الكتاب: تقريرات الحج
المؤلف: تقرير بحث الگلپايگاني ، لمقدس
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤) / نسخة مخطوطة (حجرية)

المجلد الثاني
من كتاب الحج
من تقريرات بحث آية الله
الحاج السيد محمد رضا الموسوي
الگلپايگاني قدس سره
1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله عدد الحصى والثرى والنوى والصلاة والسلام
على سيد الورى ونبي الهدى - محمد المصطفى صلى
الله عليه وآله البررة أعلام الهدى سيما الخلف الصالح
الحجة المنتظر خاتم الأوصياء.
أما بعد فيقول العبد الذليل المفتاق إلى
عفو ربه الجليل محمد هادي المقدس النجفي ابن المرحوم
المغفور له الحاج الشيخ على المقدس الرشتي مولدا
النجفي مسكنا ومدفنا أعلى الله مقامه: هذا هو المجلد
الثاني من كتاب الحج من تقريرات بحث السيد الأستاذ
آية الله الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
رضوان الله تعالى عليه.
وهذا المجلد حاو على ما بقي من واجبات الحج
من الحلق أو التقصير والمبيت بمنى ورمي الجمرات
الثلاث وطواف الحج والسعي بين الصفا والمروة وطواف
النساء، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتمامه واكماله و
2

أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله ذخرا لي
بعد مماتي وذريعة لنجاتي بجاه محمد وأهل بيته
الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وكان تاريخ الشروع: الثامن من جمادى الثانية
من سنة ألف وأربعمأة وخمس عشر من الهجرة النبوية
الموافقة ل‍ 21 / 8 / 1373 من السنة الشمسية
المؤلف محمد هادي المقدس النجفي
فلنشرع بعون الله وحسن توفيقه في أصل الكتاب
(السادس من واجبات الحج:)
بمنى الحلق أو التقصير، ويجب الحلق أو التقصير
بعد الذبح أو النحر بمنى، ووجوب أحدهما في الجملة
إجماعي إلا ما يحكى عن النهاية من أن الحلق أو التقصير
أي أحدهما مندوب غير واجب، وما عن مجمع البيان
من القول بأنه مندوب.
وكيف كان فهذا القول ضعيف مخالف للتأسي وللأخبار
3

الصحيحة أو المعتبرة:
منها رواية سالم أبي الفضل قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: دخلنا بعمرة نقصر أو نحلق؟ فقال: احلق
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ترحم على المحلقين
ثلاث مرات وعلى المقصرين مرة واحدة (1).
وكذا الروايات الآتية التي تدل على وجوب الحلق
على ثلاثة نفر.
ثم إنه هل يجب الحلق على الصرورة وهو الذي لم
يحج قبل ذلك أصلا وهذه هي حجته الأولى؟ ربما يقال:
إنه مخير بين الحلق والتقصير استنادا إلى بعض الروايات
منها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: من
لبد شعره أو عقصه فليس عليه أن يقصر وعليه الحلق، و
من لم يلبد تخير إن شاء قصر وإن شاء حلق والحلق أفضل (2)
فقوله عليه السلام: ومن لم يلبد تخير، يشمل باطلاقه
للصرورة، وكذا اطلاق قوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام
إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين (3)) فإن اطلاق التخيير

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 13 - 15
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 13 - 15
(3) سورة الفتح الآية 27
4

فيه شامل للصرورة.
وكذا حسنة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية: اللهم
اغفر للمحلقين مرتين، قيل: وللمقصرين يا رسول الله
قال: وللمقصرين (1) فإنه يستفاد منها التخيير.
وكذا صحيحة معاوية بن عمار أو حسنة عنه عليه السلام
قال: ينبغي للصرورة أن يحلق، وإن كان قد حج فإن شاء
قصر وإن شاء حلق، فإذا لبد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق
وليس له التقصير (2).
فإن كلمة (ينبغي) ظاهرة في التخيير، هذا، ولكن
هذا الاطلاق - لو كان - قابل للتقييد ويكفي لتقييد هذا
هذا الاطلاق الروايات المستفيضة، منها رواية أبي بصير
عنه عليه السلام قال: على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر
إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام (3)، ومنها رواية بكر بن خالد
عنه عليه السلام قال: ليس للصرورة أن يقصر، وعليه أن يخلق (4)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 6 - 1 - 5 - 10
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 6 - 1 - 5 - 10
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 6 - 1 - 5 - 10
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 6 - 1 - 5 - 10
5

ومنها رواية أبي سعيد عنه عليه السلام قال: يجب الحلق على
ثلاثة نفر: رجل لبد ورجل بدأ ولم يحج قبلها ورجل عقص
رأسه (1).
ومنها رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا قال: سألته عن رجل برأسه قروع لا يقدر على الحلق،
قال: إن كان قد حج قبلها فليجز شعره، وإن كان لم يحج
فلا بد له من الحلق (2).
انظر إلى هذه الرواية فإنه عليه السلام حكم فيها بوجوب الحلق
على الصرورة ولو كان حرجيا فلذا ذكر بعض العلماء بأن
هذه الرواية مخصصة لأدلة نفي الحرج
وأما صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإن كلمة
(ينبغي) لا ظهور لها في الاستحباب، وعلى فرض الظهور
فإن هذه الروايات نص في وجوب الحلق مضافا إلى
أن ما بعد كلمة ينبغي في نفس هذه الرواية ظاهر في وجوب
الحلق على الصرورة فإنه (عليه السلام) علق المشية بين الحلق والتقصير
على ما إذا كان قد حج، قال: وإن كان قد حج فإن شاء
قصر وإن شاء حلق (3) الحديث.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 3 - 4 - 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 3 - 4 - 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 3 - 4 - 1
6

ومنها رواية سليمان بن مهران قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام - في حديث -: كيف صار الحلق على الصرورة
واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك وسما بسمة
الأدميين. ألا تسمع قول الله عز وجل: لتدخلن المسجد الحرام
إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) (1)
والتعليل وإن كان في هذه الرواية مفيدا لاستحباب الحلق
إلا أن تقريره عليه السلام لقول القائل: كيف صار الحلق على الصرورة
واجبا) وعدم ردعه - مفيد للوجوب.
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال:
على المصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر إنما التقصير
لمن قد حج حجة الاسلام (2)
والمحصل من مجموع هذه الروايات أنه يجب الحلق
على ثلاثة نفر: الأول الصرورة، الثاني الملبد شعره
بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يترسخ، الثالث من عقص

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 14 - 5
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 14 - 5
7

شعر رأسه أي شده بكيفية مخصوصة فإنه يجب عليه الحلق
أيضا.
وأما الجواب عن الآية الكريمة فبأن يقال: إنها ليست
في مقام بيان التفصيل بل هي في مقام الاجمال بأن يكون
مراده تعالى أنه يجب على بعض الحلق وعلى بعض آخر
التقصير من دون بيان أن الحلق على من يجب والتقصير
على من يجب؟ وقد ظهر من الروايات المتقدمة أن الحلق
يجب على ثلاثة نفر، وأما غيرهم فهو مخير بين الحلق والتقصير
هذا كله بالنسبة إلى الرجال.
وأما النساء فليس عليهن إلا التقصير ومستنده روايات كثيرة.
منها قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ليس
على النساء جمعة إلى أن قال: ولا استلام الحجر ولا الحلق (1).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس
على النساء حلق ويجزيهن التقصير (2).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام قال:
- في حديث: وتقصر المرأة ويحلق الرجل وانشاء قصر
إن كان قد حج قبل ذلك (3).

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 3 - 2
8

ومنها صحيحة سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام في حديث عن النساء فقال: إن لم يكن عليهن
ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن (1).
وظاهر هذه الرواية أنه يجب عليهن كلا الأمرين
أي الأخذ من الشعر وقص الأظفار، إلا أنه لا بد من حملها
على التخيير لدلالة سائر الأخبار على كفاية الأخذ من الشعور.
ثم إنه هل تكون هي مخيرة بين الحلق والتقصير كالرجل
أو لا يجزي منها إلا التقصير؟ الظاهر هو الثاني لأنه يستفاد
من الأخبار المتقدمة أن وظيفتها التقصير ولم يكن الحلق من
وظيفتها، وعلى فرض عدم دلالة الأخبار على وجوب خصوص
التقصير عليها فليس لنا دليل على كفاية الحلق عنها، وعدم وجدان
الدليل كاف في عدم مشروعية العبادة مضافا إلى دعوى
الاجماع - كما عن الجواهر - على عدم الكفاية، ويؤيده ما رواه
العامة - كما عن كنز العمال عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
9

أن تحلق المرأة رأسها (1)
وهذا النهي إما مطلق شامل لحال الحج وغيره أو
هو مختص بأفعال الحج، وعلى التقديرين يشمل ما نحن فيه
وعلى أي حال فعدم وجود الدليل ودعوى الاجماع
كافيان لعدم جواز الحلق على النساء.
ثم إنه هل يكفي المسمى بالتقصير أو لا بد من مقدار
خاص كمقدار الأنملة كما دلت عليه مرسلة ابن أبي عمير قال:
تقصر المرأة لعمرتها بمقدار الأنملة (2)؟ ولذا قال في الشرائع:
ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة انتهى.
إلا أنه يمكن تنزيل المرسلة على مقدار المسمى، نعم في
كفاية التقصير بشعرة أو شعرتين نظر للشك في اطلاق
التقصير على هذا المقدار، ويكفي التقصير بأي آلة كان و
لو بالأسنان كما في حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام
أنه قال له: إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و
لم أقصر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لما أردت
ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها

(1) كنز العمال ج 3 صلى الله عليه وآله وسلم 58 على ما حكي عنه
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 3
10

قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال رحمها الله، كانت
أفقه منك، عليك بدنة وليس عليها شئ (1).
(مسألة:)
يجب تقديم الحلق أو التقصير على الطواف والسعي
فلو قدمهما عليه فإن كان عالما بأنه واجب التقديم على الطواف
والسعي وجب عليه دم شاة.
لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل زار
البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان ذار البيت قبل أن
يحلق رأسه وهو عالم بأن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم
شاة (2).
والرواية وإن كانت في خصوص تقديم زيارة البيت
على الحلق من دون تعرض لتقديم السعي إلا أنه حيث إن
السعي ملازم للطواف عادة - يمكن الحاق السعي بالطواف

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1.
11

وإن كان الالحاق لا يخلو من نظر.
ولكن هذه الرواية غير متعرضة لوجوب إعادة الطواف
بعد الحلق، فلذا حكم في الشرائع بوجوب دم شاة عليه
من دون تعرض للإعادة، وحكم في صورة النسيان
بوجوب الإعادة،
إلا أن الحكم بوجوب الإعادة في صورة النسيان
دون العمد يلزم منه أن يكون الناسي أسوء حالا من
العامد، إلا أن يقال: إن الفارق هو النص فإنا نذكر دلالة
النص - في صورة النسيان - على وجوب الإعادة كما
سيجيئ، مع أن الرواية المتقدمة أثبتت وجوب الشاة
على العامد بخلاف الناسي فإنه ليس عليه شئ
سوى الإعادة.
لكن - مع ذلك كله - الأحوط بل الأقوى وجوب
الإعادة على العامد أيضا وفاقا للأكثر لما سيجيئ في
الناسي من أن صحيحة علي بن يقطين الآتية - باطلاقها
تشمل العامد أيضا، ووجوب الشاة عليه إنما هو كفارة
لتقديم ما حقه التأخير، نظير وجوب سجدتي السهو
12

في الصلاة في ما إذا سلم سهوا في غير موضعه، فكما أن
سجدتي السهو كفارة لما صدر منه في غير موضعه من دون
اسقاط السجدتين لوجوب التسليم عليه ثانيا فكذا فيما نحن
فيه إلا أن ذلك في صورة السهو، وما نحن فيه مختص بصورة
العمد، هذا كله في صورة التقديم العمدي.
وأما إذا قدم طواف البيت على الحلق أو التقصير
نسيانا أو جهلا فليس عليه شئ سوى الإعادة.
لصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت
فطافت وسعت من الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا
فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصر ويطوف بالحج ثم يطوف
للزيارة، ثم قد أحل من كل شئ (1).
وهذه الرواية وإن لم يذكر فيها صورة النسيان إلا أن
المتبادر منها هو صورة النسيان، نعم تعارض هذه الصحيحة
صحيحة جميل بن دراج أو حسنة قال: سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
13

عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال: لا ينبغي
إلا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله
عليه وآله أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول الله
إني حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل
أن أدمى، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا
قدموه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حرج (1).
فإنه يظهر منها أنه إذا كان ناسيا لا شئ عليه بناءا على
أن المراد من قوله صلى الله عليه وآله: لا حرج أنه لا شئ عليه
أي ليس عليه الإعادة ولا عليه الدم ولا غير ذلك.
إلا أنه يمكن دفع المعارضة بحمل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا حرج)
على معنى أنه أي تقديم ما حقه التأخير لا يضر بصحة
الحج أو ليس عليه الكفارة في صورة النسيان، وإن كان
هذا الحمل بعيدا من اطلاق الرواية حيث إن ظاهرها
خصوصا مع كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام البيان - نفي جميع أقسام
الحرج عليه من الإعادة وغيرها.
لكن لا محيص لنا من هذا الحمل فإنه لم يعمل باطلاق
صحيحة جميل بالنسبة إلى نفي الإعادة إلا قليل من العلماء

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4
14

بل ادعى في الجواهر نفي الخلاف بالنسبة إلى وجوب
الإعادة (أي إعادة الطواف لو قدمه على الحلق أو التقصير)
فقوله صلى الله عليه وآله (لا حرج) نظير قوله عليه السلام:
في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة (لا بأس) في أن
كليهما يكون المراد عدم بطلان الحج بالتقديم السهوي، فلا
ينافيه وجوب إعادة الطواف.
بل يمكن دعوى اطلاق صحيحة ابن يقطين بالنسبة
إلى العمد، ويؤيده ما في صدر صحيحة جميل من قوله عليه السلام:
(لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا) فإن كلمة (لا ينبغي) في هذه
الموارد مفيدة للحرمة خصوصا بضميمة اثبات الدم عليه إذا
قدم الطواف على الحلق عمدا في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
فما عن الرياض من أن لفظ (لا ينبغي) ولا حرج لا يثبت
الحرمة أو الوجوب (أي وجوب الإعادة) حيث إن ظاهرهما
الكراهة أو الاستحباب، فلا بد من حمل قوله (عليه السلام) (وعليه دم شاة)
على الاستحباب، يرده أن لفظ لا ينبغي كثيرا ما يستعمل في
الأخبار في الحرمة أيضا، وليس ظاهرا في أحد المعنيين
15

إلا بالقرينة، واثبات الدم عليه يفيد أن لفظ (لا ينبغي)
استعمل في الحرمة، وحمل الدم على الاستحباب غريب
جدا.
وكيف كان فقوله (لا ينبغي) إذا كان مفيدا للحرمة
فما أتى به من الطواف يصير منهيا عنه، والنهي في العبادة
موجب لفسادها، فلا بد من إعادة الطواف فالأحوط
بل لا يخلو من قوة إعادة الطواف في التقديم العمدي
هذا كله في العامد والناسي.
وأما الجاهل إذا قدم الطواف على الحلق فهل يلحق
بالعامد حتى يجب عليه الدم مع إعادة الطواف أو
يلحق بالناسي حتى يجب عليه إعادة الطواف فقط؟
لا يبعد الثاني فإن قوله عليه السلام - في صحيحة محمد بن مسلم:
(وهو عالم أن ذلك لا ينبغي) منصرف عن الجاهل
لأنه لا يطلق عليه العالم.
وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله في صحيحة جميل
المتقدمة في من قدم ما حقه التأخير: بأنه لا حرج) يشمل
الجاهل إذ من المعلوم أنه ليس كل من قدم ما حقه التأخير
16

إنما قدمه نسيانا، فيمكن أن يكون تقديمه ذلك لأجل
الجهل بما هو المقدم أو المؤخر.
(مسألة:)
يجب الحلق أو التقصير بمنى، فمن ترك أحدهما
ناسيا بها رجع وحلق أو قصر بها، قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، بل في المدارك (هذا الحكم
مقطوع به بين الأصحاب انتهى.
ومستنده صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل
من منى قال: يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقا أو
تقصيرا (1).
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال:
فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر (2).
نعم تنافي الروايتين رواية مسمع قال: سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 4
17

عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر
قال: يحلق في الطريق وأين كان (1).
ويمكن رفع التنافي بحمل هذه الرواية على صورة العجز
عن العود مضافا إلى ضعف سندها واعراض الأصحاب
عنها فلا تكافئ الروايتين المتقدمتين اللتين أفتى الأصحاب
بمضمونهما.
ولكن في رواية أبي بصير عنه عليه السلام في رجل زار
البيت ولم يحلق رأسه، قال: يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى،
وليس عليه شئ (2) - ما يستفاد منها أنه إذا زار البيت و
قدم زيارة البيت على الحلق لم يجب العود إلى منى بل يحلق
بمكة ويحمل شعره إلى منى.
إلا أن اطلاق كلام الأصحاب يأبى ذلك مضافا إلى أن
الرواية أيضا ضعيفة السند، نعم إذا لم يتمكن من الرجوع إلى منى
حلق أو قصر مكانه وجوبا وبعث شعره إليها ليدفن بها ندبا
وقد عرفت حمل خبر مسمع على ذلك بل يمكن حمل رواية
أبي بصير المتقدمة على ذلك أيضا أي على عدم امكان

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7
18

العود، ومستند الحمل والدفن بمنى رواية أخرى لأبي بصير
عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينسى أن يحلق
رأسه حتى ارتحل من منى، فقال: ما يعجبني أن يلقي شعره
إلا بمنى، ولم يجعل عليه شيئا (1).
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: كان علي بن
الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، ويقول:
كانوا يستحبون ذلك، قال: وكان أبو عبد الله عليه السلام
يكره أن يخرج الشعر من منى، ويقول: من أخرجه فعليه أن
يرده (2).
ولسان هاتين الروايتين هو الاستحباب فإن قوله: ما
يعجبني أو قوله (عليه السلام): كانوا يستحبون ظاهر في الاستحباب
والظاهر أن ضمير الجمع في قوله (عليه السلام) (كانوا يستحبون ذلك)
هم آبائه عليهم السلام لا سائر المسلمين بقرينة أنه (عليه السلام) كان يدفن
شعره في فسطاطه دون سائر الناس، فيعلم أنه تأسى

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 6 - 5
19

بآبائه عليهم السلام مضافا إلى أن قوله عليه السلام (ما يعجبني أن يلقي
شعره إلا بمنى) يمكن أن يكون كناية عن الحلق بمنى فيصير
مطابقا للروايات الدالة على وجوب الحلق بمنى لا وجوب حمل
الشعر إلى منى والله العالم
ولكن هاتين الروايتين وإن لم تكونا دالتين على وجوب
دفن الشعر بمنى، وكذا رواية أبي البختري عن جعفر عن
أبيه أن الحسن والحسين عليهم السلام كانا يأمران أن تدفن
شعورهما بمنى (1) - إلا أن ظاهر رواية أبي بصير وجوب
الحمل - إذا حلق بمكة - إلى منى.
كرواية أبي بصير أيضا عن الصادق عليه السلام في رجل زار
البيت ولم يحلق رأسه قال: يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى
وليس عليه شئ (2).
وكذا صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: الرجل يوصي أن يذبح عنه ويلقي هو
شعره بمكة، فقال: ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى (3).
وكذا رواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام

(1) الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 7 - 4
(2) الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 7 - 4
(3) الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 7 - 4
20

أنه قال في حديث: وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى (1).
إلى غير ذلك من الأخبار، فالأحوط هو الحمل إلى منى لو
حلق بمكة كما هو خيرة الفاضل في محكى المختلف، نعم إذا
لم يتمكن من بعثه إلى منى سقط الوجوب.
(مسألة:)
من لم يكن على رأسه شعر يكفيه امرار الموسى على رأسه
ولا يتعين عليه التقصير، وكذا من حلق في احرام العمرة
وكذا الأقرع لصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم
يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين
يريد أن يحلق (2).
ورواية عمار الساباطي عنه عليه السلام قال: سألته عن
رجل حلق قبل أن يذبح، قال: يذبح ويعيد الموسى لأن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
21

الله تعالى يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي
محله (1).
ورواية زرارة قال: إن رجلا من أهل خراسان قدم
حاجا وكان أقرع الرأس وكان لا يحسن أن يلبي فاستفتى
له أبا عبد الله عليه السلام، فأمر له أن يلبى عنه وأن يمر الموسى
على رأسه (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.
(مسألة:)
ترتيب مناسك منى - وهي الرمي والذبح والحلق
أو التقصير - واجب كما عن القواعد والنافع والنهاية
والمبسوط وظاهر المقنع في الأخيرين بل نسبه غير واحد
إلى أكثر المتأخرين قاله في الشرائع والجواهر.
والدليل على الوجوب - بعد دعوى الشهرة أولا
قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله)
والظاهر أن المراد ببلوغ الهدي محله ذبحه في محله
كما ذكره غير واحد من المفسرين فحينئذ نهى الله تعالى
من الحلق قبل الذبح مفيد لوجوب الذبح قبل الحلق
لأن النهي مفيد للحرمة وفساد المنهى عنه، ولكن الأخبار

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق الحديث 2 - 3
22

قد دلت على صحته إذا قدمه على الذبح، وثانيا الأخبار
للمستفيضة:
فمنها صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن الصادق
عليه السلام قال: إذا رميت الجمرة فاشتر هديك (1) (أي
إذا رميت فاشتر هديك واذبحه).
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: إذا ذبحت
أضحيتك فاحلق رأسك (2).
ومنها رواية جميل عنه عليه السلام قال: تبدأ بمنى بالذبح
قبل الحلق (3) الحديث.
ومنها صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: سمعته يقول:
لا بأس أن تقدم النساء إذا زال الليل فتفيض عند المشعر
ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى، فيرمين الجمرة ثم يصبرن
ساعة، ليقصرن ولينطلقن إلى مكة إلا إن يكن يردن أن
يذبح عنهن فإنهن يوكلن من يذبح عنهن (4).

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7
23

ومنها صحيحة سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل؟
قال: نعم إلى أن قال: أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى
فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من
شعورهن وليقصرن من أظفارهن (1).
ومنها رواية موسى بن القاسم عن علي عليه السلام قال:
لا يحلق رأسه حتى يضحي فيحلق رأسه ويزور متى شاء (2)
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي
قال: لا بأس وليس عليه شئ ولا يعودن (3).
بناءا على أن المراد من قوله (ولا يعودن) الحرمة من
النهي عن العود، فيفيد وجوب الترتيب، نعم إذا أخل
بالترتيب لا يضره ذلك بمعنى عدم بطلان ما أتى به
على خلاف الترتيب، هذا
ولكن تعارض هذه الروايات أخبار كثيرة أخرى:
منها صحيحة جميل بن دراج المتقدمة قال: سألت

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10
24

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق
قال: لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول
الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم:
يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح. وقال بعضهم: خلقت
قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا
قدموه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا حرج (1).
حيث يستفاد من الرواية عدم وجوب تقديم ما حقه
التقدم بل هو مستحب لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفى البأس والحرج عن تقديم
ما حقه التأخير.
ومنها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قلت لأبي
جعفر الثاني عليه السلام: إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم
النحر وحلق قبل أن يذبح، قال: إن رسول الله صلى الله عليه
لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين فقالوا: يا رسول
الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق
شئ مما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شئ مما

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4
25

ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شئ مما ينبغي
لهم أن يؤخروه إلا قدموه، فقال: لا حرج (1).
ومنها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى
بمكة ثم نحوها قال: لا بأس قد أجزأ عنه (2) إلى غير
ذلك من الأخبار.
إلا أن هذه الروايات وغيرها لا تدل على أكثر من
الاجزاء لو قدم ما حقه التأخير وأخر ما حقه التقديم،
نسيانا أو جهلا، ولا تدل على عدم وجوب الترتيب
فهذه الروايات موردها النسيان أو الجهل فلا تشمل
صورة العلم بوجوب الترتيب فالأحوط في صورة للعلم
هو الإعادة، ويؤيده رواية عمار بن موسى الساباطي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلق قبل أن يذبح
قال: يذبح ويعيد الموسى لأن الله تعالى يقول:
لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (3).

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
26

وهذه الرواية من الروايات الدالة على وجوب الترتيب
وظاهرها هو صورة الجهل أو النسيان، ولكن لا بد من حملها
على استحباب الإعادة جمعا بينها وبين الروايات المتقدمة
(مسائل: الأولى:)
قال في الشرائع: مواطن التحلل ثلاثة. الأول عقيب
الحلق أو التقصير: يحل من كل شئ إلا الطيب والنساء.
الثاني إذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب.
الثالث: إذا طاف طواف النساء حل له النساء انتهى
أما مستند المحلل الأول - فبعد دعوى الشهرة - الروايات
المستفيضة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه
إلا النساء والطيب (1) الحديث، وسيأتي باقي الحديث في المحلل 3
ومنها صحيحة العلاء قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلى رأسي بالحناء؟

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير للحديث 1
27

قال: نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب، قلت:
وألبس القميص وأتقنع؟ قال: نعم، قلت: قبل أن أطوف
بالبيت؟ قال: نعم (1).
ومنها صحيحته الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: تمتعت يوم ذبحت وحلقت فألطخ رأسي
بالحناء؟ قال: نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب
قلت: فألبس القميص؟ قال: نعم إذا شئت، قلت:
فأغطي رأسي؟ قال: نعم (2).
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: اعلم أنك
إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شئ إلا النساء والطيب (3)
ومنها رواية جميل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه؟ قال: كل شئ إلا النساء
والطيب، قلت: فالمفرد؟ قال: كل شئ إلا النساء، ثم قال:
وإن عمر يقول: الطيب، ولا ترى ذلك شيئا (4).
ومنها رواية محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شئ إلا النساء

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث الحديث 5 - 3 - 4 - 7
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث الحديث 5 - 3 - 4 - 7
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث الحديث 5 - 3 - 4 - 7
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث الحديث 5 - 3 - 4 - 7
28

وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شئ إلا النساء
والطيب (1) - أي بعد ما حلق كما دلت عليه الروايات
المتقدمة، وهاتان الروايتان قد فصلتا بين المتمتع وغيره
فحكمتا بأنه يحل بالحلق للمتمتع كل شئ غير الطيب و
النساء، وفي المفرد وكذا القارن يحل له بالحلق كل شئ
إلا النساء.
إلا أنه تنافي هذه الأخبار روايات كثيرة دالة على
أنه يحل له كل شئ إذا حلق إلا النساء:
كصحيحة سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام: إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطلبه بالحناء؟ قال:
نعم الحناء والثياب والطيب وكل شئ إلا النساء (2) الحديث
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: سئل ابن عباس
هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتطيب قبل أن يزدر
البيت؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يضمد

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7
29

رأسه بالمسك قبل أن يزور البيت (1).
ورواية أبي أيوب الخزاز قال: رأيت أبا الحسن
عليه السلام وبعد ما ذبح وحلق، ثم ضمد رأسه بمسك ثم زار
البيت وعليه قميص، وكان متقنعا (متمتعا خ ل) (2).
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج أو صحيحته قال: ولد
لأبي الحسن عليه السلام مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر
بخبيص فيه زعفران وكنا قد حلقنا، قال عبد الرحمن:
فأكلت أنا وأبي الكاهلي ومرازم أن يأكلا منه وقالا:
لم تزر البيت، فسمع أبو الحسن (عليه السلام) كلامنا فقال لمصادف
وكان هو الرسول الذي جاء نابه -: في أي شئ كانوا
يتكلمون؟ فقال: أكل عبد الرحمن وأبى الآخران، فقالا:
لم نزر البيت، فقال (عليه السلام) أصاب عبد الرحمن، ثم قال:
أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و
أبي عبد الله أخي أن يأكل، فلما جاء أبي حوشه على
فقال: يا أبه إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران، فقال أبي:
هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم؟ (3).

