قال محمد بن إدريس: معنى هذه الرواية: أن القول قول المرتهن حتى يحيط قوله ودعواه بثمن
الرهن جميعه، فمتى أحاط بثمن الرهن أو استغرقه فالقول قول الراهن أيضا على هذه الرواية، وقد
بينا أصل هذه الرواية فالواجب ترك العمل بها مخالفتها لأصول المذهب.
ومتى اختلفا في متاع فقال الذي عنده: إنه رهن، وقال صاحب المتاع: إنه وديعة، كان
القول قول صاحب المتاع مع يمينه وعلى المدعي لكونه رهنا البينة بأنه رهن عنده.
وهذا هو الصحيح الذي عليه العمل وتقتضيه الأصول، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته،
وذهب في استبصاره إلى: أن القول قول من يدعي أنه رهن، وجعله مذهبا له وجمع بين الأخبار
وتوسطها على هذا القول.
قال محمد بن إدريس: إني لأربأ بشيخنا أبي جعفر مع جلالة قدره وتبحره ورئاسته من هذا
القول المخالف لأصول المذهب، وله رحمه الله في كتابه الاستبصار توسطات عجيبة لا أستجملها
له والذي حمله على ذلك جمعه بين المتضاد، وهذا لا حاجة فيه بل الواجب الأخذ بالأدلة القاطعة
للأعذار وترك أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا فإنه أسلم للديانة، لأن الله تعالى
ما كلفنا إلا الأخذ بالأدلة وترك ما عداها.
ولا يجوز للمرتهن أن يبيع الرهن إلا بإذن صاحبه، فإن غاب عنه فالأولى الصبر عليه
إلى أن يجئ أو يأذن له في بيعه، فإن لم يصبر ورفع أمره إلى الحاكم وأقام بينة بالدين والرهن
وسأله بيعه عليه، فالواجب على الحاكم بيع ذلك وتسليم ثمنه إليه، وحفاظ ما زاد على
الدين - إن زاد الثمن على الدين - ورده على صاحبه إذا قدم، وإن كان قد وكله في بيعه
حال الرهن عند حلول الأجل وأخذ ماله من جملته كان ذلك جائزا وساع له بيعه من غير أمر
143

الحاكم. وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن كان شرط المرتهن على الراهن أنه إذا حل أجل ماله عليه
كان وكيلا له في بيع الرهن وأخذ ماله من جملته كان ذلك جائزا، حل الأجل ولم يوفه المال باع
الرهن، فإن فضل منه شئ رده على صاحبه، وإن نقص طالبه به على الكمال، وإن تساوى لم
يكن له ولا عليه شئ.
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: وإن كان شرط المرتهن على الراهن أنه إذا حل أجل ماله
عليه كان وكيلا له في بيع الرهن، غير واضح لأنا قد بينا في باب الوكالة أنه إذا قال له: إذا جاء
رأس الشهر فقد وكلتك في كذا وكذا، أن الوكالة غير صحيحة، فأما إذا وكله في الحال وشرط
عليه أنه لا يبيع الشئ الموكل على بيعه إلا إذا جاء رأس الشهر كان ذلك صحيحا ماضيا.
فإن قيل: فقد قلتم فيما مضى: إنه إذا لم يوكله على بيع الرهن جاز للحاكم بيعه، وقضاء الدين
منه بعد ثبوت الحق عنده، فلا فائدة حينئذ في الرهن ولا مزية، له لأنه إذا كان غير رهن بيع على
صاحبه، وإذا كان رهنا غير موكل في بيعه بيع أيضا، فلا فائدة في الرهن.
قلنا: الفائدة ظاهرة وهو أنه إذا كان رهنا لا يشارك المرتهن في ثمنه أحد من الغرماء ولو كان
على صاحبه أضعاف أضعاف دين المرتهن، وإذا لم يكن الشئ رهنا كان جميع الغرماء إسوة فيه
على قدر ديونهم بالحصص، فأي فائدة أعظم من هذا؟
وإذا كان عند الانسان رهن ولا يدري لمن هو صبر إلى أن يتبين صاحبه، فإن لم يتبينه
ولا علمه باعه وأخذ ماله، فإن زاد على ماله استحفظ به. وقد روي: أنه يتصدق به عن
صاحبه.
وإذا مات من عنده الرهن ولم تعلم الورثة الرهن كان ذلك كسبيل ماله، فإن علموه
بعينه وجب عليهم رده على صاحبه وأخذ ما عليه منه.
وإذا كان عند انسان رهون جماعة فهلك بعضها وبقي البعض كان ماله فيما بقي إذا كان
لراهن واحد، فإن هلك الكل كان هلاكها من مال صاحبها وكان دين المرتهن باقيا في ذمة
الراهن على ما قدمناه إذا لم يكن ذلك عن تفريط منه حسب ما بيناه، ومن عنده الرهن
144

جاز له أن يشتريه من الراهن.
ومتى رهن الانسان حيوانا حاملا كان حمله خارجا عن الرهن إلا أن يشترطه المرتهن،
فإن حمل في حال الارتهان كان مع أمه رهنا كهيئتها. وحكم الأرض إذا زرعت وهي
مرهونة كذلك فإن الزرع يكون خارجا عن الرهن، فأما إذا زرعت بعد الرهن فيكون الزرع
لصاحب البذر ولا يدخل في الرهن لأنه غير حمل، بخلاف الشجر والنخل وحملهما والحيوان
وحمله.
وإنما عطف شيخنا في نهايته الزرع في الأرض أنه لا يدخل في الرهن مع الأرض ولم يقل: إذا
زرعت بعد الرهن دخل الزرع في الرهن مثل ما يدخل الحمل.
وكذلك حكم النخل والشجر إذا كان فيها الحمل فإن ثمرتها وحملها يكون خارجا من
الرهن، فإن حملت النخيل والأشجار في حال الارتهان كان ذلك رهنا مثل الحامل.
وهذا مذهب أهل البيت ع وإجماعهم عليه وهو الذي ذكره شيخنا المفيد محمد بن
محمد بن النعمان في مقنعته، واختاره شيخنا أبو جعفر في نهايته، ثم اختار بعد ذلك مقالة
المخالفين في مسائل خلافه ومبسوطه وذهب إلى أن الحمل يكون خارجا من الرهن وإن حمل
الحامل في حال الارتهان.
وإذا كان عند انسان رهن بشئ مخصوص فمات الراهن وعليه دين لغيره من الغرماء لم
يكن لأحد منهم أن يطالبه بالرهن إلا بعد أن يستوفي المرتهن ماله على الراهن، فإن فضل بعد
ذلك شئ كان لباقي الغرماء.
وقد روي في شواذ الأخبار الضعيفة: أنه يكون مع غيره من الديان سواء يتحاصصون الرهن.
والصحيح ما انعقد عليه الاجماع دون ما روي في شواذ الروايات.
وإذا كان له على الراهن مال على غير هذا الرهن لم يجز له أن يجعله على هذا الرهن،
ومتى مات الراهن كان المرتهن في غير ماله على الرهن مع غيره من الديان سواء.
وإذا كان عند انسان دابة أو حيوان أو رقيق رهنا فإن نفقة ذلك على صاحبها الراهن
دون المرتهن، فإذا أنفق المرتهن عليها متبرعا فلا شئ له على الراهن، وإن أنفق بشرط العود
145

أو أشهد على ذلك كان له الرجوع على الراهن بما أنفق.
وقد روي: أن له ركوبها والانتفاع بها بما أنفق أو الرجوع على الراهن. والأولى عندي أنه لا يجوز له
التصرف في الرهن على حال لأنا قد أجمعنا بغير خلاف أن الراهن والمرتهن ممنوعان من
التصرف في الرهن.
وإذا اختلف نفسان فقال أحدهما: لي عندك دراهم دين، وقال الآخر: هي وديعة
عندي، كان القول قول صاحب المال مع يمينه بأنها دين لأنه قد أقر له أنها له معه وبما ادعاه
عليه ثم ادعى ما يبطل الإقرار من حصولها في يده.
والرسول ع قال: على اليد ما أخذت حتى ترده، إلا ما خرج بالدليل من الودائع
والأمانات، فقوله: وديعة، يمكنه أن يبطلها بأن يقول: تلفت أو ضاعت، فيكون القول قوله وهذا
لا يجوز.
والذي ينبغي أن يحصل في ذلك ويعمل عليه ويسكن إليه أنه إذا ادعى أحدهما على الآخر
فقال: لي عندك دراهم دين، وقال الآخر: هي وديعة، ولم يصدقه على دعواه ولا وافقه على جميع
قوله من أنها دين، فالقول قول المودع مع يمينه لأنه ما أقر بما ادعاه خصمه من كونها دينا، بل أقر
بأن له عنده وديعة، ومن أقر بذلك فما أقر بما يلزمه في ذمته لو ضاعت من غير تفريط منه بل قد
ادعى عليه الخصم أن له عنده وفي ذمته دينا وجحد المدعى عليه ذلك ولم يكن مع المدعي بينة
بصحة دعواه فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، فأما لو ادعى عليه أن له كذا ثم صدقه على
دعواه وقال بعد ذلك: أنه وديعة، لم يقبل دعواه بعد إقراره وتصديقه، لأن حرف " علي " حرف
وجوب وإلزام، وحرف " عند " ليس بإلزام بل قد يكون له عنده وديعة فلا يلزم بالمحتمل لأن
الأصل براءة الذمة.
وما أورده شيخنا في نهايته يحتمل أن المدعى عليه صدق المدعي بأن الدراهم دين ووافقه على
لفظ دعواه وجميع قوله فيلزمه حينئذ الخروج إليه منه.
ومن كان عنده رهن فمات صاحبه وخاف إن أقر به طولب بذلك ولم يقبل قوله في
كونه رهنا ولم يعط ماله الذي عليه جاز له أن يأخذ منه بمقدار ماله عليه ويرد الباقي على
146

ورثته، فإن لم يفعل وأقر أن عنده رهنا كانت عليه البينة أنه رهن، فإن لم يكن معه بينه كان
على الورثة اليمين أنهم لا يعلمون أن له عليه شيئا، ووجب عليه رد الشئ الذي يدعيه رهنا
إلى الورثة.
لا يجوز أخذ الرهن من العاقلة على الدية إلا بعد حؤول الحول، فأما قبله فلا يجوز
وعندنا تستأدى منهم في ثلاث سنين، وأما بعد حؤول الحول فإنه يجوز لأنه يثبت قسط منها
في ذمتهم، فأما الجعالة فلا يجوز أخذ الرهن فيها إلا بعد الرد.
وإذا استأجر رجلا إجارة متعلقة بعينه، مثل أن يستأجره ليخدمه أو ليتولى له عملا من
الأعمال بنفسه لم يجز أخذ الرهن عليه لأن الرهن إنما يجوز على حق ثابت في ذمته، وهذا
غير ثابت في ذمة الأجير وإنما هو متعلق بعينه ولا يقوم عمل غيره مقام فعله، وإن استأجره
على عمل في ذمته وهو أن يحصل له عملا مثل خياطة أو غير ذلك جاز أخذ الرهن به لأن
ذلك ثابت في ذمته لا يتعلق بعينه وله أن يحصله بنفسه أو بغيره، فإذا هرب جاز بيع الرهن
واستئجار غيره بذلك ليحصل ذلك العمل.
إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر على أنه إن لم يقض إلى محله كان مبيعا منه
بالدين الذي عليه، لم يصح الرهن ولا البيع إجماعا لأن الرهن مؤقت والمبيع متعلق بزمان
مستقبل.
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه، وهو صحيح والأدلة على صحته
ما قدمناه نحن في هذا الباب من قوله ع المجمع عليه: لا يغلق الرهن، وما أوردناه من
تفاسيره وأقوال العلماء من الفقهاء وأصحاب الغريب من اللغويين وبيت زهير بن أبي سلمى
المزني وأيضا بيت كثير الذي في قصيدته اللامية:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال
يعني أنه إذا ضحك وهب وأعطى الأموال وأخرجها عن يده وصارت لغيره فلا يقدر على ارتجاعها
ولا فكاكها، وهذا معنى قول الشاعر الآخر: فأمسى الرهن قد غلقا، معناه أنه لا يقدر على فكاك قلبه من محبة
هذه المرأة.
147

فالرسول ع نهى أن يحصل الرهن بحيث لا يفك ولا يعود إلى ملك صاحبه الراهن
ولا يتملكه المرتهن بالشرط المخالف لقوله ع: لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه
له غنمه وعليه غرمه، على ما أوضحناه فيما سلف وحررناه.
أرض الخراج لا يصح رهنها وهي كل أرض فتحت عنوة، لأنها ملك للمسلمين قاطبة
وكذلك أرض الوقف لا يصح رهنها فإن رهنها كان باطلا.
وإذا دبر عبده ثم رهنه بطل التدبير لأن التدبير عندنا بمنزلة الوصية ورهنه رجوع فيها
وإن قلنا: أن الرهن صحيح والتدبير بحاله، كان قويا لأنه لا دليل على بطلانه.
إذا رهن عند انسان شيئا وشرط أن يكون موضوعا على يد عدل صح شرطه، فإذا ثبت
هذا فإن شرط أن يبيعه الموضوع على يده صح الشرط وكان ذلك توكيلا في البيع، فإذا ثبت
هذه فإن عزل الراهن العدل عن البيع الأقوى والأصح أنه لا ينعزل عن الوكالة، ويجوز له
بيعه لأنه لا دلالة على عزله،
وذهب بعض المخالفين إلى أنه ينعزل، لأن الوكالة من العقود الجائزة.
هذا إذا كانت الوكالة شرطا في عقد الرهن فلا ينعزل على ما اخترناه لأنه شرط ذلك وعقد
الرهن عليه وهو شرط لا يمنع منه كتاب ولا سنة، وقد قال ع: المؤمنون عند شروطهم،
وقال: الصلح جائز بين المسلمين، وهذا صلح لا يمنع منه كتاب ولا سنة. فأما إذا شرطه بعد لزوم
العقد فإن الوكالة تنفسخ بعزل الراهن للعدل الذي هو الوكيل بلا خلاف.
إذا سافر المرتهن بالرهن ضمن، فإن رجع إلى بلده لم يزل الضمان لأن الاستئمان قد
بطل فلا تعود الأمانة إلا بأن يرجع إلى صاحبه، ثم يرده إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من
ضمانه.
إذا انفك الرهن بإبراء أو قضاء كان في يد المرتهن أمانة ولا يجب رده على صاحبه حتى
يطالب به لأنه حصل في يده أمانة ووثيقة، فإذا زالت الوثيقة بقيت الأمانة.
إذا رهن عبد غيره بإذن مالكه كان ذلك جائزا، فإذا رجع الآذن لم ينفسخ الرهن
بذلك لأنه عقد لازم لا يجوز لغير المرتهن فسخه لأنه لا دليل عليه، وللمعير أن يطالب المستعير
148

بفكاكه وتخليص عبده في كل وقت سواء حل الدين أو لم يحل، وإنما قلنا: ليس له فسخ عقد
الرهن بعد لزومه، لأنه لا دليل على ذلك.
إذا باع من غيره شيئا على أن يكون المبيع رهنا في يد البائع لم يصح البيع، لأن شرطه
أن يكون رهنا لا يصح لأنه شرط أن يرهن ما لا يملك فإن المبيع لا يملكه المشتري قبل تمام
العقد، وإذا بطل الرهن بطل البيع لأن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع، والرهن
يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك متناقض، وأيضا فإن الرهن يقتضي أن يكون
أمانة في يد البائع والبيع يقتضي أن يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض أيضا.
فأما إذا شرط البائع أن يسلم المبيع إلى المشتري، ثم يرده إلى يده رهنا بالثمن فإن
الرهن والبيع فاسدان مثل الأولى،
وهذا معنى قول شيخنا المفيد في الجزء الثاني من مقنعته: وإذا اقترن إلى البيع اشتراط في الرهن
أفسده وإن تقدم أحدهما صاحبه حكم له به دون المتأخر. وقد سئل شيخنا أبو جعفر الطوسي
مسألة في المسائل الحائرية عن معنى قول الشيخ المفيد في الجزء الثاني من المقنعة: وإذا اقترن إلى
البيع اشتراط في الرهن أفسده وإن تقدم أحدهما صاحبه حكم له به دون المتأخر، ما الذي أراد؟
فأجاب بأن قال: معناه إذا باعه إلى مدة مثل الرهن كان البيع فاسدا، وإن باعه مطلقا بشرط أن
يرد عليه إلى مدة إن رد عليه الثمن كان ذلك صحيحا يلزمه الوفاء به لقوله ع: المؤمنون
عند شروطهم.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: جواب شيخنا أبي جعفر الطوسي غير واضح لأنه غير
مطابق للسؤال، وإنما الجواب ما قدمناه نحن وأثبتناه وهو: إذا باع من غيره شيئا على أن يكون
المبيع رهنا في يد البائع لم يصح البيع، وسقنا المسألة والكلام وأوردنا الأجوبة عليه، وهو جواب
شيخنا أبي جعفر الطوسي واختياره وتحريره، وهو الصحيح الذي يليق بظاهر اللفظ ويقتضيه
وضع الكلام ومعناه، وهذا أوضح من الجواب الذي أجاب به في المسائل الحائريات، فليلحظ
هذا ويتأمل ففيه لبس عظيم على جماعة من أصحابنا الذين عاصرناهم.
وإذا رهن أرضا إلى مدة على أنه إن لم يقضه فيها فهي مبيعة بعد المدة بالدين فإن البيع
149

فاسد لأنه بيع معلق بوقت مستقبل، وهذا لا يجوز والرهن فاسد لأنه رهن إلى مدة ثم جعله
بيعا، والرهن إذا كان موقتا لم يصح وكان فاسدا.
إذا أقرضه ألف درهم على أن يرهنه بألف داره وتكون منفعة الدار للمرتهن لم يصح
القرض لأنه قرض يجر منفعة، ولا يصح الرهن لأنه تابع له ولا خلاف فيه أيضا.
150

شرائع الاسلام
كتاب الرهن
والنظر فيه يستدعي فصولا:
الأول: في الرهن:
وهو وثيقة لدين المرتهن ويفتقر إلى الإيجاب والقبول، والإيجاب كل لفظ دل على
الارتهان كقوله: رهنتك أو هذه وثيقة عندك أو ما أدى هذا المعنى، ولو عجز عن النطق كفت
الإشارة، ولو كتب بيده والحال هذه وعرف ذلك من قصده جاز، والقبول هو الرضا بذلك
الإيجاب.
ويصح الارتهان سفرا وحضرا، وهل القبض شرط فيه؟ قيل لا وقيل نعم وهو
الأصح، ولو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد، وكذا لو أذن في قبضه ثم رجع قبل قبضه
وكذا لو نطق بالعقد ثم جن أو أغمي عليه أو مات قبل القبض، وليس استدامة القبض
شرطا فلو عاد إلى الراهن أو تصرف فيه لم يخرج عن الرهانة.
ولو رهن ما هو في يد المرتهن لزم ولو كان غصبا لتحقق القبض، ولو رهن ما هو غائب
لم يصر رهنا حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن وبقبضه، ولو أقر الراهن
بالإقباض قضي عليه إذا لم يعلم كذبه، ولو رجع لم يقبل رجوعه ويسمع دعواه لو ادعى
المواطاة على الإشهاد ويتوجه اليمين على المرتهن على الأشبه، ولا يجوز تسليم المشاع إلا
برضا شريكه سواء كان مما ينقل أو لا ينقل على الأشبه.
151

الثاني: في شرائط الرهن:
ومن شرائطه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه ويصح بيعه سواء كان مشاعا أو منفردا، فلو
رهن دينا لم ينعقد وكذا لو رهن منفعة كسكنى الدار وخدمة العبد، وفي رهن المدبر تردد،
والوجه أن رهن رقبته إبطال لتدبيره، أما لو صرح برهن خدمته مع بقاء التدبير، قيل:
يصح التفاتا إلى الرواية المتضمنة لجواز بيع خدمته وقيل: لا لتعذر بيع المنفعة منفردة، وهو
أشبه.
ولو رهن ما لا يملك لم يمض ووقف على إجازة المالك، وكذا لو رهن ما يملك وما لا يملك
مضى في ملكه ووقف في حصة شريكه على الإجازة، ولو رهن المسلم خمرا لم يصح ولو كان
عند ذمي، ولو رهنها الذمي عند المسلم لم يصح أيضا ولو وضعها على يد ذمي على
الأشبه، ولو رهن أرض الخراج لم يصح لأنها لم تتعين لواحد، نعم يصح رهن ما بها من
أبنية وآلات وشجر، ولو رهن ما لا يصح إقباضه كالطير في الهواء والسمك في الماء لم
يصح رهنه، وكذا لو كان مما يصح إقباضه ولم يسلمه، وكذا لو رهن عند الكافر عبدا
مسلما أو مصحفا، وقيل: يصح ويوضع على يد مسلم، وهو أولى، ولو رهن وقفا لم يصح.
ويصح الرهن في زمان الخيار سواء كان للبائع أو للمشتري أو لهما لانتقال المبيع
بنفس العقد على الأشبه، ويصح رهن العبد المرتد ولو كان عن فطرة والجاني خطأ، وفي
العمد تردد والأشبه الجواز، ولو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه جاز
وإلا بطل، وقيل: يصح ويجبر مالكه على بيعه.
الثالث: في الحق:
وهو كل دين ثابت في الذمة كالقرض وثمن المبيع، ولا يصح فيما لم يحصل سبب وجوبه
كالرهن على ما يستدينه وعلى ثمن ما يشتريه، ولا على ما حصل سبب وجوبه ولم يثبت
كالدية قبل استقرار الجناية، ويجوز على قسط كل حول بعد حلوله، وكذا الجعالة قبل الرد
ويجوز بعده وكذا مال الكتابة، ولو قيل بالجواز فيه كان أشبه، ويبطل الرهن عند فسخ
الكتابة المشروطة، ولا يصح على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن كالإجارة المتعلقة بعين
152

المؤجر مثل خدمته، ويصح فيما هو ثابت في الذمة كالعمل المطلق، ولو رهن على مال رهنا
ثم استدان آخر وجعل ذلك الرهن عليهما جاز.
الرابع: في الراهن:
ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف ولا ينعقد مع الإكراه، ويجوز لولي الطفل رهن
ماله إذا افتقر إلى الاستدانة مع مراعاة المصلحة كأن يستهدم عقاره فيروم رمه أو يكون له
أموال يحتاج إلى الانفاق لحفظها من التلف أو الانتقاص فيرهن بذلك ما برأه من أمواله إذا
كان استبقاؤها أعود.
الخامس: في المرتهن:
ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف، ويجوز لولي اليتيم أخذ الرهن له ولا يجوز
أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة له كأن يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل، ولا يجوز له
إقراض ماله إذ لا غبطة، نعم لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب وما شاكله جاز
إقراضه وأخذ الرهن ولو تعذر اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا.
وإذا شرط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره أو وضع الرهن في يد عدل معين لزم،
ولم يكن للراهن فسخ الوكالة على تردد وتبطل مع موته دون الرهانة، ولو مات المرتهن ولم
ننقل إلى الوارث إلا أن يشترطه وكذا إن كان الوكيل غيره، ولو مات المرتهن ولم يعلم
الرهن كان كسبيل ماله حتى يعلم بعينه.
ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن، والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء سواء
كان الراهن حيا أو ميتا على الأشهر، ولو أعوز ضرب مع الغرماء بالفاضل، والرهن أمانة في
يده لا يضمنه لو تلف ولا يسقط به شئ من حقه ما لم يتلف بتفريطه، ولو تصرف فيه
بركوب أو سكنى أو إجارة ضمن ولزمته الأجرة، وإن كان للرهن مؤنة كالدابة أنفق عليها
وتقاصا، وقيل: إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق، ويجوز للمرتهن
أن يستوفي دينه مما في يده إن خالف جحود الوارث مع اعترافه، أما لو اعترف بالرهن
153

وادعى دينا لم يحكم له وكلف البينة وله إحلاف الوارث إن ادعى عليه العلم.
ولو وطئ المرتهن الأمة مكرها كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر، وقيل: عليه مهر
أمثالها، ولو طاوعته لم يكن عليه شئ.
وإذا وضعاه على يد عدل فللعدل رده عليهما أو تسليمه إلى من يرتضيانه، ولا يجوز له
تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم ولا إلى أمين غيرهما من غير إذنهما ولو سلمه ضمن ولو
استترا أقبضه الحاكم، ولو كانا غائبين وأراد تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير
ضرورة لم يجز ويضمن لو سلم وكذا لو كان أحدهما غائبا وإن كان هناك عذر سلمه إلى
الحاكم ولو دفعه إلى غيره من غير إذن الحاكم ضمن، ولو وضعه على يد عدلين لم ينفرد به
أحدهما ولو أذن له الآخر.
ولو باع المرتهن أو العدل للرهن ودفع الثمن إلى المرتهن ثم ظهر فيه عيب لم يكن
للمشتري الرجوع على المرتهن، كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث، فإن اتفقا
على أمين وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، ولو خان العدل نقله الحاكم إلى أمين غيره إن
اختلف المرتهن والمالك.
السادس: في اللواحق: وفيه مقاصد:
الأول: في أحكام متعلقة بالراهن:
لا يجوز للراهن التصرف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجارة، ولو باع أو وهب وقف
على إجازة المرتهن، وفي صحة العتق مع الإجازة تردد والوجه الجواز. وكذا المرتهن. وفي عتقه
مع إجازة الراهن تردد والوجه المنع لعدم الملك ما لم يسبق الإذن.
ولو وطئ الراهن فأحبلها صارت أم ولده ولا يبطل الرهن، وهل تباع؟ قيل: لا ما دام
الولد حيا وقيل: نعم لأن حق المرتهن أسبق، والأول أشبه، ولو وطأها الراهن بإذن المرتهن لم
يخرج عن الرهن بالوطئ، ولو أذن له في بيعه فباع بطل الرهن ولا يجب جعل الثمن رهنا،
ولو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن إلا بعد
حلوله ولو جان بعد حلوله صح، وإذا حل الأجل وتعذر الأداء كان للمرتهن البيع إن كان
154

وكيلا وإلا رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالبيع، فإن امتنع كان له حبسه وله أن يبيع عليه.
الثاني: في أحكام متعلقة بالرهن: الرهن لازم من جهة الراهن ليس له انتزاعه إلا مع إقباض الدين أو الإبراء منه أو
تصريح المرتهن بإسقاط حقه من الارتهان، وبعد ذلك، يبقى الرهن أمانة في يد المرتهن
ولا يجب تسليمه إلا مع المطالبة، ولو شرط إن لم يؤد أن يكون الرهن مبيعا لم يصح، ولو
غصبه ثم رهنه صح ولم يزل الضمان وكذا لو كان في يده ببيع فاسد، ولو أسقط عنه الضمان
صح وما يحصل من الرهن من فائدة فهي للراهن، ولو حملت الشجرة أو الدابة أو
المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.
ولو كان في يده رهنان بدينين متغايرين ثم أدى أحدهما لم يجز إمساك الرهن الذي
يخصه بالدين الآخر، وكذا لو كان له دينان وبأحدهما رهن لم يجز له أن يجعله رهنا بهما ولا
أن ينقله إلى دين مستأنف، وإذا رهن مال غيره باذنه ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذر إعادته،
ولو بأكثر من ثمن مثله له المطالبة بما بيع به.
وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة وإن لم تؤبر، وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع
ولا الشجر ولا النخل، ولو قال: بحقوقها، دخل وفيه تردد ما لم يصرح، وكذا ما ينبت في
الأرض بعد رهنها سواء أنبته الله سبحانه أو الراهن أو أجنبي إذا لم يكن الغرس من الشجر
المرهون، وهل يجبر الراهن على إزالته؟ قبل لا وقيل نعم، وهو الأشبه. ولو رهن لقطة مما
يلقط كالخيار، فإن كان الحق يحل قبل تجدد الثانية صح، وإن كان متأخرا، تأخرا يلزم منه
اختلاط الرهن بحيث لا يتميز قبل يبطل، والوجه أنه لا يبطل، وكذا البحث في رهن
الخرطة مما يخرط والجزة مما يجز وإذا جنى المرهون عمدا تعلقت الجناية برقبته وكان حق
المجني عليه أولى به، جنى خطأ، فإن أفتكه المولى بقي رهنا وإن سلمه كان
للمجني عليه منه بقدر أرش الجناية والباقي رهن، وإن استوعبت الجناية قيمته كان المجني
عليه أولى به من المرتهن، ولو جنى على مولاه عمدا اقتص منه ولا يخرج عن الرهانة، ولو
كانت الجناية نفسا جاز قتله. أما لو كانت خطأ لم يكن لمولاه عليه شئ وبقي رهنا، كانت
155

الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك ما ثبت للمورث من القصاص أو انتزاعه في الخطأ
إن استوعبت الجناية قيمته أو أطاق ما قابل الجناية إن لم يستوعب.
ولو أتلف الرهن متلف ألزم بقيمته وتكون رهنا ولو أتلفه المرتهن، لكن لو كان وكيلا في
الأصل لم يكن وكيلا في القيمة لأن العقد لم يتناولها، ولو رهن عصيرا فصار خمرا بطل
الرهن، فلو عاد خلا عاد إلى ملك الراهن، ولو رهن من مسلم خمرا لم يصح، فلو انقلب في
يده خلا فهو له على تردد وكذا لو جمع خمرا مراقا وليس كذلك لو غصب عصيرا، ولو
رهنه بيضة فأحضنها فصارت في يده فرخا كان الملك والرهن باقيين وكذا لو رهنه حبا
فزرعه، وإذا رهن اثنان عبدا بينهما بدين عليهما كانت حصة كل واحد منهما رهنا بدينه،
فإذا أداه صارت حصته طلقا وإن بقيت حصة الآخر.
الثالث: في النزاع الواقع فيه وفيه مسائل:
الأولى: إذا رهن مشاعا وتشاح الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم وآجره
إن كان له أجرة ثم قسمها بينهما بموجب الشركة وإلا استأمن عليه من شاء قطعا للمنازعة.
الثانية: إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث، فإن امتنع الراهن من
استئمانه كان له ذلك، فإن اتفقا على أمين وإلا استأمن عليه الحاكم.
الثالثة: إذا فرط في الرهن وتلف لزمته قيمته يوم قبضه، وقيل: يوم هلاكه، وقيل:
أعلى القيم، فلو اختلفا في القيمة كان القول قول الراهن وقيل: القول قول المرتهن، وهو
الأشبه.
الرابعة: لو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن
ما لم يستغرق دعواه ثمن الرهن، والأول أشهر.
الخامسة: لو اختلفا في متاع، فقال أحدهما هو وديعة، وقال الممسك هو رهن، فالقول
قول المالك، وقيل: قول الممسك، والأول أشبه.
السادسة: إذا أذن المرتهن للراهن في البيع ورجع ثم اختلفا فقال المرتهن: رجعت
قبل البيع، وقال الراهن: بعده، كان القول قول المرتهن ترجيحا لجانب الوثيقة إذا الدعويان
156

متكافئان.
السابعة: إذا اختلفا فيما يباع به الرهن بيع بالنقد الغالب في البلد ويجبر الممتنع، ولو
طلب كل واحد منهما نقدا غير النقد الغالب وتعاسرا ردهما الحاكم إلى الغالب لأنه الذي
يقتضيه الإطلاق، ولو كان للبلد نقدان غالبان بيع بأشبههما بالحق.
الثامنة: إذا ادعى رهانة شئ فأنكر الراهن وذكر أن الرهن غيره وليس هناك بينة بطلت
رهانة ما ينكره المرتهن وحلف الراهن على الآخر وخرجا عن الرهن.
التاسعة: لو كان دينان أحدهما برهن فدفع إليه مالا واختلفا فالقول قول الدافع لأنه
أبصر بنيته، وإن اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه إذا لم يكن بينة.
157

المختصر النافع
كتاب الرهن
وأركانه أربعة:
الأول: في الرهن: وهو وثيقة لدين المرتهن. ولا بد فيه من الإيجاب والقبول وهل
يشترط الإقباض؟ الأظهر: نعم. ومن شرطه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه. ويصح بيعه
منفردا كان أو مشاعا.
ولو رهن ما لا يملك وقف على إجازة المالك. ولو كان يملك بعضه مضى في ملكه. وهو لازم
من جهة الراهن.
ولو شرطه مبيعا عند الأجل لم يصح. ولا يدخل حمل الدابة ولا ثمرة النخل والشجر
في الرهن. نعم لو تجدد بعد الارتهان دخل. وفائدة الرهن للراهن.
ولو رهن رهنين بدينين ثم أدى عن أحدهما لم يجز إمساكه بالآخر. ولو كان دينان،
وبأحدهما رهن لم يجز إمساكه بهما. ولم يدخل زرع الأرض في الرهن سابقا كان أو متجددا.
الثاني: في الحق: ويشترط ثبوته في الذمة مالا كان أو منفعة. ولو رهن على مال ثم
استدان آخر فجعله عليهما صح.
الثالث: في الراهن: ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف، وللولي أن يرهن
لمصلحة المولى عليه.
وليس للراهن التصرف في الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطء، لأنه تعريض للإبطال،
وفيه رواية بالجواز مهجورة. ولو باعه الراهن وقف على إجازة المرتهن. وفي وقوف العتق
158

على إجازة المرتهن تردد، أشبهه: الجواز.
الرابع: في المرتهن: ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف. ويجوز اشتراط
الوكالة في الرهن. ولو عزل له لم ينعزل. وتبطل الوكالة بموت الموكل دون الرهانة.
ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن. والمرتهن أحق من غيره باستيفاء دينه من الرهن، سواء
كان الراهن حيا أو ميتا. وفي الميت رواية أخرى. ولو قصر الرهن عن الدين، ضرب مع
الغرماء بالفاضل.
والرهن أمانة في يد المرتهن، ولا يسقط بتلفه شئ من ماله ما لم يتلف بتعد أو تفريط،
وليس له التصرف فيه، ولو تصرف من غير إذن ضمن العين والأجرة. ولو كان الرهن دابة
قام بمؤنتها وتقاضا. وفي رواية: الظهر يركب والدر يشرب، وعلى الذي يركب ويشرب
النفقة.
وللمرتهن استيفاء دينه من الرهن إن خاف جحود الوارث. ولو اعترف بالرهن
وادعى الدين ولا بينة فالقول قول الوارث. وله إحلافه إن ادعى عليه العلم.
ولو باع الرهن وقف على الإجازة. ولو كان وكيلا فباع بعد الحلول صح. ولو أذن الراهن
في البيع قبل الحلول لم يستوف دينه حتى يحل.
ويلحق به
مسائل النزاع وهي أربع:
الأولى: يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم تلفه. وقيل: أعلى القيم من
حين القبض إلى حين التلف. ولو اختلفا، فالقول قول الراهن. وقيل القول قول المرتهن، وهو أشبه.
الثانية: لو اختلفا فيما على الرهن فالقول قول الراهن. وفي رواية القول قول المرتهن
ما لم يدع زيادة عن قيمة الرهن.
الثالثة: لو قال القابض: هو رهن، وقال المالك: هو وديعة فالقول قول المالك مع يمينه.
وفيه رواية أخرى متروكة.
الرابعة: لو اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه.
159

الجامع للشرائع
باب الرهن
الرهن عقد لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن، وشرط صحته الإيجاب
والقبول والقبض باختيار الراهن كونهما جائزي التصرف، وأن يكون على دين
ثابت في الذمة كثمن المبيع والأجرة والمهر وعوض الخلع.
فإن رهن على مال الجعالة قبل الرد أو على ما يقرضه في المستقبل أو نفقة متقبلة
أو مال الكتابة المشروطة أو عمل متعلق بعين الأجير ودية الخطأ قبل الحول لم يصح
الرهن، وأن يكون مما يصح بيعه ومما يبقى إلى الأجل إلا أن يشرط بيعه وكون ثمنه رهنا.
ولا يصح رهن أم الولد، فإن وطؤها ثم رهنها فظهر الحمل وثبت أنه منه بطل رهنها
وإن وطؤها بعد الرهن فحملت لم تبطل وإن كان لا يحل له وطؤها ولا حد عليه،
وإن لم تحمل فهي على الرهن وعليه عقرها إن كانت بكرا يكون رهنا معها فإن ماتت
بالولادة فعليه قيمتها تكون رهنا، وإن كان وطئها بإذن المرتهن فلا شئ عليه وإن وطئها
المرتهن فهو زان، فإن حملت منه فالحمل رهن، وإن ماتت في الطلق فعليه ضمانها بقيمتها
تكون رهنا، فإن طاوعته ثيبا فلا مهر لها وإن أكرهاها فعليه نصف عشر قيمتها،
وإن طاوعته بكرا أو أكرهها فعليه عشر قيمتها يكون رهنا معها، وإن سكن الدار فعليه أجرة
السكنى للراهن، ومنفعة كاللبن والصوف والسكنى
للراهن والهلاك منه والدين عليه، فإن جنى الراهن على الرهن فهلك أو عاب ضمن قيمته أو
أرشه يكون رهنا، وإن فرط فيه المرتهن ضمنه ولا يضمن إن لم يفرط وضمانه عليه بقيمته يوم
160

تعدى وإن عاب ضمن أرشه، وإن اختلفا في قيمته وهناك بينة حكم بها، وإن فقدت ضمن
المرتهن ما حلف عليه الراهن، فإن اختلفا في التفريط ولا بينة للراهن حلف المرتهن، فإن
ادعى المرتهن، تلف الرهن حلف، وإن ادعى رده ولا بينة له حلف الراهن.
وإذا شرط الرهن في عقد لازم لزم فإن امتنع الراهن أجبر عليه أو فسخ العقد وإذا رده
المرهن على الراهن لينتفع به لم ينفسخ الرهن لأن استدامة القبض ليست بشرط، وإن قال:
ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه أو طلق امرأتك وعلى ألف أو أعتق عبدك وعلى ألف،
ففعله لزمه ذلك.
ويدخل في رهن النخل ثمرته المتجددة بعده وكذلك ما تحمل الأمة وقيل لا يدخل وهو
قوي، فإن كان الحمل حاصلا وقت الرهن لم يدخل وسواء أبرت ثمرة النخل أم لم تؤبر.
ولا يحل للراهن التصرف في الرهن ببيع ولا خلع ولا صداق ولا عتق ولا كتابة
ولا تدبير ولا رهن ولا هبة ولا صدقة ولا معاوضة ولا نكاح، فإن فعل وأجازه المرتهن نفذ،
فإن أبرأه من الدين أو قضاه فكذلك، وإن أقر بالرهن لغيره وبيع في الدين فعليه غرامة
قيمته للمقر له، وإن فك أخذه المقر له وكيفية القبض ما قدمناه.
وإن رهنه وديعة أو عارية أو غصبا له في يده صح الرهن ويكون مقبوضا إن أذن بمضي
ما يمكن أن يقبض فيه، فإن كان الشئ في السوق أو منزله فإلى أن يصل إليه وزال ضمان
وقبل لا يزول، وإن أبرأه من ضمانه لم يبرأ، وإن باعه إياه زال الضمان ولا يكون القبض إلا
بالمرتهن أو وكيله، وإذا رهنه رهنا إلى أجل وشرط أن يكون مبيعا منه بالدين إن لم يقضه فيه
فالرهن فاسد ولا يضمن كالصحيح ويضمن بعد الأجل لأنه ويضمن بعد الأجل لأنه بيع
فاسد يضمن كالصحيح.
ولا يجوز للمرتهن بيع الرهن وإجارته فإن فعل وأجازه الراهن صح وإلا بطل، فإن
غاب لم يبعه حتى يأذن له، فإن لم يدر من هو يصبر، فإن لم يجئ باعه وتصدق بالباقي عنه،
وإن أعوزه فأجله فله أجر ويصح رهن المشاع، فإن تشاحوا في من يكون بيده ولهم يتهابوا
أخذه الحاكم وتركه عند أمينه ويكريه لملاكه، وإن رهن ملكه وملك غيره صح في ملكه
161

وفسخ المرتهن إن شاء إن كان مشروطا بعينه في عقد، وإذا هلك بعض الرهن فالباقي رهن
على المال وإن قضى بعض الدين أو أبرأ منه فالرهن كله على الباقي.
وإن رهن شيئا على دين ثم رهن عليه شيئا آخر جاز، وإن رهن شيئا على دين ثم أخذ
زيادة وجعل الرهن عليهما صح، وإذا ادعى شخص أن بعض تركة الميت رهن له بدين
عليه قبل إقراره بالدين وكلف البينة بالرهن، فإن عدمها كان على الورثة يمين علم إن
ادعى عليهم العلم ويخص المرتهن بثمن الرهن، فإن فضل له شئ ساهم الغرماء وإن
فضل منه شئ صرف إليهم.
فإن كان للمرتهن عليه دين آخر بلا رهن ساهم الغرماء فيه، وإذا أذن الراهن
للمرتهن في بيع الرهن قبل حلول دينه جاز ويكون الثمن رهنا حتى يحل الدين فإن أذن له
في أخذه عن دينه جاز وقيل: لا يكون رهنا، فإن أذن بعد الحلول وجب أن يعطيه الثمن من
دينه ونفقة الرهن على صاحبه، وإذا اختلفا فقال أحدهما: لي عندك دينار دين، وقال
الآخر: هو وديعة، ولا بينة فالقول قول صاحب المال مع يمينه، وإذا مات صاحب الرهن
ولا بينة للمرتهن فله أن يأخذ قدر حقه ويرد الفاضل على الوارث.
وإذا رهن رهنا وجعل المرتهن وكيلا في بيعه ووصيا بعد العقد فله عزله، فإن غاب
صاحبه أو مات أو دافع أثبت حقه عند الحاكم وباع له ووفاه، فإن جعله أو غيره وكيلا
ووصيا في نفس العقد لم ينعزل بعزله ولا موته ولا جنونه وإغمائه وقيل: ينعزل وكالته بجميع
ذلك، وإن شرطا أن يكون على يد عدل جاز، فإن عزله الراهن انعزل إن شرط في نفس العقد
لم ينعزل، وإن لم يعزله باع بما قدر له جنسا وصفة، فإن أطلقا باع بثمن المثل حالا بنقد
البلد، فإن اختلف الراهن والمرتهن في الجنس فالحاكم يأمره بالبيع بنقد البلد، وإن اختلف
فبالأغلب فإن تساوى فبجنس الحق، فإن كان من غير جنسهما باع بالأسهل لتحصيل
الجنس.
وإذا كان العدل وكيلا فباع الرهن فضاع الثمن من يده كان من ضمان الراهن وإن
خرج المبيع مستحقا فكذلك، وإن كان المرتهن وكيلا أو وصيا فباع وفضل عن دينه فضل
كان أمانة في يده، ولا يبيع العدل حتى يستأذن المرتهن لأن البيع له ولا يحتاج إلى تجديد إذن
162

