الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

سلسلة الينابيع الفقهية
الصلاة
الطبعة الأول
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - الدار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
الصلاة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
على اصر مرواريد
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
468

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
469

كتاب الصلاة
وقد ورد في القرآن آي كثيرة على طريق الجملة تدل على وجوب الصلاة نحو
قوله تعالى: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وقوله: وأقيموا الصلاة إن الصلاة
كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. وقوله: حافظوا على الصلوات.
ويمكن الاستدلال بهذه الآيات على وجوب جميع الصلوات، وعلى صلاة
الجنائز وصلاة العيدين، وعلى وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد، لأنه عام
في جميع ذلك.
وقوله حافظوا، أبلغ من احفظوا، لأن هذا البناء أصله لتكرر الفعل بوقوعه
من اثنين فإذا استعمل فيما يكون من واحد ضمن مبالغة وتطاولا في ذلك الفعل
كقولك: عافاك الله، لا يقصد به سؤال هذا الفعل مرة واحدة فكان الله تعالى كرر
الأمر بحفظ الصلوات الخمس وتحفظ الصلوات بأن يؤتي بها في أوقاتها بحدودها
وحقوقها.
والصلاة أفضل العبادات، ولهذا قال رسول الله ص: لكل
شئ وجه ووجه دينكم الصلاة، وقال ع: الصلاة أول ما ينظر فيه من
أعمال العبد، فإن صحت لمن ينظر في عمل من أعماله، وإن لم تصح نظر فيها وفي
جميع أفعاله.
471

فصل:
فإن قيل: كيف أمروا بالصلاة وهم لا يعرفون حقيقتها في الشريعة.
قيل: إنما أمروا بذلك لأنهم أحيلوا فيه على بيان الرسول ع،
ووجه الحكمة فيه ظاهر لأن المكلفين إذا أمروا بشئ على الاجمال كان أسهل عليهم
في أول الوهلة وادعى لهم في قبولها من أن يفصل، ثم كون المجمل المأمور به
يدعوهم إلى استفسار ذلك فيكون قبول تفصيلية ألزم لهم.
ومثاله في العقليات قول أصحاب المعارف لنا: لو كنا مكلفين بالمعرفة لوجب
أن نكون عالمين بصفة المعرفة لئلا يكون تكليفا بما لا يطاق. فنقول لهم: الواحد
منا - وإن لم يكن عالما بصفة المعرفة - فإنه عالم بسبب المعرفة وهو النظر، فالعلم به
يقوم مقام العلم بمسببه الذي هو المعرفة وصفتها، والمكلف إنما يجب أن يكون عالما
بصفة ما كلف ليمكنه الإتيان به على الوجه الذي كلف، فإذا أمكنه من دونه فلا
معنى لاشتراطه.
فصل:
وإقامة الصلاة أداؤها بحدودها وفرائضها كما فرضت عليهم، يقال: أقام
القوم سوقهم، إذا لم يعطلوها من المبايعة، وقيل: إقامتها إدامة فرائضها، يقال
للشئ الراتب قائم، وقيل: هو من تقويم الشئ، يقال: قام بالأمر، إذا أحكمه
وحافظ عليه، وقيل: إنه مشتق مما فيها من القيام، ولذلك يقال: قد قامت
الصلاة.
وأما الصلاة فهي الدعاء في الأصل، والصلاة اشتقاقها من اللزوم، يقال:
اصطلى بالنار، أي لزمها، وقال تعالى: تصلي نارا، وتخصصت في الشرع بالدعاء
والذكر في موضع مخصوص، وقيل: هي عبارة عن الركوع والسجود على وجه
مخصوص وأذكار مخصوصة، وقال أصحاب المعاني، إن معنى صلى أزال الصلاء منه
وهو النار كما يقال مرض.
وفرضها على ثلاثة أقسام متعلقة بثلاثة أحوال: الحضر والسفر والضرورة،
وإنما اختلفت أحكامها لاختلاف أحوالها، وبينها رسول الله ص وفصلها ونص
472

القرآن عليها جملة، قال: (ما آتاكم الرسول فخذوه)، وقال: (وأنزلنا إليك
الذكر لتبيين للناس ما نزل إليهم).
باب ذكر المواقيت:
فأولها الظهر، وهي أول صلاة فرضها الله تعالى على نبيه ع وقال:
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، ودلوكها زوالها وبعدها العصر قال:
حافظوا على الصلوات الوسطى، ففرض في الآية الأولى بين دلوك الشمس
وغسق الليل أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم قال:
وقرآن الفجر، فأوجب صلاة الفجر أيضا وقال تعالى: أقم الصلاة طرفي
النهار، وقال في الموضعين " أقم " فالمراد به أمته معه.
فصل:
والدلوك في آية الفرض المتقدمة اختلفوا فيه، فقال ابن عباس وابن مسعود
وابن زيد: هو الغروب، والصلاة المأمور بها هاهنا هي المغرب، وقال ابن عباس
في رواية أخرى والحسن ومجاهد وقتادة: دلوكها زوالها، وهو المروي عن الباقر
والصادق ع وذلك أن الناظر إليها يدلك عينه لشدة شعاعها، وأما
عند غروبها فيدلك عينه ليتبينها، والصلاة المأمور بها عند هؤلاء الظهر، وغسق
الليل ظهور ظلامه، يقال: غسقت القرحة، أي انفجرت وظهرت وظهر ما فيها،
وقال ابن عباس وقتادة: هو بدء الليل، وقال الجبائي: غسق الليل ظلمته وهو
وقت العشاء الآخرة حين يغيب الشفق، وقيل: غسق الليل انتصافه.
وقوله تعالى: وقرآن الفجر، قال قوم: يعني به صلاة الفجر، وذلك يدل
على أن الصلاة لا تتم إلا بالقراءة لأنه أمر بالقراءة وأراد بها الصلاة لأنها لا تتم إلا
بها مع التمكن، ومعنى: إن قرآن الفجر كان مشهودا، تشهده ملائكة الليل
وملائكة النهار فتكتب في صحيفة الليل وصحيفة النهار وفيه حث للمسلمين على
أن يحضروا هذه الصلاة ويشهدوها للجماعة، وعن أمير المؤمنين ع: أنها
الصلاة الوسطى.
473

قال الحسن: لدلوك الشمس لزوالها صلاة الظهر والعصر أ ليس غسق الليل
صلاة العشائين، كأنه يقول من ذلك الوقت إلى هذا الوقت على ما بين أوقات
الصلوات الأربع ثم أفرد صلاة الفجر بالذكر.
وقال الزجاج: سمي صلاة الفجر " قرآن الفجر " لتأكيد أمر القراءة في
الصلاة كما ذكرنا.
فصل:
واستدل قوم بهذه الآية على أن الوقت الأول موسع إلى آخر النهار في
الأحوال لأنه أوجب إقامة الصلاة من وقت الدلوك إلى وقت غسق الليل، وذلك
يقتضي أن ما بينهما وقت
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي: هذا ليس بقوي، لأن من قال أن الدلوك
هو الغروب (لا دليل له فيها لأن من قال ذلك يقول أنه يجب إقامة المغرب من عند
الغروب) إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق وما بين ذلك وقت
المغرب، ومن قال الدلوك هو الزوال يمكنه أن يقول المراد بالآية بيان وجوب
الصلوات الخمس على ما ذكره الحسن لا بيان وقت صلاة واحدة، فلا دلالة في
الآية على ذلك. على ذلك. والصلاة في أول وقتها أفضل، قال تعالى: فاستبقوا
الخيرات، ففي عمومها دليل عليه.
فصل:
وقوله: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، أمر الله به نبيه وأمته
بإقامة الصلاة والإتيان بأعمالها، على وجه التمام في ركوعها وسجودها وسائر فروضها،
وقيل: إقامتها هو عملها على استواء كالقيام الذي هو انتصاب في الاستواء،
وقوله: طرفي النهار، يريد بها صلاة الفجر والمغرب وقال الزجاج يعني به الغداة
والظهر والعصر ويحتمل أن يريد به صلاة الفجر والعصر لأن طرف الشئ من الشئ
وصلاة المغرب ليست من النهار. وقوله: زلفا من الليل، عن ابن
عباس يريد به العشاء الآخرة، وقال الزجاج
474

العشاءان المغرب والعتمة، والزلفة المنزلة.
ومن قال المراد ب‍ " طرفي النهار " الفجر والمغرب قال: ترك ذكر الظهر والعصر
لظهورهما في أنهما صلاة النهار، والتقدير أقم الصلاة طرفي النهار مع الصلاتين
المعروضتين. وقيل: إنهما ذكرا على التبع للطرف الأخير لأنهما بعد الزوال، فهما أقرب إليه،
وقد قال أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ودلوكها زوالها، ثم قال: إن
الحسنات يذهبن السيئات، أي أن الدوام على فعل الحسنات يدعو إلى ترك السيئات
فإذا دعا إلى تركها فكأنها ذهبت بها لقوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فصل:
وقوله تعالى: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، هذه الآية أيضا تدل على
الصلوات الخنس في اليوم والليلة لأن قوله: " حين تمسون " يقتضي المغرب والعشاء الآخرة "
وحين تصبحون " يقتضي صلاة الفجر " وعشيا " يقتضي العصر " وحين تظهرون " يقتضي
صلاة الظهر، ذكره ابن عباس ومجاهد. وإنما أخر الظهر عن العصر لازدواج الفواصل.
والإمساء الدخول في المساء، والمساء مجئ الظلام بالليل، والإصباح نقيضه
وهو الدخول في الصباح، والصباح مجئ ضوء النهار.
و " سبحان الله " أي سبحوا الله في هذه الأوقات تنزيها عما لا يليق به " وله الحمد " يعني
الثناء والمدح " في السماوات والأرض وعشيا " أي في العشي " وتظهرون " أي حين تدخلون في
الظهر وهو نصف النهار، وإنما خص الله العشي والإظهار في الذكر بالحمد - وإن كان حمده
واجبا في جميع الأوقات - لأنها أحوال تذكر بإحسان الله، وذلك أن انقضاء
إحسان أول إلى إحسان يقتضي الحمد عند تمام الإحسان والأخذ في الآخر، كما قال: وآخر دعواهم أن الحمد
لله رب العالمين.
فصل:
وقوله: فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
475

قال تعالى لنبيه ع " فاصبر " على أذاهم إياك " وسبح بحمد ربك " أي صل،
والسبحة الصلاة، و " بحمد ربك " أي بثناء ربك " قبل طلوع الشمس " يعني سبحة
الصبحة، أي صلاة الفجر، و " قبل غروبها " يعني صلاة العصر، و " من آناء الليل " يعني
صلاة المغرب والعشاء " وأطراف النهار " صلاة الظهر في قول قتادة.
فإن قيل: لم جمع أطراف النهار؟
قلنا: فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أراد أطراف كل نهار، والنهار اسم جنس في معنى
جمع، وثانيها: أنه بمنزلة قوله: " فقد صغت قلوبكما "، وثالثها: أراد طرف أول النصف الأول
وطرف آخر النصف الأول وطرف أول النصف الأخير، وطرف آخر النصف الأخير فلذلك
جمع.
وقوله: لعلك ترضى، أي افعل ما أمرتك به لكي ترضى بما يعطيك الله من الثواب على
ذلك، وقيل: أي لكي ترضى بما حملت على نفسك من المشقة في طاعة الله بأمره كما كنت تريد
أن تكون في مثل ما كان الأنبياء عليه من قبلك.
فصل:
وقوله: فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل
الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود، أي احتمل ذلك حتى يأتي الله بالفرج، وصل
" قبل طلوع الشمس " صلاة الفجر " وقبل الغروب، صلاة العصر، وقبل صلاة الظهر
والعصر، ومن الليل " يعني صلوات الليل، ويدخل فيها صلاة المغرب والعتمة ونوافل
الليل أيضا " وأدبار السجود " عن الحسن بن علي ع: أنهما الركعتان بعد
المغرب تطوعا، وقيل: التسبيحات المائة بعد الفرائض عن ابن عباس ومجاهد وعن ابن
زيد: هي النوافل كلها.
وأصل التسبيح التنزيه لله عن كل ما لا يجوز في صفته، وسميت الصلاة تسبيحا
لما فيها من التسبيح.
وروي أنه تعالى أراد ب‍ " أدبار السجود " نوافل المغرب وأراد بقوله " أدبار النجوم "
476

الركعتين قبل الفجر. فتلك الآيات الست تدل على المواقيت للصلوات الموقتة في
اليوم والليلة.
باب ذكر القبلة:
قال الله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس، في بعض
التفاسير: أي جعل الله الكعبة ليقوم الناس في متعبداتهم متوجهين إليها قياما
وعزما عليها.
وقيل: قواما لهم يقوم به معادهم ومعاشرهم، وقياما أي مراعاة للناس
وحفظا لهم.
وعن ابن عباس والبراء بن عازب: أن الصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى بعد
مقدم النبي ع المدينة تسعة عشر شهرا. وعن أنس كان ذلك بالمدينة تسعة
أشهر أو عشرة أشهر، ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة.
قال تعالى: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا
عليها، اختلفوا في الذين عابوا النبي ع والمسلمين وبالانصراف عن
قبلة بين المقدس إلى الكعبة على ثلاثة أقوال:
قال الحسن: هم مشركو العرب، فإن رسول الله لما تحول بأمر الله إلى
الكعبة من بيت المقدس، قالوا: يا محمد رغبت عن قبلة آبائك ثم رجعت إليها
أيضا، والله لترجعن إلى دينهم. وقال ابن عباس: هم اليهود. وقال السدي: هم
المنافقون، قالوا ذلك استهزاءا بالإسلام. والعموم يتناول الكل.
واختلفوا في سبب عيبهم الصرف عن القبلة، فقيل: إنهم قالوا ذلك على
وجه الانكار للنسخ. وقال ابن عباس: إن قوما من اليهود قالوا: يا محمد ما ولاك عن
قبلتك التي كنت عليها، ارجع إليها نتبعك ونؤمن بك، وأرادوا بذلك فتنته. الثالث:
أن مشركي العرب قالوا ذلك ليوهموا أن الحق ما هم عليه.
وأنما صرفهم الله عن القبلة الأولى لما علم من تغيير المصلحة في ذلك.
وقيل: إنما فعل ذلك لما قال تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من
يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، لأنهم لما كانوا بمكة أمروا
أن يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا عن المشركين
477

الذين كانوا بحضرتهم يتوجهون إلى الكعبة، فلما انتقل الرسول ع إلى
المدينة كانت اليهود الذين بالمدينة يتوجهون إلى بيت المقدس، فنقلوا إلى الكعبة
للمصالح الدينية الكثيرة، من جملتها ليتميزوا من اليهود كما أراد في الأول أن يتميزوا من
كفار مكة.
فصل:
لا خلاف أن التوجه إلى بيت المقدس قبل النسخ كان فرضا واجبا، ثم
اختلفوا فقال الربيع: كان ذلك على وجه التخيير، خير الله نبيه ع بين
أن يتوجه إلى بيت المقدس وبين أن يتوجه إلى الكعبة.
وقال ابن عباس وأكثر المفسرين: كان ذلك فرضا معينا. وهو الأقوى،
لقوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها، فبين تعالى أنه جعلها قبلة، وظاهر
ذلك أنه معين، لأنه لا دليل على التخيير. ويمكن أن يقال: إنه كان مخيرا بين أن
يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس في توجهه إليه وبين أن لا ينتقل لما كان بمكة.
على أنه لو ثبت أنه كان مخيرا لما خرج عن كونه فرضا، كما أن الفرض هو
أن يصلى الصلاة في الوقت ثم هو مخير بين أوله وأوسطه وآخره.
وقوله " إلا لنعلم " أي ليعلم ملائكتنا، وإلا فالله كان عالما به. وقال المرتضى
فيه وجها مليحا، أي يعلم هو تعالى وغيره، ولا يحصل علمه مع علم غيره إلا بعد
حصول الاتباع، فأما قبل حصوله فإنما يكون هو تعالى العالم وحده، فصح حينئذ
ظاهر الآية.
وقوله: ممن ينقلب على عقبيه، قيل فيه قولان: أحدهما: أن قوما ارتدوا
عن الاسلام لما حولت القبلة جهلا منهم بما فيها من وجوه الحكمة، والآخر: أن
المراد به كل مقيم على كفره، لأن جهة الاستقامة إقبال وخلافها إدبار ولذلك
وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر وقال: لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب
وتولى، عن الحق.
فصل:
ثم قال " وإن كانت لكبيرة " فالضمير يحتمل رجوعه إلى ثلاثة أشياء: القبلة على قول
478

أبي العالية، والتحويلة على قول ابن عباس وهو الأقوى لأن القوم إنما ثقل عليهم
التحول لا نفس القبلة، وعلى قول ابن زيد الصلاة.
و " ما كان الله ليضيع إيمانكم " في معناه أقوال: قال ابن عباس: لما حولت
القبلة قال ناس كيف أعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى وكيف بمن مات من
إخواننا قبل ذلك فأنزله الله، وقال الحسن: إنه لما ذكر ما عليهم من المشقة في
التحويلة أتبعه بذكر ما لهم من المثوبة، وأنه لا يضيع ما عملوه من الكلفة فيه، لأن
التذكير به يبعث على ملازمة الحق والرضا به. الثالث: قال البلخي: إنه لما ذكر
إنعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة ذكر السبب الذي استحقوه به، وهو إيمانهم بما
حملوه أولا فقال " وما كان الله ليضيع إيمانكم " الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في
التوجه إلى الكعبة.
فإن قيل: كيف جاز عليهم الشك في من مضى من إخوانهم فلم يدروا أنهم
كانوا على حق في صلاتهم إلى بيت المقدس.
قلنا: الوجه فيه أنهم تمنوا وقالوا: كيف لإخواننا لو أدركوا الفضل بالتوجه إلى
الكعبة معنا فإنهم أحبوا لهم ما أحبوا لأنفسهم وكان الماضون في حسرة ذلك أو
يكون قال ذلك منافق فخاطب الله المؤمنين بما فيه الرد على المنافقين، وإنما جاز أن
يضيف الإيمان إلى الأحياء على التغليب لأن من عادتهم أن يغلبوا المخاطب على
الغائب كما يغلبون المذكر على المؤنث فيقولون " فعلنا بكما وبلغنا كما " وإن كان
أحدهما حاضرا والآخر غائبا.
فصل:
ثم قال تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها،
قال قوم: إن هذه الآية نزلت قبل التي تقدمتها وهي قوله: " سيقول السفهاء ".
فإن قيل: لم قلب النبي ع وجهه في السماء؟
قلنا: عنه جوابان:
أحدهما: أنه كان وعد بالتحويل عن بيت المقدس فكان يفعل ذلك انتظارا
وتوقعا لما وعد به.
479

والثاني: أنه كان يحبه محبة طباع، ولم يكن يدعو به حتى أذن له فيه، لأن الأنبياء
ع لا يدعون إلا بإذن الله، لئلا يكون في ردهم تنفير قبول قولهم إن
كانت المصلحة في خلاف ما سألوه، وهذا الجواب مروي عن ابن عباس.
وقيل في سبب محبة النبي ع التوجه إلى الكعبة ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه أراد مخالفة اليهود والتميز منهم، والثاني: أنه أراد ذلك استدعاء
للعرب إلى الإيمان، والثالث: أنه أحب ذلك لأنها كانت قبلة إبراهيم، ولو قلنا:
إنه أحب جميع ذلك، لكان صوابا.
فصل:
و " شطر المسجد الحرام " نحوه وتلقاؤه، وعليه المفسرون وأهل اللغة. وعن
الجبائي أراد بالشطر النصف فأمره أن يولي وجهه نحو نصف المسجد حتى يكون
مقابل الكعبة، والأول أولى لأن اللفظ إذا كان مشتركا بين النصف والنحو ينبغي
أن لا يحمل على أحدهما إلا بدليل، وعلى الأول إجماع المفسرين.
وقوله: إن الذين أوتوا الكتاب، هم اليهود عن السدي، وقيل: هم
أحبار اليهود وعلماء النصارى غير أنهم جماعة قليلة يجوز على مثلهم إظهار خلاف ما
يبطنون، لأن الجمع الكثير لا يتأتى ذلك منهم لما يرجع إلى العادة، فإنها لم يجز بذلك مع
اختلاف الدواعي وإنما يجوز العناد على النفر القليل، وهذه الآية ناسخة لفرض
التوجه إلى بيت المقدس قبل ذلك، وعن ابن عباس أول ما نسخ من القرآن فيما
ذكر لنا شأن القبلة، وقال قتادة: نسخت هذه الآية ما قبلها، وهذا مما نسخ من
السنة بالقرآن لأنه ليس في القرآن ما يدل على تعبده بالتوجه إلى بيت المقدس
ظاهرا.
ومن قال: إنها نسخت قوله: فأينما تولوا فثم وجه الله، فنقول له:
ليست هذه منسوخة بل هي مختصة بالنوافل في حال السفر على ما نذكره بعد.
فأما من قال: يجب على الناس أن يتوجهوا إلى الميزاب الذي على الكعبة
ويقصدوه فقوله باطل على الإطلاق لأنه خلاف ظاهر القرآن.
وقال ابن عباس: البيت كله قبلة وقبلته بابه، وهذا يجوز، فأما أن يجب على جميع الخلق
480

التوجه إليه فهو خلاف الاجماع.
فصل:
وقوله تعالى: وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، روي عن الباقر والصادق
ع أن ذلك في الفرض، وقوله: فأينما تولوا فثم وجه الله، قالا: هو في النافلة.
وعن الباقر ع: لما حولت القبلة إلى الكعبة أتى رجل من عبد الأشهل من
الأنصار وهم قيام يصلون الظهر قد صلوا ركعتين نحو بيت المقدس فقال: إن الله قد
صرف رسوله نحو البيت الحرام فصرفوا وجوههم نحوه في بقية صلاتهم.
" وإنه للحق من ربك " الهاء يعود إلى التحويل وقيل: التوجه إلى الكعبة لأنه قبلة
إبراهيم وجميع الأنبياء.
وعن عطاء في قوله: فول وجهك شطر المسجد الحرام الحرم كله مسجد وهذا مثل قول
أصحابنا: إن الحرم قبلة من كان نائيا عن الحرم من الآفاق، واختلف الناس في صلاة النبي
ع إلى بيت المقدس: (فقال قوم كان يصلى بمكة إلى الكعبة فلما صار بالمدينة أمر
بالتوجه إلى بيت المقدس) سبعة عشر شهرا ثم أعيد إلى الكعبة، (وقال قوم كان يصلى
بمكة إلى البيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه ثم أمره الله بالتوجه إلى الكعبة).
فإن قيل: كيف قال: ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك، وقد آمن
منهم خلق كثير؟
قلنا: عن ذلك جوابان: أحدهما قال الحسن: إن المعنى أن جميعهم لا يؤمن، والثاني: أنه
مخصوص بمن كان معاندا من أهل الكتاب دون جميعهم الذين وصفهم الله تعالى: يعرفونه
كما يعرفون أبناءهم.
وقوله: ولئن اتبعت أهواءهم، معناه الدلالة على فساد مذاهبهم وتبكيتهم بها، وقوله:
وما أنت بتابع قبلتهم، أي ليس يمكنك استصلاحهم باتباع قبلتهم لاختلاف وجهتهم لأن
النصارى يتوجهون إلى المشرق واليهود إلى المغرب، فبين الله أن إرضاء الفريقين محال.
وقيل: أنه لما كان النسخ مجوزا قبل نزول هذه الآية في القبلة أنزل الله الآية ليرتفع ذلك
481

التجويز، وكذلك ينحسم طمع أهل الكتاب من اليهود، إذ كانوا طمعوا في ذلك
وظنوا أنه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس.
وقوله: وما بعضهم بتابع قبلة بعض، أي لا يصير النصارى كلهم
يهودا ولا اليهود كلهم نصارى أبدا، كما لا يتبع جميعهم الاسلام.
فصل:
ثم قال تعالى: وإن فريقا منهم ليكتمون الحق، كتموا أمر القبلة وهم
يعلمون صحة ما كتموه، وما لمن دفع الحق من العذاب.
والهاء في " يعرفونه " عائدة على أمر القبلة في قول ابن عباس، وقال الزجاج:
هي عائدة على أنهم يعرفون النبي ع وصحة أمره.
وإنما قال: وإن فريقا منهم ليكتمون الحق، وفي أول الآية قال:
" يعرفونه " على العموم، لأن أهل الكتاب منهم من أسلم وأقر بما عرف فلم يدخل
في جملة الكاتمين كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما ممن دخل الاسلام.
فإن قيل: كيف قال " يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " وهم لا يعرفون في
الحقيقة أن أبناءهم أبناؤهم ويعرفون أن محمدا هو النبي المبعوث المبشر به في
الحقيقية؟
قلنا: التشبيه وقع بين المعرفة بالابن في الحكم وهي معرفة تميز بها من غيره
وبين المعرفة بأنه هو النبي المبشر به في الحقيقة فوقع التشبيه بين معرفتين إحديهما
أظهر من الأخرى فكل من ربي ولدا كثيرا ورآهم سنين وسمي هذا أحمدا وذا
محمدا وذا عليا وذا حسنا وذا حسينا فإنه يميز بينهم بحيث لا يلتبس عليه ذلك بحال.
فصل:
وقوله: ولكل وجهة هو موليها، فيه أقوال: أحدهما: أن لكل أهل ملة
من اليهود والنصارى وجهة وثانيها: أن لكل نبي وجهة واحدة وهي الاسلام وأن
اختلفت الأحكام كما قال: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا،
أي: شرائع الأنبياء وثالثها: هو صلاتهم إلى بيت
482

المقدس وصلاتهم إلى الكعبة ورابعها: أن لكل قوم من المسلمين وجهة وراء الكعبة
أو قدامها أو عن يمينها أو عن شمالها.
والوجهة: القبلة، و " موليها " في قول مجاهد مستقبلها، وقيل في تكرار قوله: " فول
وجهك " أنه لما كان فرضا نسخ ما قبله كان من مواضع التأكيد لينصرف الناس إلى الحالة
الثانية بعد الحالة الأولى ويثبتوا عليه على يقين.
وقيل في تكرير قوله: " ومن حيث خرجت " (أن الاختلاف لاختلاف المعنى وإن اتفق
اللفظ لأن المراد بالأول من حيث خرجت) منصرفا عن التوجه إلى بيت المقدس فول
وجهك شطر المسجد الحرام، والمراد بالثاني أين كنت من البلاد فتوجه نحو المسجد الحرام
مستقبلا كنت لظهر القبلة أو وجهها أو يمينها أو شمالها.
وفي قوله: وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، محذوف واجتزئ بدلالة الحال عن
دلالة الكلام، قال الزجاج: عرفتكم ذلكم لئلا يكون لأهل الكتاب حجة لو جاء على خلاف
ما تقدمت به البشارة في الكتب السالفة من أن المؤمنين سيوجهون إلى الكعبة، " إلا الذين
ظلموا " استثناء منقطع، أي لكن الظالمين منهم يتعلقون بالشبهة ويضعونها موضع الحجة،
فلذلك حسن الاستثناء، وهو كقوله: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن.
باب ستر العورة:
وذكر المكان واللباس مما يجوز الصلاة عليه وفيه
وذكر الأذان والإقامة
ستر السوءتين على الرجال مفروض وما عدا ذلك مسنون وعلى النساء الحرائر يجب
ستر جميع البدن، قال تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد، يعني ألبسوا لباسا مأمورا به عند
كل صلاة مع التمكن. والزينة هاهنا - باتفاق المفسرين - ما يوارى به العورة، قالوا: أمر الله
بأخذ الزينة، ولا خلاف أن التزين ليس بواجب والأمر في الشريعة على الوجوب فلا بد من
حمله على ستر العورة، ويدل عليه أيضا قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري
483

سوءاتكم وريشا ولباس التقوى، قال علي بن موسى القمي: دل ذلك على وجوب
ستر العورة وقال غيره: إنما يدل ذلك على أنه أنعم عليهم بما يقيهم الحر والبرد وما
يتجملون به. ويصح اجتماع القولين. وإنما قال: أنزلنا عليكم لباسا، لأن ما
يتخذ هو منه ينبت بالمطر الذي ينزل من السماء وهو القطن والكتان وجميع ما ينبت
من الحشيش والرياش الذي يتجمل به.
و " لباس التقوى " هو الذي يقتصر عليه من أراد التواضع والنسك في العبادة
من لبس الصوف والشعر والوبر والخشن من الثياب، وقيل: هو ما يكون مما ينبت
من الأرض وشعر وصوف ما يؤكل لحمه من الحيوان، وقيل التقدير: ولباس
التقوى خير لكم إذا أخذ تم من الريش وأقرب لكم إلى الله منه، والريش ما فيه
الجمال كالخز الخالص ونحوه مما أباحه الله ومنه ريش الطائر. والحمل على جميع
ذلك أولى لفقد الاختصاص، فالحرير الخالص غير محرم على النساء على حال وإذا
كان مخلطا بالقطن ونحوه فللرجال أيضا حلال.
فصل:
وهذه الآية خطاب من الله تعالى لأهل كل زمان من المكلفين على ما يصح
ويجوز من وصول ذلك إليهم كما يوصي الانسان ولولده وولد ولده وإن نزلوا بتقوى
الله وإيثار طاعته.
ويجوز خطاب المعدوم، بمعنى أن يراد بالخطاب إذا كان المعلوم أنه سيوجد
وتتكامل فيه شرائط التكليف، ولا يجوز أن يراد من لا يوجد لأن ذلك عبث لا
فائدة فيه، على أن الآية كانت خطابا للمكلفين الموجودين في ذلك الزمان ولكل من
يكون حكمهم حكمه.
وقوله تعالى: يواري سوءاتكم، أي يستر ما يسوؤكم انكشافه من
الجسد، لأن السوءة ما إذا انكشف من البدن يسوء والعورة ترجع إلى النقيصة في
البدن.
وقوله: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، أي تناولوا زينتكم
وهي اللبسة الحسنة، ويسمى ما يتزين به زينة من الثياب الجميلة ونحو ذلك، قال
الزجاج: هو أمر بالاستتار في الصلاة. قال أبو علي: ولهذا صار التزيين للجمع
والأعياد سنة، وقال مجاهد: هو ما وارى العورة ولو عباءة.
وقوله: عند كل مسجد، عن أبي جعفر ع في الجمعات والأعياد، عن ابن
484

عباس كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهاهم عن ذلك.
وقالوا: لما أباح الله تناول الزينة وحث عليه وندب إليه - وهناك قوم يحرمون
كثيرا من الأشياء من هذا الجنس - قال الله تعالى منكرا لذلك: قل يا محمد: من
حرم زينة الله التي أخرج لعباده.
فصل:
وجلد ما يؤكل لحمه يجوز فيه الصلاة إذا كان مذكى مشروعا، وجلود الميتة
لا تطهر بالدباغ وكذا جلود ما يذكيه أهل الخلاف والدليل على ذلك - مضافا إلى
إجماع الطائفة - قوله: حرمت عليكم الميتة، وهذا تحريم مطلق يتناول أجزاء
الميتة في كل حال، وجلد الميتة يتناوله اسم الموت لأن الحياة تحله وليس بجار مجرى
العظم والشعر وهو بعد الدباع يسمى جلد ميتة كما يسمى قبل الدباع فينبغي أن
يكون حظر التصرف لاحقا به.
فأما دلالته على أن الشعر والصوف والريش منها والناب والعظم كلها محرم
فلا يدل عليه، لأن ما لم تحله الحياة لا يسمى ميتة، وكذلك جلد ذبائح أهل
الكتاب وكل من خالف الاسلام أو من أظهره ودان بالتجسيم والصورة وقال بالجبر
والتشبيه أو خالف الحق، فعندنا لا يجوز الانتفاع به على وجه ولا يصح الصلاة فيه
لعموم الآية، قال تعالى: وإنه لفسق.
فصل:
وقوله تعالى: لكم فيها دف ء ومنافع، قال ابن عباس: الدف ء لباس من
الأكسية وغيرها، كأنه سمي بالمصدر من دف ء يومنا دفاءا ونظيره الكن، وقال
الحسن: يريد ما استدفئ به من أوبارها وأصوافها وأشعارها، والدف ء خلاف البرد
ومنه رجل دفآن.
وقال تعالى: وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر، يعني قمصا من الكتان
والقطن، وخص الحر بذلك مع أن وقايتها للبرد أكثر لأمرين: أحدهما أن الذين
خوطبوا به أهل حرفي بلادهم، والثاني أنه ترك ذلك لأنه معلوم
485

فصل،
وقال تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه.
قيل: المراد بالمساجد في الآية بقاع الأرض كلها، لقوله ع: إن الله
جعل الأرض لي مسجدا، فالأرض كلها مسجد يجوز الصلاة فيه إلا ما كان
مغصوبا أو نجسا، فإذا زال الغصب والنجاسة منه فحكمه حكمها. وروى ذلك
زيد بن علي عن آبائه ع.
فصل:
وقال تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا، النداء في الآية
الدعاء بمد الصوت في الأذان ونحوه، وأخبر الله عن صفة الكفار الذين نهى
المؤمنون عن اتخاذهم أولياء، بأنهم إذا نادى المؤمنون للصلاة ودعوا إليها اتخذوا
هزوا ولعبا، وفي معنى ذلك قولان:
أحدهما: قال قوم: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم
وتغامزوا على طريق السخف والمجون تجهيلا لأهلها وتنفيرا للناس عنها وعن
الداعي إليها.
والثاني: إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها جهلا
منهم بمنزلتها، وقال أبو ذهيل الجمحي:
وأبرزتها من بطن مكة بعد ما أصاب المنادي بالصلاة وأعتما
فالاستدلال بهذه الآية يمكن على الأذان، وكذا بقوله: إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة.
والأذان للمنفرد سنة على كل حال، وكذا الإقامة وواجبان في صلاة الجمعة
إذا اجتمعت شرائطها لأن تلك الجماعة واجبة ولا تنعقد إلا بهما، ويقال على
الإطلاق أنهما واجبان في الجماعة لخمس صلوات وقيل يتأكد ندبهما. وقد بين رسول
الله أحكامها كما أمره الله بقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم، وقد علمه الله.
والأذان في اللغة اسم للإعلام قائم مقام الإيذان كما أن العطاء اسم للإعطاء وهو في الأصل
486

علم سمعي، قال تعالى: وأذن في الناس.
والأذان في الشرع إعلام الناس بحلول وقت الصلاة، وقال السدي: كان رجل من
النصارى بالمدينة يسمع المؤذن ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله،
قال حرق الكاذب والقائل كان منافقا فدخلت خادمة له بعد ذلك ليلة بنار فسقطت شرارة
فاحترق البيت واحترق هو وأهله. وقد بينا أن المؤذن في اللغة كل من تكلم بشئ نداءا،
وأذنته وآذنته، ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع كقوله: فأذنوا بحرب
من الله.
باب ما يقارن حال الصلاة:
قال الله تعالى: وقوموا لله قانتين، قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى
نزلت هذه الآية، وقد دلت على أن القيام مع القدرة والاختيار واجب في الصلاة.
وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، تدل هذه الآية على أن النية
للصلاة ولسائر العبادات واجبة، وذلك أن الإخلاص بالديانة هو التقرب إلى الله بعملها
مع ارتفاع الشوائب، والتقرب لا يصح إلا بالعقد عليه والنية له ببرهان الدلالة، وروي
عن الرضا عن آبائه عن رسول الله ص أنه قال: لا قول إلا بعمل، ولا قول
ولا عمل إلا بنية، ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة، ومن تمسك بسنتي عند اختلاف أمتي
كان له أجر مائة شهيد، ومحل النية القلب، وذلك لأن النية هي الإرادة المخصوصة التي تؤثر
في وقوع الفعل على وجه دون وجه، ولا يكون من فعل غيره، وبها يقع الفعل عبادة وواقعا
موقع الوجوب أو الندب، وقد قال النبي ع: الأعمال بالنيات.
ولا يجوز في تكبيرة الافتتاح إلا قول: الله أكبر، مع القدرة عليه لأن المسلمين قد أجمعوا
على أن من قاله انعقدت صلاته بلا خلاف. وإذا أتى بغيره فليس على ما انعقادها دليل،
فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
وقال قوم: إن قوله: ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، أمر بذلك وهو على الإيجاب
شرعا، وكذا قوله: وربك فكبر. وقيل معناه: صل لله طاهرا في ثياب طاهرة، فكني بالتكبير
487

عن الصلاة ولولا وجوب التكبير في الصلاة لما كنى به عنها، وهذا كقوله: الحج عرفة.
فصل:
القراءة شرط في صحة الصلاة، قال تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، وقال:
فاقرؤوا ما تيسر منه، والأمر في الشريعة يقتضي الإيجاب.
وقال ع: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهذا تفصيل ما أجمله الآيتان: ما آتاكم
الرسول فخذوه، و: أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس.
وقال تعالى: وقرآن الفجر، أي صلاة الفجر، فسمى الله الصلاة قرآنا إعلاما بأنها
لا تتم إلا بالقراءة.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا، لما كان الله في كثير من الآيات أمر
بالصلاة جملة ثم نص على بعض أفعالها تنبيها على عظم محله وكبر شأنه، كذلك أمر
بالركوع والسجود، مفردا تفخيما لمنزلتهما في الصلاة أي صلوا على أمرتكم به من
الركوع والسجود ثم أمرهم تعالى بعد ذلك بأوامره فقال: واعبدوا ربكم وافعلوا الخير،
إلى أن أمر مرة أخرى بإقامة الصلاة فقال: فأقيموا الصلاة، وكل هذا يدل على شدة
التأكيد في الركوع والسجود وأنهما ركنان من الصلاة على ما ذكرناه، لا تتم إلا بهما مع
الاختيار أو ما يقوم مقامهما مع الاضطرار.
والتسبيح فيهما واجب أيضا، والدليل عليه ما روي أنه لما نزل قوله تعالى: وإنه لحق
اليقين فسبح باسم ربك العظيم، قال النبي ع: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل
قوله: سبح اسم ربك الأعلى، قال ع: ضعوا هذا في سجودكم، وهذان أمران
يقتضيان الوجوب.
فصل:
إن سأل سائل عن قوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين
أن قوله: أقيموا الصلاة، يدخل فيها الركوع، فلم قال " واركعوا "، وهل هذا إلا تكرار؟
488

قلنا: هذا أولا يدل على أن الركوع ركن من أركان الصلاة على بعض الوجوه
لا تصح من دونه، فهذا إنما ذكره للتفخيم والتعظيم لشأن الركوع كقوله: وملائكته ورسله
وجبريل وميكال، وكما قال: فيهما فاكهة ونخل ورمان. وفعل الركوع يعبر به أيضا عن
الصلاة بتمامها، يقول القائل: فرغت من ركوعي، أي من صلاتي وإنما يعبر به عنها لأنه أول
ما يشاهد مما يدل على أن الانسان في الصلاة، لأن أصل الركوع الانحناء.
وقال بعض المفسرين: إن المأمورين في الآية هم أهل الكتاب ولا ركوع في صلاتهم،
فكان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه أبعد من اللبس، فأمرهم الله بالصلاة على
ما يرونها ثم أمرهم بضم الركوع إليها، والأمر شرعا على الوجوب.
ويمكن أن يقال: إن قوله: أقيموا الصلاة، إنما يفيد إيجاب إقامتها، ويحتمل أن يكون
ذلك إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها، ويجوز أن يكون أيضا إشارة إلى الصلاة الشرعية،
فلما قال: واركعوا مع الراكعين، يعني مع هؤلاء المسلمين الراكعين، فخصصت بالصلاة
المنفردة في الشرع فلا يكون تكرارا بل يكون بيانا.
وقيل: فيه وجه لطيف وهو أنه لما أمر بالصلاة بقوله: أقيموا الصلاة، حث بقوله:
واركعوا مع الراكعين، على صلاة الجماعة لتقدم الصلاة للمنفرد في أول الآية، ويجئ
بيانها في بابها.
فصل:
وقال تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا، قال الطبري:
المراد " لا تجهر بصلاتك " يعني صلاة النهار العجماء " ولا تخافت بها " يعني صلاة الليل التي
يجهر بها في القراءة، فالجهر في صلاة الغداة واجب، وكذلك في الركعتين الأوليين من
العشائين.
فأما صلاة النهار فهي عجماء كما ذكرنا ويجب في الظهر والعصر جميعا المخافتة إلا في
الجمعة يوم الجمعة، وفي الركعتين الأوليين من الظهر أيضا من يوم الجمعة، فإنه يستحب
الجهر فيهما.
489

وقيل: إنه نهي من الله تعالى عن الجهر العظيم في حال الصلاة وعن المخافتة
الشديدة، وأمر بأن يتخذ بين ذلك طريقا وسطا، فأقل الجهر أن تسمع من يليك، وأكثر
المخافتة أن تسمع نفسك، ولا مانع من الحمل على القولين لعمومه.
وعن ابن عباس: إن النبي ع بمكة كان إذا صلى يجهر بصلاته على المأمور،
فسمع له المشركون فشتموه وآذوه وآذوا أصحابه، فأمره الله بترك الجهر.
وعن عائشة: المراد بالصلاة ههنا الدعاء، أي لا تجهر بدعائك ولا تخافت به ولكن
بين ذلك، ويجوز أن يكون جميع ما ذكرناه مرادا، لأنه لا مانع.
وقال قوم: هذا خطاب لكل واحد من المصلين، والمعنى لا تجهر أيها المصلي
بصلاتك تحسنها مراءاة في العلانية ولا تخافت بها تسئ في القيام بها في السريرة.
وصلاة الغداة يجهر بها وإن كانت من صلاة النهار، لأن النبي ع صلاها في
غلس الصبح.
فصل:
وقال قوم: يمكن أن يستدل على أن الصلاة على النبي وآله في التشهد واجب بقوله:
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، وهو أمر، وهو في الشرع على الوجوب،
والإجماع حاصل باستحباب الصلاة على النبي وآله في كل موضع وعلى كل حال.
ووجوبها لا يعتبر إلا في التشهد والقنوت في كل صلاة مستحب في الموضع
المخصوص منها، يدل عليه قوله تعالى: وقوموا لله قانتين. قال صاحب العين: القنوت في
الصلاة دعاء بعد القراءة في آخر الركعتين يدعو قائما.
فإذا قيل: القنوت هو القيام الطويل هاهنا، قلنا: المعروف في الشريعة أن هذا الاسم
يختص الدعاء، ولا يعرف من إطلاقه سواه. على أنا نحمله على الأمرين لأنه عام.
ويجوز الدعاء في الصلاة أين شاء المصلي منها، والحجة - بعد إجماع الطائفة - ظاهر
أمر الله بالدعاء على الإطلاق، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، وقال: ادعوني
أستجب لكم.
490

وقال قوم: القنوت السكوت، وقوله: قوموا لله قانتين يدل على أن الكلام والتحدث في
الصلاة محظور نهى الله عنه، وهذا التأويل أيضا غير مستبعد مع أنه لا ينافي ما قدمناه،
ويجوز أن يكون الكل مرادا.
فصل:
ويجب القراءة في الركعتين الأوليين على التضيق للمنفرد، والمصلي مخير في الركعتين
الأخيرتين بين القراءة والتسبيح، ويمكن أن يستدل عليه بقوله: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن،
لأن ظاهر هذا القول يقتضي عموم الأحوال كلها التي من جملتها أحوال الصلاة.
ولو تركنا وظاهر الآية لقلنا: إن القراءة واجبة كلها تضييقا، لكن لما دل الدليل على
وجوبها في الأوليين على التضيق وفي الأخيرتين يجب على التخيير للمنفرد، قلنا بجواز
التسبيح في الأخيرتين، إلا أن الأثر ورد بأن القراءة للإمام في الأخيرتين أيضا أفضل من
التسبيح.
وافتتاح الصلاة المفروضة يستحب بسبع تكبيرات، يفصل بينهن بتسبيح وذكر الله،
والوجه فيه - بعد إجماع الفرقة المحقة - هو أن الله ندبنا في كل الأحوال إلى تكبيره وتسبيحه
وأذكاره الجميلة، وظواهر آيات كثيرة من القرآن تدل عليه مثل قوله: يا أيها الذين آمنوا
اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا، فوقت افتتاح الصلاة داخل في عموم
الأخبار التي أمرنا فيها بالأذكار.
ويجب الطمأنينة في الركوع والسجود، وكذا بعد رفع الرأس منهما،
وقد بين النبي ع كيفية الصلاة من الفرائض والسنن وما يترك لأمر الله
بذلك، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس، ورواها علماء أهل البيت وعلى صحة
جميع ذلك إجماع الطائفة، وهو دليل قاطع، ففي أول ركعة ثلاثة عشر فعلا مفروضا، وكذا في
كل ركعة إلا النية وتكبيرة الإحرام.
491

باب هيئة الصلاة:
قال الله تعالى: فصل لربك وانحر: أمر منه تعالى لنبيه، ويدخل فيه جميع المكلفين،
يأمرهم الله بالصلاة وأن ينحروا.
قال قوم: معناه صل لربك الصلاة المكتوبة واستقبل القبلة بنحرك، تقول العرب "
منازلنا تتناحر " أي تتقابل، أي هذا ينحر ذا يعني يستقبله وأنشد:
أبا حكم ها أنت عم مجالد * وسيد أهل الأبطح المتناحر
وهذا قول الفراء.
وروي عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ع أنه قال:
لما نزلت هذه السورة قال رسول الله لجبرئيل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال:
ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت
وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات
السبع، وإن لكل شئ زينة وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبير.
وأما ما رووه عن علي ع أن معناه ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر
في الصلاة فمما لا يصح عنه، لأن جميع عترته الطاهرة قد رووه عنه بخلاف ذلك، وهو أن
معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة حسب ما قدمناه.
وكذا روي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: فصل لربك
وانحر، هو رفع يديك حذاء وجهك، وروى مثله عنه ع عبد الله بن سنان.
وقال حماد بن عثمان: سألته ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره فقال: هكذا. يعني
استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة.
وعن جميل: قلت لأبي عبد الله ع: فصل لربك وانحر، فقال: بيده هكذا،
يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة.
وقال النبي ع: رفع الأيدي من الاستكانة، قيل: وما الاستكانة؟ قال:
ألا تقرأ هذه الآية: فما استكانوا لربهم وما يتضرعون.
وقد أورد الثعلبي والواحدي في تفسيريهما الحديث الذي قدمناه عن الأصبغ عن علي
492

ع وجعلا هذا الخبر من تمامه وهو الصحيح.
وروى جماعة عن الباقر والصادق ع في قوله: وتبتل إليه تبتيلا، أن
التبتيل هنا رفع الأيدي في الصلاة. وفي رواية: هو رفع يديك إلى الله وتضرعك إليه، والعموم
يتناولهما.
فصل:
وقال تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا، قال الفراء والزجاج: المساجد
مواضع السجود من الانسان الجبهة واليدان والرجلان. وزاد في رواية أصحابنا عنهم
ع تفصيلا فقالوا في قوله: وأن المساجد لله، السجود على سبعة أعظم فريضة الجبهة
واليدين والركبتين وطرف أصابع الرجلين.
والمعنى أنه لا ينبغي أن يسجد بهذه الأعضاء لأحد سوى الله، أي أن الصلاة لا تجب
إلا لله لأنها عبادة والعبادة غاية الشكر، والشكر يجب على النعمة وغاية الشكر - التي هي
العبادة - تجب على أصول النعمة وهي خلق الحياة والقدرة والشهوة والبقاء. وغيرها
مما لا يدخل تحت مقدور القدر، ولا يقدر على أصول النعمة غير الله فلا تجب العبادة إلا له
تعالى.
وقال تعالى: فلا تدعوا مع الله أحدا، أي لا تراؤوا أحدا، نهاهم الله عن الرياء في
الصلاة يعني لا يراؤوا بها غيره فإنها لا تكون مقبولة إلا إذا كانت خالصة لله تعالى.
والسجود على هذه الأعضاء السبعة واجب، ووضع الأنف على الأرض سنة، وكنايتهم،
ع فيه الإرغام بالأنف سنة، وقال بعضهم: الأنف والجبهة عظم واحد، فلا تقبل صلاة
لا يصيب الأنف منها ما يصيب الجبهة، وهذا لشدة تأكيد الندب في ذلك.
فصل:
قوله: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون،
قال مجاهد: هو غض الطرف وخفض الجناح، أي بقيت أعمالهم الصالحة فهم
493

خاضعون متذللون فيها لله، وقيل: الخشوع هو أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده في حال
القيام وينظر في حال الركوع إلى ما بين قدميه، أو يغمض عينه في هذه الحالة، وأما في حال
السجود فإلى طرف أنفه وفي جلوسه إلى حجره، وروي أن رسول الله ص
كان يرفع بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية طأطأ رأسه ونظر إلى مصلاه.
وإنما أعاد ذكر الصلاة ههنا بقوله: والذين هم على صلاتهم يحافظون، مع جرى
ذكرها في الآية المقدمة لأنه أمر بالخشوع في أول الآيات وأمر في آخرها بالمحافظة عليها
والقراءة بالتوحيد، لأن الصلاة اسم جنس يقع على القليل والكثير أي لا يضيعونها وهم
يواظبون على أدائها، وفي تفسير أهل البيت ع: إن معناه الذين يحافظون على
مواقيت الصلاة فيؤدونها في أوقاتها ولا يؤخرونها حتى يخرج وقتها وبه قال أكثر
المفسرين.
فصل:
وقوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
وإقام الصلاة،
قال ابن عباس: كل تسبيح في القرآن صلاة، وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله
ع: إن الله مدح قوما، بأنهم إذا دخل وقت الصلاة تركوا تجارتهم وبيعهم
واشتغلوا بالصلاة. وهذان الوقتان من أصعب ما يكون على المتبايعين، وهما الغداة
والعشي.
وقوله: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، إنما أضاف
الصلاة إلى أصل الواجبات من التوحيد والعدل لأن فيها التعظيم لله عند التكبير وفيها
تلاوة القرآن التي تدعوا إلى كل بر، وفيها الركوع والسجود وهما غاية خضوع لله، وفيها
التسبيح الذي هو تنزيه الله تعالى، وإنما جمع بين صلاته وحياته وإحديهما
من فعله والأخرى من فعل الله، لأنهما جميعا بتدبير الله.
والكيفيات المفروضة في أول ركعة ثمانية عشر، وفي أصحابنا من يزيد في العدد وإن
494

كانت الواجبات بحالها في القولين، وفي الركعة الثانية مثلها إلا كيفية النية وكيفية التكبير.
وفي التشهد يجب ستة أشياء، ويستدل عليها من فحوى الآيات التي تقدم ذكرها ومن
الآيات التي يأتي بيانها من بعد.
فصل:
قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، ومعنى الآية حث على
مراعاة الصلوات ومواقيتهن، وأن لا يقع فيها ولا في شرائطها ولا في أفعالها ولا في كيفياتها
التي بين رسول الله ص وجوبها تضييع وتفريط، وهذا عام في جميع واجباتها من
الأفعال والتروك وكيفياتها والفرائض والسنن.
وقوله: الصلاة الوسطى، هي العصر فيما روي عن النبي ص
وعن علي ع وعن ابن عباس والحسن. وقال ابن عمر وزيد بن ثابت إنها
الظهر، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع. وقال قبيصة بن ذؤيب: هي
المغرب. وقال جابر: هي الغداة، وعن ابن عمر: هي واحدة من الخمس غير مميزة.
وقال الحسن بن علي المغربي: المعنى بها صلاة الجماعة، لأن الوسط العدل فلما كانت
صلاة الجماعة أفضلها خصت بالذكر، وهذا وجه مليح غير أنه لم يذهب إليه غيره.
فمن جعلها العصر قال: لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل، وإنما حث عليها
زيادة لأنها وقت شغل الناس في غالب الأمر. ومن قال: إنها صلاة الظهر، قال: لأنها
وسط النهار ولأنها أول صلاة فرضت فلها بذلك فضل. ومن قال: هي المغرب، قال: لأنها
وسط في الطول والقصر ممن بين الصلوات، فهي أول صلاة الليل وقد رغب الله في
الصلاة بالليل. وأما من قال: هي الغداة، قال: لأنها بين الظلام والضياء، وهي صلاة
لا تجمع معها غيرها. ومن حمل الصلاة الوسطى على صلاة الجماعة جعل الصلوات على
عمومها من الفرائض.
ومن حملها على واحدة من الصلوات على الخلاف فيه اختلفوا، فمنهم من قال: أراد
بقوله " على الصلوات " ما عدا هذه الصلاة حتى لا يكون عطف الشئ على نفسه، ومنهم
495

من قال: لا يمتنع أن يريد بالأول جميع الصلوات وخص هذه الصلاة بالذكر تعظيما لها
وتأكيدا لفضلها وشرفها، كقوله: وملائكته ورسله وجبريل وميكال.
فصل:
اعلم أن الله تعالى لما حث على الطاعة بقوله: ولا تنسوا الفضل بينكم، خص بعده
الصلاة بالمحافظة عليها لأنها أعظم الطاعات، فقال: حافظوا على الصلوات، أي
داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها، ثم خص الوسطى تفخيما
لشأنها، ثم اختلف فيها على ستة أقوال على ما ذكرنا.
وأكد من ذكر أنها الظهر بقول النبي ع: إذا زالت الشمس سبح كل شئ
لربنا، فأمر الله بالصلاة في تلك الساعة وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء
فلا تغلق حتى يصلى الظهر ويستجاب فيها الدعاء، وذكر أنها الجمعة يوم الجمعة،
والظهر سائر الأيام.
ومن ادعى أنها العصر أكد قوله بقول النبي ع: من فاتته صلاة العصر
فكأنما وتر أهله وماله.
ومن ذكر أنها المغرب أكد قوله بقول النبي ع: إن أفضل الصلوات عند
الله صلاة المغرب لم يحطها الله عن مسافر ولا مقيم فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة
النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة ومن صلى بعدهما
أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين أو أربعين سنة.
ومن زعم أنها صلاة العشاء الآخرة قال: لأنها بين صلاتين لا تقصران، وقال النبي
ع: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليله.
ومن قال: إنها إحدى الصلوات الخمس، لم يعينها الله وأخفاها في جملة المكتوبات
كلها ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان واسمه الأعظم في جميع
أسمائه وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.
ومن قال: إنها صلاة الفجر، دل عليه أيضا من التنزيل بقوله: وقرآن الفجر إن قرآن
496

الفجر كان مشهودا، يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وهي مكتوب في ديوان الليل
وديوان النهار، ولأنها لا تجمع مع غيرها كما تقدم، فهي منفردة بين مجتمعتين، فقد جمع النبي
ع بين الظهر والعصر بعرفة وجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، فصلاة
الظهر متآخية لصلاة العصر وكذا المغرب للعشاء وصلاة الغداة منفردة.
ويستحب الجمع في هذين الموضعين - يعني عرفة والمشعر - على الرجال والنساء في أي
يوم كان من الأسبوع، وفي أية ليلة كانت سوى ليلة الجمعة أو غيرها من الليالي، ولا يستحب
الجمع في غيرهما من المواضع بل هو رخصة سواء كان في الحضر أو السفر إلا في يوم الجمعة
فإنه يستحب فيه الجمع بين الظهر والعصر لا غير في كل بقعة وعلى كل حال، ويلزم النساء
خاصة الجمع بين الظهر والعصر والجمع بين المغرب والعشاء الآخرة في بعض وجوه
استحاضتهن.
فصل:
ثم قال تعالى في آخر الآية: وقوموا لله قانتين، أي داعين، والقنوت هو الدعاء في
الصلاة في حال القيام وهو المروي عنهما ع، وقيل ساكتين لأنهم نهوا بذلك
عن الكلام في الصلاة، وقيل خاشعين فنهوا عن العبث والالتفات في الصلاة، فالالتفات
فيها إلى خلف محظور وإلى ما سواه من الجوانب مكروه، والأصل في القنوت الإتيان بالدعاء
وغيره من العبادات في حال القيام، ويجوز أن يطلق في سائر الطاعات فإنه وإن لم يكن فيه
القيام الحقيقي فإن فيه القيام بالعبادة.
واستدل الشافعي على أنها هي الغداة بقوله: وقوموا لله
قانتين، بمعنى وقوموا فيها لله قانتين، وهذا في جميع الصلوات عندنا.
والقنوت جهرا في كل صلاة، وعن زيد بن ثابت أن النبي ع كان يصلى
بالهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان،
فقال: لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم، فنزل قوله: حافظوا على
الصلوات.
497

فصل:
وقوله: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون، لا خلاف بين الأمة أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ع حين تصدق
بخاتمه وهو راكع، روى ذلك المغربي عن أبي بكر الرازي والطبري والرماني ومجاهد
والسدي وقالوا: المعنى بالآية هو الذي آتى الزكاة في حال الركوع، وهو قول أهل البيت
ع، وأجمعت الأمة على أنه لم يؤت الزكاة في الركوع غير أمير المؤمنين
ع، وفي هذه الآية دلالة عن أن العمل القليل لا يفسد الصلاة.
وقيل في قوله: وعنت الوجوه للحي القيوم، هو وضع الجبهة والأنف في السجود على
الأرض.
فصل:
وقوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري: قال قوم معناه متى ذكرت أن عليك صلاة كنت
في وقتها فأقمتها أو فات وقتها فاقضها، سواء فاتت عمدا أو نسيانا، وقيل: معناه أقم أيها
المكلف الصلاة لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم وأني أذكرك بالمدح والثواب.
وقال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، أي تركوها، وقيل: أي
أخروها عن مواقيتها وهو الذي رواه أصحابنا.
وقال: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، وهذا تهديد لمن يؤخرها عن
وقتها لأنه تعالى قال " عن صلاتهم " ولم يقل ساهون فيها، وإنما ذم من وقع منه السهو مع أنه
ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله، لأن الذم توجه في الحقيقة على التعرض للسهو
بدخوله فيها على وجه الرياء وقلبه مشغول بغيرها لا يرى لها منزلة تقتضي صرف الهمة
إليها.
وعن يونس بن عمار: سألت أبا عبد الله ع عن قوله: الذين هم عن صلاتهم
ساهون، أ هي وسوسة الشيطان؟ قال: لا كل أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن
يصلى في أول وقتها،
498

وعن أبي أسامة زيد الشحام سألته أيضا عن قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون،
قال: هو الترك لها والتواني عنها. وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن ع قال:
هو التصنيع لها. وعن ابن عباس: هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها.
وقيل: يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عليها عقابا إن
تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع المؤمنين صلوها رياءا، وإذا لم
يكونوا معهم لم يصلوا، وهو قوله: الذين هم يراءون. وقيل: ساهون عنها لا يبالون صلوا أو لم
يصلوا.
وعن أبي العالية: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها هم
الذين إذا سجدوا قالوا برؤوسهم هكذا وهكذا ملتفتين.
وقال أنس: الحمد لله الذي قال: عن صلاتهم، ولم يقل: في صلاتهم، أراد بذلك أن
السهو الذي يقع للإنسان في صلاته من غير عمد لا يعاقب عليه.
فصل:
وقوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله، خاطب محمدا ص
، والمراد به هو وجميع المكلفين، أي إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، لأن بعد
القراءة لا تكون الاستعاذة إلا عند من لا يعتد بخلافه. وقيل: هو التقديم والتأخير، وهذا
ضعيف لأن ذلك لا يجوز مع ارتفاع اللبس والشبهة.
والاستعاذة عند التلاوة مستحبة إلا عند أهل الظاهر فإنهم قالوا: فاستعذ بالله، أمر
وهو على الإيجاب، ولولا الرواية عن أهل البيت أنها مستحبة وعلى صحتها إجماع الطائفة
لقلنا بوجوبها.
والتعوذ في الصلاة مستحب في أول ركعة دون ما عداها، وتكراره في كل ركعة يحتاج
إلى دليل ولا دليل.
ويسر في التعوذ في جميع الصلوات، ويجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد
وفي كل سورة بعدها في كل صلاة يجب الجهر فيها، وتجب قراءته لأنه آية من كل سورة،
499

والدليل عليه إجماعنا الذي تقدم أنه حجة، فإن كانت الصلاة مما لا يجهر فيها استحب
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيها، واختلف فيه أيضا، فقيل: إنه مقصور على الركعتين
الأوليين من الظهر والعصر، والأظهر أنه على العموم في جميع المواضع التي كانت فيها من
الصلوات.
وقالوا في قوله: واذكر اسم ربك، أي اقرأ أيها المخاطب بسم الله الرحمن الرحيم في
أول كل سورة.
فصل:
قال الله تعالى: وإنه لتنزيل رب العالمين، إلى قوله: بلسان عربي مبين، تدل هذه الآية
أن من قرأ بغير العربية معنى القرآن بأي لغة كانت في الصلاة كانت صلاته باطلة، لأن
ما قرأه لم يكن قرآنا، وإن وضع لفظا عربيا موضع لفظ من القرآن يكون معناهما واحدا
فكمثله، فإنه تعالى وصف اللسان بصفتين، أ لا ترى أنه تعالى أخبر أنه أنزل القرآن بلسان
عربي مبين، وقال تعالى: إنا أنزلناه قرآنا عربيا، فأخبر أنه أنزله عربيا.
فمن قال: إذا كان بغير العربي فهو قرآن، فقد ترك الآية، وقال تعالى: وما أرسلنا من
رسول إلا بلسان قومه، وعند أبي حنيفة أرسل الله رسوله بكل لسان.
وإذا ثبت أنه بغير العربية لا يكون قرآنا سقط قولهم وثبت أنها لا تجزئ، على أن من
يحسن الحمد لا يجوز أن يقرأ غيرها لقوله ع: كل صلاة ليس فيها الفاتحة فهي
خداج، فإن لم يحسن الحمد وجب عليه أن يتعلمها، فإن ضاق عليه الوقت وأحسن غيرها
قرأ ما يحسن، فإن لم يحسن إلا بعض سورة قرأه، فإن لم يحسن شيئا أصلا ذكر الله وكبره
ولا يقرأ معنى القرآن بغير العربية.
فصل:
وقوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، يدل على أنه يجوز للمصلي أن يدعو
لدينه ودنياه ولإخوانه، لأنه قال " فادعوه " ولم يستثن حال الصلاة، وظاهره في عرف الشرع
500

الاستغراق والعموم فلا مانع.
وإذا سلم عليه وهو في الصلاة رد عليه مثله، يقول " سلام عليكم " ولا يقول وعليكم السلام
فإنه يقطع الصلاة ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن لفظة سلام عليكم من ألفاظ القرآن
يجوز للمصلي أن يتلفظ بها تاليا للقرآن وناويا لرد السلام إذ لا تنافي بين الأمرين، قال الله
تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.
قال الحسن وجماعة من متقدمي المفسرين: إن السلام تطوع والرد فرض لقوله
" فحيوا " والأمر شرعا على الوجوب، فإذا أطلق الأمر ولم يقيده بحال دون حال فالمصلي
إذا سلم عليه وهو في الصلاة فليرد عليه مثل ذلك، وسمعت بعض مشايخي مذاكرة أنه
مخصوص بالنوافل، والأظهر أنه على العموم. ومن شجون الحديث أن رسول الله
ص دعا أبا سعيد الخدري وهو في الصلاة فلم يجبه، فوبخه وقال: أ لم تسمع
قول الله: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم؟
فصل:
وقوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، أي يصلون على قدر
إمكانهم في صحتهم وسقمهم وهو المروي في أخبارنا، لأن الصلاة تلزم المكلف ما دام عقله
ثابتا، فإن لم يتمكن من الصلاة لا قائما ولا قاعدا ولا مضطجعا فليصل مومئا، يبدأ
بالصلاة بالتكبير ويقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا رفع رأسه فتحهما، وإذا أراد
السجود غمضهما وإذا رفع رأسه فتحهما، وإذا أراد السجود الثاني غمضهما، وإذا رفع رأسه
فتحهما وعلى هذا صلاته.
وقوله: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة، إن كان صلى ركعة مستلقيا هكذا ثم قوي على
أن يصلى مضطجعا، أو كان يصلى مضطجعا وقدر أن يصلى قاعدا، أو كان يصلى قاعدا
فقوي أن يصلى قائما رجع إليه، وكذا على عكسه إن صلى ركعة قائما فضعف عن القيام
صلى الباقي قاعدا. وعن ابن مسعود نزلت هذه الآية في صلاة المريض لقوله: وقعودا وعلى
جنوبهم.
501

والعريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائما، وإذا كان بحيث لا يأمن أن يراه أحد
صلى جالسا، للآية ولقوله " ما جعل عليكم في الدين من حرج ".
وقال ابن عباس: لم يعذر أحد في تركه للصلاة إلا مغلوب على عقله، وهذا يدل على
عظم حال الصلاة.
فصل:
وقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، يستدل
بهذه الآية على أن من ترك الصلاة متعمدا يجب قتله البتة على بعض الوجوه، لأن الله تعالى
أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين: أحدهما أن يتوبوا من الشرك، والثاني أن
يقيموا الصلاة، فإذا لم يقيموا وجب قتلهم.
ثم قال: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم، تقديره فهم إخوانكم.
أما قوله: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءا وتصدية، فمعناه أنه إخبار من الله
تعالى أنه لم يكن صلاة هؤلاء الكفار تلك الصلاة التي أمروا بها، فأخبر تعالى بذلك لئلا
يظن ظان أن الله لا يعذبهم مع كونهم مصلين ومستغفرين، ثم قال تعالى: وما لهم ألا يعذبهم
الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، وإنما سمى الله مكاءهم صلاة لأنهم يجعلون ذلك مكان
الصلاة والدعاء والتسبيح المشروع، والمكاء الصفير والتصدية التصفيق، ولأنهم
كانوا يعملون كعمل الصلاة مما في هذا، وقيل: كان بعضهم يتصدى لبعض ليراه بذلك
الفعل وكان يصفر له.
باب قضاء الصلاة وتركها:
اعلم أن القضاء هو فرض ثان، يدل عليه السنة على سبيل التفصيل، ويستدل
عليه من القرآن بقوله: واذكر ربك إذا نسيت، على طريق الجملة وعلى ما قدمناه في قوله:
" وأقم الصلاة لذكري ".
ثم من كان مخاطبا بالصلاة ففاتته، فإن كان كافرا في الأصل فالصلاة الفائتة منه في
502

حال كفره لا يلزمه قضاؤها، وإن كان مخاطبا بالشرائع بالدليل القاطع وعموم قوله: إن
تجتنبوا، كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما، يشهد ببراءة ذمته
التي هي الأصل، والسنة قد فصلت أنه لا يلزمه قضاؤها.
فأما من كان على ظاهر الاسلام بالغا كامل العقل، فإن جميع ما يفوته من الصلوات
بعذر وغير عذر يلزمه قضاؤها. حسب ما فاتته إن سفرا فسفر وإن حضرا فحضر، وكذا
ما يفوته في حال النوم المعتاد أو حال السكر أو تناول الأشياء المرقدة، وإن كان على مذهب
فاسد كالتشبيه ونحوه وكان صلى أو لم يصل، فإذا استبصر وجب عليه قضاء جميع ذلك.
فصل:
وقوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر، أي يخلف كل
واحد منهما صاحبه مما يحتاج أن يعمل فيه، فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار، ومن
فاته عمل النهار استدركه بالليل على الفور وهو قوله: لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.
عن أكثر المفسرين: إن الله أراد أن يجعل الليل والنهار وقتين للمتذكرين والشاكرين
من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الآخر.
وعن عنبسة العابد سألت الصادق ع عن قول الله: وهو الذي جعل الليل
والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، قال: قضاء صلاة الليل بالنهار وقضاء صلاة
النهار بالليل.
وفي رواية عن غيره أن أبا عبد الله ع قال في قوله: وهو الذي جعل الليل
والنهار خلفة، يقضي صلاة النهار بالليل وصلاة الليل بالنهار.
وقوله: لمن أراد أن يذكر، كلام مجمل يفسره قوله ع: من نسي صلاة فوقتها
حين يذكرها، يعني إذا ذكر أنها فاتته قضاها لقوله تعالى: أقم الصلاة لذكري.
باب ذكر صلاة الليل وذكر جميع النوافل:
فصل:
قال الله تعالى: يا أيها المزمل قم الليل، وهذا أمر من الله لنبيه ع بقيام
503

جميع الليل إلا القليل منه، والخطاب معه حين التف بثيابه تأهبا للصلاة، وقيل التف بثيابه
للنوم وقال الحسن: إن الله فرض على النبي والمؤمنين أن يقوموا ثلث الليل فما زاد، فقاموا
حتى تورمت أقدامهم ثم نسخ تخفيفا عنهم، وقال غيره: هو فعل لم ينسخ لأنه لو كان فرضا
لما خيره في ذلك وإنما بين تخفيف الثقل.
وقال قوم: المرغب فيه قيام ثلث الليل أو نصف الليل أو الليل كله إلا القليل، وإنما لم
يرغب بالآية في قيام جميعه لأنه تعالى قال " إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه "
يعني على النصف.
وقال الزجاج: نصفه بدل من الليل بدل البعض من الكل، كقوله " ضرب زيد
رأسه "، والمعنى قم نصف الليل أو زد على نصف الليل، وذلك قبل أن يتعبد بالصلوات
الخمس.
وعن ابن عباس وغيره: كان بين أول السورة وآخرها الذي نزل فيه التخفيف سنة.
وقال ابن جبير عشر سنين، وقال الحسن وعكرمة نسخت الثانية الأولة، والأولى أن يكون
الكلام على ظاهره ويكون جميع ذلك سنة مؤكدة إلا أنه ليس بفرض.
فصل:
وقوله: ورتل القرآن ترتيلا، أمر من الله له بأن يرتل القراءة، والترتيل ترتيب
الحروف على حقها في تلاوتها وتبيين الإعراب يتثبت فيها، والحدر هو الإسراع فيها وكلاهما
حسن إلا أن الترتيل هاهنا هو المرغب فيه.
و " ناشئة الليل " ساعات التهجد من الليل، وقال أبو جعفر وأبو عبد الله ع
هو القيام آخر الليل إلى صلاة الليل.
والمعنى: إن عمل الليل أشد ثباتا من عمل النهار وأثبت في القلب من عمل النهار، لأنه
يواطئ فيه القلب اللسان لانقطاع الشغل وفراغ القلب، وثوابه أعظم لأن عمل الليل
أشد على البدن من عمل النهار.
ثم قال: " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وفي الناس من
504

قال: هذه الآية ناسخة لما في أول السورة من الأمر الحتم بقيام الليل إلا قليلا " نصفه
أو أنقص منه.
وقال آخرون: إنما نسخ ما كان فرضا إلى أن صار نفلا، وقد قلنا: إن الأمر في أول السورة
على وجه الندب فكذا ههنا، فلا تنافي بينهما حتى ينسخ بعضها ببعض.
فصل:
وقوله: واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا: البكرة الغداة، والأصيل العشي، وهو أصل
الليل.
ومن الليل فاسجد له: دخلت من للتبعيض، يعني فاسجد له في بعض الليل، لأنه لم
يأمره بقيام جميع الليل كما قال: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه،
والمعنى أن ربك يعلم يا محمد أنك تقوم أدنى، أي أقرب وأقل من ثلثي الليل " ونصفه
وثلثه " أي أقل من نصفه ومن ثلثه، والهاء تعود إلى الليل أي نصف الليل وثلث الليل،
معناه: إنك تقوم في بعض الليالي قريبا من الثلثين وفي بعضها قريبا من نصف الليل وفي
بعضها قريبا من ثلثه.
وقيل: إن الهاء تعود إلى الثلثين، أي وأقرب من نصف الثلثين ومن ثلث الثلثين،
وإذا نصبت فالمعنى وتقوم نصفه وثلثه ويقوم طائفة من الذين معك.
وقوله تعالى: والله يقدر الليل والنهار، أي يقدر أوقاتهما لتعلموا فيهما على ما يأمركم به.
" علم أن لن تحصوه " أي تطيقوا المداومة على قيام الليل ويقع منكم التقصير فيه
" فتاب عليكم " بأن جعله تطوعا ولم يجعله فرضا، وقيل: أي فخفف عليكم.
فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " الآن، يعني في الصلاة عند أكثر المفسرين. وأجمعوا
أيضا على أن المراد بالقيام المتقدم في قوله " قم الليل " هو القيام إلى الصلاة إلا أبا مسلم
فإنه قال أراد القيام لقراءة القرآن.
" علم أن سيكون منكم مرضى " وذلك يقتضي التخفيف عنكم " وآخرون يضربون في
الأرض " أي ومنكم قوم آخرون يسافرون للتجارة وطلب الأرباح، ومنكم قوم آخرون
505

يقاتلون في سبيل الله، فكل ذلك يقتضي التخفيف عنكم، " فاقرؤوا ما تيسر منه ".
وروي عن الرضا عن أبيه عن جده ع قال: " فاقرؤوا ما تيسر منه " لكم فيه
خشوع القلب وصفاء السر وأقيموا الصلاة لحدودها التي أوجبها الله عليكم.
فصل:
وقوله تعالى: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون،
قال الزهري: " كانوا " يعني المتقين الذين وعدهم بالجنات، قليلا ما يهجعون بالليل في
دار التكليف، أي كان هجوعهم قليلا، فتكون ما مصدرية وقال الحسن: ما صلة وتقديره
كانوا يهجعون هجوعا قليلا، وقال قتادة: كان هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم للصلاة
والعبادة.
وقال أبو عبد الله ع في قوله: وبالأسحار هم يستغفرون، في الوتر في آخر الليل
سبعين مرة.
وقال في قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، أي كانوا أقل الليالي يفوتهم
لا يقومون فيها، وكان القوم ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال: الحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر. وقال ع في قوله: وأقوم قيلا، قيام الرجل عن فراشه يريد به الله لا يريد
به غيره.
وقال مجاهد في قوله: وبالأسحار هم يستغفرون، أي يصلون في السحر، وعن الحسن
يطلبون من الله المغفرة، والحمل عليهما للعموم أحسن.
و " السحر " الوقت قبيل طلوع الفجر وهو من أفضل الأوقات، قال تعالى:
" المستغفرين بالأسحار " أي المصلين بها يسألون المغفرة فيها، وقد تطلب المغفرة
بالصلاة كما تطلب بالدعاء.
وقال عمران بن حصين في قوله: والشفع والوتر، هي الصلاة فيها شفع ووتر.
وعن أبي عبد الله ع أن قوله تعالى: والباقيات الصالحات، هي القيام آخر
الليل لصلاة الليل والدعاء في الأسحار، وسميت باقيات لأن منافعها تبقى وتنفع أهلها في
الدنيا والآخرة، بخلاف ما نفعه مقصورة على الدنيا فقط، وقيل: هي قول: سبحان الله
506

والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، عقيب الصلوات وفي غيرها.
فصل:
وقوله تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك، خاطب به نبيه ع، ومن
للتبعيض، والتهجد التيقظ بما ينفي الهجود، وهو النوم كالتأثم والتحرج.
قال المبرد: التهجد عند أهل اللغة السهر للصلاة أو لذكر الله، فإذا سهر للصلاة
قيل: تهجد، وإذا أراد النوم قيل: هجد.
والنافلة فعل ما فيه الفضيلة مما رغب الله فيه ولم يوجبه، وقوله: نافلة لك، وجه هذا
الاختصاص هو أنه أتم الترغيب لما في ذلك من الصلاح لأمته في الاقتداء به والدعاء إلى
الاستنان بسنته، وروي أنها فرضت عليه ولم تفرض على غيره فكانت فضيلة له، ذكره
ابن عباس وإليه أشار أبو عبد الله ع.
والسنة مضافة إلى الله من حيث دلنا عليها وعلى تحريم الحرام منها وتحليل الحلال،
وتضاف إلى النبي ع من حيث سمعناها منه وكان هو المبتدئ بها.
فصل:
وقوله: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، عنهما ع أن الآية متناولة لمن يقوم
إلى صلاة الليل عن لذيذ مضجعه في وقت السحر، وقد مدح الله القائمين بالليل قال:
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود،
هو ما يظهر في وجوههم من السهر بالليل، عن ابن عباس: أثر صلاتهم يظهر في وجوههم.
وعن زين العابدين ع: خلوا بالله فكساهم نورا من نوره.
وقال أبو جعفر ع: من استغفر الله في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل
هذه الآية: وبالأسحار هم يستغفرون، وقال: في قوله: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم
دائمون، إن ذلك في النوافل يدومون عليها، وفي قوله: والذين هم على صلواتهم يحافظون،
في الفرائض والواجبات، وقوله: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين
507

تقوم، قال أبو الأحوص: معناه حين تقوم من نومك، وقيل: معناه صل النوافل بحمد ربك
حين تقوم من نوم القائلة قبل فريضة الظهر، " ومن الليل " يعني حين تقوم من النوم فصل
نوافل الليل " وإدبار النجوم " ركعتا الفجر قبل الفرض " وأدبار السجود " نوافل المغرب.
باب أحكام الجمعة:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله، " من " هاهنا بمعنى " في " الدالة على الظرفية بدليل أن النداء للصلاة المشار إليها في
وسط الجمعة، ولو كانت من التي تختص بابتداء الغاية لكان النداء في أول يوم الجمعة،
فهو على إضمار مصدر محذوف حذف لدلالة الكلام عليه، ومعناه إذا سمعتم أذان يوم الجمعة
فامضوا إلى الصلاة.
قال قتادة: امضوا إلى الصلاة مسرعين غير متغافلين، وقال الزجاج: المعنى فامضوا
لا السعي الذي هو الإسراع، قال: وقرأ ابن مسعود: فامضوا إلى ذكر الله ثم قال: لو علمت
الإسراع لأسرعت حتى يقع ردائي من كتفي، قال وكذلك كان يقرأ. قال الحسن: والله
ما أمروا إلا بأن يأتوا الصلاة وعليهم الوقار والسكينة. وقال الزجاج: أي اقصدوا،
والسعي التصرف في كل عمل، يدل عليه قوله: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أي بما عمل
ومنه قوله: لتجزى كل نفس بما تسعى، وعن أبي جعفر ع: السعي قص الشارب
ونتف الإبط وتقليم الأظفار والغسل والتطيب ليوم الجمعة ولبس أفضل الثياب والذكر.
خاطب الله المؤمنين أنه إذا أذن لصلاة الجمعة وكذلك إذا صعد الإمام المنبر يوم الجمعة،
وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله ص سواه، فاسعوا إلى ذكر الله، أي
فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين، وقيل: ما هو السعي على الإقدام ولكن بالقلوب
والنية والخشوع، فقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار.
وقال السائب بن يزيد: كان لرسول الله مؤذن واحد وهو بلال، فكان إذا جلس على
المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة، ثم كان أبو بكر وعمر كذلك، حتى
إذا كان في عهد عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا، فأمر بالتأذين الأول على
508

سطح دار له بالسوق، فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه، فإذا نزل أقام للصلاة فلم
يعب ذلك عليه، وليس هذا دليلا شرعيا، قال رسول الله ص: من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد.
فصل:
اعلم أن فرض الجمعة يلزم جميع المكلفين لعموم قوله: فاسعوا إلى ذكر الله،
إلا صاحب العذر من سفر أو مرض أو عمى أو عرج أو آفة وغير ذلك ويعتبر فيه أيضا
الذكورة والحرية، وعند اجتماع شروطه لا تجب إلا عند حضور سلطان عادل أو من نصبه،
وبتكامل العدد عندنا سبعة أو خمسة، والمراد بذكر الله الخطبة التي هي تتضمن ذكر الله
والمواعظ، وأقل ما يكون أربعة أصناف: حمد الله والصلاة على محمد وآله والوعظ وقراءة
سورة خفيفة من القرآن، وقيل: المراد بالذكر في الآية الصلاة التي فيها ذكر الله.
والنداء رفع الصوت حتى يصل إلى المقصود به ومنه قولهم: لا ينداك مني مكروه،
أي لا يصل مني إليك مكروه ولا يصيبك، والمراد به هاهنا الأذان فالخاطب لصلاة
الجمعة من يحصل فيه شرائط عشرة: الذكورة والبلوع، وكمال العقل والحرية والصحة
من المرض وارتفاع العمى وارتفاع العرج وأن لا يكون شيخا لا حراك به وأن لا يكون
مسافرا، ويكون بينه وبين الموضع الذي يصلى فيه الجمعة فرسخان فما دونه، فعلى هذا
إذا صلى المريض الظهر في بيته أربعا ثم سعى إلى الجمعة فصلاها مع الإمام كان فرضه
أفضلهما وأزكاهما عند الله وإن لم يقطع بواحدة منهما على التعيين.
قال الشيخ المفيد: وبذلك نص عن أئمة الهدي ع. قال: ويؤيده أن الله
تعالى قد دعاه إلى كل واحدة من الصلاتين على التخيير ولم يحظر عليه الجمع بينهما إذا شاء،
فوجب أن يكون الفرض أحدهما على الإبهام فلم يتعين بحكم شرعي، وقال آخرون: إذا لم
يمكنه السعي إلى الجمعة وإن كان مقيما ففرضه أربع.
ويكره السفر يوم الجمعة قبل الصلاة لأنه مانع من أفعال الخير، وكل ما يمنع من
الأفضل في الأعمال مكروه.
509

فصل:
وقوله تعالى: وذروا البيع، أي دعوا المبايعة، فمعناه إذا دخل وقت الصلاة أتركوا
البيع والشراء. قال الفراء: إنما لم يذكر الشراء - وهو مثله لأن المشتري والبائع يقع عليهما
البيعان، فإذا زالت الشمس من يوم الجمعة والحال هذه حرم البيع والشراء حتى تقضي
الصلاة. وقال الحسن: كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام وهذا الذي
يقتضيه ظاهر الآية وهو مذهبنا، وتحريم البيع يدل على تحريم سائر ما يشغل عن التوفر على
سماع الذكر وتدبره حتى الكلام، لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه.
ذلكم خير لكم: " ذلكم " يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة واستماع الذكر وأداء
الفريضة وترك البيع خير لكم وأنفع عاقبة لكم " إن كنتم تعلمون " صحة ما قلناه وتعلمون
منافع الأمور ومضارها ومصالح أنفسكم ومفاسدها أي اعلموا ذلك، وفي الآية - كما ذكرنا -
دلالة على وجوب الجمعة وتحريم جميع التصرفات عند سماع أذان الجمعة، لأن البيع إنما
خص بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعاش، وفيها دلالة على أن
الخطاب للأحرار لأن العبد لا يملك البيع، وعلى اختصاص الجمعة بمكان ولذلك أوجب
السعي إليه.
فإن قيل: هل يجوز أن يخطب رجل ويصلى آخر؟
قلنا: لا وذلك أن السنة ثبتت بخلافه ولم يحفظ عن أحد من أئمة الاسلام أنه تفرد
بالصلاة دون الخطبة، فثبت أن فعل ما في السؤال بدعة واستدل من فحوى الآية بعضهم
على ذلك. والإمام إذا عقد صلاة الجمعة بتكبيرة الإحرام ثم تفرق عنه الناس بعد دخولهم
فيها معه تمم هو ركعتين ولم يصل أربعا الظهر، فإنه عقدها جمعة عقدا صحيحا فلم ينقض
ما عقده فعل من غيره لم يتعد إلى صلاته بالفساد، ويدل قوله: وتركوك قائما.
فصل:
وقوله تعالى: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، أي إذا صليتم الجمعة وفرغتم
عنها تفرقوا في الأرض واطلبوا الرزق في الشراء والبيع، وهذا إباحة ورخصة وليس بأمر
510

بل رفع الحظر الذي أوقعه بقوله: وذروا البيع، وقد أطبقوا على أن هذا الأمر الوارد بعد
الحظر يقتضي الإباحة، والصحيح أن حكم لفظ الأمر الواقع بعد الحظر هو حكم أمر المبتدأ
فإن كان مبتدأ على الوجوب أو الندب أو الوقف على الحالين فهو كذلك بعد الحظر، وهذا
قوي في الدلالة على وجوب هذه الصلاة على هذه الهيئة، لأنها لو لم تجب لكان الانتشار
مباحا قبل إتمامها، ويدخل في الانتشار سائر التصرف خصوصا مع ذكر ابتغاء الفضل.
وقيل: في قوله: وابتغوا من فضل الله، أي اطلبوا من فضله بعمل الطاعة والدعاء له
تعالى وعيادة المريض وحضور الجنائز وزيارة الإخوان في الله واذكروا إحسانه لتفلحوا،
وقيل: هذا أمر بزيادة التعقيب الذي يستحب يوم الجمعة والعموم يتناول جميع ذلك.
والإمام إذا قرب من الزوال ينبغي أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب
الخطبتين زالت الشمس، فإذا زالت نزل فصلى بالناس. وفحوى الآية يدل عليه،
ويفصل بين الخطبتين بجلسة كلا ولاء، وهذا التفصيل يعلم بعمل رسول الله وقوله من
القرآن على الجملة، قال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه، وهذا الفصل بينهما سنة عندنا،
وقال الشافعي وأبو حنيفة هو واجب، ويحرم الكلام على من حضر ويجب عليه الإصغاء إلى
الخطبتين لأنهما بدل من الركعتين، ولا يذكر فيهما إلا الحق وإلا فلا جمعة.
ومن دخل المسجد والإمام يخطب فلا يتطوع لأن ذلك شاغل له عن سماع الخطبة
واستماعها أفضل من التطوع بالصلاة إذ هو بدل من ركعتي فرض الظهر في سائر الأيام
على ما روي، ومن وجد الإمام قد رفع رأسه من الركوع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه
الظهر أربع ركعات، ومن أدرك مع الإمام ركعة فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليها ركعة
أخرى يجهر فيها وقد تمت جمعته.
فصل:
وعن أبي عبد الله ع في قوله: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض،
قال: الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت، وفي الخبر: أن الله بارك لأمتي في خميسها
وسبتها لأجل الجمعة، وقال الصادق ع: إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله،
511

ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال، أما تسمع قول الله: فإذا
قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله.
وقال النبي ص: من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله ولبس صالح
ثيابه ومس من طيب بيته ثم لم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة
ثلاثة أيام بعدها. وقيل: المراد بالذكر هاهنا الفكر، وقيل: اذكروا الله في تجاراتكم
وأسواقكم. ولا يجوز الخطبة إلا قائما، قال تعالى: وتركوك قائما، فإن خطب لعذر جالسا جاز،
لقوله: ما جعل عليكم في الدين من حرج، ويجوز رد السلام وتسميت العاطس والإمام يخطب
إذ لم يحظر ذلك كتاب ولا سنة.
فصل:
ثم أخبر الله عن جماعة قابلوا الكرم باللؤم فقال: وإذا رأوا تجارة أو لهوا، انفضوا
إليها، سبب نزوله ما روي أنه أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر، فقدم دحية الكلبي بكل
ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيرهما والنبي ع على المنبر يخطب وذاك قبل أن
أسلم دحية، وجعل يضرب بطبل ليعلم بقدومه فلما رأوه قاموا إلى البيع خشية أن يسبقوا
إليه فلم يبق غير اثني عشر رجلا وانفض الآخرون، فقال ع: لو تبايعتم حتى
لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا، ولولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء،
فأنزل الله الآية.
وروي أنهم استقبلوه باللهو، أي تفرقوا عنك خارجين إليها ومالوا نحوها، و " رأوا
تجارة " أي عاينوها، وقيل: علموا بيعا وشراءا، " لهوا " وهو الطبل، وقيل المزامير والضمير
للتجارة، وخصت بالذكر إليها دون اللهو لأمرين: أحدهما أن التجارة كانت أهم إليهم
وهم بها أسر من الطبل الثاني أنهم انصرفوا إلى التجارة واللهو كان معهم فأي حاجة
بالضمير إليه.
512

فصل:
وقوله: وتركوك قائما، عن أبي عبد الله ع: انصرفوا إليها وتركوك
قائما تخطب على المنبر، وسئل ابن مسعود: أ كان النبي يخطب قائما؟ فقال: أما تقرأ:
وتركوك قائما وقال جابر بن سمرة: ما رأيت رسول الله خطب إلا وهو قائم، فمن حدثك
أنه خطب وهو جالس فكذبه، وأول من استراح على المنبر عثمان كان يخطب قائما فإذا
أعيى جلس، وأول من خطب جالسا معاوية، وروي في قوله: " وتركوك قائما " أي قائما في
الصلاة، ثم قال: قل يا محمد لهم ما عند الله من الثواب على سماع الخطبة أحمد عاقبة من
ذلك، والله يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة والجمعة.
وفي بعض القراءة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر
وقوموا لله قانتين في الصلاة الوسطى، قالوا: نزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله في
سفر، فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر.
وقوله: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، أي مفروضا أنها خمس
بخمسين، حصل التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقوله: من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها.
باب الجماعة وأحكامها:
قال الله تعالى: واركعوا مع الراكعين، هذا أمر منه تعالى للمكلفين بصلاة الجماعة لأنه
تعالى قال قبله: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أمر بهذه اللفظة بواجباتها
ونوافلها، والتكرار في الكلام بغير فائدة غير مستحسن فيجب أن يكون قوله: واركعوا مع
الراكعين، بعده دالا على صلاة الجماعة سواء كانت الجماعة واجبة أو مندوبا إليها، فالأمر
يكون بالواجب مطلقا والندب مقيدا في الشرع وقوله تعالى: " مع الراكعين " دليل صريح
لذلك.
والجماعة على أربعة أضرب: واجب ومستحب ومكروه ومحظور.
فالواجب لا يكون إلا في الجمعة والعيدين إذا اجتمعت شرائطها على ما ذكرناه،
513

والمستحب هو الجماعة في الصلوات الخمس، والمكروه صلاة الحاضر خلف المسافر
فيما يقصر في السفر، والمحظور هو الصلاة خلف الفاسق والفاجر، وقد رغب الله في
الجماعة وحث عليها بالآية التي تلوناها وبقوله: حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى، فقد قيل: إن الصلاة الوسطى كناية عن صلاة الجماعة لأنها أفضل الصلوات
وكذلك خصها الله بالذكر، وأقل ما تكون الجماعة اثنان فصاعدا، ويتقدم للإمامة أقرأهم
ثم أفقههم.
ولا تنعقد الجماعة إلا بالأذان والإقامة.
فصل:
وقوله تعالى: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين، كان النبي
ص يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول - وفي رواية على الصف
المقدم - فازدحم الناس. وكانت دور بنى عذرة بعيدة عن المسجد فقالوا: نبيع دورنا
ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم فنزلت الآية، رواه الربيع بن
أنس، ومعنى الآية أنا نجازي الناس على نياتهم.
وقال ابن عباس: أي علمنا المستقدمين إلى الصف الأول في الصلاة والمستأخرين
عنه، فإنه كان يتقدم بعضهم إلى الصف الأول ليدركوا فضيلته وكان يتأخر بعضهم لينظر
إلى أعجاز النساء، فنزل: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين، وروي أن
النبي ص حث الناس على الصف الأول في الصلاة فقال: خير صفوف
الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، فازدحموا فنزلت
الآية.
فصل:
والمؤتمون يجب عليهم أن يستمعوا قراءة الإمام إذا جهر وأن لا يقرؤا، والدليل عليه
قوله: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا، والمفسرون اختلفوا في الوقت الذي أمروا
514

بالإنصات والاستماع، فقال قوم: أمروا حال كون المصلي في الصلاة خلف الإمام الذي
يؤتم به وهم يستمعون قراءة الإمام، فعليهم أن ينصتوا ولا يقرؤا ويستمعون لقراءته، فإذا
كانوا على بعد من الإمام بحيث لا يسمعون صوته - وأن كانت الصلاة مما يجهر فيها -
فلا بأس إذا أن يقرؤا، ومن المفسرين من قال: أمروا بالإنصات لأنهم كانوا يتكلمون في
الصلاة، وإذا دخل داخل وهم في الصلاة قال لهم كم صليتم فيخبرونه وكان مباحا
فنسخه الله.
وقال قوم: هو أمر بالإنصات للإمام في خطبته، وقيل: هو أمر بذلك في الصلاة والخطبة،
وأقوى الأقوال الأول الذي استدللنا به، لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن
إلا حال قراءة الإمام في الصلاة، فإن على المأموم الإنصات والاستماع له على ما قدمناه.
فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات والاستماع، وما روي عن أبي عبد الله
ع أنه في حال الصلاة وغيرها فهو على وجه الاستحباب.
وقال أبو حنيفة: لا يصلى صلاة الخسوف جماعة، وكل ما يدل من القرآن والسنة على
جواز الجماعة في كل فريضة فهو عام. على أن العامة قد روت أيضا عن النبي ص
أنه صلاها جماعة ورووا أيضا أنه صلاها فرادى فوافقت رواياتهم رواياتنا، مع أن
الشيخ المفيد ذكر في كتابه مسائل الخلاف أنه إن انكسف القرص بأسره في الشمس
أو القمر صليت صلاة الكسوف جماعة، وإن انكسف بعضه صليت فرادى.
باب الصلاة في السفر:
اعلم أن السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة ثمانية فراسخ فما فوقها
إذا كان مباحا أو طاعة، والحجة - مع الاجماع المكرر - هو أن الله علق سقوط فرض الصيام
عن المسافر بكونه مسافرا في قوله: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
ولا خلاف بين الأمة في أن كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الإفطار فهو بعينه
موجب لقصر الصلاة، وإذا كان الله قد علق ذلك في الآية باسم السفر فلا شبهة في أن
اسم السفر يتناول المسافة التي حددنا السفر بها فيجب أن يكون الحكم تابعا لها، ولا يلزم
515

على ذلك أدنى ما يقع عليه الاسم من فرسخ أو ميل، لأن الظاهر يقتضي ذلك لو تركنا معه،
لكن الدليل والإجماع أسقطا اعتبار ذلك ولم يسقطاه فيما اعتبرناه من المسافة وهو داخل
تحت الاسم.
وذكر الفضل بن شاذان النيسابوري أنه سمع الرضا ع يقول: إنما وجب
التقصير في ثمانية فراسخ لأنها مسيرة يوم ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة
ألف سنة، وذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم منها نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم
لما وجب في نظيره.
فصل:
فإن قيل: القرآن يمنع مما ذكرتم من وجوب التقصير، لأنه تعالى قال: وإذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم، ورفع الجناح يدل على
الإباحة لا على الوجوب.
قلنا: هذه الآية غير متناولة لقصر الصلاة في عدد الركعات وإنما المستفاد منها
التقصير في الأفعال من الإيماء وغيره، لأنه تعالى علق القصر بالخوف ولا خلاف في أنه ليس
الخوف من شرط القصر في عدد ركعات الصلاة وإنما الخوف شرط في الوجه الآخر،
وهو التقصير في الأفعال من الإيماء وغيره في الصلاة لأن صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس
مباحا مع الأمن.
وقال أبو جعفر الطوسي: من تمم في السفر وقد تليت عليه آية التقصير وعلم وجوبه
وجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يكن علم ذلك فليس عليه شئ، ولم يفصل المرتضى في
الإعادة بين الحالتين وكأنه للاحتياط.
ومن تمم في السفر الصلاة متعمدا يجب عليه الإعادة مع التقصير على كل حال وإن
كان أتم ناسيا أعاد ما دام في الوقت، ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت والحجة في ذلك -
زائدا على الاجماع المتردد - أن فرض السفر ركعتان فيما كان أربعا في الحضر وليس ذلك
رخصة، وإذا كان الفرض كذلك فمن لم يأت به على ما فرض وجب عليه الإعادة.
516

فصل:
وقوله تعالى: ولله المشرق والمغرب، قال قوم: كان ابن عمر يصلى حيث توجهت
به راحلته في السفر تطوعا، ويذكر أن رسول الله ص كان يفعل ذلك، ويتأول
عليه هذه الآية، فالمصلي نافلة على الراحلة ومن يصلى صلاة شدة الخوف ومن كان في
السفينة ثم دارت، يستقبل كل واحد من هؤلاء الثلاثة قبلته بتكبيرة الإحرام ثم يصلى
كيف شاء والآية تدل على جميع ذلك.
وقيل: نزلت في قوم صلوا في ظلمة وقد خفيت عليهم جهة القبلة، فلما أصبحوا إذا هم
صلوا إلى يمين القبلة أو يسارها، فأنزل الله الآية، وقيل: المراد بقوله " فثم وجه الله " أي فثم
رضوان الله كما يقال: هذا وجه الصواب، وقيل المراد به فثم جهة القبلة وهي الكعبة لأنه
يمكن التوجه إليها من كل مكان، وعن ابن عباس: إنه رد على اليهود لما أنكروا تحويل
القبلة إلى الكعبة، فقال: ليس هو في جهة دون جهة كما يقول المشبهة، وقال الزجاج في قوله
" إن الله واسع عليم " إنه يدل على التوسعة للناس فيما رخص لهم في الشريعة.
فصل:
وإذا نوى الانسان السفر لا يجوز أن يقصر حتى يغيب عنه البنيان ويخفى عنه أذان
مصره أو جدران بلده، والدليل عليه من القرآن قوله: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة، ومن نوى السفر ولم يفارق موضعه فلا يجوز له القصر،
وإذا فارق بنيان بلده يجوز له التقصير، ولا يجوز أن يقصر ما دام بين بنيان البلد سواء
كانت عامرة أو خرابا، فإن اتصل بالبلد بساتين فإذا حصل بحيث لا يسمع أذان المصلي
قصر، فإن كان دونه تمم،
ومن خرج من البلد إلى موضع بالقرب مسافة فرسخ أو فرسخين بنية أن ينتظر
الرفقة هناك والمقام عشرا فصاعدا، فإذا تكاملوا ساروا سفرا فيه يجب عليهم التقصير،
ولا يجوز أن يقصر إلا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه، لأنه ما نوى بالخروج إلى
هذا الموضع سفرا يجب فيه التقصير، وإن لم ينو المقام عشرة أيام هناك وإنما خرج بنية سفر
517

بعيد إلا أنه ينتظر قوما يتصلون به هناك اليوم أو غدا فالظاهر أنه يقصر.
وحكى قتادة عن أبي العالية أن قصر الصلاة في حال الأمن بنص القرآن، قوله:
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون. هذا إذا كان
التقصير يراد بها في السفر كما يراد في الشعر بعد الإحرام.
ومن شجون الحديث أن ابن عباس قال: اتخذت النصارى المشرق قبلة لقوله: واذكر
في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة، كما سجدت
اليهود على حرف وجوههم لقوله: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة، فسجدوا وجعلوا
ينظرون إلى الجبل فوقهم بحرف وجوههم مخافة أن يقع عليهم فاتخذوها سنة.
باب صلاة الخوف:
قال تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، اعلم أن صلاة الخوف على ضربين: أحدهما: صلاة شدة
الخوف وهو إذا كان في المسلمين قلة لا يمكنهم أن يفترقوا فرقتين، فعند ذلك يصلون فرادى
إيماءا ويكون سجودهم على قربوس سرجهم، فإن لم يتمكنوا من ذلك ركعوا وسجدوا بالإيماء
ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم، فإن زاد الأمر على ذلك أجزأهم عن كل ركعة أن
يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، والقصر في الآية التي تلوناها الآن
هو هذا التفصيل.
والضرب الثاني: هو إذا لم يبلغ الخوف إلى ذلك الحد وأرادوا أن يصلوا فرادى، صلى
كل واحد منهم صلاة تامة الركوع والسجود، ويبطل حكم القصر إلا في السفر مع الانفراد
ذكره الشيخ أبو جعفر في بعض كتبه.
فإن أرادوا أن يصلوا جماعة نظروا فإن كان في المسلمين كثرة والعدو في جهة القبلة
صلوا كما صلى النبي ص يوم بني سليم، فإنه قام والمشركون أمامه - يعني
قدامه - فصف خلف رسول الله صف وبعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله وركع
الصفان ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه وكان الآخرون يحرسونهم فلما فرع الأولون
518

مع النبي من السجدتين وقاموا سجد الآخرون، فلما فرغوا من السجدتين وقاموا تأخر
الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم
ركع رسول الله وركعوا جميعا في حالة واحدة، ثم سجد وسجد معه الصف الذي يليه وقام
الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم
جلسوا وتشهدوا جميعا فسلم بهم أجمعين.
وإن كان العدو في خلاف جهة القبلة يصلون كما وصفه الله في كتابه حيث قال:
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، وهي مشروحة في كل كتاب.
وإذا كان في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين وكل فرقة يقاوم العدو، جاز أن
يصلى بالفرقة الأولى الركعتين ويسلم بهم ثم يصلى بالطائفة الأخرى الركعتين أيضا،
ويكون نفلا له وهي فرض للطائفة الثانية ويسلم بهم وهكذا صلى ع بذات
النخل، وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل وعلى عكسه، وصلاة الخوف
مقصورة على وجهين سفرا وحضرا على ما تقدم.
فصل:
وقوله وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، معناه وإذا كنت في الضاربين في الأرض
من أصحابك يا محمد، أي المسافرين الخائفين عدوهم أن يفتنوهم " فأقمت لهم الصلاة "
يعني أتممت لهم الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها ولم تقصرها القصر الذي يجب في
صلاة شدة الخوف من الاقتصار على الإيماء، فليقم طائفة من أصحابك الذين أنت فيهم
معك في صلاتك وليكن سائرهم في وجه العدو، ولم يذكر ما ينبغي أن يفعله الطائفة غير
المصلية من حمل السلاح وحراسة المصلين لدلالة الكلام والحال عليه، لأنها لا بد أن
يكونوا آخذين السلاح. ثم قال: وليأخذوا أسلحتهم، قال قوم: الفرقة المأمورة في الظاهر
هي المصلية مع رسول الله، والسلاح مثل السيف يتقلد به والخنجر يشده إلى درعه وكذا
السكين ونحوه وهو الصحيح.
قال ابن عباس: الطائفة المأمورة بأخذ السلاح هي التي بإزاء العدو دون المصلية
519

فإذا سجدوا - يعني الطائفة التي قامت معك مصلية بصلاتك وفرغت من سجودها -
فليكونوا من ورائكم، يعني فليصبروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين للعدو، وعندنا
أنهم يحتاجون أن يتموا صلاتهم ركعتين والإمام قائم في الثانية ويطيل القراءة وينوون هم
الانفراد بها وقرأوا وركعوا وسجدوا وتشهدوا، فإذا سلموا انصرفوا إلى موضع أصحابهم
ويجئ الآخرون فيستفتحون الصلاة فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية له ويطيل التشهد
حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم، ثم سلم بهم الإمام.
فصل:
وفي كتاب " المولد والمبعث " لأبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي: إن النبي ع
صلى العصر كذلك في غزوة ذات الرقاع إذ حارب بني سعد، وكان صلى رسول الله الظهر
أربعا قبل أن تنزل الآية، قال: وهم المشركون أن يحملوا على المسلمين وهم في صلاة العصر
وأراد النبي ع أن يصلى العصر بأصحابه فنزلت الآية وأسلم بعض الكفار
بسبب ذلك، ثم قال ابن أعثم: فيجب على أهل الاسلام الآن إذا صلوا صلاة الخوف من
عدو. ثم فصل التفصيل الذي ذكره أبو مسلم ابن مهرايزد الإصفهاني في تفسيره أيضا
قال: إن النبي ع قام فصلى وقامت طائفة خلفه من المؤمنين وطائفة وجاه العدو،
فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى وسلمت وهو
ع واقف يقرأ، ثم انصرفت فقامت تجاه الكفار وأتت الطائفة التي كانت تلقاء العدو
فصلى النبي بهم ركعة هي له ثانية ولهذه الطائفة الركعة الأولى، وجلس حتى قاموا فصلوا
ركعة ثانية وحدهم وهو قاعد يتشهد ويدعو لم يسلم حتى انتهت الطائفة الثانية إلى
التسليم فسلم وسلموا معه بتسليمه، وهو اختيار الشافعي ومالك وهذه بعينها مذهبنا أمر
بها أئمة أهل البيت عن رسول الله عن الله تعالى
فصل:
ومن قال إن صلاة الخائف ركعة قال الأولون إذا صلوا ركعة فقد فرغوا، وهذا عندنا
520

إنما يجوز في صلاة شدة الخوف على بعض الوجوه، وفي الناس من قال: كان النبي
ع صلى بهم ركعة فلما قام خرجوا من الجماعة وتمموا صلاتهم، فعلى هذا صلاة الخائف
ركعة في الجماعة وركعة على الانفراد لكل واحدة من الفرقتين، وقوله: وليأخذوا حذرهم
وأسلحتهم، يجوز أن يرجع الضمير إلى جميع المسلمين من الفرقتين، أي يأخذون السلاح
والحذر في حال الصلاة.
وقوله: ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، معناه تمني الكافرون
لو تعتزلون عن أسلحتكم وأمتعتكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها " فيميلون
عليكم " أي يحملون عليكم حملة واحدة وأنتم متشاغلون بصلاتكم عن أسلحتكم
وأمتعتكم، فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم ويستبيحون عسكركم وما معكم، والمعنى
لا تشاغلوا بأجمعكم بالصلاة عند مواقفة العدو فتمكنون عدوكم من أنفسكم
وأسلحتكم، ولكن أقيموها على ما بينت وخذوا حذركم بأخذ السلاح.
ومن عادة العرب أن يقولوا: ملنا عليهم، أي حملنا عليهم، وقال العباس بن عبادة بن
نضلة الأنصاري لرسول الله ليلة العقبة الثانية: والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن غدا
على أهل منى بأسيافنا، فقال ع: لم نؤمر بذلك، يعني في ذلك الوقت.
فصل:
ثم قال تعالى: ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا
أسلحتكم وخذوا حذركم، معناه لا حرج عليكم ولا إثم إن نالكم مطر وأنتم موافقو عدوكم
أو كنتم جرحى أن تضعوا أسلحتكم إذا ضعفتم عن حملها، لكن إذا وضعتموها فخذوا
حذركم أي احترزوا منهم أن يميلوا عليكم وأنتم غافلون، وقال: طائفة أخرى ولم يقل طائفة
آخرون، ثم قال: " لم يصلوا فليصلوا " حملا للكلام مرة على اللفظ ومرة على المعنى، كقوله:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، ومثله: فريقا هدى وفريقا حق عليهم
الضلالة، والآية تدل على نبوته ع فالآية نزلت والنبي بعسفان والمشركون
بضجنان وهموا أن يغيروا عليهم فصلى بهم العصر صلاة الخوف.
521

وقال قوم: اختص النبي بهذه الصلاة والصحيح أنه يجوز لغيره.
وقال قوم في قوله: فليس عليكم جناح أن تقصروا، يعني في عددها، فيصلوا
الرباعيات ركعتين، وظاهرها يقتضي أن التقصير لا يجوز إلا إذا خاف المسافر لأنه قال: إن
خفتم أن يفتنكم، ولا خلاف اليوم أن الخوف ليس بشرط فيه لأن السفر المخصوص
بانفراده سبب التقصير، والصحيح أن فرض السفر مخالف لفرض المقيم، وليس ذلك
قصرا لقوله ع: فرض المسافر ركعتان غير قصر، وأما الخوف بانفراده فإنه
يوجب القصر.
ومعنى قوله: فليس عليكم جناح أن تقصروا، أي من حدود الصلاة في شدة الخوف،
وروي أن يعلى بن منبه قال لعمر: كيف تقصر الصلاة في السفر وقد أمنا؟ فقال: عجبت
مما عجبت منه فسألت النبي ص عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها
عليكم فاقبلوا صدقته، ولا يقرأ أبي في الآية " إن خفتم ".
فصل:
وقوله: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم، المعنى أيها
المؤمنون إذا فرغتم من صلاتكم وأنتم مواقفو عدوكم فاذكروا الله في حال قيامكم وفي حال
قعودكم ومضطجعين على جنوبكم، وادعوا لأنفسكم بالظفر على عدوكم لعل الله ينصركم،
عليهم، وهو كقوله يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا الله.
ثم قال: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة معناه إذا استيقنتم بزوال الخوف من عدوكم
وحدوث الأمن لكم فأتموا الصلاة بحدودها غير قاصريها عن شئ من الركوع والسجود،
وإن كنتم صليتم إيماءا بعضها، وهذا أقوى من قول من قال: معناه إذا استقررتم في أوطانكم
فأتموها التي أذن لكم في قصرها في حال خوفكم وسفركم، لأنه قال " وإذا كنت فيهم "،
فلما قال " فإذا اطمأننتم " كان معلوما أنه تعالى يريد إذا اطمأننتم من الحال التي لم تكونوا
فيها مقيمين صلاتكم فأقيموها مع حدودها غير قاصرين لها.
522

فصل:
وقوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، يدل على ما ذكرناه من صلاة شدة الخوف،
لأن معناه إن خفتم فصلوا على أرجلكم، لأن الراجل هو الكائن على رجله واقفا كان
أو ماشيا.
والخائف إن صلى منفردا صلاة شدة الخوف الذي نقوله أنه يصلى ركعتين يومئ إيماءا
ويكون سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يتمكن كبر عن كل ركعة تكبيرة على ما ذكرناه
وهكذا صلاة شدة الخوف إذا صلوها جماعة، وإلى هذا ذهب الضحاك وإبراهيم النخعي.
وروي أن أمير المؤمنين ع صلى ليلة الهرير ويومه خمس صلوات بالإيماء وقيل
بالتكبير، وأن النبي ص صلى يوم الأحزاب إيماءا.
وقال الحسن وقتادة وابن زيد: يجوز أن يصلى الخائف ماشيا، وقال أهل العراق:
لا يجوز لأن المشي عمل والأول أصح لأنه تعالى قال: ما جعل عليكم في الدين من حرج.
وعن ابن عباس في رواية أن القصر في قوله: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا، المراد به صلاة شدة الخوف، يقصر من حدودها ويصليها إيماءا
وهو مذهبنا، ثم قال: فإذا أمنتم فاذكروا الله، قيل: إنه الصلاة، أي فصلوا صلاة الأمن
واذكروه بالثناء عليه والحمد له.
باب فضل المساجد وما يتعلق بها من الأحكام:
قال الله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا، قال الخليل: التقدير ولأن
المساجد لله أخبر تعالى ألا يذكر مع الله في المساجد التي هي المواضع التي وضعت للصلاة
أحدكما يدعو النصارى في بيعهم والمشركون في الكعبة، وقيل: من السنة أن يقال عند
دخول المسجد: " لا إله إلا الله لا أدعو مع الله أحدا "، وقيل: معناه أنه يجب أن يدعوه
بالوحدانية، ومن هنا لا ينبغي للإنسان أن يشتغل بشئ من أمور الدنيا في المساجد، ثم
رغب الله بقوله: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، فيما يستحب من
الأدعية عند دخول المساجد المروية، فإنه أمر منه تعالى وترغيب بهذا الدعاء وبغيره
523

إذا دخل مسجدا أو غيره وإذا خرج، ولذلك رغب في المشي إلى المساجد للصلاة فيها
والعبادات بقوله تعالى: ونكتب ما قدموا وآثارهم، قال مجاهد معناه: إنا نأمر ملائكتنا ليثبتوا
جميع أفعالهم الصالحة حتى مشيهم إلى المساجد، فإن بني سلمة من الأنصار شكوا إلى
رسول الله ص بعد منازلهم فنزلت الآية، و " آثارهم " أي خطأهم فمن مشى
إلى مسجد كان له بكل خطوة أجر عظيم.
فصل:
وقوله تعالى: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد، يأمر المكلفين
أن يقيموا وجوهكم عند كل مسجد أي يتوجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على
الاستقامة، وقال الفراء: معناه إذا دخل عليك وقت صلاة في مسجد فصل فيه ولا تقل آتي
مسجد قومي، وقيل: أي توجهوا بالإخلاص لله ولا تشتغلوا بما لا يليق فعله في المساجد من
المكروهات والمحظورات بل من المباحات التي لا يستقبح في غير المتعبدات،
ولا يختلف المعنى سواء كان مسجد مصدرا أو مكانا أو زمانا، فالمصدر عبارة عن
الصلاة وأن لا يسجدوا إلا لله أي كلما صليتم فأقيموا وجوهكم لله، أي فلا تصلوا إلا لله
وأقبلوا بصلاتكم عليه ولا تشغلوا قلوبكم بغيره، وأما المكان فعلى معنى كل مكان
تصلون فيه ويؤول المعنى إلى الأول، وكذا إذا أريد به الزمان أي في أوقات صلاتكم أقيموا
وجوهكم لله.
فصل:
وقوله: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، أمر منه تعالى للمكلفين بالاستتار في
الصلاة وفي المساجد، ففي الآية دلالة على أنه لا يجوز كشف الركبة أو الفخذ ولا السرة في
شئ من المساجد فضلا عن كشف العورة فيها.
وقوله تعالى: وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم، قيل: أراد بالبيوت المساجد، أي
إذا دخلتموها فسلموا على من فيها من المؤمنين الذين هم بمنزلة أنفسكم، وإذا دخلتموها ولم
524

يكن فيها أحد فقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهذا على الحقيقة والأول
مجاز وكلاهما يجوز أن يكون مرادا.
وقوله تعالى: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم
قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين، أمرهم الله أن يصلوا في بيوتهم ويجعلوا في البيوت
قبلة أي مصلى إذا كانوا خائفين وهذا رخصة، وكل ما يعلم صحة كونه في شريعة نبي
ولا يعرف فيه نسخ ولم يرد فيه نهي، فالأصل فيه أنه باق على حاله.
وعن ابن عباس: كان فرعون أمر بهدم مساجدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم. وقد
تقدم في قوله: وأن المساجد لله، أنه يمكن أن يستدل به على أنه ينبغي أن يجنب المساجد
البيع والشراء وإنشاد الشعر ورفع الأصوات وغير ذلك مما هو محظور أو مكروه، ولذلك
استدل قوم بهذه الآية على أن النوم يكره في المساجد.
فصل:
وقوله تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله يذكر فيها اسمه، المراد بذلك مشركو
العرب من قريش، لأنهم صدوا النبي ع عن المسجد الحرام وهو المروي عن
الصادق ع، وقيل: أراد جميع المساجد، وقيل: إنهم الروم غزوا بيت المقدس
وسعوا في خرابه، وقيل: هو بخت نصر خرب بيت المقدس، وإذا صح وجه منها لا يجب
الاقتصار عليه لأن نزول حكم في سبب لا يوجب الوقوف عليه، ويجوز أن يعني به غيره
للعموم، أ لا ترى إلى قوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، نزل في الصوم
فلما كانت الآية عامة وإن وردت في سبب - وجب حملها على عموم اللفظ دون خصوص
السبب.
وقال الطبري: إن كفار قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام، وهذا ليس بشئ
لأن عمارة المسجد بالصلاة فيه وخرابه المنع من أن يصلى فيه على أنهم قد هدموا مساجد
كانت بمكة كان المسلمون يصلون فيها لما هاجر رسول الله ص، وذكر
المساجد لأن كل موضع منه مسجد ثم يدخل في خرابه جميع المساجد.
525

فصل:
وقوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا، أمر
المؤمنين بمنع الكفار من مقاربة المسجد الحرام لطواف وغيره، وقيل: إنهم منعوا من الحج
فأما دخولهم للتجارة فلم يمنعوا منه يبين ذلك قوله: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من
فضله إن شاء ".
وقوله: بعد عامهم هذا، هي سنة تسع من الهجرة التي تبدأ فيها براءة المشركين، وظاهر
الآية أن الكفار أنجاس لا يمكنون من دخول مسجد، وقال عمر بن عبد العزيز: ولا يجوز أن
يدخل المسجد أحد من اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار. ونحن نذهب إليه، وإنما
قال: إن شاء " لأن منهم من لم يبلغ الموعود بأن يموت قبله، وقيل: إنما ذكره لتنقطع الآمال إلى
الله كما قال: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله.
وقوله: ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، نادى رسول الله ص أن
لا يحج مشرك بعد العام، فإن دخل مسجدا منهم داخل كان على المسلمين أن يمنعوه فإن
أدخل إلى حاكم المسجد الذي يحكم فيه فلا يقعد مطمئنا فيه، بل ينبغي أن يكون خائفا من
الإخراج على وجه الطرد.
فصل:
وقوله تعالى: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا، أي بنوه للإضرار والكفر
والتفريق بين المؤمنين، فإنهم إذا تخربوا فصلى حزب هنا وحزب يصلى في غيره اختلفت
الكلمة وبطلت الألفة، و " إرصادا لمن حارب الله " هو أبو عامر الراهب لحق بقيصر متنصرا
وكان يبعث إليهم: سآتيكم بجند فأخرج محمدا فبنوه يترقبونه، وهو الذي حزب الأحزاب
مع المشركين فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الروم
وابنه عبد الله أسلم، وقتل يوم أحد وهو غسيل الملائكة. ووجه رسول الله عند قدومه من
تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم، وكان مالك من بني عوف الذين بنوا
مسجد الضرار فقال لهما: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فأهدماه ثم حرقاه، ففعلا ما أمر
526

به، فقال تعالى: " لا تقم فيه أبدا " نهى نبيه وجميع المؤمنين أن يقوموا في مثل هذا
المسجد ويصلوا فيه وأقسم أن المسجد الذي أسس على التقوى أحق أن يقوم فيه هو
مسجد قباء، وقيل مسجد المدينة وسبب ذلك أنهم قالوا بنينا للضعيف في وقت المطر
نسألك يا رسول الله أن تصلي فيه، وكان توجه إلى تبوك فوعدهم أن يفعل إذا عاد فنهى
عنه.
باب صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف وغير ذلك:
قال الله تعالى: فصل ربك وانحر، أي فصل لربك صلاة العيد
وانحر الأضاحي وانحر أعم نفعا من النسك، وهذه الصلاة واجبة عند حصول شرائطها وهي شرائط
الجمعة وتستحب تلك الصلاة إذا اختل شرائطها.
وقوله تعالى: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله، قال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة العيد يوم
النحر فأمروا بإعادة ذبيحة أخرى، وقال الزجاج: معناه لا تقدموا أعمال الطاعة حتى
لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها.
والتكبيرات المأمور بها في العيدين يدل عليها - بعد إجماع الطائفة - قوله: ولتكبروا
الله على ما هداكم، وإذا أجدبت البلاد يستحب صلاة الاستسقاء، قال الله تعالى: واسألوا
الله من فضله، ومثله من الآيات يدل على استحبابها.
وما روي أن النبي ص صلاها، وقال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة، يدل عليها وعلى جميع ما يستحب من الصلوات المندوبة كصلاة الاستخارة
والحاجة، فقد أمر بهما رسول الله عن الله، وقال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه.
وقوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا
فسبح بحمد ربك، أي صل شكرا له على ما جدد لك من نعمه وهذا يدل على أن صلاة
الشكر مستحبة، وكذلك صلى رسول الله ص صلاة الكسوف، وفعله بيان،
لقوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، وقال: ما آتاكم الرسول فخذوه.
ولما حولت القبلة إلى الكعبة كانوا لا يعتبرون بطاعة إلا بالصلاة إلى الكعبة قال
527

تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله، قال ابن
عباس: ليس البر كله في التوجه إلى الصلاة نحو الكعبة ولكن البر بر من آمن بالله، وأن
هذه تدعو إلى الصلاح وتصرف عن الفساد وأن ذلك يختلف بحسب الأزمان.
باب الصلاة على الموتى وأحكامهم:
يدل على أربعة أحكام مفروضة في حق المؤمن إذا مات، قوله تعالى: ما آتاكم الرسول
فخذوه، وقد بين رسول الله تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وفرضها على الكفاية،
وقد بينها بقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، فإذا مات كافر أو منافق
فلا يجب شئ من ذلك على الأحياء، قال تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم
على قبره، وهذا نهي من الله لنبيه أن يصلى على منافق أو يقوم على قبره أي لا تتول دفنه
كما يقال: قام فلان بكذا،
وعن ابن عباس: صلى رسول الله ص على عبد الله بن أبي ابن سلول
قبل أن نهي عن الصلاة على المنافقين، وكان الشيخ المفيد يستدل بفحوى هذه الآية على
وجوب القيام بدفن المؤمنين والصلاة عليهم، لأنه كان يقول بدليل الخطاب ويجعله دليلا،
ومنع منه المرتضى وتوقف فيه أبو جعفر الطوسي وكذا حالهم في استصحاب الحال.
والقيام في الآية يجوز أن يكون الذي هو مقابل الجلوس ويكون معناه لا تقف عند قبره،
ومن قولهم: " قام بكذا " إذا ثبت على صلاحه ويكون القبر مصدرا على هذا، أي لا تتول دفن
ميت منهم والمفسرون كلهم على أن المراد بذلك الصلاة التي تصلي على الموتى، وكان
صلاة أهل الجاهلية على موتاهم أن يتقدم رجل فيذكر محاسن الميت ويثني عليه ثم يقول
عليك رحمة الله.
وقوله: إنهم كفروا بالله، كسرت إن وفيها معنى العلة لتحقيق الأخبار بأنهم على هذه
الصفة ويدل ذلك على أن الصلاة على الميت عبادة.
528

فصل:
وقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، يدل بعمومه على أن أحق الناس
بالصلاة على الميت وليه، وهو أولى بها من غيره، وقوله تعالى: وإن من أهل الكتاب لمن
يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين الآية.
قال جابر وغيره: إن النبي ص أتاه جبرئيل ع وأخبره بوفاة
النجاشي، ثم خرج من المدينة إلى الصحراء ورفع الله الحجاب بينه وبين جنازته فصلى
عليه ودعا له واستغفر له، وقال للمؤمنين: صلوا عليه، فقال المنافقون: يصلى على علج
بنجران، فنزلت الآية، والصفات التي ذكرت في الآية هي صفات النجاشي، وقال مجاهد:
نزلت في كل من أسلم من اليهود والنصارى ولا مانع من هذا أيضا، لأن الآية قد تنزل على
سبب وتكون عامة في كل ما تتناوله.
ويجوز أن يصلى على الجنازة بالتيمم مع وجود الماء إذا خيف فوت الصلاة عليه،
وبذلك آثار عن أئمة الهدي ع، وكأنه استثناء من قوله: إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم، الآية، على أن هذا قد ورد في الصلاة المطلقة، والصلاة على
الجنائز صلاة مقيدة، فأما التيمم فيها فلإجماع الطائفة.
وأما التكفين فإنه يدل عليه من القرآن قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري
سوءاتكم، الآية تعم الأحياء والأموات لأنه تعالى لم يفصل، فدل على وجوب الكفن عمومها
وأما الدفن فالدليل عليه من كتاب الله قوله: أ لم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا،
فالكفات الضمائم والوعاء أي تضمهم في الحالين، فظهرها للأحياء وبطنها للأموات، وقوله
تعالى: ثم أماته فأقبره، فالمقبر الآمر بالدفن والقابر الدافن، وقوله تعالى: فبعث الله غرابا
يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، هو أول ميت كان من الناس، فلذلك لم يدر
أخوه كيف يواريه وكيف يدفنه حتى بعث الله غرابا أحدهما حي والآخر ميت، فنقر في
الأرض حتى جعل حفيرة ووضع الميت فيه وواراه بالتراب إلهاما من الله.
529

باب الزيادات:
" الصلاة الوسطى " أي الفضلى، من قولهم: الأفضل الأوسط وإنما أفردت وعطفت
على الصلوات لانفرادها بالفضل، وقال النبي ع يوم الأحزاب: شغلونا عن
الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم نارا، ثم قال: إنها الصلاة التي شغل
عنها سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب.
وروي في قوله: وقوموا لله قانتين، أنهم كانوا إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب
الرحمن أن يمد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يحدث نفسه بشئ من أمور الدنيا.
مسألة:
دلكت الشمس زالت أو غربت فإذا كان الدلوك الزوال فالآية جامعة للصلوات
الخمس، لأن الغسق الظلمة وهو وقت صلاة العشائين، وقرآن الفجر صلاة الغداة
وإذا كان الدلوك الغروب خرجت منها صلاتا الظهر والعصر، وقوله تعالى: وقرآن الفجر،
يجوز أن يكون حثا على طول القراءة فيها وذلك كانت صلاة الفجر أطول الصلوات
قراءة، " ومن الليل فتهجد " أي وعليك بعض الليل فتهجد به. والتهجد ترك الهجود،
وهو النوم للصلاة، و " نافلة " أي عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس ووضع نافلة
موضع تهجد لأن التهجد عبادة زائدة، فنافلة مصدر من غير لفظ الفعل قبله.
مسألة:
فإن قيل: أي فائدة في إخبار الله بقول اليهود أو المنافقين أو المشركين قبل وقوعه،
فقال: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها،
قلنا: فائدته أن مفاجأة المكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب
إذا وقع لما يتقدمه من توطين النفس، فإن جواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد
لسعيه، وقيل الرمي يراش السهم، " ما ولاهم عن قبلتهم " وهي بيت المقدس، " لله المشرق
والمغرب " أي الأرض كلها " يهدي من يشاء " وهو ما يتوجبه الحكمة والمصلحة من
530

توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة.
مسألة:
" وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " قال بعض المفسرين: قوله " التي كنت عليها "
ليست بصفة القبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل يريد وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها
- وهي الكعبة - لأن رسول الله كان يصلى بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت
المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ثم تحول إلى الكعبة، فيقول تعالى: وما جعلنا القبلة التي
يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة، يعني وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس،
كقوله: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة، ويجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس (قبلته،
يعني أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وأن استقبالك بيت المقدس) كان أمرا عارضا
لغرض، وإنما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبل وقتك هذا - وهي بيت المقدس - لنمتحن
الناس، وعن ابن عباس: كان قبلته بمكة بيت المقدس، إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه.
مسألة:
" شطر المسجد الحرام " نحوه، وقرأ أبي: تلقاء المسجد الحرام، و " شطر " نصب على
الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد الحرام أي في جهته وسمته لأن استقبال عين
الكعبة فيه حرج عظيم على البعيد، وذكر المسجد الحرام دليل على أن الواجب مراعاة
الجهة دون العين، فعلى هذا الكعبة قبلة من كان في المسجد الحرام والمسجد قبلة من كان في
الحرم، والحرم قبلة من نأى من أي جانب كان، وهو شطر المسجد وتلقاؤه، وقراءة أبي
" ولكل قبلة " إشارة إلى ما ذكرنا.
وقوله تعالى: " هو موليها " أي هو موليها وجهته فحذف أحد المفعولين، وقيل: هو الله
أي الله موليها إياه، على أن القراءة العامة يجوز أن يراد بها ذلك أيضا ويكون المعنى ولكل
منكم يا أمة محمد وجهة أي جهة تصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية، أينما
تكونوا يجعل صلاتكم كأنها إلى جهة واحدة وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام.
531

مسألة:
وعن أبي حنيفة يجوز أن يصلى الفريضة في جوف الكعبة وعندنا لا يجوز وبذلك
نصوص عن أئمة الهدي، ويؤيده قوله: وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وقد بينا أن
المراد به نحوه، ومن كان في جوف الكعبة لم يكن مصليا نحوها على أنه قد ورد النص بأنه
يصلى النوافل في الكعبة، وقوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام، يدل على أن
البعيد من مكة يتوجه إلى المسجد، فإنه لا يمكنه التوجه إلى عين الكعبة إلا لمن يقربها بمكة.
مسألة:
قوله تعالى: خذوا زينتكم، أي كلما صليتم خذوا لباس زينتكم، وقيل: الزينة الطيب
وأطيب الطيب الماء، ثم قال: قل من حرم زينة الله، أي من الثياب وكل ما يتجمل به، ومعنى
الاستفهام في " من " إنكار تحريم ذلك، فإنهم كانوا يقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها
ويطوفون ويصلون عراة.
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، ونبه تعالى بهذا على أنها خلقت للذين آمنوا على
طريق الأصالة، وأن الكفرة تبع لهم في الحياة الدنيا خالصة للمؤمنين يوم القيامة لا يشركهم
فيها أحد.
مسألة:
قوله تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر، يجوز أن يكون أن يذكر ثاني
مفعول منع، ويجوز أن يكون مفعولا له.
ولله المشرق والمغرب، أي بلادهما ففي أي مكان فعلتم التولية - يعني تولية وجوهكم
شطر القبلة بدليل قوله: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " - " فثم وجه الله " أي جهته التي
أمر بها ورضيها، والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام قد جعلت لكم الأرض
مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية منها فإنها ممكنة في كل مكان.
532

مسألة:
قال الباقر ع: الصلاة عشرة أوجه: صلاة السفر وصلاة الحضر وصلاة
الخوف على ثلاثة أوجه وصلاة كسوف الشمس والقمر، وصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء
والصلاة على الميت.
مسألة:
وقوله: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، تفصيل هذه الجملة ما قال
رسول الله ص لعمران بن حصين: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم
تستطع فعلى جنب تومئ إيماءا.
مسألة:
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة، المراد بالنداء الأذان هاهنا. ومن
في قوله: " من يوم الجمعة " بيان لإذا وتفسير له، وقيل: إن الأنصار قالوا: إن لليهود يوما
يجتمعون فيه في كل سبعة أيام، والنصارى كذلك، فاجتمعوا يوم العروبة إلى سعد بن
زرارة، فأنزل الله آية الجمعة، وأول جمعة جمعها رسول الله هي أنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل
قبا على بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس
مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في
بطن واديهم، فخطب وصلى الجمعة، وقد أبطل الله قول اليهود حين افتخروا بالسبت وأنه
ليس للمسلمين مثله، فشرع الله لهم الجمعة.
مسألة:
قال أبو حنيفة، لا تجب الجمعة إلا على أهل الأمصار، فأما من كان موضعه منفصلا
عن البلد فإنه لا يجب عليه وإن سمع النداء، وعندنا وعند الشافعي تجب على الكل إذا
بلغوا العدد الذي تنعقد به الجمعة مع الشرائط الأخر، يؤيده قوله " إذا نودي للصلاة من
533

يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " يعم الأمر بذلك كل متمكن من سماع النداء إلا من
خصه الدليل، وكذا قول النبي ع: الجمعة واجبة على كل من آواه الليل، ثم
استثنى أشياء وبقي هذا على العموم.
مسألة:
وقوله: وإذا ضربتم في الأرض، الضرب في الأرض السفر، وقال الفقهاء: القصر
ثابت بالكتاب مع الخوف وبالسنة في حال الأمن، فإن قيل: كيف جمع بين الحذر والأسلحة في
قوله: وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، قلنا: جعل الحذر - وهو التحرز والتيقظ - آلة يستعملها
الغازي، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ وجعلا مأخوذين، ونحوه قوله: والذين تبوؤوا
الدار والإيمان، جعل الإيمان مستقرا لهم ومتبوءا لتمكنهم فيه.
مسألة:
وقوله تعالى: يا أيها المزمل، ليس بتهجين بل هو ثناء عليه وتحسين لحاله التي كان
عليها، ثم أمره بأن يختار على الهجود التهجد وعلى التزمل التشمر، لا جرم أن رسول الله
ص أقبل على إحياء الليالي مع إصباحه حتى ظهرت السيماء في وجوههم،
وترتيل القرآن قراءته على تؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجئ المتلو كالثغر
المرتل، و " ترتيلا " تأكيد لقوله " ورتل القرآن " في إيجاب الأمر به وأنه مما لا بد منه للقارئ.
مسألة:
وعن زين العابدين ع كان يصلى بين العشائين ويقول: أما سمعتم قول
الله " إن ناشئة الليل " هذه ناشئة الليل، وقال النبي ع: تنفلوا في ساعة الغفلة
ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما تورثان دار الكرامة ودار السلام وهي الجنة وساعة الغفلة بين
المغرب والعشاء.
534

مسألة:
وقوله: قد أفلح المؤمنون، أخبر تعالى بثبات الفلاح لهم، والخشوع في الصلاة خشية
القلب وإلزام البصر موضع السجود، ومن الخشوع أن يستعمل الآداب فيتوقى لف
الثياب والعبث بالجسد والثياب والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض والفرقعة
والتشبيك وتقليب الحصى وكل ما لا يكون من الصلاة، وإضافة الصلاة إليهم لأنهم
ينتفعون بها وهي ذخيرة لهم والله متعال عن الحاجة.
535

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
537

الصلاة
فصل: في ستر العورة:
يحتاج هذا الفصل إلى العلم بأمرين: أحدهما العورة، والثاني ما به تستر. والعورة
الواجب سترها من الرجال القبل والدبر ومن النساء جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك
منهن، والعورة المستحب سترها من الرجال ما عدا القبل والدبر مما بين السرة إلى الركبة،
ومن النساء رؤوس المماليك. وأما ما به تستر فيحتاج في صحة الصلاة فيه إلى شروط ثلاثة:
أولها: أن يكون مملوكا أو جاريا مجرى المملوك، وثانيها: أن يكون طاهرا، وثالثها: أن يكون
مما تنبته الأرض كالقطن والكتان وغيرهما من النبات إذا صح الاستتار به، أو يكون من شعر
ما يؤكل لحمه من الحيوان أو صوفه أو وبره وكذا جلده إذا كان مذكى.
ولا يجوز الصلاة في الخز الخالص ولا يجوز في الإبريسم المحض وجلود الميتة - وإن
دبغت، وجلود ما لا يؤكل لحمه - وإن كان فيها ما يقع عليه الذكاة - وما عمل من وبر الأرانب
والثعالب أو غش به، واللباس النجس والمغصوب، يدل على جميع ذلك الاجماع المذكور
وطريقة الاحتياط، وقد رويت رخصة في جواز الصلاة للنساء في الإبريسم المحض. وقد
عفي عن النجاسة تكون فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالقلنسوة والتكة والجورب والخف
والتنزه عن ذلك أفضل.
539

وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ وأشد كراهة الأسود ويكره في المذهب والملحم
بالحرير أو الذهب بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط، ومتى وجد بعد الصلاة على ثوبه
نجاسة وكان علمه بها قد تقدم لحال الصلاة أعادها على كل حال وإن لم يكن تقدم
أعادها إن كان الوقت باقيا، ولم يعدها بعد خروجه للإجماع المذكور.
فصل: في مكان الصلاة:
لا تصح الصلاة إلا في مكان مملوك أو في حكم المملوك، ولا يصح السجود بالجبهة
إلا على ما يطلق عليه اسم الأرض أو على ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس إذا كان طاهرا بالإجماع
المذكور وطريقة الاحتياط، وما قدمناه من الدلالة على أن الوضوء بالماء المغصوب
لا يصح يدل أيضا على أن الصلاة في المكان المغصوب لا يصح وقول المخالف: إن
الصلاة ينقسم إلى فعل وذكر، والذكر لا يتناول المكان المقصود فلا يمتنع أن يكون مجزئه
من حيث وقع ذكرها طاعة غير صحيح، لأن الصلاة عبارة عن الفعل والذكر معا وإذا كان
كذلك وجب انصراف النية إلى الأمرين ويكون الفعل معصية يمنع من نية القربة فيه،
وقولهم: كون الصلاة في الدار المغصوبة معصية لحق صاحب الدار لا يمنع من إجزائها
من حيث استيفاء شروطها الشرعية، ونية المصلي تنصرف إلى الوجه الذي معه تتكامل
الشروط الشرعية دون الوجه الذي يرجع إلى حق صاحب الدار غير صحيح أيضا، لأنه
مبني على استيفاء هذه الصلاة بشروطها الشرعية وذلك غير مسلم لأن من شروطها
كونها طاعة وقربة وذلك لا يصح فعلها في الدار المغصوبة.
وتكره الصلاة في معاطن الأنعام والحمامات وبيوت النيران وغيرها من معابد أهل
الضلال وبين القبور، وتكره على البسط المصورة والأرض السبخة وعلى جواد الطرق
وقرى النمل وفي البيداء وذات الصلاصل ووادي ضجنان والشقرة، كل ذلك بالإجماع
المذكور وطريقة الاحتياط.
فصل: في النية:
أما نية الصلاة فواجبة بلا خلاف، وكيفيتها: أن يريد فعل الصلاة المعينة لوجوبها
540

أو لكونها ندبا على الجملة أو للوجه الذي له كانت كذلك على التفصيل إن عرفه طاعة لله
وقربة إليه، ويجب مقارنة آخر جزء منها لأول جزء من تكبيرة الإحرام واستمرار حكمها إلى
آخر الصلاة كما قلناه في نية الوضوء سواء.
فصل: في القبلة:
القبلة هي الكعبة فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها ومن شاهد
المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليه ومن لم يشاهده توجه نحوه
بلا خلاف، قال الله تعالى: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره. وفرض المتوجه العلم
بجهة القبلة فإن تعذر العلم قام الظن مقامه، ولا يجوز الاقتصار على الظن مع إمكان
العلم ولا على الحدس مع إمكان الظن فمن فعل ذلك فصلاته باطلة، وإن أصاب
بتوجهه جهة القبلة لأنه ما فعل التوجه على الوجه المأمور به فيجب أن يكون غير مجزئ،
ومن توجه مع الظن ثم تبين له أن توجهه كان إلى غير القبلة أعاد الصلاة إن كان وقتها
باقيا ولم يعد إن كان قد خرج إلا أن يكون استدبر القبلة فإنه يعيد على كل حال، ومن لم
يعلم جهة القبلة ولا ظنها توجه بالصلاة إلى أربع جهات بالإجماع المذكور وطريقة
الاحتياط.
فصل: في أوقات الصلاة:
أما أوقات فرائض اليوم والليلة فلكل واحد منها أول وآخر فأول وقت الظهر إذا
زالت الشمس فإذا مضى من زوالها مقدار أداء الظهر دخل وقت العصر واشترك وقتاهما
إلى أن يبقى من غروب الشمس مقدار أداء العصر فيخرج وقت الظهر ويختص هذا
المقدار للعصر، فإذا غربت الشمس خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب، فإذا مضى
مقدار أداء ثلاث ركعات دخل وقت عشاء الآخرة واشتركت الصلاتان في الوقت إلى أن
يبقى من انتصاف الليل مقدار أداء صلاة العشاء الآخرة فيخرج وقت المغرب ويختص
ذلك المقدار للعشاء الآخرة ويخرج وقتها بمضيه،
541

وأول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني وآخره ابتداء طلوع قرن الشمس، يدل
على ذلك ما ذكرناه من الاجماع المشار إليه وأيضا قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. لأن الظاهر يقتضي أن وقت
الظهر والعصر يمتد من دلوك الشمس إلى غسق الليل ولا يخرج من هذا الظاهر
إلا ما أخرجه دليل قاطع، ودلوك الشمس ميلها بالزوال إلى أن تغيب بلا خلاف بين أهل
اللغة والتفسير في ذلك، يقال: دلكت الشمس إذا مالت، ويدل على ما اخترناه أيضا قوله:
أقم الصلاة طرفي النهار، والمراد بذلك الفجر والعصر وهذا يدل على أن وقت العصر
ممتد إلى أن يقرب الغروب لأن طرف الشئ ما يقرب من نهايته، وجعل المخالف آخر وقت
العصر مصير ظل كل شئ مثليه ويقرب من وسط النهار ولا يقرب من نهايته، وأيضا
فإن الصلاة قبل وقتها لا تكون مجزئة لأنها غير شرعية.
وجواز صلاة العصر بعرفة عقيب الظهر بالاتفاق دليل على أن ذلك هو أول وقتها،
ويحتج على المخالف بما رواه ابن عباس أنه ص جمع بين الصلاتين في
الحضر لا لعذر، لأنه يدل على اشتراك الوقت وحملهم ذلك على أنه ص صلى
الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها غير صحيح، لأن ذلك ليس بجمعه بين الصلاتين
وإنما هو فعل لكل صلاة في وقتها المختص بها، وفي الخبر ما يبطل هذا التأويل وهو قوله:
لا لعذر، لأن فعل الصلاة في وقتها المختص بها لا يفتقر إلى عذر، وبما روي من قوله
ص: من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله، فعلق
الفوات بالغروب وهذا يدل على أن ما قبله وقت الأداء، وبما روي من قوله ص:
لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى لأنه يدل على أن وقت العصر
لا يخرج حتى يدخل وقت المغرب.
فإن قيل: أ ليس قد ذهب بعض أصحابكم إلى أن آخر وقت الظهر أن يصير ظل كل
شئ مثله؟ وآخر وقت العصر أن يصير ظل كل شئ مثليه وآخر وقت المغرب غيبوبة
الشفق وهو الحمرة؟ ووردت الرواية بذلك عن أئمتكم وهذا يقتضي خلاف ما ذكرتموه
فكيف تدعون إجماع الإمامية؟
542

قلنا: هذا التحديد لا ينافي ما ذكرناه لأنه إنما جعل لتفعل فيه النوافل والتسبيح والدعاء،
ذلك هو الأفضل فكان ذلك المقدار حدا للفضل لا للجواز.
وأما النوافل في اليوم والليلة فبيانها أن وقت نوافل الظهر من زوال الشمس إلى أن
يبقى من تمام أن يصير ظل كل شئ مثله مقدار ما تصلي فيه أربع ركعات، ووقت نوافل
الجمعة قبل الزوال، ووقت نوافل العصر من حين الفراع من صلاة الظهر إلى أن يبقى من
تمام أن يصير كل شئ مثليه مقدار ما تصلي فيه أربعة ركعات إلا في يوم الجمعة فإنها تقدم
قبل الزوال كما قلناه في نوافل الظهر، ووقت نوافل المغرب من حين الفراع منها إلى أن
يزول الشفق من ناحية المغرب، ووقت الوتيرة حين الفراع من فريضة العشاء الآخرة،
ووقت صلاة الليل من حين انتصافه إلى قبيل طلوع الفجر، ووقت ركعتي الفجر من حين
الفراع من صلاة الليل إلى ابتداء طلوع الحمرة من ناحية المشرق.
وأما أوقات ما عدا فرائض اليوم والليلة ونوافلهما من الفرائض والنوافل فيأتي ذكرها
مندرجا في ضمن فصولها إن شاء الله تعالى.
ويكره الابتداء بالنافلة من غير سبب حين طلوع الشمس وحين قيامها نصف النهار
في وسط السماء إلا في يوم الجمعة خاصة وبعد فريضة العصر وقبل غروب الشمس وبعد
فريضة الغداة كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
فصل:
اعلم أن مما تقدم من الصلوات الخمس وإن لم يكن من شروط صحتها الأذان
والإقامة فهما واجبان على الرجال في صلاة الجماعة ومسنونان فيما عدا ما ذكرناه، ويتأكد
استحبابهما في ذلك فيما يجهر فيه بالقراءة، والإقامة أشد تأكيدا من الأذان. ويجوز للنساء أن
يؤذن ويقمن من غير أن يسمعن أصواتهن الرجال.
والأذان ثمانية عشر فصلا: يبتدأ بالتكبير في أوله أربع مرات ثم بالشهادة لله
بالوحدانية مرتين ثم بالشهادة لمحمد ص بالرسالة مرتين ثم يقول: حي على
الصلاة مرتين، ثم يقول: حي على الفلاح مرتين، ثم يقول: حي على خير العمل مرتين، ثم
543

بالتكبير مرتين، ثم بالتهليل مرتين.
والإقامة سبعة عشر فصلا: وهي تخالف الأذان بأن التكبير في أولها مرتان والتهليل في
آخرها مرة واحدة، بأن يزاد فيها بعد حي على خير العمل قد قامت الصلاة مرتين،
والترتيب واجب فيهما، ويستحب في الأذان ترتيل كلمه والوقوف على أواخر فصوله -
ويجوز فعله على غير طهارة ومن غير استقبال القبلة - وألا يتكلم فيها بما لا يجوز مثله في
الصلاة كل ذلك بدليل الاجماع المقدم ذكره.
فصل: في أقسام الصلاة:
الصلاة على ضربين: مفروض ومسنون:
فالمفروض في اليوم والليلة خمس صلوات: الظهر أربع ركعات إلا في يوم الجمعة فإن
الفرض ينتقل إلى ركعتين متى تكاملت الشروط التي نذكرها فيما بعد، والعصر أربع
ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع، والغداة ركعتان، هذا في حق
الحاضر أهله بلا خلاف، وفي حق من كان حكمه حكم الحاضرين من المسافرين وهو من كان
سفره أكثر من حضره كالجمال والمكاري والبادي أو في معصية لله أو للعب والنزهة أو كان
سفره أقل من بريدين وهما ثمانية فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال الميل ثلاثة آلاف ذراع،
ومن عزم على الإقامة في البلد الذي يدخله عشرة أيام كل ذلك بدليل إجماع الطائفة، ويدل
أيضا على صحة ما ذكرناه من حد السفر الذي يجب فيه القصر قوله تعالى: فمن كان
منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، فعلق سقوط فرض الصيام بما يتناوله اسم
السفر ولا خلاف أن كل سفر أسقط فرض الصيام فإنه موجب لقصر الصلاة، وإذا كان
كذلك وكان اسم السفر يتناول المسافة التي ذكرناها وجب القصر على من قصدها
ولا يلزم على ذلك ما دونها لأننا إنما عدلنا عن ظاهر الآية فيه للدليل وهو الاجماع، وليس
ذلك فيما ذهبوا إليه.
فأما من عدا من ذكرناه من المسافرين فإن فرضه في كل رباعية من الصلوات
الخمس ركعتان، فإن تمم عن علم بذلك وقصد إليه لزمته الإعادة على كل حال، وإن كان
544

إتمامه عن جهل أو سهو أعاد إن كان الوقت باقيا بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا فإن
فرض السفر إذا كان ركعتين فمن صلى أربعا لم يمتثل المأمور به على الوجه الذي تعبد به
فلزمته الإعادة، وليس لأحد أن يقول هذا مخالف لظاهر قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، لأن رفع الجناح يقتضي الإباحة لا الوجوب،
لأن هذه الآية لا تتناول قصر الصلاة في عدد الركعات وإنما تفيد التقصير في الأفعال من
الإيماء وغيره لأنه تعالى علق القصر فيها بالخوف، ولا خلاف أنه ليس بشرط في القصر من
عدد الركعات وإنما هو شرط فيما ذكرناه من التقصير في الأفعال.
وينضاف إلى فرائض اليوم والليلة من مفروض الصلاة ست صلوات: صلاة
العيدين إذا تكاملت شرائط وجوبها. وصلاة الكسوف والآيات العظيمة كالزلزلة والرياح
السود، وركعتا الطواف وصلاة النذر - كل ذلك بدليل إجماع الطائفة -، وصلاة القضاء
للفائت وصلاة الجنائز بلا خلاف، ويعارض المخالف في صلاة الكسوف بما يرويه من قوله
ص: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد فإذا رأيتموهما
فافزعوا إلى الصلاة، ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ويدل أيضا على وجوب صلاة
الطواف قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وأمره تعالى على الوجوب ولا أحد
قال بوجوب صلاة في المقام سوى ما ذكرناه، و يدل أيضا على وجوب صلاة النذر قوله
تعالى: أوفوا بالعقود. ونذر الصلاة عقد فيه طاعة لله فوجب الوفاء به ويعارض المخالف
بما روي عنه ص: من نذر أن يطيع الله فليطعه.
وتعلق المخالف في نفي وجوب هذه الصلوات بما روي من قوله ص
للأعرابي: لا إلا أن تتطوع، حين سأله وقد أخبره أن عليه في اليوم والليلة خمس صلوات
فقال: هل على غيرهن؟
الجواب عنه أنه خبر واحد، وقد بينا أنه لم يرد التعبد بالعمل به في الشرعيات ثم هو
معارض بما قدمناه، ثم إنا نقول بموجبه لأنا ننفي وجوب صلاة في اليوم والليلة زائدة على
الخمس لأن ذلك عبارة في الشريعة عن كل صلاة تفعل على جهة التكرار في كل يوم وليلة
على أن الظاهر لو تناول ذلك لأخرجنا هذه الصلوات بالدليل كما أخرجنا كلنا صلاة الجنائز.
545

وأما المسنون من الصلاة: فنوافل اليوم والليلة ونوافل الجمعة ونوافل شهر
رمضان، وصلاة الغدير وصلاة المبعث وصلاة النصف من شعبان وصلاة النبي
ص وصلاة أمير المؤمنين ع وصلاة أخيه جعفر رضي الله عنه وصلاة الزهراء
ع، وصلاة الإحرام وصلوات الزيارات وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة
الشكر وصلاة الاستسقاء وصلاة تحية المسجد.
فصل: في كيفية فعل الصلاة:
كيفيتها على ضربين: أحدهما كيفية صلاة الخمس والثاني كيفية ما عداها من باقي
الصلوات، وكيفية صلوات الخمس على ضربين: أحدهما كيفية صلاة المختار والثاني
كيفية صلاة المضطر وكل واحد منهما على ضربين: مفرد وجامع.
فأما كيفية صلاة المفرد المختار فعلى ضربين: واجب وندب، فالواجب منها عليه:
القيام واستقبال القبلة والنية بلا خلاف، وتكبيرة الإحرام وهي أن يقول المصلي: الله أكبر،
دون ما عدا ذلك من الألفاظ بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا فإن الصلاة في ذمته بيقين
ولا يقين في سقوطها عن الذمة إلا بما ذكرناه، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله
ص: لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة
ويقول: الله أكبر، ويجب عليه إذا كبر قراءة الحمد وسورة معها كاملة على جهة التضيق في
الركعتين الأوليين من كل رباعية ومن المغرب وفي صلاة الغداة والسفر، فإن كان هناك
عذر أجزأت الحمد وحدها، وهو مخير في الركعتين الأخريين وثالثة المغرب بين الحمد وحدها
وبين عشر تسبيحات وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يقول ذلك ثلاث مرات
ويقول في الثالثة: والله أكبر، يدل على وجوب القراءة في الجملة قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر
من القرآن، لأن الظاهر يقتضي عموم الأحوال التي من جملتها أحوال الصلاة يدل على
وجوبها على الوجه الذي ذكرناه الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة،
ويعارض المخالف في وجوب قراءة فاتحة الكتاب بما روي من طرقهم من قوله ص
للذي علمه كيف يصلى: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ فاتحة الكتاب ثم
546

اركع وارفع رأسك حتى تطمئن قائما وهكذا فاصنع في كل ركعة، وقوله: لا صلاة لمن لم يقرأ
فيها فاتحة الكتاب.
ولا يجوز القراءة بغير العربية بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط واليقين
لبراءة الذمة وأيضا قوله تعالى: إنا أنزلناه قرآنا عربيا، وقوله: بلسان عربي مبين، ومن عبر
عن معنى القرآن بغير العربية لم يكن منشدا لشعره على الحقيقة، وأيضا فلا خلاف في أن
القرآن معجز والقول بأن العبارة عن معنى القرآن بغير العربية قرآن يبطل كونه معجزا
وذلك خلاف الاجماع.
ويجب الجهر بجميع القراءة في أوليي المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة بدليل
الاجماع المشار إليه، وببسم الله الرحمن الرحيم فقط في أوليي الظهر والعصر من الحمد
والسورة التي تليها عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم هو مسنون والأول أحوط لأن من جهر
ببسم الله الرحمن الرحيم برئت ذمته بيقين وليس كذلك من لم يجهر بها، ويجب الإخفات
فيما عدا ما ذكرناه بدليل الاجماع المشار إليه.
ولا يجوز أن يقرأ في فريضة سورة فيها سجود واجب وهن أربع: تنزيل السجدة، وحم
السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك، بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط واليقين
لبراءة الذمة وأيضا فإن في هذه السور سجودا واجبا فإن فعله بطلت الصلاة للزيادة فيها
وإن لم يفعله أخل بالواجب، وإن اقتصر على قراءة ما عدا موضع السجود من السورة كان
قد بعض وذلك عندنا لا يجوز على ما قدمناه.
ويجب الركوع والسجود الأول والثاني في كل ركعة ويجب الطمأنينة في ذلك كله، ورفع
الرأس منه والطمأنينة بعد رفع الرأس قائما وجالسا بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة
الاحتياط واليقين لبراءة الذمة، وأيضا فلا خلاف أنه ص كان يفعل ذلك وقد
قال ص: صلوا كما رأيتموني أصلي، و يعارض المخالف بما رووه من أمره
ص للمسئ في صلاته بالطمأنينة في الركوع والسجود وفي رفع الرأس منهما
وظاهر الأمر في الشريعة يقتضي الوجوب، ويجب التسبيح في الركوع والسجود وأقل
ما يجزئ في كل واحد منهما من ذلك تسبيحة واحدة ولفظه الأفضل: سبحان ربي العظيم
547

وبحمده في الركوع، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ويجوز فيها سبحان الله
ويدل على وجوبه في الجملة الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وأيضا فكل آية في القرآن
تقتضي بظاهرها الأمر بالتسبيح تدل على ذلك لأن عموم الظاهر يقتضي دخول إحدى
الركوع والسجود فيه، ومن أخرج ذلك منه احتاج إلى دليل ويدل على استحباب اللفظ
الذي ذكرناه الاجماع المشار إليه، ويعارض المخالف بما رووه من قوله ص:
لما نزل: فسبح باسم ربك العظيم، اجعلوها في ركوعكم، وقوله لما نزل: سبح اسم ربك
الأعلى، اجعلوها في سجودكم والأمر يحمل على الاستحباب بدليل.
ويجب أن يكون السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين وأطراف أصابع
الرجلين، للإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط، ويعارض المخالف بما رووه من قوله
ص: أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، اليدين والركبتين وأطراف القدمين
والجبهة، وقد قال ص: صلوا كما رأيتموني أصلي، ويجب الجلوس للتشهدين
- والشهادتان فيهما والصلاة على محمد وآله - بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة
الاحتياط ويعارض المخالف بقوله ص: كما رأيتموني أصلي ولا خلاف أنه
كان يفعل ذلك في الصلاة، ويختص الصلاة على النبي ص قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، والأمر الشرعي يقتضي الوجوب إلا ما أخرجه
دليل قاطع وقد بين ص كيفية الصلاة عليه حين سئل عن ذلك فقال: قولوا
اللهم صل على محمد وآل محمد، فثبت ما قلناه. ويجب السلام، على خلاف بين أصحابنا في
ذلك ويدل على ما اخترناه أنه لا خلاف في وجوب الخروج من الصلاة وإذا ثبت ذلك لم
يجز بلا خلاف بين أصحابنا الخروج منها بغير السلام من الأفعال المنافية لها كالحدث وغيره
على ما يقول أبو حنيفة ثبت وجوب السلام، ويعارض المخالف من غير أصحابنا بقوله
ص: صلوا كما رأيتموني أصلي وقوله: مفتاح الصلاة الطهر وتحريمها
التكبير وتحليلها التسليم لأنه يدل على أن غير التسليم لا يكون تحليلا لها، ويسلم المفرد
تسليمة واحدة إلى جهة القبلة ويومئ بها إلى جهة اليمين وكذلك الإمام والمأموم كذلك
إلا أن يكون على يساره غيره فإنه حينئذ يسلم يمينا وشمالا بدليل الاجماع الماضي ذكره،
548

ويعارض المخالف بما روته عائشة من أنه ص كان يسلم في صلاته تسليمة
واحدة يميل بها إلى شقه الأيمن قليلا وبما رواه سهل بن سعد الساعدي من أنه سمع رسول
الله ص يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها ذكر هذين الخبرين الدارقطني.
ويجب أن لا يضع المصلي اليمين على الشمال ولا يقول: آمين آخر الحمد بدليل الاجماع
المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة من الصلاة، ولأن ذلك عمل كثير خارج
عن الأعمال المشروعة في الصلاة من القراءة والركوع والسجود والتسبيح والدعاء،
وما كان كذلك لم يجز فعله وما يعول المخالف عليه في كون ذلك مشروعا لا يصح أن يكون
دليلا في الشرع، وقولهم: لفظة آمين وإن لم يكن دعاء ولا تسبيحا ولا من جملة القرآن فهي
تأمين على دعاء تقدم عليها وقوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم، لا يصح الاعتماد عليه
لأن اللفظ إنما يكون دعاء بالقصد إلى ذلك والقارئ إنما يقصد التلاوة دون
الدعاء ولو قصد الدعاء دون التلاوة لم يكن قارئا للقرآن ولم تصح صلاته، وهو وإن جاز أن يقصد التلاوة
والدعاء معا جائز منه ألا يقصد الدعاء، وإذا لم يقصده لم يجز أن يقول آمين، والمخالف
يقول: إنها مسنونة لكل مصل من غير أن يعتبر قصده للدعاء، وإذا ثبت أن قولها لا يجوز
لمن لم يقصده ثبت أنه لا يجوز لمن قصده لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين،
ويجب عليه ألا يفعل على جهة العمل فعلا كثيرا ليس من أفعال الصلاة المشروعة
وقد دخل في ذلك القهقهة والبكاء من غير خشية الله، والكلام بما ليس من جنس أذكارها
سواء كان لمصلحة تتعلق بالصلاة كإعلام الإمام بسهوه أو يتعلق بغيرها كتحذيره الضرر
لغيره، وقد دخل في ذلك التأفف بحرفين بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط،
ويجب الاستدامة على ما هو شرط في صحة الصلاة كالطهارة وستر العورة وغيرهما وقد
دخل في ذلك ترك الالتفات إلى دبر القبلة، ويجب عليه أن يجتنب الصلاة وأمامه أو إلى
جانبه امرأة تصلي سواء اشتركا في الصلاة أو اختلفا فيها بدليل الاجماع المتقدم ذكره
وطريقة الاحتياط.
أما الندب والتوجه فهو أن يكبر بعد الإقامة ثلاث تكبيرات يرفع مع كل واحدة منها
يديه ويقول بعدهن:
549

اللهم أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك علمت سوءا وظلمت
نفسي ففزعت إليك تائبا مما جنيت فصل على محمد وآله واغفر لي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت يا أهل التقوى وأهل المغفرة.
لبيك وسعديك والخير كله لديك والشر ليس بمنسوب إليك أؤمن بك وأتوكل عليك
وأؤمن برسولك وما جاء به من عندك فصل على محمد وآله وزك عملي بطولك وتقبل
مني بفضلك.
ثم تكبر تكبيرة واحدة ينوي بعدها الدخول في الصلاة، وأن يقول بعد تكبيرة
الإحرام:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين
محمد ولاية أمير المؤمنين على والأئمة من ذريتهما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
وتكبير الركوع والسجود ورفع اليدين مع كل تكبيرة وتكبيرة القنوت. والقنوت
موضعه بعد القراءة من الثانية في كل صلاة وأفضله كلمات الفرج وهي:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد
لله رب العالمين.
وأن يزيد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود إلى الثلاث وإلى الخمس وإلى
السبع، وأن يدعو في الركوع فيقول:
اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك خضعت ولك أسلمت وبك آمنت خشع لك لحمي
ودمي وعظمي وشعري وبشري وما أقلت الأرض مني. وإن يقول عند رفع رأسه من الركوع:
سمع الله لمن حمده، وعند استوائه قائما: الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة
والجبروت، وأن يدعو في السجود فيقول:
اللهم لك سجدت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت، سجد
وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي سجد وجهي للذي خلقه وبرأه وصوره وشق
550

سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين.
والإرغام بالأنف في السجود وأن يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني
واهدني وعافني واعف عني إني لما أنزلت إلى من خير فقير، وأن يقول بعد السجدة الثانية
حين ينهض: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وأن يقول في التشهد الأول:
بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله ما طاب وطهر وزكى ونمى وخلص فهو لله
وما خبث فلغير الله، وأن يقول بعد الشهادتين: أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون، وأن يقول في التشهد الثاني: التحيات لله والصلوات
الطيبات الطاهرات الزاكيات الناميات المباركات الغاديات الرائحات، لله ما طاب وطهر
وزكى ونمى وخلص وما خبث فلغير الله، وأن يقول بعد الشهادتين: أرسله بالحق بشيرا
ونذيرا بين يدي الساعة داعيا إليه باذنه وسراجا منيرا، وبعد الصلاة على محمد وآله:
اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك المرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين،
واخصص اللهم محمدا وآله بأفضل الصلاة والتسليم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم صل على محمد وآله المصطفين.
وأن يكون نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده وفي حال الركوع إلى بين قدميه وفي
حال سجوده إلى طرف أنفه وفي حال جلوسه إلى حجره، وأن يجعل يديه في حال قيامه على
فخذيه محاذية لعيني ركبتيه وفي حال ركوعه على عيني ركبتيه وفي حال السجود بحذاء
الأذنين وفي جلوسه على الفخذين، وأن يلقى الأرض عند الانحطاط إلى السجود بيديه قبل
ركبتيه وأن يعتمد عليهما عند القيام وأن يسوي ظهره ويمد عنقه في حال الركوع وأن يكون
متعلقا في حال السجود يجافى بعض أعضائه عن بعض وأن يرد رجله اليمنى إلى خلفه إذا
جلس ولا يقعي بين السجدتين، وأن يجلس في حال التشهد متوركا على وركه الأيسر مع ضم
فخذيه ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، وأن لا يصلى ويداه داخل ثيابه
ولا يفرقع أصابعهما ولا يتثاءب ولا يتنخع ولا ينفخ موضع سجوده ولا يتأوه بحرف ولا يدافع
الأخبثين، وأن لا يكون في قبلته سلاح مشهور أو قرطاس مكتوب أو نجاسة ظاهرة وأن
لا يكون معه سيف أو سكين أو شئ فيه صورة. ولا يصلى في لباس أو مكان ذكرنا أن
551

الصلاة تكره فيه.
وأن يعقب فيكبر بعد التسليم ثلاث مرات يرفع بها يديه ويقول: لا إله إلا الله وحده
وحده وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ
قدير يولج الليل في النهار... الآية.
ويسبح تسبيح الزهراء ع ويدعو بما أراد وأن يعفر بعد التعقيب بأن يطرح
نفسه على الأرض ويضع جبهته موضع سجوده ويقول:
اللهم إليك توجهت وإليك قصدت وبفنائك حللت وبمحمد وآله تقربت وبهم
استشفعت وبهم توسلت فصل عليهم أجمعين وعجل فرجهم واجعل فرجنا مقرونا
بفرجهم.
ثم يضع خده الأيمن موضع جبهته ويقول:
اللهم ارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم
يا كريم يا كريم.
ثم يضع خده الأيسر موضع الأيمن ويقول:
لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا اللهم إن عملي
ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم.
ثم يضع جبهته موضع سجوده ويقول:
شكرا شكرا مائة مرة أو ما تيسره، ثم يرفع رأسه ويمسح موضع سجوده بيده اليمنى
ويمسح بها وجهه وصدره.
وصلاة المرأة كصلاة الرجل ولا تخالفه إلا بما نذكره وهي: أنها يستحب لها أن تضع
يديها في حال القيام على ثدييها وفي حال الركوع على فخذيها ولا تطأطأ وتجلس من غير أن
تنحني، وتسجد منضمة وتجلس بين السجدتين والتشهدين منضمة ناصبة ركبتيها واضعة
قدميها على الأرض، وإذا أرادت القيام وضعت يديها على جنبيها ونهضت حالة واحدة كل
ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره وأيضا فلما ذكرناه من دعاء وتسبيح وتعقيب وتعفير، يدل
552

عليه ظواهر الآيات المتضمنة للأمر بفعل الخير بالدعاء والتسبيح والذكر لله تعالى والثناء
عليه، ويخص القنوت قوله تعالى: وقوموا لله قانتين، والمفهوم من لفظة قنوت في الشرع
هو الدعاء فوجب حمل الآية عليه دون ما يحتمله في اللغة من طول القيام وغيره.
فصل: في صلاة الجماعة:
الاجتماع في فرائض اليوم والليلة عدا فريضة الجمعة سنة مؤكدة بدليل الاجماع
الماضي ذكره وأيضا فالأصل براءة الذمة وشغلها بإيجاب الاجتماع للصلاة يحتاج إلى
دليل، ويعارض المخالف في ذلك بما روي من طرقهم من قوله ص: صلاة
الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، والمفاضلة لا تكون إلا فيما اشترك فيه
الشيئان وزاد أحدهما على الآخر فيه فلو كانت صلاة الفرد غير مجزئة لم يصح المفاضلة
بينها وبين صلاة الجماعة.
ومن شرط انعقاد الصلاة جماعة الأذان والإقامة وأن يكون الإمام عاقلا مؤمنا بلا خلاف
عدلا بدليل الاجماع الماضي وطريقة الاحتياط وقوله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار، لأن الاقتداء بالفاسق ركون إليه لا سيما وقد ورد من طرق المخالف قوله
ص: الإمام ضامن وأيضا فالفضل معتبر في باب الإمامة على ما دل عليه
سياق قوله ص: يؤمكم أقرؤكم إلى آخر الخبر، وإذا ثبت ذلك وكان الفسق
نقصا عظيما في الدين لم يجز تقديم الفاسق على العدل التقي، وأن يكون طاهر الولادة بمثل
ما قدمناه لأن ولد الزنى نقطع على عدم عدالته في الباطن وإن أظهر خلاف ذلك.
ولا يصح الائتمام بالأبرص والمجذوم والمحدود والزمن والخصي والمرأة إلا بمن كان
مثلهم بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط. ويكره الائتمام بالأعمى والعبد ومن يلزمه
التقصير ومن يلزمه الإتمام والمتيمم إلا بمن كان مثلهم، وإذا حضر جماعة لهم الصفات التي
ذكرناها للإمامة فالأولى بالتقديم رب القبيلة أو المسجد أو البيت فإن لم يكن فأقرؤهم فإن
استووا فأفقههم فإن استووا فالهاشمي فإن استووا فأكبرهم سنا كل ذلك بدليل الاجماع
الماضي ذكره.
553

وأقل ما ينعقد به الجماعة فيما عدا يوم الجمعة اثنان يقف المؤتم منهما عن يمين الإمام،
ويلزم المؤتم أن يقتدي بالإمام عرفا وفعلا ولا يقرأ في الأوليين من كل صلاة ولا في الغداة
إلا أن يكون في صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الإمام، فأما الأخريان وثالثة المغرب فحكمه
فيها حكم المنفرد.
ويستحب أن يقدم في الصف الأول الخواص من ذوي الأحلام والنهي وبعدهم العوام
والأعراب وبعدهم العبيد وبعدهم الصبيان وبعدهم النساء، ولا يجوز أن يكون بين الإمام
والمأمومين ولا بين الصفين بما لا يتخطى مثله من مسافة أو بناء أو نهر بدليل الاجماع الماضي
ذكره.
ومن دخل المسجد ولم يجد مقاما له في الصفوف أجزأه أن يقوم وحده محاذيا لمقام
الإمام وانعقدت صلاة بدليل الاجماع الماضي ذكره، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم
عن أبي بكر: أنه دخل المسجد وهو يلهث فوجد رسول الله ص راكعا فركع
خلف الصف ثم دخل في الصف فلما فرع رسول الله ص قال: من أحرم
خلف الصف؟ فقال: أنا، فقال: زادك الله حرصا ولا تعد، ولو لم يكن صلاته انعقدت لأمره
بإعادتها، ونهيه عن العود يحتمل أن يكون عن العود إلى تأخر عن الصلاة أو عن دخول
المسجد وهو يلهث لأن المصلي مأمور بأن يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار.
ومن أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الركعة بلا خلاف فإن سبقه بركعة جعل ثانية الإمام له
أولة، وإذا جلس الإمام للتشهد جلس هو مستوفزا ولم يتشهد فإذا نهض الإمام إلى الثالثة
نهض معه إليها وهي له ثانية فقرأ لنفسه الحمد وسورة، فإذا ركع الإمام ركع بركوعه
وسجد بسجوده فإذا نهض الإمام إلى الرابعة جلس هو فتشهد تشهدا خفيفا ولحق الإمام
قائما فركع بركوعه وسجد بسجوده، فإذا جلس الإمام للتشهد الأخير فليجلس هو
مستوفزا ولا يتشهد فإذا سلم الإمام نهض هو فتمم الصلاة، وإن سبق بركعتين فآخرتا
الإمام له أولتان يقرأ فيهما لنفسه كالمنفرد ويتبع الإمام فيما يفعله إلى أن يسلم فإذا سلم
نهض هو فتمم باقي الصلاة، وكذلك حكم من سبق بثلاث ركعات. ويدل على أن
ما أدركه المسبوق أول صلاته الاجماع الماضي ذكره، ويعارض من قال أن ذلك آخر صلاته
554

ويقضي ما فاته من أولها بما روي من طرقهم من قوله ص: إذا أقيمت
الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فأتموا، وحقيقة الإتمام في إكمال ما تلبس به والقول بأن ذلك قضاء لما فات
ترك لظاهر الخبر.
فصل:
وأما الاجتماع في صلاة الجمعة فواجب بلا خلاف إلا أن وجوبه يقف على شروط
وهي: الذكورة والحرية والبلوع وكمال العقل وزوال السفر والمرض والعمى والعرج والكبر
الذي يمنع من الحركة، وتخلية السرب وحضور الإمام العادل أو من نصبه وجرى مجراه
وحضور ستة نفر معه والتمكن من الخطبتين وأن يكون بين مكان الجمعة وبين المكلف بها
فرسخان فما دونهما، ويسقط فرض حضورها عمن عدا من ذكرناه فإن حضرها وكان
مكلفا لزمه الدخول فيها جمعة وأجزأته عن الظهر كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره.
ولا يجوز انعقاد الجمعة في موضعين بينهما من المسافة دون ثلاثة أميال، و يجوز انعقادها
بحضور أربعة نفر مع الإمام، وينعقد بحضور من لم يلزمه من المكلفين إلا النساء بدليل
الاجماع المشار إليه.
ويستحب الغسل في يوم الجمعة كما قدمناه، وقص الشارب والأظفار والتجمل
باللباس ومس شئ من الطيب، ويستحب للإمام التحنك والارتداء وتقديم دخول المسجد
ليقتدي به الناس فإذا زالت الشمس وأذن المؤذنون صعد المنبر فخطب خطبتين
مقصورتين على حمد الله سبحانه والثناء عليه والصلاة على محمد وآله والوعظ والزجر
يفصل بينهما بجلسة، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن. وينبغي للمأمومين الإنصات إلى
الخطبة وترك الكلام بما لا يجوز مثله في الصلاة، فإذا فرع من الخطبة أقيمت الصلاة ونزل
فصلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسورة
المنافقين، ويستحب أن يصلى بهم العصر عقيب الجمعة بإقامة من غير أذان، ولا يجوز
السفر إذا زالت الشمس وتكاملت شروط وجوب الجمعة حتى يصلى، ويكره السفر من
555

بعد طلوع الفجر إلى الزوال، وإذا فاتت الجمعة بأن يمضى من الزوال مقدار الأذان والخطبة
وصلاة الجمعة لم يجز قضاؤها ووجب أن يؤدى ظهرا كل ذلك بدليل الاجماع المذكور الماضي
ذكره.
فصل في كيفية صلاة المضطر:
المضطر إلى ترك الشئ مما بينا أنه يجب في كيفية صلاة المختار تختلف كيفية صلاته
على حسب اختلاف حالة في الضرورات، وهو مكلف بأدائها في آخر الوقت على أي صفة
تمكن منها، فالمريض الذي لا يقدر على القيام إلا بأن يعتمد على حائط أو عصا يلزمه القيام
كذلك فإن لم يقدر عليه على هذه الصفة صلى جالسا فإن لم يتمكن من ذلك صلى مضطجعا
على جنبه الأيمن فإن لم يتمكن صلى مستلقيا على ظهره وأقام تغميض عينيه مقام ركوعه
وسجوده وفتحهما مقام رفع الرأس منهما، والمضطر إلى الركوب يصلى راكبا ويومئ
بالركوع ويسجد على ما تمكن، وكذلك المضطر إلى المشي يصلى ماشيا ويومئ بالركوع
والسجود و يتوجهان إلى القبلة إن تمكنا وإلا بتكبيرة الإحرام، والراكب في السفينة يصلى
قائما إن تمكن وإلا جالسا ويتوجه إلى القبلة في جميع الصلاة فإن كانت السفينة دائرة
توجه إلى القبلة ودار إليها مع دور السفينة فإن لم يتمكن أجزأه أن يستقبلها بتكبيرة الإحرام
فإن لم يعرف القبلة توجه إلى صدر السفينة وصلى حيث توجهت، وكذا السابح الغريق
والموتحل والمقيد والمربوط يصلون على حسب استطاعتهم ويومؤون بالركوع والسجود،
والعريان إن كان بحيث يراه أحد صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود وإن كان بحيث
لا يراه أحد صلى قائما وركع وسجد فإن كان العراة جماعة صلوا جلوسا إمامهم في وسطهم
لا يتقدمهم إلا بركبتيه، والخائف من العدو يصلى أيضا على حسب استطاعته. والخوف
بانفراده موجب لقصر الصلاة سواء كان الخائف حاضرا أو مسافرا كل ذلك بدليل
الاجماع المشار إليه.
وكيفية صلاة الخوف جماعة: أن يفرق الإمام أصحابه فرقتين، فرقة يجعلها بإزاء العدو
ويصلى بالأخرى ركعة فإذا نهض إلى الثانية صلوا لأنفسهم الأخرى وهو قائم مطول
556

للقراءة فإذا سلموا انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم، وجاءت الفرقة الأخرى فلحقوا الإمام
قائما في الثانية فاستحقوا الصلاة وركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده فإذا جلس للتشهد
قاموا فصلوا الركعة الأخرى وثبت جالسا حتى يلحقوه فإذا جلسوا معه سلم بهم
وانصرفوا بتسليمة، والدليل على صحة هذا الترتيب الاجماع المشار إليه وأيضا قوله تعالى:
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية، لأن ظاهرها يقتضي أن الطائفة الثانية تصلي
مع الإمام جميع صلاتها وعلى مذهب أبي حنيفة المخالف فيما ذكرناه يصلى معه النصف فقد
خالف الظاهر ولأنه تعالى قال: فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، فظاهر هذا يقتضي أن
يكون المراد سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية لأنه أضاف السجود إليهم.
والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف إلى الإمام أو إلى الإمام والمأموم
ولا تضاف إلى المأموم وحده لأنه تابع، ويشهد بصحة ما قلناه أن فيه تسوية بين الفرقتين من
وجهين: أحدهما أن الإمام يحرم بالفرقة الأولى ويسلم بالثانية فيحصل للأولى فضيلة الإحرام
وللثانية فضيلة التحليل، وعلى قول المخالف يحرم بالأولى ولا يسلم بالثانية. والوجه الثاني
أن الفرقة الأولى حين صلت مع الإمام حرستها الثانية وليست في الصلاة وعلى قولنا:
تحرس الأولى أيضا وليست في الصلاة للثانية وهي في الصلاة فتساوتا في الحراسة، وعلى
قول المخالف تنصرف الأولى فتقف في وجه العدو ولا تنقطع بذلك صلاتهم فتقع حراستهم
وهم في الصلاة ويشهد بفساد قول المخالف أن الصلاة التي ذهب إليها تشتمل على أمور
يبطل بمثلها، الصلاة من المشي الكثير واستدبار القبلة والانتظار الكثير، وقد روي من
طرق المخالف أن النبي ص صلى صلاة الخوف على الترتيب الذي ذكرناه
وذلك مما يحتج عليهم.
فإن كانت الصلاة المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة إن شاء أو ركعتين
وبالثانية ما بقي فإن خافوا العدو بالانقسام صلوا على ظهور خيلهم في مصافهم متوجهين
إلى القبلة في جميع الصلاة إن أمكن وإلا بتكبيرة الإحرام ويومؤون بالركوع ويسجدون على
قرابيس سروجهم، وإن كانت الحال حال طراد ومسايفة عقد كل واحد منهم الصلاة
بالنية وتكبيرة الإحرام وقال مكان كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
557

أكبر، ويتشهد ويسلم كل ذلك بدليل الاجماع المقدم ذكره.
فصل:
ونذكر الآن كيفية ما عدا فرائض اليوم والليلة من الصلاة المفروضة.
فصل: في كيفية صلاة العيدين وما يتعلق بها:
صلاة العيدين واجبة عندنا بشروط وهي شروط الجمعة سواء بدليل الاجماع الماضي
ذكره وطريقة الاحتياط لأن من صلاها برئت ذمته بيقين وليس كذلك من لم يصلها، وهي
ركعتان بلا خلاف باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى وخمس في الثانية ومنها تكبيرة الإحرام
وتكبيرة القيام وتكبيرة الركوع في رواية، وفي رواية أخرى أنه يقوم إلى الثانية منها بغير
تكبير ويعارض المخالف في عدد التكبيرات بما روي من طرقهم أن النبي ص
كبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين بما نذكره بدليل الاجماع
الماضي ذكره.
ومن السنة أن يصحر بها ويخرج الإمام والمأمومون مشاة وأن يقف الإمام كلما مشى قليلا
ويكبر حتى يبلغ المصلى فيجلس حتى تنبسط الشمس وذلك أول وقتها، ثم يقوم والناس
معه بغير أذان ولا إقامة بلا خلاف ممن يعتد به بل يقول المؤذنون: الصلاة ثلاث مرات ثم
يدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام ويقرأ الحمد والشمس وضحاها، فإذا فرع من القراءة
كبر وقنت فقال:
اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل العزة والجبروت وأهل القدرة والملكوت وأهل
الجود والرحمة وأهل العفو والعافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته وشرفته وكرمته وجعلته
للمسلمين عيدا ولمحمد ص كرامة وذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآله
وتغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وتجعل لنا من كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا برحمتك
يا أرحم الراحمين.
ثم يكبر ويقول مثل ذلك حتى تكمل ست تكبيرات بعد القراءة يركع بالسادسة فإذا
558

نهض إلى الركعة الثانية واستوى قائما كبر وقرأ: الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ثم
يكبر بعد القراءة أربعا يقنت بين كل تكبيرتين منها بما ذكرناه ويركع بالرابعة، وعلى الرواية
الأخرى يقوم بغير تكبير ويكبر بعد القراءة خمسا يركع بالخامسة، ويحتج على المخالف بأنه
لا خلاف أن من صلى على الترتيب الذي ذكرناه أجزأه ذلك إذا أداه اجتهاده إليه ولا دليل
على إجزاء ما خالفه فكان الاحتياط فيما قلناه، فإذا فرع من الصلاة صعد المنبر فخطب
بالناس والخطبة بعد الصلاة بلا خلاف ممن يعتد به والمكلف مخير بين سماع الخطبة
والانصراف والسماع أفضل بدليل الاجماع الماضي ذكره، ويستحب فعلها لمن لم يتكامل له
شرائط وجوبها ولا يجب قضاؤها إذا فاتت ولا يفوت حتى تزول الشمس.
ولا يجوز التطوع بالصلاة للإمام ولا المأموم قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول
الشمس إلا في مسجد النبي ص فإن المكلف مرغب في صلاة ركعتين فيه،
ولا يجوز انعقاد صلاة العيد في موضعين بينهما دون ثلاثة أميال كما قلناه في الجمعة، ولا يجوز
السفر في يوم العيد قبل صلاته الواجبة، ويكره قبل المسنونة كل ذلك بدليل الاجماع المشار
إليه. وإذا اجتمع عيد وجمعة وجب حضورهما على من تكاملت له شرائط تكليفهما،
وقد روي: أنه إذا حضر العيد كان مخيرا بين حضور الجمعة وظاهر القرآن وطريقة الاحتياط
يقتضيان ما قدمناه، ويستحب أن يكبر ليلة الفطر عقيب أربع صلوات أولهن المغرب ويوم
الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة لمن كان بمنى، ولمن كان بغيرها من الأمصار كبر عقيب
عشر صلوات وأول الصلوات الظهر من يوم العيد بدليل الاجماع الماضي ذكره.
فصل: في كيفية صلاة الكسوف والآيات العظيمة وما يتعلق بها:
هذه الصلاة عشر ركعات بأربع سجدات يركع بعد القراءة فإذا رفع رأسه من
الركوع قرأ، فإذا فرع ركع، هكذا حتى يكمل خمس ركعات، ولا يقول: سمع الله لمن حمده إلا في
رفع رأسه من الركعة الخامسة ثم يسجد سجدتين وينهض فيصنع كما صنع أولا ولا يقول
سمع الله لمن حمده إلا في رفع رأسه من الركعة العاشرة ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم،
والدليل على ما ذكرناه الاجماع الماضي ذكره وأيضا فالاحتياط يقتضي ما ذكرناه لمثل ما قلناه
559

في كيفية صلاة العيد، ويعارض المخالف بما رواه أبي بن كعب قال: انكسفت الشمس على
عهد رسول الله ص فصلى بنا وقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات
وسجد سجدتين ثم قام فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين،
وجلس ص كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى تجلى القرص.
ويستحب أن يصلى جماعة وأن يجهر بالقراءة فيها وأن يقرأ بالسور الطوال وأن يكبر
كلما رفع رأسه من الركوع وأن يقنت في كل ركعتين وأن يجعل زمان ركوعه بمقدار زمان
قيامه بدليل الاجماع الماضي ذكره، ومن تركها حتى تجلى القرص وجب عليه قضاؤها فإن
كان متعمدا فهو مأزور ويلزمه مع القضاء التوبة والاستغفار، وإن كان مع التعمد وقد
احترق القرص كله استحب له مع ذلك الغسل كما قدمناه بدليل الاجماع الماضي ذكره.
فصل: في كيفية صلاة الطواف وما يتعلق بها:
من طاف بالبيت وجب عليه بعد فراغه ركعتان عند مقام إبراهيم ع،
ويستحب له أن يقرأ في الأولى مع الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، فإن
نسي صلاتهما عند المقام كان عليه صلاتهما عنده فإن لم يذكر حتى خرج رجع فصلاهما
عنده فإن لم يتمكن صلاهما حيث هو وذلك كله بدليل الاجماع المشار إليه.
فصل: في كيفية صلاة النذر وما يتعلق بها:
يجب من ذلك ما يشرطه المكلف على نفسه من صفة الصلاة، ومن فعلها في الزمان
أو المكان المخصوص إن شرطه، فإن فعلها على خلاف ما شرطه لزمته، الإعادة، وإن كان
ما علقها به من الزمان لا مثل له كيوم معلوم من شهر مخصوص فخرج ولم يؤدها مختارا لزمه
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر
يوما، فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يتمكن تصدق بما قدر عليه
فإن فوتها مضطرا فلا كفارة عليه، والقضاء لازم له كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره.
560

فصل: في صلاة القضاء:
القضاء عبارة عن فعل مثل الفائت بخروج وقته ولا يتبع في وجوبه وجوب الأداء
ولهذا وجب أداء الجمعة ولم يجب قضاؤها ووجب قضاء الصوم على الحائض ولم يجب
عليها أداؤه على ما قدمناه في أصول الفقه، ويجب فعله في حال الذكر له إلا أن يكون ذلك
آخر وقت فريضة حاضرة يخاف فوتها بفعله بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط،
ويعارض المخالف بما روي من قوله ص: من نام عن صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها ومن صلى الأداء قبل تضيق وقته وهو ذاكر للفائت لم يجزئ
بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا ففرض القضاء مضيق لا بدل له وفرض الأداء موسع له
بدل هو العزم على ما بيناه في أصول الفقه وإذا كان كذلك لم يجزئ الاشتغال بالواجب
الموسع وترك الواجب المضيق، ويعارض المخالف بما رووه من قوله ص:
لا صلاة لمن عليه صلاة.
ومن صلى الأداء قبل تضيق وقته وهو غير ذاكر للفائت لم يخل إما أن يذكره وهو في
الصلاة أو بعد خروجه منها، فإن ذكره وهو في الصلاة لزمه نقل النية إليه أن أمكن فإن لم
يفعل لم يجزئ الأداء، وإن لم يذكره حتى خرج من الصلاة أجزأه ذلك بدليل الاجماع
الماضي ذكره.
ومن فاتته صلاة من الخمس غير معلومة له بعينها لزمه أن يصلى الخمس بأسرها وأن
ينوي بكل صلاة منها قضاء الفائت بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، ومن فاته
من الصلاة ما لم يعلم كميته لزمه أن يقضي صلاة يوم بعد يوم حتى يغلب على ظنه الوفاء.
ومن أغمي عليه قبل دخول وقت الصلاة لا لسبب أدخله على نفسه بمعصيته إذا لم
يفق حتى خرج وقت الصلاة لم يجب قضاؤها بدليل الاجماع المشار إليه.
والمرتد يجب عليه إذا عاد إلى الاسلام قضاء ما فاته في حال ردته وقبل أن يرتد من
الصلاة وغيرها من العبادات بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا فقد دللنا فيما مضى على أن
الكفار مخاطبون بالشرائع ومن جملتها قضاء ما يفوت من العبادات ولا يلزم على ذلك
الكافر الأصلي لأنا أخرجناه بدليل وهو إجماع الأمة على أنه ليس عليه قضاؤه.
561

ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاؤها وإن تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه
فإن لم يستطع فعن كل أربع بمد فإن لم يجد فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل، وذلك
بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط، وكذلك نقول في وجوب قضاء الصوم والحج
على الولي وقوله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وما روي من قوله ص:
إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث، لا ينافي ما ذكرناه لأنا لا نقول أن الميت يثاب
بفعل الولي ولا أن عمله لم ينقطع، وإنما نقول أن الله تعالى يقيد الولي بذلك والثواب له دون
الميت ويسمى قضاء عنه من حيث حصل عند تفريطه، ويعارض المخالف في قضاء
العبادة عن الميت بما رووه عن عائشة أن النبي ص: من مات وعليه صيام
صام عنه وليه، ورووا أن امرأة جاءت إلى النبي ص فقالت: إنه كان على
أمي صوم شهر فأقضيه عنها؟ فقال ص: أ رأيت لو كان على أمك دين أ كنت
تقضيه؟ قالت: نعم، فقال ص: فدين الله أحق أن يقضي، ومثل ذلك رووا
في الحج في خبر الخثعمية عنه ص حين سألته عن قضائه عن أبيها، وروى
ابن عباس عنه ص في صوم النذر أنه أمر ولي الميت أن يصوم عنه.
فصل: في كيفية الصلاة على الأموات وما يتعلق بذلك:
لما كانت الصلاة عليهم تترتب على أمور يتقدمها من تغسيل وتكفين اقتضى ذلك
تقديم ذكرهما ونحن نفعل ذلك ثم نتبعه بذكر كيفية الصلاة عليه ونتبع ذلك بكيفية دفنه
إن شاء الله تعالى، فنقول:
غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية إذا قام به بعض
المكلفين سقط عن الباقين بلا خلاف، وإذا أريد غسله استحب أن يوضع على سرير أو غيره
مما يرفعه عن الأرض، وأن يكون ذلك تحت سقف وأن يوجه إلى القبلة بأن يكون باطن
قدميه إليها، وأن يحفر لماء الغسل حفيرة تخصه وأن يقف الغاسل على جانبه الأيمن وأن
لا يتخطاه وأن يغسل يديه - أعني الميت - إلا أن يكون عليهما نجاسة فيجب الغسل،
وكذا حكم فرجه كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه، ويستحب أن يوضئه بعد ذلك على قول
562

الأكثر من أصحابنا ولا خلاف بينهم أنه لا يمضمض ولا ينشق، ووجب بعد ذلك أن يغسل
على هيئة غسل الجنابة ثلاث غسلات: الأولى بماء السدر والثانية بماء جلال الكافور والثالثة
بماء القراح، ولا يجوز أن يقعد بل يستحب أن يمسح بطنه مسحا رقيقا في الغسلتين الأوليين
بدليل الاجماع المشار إليه. ويكره إسخان الماء إلا أن يخاف الغاسل الضرر لشدة البرد،
ولا يجوز قص أظفاره ولا إزالة شئ من شعره بدليل الاجماع المشار إليه.
ويغسل القتيل بحق وغير حق إلا قتيل المعركة في جهاد لازم فإنه لا يغسل وإن كان
جنبا ويدفن في ثيابه إلا القلنسوة والفروة والسراويل، فإن أصاب شيئا من ذلك دم لم ينزع،
وينزع الخف على كل حال، فإن نقل عن المعركة وفيه حياة ثم مات غسل، ولا يغسل
ما وجد من أبعاض الانسان إلا أن يكون موضع صدره أو يكون فيه عظم ولا يغسل السقط
إذا كان له أقل من أربعة أشهر كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وإذا لم يوجد للرجل من يغسله من الرجال المسلمين غسلته زوجته أو ذوات أرحامه
من النساء، فإن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه وهن مغمضات،
وكذلك الحكم في المرأة إذا ماتت بين الرجال، ومن أصحابنا من قال: إذا لم يوجد للرجل
إلا الأجانب من النساء وللمرأة إلا الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير
غسل، والأول أحوط.
وأما الكفن فالواجب منه ثلاثة: مئزر وقميص وإزار، والمستحب أن يزاد على ذلك
لفافتان أحدهما الحبرة وعمامة وخرقة يشد بها فخذاه، ولا يجوز أن يكون مما لا تجوز الصلاة،
فيه من اللباس، وأفضله الثياب البياض من القطن والكتان كل ذلك بدليل الاجماع
الماضي ذكره، والحنوط هو الكافور يوضع على مساجد الميت ولا يجوز أن يطيب بغيره ولا به
إذا كان محرما بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط والسائغ منه ثلاثة عشر درهما
وثلث ويجزئ مثقال واحد بدليل الاجماع أيضا.
ويستحب أن يوضع في الكفن جريدتان خضراوان من جرائد النخل طول كل واحدة
منهما كعظم الذراع، ويستحب أن يكتب عليهما وعلى القميص والإزار ما يستحب أن يلقنه
الميت من الإقرار بالشهادتين وبالأئمة والبعث والثواب والعقاب، ثم يلف عليهما شئ من
563

القطن ويجعل إحديهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده، والأخرى
من الجانب الأيسر كذلك إلا أنه بين الذراع والإزار وذلك بدليل الاجماع المشار إليه، وقد
روي من طرق المخالفين في الصحاح أن النبي ص اجتاز بقبرين فقال:
إنهما ليعذبان وما يعذبان بكثير إن أحدهما كان نماما والآخر لا يستبرئ من البول، ثم
استدعى بجريدة فشقها نصفين وغرس في كل قبر واحدة وقال: إنهما لتدفعان عنهما
العذاب ما دامتا رطبتين.
وأما كيفية الصلاة عليه فالواجب منها أن يكبر المصلي خمس تكبيرات يشهد بعد
الأولى الشهادتين ويصلى بعد الثانية على محمد وآله ويدعو بعد الثالثة للمؤمنين والمؤمنات
فيقول:
اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم
أدخل على أمواتهم رأفتك ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضيك إنك على كل
شئ قدير.
ويدعو بعد الرابعة للميت إذا كان ظاهره الإيمان والصلاح فيقول:
اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم لا نعلم منه
إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه
واغفر له وارحمه، اللهم اجعله في أعلى عليين واخلف على أهله في الغابرين وارحمه
برحمتك يا أرحم الراحمين.
وإن كان الميت امرأة: قال: اللهم أمتك بنت عبدك وأمتك، وكنى عن المؤنث إلى آخر
الدعاء.
وإن كان طفلا قال: اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا قبضته طاهرا فاجعله لأبويه فرطا
ونورا وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده.
وإن كان مستضعفا قال: ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم.
وإن كان غريبا لا يعرفه قال: اللهم هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها وأنت تعلم
سرها وعلانيتها فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت.
564

وإن كان مخالفا للحق دعا عليه بما هو أهله، ويخرج بالتكبيرة الخامسة من الصلاة من
غير تسليم، والدليل على ذلك الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط، ويعارض المخالف
بما روي من طرقهم من أنه ص كبر خمسا، ولا يعارض ذلك ما رووه من أنه
ص كبر أربعا لأنه يحتمل أن يكون كبر أربعا سمعن ولم تسمع الخامسة ولأن
من روى أنه كبر أربعا لم ينف الزيادة عليها، ومن كبر خمسا فقد كبر أربعا، ويعارض
المخالف في اسقاط التسليم بإسقاط ما هو أوكد منه من الركوع والسجود، وإذا سقط ذلك
بلا خلاف فما المنكر من اسقاط التسليم؟
والمستحب أن يقدم للصلاة أولى الناس بالميت أو من يقدمه وأن يقف الإمام حيال
وسط الميت إن كان رجلا وصدره إن كان امرأة، ولا ترفع اليدان إلا في التكبيرة الأولى، وأن
يتحفى الإمام ولا يبرح بعد فراغه حتى ترفع الجنازة، وأن يقول من يصليها بعد الخامسة:
عفوك ثلاث مرات وأن يكون على طهارة، كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره.
وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وصبي استحب أن يجعل الرجل مما يلي الإمام وبعده
المرأة وبعدها الصبي بدليل الاجماع أيضا، ولا يصلى على من لم يبلغ ست سنين فصاعدا
بدليل الاجماع المشار إليه ولأن الصلاة على الميت حكم شرعي يفتقر إلى دليل ولا دليل من
جهة الشرع على وجوب الصلاة على من نقصت سنة عما ذكرناه.
ولا يجوز أن يصلى على الميت بعد أن يمضى عليه يوم وليلة مدفونا لمثل ما قدمناه في
المسألة الأولى. ويجب إعادة الصلاة على الميت إذا كانت الجنازة مقلوبة بدليل الاجماع
المشار إليه وطريقة الاحتياط، ويصلى على قتلى المسلمين إذا لم يتميزوا من قتلى الكفار
بالقصد إليهم، ويصلى على المصلوب ولا يستقبل المصلي وجهه، والصلاة على الميت
تكره أن تعاد بدليل الاجماع المشار إليه.
وأما كيفية دفن الميت وما يتعلق بها: فالواجب منها أن يوضع على جانبه الأيمن موجها
إلى القبلة، والمستحب من ذلك تشييع الجنازة بالمشي خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها وأن
يوضع إذا انتهى بها إلى القبر من قبل رجله إن كان الميت رجلا وإن انتقل إليه في ثلاث
مرات ولا يفجأ بها، وأن ينزل من قبل رجلي القبر أيضا يسل سلا ويسبق إلى القبر رأسه
565

قبل رجليه، وإن كانت امرأة وضعت أمام القبر من جهة القبلة وأنزلت فيه بالعرض، وأن
يكون عمق القبر قدر قامة وأن يجعل فيه لحد أو شق، واللحد أفضل، وأن تحل حين وضعه
عقد أكفانه ويوضع خده على التراب ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة ع
ويصنع ذلك به وليه أو من يأمره الولي، ولا يصنع ذلك بالمرأة إلا من كان يجوز له النظر
إليها، في حياتها، وأن يشرج عليه اللبن أو ما يقوم مقامه، وأن يرفع القبر من الأرض بعد طمه
مقدار شبر أو أربع أصابع مفرجات وأن يربع ولا يسنم وأن يرش عليه الماء يبدأ من عند
رأسه ويدار عليه حتى يرجع إلى الرأس وأن يلقن أيضا بعد انصراف الناس عنه كل ذلك
بدليل الاجماع الماضي ذكره وفيه الحجة.
فصل: في كيفية الصلوات المسنونات:
أما نوافل اليوم والليلة فأربع وثلاثون ركعة في حق الحاضر ومن هو في حكمه: ثمان
منها بعد الزوال وقبل الظهر وثمان بعد الظهر وقبل العصر وأربع بعد المغرب وركعتان
من جلوس بعد العشاء الآخرة، وثمان ركعات صلاة الليل، وركعتا الشفع وركعة الوتر
وركعتا الفجر. وفي حق المسافر ومن هو في حكمه سبع عشرة ركعة تسقط عنه نوافل الظهر
والعصر والعشاء الآخرة ويبقى ما عداها، ويسلم في كل ركعتين من جميع النوافل ويفتتح
بالتوجه منها نوافل الظهر والمغرب وعشاء الآخرة ونوافل الليل وركعة الوتر، ويقرأ فيهما
بعد الحمد ما شاء من السور أو من بعاضها، ويجوز الاقتصار في النوافل كلها مع الاختيار
على الحمد وحدها، ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الليل بعد الحمد سورة
الإخلاص ثلاثين مرة وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ثلاثين مرة، وأن يطول في القراءة في
باقي الركعات إذا لم يخف طلوع الفجر وأن يطول قنوت الوتر، ودعاؤه موجود في كتب
العمل لا نطول بذكره هاهنا.
والأفضل الإخفات في نوافل النهار والجهر في نوافل الليل، وكيفية النوافل فيما عدا
ما ذكرناه كالفرائض ويستحب قضاؤها إذا فاتت كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره.
ونوافل الجمعة عشرون ركعة: ست في صدر النهار وست إذا ارتفع وست قبل الزوال
566

وركعتان في أول الزوال، فإن لم يتمكن من ترتيبها كذلك صليت جملة واحدة قبل الزوال
فإن أدرك الزوال وقد بقي منها شئ قضى بعد العصر بدليل الاجماع المشار إليه.
وأما نوافل شهر رمضان فألف ركعة زائدة على ما قدمناه من نوافل اليوم والليلة
يصلى من ذلك في كل ليلة عشرين ركعة: ثمان منها بعد نوافل المغرب واثنتا عشرة بعد
العشاء الآخرة وقبل نافلتها من أول الشهر إلى تمام عشرين ليلة منه، وفي كل ليلة من
العشر الأخيرة ثلاثون ركعة: اثنتا عشرة ركعة بعد نوافل المغرب وثمان عشرة ركعة بعد
عشاء الآخرة، ويصلى ليلة تسع عشرة مائة ركعة وليلة إحدى وعشرين مائة ركعة وليلة
ثلاث وعشرين مائة ركعة مضافة إلى ما تقدم، وإن اقتصر في الليالي الثلاث على المائة فقط
وصلى في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات صلاة أمير المؤمنين والزهراء وجعفر
ع، وفي ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين ع وفي
ليلة السبت بعدها عشرين ركعة من صلاة الزهراء ع كان حسنا، وقد روي أنه
يستحب أن يصلى ليلة النصف منه مائة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة
الإخلاص عشر مرات، وليلة الفطر ركعتين يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد سورة
الإخلاص ألف مرة وفي الثانية مرة واحدة.
وأما صلاة الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فركعتان يصلى قبل الزوال
بنصف ساعة يقرأ في الأول والثانية بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات وسورة القدر
كذلك وآية الكرسي كذلك، ويستحب أن يصلى جماعة وأن يجهر فيها بالقراءة وأن يخطب
قبل الصلاة خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله وذكر
فضل هذا اليوم وما أمر الله به فيه من النص بالإمامة على أمير المؤمنين ع.
وأما صلاة يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب فاثنتا عشرة ركعة يقرأ في
كل ركعة منها بعد الحمد سورة يس.
وأما صلاة ليلة النصف من شعبان فأربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة
الإخلاص مائة مرة.
وأما صلاة أمير المؤمنين ع فأربع ركعات في كل ركعة بعد الحمد سورة
567

الإخلاص خمسين مرة.
وأما صلاة جعفر ع وتسمى صلاة الحبوة وصلاة التسبيح فأربع ركعات يقرأ
في الأولى منها بعد الحمد إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر الله
والفتح وفي الرابعة سورة الإخلاص، ويقول في كل ركعة بعد القراءة: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة وفي الركوع عشر مرات وكذا بعد رفع الرأس منه
وكذا في كل سجدة وبعد رفع الرأس منها، ويسلم في كل ركعتين وذلك هو المشروع في
النوافل كما ذكرناه أولا.
وأما صلاة الزهراء ع فركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة القدر مائة مرة
وفي الثانية سورة الإخلاص مائة مرة.
وأما صلاة الإحرام فست ركعات ويجزئ ركعتان يفتتحهما بالتوجه ويقرأ في الأولى بعد
الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، ووقتها حين يريد الإحرام أي وقت
كان من ليل أو نهار وأفضل أوقاتها بعد صلاة الظهر.
وأما صلاة الزيارة للنبي ص أو لأحد الأئمة ع فركعتان
عند الرأس بعد الفراع من الزيارة، فإن أراد الانسان الزيارة لأحدهم وهو مقيم في بلده قدم
الصلاة ثم زار عقيبها، ويصلى الزائر لأمير المؤمنين ع ست ركعات: ركعتان له
وأربع لآدم ونوح ع لأنه مدفون عندهما.
وأما صلاة الاستخارة فركعتان يقول الانسان بعدهما وهو ساجد: أستخير الله، مائة
مرة، اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستهديك بقدرتك إنك تعلم ولا أعلم وأنت علام
الغيوب فصل على محمد وآله وخر لي في كذا وكذا ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة
لأجلها.
وأما صلاة الحاجة يستحب أن يصام لها الأربعاء والخميس والجمعة، ويغتسل من
يريد صلاتها ويلبس أجمل ما له من الثياب ويصعد إلى سطح داره أو غيره من الأماكن
المنكشفة فيصلي ركعتين يبتهل بعدهما إلى الله تعالى في نجاح حاجته، فإذا قضيت صلى
ركعتين صلاة الشكر ويقول في ركوعه وسجوده فيهما: الحمد لله شكرا شكرا لله، ويقول
568

بعد التسليم: الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي، ويسجد ويقول وهو ساجد:
شكرا شكرا مائة مرة.
وأما صلاة الاستسقاء فركعتان كصلاة العيد يقنت بين التكبير بما يفتتح من الدعاء
فإذا فرع الإمام من الصلاة صعد المنبر فخطب خطبة يحث الناس فيها بعد حمد الله تعالى
والثناء عليه والصلاة على محمد وآله على التوبة وفعل الخير، ويحذر الإقامة على المعاصي
ويعلم أن ذلك سبب القحط، فإذا فرع من الخطبة حول ما على منكبه الأيمن من الرداء إلى
الأيسر وما على الأيسر إلى الأيمن ثم استقبل القبلة فكبر مائة مرة رافعا بها صوته والناس معه،
ثم حول وجهه إلى يمينه فسبح مائة مرة والناس معه ثم حول وجهه إلى يساره فحمد الله مائة
مرة والناس معه ثم حول وجهه إلى القبلة ويسأل الله تعالى تعجيل الغيث ويؤمن الناس
على دعائه. ويستحب لهذه الصلاة صيام ثلاثة أيام وخروج إمام الصلاة ومؤذنيه وكافة
أهل البلد معه إلى ظاهره على هيئة الخروج إلى صلاة العيد، ولا تصلي في مسجد إلا أن
يكون بمكة.
وأما صلاة تحية المسجد فركعتان يقدمها داخله تحية له قبل شروعه فيما يريده من عبادة
أو غيرها وذلك كله بالإجماع الماضي ذكره، ويعارض المخالف في صلاة الاستسقاء بما روي
من طرقهم عن أبي هريرة: أن رسول الله ص خرج يوما يستسقي فصلى
ركعتين، وعن عبد الله بن زيد الأنصاري: أن النبي ص خرج يستسقي
فصلى ركعتين وجهر بالقراءة وحول رداءه.
فصل: فيما يقطع الصلاة ويوجب إعادتها:
تجب إعادة الصلاة على من تعمد ترك شئ مما يجب فعله فيها أو فعل شئ مما يجب
تركه وقد قدمنا ذكره بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، ويجب إعادتها على من
سها فصلى بغير طهارة أو قبل دخول الوقت أو مستدبر القبلة أو فيما لا يجوز الصلاة فيه
ولا عليه من النجس أو المغصوب بدليل ما قدمناه، فإن لم يتقدم له علم بالنجاسة
والغصب فصلى ثم علم بذلك والوقت باق لزمته الإعادة ولم تلزمه بعد خروجه، وهكذا
569

حكم من سها فصلى إلى يمين القبلة أو شمالها بدليل الاجماع الماضي ذكره. وتلزم الإعادة لمن
سها عن النية أو تكبيرة الإحرام أو عن الركوع حتى يسجد أو عن سجدتين من ركعة ولم
يذكر حتى رفع رأسه من الركعة الأخرى، أو سها فزاد ركعة أو سجدة أو سها فنقص ركعة
أو أكثر منها ولم يذكر حتى استدبر القبلة أو تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة كل ذلك بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وتجب الإعادة على من شك في الركعتين الأوليين من
كل رباعية، وفي صلاة المغرب والغداة وصلاة السفر فلم يدر أو واحدة صلى أم اثنتين أم
ثلاثا غلب في ظنه شئ من ذلك بدليل ما تقدم.
فصل: فيما يتعلق بالصلاة من الأحكام:
اعلم أن أكثر ذلك ومعظمه قد ذكرنا فيما تقدم من الفصول ولم يبق إلا أحكام
السهو فيما ونحن نبين ذلك فنقول: هو فيها على ضروب خمسة، أو لها
يوجب الإعادة وثانيها يوجب الاحتياط وثالثها يوجب التلافي ورابعها يوجب الجبران بسجدتي السهو وخامسها:
لا حكم له.
فأما ما يوجب الإعادة فقد بيناه في الفصل الذي قبل هذا الفصل.
وأما ما يوجب الاحتياط فهو أن يشك في الركعتين الأخريين من كل رباعية فإنه يبني
على الأكثر ويجبر النقصان بعد التسليم مثال ذلك أن يشك بين اثنتين وثلاث أو بين ثلاث
وأربع أو بين اثنتين وثلاث وأربع فإنه يبني في الصورة الأولى على الثلاث ويتمم الصلاة
فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس يقومان مقام ركعة، فإن كان ما صلاه
ثلاثا كان ما جبر به نافلة وإن كان اثنتين كان ذلك جبرانا لصلاته، وكذلك يصنع في
الصورة الثانية ويصلى في الصورة الثالثة بعد التسليم ركعتين من قيام وركعتين من
جلوس ويدل على ذلك الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط لأنه إذا يبني على الأقل على
قول المخالف لم يأمن أن يكون قد صلى الأكثر فتفسد صلاته بالزيادة فيها، فإن قيل: وكذا
إذا بنى على الأكثر لا يأمن أن يكون قد فعل الأقل وما يفعله من الجبران غير نافع لأنه
منفصل من الصلاة وبعد الخروج منها؟ قلنا: تقديم السلام في غير موضعه لا يجري في
570

إفساد الصلاة مجرى زيادة ركعة أو ركعتين لأن العلم بأن الزيادة تفسد الصلاة على كل
حال، وليس كذلك العلم بتقديم السلام فكان الاحتياط فيما ذهبنا إليه على ما قلناه.
وأما ما يوجب التلافي فإن يسهو عن قراءة الحمد ويقرأ سورة غيرها فيلزمه قبل
الركوع أن يتلافى بترتيب القراءة، وكذا إن سها عن قراءة السورة وكذا إن سها عن
تسبيح الركوع والسجود قبل رفع رأسه منهما، وكذا إن شك في الركوع وهو قائم تلافاه، فإن
ذكر وهو راكع أنه قد كان ركع أرسل نفسه إلى السجود ولم يرفع رأسه، وكذا الحكم إن شك
في سجدة أو سجدتين فذكر ذلك قبل أن يركع أو ينصرف أو يتكلم بما لا يجوز مثله في
الصلاة وكذا إن شك في التشهد كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.
وأما ما يوجب الجبران فإن يسهو عن سجدة واحدة ويذكرها وقد ركع فإنه يلزمه مع
قضائها بعد التسليم سجدتا السهو وكذا الحكم في السهو عن التشهد، ويلزم الجبران
بسجدتي السهو لمن قام في موضع جلوس أو جلس في موضع قيام ولمن شك بين الأربع
والخمس ولم سلم في غير موضعه ولم تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ناسيا كل ذلك
بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، ويعارض من قال من المخالفين بأن كلام
الساهي يبطل الصلاة بما روي من طرقهم من قوله ص: رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، لأن المراد رفع الحكم لا رفع الفعل وذلك عام في جميع
الأحكام إلا ما خصه الدليل، ولقوله ص: فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا
أو يجد ريحا، ولم يذكر الكلام، ولو كان حدثا يقطع الصلاة لذكره.
وسجدتا السهو بعد التسليم ليس فيهما قراءة ولا ركوع بل يقول في كل واحدة منهما:
بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد، ويتشهد تشهدا خفيفا ويسلم. ويعارض
من قال أنهما قبل التسليم بما روي من طرقهم من قوله: إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر
الصواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتين، وفي خبر آخر: من شك في صلاته فليسجد سجدتين
بعد ما يسلم.
وأما ما لا حكم له فهو أن يشك في فعل وقد انتقل إلى غيره مثل أن يشك في تكبيرة
الإحرام وهو في القراءة أو في القراءة وهو في الركوع، أو في الركوع وهو في السجود أو في
571

السجود وهو في حال القراءة أو في التشهد وهو كذلك، أو في تسبيح الركوع أو في السجود بعد
رفع رأسه منهما، ولا حكم للسهو الكثير المتواتر، ولا حكم له في النافلة ولا في جبران السهو
بدليل الاجماع الماضي ذكره.
572

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
573

فصل: في بيان أعداد الصلوات:
والصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس في الحضر والسفر إلا أن عدد ركعات
السفر ناقص عن ركعات الحضر، فصلاة الحضر سبع عشرة ركعة وصلاة السفر إحدى
عشرة ركعة. فالظهر أربع ركعات بتشهدين وتسليمة والعصر والعشاء الآخرة كذلك
والمغرب ثلاث ركعات بتشهدين وتسليمة والغداة ركعتان بتشهد وتسليمة. وظهر السفر
ركعتان بتشهد وتسليمة والعصر والعشاء الآخر كذلك والمغرب والغداة في السفر
والحضر سواء.
ونوافل الحضر أربع وثلاثون ركعة: ثمان بعد الزوال قبل الفريضة وثمان بعدها
وتسقطان في السفر، ونوافل المغرب أربع ركعات في الحضر والسفر، ونوافل العشاء
الآخرة ركعتان من جلوس تعدان بركعة في الحضر دون السفر وتسمى الوتيرة، ونوافل
الليل إحدى عشرة ركعة في الحالين معا، ونوافل الغداة ركعتان في الحالين كل ركعتين من
الجميع بتشهد وتسليمة، وعلى هذا تكون نوافل السفر سبع عشرة ركعة.
575

فصل: في بيان أوقات الصلاة:
لكل صلاة فريضة وقت يفضل عنها وله أول وآخر. فالأول وقت من لا عذر له والآخر
وقت من له عذر. وإيقاع الصلاة في وقتها أداء سواء كان في أول الوقت أو في آخره إلا أن
أول الوقت له فضل وبعد خروج الوقت يكون قضاء، ولا يجوز إيقاعها قبل دخول الوقت.
ثم الصلاة ضربان: إما يكون له وقت يفوت أداؤها بفواته أو لا يكون له ذلك. فإن
كان، لم يخل: إما يلزم قضاؤها أو لا يلزم قضاؤها وهي صلاة العيد والصلاة على الموتى.
وما يلزم قضاؤها ضربان: أحدهما يكون القضاء مثله في العدد أو يكون زائدا عليه مثل
صلاة الجمعة فإنها ركعتان، فإذا فاتت لزم قضاؤها أربع ركعات.
وما يكون القضاء مثل المقتضي ضربان: أحدهما يجب القضاء مع الغسل مثل صلاة
الكسوف إذا احترق القرص كله وتركها صاحبها متعمدا، والآخر لا يجب مع القضاء
الغسل، وهو ضربان: أحدهما يجب عند سبب مثل صلاة الآيات والآخر يجب بدون سبب،
وهو ضربان: أحدهما يكون مقصورا مثل صلاة السفر والخوف، والآخر ضربان:
وهو ما يكون له بدل من التسبيح مثل صلاة المطاردة والآخر لا يكون له بدل وهو ما عدا
ما ذكرناه.
وأوقات الصلاة المفروضات تنقسم ثلاثة أقسام: أما أن يكون الوقت وفقا للعمل
مثل صلاة الكسوف والخسوف فإنه يجب أن يبتدئ بالصلاة إذا ابتدأ الاحتراق
بالقرص، ويستحب أن يقف فيها حتى يبتدئ في الانجلاء. وأما يكون الوقت فاضلا عنه
مثل الصلوات الخمس. وأما يكون ناقصا عنه وهو الصلاة للرياح السود والزلازل،
فإنه يجب أن يبتدئ بالصلاة إذا ظهر السبب، وربما ينجلي قبل الفراع منها، فإذا انجلى
قبل الفراع أتم صلاته وكانت أداء، فإن لم يبتدئ بالصلاة حالة الظهور وانجلى قبل
الشروع فيها كانت الصلاة قضاء.
وأما الأعذار التي يجوز لها تأخير الصلاة إلى آخر الوقت فأربعة: السفر والمطر
والمرض وشغل تركه يضر به في دينه أو دنياه.
فأما أول وقت الظهر فزوال الشمس وآخره للمختار أن يصير ظل كل شئ مثله
576

سوى ظل الزوال، ولصاحب العذر أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار ما يصلى فيه
ثماني ركعات، وروي أن وقت المختار أيضا ممتد مثل وقت صاحب العذر.
وأول وقت العصر عند ما مضى من الزوال مقدار ما يصلى فيه فرض الظهر ثم هو
وقت الصلاتين إلا أن الظهر مقدم على العصر إلى أن يمضى وقت الظهر للمختار ثم خلص
الوقت للعصر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه، ولصاحب العذر إلى أن يبقى من النهار
مقدار ما يصلى فيه العصر.
ووقت المغرب غروب الشمس وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق إلى غروب
الشفق للمختار وإلى ربع الليل لصاحب العذر.
وأول وقت العشاء الآخرة بعد الفراع من فريضة المغرب، وروي بعد غيبوبة الشفق،
وآخره ثلث الليل للمختار ونصفه لصاحب العذر.
وأول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني وآخره للمختار ظهور الحمرة من ناحية
المشرق، ولصاحب العذر إلى أن يبقى إلى طلوع الشمس مقدار ما يصلى فيه ركعتان.
وروي أن وقت المختار وصاحب العذر واحد في جميع الصلوات.
ووقت نوافل الظهر من غير يوم الجمعة بعد زوال الشمس إلى أن يصير الفئ على
قدمين، ووقت نوافل العصر بعد الفراع من فريضة الظهر إلى أن يصير الفئ على أربعة
أقدام، ووقت نوافل المغرب، بعد الفراع من فريضته إلى سقوط الشفق، ووقت الوتيرة بعد
الفراع من فريضة العشاء ما لم يرد أن يصلى بعدها صلاة، فإن أراد أن يصلى بعدها صلاة
أخرها إلى أن يفرع منها ثم يختم بها الصلاة، ووقت نوافل الليل بعد انتصاف الليل إلى
طلوع الفجر، وكلما قارب الفجر كان أفضل ووقت ركعتي الغداة بعد الفراع من صلاة
الليل إلى ظهور الحمرة من ناحية من المشرق.
وترتيب نوافل الظهر والعصر يوم الجمعة يخالف ترتيبها في سائر الأيام، ويستحب أن
يصلى يوم الجمعة ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قريبا من
الزوال وركعتي الزوال، وإن صلى الست الثالثة بين الظهر والعصر أو أخر إلى بعد الفراع
من العصر جاز.
577

وأما قضاء الفرائض فلم يمنعه وقت إلا عند تضيق وقت الصلاة الفريضة الحاضر
وقتها، وهو ضربان: إما فاتته نسيانا أو تركها قصدا واعتمادا. فإن فاتته نسيانا وذكرها
فوقتها حين يذكرها إلا عند تضيق وقت الفريضة فإن ذكرها وهو في صلاة فريضة عدل
بنيتها إلى القضاء ما لم يتضيق وقت الحاضرة، وإن تركها قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء
إلى آخر وقت الحاضرة وإن قدم الحاضر وقتها على القضاء كان أفضل وإن لم يشتغل
بالقضاء وأخر الأداء إلى آخر الوقت كان مخطئا.
وإذا ظن المصلي دخول وقت صلاة فدخل فيها فحضر وقتها مصليا أجزأت فإن
فرع منها قبل دخول وقتها أعاد، ويجوز الإبراد بالظهر قليلا في بلد شديد الحر لمن أراد أن
يصلى جماعة خمس صلوات - تصلي في كل وقت ما لم يكن وقت فريضة حاضرة أو لم
يتضيق وقتها - أولها صلاة الإحرام وثانيها ركعتا الطواف وثالثها صلاة الكسوف، فهذه
الثلاث يجوز الشروع فيها أو يجب ما لم يدخل وقت فريضة حاضرة، ورابعها قضاء
الفرائض وقد ذكرنا حكمها وخامسها صلاة الجنائز فإنه يلزم الصلاة عليها ما لم يتضيق
وقت الحاضرة.
وأما قضاء النوافل فمستحب ما لم يكن وقت فريضة أو لم يلزمه قضاء فريضة،
ويستحب قضاء ما فات ليلا بالنهار وما فات نهارا بالليل ويجوز أن يقضي عدة أوتار بليل
واحد، فإن عجز عن قضاء النوافل وقدر على الكفارة تصدق عن كل صلاة نافلة بمد من
طعام فإن لم يقدر فعن نوافل كل يوم.
والأوقات التي يكره ابتداء النوافل فيها خمسة: بعد فريضة الغداة إلى أن تطلع
الشمس وعند طلوعها وعند قيامها نصف النهار - إلا يوم الجمعة صلاة ركعتي الزوال -
وبعد فريضة العصر وعند غروبها.
فصل: في بيان القبلة:
القبلة ضربان: قبلة مختار وقبلة مضطر.
فقبلة المختار: الكعبة لمن هو في المسجد الحرام مشاهدا لها أو في حكم المشاهد ولمن
578

لا تلتبس عليه جهتها وإن كان خارجا من المسجد، والمسجد الحرام لمن هو من أهل الحرم
ومشاهده أو كان في حكم المشاهد، والحرم لمن نأى عن الحرم.
والناس يتوجهون إلى القبلة من أربع جهات: فالركن العراقي لأهل العراق والشامي
لأهل الشام والغربي لأهل الغرب واليماني لأهل اليمن، وعلى أهل العراق خاصة
التياسر قليلا.
والمصلي ضربان: حاضر الحرم وغائبه. فالحاضر يعرف القبلة بالمشاهدة. والغائب
بأحد أربعة أشياء: بالخبر الموجب للعلم وبأن ينصب النبي ص أو أحد من
الأئمة ع قبلة وبأن يصلى إليها أو بالعلامات المعروفة لها.
فعلامات أهل العراق أربع: الشمس والشفق والجدي والفجر فإذا كان الشمس عند
الزوال على الحاجب الأيمن والشفق بحذاء المنكب الأيمن والجدي خلف المنكب الأيمن
والفجر بحذاء المنكب الأيسر، حصل التوجه إلى القبلة.
وعلامات أهل الشام ست: بنات نعش والجدي وموضع مغيب سهيل وطلوعه
والصبا والشمال، فإذا كانت بنات نعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى والجدي خلف
الكتف اليسرى إذا طلع وموضع مغيب سهيل على العين اليمنى وطلوعه بين العينين
والصبا على الخد الأيسر والشمال على الكتف اليمنى كان مستقبلا إلى القبلة.
وعلامات أهل الغرب ثلاث: الثريا والعيوق والجدي، فإذا كان الثريا على يمينه
والعيوق على شماله والجدي على صفحة خده الأيسر فقد استقبل القبلة.
وعلامات أهل اليمن ثلاث: الجدي وسهيل والجنوب، فإذا كان الجدي وقت طلوعه
بين عينيه وسهيل حين يغيب بين كتفيه والجنوب على مرجع كتفه اليمنى فقد توجه إلى
القبلة.
والمضطر ضربان: إما اشتبه عليه القبلة لفقد علاماتها، أو لم يمكنه التوجه إليها:
لحصوله في سفينة تدور به أو على راحلة في السفر ولم يمكنه النزول عنه أو في مطاردة ولا يمكنه
الثبوت فيها.
فالأول: يصلى إلى أربع جهات مع الاختيار وإلى جهة غلبت على ظنه في حال
579

الضرورة.
والثاني: إن أمكنه أن يدور مع السفينة دار، فإن لم يمكنه استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام
وصلى إلى صدر السفينة. والثالث: لا يجوز للمفترض مختارا ويجوز حالة الضرورة. فإن
أمكنه الاستقبال في جميع الأحوال لزم وإن لم يمكنه استقبل بتكبيرة الإحرام ثم صلى كيف
أمكن ويجوز للمتنفل مختارا، والتوجه إلى القبلة في جميع الأحوال أفضل إذا أمكن. وإن
استقبل بتكبيرة الإحرام مختارا وصلى الباقي حيث توجهت به الراحلة جاز. والرابع:
يصلى كيف شاء وإن استقبل بتكبيرة الإحرام كان أفضل.
فصل: في بيان ما يجوز فيه الصلاة:
اللباس ثلاثة أضرب: إما تجوز فيه الصلاة أو تكره أو لا تجوز فيه.
فالأول عشرة أشياء: القطن والكتان وكلما ينبت من الأرض من أنواع الحشيش
والنبات وجلود ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى وصوف كل ما يؤكل لحمه وشعره ووبره إذا لم
يكن منتوفا عن حي أو ميت والحواصل الخوارزمي والخز الخالص وما كان مخلوطا من ذلك
بالقز والإبريسم. وإنما تجوز الصلاة في ذلك بشرطين: جواز التصرف فيه - إما بالملك
أو الإباحة -، وكونه طاهرا من النجاسة.
والثاني أحد عشر شيئا: الثياب السود - سوى العمامة - والثوب الشاف والسنجاب
وما يكون فوق جلد الثعلب والأرنب أو تحته يابسين والحرير المحض للنساء والعمامة إذا لم
يكن لها حنك وشد الإزار فوق القميص والقميص المكفوف بالحرير المحض والثياب
المنقوشة بالتماثيل - وروي حظر ذلك -، واشتمال الصماء وهو أن يلتحف بالإزار ويدخل
طرفيه تحت يد واحدة ويطرحهما على منكب واحد مثل اليهود.
والثالث خمسة عشر شيئا: الثوب المغصوب مع العلم به مختارا والثوب النجس
والحرير المحض للرجال - إلا في حال الحرب -، والصوف والشعر والوبر إذا نتفت من
الحي أو الميت وإن كانت مما يؤكل لحمه وجلود الميتة وإن كانت مدبوغة وجلود السباع وإن
كانت مذكاة وشعورها والفنك والسمور - إلا حالة الاضطرار -، والخز المغشوش بوبر
580

الأرنب والثعلب والثوب المخلوط بذلك والقباء المشدود - إلا في حال الحرب -، واللثام في
موضع السجود واللثام إذا منع القراءة.
وأما ما لا تتم الصلاة فيه منفردا فضربان: أحدهما تكره فيه الصلاة، وهو سبعة
أشياء: التكة والجورب والقلنسوة المتخذة من شعر الثعلب والأرنب، والشمشك والنعل
السندية والتكة والجورب إذا لحقتهما نجاسة، وروي أن الصلاة محظورة في النعل السندية
والشمشك. والآخر لا تكره فيه الصلاة، وهو خمسة أشياء: الخفان والجرموقان إذا كان لهما
ساق والتكة، والقلنسوة والجورب من غير ما ذكرناه.
فصل: في بيان ستر العورة:
عورة الرجال من السرة إلى الركبة، ويجب منها ستر السوءتين ويستحب ما بقي
والركبة داخلة فيها. وعورة النساء جميع البدن، ويجب عليها ستره إلا موضع السجود إذا
كانت حرة بالغة. والصبية والأمة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة المشروطة يجب عليهن ستر
ما سوى الرأس ويستحب لهن ستره. ويستحب للرجل الصلاة في إزار صفيق ورداء
أو قميص ورداء، وللمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: مقنعة وقميص ودرع.
فصل: في بيان ما تجوز الصلاة عليه من المكان:
تجوز الصلاة في كل مكان والوقوف فيه لها ما لم يمنع مانع من صحة الصلاة فيه أو لم
يعرض ما يكره فيه الصلاة له مما يمنع، فما يمنع من صحة الصلاة ثلاثة أشياء: كونه
مغصوبا أو نجسا بحيث تتعدى إليه النجاسة أو بجنبه أو قدامه تصلي امرأة.
والأمكنة التي تكره الصلاة فيها تسعة وعشرون: بيوت الغائط والأرض الوحلة
وحياض الماء - وتكون الصلاة فيهما بالإيماء إذا اضطر إلى الصلاة فيها -، وبيوت النيران
وبيوت المجوس اختيارا - وإن اضطر إلى ذلك رش الموضع أولا بالماء -، والحمام ومعطن
الإبل وقرى النمل وبطن الوادي والأرض الرملة والسبخة إذا لم يمكن السجود عليها
وبيوت الخمر وجواد الطرق دون الظواهر وكل موضع بين يديه صور وتماثيل غير
581

مغطاة أو نار في مجمرة أو قنديل معلق أو سلاح مشهر مختارا أو امرأة جالسة أو مصحف
مفتوح يشتغل المصلي بالنظر فيه أو حائط تنز قبلته من بالوعة يبال فيها، ومرابط الدواب
والحمير والبغال مختارا وبيت فيه مجوسي مختارا ووادي ضجنان والبيداء ووادي الشقرة
وذات الصلاصل والمقابر - إلا إذا كان بين القبر وبين المصلي عن قدامه ويمينه ويساره
عشر أذرع -، إلا عند قبور الأئمة ع فإنه يستحب الصلاة فيها ما لم يكن إلى
القبور، والفريضة في جوف الكعبة دون النافلة فإنها تستحب.
فصل: في بيان ما يجوز السجود عليه:
الأرض كلها مسجد يجوز السجود عليها وعلى كل ما ينبت منها مما لا يؤكل ولا يلبس
بالعادة إلا الحصر المعمولة بالسيور الظاهرة، إذا اجتمع فيه شرطان: الملك أو حكمه وكونه
خاليا من النجاسة.
وما يسجد عليه أربعة أقسام: إما يستحب أو يحرم أو يكره أو يكون السجود عليه مطلقا.
فالأول شيئان: الألواح من التربة وخشب قبور الأئمة ع إن وجد ولم يتق.
والثاني: ما سوى الأرض وما ينبت منها ما ذكرناه مختارا. والثالث: ما مسته النار من الآجر
والخزف والقرطاس المكتوب إذا أبصره وأحسن القراءة. والرابع: الأرض والحجر
والحصى وما ينبت منها مما ذكرناه.
فصل: في بيان الأذان والإقامة:
الفصل يحتاج إلى بيان الصلاة التي فيها الأذان والإقامة والصلاة التي لا أذان لها
ولا إقامة، ومن عليه أن يؤذن ويقيم لصلاته وكيفية الأذان والإقامة ومن له أن يؤذن للناس،
وشرائطهما.
فالأول: الصلوات الخمس فإنهما مندوب إليهما الرجال وأشدهما تأكيدا ما يجهر فيه
بالقراءة وهما أوكد في صلاة الغداة، والمغرب منهما في غيرهما، وواجبان في صلاة الجماعة.
والثاني: ما عدا الصلوات الخمس. والثالث: الرجال دون النساء وإنما عليهن أن يتشهدن
582

الشهادتين وإن أذن وأقمن وأخفتن كان في ذلك فضل. والرابع: أن يكبر في أول الأذان
أربع تكبيرات ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين وأشهد أن محمدا رسول الله دفعتين
ويدعو إلى الصلاة دفعتين وإلى الفلاح مرتين وإلى خير العمل مرتين ويكبر مرتين ويهلل
مرتين. والإقامة مثله إلا أنه ينقص من أولها التكبير مرتين ومن آخرها التهليل دفعة ويزاد
قبل التكبير في آخرها " قد قامت الصلاة دفعتين "، فجميع فصولهما خمسة وثلاثون
فصلا، وقد روي أكثر من ذلك والعمل على ما ذكرنا. والخامس: ينبغي أن يكون المؤذن قد
اجتمع فيه ست خصال: العدالة والأمانة والمعرفة بالوقت والاضطلاع بالعمل وجهارة
الصوت وحسنه استحبابا، و يجوز أن يؤذن ويقيم الصبي ويكره أن يؤذن الأعمى إلا أن
يسدده غيره. والسادس: يشتمل على الواجب والمندوب والمحظور والمكروه.
فالواجب شئ واحد وهو الترتيب.
والمندوب في الأذان ثمانية: كونه متطهرا والقيام واستقبال القبلة والترتيل وترك
إعراب أواخر الفصول والإفصاح بالحروف ورفع الصوت به على المأذنة، وفي البيت
لنفي الأسقام عنه. وفي الإقامة كذلك إلا أن استقبال القبلة فيها واجب والحدر مندوب إليه
بدل الترتيل.
والمحظور ثلاثة: التثويب وقول: الصلاة خير من النوم في أذان الغداة - إلا إذا أراد
تنبيه قوم -، والكلام في خلال الإقامة بعد قوله: قد قامت الصلاة، إلا فيما يتعلق بالصلاة
من تقديم الإمام أو تسوية الصف.
والمكروه خمسة: الكلام في خلالهما - إلا ما ذكرنا -، وأن يؤذن أو يقيم ماشيا أو راكبا
والالتواء بالبدن عن القبلة في حال الأذان والتأذين في الصومعة.
ومن شرط صحتهما دخول الوقت إلا في صلاة الغداة، فإنه يجوز تقديم الأذان فيها على
الوقت ويستحب إعادته بعد دخول الوقت ويستحب فيه الفصل بين الأذان والإقامة
بسجدة أو جلسة أو خطوة وإتمام ما نقص المؤذن من فصولها في النفس وإعادة ما يسمع من
الأذان في النفس، ويجوز الاقتصار على مرة مرة حالة الضرورات.
583

فصل: في بيان ما يقارن حال الصلاة:
الصلاة تشتمل على أفعال وكيفيات وتروك. والفعل على واجب ومندوب،
والكيفية كذلك. والترك على المحظور والمكروه. والمحظور على ما يقطع الصلاة في كل
حال أو في حال دون حال.
والفعل الواجب ثلاثة أضرب: ركن وغير ركن ومختلف فيه. فالركن ستة أشياء:
القيام مع القدرة واستقبال القبلة مختارا والنية وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود. وغير الركن
المتفق على وجوبه تسعة أشياء: قراءة الحمد وسورة معها في الفرض مع القدرة والاختيار
وتسبيحة في الركوع ورفع الرأس منه والهوى إلى السجود وتسبيحة فيه ورفع الرأس منه
والعود إلى السجدة الثانية و تسبيحة فيها ورفع الرأس منها. والمختلف فيه اثنا عشر شيئا:
رفع اليدين بتكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع ورفع اليدين بها وتكبيرة السجدة الأولى ورفع
اليدين بها وتكبيرة رفع الرأس منها ورفع اليدين بها وتكبيرة السجدة الثانية ورفع اليدين
بها وتكبيرة رفع الرأس فيها ورفع اليدين بها وجلسة الاستراحة إذا أراد القيام إلى الثانية.
والكيفية ستة عشر شيئا: مقارنة النية للتحريمة واستدامة حكمها إلى عند الفراع
والتلفظ بالله أكبر والتسمية في أول الفاتحة وفي أول كل سورة يقرأ معها ووضع الحروف
مواضعها مع الإمكان في القراءة والجهر بالقراءة فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت فيه والابتداء
بالحمد ثم بالسورة والترتيب في الصلاة والطمأنينة في الركوع وفي الانتصاب منه، وفي
السجدة الأولى وفي الانتصاب منها وفي السجدة الثانية والسجود على سبعة أعظم - الجبهة
واليدين والركبتين وأصابع الرجلين -، واستقبال القبلة بأصابع الرجلين.
والمندوب ضربان: فعل وكيفية.
فالفعل أربعة وثلاثون: الإقبال على الصلاة والخشوع والإخلاص والدعاء بالمأثور
بعد الإقامة والتوجه بسبع تكبيرات - واحدة منها تكبيرة الإحرام وثلاثة أدعية بينها -،
والاستعاذة قبل قراءة الحمد والترتيل في القراءة والفصل بين السورتين بسكتة خفيفة
وبين السورة والركوع، وقول ما زاد على تسبيحة واحدة في الركوع من التسبيح والدعاء
وقول سمع الله لمن حمده عند رفع الرأس منه والدعاء بعده وقول ما زاد على تسبيحة واحدة
584

في السجدة الأولى من التسبيح والدعاء ومثل ذلك في الثانية والإرغام بالأنف فيهما والدعاء
بينهما، أو النظر في حال القيام إلى موضع السجود وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه وإغماض
عينيه وفي السجود إلى طرف أنفه وفي جلوسه إلى حجره ووضع يديه على فخذيه بحذاء
عيني ركبتيه في حال القيام وعلى ركبتيه في حال الركوع وبحذاء أذنيه على الأرض في حال
السجود وعلى فخذيه في حال الجلوس وتلقي الأرض باليدين إذا هوى إلى السجود
والانكباب على يديه حالة النهوض والدعاء حالة القيام.
والكيفية عشرون شيئا: رفع اليدين إلى حذاء شحمتي أذنيه مع كل تكبيرة وتقريب
إحدى القدمين من الأخرى بحيث يكون بينهما أربع أصابع مفرجات إلى شبر للرجل،
والمرأة لا تفرج بين قدميها وتضع في حال القيام يديها على ثدييها، وأن يملأ الكفين من
الركبتين مفرجة الأصابع ويرد ركبتيه إلى خلف ويسوي ظهره ويمد عنقه والتأني في القراءة،
والدعاء والتسبيح وقول: سمع الله لمن حمده إذا تمكن من القيام وتعمد الإعراب، والجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم فيما لا يجهر بالقراءة فيه في الموضعين والتخوي إذا استرسل
للسجود وبسط الكفين مضمومتي الأصابع حيال الوجه بين يدي الركبتين في السجود ورفع
الأعضاء بعضه عن بعض في السجود وكشف الثوب عن الكفين للرجال، والمرأة تضع
الأعضاء بعضها على بعض في السجود ولا ترفع عجيزتها ولا تكشف عن شئ من أعضائها
سوى الجبهة، والجلوس على الفخذ الأيسر ووضع ظاهر القدم اليمنى على باطن اليسرى
بين السجدتين، وإن قعد متربعا جاز. والمرأة لا تفرج بين قدميها وتضم ثدييها إلى الصدر
وتضع يديها فوق ركبتيها على فخذيها في الركوع، فإذا جلست فعلى أليتيها وإذا أرادت
السجود قعدت أولا ثم سجدت لاطئة بالأرض وإذا تشهدت ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها
من الأرض وإذا أرادت النهوض إلى الركعة الأخرى قامت على قدميها.
فأما الركعة الثانية فتسقط فيها من الواجبات خمسة أشياء: النية والمقارنة فيها
والتحريمة وكيفيتها وجلسة الاستراحة. ومن النفل عشرة أشياء: التكبيرات الست
والأدعية الثلاثة والاستعاذة.
وتزيد فيها من الواجبات ثمانية أشياء: الجلوس للتشهد والطمأنينة فيه والشهادتان
585

والصلاة على النبي والصلاة على آله عليه وع والترتيب في ذلك على ما ذكرنا
والتسليم إن كانت الصلاة ثنائية. ومن النفل أيضا ثمانية أشياء: القنوت والدعاء المأثور
ورفع اليدين فيه - ومحله قبل الركوع وبعد القراءة - والتورك في التشهد على الفخذ الأيسر
ووضع اليدين على الفخذين مضمومتي الأصابع والنظر إلى الحجر والإيماء بالتسليم تجاه
القبلة إلى الجانب الأيمن للإمام والمنفرد ناويا به الخروج من الصلاة والإيماء به إلى اليمين
للمأموم وإلى اليسار أيضا إن كان على يساره غيره. وقال بعض الأصحاب: إن التسليم سنة
والصحيح ما ذكرناه فإن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية سلم بعد التشهد الأخير.
فأما الركعة الثالثة فيسقط فيها ما يسقط من الثانية وقراءة ما زاد على الحمد ولا يزيد
فيها شئ إن كانت الصلاة رباعية، وإن كانت ثلاثية زاد فيها ما يزيد في الثانية سوى
القنوت وإن كانت الصلاة رباعية يسقط منها ما يسقط من الثالثة وزاد فيها ما يزيد في
الثانية سوى القنوت.
وأما التروك التي تقطع الصلاة في كل حال فثمانية أشياء: البول والغائط والجنابة
والريح والنوم ومس الميت من الناس على ما ذكرنا والسجود على كور العمامة وعلى موضع
ارتفع عن موضع القيام بأكثر من حجم المخدة لمن قدر على السجود على الأرض.
وما تقطع في حال دون حال فتسعة أشياء: العمل الكثير مما ليس من أفعال الصلاة
وكتف اليدين وقول آمين في آخر الحمد والالتفات إلى ما ورائه والقهقهة والبكاء لأمر دنيوي
والأنين بحرفين والتأفف بحرفين والتكلم بما ليس من الصلاة، فإن حصل جميع ذلك
سهوا أو نسيانا أو تقية لم يقطع الصلاة، وإن حصل عمدا قطعها.
والمكروه تسعة عشر شيئا: تدلية الرأس في الركوع وأن يجعل ظهره فيه مثل أبزخ وأن
يجعل يده تحت ثوبه وأن يحدودب في السجود ويلصق البطن بالفخذ هذا للرجل. فأما
للمرأة فرفع العجيزة في الركوع والسجود والكشف عن غير الجبهة والالتفات إلى أحد
الجانبين والعبث بشئ من الأعضاء والبصق والتنخم والتأوه بحرف والتثاؤب والتمطي
وفرقعة الأصابع والإقعاء بين السجدتين وفي التشهد ومدافعة الأخبثين والنفخ في موضع
السجود إذا كان غيره بجنبه.
586

وأما ما يجوز له قطع الصلاة فثلاثة أشياء: دفع الضرر عن النفس وعن الغير وعن
المال إذا لم يمكن إلا بالقطع.
وما أبيح فعله في الصلاة فثمانية أشياء: العمل القليل مثل الإيماء وقتل المؤذيات من
الحية والعقرب وللتصفيق وضرب الحائط تنبيها على الحاجة وما لا يمكن التحرز منه
كازدراد ما يخرج من خلل الأسنان وقتل القمل والبرغوث وغسل ما أصاب الثوب من
الرعاف ما لم ينحرف عن القبلة أو لم يتكلم وحمد الله تعالى على العطاس ورد السلام بمثله.
ويستحب أن يعقب بعد التسليم بالدعاء المأثور وتسبيح الزهراء ع
ويسجد سجدة الشكر.
فصل: في بيان من ترك فعلا من أفعال الصلاة:
من ترك فعلا واجبا من أفعال الصلاة متعمدا بطلت صلاته وإن ترك ناسيا ولم
يذكر بعد ذلك لم يؤاخذ به، وإن ذكر وأمكن تلافيه تلافى وإن لم يمكن تلافيه وكان ركنا أعاد
الصلاة وإن كان غير ركن لم يعد وأتم صلاته. وإن ترك شيئا من مقدمات صلاته لم يخل:
إما تجب بسببه إعادة الصلاة أو لا تجب، فما تجب له إعادة الصلاة ستة أشياء:
أحدها: من ترك الطهارة وصلى، ثم ذكر أعاد الصلاة على كل حال بعد ما يتطهر.
وثانيها: وكذلك: حكم من ترك عضوا من أعضاء الطهارة. وثالثها: من صلى قبل
دخول الوقت ظنا منه بدخوله وفرع قبل دخوله أعاد الصلاة. ورابعها: من صلى وفي ثوبه
نجاسة وكان قد علم بها قبل. وخامسها: من صلى وعلى بدنه نجاسة كذلك. وسادسها:
من اشتبه عليه جهة القبلة فتحرى وصلى مستدبر القبلة ثم ظهر له ذلك.
وما لا تجب له إعادة الصلاة أربعة أشياء:
أحدها: من ظن دخول الوقت وصلى ثم دخل عليه الوقت مصليا. وثانيها: من صلى
وعلى ثوبه نجاسة وكان لم يعلم بها ثم علم بعد الفراع من الصلاة وقد مضى وقته.
وثالثها: من صلى وعلى بدنه نجاسة ولم يعلم بها كذلك. ورابعها: من تحري جهة القبلة
فاشتبهت عليه وصلى إلى جهة ثم ظهر له أنه قد صلى يمين إلى القبلة أو يسارها وقد مضى
587

الوقت، فإن علم ذلك وكان الوقت باقيا أعاد على كل حال. فصل: في بيان أحكام السهو:
إذا عرض للمصلي سهو في الصلاة وذكر أو غلب على ظنه ذلك لم يخل من أربعة
أوجه: إما يمكن تلافيه في الحال أو بعده أو لا يمكن تلافيه وتبطل به الصلاة أو لا تبطل، وإن
عرض له شك محض لم يخل من خمسة أوجه: إما يوجب إعادة الصلاة أو يوجب التلافي
أو لا يكون له حكم أو يوجب الاحتياط أو الجبران.
فالأول ثمانية أشياء: من نسي القراءة وذكر وهو قائم لم يركع قرأ، ومن نسي الركوع
وذكر قائما، ومن نسي السجدتين، أو واحدة منهما وذكر جالسا، ومن نسي التشهد الأول وذكر
جالسا، ومن نسي التشهد الثاني وذكر قبل التسليم ومن نسي تسبيح الركوع وذكر راكعا
أو تسبيح السجود وذكر جالسا.
والثاني أحد عشر شيئا: من قرأ السورة قبل الحمد ناسيا وذكر قبل الركوع قرأ الحمد
وأعاد السورة. ومن نسي الركوع في واحدة من الأخريين وذكر بعد السجود لم يعتد بالسجود
وقام وركع.
ومن ترك السجدتين في واحدة من الأخريين بعد الركوع لم يعتد به وبقيامه وقراءته
وجلس وسجد. ومن نسي التشهد الأول وذكر في حال القيام قبل الركوع رجع فتشهد وقام
وإن ذكر بعد الركوع مضى في صلاته وقضى بعد التسليم وجبر ذلك بسجدتي السهو. ومن
نسي سجدة واحدة وذكر قبل الركوع قائما أو بعده فحكمه حكم من نسي التشهد في
الحالين. ومن نسي سجدتين من الركعتين الأخريين وذكر بعد القيام فحكمه مثل حكم من
نسي سجدة واحدة إلا أنه يجب أن يسجد لكل سجدة إذا قضى بعد التسليم سجدتي
السهو. ومن جلس في الأولى من صلاة الغداة وتشهد وسلم ثم ذكر طرح جميع ذلك وقام
وأتم صلاته ما لم يحدث أو لم ينحرف عن القبلة أو لم يتكلم، وكذلك من سلم في الثانية من
المغرب. ويتفرع على بعض هذه المسائل مسائل أحدها: من نسي ركوعا واحدا وذكر بعد
السجود ولم يذكر موضعه أعاد الصلاة على قول من قال: كل سهو يلحق واحدة من
588

الأوليين يوجب الإعادة ولم يعد على القول الثاني. ومن نسي أربع سجدات من أربع ركعات
وذكر بعد التسليم أعاد على القول الأول وقضى على القول الثاني وسجد بعد ذلك سجدتي
السهو. وإن ترك ثلاثا، أو اثنتين، أو واحدة، فعلى ذلك.
والثالث تسعة أشياء: من ترك النية أو تكبير الإحرام وذكرا وركوعا في واحدة من
الأوليين وذكر بعد السجود أو السجدتين في واحدة منهما وذكر بعد الركوع أو نسي الركوع
أو السجدتين على ما ذكرنا من صلاة المغرب أو الغداة، ومن زاد ركوعا ومن زاد سجدتين
في واحدة منهما ومن نقص ركعة - أو ما زاد - بعد أن أحدث أو تكلم أو استدبر القبلة.
والرابع أربعة أشياء: من ترك القراءة، وذكر بعد الركوع، على قول من قال: إنها غير
ركن ومن قال: إنها ركن فهو يوجب الإعادة، ومن ترك تسبيحة الركوع أو السجود وذكر
بعد رفع الرأس أو التشهد الأول وذكر بعد الركوع من الثالثة.
والأول من الوجه الثاني تسعة أشياء: من شك في الركوع بعد الفراع من السجود في
واحدة من الأوليين أو في السجدتين في واحدة منهما بعد الركوع أو شك بين الاثنتين والثلاث
في صلاة الغداة أو بين الثلاث والأربع في المغرب أو شك في صلاة الغداة أو المغرب
أو السفر أو في الأوليين من الرباعيات أو شك ولم يدر كم صلى.
والثاني ثمانية أشياء: من شك في القراءة قبل الركوع أو في الركوع في واحدة من
الأخريين قائما فإن ذكر راكعا أنه قد ركع أرسل نفسه ولم يرفع رأسه فإن ذكر بعد الركوع
أعاد. وفي السجدتين معا من الأخريين فإن ذكر فيهما أنه قد سجد أعاد الصلاة، وفي
أصحابنا من جعل حكم الأوليين كذلك. أو في سجدة واحدة وهو جالس فإن ذكر بعد أنه
كان قد سجد لم يعد، أو في التشهد الأول جالسا أو في الثاني ولم يسلم بعد أو في تسبيح
الركوع راكعا أو السجود ساجدا.
والثالث تسعة أشياء: من شك في النية أو تكبيرة الإحرام حال القراءة أو في القراءة
حالة الركوع أو بعده أو في الركوع من أحدهما حالة السجود أو بعده أو في السجود منهما وقد
قام أو في التشهد الأول قائما أو في الثاني وقد سلم أو سها ثلاث مرات متواليات أو في سهو.
والرابع أربعة مواضع: من شك بين الثنتين والثلاث أو الأربع أو بين الثلاث والأربع أو بين
589

الثنتين والثلاث والأربع، فالأول والثالث: يبني على الأكثر ويتم الصلاة، فإذا سلم صلى
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. والثاني: يبني أيضا على الأكثر ويسلم ثم يقوم فيصلي
ركعتين بالحمد وحدها. والرابع: كذلك في البناء فإذا سلم قام وصلى ركعتين من قيام
وسلم ثم صلى ركعتين من جلوس.
والخامس سبعة أشياء: من تكلم في الصلاة ناسيا، ومن قام وكان من حقه القعود
أو قعد ومن حقه القيام أو شك بين الأربع والخمس ومن ذكر بعد الركوع أنه ترك التشهد
الأول وقضى بعد التسليم، ومن نسي سجدة واحدة وذكر بعد الركوع وقضى بعد التسليم،
أو سجدتين من الأخريين وقضاهما على ذلك وجبر جميع ذلك بسجدتي السهو، ومن سها
عنهما قضاهما إذا ذكر، وإن طال الزمان، وإن سها في صلاة واحدة بما يوجب الجبران
بسجدتي السهو أكثر من مرة واحدة سجد لكل مرة.
وإذا وقع سهو في صلاة الجماعة بما يوجب السهو للإمام والمأموم سجدوا جميعا سجدتي
السهو وإن سها أحدهما وذكره الآخر لم يجب وإن سها الإمام دون المأموم ولم يذكره وجب
السجدتان على الإمام ولزم المأموم متابعته احتياطا.
فجميع أحكام السهو على اختلافها تقع في اثنين وسبعين موضعا.
فصل: في بيان صلاة الجمعة:
المكلف في صلاة الجمعة أربعة أضرب: إما يجب عليه وتصح به ومنه، أو تجب عليه
ولا تصح به ولا منه، أو لا تجب عليه وتصح به ومنه، أو لا تجب عليه ولا تصح به وتصح
منه.
فالأول: من اجتمع فيه خمس خصال: الاسلام والذكورة والبلوع والحرية وكمال
العقل. وانتفى منه ست: المرض والعمى والعرج والشيخوخة بحيث لا حراك معها والسفر
الموجب للتقصير والبعد عن الموضع الذي تقام فيه الجمعة بمقدار فرسخين فصاعدا.
والثاني: الكافر.
والثالث أربعة: المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس فرسخين فصاعدا.
590

والرابع خمسة: المرأة والعبد والمسافر والصبي والمجنون.
ويحتاج في الانعقاد إلى أربعة شروط: حضور السلطان العادل أو من نصبه لذلك
وحضور سبعة نفر حتى تجب أو خمسة حتى تستحب ممن تجب عليهم وتصح بهم، وأن تكون
بين الجمعتين ثلاثة أميال فصاعدا وتخطب خطبتان تشتملان على أربعة أصناف: حمد الله
تعالى والصلاة على النبي ص ووعظ الناس وقراءة
سورة خفيفة من القرآن.
ويجب أن يراعي الإمام الذي يخطب أربعة أشياء: أن يخطب قائما مختارا وأن يكون
على طهر ويخطب خطبتين ويفصل بينهما بجلسة خفيفة. ويجتمع فيه تسعة شروط: الإيمان
والبلوع وكمال العقل والعدالة وصدق اللهجة والولادة من الحلال وإقامة الفراض في أول
الوقت والصحة من الجنون والجذام والبرص.
ويستحب أن يكون حاويا لأربع خصال: الفصاحة في الخطبة والبراءة من اللحن
والتعمم شاتيا كان أو قائظا والتردي ببرد يمني. ويحفظ أربعة أشياء: الجلوس دون الدرجة
العليا للاستراحة والصعود بسكينة ووقار والاعتماد في الصعود على سيف أو عكازة
أو قوس وترك الالتفات عن اليمين والشمال.
وتجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت الشمس وأن
يخطب قبل الزوال ويصلى بعده ركعتين، فإذا صعد أذن المؤذن مرة واحدة والزيادة عليها
بدعة.
ويستحب في الخطبة ستة أشياء: الاقتصار وأن يزيد الوعظ على الفريضة والترغيب
والترهيب والدعاء للأئمة ع وللمؤمنين والمؤمنات. ويحرم عليه وعلى من حضر
الكلام بين الخطبتين وخلالهما ويجب على من حضر الإنصات إليهما.
ويستحب في الصلاة خمسة أشياء: أن يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثانية سورة
المنافقين وأن يقنت قنوتين: أحدهما في الأولى قبل الركوع والثاني في الثانية بعده، وأن يجمع
بينهما وبين العصر بأذان واحد وإقامتين.
591

فصل: في بيان أحكام الجماعة:
الجماعة لا تصح إلا في الصلوات المفروضات أو فيما كان في الأصل فريضة - إلا في
صلاة الاستسقاء خاصة -، وهي ضربان: إما تجب الجماعة: وهي صلاة الجمعة خاصة،
أو تستحب: وهي فيما عداها من المفروضات، وفي صلاة الاستسقاء إذا استكملت شروطها
وآكدها في الصلوات الخمس. والشروط التي تصح لأجلها ثلاثة أنواع: أحدها يرجع إلى
الإمام والثاني إلى المأموم والثالث إليهما.
فما يرجع إلى الإمام ثلاثة أشياء: الإيمان والعدالة وكونه أقرأ القوم. وينبغي أن تنتفى
عنه إحدى عشرة خصلة: الكفر والنصب وخلاف الحق في أصل الدين والفسق وخبث
الولادة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والغلف والرق والخنوثة والأنوثة وجاز للثلاثة
الأخيرة أن تؤم بأمثالها إذا كانت أهلا لها وللعبد أن يؤم بمولاه خاصة إذا كان أهلا لذلك.
وشروط إمامة الصلاة ست على الترتيب: القراءة ثم الفقه ثم الشرف ثم الهجرة ثم
السن ثم الصباحة، فإن تساووا في القراءة قدم الأفقه فإن تساووا قدم الأشرف إذا كان
مساويا لهم في القراءة والفقه وعلى هذا الترتيب الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأصبح وجها مع
التساوي فيما تقدم.
وما يرجع إلى المأموم شيئان: التكليف والإسلام.
وما يرجع إليهما: حضور عاقلين مسلمين فصاعدا.
وتكره إمامة ثلاث عشرة نفسا - إلا بأمثالهم -: المتيمم والمسافر والمقيد، والقاعد ومن
لم يقدر على إصلاح لسانه ومن عجز عن أداء حرف أو أبدل حرفا من حرف أو أرتج عليه في
أول كلامه أو لم يأت بالحروف على الصحة والبيان والمحدود والمفلوج والمجذوم
والأبرص.
وصاحب المسجد أولى بالإمامة إذا كان أهلا لها والهاشمي أحق إذا اجتمع فيه
شروطها.
وما يتعلق بالجماعة خمسة أضرب: واجب ومندوب ومحظور ومكروه وجائز.
فالواجب أربعة أشياء: نية الاقتداء والوقوف خلفه أو عن أحد جانبيه والإنصات
592

لقراءته إذا سمع ومتابعته في أفعال الصلاة.
والمستحب اثنا عشر شيئا: الاجتماع في المكان المستوي والوقوف خلف الإمام إن
كانوا جماعة فيهم رجال وعن يمينه إن كانا اثنين وعن يمينه وشماله قعودا إن كانوا عراة
وقياما إن كن نساء وتسوية الصف وتقارب بعضهم من بعض وسد فرجه وأن تكون سعة
ما بين الصفين مقدار مربض عنز وأن يسمع الإمام المؤتم الشهادتين وانتظار الإمام إذا كان
غائبا ما لم يفت الوقت أو الفضل وقطع كل صلاة للاقتداء بالإمام العدل وقطع النافلة
والاقتصار على الركعتين من الفريضة للاقتداء بعدل وإعادة الصلاة مرة أخرى جماعة
إذا صلى منفردا وجلوس الإمام في التعقيب حتى يتم الصلاة من لم يدرك معه جميع
الركعات.
والمحظور تسعة أشياء: وقوف الإمام على سطح أو موضع مرتفع إذا كان المأموم أسفل
منه ووقوف المأموم أمام الإمام أو خلف حائل بينهما أو بينه وبين الصف المتصل بالإمام -
إلا للنساء - والتقدم على الإمام إلى الركوع أو إلى السجود أو إلى الانتصاب منهما ومفارقة
الإمام لغير عذر والكلام بعد قول المؤذن: " قد قامت الصلاة " - إلا فيما يتعلق بها -، والتنفل
إذا أقيم للفريضة مع وجود من يصح الاقتداء به والاجتماع في النافلة إلا فيما ذكرنا.
والمكروه سبعة أشياء: وقوف الإمام في المحراب الداخل ووقوف المأموم عن يساره
منفردين والوقوف منفردا إذا كان بالصف فرجة، والاجتماع مرتين في صلاة ومسجد
واحد وإطالة الصلاة انتظارا للغير وتأخير الصلاة انتظارا لمن تكثر به الجماعة وأن
يسمع المأموم الإمام.
والجائز سبعة عشر شيئا: الاقتداء في فريضة بأخرى وفي الأداء بالقضاء وعلى العكس
واقتداء المفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض.
وترك الجماعة لعذر عام وهو ثلاثة أشياء: الوحل والمطر والريح الشديدة. أو لعذر
خاص وهو عشرة أشياء: خوف الضرر على النفس أو المال أو الدين والمرض والتمريض
وغلبة النوم وفوات الرفقة والأكل مع شدة الشهوة وحضور الطعام وهلاك الطعام
والاستفراغ.
593

ووقوف الإمام على موضع أعلى من موضع المأموم مع استواء المكان ووقوف الإمام بين
الأساطين ووقوف المأموم بين الأساطين أو على موضع عال أو خارج المسجد مع مشاهدة الإمام
أو حكمها وأن يحلق بالصف في الصلاة إذا أدرك الإمام في الركوع قبل الوصول إليه وأن
يقف منفردا حتى يجئ من يقف معه والاجتماع في السفن المشدود بعضها إلى بعض وفي غير
المشدود ما لم يحل بينهما حائل والإمامة للأعمى إذا سدد وتقديم غير إمام المسجد إذا خيف
فوات الوقت أو الفضل ومفارقة الإمام لعذر وإطالة الركوع للإمام إذا أحس بداخل وروي
أنه مستحب واستخلافه من يتم الصلاة بالناس إن سبقه حدث والاقتصار على تكبيرة
الافتتاح إذا أدرك الإمام في الركوع وخاف الفوت.
وأما ترتيب وقوف الإمام والمأموم فضربان: أحدهما يقف المأموم عن جانب الإمام
والآخر يقف خلفه.
فالأول: إذا صلى رجلان جماعة وقف المأموم على يمين الإمام أو صلى قوم عراة أو زمنى
صلوا جميعا جلوسا والإمام وسطهم، ويقدم العراة إمامهم بركبتيه وركع وسجد بالإيماء
والمأمومون يركعون ويسجدون، أو صلت النساء جماعة ووقفت التي تؤم بهن وسطهن.
والثاني: إذا صلى برجل وامرأة جماعة وقفت المرأة خلفه أو صلى رجال جماعة وقفوا
خلف الإمام أو صلى رجال ونساء وخناثى وعبيد وصبيان وعراة وقف الرجال أولا خلف
الإمام ثم العبيد ثم الصبيان ثم العراة جلوسا ثم الخناثى - إذا أشكل أمرها - ثم النساء،
وإن وقف الرجال يمين الإمام جاز.
فصل: في بيان أحكام صلاة السفر:
السفر ثلاثة أضرب: معصية ومباح وطاعة.
فالسفر إذا كان معصية لم يجز فيه التقصير في الصلاة بحال ولا إفطار الصوم،
وإن كان مباحا أو طاعة لم يخل: إما بلغ حد التقصير بريدين ثمانية فراسخ أو لم يبلغ فإن لم
يبلغ لم يخل: إما كان أربعة فراسخ فصاعدا أو لم يكن فإن لم يكن لم يقصر بحال وإن كان
لم يخل: إما أراد الرجوع من يومه أو من غده أو لم يرد الرجوع كذلك، فإن أراد الرجوع من
594

يومه قصر وإن أراد الرجوع من غده كان مخيرا بين التقصير والإتمام في الصلاة دون
الصوم وأن لم يرد الرجوع أتم على كل حال.
هذا إذا لم يكن سفره في حكم الحضر، فإن كان سفره في حكم الحضر لم يخل: إما كان له
دار إقامة أو لم يكن، فإن كان له دار إقامة يكون له فيها مقام عشرة أيام كان حكمه حكم
غيره من المسافرين وإن كان له فيها مقام خمسة أيام قصر بالنهار وأتم بالليل وإن لم يكن
له دار إقامة أتم على كل حال. والذي يكون سفره في حكم الحضر ثمانية رهط: المكاري
والملاح والراعي والبدوي والبريد والذي يدور في إمارته أو جبايته أو تجارته من
سوق إلى سوق. وإن بلغ سفره مسافة التقصير لم يخل من ثلاثة أوجه: إما نوى السفر ولم يخرج
أو خرج ولم ينو أو نوى وخرج.
فالأول: يكون حاضرا. والثاني: يكون في حكم الحاضر وإن قطع منازل مثل من أفلت له
دابة أو أبق له عبد أو هرب غريم له وخرج في طلبه. والثالث لم يخل من ثمانية أوجه: إما
وقف في الطريق أو عدل عنه إلى صيد أو مر بضيعة له أو مضى غير معرج أو نوى إقامة عشر في
المقصد أو لم ينو ثم نوى إذا بلغ المقصد أو نوى الإقامة إن رأى فلانا أو نوى السفر إلى أحد
الإحرام الأربعة.
فالأول: إن نوى إقامة عشرة أتم وإن لم ينو قصر، والثاني ثلاثة أضرب: إما عدل إلى
الصيد لهوا ولا يجوز له التقصير أو لطلب القوت ويلزمه التقصير أو للتجارة ويلزمه
التقصير في الصلاة دون الصوم، والثالث: إن كان له فيها مسكن نزل به ستة أشهر
فصاعدا أتم وإن لم يكن قصر، إلا إذا نوى إقامة عشرة، والرابع: كان فرضه التقصير في
الصلاة والصوم، والخامس: فرضه التقصير في الطريق، والإتمام في المقصد وإن بدا له،
والسادس: فرضه التقصير في الطريق فإذا بلغ المقصد ولم يبدله في الإقامة أتم فإن بدا له لم
يخل: إما أتم صلاة واحدة ويلزمه الإتمام أو بدا له قبل أن يصلى ويلزمه التقصير أو لم ينو
أصلا فيقصر ما بينه وبين شهر، فإن أقام شهرا أتم بعد ذلك ولو صلاة واحدة. والسابع: إن
رأى فلانا أتم ولو بدا له أو أقام يوما واحدا بعد رؤيته وقصر إن لم ينو الإقامة ما بينه وبين
شهر إذا لم يره، والثامن: يستحب له الإتمام فيه وإن لم ينو مقام عشرة ويجوز له التقصير، وإذا
595

رجع إلى بلده من لم ينو السفر وكان المسافة قدر التقصير قصر.
والعاصي في السفر عشرة رهط: الباغي والعادي وقاطع الطريق والساعي فسادا
والقاصد إلى فجور والتابع لسلطان جائر مختارا في طاعته والعبد الآبق والهارب من الغريم
وهو يقدر على قضاء حقه من غير إجحاف به والهاربة من الزوج وهي غير محبوسة في دار
الكفر ومن طلب الصيد لهوا.
فصل: في بيان صلاة الخوف:
صلاة الخوف ضربان: صلاة الخوف وصلاة شدة الخوف.
فصلاة الخوف لأحد ثلاثة أقوام: لمن قاتل قتالا واجبا أو مباحا أو من كان في حكم من
قاتل مباحا مثل الدافع عن النفس أو المال لما رأى سوادا فظنه عدوا، وأنما يجوز ذلك بثلاثة
شروط: كون العدو في خلاف جهة القبلة وخوف الغدر والانكباب منهم عليهم وإمكان
افتراقهم فرقتين ومقاومة كل فرقة منها العدو. وهي مقصورة سفرا وحضرا، فإذا أرادوا
ذلك افترقوا فرقتين ووقفت إحداهما بإزاء العدو والأخرى مع الإمام ع وصلى
الإمام بها ركعة وقام إلى الثانية ووقفت فيها حتى قرأت وركعت ناوية للمفارقة عن الإمام
وأتمت الصلاة ورجعت إلى مكان الأخرى وجاءت هي واقتدت بالإمام وصلت الثانية معه،
فإذا جلس الإمام للتشهد قامت هي ناوية لمفارقة الإمام وقرأت وركعت وسجدت وتشهدت
فسلم بهم الإمام.
وإن كانت الصلاة ثلاثية صلى الإمام بالفرقة الأولى ركعة ووقف في الثانية حتى أتمت
ورجعت إلى مواقف الأخرى وجاءت هي واقتدت به وصلى بها ركعتين وجلس في التشهد
حتى قامت ناوية للمفارقة وأتمت وسلم بها.
وأما صلاة شدة الخوف فعلى حسب ما يمكن قائما وراكبا وماشيا وساجدا على
قربوس السرج ومومئا مستقبل القبلة وغير مستقبلها، وإن لم يمكن الإيماء قال بدل كل ركعة:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. والخائف من السيل والسبع والعدو يصلى
صلاة شدة الخوف.
596

فصل: في بيان صلاة العيد:
شروط وجوب صلاة العيد شروط وجوب صلاة الجمعة، ويجب على من تجب عليه
وتسقط عمن تسقط عنه إلا أن صلاة العيد إذا سقط وجوبها لم يسقط استحبابها وإذا فاتت
لا يلزم قضاؤها إذا إذا وصل إلى الخطبة وجلس مستمعا إليها وإذا لم تصل في الجماعة
استحب أن تصلي على الانفراد. وينبغي أن تقام مع الاختيار في الصحراء إلا بمكة فإنه
تصلي في المسجد الحرام، ولا تجوز صلاة النافلة قبلها ولا بعدها قبل الزوال إلا بالمدينة فإنه
يستحب أن تصلي فيها ركعتان في مسجد النبي ص قبل الخروج إلى
المصلى.
ووقتها: من عند انبساط الشمس إلى وقت الزوال.
وكيفيتها: ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى وخمس في الثانية بزيادة تسع
تكبيرات على التكبيرات المعتادة في سائر الصلاة.
ويستحب أن يقرأ في أولاهما بعد الحمد سورة الأعلى وفي الأخرى سورة الشمس
ويفصل بين كل تكبيرتين بقنوت ويرفع يده بالتكبير والقنوت ويقدم القراءة على
التكبيرات وجوبا في الركعتين ويركع بعد السابعة في الأولى وبعد الخامسة في الثانية. ويكبر
بالتكبير المعروف بعد أربع صلوات مفروضات في عيد الفطر بعد المغرب والعشاء والغداة
وصلاة العيد وبعد خمس عشرة صلاة في عيد الأضحى إذا كان بمنى وبعد عشر صلوات إذا لم
يكن به وابتدأ من بعد صلاة الظهر يوم العيد إلى أن يستوفي.
والخطبة يوم العيد بعد الصلاة ويقوم الإمام على منبر معمول من الطين ويخطب مثل
خطبة الجمعة ويعلم الناس الفطرة والأضحية في يوميهما.
فصل: في بيان صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف تجب عند إحدى أربع آيات: كسوف الشمس وخسوف القمر
والزلازل والرياح السود المظلمة، فإذا انكسفت الشمس أو خسف القمر جميعا وترك
الصلاة متعمدا قضى بغسل وإن تركها غير متعمد قضى بغير غسل وإن احترق بعض
597

القرص وترك عمدا قضى بغير غسل وإن ترك سهوا لم يقض.
وأول وقتها إذا ابتدأ في الاحتراق وآخره إذا ابتدأ في الانجلاء وأول وقت صلاة
الزلازل والرياح السود أول ظهورها وليس لآخرها وقت معين، فإن كان وقتها وقت
فريضة موظفة ابتدأ بالموظفة وإن كان وقتها قريبا من وقت الموظفة ودخل فيها ثم دخل
وقت الموظفة أتمها ما لم يخف فوات الموظفة فإن خاف فوتها قطعها وصلى الموظفة أو خففها
إن أمكن. وهي عشر ركعات بأربع سجدات أو ركعتان بعشر ركوعات.
ويستحب أن يقرأ فيها السور الطوال وأن تعاد إذا فرع منها قبل الانجلاء.
وكيفيتها: أن يفتتح ويتوجه ويقرأ الحمد وسورة طويلة مثل الأنبياء والكهف فإذا فرع
ركع وطول زمان الركوع مثل زمان القراءة ورفع رأسه بالتكبير وقرأ الحمد وسورة وعاد
إلى الركوع هكذا خمسا وقال إذا رفع رأسه من الركوع الخامس: سمع الله لمن حمده وسجد
بعد سجدتين وقام وفعل مثل ما فعل وقنت إذا أراد الركوع العاشر، وإن قنت خمس مرات
عند كل ركوعين كان أفضل وإن قرأ بعض السورة جاز فإن أراد إتمامها بعد الركوع الآخر
لم يقرأ الحمد وإن أراد قراءة أخرى قرأ الحمد.
فصل: في بيان صلاة الاستسقاء:
وهي مثل صلاة العيد صفة وهيئة، وترتيبا وفي الخروج إلى المصلى إلا أنه لم يندب
فيها إلى قراءة سورة معينة، وتستحب إذا أجدبت البلاد وقلت الأمطار ونضبت العيون
والآبار. فإذا أراد الناس ذلك تقدم الإمام إليهم بصوم ثلاثة أيام: السبت والأحد والاثنين
ثم خرج بهم يوم الاثنين إلى الصحراء - إلا بمكة - وتقدمه الناس وهو على أثرهم بسكينة
ووقار وصلى بهم.
فإذا فرع من الصلاة قام وهو مستقبل القبلة والناس معه وكبروا الله تعالى مائة
تكبيرة ورفعوا بها الأصوات ثم التفتوا عن أيمانهم وسبحوا الله تعالى مائة تسبيحة ثم
التفتوا عن شمائلهم وهللوا مائة تهليلة ثم استقبل الإمام الناس وحمدوا الله تعالى مائة
تحميدة يرفعون أصواتهم في جميع ذلك، ثم خطب الإمام بخطبة الاستسقاء المروية عن أمير
598