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 10
30

ورواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه
السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ قال: كل شئ
إلا النساء (1)، هذا.
إلا أنه يمكن دفع التنافي بين هذه الأخبار والأخبار
المتقدمة بحمل ما عدا صحيحة سعيد بن يسار ورواية إسحاق
بن عمار التي أوردناها أخيرا على ما عدا المتمتع.
وأما صحيحة معاوية بن عمار فإن من المعلوم أن رسول
الله صلى الله عليه وآله لم يكن متمتعا بل كان قارنا.
وأما رواية أبي أيوب فإن في نسخة منها قوله (وكان
مقنعا) بدل قوله (وكان متمتعا)
وأما رواية عبد الرحمن فلا تأبى من حملها على المفرد أو
القارن، ولعل إباء مرازم والكاهلي من الأكل من الخبيص الذي فيه
الزعفران الدال على حرمة الطيب على الحرم قبل زيارة البيت
- كان لأجل التوهم أن حج القران أو الافراد كحج التمتع في

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8.
31

أنه لا يحل له الطيب إلا بزيارة البيت.
لكن الانصاف أن قوله عليه السلام: أليس قد حلقتم
رؤوسكم، لا يخلو من ظهور أن الحلق مطلقا سبب
لحلية الطيب ولو كان الحج حج القران أو الافراد وإلا لكان
الأنسب التعليل بأن حجكما ليس كحج التمتع لا التعليل
بحلق الرأس.
إلا أن الذي يسهل الخطب أن الرواية وغيرها
معرض عنها فلا بد من حملها على بعض المحامل وإن
كان خلاف الظاهر.
وأما صحيحة سعيد بن يسار فالذي نقل عن الشيخ
قده أنه نقله بغير قوله: قبل أن يزور، فيمكن حملها على ما
إذا زار البيت وإن كان الحمل خلاف الظاهر.
وكيف كان فصحيحة سعيد بن يسار ورواية إسحاق بن
عمار على فرض ظهورهما في تحقق التحلل من الطيب بالحلق
إلا أنهما لمخالفتهما لسائر الأخبار المعتبرة الموثوق بها المعمول
بها عند الأصحاب لا يمكن الاعتماد عليهما فلا بد من حملهما
على بعض المحامل، وأما الدليل على حصول التحلل
32

الثاني - أعني التحلل من الطيب - بزيارة البيت والسعي
بين الصفا والمروة - فمع دعوى اللاخلاف عليه كما في الجواهر
- فهو روايات معتبرة.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام و
قال: إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم
منه إلا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى
بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا
النساء (1) الحديث.
ومنها رواية منصور بن حازم أو صحيحته قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل رمى وحلق
أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: لا، حتى يطوف بالبيت
وبين الصفا والمروة، ثم قد حل له كل شئ إلا النساء (2) الخبر
ومنها ما كتبه عليه السلام إلى المفضل بن عمر، قال: فإذا
أردت المتعة في الحج (إلى أن قال:) ثم أحرمت بين الركن
والمقام للحج فلا تزال محرما حتى تقف المواقف ثم ترمي و

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
33

تذبح وتغتسل ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك
فقد أحللت (1).
بناء على استثناء طواف النساء منه بقرينة الروايتين
المتقدمتين، ويحتمل أن يريد بزيارة البيت طواف الزيارة
وطواف النساء كليهما أو خصوص طواف النساء، فتصير
الرواية دليلا على المحلل الثالث والله العالم.
والظاهر دخول صلاة الطواف في الطواف
لانسباق الطواف في الذهن إلى الطواف الكامل
الشامل للصلاة أيضا مضافا إلى إناطة التحلل من الطيب
بالاتيان بالسعي بين الصفا والمروة في الصحيحتين المتقدمتين
ومن المعلوم وقوع السعي بعد صلاة الطواف.
فما عن كشف اللثام من أنه لا يتوقف التحلل على صلاة
الطواف استنادا إلى اطلاق النص والفتوى لا يخفى
ما فيه، مع أن صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قد صرحت بالصلاة فيه فإنه قال في حديث طويل نذكر
ذيله إن شاء الله في المحلل الثالث: ثم طف بالبيت سبعة
أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صل

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 29
34

عند مقام إبراهيم ركعتين تقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل
يا أيها الكافرون (1) الحديث، ولم يتعرض الأستاذ لهذه
الرواية.
ثم إن الظاهر أن هذا الحكم أي التحلل من جميع محرمات
الاحرام سوى النساء بطواف الزيارة إنما هو في ما إذا
جاء به على النحو المتعارف بأن أتى به بعد جميع الواجبات
المتقدمة عليه شرعا.
وأما إذا أتى به قبل الموقفين مثلا لأجل الضرورة كالحيض
والمرض والصد والحصر فلا يحصل به التحلل لانصراف الطواف
في الروايات المتقدمة إلى الطواف المتعارف، وهو ما إذا أتى
به بعد الاتيان بسائر المناسك، فما عن بعض من حصول التحليل
به إذا قدمه على سائر المناسك اضطرارا لا يخفى ضعفه، مضافا
إلى دلالة بعض الأخبار على ما قلناه كالروايات الآمرة
بأنه يلبي بعد الطواف أي إذا قدمه اضطرارا على سائر
المناسك لأن لا يحل، فيعلم منها أنه لم يصر محلا بهذا الطواف

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
35

الذي قدمه على سائر المناسك اضطرارا، هذا كله بالنسبة
إلى الطواف.
وهل يعتبر في حصول التحلل السعي بين الصفا والمروة
أو يكفي الطواف فقط؟ الظاهر هو الأول فإنه مضافا إلى
التبادر من لفظ الطواف ذلك، فإن الطواف والسعي
كالمتلازمين، فإذا ذكر أحدهما يتبادر منه الآخر - دلت عليه
الروايات المتقدمة كصحيحتي معاوية بن عمار (1) ومنصور بن
حازم (2) المتقدمتين المشتملتين على السعي بين الصفا والمروة
فما في مكاتبة الصادق عليه السلام إلى المفضل بن عمر
من عدم ذكر السعي لا بد من حملها على ما دلت عليه الروايتان
المتقدمتان.
وأما الدليل على المحلل الثالث - أعني طواف النساء -
فمع دعوى الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر فهو صحيح معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث طويل:
ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم
دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 12
36

سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا طفت
ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه إلا النساء
ثم ارجع إلى البيت وطف به أسبوعا، ثم تصلي ركعتين
عند مقام إبراهيم، ثم قد أحللت من كل شئ وفرغت
من حجك كله وكل شئ أحرمت منه (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام التي مر صدرها في
التحلل الثاني قال: وإذا طاف طواف النساء فقد أحل
من كل شئ أحرم منه إلا الصيد (2).
والظاهر أن المراد من الصيد الصيد الحرمي لا
الاحرامي، فإن الصيد الحرمي يحرم على المحرم وعلى المحل
أيضا بخلاف الصيد الاحرامي فإنه يصير له حلالا بالحلق
كما صرحت به الأخبار المتقدمة فإنها قد صرحت بأنه بالحلق
يحل له كل شئ إلا الطيب والنساء.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
37

وكذا تدل على حلية النساء بطواف النساء رواية منصور
بن حازم المتقدمة أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
سألته عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صخرة؟ قال:
لا، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم قد حل
له لكل شئ إلا النساء، حتى يطوف بالبيت طوافا آخر
ثم قد حل له النساء (1).
والظاهر اعتبار هذا الطواف للنساء ووجوبه
عليهن في حلية الرجال عليهن لتصريح غير واحد من المتأخرين
ومتأخريهم بذلك كما في الجواهر، ومستند هذا الحكم بعد
اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء - أو لا هو الاستصحاب
فإنه بمجرد الاحرام قد حرم عليهن الرجال، ونشك في حليتهم
عليهن بالاتيان بغير طواف النساء، فالأصل يقتضي بقاء
الحرمة.
وثانيا اطلاق آية (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج) والرفث هو الجماع بنص الأخبار الصحيحة والمعتبرة كما تقدمت
راجع المجلد الأول من كتابنا هذا في محرمات الاحرام.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 12
38

وثالثا الأخبار المعتبرة الدالة على ذلك:
منها الصحيح: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت
تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و
سعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية
اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة، ثم
خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت
طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم
خرجت، فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل
شئ يحل منه المحرم إلا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا
آخر حل لها فراش زوجها (1).
ومنها صحيح الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف
النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم (2).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1
39

قال: لولا ما من الله به على الناس من طواف الوداع
لرجعوا إلى منازلهم ولا ينبغي أن يمسوا نسائهم يعني
لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا
آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة وذلك على النساء
والرجال واجب (1).
بناءا على أن ذيل الرواية من كلام الإمام عليه السلام
لا من كلام الراوي، وكيف كان فما عن القواعد
والمختلف من التشكيك فيه لعدم الدليل - لا يخلو
من ضعف.
هذا كله بالنسبة إلى الرجال والنساء وأما الطفل
المميز فإن قلنا بمشروعية عباداته كما هو المختار يجب عليه
طواف النساء أيضا، والمراد بالوجوب هنا هو الوجوب
الوضعي بمعنى أنه لا تحل له النساء إذا بلغ الحلم إلا بالاتيان
بطواف النساء، وأما إذا قلنا بأن عباداته تمرينية
فلا يحرمن عليه لأن أصل احرامه لم يكن محرما لتروك
الاحرام لأنه لم يكن شرعيا بل تمرينيا، وأما الخنثى المشكل

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3
40

فإنه يجب عليه طواف النساء لأنه إما أن يكون رجلا أو
امرأة وقد عرفت وجوب طواف النساء على كليهما.
اللهم إلا أن يقال: إن طواف النساء ليس من مناسك
الحج، وإنما فائدته حلية النساء، والمفروض حرمة النساء و
الرجال على الخنثى المشكل، فلا يجب عليه طواف النساء.
ولكن المستفاد من الأخبار أنه من مناسك الحج، وإن ترتب
عليه حلية النساء، نظير السلام في الصلاة فإنه من واجباتها
ومع ذلك فهو محلل لمنافيات الصلاة.
وكذا يجب طواف النساء على الخصيان والمراد بهم من
هو مرضوض الخصيتين أو منسلهما، ويشمل الحكم للمجبوب
أي مقطوع الذكر لما سمعته من صحيحة الحسين بن علي بن
يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان و
المرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف
كلهم (1)، فيستفاد من الصحيحة أن طواف النساء ليس مختصا
بمن له شهوة النساء بل يجب على الجميع من الشيخ والشيخة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1
41

والخصي والمجبوب وغيرهم.
(مسألة:)
قال في الشرائع: إذا قضى مناسكه يوم النحر فالأفضل
المضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه، فإن أخره فمن
غده، ويتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخر أثم إنتهى.
أما استحباب اتيان مكة للطواف والسعي في
يوم العيد فلدلالة موثقة إسحاق قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث؟ قال:
تعجيلها أحب إلى، وليس به بأس إن أخره (1).
وكذا صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: سألته
عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد (2) الخبر
ورواية عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال: لا بأس
أن يؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنما يستحب
تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض (3).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر (4)، وهي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 10 - 8 - 9 - 5
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 10 - 8 - 9 - 5
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 10 - 8 - 9 - 5
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 10 - 8 - 9 - 5
42

محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين سائر الأخبار كما
يأتي ذكرها.
وأما جواز الاتيان من غد يوم النحر فلدلالة صحيح
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المتمتع
متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد (1) الخبر.
وصحيحه الآخر عنه عليه السلام في زيارة البيت يوم
النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من
الغد (2) الحديث
وصحيح الحلبي عنه عليه السلام قال: ينبغي للمتمتع أن يزور
البيت يوم النحر أو من ليلته ولا يؤخر ذلك (3).
ويستفاد من هذه الصحيحة جواز اتيانها في الليل
ولا يجب اتيانها بالنهار، وأما عدم جواز التأخير من غد
يوم النحر فيمكن أن يستدل له بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة
آنفا فإنه قال في ذيلها: ولا تؤخر أن تزور من يومك
فإنه يكره للتمتع أن يؤخر وموسع للمفرد أن يؤخره (4).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 1 - 7 - 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 1 - 7 - 1
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 1 - 7 - 1
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 1 - 7 - 1
43

وصحيحة معاوية التي تقدم صدرها آنفا فإنه قال -
بعد ما قال -: أنه يزور البيت يوم النحر ومن الغد، ولا يؤخر
والمفرد والقارن ليسا بسواء، موسع عليهما (1).
وصحيحة منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور
البيت (2).
وصحيحة الحلبي المتقدمة فإنه (عليه السلام) قال في آخرها:
ولا يؤخر ذلك اليوم (3).
ولكن يمكن حمل هذه الروايات على استحباب التعجيل
أو كراهة التأخير لدلالة الروايات المعتبرة على جواز التأخير صريحا
منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح قال: لا بأس،
أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، ولكن لا تقرب
النساء والطيب (4).
ومنها صحيحة هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: لا بأس
إن أخرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق
إلا أنك لا تقرب النساء والطيب (5).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 6 - 7 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 6 - 7 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 6 - 7 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 6 - 7 - 2 - 3
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت ح 8 - 6 - 7 - 2 - 3
44

ومنها رواية عبد الله سنان المتقدمة أو صحيحته عنه عليه السلام
قال: لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنما يستحب
تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض (1).
ومنها رواية الحلبي عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
أخر الزيارة إلى يوم النفر، قال: لا بأس، ولا تحل له النساء
حتى يزور البيت ويطوف طواف النساء (2).
فحينئذ الأقوى جواز تأخير الطواف إلى ما بعد أيام
التشريق، وهل يجوز اتيانه طول ذي الحجة؟ قيل: نعم، واستدل
لذلك بأمور.
الأول الأصل أي أصالة عدم المانع أو استصحاب
الجواز، وفيه أن الأصل حيث لا دليل، والروايات المتقدمة
قد دلت على أن وقت الزيارة من يوم النحر إلى انقضاء أيام
التشريق، الثاني قوله تعالى (الحج أشهر معلومات) وذو الحجة
جميعه منها فيجوز الاتيان بأفعال الحج في أي جزء منه إلا ما خرج
بالدليل كالوقوف بعرفات والمشعر والمبيت بمنى.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9 - 11
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9 - 11
45

وفيه أن التحديد في الروايات المتقدمة يصلح لأن
يكون مقيدا لاطلاق الآية المباركة.
الثالث اطلاق بعض الأخبار كصحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة البيت يوم النحر
قال: زره، فإن اشتغلت فلا يضرك أن تزور البيت
من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك فإنه يكره
للمتمتع أن يؤخر، وموسع للمفرد أن يؤخره (1) الخبر
وكذا اطلاق صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: ينبغي
للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته ولا يؤخر
ذلك اليوم (2).
فإن لفظ (يكره) في الرواية الأولى وكلمة (ينبغي)
في الرواية الثانية ظاهران في جواز التأخير ولفظ الكراهة
وينبغي فيهما لم يقيد إلى ما بعد أيام التشريق، فيمكن أن يكون
إلى آخر ذي الحجة.
ولكن يرد عليه أن لفظ الكراهة ليس ظاهرا في الكراهة
المصطلحة بين الفقهاء فإنه كما يستعمل فيها يستعمل في الحرمة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 1 - 7.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 1 - 7.
46

أيضا، وقد عرفت أن الأخبار المتقدمة قد دلت على
التحديد إلى ما بعد أيام التشريق أو ما بعد النفر، فليس
في الروايتين اطلاق، وعلى فرض الاطلاق، يقيد الاطلاق
بسائر الروايات.
ثم إنه يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة
جواز تأخير الطواف للمفرد والقارن بلا كراهة، وهو للمستفاد
من صحيحته الأخرى أيضا عنه عليه السلام قال: سألته عن المتمتع
متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، و
المفرد والقارن ليسا بسواء: موسع عليهما (1).
والظاهر أن مراده (عليه السلام) أن المفرد والقارن ليسا كالمتمتع
في استحباب تقديم الطواف يوم النحر أو كراهة التأخير
بل هو موسع عليهما.
(السابع من واجبات الحج:)
الطواف وفيه ثلاثة مقاصد الأول في المقدمات
وهي واجبة ومندوبة فالواجبة منها الطهارة كما في الشرائع

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 8
47

والمراد بالطهارة الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر
في الطواف الواجب بلا خلاف في اعتبارها فيه بل
الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر.
والدليل على اعتبارها - بعد دعوى الاجماع - روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا
الطواف بالبيت، والوضوء أفضل (1).
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر
وهو في الطواف، قال: يقطع طوافه، لا يعتد بشئ
مما طاف، قال: وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على
غير وضوء، فقال: يقطع طوافه ولا يعتد به (2).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السلام
عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر قال:
يتوضأ ويعيد طوافه، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين (3)
والروايتين الأوليان مطلقتان تشملان الفريضة و
النافلة ولذا قال أبو الصلاح الحلبي - على ما حكي عنه - باعتبار

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب طواف الحديث 1 - 4 - 3
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب طواف الحديث 1 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب طواف الحديث 1 - 4 - 3
48

الطهارة في النافلة أيضا استنادا إلى اطلاق الروايتين المتقدمتين
إلا أن الرواية الأخيرة ظاهرة في اعتبار الطهارة في
الفريضة دون النافلة، فلذا أمر بإعادة الركعتين أي ركعتي
الطواف بعد الوضوء دون نفس الطواف.
وكذا يدل على التفصيل بين الفريضة والنافلة روايات
منها صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام في الرجل طاف
تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء قال: يعيد الركعتين
ولا يعيد الطواف (1).
ومنها رواية عبيد بن زرارة عنه عليه السلام قال: لا بأس
أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء، ثم يتوضأ ويصلي
وإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل ومن
طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين
ولا يعيد الطواف (2).
قوله: (وإن طاف متعمدا على غير وضوء) الظاهر أن المراد
منه أيضا النافلة بقرينة عطفه بالفاء كما في الوسائل لا ما يشمل

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 2 - 7
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 2 - 7
49

الواجب، فحينئذ الطواف المستحب لا يجب فيه
الوضوء بل لا يشترط فيه الطهارة من الحدث الأكبر
وإن حرم على الجنب الدخول في المسجد الحرام.
لكن إذا أتى بالطواف وهو جنب ناسيا لجنابته
أو غافلا عنه صح طوافه، فعلى هذا يحمل ما حكى عن التهذيب
حيث قال: من طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فإن
كان طوافه طواف الفريضة فليعد، وإن كان طواف السنة
توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين وليس عليه إعادة الطواف
انتهى.
هذا كله في الطواف المندوب في نفسه.
وأما الطواف الذي يكون جزءا للعمرة المندوبة فلا بد
فيها من الطهارة لكونها تصير واجبة الاتمام بالشروع فيها
لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) (1)، فيصير طوافها
واجبا أيضا بالعرض.
وهل يكفي التيمم بدلا عن الغسل في جواز الدخول
في المسجد؟ فعن فخر المحققين عدم الجواز، ومقتضاه عدم
جواز الطواف به لأنه يصير منهيا عنه لأنه بعد ما قلنا

(1) سورة البقرة الآية 196
50

بحرمة الدخول في المسجد فالطواف أيضا يصير من الكون
المنهى عنه فيصير باطلا، إلا أن الأستاذ قدس سره قد
اختار هنا وفي باب التيمم استباحة التيمم لغير الغاية
التي تيمم لها من سائر الغايات، فحينئذ إذا تيمم لعذر
لأجل الطواف فإنه يستباح له الدخول في المسجد أيضا
كما إذا تيمم للصلاة فإنه يستباح له الدخول في المسجد وقراءة
سور العزائم ومس كتابة القرآن وغير ذلك.
نعم إذا كان التيمم الذي جيئ به لأجل ضيق
الوقت فإنه لا يستباح له إلا الغاية التي تيمم لأجلها
فحينئذ ما عليه المشهور من جواز الاتيان بالطواف بالتيمم
ما دام العذر باقيا فإنه أحد الطهورين كما أن غسل
المستحاضة أو أغسالها النهارية والليلية يجوز الطواف بها
لمرسل يونس عن الصادق عليه السلام قال: المستحاضة تطوف
بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة (1) الخ وغيره من النصوص
مع أن أغسالها اضطرارية - لا يخلو من وجه، نعم في

(1) الوسائل الباب 91 من أبواب الطواف الحديث 2
51

بعض النصوص (1) أن المبطون يطاف عنه، أي لا يجوز
أن يطوف بنفسه بل يجب عليه أن يأخذ من يطوف
عنه، ولكن الفارق بين المبطون وغيره من ذوي الأعذار
هو النص، حتى قيل: إن المسلوس أيضا كالمستحاضة
يجوز له الطواف مع الطهارة الاضطرارية، وإن كنا لا بد
لنا من مراجعة روايات المسلوس حتى نتبين هل فيها
اطلاق أم لا؟.
(الثاني من مقدمات الطواف:)
الواجبة التحصيل إزالة النجاسة عن الثوب والبدن
للنبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) العامي (الطواف بالبيت صلاة) (2).
ورواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه للدم وهو في الطواف
قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج
فيغسله، ثم يعود فيتم طوافه (2).
ومقتضى اطلاق الرواية عدم الفرق بين الجهل
والنسيان إن لم بظهور قوله (عليه السلام): ينظر الموضع الذي رأى

(1) سنن البيهقي ج 5 صلى الله عليه وآله وسلم 87 وكنز العمال ج 3 صلى الله عليه وآله وسلم 10 على ما حكي عنهما
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 2
52

فيه الدم، أنه لم يكن رآه قبل ذلك ثم رآه بعد ذلك
فلا يشمل النسيان، هذا - أي شمول المرسلة لحال
النسيان - إذا قلنا بأن مدرك الاشتراط هو خبر
يونس، وأما إذا قلنا: إن مدركه قوله (والطواف بالبيت
صلاة) فلا يشمل صورة النسيان لمانعية النجاسة للصلاة
في صورة النسيان.
وكذا إذا كان المدرك النبوي فإنه لا يشمل هذا
الحديث الدم القليل المعفو عنه في الصلاة لعموم المنزلة
بناءا على هذا الحديث بين الطواف والصلاة، وأما إذا قلنا
إن مدرك الاشتراط هو خبر يونس كما هو الظاهر لأن
النبوي غير قابل للاعتماد فلازمه عدم الفرق بين المعفو وغيره
في مانعيته الطواف لاطلاق الرواية، بل يمكن أن يقال:
بالمانعية وإن لم يكن في الرواية اطلاق بناءا على حرمة ادخال
النجاسة في المسجد مطلقا وإن لم تكن سرية لكن الالتزام
به مشكل، وكيف كان ففي اطلاق الرواية المنجبر ضعف
سندها بعمل الأصحاب غنى عن ذلك، إلا أنه يعارضها
53

مرسلة البزنطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:
رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله وطاف
في ثوبه، فقال: أجزأ الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في
ثوب طاهر (1).
فلذا حكم ابن حمزة بكراهة الطواف مع النجاسة
في ثوبه أو بدنه ومال إليه في المدرك على ما هو المحكى
عنهما استنادا إلى هذه الرواية وإلى الأصل أي أصالة الجواز
وتضعيفا للرواية النبوية ورواية يونس.
إلا أنه يرد عليهما أن رواية البزنطي لم يعمل الأصحاب
بمضمونها حتى ينجبر ضعفها والأصل منقطع بالدليل
ورواية يونس وإن كانت ضعيفة لكن انجبر ضعفها
بعمل الأصحاب حتى أنه عمل بها من لم يعمل إلا بالقطعيات
كما ذكر ذلك في الجواهر إلا أن شمولها لعدم القروح والجروح
مشكل بل الظاهر عدم الشمول لأدلة نفي العسر و
الحرج.
(الثالث من المقدمات:)
أن يكون الرجل مختونا، قال في الجواهر: بلا خلاف

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3
54

أجده، بل عن الحلبي أن اجماع آل محمد صلوات الله عليهم
عليه)
ومستند هذا الشرط - بعد دعوى الاجماع - روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف
المرأة (1).
ومنها صحيحة حريز وإبراهيم بن عمر قالا: لا بأس
أن تطوف المرأة غير مخفوضة، وأما الرجل فلا يطوفن إلا
وهو مختون (2).
ومنها خبر إبراهيم بن ميمون عنه عليه السلام في رجل
أسلم فيريد أن يختتن وقد حضر الحج أيحج أو يختتن؟ قال:
لا يحج حتى يختتن (3). وغير ذلك من الأخبار.
وهل يشمل هذه الروايات للخنثى المشكل - بعد خروج
المرأة منها؟ فيه وجهان فبناء على أن الحج اسم للأعم من الصحيح
والفاسد لا تشملها لجريان أصالة البراءة بالنسبة إلى الاشتراط

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 3 - 4
55

فإنه يجب على الخنثى ما عدا الاختتان من سائر أفعال
الحج ويشك في وجوبه بالنسبة إليها، فالأصل يقتضي
براءة ذمتها منه.
وأما إذا كان الحج اسما للصحيح فلا يمكن اجراء أصل
البراءة بالنسبة إلى الاختتان لأنه تعلق بذمته الحج
فلا
بد بفراغ ذمته منه، ولا يحصل العلم بالفراغ إلا بالاختتان
هذا هو المستفاد من كلام صاحب الجواهر.
ولكن يرد عليه أن الحج على الفرض الأول وإن
كان اسما للأعم إلا إنا نعلم علما يقينا بأن مطلوب الشارع
هو الحج الصحيح، فلا فرق حينئذ بين ما كان اسما
للصحيح، فاللازم عند ذلك هو الاحتياط بالنسبة
إلى الخنثى المشكل بالاختتان خصوصا إذا قلنا: إن
المستفاد من الروايات المتقدمة أن الختان من شرائط
الحج، فبانتفائه ينتفي المشروط كما سيجيئ في الصبي
هذا كله في الخنثى المشكل، وأما المرأة فلا يجب عليها
الاختتان كما عرفت ودلت عليه الروايات المتقدمة
56

وأما الصبي فقال في الجواهر: قد يظهر من المصنف
وغيره عدم اعتباره في الصبي انتهى
ويرد عليه أن ما يظهر من الشرائع هو خلاف ذلك
فإنه قال: وأن يكون مختونا ولا يعتبر في المرأة انتهى فاستثنائه
للمرأة فقط عن هذا الحكم أي حكم وجوب الختان ظاهر في
اعتبار لكل أحد إلا المرأة.
وعلى أي حال فقد استدل لعدم اعتبار الختان بالنسبة
إلى الصبي أولا بالأصل أي أصالة البراءة وثانيا بعدم
توجه النهي إليه، إلا أنه يمكن أن يقال: إن الحكم الوضعي
المستفاد من الحكم التكليفي أعني النهي عن طواف الأغلف
في الروايات المتقدمة ثابت بالنسبة إلى الصبي فلذا
يصير جنبا باتيان أسباب الجنابة وإن لم يتوجه وجوب
الغسل عليه قبل البلوغ، وكذا يكون عليه الضمان لو أتلف
مال الغير وغير ذلك من الأحكام الوضعية، فلا مانع
من شمول الروايات المطلقة المتقدمة له بعد استثناء المرأة
57

فيها فقط، وأما الأصل فلا مجال لجريانه بعد شمول الاطلاقات
أي اطلاقات الروايات المتقدمة - له.
ثم إن العلامة قدس سره - على ما حكي عنه - قد ذكر
في جملة من كتبه وجوب ستر العورة في حال الطواف
ويمكن الاستدلال له بجملة من النصوص.
منها الرواية العامية المتقدمة النبوية: (الطواف بالبيت
صلاة).
ومنها رواية محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله أمرني عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان
ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام (1).
ومنها رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه
عليه وآله
بعث عليا عليه السلام ينادي: لا يحج بعد هذا العام
مشرك ولا يطوف بالبيت بالبيت عريان (2).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال:
إن عليا عليه السلام قال: ولا يطوفن بالبيت عريان (3).

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1 - 8
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1 - 8
(3) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1 - 8
58

ومنها رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب
علي عليه السلام الناس واخترط سيفه وقال: لا يطوفن
بالبيت عريان (1) الحديث.
ومنها رواية حكم بن الحسين عن علي بن الحسين عليهما
السلام قال: إن لعلي عليه السلام أسماء في القرآن ما يعرفها
الناس: قال: وأذان من الله ورسوله (إلى أن قال):
فكان مما نادى به: ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان
ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام شرك (2).
حتى أن بعض العامة قد حكى مضمون هذه
الروايات.
فعن الحاكم أبي القاسم الحسكاني عن عامر الشعبي
عن علي عليه السلام لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله
حين أذن في بالحج الأكبر قال: لا يحج بعد هذا العام شرك
ألا لا يطوف بالبيت عريان (3).

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 5
(2) تفسير العياشي ج 2 صلى الله عليه وآله وسلم 76 على ما حكي عنه
(3) الجواهر الجلد 19 صلى الله عليه وآله وسلم 277
59

إلى غير ذلك من الأخبار، فما عن المختلف من أن الرواية
غير مسندة من طرقنا - لا يخلو من ضعف، نعم هذه
الروايات ضعيفة سندا لكن يجبرها عمل المشهور بها
واعلم أن الظاهر أن المراد بالعريان من لم يكن عليه ما
يستر به عورته كما هو المتبادر من الروايات، فلا مانع من
طواف العريان إذا كانت عورته مستورة.
وأما مندوبات الحج والعمرة فثمانية:
الأول الغسل لدخول مكة الثاني مصغ الإذخر
لتطييب الثم الثالث أن يدخل من أعلاها الرابع
أن يكون حافيا الخامس أن يكون مع السكينة والوقار
السادس أن يغتسل لدخول المسجد الحرام، السابع
أن يدخل من باب بني شيبة، والثامن الوقوف عند
باب بني شيبة، والتسليم على النبي صلى الله عليه وآله و
سلم بالمأثور، وتفصيل هذه المندوبات موكول إلى الكتب
الفقهية فلا نطيل بها الكتاب.
(المقصد الثاني:)
في كيفية الطواف ويشتمل على الواجب والمندوب
60

فالواجب سبعة كما في الشرائع
فمنها النية ابتداءا واستدامة إلى آخر الأشواط، و
يكفي فيها الداعي إلى الاتيان بالفعل، ولا يجب فيها
الاخطار بالبال ولا التلفظ بها كما في سائر الواجبات
نعم عن الدروس هنا أن ظاهر بعض القدماء أن نية الاحرام
كافية عن نية سائر أفعال الحج) ولعله لأجل أن الاحرام
وسائر واجبات الحج عمل واحد كالصلاة، فلا تجب النية
إلا في أوله الذي هو الاحرام.
إلا أنه مشكل، فإن الصلاة بحسب المتفاهم العرفي
عمل واحد لها أفعال متصلة مرتبط بعضها ببعض، بخلاف
الحج، فإن كل واحد من أفعاله عمل مستقل بحسب نظر العرف
غير مرتبط بعضها ببعض، وعدم ذكر النية في شئ من أفعال
الحج في الأخبار إلا في الاحرام يمكن لايكاله إلى الوضوح
مضافا إلى دلالة الأخبار المطلقة على وجوبها لكل عمل من الأعمال
الواجبة بل المستحبة أيضا، كقوله عليه السلام: لا عمل إلا بالنية
وقوله عليه السلام: إنما الأعمال بالنيات وغير ذلك
61

ومنها البدأة بالحجر والختم به، قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه)
ومستند الوجوب - بعد الاجماع - أولا هو التأسي
بالنبي صلى الله عليه وآله فإنه قال: خذوا عني مناسككم)
وثانيا بعض الأخبار كصحيحة معاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام قال: من اختصر في الحجر الطواف فليعد
طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود (1).
وصحيحة الأخرى الواردة في كيفية الطواف عنه
عليه السلام أنه قال في حديث: ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه
وتقبله، فإن لم تستطع فاستقبله وكبره وقل كما قلت حين
طفت بالبيت يوم قدمت مكة (2).
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام أنه قال:
إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود
فتستلمه وتقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا (3) الخ
إلى غير ذلك من الأخبار
ومنها - أي من الواجبات الطواف - أن يمشي على

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3 والباب 12 ح - 3
(2) لم أظفر بها عجالة في مظانها
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3 والباب 12 ح - 3
62

يساره في حال الطواف، قال في المدارك - على ما
حكي عنه -: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب
وأسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه، واستدلوا عليه بفعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله
(صلى الله عليه وآله وسلم) (خذوا عني مناسككم) ومعنى الطواف على
اليسار جعل البيت على يساره حال الطواف فلو استقبله
بوجهه أو استدبره أو جعله على يمينه ولو خطوة منه لم
يجزه ووجب عليه الإعادة انتهى.
ومدرك هذا الحكم - بعد دعوى الاجماع وسيرة
المسلمين القطعية المستمرة من ذهن النبي صلى الله عليه
وآله إلى زماننا هذا حتى من أبناء العامة بحيث لم يشاهد
أحد خلافه من أحد من المسلمين - هو روايات:
منها صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال:
إذا كنت في الطواف السابع فأت التعوذ وهو إذا قمت
في دبر الكعبة هذا الباب فقل: اللهم (إلى أن قال): ثم
63

استلم الركن اليماني، ثم ائت الحجر، فاختم به (1).
فإنه يظهر منه أنه لا بد له من أن يأتي الركن اليماني
بعد اتيانه المتعوذ، والركن هو الركن الذي يكون على يسار
الطائف بعد المتعوذ، والمراد بالمتعوذ ظاهرا هو المستجار
وقوله: ثم ائت الحجر فاختم به هذا أيضا من الأدلة الدالة
على وجوب الختم بالحجر الأسود.
ومنها صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: إذا
فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء
المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت
(إلى أن قال): ثم ائت الحجر الأسود (2)
ومنها صحيحه الآخر عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط (إلى أن قال:) فإذا
انتهيت إلى مؤخر الكعبة - وهو المستجار دون الركن اليماني
بقليل في الشوط السابع فابسط يدك على البيت وألصق
يدك وبطنك بالبيت ثم قل: اللهم (إلى أن قال:) ثم
استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به (3)

(1) الوسائل 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
(2) الوسائل 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
(3) الوسائل 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
64

ومن الواجبات في الطواف أن يدخل حجر إسماعيل
في الطواف قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه بل المحكى منهما مستفيض كالنصوص انتهى.
والمستند في ذلك - بعد دعوى الاجماع - الروايات
منها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف
يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد (1)، ورواه الشيخ
قده سره - على ما حكي عنه - إلا أنه قال: يعيد ذلك الشوط
ومنها حسنة ابن البختري عنه عليه السلام في الرجل يطوف
بالبيت، قال: يقضي ما اختصر في طوافه (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: من اختصر
في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود (3)
ومنها رواية إبراهيم بن سفيان قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا عليه السلام: امرأة طافت طواف الحج، فلما كانت في الشرط
السابع اختصرت وطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
65

وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منى فكتب
عليه السلام: تعيد (1).
وظاهر هذه الرواية أنها تعيد جميع الطواف لا ذلك
الشوط فقط وهو مناف لما يظهر من صحيحة الحلبي
المتقدمة من وجوب إعادة ذلك الشوط فقط.
إلا أنه يمكن حمل الرواية إما على وجوب إعادة.
ذلك الشوط فقط حيث إنه لم يكن فيها تصريح بإعادة
الطواف، وإما حملها على أنها تعيد الطواف لحصول
الفصل الطويل بين الأشواط.
وكذا يحمل قوله عليه السلام: (فليعد طوافه) في صحيح
معاوية بن عمار المتقدم على ذلك الشوط جمعا بين الأخبار
فحينئذ يجب إعادة ذلك الشوط الذي أتى به في
الحجر دون بقية الطواف، مع احتمال أن يكون المراد
باختصار الطواف اختصار جميع الأشواط، فحينئذ
يجب عليه إعادة جميع الطواف، والله العالم

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 4
66

ثم إن هذا الحكم: أي وجوب ادخال حجر إسماعيل
في الطواف لا فرق فيه بين ما إذا قلنا: إن الحجر من البيت
أو خارج عنه، بل بعض الأخبار دال على أنه خارج من البيت
كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شئ من البيت؟ فقال:
لا، ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه فكره أن
توطء فجعل عليه حجرا، وفيه قبور أنبياء (2).
ورواية يونس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني
كنت أصلي في الحجر فقال لي رجل: لا تصل المكتوبة في هذا
الموضع، فإن في الحجر من البيت فقال: كذب، صل فيه
حيث شئت (3).
وكيف كان فيجب ادخاله في الطواف تعبدا بالاجماع
والأخبار
ومنها - أي من الواجبات - أن يكون الطواف بين البيت
ومقام إبراهيم عليه السلام فلا يجوز ادخال المقام في الطواف