من الراهن.
وإذا رهن عصيرا وأقبضه ثم صار خمرا ثم صار خلا عاد الرهن بحاله والملك للراهن،
فإن صار خمرا قبل قبضه ثم خلا لم يعد الرهن، ويصح رهن العبد القاتل والمرتد، وإذا جنى
المرهون تعلقت الجناية برقبته وبدئ بها والدين في ذمة الراهن، وإن جنى عليه بقتل
أو جرح كانت قيمته أو أرشه رهنا مكانه، فإن باعه سلعة بثمن على أن يكون رهنا عليه لم
يصح لتنافيهما لأن الرهن أمانة والمبيع مضمون ولأن الثمن لا يجوز أن يكون من المبيع
والرهن عليه يقتضي أن يكون منه.
فإن شرط أن يرهنه إياها بالثمن بعد قبضها لم يصح لأحد الوجهين: فإن أعاره عبدا
ليرهنه بدين معلوم حال أو مؤجل صح الرهن فإن خالفه لم يصح الرهن، فإن
رهنه على دون ما أذن فيه صح لأنه يدخل فيه ولصاحبه مطالبته بفكه من الدين الحال
والمؤجل لأنه عارية يجوز الرجوع فيها، فإن بيع في الدين رجع المالك بقيمته على الراهن،
فإن كان قد بيع بأكثر من قيمته فمثل ذلك لصاحبه، وإن بيع بدونها فالقيمة له، وإذا أذن
له في رهنه على دين لم يعينه، جاز.
وإذا كان عليه دينار برهن ودينار بلا رهن فقضاه دينارا وادعى أنه عن الرهن فالقول
قوله مع يمينه، فإن اتفقا على عدم النية فله يصرفه إلى ما أراد، وكذا إن أبرأه من ألف
واختلفا فالقول قول المبرئ مع يمينه ومع عدم النية فكالأولين، وإذا اختلفا في مقدار ما على
الرهن ولا بينة للمرتهن حلف الراهن، فإن اختلفا في حلول الأجل ولا بينة فالقول قول
المرتهن، وإن أنفق المرتهن على الرهن رجع على صاحبه إن كان باذنه ما لم ينتفع به فإن
انتفع به من غير إنفاق رجع عليه بذلك.
فإن أقرضه قرضا بشرط أن يرهنه رهنا ينتفع به لم يصح القرض والرهن والشرط،
وإن رهنه شيئا على دين في ذمته وشرط الانتفاع به صح الرهن وبطل الشرط، وإن باعه
شيئا بشرط رهن معلوم على أن النماء له وكان معلوما صح البيع والشرط، وإن شرط رهنا
مجهولا بطل الشرط فقط وإن شرط في الرهن ما يؤكده كقبضه جاز وإن شرط أن لا يقبضه
أو لا يباع في الدين لم يجز.
163

قواعد الأحكام
المقصد الثاني: في الرهن:
وهو وثيقة لدين المرتهن، وأركانه أربعة: الصيغة والمحل والعاقد والحق، فهنا
فصول:
الأول: الصيغة:
ولا بد فيه من إيجاب كقوله: رهنتك أو هذا وثيقة عندك على كذا، أو ما
أدى معناه من الألفاظ ويكفي الإشارة مع العجز كالكتابة وشبهها، وقبول كقوله:
قبلت، أو ما يدل على الرضا. وهل يقوم شرط الرهن في عقد البيع مقام القبول؟
نظر. وشرط ما هو من قضايا الرهن كعدمه كقوله: على أن يباع في الدين أو يتقدم
به على الغرماء، ولو شرط ما ينافي العقد بطل كالمنع من بيعه في حقه، أما لو شرط
في البيع إذن فلان أو بكذا فالوجه الصحة، وكذا يصح لو شرط أن ينتفع به المرتهن
أو يكون النماء المتجدد رهنا، ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد بظن اللزوم فرهن فله
الرجوع.
ويصح الرهن سفرا وحضرا وهو عقد لازم من جهة الراهن خاصة، فإن أدى
أو أبرأ أو أسقط المرتهن حقه من الرهن كان له أخذه، فلا يجب على المرتهن دفعه مع
خروجه عن الرهانة إلا بعد المطالبة به ويبقى أمانة في يده.
164

الثاني: المحل:
وشروطه أربعة: أن تكون عينا مملوكة يصح قبضه للمرتهن ويمكن بيعه فلا
يصح رهن المنافع، ورهن المدبر إبطال للتدبير على رأي، فلو شرط رهن الخدمة فيه
بطل على رأي، ولا رهن الدين ولا ما لا يملك فيقف على الإجازة، ولو ضمه مع
المملوك مضى فيه ووقف الآخر على إجازة المالك، ولا رهن ما لا يصح تملكه
كالحشرات ولا ما لا يملكه المسلم، إن كان أحدهما مسلما كالخمر وإن كان
المرتهن ذميا أو الراهن عند المسلم وإن وضعها على يد ذمي على رأي، ولا الأرض
المفتوحة عنوة.
ويصح رهن الأبنية والأشجار فيها، ولا رهن الطير في الهواء ولا السمك في
الماء ولا العبد المسلم أو المصحف عند الكافر، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب
الجواز وكذا يجوز رهن الحسناء عند الفاسق لكن يكره، ولا رهن الوقف ولا
المكاتب وإن كان مشروطا. وفي رهن أم الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى
إشكال ومع يساره أشكل وغير الثمن أشد إشكالا.
ويصح رهن ذي الخيار لأيهما كان ورهن الأم دون ولدها الصغير وإن حرمنا
التفرقة، وحينئذ إما أن نبيع الأم خاصة ويقال تفرقة ضرورية أو نقول: يباعان،
ثم يختص المرتهن بقيمة الأم فتقوم منفردة، فإذا قيل: مائة ومنضمة فيقال مائة
وعشرون، فقيمة الولد السدس ويحتمل تقدير قيمة الولد منفردا حتى تقل قيمته،
فإذا قيل: عشرة، فهو جزء من أحد عشر.
فروع: أ: يصح رهن المشاع وبعضه على الشريك وغيره ويكون على المهاياة
كالشركاء.
ب: يصح رهن المرتد وإن كان عن فطرة على إشكال والجاني عمدا وخطأ
165

ولا يبطل الحقوق بل يقدم على الرهن، فإن كان عالما بالعيب أو تاب أو فداه مولاه
ثم علم فلا خيار لزوال العيب وإلا تخير في فسخ البيع المشروط به لأن الشرط
اقتضاه سليما، فإن اختار إمساكه فليس له أرش وكذا لا أرش لو قتل قبل علمه،
ولا يجبر السيد على فداء الجاني وإن رهنه أو باعه بل يتسلط المجني عليه، فإن
استوعب الأرش القيمة بطل الرهن وإلا ففي المقابل.
ج: لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه وجعل الثمن
رهنا صح وإن شرط منعه بطل، وإن أطلق فالأقرب الجواز فيباع ويجعل الثمن
رهنا، ولو طرأ ما عرضه للفساد فكذلك.
د: لو نذر العتق عند شرط ففي صحة رهنه قبله نظر.
ه‍: لو رهن عصيرا فصار خمرا في يد المرتهن زال الملك، فإن أريق بطل الرهن
ولا يتخير المرتهن لحصول التلف في يده، فإن عاد خلا عاد الملك والرهن، ولو
استحال قبل القبض تخير المرتهن في البيع المشروط فيه، فإن عاد خلا تعلق حق
المرتهن به إن لم نشرط القبض في الرهن، ولو جمع خمرا مراقا فتخلل في يده ملكه،
ولو غصب خمرا فتخلل في يده فالأقرب أنه كذلك، أما لو غصبه عصيرا فصار خمرا
في يده ثم تخلل فإنه يرجع إلى مالكه.
و: يجوز أن يستعير مالا ليرهنه فيذكر قدر الدين وجنسه ومدة الرهن، فإن
خالف فللمالك فسخه وإلا فلا، ولو رهن على أقل صح وعلى أكثر يحتمل
البطلان مطلقا وفيما زاد، ولو لم يعين تخير الراهن في رهنه بما شاء عند من شاء إلى
أي وقت شاء، وللمالك مطالبته بالفك عند الحلول وقبله إشكال، وللمرتهن البيع
لو لم يقضه الغريم فيرجع المالك على الراهن بالأكثر من القيمة وما بيعت به،
وللمالك الرجوع في الإذن قبل العقد وبعده قبل القبض إن جعلنا القبض شرطا،
ولو تلف في يد المرتهن فالأقرب سقوط الضمان عنه ويضمنه المستعير وإن لم يفرط
بقيمته، وكذا إن تعذر إعادته ولو لم يرهن ففي الضمان إشكال.
166

ز: لو قال: أذنت لي في رهنه بعشرة، فقال: بل بخمسة، قدم قول المالك مع
اليمين.
ح: لا يصح رهن المجهول.
ط: لو غصب عينا ثم باعها أو رهنها أو وهبها أو آجرها ثم ظهر مصادفة
التصرف الملك بميراث وشراء وكيل وشبهه صح التصرف.
ي: لو رهن ما له الرجوع فيه قبله لم يصح على إشكال كموهوب له الرجوع فيه
وكالبائع مع إفلاس المشتري، أما لو رهن الزوج قبل الدخول نصف الصداق فإنه
باطل.
يا: لو رهن الوارث التركة وهناك دين فالأقرب الصحة، وإن استوعب ثم
إن قضى الحق وإلا قدم حق الديان.
الفصل الثالث: في العاقد:
ويشترط كمالية الموجب والقابل وتملك الموجب أو حكمه كالمستعير، وولي
الطفل مع المصلحة كالاقتراض في نفقته أو إصلاح عقاره، ولو استدانا ورهنا ثم
قضى أحدهما صارت حصته طلقا إن لم يشترط المرتهن رهنه على كل جزء من
الدين، ولو تعدد المرتهن واتحد العقد من الواحد فكل منهما مرتهن للنصف خاصة
وفي التقسيط مع اختلاف الدين إشكال، فإن وفى أحدهما صار النصف طلقا،
فإن طلب قسمة المفكوك ولا ضرر على الآخر أجيب وإلا فلا بل يقر في يد
المرتهن نصفه رهنا ونصفه أمانة.
والراهن والمرتهن ليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر، فلو بادر أحدهما
بالتصرف لم يقع باطلا بل موقوفا إلا عتق المرتهن فإنه يبطل، وإن أجازه الراهن ولو
سبق إذنه صح، فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر والأقرب اللزوم من جهة
الراهن قبل الفك، ولو أجاز الرهانة الثانية ففي كونه فسخا لرهنه مطلقا أو فيما قابل
167

الدين الثاني أو العدم مطلقا نظر، ويترتب حكم اسقاط الثاني حقه، ولو لم يعلم
الأول حتى مات الراهن ففي تخصيص الثاني بالفاضل عن دين الأول من دون
الغرماء إشكال، ولا حكم لإجازة الأول ولا فسخه بعد موت الراهن.
ولو أعتق الراهن بإذن المرتهن وبالعكس سقط الغرم، ولو أذن في الهبة فوهب
فرجع قبل الإقباض صح الرجوع على إشكال ينشأ من سقوط حقه بالإذن وعدمه،
ولو أحبلها الراهن لم يبطل الرهن وإن كان بإذن المرتهن، وإن صارت أم ولده
وفي بيعها إشكال، ولو ماتت في الطلق فعليه القيمة، وكذا لو وطئ أمة غيره
بشبهة ولا يضمن زوجته ولا المزني بها الحرة المختارة لأن الاستيلاد إثبات يد و
الحرة لا تدخل تحت اليد، وفي اعتبار القيمة يوم التلف أو الإحبال أو الأعلى
نظر.
ولو باع الراهن بإذن المرتهن صح، ولا يجب رهنية الثمن إلا إذا اشترط، ولو
قال: أردت بالإطلاق أن يكون الثمن رهنا، لم يقبل، ولو ادعى شرط جعل الثمن
رهنا حلف المنكر ولو انعكس الفرض لم يكن للمرتهن التصرف في الثمن قبل
الأجل، ولو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة ففي كونه إجازة إشكال، فإن قلنا به
فلا شفعة، ولو أسقط حق الرهانة فله الشفعة إن قلنا بلزوم العقد.
ويجوز أن يشترط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره أو وضعه على يد عدل
وليس للراهن فسخ الوكالة حينئذ، نعم لو مات بطلت دون الرهانة، ولو مات
المرتهن فإن شرط في العقد انتقال الوكالة إلى الوارث لزم وإلا لم ينتقل، أما الرهنية
فينتقل بالميراث كالمال بين الورثة، ولو أقر المرتهن بالدين انتقلت الرهنية دون
الوكالة والوصية، فإذا امتنع الراهن من الأداء وقت الحلول باع المرتهن إن كان
وكيلا وإلا فالحاكم وله حبسه حتى يبيع بنفسه.
168

الفصل الرابع: الحق:
وشروطه ثلاثة: أن يكون دينا لازما أو آيلا إليه يمكن استيفاؤه منه، فلا
يصح الرهن على الأعيان وإن كانت مضمونة كالغصب والمستعار مع الضمان،
والمقبوض بالسوم على إشكال، ولا على ما ليس بثابت حالة الرهن كما لو رهن على
ما يستدينه أو على ثمن ما يشتريه منه، فلو دفعه إلى المرتهن ثم اقترض لم يصر بذلك
رهنا، ولو شركه بين الرهن وسبب الدين في عقد ففي الجواز إشكال ينشأ من جواز
اشتراطه في العقد فتشريكه في متنه آكد.
ومن توقف الرهن على تمامية الملك لكن يقدم السبب فيقول: بعتك هذا
العبد بألف وارتهنت الدار بها، فيقول: اشتريت ورهنت، ولو قدم الارتهان لم
يصح، ولو رهن على الثمن في مدة الخيار أو على مال الجعالة بعد الرد أو على النفقة
الماضية أو الحاضرة صح لا على المستقبلة، والأقرب جواز الرهن على مال الكتابة،
ولا يصح على مال الجعالة قبل الرد ولا على الدية قبل استقرار الجناية.
ويجوز على كل قسط بعد حلوله في الخطأ على العاقلة ومطلقا في غيره ومع
فسخ المشروطة يبطل الرهن إن جوزناه، ولو رهن على الإجارة المتعلقة بعين المؤجر
لخدمته لم يصح لعدم تمكن الاستيفاء، ويصح على العمل المطلق الثابت في الذمة،
ولا يشترط كون الدين خاليا عن رهن بل تجوز الزيادة في الرهن بدين واحد،
وكذا تجوز زيادة الدين على مرهون واحد.
الفصل الخامس: في القبض:
وليس شرطا على رأي، وهل له المطالبة به؟ إشكال. وقيل يشترط فيجب
إذن الراهن فيه، ولو قبض من دونه أو أذن ثم رجع قبله أو جن أو أغمي عليه أو
مات قبله بطل ولا يشترط الاستدامة، فلو استرجعه صح ويكفي الاستصحاب، فلو
كان في يد المرتهن لم يفتقر إلى تجديد قبض ولا مضى زمان يمكن فيه، ولو باع من
169

المستودع دخل في ضمانه بمجرد البيع، والأقرب زوال الضمان بالعقد لو كان غصبا
ويحتمل الضمان لأن الابتداء أضعف من الاستدامة، ويمكن اجتماعه مع الرهن
كما لو تعدى المرتهن فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان أولى.
ولو أودع الغاصب أو آجره فالأقرب زوال الضمان، وفي العارية والتوكيل
بالبيع والإعتاق نظر، ولو أبرأ الغاصب عن ضمان الغصب والمال في يده فإشكال
منشأه الإبراء مما لم يجب، ووجود سبب وجوبه لأن الغصب سبب وجوب القيمة
عند التلف، والأقرب أنه لا يبرأ ولا يصير يده يد أمانة.
أما المستعير المفرط أو المشروط عليه الضمان أو القابض بالسوم أو الشراء
الفاسد، فالأقرب زوال الضمان عنهم بالارتهان لأن ضمانهم أخف من ضمان
الغاصب ولا يجبر الراهن على الإقباض، فلو رهن ولم يسلم لم يجبر عليه نعم لو كان
شرطا في بيع فللبائع الخيار وكيفيته كما تقدم، وإنما يصح القبض من كامل
التصرف وتجري فيه النيابة كالعقد لكن لا يجوز للمرتهن استنابة الراهن. وهل له
استنابة عبد الراهن ومستولدته؟ إشكال ينشأ من أن أيديهم يده ويستنيب مكاتبه.
وكل تصرف يزيل الملك قبل القبض فهو رجوع كالبيع والعتق والإصداق
والرهن من آخر مع القبض والكتابة ويلحق به الإحبال، وإن لم يزل فلا كالوطء
من دون إحبال والتزويج والإجارة والتدبير، ولو انقلب خمرا قبل القبض فالأقرب
الخروج، ولو عاد افتقر إلى تجديد عقد بخلاف ما لو انقلب خمرا بعد القبض فإنه
يخرج عن الرهن ثم يعود إليه عند العود خلا، ولا يجوز إقباضه وهو خمر ولا يحرم
الإمساك ولا العلاج ولا النقل إلى الشمس.
ولو رهن الغائب لم يصر رهنا حتى يقبضه هو أو وكيله، ويحكم على الراهن لو
أقر بالإقباض ما لم يعلم كذبه، فإن ادعى المواطاة فله الإحلاف، ولا يجوز تسليم
المشاع إلا بإذن الشريك فلو سلم بدونه ففي الاكتفاء به في الانعقاد نظر أقربه ذلك
للقبض، وإن تعدى في غير الرهن، ولو رضي الراهن والمرتهن بكونها في يد
170

الشريك جاز وناب عنه في القبض.
ولو تنازع الشريك والمرتهن نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما فيكون قبضا
عن المرتهن، ولو تنازع الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم وآجره إن كان
له أجرة ثم قسمها وإلا استأمن من شاء، ولو حجر عليه لفلس لم يكن له الإقباض
لاشتماله على تخصيص بعض الغرماء، ولو كانا ساكنين في الرهن فخلى بينه وبينها
صح القبض مع خروج الراهن، ولو اختلفا في القبض قدم قول من هو في يده، ولو
اختلفا في الإذن احتمل ذلك وتصديق الراهن مع اليمين.
ولو تلف بعض الرهن قبل القبض وكان الرهن شرطا في البيع تخير البائع
بين الفسخ والقبول للباقي، وليس له المطالبة ببدل التالف ويكون الباقي رهنا
بجميع الثمن ولا خيار لو تلف بعد القبض، وكذا يتخير البائع لو تعيبت العين قبل
القبض كانهدام الدار، وهذه الفروع كلها ساقطة عندنا لعدم اشتراط القبض نعم لو
شرطه وجب.
فروع:
أ: لو شرطا وضعه على يد غيرهما لزم ويشترط فيه كونه ممن يجوز توكيله وهو
جائز التصرف، وإن كان كافرا أو فاسقا أو مكاتبا لكن بجعل لا صبيا ولا عبدا
إلا بإذن مولاه.
ب: لو جعلاه على يد عدلين جاز وليس لأحدهما التفرد به ولا ببعضه، ولو
سلمه أحدهما إلى الآخر ضمن النصف ويحتمل أن يضمن كل منهما الجميع، ففي
استقراره على أيهما إشكال.
ج: ليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن العدل الذي اتفقا عليه ما دام على
العدالة ما لم تحدث له عداوة ولو اتفقا على النقل جاز، فإن تغيرت حاله أجيب
طالب النقل فإن اتفقا على غيره وإلا وضعه الحاكم عند ثقة، ولو اختلفا في التغير
171

عمل الحاكم على ما يظهر بعد البحث، ولو كان في يد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة
أو الحفظ نقله الحاكم إلى ثقة، ولو مات العدل نقلاه إلى من يتفقان عليه فإن
اختلفا نقله الحاكم، ولو كان المرتهن اثنين فمات أحدهما ضم الحاكم إلى الآخر
عدلا للحفظ.
د: للعدل رده عليهما لا على أحدهما إلا باتفاق الآخر أو إلى من يتفقان عليه
ويجب عليهما قبوله، ولو سلمه إلى الحاكم أو إلى أمين مع وجودهما وقبولهما للقبض
من غير إذن ضمن، فإن اختفيا عنه سلمه إلى الحاكم، ولو كانا غائبين أو أحدهما
لم يجز له تسليمه إلى الحاكم ولا غيره من غير ضرورة فيضمن ومع الحاجة يسلمه إلى
الحاكم أو إلى من يأذن له، فإن سلمه إلى الثقة من غير إذن الحاكم ضمن، ولو
تعذر الحاكم وافتقر إلى الإيداع أودع من ثقة ولا ضمان.
ه‍: لو لم يمتنعا من القبض فدفعه إلى عدل بغير إذنهما ضمن، ولو أذن له
الحاكم ضمن أيضا لانتفاء ولايته عن غير الممتنع ويضمن القابض أيضا، ولو
امتنعا لم يضمن بالدفع إلى العدل مع الحاجة وتعذر الحاكم، فإن امتنع أحدهما
فدفعه إلى الآخر ضمن والفرق أن العدل يقبض لهما والآخر يقبض لنفسه.
و: لو أمر العدل بالبيع عند الحلول فله ذلك وللراهن فسخ الوكالة إلا أن
يكون شرطا في عقد الرهن، وليس للمرتهن عزله لأن العدل وكيل الراهن لكن ليس
له البيع إلا باذنه، ولو لم يعزلاه لم يبع عند الحلول إلا بتجديد إذن المرتهن لأن البيع
لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ولا يفتقر إلى تجديد إذن الراهن، ولو أتلف الرهن
أجنبي فعليه القيمة تكون رهنا في يد العدل وله المطالبة بها. وهل له بيعها بالإذن
في بيع الأصل؟ الأقرب المنع.
ز: لو عينا له ثمنا لم يجز له التعدي، فإن اختلفا لم يلتفت إليهما إذ للراهن حق
ملكية الثمن وللمرتهن حق الوثيقة فيبيعه بأمر الحاكم بنقد البلد وافق الحق أو قول
أحدهما أو لا، فإن تعدد فبالأغلب فإن تساويا فبمساوي الحق، فإن باينهما عين له
172

الحاكم، ولو باعه نسيئة لم يصح إلا بإذن.
ح: كل موضع يحكم فيه ببطلان البيع يجب رد المبيع، فإن تلف تخير المرتهن
في الرجوع على من شاء من العدل والمشتري بالأقل من الدين والقيمة لأنه يقبض
قيمة الرهن مستوفيا لحقه لا رهنا، فإن فضل من القيمة عن الدين فللراهن الرجوع
به على من شاء من العدل والمشتري، ولو استوفى المرتهن من الراهن دينه رجع
الراهن بالقيمة على من شاء، ومتى ضمن العدل رجع به على المشتري ولا يرجع
المشتري عليه لو ضمن.
ط: لو عينا له قدرا لم يجز بيعه بأقل ولو أطلقا باع بثمن المثل أو زيادة
خاصة، ولو باع بأقل مما لا يتغابن الناس به بطل البيع وضمن، ولو كان مما
يتغابن به صح ولا ضمان.
ي: لو تلف الثمن في يده من غير تفريط فلا ضمان، والأقرب أنه من ضمان
الراهن لأنه وكيله ويحتمل المرتهن لأن البيع لأجله ويقبل قوله مع اليمين لو ادعى
التلف، ولو ادعى قبضه من المشتري وخالفاه احتمل المساواة لأنه أمين فيبرأ
بيمينه دون المشتري وتقديم قولهما لأنها منكران.
يا: لو خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن لا العدل إن علم المشتري
بوكالته، فإن علم بعد تلف الثمن في يده رجع على الراهن ولو علم بعد دفع الثمن
إلى المرتهن رجع المشتري عليه لا على العدل، ولو رده بعيب رجع على الراهن خاصة
لأن العدل وكيل والمرتهن قبض بحق، ولو لم يعلم المشتري بوكالة العدل حالة البيع
فله الرجوع على العدل، ويرجع العدل على الراهن إن اعترف بالعيب أو قامت به
بينة، فإن أنكر فالقول قول العدل مع يمينه فإن نكل فحلف المشتري رجع على
العدل، ولا يرجع العدل على الراهن لاعترافه بالظلم.
يب: لو تلف العبد في يد المشتري ثم بان مستحقا قبل أداء الثمن رجع المالك
على من شاء من الغاصب والعدل والمرتهن القابض والمشتري ويستقر الضمان على
173

المشتري للتلف في يده، ولو لم يعلم بالغصب استقر الضمان على الغاصب.
يج: لو ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن قبل قوله في حق الراهن لأنه
وكيله على إشكال ولا يقبل في حق المرتهن لأنه وكيله في الحفظ خاصة فلا يقبل في
غيره، كما لو وكل رجلا في قضاء دين فادعى تسليمه إلى صاحب الدين، ويحتمل
قبول قوله على المرتهن في اسقاط الضمان عن نفسه لا عن غيره، فعلى هذا إن حلف
العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت على المرتهن أنه قبضه، وعلى الأول يحلف
المرتهن فيرجع على من شاء، فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن
لاعترافه بالظلم، وإن رجع على الراهن لم يرجع على العدل إن كان دفعه بحضرته أو
ببينة ماتت أو غابت لعدم التفريط في القضاء وإلا رجع على إشكال منشأه
التفريط وكونه أمينا له اليمين عليه إن كذبه.
يد: لو غصبه المرتهن من العدل ثم أعاده إليه زال الضمان عنه.
الفصل السادس: في اللواحق:
لو مات المرتهن ولم يعلم الرهن كان كسبيل ماله، ويجوز للمرتهن ابتياع
الرهن، فإن كان وكيلا فالأقرب جواز بيعه من نفسه بثمن المثل وحق المرتهن أقدم
في حق الحي والميت، فإن قصر الثمن ضرب بفاضل دينه مع الغرماء والرهن أمانة
في يده لا يضمن إلا بالتفريط ولا يسقط من دينه شئ، فإن تصرف بركوب أو
سكنى أو لبن وشبهه فعليه الأجرة والمثل ويقاص في المؤنة، فإن تلف ضمن قيمته
إن لم يكن مثليا. قيل: يوم قبضه، وقيل: يوم هلاكه، وقيل: الأرفع، ولو علم
جحود الوارث استقل بالاستيفاء، ولو اعترف بالرهن لم يصدق في الدين إلا بالبينة،
وله إحلاف الوارث على عدم العلم، ويجب على المرتهن بالوطئ العشر أو نصفه، ولو
طاوعت فلا شئ.
ولو شرط كون الرهن مبيعا عند تعذر الأداء بعد الحلول بطلا، فإن تلف قبل
174

مدة الحلول لم يضمن ولو تلف بعدها ضمن، وفوائد الرهن للراهن ولا تدخل فيه
إن كانت موجودة، والأقرب عدم دخول المتجددة إلا مع الشرط أو كانت متصلة،
ولو أدى ما يخص أحد الرهنين لم يجز إمساكه بالآخر ولا بالخالي ويقدم قول
الدافع.
ولا يدخل الثمرة غير المؤبرة في رهن النخلة ولا الشجر في رهن الأرض، وإن
قال بحقوقها إلا مع الشرط، وكذا ما ينبت بعد رهنها سواء أنبته الله تعالى أو الراهن
أو أجنبي إلا أن يكون الغرس من الشجر المرهون، وفي دخول الأس تحت الجدار
والمغرس تحت الشجر واللبن في الضرع والصوف المستجز على ظهر الحيوان
وأغصان الشجر نظر، والأقرب جواز إجبار الراهن على الإزالة، ولو رهن ما يمتزج
بغيره كاللقطة من الباذنجان صح إن كان الحق يحل قبل تجدد الثانية أو بعدها،
وإن لم تتميز على رأي.
ويقدم حق المجني عليه وإن تأخر على حق المرتهن، فيقتص بالعمد أو يسترق
الجميع أو مساوي حقه فالباقي رهن وفي الخطأ إن فكه مولاه فالرهن بحاله، فإن
سلمه فللمجني عليه استرقاقه أو بيعه أو بيع مساوي حقه فالباقي رهن، ولو جرح
مولاه عمدا اقتص منه ولا يخرج عن الرهن، وإن قتله فللورثة قتله والعفو فيبقي
رهنا، ولو جرح خطأ لم يثبت لمولاه عليه شئ فيبقي الرهن بحاله.
ولو جنى على مورث المالك فللمالك القصاص أو الافتكاك من الرهن فيه
وفي الخطأ مع الاستيعاب، والمقابل مع عدمه فالباقي رهن، ولو جنى على عبد مولاه
فكمولاه إلا أن يكون رهنا من غير المرتهن فله قتله ويبطل حق المرتهن والعفو على
مال فيتعلق به حق المرتهن الآخر، ولو عفا بغير مال فكعفو المحجور إن أجاز المرتهن
ولو أوجبت أرشا فللثاني.
ولو اتحد المرتهن وتغاير الدين فله بيعه وجعل ثمنه رهنا بدين الآخر، وفي
الخطأ مع الاستيعاب والمقابل مع عدمه فالباقي رهن، ويتعلق الرهن بالقيمة لو أتلفه
175

المرتهن أو أجنبي ولا يتعلق بها الوكالة.
ولو صارت البيضة فرخا أو الحب زرعا فالرهن بحاله، وإذا لزم الرهن استحق
المرتهن إدامة اليد، وعلى الراهن مؤنة المرهون وأجرة الإصطبل وعلف الدابة وسقي
الأشجار ومؤنة الجذاذ من خاص ماله، ولا يمنع من الفصد والحجامة والختان
ويمنع من قطع السلع.
ولو رهن الغاصب فللمالك تضمين من شئ ويستقر على الغاصب، وكذا
المودع والمستأجر والمستعير من الغاصب هذا إن جهلوا ولو علموا لم يرجعوا عليه،
وأحكام الوثيقة كما يثبت في الرهن يثبت في بدله الواجب بالجناية على المرهون
والخصم في بدل الرهن الراهن، فإن امتنع فالأقرب أن للمرتهن أن يخاصم.
ولو نكل الغريم حلف الراهن فإن نكل ففي إحلاف المرتهن نظر، فإن عفا
الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحق المرتهن، فإن انفك ظهر صحة العفو وإلا
فلا، ولو أبرأ المرتهن لم يصح والأقرب بقاء حقه فإن الإبراء الفاسد يفسد ما يتضمنه
كما لو وهب الرهن من غيره، ولو اعتاض عن الدين ارتفع الرهن، ولو أدى بعض
الدين بقي كل المرهون رهنا بالباقي على إشكال، أقربه ذلك إن شرط كون الرهن
رهنا على الدين وعلى كل جزء منه.
ولو رهن عبدين فكل منهما رهن بالجميع إلا أن يتعدد العقد والصفقة أو
مستحق الدين أو المستحق عليه ولا اعتبار بتعدد الوكيل ولا المالك في المرهون
المستعار من شخصين، ولو دفع أحد الوارثين نصف الدين لم ينفك نصيبه على
إشكال، أما لو تعلق الدين بالتركة فأدى أحدهما نصيبه فالأقرب انفكاك حصته إذ
لا رهن حقيقي هنا، وإذا انفك نصيب أحد مالكي المرهون فأراد القسمة قاسم
المرتهن بعد إذن الشريك سواء كان مما يقسم بالأجزاء كالمكيل والموزون أو لا
كالعبيد.
وإذا قال المالك: بع الرهن لي واستوف الثمن لي ثم اقبضه لنفسك،
176

فالأقرب صحة الجميع لكن لا يكفي في الاستيفاء لنفسه مجرد الإمساك بل لا بد من
وزن جديد أو كيل لأن قوله: ثم استوف لنفسك يقتضي الأمر بتجديد فعل، ولو
قال: بعه لي واقبضه لنفسك، صح البيع دون القبض لأنه لم يصح قبض الراهن
لكن ما قبضه يكون مضمونا عليه فإن القبض الفاسد يشابه الصحيح في الضمان،
ولو قال: بعه لنفسك، بطل الإذن لأنه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه، ولو
قال: مطلقا، صح.
الفصل السابع: في التنازع:
لو اختلفا في عقد الرهن قدم قول الراهن مع يمينه، ولو ادعى دخول النخل في
رهن الأرض قدم قول الراهن في إنكار الدخول والوجود عند الرهن، فإن كذبه
الحس وأصر جعل ناكلا وردت اليمين على المرتهن فإن عدل إلى نفي الرهن حلف،
ولو ادعى عليهما رهن عبدهما فلأحدهما إذا صدقه أن يشهد على الآخر ما لم يجر نفعا
بأن يشهد بالرهن على الدين وعلى كل جزء منه، ولو كذبه كل منهما عن نصيبه
وشهد على شريكه لم يقبل شهادتهما لزعمه أنهما كاذبان إلا أن نقول: الصغيرة
لا تطعن في العدالة والكذب منها.
ولو ادعيا على واحد رهن عبده عندهما فصدق أحدهما خاصة فنصفه مرهون
عند المصدق، فلو شهد الآخر فإشكال ينشأ من تشارك الشريكين المدعيين حقا فيما
يصدق الغريم أحدهما عليه أولا، فإن قلنا: بالتشريك، لم يقبل وإلا قبلت، ولو
اختلفا في متاع فادعى أحدهما أنه رهن فقال المالك: وديعة، قدم قول المالك مع
اليمين على رأي، ولو قال: الرهن العبد، فقال: بل الجارية، بطل رهن ما ينكره
المرتهن وحلف الراهن على الآخر وخلصا عن الرهن.
أما لو ادعى البائع اشتراط رهن العبد على الثمن فقال المشتري: بل الجارية،
احتمل تقديم قول الراهن وهو الأقوى والتحالف وفسخ البيع، ولو قال: رهنت
177

العبد، فقال: بل هو والجارية، قدم قول الراهن، ولو قال: دفعت ما على الرهن
من الدينين، صدق مع اليمين دون صاحبه، أما لو أنكر الغريم القبض قدم قوله، ولا
فرق بين الاختلاف في مجرد النية أو في اللفظ.
ولو قال لم أنو عند التسليم أحد الدينين احتمل التوزيع، وأن يقال له:
اصرف الأداء الآن إلى ما شئت، وكذا نظائره كما لو تبايع مشركان درهما بدرهمين
وسلم مشتري الدرهم درهما ثم أسلما، إن قصد تسليمه عن الفضل فعليه الأصل
وإن قصد عن الأصل فلا شئ عليه، وإن قصدهما وزع وسقط ما بقي من الفضل
وإن لم يقصد فالوجهان، الصرف والتوزيع ولو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مثلها
ووكلا من يقبض لهما فدفع المديون لزيد أو لعمرو فذاك وإلا فالوجهان، ولو أخذ
من المماطل قهرا فالاعتبار بنية الدافع ويحتمل القابض، ولو فقدت فالوجهان.
ولو كان التداعي في الإبراء قدم قول المرتهن ويقدم قول الراهن في عدم الرد
مع اليمين وفي قدر الدين على رأي، وفي أن الرهن على نصف الدين لا كله وعلى
المقر تخليصه به فإن سعى العبد ضمن الأجرة خاصة، وإن أعتق من الزكاة فلا
ضمان فيه وكذا لو أبرأه السيد، ولو عجز من أداء الجميع وجب دفع ما يتمكن
منه، ولو كانت مشروطة فدفع القيمة لعجزه عن تمام مال الكتابة ثم استرق رجع
المقر بما دفعه في التخليص، ولو جنى على عبد المقر أو نفسه أو مورثه وكان عبدا أو
مكاتبا خلص منه بقدرها، ولو أوصى لشخص بخدمته دائما ولآخر برقبته فأعتق
ضمن له أجرة المثل لكل خدمة مستوفاة.
ولو مات عبد ضمن لوارثه الحر أجرة منافعه المستوفاة وما وصل إلى مولاه من
كسبه، ولو أعتقه فأخذ كسبه بالولاء ضمنه للإمام، ولو انتقل إلى مورث المقر
فأعتقه في كفارة أو نذر غير معين وحاز المقر التركة أو بعضها أخرج الكفارة أو النذر
ولا يزاحم الديون والوصايا مع التكذيب، ولو استولدها المشتري لم يحسب على
الولد نصيب المقر لو كان وارثا ولا تحسب من مال المشتري بالنسبة إلى المقر، فلا
178

يخرج ما أوصي له المشتري به منه إلا في أخذه في دينه لو دفع إليه فينعتق عليه.
ولو اعترفا بقبض العدل الرهن لم يضر إنكاره في اللزوم إن شرطناه، ولو
اعترف أحدهما خاصة فالقول قول المنكر ولا تقبل شهادة العدل عليه، ولو قال
المالك: بعتك السلعة بألف، فقال: بل رهنتها عندي بها، فالقول قول كل منهما في
العقد الذي ينكره بعد اليمين ويأخذ المالك سلعته.
المؤجل منه لا الحال، وقول المرتهن في عدم التفريط والقيمة، وفي أن رجوعه عن
إذنه للراهن في البيع قبله ترجيحا للوثيقة، ولأن الأصل عدم بيع الراهن في وقت
الذي يدعيه وعدم رجوع المرتهن في الوقت الذي يدعيه فيتعارضان، ويبقى الأصل
استمرار الرهن ويحتمل تقديم قول الراهن عملا بصحة العقد.
ولو ادعى الراهن الغلط في إقراره بقبض المرتهن الرهن تعويلا على كتاب
وكيله فخرج مزورا أو أقبضته بالقول فظننت الاكتفاء قدم قول المرتهن مع اليمين،
وكذا لو قال: تعمدت الكذب إقامة لرسم القبالة، أما لو أقر في مجلس القضاء بعد
توجه دعواه فالوجه أنه لا يلتفت إليه وكذا لو شهدت البينة بمشاهدة القبض.
ولو اعترف الجاني بالجناية على الرهن فصدقه الراهن خاصة أخذ الأرش ولم
يتعلق به المرتهن، ولو صدقه المرتهن خاصة أخذ الأرش وكان رهنا إلى قضاء الدين،
فإذا قضى من مال آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد، ولو جنى العبد فاعترف
المرتهن خاصة قدم قول الراهن مع اليمين، ولو اعترف الراهن خاصة قدم قول المرتهن
مع اليمين، فإن بيع في الدين فلا شئ للمقر له ولا يضمن الراهن ويحتمل الضمان
مع تمكنه مع الفك لقضاء ثمنه في دينه.
ولو قال الراهن: أعتقته أو غصبته أو جنى على فلان قبل أن رهنته، حلف
المرتهن على نفي العلم وغرم الراهن للمقر له للحيلولة، ولو نكل فالأقرب إحلاف
المقر له لا الراهن فيباع العبد في الجناية والفاضل رهن أو العبد فيعتق، ولو نكل
المقر له احتمل الضمان لاعترافه بالحيلولة وعدمه لتقصيره بالنكول مع تمكين المقر
179

بإقراره والمرتهن بنكوله له وغرامته للعبد بفكه من الرهن عند الحلول، فإن تعذر
وبيع وجب فكه بالقيمة مع البذل وبالأزيد على إشكال، فإن أعتق فلا ضمان إلا
في المنافع التي استوفاها المشتري لا غيرها، إذ منافع الحر لا تضمن بالفوات وقبله
يضمنها لما يتبع به بعد العتق كالجناية.
وإن كوتب بالقيمة أو بالأدون أو بالأزيد مع عدم التخلص إلا به وجب على
180

اللمعة الدمشقية
كتاب الرهن
وهو وثيقة للدين. والإيجاب: رهنتك أو وثقتك أو هذا رهن عندك أو على مالك،
وشبهه. ويكفي الإشارة في الأخرس أو الكتابة معها فيقول المرتهن: قبلت، وشبهه. فإن
ذكر أجلا اشترط ضبطه، ويجوز اشتراط الوكالة للمرتهن وغيره والوصية له ولوارثه وإنما يتم
بالقبض على الأقوى، فلو جن أو مات أو أغمي عليه أو رجع قبل إقباضه بطل. ولا
يشترط دوام القبض فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس، ويقبل إقرار الراهن بالإقباض إلا
أن يعلم كذبه فلو ادعى المواطاة فله إحلاف المرتهن، ولو كان بيد المرتهن فهو قبض ولا
يفتقر إلى إذن في القبض ولا إلى مضى زمان، ولو كان مشاعا فلا بد من إذن الشريك في
القبض أو رضاه بعده.
والكلام: إما في الشروط أو اللواحق:
الأول: شرط الرهن أن يكون عينا مملوكة يمكن قبضها ويصح بيعها.
فلا يصح رهن المنفعة ولا الدين، ورهن المدبر إبطال لتدبيره على الأقوى، ولا رهن
الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلما أو المرتهن، ولا رهن الحر مطلقا ولو رهن ما لا
يملك وقف على الإجازة، ولو استعار للرهن صح ويلزم بعقد الراهن ويضمن الراهن لو
تلف أو بيع، ويصح رهن الأرض الخراجية تبعا للأبنية والشجر، ولا رهن الطير في
الهواء إلا إذا اعتيد عوده، ولا السمك في الماء إلا إذا كان محصورا مشاهدا، ولا رهن
المصحف عند الكافر أو العبد المسلم إلا أن يوضعا على يد مسلم ولا رهن الوقف.
181