المؤمنين ع فإن لم يعلم اقتصر على الدعاء فإن لم يسقوا أعادوا ثانيا وثالثا فإذا
سقوا صلوا شكرا لله تعالى. وإنما يحضروا الاستسقاء الشيوخ الكبار والصبية الصغار
والعجائز من النساء والبهائم. ويكره إحضار أهل الذمة.
فصل: في بيان صلاة المريض:
المريض في صلاته ثمانية أضرب:
فإن قدر على الصلاة قائما معتمدا على الحائط أو عكازة صلى قائما معتمدا عليه
فإن لم يمكنه إلا القيام في بعضها صلى كذلك. وإن لم يمكنه إلا قاعدا وأمكنه الركوع قائما
صلى قاعدا وقام للركوع وإن لم يمكنه إلا القيام لم يقم للركوع وسجد على الأرض إن أمكنه
فإن لم يمكنه رفع السجادة وسجد عليها وإن لم يمكنه قاعدا وأمكنه مضطجعا صلى كذلك
وركع وسجد فإن لم يمكنه أومأ بالركوع والسجود مضطجعا فإن لم يمكنه استلقى على قفاه
وأومأ وغمض عينيه إذا أراد الركوع وفتحهما إذا أراد رفع الرأس منه وغمضهما للسجود
أكثر مما غمض للركوع وفتحهما إذا أراد رفع الرأس منه.
وإذا كان مبطونا وحدث به ما ينقض الصلاة قطع وتطهر وبنى وإن كان به سلس
البول فكذلك إذا استبرأ ووجب عليه أن يلف خرقة على ذكره لئلا تتعدى النجاسة إلى
بدنه وثوبه، وإذا صلى قاعدا فصل بين قعدة القيام وبين قعدة الجلوس بالجلسة وجلس
متربعا جاز له القراءة وعلى وركه متشهدا إن أمكنه فإن لم يمكن فعل كيف أمكنه، وإن كان
مسافرا جاز له أن يصلى الفرائض راكبا وسجد على ما يتمكن منه إن أمكن وإن تنفل
وصلى بالإيماء جاز.
فصل: في بيان صلاة العريان:
العريان على أربعة أضرب: فإن وجد ما يستر به العورة من الحشيش أو الطين الطاهر
سترها به فإن لم يجد وأراد الصلاة جماعة فقد ذكرنا حكمه وإن صلى منفردا بحيث يأمن
اطلاع أحد عليه صلى قائما وإن لم يأمن صلى قاعدا، ومن كان معه ثوب نجس فهو في
599

حكم العاري وإن كانت جماعة عراة ومع أحدهم ما يستر به العورة استحب له إذا صلى فيها
أن يعيرها واحدا فواحدا حتى يصلوا فيها. والمقيد صلى على حالته كيف أمكنه.
فصل: في بيان الصلاة في السفينة:
من ركب السفينة وقدر على الشط فالمستحب له أن يخرج لصلاة الفريضة إليه فإن
لم يخرج وصلى فيها جاز وصلى قائما مستقبل القبلة فإن لم يتمكن من القيام صلى جالسا
فإن دارت السفينة وأمكنه أن يدور معها ليكون وجهه إلى القبلة دار فإن لم يمكنه استقبل
بتكبيرة الإحرام وصلى كيف دارت به وسجد إن شاء على خشبها، فإن كانت مقيرة وكان له
ثوب يغطيه به غطاه وسجد عليه وإن لم يكن له ما يستر به سجد على القير إذا لم يكن له
ما يسجد عليه.
والمتنفل يجوز له أن يصلى إلى رأس السفينة وإن راعى القبلة كان أفضل، والبحار
والأنهار في ذلك سواء.
فصل: في بيان صلاة الغريق والموتحل والسابح:
هؤلاء إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من موضع يصلون عليه صلوا
بإيماء والسجود أخفض من الركوع ولا بد من استقبال القبلة إذا أمكن.
فصل: في بيان صلاة الليل ونوافل شهر رمضان وغيرها:
صلاة الليل إحدى عشرة ركعة فإذا أراد ذلك قام وتطهر وابتدأ فصلى ركعتين كل
ركعة منها بالحمد مرة والإخلاص ثلاثين مرة وقنت وعقب بعد كل ركعتين بالدعاء المأثور
أو بما تيسر له، وصلى بعد ذلك ست ركعات كل ركعتين بتسليمة وقرأ فيها السور الطوال مثل
الأنبياء والكهف والحواميم وعقب بعد كل ركعتين وقنت في الثانية قبل الركوع، ثم صلى
ركعتين صلاة الشفع وتوجه فيها وفي الأولى بسبع تكبيرات وقرأ في الأولى الحمد وسورة
الفلق وفي الثانية الحمد وسورة الناس وقنت بالمأثور وعقب بالمروي وسجد، ثم قام إلى
600

مفردة الوتر وتوجه وقرأ فيها الحمد وسورة الإخلاص ثلاث مرات والمعوذتين وقنت قنوتا
طويلا بالمروي ودعا فيه لأربعين نفرا من خيار أصحاب رسول الله ص
ومن خيار أصحاب الأئمة ع، وسماهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ودعا
للمؤمنين وسمى من قدر عليه ولوالديه ودعا على من حاد الله تعالى ورسوله ص
وتضرع، وابتهل واستغفر وأناب.
فإذا فرع من القنوت وركع ورفع رأسه دعا بالدعاء المروي فإذا فرع من الصلاة
عقب على ما هو مروي ثم قام إلى ركعتي الغداة وصلى وعقب واضطجع ووضع الخد الأيمن
على اليد اليمنى ودعا وقرأ الآيات المعروفة بذلك من القرآن على ما هو مذكور.
وأما نوافل شهر رمضان فألف ركعة منها ثلاثمائة ركعة في ثلاث ليال: ليلة تسع عشرة
وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وثلاثمائة وثمانون ركعة في تسع عشرة ليلة كل ليلة
عشرين ركعة منها ثماني ركعات بعد المغرب قبل العشاء والباقي بعد العشاء، ومائتان
وأربعون ركعة في ثماني ليال الباقية كل ليلة ثلاثين بين العشائين ثمانيا والباقي بعده.
ويقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله إحدى عشر مرة ودعا بعد كل ركعتين بالمأثور إن
أمكنه.
وصلى في كل جمعة منها عشر ركعات، منها أربع ركعات صلاة منها أمير المؤمنين
ع وركعتان صلاة الطاهرة ع وأربع ركعات صلاة جعفر ع،
وصلى في سحر الجمعة الأخيرة عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين ع وسحر السبت
الأخير عشرين ركعة صلاة الطاهرة ع وصلى ليلة النصف زيادة على الألف مائة
ركعة.
وأما صلاة أمير المؤمنين ع فأربع ركعات بتشهدين وتسليمين يقرأ في كل
ركعة منها الحمد مرة والإخلاص خمسين مرة.
وصلاة فاطمة ع ركعتان يقرأ في الأولى مائة مرة سورة القدر وفي الأخرى
مائة مرة سورة الإخلاص بعد الفاتحة.
وصلاة جعفر ع أربع ركعات بتشهدين وتسليمين يقرأ في الأولى الحمد وإذا
601

زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد
وقل هو الله أحد، ويقنت فيها قنوتين وسبح في الجميع ثلاثمائة تسبيحة في كل ركعة خمسة
وسبعين بعد القراءة قبل الركوع في كل ركعة خمسة عشر وفي الركوع عشرا وفي رفع الرأس
منه عشرا وفي كل واحدة من السجدتين عشرا وفي رفع الرأس منهما عشرا وعقب بعد كل
واحدة من هذه الصلوات بالدعاء والتسبيح المرويين لها، وإن صلى صلاة جعفر
ع بالليل أو بالنهار واحتسب من نافلته جاز.
فصل: في بيان الصلاة على الأموات:
الفصل يشتمل على بيان خمسة أنواع: من تجب الصلاة عليه ومن تحضر الصلاة
عليه ومن يصلى عليه سنة وتقية ومن يكبر عليه خمسا ومن يكبر عليه أربعا.
فالأول: كل من بلغ ست سنين فصاعدا من أهل الإيمان والثاني ثلاثة أصناف: الكافر
والمنافق والمقتول باغيا والثالث: كل طفل من أهل الإيمان لم يبلغ ست سنين والرابع: كل
من أقر بالولاية من المسلمين والخامس: كل من لم يقر بها.
ومن يصلى عليه ضربان: مكتس، وعار.
فالمكتسى يوضع نعشه بحذاء القبلة بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة
ورأسه إلى يمينها فإن وضع منكوسا وصلى عليه وجبت إعادة الصلاة عليه ما لم يدفن ولم
يخل: إما كان مفردا أو معه ميت آخر، فإن كان مفردا وكان رجلا وقف الإمام عند وسط
الجنازة وإن كانت امرأة وقف عند صدرها. وإن كان معه غيره لم يخل من تسعة أوجه:
إما كانا رجلين، أو امرأتين، أو رجلا وامرأة، أو رجلا وصبيا، أو امرأة وصبية، أو صبيا، أو رجلا
وخنثى، أو حرا وعبدا، أو رجلا حرا أو عبدا أو امرأة وخنثى وصبيا وصبية وأمة.
فالأول: قدم الأقل سنا إلى جهة القبلة والثاني: كذلك والثالث: قدمت المرأة والرابع:
قدم الصبي والخامس: قدمت الصبية والسادس: قدمت المرأة إذا كان الصبي ممن تجب
عليه الصلاة والسابع: قدم الخنثى والثامن: قدم العبد والتاسع: قدمت الصبية ثم الأمة ثم
المرأة ثم الخنثى ثم الصبي ثم العبد ثم الحر وإن كان الصبي ممن لا تجب عليه الصلاة
قدم على المرأة.
602

ومن يصلى على الميت سبعة أصناف: إما كان رجلين، أو رجلا وامرأة، أو امرأتين،
أو رجالا جماعة، أو عراة، أو نساء، أو رجالا ونساء وخناثى وصبية وعبيدا.
فالأول: يقف المأموم خلف الإمام والثاني: كذلك والثالث: تقف المؤتمة خلفها والرابع:
يقف المأمومون خلف الإمام والخامس: يقف الإمام وسطهم واضعي أيديهم على سوآتهم
والسادس: يقف الإمام والباقيات عن يمينها ويسارها، وإن كان فيهن حائض خرجت من
الصف ووقفت بارزة من الصف، والسابع: يقف الإمام ثم الرجال ثم العبيد ثم الصبيان
ثم الخناثى ثم النساء.
وأما أولى الناس بالصلاة على الميت فأولاهم به في الميراث إلا إذا حضر الأب والابن
معا فإن الأب أحق من الابن والزوج أحق بالصلاة على المرأة، فإن حضر إمام عادل فهو
أحق بالصلاة وليس لأحد أن يتقدمه وإن حضر هاشمي وكان أهلا للإمامة قدمه الولي
استحبابا.
والصلاة في الموضع المخصوص بها أفضل ويجوز في المساجد، وأفضل الصفوف
الأخير.
وإذا نوى للصلاة ورفع يديه بالتكبير وتشهد الشهادتين بعده ثم كبر الثانية وصلى
بعدها على النبي - ص - وعلى آله ع، ثم كبر الثالثة ودعا للمؤمنين
والمؤمنات ثم كبر الرابعة ودعا على الميت إن كان ناصبا وختم الصلاة بها ودعا له إن كان
مؤمنا وإن كان مستضعفا دعا له بدعائه وإن كان ممن لا يعرف عقيدته سأل الله تعالى أن
يحشره مع من كان يتولاه وإن كان طفلا سأل الله تعالى أن يجعله له، لأبويه فرطا، ثم كبر
الخامسة وقال ثلاث مرات: عفوك.
وليس الطهارة من شرط صحة هذه الصلاة وإنما هي من شروط فضلها. ولا قراءة
فيها ولا يرفع اليد بالتكبير إلا في الأولى وروي رفع اليدين في الجميع.
وإن سبق المأموم الإمام بتكبيرة أعادها معه وإن فاتته واحدة كبر عليه بعد فراع الإمام
وإن رفع وإن فاتته الصلاة صلى على القبر إلى انقضاء يوم وليلة، وإذا صلى عليه لم يبرح
من مكانه حتى يرى الجنازة على أيدي الرجال.
603

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
605

كتاب الصلاة
الصلاة في الشرع أفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود مع أذكار مخصوصة،
ولها مقدمات يجب على المكلف بها معرفتها وهي الطهارة، وأعداد الصلاة، والوقت،
والقبلة، واللباس، والمكان، والمسجد، وستر العورة، وتطهير الثوب والبدن، والمندوب من
المقدمة الأذان والإقامة.
فصل:
الصلاة على ضربين مفروض ومسنون، فالمفروض قسمان: ما يجب بإطلاق
الشرع، وما يجب عند سبب، إما من جهة المكلف كصلاة النذر، وإما غير متعلق به
كصلاة الكسوف والعيدين، وما يجب بالإطلاق فالصلوات الخمس وشرائط
وجوبها البلوغ وكمال العقل، لأن غير البالغ لا تجب الصلاة عليه وإنما يؤخذ به بعد ست
سنين تمرينا وتعليما، وغير كامل العقل لا تجب الصلاة عليه وإن بلغ، ومن شرط وجوبها
على المرأة أن تكون طاهرا من حيض.
607

فصل:
الصلاة قسمان سفري وحضري.
ففرائض الحضر سبع عشرة ركعة: الظهر والعصر والعشاء الآخرة، كل واحدة
أربع، والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، ونوافل الحضر أربع وثلاثون: ثمان للظهر، وثمان
للعصر، وأربع للمغرب، وركعتان من جلوس للعشاء الآخرة، وإحدى عشرة ركعة صلاة
الليل، وركعتان للفجر.
وفرائض السفر إحدى عشرة ركعة: كل واحد من الظهر والعصر والعشاء
الآخرة ركعتان، والباقي كما في الحضر، ونوافل السفر سبع عشرة ركعة: يسقط ما للظهر
والعصر والعشاء الآخرة، وللصلاة أقسام أخر تأتي بعد.
فصل:
لوقت كل صلاة أول وهو وقت من لا عذر له، وآخر وهو وقت من له عذر، والعذر
إما سفر، أو مطر، أو مرض، أو شغل يضر تركه دينا أو دنيا، أو ضرورة كالكافر إذا
أسلم والصبي إذا بلغ والحائض إذا طهرت والمجنون أو المغمى عليه إذا أفاق.
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت فريضة الظهر، ويختص به مقدار أداء أربع
ركعات ثم يشترك بينه وبين العصر إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، وروي: حتى يزيد
الظل على أربعة أقدام، وهو أربعة أسباع الشخص المنتصب، ثم يختص بالعصر إلى أن
يصير ظل كل شئ مثليه، وحينئذ فات وقت العصر للمختار، فأما للمضطر فمشترك فيه إلى أن
يبقى من النهار مقدار أداء أربع ركعات فحينئذ اختص بالعصر، وقيل: إن هذا أيضا وقت
المختار، فإن لحق ركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلها ويكون مؤديا
لجميعها، وقيل: يكون قاضيا لجميعها، وقيل: يكون قاضيا لبعضها، والأول الظاهر من
المذهب، وإن لحق أقل من ركعة يكون قاضيا بلا خلاف، وإذا لحق من النهار مقدار ما
يصلى فيه خمس ركعات يجب عليه الصلاتان معا، فإن لحق أقل من خمس لم يلزمه إلا
العصر، وينبغي أن يلحق زائدا على ذلك مقدار ما يمكنه الطهارة، فإن لحق مقدار ما يتطهر
608

فيه من غير تفريط فيخرج الوقت لم يلزمه القضاء.
ويعتبر زيادة الفئ من الموضع الذي انتهى إليه الظل دون أصل الشخص، فأما
حيث لا ظل للشخص فيه أصلا مثل مكة وما أشبهها فإنه يعتبر الزوال بظهور الفئ، فإذا
ظهر دل على الزوال، فإن كان حيث للشخص فيه فئ فيعرف الزوال بأن ينصب
الشخص فإذا ظهر له ظل في أول النهار فإنه ينقص مع ارتفاع الشمس إلى نصف النهار،
فإذا وقفت وقف الفئ. فتعلم على الموضع، فإذا زالت رجع الفئ إلى الزيادة، وقد روي
أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن
علم أنها زالت، فأما اعتبار الذراع والقدم والقامة وما أشبه ذلك من الألفاظ المروية فإنما
هي لتقرير النافلة، فإن النافلة يجوز تقديمها هذا المقدار، فإذا بلغ ذلك القدر كانت البدأة
بالفرض أولى.
وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس بأن يراها غابت عن العين والسماء مصحية
ولا حائل بينه وبينها، وفي أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق وهو أحوط،
فإذا غابت عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها أو مكان عال كمنارة الإسكندرية
مثلا فإنه يصلى على القول الأول، ولا يجوز على الثاني حتى تغيب في كل موضع، وآخره
غيبوبة الحمرة من ناحية المغرب للمختار، ووقت الضرورة يمتد إلى ربع الليل، وأول وقت
العشاء الآخرة غيبوبة الحمرة من المغرب، وآخره ثلث الليل للمختار، وللمضطر نصف
الليل، وقيل: إلى طلوع الفجر وقيل: إذا غابت الشمس يختص المغرب مقدار ما يصلى
فيه ثلاث ركعات، وما بعده مشترك بينه وبين العشاء الآخرة إلى أن يبقى إلى آخر الوقت
مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات فيختص بالعشاء الآخرة، والأول أظهر وأحوط.
وأول وقت صلاة الصبح إذا طلع الفجر الثاني المعترض في أفق السماء، وآخره
طلوع الحمرة من ناحية المشرق للمختار، وطلوع الشمس للمضطر.
ووقت نوافل الزوال من بعد الزوال إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى
فيه فريضة الظهر، ووقت نوافل العصر ما بين الفراع من فريضة الظهر إلى خروج وقته
للمختار، ولا يجوز تقديم نوافل النهار قبل الزوال إلا يوم الجمعة، ووقت نوافل المغرب
609

عند الفراع من فريضته، ووقت الوتيرة بعد الفراع من فريضة العشاء الآخرة، ويختم
الصلاة بالوتيرة، ووقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الثاني،
ورخص لصاحب العذر في تقديمها أول الليل، والقضاء أفضل من ذلك، ووقت ركعتي
الفجر طلوع الفجر الأول إلى طلوع الحمرة من ناحية المشرق.
ويكره ابتداء النوافل بعد فريضة الغداة، وعند طلوع الشمس، وعند قيامها
نصف النهار إلى أن تزول إلا في يوم الجمعة، وبعد فريضة العصر، وعند غروب الشمس،
فأما النافلة التي لها سبب كقضاء النوافل، وصلاة الزيارة، وتحية المسجد، وصلاة الإحرام
والطواف، فإنه لا يكره على حال.
والصلاة بعد وقتها قضاء، وفي وقتها أداء، وليس لها قبل وقتها إجزاء، وأول
الوقت أفضل مما بعدة، وقيل: إن الفرض متعلق بأوله، ومن أخره لغير عذر أثم غير أنه قد
عفي عنه، والأول أمتن.
من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة،
وكذلك قضاء النافلة ما لم يدخل وقت فريضة، وصلاة الكسوف وصلاة الجنازة وركعتا
الإحرام وركعتا الطواف كذلك.
من شرع في الصلاة قبل دخول وقتها على ظن دخوله ثم دخل وهو في الصلاة
أجزأه، وإن دخل بعد فراغه منها أعاد، ولا يجوز لغير ذي العذر قبول قول الغير في دخول
الوقت، ويجوز لذي العذر، إلا أنه إذا قبل ثم علم أنه فرع قبل دخوله أعاد.
فصل:
من كان مشاهدا للكعبة بأن يكون في المسجد الحرام، أو في حكم المشاهد بأن يكون
ضريرا، أو يكون بينه وبين الكعبة حائل، أو يكون خارج المسجد بحيث لا تخفى عليه جهة
القبلة، يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة، ومن كان مشاهدا للمسجد أو في حكم المشاهد
ممن كان في الحرم يلزمه التوجه إلى نفس المسجد، ومن كان خارج الحرم أو نائيا عنه يلزمه
التوجه إلى الحرم، وأهل العراق يتوجهون إلى الركن العراقي، وأهل اليمن إلى الركن
610

اليماني، وأهل المغرب إلى الغربي، وأهل الشام إلى الشامي، ويلزم أهل العراق التياسر
قليلا استظهارا لأن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية، ويعرف أهل
العراق ومن يصلى إلى قبلتهم من أهل الشرق قبلتهم بكون الجدي خلف المنكب
الأيمن لمستقبلها، أو يكون الفجر موازيا لمنكبه الأيسر، أو بكون الشفق موازيا لمنكبه الأيمن،
أو بكون عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن، فإن فقد هذه الأمارات أو اشتبه عليه
ذلك صلى الصلاة الواحدة أربع مرات إلى أربع جهات، ومع الضرورة إلى جهة واحدة
أيتها شاء، وقد تعلم القبلة بالمشاهدة، أو بخبر عن مشاهدة توجب العلم، أو بأن نصبه
النبي ص أو بعض الأئمة ع، أو علم أنهم صلوا إليها، ومن لا
يحسن الاستدلال بالأمارات أو كان أعمى جاز له أن يرجع في معرفة القبلة إلى قول عدل،
فإن فقد العدل فحكمه حكم فاقد الأمارات، ومن كان في جوف الكعبة صلى إلى أي جهة
شاء، وكذلك إن كان فوقها وقف حيث شاء إلا على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه
جزء من البيت، فإن صلاته حينئذ لا تجوز لأنه يكون مستدبر القبلة، ويجوز أن يصلى
مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور، ومتى انهدم البيت جاز الصلاة إلى عرصته، وإن
وقف في عرصته جاز إلا إذا لم يبق بين يديه جزء من أساسه.
وبالجملة فرض المتوجه العلم بجهة الكعبة، فإن تعذر العلم قام الظن مقامه،
ولا يجوز الاقتصار على الظن مع إمكان العلم، ولا على الحدس مع إمكان الظن، فمن
فعل ذلك فصلاته باطلة وإن أصاب بتوجهه جهة القبلة لأنه ما فعل التوجه على الوجه
المأمور به، فيجب أن يكون غير مجز، ومن توجه مع الظن ثم تبين أن توجهه كان إلى غير
القبلة أعاد الصلاة إن كان وقتها باقيا، ولم يعد إن كان قد خرج، إلا أن يكون استدبرها
فإنه يعيد على كل حال، ولا يصلى إلى أربع جهات إلا من لم يعلم جهة القبلة ولا ظنها،
ومن عدا أهل العراق أماراتهم غير هذه الأمارات بل يكون على حسب ما يناسب
أركانهم.
611

فصل:
يجوز الصلاة في كل لباس إلا ما كان نجسا، أو إبريسما محضا للرجال بالاختيار،
أو ممنوعا من التصرف فيه شرعا، أو شعر ما لا يؤكل لحمه سوى الخز الخالص، أو كان
ذهبا، طرزا كان أو خاتما أو غير ذلك، وجلد ما لا يؤكل لحمه سوى الكلب والخنزير إذا ذكي
ودبغ يجوز لبسه في غير حال الصلاة، فأما في الصلاة فلا، ويجوز الصلاة في السنجاب
والحواصل خاصة.
وتكره الصلاة في الثوب المكفوف بالحرير للرجال، وفي خلاخل من ذهب لها
صوت للمرأة، وفي خاتم الحديد، وفي التكة والجورب والقلنسوة المعمول من وبر ما لا يؤكل
لحمه ما لم يكن هو أو المصلى رطبا، أو المعمول عن حرير محض، وذكر أن الصلاة في
ثوب يكون تحت وبر الثعلب أو فوقه مكروهة غير محضورة، وفي الثوب أو الخاتم الذي فيه
تمثال أو صورة ذي روح خاصة، ومع اللثام والنقاب للمرأة، أو يكون مشدود الوسط، أو في قباء
مشدود إلا في الحرب، وفي الثياب السود ما عدا العمامة والخف فإنه لا بأس بهما، وفي
الثياب المقدمة يكون مكروها، أو يكون مؤتزرا فوق القميص، أو مشتملا للصماء وهو أن
يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه جميعا من تحت يديه ويجعلهما على منكب واحد فعل اليهود،
وفي عمامة لا حنك لها وبغير رداء للإمام، وفي ثوب شاف لا مئزر تحته، وفي الشمشك، والنعل
السندي، ومع الحديد المشهر سكينا كان أو سيفا أو مفتاحا أو دراهم سودا، وفي ثوب
شارب الخمر ومستحل شئ من النجاسات وإن لم يعلم أن عليه نجاسة ويكره وصل
الشعر بشعر الغير من الرجل والمرأة جميعا.
فصل:
العورة التي لا يجوز الصلاة إلا بسترها من الرجل سوأتان ومن المرأة من فوقها إلى
قدمها إلا الوجه والكفين وظهر القدمين وإن كان الأفضل منها ستر ما سوى الوجه، والأمة
يجوز أن تصلي مكشوفة الرأس إلا المكاتبة غير المشروط عليها وقد انعتق بعضها بأداء
شئ، أو كان بعضها حرا فهي إذا كالحرة سواء، والفضل للرجال في ستر ما بين السرة إلى
612

الركبة مع الركبة، وأفضل منه أن يصلى في ثوب صفيق ورداء، والأمة إذا أعتقت وهي في
الصلاة حاسرة سترت الرأس إن أمكن، وإلا أتمت الصلاة ولا شئ عليها، وحكم
الصبية دون تسع سنين حكم الأمة، وإن بلغت خلال الصلاة بما لا ينقض الوضوء. فكما
في عتق الأمة.
فصل:
ما لا يجوز عليه الصلاة من المكان هو المغصوب والنجس، سواء كان المصلي
هو الغاصب أو غيره، فإنه لا يجزيه صلاته فيه إلا مضطرا، وإذا دخل ملك غيره وعلم
بشاهد الحال أن صاحبه لا يكره الصلاة فيه وصلى جاز.
من كان في ملك غيره باذنه فأمره بالخروج عند تضيق وقت صلاة
فتشاغل بالخروج وصلى في طريقه جاز لأنه متشاغل بالخروج وإنما قدم فرض الصلاة
على فرض غيره، وإن لم يتضيق لم يجزئه.
ولا يجوز أن يصلى الرجل وامرأة تصلي متقدمة له أو محاذية لجهته سواء كانت مقتدية
به أو لا، فإن فعلا بطلت صلاتهما إلا إذا كانت بينهما عشر أذرع فصاعدا، أو كانت هي
غير مصلية، وإن صلت بجنب الإمام بطلت صلاتها وصلاة الإمام ولا تبطل صلاة
المأمومين، وإن صلت خلفه في صف بطلت صلاة من عن يمينها وشمالها ومن يحاذيها من خلفها لا
غير، وحمل المرتضى رضي الله عنه ذلك على الكراهة.
وتكره الصلاة في وادي ضجنان، ووادي الشقرة، والبيداء، وذات الصلاصل،
وهي أربعة مواضع في طريق مكة، وفي قرى النمل، وجوف الوادي، والحمام سوى المسلخ،
وبين المقابر إلا إذا كان بينه وبين القبر عشر أذرع من جهاته سوى خلفه، والنافلة إلى قبور
الأئمة مرخص فيها، وفي أرض الرمل والسبخة إذا لم يتمكن من السجود عليها، وفي جواد
الطرق سوى الظواهر بينها، وفي معاطن الإبل خاصة، وفي البيع والكنائس
وبيوت النيران، وبيوت المجوس إلا إذا رش الموضع بالماء وجف، وفي بيت فيه مجوسي، وفي موضع ينز
حائط قبلته من بول أو قذر، وحيث يكون في قبلته نار في مجمرة أو في قنديل، أو سيف مشهر
613

إلا عند الخوف من العدو، أو يكون في قبلته أو يمينه أو شماله صور وتماثيل إلا أن يغطيها
أو كانت الصورة تحت رجليه، وأن يكون بين يديه مصحف مفتوح أو شئ مكتوب لأنه
يشغله عن الصلاة، وأن يصلى الفرض خاصة في جوف الكعبة مختارا، ومن كان موضع
سجوده طاهرا وعلى باقي مكانه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه أجزأت صلاته سواء تحركت
بحركته أو لم تتحرك بأن تكون النجاسة في أطرافه.
فصل:
لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس على مجرى
العادة بعد أن كان ملكا، أو في حكم الملك، وخاليا من النجاسة، ولا يجوز على ما هو بعضه
كاليد، ولا على المعادن كلها، ولا على الكحل والزرنيخ والنورة، ولا على القير مختارا، ولا
على الزجاج والرماد والصهروج، ومن وقع في أرض رمضاء سجد على ثوب يتقى به الحر،
فإن فقد الثوب فعلى كفه، وكذلك يسجد على الثوب من كان في موضع قذر ولم يتمكن من
غيره، ويكره السجود على القرطاس المكتوبة لمن يحسن القراءة خاصة، وإن وقع في الثلج
ولم يجد ما يسجد عليه دق الثلج بحيث يتمكن من السجود عليه وسجد عليه، وإذا عملت سجادة
بسيور طاهرة تقع الجبهة عليها لم يجز السجود عليها، وإذا أصاب شيئا مما عمل من نبات
الأرض سوى القطن والكتان نجاسة مائعة وجففتها الشمس خاصة جاز السجود عليه،
وكذا الأرض، وإذا صار الميت رميما واختلط بالتراب لم يجز السجود على ذلك التراب لأنه
نجس.
الموضع الذي أصابه البول تزول نجاسته بإحدى ستة أشياء: إما بأن يكثر عليه
الماء حتى يستهلكه ولا يرى له لون ظاهر ولا رائحة، أو بأن يمر عليه سيل أو ماء جار، أو
بأن يحفر الموضع في حال رطوبته فينتقل ترابه جميع الأجزاء الرطبة، أو يحفر الموضع فينقل ترابه
حتى يغلب على الظن أنه نقل جميع الأجزاء النجسة، أو بأن يجري عليه مطر أو سيل فيقف
فيه بمقدار ما يكاثره من الماء، أو بأن يجف الموضع بالشمس دون غيرها.
وحكم الخمر حكم البول إلا في تجفيف الشمس فإنه لا يطهره، ولا يحكم بطهارة
614

الموضع مع بقاء لون الخمرة أو رائحتها لأن بقاء ذلك يدل على بقاء العين إلا أن يظن أن
رائحته بالمجاورة فحينئذ يحكم بطهارته.
والجامد من النجاسة كالعذرة والدم إذا كان العين قائمة وكانت يابسة فأزيلت
عن مكانها فالمكان طاهر، وإن بقيت لها رطوبة بعد الإزالة فتلك الرطوبة بمنزلة البول، وإن
كانت العين مستهلكة فإنما يجوز السجود على ذلك الموضع إما بقلع التراب حتى يتحقق أنه
لم يبق من النجاسة شئ، وإما بأن يطين المكان بطين طاهر، فإن ضرب منه لبن لم يجز
السجود عليه، فإن طبخ آجرا طهرته النار.
فصل:
الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في الفرائض الخمس خاصة للمنفرد، واجبان في
الجماعة بها، وروي أنهما يجبان على الرجال في كل صلاة جماعة سفرا وحضرا، ويجبان
عليهم جماعة وفرادى بسفر وحضر في الفجر والمغرب والجمعة، والإقامة دون الأذان يجب
عليهم في باقي الفرائض، ومن قال بالندبية جعلهما في هذه المواضع أوكد، ومن صلى جماعة
بغيرهما فاتته فضيلة الجماعة وأجزأته الصلاة، ولا يجوزان في النوافل، ولا في صلاة
الكسوف والعيدين بل يقال فيهما: الصلاة الصلاة، وإذا شرع المنفرد في الصلاة
بغيرهما رجع إليهما واستأنف ندبا إلا إذا كان ركع، ومن جمع بين صلاتين لا يؤذن بينهما،
ومن أذن وأقام ليصلي وحده فجاءه قوم وأرادوا الجماعة أعادهما، وإذا دخل قوم وقد
صلى الإمام جماعة، فأرادوا الجماعة صلى بهم أحدهم بلا أذان وإقامة ما لم ينفض الجمع، فإن
انفض أعادهما، وإذا أتت النساء بهما لم يسمعن الرجال.
وإذا سمع الأذان امتنع من الكلام ندبا ولو عن القرآن، والترتيب في فصولهما
واجب، وندب المؤذن إلى أن يأتي بهما على طهارة، ويكون مستقبل القبلة، ولا يتكلم في
خلالهما، ويكون قائما مع الاختيار ولا يكون ماشيا ولا راكبا، ويرتل الأذان ويحدر الإقامة،
ولا يعرب أواخر الفصول، ويفصل بينهما بجلسة، أو سجدة، أو خطوة، أو نفس، أو
ركعتين نافلة إلا في المغرب فإنه لا يأتي فيه بالركعتين ولا بالسجدة، ومن شرط صحتهما
615

دخول الوقت، وإن تكلم أو أحدث في خلال الأذان بنى على ما سبق بعد أن توضأ من
الحدث، وفي الإقامة استأنف، والسكوت الطويل بين فصول الأذان يبطل حكمه، ويجوز
أذان الصبي والمرأة والأعمى إذا سدد وعرف الوقت، والتثويب بدعة، وهو قول " الصلاة
خير من النوم ".
وفصول الأذان أربع تكبيرات ثم الإقرار بالتوحيد مرتين، ثم الإقرار بالنبي
مرتين، ثم الدعاء إلى الصلاة مرتين، ثم إلى الفلاح مرتين، ثم إلى خير العمل مرتين، ثم
تكبيرتان، ثم تهليلتان.
والإقامة يسقط من أولها التكبير دفعتين، ويزاد بعد " حي على خير العمل " قد قامت
الصلاة " دفعتين، ويسقط التهليل مرة واحدة، ولا بأس أن يقتصر في السفر وحال
الضرورة على مرة (مرة) فيهما، ولا يجوز الأذان للصلاة قبل دخول وقتها وقد روي جواز
ذلك في الفجر خاصة.
فصل:
ما يفعل حال الصلاة على ضربين مفروض ومسنون، وكل واحد منهما ينقسم
قسمين: فعل وكيفية.
والمفروض من الأفعال في الركعة الأولى أربعة عشر فعلا: القيام مع القدرة أو ما يقوم
مقامه مع العجز عنه، والتوجه إلى القبلة، والنية، وتكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع،
والتسبيح فيه، ورفع الرأس منه، والسجود الأول، والتسبيح فيه، ورفع الرأس منه،
والسجود الثاني، والذكر فيه، ورفع الرأس منه.
والمفروض من الكيفيات في هذه الركعة ثلاث وعشرون كيفية: مقارنة النية
لتكبيرة الإحرام، واستدامة حكمها إلى عند الفراع من الصلاة، والتلفظ ب‍ " الله أكبر "،
وقراءة الحمد وسورة أخرى معها في الفرائض مع القدرة والاختيار، وفي النوافل الحمد وحدها
مجز، والجهر بالقراءة فيما يجهر فيه وهو الغداة والمغرب والعشاء الآخرة، والإخفات فيما
يخافت فيه وهو الظهر والعصر، والانحناء في الركوع بمقدار ما يتمكن من وضع الكفين
616

على الركبتين، والتسبيح فيه وفي كل واحد من السجدتين مرة مرة،
والطمأنينة في الركوع، والطمأنينة إذا انتصب عنه، والسجدة على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين
وأطراف أصابع الرجلين، والطمأنينة في السجدة الأولى، والطمأنينة إذا انتصب منها،
والطمأنينة في السجدة الثانية، والترتيب في الصلاة، وهو أن يبدأ بالقيام، والتوجه إلى
القبلة، ثم النية، ثم تكبيرة الإحرام، ثم القراءة، ثم الركوع، ثم السجود، يكون جميع الأفعال
والكيفيات في الركعة الأولى سبعة وثلاثين فعلا وكيفية.
وفي الركعة الثانية مثلها إلا تجديد النية وكيفيتها، وتكبيرة الإحرام وكيفيتها، وهي
أربع، وينضاف إلى ذلك في الثانية ستة أشياء: الجلوس للتشهد، والطمأنينة فيه،
والشهادتان، والصلاة على النبي، والصلاة على آله، يصير الجميع ستة وسبعين فعلا
وكيفية.
فإن كانت صلاة الفجر انضاف إلى ذلك التسليم على قول بعض أصحابنا وعلى
قول الباقين هو سنة.
وإن كانت المغرب انضاف إلى ذلك في الثالثة مثل ما في الثانية وصار التسليم في
آخرها.
وإن كانت الصلاة رباعية انضاف إلى ما هي في الركعتين مثل ذلك إلا الأربعة
المذكورة ويحول التسليم إلى آخرها.
فمن ترك شيئا من هذه الفرائض أو قدم شيئا منها على شئ متعمدا بطلت
صلاته، وإن كان ناسيا بطلت في موضع دون موضع، إلا القيام والتوجه إلى القبلة فإنه
لا يترتب أحدهما على الآخر وجوبا بل يجوز أن يقدم أيهما شاء، أو يقعا منه في حالة
واحدة. وتنقسم هذه المفروضات قسمين: أحدهما يسمى ركنا، والآخر لا يسمى ذلك،
والركن هو ما إذا تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته، وما ليس بركن إذا تركه عامدا بطلت
صلاته، وإذا ترك ناسيا لم تبطل صلاته وله حكمه، فالأركان خمسة: القيام مع القدرة، والنية،
وتكبيرة الإحرام، والركوع، والسجود، وأما الأفعال المسنونة وكيفياتها فسيأتي شرحها بعون
الله.
617

فصل: من الندب أن ينظر المصلي في حال القيام إلى موضع سجوده، ويفرق بين قدميه بمقدار أربع
أصابع إلى شبر، ويضع يديه على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه، والمرأة تجمع بين قدميها وتضم
ثديها إلى صدرها.
والنية بالقلب ولا اعتبار فيها باللسان، ولا بد فيها من التعيين مثاله أن يخطر بباله: أني
أصلي فريضة الظهر أداءا قربة إلى الله تعالى، لا يجزئ أقل منه، فينوي الصلاة ليتميز مما ليس
بصلاة، وينوي الظهر ليتميز من العصر ونحوه، وينوي الفرض ليتميز من الندب،
وينوي الأداء ليتميز من القضاء، وينوي القربة ليتميز مما يراءى به، ووقتها حين
استفتاح الصلاة، وما تقدم عزم لا اعتبار به، ومعنى استدامة حكم النية أن لا ينقض
نيته إلى أن يفرع من الصلاة بنية ترفع حكمها، كأن ينقلها من القربة إلى الله إلى القربة
إلى غير الله أو من الفرض إلى النفل، أو نوى بالقيام أو الركوع لغير الصلاة، فأما إذا
دخل في الصلاة بنية النفل ثم نذر إتمامها خلال الصلاة فقد انعقد نذره ووجب عليه
إتمامها، ومتى نوى الكلام في الصلاة أو الخروج منها، أو الحدث فقد أثم ولم تبطل
صلاته إلا بعد فعل ذلك، ومن ذكر وهو في الصلاة أن عليه فائتة نقل النية إلى الفائتة ما لم
يتضيق وقت الحاضرة، فإن نقل مع التضيق، أو نقل نيته من الفريضة إلى النافلة أو من
النافلة إلى الفائتة بطل كلاهما ولم يجزه عن واحد منهما، وكذا إن نوى الظهر والعصر معا لم
يجز عن واحدة لأنهما لا يتداخلان.
وقيل: إن كيفية النية أن يريد فعل الصلاة المعينة لوجوبها، أو لكونها ندبا على
الجملة، أو للوجه الذي له كانت كذلك على التفصيل، إن عرفه طاعة لله وقربة إليه أي
إلى ثوابه.
ويجب مقارنة النية آخر جزء منها لأول جزء من تكبيرة الإحرام، ولا بد من التلفظ
ب‍ " الله أكبر "، ولا يقوم مقامها لفظة أخرى مثل " الله الأكبر " و " الله الكبير " وغير ذلك، ومن
لم يتأت له التلفظ بالتكبير بالعربية جاز أن يقول معناه بلغته.
ورفع اليدين بتكبيرة الإحرام وغيرها إلى حذاء شحمة الأذن، مضمومتي الأصابع،
618

موجهتي الراحة نحو القبلة، ثم إرسالهما على الفخذ حيال الركبة سنة، وندب إلى التوجه
بسبع تكبيرات معهن ثلاثة أدعية في سبعة مواضع: أول كل فريضة، وأول ركعة من نوافل
الظهر، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول الوتيرة، وأول ركعة من صلاة الليل، وفي أول
الوتر، وفي ركعتي الإحرام، والواجب من هذه التكبيرات ما نوى به الدخول في الصلاة أيها
كانت و الباقي ندب.
إذا كبر بعد تكبيرة الإحرام تكبيرة أخرى ونوى بها الافتتاح بطلت صلاته لأن
الثانية غير مطابقة للصلاة، فإن كبر ثالثة ونوى بها الافتتاح انعقدت صلاته، وعلى هذا
أبدا، وإن لم ينو بالثانية الافتتاح صحت صلاته.
فصل:
التعوذ قبل القراءة في الركعة الأولى خاصة ندب ولا يجهر به، وبسم الله الرحمن
الرحيم آية من كل سورة، وحكمها حكم السورة في الجهر بها والإخفات، ويستحب الجهر بها
فيما يخافت فيه بالقراءة، ومن قدم بعض آي الحمد على بعض متعمدا استأنف الصلاة إذ
الترتيب واجب فيها، وإن كان ساهيا أتى بها مرتبة ولا شئ، ولا يقوم مقام الحمد غيرها في
الأوليين، ومن يحسنها أو لا يحسن بعضها قرأ ما يحسن منها أو غيرها، وإن لم يحسن شيئا من
القرآن سبح أو هلل بدله ثم تعلمه إن أمكن، ومن ترك تشديده من الحمد متعمدا فلا
صلاة له لقوله ع: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وذلك يفيد قراءة جميعها
والتشديد حرف منها، وكذا إن لحن متعمدا أو مع التمكن من تعلمه سواء أحال المعنى أو لا،
ولا شئ على الناسي. وقراءة من لا يقدر على القراءة أن يحرك لسانه، ولا يجوز أن يقرأ
القرآن بغير لغته، ولا يجزئ من القراءة ما لا تسمعه نفسه فيما يخافت، وفيما عدا الأوليين
هو مخير بين الحمد وبين قول " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاثا، وإن لم
يقل " الله أكبر " إلا في المرة الثالثة جاز، وإن نسي القراءة في الأوليين استحب له القراءة في
الأخريين، وروي أنها تعينت له حينئذ.
إذا قرأ مع الحمد في الأوليين بعض سورة أو قرن بين سورتين معهما لم يحكم ببطلان
619

صلاته وإن كان ذلك غير جائز، ويجوز ذلك في حال الضرورة والضحى والم نشرح سورة
واحدة، وكذا الفيل والإيلاف، ولا يبعضان في الفريضة، ويجوز الانتقال من سورة إلى أخرى
ما لم يتجاوز نصفها إلا الإخلاص والجحد فإنه لا ينتقل عنهما إلا في الظهر يوم الجمعة فإنه
يجوز الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصفها، فإن تجاوز أتم ركعتين
واحتسبهما نافلة واستأنف الفرض بهما، ولا يقرأ في الفريضة سورة طويلة يفوت بقراءتها
وقت الصلاة ولا العزائم الأربع، فإن اتفق ذلك فلا يقرأ موضع السجود، وأفضل ما يقرأ في
الفرض بعد الحمد القدر والإخلاص والجحد، وهو مخير فيما سوى ذلك، وإن قرأ في النافلة
موضع سجدة واجبة سجد فإذا ارتفع قام عن السجود بالتكبير فتمم السورة، وإن كانت
السجدة آخر السورة قام عن السجود بالتكبير وقرأ الحمد ثم ركع عن قراءة.
فصل:
من الندب أن يكبر قبل الركوع، ويمد عنقه فيه، ويسوي ظهره، ولا يدلي رأسه، ولا
يرفع ظهره ولا يجعله كسرج، ويرد ركبتيه إلى خلفه ولا يقوسهما، والمرأة تضع يديها على
فخذيها، وقيل: إن تكبير الركوع واجب.
ومن التكبيرات تكبير للقنوت، (وتكبير للركوع)، وتكبير للسجود، آخر للارتفاع
منه، وتكبير للسجود الثاني، والآخر للارتفاع منه، ومن أصحابنا من أسقط تكبير
القنوت وجعل بدله تكبير القيام من التشهد الأول، والأول أظهر وأشهر، والزائد على
التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود إلى الثلاث أو الخمس أو السبع ندب.
وينظر في حال الركوع إلى ما بين رجليه، ويكره أن تكون يده تحت ثيابه حال
الركوع بل الندب أن تكون بارزة أو في كمه، ويتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه للسجود،
ويرغم بأنفه، وقيد سيد المرتضى رضي الله عنه إرغام الأنف بطرفه الذي يلي الحاجبين
وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة، أي موضع وضع على الأرض منه
أجزأه، ومن منعه مانع من السجود على الجبهة سجد على أحد جانبيه فإن لم يتمكن فعلى
ذقنه، وكشف الجبهة ووضعها على المسجد بلا حائل واجب، ولا يجوز أن يكون مسجده أرفع
620

من مقامه إلا بما لا يعتد به كقدر لبنة، ومن ترك تسبيح الركوع أو السجود ناسيا حتى رفع
رأسه فلا شئ عليه.
ومن الندب أن يكون متخويا في السجود لا يضع شيئا من جسده على شئ،
ولا ساقيه على الأرض، ويضع يديه حذاء منكبيه وشحمتي أذنيه، ويضم أصابع يديه
ويوجهها إلى القبلة، ولا يحدودب، ويفرج بين فخذيه، وينظر في السجود إلى طرف أنفه،
والمرأة تقعد ثم تسجد لاطئة بالأرض.
ومن الندب جلسة الاستراحة بين السجدتين، ويتورك فيها ولا يقعي وكذا بعدهما،
وإذا قام إلى الثانية رفع ركبتيه قبل يديه بخلاف المرأة فإنها لا تعتمد على
يديها، ويرفع يديه بعد القراءة في الثانية بالتكبير للقنوت إلى حذاء شحمتي أذنيه موجها راحتيه نحو
السماء، ويقنت بكلمات الفرج أو يسبح ثلاثا، أو يدعو بما شاء لدينه ودنياه بالعربية وإن لم
يحسنها فبلغته، ثم يرد بطن راحتيه تلقاء ركبتيه على مهل ويكبر ويركع.
ومن الندب أن يجلس في التشهد على وركه الأيسر ويضع ظاهر قدمه اليمنى على
باطن قدمه اليسرى، ويضع يديه على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه مضمومتي الأصابع
مبسوطتين وينظر إلى حجره، والمرأة تجلس على أليتيها مضمومة الفخذين رافعة ركبتيها
من الأرض، وأن يأتي بما زاد على الشهادتين والصلاة من الألفاظ المروية، والإمام أو المنفرد
يسلم تجاه القبلة، والمأموم إن كان على يساره أحد سلم تسليمتين يمينا وشمالا وإلا سلم
يمينه مرة، يكبر ثلاثا رافعا بها يديه إلى حذاء شحمتي أذنه ثم يعقب بما شاء من الدعاء،
ولا يدعن تسبيح الزهراء ع وهي أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة
وثلاث وثلاثون تحميدة، وإن قدم التحميدة على التسبيح جاز، وإذا فرع سجد سجدتي
الشكر لاطئا بالأرض، يسجد ثم يضع خده الأيمن على الأرض ثم الأيسر ثم يسجد أخرى
ويأتي فيهما بما روي من الأذكار، فإذا ارتفع كبر وأمر يده على مسجده ومسح بها وجهه
وصدره ثلاثا وعلى علته إن كانت، ثم ينصرف على اليمين.
621

فصل:
كل ما ينقض الوضوء إذا عرض في الصلاة يبطل الصلاة عمدا كان أو سهوا،
ومن الأفعال ما إذا حصل عمدا قطع الصلاة وإن حصل سهوا أو للتقية فلا، وذلك وضع
اليمين على الشمال، وقول آمين آخر الحمد، والالتفات بالكلية إلى وراء، والتكلم بما ليس
في الصلاة، والفعل الكثير الذي ليس من أفعال الصلاة، والأنين بحرفين، والتأفف
بحرفين، والقهقهة، وأن يصلى الرجل معقوص الشعر متعمدا، ومن سلم في الأوليين
ناسيا ثم تكلم عمدا على ظن أنه فرع من الصلاة ثم ذكر أنه صلى ركعتين قيل: يجب أن
يستأنف، وقيل: لا يجب، وهذا أصح.
والفعل الكثير إن كان يتعلق بالصلاة أو كان من جملة العبادة لم يفسد الصلاة،
كأن يرتدي بردائه إذا سقط، أو يسوي حصى مسجده، أو يعد التسابيح بالحصى، أو يحمد
الله بعد العطسة، أو يقول للمسلم سلام عليكم، ولا يجوز أن يقول وعليكم السلام، أو قرأ آية
رحمة فسأل منها أو آية عذاب فاستعاذ منه، أو يبكي من خشية الله، وإن بكى لأمر دنياوي
قطع الصلاة، أو رعف فمشى إلى الماء وغسل ما أصابه الدم من ثوبه أو بدنه بنى على
صلاته ما لم ينحرف عن القبلة أو يتكلم متعمدا بما يفسد الصلاة.
ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد، والالتفات إلى اليمين
والشمال، والتثاؤب، والتمطي، والفرقعة بالأصابع، والعبث باللحية أو بشئ من الجوارح،
والتأوه بحرف واحد، والنفخ في موضع السجود، والإقعاء بين السجدتين، ومدافعة الأخبثين،
والتنخم، والتبصق، ومن عرضه شئ من ذلك يأخذه بثيابه أو يرمي به تحت رجليه أو
يمينا أو شمالا، ولا يرميه تجاه القبلة.
ومن الندب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة أو لبنة، فإن لم يجد خط في
الأرض بين يديه خطا، ويجوز شرب الماء في النافلة وتنبيه الغير بتكبير أو إيماء أو ضرب حائط
أو تصفيق يد، وقتل العقرب والحية إذا خاف منهما إن لم يؤد إلى فعل كثير.
622

فصل:
لا حكم للشك مع غلبة الظن لأنها تقوم مقام العلم في وجوب العمل عليه، وإنما
الحكم لما تتساوى فيه الظنون أو كان شكا محضا، وجميع أحكام الشك والسهو يقع في مائة
موضع من الصلاة تنقسم خمسة أقسام:
أحدها: يوجب إعادة الصلاة وذلك في ثلاثين موضعا: من سهى فصلى بلا
طهارة، أو تطهر بماء نجس ثم صلى وقد سبق علمه بذلك خرج الوقت أو لا، أو صلى قبل
دخول الوقت، أو صلى مستدبر القبلة بقي الوقت أو لا، أو صلى إلى يمينها أو شمالها مع
بقاء الوقت، أو صلى في ثوب نجس، أو سجد على شئ نجس وكان قد سبق علمه بذلك،
أو صلى في ثوب مغصوب أو مكان مغصوب مع تقدم علمه بذلك مختارا، أو ترك النية،
أو لم يدر فرضا نوى أو نافلة، أو ترك تكبيرة الإحرام، أو ترك الركوع حتى يسجد بعده فيما
عدا الأخريين من الرباعيات، أو ترك السجدتين فيما ذكرنا فركع، وكذا إذا ترك ركوعا أو
سجدتين في ركعة واحدة ولا يدري في أيها، أو زاد ركوعا أو سجدتين في ركعة من الركعات
المذكورة ولا يدري في أيها زاد، أو زاد في الصلاة ركعة فصاعدا أو نقص ركعة فصاعدا
ولم يذكر حتى تكلم، أو استدبر القبلة، وقيل: لا يعيد بل يبني على صلاته سواء كان ذلك في
الثنائي أو الرباعي لأن الفعل الذي وقع منه بعد ذلك كان في حكم السهو، واختار هذا
الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه، أو شك في الأوليين من كل رباعية، أو في المغرب كلها، أو في
الغداة، أو الجمعة، أو فرض السفر ولا يدري كم صلى، أو أتم حيث يجب فيه التقصير
ساهيا وذكر والوقت باق، أو شك فلم يدر كم صلى.
وثانيها: يوجب التلافي إما في الحال أو بعد وذلك في ثلاثين موضعا: من شك في
النية ولم ينتقل من حالها، أو في تكبيرة الإحرام وهو في حالها نوى وكبر، أو في القراءة أو شئ
منها وهو قائم لم يركع وقرأ، فإن ذكر أنه قرأ فلا شئ عليه أو سها عن القراءة أو شئ منها
حتى يكاد يركع فذكر أنه لم يقرأ قرأ ثم ركع، أو سها عن قراءة الحمد حتى قرأ
سورة أخرى قرأ الحمد ثم السورة فلا شئ عليه، أو شك في الركوع وهو قائم ركع، فإن
ذكر أنه ركع لا يرفع رأسه فإن لم يذكر حتى يرفع رأسه حذف الركوع الزائد إن كان في
623

الأخريين، وإن كان غيرهما أعاد كما مضى، أو شك في تسبيح الركوع أو سها عنه فذكر وهو
راكع سبح، أو ترك الركوع ناسيا وقد هوى إلى السجود فذكر قبل أن يسجد رجع فركع،
فإن لم يذكر حتى سجد السجدتين حذف السجدتين وأعاد الركوع إن كان في الأخريين،
وفيما عداهما يعيد، أو نسي السجدتين وعاد إلى القراءة ثم ذكر وهو قائم لم يركع سجدهما،
فإن لم يذكر حتى ركع حذف الركوع وسجد السجدتين إن كان في الأخريين، أو شك في
السجدتين أو واحدة منهما قبل أن يقوم سجدهما أو إحداهما، أو شك في تسبيح السجود وهو
ساجد أو سها عنه وذكر قبل رفع رأسه سبح، أو رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود
قبل الإمام ناسيا ثم ذكر عاد إليه، أو ترك السجدة الواحدة وقام ثم ذكر قبل الركوع رجع
فسجد من أي ركعة كانت فإن لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته وقضاها بعد التسليم، وكذا
إن نسي في كل ركعة سجدة واحدة أو نسي التشهد الأول حتى قام ثم ذكر قبل الركوع رجع
فتشهد، فإن لم يذكر حتى ركع مضى وقضاه إذا سلم بلا تسليم، وإن نسي التشهد الأخير
حتى يسلم ثم ذكر قضاه بتسليم بعده، ومن نسي ركعتين من صلاة الليل أو أكثر ثم ذكر بعد
أن أوتر صلى ما نسي وأوتر بعده خرج الوقت أو لا، ومن نسي التشهد في النافلة وذكر في
الركوع بعده أسقط ذلك وجلس وتشهد وسلم ثم استأنف ما كان يصلى.
وثالثها: ما لا حكم له وذلك أيضا في ثلاثين موضعا: من شك في شئ وقد انتقل إلى
حالة أخرى، كأن شك في النية أو في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة، أو في القراءة وهو
في الركوع، أو في الركوع وهو في السجود، أو في السجود وهو قائم، أو في تسبيح الركوع أو
السجود وقد ارتفع منه، أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة، أو سها عن القراءة حتى
ركع، أو نسي الجهر أو الإخفات في موضعيه، أو نسي التسبيح في الركوع أو السجود حتى
ارتفع، أو نسي رفع الرأس من الركوع، أو الطمأنينة بين السجدتين، أو زاد سجدة واحدة
في أي ركعة كانت، أو صلى إلى يمين القبلة أو شمالها ولم يذكر حتى يخرج الوقت، أو سها
وتواتر سهوه، وقيل: إن حد ذلك أن يسهو ثلاث مرات متواليات، أو سها في سهو، أو
سها فوضع اليمين على الشمال، أو قال آمين آخر الحمد، أو التفت إلى ورائه، أو أن أنينا
بحرفين، أو قهقه قهقهة أو تأفف بحرفين، أو فعل فعلا كبيرا ليس من أفعال الصلاة ما لم
624

يكن من نواقض الطهارة، أو سها فلم يمكن جبهته على الأرض في السجود، أو سها في
النافلة سوى ما سبق، أو سها الإمام وقد حفظ عليه المقتدون، أو سهو المقتدون وقد حفظ
عليهم الإمام، وإن سها كلهم أو أكثرهم فيما يوجب الاستئناف أعادوا احتياطا.
ورابعها: ما يوجب الاحتياط وذلك في خمسة مواضع:
من شك فلا يدري كم صلى ثنتين أم ثلاثا في الرباعيات وقد تساوت ظنونه بنى على
الثلاث وتمم، فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، بالحمد وحدها أو ما يقوم
مقامها من التسبيح، فإن كان صلى أربعا كانت الركعة من قيام والركعتان من جلوس نافلة،
وإن كان صلى ثلاثا كان ذلك تمام الصلاة.
وكذا من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، وسلم صلى ركعتين من جلوس
أو ركعة من قيام.
وإن شك بين الثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع فإذا سلم صلى ركعتين من قيام
وركعتين من جلوس، فإن كان صلى ثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة والركعتان
من جلوس نافلة وإن كان صلى ثلاثا كانت الركعتان من جلوس تمام الصلاة والركعتان
من قيام نافلة وإن صلى أربعا كان كلاهما نافلة.
ومن شك بين الثنتين والأربع بنى على الأربع فإذا سلم صلى ركعتين من قيام.
ومن شك في النافلة فلا يدري كم صلى بنى على الأقل وإن بنى على الأكثر جاز.
وخامسها: ما يوجب الجبران بسجدتي السهو وذلك في خمسة مواضع: إن تكلم في
الصلاة ناسيا، أو سلم في غير موضعه ناسيا، أو نسي التشهد الأول حتى ركع في الثالثة
وقضاه بعد التسليم، أو نسي سجدة واحدة حتى ركع فيما بعدها ثم قضاها بعد التسليم، أو
شك بين الأربع والخمس بنى على الأربع فإن ذكر أنه صلى خمسا أعاد، وفي أصحابنا من قال
تجب سجدتا السهو في كل زيادة أو نقصان على سبيل النسيان بعد التلافي.
وتكون سجدتا السهو بعد التسليم يكبر ويسجد ويقول: بسم الله وبالله السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، أو غير ذلك من ذكر الله تعالى، ثم يرفع رأسه بالتكبير ثم
يعود إلى السجدة الثانية بالتكبير ويفعل كما فعل في الأولى، ويجلس ويتشهد تشهدا خفيفا
625

يتضمن الشهادتين والصلاة على النبي وآله ع، ويسلم بعده، وهما واجبتان
فمن تركهما كانتا في ذمته ويجب عليه الإتيان بهما ولو بعد حين لكن لا يجب بتركهما إعادة
الصلاة فمن شك فيهما أو في إحديهما قبل الانتقال إلى حالة أخرى أتى بهما احتياطا وبعد
الانتقال لا، ومن سها سهوين أو أكثر مما يوجب سجدتي السهو سجدهما لكل سهو بانفراده
احتياطا، وقيل: ليس عليه أكثر من سجدتين لأن زيادته محتاج إلى دليل.
فصل:
صلاة الجمعة لا تصح ولا تنعقد إلا بحضور السلطان العادل أو من يأمره هو،
واجتماع سبعة نفر وجوبا وخمسة ندبا، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال وهي فرسخ
واحد فصاعدا، وأن يخطب خطبتين، ولا تجب إلا على ذكر حر بالغ، كامل العقل، غير
مريض ولا أعمى ولا أعرج، ولا شيخ لا حراكة به، ولا مسافر، ولا من بينه وبين من
يصلى الجمعة ما زاد على فرسخين، ولا بد أن يكون مسلما حتى تصح منه العبادة.
والعبد والمسافر والمرأة إذا صلوها سقط عنهم فرض الظهر وإن كان لم يجب عليهم
ولا ينعقد بهم، والمريض والأعمى والأعرج ومن كان على أكثر من فرسخين أو حضروا
الجمعة وتم بهم العدد وجب عليهم الدخول فيها وانعقدت بهم وإن كان لم تجب عليهم.
والكافر تجب عليه ولا تنعقد به لأنه مخاطب أي مكلف بالعبادات ولا يصح ذلك منه كافرا.
ومن كان بينهم وبين الجمعة فرسخان إلى فرسخ وفيهم العدد الذي ينعقد به الجمعة
أقاموها إن شاؤوا أو حضروا البلد للجمعة، فإن لم يكن فيهم العدد لزمهم حضورها ما لم
تتجاوز المسافة فرسخين، فإن تجاوزت فعليهم الظهر لا غير.
إذا صليت الجمعة في موضعين بينهما أقل من فرسخ في حالة واحدة بطلتا، وعليهما
الجمعة في موضع واحد إن بقي الوقت وإلا فالظهر أربعا، وإن تقدمت إحديهما لزمت
المتأخرة الظهر لا غير، فإن لم تعلم السابقة أو لم تتعين بطلتا معا، والسبقة تحصل بمقدار
تكبيرة الإحرام، والمسافر إذا نوى مقام عشرة أيام لزمته الجمعة ومن لزمه الجمعة فصلى
الظهر عند الزوال أربعا لم يجزئ عن الجمعة، فإن لم يحضرها حتى خرج الوقت قضاها أربعا،
وإن صلى الظهر في أول الوقت من فرضه الأربع منفردا أو في جماعة ثم حضر الجمعة لم يجب
626

عليه الدخول فيها، والأفضل الدخول.
يتعمم الإمام ويتردى ببرد يمنية أو عدني شاتيا كان أو قائظا، ولا تصح الجمعة
من دون الخطبة، ومن شرطها أن يأتي بها قائما، ويفصل بين الخطبتين بجلسة وقراءة
سورة خفيفة، والكلام فيهما وبينهما مكروه غير محظور، و يعتمد على سيف أو عصا أو قوس،
فإن خطب جالسا بلا عذر بطلت صلاة من علم دون من لم يعلم، ومن شرط الخطبة
الطهارة، وأقل ما تكون الخطبة حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي وعلى
الأئمة من آله ع، والدعاء للمؤمنين، والوعظ والإنذار، وقراءة لسورة خفيفة
بين الخطبتين، ويقتصد في الخطبة ولا يطول لئلا تفوته فضيلة أول الوقت.
يأخذ الإمام في الخطبة بقدر ما إذا فرع منها زالت الشمس، فإذا زالت نزل وصلى
بالناس، وإذا أخذ في الخطبة فليس لأحد أن يصلى أو يتكلم بل يصغي إلى الخطبة،
ومن دخل في خلال الخطبة لا يسلم، والأذان يوم الجمعة مرة واحدة والثاني مكروه، وأدنى
ما يلحق الجمعة أن يدرك الإمام راكعا في الركعة الثانية، فإن وافق تكبير الإحرام حال رفع
رأس الإمام منه فقد فاته الجمعة وعليه الظهر أربعا، وإذا أدرك مع الإمام ركعة صلى أخرى
إذا سلم الإمام، ويستحب للإمام الجهر بالقراءة في الجمعة، ويقنت قنوتين أحدهما في الركعة
الأولى قبل الركوع والآخر في الثانية بعد الركوع، ومن صلى يوم الجمعة أربعا يستحب له
الجهر أيضا، ولا بأس أن يجمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر عليهم فيصلوا
جماعة بخطبتين ركعتين، وأبي ذلك صاحب المراسم، وأراه آخذا بزمام الاحتياط.
ومن وكيد السنن غسل يوم الجمعة، ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال وكلما قرب من
الزوال كان أفضل، فإن فاته قضاه بعد الزوال أو يوم السبت، وإذا خاف فقد الماء قدمه
يوم الخميس، ويستحب تقديم النوافل للظهر والعصر يوم الجمعة خاصة قبل الزوال، وأن
يزاد فيها أربع ركعات، ويجمع بين الفريضتين بلا توسط أذان بينهما، وإن صلى ست ركعات
من النوافل بين الفرضين جاز، فإن لم يتفق تقديمها أخرها إلى بعد العصر فإن الجمع بين
الفرضين في أول الوقت كان أفضل على كل حال، ويحرم البيع يوم الجمعة حين يقعد الإمام
على المنبر بعد الأذان على من وجبت عليه الجمعة خاصة.
627

فصل:
يكره تعلية المساجد بل تبنى جما وسطا، ويكره أن تكون مظللة، ويستحب أن تكون
مكشوفة، ولا يجوز أن تكون مزخرفة أو مذهبة أو مصورا عليها، ولا تعلى المنارة على حائط
المسجد، وتكره المحاريب الداخلة في الحائط، ولا يجوز نقض المسجد إلا إذا استهدم
ولا يؤخذ شئ منه في ملك ولا في طريق، ويكره أن يتخذ طريقا، ويجنب البيع والشراء،
والمجانين والصبيان، وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر والضالة ورفع الأصوات، وعمل
الصنائع، ويكره سل السيف فيه، ولا يجوز إزالة النجاسة فيه، ولا دخول مشرك فيه ذميا
كان أو غيره، ولا يبصق ولا يتنخم فيه، ولا يقصع القمل، ولا تكشف العورة، ولا يدخله
من أكل الثوم والبصل ونحوهما نيا حتى تزول رائحته، ويكره النوم فيه، ولا يجوز الدفن
فيه، ومن أراد دخوله تعاهد نعله احترازا من النجاسة ويقدم الرجل اليمنى على اليسرى
وإذا خرج فبالعكس.
فصل:
الجماعة فيما عدا الجمعة من الفرائض سنة مؤكدة، وأقل من تنعقد به اثنان، ولا
تنعقد إلا بتقديم الأذان والإقامة، وقيل: إن ذلك من الفضل دون الوجوب، ولا ينبغي أن
يترك الجماعة مختارا، ولا يجوز أن يقف المأموم قدام الإمام، ومن كان بينه وبين الصفوف
حائل يمنع من مشاهدتها لم يجز له الاقتداء، وينبغي أن يكون بين الصفين مربض غنم،
ويكره وقوف الإمام في المحراب الداخل في الحائط، ولا يجوز أن يكون الإمام على مثل دكة
عالية أو سقف والمقتدرون أسفل منه، ويكره أن يقف المأموم وحده وفي الصفوف فرجة،
ويجب أن يكون الإمام مؤمنا معتقدا للحق يؤمن بالتوحيد والعدل والنبوة وإمامة الاثني عشر
ع والبراءة من أعدائهم، وأن يكون عدلا مرضيا، ولا يجوز إمامة المخالف في
شئ من ذلك ولا الموافق إذا لم يكن عدلا مرضيا، ومن صلى خلف إمام ثم تبين أنه كان
فاسقا أو كافرا لم يجب عليه الإعادة ولا عليهما إذا تابا.
ويقدم في الجماعة أقرأهم، ويعتبر في القراءة ما يحتاج إليه في الصلاة، فإن تساووا
628

فأفقههم، فإن تساووا فأشرفهم، فإن تساووا فأقدمهم هجرة، فإن تساووا فأسبقهم في
الاسلام، وإن تساووا فأصبحهم وجها، والهاشمي المستجمع للصفات أولى من غيره.
ولا يجوز أن يؤم أمي بقارئ، ولا عبد بحر، ولا أعرابي بمهاجر، ولا مقيد بمطلق،
ولا قاعد بقائم، ولا مجذوم ولا أبرص ولا محدود ولا مفلوج بمن ليس كذلك ويجوز بمثلهم،
ولا يجوز إمامة ولد الزنى، ولا عاق والديه، ولا قاطع رحم، ولا سفيه، ولا أغلف، ولا تؤم
امرأة بخنثى ويجوز بالعكس، ويجوز أن يؤم الأعمى بالبصير إذا كان معه من يوجهه إلى
القبلة.
ويكره الاقتداء بمن يبدل حرفا بحرف ولا يأتي بالحروف على البيان والصحة أو لا
يفصح بالقراءة لعجمة أو غيرها، أو يلحن في القراءة، إذا لم يحسن إصلاح لسانه، فإن
أحسن وتعمد اللحن بطلت صلاته وصلاة من اقتدى به إن علموا بذلك، فإن لم يعلموا فلا
شئ عليهم، ولا يتقدمن أحد على غيره في مسجده ولا في منزله ولا في إمارته إلا بأمره
وإذنه.
ويكره للرجل أن يصلى بقوم وهم له كارهون، ويكره أن يؤم المتيمم بالمتوضئ،
والمسافر بالحاضر فإن فعل فإنه إذا أتم صلاته يقدم من يصلى بهم تمام الصلاة، ولا يمكن
الصبيان والعبيد من الصف الأول. وإذا صلى في مسجد جماعة كره أن يصلى تلك
الصلاة فيه دفعة أخرى جماعة، فإن حضر قوم صلوها فرادى، وروي: أنه يجوز إلا أنهم لا
يؤذنون ولا يقيمون ما لم تنفض الصفوف، فإذا انفضت أذنوا وأقاموا ثم صلوها جماعة.
ويجوز أن يأتم المتنفل بالمفترض وأن يؤم به، اختلف الفرضان أو اتفقا، كمن صلى
وحده ثم اؤتم بغيره أو أم به معيدا تلك الصلاة ثانية تطوعا، ويجوز أن يقتدي المؤدى
بالقاضي وإن اختلف الفرضان، ولا يجوز لمن لم يصل الظهر أن يصلى مع الإمام العصر
فإن صلى ظهره مع عصر الإمام جاز، ولا يجوز الاقتداء بمن اقتدى بغيره.
وإن صلى اثنان كل واحد منهما على عزم أنه مأموم بطلت صلاتهما، وعلى عزم أنه
إمام صحت، ومن فارق الإمام لا لعذر بطلت صلاته، فإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته.
من كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام لم يصح ووجب عليه أن يقطعها بتسليمة ثم
629

يستأنف الصلاة معه أو بعده بتكبيرة الإحرام، ولا يجوز أن يقرأ خلفه سواء كانت الصلاة
يجهر فيها بالقراءة أو لا يجهر، بل ينصت إلى القراءة فيما يجهر ويسبح الله مع نفسه فيما لا
يجهر، وروي استحباب قراءة الحمد وحدها فيما لا يجهر فيه، وإذا خفي قراءة الإمام على
المأموم فيما يجهر قرأ لنفسه، فإن سمع همهمة فهو بالخيار، وإذا صلى خلف من لا يقتدى به
متقيا أجزأه من القراءة كحديث النفس، وإن قرأ الحمد وحدها جاز، وإن قرأ الإمام سجدة
العزائم ولم يسجد أومأ هو بالسجود، ومن أدرك من الركوع مع الإمام مقدار أن يسبح
تسبيحة فقد أدرك تلك الركعة، فإن خاف فوت الركوع أجزأه تكبيرة واحدة للافتتاح
والركوع وينوي به الافتتاح لا غير، ولا بأس أن يأتي ببعض التكبير منحنيا، ومن خاف
فوت الركوع أحرم وركع ومشى في ركوعه حتى يلحق بالصف، والأفضل أن يسجد موضعه
ثم يلحق معه في الركعة الثانية.
من فاته ركعة مع الإمام جعل ما يلحق معه أول صلاته، فإذا سلم الإمام قام فتمم ما
فاته، ويقرأ مع الإمام الحمد وسورة إن أمكن وإلا فالحمد وحدها.
إذا جلس لا في وقت جلوسه مع الإمام حمد الله وسبحه، ويستحب للإمام أن يسمع من
خلفه التكبيرات كلها، وقول سمع الله لمن حمده، والشهادتين، ولا يجوز للمأموم أن يرفع
رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، فإن فعله ناسيا عاد إليه، وإن كان عامدا لم يعد بل
يقف حتى يلحقه الإمام، هذا للمقتدي، وغير المقتدي لا يجوز له العود مطلقا.
إذا حدث الإمام حدث يجب أن يستخلف غيره ليتمم الصلاة بهم، ويستحب أن
لا يستخلف إلا من شهد الإقامة، فإن استخلف من فاته بعض الصلاة صلى بهم تمام
صلاتهم، ويومئ إليهم ليسلموا ويقوم هو فيتمم صلاة نفسه، وإذا مات الإمام فجأة
نحي عن القبلة من غير أن يباشر جسمه، ويقدم من يتمم بهم الصلاة.
ولا يجوز الجماعة في النوافل إلا صلاة الاستسقاء ولا يبرح الإمام مكانه حتى يتم
صلاته من فاته شئ منها.
630

فصل:
يجب التقصير في الصلاة والصوم في كل سفر بلغ ثمانية فراسخ، بريدين،
أربعة وعشرين ميلا، إلا إذا كان السفر معصية فإنه لا يجوز فيه، وذلك مثل اتباع السلطان
الجائر في طاعته من غير ضرورة، وطلب الصيد للهو والبطر لا لنفقة العيال، فأما
للتجارة فروي: أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم، وإذا كانت المسافة أربع فراسخ وأراد
الرجوع من يومه قصر، وإن لم يرد ذلك وكان أربعة فصاعدا ولم يبلغ الثمانية فهو مخير
بين الإتمام والتقصير في الصلاة دون الصوم، وإن نقص عن أربعة لم يجز التقصير في
الصلاة أيضا، ومع ما ذكرنا لا يجوز التقصير إلا بعد أن يخرج ويتوارى عنه
جداران بلده، أو يخفى عليه أذان مصره، والمسافة في البحر كهي في البر في ذلك، وإذا ردت
الريح السفينة فوقفت لذلك كان الفرض التقصير لأنه لم ينو المقام.
المكاري والملاح والراعي والبريد والبدوي، والذي لم يكن له دار مقام، والوالي
الذي يدور في ولايته، والذي يدور في جبايته، والدائر في تجارته من سوق إلى سوق، ومن
كان سفره أكثر من حضره، لا يجوز لهؤلاء التقصير إلا إذا كان لهم في بلدهم مقام عشرة
أيام، فحينئذ يجب التقصير، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام قصروا الصلاة بالنهار
وتمموها بالليل، ولا يحتاج إلى نية التقصير بل ينوي فرض الوقت فحسب.
ومن خرج بنية السفر ثم بدا له وهو في الصلاة تمم، وإذا خرج من منزله وقد دخل
وقت الصلاة وجب عليه التمام إذا بقي من الوقت ما يفي به، فإن تضيق الوقت قصر،
وكذا إذا قدم وقد بقي وقت التمام تمم وإلا قصر، قال المرتضى رضي الله عنه: الأظهر أنه
يصلى بحسب حاله وقت الأداء فيتمم الحاضر ويقصر المسافر ما داما في وقت من
الصلاة وإن كان أخيرا، فإن خرج الوقت لم يجز إلا قضاؤها بحسب حاله عند دخول أول
وقتها، ومن دخل عليه الوقت وهو مسافر فنوى المقام قبل خروج الوقت لزمه. وكل من
تعلق عزمه بعزمه التمام، فإن غير نيته عن المقام بعد أن صلى على التمام ولو واحدة لم يجز له
التقصير إلا بعد الخروج، وإن غير نيته قبل أن يصلى شيئا على التمام قصر ما بينه وبين
شهر، فإذا مضى شهر لم يجز له التقصير ولو صلاة واحدة، ومن دخل في الصلاة بنية
631

القصر ثم عن له المقام عشرا تمم، وكذا إذا دخل بنية المقام عشرا ثم عن له الخروج تمم
لا غير.
إذا مال في سفر التقصير إلى الصيد لهوا أو بطرا تمم إلى أن يعود إلى السفر.
إذا مر في طريقه بضيعة له أو ملك له أو حيث له فيه قرابة فنزل ثم طرح ولم ينو المقام
فإن كان قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا تمم وإلا قصر.
إذا خرج في طلب غريم هرب أو عبد آبق على عزم أن يرجع حيث يجده لم يقصر
لأنه شاك في المسافة ما لم يسرها، فإذا بدا له الرجوع عن بعض الطريق كان في حكم سفر
مستأنف ويعتبر المسافة.
ومن خرج إلى مسافة فرسخ بنية أن ينتظر الرفقة ولم ينو المقام قصر إلى شهر ثم
تمم، فإن عن لبعضهم حاجة في البلد فعاد إليه قصر في الطريق، فإذا حضر بلده وحضرت
الصلاة تمم لأنه في مقام وإن أراد الخروج بلا فصل، وإن عاد في طريقه إلى بلد غير بلده
وكان قد نوى فيه مقام عشرة لحاجة قصر فيه لأنه لم يعد إلى وطنه، ومن أتم في السفر ناسيا
ثم علم به لم تلزمه الإعادة إلا إذا بقي الوقت، وإن أتم متعمدا أعاد إلا إذا لم يكن عالما
بوجوب التقصير.
من قصر مع الجهل بجواز التقصير بطلت صلاته لأنه صلى صلاة على غير
بصيرة من صحتها، ومن سافر إلى بلد له طريقان أحدهما فيه مسافة التقصير دون
الآخر، فسلك الأبعد لغير غرض لزمه التقصير لأن ما دل على وجوب التقصير عام، وقال
ابن البراج: لم يقصر.
ويستحب الإتمام في السفر في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر،
وروي: في حرم الله وحرم الرسول وحرم أمير المؤمنين ع وحرم الحسين
ع، فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف، وعلى الأول
لا يجوز إلا في نفس المسجد، وقال المرتضى رضي الله عنه: لا تقصير في مكة ومسجد
الرسول الرسول ص ومشاهد الأئمة القائمين مقام الرسول ص.
ويستحب للمسافر أن يعقب كل فريضة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
632

أكبر ثلاثين مرة جبرانا للصلاة.
فصل:
يجب التقصير في الصلاة عند الخوف من العدو سفرا كان أو حضرا، وقيل: لا
يقصر إلا بشرط السفر.
إذا كان العدو في غير جهة القبلة بحيث لا يتمكن من الصلاة إلا أن يستدبر
القبلة، أو يكون على يمينها، أو شمالها، ولا يأمن المسلمون مكرهم، وخافوا إن يتشاغلوا
بالصلاة هجموا عليهم، وكان في المسلمين كثرة بحيث يمكن أن تقاوم كل فرقة منهم
العدو، فحينئذ يفرقها الإمام فرقتين أحدهما توازى العدو والأخرى يصلون معه، فإذا قاموا
إلى الثانية طول الإمام قراءته وهم يتممون الصلاة وينوون الانفراد بها ويسلمون ويمضون
إلى العدو، وتجئ الفرقة الأخرى ويصلى بهم الإمام الركعة الثانية، ويطول التشهد حتى
يتمموا صلاتهم فيسلم بهم، وإن كانت صلاة المغرب يصلى بأي الفرقتين شاء من الأولى
والأخرى ركعة، وبالثانية ركعتين، وأن يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين فأفضل
وينبغي أن يكون سلاحهم الذي يصلون معه خاليا من النجاسة إلا ما لا يتم
الصلاة فيه منفردا، كالسيف والسكين والقوس والسهم والرمح، فإن صلى الإمام مرتين
بالفريقين وتكون الأخرى نفلا له جاز.
إذا سها الإمام في الركعة الأولى بما يوجب سجدتي السهو كان عليه وعلى الفرقة
الأولى سجدتان وإن سها في الثانية كان عليه وعلى الفرقة الثانية، وإن سهت الفرقتان
فيما انفردوا به فعليهم دون الإمام.
إذا صلى كل واحد منهم منفردا بلا جماعة بطل حكم التقصير إلا في السفر.
إذا اشتد الخوف فلم يتمكنوا من الصلاة كذلك صلى كل واحد منهم إيماء
بحسب الإمكان راكبا كان أو ماشيا، فإن لم يمكنه استقبال القبلة استقبلها بتكبيرة الإحرام
ويسجد على الأرض أو على قربوس سرجه إن أمكن، وإلا فبالإيماء بكون سجوده أخفض
من ركوعه، فإن لم يمكنه الإيماء أجزأه عن كل ركعة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
633

والله أكبر.
ومن صلى مع شدة الخوف ركعة ثم أمن نزل وتمم صلاته على الأرض إن لم يستدبر
القبلة، فإن استدبرها استأنف، وكذا إن صلى ركعة على الأرض آمنا فلحقه شدة الخوف
ركب وتمم إيماء، ويجوز صلاة شدة الخوف إذا خاف من سيل يلحقه، أو عدو يأخذه، أو سبع
يفترسه، ولم يقدر على التحرز منه.
إذا رأى سوادا فظن أنه عدو فصلى صلاة شدة الخوف ثم تبين أنه لم يكن عدوا فلا
إعادة عليه.
إذا كان العدو في جهة القبلة لا يسترهم شئ، ولا يخاف من جنبتهم وبالمسلمين
كثرة فلا صلاة خوف، ويجوز أن يصطف المسلمون خلف الإمام صفين فيركعوا جميعا ثم،
يسجد الإمام مع الصف الأول والصف الأخير قيام يحرسونه، فإذا فرغوا من السجود سجد
الصف الأخير، ثم يتأخر الصف الأول ويتقدم (الأول) الأخير إلى مقام الأول، ثم يركع الإمام
مع الصفين، ثم يسجد مع الصف الذي يليه والصف الأخير قيام يحرسونه، فإذا جلس
الإمام والصف الأول سجد الأخير، ثم يسلم بهم جميعا.
فصل:
راكب السفينة يستقبل القبلة ويدور مع السفينة كيف ما دارت متوجها إليها، فإن
تعذرا استقبلها بتكبيرة الإحرام ثم صلى كيف ما دارت، فإن لم يتمكن من الصلاة قائما
صلى جالسا، فإن لم يجد ما يسجد عليه وكان خشب السفينة مقيرا غطاه بثوب وسجد عليه،
فإن لم يجد سجد على القير وقد أجزأه، والنافلة تصلي إلى صدر السفينة إذا عجز من
التوجه.
فصل:
من زال عقله بجنون أو إغماء سقط عنه فرض ما تقضى وقته دون ما أفاق في وقته،
والمريض الثابت العقل يصلى قائما، فإن عجز اعتمد على عصا أو حائط، فإن عجز
634

صلى جالسا، والإنسان على نفسه بصيرة، وروي: أنه إذا لم يقدر على الوقوف أو المشي
مقدار زمان صلاته صلى جالسا، فإن صلى جالسا وقدر أن يقوم فيركع فعل، فإن لم يقدر على
السجود رفع إليه ما يسجد عليه، فإن عجز عن الصلاة جالسا صلى مضطجعا على يمينه
ويسجد فإن عجز عن السجود أومأ به، فإن لم يتمكن من الاضطجاع فمستلقيا إيماء،
يغمض عينيه للركوع وللسجود ويفتحهما للارتفاع، فإن عرض له في أثناء الصلاة تمكن
أو عجز عمل على مقتضاه بانيا على ما سبق منه، (و) من عجز عن الوقوف لقراءة سورة
طويلة لمرض أو ضعف جاز أن يقعد سواء كان منفردا أو مع الإمام، وإذا صلى المريض جالسا
جلس لما عدا التشهد متربعا أو مفترشا، وللتشهد متوركا، والمريض في السفر يصلى
الفرض على ظهر الدابة حسب الطاقة إن لم يقدر على النزول.
إذا حدث بالمبطون وهو في الصلاة ما ينقض وضوءه أعاد الوضوء وبنى على
صلاته، وكذلك سلس البول إذا استبرأ، ندب إلى لف خرقة على ذكره لئلا تتعدى
النجاسة، ولا يلزمه تجديد الوضوء عند كل صلاة.
والمقيد والأسير في الكفار والمصلوب يصلون إيماء إذا عجزوا عن شرائط الصلاة،
وإذا تضيق وقت الصلاة على الموتحل والغريق والسابح ولم يتمكنوا مما يصلون عليه أو
فيه صلوا إيماء، سجودهم أخفض من ركوعهم، مستقبلي القبلة مع الإمكان، والعريان إذا
فقد ما يستر به عورته من ثوب أو حشيش أو غيره - وكان وحده آمنا من اطلاع بشر -
صلى قائما، وإن لم يأمن ووجد نقبا صلى فيه قائما، وإلا فجالسا، وإن كانوا جماعة عراة
وأرادوا الجماعة صلوا من جلوس صفا واحدا لا يتقدمهم الإمام إلا بركبتيه، ويكون ركوعه
وسجوده إيماء، سجوده أخفض من ركوعه، والمتقدمون يركعون ويسجدون على الأرض
جلاسا، ولا يمكن أن تصلي معهم النساء إلا مع حائل أو منفردين.
فصل:
من فاته صلاة لم يكن مخاطبا بها، كالمجنون، والمغمى عليه، والزائل العقل بسبب
من الله تعالى، لم يلزمه قضاؤها إلا إذا أفاق وقد بقي من وقتها مقدار أدائها أو مقدار ركعة
635

منها، ويستحب له قضاء ثلاثة أيام، وأقله يوم وليلة، وكافر الأصل لا يلزمه أيضا قضاء
ما فاته في حال كفره، وأما من كان كامل العقل، بالغا، وعلى ظاهر الاسلام أي نحلة كانت
فإنه يجب عليه قضاء ما فاته لمرض أو كسل أو سكر أو تناول مرقد أو نوم، وإذا استبصر
مخالف للحق لم يجب عليه إعادة ما صلاة قبل استبصاره، ووقت الصلاة الفائتة وقت ما
ذكرناها ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة، ومتى شرع في الفريضة الحاضرة في أول وقتها
ثم ذكر أن عليه فائتة عدل بنيته إلى الفائتة ثم استأنف الحاضرة، وينبغي أن يقتضي
الفوائت كما فاتته أولا فأولا، فإن خالف لم يجزئه، فإذا تضيق وقت الحاضرة قطع الفائتة
وصلى الحاضرة، وإن صلى الحاضرة في أول الوقت قبل علمه بأن عليه فائتة أجزأه، وبعد
علمه فلا يجزئه، ومن فاتته صلاة واحدة من الخمس ولا يدري أيها هي؟ صلى أربعا وثلاثا
وثنتين، ينوي بالأربع إما الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة، وبالثلاث المغرب، وبالثنتين
الغداة، وقال صاحب الغنية: من فاتته صلاة من الخمس غير معلومة له بعينها لزمه أن
يصلى الخمس بأسرها وينوي لكل صلاة منها قضاء الفائتة، بدليل الاجماع وطريقة
الاحتياط.
من فاتته صلاة بعينها مرات ولا يحصيها صلى إلى أن يغلب على ظنه أنه أتى عليها
أو زاد، فإن لم يعلمها بعينها صلى في كل وقت من كل صلاة إلى أن يغلب على ظنه أنه
قضى ما عليه، ولا يجوز نقل النية من النافلة إلى الفرض بل يجب استئناف الفائتة، ويقضي
في الحضر ما فاته في السفر مقصورا، وفي السفر ما فاته في الحضر تاما.
ومن وجب عليه صلاة وأخرها عن وقتها حتى مات قضاها عنه وليه كما يقضي عنه
حجة الاسلام والصيام ببدنه، وإن تصدق بدله عن كل ركعتين بمد أجزأه، فإن لم يقدر فلكل
أربع مد، فإن لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل، والصلاة أفضل، هكذا ذكره
المرتضى رضي الله عنه في العليل وصاحب الغنية عاما، لا يقال: كيف يكون فعل الولي تلافيا لما
فرط فيه المتوفى وكان متعلقا في ذمته وليس للإنسان إلا سعيه وقد انقطع بموته عمله؟ لأنا نقول: إن
الله تعالى تعبد الولي، له بذلك، والثواب له دون الميت، وسمي قضاء عنه من حيث حصل
عند تفريطه، وتعويلنا في ذلك على إجماع الفرقة المحقة وطريقة الاحتياط، ومما يمكن
636

التمسك به في ذلك عموم قول النبي ص: فلدين الله أحق أن يقضي.
المرتد الذي يستتاب يقضي ما فاته من الصلاة والصوم والحج والزكاة في حال
الردة وقبلها إذا تاب، وكذا إذا أخل العاقل بعبادة ثم زال عقله ببلاء من الله تعالى يجب
عليه قضاء ذلك إذا أفاق، فإن لم يفق وجب على وليه. ومن ترك الصلاة وقال: لا اعتقد
وجوبها على، فهو مرتد يجب قتله، وإن قال: هي واجبة، لكن ما فعلتها لكسل أو نحوه أنكر
عليه وأمر بالقضاء. فإن لم يفعل عزر، وأن ترك ثلاث صلوات عزر ثلاث مرات واستتيب في
الرابعة، فإن تاب وإلا قتل، ويجري عليه حكم المسلم لا المرتد، ومن فاته شئ من النوافل
المرتبة في اليوم والليلة قضاه متى شاء ما لم يكن وقت فريضة حاضرة، وإن كانت كثيرة ولم
يتمكن من قضائها تصدق عن كل ركعتين بمد من الطعام، وإلا فعن كل يوم بمد ليحوز به
فضلا، ويجوز قضاء صلاة الليل متى شاء ولو بعد الغداة أو العصر، ومن فاتته صلاة الجمعة
قضى الظهر أربعا.
فصل:
يجب ركعتا الطواف خلف مقام إبراهيم ع يقرأ في الأولى بعد الحمد
الإخلاص وفي الثانية الجحد ندبا، فإن نسيها صلاها ثم يعيد فإن لم يتمكن من الرجوع إليه
صلاها حيث يذكر.
فصل:
ومن نذر صلاة على صفة أو في مكان أو زمان مخصوص لزمه فعلها على ما نذر، فإن
خالف لم يجزئه ولزمه الإعادة، وإن كان ما علقها به من الزمان لا مثل له فأخل بها فيه مختارا
لزمه الكفارة على ما سيأتي.
637

فصل:
صلاة العيدين لا تجب إلا على من تجب عليه الجمعة، وشروطها شروطها، ولا قضاء
فيها، ومن لم يحضر لمنع صلاها في منزله سنة كما يصلى مع الإمام، وروي جواز أن يصليها
أربعا، والغسل فيه ندب، ووقتها عند انبساط الشمس إلى زوالها ويفوته إذا زالت، ووقت
الغسل بعد طلوع الفجر إلى أن تصلي صلاة العيد، ويأتي بصلاة الفطر في أوائل الوقت
ندبا بخلاف الأضحى، ويطعم قبل صلاة الفطر حلاوة بخلاف الأضحى فإنه يطعم بعد
الصلاة فيه من الشواء لا قبلها، وهي في الصحراء أفضل مع الإمكان إلا بمكة فإنه يصلى
في المسجد الحرام، ويتعمم الإمام شاتيا أو قائظا، ويخرج حافيا على سكينة ووقار غير راكب
مع التمكن ندبا، والأذان والإقامة فيهما بدعة بل يقول المؤذن: الصلاة، ثلاثا، ولا يسجد
إلا على الأرض ندبا، ولا يصلى يوم العيدين قبل الزوال نافلة لا ابتداء ولا قضاء إلا بالمدينة
فإنه يصلى فيه في مسجد النبي ص ركعتين قبل الخروج إلى المصلى ندبا
وفي المسجد الحرام ندبا، وإذا اجتمعت صلاة عيد وجمعة في يوم واحد فمن شهد صلاة
العيد سقط عنه فرض الجمعة وكان مخيرا في حضورها، ويكره السفر بعد طلوع الفجر في يوم
العيد حتى يصلى صلاته، والمسافر والعبد ندب إليهما وإن لم يجب عليهما، ولا يجوز الخروج
إليها لذوات الجمال من النساء دون العجائز.
وهي ركعتان بتسع تكبيرات زائدة فيها على المعتاد في سائر الصلوات، خمس في
الأولى، وأربع في الثانية، فيرفع يديه مع كل تكبيرة ويقنت ويدعو بعدها في المأثور والقراءة في
الأولى بعد الحمد سورة الأعلى، وفي الثانية والشمس وضحاها، والتكبيرات بعد القراءة، ولا
يجوز الخطبة فيها إلا بعد الصلاة، ويحث الإمام الناس في الخطبة على الفطرة في الفطر،
وعلى الأضحية في الأضحى ندبا.
ومن حضر صلاة العيد وصلاها كان مخيرا في سماع الخطبة، ويخطب على منبر من
الطين ولا ينقل من موضعه، ومن نسي التكبيرات حتى يركع مضى ولا شئ عليه، وإن كبر
قبل القراءة ناسيا أعادها بعد القراءة وإن فعل ذلك تقية فلا شئ عليه، وإن شك في عددها
بنى على اليقين احتياطا، وإن أدرك مع الإمام بعضها تممها مع نفسه، وإن خاف فوت الركوع
638

قضاها بعد التسليم، ويكبر في الفطر عقيب أربع صلوات: المغرب، والعشاء الآخرة ليلة
الفطر، والغداة، وصلاة العيد، وفي الأضحى إن كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة: أولاها
الظهر من يوم النحر وأخريها الفجر من رابع النحر، وفي غير منى عقيب عشر من ظهر يوم
النحر إماما كان أو مأموما أو منفردا، كل ذلك ندبا، ومن نسي صلاة منها إلى انقضاء أيام
التشريق قضاها وكبر بعدها، ويرجع في صلاة العيد من غير الطريق الذي جاء منه ندبا.
فصل:
صلاة الكسوف فريضة على الرجال والنساء، والعبيد والمسافر أيضا مع التمكن،
عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل المتواترة والرياح المخوفة والظلمة
الشديدة، والجماعة فيها ندب، وكذا الإتيان بها تحت السماء، ومن تركها متعمدا وقد احترق
القرص كله وجب قضاؤها مع غسل، وإن لم يحترق كله قضاها بلا غسل، وإن تركها ناسيا
وقد احترق القرص كله وجب قضاؤها، وإن احترق بعضه فلا قضاء، ووقتها إذا ابتدأ في
الانكساف، وإذا ابتدأ في الانجلاء فقد مضى وقتها، وإذا فرع منها قبل الابتداء في
الانجلاء أعادها ندبا، ومن لم يمكنه النزول من الدابة صلى على ظهرها، ويجوز تقديمها على
فريضة الوقت إذا لم يتضيق وقت تلك الفريضة، وقد روي: أنه يقدم فرض الوقت على كل
حال ولا يقدم النافلة عليه، وإذا اجتمع صلاة الكسوف وصلاة الميت بدأ بصلاة الميت.
وهذه الصلاة عشر ركعات بأربع سجدات وتشهد واحد، يفتتح الصلاة ويقرأ
الحمد وسورة ثم يركع، فإذا رفع رأسه كبر وعاد إلى القراءة ثم ركع هكذا خمسا، ويقول بعد
الخامس: " سمع الله لم حمده " ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيفعل كذلك مرة أخرى،
ويقنت قبل ركوعين أعني قبل الركوع الثاني ثم قبل الرابع ثم السادس ثم الثامن ثم
العاشر، وإن اقتصر على القنوت في العاشر جاز، ويجعل مقدار قيامه في الصلاة مقدار
الكسوف، ومقدار ركوعه مقدار قراءته، ويقرأ السور الطوال، ويجهر بالقراءة، كل ذلك
ندبا، فإن قرأ في الأولى مع الحمد بعض سورة وأراد قراءة باقيها في الثانية لم يلزم قراءة
الحمد، فإن أراد قراءة سورة أخرى قدم الحمد عليها.
639

فصل:
يجب الصلاة على كل ميت يظهر الشهادتين ومن كان بحكمهم من المجانين
والأطفال الذين بلغوا ست سنين فصاعدا، ويصلى على من لم يبلغ ذلك ندبا، وهي
فرض على الكفاية، وأولى الناس بالصلاة على الميت بعد الإمام العادل
الولي أو من يقدمه الولي، ويستحب له أن يقدم هاشميا إن حضر، وإذا اجتمع جماعة من الأولياء فأولادهم به
أولاهم بميراثه، فإن كانوا في درجة قدم الأقرأ، ثم الأفقه، ثم الأسن، فإن تساووا أقرع بينهم،
والولي الذكر أولى من الأنثى، والحر أولى من المملوك، والزوج أحق بالصلاة على المرأة
من كل أحد، ويجوز فيها الجماعة والإفراد، وإذا اجتمع جنازة رجل وصبي ابن ست سنين
وخنثى وامرأة قدم المرأة إلى القبلة، ثم الخنثى، ثم الصبي، ثم الرجل، ويقف الإمام عنده،
وإن لم يبلغ الصبي ستا قدم هو أولا، ثم المرأة، والأفضل أن يصلى عليهم فرادى، وإن كان
المصلي اثنين وقف الثاني خلف الإمام لا عن يمينه بخلاف الجماعة.
يقف الإمام حذاء وسط الرجل وصدر المرأة، ولا يبعد عن الجنازة، وإذا لم يوجد ما
يستر به الميت وضع في القبر وغطيت سوأته بالتراب ثم يصلى عليه.
ليس من شرط هذه الصلاة الطهارة وإن كانت من فضلها، فإن فاجأته جنازة
يتيمم ندبا، ويجوز هذه الصلاة من الجنب والحائض بلا غسل، والفضل في أن يتيمما إن لم
يغتسلا، ويتحفى الإمام من النعلين دون الخف والشمشك، وهذه الصلاة خمس تكبيرات
بعدها أذكار وأدعية يرفع يديه بكل تكبيرة، والأفضل أن لا يرفعهما إلا مع الأولى، وإذا
فرع لا يبرح حتى ترفع الجنازة.
من فاته شئ من التكبيرات أتمها عند فراع الإمام متتابعة، وإن رفعت الجنازة كبر
عليها، فإن بلغت إلى القبر كبر على القبر إن شاء، ومن كبر قبل الإمام أعاد معه.
من فاتته الصلاة على الجنازة جاز أن يصلى على القبر يوما وليلة لا غير، ويكره
أن يصلى الانسان على جنازة واحدة مرتين، وإذا تضيق وقت فريضة بدئ بها ثم بالصلاة
على الميت إلا أن يخاف ظهور حادثة به
إذا كبر الإمام على جنازة بتكبيرة أو تكبيرتين ثم أحضرت جنازة أخرى كان مخيرا
640

بين أن يتم خمس تكبيرات على الأولى ثم استأنف على الأخرى، وبين أن يكبر خمسا من حيث
انتهى إليه، وقد أجزأه عن الصلاة عليهما، ومتى صلى على جنازة ثم بان أنها كانت
مقلوبة سويت وأعيدت الصلاة عليها ما لم يدفن، وليس في هذه الصلاة قراءة ولا
تسليم.
فصل:
صلاة الاستسقاء ندب عند قلة المطر والجدب، يأمر الناس الإمام بصيام ثلاثة أيام:
السبت والأحد والاثنين، أو غيرها من الأيام إلا أن الأفضل ذلك، ثم يبرز بهم اليوم الثالث إلى
الصحراء، ويقدم المؤذنين ويخرج على أثرهم بسكينة ووقار، ثم يصلى بهم ركعتين بلا أذان
ولا إقامة على ترتيب صلاة العيد، ولا يصلى في المسجد إلا بمكة، فإذا فرع استقبل القبلة
وكبر الله مائة، ثم التفت بيمينه فسبح مائة ثم التفت بيساره فهلل مائة، ثم استقبل الناس
وحمد الله مائة، رافعا بجميع ذلك صوته هو والناس جميعا، ثم يدعو ويخطب بالمأثور.
ويستحب اخراج الشيوخ الكبار، والصبيان الصغار، والبله والعجائز دون
الشواب، ويخرج البهائم في ذلك، ويكره اخراج أهل الذمة، ويستحب للإمام والمأموم
تحويل الرداء من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين دفعة واحدة، ورجاء أن ينقلب
الجدب خصبا، ويجوز الاستسقاء لنضوب ماء العيون والآبار ومن نذر صلاة الاستسقاء
يلزمه الوفاء بنفسه.
واعلم أن فيما عدا ما ذكرناه من النوافل المرغب فيها، المتعلقة بالأوقات
والأحوال كثيرة فالرأي أن نحيل بها على كتب العمل إيثارا للاختصار.
641

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
643

كتاب الصلاة
آكد عبادات الشرع وأعمها فرضا الصلاة لأنها لا تسقط عن المكلفين في حال من
الأحوال مع ثبات العقل وإن تغيرت أوصافها من قيام أو قعود إلى غير ذلك، وباقي
العبادات قد تسقط على بعض الوجوه عن قوم دون قوم فلذلك بدئ بها في أول كتب
العبادات.
اعلم أن الصلاة أفعال مخصوصة تتضمن تحريما وتحليلا والقول فيها لا يخرج عن
ذكر شروطها وبيان كيفية فعلها وما يجب أن يستحب فيها من ذكر أو غيره. والفرق بين
فرضها ونفلها، وبين ما يعرض فيها فيفسدها ويوجب القضاء وبين ما يعرض فلا يوجب
القضاء لكنه يوجب تلافيا مخصوصا وبين ما لا يوجب ذلك، وبيان ضروبها كصلاة المنفرد
والمؤتم والإمام، وما يضاف منها إلى أوقاتها كصلاة الجمعة والعيدين، وما يضاف منها إلى
أوقاتها كصلاة الجمعة والعيدين، وما يضاف منها إلى أسبابها كصلاة المسافر والمعذور
والخسوف والكسوف والزلازل والرياح والآيات المهولة والخوف والاستسقاء والنذور
والطواف والقضاء والجنازة وغير ذلك، وهذه جملة لا يكاد يخرج عن معناها شئ من أحكام
الصلاة ونحن نفصل ذلك بمشيئة الله وعونه.
باب أعداد الصلوات وعدد ركعاتها:
من المفروض والمسنون الصلاة المرتبة في اليوم والليلة تنقسم قسمين: مفروض
645

ومسنون. وكل واحد منهما ينقسم قسمين: فرائض الحضر وسننه، وفرائض السفر
وسننه. فأما فرائض الحضر فسبع عشرة ركعة: فريضة الظهر أربع ركعات بتشهدين
أحدهما في الثانية بغير تسليم، والثاني في الرابعة بتسليم بعده. وفريضة العصر مثل ذلك،
وفريضة المغرب ثلاث ركعات بتشهدين أحدهما في الثانية من غير تسليم والثاني في الثالثة
بتسليم بعده. وفريضة العشاء الآخرة مثل فريضة الظهر والعصر والغداة ركعتان بتشهد
في الثانية وتسليم بعده.
وأما سنن الحضر فأربع وثلاثون ركعة: ثماني ركعات بعد زوال الشمس قبل
الفريضة، وثماني بعد الفريضة قبل فريضة العصر، وأربع بعد المغرب، وركعتان من
جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة،
قولهم: تعدان بركعة، لأن نوافل الحضر أربع وثلاثون ركعة فإن عدت هاتان الركعتان ركعتين
كانت نوافل الحضر خمسا وثلاثين ركعة وخرجت أن تكون أربعا وثلاثين، فقال أصحابنا:
تعدان بركعة، لأجل ضبط جملة العدد الأول.
وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل، وركعتان نافلة الفجر بتشهد في كل ركعتين من هذه
النوافل كلها وتسليم، وكذلك جميع النوافل كل ركعتين بتشهد وتسليم بعده لا يجوز غير
ذلك.
وقد روي رواية في صلاة الأعرابي: أنها أربع بتسليم بعدها فإن صحت هذه الرواية وقف
عليها ولا يتعداها لأن الاجماع حاصل على ما قلناه.
هذه فرائض الحاضر ونوافله في يومه وليلته.
فأما فرائض المسافر فإحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم
بعده وكذلك العصر والعشاء الآخرة، والمغرب ثلاث ركعات كحالها في الحضر، والغداة
كحالها أيضا في الحضر لأنه لا قصر إلا في الرباعية فحسب.
وأما سنن المسافر فسبع عشرة ركعة على النصف من نوافل الحاضر: أربع بعد
المغرب كحالها في الحضر، وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل، وركعتان نافلة الفجر، وتسقط
الوتيرة وهي الركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة،
646

ويوجد في بعض كتب أصحابنا: ويجوز أن تصلي الركعتان من جلوس اللتان يصليهما في
الحضر بعد العشاء الآخرة فإن لم يفعلهما لم يكن به بأس، وهذا مسطور ووضع غير واضح إن
أراد بقوله: يجوز أن تصلي الركعتان على أنهما من غير نوافل السفر ولا يعتقدهما مصليهما
من نوافل المسافر المرتبة بل يتطوع الانسان بصلاة ركعتين من جلوس نافلة لا أنهما من جملة
نوافل المسافر المرتبة عليه غير ساقطة عنه في حال سفره فصحيح ما قال، وإن أراد أنهما في
حال سفره ما سقطتا عنه وهما على ما كانتا عليه في حال حضره فغير واضح بل قول خارج
عن الاجماع لأن الاجماع حاصل من أصحابنا على سقوط سبع عشرة من نوافل الحاضر عن
المسافر وهاتان الركعتان من جملة الساقط عنه. وقد سئل الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله
عن هذه المسائل في جملة المسائل الحائريات المنسوبة إلى أبي الفرج بن الرملي فقال السائل
عن الركعتين اللتين بعد العشاء الآخرة من جلوس: هل تصلي في السفر أم لا؟ وما الذي
يعمل عليه وما العلة في تركها أو لزومها؟ فأجاب الشيخ أبو جعفر بأن قال: تسقطان في
السفر لأن نوافل السفر سبع عشرة ركعة ليست منها هذه الصلاة، وكذلك يذهب في جمله
وعقوده ويوردها في نهايته في الموضع الذي ذكرناه وتحدثنا عنه فليلحظ ذلك.
باب أوقات الصلاة المرتبة في اليوم والليلة والأوقات المكروه فيها فعلها:
إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، فإذا مضى مقدار أداء صلاة أربع ركعات
اشتركت الصلاتان الظهر والعصر في الوقت إلى أن يبقى إلى مغيب الشمس مقدار
أربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويبقى وقت العصر، وبالغروب ينقضي وقت العصر،
فإذا غربت الشمس ويعرف غروبها بذهاب الحمرة من ناحية المشرق دخل وقت صلاة
المغرب فإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات دخل وقت العشاء الآخرة واشتركت
الصلاتان في الوقت إلى أن يبقى إلى انتصاف الليل مقدار أداء أربع ركعات فيخرج
وقت المغرب ويخلص ذلك المقدار للعشاء الآخرة.
ووقت صلاة الغداة طلوع الفجر وهو البياض المتجلل أفق المشرق ثم يمتد إلى قبيل
طلوع قرن الشمس فإذا طلعت خرج الوقت.
647

ووقت صلاة الليل من انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الثاني،
وقال السيد المرتضى: إلى طلوع الفجر الأول، والقول الأول أظهر في المذهب ووقت ركعتي
الفجر بعد الفراع من صلاة الليل وآخره طلوع الحمرة.
وقال بعض أصحابنا: أوله طلوع الفجر الأول، والأول من القولين هو الأظهر لقولهم
ع المجمع عليه: دسهما في صلاة الليل دسا، وسميت الدساستين لهذا المعنى.
والذي اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في جميع كتبه: النهاية والمبسوط
والجمل والعقود ما خلا مصباحه.
وأداء الصلاة في أول الوقت أفضل من آخره بغير خلاف ما خلا صلاة الليل أعني
نافلة صلاة الليل فإن فعلها في الربع الأخير من الليل أفضل وقيل: السدس،
هذا الذي اخترناه من الأوقات هو المعمول عليه المحقق من المذهب المجمع عليه، وقد ذهب
بعض أصحابنا وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في سائر كتبه: إلى أن لكل صلاة وقتين أولا
وآخرا فالوقت الأول لمن لا عذر له والثاني لمن له عذر.
فأول وقت الظهر للمختار زوال الشمس وآخره قبل أن يصير ظل كل شئ مثله
بمقدار أداء فريضة الظهر، فإذا صار ظل كل شئ مثله قبل أن يصلى المختار الفريضة
صارت الظهر قضاء لا أداء، وأول وقت العصر عنده للمختار بعد فريضة الظهر وآخره
قبل أن يصير ظل كل شئ مثليه بمقدار أداء فريضة العصر، فإذا صار ظل كل شئ مثليه
قبل أن يصلى المختار الفريضة صارت قضاء لا أداء.
وأول وقت المغرب عدم الحمرة من ناحية المشرق، وآخره للمختار قبل غيبوبة
الشفق من ناحية المغرب بمقدار أداء فريضة المغرب، فإذا عدمت الحمرة من ناحية
المغرب ولم يصل المختار الفريضة صارت قضاء لا أداء، وأول وقت العشاء الآخرة بعد
صلاة المغرب وآخره قبل ثلث الليل بمقدار أداء فريضة العشاء الآخرة، فإذا صار الثلث
من الليل ولم يصل المختار صلاة العشاء الآخرة صارت قضاء لا أداء فيجعل الوقتين
لمكلفين: للمختار الوقت الأول ولمن له عذر الوقت الأخير.
ولا خلاف في أن أول الوقت لأداء الصلاة أفضل من آخره، وإن لكل صلاة وقتين
648

ولو قيل: إن لكل صلاة وقتا وللوقت أول وآخر كان صوابا جيدا، وإنما الخلاف بين أصحابنا
في هل الوقتان لمكلف واحد أو لمكلفين؟ فالصحيح أن الوقتين لمكلف واحد إلا أن
الصلاة في الوقت الأول أفضل من الوقت الأخير على ما قدمناه.
والذي يدل على ما اخترناه ويعضد ما قويناه بعد الاجماع قوله تعالى: وأقم الصلاة طرفي
النهار، يعني الفجر والعصر، وطرف الشئ ما يقرب من نهايته ولا يليق ذلك إلا بقول من
قال: وقت العصر ممتد إلى قرب غروب الشمس لأن مصير ظل كل شئ مثله أو مثليه يقرب
من الوسط ولا يقرب من الغاية والنهاية، ولا معنى لقول من حمل الآية على الفجر والمغرب
لأن المغرب ليس هي في طرف النهار وإنما هي في طرف الليل بدلالة أن الصائم يحل له الإفطار
في ذلك الوقت والإفطار لا يحل في بقية النهار، وأيضا قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل، وغسق الليل عندنا انتصافه، فظاهر هذا الكلام يقتضي: أن وقت الظهر
ابتداؤه من دلوك الشمس وهو زوالها وأنه يمتد إلى غسق الليل وخرج منه بالدليل والإجماع
وقت غروب الشمس فبقي ما قبله. وأيضا ما روي عن النبي ص، أنه قال: إنما
أجلكم في أجل ما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، فظاهر هذا القول
يقتضي التناهي وقصر المدة، ولا يليق ذلك إلا بما اخترناه. ونظير هذا الخبر في إفادة قصر
المدة ما روي من قوله ع: بعثت والساعة كهاتين، وأشار ص
بالسبابة والوسطى. وأيضا ما روي: من أن النبي ص صلى الظهر في
الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس وهذا يقتضي أن الوقت وقت لهما جميعا، ومن ادعى أن هذا
الخبر منسوخ وأنه كان قبل استقرار المواقيت فقد ادعى ما لا برهان عليه. وأيضا ما رواه ابن
عباس عنه ع: من أنه جمع بين الصلاتين في الحضر لا لعذر وهذا يدل على اشتراك
الوقت، وليس لأحد أن يحمل هذا الخبر على أنه صلى الظهر في آخر
وقتها والعصر في أول وقتها لأن هذا ليس بجمع بين الصلاتين وإنما هو فعل كل صلاة في وقتها، وذكر العذر في
الخبر يبطل هذا التأويل لأن فعل الصلاة في وقتها المخصوص بها لا يحوج إلى عذر ويدل
أيضا على ما ذهبنا إليه ما روي عن النبي ص من قوله: من فاتته صلاة العصر
حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله، فعلق الفوات بغروب الشمس، وتعليقه به يدل
649

على أن الوقت ممتد إلى الغروب. وأيضا ما روي عنه ع وعن الأئمة ع
من قولهم: لا يخرج وقت صلاة ما لم يدخل وقت صلاة أخرى، وهذا يدل على أنه إذا لم يدخل
وقت صلاة أخرى وهي المغرب فإنه لا يخرج وقت العصر. فأما الأخبار التي وردت ورواها
أصحابنا في الأقدام والأذراع وظل كل شئ مثله وظل كل شئ مثليه لتمييز وقت الظهر
والعصر والذراع والذراعان والقامة والقامتان وسبع الشخص وسبعا الشخص وما أشبه
ذلك من الأخبار فمحمول على تحديد وقت النوافل دون الفرائض إذا صار ظل كل شئ مثله
ولم يصل المكلف نافلة الظهر فقد خرج وقتها وصارت قضاء بغير خلاف، وكذلك نافلة
العصر إذا صار ظل كل شئ مثليه ولم يصل المكلف نافلته فقد خرج وقتها وصارت قضاء
بغير خلاف وإن كان وقت الظهر والعصر باقيا. ولو كانت الأذرع والظل والقامة أوقاتا
للفرائض ما اختلفت هذا الاختلاف وتباينت هذا التباين، وإنما هذا الاختلاف لأجل أوقات
النوافل ليقع التنافل والتسبيح والدعاء في هذا الزمان على قدر تطويل المكلف في نافلته
وتسبيحه ودعائه، فمن طول في نافلته كان أكبر المقادير له ومن اقتصر دون ذلك في نافلته
كان أوسط المقادير له وقتا، ومن قصر في نافلته كان أقصر المقادير المضروبة لنافلته، وهذا
هو الأفضل والأولى فجعلت الأقدام والأذرع والأسباع والأظلة والقامات حد للنافلة والفضل
لا للجواز، ومن هاهنا جاء الاشتباه على بعض أصحابنا وزلت الأقدام فجعل وقت النافلة
وقتا للفريضة على ما أسلفنا القول فيه وبيناه. وبهذه الجملة يلوح السيد المرتضى رضي الله عنه
في جواب المسائل الناصريات، وأيضا لا خلاف بين المخالف في المسألة والموافق من أصحابنا
أن الذي أفاض من عرفات لا يصلى المغرب إلا بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل وذلك هو
الأفضل المستحب، ولو لم يكن وقتا لها لما جاز له تأخير المغرب إلى خروج وقتها سواء كان
مسافرا أو حاضرا مضطرا أو مختارا لأنه ليس للمسافر أن يصلى الصلاة في غير وقتها كما أن
ليس للحاضر ذلك.
فأما ما يوجد في بعض الكتب ويقوله بعض أصحابنا: من أنه إذا زالت الشمس فقد دخل
الوقتان معا إلا أن هذه قبل هذه، وكذلك إذا غربت فقد دخل الوقتان جميعا إلا أن
هذه قبل هذه فهذا ضد الصواب وخطا من القول لأن الشمس إذا زالت دخل وقت الظهر فحسب.
650

فإذا مضى مقدار ما يصلى الفريضة اشترك الوقتان معا إلا أن هذه قبل هذه، وكذلك إذا
غربت الشمس دخل وقت المغرب من غير اشترك إلى أن يمضى مقدار ما يصلى فيه الفريضة
فإذا مضى ذلك الوقت اشترك الوقتان جميعا إلا أن الأولى قبل الثانية. فإذا بقي من النهار
مقدار ما يصلى فيه فريضة العصر فقد خرجت المشاركة واختص الوقت بالعصر فحسب،
كما أن بالزوال اختص الوقت بالظهر ولم يشارك العصر الظهر، وكذلك إذا بقي من النهار
مقدار أداء فريضة العصر اختص به ولم يشارك الظهر العصر، وكذلك القول في المغرب
والعشاء الآخرة فليلحظ ذلك ويتأمل فإنه قول المحصلين من أصحابنا الذين يلزمون الأدلة
والمعاني لا العبارات والألفاظ.
ولا ينبغي لأحد أن يصلى حتى يتيقن دخول الوقت فإن شك لغيم أو غيره استظهر
حتى يزول الريب عنه في دخوله، ومتى صلى صلاة في حال فقدان الأمارات والدلالات على
الأوقات ومع الاستظهار وظهر له بعد الفراع منها أن الوقت لم يدخل وجب عليه الإعادة
بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك، فأما إن ظهر له وهو في خلالها قبل الفراع منها أن الوقت لم
يدخل،
فذهب بعض أصحابنا: إلى أنه يعيد أن كانت الصلاة وقعت كلها خارج الوقت وإن كان قد
دخل عليه وقت الصلاة وهو فيها لم يفرع منها لم يلزمه الإعادة.
وذهب قوم من أصحابنا: إلى وجوب الإعادة إذا ظهر له بعد الفراع منها أو هو في خلالها أن الوقت
لم يدخل لا فرق بينهما عنده وهذا مذهب السيد المرتضى رضي الله عنه، والأول هو المعمول عليه
والأظهر في المذهب وبه ينطق الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمة الطاهرة، وهو مذهب شيخنا
المفيد وأبي جعفر الطوسي رضي الله عنهما، وأيضا فإن هذا المكلف عند هذه الأحوال تكليفه غلبة
ظنه وقد امتثل ذلك ودخل في صلاته دخولا شرعيا مأمورا به، وإعادة صلاته المأمور بها أو هدمها
من أولها يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه. فأما إن كان دخوله في هذه الصلاة لا عند غلبة ظنه
واستظهاره ولا عند فقدان أمارات أوقاته ودلالاته فالقول عندي ما قاله السيد المرتضى في هذه
الحال فليلحظ ذلك.
والأوقات التي ورد النهي عن الصلاة التي لا سبب لها فيها: ابتداء طلوع الشمس وبعد
651

صلاة الغداة وبعد صلاة العصر وعند غروب الشمس وعند قيامها نصف النهار قبل
الزوال إلا في يوم الجمعة خاصة.
فأما الصلاة التي لها سبب فإنها لا تكره في وقت من الأوقات، ومتى صار ظل كل
شئ مثله،
ومعرفة ذلك إذا انتصف النهار ورأيت الظل ينقص فإن الشمس لم تزل فإذا زاد الظل فقد
زالت الشمس غير أن أطول ما يكون ظل الزوال إذا كانت الشمس في أول الجدي وهو أول
الشتاء حين انقضى الخريف وظل العود يومئذ ساعة تزول الشمس مثله مرة وثلث، وأقصر
ما يكون الظل إذا كانت الشمس في أول السرطان وذلك أول الصيف حين انقضى الربيع،
وظل الزوال يومئذ بالعراق نصف سدس طول العود الذي تقيمه وتقع الشمس في الآبار
فإذا زالت الشمس على أي ظل كان من الطول والقصر فقد دخل وقت الظهر، فإذا زاد
على طول الزوال مثل طول العود فهو آخر وقت نوافل الظهر،
فإذا صار كذلك ولم يكن قد صلى من النوافل شيئا بدأ بالفريضة أولا ويؤخر النوافل،
وإن كان قد صلى منها ركعة أو ركعتين فليتممها ويخفف قراءتها ثم يصلى الفرض، وكذلك
يصلى نوافل العصر ما بين الفراع من الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه على
ما قدمناه، فإن صار كذلك ولم يكن قد صلى شيئا منها بدأ بالعصر وأخر النوافل، وإن كان
قد صلى منها شيئا أتم ما بقي عليه ثم صلى العصر ونوافل المغرب، كذلك الاعتبار فيها
وفي وقتها وحصول شئ منها قبل خروجه ووقت الركعتين من جلوس بعد العشاء
الآخرة، فإن كان ممن يريد أن يتنفل أخرهما ويختم صلاته بهاتين الركعتين وآخر وقتهما
نصف الليل، فإن قارب انتصافه وأراد أن يصلى صلاة فليبدأ بهما ثم يتنفل بما أراد.
ووقت صلاة الليل بعد انتصافه على ما قدمناه إلى طلوع الفجر، وكلما قارب الفجر
كان أفضل فإن طلع الفجر ولم يكن قد صلى من صلاة الليل شيئا بدأ بصلاة الغداة وأخر
صلاة الليل، وإن كان قد صلى من صلاة الليل عند طلوع الفجر أربع ركعات أتم صلاة
الليل وخفف القراءة فيها ثم صلى الغداة، فإن قام إلى صلاة الليل وقد قارب الفجر خفف
الصلاة واقتصر من القراءة على الحمد وحدها ولا يطول الركوع والسجود لئلا يفوته
652

فضل أول وقت صلاة الغداة.
ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا لمسافر يخاف فوتها أو شاب يمنعه من قيام آخر
الليل رطوبة رأسه ولا يجعل ذلك عادة على ما روي في بعض الروايات،
والأحوط والأظهر لزوم أصول المذهب، وألا يصلى فريضة ولا نافلة قبل دخول وقتها لا لعذر
ولا لغيره بل قضاء الصلاة لهذين المكلفين هو المعمول عليه الأظهر لا على جهة الأفضل بين
القضاء وبين تقديمها قبل دخول وقتها.
ووقت ركعتي نافلة الغداة عند الفراع من صلاة الليل على ما قدمناه، وإن كان ذلك
قبل طلوع الفجر، فإن طلع الفجر ولم يكن قد صلى من صلاة الليل شيئا صلى الركعتين
ما بينه وبين طلوع الحمرة، فإذا طلعت الحمرة ولم يكن قد صلى الركعتين أخرهما وصلى
الغداة.
ومن فاتته صلاة فريضة فليقضها أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يتضيق وقت
صلاة حاضرة، فإن تضيق وقت صلاة حاضرة بدأ بها ثم بالتي فاتته، فإن كان قد دخل في
الصلاة الحاضرة قبل تضيق وقتها وقد صلى منها شيئا قبل الفراع منها فالواجب عليه
العدول بنيته إلى الصلاة الفائتة ثم يصلى بعد الفراع منها الصلاة الحاضرة،
وعلى هذا إجماع أصحابنا منعقد. ويصلى ركعتي الإحرام وركعتي الطواف والصلاة على
الجنائز وصلاة الكسوف في جميع الأحوال ما لم يكن وقت صلاة فريضة قد تضيق وقتها.
ومن فاته شئ من صلاة النوافل فليقضها أي وقت شاء من ليل أو نهار ما لم يدخل
وقت فريضة.
وقد روي إلا عند طلوع الشمس أو غروبها فإنه يكره صلاة النوافل وقضاؤها في هذين
الوقتين، وقد وردت رواية بجواز النوافل في الوقتين اللذين ذكرناهما. قال شيخنا أبو جعفر
في نهايته: ويعرف زوال الشمس بالأسطرلاب.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الأصطرلاب معناه مقياس النجوم وهو باليونانية إصطرلافون
وأصطر هو النجم ولافون هو المرآة ومن ذلك قيل: لعلم النجوم إصطرنوميا، وقد يهذى
بعض المولعين بالاشتقاقات في هذا الاسم بما لا معنى له وهو أنهم يقولون: إن لاب اسم رجل
653

وأصطر جمع سطر وهو الخط وهذا اسم يوناني واشتقاقه من لسان العرب جهل وسخف.
باب القبلة وكيفية التوجه إليها وتحريها:
يجب على المصلي أن يتوجه إلى الكعبة وتكون صلاته إليها إذا أمكنه ذلك فإن تعذر
فإلى جهتها فإن لم يتمكن من الأمرين تحري جهتها وصلى إلى ما يغلب على ظنه بعد
الاجتهاد أنه جهة الكعبة،
وقد روي: أن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل
الحرم قبلة لأهل الدنيا، والحرم يكون عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال
فلهذا أمر كل متوجه إلى الركن العراقي من أهل العراق وغيرهم أن يتياسروا في بلادهم عن
السمت الذي يتوجهون إليه قليلا ليكون ذلك أشد في الاستظهار والتحرز من الخروج عن
جهة الحرم. وهذه الرواية مذهب لبعض أصحابنا من جملتهم شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه
الله فإن هذا مذهبه في سائر كتبه. والأول مذهب السيد المرتضى وغيره من أصحابنا وهو الذي
يقوى في نفسي وبه أفتى،
ومن أشكلت عليه جهة القبلة ليلا جعل الكوكب المعروف بالجدي،
بفتح الجيم مكبر غير مصغر لأن بعض من عاصرناه من مشايخنا كان يصغره وهو خطأ،
ولقد سألت ابن العصار إمام اللغة ببغداد عن تصغيره فأنكر ذلك وقال: ما يصغر،
واستشهد بالشعر على تكبيره ببيت لم أحفظه، وقد أورد ابن قتيبة في كتاب الأنواء بيت
مهلهل:
كان الجدي جدي بنات نعش يكب على اليدين فيستدير
وقال الأخطل، وذكر بني سليم:
وما يلاقون قراصا إلى نسب حتى يلاقي جدي الفرقد القمر
قال الأعشى:
إذا ما أدلجت فترى لها رقيبين جديا ما يغيب وفرقدا
على منكبه الأيمن وتوجه، فمن لم يتمكن من ذلك لغيم أو غيره وفقد سائر الأمارات
654

والعلامات وتساوت في ظنه الجهات كان عليه أن يصلى إلى أربع جهات يمينه وشماله
وأمامه ووراءه تلك الصلاة بعينها وينوي لكل صلاة منها أداء فرضه ولا شئ عليه غير
ذلك.
فمن لم يتمكن من الصلاة إلى الجهات الأربع لمانع من ضيق وقت أو خوف صلى إلى
أي جهة شاء وليس يلزمه مع الضرورة غير ذلك، فإن أخطأ القبلة وظهر له بعد صلاته أعاد
في الوقت بغير خلاف، فإن كان قد خرج الوقت فلا إعادة عليه.
على الصحيح من المذهب لأن الإعادة فرض ثان يحتاج إلى دليل قاطع للعذر، وقد
روي: أنه إن كان خطاؤه بأن استدبر القبلة صلى على كل حال، والأول هو المعمول عليه
ووافقنا فيما ذهبنا إليه مالك، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن صلاته ماضية ولا إعادة عليه على
كل حال. وقال الشافعي في الجديد: إن من أخطأ القبلة ثم تبين له خطاؤه لزمه الإعادة على
كل حال، وقوله في القديم مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع قوله تعالى: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره،
فأوجب التوجه على كل مصل إلى شطر البيت، فإذا لم يفعل ذلك كان الأمر عليه باقيا فيلزمه
الإعادة. فإن قيل: الآية تقتضي وجوب التوجه على كل مصل وليس فيها دلالة على أنه إذا لم
يفعل لزمته الإعادة، قلنا: لم نحتج بالآية على وجوب القضاء وإنما بينا بالآية وجوب التوجه
على كل مصل فإذا لم يأت بالمأمور به فهو باق في ذمته فيلزمه فعله، وليس لأحد أن يقول هذه
الآية إنما يصح أن يحتج بها الشافعي لأنه يوجب الإعادة على كل حال في
الوقت وبعد خروج الوقت وأنتم تفصلون بين الأمرين، فظاهر الآية تقتضي أن لا فصل بينهما فلا دليل لكم على
مذهبكم في الآية قلنا: إنما أمر الله تعالى كل مصل للظهر مثلا بالتوجه إلى شطر البيت ما دام
في الوقت ولم يأمره بالتوجه بعد خروج الوقت لأنه إنما أمر بأداء الصلاة لا بقضائها والأداء
ما كان في الوقت والقضاء ما خرج عن الوقت، فهو إذا تحرى القبلة وصلى إلى جهة ثم تبين له
الخطأ وتيقن أنه صلى إلى غير القبلة وهو في الوقت لم يخرج عنه، فحكم الأمر باق عليه
ووجوب الصلاة متوجها إلى القبلة باق في ذمته وما فعله مأمور به ولا يسقط عنه الفرض
فيجب أن يصلى ما دام الوقت وقت الصلاة المأمور بها وهي التي تكون إلى جهة الكعبة لأنه
655

قادر عليها ومتمكن منها وبعد خروج الوقت لا يقدر على فعل المأمور به بعينه لأنه قد فات
بخروج الوقت والقضاء في الموضع الذي يجب فيه إنما نعمله بدليل غير دليل وجوب الأداء،
هكذا تقتضي أصول الفقه عند محققي هذا الشأن، وليس لأحد أن يقول: إن المصلي في حال
اشتباه القبلة عليه لا يقدر على التوجه إلى القبلة، فالآية مصروفة إلى من يقدر على ذلك لأن
هذا القول تخصيص لعموم الآية بغير دليل ولأنه إذا تبين له الخطأ في الوقت فقد زال
الاشتباه، فيجب أن تكون الآية متناولة له ويجب أن يفعل الصلاة إلى جهة القبلة. فإن
تعلقوا بما روي عن النبي ص أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه، فالجواب عن ذلك إنا نقول: إن خطأه مرفوع فإنه غير مؤاخذ به، وإنما
يجب عليه الصلاة بالأمر الأول لأنه لم يأت بالمأمور به، فإن تعلقوا بما روي من أن قوما أشكلت
عليهم القبلة لظلمة عرضت فصلى بعضهم إلى جهة وبعضهم إلى غيرها وأعلموا ذلك فلما
أصبحوا ورأوا تلك الخطوط إلى غير القبلة قدموا من سفرهم وسألوا النبي ع عن
ذلك، فسكت فنزل قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله. فقال النبي ع: أجزأتكم
صلاتكم. والجواب عن ذلك إنما نحمل هذا الخبر على أنهم سألوه ع عن ذلك بعد
خروج الوقت، وهذا صريح في الخبر لأنه كان سؤالهم بعد قدومهم من السفر فلم يأمرهم
ع بالإعادة لأن الإعادة على مذهبنا لا تلزم بعد خروج الوقت. وهذه الأدلة أوردها السيد
المرتضى على المخالفين محتجا بها عليهم، ونعم ما أورد ففيه الحجة وطريق المحجة، ولا تجزئ
الصلاة في حال الاختيار إلا مع التوجه إلى القبلة، إلا النافلة في السفر فقد يجوز أن يصليها
على الراحلة أينما توجهت بعد أن يكبر مستقبلا للقبلة تكبيرة الإحرام، وقد يجزئ في حال
الاضطرار صلاة الفرض والنفل إلى غير جهة القبلة كصلاة المسايف والمعانق في حال
التحام الحرب وما أشبه ذلك من أحوال العذر وهذا يبين عند ذكر صلاة المعذور بمشيئة الله
تعالى.
ومن جملة أمارات القبلة وعلاماتها أنه إذا راعى زوال الشمس ثم استقبل عين
الشمس بلا تأخير، فإذا رآها على طرف حاجبه الأيمن مما يلي جبهته في حال الزوال علم أنه
مستقبل القبلة، وإن كان عند طلوع الفجر جعل الضوء المعترض في أفق السماء في زمان
656

الاعتدال على يده اليسرى ويستقبل القبلة، وإن كان عند غروبها جعل الشفق الذي في
جهة المغرب على يده اليمنى. وهذه العلامات علامات لمن توجه إلى الركن العراقي من
أهل العراق وخراسان وفارس وخوزستان ومن والاهم. فأما غير هذه البلدان فلهم
علامات غير هذه العلامات.
باب الأذان والإقامة وأحكامهما وعدد فصولهما:
اختلف قول أصحابنا في الأذان والإقامة فقال قوم: إن الأذان والإقامة من السنن المؤكدة في جميع
الصلوات الخمس وليسا بواجبين، وإن كانا في صلاة الجماعة وفي صلاة الفجر والمغرب
وصلاة الجمعة أشد تأكيدا، وهذا الذي أختاره وأعتمد عليه.
وذهب بعض أصحابنا إلى وجوبهما على الرجال في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ويجبان
عليهم جماعة وفرادى في سفر أو حضر في الفجر والمغرب. وصلاة الجمعة والإقامة دون الأذان
تجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات، وهذا الذي ذهب إليه السيد المرتضى في
مصباحه، وبالأول يقول الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في مبسوطه ومسائل خلافه
ويذهب في نهايته وجمله وعقوده: إلى أنهما واجبان على الرجال في صلاة الجماعة، والدلالة
على صحة ما اخترناه أن الأصل نفي الوجوب فمن ادعاه فعليه الدلالة الموجبة للعلم ولأنه
لا خلاف في أن الأذان والإقامة مشروعان مسنونان وفيهما فضل كبير، وإنما الخلاف في الوجوب
والوجوب زائد على الحكم المجمع عليه فيهما فمن ادعاه فعليه الدليل لا محالة.
وبعد فإن الأذان والإقامة مما يعم البلوى به ويتكرر فعله في اليوم والليلة فلو كان واجبا حتما لورد
وجوبه وورد مثله فيما يوجب العلم ويرفع الشك، ويدل أيضا على ذلك ما روي عن النبي
ع من قوله: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء، فالأمين متطوع بالأمانة وليس بواجب عليه.
ومن ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم أو ليقم
ما لم يركع ثم يستأنف الصلاة، وإن تركهما ناسيا حتى دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في
صلاته، ولا يستحب له الإعادة كالاستحباب في الأول بل هاهنا لا يجوز له الرجوع عن
صلاته.
657