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
67

ومستنده - بعد دعوى الاجماع - كما عن الغنية - رواية
محمد بن مسلم قال: سألته عن حد الطواف بالبيت الذي
من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت، قال: كان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام و
أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام والبيت، فكان الحد
موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، والحد
قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت
من نواحي البيت كلها، فمن طاف فتباعد من نواحيه
أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة
من طاف بالمسجد لأنه طاف في غير حد، ولا طواف
له (1).
قوله: كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطوفون بالبيت
والمقام) وذلك لأن المقام كان متصلا بالبيت في
عهده صلى الله عليه وآله، فنقله عمر في زمن خلافته إلى
موضعه الآن كما دلت عليه صحيحة زرارة قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: قد أدركت الحسين عليه السلام؟ قال
نعم، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1
68

السيل، والناس يقومون على المقام، يخرج الخارج فيقول
قد ذهب به السيل، ويدخل الداخل فيقول: هو مكانه
قال: فقال: يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك
الله تعالى يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام.
فقال لهم: إن الله عز وجل جعله علما لم يكن ليذهب
به فاستقروا، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام
عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى قوله أهل الجاهلية
إلى المكان الذي هو فيه اليوم.
فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة ردة إلى الموضع الذي
وضعه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلى أن تولى عمر
فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه
المقام؟ فقال رجل: أنا كنت قد أخذت مقداره بتسع فهو
عندي، فقال: ائتني به، فقاسه فرده إلى ذلك المكان (1).
ورواية محمد بن مسلم المتقدمة آنفا - وإن كانت ضعيفة

(1) الفقيه ج 2 صلى الله عليه وآله وسلم 158 الرقم 681 - على ما حكي عنه
69

السند لأجل وجود ياسين الضرير في سندها الذي لم يرد
فيه من العلماء مدح ولا ذم فهو مجهول الحال مع كون الرواية
مقطوعة - إلا أن الأصحاب قد عملوا بها واعتمدوا عليها
فانجبر ضعفها بذلك، والرواية - وإن لم يذكر المروى
عنه فيها إلا أن مثل محمد بن مسلم لا يروي إلا عن الإمام عليه السلام.
ثم إن هذه الرواية قد بين فيها حد المطاف وأنه
بمقدار ما يكون بين البيت والمقام من جوانب البيت
كلها وهذا المقدار - على ما قيل - يكون ستة وعشرين
ذراعا ونصف تقريبا، وهل تعتبر المساحة المزبورة من
ناحية حجر إسماعيل من البيت؟ كما ربما يستشعر ذلك
من قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة: والحد
قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت
من نواحي البيت كلها) واختاره في الجواهر وجعله أحوط
أو تعتبر المساحة من الحجر في جهته؟ الظاهر هو الثاني
أما على القول بكون الحجر من البيت فواضح ضرورة
كونه محسوبا حينئذ من البيت فالمساحة معتبرة فيه، وأما
70

على القول بخروجه من البيت فهو أيضا كذلك لوجوب
ادخاله في الطواف، فالحجر إما بيت حقيقة ولما تنزيلا
ولا منافاة لقولنا هذا مع قوله عليه السلام: قدرها ما بين
المقام والبيت) مع أن داخل الحجر ليس مطافا حتى يعتبر
المطاف من ناحية الحجر من البيت، لكن مع ذلك الاحتياط
لا ينبغي تركه.
(مسألة:)
لا يجوز المشي على أساس البيت الذي هو القدر
الباقي من البيت بعد بنائه المسمى بالشاذروان، ولا
على حائط الحجر لأنه يعتبر الطواف خارج البيت لا في
البيت، والمفروض أن كليهما من البيت أما الشاذروان
فهو من البيت على ما قاله غير واحد وأنه نقص من بناء البيت
وأما الحجر فإنه إما من البيت حقيقة أو يجب ادخاله في
الطواف، فحينئذ يجب الطواف به لا فيه، بل عن التذكرة
عدم جواز مس الطائف الجدار في موازاة الشاذروان
71

لادخال جزء من بدنه في البيت.
ولكن أورد عليه في الجواهر بصدق الطواف عليه
ولو لخروج معظم بدنه منه) ويرد عليه أن الصدق للعرفي
لو كان كافيا في مثل هذه المواضع لكان يكفي في الوضوء
غسل الوجه بالمقدار الشرعي إذا لم يغسل جزءا يسيرا منه
مثلا إذا غسل وجهه من قصاص الشعر إلى الذقن طولا
وفيما دارت به الابهام والوسطى عرضا إلا أنه ترك
غسل مثل رأس الإبرة في هذا المقدار الشرعي فإنه يصدق
عرفا أنه غسل وجهه مع أنه باطل قطعا.
وكذا إذا اغتسل ارتماسا وترك غسل هذا المقدار
من جسده فإنه يصدق عرفا أنه غسل جميع جسده مع
أنه باطل اجماعا، فالصدق العرفي في هذه المواضع
لا يصحح العمل، فلا بد من الصدق حقيقة، بأن يكون
فيما نحن فيه جميع بدنه خارجا عن البيت ويطوف بجميع
بدنه بالبيت، وعلى فرض الشك في صدق الامتثال
بادخال جزء من بدنه بالبيت فالاحتياط يقتضي
ترك ذلك.
72

ومنها - أي من واجبات الطواف - اتيانه سبعة
أشواط، ومستنده - بعد دعوى الاجماع - كما في
الجواهر الروايات الكثيرة
منها رواية أنس بن محمد عن أبيه عن الصادق عليه السلام
عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي
عليه السلام: يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس
سنن وأجراها الله عز وجل في الاسلام: حرم نساء
الآباء على الأبناء (إلى أن قال): ولم يكن للطواف عدد
عند قريش، فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى
الله عز وجل ذلك في الاسلام (1).
ومنها رواية أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام
قال: قلت: لأي علة صار الطواف سبعة أشواط؟ فقال
إن الله قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة) فردوا عليه
وقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فقال:
إني أعلم ما لا تعلمون) وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 1
73

عن نوره سبعة آلاف عام، فلا ذوا بالعرش سبعة آلاف
سنة فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور
في السماء الرابعة وجعل البيت الحرام تحت البيت
المعمور وجعله مثابة للناس وأمنا، فصار الطواف
سبعة أشواط واجبا، لكل ألف سنة شوطا واحدا (1)
ومنها رواية أبي خديجة أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام
يقول (في حديث): إن الله أمر آدم أن يأتي هذا
البيت، فيطوف به أسبوعا، ويأتي منى وعرفة، فيقضي
مناسكه كلها، فأتى هذا البيت، فطاف به أسبوعا، وأتى
مناسكه، فقضاها كما أمره الله، فقبل منه التوبة، و
غفر له (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا في حديث طويل وهو حاو على مستحبات الطواف
وواجباته - قال: تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله (إلى
أن قال): ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت
لك يوم قدمت مكة، ثم صل عند مقام إبراهيم ركعتين (3)

(1) - (2) الوسائل الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3
(3) لم أظفر بها في مظانها
74

(مسألة:)
يجب بعد طواف الحج وكذا طواف العمرة و
طواف النساء صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام
ووجوبهما في الطواف الواجب مشهور بين الأصحاب
ونقل قول شاذا بالاستحباب،
ومستند الوجوب أولا هو التأسي بالنبي صلى الله
عليه وآله وسلم فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاهما عند مقام إبراهيم
عليه السلام بعد الفراغ من الطواف.
وثانيا قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (1)
بناءا على تفسيره في بعض الأخبار بهذه الصلاة.
كصحيحة أبي الآتية في الناسي.
ورواية أبي الصباح قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم في
طواف الحج أو العمرة، فقال: إن كان بالبلد صلى ركعتين
عند مقام إبراهيم، فإن الله تعالى يقول: واتخذوا من

(1) سورة البقرة الآية 125
75

مقام إبراهيم مصلى (1).
ومن المعلوم عدم وجوب أي صلاة في مقام
إبراهيم (عليه السلام) إلا هذه الصلاة، فيعلم ولو ببيان الروايتين
المتقدمتين والروايات القادمة أنه يجب كون المقام
مصلى لهذه الصلاة.
وثالثا الأخبار المستفيضة الدالة على الوجوب في صورة
العلم ووجوب الرجوع إلى المقام في صورة النسيان.
منها حسنة معاوية بن عمار أو صحيحته عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم
وصل ركعتين (2) الحديث.
ومنها صحيحة الأخرى المتقدمة آنفا عنه عليه السلام:
فإنه (عليه السلام) بعد ما ذكر كيفية الطواف وأنه سبعة أشواط قال:
ثم صل عند مقام إبراهيم ركعتين الحديث.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين
حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 16
(2) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3
76

ولم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي أربع ركعات؟
قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا (1) إلى غير ذلك من
الأخبار، نعم إذا نسي الركعتين حتى خرج من مكة فهل
يجب عليه العود لاتيان الصلاة في المقام أو يكفيه اتيانهما
حيثما ذكر؟ فيه وجهان بل قولان
مقتضى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة آنفا هو وجوب
الرجوع، وكذا رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى
طاف بين الصفا والمروة، ثم طاف طواف النساء، فلم
يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح، يصلي أربع ركعات؟ قال:
يرجع، فيصلي عند المقام أربعا (2).
وكذا الرواية المروية عن مجمع البيان عنه عليه السلام أنه سئل
عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ونسي أن يصلي
الركعتين عند مقام إبراهيم، فقال: يصليهما ولو بعد أيام لأن

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7
77

الله تعالى يقول: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (1).
قوله عليه السلام: يصليهما ولو بعد أيام) أي عند مقام إبراهيم
عليه السلام بقرينة استدلاله بالآية الكريمة
نعم تعارض هذه الروايات روايات كثيرة أخرى
دالة على جواز الاتيان بالركعتين حيثما ذكرا ولا يجب عليه العود إلى المقام
فمنها صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام
وقد قال الله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) حتى
ارتحل، قال: إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه ولا آمره
أن يرجع ولكن يصلي حيث ذكر (2).
ومنها رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم
في طواف الحج أو العمرة، فقال: إن كان بالبلد صلى ركعتين
عند مقام إبراهيم فإن الله تعالى يقول: واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى) وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع (3).
ومنها حسنة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم فلم يذكر

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 20 - 10 - 16
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 20 - 10 - 16
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 20 - 10 - 16
78

حتى ارتحل من مكة، قال: فليصليهما حيث ذكر، وإن ذكرهما
وهو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما (1).
ومنها رواية عمر بن البراء عنه عليه السلام في من نسي ركعتي
طواف الفريضة حتى أتى منى أنه رخص أن يصليهما
بمنى (2).
ومنها رواية هشام بن المثنى وحنان قالا: طفنا
بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين، فلما صرنا بمنى
ذكرناهما، فأتينا أبا عبد الله عليه السلام فسألناه فقال:
صلياهما بمنى (3).
ومنها رواية هشام بن المثنى، قال: نسيت أن أصلي
الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى
فرجعت إلى مكة، فصليتهما، ثم عدت إلى منى فذكرنا ذلك
لأبي عبد الله عليه السلام فقال: أفلا صلاهما حيث ذكر (4)
إلى غير ذلك من الأخبار.
وحمل صاحب الجواهر هذه الأخبار على صورة المشقة
من العود، وعن الصدوق العمل بمضمون هذه الأخبار، وربما

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8
79

حملت هذه الروايات على استحباب العود.
أقول: أما حملها على صورة المشقة من العود
فيدفعه اطلاق هذه الروايات وعدم تقييدها
بصورة المشقة، نعم في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام قوله عليه السلام: فإني لا أشق عليه) إلا
أنه يمكن أن يكون مراده (عليه السلام) بالمشقة المشقة العرفية أي
صعوبة العود عليه لا المشقة الرافعة للتكليف بقرينة
عدم ذكرها في سائر الروايات.
وأما حملها على استحباب العود فهو غير بعيد
والأولى الجمع بينها وبين الروايات المتقدمة بحمل
الروايات المتقدمة على ما إذا لم يخرج من مكة أو من
المواضع القريبة منها كالأبطح الذي هو قريب من مكة
المكرمة بل من حدودها كما دلت عليه صحيحة محمد بن
مسلم المتقدمة، وأما إذا خرج منها فلا يجب عليه الرجوع
كما يظهر ذلك أيضا من بعض الروايات المتقدمة
التي ذكرناها من باب المعارضة كحسنة معاوية بن عمار
المتقدمة فراجعها.
80

(مسائل:)
الأولى: قال في الشرائع: الزيادة على السبع
في الطواف الواجب محذورة على الأظهر، وفي
النافلة مكروهة انتهى.
أما محذورية الزيادة في الطواف الواجب
بمعنى مبطليتها له إذا كانت عمدا فمضافا إلى دعوى الشهرة
عليها - كما عن كشف اللثام - دلت عليها الأخبار.
منها النبوي العامي (الطواف بالبيت صلاة) (1)
ومنها رواية عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام
قال: الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة
المفروضة إذا زدت عليها، فإذا زدت عليها فعليك
الإعادة، وكذلك السعي (2).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض

(1) سنن البيهقي ج 5 صلى الله عليه وآله وسلم 87 على ما حكي عنه
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 11.
81

قال: يعيد حتى يثبته (يتبينه خ ل) (1)، هذا على نسخة الكافي
وعن التهذيب (حتى يستتمه)
ومن الأدلة التي استدل بها للبطلان بأن الطواف يخرج
من هيئته التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله، وبأن الزيادة
في الطواف كزيادة ركعة في الصلاة.
ولكن يناقش في جميع هذه الأدلة، أما النبوي فهو غير
قابل للاعتماد فإنه غير مروى من طرقنا، وأما الروايتان
فبضعف سندهما، وأما الخروج عن الهيئة فيمنع ذلك
فإن عدم فعله صلى الله عليه وآله للزيادة لا يقتضي التحريم
فضلا عن البطلان، وغاية ما في الباب أنه تشريع محرم
وهو لا يقتضي بطلان الطواف لأن المفروض أنه
أتى بشئ زائد خارج عن الطواف.
وأما كون الزيادة في الطواف كالزيادة في الصلاة
فهو قياس لا نقول به مضافا إلى دلالة صحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل طاف طواف
الفريضة ثمانية أشواط، قال: يضيف إليها ستا (2) - على عدم
البطلان، إلا أنه يمكن دفع جميع هذه المناقشات، أما الروايتان

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1 - 8
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1 - 8
82

فإنهما - وإن كانتا ضعيفتي السند إلا أنه يجبر ضعفهما
بعمل المشهور بهما، وأما صحيحة محمد بن مسلم فهي محمولة على
صورة النسيان التي ستعرف عدم مبطلية الطواف في
هذه الصورة بالنسيان.
هذا كله في صورة العمد، وأما إذا كانت الزيادة جهلا
أو غفلة فعن كشف اللثام أنه كالنسيان، لكنه مشكل
لكون الجاهل المقصر كالعامد.
وأما الناسي - إذا زاد في طوافه - فلا يضر ذلك
قطعا بل يزيد على الأشواط حتى يجعلهما طوافين ومستنده
روايات كثيرة.
فمنها رواية أبي كهمس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: إن ذكر قبل
أن يبلغ الركن فليقطعه) وفي رواية ابن فضال مثله، وزاد
(وقد أجزأ عنه) وإن لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا
وليصل أربع ركعات (1).

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 3
83

ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال:
سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في
الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين (1)
ومنها رواية معاوية بن وهب عنه عليه السلام قال:
إن عليا عليه السلام طاف ثمانية أشواط، فزاد ستة ثم ركع
أربع ركعات (2).
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عليا
عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية، فترك سبعة
وبنى على واحد وأضاف إليه ستا، ثم صلى ركعتين
خلف المقام، ثم خرج إلى الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي
بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول (3)
أقول: لا يمكن الالتزام بظاهر الخبرين المشتملين
على سهو المعصوم عليه السلام في الطواف، فلا بد من حملهما
على التقية إما تقية أبي جعفر عليه السلام أو أبي عبد الله عليه السلام
وهو بعيد، لبعد نقل الكذب منهما عليهما السلام تقية، وأما
تقية علي عليه السلام والله العالم) كذا في السورة بقلم الحقير

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف ج 5 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف ج 5 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف ج 5 - 6 - 7
84

- مؤلف هذا الكتاب نقلا عن الأستاذ رحمه الله
ولكن الروايتين لا تدلان على سهوه عليه السلام فيمكن
أن يكون عليه السلام أتى بطوافين أحدهما طواف الفريضة
وثانيهما طواف النافلة، والظاهر أن الثاني منهما كان
طواف الفريضة ولذا أتى بالسعي والتقصير بعده كما
يظهر من الرواية الثانية - أعني صحيحة زرارة، فلذا لم يأت
بالسعي والتقصير للطواف الأول لأنه كان مندوبا
بل أتى بركعتي الطواف فقط.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط
قال: يضيف إليها ستة (1)، - بناء على حملها على صورة النسيان
ومنها صحيحة الأخرى عن أحدهما أيضا عليهما السلام
قال: إن في كتاب علي عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت
ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية، أضاف إليهما ستا
وكذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا (2)

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 8 - 10
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 8 - 10
85

ومنها رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سئل وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية
أشواط، فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، فقال
يضيف إليها ستة، فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام
إبراهيم، ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف بينهما،
فإذا فرغ صلى ركعتين أخراوين فكان طواف نافلة
وطواف فريضة (1).
ومنها رواية الصدوق عن أبي أيوب قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: رجل طاف بالبيت ثمانية
أشواط طواف الفريضة، قال: فليضم إليها ستا، ثم
يصلي أربع ركعات، وقال - في محكى كلامه - وفي خبر
آخر: إن الفريضة هي الطواف الثاني، والركعتان
الأولتان لطواف الفريضة، والركعتان الأخيرتان
والطواف الأول تطوع (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.
ويستفاد من مجموع هذه الروايات أنه إذا زاد شوطا
على السبعة يزيد عليه ستا ليصير بذلك طوافين.

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15 - 13 - 14
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15 - 13 - 14
86

ثم إنه اختلف في كون الأول فريضة والآخر نافلة
أو بالعكس، ويستفاد من مرسلة الصدوق الأخيرة أن
الثاني هو الفريضة، وربما يستشكل من جهة قصد
التقرب، لأنه بالشوط الثامن لم يقصد كونه من الطواف
الثاني ولم يأت به إلا نسيانا، فكيف يحسب من الطواف
الثاني وكيف يحصل به التقرب ولم يقصده؟
ويمكن أن يجاب بأن المفروض أنه قد حصل منه
قصد التقرب لزعمه أنه من فريضته وأنه هو الشوط السابع
فقصد التقرب بهذا الشوط غاية الأمر أنه توهم أنه
من الطواف الأول، فانكشف الخلاف فجعل الشارع
أصل قصد التقرب كافيا في الامتثال، وصيره طوافا
ثانيا تعبدا.
هذا كله في طواف الفريضة، وأما النافلة فالزيادة
فيه مكروهة قاله في الشرائع إلا إنا لم نعثر للكراهة فيها على
مستند، فإن كان مراده الكراهة من جهة التشريع فلا فرق
بين الفريضة والنافلة، وإن لم تكن من جهة التشريع
87

فلا دليل عليها، إلا أن يقال: إن المراد بالزيادة القران
بين الطوافين بمعنى عدم الفصل بينهما بصلاة
الطواف، فإن بعض الأخبار قد دل على كراهة
القران بين الطوافين على نحو الاطلاق أي من غير
تفصيل بين الطواف الواجب والمستحب.
فمن الروايات الرواية المروية عن مستطرفات السرائر
عن كتاب حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا قران
بين أسبوعين (1).
ومنها رواية البزنطي قال: سأل رجل أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل يطوف الأسباع جمعا فيقرن؟
فقال: لا، إلا الأسبوع وركعتان (2).
ومنها رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر أنه
سأل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل يطوف السبوع
والسبوعين فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له أن
يطوف أسبوعا هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح
حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم ليطوف ما أحب (3)

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف ح 14 - 7 - 8
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف ح 14 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف ح 14 - 7 - 8
88

ولكن تعارض اطلاقات هذه الروايات روايات أخرى
قد فصلت بين الواجب والمستحب.
منها صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام قال: إنما يكره
أن يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في الفريضة
فأما النافلة فلا بأس (1).
والظاهر أن المراد بالكراهة في هذه الرواية الحرمة
لأنها المشهورة بين الأصحاب، مع أن مقابلة الكراهة في الفريضة
بنفي البأس في النافلة المراد به نفي الحرمة غير المنافي
للكراهة كما دلت عليها الروايات الآتية - قرينة على أن المراد
بالكراهة في الصحيحة هي الحرمة.
ومنها رواية عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إنما يكره القران في الفريضة فأما النافلة فلا والله
ما به بأس (2)، وغير ذلك من الأخبار،
وأما كراهية القران في النافلة فمع دعوى الاجماع دلت
عليها روايات كثيرة: منها رواية محمد بن أبي نصر قال: سأل

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4
89

رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الأسباع
جميعا، فيقرن؟ فقال: لا، إلا الأسبوع وركعتان
وإنما قرن أبو الحسن عليه السلام لأنه كان يطوف مع
محمد بن إبراهيم لحال التقية (1).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل يطوف ويقرن بين أسبوعين
فقال: إن شئت رويت لك عن أهل مكة، قال:
فقلت: لا والله ما في ذلك من حاجة جعلت
فداك، ولكن أرني ما أدين الله عز وجل به فقال:
لا تقرن بين أسبوعين كلما (ولكن خ ل) طفت أسبوعا
فصل ركعتين، وأما أنا فربما قرنت الثلاثة والأربعة
فنظرت إليه فقال: إني مع هؤلاء (2).
ومنها رواية محمد بن أبي نصر وصفوان بن يحيى
قالا: سألناه عن قران الطواف السبوعين والثلاثة،
قال: لا، إنما هو سبوع وركعتان، وقال: كان أبي يطوف

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7 - 3
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7 - 3
90

مع محمد بن إبراهيم، فيقرن وإنما كان ذلك لحال التقية (1)
والظاهر أن المسؤول عنه في هذه الرواية هو
مولانا الرضا عليه السلام بقرينة رواية محمد بن أبي نصر
المتقدمة آنفا عنه عليه السلام إلى غير ذلك من الأخبار.
كما أن الظاهر أن القران بين الطوافين في هذه
الروايات هو الطواف المستحب لعدم الداعي لاتيان
الطواف الواجب مكررا، وأما العامة فكانوا يقرنون
بين الطوافين أو الطوافات المستحبة دون الواجبة،
وكان قران الأئمة عليهم السلام بين الطوافين أو
أكثر إنما كان لأجل التقية من العامة كما يظهر ذلك من هذه
الروايات وغيرها.
ثم إنا إذا قلنا بحرمة القران بين الطوافين في الواجب
كما هو الظاهر، فهل يوجب ذلك بطلان الطواف أم لا
حكي عن النافع والتنقيح الأول، قال في محكى النافع:
والقران مبطل في الفريضة على الأشهر ومكروه في النافلة)

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 6
91

ولعل وجه البطلان هو أن النهي في العبادة موجب
لفسادها، ولكن إذا كان المراد بالبطلان بطلان كلا
الطوافين فلا نص دال عليه مع أنه لا وجه لبطلان
الطواف الأول فإنه بالطواف الأول لم يتحقق
القران المحرم نعم باتيان الطواف الثاني يتحقق
ذلك، فعلى البطلان يلزم بطلان الطواف الثاني
دون الأول، والظاهر أنه كذلك فإنه منهى عنه
وعلى فرض عدم النهي لم يتعلق به الأمر، والعبادة
بدون الأمر باطلة.
(المسألة الثانية:)
أنه قد تقدم أن الطهارة من الحدث شرط
في الطواف الواجب دون المندوب.
(الثالثة:)
أنه يجب أن يصلي ركعتي الطواف في مقام
إبراهيم عليه السلام كما تقدم للتأسي بالنبي صلى الله عليه
وآله وسلم ولقوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى والأحاديث المستفيضة بل المتواترة كما تقدم
92

والمراد بالمقام حيث هو الآن لا حيث هو في زمن النبي
صلى الله عليه وآله فإنك قد عرفت من بعض النصوص
أن المقام في زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ملاصقا للبيت فحوله
الثاني إلى هذا المكان الذي هو فيه الآن وهو مكانه
في الجاهلية.
لصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا
عليه السلام: أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام
حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله؟ قال: حيث هو الساعة (1).
ولا يجوز اتيانهما في غير المقام، نعم قد عرفت حكم
نسيانهما حتى خرج من مكة.
قال في الشرائع: فإن منعه زحام مصلي ورائه أو إلى
أحد جانبيه انتهى، ومستند هذا الحكم صحيحة الحسين
بن عثمان قال: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي
ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ضلال المسجد

(1) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1
93

وعن التهذيب بسند ضعيف قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام
يصلي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الضلال
لكثرة الناس (1).
والظاهر أنهما رواية واحدة نقلت مع الاختلاف
لكن قال في الجواهر: إن الموجود في النصوص
الصلاة عند المقام وخلفه وجعله أماما، بل مقتضى
تحكيم الثاني على اطلاق الأول يعين كونها خلفه
(إلى أن قال بعد كلام طويل:) مع أنا لم نقف على
ما يدل على الصلاة في أحد جانبيه في حال التباعد
انتهى.
إلا أنه يرد عليه أنك قد عرفت أن المستفاد من
صحيحة الحسين بن عثمان أنه عليه السلام وصلى في أحد
جانبي المقام عند الزحام فإن الحيال بمعنى المقابل
وهذا المعنى وإن كان صادقا بالنسبة إلى الواقف
خلف المقام حيث إنه واقف بحياله أي في مقابله

(1) الوسائل الباب 75 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
94

إلا أن المتبادر من الحيال هو الوقوف بمحاذاة الشئ
وهو لا يصدق إلا لمن وقف إلى أحد جانبيه مع أنه
إذا كان المراد بالحيال هو الوقوف خلف المقام فلا معنى
لقوله: (لكثرة الناس) حيث إنه حينئذ كان واقفا في
موضعه من المقام في حال الصلاة وهو خلفه، مع
أن ظاهر الرواية أنه كان يصلي في غير موضعه من المقام
لأجل كثرة الناس، مضافا إلى أن المستفاد من الروايات
- كما أشار إليه صاحب الجواهر - أن محل صلاة الطواف
خلف المقام أو عند المقام أو جعل المقام أماما وبعد تنزيل
كلمة (عند) الشاملة على الجوانب الأربعة للمقام، على
معنى الخلف -
- فلا بد من أن يكون وجوب الصلاة خلف المقام أو
عنده مشروطا بالقدرة، فمع عدمها يسقط وجوب الصلاة
خلفه أو عنده، ولكن إذا سقط وجوبها خلفه فلا بد من حفظ
العندية مهما أمكن فإذا صلى إلى أحد جانبي المقام فقد صلى
عنده، والمفروض وجود القدرة على الاتيان بالصلاة عنده
95

فلا بد من اتيانها عند أحد جانبي المقام مراعاة للعندية
المقدورة بعد سقوط اتيانها خلفه لأجل عدم القدرة
نعم كلمة (عنده) وإن كانت شاملة لإمام المقام
إلا أن الاجماع أخرج هذا الفرض من كلمة (عنده) فيبقى
الباقي، وهذا الوجه استحساني، والعمدة في المستند هو
الصحيحة المتقدمة.
هذا كله في صلاة طواف الفريضة، وأما النافلة فيجور
اتيان صلاتها في أي موضع شاء من المسجد كما ذكره غير
فأحد، ودليله رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال:
لا ينبغي أن تصلي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم
وأما التطوع فحيث شئت من المسجد (1).
ورواية إسحاق بن عمار عن أبي جعفر عليه السلام قال:
من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في
أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة (2)
والظاهر أن المراد منه النافلة
(المسألة الرابعة:)

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
96

من طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة مع العلم بها لم يصح
طوافه بلا خلاف بين القائلين بالشرطية، بل ولا إشكال
ضرورة اقتضاء النهي في العبادة الفساد، كذا في
الجواهر،
ولكن لم يرد هنا نهي عن الطواف في النجاسة كما
يظهر لك مما نتلوه عليك من الروايات حتى يقال: إن
النهي في العبادة يقتضي الفساد، نعم إذا لم يعلم بالنجاسة
ابتداءا وعلم بها في أثناء الطواف أزالها ثم أتم الطواف
ومستنده روايات:
منها رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: رأيت في ثوبي شيئا من دم وأنا أطوف قال
فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن علي طوافك (1)
ومنها رواية الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال: ينظر
الموضع الذي رآى فيه الدام، فيعرفه، ثم يخرج ويغسله ثم يعود

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 1
97

فيتم طوافه (1).
ومنها رواية حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه قال:
ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا
فإذا انسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته
ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي
عبد الله الحسين عليه السلام، فقال: بئسما صنعت، كان
ينبغي لك أن تبني على ما طفت، ثم قال: أما إنه
ليس عليك شئ (2)
ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور:
(الأول:)
إن هذه الروايات كلها ضعيفة السند إلا أن
المشهور قد عملوا بها فلا مجال للمناقشة في سندها
(الثاني:)
أنه يظهر أو يتبادر من الروايتين الأوليين أن
المفروض فيهما صورة الجهل بالنجاسة ثم علم بها في

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2
98

أثناء الطواف ففي شمولهما لصورة النسيان نظر، خصوصا
مع تنزيل الطواف بالصلاة في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): الطواف بالبيت
صلاة، في النبوي العامي،
إلا أنه يمكن أن يقال باختصاص شرطية الطهارة على
القول بها بصورة العلم، فلا تشمل صورة النسيان ولا أقل
من الشك في شمولها لصورة النسيان، فيمكن نفيها في هذه الصورة
بالأصل وتأييد ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: رفع ما لا
يعلمون الخ وبأصالة البراءة عن الشرطية في هذه الصورة.
(الأمر الثالث:)
أن مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق في
البناء على طوافه بين ما إذا توقفت الإزالة على قطع
الطواف بالفصل الطويل أولا، ولا بين ما وقع العلم بالنجاسة
بعد التجاوز عن النصف أو قبله، بل صرحت الرواية الأخيرة
بعدم الاشكال ووجوب البناء على طوافه ولو طاف شوطا
واحدا ثم عرضته النجاسة، ولكن يمكن تنزيل هذه الروايات
على صورة توقف الإزالة على قطع الطواف، بل فيما
99

إذا لم يتخلل الفصل الطويل بين الأشواط حتى يتحقق الموالاة
بينها، وأما الاطلاق من حيث التجاوز عن الأربعة وغيره
فيدفعه عموم الروايات الدالة على أن قطع الطواف قيل
التجاوز عن أربعة أشواط موجب للاستئناف كما
ستجئ تلك الروايات إن شاء الله، ولا معارض لتلك
الروايات إلا رواية حبيب بن مظاهر المتقدمة، وحيث
إن تلك الرواية ضعيفة السند فالمتبع حينئذ العمل بعموم
تلك الروايات.
فعند ذلك لا يمكننا العمل باطلاق الروايتين المتقدمتين
وتصريح الأخيرة فيما إذا استلزمت الإزالة لقطع الطواف
قبل الاتيان بأربعة أشواط، نعم إذا لم تستلزم لقطع الطواف
بأن كانت الفاصلة بين الأشواط قليلة بأن أمكنه إزالة
النجاسة بسرعة ثم العود لاتيان بقية الأشواط فلا مانع منه
(الأمر الرابع:)
لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من طوافه صح طوافه، لأنه
كالصلاة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النبوي العامي: الطواف بالبيت
صلاة، مع دعوى عدم الخلاف فيه كما في الجواهر مضافا
100

إلى دلالة مرسل البزنطي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في
ثوبه، فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب
طاهر (1).
فإن ظاهر قوله: فطاف في ثوبه أنه طاف جميع الأشواط
في الثوب النجس، فعلم بعد الفراغ من الطواف فلذا قال:
(ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر) فإنه لم يقل: إنه ينزعه
ويأتي ببقية طوافه، بل قال: ينزعه ويصلي الخ فيعلم منه ومن
قبله أنه بعد ما فرغ من الطواف علم بالنجاسة، وهذه
الرواية وإن كان اطلاقها شامل لصورة العلم إلا أنه لا
بد من حملها على صورة الجهل بقرينة تلك الروايات المتقدمة
الدالة على اعتبار الطهارة في الطواف، وفي شمولها لصورة
النسيان ما مر في تلك الروايات، والأظهر الالحاق أيضا
وألحق بعضهم جاهل الحكم بجاهل الموضوع وفيه نظر كما في الجواهر