ويصح الرهن في زمان الخيار وإن كان للبائع لانتقال المبيع بالعقد على الأقوى،
ويصح رهن العبد المرتد ولو عن فطرة والجاني مطلقا فإن عجز المولى عن فكه قدمت
الجناية، ولو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبل الأجل فليشترط بيعه ورهن ثمنه ولو أطلق
حمل عليه.
وأما المتعاقدان: فيشترط فيهما الكمال وجواز التصرف. ويصح رهن مال الطفل
مع المصلحة وأخذ الرهن له كما إذا سلف ماله مع ظهور الغبطة أو خيف على ماله من
غرق أو نهب، ولو تعذر الرهن هنا أقرض من ثقة عدل غالبا.
وأما الحق: فيشترط ثبوته في الذمة كالقرض، وثمن المبيع والدية بعد استقرار
الجناية وفي الخطأ عند الحلول على قسطه ومال الكتابة وإن كانت مشروطة على الأقرب،
ومال الجعالة بعد الرد لا قبله، ولا بد من إمكان استيفاء الحق من الرهن فلا يصح على
منفعة المؤجر عينه فلو آجره في الذمة جاز، ويصح زيادة الدين على الرهن وزيادة الرهن
على الدين.
وأما اللواحق فمسائل:
إذا شرط الوكالة في الرهن لم يملك عزله ويضعف بأن المشروط في اللازم يؤثر جواز
الفسخ لو أخل بالشرط لا وجوب الشرط فحينئذ لو فسخ الوكالة فسخ المرتهن البيع
المشروط بالرهن إن كان.
الثانية: يجوز للمرتهن ابتياع الرهن وهو مقدم به على الغرماء ولو أعوز ضرب بالباقي.
الثالثة: لا يجوز لأحدهما التصرف فيه ولو كان له نفع أوجر ولو احتاج إلى مؤونة فعلى
الراهن ولو انتفع المرتهن تقاصا.
الرابعة: يجوز للمرتهن الاستقلال بالاستيفاء لو خاف جحود
الوارث إذ القول قول الوارث مع يمينه في عدم الدين وعدم الرهن.
الخامسة: لو باع أحدهما توقف على إجازة الآخر. وكذا عتق الراهن لا المرتهن، ولو
وطأها الراهن صارت مستولدة مع الإحبال وقد سبق جواز بيعها، ولو وطأها المرتهن فهو
182

زان، فإن أكرهها فعليه العشر إن كانت بكرا وإلا فنصفه، وقيل: مهر المثل، فإن
طاوعت فلا شئ.
السادسة: الرهن لازم من جهة الراهن حتى يخرج عن الحق فيبقي أمانة في يد
المرتهن، ولو شرط كونه مبيعا عند الأجل بطلا وضمنه بعد الأجل لا قبله.
السابعة: يدخل النماء المتجدد في الرهن على الأقرب إلا مع شرط عدم الدخول.
الثامنة: تنتقل حق الرهانة بالموت لا الوكالة والوصية إلا مع الشرط، وللراهن
الامتناع من استئمان الوارث، وبالعكس فليتفقا على أمين وإلا فالحاكم.
التاسعة: لا يضمنه المرتهن إلا بتعد أو تفريط فيلزم قيمته يوم تلفه على الأصح، ولو
اختلفا في القيمة حلف المرتهن.
العاشرة: لو اختلفا في الحق المرهون به حلف الراهن على الأقرب، ولو اختلفا في
الرهن والوديعة حلف المالك، ولو اختلفا في عين الرهن حلف الراهن وبطلا، ولو كان
مشروطا في عقد لازم تحالفا.
الحادية عشرة: لو أدى دينا وعين به رهنا فذاك، وإن أطلق فتخالفا في القصد
حلف الدافع، وكذا لو كان عليه دين حال فادعى الدفع عن المرهون به.
الثانية عشرة: لو اختلفا فيما يباع به الرهن بيع بالنقد الغالب، فإن غلب نقدان بيع
بمشابه الحق، فإن باينهما عين الحاكم.
183

كتاب الحجر
185

الكافي
فصل في التفليس:
عجز الغريم عن الأداء يسقط حق المطالبة والملازمة والحبس ويحرم على مدينه كل من
ذلك مع العلم به، ويلزم الحاكم إذا قامت البينة عنده بذلك أو صدقه الغريم أن يمنعه من
ملازمته ولا يحبسه له، وإن ادعى إعسارا وأنكر المدين وفقد البينة في الحال توقف الحاكم
حتى ثبت له ما يحكم بمقتضاه، فإن ثبت له إعصاره بعد ما حبسه أطلقه، وإذا ثبت عند
الحاكم الإعسار طالب الغارم بإقامة ضمين لمدينه يحفظ عليه ماله معجلا أو مؤجلا أو
مقسطا، فإن تعذر ذلك نظر في مقدار مكسبه فألزمه بتأدية الفاضل منه عن مقدار الحاجة
إلى مدينه، فإن لم يكن ذا مكسب أو كان مكسبه لا فضل فيه مما يحفظ حياته فلا سبيل عليه.
ويلزم الحاكم إشهار المفلس ليعرفه الناس بذلك فلا يعامل إلا من قد رضي بإسقاط
دعواه عليه، وإذا أشهره لم تسمع دعوى أحد علم بتفليسه، وإذا وجدت عند المفلس سلعة
لبعض الغرماء فهي له دون سائرهم، وإن لم يعرف صاحبها فهي بينهم، وإن كان له ملك
يزيد على بيت سكناه وستر عورته وخادمه ودابة جهاده أخذ الحاكم بيعه في حقوق
الغرماء، فإن امتنع باع عليه الحاكم وقسم الثمن بين غرمائه على قدر حقوقهم.
وإقرار المفلس بعد الحجر ماض لكونه عاقلا، ولا يحل الدين المؤجل بالتفليس.
187

فقه القرآن
باب الإفلاس والحجر
المفلس في الشريعة هو الذي ركبته الديون وماله لا يفي بقضائها، فإذا جاء غرماؤه
إلى الحاكم وسألوه الحجر عليه لئلا ينفق بقية ماله فإنه يجب على الحاكم أن يحجر
عليه إذا ثبت عنده ديونهم، وأنها حالة غير مؤجلة وأن صاحبهم مفلس لا يفي ماله بقضاء
دينهم.
فإذا فعل ذلك تعلق بحجره ثلاثة أحكام: أحدها أن يتعلق ديونهم بعين المال الذي
في يده والثاني أنه يمنع من التصرف في ماله عنده والثالث أن كل من وجد من غرمائه
عين ماله عنده كان أحق به من غيره، ويمكن أن يستدل من القرآن على أصل الباب
على الجملة، والمحجور عليه إنما سمي بذلك لأنه يمنع ماله من التصرف فيه.
والحجر على ضربين: أحدهما حجر على الانسان لحق غيره والثاني حجر عليه
لحق نفسه، فأما المحجور عليه لحق غيره فهو المفلس لحق الغرماء والمريض محجور
عليه في ماله لحق ورثته وفيه خلاف والمكاتب محجور عليه فيما في يده لحق سيده.
وأما المحجور عليه لحق نفسه فهو الصبي والمجنون والسفيه.
والأصل في الحجر على الصبي قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، واليتيم من مات أبوه قبل بلوغه، ولا يتم بعد
حلم، وقوله تعالى: فإن آنستم، أي علمتم، فوضع الإيناس موضع العلم وهو إجماع
لا خلاف فيه.
188

وقيل في قوله تعالى: فليملل الذي عليه الحق، إلى قوله تعالى: فإن كان الذي ع
ليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه وليه بالعدل، أنه دلالة
على تثبيت الحجر لنفسه، وقيل: إنما دل ذلك على الحجر لو قال ولي المطلوب وكلاهما
على الإطلاق لا يصح، وقال الفراء: يحتمل غير ذلك معناه فليملل ولي الدين الكتاب
بالعدل لا بخسران.
فصل:
فإن قيل: كيف يقبل قول المدعي على مبلغ حقه؟، قلنا: أما إذا أكذبه المطلوب
فلا ولكن إذا صدقه جاز له أن يمل الكتاب الذي يقع فيه الشهادة بالحق، والآية إنما نزلت
في الدين عند وقوع الديون لا عند تجاحدها.
فصل:
اعلم أن الصبي محجور عليه ما لم يبلغ، والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء: خروج
المني والحيض والحمل والإنبات والسن، فاثنان منهما ينفرد بهما الإناث وهما الحيض والحمل،
والثلاثة الأخر يشترك فيها الرجال والنساء.
والحمل ليس ببلوغ حقيقة وإنما هو علم على البلوغ لأن الله تعالى أجرى العادة أن
المرأة لا تحبل حتى يتقدم حيض، والحمل لا يمكن إلا بعد أن ترى المرأة المني لأن الله تعالى
أخبر أن الولد مخلوق من ماء الرجل ومن ماء المرأة، لقوله تعالى: يخرج من بين الصلب
والترائب، وأراد من صلب الرجل وترائب المرأة ولقوله تعالى: من نطفة أمشاج، أي
أخلاط.
والإنبات دليل على البلوغ والاعتبار بإنبات العانة على وجه الخشونة التي تحتاج إلى
الحلق دون ما كان مثل الزغب، فأما السن فحده خمس عشر سنة في الذكور وتسع سنين إلى
عشر في الإناث، وقد ذكرنا أن الصبي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ فإذا بلغ وأونس منه
الرشد يسلم إليه ماله، وإيناس الرشد منه مجموع أمرين: أن يكون مصلحا لماله عدلا في
189

دينه، ومتى كان غير رشيد لا يفك حجره وإن يلغ وصار شيخا.
ووقت الاختبار يجب أن يكون قبل البلوغ، لقوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا
بلغوا، فإذا بلغ الصبي فإما أن يسلم ماله إليه أو يحجر، وكيفية اختباره مذكورة في كتب
الفقه من أرادها فليطلبها منها.
190

غنية النزوع
فصل: في الحجر
المحجور عليه هو الممنوع من التصرف في ماله، وهو على ضربين: محجور عليه لحق غيره، ومحجور عليه
لحق نفسه.
والأول ثلاثة: المفلس وقد قدمنا حكمه، والمريض محجور عليه في الوصية بما زاد على
الثلث من التركة لحق ورثته بلا خلاف، والمكاتب محجور عليه فيما في يده لحق سيده.
والضرب الثاني أيضا ثلاثة: الصبي والمجنون والسفيه، ولا يرتفع الحجر عن
الصبي إلا بأمرين: البلوغ والرشد، والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء: السن وظهور المني
والحيض والحلم والإنبات بدليل إجماع الطائفة.
وحد السن في الغلام خمس عشرة سنة وفي الجارية تسع سنين بدليل الاجماع المشار
إليه، ويحتج على المخالف في الغلام بما رووه من قوله ع: إذا استكمل المولود
خمس عشرة سنة كتب ماله وعليه وأخذت منه الحدود، وبما رووه عن ابن عمر من قوله:
عرضت على رسول الله ص عام بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني ولم
يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة، فنقل
الحكم وهو الرد والإجازة وسببه هو السن.
والرشد يكون بشيئين: أحدهما: أن يكون مصلحا لماله بلا خلاف، والثاني: أن يكون
عدلا في دينه، فإن اختل أحدهما استمر الحجر أبدا إلى أن يحصل الأمران بدليل الاجماع
المشار إليه، وأيضا قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما،
191

والفاسق سفيه، وأيضا قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، فاشترط
الرشد ومن كان فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي ومن وصف بذلك لم يوصف بالرشد
لتنافي الصفتين، وأيضا فلا خلاف في جواز دفع المال إليه مع اجتماع العدالة وإصلاح المال
وليس على جواز دفعه إذا انفرد أحد الأمرين دليل.
وإذا اجتمع الأمران معا خارجا على كل حال، فإن ارتفع الحجر ثم صار مبذرا مضيعا
أعيد الحجر عليه بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا فالمبذر سفيه وغير رشيد بلا خلاف
فوجب إعادة الحجر عليه لظاهر ما قدمناه من القرآن، وأيضا قوله تعالى: إن المبذرين كانوا
إخوان الشياطين، وذمه تعالى للتبذير يوجب المنع منه ولا يصح ذلك إلا بالحجر.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: على أيدي سفهائكم،
ولا يصح القبض إلا بالحجر وقوله ع: إن الله يكره لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة
السؤال وإضاعة المال، وما يكره الله تعالى يجب المنع منه لأنه لا يكون إلا محرما.
وإن عاد الفسق دون تبذير المال فالاحتياط يقتضي إعادة الحجر أيضا لأنا قد بينا أن
الفاسق سفيه وإذا كان كذلك فهو ممنوع من دفع المال إليه لما قدمناه من الاستدلال.
ويصح طلاق المحجور عليه للسفه وخلعه، ولا تدفع المرأة بذل الخلع إليه، ويصح
مطالبته بالقصاص وإقراره بما يوجبه، ولا يصح تصرفه في أعيان أمواله ولا شراؤه بثمن
في الذمة.
المفلس في الشرع من ركبته الديون وماله لا يفي بقضائها.
ويجب على الحاكم الحجر عليه بشروط أربعة: أحدها: ثبوت إفلاسه لأنه سبب الحجر عليه فلا يجوز قبل ثبوته.
والثاني: ثبوت الديون
عليه لمثل ذلك. والثالث: كونها حالة لأن المؤجل لا يستحق
المطالبة به قبل حلول أجله. والرابع: مسألة الغرماء الحجر عليه لأن الحق لهم فلا يجوز
للحاكم الحجر به إلا بعد مسألتهم.
192

فإذا حجر عليه تعلق بحجره أحكام ثلاثة:
أولها: تعلق ديونهم بالمال الذي في يده.
وثانيها: منعه من التصرف في ماله بما يبطل حق الغرماء كالبيع والهبة والإعتاق
والمكاتبة والوقف، ولو تصرف لم ينفذ تصرفه لأن نفوذه يبطل فائدة الحجر عليه، ويصح
تصرفه فيما سوى ذلك من خلع وطلاق وعفو عن قصاص ومطالبة به وشراء بثمن في
الذمة، ولو جنى جناية توجب الأرش شارك المجني عليه الغرماء بمقداره لأن ذلك حق ثبت
على المفلس بغير اختيار صاحبه، ولو أقر بدين وذكر أنه كان عليه قبل الحجر قبل إقراره
وشارك المقر له سائر الغرماء لأن إقراره صحيح، وإذا كان كذلك فظاهر الخبر في قسمة ماله
بين غرمائه يقتضي ما ذكرناه فمن خصصه فعليه الدليل.
وثالثها: أن كل من وجد عين ماله من غرمائه كان أحق بها من غيره بدليل إجماع
ولا تصير الديون المؤجلة على المفلس حالة بحجر الحاكم عليه للحالة لأن الأصل
كونها مؤجلة وعلى من ادعى أنها تصير حالة الدليل.
ويسمع البينة على الإعسار بدليل إجماع الطائفة ولأنها ليست على مجرد النفي وإنما
تتضمن إثبات صفة له، ويجب سماعها في الحال ولا يقف ذلك على حبس المعسر بدليل
الاجماع المشار إليه.
وإذا ثبت إعساره بالبينة أو صدقة في دعوى ذلك الغرماء لم يجز للحاكم حبسه ووجب
عليه المنع من مطالبته وملازمته إلى أن يستفيد مالا بدليل الاجماع الماضي ذكره وأيضا قوله
تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله
ع لغرماء الرجل الذي أصيب بما ابتاعه من الثمار: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا
ذلك، ولم يذكر الملازمة.
وليس للغرماء مطالبة المعسر بأن يؤجر نفسه ويكتسب لإيفائهم بدليل ما قدمناه في
المسألة الأولى سواء، بل هو إذا علم من نفسه القدرة على ذلك وارتفاع الموانع منه فعله
ليبرئ ذمته.
وعلى الحاكم إشهار المفلس بدليل الاجماع ليعرف فلا يعامله إلا من رضي بإسقاط
193

الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: أيما رجل مات أو أفلس
فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه، هذا إذا وجد العين بحالها لم تتغير ولا تعلق
بها حق لغيره برهن أو كتابة.
فإن تغيرت لم يخل تغيرها إما أن يكون بزيادة أو نقصان.
فإن كان بنقصان كان بالخيار بين أن يترك ويضرب بالثمن مع باقي الغرماء وبين
أن يأخذ، فإن أخذ وكان نقصان جزء وينقسم الثمن عليه كعبدين تلف أحدهما أخذ
الموجود وضارب الغرماء بثمن المفقود، وإن كان نقصان جزء لا ينقسم الثمن عليه
كذهاب عضو من أعضائه، فإن كان لا أرش له لكونه بفعل المشتري أو بآفة سماوية أخذ
العين ناقصة من غير أن يضرب مع الغرماء بمقدار النقص، وإن كان له أرش لكونه من
فعل أجنبي أخذه وضرب بقسط ما نقص بالجناية مع الغرماء.
وإن كان تغيير العين بزيادة لم يخل إما أن تكون متصلة أو منفصلة، فإن كانت
متصلة لم يخل إما أن تكون بفعل المشتري أو بفعل غيره، فإن كان بفعله كصبغ الثوب
وقصارته كان شريكا للبائع بمقدار الزيادة وإلا أدى إلى إبطال حقه وذلك لا يجوز، وإن
كانت بغير فعله كالسمن والكبر وتعليم الصنعة أخذ العين بالزيادة لأنها تبع، وإن كانت
منفصلة كالثمرة والنتاج أخذ العين دون الزيادة لأنها حصلت في ملك المشتري.
ولو كانت العين زيتا فخلطه بأجود منه سقط حق بائعه من عينه لأنها في حكم التالفة
بدلالة أنها ليست موجودة مشاهدة ولا من طريق الحكم لأنه ليس له أن يطالب بقسمته.
ولا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها ولا عبده الذي يخدمه ولا دابته التي يجاهد
عليها بدليل إجماع الطائفة ولأنه لا دليل على وجوب بيع ما ذكرناه ويلزمه بيع ما عدا ذلك،
فإن امتنع باع الحاكم عليه وقسم الثمن بين الغرماء بدليل الاجماع المشار إليه، ونحتج
على المخالف بما رووه من أنه ع حجر على معاذ وباع ماله في دينه وظاهر ذلك أنه
باعه بغير اختياره.
وإذا أظهر غريم آخر بعد القسمة نقضها الحاكم وقسم عليه لأن حقه ثابت فيما كان في
يد المفلس ولا دليل على سقوطه منه بقسمته على غيره.
194

إصباح الشيعة
كتاب التفليس والحجر
المفلس من ركبته الديون وماله لا يفي بقضائها. ويجب على الحاكم الحجر عليه
بشروط أربعة: أحدها ثبوت إفلاسه، والثاني ثبوت الديون عليه، والثالث كونها حالة
والرابع مسألة الغرماء الحجر عليه. فإذا حجر عليه تعلق بحجره أحكام ثلاثة:
أولها: تعلق ديونهم بالمال الذي في يده.
وثانيها: منعه من التصرف في ماله بما يبطل حق الغرماء كالبيع والهبة والإعتاق
والمكاتبة والوقف، ولو تصرف لم ينفذ تصرفه، ويصح تصرفه فيما سوى ذلك من خلع
وطلاق وعفو عن قصاص ومطالبة به وشراء بثمن في الذمة، ولو جنى جناية توجب
الأرش شارك المجني عليه الغرماء بمقداره (لأن ذلك حق ثبت على المفلس بغير اختيار
صاحبه)، ولو أقر بدين وذكر أنه كان عليه قبل الحجر قبل إقراره وشارك المقر له سائر
الغرماء.
وثالثها: إن كل من وجد عين ماله من غرمائه كان أحق بها من غيره إن وجد العين
بحالها لم تتغير ولا تعلق بها حق لغيره برهن أو كتابة، فإن تغيرت لم يخل تغيرها إما أن
يكون بزيادة أو نقصان:
فإن كان بنقصان كان بالخيار بين أن يترك ويضرب بالثمن مع باقي الغرماء
وبين أن يأخذ، فإن أخذ وكان نقصان جزء ينقسم الثمن عليه كعبدين تلف أحدهما أخذ
الموجود وضارب الغرماء بثمن المفقود، فإن كان نقصان جزء لا ينقسم الثمن عليه
195

كذهاب عضو من أعضائه، فإن كان لا أرش له لكونه بفعل المشتري أو آفة سماوية أخذ
العين ناقصة من غير أن يضرب مع الغرماء بمقدار النقص وإن كان له أرش لكونه من
فعل أجنبي أخذه وضرب بقسط ما نقص بالجناية مع الغرماء.
وإن كان تغير العين بزيادة لم يخل إما أن تكون متصلة أو منفصلة، فإن كانت
متصلة لم يخل إما أن تكون بفعل المشتري أو بغير فعله، فإن كانت بفعله كصبغ الثوب
وقصارته كان شريكا للبائع بمقدار الزيادة وإلا أدى إلى إبطال حقه وذلك لا يجوز، وإن
كانت بغير فعله كالسمن والكبر وتعليم الصنعة أخذ العين بالزيادة لأنها تبع، وإن كانت
منفصلة كالثمرة والنتاج أخذ العين دون الزيادة لأنها حصلت في ملك المشتري، ولو
كان العين زيتا فخلطه بأجود منه سقط حق بائعه من عينه لأنها في حكم التالفة بدلالة
أنها ليست موجودة مشاهدة ولا من طريق الحكم لأنه ليس له أن يطالب بقسمته.
ولا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها ولا عبده الذي يخدمه ولا دابته التي
يجاهد عليها ويلزمه بيع ما عدا ذلك، فإن امتنع باع الحاكم عليه وقسم الثمن بين الغرماء،
وإذا ظهر غريم آخر بعد القسمة نقضها الحاكم وقسم عليه. ولا تصير الديون
المؤجلة على المفلس حالة بحجر الحاكم عليه، ويسمع البينة على الإعسار ويجب سماعها
في الحال ولا يقف ذلك على حبس المعسر، وإذا ثبت إعساره بالبينة أو صدقه في دعواي ذلك
الغرماء لم يجز للحاكم حبسه ووجب عليه المنع من مطالبته وملازمته إلى أن يستفيد مالا،
وليس للغرماء مطالبة المعسر بأن يؤجر نفسه ويكتسب لإيفائهم بل هو إذا علم من نفسه
القدرة على ذلك وارتفاع الموانع عنه فعله ليبرئ ذمته. وعلى الحاكم إشهار المفلس بذلك
ليعرف ولا يعامله إلا من رضي بإسقاط دعواه عليه.
فصل:
المحجور عليه ضربان: محجور عليه لحق غيره، ومحجور عليه لحق نفسه. فالأول
ثلاثة: المفلس وقد مر، والمريض محجور عليه في الوصية بما زاد على الثلث من التركة لحق
ورثته، والمكاتب محجور عليه فيما في يده لحق سيده والثاني أيضا ثلاثة: الصبي والمجنون والسفيه.
196

ولا يرتفع الحجر عن الصبي إلا بأمرين: البلوغ والرشد، والبلوغ يكون بأحد
خمسة أشياء: السن وظهور المني والحيض والحلم والإنبات. وحد السن في الغلام خمس
عشر سنة، وفي الجارية تسع سنين، والرشيد يكون بشيئين: أن يكون مصلحا لماله، وعدلا
في دينه، فإن اختل أحدهما استمر الحجر (عليه) أبدا إلى أن يحصل الأمران،
فإن ارتفع الحجر باجتماع الأمرين ثم صار مبذرا مضيعا أعيد الحجر عليه، وإن عاد الفسق
دون تبذير المال فالاحتياط يقتضي ح ح إعادة الحجر عليه.
ويصح طلاق المحجور عليه للسفه وخلعه ولا تدفع المرأة
بذل الخلع إليه،
ويصح مطالبته بالقصاص وإقراره بما يوجبه ولا يصح تصرفه
في أعيان أمواله ولا شراؤه بثمن في الذمة. ولا يزول حجر
من كان للحاكم الحجر عليه كالسفيه والمفلس فالناظر في ماله الحاكم، ومن يصير
محجورا عليه كالصبي والمجنون كان الناظر في ماله الأب أو الجد.
لا يجوز التصرف لولي الطفل مع شئ من ملكه إلا للغبطة والمصلحة له
أو لحاجة شديدة من الطفل إلى نفقته وكسوته ولا وجه له سواه، ويجوز له شراؤه، ويجوز له
أن يتصرف في ماله
للتجارة وشرى العقار نظرا له، وإذا بلغ الصبي وقد باع وليه شيئا من أملاكه فادعى أنه
بلا حاجة ولا غبطة فالقول قول الولي إن كان أباه أو جده وقول الصبي أن كان الولي
وصيا أو أمينا وعليهما البينة، ويقبل قول الأب أو الجد له أنه أنفق على الصبي أو
على عقاره بلا بينة ولا يقبل من الوصي إلا ببينة، ويستحق الولي أجرة مثله في القيام
بأمر اليتيم. ومتى تصرف الولي على وجه لا حظ لليتيم فيه بطل ولم يستحق أجرا،
ولا يصح بيع الصبي وشراؤه إلا بعد أن يبلغ عشر سنين فصاعدا ويكون رشيدا.
للأب الفقير أن يأخذ من مال الولد الغني نفقته بلا إسراف إذا لم ينفق عليه الولد
وإن كان منفقا فلا يجوز إلا باذنه، وله أن يأخذ منه ما يحج به الفرض خاصة بلا إذنه،
197

ولا يجوز أن يأخذ من مال ولده الصغير إلا قرضا، ويجوز أن يقوم جارية ولده قيمة عادلة
على نفسه ويضمنها ثم يطأها ما لم يطأها الولد ولا لامسها بشهوة، ولا يجوز للولد أن يأخذ
من مال الوالدين بلا إذن منهما إلا ما يمسك به رمقه عند الخوف من تلف النفس، ولا يجوز
للمرأة أخذ مال زوجها بلا إذنه إلا المأدوم على الاقتصاد.
198

شرائع الاسلام
كتاب المفلس
المفلس هو الفقير الذي ذهب خيار ماله وبقيت فلوسه، والمفلس هو الذي جعل
مفلسا أي منع من التصرف في أمواله، ولا يتحقق الحجر عليه إلا بشروط أربعة:
الأول: أن تكون ديونه ثابتة عند الحاكم.
الثاني: أن تكون أمواله قاصرة عن ديونه ويحتسب من جملة أمواله معوضات
الديون.
الثالث: أن تكون حالة.
الرابع: أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه، ولو ظهرت إمارات الفلس لم
يتبرع الحاكم بالحجر وكذا لو سأل هو الحجر، وإذا حجر عليه تعلق به منع التصرف لتعلق
حق الغرماء واختصاص كل غريم بعين ماله وقسمة أمواله بين غرمائه.
القول في منع التصرف:
ويمنع من التصرف احتياطا للغرماء، فلو تصرف كان باطلا سواء كان بعوض كالبيع
والإجارة أو بغير عوض كالعتق والهبة، أما لو أقر بدين سابق صح وشارك المقر له الغرماء،
وكذا لو أقر بعين دفعت إلى المقر له وفيه تردد لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله، ولو قال: هذا
المال مضاربة لغائب، قيل: يقبل قوله مع يمينه ويقر في يده، وإن قال: لحاضر، وصدقه دفع
إليه، وإن كذبه قسم بين الغرماء، ولو اشترى بخيار وفلس والخيار باق كان له إجازة البيع
199

وفسخه لأنه ليس بابتداء تصرف، ولو كان له حق فقبض دونه كان للغرماء منعه، ولو
أقرضه انسان مالا بعد الحجر أو باعه بثمن في ذمته لم يشارك الغرماء وكان ثابتا في ذمته،
ولو أتلف مالا بعد الحجر ضمن وضرب صاحب المال مع الغرماء، ولو أقر بمال مطلقا
وجهل السبب لم يشارك المقر له الغرماء لاحتماله مالا يستحق به المشاركة، ولا تحل
الديون المؤجلة بالحجر وتحل بالموت.
القول في اختصاص الغريم بعين ماله:
ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها ولو لم يكن سواها، وله أن يضرب مع الغرماء
بدينه سواء كان وفاءا أو لم يكن على الأظهر، أما الميت فغرماؤه سواء في التركة إلا أن يترك
نحوا مما عليه فيجوز حينئذ لصاحب العين أخذها، وهل الخيار في ذلك على الفور؟ قيل
نعم، ولو قيل بالتراخي جاز، ولو وجد بعض المبيع سليما أخذ الموجود بحصته من
الثمن وضرب بالباقي مع الغرماء، وكذا إن وجده معيبا بعيب قد استحق أرشه ضرب مع
الغرماء بأرش النقصان، أما لو عاب بشئ من قبل الله سبحانه أو جناية من المالك كان
مخيرا بين أخذه بالثمن وتركه.
ولو حصل منه نماء منفصل كالولد واللبن كان النماء للمشتري وكان له أخذ
الأصل بالثمن، ولو كان النماء متصلا كالسمن أو الطول فزادت لذلك قيمته، قيل: له
أخذه لأن هذا النماء يتبع الأصل، وفيه تردد، وكذا لو باعه نخلا وثمرتها قبل بلوغها
وبلغت بعد التفليس، أما لو اشترى حبا فزرعه وأحصد أو بيضة فأحضنها وصار منها فرخ
لم يكن له أخذه لأنه ليس عين ماله، ولو باعه نخلا حائلا فأطلع أو أخذ النخل قبل تأبيره لم
يتبعها الطلع، وكذا لو باع أمة حائلا فحملت ثم فلس وأخذها البائع لم يتبعها الحمل.
ولو باع شقصا وفلس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة ويكون البائع أسوة
مع الغرماء في الثمن، ولو فلس المستأجر كان للمؤجر فسخ الإجارة ولا يجب عليه
إمضاؤها ولو بذل الغرماء الأجرة.
ولو اشترى أرضا فغرس المشتري فيها أو بنى ثم فلس كان صاحب الأرض أحق بها
200

وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية، وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل نعم،
والوجه المنع، ثم يباعان فيكون له ما قابل الأرض، وإن امتنع بقيت له الأرض
وبيعت الغروس منفردة.
ولو اشترى زيتا فخلطه بمثله لم يبطل حق البائع من العين وكذا لو خلطه
بدونه لأنه رضي بما دون حقه ولو خلطه بما هو أجود قيل: يبطل حقه من العين
ويضرب بالقيمة مع الغرماء، ولو نسج الغزل أو قصر الثوب أو خبز الدقيق لم
يبطل حق البائع من العين وكان للغرماء ما زاد بالعمل، ولو صبغ الثوب كان
شريكا للبائع بقيمة الصبغ إذا لم ينقص قيمة الثوب به، وكذا لو عمل المفلس فيه
عملا بنفسه كان شريكا للبائع بقدر العمل.
ولو أسلم في متاع ثم أفلس المسلم إليه قيل: إن وجد رأس ماله أخذه وإلا
ضرع مع الغرماء بالقيمة، وقيل: له الخيار بين الضرب بالثمن أو بقيمة المتاع،
وهو أقوى، ولو أولد الجارية ثم فلس جاز لصاحبها انتزاعها وبيعها، ولو طالب
بثمنها جاز بيعها في ثمن رقبتها دون ولدها.
وإذا جني عليه خطأ تعلق الغرماء بالدية، وإن كان عمدا كان بالخيار بين
القصاص وأخذ الدية إن بذلت له، ولا يتعين عليه قبول الدية لأنها اكتساب وهو
غير واجب، نعم لو كان له دار دابة وجب أن يؤجرها وكذا لو كانت مملوكة له ولو
كانت أم ولد.
وإذا شهد للمفلس شاهد بمال، فإن حلف استحق وإن امتنع هل يحلف
للغرماء؟ قيل: لا وهو الوجه وربما قيل بالجواز لأن في اليمين إثبات حق للغرماء
وإذا مات المفلس حل ما عليه ولا يحل ماله وفيه رواية أخرى مهجورة، وينظر
المعسر ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته وفيه رواية أخرى مطروحة.
القول في قسمة ماله: يستحب إحصار كل متاع في سوقه ليتوفر الرغبة وحضور الغرماء تعرضا للزيادة
201

وأن يبدأ ببيع ما يخشى تلفه وبعده بالرهن لانفراد المرتهن به، وأن يعول على مناد يرتضي به
الغرماء والمفلس دفعا للتهمة، فإن تعاسروا عين الحاكم، وإذا لم يوجد من يتبرع بالبيع ولا
بذلت الأجرة من بيت المال وجب أخذها من مال المفلس لأن البيع واجب عليه، ولا يجوز
تسليم مال المفلس إلا مع قبض الثمن، وإن تعاسرا تقابضا معا، ولو اقتضت المصلحة
تأخير القسمة قيل: يجعل في ذمة علي احتياطا، وإلا جعل وديعة لأنه موضع ضرورة.
ولا يجبر المفلس على بيع داره التي يسكنها ويباع منها ما يفضل عن حاجته وكذا أمته
التي تخدمه، ولو باع الحاكم أو أمينه مال المفلس ثم طلب بزيادة لم يفسخ العقد، ولو التمس
من المشتري الفسخ لم يجب عليه الإجابة لكن تستحب، ويجري عليه نفقته ونفته من يجب
عليه نفقته وكسوته، ويتبع في ذلك عادة أمثاله إلى يوم قسمة ماله فيعطى هو وعياله نفقة
ذلك اليوم، ولو مات قدم كفنه على حقوق الغرماء ويقتصر على الواجب منه.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا قسم الحاكم مال المفلس ثم ظهر غريم نقضها وشاركهم الغريم.
الثانية: إذا كان عليه ديون حالة ومؤجلة قسم أمواله على الحالة خاصة.
الثالثة: إذا جنى عبد المفلس كان المجني عليه أولى به ولو أراد مولاه فكه كان
للغرماء منعه.
ويلحق بذلك النظر في حبسه:
لا يجوز حبس المعسر مع ظهور إعساره ويثبت ذلك بموافقة الغريم أو قيام البينة، فإن
تناكرا، وكان له مال ظاهر أمر بالتسليم، فإن امتنع فالحاكم بالخيار بين حبسه حتى يوفي وبيع
أمواله وقسمتها بين غرمائه، وإن لم يكن له مال ظاهر وادعى الإعسار، فإن وجد البينة قضى
بها وإن عدمها وكان له أصل مال أو كان أصل الدعوى مالا حبس حتى يثبت إعساره،
وإذا شهدت البينة بتلف أمواله قضى بها ولم يكلف اليمين ولو لم تكن البينة مطلعة على
باطن أمره، أما لو شهدت بالإعسار مطلقا لم يقبل حتى يكون مطلعة على أموره بالصحبة
202

المؤكدة وللغرماء إحلافه دفعا للاحتمال الخفي، وإن لم يعلم له أصل مال وادعى الإعسار
قبلت دعواه ولا يكلف البينة وللغرماء مطالبته باليمين، وإذا قسم المال بين الغرماء وجب
إطلاقه، وهل يزول الحجر عنه بمجرد الأداء أم يفتقر إلى حكم الحاكم؟ الأولى أنه يزول بالأداء
لزوال سببه.
203

كتاب الحجر
الحجر هو المنع، والمحجور شرعا هو الممنوع من التصرف في ماله، والنظر في هذا الباب
يستدعي فصلين:
الأول: في موجباته:
وهي ستة: الصغر والجنون والرق والمرض والفلس والسفه.
أما الصغير فمحجور عليه ما لم يحصل له وصفان: البلوغ والرشد.
ويعلم بلوغه بإنبات الشعر الخشن على العانة سواء كان مسلما أو مشركا، وخروج
الذي يكون منه الولد من الموضع المعتاد كيف كان، ويشترك في هذين الذكور والإناث،
وبالسن: وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر، وفي أخرى إذا بلغ عشرا وكان بصيرا، أو بلغ
خمسة أشبار جازت وصيته واقتص منه وأقيمت عليه الحدود للكاملة والأنثى بتسع، أما
الحمل والحيض فليسا بلوغا في حق النساء بل قد يكونان دليلا على سبق البلوغ.
تفريع: الخنثى المشكل، إن خرج منيه من الفرجين حكم ببلوغه وإن خرج من أحدهما لم
يحكم به، ولو حاض من فرج الإناث وأمنى من فرج الذكور حكم ببلوغه.
الوصف الثاني: الرشد، وهو أن يكون مصلحا لماله، وهل يعتبر العدالة؟ فيه تردد،
وإذا لم يجتمع الوصفان كان الحجر باقيا وكذا لو لم يحصل الرشد ولو طعن في للسن، ويعلم
رشده باختباره بما يلائمه من التصرفات ليعلم قوته على المكايسة في المبايعات وتحفظه
204

من الانخداع، وكذا تختبر الصبية ورشدها أن تتحفظ من التبذير، وأن تعتني بالاستغزال
مثلا والاستنتاج، إن كانت من أهل ذلك أو بما يضاهيه من الحركات المناسبة لهما، ويثبت
الرشد بشهادة الرجال في الرجال وبشهادة الرجال والنساء في النساء دفعا لمشقة
الاقتصار.
وأما السفيه فهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة، فلو باع والحال هذه
لم يمض بيعه وكذا لو وهب أو أقر بمال، نعم يصح طلاقه وظهاره وخلعه وإقراره بالنسب
وبما يوجب القصاص، إذ المقتضي للحجر صيانة المال عن الإتلاف ولا يجوز تسليم عوض
الخلع إليه، ولو وكله أجنبي في بيع أو هبة جاز لأن السفه لم يسلبه أهلية التصرف، ولو أذن
له الولي في النكاح جاز، ولو باع فأجاز الولي فالوجه الجواز للأمن من الانخداع.
والمملوك ممنوع من التصرفات إلا بإذن المولى:
والمريض ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث إجماعا ما لم يجز الورثة، وفي منعه من
التبرعات المنجزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا والوجه المنع.
الفصل الثاني: في أحكام الحجر: وفيه مسائل:
الأولى: لا يثبت حجر المفلس إلا بحكم الحاكم، وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟
فيه تردد والوجه أنه لا يثبت، وكذا لا يزول إلا بحكمه.
الثانية: إذا حجر عليه فبايعه انسان كان البيع باطلا، فإن كان المبيع موجودا
استعاده البائع، وإن تلف وقبضه بإذن صاحبه كان تالفا وإن فك حجره، ولو أودعه وديعة
فأتلفها ففيه تردد والوجه أنه لا يضمن.
الثالثة: لو فك حجره ثم عاد مبذرا حجر عليه، ولو زال فك حجره ولو عاد عاد
الحجر وهكذا دائما.
الرابعة: الولاية في مال الطفل والمجنون للأب والجد للأب، فإن لم يكونا فللوصي فإن
لم يكن فللحاكم، أما السفيه والمفلس فالولاية في مالهما للحاكم لا غير.
الخامسة: إذا أحرم بحجة واجبة لم يمنع مما يحتاج إليه في الإتيان بالفرض، وإن أحرم
205

تطوعا، فإن استوت نفقته سفرا وحضرا لم يمنع وكذا إن أمكنه تكسب ما يحتاج إليه، ولو لم
يكن كذلك حلله الولي.
السادسة: إذا حلف انعقدت يمينه ولو حنث كفر بالصوم، وفيه تردد.
السابعة: لو وجب له القصاص جاز أن يعفو ولو وجب له دية لم يجز.
الثامنة: يختبر الصبي قبل بلوغه، وهل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح.
206

المختصر النافع
كتاب الحجر
المحجور: هو الممنوع من التصرف في ماله.
وأسبابه ستة:
الصغر والجنون، والرق، والمرض، والفلس، والسفه.
ولا يزول حجر الصغير إلا بوصفين:
الأول: البلوغ: وهو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة. أو خروج المني الذي منه
الولد من الموضع المعتاد. ويشترك في هذين الذكور والإناث، أو السني وهو بلوغ خمس
عشرة. وفي رواية، من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة. وفي رواية أخرى، بلوغ عشرة، وفي
الأنثى بلوغ تسع.
الثاني: الرشد: وهو أن يكون مصلحا لماله. وفي اعتبار العدالة تردد. ومع عدم
الوصفين أو أحدهما يستمر الحجر ولو طعن في السن.
ويعلم رشد الصبي باختباره بما يلائمه من التصرفات. ويثبت بشهادة رجلين في الرجال. وبشهادة
الرجال أو النساء في النساء.
والسفيه: هو الذي يصرف أموال في غير الأغراض الصحيحة. فلو باع والحال هذه
لم يمض بيعه. وكذا لو وهب أو أقر بمال. ويصح طلاقه وظهاره وإقراره بما لا يوجب مالا.
والمملوك ممنوع من التصرفات إلا بإذن المولى.
207

والمريض ممنوع من الوصية بما زاد على الثلث وكذا في التبرعات المنجزة على الخلاف.
والأب والجد للأب يليان على الصغير والمجنون. فإن فقدا فالوصي. فإن فقد فالحاكم.
208

الجامع للشرائع
باب الحجر
وهو منع ذي المال التصرف فيه إما لصغر أو سفه أو جنون أو إفلاس لحق غيره أو
كتابة لحق سيده أو مرض لحق الوارث عند بعض أصحابنا، وإنما يصبر السفيه والمفلس
محجورا عليهما بحكم الحاكم والنظر في مالهما إليه، وفي مال الطفل والمجنون إلى الأب والجد
له، والباقي بغير حكمه، وينفك الحجر ببلوغ الصبي رشيدا وهو المصلح لماله ويدفع
إليه.
ولا يعتبر تزويج الأنثى، وتتصرف المرأة الرشيدة في مالها وإن كره الزوج، والأفضل أن
لا تتصرف إلا باذنه ولو في صدقة وبر إلا زكاة واجبة وصلة ذي رحمها.
ولا يحجر عليه بعده رشده أصلح دينه أم أفسده، ويختبر قبل بلوغه للآية اختيار مثله،
فإن بلغ مفسد المال فالحجر باق وإن صار شيخا، فإن بلغ مصلحا لماله ثم أفسده أعيد
الحجر عليه وبإفاقة المجنون وصلاح السفيه وقضاء المفلس والمكاتب ما عليه وصحة
المريض ويمضى ما فعله من أصل ماله.
وقد بينا فيما سبق ما هو بلوغ وهو إنبات العانة ما يفتقر إلى الحلق والاحتلام في الرجل
والمرأة، والحيض والحمل وبلوغ تسع سنين في المرأة، وفي الرجل خمس عشر سنة، وقيل:
الحمل دلالة على البلوغ لأنها لا تحمل حتى تحيض، واللحية ليست بلوغا، وقيل: إنها
دلالة عليه، وإذا أمنى الخنثى من أحد الفرجين أو حاض من أحدهما لم يحكم ببلوغه لجواز
أن يكون من الخلقة الزائدة وإن أمنى منهما أو خاص من أحدهما وأمنى من الآخر حكم
209