ومن أقام ودخل في الصلاة ثم أحدث ما يجب عليه إعادة الصلاة فليس عليه إعادة
الإقامة إلا أن يكون قد تكلم فإنه يستحب له إعادة الإقامة أيضا.
ومن فاتته صلاة وأراد قضاءها كما فاتته بأذان وإقامة أو بإقامة على ما روي،
وليس على النساء أذان ولا إقامة بل يتشهدن الشهادتين بدلا من ذلك، وإن أذن وأقمن
كان أفضل إلا أنهن لا يرفعن أصواتهن أكثر من إسماع أنفسهن ولا يسمعن الرجال.
والمستحب أن يكون المؤذن عدلا أمينا عارفا بالمواقيت مضطلعا بها،
معناه قيما بها، قال لقيط الأيادي:
وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
ويستحب أن يكون عالي الصوت جهوريا ليكثر في الانتفاع بصوته، حسن الصوت
مرتلا مبينا للحروف مفصحا بها مع بيان ألفاظها، ويكره أن يكون أعمى، ولا يؤذن
ولا يقيم إلا من يوثق بدينه، فإن كان الذي يؤذن غير موثوق بدينه أذنت لنفسك وأقمت،
هذا في الجماعات المنعقدات، وكذلك إن صليت خلف من لا يقتدى به أذنت لنفسك
وأقمت، وإذا صليت خلف من يقتدى به فليس عليك أذان ولا إقامة، وإن لحقت بعض
الصلاة فإن فاتتك الصلاة معه أذنت لنفسك وأقمت، ولا بأس أن يؤذن الصبي الذي
لم يبلغ الحلم ويقيم، وإن تولى ذلك الرجال كان أفضل.
والأذان هو الإعلام في لسان العرب وهو في الشريعة كذلك إلا أنه تخصص بإعلام
دخول وقت الصلاة الخمس دون سائر الصلوات، فعلى هذا لا يجوز الأذان قبل دخول
الوقت فمن أذن قبل دخوله أعاد بعد دخوله،
وقد روي: جواز تقديم الأذان في صلاة الغداة خاصة إلا أنه يستحب إعادته بعد دخول الفجر
ودخول وقته، والأصل ما قدمناه لأن الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها ولا يجوز قبل
وقتها لأنه وضع الشئ في غير موضعه وروى عاص بن عامر عن بلال، أن رسول الله
ص قال له: لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر، كذا ومد يده عرضا. وليس لأحد أن
يحمل اسم الأذان هاهنا على الإقامة ويستشهد بما روي عنه ع من قوله: بين كل
أذانين صلاة، يعني الأذان والإقامة وذلك أن إطلاق اسم الأذان لا يتناول الإقامة فلا يجوز حمله
658

عليها إلا بدلالة.
والأفضل أن لا يؤذن الانسان إلا وهو على طهر فإن أذن وهو على غير طهارة أجزأه،
ولا يقيم إلا وهو على طهر، والأفضل أن لا يؤذن الانسان وهو راكب أو ماش ويتأكد ذلك في
الإقامة، وكذلك الأفضل أن لا يؤذن الانسان ووجهه إلى غير القبلة ويتأكد ذلك في الشهادتين و
كذلك في الإقامة، ويكره الكلام في حال الأذان ويتأكد ذلك في حال الإقامة، فإن تكلم بين
فصول الأذان فلا يستحب له إعادته، وإن تكلم بين فصول الإقامة فالمستحب له إعادتها،
وإذا قال: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على الحاضرين.
يعني بقوله " حرم " يكره الكلام على الحاضرين كراهية شديدة لا أنه محظور حرام لأن الحظر
يحتاج إلى دليل قاطع للعذر، وإنما إذا كان الشئ شديد الكراهة أتوا به على لفظ الحظر
والحرام، وكذلك إذا كان الشئ على جهة الاستحباب المؤكد أتوا به على جهة الوجوب إلا بما
يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف.
والترتيب واجب في الأذان والإقامة فمن قدم حرفا منه على حرف رجع فقدم المؤخر
وأخر المقدم منه،
فإن قيل: عندكم أن الأذان والإقامة مندوبان ومع ذلك فالترتيب فيهما واجب، قلنا: غرضنا بما
قلنا من وجوب الترتيب مع كون الأذان مندوبا إليه أن من أتى بهما غير مرتبين يستحق الإثم،
غير إنا نقول: استحقاقه الإثم ليس هو بسبب أنه أخل بواجب عليه فعله وإنما هو بسبب
ارتكابه بدعة وشيئا غير مشروع باعتبار أنه لو ترك الأذان والإقامة وجميع صفاتهما فإنه
لا يستحق بذلك إثما، فانكشف بذلك أن استحقاق الإثم فيهما إذا فعلا غير مرتبين إنما هو
بارتكاب البدعة لا بالإخلال بالواجب.
ولا يجوز التثويب في الأذان،
اختلف أصحابنا في التثويب ما هو؟ فقال قوم منهم: هو تكرار الشهادتين دفعتين، وهذا هو
الأظهر لأن التثويب مشتق من ثاب الشئ إذا رجع، وأنشد المبرد لما سئل عن التأكيد فقال:
لو رأينا التأكيد خطة عجز ما شفعنا الأذان بالتثويب.
وقال قوم منهم: التثويب هو قول: الصلاة خير من النوم، وعلى القولين لا يجوز فعل ذلك
659

فمن فعله بغير تقية كان مبدعا مأثوما، وكذلك اختلف الفقهاء في تفسيره والدليل على أن
فعله لا يجوز إجماع طائفتنا بغير خلاف بينهم، وأيضا لو كان التثويب مشروعا لوجب أن يقوم
دليل شرعي يقطع العذر على ذلك ولا دليل عليه، وأيضا لا خلاف في أن من ترك التثويب
لا يلحقه ذم ولا عقاب لأنه إما أن يكون مسنونا على قول بعض الفقهاء أو غير مسنون على قول
البعض الآخر، وفي كلا الأمرين لا ذم في تركه ويخشى من فعله أن يكون بدعة ومعصية تستحق
بها الذم فتركه أولى وأحوط في الشريعة.
والإقامة مثنى مثنى، وهو مذهب أصحاب كلهم. ولا يجوز الأذان لشئ من صلاة النوافل
ولا الفرائض سوى الخمس.
والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا والإقامة سبعة عشر
فصلا.
الأذان: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة
حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
والإقامة سبعة عشر فصلا على ما قدمناه لأن فيها نقصان ثلاثة فصول من الأذان
وزيادة فصلين، فالنقصان تكبيرتان من الأربع الأولى وإسقاط التكرير من لفظ لا إله إلا الله
في آخره والاقتصار على دفعة واحدة، والزيادة أن تقول بعد حي على خير العمل: قد
قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ولا يعرب أواخر الكلم بل يكون موقوفة بغير
إعراب.
والمستحب أن يرتل الأذان وتحدر الإقامة، والترتيل هو التبين في تثبت وترسل، والحدر
هو الإرسال والاستعجال، ثم يقف فيها دون زمان الوقف والتثبت في الأذان، ومن أذن
فالمستحب له أن يرفع صوته فإذا لم يستطع فإلى الحد الذي يسمع معه نفسه، ومن صلى
منفردا فالمستحب له أن يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة، والسجدة
أفضل إلا في الأذان للمغرب خاصة فإن الجلسة أو الخطوة السريعة فيها أفضل، وإذا صلى في
660

جماعة فمن السنة أن يفصل بين الأذان والإقامة بشئ من نوافله ليجتمع الناس في زمان
تشاغله بها إلا صلاة المغرب فإنه لا يجوز ذلك فيها.
ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل قوله:
وقد يوجد في كتب أصحابنا: وينبغي أن يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين، والمراد
بالهاء هاء " إله " لا هاء " أشهد " ولا هاء " الله " لأن الهاء في أشهد مبينة مفصح بها لا لبس فيها،
وهاء الله فموقوفة مبينة أيضا لا لبس فيها، وإنما المراد هاء " إله " لأن بعض الناس ربما أدغم
الهاء في لا إله إلا الله.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: أن الأذان لا يختص بمن كان من نسل مخصوص كأبي
محذورة وسعد القرظ. وقال الشافعي: أحب أن يكون من ولد من جعل النبي فيهم الأذان مثل
أبي محذورة وسعد القرظ.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أبو محذورة بالميم المفتوحة والحاء المسكنة غير المعجمة والذال
المضمومة المعجمة والواو والراء غير المعجمة والهاء، واسمه سلمان ويقال: سمرة الجمحي
القرشي وكان مؤذن الرسول ع ويقال: أوس بن مغير. وسعد القرظ بالقاف المفتوحة والراء
المفتوحة غير المعجمة والظاء المعجمة، وكان سعد القرظ مولى لعمار بن ياسر
كان يؤذن على عهد النبي ع وأبي بكر بقبا، فلما ولى عمر أنزله المدينة أحببت أن
أذكر هذين الاسمين لئلا يجري فيهما تصحيف، فإني سمعت بعض أصحابنا يصحفها
فيقول: أبو محدورة بالدال غير المعجمة ويقول: سعد القرط بالطاء غير المعجمة وبضم القاف
وسكون الراء، وهو تصحيف والدليل على ما ذكره شيخنا أنه من خص ذلك في نسب معين
يحتاج إلى دليل والأخبار الواردة في الحث على الأذان عامة في كل أحد،
وأخذ الأجر على الأذان محظور، ولا بأس بأخذ الرزق عليه من سلطان الاسلام ونوابه،
ويستحب للإمام أن يلي الأذان والإقامة ليحصل له الفضل وثواب الجميع إلا أن يكون أمير
جيش أو أمير سرية، فالمستحب أن يلي الأذان والإقامة غيره والإمامة هو هذا ما اختاره شيخنا
المفيد في رسالته إلى ولده.
661

باب ذكر أعمال الصلاة المفروضة وما يلحق بذلك من الشروط:
اعلم إن المفروض من ذلك هو الطهارة والتوجه إلى القبلة والمعرفة بالوقت
وأعداد الفرائض وستر العورة والقيام مع القدرة أو ما يقوم مقامه مع العجز والنية وتكبيرة
الافتتاح والقراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح أو القراءة في الأخريين، والركوع والتسبيح
فيه أو الذكر لله، والسجود والتسبيح فيه أو الذكر والتشهدان الأول والثاني والصلاة على
النبي وآله صلى الله عليهم فيهما.
ومن فروض الصلاة ما يجري مجرى الترك نحو: أن لا يكون على بدن المصلي وثوبه
نجاسة منعت الشريعة من الصلاة وهي فيه أو في موضع سجوده نجاسة، وأن لا يتكلم
ولا يضحك ولا يأكل ولا يشرب ولا يفعل فعلا يخرج به من أفعال الصلاة، فمتى ترك شيئا
مما ذكرناه عامدا من غير عذر فلا صلاة له وعليه الإعادة، ومتى تركه ساهيا كانت له أحكام
نذكرها في باب السهو وبيان أحكامه إن شاء الله تعالى.
باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال المشتمل على الفرض والنفل:
ينبغي لمن أراد الصلاة وكان منفردا بعد ما شرطناه من التوجه إلى القبلة والنية
والأذان والإقامة وغير ذلك، أن يبتدئ فيكبر ثلاث تكبيرات متواليات يرفع بكل واحدة
منهن يديه حيال وجهه وقد بسط كفيه من غير أن يفرق بين أصابعه إلا الإبهام فإنه يفرق بينها
وبين المسبحة، ولا يتجاوز بيديه في رفعهما شحمتي أذنيه، وإذا أرسل في الثالثة يديه قال:
اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم يكبر تكبيرتين على الصفة التي ذكرناها ويقول:
لبيك وسعديك
ومعنى لبيك أي إقامة على إجابتك وطاعتك بعد إقامة من قولهم: ألب فلان بالمكان أي أقام
به،
والخير في يديك والمهدي من هديت عبدك بن عبدك بين يديك لا ملجأ منك إلا إليك
662

سبحانك وحنانيك " الحنان الرحمة " تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت،
ثم يكبر تكبيرتين ليكمل التكبيرات سبعا، ومن اقتصر على تكبيرة واحدة وهي
تكبيرة الافتتاح أجزأته وهي الواجبة التي بها وبالنية معا تنعقد الصلاة ويحرم عليه ما كان
يحل له قبلها فلذلك سميت تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الإحرام لأن بها تفتح الصلاة، ويجب
التلفظ بها ويقدم الله على أكبر ولا يمد أكبر فيقول: أكبار،
لأن ذلك جمع كبر بفتح الكاف والباء التي تحتها نقطة واحدة، وهو الطبل الذي له وجه واحد.
قال الشاعر يهجو قوما:
حاجبتكم من أبوكم يا بني عصب شتى ولكنكم للعاهر الحجر
فجئتم عصبا من كل ناحية نوعا مخانيث في أعناقها الكبر
بل يأتي بها على وزان أفعل ويقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين. ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويفتح القراءة بالبسملة.
وينبغي أن يلزم المصلي في صلاته الخشوع والخضوع والوقار ويطرح الأفكار ويقبل
بقلبه كله على صلاته ويكون متفرغا قلبه من علائق الدنيا، وليقم منتصبا من غير أن
ينحني ظهره، وليكن نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده، ويفرق بين قدميه ويجعل بينهما
قدر شبر أو نحوه إن كان رجلا، والمرأة تضمهما ولا يضع يدا على يد، ولا يقدم رجلا على
أخرى، فإذا تعوذ فليفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم يجهر بها في كل صلاة جهر فيها بالقراءة
أو لم يجهر في الأوليين فحسب، وقوم من أصحابنا يرون أن الجهر بها في كل صلاة إنما هو للإمام
وأما المنفرد فيجهر بها في صلوات الجهر ويخافت فيما عدا ذلك ويقرأ الحمد وسورة
معها أي سورة شاء إلا عزائم السجود التي تقدم ذكرها وهي سجدة لقمان وسجدة الحواميم
وسورة النجم واقرأ باسم ربك فإنهن يقتضين سجودا واجبا وذلك لا يجوز في صلاة
الفريضة، فإن سجد بطلت صلاته لأنه يكون قد زاد سجودا متعمدا في صلاته، فإن لم يسجد
بطلت صلاته أيضا لأنه بقراءته العزيمة يتحتم ويتضيق عليه السجود فإذا فعل فعلا يمنعه من
الواجب المضيق يكون ذلك الفعل قبيحا والقبيح لا يتقرب به إلى الله سبحانه فتكون
663

صلاته منهيا عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه، فإن كان قراءته لها ناسيا لا على طريق
التعمد فالواجب عليه المضي في صلاته، فإذا سلم قضى السجود ولا شئ عليه لأنه ما تعمد
بطلان صلاته فاختلف الحال بين العمد والنسيان، ولا بأس بقراءة العزائم في صلاة
النوافل، ويجب عليه أن يسجد ولا تبطل نافلته.
وأما الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الركعتين الأخريين فلا يجوز لأن الأخريين لا يتعين
فيهما القراءة وإنما الانسان مخير بين التسبيح والقراءة،
والدليل على ذلك أن الصلاة عندهم على ضربين: جهرية وإخفاتية. فالإخفاتية الظهر
والعصر، فإن الجهر بالبسملة في الركعتين الأوليين مستحب لأن فيهما يتعين القراءة، فأما
الأخريان فلا يتعين فيهما القراءة. والصلاة الجهرية وهي الصبح والمغرب والعشاء الآخرة،
فإن الجهر بالبسملة واجب كوجوبه في جميع الجهر، فأما الأخريان فلا يجوز الجهر بالقراءة إن
أرادها المصلي فقد صار المراد بالجهرية الركعتين الأوليين دون الأخريين، ولا خلاف بيننا في أن
الصلاة الإخفاتية لا يجوز فيها الجهر بالقراءة والبسملة من جملة القراءة، وإنما ورد في
الصلاة الإخفاتية التي يتعين فيها القراءة ولا يتعين القراءة إلا في الركعتين الأوليين فحسب،
وأيضا طريق الاحتياط يوجب ترك الجهر بالبسملة في الأخريين لأنه لا خلاف بين أصحابنا بل
بين المسلمين في صحة صلاة من لا يجهر بالبسملة في الركعتين الأخريين. وفي صحة صلاة من
جهر فيهما خلاف وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا في وجوب الإخفات في الركعتين الأخريين،
فمن ادعى استحباب الجهر في بعضها وهو البسملة فعليه الدليل، فإن قيل: عموم الندب
والاستحباب بالجهر بالبسملة، قلنا: ذلك فيما تتعين ويتحتم لقراءة فيه لأنهم ع
قالوا: يستحب الجهر بالبسملة فيما يجب القراءة فيه في الإخفات، والركعتان الأخريان
خارجتان من ذلك وقد قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في جمله وعقوده في قسم
المستحب: والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الموضعين يريد بذلك الظهر والعصر فلو أراد
الأخريين من كل فريضة لما قال: الموضعين بل كان يقول: المواضع، وأيضا فلا خلاف في أن من
ترك الجهر بالبسملة في الأخريين لا يلحقه ذم لأنه إما أن يكون مسنونا على قول المخالف في
المسألة أو غير مسنون على قولنا، وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه وما لا ذم في تركه ويخشى في
664

فعله أن يكون بدعة ومعصية يستحق بها الذم ومفسدا لصلاته فتركه أولى وأحوط في
الشريعة، وأيضا فقد ورد في ألفاظ الأخبار عن الأئمة الأطهار تنبيه على ما قدمناه أورد ذلك
حريز بن عبد الله السجستاني في كتابه وهو حريز بالحاء غير المعجمة والراء غير المعجمة
والزاء المعجمة، وهو من جملة أصحابنا وكتابه معتمد عندهم قال فيه: وقال زرارة قال
أبو جعفر ع: لا تقرأ في الركعتين الأخريين من أربع الركعات المفروضات شيئا إماما
كنت أو غير إمام، قلت: فما أقول فيها؟ قال: إن كنت إماما فقل: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاث مرات ثم تكبر وتركع، وإن كنت خلف إمام فلا تقرأ شيئا في
الأوليين وأنصت لقراءته ولا تقولن شيئا في الأخريين فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين: وإذا
قرئ القرآن - يعني في الفريضة خلف الإمام - فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون،
والأخريان تبع الأوليين. قال زرارة: قال أبو جعفر ع: كان الذي فرض الله على العباد
من الصلاة عشرا فزاد رسول الله ص سبعا وفيهن السهو وليس فيهن قراءة
فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخريين بنى على
ما توهم، فليلحظ قوله: ليس فيهن قراءة
ولا يجوز أن يقرأ في الفريضة بعض سورة، ويكره أن يقرأ سورتين مضافتين إلى أم
الكتاب فإن قرأ ذلك لا تبطل صلاته،
وقد ذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: أن صلاته تبطل بذلك، ورجع عن ذلك
في استبصاره وقال: ذلك على طريق الكراهة، وهذا الذي يقوى عندي وأفتى به لأن الإعادة
وبطلان الصلاة يحتاج إلى دليل، وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما يوجب الإعادة ولم
يذكروا ذلك في جملتها، والأصل صحة الصلاة والإعادة والبطلان بعد الصحة يحتاج إلى
دليل.
ويجوز ذلك في النافلة، فإن أراد الانسان أن يقرأ كل واحدة من سورة الضحى والم
نشرح منفردة عن الأخرى في الفريضة فلا يجوز له ذلك لأنهما سورة واحدة عند أصحابنا بل
يقرأهما جميعا وكذلك سورة الفيل ولإيلاف، فمن أراد قراءة كل واحدة من الضحى والم
نشرح جمع بينهما في ركعة وكذلك من أراد قراءة كل واحدة من سورة الفيل ولإيلاف جمع
665

بينهما، وفي النوافل ليس يلزم ذلك،
قال شيخنا أبو جعفر في التبيان: روى أصحابنا أن أ لم نشرح مع الضحى سورة واحدة لتعلق
بعضها ببعض ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم، وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في
ركعة وألا يفصل بينهما، ومثله قالوا: في سورة أ لم تر كيف ولإيلاف قريش وفي المصحف هما
سورتان فصل بينهما ببسم الله
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي تقتضيه الأدلة وعليه الاجماع أن الانسان إذا أراد قراءة أ لم
نشرح مع سورة الضحى بسمل في الضحى وفي أ لم نشرح والدليل على ذلك إثبات البسملة في
المصحف فلو لم تكن البسملة من جملة السورة ما جاز ذلك، وهو إجماع من المسلمين، ولا يمنع
مانع أن يكون في سورة واحدة بسملتان كما في سورة النمل، وأصحابنا أطلقوا القول
بقراءتهما جميعا، فمن أسقط البسملة بينهما ما قرأهما جميعا، وأيضا لا خلاف في عدد آياتهما،
فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما فلم يكن قد قرأهما جميعا، وشيخنا أبو جعفر يحتج
على المخالفين بأن البسملة آية من كل سورة بأنها ثابتة في المصاحف يعني البسملة بإجماع
الأمة بخلاف العشرات وهو موافق بإثبات البسملة بينهما في المصحف وأيضا طريقة الاحتياط
تقتضي ذلك لأن بقراءة البسملة تصح الصلاة بغير خلاف وفي ترك قراءتهما خلاف.
وكل سورة تضم إلى أم الكتاب يجب أن يبتدأ فيها ببسم الله الرحمن الرحيم، ويتحتم
الحمد عندنا في الركعتين الأوليين من كل فريضة،
وهل يجب أن يضم إليها سورة أخرى أم تجزئ بانفرادها للمختار؟
اختلف أصحابنا على قولين: فبعض منهم يذهب إلى أن قراءة الحمد وحدها تجزئ للمختار
وبعضهم يقول: لا بد من قراءة سورة أخرى مع الحمد وتحتمها كتحتم الحمد، وهو الأظهر من
المذهب وبه يفتي السيد المرتضى والشيخ أبو جعفر في مسائل خلافه وفي جمله وعقوده
والاحتياط يقتضي ذلك.
فأما الأخريان فلا خلاف بينهم في أن الحمد لا يتعين بل الانسان مخير بين الحمد والتسبيح.
واختلفوا في عدد التسبيح منهم من قال: أقله أربع تسبيحات، وهو مذهب شيخنا المفيد، ومنهم
من يقول: الواجب عشر تسبيحات، ومنهم من يقول: الواجب اثنتا عشرة تسبيحة. والذي
666

أراه ويقوى عندي العشر وأخص الأربع بالمستعجل.
فإن أراد أن يقرأ الحمد يجب عليه الإخفات بجميع حروفها على ما مضى شرحنا
لذلك، فإن أراد التسبيح فالأولى له الإخفات به فإن جهر به لا تبطل صلاته وحمله على
القراءة قياس والقياس عند أهل البيت متروك، فإن جهر بالقراءة في الحمد بطلت صلاته
إذا فعل ذلك متعمدا.
ولا بأس بقراءة المعوذتين في الفريضة ولا يلتفت إلى خلاف ابن مسعود في أنهما ليستا
من القرآن، ولا بأس للعجل والعليل بأن يقتصرا في الفريضة على أم الكتاب وحدها،
وللمصلي إذا بدأ بسورة أن يرجع عنها ما لم يبلغ نصفها إلا قل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون فإنه لا يرجع عنهما وهما أفضل ما قرئ في الصلاة، ويستحب له أن يقرأ في صلاة
الصبح بعد الفاتحة سورة من طوال المفصل مثل هل أتى على الانسان، وإذا الشمس
كورت وما أشبه ذلك.
ويستحب له أن يقرأ في صلاة الليل شئ من السور الطوال مثل الكهف والأنعام
والحواميم، وأن يقرأ في صلاة المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الجمعة في الأولى الحمد
وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وفي صلاة الفجر من يوم الجمعة في
الأولى الحمد والجمعة والثانية الحمد وقل هو الله أحد، وروي مكان قل هو الله أحد سورة
المنافقين، وفي الظهر والعصر الجمعة والمنافقين يقدم الجمعة في الأولى ويؤخر سورة المنافقين
في الثانية، وإن كنت مصليا الفجر أو المغرب أو العشاء الآخرة أو نوافل الليل جهرت
بالقراءة في الركعتين الأوليين وهما اللتان يتعين فيهما القراءة، وإن كنت مصليا ما عدا ذلك
من ترتيب اليوم والليل خافت من غير أن تنتهي إلى حد لا تسمع معه أذناك ما تقرأه.
والجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب حتى أنه إن تركه متعمدا
بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة،
وقال السيد المرتضى في مصباحه: ذلك من السنن الأكيدة.
ومن جهر فيما يجب فيه الإخفات متعمدا وجبت عليه الإعادة، وأدنى حد الجهر أن
تسمع من عن يمينك أو شمالك ولو علا صوته فوق ذلك لم تبطل صلاته، وحد الإخفات أعلاه
667

أن تسمع أذناك القراءة وليس له حد أدنى بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له، وإن
سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا فإذا فعله عامدا بطلت صلاته.
وينبغي أن يرتل قراءته ويبينها ولا يعجل فيها، فإذا فرع من قراءته كبر رافعا يديه
حيال وجهه على ما تقدم ذكره ثم يركع، وينبغي للراكع أن يمد عنقه، ويسوي ظهره، ويفتح
أبطيه مجنحا بهما عن ملاصقة أضلاعه، ويملأ كفيه من ركبتيه متفرقا بين أصابعه، ويجعل رأسه
حذاء ظهره غير منكس له ولا رافع ولا يجمع بين راحتيه ويجعلهما بين ركبتيه لأن ذلك هو
التطبيق المنهي عنه، وليكن نظره في حال الركوع إلى ما بين رجليه، ويقول في ركوعه:
اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي
خشع لك قلبي وسمعي وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظامي وعصبي وما أقلت
الأرض مني.
ثم يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، إن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا
والزائد أفضل، وتسبيحة واحدة تجزئ، وهو أن يقول: سبحان الله، أو يذكر الله تعالى بأن
يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، وما أشبه ذلك من الذكر الذي يقتضي المدحة والثناء.
وقال بعض أصحابنا: أقل ما تجزئ تسبيحة واحدة وكيفيتها أن يقول: سبحان ربي العظيم
وبحمده، وإن قال: سبحان الله، لا يجزئه والأول أظهر لأنه لا خلاف بينهم في أن التسبيح
لا يتعين بل ذكر الله تعالى، ولا خلاف في أن من قال: سبحان الله فقد ذكر الله تعالى والأصل
براءة الذمة في هذه الكيفية المدعاة لأن الكيفيات عبادات زائدة على الأفعال والقول في تسبيح
السجود والخلاف فيه كالقول في تسبيح الركوع.
ثم يرفع رأسه من الركوع وهو يقول بعد فراغه من الرفع: سمع الله لمن حمده الحمد لله
رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت، والرفع واجب ويستوي قائما،
والطمأنينة واجبة في القيام وكذلك في الركوع بقدر ما ينطق بالذكر الواجب وما زاد على
ذلك فمستحب. وينبغي للمرأة إذا ركعت أن يكون تطأطؤها دون تطأطؤ الرجل وتضع
يديها على فخذيها إذا أهوت للركوع ويكون قيامها وهي جامعة بين قدميها غير مباعدة
بينهما.
668

فإذا عاد الراكع إلى انتصابه واستوى قائما كبر رافعا يديه على ما تقدم وهوى إلى
السجود وتلقي الأرض بيده جميعا قبل ركبتيه، ويكون سجوده على سبعة أعظم: الجبهة
ومفصلي الكفين عند الزندين وعظمي الركبتين وطرفي إبهامي الرجلين. والإرغام بطرف
الأنف مما يلي الحاجبين من السنن المؤكدة، والسجود على السبعة الأعضاء فريضة والثامن
سنة وفضيلة ومن كانت بجبهته علة ووصل إلى الأرض من قصاص شعر رأسه إلى
الحاجبين مقدار الدرهم أجزأه، فمن لم يتمكن من ذلك أجزأه أن يسجد على ما بين الجبهة
والصدغين منحرفا، فإن لم يتمكن من ذلك سجد على ذقنه.
وينبغي أن يتخوى في سجوده كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه،
ومعنى يتخوى يتجافا يقال: خوى البعير تخوية أي جافى بطنه عن الأرض في بروكه، وكذلك
الرجل في سجوده وهو أن يكون معلقا لا يلصق عضديه بجنبيه ولا ذراعيه بعضديه
ولا فخذيه ببطنه ولا يفترش ذراعيه كافتراش السبع بل يرفعهما ويجنح بهما
ويكون نظره في حال السجود إلى طرف أنفه.
وجملة الأمر وعقد الباب في نظر المصلي في جميع صلاته على خمسة أضرب وهي مستحبة: حال
قيامه قارئا إلى موضع سجوده، وفي حال قنوته إلى باطن كفيه، وحال ركوعه إلى ما بين قدميه
وفي هذه الحال خاصة يستحب أن يكون مغمض العينين، وفي حال سجوده إلى طرف أنفه،
وفي حال جلوسه إلى حجره.
ويكره للساجد أن ينفخ موضع سجوده فإن كان نفخه بحرفين فقد قطع صلاته،
ولا بأس بأن تكون أعضاء السجود غير الجبهة مستورة وتقع على غير ما يجوز السجود عليه
وإن كانت بارزة وعلى ما تقع عليه الجبهة كان أفضل، وينبغي أن يكون موضع سجوده
مساويا في العلو والهبوط لموضع قيامه ويقول في السجود:
اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد لك
وجهي وجسمي وشعري وبشري ومخي وعصبي وعظامي، سجد وجهي للذي خلقه
وصورة وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين سبحان ربي الأعلى وبحمده،
الواجبة واحدة والمستحب ثلاث، والأفضل خمس والأكمل سبع، وقد ذكرنا فيما تقدم فقه ذلك.
669

سجود التلاوة في جميع القرآن مسنون إلا أربع سور فإن فيها سجودا واجبا على
ما قدمناه على القارئ والسامع والمستمع وهو الناصت،
وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إلى أنه يجب على القارئ والمستمع دون السامع،
وهو اختيار الشافعي، فأما باقي أصحابنا لم يفصلوا ذلك وأطلقوا القول بأن سجود أربع
المواضع يجب على القارئ ومن سمعه، وهو الصحيح وعليه إجماعهم منعقد. وروى
أبو بصير قال: قال أبو عبد الله ع: إذا قرئ شئ من العزائم الأربع فسمعتها
فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي.
وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد، وينبغي للمرأة
إذا أرادت السجود أن تجلس ثم تسجد لاطئة بالأرض مجتمعة واضعة ذراعيها على الأرض
بخلاف ما ذكرناه في هيئة سجود الرجل، ولو كانت على هيئة الرجل لم تبطل صلاتها،
ولو كان الرجل على هيئتها لم تبطل بذلك صلاته وإنما سن لها هذه الهيئة وللرجل تلك الهيئة،
ثم يرفع رأسه من السجود رافعا يديه بالتكبير مع رفع رأسه ويجلس متمكنا على
الأرض مفترشا فخذه اليسرى مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا
فخذه اليمنى عنها جاعلا ظاهر ساقه اليمنى على بطن رجله اليسرى، فظاهرها مبسوطه
على الأرض وباطن فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى
على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة.
ولا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وتركه أفضل،
ويكره أشد من تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهدين،
وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا: ولا يجوز الإقعاء في حال التشهدين، وذلك على تغليظ
الكراهة لا الحظر لأن الشئ إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، ويعرف ذلك بالقرائن.
ويستحب أن يكبر الرافع رأسه من السجود بعد التمكن من الجلوس، وكذلك الراكع
يكون قوله: سمع الله لمن حمده، بعد انتصابه قائما، وأنه إذا كان يكبر للدخول في فعل من
أفعال الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال الابتداء به، وإذا كان تكبيره للخروج عنه جعل
التكبير بعد الانفصال عنه وحصوله فيما يليه.
670

وينبغي أن يكون نظر الجالس إلى حجره على ما قدمناه، ويقول في الجلسة بين
السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وادفع عني واجبرني إني لما أنزلت إلى من خير فقير، ثم
يرفع يديه بالتكبير ويسجد الثانية على الوصف الذي مضى في الأولة ثم يرفع رأسه ويكبر
ويجلس متمكنا على الأرض على ما تقدم من وصفه، ثم ينهض إلى الركعة الثانية وهو يقول:
بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإذا استوى قائما قرأ الحمد وسورة معها، فإذا فرع من
القراءة بسط كفيه حيال صدره إلى القنوت وجعل باطنهما إلى السماء وظاهرهما مما يلي
الأرض ويكون نظره إلى باطنهما على ما أسلفنا القول فيه، والأفضل أن يكون ظاهرهما يلي
السماء وباطنهما يلي الأرض في جميع الصلاة إلا في حال القنوت، وتكون الأصابع مضمومة
إلا الإبهام إلا في الركوع فيستحب أن تكون مفرجات الأصابع، ويكبر للقنوت على أظهر
الأقوال وبعض أصحابنا يذهب إلى أن تركه أفضل.
والذي ينبغي أن يكون في القنوت على الجملة: حمد الله والثناء عليه والصلاة على
نبيه وآله ع وهو مخير بعد ذلك في ضروب الأدعية، وروي أن أفضل ذلك كلمات
الفرج، ويجوز للقانت أن يدعو لنفسه ويسأل حاجته في قنوته ويدعو على أعداء الدين
والظلمة والكافرين ويسميهم بأسمائهم.
فإن الرسول ع قنت على قوم من الكافرين وسماهم بأسمائهم فروي أنه قال:
اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين -
وفي بعضها والمستضعفين بمكة - واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: رعل بالراء غير المعجمة المكسورة والعين غير المعجمة
المسكنة واللام، وذكوان بالذال المعجمة، وهما قبيلتان من بني سليم.
وروي أيضا أنه دعا في الصلاة واستعاذ من فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح
الدجال.
قال محمد بن إدريس: المسيح بالحاء غير المعجمة وسمي مسيحا لأن عينه ممسوحة خلقة.
ولا بأس أن تشمت العاطس وأنت في الصلاة تقول: يرحمك الله، لأنه دعاء لا يقطع
الصلاة.
671

ورعل وذكوان أوردهم شيخنا في مسائل الخلاف فذكرتهم لئلا يجري تصحيف،
وكذلك فعل أمير المؤمنين ع.
والقنوت مستحب في جميع الصلوات الفرض والسنة وهو في الفرض آكد وفيما يجهر
فيها بالقراءة آكد وفي المغرب والفجر آكد، ومحله بعد القراءة في الثانية وقبل الركوع وهو
قنوت واحد في الصلاة، وروي: أن في الجمعة قنوتين، والأظهر الأول لأن هذا مروي من طريق
الآحاد. والقنوت الواحد مجمع على استحبابه ويجهر به في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة
ويخافت به فيما يخافت بالقراءة وقد روي أن القنوت يجهر به على كل حال،
فإذا فرع من قنوته رفع يديه وكبر للركوع على ما وصفنا وسجد السجدتين، فإذا
جلس من السجدة الثانية متمكنا على ما تقدم به الوصف وضع كفه اليمنى على فخذه
اليمنى دوين ركبتيه وكفه اليسرى على فخذه اليسرى دوين ركبتيه، ثم ليقل إن كان
مصليا فرضا سوى الفجر:
بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة،
اللهم صل على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد.
وإن كان في صلاة الفجر تشهد كالتشهد الذي نذكره وفي إثره التسليم، فإذا فرع من
التشهد الذي ذكرناه نهض قائما وهو يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد،
وبعض أصحابنا ينهض إلى الركعات بالتكبير لا بحول الله وقوته أقوم وأقعد - وهو مذهب
شيخنا المفيد - ولا يكبر للقنوت لأنه جعل في الصلوات الخمس أربعا وتسعين تكبيرة،
وشيخنا أبو جعفر الطوسي يقول بخمس وتسعين تكبيرة، وهو الأظهر في القول والروايات،
فالخلاف بينهما في تكبيرة واحدة لأن الشيخ المفيد يقول: أنا أقوم إلى الثوالث بالتكبير فلي أربع
فرائض لهن ثوالث ففيهن أربع تكبيرات، والفجر لا ثالثة لها فلا تكبيرة لها ويوافق في أعداد
التكبيرات الباقيات في أحوال الصلاة ولا يقنت بالتكبير. والشيخ أبو جعفر يقول: أقنت في
الخمس الفرائض بالتكبير ففيهن خمس تكبيرات وعدد التكبيرات في الخمس الصلوات
672

خمس وتسعون تكبيرة: خمس منها تكبيرات الافتتاح واجبة وتسعون مسنونة منها: خمس في
القنوت في الظهر اثنتان وعشرون تكبيرة، وفي العصر والعشاء الآخرة مثل ذلك، وفي
المغرب سبع عشرة تكبيرة، وفي الفجر اثنتا عشرة تكبيرة.
ويسبح في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر والعشاء الآخرة، وفي الركعة الثالثة
من المغرب عشر تسبيحات على ما مضى القول فيه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله، ثلاث مرات ويزيد في الثالثة " الله أكبر " وإن شاء قرأ الحمد، والتسبيح أفضل على
الأظهر من المذهب وبعض أصحابنا لا يفضل أحدهما على الآخر، وبعضهم يقول: توسطا
بين الأخبار الحمد أفضل للإمام خاصة،
فإذا جلس للتشهد الثاني قال: التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات
الزكيات الناعمات الغاديات الرائحات المباركات الحسنات لله ما طاب وطهر وزكا
وخلص " بفتح اللام " ونما، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وأشهد أن الجنة حق وأن النار حق
وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن ربي نعم الرب وأن
محمدا نعم الرسول وأشهد أن ما على الرسول إلا البلاغ المبين، اللهم صل على
محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد أفضل ما صليت وباركت، على إبراهيم إنك حميد مجيد.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله المرسلين وعلى ملائكته
المقربين السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
ثم يسلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة وينحرف بوجهه قليلا إلى يمينه إن كان منفردا
أو إماما، وإن كان مأموما سلم تسليمتين واحدة عن يمينه على كل حال وأخرى عن شماله
إلا أن تكون جهة شماله خالية من أحد فيسلم عن يمينه ويدع التسليم على شماله،
ولا يترك التسليم عن يمينه على كل حال كان في تلك الجهة أحد أو لم يكن على ما قدمناه.
والذي ذكرناه من كيفية التشهدين فضل لا حرج على تاركه وأدنى ما يجزئ فيهما
الشهادتان والصلاة على النبي والصلاة على آله ع، والتسليم الأظهر أنه
مستحب.
673

وذهب السيد المرتضى رضي الله عنه إلى وجوبه واحتج بما روي عنه ع من قوله:
مفتاحها التكبير وتحليلها التسليم، وهذا أولا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا خصوصا
عند هذا السيد، وأيضا لو كان متواترا فهو دليل الخطاب ودليل الخطاب أيضا عنده وعندنا
متروك بدليل آخر، وأيضا فما روي عنه ع من قوله: إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة
وركوع وسجود، يعارض خبره وفيه ما يقويه وهو لفظ " إنما " المحققة المثبتة للمذكر النافية
لما عداه وما ذكر التسليم أنه من جملة صلاتنا، وأيضا لو كان منها لكان إذا سلم المصلي ساهيا
أو ناسيا في غير موضع التسليم لا يجب عليه سجدتا السهو ولا يقطع صلاته به وهذا لا يقوله
أحد من أصحابنا.
وما اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته وجمله وعقوده ومذهب
شيخنا المفيد، والأصل براءة الذمة فإن المرتضى قال في الناصريات: ما وجدت لأصحابنا في
ذلك نصا، فقد أقر أنه لم يجد لهم في ذلك نصا ولا قولا. وقد ورد عنهم ع أنهم
قالوا: اسكتوا عما سكت الله عنه، وهذا من ذلك.
ويستحب بعد التسليم والخروج من الصلاة أن يكبر وهو جالس ثلاث تكبيرات
يرفع بكل واحدة يديه إلى شحمتي أذنيه، ثم يرسلهما إلى فخذيه في ترسل واحد ثم يقول:
لا إله إلا الله وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب
الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير
وهو على كل شئ قدير.
ثم يسبح تسبيح الزهراء ع وهو أربع وثلاثون تكبيرة، التكبير أول
بلا خلاف وثلاث وثلاثون تحميدة،
على الصحيح من المذهب وإنه بعد التكبير، وقال بعض أصحابنا: التسبيح بعد التكبير،
والأول أظهر في الفتوى والقول.
وثلاث وثلاثون تسبيحة، ثم يصلى على النبي ص ويستغفر من ذنوبه
ويدعو بما أحب ويسجد سجدة الشكر وصفتها أن يلصق ذراعيه وجؤجؤه بالأرض ويضع
جبهته على موضع سجوده ثم خده الأيمن ثم خده الأيسر ثم يعيد جبهته ويدعو الله في خلال
674

ذلك ويسبحه ويعترف بنعمته ويجتهد في الشكر عليها.
وقد روي فيما يقال في سجدة الشكر أشياء كثيرة من أرادها أخذها من مواضعها وأوجزها أن
يقول: شكرا شكرا شكرا ويكرر ذلك مرارا أدناها ثلاثا أو حتى ينقطع النفس وإن شاء عفوا
عفوا. وروي أن أمير المؤمنين ع كان يقول إذا سجد: وعظتني فلم أتعظ وزجرتني
عن محارمك فلم أنزجر وغمرتني أياديك فما شكرت عفوك عفوك يا كريم.
ويستحب له إذا رفع رأسه من السجود أن يضع باطن كفه اليمنى على موضع سجوده،
ثم يمسح بها وجهه وصدره، وهذا التعقيب يستحب في دبر كل فريضة ونافلة والسجود
والتعفير إلا فريضة المغرب فالمستحب أن يكون تعقيبها بهذا الدعاء، والسجود والتعفير
ما خلا تسبيح الزهراء ع بعد نافلتها بذلك تظاهرت الآثار عن الأئمة الأطهار،
ومن سجد وعقب بما ذكرناه كان فاعلا فضلا، ومن ترك فلا شئ عليه.
وسجدة الشكر مستحبة عند تجديد نعم الله ودفع البلايا والنقم وأعقاب الصلوات.
وروي عنه ع أنه لما أتى برأس أبي جهل لعنة الله سجد شكرا لله، وروي أنه رأى
نغاشيا فسجد، والنغاشي - بالنون المضمومة والغين المعجمة المفتوحة والشين المعجمة
المكسورة والياء المشددة - الرجل القصير الزري.
باب ذكر أحكام الأحداث التي تعرض في الصلاة وما يتبع ذلك:
كل شئ عرض للإنسان في الصلاة على وجه لا يتمكن من دفعه، وهو مما لا ينقض
الطهارة كالقئ والرعاف فعليه أن يغسله ويزيله، ويعود فيبني على ما مضى من صلاته بعد
أن لا يكون قد استدبر القبلة وزال عن جهتها بالكلية أو أحدث ما يوجب قطع الصلاة من
كلام أو غيره أو ما يوجب نقض الطهارة من سائر الأحداث إلا أن يكون تكلم ناسيا في
الحال التي يأخذ فيها في إزالة ما عرض له من الرعاف الذي يلزم معه إزالته من ثيابه وبدنه
وهو أن يكون بلغ درهما فصاعدا.
فأما القئ فلا يجب عليه إزالته ولا انصرافه من صلاته لأنه عندنا طاهر لم يكن عليه
شئ، وجاز له البناء على ما مضى ويجري ذلك مجرى أن يتكلم في الصلاة ناسيا، وكذلك
675

من سلم في غير موضع التسليم ناسيا ثم تكلم بعد سلامه متعمدا لأن عمده هاهنا في حكم
السهو لأنه لو علم أنه في الصلاة بعد لم يتكلم فيجب عليه البناء على صلاته، على
الصحيح من أقوال أصحابنا، وروي خلاف ذلك والعمل على ما قدمناه إلا أن يكون في
الحال التي أخذ فيها ليزيل الدم أحدث ما ينقض الطهارة فيجب عليه الاستئناف عامدا
كان أو ناسيا.
وعلى المصلي أن يدرأ هذه العوارض ما استطاع، فإذا غلبت وقهرت فالحكم
ما ذكرناه، فإن كان ذلك العارض مما ينقض الطهارة كان على المصلي إعادة الصلاة
سواء كان فعله الناقض للطهارة متعمدا أو ناسيا في طهارة مائية أو ترابية على الأظهر من
المذهب.
وبعض أصحابنا يقول: يعيد الطهارة ويبني على صلاته، والصحيح الأول يعضد ذلك دليل
الاحتياط فإن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط عنها إلا بيقين مثله، وقد علمنا أنه إذا أعاد
الصلاة من أولها فقد تيقن براءتها وليس كذلك إذا بنى على ما صلاة منها فإن ذمته ما برئت
بيقين، وإذا أعاد فقد برئت بيقين فوجبت الإعادة. وأيضا ما روي عنه ع من قوله: إن
الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا، وهذا المحدث الذي كلامنا فيه قد سمع الصوت ووجد الريح فيجب انصرافه عن
الصلاة، فإن قال المخالف: نحن إذا أوجبنا عليه أن ينصرف من الصلاة ويتوضأ ثم يبني
على ما فعله فقد قلنا بموجب الخبر، قلنا: الخبر يقتضي انصرافا عن الصلاة وأنتم تقولون:
إنه ما انصرف عنها بل هو فيها وإن تشاغل بالوضوء، وأيضا، فقد روي بالتواتر عن النبي
ع أنه قال: لا صلاة إلا بطهور، ومن سبقه الحدث فلا طهور له فوجب أن لا يكون في
الصلاة وأن يخرج لعدم الطهور عنها.
وقد روي أيضا عنه ع أنه قال: إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ
وليعد صلاته، فإن قيل: نحمل هذا الخبر على العمد قلنا: يحتمل العمد وغير العمد ولا يجوز
أن تخصه إلا بدليل وظاهر الأمر الوجوب ولا نحمله على الاستحباب إلا بدليل.
والتبسم الذي لا يبلغ حد القهقهة لا يقطعها، ويرد المصلي السلام إذا سلم عليه قولا
676

لا فعلا ولا يقطع ذلك صلاته سواء رد بما يكون في لفظ القرآن أو بما يخالف ذلك إذا أتى بالرد
الواجب الذي تبرأ ذمته به. إذا كان المسلم عليه قال له: سلام عليكم
أو سلام عليك أو السلام عليكم أو عليكم السلام فله أن يرد عليه بأي هذه الألفاظ كان، لأنه رد سلام مأمور
به وينويه رد سلام لا قراءة قرآن إذا سلم الأول بما قدمنا ذكره، فإن سلم بغير ما بيناه
فلا يجوز للمصلي الرد عليه لأنه ما تعلق بذمته الرد لأنه غير سلام.
وقد أورد شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه خبرا عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي
جعفر ع وهو في الصلاة فقلت: السلام عليكم، فقال: السلام عليكم قلت: كيف
أصبحت؟ فسكت فلما انصرف قلت له: أ يرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: نعم مثل
ما قيل له: أورد هذا الخبر إيراد راض به مستشهدا محتجا على الخصم، فأما ما أورده في
نهايته فخبر عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله ع، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى
خبر عثمان بن عيسى فقال: ويرد المصلي السلام على من يسلم عليه ويقول له في الرد:
سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم السلام، وإن قال له المسلم: عليكم السلام، فلا يرد مثل ذلك
بل يقول: سلام عليكم، والأصل ما ذكرناه لأن التحريم يحتاج إلى دليل.
ولا بأس إن عرض للمصلي الأمر المهم الذي لا يحتمل التأخير فيشير بيده أو يتنحنح
أو يسبح ليفهم مراده، وكذلك لا بأس بقتل الحية والعقرب وما جرى مجراهما مما يخاف ضرره
في الصلاة، ولا يجوز التكفير في الصلاة وهو أن يضع يمينه في حال قيامه على يساره
أو يساره على يمينه، فمن فعل ذلك مختارا فلا صلاة له، فإن فعله للتقية والخوف لم تبطل
صلاته.
ويستحب التوجه بسبع تكبيرات منها واحدة فريضة وهي تكبيرة الإحرام بينهن ثلاثة
أدعية في جميع الصلوات المفروضات والمندوبات،
وبعض أصحابنا يذهب إلى أن هذا الحكم والتوجه بالسبع في سبع مواضع فحسب في أول كل
فريضة وفي أول ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام وفي أول ركعة من
الوتيرة. وفي أول ركعة من صلاة الليل وفي المفردة من الوتر وفي أول ركعة من نوافل المغرب.
وبعض أصحابنا يقول في الفرائض الخمس: يكون التوجه بالسبع فحسب، وبعضهم يقول:
677

لا يكون إلا في الفرائض فحسب، والأول أظهر لأنه داخل في قوله تعالى: اذكروا الله ذكرا كثيرا،
وقوله: ادعوني أستجب لكم، وهذا دعاء والمنع يحتاج إلى دليل، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر
الطوسي رحمه الله في مبسوطه ومصباحه.
والعمل القليل الذي لا يفسد الصلاة لا بأس به وحده ما لا يسمى في العادة كثيرا مثل
إيماء إلى شئ أو قتل حية أو عقرب أو تصفيق أو ضرب حائط تنبيها على حاجة وما أشبه
ذلك، وبخلاف ذلك الفعل الكثير الذي ليس من أفعال الصلاة فإنه يفسدها إذا فعله
الانسان عامدا، وحده ما يسمى في العادة كثيرا بخلاف العمل القليل،
فإن شيخنا أبا جعفر الطوسي حد العمل القليل في مبسوطه فقال: وحده ما لا يسمى في العادة
كثيرا فيجب أن يكون حد الكثير بخلاف حد القليل، وهو ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل
والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الانسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا
ولا يسمى فاعله في العادة مصليا، فهذا تحقيق الفعل الكثير الذي يفسد الصلاة ويورد في
الكتب والتروك وقواطع الصلاة فليلحظ.
باب تفصيل أحكام ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض فيها والمسنون
وما يجوز فيها وما لا يجوز:
والذي ذكرناه في صفات الصلاة يشتمل على المفروض فيها والمسنون، وأنا
أفصل كل واحد منهما من صاحبه ليعرف الحقيقة فيه إن شاء الله.
المفروض من الصلاة أداؤها في وقتها واستقبال القبلة لها والنية والقيام مع القدرة
عليه أو ما قام مقامه مع العجز عنه وتكبيرة الافتتاح والقراءة والركوع والتسبيح فيه
أو الذكر لله والسجود والتسبيح فيه والتشهدان والصلاة على محمد وآله ع
فيهما معا. فمن ترك شيئا من هذا معتمدا بطلت صلاته، وإن كان تركه ناسيا فسنبين
حكمه في باب السهو إن شاء الله، ومن ترك الطهارة متعمدا أو صلى وجبت عليه إعادة
الصلاة، فإن تركها ناسيا ثم ذكر بعد أن صلى وجبت عليه الإعادة.
ومن صلى بغير أذان وإقامة متعمدا كانت صلاته ماضية ولم يجب عليه إعادتها، ومن
678

دخل في صلاة قد حضر وقتها بنيتها ثم ذكر أن عليه صلاة فائتة ولم يكن قد تضيق وقت
الحاضرة فليعدل بنيته إلى الصلاة الفائتة.
وتكبيرة الافتتاح فريضة على ما ذكرناه والتلفظ بها واجب وأدنى ذلك أن تسمع أذناه،
وتقديم الله على أكبر واجب والإتيان بأكبر على وزن أفعل واجب فمن تركها متعمدا
أو ساهيا وجبت عليه الإعادة،
ومن ترك القراءة متعمدا وجبت عليه الإعادة، والواجب من القراءة ما قدمناه، وهو
الحمد وسورة أخرى في الأوليين للمختار لا يجزئه غير ذلك، وإن تركها ناسيا حتى يركع لم
تجب عليه إعادة الصلاة ولا حكم سوى الإعادة.
والركوع واجب في كل ركعة، وأقل ما يجزئه من الركوع أن ينحني إلى موضع يمكنه
وضع يديه على عيني ركبتيه مع الاختيار وما زاد على ذلك في الانحناء فمندوب إليه.
ووضع اليدين على الركبتين وتفريج الأصابع مندوب غير واجب، والتسبيح في الركوع
أو ما قام مقامه من ذكر الله واجب تبطل بتركه متعمدا الصلاة، وإن تركه ناسيا حتى رفع
رأسه لم يكن عليه شئ من إعادة وغيرها، فمن ترك الركوع ناسيا أو متعمدا بطلت
صلاته،
وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا: فإن تركه ناسيا ثم ذكر في حال السجود وجب عليه
الإعادة، فإن لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الأولى وبنى
كأنه صلى ركعتين، وكذلك إن كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية
وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة.
أورد هذا الخبر الشيخ أبو جعفر في نهايته وليس بواضح والصحيح خلاف ذلك، وهذا
القول يخالف أصول المذهب لأن الاجماع حاصل على أنه متى لم تسلم الركعتان الأوليان بطلت
صلاته، وكذلك الاجماع حاصل على أن الركوع ركن متى أخل به ساهيا أو عامدا حتى فات
وقته وأخذ في حالة أخرى بطلت صلاته، وإنما أورد الشيخ هذا الخبر على جهته وإن كان
اعتقاده بخلافه والاعتذار له ما أسلفناه، والشيخ يرجع عن هذا الإيراد في جميع كتبه ويفتي
ببطلان الصلاة.
679

والسجود فرض في كل ركعة مرتين فمن تركهما أو واحدة منهما متعمدا وجبت عليه
الإعادة، وإن تركهما ناسيا ودخل في حالة أخرى وتقضت حالهما - مثاله تركهما حتى قام إلى
الركوع ثم ذكر - وجبت عليه الإعادة، فإن ترك واحدة منهما ناسيا ثم ذكر بعد قعوده أو قيامه
قبل الركوع عاد فسجد سجدة أخرى، فإذا فرع منها قام إلى الصلاة فاستأنف القراءة أو
التسبيح إن كان مما يسبح فيه، فإن لم يذكر حتى يركع مضى في صلاته ثم قضاها بعد
التسليم وعليه سجدتا السهو. وليس كذلك حكم من ترك السجدتين بمجموعهما لأنهما
بمجموعهما ركن وليس كذلك السجدة الواحدة فليلحظ ذلك.
والتسبيح في السجود واجب أو الذكر فيه، فمن تركه متعمدا وجبت عليه الإعادة
ومن تركه ناسيا لم يكن عليه شئ.
والتشهد في الصلاة واجب وأقل ما يجزئ فيه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله، فمن تركهما متعمدا وجبت عليه الإعادة، ومن تركهما ناسيا
أو ساهيا قضاهما ولم يجب عليه إعادة الصلاة ووجبت عليه سجدتا السهو، وكذلك
الصلاة على الرسول والصلاة على آله ع، فمن تركهما متعمدا بطلت
صلاته ووجبت عليه الإعادة، ومن تركهما ناسيا قضاه بعد التسليم ووجب عليه سجدتا السهو.
والتسليم سنة وليس بفرض على ما قدمناه فمن تركه متعمدا لا تبطل صلاته،
والتكبيرات السبع مع سائر التكبيرات سنة ما عدا تكبيرة الإحرام - على الصحيح من
المذهب وإن كان بعض أصحابنا يذهب إلى وجوب تكبيرة السجود والركوع وهو سلار -
ورفع اليدين مع كل تكبيرة سنة فمن ترك ذلك متعمدا أو ناسيا لم تفسد صلاته،
وإن كان السيد المرتضى يذهب إلى وجوب رفع اليدين مع كل تكبيرة إن أراد أن يكبر
التكبيرات المندوبات، فإن لم يرد أن يكبر وترك التكبير لا يوجب عليه الرفع إلا في تكبيرة
الإحرام فحسب لأنه لا بد له من أن يكبرها، والصحيح أن الرفع لليدين مع كل تكبيرة لا يجب
سواء كانت التكبيرة واجبة أو مندوبة إليها.
ومن ترك الجهر فيما يجهر فيه أو جهر فيما يخافت فيه متعمدا وجبت عليه الإعادة، وإن
680

فعل ذلك ناسيا لم يكن عليه شئ.
والقنوت في الصلوات كلها سنة مؤكدة فمن تركه متعمدا كان تاركا سنة وفضيلة
ومن تركه ناسيا ثم ذكر في الركوع قضاه بعد الركوع استحبابا، فإن لم يذكر إلا بعد الدخول
في الركعة الثالثة مضى في صلاته ثم قضاه بعد الفراع من الصلاة.
وجملة الأمر وعقد الباب أن ما يقارن حال الصلاة على ثلاثة أقسام: أفعال وكيفياتها وتروك.
وكل واحد منهما على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض على ضربين: ركن وغير ركن،
والأركان خمسة: القيام مع القدرة أو ما قام مقامه مع العجز عنه والنية وتكبيرة الإحرام
والركوع والسجود. فمتى أخل بالركن عامدا أو ساهيا ولم يذكره حتى تقضى حالة ودخل
في حالة أخرى بطلت صلاته سواء خرج وقت الصلاة أو لم يخرج وسواء كان الركن من
الركعتين الأوليين أو الأخريين، ولا يلتفت إلى ما يوجد في بعض الكتب بخلاف ذلك فهذا
حد الركن، وهو أنه متى أخل به عامدا أو ساهيا حتى دخل في حالة أخرى بطلت الصلاة
ووجبت إعادتها.
وغير الركن من المفروض ينقسم إلى قسمين: إن أخل به عامدا حتى دخل في حالة
أخرى ألحق بالركن، وإن أخل به ساهيا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: منه ما لا يجب إعادته
ولا الإتيان بحكم آخر بدله، وهو القراءة وتسبيح الركوع والسجود، ومنه ما يجب إعادته
والإتيان بحكم آخر معه وهو التشهد وسجدة واحدة من السجدتين، ومنه ما يجب تركه فإن
فعله ناسيا أو ساهيا كالكلام والقيام في حال القعود والتسليم في غير موضعه والجلوس في
حال القيام، فما هاهنا شئ يجب إعادته بل يجب الإتيان بحكم غيره بدله وهو سجدة
السهو، وسنبين مواضعها وكيفيتها إن شاء الله.
والكيفيات الواجبات متى ترك المصلي شيئا منها عامدا بطلت صلاته، وإن تركها
ناسيا أو ساهيا فلها أحكام نذكرها في خلال الأفعال.
وأما التروك الواجبة فتنقسم إلى قسمين: أحدهما متى فعله الانسان عامدا بطلت صلاته ومتى
فعله ناسيا لا تبطل صلاته بل له أحكام، والقسم الثاني متى فعله الانسان عامدا أو ناسيا بطلت
681

صلاته على كل حال سواء كانت الصلاة صلاة متيمم أو صلاة متطهر بالماء على الصحيح
من المذهب وهو جميع نواقض الطهارة، فمتى أحدث الانسان ما ينقض الطهارة عامدا كان
أو ساهيا وجبت عليه إعادة صلاته، وما عدا الناقض من التروك إذا فعله عامدا وجبت
الإعادة وإذا فعله ناسيا أو ساهيا لا يوجب الإعادة بل يوجب بعضه سجدتي السهو مثل الكلام
ساهيا، والتسليم في غير موضعه كذلك فإنه يوجب سجدتي السهو، فأما الكتف الذي هو
التكفير فلا يوجب سجدتي السهو إذا فعله ناسيا، وكذلك حكم الالتفات إلى ما ورائه وهكذا
الفعل الكثير، وحده ما لا يسمى فاعله في العادة مصليا على ما حررناه فيما مضى وشرحناه
فليلحظ هذه الجملة ويحصل معناها فإنها جليلة الخطر والقدر.
باب أحكام السهو والشك في الصلاة:
السهو والشك لا حكم لهما مع غلبة الظن لأن غلبة الظن تقوم مقام العلم في وجوب
العمل عليه مع فقدان دليل العلم وإنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال
الظن وتساويه.
وقال بعض أصحابنا: وإنما الحكم لما يتساوى فيه الظنون أو
الشك المحض - بخفض كاف الشك وضاد المحض على المجرور الذي هو لما لا على الظنون لأن الشك ليس هو عددا
فيتساوى كالظنون - إن اعترض معترض على هذه العبارة فقال: الظن معلوم وهو تغليب
بالقلب لأحد المجوزين ظاهري التجويز، وحد الشك هو خطور الشئ بالبال من غير ترجيح
لنفيه أو ثبوته فقال: الظن إذا تساوى في الشئ لم يترجح فقد صار شكا، فإن هذا حقيقته على
ما مضى من حده، فيقال له: لا يمتنع أن يختلف اللفظ وإن كان المعنى واحدا كما قالوا وورد في
أدعيتنا عن الأئمة ع: إيمانا بك وتصديقا بكتابك، والإيمان هو التصديق
والتصديق هو الإيمان. وكما قال الشاعر: وهند أتى من دونها النأي والبعد والبعد هو النأي.
وقال آخر: كذبا ومينا والمين الكذب.
وقال آخر: أقوى وأقفر بعد أم الهيثم، وهذا كثير جدا ويمكن أن يقال: إذا كان الحدان مختلفين
682

فهذا غير هذا، وهو أن الشك المحض غير تساوى الظنون وإن كان حكمهما واحدا في الفقه
والحكم وهو إن هاهنا ظنونا غير إنها متساوية، وفي المسألة الأخرى شك محض فالعبارة
صحيحة.
والسهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة: فأولها ما تجب فيه إعادة الصلاة على كل
حال، وثانيها ما لا حكم له ولا مزية لوجوده على عدمه، وثالثها ما يجب فيه العمل على
الغالب في الظن، ورابعها ما يقتضي التدارك والتلافي في الحال أو بعده فيتدارك بعضه
لا جميعه، وخامسها ما يجب فيه الاستظهار والاحتياط للصلاة، وسادسها ما يجب فيه
جبران الصلاة.
فأما الضرب الأول:
وهو المقتضي للإعادة على كل حال فهو أن يسهو في الركعتين الأوليين من كل رباعية
أو يسهو في فريضة الغداة أو المغرب،
فإن قيل، إذا قلتم: الأوليان من كل فريضة، فلا حاجة بكم أن تقولوا: المغرب، لأن لها أوليين
بخلاف فريضة الغداة، قلنا: لأن ثالثة المغرب بمنزلة أولة الظهر فلذلك ذكرناها.
أو الجمعة مع الإمام يعني الإمام والمأموم جميعا، أو صلاة السفر، أو يسهو عن الركوع ثم
لا يذكره حتى يدخل في حالة السجود بحيث لو كان شاكا فيه ودخل في الحال الثانية
لا يلتفت إليه، أو يسهو عن النية، أو يسهو عن تكبيرة الافتتاح ثم لا يذكرها حتى يركع،
أو يسهو فيترك سجدتين من ركعة أية ركعة كانت سواء كانت من الأوليين أو الأخريين،
على الصحيح من المذهب لأنهما بمجموعهما ركن على ما بيناه، ومن أخل بركن حتى تنقضي
حالة يجب عليه إعادة الصلاة على ما سلف القول فيه ثم لا يذكر حتى ينفصل من حال
السجود ودخل في حالة أخرى بحيث لو كان شاكا لما وجب عليه شئ ولا يلتفت إليه.
أو ينقص ساهيا من الفرض شيئا من هذا الفرض ركعة أو أكثر أو يزيد شيئا ثم لا يذكر
ذلك حتى يحدث ما ينقض الطهارة، أو يزيد في صلاته ركعة،
فأما من صلى الظهر مثلا أربع ركعات وجلس في دبر الرابعة فتشهد لها وصلى على النبي وآله
683

ع ثم قام ساهيا عن السلام فصلى ركعة خامسة، فعلى مذهب من أوجب
التسليم فالصلاة باطلة، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال: الصلاة صحيحة لأنه
ما زاد في صلاته ركعة لأنه بقيامه خرج من صلاته وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في
استبصاره ونعم ما قال.
أو يسهو وهو في حال الصلاة ولم يدر كم صلى ولا حصل شيئا من العدد ولم يدرأ زاد
على الفرض أم نقص، وكذلك يجب إعادة الصلاة على من سها فدخل فيها بغير طهارة
ثم ذكر بعد ذلك سواء تقضى الوقت أو لم يتقض، وكذلك من صلى قبل دخول الوقت ساهيا
ومن صلى إلى يمين القبلة أو شمالها وذكر والوقت باق يجب عليه الإعادة فإن علم بعد
خروجه فلا إعادة عليه، وكذلك من كان فرضه الصلاة إلى أربع جهات فصلى إلى جهة
واحدة مع الاختيار والإمكان ومع غير ضرورة ولم تكن تلك الجهة القبلة ثم تبين بعد خروج
الوقت فإنه يجب عليه الإعادة.
فأما من صلى صلاة واحدة في حال الضرورة إلى جهة ثم بعد خروج الوقت علم أن
كانت الجهة استدبار القبلة،
فبعض أصحابنا يوجب عليه الإعادة على كل حال والباقون المحصلون لا يوجبون الإعادة
مع هذه الحال بعد خروج الوقت، وهذا الصحيح الذي تقتضيه أصول المذهب ويشهد به
المتواتر من الأخبار، وقد قدمنا ذلك وشرحناه وهو اختيار السيد المرتضى في جوابات
الناصريات.
ومن صلى في ثوب نجس مع تقدم علمه بذلك ساهيا فإنه يجب عليه الإعادة سواء كان
الوقت باقيا أو خارجا بغير خلاف، فأما إذا لم يتقدم له العلم وذكر بعد خروج الوقت
فلا إعادة عليه، فإن ذكر والوقت باق فقد ذهب بعض أصحابنا: إلى وجوب الإعادة وقال
الباقون: لا إعادة عليه،
وهو الصحيح لأن الإعادة فرض ثان يحتاج إلى دليل مستأنف، والأصل براءة الذمة من
العبادات وبهذا القول يفتي شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في جمله وعقوده وفي
استبصاره، وإن كان في نهايته يورد من طريق الخبر خلاف ذلك وقد بينا عذره في هذا
684

الكتاب فيما يورده في نهايته وقلنا: أورده إيرادا لا اعتقادا.
ومن صلى في مكان مغصوب مع تقدم علمه بالغصب سواء كان الموضع دارا
أو بستانا،
فإن قيل: البساتين قد ورد أنه لا بأس بالصلاة فيها من غير إذن من أصحابها وهذا مطلق،
وأصحابنا يفتون بذلك من غير تقييد، قلنا: لا خلاف في أن العموم قد يختص بالأدلة وقد ورد
عاما في البساتين وورد الخاص، وهو من صلى في مكان مغصوب يجب عليه الإعادة فإذا
عملنا بالخاص فقد عملنا ببعض العام، وإذا عملنا بالعام فقد تركنا الخاص رأسا وهذا يعلم
من بناء العام على الخاص فليلحظ ذلك.
فإن لم يتقدم له العلم بالغصب فلا إعادة عليه سواء علم قبل خروج الوقت أو بعد
خروجه بغير خلاف في هذا، أو لم يكن مختارا للصلاة فيه فلا إعادة عليه أيضا سواء خرج
منه والوقت باق أو كان منقضيا بغير خلاف أيضا. ومن صلى في ثوب مغصوب كذلك
حرفا فحرفا، ومن سها في صلاة الكسوف والخسوف ومن سها في صلاة العيدين إذا كانت
واجبة ومن سها في صلاة الطواف الواجب، فجميع ذلك يوجب الإعادة لأن أصحابنا
متفقون على أنه لا سهو في الأوليين من كل صلاة ولا في المغرب والفجر وصلاة السفر وعلى
هذا الإطلاق لا سهو في هذه الصلوات، وقد ذكر ذلك السيد المرتضى وذهب إليه في
الرسيات.
فأما الضرب الثاني من السهو:
وهو الذي لا حكم له فهو الذي يكثر ويتواتر، وحده أن يسهو في شئ واحد أو فريضة
واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه، أو يسهو في أكثر الخمس الفرائض أعني ثلاث
صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسها فيها فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة
الرابعة ولا يلتفت إلى سهوه فيها، أو يقع الشك في حال قد تقضت وأنت في غيرها كمن شك
في تكبيرة الافتتاح وهو في فاتحة الكتاب، أو شك في فاتحة الكتاب وهو في السورة التالية لها،
أو سها في السورة وهو في الركوع،
685

وقد يلتبس على غير المتأمل عبارة يجدها في الكتب وهي: من شك في القراءة وهو في حال
الركوع فيقول: إذا شك في الحمد وهو في حال السورة التالية للحمد يجب عليه قراءة الحمد
وإعادة السورة، ويحتج بقول أصحابنا: من شك في القراءة وهو قائم قرأ، فيقال له: نحن نقول
بذلك وهو أنه يشك في جميع القراءة قبل انتقاله من سورة إلى غيرها فالواجب عليه القراءة،
فأما إذا شك في الحمد بعد انتقاله إلى حالة السورة التالية لها فلا يلتفت لأنه في حال أخرى
وما أوردنا وقلنا به وصورناه قد أورده الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده حرفا فحرفا وهو
الصحيح الذي تقتضيه أصول مذهبنا.
أو يشك في الركوع وهو في حال السجود أو يشك في السجود بعد انفصاله من حاله
وقيامه إلى الركوع، وهكذا الحكم في جميع أبعاض الصلاة إذا شك في ذلك بعد أن فارقه
وانفصل عنه فكل هذه المواضع لا حكم للسهو فيها اللهم إلا أن يستيقن فيعمل على
اليقين، ولا حكم أيضا للسهو في النافلة وكذلك لا حكم للسهو في السهو، أو يشك في التشهد
الأول وقد قام إلى الثالثة ومن سها عن تسبيح الركوع وقد رفع رأسه.
فأما من قال من أصحابنا وأورد في بعض كتبه في هذا القسم: ومن ترك ركوعا في الركعتين
الأخريين وسجد بعده حذف السجود وأعاد الركوع، ومن ترك السجدتين في واحدة منهما بنى
على الركوع في الأول وسجد السجدتين. فهو اعتماد منه على خبر من أخبار الآحاد لا يلتفت
إليه ولا يعرج عليه ولا يترك لأجله أصول المذهب، وهو أن الركن إذا أخل به عامدا أو ساهيا
وذكره بعد تقضي حاله ووقته فإنه يجب عليه إعادة صلاته بغير خلاف، ولا خلاف في أن
الركوع ركن وكذلك السجدتين بمجموعهما على ما شرحناه من قبل وبيناه.
فإن قيل: ذلك في الركوع من الأوليين وكذلك سجدتا الأوليين، قلنا: هذا تخصيص بغير دليل
وأخبار الآحاد غير أدلة يخصص بها العموم بغير خلاف بين أصحابنا قديما وحديثا
إلا ما يذهب إليه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في بعض كتبه، وإن كان في أكثر كتبه يزيف
القول بأخبار الآحاد ويترك القول بها في الاحتجاج ويقول: لا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد،
وهو الحق اليقين الذي إطباق الطائفة عليه خلفا وسلفا يعيبون الذاهبين إلى خلافه أشد عيب
على ما بيناه في خطبة كتابنا هذا عن المرتضى وغيره من أصحابنا، ومن خالف من أصحابنا في
686

شئ وكان معروف العين فلا يلتفت إلى خلافه لأن الحجة في غير قوله لأنه من المعلوم أنه غير
معصوم والحجة في قول المعصوم فليلحظ ذلك.
وأما الضرب الثالث من السهو:
وهو الذي يعمل فيه على غالب الظن فهو كمن سها فلم يدر صلى اثنين أم ثلاثا
وغلب على ظنه أحد الأمرين فالواجب العمل على ما غلب في ظنه وإطراح الأمر الآخر،
وكذلك إن كان شكه بين الثلاث والأربع والاثنين والأربع أو غير ذلك من الأعداد بعد أن
يكون اليقين حاصلا بالأوليين، فالواجب في جميع هذا الشك العمل على ما هو أقوى وأغلب
في ظنه وأرجح عنده.
وكذلك إذا سها وهو قائم فلم يدر أ ركع أم لم يركع وغلب على ظنه أنه لم يركع واعتراه
وهم ضعيف أنه ركع وجب عليه البناء على الأغلب وفعل الركوع وكذلك إن كان الأغلب أنه
قد ركع بنى عليه، وكذلك القول في السجود والتشهد وسائر الأفعال إذا التبس أمرها وكان
الظن قويا في إحدى الجهات إن الواجب عليه العمل على الأغلب في الظن والأقوى.
وأما الضرب الرابع من السهو:
فهو المقتضي للتلافي في الحال كمن سها عن قراءة فاتحة الكتاب حتى ابتدأ بالسورة
التي تليها ثم ذكر فيجب عليه أن يتلافى ذلك بقطع السورة والابتداء بالفاتحة ثم يعود إلى
السورة أو إلى غيرها،
وهذا القول يعضد ما قدمناه ولا يتوهم إن هذا عين المسألة التي قدمناها وقلنا: إن من شك في
الحمد وهو في السورة التالية لها فلا يلتفت إلى شكه ويمضى فيما أخذ فيه، لأن هاهنا ذكر بعد
سهوه وشكه وما قلناه لما أخذ في السورة التالية ما ذكر أن الحمد لم يقرأها بل شك في ذلك
وما تيقن ولا ذكر أنه لم يقرأ الحمد فليتأمل ذلك.
وكذلك إن كان سها عن تكبيرة الافتتاح وذكرها وهو في القراءة قبل الركوع فعليه أن
يكبرها ثم يقرأ، وكذلك إن سها عن الركوع وذكر أنه لم يركع وهو قائم فعليه أن يركع،
687

وكذلك إن نسي سجدة من السجدتين وذكرها في حال القيام قبل أن يركع وجب عليه أن
يرسل نفسه فيسجدها ثم يعود إلى القيام، فإن لم يذكر حتى يركع الثانية وجب عليه أن
يقضيها بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو على ما سنذكره، وكذلك إن سها عن التشهد
الأول حتى قام وذكره في حال القيام فعليه أن يجلس ويتشهد ثم يرجع إلى القيام، وكذلك إن
سلم ساهيا في الجلوس للتشهد الأخير قبل أن يتشهد أو قبل أن يصلى على النبي وعلى آله
ع وذكر ذلك وهو جالس من غير أن يتكلم أو قد تكلم لا فرق بين الأمرين
فعليه أن يعيد التشهد أو ما فاته منه ويسجد سجدتي السهو لأنه سلم في غير موضع التسليم.
وأما الضرب الخامس من السهو:
وهو الموجب للاحتياط في الصلاة فكمن سها فلم يدر أ ركع أم لم يركع؟ وهو قائم
لم يركع وتساوت في ذلك ظنونه فعليه أن يركع ليكون على يقين، فإن ركع ثم ذكر وهو في حال
الركوع أنه كان ركع فعليه أن يرسل نفسه إلى السجود إرسالا من غير أن يرفع رأسه
ولا يقيم صلبه، فإن كان ذكره أنه قد كان ركع بعد القيام من الركوع والانتصاب كان عليه
إعادة الصلاة لزيادته فيها ركوعا وسواء كان هذا الحكم في الركعتين الأوليين أو الركعتين
الأخريين على الصحيح من الأقوال،
وهذا مذهب السيد المرتضى والشيخ أبي جعفر الطوسي في جمله وعقوده. وقال في نهايته: ومن
شك في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة، فإن كان شكه في الركوع في
الثالثة أو الرابعة وهو قائم فليركع فإن ذكر في حال ركوعه أنه كان قد ركع أرسل نفسه إلى
السجود من غير أن يرفع رأسه، فإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع إنه كان قد ركع أعاد
الصلاة فخص الإرسال بالركعتين الأخريين.
والصحيح ما ذهب إليه في الجمل والعقود لأنه موافق لأصول المذهب لأن الانسان إذا شك في
شئ قبل الانتقال من حاله فالواجب عليه الإتيان به ليكون على يقين ولا يجوز له هدم فعله
وإبطال صلاته.
وقال في هذا الكتاب أيضا: فإن شك في السجدتين وهو قاعد أو قد قام قبل أن يركع عاد
688

فسجد السجدتين، فإن ذكر بعد ذلك أنه كان قد سجدهما أعاد الصلاة فإن شك بعد ما يركع
مضى في صلاته وليس عليه شئ.
وقال أيضا: وإن شك في واحدة من السجدتين وهو قاعد أو قائم قبل الركوع فليسجد، فإن
ذكر بعد ذلك أنه كان سجد لم يكن عليه شئ، فإن كان شكه فيها بعد الركوع مضى في صلاته
وليس عليه شئ.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا الذي حكيته عن الشيخ أبي جعفر رحمه الله في نهايته
مخالف لما ذهب إليه في جمله وعقوده ولما عليه أصول المذهب والعمل والفتوى من فقهاء
العصابة، لأن هذه المسائل من القسم الذي لا حكم له وهو: من شك في شئ وقد انتقل إلى
حالة أخرى، مثاله من شك في تكبيرة الافتتاح وهو في حال القراءة أو في القراءة وهو في حال
الركوع أو في الركوع وهو في حال السجود أو شك في السجود وهو في حال القيام أو في التشهد
الأول وقد قام إلى الثالثة، وهذا مذهب أصحابنا بأجمعهم لا خلاف بينهم في ذلك وهذا أيضا
مذهبه في الجمل والعقود والمبسوط والاقتصاد وسائر كتبه وقد بينا وجه الاعتذار له في غير
موضع، واعتذر هو أيضا لنفسه عما يوجد في كتاب النهاية في خطبة المبسوط على ما أومأنا إليه
من قبل وقال: قد أوردت الألفاظ على جهتها ولم أغير شيئا منها وذكرت ما ورد من الأخبار.
وقلنا: إنه رضي الله عنه أورده أيضا إيرادا لا اعتقادا لصحته والفتوى والعمل به فهذا وجه
الاعتذار له وإلا كيف يقول: من شك في السجدتين و هو قاعد أو قد قام قبل أن يركع عاد
فسجدهما؟ ولا خلاف في أنه إذا شك فيهما بعد قيامه وانفصاله من حال الجلوس لا يلتفت
إلى شكه وكان وجود شكه كعدمه بغير خلاف، بل إذا كان شكه في السجدتين في حال
سجوده وجلوسه قبل قيامه فإنه يجب عليه أن يسجدهما ليكون على يقين من براءة ذمته لأن
حالهما ما تقضت، فأما إذا قام من حال السجود ثم شك فيهما لا يلتفت إلى الشك ولا يرجع عن
يقينه بشكه لأنه ما قام إلا بعد يقينه - لسجودهما، فإذن لا فرق بين أن يشك فيهما بعد ركوعه
أو بعد قيامه وقبل ركوعه فليلحظ ذلك، وكذلك قوله: إن شك في واحدة من السجدتين وهو
قاعد أو قائم قبل الركوع فليسجد، أما سجوده وهو قاعد فصحيح وأما وهو قائم فليس
بصحيح على ما بيناه وحققناه فليتأمل، ولا يقلد إلا الأدلة دون المسطور. عاد القول إلى تمام
689

الضرب الخامس.
وكذلك إن سها فلم يدر سجد اثنتين أم واحدة وقد رفع رأسه قبل القيام فعليه أن
يسجد واحدة حتى يكون على يقين من الاثنتين، فإن سجدها ثم ذكر أنه قد كان سجد
سجدتين وجب عليه إعادة الصلاة لمكان زيادته فيها ركنا،
وإن سها فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا وتكافأت في ذلك ظنونه وأوهامه فعليه أن يبني
على الثلاثة ويتمم صلاته ثم يأتي بعد سلامه بركعتين من جلوس يقومان مقام ركعة واحدة من
قيام، فإن كان بانيا على النقصان كان فيما فعله تمام صلاته، وإن كان بنى على الكمال
كانت الركعتان له نافلة، وإن شاء بدلا من الركعتين من جلوس أن يصلى ركعة من قيام
بتشهد فيها وتسليم جاز له ذلك فبكل واحد من الأمرين جاءت الرواية، فإن كان سهوه
وشكه بين الثلاث والأربع وتساوت ظنونه فحكمه ما ذكرناه بعينه.
فإن سها بين اثنتين وأربع وتساوت ظنونه فليبن على أربع فإذا سلم قام فصلى
ركعتين يقرأ في كل واحدة منهما فاتحة الكتاب أو يسبح فيهما ويتشهد ويسلم، فإن كان
الذي بنى عليه ركعتين فهاتان الركعتان تمام صلاته، وإن كان الذي بنى عليه أربعا كانت
هاتان له نافلة،
وإن كان سهوه بين ركعتين وثلاث وأربع بنى على الأربع وتشهد وسلم، ثم قام
فصلى ركعتين من قيام، فإذا تشهد وسلم منهما صلى ركعتين من جلوس، فإن كان الذي بنى
عليه على الحقيقة أربع ركعات كان ما صلاه نافلة، وإن كان اثنتين فالركعتان اللتان من قيام
تمام صلاته واللتان من جلوس نافلة، وإن كان ثلاثا فالركعتان من جلوس وهما مقام واحدة
من قيام فيها تمام الصلاة والركعتان من قيام نافلة، وهذا المسمى بالاحتياط.
وجملة الأمر فيه وعقد بابه إن مسائله أربع في الفريضة فحسب وجميعها عند شكه وتساوى
ظنونه، أعني ظنون المصلي يبني على أكثر ركعاته وأكثر صلاته على ما سطره مصنفوا
أصحابنا رحمهم الله ولا يسطرون شيئا آخر، ولا يصلى ركعة أخرى ويسلم إلا في مسألة
واحدة من الأربع لا يسلم وقت شكه وتساويه بل الواجب عليه الإتيان بما بقي عليه وهي
الركعة المتيقنة، فإذا أتى بها فالواجب ع والإتيان بعد السلام بركعة احتياطا وهي:
690

من شك بين الثنتين والثلاث فلا يجوز له هاهنا أن يسلم قبل الإتيان بالركعة المتيقنة لأنه قاطع
على أنه بقي عليه ركعة من فريضته، فإن قيل: فما بنى على الأكثر، قلنا: قد بنى على الأكثر
وهي الثلاث وصلاته رباعية والثلاث أكثر من الاثنتين فهو متيقن أنه قد بقي عليه ركعة قبل
سلامه، وأيضا هذا الحكم أعني الاحتياط بعد التسليم بالركعات لا يكون إلا في الصلوات
الرباعيات مع سلامة الأوليين، فأصحابنا يقولون: يبني على الأكثر ويسلم ويعنون بذلك كأنه
قد صلى الأربع بحيث يسلم بعد الأربع لا قبل الأربع لأن محل السلام في الرباعيات بعد الأربع
فلأجل هذا قالوا: يبني على الأربع، بحيث أنه إذا لم يبن على الأربع فكيف يجوز له أن يسلم
قبل تمام الصلاة متعمدا؟ ومن سلم قبل تمام صلاته متعمدا بطلت صلاته قالوا: يبني على
الأربع أي كأنه في الحكم قد فرع من جميع ركعاته وصلاته ويسلم بعد ذلك فيكون السلام في
محله، ثم بعد التسليم يبني على الأقل كأنه ما صلى إلا ركعتين أو كأنه ما صلى إلا ثلاثا ليكون على
يقين من براءة ذمته، فقبل سلامه يبني على الأكثر لأجل التسليم على ما نبهنا عليه وبعد التسليم
يبني على الأقل كأنه ما صلى إلا ما تيقنه وما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته.
وقد قال السيد المرتضى رحمه الله في جواب المسائل الناصريات: المسألة الثانية والمائة قال
صاحب المسائل: من شك في الأوليين استأنف الصلاة ومن شك في الأخريين بنى على اليقين.
قال المرتضى: هذا مذهبنا وهو الصحيح عندنا ألا ترى إلى قوله رضي الله عنه بنى على
اليقين؟ إن أراد بنى على اليقين بعد سلامه ويصلى ما تساوت ظنونه فيه وتوهمه فقول
صحيح محقق على ما بيناه، وإن أراد وقت شكه وقبل سلامه فهذا بخلاف عبارة أصحابنا
لأنهم يقولون: هو يبني على الأكثر ويسلم والأكثر هو ما توهمه ولم يقطع عليه فيبني كأنه قد
صلاه بحيث يسلم، ولو بنى هاهنا على اليقين لما سلم ولا كان يجوز له التسليم لأن يقينه ثابت
في الركعتين الأوليين فحسب وهو في شك مما عداهما فلو بنى عليهما لما سلم ولأتى بما بقي عليه
بعد قطعه على يقينه قبل سلامه وانفصاله بسلامة منها فليلحظ ذلك بعين التأمل الصافي.
وركعات الاحتياط تجب فيها النية احتياطا واجبا قربة إلى الله تعالى وتجب فيها
تكبيرة الإحرام، ومن أحدث بعد سلامه وقبل صلاة الاحتياط فإنه لا يفسد صلاته بل يجب
عليه الإتيان بالاحتياط لأن هذا ما أحدث في الصلاة بل أحدث بعد خروجه من الصلاة
691

بالتسليم، والاحتياط حكم آخر متجدد غير الصلاة الأولة، وإن كان من توابعها ومتعلقاتها
فإن شك وهو قائم هل قيامه الذي هو فيه للركعة الرابعة أو للركعة الخامسة؟ فإنه يجب
عليه الجلوس من غير ركوع فإذا جلس تشهد وسلم وقام بعد سلامه فصلى ركعة
احتياطا وقد برئت ذمته، ولا يجوز له أن يركع في حال قيامه قبل أن يجلس لأنه لا يأمن أن
يكون قد صلى أربعا فيكون ركوعه زيادة في صلاته تفسد الصلاة،
فإن قيل: لا يأمن أن يكون قد صلى أربعا، قلنا: فقد تمت صلاته لركعة الاحتياط بعد تسليمه
غير مفسدة لها لأنها منفصلة عنها بالتسليم، فإن قيل: فلم لا يجزئه سجدتا السهو ولا يجب
عليه ركعة الاحتياط؟ قلنا: مواضع سجدتي السهو محصورة مضبوطة وليس هذا واحدا منها
ولنا في ذلك مسألة قد جنحنا الكلام فيها وفرعناه وسألنا أنفسنا عما يعترض بلغنا فيها أبعد
الغايات.
وأما الضرب السادس من السهو:
وهو ما يجب فيه جبران الصلاة فهو كمن سها عن سجدة من السجدتين ثم ذكرها
بعد الركوع في الثانية فعليه أن يمضى في صلاته، فإذا سلم قضى تلك السجدة وسجد بعدها
سجدتي السهو، وقد روي في هذا الموضع أنه يقضي السجدة وليس عليه سجدتا السهو.
ومن نسي التشهد الأول ثم ذكره بعد الركوع في الثالثة فعليه أن يمضى في صلاته، فإذا سلم
قضاه بأن يتشهد ثم يسجد سجدتي السهو، فإن نسي الصلاة على محمد وآله دون التشهد
حتى جاوز محله ووقته فلا إعادة عليه ولا قضاؤه لأن حمله على التشهد قياس لا نقول به
فليلحظ ذلك ويحصل ويتأمل.
ومن تكلم في صلاته ساهيا بما لا يكون مثله في الصلاة فعليه سجدتا السهو، ومن
سلم في غير موضع التسليم ساهيا فعليه سجدتا السهو، ومن قعد في حال قيام أو قام في
حال قعود فعليه سجدتا السهو، ومن سها فلم يدر أربعا صلى أم خمسا وتساوت ظنونه في
ذلك فعليه سجدتا السهو،
فإن قيل: الجبران لا يكون إلا فيما يقطع المصلي على أنه فعله أو تركه ناسيا فيجبر فعله ذلك
692

بسجدتي السهو وليس هو مثل الاحتياط، فكيف القول في مسألة من سها بين الأربع
والخمس؟ قلنا: أيضا المصلي قاطع على الأربع ويشك في الركعة الخامسة فقد صار قاطعا
على الأربع وفي شك من الخمس فما خلا من القطع، فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب
سجدتي السهو مرات كثيرة في صلاة واحدة أ يجب عليه لكل مرة سجدتا السهو أو سجدتا
السهو عن الجميع؟ قلنا: إن كانت المرات من جنس واحد فمرة واحدة يجب سجدتا
السهو، مثلا تكلم ساهيا في الركعة الأولة وكذلك في باقي الركعات، فإنه لا يجب على تكرار
السجدات بل يجب عليه سجدتا السهو فحسب لأنه لا دليل عليه، وقولهم ع: من
تكلم في صلاته ساهيا يجب عليه سجدتا السهو، وما قالوا: دفعة واحدة أو دفعات. فأما إذا
اختلف الجنس فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عن كل جنس بسجدتي السهو لأنه لا دليل
على تداخل الأجناس بل الواجب إعطاء كل جنس ما يتناوله اللفظ لأن هذا قد تكلم مثلا
وقام في حال قعود وأخل بإحدى السجدتين وشك بين الأربع والخمس وأخل بالتشهد الأول ولم
يذكره إلا بعد الركوع في الثالثة. وقالوا ع: من فعل كذا يجب عليه سجدتا السهو
ومن فعل كذا في صلاته ساهيا يجب عليه سجدتا السهو، وهذا قد فعل الفعلين فيجب عليه
امتثال الأمر ولا دليل على تداخلهما لأن الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف من محقق.
وهما سجدتان بعد التسليم، على الصحيح من المذهب سواء كانتا لزيادة في الصلاة أو لنقصان، وبعض أصحابنا
يذهب إلى أنهما إن كانتا لنقصان كانتا قبل التسليم وإن كانتا لزيادة كانتا بعد التسليم،
والأول أظهر.
بغير ركوع ولا قراءة ولا تكبيرة الإحرام بل لا بد من النية للوجوب، والذي يقال في
كل واحدة منهما: بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد، وإن شاء قال مكان ذلك:
بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، بالجميع وردت الرواية، ثم يرفع رأسه
ويتشهد تشهد تشهدا خفيفا، ومعنى ذلك أن يأتي بالواجب من الألفاظ فحسب ويسلم
بعده، ولا بد من الكون على طهارة إذا فعلهما، فإن أحدث قبل الإتيان بهما وبعد سلامه
لا يجب عليه إعادة صلاته بل يجب عليه التطهر وفعلهما.
693

ولنا فيهما مسألة قد جنحنا الكلام فيها وأشبعناه وانتهينا في ذلك إلى الغاية القصوى. وبين
أصحابنا فيما يوجب سجدتي السهو خلاف، فذهب بعضهم: إلى أنها في أربعة مواضع، وقال
آخرون: في خمسة مواضع، وقال الباقون الأكثرون المحققون: في ستة مواضع، وهو الذي
اخترنا لما فيه من الاحتياط لأن العبادات يجب أن يحتاط لها ولا يحتاط عليها.
قد بينا أنه إذا سها عن التشهد الأول ولم يذكره حتى ركع في الثالثة فالواجب عليه
المضي في صلاته، فإذا سلم منها قضاه وسجد سجدتي السهو، فإن أحدث بعد سلامه وقبل
الإتيان بالتشهد المنسي وقبل سجدتي السهو فلا تبطل صلاته، بحدثه الناقض لطهارته بعد
سلامه منها لأنه بسلامه انفصل منها فلم يكن حدثه في صلاته بل بعد خروجه منها
بالتسليم الواجب عليه، فإذا كان المنسي هو التشهد الأخير وأحدث ما ينقض طهارته قبل
الإتيان به فالواجب عليه إعادة صلاته من أولها مستأنفا لها لأنه بعد في قيد صلاته لم يخرج منها
ولا فرع بسلام يجب عليه بل ما فعله من السلام ساهيا في غير موضعه كلا سلام بل هو في قيد
الصلاة بعد لم يخرج منها بحال، فليلحظ الفرق بين المسألتين والتسليمتين فإنه واضح
للمتأمل المحصل.
باب القول في لباس المصلي والقول في أماكن الصلاة وما يجوز أو يكره
الصلاة إليه أو عليه وما يتعلق بذلك:
كل مصل من الذكران يجب عليه ستر عورته وهما قبله ودبره،
وقد روي: أن عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبتيه وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحابنا وهو
الفقيه ابن البراج وهو مذهب الشافعي، والإجماع من فقهاء أهل البيت على المذهب الأول
وهو القبل والدبر فحسب.
وما عدا ذلك فندب مستحب وبعضه أفضل من بعض وأكمل من الجميع.
التجمل في الصلاة يلبس جميل الثياب وأن يكون معمما محنكا مسرولا مرتديا برداء،
فأما العريان فإن قدر على ما يستر عورته من خرق أو ورق أو حشيش أو طين يطلى به وجب
عليه أن يسترها، فإن لم يقدر على ذلك صلى قائما مومئا بالركوع والسجود سواء كان
694

بحيث لا يطلع عليه غيره أو بحيث يطلع عليه غيره. وقد روي: أنه إن كان بحيث يطلع
عليه غيره صلى جالسا مومئا، فإن كانوا جماعة صلوا صفا واحدا من جلوس بلا خلاف
ويتقدمهم إمامهم بركبتيه.
وأما المرأة الحرة البالغة فإنه يجب عليها ستر رأسها وبدنها من قرنها إلى قدمها،
ولا يجب ستر الوجه والكفين والقدمين فإن سترت ذلك كان أفضل، والأولى لها ستر جميع
بدنها ما خلا وجهها فحسب - وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل الخلاف والجمل
والعقود وبه أفتى لعموم الأخبار - والفضل لها في ثلاثة أثواب: مقنعة وقميص ودرع.
وأما الأمة فلا يجب عليها ستر رأسها سواء كانت مطلقة أو مدبرة أو أم ولد مزوجة كانت
أو غير مزوجة أو مكاتبة مشروطة عليها، فأما ما عدا الرأس فإنه يجب عليها تغطيته من
جميع جسدها.
والصبية التي لم تبلغ فلا يجب عليها تغطية الرأس وحكمها حكم الأمة، فإن بلغت في
خلال الصلاة بالحيض بطلت صلاتها، وإن بلغت بغير ذلك وجب عليها ستر رأسها
وتغطيته مع قدرتها على ذلك، وكذلك حكم الأمة إذا أعتقت في خلال الصلاة.
ولا بأس بالصلاة في قميص واحد إذا كان يستر ظاهر الجلدة ولا يشف ولا يصف
ما تحته، ويستحب له إذا صلى مؤتزرا بغير قميص أن يلقى على كتفه شيئا ولو كالخيط،
ومن كان عليه قميص يشف فالأولى أن يأتزر تحته ولا يجعل المئزر فوقه فإنه مكروه.
ولا بأس أن يصلى الرجل في إزار واحد يأتزر ببعضه ويرتدي بالبعض الآخر. ويكره
السدل في الصلاة كما يفعل اليهود،
وهو أن يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء، وهو
اختيار السيد المرتضى. فأما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل قالوا: هو أن
يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يديه ويجعلهما جميعا على منكب واحد.
وكذلك يكره التوشح بالإزار فوق القميص، ويكره الصلاة في القباء المشدود إلا من
ضرورة في حرب أو غيرها.
ويجوز الصلاة في ثمانية من اللباس: القطن والكتان وجميع ما ينبت من الأرض من
695

أنواع الحشيش والنبات ووبر الخز الخالص لا جلده، لأن جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز
الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء، وكذلك صوف ووبر وشعر ما لا يؤكل لحمه
إلا وبر الخز والصوف والشعر والوبر إذا كان مما يؤكل لحمه سواء كان مذكى ما أخذ منه
أو غير مذكى وجلد ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى، فإن كان ميتا فلا يجوز الصلاة فيه ولو دبغ
ألف دبغة، وينبغي أن يجمع شرطين: أحدهما جواز التصرف فيه إما بالملك أو الإباحة،
والثاني أن يكون خاليا من نجاسة لم يعف الشارع عنها كالدم الذي قدمناه.
ولا يجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه سواء كان مذكى أو لم يكن كذلك ولا في وبره
ولا صوفه ولا شعره أيضا إلا وبر الدابة المسماة بالخز فحسب. فأما جلد ما لا يؤكل لحمه
فلا يجوز الصلاة فيه بغير استثناء على ما قدمناه، فعلى هذا لا يجوز الصلاة في السمور
والسنجاب والفنك والثعالب والأرانب وغير ذلك.
وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا: أنه لا بأس بالصلاة في السنجاب، ذكره في النهاية شيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله وعاد عن ذلك في مسائل الخلاف فقال: لا يجوز الصلاة عندنا في
جلد ما لا يؤكل لحمه، ثم قال: وقد وردت رواية في السنجاب، فجعل ذلك رواية. ورجع عن
ذلك أيضا في الجزء الثاني من نهايته في باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة فقال: لا يجوز
الصلاة في جلود السباع كلها مثل النمر والذئب والفهد والسبع والسمور والسنجاب
والأرنب وما أشبه ذلك من السباع والبهائم، وقد وردت رخصة في جواز الصلاة في السمور
والسنجاب والفنك. والأصل ما قدمناه فجعل ذلك هاهنا رواية.
ولا يجوز الصلاة في الإبريسم المحض للرجال ولا بأس بما كان ممزوجا بغير الإبريسم
الذي يجوز الصلاة فيه سواء كان السدي أو اللحمة أو أقل أو أكثر بعد أن يكون ينسب إليه
بالجزئية كعشر وتسع وثمن وسبع وأمثال ذلك، ويجوز الصلاة في الإبريسم المحض للنساء
وإن تنزهن عنه كان أفضل ويكره الصلاة في الثوب المشبع الصبغ، وكذلك يكره في
الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان، فأما صور غير الحيوان فلا بأس
ولا كراهة في ذلك كصور الأشجار.
ويجوز الصلاة في الخف والنعل العربية نعني كل نعل لا يغطى ظاهر القدم مما يجوز
696

المسح عليها. ولا بأس بالصلاة في الجرموق " بضم الجيم " وهو الخف الواسع الذي يلبس
فوق الخف أقصر منه.
وعلى المصلي أن يكون ثوبه وبدنه ومصلاه خاليا من النجسات وجوبا إلا مصلاه
على طريق الندب. ولا يجوز الصلاة في ثوب فيه شئ من النجاسة قليلا أو كثيرا إلا الدم
الذي قدمناه، وإذا غسل الثوب من الدم فبقي أثر النجاسة بعد زوال عين ما أتى عليه
الغسل جازت الصلاة فيه، ويستحب صبغه بشئ يذهب أثره على ما قدمناه.
ولا يجوز الصلاة في ثوب فيه خمر أو شئ من الأشربة المسكرة، وكذلك الفقاع
وما لا تتم الصلاة فيه من جميع الملابس وما ينطلق عليه اسم الملبوس منفردا كالتكة
والجورب " بفتح الجيم " والقلنسوة " بفتح القاف واللام وضم السين " والخف والنعل والخاتم
والدملج " بضم الدال واللام " والخلخال والمنطقة، وغير ذلك مثل السيف والسكين يجوز
الصلاة فيه وإن كان عليه نجاسة. وأما ما لا يكون ملبوسا ولا ينطلق اسم الملبوس عليه
لا يجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة لأنه يكون حاملا للنجاسة.
والأول خرج بالإجماع من الفرقة على ذلك، ولا يظن ظان أنه لا يجوز إلا في التكة والجورب
والقلنسوة والخف والنعل فحسب لما يجده في بعض الكتب وذلك أن أصحابنا قالوا: كل
ما لا تتم الصلاة به منفردا يجوز الصلاة فيه وإن كان عليه نجاسة ثم ضربوا المثل فقالوا:
مثل التكة والخف، وعددوا أشياء على طريق ضرب المثل والمثل عند المحققين غير مستوعب
للمثل فلا يتوهم أنهم لما لم يذكروا غير ما ذكروا مما لا يجوز الصلاة فيه منفردا واقتصروا
عليه أنهم يمنعون من غيره، فقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه في كتاب
صلاة الخوف: إذا أصاب السيف الصقيل نجاسة فمسح ذلك بخرقة من أصحابنا من
قال: إنه يطهر، ومنهم من قال: لا يطهر غير أنه يجوز الصلاة فيه لأنه لا تتم الصلاة فيه
منفردا فلو أرادوا الاقتصار على ما ضربوا المثل فيه لما قال ذلك ولما تعداه إلى غيره فليلحظ
فإنما أوردت هذا تنبيها.
ويجوز الصلاة في جميع الأراضي لأن الأرض كلها مسجد يجوز الصلاة فيها إلا ما كان
مغصوبا أو يكون موضع السجود منه نجسا. وأفضل الأماكن، للصلاة المساجد المبنية لها
697

إلا نافلة صلاة الليل خاصة فإنها تكره في المساجد، وتكره الصلاة في وادي ضجنان وهو
جبل بتهامة، ووادي الشقرة،
بفتح الشين وكسر القاف، وهي واحدة الشقر وهو شقايق النعمان قال الشاعر: وعلى الخيل
دماء كالشقر، يريد كشقايق النعمان، والأولى عندي أن وادي الشقرة موضع بعينه مخصوص
سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن، وليس كل واد يكون فيه شقائق النعمان يكره فيه
الصلاة بل بالموضع المخصوص فحسب وهو بطريق مكة لأن أصحابنا قالوا: يكره
الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة والذي ينبه على ما اخترناه
ما ذكره ابن الكلبي في كتاب الأوائل وأسماء المدن قال: زرود والشقرة ابنتا يثرب بن قابية بن
مهلهل بن وأم بن عقيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح. هذا آخر كلام ابن الكلبي
النسابة، فقد جعل زرود والشقرة موضعين سميا باسم امرأتين وهو أبصر بهذا الشأن.
والبيداء،
لأنها أرض خسف على ما روي في الأخبار أن جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة
الرسول ع فيخسف الله تعالى به تلك الأرض وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي
هو ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلث فرسخ فحسب، وكذلك يكره الصلاة في كل أرض
خسف، ولهذا كره أمير المؤمنين ع والصلاة في أرض بابل فلما عبر الفرات إلى
الجانب الغربي وفاته لأجل ذلك أول الوقت ردت له الشمس إلى موضعها في أول الوقت
وصلى بأصحابه صلاة العصر، ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت ودخل الليل وخرج
وقت العصر بالكلية وما صلى الفريضة ع لأن هذا من معتقده جهل بعصمته ع
السلام لأنه يكون مخلا بالواجب المضيق عليه وهذا لا يقوله من عرف إمامته واعتقد عصمته
ع.
وذات الصلاصل والصلاصل جمع صلصال وهي الأرض التي لها صوت ودوي، وبين المقابر على الصحيح من المذهب،
وأرض الرمل المنهال الذي لا يستقر الجبهة عليه، وأرض السبخة،
بفتح الباء، فأما إذا كانت نعتا للأرض كقولك: الأرض السبخة فبكسر الباء فليلحظ هذا
698

الفرق فإنه ذكره الخليل بن أحمد رحمه الله في كتاب العين وهو رب ذلك وجهبذه.
ومعاطن الإبل،
وهي مباركها حول المياه للشرب هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة إلا أن أهل الشرع لم
يخصصوا ذلك بمبرك دون مبرك.
وقرى النمل، وجوف الوادي ومجاري المياه، فعلى هذا الصلاة في الزورق تكره مع
القدرة على الجدد وجواد الطرق بتشديد الدال، والحمامات ما عدا البيت المسمى بالمسلخ
فإنه ليس بحمام لعدم الاشتقاق.
وتكره الفريضة في جوف الكعبة خاصة، ويستحب صلاة النوافل فيها.
وقال بعض أصحابنا: لا يجوز الصلاة الفريضة مع الاختيار في جوف الكعبة على طريق
الحظر، ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف، وإن كان في نهايته وجمله
وعقوده يذهب إلى ما اخترناه وهو الصحيح لأنه إجماع الطائفة، ولا دليل على بطلان
الصلاة ولا حظرها في الكعبة.
ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة، والعنزة العصا التي لها زج حديد
ولا تسمى عنزة إلا أن يكون لها زج حديد وتكون قائمة مغروزة في الأرض هذا إذا خاف
اعتراض ما يعترض بينه وبين الجهة التي يؤمها أو حجرا أو كومة بضم الكاف من تراب،
وليس يقطع صلاته مرور انسان أو امرأة أو غيرها من الدواب معترضا لقبلته، وعليه أن يدرأ
ذلك ما استطاع بالتسبيح والإشارة.
ويكره للرجل أن يصلى وامرأة تصلي متقدمة له أو محاذية لجبهته ولا يكون بينه وبينها
عشرة أذرع على الصحيح من المذهب.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى حظر ذلك وبطلان الصلاتين وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي
رضي الله عنه في نهايته اعتمادا على خبر رواه عمار الساباطي، وعمار هذا فطحي المذهب
كافر ملعون، والأول مذهب السيد المرتضى رحمه الله ذكره في مصباحه وهو الصحيح الذي
يقتضيه أصول المذهب لأن قواطع الصلاة مضبوطة قد ضبطها مشيخة الفقهاء بالعدد ومن
جملتهم شيخنا أبو جعفر قد ضبط ذلك بالحصر ولم يذكر المسألة ولا تعرض لها وأي فقه ونظر
699

يقتضي أن المرأة تصلي في ملكها والرجل يصلى في ملكه وهو آخر الأوقات، وتكليف
الصلاة عليهما جميعا تكليف مضيق أو هما في محمل كذلك تكون الصلاة باطلة وإذا لم يكن
عليها إجماع ولا دليل قاطع فردها إلى أصول المذهب وهو الواجب ولا يلتفت إلى أخبار
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا خصوصا إذا أوردها ورواها الكفار ومخالفو المذهب مثل
عمار وغيره. وقد روى الثقات ما يخالف هذه الرواية الضعيفة ويضادها ويعارضها فالعامل
بأخبار الآحاد لا يعمل بالخبر إلا إذا كان رواية عدلا.
ولا بأس أن يصلى الرجل وفي جهة قبلته انسان نائم ولا فرق بين أن يكون ذكرا
أو أنثى والأفضل أن يكون بينه وبينه ما يستر بعض المصلي عن المواجهة ولا يجوز السجود
إلا على الأرض الطاهرة أو على ما أنبتته إلا ما أكل أو لبس، ويدخل في المأكول جميع الثمار
التي يغتذى بها، وما لبس إنما هو القطن والكتان وما اتخذ منهما. وعقد الباب إن السجود
لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض ما لم يكن مأكولا أو ملبوسا بمجرى العادة.
ولا يجوز السجود على الزجاج ولا على جميع المعادن من النورة والحديد والصفر
والنحاس والذهب والفضة والقار والرصاص والعقيق وغير ذلك من المعادن، ولا يجوز
السجود على الرياش ولا على الجلود ولا على الرماد ولا على الحصر المنسوجة بالسيور
وهي المدنية إذا كانت السيور ظاهرة تقع الجبهة عليها، فإن كانت السيور غير ظاهرة
والنبات ظاهرا فلا بأس بها وصارت كغيرها من الحصر.
ولا بأس بالسجود على القرطاس ويكره المكتوب لمن يراه ويحسن القراءة لأنه ربما
شغله عن صلاته، وما خرج عن معنى الأرض وما أنبتته وما استثنيناه فلا يجوز السجود عليه
وذكر جميعه يطول.
وقد ذهب بعض أصحابنا وقال: لا يجوز الصلاة في ثوب قد أصابته نجاسة مع العلم بذلك
أو غلبة الظن، فمن صلى فيه والحال ما وصفناه وجبت عليه الإعادة.
أما قوله: مع العلم، فصحيح. وأما قوله: أو غلبة الظن، فغير واضح لأن الأشياء على أصل
الطهارة فلا يرجع عن هذا الأصل إلا بعلم، فأما بغلبة الظن فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون.
ويكره الصلاة في الثياب السود كلها ولا يكره في العمامة السوداء ولا الخف الأسود،
700

ويكره أن يصلى الانسان في عمامة لا حنك لها
وهذا هو الاقتعاط - بالقاف والتاء المنقطة نقطتين من فوق والعين غير
المعجمة والطاء غير المعجمة - المنهي عنه في الحديث يرويه المخالف والمؤالف فقد ذكره أبو عبيدة القاسم بن
سلام في غريب الحديث.
فأما الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعلب أو الثوب الذي فوقه فجائزة لأن
هذه الأوبار طاهرة ولو كانت نجسة لما تعدت نجاستها إلى الثوب، لقوله ع:
ما بين يابسين من نجاسة.
وقد يوجد في بعض الكتب: أنه لا يجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعلب
ولا الذي فوقه، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته على جهة الإيراد لا الفتوى
والاعتقاد.
ولا يجوز الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر الأرانب، ويكره الصلاة فيهما
إذا عملا من حرير محض. ويكره الصلاة إذا كان مع الانسان شئ من حديد مشهور مثل
السكين والسيف. وإذا عمل كافر من أي أجناس الكفار مجوسيا كان أو غيره ثوبا لمسلم
لا يجوز الصلاة فيه إلا بعد غسله.
وقد أورد شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: وإذا عمل مجوسي ثوبا لمسلم يستحب أن
لا يصلى فيه إلا بعد غسله، وهذا خبر من أخبار الآحاد أورده إيرادا لا اعتقادا. وفتواه
ما ذكره في مبسوطه: أنه لا يجوز الصلاة فيه إلا بعد تطهيره، وأيضا إجماع أصحابنا منعقد على
أن أسار جميع الكفار نجسة بغير خلاف بينهم.
ويكره أن تصلي المرأة وفي يدها خلاخل لها صوت أو رجلها على ما روي في بعض
الأخبار، ويكره الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة حيوان، ويكره الصلاة في بيوت النيران
والخمور وبيوت المجوس والبيع والكنائس، ويكره أن يصلى وفي قبلته نار مضرمة وتكره
صلاته وفي قبلته سلاح مشهور.
كل ذلك على سبيل الكراهة دون الحظر والتحريم، وإن كان قد ورد في ألفاظ أخبار الآحاد
أنه لا يجوز الصلاة في شئ من ذلك لأنه لا دليل على بطلان الصلاة من كتاب ولا سنة
701

مقطوع بها، ولا إجماع، وقد ورد ما يعارض تلك الأخبار، قال عبد الله بن جعفر الحميري في
كتابه قرب الإسناد: سأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عن الخاتم يكون فيه نقش
تماثيل سبع أو طير أ يصلى فيه؟ قال: لا بأس، وقد قلنا: إن الشئ إذا كان شديد الكراهة
يأتي بلفظ لا يجوز، وإذا كان شديد الاستحباب يأتي بلفظ الوجوب وإنما يعرف ذلك بشواهد
الحال وقراءتها.
ولا يجوز الصلاة في المكان المغصوب مع تقدم العلم بذلك والاختيار على ما ذكرناه
سواء كان الغاصب أو غيره مع علمه، وكذلك لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب مع
تقدم العلم بذلك فإن تقدم العلم بالغصب للمكان والثوب ثم نسي ذلك وسها العالم بهما
وقت صلاته فلا إعادة عليه.
وحمله على النجاسة في الثوب وتقدم العلم بها قياس محض، ونحن لا نقول به لأن الرسول ع
قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ولعمري إن المراد بذلك
أحكام النسيان فمن أوجب الإعادة فما رفع عنه الأحكام، ولولا إجماع أصحابنا المنعقد
على إعادة صلاة من تقدم علمه بالنجاسة ونسيها لما أوجبنا الإعادة عليه، وليس معنا فيما
نحن فيه ذلك الاجماع ولا يلتفت إلى ما يوجد - إن وجد - في بعض المصنفات لرجل من
أصحابنا معروف فليلحظ ذلك فالعامل بذلك مقلد لما يجده في بعض المختصرات.
ومن اضطر إلى الصلاة فوق الكعبة فليقم قائما عليها ويصلى.
وقد روي: فليستلق على قفاه وليتوجه إلى البيت المعمور ليومئ إيماء
ويكره أن يصلى وفي قبلته مصحف مفتوح. وإذا خاف الانسان الحر الشديد من
السجود على الأرض أو على الحصى ولم يكن معه ما يسجد عليه لا بأس أن يسجد على كمه،
فإن لم يكن معه ثوب سجد على كفه، وإذا حصل في موضع فيه ثلج ولم يكن معه ما يسجد
عليه ولا يقدر على الأرض لم يكن بالسجود عليه بأس بعد أن يصلبه بيده.
ويكره للإنسان الصلاة وهو معقوص الشعر فإن صلى كذلك متعمدا جازت صلاته
ولا يجب عليه الإعادة وقد روي أنه يجب عليه إعادة الصلاة.
قال بذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله، وأصول المذهب تقتضي أن لا إعادة عليه لأن
702

الإعادة فرض ثان، وهذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا وقد بينا أن أخبار الآحاد عند
أصحابنا غير معمول عليها ولا يلتفت إليها، وكررنا القول في ذلك والإجماع غير حاصل على
بطلان الصلاة ونواقضها مضبوطة محصورة وقد حصرها فقهاء أصحابنا ولم يعدوا في
جملة ذلك الشعر المعقوص للرجال بل سلار قال في رسالته: ويكره الصلاة في شعر معقوص.
باب أحكام قضاء الفائت من الصلوات:
كل فريضة فاتت أما لنسيان أو غيره من الأسباب فيجب قضاؤها في حال الذكر لها
من غير توان في سائر الأوقات إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يغلب فيه على ظن
المصلي أنه متى شرع في قضاء الفائتة خرج الوقت وفاتت الصلاة الحاضر وقتها فيجب
أن يبدأ بالحاضرة ويعقب بالفائتة.
والأوقات التي ذكرنا أن النهي تناولها يجب فيها قضاء الصلاة المفروضة عند الذكر
لها، وإنما يكره فيها ابتداء النوافل. ومتى لم يخش ضيق الوقت الحاضر عن قضاء الماضية
وصلاة الوقت وجب تقديم قضاء الصلاة الفائتة والتعقيب بصلاة الوقت.
والترتيب واجب في قضاء الصلوات يبدأ بقضاء الأول فالأول سواء دخل في حد
التكرار أو لم يدخل، فإن لم يكن يتسع الوقت لقضاء جميع الفوائت وخشي من فوت صلاة
الوقت بدأ بما يتسع الوقت له من القضاء على الترتيب، ثم عقب بصلاة الوقت وأتى بعد
ذلك بباقي القضاء، فإن صلى الحاضر وقتها قبل تضيق الوقت يجب أن يكون ما فعله غير
مجزئ عنه ولن يجب عليه إعادة تلك الصلاة في آخر وقتها لأنه منهي عن هذه الصلاة،
والنهي يقتضي الفساد وعدم الاجزاء ولأن هذه الصلاة أيضا مفعولة في غير وقتها المشروع
لها لأنه إذا ذكر أن عليه فريضة فائتة فقد تعين عليه بالذكر أداء تلك الفائتة في ذلك الوقت
بعينه فقد تعين الوجوب وضاق، فإذا صلى في هذا الوقت غير هذه الصلاة كان مصليا لها
في غير وقتها المشروع لها فيجب عليه الإعادة لا محالة،
فإن قيل: وجوب الإعادة يحتاج إلى دليل فقد ذكرنا الدليل على ذلك، فإن قيل: فقد أوقعها
مكلفها بنيتها المخصوصة وأتى بجميع أحكامها وشروطها في وقت يصح فعلها فيه
703

بإجماع فإعادتها بعد فعلها على هذا الوجه يحتاج إلى دليل قيل له: لا نسلم أنه أوقع هذه
الصلاة على جميع شرائطها المشروعة وفي وقت يصح فعلها فيه لأن من شرط هذه الصلاة
مع ذكر الفائتة أن يؤدى بعد قضاء الفائتة فالوقت الذي أداها فيه وقت لم يضرب لها الآن،
وإن كان يصح أن يكون وقتا لها لو لم يذكر الفائتة وهذا مما شبهة فيه للمتأمل، وأيضا
فالفائتة وقتها مضيق والإتيان بها بعد الذكر لها واجب مضيق والمؤداة قبل تضيق وقتها الإتيان
بها واجب موسع له بدل وهو العزم على أدائه قبل تضيق وقته وخروجه، والفائت واجب
مضيق لا بدل له فالواجب فعل الفائت المضيق الذي لا بدل له وترك الواجب الموسع الذي
له بدل يقوم مقامه إلى أن يتضيق وقته. وكل ما منع من الواجب المضيق فهو قبيح بغير خلاف
والمؤداة تمنع من الواجب المضيق ففعلها لا يجوز لأنه قبيح منهي عنه مثاله رد الوديعة بعد
مطالبة صاحبها بها، فإنه واجب مضيق فلما زالت الشمس طالب بالوديعة صاحبها المودع
فقام إلى صلاة الظهر ليصليها بعد مطالبة صاحبها. بها فإذا صلى والحال ما وصفناه فإن
صلاته باطلة بلا خلاف لأنه عدل من فعل واجب مضيق إلى فعل واجب موسع فمنع من
الواجب المضيق فكان قبيحا على ما قررناه، ولنا في المضايقة كتاب خلاصة الاستدلال على
من منع من صحة المضايقة بالاعتلال بلغنا فيه إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات بسطنا
القول فيه وجنحنا وتغلغلنا في شعابه وذكرنا فيه ما لم يوجد في كتاب بانفراده، فمن أراد
الوقوف عليه فليطلبه من حيث أرشدناه.
ومن عليه صلوات كثيرة لا يمكنه قضاؤها إلا في زمان طويل، فالواجب أن يقضيها في
كل زمان إلا في وقت فريضة حاضرة يخاف فوتها متى تشاغل بالقضاء فيقدم حينئذ أداء
الحاضرة ثم يعود إلى التشاغل بالقضاء، فإن كان محتاجا إلى تعيش يسد به جوعته
وما لا يمكنه دفعه من طلبه كان ذلك الزمان الذي يتشاغل فيه بالتعيش مستثنى من أوقات
القضاء كما استثنيناه منها زمان الصلاة الحاضر وقتها مع تضيقه، ولا يجوز له الزيادة على
مقدار الزمان الذي لا بد منه في طلب ما يمسك الرمق وإنما أبحنا له العدول عن القضاء
الواجب المتعين لضرورة التعيش فيجب أن يكون ما زاد عليها غير مباح وحكم من عليه
فرض نفقة في وجوب تحصيلها كحكم نفقته في نفسه.
704

فأما فرض يومه وليلته في زمان التعيش فلا يجوز أن يفعله إلا في آخر الوقت كما قلناه
قبل، فإن الوجه في ذلك لا يتغير بإباحة التعيش، فأما النوم فيجري ما يمسك الحياة منه في
وجوب التشاغل به مجرى ما يمسك الحياة من الغذاء وتحصيله، وإذا دخل المصلي في
صلاة العصر فلما صلى بعضها ذكر أن عليه صلاة الظهر فالواجب عليه نقل نيته إلى صلاة
الظهر، ونوى أن ما صلاه ويصليه إنما هو عن الظهر ويصلى العصر بعدها، وكذلك إن
صلى من المغرب بعضها وذكر أن عليه صلاة العصر أو صلى من العشاء الآخرة ركعة
أو ما زاد عليها وذكر أن عليه المغرب يجب عليه نقل النية فإن لم يفعل بطلت الصلاة التي
افتتحها وما أجزأت عن التي ذكرها لأنه لم يصلها بنيتها.
ومن نسي صلاة فريضة من الخمس وأشكل عليه أيها هي بعينها فليصل اثنتين وثلاثا
وأربعا بثلاث تكبيرات إحرام وثلاث نيات، فإن كان الذي فاته الفجر كانت الركعتان
عنها لأنه نوى بها الفجر، وإن كانت المغرب فالثلاث عنها لأنه نوى بها المغرب، وإن كان
الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة فالأربع بدل عنها لأنه نوى الذي فاته وعلمه الله تعالى لأن
تعيينه ليس في مقدوره بل ينوي: أصلي إن ظهر فظهر وإن عصر فعصر وإن عشاء آخرة
فعشاء آخرة، فإن كان فاتته تلك الصلاة مرات كثيرة فعل ذلك وصلى اثنتين وثلاثا وأربعا
مرات كثيرة إلى أن يغلب على ظنه براءة ذمته وأنه قد قضى ما فاته هذا في حق الحاضر ومن
في حكمه من المسافرين.
فأما المسافر إذا فاتته صلاة من الخمس ولم يدر أيها هي فالواجب عليه أن يصلى
الخمس الصلوات الظهر ركعتين والعصر كذلك والعشاء الآخرة والمغرب ثلاث ركعات
والفجر ركعتين.
وحمل ذلك على المسألة المتقدمة قياس وهو باطل عندنا، ولولا الاجماع المنعقد على عين تلك
المسألة لما قلنا به لأن الصلاة في الذمة بيقين، ولا تبرأ إلا بيقين مثله ولم يورد ويجمع أصحابنا
إلا على صورة المسألة وتعيينها في حق من فرضه أربع ركعات من الحاضرين ومن في حكمهم
فالتجاوز عن ذلك قياس بغير خلاف وفيه ما فيه فليلحظ ذلك.
ومن فاتته الخمس بأجمعها فليصلها مرتبا لها بخمس نيات وخمس تكبيرات إحرام
705

وسبع عشرة ركعة عددا إن كان حاضرا، وإن كان مسافرا وقد فاتته في حال سفره فإحدى
عشرة ركعة، فإن فاته ذلك مرارا وأياما متتابعة ولم يحصها عددا ولا أياما فليصل على
هذا الاعتبار ومن هذا العدد، ويدمن ذلك ويكثر منه حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى
ما فاته.
وقضاء النوافل مستحب وليس بواجب، ولا يجوز أن يبدأ بقضاء شئ من النوافل
حتى يؤدى جميع الفرائض الفائتة والحاضر وقتها، ويجوز أن يقضي نوافل الليل بالليل
ونوافل النهار بالنهار ونوافل النهار بالليل ونوافل الليل بالنهار، فبكل وردت الروايات
ويقضي الوتر وترا كما فاته.
وإذا أسلم الكافر وطهرت الحائض والنفساء وبلغ الصبي وأفاق المجنون
والمغمى عليه قبل غروب الشمس في وقت يتسع لفعل فرض الظهر والعصر معا
والطهارة لهما وجب على كل واحد منهم أداء الصلاتين أو قضاؤهما إن أخرهما، وكذلك إن
تغيرت أحوالهم من آخر الليل صلوا المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الليل وقضوا إن
فرطوا.
ومتى حاضت الطاهر بعد أن كان يصح لها لو صلت في أول الوقت الصلاة لزمها
قضاء تلك الصلاة، والمغمى عليه لمرض أو غيره مما لا يكون هو السبب في دخوله عليه
بمعصية ارتكبها لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات إذا أفاق بل يجب أن يصلى
الصلاة التي أفاق في وقتها.
وقد روي: أنه إذا أفاق آخر النهار قضى صلاة ذلك اليوم، وإذا أفاق آخر الليل قضى صلاة
تلك الليلة ولا بد من أن يعتبر في إفاقته الحد الذي يتمكن معه من الصلاة لأنه إذا لم يفق على
هذا الوجه كانت إفاقته كإغمائه. وقد روي في المغمى عليه أنه يقضي صلاة ثلاثة أيام إذا
أفاق. وروي أنه يقضي صلاة شهر والمعمول عليه الوجه الأول.
والمرتد إذا تاب وجب عليه قضاء جميع ما تركه في حال ردته من الصلاة وغيرها من
العبادات لأنه بحكم الاسلام.
والعليل إذا وجبت عليه صلاة أخرها عن أوقاتها حتى مات قضاها عنه ولده الأكبر من
706

الذكران، ويقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرط فيه ولا يقضي عنه إلا الصلاة الفائتة
في حال مرضة موته فحسب دون ما فاته من الصلوات في غير حال مرض الموت.
باب صلاة الجماعة وأحكامها وكيفيتها وشروطها وأحكام الأئمة والمأمومين
وغير ذلك مما يتعلق بها:
الاجتماع في صلوات الفرائض كلها مستحب مندوب إليه مؤكد وفيه فضل كبير
وثواب جزيل وأقل ما يكون الجماعة وتنعقد باثنين فصاعدا. فإذا حضر اثنان فليتقدم
أحدهما ويقف الآخر على جانبه الأيمن ولا بد من تقدم الإمام عليه بقليل ووقوفه على جانبه
الأيمن على طريق الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب، ولو وقف خلفه أو عن شماله
جازت الصلاة وإنما ذلك سنة الموقف، وإذا كانوا جماعة فليتقدم أحدهم ويقف في وسط
الصفوف بارزا ويقف الباقون خلفه إلا إذا كانوا عراة فإنه لا يتقدم أمامهم بل يقف معهم
في الصف غير بارز كبروز غير العريان إلا أنه لا بد من تقدمه بقليل على المأمومين، فإن
وقف الإمام في طرف وجعل المأمومين كلهم على يمينه أو شماله جازت الصلاة إلا أن ذلك
أفضل لأنه من سنن موقف صلاة الجماعات.
واعلم أن الصلاة في الجماعة أفضل من صلاة المنفرد، فقد روي أن صلاة الجماعة
تفضل صلاة المنفرد بخمس وعشرين صلاة. ويكره لمن تمكن من الجماعة ولم يكن له عذر
يخصه أو يتعلق بمن يأتم به أن يخل بها ويعدل عنها.
ويستحب لمن يريد دخول المسجد أن يتعاهد نعله أو خفه أو غير ذلك مما هو عليه أو معه
لئلا يكون فيه شئ من النجاسات سواء كانت النجاسة مما عفي عنها في الصلاة أو لم يعف
عنها ويقدم رجله اليمنى على اليسرى وإذا خرج قدم رجله اليسرى على اليمنى عكس
دخوله وخروجه إلى المبرز، ويسلم على الحاضرين فيه وإن كانوا في صلاة، فإن كانوا ممن
ينكرون ذلك سلم تسليما خفيا ونوى الملائكة بسلامه ويصلى ركعتين قبل جلوسه إن لم
يكن الوقت قد تضيق للفريضة.
ويكره له أن يبصق ويمتخط فيه، فإن اضطر إلى ذلك لم يبصق في جهة القبلة
707

وانحرف يمينا أو شمالا ويستر ما يلقيه من فيه.
ولا ينبغي أن يتخذ المسجد متاجر ولا مجالس للحديث لا سيما بالهزل وما لا يتضمن ذكر الله وتعظيمه.
وبناء المساجد فيه فضل كبير وثواب جزيل، ويستحب أن لا يعلى بل يكون وسطا
وروي أنه يستحب أن لا تكون مظللة، ولا يجوز أن تكون مزخرفة أو مذهبة أو فيها شئ من
التصاوير أو مشرفة بل المستحب أن تبنى جما. ويكره أن تبنى المنارة في وسط المسجد بل
ينبغي أن تبنى مع حائطه أو خارجه، ويكره أن تعلى عليه على ما روي في الأخبار، ويكره أن
يكون في المساجد محاريب داخلة في الحائط، وينبغي أن تكون الميضاة على أبوابها ولا يجوز
أن تكون داخلها، فإذا استهدم مسجد فينبغي أن يعاد مع التمكن من ذلك، فإن لم يتمكن
من إعادته فلا بأس باستعمال آلته في بناء غيره من المساجد.
ولا يجوز أن يؤخذ شئ من المساجد لا في ملك ولا في طريق ويكره الجواز فيها وجعل
ذلك طريقا ليقرب عليه ممره، وينبغي أن تجنب المجانين والصبيان والضالة وإقامة
الحدود وإنشاد الشعر ورفع الأصوات إلا بذكر الله تعالى. ولا بأس بالأحكام فيها وليس ذلك
بمكروه.
لأن أمير المؤمنين ع حكم في جامع الكوفة وقضى فيه بين الناس بلا خلاف، ودكة
القضاء إلى يومنا هذا معروفة. وقد قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: ينبغي
أن تجنب المساجد الأحكام ورجع عن ذلك في مسائل الخلاف وهذا هو الصحيح وإنما أورد
ما رواه من أخبار الآحاد ولو لم يكن الأمر على ما قلناه كأن يكون مناقضا لأقواله.
ولا يجوز التوضؤ من الغائط والبول وإزالة النجاسات في المساجد، ولا بأس بالوضوء
فيها من غير ذلك، ويكره النوم في المساجد كلها وأشدها كراهة المسجد الحرام ومسجد
الرسول ع، وإذا أجنب الانسان في أحد هذين المسجدين يتيمم من مكانه على
طريق الوجوب ثم يخرج على ما قدمناه ولا يلزمه ذلك في غيرهما.
ويستحب كنس المساجد وتنظيفها والإسراج فيها، ولا ينبغي لمن أكل شيئا من
المؤذيات مثل الثوم والبصل والكراث أن يقرب المسجد حتى تزول رائحته عنه.
ولا يجوز الدفن في شئ من المساجد، ومن كان في داره مسجد قد جعله للصلاة كان
708

له تغييره وتبديله وتوسيعه وتضييقه حسب ما يكون أصلح له لأنه لم يخرجه عن ملكه
بالوقفية، فإن وقفه باللفظ والنية فلا يجوز له شئ من ذلك.
وإذا بنى خارج داره في ملكه مسجدا فإن وقفه (باللفظ والنية) ونوى القربة وصلى فيه
الناس ودخلوه زال ملكه عنه، وإن لم ينو ذلك فملكه باق بحاله.
ويكره سائر الصناعات في المساجد، ويكره كشف العورة فيها ويستحب ستر ما بين
السرة إلى الركبة. وصلاة الفريضة في المسجد أفضل منها في البيت وصلاة نافلة الليل
خاصة في البيت أفضل منها في المسجد.
ولا يصح الصلاة إلا خلف معتقد الحق بأسره عدل في ديانته، وحد العدل هو الذي
لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا ومعه من القرآن ما يصح الصلاة به، فإن ضم إلى ذلك
صفات أخر فذلك على جهة الفضل بل الواجب والشرط في صحة الانعقاد شرطان:
العدالة والقراءة فحسب، فأما الفقه والهجرة والسن وصباحة الوجه فعلى جهة الأفضل
والأولى والأحق بها ممن لا يكون على صفاته، فعلى هذا لا يجوز الصلاة خلف الفساق وإن
كانوا معتقدين للحق ولا خلف أصحاب البدع والمعتقدين خلاف الحق.
ولا يؤم بالناس الأغلف وولد الزنى. ويكره إمامة الأجذم والأبرص وصاحب الفالج
الأصحاء فيما عدا الجمعة والعيدين فأما في الجمعة والعيدين فإن ذلك لا يجوز.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن أصحاب هذه الأمراض لا يجوز أن يؤموا الأصحاء على طريق
الحظر، والأظهر ما قلناه
ولا يجوز إمامة المحدود الذي لم يتب، ويكره أن يؤم الأعرابي المهاجر، ولا يجوز إمامة
المقعد بالزمانة ولا المقيد بالمطلقين ولا الجالس بالقيام، ويكره إمامة المتيمم بالمتوضئين،
وبعض أصحابنا يذهب إلى أن لا يجوز ذلك.
ويكره للمسافر أن يؤم بالمقيمين وللمقيم أن يؤم بالمسافرين في الصلوات التي يختلف
فرضهما فيها، فإن دخل المسافر في صلاة المقيم سلم في الركعتين وانصرف، وإن شاء قام
فصلى معه فرضا آخر إن كان عليه، وإن دخل المقيم في صلاة المسافر يستحب أن لا ينتقل
من مصلاه بعد سلامه حتى يتم المقيم صلاته.
709

ولا يجوز إمامة الأمي لمن معه من القرآن ما يقيم به صلاته، فإن أم أمي أميين مثله جاز
ذلك له.
ولا يجوز إمامة الشديد اللثغة الذي لا يقيم الحروف ولا ينطق بها على وجهها. ولا يجوز
إمامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن.
ولا يجوز إمامة المرأة الرجال على وجه، ويجوز للرجال أن يؤموا النساء ويكون مقامها
وراءه فإنه من آداب سنن الموقف على ما بيناه، ويجوز للمرأة أن تؤم النساء في الفرائض
والنوافل.
وذهب بعض أصحابنا وهو السيد المرتضى إلى أنه لا يجوز لها أن تؤم النساء في الفرائض ويجوز
في النوافل، والأول أظهر في المذهب.
ولا بأس بإمامة العبد والأعمى إذا كانا على الصفات التي توجب التقدم، والسلطان
المحق أحق بالإمامة من كل أحد في كل موضع إذا حضر يريد بذلك رئيس الكل، ثم صاحب المنزل في منزله و
صاحب المسجد في مسجده، فإن لم يحضر أحد من هؤلاء فيؤم
القوم أقرأهم فإن تساووا فأكبرهم سنا في الاسلام، فإن تساووا فأعلمهم بالسنة وأفقههم في
الدين، فإن تساووا في ذلك فأقدمهم هجرة، فإن تساووا فقد روي أصبحهم وجها، وقد
يجوز لأهل الطبقة التالية بغيرها إذا أذن لهم أهل الطبقة المتقدمة إلا أن يكون الإمام الأكبر
الذي هو رئيس الزمان فإنه لا يجوز لأحد التقدم عليه على وجه من الوجوه.
ومن ظهر له أنه اقتدى بإمام كافر أو فاسق لا إعادة عليه سواء كان الوقت باقيا
أو خارجا على الصحيح من الأقوال والأظهر من المذهب.
وذهب السيد المرتضى إلى وجوب الإعادة ولا دليل على ذلك لأن الإعادة فرض ثان والأصل
براءة الذمة من واجب أو ندب والإجماع حاصل منعقد على خلافه.
وأفضل الصفوف أوائلها وأفضل أوائلها ما دنا من الإمام وحاذاه، وأفضل الصفوف في
صلاة الجنازة أواخرها، وينبغي أن يقرب من موقف الإمام من هو إذا اضطر الإمام إلى
الخروج من الصلاة استخلفه وكان أولاهم بمقامه، وإذا اجتمع رجال وخصيان وخناثى
ونساء وصبيان كان الرجال مما يلي الإمام ثم الخصيان ثم الخناثى ثم الصبيان ثم النساء،
710