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3
101

(المسألة الخامسة:)
يجوز أن يصلي ركعتي الطواف - أي طواف
الفريضة - ولو في الأوقات التي تكره فيها النافلة، قال في
الجواهر: بلا خلاف ولا اشكال انتهى.
ومستنده روايات، منها صحيحة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا فرغت من طوافك
فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين، إلى أن قال: و
هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصليهما
في أي الساعات (ساعة خ ل) شئت عند طلوع الشمس
وعند غروبها ولا نؤخرها ساعة تطوف وتفرغ
فصلهما (1).
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة
فاتتك متى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي طواف
الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت (2)

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة الحديث 1
102

ومنها حسنة رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر
أيصلى الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: نعم أما
بلغك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد
المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم
من الطواف (1).
ولكن ينافيها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة، فقال: وقتها
إذا فرغت من طوافك وأكرهه عند اصفرار الشمس و
عند طلوعها (2).
وصحيحة الأخرى أنه سأل أحدهما عليهما السلام عن الرجل
يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال: يطوف ويصلي
الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها (3).
ويمكن حملهما على التقية لموافقتهما لفتوى العامة
ولا ينافي ذلك ما في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي
الحسن عليه السلام قال: ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 2 - 8 - 7
(2) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 2 - 8 - 7
(3) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 2 - 8 - 7
103

الحسين عليهما السلام إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة
في طواف الفريضة (1).
حيث إن ظاهرها أن العامة قائلون بعدم كراهة
الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فوافق
فعلهم وقولهم مع قول أهل البيت عليهم السلام إلا أنه يحتمل
أن يكون للعامة قولان: أحدهما القول بالكراهة المنزل
عليها الروايتان المتقدمتان، وثانيهما القول بالجواز بدون
الكراهة المنزل عليه هذه الرواية الأخير.
ولكن تعارض هذه الرواية صحيحة ابن بزيع قال: سألت
الرضا عليه السلام عن صلاة التطوع بعد العصر، فقال: لا
فذكرت له قول بعض آبائه عليهم السلام: إن الناس لم يأخذوا
عن الحسن والحسن عليهما السلام إلا الصلاة بعد العصر بمكة،
فقال: نعم، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شئ
فاجتنبه، فقلت: إن هؤلاء يفعلون، فقال: لستم مثلهم (2)
فإنه عليه السلام مع اعترافه بصحة ما روي عن بعضه آبائه حكم

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 4 - 10
(2) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 4 - 10
104

بكراهة الطواف في الوقتين المذكورين، إلا أنه يمكن حمل
الرواية على صلاة طواف النافلة، ويحتمل بنظري القاصر
أن تحمل على لزوم مخالفتهم حتى في الأمر الموافق لنا لئلا
فتشبه بهم في شئ من أفعالهم، وهذا الاحتمال لم يذكره
الأستاذ.
ويحتمل أن يكون بالعكس بأن نهى عليه السلام عن اتيان
الصلاة في الوقتين المذكورين لئلا يتوهم المخالفون العارفون
بأحوال الشيعة أن الشيعة تأتي بهذه الصلاة تقية منهم
وتشبها بهم فيؤذونهم لأجل اتيانهم لما يعتقدون خلافه،
وهذا الوجه أو قريب منه ذكره الأستاذ رحمه الله.
ولكن هذا الاحتمال بعيد جدا لأن ديدن الأئمة
عليهم السلام أمر الشيعة بالتقية لا بخلافها، وكيف كان فالمعول
هو الروايات المتقدمة الدالة على عدم كراهة صلاة الطواف في
الوقتين المزبورين لعمل المشهور بل الأصحاب بها، وعدم
العمل بروايات الكراهة.
105

(المسألة السادسة:)
من نقص من طوافه فإن جاوز النصف أتمه
وإن رجع إلى أهله أمر من يتمه عنه، وإن كان أقل من
ذلك استأنف الطواف والتفصيل المزبور هو
المشهور بل عن الرياض (لا يكاد يظهر فيه الخلاف إلا
من جمع ممن تأخر حيث قالوا: لم نظفر بمستند لهذا
التفصيل، قاله في الجواهر.
ويمكن أن يكون مستند التفصيل روايات واردة
في موارد مختلفة، فمنها ما في الحائض (إذا حاضت بعد
طواف أربعة أشواط، فمن الروايات فها رواية إبراهيم
بن إسحاق عن من سأل أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة
طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: تم
طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة ولها أن تطوف
بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف وقد
قضت (مضت خ ل) متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن
هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام
بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو النعيم فلتعتمر (1)

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 4
106

ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: إذا لحاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت
النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت
فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي
قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف
الطواف من أوله (1).
ومنها رواية أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام
قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت
قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا
والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي
بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف، فعليها
أن تستأنف الطواف من أوله (2).
وهذه الروايات - وإن وردت في مورد خاص
وهو الحائض - إلا أن التفصيل فيها بين التجاوز النصف
وعدمه يرشدنا إلى أن ملاك جواز قطع الطواف وعدم

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
107

وجوب استئنافه هو التجاوز عن النصف خصوصا التعليل
بقوله (عليه السلام): لأنها زادت على النصف، في رواية إبراهيم بن
إسحاق المتقدمة، فإن العلة تعمم وتخصص، فبعموم
التعليل نحكم بالتفصيل المذكور.
ومن الروايات المفصلة روايات من مرض في أثناء
الطواف:
منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
المروية عن الكافي في رجل طاف طواف الفريضة
ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف فقال:
إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه
ثلاثة أشواط فقد تم طوافه، وإن كان طاف ثلاثة
ولا يقدر على الطواف فإن هذا مما غلب الله عليه
فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما ويومين، فإن خلته العلة
عاد فطاف أسبوعا، وإن طالت علته أمر من يطوف
عنه ويصلي هو ركعتين ويسعى عنه وقد خرج من احرامه
وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار (1).
وروي عن التهذيب هذه الرواية عن إسحاق بن

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2
108

عنه عليه السلام إلا أنه قال: (ويصلى عنه) بدل قوله: ويصلي هو.
ثم إنه ينبغي أن نتكلم في هذا الفرع أعني من مرض
في أثناء الطواف في جهتين، ثم نذكر بعد ذلك بقية
الروايات المفصلة، فنقول ومن الله التوفيق:
الجهة الأولى أنه إذا طاف ثلاثة أشواط ثم اعتل
يظهر من هذه الرواية أنه لا بد له أن يصبر يوما أو يومين
فإن خلته العلة فصار يقدر بنفسه على الطواف طاف هو
بنفسه ولا يجوز له أن يستتيب أحدا، وهل يكون المراد
خصوص اليوم واليومين أو يكون المراد منهما هو طول علته
من غير دخل لليوم واليومين فهما كنايتان عن طول علته؟
لا يبعد أن يكون المراد هو الثاني بقرينة قوله فيما بعد: و
إن طالت علته) فيصير مفاد الرواية أنه إذا مضى يوم أو
يومان ولم يظهر زوال علته بأن اطمئن ببقائها إلى آخر
وقت الطواف فحينئذ أمر من يطوف عنه، فعلى هذا
المراد باليوم واليومين هو استمرار المرض، ويؤيد ذلك رواية
109

يونس عنه عليه السلام قال: سألته عن سعيد بن يسار أنه
سقط من جملة، فلا يستمسك بطنه أطوف عنه واسعي؟
قال: لا، ولكن دعه، فإن برئ قضى هو، وإلا فاقض
أنت عنه (1).
ثم إنه يستفاد من رواية إسحاق المتقدمة أنه إذا زالت
علته طاف هو بنفسه وإلا أمر من يطوف عنه، ولم يأمر
عليه السلام أن يطاف به، نعم في بعض الأخبار ما يدل على
أنه يطاف به إذا أمكن وإلا فيطاف عنه
كرواية إسحاق بن عمار أنه سأل أبا إبراهيم عليه السلام عن المريض
يطاف عنه بالكعبة؟ قال: لا، ولكن يطاف به (2).
وصحيحة صفوان به يحيى قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف
بالبيت ولا بين الصفا والمروة قال: يطاف به محمولا يخط
الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف
ثم يوقف به في أصل الصفا والمروة (3).
وموثقة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: لا، ولكن يطاف به (4)

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف للحديث 3
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف 7 - 2 - 5
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف 7 - 2 - 5
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف 7 - 2 - 5
110

ومنها رواية الربيع بن خثيم قال: شهدت أبا عبد الله
الحسين عليه السلام وهو يطاف به حول الكعبة في محمل وهو
شديد المرض، فلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض
فأخرج (فأدخل خ ل) يده من في خ ل كوة المحمل حتى يجرها على
الأرض، ثم يقول: ارفعوني، فلما فعل ذلك مرارا في
كل شوط، قلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله
إن هذا ليشق عليك، فقال: إني سمعت الله عز وجل
يقول: ليشهدوا منافع لهم، فقلت: منافع الدنيا أو منافع
الآخرة؟ فقال: الكل (1).
ورواية أبي بصير قال: إن أبا عبد الله عليه السلام مرض
فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به فأمرهم أن يخطوا برجليه
الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف (2).
والمستفاد من هذه الروايات وغيرها أن المريض غير
القادر على الطواف بنفسه لا بد أن يطاف به ولا يجوز

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 8 - 9
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 8 - 9
111

أن يطاف عنه مع التمكن من تطوافه.
إلا أن هذه الروايات تعارضها روايات أخرى
وهي كثيرة
فمنها صحيحة جيب الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن يطاف
عن المبطون والكسير (1).
ومنها صحيحة حريز عنه عليه السلام قال: المريض المغلوب و
المغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: الكبير
يحمل فيطاف به، والمبطون يرمى عنه ويطاف عنه (3).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: الكسير
يحمل فيرمي الجمار، والمبطون يرمى عنه ويصلى عنه (4)
ومنها رواية إسحاق المتقدمة التي نبحث فيها فإنه عليه السلام
أمر من اعتل علة لا يقدر معها على اتمام الطواف بعد
ما أتى بأربعة أشواط بأنه يأمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط
(5) إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف ح 5 - 1 - 9 - 7
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف ح 5 - 1 - 9 - 7
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف ح 5 - 1 - 9 - 7
(4) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف ح 5 - 1 - 9 - 7
(5) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2
112

ولكن يمكن الجمع بين هذه الأخبار والأخبار المتقدمة
بحمل هذه الأخبار على من لا يقدر أن يطوف به غيره، و
تلك الأخبار على من يقدر على ذلك، ويستفاد هذه
المعنى من صحيحة جرير المتقدمة فإن المريض المغلوب يمكن
أن يكون المراد منه من غلب المرض على عقله بحيث لا يشعر
شيئا، والمغمى عليه يكون كذلك أيضا فالطواف بهما لا يفيد
شيئا لأنهما لا يشعران شيئا فكأنهما لا يقدران على الطواف
لغلبة المرض والاغماء على عقلهما.
وأما المبطون فحيث إنه لا يقدر على امساك نفسه فربما
يصير سببا لتلويث المسجد الحرام يكون حكمه أيضا كذلك أي
يطاف عنه ولا يطاف به.
وأما رواية إسحاق المتقدمة - حيث دلت
على أنه يصبر يوما أو يومين - فيمكن أن يكون هذا تكليف
من أتى ببعض الطواف ولو بالبعض غير المفيد المحكوم عليه
بأنه مثل من لم يطف أصلا.
الجهة الثانية في حكم صلاة الطواف الذي
113

يأتي بباقيه غيره، يستفاد من نقل الكافي أنه يأتي بها
هو بنفسه بعد إتمام الغير لطوافه، ومن نقل التهذيب
أنه يصلي ذلك الغير صلاة طوافه أيضا، ولا يمكن
الجمع بين النقلين إلا بأن يحتاط بأن يصلي هو بنفسه
ويأمر الغير أيضا بأن يصلى عنه.
ومن الروايات المفصلة بين التجاوز عن
النصف وغيره روايات من أحدث في أثناء الطواف.
منها مرسل ابن أبي عمير أو جميل عن أحدهما
عليهما السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد
طاف بعضه أنه يخرج ويتوضأ، فإن جاوز النصف
بنى على طوافه، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف
(1) وهذه الرواية من روايات اعتبار الطهارة في الطواف
ولم يذكرها الأستاذ.
ومنها رواية أبي بصير المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف
بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الطواف الحديث 1
114

ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية
طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت
طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف
من أوله (1).
ومثل هذه الرواية روايات الحائض التي تقدم بعضها
ويستفاد من هذه الروايات عدم الفرق بين الحدث
الأصغر والأكبر، وتعارض للرواية الأخيرة صحيحة محمد بن
مسلم عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن امرأة طافت
ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما، قال: تحفظ
مكانها، فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى (2).
إلا أنه لا بد من حملها على طواف النافلة لمخالفتها
للأخبار المعمول بها المفصلة بين تجاوز النصف وعدمه.
هذا - أي حدوث الحدث في أثناء الطواف - إذا
كان من غير اختيار فإن حكمه ما عرفت من التفصيل بين
تجاوز النصف وغيره، وأما إذا تعمد ذلك في أثناء

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
115

الطواف فحكمه حكم من تعمد القطع في بطلان طوافه بذلك
قيل: ومن الروايات المفصلة بين التجاوز النصف
وعدمه 7 قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو للسعي
في قضاء حاجة المؤمن.
ولكن روايات دخول البيت لم يكن التفصيل المذكور
فيها، وكذا روايات قضاء حاجة المؤمن، ولنذكر كلتي
الطائفتين حتى يتضح الأمر.
أما روايات دخول البيت فمنها صحيحة عمران الحلبي
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت
ثلاثة (وفي الجواهر (ثلاثة أشواط)) من الفريضة ثم وجد خلوة
من البيت فدخله، قال: يقضي طوافه وقد خالف السنة
فليعد طوافه (1).
ومنها رواية حفص بن البختري عنه عليه السلام فيمن
كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها
قال: يستقبل طوافه (2).
ومنها رواية ابن مسكان قال: حدثني من سأله
عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 9 - 1
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 9 - 1
116

ثم وجد خلوة من البيت فدخله، قال: نقض (يقضي
طوافه، وخالف السنة فليعد (1).
إلا أن هذه الروايات وإن لم يكن فيها تفصيل بين التجاوز
النصف وعدمه، بل رواية حفص مطلقة إلا أن صحيحة
الحلبي المتقدمة ورواية ابن مسكان قد قيدتا وجوب
الإعادة بما إذا أتى بثلاثة أشواط، فيعلم من الروايتين مع
ملاحظة الروايات أنه إذا جاء بأربعة أشواط أو جاوز
النصف، فحكمه ليس كذلك أي لا يجب عليه الإعادة، وهو
معنى التفصيل المذكور.
فحينئذ تحمل رواية حفص المتقدمة - وإن كانت مطلقة
- على ما إذا أتى بثلاثة أشواط، ثم دخل البيت بقرينة صحيحة
الحلبي ورواية ابن مسكان المتقدمتين.
وأما روايات قضاء حاجة المؤمن وكذا رواية عيادة المريض
فليس فيها التفصيل بين تجاوز النصف وعدمه فلنذكر بعض
ذلك بعون الله تعالى، فمنها صحيحة أبان بن تغلب عن

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4
117

أبي عبد الله عليه السلام في رجل طاف شوطا أو شوطين
ثم خرج مع رجل في حاجة، قال: إن كان طواف
نافلة بنى عليه، وإن كان طواف فريضة لم يبن (1).
ومنها خبره الآخر قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام
في الطواف فجاء رجل من إخواننا فسألني أن أمشي
معه في حاجة، ففطن به أبو عبد الله عليه السلام فقال:
يا أبان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجة فاقضها
له، فقلت: إني لم أتم طوافي، قال: احص ما طفت و
انطلق معه في حاجته، فقلت: وإن كان طواف فريضة؟
فقال: نعم وإن كان طواف فريضة (2).
ومنها رواية أبي الفرج (في عيادة المريض) قال:
طفت مع أبي عبد الله عليه السلام خمسة أشواط ثم قلت
إني أريد أن أعود مريضا فقال: احفظ مكانك
ثم اذهب فعده، ثم ارجع فأتم طوافك (3).
ومنها رواية أبي غرة قال: مر بي أبو عبد الله عليه السلام
وأنا في الشوط الخامس من الطواف، فقال لي: انطلق
حتى نعود ههنا رجلا، فقلت له: أنا (إنما خ ل) في خمسة أشواط

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4 - 7 - 6
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4 - 7 - 6
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4 - 7 - 6
118

من أسبوعي، فأتم أسبوعي؟ قال: اقطعه واحفظه من
حيث تقطعه حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه
فتبنى عليه (1).
هذه روايات قضاء الحاجة وعيادة المريض، وأوسطها
وإن كان مطلقا إلا أن رواية عيادة المريض قد جوزت للعيادة
بعد الاتيان بخمسة أشواط، والرواية الأولى قد فصلت
بين النافلة والفريضة، فحكمت بجواز البناء على الشوط أو الشوطين
إذا كان طواف النافلة وعدم جواز البناء إذا كان طواف
فريضة، فيستفاد من الرواية الأولى التفصيل المذكور أعني
التجاوز عن النصف وعدم وعليه تحمل الرواية الثانية التي
هي مطلقة،
ومن الروايات التي قيل بدلالتها على التفصيل المزبور
موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة
فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 10
119

قال: يرجع إلى البيت، فيتم طوافه، ثم يرجع إلى الصفا
والمروة، فيتم، قلت: فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل أن يبدأ
بالبيت، فقال: يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف
طوافه بين الصفا والمروة، قلت: فما فرق بين هذين؟
قال: لأن هذا قد دخل في شئ من الطواف، وهذا
لم يدخل في شئ منه (1).
وحكاه في الجواهر مع الاختلاف بما في الوسائل
فإنه قال: سأل الصادق عليه السلام عن رجل طاف بالبيت
ثم خرج إلى الصفا فطاف به، ثم ذكر أنه قد بقي عليه
من طوافه شئ إلى، فإن لفظ (شئ) - على رواية
الجواهر - ظاهر في الشئ اليسير، فيصير المفروض حينئذ
هو ما إذا بقي من الطواف شوط أو شوطان، ومن
المستبعد جدا أن يطوف شوطا أو شوطين أو ثلاثة
أشواط ثم ينسى فيشرع في السعي بين الصفا والمروة
فإن الغالب أن ينسى شيئا يسيرا من الطواف ويشرع
في السعي لا معظم الطواف كما لا يخفى، وترك

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3
120

الشئ اليسير مفروضه هو التجاوز عن النصف، ولا ينافيه
كلمة (شئ) الواقعة في آخر الرواية الظاهرة في الاتيان
بشئ يسير من الطواف الدالة على كفاية ذلك في البناء
على الطواف ووجوب الاتيان بباقيه، لأنه يمكن أن
يقال: إن اتيانه عليه السلام بكلمة (شئ) إنما هو لأجل حصول
المماثلة بين السؤال والجواب، فإن السائل ذكر كلمة (شئ)
في سؤاله الدال على الشئ اليسير، فذكر الإمام عليه السلام الشئ
لحصول المشاكلة إلا أن مراده (عليه السلام) من الشئ في الجواب
ولو بقرينة سائر الروايات هو ما إذا أتى
بمقدار ما يتجاوز عن النصف لا مطلقا.
وعلى فرض عدم وجود كلمة (شئ في السؤال
- كما في الوسائل - يمكن استظهار ذلك منه أيضا فإن
قوله * (إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت) ظاهر
في الشئ اليسير فإن من للتبعيض مع البيان الذي قدمناه
آنفا من أن من المستبعد جدا أن ينسى أكثر طوافه ثم
يشرع في السعي، ثم أنه إذا تجاوز عن النصف فهل يجوز
121

له أن يقطع الطواف عمدا لا لعذر أو لا؟ حكي
عن المفيد والديلمي الجواز إذا تجاوز عن النصف مطلقا
أي سواء كان لعذر أو لا، ويمكن أن يكون مستندهما
عدم وجود الدليل على اعتبار الموالاة في الطواف
إلا التأسي، والتأسي لا يدل على أكثر من الرجحان
مضافا إلا دلالة روايات قضاء حاجة المؤمن وعيادة
المريض وروايات الاستراحة على الجواز، أما روايات
قضاء حاجة المؤمن وعيادة المريض فقد تقدم بعضها.
وأما روايات الاستراحة في أثناء الطواف -
- فمنها مرسلة ابن أبي عمر عن أحدهما عليهما السلام في الرجل
يطوف، ثم تعرض له الحاجة، فقال: لا بأس أن
يذهب في حاجته أو حاجة غيره فيقطع الطواف
وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك،
فإذا رجع بنى على طوافه، وإن كان على أقل من النصف (1)
وذيل الرواية محمول على النفل.
ومنها رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 8
122

أنه سئل عن الرجل يستريح في طوافه؟ فقال: نعم أنا قد
كانت توضع لي موفقة فأجلس عليها (1)، إلى غير ذلك
من الأخبار.
والحاصل أنا لم نظفر على رواية دالة على اعتبار الموالاة
في الطواف بعد تجاوز النصف بل الروايات على خلافه
ثم على فرض اختصاص روايات التجاوز عن النصف
بالجاهل أو المعذور فهل يجب البناء على ما أتى به من الطواف
أو يجوز الاستئناف؟ مقتضى رواية حبيب بن مظاهر
المتقدمة (2) وجوب البناء فإنه قال له مولانا الحسين
عليه السلام - بعد ما استأنف طوافه -: بئسما صنعت)
لكن الرواية ضعيفة السند مع عدم انجبارها بعمل
الأصحاب، ويمكن أن يستدل لوجوب البناء بالروايات
الآمرة بالبناء من حيث قطع، إلا أنه يمكن أن يقال:
إن الأوامر الواردة في هذه الروايات إنما هي لدفع
توهم الحظر، فلا تدل على أكثر من الجواز، ويجوز أيضا

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2
123

قطع الطواف لصلاة فريضة بل لصلاة الوتر إذا ضاق
وقتها، بل قيل: لصلاة الجنائز كما عن الشهيد في الدروس
واللمعة والشهيد الثاني، بل نسب ذلك في التذكرة
والمنتهى - على ما حكي عنهما - إلى العلماء ما عد الحسن
البصري مشعرا بدعوى الاجماع عليه، ومستند ذلك
روايات:
منها حسنة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل كان في طواف النساء (الفريضة خ ل)
فأقيمت الصلاة، قال: يصلي معهم الفريضة، فإذا فرغ
بنى من حيث قطع (1).
ومنها رواية هشام عنه عليه السلام أنه قال في رجل
كان في طواف الفريضة، فأدركته صلاة فريضة، قال:
يقطع الطواف ويصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما
بقي عليه من الطواف (2).
ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
124

عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف
بعضه وبقي عليه بعضه، فطلع الفجر فيخرج من الطواف
إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر، فيوتر
ثم يرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف
ثم يوتر وإن أسفر بعض الأسفار؟ قال: ابدأ بالوتر و
اقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد (1).
هذا بالنسبة إلى صلاة الفريضة وصلاة الفجر وصلاة
الوتر.
وأما صلاة الجنازة فلم يرد فيها نص بالخصوص إلا
أنه يمكن الحاقها بصلاة الفريضة حيث إنها إحدى الفرائض
والظاهر أن مورد هذه الروايات هو ما تجاوز النصف،
واطلاق هذه الروايات غير مانع من ذلك بعد دلالة
الروايات المتقدمة على ذلك، فما عن الرياض من دعوى
الشهرة والاجماع على الاطلاق أي سواء كان قبل تجاوز
النصف أو بعده فيه أنه يمكن أن يكون المراد من اطلاق

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الطواف الحديث 1
125

المشهور أو الاجماع هو ما ذكرنا أعني ما إذا تجاوز عن النصف
وعدم ذكرهم هنا للتفصيل بين التجاوز عن النصف إنما
هو لأجل التعويل على ما ذكروه في غير هذا المقام.
وكيف كان فمع هذه الروايات الكثيرة الواردة في
الموارد المختلفة المفصلة بين التجاوز عن النصف وعدمه
كيف يمكن دعوى عدم ورود نص على التفصيل المذكور
كما حكاه - أي عدم ورود النص - صاحب الرياض
من جمع ممن تقدم كما تقدم
المسألة السابعة: قال في الشرائع: الطواف
ركن من تركه عامدا بطل حجه انتهى، وقال في الجواهر في
شرح قوله (ركن): اجماعا محكيا عن التحرير إن لم يكن محصلا انتهى
والدليل على ركنيته - بعد دعوى الاجماع - أو لا هو
استفادة ذلك من الروايات فإن ظاهرها كون
الطواف جزءا للحج أو للعمرة لا أنه من واجباته، ومقتضى
الجزئية هو انتفاء المركب بانتفاء وهو معنى البطلان
وهو حينئذ بمنزلة الاحرام والنية والسعي بين الصفا
126

والمروة والوقوفين في أن الظاهر من الأخبار إن كل واحد
منها جزء للحج وهو معنى الركنية.
وثانيا دلالة بعض الأخبار على ذلك:
منها صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف
الفريضة، قال: إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد،
وعليه بدنة (1).
ومنها خبر علي بن أبي حمزة قال: سئل عن رجل جهل
أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: إن كان
على وجه الجهالة أعاد الحج، وعليه بدنة (2).
والمراد بالإعادة في الرواية الأولى هو إعادة الحج
لا إعادة الطواف كما دل عليه هذا الخبر، فإذا دلت
الروايتان على بطلان الحج بترك الطواف جهلا فبطلانه
بترك الطواف متعمدا يكون أولى، ويقال لهذا
المفهوم: مفهوم الموافقة والأولوية، مثل قوله تعالى: ولا

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
127

تقل لهما أف) فإنه يستفاد منه حرمة الشتم والضرب
لهما بطريق أولى، ومن الروايتين يعلم أن الجاهل
بالحكم هنا بمنزلة العالم، فما عن المقدس الأردبيلي و
المحدث البحراني من الميل إلى عدم البطلان في الجاهل
بالحكم في غير محله.
وإن أمكن الاستدلال لهما بعموم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): رفع
ما لا يعلمون، لكن دلالة الرواية على قولهما إنما هي فيما إذا
كان المراد منها رفع الحكم أعني وجوب الطواف فيما نحن
فيه لا رفع المؤاخذة، وأما إذا كان المراد رفع المؤاخذة، و
العقاب كما هو ليس ببعيد، فليس فيها دلالة على صحة
قولهما، وعلى فرض دلالة قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رفع الحكم يمكن
تخصيص عمومه بالروايتين المتقدمتين الدالتين على بطلان
الحج بترك الطواف جهلا.
بقي الكلام فيما يتحقق به ترك الطواف، ففي
المسالك (وفي وقت تحقق البطلان بتركه خفاء،
فإن مقتضى قوله: ومن تركه ناسيا قضاه ولو بعد
المناسك أن العامد بطل حجه متى فعل المناسك بعده
128

وقد ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو قدم السعي على
الطواف عمدا بطل السعي ووجب عليه الطواف
ثم السعي، فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخير
الطواف عمدا، ويقوى توقف البطلان على خروج
وقت الحج وهو ذو الحجة، لأنه وقت لوقوع الأفعال في
الجملة خصوصا الطواف والسعي فإنه لو أخرهما طول
ذي الحجة صح، وغاية ما يقال: إنه، يأثم.
إلى أن قال: وفي حكم خروج الشهر انتقال الحاج
إلى محل يتعذر عليه العود في الشهر، فإنه يتحقق البطلان
حينئذ، وإن لم يخرج.
هذا في الحج، وأما العمرة فإن كانت عمرة التمتع
كان بطلانها بفواتها عمدا متحققا بحضور الموقفين بحيث
يضيق الوقت إلا عن التلبس بالحج ولما يفعله، وإن كانت
عمرة مفردة فبخروج السنة إن كانت المجامعة لحج الافراد
أو القران ولو كانت مجردة عنه فاشكال إذ يحقل حينئذ
129

بطلانهما بخروجه من مكة ولما يفعله، ويحقل أن يتحقق
في الجميع تركه بنية الاعراض عنه وأن يرجع فيه إلى ما
يعد تركا عرفا، والمسألة موضع اشكال انتهى. ولقد أجاد
قدس سره فيما أفاد.
هذا فيم إذا ترك الطواف عمدا، وأما إذا تركه سهوا
قضاه ولو بعد المناسك كما في الشرائع قال في الجواهر:
بلا خلاف معتد به أجده فيه بل عن الخلاف والغنية
الاجماع عليه انتهى، ومستند ذلك أو لا أدلة رفع
الخطأ والنسيان.
وثانيا صحيحة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عمن نسي طواف زيارة البيت حتى
يرجع إلى أهله فقال: لا يضره إذا قضى مناسكه (1).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده، و
واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان
تركه في حج يبعث به في حج، وإن كان تركه في عمرة

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
130

بعث به في عمرة، ويوكل من يطوف عنه ما تركه
من طواف الحج (1).
ومراده عليه السلام من قوله: يبعث به في الحج الخ أن المتروك
نسيانا إن كان طواف الحج يبعث بهديه فيما يكون
موضع هدي الحج - وهو منى - وإن كان طواف العمرة
يبعث بهديه إلى ما يكون موضع هدي العمرة وهو مكة
ويوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف الحج.
فما عن الشيخ في كتابي الأخبار والحلبي من الحكم
بالبطلان بترك الطواف سهوا وحمل الصحيحة الأولى
على طواف الوداع والثانية على طواف النساء خلاف
ما يظهر من الصحيحتين، وإن استدل الشيخ قدس سره لذلك
برواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل
له النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر من يقضي عنه، فإن
توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره (2).

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 6
(2) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1 - 6
131

إلا أن هذه الرواية لا دلالة فيها على أن الصحيحتين
المتقدمتين المقصود منها طواف النساء إذ من الممكن
أن يكون حكم كلا الطوافين واحد، وهو وجوب القضاء
عليه لو نسيهما لا بطلان الحج، مضافا إلى عدم الدليل على
بطلانه بترك الطواف سهوا.
هذا - أي قضائه للطواف بنفسه - إذا أمكنه العود
وأما إذا لا يمكنه العود استناب من يطوف عنه، ويمكن
حمل الصحيحتين المتقدمتين على ذلك، بأن يقال
إن المراد بقوله: حتى يرجع إلى أهله) عدم امكان الرجوع ولو
عادة للاتيان بالطواف وليس المراد عدم الامكان العقلي
بل عدم الامكان العرفي، ومن المعلوم أن من رجع إلى بلاده
لا يمكنه الرجوع عرفا خصوصا في الأزمنة السابقة لفقدان
الوسائل وممنوعية الطرق وعدم للمصاحب.
وكيف كان فهل يجب مع إعادة الطواف إعادة السعي
أيضا أولا يمكن أن يقال بالأول بل الأحوط لو لم يكن أقوى ذلك
فإنه يستفاد من بعض الروايات أنه إذا قدم السعي على
الطواف يجب عليه إعادة السعي بعد الطواف، وهو
132

صحيح منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف
بالبيت، فقال: يطوف بالبيت، ثم يعود إلى الصفا و
المروة فيطوف بهما (1).
ولكن تعارض هذه الرواية روايته الأخرى قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة
قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي، قلت:
إن ذلك قد فاته، قال: عليه دم، ألا ترى أنك إذا غسلت
شمالك قبل يمينك كان عليه أن تعيد على شمالك (2)
وكذا يعارضها سكوت رواية الاستنابة في طواف
النساء لو نسيه حتى أتى أهله.
وهي حسنة معاوية بن عمار أو صحيحة قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل
أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر
من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه

(1) - (2) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
133

فليقض عنه وليه أو غيره (1).
ويمكن دفع المعارضة بأن ظاهر الرواية الأولى أعني
رواية منصور بن حازم الأخرى هو ما ذكرنا من وجوب
استيناف السعي لو قدمه على الطواف، وأما قوله:
عليه دم فلا يدل على خلاف ذلك لعدم نفيه عليه السلام
لوجوب الإعادة، غاية الأمر أنه ذكر (عليه السلام) أن عليه دما
وأحال ذكر الإعادة بما ذكره أولا من قوله (عليه السلام): ثم يستأنف
السعي، وما ذكره أخيرا من تشبيه تقديم السعي على
الطواف بتقديم الشمال على اليمين في الوضوء حيث
إنه لا فرق في وجوب الإعادة بين ما إذا قدم الشمال
على اليمين عمدا أو سهوا.
وأما الرواية الأخيرة فيمكن الإحالة فيها على ما ذكره (عليه السلام)
في سائر الروايات أو ما يستفاد من سائر الروايات
من وجوب الترتيب بينهما والله العالم.
هذا كله بالنسبة إلى ترك الطواف، وأما إذا شك

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6
134

في عدد الأشواط أو شك في صحة الطواف وفساده فإن
كان بعد الفراغ لم يلتفت إلى شكه لجريان قاعدة الفراغ
المستفادة من الأخبار، وخصوص صحيحة منصور بن حازم
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف طواف
الفريضة، فلم يدر ستة طاف أو سبعة؟ قال: فليعد طوافه
قلت: ففاته، قال: ما أرى عليه شيئا، والإعادة أحب
إلى وأفضل (1).
وصحيحة الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إني طفت فلم أدرأ ستة طفت أم سبعة؟ فطفت طوافا
آخر، فقال: هلا استأنفت؟ قلت وذهبت، قال: ليس
عليك شئ (2).
وصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: سألته عن
رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر ستة طاف
أم سبعة؟ قال: يستقبل، قلت: ففاته ذلك، قال: ليس
عليه شئ (3).