ببلوغه.
ويصح طلاق السفيه وخلعه ولا تبرأ المرأة بتسليم العوض إليه ويقبضه وليه، ولا
يصح بيعه، فإن أذن له وليه صح، ويصح نكاحه باذنه، ولا يصح إقراره بمال ولا إعتاقه.
ويستحب إعلان الحجر عليه بالإشهاد ليعرف حاله، فإن باع بعده أو اشترى بطل،
وإن كان باقيا استرده المالك، وإن كان تالفا لم يضمنه لأنه سلطه على إتلافه جهل البائع
حاله أو علم لأنه بائع من لا يعرف حاله، وإن أتلف على شخص مالا ضمنه وكذا لو أودع
وديعة فأتلفها.
وإن أحرم بالحج الواجب سلم إليه نفقة الحضر، وإن احتاج إلى زيادة للسفر فمن
كسبه، فإن لم يكن له كسب، قيل: يحلله الولي كالمحصر، وبالصوم دون الهدي، وإن
حنث في يمينه كفر بالصوم، فإن جنى عليه ما يوجب القصاص اقتص أو عفا على مال.
أحكام المفلس:
والمفلس في الشرع من عليه ديون حالة وماله لا يفي بها وطالبه الغرماء وطلبوا من
الحاكم الحجر عليه فله ذلك، وإذا فعل تعلقت ديونهم بعين ماله ومنع التصرف فيها، وإن
تصرف لم ينفذ تصرفه.
ومن وجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن شاء لم يختره وضرب بدينه مع الغرماء ويأخذها
بنمائها المتصل كالسمن دون المنفصل، وإن مات قبل الحجر وهذه حاله فكذلك، إلا أنه
روى أصحابنا في الميت أن صاحب العين أحق بها إن كان فيما بقي وفاء وإلا فلا.
وإن وجد عين المال ناقصة نقصا يتقسط عليه الثمن كهلاك ثوب من ثوبين فله
الرجوع فيما وجده والضرب بحصته ما لم يجده مع الغرماء، وإن كان نقصا لا يتقسط عليه
الثمن كذهاب إصبع بفعل الله أو المشتري فله اختياره كذلك من غير شئ، وإن كان
بفعل أجنبي فله الضرب بكل الثمن وله اختياره والضرب بحصة النقص.
وإذا اشترى بيضا فصار عنده فروخا أو حبا فزرعه ثم أفلس لم يرجع البائع في
الفروخ والزرع لأنه ليس بعين ماله، ولو باعه نخلا غير مثمر ثم أثمر ثم أفلس المشتري
210

رجع البائع في النخل ولم يتبعه الثمر أبر أم لم تؤبر وكذا باقي الشجر، ولو كانت دارا أو
أرضا فبنى أو غرس فيها ثم أفلس، فإن شاء البائع بذل قيمة الغراس والبناء أو اختار
الأرض ويباع ما فيها للغرماء، وإن شاء المفلس والغرماء قلع ذلك وضمان أرشه فلهم.
وإذا اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر وغرسه فيها ثم أفلس فلهما
اختيار مالهما ولم يجبر أحدهم على بيع حقه للآخر، فإن بذل صاحب الأرض
لصاحب الغراس أرش النقص بالقلع أو لم يبذل فله، ولو كان الغراس للمفلس لم
يجبر على قلعه بغير أرش لأنه وضعه في ملكه وليس كذلك إذا كان الغراس من
غيره لأنه أخذ منه مقلوعا، فإن آجره أرضا ودارا ففلس في الحال فسخ المؤجر
الإجارة، وإن مضى بعضها فسخ فيما بقي ورجع بأجرة الماضي أسوة الغرماء.
وإن قصر الثوب المشتري أو طحن الحب ثم أفلس رجع البائع فيهما ورد
الأجرة على المفلس وليس كالغصب لأنه ليس بمتعد، وإن كانت الشاة سمنت
بالرعي أو الجارية تعلمت صنعة استردها بغير شئ لأن ليس من فعل المفلس.
ويبدأ بيع الرهن للمرتهن ويضرب بما بقي له معهم أو يرد ما فضل عليهم،
وإن كان العبد المرهون جنى قدم الجناية على دين الرهن، ويبدأ بنفقة المفلس إلى
أن يقسم المال ومن يجب عليه نفقته وتكفينه وكفن من يجب عليه نفقته إن مات،
وخيار الشرط له دون الغرماء، ولو كان له حق على غيره لم يملك إبراءه منه ولا أخذه
دون صفته إلا أن يرضى الغرماء.
ولو اكترى دابة بعينها ليركبها شهرا ثم إن المكري فالمكتري أحق بها، وإن
اكترى منه دابة في الذمة شارك الغرماء، وإن قسم الحاكم بين الغرماء ثم ظهر
غريم آخر رده عليهم بالحصص، وما ضاع من الثمن قبل دفعه إلى الغرماء من
مال المفلس.
وإذا كان شخص يفي ماله بديونه باع بنفسه ووفاها، فإن لم يفعل باعه
الحاكم عليه، وإن أقر بدين نسبه إلى ما قبل الحجر صح ويشارك الغرماء، وقيل:
يثبت في ذمته ولا يشاركهم، ولو أقر بعين في يده صح وقيل: لا يصح، فإن
صرفت إلى الغرماء، فقيمتها على المفلس فيما بعد، وإن ركبه دين بعد الحجر
باختيار صاحبه كبيع أو قرض ففي ذمته لا يضرب مع الغرماء وإن تلف مالا أو جنى
جناية شارك صاحبها الغرماء، وإن ادعي عليه مال فجحده ولا بينة فعليه اليمين،
فإن نكل فكما لو أقر.
211

ولا يحل المؤجل بالحجر ولا يلزم المفلس اختيار المال إن جنى عليه بما فيه قصاص،
ولا تباع عليه دار سكناه ولا خادمه، ولو كان له شاهد واحد بمال ولم يحلف لم يحلف الغرماء،
وللوارث ذلك لأنه يثبت ملكا لنفسه والوكيل يحلف مع الشاهد في العقد لتعلقه به ولا يحلف
موكله وضمان العهدة في بيع مال المفلس عليه خاصة، والحكم في الوكيل والأب والجد
والحاكم وأمينه والوصي كذلك، ولو قبض وكيل الحاكم ثمن مبيع المفلس فهلك في يده أو
استحق المبيع فالعهدة على المفلس، وإن كان في يد من عليه دين مال ظاهر وجب عليه بيعه
وإيفاء دينه، فإن لم يفعل فللحاكم تعزيره وحبسه حتى يفعل أو يتولى الحاكم بيعه وإيفاء
دينه.
وإن لم يكن له مال ظاهر وادعى العسر وكذبه الغريم والدين ثابت عن أصل مال
أو عن إتلاف وعلم له أصل مال وادعى تلفه ولا بينة له حلف الغرماء وحبس، ويسمع
الشهادة على الإعسار ويخلى سبيله حتى يجد إذا كان الشاهد من أهل الخبرة الباطنة
والمخالطة، وقال بعض الفقهاء: يسمع بعد شهرين أو ثلاثة، والأصح أنها يسمع في الحال،
وإن طلب الغرماء اليمين مع هذه البينة فلهم وقيل ليس لهم، وإن لم يكن له بينة بالإعسار
أو لم يكن الحق أصل مال ولا عرف له ذلك حلف بالله تعالى وأطلق حتى يستفيد مالا وليس
لهم ملازمته، ولا يجوز منع العزيم من السفر لدين مؤجل وإن كان يزيد على مدة الأجل.
212

قواعد الأحكام
المقصد الثالث:
في الحجر
وهو المنع عن التصرف فأسبابه ستة: الصغر والجنون والرق والمرض والسفه
والفلس، فهاهنا فصول:
الأول: الصغر:
ويحجر عليه في جميع التصرفات ويعتد بإخباره عن الإذن في فتح الباب
و الملك عند إيصال الهدية، وإنما يزول الحجر عنه بأمرين:
البلوغ والرشد، أما البلوغ
فيحصل بأمور:
أ: إنبات الشعر الخشن على العانة سواء كان مسلما أو كافرا ذكرا أو أنثى
والأقرب أنه أمارة، ولا اعتبار للزغب ولا الشعر الضعيف ولا شعر الإبط.
ب: خروج المني الذي منه الولد من موضع المعتاد سواء الذكر والأنثى.
ج: السن وهو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر هلالية وتسع في الأنثى، وفي
رواية إذا بلغ الصبي عشرا بصيرا جازت وصيته وصدقته وأقيمت عليه الحدود
التامة وفي أخرى خمسة أشبار.
د: الحيض والحمل دليلان على سبقه ولا يعرف الحمل إلا بالوضع فيحكم
حينئذ بالبلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ، والخنثى المشكل إن أمنى من الفرجين
أو حاض من فرج النساء أو أمنى من الآخر حكم ببلوغه وإلا فلا.
213

وأما الرشد فهو كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال وصرفه في غير الوجوه
اللائقة بأفعال العقلاء ولا تعتبر العدالة، ويعلم باختباره بما يناسبه من التصرفات،
فإذا عرف فيه جودة المعاملة وعدم المغابنة إن كان تاجرا والمحافظة على ما يتكسب به
والملازمة إن كان صانعا وأشباه ذلك في الذكر، والاستغزال والاستنساج في
الأنثى إن كانت من أهلهما وأشباهه حكم بالرشد، وفي صحة العقد حينئذ إشكال،
ولا يزول الحجر بفقد أحد الوصفين وإن طعن في السن، ويثبت الرشد في الرجال
بشهادتهم وفي النساء بها وبشهادتهن، وصرف المال إلى وجوه الخيرات ليس بتبذير
وصرفه في الأغذية النفيسة التي لا يليق بحاله تبذير.
وولي الصبي أبوه أو جده لأبيه وإن علا ويشتركان في الولاية، فإن فقدا
فالوصي فإن فقد فالحاكم، ولا ولاية للأم ولا لغيرها من الإخوة والأعمام
وغيرهم عدا من ذكرنا، وإنما يتصرف الولي بالغبطة، فلو اشترى لا معها لم يصح
ويكون الملك باقيا للبائع والوجه أن له استيفاء القصاص والعفو على مال لا مطلقا،
ولا يعتق عنه إلا مع الضرورة كالخلاص من نفقة الكبير العاجز، ولا يطلق عنه
بعوض ولا غيره ولا يعفو عن الشفعة إلا لمصلحة ولا يسقط مالا في ذمة الغير، وله
أن يأكل بالمعروف مع فقره وأن يستعفف مع الغناء والوجه أنه لا يتجاوز أجرة
المثل.
ويجب حفظ مال الطفل واستنماؤه قدرا لا تأكله النفقة على إشكال، فإن
تبرم الولي به فله أن يستأجر من يعمل، ويستحب له البيع إذا طلب متاعه بزيادة
مع الغبطة وكذا يستحب شراء الرخيص، وإذا تبرع أجنبي بحفظ مال الطفل لم
يكن للأب أخذ الأجرة على إشكال، وله أن يرهن ماله عند ثقة لحاجة الطفل
والمضاربة بماله وللعامل ما شرط له. وهل للوصي أن يتجر بنفسه مضاربة؟ فيه
إشكال ينشأ من أن له الدفع إلى غيره فجاز لنفسه، ومن أن الربح نماء مال اليتيم
فلا يستحق عليه إلا بعقد.
214

ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه ويجوز إيضاع ماله وهو أن يدفع
إلى غيره والربح كله لليتيم وأن يبني له عقارا ويشتريه، ولا يجوز له بيع عقاره إلا
للحاجة ويجوز كتابة رقيقه وعتقه على مال مع الغبطة وخلطه مع عياله في النفقة،
وينبغي أن يحسب عليه أقل وجعله في المكتب بأجرة أو في صنعة وقرض ماله إذا
خشي تلفه من غرق أو نهب وشبهه فيأخذ عليه رهنا لحفظ قيمته فإن تعذر أقرضه
من الثقة، ولا يجوز قرضه مع الأمن ولو احتاج إلى نقله جاز إقراضه خوفا من
الطريق، وكذا لو خاف تلفه بتطاول مدته ولم يتمكن من بيعه أو تعيبه كتسويس
الثمر وعفن الحنطة.
ولو أراد الولي السفر كان له إقراضه، فإن تمكن من أخذ الرهن وجب وإلا
فلا، وللأب الاستنابة فيما يتولى مثله فعله والأقرب في الوصي ذلك، ويقبل قول
الولي في الانفاق بالمعروف على الصبي أو ماله، والبيع للمصلحة والقرض لها
والتلف من غير تفريط سواء كان أبا أو غيره على إشكال. وهل يصح بيع المميز
وشراؤه مع إذن الولي؟ نظر.
الفصل الثاني: في المجنون والسفيه:
أما المجنون فهو ممنوع من التصرفات جمع المالية وغيرها، وأمره إلى الأب
والجد له وإن علا، فإن فقدا فالوصي فإن فقد فالحاكم، وللولي التصرف في ماله
بالغبطة وحكمه حكم الصبي فيما تقدم إلا الطلاق فإن للولي أن يطلق عنه وإلا
البيع فإنه لا ينفذ وإن أذن له الولي، وله أن يزوجه مع الحاجة لا بدونها.
وأما السفيه فهو الذي يصرف أمواله على غير الوجه الملائم لأفعال العقلاء،
ويمنع من التصرفات المالية وإن ناسبت أفعال العقلاء، كالبيع والشراء بالعين أو
الذمة والوقف والهبة والإقرار بالدين والعين والنكاح، فإن عقد لم يمض.
وهل يتوقف الحجر عليه على حكم الحاكم أو يكفي ظهور السفه؟ الأقرب
215

الأول ولا يزول إلا بحكمه، فإن اشترى بعد الحجر فهو باطل ويسترد البائع سلعة إن
وجدها وإلا فهي ضائعة إن قبضها باذنه عالما كان البائع أو جاهلا وإن فك
حجره، وكذا لو اقترض وأتلف المال، ولو أذن له الولي صح إن عين وإلا فلغو
وكذا يجوز لو باع فأجاز الولي، ولو أتلف ما أودع قبل الحجر أو غصب بعده أو
أتلف مال غيره مطلقا ضمن، ولو أقر بدين لم ينفذ سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو
لا، وكذا لو أقر بإتلاف مال أو بجناية توجب مالا، ويصح طلاقه ولعانه وظهاره
ورجعته وخلعه.
ولا يسلم مال الخلع إليه وإقراره بالنسب، وينفق على من استلحقه من
بيت المال وبما يوجب القصاص، ولو صولح فيه على مال فالأقرب ثبوت المال، ولو
وكله غيره في بيع أو هبة جاز لبقاء أهلية التصرف، وللولي أن يشترى له جارية
ينكحها مع المصلحة فإن تبرم بها أبدلت.
وهو في العبادات كالرشيد إلا أنه لا يفرق الزكاة بنفسه، وينعقد إحرامه في
الواجب مطلقا وفي التطوع إن استوت نفقته سفرا وحضرا أو أمكنه التكسب الزائد
وإلا حلله الولي بالصوم، وينعقد يمينه فإن حنث كفر بالصوم، وله أن يعفو عن
القصاص لا الدية، والأرش والولاية في ماله للحاكم خاصة، ولو فك حجره ثم
عاد التبذير أعيد الحجر وهكذا.
الفصل الثالث: في المملوك:
المملوك ممنوع من التصرف في نفسه وما في يده ببيع وإجارة واستدانة وغير
ذلك من جميع العقود إلا بإذن مولاه، عدا الطلاق فإن له إيقاعه وإن كره المولى،
والأقرب أنه لا يملك شيئا سواء كان فاضل الضريبة وأرش الجناية على رأي أو
غيرهما وسواء ملكه مولاه على رأي أو لا، ولا يصح له الاستدانة فإن استدان بدون
إذن مولاه استعيد، فإن تلف فهو في ذمته إن أعتق أداه وإلا ضاع سواء كان
216

المدين جاهلا بعبوديته أو لا.
ولو أذن له مولاه في الاستدانة لزم المولى إن استبقاه أو باعه، ولو أعتقه
فالأقوى إلزام المولى ويتشارك غرماؤه وغرماء المولى في التركة القاصرة على النسبة،
ولو أذن له في التجارة لم يجز التعدي فيما حده، وينصرف الإذن في الابتياع إلى النقد
وله النسيئة إن أذن فيها فيثبت الثمن في ذمة المولى، ولو تلف الثمن قبل التسليم
فعلى المولى عوضه، وليس له الاستدانة إلا مع ضرورة التجارة المأذون فيها له إليها
فيلزم المولى وغيره يتبع به بعد العتق وإلا ضاع، ولا يستسعي على رأي ولا يتعدى
الإذن إلى مملوك المأذون.
ولو أخذ المولى ما استدانه وتلفت في يده تخير المقرض بين اتباع العبد بعد
العتق وإلزام المولى معجلا، ويستعيد المقرض والبائع العين لو لم يأذن المولى فيهما فإن
تلفت طولب بعد العتق، ولو أذن له المولى في الشراء لنفسه ففي تملكه إشكال.
وهل يستبيح العبد البضع؟ الأقرب ذلك لا من حيث الملك بل لاستلزامه الإذن،
وإذا أذن له في التجارة جاز كلما يندرج تحت اسمها واستلزمته كحمل المتاع إلى
المحرز ورد بالعيب.
وليس له أن ينكح ولا يؤاجر نفسه، والأقرب أن له أن يؤجر أموال التجارة
ولو قصر الإذن في نوع أو مدة لم يعم، ولا يتصدق ولا ينفق على نفسه من مال
التجارة ولا يعامل سيده بيعا ولا شراء خلافا للمكاتب، ولا يضم ما اكتسبه
بالاحتطاب والاصطياد إلى مال التجارة. وهل ينعزل بالإباق؟ نظر، ولا يصير
مأذونا بالسكوت عند مشاهدة بيعه وشرائه، وإذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده
عما في يده، ويقبل إقراره بديون المعاملة في قدر ما أذن له لا أزيد سواء أقر لأجنبي
أو لابنه أو لأبيه، ولا يجوز معاملته بمجرد دعواه الإذن ما لم يسمع من السيد أو يقم
به بينة عادلة والأقرب قبول الشياع.
ولو عرف كونه مأذونا ثم قال: حجر على السيد، لم يعامل، فإن قال السيد:
217

لم أحجر عليه، احتمل أن لا يعامل لأنه العاقد والعقد باطل بزعمه والمعاملة أخذا
بقول السيد، ولو ظهر استحقاق ما باعه المأذون بعد تلف الثمن في يده رجع المشتري
على السيد، ولا يقبل إقرار غير المأذون بمال ولا حد. وهل يتعلق بذمته؟ نظر، ولا
يقبل إقرار المأذون وغيره بالجناية سواء أوجبت قصاصا أو مالا ولا بالحد، ولو
صدقه المولى في ذلك فالأقرب النفوذ.
الفصل الرابع: في المريض:
ويحجر على المريض في التبرعات كالهبة والوقف والصدقة والمحاباة فلا
تمضى إلا من ثلث تركته وإن كانت منجزة على رأي، بشرط موته في ذلك المرض
وإقراره كذلك إن كان متهما وإلا فمن الأصل سواء كان لأجنبي أو لوارث على
رأي، وإذا مات حل ما عليه من الديون دون ما له على رأي والأقرب إلحاق مال
السلم والجناية به، ولا يحل المؤجل بالحجر.
وديون المتوفى متعلقة بتركته. وهل هو كتعلق الأرش برقبة الجاني أو كتعلق
الدين بالرهن؟ احتمال، وتظهر الفائدة فيما لو أعتق الوارث أو باع نفذ على الأول
دون الثاني. وهل يشترط استغراق الدين؟ إشكال أقربه ذلك فينفذ تصرف الولي
في الزائد عن الدين، فإن تلف الباقي قبل القضاء ضمن الوارث، فإن أعسر فالوجه
أن للمدين الفسخ وعلى القول ببطلان تصرف الوارث لو لم يكن في التركة دين
ظاهر فتصرف، ثم ظهر دين بأن كان قد باع متاعا وأكل ثمنه فرد بالعيب أو
تردى في بئر حفرها عدوانا أو سرت جنايته بعد موته احتمل فساد التصرف لتقدم
سبب الدين فأشبه الدين المقارن وعدمه، فإن أدى الوارث الدين وإلا فسخ
التصرف وعلى كل حال فللوارث إمساك عين التركة وأداء الدين من خالص
ماله.
وهل يتعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب والنتاج والثمرة؟ الأقرب
218

المنع، ويحتسب من التركة الدية في الخطأ والعدم إن قبلها الوارث، ولا يلزمه ذلك
وإن لم يضمن الدين على رأي.
الفصل الخامس: في المفلس:
وفيه مطالب:
الأول: المفلس:
من ذهب جيد ماله وبقي رديئه وصار ماله فلوسا وزيوفا، وشرعا من عليه
ديون ولا مال له يفي بها وهو شامل من قصر ماله، ومن لا مال له فيحجر عليه في
المتجدد باحتطاب وشبهه، والفلس سبب في الحجر بشروط خمسة: المديونية وثبوت
الديون عند الحاكم وحلولها وقصور ما في يده عنها والتماس الغرماء الحجر أو
بعضهم، ويحتسب من جملة ماله معوضات الديون.
ولو حجر الحاكم تبرعا لظهور أمارة الفلس أو بسؤال المديون لم ينفذ، نعم
يحجر الحاكم لديون المجانين والأيتام دون الغياب، ولو كان بعض الديون مؤجلا
فإن كانت الحالة يجوز الحجر بها حجر مع سؤال أربابها وإلا فلا ثم يقسم في
أرباب الحالة خاصة، ولا يدخر للمؤجلة شئ ولا يدام الحجر عليه لأربابها كما
لا يحجر بها ابتداء، أما لو سأل بعض أرباب الديون الحالة حجر عليه إن كان ذلك
البعض يجوز الحجر به ثم يعم الحجر الجميع.
ولو ساوى المال الديون والمديون كسوب ينفق من كسبه فلا حجر بل يكلف
القضاء، فإن امتنع حبسه الحاكم أو باع عليه وكذا غير الكسوب إلى أن يقصر المال
وإن قل التفاوت، ويستحب إظهار الحجر لئلا يستضر معاملوه، ثم للحجر أحكام
أربعة: منعه من التصرف وبيع ماله للقسمة والاختصاص والحبس.
219

المطلب الثاني: في المنع من التصرف:
ويمنع من كل تصرف مبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوض أو غيره ساوى
العوض أو زاد أو قصر، ولا يمنع مما لا يصادف المال كالنكاح والطلاق واستيفاء
القصاص والعفو واستلحاق النسب ونفيه باللعان والخلع، وكذا ما يصادف المال
بالتحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية، ولا ما يصادف المال بالإتلاف
بعد الموت كالتدبير والوصية إذ لا ضرر فيه على الغرماء.
أما لو صادف المال في الحال فإن كان مورده عين مال كالبيع والهبة والرهن
والعتق احتمل البطلان من رأس والإيقاف، فإن فضلت تلك العين من الدين
لارتفاع القيمة أو الإبراء أو غيرهما نفذ فحينئذ يجب التأخير ما تصرف فيه، فإن قصر
الباقي أبطل الأضعف كالرهن والهبة ثم البيع والكتابة ثم العتق، وإن كان
المورد في الذمة فيصح كما لو اشترى في الذمة أو باع سلما أو اقترض، وليس للبائع
الفسخ وإن كان جاهلا ويتعلق بالمتجدد كالقرض والمبيع والمتهب وغيرها
الحجر.
ولو باعه عبدا بثمن في ذمته بشرط الإعتاق، فإن أبطلنا التصرفات فالأقوى
بطلان البيع وإلا جاز العتق ويكون موقوفا، فإن قصر المال احتمال صرفه في الدين
لا رجوعه إلى البائع والأقوى صحة عتقه في الحال، ولو وهب بشرط الثواب ثم
أفلس لم يكن له اسقاط الثواب.
ولو أقر بدين سابق لزمه. وهل ينفذ على الغرماء؟ إشكال ينشأ من تعلق
حقهم بماله كالمرتهن ومن مساواة الإقرار للبينة ولا تهمة فيه، ولو أسنده إلى ما بعد
الحجر فإن قال: عن معاملة، لزمه خاصة لا في حق الغرماء، وإن قال: عن إتلاف
مال أو جناية، فكالسابق، وكذا الإشكال لو أقر بعين لكن هنا مع القبول يسلم
إلى المقر له وإن قصر الباقي، ولو كذبه المقر له قسمت ومع عدم القبول إن فضلت
دفعت إلى المقر له قطعا بخلاف المبيع فإن فيه إشكالا، وكذا الإشكال لو ادعى
220

أجنبي شراء عين في يده منه قبل الحجر فصدقه.
ولو قال: هذا مضاربة لغائب قيل: يقر في يده، ولو قال: لحاضر، فصدقه
دفع إليه وإلا قسم، ويصبر من باعه بعد الحجر بالثمن إن كان عالما، ويحتمل في
الجاهل بالحجر الضرب والاختصاص بعين ماله والصبر، وكذا المقرض ويضرب
المجني عليه بعد الحجر بالأرش.
وقيمة المتلف وأجرة الكيال والوزان والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر
مقدم على سائر الديون، وله الرد بالعيب مع الغبطة لا بدونها وله الفسخ بالخيار
والإمضاء من غير تقييد بشرط الغبطة، ويمنع من قبض بعض حقه ولا يمنع من
وطء مستولدته، وفي وطء غيرها من إمائه نظر، فإن أحبل فهي أم ولد، ولا يبطل
حق الغرماء منها مع القصور دونها.
ولو أقر بمال وأطلق لم يشارك المقر له لاحتمال كون السبب لا يقتضي
الضرب، ولو أقام شاهدا بدين حلف معه وجعل في سائر أمواله، فإن نكل ففي
إحلاف الغرماء إشكال وكذا لو كان الدين لميت ونكل الوارث، ويمنعه صاحب
الدين الحال من السفر قبل الإيفاء لا المؤجل ولا يطالبه بكفيل ولا إشهاد، وإن
كان الدين يحل قبل الرجوع ولا يمنع المالك من السفر معه ليطالبه عند الأجل لكن
لا يلازمه ملازمة الرقيب.
المطلب الثالث: في بيع ماله وقسمته:
ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيع ماله لئلا يطول مدة الحجر وإحضار كل متاع
إلى سوقه وإحضار الغرماء والبدأة بالمخوف تلفه ثم بالرهن والجاني والتعويل على
مناد مرضي عند الغرماء والمفلس، وإن تعاسروا عين الحاكم وأجرته على المفلس.
ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن بل متأخرا أو معا وإنما يبيع بثمن المثل نقد
البلد حالا، فإن خالف جنس الحق صرف إليه ثم يقسم الثمن على نسبة الديون
221

الحالة خاصة، ولا يكلف الغرماء حجة على انتفاء غيرهم بل يكتفى بإشاعة حاله
بحيث لو كان لظهر، فإن اقتضت المصلحة تأخير القسمة جعل في ذمة ملي احتياطا،
فإن تعذر أودع.
ولا تباع دار السكنى ولا خادمه ويباع فاضلهما ويجري عليه نفقته مدة الحجر
ونفقة من تجب عليه نفقته بالمعروف، وكسوته جاري عادة أمثاله إلى يوم القسمة
فيعطى نفقتهم ذلك اليوم خاصة، ولو اتفقت في طريق سفره فالأقرب الإجراء إلى
يوم وصوله ويقدم كفنه الواجب، فإن ظهر بعد القسمة غريم رجع على كل واحد
بحصة يقتضيها الحساب ويحتمل النقض، ففي الشركة في النماء المتجدد إشكال.
ولو تلف المال بعد النقض ففي احتسابه على الغرماء إشكال، ولو خرج المبيع
مستحقا رجع المشتري على كل واحد بجزء من الثمن إن كان قد تلف، ويحتمل
الضرب لأنه دين لزم المفلس والأقرب التقديم لأنه من مصالح الحجر لئلا يرغب
الناس عن الشراء، ولو بذلت زيادة بعد الشراء استحب الفسخ فإن بقي من الدين
شئ لم يستكسب. وهل يباع أم ولده من غير رهن؟ نظر، فإن منعناه ففي مؤاجرتها
ومؤاجرة الضيعة الموقوفة نظر ينشأ من كون المنافع أموالا كالأعيان، ومن كونها
لا تعد مالا ظاهرا والأول أقوى.
وإذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فك حجره ولا يحتاج إلى إذن
الحاكم، وكذا لو اتفقوا على رفع حجره، ولو باع من غير الغرماء بإذن فالأقرب
الصحة، ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه صح على الأقوى لأن سقوط الدين
يسقط الحجر، والمجني عليه أولى بعبده من الغريم فإن طلب فكه فللغريم منعه، ولو
تلف من المال المودع قبل القسمة فهو من مال المفلس سواء كان التالف الثمن أو العين.
المطلب الرابع: في الاختصاص:
ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها من غيره وإن لم يكن سواها،
222

وله الضرب بالدين والخيار على الفور على إشكال سواء كان هناك وفاء أو لا،
ويفتقر الرجوع إلى أركان ثلاثة: العوض والمعوض والمعاوضة.
أما العوض فهو الثمن وشرطه أمران: تعذر الاستيفاء بالإفلاس، فلو وفى
المال به فلا رجوع ولا يسقط الرجوع بدفع الغرماء للمنة وتجويز ظهور غريم، ولو
امتنع المشتري الموسر من الدفع فلا رجوع ويستوفيه القاضي. الثاني الحلول فلا رجوع
لو كان مؤجلا، ولو حل الأجل قبل فك الحجر ففي الرجوع إشكال.
وأما المعاوضة فلها شرطان:
كونها معاوضة محضة، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والعفو عن
القصاص على مال، فليس للزوجة فسخ النكاح ولا للزوج فسخ الخلع ولا للعافي
فسخ العفو بتعذر الأعواض، ويثبت في الإجارة والسلم فيرجع إلى رأس المال مع
بقائه أو يضرب بقيمة المسلم فيه مع تلفه أو برأس المال على إشكال لتعذر الوصول
إلى حقه فيتمكن من فسخ السلم ولو أفلس مستأجر الدابة أو الأرض قبل المدة
فللمؤجر فسخ الإجارة تنزيلا للمنافع منزلة الأعيان وله الضرب فيؤجر الحاكم الدابة
أو الأرض ويدفع إلى الغرماء،
ولو بذلوا له الأجرة لم يجب عليه الإمضاء. ولو حجر عليه وهو في بادية ففسخ المؤجر نقلت العين إلى مأمن بأجرة المثل
مقدمة على حق الغرماء، ولو كان قد زرع الأرض ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة مقدمة
على الغرماء إذ فيه مصلحة الزرع الذي هو حق الغرماء، ولو أفلس المؤجر بعد
تعيين الدابة فلا فسخ بل يقدم المستأجر بالمنفعة كما يقدم المرتهن، ولو كانت
الإجارة على الذمة فله الرجوع إلى الأجرة إن كانت باقية أو الضرب بقيمة المنفعة.
الثاني سبق المعاوضة على الحجر، فالأقرب عدم تعلقه بعين ماله لو باعها عليه
بعد الحجر، ولو فسخ المستأجر بالانهدام بعد القسمة احتمل مزاحمة الغرماء بالباقي
لاستناده إلى عقد سابق على الحجر، والمنع لأنه دين حدث بعد القسمة، ولو باع
عينا بأخرى وتقابضا ثم أفلس المشتري وتلفت العين في يده ثم وجد البائع بعينه
223

عيبا فرده فله قيمة ما باعه ويضرب مع الغرماء، ويحتمل التقديم لأنه أدخل في
مقابلتها عينا في مال المفلس.
وأما المعوض فله شرطان: بقاؤه في ملكه، فلو تلف أو باعه أو رهنه أو أعتقه
أو كاتبه ضارب بالثمن سواء زادت القيمة عن الثمن أو لا، ولو عاد إلى ملكه
بلا عوض كالهبة والوصية احتمل الرجوع لأنه وجد متاعه وعدمه لتلقي الملك من
غيره ومعه، فإن عاد بعوض كالشراء فإن وفر البائع الثاني الثمن فكالأول وإلا
احتمل عوده إلى الأول لسبق حقه، وإلى الثاني لقرب حقه وتساويهما فيضرب كل
بنصف الثمن.
الثاني عدم التغير، فإن طرأ عيب بفعله أو من قبله تعالى فليس له إلا الرضا
به أو يضارب بالثمن إن كان العيب لا يفرد بالعقد ولا يتقسط عليه الثمن وهو
نقصان الصفة، وإن كان بجناية أجنبي أخذه البائع وضرب بجزء من الثمن على
نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية إذ قد يكون كل الثمن، كما لو اشترى عبدا
بمائة يساوى مائتين فقطعت يده فيأخذ العبد والثمن وهو باطل، هذا إن نقص
الثمن عن القيمة وإلا فبنقصان القيمة.
ولو كان للتألف قسط من الثمن كعبد من عبدين فللبائع أخذ الباقي بحصته
من الثمن والضرب بثمن التالف، ولو قبض نصف الثمن وتساوى العبدان قيمة
وتلف أحدهما احتمل جعل المقبوض في مقابلة التالف، فيضرب بالباقي أو يأخذ
العبد الباقي وعدم الرجوع أصلا، بل يضرب بالباقي خاصة لا التقسيط للتضرر
بالشركة، ولو تغير بالزيادة المتصلة كالسمن والنمو وتعلم الصنعة فللبائع الرجوع
مجانا، وبالمنفصلة كالولد والثمرة يرجع في الأصل خاصة بجميع الثمن.
ولو صار الحب زرعا والبيضة فرخا لم يرجع في العين، ولو حبلت بعد البيع أو
حملت النخلة بعده لم يكن له الرجوع في الثمرة وإن لم تؤبر، ولا في الولد وإن كان
جنينا وعلى البائع إبقاؤها إلى الجذاذ، وكذا إبقاء زرعه من غير أجرة لو فسخ بيع
224

الأرض وقد شغلها.
أما لو آجر أرضا فزرع المستأجر وأفلس ففسخ المؤجر ترك الزرع إلى الحصاد
بأجرة المثل، لأن مورد المعاوضة هناك الرقبة وقد أخذها وهنا المنفعة ولم يمكن
من استيفائها، ولو أفلس بعد الغرس والبناء فليس للبائع الإزالة ولا مع الأرش
على رأي بل يباعان فللبائع مقابل الأرض، ولو امتنع بيعت الغروس والأبنية
منفردة، ولو أفلس بثمن الغرس فلصاحبه قلعه مع عدم الزيادة وعليه تسوية الحفر،
ولو أفلس بثمن الغرس وثمن الأرض فلكل منهما قلع الغرس إذا لم يزد، لكن لو
قلع صاحب الأرض لم يكن عليه أرش لأن صاحب الغرس دفعه مقلوعا، وإن قلع
صاحب الغرس ضمن طم الحفر لأنه لتخليص ماله ولصاحب الزيت الرجوع وإن
خلطه بمثله أو أردأ لا بالأجود، ويحتمل الرجوع فيباعان ويرجع بنسبة عينه من القيمة.
فلو كانت قيمة العين درهما والممزوج بها درهمين بيعتا وأخذ ثلث الثمن، ولو
كانت الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة وخبز الطحين وقصارة الثوب ورياضة
الدابة وما يستأجر على تحصيله سلمت إلى البائع مجانا لأنها كالمتصلة من السمن
وغيره، ويحتمل الشركة لأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فلا يضيع عليه
بخلاف الغاصب فإنه عدوان محض فيباع المقصور فللمفلس من الثمن بنسبة
ما زادت من قيمته، ولو كانت قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فله سدس
الثمن ولو لم يزد القيمة فلا شركة، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان كان للأجير على الطحن والقصارة حبس الدقيق والثوب
لاستيفاء الأجرة كما أن للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن وإلا فلا.
فإن تلف الثوب في يده فإن ألحقنا الصفة بالعين لم يستحق الأجرة قبل التسليم
كالبائع بتلف العين في يده قبل التسليم فإنه يسقط ثمنه وإلا استحق كأنه صار
مسلما بالفراغ، ولو كانت الزيادة عينا من وجه وصفة من وجه كصبغ الثوب فإن
225

لم تزد القيمة فلا شركة، وإن زادت بقدر قيمة الصبغ كما لو كانت قيمة الثوب
أربعة والصبغ درهمين والمصبوغ ستة فللمفلس ثلث الثمن، وإن زادت أقل كما لو
كان مصبوغا بخمسة فالنقصان على الصبغ لهلاكه وقيام الثوب، ولو ساوى ثمانية
فإن ألحقنا الصفة بالأعيان فالزيادة للمفلس فالثمن نصفان وإلا احتمل تخصيص
البائع كالسمن فالثمن أرباعا أو البسط فالثمن أثلاثا، ولا فرق بين عمل المفلس
بنفسه أو بالأجرة في الشركة.
ولو أفلس قبل إيفاء الأجير أجرة القصارة فإن ألحقناها بالأعيان، فإن لم يزد
قيمته مقصورا على ما كان فهو فاقد عين ماله فإن زادت به فلكل من البائع والأجير
الرجوع إلى عين ماله، فلو ساوى قبل القصارة عشرة والقصارة خمسة والأجرة درهم
قدم الأجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء ولبائع الجارية انتزاعها، وإن
حبلت منه مع الإفلاس بالثمن لا الولد، ويتعلق حق الغرماء بعوض الجناية خطأ لا
عمدا إلا إذا رضي به ولا يجب عليه، ويجب أن يؤاجر الدابة والدار والمملوك
وإن كانت أم ولد لا نفسه، ويتساوى غرماء الميت مع عدم الوفاء ومعه لصاحب
العين الاختصاص.
المطلب الخامس: في حبسه:
ولا يجوز حبسه مع ظهور فقره ويثبت بإقرار الغريم أو البينة المطلعة على
باطنه، ولو فقد الأمران فإن عرف له مال ظاهر ألزم التسليم أو الحبس أو يبيع
الحاكم عنه ويوفي، وإن لم يظهر له مال ولا بينة على دعوى الإعسار حبس حتى
يظهر إعساره إن عرف له أصل مال أو كان أصل الدعوى مالا وإلا قبل قوله ولا
يكلف البينة بعد اليمين، ولو شهد عدلان بتلف ماله قبل بغير يمين وإن لم تكن
مطلعة على باطنه، ولو شهدا بالإعسار مطلقا لم يقبل إلا مع الصحبة المؤكدة،
وللغرماء إحلافه مع البينة ومع قسمة ماله يجب إطلاقه، ويزول الحجر بالأداء لا
226

بحكم الحاكم ويجوز الحبس في دين الولد، ولا تمنع الإجارة المتعلقة بعين المؤجر من
حبسه.
المطلب السادس: في بقايا مباحث هذا الباب:
لو أفلس المشتري بعد جناية العبد فالأقرب أن للبائع الرجوع ناقصا بأرش
الجناية أو الضرب بثمنه مع الغرماء ولا يسقط حق المجني عليه من أخذ العين،
والأقرب تقديم حق الشفيع على البائع لتأكد حقه حيث يأخذ من المشتري وممن
نقله إليه وسبقه، ويحتمل تقديم البائع لانتفاء الضرر بالشفعة لعود الحق كما كان،
وأخذ الثمن من الشفيع فيخص به البائع جمعا بين الحقين.
وليس للمحرم الرجوع في الصيد والرجوع فسخ فلا يفتقر إلى معرفة المبيع ولا
القدرة على التسليم، فلو رجع في الغائب بعد مضى مدة يتغير فيها ثم وجده على حاله
صح وإن تغير فله الخيار، ولو رجع في العبد بعد إباقه صح فإن قدر عليه وإلا
تلف منه، ولو ظهر تلفه قبل الرجوع ضرب بالثمن وبطل الرجوع وبعده أمانة على
إشكال، ولو تنازعا في التعين للمبيع بعد الرجوع قدم قول المفلس لأنه منكر
فيضرب بالثمن خاصة وكل ما يفعله قبل الحجر ماض.
227

اللمعة الدمشقية
كتاب الحجر
وأسبابه ستة: الصغر والجنون والرق والفلس والسفه والمرض.
ويمتد حجر الصغير حتى يبلغ ويرشد بأن يصلح ماله وإن كان فاسقا ويختبر بما
لاءمه. ويثبت الرشد بشهادة النساء في النساء لا غير وبشهادة الرجال مطلقا.
ولا يصح إقرار السفيه بمال ولا تصرفه في المال ولا يسلم عوض الخلع إليه ويجوز أن
يتوكل لغيره في سائر العقود. ويمتد حجر المجنون حتى يفيق، والولاية في ما لهما للأب
والجد فيشتركان في الولاية ثم الوصي ثم الحاكم، والولاية في مال السفيه الذي لم يسبق
رشده كذلك وإن سبق فللحاكم، والعبد ممنوع مطلقا، والمريض ممنوع مما زاد عن
الثلث وإن نجز على الأقوى.
ويثبت الحجر على السفيه بظهور سفهه وإن لم يحكم به الحاكم ولا يزول إلا
بحكمه، ولو عامله العالم بحاله استعاد ماله فإن تلف فلا ضمان، وفي إيداعه أو إعارته
أو إجارته فيتلف العين نظر، ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة، ولا يمنع
من الحج الواجب مطلقا، ولا من المندوب إن استوت نفقته وينعقد يمينه ويكفر
بالصوم، وله العفو عن القصاص لا الدية.
228

كتاب الضمان
229

المقنع
باب الضمانات والكفالات والحوالات
ومن كان عليه حق فسأل إنسانا ضمانه به عنه لصاحبه فضمنه وقبل المضمون له
ضمانه وكان الضامن مليا بما ضمن فقد وجب عليه الخروج مما ضمن إلى صاحبه وبرئ
المضمون عنه من مطالبه من كان له عليه، وكذلك إن كان الضامن متبرعا بالضمان من غير
سؤال المضمون عنه ذلك وقبل المضمون له ضمانه فقد برئ المضمون عنه إلا أن ينكر ذلك
ويأباه فيبطل ضمان المتبرع ويكون الحق على أصله لم ينتقل عنه بالضمان، وليس للضامن
على المضمون عنه رجوع فيما ضمنه إذا تبرع بالضمان عنه، وإن سأله المضمون عنه ذلك
وضمن له الخروج إليه كان عليه ذلك وللضامن استيفاؤه منه.
وإذا ضمن انسان شيئا وهو غير ملي به لم يبرأ المضمون عنه ذلك إلا أن يكون
المضمون له قد قبل ضمانه مع العلم بأنه غير ملي بما ضمن فلا يجب له مع هذه الحال
الرجوع على المضمون عنه.
وإذا كان لإنسان على غيره فأحاله به على رجل نلي به فقبل الحوالة وأبرأه منه لم يكن
له رجوع عليه ضمن ذلك المال المحال به عليه أو لم يضمن، فإن لم يقبل الحوالة إلا بعد
ضمان المحال عليه ولم يضمن من أحيل عليه ذلك كان له مطالبة المديون ولم تبرأ ذمته
بالحوالة، وإن انكشف لصاحب المال أن الذي أحيل عليه به غير ملي بطلت الحوالة
وكان له الرجوع على المديون بحقه عليه، وإذا كان الضامن من مليا بما ضمن في وقت ضمانه
وقبل المضمون له ضمانه ثم عجز بعد ذلك عما ضمن لم يكن للمضمون له الرجوع على
231