وبالعكس من ذلك في ترتيب جنائزهم إذا كان الصبيان لهم دون ست سنين. ويتقدم
الأشراف غيرهم، والأحرار يتقدمون العبيد وليتمم الصفوف بأن يتقدم إليها ويتأخر حتى
يتمم، وكذلك لا بأس لمن وجد ضيقا في الصف يتأخر إلى الصف الذي يليه بعد أن
لا يعرض عن القبلة بل يخطو منحرفا، ومن دخل المسجد فلم يجد مقاما في الصفوف
أجزأه أن يقوم وحده محاذيا لمقام الإمام، وينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط جسد
الانسان أو مريض عنز إذا سجد، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى كان مكروها
شديد الكراهة حتى أنه قد ورد بلفظ لا يجوز.
ولا يجوز أن يكون مكان الإمام ومقامه أعلى من مقام المأموم كسطوح البيوت والدكاكين
العالية وما أشبهها فإن كان أعلى منه بشئ يسير لا يعتد بمثله في العرف والعادة ولا يعلم
تفاوته فلا بأس وجاز ذلك، فأما إن كانت الأرض منحدرة ومحدودبة فلا بأس بأن يقف الإمام في
الموضع العالي ويقف المأموم في المنحدر المنخفض وإنما ذلك في المكان الذي اتخذ بناءا،
و يجوز أن يكون مقام الإمام أسفل من مقام المأموم بعد أن لا ينتهي إلى حد لا يمكنه معه
الاقتداء به، ومقام الإمام قدام المأمومين إذا كانوا رجالا أكثر من واحد، فإن كان المأموم
رجلا واحدا صلى عن يمينه وإن كانت امرأة واحدة أو جماعة صلين خلفه، وإن كان المأموم رجلا واحدا
وامرأة أو جماعة من النساء صلى الرجل عن يمين الإمام وصلت المرأة أو النساء
الجماعة خلفهما، وذلك على جهة الاستحباب دون الفرض والإيجاب على ما قدمناه لأنه من
سنن الموقف الذي فيه الإمام والمأموم.
ويجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين فيما يجهر فيه بالقراءة على طريق
الوجوب، ويستحب ذلك فيما يخافت فيه ويتعين القراءة عليه فيه ولا يجهر فيما سوى ذلك
من باقي ركعاته الثوالث والروابع.
واختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام الموثوق به فروي: أنه لا قراءة على المأموم في جميع
الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية وهي أظهر الروايات والتي يقتضيها
أصول المذهب لأن الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف بين أصحابنا، ومنهم من قال: يضمن القراءة
والركوع والسجود لقوله ع: الأئمة ضمناء. وروي: أنه لا قراءة على المأموم في
711

الركعتين الأوليين في جميع الصلوات التي يخافت فيها بالقراءة أو يجهر بها إلا أن تكون صلاة
جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه. وروي أنه ينصت فيما جهر الإمام فيه
بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ويلزمه القراءة فيما خافت. وروي أنه بالخيار فيما خافت فيه الإمام.
فأما الركعتان الأخريان فقد روي أنه لا قراءة على المأموم فيها ولا تسبيح، وروي أنه يقرأ فيهما
أو يسبح والأول أظهر لما قدمناه. فأما من يؤتم به على سبيل التقية ممن ليس بأهل الإمامة
فلا خلاف في وجوب القراءة خلفه إلا أنه لا بد له من إسماعه أذنيه وما ورد أنه مثل حديث
النفس فإنه على طريق المبالغة والاستيعاب لأنه لا يسمى قارئا.
وينبغي للإمام والأفضل له أن تكون صلاته على قدر صلاة أضعف من يقتدي به،
ولا يطولها فيشق ذلك على من يأتم به. فأما إن كان وحده فالتطويل هو الأفضل فإنها
العبادة. ويفتح المأموم على الإمام إذا تجاوز شيئا من القرآن أو بدله أو أرتج عليه.
ومن أدرك الإمام وهو راكع وإن لم يدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك الركعة واعتد بها،
فإن رفع رأسه فقد فاته الركعة ولا يجب عليه إذا أدركه أن يكبر سوى تكبيرة الافتتاح، فأما
تكبيرة الركوع فلا تجب عليه،
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: إلى أنه يجب عليه أن يكبر تكبيرة
الافتتاح وتكبيرة الركوع وإلى أنه إن لم يلحق تكبيرة الركوع، وإن لحقه راكعا وأدركه في
حال ركوعه وركع معه ما لم يلحق تكبيرة الركوع فلا يعتد بتلك الركعة. والأول مذهب السيد
المرتضى وباقي أصحابنا، وهو الصحيح الذي يقتضيه الأصول ويشهد بصحته النظر والخبر
المتواتر.
ومن أدركه ساجدا جاز أن يكبر تكبيرة الافتتاح ويسجد معه غير أنه لا يعتد بتلك
الركعة والسجدة، ومن أدرك الإمام راكعا فخاف أن يسبقه بالقيام جاز له أن يركع عند
دخول المسجد ويمشي في ركوعه حتى يدخل في الصف.
ويستحب للإمام إذا أحس بداخل إلى المسجد أن يتوقف ويتأمل حتى يدخل في
الصف معه، فإن كان راكعا جاز له أن يتوقف مثل قدر ركوعه وزائدا عليه فإن انقطع
الحاضرون وإلا انتصب قائما، ومن لحق الإمام في تشهده وقد بقيت عليه منه بقية فدخل
712

في صلاته وجلس معه لحق فضيلة الجماعة ثم ينهض فيصلي لنفسه، فإن كان لما كبر نوى
الصلاة وتكبيرة الإحرام بتكبيرته أجزأه أن يقوم بها ولا يستأنف تكبيرة الإحرام، فإن لم
يكن نوى ذلك كبر وافتتح صلاته مستأنفا بها.
وإذا سبق الإمام المأموم بشئ من ركعات الصلاة جعل المأموم ما أدركه معه أول
صلاته وما يصليه وحده آخرها كما أنه أدرك من صلاة الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة
ركعتين وفاتته ركعتان، فالمستحب أن يقرأ فيما أدركه في نفسه أم الكتاب، فإذا سلم الإمام
قام فصلى الأخريين مسبحا فيهما أو قارئا، على التخيير كما مضى شرحه، وكذلك إذا أدرك
ركعة واحدة قرأ فيها خلف الإمام على طريق الاستحباب، فإذا سلم الإمام قام فقرأ في الأولى
مما ينفرد به ثم أضاف إليها الركعتين الأخريين بالتسبيح هذا إن
كانت الصلاة رباعية، وإن كانت ثلاثية أضاف واحدة. وفي الفجر يقتصر على الاثنتين بالقراءة.
وقال بعض أصحابنا في هذه المسائل: يجب عليه القراءة قراءة السورتين معا، وفيهم من قال:
قراءة الحمد وحدها، والأول الأظهر وهو الذي تقتضيه أصول المذهب. فأما قولهم: يجعل أول
ما يلحق معه أول صلاته، فاحتراز من مذهب المخالف للإمامية وهو أنه يجعل ما يلحق معه
آخر صلاته ويقضي الأول، هكذا يذهب المخالف لمذهب أهل البيت ع وفقهاء
أهل الحق يجعلون ما يلحق معه أول صلاته فإذا سلم الإمام قام فأتم ما فاته من غير قضاء. فأما
قولهم: يقرأ فيما يلحقه الحمد وسورة، أو الحمد على القول الآخر يريدون به أن القراءة تتعين في
الأوليين فإذا لم يقرأ فيما يلحقه تعين عليه أن يقرأ في الأخريين لئلا يقلب صلاته فيجعل أولها
آخرها. وقد ورد بهذا أخبار آحاد فلأجل هذه الأخبار قالوا: يقرأ، والصحيح من الأقوال أن
القراءة الأمر بها على جهة الاستحباب دون الفرض والإيجاب لأن قراءة الإمام قراءة المأموم،
وإن هذه الصلاة ما خلت عن القراءة لأن القائل يقول: إذا لم يقرأ فيما يلحق ففي الأخريين لم
يتعين عليه القراءة بل هو مخير بين التسبيح والقراءة، فإذا اختار التسبيح خلت الصلاة من
قراءة الحمد بناء منه على هذا الأصل. وقد بينا أن قراءة الإمام كافية للمأموم وأن صلاته
ما خلت من القراءة لأن صلاته مرتبطة بصلاة إمامه في الصحة والفساد فهي كالجزء منها
وهي لم تخل من القراءة فليلحظ ذلك ويتأمل
713

ومن أدرك الركعة الثانية مع الإمام فجلس لها الإمام وهي للمأموم أولى فليجلس
بجلوسه متجافيا غير متمكن، فإذا صلى الإمام الثالثة وهي للمأموم ثانية ونهض يلبث عنه
قليلا بقدر ما يتشهد تشهدا خفيفا ثم يلحق به في القيام، ولا يقوم المأموم لإتمام صلاته الفائتة
إلا بعد تسليم الإمام، وإن كان عليه سهو فحين يهوي إلى السجدة الأولى، وإذا علم الإمام أن
في من دخل في صلاته من بقي عليه منها ما يحتاج إلى إتمامه لم ينتقل عن مصلاه بعد تسليمه
حتى يتم من بقي عليه ذلك، ولا يدع الإمام القنوت في صلوات الجهر والإخفات معا.
ويسلم الإمام واحدة تجاه القبلة وينحرف بعينه قليلا إلى يمينه، والمنفرد يسلم أيضا
واحدة ويكون انحرافه إلى يمينه أقل من انحراف الإمام، والمأموم يسلم يمينا وشمالا فإن لم
يكن على يساره أحد اقتصر على التسليم على يمينه على ما قدمناه ذكره، ولا يترك التسليم
على اليمين وإن لم يكن على يمينه أحد، وليس على المأموم إذا سها خلف الإمام فيما يوجب
سجدتي السهو سجدتا السهو لأن الإمام يتحمل ذلك عنه.
وينبغي للإمام إذا أحدث حدثا يوجب انصرافه وأراد أن يقدم من يقوم مقامه أن
لا يقدم مسبوقا في تلك الصلاة بل من أدرك أولها وأفضل ذلك من قد شهد الإقامة، فإن قدم
مسبوقا بركعة أو أكثر صلى بالقوم فإذا أتم صلاتهم أومأ إليهم يمينا وشمالا حتى ينصرفوا
ثم يكمل هو ما فاته من الصلاة، فإن كان هذا المقدم مكان الإمام لا يعلم ما تقدم من صلاة
القوم فيبني عليها جاز أن يدخل في الصلاة، فإن أخطأ سبح القوم حتى يبني على الصلاة
المتقدمة بتحقيق، وإذا مات الإمام قبل إتمام الصلاة فجأة كان للمأمومين أن يقدموا غيره
ويعتدوا بما تقدم ويطرحون الميت ورائهم.
ولا يجوز للمأموم أن يبتدئ بشئ من أفعال الصلاة قبل إمامه فإن سبقه على سهو
عاد إلى حاله حتى يكون به مقتديا، فإن فعل ذلك عامدا لا ساهيا فلا يجوز له العود، فإن عاد
بطلت صلاته لأنه يكون قد زاد ركوعا، وإذا اختلف رجلان فقال كل واحد منهما لصاحبه:
كنت إمامك، فصلاتهما معا تامة، وإذا اختلف رجلان فقال كل واحد منهما للآخر، كنت
أأتم بك، فسدت صلاتهما وعليهما أن يستأنفا.
ومن صلى بقوم وهو على غير وضوء من غير علم منهم بحاله فأعلمهم بذلك من حاله
714

لزمته الإعادة ولم تلزم القوم، وقد روي أنه إن أعلمهم في الوقت لزمتهم أيضا الإعادة وإنما
يسقط عنهم الإعادة بخروج الوقت، فإن انتقضت طهارة الإمام بعد أن صلى بعض الصلاة
أدخل من يقوم مقامه وأعاد هو الصلاة وتمم القوم صلاتهم.
ومن صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه لم يكن على طهارة أتم القوم صلاتهم وبنوا عليها
ولم يعيدوها.
هكذا روى جميل بن دراج عن زرارة وهو الصحيح وفي رواية حماد عن الحلبي: أنهم
يستقبلون صلاتهم،
ومن صلى بقوم إلى غير القبلة ثم أعلمهم بذلك كانت عليه الإعادة دونهم،
وقال بعض أصحابنا: إن الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت، وهذا هو الصحيح، وبه
أقول وأفتى والأول مذهب السيد المرتضى والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي وهو الذي
يقتضيه أصول مذهبنا.
وإذا أم الكافر قوما ثم علموا بذلك من حاله كان القول فيه كالقول في من علموا أنه
كان على غير طهارة.
ويجوز أن يقتدي المؤدى بالقاضي والقاضي بالمؤدي والمفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض،
ومن يصلى الظهر بمن يصلى العصر ومن يصلى العصر بمن يصلى الظهر كل ذلك
جائز مع اختلاف نيتيهما، ومن صلى جماعة أو منفردا ثم لحق جماعة أخرى فالمستحب له أن
يعيد مرة أخرى تلك الصلاة بنية الاستحباب أي الخمس كانت. ولا يكون جماعة وبين
المصلي وبين الإمام أو بين الصف حائل من حائط أو غيره، ومن صلى وراء المقاصير لا تكون
صلاته جماعة إلا أن تكون محرمة، وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين إذا كان بينهن وبين
الإمام حائط والأول الأظهر والأصح.
وإذا صلى في مسجد جماعة كره أن يصلى الجماعة تلك الصلاة بعينها، وإذا دخل
الانسان في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة جاز له أن يقطعها ويدخل في الجماعة، فإن دخل
في صلاة فريضة وكان الإمام الذي يصلى خلفه إمام الكل ورئيس الناس جاز له أيضا
قطعها ويدخل معه في الجماعة، فإن لم يكن رئيس الكل وكان ممن يقتدى به فليتمم صلاته
715

التي دخل فيها ركعتين يخففهما ويحسبهما من التطوع على ما روي في بعض الأخبار ويدخل في
الجماعة، وإن كان الإمام ممن لا يقتدى به فليبن على صلاته ويدخل معه في الصلاة.
فإذا فرع من صلاته سلم وقام مع الإمام فصلى ما بقي له واحتسبه من النافلة، فإن
وافق حال تشهده حال قيام الإمام فليقتصر في تشهده على الشهادتين ويسلم إيماء ويقوم
مع الإمام، ولا يجوز للإمام أن يصلى بالقوم القيام وهو جالس إلا أن يكونوا عراة فإنهم
يصلون كلهم جلوسا ولا يتقدمهم أمامهم إلا بركبتيه على ما قدمناه، وإذا أقيمت الصلاة
التي يقتدى بالإمام فيها لا يجوز أن تصلي النوافل، وإذا صليت خلف مخالف وقرأ سورة
يجب فيها السجود وكنت مستمعا لقراءته ولم يسجد هو وخفت أن تسجد وحدك فأومئ
إيماء وقد أجزأك، وإن لم تكن مستمعا لقراءته فلا يجب عليك ذلك.
باب صلاة الجمعة وأحكامها:
صلاة الجمعة فريضة على من لم يكن معذورا بما سنذكره من الأعذار بشروط: أحدها
حضور الإمام العادل أو من نصبه للصلاة واجتماع خمسة نفر فصاعدا الإمام أحدهم على
الصحيح من المذهب.
وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: لا يجب الاجتماع إلا أن يبلغ
العدد سبعة. والأول مذهب السيد المرتضى والشيخ المفيد وجماعة من أصحابنا وهو الذي
تعضده الظواهر والآيات وبه أفتى.
والأعذار والأسباب التي تسقط معها الجمعة الصغر والكبر الذي لا حراك معه والسفر
والعبودية والجنون والتأنيث والمرض والعمى والعرج، وأن تكون المسافة بين المصلى
وبينها أكثر من فرسخين،
وروي أن من يخاف ظلما يجري عليه على نفسه أو ماله هو أيضا معذور في الإخلال بها، وكذلك
من كان متشاغلا بجهاز ميت أو بعليل والد أو من يجري مجراه من ذوي الحرمات الأكيدة يسعه
أن يتأخر عنها.
فأما المحبوس عنها والممنوع فلا شك في عذرهما ومن كان في مصره والإمام فيه وجب
716

عليه الجمع معه لأنه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة والتمكن وسقوط
الأعذار، ومن كان نائيا عن الإمام جمع بها مع خلفائه، ومن أذن له في الجمع بالناس.
ولا ينبغي ولا يجوز أن يكون بين المسجدين الذين يجمع فيهما أقل من ثلاثة أميال، ومن
حضر من ذوي الأعذار من المكلفين الذين ذكرناهم الجمعة صلاها مع الإمام جمعة ركعتين لأن
العذر رخص له في التأخر، فإذا حضر زالت الرخصة ولزم الفرض.
والخطبتان لا بد منهما ولا تنعقد الجمعة إلا بهما ويجب على الحاضرين استماعهما، ومن
شرطهما الطهارة وحضور من تنعقد الجمعة بحضوره، فإن خطب على غير طهارة أو خطب
وكان على طهارة إلا أنه لم يحضر خطبته إلا ثلاثة نفر لم يجز ذلك ووجب عليه إعادة الخطبة،
فإن لم يعدها لم تصح صلاته جمعة، والذي ينبغي تحصيله أن الطهارة ليست شرطا في
صحة الخطبتين بل حضور العدد فحسب، ولا دليل على كون ذلك شرطا في صحة الخطبة من
كتاب ولا إجماع، والأصل ألا تكليف وإنما ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه.
وعقد الباب: أن الجمعة لا تجب إلا إذا اجتمعت شروط وهي على ضربين: أحدهما يرجع إلى
مكلفها، والثاني يرجع إلى غيره.
فما يرجع إليه تسعة شرائط: الذكورة وكمال العقل والحرية والصحة من المرض وارتفاع
العمى وارتفاع العرج وارتفاع الشيخوخة التي لا حراك معها، وأن
لا يكون مسافرا، وأن لا يكون بينه وبين الموضع الذي يصلى فيه الجمعة مسافة فرسخين، ومع اجتماع هذه الشروط
لا تنعقد إلا بأربعة شروط وهي، الشروط الراجعة إلى غيره: السلطان العادل أو من ينصبه
للصلاة، وأن يكون العدد خمسة، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فما زاد، وأن يخطب
الإمام خطبتين. وأقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد الله تعالى والصلاة على النبي وآله
والوعظ والزجر وقراءة سورة خفيفة من القرآن.
وقد يورد بعض أصحابنا عبارة ينبغي أن يتجافى عنها وهي أن قال: تسقط الجمعة عن
عشرة، وعدد في جملة العشرة: المجنون والصبي وهذان ما هما مكلفين ولا كان عليهما شئ
فسقط وإنما هذا لفظ الحديث أورده على ما هو فهذا وجه الاعتذار له. فأما قول بعض
أصحابنا: فما يرجع إلى مكلفها من الشرائط فعشرة وعدد البلوغ قسما وكمال العقل قسما
717

آخر فلا حاجة بنا إلى ذلك بل إذا قلنا: كمال العقل أجزأنا عن البلوغ، وإذا قلنا: البلوغ لم
يجزئنا، فالكمال شامل يدخل فيه القسم الآخر ولا حاجة بنا إلى القسمين الآخرين في عدد
من يسقط عنه الجمعة على ما قدمناه.
وما يرجع إلى الجواز: الاسلام والعقل، فالعقل شرط في الوجوب والجواز معا، والإسلام شرط في
الجواز لا غير دون الوجوب لأن الكافر عندنا متعبد ومخاطب بالشرائع، وإنما قلنا ذلك لأن من
ليس بعاقل أو ليس بمسلم لا تصح منه الجمعة وما عدا هذين الشرطين من الشرائط المقدم
ذكرها شرط في الوجوب دون الجواز لأن جميع من قدمنا ذكره يصح منه فعل الجمعة.
والناس في باب الجمعة على ضروب: من تجب عليه وتنعقد به، ومن لا تجب عليه
ولا تنعقد به، ومن تنعقد به ولا تجب عليه، ومن تجب عليه ولا تنعقد به.
فأما من تجب عليه وتنعقد به فهو كل من جمع الشرائط المقدم ذكرها. ومن لا تجب عليه
ولا تنعقد به فهو: الصبي والمجنون والمرأة قبل حضورها المسجد مع الإمام، فأما إن
تكلفت الحضور وجب عليها صلاة ركعتين غير أنها لا يتم بها العدد ولا تنعقد بها الجمعة.
وأما من تنعقد به ولا تجب عليه فهو: المريض والأعمى والأعرج والشيخ الذي لا حراك
به، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين والعبد والمسافر فهؤلاء لا يجب عليهم الحضور،
فإن حضروا الجمعة وتم بهم العدد وجب عليهم وانعقدت بهم الجمعة وتم بهم العدد.
وأما من تجب عليه ولا تنعقد به فهو الكافر والمحدث الذي على غير طهارة فهما
مخاطبان عندنا بالعبادة ومع هذا لا تنعقد بهما لأنهما لا تصح منهما الصلاة وهما على ما هما
عليه.
من كان في بلد وجب عليه حضور الجمعة سمع النداء أو لم يسمع، فإن كان خارجا عنه
وبينه وبينه أقل من فرسخين وجب عليه أيضا الحضور، فإن زادت المسافة على ذلك لا يجب
عليه.
ثم لا يخلو أن يكون فيهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة أم لا، فإن كانوا كذلك وجب
عليهم الجمعة بشرط أن يكون فيهم الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة، وإن لم يكونوا لم تجب
عليهم غير الظهر أربع ركعات، ومتى كان بينهم وبين البلد أقل من فرسخين وفيهم العدد
718

الذي تنعقد بهم الجمعة جاز لهم إقامتها ويجوز لهم حضور البلد، ومن وجب عليه الجمعة
فصلى الظهر عند الزوال لم يجزئه عن الجمعة، فإن لم يحضر الجمعة وخرج الوقت وجب
عليه إعادة الظهر أربعا لأن ما فعله أولا لم يكن فرضه. إذا كان في قرية جماعة تنعقد بهم
الجمعة والشرائط حاصلة فكل من كان بينه وبينهم أقل من فرسخين فما دونهما وليس
فيهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وجب عليهم الحضور وإن كان فيهم العدد جمعوا.
ومن سنن الجمعة الغسل وهو من وكيد سننها، وابتداؤه من طلوع الفجر الثاني إلى
زوال الشمس، وأفضل أوقاته ما قرب من الزوال ومن ذلك التزين بأنظف الثياب. وروي
كراهية لبس السراويل قائما لأنه يورث الحبن،
بالحاء غير المعجمة المفتوحة والباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة المفتوحة والنون وهي
السقي وهو ورم البطن.
وقال ابن بابويه في رسالته: هو الماء الأصفر، والأول قول أهل اللغة وإليهم المرجع فيه.
ومس شئ من الطيب وإماطة الأذى عن الجسد وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وأن يبدأ
بخنصره اليسرى ويختم بخنصره اليمنى وتطريف الأهل بالفاكهة، والتقرب إلى الله
سبحانه بشئ من الصدقة.
وينبغي للإمام أن يعتم شاتيا كان أو قايظا ويرتدي برداء فبذلك جرت السنة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويستحب أن يلبس العمامة شاتيا كان أم قايظا ويتردى ببرد
يمنية أو عدني، قال محمد بن إدريس رحمه الله: يقال ترديت أتردى ترديا فأنا مترد، فلا يظن ظان
أن ذلك لا يجوز، ويقال أيضا: ارتدى يرتدي فهو مرتد، كل صحيح جائز ذكر ذلك المفضل بن
سلمة في كتاب البارع، وقال: الرداء الثوب الذي يلبس على الكتفين ممدود.
ويأخذ بيده ما يتوكأ عليه من قضيب أو عنزة أو غيرهما ويعلو على مرتفع من الأرض
كمنبر أو غيره، فإذا رقى المنبر فليكن بوقار وأناة وتؤدة ولا ينبغي له أن يعلو من مراقي
المنبر أكثر من عدد مراقي رسول الله ص، فإذا بلغ إلى مقامه حول
وجهه إلى الناس وسلم عليهم،
وقال بعض أصحابنا وهو الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف: ليس ذلك
719

بمستحب، والأول مذهب المرتضى رحمه الله ولا أرى بذلك بأسا.
وإن كان بالمدينة ابتدأ بالسلام على رسول الله ص ثم يجلس حتى يؤذن
بين يديه وفي المنائر في وقت واحد، فإذا فرع من الأذان قام الإمام متوكئا على ما في يده، فابتدأ
بالخطبة الأولى معلنا بالتحميد لله تعالى والتمجيد والثناء بآلائه وشاهدا لمحمد نبيه
ص بالرسالة وحسن الإبلاغ والإنذار، ويوشح خطبته بالقرآن ومواعظه
وآدابه ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد لله والاستغفار
والصلاة على النبي وعلى آله ع ويثني عليهم بما هم أهله ويدعو لأئمة
المسلمين ويسأل الله تعالى أن يعلى كلمة المؤمنين ويسأل لنفسه وللمؤمنين حوائج الدنيا
والآخرة ويكون آخر كلامه: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.
وإذا كان الإمام يخطب حرم الكلام ووجب الصمت لأن سماع الخطبة واجب على
الحاضرين، ويكره الالتفات وغيره من الأفعال وما لا يجوز مثله في الصلاة، ولا بأس للرجل
أن يتكلم إذا فرع الإمام من الخطبة ما بينه وبين أن تقام الصلاة، ثم ينزل الإمام عن المنبر
بعد فراغه من إكمال الخطبتين ويبتدئ المؤذن الذي بين يديه بالإقامة وينادي باقي المؤذنين
والمكبرين الصلاة الصلاة. ولا يجوز الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان الأول الذي عند
الزوال فهذا هو الأذان المنهي عنه ويسميه بعض أصحابنا الأذان الثالث لا يجوز يريد به
إلا هذا وسماه ثالثا لانضمام الإقامة فكأنها أذان آخر.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: الخطبة يوم الجمعة تكون عند قيام الشمس نصف
النهار فإذا زالت الشمس نزل فصلى بالناس، وحكي عن السيد المرتضى أنه قال: يجوز أن
يصلى عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ولم أجد للسيد المرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا
عنه بل بخلافه وما قدمته وشرحته أولا واخترته من أن الخطبة لا تجوز إلا بعد الزوال وكذلك
الأذان لا يجوز إلا بعد دخول الوقت في سائر الصلوات على ما أسلفنا القول فيه في باب الأذان
والإقامة، هو مذهب المرتضى وفتواه واختياره في مصباحه وهو الصحيح لأنه الذي يقتضيه
720

أصول المذهب ويعضده النظر والاعتبار ولأنه عمل جميع الأعصار، ولقوله تعالى: إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، والنداء للصلاة هو الأذان لها،
فالأذان لا يجوز قبل دخول وقت الصلاة، ولعل شيخنا أبا جعفر رحمه الله سمعه من المرتضى
في الدرس وعرفه منه مشافهة دون المسطور، وهذا هو العذر البين فإن الشيخ ما يحكي بحمد
الله تعالى إلا الحق اليقين فإنه أجل قدرا وأكثر ديانة من أن يحكي عنه ما لم يسمعه ويحققه منه.
وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان في تفسيره سورة الجمعة قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، قال معناه إذا سمعتم أذان يوم الجمعة فامضوا
إلى الصلاة، وقال، في قوله: وذروا البيع، معناه إذا دخل وقت الصلاة اتركوا البيع
والشراء.
قال الضحاك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، وقال الحسن: كل بيع يفوت فيه
الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام لا يجوز، وهو الذي يقتضيه مذهبنا لأن النهي يدل على فساد
المنهي عنه. قال محمد بن إدريس: وهذا الذي ذكره رحمه الله في تبيانه دليل على رجوعه عما
قاله في نهايته، ووفاق لما اخترناه من أن الخطبة والأذان لا يكونان إلا بعد زوال الشمس
فليلحظ ذلك.
فإذا دخل الإمام في الصلاة فالمستحب له أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية
بالمنافقين جاهرا بقراءتهما، وذهب بعض أصحابنا أن قراءة السورتين له واجب لا يجزئه أن
يقرأ بغيرهما، والمستحب للمنفرد يوم الجمعة أيضا قراءتهما وأنه إن ابتدأ بغيرهما كان له أن
يرجع إليهما، وإن كان ابتداؤه أيضا بسورة الإخلاص وسورة الجحد اللتين لا يرجع عنهما إذا
أخذ فيهما ما لم يبلغ نصف السورة، فإن بلغ النصف تمم السورة وجعلها ركعتي نافلة
وابتدأ الصلاة بالسورتين وذلك على جهة الأفضل في هذه الفريضة خاصة لأنه لا يجوز نقل
النية من الفرض إلى الندب إلا في هذه المسألة، وفي موضع آخر ذكرناه في باب الجماعة.
فأما نقل النية من النفل إلى الفرض فلا يجوز في موضع من المواضع على وجه من
الوجوه،
فليلحظ ذلك على ما روي في بعض الأخبار وأورده شيخنا في نهايته، والأولى عندي ترك العمل
721

بهذه الرواية وترك النفل إلا في موضع أجمعنا عليه.
ويستحب أن يقرأ في العصر من يوم الجمعة السورتين أيضا وفي الغداة من يوم الجمعة
بالجمعة في الأولى وقل هو الله أحد في الثانية وروي بالمنافقين في الثانية وهو اختيار المرتضى
في انتصاره. وكذلك يستحب أن يقرأ في المغرب من ليلة الجمعة بسورة الجمعة وسبح اسم
ربك الأعلى في الثانية، وكذلك في صلاة العشاء الآخرة وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله
ذهب في مصباحه إلى أنه يقرأ في الثانية من المغرب مكان سبح اسم ربك الأعلى قل هو
الله أحد وذهب في نهايته ومبسوطه إلى ما اخترناه.
فأما المنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة فقد روي: أن عليه أن يجهر بالقراءة استحبابا.
وروي: أن الجهر إنما يستحب لمن صلاها مقصورة بخطبة أو صلاها ظهرا أربعا في جماعة
ولا جهر على المنفرد.
وهذا حكاه سيدنا المرتضى رحمه الله في مصباحه، والثاني الذي يقوى في نفسي وأعتقده
وأفتى به وأعمل عليه لأن شغل الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل شرعي لأن الأصل براءة
الذمة وأما والإجماع فغير حاصل والرواية مختلفة فلم يبق إلا لزوم الأصول وهو براءة الذمم،
وأيضا في تركه الاحتياط لأن تاركه عند جميع أصحابنا أعني تارك الجهر بالقراءة في صلاة
الظهر يوم الجمعة غير ملوم ولا مذموم وصلاته صحيحة بغير خلاف، وفاعل الجهر غير آمن
من جميع ذلك لأنه إما أن يكون مسنونا على قول بعض أصحابنا أو غير مسنون على قول
البعض الآخر وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه وما لا ذم على تاركه ويخشى في فعله أن يكون
بدعة ومعصية يستحق بها الذم ومفسدا للصلاة قاطعا لها فتركه أولى وأحوط في الشريعة.
وعلى الإمام أن يقنت في صلاة الجمعة وقد اختلفت الرواية في قنوت الإمام يوم الجمعة
فروي أنه يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه.
ومن كان منفردا أو في جماعة ظهرا إماما كان أو مأموما قنت في الثانية قبل الركوع وبعد
القراءة أيضا، وروي: أن على الإمام إذا صلاها جمعة مقصورة قنوتين في الأولى قبل الركوع
وفي الثانية بعد الركوع.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والذي يقوى عندي أن الصلاة لا يكون فيها إلا قنوت واحد
722

أية صلاة كانت هذا الذي يقتضيه مذهبنا وإجماعنا فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد التي
لا تثمر علما ولا عملا،
فإذا فرع الإمام من الركعتين سلم تسليمة واحدة على الوجه الذي ذكرناه فيما تقدم
حيث بينا تسليم الإمام والمأموم.
وإن وقع سهو على الإمام فيما يوجب إعادة الصلاة وقد صلاها جمعة مقصورة أعاد
هو ومن اقتدى به ومن صحت له مع الإمام ركعة يسجد فيها، إما الأولى ثم خرج منها إما
لرعاف أو ما يجري مجراه مما لا ينقض الوضوء، أو الثانية فعليه أن يتمها ركعتين، ومن فاتته
الجمعة مع الإمام صلاها ظهرا أربعا وكذلك من زحمة الناس فلم يصح له ركعة يسجد فيها
مع الإمام
فأما من كبر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود لازدحام الناس ثم قام الإمام والناس
في الركعة الثانية وقام معهم ثم ركع الإمام فلم يقدر عند الركوع في الثانية لأجل الزحام ثم
قدر على السجود فإن ركعته الأولى تامة إلى وقت السجود إلا أن عليه أن يسجد لها، فإن كان
نوى بسجوده لما سجد في الثانية أنه عن سجدتي الركعة الأولى فقد تمت له الأولى، وعليه إذا
سلم الإمام أن يقوم فيصلي ركعة يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم وإن لم ينو ذلك ونوى أنهما
للركعة الثانية لم يجزئ عنه الركعة الأولى ولا الثانية، ويبتدئ فيسجد سجدتين وينوي بهما
الركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة تامة وقد تمت جمعته.
وهذا الذي ذهب إليه شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف وقال في نهايته: وإن لم ينو
بهاتين السجدتين إنهما للأولى كان عليه إعادة الصلاة. والذي ذكره في نهايته هو الصحيح
لأنه موافق لأصول المذهب لأن الأول يكون قد زاد في ركعة واحدة سجدتين ومن زاد سجدتين
في ركعة واحدة سواء كان فعله عامدا أو ساهيا بطلت صلاته بغير خلاف.
والذي ذكره في مسائل الخلاف رواية حفص بن غياث القاضي وهو عامي المذهب فلا يجوز
الرجوع إلى روايته وترك الأصل. وأيضا فإن السجود لا يحتاج إلى نية بانفراده بل العبادة إذا
كانت أبعاض فالنية في أولها كافية لجميع أفعالهما ففي الخبر أيضا ما يبطله من هذا الوجه،
وأيضا فما استدام النية إذا نوى بسجدتيه أنهما للركعة الثانية لأنهما من حقهما أن يكونا
723

للركعة الأولى فإذا لم يستدم النية فقد بطلت صلاته بغير خلاف. وجملة الأمر أن السجود
بانفراده لا يحتاج إلى النية بل الاستدامة كافية على ما قدمناه، وما قاله شيخنا في مسائل
خلافه مذهب السيد المرتضى في مصباحه وما ذهب شيخنا إليه في نهايته هو الصحيح على
ما اخترناه لأن فيه الاحتياط لأنه لا خلاف أن الذمة مشغولة بالصلاة بيقين وإذا أعادها برئت
بيقين وليس كذلك إذا لم يعدها.
والمسافر إذا أم مسافرين في الجمعة لم يحتج إلى خطبتين وصلاها ركعتين لأن فرض
الجمعة ساقط عنه وعنهم وفرضه قصر الظهر وصلاتها ركعتين، فإن دخل في صلاته مقيم لم
يسلم وأتمها أربعا، وإن دخل مسافر في صلاة حاضر قاصر لها أجزأته عن فرضه.
وإذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد صليت صلاة العيد وكان الناس بالخيار في حضور
الجمعة وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبة العيد، وليس للإمام أن يتأخر عنهما معا، فإن
اجتمع كسوف وجمعة في وقت واحد قدمت الجمعة وأخرت صلاة الكسوف، وإن اجتمع
استسقاء وكسوف وجمعة لم يقدم على الجمعة غيرها ثم صليت صلاة الكسوف ثم
الاستسقاء بعد تجلي المنكسف هذا إذا غلب في الظن وكانت الأمارة قوية في أن وقت
الكسوف لا يفوت ولا يخرج وقته، فأما إذا خيف خروج وقت صلاة الكسوف فالواجب
التشاغل بصلاتها وترك صلاة الجمعة في أول الوقت فإن وقتها لا يفوت إلا إذا بقي من
النهار مقدار أربع ركعات ووقت صلاة الكسوف بانجلاء بعض المكسوف يفوت.
فأما النوافل يوم الجمعة فالمسنون فيها زيادة أربع ركعات على النوافل في كل يوم،
واختلف أصحابنا في ترتيبها فذهب السيد المرتضى: إلى أن تصلي عند انبساط الشمس ست
ركعات فإذا اتضح النهار وارتفعت الشمس صليت ستا فإذا زالت صليت ركعتين فإذا صليت
الظهر صليت بعدها ستا. وقال شيخنا أبو جعفر: يصلى عند انبساط الشمس ست ركعات
وست ركعات عند ارتفاعها وست ركعات بعد ذلك وركعتين عند الزوال، وبالجملة أنه قال:
ويقدم نوافل يوم الجمعة كلها قبل الزوال هذا هو الأفضل في يوم الجمعة خاصة، فأما في غيره
من الأيام فلا يجوز تقديم النوافل قبل الزوال. وهذا هو الصحيح وبه أفتى لأن عمل الطائفة
عليه وتقديم الخيرات أفضل والروايات به متظاهرة.
724

وقال ابن بابويه من أصحابنا الأفضل تأخير النوافل كلها أعني نوافل يوم الجمعة إلى بعد
الزوال. وهذا غير واضح ولا معتمد ووقت ركعتي الزوال قبل الزوال ولا يجوز أن يصلى بعد
الزوال لأن الأخبار وردت عن الأئمة الأطهار بأنهم سئلوا عن وقت ركعتي الزوال أقبل الأذان
أو بعده؟ فقالوا قبل الأذان، والأذان لا يكون إلا بعد الزوال فمن ذلك ما أورده أحمد بن محمد
بن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا ع في جامعه قال: وسألته عن الزوال يوم
الجمعة ما حده؟ قال: إذا قامت الشمس فصل ركعتين فإذا زالت فصل الفريضة ساعة
تزول فإذا زالت قبل أن تصلي الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة واقض الركعتين بعد
الفريضة. قال: وسألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال: قبل الأذان
فيحقق ويحصل من هذا أن ركعتي الزوال تصلي قبل الزوال لا يجوز غير ذلك، وشاهدت
جماعة من أصحابنا يصلونهما بعد الزوال ويدلك على ما اخترناه قول شيخنا المفيد محمد بن
محمد بن النعمان رحمه الله في مقنعته: تصلي لتحقيق الزوال، وقال بعض أصحابنا وهو
شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بأن يجتمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر عليهم
فيصلون جماعة بخطبتين فإن لم يتمكنوا من الخطبة جاز لهم أن يصلوا جماعة لكنهم
يصلون أربع ركعات. فدل قوله الأول على أنهم إذا صلوها بخطبتين أجزأتهم صلاة ركعتين
عن الأربع وانعقدت جمعة. وقال في مسائل الخلاف: من شرط انعقاد الجمعة
الإمام أو من يأمره الإمام بذلك من قاض أو أمير ونحو ذلك ومتى أقيمت بغيره لم تصح. ثم قال: دليلنا أنه
لا خلاف أنها تنعقد بالإمام أو بأمره وليس على انعقادها إذا لم يكن إمام ولا من أمره دليل، ثم
قال: وأيضا عليه إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الإمام أو من أمره، ثم
قال: وأيضا فإنه إجماع بأن من عهد النبي ع إلى وقتنا هذا ما أقام الجمعة
إلا الخلفاء والأمراء ومن ولى الصلاة فعلم أن ذلك إجماع أهل الأعصار ولو انعقدت بالرعية
لصلوها كذلك، ثم سأل نفسه رضي الله عنه فقال: فإن قيل أ ليس قد رويتم فيما مضى وفي
كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا والسواد والمؤمنين إذا اجتمع العدد الذين تنعقد بهم أن يصلوا
الجمعة؟ فأجاب بجواب عجيب بأن قال: قلنا ذلك مأذون فيه مرغب فيه يجري ذلك مجرى
أن ينصب الإمام من يصلى بهم.
725

قال محمد بن إدريس: نحن نقول في جواب السؤال للقرايا والسواد إذا اجتمع العدد الذين
تنعقد بهم الجمعة وكان فيهم نواب الإمام أو نواب خلفائه ونحمل الأخبار على ذلك. فأما قوله
رضي الله عنه: ذلك مأذون مرغب فيه فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام من يصلى بهم،
فيحتاج إلى دليل على هذه الدعوى وبرهان لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب أو الندب
ولو جرى ذلك مجرى أن ينصب من يصلى بهم لوجبت الجمعة على من يتمكن من الخطبتين
ولا كان يجزئه صلاة أربع ركعات وهذا لا يقوله منا أحد والذي يقوى عندي صحة ما ذهب إليه
في مسائل خلافه وخلاف ما ذهب إليه في نهايته للأدلة التي ذكرها من إجماع أهل الأعصار،
وأيضا فإن عندنا بلا خلاف بين أصحابنا أن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام
للصلاة، وأيضا الظهر أربع ركعات في الذمة بيقين فمن قال صلاة ركعتين تجزئ عن الأربع
يحتاج إلى دليل فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
وقد ذكر السيد المرتضى في جواب المسائل الميافارقيات فقال: السائل صلاة الجمعة يجوز أن
تصلي خلف المؤالف والمخالف جميعا وهل هي ركعتان مع الخطبة تقوم مقام الأربع؟ فقال
المرتضى: صلاة الجمعة ركعتان من غير زيادة عليهما ولا جمعة إلا مع إمام عادل أو من ينصبه
الإمام العادل فإذا عدم صليت الظهر أربع ركعات. وذكر سلار في رسالته: ولفقهاء الطائفة
أيضا أن يصلوا بالناس في الأعياد والاستسقاء فأما الجمع فلا. هذا آخر كلام سلار في آخر
رسالته، وهو الصحيح وقد اعتذرنا في عدة مواضع للشيخ أبي جعفر رحمه الله فيما يورده في
كتاب النهاية وقلنا: أورده إيرادا لا اعتقادا لأن هذا الكتاب أعني كتاب النهاية كتاب خبر
لا كتاب بحث ونظر، وقد قال هو رحمه الله في كتابه هذا ما قاله في خطبة مبسوطه فكيف يعتمد
ويقلد ما يوجد فيه وقد تنصل المصنف من ذلك؟
ويستحب الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة خاصة من جهة الوقت والزمان وكذلك
يستحب الجمع بينهما بعرفة من جهة المكان والزمان معا، وكذلك يستحب الجمع بين
المغرب والعشاء الآخرة بالمشعر الحرام ليلة العيد من جهة المكان والزمان معا. وحد الجمع
ألا يصلى بينهما نافلة، فأما التسبيح والأدعية فمستحب ذلك وليس ذلك بمانع للجمع.
فإذا فرع الإمام من صلاة الجمعة صلى العصر بإقامة فحسب دون الأذان، فأما من
726

صلى الظهر أربعا منفردا أو مجمعا في جماعة فالمستحب له الأذان والإقامة جميعا معا لصلاة
العصر مثل سائر الأيام،
وقد يشتبه على كثير من أصحابنا المتفقهة هذا الموضع لما يقفون عليه فيما أورده شيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته في باب الجمعة من قوله: ولا يجوز الأذان لصلاة العصر
يوم الجمعة بل ينبغي إذا فرع من فريضة الظهر أن يقيم للعصر ثم يصلى إماما كان
أو مأموما، وهذا عند التأمل لا درك على المصنف ولا اشتباه فيه، وهو أن الإمام إذا فرع من
صلاة الظهر يوم الجمعة وصلى الجمعة يقيم للعصر من غير أذان له، والذي يدلك على ما قلناه
أن المسألة أوردها في باب الجمعة لا الجماعة لا أن مقصود المصنف كل من صلاها أربعا، وقد
قال الشيخ المفيد في مقنعته ما اخترناه وحقق ما ذكرناه فقال: فليؤذن وليقم لصلاة العصر،
وكذلك قال في كتاب الأركان: ثم قم فأذن للعصر وأقم وتوجه بسبع تكبيرات على شرح ذلك
في صلاة الظهر واقرأ فيها السورتين كما قدمنا.
وقال ابن البراج في كتابه الكامل قال: فإذا فرع من ذلك يعني من صلاة الظهر يوم الجمعة
ودعائها فليؤذن وليقم لصلاة العصر ثم يصلها كما صلى الظهر. ثم قال: ومن صلى فرض
الجمعة بإمام يقتدى به فليصل العصر بعد الفراع من فرض الجمعة ولا يفصل بينهما
إلا بالإقامة.
قال محمد بن إدريس: فليس الشيخ أبو جعفر رحمه الله بأن يقلد في نهايته بأولى من ابن
البراج والشيخ المفيد بالتقليد في كتاب أركانه ومقنعته إن كان يجوز التقليد ونعوذ بالله من
ذلك فكيف وكلام الشيخ أبي جعفر محتمل لما قاله الشيخ المفيد وكلام الشيخ المفيد غير محتمل
مع أن أصول المذهب والإجماع حاصل منعقد من المسلمين بأجمعهم طائفتنا وغيرها: أن الأذان
والإقامة لكل صلاة من الصلوات الخمس المفترضات مندوب إليهما مستحب إلا ما خرج
بالدليل في المواضع التي ذكرناها وخرجت بالإجماع أيضا وبقي الباقي على أصله من تأكيد
الندب والاستحباب فليلحظ ذلك ويعمل فيه بالأدلة فإن العمل تابع للعلم.
وإذا صلى الانسان خلف من لا يقتدى به جمعة للتقية فإن تمكن أن يقدم صلاته على
صلاته فعل، وإن لم يتمكن يصلى معه ركعتين فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليهما ركعتين
727

أخريين ويكون ذلك تمام صلاته.
باب النوافل المرتبة في اليوم والليلة ونوافل شهر رمضان وغيرها من النوافل:
قد بينا أوقات النوافل في اليوم والليلة وعدد ركعاتها غير إنا نرتبها هاهنا على وجه
أليق به.
إذا زالت الشمس فليصل ثماني ركعات للزوال يقرأ فيها ما شاء من السور
والآيات وأفضل ذلك قل هو الله أحد ويسلم في كل ركعتين منها ويقنت وهذا حكم جميع
النوافل، كل ركعتين بتسليم لا يجوز غير ذلك لأن الاجماع حاصل منعقد عليه، وقد روي في
صلاة الأعرابي: أنها أربع ركعات بتسليم. ويصلى ثماني ركعات بعد الفراع من فريضة
الظهر ويصلى بعد المغرب أربع ركعات بتشهد وتسليمين ويصلى ركعتين من جلوس بعد
العشاء الآخرة تعدان بركعة وهي المسماة بالوتيرة، ويجعل هاتين الركعتين بعد كل صلاة
يريد أن يصليها وهذا هو الصحيح.
وقد روي: أنه يصلى بعدهما ركعتين، وهذه رواية شاذة أوردها الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه
الله في مصباحه وأورد في نهايته بخلاف ذلك فقال: ويجعل هاتين الركعتين بعد كل صلاة
يريد أن يصليها ويقوم بعدهما إلى فراشه لأن السهر الذي لا يجدي نفعا مكروه إلا أن يكون في
الفقه، فقد روي: أن من أحيا أول ليله خرب آخره.
ويستحب ألا ينام إلا وهو على طهر فإن نسي ذلك وذكر عند منامه فليتمم من فراشه،
ومن خاف أن لا ينشط آخر الليل فليقل عند منامه: قل إنما أنا بشر مثلكم، إلى آخر السورة،
ثم يقول: اللهم أيقظني لعبادتك في وقت كذا، فإنه ينتبه إن شاء الله على ما ورد الحديث به،
فإذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل ولا يصليها في أوله على كل حال سواء كان
مسافرا أو شابا بل القضاء هو الأولى لهما، فإذا قام فالمستحب له أن يعمد إلى السواك " بكسر
السين " وليسك فاه فإن فيه فضلا كبيرا في هذا الوقت خصوصا وإن كان في سائر الأوقات
مندوبا إليه، ثم ليستفتح الصلاة بسبع تكبيرات على ما رتبناه سنة، ثم يصلى ثماني
ركعات يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد وقل هو الله أحد ستين مرة في كل واحدة منهما ثلاثين مرة،
728

وقد روي: أن في الثانية بدل الثلاثين مرة قل هو الله أحد قل يا أيها الكافرون وهو مذهب
شيخنا المفيد والأول أظهر في الرواية وهو مذهب شيخنا أبي جعفر.
وفي الست البواقي ما شاء من السور إن شاء طول وإن شاء قصر، والأفضل قراءة
السور الطوال مثل الأنعام والكهف والحواميم إذا كان عليه وقت كثير، فإذا فرع منها صلى
ركعتي الشفع يقرأ فيهما الحمد والمعوذتين ويسلم بعدهما، ويستحب أن يقرأ فيهما سورة
الملك وهل أتى ثم يقوم إلى الوتر ويتوجه فيه أيضا على ما قدمناه.
فإذا قام إلى صلاة الليل ولم يكن قد بقي من الوقت مقدار ما يصلى كل
ليله وخاف طلوع الفجر خفف صلاته واقتصر على الحمد وحدها، فإن خاف مع ذلك
طلوع الفجر صلى ركعتين وأوتر بعدهما، ويصلى ركعتي الفجر ثم يصلى الفريضة ثم يقضي
الثماني الركعات، فإن لم يطلع الفجر أضاف إلى ما صلى ست ركعات ثم أعاد ركعة الوتر
وركعتي الفجر بعده.
هذا قول الشيخ المفيد في مقنعته. وقال ابن بابويه في رسالته: يعيد ركعتي الفجر فحسب،
والأول الذي حكيناه عن شيخنا المفيد أظهر وأفقه لأنه قد صلى المفردة من الوتر في غير وقتها
ولهذا أعادا بالاتفاق منهما ركعتي الفجر، فإن اعترض بركعتي الشفع قلنا: الاجماع حاصل
على أن لا يعادا.
وإن كان قد صلى أربع ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر تمم ما بقي عليه أداء
وخففها ثم صلى الفرض، ومن نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد أن أوتر قضاهما
وأعاد الوتر على ما روي في بعض الأخبار، ومن نسي التشهد في النافلة ثم ذكر بعد أن ركع
أسقط الركوع وجلس وتشهد وسلم، وإذا فرع من صلاة الليل قام فصلى ركعتي الفجر
وإن لم يكن الفجر الأول قد طلع بعد.
ويستحب أن يضطجع بعد صلاة نافلة الغداة التي هي الدساسة ويقول في حال
اضطجاعه الدعاء المعروف في ذلك، وإن جعل مكان الضجعة سجدة كان ذلك جائزا.
ولا بأس أن يصلى الانسان النوافل جالسا إذا لم يتمكن من الصلاة قائما، فإن تمكن منها
قائما وأراد أن يصليها جالسا لم يكن بذلك أيضا بأس وجاز ذلك.
729

على ما أورده شيخنا في نهايته وهو من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا كما أورد أمثاله
إيرادا لا اعتقادا، والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية لأنها مخالفة لأصول المذهب لأن
الصلاة لا تجوز مع الاختيار جالسا إلا ما خرج بالدليل والإجماع سواء كانت نافلة أو فريضة
إلا الوتيرة، فإن قيل: يجوز عندكم صلاة النافلة على الراحلة مختارا في السفر وفي الأمصار،
قلنا: ذلك الاجماع منعقد عليه وهو الذي يصححه فلا نقيس غيره عليه لأن القياس عندنا
باطل فلا نحمل مسألة على مسألة بغير دليل قاطع فليلحظ ذلك.
إلا أنه يستحب له والحال ما وصفناه أن يصلى لكل ركعة ركعتين.
ومن كان في دعاء الوتر ولم يرد قطعه ولحقه عطش وبين يديه ماء جاز له أن يتقدم خطي
فيشرب الماء ثم يرجع إلى مكانه فيتمم صلاته من غير أن يستدبر القبلة، هذا إذا كان في
عزمه الصيام من الغد على ما روي في الأخبار. ولا يجوز شرب الماء للمصلي في صلاته في
سائر النوافل ما عدا هذه المسألة، ولا يجوز، ولا يجوز أن يتعداها إلى غيرها.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف: يجوز عندنا شرب الماء في النافلة،
وأطلق ذلك، وإطلاقه غير واضح لأن القياس عندنا باطل لأنه ما ورد إلا في عين هذه المسألة
فلا يجوز تعديها إلى غيرها، هذا إذا كان على الرواية إجماع منعقد.
فأما نوافل شهر رمضان فإنه يستحب أن يزاد فيه على المعتاد في غيره من الشهور
زيادة ألف ركعة.
بغير خلاف بين أصحابنا إلا من عرف اسمه ونسبه وهو أبو جعفر محمد بن بابويه وخلافه
لا يعتد به لأن الاجماع تقدمه وتأخر عنه وإنما اختلف أصحابنا في ترتيب الألف، فذهب فريق
منهم إلى أنه يصلى من أول ليلة إلى عشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة ثماني بعد الفراع من
فريضة المغرب ونافلتها كل ركعتين بتشهد وتسليم بعدها واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء
الآخرة قبل الوتيرة ويختم صلاته بالوتيرة ويزيد في ليلة تسع عشرة مائة ركعة بعد الفراع من
جميع صلواته ويختم صلاته بالوتيرة ما لم تتجاوز نصف الليل، فإن لم يفرع إلا بعد نصف
الليل صلى الوتيرة قبل نصف الليل لئلا تصير قضاء بخروج وقتها، ويصلى في العشر
الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ثماني بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة
730

ويصلى في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين زيادة على ما فيها مائة ركعة فيكون تمام ألف
ركعة.
وقال فريق منهم: يصلى إلى تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات بعد
المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة قبل الوتيرة ويختم الصلاة بالوتيرة، وفي ليلة
تسع عشرة مائة ركعة، وفي ليلة إحدى وعشرين أيضا مثل ذلك، وفي ليلة ثلاث وعشرين أيضا
مثل ذلك، ويصلى في ثماني ليال من العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة يصلى بعد
المغرب ثماني ركعات واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة فهذه تسعمائة وعشرون
ركعة، وتصلي في كل يوم جمعة من شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين وركعتين صلاة
فاطمة ع وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب رحمة الله عليه ويصلى في آخر
جمعة من الشهر عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين، وفي عشية تلك الجمعة عشرين ركعة صلاة
فاطمة ع فهذه تمام الألف.
والمذهب الأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب الاقتصاد وفي مسائل
الخلاف أفتى به وعمل عليه واستدل على صحته وجعل ما خالفه من المذهب الثاني رواية
ما التفت إليها، ومذهب شيخنا المفيد أيضا في كتاب الإشراف.
قال محمد بن إدريس: وهو الذي أفتى به ويقوى عندي لأن الأخبار به أكثر وأعدل رواة
ويعضده أن الله تعالى لا يكلف تكليف ما لا يطاق لا في فرض ولا في نافلة، وقد جعل لهذه النافلة
وقتا والوقت ينبغي أن يفضل على العبادة ولا تفضل العبادة عليه أو يكون كالقالب لها وهو
الصيام هذا الذي يقتضيه أصول الفقه.
وفي أقصر ليالي الصيف وهي تسع ساعات لا يمكن الإتيان بهذه النافلة إذا كانت ليلة
آخر سبت في الشهر لأن الوقت يضيق عن الفرض والنافلة المرتبة، والعشرين ركعة من
صلاة فاطمة ع وعن الأكل والشرب والإفطار وقضاء حاجة لا بد منها وغير ذلك
ومن كابر وقال أنا أصليها أو صليتها على هذا الترتيب، فإن سلم له ذلك فصلاة على غير
تؤدة ولا يكون تاليا للقرآن كما أنزل ولا راكعا ولا ساجدا السجود المشروع وهذا مرغوب
عنه على ضجر وملال، وقد روي في الحديث: لا يمل الله حتى تملوا.
731

ويستحب أن يصلى ليلة النصف مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد
عشر مرات، ويستحب أن يصلى ليلة الفطر ركعتين يقرأ في أول ركعة منهما الحمد مرة وقل
هو الله أحد ألف مرة وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة واحدة.
فأما صفة صلاة أمير المؤمنين ع فإنها أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل
ركعة الحمد وخمسين مرة قل هو الله أحد، وصفة صلاة فاطمة ع ركعتان يقرأ في
الأولى منهما الحمد مرة واحدة وإنا أنزلناه مائة مرة وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد
مائة مرة.
وصفة صلاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أربع ركعات ثلاثمائة مرة: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يبتدئ الصلاة فيقرأ الحمد ويقرأ في الأول منها إذا
زلزلت، فإذا فرع منها سبح خمس عشرة مرة ثم ليركع ويقول ذلك عشرا فإذا رفع رأسه
قاله عشرا فإذا سجد قاله عشرا فإذا رفع رأسه من السجود قاله عشرا فإذا سجد الثانية
قاله عشرا فإذا رفع رأسه ثانيا قاله عشرا فهذه خمس وسبعون مرة، ثم لينهض إلى الثانية
وليل أربع ركعات على هذا الوصف ويقرأ في الثانية والعاديات بعد الحمد وفي الثالثة بعد
الحمد إذا جاء نصر الله والفتح وفي الرابعة بعد الحمد قل هو الله أحد.
ويستحب أن يصلى الانسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزوال نصف ساعة بعد أن
يغتسل ركعتين يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات وآية
الكرسي عشر مرات وإنا أنزلناه عشر مرات، وروي: أن آية الكرسي تكون أخيرا قبلها إنا
أنزلناه، فإذا سلم دعا بعدهما بالدعاء المسطور في كتب العبادات.
ويستحب أن يصلى الانسان ليلة المبعث اثنتي عشرة ركعة ويوم المبعث أيضا وهو يوم
السابع والعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل واحدة منها الحمد ويس، فإن لم
يتمكن قرأ ما سهل عليه من السور، فإذا فرع منها جلس في مكانه وقرأ أربع مرات سورة
الحمد وقل هو الله أحد مثل ذلك والمعوذتين بكسر الواو كل واحدة منهما أربع مرات ثم
يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أربع مرات. ويقول: الله الله ربي
لا أشرك به شيئا، أربع مرات.
732

ويستحب أن يصلى ليلة النصف من شعبان أربع ركعات يقرأ في كل واحدة منها
الحمد مرة وقل هو الله أحد مائة مرة. وبالجملة يستحب إحياء هذه الليلة بالصلوات
والأدعية فإنها ليلة شريفة عظيم الثواب.
وإذا أراد الانسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه يستحب له أن يصلى ركعتين يقرأ فيهما
ما شاء ويقنت في الثانية، فإذا سلم دعا بما أراد ثم ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرة
يقول: أستخير الله في جميع أموري خيرة في عافية، ثم يفعل في قلبه. والروايات في هذا الباب
كثيرة والأمر فيها واسع والأولى ما ذكرناه.
فأما الرقاع والبنادق والقرعة فمن أضعف أخبار الآحاد وشواذ الأخبار لأن رواتها فطحية
ملعونون مثل زرعة ورفاعة وغيرهما فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته ولا يعرج عليه.
والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ولا يذكرون البنادق
والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه فشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله لم
يذكر في نهايته ومبسوطه واقتصاده إلا ما ذكرناه واخترناه، ولم يتعرض للبنادق، وكذلك
شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده لم يتعرض للرقاع والبنادق بل أورد روايات كثيرة فيها
صلوات وأدعية ولم يتعرض لشئ من الرقاع، والفقيه عبد العزيز بن البراج رحمه الله أورد
ما اخترناه فقال: قد ورد في الاستخارة وجوه عدة وأحسنها ما ذكرناه. وأيضا فالاستخارة في
كلام العرب الدعاء وهو من استخارة الوحش وذلك أن يأخذ القانص ولد الظبية فيعرك
أذنه فيبغم فإذا سمعت أمه بغامه لم تملك أن تأتيه فترمي بنفسها عليه فيأخذها القانص
حينئذ. قال حميد بن ثور الهلالي وذكر ظبية وولدها ودعاءه لها لما أخذه القانص فقال:
رأت مستخيرا فاستزال فؤادها بمحنية تبدو لها وتغيب.
أراد رأت داعيا فكان معنى استخرت الله استدعيته إرشادي.
وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول: إن معنى قولهم استخرت الله استفعلت من الخير أي
سألت الله أن يوفق لي خير الأشياء التي أقصدها، فمعنى صلاة الاستخارة على هذا أي صلاة
الدعاء.
وإذا عرض للإنسان حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة ثم ليبرز تحت السماء في
733

يوم الجمعة وليصل ركعتين يقرأ فيهما بعد الحمد مائتي مرة وعشر مرات قل هو الله أحد
على ترتيب صلاة التسبيح إلا أنه يجعل بدل التسبيح في صلاة جعفر خمس عشرة مرة قل هو
الله أحد في الركوع والسجود وفي جميع الأحوال، فإذا فرع منها سأل الله
حاجته فإذا قضى حاجته فليصل ركعتين شكرا لله تعالى يقرأ فيهما الحمد وإنا أنزلناه أو سورة قل هو الله
أحد ثم ليشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه في حال السجود والركوع وبعد التسليم إن
شاء الله.
وقال شيخنا أبو جعفر في مختصر المصباح: ويستحب صلاة أربع ركعات، وشرح كيفيتها يوم
النيروز نوروز الفرس، ولم يذكر أي يوم هو من الأيام ولا عينه بشهر من الشهور الرومية
ولا العربية، والذي قد حققه بعض محصلي أهل الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في
كتاب له أن يوم النيروز يوم العاشر من أيار وشهر أيار أحد وثلاثون يوما فإذا مضى منه (تسعة
أيام فهو يوم النيروز ويقال: نيروز ونوروز لغتان. وأما نيروز المعتضد الذي يقال النيروز
المعتضدي فإنه اليوم الحادي عشر من حزيران وذلك أن أهل السواد والمزارعين شكوا إليه
أمر الخراج وأنه يفتح قبل أخذ الغلة وحصادها وارتفاعها فيستدينون عليها فيجحف ذلك
بالناس والرعية فتقدم ألا يفتح ويطالب بالخراج إلا في أحد عشر يوما من شهر حزيران.
قال بعض من امتدحه من الشعراء على هذا الفعال والمنقبة والرقة والإفضال
يوم نيروزك يوم واحد لا يتأخر من حزيران يوافي أبدا في أحد عشر
ذكر ذلك جميعه الصولي في كتاب الأوراق.
باب صلاة العيدين:
صلاة العيدين فريضة بتكامل الشروط التي ذكرناها في لزوم الجمعة من حضور
السلطان العادل واجتماع العدد المخصوص وغير ذلك من الشرائط التي تقدم ذكرها
وتجب على من تجب عليه صلاة الجمعة وتسقط عمن تسقط عنه، وهما سنة إذا صليا على
الانفراد عند فقد الإمام أو نقصان العدد أو اختلال ما عدا ذلك من الشروط.
ومعنى قول أصحابنا: على الانفراد، ليس المراد بذلك أن يصلى كل واحد منهم منفردا بل
734

الجماعة أيضا عند انفرادها من دون الشرائط مسنونة مستحبة ويشتبه على بعض المتفقهة هذا
الموضع بأن يقول: على الانفراد، أراد مستحبة إذا صلاها كل واحد وحده قال: لأن الجمع في
صلاة النوافل لا يجوز فإذا عدمت الشرائط صارت نافلة فلا يجوز الاجتماع فيها.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا قلة تأمل من قائله بل مقصود أصحابنا " على الانفراد "
ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط. فأما تعلقه بأن النوافل لا يجوز الجمع فيها فتلك النافلة
التي لم يكن على وجه من الوجوه ولا في وقت من الأوقات واجبة ما خلا صلاة الاستسقاء
وهذه الصلاة أصلها الوجوب وإنما سقط عند عدم الشرائط، وبقي جميع أفعالها وكيفياتها
على ما كانت عليه من قبل، وأيضا فإجماع أصحابنا يدمر ما تعلق به وهو قولهم: بأجمعهم
يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا بهم صلوات الأعياد، فلو كانت الجماعة فيها
لا تجوز لما قالوا ذلك، وأيضا فشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله سأله السائل في المسائل
الحائريات عن الجماعة اليوم في صلاة العيدين فأجاب بأن قال: ذلك مستحب مندوب إليه.
وعدد صلاة كل واحد من العيدين ركعتان باثنتي عشر تكبيرة بغير خلاف والقراءة
فيها قبل التكبيرات في الركعتين معا وإنما الخلاف بين أصحابنا في القنتات منهم من يقنت
تسع قنتات ومنهم من يقنت ثمان قنتات،
والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، والثاني مذهب شيخنا المفيد لأن الشيخ المفيد يقوم
إلى الركعة الثانية بتكبيرة ويجعل هذه التكبيرة من جملة التكبيرات الخمس فيسقط لها قنوتها
لأن في دبر كل تكبيرة قنوتا ما عدا تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوع، وشيخنا أبو جعفر لا يقوم
إلى الثانية بتكبيرة فإذا قام قرأ ثم كبر أربع تكبيرات يقنت في دبر كل تكبيرة ثم يكبر الخامسة
يركع بها وهذا أظهر في الروايات والعمل وبه أفتى.
وترتيبها ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة على ما قدمناه سبع في الأولى وخمس في الثانية،
يفتتح صلاته بتكبيرة الإحرام ويتوجه إن شاء ثم يقرأ سورة الحمد وسورة الأعلى ثم يكبر
خمس تكبيرات يقنت في دبر كل تكبيرة قنوتا بالدعاء المعروف في ذلك، وإن قنت بغيره
كان أيضا جائزا ثم يكبر السابعة ويركع بها فإذا قام إلى الثانية قام بغير تكبير ثم يقرأ
الحمد ويقرأ بعدها والشمس وضحاها، وروي سورة الغاشية، ثم يكبر أربع تكبيرات يقنت
735

في دبر كل تكبيرة منها ثم يكبر الخامسة ويركع بها.
وليس في صلاة العيدين أذان ولا إقامة ولكن ينادي لها الصلاة ثلاث مرات ويجهر
الإمام فيهما كما يجهر في الجمعة، والخطبتان فيهما واجبة على الإمام كوجوبهما في الجمعة
إلا أنهما في الجمعة قبل الصلاة وفي العيدين بعد فراغه من الصلاة، ولا يجب على
المأمومين استماعها بخلاف الجمعة، ولا منبر في العيدين ينقل نقلا بل يوضع للإمام من الطين
ما يعلو عليه ويخطب ووقتهما من طلوع الشمس إلى زوالها من ذلك اليوم، إلا أنه يستحب في
صلاة الأضحى تعجيل الخروج والصلاة، ويستحب في صلاة الفطر خلاف ذلك.
ويستحب لمن خرج إلى صلاة العيد أن يخرج في طريق ويجئ في طريق غيرها،
ويستحب أن يكون الوقوف والسجود في صلاة العيدين على الأرض نفسها من غير حائل
وليس قبلها تطوع بصلاة ولا بعدها لا قضاء ولا أداء إلى زوال الشمس.
ولا بأس بقضاء الفرائض وإنما الكراهة في صلاة النافلة إلا بالمدينة فإن من غدا إلى
صلاة العيد مجتازا على مسجدها استحب له أن يصلى فيه ركعتين، وليس على من فاتته
صلاة العيدين مع الإمام قضاء واجب وإن استحب له أن يأتي بها منفردا.
والسنة لأهل الأمصار أن يصلوا العيدين مصحرين بارزين من الأبنية إلا أهل مكة
خاصة فإنهم يصلون في المسجد الحرام لحرمة البيت وقد ألحق قوم بذلك مسجد الرسول
ع والأول هو المعمول عليه.
وتكون الصلاة في صحن المسجد الحرام دون موضع الضلال منه، ويكره خروج الإمام
والمسلمين يوم العيد إلى المصلى بالسلاح إلا لخوف من عدو يخاف مكيدته ويكون الخروج
في طريق والرجوع في غيره.
ومن السنة المؤكدة في العيدين: الغسل - ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى قبل
الخروج إلى المصلى - والتزين، والتطيب كما ذكرناه في الجمعة، ولبس الثياب الجدد، وأن
يطعم الغادي في يوم الفطر شيئا من الحلاوة وأفضله السكر،
وروي: من تربة سيدنا الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي ع، والأول أظهر لأن
هذه الرواية شاذة من أضعف أخبار الآحاد لأن أكل الطين على اختلاف ضروبه حرام بالإجماع
736

إلا ما خرج بالدليل من أكل التربة الحسينية على متضمنها أفضل السلام للاستشفاء فحسب
القليل منها دون الكثير للأمراض وما عدا ذلك فهو باق على أصل التحريم والإجماع.
ويكون أكله وإفطاره على الحلاوة قبل الخروج إلى الصلاة. وفي عيد الأضحى لا يطعم
شيئا حتى يرجع من الصلاة ولهذا سن تعجيل الخروج إلى المصلى في صلاة الأضحى
وتأخير الخروج إليه في صلاة الفطر.
والتكبير في ليلة الفطر ابتداؤه دبر صلاة المغرب إلى أن يرجع الإمام من صلاة العيد
فكأنه في دبر أربع صلوات أولهن المغرب من ليلة الفطر وآخرهن صلاة العيد.
وقال بعض أصحابنا وهو ابن بابويه في رسالته: في دبر ست صلوات الصلوات المذكورات
والظهر والعصر من يوم العيد. والأول هو الأظهر بين الطائفة وعليه عملهم.
وفي الأضحى التكبير على من كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من
يوم العيد وآخرها صلاة الصبح من يوم النفر الأخير، ومن كان في غير منى من أهل سائر
الأمصار يكبر في دبر عشر صلوات أولهن صلاة الظهر من يوم العيد وآخرهن صلاة
الصبح من يوم النفر الأول.
وصفة التكبير وكيفيته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر على ما هدانا والحمد لله
على ما أولانا، هذا في تكبير عيد الفطر، فإن كان تكبير صلاة الأضحى زيد في آخره بعد
قوله: الحمد لله على ما أولانا " ورزقنا من بهيمة الأنعام ".
وهل هذا التكبير في دبر هذه الصلوات واجب أو مندوب؟
اختلف أصحابنا على قولين: فذهب قوم إلى أنه واجب، وذهب قوم آخرون إلى أنه مستحب.
فالأول مذهب المرتضى واختياره والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي واختياره في نهايته
ومبسوطه، وهو الذي يقوى عندي لأن الأصل براءة الذمة من الواجب والندب إلا بدليل قاطع
وإذا كان لا إجماع على الوجوب فبقي أن الأصل براءة الذمة وفقدان دليل الوجوب والأخبار
ناطقة عن الأئمة الأطهار بالاستحباب دون الفرض والإيجاب يعضده دليل براءة الذمة
ويؤيده.
ويستحب لمن لم يشهد الموقف بعرفات أن يعرف في بعض المشاهد الشريفة، وقد روي
737

في التعريف في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي ع فضل كبير وثواب
جزيل فينبغي أن لا يدعه الانسان مع الاختيار. ويكره أن يخرج من البلد مسافرا بعد فجر
يوم العيد إلا بعد أن يشهد صلاة العيد، فإن خالف فقد ترك الأفضل، فأما قبل ذلك فلا بأس
به، فأما بعد طلوع الشمس فلا يجوز السفر إلا بعد الصلاة إذا كان ممن تجب عليه صلاة
العيد.
ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة وإذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات تممها مع
نفسه، فإن خاف فوت الركوع والى بينها من غير قنوت.
وينبغي للإمام أن يحث الناس في خطبته في الفطر على الفطرة ويذكر وجوبها ووزنها
وجنسها ووقت اخراجها ومن المستحق لها وعلى من يجب، ومن يستحب له اخراجها إذا لم
يجب عليه ويبالغ في شرح جميع ذلك، وفي الأضحى يحثهم على الأضحية ويصفها ويذكر
أجناسها ويبالغ في ذلك، ومن لا يجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد وغيرهما يجوز لهما
إقامتها منفردين سنة. ولا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة له من النساء في صلاة الأعياد
ليشهدن الصلاة، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال. ووقت صلاة العيد إذا
طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت والوقت باق إلى زوال الشمس فإذا زالت فقد فاتت
ولا قضاء على ما بيناه.
باب صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض واجب
يقال كسفت الشمس تكسف كسوفا وكسفها الله تعالى كسفا يتعدى ولا يتعدى وكذلك
كسف القمر إلا أن الأجود فيه أن يقال: خسف القمر، والعامة تقول: انكسفت الشمس. قد
وضعها بعض مصنفي أصحابنا في كتاب له وهي لفظة عامية والأولى تجنبها واستعمال ما عليه
أهل اللغة في ذلك قد ذكره الجوهري في صحاحه وغيره من أهل اللغة.
وكذلك عند الزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة والآيات التي لم تجربها العادة
يجب الصلاة لها مثل ذلك. ويستحب أن يصلى هذه الصلاة جماعة وإن صليت فرادى
738

كان جائزا. ومن ترك هذه الصلاة عند كسوف قرص الشمس والقمر بأجمعها متعمدا
وجب عليه قضاء الصلاة بغسل،
واختلف قول أصحابنا في هذا الغسل، منهم من ذهب إلى وجوبه ومنهم من ذهب إلى
استحبابه، وهو الذي يقوى في نفسي لأن الأصل براءة الذمة ولا إجماع على الوجوب ولا دليل
عليه والأول اختيار سلار والثاني اختيار شيخنا المفيد وأبي جعفر الطوسي والمرتضى رحمهم
الله.
وإن تركها ناسيا والحال ما وصفناه قضاها بغير غسل لا فرضا ولا ندبا بغير خلاف
هاهنا في الغسل على القولين معا.
ومتى احترق بعض قرص الشمس أو القمر وترك الصلاة متعمدا وجب عليه القضاء
بغير غسل أيضا بلا خلاف، وإن تركها ناسيا والحال ما قلناه لم يكن عليه قضاء،
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب القضاء في هذه الحال، وهو اختيار شيخنا المفيد في
مقنعته وهو الذي يقوى في نفسي للإجماع المنعقد من جميع أصحابنا بغير خلاف على أن من
فاتته صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها،
والخبر المجمع عليه عند جميع الأمة من قول الرسول ع: من نام عن صلاة أو نسيها
فوقتها حين يذكرها. ودليل الاحتياط أيضا، والأول قول شيخنا أبي جعفر الطوسي.
ووقت هذه الصلاة إذا ابتدأ قرص الشمس والقمر في الانكساف إلى أن يأخذ في
الابتداء للانجلاء، فإذا ابتدأ في ذلك فقد مضى وقتها وصارت قضاء ويتوجه فرض هذه
الصلاة إلى الذكر والأنثى والحر والعبد والمقيم والمسافر وإلى كل من كان مخاطبا بفرض
الصلاة ولم يكن له عذر يبيح الإخلال بالفرض، ويسقط ذلك العذر تكليفه الصلاة
كالحيض والنفاس، وجملة القول في وقت هذه الصلاة وتحقيق ذلك أنه عند ظهور
الكسوف للبصر في المشاهدة أو العلم به في من لم يكن مشاهدا من أعمى وغيره إلا أن
يخشى فوت صلاة حاضرة قد تضيق وقتها فيبدأ بذلك الفرض، وإن دخل وقت فرض
وأنت في صلاة الكسوف وخشيت خروج الوقت قطعت الصلاة وأتيت بالفرض ثم عدت
إلى صلاة الكسوف بانيا على ما تقدم محتسبا بما مضى.
739

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: فمتى كان وقت صلاة الكسوف وقت
فريضة فإن كان أول الوقت صلى صلاة الكسوف ثم صلاة الفرض، فإن تضيق الوقت بدأ
بصلاة الفرض ثم قضى صلاة الكسوف. وقد روي: أنه يبدأ بالفرض على كل حال وإن كان
في أول الوقت وهو الأحوط، فإن دخل في صلاة الكسوف فدخل عليه الوقت قطع صلاة
الكسوف ثم صلى الفرض ثم استأنف صلاة الكسوف، وإن كان وقت صلاة الليل صلى أولا
صلاة الكسوف ثم صلاة الليل.
وهذا مذهبه في نهايته وقد رجع عن هذا القول في جمله وعقوده فقال: خمس صلوات تصلي
في كل وقت ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة، ومن فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها،
وكذلك قضاء النوافل ما لم يدخل وقت فريضة وصلاة الكسوف وهذا هو الصحيح الذي
تعضده الأدلة لأن وقت الفريضة ممتد موسع لا يخشى فوته وهذه الصلاة يخشى فوتها، وأيضا
فلا يجوز قطع صلاة شرعية مأمور بالدخول فيها. وهذا الذي اخترناه مذهب السيد المرتضى
والإجماع عليه أيضا وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله وافق في جمله وعقوده ورجع على
ما حكيناه عنه وكذلك في أول كلامه في مبسوطه قال: وقد روي، فلا يرجع عن الأدلة برواية غير
مجمع على صحتها.
ولا أذان لهذه الصلاة في جمع ولا فرادى، وهي عشر ركوعات بأربع سجدات يفتتح
الصلاة بالتكبير ثم يستفتح ويقرأ أم الكتاب وسورة، ويستحب أن يكون من طوال السور
وتجهر بالقراءة، فإذا فرغت منها ركعت فأطلت الركوع بمقدار قراءتك إن استطعت على
جهة الاستحباب ثم ترفع رأسك من الركوع وتقول: الله أكبر، وتقرأ أم الكتاب وسورة ثم
تركع الثانية وتطيل على ما تقدم ثم تعود إلى الانتصاب والقراءة حتى تستتم خمس
ركوعات ولا تقل: سمع الله لمن حمده، إلا في الركعتين اللتين يليهما السجود وهما الخامسة
والعاشرة، فإذا انتصبت من الركعة الخامسة كبرت وسجدت سجدتين تطيل فيهما أيضا
التسبيح ثم تنهض فتفعل من القراءة والركوع مثل ما تقدم ثم تشهد وتسلم.
ولا بأس بأن يقرأ السورة التي تلى أم الكتاب في أكثر من ركعة واحدة بأن تبعضها فإذا
فعلت ذلك أجزأك ألا تقرأ أم الكتاب وتبتدئ بما بلغت إليه من السورة التي قرأت بعضها
740

فإذا استأنفت أخرى فالمستحب أن تقرأ أم الكتاب.
وجملة القول في قراءة هذه الصلاة إن قراءة الحمد تجب في خمس الركعات الأوائل في أول
الركوعات ويتعين ولا يجب تكرارها في باقي الخمسة، فإذا سجد وقام إلى الخمسة الركوعات
وجب عليه قراءة الحمد في الأول منها ويتعين ذلك ولا يجب تكرار قراءة الحمد في باقي
الركوعات لأن الخمس بمنزلة ركعة واحدة من صلاة الخمس،
وينبغي أن يكون لك بين كل ركوعين قنوت كامل تقنت قبل الركعة الثانية ثم قبل
الرابعة ثم قبل السادسة ثم قبل الثامنة ثم قبل العاشرة، وينبغي أن تقدر الفراع من
قراءتك بقدر انجلاء الكسوف. فإن فرغت منها قبل الانجلاء فلا يجب عليك إعادة
الصلاة بل يستحب لك الدعاء والتسبيح إلى أن ينجلي.
وربما ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب الإعادة وهذا غير واضح لأنه ليس عليه دليل والأصل
براءة الذمة والإعادة فرض ثان والأمر فقد امتثل بالصلاة الأولى، وذهب بعض أصحابنا إلى أن
الإعادة يستحب، ولا دليل على ذلك أيضا.
وقال السيد المرتضى في مصباحه: ومن فاتته صلاة الكسوف وجب عليه قضاؤها إن كان
قرص المنكسف احترق كله فإن كان إنما احترق بعضه فلا يجب عليه القضاء، وقد روي:
وجوب القضاء على كل حال والأول أظهر، وروي أن من تعمد ترك هذه الصلاة وجب عليه
مع القضاء الغسل.
قال محمد بن إدريس: وقد قلنا ما عندنا في ذلك من القضاء وغيره فلا وجه لإعادته.
باب صلاة الاستسقاء:
والمسنون عند منع السماء قطرها وجدب الأرض أن ينذر الإمام الناس بعزمه على
الاجتماع للاستسقاء، إما في خطبته يوم الجمعة أو بأن ينادي بذلك فيهم ويأمرهم
بالاستعداد لذلك وأخذ الأهبة له من تقديم التوبة والإخلاص لله تعالى والانقطاع إليه، فإذا
خرجوا فينبغي أن يلبسوا أخشن ثيابهم ويمشوا وهم مطرقون مخبتون مكثرون لذكر الله
تعالى والاستغفار لذنوبهم وسيئ أعمالهم، ويمنع من الحضور معهم أهل الذمة وجميع الكفار
741

والمتظاهرين بالفسوق والمنكر والخلاعة من أهل الاسلام، ويخرجوا معهم من النساء
العجائز والأطفال والبهائم.
ويغدو الإمام في اليوم الذي أخذ الوعد فيه، ويستحب أن يكون ذلك اليوم يوم الاثنين
مصحرا إلى المصلى بحيث يصلى صلاة العيدين وقد تقدم المؤذنون بين يديه وفي أيديهم
العنز - والعنز جمع عنزة وهي عصا فيها زج حديد - ومشى في أثرهم والمنبر محمول بين
يديه، فإذا انتهى إلى الموضع الذي يكون فيه قدم المؤذنين بأذان الناس بالصلاة بأن
يقولوا: الصلاة الصلاة، بغير أذان ولا إقامة
وقال بعض: إن المنبر لا يحمل بل المستحب أن يكون مثل منبر صلاة العيد معمولا من طين،
وهذا هو الأظهر في الرواية والقول. والأول مذهب السيد المرتضى ذكره في مصباحه.
ثم يصلى بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة على صفة صلاة العيد وعدد تكبيرها
وهيئتها، فإذا سلم من الصلاة رقى المنبر فخطب وحمد الله تعالى وأثنى عليه وعدد نعمه
وآلاءه وصلى على نبيه محمد ص وبالغ في الوعظ والزجر والإنذار. وفي بعض
الروايات أن هذه الخطبة تكون قبل الصلاة، والذي ذكرناه أثبت وعليه الاجماع. فإذا فرع
من الخطبة قلب رداءه فجعل ما كان على يمينه على شماله وما كان على شماله على يمينه ثم
يستقبل فيكبر الله تعالى مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ويكبر الناس بتكبيرة غير رافعين
لأصواتهم.
ثم يلتفت إلى يمينه فيسبح الله تعالى مائة تسبيحة رافعا بها صوته ويسبح الناس معه، ثم
يلتفت إلى يساره فيهلل الله تعالى مائة تهليلة رافعا بها صوته، ويهلل
الناس معه ثم يستقبل الناس بوجهه فيحمد الله تعالى مائة تحميدة رافعا بها صوته، ثم يجلس فيرفع يديه ويدعو
الله تعالى بالسقيا ويدعو الناس معه. وليؤمنوا على دعائه.
وذهب بعض أصحابنا إلى غير هذا الترتيب، وقال: إذا فرع من صلاة الركعتين وسلم منهما
استقبل القبلة وكبر الله مائة تكبيرة يرفع بها صوته ويكبر معه من حضر ويلتفت عن يمينه
فيسبح الله مائة مرة يرفع بها صوته ويسبح معه من حضر، ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله مائة
مرة يرفع بها صوته ويقول ذلك من حضر معه ثم يستقبل الناس بوجهه ويحمد الله مائة مرة
742

يرفع بها صوته ويقول ذلك من حضر معه، ثم يدعو ويصعد المنبر بعد ذلك فيخطب بخطبة
الاستسقاء المروية عن أمير المؤمنين ع فيجعل الخطبة بعد التكبيرات المائة
والتسبيحات المائة والتهليلات المائة والتحميدات المائة.
والأول مذهب السيد المرتضى وشيخنا المفيد والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي والذي
يقوى في نفسي الأول.
ويستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب فإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا صلوا شكرا لله فإن
صلوا ولم يسقوا خرجوا ثانيا وثالثا لأنه لا مانع من ذلك.
وإذا نضب ماء العيون أو مياه الآبار جاز صلاة الاستسقاء لأنه لا مانع من ذلك. ولا يجوز
أن يقول مطرنا بنوء كذا لأن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام نهى عن ذلك.
باب صلاة المسافر:
السفر على أربعة أقسام: واجب مثل الحج والعمرة، وندب مثل الزيارات
وما أشبهها، ومباح مثل تجارة وطلب معيشة وما أشبه، فهذه الأنواع الثلاثة كلها يجب فيها
التقصير في الصوم والصلاة. والرابع سفر معصية مثل الباغي والعادي أو سعاية
أو قطع طريق أو إباق عبد من مولاه أو نشوز زوج من زوجها أو اتباع سلطان جائر في معونته
وطاعته مختارا أو طلب صيد اللهو والبطر، فإن جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في الصوم
ولا في الصلاة.
فأما الصيد الذي لقوته وقوت عياله فإنه يجب فيه التقصير في الصوم والصلاة،
فأما إن كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت روى أصحابنا بأجمعهم أنه يتمم
الصلاة ويفطر الصوم. وكل سفر أوجب التقصير في الصلاة أوجب التقصير في
الصوم وكل سفر أوجب التقصير في الصوم أوجب تقصير الصلاة إلا هذه المسألة
فحسب للإجماع عليها. فصار سفر الصيد على ثلاثة أضرب وكل ضرب منها يخالف
الآخر ويباينه.
فصيد اللهو والبطر يجب فيه إتمام الصلاة والصوم، وصيد القوت للعيال والنفس
743

يجب فيه تقصير الصلاة والصوم بالعكس من الأول، وصيد التجارة يجب فيه إتمام
الصلاة وتقصير الصوم.
واعلم أن فرض السفر في كل صلاة من الصلوات الخمس ركعتان إلا المغرب
وحدها فإنها ثلاث ركعات، والنوافل التي أكد الإتيان بها في السفر سبع عشرة ركعة أربع
بعد المغرب وصلاة الليل ثماني ركعات وثلاث الشفع والوتر وركعتا الفجر.
وفرض السفر التقصير كما أن فرض الحضر الإتمام فالمتمم مع السفر كالمقصر في
الحضر، ومن تعمد الإتمام في السفر بعد حصول العلم بوجوبه عليه وجبت عليه الإعادة
لتغييره فرضه، فإن نسي التقصير فأتم أعاد ما دام في الوقت وبعد خروج الوقت لا إعادة
عليه.
وقال بعض أصحابنا: يجب عليه الإعادة على كل حال، والأول هو الصحيح لأن عليه الاجماع
وبه تواترت الأخبار وعليه العمل والفتوى من محصلي فقهاء آل الرسول ع.
وحد السفر الذي يجب معه التقصير بريدان،
والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع على ما ذكره المسعودي في
كتاب مروج الذهب فإنه قال: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود وهو الذراع الذي وضعه
المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل، والذراع أربعة وعشرون إصبعا. وأصل
البريد أنهم ينصبون في الطرق أعلاما فإذا بلغ بعضها راكب البريد نزل عنه وسلم ما معه
من الكتب إلى غيره فكان ما به من الحر والتعب يبرد في ذلك أو ينام فيه الراكب والنوم يسمى
بردا فسمي ما بين الموضعين بريدا وإنما الأصل الموضع الذي ينزل فيه الراكب، ثم قيل: للدابة
بريد وإنما كانت البرد للملوك ثم قيل للسائر بريد. وقال مزرد بن ضرار يمدح عرابة الأوسي:
فدتك عراب اليوم نفسي وأسرتي وناقتي الناجي إليك بريدها
فمن كان قصده إلى مسافة هذا قدرها وكان ممن يجب عليه التقصير لزمه وتحتم عليه
القصر، وإن كانت قدر المسافة أربعة فراسخ للمار إليها ونوى وأراد الرجوع من يومه عند
الخروج من منزله لزمه أيضا التقصير، فإن لم ينو الرجوع من يومه ولا أراده وجب عليه الإتمام
ولا يجوز له التقصير.
744

وقال بعض أصحابنا: يكون مخيرا بين الإتمام والتقصير في الصوم والصلاة، وهو مذهب
شيخنا المفيد. وقال بعض أصحابنا: يكون مخيرا بين إتمام صلاته وتقصيرها ويجب عليه إتمام
صيامه ولا يكون مخيرا فيه، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي. وقال بعض أصحابنا:
لا يكون مخيرا في شئ من العبادتين بل يجب عليه إتمامهما معا. وهذا الذي اخترناه أولا وبه
يقول السيد المرتضى وهو الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب ويقويه النظر والأدلة
والإجماع لأنه لا خلاف عندهم في حد المسافة التي يجب ويتحتم القصر على من قصدها
ووجوب إتمام الصلاة على من لم يقصدها، فقد أجمعوا على تقصير صلاة القاصد لها
ولا إجماع منهم على تقصير صلاة من لم يقصدها، وأيضا فالأصول يقتضي أن الانسان لا يكون
مخيرا في إتمام صلاته وقصرها بل الواجب عليه إما إتمامها أو قصرها إلا ما خرج بالدليل
والإجماع من تخييره في البقاع المذكورة، وأيضا فالإنسان المكلف بالصلاة إما أن يكون
حاضرا أو مسافرا، فالحاضر ومن في حكمه يجب عليه بالإجماع إتمام الصلاة، والمسافر ومن في
حكمه يجب عليه أيضا بالإجماع تقصير الصلاة ولا ثالث معنا، وأيضا اسقاط الركعتين من
الصلاة الرباعية بعد اشتغال الذمة بها يحتاج إلى دليل شرعي كدليل ثبوتهما ولا دليل
ولا إجماع على ذلك لأنا قد بينا اختلاف أصحابنا في المسألة. ومن قال بها اختلفوا في كيفيتها
وهل يكون مخيرا بين إتمام الصلاة والصوم وبين قصرهما أو يكون مخيرا بين إتمام الصلاة
وقصرها دون الصوم على ما حكيناه عن أصحابنا المصنفين، فإذا كان الاختلاف في
المسألة حاصلا فلا يرجع عن المعلوم المفروض المحتم على الذمم المجمع على وجوبه
واشتغالها به بأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وخصوصا على مذهب أصحابنا فقهاء أهل
البيت سلفهم وخلفهم في أخبار الآحاد وأنهم مجمعون على ترك العمل بها على ما بيناه
وأوضحناه في صدر كتابنا هذا ودليل الاحتياط أيضا يقتضي ما اخترناه لأنه لا خلاف بين
أصحابنا جميعهم في أن المكلف إذا تمم صلاته وصومه في المسألة المختلف فيها فإن ذمته بريئة
وإذا قصر ففيه الخلاف، فبالإجماع لا ذم على تارك القصر وما لا ذم في تركه ويخشى من فعله
أن يكون بدعة ومعصية ولا تبرأ الذمة معه ويستحق بتركه الذم فتركه أولى وأحوط في
الشريعة بغير خلاف. وشيخنا أبو جعفر قال في جمله وعقوده: ومن يلزمه الصوم عشرة من
745

نقص سفره عن ثمانية فراسخ.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ولا خلاف عنده وعند جميع أصحابنا أن من وجب عليه إتمام
الصوم ولزمه يجب عليه إتمام الصلاة ويلزمه، وكذلك من وجب عليه إتمام الصلاة ولزمه
يجب عليه إتمام الصوم ويلزمه طردا و عكسا إلا مسألة واحدة استثناها أصحابنا وهو طالب
الصيد للتجارة فإنه يجب عليه إتمام الصلاة والتقصير في الصيام فليلحظ ذلك ويتأمل.
وقال في مبسوطه: ويجب الإتمام في الصلاة والصوم على عشرة من بين المسافرين أحدها من
نقص سفره عن ثماني فراسخ.
قال محمد بن إدريس: وهذا رجوع منه عما ذهب إليه في نهايته بلا خلاف، وابتداء وجوب
التقصير على المسافرين من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط أو يتوارى عنه جدران
مدينته. والاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران والسفر خلاف الاستيطان والمقام،
فإذا لا بد من ذكر حد الاستيطان وحده ستة أشهر فصاعدا سواء كانت متفرقة أو متوالية.
فعلى هذا التقرير والتحرير من نزل في سفره قرية أو مدينة وله فيها منزل مملوك قد
استوطنه ستة أشهر أتم، وإن لم يقم المدة التي توجب على المسافر الإتمام أو لم ينو المقام عشرة
أيام، وإن لم يكن كذلك قصر ولا يزال المسافر في تقصير حتى يصل إلى موضع منزله
أو الموضع الذي يسمع أذان بلده منه، فإن حيل بين منزله وبينه بعد الوصول إلى ذلك الموضع
أتم.
ومن دخل بلدا ونوى أنه يقيم فيه عشرة أيام فصاعدا وجب عليه الإتمام فإن كان
مشككا لا يدري كم يقيم يقول غدا أخرج أو بعد غد فليقصر ما بينه وبين شهر، فإذا مضى
الشهر أتم.
ولو أن مسافرا دخل في صلاة بنية التقصير ثم نوى خلال تلك الصلاة الإقامة أتم
صلاته فإن كان مقيما ودخل في الصلاة بنية الإتمام بعد أن كان صلى صلاة على التمام ثم
نوى السفر قبل فراغه منها لم يكن له التقصير.
والروايات مختلفة في من دخل عليه وقت صلاة وهو حاضر فسافر أو دخل عليه الوقت وهو.
مسافر فحضر والأظهر بين محصلي أصحابنا أنه يصلى بحسب حاله وقت الأداء فيتم الحاضر.
746

ويقصر المسافر ما دام في وقت الصلاة، وإن كان أخيرا فإن خرج الوقت لم يجز إلا قضاؤها
بحسب حاله عند دخول أول وقتها.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: فإن خرج من منزله وقد دخل الوقت وجب
كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلى فيه على التمام،
وإن دخل من سفره بعد دخول الوقت وكان قد بقي من الوقت مقدار ما يتمكن فيه من أداء
الصلاة على التمام فليصل وليتم، وإن لم يكن قد بقي مقدار ذلك قصر. ذكر ذلك شيخنا
أبو جعفر الطوسي في نهايته وهذا غير واضح ولا مستمر على أصول المذهب وإنما هو خبر
أورده على جهة الإيراد لا الاعتقاد على ما اعتذرنا له فيما مضى وقد رجع عنه في مسائل خلافه
فقال مسألة: إذا خرج إلى السفر وقد دخل الوقت إلا أنه مضى مقدار ما يصلى الفرض أربع
ركعات جاز له التقصير ويستحب له الإتمام.
وقال الشافعي: إن سافر بعد دخول الوقت فإن كان مضى مقدار ما يمكنه أن يصلى فيه أربعا
جاز له التقصير، قال: وهذا قولنا وقول الجماعة إلا المزني فإنه قال: عليه الإتمام ولا يجوز له
التقصير دليلنا قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة، ولم يخص وهذا ضارب فيجب أن يجوز له التقصير، وأيضا فقد ثبت أن الوقت ممتد
وإذا لم يفت الوقت جاز له التقصير.
وروى إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله ع: يدخل على وقت الصلاة
وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي قال: صل وأتم الصلاة، قلت: يدخل على وقت
الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج قال: صل وقصر فإن لم تفعل فقد
والله خالفت رسول الله ص.
فأما الاستحباب الذي قلناه فلما رواه بشير النبال قال: خرجت مع أبي عبد الله ع
حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله: يا نبال، قلت: لبيك، قال: إنه لم يجب على أحد من أهل
هذا العسكر أن يصلى أربعا غيري وغيرك. وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن يخرج فلما
اختلفت الأخبار حملنا الأول على الأجزاء وهذا على الاستحباب هذا آخر كلام شيخنا أبي
جعفر الطوسي رحمه الله.
747

قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما ما ذكره في النهاية فلا يجوز القول به والعمل عليه لأنه مخالف
لأصول المذهب على ما قلناه، ولأن الوقت باق وفرض الحاضر غير فرض المسافر فكيف يتم
المسافر صلاته مع قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة؟ والإجماع حاصل على وجوب القصر للمسافر بغير خلاف، وأيضا كان يلزم
عليه أن يقصر الانسان في منزله إذا دخل من سفره على ما قاله رضي الله عنه وهذا مما لم يذهب
إليه أحد ولم يقل به فقيه ولا مصنف ذكره في كتابه لا منا ولا من مخالفينا، وما ذكره في مسائل
خلافه أيضا فغير واضح لأنه قال: جاز له التقصير ويستحب له الإتمام، ثم استشهد واستدل
بما يقضي عليه ويبطل ما ذهب إليه من الآية والخبر وهما يوجبان القصر ويحتمانه، ثم رجع
بخبر واحد وهو خبر النبال إلى الاستحباب، وإذا كان مع أحد الخبرين القرآن والإجماع
فكيف يعمل بالخبر المنفرد عن الأدلة القاهرة وأيضا فما عمل بخبر النبال لأن خبر النبال
لفظ الوجوب لأنه قال ع: إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلى أربعا
غيري وغيرك، وإنما حداه على ذلك والرجوع عن كتاب له إلى كتاب آخر اختلاف الأخبار،
وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة والرجوع عن الأدلة إليها وأيضا فقد
تعارضت ومع تعارضها ينبغي أن يعمل بما عضده منها الدليل، والصحيح ما ذهبنا إليه أولا
واخترناه لأنه موافق للأدلة وأصول المذهب وعليه الاجماع وهو مذهب السيد المرتضى ذكره في
مصباحه والشيخ المفيد وغيرهما من أصحابنا ومذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته
فإنه حقق القول في ذلك وبالغ فيه ورجع عما ذكره في نهايته ومسائل خلافه في تهذيب الأحكام
في باب أحكام فوائت الصلاة.
فأما إذا لم يصل لا في منزله ولا لما خرج إلى السفر وفاته أداء الصلاة فالواجب عليه
قضاؤها بحسب حاله عند دخول أول وقتها على ما قدمناه.
وهذا مذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام فإنه حقق ذلك وبينه وفصله
وشرحه شرحا جليا في باب أحكام فوائت الصلاة أيضا على ما قدمناه فليلحظ من هناك
وشيخنا المفيد وابن بابويه في رسالته والسيد المرتضى في مصباحه، وهو الصحيح لأن
العبادات تجب بدخول الوقت وتستقر بإمكان الأداء كما لو زالت الشمس على المرأة الطاهر
748

فأمكنها الصلاة فلم تفعل حتى حاضت استقر القضاء، فإن قيل: الأخبار ناطقة متظاهرة
متواترة والإجماع حاصل منعقد على أن من فاتته صلاة في الحضر فذكرها في السفر وجب عليه
قضاؤها صلاة الحاضر أربعا كما فاتته، ومن فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر وجب عليه
قضاؤها صلاة السفر اثنتين كما فاتته وهذا بخلاف ما ذهبتم إليه. قلنا: ما ذهبنا إلى خلاف
ما سأل السائل عنه بل إلى وفاق ما قاله وإنما يقضي ما فاته في حال الحضر ولو صلاها في الحضر
قبل خروجه كأن يصلى الرباعية أربع ركعات ففاتته صلاة أربع ركعات فيجب عليه أن
يقضيها كما فاتته في حال الحضر، وكذلك كان يجب عليه أن يصلى الرباعية في حال السفر
ركعتين فأخل بها إلى أن خرج الوقت وصار حاضرا فيقضي ما فاته كما فاته، وهي صلاة السفر
ركعتان فهي الفائتة فلو صلاها في سفره لما كان يصلى إلا ركعتين ففاتته صلاة الركعتين
فيجب عليه أن يقضيها كما فاتته فليلحظ ذلك فإنه موافق للأدلة وعليه إجماع أصحابنا على
ما قدمناه من أقوالهم مثل شيخنا أبي جعفر الطوسي قد ذكره في مبسوطه وابن بابويه قد ذكره
في رسالته والمرتضى في مصباحه وشيخنا المفيد في بعض أقواله اللهم على ما مر بي، وقد تقدم
فيما مضى في باب الجماعة حكم دخول المسافر في صلاة المقيم والمقيم في صلاة المسافر.
ومن اضطر إلى الصلاة في سفينة فأمكنه أن يصلى قائما لم يجزه غير ذلك، وإن خاف
الغرق وانقلاب السفينة جاز أن يصلى جالسا ويتحرى القبلة ليكون توجهه إليها، فإن
توجه إليها في افتتاح صلاته ثم التبست عليه من بعد أجزأه التوجه الأول.
ولا يجوز لأحد أن يصلى الفريضة راكبا إلا من ضرورة شديدة وعليه تحري القبلة،
ويجوز أن يصلى النوافل وهو راكب مختارا ويصلى حيث ما توجهت به راحلته، وإن افتتح
الصلاة مستقبلا للقبلة كان أولى،
هذا قول السيد المرتضى والصحيح أنه واجب عليه افتتاح الصلاة مستقبلا للقبلة لا يجوز
غير ذلك وهو قول جماعة من أصحابنا إلا من شذ منهم.
ومن صلى ماشيا لضرورة أومأ بصلاته فجعل السجود أخفض من الركوع والركوع
أخفض من الانتصاب.
ولا يجوز التقصير للمكاري والملاح والراعي والبدوي إذا طلب القطر والنبت، فإن
749

أقام في موضع عشرة أيام فهذا يجب عليه التقصير إذا سافر عن موضعه سفرا يوجب
التقصير فقد صار البدوي على ضربين: أحدهما له دار مقام جرت عادته فيها بالإقامة فهذا
يجب عليه التقصير إذا سافر عن دار إقامته سفرا يوجب التقصير، والآخر لا يكون له
دار مقام وإنما يتبع مواضع النبت ويطلب مواضع القطر وطلب المرعى والخصب فهذا يجب
عليه الإتمام ولا يجوز له التقصير.
ولا يجوز التقصير للذي يدور في جبايته والذي يدور في إمارته ومن يدور في تجارته من
سوق إلى سوق والبريد.
وقال ابن بابويه في رسالته: والمكاري والكري فالكري هو المكاري فاللفظ مختلف وإن
كان المعنى واحدا. قال عذافر الكندي:
لو شاء ربي لم أكن كريا ولم أسق بشعفر المطيا شعفر
بالشين المعجمة والعين غير المعجمة والفاء والراء غير المعجمة اسم امرأة من
العرب:
بصرية تزوجت بصريا يطعمها المالح والطريا
تخاله إذا مشى خصيا من طول ما قد حالف الكرسيا
والكري من الأضداد قد ذكره أبو بكر بن الأنباري في كتاب الأضداد يكون بمعنى المكاري
ويكون بمعنى المكتري.
وقال ابن بابويه أيضا في رسالته: ولا يجوز التقصير للاشتقان بالشين المعجمة والتاء المنقطة
من فوقها بنقطتين والقاف والنون هكذا سماعنا على من لقيناه وسمعنا عليه من الرواة ولم
يبينوا لنا ما معناه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وجدت في كتاب الحيوان للجاحظ ما يدل على أن الاشتقان
الأمين الذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر. قال الجاحظ: وكان أبو عباد النميري أتى باب
بعض العمال يسأله شيئا من عمل السلطان فبعثه اشتقانا فسرق كل شئ في البيدر وهو
لا يشعر فعاتبه في ذلك فكتب إليه أبو عباد:
كنت بازي أضرب الكركي والطير العظاما * فتقنصت بي الصعو فأوهنت القداما
750

وإذا ما أرسل البازي على الصعو تعامى
وأظنها كلمة عجمية غير عربية.
فعلى هذا التحرير يجب عليه الإتمام لأنه في عمل السلطان، ومن كان سفره أكثر من
حضره. والأصل في جميع هؤلاء أن سفرهم أكثر من حضرهم، فقد عاد الأمر إلى أن من سفره
أكثر من حضره يجب عليه الإتمام ولا يجوز له التقصير، وجميع الأقسام المقدم ذكرها داخلون
في ذلك.
والذي يدلك على هذا التحرير ما أورده السيد المرتضى في كتاب الانتصار فإنه قال مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بأن من سفره أكثر من حضره كالملاحين والجمالين ومن جرى
مجراهم لا تقصير عليه، فجعل من سفره أكثر من حضره أصلا في المسألة ومثل الملاحين
والجمالين به، ثم قال السيد المرتضى في استدلاله على المسألة: والحجة على ما ذهبنا إليه إجماع
الطائفة، وأيضا فإن المشقة التي تلحق المسافر هي الموجبة للتقصير في الصوم والصلاة
ومن ذكرنا حاله ممن سفره أكثر من حضره لا مشقة عليه في السفر بل ربما كانت المشقة عليه في
الحضر لاختلاف العادة.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب الجمل والعقود في فصل حكم المسافرين: والسفر
الذي يجب فيه الإفطار يحتاج إلى ثلاثة شروط: ألا يكون معصية، وتكون المسافة بريدين
ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا، ولا يكون المسافر سفره أكثر من حضره. فأتى بهذا
القسم ولم يذكر باقي الأقسام لأنهم داخلون فيه فكل هؤلاء يجب عليهم الإتمام في السفر،
فإن كان لهم مقام في بلدهم عشرة أيام وجب عليهم إذا خرجوا إلى السفر التقصير،
فإن عادوا إلى بلدهم من سفرهم بعد تقصيرهم ولم يقيموا فيه عشرة أيام خرجوا متممين
وهكذا يعتبرون حالهم وليس يصير الانسان بسفره واحدة إذا ورد إلى منزله ولم يقم عشرة
أيام ممن سفره أكثر من حضره بل بأن يتكرر هذا منه ويستمر دفعات على توالي أدناها ثلاث
دفعات لأن هذا طريقة العرف والعادة بأن يقال: فلان سفره أكثر من حضره، لأن من أقام في
منزله مثلا مائة سنة ثم سافر سفرة واحدة ثم ورد إلى منزله ولم يقم فيه عشرة أيام ثم
سافر فإنه يجب عليه في سفره الثاني التقصير وإن كان لم يقم عشرة أيام لأنه لا يقال في
751

العرف والعادة إن فلانا هذا سفره أكثر من حضره بسفرة واحدة حتى يتكرر هذا الفعال
منه.
فإن قيل: فإن سافر الانسان أول سفرة بعد الإقامة في المنزل مائة سنة وأقام في السفر مثلا شهرا
ثم ورد إلى منزله فأقام فيه أقل من عشرة أيام ثم خرج فقد صار سفره أكثر من حضره الذي
في منزله لأنه أقل من عشرة أيام وكان سفره شهرا قلنا: فإن كان أقام في سفره خمسة أيام ثم
ورد إلى منزله وأقام فيه ثمانية أيام فقد صار حضره أكثر من سفره، والسائل يخرجه عند هذا
التقدير متمما فلم يستقم له سؤاله واعتراضه الأول. وقول بعض المصنفين في كتاب له: ومن
كان سفره أكثر من حضره وحده أن لا يقيم في منزله عشرة أيام، يريد به من كان سفره أكثر
من حضره لا يزال في أسفاره متمما ما لم يكن له في بلدته مقام عشرة أيام، فإذا كان له
في بلدته مقام عشرة أيام، أخرجناه من ذلك الحكم لا أن المراد بقوله: أن كل من لم يقم في بلدته
عشرة أيام يخرج متمما من سائر المسافرين بل من كان سفره أكثر من حضره وعرف بالعادة
ذلك من حاله وانطلق عليه هذا الاسم وتكرر فالهاء في قوله وحده يرجع إلى هذا الذي تكرر
منه الفعل وانطلق عليه في العرف والعادة صار سفره أكثر من حضره فحد هذا ألا يرجع إلى
التقصير في أسفاره إلا بمقام عشرة أيام في منزله، فإن لم يقم عشرة أيام وخرج إلى السفر
يخرج متمما على ما كان حكمه في أسفاره أولا فليلحظ ذلك فإن بعض من لحقناه من أصحابنا
كان يزل في هذه المسألة ويوجب بسفرة واحدة عليه الإتمام...
وكلام السيد المرتضى في انتصاره في استدلاله الذي قدمناه عنه يشعر بصحة ما قلناه لأنه
قال: ومن ذكرنا حاله ممن سفره أكثر من حضره لا مشقة عليه في السفر بل ربما كانت المشقة
عليه في الحضر لاختلاف العادة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ومن أقام في منزله مثلا مائة سنة وسافر عنه ثلاثة أيام فحسب
ثم حضر فيه يومين ثم سافر عنه، مشقته في سفره الثاني كمشقته في سفره الأول وليس هذا ممن
لا مشقة عليه في السفر الثاني ولا ممن ربما كانت المشقة عليه في الحضر لاختلاف العادة لأنه
ما تكرر ذلك منه ولا تعوده بدفعة واحدة العادة التي لا بما كانت المشقة عليه في مقامه والراحة
له في سفره.
752

فأما صاحب الصنعة من المكارين والملاحين ومن يدور في تجارته من سوق إلى سوق
ومن يدور في إمارته فلا يجرون مجرى من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره ولا يعتبر فيهم
ما اعتبرناه فيه من الدفعات، بل يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر لأن صنعتهم
تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره لأن الأخبار وأقوال أصحابنا
وفتاويهم مطلقة في وجوب الإتمام على هؤلاء فليلحظ ذلك ففيه غموض يحتاج إلى تأمل ونظر
وفقه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: فإن كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيام وجب عليهم
التقصير، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام قصروا بالنهار وتمموا الصلاة بالليل. وهذا
غير واضح ولا يجوز العمل به بل يجب عليهم الإتمام بالنهار وبالليل بغير خلاف ولا يرجع عن
المذهب بأخبار الآحاد لأن الاجماع على أن هؤلاء إذا لم يقيموا في بلادهم عشرة أيام خرجوا
متمين لصلاتهم بغير خلاف، وقد اعتذرنا لشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله فيما يوجد في
كتاب النهاية وقلنا: أورده إيرادا لا اعتقادا وقد اعتذر هو في خطبة مبسوطه عن هذا الكتاب
نعني النهاية بما قدمنا ذكره.
فإن خرج الانسان بنية السفر ثم بدا له قبل أن يبلغ مسافة التقصير وكان قد صلى
قصرا فليس عليه شئ ولا قضاء ولا إعادة، فإن لم يكن قد صلى أو كان في الصلاة وبدا له
من السفر قبل أن يبلغ المسافة تمم صلاته.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في استبصاره: إلى وجوب الإعادة على من صلى على قصر
ثم بدا له عن السفر ما دام الوقت باقيا. وما اخترناه هو اختياره في نهايته وهو الصحيح لأنه
صلى صلاة شرعية مأمورا بها ما كان يجوز له في حال ما صلاها إلا هي، والإعادة فرض ثان
يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك فعمل على خبر زرارة في نهايته وعمل على خبر سليمان بن
حفص المروزي في استبصاره والذي ينبغي أن يعمل عليه من الخبرين ما عضده الدليل
لا بمجرد الخبر لأنا قد بينا أن العمل بأخبار الآحاد لا يجوز عندنا.
فإذا عزم المسافر على مقام عشرة أيام في بلد وجب عليه الإتمام، فإن صلى صلاة واحدة
بعد عزمه على المقام أو أكثر من ذلك على التمام يعني رباعية ثم بدا له في المقام فليس له أن
753

يقصر إلا بعد خروجه من البلد، وإن لم يكن صلى صلاة على التمام ثم بدا له في المقام فعليه
التقصير ما بينه وبين شهر على ما قدمناه.
ومن خرج إلى ضيعة له وكان له فيها منزل قد استوطنه الاستيطان المقدم ذكره وجب
عليه الإتمام فإن لم يكن له ذلك وجب عليه التقصير.
ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر: في نفس المسجد الحرام وفي نفس مسجد
المدينة ومسجد الكوفة والحائر على متضمنه السلام.
والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه لأن ذلك هو الحائر
حقيقة لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء وقد ذكر ذلك شيخنا
المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين ع لما ذكر من قتل معه من أهله فقال: والحائر محيط
بهم، إلا العباس رحمة الله عليه فإنه قتل على المسناة فتحقق ما قلناه والاحتياط أيضا طريقته
تقتضي ما بيناه لأنه مجمع عليه وما عداه غير مجمع عليه.
وذهب بعض أصحابنا إلى: استحباب الإتمام في مكة جميعها وكذلك في المدينة، وهو مذهب
شيخنا أبي جعفر في نهايته. وذهب السيد المرتضى إلى: استحباب الإتمام في السفر عند قبر كل
إمام من أئمة الهدي ع. والذي اخترناه هو الصحيح وأنه لا يجوز الإتمام إلا عند
قبر الحسين ع دون قبور باقي الأئمة ع وفي نفس المسجدين دون مكة
والمدينة لأن عليه الاجماع والأصل التقصير في حال السفر وما عداه فيه الخلاف.
وقال بعض أصحابنا: لا يجوز التقصير في حال السفر في هذه المواضع. وما اخترناه هو الأظهر
بين الطائفة وعليه عملهم وفتواهم.
وليس على المسافر صلاة الجمعة ولا صلاة العيدين، والمشيع لأخيه المؤمن يجب عليه
التقصير، والمسافر في طاعة إذا مال إلى الصيد لهوا وبطرا وجب عليه الإتمام فإذا رجع إلى
السفر عاد إلى التقصير.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: وإذا خرج قوم إلى السفر وساروا أربعة فراسخ
وقصروا من الصلاة ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم التقصير إلى أن يتيسر
لهم العزم على المقام فيرجعون إلى الإتمام ما لم يتجاوزوا ثلاثين يوما على ما قدمناه.
754

قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا قول صحيح محقق، ثم قال شيخنا أبو جعفر بعد ذلك:
وإن كان مسيرهم أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم الإتمام إلى أن يسيروا فإذا ساروا رجعوا
إلى التقصير، وهذا قول غير واضح ولا مستقيم بل هو خبر أورده إيرادا لا اعتقادا ولا فرق
بين المسألتين، وقد رجع في مبسوطه عن هذا القول الذي حكيناه عنه في نهايته فقال: من
خرج من البلد إلى موضع بالقرب مسافة فرسخ أو فرسخين بنية أن ينتظر الرفقة هناك ونوى
المقام عشرة أيام فصاعدا فإذا تكاملوا ساروا سفرا عليهم التقصير لا يجوز أن يقصروا
إلا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه لأنه ما نوى بالخروج إلى هذا الموضع سفرا يجب
فيه التقصير فإن لم ينو المقام عشرة أيام وإنما خرج بنية أنه متى تكاملوا ساروا قصر ما بينه
وبين شهر ثم يتمم، فإن أراد بالمسألة الثانية في النهاية أنه ما نوى بالخروج إلى دون أربعة
الفراسخ سفرا يجب فيه التقصير وإنما خرج بنية أنه متى تكاملوا ووجد الرفقة سافر فإنه
يجب عليه الإتمام فهذا مستقيم صحيح، وإن أراد الخروج للسفر بنية السفر فلما وصل إلى دون
أربعة الفراسخ توقف لينتظر الرفقة وما عزم على مقام عشرة أيام ولا بدا له عن الرجوع من
السفر فليس بصحيح ولا مستقيم بل الواجب عليه عند هذه الحال التقصير مثل المسألة
الأولى فليلحظ ذلك.
ويستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر، فإن ذلك جبران للصلاة. ولا بأس أن يجمع الانسان بين الظهر والعصر
وبين المغرب والعشاء الآخرة في حال السفر، وكذلك لا بأس أن يجمع بينهما في الحضر إلا أنه
إذا جمع بينهما لا يجعل بينهما شيئا من النوافل، وليس على المسافر شئ من نوافل النهار،
فإذا سافر بعد زوال الشمس قبل أن يصلى نوافل الزوال فليقضها في السفر بالليل
أو بالنهار وعليه نوافل الليل كلها حسب ما قدمناه إلا الوتيرة.
إذا أبق للإنسان عبد فخرج في طلبه فإن قصد بلدا يقصر في مثله الصلاة، وقال: إن
وجدته قبله رجعت معه، لم يجز له أن يقصر لأنه لم يقصد سفرا تقصر فيه الصلاة، فإن لم
يقصد بلدا لكنه نوى أن يطلبه حيث بلغ لم يكن له التقصير لأنه شاك في المسافة التي
تقصر فيها الصلاة، وإن نوى قصد ذلك البلد سواء وجد العبد قبل الوصول إليه أو لم يجد
755

كان عليه التقصير لأنه نوى سفرا يجب عليه فيه التقصير.
إذا خرج حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى أن يقيم بها
عشرا قصر في الطريق فإذا وصل إليها ونوى المقام عشرا، أتم، فإن خرج إلى عرفة يريد
قضاء نسكه ولا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة كان له القصر عند خروجه من مكة
إلى عرفات لأنه يقضي مقامه بسفر بينه وبين بلدته يقصر في مثله الصلاة، وإن كان يريد إذا
قضى نسكه مقام عشرة أيام أتم بمنى وعرفات ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر.
من نسي في السفر فصلى صلاة مقيم لم يلزمه الإعادة إلا إذا كان الوقت باقيا على
ما قدمناه، ومتى صلى صلاة مقيم متعمدا أعاد على كل حال اللهم إلا إن لم يعلم وجوب
التقصير فحينئذ يسقط عنه فرض الإعادة.
إذا قصر المسافر مع الجهل بجواز التقصير بطلت صلاته لأنه صلى صلاة يعتقد أنها
باطلة. إذا سافر إلى بلد له طريقان فسلك الأبعد لغرض أولا لغرض لزمه التقصير وإن
كان الأقرب لا يجب فيه التقصير لأن ما دل على وجوب التقصير عام.
إذا كان قريبا من بلده وصار بحيث يغيب عنه أذان مصره فصلى بنية التقصير
فلما صلى ركعة رعف فانصرف إلى أقرب بنيان البلد بحيث يسمع الأذان من مصره
ليغسله بطلت صلاته لأن ذلك فعل كثير، فإن صلى في موضعه الآن تمم لأنه في وطنه وسامع
لأذان مصره، فإن لم يصل وخرج إلى السفر والوقت باق قصر فإن فاتت الصلاة
قضاها على التمام لأنه فرط في الصلاة وهو في وطنه، فإن دخل في طريقه بلدا يعزم فيه على
المقام عشرا لزمه الإتمام، فإن خرج منه وفارقه بحيث لا يسمع أذانه لزمه التقصير، فإن عاد
إليه لقضاء حاجة أو أخذ شئ نسيه لم يلزمه الإتمام إذا أراد الصلاة فيه لأنه لم يعد إلى وطنه
فكان هذا فرقا بين هذه المسألة والتي قبلها.
باب صلاة الخوف وما يجري مجراها من حال المطاردة والمسايفة:
واعلم أن الخوف إذا انفرد عن السفر لزم فيه التقصير في الصلاة مثل ما يلزم في
السفر إذا انفرد على الصحيح من المذهب. وقال بعض أصحابنا: لا قصر إلا في حال
756

السفر، والأول عليه العمل والفتوى من الطائفة.
وصفة صلاة الخوف أن يفرق الإمام أصحابه إذا كان العدو في خلاف جهة القبلة فرقتين
فرقة يجعلها بإزاء العدو وفرقة خلفه ثم يكبر ويصلى بمن وراؤه ركعة واحدة فإذا نهض
إلى الثانية صلوا لأنفسهم ركعة أخرى ونووا مفارقته والانفراد بصلاتهم وهو قائم يطول
القراءة ثم جلسوا فتشهدوا وسلموا وانصرفوا فقاموا مقام أصحابهم، وجاءت الفرقة
الأخرى فلحقوه قائما في الثانية فاستفتحوا الصلاة وأنصتوا لقراءته إن كانت الصلاة
جهرية فإذا ركع ركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده، فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة
أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فسلم بهم وانصرفوا بتسليمه.
وقد روي: أنه إذا جلس الإمام للثانية تشهد وسلم ثم قام من خلفه فصلوا الركعة الأخرى
وصلوا لأنفسهم. وما ذكرناه أولا هو الأظهر في المذهب والصحيح من الأقوال.
فإن كانت الصلاة صلاة المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة واحدة فإذا قام إلى
الثانية أتم القوم الصلاة ركعتين يجلسون في الثانية والثالثة ثم يسلمون وينصرفون إلى
مقام أصحابهم بإزاء العدو والإمام منتصب مكانه، وتأتي الطائفة الأخرى فتدخل في صلاة
الإمام ويصلى بهم الركعة ثم يجلس في الثانية فيجلسون بجلوسه، ويقوم إلى الثالثة وهي
ثانية لهم فيسبح هو ويقرؤن هم لأنفسهم،
هكذا ذكره السيد المرتضى في مصباحه، والصحيح عند أصحابنا المصنفين والإجماع
حاصل عليه أنه لا قراءة عليهم.
فإذا ركع ركعوا، ثم يسجد ويسجدون ويجلس للتشهد، فإن جلس للتشهد قاموا فأتموا
ما بقي عليهم، فإذا جلسوا سلم بهم ويجب على الفرقتين معا أخذ السلاح سواء كان عليه
نجاسة أو لم يكن لأنه مما لا تتم الصلاة فيه منفردا وهو من الملابس.
وقد ذكر شيخنا في مبسوطه: أن السيف إذا كانت عليه نجاسة فلا بأس بالصلاة فيه وهو
على الانسان لأنه مما لا تتم الصلاة فيه منفردا وحقق ذلك.
وإذا كانت الحال حال طراد وطعان وتزاحف وتواقف ولم يتمكن من الصلاة التي
ذكرناها وصورناها وجبت الصلاة بالإيماء وينحني المصلي لركوعه وسجوده ويزيد في
757

الانحناء للسجود، وكذلك القول في المواجه للسبع الذي يخاف وثبته ويجزئه أن يصلى إلى
حيث توجه إذا خاف في استقبال القبلة من وثبة السبع أو إيقاع العدو به، فأما عند اشتباك
الملحمة والتضارب بالسيوف والتعانق وتعذر كل ما ذكرناه فإن الصلاة حينئذ تكون
بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد كما روي: أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى
ذريته فعل هو وأصحابه ليلة الهرير يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر،
فيكون ذلك مكان كل ركعة.
وجملة الأمر وعقد الباب أن صلاة الخوف التي تكون جماعة بإمام ويفرق الناس فرقتين على
ما صورنا أولا تقصر سفرا وحضرا، ومما عداها من صلاة الخائفين الذين ليسوا بمجمعين بل
فرادى يقصرون سفرا في الركعات والهيئات أو يتمون حضرا إذا لم يكونوا في المسافة بل
يقصرون في هيئات الصلاة دون أعدادها.
وأما السابح في لجة البحر ولا يتمكن من مفارقتها والموتحل الذي لا يقدر على استيفاء
حدود الصلاة فيصلي كل واحد منهم بالإيماء ويتحرى التوجه إلى القبلة بجهده، وقد
قدمنا أن جميع صلاة الخائفين والمضطرين إذا كانوا غير مسافرين تمام في عدد الركعات
الرباعيات وتقصر في الهيئات إذا كانوا حاضرين غير مسافرين ما عدا القسم الأول الذين
يفرقهم الإمام فرقتين فإن هؤلاء يقصرون الصلاة في أعدادها وهيئاتها سفرا وحضرا
للآية وباقي الأقسام يقصرون هيئاتها دون عدد ركعاتها لأن الصلاة في الذمة بيقين فمن
أسقط منها شيئا من جملة الركعات يحتاج إلى دليل ويقين في سقوطه عن ذمته.
باب صلاة المريض والعريان وغير ذلك من المضطرين:
الصلاة يختلف فرضها بحسب الطاقة فمن أطاق القيام تلزمه الصلاة حسب
ما تلزم الصحيح ولا يسقط عنه فرضها إذا كان عقله ثابتا، فإن تمكن من الصلاة قائما
لزمه كذلك، وإن لم يتمكن من القيام بنفسه وأمكنه أن يعتمد على حائط أو عصا أو عكاز
فليفعل وليصل قائما لا يجزئه غير ذلك، فإن لم يتمكن من ذلك فليصل جالسا وليقرأ،
فإذا أراد الركوع قام فركع فإذا لم يقدر على ذلك فليركع جالسا وليسجد مثل ذلك، فإن لم
758

يتمكن من السجود إذا صلى جالسا جاز له أن يرفع خمرة " مضمومة الخاء المعجمة وهي
سجادة صغيرة من سعف النخل " أو ما يجوز السجود عليه فيسجد عليه، وإن لم يتمكن من
الصلاة جالسا فليصل مضطجعا على جانبه الأيمن وليسجد ويكون على جنبه في هذه
الحال كما يكون الميت في قبره، فإن لم يتمكن من السجود أومأ إيماء، فإن لم يتمكن من
الاضطجاع على جنبه الأيمن صلى على جنبه الأيسر فإن لم يتمكن من الاضطجاع فليستلق
على قفاه وليصل مومئا يبدأ الصلاة بالتكبير ويقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه، فإذا
رفع رأسه من الركوع فتحهما فإذا أراد السجود غمضهما، فإذا أراد رفع رأسه من السجود
فتحهما، فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما، فإذا أراد رفع رأسه ثانيا فتحهما وعلى هذا تكون
صلاته.
والموتحل والغريق والسابح إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من موضع
يصلون فيه فليصلوا إيماء ويكون ركوعهم وسجودهم بالإيماء على ما قدمناه فيما مضى
ويلزمهم في هذه الأحوال كلها استقبال القبلة مع الإمكان فإن لم يمكنهم فليس عليهم شئ.
وإذا كان المريض مسافرا ويكون راكبا جاز له أن يصلى الفريضة على ظهر دابته،
ويسجد على ما يتمكن منه ويجزئه في النوافل أن يومئ إيماء وإن لم يسجد، وحد المرض
الذي يبيح الصلاة جالسا ما يعلمه الانسان من حال نفسه إنه لا يتمكن من الصلاة
قائما وهو أبصر بشأنه. قال الله تعالى: بل الانسان على نفسه بصيرة أي حجة.
والمريض من سلس البول على ضربين:
أحدهما: أن يتراخى زمان الحدث منه فيتوضأ للدخول في الصلاة فإذا بدره الحدث
وهو فيها خرج عن مكانه من غير استدبار للقبلة ولا تعمد لكلام ليس من الصلاة فتوضأ
وبنى على صلاته، وإن كان الماء عن يمينه أو شماله وبين يديه فهو أهون عليه في تجديد
الوضوء والبناء على ما أسلفناه من الصلاة.
والضرب الآخر: أن يبادره الحدث على التوالي من غير تراخ بين الأحوال، فينبغي له
أن يتوضأ عند دخوله في الصلاة ويستعمل خريطة يجعل فيها إحليله، ويمضى في صلاته
ولا يلتفت إلى الحادث المستديم على اتصال الأوقات، فإذا فرع من صلاته الأولى توضأ
759

وضوء آخر للفريضة الثانية، ولا يجمع بين صلاتين بوضوء واحد لأنه محدث في جميع أوقاته
وإنما لأجل الضرورة ساع له أن يصلى الفريضة مع الحدث.
ومن به سلس الثفل فحكمه حكم من به سلس البول وهو على ضربين كما بيناه، فإن
كان الحدث تتراخى أوقاته فعل كما رسمناه لمن به سلس البول على تراخي الأوقات، وإن
كان ما به تتوالى أوقاته ويحدث على الاتصال توضأ عند دخوله في الصلاة وشد وجعل
على الموضع تحت الشداد كرسفا وخرقا وأوثق المكان وعمل في ذلك بما شرحناه في حكم
المستحاضة، ومضت صلاته بحسب الإمكان إلا أنه ليس ممن يجب عليه الغسل بحسب
ما أوجبناه على المستحاضة في الأوقات التي ذكرناها وبينا الحكم فيها على التفصيل
والبيان لأن القياس عندنا باطل بغير خلاف، وإنما يجب عليه بعد فراغه من الصلاة
تطهير الموضع بعينه وما لقيته النجاسة من أعضائه وثيابه دون ما سواها من سائر جسده إذ
لا طهارة عليه بما قدمناه وإنما طهارته وضوء الصلاة ثانيا وإزالة النجاسة عما لاقته من
الأعضاء واللباس.
ومن كانت حاله في البلوى بالحدث ما ذكرناه من تواليه وعدم تمكنه من ضبطه
فليخفف الصلاة ولا يطلها وليقتصر فيها على أدنى ما يجزئ المصلي عند الضرورة من
قراءة القرآن والتسبيح والتشهد والدعاء، ويجزئه إذا كانت حاله ما وصفناه أن يقرأ في
الأوليين من فرضه فاتحة الكتاب خاصة وفي الأخريين بالتسبيح يسبح في كل ركعة منها أربع
تسبيحات، فإن لم يتمكن من التسبيحات الأربع لتوالي الحدث منه فليقتصر على دون ذلك
من التسبيح في العدد، ويجزئه منه تسبيحة واحدة في قيامه ومثلها في سجوده، وفي التشهد
ذكر الشهادتين خاصة والصلاة على محمد وآله في التشهدين معا لا بد منه ويصلى على
أحوط ما يقدر عليه في بدار الحدث من جلوس أو اضطجاع، وإن كان صلاته بالإيماء أحوط له
في حفظ الحدث ومنعه من الخروج صلى مومئا على ما قدمناه ويكون سجوده أخفض من
ركوعه في الصلاة بالإيماء، وإذا كان الشد لموضع الحدث على ما أسلفنا القول بوصفه يضر
بالإنسان ضررا يخاف معه الهلاك أو ما يعقبه الهلاك أو طول المرض لم يلزمه ذلك واحتاط في
حفظ لباسه منه وصلى على ما يتمكن منه ويتهيأ له من الأفعال والهيئات التي يكون عليها في
760

حال الصلاة، ولم يلتفت إلى ما يخرج من حدثه إذا كانت صورته في الضرورة ما ذكرناه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل خلافه: المستحاضة ومن به سلس البول
يجب عليه تجديد الوضوء عند كل فريضة ولا يجوز لهما أن يجمعا بوضوء واحد بين صلاتي
فرض. وقال في مبسوطه: ولا يجوز للمستحاضة أن تجمع بين فرضين بوضوء واحد، وأما من به
سلس البول فيجوز له أن يصلى بوضوء واحد صلوات كثيرة لأنه لا دليل على تجديد الوضوء
وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به وإنما يجب عليه أن يشد رأس الإحليل بقطن ويجعله في
كيس أو خرقة ويحتاط في ذلك. وما قدمناه يقتضيه أصول المذهب ودليل الاحتياط لأن من به
سلس البول إذا فرع من صلاته فقد انتقض وضوءه فيجب عليه إعادة طهارته وليس ذلك
قياسا كما ذكره وإنما لو يقدر منه أن يصلى فرضين من غير أن يحدث بينهما ما ينتقض الوضوء
لجاز ذلك لأنه لا مانع منه وكان يكون حمله على المستحاضة قياسا كما ذكره وما صورناه بخلاف
ذلك.
ومن انكسر به المركب في البحر فاضطر إلى السباحة أو تكسرت به سفينته أو انتقلت في
الماء وكان مشغولا بالسباحة لخلاص نفسه من الهلاك وحضرت الصلاة فليتوضأ وهو
يسبح في الماء وضوء الصلاة ويخرج رجليه في حال سباحته من الماء ليمسح على ظاهرهما
في الفضاء وليصل بالإيماء وهو في سباحته و يتوجه إلى القبلة إن عرفها ويكون سجوده
أخفض من ركوعه، وكذلك حكم الخائض في الماء.
والموتحل إذا كان على طهارته بالماء وإن لم يجد ماء في الوحل فليتيمم من غبار ثوبه إن
وجد فيه غبارا وإن لم يجد وضع يده على الوحل وضعا رفيقا ثم رفعهما ومسحهما حتى تذهب
رطوبة الوحل من يده، ثم أمرهما على وجهه حسب ما تقدم من وصفه في باب التيمم وصلى
بالإيماء.
وصلاة المقيدين والممنوعين من حركة جوارحهم والمحبوسين في الأمكنة النجسة
بالأغلال والرباط يصلى كل واحد من هؤلاء بحسب إمكانه واستطاعته وتحري القبلة في
توجهه وركوعه وسجوده، فإن كان ممنوعا عن القبلة بصرف وجهه إلى استدبارها سقطت
عنه الصلاة إلى القبلة وكان عليه أن يصلى إلى الجهة التي يقدر عليها، فإن منع من
761

الطهارة بالماء والتيمم للصلاة سقط عنه فرضها في تلك الحال ووجب عليه قضاؤها مع
التمكن من الطهارة.
وقال شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده: كان عليه أن يذكر الله عز اسمه في أوقات الصلوات
بمقدار صلاته من المفروضات وليس عليه قضاء الصلاة وكذلك حكم المحبوسين في الأمكنة
النجسة إذا لم يجدوا ماء ولا ترابا طاهرا ذكروا الله تعالى بمقدار صلاتهم وليس عليهم قضاء إذا
وجدوا المياه أو الأتربة الطاهرة.
والصحيح من أقوال أصحابنا أنه يجب عليهم القضاء لقول الرسول ع: لا صلاة
إلا بطهور، فنفى أن تكون صلاة شرعية إلا بطهور.
فأما العريان إذا لم يكن معه ما يستر به عورته وكان وحده بحيث لا يرى أحد سوءته
صلى قائما، وإن كان معه غيره أو كان بحيث لا يأمن من اطلاع غيره عليه صلى جالسا.
هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في سائر كتبه وكذلك شيخنا المفيد، وذهب السيد
المرتضى في مصباحه: إلى أن العريان الذي لا يجد ما يستر به عورته يجب أن يؤخر الصلاة
إلى آخر أوقاتها طمعا في وجدانه ما يستتر به فإذا لم يجده صلى جالسا ويضع يده على فرجه
ويومئ بالركوع والسجود إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة وأرادوا
أن يجمعوا بالصلاة قام الإمام في وسطهم وصلوا جلوسا على الصفة التي ذكرناها. هذا آخر
كلام السيد المرتضى رضي الله عنه ولم يقسم حال العريان بل أوجب عليه الصلاة جالسا في
سائر حالاته.
وشيخانا قسما حاله إلى أنه يجب عليه إذا أمن من اطلاع غيره عليه أن يصلى قائما بالإيماء،
فإن لم يأمن من اطلاع غيره عليه يجب أن يصلى جالسا بالإيماء،
واستدل شيخنا أبو جعفر على وجوب صلاة العريان قائما في مسائل خلافه فقال: دليلنا على
وجوب الصلاة قائما طريقة الاحتياط فإنه إذا صلى كذلك برئت ذمته بيقين. وإذا صلى من
جلوس لم تبرأ ذمته بيقين. قال: وأما اسقاط القيام بحيث قلناه فلإجماع الفرقة، قال: وأيضا
ستر العورة واجب فإذا لم يمكن ذلك إلا بالقعود وجب عليه ذلك. وهذا دليل منه رضي الله عنه
غير واضح ولقائل أن يقول: يمكن ستر العورة وهو قائم بأن يجعل يديه على سوأتيه، فإن كان
762