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف للحديث 3 - 8 - 10
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف للحديث 3 - 8 - 10
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف للحديث 3 - 8 - 10
135

ثم إن الشك إن كان في أثناء الطواف فإن كان
الشك في الزيادة - بعد العلم بالاتيان بالسبعة قطع الطواف
ولا شئ عليه.
لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر
أسبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: أما السبعة فقد استيقن
وإنما وقع وهمه على الثامن (1).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: قلت له: رجل
طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟ قال: يصلي
ركعتين (2).
وصحيحة جميل أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
طاف سبعا طاف أم ثمانية؟ قال: يصلي ركعتين (3)
هذا إذا بلع الركن الذي فيه الحجر الأسود فإنه متيقن
حينئذ أنه فرغ من الشوط ويشك في الزيادة فإن الأصل
يقتضي عدمها، وأما إذا شك في أثناء الشوط أنه
السابع أو الثامن فالظاهر البطلان لتردده بين المحذورين

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الطواف ح 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الطواف ح 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الطواف ح 1 - 2 - 3
136

وهما الاكمال - أي اكمال الشوط - المحتمل للزيادة العمدية و
القطع المحتمل للنقيصة العمدية، فحينئذ لا مجال إلا القول
بالبطلان،
هذا كله في الزيادة،
وأما إذا كان الشك في النقصان فإنه استأنف
في الفريضة، قال في الجواهر: كما في المقنع والنهاية و
المبسوط والسرائر والجامع والغنية والمهذب والجمل و
العقود والتهذيب والنافع والقواعد وغيرها على ما
حكي عن بعضها، ولذا نسبه في المدارك إلى المشهور
بل في محكى الغنية الاجماع وهو للحجة انتهى.
مضافا إلى دلالة الأخبار عليه كصحيحة منصور بن حازم
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف طواف
الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: فليعد طوافه (1) الخبر
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام حيث سأله عن رجل
شك في طواف الفريضة، قال: يعيد كلما شك (2)

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12
137

ومنها روايته الأخرى قال: قلت له: رجل طاف بالبيت
طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟
قال: يعيد طوافه حتى يحفظ (1) الحديث.
ومنها رواية محمد بن مسلم أو صحيحة قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل بالبيت فلم يدرأ ستة طاف أو
سبعة طواف فريضة؟ قال: فليعد طوافه (2) الحديث.
هذا كله بالنسبة إلى الفريضة
وأما النافلة فإنه إذا شك في النقيصة فيها فلا يبطل طوافه
بل يبني على الأقل، ومستنده روايات.
منها موثقة حنان بن سدير قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما تقول في رجل طاف فأوهم، قال: طفت
أربعة أو طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: أي
الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال
إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف
وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة وهو في شك
من الرابع أنه طاف فليبن علي الثلاثة فإنه يجوز له (3).
ومنها مرسلة الصدوق قال: وسئل عليه السلام عن رجل

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 11 - 1 - 7
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 11 - 1 - 7
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 11 - 1 - 7
138

لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: طواف نافلة أو
فريضة؟ قيل: أجبني فيها جميعا، قال: إن كان طواف
نافلة فابن علي ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد
الطواف (1).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل شك في طواف الفريضة، قال: يعيد كلما
شك، قلت: جعلت فداك شك في طواف نافلة
قال: يبني على الأقل (2).
المسألة الثامنة قال في الشرائع: من نسي طواف
الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع قيل: عليه بدنة، والرجوع
إلى مكة للطواف، وقيل: لا كفارة عليه، وهو الأصح، و
يحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر انتهى
إما القول الأول فقائله الشيخ وابنا البراج وسعيد على
ما حكي عنهم قدس الله أرواحهم، ويمكن الاستدلال
لهم بحسنة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6 - 12
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6 - 12
139

عن متمتع وقع على أهله ولم يزر البيت قال: جزر جزورا
وقد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان
جاهلا فلا شئ عليه (1).
بتقريب أنه بعمومه يشمل الناسي وأن قوله (عليه السلام):
وإن كان جاهلا فلا شئ عليه هو نفي البطلان ونفي
الثلم ونفي الإثم دون نفي الكفارة.
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم
بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي
إن كان تركه في حج، وإن كان تركه في عمره بعث به
في عمرة، ووكل من يطوف عنه ما تركه في طوافه (2).
وصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور
البيت، قال: يهريق دما (3).
وأما وجه القول الثاني الذي قائله الحلي والفاضل
والشهيدان - على ما حكي عنهم - فمستنده أولا أدلة رفع

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 - 2
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 - 2
140

النسيان وثانيا دلالة بعض الأخبار عليه.
منها مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام قال:
إن جامعت وأنت محرم (إلى أن قال): وإن كنت ناسيا
أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليك (1).
ومنها الرواية المروية عن العلل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
في المحرم يأتي أهله ناسيا، قال: لا شئ عليه إنما هو بمنزلة من
أكل في شهر رمضان وهو ناس (2).
وحينئذ يقع التعارض بين هاتين الروايتين والروايات
المتقدمة الدالة على ثبوت الكفارة عليه.
لكن التحقيق أنه لا معارضة بينها لامكان حمل بعض تلك
الروايات أعني صحيحة العيص وحسنة معاوية بن عمار على صورة
العلم بالحرمة وحمل قوله عليه السلام: إن كان عالما على الحكم بوجوب
نحو الجزور، لا على قوله: وقد خشيت الخ يعني إن كان عالما يجب
عليه نحر الجزور ويخشى أن يكون قد ثلم حجه أي بطل لأنه أتى
به عالما، فقيد (إن كان عالما) قيد المجموع الحكمين أعني وجوب

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 5
141

نحر الجزور عليه وانثلام حجه، فعند ذلك يمكن ادراج صورة
النسيان في قوله (عليه السلام): وإن كان جاهلا فلا شئ عليه) بناءا على
شمول الجهل لصورة النسيان، والمراد بعدم شئ عليه
نفي جميع الأشياء عليه من الكفارة وغيرها لا نفي الإثم
والثلم فقط كما احتمله صاحب الجواهر.
وأما صحيحة علي بن جعفر فيمكن حملها على صورة من
واقع بعد الذكر جمعا بينها وبين غيرها من الروايات والأدلة
الدالة على معذورية الناسي، فحينئذ يمكن حمل القول الأول
- أعني وجوب نحر الجزور - على ذلك أيضا، فعند ذلك
لم يكن في المسألة خلاف، لأن المثبتين للكفارة يكون
نظرهم المواقعة بعد الذكر، والنافين لها يكون نظرهم في
ما إذا لم يتذكر حين المواقعة بل تذكر بعدها والله العالم
المسألة التاسعة: قال في الشرائع: من نسي
طواف النساء جاز أن يستنيب)
وقال في الجواهر:: بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى
بل الاجماع بقسيميه عليه إنما الكلام في جواز ذلك اختيارا
كما هو ظاهر المتن أو صريحه انتهى، ومستند هذا الحكم
بعد دعوى الاجماع في غير صورة حال الاختيار روايات
142

منها حسنة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال:
يرسل، فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف
عنه وليه (1).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يرسل فيطاف
عنه، وإن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه (2).
وهاتان الروايتان وإن كانتا مطلقتين بحيث تندرج
فيهما حالة الاختيار أي صورة التمكن من اتيانه لطواف النساء
بنفسه إلا أن بعض الأخبار يستفاد منه اختصاص هذا الحكم
بغير صورة الاختيار.
كصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له
النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر من يقضي عنه، إن لم
يحج فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره (3)
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام في رجل نسي طواف

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 3 11 - 6
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 3 11 - 6
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 3 11 - 6
143

النساء حتى أتى الكوفة قال: لا تحل له النساء حتى يطوف
بالبيت، قلت: فإن لم يقدر، قال: يأمر من يطوف
عنه (1).
وصحيحته الثالثة عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل
نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال:
لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات
فليقض عنه وليه أو غيره، فأما ما دام حيا فلا يصلح
أن يقضي عنه، وإن نسي الجمار فليسا بسواء إن
الرمي سنة والطواف فريضة (2).
وتقريب دلالة هذه الأخبار على اختصاص هذا
الحكم أعني جواز الاستنابة بمن لا يقدر على الطواف بنفسه
أن الصحيحة الأولى قد قيدت حكم الاستنابة بقوله:
(إن لم يحج) ومعناه إن لم يقدر على الحج، وإن كان يحتمل
أن يكون المراد إن لم يرد أن يحج هو وإن كان قادرا
عليه إلا أن ظاهر سائر الروايات أن المراد من ذلك
من لا يقدر عليه، والصحيحة الثانية قد قيدت الحكم بأنه
يأمر من يطوف عنه بقول السائل: (فإن لم يقدر)

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 4 - 2
144

والتقييد - وإن كان في كلام السائل - إلا أن الحكم المزبور
مبتن على هذا المفروض، فتعديه إلى غيره يحتاج إلى دليل.
والصحيحة الثالثة دلت على عدم جواز اتيان الغير
بهذا الطواف، بل لا بد من اتيانه بنفسه، ولكن لا بد
من حملها على صورة الاختيار جمعا بينها وبين غيرها فحينئذ
مقتضى الجمع بين هذه الروايات والروايتين المتقدمتين الدالتين
باطلاقهما على جواز الاستنابة مطلقا - بحمل الروايتين على صورة
عدم التمكن من اتيان الطواف بنفسه.
مضافا إلى أن في الروايتين المتقدمتين اشعارا بعدم
التمكن، فإن من رجع إلى أهله غير متمكن عادة للرجوع إلى مكة
والآتيان للطواف بنفسه خصوصا من كان منزله
من البلاد للبعيدة وخصوصا في الأزمنة السابقة
التي لم توجد فيها هذه المراكب الحديثة، فالتقييد بالرجوع
إلى أهله كأنه إشارة إلى عدم تمكنه من اتيان الطواف
بنفسه، وكيف كان ولم يقضه قضاه عنه وليه مباشرة أو استنابة
كما سمعته من النصوص.
145

(المسألة العاشرة:
قال في الشرائع: من طاف كان بالخيار في تأخير
السعي إلى الغد انتهى.
ومستند الحكم صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما
عليهما السلام عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر الطواف
بين الصفا والمروة؟ قال: نعم (1).
وهذه الرواية - وإن كانت مطلقة تشمل جواز التأخير
إلى الغد كما ذكره في الشرائع - إلا أن في بعض الأخبار ما
يدل على عدم جوازه إلى الغد بل حدد الجواز إلى الليل
كصحيحة العلاء بن رزين قال: سألته عن رجل طاف
بالبيت فأعيى، أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى
غد؟ قال: لا (2).
وصحيحة عبد الله بن سنان - على ما في محكى التهذيب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقدم مكة
وقد اشتد عليه الحر، فيطوف بالكعبة أيؤخر السعي إلى أن
يبرد؟ فقال: لا بأس به، وربما فعلته، وقال: وربما رأيته

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3
146

يؤخر السعي إلى الليل (1).
فحينئذ الأقوى عدم جواز التأخير إلى الغد، وفاقا
للأكثر بل لما عدى صاحب الشرائع كما في الجواهر، نعم يجوز
التأخير إلى الغد بل إلى ما بعد الغد مع عدم القدرة على
اتيانه في وقته لامتناع التكليف بغير المقدور.
(المسألة الحادية عشر:)
أنه يجب على المتمتع تأخير الطواف والسعي
حتى يقف بالموقفين بلا خلاف محقق معتد به
أجده بل الاجماع بقسميه عليه قاله في الشرائع والدليل على بعد
الاجماع روايات:
منها رواية أبي بصير المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب، قال:
قلت: رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال: لا يطوف بالبيت
حتى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من
غير علة فلا يعتد بذلك الطواف (2).

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الطواف الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5
147

ومنها مفهوم موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا
الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف
الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟ قال: نعم
من كان هذا يعجل (1).
فإنه يستفاد من مفهوم قوله: من كان هكذا يعجل أن
من لم يكن هكذا لا يجوز له التعجيل.
ومنها مفهوم رواية صفوان بن يحيى التي هي كالصحيحة
- كما في الجواهر - عنه عليه السلام قال: سألته عن امرأة
تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و
خافت الحيض قبل يوم النفر أيصلح لها أن تعجل طوافها
طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت أن
تضطر إلى ذلك فعلت (2).
ومفهوم الرواية أنها إن لم تضطر إلى ذلك لا يجوز لها ذلك
إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها، وربما يحكى عن
بعض متأخري المتأخرين جواز التقديم استنادا إلى اطلاق
بعض الروايات كصحيحة علي بن يقطين قال: سألت

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 7
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 2
148

أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المتمتع يطوف ويسعى بين الصفا
والمروة قبل خروجه إلى منى، قال: لا بأس (1).
وصحيحة حفص بن البختري عنه عليه السلام في تعجيل الطواف
قبل الخروج إلى منى، فقال: هما سواء: أخر ذلك أو قدمه
يعني المتمتع (2).
ولكن لا بد من تقييد اطلاقهما بسائر الأخبار وحملهما
على صورة الاضطرار.
هذا كله بالنسبة إلى حال الاختيار، وأما بالنسبة إلى حال
الاضطرار كالخوف والمرض والحيض ونحو ذلك فيجوز
تقديمهما على الوقوفين وهو اجماعي، وتدل عليه روايات كثيرة
قد تقدم بعضها ونتلو عليك روايات أخرى.
منها رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا بأس أن يجعل الشيخ الكبير والمريض والمرأة
والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى (3).

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 6
149

ومنها حسنة الحلبي ومعاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: لا بأس
بتعجيل الطواف للشيخ الكبير المرأة تخاف الحيض قبل أن
تخرج إلى منى (1).
إلى غير ذلك من الأخبار، هذا كله بالنسبة إلى طواف
الحج، وأما طواف النساء فعن ابن إدريس عدم جواز تقديمه على
الوقوفين، واستدل لذلك بأمور.
الأول الأصل، والظاهر أن مراده به استصحاب عدم
الجواز فإنه قبل ذلك كان تقديمه على الوقوفين غير جائز، و
بعد عروض العارض - وهو احتمال عروض الحيض مثلا -
نشك في جواز تقديمه فالأصل يقتضي العدم.
الثاني اتساع وقته حيث إنه يجوز الاتيان به طول
ذي الحجة، فلا وجه لجواز تقديمه مع احتمال عروض الحيض
عدة أيام.
الثالث الرخصة في الاستنابة فيه، فعلى فرض عدم
امكان اتيانه للطواف يستنيب فيه فلا وجه لتجويز تقديمه له
الرابع خروجه من أجزاء النسك، الخامس عموم قول

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 4
150

الصادق عليه السلام لإسحاق بن عمار: إنما طواف النساء
بعد أن يأتي منى (1).
وخصوص رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نسائه، وقد
أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي
على بعضهن الحيض فقال: إذا فرغن من متعتهن وأحللن
فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل
وتهل بالحج من مكانها، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة
فإن حدث بها شئ قضت بقية المناسك وهي طامث
قال: فقلت: أليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى قلت:
فهي موتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم قلت فلم لا يتركها حتى
تقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها
من أن يبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان.
قلت: أبي الجمال أن يقيم عليها والرفقة، قال: ليس لهم
ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكه (2)

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 4
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 5
151

إلا أنه يمكن أن يجاب عن هذه الوجوه بأن الأصل مقطوع
بالدليل الذي مستمعه إن شاء الله، واتساع الوقت
مخالف للمفروض الذي هو الضرورة وهو ضيق
الوقت وعدم القدرة على اتيانها له بعد المناسك
والرخصة في الاستنابة إنما هي في صورة نسيان طواف
النساء خاصة، فلا يمكن الحاق صورة الضرورة به لأنه
قياس لا نقول به.
وخروجه عن أجزاء المناسك لا يثبت المنع من
تقديمه بعد ما علم أنه من الواجبات أيضا.
والرواية معارضة لخبر علي بن يقطين أو صحيحه
قال: سألت أبا الحسن الأول عليه السلام يقول: لا بأس
بتعجيل الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل
خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له
الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت، ثم
يمر كما هو من منى إذا كان خائفا (1).
وهذه الرواية على فرض ضعفها يجبر ضعفها بعمل

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1
152

الأصحاب بخلاف تلك الرواية فإنها ضعيفة غير منجبر
ضعفها بعملهم مع احتمال أن يكون المراد أنها قادرة على الاتيان
بطواف النساء بعد الوقوفين، بل قيل بظهورها في ذلك
وهذه الرواية الأخير وإن كان صدرها مطلقا يشمل
صورة الاختيار إلا أن قوله عليه السلام في آخر الرواية (إذا كان
خائفا) يمكن أن يكون قيدا لكلتا الجملتين، وعلى فرض الاجمال
لا بد من حملها على ذلك بقرينة فتوى الأصحاب في خصوص
هذا المورد.
هذا كله في حج التمتع بالنسبة إلى طواف الحج
وأما حج القران أو الافراد فلا خلاف في جواز تقديم
طوافهما على الوقوفين اختيارا إلا من ابن إدريس أيضا لدلالة
جملة من النصوص.
منها نصوص حجة الوداع فراجعها (1).
ومنها صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: هو والله

(1) الوسائل 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 13 - 14 - 31 - 32
153

سواء عجله أو أخره (1).
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا و
المروة أيعجل طواف النساء؟ قال: لا، إنما طواف النساء
بعد أن يأتي منى (2)
ودلالة هذه الرواية غير ظاهرة فيما نحن بصدده
من جواز تقديم طواف المفرد على الوقوفين وإن استدل
بها صاحب الجواهر.
ومنها موثقة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن المفرد للحج يقدم مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال: سواء (3)
إلى غير ذلك من الأخبار
(المسألة الثانية عشر:)
أنه لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و
لا لغيره قاله في الشرائع، وقال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل يمكن دعوى تحصيل
الاجماع عليه انتهى ومستند هذا الحكم - بعد الاجماع - روايات

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2
154

منها صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال
في حديث: ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع
كما صنعت يوم دخلت ثم ائت المروة فاصعد عليها
وطف بهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة فإذا
فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه
إلا النساء، ثم ارجع إلى البيت وطف به أسبوعا آخر
ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (1).
ومن المعلوم أن ثم للترتيب، فيستفاد من الرواية أن
طواف النساء بعد السعي.
ومنها مرسلة أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام: جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف
الحج ثم طاف طواف النساء، ثم سعى قال: لا يكون
السعي إلا من قبل طواف النساء، فقلت: أفعليه شئ؟
قال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء (2).
وضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب، ونحوها

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1
155

غيرهما،
ولا يعارضهما صحيح سماعة بن مهران أو موثقته عن أبي
الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن رجل طاف
طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا
والمروة، قال: لا يضره: يطوف بين الصفا والمروة، و
قد فرغ من حجه (1).
لأنه يمكن حمله على الضرورة أو على النسيان، نعم يجوز
تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة كخوف
الحيض، ويمكن الاستدلال لذلك بصحيحة سماعة بن
مهران أو موثقته المتقدمة آنفا.
وبفحوى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزار
قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل
فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف
طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فأطرق
وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها
جمالها: تمضي فقد تم حجها (2)، بتقريب أنه إذا كان ترك طواف

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 13
156

النساء عند الضرورة جائزا فتقديمه بطريق أولى مضافا
إلى دعوى الاجماع على جواز التقديم عند الضرورة
هذا كله في ما إذا قدم طواف النساء على السعي
عمدا، وأما إذا قدمه ساهيا أجزأه ذلك ولا شئ عليه
وقد عرفت حمل صحيحة سماعة أو موثقته المتقدمة آنفا على
ذلك أي على صورة النسيان.
(المسألة الثالثة عشر:)
قيل: لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة، ومنهم
من خص ذلك بطواف العمرة نظرا إلى تحريم تغطيه الرأس
قاله في الشرائع.
ويمكن أن يكون مستند القول الأول - أعني التحريم في
مطلق الطواف برواية يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة (1).
وبرواية يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد الله عليه السلام
أطوف حول الكعبة وعلى برطلة، فقال لي بعد ذلك: رأيتك

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 1
157

تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، لا تلبسها حول الكعبة
فإنها من ذي اليهود (1).
ويستفاد من عموم التعليل في الرواية الثانية أن حرمة
لبسها في الطواف ليس لأجل حرمة تغطية الرأس فيه
بل لأجل أنها من زي اليهود، فتشمل طواف الحج الذي
يجوز فيه تغطية الرأس كما سيجئ بيانه.
ولكن الروايتين ضعيفتا السند مضافا إلى أن التعليل
في الرواية الثانية يستشعر منه الكراهة.
وأما وجه القول الثاني - أعني حرمة لبس البرطلة
في طواف العمرة - فلحرمة تغطية الرأس فيها بل يمكن
القول بحرمة لبسها في طواف الحج أيضا إذا قدمه على
الوقوفين للضرورة، وهذا القول هو الأقوى أعني
حرمة لبسها في ما إذا قلنا بحرمة تغطية الرأس، والكراهة
في غير هذه الصورة، وكيف كان فلو طاف وعليه
برطلة صح طوافه إلا أنه أثم لا لأجل أن النهي متعلق
بأمر خارج عن الطواف بل لأجل حرمة تغطية الرأس

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 2
158

(المسألة الرابعة عشر:)
أن طواف النساء واجب في الحج بجميع أنواعه، قال
في الجواهر: اجماعا بقسميه، بل المحكى منهما مستفيض انتهى
ويدل على وجوبه جملة من النصوص.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
قال: على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف وسعيان
بين الصفا والمروة: فعليه إذا قدم مكة طواف البيت
وركعتان عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة
ثم يقصر وقد أحل، هذا للعمرة، وعليه للحج طوافان وسعى
بين الصفا والمروة، ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين
عند مقام إبراهيم (1).
ومنها صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: على
المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف، ويصلي لكل طواف
ركعتين، وسعيان بين الصفا والمروة (2).
ومنها حسنة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: المفرد عليه

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9
159

طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم وسعى
بين الصفا والمروة وطواف الزيارة وطواف النساء (1) الخبر
إلى غير ذلك من الأخبار.
واطلاق هذه الأخبار يقتضي عدم الفرق بين الرجال
والنساء بل الخناثى والصبيان والخصيان.
مضافا إلى صحيحة الحسين بن علي بن يقطين قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة
أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم (2)
فيستفاد من هذه الصحيحة أن وجوب طواف
النساء ليس مختصا بمن يشتهي النساء مضافا إلى دعوى
الاجماع على ذلك، قال الشهيد قدس سره على ما حكي
عنه -: وليس طواف النساء مخصوصا بمن يشتهي
النساء اجماعا، فيجب على الخصي والمرأة والهم وعلى
من لا إربة له فيهن انتهى.
هذا كله بالنسبة إلى الحج مطلقا أي سواء كان حج

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13
(2) لم أضفر بها عجالة في مظانها
160

التمتع أو القران أو الافراد.
وأما العمرة فإن كانت عمرة التمتع فلا يجب فيها طواف
النساء، وأما العمرة المفردة فيجب فيها طواف النساء ومستند
الحكمين - بعد دعوى عدم الخلاف على ذلك إلا من الشاذ
هو دلالة جملة من الروايات عليه:
منها رواية إسماعيل بن رياح قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: نعم (1).
ومنها صحيحة محمد بن عيسى قال: كتب أبو القاسم مخلد
بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة على
صاحبها طواف النساء؟ وعن التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب (عليه السلام)
أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، وأما التي
يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء (2).
ومنها اطلاق رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المعتمر يطوف ويسعى
ويحلق، ولا بد له من طواف آخر (3).

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
161

واطلاقها وإن كان يشمل العمرة المتمتع بها إلا أنها
مخصصة بروايات أخرى
نعم تعارض هذه الروايات روايات أخرى
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت
وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا
والمروة فيلحق (فليلحق ظ) بأهله إن شاء (1).
ومنها صحيح صفوان بن يحيى قال: سأله (عليه السلام) أبو
حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى
وقصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنما طواف
النساء بعد الرجوع من منى (2).
ومنها مرسلة يونس عمن رواه أنه قال: ليس طواف
النساء إلى علي الحاج (3)
ومنها رواية أبي خالد مولى علي بن يقطين قال:
سألته أبا الحسن عليه السلام عن مفرد العمرة، عليه طواف
النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء (4).

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6 - 10 - 9
(3) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6 - 10 - 9
(4) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6 - 10 - 9
162

ويمكن دفع المعارضة بين هذه الروايات والروايات
المتقدمة بأن يقال: إنه ليس في هذه الروايات نفي
وجوب طواف النساء صريح إلا هذه الرواية الأخيرة
أعني رواية أبي خالد وهي غير جامعة لشرائط الحجية
مع عدم انجبار ضعفها بعمل الأصحاب، فإن صحيحة
معاوية بن عمار يمكن حملا على تعدد الطواف وليس
فيها التصريح بوحدة الطواف.
وصحيحة صفوان يحتمل أن يكون المنفي فيها طواف
النساء في العمرة المتمتع بها كما صرحت بذلك في صدرها
ومرسلة يونس يمكن حمل الحاج فيها على ما يشمل
المعتمر وإن كان ذلك على خلاف الظاهر إلا أنه
لا بد من حملها على ذلك أو طرحها لاعراض الأصحاب
عنها إلا ما حكي عن الجعفي من عدم وجوب طواف النساء
في العمرة المفردة وهو قول شاذ والأقوى وجوبه فيها.
(الثامن من واجبات الحج:)
السعي بين الصفا والمروة، ومقدماته عشرة، كلها
163

مندوبة.
الأولى: الطهارة من الحدث: وفاقا للمشهور شهرة
عظيمة كادت تكون اجماعا بل في محكى المنتهى نسبته
إلى علمائنا مشعرا به، بل هي كذلك إذ لم يحك الخلاف
فيه إلا من العماني، قاله في الجواهر.
ومستند القول بالاستحباب صحيحة معاوية بن
عمار عن الصادق عليه السلام قال: لا بأس بأن تقضي
المناسك كلها على غير وضوء إلى الطواف فإن فيه
صلاة، والوضوء أفضل (1).
وصحيحة الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى
قال: تسعى، قال: وسألته عن امرأة سعت بين الصفا
والمروة فحاضت بينهما، قال: تتم سعيها (2)
ورواية يحيى الأزرق قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام: رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة
أشواط أو أربعة، ثم بال، ثم أتم سعيه بغير وضوء فقال
لا بأس، ولو أتم مناسكه بوضوء لكان أحب إلي (3).

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 1 - 6
(2) الوسائل الباب 89 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 1 - 6
164

ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء
فقال: لا بأس (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.
فحينئذ يمكن حمل خبر ابن فضال عن أبي الحسن
عليه السلام قال: لا يطوف ولا يسعى إلى علي وضوء (2).
وصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض؟ قال: لا،
إن الله يقول (إن الصفا والمروة من شعائر الله) (3) -
على الكراهة جمعا بينهما وبين غيرهما من الأخبار المتقدمة
المعتضدة بعمل الأصحاب التي هي أكثر عدد أو أصح سندا
الثاني من المندوبات استلام الحجر.
الثالث الشرب من ماء وزمزم
الرابع صب ماء زمزم على الجسد من الدلو المقابل للحجر
الخامس أن يخرج من الباب المحاذي للحجر

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 4 - 7 - 3
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 4 - 7 - 3
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 4 - 7 - 3
165

السادس أن يصعد الصفا.
السابع أن يستقبل الركن العراقي الذي فيه الحجر
الأسود حين كونه على الصفا
الثامن أن يحمد الله عز وجل ويثني عليه.
التاسع أن يطيل الوقوف على الصفا ويكبر الله
سبعا ويهلله سبعا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت، ويميت
ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شئ قدير.
العاشر الدعاء بالمأثور، وتفصيل هذه المستحبات
موكول إلى محله، راجع الجواهر أو غيرها من الكتب الفقهية
وأما الواجب في السعي فأربعة، الأولى النية
ويكفي فيها الداعي بنية القربة، فلا يجب فيه الاخطار
بالبال ولا نية الوجه، نعم يعتبر فيها تعيين نوع السعي
من أنه للعمرة أو للحج، ويكفي استدامتها لجميع الأشواط
بحيث لا يكون غافلا عما يفعله، فلا يعتبر تجديدها عند
166

كل شوط كما أن الأمر في الطواف يكون كذلك.
الثاني الابتداء من الصفا.
الثالث الختم بالمروة، بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه كما في الجواهر مضافا إلى دلالة النصوص عليه:
منها رواية معاوية بن عمار أو صحيحة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين فرغ
من طوافه وركعتيه قال: ابدؤا بما بدأ الله به: من اتيان
الصفا، إن الله عز وجل يقول: إن الصفا والمروة من
شعائر الله (1) الحديث.
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في بيان
صفة حج النبي صلى الله عليه وآله وهو حديث طويل أنه
- أي النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: إن الصفا والمروة
من شعائر الله) فابدؤا بما بدأ الله به، وإن المسلمين كانوا
يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه
المشركون، فأنزل الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 7
167

الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف
بهما) ثم أتى الصفا فصعد عليه فاستقبل الركن اليماني
فحمد الله وأثنى عليه ودعى مقدار ما تقرأ سورة
البقرة مترسلا، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما
وقف على الصفا وعاد إلى الصفا، ثم انحدر إلى
المروة حتى فرغ من سعيه (1) الحديث.
ومنها صحيحته الثالثة عنه عليه السلام قال: المفرد للحج
عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم، و
سعى بين الصفا والمروة (2) الحديث.
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أنه قال في صفة
حج النبي صلى الله عليه وآله: ثم قال (أي النبي صلى
الله عليه وآله): ابدأ بما بدأ الله عز وجل به، فأتى
الصفا فبدأ بها، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا
فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا (3) الخبر وهو
طويل إلى غير ذلك من الأخبار.
فلو ابتدأ بالمروة أعاد سعيه سواء كان عامدا لو ناسيا

(1) الوسائل الباب من أبواب أقسام الحج الحديث 4 - 13
(2) الوسائل الباب من أبواب أقسام الحج الحديث 4 - 13
(3) الوسائل الباب من أبواب أقسام الحج الحديث 4 - 13
168

لصحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: من بدأ بالمروة
قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة (1)
وروايته الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في حديث
وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا (2).
ورواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد
ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه (في الوضوء) كان عليه
أن يبدأ بيمينه، ثم يعيد على شماله (3).
ورواية على الصائغ قال: سأل أبو عبد الله عليه السلام
وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد
ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه
ثم يعيد على شماله (4).
ومقتضى التشبيه بالوضوء في الروايتين أنه يكفيه
الاحتساب بالصفا إذا ابتدأ بالمروة ولا يلزمه اطراح
ما أتى به بالمروة والشروع من الصفا، وإن كان الأحوط ذلك

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
169

فإن الروايتين ضعيفتا السند وخصوصا بعد قوله
عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار: فليطرح ما سعى
ويبدأ بالصفا) الظاهر منه طرح جميع ما أتى به والابتداء
بالصفا، بل لا يخلو هذا القول من قوة،
ثم إنه لا يجب في السعي بين الصفا والمروة
الصعود على الصفا والمروة، بل يكفي الصاق كلا
القدمين بل أحدهما بالصفا في مبدء الحركة منه، و
إلصاق الأصابع بالمروة حين الانتهاء إليها، لدلالة
الأخبار على وجوب السعي بينهما الصادق على ما
ذكرنا بل روايات السعي راكبا كالصريحة في ذلك
فعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن السعي بين الصفا والمروة على الدابة،
قال: نعم وعلى المحمل (1).
وفي صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: سألته
عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا؟ قال: لا