المضمون عنه، وإنما يرجع عليه إذا لم يكن الضامن مليا في وقت الضمان فظن أنه ملي به على
ما قدمناه.
ولا يصح ضمان مال ولا نفس أحد إلا بأجل معلوم، ومن ضمن لغيره نفس انسان
إلى أجل معلوم بشرط ضمان النفوس ثم لم يأت به في الأجل كان للمضمون له حبسه حتى
يحضر المضمون أو يخرج إليه مما عليه، ومن حلي غريما لرجل من يده قهرا أو إكراها كان
ضامنا لما عليه، فإن خلاه بمسألة أو شفاعة لم يكن عليه ضمان إلا أن يضمن ما عليه ويشترط
القيام به عند تخليته، ومن خلى قاتلا من يد ولي المقتول بالجبر على تخليته كان ضامنا لدية
المقتول إلا أن يرد القاتل إلى الولي ويمكنه منه.
وضمان المجهول لازم كضمان المعلوم حتى يخرج منه بحسب ما تقوم به البينة
للمضمون له أو يحلف عليه، وتفسير هذا أن يقول قائل لإنسان قد لازم غيره على حق له
عنده: خل سبيله وأنا ضامن لحقك عليه كائنا ما كان، فإن أقام المضمون له البينة على
ما يدعيه، ولا يجوز أن يضمن انسان عن غيره ما يدعيه خصمه عليه كائنا ما كان ولا
ما يقترحه من الحقوق ولا ما يخرج به حساب في كتاب لا حجة فيه إلا أن يتعين المضمون أو
تقوم به حجة على ما ذكرناه.
مختصر كتاب ضمان:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره طائعا غير مكره
لا يولي على مثله لفلان بن فلان: إنني ضامن لك ما ذكرت أنه حقك على فلان بن فلان
الفلاني، ومبلغه من العين الفلاني كذا وكذا مثقالا وازنة جيادا أدفعه إليك في أي وقت
طالبتني به من ليل أو نهار لا أدافعك عنه ولا أحتج في تأخيره بحجة على الوجوه والأسباب
كلها، وقد انتقل هذا الحق المسمى وهو كذا وكذا دينارا فلانية عينا مثاقيل جيادا إلى ذمتي
وصار لفلان بن فلان على وقبلي ومن خالص مالي دون فلان بن فلان وإنني ملي بهذه
232

الدنانير المسماة في هذا الكتاب فقبل فلان بن فلان من فلان بن فلان هذا الضمان على
الشرائط المذكورة فيه، وأبرئ فلان بن فلان منه ومن كل دعوى وطلبة وخصومة
ومنازعة فيه أو في شئ منه.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان
بجميع ما فيه بعد أن قرئ عليهما ففهماه وأقرا بمعرفته، وأشهدا بذلك على أنفسهما في
صحة من عقولهما وأبدانهما وجواز أمرهما طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلهما، وذلك في
شهر كذا من سنة كذا.
فصل:
وإن كان الضمان والكفالة بنفس انسان كتب: إنني قد ضمنت لك وتكفلت بنفس
فلان ابن فلان أحضره لك يا فلان بن فلان متى طالبتني بإحضاره من ليل أو نهار
لا أدافعك عن ذلك ولا أحتج فيه بحجة، فمتى تغيب فلان بن فلان فلم أجد إلى
إحضاره سبيلا أو استعصم على من الحضور أو مات فإنني كفيل بما عليه من الحق الذي
ذكرته وهو كذا وكذا دينارا عينا فلانية مثاقيل وازنة جيادا أسلمها إليك من غير احتجاج
في دفعك عنها، وأقررت لك بأنني ملي بهذه الدنانير المسماة في هذا الكتاب وهي كذا وكذا
دينارا عينا مثاقيل وازنة جيادا فلانية، فقبلت يا فلان بن فلان مني هذه الكفالة على
شروطها المسماة في ذلك، وأشهدت أنا وأنت بذلك على أنفسنا جميعا من ثبت اسمه في هذا
الكتاب بعد أن قرئ علينا ففهمناه حرفا حرفا وأحطنا علما بجميع ما فيه في صحة منا
وجواز أمر طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلنا في شئ من أمورنا، وذلك في شهر كذا من
سنة كذا.
233

ذكر: أحكام الضمانات والكفالات والحوالات والوكالات
الضامن على ضربين: ملي وغير ملي. فمن ضمن حقا له مليا فليس له الرجوع على
المضمون عنه. وغير الملي على ضربين: أحدهما لم يعلم ذلك من حاله المضمن والآخر
علم حاله. فمن كان غير ملي ولم يعلم ذلك من حالة المضمن، جاز له الرجوع على
المضمون، وإن علم حاله فليس له الرجوع.
وضمان المجهول ينعقد كضمان المعلوم، وهو أن يقول له: قد ضمنته على ما عليه، فيثبت
ضمانه على ما تقوم به حجة لا بما يثبت في دفتر وحساب. والضمان يفتقر إلى إيجاب وقبول.
234

النهاية
باب الكفالات والضمانات والحوالات
من كان عليه حق فسأل غيره ضمانه عنه لصاحبه فضمنه وقبل المضمون له ضمانه
وكان الضامن مليا بما ضمن فقد وجب عليه الخروج إلى صاحبه مما ضمن وبرئ المضمون
عنه من مطالبة من كان له عليه غير أنه يثبت له حقه على من ضمن عنه فإن أراد مطالبته
بذلك كان ذلك له، ومتى تبرع الضامن من غير مسألة المضمون عنه ذلك وقبل المضمون له
ضمانه فقد برئ عهدة المضمون عنه إلا أن ينكر ذلك ويأباه فيبطل ضمان المتبرع ويكون
الحق على أصله لم ينتقل عليه بالضمان، وليس للضامن على المضمون عنه رجوع فيما ضمن
إذا تبرع بالضمان عنه، ومن ضمن حقا وهو غير ملي به لم يبرئ المضمون عنه بذلك إلا أن
يكون المضمون له قد علم ذلك وقبل ضمانه مع ذلك فلا يجب له مع هذه الحال الرجوع
على المضمون عنه، وإذا كان الضامن مليا بما ضمن في الحال التي ضمن فيها وقبل المضمون له
ضمانه ثم عجز بعد ذلك عما ضمن لم يكن للمضمون له الرجوع على المضمون عنه وإنما
يرجع عليه، إذا لم يكن الضامن مليا في وقت الضمان فإن ظن في حال ما يضمن عنه ملي
بذلك ثم انكشفت له بعد ذلك أنه كان غير ملي في تلك الحال كان له الرجوع على المضمون
عنه.
ولا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل، ومن ضمن لغيره نفس انسان إلى أجل
معلوم بشرط ضمان النفوس ثم لم يأت به عند الأجل كان للمضمون له حبسه حتى يحضر
المضمون أو يخرج إليه مما عليه، ومن ضمن غيره إلى أجل وقال: إن لم آت به كان على كذا
235

وحضر الأجل لم يلزمه إلا إحضار الرجل فإن قال: على كذا إلى كذا إن لم أحضر فلانا ثم لم
يحضره وجب عليه ما ذكره من المال، وإن لم يكن عين المال وقال: أنا أضمن له ما يثبت لك
عليه إن لم آت به إلى وقت كذا ثم لم يحضره وجب عليه ما قامت به البينة للمضمون عنه
ولا يلزمه ما لم تقم به البينة مما يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب وإنما يلزمه ما قامت له به
البينة أو يحلف خصمه عليه، فإن حلف على ما يدعيه واختار هو ذلك وجب عليه الخروج
منه، ومن خلى غريما لرجل من يده قهرا وإكراها كان ضامنا لما عليه فإن خلاه بمسألة
وشفاعة لم يلزمه شئ إلا أن يضمن عنه ما عليه حسب ما قدمناه، ومن خلى قاتلا من يد
ولي المقتول بالجبر والإكراه كان ضامنا لدية المقتول إلا أن يرد القاتل إلى الولي ويمكنه منه.
ومن كان له على غيره مال فأجابه به على غيره وكان المحال عليه مليا به في الحال
وقبل الحوالة وأبرأه منه لم يكن له رجوع عليه ضمن ذلك المحال به عليه أو لم يضمن بعد
أن يكون قد قبل الحوالة، فإن لم يقبل الحوالة إلا بعد ضمان المحال عليه ولم يضمن من
أحيل عليه ذلك كان له مطالبة المحيل ولم تبرأ ذمته بالحوالة، فإن انكشفت لصاحب
المال أن الذي أحيل به غير ملي بالمال بطلت الحوالة وكان له الرجوع على المديون بحقه
عليه، ومتى لم يبرئ المحال له بالمال المحيل في حال ما يحيله كان له أيضا الرجوع عليه أي
وقت شاء.
236

جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالضمان
مسألة: إذا كان عليه دين مؤجل فضمنه عنه انسان بأمره ثم مات هذا الضامن في
الحال أو قبل حلول الأجل فهل يحل المال في تركة الضامن أو يصير به إلى الأجل؟
الجواب: إذا مات هذا الضامن حل هذا الدين في تركته وكان لصاحب الحق
مطالبة وارثه بذلك وليس لهذا الوارث الرجوع على المضمون عنه بذلك حتى يحل الأجل لأن
الدين مؤجل عليه ولا يجوز مطالبته به قبل حلوله.
مسألة: إذا اشترى انسان من غيره أرضا وضمن البائع للمشتري قيمة ما يحدثه في
هذا الأرض من غرس وبناء وقال: بالغا ما بلغت وقال من درهم إلى ألف أو من دينار إلى
مائة. هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك: لأنه مجهول وضمان ما لم يجب وما كان من الضمان كذلك فهو
غير صحيح، وهذا متى شرطه في نفس البيع أو مدة الخيار بطل البيع، وإن شرطه بعد
انقطاع الخيار لم يؤثر في البيع.
مسألة: إذا قال لغيره: تكفل بفلان، فإن له خصما بلا ذمة. فتكفل به. فهل يكون
الكفالة على المأمور بها أو على الأمر؟
الجواب: الكفالة ها هنا على المأمور بها لأن الأمر غير مكره للمأمور وإذا كان كذلك،
فما تكفل به إلا باختياره فكانت عليه لا على الأمر.
مسألة: إذا تكفل بدين رجل ثم ادعى الكفيل أن المكفول له قد أبرء المكفول به
237

من الدين وقد برئ من الكفالة وأنكر المكفول له ذلك. ما الحكم فيه؟
الجواب: الحكم فيه أن القول، قول المكفول له مع يمينه. وعلى الكفيل البينة لأنه
مدعي والأصل بقاء كفالته. فإن حلف، يثبت كفالته على الكفيل وإن نكل عن اليمين ردت
على الكفيل فإذا حلف، برئ من الكفالة ولم يبرأ المكفول به لأنه لا يصح أن يتبرأ بيمين
غيره وإنما يحلف الكفيل على ما يدعي عليه من الكفالة.
مسألة: إذا كان له على رجلين مائة درهم على كل واحد منهما خمسون درهما. فقال
له انسان آخر تكفلت لك بدين أحدهما هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأن ذلك مجهول.
مسألة: إذا كان له على رجلين مائة درهم على كل واحد منهما خمسون درهما. فقال
له انسان آخر تكفلت ببدن زيد على أنني إن جئت به وإلا فأنا كفيل لعمرو. هل يصح ذلك -
أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك: لأنه لم يلتزم إحضار زيد ولم يقطع به. والكفالة توجب
الإحضار والتسليم من غير تخيير. فلم تصح الكفالة بزيد ولا بعمرو أيضا فإنه علقها
بشرط وهو إن لم يأت بزيد. والكفالة لا يجوز أن تعلق بشرط.
مسألة: إذا قال الكفيل للمكفول له تكفلت بدينه ولا حق لك عليه وأنكر المكفول
له ذلك. ما الحكم فيه؟
الجواب: القول، قول المكفول له مع يمينه، لأن الظاهر صحة الكفالة. والكفيل مدع
لما يبطلها.
مسألة: إذا تكفل اثنان لآخر ببدن انسان وسلمه الواحد منهما إلى المكفول له هل
تبرأ ذمة الآخر من الكفالة أم لا؟
الجواب: لا تبرأ ذمة الآخر عن ذلك لأنه لا دليل عليه.
مسألة: إذا تكفل انسان ببدن آخر لاثنين وسلمه الكفيل إلى أحدهما، هل يبرأ
حق الآخر أم لا تبرأ ذمته؟
الجواب: لا تبرأ ذمته من حق الآخر وبراءته من ذلك يحتاج فيها إلى دليل ولا
238

دليل على ذلك.
مسألة: إذا تكفل انسان لغيره بآخر ثم تكفل آخر ببدن الكفيل ثم يكفل ببدن
الثالث رابع. هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: يصح ذلك لأن الكفيل الأول تكفل ببدن من عليه الحق وتكفل الثاني
ببدن الكفيل وعليه حق المكفول له من حق الكفالة فصح التكفيل به وبالجملة وإن من
تكفل ببدن من يجب عليه حق مستقر لا ذمي فإن كفالته صحيحة.
مسألة: إذا ضمن انسان لغيره عن آخر مائة درهم وضمن المضمون عنه عن
الضامن ذلك. هل يصح هذا الضمان أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأنه ليس فيه فائدة وأيضا فإن المضمون عنه أصل للضامن
والضامن فرع ولا يجوز أن يصير الأصل فرعا والفرع أصلا.
239

غنية النزوع
فصل في الضمان:
من شرط صحته أن يكون الضامن مختارا، غير مولى عليه، مليا في حال الضمان - إلا
أن يرضى المضمون له بعدم ملاءته فيسقط هنا هذا الشرط - وأن يكون إلى أجل معلوم، وأن
يقبل المضمون له ذلك، وأن يكون المضمون حقا لازما في الذمة - كمال القرض والأجرة
وما أشبه ذلك بدليل الاجماع المشار إليه - ومصيره إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار لقوله
ع: الزعيم غارم، ولم يفصل.
ويصح ضمان مال الجعالة بشرط أن يفعل ما يستحق به للخبر المتقدم وقوله تعالى:
ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم.
وليس من شرط صحته أن يكون المضمون معلوما بل لو قال: كل حق ثبت على فلان
فأنا ضامنه، صح ولزمه ما يثبت بالبينة أو الإقرار بدليل الاجماع المشار إليه.
وليس من شرط صحته أيضا رضي المضمون عنه ولا معرفته ومعرفة المضمون له لأنه
لا دليل على ذلك.
ويحتج على المخالف بما رووه من أن عليا ع وأبا قتادة لما ضمنا الدين عن
الميت أجازه النبي ع ولم يجعل رضاه لموته ولا سيلهما النبي ص.
عن معرفته ولا معرفة صاحب الدين، فدل على أن ذلك ليس من شرط صحته الضمان.
وإذا صح الضمان انتقل الحق إلى ذمة الضامن وبرئ المضمون عنه منه ومن المطالبة
به بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص لعلي لما
240

ضمن الدرهمين عن الميت: جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان
أخيك، وقوله لأبي قتادة لما ضمن الدينارين: هما عليك والميت منهما برئ قال: نعم، فدل أن
المضمون عنه يبرأ من الدين بالضمان.
ولا يرجع الضامن على المضمون عنه بما ضمنه إذا ضمن بغير إذنه، فإن كان أذن له في
الضمان رجع عليه بدليل الاجماع المشار إليه، سواء أذن في الأداء أو لم يأذن لأنا قد بينا أن الحق
انتقل إلى ذمته فلا حاجة إلى استئذانه في القضاء.
ويحتج على المخالف في المسألة الأولى بخبر على ع وأبي قتادة لأن ضمانهما
لما كان بغير إذن لم يكن لهما الرجوع على المضمون عنه، لأن ذلك لو كان لهما لم يكن في
الضمان فالدين باقيا على الميت كما كان.
ويصح ضمان الدين عن الميت المفلس لأنه لا مانع من ذلك ولأن النبي
ص أجاز الضمان مطلقا في الخبر المتقدم ولم يستفهم عن حال الميت.
وإذا تكفل ببدن انسان وضمن إحضاره بشرط البقاء صح بلا خلاف إلا ما رواه
المروزي من قول آخر للشافعي، وإذا طولب بإحضاره وهو حي فلم يحضره لزمه أداء
ما يثبت عليه في قول من أجاز كفالة الأبدان، وإن مات قبل ذلك بطلت الكفالة ولم يلزمه أداء
شئ مما كان عليه بلا خلاف بين من أجاز هذه الكفالة إلا من مالك وابن سريج،
ويدل على ذلك إجماع الطائفة لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا
فهذه الكفالة إنما كانت ببدنه لا بما في ذمته ولا يجب عليه ما لم يتكفله، ولو قال: إن لم آت به في
وقت كذا فعلى ما يثبت عليه، لزمه ذلك إذا لم يحضره - حيا كان أو ميتا - بدليل الاجماع
المشار إليه ولأنه قد تكفل بما في ذمته فيلزمه أداؤه.
241

فصل في بيان الضمان:
الضمان: إثبات مال في الذمة بعقد وهو ضربان: ضمان مال وضمان عهد، فضمان المال
ضربان: ضمان معلوم وضمان مجهول وكلاهما ضربان: ضمان متبرع وضمان غير متبرع.
وعلى الوجوه ضربان: ضمان ملئ وضمان غير ملئ.
وينقسم قسمين آخرين: صحيح، وفاسد.
وأنما يصح بخمسة شروط: بتعيين أجل المال لأن الضمان ينقل المال إلى ذمة الضامن
ولهذا يسقط عن المضمون عنه إذا سقط عن الضامن، ورضاء المضمون له والمضمون عنه
ولزوم المال أو كونه إيلاء إلى اللزوم وكونه معلوم المقدار على أحد القولين.
فالمعلوم يصح ضمانه بلا خلاف والمجهول يصح على قول من يجوز ذلك إذا ضمن
ماله عليه وأقام بينة على المبلغ، وضمان المتبرع صحيح إذا لم يأب المضمون عنه وضمان غير
المتبرع سيصح على كل حال، والملئ يصح ضمانه وغير الملئ إن علم المضمون له بذلك
حال الضمان أو لم يعلم ورضي به بعده صح، وإن لم يرض به بطل.
والفاسد ما يخلو عن الوجوه التي ذكرناها، فإن ضمن مليا ثم أعسر لم يبطل، وإذا أدى
المال كان له الرجوع بمثله على المضمون عنه إلا إذا تبرع بالضمان وإن لم يؤد لم يكن له
الرجوع، وإن أسقط المضمون له المال عن الضامن سقط عن المضمون عنه، وإن أسقط عنه
لم يسقط عن الضامن وإن أدى المال المضمون عنه صح.
وينقسم قسمين آخرين: ضمان انفراد وضمان اشتراك، فضمان الانفراد: ضمان جماعة
عن واحد ويكون للمضمون له الخيار في مطالبة المال من أيهم شاء على الانفراد وعلي
242

الاجتماع، وضمان اشتراك بالعكس من ذلك.
وضمان العهدة لم يخل من أربعة أوجه: إما ضمن قبل وصول الثمن ولم يصح، وإن
ضمن بعده وضمن قيمة ما يحدثه في المبيع وقد شرط ذلك في العقد لم يصح وبطل البيع، وإن
ضمن نفس المبيع لم يصح وإن ضمن العهدة صح.
243

إصباح الشيعة
كتاب الضمان والكفالة
من شرط صحة الضمان أن يكون الضامن مختارا غير مولى عليه مليا حال الضمان إلا
أن يرضى المضمون له بعدم ملائه فيسقط هذا الشرط وأن يكون إلى أجل معلوم وأن يقبل
المضمون له ذلك وأن يكون المضمون حقا لازما في الذمة كمال القرض والأجرة وما أشبه
ذلك.
ويصح ضمان مال الجعالة بشرط أن يفعل ما يستحق به وليس من شرط صحته أن
يكون المضمون معلوما بل لو قال: كل حق ما ثبت على فلان فأنا ضامنه صح ولزمه
ما ثبت بالبينة أو الإقرار وقد اشترطه بعض أصحابنا، وليس من شرط صحته رضي المضمون
عنه ولا معرفته ومعرفة المضمون له. وإذا صح الضمان انتقل الحق إلى ذمة الضامن
وبرئ المضمون عنه منه ومن المطالبة به ولا يرجع الضامن على المضمون عنه بما ضمنه
إذا ضمن بغير إذنه فإن كان أذن له في الضمان رجع إليه سواء أذن في الأداء أو لا، ويصح
ضمان الدين عن الميت المفلس.
إذا كان الضامن غير ملئ بما ضمن ولم يعلم بذلك المضمون له لم تبرأ ذمة المضمون
عنه، وإن علم بذلك فقد برئت فإن ظن المضمون له ملائه في حال الضمان ثم ظهر خلاف
ذلك فله الرجوع على المضمون عنه، وإن كان مليا في الحال ثم عجز فلا رجوع.
ولا يصح ضمان مال ليس بلازم في الحال كنفقة المرأة إذا كانت مستقبلة ومال
244

الكتابة، وقد يصح الضمان فيما لا يكون مستقرا في الحال غير أنه يسقط ببطلان أسبابه
كثمن مبيع قبل التسليم أو أجرة قبل انقضاء مدتها أو مهر قبل الدخول.
ولا يصح ضمان مال مجهول سواء كان واجبا أو غير واجب فالواجب مثل أن
يقول: أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي أو يقوم لك البينة من المال على فلان أو ما تكون لك
مثبتة في دفترك، وعند بعض أصحابنا يصح ضمان جميع ذلك دون ما يخرج به دفتر
الحساب. وغير الواجب كأن يقول: ضمنت لك ما تعامل فلانا.
إذا أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ الضامن لأنه إبراء من لا حق له عليه.
إذا ادعى على رجلين ألف درهم بالسوية وأن كلا منهما ضمن عن صاحبه
ما لزمه من نصف الألف باذنه وأحدهما غائب لم يكن له مطالبة الحاضر بالألف لأن ما يخصه
من ذلك قد انتقل عنه إلى شريكه بإقراره.
245

السرائر
والضمانات
الضمان جائز للكتاب والسنة والإجماع، وهو عقد قائم بنفسه، ومن شرطه: رضا
المضمون له ورضا الضامن، فأما رضا المضمون عنه فليس من شرط صحة انعقاده بل من
شرط استقراره ولزومه، لأن المضمون عنه إذا لم يرض بالضمان لم يصح على ما رواه
وأورده بعض أصحابنا، والصحيح أنه يستقر ويلزم لأن بالضمان ينتقل المال من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن بلا خلاف بينهم، وكذلك لو سلمه إليه وقضاه إياه لزم
واستقر بلا خلاف فبرئ المضمون عنه بالإجماع ولم يبق للمضمون له مطالبة المضمون
عنه، ويلزم من قال بالأول المصير إلى مذهب المخالفين من أن الضمان لا ينقل المال بل
المضمون له مخير بين مطالبة المضمون عنه ومطالبة الضامن، والضمان عند أصحابنا بغير
خلاف بينهم ينقل المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ولا يكون للمضمون له أن
يطالب أحدا غير الضامن.
ولا يصح ضمان ما لم يجب في ذمة المضمون عنه ويصح ضمان المال الثابت في الذمة
وإن كان مؤجلا، وإذا ضمن الضامن المال مطلقا فله أن يطالب به أي وقت شاء المضمون
له وإن كان مؤجلا لم يكن له مطالبة الضامن إلا بعد حلول الأجل، وإن كان المال حالا
وضمنه الضامن مؤجلا صح ذلك إذا كان الأجل محروسا من الزيادة والنقصان إما
بالسنين والأعوام أو الشهور والأيام.
وقد يوجد في بعض الكتب لأصحابنا: ولا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل، والمراد
246

بذلك إذا اتفقا على التأخير والأجل فلا بد ولا يصح إلا بأجل محروس على ما قدمناه، فأما إذا
اتفقا على التعجيل فيصح الضمان من دون أجل وكذلك إذا أطلقا العقد، وإلى هذا القول
ذهب شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وهو الحق اليقين لأنه لا يمنع منه مانع، ومن ادعى خلافه
يحتاج إلى دليل ولن يجد.
ومتى أدى الضامن الدين سقط عنه الضمان، وهل يرجع على المضمون عنه أم لا؟
فيه أربع مسائل:
إحداها: أن يكون قد ضمن بأمر من عليه الدين وأدى بأمره.
والثانية: أنه لم يضمن بأمره، ولم يؤد بأمره.
الثالثة: أن يكون ضمن بأمره وأدى بغير أمره.
الرابعة: أن يكون ضمن بغير أمره وأدى بأمره، فإذا ضمن بأمره وقضى بأمره فإنه
يرجع عليه به بلا خلاف.
وأما إذا ضمن بغير إذنه وأدى بغير إذنه وأمره فإنه يكون متبرعا بذلك فلا يرجع عليه
بغير خلاف بين أصحابنا لأنه يكون قد قضى دين غيره بغير إذنه فلا يرجع عليه به.
وأما إذا ضمن عنه باذنه وأدى بغير إذنه فإنه يلزمه الوفاء، لأنا قد بينا أن بنفس
الضمان انتقل الدين إلى ذمته فلا يحتاج في قضائه إلى إذنه بمقدار ما أدى الضامن إن كان
بمقدار الحق، وإن كان ما أدى أنقص من الحق فلا يلزمه إلا بمقدار المؤدى فحسب،
وبه وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار فمن ذلك ما أورده شيخنا أبو جعفر في كتاب تهذيب
الأحكام في باب الصلح:
محمد بن خالد عن ابن بكير عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل
ضمن ضمانا ثم صالح على بعض ما صالح عليه؟ قال: ليس له إلا الذي صالح عليه، وأيضا
فشيخنا أبو جعفر قد حققه في مبسوطه وذهب إليه، وأيضا فالمضمون عنه أمر الضامن بالضمان
عنه فقد جعله كالوكيل له في قضاء دينه وإن لم يكن وكيلا بماله على الحقيقة فهو كالوكيل
فيده نائبة عن يد موكله فلا يرجع الوكيل على موكله إلا بما غرمه وصالحه عليه فحسب.
247

فأما إن كان زائدا على مقدار الدين فلا يلزمه بغير خلاف وإن كان على مذهبنا المال
قد انتقل بالضمان من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن فهو المطالب به بسبب المضمون
عنه فما أدى عنه رجع عليه به.
وأما إذا ضمن بغير إذنه وأدى باذنه وأمره فإنه لا يرجع عليه به لأنه التزم وضمن بغير
أمر منه متبرعا فانتقل المال إلى ذمته فلا تأثير لإذنه في القضاء عنه لأن قضاءه بعد
الضمان إنما هو عن نفسه لا عن غيره لأنه واجب عليه دونه.
فأما بيان الحقوق التي يصح فيها الضمان ولا يصح، فجملة الأمر وعقد الباب أن كل
حق لازم ثابت في الذمة سواء كان مستقرا أو غير مستقر فإنه يصح ضمانه وما لم يكن ثابتا
في الذمة فلا يصح ضمانه، فعلى هذا التحرير نفقة الزوجات إن كانت ماضية صح
ضمانها لأنها ثابتة لازمة في الذمة، وإن كانت نفقة اليوم صح أيضا لأنها تجب بأول
اليوم، وإن كانت نفقة مستقبلة لم يصح ضمانها لأنها غير ثابتة في الذمة لأن النفقة تجب
عندنا بالتمكين من الاستمتاع لا بمجرد العقد، وإذا لم تجب النفقة بعد فلا يصح الضمان.
وفي الموضع الذي يصح ضمانها فلا يصح إلا أن تكون معلومة لأن ضمان المجهول على
الصحيح من المذهب وعند المحصلين من الأصحاب لا يصح.
وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه وفي مبسوطه فإنه قال: لا يصح ضمان
المجهول سواء كان واجبا في حال الضمان أو غير واجب ولا يصح ضمان ما لم يجب سواء كان
معلوما أو مجهولا، فالمجهول الذي ليس بواجب مثل أن تقول: ضمنت لك ما تعامل فلانا أو
ما تقرضه وتداينه، فهذا لا يصح لأنه مجهول ولأنه غير واجب في الحال، والمجهول الذي هو
واجب مثل أن يقول: أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي على فلان أو ما تشهد لك به البينة
من المال عليه أو ما يكون مثبتا في دفترك، فهذا لا يصح لأنه مجهول وإن كان واجبا في الحال،
وقال قوم من أصحابنا: إنه يصح أن يضمن ما تقوم به البينة دون ما يخرج به دفتر الحساب،
ولست أعرف به نصا، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: فإن قال قائل: فإذا لم يعرف الشيخ أبو جعفر
248

الطوسي بصحة ضمان ما قامت به البينة نصا فمن أين أورده في نهايته وذهب إليه وأفتى به
وعول عليه؟
قلنا: هذا أدل دليل وأوضح قيل في اعتذارنا له فيما يورده في نهايته من أخبار الآحاد، وأنه
يوردها إيرادا من طريق أخبار الآحاد بحيث لا يشذ شئ من الأخبار لا اعتقادا على ما قاله
في عدته على ما أسلفنا القول في معناه، وأنه غير عامل بأخبار الآحاد وإلا إن كان عاملا بها
فيلزمه العمل بما أورده في نهايته، وهو قد دفع وقال: لست أعرف بذلك نصا، فيكون مناقضا
لأقواله.
وأما الأعيان المضمونة مثل العين المضمونة في يد الغاصب والعارية في يد المستعير إذا
شرط ضمانها فهل يصح ضمانها عمن هي في يده أم لا؟ الصحيح أنها يصح ضمانها لأنها
مضمونة.
ومتى كان لرجل على رجلين ألف درهم، على كل واحد منهما خمس مائة، وضمن كل
واحد منهما صاحبه، تحول الحق الذي على كل واحد منهما إلى صاحبه وهو خمس مائة إلا أن
قبل الضمان كان له دين الأصل وبعد الضمان دين الضمان، وإن قضى أحدهما الألف
عن نفسه وعن صاحبه برئا جميعا لأنه يكون قد قضى دين غيره وذلك صحيح، وإن أبرأه
عن الألف برئ مما عليه ولا يبرأ الآخر لأنه لم يبرئه، ومتى قضى خمس مائة لم يقع ذلك
إلا عن الخمس مائة التي تحولت إليه بالضمان لأن الخمس مائة التي عليه انتقلت عنه إلى
ذمة صاحبه بالضمان على ما قررناه، هذا إذا ضمنا في حالة واحدة.
فأما إن ضمن أحدهما ما على الآخر برئ المضمون عنه وصار الألف جميعا لازما
للضامن خمس مائة دين الأصل وخمس مائة دين الضمان، فإن عاد بعد ذلك المضمون عنه
وضمن صاحبه الأول الذي هو الضامن فقد تحول وانتقل الألف جميعا من ذمة الأول إلى
ذمة الأخير، وعلى هذا الاعتبار لأنا قد بينا أن بالضمان عند أصحابنا ينتقل المال من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن فليس له مطالبة المضمون عنه بحال، وأصحابنا يعتبرون في
صحة الضمان أن يكون الضامن مليا بما ضمن وقت الضمان أو غير ملي مع علم المضمون
249

له بذلك، فمتى كان غير ملي وقت الضمان ولم يعلم المضمون له حاله فله الرجوع على
المضمون عنه.
فعل هذا التحرير قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: من كان عليه حق فسأل غيره ضمانه عنه
لصاحبه، فضمنه وقبل المضمون له ضمانه وكان الضامن مليا بما ضمن، فقد وجب عليه
الخروج إلى صاحبه مما ضمن وبرئ المضمون عنه من مطالبة من كان له عليه، غير أنه يثبت
له حقه على من كان ضمن عنه، فإن أراد مطالبته بذلك كان له ذلك لأنه بأمره وإذنه ضمن
فمتى أدى كان له الرجوع عليه وثبت حقه قبله، ومتى تبرع الضامن من غير مسألة المضمون عنه
ذلك وقبل المضمون له ضمانه فقد برئ عهدة المضمون عنه إلا أن ينكر ذلك ويأباه فيبطل
ضمان المتبرع ويكون الحق على أصله لم ينتقل عنه بالضمان وليس للضامن على المضمون عنه
رجوع فيما ضمن إذا تبرع بالضمان عنه.
ومن ضمن حقا وهو غير ملي به لم يبرئ المضمون عنه بذلك إلا أن يكون المضمون
له قد علم ذلك وقبل ضمانه مع ذلك فلا يجب له مع هذه الحال الرجوع على المضمون
عنه، وإذا كان الضامن مليا بما ضمن في الحال التي ضمن فيها وقبل المضمون له ضمانه ثم
عجز بعد ذلك عما ضمن وافتقر لم يكن للمضمون له الرجوع على المضمون عنه وإنما يرجع
عليه إذا لم يكن الضامن مليا في وقت الضمان، فإن ظن في حال ما ضمن أنه ملي بذلك
ثم انكشف بعد ذلك أنه كان غير ملي في تلك الحال كان له الرجوع على المضمون عنه.
ومن ضمن لغيره نفس انسان إلى أجل معلوم بشرط ضمان النفوس ثم لم يأت به عند
الأجل وحلوله كان للمضمون له حبسه حتى يحضر المضمون عنه أو يخرج إليه مما عليه.
ومن ضمن غيره إلى أجل وقال: إن لم أحضره عند حلول الأجل كان علي كذا،
وحضر الأجل لم يلزمه إلا إحضار الرجل دون ما ذكره من المال، فإن بدأ بضمان المال
أولا فقال: علي المال المعين إلى كذا، وضرب الأجل: إن لم أحضره، ثم لم يحضره وجب
عليه ما ذكره من المال وكان ضامنا للمال بخلاف المسألة المتقدمة لأنه في هذه بدأ
بضمان المال أولا فقال: علي كذا، وفي الأولى بدأ بضمان النفس قبل المال فافترق
250

الأمران.
روى ذلك أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن الحصين عن أبي العباس عن أبي عبد الله
ع، قال: سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا
وكذا درهما؟ قال ع: إن جاء به إلى أجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا إلا
أن يبدأ بالدراهم فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت إلى الأجل الذي أجله.
محمد بن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد الكندي عن أحد بن الحسن الميثمي عن أبان بن
عثمان عن أبي العباس، قال: قلت لأبي عبد الله ع رجل كفل لرجل بنفس رجل
فقال: إن جئت به وإلا فعلي خمس مائة درهم؟ قال: عليه نفسه ولا شئ عليه من الدراهم،
فإن قال علي خمس مائة درهم إن لم أدفعه إليه؟ فقال: يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه.
فهذان الخبران أوردهما شيخنا أبو جعفر في تهذيب الأحكام، وفي نهايته أورد عبارة ملتبسة في
هذا المعنى، وفقه ذلك ما ذكرناه ولا بد أن تكون الدراهم التي لزمته في الموضع المذكور ضمانا
عما وجب له في ذمة المضمون عنه ثابتة في ذمته حتى يصح ضمانها لأنا قد بينا أن ضمان ما لم
يجب ولا يثبت في الذمة لا يجوز.
ثم قال شيخنا في نهايته: وإن لم يكن عين المال وقال: أنا أضمن له ما يثبت لك عليه إن لم
آت به إلى وقت كذا، ثم لم يحضره وجب عليه ما قامت به البينة للمضمون عنه ولا يلزمه ما لم
تقم به البينة مما يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب وإنما يلزمه ما قامت له به البينة أو يحلف
خصمه عليه، فإن حلف على ما يدعيه بعد رد اليمين عليه واختار الضامن المذكور ذلك وجب
عليه الخروج منه.
قال محمد بن إدريس: هذا على قول من قال من أصحابنا بصحة ضمان المجهول، فأما على
الصحيح من المذهب فلا يصح هذا كله والضمان من أصله باطل لأنه ضمان مجهول، وقد بينا
فيما مضى قول شيخنا ورجوعه عما ذهب إليه في نهايته في مبسوطه ومسائل خلافه واستدل على
فساده بأن قال: دليلنا ما روي عن النبي ع أنه نهى عن الغرر، وضمان المجهول غرر
لأنه لا يدري كم قدرا من المال عليه، ثم قال رحمه الله: وأيضا فلا دليل على صحة ذلك فمن
251

ادعى صحته فعليه الدلالة، هذا آخر كلام شيخنا في مسائل خلافه.
ومن خلى غريما لرجل من يده قهرا وإكراها كان ضامنا لما عليه، فإن خلاه بمسألة
وشفاعة لم يلزمه شئ إلا أن يضمن عنه ما عليه حسب ما قدمناه، ومن خلى قاتلا من يد
ولي المقتول بالجبر والإكراه كان ضامنا لدية المقتول إلا أن يرد القاتل إلى الولي ويمكنه
منه.
252

شرائع الاسلام
كتاب الضمان وهو عقد شرع للتعهد بمال أو نفس، والتعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون عنه
مال وقد لا يكون فهنا ثلاثة أقسام:
القسم الأول: في ضمان المال:
ممن ليس عليه للمضمون عنه مال وهو المسمى بالضمان بقول مطلق، وفيه بحوث ثلاثة:
الأول: في الضامن:
ولا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف، فلا يصح ضمان الصبي ولا المجنون، ولو
ضمن المملوك لم يصح إلا بإذن مولاه، ويثبت ما ضمنه في ذمته لا في كسبه إلا يشترطه في
الضمان بإذن مولاه، وكذا لو شرطه أن يكون الضمان من مال معين.
ولا يشترط علمه ب لمضمون له ولا المضمون عنه وقيل: يشترط، والأول أشبه. لكن
لا بد أن يمتاز المضمون عنه عند الضامن بما يصح معه القصد إلى الضمان عنه، ويشترط رضا
المضمون له ولا عبرة برضا المضمون عنه لأن الضمان كالقضاء، ولو أنكر بعد الضمان لم يبطل
على الأصح. ومع تحقق الضمان ينتقل المال إلى ذمة الضامن ويبرأ المضمون عنه وتسقط
المطالبة عنه، ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ الضامن على قول مشهور لنا،
ويشترط فيه الملاءة أو العلم بالإعسار، أما لو ضمن ثم بان إعساره كان للمضمون له فسخ
253

الضمان والعود على المضمون عنه.
والضمان المؤجل جائز إجماعا وفي الحال تردد، أظهره الجواز ولو كان المال حالا
فضمنه مؤجلا جاز وسقطت مطالبة المضمون عنه ولم يطالب الضامن إلا بعد
الأجل، ولو مات الضامن حل وأخذ من تركته، ولو كان الدين مؤجلا إلى أجل
فضمنه إلى أزيد من ذلك الأجل جاز، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه
إن ضمن باذنه ولو أدى بغير إذنه، ولا يرجع إذا ضمن بغير إذنه ولو أدى باذنه،
وينعقد الضمان بكتابة الضامن منضمة إلى القرينة الدالة لا مجردة.
الثاني: في الحق المضمون:
وهو كل مال ثابت في الذمة سواء كان مستقرا كالبيع بعد القبض والقضاء الخيار أو
معرضا للبطلان كالثمن في مدة الخيار بعد قبض الثمن، ولو كان قبله لم يصح ضمانه
عن البائع وكذا ما ليس بلازم لكن يؤول إلى اللزوم كمال الجعالة قبل فعل ما شرط وكمال
السبق والرماية على تردد، وهل يصح ضمان مال الكتابة؟ قيل: لا لأنه ليس بلازم ولا
يؤول إلى اللزوم، ولو قيل بالجواز كان حسنا لتحققه في ذمة العبد كما لو ضمن
عنه مالا غير مال الكتابة ويصح ضمان النفقة الماضية والحاضرة للزوجة لاستقرارها
في ذمة الزوج دون المستقبلة، وفي ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوضة بالبيع
الفاسد تردد والأشبه الجواز، ولو ضمن ما هو أمانة كالمضاربة والوديعة لم يصح لأنها ليست
مضمونة في الأصل، ولو ضمن ضامن ثم ضمن عنه آخر هكذا إلى عدة ضمناء كان جائزا.
ولا يشترط العلم بكمية المال فلو ضمن ما في ذمته صح على الأشبه، ويلزمه ما تقوم
البينة به أنه كان ثابتا في ذمته وقت الضمان لا ما يوجد في كتاب، ولا يقر به المضمون عنه ولا
ما يحلف عليه المضمون له برد اليمين، أما لو ضمن ما يشهد به عليه لم يصح لأنه لا يعلم
ثبوته في الذمة وقت الضمان.
254

الثالث: في اللواحق وهي مسائل:
الأولى: إذا ضمن الثمن لزمه دركه في كل موضع يثبت بطلان البيع من رأس، أما لو
تجدد الفسخ بالتقايل أو تلف المبيع قبل القبض لم يلزم الضامن ورجع على البائع وكذا لو
فسخ المشتري بعيب سابق، أما لو طالب بالأرش رجع على الضامن لأن استحقاقه ثابت
عند العقد وفيه تردد.
الثانية: إذا خرج المبيع مستحقا رجع على الضامن، أما لو خرج بعضه رجع على
الضامن بما قابل المستحق وكان في الباقي بالخيار، فإن فسخ رجع بما قابله على البائع
خاصة.
الثالثة: إذا ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصح لأنه
ضمان ما لم يجب وقيل: كذا لو ضمنه البائع، والوجه الجواز لأنه لازم بنفس العقد.
الرابعة: إذا كان له على رجلين مال فضمن كل واحد منهما ما على صاحبه تحول ما
كان على كل واحد منهما إلى صاحبه، ولو قضى أحدهما ما
ضمنه برئ وبقي على الآخر ما ضمنه عنه، ولو أبرأ الغريم أحدهما برئ مما ضمنه دون شريكه.
الخامسة: إذا رضي المضمون له من الضامن ببعض المال أو أبرأه من بعضه لم يرجع
على المضمون عنه إلا بما أداه، ولو دفع عوضا عن مال الضمان رجع بأقل الأمرين.
السادسة: إذا ضمن عنه دينارا باذنه فدفعه إلى الضامن فقد قضى ما عليه، ولو قال:
ادفعه إلى المضمون له، فدفعه فقد برئ الضامن والمضمون عنه.
السابعة: إذا ضمن بإذن المضمون عنه ثم دفع ما ضمن وأنكر المضمون له القبض
كان القول قوله مع يمينه، فإن شهد المضمون عنه للضامن قبلت شهادته مع انتفاء التهمة
على القول بانتقال المال، ولو لم يكن مقبولا فحلف المضمون له كان له مطالبة الضامن مرة
ثانية ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه أولا، ولو لم يشهد المضمون عنه رجع
الضامن بما أداه أخيرا.
الثامنة: إذا ضمن المريض في مرضه ومات فيه خرج ما ضمنه من ثلث تركته على
الأصح.
255