على القعود إجماع كما ذكره وإلا فدليله على وجوب القيام قاض عليه في هذه المسألة التي
أوجب عليه فيها القعود.
وقال في مسائل خلافه في الجزء الأول في كتاب الجماعة مسألة: يجوز للقاعد أن يأتم بالمومئ
ويجوز للمكتسي أن يأتم بالعريان.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إن أراد شيخنا بالعريان الجالس وهذا لا يجوز بالإجماع أن يأتم
قائم بقاعد، فلم يبق إلا أنه أراد بالعريان القائم يكون إماما للمكتسي القائم أيضا، فإذا كان
كذلك وعنده أن العريان الذي لا يأمن من اطلاع غيره عليه لا يجوز أن يصلى إلا جالسا
وهذا معه غيره فكيف يصلى قائما وهذا رجوع عما ذهب إليه في نهايته من قسمة العريان.
ولا أرى بصلاة المكتسي القائم خلف العريان القائم بأسا إذ لا دليل على بطلانها من كتاب
ولا سنة ولا إجماع على ما ذهب إليه في مسائل خلافه.
فأما أخبار أصحابنا فقد اختلفت في ذلك وليس فيها ما يقطع العذر بالتخصيص وليس
للمسألة دليل سوى الاجماع، فإن أصحابنا في كتبهم يقسمون حال العريان بغير خلاف
بينهم، فأما إذا صلوا جماعة عراة فلا خلاف ولا قسمة بين أصحابنا في حالهم بل الاجماع منعقد
على أن صلاة جماعتهم من جلوس، إلا أن شيخنا أبا جعفر الطوسي يذهب إلى: أن صلاة الإمام
بالإيماء ومن خلفه من العراة بركوع وسجود، وباقي أصحابنا مثل السيد المرتضى وشيخنا
المفيد وغيرهما يذهبون إلى: أن صلاة المأمومين بالإيماء مثل صلاة الإمام، وهو الصحيح لأن
عليه الاجماع لأنه لا خلاف بينهم في أن العريان يصلى بالإيماء على سائر حالاته ويسقط عنه
الركوع والسجود.
واختلف قول أصحابنا في صلوات أصحاب الأعذار فقال بعضهم: الواجب على العريان ومن
في حكمه من أصحاب الضرورات تأخير الصلاة إلى آخر أوقاتها، وقال الأكثر منهم: الواجب
عليهم الإتيان بها مثل من عداهم وإن شاؤوا في أوائل أوقاتها وإن شاؤوا في أواخرها إلا المتيمم
فحسب للإجماع على ذلك وما عداه داخل تحت عمومات الأوامر، وهذا الذي تقتضيه أصول
المذهب وبه أفتى وأعمل وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي واختياره، والأول مذهب السيد
المرتضى وسلار رحمهما الله.
763

باب الصلاة على الأموات:
هذه الصلاة فرض على الكفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين وليس فيها
قراءة ولا ركوع ولا سجود ولا تسليم وإنما هي تكبيرات واستغفار ودعاء.
وعدد التكبيرات خمس يرفع اليد في الأولى منهن ولا يرفع اليد في التكبيرات الباقيات،
وهذه أشهر الروايات وهو مذهب السيد المرتضى وشيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر الطوسي في
نهايته، وذهب في استبصاره إلى: أن الأفضل رفع اليدين في جميع التكبيرات الخمس.
والصحيح ما قدمناه لأن الاجماع عليه.
وموضع الدعاء للميت أو عليه بعد التكبيرة الرابعة، فإذا كبر الخامسة خرج من
الصلاة بغير تسليم وهو يقول: اللهم عفوك عفوك. ويستحب للإمام أن يقيم مكانه حتى
ترفع الجنازة، ولا تجب هذه الصلاة إلا على من وجبت عليه الصلاة وكان مكلفا بها
أو كان غيره أمر بتكليفه إياها تمرينا له دون الأطفال الذين لم يبلغوا ست سنين، ومن بلغ من
الأطفال ست سنين وجبت الصلاة عليه ومن نقص عن ذلك الحد لا تجب الصلاة عليه
بل يستحب الصلاة عليه إلا أن يكون هناك تقية.
ولا تجب الصلاة إلا على المعتقدين للحق أو من كان بحكمهم من أطفالهم الذين
بلغوا ست سنين على ما قدمناه ومن المستضعفين.
وقال بعض أصحابنا: تجب الصلاة على أهل القبلة ومن يشهد الشهادتين، والأول مذهب
شيخنا المفيد والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي والأول أظهر في المذهب ويعضده القرآن
وهو قوله تعالى: ولا تصل على أحد منهم، يعني الكفار والمخالف للحق كافر بلا خلاف
بيننا.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: ولد الزنى يغسل ويصلى عليه، ثم قال:
دليلنا إجماع الفرقة وعموم الأخبار التي وردت بالأمر بالصلاة على الأموات وأيضا قوله
ع: صلوا على من قال: لا إله إلا الله. هذا آخر المسألة ثم قال في مسائل خلافه أيضا
مسألة: إذا قتل أهل العدل رجلا من أهل البغي فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ثم استدل
فقال: دليلنا على ذلك أنه قد ثبت أنه كافر بأدلة ليس هذا موضع ذكرها، ولا يصلى على
764

كافر بلا خلاف.
هذا آخر المسألة. قال محمد بن إدريس رحمه الله لا أستجمل لشيخنا هذا التناقض في
استدلاله يقول في قتيل أهل البغي " لا يصلى عليه " لأنه قد ثبت كفره بالأدلة. وولد الزنى
لا خلاف بيننا أنه قد ثبت كفره بالأدلة أيضا بلا خلاف فكيف يضع هاتين المسألتين ويستدل
بهذين الدليلين؟ وما المعصوم إلا من عصمه الله تعالى. فأما الشهادتان فهذا يفعلهما وهذا
أيضا يفعلهما وهذه المسألة الأخيرة بعد المسألة الأولى ما بينهما إلا مسألة واحدة فحسب، وهذا
منه رحمه الله إغفال في التصنيف.
ويجوز الصلاة على الأموات بغير طهارة والطهارة أفضل ويصلى على الميت في كل
وقت من ليل أو نهار، وأولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من يقدمه الولي، فإن
حضر الإمام العادل كان أولى بالتقدم ويجب على الولي تقديمه ولا يجوز لأحد التقدم عليه، فإن
لم يحضر الإمام العادل وحضر رجل من بني هاشم معتقد للحق استحب للولي أن يقدمه فإن
لم يفعل لم يجز له أن يتقدم، فإن حضر جماعة من الأولياء كان الأب أولى بالتقدم ثم الولد ثم
ولد الولد ثم الجد من قبل الأب ثم الأخ من قبل الأب والأم ثم الأخ من قبل الأب ثم الأخ
من قبل الأم ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم ابن الخال. وجملته أن من كان أولى بميراثه كان أولى
بالصلاة عليه، لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام.
وإذا اجتمع جماعة في درجة واحدة قدم الأقرأ، ثم الأفقه ثم الأسن، لقوله ع:
يؤمكم أقرأكم، الخبر، فإن تساووا في جميع الصفات أقرع بينهم. والولي الحر أولى من
المملوك في الصلاة على الميت وكذلك الذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقد الصلاة،
ويجوز للنساء أن يصلين على الجنازة مع عدم الرجال وحدهن إن شئن فرادى وإن شئن
جماعة، فإن صلين جماعة وقفت الإمامة وسطهن. المعمول به من وقت النبي ع إلى
وقتنا هذا في الصلاة على الجنازة أن تصلي جماعة فإن صليت فرادى جاز كما صلى على
النبي عليه الصلاة والسلام. الأوقات المكروهة للنوافل يجوز أن تصلي فيها على الجنازة.
لا بأس بالصلاة والدفن ليلا وإن فعل بالنهار كان أفضل إلا أن يخاف على الميت. إذا
اجتمع جنازة رجل وامرأة وخنثى ومملوك وصبي فإن كان الصبي دون ست سنين قدم
765

أولا إلى القبلة ثم المرأة ثم الخنثى ثم المملوك ثم الرجل، فإن كان للصبي ست سنين
فصاعدا جعل مما يلي الرجل وصلى عليهم على الترتيب الذي قدمناه، وإن صلى عليهم
فرادى كان أفضل.
يسقط فرض الصلاة على الميت إذا صلى عليه واحد والزوج أحق بالصلاة على
المرأة من جميع أوليائها، وإذا أراد الصلاة وكانوا جماعة تقدم الإمام ووقفوا خلفه صفوفا،
فإن كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، وإن كان فيهم حائض وقفت وحدها في صف
بارزة عنهم وعنهن، وإن كانوا نفسين تقدم واحد ووقف الآخر خلفه بخلاف صلاة ذات
الركوع في الجماعات ولا يقف على يمينه، فإن كان الميت رجلا وقف الإمام في وسط الجنازة
وإن كانت امرأة وقف عند صدرها.
وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شئ يسير ولا يبعد عنها، ويتحفى عند
الصلاة عليه إن كان عليه نعلان فإن لم يكن عليه نعل أو كان عليه خف صلى عليه كذلك
ولا ينزعه.
وكيفية الصلاة عليه أن يرفع يديه بالتكبير على ما قدمناه ويكبر تكبيرة ويشهد أن
لا إله إلا الله، ثم يكبر تكبيرة أخرى ولا يرفع يديه بها على ما أسلفناه القول فيه. ويصلى على
النبي وآله، ثم يكبر الثالثة ويدعو للمؤمنين ثم يكبر الرابعة ويدعو للميت إن كان مؤمنا
وعليه إن كان مخالفا لاعتقاد الحق ويلعنه ويبرأ منه، وإن كان مستضعفا قال: ربنا اغفر
للذين تابوا واتبعوا، إلى آخر الآية، فإن كان لا يعرف مذهبه يسأل الله أن يحشره مع من كان
يتولاه، وإن كان طفلا سأله أن يجعله له ولأبويه فرطا،
بفتح الفاء والراء. والفرط في لغة العرب هو المتقدم على القوم ليصلح ما يحتاجون إليه،
والدليل على ذلك قول الرسول ع: أنا فرطكم على الحوض.
ثم يكبر الخامسة ولا يبرح من مكانه إن كان إماما حتى ترفع الجنازة ويراها على أيدي
الرجال.
ومن فاته شئ من التكبيرات أتمها عند فراع الإمام متتابعة، فإن رفعت الجنازة كبر
عليها وإن كانت مرفوعة فكذلك وإن بلغت إلى القبر كبر على القبر إن شاء، والأفضل أن
766

لا يرفع يديه فيما عدا الأولة من التكبيرات الخمس على ما بيناه، وإن كبر تكبيرة قبل الإمام
أعادها مع الإمام.
ومن فاتته الصلاة على الجنازة جاز أن يصلى على القبر بعد الدفن يوما وليلة.
وقال بعض أصحابنا: ثلاثة أيام، والأول هو الأظهر بين الطائفة.
ولا تجوز الصلاة على غائب مات في بلد آخر لأنه لا دليل عليه، فإن اعترض معترض
بصلاة الرسول ع على النجاشي وقد مات ببلاد الحبشة فإنما دعا له والصلاة
تسمى دعاء في أصل الوضع.
ويكره أن تصلي على جنازة واحدة دفعتين جماعة، فأما فرادى فلا بأس بذلك وإذا
دخل وقت الصلاة وقد حضرت جنازة ولم يتضيق وقت الصلاة الحاضرة ولم يخش على
الجنازة حدوث حادث فالبدأة بالصلاة أفضل وتؤخر الصلاة على الجنازة، فإن خيف
حدوث الحادث بالجنازة فالبدأة بالصلاة على الجنازة هو الأفضل والأولى وإن كان وقت
الحاضرة قد ضاق فالبدأة بالحاضرة هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه إلى ما سواه.
وأفضل ما يصلى على الجنائز في مواضعها الموسومة بذلك، ويكره الصلاة عليها في
المساجد، ومتى صلى على جنازة ثم بان أنها كانت مقلوبة أي رجلا الميت إلى يمين المصلي
سويت وأعيد الصلاة عليها ما لم يدفن فإذا دفن فقد مضت الصلاة، والأفضل أن
لا يصلى على الجنازة إلا على طهر فإن فاجأته جنازة ولم يكن على طهارة تيمم وصلى عليها
فإن لم يمكنه صلى عليها بغير طهارة، وإن صلى من غير تيمم جاز أيضا، إذ قد بينا فيما سلف
أن الطهارة ليست شرطا في هذه الصلاة.
وإذا كبر الإمام على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين وأحضرت جنازة أخرى كان مخيرا بين
أن يتم خمس تكبيرات على الجنازة الأولة ثم يستأنف الصلاة بنية على الأخرى وبين
أن ينوي الصلاة عليهما معا ويكبر الخمس التكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه وقد
أجزأه عن الصلاة عليهما.
ومتى صلى جماعة عراة على ميت فلا يتقدم أمامهم بل يقف قائما في الوسط، فإن كان
الميت عريانا ترك في القبر أولا وغطيت سوءته ثم يصلى عليه بعد ذلك ويدفن، فإذا فرع
767

من الصلاة عليه حمل إلى القبر.
تم كتاب الصلاة مكملا ولله المنة وبه الحول والقوة.
768

إشارة السبق
إلى معرفة الحق
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي
769

كتاب الصلاة
وأما ستر العورة فواجب مع التمكن والمستور إما رجل فالواجب عليه ستر قبله
ودبره ومن سرته إلى ركبتيه فضيلة وندب. أو امرأة، فأما حرة وكلها عورة فيجب عليها
ستر جميع رأسها وبدنها إلا ما سمح فيه من كشف بعض وجهها وصلاتها مخمرة وكذا أطراف
يديها وقدميها. أو أمة وحكمها حكم الحرة إلا في جواز كشف رأسها فإنه لا بأس على الإماء
في ذلك وما به الستر هو كل ما أمكن به من قطن أو كتان وخز خالص وما نسج معه حرير منها
وما كان مذكا من جلود ما يؤكل لحمه من الحيوان أو صوفه أو شعره أو وبره فأما الحرير
المحض وجلود الميتة أو ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي وما عمل من وبر ثعلب أو أرنب أو
غش به فلا يجوز اختيارا. ويعتبر في ملبوس الصلاة الطهارة من كل نجاسة خارجة عما
قلنا إنه معفو عنه وأن لا يكون مغصوبا بأن يكون ملكا أو مباحا وما لا يتم الصلاة فيه
بانفراده منسوج فيه إذا كانت فيه نجاسة واجتنابه أفضل وهل يجوز للنساء الصلاة في
الحرير المحض أم لا؟ فيه رواية وكما يستحب صلاة المصلي في الثياب البياض القطن أو
الكتان كذلك تكره في المصبوغ منها وتتأكد في السود والحمر وفي الملحم بذهب أو
حرير.
وأما الوقت فمعتبر لكون الصلاة مشروطة به لا تصح قبل دخوله وإنما تصح
771

بعد خروجه قضاء كما في وقتها يكون أداء فأول زوال الشمس بحيث تصير على الحاجب
الأيمن عند استقبال القبلة لرؤيتها هو أول وقت صلاة الظهر فإذا انقضى من ذلك الوقت
بقدر ما يصلى فيه أو صلت، فقد تعين أول وقت صلاة العصر ويمضى مقدار أدائها يمتد بعد
ذلك الوقت مشتركا بين الصلاتين إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر فيختص بها
لخروج وقت الظهر ويفوت وقتها جملة بمضيه وزوال الحمرة المشرقية علامة غروب الشمس
وهو أول وقت المغرب إلى أن يمضى منه مقدار أدائها أو أنها تؤدي فيه فيدخل أول وقت
عشاء الآخرة ويمضى ما قلناه يشترك وقتهما إلى أن يبقى لنصف الليل قدر أداء العتمة
فيختص بها ويكون آخر وقتهما لفواتها بخروجه وتخلل البياض الشرقي في أفق السماء
وهو الفجر الثاني وهو أول الوقت لصلاته ويمتد إلى أن يبقى لطلوع الشمس مقدار أداء
الركعتين فيكون آخر وقت الغداة لفواتها بطلوعها وفضيلة أول الوقت عظيمة ولا إثم
بفواته والإجزاء مجرد من الفضل بآخره ونوافل الظهر ووقتها الأول عند الزوال ويتسع إلى
أن يبقى مقدار أربع ركعات لصيرورة ظل كل شئ مثله. ونافلة العصر بعد صلاة الظهر
في أول وقتها إلى أن يبقى كذلك لمصير ظل كل شئ مثله ما خلا يوم الجمعة فإن نوافلها
كلها قبل الزوال ونوافل المغرب عقيبها إلى حيث يزول الشفق المغربي والوتيرة بعد
العتمة ووقتها متسع ونوافل الليل ووقتها بعد انتصافه إلى ابتداء طلوع الفجر وبعد
الفراع منها ومن الشفع والوتر وقت الدساسة التي هي نافلة الفجر إلى ابتداء طلوع الحمرة
المشرقية ولا يكره يوم الجمعة نافلة وإنما في ما عداه من الأيام يكره ابتداؤها لا بسبب. عند
طلوع الشمس واستوائها وغروبها وبعد صلاتي الغداة والعصر فأما إن كان عن سبب
كقضائها فلا كراهة.
وأما القبلة فلوجوب التوجه إليها وجب اعتبارها فالمصلي إما داخل المسجد
الحرام فتوجهه إلى الكعبة من أي جهة كان فيه أو خارجه مع كونه في الحرم فتوجهه إلى
المسجد أو لا فتوجهه إلى الحرم وأهل كل إقليم يتوجهون إلى ركن من الأركان الأربعة
فالعراقيون إلى العراقي واليمانيون إلى اليماني والشاميون إلى الشامي والغربيون إلى
الغربي ويلزم المتوجه إلى القبلة مصليا العلم واليقين بها مع المكنة منه فإن تعذر فعليه
772

الظن فإن فأتاه جميعا فالحدس إلا أن العدول لا بحسب التعذر عن العلم إلى الظن أو
عنه إلى الحدس لا يجوز فمن صلى لا على ما هو فرضه من كل واحد من هذه الأمور فلا
صلاة له ولو أصاب الجهة ويعتقد جميع ذلك وتعذر كل أمارة وعلامة يتوجه بالصلاة إلى
أربع جهات أي الصلاة الواحدة يصليها أربع مرات إلى كل جهة مرة فإذا أخطأ الجهة
ظانا أو حادسا وعلم ذلك والوقت باق أعاد الصلاة. ولا إعادة عليه إن كان قد خرج،
إلا مع استدبار القبلة، فإنه لا بد من الإعادة على كل حال.
وأما عدد الركعات ففرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة للمقيم ومن هو في
حكمه الظهر أربع ركعات وكذا العصر والمغرب ثلاث والعشاء الآخرة أربع والفجر
ركعتان وللمسافر ومن في حكمه إحدى عشرة ركعة تسقط عنه من كل رباعية ركعتان
والذي يلزمه التقصير كل مسافر كان سفره إما طاعة أو مباحا بلغ بريدين فصاعدا وهما
ثمانية فراسخ، أربعة وعشرون ميلا لأن الفرسخ ثلاثة أميال والميل ثلاثة آلاف ذراع أو
كانت مسافته بريدا ورجع ليومه ولا ينوي الإقامة في البلد الذي يأتيه عشرة أيام ولا كان
حضره أقل من سفره فمتى تكاملت للمسافر هذه الشروط وتمم عن قصد وعلم بوجوب
التقصير عليه فلا صلاة له وإن كان عن جهل أو سهو أعاد مع بقاء الوقت تقصيرا إلا مع
خروجه ومن عداه من المسافرين حكم سفره في الإتمام كحضره وهو المسافر في معصيته أو
لعب أو صيد لا تدعه الحاجة إليه أو الذي سفره أزيد من حضره كالجمال والبدوي والمكاري
والملاح والبريد والعازم على الإقامة عشرا في البلد الذي يدخله ومن لا يبلغ سفره تلك
المسافة وبداية التقصير إذا توارى عن جدران بلده وإذا لم يسمع صوت الأذان من مصره.
وعدد نوافل اليوم والليلة للحاضر ومن هو في حكمه أربع وثلاثون ركعة و للمسافر
سبع عشرة ركعة نوافل الظهر ثمان ركعات قبلها ونوافل العصر مثلها وكلها ساقطة
عن المسافر ونوافل المغرب أربع ركعات بعدها في الحضر والسفر والوتيرة نافلة العشاء
الآخرة ركعتان بعدها من جلوس تحسب ركعة حضرا لا سفرا ونوافل الليل وما بعدها من
الشفع والوتر المفردة ونافلة الفجر ثلاث عشرة ركعة حضرا أو سفرا ويزاد على الستة عشر
نوافل النهار يوم الجمعة خاصة أربع ركعات تمام عشرين ركعة يصلى قبل الزوال أداء
773

وبعده قضاء فإن أمكن يرتبها بصلاة ست منها في أول النهار وست بعد ارتفاعه وست قبل
الزوال وركعتين في ابتدائه كان الأفضل وإلا صليت جملة قبل الزوال.
وأما مكان الصلاة فيعتبر فيه الملكية والإباحة والطهارة من متعدي النجاسة لأن
يابسها لا بأس بالوقوف عليه، وإن كان الأفضل خلافه. غير أن مواضع العبادة يتفاضل
بعضها على بعض في المثوبة والاستحباب فأفضلها المسجد الحرام ومسجد الرسول ومشهد
كل إمام من الأئمة ع والمسجد الأقصى ثم المسجد الجامع ومسجد الدرب أو
القبيلة ثم السوق بعدها ثم صلاة الانسان في بيته. وهي في المكان المغصوب باطلة
ومكروهة في البيع وبيوت النيران ومعابد الضلال والمزابل والحمامات ومواطن الإبل
ومرابض البقر والغنم ومرابض الخيل والحمير ومذابح الأنعام وبين القبور وعلى البسط
المصورة والأرض السبخة ومثاوي النمل وجواد الطرق وذات الصلاصل والشقرة
والبيداء ووادي ضجنان ورأس الوادي وبطنه.
وأما موضع السجود بالجبهة فشرطه الطهارة من كل نجاسة متعدية ويابسة وأن
يكون ما لا يؤكل ولا يلبس في العادة ملكا أو مباحا فأما ما يؤكل لا معتادا بل نادرا أو كان
مما يصح استعماله على وجه كالورد والبنفسج فلا بأس بالسجود عليه ولا ينبغي السجود
على المعادن أو ما كان منها ولا على ما قلبته النار كالكأس والخزف والجص وشبهه وأفضله
على التربة الحسينية. فأما ما هو سنة من مقدمات الصلاة فالأذان وهو ثمانية عشر
فصلا. أربع تكبيرات في أوله وشهادة الإخلاص وشهادة النبوة والدعاء إلى الصلاة ثم
إلى الفلاح ثم إلى خير العمل مرتان وتكبيرتان وتهليلتان ويسقط في الإقامة من ذلك
تكبيرتان أولا وتهليلة آخرا ويزاد بعد دعائه خير العمل قد قامت الصلاة مرتان فيكون
سبعة عشر فصلا جملتها خمسة وثلاثون فصلا إلا أنهما سنة للمنفرد لا للمصلي جمعة أو
جماعة لوجوبهما إذ ذاك وشرطها الترتيب ودخول الوقت وأن لا يزاد أو لا ينقصا عما قلناه
وفضيلتهما الطهارة والقيام والتوجه إلى القبلة وترتيل الأذان وحدر الإقامة والوقوف على
أخر فصولهما والفصل بينهما إما بسجدة ودعاء أو جلسة أو خطوة وتجنب الكلام في
خلالهما والإتيان بما لا يجوز مثله في الصلاة ويتأكد ذلك في الإقامة لأنها آكد من الأذان وهما
774

فيما يجهر بالقراءة فيه آكد منها في ما يخافت فيه.
وما يتعلق بالصلاة من الكيفية إما أن يرجع إلى الخمس المرتبة أو إلى ما عداها من
الصلاة المفروضة عن سبب فما يخص المرتبة إما أن يرجع إلى صلاة المختار أو المضطر
وكلاهما إما أن يرجع إلى المفرد أو الجامع فما يتعلق بالمختار المفرد إما فرض فركن وهو
قيامه مع تمكنه وتوجهه إلى القبلة مع تيقنه والنية بشروطها وتكبيرة الإحرام بلفظها خاصة
والركوع تاما أي بانتصابه منه والسجود في كل ركعة. وغير ركن وهو قراءة الحمد وسورة
تامة بعدها لأن التبعيض في الفرائض لا يجوز وشرط القراءة إعرابها وتصحيحها وكذا لا
يجوز بالعزائم الأربع المختصة بالسجود الواجب ولا بالضحى إلا ومعها أ لم نشرح والفيل
إلا ومعها الإيلاف والمراد بالركوع التطأطؤ والانحناء بحيث يقوس مادا عنقه مسويا ظهره
إلا في ترفعه أو تطمئنه فيه بالخروج عن الحد وتسبيحة واحدة فيه. أفضلها فيه سبحان ربي
العظيم وبحمده والطمأنينة عند الرفع منه بالانتصاب التام والسجود أولا وثانيا لا يجزئ
إلا بحصوله على الأعضاء السبعة: الجبهة والكفين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين لا
يماس الأرض شئ من الجسد سواها وتسبيحة واحدة في كل واحد منهما أفضلها سبحان ربي
الأعلى وبحمده والطمأنينة فيهما وعند الرفع عنهما وهذا حكم الركعة الثانية والجهر في
الغداة وأولتي المغرب والعتمة والإخفات في ما عدا ذلك والتشهدان في كل رباعية وثلاثية
وواحد في الثنائية واللازم منه الشهادتان والصلاة على النبي ص وقراءة
الحمد وحدها أو ما يقوم مقامها من التسبيح في آخرتي الظهر والعصر والعتمة وثالثة
المغرب والتسليم فيه خلاف واستدامة كل ما هو شرط في صحة الصلاة من طهارة وغيرها
وتجنب وضع اليمنى على الشمال والتأمين آخر الحمد والالتفات إلى دبر القبلة والتأفف
بحرفين والقهقهة والبكاء من غير خشية والفعل الكثير المبطل لها وهو ما يتكرر مما ليس
من جنس أفعالها وإيقاعها وراء امرأة مصلية ومع أحد جانبيها كل هذه يجب على المصلي
تجنبها. وأما سننه وهو التوجه عقيب الإقامة بست تكبيرات بينهن أدعية مخصوصة وبعد
تكبيرة الإحرام بآية إبراهيم وتجويد القراءة وترتيلها وقراءة ما ندب إليه بعد الحمد من
السور المخصوصة في الأوقات المخصوصة والجهر بالبسملة في الظهر والعصر من الحمد
775

والسورة التي بعدها والتكبير مع كل ركعة وقول ما يستحب عند الرفع منه وعند الانتصاب
منه والتكبير مع كل سجدة ومع الرفع أيضا وزيادة التسبيح في الركوع والسجود إلى ثلاث
وخمس وسبع والدعاء معه والخشوع في الصلاة والاجتهاد في دفع الوساوس والاعتماد على
الكفين عند النهوض إلى الركعة والذكر المأثور والطمأنينة بين الركعتين والقنوت في كل
ثنائية بعد القراءة وقبل الركوع وأفضله كلمات الفرج ورفع اليدين بالتكبير له وتلقي
الأرض باليدين عند الهوى للسجود والتسمية في أول التشهد الأول وزيادة وسطه وآخره مما
ندب إليه والتحيات في أول الثاني واتباع وسطه وآخره مما يختص به والجلوس لهما متوركا
بضم الوركين ووضع ظاهر القدم الأيمن على باطن الأيسر ويكون نظره في حال القيام إلى
موضع السجود وحال الركوع إلى ما بين قدميه وحال السجود إلى الأنف مرغما به متجنب
النفخ وحال الجلوس إلى حجره واضعا يديه على فخذيه منفرج الأصابع وبحذاء أذنيه وهو
ساجد وعلى عيني ركبتيه وهو راكع وبحذائهما وهو قائم وتجافى بعض أعضائه عن بعض
راكعا وساجدا ولا يقعي بين السجدتين ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ويتجنب التنحنح
والتثاؤب والتمطي والتبسم والتأفف بحرف والعبث بالرأس واللحية أو الثياب ومدافعة
الأخبثين ولا يصلى وتجاهه من يشاهده أو باب أو نار أو مصباح أو نجاسة أو كتابة أو
سلاح مشهور ولا معه شئ منه ويدخل في ذلك السكين وما فيه صورة، ولا يداه داخل ثيابه
ولا يفعل مع الاختيار فعلا قليلا ليس من أفعال الصلاة ويسلم تجاه القبلة مومئا بطرف
عينه إلى يمينه تسليمة واحدة إن كان منفردا أو إماما لا على يساره أحد وإلا إن كان سلم
يمينه ويساره ويكبر إذا سلم ثلاثا ويعقب ويسبح تسبيح الزهراء ع ويدعو
ويعفر بسجدتي الشكر. وتصلي المرأة كما وصفناه ويختص استحبابا بوضع يديها قائمة
على ثدييها وراكعة على فخذيها ولا تطأطأ ولا تنحني وتسجد منضمة وتجلس كذلك
بحيث تضع قدميها على الأرض وتضم ركبتيها وتضع يديها على جنبيها وتقوم جملة واحدة.
وما يتعلق بالمضطر تكليفه فيه على حسب استطاعته متى عجز عن الصلاة قائما أو مستندا إلى
حائط أو معتمدا على شئ صلى في آخر الوقت جالسا فإن لم يستطع الجلوس صلى على جانبه
مضطجعا، فإن عجز عنه صلى على ظهره مومئا بعينه مقيما بفتحهما مقام قيامه وخفضهما
776

مقام ركوعه وغمضهما مقام سجوده ولو ضاق وقت الصلاة براكب لا يستطيع النزول أو
ماش لا يجد السبيل إلى الوقوف لوجب على كل واحد منهما أن يصلى على حسب
استطاعته متوجها إلى القبلة أن تمكن وإلا بتكبيرة الإحرام وهذا حكم كل ذي ضرورة لا
اختيار معها كسابح ومتوحل ومشرف على الغرق ومقيد ومفترس وممنوع مما لا مدفع له من
الموانع المدخلة في حكم الاضطرار. ويدخل في ذلك راكب السفينة فإنه إن تمكن من
استقبال القبلة في جميع الصلاة فعل وإلا استقبلها في افتتاحها ودار إليها مع دورانها
وصلى إلى صدرها ولو تعذر عليه ذلك لأجزأه استقبالها بالنية وتكبيرة الافتتاح والصلاة
كيف توجهت أو دارت وحكم العراة حكم المضطرين إن كانوا جماعة صلوا مؤتمين بأحدهم
جلوسا يقدمهم بركبتيه من يؤمهم وإن كان العاري مفردا لا أحد يراه صلى قائما وإلا
جالسا إن كان بين من يراه.
وصلاة الخوف تقصر على كل حال فإن كان غير بالغ شدته وقف بإزاء العدو فرقة
وصلت فرقة أخرى متقدمة بإمام بهم يصلى ركعتين أولاهما تدخل معه فيهما بالنية والتكبير
وثانيهما يصليها وهو قائم مطول القراءة فيها وتشهد لأنفسها وتسلم وتأتي موقف النزال
تقف تلقاء العدو ولتأت الفرقة الواقفة فتدرك الصلاة مع الإمام الذي تركع بركوعه
وتسجد بسجوده وتصلي الركعة الثانية لأنفسها وهو جالس في التشهد وتدركه فيه
متشهدة معه فيسلم بهم ليكون للفرقة الأولى فضيلة الافتتاح وللثانية فضيلة التسليم وهو
صلاة المغرب بالخيار بين أن يصلى بالأولى ركعة أو ركعتين وبالثانية ما بقي فإن بلغ
الخوف أشده سقط هذا الحكم ولزمت الصلاة بحسب حصول الإمكان إما بركوع
وسجود على ظهور المطي والخيل مع التوجه إلى القبلة في جميعها وإما باستقبالها بنيتها
وتكبيرة إحرامها وإقامة التسبيح مقام ركعاتها وختمها بالتشهد والتسليم وفضيلة صلاة
الجماعة عظيمة ومثوبتها جزيلة وأقلها بين اثنين.
ويعتبر في إمامها مع كمال عقله الإيمان وطهارة المولد ومعرفة أحكام الصلاة وما
يتعلق بها من قراءة وغيرها وظهور العدالة وإذا تساوى الجماعة في هذه الخصال قدم
أقرأهم فإن تساووا فأفقههم فإن تساووا قرب المكان الذي هم فيه فإن كانوا فيه سواء
777

أقرع بينهم وعملوا بحكمها ولا يؤم الأبرص والمحدود والخصي والزمن والمرأة والصبي
إلا بمن هو مثلهم وكراهة الإتمام بالعبد والأعمى والأغلف والمقصر والمقيم والمسافر لمن ليس
لا لمن هو كذلك وشرط صلاة الجماعة الأذان والإقامة وأن لا تكون بين المؤتمين وبين إمامها
حائل من بناء أو ما في حكمه كنهر لا يمكن قطعه أو غيره فيجوز الاقتداء مع اختلاف الفرضين
ويقتدي المؤتم بمن يصح الائتمام به عزما وفعلا وتسقط عنه القراءة في الأولتين في ما عداهما
فإن كانت صلاة جهر وهو بحيث لا يسمع قراءة الإمام قرأ فيهما ويدرك الركعة معه متى
أدركه وبأي شئ سبقه يأتي به بعد تسليمه ركعة كان أو ركعتين أو ثلاثا وتجب صلاة الجمعة
إذا تكاملت شروطها فمنها ما يخصها وهي حضور إمام الأصل أو من نصبه وناب عنه لأهليته
وكمال خصاله المعتبرة وحضور ستة نفر معه. وقيل ينعقد معه بأربعة وتمكنه من الخطبتين
وقصرهما على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على نبيه وآله والمواعظ المرغبة في
ثوابه المرهبة من عقابه وخلوهما مما سوى ذلك والفصل بينهما بجلسة وقراءة سورة خفيفة
ومنها ما يخص المؤتمين وهي الذكورية والحرية والبلوع وكمال العقل والصحة التي لا معها
زمانة ولا عمى ولا عرج ولا مرض أو كبر يمنعان من الحركة والحضور الذي لا سفر معه
وتخلية السرب وكون المسافة بين جهة المصلي وموضع الصلاة غير زائد على فرسخين بل
فرسخين أو ما دونهما لسقوطها متى لم يكن ذلك ومن حضرها مما لا يجب حضورها عليه
لزمه إن كان مكلفا دخوله فيها وتجزيه عن الظهر لانعقادها بما عدا النساء من كل من لم تلزمه
إذا حضرها ولا تنعقد جمعتان في موضعين بينهما أقل من أميال ثلاثة فإن اتفقتا في حالة واحدة
بطلتا وإن قدمت إحديهما صحت دون الأخرى ومن شرط صحة انعقاد الجمعة الأذان والإقامة
وتقديم الخطبتين على الصلاة لإقامتهما مقام الركعتين المحذوفتين منها ومن فضيلتها الجهر
بالقراءة فيها وقراءة الجمعة بعد الحمد في الأولى والمنافقين في الثانية وصلاة العصر
عقيبها بإقامة من غير أذان ويجب إنصات المأمومين إلى الخطبتين واجتناب ما يجتنبه
المصلي من الكلام وغيره ولا يسافر يوم الجمعة مع تكامل شروطها حتى يصلى ومع فقد
تكاملها يكره إلى بعد الزوال ولا قضاء لها إذا فات وقتها بمضي مقدار أدائها بعد خطبتها،
بل يصلى حينئذ ظهرا ولا حكم للسهو في الصلاة مع غلبة الظن لقيامها مقام العلم عند
778

فقده وإنما الحكم بتساوي الظن فيه. فإن كان السهو عما لا تصح الصلاة إلا به كالطهارة
وما في حكمها، أو عن ركن من أركانها أو كان في المغرب أو الغداة أو الأولتين من كل
رباعية أو صلاة السفر وأنه لا يدري صلى ولا ما صلى، أو أنه استدبر القبلة أو أداها في
مكان أو لباس نجسين أو مغصوبين مع تقدم علمه بهما أو تعمد ترك ما وجب أو فعل ما
يجب تركه، فلا بد من إعادتها. وإن كان سهوه في الآخرتين من الرباعيات لزمه الاحتياط
ببنائه على الأكثر في كل ما شك فيه من ذلك والجبران بصلاة منفصلة إما ركعة من قيام أو
ركعتين من جلوس إن كان شكه بين الاثنتين والثلاث أو بين ثلاث وأربع. فأما إن كان بين
الاثنتين وثلاث وأربع فجبرانه بركعتين من قيام وركعتين من جلوس وإن كان سهوه عن
التشهد الأول أو عن سجدة واحدة فيتلافى كل منهما إن أمكن بحيث ينتقل من ركعة إلى
أخرى ويكون قد ركع وإلا بالقضاء بعد التسليم وسجدتي السهو بعده وهذا حكمه لو قام أو
قعد في غير موضع كل منهما أو سلم أو تكلم بما لا يجوز ناسيا أو شك بين أربع وخمس وإما
أن يكون في ما لم ينتقل عنه إلى غيره كتكبيرة الافتتاح وهو في قراءة الحمد أو فيها وهو في قراءة
السورة أو في الركوع وهو قائم أو في السجود وهو جالس أو في تسبيح كل منهما وهو متطأطئ
أو ساجد أو في أحد التشهدين وهو قاعد فحكمه أن يتلافى ما شك فيه من ذلك. وإما أن
يحصل في ما انتقل عنه وفات تلافيه، فلا حكم له فلا اعتداد به. وكذا المتواتر الكثير منه
وكذا ما حصل في جبران السهو وفي النافلة وما يجب من الصلاة عند تسبب صلاة قضاء
الفائت هو مثل المقضى وبحسبه فما فات من صلاة جهر أو إخفات أو تمام أو قصر قضاه
على ما فاته إن علمه محققا له وإلا على غالب ظنه. وإن التبس عليه ما فاته حضرا بما فاته
سفرا، فما غلب عليه من الزائد منهما، أو من لتساويهما عمل عليه ومع تساويه وفقد
الترجيح قيل يقضي مع كل حضرية سفرية إلى أن يقوى في ظنه الوفاء به ولا يلزم القضاء
لمن أغمي عليه قبل الوقت بأمر إلهي ولم يفق حتى فات. فأما إن كان بسبب من تلقاء نفسه
فلا بد من القضاء ويلزم المرتد إذا عاد إلى الاسلام قضاء ما فاته حال ارتداده. وقيل من
العبادات كلها. وهل يصح الاستئجار في قضاء الصلاة عن الميت وهل يصح الأداء لمن
عليه القضاء في الوقت الموسع أم لا في هاتين خلاف ويجب الترتيب في القضاء كما في الأداء.
779

ولو فاتت صلاة من الخمس ولم يتحقق بعينها لوجب قضاء الخمس والقصد بكل واحدة منها
قضاء ما فات وما فات الميت في مرض موته وغيره يقضيه عنه وليه وهو أكبر أولاده الذكور
ويجزيه عنه الصدقة عن كل ركعتين مد إن أمكنه وإلا فعن كل أربع، إن وجده وإلا
فللصلاة النهارية مد وللصلاة الليلية كذلك.
وصلاة النذور والعهد واليمين وهي بحسبهما إن أطلقا من غير اشتراط بوقت
مخصوص أو مكان معين فالتخيير في الأوقات والأمكنة المملوكة والمباحة وإن علقا بزمان
لا مثل له أو مكان لا بدل له فلم تؤد فيهما مع الاختيار، لزمت الكفارة عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا. فإن لم يستطع ذلك صام ثمانية عشر يوما فإن
عجز عنه، فما أمكنه من الصدقة ومع الاضطرار لا كفارة عليه بل القضاء وحده.
وصلاة الطواف وهما ركعتان تصليان عند المقام بعد الفراع من الطواف و
سنذكرها عند ذكر الحج.
وصلاة العيدين وشرائطهما هي شروط الجمعة إلا أن الخطبة بعد الصلاة ولا يجب
على المأمومين سماعها وإن كان ذلك هو الأفضل وليس في صلاة العيد أذان ولا إقامة وهي
ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الأولى منهما تكبيرة الإحرام والركوع وخمس في الثانية
منهما تكبيرة القيام والركوع وقيل يقوم إلى الثانية بغير تكبير ويكبر بعد القراءة خمسا يركع
بالخامسة ومن فضيلتها الإصحار بها والجهر فيها بالقراءة والقنوت بالمأثور بعد كل تكبيرة
من التكبيرات الزوائد والتنبيه في الخطبة على فضيلة ذلك اليوم وما يجب من حق الله فيه
وإذا لم تتكامل شرائط وجوبها، كانت مستحبة - والتكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات
أولاهن المغرب ويوم الأضحى عقيب عشر صلوات أوليهن الظهر وخمس عشرة صلاة لمن
كان بمنى سنة مؤكدة.
وصلاة الكسوف والآيات الخارقة عشر ركعات جملة فيهن أربع سجدات سجدتان
بعد الخامسة وسجدتان بعد العاشرة وتشهد وتسليم ورفع الرأس من الركوع فيها
بالتكبيرة إلا في الخامسة والعاشرة فإنه يقول سمع الله لمن حمده وأول وقتها حين الابتداء في
الإحراق إن كان كسوف شمس أو خسوف قمر وآخره حين الابتداء في الانجلاء. ومن
780

سننها الاجتماع فيها وإجهار القراءة وتطويلها وجعل مدة الركوع والسجود بمقدار مدة
القيام والقنوت في كل ثانية منها وتقضى واجبا لمن تركها ناسيا أو عامدا إلا من يتعمد
تركها إلى حيث الانجلاء يأثم ويلزم التوبة وما عدا الكسوف والخسوف من الآيات
كالزلازل والرياح المظلمة وغيرها يصلى لها هذه الصلاة مع بقاء موجبها مقدار أدائها.
وصلاة جنائز أهل الإيمان ومن في حكمهم إن كان للميت ستة سنين فصاعدا صلى
عليه فرضا وهي على الكفاية وإلا سنه وليس فيها قراءة ولا ركوع ولا سجود بل تكبير
ودعاء وأولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه أو من يقدمه وليس بغيره أن
يتقدم إلا باذنه وإن حضر هاشمي كان الأولى تقديمه والزوج أولى بالصلاة على الزوجة
ويقف المتقدم بإزاء وسط الميت إن كان ذكرا وصدره إن كان أنثى ويكبر خمس تكبيرات بعد
عقد النية يأتي بعد الأولى بالشهادتين وبعد الثانية بالصلوات على النبي ص
وبعد الثالثة بالترحم على المؤمنين وبعد الرابعة بالترحم على الميت إن كان محقا وعليه
إن كان مبطلا مذكرا ما يذكره من الدعاء إن كان ذكرا أو مؤنثا إن كان أنثى. فإن كان
مستضعفا أو غريبا لا يعرف اعتقاده، أو طفلا خص من الدعاء بما يخص كل واحد من
هؤلاء وبعد الخامسة يسأل الله العفو ويخرج منها بغير تسليم ولا يحتاج إلى رفع يديه
بالتكبير في ما عدا الأولى وينبغي تحفى الإمام فيها ووقوفه بعد فراغه منها حتى ترفع الجنازة
والطهارة من فضلها لا من شرطها. ويكره إعادتها إلا أن يكون الجنازة مقلوبة، فإنه يجب
ذلك. فإن مضى على الميت يوم وليلة بعد دفنه لم يجز أن يصلى عليه.
وما يستحب من الصلاة عند سبب نافلة شهر رمضان يزاد فيه على المرتب في
اليوم والليلة ألف ركعة يبتدئ العشرين ركعة من أول ليلة منه ثمانية بعد نافلة المغرب
والباقي بعد العتمة قبل الوتيرة إلى ليلة النصف يزاد على العشرين ثمانين ركعة تمام المائة
وهي زائدة على الألف وفي ما بعدها من الليالي ترجع إلى ما ابتدأ به أولا إلى أول ليالي الإفراد
وهي ليلة تسع عشرة يتمها مائة ركعة. وكذا في ليلتي أحد وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة
عشرين يمضى على ترتيبه الأول وهو عشرون ركعة ويزيد ليلة الثاني والعشرين عشر ركعات
تمام ثلاثين وكذا في ليلة الرابع والعشرين وما بعدها إلى آخر الشهر اثنتا عشرة ركعة بعد
781

نوافل المغرب، ثماني عشرة بعد العشاء الآخرة وقبل نافلتها وتختم جملة صلاته بالوتيرة
ومن السنة أن يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات ويقرأ ليلة ثلاثة
وعشرين سورة القدر ألف مرة وسورتي العنكبوت والروم ويصلى في كل جمعة منه عشر
ركعات صلاة أمير المؤمنين والزهراء وجعفر وفي آخر جمعة وآخر سبت منه يصلى كل ليلة
منهما عشرين ركعة تمام الألف وصلاة ليلة الفطر ركعتان القراءة في الأولى منهما بعد الحمد
سورة الإخلاص ألف مرة وفي الثانية مرة.
وصلاة يوم المبعث اثنتا عشرة ركعة والقراءة في كل واحد منهما بعد الفاتحة سورة
يس لمن يعرفها وإلا ما تيسر. وصلاة النصف من شعبان أربع ركعات بتشهدين وتسليمتين
كل ركعة منهما مع الحمد قراءة الإخلاص مائة مرة.
وصلاة يوم الغدير ركعتان ووقتهما قبل الزوال بنصف ساعة القراءة في كل واحدة
منهما بعد الحمد سورة الإخلاص عشرا والقدر كذلك وآية الكرسي مثلها والاجتماع فيها
والجهر بالقراءة من كمال فضلها ولو ابتدى قبلها بخطبة مشتملة على الحمد والثناء
والصلاة والولاء والإعلام بفضيلة ذلك اليوم وما خص الله به وليه من النص عليه بالإمامة
وتشريفه بالولاية المؤكدة عهدها على جميع الأمة، لكان أتم فضلا وأعظم أجرا.
وصلاة النبي ص أفضل أوقاتها يوم الجمعة ركعتان يقرأ في كل
واحدة منهما بعد الحمد سورة القدر خمس عشرة مرة ويقرأها كذلك راكعا ومنتصبا منه
وساجدا ورافعا رأسه منه وساجدا ثانيا ورافعا منه يكون جملة قراءتها في الركعتين مائتي مرة
وعشر مرات
وصلاة أمير المؤمنين ع أربع ركعات بمائتي مرة قل هو الله أحد يقرأها
خمسين مرة في كل ركعة بعد الحمد. وصلاة الزهراء ركعتان في الأولى منهما بعد الفاتحة إنا
أنزلناه مائة مرة وفي الثانية الإخلاص مثلها.
وصلاة التسبيح وتسمى الحبوة وهي صلاة جعفر ع أربع ركعات: القراءة
فيها مع الحمد سورة الزلزلة في الأولى وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة
الإخلاص والتسبيح بعد القراءة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يقوله
782

قائما خمس عشرة مرة وراكعا عشرا ومنتصبا منه عشرا وكذا ساجدا أولا وثانيا وجالسا
بين السجدتين وبعد الثانية يكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة جملته فيها ثلاثمائة مرة.
وصلاة الإحرام إما ست ركعات أو ركعتان ووقتها عند القصد إليه وأفضله عقيب
الظهر والقراءة فيها مع الحمد سورتا الجحد والتوحيد.
وصلاة زيارة النبي ص أو أحد الأئمة ع ركعتان يقرأ فيهما
ما يقرأ في صلاة الإحرام ويبتدئ بهما قبل الزيارة إذا كانت عن بعد وإلا بعدها عند رأس
المزار لمن حضره فإن كان أمير المؤمنين صلى بعد زيارته ست ركعات له ولآدم ونوح عليهما
ع إذ هما مدفونان عنده.
وصلاة الاستسقاء ركعتان كصلاة العيدين يبرز الإمام أو من نصبه إلى ظاهر البلد
لصلاتها ويقرأ فيها ما تيسر. ويقنت بين التكبير بما سنح ويخطب بعدها منبها على التوبة
والإقلاع عن المعاصي معلما أنه سبب المحل. وينبغي له تحويل ما على يمينه من الرداء إلى
يساره وبالعكس وتوجهه بمن خلفه إلى القبلة والتكبير بهم مائة مرة ومواجهة يمينه
والتحميد بهم مائة مرة وكذا شماله والتسبيح مائة مرة. ومواجهتهم والاستغفار مائة
ومراجعة استقبال القبلة والإكثار من الدعاء وطلب المعونة بإنزال الغيث وينبغي رفع
الأصوات بجميع ذلك وكثرة الضجيج والتفريق بين الأطفال وآبائهم فيها وصلاة الاستخارة
ركعتان يقرأ فيهما ما يقرأ في صلاة الزيارة ويدعو بعد فراغه بدعائها ويعفر في جبهته
وخديه ويسأل الخير في ما قصد إليه والروايات فيها كثيرة.
وصلاة الحاجة ركعتان يصام لها ثلاثة أيام أفضلها الأربعاء والخميس والجمعة
يصحر بها أو يرتفع إلى أعلى داره وخير أوقاتها قبل زوال الشمس من يوم الجمعة والدعاء
فيها بالمأثور عن الصادقين.
وصلاة الشكر كذلك عند قضاء ما صلى لأجله من الحاجة ويكثر فيها من حمد الله
وشكره على قضائها وكذا بعد فراغه منها.
وصلاة تحية المسجد حين دخوله ركعتان يقدم قبل الابتداء في العبادة.
783

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
785

كتاب الصلاة
والعلم بها يستدعي بيان أربعة أركان:
الركن الأول: في المقدمات: وهي سبع:
المقدمة الأولى: في أعداد الصلاة:
والمفروض منها تسع: صلاة اليوم والليلة والجمعة والعيدين والكسوف والزلزلة
الآيات والطواف والأموات وما يلتزمه الانسان بنذر وشبهه، وما عدا ذلك مسنون.
وصلاة اليوم والليلة خمس: وهي سبع عشرة ركعة في الحضر: الصبح ركعتان
المغرب ثلاثا وكل واحدة من البواقي أربع، ويسقط من كل رباعية في السفر ركعتان.
نوافلها، في الحضر أربع وثلاثون ركعة على الأشهر: أمام الظهر ثمان. وقبل العصر مثلها
بعد المغرب أربع وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة، وإحدى عشرة صلاة
الليل مع ركعتي الشفع والوتر وركعتان للفجر، ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر
والوتيرة على الأظهر. والنوافل كلها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما إلا الوتر وصلاة
الأعرابي، وسنذكر تفصيل باقي الصلوات في مواضعهما إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثانية: في المواقيت:
والنظر في مقاديرها وأحكامها:
أما الأول: فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر، ويختص الظهر
787

من أوله بمقدار أدائها وكذلك العصر من آخره وما بينهما من الوقت مشترك، وكذا إذا
غربت الشمس دخل وقت المغرب ويختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات ثم يشاركها
العشاء حتى ينتصف الليل، ويختص العشاء الأخيرة من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات،
وما بين طلوع الفجر الثاني - المستطير في الأفق - إلى طلوع الشمس وقت للصبح.
ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن
يستقبل القبلة والغروب باستتار القرص، وقيل: بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر،
وقال آخرون: ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شئ مثله وقت للظهر، وللعصر من حين
يمكن الفراع من الظهر حتى يصير الظل مثليه والمماثلة بين الفئ الزائد والظل الأول،
وقيل: بل مثل الشخص، وقيل: أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر هذا للمختار، وما زاد
على ذلك حتى تغرب الشمس وقت لذوي الأعذار، وكذا من غروب الشمس إلى ذهاب
الحمرة للمغرب، والعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار وما زاد عليه حتى
ينتصف الليل للمضطر، وقيل: إلى طلوع الفجر، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة
للمختار في الصبح وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور، وعندي أن ذلك كله
للفضيلة.
ووقت النوافل اليومية، للظهر من حين الزوال، إلى أن تبلغ زيادة الفئ الزائد في
قدمين، وللعصر أربعة أقدام، وقيل: ما دام وقت الاختيار باقيا، وقيل: يمتد وقتها بامتداد
وقت الفريضة والأول أشهر، فإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو بركعة زاحم بها
الفريضة مخففة، وإن لم يكن صلى شيئا بدأ بالفريضة، ولا يجوز تقديمها على الزوال إلا يوم
الجمعة، ويزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال. ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب
الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة، فإن بلغ ذلك ولم يكن صلى النافلة أجمع بدأ بالفريضة،
وركعتان من جلوس بعد العشاء، ويمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة وينبغي أن يجعلهما
خاتمة نوافله. وصلاة الليل بعد انتصافه وكلما قربت من الفجر كان أفضل، ولا يجوز
تقديمها على الانتصاف إلا لمسافر يصده جده أو شاب يمنعه رطوبة رأسه وقضاؤها أفضل،
وآخر وقتها طلوع الفجر الثاني، فإن طلع ولم يكن تلبس منها بأربع بدأ بركعتي الفجر قبل
788

الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية فيشتغل بالفريضة وإن كان قد تلبس بأربع تممها مخففة
ولو طلع الفجر، ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول ويجوز أن يصليهما قبل ذلك
والأفضل إعادتهما، بعده ويمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة ثم تصير الفريضة أولى. ويجوز أن يقضي
الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة وكذا يصلى بقية
الصلوات المفروضات، ويصلى النوافل ما لم يدخل وقت فريضة وكذا قضاؤها.
وأما أحكامها ففيه مسائل:
الأولى: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض، وقد مضى من
الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها، ويسقط القضاء إذا كان دون
ذلك على الأظهر، ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ويكون
مؤديا على الأظهر، ولو أهمل قضى، ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى
الفريضتين لزمته تلك لا غير، وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمته
الفريضتان.
الثانية: الصبي المتطوع بوظيفة الوقت إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باق
يستأنف على الأشبه، وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى على نافلته ولا يجدد نية الفرض.
الثالثة: إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز له التعويل على الظن، فإن فقد
العلم اجتهد فإن غلب على ظنه دخول الوقت صلى، فإن انكشف له فساد الظن قبل
دخول الوقت استأنف وإن كان الوقت قد دخل وهو متلبس - ولو قبل التسليم - لم يعد على
الأظهر، ولو صلى قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة.
الرابعة: الفرائض اليومية مرتبة في القضاء فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقة
عدل بنيته ما دام العدول ممكنا وإلا استأنف المرتبة.
الخامسة: تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها وبعد
صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، ولا بأس بماله سبب كصلاة الزيارات والحاجة
والنوافل المرتبة.
789

السادسة: ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار، وما يفوت نهارا
يستحب تعجيله ولو ليلا ولا ينتظر بها النهار.
السابعة: الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها إلا المغرب والعشاء لمن
أفاض من عرفات فإن تأخيرها إلى المزدلفة أولى ولو صار إلى ربع الليل، والعشاء الأفضل
تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر، والمتنفل يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما،
والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.
الثامنة: لو ظن أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته، وإن
لم يذكر حتى فرع فإن كان قد صلى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلى الظهر على
الأشبه، وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر.
المقدمة الثالثة: في القبلة:
والنظر في القبلة والمستقبل وما يجب له وأحكام الخلل:
الأول: القبلة: وهي الكعبة لمن كان في المسجد، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم،
والحرم لمن خرج عنه على الأظهر. وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية فلو زالت البنية صلى إلى
جهتها كما يصلى من هو أعلى وقفا منها وإن صلى في جوفها استقبل أي جدرانها شاء على
كراهية في الفريضة، ولو صلى على سطحها، أبرز بين يديه منها ما يصلى إليه، وقيل: يستلقي
على ظهره ويصلى مومئا إلى البيت المعمور والأول أصح ولا يحتاج إلى أن ينصب بين يديه
شيئا وكذا لو صلى إلى بابها وهو مفتوح، ولو استطال صف المأمومين في المسجد حتى خرج
بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض، وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت
الركن الذي على جهتهم: فأهل العراق إلى العراقي وهو الذي فيه الحجر وأهل الشام إلى
الشامي والمغرب إلى المغربي واليمن إلى اليماني، وأهل العراق ومن والاهم يجعلون
الفجر على المنكب الأيسر والمغرب على الأيمن والجدي على محاذي خلف المنكب الأيمن وعين
الشمس - عند زوالها على الحاجب الأيمن، ويستحب لهم التياسر إلى يسار المصلي منهم قليلا.
790

الثاني: في المستقبل، ويجب الاستقبال في الصلاة مع العلم بجهة القبلة، فإن
جهلها عول على الأمارات المفيدة للظن وإذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده، قيل:
يعمل على اجتهاده، ويقوى عندي أنه إذا كان ذلك المخبر أوثق في نفسه عول عليه، ولو لم
يكن له طريق إلى الاجتهاد فأخبره كافر، قيل: لا يعمل بخبره، ويقوى عندي أنه إن كان
أفاده الظن عمل به. ويعول على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط، ومن ليس
متمكنا من الاجتهاد كالأعمى يعول على غيره، ومن فقد العلم والظن فإن كان الوقت
واسعا صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات لكل جهة مرة، وإن ضاق عن ذلك صلى من
الجهات ما يحتمله الوقت فإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاها إلى أي جهة شاء.
والمسافر يجب عليه استقبال القبلة ولا يجوز له أن يصلى شيئا من الفرائض على
الراحلة إلا عند الضرورة ويستقبل القبلة، فإن لم يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته،
وينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الإحرام ولو لم
يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلا وكذا المضطر إلى الصلاة ماشيا مع
ضيق الوقت، ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود في فرائض الصلاة،
هل يجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل: نعم وقيل: لا، وهو الأشبه.
الثالث: ما يستقبل له، ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان وعند الذبح
وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه، وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها،
ويجوز أن يصلى على الراحلة سفرا أو حضرا وإلى غير القبلة على كراهية متأكدة في الحضر،
ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند ذبح الدابة
الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة.
الرابع: في أحكام الخلل: وهي مسائل:
الأولى: الأعمى يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد فإن عول على رأيه مع وجوده
المبصر لإمارة وجدها صح وإلا فعليه الإعادة.
الثانية: إذا صلى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثم تبين خطأه، فإن كان
791

منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية وإلا أعاد في الوقت، وقيل: إن بان أنه استدبرها أعاد وإن
خرج الوقت، والأول أظهر. فأما إن تبين الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف على كل حال
إلا أن يكون منحرفا يسيرا فإنه يستقيم ولا إعادة.
الثالثة: إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى، فإن تجدد عنده شك استأنف
الاجتهاد وإلا بنى على الأول.
المقدمة الرابعة: في لباس المصلي: وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه سواء دبغ أو لم يدبغ،
وما لا يؤكل لحمه وهو طاهر في حياته مما يقع عليه الذكاة إذا ذكي كان طاهرا ولا يستعمل في
الصلاة، وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباع؟ قيل: نعم وقيل: لا، وهو الأظهر على
كراهية.
الثانية: الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر سواء جز من حي
أو مذكى أو ميت ويجوز الصلاة فيه، ولو قلع من الميت غسل منه موضع الاتصال وكذا كل
ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهرا في حال الحياة، وما كان نجسا في حال حياته فجميع
ذلك منه نجس على الأظهر، ولا تصح الصلاة في شئ من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه
ولو أخذ من مذكى إلا الخز الخالص، وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان،
أصحهما المنع.
الثالثة: تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنه لا يؤكل اللحم، وقيل: لا يجوز والأول
أظهر، وفي الثعالب والأرانب روايتان، أصحهما المنع.
الرابعة: لا يجوز ليس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه إلا في الحرب وعند
الضرورة كالبرد المانع من نزعه، ويجوز للنساء مطلقا. وفيما لا يتم الصلاة فيه منفردا
كالتكة والقلنسوة تردد والأظهر الكراهية، ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأصح، ويجوز
الصلاة في ثوب مكفوف به وإذا مزج بشئ مما يجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضا
جاز لبسه والصلاة فيه سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه.
792

الخامسة: الثوب المغصوب لا يجوز الصلاة فيه ولو أذن صاحبه لغير الغاصب
أو له جازت الصلاة فيه مع تحقق الغصبية ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب على
الظاهر.
السادسة: لا يجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ويجوز فيما له ساق
كالجورب والخف ويستحب في النعل العربية.
السابعة: كل ما عدا ما ذكرناه يصح الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا
فيه وأن يكون طاهرا وقد بينا حكم الثوب النجس، ويجوز للرجل أن يصلى في ثوب واحد
ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر
القدمين، على تردد في القدمين. ويجوز أن يصلى الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره على
كراهية، وإذا لم يجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق الشجر ومع عدم ما يستر به يصلى عريانا
قائما إن كان يأمن أن يراه أحد وإن لم يأمن صلى جالسا، وفي الحالين يومئ عن الركوع
والسجود. والأمة والصبية تصليان بغير خمار فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب
عليها ستر رأسها فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت، وكذا الصبية إذا بلغت في أثناء
الصلاة بما لا يبطلها.
الثامنة: تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة، والخف وفي ثوب واحد رقيق
للرجال، فإن حكى ما تحته لم يجز، ويكره أن يأتزر فوق القميص وأن يشتمل الصماء
أو يصلى في عمامة لا حنك لها ويكره اللثام للرجل والنقاب للمرأة وإن منع عن القراءة
حرم، وتكره الصلاة في قباء مشدود إلا في الحرب وأن يؤم بغير رداء وأن يصحب شيئا من
الحديد بارزا وفي ثوب يتهم صاحبه، وأن تصلي المرأة في خلخال له صوت، ويكره الصلاة
في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة.
المقدمة الخامسة: في مكان المصلي:
الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه، والإذن قد يكون
بعوض كالأجرة وشبههما وبالإباحة، وهي إما صريحة كقوله: صلى فيه أو بالفحوى كإذنه في
الكون فيه أو بشاهد الحال، كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره، والمكان
793

المغصوب لا تصح فيه الصلاة للغاصب ولا لغيره ممن علم الغصب، وإن صلى
عامدا عالما كانت صلاته باطلة وإن كان ناسيا أو جاهلا بالغصبية صحت صلاته ولو كان
جاهلا بتحريم المغصوب لم يعذر، وإن ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحت صلاته
ولو صلى ولم يتشاغل بالخروج لم تصح، ولو حصل في ملك غيره باذنه ثم أمره بالخروج
وجب عليه، فإن صلى والحال هذه كانت صلاته باطلة ويصلى وهو خارج إن كان الوقت
ضيقا. ولا يجوز أن يصلى وإلى جانبه امرأة تصلي أو أمامه سواء صلت بصلاته أو كانت
منفردة وسواء كانت محرما أو أجنبية، وقيل: ذلك مكروه وهو الأشبه، ويزول التحريم
أو الكراهية إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع، ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع
سجودهما محاذيا لقدمه سقط المنع، ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلى
الرجل أولا ثم المرأة، ولا بأس أن يصلى في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى
إلى ثوبه ولا إلى بدنه، وكان موضع الجبهة طاهرا.
وتكره الصلاة في الحمام وبيوت الغائط ومبارك الإبل ومسكن النمل ومجرى المياه
والأرض السبخة والثلج وبين المقابر إلا أن يكون حائل ولو عنزة أو بينه وبينها عشرة أذرع،
وبيوت النيران وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها وجواد الطرق وبيوت المجوس،
ولا بأس بالبيع والكنائس. ويكره أن تكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر أو تصاوير،
وكما تكره الفريضة في جوف الكعبة تكره على سطحها وتكره: في مرابط الخيل والحمير
والبغال ولا بأس بمرابض الغنم، وفي بيت فيه مجوسي ولا بأس باليهودي والنصراني،
ويكره بين يديه مصحف مفتوح أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها، وقيل: تكره إلى انسان
مواجه أو باب مفتوح.
المقدمة السادسة: في ما يسجد عليه:
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والصوف والشعر والوبر، ولا على ما هو
من الأرض إذا كان معدنا كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير إلا عند الضرورة، ولا على
ما ينبت من الأرض، إذا كان مأكولا بالعادة كالخبز والفواكه وفي القطن والكتان روايتان
794

أشهرهما المنع، ولا يجوز السجود على الوحل فإن اضطر أومأ ويجوز السجود على
القرطاس، ويكره إذا كان فيه كتابة، ولا يسجد على شئ من بدنه فإن منعه الحر عن
السجود على الأرض سجد على ثوبه وإن لم يتمكن فعلى كفه، والذي ذكرناه إنما يعتبر في
موضع الجبهة خاصة لا في بقية المساجد، ويراعى فيه أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه وأن يكون
خاليا من النجاسة، وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل موضع
النجاسة لم يسجد على شئ منه، ويجوز السجود في المواضع المتسعة دفعا للمشقة.
المقدمة السابعة: في الأذان والإقامة:
والنظر في أربعة أشياء:
الأول: فيما يؤذن له ويقام، وهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة أداء
وقضاء للمنفرد والجامع للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسر به المرأة، وقيل: هما شرطان في
الجماعة والأول أظهر ويتأكدان فيما يجهر فيه وأشدهما في الغداة والمغرب، ولا يؤذن لشئ
من النوافل ولا لشئ من الفرائض عدا الخمس بل يقول المؤذن: الصلاة ثلاثا. وقاضي
الصلاة الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم ولو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه
في الفضل، ويصلى يوم الجمعة بأذان وإقامة والعصر بإقامة وكذا في الظهر والعصر
بعرفة.
ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية، ما دامت الأولى لم
تتفرق فإن تفرقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا، وإذا أذن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد
الأذان والإقامة.
الثاني: في المؤذن، ويعتبر فيه العقل والإسلام والذكورة، ولا يشترط البلوغ بل يكفي
كونه مميزا، ويستحب أن يكون عدلا صيتا مبصرا بصيرا بالأوقات. متطهرا قائما على
مرتفع، ولو أذنت المرأة للنساء جاز ولو صلى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع إلى الأذان مستقبلا
صلاته ما لم يركع وفيه رواية أخرى، ويعطي الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به.
الثالث: في كيفية الأذان، ولا يؤذن إلا بعد دخول الوقت وقد رخص تقديمه على
795

الصبح لكن يستحب إعادته بعد طلوعه، والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا:
التكبير أربع والشهادة بالتوحيد ثم بالرسالة ثم يقول: حي على الصلاة ثم حي على
الفلاح ثم حي على خير العمل والتكبير بعده ثم التهليل كل فصل مرتان. والإقامة
فصولها مثنى مثنى ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين ويسقط من التهليل في آخرها مرة
واحدة، والترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة.
ويستحب فيهما سبعة أشياء: أن يكون مستقبل القبلة وأن يقف على أواخر الفصول
ويتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة، وأن لا يتكلم في خلالهما وأن يفصل بينهما بركعتين
أو جلسة أو سجدة إلا في المغرب فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة، وأن يرفع
الصوت به إذا كان ذكرا وكل ذلك يتأكد في الإقامة، ويكره الترجيع في الأذان إلا أن يريد
الإشعار وكذا يكره قول: الصلاة خير من النوم.
الرابع: في أحكام الأذان، وفيه مسائل:
الأولى: من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه ويجوز له
البناء وكذا إن أغمي عليه.
الثانية: إذا أذن ثم ارتد جاز أن يعتد به ويقيم غيره ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع
استأنف على قول.
الثالثة: يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه.
الرابعة: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كره الكلام كراهية مغلظة إلا ما يتعلق
بتدبير المصلين.
الخامسة: يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا وشمالا لكن يلزم سمت القبلة في أذانه.
السادسة: إذا تشاح الناس في الأذان قدم الأعلم ومع التساوي يقرع بينهم.
السابعة: إذا كانوا جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا والأفضل إن كان الوقت متسعا أن
يؤذنوا واحدا بعد واحد.
الثامنة: إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذن
796

منفردا.
التاسعة: من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى والأفضل أن يعيد الإقامة.
العاشرة: من أحدث في الصلاة تطهر وأعادها ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلم.
الحادية عشرة: من صلى خلف إمام لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام فإن خشي فوات
الصلاة اقتصر على تكبيرتين، وعلى قوله: قد قامت الصلاة، وإن أخل بشئ من
فصول الأذان استحب للمأموم أن يتلفظ به.
الركن الثاني: في أفعال الصلاة:
وهي واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية:
الأول: النية:
وهي ركن في الصلاة ولو أخل بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد صلاته، وحقيقتها
استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب، والقربة
والتعيين وكونها أداء وقضاءا ولا عبرة باللفظ. ووقتها عند أول جزء من التكبير، ويجب
استمرار حكمها إلى آخر الصلاة وهو أن لا ينقض النية الأولى، ولو نوى الخروج من
الصلاة لم تبطل على الأظهر وكذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها فإن فعله بطلت وكذا لو نوى
بشئ من أفعال الصلاة الرياء، أو غير الصلاة، ويجوز نقل النية في موارد: كنقل الظهر
يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها وكنقل الفريضة الحاضرة إلى
سابقة عليها مع سعة الوقت.
الثاني: تكبيرة الإحرام:
وهي ركن، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسيانا، وصورتها أن يقول:
الله أكبر، ولا تنعقد بمعناها. ولو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته فإن لم يتمكن من التلفظ بها
كالأعجم لزمه التعلم، ولا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت فإن ضاق أحرم بترجمتها،
797

والأخرس ينطق بها على قدر الإمكان فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة،
والترتيب فيها واجب ولو عكس لم تنعقد الصلاة.
والمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح، ولو كبر ونوى
الافتتاح ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته، وإن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت
الصلاة أخيرا، ويجب أن يكبر قائما فلو كبر قاعدا مع القدرة أو هو آخذ في القيام لم تنعقد
صلاته.
والمسنون فيها أربعة: أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها، وبلفظ أكبر على
وزن أفعل وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها وأن يرفع المصلي يديه بها إلى أذنيه.
الثالث: القيام:
وهو ركن مع القدرة فمن أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته وإذا أمكنه القيام
مستقلا وجب وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام وروي: جواز الاعتماد على
الحائط مع القدرة، ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته وإلا صلى
قاعدا، وقيل: حد ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته والأول أظهر. والقاعد إذا
تمكن من القيام إلى الركوع وجب وإلا ركع جالسا وإذا عجز عن القعود صلى مضطجعا فإن
عجز صلى مستلقيا والأخيران يومئان لركوعهما وسجودهما، ومن عجز عن حالة في أثناء
الصلاة انتقل إلى ما دونها مستمرا كالقائم يعجز فيقعد والقاعد يعجز فيضطجع
والمضطجع يعجز فيستلقي وكذا بالعكس، ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه
فإن لم يقدر أومأ،
والمسنون في هذا الفصل شيئان: أن يتربع المصلي قاعدا في حال قراءته ويثني
رجليه في حال ركوعه، وقيل: ويتورك في حال تشهده.
الرابع: القراءة:
وهي واجبة ويتعين بالحمد في كل ثنائية وفي الأوليين من كل رباعية وثلاثية ويجب
798

قراءتها أجمع، ولا يصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد
وكذا إعرابها. والبسملة آية منها تجب قراءتها معها ولا يجزئ المصلي ترجمتها ويجب ترتب
كلماتها وآيها على الوجه المنقول فلو خالف عمدا أعاد وإن كان ناسيا استأنف القراءة ما لم
يركع وإن ركع مضى في صلاته ولو ذكر، ومن لا يحسنها يجب عليه التعلم فإن ضاق الوقت
قرأ ما تيسر منها وإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها أو سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة ثم
يجب عليه التعلم، والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه. والمصلي في كل ثالثة
ورابعة بالخيار إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبح و الأفضل للإمام القراءة.
وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان
التعلم للمختار، وقيل: لا يجب والأول أحوط، ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها
بعد الحمد، ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض: شيئا من سور العزائم ولا ما يفوت الوقت بقراءته
ولا أن يقرن بين سورتين، وقيل: يكره وهو الأشبه، ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح
وفي أولتي المغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرين من العشاء.
وأقل الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع والإخفات أن يسمع نفسه إن
كان يسمع، وليس على النساء جهر.
والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة في موضع الإخفات في أول الحمد وأول السورة،
وترتيل القراءة والوقف على مواضعه وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل، وأن يقرأ في
الظهرين والمغرب بالسور القصار ك‍ " القدر " و " الجحد "، وفي العشاء ب‍ " الأعلى "
و " الطارق " وما شاكلهما، وفي الصبح ب‍ " المدثر " و " المزمل " وما ماثلهما، وفي غداة الخميس
والاثنين ب‍ " هل أتى " وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة ب‍ " الجمعة " و " الأعلى "، وفي
صبحها: بها و ب‍ " قل هو الله أحد " وفي الظهرين: بها و ب‍ " المنافقين "، ومنهم من يرى
وجوب السورتين في الظهرين وليس بمعتمد ه وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها وفي
الليل: بالطوال ويجهر بها ومع ضيق الوقت يخفف، وأن يقرأ " قل يا أيها الكافرون " في
المواضع السبعة ولو بدأ فيها بسورة " التوحيد " جاز، ويقرأ في أولتي صلاة الليل " قل هو الله
أحد " ثلاثين مرة وفي البواقي بطوال السور، ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو
799

وكذا الشهادتين استحبابا، وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها أو آية نقمة استعاذ منها.
وهاهنا مسائل سبع:
الأولى: لا يجوز قول آمين آخر الحمد، وقيل: هو مكروه.
الثانية: الموالاة في القراءة شرط في صحتها فلو قرأ في خلالها من غيرها استأنف
القراءة وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت وفي قول يعيد الصلاة، أما لو سكت في خلال
القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته.
الثالثة: روى أصحابنا: أن " الضحى " و " أ لم نشرح " سورة واحدة وكذا " الفيل "
و " لإيلاف "، فلا يجوز إفراد أحدهما عن صاحبتها في كل ركعة ولا يفتقر إلى البسملة بينهما
على الأظهر.
الرابعة: إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا لم يعد.
الخامسة: يجزئه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثا، وقيل: يجزئ عشر وفي رواية تسع وفي أخرى أربع، والعمل
بالأول أحوط.
السادسة: من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود
وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع، وإن كان السجود في
آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة.
السابعة: المعوذتان من القرآن، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونفلها.
الخامس: الركوع:
وهو: واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والآيات، وهو ركن في الصلاة وتبطل
بالإخلال به عمدا وسهوا على تفصيل سيأتي، والواجب فيه خمسة أشياء:
الأول: أن ينحني فيه بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، وإن كانت يداه في الطول
بحد تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة، وإذا لم يتمكن من
الانحناء لعارض أتى بما يتمكن منه فإن عجز أصلا اقتصر على الإيماء، ولو كان كالراكع
800

خلقة أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقا.
الثاني: الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدى واجب الذكر مع القدرة ولو كان مريضا لا يتمكن
سقطت عنه كما لو كان العذر في أصل الركوع.
الثالث: رفع الرأس منه، فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلا مع العذر
ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب.
الرابع: الطمأنينة في الانتصاب، وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا.
الخامس: التسبيح فيه، وقيل: يكفي الذكر ولو كان تكبيرا أو تهليلا وفيه تردد، وأقل
ما يجزئ للمختار تسبيحة واحدة تامة وهي: سبحان ربي العظيم وبحمده، أو يقول: سبحان
الله ثلاثا، وفي الضرورة واحدة صغرى. وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد والأظهر
الندب.
والمسنون في هذا القسم: أن يكبر للركوع قائما رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما
ثم يركع، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع ولو كان بأحدهما عذر وضع الأخرى
ويرد ركبتيه إلى خلفه ويسوي ظهره ويمد عنقه موازيا لظهره، وأن يدعو أمام التسبيح وأن
يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد، وأن يرفع الإمام صوته بالذكر فيه وأن يقول بعد
انتصابه: سمع الله لمن حمده، ويدعو بعده. ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه.
السادس: السجود:
وهو واجب في كل ركعة سجدتان، وهما ركن معا في الصلاة تبطل بالإخلال بهما من
كل ركعة عمدا وسهوا ولا تبطل بالإخلال بواحدة سهوا، وواجبات السجود ستة:
الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والكفان والركبتان وإبهاما الرجلين.
الثاني: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فلو سجد على كور العمامة لم يجز.
الثالث: أن ينحني للسجود حتى يساوى موضع جبهته موقفه إلا أن يكون علوا يسيرا
بمقدار لبنة لا أزيد، فإن عرض ما يمنع عن ذلك اقتصر على ما يتمكن منه وإن افتقر إلى رفع
ما يسجد عليه وجب وإن عجز عن ذلك كله أومأ إيماء.
801

الرابع: الذكر فيه، وقيل: يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع.
الخامس: الطمأنينة واجبة إلا مع الضرورة المانعة.
السادس: رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئنا، وفي وجوب التكبير
للأخذ فيه والرفع منه تردد والأظهر الاستحباب.
ويستحب فيه أن يكبر للسجود قائما ثم يهوي للسجود سابقا بيديه إلى الأرض وأن
يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض وأن يرغم بأنفه ويدعو ويزيد على التسبيحة
الواحدة ما تيسر ويدعو بين السجدتين، وأن يقعد متوركا وأن يجلس عقيب السجدة الثانية
مطمئنا ويدعو عند القيام ويعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه، ويكره الإقعاء بين
السجدتين.
مسائل ثلاث:
الأولى: من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمل إذا لم يستغرق الجبهة
يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض فإن تعذر سجد على أحد الجبينين فإن كان
هناك مانع سجد على ذقنه.
الثانية: سجدات القرآن خمس عشرة، أربع منها واجبة وهي: سجدة " الم " و " حم
السجدة " و " النجم " و " اقرأ باسم ربك "، وإحدى عشرة مسنونة وهي في " الأعراف "
و " الرعد " و " النحل " و " بني إسرائيل " و " مريم " و " الحج " في موضعين و " الفرقان " و " النمل "
و " ص " و " إذا السماء انشقت ". والسجود واجب في العزائم الأربع للقارئ والمستمع
ويستحب للسامع على الأظهر وفي البواقي يستحب على كل حال. وليس في شئ من
السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم، ولا يشترط فيها الطهارة ولا استقبال القبلة على
الأظهر، ولو نسيها أتى بها فيما بعد.
الثالثة: سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلوات،
ويستحب بينهما التعفير.
802

السابع: التشهد:
وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعية مرتين ولو أخل بهما أو بأحدهما
عامدا بطلت صلاته، والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء: الجلوس بقدر التشهد و
الشهادتان والصلاة على النبي وعلى آله ع، وصورتهما: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله، ومن لم
يحسن التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت ثم يجب عليه تعلم
ما لا يحسن منه.
ومسنون هذا القسم: أن يجلس متوركا، وصفته: أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج
رجليه جميعا فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر، وأن
يقول: ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء.
الثامن: التسليم:
وهو واجب على الأصح ولا يخرج من الصلاة إلا به، وله عبارتان: إحديهما أن يقول:
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والأخرى أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته، وبكل منهما يخرج من الصلاة وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا.
ومسنون هذا القسم أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة ويومئ بمؤخر عينيه
إلى يمينه والإمام بصفحة وجهه وكذا المأموم، ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة
أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضا.
وأما المسنون في الصلاة فخمسة:
الأول: التوجه بستة تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح، بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو ثم
يكبر اثنتين ويدعو ثم يكبر اثنتين ويتوجه، وهو مخير في السبع أيها شاء أوقع معها نية
الصلاة فيكون ابتداء الصلاة عندها.
الثاني: القنوت، وهو في كل ثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ويستحب أن يدعو فيه
بالأذكار المروية وإلا فيما شاء، وأقله ثلاثة تسبيحات وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع
803

وفي الثانية بعد الركوع، ولو نسيه قضاه بعد الركوع.
الثالث: شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده وفي حال القنوت إلى باطن
كفيه وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه وفي حال السجود إلى طرف أنفه وفي حال تشهده إلى
حجره.
الرابع: شغل اليدين بأن يكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه وفي حال
القنوت تلقاء وجهه وفي حال الركوع على ركبتيه وفي حال السجود بحذاء أذنيه وفي
التشهد على فخذيه.
الخامس: التعقيب وأفضله تسبيح الزهراء ع ثم بما روي من الأدعية
وإلا فبما تيسر.
خاتمة:
قواطع الصلاة قسمان:
أحدهما يبطلها عمدا وسهوا وهو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار
أو خرج كالبول والغائط وما شابهما من موجبات الوضوء، والجنابة والحيض وما شابههما
من موجبات الغسل، وقيل: لو أحدث بما يوجب الوضوء سهوا تطهر وبنى وليس بمعتمد.
الثاني لا يبطلها إلا عمدا وهو وضع اليمين على الشمال وفيه تردد والالتفات إلى
ما وراءه والكلام بحرفين فصاعدا والقهقهة وأن يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال
الصلاة والبكاء لشئ من أمور الدنيا والأكل والشرب على قول إلا في صلاة الوتر لمن
أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة لكن لا يستدبر القبلة، وفي عقص
الشعر للرجل تردد والأشبه الكراهية، ويكره الالتفات يمينا وشمالا، والتثاؤب والتمطي و
العبث ونفخ موضع السجود والتنخم وأن يبصق أو يفرقع أصابعه أو يتأوه أو يئن بحرف
واحد أو يدافع البول والغائط والريح، وإن كان خفه ضيقا استحب له نزعه لصلاته.
804

مسائل أربع:
الأولى: إذا عطس الرجل في الصلاة يستحب له أن يحمد الله وكذا إن عطس غيره
يستحب له تسميته.
الثانية: إذا سلم عليه يجوز أن يرد مثل قوله: سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم
السلام على رواية.
الثالثة: يجوز أن يدعو بكل دعاء يتضمن تسبيحا أو تحميدا أو طلب شئ مباح من
أمور الدنيا والآخرة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا، ولا يجوز أن يطلب شيئا محرما ولو فعل
بطلت صلاته.
الرابعة: يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فرار غريمه أو تردى
طفل وما شابه ذلك، ولا يجوز قطع الصلاة اختيارا.
الركن الثالث: في بقية الصلوات: وفيه فصول:
الفصل الأول: في صلاة الجمعة:
والنظر في الجمعة ومن تجب عليه وآدابها.
النظر الأول: في الجمعة:
الجمعة ركعتان كالصبح يسقط بهما الظهر ويستحب فيهما الجهر وتجب بزوال
الشمس، ويخرج وقتها إذا صار ظل كل شئ مثله ولو خرج الوقت وهو فيها أتم جمعة إماما
كان أو مأموما، وتفوت الجمعة بفوات الوقت ثم لا تقضى جمعة وإنما تقضى ظهرا، ولو وجبت
الجمعة فصلى الظهر وجب عليه السعي لذلك، فإن أدركها وإلا أعاد الظهر ولم يجتزئ
بالأول، ولو تيقن أن الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة وإن تيقن أو غلب
على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة ويصلى ظهرا، فأما لو لم يحضر الخطبة في
أول الصلاة وأدرك مع الإمام ركعة صلى جمعة وكذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول،
ولو كبر وركع ثم شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ لم يكن له جمعة وصلى الظهر.
805

شروط الجمعة:
ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط:
الأول: السلطان العادل أو من نصبه، فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة
وجاز أن تقدم الجماعة من يتم بهم الصلاة وكذا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من
إغماء أو جنون أو حدث.
الثاني: العدد، وهو خمسة، الإمام أحدهم وقيل: سبعة والأول أشبه ولو انفضوا في أثناء
الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب، وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير
وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد.
الثالث: الخطبتان، ويجب في كل واحدة منهما: الحمد لله والصلاة على النبي وآله
ع والوعظ وقراءة سورة خفيفة، وقيل: يجزئ ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها،
وفي رواية سماعة: يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ويقرأ سورة خفيفة من القرآن
ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلى على النبي وآله وعلى أئمة المسلمين
ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرع زالت،
وقيل: لا يصح إلا بعد الزوال والأول أظهر.
ويجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة فلو بدئ بالصلاة لم تصح الجمعة،
ويجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة
خفيفة، وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد والأشبه أنها غير شرط، ويجب أن يرفع صوته
بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا، وفيه تردد.
الرابع: الجماعة، فلا تصح فرادى وإذا حضر إمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدم،
وإن منعه مانع جاز أن يستنيب.
الخامس: أن لا يكون هناك جمعة أخرى، وبينهما دون ثلاثة أميال فإن اتفقتا بطلتا وإن
سبقت إحديهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة، ولو لم يتحقق السابقة أعادا ظهرا.
806

النظر الثاني: في من يجب عليه:
ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف والذكورة والحرية والحضر والسلامة من العمى
والمرض والعرج وأن لا يكون هما ولا بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين، وكل هؤلاء إذا
تكلفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم سوى من خرج عن التكليف، والمرأة
وفي العبد تردد، ولو حضر الكافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه. وتجب
الجمعة على أهل السواد كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشروط وكذا على الساكن
بالخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين.
وهاهنا مسائل:
الأولى: من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة ولو هايأه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت
في يوم نفسه على الأظهر، وكذا المكاتب والمدبر.
الثانية: من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلى الظهر في أول وقتها ولا يجب عليه
تأخيرها حتى تفوت الجمعة بل لا يستحب، ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه.
الثالثة: إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعيين الجمعة، ويكره بعد طلوع الفجر.
الرابعة: الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد، وكذا تحريم الكلام في أثنائها
لكن ليس بمبطل للجمعة.
الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة: كمال العقل والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد والذكورة
ويجوز أن يكون عبدا، وهل يجوز أن يكون أبرص وأجذم؟ فيه تردد والأشبه الجواز وكذا
العمى.
السادسة: المسافر إذا نوى الإقامة في بلد عشرة أيام فصاعدا وجبت عليه الجمعة
وكذا إذا لم ينو الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوما في مصر واحد.
السابعة: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة، وقيل: مكروه والأول أشبه.
الثامنة: يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان فإن باع أثم وكان البيع صحيحا على الأظهر،
ولو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي كان البيع سائغا بالنظر إليه وحراما
807

بالنظر إلى الآخر.
التاسعة: إذا لم يكن الإمام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع
والخطبتان، قيل: يستحب أن يصلى جمعة وقيل: لا يجوز والأول أظهر.
العاشرة: إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام في الأولى، فإن أمكنه السجود
والإلحاق به قبل الركوع صح وإلا اقتصر على متابعته في السجدتين وينوي بهما الأولى، فإن
نوى بهما الثانية قيل: تبطل الصلاة وقيل: يحذفهما و يسجد للأولى ويتم الثانية والأول أظهر.
النظر الثالث: في آدابها:
وأما آداب الجمعة فالغسل والتنفل بعشرين ركعة: ست عند انبساط الشمس
وست عند ارتفاعها وست قبل الزوال وركعتان عند الزوال، ولو أخر النافلة إلى بعد
الزوال جاز وأفضل من ذلك تقديمها وإن صلى بين الفريضتين ست ركعات من النافلة جاز،
وأن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم بعد أن يحلق رأسه ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه،
وأن يكون على سكينة ووقار متطيبا لابسا أفضل ثيابه وأن يدعو أمام توجهه وأن يكون
الخطيب بليغا مواضبا على الصلوات في أول أوقاتها، ويكره له الكلام في أثناء الخطبة
بغيرها.
ويستحب له أن يتعمم شاتيا كان أو قائظا ويرتدي ببردة يمنية، وأن يكون معتمدا على
شئ وأن يسلم أولا وأن يجلس أمام الخطبة، وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى "
الجمعة " وكذا في الثانية يعدل إلى سورة " المنافقين " ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة "
الجحد " و " التوحيد "، ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة، ومن يصلى ظهرا فالأفضل
إيقاعها في المسجد الأعظم، وإذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم
صلاته على الإمام ولو صلى معه ركعتين وأتمها بعد تسليم الإمام ظهرا كان أفضل.
الفصل الثاني: في صلاة العيدين:
والنظر فيها وفي سننها.
808

النظر الأول: في شروطها:
وهي واجبة مع وجود الإمام ع بالشروط المعتبرة في الجمعة، وتجب جماعة
ولا يجوز التخلف إلا مع العذر فيجوز حينئذ أن يصلى منفردا ندبا، ولو اختلت الشرائط
سقط الوجوب واستحب الإتيان بها جماعة وفرادى، ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى
الزوال ولو فاتت لم تقض، وكيفيتها أن يكبر للإحرام ثم يقرأ " الحمد " وسورة والأفضل أن
يقرأ " الأعلى "، ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر ويقنت بالمرسوم حتى يتم خمسا ثم يكبر و
يركع، فإذا سجد السجدتين قام بغير تكبير فيقرأ " الحمد " وسورة والأفضل أن يقرأ "
الغاشية "، ثم يكبر أربعا يقنت بينها أربعا ثم يكبر خامسة للركوع ويركع، فيكون الزائد
عن المعتاد تسعا: خمس في الأولى وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوعين.
النظر الثاني: في سننها:
وسنن هذه الصلاة: الإصحار بها إلا بمكة والسجود على الأرض وأن يقول المؤذنون:
الصلاة ثلاثا فإنه لا أذان لغير الخمس، وأن يخرج الإمام حافيا ماشيا على سكينة ووقار
ذاكرا الله سبحانه وأن يطعم قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به وأن
يكبر في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب ليلة الفطر وآخرها صلاة العيد، وفي
الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة أولها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى وفي الأمصار عقيب
عشر يقول: الله أكبر الله أكبر وفي الثالثة تردد، لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على
ما هدانا وله الشكر على ما أولانا، ويزيد في الأضحى: ورزقنا من بهيمة الأنعام، ويكره الخروج
بالسلاح، وأن يتنفل قبل الصلاة أو بعدها إلا بمسجد النبي ع بالمدينة فإنه
يصلى ركعتين قبل خروجه.
مسائل خمس:
الأولى: التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردد والأشبه الاستحباب وبتقدير
الوجوب. هل القنوت واجب؟ الأظهر لا وبتقدير وجوبه، هل يتعين فيه لفظ؟ الأظهر أنه
809

لا يتعين وجوبا.
الثانية: إذا اتفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة وعلى
الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته، وقيل: الترخيص مختص بمن كان نائيا عن البلد كأهل
السواد دفعا لمشقة العود وهو الأشبه.
الثالثة: الخطبتان في العيدين بعد الصلاة وتقديمهما بدعة ولا يجب استماعهما بل
يستحب.
الرابعة: لا ينقل المنبر من الجامع بل يعمل شبه المنبر من طين استحبابا.
الخامسة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلى صلاة العيد إن كان ممن تجب
عليه، وفي خروجه بعد الفجر وقبل طلوعها تردد والأشبه الجواز.
الفصل الثالث: في صلاة الكسوف:
والكلام في سببها، وكيفيتها، وحكمها.
أما الأول: فتجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة، وهل تجب لما عدا ذلك
من ريح مظلمة وغير ذلك من أخاويف السماء؟ قيل: نعم وهو المروي وقيل: لا بل
يستحب وقيل: تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب، ووقتها في الكسوف من حين
ابتدائه إلى حين انجلائه فإن لم يتسع لها لم تجب وكذا الرياح والأخاويف إن قلنا بالوجوب،
وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث ويصلى بنية الأداء وإن سكنت، ومن لم يعلم بالكسوف
حتى خرج الوقت لم يجب القضاء إلا أن يكون القرص قد احترق كله وفي غير الكسوف
لا يجب القضاء، ومع العلم والتفريط والنسيان يجب القضاء في الجميع.
وأما كيفيتها: فهو أن يحرم ثم يقرأ " الحمد " وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه، فإن كان
لم يتم السورة قرأ من حيث قطع وإن كان أتم قرأ " الحمد " ثانيا ثم قرأ سورة حتى يتم خمسا
على هذا الترتيب، ثم يركع ويسجد اثنتين ثم يقوم ويقرأ " الحمد " وسورة معتمدا ترتيبه
الأول، ويسجد اثنتين ويتشهد ويسلم.
ويستحب فيها الجماعة وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف، وأن يعيد الصلاة إن
810

فرغ قبل الانجلاء وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته، وأن يقرأ السور الطوال مع
سعة الوقت وأن يكبر عند كل رفع رأس من كل ركوع إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول:
سمع الله لمن حمده، وأن يقنت خمس قنوتات.
وأما حكمها، فمسائله ثلاث:
الأولى: إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء
ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى. وقيل: الحاضرة: أولى مطلقا والأول أشبه.
الثانية: إذا اتفق الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف أولى ولو خرج وقت
النافلة، ثم يقضي النافلة.
الثالثة: يجوز أن يصلى صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا، وقيل: لا يجوز
ذلك إلا مع العذر وهو الأشبه.
الفصل الرابع: في الصلاة على الأموات:
وفيه أقسام
الأول: من يصلى عليه:
وهو كل من كان مظهرا للشهادتين أو طفلا له ست سنين ممن له حكم الاسلام،
ويتساوى الذكر في ذلك والأنثى والحر والعبد، ويستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك إذا
ولد حيا فإن وقع سقطا لم يصل عليه ولو ولجته الروح.
الثاني: في المصلي:
وأحق الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه والأب أولى من الابن وكذا الولد أولى من
الجد والأخ والعم، والأخ من الأب والأم أولى ممن يمت بأحدهما والزوج أولى بالمرأة من
عصباتها وإن قربوا، وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى والحر أولى من العبد،
ولا يتقدم الولي إلا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة وإلا قدم غيره، وإذا تساوى الأولياء قدم
811

الأفقه فالأقرأ فالأسن فالأصبح، ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط
الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلفا، والإمام الأصل
أولى بالصلاة من كل أحد والهاشمي أولى من غيره إذا قدمه الولي وكان بشرائط الإمامة.
ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء ويكره أن تبرز عنهن بل تقف في صفهن، وكذا الرجال
العراة وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتم واحدا، وإذا اقتدت النساء
بالرجل وقفن خلفه وإن كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا.
الثالث: في كيفية الصلاة:
وهي خمس تكبيرات والدعاء بينهن غير لازم، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على
التعيين، وأفضل ما يقال ما رواه محمد بن مهاجر عن أمه - أم سلمة - عن أبي عبد الله
ع، قال: كان رسول الله ص إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى
على الأنبياء ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر الخامسة وانصرف،
پو إن كان منافقا اقتصر المصلي على أربع وانصرف بالرابعة، وتجب فيها النية واستقبال
القبلة وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي، وليست الطهارة من شرائطها ولا يجوز التباعد
عن الجنازة كثيرا ولا يصلى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه، فإن لم يكن له كفن جعل
في القبر وسترت عورته وصلى عليه بعد ذلك.
وسنن الصلاة: أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، وإن اتفقا جعل الرجل
مما يلي الإمام والمرأة وراءه ويجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة، ولو كان
طفلا جعل من وراء المرأة، وأن يكون المصلي متطهرا وينزع نعليه ويرفع يديه في أول
تكبيرة إجماعا وفي البواقي على الأظهر، ويستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمنا
وعليه إن كان منافقا وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك وإن جهله سأل الله أن يحشره مع
من كان يتولاه، وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه، وإذا فرع
من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة، وأن يصلى على الجنازة في المواضع المعتادة
ولو صلى في المساجد جاز، ويكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين.
812

مسائل خمس:
الأولى: من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه فإذا فرع أتم ما بقي عليه ولاء ولو رفعت
الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر.
الثانية: إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام.
الثالثة: يجوز أن يصلى على القبر يوما وليلة من لم يصل عليه ثم لا يصلى بعد ذلك.
الرابعة: الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة،
ولو خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه.
الخامسة: إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيرا، إن شاء
استأنف الصلاة عليها وإن شاء أتم الأولى على الأول واستأنف للثاني.
الفصل الخامس: في الصلوات المرغبات:
وهي قسمان: النوافل اليومية وقد ذكرناها، وما عدا ذلك فهو ينقسم على قسمين.
فمنها ما لا يختص وقتا بعينه: وهذا القسم كثير غير أننا نذكر مهمه وهو صلوات:
الأولى: صلاة الاستسقاء: وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار.
وكيفيتها مثل كيفية صلاة العيد غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله
سبحانه وسؤاله الرحمة بإرسال الغيث ويتخير من الأدعية ما تيسر له وإلا فليقل ما نقل في
أخبار أهل البيت ع.
ومسنونات هذه الصلاة: أن يصوم الناس ثلاثة أيام ويكون خروجهم يوم الثالث،
ويستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين فإن لم يتيسر فالجمعة، وأن يخرجوا إلى الصحراء
حفاة على سكينة ووقار ولا يصلوا في المساجد، وأن يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال و
العجائز ولا يخرجوا ذميا ويفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم، فإذا فرع الإمام من صلاته حول
رداءه ثم استقبل القبلة وكبر مائة رافعا بها صوته وسبح الله إلى يمينه كذلك وهلل عن
يساره مثل ذلك، واستقبل الناس وحمد الله مائة وهم يتابعونه في كل ذلك، ثم يخطب ويبالغ
في تضرعاته فإن تأخرت الإجابة كرروا الخروج حتى تدركهم الرحمة. وكما تجوز هذه الصلاة
813

عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
الثانية: صلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة وصلاة الشكر وصلاة الزيارة.
ومنها ما يختص وقتا معينا وهي صلوات خمس:
الأولى: نافلة شهر رمضان، والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان
زيادة على النوافل المرتبة، يصلى في كل ليلة عشرين ركعة: ثمان بعد المغرب واثنتي
عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر، وفي كل ليلة من العشر الأواخر: ثلاثين على الترتيب
المذكور وفي ليالي الإفراد الثلاث في كل ليلة مائة ركعة، وروي: أنه يقتصر في ليالي الإفراد
على المائة حسب فيبقي عليه ثمانون يصلى في كل ليلة جمعة عشر ركعات بصلاة على
وفاطمة وجعفر ع، وفي آخر جمعة عشرين ركعة بصلاة على ع وفي
عشية تلك الجمعة عشرين ركعة بصلاة فاطمة ع.
وصلاة أمير المؤمنين ع أربع ركعات بتشهدين وتسليمين يقرأ في كل ركعة "
الحمد " مرة وخمسين مرة " قل هو الله أحد ".
وصلاة فاطمة ع ركعتان يقرأ في الأولى " الحمد " مرة و " القدر " مائة مرة، وفي
الثانية ب‍ " الحمد " مرة وسورة " التوحيد " مائة مرة.
وصلاة جعفر أربع ركعات بتشهدين وتسليمتين يقرأ في الأولى " الحمد " مرة و " إذا
زلزلت " مرة، ثم يقول خمس عشرة مرة: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثم
يركع ويقولها عشرا وهكذا يقولها عشرا بعد رفع رأسه، وفي سجوده وبعد رفعه وفي سجوده
ثانيا وبعد الرفع منه، فيكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة، ويقرأ في الثانية " والعاديات "
وفي الثالثة " إذا جاء نصر الله والفتح " وفي الرابعة " قل هو الله أحد "، ويستحب أن يدعو في
آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.
الثانية: صلاة ليلة الفطر: وهي ركعتان يقرأ في الأولى " الحمد " مرة وألف مرة " قل هو الله
أحد "، وفي الثانية " الحمد " و " قل هو الله أحد " مرة.
الثالثة: صلاة يوم الغدير: وهو الثامن عشر من ذي الحجة قبل الزوال بنصف ساعة.
الرابعة: صلاة ليلة النصف من شعبان.
814

ض ض
الخامسة: صلاة ليلة المبعث ويومه.
وتفصيل هذه الصلوات وما يقال فيها وبعدها مذكور في كتب العبادات.
خاتمة:
كل النوافل يجوز أن يصليها الانسان قاعدا وقائما أفضل، وإن جعل كل ركعتين
من جلوس مقام ركعة كان أفضل.
الركن الرابع: في التوابع - وفيه فصول:
الفصل الأول: في الخلل الواقع في الصلاة:
وهو إما عن عمد أو سهو أو شك،
أما العمد: فمن أخل بشئ من واجبات الصلاة عامدا فقد أبطل صلاته، شرطا
كان ما أخل به أو جزءا منها أو كيفية أو تركا، وكذا لو فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله
جهلا بوجوبه إلا الجهر والإخفات في مواضعهما، ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلى فيه
أو المكان أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود فلا إعادة.
فروع
الأول: إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبية وصلى أعاد الطهارة
والصلاة، ولو جهل غصبيته لم يعد إحديهما.
الثاني: إذا لم يعلم أن الجلد ميتة فصلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم
أو شراه من سوق المسلمين، فإن أخذه من غير مسلم أو وجده مطروحا أعاد.
الثالث: إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه وصلى أعاد.
وأما السهو: فإن أخل بركن أعاد كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى كبر،
أو بالتكبير حتى قرأ أو بالركوع حتى سجد أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد، وقيل: يسقط
815

الزائد ويأتي بالفائت ويبني، وقيل: يختص هذا الحكم بالأخيرتين ولو كان في الأوليين استأنف
والأول أظهر، وكذا لو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعا أو سجدتين أعاد سهوا وعمدا، وقيل:
لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه كان قد ركع أرسل نفسه، ذكره الشيخ وعلم الهدي،
والأشبه البطلان.
وإن نقص ركعة: فإن ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة أتم ولو كانت ثنائية، و
إن ذكر بعد أن فعل ما يبطلها عمدا أو سهوا أعاد وإن كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام فيه تردد و
الأشبه الصحة، وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر، ولو ترك سجدتين ولم يدر أ هما من ركعتين
أو ركعة؟ رجحنا جانب الاحتياط، ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيتهما هي؟ قيل: يعيد، لأنه لم
تسلم له الأولتان يقينا والأظهر أنه لا إعادة، وعليه سجدتا السهو.
وإن أخل بواجب غير ركن: فمنه ما يتم معه الصلاة من غير تدارك ومنه ما يتدارك
من غير سجود ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو.
فالأول: من نسي القراءة أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما أو قراءة " الحمد " أو قراءة
السورة حتى ركع، أو الذكر في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع رأسه
أو الطمأنينة فيه حتى سجد أو الذكر في السجود أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة
فيه حتى رفع رأسه، أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانيا، أو الذكر في
السجود الثاني أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه منه.
والثاني: من نسي قراءة " الحمد " حتى قرأ سورة استأنف " الحمد " وسورة وكذا لو نسي
الركوع وذكر قبل أن يسجد قام فركع ثم سجد، وكذا من ترك السجدتين أو إحديهما
أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع،
ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو، وقيل: يجب والأول أظهر، ولو ترك الصلاة على
النبي وعلى آله ع حتى سلم قضاهما بعد التسليم.
الثالث: من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى يركع قضاهما أو أحدهما وسجد
سجدتي السهو.
816

وأما الشك: ففيه مسائل:
الأولى: من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح وصلاة السفر وصلاة
العيدين إذا كانت فريضة والكسوف وكذا المغرب.
الثانية: إذا شك في شئ من أفعال الصلاة ثم ذكر، فإن كان في موضعه أتى به وأتم
وإن انتقل مضى في صلاته سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره وسواء كان في الأوليين
أو الأخريين على الأظهر.
تفريع:
إذا تحقق نية الصلاة وشك هل نوى ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا؟
استأنف.
الثالثة: إذا شك في أعداد الرباعية فإن كان في الأوليين أعاد وكذا إذا لم يدر كم صلى،
وإن تيقن الأوليين وشك في الزائد وجب عليه الاحتياط.
ومسائله أربع:
الأولى: من شك بين الاثنين والثلاث بنى على الثلاث وأتم وتشهد وسلم، ثم استأنف
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.
الثانية: من شك بين الثلاث والأربع، بنى على الأربع وتشهد وسلم واحتاط كالأولى.
الثالثة: من شك بين الاثنين والأربع بنى على الأربع وتشهد وسلم ثم أتى بركعتين من
قيام.
الرابعة: من شك بين الاثنين والثلاث والأربع، بنى على الأربع وتشهد وسلم، ثم أتى
بركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
وهاهنا مسائل:
الأولى: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى على الأظهر وكان كالعلم.
817

الثانية: هل يتعين في الاحتياط " الفاتحة " أو يكون مخيرا بينها وبين التسبيح؟ قيل:
بالأول لأنها صلاة منفردة ولا صلاة إلا بها. وقيل: بالثاني لأنها قائمة مقام ثالثة أو رابعة
فيثبت فيها التخيير كما ثبت في المبدل منه، والأول أشبه.
الثالثة: لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط، قيل: تبطل الصلاة ويسقط
الاحتياط لأنها معرضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك، وقيل: لا تبطل لأنها صلاة منفردة
وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل منه في كل حكم.
الرابعة: من سها في سهو، لم يلتفت وبنى على صلاته وكذا إذا سها المأموم عول على
صلاة الإمام، ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ولا حكم للسهو مع كثرته ويرجع في
الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيرا، وقيل: أن يسهو ثلاثا في فريضة وقيل: أن يسهو مرة في
ثلاثة فرائض، والأول أظهر،
الخامسة: من شك في عدد النافلة بنى على الأكثر وإن بنى على الأقل كان أفضل.
خاتمة: في سجدتي السهو:
وهما واجبتان حيث ذكرتا، وفي من تكلم ساهيا أو سلم في غير موضعه أو شك بين
الأربع والخمس، وقيل: في كل زيادة ونقيصة إذا لم يكن مبطلا، ويسجد المأموم مع الإمام
واجبا إذا عرض له السبب ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه، وموضعهما بعد التسليم
للزيادة والنقصان، وقيل: قبله وقيل: بالتفصيل. والأول أظهر، وصورتهما: أن ينوي ثم
يكبر مستحبا ثم يسجد ثم يرفع رأسه ثم يسجد ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهدا خفيفا ثم
يسلم، وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد، ولو وجب هل يتعين بلفظ؟ الأشبه لا، ولو أهملهما
عمدا لم تبطل الصلاة وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدة.
الفصل الثاني: في قضاء الصلوات:
والكلام في سبب الفوات والقضاء ولواحقه،
أما السبب: فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة: الصغر والجنون والإغماء على
818

الأظهر والحيض والنفاس والكفر الأصلي وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من
وضوء أو غسل أو تيمم، وقيل: يقضي عند التمكن والأول أشبه، وما عداه يجب معه القضاء
كالإخلال بالفريضة عمدا أو سهوا عدا الجمعة والعيدين وكذا النوم وإن استوعب الوقت،
ولو زال عقل المكلف بشئ من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء لأنه سبب في زوال
العقل غالبا، ولو أكل غذاءا مؤذيا فآل إلى الإغماء لم يقض، وإذا ارتد المسلم أو أسلم
الكافر ثم كفر وجب عليه قضاء زمان ردته.
وأما القضاء: فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة، ويستحب إذا كانت نافلة
مؤقتة استحبابا مؤكدا فإن فاتت لمرض لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب، ويستحب أن
يتصدق عن كل ركعتين بمد فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد، ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر
ما لم يتضيق وقت حاضرة بترتيب السابقة على اللاحقة كالظهر على العصر والعصر على
المغرب والمغرب على العشاء سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت، فإن فاتته
صلوات لم تترتب على الحاضرة وقيل: تترتب والأول أشبه، ولو كان عليه صلاة فنسيها
وصلى الحاضرة لم يعد ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة ولو صلى الحاضرة مع الذكر أعاد،
ولو دخل في نافلة وذكر في أثنائها أن عليه فريضة استأنف الفريضة. ويقضي صلاة السفر
قصرا ولو في الحضر وصلاة الحضر تماما ولو في السفر.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحا ومغربا وأربعا عما في
ذمته، وقيل يقضي صلاة يوم والأول مروي وهو أشبه، ولو فاتته من ذلك مرات لا يعلمها قضى
حتى يغلب على ظنه أنه وفي.
الثانية: إذا فاتته صلاة معينة ولم يعلم كم مرة كرر من تلك الصلاة حتى يغلب
عنده الوفاء، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميتها ولا عينها صلى أياما متوالية حتى يعلم أن
الواجب دخل في الجملة.
الثالثة: من ترك الصلاة مرة مستحلا قتل إن كان ولد مسلما واستتيب إن كان
819

أسلم عن كفر، فإن امتنع قتل، فإن ادعى الشبهة المحتملة درئ عنه الحد، وإن لم يكن
مستحلا عزر فإن عاد ثانية عزر فإن عاد ثالثة قتل، وقيل: بل في الرابعة وهو الأحوط.
الفصل الثالث: في الجماعة:
والنظر في أطراف:
الأول:
الجماعة مستحبة في الفرائض كلها وتتأكد في الصلوات المرتبة، ولا تجب إلا في
الجمعة والعيدين مع الشرائط، ولا تجوز في شئ من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع
اختلال شرائط الوجوب، وتدرك الصلاة جماعة بإدراك الركوع وبإدراك الإمام راكعا على
الأشبه، وأقل ما تنعقد باثنين الإمام أحدهما، ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع
المشاهدة إلا أن يكون المأموم امرأة، ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية على
تردد، ويجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا،
ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة إذا لم يكن بينهما صفوف متصلة
أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.
ويكره: أن يقرأ المأموم خلف الإمام إلا إذا كانت الصلاة جهرية ثم لا يسمع ولا همهمة،
وقيل: يحرم وقيل: يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه والأول أشبه، ولو كان الإمام ممن
لا يقتدى به وجبت القراءة، وتجب متابعة الإمام فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر وإن كان
ناسيا أعاد و كذا لو هوى إلى سجود أو ركوع، ولا يجوز أن يقف المأموم قدام الإمام.
ولا بد من نية الائتمام والقصد إلى إمام معين فلو كان بين يديه اثنان فنوى الائتمام بهما
أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد، ولو صلى اثنان فقال كل واحد منهما كنت إماما صحت صلاتهما
ولو قال: كنت مأموما لم تصح صلاتهما، وكذا لو شكا فيما أضمراه، ويجوز أن يأتم المفترض
بالمفترض وإن اختلف الفرضان والمتنفل بالمفترض، والمتنفل والمفترض بالمتنفل في
أماكن، وقيل: مطلقا.
ويستحب أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا وخلفه إن كانوا جماعة
820

أو امرأة، ولو كان الإمام امرأة وقفت النساء إلى جانبيها، وكذا إذا صلى العاري بالعراة
جلس وجلسوا في سمته لا يبرز إلا بركبتيه، ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من
يصلى تلك الصلاة جماعة إماما كان أو مأموما، وأن يسبح حتى يركع الإمام إذا أكمل
القراءة قبله وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل، ويكره تمكين الصبيان منه ويكره أن
يقف المأموم وحده إلا أن تمتلئ الصفوف، وأن يصلى المأموم نافلة، إذا أقيمت الصلاة،
ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، على الأظهر.
الطرف الثاني:
يعتبر في الإمام الإيمان والعدالة والعقل وطهارة المولد والبلوع على الأظهر، وألا يكون
قاعدا بقائم ولا أميا بمن ليس كذلك، ولا يشترط الحرية على الأظهر، ويشترط الذكورة إذا
كان المأمومون ذكرانا أو ذكرانا وإناثا. ويجوز أن تؤم المرأة النساء وكذا الخنثى ولا تؤم المرأة رجلا
ولا خنثى، ولو كان الإمام يلحن في قراءته لم يجز إمامته بمتقن على الأظهر وكذا من يبدل
الحرف كالتمتام وشبهه، ولا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة.
وصاحب المسجد والأمارة والمنزل أولى بالتقدم والهاشمي أولى من غيره إذا كان
بشرائط الإمامة، وإذا تشاح الأئمة فمن قدمه المأمومون فهو أولى فإن اختلفوا قدم الأقرأ
فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن فالأصبح، ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين وإذا
مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له
أن يستنيب، ولو فعل ذلك اختيارا جاز أيضا.
ويكره أن يأتم حاضر بمسافر وأن يستناب المسبوق وأن يؤم الأجذم والأبرص والمحدود
بعد توبته والأغلف، وإمامة من يكرهه المأموم، وأن يؤم الأعرابي بالمهاجرين والمتيمم
بالمتطهرين.
الطرف الثالث: في أحكام الجماعة: وفيه مسائل:
الأولى: إذا ثبت أن الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة
821

المؤتم ولو كان عالما أعاد، ولو علم في أثناء الصلاة، قيل: يستأنف وقيل: ينوي الانفراد
ويتم، وهو الأشبه.
الثانية: إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع، ويجوز أن يمشي في ركوعه
حتى يلحق بالصف.
الثالثة: إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام والمرأة وراءه وجوبا على
القول بتحريم المحاذاة وإلا على الندب.
الرابعة: إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة من إلى
جانبيه إذا لم يشاهدوه، ويجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأول لأنهم يشاهدون
من يشاهدوه.
الخامسة: لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بغير عذر فإن نوى الانفراد جاز.
السادسة: الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدة سواء اتصلت السفن
أو انفصلت.
السابعة: إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إذا خشي الفوات
وإلا أتم ركعتين استحبابا، وإن كانت فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل وأتم ركعتين،
ولو كان إمام الأصل قطعها واستأنف معه.
الثامنة: إذا فاته مع الإمام شئ صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وأتم ما بقي عليه،
ولو أدركه في الرابعة دخل معه فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه، ويقرأ في الثانية له
ب‍ " الحمد " وسورة وفي الاثنتين الأخيرتين ب‍ " الحمد "، وإن شاء سبح.
التاسعة: إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبر وسجد معه فإذا سلم قام فاستأنف
بتكبير مستأنف، وقيل: بنى على التكبير الأول والأول أشبه. ولو أدركه بعد رفع رأسه من
السجدة الأخيرة كبر وجلس معه فإذا سلم قام فاستقبل ولا يحتاج إلى استئناف تكبير.
العاشرة: يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وغيرها.
الحادية عشرة: إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخرن إذا
لم يكن للرجال موقف أمامهن.
822

الثانية عشرة: إذا استنيب المسبوق، فإذا انتهت صلاة المأموم أومأ إليهم ليسلموا
ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه.
خاتمة: في ما يتعلق بالمساجد:
يستحب اتخاذ المساجد مكشوفة غير مسقفة وأن تكون الميضاة على أبوابها و أن
تكون المنارة مع الحائط لا في وسطها وأن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى والخارج رجله
اليسرى وأن يتعاهد نعليه وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه، ويجوز نقض ما استهدم دون
غيره ويستحب إعادته ويجوز استعمال آلته في غيره ويستحب كنس المساجد والإسراج
فيها، ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور وبيع آلتها وأن يؤخذ منها في الطرق والأملاك، ومن
أخذ منها شيئا وجب أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه،
ولا يجوز إدخال النجاسة إليها ولا إزالة النجاسة فيها ولا اخراج الحصى منها وإن فعل
أعاده إليها، ويكره تعليتها وأن يعمل لها شرف أو محاريب داخلة في الحائط وأن تجعل طريقا،
ويستحب أن يتجنب البيع والشراء وتمكين المجانين وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوال
وإقامة الحدود وإنشاد الشعر ورفع الصوت وعمل الصنائع والنوم، ويكره دخول من في
فيه رائحة بصل أو ثوم والتنخم والبصاق وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب، وكشف
العورة والرمي بالحصى.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا انهدمت الكنائس والبيع فإن كان لأهلها ذمة لم يجز التعرض لها وإن
كانت في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد.
الثانية: الصلاة المكتوبة في المساجد أفضل من المنزل والنافلة بالعكس.
الثالثة: الصلاة في الجامع بمائة وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين وفي السوق
باثنتي عشرة صلاة.
823

الفصل الرابع: في صلاة الخوف والمطاردة:
صلاة الخوف:
صلاة الخوف مقصورة سفرا وفي الحضر إذا صليت جماعة، فإن صليت فرادى قيل:
يقصر وقيل: لا والأول أشبه، وإذا صليت جماعة فالإمام بالخيار إن شاء صلى بطائفة ثم
بأخرى وكانت الثانية له ندبا على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل، وإن شاء يصلى
كما صلى رسول الله ص بذات الرقاع، ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في
شروطها وكيفيتها وأحكامها.
أما الشروط: فإن يكون الخصم في غير جهة القبلة وأن يكون فيه قوة لا يؤمن أن
يهجم على المسلمين وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين تكفل كل طائفة
بمقاومة الخصم وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.
وأما كيفيتها: فإن كانت الصلاة ثنائية صلى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية
فينوي من خلفه الانفراد واجبا ويتمون ثم يستقبلون العدو، وتأتي الفرقة الأخرى فيحرمون
ويدخلون معه في ثانية وهي أولاهم، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتموا
وجلسوا فتشهد بهم وسلم. فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم وتوقع الإمام
للمأموم حتى يتم وإمامة القاعد بالقائم، وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار إن شاء صلى بالأولى
ركعة وبالثانية ركعتين وإن شاء بالعكس، ويجوز أن يكون كل فرقة واحدا.
وأما أحكامها: ففيها مسائل:
الأولى: كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له وفي حال الانفراد
يكون الحكم على ما قدمناه في باب السهو.
الثانية: أخذ السلاح واجب في الصلاة، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على
قول والجواز أشبه، ولو كان ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز.
الثالثة: إذا سها الإمام سهوا يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه، فإذا سلم
وسجد لم يجب عليها اتباعه.
824

صلاة المطاردة:
وأما صلاة المطاردة وتسمى صلاة شدة الخوف مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة
والمسايفة فيصلي على حسب إمكانه واقفا أو ماشيا أو راكبا، ويستقبل القبلة بتكبيرة
الإحرام ثم يستمر إن أمكنه وإلا استقبل بما أمكن وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن،
وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا ويسجد على قربوس سرجه، وإن لم يتمكن أومأ إيماء
فإن خشي صلى بالتسبيح، ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
فروع:
الأولى: إذا صلى مومئا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف
وقيل: ما لم يستدبر القبلة في أثناء صلاته، وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض الخوف أتم
صلاة خائف ولا يستأنف.
الثاني: من رأى سوادا فظنه عدوا فقصر أو صلى مومئا ثم انكشف بطلان خياله لم
يعد، وكذا لو أقبل العدو فصلى مومئا لشدة خوفه ثم بان هناك حائل يمنع العدو.
الثالث: إذا خاف من سيل أو سبع جاز أن يصلى صلاة شدة الخوف.
تتمة: المتوحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ويومئان لركوعهما وسجودهما
ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف.
الفصل الخامس: في صلاة المسافر:
والنظر في الشروط والقصر ولواحقه:
أما الشروط فستة:
الأول: اعتبار المسافة، وهي مسير يوم بريدان أربعة وعشرون ميلا، والميل أربعة
آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع وعشرون إصبعا تعويلا على المشهور بين الناس
825

أو مد البصر من الأرض، ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود ليومه فقد كمل مسير
يوم ووجب التقصير، ولو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا وعائدا لم يجز القصر وإن
كان ذلك من نيته، ولو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر وإن كان ميلا
إلى الرخصة.
الشرط الثاني: قصد المسافة، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى لم
يقصر ولو زاد المجموع على مسافة التقصير فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصر
وكذا لو طلب دابة شذت له أو غريما أو آبقا، ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم فإن
كان على حد مسافة قصر في سفره وفي موضع توقفه وإن كان دونها أتم حتى تيسر له
الرفقة ويسافر.
الشرط الثالث: أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك
له قد استوطنه ستة أشهر أتم في طريقة وفي ملكه وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة،
ولو كان بينه وبين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة،
ولو كان له عدة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأول فإن كان مسافة قصر في طريقه وينقطع
سفره بموطنه فيتم فيه ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فإن لم يكن مسافة أتم في طريقه
لانقطاع سفره، وإن كان مسافة قصر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه، والوطن
الذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك، قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا متوالية كانت
أو متفرقة.
الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغا واجبا كان كحجة الاسلام أو مندوبا كزيارة
النبي ص أو مباحا كالأسفار للمتاجر، ولو كان معصية لم يقصر كاتباع
الجائر وصيد اللهو، ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر، ولو كان للتجارة قيل: يقصر
في الصوم دون الصلاة وفيه تردد.
الشرط الخامس: ألا يكون سفره أكثر من حضره كالبدوي الذي يطلب القطر
والمكاري والملاح والتاجر الذي يطلب الأسواق والبريد، وضابطه أن لا يقيم ببلد عشرة
أيام فلو أقام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصر، وقيل: ذلك مختص بالمكاري فيدخل في
826

جملته الملاح والأجير والأول أظهر، ولو أقام خمسة قيل: يتم، وقيل: يقصر نهارا صلاته دون
صومه ويتم ليلا، والأول أشبه.
الشرط السادس: تواري الجدران وخفاء الأذان، لا يجوز للمسافر التقصير حتى
تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان، ولا يجوز له الترخص قبل ذلك
ولو نوى السفر ليلا، وكذا في عوده يقصر حتى يبلغ سماع الأذان من مصره، وقيل:
يقصر عند الخروج من منزله ويتم عند دخوله والأول أظهر، وإذا نوى الإقامة في غير بلده
عشرة أيام أتم ودونها يقصر وإن تردد عزمه قصر ما بينه وبين شهر ثم يتم ولو صلاة
واحدة، ولو نوى الإقامة ثم بدا له رجع إلى التقصير ولو صلى صلاة واحدة بنية الإتمام لم
يرجع.
وأما القصر: فإنه عزيمة إلا أن تكون المسافة أربعا ولم يرد الرجوع ليومه على قول
أو في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة والحائر، فإنه مخير والإتمام
أفضل، وإذا تعين القصر فأتم عامدا أعاد على كل حال وإن كان جاهلا بالتقصير
فلا إعادة ولو كان الوقت باقيا، وإن كان ناسيا أعاد في الوقت ولا يقضي إن خرج الوقت،
ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصح وأعاد قصرا، وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر
والوقت باق قيل: يتم بناء على وقت الوجوب وقيل: يقصر اعتبارا بحال الأداء وقيل:
يتخير وقيل: يتم مع السعة ويقصر مع الضيق والتقصير أشبه، وكذا الخلاف لو دخل
الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق والإتمام هنا أشبه. ويستحب أن يقول عقيب كل
فريضة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، جبرا للفريضة. ولا يلزم
المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به بل يقتصر على فرضه ويسلم منفردا.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر، فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان
قصر إذا لم يرجع عن نية السفر وإن كان بحيث يسمعه أو بدا له عن السفر أتم، ويستوي
في ذلك المسافر في البر والبحر.
827

الثانية: لو خرج إلى مسافة فردته الريح، فإن بلغ سماع الأذان أتم وإلا قصر.
الثالثة: إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة أيام ثم خرج إلى ما دون المسافة، فإن
عزم العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد.
الرابعة: من دخل في صلاته بنية القصر ثم عن له الإقامة أتم، ولو نوى الإقامة عشرا
ودخل في صلاته فعن له السفر لم يرجع إلى التقصير وفيه تردد، أما لو جدد العزم بعد
الفراع لم يجز التقصير ما دام مقيما.
الخامسة: الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها فإذا فاتت
قصرا قضيت كذلك، وقيل: الاعتبار في القضاء بحال الوجوب والأول أشبه.
السادسة: إذا نوى المسافة وخفي عليه الأذان وقصر فبدا له لم يعد صلاته.
السابعة: إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم يصل وسافر استحب له قضاؤها ولو في
السفر.
828

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
829

كتاب الصلاة
والنظر في المقدمات والمقاصد
والمقدمات سبع:
المقدمة الأولى: في الأعداد
والواجبات تسع: الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين والكسوف والزلزلة
والآيات والطواف والأموات وما يلتزمه الانسان بنذر وشبهه، وما سواه مسنون.
والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر وإحدى عشرة ركعة في السفر،
ونوافلها أربع وثلاثون ركعة على الأشهر في الحضر: ثمان للظهر قبلها وكذا العصر وأربع
للمغرب بعدها وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان بواحدة، وثمان لليل وركعتان
للشفع وركعة للوتر وركعتان للغداة، ويسقط في السفر نوافل الظهرين، وفي سقوط الوتيرة
قولان، ولكل ركعتين من هذه النوافل تشهد وتسليم، وللوتر بانفراده.
المقدمة الثانية: في المواقيت:
والنظر في تقديرها ولواحقها:
أما الأول: فالروايات فيه مختلفة ومحصلها، اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار
أدائها ثم يشترك الفرضان في الوقت، والظهر مقدمة حتى يبقى للغروب مقدار أداء
831

العصر فتختص به ثم يدخل وقت المغرب، فإذا مضى مقدار أدائها اشترك الفرضان.
والمغرب مقدمة حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء فتختص به، وإذا طلع
الفجر دخل وقت صلاته ممتدا حتى تطلع، الشمس، ووقت نافلة الظهر حين الزوال حتى
يصير الفئ على قدمين، ونافلة العصر إلى أربعة أقدام، ونافلة المغرب بعدها حتى تذهب
حمرة المغربية. وركعتا الوتيرة تمتد بامتداد العشاء، وصلاة الليل بعد انتصافه وكلما قرب
من الفجر كان أفضل، وركعتا الفجر بعد الفراع من الوتر وتأخيرها حتى يطلع الفجر الأول
أفضل ويمتد حتى تطلع الحمرة.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: يعلم الزوال بزيادة الظل بعد انتقاصه وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن ممن
يستقبل القبلة، ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.
الثانية: قيل: لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ولا تصلي قبله
إلا مع العذر، والأظهر الكراهية.
الثالثة: لا تقدم صلاة الليل على الانتصاف إلا لشاب تمنعه رطوبة رأسه أو لمسافر،
وقضاؤها أفضل.
الرابعة: إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثم خرج وقتها أتمها متقدمة على الفريضة،
وكذا العصر.
وأما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة ولم يكملها بدأ بالعشاء.
الخامسة: إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت النافلة عدا ركعتي الفجر، ولو تلبس من
صلاة الليل بأربع زاحم بها الصبح ما لم يخش فوات الفرض، ولو كان التلبس بما دون الأربع
ثم طلع الفجر بدأ بالفريضة وقضى نافلة الليل.
السادسة: تصلي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة،
والنوافل ما لم يدخل وقت الفريضة.
السابعة: يكره ابتداء النوافل عند طلوع الشمس وغروبها، وقيامها نصف النهار
وبعد الصبح والعصر عدا النوافل المرتبة وما له سبب.
832

الثامنة: الأفضل في كل صلاة تقديمها في أول أوقاتها إلا ما نستثنيه في مواضعه إن شاء
الله تعالى.
التاسعة: إذا صلى ظانا دخول الوقت ثم تبين الوهم أعاد إلا أن يدخل الوقت ولم يتم،
وفيه قول آخر.
الثالثة في القبلة:
وهي الكعبة مع الإمكان وإلا فجهتها وإن بعد، وقيل: هي قبلة لأهل المسجد الحرام
والمسجد قبلة من صلى في الحرم والحرم قبلة أهل الدنيا وفيه ضعف، ولو صلى في وسطها
استقبل أي جدرانها شاء، ولو صلى على سطحها أبرز بين يديه شيئا منها ولو كان قليلا،
وقيل: يستلقي ويصلى مومئا إلى البيت المعمور.
ويتوجه أهل كل إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم، فأهل المشرق يجعلون المشرق
إلى المنكب الأيسر والمغرب إلى الأيمن والجدي خلف المنكب الأيمن والشمس عند الزوال
محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف، وقيل: يستحب التياسر لأهل الشرق عن سمتهم
قليلا وهو بناء على أن توجههم إلى الحرم.
وإذا فقد العلم بالجهة والظن صلى الفريضة إلى أربع جهات ومع الضرورة أو ضيق
الوقت يصلى إلى أي جهة شاء، ومن ترك الاستقبال عمدا أعاد. ولو كانا ظانا أو ناسيا
وتبين الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق والمغرب، ويعيد الظان ما صلاه إلى المشرق والمغرب
في وقته لا ما خرج وقته وكذا لو استدبر القبلة، وقيل: يعيد وإن خرج الوقت. ولا يصلى
الفريضة على الراحلة اختيارا، ويرخص في النافلة سفرا حيث توجهت الراحلة.
الرابعة: في لباس المصلي:
لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ وكذا ما لا يؤكل لحمه ولو ذكي ودبغ ولا في صوفه
وشعره ووبره ولو كان قلنسوة أو تكة، ويجوز استعماله لا في الصلاة، ولو كان مما يؤكل لحمه
جاز في الصلاة وغيرها، وإن أخذ من الميتة جزا أو قلعا مع غسل موضع الاتصال نتفا،
ويجوز في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب، وفي فرو السنجاب قولان،
أظهرهما الجواز وفي الثعالب والأرانب روايتان أشهرهما المنع.
833

ولا يجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة أو في الحرب، وهل يجوز
للنساء من غير ضرورة؟ فيه قولان أظهرهما الجواز، وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد
أظهره الجواز مع الكراهية، وهل يجوز الركوب عليه والافتراش له؟ المروي نعم، ولا بأس
بثوب مكفوف به، ولا يجوز في ثوب مغصوب مع العلم ولا فيما يستر ظهر القدم ما لم يكن
له ساق كالخف.
ويستحب في النعل العربية ويكره في الثياب السود ما عدا العمامة والخف وفي الثوب
الذي يكون تحته وبر الأرانب والثعالب أو فوقه وفي ثوب واحد للرجال، ولو حكى ما تحته لم
يجز، وأن يأتزر فوق القميص وأن يشتمل الصماء، وفي عمامة لا حنك لها وأن يؤم بغير رداء
وأن يصحب معه حديدا ظاهرا، وفي ثوب يتهم صاحبه وفي قباء فيه تماثيل أو خاتم فيه
صورة.
ويكره للمرأة أن تصلي في خلخال له صوت أو متنقبة، ويكره للرجال اللثام، وقيل:
يكره في قباء مشدود إلا في الحرب.
مسائل ثلاث:
الأولى: ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة وأن يكون مملوكا أو مأذونا فيه.
الثانية: يجب للرجل ستر قبله ودبره وستر ما بين السرة والركبة أفضل وستر جسده
كله مع الرداء أكمل، ولا تصلي الحرة إلا في درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه
والكفين، وفي القدمين تردد أشبهه الجواز، والأمة والصبية تجتزئان بستر الجسد وستر
الرأس مع ذلك أفضل.
الثالثة: يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر
والطين، ولو لم يجد ساترا صلى عريانا قائما مومئا إذا أمن المطلع، ومع وجوده يصلى
جالسا مومئا للركوع والسجود.
834

المقدمة الخامسة: في مكان المصلي:
يصلى في كل مكان إذا كان مملوكا أو مأذونا فيه، ولا يصح في المكان المغصوب مع
العلم، وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلى قولان: أحدهما المنع سواء صلت بصلاته
أو منفردة محرما كانت أو أجنبية، والآخر الجواز على كراهية. ولو كان بينهما حائل أو تباعدت
عشرة أذرع فصاعدا أو كانت متأخرة عنه ولو بمسقط الجسد صحت صلاتهما، ولو كانا في
مكان لا يمكن فيه التباعد صلى الرجل أولا ثم المرأة. ولا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا
لم تتعد نجاسته ولا طهارة موضع السجدة عدا موضع الجبهة.
ويستحب صلاة الفريضة في المسجد إلا في الكعبة، والنافلة في المنزل.
ويكره الصلاة في الحمام وبيوت الغائط ومبارك الإبل ومساكن النمل، ومرابط الخيل
والبغال والحمير وبطون الأودية وأرض السبخة والثلج إذا لم تتمكن جبهته من السجود،
وبين المقابر إلا مع حائل وفي بيوت المجوس والنيران والخمور وفي جواد الطرق، وأن يكون
بين يديه نار مضرمة أو مصحف مفتوح أو حائط ينز من بالوعة، ولا بأس بالبيع والكنائس
ومرابض الغنم، وقيل: يكره إلى باب مفتوح أو انسان مواجه.
المقدمة السادسة: فيما يسجد عليه:
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والصوف، ولا يخرج باستحالته عن
اسم الأرض كالمعادن، ويجوز على الأرض وما ينبت منها ما لم يكن مأكولا بالعادة وفي الكتان
والقطن روايتان أشهرهما المنع إلا مع الضرورة، ولا يسجد على شئ من بدنه، فإن منعه الحر
سجد على ثوبه. ويجوز السجود على الثلج والقير وغيره مع عدم الأرض وما ينبت منها، فإن
لم يكن فعلى كفه. ولا بأس بالقرطاس، ويكره منه ما فيه كتابة ويراعى فيه أن يكون مملوكا
أو مأذونا فيه خاليا من نجاسة.
المقدمة السابعة: في الأذان والإقامة:
والنظر في المؤذن وما يؤذن له وكيفية الأذان والإقامة ولواحقهما:
835