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 1
170

بأس: والمشي أفضل (1).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام عن المرأة تسعى
بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير؟ فقال: لا بأس
بذلك، قال: وسألته عن الرجل يفعل ذلك، فقال:
لا بأس (2).
ورواية محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله
طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه وسعى عليها بين
الصفا والمروة (3).
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا
الحسن عليه السلام عن النساء يطفن على الإبل والدواب
أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال: نعم بحيث
يرين البيت (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.
(الرابع من واجبات السعي:)
أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده شوطا آخر

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 2 - 3 - 6
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 2 - 3 - 6
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 2 - 3 - 6
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب السعي الحديث 1
171

فاتيانه من الصفا إلى المروة يعد شوطا ومن المروة إلى
الصفا شوطا آخر بلا خلاف أجده فيه بيننا بل
الاجماع بقسميه عليه قاله في الجواهر،
ومستنده روايات مستفيضة.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار
حتى تأتي المنارة (إلى أن قال): ثم طف بينهما سبعة
أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ثم قصر (1) الحديث.
ومنها صحيحة هشام بن سالم قال: سعيت بين
الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد، فقلت له: تحفظ
على، فجعل يعد ذاهبا وجائيا شوطا واحدا، فبلغ
فقلت له: كيف تعد؟ قال: ذاهبا وجائيا شوطا
واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك
لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: قد زادوا على ما
عليهم، ليس عليهم شئ (2).
ومنها صحيحة الحلبي المتقدمة فإنه قال في بيان

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1 والباب 11 الحديث 1
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1 والباب 11 الحديث 1
172

سفة حج النبي صلى الله عليه وآله: فأتى الصفا
فبدأ بها، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا الخ إلى غير
ذلك من الأخبار.
(وينبغي التنبيه على أمور:)
الأول: السعي بين الصفا والمروة ركن، فمن
تركه عامدا بطل حجه، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده
فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منها صريحا
وظاهرا مستفيض انتهى.
ومستنده صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل ترك السعي متعمدا، قال: عليه الحج
من قابل (1).
هذا إذا تركه متعمدا وأما إذا تركه ناسيا أو غافلا لزمه
العود إلى مكة لاتيانه إن أمكنه ذلك وإلا استناب فيه
قال في الجواهر: بلا خلاف أجده في شئ من ذلك
بل عن الغنية الاجماع عليه مضافا إلى الأصل ورفع الخطأ

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب السعي الحديث 2
173

والنسيان والحرج والعصر انتهى.
فإن كان مراده بالأصل أصالة البراءة من اتيانه
بنفسه فيعارضها أصالة الاشتغال باتيانه بنفسه، نعم
إذا كان مراده بالأصل استصحاب صحة الحج باتيان النائب
له إذا ترك السعي بنفسه فلا بأس به.
وأما رفع الخطأ والنسيان فقد تقرر عندنا
في الأصول أن حديث الرفع لا يرفع أكثر من المؤاخذة
والعقاب فلا يرفع الحكم الوضعي وهو الجزئية والشرطية
فترك السعي ناسيا لا يترتب عليه أكثر من رفع
العقاب بتركه، فلا يستفاد من حديث الرفع رفع
الجزئية، ولكن عمدة مستند الحكم روايات معتبرة.
منها حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا والمروة
قال: يعيد السعي، فإنه: قلت فاته ذلك حتى خرج قال
يرجع فيعيد السعي، إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي
سنة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة (1).
ومنها رواية زيد الشحام عنه عليه السلام قال: سألته

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحديث 1
174

عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى
يرجع إلى أهله، فقال: يطاف عنه (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا
والمروة، قال: يطاف عنه (2).
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل حسنة معاوية بن
عمار على صورة التمكن من العود واتيانه السعي بنفسه
وحمل الروايتين الأخيرتين على عدم امكان العود
بقرينة قول زيد الشحام حتى يرجع إلى أهله فإن الغالب
على من رجع إلى أهله هو التعذر أو التعسر من العود
وهذا التقييد وإن كان في كلام السائل إلا أن الجواب
الذي ذكره الإمام عليه السلام يكون في مفروض سؤاله.
(الأمر الثاني:)
لا تجوز الزيادة على سبع، بلا خلاف أجده فيه لأنه
تشريع كزيادة الركعة في الصلاة وحينئذ لو زاد عالما

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحدث 3 - 2
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحدث 3 - 2
175

عامدا بطل لأنه لم يأت بالمأمور به على وجه) قاله
في الشرائع والجواهر، مضافا إلى دلالة الأخبار على ذلك
ففي رواية عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام
قال: المفروض إذ أزدت عليه مثل الصلاة إذ أزدت
عليها فعليك الإعادة، وكذلك السعي (1).
وفي صحيحة معاوية بن عمار عن عليه السلام قال:
إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط
فليسع على واحد ويطرح ثمانية، وإن طاف بين الصفا
والمروة ثمانية أشواط فليطرحها ويستأنف السعي (2)
وسيأتي البحث في هذه الرواية، إلى غير ذلك من الأخبار
وسيأتي أيضا في المفروض الزيادة سهوا بعض الأخبار
المشعرة بذلك، هذا في صورة العمد.
وأما إذا زاد على السبع سهوا فلا يبطل بلا خلاف
بل الاجماع بقسميه عليه وهو الحجة كما في الجواهر.
ثم إن الزائد أمره دائر بين طرحه والاعتداد بالسبعة
فقط وبين اكماله أسبوعين، ويدل على الأول بعض

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
176

النصوص:
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
إبراهيم عليه السلام في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية
أشواط ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا
واعتد بسبعة (1).
ومفهوم الرواية قد دل على ابطال الزيادة العمدية
ومنها صحيحة جميل بن دراج قال: حججنا ونحن صرورة
فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا، فسألنا أبا
عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال: لا بأس، سبعة لك وسبعة تطرح (2).
ويدل على الثاني أي اكماله أسبوعين صحيح محمد
بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: إن في كتاب علي
عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواطا الفريضة
فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا، وكذا إذا استيقن أنه
سعى ثماني أضاف إليها ستا (3).

(1) - (2) الوسائل الباب 13 من أبواب السعي الحديث 3 - 5
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10
177

ومقتضى الجمع بين الطائفتين من الروايات هو الحكم
بالتختين بين القاء الزائد وبين اكماله أسبوعين كما عن غير
واحد من الأصحاب.
إلا أنه يشكل الحكم باكماله أسبوعين بأمرين كما عن
الحدائق أحدهما استحباب السعي مع أن السعي لم
يقل أحد باستحبابه، فلذا قال في المدارك: ولا يشرع
استحباب السعي إلا هنا انتهى، فحينئذ يشكل اثبات
استحباب السعي بمثل هذه الرواية وإن كانت صحيحة.
وثانيهما أن اللازم من صحة الطواف ثمانية أشواط
واكماله أسبوعين هو جواز ابتداء الأسبوع الثاني
من المروة، مع أن النص والفتوى قد أطبقا على وجوب
البدءة من الصفا.
ولكن يمكن الجواب عن الاشكالين بأنهما كالاجتهاد
في قبال النص أولا وبأنه لا مانع من الالتزام بالاستحباب
إذا ساعدنا الدليل الشرعي المعمول به عند الأصحاب
ثانيا، وكذا يمكن الالتزام بجواز الابتداء بالسعي الثاني
من المروة إذا دل الدليل الشرعي عليه، ويمكن تقييد
تلك الروايات الدالة على وجوب البدءة من الصفا
178

بهذه الرواية، بأن يقال: إنه يجب أن يكون البدئة من الصفا
إلا إذا نسي وأتى بثمانية أشواط، فإنه يجوز اكمالها أسبوعين
وإن كان الأسبوع الثاني يبتدء من المروة، وهذه الرواية
- كما عرفت - صحيحة قد عمل بها أكثر الأصحاب، فلا وجه
لطرحها لأجل تلك العمومات، بل لا بد من الجمع بينها
وبين هذه الرواية والله العالم.
(الأمر الثالث:)
قال في الشرائع: من لم يحصل عدد سعيه أعاده
انتهى، ومواده قدس سره أنه إذا شك في أثناء السعي
في عدد الأشواط ولم يعلم باتيان السبعة بأن شك
مثلا بين الأربعة والخمسة أو بين الستة والسبعة بطل سعيه
فلا بد من إعادته، لأن أمره دائر بين الزيادة والنقيصة
فإن الشك إذا كان مثلا بين الستة والسبعة فإن أتى شوط
آخر احتمل الزيادة العمدية، وإن لم يأت به احتمل النقيصة
العمدية، وكل واجد منهما محذور، وأما إذا علم باتيان
السبعة وشك في اتيان الزائد فأصالة عدم الزيادة
179

تقتضي صحة سعيه مع أنه لا حاجة إلى أصالة عدم الزيادة
بعد ما إذا كانت الزيادة سهوا فإنها مع العلم بها فيما
بعد غير ضائرة إذا كانت سهوا كما عرفت فيما تقدم
فضلا عن الشك.
هذا إذا شك في أثناء السعي، وأما إذا شك بعد
الفراغ فمقتضى الأخبار الدالة على عدم الاعتناء بالشك
بعد الفراغ في العبادات أنه لا يعتنى بهذا الشك
في هذا المورد أيضا،
ولكن في صحيحة سعيد بن يسار قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة
ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ
منه وقلم أظفاره وأحل، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط
فقال لي: يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان
يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا
وليرق دما، فقلت: دم ما ذا؟ قال: بقرة، قال:
وإن لم حفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد فليبتدئ
السعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة (1) - ما

(1) الوسائل باب 14 من أبواب السعي الحديث 1.
180

يدل على خلاف هذه القاعدة أعني قاعدة الفراغ، فإن
ذيلها كالصريح في وجوب الإعادة إذا شك في
أنه أتى بستة أشواط أو أكثر فحينئذ مقتضى الجمع بين
الروايات الدالة على قاعدة الفراغ وهذه الرواية هو
تخصيص تلك القاعدة بهذه الرواية، ولا ضير في
ذلك، فإن تلك القاعدة قابلة التخصيص، فبناءا
على هذا لا تجري قاعدة الفراغ هنا بل لا بد من العمل
هنا بهذه الصحيحة من الحكم بوجوب إعادة سعيه
إذا شك في الستة والسبعة.
(الأمر الرابع:)
من تيقن النقيصة أتى بها، قاله في الشرائع مثلا إذا
علم أنه سعى ستة أشواط فلا بد من أن يأتي بشوط آخر
سواء كان قبل فوات الموالاة أو بعده لعدم وجوب الموالاة
فيه كما سيجيئ وسواء جاوز النصف أو لا، خلاف للمفيد
وسلار وأبي الصلاح الحلبي وابن زهرة على ما حكي
عنهم، بل عن الغنية الاجماع عليه، ومستندهم رواية أحمد
181

بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام قال: إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة
وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي
بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف
فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (1).
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين
الصفا المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع
فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع
الذي علمته، فإن قطعت طوافها في أقل من النصف
فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (2).
إلا أن الروايتين ضعيفتا السند، وليس لهما جابر
بعمل الأصحاب مضافا إلى أن الأصحاب لم يعملوا
بمضمونهما في مانعية الحيض للسعي بين الصفا والمروة
بل حكموا بجواز ذلك فيه ولم يعتبر والطهارة في السعي.
ومن ذلك يعرف ما في دعوى اجماع ابن زهرة،
ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم السعي فواقع ثم ذكر
نقصان سعيه كان عليه دم بقرة كما عن الشيخين وابن

(1) الوسائل باب 85 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل باب 85 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
182

إدريس وابن سعيد والعلامة.
ومستندهم رواية عبد الله بن مسكان قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة
ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة، فذكر بعد ما أحل
وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط، فقال: عليه
بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر (1).
وكذا قيل: لو قلم أظفاره ثم علم أنه سعى ستة أشواط
لصحيحة سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط
ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافيره
وأحل، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا
وليرق دما (2) الحديث.
ولكن الرواية الأولى ضعيفة السند إلا أنه يمكن جبير
ضعفها بعمل من قدمنا ذكره ومع ذلك فهي معارضة باطلاقها
للروايات الدالة على وجوب البدنة على من جامع قبل

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
183

طواف النساء:
كصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن
رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء
قال: عليه جزور سمينة (1) الحديث وغير ذلك من الروايات
المستفيضة.
إلا أن يقال: إن تلك الرواية - أعني رواية ابن
مسكان - ناظرة إلى قبلية اتمام السعي ولم تكن ناظرة
إلى من جامع متذكرا قبل طواف النساء، فلا مانع من
الالتزام بمفاد كلتي الروايتين بأن يقال: إن من أخل
بالسعي ناسيا بأن أتى بستة أشواط مثلا، ثم واقع قبل
طواف النساء يلزمه كفارتان: بقرة لنقصان السعي
وجزور لكونه واقع قبل طواف النساء.
وأما إذا واقع قبل اكمال السعي وبعد طواف النساء
فلا يلزمه إلا كفارة بقرة واحدة ويمكن حمل رواية ابن
مسكان على هذا الفرض أي المواقعة قبل اكمال السعي وبعد طواف
النساء.
(الأمر الخامس:)

(1) الوسائل باب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
184

قال في الشرائع: لو دخل وقت الفريضة وهو في السعي
قطعه وصلى، ثم أتمة، وكذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره انتهى
وهذه المسألة مبتنية على أن الموالاة بين الأشواط في
السعي هل هي واجبة أو لا؟
ويمكن أن يستدل لوجوب الموالاة في السعي بالاستظهار
من الأخبار حيث إن الأمر فيها بالاتيان بسبعة أشواط
ظاهر في التوالي لأنه إذا قيل مثلا طف بين الجبلين سبعة
أشواط أوطف بهذا البيت سبعة أشواط يتبادر إلى الذهن
أنه لا بد من الاتيان بها متتابعة، ولا يستفاد منه أنه ائت
بشوط منه في هذا اليوم وسائر الأشواط في سائر الأيام
والحاصل أنه يمكن دعوى انصراف الأخبار
إلى الاتيان بالأشواط متوالية فحينئذ يمكن أن يقال: إن
هذه الأخبار تنصرف إلى وجوب الموالاة، والأخبار الآتية
الدالة على جواز قطع السعي للصلاة أو للحاجة أو غيرها كما
ستجيئ تكون كالاستثناء لتلك الأخبار الدالة
185

على وجوب الموالاة. فعند ذلك يقتصر في الاستثناء
على الموارد الواردة في الأخبار ولا يمكن التعدي إلى
غيرها، وأما إذا قلنا بأن الأخبار الآتية دالة على
عدم وجوب الموالاة وانصراف الموالاة من تلك
الأخبار بدوي يرتفع بملاحظة الأخبار الآتية فيمكن
التعدي إلى غير موارد الأخبار.
والروايا ت الدالة على عدم اعتبار الموالاة على طوائف.
منها ما ورد في جواز قطع السعي إذا دخل وقت
الصلاة والآتيان بالصلاة ثم تتميم السعي بعد ذلك.
كصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة
وقد دخل وقت الصلاة أيخفف أو يقطع ويصلي
ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال: لا،
بل يصلي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد (1).
قوله: أو ليس عليهما مسجد؟ قيل: معناه أو ليس عليهما
أي على الصفا والمروة موضع الصلاة وقيل: المراد بالمسجد
المسجد الحرام، ورواية الحسن بن علي الفضال قال:

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1
186

سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السلام فقال له: سعيت
شوطا واحدا ثم طلع الفجر فقال: صل ثم عد فأتم سعيك
(1).
وموثقة محمد بن فضيل أنه سأل محمد بن علي الرضا
عليهما السلام فقال له: سعيت شوطا ثم طلع الفجر، قال: صل
ثم عد فأتم سعيك (2).
ومقتضى الروايتين الأخيرتين عدم الفرق بين
تجاوز النصف وعدمه، بل مقتضاهما هو البناء على
ما أتى به والآتيان بالصلاة ولو شاط شوطا ولحدا.
ومنهما ما ورد من جواز قطع السعي لقضاء حاجة
المؤمن أو لدعوته إلى طعامه،
كرواية يحيى بن عبد الرحمن الأزرق قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا
والمروة، فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق
له، فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام قال: إن أجابه

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 2 - 3
187

فلا بأس) وزاد في محكى الفقيه (ولكن يقضي حق الله
عز وجل أحب إلي من أن يقضي حق صاحبه (1).
ومنها ما ورد من الأمر بقطع السعي لدرك صلاة
الطواف إذا تركها ناسيا.
كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
سألته عن رجل يطوف بالبيت، ثم ينسى أن يصلي
الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط
أو أقل من ذلك، قال: ينصرف حتى يصلي الركعتين
ثم يأتي مكانه الذي كان فيه، فيتم سعيه (2).
ومنها ما ورد من جواز الجلوس في أثناء السعي.
كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال:
نعم، إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس (3).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على عدم اعتبار
الموالاة في السعي، فما يقال: من أن غاية ما تدل هذه
الروايات هو نفي الإثم لقطع السعي واتيان الصلاة و
غيرها فلا تدل على نفي الشرطية، ومن الممكن هو عدم

(1) الوسائل باب 19 من أبواب السعي الحديث 19
(2) الوسائل باب 77 من أبواب الطواف الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب السعي الحديث 1
188

الوجوب الشرعي دون الوجوب الشرطي، فلا مانع
من القول الشرطي كما يستفاد ذلك من التبادر الذي ذكرناه
من أنه منصوف اطلاقات الأخبار.
وفيه ما لا يخفى ضرورة أن نفس هذه الأخبار المجوزة
للقطع قد صرحت بأنه يبني بعد ما قضى حاجته على ما أتى
به من السعي، ولم يذكر في رواية من هذه الروايات بأنه
يعيد سعيه فلاحظها
(التاسع من واجبات الحج:)
المبيت بمنى ليالي التشريق، وهي ليلة الحادي
عشر والثاني عشر، ووجوب المبيت فيهما اجماعي منا
بل أكثر العامة على موافقتنا كما ذكره في الجواهر، ومستند
الحكم - بعد الاجماع روايات مستفيضة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال:
لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى، فإن بت في غيرها فعليك
دم، وإن خرجت أول الليل فلا ينتصف لك الليل إلا
وأنت بمنى إلا أن يكون شغلك بنسكك أو قد خرجت
189

من مكة، وإن خرجت نصف الليل فلا يضرك أن تصبح
بغيرها، قال: وسألته عن رجل زار عشاءا فلم يزل في
طوافه ودعائه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع
الفجر، قال: ليس عليه شئ، كان في طاعة الله تعالى (1).
ومنها روايته الأخرى أو صحيحته عنه عليه السلام قال: إذا
فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبيت إلا
بمنى، إلا أن يكون شغلك في نسكك، وإن خرج بعد
نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى (2).
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح فعليه دم
يهريقه (3)، إلى غير ذلك من الأخبار التي سنتلو بعضها
عليك في الفروع الآتية إن شاء الله.
فما عن الشيخ في التبيان من القول باستحباب المبيت
قول شاذ، وكيف كان فلو بات بغير منى سواء بات
بمكة أو بالطريق فعليه لمبيت كل ليلة شاة إذا بات بمكة
مشتغلا بالعبادة فإنه ليس عليه شئ، ويدل على أن المبيت

(1) الوسائل باب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 9 - 1 - 2
(2) الوسائل باب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 9 - 1 - 2
(3) الوسائل باب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 9 - 1 - 2
190

في غير منى لكل ليلة شاة اطلاق صحيحة معاوية بن عمار الأولى
فإن قوله عليه السلام: فإن بت في غيرها فعليك دم، يشمل
باطلاقه لمن بات ليلة واحدة في غير منى.
وكذا صحيحة علي بن جعفر المتقدمة فإن قوله عليه السلام:
فعليه دم يهريقه، فيه اطلاق مضافا إلى أن المراد فيهما الجنس
أي جنس الدم الشامل للواحد وللأكثر، مع أن في بعض
الأخبار التصريح بثلاث شياه لو بات الليالي الثلاث بغير
منى.
كرواية جعفر بن ناجية قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عمن بات ليالي منى بمكة، قال: عليه ثلاث من الغنم يذبحهن (1)
وضعفها منجبر بعمل الأصحاب.
وأما إذا بات بمكة مشتغلا بالعبادة فليس عليه شئ
لدلالة صحيحتي عمار المتقدمتين على ذلك.
وخصوص صحيحة صفوان بن يحيى عنه أو عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 6
191

بمكة، فقلت: لا أدري، فقلت له: جعلت فداك ما تقول
فيها؟ قال: عليه دم إذا بات فقلت: إن كان حبسه شأنه
الذي كان فيه من طوافه وسعيه لم يكن لنوم ولا لذة أعليه
شئ مثل ما على هذا؟ قال ما هذا بمنزلة هذا، وما
أحب أن ينشق له الفجر إلا وهو في منى (1).
ولكن في بعض الأخبار التصريح بعدم وجوب الفدية
لو لم يبت بمنى بل بات في الطريق.
كصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم، وإن كان
قد خرج منها فليس عليه شئ وإن أصبح دون منى (2).
بل يستفاد من بعض الأخبار عدم وجوب الفدية
عليه ولو بات بمكة.
كصحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: ليس عليه
شئ وقد أساء (3).
وصحيح سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل، قال: لا بأس (4).

(1) الوسائل باب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 5 - 31 - 7 - 12
(2) الوسائل باب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 5 - 31 - 7 - 12
(3) الوسائل باب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 5 - 31 - 7 - 12
(4) الوسائل باب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 5 - 31 - 7 - 12
192

إلا أن روايتي النوم تعارضهما رواية على عن أبي إبراهيم
عليه السلام قال: سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت
وبالصفا والمروة، ثم رجع فغلبته عيناه في الطريق، فنام
حتى أصبح، قال: عليه شاة (1).
فمع هذه المعارضة لا يمكن العمل بهما مضافا إلى أن
الأصحاب أعرضوا عنهما مع أنهما متعارضتان لاطلاق
الروايات المعتبرة المتقدمة الدالة على وجوب الفدية
على من بات بغير منى.
وكذا يجاب عن الصحيحتين الدالتين على عدم وجوب
شئ عليه لو بات بمكة مع أنه يمكن حمل صحيحة العيص على
من فاته المبيت لعذر كما يظهر من كلمة (فاتته) وفي سقوط
الفدية عمن فاتته ليلة المبيت لعذر كلام سيأتي التنبيه عليه
إن شاء الله تعالى.
وحمل صحيحة سعيد بن يسار على صورة كونه مشتغلا
في مكة بالعبادة، فحينئذ يرتفع التعارض بين الروايتين

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 10
193

والروايات المتقدمة الدالة على وجوب الفداء.
والحاصل أن من بات بغير منى فيه ثلاث طوائف
من الروايات: طائفة على وجوب الفداء عليه
مطلقا إلا ما استثنى من اشتغاله بالعبادة في مكة أو خروجه
من منى بعد نصف الليل، وطائفة قد دلت على عدم
شئ عليه ولو بات بمكة. والطائفة الثالثة دلت على
عدم شئ عليه إذا بات بالطريق.
ولكن العمل على الطائفة الأولى لأنها أكثر ولعمل
الأصحاب بها بخلاف الثانية والثالثة فإن الأصحاب
لم يعملوا بهما إلا الشاذ منهم كالشيخ في كتابي الأخيار
وأبي علي ولم ينقل من غيرهما.
ثم بناءا على عدم جواز الخروج من منى والمبيت
بغيرها ليالي التشريق ووجوب المبيت بها يستثنى من
هذا الوجوب موارد.
الأول ما إذا كان بمكة مشتغلا بأعماله المفروضة
كالطواف والسعي فإنه يجوز له ذلك ولا يجب عليه
شئ، لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإنه عليه السلام قال
194

فيها: لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى (إلى أن قال) إلا
أن يكون شغلك بنسكك الحديث.
وصحيحة ء صفوان المتقدمة فإنه عليه السلام - بعد ما
حكم بأنه عليه دم إذا بات بغير منى - قال صفوان: فقلت
إن كان حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه
لم يكن لنوم ولا لذة أعليه شئ مثل ما على هذا؟ قال:
ليس هذا مثل هذا الخبر.
وصحيحة معاوية بن عمار أيضا عن الصادق عليه السلام
قال: إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء
فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك (1).
وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
وسألته عن الرجل زار عشاءا فلم يزل في طوافه ودعائه
وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر قال: ليس
عليه شئ كان في طاعة الله تعالى (2).
وهل تحتمل هذه الرواية ما تضمنته تلك الروايات

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 9 - 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب المبيت بمنى الحديث 9 - 1
195

من أن المناط في سقوط الفدية هو الاشتغال بمفروضه
من طوافه وسعيه لا الاشتغال بمطلق العبادة كما
يستفاد من ذيل هذه الرواية الأخيرة أو يقال بأنه
لا تعارض بين هذه الرواية الأخيرة وبين تلك
الروايات المتقدمة، بأن يقال: إنهما مثبتتين، مثل
ما إذا قال المولى: أكرم العلماء، ثم قال، أكرم الفقهاء
فكما أنه لا يلزم حمل أكرم العلماء على قوله: أكرم الفقهاء
بل يمكن وجوب كلتا الطائفتين فكذا هنا بأن يقال:
إنه كما يكون الاشتغال بالنسك والعبادة الواجبة عليه
كالطواف والسعي مسقطا لوجوب الفدية فكذا
الاشتغال بمطلق العبادة يكون مسقطا له.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن المتيقن من مورد
الروايات - وهو الذي أفتى به الأصحاب - هو الاشتغال
بالعبادات الواجبة لا بمطلق العبادات، وهذا هو
الأحوط بل لا يخلو القول به من وجه.
(الثاني من موارد الاستثناء:)
أنه يجوز خروجه من منى بعد نصف الليل
196

إذا بات بمنى إلى نصف الليل ويدل على هذا الاستثناء -
بعد دعوى الاجماع عليه - روايات معتبرة.
فمنها صحيحة معاوية بن عمار الأولى المتقدمة عن الصادق
عليه السلام أنه قال في ضمنها: وإن خرجت نصف الليل فلا
يضرك أن تصبح بغيرها الحديث (1).
ومنها رواية عبد الغفار الجازي عنه عليه السلام قال: فإن
خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شئ (2).
ومنها رواية جعفر بن ناجية عنه عليه السلام قال: إذا
خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا
وهو بمنى، وإذا بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح
بغيرها (3).
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
وإن خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس
عليه شئ (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.
ومقتضى هذه الأخبار هو كفاية النصف الأول

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى ح 9 - 14 - 20 - 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى ح 9 - 14 - 20 - 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى ح 9 - 14 - 20 - 3
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى ح 9 - 14 - 20 - 3
197

من الليل في المبيت بمنى، ولا يلزم استيعاب جميع
الليل، بل يستفاد من بعض الأخبار تساوي نصفي
الليل في المبيت بمنى.
ولكن عن الرياض والمسالك والروضة هو اعتبار
النصف الأول ولا يكفي النصف الثاني.
إلا أن صحيحتي محمد بن مسلم والعيص بن القاسم
على خلاف هذا القول.
قال أحدهما عليهما السلام في الرواية الأولى: إذا خرجت
من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلا بمنى (1).
وقال الصادق عليه السلام في الرواية الثانية: إن
زار بالنهار أو عشاءا فلا ينفجر الصبح إلا وهو بمنى، وإن
زاد بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر
الصبح وهو بمكة (2).
وقد دلت الصحيحتان على كفاية المبيت بمنى إلى
انفجار الصبح، بل دلتا على كفاية مسمى المبيت بمنى
إلى انفجار الصبح لولا الاجماع على خلافه، ثم إنه إذا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 4
198

خرج بعد نصف الليل فهل يجوز له الاتيان إلى مكة قبل
الفجر أو لا بد له من أن يبيت بغيرها إلى طلوع الفجر فعن
النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع أنه إذا خر
من منى بعد انتصاف الليل فلا يدخل مكة إلا بعد طلوع
الفجر.
ولكن صحيحة العيص بن القاسم المتقدمة عن أبي عبد
الله عليه السلام أنه قال في حديث: وإن زار بعد نصف
الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكة (1) - حجة
على صاحب هذا القول، وكذا رواية جعفر بن ناجية
المتقدمة عنه عليه السلام أنه قال: إذا خرج الرجل من منى
أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا وهو بمنى، وإذا خرج
بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها (2) - وهي باطلاقها
شاملة لأن يصبح بمكة.
ولعل مستند هؤلاء الأخبار المتقدمة الدالة على أن من نام
في طريق مكة فليس عليه شئ أو إذا جاوز بيوت مكة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 4 - 20
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 4 - 20
199

فنام فليس عليه شئ (1) فيعلم من تلك الأخبار أن
الطريق في حكم المنى، فيجب على الحاج إما المبيت
بمنى ليالي التشريق أو المبيت بغيرها إذا جاوز نصف
الليل، إلا أنه يلزم أن يكون ذلك الغير بحكم منى، و
هو الطريق.
ولكنك قد عرفت ما في تلك الروايات من
معارضتها للأخبار التي هي أصح منها سندا وأكثر عملا
مع أنها لا تكافئ صحيحة العيص المتقدمة المصرحة بجواز
الصبح بمكة والله العالم. هذا كله في المختارين.
وأما ذووا الأعذار فلا أجد خلافا في جواز المبيت
لهم بغير منى، ولعله لنفي الحرج في الدين وفحوى الرخصة
للرعاة والسقاية قاله في الجواهر.
ويمكن أن يكون مستند جواز ترك أهل السقاء للمبيت
بمنى الرواية المروية عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال:

(1) الوسائل باب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 10 - 16 - 17
200

إن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله
أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن رسول الله صلى الله
عليه وآله من أجل سقاية للحاج (1).
هذا بالنسبة إلى السقاة، وأما الرعاة فلم يرد دليل
من طرقنا باستثنائهم، نعم يمكن التمسك لاستثنائهم بقوله
تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فحينئذ
يمكن التمسك بالآية الكريمة لاستثناء جميع ذوي الأعذار
كالخائف ومن كان له مريض يخاف عليه أو مال يخاف
تلفه ونحو ذلك.
قال في محكى الخلاف: وأما من له مريض يخاف
عليه أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك (أي ترك
المبيت) لقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
والزام المبيت والحال ما وصفناه حرج والشافعي فيه
وجهان انتهى ونحوه ما عن المنتهى، بل قيل: إنه فتوى
التحرير والدروس ومقرب التذكرة.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 21.
201

وهل يسقط الفداء في هذه الموارد أو لا؟ فإن قلنا:
إن الفداء لأجل ارتكاب الإثم، ولا إثم مع العذر
في ترك المبيت فلا فداء عليه.
وأما إذا قلنا: إن الفداء، لدرك المصلحة الفائتة
كما في تغطية الرأس لعذر في حال الاحرام فإنه يجب
عليه الفداء اجماعا على الظاهر يجب عليه الفداء، و
لا ريب أن هذا الوجه هو الأحوط.
وكيف كان يجب عليه - أي على تارك المبيت
بمنى - الفداء بثلاث شياه لو ترك المبيت في الليالي
الثلاث من ليالي التشريق إذا كان المبيت في الليلة
الثالثة أيضا عليه واجبا كما دلت عليه الأخبار المطلقة
المتقدمة.
وخصوص رواية جعفر بن ناجية قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عمن بات ليالي منى بمكة، قال: عليه
ثلاث من الغنم يذبحهن (1).
ولكن الرواية محمولة على من غربت عليه الشمس في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 6.
202

الليلة الثالثة وهو بمنى أو على من لم يتق الصيد و
النساء، أما الثاني فسيجيئ البحث فيه، وأما الأول
فعن التذكرة دعوى الاجماع عليه مضافا إلى دلالة
الأخبار عليه:
منها حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: من تعجل
في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس، فإن أدركه
المساء بات ولم ينفر (1).
ومنها رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: إذا
نفرت في النفر الأول فإن شئت أن تقيم بمكة
وتبيت بها فلا بأس بذلك، وقال: إذا جاء الليل
بعد النفر الأول فبت بمنى فليس لك أن تخرج
منها حتى تصبح (2).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن الرجل
ينفر في النفر الأول، قال: له أن ينفر ما بينه وبين أن
تسفر الشمس، فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غور بها

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 2
203

فلا ينفر، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس
فلينفر متى شاء (1)، وغير ذلك من الأخبار.
(فرع:)
لو رحل من منى وقبل خروجه من منى غربت
عليه الشمس فهل يجب عليه المبيت أو لا؟ فعن المنتهى
لم يلزمه المقام على اشكال، وعن التذكرة (الأقرب
ذلك مستندا فيها إلى المشقة في الحط والرحال)
ويرد عليه أنه لا يصلح هذا الوجه أن يكون معارضا
لما عليه ظاهر الأخبار فإن ظاهرها وجوب المبيت على
من غربت عليه الشمس وهو بمنى من غير فرق بين الراجل
منها وغيره، فلذا قال في محكى الدروس والمسالك: الأشبه
المقام، نعم إذا خرج منها ثم عاد لأخذ شئ نسيه منها
فغربت عليه فالظاهر عدم وجوب المبيت عليه، وكذا
لو رجع لتدارك واجب عليه فإن الظاهر عدم المبيت عليه.
(العاشر من واجبات الحج:)
رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق بمنى، يجب

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 4.
204

رمي الجمرات الثلاث في الأيام التي يجب المبيت في
لياليها بلا خلاف كما اعترف به غير واحد قال في السرائر
- على ما حكي عنه - لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا
ولا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه وأن الأخبار به متواترة
وعن الخلاف الاجماع على وجوب الترتيب بين رمي
الثلاث وتفريق الحصا ووجوب القضاء.
وكيف كان فتدل على وجوب الرمي - بعد دعوى الاجماع
روايات كثيرة:
منها حسنة ابن أذينة أو صحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار (1).
والمراد بكونهما الحج الأكبر أنهما من أجزائه، واطلاق
الحج الأكبر عليهما لأجل كونهما من الأجزاء الرئيسة.
ومنها رواية عبد الله جبلة عنه عليه السلام قال: من ترك
رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء وعليه الحج من قابل (2).
وإن لم يفت الأصحاب بمضمونها الذي هو عدم حلية

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 5
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 5
205

النساء بترك الرمي وبطلان الحج بتركه إلا أنه يمكن
حمل الرواية على التأكيد في الوجوب.
ومنها رواية عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: من
أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق
فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه
فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي
عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق (1).
إلى غير ذلك من الأخبار.
(فرع:)
يجب الترتيب بين الجمرات في الرمي بأن يبدأ
بالجمرة الأولى، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، وادعى غير واحد
على وجوبه الاجماع مضافا إلى دلالة الأخبار عليه.
منها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس وقل كما قلت
حين رميت جمرة العقبة، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها
عن يسارها في بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر (إلى
أن قال:) ثم افعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 4
206

بالأولى، وتقف وتدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى
الثالثة (1) الحديث.
فإن العطف بثم مفيد للترتيب.
ومنها الروايات التي وردت فيمن رمى منكوسا
وسنوردها إن شاء الله تعالى فإنها تفيد الترتيب أيضا
وحينئذ لو رماها منكوسة بأن رمى أولا جمرة العقبة
ثم الوسطى ثم الأولى أعاد على الثانية والثالثة ليحصل
الترتيب بلا خلاف ولا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه
كما في الجواهر
ومستنده - بعد دعوى الاجماع - روايات.
منها صحيحة معاوية بن عمار أو حسنة عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال في رجل نسي رمي الجمار يوم النحر فبدأ
بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، قال: يؤخر ما رمى
بما رمى، ويرمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة (2).
يعني يؤخر ما قدم رميه نسيانا كما في الجواهر.