التاسعة: إذا كان الدين مؤجلا فضمنه حالا لم يصح، وكذا لو كان إلى شهرين
فضمنه إلى شهر لأن الفرع لا يرجع على الأصل وفيه تردد.
256

كتاب الضمان:
وهو عقد شرع للتعهد بنفس أو مال.
وأقسامه ثلاثة:
الأول: ضمان المال:
ويشترط في الضامن التكليف، وجواز التصرف. ولا بد من رضا المضمون له ولا عبرة
بالمضمون عنه. ولو علم فأنكر لم يبطل الضمان على الأصح. وينقل المال من ذمة المضمون
عنه إلى الضامن وتبرأ ذمة المضمون عنه.
ويشترط فيه الملاءة أو علم المضمون له بإعساره. ولو بان إعساره كان المضمون له
مخيرا. والضمان المؤجل جائز. وفي المعجل قولان، أصحهما: الجواز.
ويرجع الضامن على المضمون عنه، إن ضمن بسؤاله. ولا يؤدى أكثر مما دفع. ولو وهبه
المضمون له أو أبرأه لم يرجع على المضمون عنه بشئ ولو كان باذنه. وإذا تبرع الضامن
بالضمان فلا رجوع. ولو ضمن ما عليه
صح وإن لم يعلم كميته على الأظهر. ويثبت عليه
ما تقوم به البينة، لا ما يثبت في دفتر وحساب، ولا ما يقر به المضمون عنه.
257

الجامع للشرائع
باب الضمان والكفالة والحوالة:
الضمان عقد لازم من الطرفين ويفتقر إلى رضى المضمون له والضامن دون المضمون
عنه، ويجوز على دين ثابت في الذمة كالثمن بعد تسليم المبيع والمهر بعد الدخول ونفقة
الزوجة السالفة وعلى ما يعرض للسقوط كالثمن قبل تسليم المبيع والمهر قبل الدخول،
فإن وقعت الردة أو تلف المبيع بطل الضمان لبطلان أصله.
ولا يجوز ضمان مال الكتابة المشروطة لأن للعبد أن يعجز نفسه، وإن أداه عتق، ولا ضمان
في مال الجعالة قبل الرد ولا مال المسابقة قبل السبق والنفقة المستقبلة، ويصح ضمان نفقة
اليوم لأنها تجب بأوله، ولا يصح ضمان الأعيان كالمغصوب، ويصح ضمان العهدة عن
البائع وهو ضمان الثمن بعد قبضه، فإذا ظهر المبيع مستحقا رجع عليه بالثمن وهو في
الحقيقة ضمان ما وجب فإن ظهر به عيب ففسخ المشتري لم يضمن الضامن الثمن والبائع
ضامن في الحالين بمجرد البيع، ولا يصح ضمان الخلاص لأن المالك لا يجبر على البيع،
وبالضمان ينتقل الدين إلى ذمة الضامن ويبرأ المضمون عنه، فإذا أدى الضامن لم يرجع على
المضمون عنه إلا أن يضمن باذنه أدى باذنه أو بغير إذنه.
ويصح الضمان حالا ومؤجلا، ويصح ضمان الدين الحال مؤجلا والمؤجل حالا،
وقيل: لا يصح، وإذا مات الضامن للمؤجل حل بموته، ويصح أن يضمن عن الضامن
ضامن وينتقل الدين إليه وعلى هذا، فإن أبرأ صاحب الدين الضامن برئ بالإبراء وبرئ
الأصل بالضمان، وإن أبرأ المضمون عنه لم يصح لأن الحق انتقل عنه، فإن أبرأ المضمون له
258

الضامن أو صالحه على بعض الدين برئ ولم يرجع على الأصل إلا بما غرم، وإذا ضمن عنه
باذنه فله أن يلزمه بتخليصه، وإن ضمن بغير أمره لم يكن له إلزامه بذلك.
وإذا كان له على شخصين دينار بالسوية فضمن كل منهما عن صاحبه صارما كان على
الواحد على الآخر فلم يزد على النصف لكنه كان دينا فبرئ منه وصار عليه مثله
بالضمان، وإذا ضمن دينارا فأعطى المضمون له ثوبا ورضي به رجع على المضمون عنه بأقل
الأمرين من قدر الحق وقيمة الثوب.
ولا يصح ضمان المجهول، وقيل: يصح ويضمن ما ثبت بالبينة لا بما يخرج به
الحساب في كتاب، ويصح ضمان الدين عن الميت خلف وفاء أم لم يخلف، ولا يصح ضمان
العبد والمدبر والمكاتب، فإن أذن له السيد فكما إذا أذن له في النكاح.
وإذا أكره شخصا على تخليص غريمه في دين أو قتل أو جراح ضمن ما عليه من مال و
الدية في القتل والجراح إلا أن يحضره، وإن قال الضامن: على ألف دينار - وهو الدين - إن
لم أحضره فعليه المال إلا أن يحضره، وإن قال: على إحضاره فإن لم أحضره فعلى دية
المعلوم، فليس عليه إلا إحضاره، فإن لم يحضر حبس حتى يحضره.
259

المقصد الرابع: في الضمان:
وهو عقد شرع للتعهد بنفس أو مال ممن عليه مثله أو لا، فهنا فصول ثلاثة:
الأول:
الضمان بالمال ممن ليس عليه شئ ويسمى ضمانا بقول مطلق وفيه
مطلبان:
الأول: في أركانه: وهي خمسة:
الأول: الصيغة، وهي: ضمنت وتحملت وتكفلت، وما أدى معناه، ولو
قال: أؤدي أو أحضر، لم يكن ضامنا، ولا يكفي الكتابة مع القدرة ويكفي مع
عدمها مع الإشارة الدالة على الرضا لإمكان العبث، وشرطه التنجيز فلو علقه بمجئ
الشهر أو شرط الخيار في الضمان فسد، والإبراء كالضمان في انتفاء التعليق فيه،
ولو شرط تأجيل الحال صح والأقرب جواز العكس فيحل مع السؤال على إشكال.
الثاني: الضامن، وشرطه البلوغ والعقل والرشد وجواز التصرف والملاءة
حين الضمان أو علم المستحق بالإعسار، ولا يشترط استمرار الملاءة فلو تجدد لم
يكن له فسخ الضمان أما لو لم يعلم كان له الفسخ، ويصح ضمان الزوجة دون إذن
الزوج وفي صحة ضمان المملوك بدون إذن السيد إشكال، ينشأ من أنه إثبات مال
260

في الذمة بعقد فأشبه النكاح وانتفاء الضرر على مولاه، فإن جوزناه يتبع به بعد
العتق ولو أذن احتمل تعلقه بكسبه وذمته فيتبع به بعد العتق، أما لو شرطه في
الضمان بإذن السيد صح كما لو شرط الأداء من مال بعينه.
والسفيه بعد الحجر كالمملوك وقبله كالحر وكذا المفلس كالحر لكن
لا يشارك، ولا يصح من الصبي وإن أذن الولي فإن اختلفا قدم قول الضامن
لأصالة براءة الذمة وعدم البلوغ، وليس لمدعي الأهلية أصل يستند إليه ولا ظاهر
يرجع إليه بخلاف ما لو ادعى شرطا فاسدا لأن الظاهر أنهما لا يتصرفان باطلا،
وكذا البحث في من عرف له حالة جنون أما غيره فلا، والمكاتب كالعبد والمريض
يمضى من الثلث والأخرس إن عرفت إشارته صح ضمانه وإلا فلا.
الثالث: المضمون عنه، وهو الأصيل ولا يعتبر رضاه في صحة الضمان لأنه
كالأداء فيصح ضمان المتبرع ولو أنكر بعد الضمان لم يبطل على رأي، ويصح
الضمان عن الميت وإن كان مفلسا ولا يشترط معرفة المضمون عنه، نعم لا بد من
امتيازه عن غيره عند الضمان بما يمكن القصد معه إلى الضمان عنه.
الرابع: المضمون له، وهو مستحق الدين ولا يشترط علمه عند الضامن بل
رضاه وفي اشتراط قبوله احتمال، فإن شرط اعتبر فيه التواصل المعهود بين الإيجاب
والقبول في العقود.
الخامس: الحق المضمون به، وشرطه المالية والثبوت في الذمة وإن كان
متزلزلا كالثمن في مدة الخيار والمهر قبل الدخول، أو لم يكن لازما لكن يؤول إليه
كمال الجعالة قبل الفعل ومال السبق والرماية، والأقرب صحة ضمان مال
الكتابة وإن كانت مشروطة، ويصح ضمان النفقة الماضية والحاضرة للزوجة لا
المستقبلة والحاضرة للقريب دونهما، ولو ضمن ما سيلزمه ببيع أو قرض بعده لم
يصح.
ولا ضمان للأمانة كالوديعة والمضاربة ويصح ضمان أرش الجناية وإن كان
261

حيوانا، ومال السلم والأعيان المضمونة كالغصب والعارية المضمونة و الأمانة مع
التعدي على إشكال، وضمان العهدة للبائع عن المشتري بأن يضمن الثمن الواجب
بالبيع قبل تسليمه، وضمان عهدته إن ظهر عيب أو استحق، وللمشتري عن البائع
بأن يضمن الثمن بعد قبضه متى خرج مستحقا أو رد بعيب على إشكال أو أرش
العيب.
ويصح نقصان ضمان الصنجة في الثمن للبائع وفي السلعة للمشتري ورداءة
الجنس في الثمن والمثمن، والأقرب أنه لا يصح ضمان عهدة الثمن لو خرج المبيع
معيبا ورده، والصحة لو بان فساده بغير الاستحقاق كفوات شرط معتبر في البيع أو
اقتران شرط فاسد به، والأقوى صحة ضمان المجهول كما في ذمته فيلزمه ما يقوم
البينة على ثبوته وقت الضمان لا ما يتجدد ولا ما يوجد في دفتر وكتاب، أو يقر به
المضمون عنه أو يحلف عليه المالك برد اليمين من المديون، ولو ضمن ما يقوم به البينة
لم يصح لعدم العلم بثبوته حينئذ ولا ضمنت شيئا مما لك عليه، ويصح الإبراء من
المجهول، ولو قال: ضمنت من واحد إلى عشرة، احتمل لزوم العشرة وثمانية
وتسعة باعتبار الطرفين.
المطلب الثاني: في الأحكام:
الضمان ناقل وإن لم يرض المديون، فلو أبرأه المستحق بعده لم يبرأ الضامن
ولو أبرأ الضامن برئا معا ولو ضمن الحال مؤجلا تأجل، وليس للضامن مطالبة
المديون قبل الأداء، فإن مات الضامن حل ولورثته مطالبة المضمون عنه قبل الأجل،
ولو كان الأصل مؤجلا لم يكن لهم ذلك، ولو مات الأصيل حينئذ خاصة حجر
الحاكم من التركة بقدر الدين، فإن تلف فمن الوارث كما أن النماء له، ثم الضامن
إن تبرع لم يرجع على المديون وإن أذن له في الأداء وإلا رجع بالأقل من الحق وما
أداه وإن أبرئ، ولو أبرئ من الجميع فلا رجوع وإن لم يأذن له في الأداء.
262

ويصح ترامي الضمان ودوره، واشتراط الأداء من مال بعينه فإن تلف بغير
تفريط الضامن ففي بطلان الضمان إشكال، ومع عدمه يتعلق به تعلق الدين بالرهن
لا الأرش بالجاني فيرجع على الضامن، وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه وكذا
لو ضمن مطلقا ومات معسرا على إشكال، ولو بيع متعلق الضمان بأقل من قيمته
لعدم الراغب رجع الضامن بتمام القيمة لأنه يرجع بما أدى ويحتمل بالثمن خاصة
لأنه الذي قضاه، وللضامن مطالبة الأصيل إن طولب كما أنه يغرمه إذا غرم على
إشكال وليس له المطالبة بالتخليص قبل المطالبة.
ومن أدى دين غيره من غير ضمان ولا إذن لم يرجع وإن أداه باذنه بشرط الرجوع رجع، ولو لم يشرط
الرجوع احتمل عدمه إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع
وثبوته للعادة، ولو صالح المأذون في الأداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين
احتمل الرجوع إن قال: أد ديني أو ما علي، بخلاف: أد ما على من الدراهم، إن
علق بالأداء وعدمه لأنه إذن في الأداء لا الصلح، ولو صولح الضامن عن مائة بما
يساوى تسعين رجع بالتسعين وكذا لو صولح بحط قدر أو نقص صفة، ولو صالح
بالأزيد رجع بالدين، ويرجع على ضامن عهدة الثمن في كل موضع يبطل فيه البيع
من رأس لا ما يتجدد له الفسخ بالتقابل أو العيب السابق أو تلفه قبل قبضه بل
يرجع على البائع.
ولو طالب بالأرش فالأقرب مطالبة الضامن، ولو فسخ لاستحقاق بعضه رجع
على الضامن بما قابل المستحق وعلى البائع بالآخر، ولو أخذ بالشفعة رجع على
الشفيع دون الضامن والبائع، ولو باع أو أقرض بشرط رهن عين أو مطلقا فضمن
تسليم الرهن لم يصح لأن الأصيل لا يلزمه ذلك، ولو ضمن درك ما يحدثه المشتري
من بناء أو غرس لم يصح لأنه ضمان ما لم يجب وفي ضمان البائع ذلك إشكال،
ولو ضمن اثنان طولب السابق ومع الاقتران إشكال، ولو ضمن كل من المديونين
ما على صاحبه تعاكست الأصالة والفرعية فيهما إن أجازهما ويتساقطان.
263

فلو شرط أحدهما الضمان من مال بعينه وحجر عليه لفلس قبل الأداء رجع
على الموسر بما أدى، ويضرب الموسر مع الغرماء وإلا طولب من أجيز ضمانه
بالجميع خاصة، فإن دفع النصف انصرف إلى ما قصده ويقبل قوله مع اليمين، فإن
أطلق فالوجه التقسيط وينصرف الإبراء إلى ما قصده المبرئ فإن أطلق فالتقسيط.
ولو ادعى الأصيل قصده ففي توجه اليمين عليه أو على ضامن إشكال ينشأ من
عدم توجه اليمين لحق الغير وخفاء القصد، ولو ضمن الثالث المتبرع بسؤاله رجع عليه
دون الأصيل وإن أذن له الأصيل في الضمان والأداء، ولو دفع الأصيل إلى
الضامن أو المستحق فقد برئ وإن لم يأذن الضامن في الدفع، وعلى الضامن البينة
بالإذن لو أنكره الأصيل أو أنكر الدين، ولو أنكر الضامن الضمان فاستوفى
المستحق بالبينة لم يرجع على الأصيل إن أنكر الدين أيضا أو الإذن وإلا رجع
اقتصاصا إلا أن ينكر الأصيل الإذن ولا بينة، ولو أنكر المستحق دفع الضامن
بسؤال قدم إنكاره فإن شهد الأصيل ولا تهمة قبلت ومعها يغرم ثانيا، ويرجع على
الأصيل بالأول مع مساواته الحق أو قصوره ولو لم يشهد رجع بالأقل من الثاني
والأول والحق.
ولو ادعى القضاء المأذون له فيه فأنكر المستحق فإن كان في غيبة الآذن فهو
مقصر بترك الإشهاد إذ كان من حقه الاحتياط والتمهيد طريق الإثبات فلا يرجع
عليه إن كذبه، وإن صدقه احتمل ذلك حيث لم ينتفع به الأصيل والرجوع لاعترافه
ببراءة ذمته وفعل ما أذن فيه، فلا يخرج استحقاق المأذون بظلم المستحق. وهل له
إحلاف الأصيل لو كذبه؟ إن قلنا: بالرجوع مع التصديق، حلفه على نفي العلم
بالأداء، وإن قلنا: بعدمه، فإن قلنا: اليمين المردودة كالإقرار، لم يحلفه لأن غايته
النكول فيحلف الضامن فيصير كتصديق الأصيل، وإن قلنا: كالبينة، حلف فلعله
ينكل فيحلف.
ولو جحد الأصيل وصدقه المستحق احتمل الرجوع لسقوط المطالبة بإقراره
264

الذي هو أقوى من البينة وعدمه إذ قول المستحق ليس حجة على الأصيل، ولو
كان الدفع بحضور الأصيل فلا ضمان إذ التقصير ينسب إليه، ولا تفريط لو أشهد
رجلا وامرأتين أو مستورين وفي رجل واحد ليحلف معه نظر، ولو اتفقا على
الإشهاد وموت الشهود أو غيبتهم فلا ضمان، ولو ادعاه الدافع فأنكر الأصيل
الإشهاد تعارض أصلا عدم الإشهاد وعدم التقصير لكن تأيد الأول بأصالة براءة
ذمته عن حق الدافع.
265

اللمعة الدمشقية
كتاب الضمان
وهو التعهد بالمال من البرئ ويشترط كماله وحريته إلا أن يأذن المولى فيثبت في
ذمة العبد إلا أن يشترطه من مال المولى. ولا يشترط علمه بالمستحق ولا الغريم بل
تمييزهما.
والإيجاب: ضمنت أو تكفلت وتقبلت، وشبهه. ولو قال: مالك عندي أو على أو ما
عليه فعلى، فليس بصريح. فيقبل المستحق وقيل: يكفي رضاه، فلا يشترط فورية
القبول. ولا عبرة بالغريم نعم لا يرجع عليه مع عدم إذنه ولو إذن رجع بأقل الأمرين مما
أداه ومن الحق، ويشترط فيه الملاءة أو علم المستحق بإعساره، ويجوز الضمان حالا
ومؤجلا عن حال ومؤجل.
والمال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه، ولو ضمن للمشتري عهدة الثمن لزمه في
كل موضع يبطل فيه البيع من رأس كالاستحقاق، ولو ضمن أدرك ما يحدثه من بناء أو
غرس فالأقوى جوازه، ولو أنكر المستحق القبض فشهد عليه الغريم قبل مع عدم التهمة،
ومع عدم قبول قوله لو غرم الضامن رجع في موضع الرجوع بما أداه أولا، ولو لم يصدقه على
الدفع رجع بالأقل.
266

كتاب الحوالة
267

المراسم العلوية الحوالة
وأما الحوالة: فعلى ضربين: أحدهما أن يكون قد أخذ المحال بعضهما، والآخر
أن يكون لم يأخذ. فإن أخذ لم يجز له الرجوع. فإن لم يأخذ، فله الرجوع، فأما
الشرط فيه، فكالشرط في الضمان من أنه يجب أن يكون المحال عليه مليا والعقد
واجب.
269

باب الحوالة هي عقد من العقود يجب الوفاء به، لقوله تعالى: أوفوا بالعقود ووجوب الوفاء به يدل
على جوازه، وقال النبي ص: إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل، وأجمعت
الأمة على جواز الحوالة وإن اختلفوا في مسائل منها.
والحوالة مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، يقال: أحاله بالحق عليه تحيله واحتال
قبل الحوالة، والحوالة إنما تصح في الأموال التي هي ذوات أمثال ولا تصح إلا بشرطين:
اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة، وأن يكون الحق مما يصح فيه أخذ البدل قبل
قبضه.
وقد بينا أن الضمان جائز للكتاب والسنة، فالكتاب ما تلوناه من سورة يوسف من
قوله: وأنا به زعيم، وليس لأحد أن يقول: إن الحمل مجهول لا يصح الكفالة به والضمان فيه
وذلك أن الحمل حمل بعير وهو ستون وسقا عند العرب، وأيضا فإنه مال الجعالة وذلك عندنا
يصح ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم، ومن لم يجز ضمان مال الجعالة وضمان مال المجعول قال:
أخرجت ذلك بدليل والظاهر يقتضيه، وخطب النبي ع يوم فتح مكة فقال في
خطبته: العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم، يعني الكفيل يغرم.
فإذا ثبت صحة الضمان فمن شرطه وجود ثلاثة أشخاص: ضامن ومضمون له
ومضمون عنه. وليس من شرط الضامن معرفتهما، والله أعلم.
270

غنية النزوع
فصل في الحوالة:
الحوالة تفتقر في صحتها إلى شروط: منها: رضي المحيل إجماعا لأن من عليه الدين مخير في جهات قضائه.
ومنها: رضي المحال - بلا خلاف إلا من داود - لأن نقل الحق من ذمة إلى أخرى مع
اختلاف الذمم تابع لرضى صاحبه، ولأنه إذا رضي عليه صحت الحوالة بلا خلاف وليس على
صحتها مع عدم رضاه دليل، وقول النبي ص: إذا أحيل أحدكم على ملي
فليحتل، محمول على الاستحباب لما فيه من قضاء حاجة أخيه وإجابته إلى ما ينبغي.
ومنها: رضي المحال عليه لأن إثبات الحق في ذمته لغيره - مع اختلاف الغرماء في شدة
الاقتضاء وسهولته - تابع لرضاه ولأنه لا خلاف في صحتها إذا رضي وليس كذلك إذا لم
يرض.
ومنها: أن يكون المحال عليه مليا في حال الحوالة بلا خلاف بين أصحابنا، فإن رضي
المحال بعدم ملاءته جاز لأنه صاحب الحق.
وتصح الحوالة على من ليس عليه دين لأن الأصل جواز ذلك والمنع منه يفتقر إلى
دليل.
وإذا كان عليه دين اعتبر شرطان آخران:
أحدهما اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة لأن المحال عليه لا يلزمه أن يؤدى
خلاف ما هو عليه.
271

والثاني: أن يكون الحق مما يصح أخذ البدل فيه قبل قبضه لأن ذلك في
الحوالة وهذه حالها في معنى المعاوضة.
وإذا صحت الحوالة انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه بلا خلاف إلا من
زفر - لأنها مشتقة من التحويل وذلك لا يكون مع بقاء الحق في الذمة الأولى.
ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل إذا جحد المحال عليه الحق وحلف عليه أو
مات مفلسا أو أفلس وحجر الحاكم عليه لأنه لا دليل على عود الحق إليه بعد
انتقاله عنه، ولأن عوده إليه عند إعسار المحال عليه يبطل فائدة اشتراط ملاءته وقد
بينا أن ذلك يشترط.
وإذا أحال المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب بطلت الحوالة لأنها
بحق البائع وهو الثمن وإذا بطل البيع سقط الثمن فبطلت، فإن أحال البائع على
المشتري بالثمن ثم رد المبيع بالعيب لم تبطل الحوالة لأنه تعلق به حق لغير
المتعاقدين.
وإذا اختلفا فقال المحيل: وكلتك بلفظ الوكالة، وقال المحال: بل أحلتني
بلفظ الحوالة، فالقول قول المحيل بلا خلاف لأنهما اختلفا في لفظه وهو أعرف به من
غيره، ولو كان النزاع بالعكس من ذلك كان القول قول المحال لأن الأصل بقاء
حقه في ذمة المحيل.
وإذا اتفقتا في لفظ الحوالة وأن القدر الذي جرى بينهما منه أنه قال: أحلتك
بمالي عليه من الحق، ثم اختلفا فقال المحيل: أنت وكيلي في ذلك، وقال المحال:
بل أحلتني لأخذ ذلك لنفسي، فالقول قول المحيل لأن الأصل بقاء حق المحال في
ذمته وبقاء حقه على المحال عليه، المحال يدعي زوال ذلك والمحيل ينكره كان
القول قوله مع يمينه.
272

فصل في بيان الحوالة
الحوالة: انتقال حق من ذمة إلى ذمة وتصح بعشرة شروط: بالإيجاب والقبول ورضي
المحيل والمحتال، رضي المحال عليه على الصحيح وكون المحال به من ذوات الأمثال
واتفاق الحقين في الجنس، والنوع والصفة وكونه مما يجوز فيه أخذ البدل قبل القبض.
وإذا قبل الحوالة وأبرأ ذمة المحيل لم يكن له الرجوع عليه بحال إذا كان مليا أو
معسرا وعلم إعساره حالة الحوالة، وإن لم يعلم إعساره أو لم تبرأ ذمته كان له الرجوع
عليه إذا لم يؤد المال.
273

إصباح الشيعة
كتاب الحوالة
الحوالة تفتقر في صحتها إلى شروط منها رضاء المحتال والمحيل والمحال عليه وأن
يكون المحال عليه مليا في حال الحوالة، فإن رضي المحتال بعدم ملائه جاز، وتصح
الحوالة على من ليس عليه دين إذا قبل الحوالة، وإذا كان عليه دين اعتبر شرطان آخران:
اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة، وأن يكون الحق مما يصح أخذ البدل فيه قبل
قبضه، ولا يجوز الحوالة بالمسلم فيه، ولا تصح الحوالة إلا في ذوات الأمثال من الأموال.
وإذا صحت الحوالة انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل
إذا جحد المحال عليه الحق وحلف عليه أو مات مفلسا أو أفلس و حجر الحاكم عليه.
وإذا أحال المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب بطلت الحوالة لأنها بحق
البائع وهو الثمن وإذا بطل البيع سقط الثمن فبطلت، فإن أحال البائع على المشتري
بالثمن ثم رد المبيع بالعيب لم تبطل الحوالة لأنه تعلق به حق لغير المتعاقدين.
وإذا اختلفا فقال المحيل: وكلتك بلفظ الوكالة، وقال المحتال: بل أحلتني بلفظ
الحوالة، فالقول قول المحيل لأنهما اختلفا في لفظه وهو أعرف به، ولو
كان النزاع بالعكس كان القول قول المحتال لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المحيل.
إذا اتفقا على اللفظ وأنه قال: أحلتك بما لي عليه من الحق، ثم اختلفا فقال المحيل
أنت وكيلي في ذلك وقال المحتال بل أحلتني لآخذ ذلك لنفسي فالقول قول المحيل، ويجوز
الحوالة لمن لا حق له عنده ومتى أحال بدين مؤجل لم يحل الدين بموت المحيل أو المحال
274

له وإنما يحل بموت المحال عليه لأن الدين المؤجل يحل بموت من هو عليه.
ويجوز الحوالة بما لا مثل له من الثياب والحيوان إذا ثبتت في الذمة بالقرض، وكذلك
يجوز إذا كان الحيوان ثابتا في الذمة بجناية كأرش الموضحة وغيرها، ولا يجوز للسيد أن
يحيل بمال المكاتبة غريما له على مكاتبه لأنه ليس بثابت.
275

السرائر
الحوالات
والحوالة عقد من العقود يجب الوفاء به لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، ووجوب الوفاء به
يدل على جوازه، وأجمعت الأمة على جواز الحوالة وهي مشتقة من تحويل الحق من
ذمة إلى ذمة يقال: أحاله بالحق عليه يحيله إحالة، واحتال الرجل إذا قبل الحوالة، فالمحيل الذي له
الحق والمحتال الذي يقبل الحوالة والمحال عليه هو الذي عليه الحق للمحيل، والمحال به هو
الدين نفسه، فإذا ثبت ذلك فالحوالة متعلقة بثلاثة أشخاص: محيل ومحتال ومحال عليه،
فالثلاثة يعتبر رضاهم في صحة عقد الحوالة لأنه إذا حصل رضا هؤلاء أجمع صحت الحوالة
بلا خلاف وإذا لم يحصل ففيه خلاف.
وإذا أحاله بدينه على من له عليه دين فلا خلاف في صحة الحوالة، فأما إذا أحاله على
من ليس له عليه دين فإن ذلك لا يصح عند المخالف ولا خلاف في صحة ذلك عند
أصحابنا معشر الإمامية.
فإذا ثبت ذلك تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه إجماعا إلا زفر، فاشتقاق
الحوالة يقتضي ذلك لأنها مشتقة من التحويل، والمعنى إذا حكم الشرع بصحته وجب أن
نعطيه حقه، فإذا ثبت ذلك فإن المحتال إذا أبرأ المحيل بعد الحوالة من الحق لم يسقط حقه
عن المحال عليه لأن المال قد انتقل وتحول عنه إلى غيره، فإذا ثبت أن الحق قد انتقل من
ذمته فإنه لا يعود إليه سواء بقي المحال عليه على غناه حتى أداه أو جحده حقه وحلف عند
الحاكم أو مات مفلسا أو أفلس وحجر عليه الحاكم، إلا أن أصحابنا يعتبرون ملاءة
276

المحال عليه وقت الإحالة - الملاءة بفتح الميم والمد - أو علم المحال له بإعساره كما اعتبروا
ذلك في الضامن على ما قدمناه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن كان له على غيره مال فأحال به على غيره، وكان المحال
عليه مليا به في الحال وقبل الحوالة وأبرأه منه، لم يكن له رجوع عليه، ضمن ذلك المحال به عليه
أو لم يضمن بعد أن يكون قد قبل الحوالة، فإن لم يقبل الحوالة إلا بعد ضمان المحال عليه ولم
يضمن من أحيل عليه ذلك كان له مطالبة المحيل ولم تبرأ ذمته بالحوالة، فإن انكشف
لصاحب المال أن الذي أحيل عليه به غير ملي بالمال بطلت الحوالة وكان له الرجوع على
المديون بحقه عليه، ومتى لم يبرئ المحال له بالمال المحيل في حال ما يحيله كان له أيضا الرجوع
عليه أي وقت شاء، هذا آخر كلام شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس: لا أرى لقوله رحمه الله وجها في أول الكلام وهو: وقبل الحوالة وأبرأه
منه، لم يكن له رجوع عليه، ضمن ذلك المحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قبل
الحوالة، فإن لم يقبل الحوالة إلا بعد ضمان المحال عليه ولم يضمن من أحيل عليه ذلك كان له
مطالبة المحيل ولم تبرأ ذمته بالحوالة. قلنا بعد أن يقبل الحوالة فقد تحول الحق من ذمة المحيل إلى
ذمة المحال عليه سواء ضمن ذلك أو لم يضمن لأن الضمان به ينتقل المال من ذمة المضمون عنه
إلى ذمة الضامن، وكذلك الحوالة بها يتحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا فائدة
في الضمان بعد عقد الحوالة وانتقال المال وتحويله.
وقوله رحمه الله في آخر الكلام والباب: ومتى لم يبرأ المحال له بالمال المحيل في حال ما يحيله
كان له أيضا الرجوع عليه أي وقت شاء، لا وجه له لأن الحوالة عقد قائم بنفسه عند أصحابنا،
وهو من العقود اللازمة للمتعاقدين، وينتقل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه مع رضي
المحال له، وهي مشتقة من تحويل الحق، فإذا كان كذلك فقد انعقد العقد وتحول الحق، فسواء
أبرأه منه بعد الحوالة أو لم يبرئه لأن الذمة قد برئت بتحويل الحق وعقد الحوالة فلا حاجة بنا
إلى أن يبرأ بعد الحوالة، لأن الذمة قد برئت بعد عقد الحوالة وانتقال المال وتحويل الحق فلا
يحتاج بعد ذلك إلى براءة أخرى، وهذه الألفاظ التي أوردها شيخنا في نهايته ألفاظ الأخبار
277

الآحاد أوردها إيرادا لا اعتقادا على ما كررنا القول في معناه.
فأما اعتقاده وفتواه وعمله ما ذكره في مسائل خلافه وهو أن قال مسألة: إذا أحال
رجلا على رجل بالحق وقبل الحوالة وصحت، تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبه قال
جميع الفقهاء، ثم قال: دليلنا أن الحوالة مشتقة من التحويل فينبغي أن يعطي اللفظ حقه من
الاشتقاق والمعنى إذا حكم الشرع بصحته، فإذا أعطيناه حقه وجب أن ينتقل الحق من المحيل
إلى المحال عليه، وقال بعض أصحابنا: وأما الحوالة فعلى ضربين: أحدهما أن يكون قد أخذ
المحال بعضها، والآخر أن يكون لم يأخذ. فإن أخذ لم يجز له الرجوع وإن لم يأخذ فله الرجوع،
وهذا قول مرغوب عنه لأنه لا دليل عليه ولما قد قدمناه وحررناه.
278

شرائع الاسلام
القسم الثاني
في الحوالة
والكلام في العقد وفي شروطه وأحكامه
أما الأول فالحوالة عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله.
ويشترط فيها: رضا المحيل والمحال عليه والمحتال، ومع تحققها يتحول المال إلى ذمة
المحال عليه ويبرأ المحيل وإن لم يبرئه المحتال على الأظهر، ويصح أن يحيل على من ليس
عليه دين لكن يكون ذلك بالضمان أشبه، وإذا أحاله على الملي لم يجب القبول لكن لو قبل
لزم وليس له الرجوع ولو افتقر، أما لو قبل لحوالة جاهلا بحاله ثم بان فقره وقت الحوالة
كان له الفسخ والعود على المحيل، وإذا أحال بما عليه ثم أحال المحال عليه بذلك الدين
صح وكذا لو ترامت الحوالة، وإذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة، فإن كان بمسألة المحال
عليه رجع عليه وإن تبرع لم يرجع ويبرأ المحال عليه.
ويشترط في المال أن يكون معلوما ثابتا في الذمة سواء كان له مثل كالطعام أو لا مثل له
كالعبد والثوب، ويشترط تساوي المالين جنسا ووصفا تفصيا من التسلط على المحال
عليه، إذا لا يجب أن يدفع إلا مثل ما عليه وفيه تردد، ولو أحال عليه فقبل وأدى ثم طالب
بما أداه فادعى المحيل أنه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه فالقول قوله مع يمينه ويرجع
على المحيل.
وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد حلول النجم، وهل تصح قبله؟ قيل لا، ولو باعه
السيد سلعة فأحاله بثمنها جاز، ولو كان له على أجنبي دين فأحال عليه بمال الكتابة صح
279

لأنه يجب تسليمه.
وأما أحكامه: فمسائل:
الأولى: إذا قال: أحلتك عليه، فقبض فقال المحيل: قصدت الوكالة، وقال المحتال:
إنما أحلتني بما عليك، فالقول قول المحيل لأنه أعرف بلفظه وفيه تردد، أما لو لم يقبض
واختلفا فقال: وكلتك، فقال: بل أحلتني بما عليك، فالقول قول المحيل قطعا، ولو انعكس
الفرض فالقول قول المحتال:
الثانية: إذا كان له دين على اثنين وكل منهما كفيل لصاحبه وعليه لآخر مثل ذلك
فأحاله عليهما صح وإن حصل الرفق في المطالبة.
الثالثة: إذا أحال المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب السابق بطلت
الحوالة لأنها تتبع البيع وفيه تردد، فإن لم يكن البائع قبض المال فهو باق في ذمة المحال
عليه للمشتري، وإن كان البائع قبضه فقد برئ المحال عليه ويستعيده المشتري من
البائع، أما لو أحال البائع أجنبيا بالثمن على المشتري ثم فسخ المشتري بالعيب أو بأمر
حادث لم تبطل الحوالة لأنها تعلقت بغير المتبايعين، ولو ثبت بطلان البيع بطلت الحوالة في
الموضعين.
280

المختصر النافع
القسم الثاني: الحوالة
وهي مشروعة لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله. ويشترط رضاء الثلاثة.
وربما اقتصر بعض على رضاء المحيل والمحتال. ولا يجب قبول الحوالة ولو كان على ملئ.
نعم لو قبل لزمت.
ولا يرجع المحتال على المحيل ولو افتقر المحال عليه.
ويشترط ملاءته وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره. ولو بان فقره رجع ويبرأ
المحيل وإن لم يبرئه المحتال. وفي رواية، إن لم يبرئه فله الرجوع.
281

الجامع للشرائع
الحوالة
وأما الحوالة فعقد يحتاج فيه إلى رضي المحيل والمحتال والمحال عليه وأن يكون
للمحتال دين على المحيل، فإن لم يكن له عليه دين فهو وكيل فلو مات محيله بطلت وكالته،
ولا فرق بين أن يحيل على من له عليه دين أو من لا دين له عليه، ويصح الحوالة بما يثبت في
الذمة مما له مثل كالأدهان والأثمان أو لا مثل له كالثياب والحيوان، وقبول الحوالة مستحب
غير واجب.
وإذا صحت الحوالة وكان المحال عليه مليا أو معسرا فبحكم الضمان، ولا يصح أن
يحيل السيد بمال الكتابة على عبده لأنه ليس بدين لازم، ويصح حوالة المكاتب سيده به
على من له عليه دين، ويصح أن يحيل السيد على المكاتب بما ثبت له عليه من معاملة وغير
السيد ويصح الحوالة بالثمن مدة الخيار وبالثمن بعد التفرق، فإن رد المبيع بعيب سابق
بطلت الحوالة.
والحوالة ليست ببيع فلا خيار مجلس فيها، ولو كانت بيعا لكان بيع دين بدين، وإذا لم
يعط المحال عليه المال وجحده أو مات مفلسا أو أفلس حيا وحجر عليه فلا رجوع على
المحيل للانتقال المفهوم من لفظ الحوالة، وروى أصحابنا: أنه أن أبرأ المحال المحيل بعد
الحوالة فلا رجوع له عليه عليه وإلا فله الرجوع، وإذا ادعى من عليه الدين أنه أحال
غريمه بدينه على غيره وقبل الحوالة فأنكر فعلى المدعي البينة، فإن فقدها حلف صاحب
الدين.
282

وإن ادعى من له الدين على شخص أن غريمه أحاله عليه بدينه وقبل فأنكره فعلى من
له البينة فإن فقد فعلى المدعى عليه اليمين، فإن حلف أسقط الدعوى عن نفسه وسقط
الدين عن الغريم باعتراف صاحب الدين، فإن كذبه الغريم لم يسقط دينه عن الحالف،
وإن نكل عن اليمين لزمه ذلك، وإن كذبه فله مطالبة الناكل بدينه فيكون غارما مرتين.
ويصح أن يحيل المحال عليه المحال على آخر وعلى هذا، وإذا اتفقا على لفظ هو:
أحلتك على فلان بما لي عليه، وادعى المتلفظ الوكالة والآخر الحوالة حكم بموجب اللفظ وهو
الدعوى للمحتال، ولو أحاله على غيره ثم قضاه المحيل صح القضاء ولم يرجع به على
المحال عليه لتبرعه به، وإذا ادعى من عليه الدين غريمه أحال شخصا غائبا به فأنكر
حلف وأخذ حقه، وإن أقام المدعي بينة سقط عنه، فإذا قدم الغائب فلا بينة عليه لإقرار
صاحبه، وإن ادعى على الغائب أنه أحاله بدينه على من له عليه دين فأقام البينة قضى بها
على الغائب.
283

قواعد الأحكام
الفصل الثاني: في الحوالة:
وهو عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى أخرى وشروطها ثلاثة: رضا الثلاثة
وعلمهم بالقدر، ولزوم الدين أو كونه صائرا إليه، وعلم المحتال بإعسار المحال عليه
لو كان أو رضاؤه به شرط اللزوم، وهل يشترط شغل ذمة المحال عليه بمثل الحق
للمحيل؟ الأقرب عدمه لكنه أشبه بالضمان ولا يجب قبولها وإن كانت على
ملي، فإن قبل لزم وليس له الرجوع وإن افتقر، ولو ظهر له فقره حال الحوالة تخير
في الفسخ. وهل يتخير لو تجدد اليسار والعلم بسبق الفقر؟ إشكال وهي ناقلة
فيبرأ المحيل عن دين المحتال وإن لم يبرئه المحتال على رأي، ويتحول حقه إلى ذمة
المحال عليه ويبرأ المحال عليه عن دين المحيل، وتصح على من ليس عليه حق أو عليه
مخالف على رأي، ويصح ترامي الحوالات ودورها والحوالة بما لا مثل له وبالثمن
في مدة الخيار وبمال الكتابة بعد حلول النجم وقبله على إشكال.
ولو أحال المكاتب سيده بثمن ما باعه جاز، ولو كان له على أجنبي دين
فأحال عليه بمال الكتابة صح لأنه يجب تسليمه، ولو قضى المحيل الدين بمسألة
المحال عليه يرجع عليه وإن تبرع لم يرجع ويبرأ المحال عليه، ولو طالب المحال عليه
المحيل بما قبضه المحتال فادعى شغل ذمته، قدم قول المنكر مع اليمين، ولو احتال
البائع ثم ردت السلعة بعيب سابق فإن قلنا: الحوالة استيفاء، بطلت لأنها نوع
إرفاق فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الإرفاق، كما لو اشترى بدراهم مكسرة فأعطاه
284

صحاحا ثم فسخ فإنه يرجع بالصحاح، وإن قلنا: إنها اعتياض، لم تبطل كما لو
استبدل عن الثمن ثوبا ثم رد بالعيب فإنه يرجع بالثمن لا الثوب، فللمشتري
الرجوع على البائع خاصة إن قبض ولا يتعين المقبوض وإن لم يقبضه فله قبضه.
وهل للمشتري الرجوع قبل قبضه؟ فيه إشكال ينشأ من أن الحوالة كالقبض
ولهذا لا يحبس البائع بعدها السلعة، ومن أن التغريم للمقبوض ولم يحصل حقيقته،
فإن منعنا الرجوع فهل للمشتري مطالبته بتحصيل الحوالة ليرجع؟ إشكال وعلى
تقدير البطلان لا يرد البائع إلى المحال عليه بل إلى المشتري ويتعين حقه فيما قبضه،
فإن تلف فعليه بدله، وإن لم يقبضه فلا يقبضه، فإن قبضه فهل يقع عن المشتري؟
يحتمل ذلك لأنه كان مأذونا في القبض لجهة، فإذا بطلت بقي أصل الإذن والأصح
العدم لأن الإذن الذي كان ضمنا لا يقوم بنفسه.
والوكالة عقد مخالف للحوالة بخلاف ما لو فسدت الشركة والوكالة، فإن
الإذن الضمني يبقى ويصح التصرف لأن المحتال يقبض لنفسه بالاستحقاق لا
للمحيل بالإذن، وهما مختلفان فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر، وفي الشركة
يتصرف بالإذن فإذا بطل خصوص الإذن بقي عمومه، ولو أحال البائع رجلا على
المشتري فالأقرب عدم بطلان الحوالة بتجدد الفسخ لتعلق الحوالة بغير المتعاقدين سواء
قبض أو لا، ولو فسد البيع من أصله بطلت الحوالة في الصورتين ويرجع المشتري
على من شاء من المحتال والبائع.
فروع:
أ: لو أحال بثمن العبد على المشتري وصدق الجميع العبد على الحرية بطلت
الحوالة ويرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه على البائع، وإن كذبهما المحتال
وأقام العبد بينة أو قامت بينة الحسبة فكذلك، وليس للمتبايعين إقامتها لتكذيبهما
بالمبايعة إلا مع إمكان الجمع كادعاء البائع عتق وكيله وادعاء المشتري عتق البائع
285