أما المؤذن: فيعتبر فيه العقل والإسلام ولا يعتبر فيه البلوغ، والصبي يؤذن والعبد
يؤذن، وتؤذن المرأة للنساء خاصة.
ويستحب أن يكون عادلا صيتا بصيرا بالأوقات متطهرا قائما على مرتفع مستقبل
القبلة رافعا صوته وتسر به المرأة، ويكره الالتفات به يمينا وشمالا، ولو أخل بالأذان والإقامة
ناسيا وصلى تداركهما ما لم يركع واستقبل صلاته، ولو تعمد لم يرجع.
وأما ما يؤذن له: فالصلوات الخمس لا غير، أداء وقضاء استحبابا للرجال والنساء،
والمنفرد والجامع وقيل: يجبان في الجماعة، ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه وآكده الغداة
والمغرب. وقاضي الفرائض الخمس يؤذن لأول ورده ثم يقيم لكل صلاة واحدة، ولو جمع بين
الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل. ويجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد
وإقامتين، ولو صلى في مسجد جماعة ثم جاء الآخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا ما دامت الصفوف
باقية، ولو انفضت أذن الآخرون وأقاموا، ولو أذن بنية الانفراد ثم أراد الاجتماع استحب له
الاستئناف.
وأما كيفيته: فلا يؤذن لفريضة إلا بعد دخول وقتها، ويتقدم في الصبح رخصة لكن
يعيده بعد دخوله، وفصولهما على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا، والأذان ثمانية
عشر فصلا والإقامة سبعة عشر فصلا، وكله مثنى عدا التكبير في أول الأذان فإنه أربع
والتهليل في آخر الإقامة فإنه مرة والترتيب فيه شرط، والسنة فيه الوقوف على فصوله
متأنيا في الأذان حادرا في الإقامة، والفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة،
خلا المغرب فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة. ويكره الكلام في
خلالهما، والترجيع إلا للإشعار وقول: الصلاة خير من النوم.
وأما اللواحق: فمن السنة حكايته عند سماعه، وقول ما يخل به المؤذن والكف عن
الكلام بعد قوله: " قد قامت الصلاة " إلا بما يتعلق بالصلاة.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به في الجماعة ولو كان المؤذن منفردا.
836

الثانية: من أحدث في الصلاة أعادها ولا يعيد الإقامة إلا مع الكلام.
الثالثة: من صلى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، ولو خشي فوات الصلاة
اقتصر من فصوله على تكبيرتين وقد " قامت الصلاة ".
وأما المقاصد فثلاثة:
الأول: في أفعال الصلاة:
وهي واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية:
الأول: في النية، وهي ركن وإن كانت بالشرط أشبه فإنها تقع مقارنة، ولا بد من نية
القربة والتعيين والوجوب أو الندب والأداء أو القضاء، ولا يشترط نية القصر ولا الإتمام
ولو كان مخيرا، ويتعين استحضارها عند أول جزء من التكبير، واستدامتها حكما.
الثاني: التكبير، وهو ركن في الصلاة وصورته: الله أكبر مرتبا، ولا ينعقد بمعناه ولا مع
الإخلال ولو بحرف، ومع التعذر تكفي الترجمة، ويجب التعلم ما أمكن، والأخرس ينطق
بالممكن ويعقد قلبه بها مع الإشارة، ويشترط فيها القيام، ولا يجزئ قاعدا مع القدرة،
وللمصلي الخيرة في تعيينها من السبع، وسننها النطق بها على وزن " أفعل " من غير مد
وإسماع الإمام من خلفه، وأن يرفع بها المصلي يديه محاذيا وجهه.
الثالث: القيام، وهو ركن مع القدرة ولو تعذر الاستقلال اعتمد، ولو عجز عن البعض
أتى بالممكن ولو عجز أصلا صلى قاعدا، وفي حد ذلك قولان أصحهما مراعاة التمكن،
ولو وجد القاعد خفة نهض قائما حتما، ولو عجز عن القعود صلى مضطجعا مومئا وكذا
لو عجز صلى مستلقيا. ويستحب أن يتربع القاعد قارئا ويثني رجليه راكعا، وقيل: يتورك
متشهدا.
الرابع: القراءة، وهي متعينة ب‍ " الحمد " والسورة في كل ثنائية وفي الأوليين من كل
رباعية وثلاثية، ولا تصح الصلاة مع الإخلال بها عمدا ولو بحرف وكذا الإعراب، وترتيب
آياتها في " الحمد " والسورة وكذا البسملة في " الحمد " والسورة، ولا تجزئ الترجمة ولو ضاق
الوقت قرأ ما يحسن بها، ويجب التعلم ما أمكن، ولو عجز قرأ من غيرها ما تيسر وإلا سبح
837

الله وكبره وهلله بقدر القراءة. ويحرك الأخرس لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه، وفي وجوب
سورة مع " الحمد " في الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلم قولان أظهرهما
الوجوب.
ولا يقرأ في الفرائض عزيمة ولا ما يفوت الوقت بقراءتها، ويتخير المصلي في كل ثالثة
ورابعة بين قراءة الحمد والتسبيح، ويجهر من الخمس واجبا في الصبح وأوليي المغرب
والعشاء ويسر في الباقي وأدناه أن يسمع نفسه، ولا تجهر المرأة،. ومن السنن: الجهر
بالبسملة في موضع الإخفات من أول " الحمد " والسورة وترتيل القراءة، وقراءة سورة بعد
" الحمد " في النوافل، والاقتصار في الظهرين والمغرب على قصار المفصل وفي الصبح
على مطولاته وفي العشاء على متوسطاته وفي ظهري الجمعة بها و ب‍ " المنافقين "، وكذا
لو صلى الظهر جمعة على الأظهر. ونوافل النهار إخفات والليل جهر، ويستحب إسماع
الإمام من خلفه قراءته ما لم تبلغ العلو، وكذا الشهادتين.
مسائل أربع:
الأولى: يحرم قول " آمين " آخر " الحمد " وقيل: يكره.
الثانية: و " الضحى " و " أ لم نشرح " سورة واحدة، وكذا " الفيل " و " الإيلاف " وهل تعاد
البسملة بينهما؟ قيل: لا، وهو الأشبه.
الثالثة: يجزئ بدل " الحمد " من الأواخر تسبيحات أربع صورتها: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وروي تسع وقيل: عشر وقيل: اثنا عشر، وهو الأحوط.
الرابعة: لو قرأ في النافلة إحدى العزائم سجد عند ذكره ثم يقوم فيتم ويركع، ولو كان
السجود في آخرها قام وقرأ " الحمد " استحبابا ليركع عن قراءة.
الخامسة: الركوع، وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والزلزلة، وهو ركن في
الصلاة.
والواجب فيه خمسة: الانحناء قدر ما تصل معه كفاه إلى ركبتيه ولو عجز اقتصر على
الممكن وإلا أومأ، والطمأنينة بقدر الذكر الواجب، وتسبيحة واحدة كبيرة صورتها: سبحان
838

ربي العظيم وبحمده أو سبحان الله ثلاثا ومع الضرورة تجزئ واحدة صغرى وقيل:
يجزئ الذكر فيه وفي السجود، ورفع الرأس، والطمأنينة في الانتصاب.
والسنة فيه: أن يكبر له رافعا يديه محاذيا بهما وجهه ثم يركع بعد إرسالهما ويضعهما على
ركبتيه مفرجات الأصابع، رادا ركبتيه إلى خلفه مسويا ظهره مادا عنقه، داعيا أمام التسبيح
مسبحا ثلاثا كبرى فما زاد، قائلا بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده داعيا بعده، ويكره أن
يركع ويداه تحت ثيابه.
السادس: السجود، ويجب في كل ركعة سجدتان وهما ركن في الصلاة، وواجباته
سبع: السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين، ووضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه، وألا يكون موضع السجود عاليا بما يزيد عن لبنة
ولو تعذر الانحناء رفع ما يسجد عليه، ولو كان بجبهته دمل احتفر حفيرة ليقع السليم على
الأرض، ولو تعذر السجود سجد على أحد الجبينين وإلا فعلى ذقنه ولو عجز أومأ والذكر فيه
أو التسبيح كالركوع، والطمأنينة بقدر الذكر الواجب، ورفع الرأس مطمئنا عقيب الأولى.
وسننه: التكبير الأول قائما والهوى بعد إكماله سابقا بيديه، وأن يكون موضع سجوده
مساويا لموقفه وأن يرغم بأنفه ويدعو قبل التسبيح والزيادة على التسبيحة الواحدة،
والتكبيرات ثلاثا ويدعو بين السجدتين، والقعود متوركا والطمأنينة عقيب رفعه من الثانية
والدعاء، ثم يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه، ويكره الإقعاء بين السجدتين.
السابع: التشهد، وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعية مرتين، وكل
تشهد يشتمل على خمسة: الجلوس بقدره والطمأنينة والشهادتان والصلاة على النبي وآله
وأقله: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يأتي
بالصلاة على النبي وآله.
وسننه: أن يجلس متوركا ويخرج رجليه ثم يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض وظاهر
اليمنى إلى باطن اليسرى، والدعاء بعد الواجب ويسمع الإمام من خلفه.
الثامن: التسليم، وهو واجب في أصح القولين، وصورته: السلام علينا وعلى عباد
839

الله الصالحين أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا.
والسنة فيه: أن يسلم المنفرد تسليمة إلى القبلة ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه والإمام
بصفحة وجهه، والمأموم تسليمتين يمينا وشمالا.
ومندوبات الصلاة خمسة:
الأول: التوجه بسبع تكبيرات واحدة منها الواجبة بينها ثلاثة أدعية، يكبر ثلاثا ثم
يدعو واثنتين ثم يدعو ثم اثنتين ويتوجه.
الثاني: القنوت في كل ثانية قبل الركوع إلا في الجمعة فإنه في الأولى قبل الركوع وفي
الثانية بعده، ولو نسي القنوت قضاه بعد الركوع.
الثالث: نظره قائما إلى موضع سجوده وقانتا إلى باطن كفيه وراكعا إلى ما بين رجليه
وساجدا إلى طرف أنفه ومتشهدا إلى حجره.
الرابع: وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه وقانتا تلقاء وجهه وراكعا على
ركبتيه وساجدا بحذاء أذنيه ومتشهدا على فخذيه.
الخامس: التعقيب ولا حصر له، وأفضله تسبيح الزهراء ع.
خاتمة
يقطع الصلاة ما يبطل الطهارة ولو كان سهوا، والالتفات دبرا والكلام بحرفين
فصاعدا عمدا وكذا القهقهة والفعل الكثير الخارج عن الصلاة والبكاء لأمور الدنيا،
وفي وضع اليمين على الشمال قولان، أظهرهما الإبطال.
ويحرم قطع الصلاة إلا لخوف ضرر مثل فوات غريم أو تردى طفل، وقيل: يقطعها
الأكل والشرب إلا في الوتر لمن عزم على الصوم ولحقه عطش. وفي جواز الصلاة بشعر
معقوص قولان، أشبههما الكراهية.
ويكره الالتفات يمينا وشمالا والتثاؤب والتمطي والعبث ونفخ موضع السجود،
والتنخم والبصاق وفرقعة الأصابع والتأوه بحرف ومدافعة الأخبثين ولبس الخف ضيقا.
ويجوز للمصلي تشميت العاطس ورد السلام مثل قوله: السلام عليكم، والدعاء في أحوال
الصلاة بسؤال المباح دون المحرم.
840

المقصد الثاني: في بقية الصلوات:
وهي واجبة ومندوبة:
فالواجبات منها:
الجمعة، وهي ركعتان يسقط معها الظهر، ووقتها ما بين الزوال حتى يصير ظل كل
شئ مثله، وتسقط بالفوات وتقضى ظهرا، ولو لم يدرك الخطبتين أجزأته الصلاة وكذا
لو أدرك مع الإمام الركوع ولو في الثانية. ويدرك الجمعة بإدراكه راكعا على الأشهر، ثم النظر
في شروطها ومن تجب عليه ولواحقها، وسننها.
والشروط خمسة:
الأول: السلطان العادل.
الثاني: العدد، وفي أقله روايتان أشهرهما خمسة الإمام أحدهم.
الثالث: الخطبتان، ويجب في الأولى حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله وقراءة
سورة خفيفة، وفي الثانية حمد الله تعالى والصلاة على النبي ص
وأئمة المسلمين والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات. ويجب تقديمهما على الصلاة وأن يكون
الخطيب قائما مع القدرة، وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردد، أحوطه الوجوب،
ولا يشترط فيهما الطهارة، وفي جواز إيقاعهما قبل الزوال روايتان، أشهرهما الجواز.
ويستحب أن يكون الخطيب بليغا مواظبا على الصلاة متعمما مرتديا ببرد يمني معتمدا في
حال الخطبة على شئ، وأن يسلم أولا ويجلس أمام الخطبة ثم يقوم فيخطب جاهرا.
الرابع: الجماعة، فلا تصح فرادى.
الخامس: ألا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال.
والذي تجب عليه: كل مكلف ذكر حر سليم من المرض والعرج والعمى، غيرهم
ولا مسافر، وتسقط عنه لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين، ولو حضر أحد هؤلاء
وجبت عليه عدا الصبي والمجنون والمرأة.
841

وأما اللواحق فسبع:
الأولى: إذا زالت الشمس وهو حاضر حرم عليه السفر لتعين الجمعة، ويكره بعد
الفجر.
الثانية: يستحب الإصغاء إلى الخطبة وقيل: يجب، وكذا الخلاف في تحريم الكلام
معها.
الثالثة: الأذان الثاني بدعة وقيل: مكروه.
الرابعة: يحرم البيع بعد النداء ولو باع انعقد.
الخامسة: إذا لم يكن الإمام موجودا وأمكن الاجتماع والخطبتان استحب الجماعة،
ومنعه قوم.
السادسة: إذا حضر إمام الأصل مصرا لم يؤم غيره إلا لعذر.
السابعة: لو ركع مع الإمام في الأولى ومنعه زحام عن السجود لم يركع مع الإمام في
الثانية، فإذا سجد الإمام سجد ونوى بهما للأولى، ولو نوى بهما للأخيرة بطلت الصلاة وقيل:
يحذفهما ويسجد للأولى.
وسنن الجمعة: التنفل بعشرين ركعة: ست عند انبساط الشمس وست عند ارتفاعها
وست قبل الزوال وركعتان عنده، وحلق الرأس وقص الأظفار، والأخذ من الشارب،
ومباكرة المسجد على سكينة ووقار متطيبا لابسا أفضل ثيابه، والدعاء أمام التوجه.
ويستحب الجهر جمعة وظهرا، وأن تصلي في المسجد ولو كانت ظهرا وأن يقدم
المصلي ظهره إذا لم يكن الإمام مرضيا، ولو صلى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليم الإمام جاز.
ومنها صلاة العيدين، وهي واجبة جماعة بشروط الجمعة ومندوبة مع عدمها جماعة
وفرادى، ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم يقض. وهي ركعتان: يكبر في
الأولى خمسا وفي الثانية أربعا بعد قراءة " الحمد " والسورة في الركعتين وقبل تكبير الركوع
على الأشهر، ويقنت مع كل تكبيرة بالمرسوم استحبابا.
وسننها: الإصحار بها والسجود على الأرض وأن يقول المؤذن: الصلاة ثلاثا، وخروج
الإمام حافيا على سكينة ووقار وأن يطعم قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى
842

مما يضحي به، وأن يقرأ في الأولى ب‍ " الأعلى " وفي الثانية ب‍ " والشمس ".
والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات: أولها المغرب وآخرها صلاة العيد، وفي
الأضحى عقيب خمس عشرة: أولها ظهر يوم العيد لمن كان ب‍ " منى " وفي غيرها عقيب عشر،
يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا
من بهيمة الأنعام، وفي الفطر يقول: الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر على ما هدانا، ويكره الخروج بالسلاح وأن يتنفل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد
النبي ص قبل خروجه.
مسائل خمس:
الأولى: قيل: التكبير الزائد واجب والأشبه الاستحباب وكذا القنوت.
الثانية: من حضر العيد فهو بالخيار في حضور الجمعة ويستحب للإمام إعلامهم بذلك.
الثالثة: الخطبتان بعد صلاة العيدين، وتقديمهما بدعة ولا يجب استماعهما.
الرابعة: لا ينقل المنبر بل يعمل منبر من طين.
الخامسة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلى العيد، ويكره قبل ذلك.
ومنها صلاة الكسوف، والنظر في سببها وكيفيتها وأحكامها:
وسببها: كسوف الشمس أو خسوف القمر والزلزلة، وفي رواية تجب لأخاويف السماء،
ووقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء، ولا قضاء مع الفوات وعدم العلم واحتراق
بعض القرص، ويقضي لو علم وأهمل أو نسي، وكذا لو احترق القرص كله على
التقديرات.
وكيفيتها: أن ينوي ويكبر ويقرأ " الحمد " وسورة أو بعضها ثم يركع، فإذا انتصب قرأ
" الحمد " ثانيا، وسورة إن كان أتم في الأولى وإلا قرأ من حيث قطع، فإذا أكمل خمسا سجد
اثنتين ثم قام بغير تكبيرة فقرأ وركع معتمدا ترتيبه الأول ثم يتشهد ويسلم.
ويستحب فيها الجماعة والإطالة بقدر الكسوف وإعادة الصلاة إن فرع قبل
الانجلاء، وأن يكون ركوعه بقدر قراءته وأن يقرأ السور الطوال مع السعة، ويكبر كلما
843

انتصب من الركوع إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وأن يقنت
خمس قنوتات.
والأحكام فيها: اثنان:
الأول: إذا اتفق في وقت حاضرة تخير في الإتيان بأيهما شاء، على الأصح ما لم يتضيق
الحاضرة فيتعين الأداء، ولو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى، ولو خرج وقت النافلة.
الثاني: تصلي هذه الصلاة على الراحلة وماشيا، وقيل: بالمنع إلا مع العذر
وهو أشبه.
ومنها: صلاة الجنازة، والنظر في من يصلى عليه، والمصلي، وكيفيتها، وأحكامها:
تجب الصلاة على كل مسلم ومن بحكمه ممن بلغ ست سنين، ويستوي الذكر
والأنثى والحر والعبد، ويستحب على من لم يبلغ ذلك ممن ولد حيا، ويقوم بها كل مكلف على
الكفاية، وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بالميراث والزوج أولى بالمرأة من الأخ،
ولا يؤم إلا وفيه شرائط الإمامة وإلا استناب.
ويستحب تقديم الهاشمي ومع وجود الإمام فهو أولى بالتقديم، وتؤم المرأة النساء
وتقف في وسطهن ولا تبرز، وكذا العاري إذا صلى بالعراة، ولا يؤم من لم يأذن له الولي.
وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ولا يتعين، وأفضله أن يكبر ويتشهد الشهادتين
ثم يكبر ويصلى على النبي وآله ثم يكبر ويدعو للمؤمنين، وفي الرابعة يدعو للميت
وينصرف بالخامسة مستغفرا.
وليست الطهارة من شرطها وهي من فضلها، ولا يتباعد عن الجنازة بما يخرج عن
العادة ولا يصلى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه، ولو كان عاريا جعل في القبر وسترت
عورته ثم يصلى عليه.
وسننها: وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، ولو اتفقا جعل الرجل إلى الإمام
والمرأة إلى القبلة يحاذي بصدرها وسطه، ولو كان طفلا فمن ورائها، ووقوف المأموم وراء
الإمام ولو كان واحدا، وأن يكون المصلي متطهرا حافيا رافعا يديه بالتكبير كله داعيا
للميت في الرابعة إن كان مؤمنا وعليه إن كان منافقا، وبدعاء المستضعفين مستضعفا وأن
844

يحشره مع من يتولاه إن جهل حاله، وفي الطفل: اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا شفيعا، ويقف
موقفه حتى ترفع الجنازة، والصلاة في المواضع المعتادة، وتكره الصلاة على الجنازة
الواحدة مرتين.
وأحكامها أربعة:
الأول: من أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي ولاء وإن رفعت الجنازة ولو على القبر.
الثاني: لو لم يصل على الميت صلى على قبره يوما وليلة حسب.
الثالث: يجوز أن يصلى هذه في كل وقت ما لم يتضيق وقت حاضرة.
الرابع: لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة تخير الإمام في الإتمام على الأولى والاستئناف
على الثانية وفي ابتداء الصلاة عليهما.
وأما المندوبات:
فمنها صلاة الاستسقاء: وهي مستحبة مع الجدب وكيفيتها كصلاة العيد،
والقنوت بسؤال الرحمة وتوفير المياه وأفضل ذلك الأدعية المأثورة، ومن سننها: صوم الناس
ثلاثا والخروج في الثالث وأن يكون الاثنين أو الجمعة، و الإصحار بها حفاة على سكينة ووقار
واستصحاب الشيوخ والأطفال والعجائز من المسلمين خاصة والتفريق بين الأطفال
والأمهات ويصلى جماعة، وتحويل الإمام الرداء واستقبال القبلة، مكبرا رافعا صوته وإلى
اليمين مسبحا وإلى اليسار مهللا، واستقبال الناس داعيا ويتابعه الناس، والخطبة بعد
الصلاة والمبالغة في الدعاء والمعاودة إن تأخرت الإجابة.
ومنها نافلة شهر رمضان: وفي أشهر الروايات استحباب ألف ركعة زيادة على المرتبة في
كل ليلة عشرون ركعة: بعد المغرب ثمان ركعات وبعد العشاء اثنتا عشرة ركعة، وفي
العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون، وفي ليالي الأفراد في كل ليلة مائة زيادة على ما عين، وفي
رواية يقتصر على المائة، ويصلى في الجمع أربعون بصلاة على وجعفر وفاطمة
ع، وعشرون في آخر جمعة بصلاة على ع وفي عشيتها عشرون بصلاة
845

فاطمة ع.
ومنها صلاة ليلة الفطر: وهي ركعتان في الأولى مرة ب‍ " الحمد " و ب‍ " الإخلاص " ألف
مرة، وفي الثانية ب‍ " الحمد " مرة و ب‍ " الإخلاص " مرة.
ومنها صلاة يوم الغدير: وهي ركعتان قبل الزوال بنصف ساعة
ومنها صلاة ليلة النصف من شعبان: أربع ركعات.
ومنها صلاة ليلة المبعث ويومها: وكيفية ذلك وما يقال فيه وبعده مذكور في كتب تخص
به، وكذا سائر النوافل فليطلب هناك.
المقصد الثالث، في التوابع: وهي خمسة:
الأول: في الخلل الواقع في الصلاة:
وهو إما عمد أو سهو أو شك.
أما العمد: فمن أخل معه بواجب أبطل صلاته شرطا كان أو جزءا أو كيفية، ولو كان
جاهلا عدا الجهر والإخفات فإن الجهل عذر فيهما، وكذا تبطل لو فعل ما يجب تركه. وتبطل
الصلاة في الثوب المغصوب والموضع المغصوب والسجود على الموضع النجس مع
العلم، لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة.
وأما السهو: فإن كان عن ركن وكان محله باقيا أتى به وإن كان دخل في آخر أعاد، كمن
أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى افتتح أو بالافتتاح حتى قرأ أو بالركوع حتى سجد
أو بالسجدتين حتى ركع، وقيل: إن كان في الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى
بالفائت، ويعيد لو زاد ركوعا أو سجدتين عمدا وسهوا، ولو نقص من عدد الصلاة ثم ذكر
أتم ولو تكلم على الأشهر، ويعيد لو استدبر القبلة، وإن كان السهو عن غير ركن فمنه
ما لا يوجب تداركا ومنه ما يقتصر معه على التدارك ومنه ما يتدارك مع سجود السهو.
فالأول: من نسي القراءة أو الجهر أو الإخفات أو الذكر في الركوع أو الطمأنينة فيه،
أو رفع الرأس منه أو الطمأنينة في الرفع أو الذكر في السجود، أو السجود على الأعضاء
السبعة أو الطمأنينة فيه أو رفع الرأس فيه، أو الطمأنينة في الرفع من الأولى أو الطمأنينة في
846

الجلوس للتشهد.
الثاني: من ذكر أنه لم يقرأ " الحمد " وهو في السورة قرأ " الحمد " وأعادها أو غيرها، ومن
ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام فركع، وكذا من ترك السجود أو التشهد وذكر قبل ركوعه
قعد فتدارك، ومن ذكر أنه لم يصل على النبي وآله ع بعد أن سلم قضاهما.
الثالث: من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة، قضى ذلك بعد التسليم
وسجد للسهو.
وأما الشك: فمن شك في عدد الثنائية أو الثلاثية أعاد وكذا من لم يدر كم صلى أو لم
يحصل الأوليين من الرباعية أعاد، ولو شك في فعل فإن كان في موضعه أتى به وأتم، ولو ذكر
أنه كان قد فعله استأنف صلاته إن كان ركنا، وقيل: في الركوع إذا ذكر وهو راكع أرسل
نفسه، ومنهم من خصه بالأخريين والأشبه البطلان، ولو لم يرفع رأسه ولو كان بعد انتقاله
مضى في صلاته ركنا كان أو غيره.
فإن حصل الأوليين من الرباعية عددا وشك في الزائد، فإن غلب بنى على ظنه وإن
تساوى الاحتمالان فصوره أربع: أن يشك بين الاثنين والثلاث أو بين الثلاث والأربع،
أو بين الاثنين والأربع أو بين الاثنين والثلاث والأربع، ففي الأول بنى على الأكثر ويتم ثم يحتاط
بركعتين جالسا أو ركعة قائما على رواية، وفي الثاني كذلك، وفي الثالث بركعتين من قيام،
وفي الرابع بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس، كل ذلك بعد التسليم.
ولا سهو على من كثر سهوه ولا على من سها في سهو ولا على المأموم ولا على الإمام إذا
حفظ عليه من خلفه، ولو سها في النافلة تخير في البناء.
وتجب سجدة السهو على من تكلم ناسيا ومن شك بين الأربع والخمس ومن سلم
قبل إكمال الركعات، وقيل: لكل زيادة أو نقصان، وللقعود في موضع قيام وللقيام في موضع
قعود، وهما بعد التسليم على الأشهر، عقيبهما تشهد خفيف وتسليم، ولا يجب فيهما ذكر، وفي
رواية الحلبي: أنه سمع أبا عبد الله ع يقول فيهما: بسم الله وبالله وصلى الله على
محمد وآله، وسمعه مرة أخرى يقول: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة.
847

الثاني: في القضاء:
من أخل بالصلاة عمدا أو سهوا أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه وعقله وإسلامه
وجب القضاء عدا ما استثني، ولا قضاء مع الإغماء المستوعب للوقت إلا أن يدرك الطهارة
والصلاة ولو بركعة، وفي قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به تردد أحوطه القضاء. وتترتب
الفوائت كالحواضر وفي الفائتة على الحاضرة، وفي وجوب ترتيب الفوائت على الحاضرة
تردد أشبهه الاستحباب، ولو قدم الحاضرة مع سعة وقتها ذاكرا أعاد ولا يعيد لو سها، ويعدل
عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر بعد التلبس، ولو تلبس بنافلة ثم ذكر فريضة أبطلها
واستأنف الفريضة.
ويقضي ما فات سفرا قصرا ولو كان حاضرا وما فات حضرا تماما ولو كان مسافرا،
ويقضي المرتد زمان ردته. ومن فاتته فريضة من يوم ولا يعلمها صلى اثنين وثلاثا وأربعا،
ولو فاته ما لم يحصه قضى حتى يغلب الوفاء، ويستحب قضاء النوافل الموقتة، ولو فاتته
بمرض لم يتأكد القضاء، ويستحب الصدقة عن كل ركعتين بمد فإن لم يتمكن فعن كل يوم
بمد.
الثالث: في الجماعة، والنظر في أطراف:
الأول: الجماعة مستحبة في الفرائض متأكدة في الخمس، ولا تجب إلا في الجمعة
والعيدين مع الشرائط، ولا تجمع في نافلة عدا ما استثني، ويدرك المأموم الركعة بإدراك
الركوع، وبإدراكه راكعا على تردد، وأقل ما تنعقد، بالإمام ومؤتم، ولا تصح وبين الإمام
والمأموم ما يمنع المشاهدة وكذا بين الصفوف، ويجوز في المرأة، ولا يأتم بمن هو أعلى منه
بما يعتد به كالأبنية على رواية عمار، ويجوز لو كانا على أرض منحدرة، ولو كان المأموم أعلى
منه صح، ولا يتباعد المأموم بما يخرج عن العادة إلا مع اتصال الصفوف.
وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي الجهرية لو سمع ولو همهمة،
ولو لم يسمع قرأ، ويجب متابعة الإمام فلو رفع قبله ناسيا عاد ولو كان عامدا استمر، ولا يقف
قدامه، ولا بد من نية الإتمام، ولو صلى اثنان وقال كل منهما: كنت مأموما أعادا ولو قال: كنت
848

إماما لم يعيدا.
ولا يشترط تساوى الفرضين، ويقتدي المفترض بمثله وبالمتنفل، والمتنفل بمثله
وبالمفترض، ويستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام والجماعة خلفه، ولا يتقدم العاري أمام
العراة بل يجلس وسطهم بارزا بركبتيه، ولو أمت المرأة النساء وقفن معها صفا ولو أمهن
الرجل وقفن خلفه ولو كانت واحدة.
ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد جماعة إماما أو مأموما، وأن يخص بالصف
الأول الفضلاء وأن يسبح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة وأن يكون القيام إلى
الصلاة إذا قيل: " قد قامت الصلاة ". ويكره أن يقف المأموم وحده إلا مع العذر وأن
يصلى نافلة بعد الإقامة.
الطرف الثاني: يعتبر في الإمام العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد والبلوع على
الأظهر، ولا يؤم القاعد القائم ولا الأمي القارئ ولا المؤوف اللسان بالسليم، ولا المرأة ذكرا
ولا خنثى، وصاحب المسجد والمنزل والأمارة أولى من غيره وكذا الهاشمي، وإذا تشاح
الأئمة قدم من يختاره المأموم، ولو اختلفوا قدم الأقرأ فالأفقه فالأقدم هجرة فالألسن فالأصبح وجها.
ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين، ولو أحدث قدم من ينوبه ولو مات
أو أغمي عليه قدموا من يتم بهم.
ويكره أن يأتم الحاضر بالمسافر والمتطهر بالمتيمم، وأن يستناب المسبوق وأن يؤم
الأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته والأغلف، ومن يكرهه المأمومون والأعرابي المهاجرين
الطرف الثالث: في الأحكام ومسائله تسع:
الأولى: لو علم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة لم يعد، ولو كان عالما أعاد.
الثانية: إذا خاف فوت الركوع عند دخوله فركع جاز أن يمشي راكعا ليلحق.
الثالث: إذا كان الإمام في محراب داخل لم تصح صلاة من إلى جانبيه في الصف الأول.
الرابعة: إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات، ولو كان في فريضة
849

نقل نيته إلى النفل وأتم ركعتين استحبابا، ولو كان إمام الأصل قطعها واستأنف معه،
ولو كان ممن لا يقتدى به استمر على حالته.
الخامسة: ما يدركه المأموم يكون أول صلاته فإذا سلم الإمام أتم هو ما بقي.
السادسة: إذا أدركه بعد انقضاء الركوع كبر وسجد معه، فإذا سلم الإمام استقبل هو،
وكذا لو أدركه بعد السجود.
السابعة: يجوز أن يسلم قبل الإمام مع العذر، أو نية الانفراد.
الثامنة: النساء يقفن من وراء الرجال، فلو جاء رجال تأخرن وجوبا إذا لم يكن لهم
موقف أمامهن.
التاسعة: إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلموا ثم يتم
ما بقي.
خاتمة
يستحب أن تكون المساجد مكشوفة والميضاة على أبوابها والمنارة مع حائطها، وأن
يقدم الداخل يمينه ويخرج بيساره ويتعاهد نعله ويدعو داخلا وخارجا، وكنسها والإسراج
فيها وإعادة ما استهدم، ويجوز نقض المستهدم خاصة واستعمال آلته في غيره من المساجد،
ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك، ويعاد لو أخذ،
وإدخال النجاسة إليها وغسلها فيها وإخراج الحصى منها، ويعاد لو أخرج.
وتكره تعليتها وإن تشرفت، وأن تجعل محاريبها داخلة أو تجعل طريقا، ويكره فيها
البيع والشراء وتمكين المجانين وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوال وإقامة الحدود وإنشاد
الشعر وعمل الصنائع والنوم، ودخولها وفي الفم رائحة الثوم أو البصل وكشف العورة
والبصاق، فإن فعله ستره بالتراب.
الرابع: في صلاة الخوف:
وهي مقصورة سفرا وحضرا جماعة وفرادى. وإذا صليت جماعة والعدو في خلاف
850

القبلة ولا يؤمن هجومه وأمكن أن يقاومه بعض ويصلى مع الإمام الباقون، جاز أن يصلوا
بصلاة ذات الرقاع.
وفي كيفيتها روايتان، أشهرهما رواية الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: يصلى
الإمام بالأولى ركعة ويقوم في الثانية حتى يتم من خلفه، ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم
يجلس ويطيل حتى يتم من خلفه ثم يسلم بهم، وفي المغرب يصلى بالأولى ركعة ويقف
بالثانية حتى يتموا، ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم ركعتين ثم يجلس عقيب الثالثة حتى يتم من
خلفه ثم يسلم بهم، وهل يجب أخذ السلاح؟ فيه تردد، أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد
واجبات الفرض.
وهنا مسائل:
الأولى: إذا انتهى الحال إلى المسايفة والمعانقة فالصلاة بحسب الإمكان واقفا
أو ماشيا أو راكبا، ويسجد على قربوس سرجه وإلا مومئا، ويستقبل القبلة ما أمكن
وإلا بتكبيرة الإحرام، ولو لم يتمكن من الإيماء اقتصر على تكبيرتين عن الثنائية وثلاثة عن
الثلاثية، ويقول في كل واحدة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنه يجزئ
عن الركوع والسجود.
الثانية: كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والانتقال إلى الإيماء مع الضيق،
والاقتصار على التسبيح إن خشي مع الإيماء ولو كان الخوف من لص أو سبع.
الثالثة: الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان إيماء ولا يقصر أحدهما عدد
صلاته إلا في سفر أو خوف.
الخامس: في صلاة المسافر: والنظر في الشروط والقصر:
أما الشروط فخمسة:
الأول: المسافة، وهي أربعة وعشرون ميلا، والميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على
المشهور بين الناس، أو قدر مد البصر من الأرض تعويلا على الوضع، ولو كانت أربع
851

فراسخ وأراد الرجوع ليومه قصر، ولا بد من كون المسافة مقصودة، فلو
قصد ما دونها ثم قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد فلا قصر ولو تمادى في السفر، ولو قصد مسافة فتجاوز
سماع الأذان ثم توقع رفقة قصر ما بينه وبين شهر ما لم ينو الإقامة، ولو كان دون ذلك أتم.
والثاني: ألا يقطع السفر بعزم الإقامة، فلو عزم مسافة وله في أثنائها منزل قد استوطنه
ستة أشهر أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام، أتم. ولو قصد مسافة فصاعدا وله على
رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور، قصر في طريقه وأتم في منزله، وإذا قصر ثم نوى
الإقامة لم يعد، ولو كان في الصلاة أتم.
الثالث: أن يكون السفر مباحا، فلا يترخص العاصي كالمتبع للجائر واللاهي
بصيده، ويقصر لو كان الصيد للحاجة، ولو كان للتجارة قيل: يقصر صومه ويتم
صلاته.
الرابع: ألا يكون سفره أكثر من حضره، كالراعي والمكاري والملاح والتاجر والأمير
والرائد والبريد والبدوي، وضابطه: ألا يقيم في بلده عشرة، ولو أقام في بلده أو غير بلده ذلك
قصر، وقيل: هذا يختص المكاري فيدخل فيه الملاح والأجير، ولو أقام خمسة قيل: يقصر
صلاته نهارا ويتم ليلا ويصوم شهر رمضان على رواية.
الخامس: أن تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى أذانه فيقصر في صلاته
وصومه، وكذا في العود من السفر على الأشهر.
وأما القصر فهو عزيمة إلا في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة وجامع الكوفة والحائر
فإنه مخير في قصر الصلاة والإتمام أفضل، وقيل: من قصد أربع فراسخ ولم يرد الرجوع
ليومه تخير في القصر والإتمام ولم يثبت، ولو أتم المقصر عامدا، أعاد ولو كان جاهلا لم يعد،
والناسي يعيد في الوقت لا مع خروجه، ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باق قصر
على الأشهر، وكذا لو دخل من سفره أتم مع بقاء الوقت، ولو فاتت اعتبر حال الفوات
لا حال الوجوب.
وإذا نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم ولو نوى دون ذلك
قصر ولو تردد قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما، ثم أتم ولو صلاة، ولو نوى الإقامة ثم بدا له قصر ما لم يصل
852

على التمام ولو صلاة ويستحب أن يقول عقيب الصلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر، ثلاثين مرة جبرا، ولو صلى المسافر خلف المقيم لم يتم واقتصر على فرضه
وسلم منفردا. ويجمع المسافر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، ولو سافر بعد
الزوال ولم يصل النوافل، قضاها سفرا وحضرا.
853

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
855

كتاب الصلاة
باب: أعدادها وأقسامها:
الصلاة ضربان: فرض ونفل.
والفرض: الصلوات الخمس، وهي سبع عشرة ركعة في الحضر: الظهر والعصر
أربع أربع بتشهدين وتسليمين بعد التشهد الأخير والمغرب ثلاث بتشهدين وتسليم
والعشاء الآخرة كالظهر والغداة ركعتان بتشهد وتسليم والسفر الموجب للقصر يسقط
من الرباعيات نصفها، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الآيات عشر ركعات بأربع
سجدات وتشهد واحد وتسليم. وصلاة العيدين ركعتان. وصلاة طواف الفرض كالغداة.
وصلاة الجنائز.
والنفل مؤقت في اليوم والليلة: وهو أربع وثلاثون ركعة في الحضر، للزوال ست عشرة
ركعة، ثمان قبل الظهر وثمان بعدها، وأربع بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء
الآخرة وتسمى الوتيرة وإن شئت من قيام، وثلاث عشرة ركعة صلاة الليل وكل من ذلك
ركعتان بتسليم إلا المفردة وهي الحادية عشرة من صلاة الليل فإنها واحدة بتشهد
وتسليم، ويزاد في نوافل الجمعة أربع ركعات وروي وركعتان بعد العصر، ويسقط السفر
المعين نوافل النهار والوتيرة على قول.
857

والنفل غير الموقت: ضربان مجمل ومفصل.
فالمفصل منه ما شرع عند أسباب أو أفعال أو أوقات أو لا لشئ من ذلك:
فالأول: إعادة مثل الفرض في جماعة من صلاه منفردا وإعادة صلاة الكسوف ولم
ينجل القرص وصلاة الحاجة والاستخارة والاستسقاء، والثاني: كصلاة طواف النفل
وصلاة الزيارة، والثالث: المأثور في الليالي والأيام كنافلة شهر رمضان وليلة الجمعة وشبهها،
والرابع: كصلاة النبي ص وعلي بن أبي طالب ع وفاطمة
وجعفر بن أبي طالب ع.
والمجمل ما تطوع به الانسان فليستكثر منه فإن الصلاة خير موضوع.
باب أوقات الصلاة:
فعل الصلاة في وقتها أداءا وأول الوقت أفضله، ولا يجوز الصلاة قبل دخول وقتها
فإن ظن دخوله فصلى ثم دخل وقتها قبل فراغه منها أتمها وإن فرع ولم يدخل أعادها،
وبعد خروج وقتها تكون قضاءا.
وأول وقت الظهر وأذانها وقت دلوك الشمس وهو ميلها فإنها إذا طلعت كان ظل
الشخص طويلا وكلما ارتفعت نقص فإذا استوت انتهى النقص فإذا مالت زاد الفئ فهو
زوالها فتقدره ثم تصبر عنه ثم إن رأيته نقص فإنها لم تزل وإن زاد فقد زالت، وروي في من
توجه إلى الركن العراقي يستقبل القبلة فإذا كانت الشمس على حاجبه الأيمن عرف زوالها،
وذكر أن علامته بمكة قبل انتهاء طول النهار بستة وعشرين يوما وبعده بمثلها ظهور الفئ،
ووقت الفضل فيها إلى أن يصير ظل كل شئ مثله.
ووقت العصر عند الفراع من الظهر وآخر وقت الفضل فيها إلى أن يصير ظل كل
شئ مثليه.
ووقت المغرب غيبوبة الحمرة المشرقية يختص منه قدر فعلها ثم يشترك المغرب
والعشاء في الوقت إلى ثلث الليل، وروي إلى نصفه وروي إلى الفجر، ووقت الفضل في
المغرب إلى ذهاب الشفق الأحمر المغربي وفي العشاء بعد ذهابه. فأما وقت الجواز والأداء
858

وذي العذر فيشترك الظهران بعد الاختصاص إلى قبل الغروب بقدر فعل العصر،
وروي في المغرب إلى ربع الليل، واشتراك العشائين بعد اختصاص المغرب إلى قبل
نصف الليل بقدر العشاء الآخرة.
ووقت الغداة طلوع الفجر المستطير في الأفق وآخره إلى قبل طلوع الشمس بقدر
فعلها.
ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها، وإن صلى العصر قبل الظهر ناسيا في وقت
الاشتراك أجزأت، والعذر: السفر والمرض والمطر وشغل يضر تركه دينه أو دنياه.
وإذا طهرت الحائض أو النفساء أو أفاق المجنون أو بلغ الصبي وقد بقي من الوقت
قدر الطهارة وصلاة ركعة وجبت عليه، وإذا بلغ في خلال الصلاة والوقت باق وجب عليه
قطعها واستئناف طهارة وصلاة لأن ما فعله لم يكن واجبا فلا تجزى عن الواجب، والصلاة
الوسطى صلاة الظهر.
وإذا أدرك من أول الوقت قدر الطهور والصلاة ثم زال عقله أو حاض ثم عقل
وطهرت كان عليه القضاء وإن لم يدرك ذلك فلا قضاء.
والأعمى والمحبوس يرجعان في الوقت إلى من يظنان صدقه، فإن بان لهما أنهما صليا
قبل الوقت أعادا وإن كان بعده لم يعيدا وإن صليا من غير سؤال وأمارة أعادا وإن أصابا
الوقت. والمبصر والمختار لا يرجع إلى غيره بل يتحققه بنفسه فإن رجع إلى غيره مع
التمكن أعاد فإن غامت السماء لم يصل حتى يقع في نفسه دخول الوقت، وذو العذر
والمختار سواء في امتداد الوقت.
وست يصلين على كل حال إلا عند تضيق وقت الفريضة الحاضرة: فائت الفرض
وصلاة الكسوف والجنازة والإحرام والطواف وتحية المسجد. ويصلى فائت النوافل المرتبة
في كل وقت إلا عند دخول وقت الفرض.
ويكره الابتداء بالنوافل بعد الغداة والعصر وعند طلوع الشمس وغروبها وقيامها
نصف النهار إلا ركعتي زوال يوم الجمعة. ووقت نوافل الزوال ما بين الزوال إلى قبل مضى
وقت المختار بقدر الفرض فإن لم يصل فيه قضاها. ونافلة العصر بعد الفراع من الظهر
859

إلى قبل مضى وقت المختار بقدر العصر ولا يفعل قبل الزوال إلا يوم الجمعة، ونافلة
المغرب بعدها والوتيرة بعد العشاء إلى خروج وقتها وصلاة الليل بعد انتصافه إلى الفجر
الثاني.
ولا يقدم قبل ذلك إلا لمريض أو شيخ أو شاب يغلبه النوم أو مسافر، وتركها
وقضاؤها من الغد أفضل. وركعتا الفجر من صلاة الليل يصلى معها وإن لم يطلع الفجر
الأول إلى طلوع الحمرة المشرقية ويقضي من النوافل المرتبة الفائت ليلا، نهارا ونهارا
ليلا، ولا بأس بالإبراد بالظهر يسيرا في بلد شديد الحر لمن يصلى جماعة ولا مانع من قضاء
فائت الفرائض إلا بضيق وقت الحاضرة.
باب القبلة:
استقبالها على ضروب: واجب وندب ومكروه ومحظور.
فالأول: للصلوات ولسامع خطبة الجمعة والذبائح، ودفن الموتى، والثاني: حال
الدعاء ووقوف الخصوم بين يدي الحاكم وعند احتضار الموتى وغسلهم وزيارة قبر المؤمن
ولأفعال الحج سوى جمرة العقبة، والثالث: حالة الجماع، والرابع: حالة البول والغائط.
واستدبارها كهذه القسمة: فالأول: في خطبة الجمعة والعيدين، والثاني: للحاكم حال
الحكم ولرمي جمرة العقبة ولزيارة الحجج ع، والثالث: حالة الجماع، والرابع:
حالة البول والغائط. وروى ابن عقدة بإسناده عن جعفر بن محمد ع: البيت
قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعا.
وتوجه الناس من أهل العراق والشرق إلى الركن العراقي وأهل الشام إلى الركن
الشامي وأهل الغرب إلى الركن الغربي وأهل اليمن إلى اليماني.
وعلامات العراقيين أربع: الجدي والفجر والشفق وعين الشمس: فالجدي لهم على
المنكب الأيمن والفجر محاذ للمنكب الأيسر والشفق محاذ للمنكب الأيمن وعين الشمس عند
الزوال على الحاجب الأيمن. فإن فقد هذه الأمارات صلى الصلاة الواحدة إلى أربع
جهات فإن اضطر فأي جهة شاء، وحاضر الحرم يعرف القبلة مشاهدة والغائب بالخبر
860

الموجب للعلم أو بأن ينصب من ثبت عصمته قبله أو يعلم أنه صلى إلى جهة أو بالأمارات
المذكورة.
ويستحب للعراقيين والمشرقيين أن يتياسروا قليلا، وروي أن سبب ذلك أن الحجر لما
نزل من السماء سطع نوره ذات اليسار ثمانية أميال وذات اليمين أربعة وليس على غيرهم
ذلك، وإن صلى بأمارة ثم بان أنه أخطأ القبلة فإن كان الوقت باقيا أعاد وإن خرج لم يقدر
وقيل: يعيد في الاستدبار بكل حال، والأعمى يقلد غيره فيها، وإذا كان جماعة فظن كل
واحد القبلة في غير جهة الآخر لم يقتد بعضهم ببعض، فإن اتفق بعضهم على قبلة استحب
لهم الائتمام فإن بان للإمام خطأه دونهم انحرف ونووا الانفراد فإن بان لبعضهم نوى
الانفراد وانحرف فإن صلى الأعمى من غير مسألة تخمينا أعادها وإن أصاب القبلة، وإذا
أخبره شخص أن القبلة هنا فصلى ثم أخبره آخر بخلافه عمل بقول أوثقهما عنده وإن
تساويا أتمها، وإن كان فرضهم الصلاة إلى أربع جهات جاز لهم الائتمام فيها. ومن كان عالما
بأدلة القبلة ثم اشتبه عليه لا يقلد غيره في جهة بل يصلى إلى الأربع، والأعمى إذا لم يجد من
يقلده فكذلك.
وإذا صلى الانسان إلى جهة ثم بان أن القبلة في خلافها انحرف وإن صلى بصلاته
أعمى انحرف أيضا وإذا فرع منها ثم بان خطأه وقد صلى معه أعمى أعاد كما أعاد،
ولا يرجع الأعمى إلى قول كافر أو فاسق، وإذا قلد الأعمى غيره ثم أبصر فعرفها صحيحة
بنى وإن شك واحتاج إلى تأمل كثير استأنفها.
ويجب استقبال القبلة في الفرائض والنوافل، ويجوز في السفر صلاة النافلة على
الراحلة وإن خرج عن القبلة بعد إحرامه بها فلا بأس، ويستقبل بأول الصلاة المطارد
والمسايف في الفريضة ثم لا يبالي بعد، وراكب السفينة يستقبل القبلة فإن دارت السفينة
دار إلى القبلة في الفرض ورخص له ألا يدور في النفل وإن خاف لم يدر.
ويجوز صلاة النفل ماشيا يستقبل القبلة بأولها ثم لا يبالي بعد، ولا يجوز الفريضة من
الخمس أو النذر أو الجنازة أو صلاة الطواف والكسوف والعيد على الراحلة مختارا، ويجوز
ذلك في النافلة في الحضر وغيره اختيارا.
861

وتكره صلاة الفرض في الكعبة ويستحب فيها النفل، والصلاة على سطح الكعبة
لا تجوز إلا للمضطر. فإن اضطر روى أصحابنا: أنه يستلقي على قفاه ويصلى إلى البيت
المعمور،
ولو فرضنا خراب جدار الكعبة صلى في عرصتها وكلها قبلة فإن وقف على طرفها
وبين يديه شئ منها وإلا لم تجز صلاته، فإن صلى فيها جماعة جاز ما لم يجعل ظهره على وجه
الإمام فإن جعل ظهره إلى ظهره جاز وإن جمع حولها استداروا بها، كذا فعل النبي عليه
الصلاة والسلام والناس بعده والله عليم قدير.
باب ستر العورة وما يجوز الصلاة فيه من الساتر وعليه من مكان وما يسجد
عليه:
عورة الرجل قبله وهو القضيب والأنثيان ودبره ويجب سترهما ويستحب ستر الركبة
وما بينها وبين السرة، والمرأة عورة إلا وجهها وكفيها وظهر قدميها، ورأس الصبية والأمة
وستره أفضل فإن أعتق نصفها وجب ستره وإن أعتقت في الصلاة استترت وأتمت وإن
احتاجت إلى فعل كثير قطعتها، وأم الولد والمدبرة والمكاتبة التي لم يعتق منها شئ كالأمة.
وستر العورة شرط في صحة الصلاة مع القدرة فإن انكشفت العورة أو بعضها في الصلاة
عمدا بطلت.
ويستحب التسرول والتعمم والتردي والتحنك وبريح طيبة وفي ثياب جيدة وصفيقة
بيض أي ضخيمة ولا بأس بالكساء والخفين والعمامة السود.
وتجوز الصلاة في كل ساتر إلا المغصوب والإبريسم المحض للرجال ولا بأس به
للنساء، وتركه في الصلاة أفضل لهن فإن لم يكن محضا بأن يكون سداه أو لحمته قطنا أو
كتانا دونه أو أكثر منه أو زره أو علمه أو كان مكفوفا به فلا بأس وإن خيط به لم يحلله، وإن
كان في حال الحرب جاز في الدرع المحض وإلا الوبر والشعر والصوف مما لا يؤكل لحمه و
جلده وجلد الميتة ولو دبغ، فإن صلى في شئ من ذلك بانفراده أو مع غيره بطلت صلاته.
وقد رخص الصلاة في جلد الخز ووبره الخالص من وبر الثعلب والأرنب وغيرهما مما
862

لا يؤكل لحمه، وفي السنجاب لأنه دابة لا تأكل اللحم وفي الحواصل فإن اضطر به تقية جاز
فيما حرم.
ويكره الصلاة في سواد الثياب عدا ما تقدم وفي ثوب ممثل ومصور وشفاف وثوب
كان فوق وبر الأرانب والثعالب أو تحته ولم يعلق فيه من الوبر شئ، وإن لم يجد ثوبا ووجد
طينا أو ورقا يستر به العورة فعل وصلى فإن لم يجد صلى عريانا وإن أعاره غيره ثوبا أو وهبه
وجب قبوله، ويجوز أن يصلى دقيق الرقبة في قميص واسع الجيب محلول الأزرار وزره،
وجعل ثوبه تحته أفضل. وجلد ما لا يؤكل لحمه إذا ذكي ودبغ لبس في غير الصلاة وهو
طاهر، وجلد الميتة لا يطهر بالدباغ وكذلك جلد الكلب والخنزير، وإذا صلى في ثوب غيره ثم
أخيره أنه كان نجسا لم يعد صلاته، وإذا رأى في ثوب مصل دما لم يؤذنه حتى ينصرف،
ويشترى الجلد من سوق المسلمين إلا ممن يعلم أنه يستحل حرامه.
وتكره الصلاة في قباء مشدود إلا في حال الحرب، ولا تحل الأزرار في الصلاة وفي لثام
ونقاب للمرأة، وفي حديد مشهور كالسكين والسيف ولا بأس بهما في غمد وقراب، وكذا
المفتاح والدرهم الأسود وفي خلاخل ذات صوت للمرأة وفي خاتم حديد وخاتم فيه تمثال
لهما. ويكره الاتزار فوق القميص والتحافه بالإزار يدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما على
منكب واحد فعل اليهود، وذو السراويل وحده يجعل حبلا أو خيطا على عنقه.
ولا تجوز الصلاة في الشمشك والنعل السندية والسنة في العربية ويجوز في الخفين
والجرموقين لهما ساق، ولا ترك الإمام الرداء مع المكنة.
وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع والمعصفر والمضرج بالزعفران، وأن يؤم
بالسيف إلا حال الحرب.
ولا تجوز الصلاة في ثياب عملها الكفار أو استعيرت من مستحل المسكر حتى تغسل
ويجوز صلاته وفي كمه طائر، ولا يجوز الصلاة في تكة وقلنسوة عملتا من وبر مما لا يؤكل لحمه
ومن حرير محض. وسأل علي بن جعفر أخاه موسى ع عن فراش حرير ومثله من
الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجال النوم عليه والاتكاء والصلاة
عليه؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه، وتكره الصلاة والتماثيل قدامه إلا أن
863

يغطيها ولا بأس بها يمينه ويساره وخلفه وتحته وفوق رأسه وإن غير الصورة في الثوب
فلا بأس.
ويكره الاقتعاط، وكان سيد العابدين علي بن الحسين ع يبيع ثياب
الشتاء عند الصيف ويتصدق بثمنها ويقول: إني لأستحي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله
فيه وسأل علي بن جعفر أخاه موسى ع عن الرجل يكون به الثالول، أو الجرح
هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح؟ فقال:
إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله، ويجوز الصلاة في
خرق الخضاب الطاهرة ويستحب الصلاة في المساجد والمشاهد وأفضلها مسجد الله
ورسوله ص.
ولا يجوز في المغصوب مع الاختيار والصلاة باطلة ولا بأس بها للخائف على نفسه
من الخروج منها ولا بأس بها في الصحاري والبساتين ولمن دخل ملك غيره بغير إذنه
وعلم من شاهد حاله الإذن، وإن دخل باذنه ثم أمره بالخروج أو نهاه عن المقام فلم يفعل
وصلى بطلت صلاته وإن أخذ في الخروج وصلى في طريقه لم يصح وإن تضيق الوقت فقد
قيل: تصح.
وتكره الصلاة في وادي ضجنان ووادي الشقرة والبيداء وذات الصلاصل وبين
القبور، فإن كان القبر خلفه جاز وإن كان يمينه أو يساره وبينهما عشر أذرع أو ساتر فلا بأس
ولا يجوز على القبر نفسه، وتكره في أرض الرمل والسبخ ومواطن الإبل وقرى النمل
وجوف الوادي وجادة الطريق والحمام، ولا تبطل الصلاة في شئ من ذلك.
ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا عنزة أو كومة من تراب، فإن لم يجد خط في
الأرض بين يديه ولا يقطع الصلاة ما مر به.
وتكره الصلاة في بيت فيه مجوسي ولا بأس بها في بيت فيه يهودي أو نصراني، وفي
مرابض الغنم والظواهر بين الجواد وفي البيع والكنائس، وتكره في بيوت المجوس فإن
فعل رشه بالماء وصلى بعد الجفاف ويصلى في أرض وحل وحوض الماء إيماء، ولا سجود في
أرض الثلج يفرش فوقه ما يسجد عليه إن وجده وإلا دقه وسجد عليه، وتكره الصلاة في
864

بيت النار وأن يصلى وفي قبلته نار في مجمرة أو قنديل وشبهه أو سيف مجرد
مختارا، وفي موضع ينز حائط قبلته من بول أو قذر وأن يكون بين يديه مصحف مفتوح أو
قرطاس مكتوب لئلا يشغله، والمرأة تعقد على أناملها إذا سبحت وخير مسجدها البيت
وهو لها أفضل من الصفة والصفة أفضل من صحن الدار وصحن الدار أفضل من سطح
البيت، وتكره صلاتها على سطح غير محجر وأن تصلي عطلا، ولا بأس أن يصلى الرجل والمرأة
تصلي خلفه أو قدامه وعن يمينه وشماله وهي لا تصلي وبينهما عشر أذرع أو قدر ذراع أو
شبر من كل جانب ويكره بدون ذلك، وروى الحسن بن محبوب عن مصادف عن أبي
عبد الله ع، في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر، قال: يعيد صلاته.
ولا يجوز السجود بالجبهة إلا على الأرض أو ما أنبته الأرض إلا ما أكل أو لبس ويعتبر
فيه وفي الثياب، والمكان أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه وأن يكون طاهرا فأما الوقوف على
ثوب أو مكان نجس لا يتعدى إلى المصلي فلا بأس، والتنزه عنه أفضل، ولا يجوز السجود
على المعادن على اختلافها. ويجوز أن يسجد على الثوب في الأرض الرمضاء وأرض مظلمة
لا يأمن فيها العقرب وشبهها، وعند التقية وعند حصوله في مكان قذر ولا يقدر على غيره،
ويجوز على الجص والآجر والخشب والزجاج والصهروج والرماد.
ويكره على القرطاس المكتوب وإذا خاف الرمضاء ولا ثوب معه سجد على كفه، ولا
يسجد على قير وقفر فإن اضطر غطاه بما يسجد عليه فإن لم يكن معه سجد عليه، والخمرة
المعمولة بالسيور الطاهرة يقع عليها الجبهة لا يسجد عليها.
والسنة: السجود على الأرض للخبر وما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد
ما وقع منه على الأرض أجزأه، وعن أهل البيت ع: الناس عبيد ما يأكلون
ويلبسون فأحب لله أن يسجد له على ما لا يعبدونه، ويستحب السجود على التربة الحسينية
والله أعلم.
باب الأذان والإقامة:
الأظهر أن فصولهما خمس وثلاثون: الأذان ثمانية عشر والإقامة سبعة عشر ففصول
865

الأذان أربع تكبيرات ثم الإقرار بالتوحيد مرتين ثم بالنبي ص مرتين ثم
الدعاء إلى الصلاة دفعتين ثم إلى الفلاح كذلك ثم إلى خير العمل مثله ثم يكبر مرتين ثم
يهلل مرتين. ومثله الإقامة: يسقط من أولها التكبير مرتين ويزاد بدله " قد قامت الصلاة " بعد "
حي على خير العمل " مرتين ثم يسقط من آخرها التهليل مرة واحدة، وهما مسنونان في
الفرائض الخمس.
وصلاة الجمعة والقضاء والأداء سواء وإن أذن وأقام للأولى وأقام لما بقي من القضاء
جاز وهما بدعة لما عدا ذلك، وفي الجماعة أشد ندبا وفيما جهر فيه كذلك وآكدها المغرب
والغداة لأنهما لا يقصران. ويجوز في السفر الاقتصار على مرة مرة، ويجمع بعرفات بين
الظهرين بأذان واحد وإقامتين وكذا بين المغرب والعشاء بمزدلفة ويوم الجمعة بين الجمعة
والعصر كذلك وقيل: وبين الظهر والعصر يوم الجمعة كذلك. وتكرار الشهادتين في الأذان
وهو الترجيع ليس بسنة وإن أراد تنبيه غيره جاز. والتثويب وهو قول: الصلاة خير من
النوم بدعة في الغداة والعشاء الآخرة.
ويستحب أن يأتي بهما متطهرا ومستقبل القبلة واقفا لا راكبا غير متكلم خلالهما مرتلا
للأذان حادرا للإقامة واقفا على أواخر فصولهما رافعا صوته، وفي الإقامة أشد وتعاد الإقامة من
الكلام دون الأذان ولو أعرب لم يبطل حكمه. ولا أذان على النساء ولو فعلته إخفاتا كان
حسنا ويجزيها أن تكبر وتشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ويستحب لسامع الأذان أن يقول مثله إلا أن يكون في صلاة فإنه لا يقول حي على
الصلاة وشبهها وإن قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلا بأس، وإن كان في غير صلاة يتكلم
أو يقرأ القرآن قطع وقال كما يقول المؤذن، ويكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة
الغداة. ويستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو سجدة أو دعاء أو خطوة أو صلاة
ركعتين، والجلسة والنفس والخطوة في المغرب لضيق وقتها، وينبغي أن يكون المؤذن دينا
عارفا بالأوقات مفصحا بالحروف حسن الصوت عاليه فإن كان أعمى وله من يسدده
ويعرفه جاز.
ويجوز أذان الصبي، وإن تشاحوا في الأذان أقرع بينهم ويجوز أن يكون المؤذن أكثر من واحد.
866

ولا يجوز أن يأخذ على الأذان والصلاة بالناس أجرة ولا بأس أن يرزق من بيت المال،
والإقامة أفضل من الأذان فقد كان أبو عبد الله ع: يقيم ويؤذن غيره، وإذا أذن وأقام
ليصلي وحده ثم جاء من يصلى جماعة أعادهما وإذا صلى في المسجد جماعة ثم جاء قوم
آخرون اكتفوا بالأذان والإقامة إذا لم ينقض الصفوف فإن انقضت أذنوا وأقاموا، وإن
أحدث في الأذان أو الإقامة تطهر وبنى.
ومن صلى خلف من لا يقتدى أذن لنفسه وأقام ويكفيه ما وقع منهما إذا كان ممن يقتدى
به وإذا دخل المسجد وفيه من لا يقتدى به وخاف فوت الصلاة بالاشتغال بالأذان والإقامة
اقتصر على التكبيرتين وقد قامت الصلاة، وروي أنه يقول: حي على خير العمل دفعتين
لأنه تركه، ورفع الصوت بالأذان في المنزل ينفي الأمراض وينمي الولد، على ما روي. والمروي
في شاذ الأخبار من قول: أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية فليس بمعمول عليه، وإذا قال
قد قامت الصلاة قام الناس على أرجلهم فإن حضر إمامهم وإلا قدموا غيره، وكره الكلام
إلا أن يكون الجماعة من شتى فلا بأس أن يقال لشخص تقدم.
ويكره أن يلتوي في الأذان عن القبلة وإذا أذن ثم ارتد أقام غيره وإن نام في خلالهما أو
أغمي عليه ثم أفاق بنى عليه. ومن تعمد ترك الأذان وصلى جاز له أن يرجع ليؤذن ما لم يركع
فإن ركع لم يرجع فإن نسيه لم يرجع بكل حال، وروى زكريا بن آدم قال قلت لأبي الحسن
الرضا ع: جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة
أني لم أقم فكيف أصنع؟ قال: اسكت موضع قراءتك وقل قد قامت الصلاة قد قامت
الصلاة ثم امض في قراءتك وصلاتك وقد تمت صلاتك.
وليس الأذان في المنارة بسنة وقد أذن للنبي ص على الأرض ومن السنة
وضع الأصبعين في الأذنين، وليس من السنة أن يكون المؤذن من نسب مخصوص. والترتيب
في الأذان والإقامة واجب ولا يجوز أن يؤذن قبل دخول الوقت إلا في الغداة، فيجوز الأذان
خاصة قبل دخول الوقت ولا بد من إعادته بعده.
وقد روي أن الأذان والإقامة سبعة وثلاثون فصلا بأن يجعل أول الإقامة كأول الأذان
وروي أنهما ثمانية وثلاثون فصلا بأن يقال: لا إله إلا الله مرتين آخر الإقامة مع ذلك وروي
867

أنهما اثنان وأربعون فصلا بأن يجعل مع ذلك آخر الأذان والإقامة كأول الأذان.
باب كيفية الصلاة
الصلاة تحتوي على الفعل والترك والكيفية ولكل منها ضربان: واجب وندب.
والفعل الواجب ضربان: ركن وغير ركن فالركن: القيام مع المكنة والنية وتكبيرة
الإحرام والركوع، والسجدتان معا في الركعتين الأوليين وثالثة المغرب. وغير الركن: قراءة
الحمد وسورة معها في الفرض للمتمكن المختار وتسبيح الركوع والسجود ورفع الرأس
منهما وقراءة الحمد أو التسبيح في الثوالث والروابع، وجلسة الفصل والجلوس والتشهد
والشهادتان والصلاة على النبي " ص " والتسليم وبه يتحلل منها، ولا يبطل
الصلاة بترك غير الركن سهوا وتبطل بتركه عمدا.
والندب من الأفعال: الدعاء بالمأثور بعد الإقامة والتوجه بست تكبيرات وثلاثة أدعية
في الفرائض وفي أول ركعات الزوال وأول ركعات المغرب والوتيرة وأول صلاة الليل
والوتر وركعتي الإحرام وتكبير الركوع والسجود وتكبير الرفع من السجود وتكبير القنوت في
الثواني، والتعوذ قبل قراءة الحمد ورفع اليدين مع التكبيرات والزيادة من التسبيح
والدعاء في الركوع والسجود على تسبيحة واحدة والتسميع عند الرفع من الركوع
والدعاء بعده والدعاء بين السجدتين والإرغام بالأنف فيهما وجلسة الاستراحة فإن تركها
من الحفاء، والنظر إلى موضع سجوده قائما وإلى بين رجليه راكعا أو مغمضا عينيه وإلى
طرف أنفه ساجدا وإلى حجره جالسا وإلى بطن راحتيه قانتا والقنوت في كل ثانية وفي
المفردة من صلاة الليل ومحله قبل الركوع وبعد القراءة ويزيد في أول ركعتي الجمعة قنوتا
قبل الركوع والدعاء فيه بالمأثور أو بما سنح، ووضع يديه على فخذيه محاذيا عين ركبتيه قائما
وعلى ركبتيه راكعا وبحذاء أذنيه ساجدا وعلى فخذيه جالسا وحيال وجهه قانتا، ويتلقى
الأرض بيديه مهويا إلى السجود وينكب على يديه ناهضا والدعاء عند القيام ب‍ " حول الله
وقوته أقوم وأقعد ".
وروي أنه يقوم بالتكبير ولا يكبر للقنوت والزيادة على الشهادتين، والصلاة على
868

النبي ص من الثناء على الله ورسوله وآله والزيادة في التسليم، والكيفية
الواجبة أن ينوي فيكبر أو يجعل النية بين أول التكبير وآخره على قول واستصحابها حكما
حتى يفرغ، والتلفظ به الله أكبر وترتيب السورة والجهر فيما يجهر فيه والإخفات فيما يخافت
عدا البسملة. والطمأنينة في الركوع والسجود وفي الانتصاب من الركوع والسجود الأول
من كل سجودين والطمأنينة في جلوس التشهد، والسجود على سبعة أعضاء: الجبهة
والكفين والركبتين وإبهامي أصابع الرجلين والترتيب في التشهد. والكيفيات المندوبة: رفع
اليدين إلى شحمتي أذنيه مع كل تكبيرة مستقبلتي القبلة مبسوطة الأصابع مجتمعة إلا الإبهام،
وأسرار التعوذ والجهر بالبسملة في موضوع الإخفات وترتيل القراءة وتعمد الإعراب:
والتأني فيها وفي الدعاء والتسبيح والسكتة بين الحمد والسورة وتكبيرة الركوع
وأن يجعل بين قدميه قدر ثلاث أصابع مفرجات إلى شبر، والمرأة تجمع بينهما وتضم ثدييها
إلى صدرها حال القيام، ومد كفيه من عيني ركبتيه مفرجا أصابعه حال الركوع ووضع يديه
على ركبتيه اليمنى قبل اليسرى، رادا ركبتيه إلى خلفه مستويا ظهره مادا عنقه، والتسميع
قول: سمع الله لمن حمده عند رفع الرأس من الركوع إذا استقل قائما والجهر بالدعاء
بعده للإمام ويخفيه المأموم، وبسط راحتيه مضمومتي الأصابع عدا الإبهام والتخوي إذا
استرسل للسجود وتجافى الأعضاء في السجود بعضها عن بعض تجنح بمرفقيه، وبسط الكفين
مضمومتي الأصابع حيال الوجه يحرفان شيئا عن الركبتين في السجود وإبراز الكفين للرجل
والتورك وهو الجلوس على فخذه اليسرى واضعا ظهر قدمه اليمنى على بطن اليسرى،
ويجوز القعود متربعا ويستقبل بأصابع رجليه القبلة قائما وراكعا وساجدا وضم أصابعه
حين وضعها على الفخذين.
والمرأة تضع يديها فوق ركبتيها على فخذيها راكعة، ولا ترفع عجزتها، وتجلس على
أليتها، وتقعد ثم تسجد لاطئة بالأرض منضما بعضها إلى بعض، وتتشهد ضامة فخذيها رافعة
من الأرض ركبتيها، فإذا نهضت إلى الركعة الأخرى قامت على قدميها، ولا يكشف سوى
وجهها، والإيماء بالتسليم تجاه القبلة إلى الجانب الأيمن للإمام والمنفرد، وإلى اليمين للمأموم،
وإلى اليسار إن كان على يساره أحد، أو حائط، وينوي به الخروج من الصلاة وما يجب تركه
869

فيها، ووضع يد اليمنى على اليسرى، وبالعكس، فوق السرة وتحتها إلا في التقية، وقول "
آمين " كذلك، والالتفات بكله إلى غير القبلة إلا في النافلة، والأحداث المفسدة للطهارة من
فعله وتعمد الفعل الكثير لا من أفعال الصلاة، والقهقهة والبكاء لأمر دنيوي والتكلم بما
ليس من الصلاة، وأقله حرفان، والتسليم عامدا قبل وقته والسجود على أرفع من موضع
القيام بأكثر من لبنة مع المكنة، وما ندب إلى تركه حديث النفس، واللثام، والنقاب،
والاقتعاط والالتفات إلى أحد الجانبين، والعبث بالأعضاء، والبصاق، والتنخم، والتأوه
بحرف، والتثاؤب والتمطي وفرقعة الأصابع، والإقعاء بين السجدتين، وفي التشهد أكره،
ودفاع الأخبثين، ونفخ موضع السجود إذا كان من يؤذيه وأن يخفض رأسه، ويرفع ظهره
راكعا وبالعكس، وأن يجعل يده تحت ثوبه، وأن يحدودب في سجوده، ويفرش ذراعيه
ويضعهما على فخذيه وركبتيه، ويلصق بطنه بفخذه، وكفيه بركبتيه، والجلوس على قدميه،
وإبراز باطن الكفين إلى السماء، إلا قانتا.
ويكره للمرأة رفع عجيزتها راكعة وساجدة، وإبراز غير الوجه. ويقطع الصلاة ما
ليس من فعله، وهو الحيض والاستحاضة والنفاس والنوم والإغماء. ويجوز قطع الصلاة
لدفع الضرر عن نفسه وغيره، وعن المال إذا لم يمكن إلا به.
ويجوز التبسم في الصلاة، والعمل القليل كالإيماء وقتل المؤذيات،
كالعقرب والتصفيق، وضرب الجدار للحاجة، وقتل قملة وبرغوث، ودفنه أفضل،
وغسل رعاف أصاب ثوبه ما لم ينحرف عن القبلة، وحمد الله عند العطاس، ورد السلام بمثله،
وأن يقرأ القرآن من المصحف، وأن يجعل جانبه أو ظهره إلى حائط في قيامه وأن يكون في
فيه خرز وشبهه لئلا يشغله من القراءة، وأن يدعو لدنياه ودينه ولغيره بما يسوع بلفظ
القرآن، وغيره، وبغير العربية لمن لا يحسنها.
وروي جواز شرب الماء للعطشان في دعاء الوتر، وقارب الفجر، وهو يريد الصوم،
وبين يديه ماء على خطوتين، أو ثلاث منه وعد الركعات بأصابعه أو حصى وشبهه. والبكاء
من خشية الله والتباكي.
ويستحب أمر الصبي بالصلاة لست سنين فصاعدا وإذا بلغ ألزم واجبا ويستحب
870

التعقيب بالمأثور وتسبيح الزهراء ع وهو أربع وثلاثون تكبيرة ثم ثلاث وثلاثون
تحميدة ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة وما دام على طهارته فهو معقب وما أضر به فقد أضر
بالفريضة، ويسجد سجدتي الشكر يفرش ذراعيه ويلصق صدره وبطنه بالأرض ويعفر
خديه: الأيمن ثم الأيسر ويدعو فيهما بالمأثور أو بما سنح وإذا ذكر الله تعالى فليذكر رسوله
ص ومن حق رسوله إذا ذكر أن يصلى عليه وعلى آله، والصلاة عليه وعلى آله
في الصلاة كالتسبيح.
باب شرح الفعل والكيفية:
من ترك القيام في الصلاة مع القدرة عمدا وسهوا بطلت صلاته فإن لم يمكنه وأمكنه
الاعتماد على حائط وغيره وجب عليه، وليس لما يبيحه الجلوس حد وهو أبصر بحاله فإن
قرأ جالسا للعذر وأمكنه أن يقوم فيركع وجب عليه وإن لم يمكن جلس متربعا قارئا
ومتشهدا يثني رجليه عند الركوع، فإن لم يمكنه اضطجع على جنبه الأيمن فإن تعذر فعلى الأيسر فإن
تعذر استلقى على قفاه مومئا مغمضا عينيه للركوع وفاتحهما للرفع منه وكذا السجود. وليكن
تغميضه للسجود أبلغ من الركوع، فإن صلى قائما ثم عجز فيها أتمها جالسا وبالعكس،
ويوضيه غيره وينوي هو للعذر ويجوز أن يرفع إليه ما يسجد عليه للعذر.
ومن ترك النية عمدا أو سهوا بطلت صلاته وتكون بالقلب لا باللسان، ويجب تعيين
الصلاة أداء أو قضاء وفرضا أو نفلا متعبدا بها فإن كان عليه الظهر والعصر فنواهما
بها فسدت صلاته لأنهما لا يتداخلان فإن عزم بعد الدخول في الصلاة على فعل ينافيها
كالحدث والكلام ولم يفعل أتم وهي صحيحة، وإن فعل القراءة والركوع مثلا لا للصلاة بطلت
وإنما تنعقد الصلاة ب‍ " الله أكبر " ولا تنعقد بالعكس ولا عرف " أكبر " باللام ولا بما في
معناها بالعربية أو غيرها، فإن لم يحسن بها ولا يتأتى له أو ضاق الوقت صلى بلغته ثم
يتعلمها للمستقبل وكذا القراءة والتشهد، ويجزئ الأخرس في ذلك تحريك لسانه وإشارته
ولا يمد لفظ الله ولا يجعل بعد الباء ألفا فتبطل صلاته، والمأموم يكبر بعد الإمام فإن كبرا معا
أو كبر قبله لم تصح وقطعها بتسليمة واستأنفها.
871

وتكبيرات الافتتاح ثلاث متوالية يدعو بعدها: اللهم أنت الملك الحق المبين إلى آخره
ثم تكبيرتان ويقول لبيك وسعديك إلى آخره، ثم تكبيرتان الثانية للإحرام ثم يقول: وجهت
وجهي إلى آخره. ويجوز أن يكبر سبعا ولاء والإمام يجهر بواحدة ويسر ستا ثم يتعوذ فيقول:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإن شاء قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم،
ويكون ما قبل التكبيرة التي ينوي بها الدخول في الصلاة ليس من الصلاة فإن نوى
بالأولى أو بما بعدها كان ما بعدها من الصلاة وليس التعوذ بمسنون بعد الركعة الأولى،
وإذا كبر للإحرام ثم كبر أخرى لذلك بطلت صلاته فإن كبر ثالثة انعقدت وكذا أبدا، ومن
ترك القراءة عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا وذكر قبل الركوع فعلها وإن ركع مضى في
صلاته.
وبسم الله الرحمن الرحيم آية من الحمد ومن السورة وبعض آية من سورة النمل،
وقراءة الحمد واجبة في كل ركعة من الأوليين وترك التشديد ترك حرف فإن تعمد اللحن
بطلت صلاته وإن سها فلا شئ عليه وقيل: يسجد للسهو ولا يكتب له من القراءة والدعاء إلا ما
أسمع نفسه، ويخير في الثوالث والروابع بين الحمد والتسبيح وهما سواء، وروي أن
التسبيح أفضل. وروي أن القراءة أفضل. ويجزئ عنها تسع كلمات: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله ثلاثا، وأربع يجزئ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وثلاث
يجزئ: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر، وأدناه سبحان الله ثلاثا فإن نسي القراءة في الأوليين
فهو على تخييره فيما بعدها والأفضل أن يقرأ.
ويجوز في النافلة الحمد وحدها، والضحى والم نشرح سورة، والفيل ولإيلاف سورة،
ولا بسملة بينهما، وقيل البسملة كما في المصحف، ومن لا يحسن الحمد وسورة، يجب أن
يتعلمهما، فإن ضاق الوقت، صلى بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، وأجزأه، ثم يتعلم.
ويكره أن يقرن بين سورتين في فريضة، ويجوز ذلك في النافلة، والأفضل أن يعطي كل
ركعة سورة ويجوز أن ينتقل من سورة إلى غيرها، ما لم يبلغ النصف إلا سورة الإخلاص
والجحد إلا في ظهر الجمعة، فله الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين، وإذا قرأ غير الجمعة
والمنافقين في ظهر الجمعة وبلغ النصف فله أن يجعلها ركعتي نافلة واستقبل الفرض
872

بالجمعة والمنافقين، ومرخص له أن يقرأ بغيرهما فيها، وأن يجهر بالقراءة فيها، ولا يقرأ في
الفريضة سورة طويلة، تذهب فضل الوقت، ولا يجوز أن يقرأ فيها العزائم الأربع ويجوز في
النفل ويسجد موضع السود، ويقوم بالتكبير فإن كانت السجدة آخر السورة، ولم يرد
قراءة أخرى، قرأ الحمد ثم ركع، وأفضل ما يقرأ في الفريضة بعد الحمد سورة القدر
والإخلاص والجحد، والسنة أن يقرأ في الظهرين كالقدر والنصر والتكاثر، وفي نفلهما من
القصار والإخلاص أفضل وفي العشاء الآخرة، كالطلاق والأعلى، وفي الغداة
بوقت، كالإنسان، والمزمل والمدثر وفيها يوم الاثنين والخميس سورة الانسان، وفي أولى
المغرب ليلة الجمعة، الجمعة، وفي الثانية الإخلاص. ه وروي سورة الأعلى، وفي العشاء الآخرة
الجمعة والأعلى. وروي المنافقين وفي صبحها الجمعة والإخلاص. وروي المنافقين وفي
عصرها الجمعة والمنافقين.
وروي الإخلاص وكل ذلك ندب، ويجب الجهر بالقراءة في الغداة، والأولى والثانية من
المغرب والعشاء، والإخفات فيما عداها عدا البسملة للرجل، والمرأة تخافت في الكل، فإن
خالف ناسيا أو جاهلا، فلا بأس وأعاد متعمدا.
ويخافت في نفل ما فرض فيه الإخفات، ويجهر في نفل ما فرض فيه الجهر استحبابا
ويقرأ سورة الجحد في نوافل الزوال، وأول نفل المغرب، وأولى صلاة الليل، وأولى ركعتي
الإحرام، وأولى ركعتي الفجر والغداة إذا أصبح بها وركعتي الطواف.
وروي الإخلاص في ذلك، والجحد في الثواني، والجهر متوسط، ولا يخافت دون إسماع
نفسه. وإذا تقدم المصلي خطأ، لم يقرأ حتى يستقر بمكان وليسأل الله تعالى عند تلاوة آية
الرحمة منها، وليتعوذ إذا مر بآية عذاب منه.
فقد فسر الصادق ع قوله تعالى: يتلونه حق تلاوته بذلك ومتى ترك
الركوع في الأوليين وثالثة المغرب عمدا، أو سهوا، بطلت صلاته، فإن تركه عمدا في
الأخريين، فكذلك، وإن تركه سهوا حتى سجد حذف السجود وركع وأتمها.
وأقل ما يجزئ منه أن ينحني إلى موضع يمكنه وضع يديه على عيني ركبتيه مختارا،
والزائد ندب، ويجزئ تسبيحة واحدة في الركوع والسجود، وأفضل منه ثلاث، وأفضل منه
873

خمس، والكمال منه في سبع.
والجمع بين التسبيح والدعاء فيهما أفضل، وهي: سبحان ربي العظيم وبحمده في
الركوع، وسبحان ربي الأعلى وبحمده في السجود، وسبحان الله ثلاثا يكفي فيهما، ولا إله
إلا الله والله أكبر كذلك.
ومن ترك السجدتين معا في الأوليين عمدا أو سهوا بطلت صلاته، فإن تركهما في
الأخريين حتى ركع، أسقط الركوع وسجد بهما ثم تممها.
فإن ترك سجدة عمدا بطلت صلاته، فإن تركها سهوا حتى ركع بعدها قضاها بعد
التسليم وإن وضع بعض كفيه، أو بعض ركبتيه، أو بعض ركبتيه أو بعض أصابع رجليه أجزأ، والأكمل
وضع العضو كله، ويطمئن في الركوع، والسجود، قدر الذكر، والقنوت سنة في كل ثانية من
فرض ونفل وأفضل الذكر فيه كلمات الفرج، ويجوز بغيرها، وترك في التقية، فإن لم يحسن
الدعاء سبح خمسا في ترسل، ويقنت بالاستغفار في الوتر.
فإن ذكر بعد الركوع أنه لم يقنت، قضاه بعد التسليم. والقنوت فيما يجهر به آكد و
السجود أربعة: سجود الصلاة، وسجود السهو، وسجود الشكر، وسجود التلاوة. ويجب
السجود عند قراءة موضع السجود من العزائم الأربع واستماعها وإن لقنها غيره
سجد كلما تلا موضعه. وباقي سجدات القرآن سنة وهي إحدى عشرة: آخر الأعراف، وفي
الرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج في الموضعين، والفرقان، والنمل، وص،
والانشقاق، وليس فيها تكبيرة إحرام وتكبير لرفع رأسه، ولا تشهد بعدها، ولا تسليم،
ويدعو فيها بالمأثور سنة، وإن قرأ سجدات النفل في الفرض لم يسجد، وفي النفل يسجد
ندبا، ويجوز له تركه.
ويسجد المحدث، والجنب، والحائض للعزائم إذا سمعتها، ويجوز لها تركه وموضع
السجود من حم السجدة عند قوله: إن كنتم إياه تعبدون، ويجوز سجدة العزائم في وقت
يكره فيه ابتداء النافلة ويقضي إذا فاتت. وسجدة الشكر مستحبة عند نيل المسار، ودفع
المضار، وعقيب الصلاة، وليس فيها تكبيرة إحرام، بل يكبر عند رفع رأسه، ولا تشهد
بعدها، ولا تسليم.
874

فإن كان في موضع السجود دمل به، سجد على أحد جانبيه، فإن تعذر فعلى ذقنه، وإن
جعل حفيرة للدمل جاز، والتشهد واجب، والتشهدان واجبان في الثلاثية والرباعية، فإن
نسي حتى فرع، قضى بعد التسليم، طالت المدة، أو قصرت.
والتسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين.
ويستحب الانصراف من الصلاة عن اليمين، فإذا سلم، كبر ثلاثا رافعا بها يديه إلى
شحمتي أذنيه، وعقب بها بالدعاء، وهو مرجو إذا صدر عن صدق النية ومتى أحدث بعد
التحريمة إلى قبل التحليل بالتسليم، بطلت صلاته، عمدا أو سهوا، فإن سلم قبل وقته، أو
تكلم بما ليس من الصلاة، أو عمل عملا كثيرا ليس منها، أو قهقه، أو بكى لأمر دنيوي، أو
كفر، أو قال: آمين من غير تقية عمدا، بطلت صلاته، فإن فعله سهوا لم تبطل.
باب أحكام السهو:
من السهو ما لا حكم له وهو ما حصل معه غلبة الظن، فليعمل عليها، وسهو الإمام
والمأموم حافظ، وبالعكس مثله، فإن لم يكن منهما حفظ، فهما كالمنفرد، وكذا إن كثر السهو
وهو أن يسهو في كل ثلاث، فإذا دخل فيها طعن فخذه اليسرى بمسبحته اليمنى، وقال بسم
الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وليخفف
صلاته.
والشك في شئ بعد الانتقال عنه إلى غيره، كالشك في السجود والتشهد بعد القيام.
وفي التشهد الثاني، أو شئ منها بعد التسليم والسهو في السهو والسهو في النافلة، وإذا
سها فتكلم فيها، لم يسجد له، وبناءه فيها على الأقل أفضل، وإن سها فيها فزاد فيها
ركوعا وذكر، أسقطه وتممها، والسهو عن القراءة، والتسبيح في الركوع، والسجود، ثم
لا يذكر حتى يرفع رأسه.
ومنه ما يتلافى، وهو السهو عن شئ ثم يذكره في محله، كالسهو عن الركوع قائما
وعن السجود جالسا، أو القراءة قائما لم يركع، فإنه يفعل ذلك، أو قرأ السورة قبل الحمد ثم
875

ذكر استدرك، والسهو عن الركوع حتى سجد أو السجود حتى ركع في الأخيرتين من
الرباعية، فإنه لا يسقط ذلك ويتلافى ويتمم فإن ذكر بعد ذلك أنه كان ركع، أرسل نفسه
ولا يرفع رأسه، فإن رفعه أعادها، فإن ذكر بعد السجدتين، أنه كان فعلهما، فكذلك، فإن
كان شكه في واحدة منهما وفعلها ثم ذكر أنه كان فعلها، لم يعد، وإن شك في السجود والتشهد وهو
ناهض قبل استقلاله قائما، تلافاهما، فإن نقص ركعة أو أكثر سهوا، ثم ذكر بعد السلام
ولم يحدث، ولم يستدبر القبلة، أتمها وسجد للسهو، ولو طلعت الشمس في الغداة، أو ذهب
وجاء وتكلم، لأنه ساه.
ومنه ما يبطلها مثل الشك في عدد الغداة، والمغرب، وصلاة الخوف، والسفر، والجمعة
وأوليي الرباعية، والشك في الركوع فيهما حتى سجد والسجدتين حتى ركع والسهو عن
الأركان، أو بعضها، والسهو بزيادة ركوع أو ركعة، ثم ذكر عالما أو ظانا، وقد ذكرنا سائره فيما
مضى.
ومنه ما يجبر بسجدتي السهو، وهو: لترك سجدة من سجدتين سهوا ثم لا يذكر حتى
يركع، ولترك التشهد الأول كذلك ويقضيهما مستقبل القبلة بعد السلام - والكلام سهوا بما
ليس من جنس أذكارها، والسلام المذكور قبل وقته سهوا، ولمن لا يدري صلى أربعا أو خمسا
قبل التسليم جالسا ويسلم، ولمن قام حال قعود، أو بالعكس - على قول - وليس فيهما
قراءة وتكونان بعد السلام وقبل الكلام، ولو تكلم لفعلهما بعده، ويتشهد لهما تشهدا خفيفا
ويسلم. ويكبر الإمام إذا رفع رأسه منهما ليعلم بذلك من خلفه، ويقول فيهما: بسم الله،
وبالله وصلى الله على محمد وآله.
وروي بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وكل حسن، فإن
حصل من ذلك جنسان مختلفان، سجد أربع سجدات. فإن كان الجنس واحدا، سجد سجدتين،
فالأول مثل أن يترك سجدة وتكلم سهوا، والثاني مثل أن يترك سجدتين من ركعتين، ومتى
نسيهما ثم ذكرهما، فعلهما ولو طال الوقت.
ومنه ما يوجب الاحتياط بصلاة، وهو الشك في الرباعية خاصة بين الثنتين والأربع بعد
إحراز الركعتين، فليبن على الأربع ويسلم، ثم يصلى ركعتين قائما والشك بين الثنتين
876

والثلاث والأربع وقد أحرز الثنتين، بنى فيه على الأربع، ويصلى ركعتين قائما، ثم ركعتين
جالسا، والشك بين ثنتين وثلاث وقد أحرز الثنتين، بنى فيه على الثلاث، ويتممها، ثم
يصلى ركعة قائما أو ركعتين جالسا.
وإذا كان في هذه المسائل قائما، لا يدري قيامه للثانية أو لغيرها، أعاد الصلاة لأنه لم
تسلم له الأوليان، وإذا شك قائما، هل قيامه لثالثة أو خامسة جلس وفعل فعل الشاك
بين الثنتين والأربع، والشك بين الثلاث والأربع، يبني فيه على الأربع ثم يصلى ركعة قائما أو
ركعتين جالسا وإذا كان قائما لا يدري أن قيامه لثالثة أو رابعة، أتم الركعة ويسلم، وفعل
كذلك لسلامة الأوليين، وهذه الركعات بالحمد وحدها، ويكبر لإحرامها، ويتشهد ويسلم
وهي منفصلة عن الصلاة، فلو أحدث بعد الصلاة قبل فعلها فعل الشاك، لفعلها
متطهرا، وإذا شك قائما هل قيامه لرابعة أو خامسة؟ جلس وفعل فعل الشاك بين
الثلاث والأربع.
وإذا شك في فعل صلاة بعد حائل، لم يلزمه فعلها، كالشاك في الظهر بعد العصر، فإن
استيقن، عمل عليه. ومن سلم على
ركعتين من الظهر يرى أنهما أربع ثم صلى من العصر ركعتين فذكر، جعلهما تمام الظهر ثم استأنف العصر - من التوقيعات الخارجة من الناحية -
ومن نوى فرضا ثم ظنه نفلا أو بالعكس، لم يضره لأن الصلاة على ما افتتحها عليه.
في قضاء الفوائت:
باب قضاء فائت الصلاة وحكم تركها وصلاة المعذورين والسفينة:
من فاته صلاة فريضة: لعدم عقل، كالجنون، والإغماء، فلا قضاء عليه، فإن أفاق في
وقت صلاة يمكنه أن يتطهر لها ويصلى الصلاة أو ركعة منها، وجبت عليه، فإن لم يفعلها
وجب عليه قضاؤها، ويستحب أن يقضي بعد إفاقته صلاة ثلاثة أيام أو يوم وليلة فإن فاتته وهو
بالغ عاقل وليس بمسلم، أو كانت مسلمة حائضا أو نفساء، فلا قضاء فإن فاتته وهو بالغ،
عاقل، مسلم، فعليه القضاء، تركها سهوا أو عمدا. ومن فاتته الصلاة، وهو مسلم
لشرب مسكر أو مرقد أو نوم معتاد، فعليه القضاء.
877

ويقضي المرتد ما فاته بعد إسلامه، وبعد ردته من صوم، وصلاة، وحج وزكاة، وما فعله
بعد إسلامه وقبل ردته، مجز، ولا يقضي صلاة الجمعة، والعيد، والأوقات كلها تصلح لقضاء ما فات
من الصلاة الفرض إلا بوقت يضيق الفرض الحاضر، ولمن عليه فائت فرض صلاة أن
يصلى الحاضر أول الوقت وأجزأه.
وروى عبد الله بن جعفر الحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر قال:
وسألته - يعني أخاه موسى ع - عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء
الآخرة، قال: يصلى العشاء ثم المغرب، وسألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع
الفجر، كيف يصنع؟ قال: يصلى العشاء ثم الفجر، وسألته عن رجل نسي الفجر حتى
حضرت الظهر، قال: يبدأ بالظهر، ثم يصلى الصبح كذلك كل صلاة بعدها صلاة.
وروي في حديث عن الصادق ع وإن ذكرتهما - يعني المغرب والعشاء - بعد الصبح، فصل
الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فإن نمت عن الغداة حتى طلعت الشمس، فصل الركعتين، ثم
الغداة وقال أبو جعفر ابن بابويه: ومتى
فاتتك صلاة، فصلها إذا ذكرت، فإن ذكرتها وأنت في وقت فريضة فصل التي أنت في
وقتها ثم صل الصلاة الفائتة.
وتصلي الفائت قصرا، قصرا في السفر والحضر، والفائت تماما، تماما في السفر
والحضر، ويجوز أن يعدل من صلى فرض الأداء في وقت سعته إلى فرض القضاء إن أمكنه،
اتفقا أو اختلفا، كالعصر إلى العصر، أو الظهر إلى الصبح في اثنين، أو إلى المغرب في
ثلاث، فإن كان قد ركع في ثالثة الظهر ثم ذكر صبحا، لم يعدل وأتمها، ثم قضى الصبح، فإن
عدل بطلت.
ويجوز العدول من أداء إلى أداء، كالعصر إلى الظهر، ولا يعدل من نفل إلى نفل، ولا
من فرض إلى نفل إلا ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى، ولا من قضاء إلى قضاء.
ويستحب قضاء فائت الفرائض بأذان، وإقامة، فإن عجز أذن للأول، وأقام للباقي
إقامة، إقامة، فإن فاتته صلاة معينة، قضاها بعينها، فإن أشكلت من الخمس، صلى ثلاثا
وأربعا واثنتين، فإن فاته ذلك مرارا، صلى منه مرارا، فإن فاتته صلاة كثيرة معينة، قضاها،
878

فإن لم يحصها، صلى منها إلى أن يغلب في ظنه أنه وفي.
ويستحب قضاء صلاة النافلة الراتبة خاصة، سواء فاتت مريضا، أو صحيحا
فإن عجز تصدق عن كل صلاة ركعتين بمد، وإلا فعن كل أربع بمد، وإلا فبمد عن كل صلاة
الليل، وبمد عن كل صلاة النهار والصلاة أفضل، ويجوز أن يقضي أوتارا عدة بليلة واحدة،
والأفضل جعل القضاء أول الليل، والأداء آخره.
فإن فاته من النوافل ما لا يحصيه من كثرته، قضى ما لا يحصيه من كثرته، ويقضي
النوافل في كل وقت إلا وقت دخول الفريضة، أو أن يكون عليه قضاء فريضة.
ويقضي الابن ما فات أباه من صلاة مرضه. ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها، وقال:
ليست واجبة وكان مسلما، فقد ارتد، وسنبين حكمه إن شاء الله تعالى، ولم يغسل ولم يكفن
ولم يدفن في مقابر المسلمين، وإن قال: هي واجبة، أمر بالقضاء وعزر، فإن عاد عزر فإن عاد
ثالثة عزر فإن عاد رابعة قتل وكفن وصلى عليه ودفن مقابر المسلمين، ولا يسقط الصلاة
مرض لا يغلب على العقل، ويجب عليه قضاء ما فاته، ويصلى على حسب مكنته، وقد سبق.
والموتحل، والغريق، والسابح، والأسير والمصلوب، يصلون إيماءا للركوع والسجود،
والسجود أخفض من الركوع، ويستقبلون القبلة إن أمكن، وإلا فعلى حسب الإمكان،
وصاحب الراحلة يصلى عليها النافلة ويومئ للركوع والسجود مع إمكانهما، فإن صلى
الفرض عليها لعدم تمكنه من النزول، صلى بركوع وسجود مع الإمكان، والإيماء مع التعذر
ويستقبل القبلة بها، وإلا بتكبيرة الإحرام.
وراكب السفينة المتمكن من استيفائها فيها، يستحب له الخروج، والصلاة على
الجدد، ويجوز في السفينة، فإن كان لا يتمكن فيها من القبلة والصلاة على الكمال، وجب
الخروج، فإن تعذر صلى فيها على حسب المكنة ويستقبل، القبلة ويدور إليها، وإلا بتكبيرة
الإحرام، وفي النافلة يصلى إلى صدرها.
والمبطون إذا صلى وحدث به حادث، تطهر له وتممها، ومن به سلس البول يتخذ
خريطة.
وروى حريز عن أبي عبد الله ع، قال: إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم،
879

إذا كان حين الصلاة، اتخذ كيسا وجعل له قطنا، ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى،
يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر
المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل كذلك في الصبح.
والعريان، إذا أمن أن يراه غيره، صلى قائما مومئا بالركوع والسجود، وإن لم يأمن،
صلى جالسا مومئا بهما، فإن صلى العراة جماعة، صلوا صفا يتقدمهم إمامهم بركبتيه، ويومئ
بالركوع والسجود، ويركعون ويسجدون على جباههم، وإن صلوا على جنازة، صلوا قياما،
أيديهم على أقبالهم، وأدبارهم مستور بألياتهم.
باب صلاة السفر:
التقصير في السفر فرض إذا كان طاعة أو مباحا، والصيد للقوت من ذلك، فإن صاد
للتجارة أتم صلاته وقصر صومه، ويتمم العاصي بسفره، كاتباع السلطان الجائر لطاعته،
والصائد لهوا وبطرا.
ويتمم المكاري، والملاح، والراعي، والبدوي، والطالب للقطر والنبت، والبريد،
والوالي في ولايته وجبايته، والتاجر يدور في تجارته من سوق إلى سوق، والقاصد دون مسافة
القصر، والمسافر لغرض أين وجده رجع، فإذا رجع من مسافة قصر، فإن أقام المكاري
في بلده أو بلد غيره عشرة أيام ثم سافر، قصر، فإن أقام خمسة أو دونها قصر صلاة
النهار ويتمم صلاة الليل، وصام الشهر. والجمال إذا لم يسافر إلا في الندرة قصر.
وحد مسافة التقصير ثمانية فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال.
وعن محمد بن يحيى الخزاز عن بعض أصحابنا عن الصادق ع، أن رسول
الله ص لما نزل عليه جبرئيل ع بالتقصير، قال له: في كم ذلك؟
قال في بريد، قال: وأي شئ البريد؟ فقال: ما بين ظل عائر إلى فئ وعير، قال: ثم عبرنا
زمانا، ثم رأى بنو أمية يعملون أعلاما على الطريق، وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر،
فذرعوا بين ظل عائر إلى فئ وعير ثم جزوه على اثنى عشر ميلا، فكانت ثلاثة آلاف
وخمس مائة ذراع في كل ميل، فوضعوا الأعلام.
880

فلما ظهر بنو هاشم، غيروا أمر بني أمية غيرة، لأن الحديث هاشمي، فوضعوا إلى جنب
كل علم علما.
قال: أبو جعفر بن محمد بن بابويه، قال الصادق ع: إن رسول الله
ص لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير، قال له النبي ص: في كم
ذاك؟ قال: في بريد، قال: وما البريد؟ قال: فيما بين ظل عائر إلى فئ وعير فذرعته بنو
أمية، ثم جزوه على اثنى عشر ميلا، فكان كل ميل ألفا وخمس مائة ذراع، وهو أربعة فراسخ
يعني إذا أراد الرجوع من يومه.
وروى زرارة، قال: سألت أبو جعفر ع عن التقصير، فقال: بريد ذاهبا،
وبريد جائيا فإذا لم يرد الرجوع من يومه، فإن شاء قصر وإن شاء أتم.
ويتم المسافر ما سمع أذان مصره أو كان في بنيانه وإن طال، ويقصر إذا غاب عنه
الأذان، فإذا قدم عن سفره، فمثل ذلك، فإذا قدم موضعا ينوي القيام فيه عشرة أيام أتم:
ودونها يقصر. وإن لم يدرها ما إقامته، قصر إلى شهر، ثم تمم. فإن نوى إقامة العشرة ثم
بدا له وكان قد صلى صلاة تمام، فعلى تمامه، وإلا قصر، فإن عدل في طريقه إلى صيد لهو وبطر
أتم، فإذا رجع عن ذلك قصر. فإن مر في الطريق بضيعة له، أو مال، أو على بعض أهله، فإن
كان قد استوطنه بستة أشهر أتم، وإلا قصر.
وإذا نوى المسافة وخرج، ثم بدا له عن السفر، فإن كان قطع أربعة فراسخ فعلى تقصيره
ما لم ينو المقام عشرا، وإن كان دونها تمم، وكذلك لو لبث في طريقه ينتظر رفقة ولا يعيد ما
صلى وإذا أتم التقصير وقد علم وجوب القصر عامدا، فعليه الإعادة والإثم، فإن علم
ثم نسي أعاد في الوقت لا خارجه، وإن جهل وجوب القصر، فصلاته مجزئة. وإن نوى
مقام عشرة، وقصر لجهل، فلا إعادة.
ويستحب الإتمام في الفرض والنفل بمكة، والمدينة، والكوفة، وحرم الحسين
ع، فإن نوى المقام عشرا وجب ولا يخص التمام بنفس المسجد.
ويجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بلا نافلة بينهما، حضرا وسفرا
من غير خوف، ولا مرض، ولا مطر، ولا يحتاج إلى نية الجمع. ويكره اقتداء الحاضر بالمسافر
881

من غير خوف، ولا مرض، ولا مطر، ولا يحتاج نية الجمع. ويكره اقتداء الحاضر بالمسافر
وبالعكس، ويصلى كل منهما فرضه، ويأمر الإمام المقصر الحاضرين بالتمام، ويسلم
المقصر خلف المتمم على فرضه وإن شاء نوى معه صلاة أخرى، وإذا نوى الإقامة عشرة،
ثم خرج لحاجة لدون مسافة فعلى تمامه، فإن نوى مسافة قصر، فإذا رجع إليه فعلى
تقصيره، لأنه ليس بوطنه، فإذا دخل وقت الصلاة في السفر فلم يصل حتى حضر
والوقت باق، أتم، فإن كان لم يصل فيه أيضا، قضاها قصرا، وإذا دخل الوقت حاضرا ثم
سافر وهو باق، قصر. ض ض
ويستحب له أن يقول: عقيب صلاة القصر، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر ثلاثين مرة، فهو جبران الصلاة.
وسفر البحر مكروه، وينبغي أن يقرأ في السفينة: وما قدر والله حق قدره والأرض
جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون بسم الله
مجريها ومرسيها أن ربي لغفور رحيم وإذا اضطرب به البحر فليقل متكئا على جنبه الأيمن:
بسم الله اسكن بسكينة الله وقر بقرار الله وأهدأ بإذن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويحرم
ركوبه عند هيجانه.
باب صلاة الجمعة:
الجمعة واجبة على كل ذكر حر، بالغ، كامل العقل، صحيح من المرض والعمى،
والعرج، حاضر أو من في حكمه من المسافرين غيرهم وبينه وبين الجمعة فرسخان فما
دونهما، ولا يجب على غيرهم بشرط حضور إمام الأصل، أو من يأمره، واجتماع أربعة نفر معه
في الجمعة، والخطبة، وأن يخطب خطبتين قائما إلا من عذر، متطهرا، فاصلا بينهما بجلسة
وسورة خفيفتين تشملان على حمد الله، والثناء عليه. والصلاة على محمد ص
والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن.
ويستحب تقصير الخطبتين خوفا من فوت وقت الفضل ولو خطب والعدد لم يحضر
أعادها إذا حضر، فإن لم يعدها لم تصح الجمعة، ولو أدرك الإمام من الوقت قدر ركعتين
882

بلا خطبة، لصلاها ظهرا، ولو أدرك المأموم الإمام في الثانية راكعا، لصلاها جمعة.
ويصلى جمعتان بينهما فرسخ، وبدونه يبطلان إن وقعا معا، فإن سبقت إحديهما بتكبيرة
الإحرام صحت، وإن لم يعلم أيهما سبق، أو علم سابق وجهلت عينه، بطلتا وصلوا الظهر
إن فات الوقت، والجمعة إن بقي.
ويجب على الكافر ولا تصح منه، وإذا تكلف حضورها مكلف لا تجب عليه، وجبت
عليه، وأجزأته. ولو صلى في بيته ثم سعى إلى الجمعة لم يبطل ظهره، وله أن يصلى أول
الوقت وحده وفي جماعة، فإن كان على أكثر من فرسخين وعنده جمعة، دخل فيها وإلا صلى
ظهرا.
ومن عليه الجمعة، إذا صلى ظهرا لم تجزئه ووجب عليه السعي إليها، فإن لم يفعل حتى
فاتت، أعاد الظهر.
وتجب الجمعة على أهل القرى، والبوادي.
وإذا أحرم بالجمعة بشروطها، ثم لم يبق إلا الإمام، أتمها جمعة، ولو دخل فيها ثم خرج
وقتها قبل الفراع، أتمها جمعة، ويجوز أن يستخلف إن أحدث قبل التحريمة وبعدها. ولا جمعة
على المعتق نصفه. ويترك الجمعة لعذر في نفسه وأهله، ومرض صديقه، وموت من يجهزه.
ويحرم على مكلفها السفر بعد الزوال حتى يصلى، ويكره بعد الصبح إلى أن يصلى.
ويجب استماع الخطبة، وترك الصلاة والكلام عندها، ويكره تخطى رقاب الناس، برز
الإمام أم لا.
ومن جلس مجلسا فهو أحق به، فإن قام لحاجة ثم عاد فكذلك، ولا يصير بفرش ثوب في
موضع أحق به وإن لحق الإمام بعد رفع رأسه من الثانية، فقد فاتته الجمعة وصلى الظهر، فإن
كبر معه ثم ركع ثم شك هل لحقه راكعا أو بعده صلى الظهر. وإذا أدرك الثانية ثم سلم الإمام،
أضاف إليها أخرى، فإن ذكر أنه ترك سجدة، لا يدري من أيهما هي، سجد وتم صلاته. وإن
ركع معه، ثم زوحم عن السجود وقف ولم يسجد على ظهر غيره، فإذا قام إمامه، وأمكنه
السجود واللحاق به فعل، فإن تعذر حتى ركع لم يركع معه، فإذا سجد إمامه سجد، فإن لم
ينوه للأولى، أسقطه ثم سجد، ثم صلى ركعة أخرى وسلم، وإن نواه للأول تمت ركعته، وأتى
883

بأخرى وسلم.
ومن السنة صعود الإمام المنبر بسكينة ووقار، يقعد دون الدرجة العليا للاستراحة،
ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا، لا يضع يمينه على شماله، ولا يسلم إذا دخل والإمام
يخطب، فإن سلم عليه رد، ويسمت العاطس، ولا يستنيب الإمام غيره في الجمعة إلا لعذر،
ويجوز كون إمام الجمعة عبدا إذا كان أقرأ الجماعة ولا يكون فاسقا، ولا امرأة. ولا ينعقد
بالمرأة الجمعة، ولا الصبي. والسنة أن يؤذن للجمعة بأذان واحد.
ويحرم البيع على مكلفها حين قعود الإمام على المنبر بعد الأذان، فإن فعل صح البيع
محرما. وتصلي نوافل الجمعة قبل الزوال، وهي عشرون ركعة.
وروي اثنان وعشرون ستا عند انبساط الشمس، وستا عند ارتفاعها وستا قرب
الزوال، وركعتين عند قيام الشمس لتحقيق الزوال، وركعتين بعد العصر على الرواية، فإن
زالت صلى الفريضتين، جامعا بلا نافلة بينهما بأذان واحد وإقامتين.
ويجوز الفصل بينهما بست ركعات منها على الرواية، فإن زالت ولم يكن صلاها،
قضاها بعد العصر، وقد ذكرنا استحباب الغسل يوم الجمعة، والتنظيف وقص الأظفار،
وأخذ الشارب فيما مضى، ويستحب له لبس أنظف ثيابه، والدعاء بالمأثور عند التوجه إلى
المسجد الأعظم، والمشي بسكينة ووقار،
ولا يكون إمام الجمعة أجذم ولا أبرص ولا مجنونا، ويلبس العمامة شتاء وقيظا ويرتدي
ببرد يمنية، وإذا اختل به شروط الإمامة فلا جمعة، والفرض الظهر.
فإن حضر خلفه تقية وأمكنه تقديم فرضه أربع ركعات فعل وإلا صلى معه ركعتين فإذا
سلم الإمام أضاف إليها ركعتين وقد تمت صلاته، ويجهر الإمام بالجمعة ويقرأ فيها الجمعة
والمنافقين سنة ويقنت قنوتين في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده ويقنت في الظهر قنوتا
واحدا، ولا بأس باجتماع المؤمنين وقت التقية ولا ضرر عليهم لصلاة جمعة بخطبتين فإن
تعذر صلوا الظهر جماعة، ومتى لم يحضر إمام يقتدى به فالصلاة يوم الجمعة في المسجد
أفضل منها في المنزل.
884

باب صلاة الجماعة
أقل الجماعة اثنان والكثير أفضل، ولا حد له وهي سنة لا فرض. ويجب أن يكون الإمام
صحيح الاعتقاد عدلا في دينه فإن كان فاسقا أو فاسد العقيدة فصلاة المؤتم به باطلة،
والرجل يؤم بمثله وبالمرأة والخنثى، والمرأة بمثلها فقط، والخنثى بالمرأة فقط. ويؤم العبد
الصالح بمواليه وغيرهم إذا كان أكثرهم قرآنا.
ويكره إمامة الأجذم والأبرص والمفلوج والمقيد والأعرابي إلا بأمثالهم ولا يؤم المحدود
قبل توبته فإن تاب جاز وتحرم إمامة القاعد بالقائم وإمامة ولد الزنا. ويكره اقتداء المتطهر
بالماء بالمتيمم به، والجماعة في النافلة بدعة إلا في الاستسقاء.
ويجوز اقتداء المفترض بالمفترض اختلف فرضاهما أو اتفقا، وإذا اقتدى واحد بإمامين
أو بمأموم يعلمه أو بمأموم يظنه إماما أو بأحد شخصين على الجملة بطلت صلاته، وإن صلى
اثنان فذكر كل منهما أنه إمام صحت صلاتهما وإن ذكرا أنهما مأمومان أو شكا بطلت
صلاتهما.
ويكره للإمام تطويل صلاته وينبغي أن يسبح في الركوع والسجود ثلاثا ثلاثا بغير
دعاء وإن كان راكعا وأحس بداخل لبث قدر ركوعين فقط، وتكره إمامة من لا يتأتى له
الحروف على صحة ومن يلحن ولا يقدر على الإعراب، ولا تحل إمامة متعمد اللحن لأنه لم
يقرأ القرآن وعلى المأموم إعادتها إن كان علم حاله. ولا يؤم من لا يحسن الحمد بمن يحسنها
ويؤم بمثله، فإن أم بمن يحسنها ومن لا يحسنها صحت صلاته وصلاة مثله وبطلت صلاة
القارئ، وإذا بان له أن إمامه كافر أو فاسق لم تكن عليه إعادة.
ولا يحكم على المصلي بالإسلام ولا بالردة إذا قال: لم أسلم، وإذا أحدث الإمام
استخلف ويستحب أن يكون خليفته غير مسبوق بشئ من الصلاة فإن كان مسبوقا أومأ
إليهم ليسلموا وأتم صلاته، وإذا أم جنب أو محدث سهوا ثم ذكر أعاد ولا يعيد من خلفه
وليس عليه أن يعلمهم فإن صلوا وهم يعلمون حاله أعادوا، ولا تصح إمامة من لم يبلغ.
وصاحب المنزل وأمير القوم وإمام المسجد أحق بالإمامة من غيرهم وإن كانوا أفضل منهم
إلا إذا كانوا صلحاء للإمامة، ويؤم الأعمى بالبصير إذا أسد وبمثله ولا يؤم الأغلف لإخلاله
885

بالواجب.
ويستحب أن يقف الرجل المأموم على يمين الإمام فإن كان امرأة أو خنثى أو رجلين
فصاعدا فخلفه، ولا تبطل الصلاة إن وقف الواحد عن يساره أو وقف الكل صفا عن
يمينه أو يساره فإن وقف قدامه بطلت صلاته وقيل: تصح، وإن كان رجل ونساء فالرجل عن
يمينه والنساء خلفه. وإذا وجد الإمام راكعا ركع معه وأدرك الركعة فإن كان بينهما مسافة جاز
أن يمشي في ركوعه ويلحق بالصف وإن سجد ثم لحق بالصف جاز وإن وقف وحده جاز.
ويجوز أن يكون المأموم أعلى من موضع الإمام بما يعتد به ولا ينعكس، والحائل كالحائط
يمنع من الائتمام وكذا المقصورة والشباك، وروي جواز ذلك للنساء وكثرة الصفوف لا تمنع
الائتمام ولو كان بين الإمام والمأموم بعد بحيث يراه جاز ثم كان آخر بينه وبين هذا المأموم
مثل ذلك جاز وعلى هذا. ويجوز صلاة الجماعة في السفينة والسفن.
وتكره فراق الإمام قبل الفراع ولا تبطل الصلاة ولا بأس به مع العذر، ويقدم القارئ
على الفقيه فإن تساويا في القراءة قدم الأفقه فإن تساويا فأقدمهم هجرة فإن تساويا فأسنهما
فإن تساويا فأصبحهما وجها فإن تساويا اختارت الجماعة فإن فوضوا إليهما وسمح أحدهما
لصاحبه وإلا أقرعا ونعني بالقراءة قدر ما يحتاج إليه الصلاة، والفقه ليس بشرط في
الصلاة، ونريد بالسن من كان سنه في الاسلام أكبر. ولا تبرز المرأة إذا أمت بالنساء، تقوم
وسطهن وألا يؤم بمن يكرهه.
ولا يلزم الإمام نية الإمامة والمأموم ينوي الائتمام وإذا أخذ في نافلة ثم أقيمت الجماعة
أبطلها وجمع، وإن كان في فريضة والإمام صالح أتمها ركعتي نافلة مخففة وسلم ثم جمع فإن لم
يكن صالحا أتم صلاته معه ثم أومأ بالتسليم وقام معه فصلا وينوي نافلة. ولا يقرأ المأموم في
صلاة جهر بل يصغي لها فإن لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ وإن كان في
صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله وندب إلى قراءة الحمد فيما لا يجهر فيه، ويقرأ خلف
من لا يرتضيه واجبا فإن خاف فمثل حديث النفس ويجزئه الحمد لا دونها فإن فرع من
القراءة قبل الإمام سبح فإن بقي منها آية يركع بها كان أفضل. ومتى مات الإمام فجأة قدم
886

غيره لإتمامها وإذا لحق الإمام راكعا كبر للإحرام وركع فإن كبر للركوع فقط بطلت صلاته
وإن نواهما بطلت.
والمسبوق يجعل الملحوق أول صلاته فيقرأ بالحمد وسورة فيها وإلا فبالحمد فإذا سلم
الإمام أتم صلاته وإذا وجده ساجدا سجد معه سنة ثم يقوم فيستأنف الصلاة ويجلس معه
في الثانية للإمام ولا يتشهد، فإذا صلى الثالثة جلس فتشهد ثم لحقه فإذا جلس الإمام فتشهد
جلس معه لا يتشهد فإذا سلم قام المأموم فأتم صلاته، والإمام مؤتم به يركع المأموم إذا ركع
ويسجد إذا سجد فإن ظنه ركع أو سجد ففعل ثم بان خلافه رجع إليه ولم يضره فإن كان
تعمد ذلك لم يعد إليه فإن كان إمامه غير مرضى لم يرجع إليه بكل حال، وندب الإمام إلى
الجلوس حتى تم المسبوق صلاته وأن يسمع من خلفه الشهادتين ولا يسمعه المأموم شيئا،
ولا بأس لمن لم يصل الظهر أن يقتدي فيها بمن يصلى العصر وندب من صلى وحده
فرضا ثم لحق جماعة إلى إعادتها معهم إماما أو مأموما أي الفرائض كان، ويقف في الصف
الأول ذو العقل والصلاح لا الصبيان والعبيد، ويكون بين الصفين قدر مربض عنز وإن
وجد فرجة بضم الفاء في صف سدها.
ويكره وقوف الإمام في محراب داخل في حائط ويستحب للمأموم الوقوف لتعقيب الإمام
وإذا أقيمت الصلاة لم يصل النافلة، وتقف النساء خلف الرجال والصبيان وليتأخرن
إذا جاء الرجال، ومن صلى خلف غير مرضي فقرأ سجدة العزائم ولم يسجد أومأ إيماء
وأجزأه.
باب المساجد:
قال الصادق ع من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ويكره تعليتها
وتظليلها وزخرفها وتذهيبها وتصويرها، وأن يكون فيها محراب داخل الحائط وجعل
الميضاة داخلها وجعل المنارة كذلك بل مع حائطها لا تعلى عليه وأن تبنى بشرف بل يكون
جما وإخراج الحصى منها والخذف به فيها، والبصاق والتنخم وسل السيف وبراء نبل
والصناعات وكشف الفخذ والسرة والركبة ويضع القمل، وإن بصق أو تنخم أو أخذ
887

قملة دفن ذلك - وإنشاد الشعر ورفع الصوت والبيع والشراء وإدخال المجانين وإنشاد
الضالة ونشدانها، وإقامة الحدود والصبيان والتوضؤ فيها من بول أو غائط خاصة والنوم
وخاصة في مسجد الله ورسوله.
ويستحب كنس المسجد وتنظيفه والإسراج فيه ورد ما أخرج من حصاه إليه أو إلى
بعض المساجد، ويكره لآكل الثوم وشبهه إتيان المسجد حتى يذهب ريحه. ويستحب
تقديم رجله اليمنى داخلا واليسرى خارجا وتعهد نعله أو خفه خوف نجاسته، والدعاء
بالمأثور داخلا وخارجا وينتعل جالسا، ويكره اتخاذه طريقا من غير ضرورة ولا يجوز نقضه
إلا إذا استهدم ولا اتخاذه ملكا ولا بيع آلته ويستعمل آلته في إعادته أو لبعض المساجد.
ويجب على آخذ آلته ردها إليه أو إلى بعض المساجد، ولا يعود المسجد ملكا بانهدامه،
ويجوز نقض البيع والكنائس واستعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها أو كانت في دار
حرب ويجوز بناؤها مساجد، ومن اتخذ من داره مسجدا لنفسه فله تغييره وتبديله. ولا يجوز
دفن الميت في المسجد، ويجوز بناء المسجد على بئر غائط إذا طم وذهب ريحه.
والجلوس في المسجد عبادة وصلاة الفرض في المسجد أفضل منها في المنزل وصلاة
النفل بالعكس وخاصة صلاة الليل، وعن الرضا ع: الصلاة في المسجد الحرام
ومسجد الرسول ع في الفضل سواء، وعن الصادق ع أن
الصلاة في مسجد رسول الله ص ألف صلاة والصلاة في المدينة مثل الصلاة في
سائر البلدان، وروى السكوني عن جعفر عن أبيه ع عن علي ع: صلاة
في بيت المقدس ألف صلاة وصلاة في مسجد الأعظم مائة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة
خمس وعشرون صلاة وصلاة في السوق اثنا عشر صلاة وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة
واحدة، وقال الصادق ع في مسجد الكوفة: أن صلاة الفرض فيه بألف صلاة
والنافلة بخمس مائة صلاة، وروي عن أمير المؤمنين ع: أن المكتوبة فيه حجة
مبرورة والنافلة عمرة مبرورة، وعن الصادق ع: من تنخع في المسجد ثم ردها في
جوفه لم تمر بداء إلا أبرأته وعنه ع: وقد قال بعض أصحابه: إني لأكره الصلاة في
مساجدهم، قال: لا تكره فما من مسجد بني إلا على قبر نبي أو وصي نبي قتل فأصاب تلك
888

البقعة رشة من دمه فأحب الله أن يذكر فيها، فأد فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك،
وعنه: من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له إلى الأرض
السابعة. وعنه: من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة وعن الرسول
ص: الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإن
الصلاة في المسجد الحرام يعدل ألف صلاة في مسجدي.
باب صلاة الخوف
صلاة الخوف ثابتة: ويجوز إذا كان العدو دبر القبلة ويمينها وشمالها ويخاف انكبابه
عليهم وأن يكثر المسلمون ليكونوا طائفتين: طائفة تصلي وطائفة تحرس، وأخذ السلاح
واجب على الكل إلا لضرورة. وهي مقصورة سفرا وحضرا جماعة وفرادى إلا المغرب،
وكيفيتها أن يصلى الإمام بمن يليه الركعة الأولى ويقوم للثانية فتنوي فرقته فرقته ويتمم
صلاتهما وتنصرف، فإذا استقر بها الموقف جاءت الفرقة الأخرى فصلت معه الثانية له
وهي لها الأولى فإذا جلس للتشهد نهضوا فصلوا ما بقي وسلموا وسلم بهم، ويخير في
المغرب بين أن يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين أو بالعكس.
والطائفة: الواحدة والاثنان فصاعدا ويلحق الطائفة حكم سهوها عند مفارقته
لا قبلها فإن احتاج إلى تفريق أصحابه أربع فرق لم يصل تلك الصلاة لأن صلاة الخوف
ركعتان أو ثلاث للمغرب فإن صلى الصلاة بفرقتين نفلا له وفرضا لهم جاز، فإن اشتد
الخوف وبلغ حال المسايفة صلوا فرادى للقبلة وضدها ركبانا ومشاتا، وتكبيرة الإحرام إلى
القبلة ويسجد على سرجه فإن تعذر فبالإيماء راكعا وساجدا. والسجود أخفض من الركوع،
فإن وقعت المعانقة فعن الركعة " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " بعد
الإحرام، ثم يسبح أخرى للثانية ويتشهد ويسلم. وفي المغرب ثلاث، فإن كان العدو في
القبلة والأرض مستوية فلا يلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف.
فإن صلوا صلاة النبي ص بعسفان جاز، فيقوم الإمام مستقبل القبلة
والعدو أمامه، وخلفه صف وصف آخر بعده فيركع بهم جميعا ثم يسجد فسجد معه الصف
889

الذي يليه والآخرون قيام، فإذا سجد من يليه السجدتين وقاموا سجد الذين خلفهم ثم
تأخر من يليه إلى مقام الآخرين وبالعكس ثم ركع بالكل جميعا ثم سجد ويسجد من يليه
ومن خلفهم قيام يحرس، فإذا جلس سجد الحارسون ثم جلسوا فسلم بهم جميعا.
ويجوز أن يصلى بمن يليه الصلاة ويسلمه ويصليها بالآخرين نفلا له وفرضا لهم كما
فعل ع ببطن النحل. وإذا صلى صلاة الخوف في الأمن جازت صلاة الكل وقد فارقوه
لغير عذر وهو مكروه، ولا فرق في صلاة الخوف بين أن يكون العدو مسلما أو كافرا إذا كان
متعديا فإن كان ظالما كالبغاة وقطاع الطريق وخافوا من المحقين لم يجز لهم صلاة الخوف
فإن فعلوا لم تصح صلاة المؤتم لفسق الإمام.
باب صلاة العيدين:
وهما فرضان باجتماع شروط الجمعة في العدد والخطبة وغير ذلك، وتسقط عمن تسقط
عنه وإذا تركها مكلفها عمدا أثم وإن تركها لعذر أو لاختلال شرط صلاها في بيته ندبا،
وروي أنه يصلى أربع ركعات وهي ضعيفة وإذا فاتت لا تقضى، ووقتها من طلوع الشمس
إلى زوالها. والغسل يوم العيد سنة ووقته من طلوع الفجر إلى صلاة العيد. ويفطر يوم الفطر
على شئ من الحلاوة ويصبح بها ويقدمها يوم الأضحى ولا يطعم شيئا حتى يعود فيطعم مما
ضحى به والأذان والإقامة لها بدعة، بل يقول المؤذن ثلاث مرات الصلاة. وتصلي في
الجبانة لا في المساجد إلا بمكة فإنها تصلي بالمسجد الحرام، ويخرج الإمام حافيا ماشيا إلا
لضرورة على سكينة ووقار ويلبس بردا ويعتم شتاء وقيظا ويسجد على نفس الأرض،
ولا يصلى يوم العيد قبل الصلاة وبعدها شئ من النوافل ابتداء ولا قضاء إلا بعد الزوال
إلا بالمدينة فإنه يصلى ركعتين في مسجد النبي ص قبل أن يخرج إليها
ويجوز قضاء فائت الفرائض بكل حال، ويخير شاهد العيد إن كان يوم الجمعة بين حضور
الجمعة والانصراف ويعلمهم الإمام ذلك في الخطبة ويحثهم على الفطرة وفي الأضحى على
الأضحية.
ويستحب التطيب ولبس أطهر الثياب والدعاء بالمأثور عند الخروج وأن يرجع في غير
890

طريق مجيئه إلى الصلاة، وهي ركعتان يقرأ في أوليهما الحمد وسورة " الأعلى " بعد التوجه
المسنون وتكبيرة الإحرام الواجبة ويقنت خمسة ويكبر لكل قنوت تكبيرة ويدعو بالمأثور
أو بما سنح، فإذا سجد قام قائلا: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فيقرأ الحمد والشمس وضحاها
ويقنت أربعة يكبر لها أربعا ويجهر بالقراءة فيها فيكون الزائد على غيرها من الصلاة تسع
تكبيرات، وهذه التكبيرات ورفع اليدين بها.
والأدعية سنة فلو أخل بذلك لم تبطل صلاته، وقيل: يقوم من الأولى بالتكبير ويقنت في
الثانية ثلاثا ويكبر ثلاثا وإن قرأ غير ما ذكرنا جاز ثم يخطب بعد الصلاة خطبتين كالجمعة
على شبه المنبر من طين، ولا ينقل المنبر من مكانه. ولا يجب على المأمومين استماعها بل
يستحب لهم ولا يخرج إليها في السلاح إلا لعدو يخاف.
ويستحب التكبير وقيل: يجب ليلة الفطر عقيب المغرب والعشاء والصبح والعيد،
وفي الأضحى عقيب عشرة صلوات أولاهن الظهر يوم النحر وبمنى عقيب خمس عشرة صلاة
أولاهن ظهر يوم النحر لمن أقام إلى النفر الأخير، وهو " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله
أكبر الله أكبر ولله الحمد الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا " ويزيد في
الأضحى " ورزقنا من بهيمة الأنعام "، وليس بمسنون عقيب النافلة، وإذا فات لا يقضي،
وتكبيرات العيد بعد القراءة فإن اتقى فقبلها، ولا بأس بخروج العجائز في العيدين
للصلاة.
ويكره السفر بعد الفجر حتى يشهد العيد " ولا يصلى صلاة عيد النحر إلا بمنى "، وروي: إنما رخص رسول الله ص للنساء العواتق في الخروج في العيدين
المتعرض للرزق، وعن أحدهما فيما يتكلم به فيما بين التكبيرتين في العيدين: ما شئت من
الكلام الحسن، وعن جعفر بن محمد ع: لا بأس أن تصلي وحدك ولا صلاة إلا
مع إمام.
باب صلاة الكسوف
وهي واجبة عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح المفزعة والظلمة
891

الشديدة، وهي عشر ركعات بأربع سجدات وخمس قنوتات عند كل ركوعين قبل الركوع
وبعد القراءة وإن قنت في العاشرة فقد جاز، وتشهد واحد وتسليم يفتح الصلاة، ويقرأ
الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه ويكبر ثم يقرأ الحمد وسورة هكذا خمسا، ويقول: سمع
الله لمن حمده عند الرفع من الخامس ويسجد سجدتين ويقوم فيفعل مثل ذلك ويسجد
سجدتين ويتشهد ويسلم، وإن قرأ الحمد وبعض سورة في ركوع لم يفتقر إلى إعادة الحمد في
الثاني بل يقرأ من الموضع الذي لم يقرأ من السورة ثم يعيد الحمد في الثالث إن كان أنهاها
وكذا لو قسم السورة بين الخمس جاز، ويبتدأ بالحمد في أول السادس ويفعل كما فعل في
الخمس الأول.
وأول وقتها إذا ابتدأ في الاحتراق وآخره إذا ابتدأ في الانجلاء فإن كان وقت صلاة
فريضة بدأ بها وإن شاء بدأ بالكسوف إلا أن يضيق وقت الحاضرة فيبدأ بالحاضرة، وإن
دخل في صلاة الكسوف ثم دخل وقت الحاضرة قطعها وصلى الحاضرة ثم تمم صلاة
الكسوف وقيل يستأنفها، ويصلى صلاة الكسوف ثم صلاة الليل فإن فاتته صلاة الليل
قضاها، وتصلي صلاة الكسوف جماعة وفرادى، وذوات الهيئات من النساء يصلين في
بيوتهن ويصلين جماعة.
ويستحب أن يقرأ فيها كالكهف والأنبياء ويطيل ركوعه كالقراءة وسجوده كذلك فإن فرع
منها قبل الانجلاء أعادها سنة وإن سبح وحمد جاز، وإذا تعمد تركها واحترق القرص كله اغتسل
سنة وقضاها وإن تركها نسيانا واحترق كله أو عمدا ولم يحترق كله قضاها فقط وإن تركها غير
عالم بوجودها ولم يحترق كله لم يقضها وإن احترق كله قضاها. وإذا كثرت الزلازل،
صاموا الأربعاء والخميس والجمعة، وبرزوا يوم الجمعة بعد الغسل وطهارة الثياب ودعوا الله
يرفع عنهم، ومن أصابته زلزلة قال عند النوم: يا من يمسك السماوات الآية صلى على محمد وآل محمد
وأمسك عنا السوء إنك على كل شئ قدير لم يسقط البيت عليه إن شاء الله تعالى.
892

باب صلاة النوافل:
النوافل في اليوم والليلة المرتبة في الحضر أربع وثلاثون ركعة وفي السفر سبع عشرة
ركعة، أفضلها صلاة الليل وهي سنة في السفر والحضر، ووقتها من انتصاف الليل إلى
طلوع الفجر وكلما قارب الفجر كان أفضل، يبدأ فيتوجه بما ذكرنا ويقرأ الحمد وسورة
الإخلاص وفي الست البواقي ما شاء من السور.
ويستحب قراءة الطوال إذا كان عليه وقت وإلا قرأ الحمد وحدها وخففها فإن خاف
مع ذلك طلوع الفجر صلى ركعتين وأوتر بعدهما وصلى ركعتي الفجر ثم الغداة وقضى
الثاني، وإن صلى أربعا وطلع الفجر أتمها مخففة، ومن نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر
بعد الوتر قضاهما وأوتر. وركعتا الفجر يصليان للفراغ من صلاة الليل وإن لم يطلع الفجر
إلى طلوع الحمرة فحينئذ تصلي الغداة ويقضي الركعتان وندب إلى الضجعة بعد
الركعتين، والدعاء فيها بالمأثور وقراءة خمس آيات من آل عمران وإن سجد بدلها جاز،
ويصلى النوافل جالسا مع المكنة ويجعل ركعتين ركعة وإن جعل الركعة ركعة جاز.
فإذا زالت الشمس في غير يوم الجمعة صلى للزوال ثمانية ركعات كل ركعتين بتشهد
وتسليم ويقرأ فيهما من قصار السور فإذا فرع صلى الظهر ثم صلى ثمان ركعات ثم صلى
العصر ويسقط هذه الست عشرة في السفر، فإذا غربت الشمس وصلى المغرب صلى أربع
ركعات نافلتها بتشهدين وتسليمين وخفف القراءة للوقت، وإذا صلى العشاء صلى ركعتين
الوتيرة جالسا متربعا وإن صلى ركعتين قائما جاز ويجعلهما بعد كل صلاة يريد فعلها
والقيام بعدها إلى فراشه. ويستحب أن ينام على طهر ويقرأ بالمأثور ويدعو بالمأثور، وإذا
خرج وقت الظهر أو العصر ولم يصل النافلة قضاها بعد العصر وكذلك إذا ذهب
الشفق الأحمر الغربي ولم يصل نافلة المغرب قضاها بعد العشاء، وإن ذهب نصف الليل
ولم يصل الوتيرة قضاها وإن طلع الصبح ولم يكن صلى صلاة الليل قضاها.
وغير النوافل المرتبة مما لا وقت له كصلاة أمير المؤمنين ع وهي أربع ركعات
بتشهدين وتسليمين يقرأ في كل منهما الحمد وخمسين مرة سورة الإخلاص، وصلاة فاطمة
ع ركعتان في الأول الحمد مرة وسورة القدر مائة مرة وفي الثاني الحمد مرة
893

والإخلاص مائة مرة، وصلاة جعفر بن أبي طالب المسماة صلاة الحبوة والتسبيح أربع ركعات
بتشهدين وتسليمين يقرأ في الأول الحمد والزلزلة، فإذا قرأها سبح خمس عشرة مرة:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فإذا ركع قاله عشرا فإذا رفع رأسه قاله
عشرا فإذا سجد قاله عشرا فإذا رفع رأسه قاله عشرا، وفي السجدة الثانية والرفع منها
كذلك. ويقرأ في الثانية الحمد والعاديات ويفعل كما فعل في الأولى، ويقرأ في الثالثة الحمد
وإذا جاء نصر الله ويفعل كما فعل، ويقرأ في الرابعة الحمد والإخلاص ويفعل كما فعل
ويدعو آخر سجدة بالمأثور وبما أراد، وهذه تصلي سفرا وحضرا وليلا ونهارا وفي الجمعة
أفضل ويصليها مجردة، ويقضي التسبيح وهو في حوائجه، ويحتسب بها من نوافله إن شاء
ومن قضاء صلاة، وروي أنه يقرأ فيها الزلزلة والقدر والنصر والإخلاص، وروي في كل
ركعة بالإخلاص والجحد، وقال الصادق ع: من صلاها فله من الأجر مثل
ما لجعفر. ومما ليس له وقت معين ركعتا تحية المسجد عند دخوله.
وصلاة الغدير ليومه يغتسل قرب الزوال ويصلى ركعتين في كل واحدة الحمد مرة
وعشرا سورة الإخلاص وعشرا آية الكرسي وعشرا سورة القدر فإذا سلم دعا بالمأثور،
ويصلى يوم المبعث وليلته وهو سابع وعشرون من رجب اثني عشرة ركعة يقرأ فيها ما شاء،
وقيل " ياسين " وإذا فرع قرأ الحمد سبعا والإخلاص مثله و " المعوذتين " مثله والجحد والقدر
وآية الكرسي كذلك، ويصلى ليلة نصف شعبان أربعا بأربع مائة مرة سورة الإخلاص،
وروي أربع بألف أرباعا وآكد في صلاة جعفر تلك الليلة ويدعو بالمأثور.
صلاة الاستخارة:
ومما ندب إليه لحاجة وسبب أذاهم بأمر حج أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق صلى
ركعتين، يقرأ فيهما الحشر والرحمان ثم يقرأ المعوذتين ثم يقول: اللهم إن كان كذا خيرا لي في
ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فيسره لي على أحسن الوجوه وأكملها وإن كان شرا لي
في ذلك فاصرفه عني على أحسن الوجوه رب اعزم لي على رشدي وإن كرهت أو أبته نفسي،
روي ذلك عن علي بن الحسين ع، وروي عن الصادق ع: في من
894