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 والباب 10 - الحديث
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العود إلى منى الحديث 1
207

ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
قلت له: الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: يعيدها على
الوسطى وجمرة العقبة (1).
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام في رجل رمى الجمار
منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال
في حديث: قلت: الرجل ينكس في رمي الجمار
فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى (ثم الأولى ظ)،
قال: يعود، فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن
كان من الغد (3).
ووجه صحة رمي الجمرة الأولى مع تأخرها أن المناط
اتيان الرمي بقصد القربة من دون دخل لقصد الأولية
في المأمور به، والمفروض أنه أتى به متقربا إلى الله غاية
الأمر أنه توهم تأخرها، وهذا التوهم غير ضائر بعد اتيانه
بأصل المأمور به.
ثم إن وقت الرمي من أول طلوع الشمس إلى غروبها
كما عن المشهور ولكن عن رسالة علي بن بابويه أنه مطلق

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب العود إلى منى ح 1 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العود إلى منى ح 1 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب العود إلى منى ح 1 - 3 - 4.
208

لك من أول النهار إلى الزوال، ثم قال: وقد روى من
أول النهار إلى آخره)
وكذا ما عن المقنع لولده قدس سرهما قال: وارم الجمار
في كل يوم بعد طلوع إلى الزوال وكلما قرب منه
فهو أفضل).
إلا أن هذا القول مخالف للمشهور وللروايات المعتبرة
التي ستجيئ إن شاء الله.
وعن الخلاف أنه قال: لا يجوز الرمي أيام التشريق
إلا بعد الزوال، وقد روى رخصة قبل الزوال في الأيام
كلها، وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة
قال: وإن رمى يوم الثالث قبل الزوال جاز استحسانا
وقال طاووس: يجوز قبل الزوال في الكل، دليلنا
اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، فإن من فعل ما قلناه
لا خلاف أنه يجزيه، وإذا خالفه ففيه الخلاف انتهى.
ولكن الروايات المعتبرة تدفع كلا القولين أتلو عليك بعضها
فمنها صحيحة منصور بن حازم وأبي بصير عن أبي عبد
209

الله عليه السلام قال: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى
غروبها (1).
ومنها صحيحة جميل عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
قلت له: إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع
النهار إلى غروب الشمس (2).
ومنها صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال للحكم بن عيينة: ما حد رمي الجمار؟ فقال: عند
الزوال، فقال أبو جعفر عليه السلام: أرأيت لو كانا رجلين
فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حتى
ارجع كان يفوته الرمي، هو والله ما بين طلوع
الشمس إلى غروبها (3).
ومنها صحيحة صفوان عن منصور بن حازم عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رمي الجمار
من طلوع الشمس إلى غروبها (4)، إلى غير ذلك.
وما ذكره في الخلاف من أن طريقة الاحتياط
هو اتيانه بعد الزوال - فمع مخالفته للأخبار يعارضه ما

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6 - 1 - 5 - 2
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6 - 1 - 5 - 2
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6 - 1 - 5 - 2
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6 - 1 - 5 - 2
210

حكيناه عن علي بن بابويه وولده من تحديد وقته بأول
النهار إلى الزوال، فيكون الاحتياط في خلاف الاحتياط
الذي ذكره في الخلاف.
إلا أنه تعارض الروايات المتقدمة الدالة على أن
وقت الرمي طول النهار صحيحة معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس (1)
ولكن الأصحاب لم يعملوا بظاهر هذه الرواية، فلا
بد من حملها على الأفضلية كما ذكر ذلك بعض الأصحاب،
وما ذكره الصدوق في الهداية والفقيه والمقنع - على ما
حكي عنه - من أنه كلما قرب من الزوال كان أفضل لم يكن
له مستند سوى هذه الرواية التي لم تدل على ما ذكره قدس سره.
نعم يحكى عن الفقه الرضوي (عليه السلام) أنه قال: وأفضل ذلك
ما قرب من الزوال) إلا أنه لم تثبت نسبة فقه الرضا إليه
عليه السلام، وأغرب من قول الصدوق ما عن القواعد
من امتداد الفضل من حين ا لزوال إلى الغروب) ولم
ينقل ذلك من أحد غيره ولم نظفر له على مستند
211

وبعد ما عرفت وقت الرمي وأنه من طلوع الشمس
إلى غروبها فلا يجوز أن يرمي بالليل إلا لعذر، كالخائف
والمريض والرعاة والعبيد، قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه انتهى.
ومستند هذا الحكم - بعد دعوى اللاخلاف - روايات
منها صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي و
يفيض بالليل (1).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال:
الحاطب والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا و
الخائف والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى
الجمار، فإن قدر على أن يرمي وإلا فارم عنه وهو حاضر (2)
ومنها موثقة سماعة عنه عليه السلام قال: رخص للعبد
والخائف والراعي في الرمي ليلا (3).
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: رخص
رسول الله صلى الله عليه وآله الرعاة الإبل إذ لجأوا

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب جمرة العقبة الحديث 1 - 7 - 2 -
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب جمرة العقبة الحديث 1 - 7 - 2 -
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب جمرة العقبة الحديث 1 - 7 - 2 -
212

بالليل أن يرموا (1)، وغير ذلك من الأخبار.
ثم إنه لا فرق في الليل بين المتقدم والمتأخر، و
لكن في المدارك (والظاهر أن المراد بالرمي ليلا
رمي جمرات كل يوم في ليلته انتهى.
إلا أن اطلاق الليل في الروايات يدفع هذا
الظهور ولذا قال هو: ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد
جواز رمي الجميع في ليلة واحدة (إلى أن قال): وربما
كان في اطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه انتهى
والحاصل أنه إذا لم يتمكن من رمي الجمار في جميع أيام
التشريق يجوز له الاتيان بالجميع في الليلة الأخيرة بمقتضى
اطلاق الروايات المتقدمة.
(مسائل:)
(الأولى:)
من حصل له رمي أربع حصيات ثم رمى على الجمرة
الأخرى يحصل بذلك الترتيب بين رمي الجمار، بلا

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6.
213

خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، ويدل عليه - بعد دعوى
اللاخلاف بل دعوى الاجماع كما عن المنتهى والتذكرة - روايات
صحيحة:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل رمى الأولى بأربع ورمى الأخيرتين بسبع
سبع، قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ،
وإن كان رمى الأولى بثلاث، ورمى الأخيرتين
بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع، وإن كان رمى
الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع
فإن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث (1).
ومنها صحيحة الأخرى عنه عليه السلام في رجل
رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة
بسبع، قال: يعيد: يرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فإن
رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع قال
يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة
العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية
بأربع والثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الأولى

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
214

بثلاث، والثانية بثلاث، ولا يعيد على الثالثة (1).
وقد تحصل من مضامين هذه الروايات أنه إذا أتى
بأربع حصيات لكل جمرة وترك ثلاثا وأتى برمي الجمرتين
الأخيرتين يكفي الاتيان بالثلاث الباقية ولا تجب إعادة
الجمرتين الأخيرتين، وكذا في الجمرة الثانية لو أتى بأربع
حصيات فيها فإنه يكفي الاتيان بثلاث فقط ولا تجب
إعادة تاليها.
وأما إذا أتى بثلاث حصيات فاللازم إعادة يرميها
وإعادة ما بعدها، فالمناط في تحقق الترتيب بين رمي
الجمرات الثلاث هو الاتيان بأربع حصيات، وهل تشمل
هذه الروايات صورة العمد أيضا؟ أو هي مختصة بحال
السهو مع انضمام صورة الجهل به؟ قيل: إن ظاهر الشرائع
والنافع والمحكى عن المبسوط والخلاف والسرائر والجامع
والتحرير والتلخيص واللمعة شمولها لحال العمد أيضا خلافا

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
215

للعلامة في التذكرة والمنتهى والشهيدين في الدروس و
الروضة على ما حكي عنهم بل عن الحدائق نسبة تقييد
هذا الحكم بالناسي والجاهل - إلى الأصحاب.
واستدل العلامة بأن الأكثر إنما يقوم مقام
الكل مع النسيان، ورد بأنه إعادة للمدعى
وأجاب عنه في الجواهر بأن مراد العلامة قدس سره
الإشارة إلى ما سمعته في الطواف بمعنى أن الأصل
عدم قيام غير ذلك مقامه بالنسبة إلى الترتيب، ولذا
استدل له في الروضة بأنه منهي عن رمي اللاحقة قبل
اكمال السابقة فيفسد، ورد عليه في الجواهر بأن المعلوم
إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقا، ولو سلم فهو
اجتهاد في مقابلة النص، ولكنه كما ترى ضرورة عدم
شموله للعامد لندرته، فلا ينصرف إليه السؤال المعلق
عليه الجواب انتهى.
والظاهر أن ما ذكره أخيرا هو الصحيح بأن يقال:
إن المنصرف في السؤال مثلا في قوله في رجل رمى
الأولى بأربع في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة
216

هو صورة السهو والنسيان، فإن المسلم - مع أنه في مقام
امتثال الأمر الإلهي - لا يترك ثلاث حصيات متعمدا
فحينئذ جواب الإمام عليه السلام متوجه إلى السؤال
الذي هو منصرف عن صورة العمد.
هذا ما ذكره الأستاذ رحمه الله تبعا لصاحب الجواهر
إلا أنه يمكن أن يقال: إنه لا مانع للمسلم شرعا أن يترك
ثلاث حصيات عمدا لما ورد من الشارع من أنه إذا
أتى بأربع حصيات يجوز له أن يشرع برمي جمرة أخرى
فليس في ترك ثلاث حصيات - بعد الاتيان بالأربع
مخالفة لأمر الشارع بعد اطلاق تلك الروايات المتقدمة
الشامل لصورة العمد أيضا والله العالم.
ثم إنك قد عرفت أنه إذا أتى بثلاث حصيات
فلا يكفي اكمالها بل لا بد من إعادتها، وحمل الإعادة في الروايات
بدعوى أن كل رمية لاحقة. إعادة للرمي - كما عن القواعد
خلاف لظاهر الأخبار، نعم يكفي اكمال ما بقي من الجمرة
الأخيرة وإن كان أكثر من ثلاث لعدم اعتبار الموالاة
217

بين الحصيات إلا ما حكي عن علي بن بابويه من القول
باعتبار الموالاة، ولكن يرد قوله عدم الدليل عليه.
(المسألة الثانية:)
أنه لو فاته رمي يوم أو أكثر سهوا بل عمدا قضاه
من الغد مرتبا بين الفائت والحاضر فيبدأ بالفائت
أولا ثم يعقبه بالحاضر مع الفصل بينهما ولو بساعة.
أما وجوب الترتيب بينها فيدل عليه ما نذكره
من الأخبار في وجوب الفصل بينهما.
وأما وجوب الفصل بينهما فمستنده صحيحة ابن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل
أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض
فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين
مرة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرق
بينهما: يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والأخر عند زوال
الشمس (1).
فأفادت هذه الرواية أمرين أحدهما أنه يجب الابتداء

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
218

بالفائت ثانيهما أنه لا بد من أن يفرق بينهما، أحدهما
أن يكون بكرة وهو للأمس، والآخر عند الزوال وهو ليومه
ولكن عن الرياض أنه قال: لم نجد الأخبار المفيدة
لوجوب التقديم لأنها ما بين مطلقة للأمر بالقضاء، و
بين مصرحة بالتقديم لكنه مقيد بقيد هو للاستحباب
(إلى أن قال:) وظاهر هم عدم الخلاف في الاستحباب
وإن أشعر بوجوده عبادة الدروس، حيث جعله أظهر و
هو كذلك جمعا بينه وبين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل
بينهما بساعة المنافي لما في هذا الصحيح قطعا والجمع بالحمل
على تفاوت مراتب الاستحباب فأدناها ما سبق وأعلاها
هنا
لكن ظاهر الأصحاب الاعراض عن الحديث السابق
(أي صحيح ابن سنان) فيلحق بالشواذ، ويتوجه حينئذ وجوب
ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الاجماع على جواز الاتيان
بهما في وقت واحد، وإن انعقد كما صرح به بعض
الأصحاب حيث قال - بعد الحكم بجوازه -: بلا خلاف
219

بشرط الترتيب، فالوجه الاستحباب، ومما ذكرنا ظهر أنه
لا مستند لوجوب الترتيب سوى الاجماع انتهى.
ويرد عليه - مضافا إلى ما أورده صاحب الجواهر -
أن ما ذكره صاحب الرياض من عدم وجود ما يدل
على وجوب التقديم الخ أنه يدل على وجوب التقديم
- مضافا إلى صحيح ابن سنان - حسنة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل نسي
رمي الجمار حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرميها: يفصل
بين كل رميتين بساعة، قلت: فاته ذلك وخرج، قال:
ليس عليه شئ (1) الحديث.
وصحيحته الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع، فيرميها، قلت:
فإنه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع، فيرمي متفرقا
يفصل بين رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل
حتى فاته، وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد (2).
دلت الروايتان على وجوب الترتيب بين الرميتين

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 2 - 3
220

ووجوب التفريق بينهما بساعة، إلا أن يقال: إن الروايتين
لا تدلان على وجوب تقديم الفائت على الحاضر صريحا
وإنما يستشعر منهما ذلك، نعم تفيدان وجوب الفصل
بينهما بساعة وهذا الايراد لم يذكره الأستاذ ره، وكيف
كان ففي الرواية السابقة - أعني صحيحة ابن سنان -
غنى وكفاية للدلالة على وجوب الترتيب بين الرميتين
مع قطع النظر عن التقييد فيها، ومن ذلك كله عرفت
مستند وجوب الفصل بينهما بساعة، فإن الروايتين
المتقدمتين آنفا دلالتهما على وجوبه ظاهرة ونحمل صحيحة
ابن سنان المتقدمة على الأفضلية أي أفضلية كون الفصل
بهذا المقدار والله العالم.
(المسألة الثالثة:)
لو نسي رمي الجمار حتى أتى مكة وجب أن يرجع
ويرمي مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي، قال
في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه انتهى - ومستند الحكم
- بعد دعوى اللاخلاف - روايات: منها الروايتان
221

المتقدمتان أعني حسنة معاوية بن عمار صحيحته.
ومنها صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار
حتى نفرت إلى مكة، قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت
ترمى، والرجل كذلك (1).
ولكن في المدارك - بعد أن ذكر الحسن والصحيح
المتقدمتين - قال: واطلاق هاتين الروايتين يقتضي
وجوب الرجوع من مكة، والرمي وإن كان بعد انقضاء
أيام التشريق، إلا أنه قال في الجواهر: صرح الشيخ و
غيره أن الرجوع مع أيام التشريق، ومع خروجها تقضي
في القابل، واستدل عليه في التهذيب بخبر عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أغفل رمي الجمار
أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من
قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي
استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فإنه (وفي أنه) لا
يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق (2).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 - 4.
222

إلا أن هذه الرواية في طريقها محمد بن عمر بن يزيد، ولم يرد
فيه توثيق ولا مدح يعتد به، قاله في الجواهر، ولذا قال في
محكى النافع: ولو حج في القابل استحب له القضاء، ولو
استناب جاز، ومال إليه في المدارك للأصل وضعف
الخبر للزبور.
ولكن قال في الجواهر لا يخفى عليك ما في ذلك
كله بعد ما عرفت من انجبار الخبر المزبور بالشهرة العظيمة
بل في كشف اللثام نفى الخلاف فيه، بل لم نجد مصرحا
بالندب غير المصنف في النافع والفاضل في محكى التبصرة
وأما باقي الأصحاب فهم على ما في الرياض بين مصرح
بالوجوب كالشيخ في التهذيبين والخلاف والشهيدين
في الدروس والمسالك والروضة وباللزوم كالحلبي، وآمر به
كالشيخ في النهاية والحكم في السرائر والفاضل في التحرير والقواعد
وابن زهرة في الغنية مدعيا عليه الاجماع انتهى.
فالأحوط ولو لم يكن أقوى هو قضائه في القابل إن أمكنه
ذلك وإلا استناب فيه، ولذا قال في الشرائع،: فإن عاد
223

في القابل رمى، وإن استناب فيه جاز انتهى
وظاهره الوجوب وإن استظهر منه في المدارك
الاستحباب إلا أن قوله (رمى) ظاهر في الوجوب
كما هو واضح، ولا ينافيه قوله (فإن استناب جاز) لأن
الحكم بالجواز في قبال الاتيان به مباشرة وليس المراد
به هو الجواز المقابل للوجوب، فحينئذ تقع المعارضة
بين هذه الرواية الدالة على وجوب الاتيان بالرمي
في القابل والروايتين المتقدمتين أعني حسنة معاوية
بن عمار المصرحة بأنه ليس عليه شئ وصحيحته الأخرى
الدالة على أنه لا يعيد الرمي،
ولكن يمكن حملهما على ما يرتفع به التعارض،
بأن يقال: إن المراد بنفي شئ عليه في حسنة معاوية
نفي الكفارة وبأن المراد بقوله (ليس عليه أن يعيد)
أي في هذه السنة بعد أيام التشريق، فلا مانع من
الالتزام بوجوب الإعادة في القابل لأجل هذه الرواية
المعمول بها عند أكثر الأصحاب والله العالم.
(المسألة الرابعة:)
224

أنه يجوز أن يرمي عن المعذور كالمريض، وادعى عليه
الاجماع، ويدل عليه - بعد دعوى الاجماع - جملة من النصوص
منها حسنة معاوية بن عمار وابن الحجاج عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: الكسير والمبطون يرمى عنهما والصبيان
يرمى عنهم (1).
ومنها موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا
إبراهيم عليه السلام عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال: نعم
يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه، قلت: فإنه لا يطيق ذلك
قال: يترك في منزله ويرمى عنه (2)
ومنها صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل أغمي عليه، فقال: يرمى
عنه الجمار (3).
وهذه الروايات وإن كان فيها اطلاق بالنسبة
إلى غير العاجز من الرمي إلا أنها محمولة على صورة العجز
عن الرمي بقرينة بعض الأخبار كرواية داود بن علي

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 3 - 4 - 2
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 3 - 4 - 2
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 3 - 4 - 2
225

اليعقوبي قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن
المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار، فقال: يرمى عنه (1).
ورواية يحيى بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن امرأة سقطت عن المحمل فانكسرت
ولم تقدر على رمي الجمار، فقال: يرمى عنها وعن
المبطون (2).
وصحيحة حريز عنه عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يطاف به ويرمى عنه، قال: فقال: نعم إذا كان لا
يستطيع (3).
ثم إنه هل يكفي مجرد طرو العجز في جواز الاستنابة
أو لا بد من الصبر إلى أن يتحقق العجز في جميع الوقت؟
لا يبعد القول الأول لاطلاق الروايات المتقدمة
فحينئذ يجوز المبادرة إلى الاستنابة بمجرد طرو العجز،
لا يجب الصبر إلى أن يضيق وقت الرمي.
ثم إنه إذا زال عذره في الوقت بعد ما أتى
النائب بالرمي فهل يجب عليه الإعادة أو لا؟ يمكن
أن يقال بالأول نظرا إلى كشف الخلاف فإنه كان

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 6 - 7 - 8
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 6 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 6 - 7 - 8
226

متوهما للعجز فانكشف خلافه، إلا أنه يدفعه اطلاق
الروايات المتقدمة حيث إنه لم يفصل فيها بين زوال
العذر في الوقت وعدمه، وهذا العاجز كان في أول
الوقت عاجزا حقيقة لا متوهما للعجز حتى ينكشف الخلاف
ومع ذلك فالاحتياط أولى بالمراعاة، بل أظن أن الأستاذ
رحمه الله قد قوى وجوب الإعادة وأن الروايات ناظرة
إلى كونه معذورا في جميع الوقت، فإن المتيقن من العذر
المبيح للاستنابة هو العذر المستوعب لجميع الوقت، وغيره -
الدخول في الروايات والله العالم فتأمل.
(المسألة الخامسة:)
أنه يستحب أن يقيم الانسان بمنى ولا يخرج منها، قال
في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه انتهى، ومستنده روايات
منها صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق
فقال: لا (1)، وهي محمولة على الكراهة أو أفضلية المقام بمنى

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 6.
227

ومنها رواية ليث المرادي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة
البيت فيطوف بالبيت أسبوعا، فقال: المقام بمنى
أفضل وأحب إلى (1).
ولا ينافي ذلك صحيحة جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف
بها في أيام منى ولا يبيت بها (2).
وصحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق؟ قال: نعم
إن شاء (3).
لامكان حملهما على أصل المشروعية فلا تنافي
أفضلية المقام بمنى.
(المسألة السادسة:)
أنه يجوز النفر في الأول، وهو اليوم الثاني
عشر لمن اجتنب الصيد والنساء، كما هو المشهور
بين الأصحاب، وقيل: لمن اجتنب جميع ما يحرم

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب العود إلى منى ح 5 - 1 - 3
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب العود إلى منى ح 5 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب العود إلى منى ح 5 - 1 - 3
228

عليه سواء كان موجبا للكفارة أو لا، وقيل: لمن
اجتنب خصوص ما يوجب الكفارة، ومنشأ الاختلاف
اختلاف ما فهم من قوله تعالى (فمن تعجل في يومين
فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) (1).
فإن قوله (لمن اتقى) اختلفت فيه كلمات الأصحاب
وأن المراد ما هو؟ فقيل: لمن اتقى الصيد والنساء وقيل
اتقى كل ما يحرم عليه وإن لم يكن من محرمات الاحرام، إلا
أن القول الأول موافق للروايات.
فمنها رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله عز وجل (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه
ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) الصيد يعني في احرامه
فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول (2).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أصاب
المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، ومن

(1) سورة البقرة الآية 199.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
229

نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى
ينفر الناس، وهو قول الله عز وجل: فمن تعجل الآية
قال: اتقى الصيد (1).
ومنها رواية جميل عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
ومن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول (2)
ومنها رواية محمد بن المستنير عنه عليه السلام قال: من
أتى النساء في احرامه فليس له أن ينفر في النفر الأول
(3).
وضعف هذه الروايات منجبر بعمل الأصحاب
بها، هذا بالنسبة إلى الصيد.
وأما روايات اتقاء النساء فلم نظفر إلا على رواية
واحدة وهي رواية محمد بن المستنير المتقدمة فإنه عليه السلام
قال: من أتى النساء في احرامه فليس له أن ينفر
في النفر الأول)
وفي الوسائل: قال الكليني: وفي رواية أخرى
الصيد أيضا، وضعف الرواية يجبره عمل الأصحاب

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 8 - 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 8 - 1
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 8 - 1
230

كما ذكرنا، والظاهر أن المراد بالصيد قتله كما عن المسالك
وعن كشف اللثام قتله وأخذه ولكن يمكن أن يقال، إن الروايات
المتقدمة مطلقة تشمل ما إذا صاد عبثا أو لهوا إلا أن يقال
إن المفهوم منها عرفا اصطياده للاستفادة منه والله العالم
إن المفهوم منها عرفا اصطياده للاستفادة منه والله العالم
والمراد باتيان النساء، وطؤهن وعن المسالك وفي الحاق
باقي المحرمات المتعلقة بها كالقبلة واللمس والعقد
وشهادته نظر انتهى
فحينئذ الأحوط الحاق باقي المحرمات بالوطء كما أن
الأحوط عدم الفرق في الحكم بين العامد و
الناسي والجاهل لاطلاق الروايات.
ثم إن النفر الثاني هو النفر في اليوم الثالث عشر
فمن نفر في النفر الأول لم يجز له النفر إلا بعد الزوال
إلا لضرورة أو حاجة وعن المدارك دعوى الاجماع
عليه لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن
تنفر حتى تزول الشمس، وإن تأخرت إلى آخر أيام
231

التشريق، وهو يوم النفر الأخير فلا شئ عليك أي
ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده (1).
وصحيحة الحلبي أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس؟
فقال: لا، ولكن يخرج تقله إن شاء ولا يخرج هو حتى
تزول الشمس (2).
ورواية أبي أيوب قال، قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إنا نريد أن نتعجل السير وكانت ليلة
النفر حين سألته - فأي ساعدة ننفر؟ فقال لي:
أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت
ليلة النفر، فأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس
فانفر على كتاب الله، فإن الله عز وجل يقول (فمن
تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه)
فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ولكنه قال: ومن تأخر
فلا إثم عليه (3). إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما النفر في اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال
لدعوى الاجماع ولدلالة الروايات المتقدمة آنفا على

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 6 - 4
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 6 - 4
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 - 6 - 4
232

ذلك من غير فرق بين الإمام وغيره.
نعم يجوز المقام لغير الإمام في منى إلى الزوال.
وأما الإمام - والمراد به أمير الحاج - فعن التهذيب
والنهاية والمبسوط والمهذب البارع والسرائر والغنية و
الاصباح أن على الإمام أن يصلي الظهر بمكة، ويمكن
أن يكون مراد هم بذلك الاستحباب.
لحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة (1).
وخبر أيوب بن نوح قال: كتبت إليه: أن أصحابنا
قد اختلفوا علينا، فقال بعضهم: إن النفر يوم الأخير
بعد الزوال أفضل، وقال بعضهم: قبل الزوال، فكتب
أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الظهر
والعصر بمكة، فلا يكون ذلك إلا وقد نفر قبل الزوال (2).
ثم اعلم أن من قضى مناسكه بمنى جاز له أن ينصرف
حيث شاء ولا يجب عليه الدخول بمكة، لرواية الحسين بن

(1) التهذيب ج 5 صلى الله عليه وآله وسلم 273 على ما حكي عنه.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب العود إلى منى الحديث 2
233

علي السري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى
في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ فقال: إن كان قضى
نسكه فليقم ما شاء وليذهب حيث شاء (1).
ورواية إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال: كان أبي
يقول: لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة (2)
نعم إذا بقي عليه بعض المناسك يجب عليه العود
إلى مكة.
(المسألة السابعة:)
من أحدث في الحرم ما يوجب حدا أو تعزيرا
أقيم عليه الحدا والتعزير في الحرم لانتهاكه حرمة الجرم
وأما إذا أحدث ما يوجب الحدا والتعزير في
الحل ثم دخل الحرم فلا يجوز حده أو تعزيره في الحرم
بل يضيق عليه في المطعم والمشرب والمنزل حتى يخرج
ويدل على هذا الحكم - بعد دعوى الاجماع - روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل في الحرم
فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى

(1) الوسائل ب 13 من أبواب العود إلى منى ح 1 و ب 14 الحديث 1.
(2) الوسائل ب 13 من أبواب العود إلى منى ح 1 و ب 14 الحديث 1.
234

حتى من الحرم فيقام عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل
قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحد في الحرم
صاغرا لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله تعالى:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم (1)، فقال: هذا في الحرم، وقال: لا عدوان إلا
على الظالمين (2).
ومنها حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: سألته عن
قول الله عز وجل: ومن دخله كان آمنا (3)، قال:
إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر إلى الحرم لم
يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق
ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم فإنه إذا فعل
ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في
الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة (4)
ومنها رواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام قال: سألته

(1) سورة البقرة الآية 190، وسورة آل عمران الآية 91
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 2.
(3) سورة البقرة الآية 190، وسورة آل عمران الآية 91
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 2.
235

عن قول الله عز وجل: ومن دخله كان آمنا) قال: إن
سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه نفر
إلى مكة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه ولكن
يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج فيؤخذ
وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه (1).
ولكن أرسل في الفقيه - على ما حكي عنه - عن
الصادق عليه السلام قال: من بال في الكعبة معاندا
أخرج منها ومن الحرم وضربت عنقه (1)، ويمكن حمله
- أي حمل اخراجه من الحرم (على الندب.
(المسألة الثامنة:)
المشهور أنه يكره منع الحاج عن سكنى دور
مكة، وعن الشيخ أنه يحرم، وعلل فخر المحققين - على ما
حكي عنه - التحريم بأن مكة كلها مسجد لقوله تعالى:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى) مع أن الاسراء كان من دار أم هاني

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 3.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3.
236

وعن ابن إدريس الاستدلال للتحريم بالاجماع والأخبار
المتواترة، قال: وإن لم تكن متواترة فهي متلقاة بالقبول
ولكن أورد على الأول بأنه مخالف للاجماع،
للاجماع على جواز تنجيس مكة غير المسجد وجواز نوم
الجنب فيها وغير ذلك من محرمات المسجد.
وأما قوله تعالى: سبحان الذي أسرى الخ فيمكن
اطلاق المسجد على مكة بضرب من المجاز بعلاقة المجاورة
كاطلاق المشهد على البلدة التي فيها المشهد، وهذا الاطلاق
كثير شايع في العرف مضافا إلى أن اسرائه (صلى الله عليه وآله وسلم) غير معلوم
بأنه من دار أم هاني فقد حكي أن إسرائه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان
من المسجد.
مع أنه يمكن أن يقال: إن إسرائه صلى الله عليه وآله
وإن كان من دار أم هاني إلا أنه كان منها إلى المسجد
ومن المسجد إلى المسجد الأقصى.
وأورد على الثاني بأن الاجماع غير محقق لكون
237