مع جهله، ولو فقدت البينة فلهما إحلافه على نفي العلم فيأخذ المال من المشتري،
وفي رجوع المشتري على البائع إشكال ينشأ من أن المظلوم يرجع على من ظلمه ومن
أنه قضى دينه باذنه، ولو صدقهما المحتال وادعى أن الحوالة بغير الثمن صدق مع
اليمين لأن الأصل صحة الحوالة، فإن أقاما بينة أن الحوالة بالثمن قبلت لأنهما لم
يكذباها.
ب: لو جرى لفظ الحوالة واختلفا بعد القبض فادعاها المحتال وادعى المحيل
قصد الوكالة، فالأقرب تقديم قول المحيل لأنه أعرف بلفظه وقصده واعتضاده
بالأصل من بقاء حق المحيل على المحال عليه وحق المحتال على المحيل، ويحتمل
تصديق المستحق لشهادة اللفظ له، ولو لم يقبض قدم قول المحيل قطعا ولو انعكس
الفرض قدم قول المحتال، ولو لم يتفقا على جريان اللفظ بل قال المستحق: أحلتني،
وقال المديون: وكلتك في استيفاء ديني، صدق المديون، فإن لم يكن قبض فليس
له ذلك لانعزاله بإنكاره الوكالة وله مطالبة المديون بالمال لئلا يضيع حقه، ويحتمل
العدم لاعترافه ببراءته بدعوى الحوالة.
أما لو قال المستحق: وكلتني، فقال: لا بل أحلتك، صدق منكر الحوالة
باليمين وليس للمستحق القبض لأن إنكار الوكالة يتضمن العزل، وإن كان قبض
فالأقرب أنه يتملكه لأنه جنس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه، وإن تلف احتمل
عدم الضمان لأن الوكيل أمين وثبوته لأن الأصل ضمان مال الغير في يد آخر، ولا
يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة ليسقط عنه الضمان.
ج: لو شرط في الحوالة القبض بعد شهر مثلا فالأقرب الصحة وإن كان
حالا.
د: لو أحال البرئ على مشغول الذمة فهي وكالة يثبت فيها أحكامها
وجازت بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المقصود وهو استحقاق المطالبة، ولو انعكس
الفرض فإن شرطنا الشغل فهو اقتراض، فإن قبض المحتال رجع على المحيل وإن أبرأه
286

لم يصح لأنه إبراء لمن لا دين عليه، وإن قبض منه ثم وهبه إياه رجع المحال عليه
على المحيل لأنه غرم عنه، ولو أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهي وكالة
في اقتراض.
287

اللمعة الدمشقية
كتاب الحوالة
وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله. ويشترط فيه رضاء الثلاثة فيتحول فيها المال
كالضمان ولا تجب قبولها على الملئ، ولو ظهر إعساره فسخ المحتال، ويصح ترامي الحوالة
ودورها وكذا الضمان والحوالة بغير جنس الحق والحوالة بدين عليه لواحد على دين
للمحيل على اثنين متكافلين، ولو أدى المحال عليه وطلب الرجوع لإنكار الدين وادعاه
المحيل تعارض الأصل والظاهر، والأول أرجح فيحلف ويرجع سواء كان بلفظ الحوالة
أو الضمان.
288

كتاب الكفالة
289

المقنع
باب الكفالات
اعلم أن الكفالة خسارة وندامة وغرامة. واعلم أنها أهلكت القرون الأولى،
وإذا كان لرجل على صاحبه حق فضمنته بالنفس فعليك تسليمه. وعلى الإمام أن يحبسك
حتى تسلمه وإن ضمنته بالمال فعليك بالمال.
291

الكافي
فصل في الكفالة والحوالة:
صحة الكفالة والحوالة تفتقر إلى تعيين الأجل فيما يحتاج إلى الأجل فيه، وكون الكفيل
والمحال عليه مليا في حالة الكفالة والحوالة أو يرضى المكفول له أو المحال بالكفيل
والمحال عليه بعد العلم بحاله، فإذا رضي الغريم وقبل الكفيل أو المحال عليه انتقل
الحق إلى ذمته وبرئ المكفول عنه والمحيل، وكان للكفيل الرجوع بما كفله على المكفول
عنه إن كان مشفوعا إليه في ذلك، وإن كان متبرعا لم يرجع عليه بشئ إلا أن يكون قد
وافقه على ذلك فيرجع بمال الكفالة عليه.
وإذا ظن المكفول له أو المحال كون الكفيل مليا وانكشف أنه غير ملي في حال
الكفالة أو الحوالة رجع إلى غريمه الأول بمال الحوالة، وإن كان في الحال مليا ثم أفلس فيما بعد
أو كان معلوم الحال ورضي به لم يكن له رجوع على الأول بشئ.
وضمان إحضار الغريم في وقت معين أو أي وقت شاء المضمون له من مدة معلومة
بشرط البقاء صحيح يلزم معه إحضاره، فإن طلبه فلم يحضره وهو حي فعليه الخروج مما
ثبت عليه، وإن مات قبل ذلك فلا شئ عليه إلا أن يشترط على نفسه أنه إن لم يأت به فعليه
ما عليه، فيلزمه متى لم يحضره القيام بما ثبت عليه حيا كان أو ميتا.
وضمان المجهول جائز كالمتعين كقول الضامن: كل حق عليه لازم لي، ويلزمه من ذلك
ما قامت به البينة أو أقر به الغريم خاصة.
ومن خص غريما من يد غيره بالغلبة فعليه الخروج إلى من خلصه منه مما ثبت له
عليه من حق، وإن خلصه بشفاعة لم يضمن شيئا مما عليه إلا أن يضمنه، وإذا لم يبرأ
292

الغريم إلى المحال في مال الحوالة ورضي المحال عليه بذلك لم تبرأ ذمته منه ويحسب بما
قبضه من المحال عليه ورجع على غريمه الأول بالباقي، وإن برئ إليه ورضي كل منهما بذلك
لم يرجع عليه بشئ من مال الحوالة.
293

المراسم العلوية
وأما الكفالة:
فعلى ضربين كفالة اقتضاها عقد وكفالة قهر.
فأما التي اقتضاها بالعقد فإن يكفل برجل بوجهه إلى أجل معلوم. فإن جاء الأجل ولم يأت به
حبسه ليجئ به ويخرج مما عليه. وأما التي بالقهر فعلى ضربين: أحدهما أن يخلى غريما من يد
مطالبه أو قاتلا من يد أولياء الدم. فإن كان غريما فحكم المخلى له حكم الكفيل المتبرع، و
إذا كان قاتلا وجب على من خلاه الدية أو تسليم القاتل.
294

فقه القرآن
باب الكفالة: قال تعالى حكاية عن يعقوب: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم وقول ولده ليوسف " فخذ
أحدنا مكانه " وذلك كفالة البدن.
واعلم أن الكفالة بالنفس والمال في الشرع جائزة ولا يصح إلا بأجل وإن كانت
الكفالة ندامة وغرامة، قال تعالى: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم، أي كفيل به وضمين
له، وأنشد:
فلست بأمن فيها بسلم ولكني على نفسي زعيم
وإنما قال: وأنا به زعيم، وقبله ذكر جمع " قالوا نفقد صواع الملك " لأن زعيم القوم
متكلم عنهم.
وسأل أبا عبد الله ع أبو العباس عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل
فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا قال: إن جاء به إلى أجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه
أبدا إلى أن يبدأ بالدراهم فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي
أجله.
بيان ذلك: إن من ضمن غيره إلى أجل وقال: إن لم آت به كان علي كذا وحضر الأجل
لم يلزمه إلا إحضار الرجل، وإن قال علي كذا إلى كذا إن لم أحضر فلانا ثم لم يحضره وجب
عليه ما ذكره من المال.
وإذا تكفل رجل ببدن رجل عليه مال أو يدعي عليه مالا ففي الناس من قال: يصح ضمانه وفيهم من قال: لا يصح
ضمانه، والأول أقوى للآية التي تقدمت.
295

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان الكفالة:
الكفالة: التقبل بنفس انسان لمن له عليه حق ولا يصح إلا بشروط خمسة: وهي
الإيجاب والقبول ورضي المكفول له والمكفول به وتعيين مدة الكفالة، والكفالة ضربان: كفالة
بالعقد وكفالة تلزم بغير عقد.
فالأولى ضربان: مشروطة ومطلقة، فالمطلقة: لم يلزم فيها الكفيل غير إحضار المكفول
به، والمشروطة: هي أن تقيد بتأدية المال وهي ضربان: فإن قدم ضمان المال على الكفالة
وعجز عن التسليم لزمه المال، وإن قدم الكفالة على ضمان المال لزمه إحضاره دون المال.
والتسليم مطلق ومقيد، فإذا أطلق لزمه التسليم في دار الحاكم أو في موضع لا يقدر على
الامتناع، وإن قيد بموضع مخصوص لزمه تسليمه في ذلك الموضع، ويجوز التكفل
بالكفيل وبأكثر من واحد وتكفل جماعة لواحد، وإذا سلمه أحد الكفلاء لم تبرأ ذمة الباقين،
وتبطل الكفالة بموت الكفيل والمكفول به.
وأما ما هو في حكم الكفالة مما يلزم بغير عقد، فتخلية القاتل من يد ولي الدم وتخلية
المستدين من يد من له الدين، ويلزمه التسليم إليهما أو الدية والدين.
296

إصباح الشيعة الكفالة
فصل
ولا يجوز أن يتكفل بمال مؤجل على غيره حالا ويجوز أن يتكفل به مؤجلا وهو حال.
لا يصح ضمان العبد [ال‍] غير المأذون له في التجارة إلا بإذن سيده فإن أذن له في الضمان وأطلق
الضمان تعلق بكسبه، وإن عين مال الضمان في كسبه أو في ذمته أو غير ذلك
وجب فيما بيده، وكذا الحر إذا عين ضمانه في مال لزمه قضاؤه منه، ويصح ضمان المأذون له
في التجارة ويلزمه فيما في يده. ولا يصح ضمان من لا يعقل ولا الضمان عنه. وكل مال لا
يكون مضمونا كالودائع ومال المضاربة في يد المضارب ومال الوصاية في يد الوصي وغير
ذلك لم يصح الضمان عنهم إلا أن يتلف في أيديهم بتفريط من قبلهم فصاروا ضامنين له
فحينئذ يصح ضمانه عنهم.
يصح ضمان النفوس حالا ومؤجلا ولا يجوز ذلك إلا بإذن من تكفل عنه، ومتى
تكفل ببدن انسان مطلقا كانت الكفالة حالة وللمكفول له مطالبته بتسليمه في الحال، وإذا
تكفل به على أن يسلمه في موضع بعينه فسلمه إليه في موضع آخر لم يلزمه قبوله إلا إذا
تبرع بالقبول فيبرأ الكفيل، فإن لم يعين لتسليمه موضعا وجب تسليمه في موضع عقد
الكفالة، وإذا جاء المكفول به إلى المكفول له وقال: سلمت نفسي إليك من كفالة فلان،
وأشهد على ذلك شاهدين برئ الكفيل.
إذا أحضره الكفيل للتسليم فلم يتسلمه مع التمكن فقد برئت ذمته.
297

إذا مات المكفول به برئت ذمة الكفيل من الكفالة ولم يلزمه المال، وروي أنه إذا قال
الكفيل: ضمنت فلانا إلى كذا إن لم آت به كان على كذا، وحضر الأجل لم يلزمه إلا إحضار
الرجل، وإن قال: على كذا إلى كذا إن لم أحضر فلانا ثم لم يحضره وجب عليه المال
ويصح.
ومن خلى غريما لرجل من يده إكراها ضمن ما عليه.
298

السرائر
الكفالة
كفالة الأبدان عندنا تصح إلا أنها لا تصح إلا بإذن من يكفل عنه، فإذا كفل
بالبدن نظر فإن كان قد كفل حالا صحت الكفالة، وإن كفل مؤجلا صحت كما تقول
في كفالة المال، وإن كفل مطلقا كانت صحيحة وكانت حالة.
وإلى هذا التحرير يذهب شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، وقال في نهايته: لا يصح ضمان مال ولا
نفس إلا بأجل، وقد قدمنا معنى ذلك وما المقصود به.
فإذا ثبت هذا وهو الصحيح الحق اليقين كان للمكفول له مطالبته بتسليمه في الحال،
فإن سلمه برئ وإن امتنع من تسليمه حبس حتى يسلم على ما قدمناه، وإن أحضره
الكفيل وسأله أن يتسلمه، فإن كان ممنوعا من تسليمه بيد ظالمة مانعة لم يبرأ من كفالته
ولا يصح تسليمه، وإن لم يكن ممنوعا من تسليمه لزمه قبوله، فإن لم يقبل أشهد عليه رجلين
أنه سلمه إليه وبرئ، فإن كانت الكفالة مؤجلة لم يكن له مطالبة الكفيل قبل المحل فإذا
حل الأجل كان حكمه ما قدمناه، وإن كان غائبا وقت حلول الأجل كان له حبس
الكفيل أو يخرج مما عليه، فإن مات المكفول برئ الكفيل ولا يلزمه المال الذي كان في
ذمته لأنه لا دليل عليه.
إذا قال للرجل: فلان يلزم فلانا فاذهب وتكفل به، ففعل ذلك كانت الكفالة على
من باشر عقدها دون الآمر لأن المأمور يكفل باختياره من غير إجباره.
إذا تكفل بدين رجل ثم ادعى الكفيل أن المكفول له قد أبرأ المكفول به من الدين
299

وأنه قد برئ من الكفالة وأنكر ذلك المكفول له كان القول قول المكفول له مع يمينه وعلى
الكفيل البينة لأنه مدع والأصل بقاء كفالته.
إذا قال الكفيل: تكفلت المكفول ببدنه ولا حق لك عليه، وأنكر المكفول له كان
القول قوله مع يمينه لأن الظاهر أن الكفالة صحيحة والكفيل يدعي ما يبطلها، إذا تكفل
ببدن رجل إلى أجل مجهول لا يصح.
300

شرائع الاسلام
القسم الثالث: في الكفالة:
ويعتبر رضا الكفيل والمكفول له دون المكفول عنه، وتصح حالة ومؤجلة على الأظهر
ومع الإطلاق تكون معجلة، وإذا اشترط الأجل فلا بد أن يكون معلوما، وللمكفول له مطالبة
الكفيل بالمكفول عنه عاجلا إن كانت مطلقة أو معجلة وبعد الأجل إن كانت مؤجلة، فإن
سلمه تسليما تاما فقد برئ، وإن امتنع كان له حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه، ولو قال:
إن لم أحضره كان علي كذا، لم يلزمه إلا إحضاره دون المال، ولو قال: علي كذا إلى كذا إن
لم أحضره، وجب عليه ما شرط من المال.
ومن أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره أو أداء ما عليه، ولو كان
قاتلا لزمه إحضاره أو دفع الدية، ولا بد من كون المكفول معينا، فلو قال: كفلت أحد هذين،
لم يصح وكذا لو قال: كفلت يزيد أو عمرو، وكذا لو قال: كفلت بزيد فإن لم آت به فبعمرو.
ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلمه إذا كان لا ضرر عليه، ولو قيل:
لا يجب، كان أشبه، ولو سلمه وكان ممنوعا من تسلمه بيد قاهرة لم يبرأ الكفيل، ولو كان
محبوسا في حبس الحاكم وجب تسلمه لأنه متمكن من استيفاء حقه وليس كذلك لو كان في
حبس ظالم.
الثانية: إذا المكفول عنه غائبا وكانت الكفالة حالة أنظر بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه
301

والعود به وكذا إن كانت مؤجلة أخر بعد حلولها بمقدار ذلك.
الثالثة: إذا تجفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد وإن عين موضعها لزم، ولو
دفعه في غيره لم يبرأ، وقيل: إذا لم يكن في نقله كلفة ولا في تسلمه ضرر وجب تسلمه، وفيه
تردد.
الرابعة: لو اتفقا على الكفالة وقال الكفيل: لا حق لك عليه، كان القول قول
المكفول له لأن الكفالة تستدعي ثبوت حق.
الخامسة: إذا تكفل رجلان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر ولو قيل بالبراءة
كان حسنا، ولو تكفل لرجلين برجل ثم سلمه إلى أحدهما لم يبرأ من الآخر.
السادسة: إذ مات المكفول برئ الكفيل وكذا لو جاء المكفول وسلم نفسه.
فرع: لو قال الكفيل: أ برأت المكفول، فأنكر المكفول له كان القول قوله، فلو رد
اليمين إلى الكفيل فحلف برئ من الكفالة ولم يبرأ المكفول من المال.
السابعة: لو كفل الكفيل آخر وترامت الكفلاء جاز.
الثامنة: لا تصح كفالة المكاتب على تردد.
التاسعة: لو كفل برأسه أو بدنه أو بوجهه صح لأنه قد يعبر بذلك عن الجملة عرفا
ولو تكفل بيده أو رجله واقتصر لم يصح إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجردا ولا يسري إلى
الجملة.
302

المختصر النافع القسم الثالث: الكفالة:
وهي التعهد بالنفس.
ويعتبر رضاء الكافل والمكفول له دون المكفول عنه. وفي اشتراط الأجل قولان. وإن
اشترط أجلا فلا بد من كونه معلوما.
وإذا دفع الكافل الغريم فقد برئ. وإن امتنع كان للمكفول له حبسه حتى يحضر
الغريم، أو ما عليه. ولو قال: إن لم أحضره إلى كذا، كان على كذا، كان كفيلا أبدا ولم يلزمه
المال، ولو قال: على كذا إلى كذا إن لم أحضره كان ضامنا للمال إن لم يحضره في الأجل.
ومن خلى غريما من يد غريمه قهرا لزمه إعادته أو أداء ما عليه. ولو كان قاتلا أعاده
أو يدفع الدية، وتبطل الكفالة بموت المكفول.
303

الجامع للشرائع
الكفالة:
ويصح الكفالة بالبدن على من عليه دين أو دعوى يحضر فيها، وتصح حالة ومؤجلة
إلى أجل معلوم، فإن كان مجهولا لم يصح الكفالة، ويصح ضمان دين العبد لأنه كالحر
المعسر، ويصح ضمان الأخرس بالإشارة والكتابة ويصح ضمان المرأة ولا يصح ضمان
الصبي والمعتوه ولا كفالتهما.
وإذا تكفل ببدن شخص وجب إحضاره وتسليمه إلى المكفول منه فخلى بينهما، فإن
شرطا إحضاره في موضع معين لم يبرأ في غيره، وإن كفله من شخصين فسلمه إلى أحدهما لم
يبرأ من الآخر، وإذا أبرأ المكفول له الكفيل برئ، وإذا مات المكفول بطلت الكفالة، وإذا
ادعى الضامن أو الكفيل فسادهما حلف المكفول له والمضمون له.
وإن قال: كفلت زيدا فإن لم أجئ به فأنا كفيل عمرو لم يصح، ويجوز أن يكفل
الكفيل كفيل آخر وعلى هذا، وإذا تكفل ببدن المكاتب لسيده لم يصح، وإذا تكفل برأس
رجل صحت الكفالة، ويصح التكفل بإحضار الصبي والمعتوه بإذن وليهما ويصح
الضمان عنهما، وإذا ضمن عن غيره دينا ثم ضمنه المضمون عنه عن الضامن صح، وإذا
ضمن عن غيره دينا وكان موسرا به أو معسرا وعلم المضمون له حاله فلا خيار له، وإن
كان معسرا وجهل حاله فله الفسخ.
304

قواعد الأحكام
الفصل الثالث: في الكفالة:
وهي عقد شرع للتعهد بالنفس ويعتبر فيها رضي الكفيل والمكفول له دون
المكفول وتعيين المكفول، ولو قال: كفلت أحدهما أو زيدا فإن لم آت به فبعمرو أو
بزيد أو عمرو، بطلت وتنجيز الكفالة، فلو قال: إن جئت فأنا كفيل به، لم يصح
على إشكال، ولو قال: أنا أحضره أو أؤدي ما عليه، لم يكن كفالة. ويصح حالة
ومؤجلة على كل من يجب عليه الحضور مجلس الحكم من زوجة يدعي الغريم
زوجيتها أو كفيل يدعي عليه الكفالة، أو صبي أو مجنون إذ قد يجب إحضارهما
للشهادة عليهما بالإتلاف وبدن المحبوس لإمكان تسليمه بأمر من حبسه ثم يعيده إلى
الحبس، أو عبد آبق أو من عليه حق لآدمي من مال أو عقوبة قصاص.
ولا يشترط العلم بقدر المال فإن الكفالة بالبدن لا به، ولا يصح على حد لله
تعالى والأقرب صحة كفالة المكاتب ومن في يده مال مضمون كالغصب والمستام،
وضمان عين المغصوب والمستام ليردها على مالكها، فإن رد برئ من الضمان
وإن تلفت ففي إلزامه بالقيمة وجهان الأقرب العدم كموت المكفول دون الوديعة
والأمانة، وتصح كفالة من ادعى عليه وإن لم تقم البينة عليه بالدين وإن جحد
لاستحقاق الحضور عليه، والكفالة ببدن الميت إذ قد يستحق إحضاره لأداء الشهادة
على صورته والإطلاق يقتضي التعجيل، فإن شرطا أجلا وجب ضبطه، والتسليم
الكامل في بلد العقد ولو عين غيره لزم.
305

وللمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول في الحال مع التعجيل والإطلاق وعند
الأجل في المؤجلة، ويخرج الكفيل على العهدة بتسليمه تاما في المكان الذي شرطه
أو في بلد الكفالة لو أطلق أراده المستحق أو كرهه، وبموت المكفول في غير الشهادة
على عينه أو فيها بعد الدفن إن حرمنا النبش لأخذ المال، وبتسليمه نفسه وبالإبراء
المستحق لأحدهما، ولا يبرأ بالتسليم ودونه يد غالبة مانعة، ولا بتسليمه قبل الأجل
أو في غير مكان المشترط وإن انتفى الضرر فيهما على رأي ولا بتسليمه في حبس
الظالم بخلاف حبس الحاكم، ويلزم الكفيل اتباعه في غيبته إن عرف مكانه وينظر
في إحضاره بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه والعود به، ولو كانت مؤجلة أخر بعد
الحلول بقدر ذلك.
ولو امتنع الكفيل من إحضاره حبس حتى يحضره أو يؤدى ما عليه، ولو
قال: إن لم أحضره كان علي كذا، لزمه الإحضار خاصة، ولو قال: على كذا إلى
كذا إن لم أحضره، وجب عليه ما شرط من المال ولو مات المكفول له فالأقرب
انتقال الحق إلى ورثته، ولو أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره أو
أداء ما عليه، ولو كان قاتلا لزم إحضاره أو الدية، فإن دفعها ثم حضر الغريم تسلط
الوارث على قتله فيدفع ما أخذه وجوبا، وإن لم يقتل ولا يتسلط الكفيل لو رضي
هو والوارث بالمدفوع على المكفول بدية ولا قصاص.
فروع:
أ: لو قال الكفيل: لا حق لك على المكفول، قدم قول المكفول له لاستدعاء
الكفالة ثبوت حق، فإن أخذ منه المال لتعذر المكفول لم يكن له الرجوع لاعترافه
بالظلم.
ب: لو تكفل اثنان برجل فسلمه أحدهما فالأقرب براءة الآخر، ولو تكفل
الاثنين فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ من الآخر.
306

ج: لو ادعى إبراء المكفول فرد المكفول له اليمين حلف وبرئ من الكفالة
دون المكفول من المال.
د: لو ترامت الكفالات صح فإن أبرأ الأصيل برؤا أجمع.
ه‍: لو قال: أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو ببدنه أو بوجهه أو برأسه، صح إذ
قد يعبر به عن الجملة، أما لو قال: كفلت كبده أو غيره مما لا يمكن الحياة بدونه
أو ثلثه أو ما شابهه من المشاعة ففي الصحة نظر، ينشأ من عدم السريان كالبيع ومن
عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري، وكذا لو كان جزء يمكن الحياة مع
انفصاله كيده أو رجله.
و: لو هرب المكفول أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب إلزام الكفيل بالمال أو
إحضاره مع احتمال براءته ويحتمل الصبر.
ز: يجب على المكفول الحضور مع الكفيل
إن طلبه المكفول له منه وإلا فلا إن كان متبرعا وإلا فكالأول.
ح: لو أسلم الكفيل على الخمر
برئ من الكفالة ولو أسلم أحد الغريمين برئ الكفيل والمكفول على إشكال فيهما، أما لو كان ضمانا فإنه لا يسقط بإسلام
المضمون عنه وفي رجوع الضامن المأذون عليه بالقيمة نظر.
ط: لو خيف على السفينة الغرق فألقى بعض الركبان متاعه ليخف لم يرجع به
على أحد، وإن قصد الرجوع به أو قال له بعضهم: ألقه، فألقاه أما لو قال له:
ألقه وعلي ضمانه، فألقاه فعلى القائل الضمان للحاجة، ولو قال: علي وعلى
ركبان السفينة ضمانه، فامتنعوا فإن قال: أردت التساوي، لزمه قدر نصيبه ولو
قال: وعلي ضمانه وعلى الركبان فقد أذنوا لي، فأنكروا بعد الإلقاء ضمن الجميع
بعد اليمين على إشكال ينشأ من استناد التفريط إلى المالك، ولو لم يكن خوف
فالأقرب بطلان الضمان، وكذا: مزق ثوبك وعلي ضمانه، أو: اجرح نفسك
وعلى ضمانه، بخلاف: طلق زوجتك وعلى كذا.
307

ي: الأقرب انتقال حق الكفالة إلى الوارث، ولو انتقل الحق عن المستحق
ببيع أو إحالة أو غيرها برئ الكفيل وكذا لو أحال المكفول المستحق لأنه
كالقضاء.
يا: لو أدى الكفيل لتعذر إحضار المكفول كان له مطالبته المكفول بما أداه
عنه سواء كفل باذنه أو لا، ولو ظهر بعد الأداء سبق موت المكفول رجع الكفيل
على المكفول له.
308

اللمعة الدمشقية
كتاب الكفالة
وهي التعهد بالنفس وتصح حاله ومؤجلة إلى أجل معلوم، ويبرأ الكفيل بتسليمه
تاما عند الأجل أو في الحلول، ولو امتنع فللمستحق حبسه حتى يحضره أو يؤدى ما عليه،
ولو علق الكفالة بطلت، وكذا الضمان والحوالة نعم لو قال: إن لم أحضره إلى كذا كان
على كذا، صحت الكفالة أبدا ولا يلزمه المال المشروط. ولو قال: على كذا إن لم
أحضره، لزمه ما شرط من المال إن لم يحضره.
وتحصل الكفالة بإطلاق الغريم من المستحق قهرا، فلو كان قاتلا لزمه إحضاره أو
الدية، ولو غاب المكفول أنظر بعد الحلول بمقدار الذهاب والإياب، وينصرف الإطلاق
إلى التسليم في موضع العقد ولو عين غيره لزم، ولو قال الكفيل: لا حق لك، حلف
المستحق. وكذا لو قال: أبرأته. فلو رد اليمين عليه برئ من الكفالة والمال بحاله، ولو
تكفل اثنان بواحد كفى تسليم أحدهما، ولو تكفل بواحد لاثنين فلا بد من تسليمه
إليهما.
ويصح التعيين بالبدن والرأس والوجه دون اليد والرجل، وإذا مات المكفول بطلت
إلا في الشهادة على عينه بالإتلاف أو المعاملة.
309

كتاب الصلح
311

النهاية
باب الصلح:
الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، وإذا كان نفسان
لكل واحد منهما شئ عند صاحبه من طعام أو متاع أو غيرهما تعين لهما ذلك أو لم يتعين أحاطا
علما بمقداره أو لم يحيطا فاصطلحا على أن يتتاركا ويتحللا كان ذلك جائزا بينهما، فإذا فعلا لم
يكن لأحدهما الرجوع على صاحبه بعد ذلك إذا كان ذلك بطيبة نفس كل واحد منهما، ومن
كان له دين على غيره آجلا فنقض منه شيئا قل ذلك أم كثر وسأل تعجيل الباقي كان ذلك
سائغا جائزا، والشريكان إذا تقاسما واصطلحا على أن يكون الربح والخسران على واحد
منهما ويرد على الآخر رأس ماله على الكمال كان ذلك جائزا.
وإذا كان مع نفسين درهمان فذكر أحدهما: أنهما لي وقال الآخر: هما بيني وبينك
أعطى المدعي لهما معا درهما لإقرار صاحبه بذلك ويقسم بينهما الآخر نصفين، وإذا كان مع
انسان مثلا عشرون درهما لإنسان بعينه ولآخر ثلاثون درهما فاشترى بكل واحد من
البضاعتين ثوبا ثم اختلطا فلم يتميزا له بيعا وقسم المال على خمسة أجزاء، فما أصاب
الثلاثة أعطي صاحب الثلاثين وما أصاب الاثنين أعطي صاحب العشرين، وإذا استودع
رجل رجلا دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما أعطى صاحب الدينارين مما
يبقى دينارا وقسم الدينار الآخر بينهما نصفين.
313

المراسم العلوية
ذكر: الصلح:
الصلح بين الناس جائز في الإقرار والإنكار، ولا يجوز الرجوع فيه إذا انعقد إلا أن
يشرط أنه متى نكل عاد إلى الدعوى.
314

فقه القرآن
باب الصلح:
وهو من توابع الدين وغيره فربما يضطر فيه إليه، قال الله تعالى: فلا جناح عليهما أن
يصلحا بينهما والصلح خير، وهذا على العموم فالصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى
تحريم حلال أو تحليل حرام، وقال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة
أو معروف أو إصلاح بين الناس.
فعلى هذا إذا كان لرجلين لكل واحد عند صاحبه شئ تعين لهما ذلك أو لم يتعين
فاصطلحا على أن يتتاركا ويتحللا كان جائزا، وكذلك من كان له دين على غيره آجل
فيقضي عنه شيئا وسأل تعجيل الباقي كان سائغا لقوله تعالى: إن يريدا إصلاحا يوفق الله
بينهما.
والشريكان إذا تقاسما واصطلحا على أن يكون الربح والخسران على واحد منهما
ويرد على الآخر رأس ماله على الكمال كان أيضا جائزا، لقوله تعالى: فأصلحوا بينهما،
وهذه الآيات كلها بعمومها تدل على كل صلح لا يخالف الشريعة، والصلح ليس بأصل في
نفسه وإنما هو فرع على العين، وهو على خمسة أضرب.
315

غنية النزوع
فصل في الصلح:
الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، فلا يحل أن يؤخذ
بالصلح ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق، وهو جائز مع الانكار بدليل إجماع الطائفة
وأيضا قوله تعالى: والصلح خير، ولم يفرق، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله
ع: الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا.
والشوارع على الإباحة يجوز لكل أحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة، فإن أشرع
جناحا وكان عاليا لا يضر بالمجتازين ترك ما لم يعارض فيه أحد من المسلمين، فإن عارض
وجب قلعه لأن الطريق حق لجميعهم فإذا أنكر أحد لم يجز أن يغصب على حقه، وأيضا
فلا خلاف أنه لا ينفرد بملك شئ من القرار والهواء والبناء تابع له، وأيضا فلو سقط ما أشرعه
على انسان فقتله أو مال فأتلفه للزمه الضمان بلا خلاف ولو كان يملك ذلك لما لزمه.
والسكة إذا كانت غير نافذة فهي ملك لأرباب الدور الذين فيها طرقهم، فلا يجوز
لبعضهم فتح باب فيها ولا إشراع جناح إلا برضى الباقين ضر ذلك أو لم يضر، ومتى أذنوا في
ذلك كان لهم الرجوع فيه لأنه إعارة، ولو صالحوه على ترك الجناح بعوض لم يصح لأن إفراد
الهواء بالبيع باطل، ولا يجوز منعه من فتح كوة في حائطه، لأن ذلك تصرف في ملكه خاصة،
316

ولا أعلم في ذلك كله خلافا.
فإن تساوت الأيدي في التصرف في شئ وفقدت البينة حكم بالشركة - أرضا كان
ذلك أو دارا أو سقفا أو حائطا أو غير ذلك - لأن التصرف دلالة الملك وقد وجد.
فإن كان للحائط عقد إلى أحد الجانبين أو فيه تصرف خاص لأحد المتنازعين كوضع
الخشب فالظاهر أنه لمن العقد إليه والتصرف له فتقدم دعواه ويكون القول قوله مع يمينه،
وإنما كلفناه اليمين لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه أو مصالحا عليه والحائط ملك
لهما.
ويحكم بالخص لمن إليه معاقد القمط، وهي: مشاد الخيوط في القصب، بدليل إجماع
الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من طرقهم من أن رسول الله ص بعث
عبد الله بن اليمان ليحكم بين قوم اختصموا في خص فحكم به لمن إليه القمط فلما رجع
إليه ع أخبره بذلك فقال: أصبت وأحسنت.
وإذا انهدم الحائط المشترك لم يجبر أحد الشريكين على عمارته والإنفاق عليه، وكذا
القول في كل ملك مشترك، وكذا لا يجبر صاحب السفل على إعادته لأجل العلو لأن الأصل
براءة الذمة ومن أوجب إجباره على النفقة في ذلك فعليه الدليل، ويحتج على المخالف
بما رووه من قوله ع: لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه.
وإذا أراد أحدهما الانفراد بالعمارة لم يكن للآخر منعه، فإن عمر متبرعا بالآلات القديمة
لم يكن له المطالبة لشريكه بنصف النفقة ولا منعه من الانتفاع، وإن عمر بآلات مجددة
فالبناء له وله نقضه إذا شاء والمنع لشريكه من الانتفاع، وليس له سكنى السفل ولا منع
شريكه من سكناه لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء.
ولا يجوز لأحد الشريكين في الحائط أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا
كثيرا إلا بإذن الآخر لأن ذلك هو الأصل من حيث كان تصرفا فيما لا يملكه على الانفراد
ومن ادعى جواز ذلك لزمه الدليل، ومتى أذن لشريكه في لحائط في وضع خشب عليه فوضعه
ثم انهدم أو قلع لم يكن له أن يعيده إلا بإذن مجدد لأن جواز إعادته يفتقر إلى دليل والأصل
أن لا يجوز ذلك إلا بإذن وليس الإذن في الأول إذنا في الثاني.
317

وإذا تنازع اثنان دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها وفقدت البينة فهي بينهما
نصفين لأنه لا دليل على وجوب الحكم بها للراكب وتقديمه على الآخذ فمن ادعى ذلك
فعليه الدليل.
ومن ادعى على غيره مالا مجهولا فأقر له به وصالحه فيه على مال معلوم صح الصلح
لقوله تعالى: والصلح خير، لأنه لم يفرق، وقوله ع: الصلح جائز بين المسلمين،
الخبر.
318

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
فصل في بيان الصلح:
الصلح: قطع الخصومة بين المتداعيين ويجوز على إقرار وإنكار ما لم يؤد إلى تحليل
حرام أو تحريم حلال مثل صلح المتداعيين على التشارك أو التبادل أو التباري أو شئ آخر،
ومثل صلح الشريكين في المال أو المتقارضين على أمر معلوم، فإذا تم التصالح لم يكن
لأحدهما رجوع على الآخر بعد ذلك.
319

إصباح الشيعة
كتاب الصلح
الصلح جائز ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، ولا يحل أن يأخذ بالصلح
ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق وهو جائز مع الانكار.
إذا صالح غيره على نصيبه مما ورثاه بشئ معلوم جاز.
نفسان لكل منهما حق عند صاحبه أحاط علما بمقداره أولا فاصطلحا على أن
يتتاركا ويتحللا جاز ولا رجوع لأحدهما على الآخر إن كان بطيبة نفس منهما.
من كان له على غيره ألفان فأبرأه من ألف وقبض الباقي فاستحقه آخر
ورده على المستحق فلا رجوع له فيما أبرأه لأنه لم يشترط في الإبراء سلامة الباقي له.
ادعى اثنان دارا في يد آخر أنها بينهما نصفين وصدق المدعى عليه أحدهما
وكذب الآخر يرجع المكذب على المصدق بنصف ما صدق فيه، فإن صالح المقر
المقر له من المقر به على مال بإذن صاحبه صح وكان المال بينهما نصفين، وإن كان بغير إذنه صح
الصلح في حقه دون حق صاحبه.
إذا ادعى دارا في يد آخر فأقر له بها وقال: صالحني منها على أن أسكنها سنة ثم
أسلمها إليك، جاز وله الرجوع، وإن لم يقر له بها ثم صالحه كذلك فلا رجوع له فيه.
320

إذا صالح من الدراهم على بعضها لم يجز لأنه ربا ولكن إن قبض بعضها وأبرأه من
الباقي جاز.
الشوارع على الإباحة يجوز لكل أحد التصرف فيها فيما لا يتضرر به المارة فإن
أخرج جناحا وكان عاليا لا يضر بالمجتازين ترك ما لم يعارض أحد من المسلمين، فإن
عارض وجب قلعه. والسكة غير النافذة ملك لمن فيه طريق دورهم فلا يجوز لبعضهم فتح
باب ولا إشراع جناح إلا برضا الباقين أضر ذلك أولا، ومتى أذنوا في ذلك كان لهم الرجوع
فيه لأنه إعارة ولو صالحوا له على ترك الجناح بعوض لم يصح لأن إفراد الهواء بالبيع باطل.
ولا يجوز منعه من فتح كوة في حائطه لأن ذلك تصرف في ملكه خاصة، فإن تساوت
الأيدي في التصرف في شئ وفقدت البينة حكم بالشركة أرضا كان ذلك أو دارا أو سقفا
أو حائطا أو غير ذلك، فإن كان للحائط عقد إلى أحد الجانبين أو فيه تصرف خاص لأحد
المتنازعين كوضع الخشب فالظاهر أنه لمن العقد إليه والتصرف له فيقدم دعواه ويكون
القول قوله مع يمينه وإنما كلف اليمين لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه أو مصالحا
عليه والحائط ملك لهما، ويحكم بالخص لمن إليه معاقد القمط وهي مشاد الخيوط في القصب.
وإذا انهدم الحائط المشترك لم يجبر أحد الشريكين على عمارته والإنفاق عليه، وكذا
القول في كل مشترك، وكذا لا يجبر صاحب السفل على إعادته لأجل العلو، وإذا أراد أحدهما
الانفراد بالعمارة لم يكن للآخر منعه، فإن عمر متبرعا بالآلات القديمة لم يكن له مطالبة
شريكه بنصف النفقة ولا منعه من الانتفاع [به]، وإن عمر بآلات مجددة فالبناء له وله
نقضه إذا شاء مجددة والمنع لشريكه من الانتفاع به، وليس له سكنى السفل ولا منع شريكه
من سكناه لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء.
ولا يجوز لأحد الشريكين في الحائط أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط
ضررا كثيرا إلا بإذن الآخر، ومتى أذن شريكه في الحائط في وضع خشب عليه فوضعه ثم
انهدم أو قلع لم يكن له أن يعيده إلا بإذن مجدد.
وإذا تنازع اثنان [في] دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها وفقدت البينة
فهي بينهما نصفين. ومن ادعى على غيره مالا مجهولا فأقر له به وصالحه فيه على مال
321

معلوم صح الصلح.
اثنان معهما درهمان ادعاهما أحدهما وادعى الآخر اشتراكهما فيهما أعطى من
ادعاهما درهما لإقرار صاحبه به وقسم الآخر بينهما إذا فقدت البينة ونكلا عن اليمين.
زيد دفع إليه عمرو عشرين درهما وبكر ثلاثين فاشترى بكل منهما ثوبا ثم اشتبها
عليه بيعا وقسم الثمن على خمسة اثنان منها لعمر وثلاثة لبكر.
استودعه رجل دينارين وآخر دينارا فضاع دينار ولم يتميز له أعطى صاحب
الدينارين دينارا ونصفا وصاحب الدينار نصف دينار.
لرجل خمسة أرغفة ولآخر ثلاثة فأكلهما فيها آخر وأعطاهما بدل ما أكله ثمانية دراهم
كان لصاحب الثلاثة واحد والسبعة الباقية لصاحبه الخمسة.
تنازع اثنان حائطا بين ملكيهما ولا بينة فالجدار لمن حلف مع نكول صاحبه، فإن
حلفا أو نكلا فبينهما نصفين واستعمال القرعة أحوط.
ولا يجوز لأحد الشريكين في حائط أن يفتح فيه كوة ضوء ولا أن يبني عليه ولا أن
يدخل فيه خشبا أو يضع عليه جذوعا إلا بإذن صاحبه، فإن أذن وفعل المأذون له ذلك فلا
رجوع، وإن لم يفعل فله الرجوع.
لرجل بيت وعليه غرفة لآخر وتنازعا في حيطان البيت فالقول قول صاحب
البيت، وإن تنازعا في حيطان الغرفة فالقول قول والبينة صاحبها على صاحب البيت، فإن تنازعا
في سقف البيت الذي عليه الغرفة ولا بينة لأحدهما حلف كل منهما على دعوى صاحبه،
فإذا حلفا أقرع بينهما وحكم لمن خرج اسمه.
يجوز قسمة الحائط المشترك طولا وعرضا وقسمة عرصته إذا انهدم ويجبر الممتنع
على ذلك.
من دخل أغصان شجرة جاره إلى داره فله أن يطالبه بإزالة ذلك لأن هواء داره
ملكه على طريق التبع فإن لم يزل فله أن يعطف الغصن أو يقطعه ويرد عليه ما قطع.
زقاق غير نافذ ليس فيه إلا داران لرجلين وباب دار أحدهما قريب من أول الزقاق
فليس له أن يؤخر بابه من حيث هو لأنه يزيد في حقه.
322