أراد أمرا فتحير فيه أنه يصلى ركعتين ويستخير الله مائة مرة ومرة ثم ينظر أجزم الأمرين
فيفعله فإن الخير فيه إن شاء الله تعالى، وروى حماد بن عيسى عن ناحية عنه ع إذا
أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشئ اليسير استخار الله فيه سبع مرات
وإذا كان أمرا جسيما، استخار الله فيه مائة مرة، وروى معاوية بن ميسرة عنه ع:
ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة فيقول: يا أبصر
الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين
صل على محمد وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا، ورويت الاستخارة في آخر ركعة من صلاة
الليل بمائة مرة.
وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي ع، قال الله عز وجل: إن
عبدي ليستخيرني فأخير له فيغضب، وروى هارون بن خارجة عن الصادق
ع: إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله
العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل وفي ثلاث مثله، وفي آخره لا تفعل ثم صل ركعتين ثم
تسجد سجدة تقول فيها: أستخير الله برحمته خيرة في عافية ثم استو جالسا وقل: اللهم
خر لي في جميع أمري في يسر منك وعافية ثم اضرب يدك على الرفاع وأخرج واحدة واحدة
فإن خرج ثلاث ولاء " افعل " فافعل الأمر الذي تريده وإن خرج ثلاث ولاء " لا تفعل "
فلا تفعل فإن خرج واحدة افعل وأخرى لا تفعل فأخرج منها إلى خمس واعمل بالأكثر ودع
السادسة.
في صلاة الحوائج:
وأما صلاة الحوائج فكثيرة:
منها إذا أهمتك الحاجة يستحب أن تصوم الأربعاء والخميس والجمعة ولاء وتغتسل
يوم الجمعة وتلبس ثوبا جديدا وتصعد أعلى ما في دارك وتصل ركعتين وترفع يديك إلى
السماء وتدعو بالمأثور،
ومنها إذا كانت لك حاجة اغتسلت ولبست أنظف ثيابك ومسست طيبا وبرزت تحت
895

السماء وصليت ركعتين بفاتحة الكتاب والإخلاص خمس عشر مرة ثم تركع فتقرؤها كذلك
كصلاة التسبيح، والقراءة هنا خمس عشرة مرة ثم تسجد قائلا: اللهم إن كل معبود من
لدن عرشك إلى قرار أرضك فهو باطل سواك فإنك أنت الله الحق المبين، اقض لي حاجة
كذا الساعة الساعة، وتلح فيما أردت، وإذا قضيت حاجتك فصل ركعتين: الأولى بفاتحة
الكتاب والإخلاص والثانية بالفاتحة والجحد، وتقول في ركوعك وسجودك في الأولى:
الحمد لله شكرا شكرا وحمدا، وفي ركوع الثانية وسجودها: الحمد لله الذي استجاب دعائي
وأعطاني مسألتي. وروي في من جاع أنه يصلى ركعتين ويسأل الله أن يرزقه فإنه يرزقه.
وإذا أراد سفرا صلى ركعتين واستودع الله أهله وماله ونفسه ودينه ودنياه وآخرته
وأمانته وخواتيم عمله فما استخلف عبد على أهله بخلافة أفضل منها، وروى اليسع
القمي قال، قلت لأبي عبد الله ع: أريد الشئ فأستخير الله فيه فلا يوفق فيه الرأي
أفعله أو أدعه، فقال: انظر إذا قمت إلى الصلاة فإن الشيطان أبعد ما يكون من الانسان
إذا قام إلى الصلاة أي شئ وقع في قلبك فخذ به وافتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى
به فخذ به إن شاء الله. ويروي إسماعيل بن الأرقط وأمه أم سلمة أخت أبي عبد الله
ع أنه مرض في شهر رمضان حتى ثقل واجتمع بنو هاشم لجنازته قال: فجزعت على
أمي فقال لها خالي أبو عبد الله ع: اصعدي إلى فوق البيت فابرزي إلى السماء
وصلى ركعتين فإذا سلمت فقولي: اللهم إنك وهبته لي ولم يكن شيئا اللهم إني أستوهبك
مبتدأ فأعرنيه، فأفقت وتسحرت وتسحروا بهريسة.
وشكى رجل إلى أبي عبد الله ع ضيق يده، فقال: إذا أردت الخروج إلى
سوقك فصل ركعتين أو أربع ركعات ثم قل في دبر صلاتك: توجهت بلا حول مني ولا قوة
ولكن بحولك يا رب وقوتك وأبرأ من الحول والقوة إلا بك وأنت حولي فبك قوتي اللهم
فارزقني من فضلك الواسع رزقا كثيرا طيبا مباركا وأنا خافض في عافيتك فإنه لا يملكها
أحد غيرك، ففعل واستغنى وحسنت حاله، وشكى إليه رجل الحرفة والفاقة بعد يساره
فأمره أن يأتي مقام رسول الله ص بين القبر والمنبر فيصلي ركعتين، ويقول
مائة مرة: اللهم إني أسألك بقوتك وقدرتك وبعزتك وما أحاط به علمك أن تيسر لي من
896

التجارة أسبغها رزقا وأعمها فضلا وخيرها عاقبة ففعل فما توجه بعد في حاجة إلا رزق. -
عن الباقر ع: من أراد أن يحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل
الركوع والسجود ثم يقول: اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا إذ قال: رب لا تذرني فردا
وأنت خير الوارثين، اللهم هب لي ذرية طيبة إنك سميع الدعاء اللهم باسمك استحللتها
وفي أمانتك أخذتها فإن قضيت في رحمها ولدا فاجعله غلاما ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا
ولا شركا.
وعن النبي عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام قال لأمير المؤمنين ع: إذا
أردت أن تحفظ كل ما تسمع وتقرأ فادع في دبر كل صلاة: سبحان من لا يعتدي على أهل
مملكته سبحان من لا يأخذ أهل الأرض بألوان العذاب سبحان الرؤوف
الرحيم، اللهم اجعل لي في قلبي نورا وبصرا وفهما وعلما إنك على كل شئ قدير.
وعن الصادق ع لطول العمر تقول عقيب كل صلاة: اللهم صل على محمد
وآل محمد وسلم اللهم أن الصادق ع قال، إنك قلت: ما ترددت في شئ
أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، اللهم فصل على النبي الأمي
محمد وآل محمد وعجل لوليك الفرج والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة ولا تسؤني
في نفسي ولا في أحد من أحبتي، إن شئت أن تسميهم واحدا واحدا فافعل وإن شئت
متفرقين وإن شئت مجتمعين، قال الرجل: والله لقد عشت حتى سئمت الحياة.
ويدعو للحراسة من الأعداء بدعاء على ع ليلة مبيته على فراش رسول الله
ص: يا من ليس معه رب يدعى يا من ليس فوقه خالق يخشى يا من ليس دونه إله يتقى يا من
ليس له وزير يغشى يا من ليس له بواب ينادي يا من لا يزداد على
كثرة السؤال إلا كرما وجودا يا من لا يزداد على عظيم الجرم إلا عفوا ومغفرة ورحمة، صل
على النبي محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود
والخير والكرم. وما روي من النوافل والأدعية للحوائج وغيرها أكثر من أن تحصى والله
تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
897

باب نافلة شهر رمضان:
يزاد على النوافل المرتبة في هذا الشهر ألف ركعة تصلي في كل ليلة إلى ليلة العشرين
عشرون ركعة: ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء وروي بالعكس ويصلى
ليلة الحادي والعشرين إلى آخره كل ليلة ثلاثون ركعة، ويزاد في ليلة تسع عشرة وإحدى
وعشرين وثلاث وعشرين على ذلك مائة ركعة لكل ليلة، كل ركعة بالحمد مرة والإخلاص
عشرا، ويجعل من الثلاثين ثمانيا بعد المغرب واثنين وعشرين بعد العشاء، وروي اثنا
عشرة بعد المغرب وثمانية عشرة بعد العشاء وروي أنه يفعل في كل ليلة من الثلاث
المذكورات المائة فيبقي ثمانون، فيصلي في كل يوم جمعة من الشهر عشر
ركعات: أربع ركعات صلاة أمير المؤمنين ع وأربع صلاة جعفر رضي الله عنه وركعتان صلاة
فاطمة ع، ويصلى في ليلة آخر جمعة منه عشرون ركعة صلاة أمير المؤمنين
ع وفي ليلة آخر سبت منه عشرون ركعة صلاة فاطمة ع ولا تصلي جماعة.
ويستحب: أن يزاد ليلة النصف منه مائة ركعة كل ركعة بالحمد مرة والإخلاص
عشرا، ويصلى ليلة الفطر ركعتان في أولاهما الحمد مرة والإخلاص ألفا وفي الآخرة الحمد
مرة والإخلاص مرة. والأدعية في نهار شهر رمضان وليله وأسحاره، وعقيب الركعات
مذكورة في كتب العمل.
باب صلاة الاستسقاء:
إذا أجدبت البلاد وقلت الأمطار ونضبت العيون فقد ندب الإمام إلى أمر الناس بصوم
ثلاثة أيام: السبت والأحد والاثنين، ويتوبوا من الذنوب ويخرجوا من الحقوق ويصلح
الضمائر، يخرج بهم يوم الاثنين مشاة إلى الصحراء بسكينة ووقار ويصلى بمكة في المسجد
الحرام ويقدم المؤذنون بأيديهم العنزة، يقولون: الصلاة ثلاثا فإذا وصل صلى ركعتين
بصفة العيد سواء إلا كيفية الدعاء، فإذا فرع استقبل القبلة وكبر الله مائة ثم
سبح عن يمينه مائة ثم هلل عن يساره مائة ثم استقبلهم فحمد الله مائة رافعا بجميع
ذلك صوته ويتبعه فيه من حضر ثم يدعو ويخطب خطبة الاستسقاء التي خطبها أمير المؤمنين
898

ع فإن لم يحسنها دعا، ويخرج الشيوخ الكبار والصبيان الصغار والعجائز دون
الشواب، ولا يخرج أهل الذمة، فإنهم مغضوب عليهم.
ويستحب أن يدعو المخصبون للمجدبين فإن سقوا وإلا عادوا حتى يسقوا وإن سقوا
صلوا شكرا لله، ويستحب للإمام تحويل الرداء من اليمين إلى اليسار ومنها إلى اليمين،
ويصح نذر صلاة الاستسقاء من الإمام وغيره ولا يلزم غير الناذر الخروج معه، فإن نذر
فعلها في مسجد وجب عليه فيه ولم يجز غيره وإن نذر الخطبة وجبت، ونهى ع أن
يقال: مطرنا بنوء كذا.
باب صلاة الجنازة:
صلاة الجنازة واجبة على الكفاية وتصلي على المسلمين ومن في حكمهم من أطفالهم
البالغين ست سنين فصاعدا وتصلي على من لم يبلغ ذلك سنة وتقية، وتحرم الصلاة على
الكفار. وأولى الناس بالصلاة على الميت إمام الأصل إذا حضر ولا يحل التقدم عليه، وإن لم
يحضر وحضر هاشمي عدل استحب للولي تقديمه ولا يتقدم إلا باذنه، وولي الميت من كان
أولى بإرثه من الرجال والأب أولى من الابن والزوج أحق بالصلاة على زوجته.
والصلاة على الجنائز في الموضع المخصوص بها أفضل ويجوز في المساجد وأفضل
صفوفها آخرها، وليس من شرطها الطهارة وإنما هي دعاء. وهي من فضلها ويتيمم لها مع
وجود الماء، وتصلي الحائض وحدها في صف عن الطاهرات.
وكيفيتها: أن ينوي ويكبر ويتشهد الشهادتين ثم يكبر ثانية ويصلى على النبي
ص ثم يكبر ثالثة ويدعو للمؤمنين ثم رابعة ويدعو للميت المحق ثم
خامسة ويقول: عفوك ثلاثا وينصرف بها، وإن كان إماما: وقف حتى ترفع الجنازة سنة وإن
كان مبطلا دعا عليه ولعنه عقيب الرابعة وانصرف. وإن كان مستضعفا قال: ربنا اغفر
للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. وإن كان لا يعرفه سأل الله أن يحشره مع
من كان يتولاه وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا يعني أجرا مقدما، ثم يكبر
الخامسة ولا قراءة فيها ولا تسليمة، ويرفع يده في جميع التكبيرات، وإن اقتصر على رفعها
899

في الأولى جاز وإن سبق إمامه بتكبيرة أعادها معه
وإن فاتته كبر بعد فراع الإمام وإن رفع، وإن فاتته الصلاة صلى على القبر يوما وليلة.
ويقف الإمام من جنازة الرجل عند وسطه ومن جنازة المرأة عند صدرها، وتوضع
الجنازة للصلاة رجلاه شرقية ورأسه غربيا فإن نكس سوى وأعيدت الصلاة عليه ما لم
يدفن، ولا يصلى على الغائب وإنما يدعى له. ولا يصلى على الجنازة بحذاء ويجوز بالخف،
ويصلى على الجنازة في كل وقت ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ويصلى على
المصلوب، فإن كان وجهه إلى القبلة قام على منكبه الأيمن وإن كان قفاه إلى القبلة قام على
منكبه الأيسر فإن بين المشرق والمغرب قبلة، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة قام على منكبه
الأيمن وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة قام على منكبه الأيسر وكيف كان منحرفا لم يزائل
مناكبه، وليكن وجهه إلى ما بين المشرق والمغرب لا يستقبله ولا يستدبره البتة. والعريان
يوضع في لحده واللبن على عورته ويصلى عليه، ويصلى على الزاني وشارب الخمر
والسارق. وإذا صلى النساء الجنازة جماعة وقفت الإمامة وسطهن. وإذا صلى على جنازة ثم
حضر من لم يصل صلى عليها، ولا بأس أن يؤم به الإمام الذي صلى أولا.
وأما السنة في ترتيب الجنائز فإن حضر جنائز الرجال أو رجال ونساء، فقد روى عمار
الساباطي عن الصادق ع: أنه يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى ألية الأول ثم يجعل
رأس الثالث إلى ألية الثاني شبه المدرج حتى يفرع منهم ما بلغوا ثم يقوم في الوسط، وفي
الرجال والنساء يفعل بالرجال ما قلنا ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الآخر ثم يجعل
رأس المرأة الأخرى إلى رأس المرأة الأولى حتى يفرع ثم يصلى عليهم صلاة واحدة، ويقف
في وسط الرجل كما يفعل بالميت الواحد، وروى عبيد الله الحلبي قال: سألته عن الرجل
والمرأة يصلى عليهما، قال: يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة ويكون رأس المرأة
عند ورك الرجل مما يلي يساره ويكون رأسها أيضا مما يلي الإمام ورأس
الرجل مما يلي يمين الإمام وروى هشام بن سالم عنه ع: لا بأس أن يقدم الرجل
وتؤخر المرأة وبالعكس.
وأما من يقدم إلى القبلة من الجنائز فإما حضرت جنازة الرجلين حرين، أو عبدين، أو
900

حر وعبد، أو رجل وصبي، أو امرأة ورجل حرين، أو رجل وخنثى أو امرأة وخنثى، أو امرأتين
حرتين، أو أمتين، أو حرة وأمة، أو امرأة وصبي أو حرة وعبد، أو أمة وعبد، ففي الأول والثاني
يقدم أصغرهما وفي الثالث يقدم العبد وفي الرابع يقدم الصبي وفي الخامس تقدم المرأة وفي
السادس يقدم الخنثى وفي السابع تقدم المرأة وفي الثامن والتاسع تقدم الصغرى وفي
العاشر الأمة وفي الحادي عشر المرأة، فإن كان الصبي دون ست سنين فالصبي، وفي الثاني
عشر الحرة وفي الثالث عشر الأمة.
ويكره الجلوس على القبر والاتكاء عليه ولا يجعل مسجدا.
ويستحب زيارة قبر المؤمنين على وضوء يستقبل القبلة ويستظهره ويقرأ الحمد والقدر
سبعا ويدعو واضعا يده على قبره ويقبله، ويستحب زيارته حيا والنزول على حكمه
ولا يكلفه ولا يحتشمه، وعلى المزور استقبال زائره ومصافحته ويقبل كل منهما موضع
سجود الآخر وليكرم كل صاحبه ويعرف المزور حق زائره ويتحفه بما يحضره من طعام
وشراب وشبهه وأدناه شرب الماء، والوضوء وصلاة ركعتين عنده وإيناسه بالحديث
وتشييعه عند انصرافه.
ويستحب زيارة قبر النبي ص والأئمة ع بغسل، ويستقبل
وجهه ويستدبر القبلة ويدعو عند الرأس ثم الرجلين ثم الرأس، ويعفر عليه خديه ثم يقبله
ويصلى عند الرأس ركعتين، وإن زار قبر أمير المؤمنين ع بدأ بزيارة آدم ونوح
ع ثم بزيارته لأنهم في لحد واحد ثم يصلى ست ركعات لكل منهم ركعتان.
901

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
903

كتاب الصلاة
ومقاصده أربعة:
الأول: في المقدمات: وفيه فصول:
الفصل الأول: في أعدادها:
الصلاة إما واجبة أو مندوبة.
والواجبات تسع: الفرائض اليومية والجمعة والعيدان والكسوف والزلزلة والآيات
والطواف والأموات والمنذور وشبهه، والمندوب ما عداه.
والفرائض اليومية خمس: الظهر أربع ركعات ثم العصر كذلك ثم المغرب ثلاث
ركعات ثم العشاء كالظهر ثم الصبح ركعتان وتنتصف الرباعيات خاصة في السفر.
والنوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة، ثمان للظهر بعد الزوال قبلها، وثمان للعصر
قبلها، وللمغرب أربع بعدها، وللعشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة بعدها وبعد كل
صلاة يريد فعلها، وثمان ركعات صلاة الليل وركعتا الشفع وركعة واحدة للوتر وركعتا
الفجر ويسقط في السفر نوافل الظهرين والعشاء وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم عدا
الوتر وصلاة الأعرابي.
905

الفصل الثاني: في أوقاتها: وفيه مطلبان: المطلب
الأول: في تعيينها: لكل صلاة وقتان: أول هو وقت الرفاهية، وآخر هو وقت الاجزاء.
فأول وقت الظهر زوال الشمس وهو ظهور زيادة الظل لكل شخص في جانب
المشرق إلى أن يصير ظل كل شئ مثله والمماثلة بين الفئ الزائد والظل الأول على رأي
والإجزاء إلى أن يبقى للغروب مقدار ثمان ركعات.
وأول وقت العصر من حين مضى مقدار أداء الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه
وللإجزاء إلى أن يبقى إلى الغروب مقدار أربع.
وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية إلى أن يذهب
الشفق وللإجزاء إلى أن يبقى لأجزاء العشاء مقدار ثلاث.
وأول وقت العشاء من حين الفراع من المغرب إلى ثلث الليل وللإجزاء إلى أن يبقى
لانتصافه مقدار أربع.
وأول وقت الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق إلى أن تظهر الحمرة
المشرقية وللإجزاء إلى أن يبقى لطلوع الشمس مقدار ركعتين.
ووقت نافلة الظهر من حين الزوال إلى أن يزيد الفئ قدمين، ونافلة العصر إلى أربعة،
ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الشفق والوتيرة بعد العشاء وتمتد كوقتها، وصلاة الليل بعد
انتصافه إلى طلوع الفجر وكلما قرب من الفجر كان أفضل، وركعتا الفجر بعد الفجر الأول
إلى طلوع الحمرة المشرقية ويجوز تقديمهما بعد صلاة الليل فتعادا استحبابا وتقضى فوائت
الفرائض في كل وقت ما لم تتضيق الحاضرة والنوافل ما لم تدخل.
المطلب الثاني: في الأحكام:
تختص الظهر من أول الزوال بقدر أدائها ثم يشترك مع العصر إلى أن يبقى
للغروب قدر أدائها فيختص بالعصر. ويختص المغرب من أول الغروب بقدر ثلث ثم
906

يشترك مع العشاء إلى أن يبقى للانتصاف قدر أدائها فيختص بها، وأول الوقت أفضل
إلا للمغرب والعشاء للمفيض من عرفات فإن تأخيرها إلى المزدلفة أفضل، ولو تربع الليل
والعشاء يستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق والمتنفل يؤخر بقدر نافلة الظهرين،
والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب للجمع، ويحرم تأخير الفريضة عن وقتها وتقديمها عليه
فتبطل عالما أو ناسيا أو جاهلا، فإن ظن الدخول ولا طريق إلى العلم صلى فإن ظهر الكذب
استأنف، ولو دخل الوقت ولما يفرع أجزأ ولا يجوز التعويل في الوقت على الظن مع إمكان
العلم، ولو ضاق الوقت إلا عن الطهارة وركعة صلى واجبا مؤديا للجميع على رأي،
ولو أهمل حينئذ قضى، ولو أدرك قبل الغروب مقدار أربع وجب العصر خاصة ولو كان
مقدار خمس ركعات. والطهارة وجب الفرضان، وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه
احتمال، وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء وتترتب الفرائض اليومية أداء وقضاء فلو ذكر
سابقة في أثناء اللاحقة عدل مع الإمكان وإلا استأنف، ويكره ابتداء النوافل عند طلوع
الشمس وغروبها وقيامها إلى أن تزول إلا يوم الجمعة وبعد صلاتي الصبح والعصر
إلا ما له سبب ويستحب تعجيل قضاء فائت النافلة فيقضي نافلة النهار ليلا وبالعكس.
فروع:
أ: الصلاة تجب بأول الوقت موسعا فلو أخر حتى مضى إمكان الأداء ومات لم يكن
عاصيا ويقضي الولي، ولو ظن التضيق عصى لو أخر ولو ظن الخروج صارت قضاء فلو كذب
ظنه فالأداء باق.
ب: لو خرج وقت نافلة الظهر قبل الاشتغال بدأ بالفرض ولو تلبس بركعة زاحم بها
وكذا نافلة العصر، ولو ذهب الشفق قبل إكمال نافلة المغرب بدأ بالفرض ولو طلع الفجر
وقد صلى أربعا زاحم بصلاة الليل وإلا بدأ بركعتي الفجر إلى أن تظهر الحمرة فيشتغل
بالفرض، ولو ظن ضيق الوقت خفف القراءة واقتصر على الحمد ولا يجوز تقديم نافلة
الزوال إلا يوم الجمعة ولا صلاة الليل إلا للشاب والمسافر وقضاؤها لهما أفضل.
ج: لو عجز عن تحصيل الوقت علما وظنا صلى بالاجتهاد فإن طابق فعله الوقت
907

أو تأخر عنه صح وإلا فلا إلا أن يدخل الوقت قبل فراغه.
د: لو ظن أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر عدل مع الذكر فإن ذكر بعد فراغه صحت
العصر وأتى بالظهر أداء إن كان في الوقت المشترك وإلا صلاهما معا.
ه‍: لو حصل حيض أو جنون أو إغماء في جميع الوقت سقط الفرض أداء وقضاء فإن
خلا أول الوقت عنه بمقدار الطهارة والفريضة كملا ثم تجدد وجب القضاء مع الإهمال،
ويستحب لو قصر ولو زال وقد بقي مقدار الطهارة وركعة وجب الأداء.
و: لو بلغ الصبي في الأثناء بغير مبطل استأنف إن بقي من الوقت ركعة وإلا أتم ندبا.
الفصل الثالث: في القبلة: ومطالبه ثلاثة: المطلب
الأول: الماهية:
وهي الكعبة للمشاهد وحكمه وجهتها لمن بعد والمشاهد لها والمصلي في وسطها
يستقبلان أي جدرانها شاءا ولو إلى الباب المفتوح من غير عتبة ولو انهدمت الجدران -
والعياذ بالله - استقبل الجهة، والمصلي على سطحها كذلك بعد إبراز بعضها ولا يفتقر إلى
نصب شئ وكذا المصلي على جبل أبي قبيس، ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة
بطلت صلاته، والصف المستطيل إذا خرج بعضه عن سمت الكعبة تبطل صلاة ذلك
البعض لأن الجهة معتبرة مع البعد ومع مشاهدة العين.
والمصلي بالمدينة ينزل محراب رسول الله ص منزلة الكعبة، وأهل كل
إقليم يتوجهون إلى ركنهم:
فالعراقي هو الذي فيه الحجر لأهل العراق ومن والاهم، وعلامتهم جعل الفجر على
المنكب الأيسر والمغرب على الأيمن والجدي بحذاء المنكب الأيمن وعين الشمس عند الزوال
على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف، ويستحب لهم التياسر قليلا إلى يسار المصلي.
والشامي لأهل الشام، وعلامتهم جعل بنات النعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى
والجدي خلف الكتف الأيسر إذا طلع ومغيب سهيل على العين اليمنى وطلوعه بين العينين
والصبا على الخد الأيسر والشمال على الكتف الأيمن.
908

والغربي لأهل الغرب وعلامتهم جعل الثريا على اليمين والعيوق على اليسار
والجدي على صفحة الخد الأيسر.
واليماني لأهل اليمن وعلامتهم جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين وسهيل وقت
غيبوبته بين الكتفين والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.
المطلب الثاني: المستقبل له:
يجب الاستقبال في فرائض الصلوات مع القدرة وفي الندب قولان وعند الذبح
وبالميت في أحواله السابقة، ويستحب للجلوس للقضاء وللدعاء، ولا يجوز الفريضة على
الراحلة اختيارا وإن تمكن من استيفاء الأفعال على إشكال. ولا صلاة الجنازة لأن الركن
الأظهر فيها القيام، وفي صحة الفريضة على بعير معقول أو أرجوحة معلقة بالحبال نظر، وتجوز
في السفينة السائرة والواقفة، ويجوز النوافل سفرا وحضرا على الراحلة وإن انحرفت
الدابة، ولا فرق بين راكب التعاسيف وغيره، ولو اضطر في الفريضة والدابة إلى القبلة
فحرفها عمدا لا لحاجة بطلت صلاته وإن كان لجماح الدابة لم تبطل، وإن طال الانحراف
إذا لم يتمكن من الاستقبال ويستقبل بتكبيرة الافتتاح وجوبا مع المكنة، وكذا لا تبطل
لو كان مطلبه يقتضي الاستدبار ويومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض،
والماشي كالراكب، ويسقط الاستقبال مع التعذر كالمطارد والدابة الصائلة والمتردية.
المطلب الثالث: المستقبل:
ويجب الاستقبال مع العلم بالجهة فإن جهلها عول على ما وضعه الشرع أمارة،
والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن والقادر على الاجتهاد لا يكفيه التقليد،
ولو تعارض الاجتهاد وإخبار العارف رجع إلى الاجتهاد، والأعمى يقلد المسلم العارف
بأدلة القبلة، ولو فقد البصير العلم والظن قلد كالأعمى مع احتمال تعدد الصلاة، ويعول
على قبلة البلد مع انتفاء علم الغلط، ولو فقد المقلد فإن اتسع الوقت صلى كل صلاة أربع
مرات إلى أربع جهات فإن ضاق الوقت صلى المحتمل ويتخير في الساقطة والمأتي بها
909

فروع:
أ: لو رجع الأعمى إلى رأيه مع وجود المبصر لأمارة حصلت له صحت صلاته
وإلا أعاد وإن أصاب.
ب: لو صلى بالظن أو بضيق الوقت ثم تبين الخطأ أجزأ إن كان الانحراف يسيرا
وإلا أعاد في الوقت ولو بان الاستدبار أعاد مطلقا.
ج: لا يتكرر الاجتهاد بتعدد الصلاة إلا مع تجدد شك.
د: لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد ففي القضاء إشكال.
ه‍: لو تضاد اجتهاد اثنين لم يأتم أحدهما بالآخر بل تحل له ذبيحته ويجتزئ بصلاته
على الميت ولا يكمل عدده به في الجمعة ويصليان جمعتين بخطبة واحدة اتفقا أو سبق
أحدهما ويقلد العامي والأعمى الأعلم منهما.
الفصل الرابع: في اللباس: وفيه مطلبان: المطلب
الأول: في جنسه:
إنما يجوز الصلاة في الثياب المتخذة من النبات أو جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية
أو صوفه أو شعره أو وبره أو ريشه أو الخز الخالص أو الممتزج بالإبريسم لا وبر الأرانب
والثعالب وفي السنجاب قولان،
وتصح الصلاة في صوف ما يؤكل لحمه وشعره ووبره وريشه وإن كان ميتة مع الجز
أو غسل موضع الاتصال، ولا تجوز الصلاة في جلد الميتة وإن كان مأكول اللحم دبغ أولا،
ولا في جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ، ولا في شعره ولا في صوفه وريشه، وهل يفتقر
استعمال جلده في غير الصلاة مع التذكية إلى الدبغ؟ قولان. والحرير المحض محرم على
الرجال خاصة ويجوز الممتزج كالسدا أو اللحمة وإن كان أكثر وللنساء مطلقا وللمحارب
والمضطر والركوب عليه والافتراش له والكف به ويشترط في الثوب أمران: الملك أو حكمه،
فلو صلى في المغصوب عالما بطلت صلاته وإن جهل الحكم والأقوى إلحاق الناسي
ومستصحب غيره به، ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت ولو أذن مطلقا جاز لغير
910

الغاصب عملا بالظاهر، والطهارة وقد سبق.
المطلب الثاني: في ستر العورة:
وهو واجب في الصلاة وغيرها ولا يجب في الخلوة إلا في الصلاة وهو شرط فيها
فلو تركه مع القدرة بطلت سواء كان منفردا أولا، وعورة الرجل قبله ودبره خاصة، ويتأكد
استحباب ستر ما بين السرة والركبة وأقل منه ستر جميع البدن ويكفيه ثوب واحد يحول بين
الناظر ولون البشرة، ولو وجد ساتر أحدهما فالأولى القبل، وبدن المرأة كله عورة يجب عليها
ستره في الصلاة إلا الوجه والكفين وظهر القدمين، ويجب على الحرة ستر رأسها
إلا الصبية والأمة، فإن أعتقت في الأثناء وجب الستر فإن افتقرت إلى المنافي استأنفت
والصبية تستأنف، ولو فقد الثوب ستر بغيره من ورق الشجر والطين وغيرهما، ولو فقد
الجميع صلى قائما مومئا مع أمن المطلع وإلا جالسا مومئا، ولو ستر العورتين وفقد الثوب
استحب أن يجعل على عاتقه شيئا ولو خيطا وليس الستر شرطا في صلاة الجنازة، ولو كان
الثوب واسع الجيب تنكشف عورته عند الركوع بطلت حينئذ لا قبله وتظهر الفائدة في
المأموم.
خاتمة:
لا يجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ويجوز فيما له ساق كالخف ويستحب
في العربية، وتكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف وفي الرقيق فإن حكى لم
يجزئ، واشتمال الصماء واللثام والنقاب للمرأة فإن منعا القراءة حرما، والقباء المشدود في
غير الحرب وترك التحنك وترك الرداء للإمام واستصحاب الحديد ظاهرا، وفي ثوب المتهم
والخلخال المصوت للمرأة والصلاة في ثوب فيه تمثال أو خاتم فيه صورة.
911

الفصل الخامس: في المكان: وفيه مطالب: المطلب
الأول:
كل مكان مملوك أو في حكمه خال من نجاسة متعدية يصح الصلاة فيه، ولو صلى
في المغصوب عالما بالغصب اختيارا بطلت وإن جهل الحكم، ولو جهل الغصب
صحت صلاته وفي الناسي إشكال، ولو أمره المالك الإذن بالخروج تشاغل به فإن ضاق
الوقت خرج مصليا ولو صلى من غير خروج لم تصح وكذا الغاصب، ولو أمره بعد
التلبس مع الاتساع احتمل الإتمام والقطع والخروج مصليا، ولو كان الإذن بالصلاة فالإتمام
وفي جواز صلاته وإلى جانبه أو أمامه امرأة تصلي قولان سواء صلت بصلاته أو منفردة
وسواء كانت زوجته أو مملوكته أو محرما أو أجنبية والأقرب الكراهية، وينتفي التحريم
أو الكراهية مع الحائل أو بعد عشرة أذرع، ولو كانت وراءه صحت صلاته، ولو ضاق المكان
عنهما صلى الرجل أولا والأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان صلاتين،
فلو صلت الحائض أو غير المتطهرة وإن كان نسيانا لم تبطل صلاته وفي الرجوع إليها حينئذ
نظر، ولو لم تتعد نجاسة المكان إلى بدنه أو ثوبه صحت صلاته إذا كان موضع الجبهة طاهرا
على رأي.
ويكره الصلاة في الحمام لا المسلخ وبيوت الغائط والنيران والخمور مع عدم التعدي
وبيوت المجوس ولا بأس بالبيع والكنائس، وتكره معاطن الإبل ومرابط الخيل والبغال
والحمير وقرى النمل ومجرى الماء وأرض السبخة والثلج وبين المقابر من غير حائل
ولو عنزة أو بعد عشر أذرع وجواد الطرق دون الظواهر وجوف الكعبة في الفريضة وسطحها
وفي بيت فيه مجوسي وبين يديه نار مضرمة أو تصاوير أو مصحف أو باب مفتوحان أو انسان
مواجه أو حائط ينز من بالوعة البول.
المطلب الثاني: في المساجد:
يستحب اتخاذ المساجد استحبابا مؤكدا، قال الصادق ع: من بنى
مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة وقصدها مستحب. قال أمير المؤمنين ع:
912

من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا
أو آية محكمة أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردئ أو يسمع كلمة تدله على هدى أو يترك ذنبا
خشية أو حياء.
ويستحب الإسراج فيها ليلا وتعاهد النعل وتقديم اليمنى وقوله:
بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وآل
محمد وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء وجهك.
وإذا خرج قدم اليسرى وقال: اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك.
والصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل والنافلة بالعكس خصوصا نافلة
الليل، والصلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة وفي المسجد الأعظم مائة وفي مسجد
القبيلة خمسا وعشرين ومسجد السوق اثنتي عشرة وفي البيت صلاة واحدة.
ويكره تعلية المساجد بل تبنى وسطا وتظليلها بل تكون مكشوفة، والشرف بل تبنى جما
وجعل المنارة في وسطها بل مع الحائط، وتعليتها وجعلها طريقا، والمحاريب الداخلة في
الحائط وجعل الميضاة في وسطها بل خارجها، والنوم فيها خصوصا في المسجدين،
وإخراج الحصى فتعاد إليها أو إلى غيرها، والبصاق فيها والتنخم فيغطيه بالتراب،
وقصع القمل فيدفنه، وسل السيف وبري النبل وسائر الصناعات منها، وكشف العورة،
ورمى الحصى خذفا، والبيع والشراء، وتمكين المجانين والصبيان، وإنفاذ الأحكام، وتعريف
الضالة، وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر، ورفع الصوت، والدخول مع رائحة الثوم والبصل
وشبهه، والتنعل قائما بل قاعدا.
وتحرم الزخرفة ونقشها بالذهب أو بشئ من الصور وبيع آلتها واتخاذها أو بعضها في
ملك أو طريق، واتخاذ البيع والكنائس فيهما أو إدخال النجاسة إليها وإزالتها
فيها، والدفن فيها ويجوز نقض المستهدم منها ويستحب إعادته
ويجوز استعمال آلته في غيره من المساجد، ويجوز نقض البيع والكنائس مع اندراس أهلها أو إذا كانت في دار الحرب وتبنى مساجد
حينئذ.
ومن اتخذ في منزله مسجدا لنفسه وأهله جاز له توسيعه وتضييقه وتغييره ولا تثبت له
913

الحرمة ولم يخرج عن ملكه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ. ويجوز بناء المساجد على بئر
الغائط إذا طمت وانقطعت رائحته.
المطلب الثالث: فيما يسجد عليه:
وإنما يصح على الأرض أو النابت منها غير المأكول عادة ولا الملبوس إذا لم يخرج
بالاستحالة عنها، فلا يجوز على الجلود والصوف والشعر والمعادن كالعقيق والذهب والملح
والقير اختيارا، ومعتاد الأكل كالفاكهة والثياب، ولا على الوحل لعدم تمكن الجبهة فإن
اضطر أومأ، ولا على يديه إلا مع الحر ولا ثوب معه، ولا على النجس وإن لم يتعد إليه
ولا يشترط طهارة مساقط باقي الأعضاء مع عدم التعدي على رأي. ويشترط الملك أو حكمه،
ويجوز على القرطاس إذا اتخذ من النبات فإن كان مكتوبا كره، ويجتنب كل موضع فيه
اشتباه بالنجس إن كان محصورا كالبيت وإلا فلا.
الفصل السادس: في الأذان والإقامة: وفيه أربعة مطالب: المطلب
الأول: المحل:
يستحب الأذان والإقامة في المفروضة اليومية خاصة أداء وقضاء للمنفرد والجامع
الرجل والمرأة بشرط أن تسر، ويتأكدان في الجهرية خصوصا الغداة والمغرب ولا أذان في
غيرها كالكسوف والعيد والنافلة بل يقول المؤذن في المفروض غير اليومية الصلاة ثلاثا،
ويصلى عصر الجمعة والعصر في عرفة بإقامة، والقاضي إن أذن لأول ورده وأقام للبواقي
كان أدون فضلا.
ويكره للجماعة الثانية الأذان والإقامة إن لم يتفرق الأولى وإلا استحبا ويعيدهما المنفرد
لو أراد الجماعة، ولا يصح إلا بعد دخول الوقت وقد رخص في الصبح تقديمه لكن
يستحب إعادته عنده.
914

المطلب الثاني: في المؤذن:
وشرطه: الاسلام والعقل مطلقا والذكورة إلا أن تؤذن المرأة لمثلها أو للمحارم، ويكتفى
بأذان المميز.
ويستحب كون المؤذن عدلا مبصرا بصيرا بالأوقات صيتا متطهرا قائما على علو،
ويحرم الأجرة عليه، ويجوز الرزق من بيت المال مع عدم المتطوع، و لا اعتبار بأذان المجنون
والسكران ولو تعددوا أذنوا جميعا ولو اتسع الوقت ترتبوا.
ويكره التراسل ولو تشاحوا قدم الأعلم ومع التساوي القرعة، ويعتد بأذان من ارتد
بعده وفي الأثناء يستأنف، ولو نام أو أغمي عليه استحب له الاستئناف ويجوز البناء. المطلب
الثالث: في كيفيته:
الأذان ثمانية عشر فصلا: التكبير أربع مرات وكل واحد من الشهادة بالتوحيد
والرسالة ثم الدعاء إلى الصلاة ثم إلى الفلاح ثم إلى خير العمل ثم التكبير ثم التهليل
مرتان والإقامة كذلك إلا التكبير في أولها فيسقط مرتان منه والتهليل مرة في آخرها ويزيد: قد
قامت الصلاة، مرتين بعد: حي على خير العمل، والترتيب شرط فيهما.
ويستحب الاستقبال وترك الإعراب في الأواخر والتأني في الأذان والحدر في الإقامة
والفصل بينهما بسكتة أو جلسة أو سجدة أو خطوة أو صلاة ركعتين إلا المغرب
فيفصل بسكتة أو خطوة ورفع الصوت به إن كان ذكرا، وهذه في الإقامة آكد.
ويكره الترجيع لغير الإشعار والكلام في خلالهما، ويحرم التثويب.
المطلب الرابع: في الأحكام:
يستحب الحكاية وقول ما يتركه المؤذن، ويجتزئ الإمام بأذان المنفرد لو سمعه
والمحدث في أثناء الأذان والإقامة يبني والأفضل إعادة الإقامة، ولو أحدث في الصلاة لم يعد
الإقامة إلا أن يتكلم، والمصلي خلف من لا يقتدى به يؤذن لنفسه ويقيم فإن خشي فوت
الصلاة اجتزأ بالتكبيرتين وقد قامت.
915

ويكره الالتفات يمينا وشمالا والكلام بعد قد قامت بغير ما يتعلق بمصلحة الصلاة،
والساكت في خلاله يعيد إن خرج عن كونه مؤذنا وإلا فلا، والإقامة أفضل من التأذين
والمتعمد لترك الأذان والإقامة يمضى في صلاته والناسي يرجع مستحبا ما لم يركع وقيل
بالعكس.
المقصد الثاني: في أفعال الصلاة وتروكها:
وفيه فصول: الفصل
الأول القيام:
وهو ركن في الصلاة الواجبة لو أخل به عمدا أو سهوا مع القدرة بطلت صلاته
وحده الانتصاب مع الإقلال، فإن عجز عن الإقلال انتصب معتمدا على شئ فإن عجز
عن الانتصاب قام منحنيا ولو إلى حد الراكع، ولا يجوز الاعتماد مع القدرة إلا على رواية،
ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب بقدر مكنته ولو عجز عن الركوع والسجود
دون القيام قام وأومأ بهما، ولو عجز عن القيام أصلا صلى قاعدا، فإن تمكن حينئذ من القيام
للركوع وجب وإلا ركع جالسا ويقعد كيف شاء لكن الأفضل التربع قارئا وثني الرجلين
راكعا والتورك متشهدا، ولو عجز عن القعود صلى مضطجعا على الجانب الأيمن مستقبلا
بمقاديم بدنه القبلة كالموضوع في اللحد، فإن عجز صلى مستلقيا يجعل وجهه وباطن رجليه
إلى القبلة ويكبر ناويا، ويقرأ، ثم يجعل ركوعه تغميض عينيه ورفعه فتحهما وسجوده
تغميضهما ورفعه فتحهما وسجوده الثاني تغميضهما ورفعه فتحهما ويجري الأفعال على قلبه
والأذكار على لسانه، فإن عجز أخطرها بالبال والأعمى أو وجع العين يكتفى بالأذكار
ويستحب وضع اليدين على فخذيه بحذاء ركبتيه والنظر إلى موضع سجوده.
فروع:
أ: لو كان به رمد لا يبرأ إلا بالاضطجاع اضطجع وإن قدر على القيام للضرورة.
ب: ينتقل كل من العاجز إذا تجددت قدرته والقادر إذا تجدد عجزه إلى الطرفين وكذا
916

المراتب بينهما.
ج: لو تجدد الخف حال القراءة قام تاركا لها فإذا استقل أتم القراءة وبالعكس يقرأ في
هويه ولو خف بعد القراءة وجب القيام دون الطمأنينة للهوي إلى الركوع ولو خف في
الركوع قبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع.
د: لا يجب القيام في النافلة فيجوز أن يصليها قاعدا لكن الأفضل القيام ثم احتساب
ركعتين بركعة وفي جواز الاضطجاع نظر ومعه الأقرب جواز الإيماء للركوع والسجود.
الفصل الثاني: النية:
وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا في الفرض وفي النفل، وهي القصد
إلى إيقاع الصلاة المعينة كالظهر مثلا أو غيرها لوجوبها أو ندبها أداء وقضاء قربة إلى الله
وتبطل لو أخل بإحدى هذه، والواجب القصد لا اللفظ، ويجب انتهاء النية مع ابتداء التكبير
بحيث لا يتخللهما زمان وإن قل وإحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة فيقصد إيقاع
هذه الحاضرة على الوجوه المذكورة بشرط العلم بوجه كل فعل إما بالدليل أو التقليد لأهله،
وأن يستديم القصد حكما إلى الفراع بحيث لا يقصد ببعض الأفعال غيرها، فلو نوى
الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت، ولو نوى في الأولى الخروج في الثانية فالوجه عدم
البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى الثانية، وكذا لو علق الخروج بأمر ممكن كدخول
شخص وإن دخل فالأقرب البطلان.
ولو نوى أن يفعل المنافي لم تبطل إلا معه على إشكال وتبطل لو نوى الرياء وببعضها
أو به غير الصلاة وإن كان ذكرا مندوبا، أما الزيادة على الواجب من الهيئات كزيادة
الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة، ويجوز نقل النية في مواضع كنقل إلى الفائتة وإلى
النافلة كناسي الجمعة والأذان ولطالب الجماعة.
فروع:
أ: لو شك في إيقاع النية بعد الانتقال لم يلتفت وفي الحال يستأنف، ولو شك فيما نواه
917

بعد الانتقال بنى على ما هو فيه ولو لم يعلم شيئا بطلت صلاته.
ب: النوافل المسببة لا بد في النية من التعرض لسببها كالعيد المندوبة والاستسقاء.
ج: لا يجب في النية التعرض للاستقبال ولا عدد الركعات ولا التمام ولا القصر وإن
تخير.
د: المحبوس إذا نوى مع غلبة الظن ببقاء الوقت الأداء فبان الخروج أجزأ ولو بان عدم
الدخول أعاد ولو ظن الخروج فنوى القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الاجزاء مع خروج
الوقت.
ه‍: لو عزبت النية في الأثناء صحت صلاته.
و: لو أوقع الواجب من الأفعال بنية الندب بطلت الصلاة وكذا لو عكس إن كان
ذكرا أو فعلا كثيرا.
الفصل الثالث: تكبيرة الإحرام:
وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا وصورتها: الله أكبر، فلو عرف أكبر
أو عكس الترتيب أو أخل بحرف أو قال الله الجليل أكبر أو كبر بغير العربية اختيارا
أو أضافه إلى أي شئ كان أو قرنه بمن كذلك وإن عمم كقوله: أكبر من كل شئ، وإن كان
هو المقصود بطلت.
ويجب على الأعجمي التعلم مع سعة الوقت فإن ضاق الوقت أحرم بلغته، والأخرس
يعقد قلبه بمعناها مع الإشارة وتحريك اللسان ويتخير في تعيينها من السبع، ولو كبر للافتتاح
ثم كبر له بطلت صلاته إن لم ينو الخروج قبل ذلك، ولو كبر له ثالثا صحت.
ويجب التكبير قائما فلو تشاغل بهما دفعة أو ركع قبل انتهائه بطلت، وإسماع نفسه
تحقيقا أو تقديرا، ويستحب ترك المد في لفظ الجلالة وأكبر وإسماع الإمام المأمومين ورفع
اليدين بها إلى شحمتي الأذن والتوجه بست تكبيرات غير تكبيرة الإحرام بينها ثلاثة أدعية.
918

الفصل الرابع: القراءة:
وليست ركنا بل واجبة تبطل الصلاة بتركها عمدا، ويجب الحمد ثم سورة كاملة في
ركعتي الثنائية والأولتين من غيرها والبسملة آية منها ومن كل سورة، ولو أخل بحرف منها
عمدا أو من السورة أو ترك إعرابا أو تشديدا أو موالاة أو أبدل حرفا بغيره وإن كان في
الضاد والظاء أو أتى بالترجمة مع إمكان التعلم وسعة الوقت أو غير الترتيب أو قرأ في
الفريضة عزيمة أو ما يفوت الوقت به أو قرن أو خافت في الصبح أو أولتي المغرب والعشاء
عمدا عالما أو جهر في البواقي كذلك أو قال: آمين، آخر الحمد لغير التقية بطلت صلاته،
ولو خالف ترتيب الآيات ناسيا استأنف القراءة إن لم يركع فإن ذكر بعده لم يلتفت،
وجاهل الحمد مع ضيق الوقت يقرأ منها ما تيسر فإن جهل الجميع قرأ من غيرها
بقدرها ثم يجب عليه التعلم، ويجوز أن يقرأ في المصحف، وهل يكفي مع إمكان التعلم؟
فيه نظر. فإن لم يعلم شيئا كبر الله وهلله وسبحه بقدرها ثم يتعلم، ولو جهل بعض السورة
قرأ ما يحسنه منها فإن جهل لم يعوض بالتسبيح، والأخرس يحرك لسانه بها ويعقد قلبه
ولو قدم السورة على الحمد عمدا أعاد ونسيانا يستأنف القراءة.
ولا يجوز الزيادة على الحمد في الثالثة والرابعة ويتخير فيهما بينها وبين سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مرة ويستحب ثلاثا، وللإمام القراءة ويجزئ المستعجل
والمريض في الأولتين الحمد، وأقل الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقديرا، وحد الإخفات
إسماع نفسه كذلك، ولا جهر على المرأة ويعذر فيه الناسي والجاهل، والضحى والم نشرح
سورة واحدة وكذا الفيل ولإيلاف ويجب البسملة بينهما على رأي والمعوذتان من القرآن،
ولو قرأ عزيمة في الفريضة ناسيا أتمها وقضى السجدة والأقرب وجوب العدول إن لم يتجاوز
السجدة.
وفي النافلة يجب السجود وإن تعمد وكذا إن استمع، ثم ينهض ويتم القراءة، وإن كان
السجود أخيرا استحب قراءة الحمد ليركع عن قراءة، ولو أخل بالموالاة فقرأ بينها من
غيرها ناسيا أو قطع القراءة وسكت استأنف القراءة وعمدا تبطل، ولو سكت لا بنية القطع
أو نواه ولم يفعل صحت.
919

ويستحب الجهر بالبسملة في أول الحمد والسورة في الإخفاتية، وبالقراءة مطلقا في
الجمعة وظهرها على رأي، والترتيل والوقوف في محله والتوجه أمام القراءة والتعوذ بعده في
أول ركعة، وقراءة سورة مع الحمد في النوافل، وقصار المفصل في الظهرين والمغرب
ونوافل النهار، ومتوسطاته في العشاء، ومطولاته في الصبح ونوافل الليل، وفي صبح الاثنين
والخميس " هل أتى "، وفي العشائين " الجمعة " بالجمعة والأعلى، وفي صبحها بها و ب‍ " التوحيد "
وفيها وفي ظهريها بها و ب‍ " المنافقين "، والجهر في نوافل الليل، والإخفات في النهار، وقراءة "
الجحد " في أول ركعتي الزوال وأول نوافل المغرب والليل والغداة إذا أصبح والفجر
والإحرام والطواف وفي ثوانيها " بالتوحيد " وروي العكس، و " التوحيد " ثلاثين مرة في أولتي
صلاة الليل وفي البواقي السور الطوال وسؤال الرحمة عند آيتها والتعوذ من النقمة عند
آيتها، والفصل بين الحمد والسورة بسكتة خفيفة وكذا بين السورة وتكبيرة الركوع.
ويجوز الانتقال من سورة إلى أخرى بعد التلبس ما لم يتجاوز النصف إلا في " الجحد "
و " الإخلاص " إلا إلى " الجمعة " و " المنافقين "، ولو تعسر الإتيان بالباقي للنسيان انتقل مطلقا
ومع الانتقال تعيد البسملة وكذا لو سمي بعد الحمد من غير قصد سورة معينة، ومريد
التقدم خطوة أو اثنتين يسكت حالة التخطي.
الفصل الخامس: في الركوع:
وهو ركن في الصلاة تبطل بتركه عمدا وسهوا، ويجب في كل ركعة مرة إلا الكسوف
وشبهه، ويجب فيه الانحناء بقدر وضع يديه على ركبتيه، والطمأنينة فيه بقدر الذكر
الواجب والذكر من تسبيح وشبهه على رأي والرفع منه والطمأنينة فيه، وطويل اليدين
ينحني كالمستوي، والعاجز عن الانحناء يأتي بالممكن فإن عجز أصلا أومأ برأسه، والقائم
على هيئة الراكع لكبر أو مرض يزيد انحناء يسيرا للفرق، ولو شرع في الذكر الواجب قبل
انتهاء الركوع أو شرع في النهوض قبل إكماله عامدا أو لم يعده بطلت صلاته، ولو عجز عن
الطمأنينة سقطت وكذا لو عجز عن الرفع فإن افتقر إلى ما يعتمد عليه وجب، ويستحب
التكبير قبله رافعا يديه بحذاء أذنيه وكذا عند كل تكبير، وسمع الله ناهضا والتسبيح سبعا
920

أو خمسا أو ثلاثا صورته: سبحان ربي العظيم وبحمده، والدعاء المنقول قبل التسبيح، ورد
ركبتيه إلى خلفه، وتسوية ظهره، ومد عنقه موازيا لظهره، ورفع الإمام صوته بالذكر
والتجافي، ووضع اليدين على ركبتيه مفرجات الأصابع وتختص ذات العذر بتركه ويكره
جعلهما تحت ثيابه.
الفصل السادس: السجود:
وهو واجب في كل ركعة سجدتان هما معا. ركن لو أخل بهما معا عمدا أو سهوا بطلت
صلاته لا بالواحدة سهوا، ويجب فيه الانحناء بحيث يساوى موضع جبهته موقفه أو يزيد
بقدر لبنة لا غير ووضعها على ما يصح السجود عليه، والسجود عليها وعلى الكفين
والركبتين وإبهامي الرجلين والذكر كالركوع وقيل: يجب سبحان ربي الأعلى وبحمده،
والطمأنينة بقدره ورفع الرأس من الأولى والطمأنينة قاعدا، ويكفي في وضع الجبهة الاسم
فإن عجز عن الانحناء رفع ما يسجد عليه فإن تعذر أومأ، وذو دمل يضع السليم بأن يحفر
حفيرة ليقع السليم على الأرض فإن استوعبت سجد على أحد الجبينين فإن تعذر فعلى ذقنه
فإن تعذر أومأ ولو عجز عن الطمأنينة سقطت.
ويستحب التكبير قائما وعند انتصابه منه لرفعه مرة وللثانية أخرى وعند انتصابه
من الثانية وتلقي الأرض بيديه والإرغام بالأنف والدعاء بالمنقول قبل التسبيح والتسبيح
ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد والتخوية للرجل والدعاء بين السجدتين والتورك وجلسة
الاستراحة على رأي وقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد عند القيام منه وأن يعتمد على يديه
سابقا برفع ركبتيه ومساواة موضع الجبهة للموقف أو خفضه عنه ووضع اليدين ساجدا
بحذاء أذنيه وجالسا على فخذيه ونظره ساجدا إلى طرف أنفه وجالسا إلى حجره ويكره
الإقعاء.
تتمة:
يستحب سجود التلاوة على القارئ والمستمع والسامع في أحد عشر في الأعراف
921

والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل وصاد
والانشقاق ويجب على الأولين في العزائم ولا يجب فيها تكبير ولا تشهد ولا تسليم ولا طهارة
ولا استقبال ويقضيها الناسي. وسجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم
وعقيب الصلاة ويعفر بينهما.
الفصل السابع: في التشهد:
ويجب آخر الصلاة مطلقا وعقيب الثانية في الثلاثية والرباعية، والواجب: أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وآل محمد، ولو أسقط الواو في
الثاني أو اكتفى به أو أضاف الآل أو الرسول إلى المضمر فالوجه الاجزاء، ويجب فيه الجلوس
مطمئنا بقدره فلو شرع فيه وفي الرفع أو نهض قبل إكماله بطل، والجاهل يأتي منه بقدر
ما يعلمه مع التضيق ثم يجب التعلم مع السعة، ويستحب التورك وزيادة التحميد والدعاء
والتحيات ولا يجزئ الترجمة فإن جهل العربية فكالجاهل، ويجوز الدعاء بغير العربية مع
القدرة فأما الأذكار الواجبة فلا.
خاتمة:
الأقوى عندي استحباب التسليم بعد التشهد وصورته: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ويجوز الجمع. ويسلم المنفرد إلى القبلة
مرة ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه والإمام بصفحة وجهه وكذا المأموم، ولو كان على يساره
أحد سلم ثانية يومئ بصفحة وجهه عن يساره ويومئ بالسلام على من على ذلك
الجانب من الملائكة ومسلمي الإنس والجن، والمأموم ينوي بإحداهما الإمام ثم يكبر ثلاثا
رافعا يديه بها، ويستحب القنوت في كل ثانية قبل الركوع بعد القراءة والناسي يقضيه بعد
الركوع وآكده في الغداة والمغرب وأدون منه الجهرية ثم الفريضة مطلقا والدعاء فيه
بالمنقول ويجوز الدعاء فيه وفي جميع أحوال الصلاة بالمباح للدين والدنيا ما لم يخرج به عن
اسم المصلي، وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده، ورفع اليدين تلقاء
922

وجهه مكبرا والنظر إلى باطن كفيه فيه وهو تابع في الجهر والإخفات والتعقيب بعد الفراع
من الصلاة بالمنقول وأفضله تسبيح الزهراء ع.
الفصل الثامن: في التروك:
يبطل الصلاة عمدا وسهوا فعل كل ما ينقض الطهارة، وعمدا الكلام بحرفين
فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء، وفي الحرف الواحد المفهم والحرف بعده مدة وكلام
المكره عليه نظر. ولو قال: ادخلوها بسلام آمنين، على قصد القراءة جاز وإن قصد التفهيم
ولو لم يقصد سواه بطل على إشكال. والسكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصليا
مبطل وإلا فلا، والتكفير وهو وضع اليمين على الشمال وبالعكس والالتفات إلى ما ورائه
والقهقهة والدعاء بالمحرم وفعل الكثير عادة مما ليس من الصلاة والبكاء لأمور الدنيا
والأكل والشرب إلا في الوتر لمريد الصوم من غير استدبار.
ولا يجوز التطبيق وهو وضع إحدى الراحتين على الأخرى في الركوع بين رجليه
ولا العقص للرجل على قول، ويستحب التحميد إن عطس وتسميت العاطس ونزع الخف
الضيق، ويجب رد السلام بغير " عليكم السلام "، ويحرم قطع الصلاة الواجبة اختيارا -
ويجوز لحفظ المال والغريم والطفل وشبهه - وتعداد الركعات بالحصى والتبسم وقتل الحية
والعقرب والإشارة باليد والتصفيق والقرآن، ويكره الالتفات يمينا وشمالا والتثاؤب
والتمطي والعبث والتنخم والبصاق والفرقعة والتأوه بحرف والأنين به ومدافعة
الأخبثين أو الريح ونفخ موضع السجود.
فائدة:
المرأة كالرجل في الصلاة إلا أنها حال القيام تجمع بين قدميها وتضم ثدييها إلى
صدرها، وإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها لئلا تتطأطأ كثيرا، فإذا جلست فعلى أليتيها
كالرجل، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا جلست في
تشهدها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، وإذا نهضت انسلت انسلالا.
923

المقصد الثالث: في باقي الصلوات: وفيه فصول:
الأول: في الجمعة: وفيه مطالب: المطلب
الأول: الشرائط:
وهي ستة زائدة على شرائط اليومية:
الأول: الوقت، وأوله زوال الشمس وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله فحينئذ تجب
الظهر، ولو خرج الوقت متلبسا بها ولو بالتكبير أتمها جمعة إماما كان أو مأموما ولا تقضى مع
الفوات ولا تسقط عمن صلى الظهر فإن أدركها وجبت وإلا أعاد ظهره، ولو علم اتساع
الوقت لها وللخطبتين مخففة وجبت وإلا سقطت ووجبت الظهر.
الثاني: السلطان العادل أو من يأمره، ويشترط في النائب: البلوغ والعقل والإيمان
والعدالة وطهارة المولد والذكورة، ولا يشترط الحرية على رأي، وفي الأبرص والأجذم
والأعمى قولان، وهل يجوز في حالة الغيبة والتمكن من الاجتماع بالشرائط الجمعة؟
قولان. ولو مات الإمام بعد الدخول لم تبطل صلاة المتلبس وتقدم من يتم الجمعة وكذا
لو أحدث أو أغمي عليه، أما غيره فليصل الظهر ويحتمل الدخول معهم لأنها جمعة
مشروعة.
الثالث: العدد، وهو خمسة نفر على رأي أحدهم الإمام فلا ينعقد بأقل وهو شرط الابتداء
لا الدوام، ولا تنعقد بالمرأة ولا بالمجنون ولا بالطفل ولا بالكافر وإن وجبت عليه، وينعقد
بالمسافر والمريض والأعمى والأعرج والهم ومن هو على رأس أزيد من فرسخين، وإن لم يجب
عليهم السعي وفي انعقادها بالعبد إشكال، ولو انفض العدد قبل التلبس ولو بعد الخطبتين
سقطت لا بعده ولو بالتكبير ولو بقي واحد، ولو انفضوا في خلال الخطبة أعادها بعد عودهم
إن لم يسمعوا أولا الواجب منها.
الرابع: الخطبتان، ووقتهما زوال الشمس لا قبله على رأي ويجب تقديمهما على الصلاة
فلو عكس بطلت، واشتمال كل واحدة على الحمد لله ويتعين هذه اللفظة، وعلى الصلاة
924

على رسول الله وآله ع ويتعين لفظ الصلاة، وعلى الوعظ ولا يتعين لفظه،
وقراءة سورة خفيفة وقيل يجزئ الآية التامة الفائدة.
ويجب قيام الخطيب فيهما، والفصل بينهما بجلسة خفيفة، ورفع الصوت بحيث
يسمعه العدد فصاعدا والأقرب عدم اشتراط الطهارة وعدم وجوب الإصغاء إليه، وانتفاء
تحريم الكلام وليس مبطلا لو فعله، ويستحب بلاغة الخطيب، ومواظبته على الفرائض
حافظا لمواقيتها، والتعمم شتاء وصيفا، والارتداء ببرد يمنية، والاعتماد، والتسليم أولا،
والجلوس قبل الخطبة، ويكره الكلام في أثنائها بغيرها.
الخامس: الجماعة، فلا يقع فرادى وهي شرط الابتداء لا الانتهاء، ويجب تقدم الإمام
العادل فإن عجز استناب، فإذا انعقدت ودخل المسبوق لحق الركعة إن كان الإمام راكعا
وتدرك الجمعة لو أدركه راكعا في الثانية ثم يتم بعد فراع الإمام، ولو شك هل كان رافعا
أو راكعا رجحنا الاحتياط على الاستصحاب، ويجوز استخلاف المسبوق وإن لم يحضر
الخطبة.
السادس: الوحدة، فلو كان هناك أخرى بينهما أقل من فرسخ بطلتا إن اقترنتا
أو اشتبه، وتصح السابقة خاصة ولو بتكبيرة الإحرام فيصلي الثانية الظهر، ولا اعتبار
بتقدم السلام ولا الخطبة ولا كونها جمعة السلطان بل تقدم التحريم، ومع الاقتران يعيدون
جمعة ومع اشتباه السابق بعد تعينه أولا بعده أو اشتباه السبق الأجود إعادة جمعة وظهر في
الأخير وظهر في الأوليين.
المطلب الثاني: في المكلف:
ويشترط فيه: البلوغ والعقل والذكورة والحرية والحضر وانتفاء العمى والعرج
والشيخوخة البالغة حد العجز والزيادة على فرسخين بينهما وبين موطنه، وبعض هذه
شروط في الصحة وبعضها في الوجوب. والكافر تجب عليه ولا تصح منه، وكلهم
لو حضروا وجبت عليهم وانعقدت بهم إلا غير المكلف والمرأة والعبد على رأي، وتجب على
أهل السواد وسكان الخيم مع الاستيطان، ومن بعد بفرسخين فما دون يجب عليه الحضور
925

أو صلاتها في موطنه إذا بعد بفرسخ، ولو نقص عن فرسخ وجب الحضور ولو زاد على
الفرسخين وحصلت الشرائط صلاها في موطنه أو حضر، ولو فقد أحدها سقطت.
والمسافر إن وجب عليه التمام وجبت عليه وإلا فلا، ويحرم السفر بعد الزوال قبلها
ويكره بعد الفجر ويسقط عن المكاتب والمدبر والمعتق بعضه وإن اتفقت في يومه. ويصلى
من سقطت عنه الظهر في وقت الجمعة فإن حضرها بعد صلاته لم تجب عليه وإن زال المانع كعتق العبد ونية الإقامة، أما الصبي فتجب عليه.
المطلب الثالث: في ماهيتها وآدابها:
وهي ركعتان عوض الظهر ويستحب فيهما الجهر إجماعا والأذان الثاني بدعة، ويحرم
البيع بعد الأذان وينعقد على رأي وكذا ما يشبه البيع على إشكال، ولو سقطت عن أحدهما
فهو سائغ له خاصة.
ولو زوحم المأموم في سجود الأولى لحق بعد قيام الإمام إن أمكن وإلا وقف حتى يسجد في
الثانية فيتابعه من غير ركوع وينويهما للأولى، فإن نوى بهما للثانية أو أهمل بطلت صلاته،
ولو سجد ولحق الإمام راكعا في الثانية تابعه، ولو لحقه رافعا فالأقرب جلوسه حتى يسجد الإمام
ويسلم ثم ينهض إلى الثانية وله أن يعدل إلى الانفراد وعلى التقديرين يلحق الجمعة،
ولو تابع الإمام في ركوع الثانية قبل سجوده بطلت صلاته، ولو لم يتمكن من السجود في ثانية
الإمام أيضا حتى قعد الإمام للتشهد فالأقوى فوات الجمعة، وهل يقلب نيته إلى الظهر
أو يستأنف؟ الأقرب الثاني.
ولو زوحم في ركوع الأولى ثم زال الزحام والإمام راكع في الثانية لحقه وتمت جمعته ويأتي
بالثانية بعد تسليم الإمام.
ويستحب الغسل والتنفل بعشرين ركعة قبل الزوال ويجوز بعده، والتفريق ست
عند انبساط الشمس وست عند الارتفاع وست قبل الزوال وركعتان عنده ويجوز ست بين
الفرضين، ونافلة الظهرين منها والمباكرة إلى المسجد بعد حلق الرأس وقص الأظفار وأخذ
الشارب والسكينة والوقار والتطيب ولبس الفاخر والدعاء عند التوجه وإيقاع الظهرين
926

في الجامع لمن لا يجب عليه الجمعة، ويقدم المأموم الظهر مع غير المرضى ويجوز أن يصلى معه
الركعتين ثم يتم ظهره.
الفصل الثاني: في صلاة العيدين: وفيه مطلبان: المطلب
الأول الماهية:
وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة، ثم يكبر خمسا يقنت عقيب كل
تكبيرة، ثم يكبر ويركع ويسجد سجدتين، ثم يقوم فيقرأ الحمد وسورة، ثم يكبر أربعا ويقنت
عقيب كل تكبيرة، ثم يكبر ويركع ويسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم. ويجب الخطبتان
بعدها وليستا شرطا.
ويستحب الإصحار إلا بمكة ومع المطر وشبهه، وخروج الإمام حافيا ماشيا بسكينة
ووقار ذاكرا، وقراءة " الأعلى " في الأولى و " الشمس " في الثانية، والسجود على الأرض، وأن
يطعم قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به، والتكبير في الفطر عقيب
أربع أولها المغرب ليلة الفطر وآخرها العيد يقول: الله أكبر - ثلاثا - لا إله إلا الله والله أكبر
الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى عقيب خمس عشرة أولها ظهر
العيد إن كان بمنى وعقيب عشر إن كان بغيرها ويزيد: ورزقنا من بهيمة الأنعام. ووقتها من
طلوع الشمس إلى الزوال فإن فاتت سقطت.
المطلب الثاني: في الأحكام:
شرائط العيدين هي شرائط الجمعة إلا الخطبتين، ومع اختلال بعضها يستحب جماعة
وفرادى، وتجب على من تجب عليه، والأقرب وجوب التكبيرات الزائدة والقنوت بينهما،
ويحرم السفر بعد طلوع الشمس قبلها على المكلف بها، ويكره بعد الفجر والخروج بالسلاح
لغير حاجة والتنفل قبلها وبعدها إلا في مسجد النبي ص فإنه يصلى قبلها
فيه ركعتين ولا ينقل المنبر بل يعمل منبر من طين، وتقديم الخطبتين بدعة واستماعهما
927

مستحب، ويتخير حاضر العيد في حضور الجمعة لو اتفقا، وعلى الإمام الحضور والإعلام،
ولو أدرك الإمام راكعا تابعه وسقط التكبير وكذا يسقط الفائت لو أدرك البعض ويحتمل
التكبير ولاء من غير قنوت إن أمكن ويبني الشاك في العدد على الأقل وأقل ما يكون بين
فرضي العيدين ثلاثة أميال كالجمعة على إشكال.
الفصل الثالث: الكسوف: وفيه مطلبان:
الأول الماهية:
وهي ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان، يكبر للافتتاح ثم يقرأ الحمد
وسورة ثم يركع ويقوم فيقرأ الحمد وسورة هكذا خمسا، ثم يسجد سجدتين ثم يصنع في
الثانية كذلك ويتشهد ويسلم، ولو قرأ بعد الحمد بعض السورة وركع قام فأتم السورة
أو بعضها من غير فاتحة.
ويستحب الجماعة والإطالة بقدره وإعادة الصلاة مع بقائه، ومساواة الركوع القراءة
زمانا، وقراءة السور الطوال مع السعة، والتكبير عند الانتصاب من الركوع إلا في
الخامس والعاشر فيقول: سمع الله لمن حمده، والقنوت بعد القراءة من كل مزدوج،
ولو أدرك الإمام في ركعات الأولى فالوجه الصبر حتى يبتدئ بالثانية ويحتمل المتابعة
فلا يسجد مع الإمام فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق الإمام ويتم الركعات
قبل السجود الثانية.
الثاني: الموجب:
وهو: كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة والريح المظلمة وأخاويف السماء،
ووقتها في الكسوف من الابتداء فيه إلى ابتداء الانجلاء، وفي الرياح الصفر والظلمة
الشديدة مدتها، وفي الزلزلة طول العمر فإنها أداء وإن سكنت، ولو قصر زمان الموقتة عن
الواجب سقطت فلو اشتغل أحد المكلفين في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة
فالأقرب عدم وجوب الإتمام أما الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين، وجاهل
928

الكسوف لو علم بعد انقضائه يسقط عنه إلا مع استيعاب الاحتراق ولا يجب على جاهل
غيره، والناسي والمفرط عمدا يقضيان وتقدم الحاضرة استحبابا إن اتسع الوقتان ووجوبا
إن ضاقا وإلا قدم المضيق. والكسوف أولى من صلاة الليل وإن خرج وقتها، ثم تقضى ندبا
ولا تصلي على الراحلة ومشيا اختيارا.
الفصل الرابع: في صلاة النذر:
من نذر صلاة شرط فيها ما شرط في الفرائض اليومية ويزيد الصفات التي عينها في
نذره إن قيده إما الزمان كيوم الجمعة أو المكان بشرط المزية كالمسجد أو غيرهما، فلو أوقعها
في غير ذلك الزمان لم تجزئه ووجب عليه كفارة النذر والقضاء إن لم يتكرر ذلك الزمان،
فلو أوقعها في غير ذلك المكان فكذلك إلا أن يخلو القيد عن المزية فالوجه الاجزاء، ولو فعله
فيما هو أزيد مزية ففي الاجزاء نظر، ولو قيده بعدد وجب والأقرب وجوب التسليم بين كل
ركعتين، ولو شرط أربعا بتسليمة وجب، ولو شرط خمسا ففي انعقاده نظر، ولو أطلق ففي إجزاء
الواحدة إشكال أقربه ذلك، ولو قيده بقراءة سورة معينة أو آيات مخصوصة أو تسبيح معلوم
تعين فيعيد مع المخالفة، ولو نذر صلاة العيد أو الاستسقاء في وقتها لزم وإلا فلا، ولو نذر
إحدى المرغبات وجب، ولو نذر الفريضة اليومية فالوجه الانعقاد، ولو نذر صلاة الليل
وجبت الثمان ولا يجب الدعاء، ولو نذر النافلة على الراحلة انعقد المطلق لا القيد ولو فعله
معه صح، وكذا لو نذرها جالسا أو مستدبرا إن لم نوجب الضد.
واليمين والعهد كالنذر في ذلك كله.
الفصل الخامس: في النوافل:
أما اليومية فقد سلفت وغيرها أقسام:
الأول: صلاة الاستسقاء، وكيفيتها كالعيد إلا القنوت فإنه هنا باستعطاف الله
وسؤاله الماء، ويستحب الدعاء بالمنقول، والصوم ثلاثة أيام متواليات آخرها الجمعة
أو الاثنين، والخروج إلى الصحراء في أحدهما حفاة بسكينة ووقار، وإخراج الشيوخ
929

والأطفال والعجائز والتفريق بين الأطفال وأمهاتهم، وتحويل الرداء للإمام بعدها، والتكبير له
مستقبل القبلة مائة مرة رافعا صوته، والتسبيح مائة عن يمينه، والتهليل عن يساره مائة،
والتحميد مائة مستقبل الناس ومتابعتهم له في الأذكار كلها ثم يخطب مبالغا في التضرع،
وتكرير الخروج لو لم يجابوا. ووقتها وقت العيد وسببها قلة الماء بغور الأنهار والآبار وقلة
الأمطار، ويكره اخراج أهل الذمة.
الثاني: نافلة رمضان، وهي ألف ركعة يصلى كل ليلة عشرين منها ثمان بعد
المغرب، وفي العشر الأواخر زيادة عشر، وفي ليالي الإفراد زيادة مائة لكل ليلة، ولو اقتصر
على المائة في الإفراد صلى في كل جمعة عشر ركعات بصلاة على وفاطمة وجعفر
ع، وفي آخر جمعة عشرين بصلاة على ع، وفي عشية تلك الجمعة عشرين
بصلاة فاطمة ع.
الثالث: صلاة ليلة الفطر ركعتان في الأولى الحمد مرة وألف مرة التوحيد وفي الثانية
الحمد مرة والتوحيد مرة
وصلاة الغدير ركعتان قبل الزوال بنصف ساعة يقرأ في كل منهما الحمد مرة وكل من
القدر والتوحيد وآية الكرسي: إلى قوله: هم فيها خالدون، عشرا جماعة في الصحراء بعد
أن يخطب الإمام لهم ويعرفهم فضل اليوم فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانوا.
وصلاة ليلة نصف شعبان أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة
والإخلاص مائة مرة ثم يعقب ويعفر.
وصلاة ليلة نصف رجب والمبعث ويومه وهي اثنتا عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة
الحمد ويس.
وصلاة فاطمة ع في أول ذي الحجة. وصلاة يوم الغدير في الرابع والعشرين منه وهو يوم صدقة أمير المؤمنين ع
بالخاتم فيه.
الرابع: يستحب صلاة أمير المؤمنين ع وهي أربع ركعات بتسليمتين في كل
ركعة الحمد مرة والتوحيد خمسين مرة، وصلاة فاطمة ع ركعتان في الأولى بعد
930

الحمد القدر مائة مرة وفي الثانية بعد الحمد الإخلاص مائة مرة.
وصلاة الحبوة وهي صلاة جعفر ع أربع ركعات بتسليمتين في الأولى الحمد
وإذا زلزلت ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة ثم
يركع ويقولها عشرا ثم يقوم ويقولها عشرا ثم يسجد الأولى ويقولها عشرا ثم يجلس ويقولها
عشرا ثم يسجد الثانية ويقولها عشرا ثم يجلس ويقولها عشرا، ثم يقوم إلى الثانية فيقرأ بعد
الحمد والعاديات ثم يصنع كما صنع في الأولى ويتشهد ويسلم، ثم يقوم بنية واستفتاح إلى
الثالثة يقرأ بعد الحمد النصر ويصنع كما فعل أولا، ثم يقوم إلى الرابعة فيقرأ بعد الحمد
الإخلاص ويصنع كفعله الأول ويدعو في آخر سجدة بالمأثور.
ولا اختصاص لهذه الصلوات بوقت وأفضل أوقاتها الجمع، ويستحب بين المغرب
والعشاء صلاة ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقوله: وذا النون، إلى آخر الآية. وفي الثانية
الحمد وقوله: وعنده مفاتح الغيب، إلى آخر الآية.
ثم يرفع يديه فيقول: اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي
على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا، اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم
حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي، ويسأل حاجته. وصلاة
ركعتين في الأولى الحمد مرة والزلزلة ثلاث عشرة مرة وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد خمس
عشرة مرة.
الخامس: يستحب يوم الجمعة الصلاة الكاملة وهي أربع قبل الصلاة يقرأ في كل
ركعة الحمد عشرا والمعوذتين والإخلاص والجحد وآية الكرسي عشرا عشرا.
وصلاة الأعرابي عند ارتفاع النهار وهي عشر ركعات، يصلى ركعتين بتسليمة يقرأ في
الأولى الحمد مرة والفلق سبع مرات وفي الثانية الحمد مرة والناس سبع مرات، ثم يسلم
ويقرأ آية الكرسي سبعا، ثم يصلى ثمان ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة
والنصر مرة والتوحيد خمسا وعشرين مرة ثم يقول بعدها: سبحان الله رب العرش الكريم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبعين مرة وصلاة الحاجة ركعتان بعد صوم ثلاثة
آخرها الجمعة.
931

السادس: يستحب صلاة الشكر عند تجدد النعم وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد
والإخلاص وفي الثانية الحمد والجحد، وصلاة الاستخارة يكتب في ثلاث رقاع: بسم الله
الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة أفعل، وفي ثلاث: بسم الله
الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم يضعها تحت
مصلاه ثم يصلى ركعتين ثم يسجد بعد التسليم ويقول فيها: أستخير الله برحمته خيرة في
عافية، مائة مرة ثم يجلس ويقول: اللهم خر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية، ثم
يشوش الرقاع ويخرج واحدة واحدة، فإن خرج ثلاث متواليات افعل فليفعل، وإن خرج
ثلاثة متوالية لا تفعل فليترك، وإن خرجت واحدة أفعل وأخرى لا تفعل فليخرج من
الرقاع إلى خمس ويعمل على الأكثر، ويستحب صلاة الزيارة والتحية والإحرام عند أسبابها.
المقصد الرابع: في التوابع: وفيه فصول:
الأول: في السهو: وفيه مطالب: المطلب
الأول: ما يوجب الإعادة:
كل من أخل بشئ من واجبات الصلاة عمدا بطلت صلاته سواء كان الواجب
فعلا أو كيفية أو شرطا أو تركا، ولو كان ركنا بطلت بتركه عمدا وسهوا وكذا بزيادته إلا زيادة
القيام سهوا، والجاهل عامد إلا في الجهر والإخفات و غصبية الماء والثوب والمكان
ونجاستهما ونجاسة البدن وتذكية الجلد المأخوذ من مسلم، ويعيد لو لم يعلم أنه من جنس
ما يصلى فيه أو من جنسه إذا وجده مطروحا أو في يد كافر أو مستحل أو سها عن ركن ولم
يذكر إلا بعد انتقاله - ولو ذكر في محله أتى به - أو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعا أو نقص ركعة -
وذكر بعد المبطل عمدا وسهوا كالحدث لا بعد المبطل عمدا كالكلام - أو ترك سجدتين من
ركعة أو لم يدر أهما من ركعة أو ركعتين؟ أو شك في عدد الثنائية كالصبح والعيدين
والكسوف أو الثلاثية أو الأوليين من الرباعية أو لم يحصل شيئا أو شك في ركوعه وهو قائم
فركع فذكر قبل انتصابه أنه كان قد ركع على رأي ولو شك في عدد ركوع الكسوف بنى
على الأقل.
932

المطلب
الثاني: فيما يوجب التلافي:
كل من سها عن شئ أو شك فيه وإن كان ركنا وهو في محله فعله وهو قسمان:
الأول: ما يجب معه سجدتا السهو، وهو ترك سجدة ساهيا وترك التشهد ساهيا ولم
يذكرهما حتى يركع فإنه يقضيهما بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
الثاني: ما لا يوجب معه شيئا، وهو نسيان قراءة الحمد حتى يقرأ السورة فإنه يستأنف
الحمد ويعيدها أو غيرها، ونسيان الركوع ثم يذكر قبل السجود فإنه يقوم ويركع ثم يسجد،
ونسيان السجدتين أو إحداهما أو التشهد ثم يذكر قبل الركوع، فإنه يقعد ويفعل ما نسيه ثم
يقوم فيقرأ ويقضي بعد التسليم الصلاة على النبي وآله ع لو نسيها ثم ذكر بعد
التسليم، وقيل بوجوب سجدتي السهو في هذه المواضع أيضا، وهو الأقوى عندي.
المطلب الثالث: في ما لا حكم له:
من نسي القراءة حتى يركع أو الجهر والإخفات أو قراءة الحمد أو السورة حتى يركع
أو الذكر في الركوع حتى ينتصب أو الطمأنينة فيه كذلك أو الرفع أو الطمأنينة فيه حتى
يسجد أو ذكر السجود أو بعض الأعضاء أو الطمأنينة حتى يرفع أو إكمال الرفع أو طمأنينته
حتى يسجد ثانيا. أو ذكر الثاني أو أحد الأعضاء أو طمأنينته حتى يرفع أو شك في شئ بعد
الانتقال عنه أو سها في سهو أو كثر سهوه عادة أو سها الإمام مع حفظ المأموم وبالعكس فإنه
لا يلتفت في ذلك كله، والشاك في عدد النافلة يتخير ويستحب البناء على الأقل.
المطلب الرابع: فيما يوجب الاحتياط:
من شك بين الاثنين والثلاث أو بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر وصلى ركعة من
قيام أو ركعتين من جلوس، ولو شك بين الاثنين والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام، ولو شك
بين الاثنين والثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس أو ثلاثا
بتسليمتين، ولو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا، ولو ذكره قبله أكمل الصلاة
وسجد للسهو ما لم يحدث، ولو ذكره في أثنائه استأنف الصلاة، ولو ذكر الأخير بعد الركعتين
933

من جلوس أنها ثلاث صحت وسقط الباقي من الاحتياط، ولو ذكر أنها اثنتان بطلت
ولو بدأ بالركعتين من قيام انعكس الحكم، ولو قال: لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة، بطلت
صلاته. ولو قال: لثالثة أو رابعة، فهو شك بين الاثنتين والثلاث ولو قال: لرابعة أو خامسة،
قعد وسلم وصلى ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام وسجد للسهو، ولو قال: لثالثة
أو خامسة، قعد وسلم وصلى ركعتين من قيام وسجد للسهو، ولو قال: لا أدري قيامي من
الركوع لثانية أو ثالثة قبل السجود لرابعة أو لخامسة أو لثالثة أو خامسة، أو شك بينها بطلت
صلاته. ولو قال: لثالثة أو رابعة، فالحكم ما تقدم بعد إكمال الركعة. ولو شك بين الأربع
والخمس سلم وسجد للسهو ولو رجح أحد طرفي الشك ظنا بنى عليه.
فروع:
أ: لا بد في الاحتياط من النية وتكبيرة الافتتاح والفاتحة خاصة ووحدة الجهة
المشتبهة ويشترط فيه عدم تخلل الحدث على رأي، وفي السجدة المنسية أو التشهد
أو الصلاة على النبي وآله ع إشكال.
ب: لو زاد ركعة في آخر الصلاة ناسيا، فإن كان قد حلس في آخر الصلاة بقدر
التشهد صحت صلاته وسجد للسهو وإلا فلا، ولو ذكر قبل الركوع قعد وسلم وسجد
للسهو مطلقا، ولو كان قبل السجود فكذلك إن كان قد قعد بقدر التشهد وإلا بطلت.
ج: لو شك في عدد الثنائية ثم ذكر أعاد إن كان قد فعل المبطل وإلا فلا.
د: لو اشترك السهو بين الإمام والمأموم اشتركا في الموجب، ولو انفرد أحدهما اختص به،
ولو اشتركوا في نسيان التشهد رجعوا ما لم يركعوا، فإن رجع الإمام بعد ركوعه لم يتبعه
المأموم، ولو ركع المأموم أولا رجع الإمام ويتبعه المأموم إن نسي سبق الركوع واستمر إن
تعمد.
ه‍: يجب سجدتا السهو على من ذكرنا وعلى من تكلم ناسيا أو سلم في غير
موضعه ناسيا، وقيل: في كل زيادة ونقيصة غير مبطلتين، وهو الوجه عندي.
و: يجب في سجدتي السهو النية والسجدتان على الأعضاء السبعة والجلوس مطمئنا
934

بينهما والتشهد، ولا تكبير فيهما وفي اشتراط الطهارة والاستقبال والذكر وهو: بسم الله
وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد، أو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، نظر.
ز: محله بعد التسليم للزيادة كان أو للنقصان على رأي ولو نسي السجدتين سجدهما
مع الذكر وإن تكلم أو طال الزمان.
ح: لا تداخل في السهو وإن اتفق السبب على رأي.
ط: السجدة المنسية شرطها الطهارة والاستقبال والأداء في الوقت فإن فاتت سهوا
نوى القضاء ويتأخر حينئذ عن الفائتة السابقة.
الفصل الثاني: في القضاء: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في سببه:
وهو فوات الصلاة الواجبة أو النافلة على المكلف، فلا قضاء على الصغير
والمجنون والمغمى عليه والحائض والنفساء وغير المتمكن من المطهر وضوءا وتيمما،
ويسقط عن الكافر الأصلي وإن وجبت عليه لا عن المرتد إذا استوعب العذر الوقت
أو قصر عنه بمقدار لا يتمكن فيه من الطهارة وأداء ركعة في آخره.
ويجب القضاء على كل من أخل بالفريضة - غير من ذكرناه - عمدا كان تركه أو سهوا
أو بنوم وإن استوعب أو بارتداد عن فطرة وغيرها أو بشرب مسكر أو مرقد - لا بأكل الغذاء
المؤدى إلى الإغماء، ولو ترك الصلاة أو شرطا مجمعا عليه مستحلا قتل إن كان قد ولد مسلما
وإلا استتيب، فإن امتنع قتل ويقبل دعوى الشبهة الممكنة وغير المستحل يعزر ثلاثا ويقتل
في الرابعة.
المطلب الثاني: في الأحكام:
القضاء تابع للأصل في وجوبه أو ندبه ولا يتأكد استحباب فائت النافلة لمرض،
ويستحب الصدقة فيه عن كل ركعتين بمد فإن عجز فعن كل يوم، ووقت قضاء الفائتة
الذكر ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة، وهل يتعين الفائتة مع السعة؟ قولان. ويجب
935

المساواة فيقضى القصر قصرا ولو في الحضر، والحضر تماما ولو في السفر، والجهرية جهرا
والإخفاتية إخفاتا ليلا أو نهارا إلا في كيفية الخوف، أما الكمية فإن استوعب الخوف الوقت
فقصر وإلا فتمام. والترتيب فيقدم سابق الفائت على لاحقه كما يقدم سابق الحاضرة على
لاحقها وجوبا، فلو فاته مغرب يوم ثم صبح آخر قدم المغرب وكذا اليوم الواحد يقدم
صبحه على ظهره، ولو صلى الحاضرة في أول الوقت فذكر الفائتة عدل بنيته إن أمكن
استحبابا عندنا ووجوبا عند آخرين، ويجب لو كان في فائتة فذكر الأسبق ولو لم يذكر حتى
فرع صحت وصلى السابقة، ولو ذكر في أثناء النافلة استأنف إجماعا.
فروع:
أ: لو نسي الترتيب ففي سقوطه نظر والأحوط فعله، فيصلي من فاته الظهران الظهر
مرتين بينهما العصر أو بالعكس، ولو كان معهما مغرب صلى الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم
المغرب ثم العصر ثم الظهر.
ب: لا ترتيب بين الفرائض اليومية وغيرها من الواجبات ولا بين الواجبات أنفسها،
ويترتب الاحتياط لو تعددت المجبورات بترتبها وكذا الأجزاء المنسية كالسجدة أو التشهد
بالنسبة إلى صلاة واحدة أو صلوات.
ج: لا ينعقد النافلة لمن عليه فريضة فائتة.
د: لو نسي تعيين الفائتة صلى ثلاثا واثنتين وأربعا ينوي بها ما في ذمته ويسقط الجهر
والإخفات، والمسافر يصلى ثلاثا واثنتين ولو فاته صلوات سفر وحضر وجهل التعيين صلى
مع كل رباعية صلاة قصر ولو اتحدت إحداهما، ولو ذكر العين ونسي العدد كرر تلك
الصلاة حتى يغلب الوفاء، ولو نسيهما معا صلى أياما يغلب معه الوفاء، ولو علم تعدد
الفائت واتحاده دون عدده صلى ثلاثا وأربعا واثنتين إلى أن يظن الوفاء.
ه‍: لو سكر ثم جن لم يقض أيام جنونه وكذا لو ارتد ثم جن، ولو ارتدت أو سكرت ثم
حاضت لم تقض أيام الحيض.
و: يستحب تمرين الصبي بالصلاة إذا بلغ ست سنين ويطالب بها إذا بلغ تسعا
936

ويقهر عليها إذا كمل مكلفا.
الفصل الثالث: في الجماعة: ومطالبه ثلاثة:
الأول: الشرائط: وهي ثمانية:
الأول: العدد وأقله اثنان أحدهما الإمام في كل ما يجمع فيه إلا الجمعة أو العيدين
فيشترط خمسة سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق، أو ذكورا وخناثى أو إناثا وخناثى،
ولا يجوز أن يكونوا خناثى أجمع.
الثاني: اتصاف الإمام بالبلوغ والعقل وطهارة المولد والإيمان والعدالة والذكورة إن
كان المأموم ذكرا أو خنثى، وانتفاء الإقعاد إن كان المأموم سليما، والأمية إن كان المأموم قارئا،
وفي اشتراط الحرية قولان. وللمرأة والخنثى أن تؤما المرأة خاصة، ولا يجوز إمامة الصغير
وإن كان مميزا على رأي إلا في النفل، ولا إمامة المجنون ويكره بمن يعتوره حال الإفاقة،
ولا إمامة ولد الزنى ويجوز ولد الشبهة، ولا إمامة المخالف وإن كان المأموم مثله سواء استند
في مذهبه إلى شبهة أو تقليد، ولا إمامة الفاسق، ولا إمامة من يلحن في قراءته بالمتقن ولا من
يبدل حرفا بمتقن ولا من يعجز عن حرف ويجوز أن يؤما مثلهما، ولا إمامة الأخرس
للصحيح.
الثالث: عدم تقدم المأموم في الموقف على الإمام، فلو تقدمه المأموم بطلت صلاته،
ويستحب أن يقف عن يمين الإمام إن كان رجلا وخلفه إن كانوا جماعة أو امرأة، وفي الصف
إن كان الإمام امرأة لمثلها قياما أو عاريا لمثله، ويصلون إيماء جلوسا أمامهم في الوسط بارزا
بركبتيه، ويقف الخنثى خلف الرجل والمرأة خلف الخنثى استحبابا على رأي، ويكره لغير
المرأة وخائف الزحام الانفراد بصف، ولو تقدمت سفينة المأموم فإن استصحب نية
الائتمام بطلت، ولو صليا داخل الكعبة أو خارجها مشاهدين لها فالأقرب اتحاد الجهة.
الرابع: الاجتماع في الموقف، فلو تباعدا بما يكثر في العادة لم يصح إلا مع اتصال
الصفوف وإن كانا في جامع، ويستحب أن يكون بين الصفوف مربض عنز، ويجوز في
السفن المتعددة مع التباعد اليسير.
937

الخامس: عدم الحيلولة بما يمنع المشاهدة إلا المرأة، ولو تعددت الصفوف صحت،
ولو صلى الإمام في محراب داخل صحت صلاة من يشاهده من الصف الأول خاصة وصلاة
الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من يشاهده، ولو كان الحائل مخرما صح وكذا
القصير المانع حالة الجلوس والحيلولة بالنهر وشبهه.
السادس: عدم علو الإمام على موضع المأموم بما يعتد به فيبطل صلاة المأموم لو كان
أخفض، ويجوز أن يقف الإمام في أعلى المنحدرة ووقوف المأموم أعلى بالمعتد.
السابع: نية الاقتداء، فلو تابع بغير نية بطلت صلاته، ولا يشترط نية الإمام للإمامة وإن
أم النساء، ويشترط تعيين الإمام فلو نوى الائتمام باثنين أو بأحدهما لا بعينه أو بالمأموم أو بمن
ظهر أنه غير الإمام لم تصح، ولو نوى كل من الاثنين الإمامة لصاحبه صحت صلاتهما،
ولو نويا الائتمام أو شكا فيما أضمراه بطلتا، ولو صلى منفردا ثم نوى الائتمام لم يجزئ، ولو نوى
المأموم الانفراد جاز، ولو أحرم مأموما ثم صار إماما أو نقل إلى الائتمام بآخر صح في موضع
واحد وهو الاستخلاف، ولو تعدد المسبوق أو ائتم المقيمون بالمسافر جاز لهم الائتمام بأحدهم
بعد تسليم الإمام.
الثامن: توافق نظم الصلاتين، فلا يقتدى في اليومية بالجنازة والكسوف والعيد،
ولا يشترط توافقهما في النوع ولا العدد، فللمفترض الاقتداء بالمنتفل وبالعكس والمتنفل
بمثله في مواضع، ولمن يصلى العصر أو المغرب أو الصبح الاقتداء بمن يصلى الظهر
وبالعكس ثم يتخير مع نقص عدد صلاته بين التسليم والانتظار، ولو قام الإمام إلى الخامسة
سهوا لم يكن للمسبوق الائتمام فيها، ويستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماما
أو مأموما.
المطلب الثاني: في الأحكام:
الجماعة مستحبة في الفرائض خصوصا اليومية ولا تجب في غير الجمعة والعيدين
ولا تجوز في النوافل إلا الاستسقاء والعيدين المندوبين، وتحصل بإدراك الإمام راكعا،
ويدرك تلك الركعة فإن كانت آخر الصلاة بنى عليها بعد تسليم الإمام وأتمها ويجعل ما يدركه
938

معه أول صلاته، ولو أدركه بعد رفعه فاتته تلك الركعة وانتظره حتى يقوم إلى ما بعدها
فيدخل معه، ولو أدركه رافعا من الأخيرة تابعه في السجود فإذا سلم استأنف بتكبيرة
الافتتاح على رأي، ولو أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبر ناويا وجلس معه ثم يقوم
بعد سلام الإمام فيتم من غير استئناف تكبير، وفي إدراكه فضيلة الجماعة في هذين نظر.
ولو وجده راكعا وخاف الفوات كبر، وركع ومشى في ركوعه إلى الصف أو سجد
موضعه، فإذا قام إلى الثانية التحق، ولو أحس بداخل طول استحبابا ولا يفرق بين داخل
وداخل، ولا يقرأ خلف المرضى إلا في الجهرية مع عدم سماع الهمهمة والحمد في الإخفاتية
ويقرأ وجوبا مع غيره ولو سرا في الجهرية، وتجب المتابعة فلو رفع أو ركع أو سجد قبله عامدا
استمر إلى أن يلحقه الإمام والناسي يعود،
ويستحب أن يسبح لو أكمل القراءة قبل الإمام إلى أن يركع وإبقاء آية يقرأها حينئذ،
ويقدم الفضلاء في الصف الأول، والقيام إلى الصلاة عند " قد قامت "، وإسماع الإمام من
خلفه الشهادتين، وقطع النافلة لو أحرم الإمام في الأثناء إن خاف الفوات وإلا أتم ركعتين
ونقل نية الفريضة إليها وإكمالها ركعتين، والدخول في الجماعة، والقطع للفريضة مع إمام
الأصل واستنابة من شهد الإقامة لو فعل، وملازمة الإمام موضعه حتى يتم المسبوق.
ويكره تمكين الصبيان من الصف الأول، والتنفل بعد الإقامة، وأن يأتم حاضر بمسافر
في رباعية وصحيح بأبرص مطلقا أو أجذم أو محدود تائب أو مفلوج أو أغلف ومن يكرهه
المأموم، والمهاجر بالأعرابي، والمتطهر بالمتيمم، وأن يستناب المسبوق فيومئ بالتسليم ويتم
لو حصل، وصاحب المنزل والمسجد والأمارة والهاشمي مع الشرائط ومن يقدمه المأمومون
مع التشاح، والأقرأ لو اختلفوا فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن فالأصبح أولى من غيرهم.
ويستنيب الإمام مع الضرورة وغيرها، فلو مات أو أغمي عليه استناب المأمومون،
ولو علموا الفسق أو الكفر أو الحدث بعد الصلاة فلا إعادة وفي الأثناء ينفردون، ولا يجوز
المفارقة لغير عذر أو مع نية الانفراد وله أن يسلم قبل الإمام وينصرف اختيارا.
939

فروع:
أ: لو اقتدى بخنثى أعاد وإن ظهر بعد ذلك أنه رجل.
ب: الأقرب عدم جواز تجدد الائتمام للمنفرد ومنع إمامه الأخس في حالات القيام للأعلى كالمضطجع للقاعد ومنع إمامة العاجز عن ركن للقادر.
ج: لو كانا أميين لكن أحدهما يعرف سبع آيات دون الآخر جاز ائتمام الجاهل بالعارف،
دون العكس، والأقرب وجوب الائتمام على الأمي بالعارف وعدم الاكتفاء بالائتمام مع
إمكان التعلم.
د: لو جهلت الأمة عتقها فصلت بغير خمار جاز للعالمة به الائتمام بها، وفي انسحابه
على العالم بنجاسة ثوب الإمام نظر أقربه ذلك إن لم نوجب الإعادة مع تجدد العلم في الوقت.
ه‍: الصلاة لا توجب الحكم بالإسلام.
الفصل الرابع: في صلاة الخوف: وفيه مطلبان:
الأول: الكيفية: وهي أنواع:
الأول: صلاة ذات الرقاع: وشروطها أربعة:
أ: كون الخصم في غير جهة القبلة أو الحيلولة بينهم وبين المسلمين لمانع من رؤيتهم
لو هجموا.
ب: قوته بحيث يخاف هجومه على المسلمين.
ج: كثرة المسلمين بحيث يفترقون فرقتين يقاوم كل فرقة العدو.
د: عدم الاحتياج إلى زيادة التفريق فينحاز الإمام بطائفة إلى حيث لا يبلغهم سهام
العدو فيصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية انفردوا واجبا وأتموا والأخرى تحرسهم. ثم
يأخذ الأولى مكان الثانية، وتنحاز الثانية إلى الإمام وهو ينتظرهم فيقتدون به في الثانية، فإذا
جلس في الثانية قاموا فأتموا ولحقوا به وسلم بهم، ويطول الإمام القراءة في انتظار إتيان
الثانية والتشهد في انتظار فراغها، وفي المغرب يصلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة
أو بالعكس والأول أجود لئلا يكلف الثانية زيادة جلوس، وللإمام الانتظار في التشهد أو في
940

القيام الثالث، وتخالف هذه الصلاة غيرها في انفراد المؤتم وانتظار الإمام إتمام المأموم
وائتمام القائم بالقاعد.
الثاني: صلاة بطن النخل، وهي أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيفرقهم فرقتين
يصلى بإحداهما ركعتين ويسلم بهم والثانية تحرسهم، ثم يصلى بالثانية ركعتين نافلة له
وهي لهم فريضة ولا يشترط في هذه الخوف.
الثالث: صلاة عسفان، بأن يكون العدو في جهة القبلة فيرتبهم الإمام صفين ويحرم بهم
جميعا ويركع بهم ويسجد بالأول خاصة، ويقوم الثاني للحراسة فإذا قام الإمام بالأول سجد
الثاني، ثم ينتقل كل من الصفين إلى مكان صاحبه فيركع الإمام بهما ثم يسجد بالذي يليه
ويقوم الثاني الذي كان أولا لحراستهم، فإذا جلس بهم سجدوا وسلم بهم جميعا.
الرابع: صلاة شدة الخوف، وذلك عند التحام القتال وعدم التمكن من تركه فيصلي
على حسب الإمكان وإن كان راكبا مستدبرا، ولو تمكن من الاستقبال وجب وإلا فبالتكبير
وإلا سقط، ويسجد على قربوس سرجه إن لم يمكن النزول ولو عجز عنه أومأ، ولو اشتد الحال
عن ذلك صلى بالتسبيح عوض كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر،
وسقط الركوع والسجود. ولا بد من النية وتكبيرة الإحرام والتشهد.
المطلب الثاني: في الأحكام:
صلاة الخوف مقصورة سفرا وحضرا إن صليت جماعة وفرادى على أقوى القولين،
ولو شرطنا في القصر السفر صلى بالأولى ركعتين وأتموا، وبالثانية ركعتين وانتظار الثانية في
الثالثة والتشهد الثاني، ولو فرقهم أربعا جاز فيجوز التثليث في المغرب سفرا ويجوز أن
يكون الفرقة واحدا.
وإذا عرض الخوف الموجب للإيماء في الأثناء أتم مومئا وبالعكس استدبر أولا، ولو ظن
سوادا عدوا أو لم يعلم بالحائل أو خاف لصا أو سبعا أو هرب من غرق أو حرق أو مطالب
بدين عاجزا عنه أو كان محرما خاف فوت الوقوف فقصر أو أومأ لم يعد، ويجوز أن يصلى
الجمعة على صفة ذات الرقاع دون بطن النخل بشرط الحضر والخطبة للأولى وكونها كمال
941

العدد وإن قصرت الثانية، ويغتفر التعدد لوحدة صلاة الإمام وكذا صلاة العيد والآيات
والاستسقاء، والموتحل والغريق يومئان مع الضرورة ولا يقصران لغير خوف أو سفر،
ولا حكم لسهو المأمومين حالة المتابعة بل حالة الانفراد ومبدؤه رفع الإمام من سجود الأولى
مع احتمال الاعتدال في قيام الثانية والأقرب إيقاع نية الانفراد، ولو سها الإمام في الأولى لم
يتابعه الثانية في سجوده، ويجب أخذ السلاح في الصلاة ويجوز مع النجاسة ولو منع واجبا لم
يجزئ اختيارا.
الفصل الخامس: في صلاة السفر: وفيه مطالب: المطلب
الأول: محل القصر:
وهو من الفرائض الرباعية اليومية خاصة ونوافل النهار والوتيرة مع الأداء في السفر،
فلا قصر في فوائت الحضر ويثبت في فوائت السفر، ولو سافر في أثناء الوقت أتم على رأي
وكذا لو حضر من السفر في الأثناء والقضاء تابع، ولا قصر في غير العدد وهو واجب إلا في
مسجد مكة والمدينة وجامع الكوفة والحائر فإن الإتمام فيها أفضل، فإن فاتت احتمل وجوب
قصر القضاء مطلقا وفي غيرها، والتخيير مطلقا ولو بقي للغروب مقدار أربع احتمل تحتم
القصر فيهما وفي الظهر ويضعف قضاؤه، ولو شك بين الاثنتين والأربع لم يجب الاحتياط
بخلاف ما لو شك بين الاثنتين والثلاث، ويستحب جبر كل مقصورة بقول: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاثين مرة عقيبها ولو ائتم مسافر بحاضر لم يتم معه
ولو سافر بعد الزوال قبل التنفل استحب قضاؤه ولو سفرا.
المطلب الثاني: الشرائط: وهي خمسة:
الأول: قصد المسافة، وهي ثمانية فراسخ كل فرسخ اثنا عشر ألف ذراع كل ذراع
أربع وعشرون إصبعا، ولو قصد الأول لم يجزئ القصر، ولو قصد مضى أربعة والرجوع ليومه
وجب القصر، ولو قصد التردد ثلاثا في ثلاثة فراسخ لم يجزئ القصر، ولو سلك أبعد
الطريقين وهو مسافة قصر وإن قصر الآخر وإن كان ميلا إلى الترخص ويقصر في البلد
942

والرجوع وإن كان بالأقرب، ولو سلك الأقصر أتم وإن قصد الرجوع بالأبعد إلا في الرجوع،
ولو انتفى القصد فلا قصر فالهائم لا يترخص وكذا طالب الآبق وشبهه وقاصد الأقل
إذا قصد مساويه وهكذا، ولو زاد المجموع على المسافة إلا في الرجوع ولو قصد ثانيا مسافة
يرخص حينئذ، لا قبله، ومنتظر الرفقة إذا خفي عليه الجدران والأذان قصر إلى شهر إن جزم
بالسفر دونها وإلا اشترطت المسافة.
الثانية: الضرب في الأرض، فلا يكفي القصد من دونه فلا يشترط الانتهاء إلى المسافة
بل ابتداؤه بحيث يخفى عليه الجدران والأذان، فلو أدرك أحدهما لم يجزئ القصر هو نهاية
السفر، ولو منع بعد خروجه قصر مع خفائهما واستمرار النية، ولو ردته الريح فأدرك
أحدهما أتم.
الثالث: استمرار القصد، فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيام أتم وإن بقي العزم وكذا
لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة، ولا يشترط استيطان الملك
بل البلد الذي هو فيه ولا كون الملك صالحا للسكنى بل لو كان له مزرعة أتم، ولو خرج الملك
عنه ساوى غيره، ولو كان بين الابتداء والملك أو ما نوى الإقامة فيه مسافة قصر في الطريق
خاصة ثم يعتبر ما بين الملك والمنتهى فإن قصر عن المسافة أتم ولو تعددت المواطن قصر
بين كل موطنين بينهما مسافة خاصة ولو اتخذ بلدا دار إقامته كان حكمه حكم الملك.
الرابع: عدم زيادة السفر على الحضر، كالمكاري والملاح والتاجر والبدوي والضابط أن
لا يقيم أحدهم في بلده عشرة أيام، فلو أقام عشرة في بلده مطلقا أو في غيره مع النية قصر
إذا سافر وإلا فلا، والمعتبر صدق اسم المكاري ومشاركيه في الحكم.
الخامس: إباحة السفر، فلا يقصر العاصي به كتابع الجائر والمتصيد لهوا دون
المتصيد للقوت أو التجارة على رأي، ولا يشترط انتفاء المعصية فلو قصد المعصية بسفره
في الأثناء انقطع الترخص ويعود لو عادت النية إن كان الباقي مسافة، وسالك المخوف مع
انتفاء التحرز عاص.
943

المطلب الثالث: في الأحكام:
الشرائط واحدة في الصلاة والصوم وكذا الحكم مطلقا على رأي، وإذا نوى
المسافر الإقامة في بلد عشرة أيام أتم فإن رجع عن نيته قصر ما لم يصل تماما ولو فريضة،
ولو رجع في الأثناء فإن تجاوز فرض التقصير فكالناوي وإلا فكالراجع، ولو لم يصل حتى
خرج الوقت لعذر مسقط صح رجوعه وإلا فلا، وفي الناسي إشكال، والأقرب أن الشروع في
الصوم كالإتمام.
ولو أحرم بنية القصر ثم عن له المقام أتم ولو لم ينو المقام عشرة قصر إلى ثلاثين يوما
ثم يتم ولو صلاة واحدة، ولو عزم العشرة في غير بلده ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على
العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد وإلا قصر، ولو قصر في ابتداء السفر ثم رجع عنه
لم يعد ولا اعتبار بإعلام البلدان ولا المزارع والبساتين وإن كان ساكن قرية، ولو جمع سور
قرى لم يشترط مجاوزة ذلك السور، ولو كانت القرية في هذه اعتبر بنسبة الظاهرة وفي المرتفعة
إشكال، ولو رجع لأخذ شئ نسيه قصر في طريقه إن كان مسافة وإلا فلا، ولو أتم المقصر
عامدا أعاد مطلقا، والجاهل بوجوب التقصير معذور لا يعيد مطلقا والناسي يعيد في الوقت
خاصة، ولو قصر المسافر اتفاقا أعاد قصرا.
944

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
945

كتاب الصلاة
وفصوله أحد عشر:
الفصل الأول: في أعدادها:
والواجب سبع: اليومية والجمعة والعيدان والآيات والطواف والأموات والملتزم بنذر
وشبهه.
والمندوب لا حصر له وأفضله الرواتب، فللظهر ثمان قبلها وللعصر ثمان قبلها
وللمغرب أربع بعدها وللعشاء ركعتان جالسا - ويجوز قائما - بعدها وثماني الليل
وركعتا الشفع وركعة الوتر وركعتا الصبح قبلها وفي السفر تنتصف الرباعية وتسقط راتبة
المقصورة، ولكل ركعتين من النافلة تشهد وتسليم، وللوتر بانفراده، ولصلاة الأعرابي
ترتيب الظهرين بعد الثنائية.
الفصل الثاني: في شروطها:
وهي سبعة:
الوقت: فللظهر زوال الشمس المعلوم بزيد الظل بعد نقصه، وللعصر الفراع منها ولو
تقديرا وتأخيرها إلى مصير الظل مثليه أفضل، وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقية، وللعشاء
الفراع منها وتأخيرها إلى ذهاب المغربية أفضل، وللصبح طلوع الفجر. ويمتد وقت
الظهرين إلى الغروب والعشائين إلى نصف الليل والصبح حتى تطلع الشمس، ونافلة
الظهر من الزوال إلى أن يصير الفئ قدمين والعصر أربعة أقدام وللمغرب إلى ذهاب
947

المغربية، وللعشاء كوقتها. ولليل بعد نصفه إلى طلوع الفجر، وللصبح حتى تطلع الحمرة.
وتكره النافلة المبتدأة بعد صلاتي الصبح والعصر وعند طلوع الشمس وغروبها
وقيامها إلا يوم الجمعة، ولا تقدم الليلية إلا لعذر وقضاؤها أفضل فأول الوقت أفضل إلا
لمن يتوقع زوال عذره ولصائم يتوقع فطره وللعشاءين إلى المشعر ويعول في الوقت على الظن
مع تعذر العلم فإن دخل وهو فيها أجزأ وإن تقدمت أعاد.
الثاني: القبلة: وهي الكعبة للمشاهد أو حكمه وجهتها لغيره، وعلامة العراق ومن
في سمتهم جعل المغرب على الأيمن والمشرق على الأيسر والجدي خلف المنكب الأيمن،
وللشام جعله خلف الأيسر وسهيل بين العينين، وللمغرب جعل الثريا والعيوق على يمينه
وشماله، واليمن تقابل الشام، ويعول على قبلة البلد إلا مع علم الخطأ، فلو فقد الأمارات
قلد، ولو انكشف الخطأ لم يعد ما كان بين اليمين واليسار ويعيد ما كان إليهما في
وقته، والمستدبر يعيد ولو خرج الوقت.
الثالث: ستر القبل والدبر للرجل، وجميع البدن عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين
للمرأة ويجب كون الساتر طاهرا وعفي عما مر وعن نجاسة المربية للصبي ذات الثوب
الواحد.
ويجب غسله كل يوم مرة وعما يتعذر إزالته فيصلي فيه للضرورة والأقرب تخيير
المختار بينه وبين الصلاة عاريا فيومئ بالركوع والسجود، ويجب كونه غير مغصوب وغير
جلد وصوف وشعر من غير المأكول إلا الخز والسنجاب وغير ميتة وغير الحرير للرجل
والخنثى، ويسقط ستر الرأس عن الأمة المحضة والصبية ولا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر
القدم إلا مع الساق.
ويستحب في العربية وترك السواد عدا العمامة والكساء والخف وترك الرقيق
واشتمال الصماء.
ويكره ترك التحنك مطلقا وترك الرداء للإمام والنقاب للمرأة واللثام لهما فإن منعا
القراءة حرما، ويكره في ثوب المتهم بالنجاسة أو الغصب وفي ذي التماثيل أو خاتم فيه
صورة أو قباء مشدودة في غير الحرب.
948

الرابع: المكان: ويجب كونه غير مغصوب خاليا من نجاسة متعدية ظاهر المسجد
والأفضل المسجد. ويتفاوت في الفضيلة فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة والنبوي بعشرة
آلاف وكل من مسجد الكوفة والأقصى بألف والجامع بمائة والقبيلة بخمس وعشرين
والسوق باثني عشرة ومسجد المرأة بيتها.
ويستحب اتخاذ المساجد استحبابا مؤكدا مكشوفة والميضاة على بابها والمنارة مع
حائطها، وتقديم الداخل يمينه والخارج يساره وتعاهد نعله والدعاء فيهما وصلاة التحية
قبل جلوسه.
ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور وتنجيسها وإخراج الحصى منها فيعاد.
ويكره تعليتها والبصاق فيها ورفع الصوت وقتل القملة وبري النبل وعمل الصانع
وتمكين المجانين والصبيان وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوال وإنشاد الشعر والكلام فيها
بأحاديث الدنيا.
وتكره الصلاة في الحمام وبيوت الغائط والنار والمجوس والمعطن ومجرى الماء والسبخة
وقرى النمل والثلج اختيارا وبين المقابر إلا بحائل ولو عنزة أو بعد عشرة أذرع وفي الطريق
وبيت فيه مجوسي وإلى نار مضرمة أو تصاوير أو مصحف أو باب مفتوحين أو وجه انسان
أو حائط ينز من بالوعة وفي مرابض الدواب إلا الغنم، ولا بأس بالبيعة والكنيسة مع
عدم النجاسة.
ويكره تقديم المرأة على الرجل أو محاذاتها له على الأصح ويزول بالحائل أو عشرة أذرع
ولو حاذى سجودها قدمه فلا منع، ويراعى في مسجد الجبهة الأرض أو نباتها من غير
المأكول والملبوس عادة ولا يجوز على المعادن وتجوز على القرطاس المتخذ من النبات ويكره
المكتوب.
الخامس: طهارة البدن من الحدث والخبث، وقد سبق.
السادس: ترك الكلام والفعل الكثير عادة وترك السكوت الطويل عادة وترك البكاء
لأمور الدنيا وترك القهقهة والتطبيق والكتف إلا لتقية والالتفات إلى ما وراءه والأكل
والشرب إلا في الوتر لمريد الصوم فيشرب.
949

السابع: الاسلام فلا تصح العبادة من الكافر وإن وجبت عليه، والتمييز فلا تصح
من المجنون والمغمى عليه وغير المميز لأفعالها ويمرن الصبي لست.
الفصل الثالث: في كيفية الصلاة:
ويستحب الأذان والإقامة بأن ينويهما ويكبر أربعا في الأول الأذان ثم التشهدان
ثم الحيعلات الثلاث ثم التكبير ثم التهليل مثنى والإقامة مثنى ويزيد بعد حي على خير
العمل قد قامت الصلاة مرتين ويهلل في آخرها مرة. ولا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه في
الأذان والإقامة كالتشهد بالولاية وأن محمدا وآله خير البرية وإن كان الواقع كذلك،
واستحبابهما في الخمس أداء وقضاء للمنفرد والجامع، وقيل: يجبان في الجماعة
ويتأكدان في الجهرية وخصوصا الصبح والمغرب ويستحبان للنساء سرا. ولو نسيهما
تداركهما ما لم يركع، وتسقطان عن الجماعة الثانية ما لم تتفرق الأولى، ويسقط
الأذان في عصري عرفة والجمعة وعشاء المزدلفة، ويستحب رفع الصوت بهما للرجل
والترتيل فيه والحدر فيها، والراتب يقف على مرتفع واستقبال القبلة والفصل بينهما
بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة أو سكتة وتختص المغرب بالأخيرين ويكره الكلام في
خلالهما.
ويستحب الطهارة والحكاية لغير المؤذن، ويكره الترجيع، ثم يجب القيام مستقبلا مع
المكنة فإن عجز ففي البعض فإن عجز اعتمد، فإن عجز قعد فإن عجز اضطجع فإن عجز
استلقى ويومئ للركوع والسجود بالرأس فإن عجز غمض عينيه بهما وفتحهما لرفعهما.
والنية معينة الفرض والأداء أو القضاء والوجوب أو الندب والقربة. وتكبيرة الإحرام
بالعربية وسائر الأذكار الواجبة، وتجب المقارنة للنية واستدامة حكمها إلى الفراع وقراءة
الحمد وسورة كاملة إلا مع الضرورة في الأولتين، وتجزئ في غيرهما الحمد وحدها أو
التسبيح أربعا أو تسعا أو عشرا أو اثني عشرة والحمد أولى.
ويجب الجهر في الصبح وأوليي العشائين والإخفات في البواقي، ولا جهر على المرأة،
وتتخير الخنثى، ثم الترتيل والوقوف وتعمد الإعراب وسؤال الرحمة والتعوذ من النقمة
950

مستحب، وكذا تطويل السورة في الصبح وتوسطها في الظهر والعشاء وقصرها في العصر
والمغرب ومع خوف الضيق، واختيار " هل أتى وهل أتيك " في صبح الاثنين والخميس و
" الجمعة والمنافقين " في ظهريها وجمعتها، و " الجمعة والتوحيد " في صبحها، و " الجمعة
والأعلى " في عشائيها، وتحرم العزيمة في الفريضة.
ويستحب الجهر في نوافل الليل والسر في النهار، وجاهل الحمد يجب عليه التعلم فإن
ضاق الوقت قرأ ما يحسن منها فإن لم يحسن قرأ من غيرها بقدرها فإن تعذر ذكر الله
بقدرها، و " الضحى والم نشرح " سورة، و " الفيل ولإيلاف " سورة وتجب البسملة بينهما،
ثم يجب الركوع منحنيا إلى أن تصل كفاه ركبتيه مطمئنا بقدر واجب الذكر وهو:
سبحان ربي العظيم وبحمده أو سبحان الله ثلاثا أو مطلق الذكر للمضطر ورفع الرأس
منه مطمئنا.
ويستحب التثليث في الذكر فصاعدا وترا والدعاء أمامه وتسوية الظهر ومد العنق
والتجنيح ووضع اليدين على الركبتين والبدأة باليمنى مفرجتين والتكبير له رافعا يديه
إلى حذاء شحمتي أذنيه وقول: سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين في رفعه.
ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه، ثم تجب سجدتان على الأعضاء السبعة قائلا
فيهما: سبحان ربي الأعلى وبحمده، أو ما مر مطمئنا بقدره، ثم رفع رأسه مطمئنا،
ويستحب الطمأنينة عقيب الثانية والزيادة على الواجب والدعاء والتكبيرات الأربع
والتخوية للرجل والتورك بين السجدتين، ثم يجب التشهد عقيب الثانية وآخر الصلاة
وهو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل
على محمد وآل محمد، جالسا مطمئنا بقدره.
ويستحب التورك والزيادة في الثناء والدعاء، ثم تجب التسليم وله عبارتان: السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين أو: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبأيهما بدأ
استحب الآخر. ويستحب فيه التورك وإيماء المنفرد إلى القبلة ثم بمؤخر عينيه عن يمينه
والإمام بصفحة وجهه يمينا والمأموم كذلك، وإن كان على يساره أحد سلم أخرى مومئا
إلى يساره، وليقصد المصلي الأنبياء والملائكة والأئمة والمسلمين من الإنس والجن،
951

والمأموم الرد على الإمام، ويستحب السلام المشهود.
الفصل الرابع: في باقي مستحباتها:
وهي: ترتيل التكبير، ورفع اليدين به كما مر مستقبل القبلة ببطون اليدين مجموعة
الأصابع مبسوطة الإبهامين، والتوجه بست تكبيرات: يكبر ثلاثا ويدعو واثنتين ويدعو
وواحدة ويدعو، ويتوجه بعد التحريمة، وتربع المصلي قاعدا حال قراءته وثنى رجليه حال
ركوعه وتوركه حال تشهده، والنظر قائما إلى مسجده وراكعا إلى ما بين رجليه وساجدا
إلى أنفه ومتشهدا إلى حجره، ووضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه مضمومة
الأصابع وراكعا على عيني ركبتيه الأصابع والإبهام مبسوطة جمع، وساجدا بحذاء
أذنيه، ومتشهدا وجالسا على فخذيه كهيئة القيام.
ويستحب القنوت عقيب قراءة الثانية بالمرسوم وأفضله كلمات الفرج وأقله سبحان
الله ثلاثا أو خمسا، وليدع فيه وفي أحوال الصلاة لدينه ودنياه من المباح، وتبطل لو سأل
المحرم، والتعقيب وأفضله التكبير ثلاثا رافعا ثم التهليل بالمرسوم ثم تسبيح الزهراء ع
يكبر أربعا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين، ثم
الدعاء بما سنح، ثم سجدتا الشكر ويعفر بينهما ويدعو بالمرسوم.
الفصل الخامس: في التروك:
وهي ما سلف والتأمين إلا لتقية وتبطل الصلاة، وكذا ترك الواجب عمدا أو أحد
الأركان الخمس ولو سهوا وهي: النية والقيام والتحريمة والركوع والسجدتان معا،
وكذا الحدث ويحرم قطعها اختيارا. ويجوز قتل الحية وعد الركعات بالحصى والتبسم،
ويكره الالتفات يمينا وشمالا والتثاؤب والتمطي والعبث والتنخم والفرقعة والتأوه
بحرف والأنين به ومدافعة الأخبثين أو الريح.
تتمة:
يستحب للمرأة أن تجمع بين قدميها في القيام والرجل يفرق بينهما إلى شبر أو فتر،
952

وتضم ثدييها إلى صدرها وتضع ثديها فوق ركبتيها راكعة وتجلس على أليتيها وتبدأ
بالقعود قبل السجود، فإذا تشهدت ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، فإذا
نهضت انسلت.
الفصل السادس: في بقية الصلوات:
فمنها الجمعة وهي ركعتان كالصبح عوض الظهر ويجب فيها تقديم الخطبتين
المشتملتين على حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم والوعظ
وقراءة سورة خفيفة، ويستحب بلاغة الخطيب ونزاهته ومحافظته على أوائل الأوقات
والتعمم والاعتماد على شئ، ولا ينعقد إلا بإمام أو نائبه ولو فقيها مع إمكان الاجتماع
في الغيبة واجتماع خمسة، وتسقط عن المرأة والعبد والمسافر والهم والأعمى والأعرج ومن
بعد بأزيد من فرسخين، ولا تنعقد جمعتان في أقل من فرسخ، ويحرم السفر بعد الزوال
على المكلف بها، ويزاد في نافلتها أربع ركعات والأفضل جعلها سداس في الأوقات
الثلاثة وركعتان عند الزوال، والمزاحم عن السجود يلتحق فإن سجد مع ثانية الإمام
نوى بهما الأولى.
ومنها صلاة العيدين وتجب بشروط الجمعة والخطبتان بعدها، ويجب فيها التكبير
زائدا عن المعتاد خمسا في الأولى وأربعا في الثانية والقنوت بينها ويستحب بالمرسوم،
ومع اختلال الشرائط تصلي جماعة وفرادى مستحبا ولو فاتت لم يقض.
ويستحب الإصحار بها إلا بمكة، وأن يطعم في الفطر قبل خروجه وفي الأضحى بعد
عوده من أضحيته، ويكره التنفل قبلها وبعدها إلا بمسجد النبي ص،
ويستحب التكبير في الفطر عقيب أربع أولها المغرب ليلته وفي الأضحى عقيب خمس عشر
بمنى وعشر بغيرها أولها ظهر النحر وصورته:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر لله الحمد على ما
هدانا.
ويزيد في الأضحى: الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام. ولو اتفق عيد
953

وجمعة تخير القروي بعد حضور العيد في الجمعة.
ومنها الآيات وهي: الكسوفان والزلزلة والريح السوداء أو الصفراء وكل مخوف
سماوي. وتجب فيها النية والتحريمة وقراءة الحمد وسورة ثم الركوع ثم يرفع ويقرأهما
هكذا خمسا ثم يسجد سجدتين ثم يقوم إلى الثانية ويصنع كما صنع أولا، ويجوز له قراءة
بعض السورة لكل ركوع ولا يحتاج إلى الفاتحة إلا في الأول فيجب إكمال سورة في كل
ركعة مع الحمد مرة ولو أتم مع الحمد في ركعة سورة وبعض في الأخرى جاز بل لو أتم
السورة في بعض الركوعات وبعض في أخر جاز.
ويستحب القنوت عقيب كل مزدوج والتكبير للرفع من الركوع والتسميع في
الخامس والعاشر وقراءة الطوال مع السعة والجهر فيها وكذا يجهر في الجمعة والعيدين، ولو
جامعت الحاضرة قدم ما شاء، ولو تضيقت إحديهما قدمها، ولو تضيقتا فالحاضرة ولا
تصلي على الراحلة إلا لعذر كغيرها من الفرائض، ويقضي مع الفوات وجوبا مع تعمد
الترك أو نسيانه أو استيعاب الاحتراق مطلقا.
ويستحب الغسل مع التعمد والاستيعاب، وكذا يستحب الغسل للجمعة والعيدين
وفرادى رمضان وليلة الفطر وليلتي نصف رجب وشعبان والمبعث والغدير والمباهلة وعرفة
ونيروز الفرس، والإحرام، والطواف، وزيارة المعصومين، والسعي إلى رؤية المصلوب بعد
ثلاثة، والتوبة عن فسق أو كفر، وصلاة الحاجة، والاستخارة، ودخول الحرم ومكة
والمدينة والمسجدين.
ومنها المنذورة وشبهها وهي تابعة للنذر المشروع.
ومنها صلاة النيابة بإجارة أو بحمل عن الأب وهي بحسب ما يلتزم به.
ومن المندوبات صلاة الاستسقاء وهي كالعيدين وتحول الرداء يمينا ويسارا ولتكن
بعد صوم ثلاثة آخرها الاثنين أو الجمعة، والتوبة، ورد المظالم.
ومنها نافلة شهر رمضان وهي ألف ركعة غير الرواتب في العشرين عشرون كل ليلة
ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء وفي العشر الأخير ثلاثون وفي ليالي الإفراد كل
954

ليلة مائة ويجوز الاقتصار عليها فتفرق الثمانين على الجمع.
ومنها نافلة الزيارة والاستخارة والشكر وغير ذلك.
الفصل السابع: في الخلل في الصلاة:
وهو إما عن عمد أو سهو أو شك. ففي العمد يبطل بالإخلال بالشرط أو الجزء ولو
كان جاهلا إلا الجهر والإخفات، وفي السهو يبطل ما سلف، وفي الشك لا يلتفت إذا
تجاوز محله، ولو كان فيه أتى به، فلو ذكر فعله بطلت إن كان ركنا وإلا فلا، ولو نسي
غير الركن فلا التفات ولو لم يتجاوز محله أتى به، وكذا الركن ويقضي بعد الصلاة
السجدة والتشهد والصلاة على النبي وآله ويسجد لهما سجدتي السهو ويجبان أيضا
للتكلم ناسيا وللتسليم في الأولتين ناسيا وللزيادة أو النقيصة غير المبطلة وللقيام في
موضع قعود وعكسه وللشك بين الأربع والخمس.
ويجب فيهما النية وما يجب في سجود الصلاة، وذكرهما:
بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد " أو " بسم الله وبالله
والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يتشهد ويسلم.
والشاك في عدد الثنائية أو الثلاثية أو في الأولتين من الرباعية أو في عدد غير محصور
أو قبل إكمال السجدتين فيما يتعلق بالأوليين يعيد، وإن أكمل الأولتين وشك في
الزائد فهنا صور خمس: الشك بين الاثنتين والثلاث، والشك بين الثلاث والأربع ويبني
على الأكثر فيهما ثم يحتاط بركعتين جالسا أو ركعة قائما، والشك بين الاثنتين
والأربع يبني على الأربع ويحتاط بركعتين قائما، والشك بين الاثنتين والثلاث
والأربع يبني على الأربع ويحتاط بركعتين قائما ثم بركعتين جالسا وقيل: يصلى ركعة
قائما ثم ركعتين جالسا، ذكره ابنا بابويه وهو قريب، والشك بين الأربع والخمس
وحكمه قبل الركوع كالشك بين الثلاث والأربع وبعده سجدتا السهو. وقيل: تبطل
الصلاة لو شك ولما يكمل السجود إذا كان قد ركع، والأصح الصحة لقولهم ع
: ما أعاد الصلاة فقيه.
955

مسائل:
لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه، ولو أحدث قبل الاحتياط أو
الأجزاء المنسية تطهر وأتى بها على الأقوى، ولو ذكر ما فعل فلا إعادة إلا أن يكون قد
أحدث.
الثانية: حكم الصدوق ابن بابويه بالبطلان في الشك بين الاثنتين والأربع، والرواية
مجهولة المسؤول.
الثالثة: أوجب أيضا الاحتياط بركعتين جالسا لو شك في المغرب بين الاثنتين
والثلاث وذهب وهمه إلى الثالثة عملا برواية عمار الساباطي عن الصادق ع
وهو فطحي، وأوجب أيضا ركعتين جلوسا للشك بين الأربع والخمس وهو متروك.
الرابعة: خير ابن الجنيد رحمه الله الشاك بين الثلاث والأربع بين البناء على الأقل
والاحتياط أو على الأكثر وتحتاط بركعة أو ركعتين، وهو خيرة الصدوق وترده الروايات
المشهورة.
الخامسة: قال علي بن بابويه رحمه الله في الشك بين الاثنتين والثلاث: إن ذهب
الوهم إلى الثالثة أتمها رابعة ثم احتاط بركعة وإن ذهب الوهم إلى الاثنتين بنى عليه
وتشهد في كل ركعة وسجد للسهو وإن اعتدل الوهم تخير بين البناء على الأقل والتشهد في
كل ركعة وبين البناء على الأكثر والاحتياط، والشهرة تدفعه.
السادسة: لا حكم للسهو مع الكثرة ولا للسهو في السهو ولا لسهو الإمام مع حفظ
المأموم وبالعكس.
السابعة: أوجب ابنا بابويه سجدتي السهو على من شك بين الثلاث والأربع وظن
الأكثر، وفي رواية إسحاق بن عمار عن الصادق ع: إذا ذهب وهمك إلى
التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتي السهو، وحملت على الندب.
956

الفصل الثامن: في القضاء:
يجب قضاء الفرائض اليومية مع الفوات حال البلوغ والعقل والخلو عن الحيض
والنفاس والكفر الأصلي، ويراعى فيه الترتيب بحسب الفوات ولا يجب الترتيب بينه
وبين الحاضرة نعم يستحب، ولو جهل الترتيب سقط، ولو جهل عين الفائتة صلى صبحا
ومغربا وأربعا مطلقة، والمسافر يصلى مغربا وثنائية مطلقة، ويقضي المرتد زمان ردته
وفاقد الطهور على الأقوى، وأوجب ابن الجنيد الإعادة على العاري إذا صلى ثم وجد
الساتر في الوقت، وهو بعيد.
ويستحب قضاء النوافل الراتبة فإن عجز تصدق، ويجب على الولي قضاء ما فات أباه
في مرضه، وقيل: مطلقا، وهو أحوط. ولو فات مكلف ما لم يحصه تحري وبنى على ظنه
ويعدل إلى السابقة لو شرع في اللاحقة، ولو تجاوز محل العدول أتمها ثم تدارك السابقة لا
غير.
مسائل:
ذهب المرتضى وابن الجنيد وسلار إلى وجوب تأخير أولى الأعذار إلى آخر الوقت
وجوزه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله أول الوقت، وهو الأقرب.
الثانية: المروي في المبطون البناء إذا فجأة الحدث وأنكره بعض الأصحاب،
والأقرب الأول لتوثيق رجال الخبر عن الباقر ع وشهرته بين الأصحاب.
الثالثة: يستحب تعجيل القضاء ولو كان نافلة لم ينتظر بقضائها مثل زمان فواتها،
وفي جواز النافلة لمن عليه فريضة قولان أقربهما الجواز، وقد بينا مأخذه في كتاب
الذكرى.
الفصل التاسع: في صلاة الخوف:
وهي مقصورة سفرا وحضرا جماعة وفرادى ومع إمكان الافتراق فرقتين والعدو في
خلاف القبلة يصلون صلاة ذات الرقاع بأن يصلى الإمام بفرقة ركعة ثم يتمون ثم تأتي
957

الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم ينتظرهم حتى يتموا ويسلم بهم، وفي المغرب يصلى
بإحداهما ركعتين، ويجب أخذ السلاح، ومع الشدة يصلون بحسب المكنة إيماءا مع
تعذر السجود، ومع عدم الإمكان يجزئهم عن كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر.
الفصل العاشر: في صلاة المسافر:
وشروطها: قصد ستة وتسعين ألف ذراع أو نصفها لمريد الرجوع ليومه، وأن لا يقطع
السفر بمروره على منزله، أو نية مقام عشرة أو مضى ثلاثين يوما في مصر، وأن لا يكثر
سفره كالمكاري والملاح والأجير والبريد، وأن لا يكون معصية، وأن يتوارى عن جدران
بلده أو يخفى عليه أذانه فتتعين القصر إلا في مسجدي مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر
على مشرفه السلام فتتخير والإتمام أفضل، ومنعه أبو جعفر ابن بابويه، وطرد المرتضى وابن
الجنيد الحكم في مشاهد الأئمة ع. ولو دخل عليه الوقت حاضرا أو أدركه بعد
سفره أتم على الأقوى، ويستحب جبر كل مقصورة بالتسبيحات الأربع ثلاثين مرة.
الفصل الحادي عشر: في الجماعة:
وهي مستحبة في الفريضة متأكدة في اليومية واجبة في الجمعة والعيدين بدعة في
النافلة إلا في الاستسقاء والعيدين المندوبة والغدير والإعادة ويدركها بإدراك الركوع،
ويشترط بلوع الإمام وعقله وعدالته وذكوريته، وتؤم المرأة مثلها لا ذكرا ولا خنثى ولا
تؤم الخنثى غير المرأة، ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم إلا في المرأة خلف الرجل ولا
مع كون الإمام أعلى بالمعتد.
وتكره القراءة خلفه في الجهرية لا في السرية، ولو لم يسمع ولو همهمة في الجهرية قرأ
مستحبا، وتجب نية الائتمام بالمعين، ويقطع النافلة قيل: والفريضة، لو خاف الفوت
وإتمامها حسن، نعم يقطعها لإمام الأصل، ولو أدركه بعد الركوع سجد ثم استأنف النية
بخلاف إدراكه بعد السجود فإنها تجزئه ويدرك فضيلة الجماعة في الموضعين، وتجب
958

المتابعة فلو تقدم ناسيا تدارك وعامدا استمر.
ويستحب إسماع الإمام من خلفه ويكره العكس، وأن يأتم كل من الحاضر والمسافر
بصاحبه بل المساوي، وأن يؤم الأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته والأعرابي بالمهاجر
والمتيمم بالمطهر بالماء، وأن يستناب المسبوق، ولو تبين عدم الأهلية في الأثناء انفرد وبعد
الفراع لا إعادة، ولو عرض للإمام مخرج استناب، ويكره الكلام بعد قد قامت الصلاة.
والمصلي خلف من لا يقتدى به يؤذن لنفسه ويقيم، فإن تعذر اقتصر على قد قامت
إلى آخر الإقامة، ولا يؤم القاعد القائم ولا الأمي القارئ ولا المؤوف اللسان
بالصحيح، ويقدم الأقرأ فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن فالأصبح، والراتب أولى من
الجميع وكذا صاحب المنزل والإمارة، ويكره إمامة الأبرص والأجذم والأعمى بغيرهم.
959