إذا أخرج من داره روشنا إلى طريق المسلمين فإن كان عاليا لم يضر بالمارة لم يقلع
وإن ضر وجب قلعه.
فصل
ما يصح قسمته بلا ضرر لأحد الشركاء بقسم بينهم إذا طلبوا القسمة أو
بعضهم، ولا قسمة في ما لا يتجزأ على قدر أنصباء الشركاء.
دار بين شريكين فاقتسماها، وصار السفل لأحدهما والعلو لآخر جاز إذا لم يكن فيه
ظلم أو غبن، فإن كان فيها ذلك وعلماه ورضيا به مضى القسمة، فإن لم يعلما ولا رضياه
بطلت ووجب فسخها.
إذا اقتسموا دارا أو أرضا بشرط أن لا يكون لواحد منهم طريق إلى ذلك بطل الشرط،
فإن جعلوا الطريق في نصيب أحدهم وللباقين المرور بالأقدام فيها بالتراضي صح.
إذا كان بين جماعة دور فقال بعضهم: أريد أن آخذ حقي في كل دار، وقال بعضهم:
نجمع لكل واحد حقه في مكان واحد، وكانت الدور معتدلة في بقاعها وأحوالها ورغبة
الناس فيها قسم لكل واحد حقه في مكان واحد، وإن كانت مختلفة اختلافا بينا قسمت
لكل دار منها ناحية وأخذ كل منهم حقه منها.
إذا كانوا شركاء في حوائط وأراضي في نواح متفرقة قريب بعضها من بعض وأراد
كل واحد منهم أخذ نصيبه في ناحية واحدة بقيمة عادلة جاز، وإن كان ذلك لا ينقسم على
الأنصباء وفي قسمته ضرر على بعض الشركاء بحيث يخرج حقه بانفراده من الانتفاع به
وجب أن يجمع حصة كل واحد في ناحيته بقيمة عادلة.
إذا كان بين قوم دار وهي غائبة عنهم قد عرفها جميعهم جاز أن يقتسموها على
الصفة التي عرفوها، ويصير لكل واحد منهم حقه بحسب ما عرفوها، فإن لم يعرفوها أو
عرفها بعضهم دون بعض لم يصح قسمتها إلا بعد أن يحضروها أو من يقوم مقامهم فيه،
وكذا الشجر والأرض.
إذا كان بينهم ساحة وبيوت جاز أن يقسموا البيوت بالقيمة والساحة بالذراع،
323

ويترك من الساحة طريق لأصحاب البيوت.
إذا قسم العلو والسفل كان سقف السفل على صاحب السفل ويكون كالأرض لصاحب العلو، ولا يجوز
لصاحب السفل هدمه وإلزام صاحب العلو بتسقيفه بل إذا
استهدم بلا جناية من صاحب العلو لزم صاحب السفل عمله.
324

السرائر
باب الصلح
الصلح جائز بين الناس إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما،
لقوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير، وقوله تعالى: إن يريدا
إصلاحا يوفق الله بينهما، وقوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. وروي
عن الرسول ع أنه قال: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم
حلالا.
وعليه إجماع المسلمين، وهو أصل قائم بنفسه في الشرع لا فرع على غيره على ما يذهب
إليه المخالف، ولا خيار بعد انعقاده لأحدهما سواء افترقا من المجلس أو لم يفترقا لأنه ليس
ببيع وإنما هو عقد قائم بنفسه وقد قال الله تعالى: أوفوا بالعقود، والمخالف لمذهب أهل
البيت ع يجعله فرع البيع ويراعي فيه شرائط البيع.
ولأجل ذلك ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف في الجزء الثاني في كتاب الصلح مسألة:
إذا أتلف رجل على غيره ثوبا يساوى دينارا فأقر له به وصالحه على دينارين لم يصح ذلك، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك.
قال شيخنا: دليلنا أنه إذا أتلف عليه الثوب وجبت في ذمته قيمته بدلالة أن له مطالبته بقيمته
فالقيمة هاهنا دينار واحد فلو أجزنا أن يصالحه على أكثر من دينار كان بيعا للدينار بأكثر منه،
وذلك ربا لا يجوز.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: هذه المسألة بناها شيخنا على مذهب الشافعي
325

لأن الشافعي يقول: إن الصلح فرع البيع، فذهب إلى قول الشافعي في هذه المسألة، والصحيح
خلاف ذلك وأنه يجوز الصلح على الثوب المذكور بالدينارين بغير خلاف بين أصحابنا
الإمامية، وشيخنا أبو جعفر في مبسوطه قال لما ذكر مقالة الشافعي: ويقوى في نفسي أنه
يكون هذا الصلح أصلا قائما بنفسه ولا يكون فرع البيع ولا يحتاج إلى شرائط البيع، واعتبار
خيار المجلس على ما بيناه فيما مضى.
ويجوز الصلح على الانكار كما يجوز الصلح على الإقرار.
فأما صورة الصلح على الانكار هو أن يدعي على رجل عينا في يده أو دينا في ذمته
وأنكر المدعى عليه، ثم صالحه منه على مال اتفقا عليه يصح الصلح ويملك المدعي المال
الذي يقبضه من المدعي عليه ظاهرا وباطنا إن كان صادقا في دعواه وليس له أن يرجع
فيطالبه به، ولا يجب على المدعي رده عليه، ويسقط دعوى المدعي فيما ادعاه، وإن كان قد
صرح بإبرائه فيما ادعاه وإسقاط حقه عنه كان صحيحا وغاية في المقصود، وإن كان في
دعواه كاذبا فإن المدعي يملك المال الذي يقبضه من المدعى عليه ظاهرا ويجب على
المدعي رده عليه.
وإذا أخرج الانسان من داره روشنا إلى طريق المسلمين النافذ فإن كان غالبا لا يضر
بالمارة ترك ولم يقلع، فإن عارض فيه واحد من المسلمين قال قوم من المخالفين: يجب قلعه،
وقال آخرون منهم: لا يجب قلعه.
والقول الأول اختاره شيخنا أبو جعفر في الجزء الثاني من مبسوطه، والقول الأخير اختاره أيضا
في الجزء الثالث من مسائل خلافه وهو الصحيح الذي يقوى في نفسي، لأن المسلمين من عهد
الرسول ع إلى يومنا هذا وهو سنة سبع وثمانين وخمس مائة لم يتناكروا فيما بينهم
ذلك، وسقيفة بني ساعدة وبني النجار في المدينة معروفتان ما أنكرهما أحد من المسلمين،
ونفس الطريق غير مملوكة وإنما يملك المسلمون منافعها دون رقبتها، فهم مشتركون في المنافع
لأن الشركة قد تكون في المنافع دون الأعيان وقد تكون في الأعيان والحقوق.
فأما الشركة في الأعيان فالميراث، وأما الشركة في الحقوق دون الأعيان فمثل الاشتراك في حق
326

القصاص وحد القذف وحق المرافق من المشي في الطرقات، فهذا الضرب إذا عفا أحد
الشركاء كان للباقي من شركائه المطالبة بجميعه من غير اسقاط شئ منه، وكذلك لو عفا
الجميع إلا واحدا منهم كان له جميع الحق، وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة
الوقف ومنفعة العين المستأجرة، فعلى هذا التحرير لا يجوز الاعتراض على أصحاب السقائف
والرواشن والساباطات إذا لم يضر بالمارة ولم يمنعهم من حقوقهم وهي المنافع والاستطراق
والاجتياز والمشي.
إذا تنازعا جدارا بين ملكيهما وهو غير متصل ببناء أحدهما وإنما هو مطلق ولأحدهما
عليه جذوع فإنه يحكم بالحائط لمن الجذوع له.
وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يحكم بالحائط لصاحب الجذوع، واختار قول الشافعي
شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف، وما اخترناه أظهر لأن له عليه يدا وتصرفا، ولا خلاف أن
من كان بيده شئ حكم له بالملك ولا يخرج من يده بمجرد دعوى غيره عليه إلا بالبينة
العدول.
وإذا تنازع اثنان دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها ولم يكن لأحدهما بينة
جعلت بينهما نصفين، وكذلك إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر وتنازعا في سقف
البيت الذي عليه الغرفة ولم يكن لأحدهما بينة، والأقوى عندي أن القول قول صاحب
الغرفة مع يمينه لأن الغرفة لا تكون بلا أرض والبيت قد يكون بلا سقف، وقد اتفقا أن
هاهنا غرفة، فإذا لم يكن لها أرض وهو سقف البيت فلا غرفة إذن فقد ترجحت دعواه
بهذا الاعتبار.
وإذا كان بين رجلين حائط مشترك وانهدم وأراد أحدهما أن يبنيه فطالب الآخر
بالإنفاق معه لا يجبر عليه، وكذلك إن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب، وكذلك إن كان
السفل لواحد والعلو لآخر وانهدم فلا يجبر صاحب السفل على إعادة الحيطان التي تكون
عليها الغرفة.
والدرب الذي لا ينفذ حكمه بخلاف الدرب الذي ينفذ، لأن ملاكه معينون فلا يجوز
327

لأحد منهم اخراج روشن إلا بإذن الباقين، لأنه إذا أخرج روشنا لاطئا يضر بأهل الزقاق
الغير النافذ فرضوا به فإنه يترك، وهذا يدل على أن الحق لهم ولا يجري مجرى الطريق
النافذ.
وإذا كان نفسان لكل واحد منهما شئ عند صاحبه من سائر الأموال - سواء تعين
لهما وتميز أو لم يتعين إذا لم يعلمه من لم يقدر على تمييزه وتعيينه، فإذا علمه فلا بد من
إعلامه صاحبه به وإلا لم يصح الصلح - فاصطلحا على أن يتتاركا ويجعل كل واحد منهما
صاحبه في حل كان ذلك جائزا بينهما، فإذا فعلا لم يكن لأحدهما الرجوع على صاحبه بعد
ذلك إذا كان ذلك عن طيب نفس كل واحد منهما.
ومن كان له دين على غيره مؤجلا فنقص منه شيئا قل ذلك النقصان أو كثر وسأله
تعجيل الباقي كان ذلك جائزا حلالا سائغا، والشريكان إذا أرادا أن يتقاسما وكان المال
المشترك بينهما منه ناض ومنه سلع وأمتعة واصطلحا على أن يكون الربح والخسران على
واحد منهما ويرد على الآخر رأس ماله على الكمال كان ذلك جائزا، وليس كذلك المسألة
التي ذكرناها في كتاب الديون من أنه إذا كان الشريكان لهما مال على الناس فتقاسما واحتال
كل واحد منهما شيئا منه ثم قبض أحدهما ولم يقبض الآخر كان الذي قبضه أحدهما بينهما
على ما يقتضيه أصل شركتهما وما يبقى على الناس أيضا مثل ذلك، لأن هاهنا المال الذي
على الناس في ذممهم بعد مشترك لا يصح قسمته على ما قدمناه، والمسألة المتقدمة سلم
أحدهما إلى شريكه جميع ماله على الكمال وصالحه على الأمتعة بذلك فرضي عن نصيبه
منها بما أعطاه.
وإذا كان بيد نفسين درهمان فذكر أحدهما: أنهما جميعا ملكي ولي، وقال الآخر: بل
هما بيني وبينك، كان الحكم أن يعطي المدعي لهما معا درهما لإقرار صاحبه بذلك
ويقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين لأن يدهما عليه.
وروي أنه: إذا استبضع انسان آخر مثلا أعطاه عشرين درهما واستبضعه آخر
بثلاثين درهما فاشترى بكل واحدة من البضاعتين ثوبا، ثم اختلطا فلم يتميزا له بيعا
328

وقسم المال على خمسة أجزاء فما أصاب الثلاثة أعطي صاحب الثلاثين وما أصاب
الاثنين أعطي صاحب العشرين، على ما روي في أخبارنا بشرط ألا يكون الاختلاط
بتفريط من المستبضع، فإن كان بتفريط منه وهلك الثوبان قبل البيع فهو ضامن،
والقرعة في ذلك إن استعملت فهي أولى لأن الاجماع منعقد على أن كل أمر ملتبس
مشكل فيه القرعة وهذا من ذاك.
وقد روي أنه: إذا استودع رجل رجلا دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما
أعطى صاحب الدينارين مما تبقى دينارا وقسم الدينار الآخر بينهما نصفين، هذا إذا لم
يفرط المستودع في خلط المال واختلط، فأما إذا لم تختلط الدنانير وعرف الضائع فالباقي
كان من مال صاحبه، فأما إن فرط الأمين في الخلط فإنه ضامن لما ضاع من المال.
قال شيخنا في نهايته: وإذا كان نفسان لكل واحد عند صاحبه شئ فلا بأس أن يصطلحا
على أن يتتاركا ويتحللا.
قال محمد بن إدريس: يقال تحللته واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل من قبله، ومنه
الحديث: من كانت عنده مظلمة من أخيه فليستحلله، ذكر ذلك صاحب غريبي القرآن
والسنة الهروي.
329

شرائع الاسلام
كتاب الصلح
وهو عقد شرع لقطع التجاذب وليس فرعا على غيره ولو أفاد فائدته، ويصح مع
الإقرار والإنكار إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا، وكذا يصح مع علم المصطلحين بما
وقعت المنازعة فيه ومع جهالتهما به دينا كان أو عينا، وهو لازم من الطرفين مع استكمال
شرائطه إلا أن يتفقا على فسخه.
وإذا اصطلح الشريكان على أن يكون الربح والخسران على أحدهما وللآخر رأس
ماله صح، ولو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر أحدهما كان لمدعيهما
درهم ونصف وللآخر ما بقي، وكذا لو أودعه انسان درهمين وآخر درهما وامتزج الجميع ثم
تلف درهم.
ولو كان لواحد ثوب بعشرين درهما ولآخر ثوب بثلاثين درهما ثم اشتبها، فإن خير
أحدهما صاحبه فقد أنصفه وإن تعاسرا بيعا وقسم ثمنهما بينهما فأعطى صاحب العشرين
سهمين من خمسة وللآخر ثلاثة، وإذا بان أحد العوضين مستحقا بطل الصلح، ويصح
الصلح على عين بعين أو منفعة وعلى منفعة بعين أو منفعة، ولو صالحه على دراهم بدنانير أو
بدراهم صح ولم يكن فرعا للبيع ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الصرف على الأشبه، ولو أتلف على
رجل ثوبا قيمته درهم فصالحه عنه على درهمين صح على الأشبه لأن الصلح وقع عن
الثوب لا عن الدرهم.
ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر على سكنى سنة صح ولم يكن
330

لأحدهما الرجوع وكذا لو أقر له بالدار ثم صالح، وقيل: له الرجوع لأنه هنا فرع العارية،
والأول أشبه، ولو ادعى اثنان دارا في يد ثالث بسبب موجب للشركة كالميراث فصدق
المدعى عليه أحدهما وصالحه على ذلك النصف بعوض، فإن كان بإذن صاحبه صح
الصلح في النصف أجمع وكان العوض بينهما وإن كان بغير إذنه صح في حقه وهو الربع
وبطل في حصة الشريك وهو الربع الآخر.
أما لو ادعى كل واحد منهما النصف من غير سبب موجب للشركة لم يشتركا فيما يقر
به لأحدهما، ولو ادعى عليه فأنكر فصالحه المدعى عليه على سقي زرعه أو شجره بمائه
قيل: لا يجوز لأن العوض هو الماء وهو مجهول، وفيه وجه آخر مأخذه جواز بيع ماء الشرب،
أما لو صالحه على إجراء الماء على سطحه أو ساحته صح بعد العلم بالموضع الذي يجري
الماء منه، وإذا قال المدعى عليه: صالحني عليه، لم يكن إقرارا لأنه قد يصح مع الانكار، أما لو
قال: بعني أو ملكني، كان إقرارا.
ويلحق بذلك أحكام النزاع في الإملاء وهي مسائل:
الأولى: يجوز اخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرف النافذة إذا كانت عالية لا تضر
بالمارة ولو عارض فيها مسلم على الأصح ولو كانت مضرة وجب إزالتها، ولو أظلم بها
الطريق قيل: لا يجب إزالتها، ويجوز فتح الأبواب المستجدة فيها، أما الطرق المرفوعة فلا
يجوز إحداث باب فيها ولا جناح ولا غيره إلا بإذن أربابه سواء كان مضرا أو لم يكن لأنه
مختص بهم، وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة، ويجوز فتح الروازن
والشبابيك ومع إذنهم فلا اعتراض لغيرهم، ولو صالحهم على إحداث روشن قيل:
لا يجوز لأنه لا يصح إفراد الهواء بالبيع، وفيه تردد، ولو كان لإنسان داران باب كل واحدة
إلى زقاق غير نافذ جاز أن يفتح بينهما بابا. ولو أحدث في الطريق المرفوع حدثا جاز إزالته
لكل من له عليه استطراق، ولو كان في مجازه وينفرد الأدخل بما بين البابين، ولو كان في
الزقاق فاضل إلى صدرها وتداعياه فهما فيه سواء، ويجوز للداخل أن يقدم بابه وكذا
الخارج ولا يجوز للخارج أن يدخل ببابه وكذا الداخل، ولو أخرج بعض أهل الدرب النافذ
331

روشنا لم يكن لمقابله معارضته ولو استوعب عرض الدرب، ولو سقط ذلك الروشن فسبق
جاره إلى عمل روشن لم يكن للأول منعه لأنهما فيه شرع كالسبق إلى العقود في المسجد.
الثانية: إذا التمس وضع جذوعه في حائط جاره لم يجب على الجار إجابته ولو كان
خشبة واحدة لكن يستحب، ولو أذن جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا وبعد الوضع لا يجوز
لأن المراد به التأبيد والجواز حسن مع الضمان، أما لو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف
وفيه قول آخر، ولو صالحه على الوضع ابتداءا جاز بعد أن يذكر عدد الخشب ووزنها
وطولها.
الثالثة: إذا تداعيا جدارا مطلقا ولا بينة، فمن حلف عليه مع نكول صاحبه قضي له
وإن حلفا أو نكلا قضي به بينهما، ولو كان متصلا ببناء أحدهما كان القول قوله مع يمينه،
وإن كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع قيل: لا يقضى بها، وقيل: يقضى مع اليمين، وهو
الأشبه ولا يرجح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان ولا الروازن، ولو اختلفا في خص
قضي لمن إليه معاقد القمط، عملا بالرواية.
الرابعة: لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء ولا تسقيف ولا إدخال خشبة
إلا بإذن شريكه، ولو انهدم لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته وكذا لو كانت الشركة
في دولاب أو بئر أو نهر، وكذا لا يجبر صاحب السفل ولا العلو على بناء الجدار الذي يحمل
العلو، ولو هدمه بغير إذن شريكه وجب عليه إعادته وكذا لو هدمه باذنه وشرط إعادته.
الخامسة: إذا تنازع صاحب السفل والعلو في جدران
البيت فالقول قول صاحب البيت مع يمينه، ولو كان في جدران الغرفة فالقول قول صاحبها مع يمينه، ولو تنازعا في
السقف قيل: إن حلفا قضي به لهما، وقيل: لصاحب العلو، وقيل: يقرع بينهما، وهو حسن.
السادسة: إذا أخرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها إن أمكن وإلا
قطعت من حد ملكه، وإن امتنع صاحبها قطعها الجار ولا يتوقف على إذن الحاكم، ولو
صالحه على إبقائه في الهواء لم يصح على تردد، أما لو صالحه على طرحه على الحائط جاز مع
تقدير الزيادة أو انتهائها.
السابعة: إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى ولآخر بيوته العليا وتداعيا الدرجة
332

قضي بها لصاحب العلو مع يمينه، ولو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواهما سواء، ولو
تداعيا الصحن قضي منه بما يسلك فيه إلى العلو بينهما وما خرج عنه لصاحب السفل.
تتمة: إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها قضي للراكب مع يمينه وقيل: هما سواء في
الدعوى، والأول أقوى، أما لو تنازعا ثوبا وفي يد أحدهما أكثره فهما سواء وكذا لو تنازعا
عبدا ولأحدهما عليه ثياب، أما لو تداعيا جملا ولأحدهما عليه حمل كان الترجيح لدعواه، ولو
تداعيا غرفة على بيت أحدهما وبابها إلى غرفة الآخر كان الرجحان لدعوى صاحب
البيت.
333

اللمعة الدمشقية
كتاب الصلح:
وهو مشروع لقطع المنازعة:
ويجوز مع الإقرار والإنكار إلا ما حرم حلالا، أو حلل حراما.
ويصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه. ومع جهالتهما دينا تنازعا
أو عينا. وهو لازم من طرفيه. ويبطل بالتقايل. ولو اصطلح الشريكان على أن الخسران على
أحدهما والربح له وللآخر رأس ماله صح.
ولو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما: هما لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فلمدعي
الكل، درهم ونصف، وللآخر ما بقي. وكذا لو أودعه انسان درهمين وآخر درهما فامتزجت
لا عن تفريط وتلف واحد فلصاحب الاثنين، درهم ونصف، وللآخر ما بقي. ولو كان
لواحد ثوب بعشرين درهما، وللآخر ثوب بثلاثين فاشتبها، فإن خير أحدهما صاحبه فقد
أنصفه وإلا بيعا وقسم الثمن بينهما أخماسا.
وإذا ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح.
334

الجامع للشرائع
باب الصلح
الصلح عقد لازم من الطرفين وهو أصل قائم بنفسه ولا يدخله خيار المجلس
و يصح دخول خيار الشرط فيه، ويصح على الإقرار إجماعا وعلى الانكار والسكوت إلا
صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، وإذا كان لكل واحد من الشخصين طعام عند صاحبه
لا يدريان قدره، فتحللا وتبارئا صح الصلح، وإذا اشتركا في مال وربحا ربحا وكان من
المال دين وعين فاصطلحا على أن يأخذ أحدهما رأس ماله والربح والوضيعة على الآخر
جاز، ومن كان عليه دين لميت فصالح ورثته بشئ ولم يعلمهم قدره فما وصل إليهم
برئ منه والباقي ذمته ولو كان الميت يهوديا أو نصرانيا.
وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب ويبضعه آخر عشرين
درهما في ثوب ثم يتميز أحدهما من الآخر، قال: يباع
الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن والآخر خمسي الثمن، فإن قال
صاحب العشرين لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه، وروى السكوني
عن جعفر عن أبيه ع في رجل استودع رجلا دينارين فضاع دينار، قال: يعطي
صاحب الدينارين دينارا ويقسم الآخر بينهما نصفين.
وقول المنكر للمدعي: بعني هذا أو ملكنيه إقرار له، وقوله صالحني منه على على كذا ليس
إقرارا، وإذا صالح رجل عن غيره بشئ في دين صح الصلح، فإن كان بمال نفسه باذنه
رجع عليه وإن كان بغير إذنه لم يرجع، وإن صالح لنفسه بأن صدقه في دعواه جاز وإن كان
335

عينا فصالح عنه باذنه صح ورجع عليه وإن كان بغير إذنه لم يرجع وإن صالح لنفسه جاز،
ويجوز أن يشرع جناحا لا يضر بالمارة إلى طريق نافذ، فإن اعترضه مسلم لم يجب قلعه
وقيل يجب، وإن أضر بهم لم يجز ووجب إزالته ولا يجوز أن يصالح عليه بشئ، وإن أظلم به
الطريق يسيرا لم يعارض.
وإذا أشرع جناحا في النافذ لم يكن لمحاذيه اعتراضه، فإن أخرج المحاذي مثله لم
يعترضه الأول فلو سقط خشبته فأخرج جاره جناحا لم يكن له منعه، والدرب المرفوع ملك
أهله، وإن أراد من ظهر داره فيه أن يشرع جناحا أو بابا لم يجز إلا بإذن أصحابه، وإذا أذن
لجاره في وضع خشبته على حائطه جاز فإذا سقط احتاج إلى إذن مجدد.
وإذا ادعى شخصان دارا نسبا ملكها إلى ما يوجب الشركة كالإرث فأقر من هي في
يده لأحدهما بنصفها شاركه صاحبه، فإن صالحه منه على شئ بإذن شريكه صح فإن لم
يأذن تبعضت الصفقة، وإن لم ينسبا الملك إلى شئ وأقر لأحدهما لم يكن إقرارا للآخر، فإن
أقر لأحدهما بالكل وصدقه فيه يسلمها وحده إن لم يكن أقر لأخيه بالنصف الآخر، وإن
كذبه بقي النصف في يد المقر لبطلان إقراره بتكذيبه إياه، فإن صالحه على دار بعبد فبان
العبد مستحقا رجع إلى الدار، فإن صالحه منها على سكناها سنة بدينار جاز، فإن صالحه على
سكناها سنة فقط جاز، وقيل: تكون عارية له الرجوع فيها، ولا يجوز لأحد الشريكين في
حائط أن يبني عليه أو يتد وتدا أو يفتح كوة إلا بإذن الآخر، وإذا وجد خشب أحد الشريكين
على الحائط المشترك أو خشب الجار على حائط الجار فانهدم فله رد الخشب إلا أن يثبت أنه
عارية، وإذا انهدم الحائط المشترك عرصته فأرادا قسمته طولا أو عرضا لم يعارضا، فإن
أراد القسمة أحدهما طولا أجبر الممتنع وإن أرادها عرضا لم يجبر، ولو اصطلحا بعد هدمه
على أن يكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه على أن يحمله كل بين شخصين إذا انهدم لم يجبرا
على إعادته، وكذلك إذا كان بينهما دولاب أو ناعورة وطالب أحدهما بالإنفاق عليه لم يجبر،
وكذلك إذا كان العلو لواحد والسفل لآخر فانهدم السقف أو حيطان السفل أو كان له
وضع خشب على حائط جاره فانهدم فإن هدم السفل صاحب تعمدا لغير علة أو على أن
يبنيه أجبر على البناء، وإذا كان سطح أحد الجارين أعلى من الآخر لم يجبر أن يعمل سترة.
336

وإذا عمل حماما بين الدور أو مخبزا بين العطارين أو مقصرة لم يمنع، ولا يمنع من الطبخ
والخبز في داره وإنما منعنا من إرسال الماء في ملكه على وجه يصل إلى جاره لأنه إرسال له في
ملك غيره، وإذا كان له داران وظهر كل منهما إلى إلى درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما جاز،
وإن كان له دار ظهرها إلى درب غير نافذ فعمل فيها بابا لم يستطرقه جاز منعه لأنه يؤدى إلى
أن يشهد له به، وإذا كان له في درب غير نافذ باب فأراد إحداث باب آخر إلى أول الدرب
جاز وإن أراد إحداثه إلى صدره لم يجز، وإن أراد أن يشرع جناحا جاز لهم منعه، فإن كان
بابه في صدره وبينه وبين باب جاره مسافة اختص بها يفعل فيها ما شاء، وإذا تداعيا مالا
فصالحه منه على مسيل مائه في أرضه وعينا الموضع طولا وعرضا جاز، ولا اعتبار بالعمق
لأنه إذا ملك الموضع جاز له النزول فيه ما شاء.
وإذا اشترى علو بيت على أن يبني على جدرانه جاز إذا عين منتهى البناء بخلاف
الأرض، وإذا ادعى بيتا فاصطلحا على أن للمدعي سطحه يبني على جدرانه بناء معلوما
جاز. وإذا صالحه على مجهول لم يصح، وإن صالحه على درهم بدرهمين لم يجز لأنه أحل
حراما، ولو صالحه على ثوب أتلفه عليه قيمته درهم بدرهمين لم يجز، وإن ادعى مالا مجهولا
فصالحه منه على معلوم صح الصلح، وإذا خرجت أغصان الشجر إلى هواء الجار فله
إلزام صاحبها بإزالتها عنه وإن لم يزلها جاز له إزالتها بنفسه.
337

قواعد الأحكام
المقصد الخامس في الصلح
وفصوله ثلاثة.
الأول:
الصلح عقد سائغ شرع لقطع التجاذب إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا
كالصلح على استرقاق حر أو استباحة بضع أو صالحه بخمر أو خنزير أو صالحه مع
إنكاره ظاهرا على بعض ما عليه سواء عرف المالك قدر حقه أو لا، فإن الصلح في
مثل ذلك لا يثمر ملكا ولا إبراء إلا أن يعرف المالك ما عليه ويرضى باطنا، وكذا
لو كان المدعي كاذبا فصالحه المنكر فإنه غير مباح إلا مع الرضا الباطن وهو أصل
في نفسه ليس فرعا على غيره وإن أفاد فائدته، ويصح على الإقرار والإنكار من غير
سبق خصومة ومع سبقها سواء علما بقدر ما تنازعا عليه أو جهلاه دينا كان أو
عينا، وهو لازم من الطرفين لا يبطل إلا باتفاقهما على فسخه، ولا بد من متعاقدين
كاملين وما يتصالحان به وعليه ويشترط فيهما التملك.
ولو صالح على عين بأخرى في الربويات ففي إلحاقه بالبيع نظر وكذا في الدين
بمثله، فإن ألحقناه فسد لو صالح من ألف مؤجل بخمسمائة حال، ولو صالح من
ألف حال بخمسمائة مؤجلا فهو إبراء على إشكال ويلزم التأجيل، وليس طلب
الصلح إقرارا بخلاف بعني أو ملكني، ولو اصطلح الشريكان على أن لأحدهما رأس
ماله وللآخر الربح والخسران صح، ولو صالح عن الدنانير بدراهم أو بالعكس صح
ولم يكن صرفا، ولو ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح ويصح على كل من
العين والمنفعة بجنسه أو مخالفه، ولو صالح على ثوب أتلفه بدرهم على درهمين لزم.
338

الفصل الثاني: في تزاحم الحقوق:
يجوز اخراج الروشن والجناح ووضع الساباط واستجداد الأبواب ونصب
الميازيب في الطرق النافذة مع انتفاء ضرر المارة وإن عارض مسلم، أما لو كانت
مضرة أو أظلم بها الدرب على الأقوى أو كانت في المرفوعة فإنه لا يجوز، ولو أذن
أرباب الدرب المرفوع أو فتح روزنة أو شباكا جاز وإذنهم إعارة يجوز الرجوع فيه،
ويمنع من استجداد باب في المرفوعة لغير الاستطراق دفعا للشبهة، ويجوز الصلح بينه
وبين أرباب المرفوع على إحداث روشن وشبهه على رأي وليس لغيرهم مع رضاهم
الاعتراض، ولكل من له الاستطراق فيه إزالة ما أحدثه بغير إذن.
ولذي الدارين المتلاصقين في دربين مرفوعين فتح باب بينهما وفي استحقاق
الشفعة حينئذ نظر، وينفرد الأدخل بما بين البابين ويتشاركان في الطرفين، ولكل
منهما الخروج ببابه مع سد الأول وعدمه فإن سده فله العود إليه، وليس لأحدهما
الدخول ويحتمله إذ قد كان له ذلك في ابتداء الوضع ورفع الحائط أجمع، وليس
للمحاذي في النافذ منع مقابله من وضع الروشن وإن استوعب الدرب، فإن خرب
جاز لمقابله المبادرة فليس للأول منعه، ويجوز جعل الدار اثنتين ويفتح في المرفوع
آخر في موضع له استطراقه وفتح الباب في النافذ لذات المرفوع دون العكس إلا
على الاحتمال.
والجدار المختص ليس للجار التصرف فيه بتسقيف وطرح خشب وغير ذلك،
ولا يجب عليه الإعارة لو استعاره الجار بل يستحب، ولو أذن جاز له الرجوع قبل
الوضع وبعده على الأقوى لكن مع الأرش على إشكال، ولو انهدم افتقر في تجديد
الوضع إلى تجديد الإذن ويجوز للصلح على الوضع ابتداء بشرط عدد الخشب ووزنه
ووقته، ولو كان مشتركا لم يكن لأحدهما التصرف فيه بتسقيف في غيره إلا بإذن
شريكه، ولا يجبر أحدهما على الشركة في عمارته لو انهدم، ولو هدمه فالأقوى الأرش
وكذا لا يجبر على الشركة في عمارة الدولاب والبئر وغيرهما، ولو انفرد بها أحدهما
339

لم يمنع ولا يجبر صاحب السفل ولا العلو على عمارة الجدار الحامل للعلو، ولو طلبا
قسمته طولا أو عرضا جاز ولا يجبر أحدهما لو امتنع عن القسمة في كل الطول
ونصف العرض وكذا في نصف الطول وكل العرض، ويصح القرعة في الثانية
دون الأولى بل يختص كل وجه بصاحبه.
ولو تعاونا على إعادة المشترك أو أعاده أحدهما بالآلة المشتركة فهو على
الشركة، ولو طلب صاحب العلو عمارة السفل بنقض صاحبه كان له المنع ولو
أعاده بآلة من عنده فله ذلك والمعاد ملكه، ولا يمنع صاحب السفل من الانتفاع
بسفله لكن يمنع من فتح كوة أو ضرب وتد، ولو انفرد أحد الشريكين بالإنفاق على
البئر والقناة لم يكن له منع الآخر من الانتفاع بالماء، ولا يجب على مستحق إجراء
الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة السقف المجرى وإن خرب من الماء ولا
على المالك إصلاح القناة لو خرب بغير سببه، ويجوز، لصاحب العلو الجلوس على
السقف الحائل بينه وبين السفل وإن كان مشتركا ووضع ما جرت العادة بوضعه
للضرورة، ولصاحب السفل الاستكنان وتعليق ما لا يتأثر به السقف المشترك
كالثوب أما ضرب الوتد في السقف فلا.
فروع:
أ: إذا استحق وضع خشبة على حائط فسقطت أو وقع الحائط استحق بعد
عوده الوضع بخلاف الإعارة، ولو خيف على الحائط السقوط ففي جواز الإبقاء نظر.
ب: لو وجد بناءه أو خشبة أو مجرى مائه في ملك غيره ولم يعلم سببه
فالأقرب تقديم قول المالك الأرض والجدار في عدم الاستحقاق.
ج: لا يجوز بيع حق الهواء ولا مسيل الماء ولا الاستطراق.
340

الفصل الثالث: في التنازع:
لو صالح المتشبث المصدق لأحد المدعين بسبب يوجب التشريك كالإرث على
شئ شاركه الآخر إن كان باذنه وإلا صح في الربع ولا شركة، ولو تغاير السبب
صح الصلح في حصته أجمع ولا شركة، ويعطي مدعي الدرهمين أحدهما ونصف
الآخر ومدعي أحدهما الباقي مع التشبث، وكذا لو استودع من اثنين ثلاثة ثم تلف
واحد من غير تفريط واشتبه بخلاف ممتزج الأجزاء، ويباع الثوبان مع الاشتباه معا
إن لم يمكن الانفراد ويقسط الثمن على القيمتين مع التعاسر، فإن بيعا منفردين فإن
تساويا في الثمن فلكل مثل صاحبه وإن تفاوتا فالأقل لصاحبه.
ولو كان عوض الصلح سقي الزرع أو الشجر بمائه فالأقرب الجواز مع الضبط
كما في بيع الماء، وكذا لو صالحه على إجزاء الماء على سطحه أو ساحته صح بعد
العلم بالموضع الذي يجري الماء منه، ويصح جعل الخدمة المضبوطة بالعمل أو الزمان
عوضا فإن أعتقه صح، وفي رجوع العبد إشكال ينشأ من أن إعتاقه لم يصادف
للمالك سوى الرقبة فلا يؤثر إلا فيه كما لو أوصى لرجل برقبته ولآخر بخدمته
فأعتق الأول، ومن اقتضاء العتق زوال الملك عن الرقبة والمنفعة وقد حال بين
العبد والمنفعة حيث لم تحصل المنفعة للعبد، والراكب أولى من قابض اللجام على
رأي وذو الحمل على الدابة أو لي من غيره، ويتساويان في الثوب في أيديهما وإن
كان في يد أحدهما أكثره أو في العبد وإن كان لأحدهما عليه ثياب، والأسفل
أولى من مدعي الغرفة بسبب فتح الباب إليه ومع التصرف إشكال.
ولو صالح أجنبي عن المنكر صح فإن كان عن دين باذنه كان توكيلا وإلا
تبرعا في القضاء، وإن كان عن عين باذنه فكالأول وبغير إذنه افتداء للمنكر من
الخصومة وإبراء له من الدعوى ويرجع بما أداه إن صالح باذنه، ولو صالح الأجنبي
المدعي لنفسه ليكون المطالبة له صح دينا كانت الدعوى أو عينا ولو خرجت
أغصان الجار إليه فله قطعها من حد ملكه إن لم يمكن العطف وإن لم يأذن
341

الحاكم، فإن صالحه على الإبقاء على الجدار صح مع تقدير الزيادة أو انتهائها والمدة،
وكذا على الإبقاء في الهواء على الأقوى وكذا البحث في العروق الممتدة والحائط
المائل إلى هواء غيره والخشبة الواقعة على ملك غيره.
ويصح الصلح على المجهول دينا كان أو عينا إذا لم يمكن معرفته كما لو طحن
قفيز حنطة وشعير ممتزجين، ولو علم أحدهما لم يصح إلا أن يعلم صاحبه، ويصح
الصلح عن كل ما يصح أخذ العوض عنه وإن لم يجز بيعه كدم العمد وسكنى
الدار، ولو صالح عن القصاص بعبد فخرج مستحقا أو حرا فالأقرب الرجوع
بالقصاص، ولو صالح عن القصاص بحر يعلمان حريته أو بعبد يعلمان استحقاقه ففي
بطلان استحقاق القصاص ووجوب الانتقال إلى الدية نظر، ولا يصح الصلح على
ما لا يجوز أخذ العوض عنه كالصلح مع امرأة لتقر له بالزوجية أو مع شاهد ليمتنع من
إقامة الشهادة أو عن حد القذف.
ولو تداعيا جدارا بين ملكيهما فهو في أيديهما فيحكم لذي البينة، فإن فقدت
فلمن اتصل به بناؤه مع اليمين أو لمن جذعه عليه على رأي أو بناؤه أو عقده أو قبته أو
سترته، ولو كان متصلا بهما أو محلولا عنهما ولا طرح لأحدهما ولا غيره، فمن حلف
فهو له مع نكول صاحبه فإن حلفا أو نكلا قضي لهما به، ولا يرجح بالدواخل
كالطاقات والمحاديب ولا بالخوارج كالصور والكتابات بجص أو آجر ولا بالروازن
والشبابيك، وفي رواية يرجح في الخص بمعاقد قمطه، ولو شهدت البينة لأحدهما
بالملك صار صاحب اليد في الأس ويحكم لصاحب الأسفل بجدران البيت مع اليمين
ولصاحب العلو بجدران الغرفة.
أما السقف فإن لم يمكن إحداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده
على وسط الجدار بعد امتداده في العلو فهو لصاحب السفل لاتصاله ببنائه على
الترصيف، وإن كان بحيث يمكن إحداثه كجذع يثقب له في وسط الجدار ويجعل
البيت بيتين فهما مشتركان فيه فيحتمل التسوية لأنه أرض لصاحب العلو وسماء
342

لصاحب السفل واختصاص الأول والثاني، ولو تنازع صاحب البيوت السفلى
وصاحب العليا في العرصة فإن كان المرقى في صدر الخان تساويا في المسلك إلى
العلو واختص الأسفل بالباقي، ولو كان في الدهليز أو في أول الباب فمن أول
الباب في المرقى بينهما والباقي للأسفل، ولو خرج المرقى عن خطة الخان فالعرصة
بأجمعها للأسفل ويقضي بالدرجة لصاحب العلو ويتساويان في الخزانة تحتها كل
ذلك مع اليمين، والمسناة بين الملكين كالجدار.
343

اللمعة الدمشقية
كتاب الصلح
وهو جائز مع الإقرار والإنكار إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا فيلزم بالإيجاب
والقبول الصادرين من الكامل الجائز التصرف وهي أصل في نفسه ولا يكون طلبه إقرارا.
ولو اصطلح الشريكان على أخذ أحدهما رأس المال والباقي للآخر ربح أو خسر صح عند
انقضاء الشركة ولو شرطا بقاءهما على ذلك ففيه نظر.
ويصح الصلح على كل من العين والمنفعة بمثله وجنسه ومخالفه، ولو ظهر استحقاق
العوض المعين بطل الصلح، ولا يعتبر في الصلح على النقدين القبض في المجلس، ولو
أتلف عليه ثوبا يساوى درهمين فصالح على أكثر أو أقل فالمشهور الصحة، ولو صالح
منكر الدار على سكنى المدعي فيها سنة صح، ولو أقر بها ثم صالحه على سكنى المقر صح
ولا رجوع وعلى القول بفرعية العارية الرجوع. ولما كان الصلح مشروعا لقطع التجاذب
ذكر فيه أحكام من التنازع.
ولنشر إلى بعضها في مسائل:
لو كان بيدهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر أحدهما فللثاني نصف درهم
وللأول الباقي، وكذا لو أودعه رجل درهمين وآخر درهما وامتزجا لا بتفريط وتلف
أحدهما.
الثانية: يجوز جعل السقي بالماء عوضا للصلح وموردا له وكذا إجراء الماء على سطحه
أو ساحته بعد العلم بالموضع الذي يجري منه الماء.
344

الثالثة: لو تنازع صاحب السفل والعلو في جدار البيت حلف صاحب السفل، وفي
جدران الغرفة يحلف صاحبها وكذا في سقفها، ولو تنازعا في سقف البيت أقرع بينهما.
الرابعة: إذا تنازع صاحب غرف الخان وصاحب بيوته في المسلك حلف صاحب
الغرف في قدر ما يسلكه وحلف الآخر على الزائد، وفي الدرجة يحلف العلوي، وفي
الخزانة تحتها يقرع.
الخامسة: لو تنازع راكب الدابة وقابض لجامها حلف الراكب، ولو تنازعا ثوبا في
يد أحدهما أكثره فهما سواء وكذا في العبد وعليه ثياب لأحدهما، ويرجح صاحب الحمل
في دعوى البهيمة الحاملة وصاحب البيت في الغرفة عليه وإن كان بابها مفتوحا إلى
الآخر.
السادسة: لو تداعيا جدارا غير متصل ببناء أحدهما أو متصلا ببنائهما فإن حلفا أو
نكلا فهو لهما وإلا فهو للحالف، ولو اتصل بأحدهما حلف وكذا لو كان عليه جذع، أما
الخوارج والروازن فلا ترجيح بها إلا معاقد القمط في الخص.
345