المشهور على خلافه، فالعمدة في مستند التحريم هو الروايات
وهي كثيرة حق أن ابن إدريس ادعى تواترها، ولنذكر
بعضها.
فمنها حسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إن معاوية أول من علق على بابه
المصراعين بمكة، فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز
وجل: سواء العاكف فيه والباد) وكان الناس
ذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه
الخبر (1).
ومنها حسنته الأخرى قال: ذكر أبو عبد الله عليه السلام
هذه الآية (سواءا العاكف فيه والباد) قال: كانت
مكة ليس على شئ منها باب، وكان أول من علق
على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، وليس
لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور منازلها (2)
ومنها صحيحة حفص ابن البختري عنه عليه السلام قال:
ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا وذلك

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 - 4.
238

إن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى يقضوا
حجهم (1).
ومنها رواية يحيى بن أبي العلاء عنه عن أبيه
عليهما السلام قال: لم يكن لدور مكة أبواب وكان أهل
البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها
وكان أول من بوبها معاوية (2).
قوله: بقطرانهم أي بقطار إبلهم قوله (عليه السلام) فيدخلون
فيضربون بها أي فيضربون مضاربهم في البيوت
ومنها صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أنه سئل عن قوله
تعالى: سواء العاكف فيه والباد) فقال: لم يكن ينبغي
أن يضع على دور مكة أبواب، لأن الحاج أن ينزلوا
معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم، و
أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية (3) إلى غير ذلك
ولكن المشهور لم يعملوا بظاهر هذه الروايات المفيدة
بظاهرها الوجوب بل حملوها على كراهة منع الحاج

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 - 2 - 3
239

من دخول البيوت وكراهة جعل الأبواب على دورها
ويمكن أن يكون منشأ الحمل هو التعبير بلفظ (لا ينبغي)
المفيد للكراهة في بعض هذه الروايات وإن كان لفظ
(لا ينبغي) يستعمل تارة في الكراهة وتارة في الحرمة إلا
أن الأصحاب لم يعملوا بظاهرها، وإن كان الأحوط عدم
منع الحجاج منها وعدم أخذ الأجرة على سكناها.
كما دلت عليه رواية الحسين بن علوان عن جعفر عن
أبيه عن علي عليهم السلام أنه نهى أهل مكة أن يؤاجروا دورهم
وأن يعلقوا عليها أبوابا، وقال: سواءا العاكف فيه والباد)
قال: وفعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام حتى
كان في زمن معاوية (1).
ورواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي
عليهم السلام أنه كره إجارة بيوت مكة، وقرأ: سواء العاكف
فيه والباد) (2).
إلا أن الروايتين ضعيفتا السند ليس لهما جابر
فلا بد من حملهما على الكراهة، نعم الأحوط أن يكون أخذ

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6 - 7
240

الأجرة لحفظ متاعه وأثاثه، لا لأجرة سكنى البيت
وربما استدل لحرمة منع الحاج من سكنى الدار
بأن مكة كلها مفتوحة عنوة فيستوي فيها جميع المسلمين.
ويرد عليه أن هذا الوجه أضعف من سابقه،
لأن البناء والآثار من الأخشاب والأبواب وغيرها
مختصة بمن أحدثها فليس من المفتوح عنوة الذي
يشترك فيه الكل إلا أراضيها فقط.
(المسألة التاسعة:)
قال في الشرائع: إذا ترك الناس زيارة النبي
صلى الله عليه وآله أجبروا عليها انتهى.
ومستنده صحيحة حفص وهشام وحسين
الأحمسي وحماد ومعاوية بن عمار وغيرهم عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: لو أن الناس تركوا الحج لكان على
الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ولو
تركوا زيارة النبي صلى الله عليه وآله لكان على
الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده
241

فإن لم يكن لهم أموال أتفق عليهم من بيت ملل المسلمين (1).
وظاهر هذه الرواية هو وجوب زيارته صلى الله
عليه وآله، وإلا فلا معنى للاجبار على ما يجوز للمسلمين
تركه، إلا أن يقال: إن زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانت مستحبة
إلا أن المسلمين إذا أطبقوا على ترك زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم)
ينتزع منه الاستهانة به صلى الله عليه وآله، أو يقال: إن
زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعظيم شعائر الله وهو واجب في الجملة
فيجب كفاية تعظيم هذه الشعائر الاسلامية.
وهذا جار أيضا بالنسبة إلى زيارة أئمة الهدى
عليهم، فإن أهل النجف الأشرف أو أهل كربلاء مثلا
إذا تركوا زيارة مولانا على أو مولانا الحسين عليهما السلام
بالمرة بحيث صار المرقد الشريف خاليا من الزوار
ينتزع منه الاستهانة بهما عليهما السلام ويلومهم الناس،
وينسبونهم إلى قلة الدين وعدم الاعتناء بشعائر
المسلمين.
فيمكن القول بوجوب الزيارة في الجملة رفعا للاستهانة
أو حفظا للشعار الاسلامي وإن كانت بالنسبة إلى آحاد
242

المسلمين مستحبة،
وربما يستدل لوجوب زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول أبي
عبد الله عليه السلام في رواية حجر الأسلمي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من أتى حاجا ولم يزرني إلى
المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا أوجبت له
شفاعتي، ومن أوجبت له شفاعتي وجبت له الجنة
(1) الحديث.
بتقريب أن جفائه (صلى الله عليه وآله وسلم) للذي أتى مكة ولم يزره
قد دل على تحقق الجفاء من تارك الزيارة بالنسبة
إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك زيارته،
وإلا فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجفو من لم
يجفه في دار الدنيا، إلا أن يقال: إن في دلالتها على حرمة
الجفاء نظرا، فإن الجفاء يتحقق بترك حقه المستحب
مع أنه إذا كان الجفاء محرما كان يجب على الوالي اجبار
جميع أفراد الحاج على الزيارة وهو مناف لكونها مستحبة
على الآحاد، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب المزار الحديث 3.
243

(المسألة العاشرة:)
للمدينة حرم، قال في الجواهر: بلا خلاف فيه بين
المسلمين فضلا عن المؤمنين انتهى.
وحده من عائر إلى وعير بفتح الواو أو بضمها
وهما - كما عن المسالك - جبلان يكتنفان المدينة
من المشرق والمغرب) وكيف كان فلا يقطع شجرة
ومستنده روايات
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن مكة
حرم الله تعالى شأنه حرمها إبراهيم عليه السلام وإن
المدينة حرمي، ما بين لابتيها حرمي لا يعضد شجرها
وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، وليس صيدها
كصيد مكة، يؤكل هذا، ولا يؤكل ذلك وهو بريد (1).
ومنها خبر الصيقل عنه عليه السلام قال: كنت جالسا
عند زياد بن عبد الله وعنده ربيعة الرأي، فقال له
زياد: يا ربيعة ما الذي حرم رسول الله صلى الله عليه
وآله من المدينة؟ فقال: بريد في بريد، فقال أبو عبد

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1.
244

الله عليه السلام: فقلت لربيعة: وكان على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله أميال؟ فسكت ولم. يجبه فأقبل على
زياد فقال: يا أبا عبد الله ما تقول أنت؟ فقلت: حرم
رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة: ما بين لابتيها
قال: وما بين لابتيها؟ قلت ما أحاطت به الحرار
(حرتان خ ل) قال: وما حرم من الشجر؟ قلت: من عير
إلى وعير الحديث (1).
ومنها رواية معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول: ما بين لابتي المدينة ظل عائر إلى ظل
وعير حرم، قلت: طائره كطائر مكة؟ قال: لا، ولا
يعضد شجرها (2).
ومنها رواية أبي العباس يعني الفضل بن عبد الملك
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حرم رسول الله صلى
الله عليه وآله المدينة؟ فقال: نعم حرم بريدا في بريد
غضاها، قال: قلت صيدها؟ قال: لا، يكذب الناس (3)

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 2 - 10 - 4.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 2 - 10 - 4.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 2 - 10 - 4.
245

أقول: الغضا: شجر ذو شوك قاله في مجمع البحرين
إلى غير ذلك من الأخبار وسيجيئ بعضها
ويستفاد من هذه الروايات وغيرها حرمة قطع
شجر المدينة وهو المشهور بين فقهائنا بل عن المنتهى
لا يجوز عند علمائنا) قال في الجواهر: بل لم أجد
من نص على الكراهة قبل الفاضل في القواعد انتهى
ولكن في المسالك - بعد أن ادعى الشهرة
على الكراهة عملا بأصالة الحل - قال: وبعض الأصحاب
قطع بتحريم قطع الشجر وجعل الخلاف في الصيد، و
ظاهر الأخبار يدل عليه وأنه لم يرد خبر بجواز قطع الشجر
وإنما تعارضت الأخبار في الصيد إلا أن الأصحاب
نقلوا الكراهة في الجميع واختاروها انتهى.
وهذا منه عجيب جدا فإنه قدس سره بعد ما
ما اعترف بدلالة ظاهر الأخبار على التحريم وبأنه لم
يرد خبر بجواز قطع الشجر وبأن الاختلاف إنما هو في
الصيد كيف أمكنه القول بالكراهة وكيف تمسك
بأصالة الحل، مع ورود هذه الروايات المعمول بها بين
246

الأصحاب التي ليس لها معارض باعترافه؟
ومن الأصحاب من يقول بالكراهة في الجميع أي
في قطع الشجر وفي الصيد، أليس عرفت من صاحب
الجواهر أنه قال: لم أجد من نص على الكراهة قبل الفاضل
في القواعد،
هذا كله بالنسبة إلى قطع شجر المدينة، والأقرب
حرمته، نعم عن التذكرة والمنتهى استثناء ما يحتاج إلى قطعه
من الحشيش لخبر عامي، وللزوم الحرج المنفى في الدين
فإن في نواحي المدينة زروعا وأشجارا كثيرة يحتاج إليها الناس
ومنعهم منها مستلزم للحرج المعلوم انتفائه في الدين)
قلت: لا بأس بهذا الاستثناء لولا اطلاق رواية
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: حرم رسول الله صلى
الله عليه وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم حولها
بريدا في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي
الناضح (1).

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 5.
247

قوله: إن يختلى خلاها أي أن يقطع خلاها، والخلا
النبات الرطب
وأما الصيد فقد عرفت من المسالك بتعارض الأخبار
أما الروايات الدالة على التحريم فمنها رواية زرارة
المتقدمة آنفا.
ومنها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين (1)
ومنها رواية الصيقل المتقدمة عنه عليه السلام أنه
قال لزياد بن عبد الله: حرم رسول الله صلى الله
عليه وآله من المدينة من الصيد ما بين لابتيها، فقال:
وما لابتيها؟ قال: قلت: الحرتان (الحرار خ ل) الحديث (2)
وأما ما دل على عدم التحريم فروايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن مكة
حرم الله حرمها إبراهيم عليه السلام وإن المدينة حرمي ما
بين لابتيها حرمي لا يعضد شجرها وهو ما بين ظل

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 9 - 3.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 9 - 3.
248

عائر إلى ظل وعير ليس صيدها كصيد مكة: يؤكل هذا
ولا يؤكل ذاك، وهو بريد (1).
ومنها أبي العباس الفضل بن عبد الملك
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حرم رسول الله
صلى الله عليه وآله المدينة؟ فقال: نعم، حرم بريدا في
بريد غضاها، قال: قلت صيدها؟ قال: لا، يكذب
الناس (2) بناء على أن قوله (لا) نفى حرمة صيدها، وإن
المراد أن الناس يكذبون بقولهم: إن صيدها حرام، و
الله العالم.
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: يحرم على في حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما
يحرم على في حرم الله؟ قال: لا (3)، هذا،
ولكن يمكن الجواب عن صحيحة معاوية بن عمار بأن
المنفى فيها أكل الصيد لا نفس الاصطياد، ولا منافاة بين
حرمة الاصطياد وحلية أكل الصيد كما هو واضح، فلذا

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1 - 4 - 8
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1 - 4 - 8
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1 - 4 - 8
249

حكم من قال بحرمة الاصطياد بأنه يجوز أكله،
وأما روايته الثانية فيمكن أن يجاب عنها بمثل
هذا الجواب أي حرمة الاصطياد وحلية أكل الصيد
وأما رواية الفضل بن عبد الملك فيمكن تصديق
الناس في حرمة الصيد أي لا يكذبون في قولهم:
إن صيد المدينة حرام، وليس المراد أن صيدها
ليس بمحرم وأن الناس يكذبون بأنه حرام.
وأما رواية يونس فيمكن أن يكون النفي فيها متوجها
إلى الكلية أي لا يكون كل ما كان يحرما في حرم الله
- محرما في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن
بعض ما كان محرما في حرم الله يكون حلالا في حرم
رسول الله صلى الله عليه وآله كأكل الصيد، فالأحوط
احتياطا شديدا هو القول بحرمة الاصطياد أيضا.
(القول في الصد والاحصار:)
والمراد بالأول هو منع العدو له من اتيانه بالمناسك
أي بمناسك الج أو العمرة أو كليهما، وبالثاني هو عروض
المرض له المانع من اتيانه للمناسك كذا هو المشهور
250

بين فقهائنا حيث فسروهما بما ذكرنا مع أنهما بحسب اللغة
مترادفان، قال في القاموس: الحصر كالضرب والنصر
التضييق والحبس عن السفر وغيره كالاحصار انتهى.
وقال في: (صد عنه صدودا) أعرض وفلانا عن
كذا: منعه وصرفه انتهى، فيعلم من ذلك ترادفهما، والذي
حمل الفقهاء على ما ذكرنا هو صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق
عليه السلام قال: المحصور غير المصدود، فإن المحصور هو
المريض، والمصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا
رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس من مرض، والمصدود
تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء (1).
ففرق عليه السلام بين المعنيين وجعل لكل منهما حكما كما
سيجيئ بيانه إن شاء الله، فلذا قال في محكى كشف اللثام:
المصدود: الممنوع بالعدو نصا واتفاقا، وكل من يمنع
الناسك من اتمام نسكه فهو عدو له من هذه الجهة وإن
كان منعه لافراط في المحبة انتهى، وكيف كان فالصد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1
251

والاحصار يشتركان في تحقق أصل التحلل بكل
واحد منهما عند المنع من اتمام المناسك في الجملة
ويفترقان - كما في المسالك - في ستة أمور.
الأول عموم التحلل وعدمه، فإن المصدود يحل
له بالمحلل كل شئ حرمه الاحرام ما عدا النساء، بل
يتوقف حلهن على طوافهن.
الثاني في اشتراط الهدي وعدمه، فإن المحصر
يجب عليه الهدي اجماعا وهو منصوص الآية، وفي
الصد قولان، وإن كان الأقوى مساواته في ذلك.
الثالث في مكان ذبح الهدي فإن المصدود
يذبحه أو ينحره حيث وجد المانع ولا يختص بمكان،
والمحصر يختص مكانه (أي مكان هديه) بمكة إن كان
في احرام العمرة، وبمنى إن كان في احرام الحج.
الرابع قدر التحلل فإن المحصر لا يحل إلا بالهدي
والتقصير عملا بالآية، وفي افتقار المصدود إلى أحدهما
قولان، وإن كان الأقوى الافتقار.
الخامس أن تحلل المصدود يقيني لا يقبل الخلاف
252

فإنه يفعله في مكانه، والحصر تحلله بالمواعدة الممكن غلطها
السادس فائدة الاشتراط فإنه في المحصر تعجل
التحلل، وفي المصدود ما تقدم من الخلاف في أنه
هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة أو رخصة؟
أو مجرد التعبد؟ إلى غير ذلك من الفوائد انتهى كلام صاحب
المسالك.
وسيأتي بيان هذه الأمور في خلال المباحث الآتية
إن شاء الله تعالى.
ثم إنه إذا اجتمع الصد والحصر كلاهما بأن مرض و
صده العدو ففي المسالك أيضا (في ترجيح أيهما والتخير
بينهما فيأخذ حكم ما اختاره أو الأخذ بالأخف من أحكامهما
أوجه، أجودها الأخير لصدق اسم كل واحد عند
الأخذ بحكمه، ولا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة
أو متعاقبين إذا كان قبل الشروع في حكم السابق انتهى.
ولكن يرد عليه أن هذه الوجوه يمكن احتمالها إذا عرض
الصد والحصر دفعة واحدة حقيقية، وأما إذا عرضا متعاقبين
253

فالحكم للسابق منهما ضرورة عدم وجود المصداق للاحق
فإن المصدود إذا عرض له الصد بالعدو ثم عرضه
المرض لا يقال له إنه - أي هذا الحاج أو المعتمر - قد
حصر بالمرض عن اتمام الحج أو العمرة فإن ترك الحج
أو العمرة مستند إلى السبب الأول كما إذا قتل رجل
انسانا بالخنجر مثلا ثم ضربه آخر - بعد قتله بالبندقة فإنه
يستند قتله إلى الأول دون الثاني، فالحكم للأول
إذا كانا متعاقبين.
وكيف كان فالمحرم إذا تلبس باحرام الحج أو العمرة
ثم صده العدو تحلل من إحرامه بمحلله - ويأتي إن شاء
الله بيان محلله - من كل ما أحرم منه حتى النساء إذا
لم يكن له طريق غير موضع الصد أو كان له طريق غير
موضع الصد ولكن تقتصر نفقته عنه، ومستند هذا الحكم
روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن الصادق
عليه السلام قال: المحصور غير المصدود إلى أن قال: و
المصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء (1)

(1) الوسائل من أبواب الاحصار والصد الحديث 1
254

ومنها روايته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا قال: يواعد
أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من
ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر، فإذا
كان يوم النحر أجزأ عنه، فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة
ورجع إلى المدينة (1).
ومنها رواية حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله حين صد بالحديبية
قصر وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه
الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون
عليه التقصير (1).
ومنها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: المصدود
يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور
يبعث بهديه، فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الصد والاحصار الحديث 5، والبا.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الصد والاحصار الحديث 5، والبا.
255

هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم
يذبحوا عنه وقد أحل، فأتى النساء، قال: فليعد وليس
عليه شئ وليمسك الآن عن النساء إذا بعث (1).
ويستفاد من هذه الروايات وغيرها أن المصدود
يجب عليه ذبح الهدي ليحل من إحرامه وهو قول الأكثر
من فقهائنا بل في المنتهى قد أجمع عليه أكثر العلماء إلا مالكا
قاله في الجواهر
واستدل لوجوب الهدي - مضافا إلى هذه الأخبار
- بأمرين:
الأول استصحاب حكم الاحرام إلى أن يعلم التحلل
الثاني قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي) (2)، بناء على شمول الآية للمصدود، و
إن كان لفظ الآية (فإن أحصرتم) الظاهر في المحصور
بل عن الشافعي - لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه
الآية نزلت في حصر الحديبية وكذا عن النيشابوري

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 5
(2) سورة البقرة الآية 196.
256

وغيره اتفاق المفسرين على نزد لها في حصر الحديبية
فعلى كل حال الآية إما خاصة بالمصدود، وإما تشمل
المصدود، فقد حكم تعالى بوجوب الهدي بقوله:
(فما استيسر من الهدي)
وربما يقال - كما عن ابن إدريس وعلي بن بابويه
- بعدم وجوب الهدي عليه وبحصول التحلل له بمجرد
صده عن الاتيان بالمناسك استنادا إلى أصالة
البراءة عن وجوبه.
ويرد عليه أولا أنه لا محال لجريان أصالة البراءة
هنا مع جريان الأصل الحاكم عليها وهو استصحاب بقاء
حكم الاحرام إلى أن يعلم التحلل، ولا علم له بالتحلل قبل
ذبح الهدي، وثانيا علي فرض عدم ابتلاء أصل
البراءة بالمعارض الأقوى لا يمكن جريانه هنا لوجود الدليل
من الآية والروايات كما عرفت ذلك، والأصل يجري
في ما لا دليل عليه، والمناقشة في الروايات بأعمية فعل
النبي صلى الله عليه وآله من الوجوب - يردها أن فعله (صلى الله عليه وآله وسلم)
257

ظاهر في أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام امتثال الأمر الإلهي الذي
نزل عليه مضافا إلى دلالة ظاهر الآية على الوجوب.
ويستفاد من الأخبار المتقدمة أيضا أن المصدود
لا يجب عليه بعث هديه إلى مكة إن كان احرامه للعمرة
أو إلى منى إن كان إحرامه للحج، بل يذبح هديه أو
ينحره في موضعه الذي صد فيه وفاقا لكثير من
الفقهاء.
نعم حكي عن أبي الصلاح الحلبي انفاذ
هديه كالمحصور ويبقى على احرامه حتى يبلغ الهدي
محله، وعن الإسكافي التفصيل في البدنة بين امكان
ارسالها، فيجب، وعدمه فينحرها في مكانه، وعن الغنية
عموم وجوب البعث للسائق وغيره وللحاج وللمعتمر
وعن الجامع أيضا ذلك إلا أنه نص فيه على العموم للحاج
والمعتمر، قال في الجواهر: ولم نجد لهم دليلا على
ذلك، بل ظاهر ما سمعته من النصوص وصريح بعضها
خلافه انتهى
وربما يستدل لهم بقوله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم
258

حتى يبلغ الهدي محله) فإنه نهى تعالى عن الاحلال
من إحرامه وعن الحلق الذي يتحقق به الاحلال حتى
يبلغ الهدي محله، وكون ظاهر الآية اختصاصها بالمحصور
غير مناف لذلك بعد ما عرفت من شمولها للمصدود
أيضا. إلا أنه رده في الجواهر بقوله: ولكن النصوص
صرحت باختصاص الحكم المزبور فيها بالمحصور الذي
هو المريض دون أصل الهدي الواجب عليهما، ولا
بأس بذلك بعد أن كانوا عليهم السلام هم المرجع في المراد
من القران، فالمتجه عدم الوجوب انتهى، وتبعه الأستاذ
رضوان الله عليه على ذلك.
ولكن يمكن أن يقال: إن الآية المباركة - بعد ما علمت
من اختصاصها بالمصدود أو الأعم منه ومن المحصور -
ظاهرة في وجوب بعث الهدي، والروايات المتقدمة
وإن كانت ظاهرة أو صريحة في عدم وجوب بعث
الهدي في المصدود إلا أنها ضعيفة السند ولا جابر
259

لها من القدماء فإنك قد عرفت من أبي الصلاح و
الإسكافي وابن زهرة في الغنية وابن سعيد في الجامع
أنهم على وجوب البعث مع الاختلاف بينهم في كيفيته
فمع اعراض هؤلاء الأجلاء عن ظواهر تلك الروايات
- مع أنها كانت بمرأى منهم - كيف يمكن رفع اليد عن
ظاهر الآية الكريمة الدالة على وجوب البعث - بهذه
الروايات التي لم تنجبر بعمل القدماء؟
وكيف ادعى صاحب الجواهر قدس سره بأنه
لم يجد لهم دليلا على ذلك؟ مع دلالة الآية على
ذلك وضعف الروايات الصادفة عن ظاهر الآية
فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب البعث في الصدود
أيضا كالمحصور.
هذا كله في المصدود عن الحج، وأما المصدود عن
العمرة فحكمه أيضا كذلك في أنه يتحلل من الاحرام
بالهدي بل وكذا المصدود عن الطواف والسعي
في العمرة، هذا كله فيما إذا لم يسبق هديا ثم صد فإن
عليه الهدي كما عرفت، وأما إذا ساق هديا ثم صد
260

فهل يكفيه هذا الهدي ساقة أو لا بذله من هدي آخر؟
فعن الصدوقين افتقار التحلل إلى هدي آخر لأصالة
تعدد المسبب إلى تعدد السبب وللمحكى عن فقه
الرضا عليه السلام قال: فإذا قرن الرجل الحج والعمرة فأحصر
بعث هديا مع هديه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله،
فإذا بلغ محله أحل وانصرف إلى منزله وعليه الحج
من قابل ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل، وإن
صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من قابل، ولا بأس
بمواقعة النساء، لأن هذا مصدود، وليس كالمحصور (1).
ولكن المشهور - على ما حكي عنهم - بل عن الغنية
دعوى الاجماع على عدم وجوب التعدد، قال في
الشرائع: وهو الأشبه انتهى.
ومدرك هذا القول أصالة البراءة عن وجوب
التعدد، وصدق قوله تعالى (فما استيسر من الهدي)
عليه، مضافا إلى عدم دلالة الدليل على ايجاب الصد

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 3.
261

أو الحصر هديا مستقلا زائدا على هديه المسوق بل غاية
ما يدل الدليل عليه هو وجوب أصل الهدي، وهو
صادق على الهدي الذي ساقه، مضافا إلى صحيحة
رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
خرج الحسين عليه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى
إلى السقيا، فبرسم، فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه، ثم
أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السلام:
ابني ورب الكعبة افتحوا له الباب وكانوا قد حموه
للماء، فأكب عليه وشرب ثم أعقل بعد (2).
قوله: فبرسم وهو من البرسام: علة معروفة.
واطلاق صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال في حديث: إن الحسين بن علي عليهما السلام
خرج معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا (عليه السلام) ذلك و
هو بالمدينة فخرج في طلبه، فأدركه بالسقيا، وهو مريض
فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: رأسي فدعى علي
عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة (2).

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الاحصار والصد ح 2 والباب 1 ج 2.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الاحصار والصد ح 2 والباب 1 ج 2.
262

والمناقشة فيهما بأنهما في المحصور - ضعيفة بعدما
كان حكم المحصور والمصدود واحدا.
نعم عن الدروس الفرق بين الهدي الواجب
بالنذر أو الكفارة ونحوهما وبين الواجب بالاشعار و
التقليد بعدم التداخل في الأول دون الثاني، ولعل
الوجه في هذا الفرق بتعدد السبب في الأول دون
الثاني لوجوبه بالاحرام.
إلا أنه يمكن أن يقال: إنه لا فرق بين الفرضين في
كفاية هدي واحد في تحقق الامتثال لصدق اسم
الهدي على المنذور أيضا، فيندرج في الأدلة المتقدمة
الدالة على وجوب الهدي عليه في تحقق التحلل.
ثم إنه لا بدل لهدي التحلل، قال في الجواهر: بلا
خلاف معتد به أجده فيه بل عن الغنية الاجماع عليه وهو
الحجة بعد الاستحباب والاحتياط، وظاهر الآية وأصالة
عدم بدل له بعد عدم الدليل، لكن عن الإسكافي أنه
يتحلل حينئذ بدون دم لقوله تعالى (فما استيسر) ولم يستيسر
263

ولم أجد من وافقه عليه انتهى.
ولكن عن العلامة الاشكال في ذلك، ويمكن أن
يكون وجه الاشكال أولا قوله تعالى: فما استيسر من
الهدي) ولم يتيسر له ذلك.
وثانيا بلزوم العسر والحرج في بقائه على احرامه.
وثالثا الروايات الدالة على وجود البدل للهدي
في المحصور بعد اتحاد حكمهما.
فمن الروايات رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل
أن يذبح هديه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر
فيه أو يصوم أو يتصدق، والصوم ثلاثة أيام، والصدقة
على ستة مساكين، نصف صاع لكل مسكين (1).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام في المحصور
ولم يسق الهدي قال: ينسك ويرجع، قيل: فإن لم
يجد هديا، قال: يصوم (2).
ومنها حسنة أيضا عنه عليه السلام قال: في المحصور

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الاحصار والصد ح 2 والباب 7 ح 1.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الاحصار والصد ح 2 والباب 7 ح 1.
264

ولم يسق الهدي، ينسك ويرجع فإن لم يجد ثمن هدي
صام (1).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا
أحصر الرجل فبعث بهديه، ثم أذاه رأسه قبل أن ينحر
فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه، أو
يصوم أو يطعم ستة مساكين (2).
ومنها ما عن الجامع عن مشيخة ابن محبوب أنه روى
صالح عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل خرج معتمرا، فاعتل في بعض الطريق
فقال: ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب
النساء، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإذا برئ من
وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في احرامه وإن
كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر (3)
فإذا ثبت البدل في المحصور الذي هو أشد حرجا

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2 والباب 5 الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2 والباب 5 الحديث 1
(3) الجواهر المجلد 20 صلى الله عليه وآله وسلم 124.
265

نفي المصدود أولى، إلا أن الأصحاب أعرضوا عن
هذه الروايات مع أنها واردة في المحصور، فتعديتها
إلى المصدود قياس لا نقول به مضافا إلى اختلافها
في ما بينها: فإن بعضها دال على صوم ثلاثة أيام وبعضها
على مطلق الصوم من دون بيان عدده، وبعضها على
صوم ثمانية عشر يوما، وعدم اجتماع شرائط الحجية
فيها، وما اجتمع فيه شرائط الحجية كصحيحة معاوية بن
عمار ففيها الاجمال كما عن المدارك فإن قوله (عليه السلام):
ينسك ويرجع) لا يعلم ما المراد منه فإن المراد من النسك
هل يكون الهدي أو بعض أعمال الحج؟
وإن كان يمكن أن يقال برفع الاجمال بقوله: فإن لم
يجد هديا) فإنه يظهر منه أن المراد بالنسك هو الهدي
والله العالم.
ولكن الأحوط مع ذلك لا ينبغي تركه باتيان البدل
والبقاء على احرامه، ويمكن أن يقال باحتمال عدم وصول
جميع الروايات إلى الأصحاب كما في الجواهر فلم يتحقق
اعراضهم عنها، ومع ذلك كله فالقول الذي اخترناه
266

أعني بقائه على احرامه هو الأصح كما قال في الشرائع:
فلو عجز عنه (أي عن الهدي) وعن ثمنه بقي على احرامه)
(بما ذا يتحقق الصد؟:)
ويتحقق الصد بالمنع من الموقفين بل بالمنع عما
يفوت به الحج بلا خلاف ولا اشكال كما قاله في الجواهر
وهل يجب عليه الصبر حينئذ أي حين ما صد عما يفوت
به الحج حتى يفوته الحج أو يجوز له الاحلال بمجرد الصد وإن
كان في أيام الحج الظاهر هو الثاني للأصل أي أصالة
البراءة من وجوب الصبر ولاطلاق النصوص، قال
في الجواهر: ولأنه لا فوات حقيقة إلا بالموت وخصوصا
في العمرة المفردة انتهى.
ومراده - بقرينة قوله: وخصوصا في العمرة المفردة -
عدم تصور الفوات الحقيقي حتى بالنسبة إلى الحج
أما عدم الفوات في العمرة المفردة فواضح ضرورة كون
وقتها طول أيام السنة، وأما عدم فوات الحج فبأن يقال
إنه يمكنه البقاء على احرامه إلى السنة الآتية بل إلى السنين
267

الآتية.
ولكن لا يخفى ضعف هذا التصور لفوات وقت
الحج شرعا وعرفا بالخروج عن ذي الحجة، نعم بالنسبة
إلى العمرة المفردة يصح هذا الفرض لعدم تحديدها بوقت
معين.
وقال في المسالك: ومن هذا الباب (يعني محكم
الصد عن الموقفين) ما لو وقف العامة بالموقفين
قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ولم يمكن
التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم فإن التقية
هنا لم تثبت انتهى.
وربما يؤيد قوله قدس سره ما ورد في إفطار يوم
من أيام شهر رمضان وقضائه في يوم آخر فإنه جائز
إذا اقتضته التقية:
كرواية رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال
دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد الله
ما تقول في الصيام اليوم فقال: ذلك إلى الإمام إن
صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام على
بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله إنه يوم من شهر
268

رمضان، فكان افطاري يوما وقضائه أيسر على من
أن يضرب عنقي ولا يعيد الله (1).
وقريب من هذا المضمون روايات أخر.
إلا أن يقال: إنه يمكن الفرق بين الصوم والحج
بشدة المشقة في الحج خصوصا وجود الاختلاف بيننا وبين
العامة في أكثر الأعوام بخلاف صوم يوم فإنه لا مشقة
فيه، فيلحق الوقوف بالموقفين في يومهم بالوقوف تقية
الذي يجزي عن الواقع، هذا كله بالنسبة إلى الصد عما يفوت
به الحج.
وأما الصد عمالا يفوت به الحج كأعمال منى كالرمي
والذبح في يوم النحر فيستناب فيهما كالمريض وقد صح
حجه إذا أمكنه الاستنابة، وأما إذا لا يمكنه الاستنابة ففي
الحاقه بالمصدود نظرا إلى صدق المصدود عليه ولاطلاق
أدلة المصدود الشامل له، ولأولوية البعض بالاحلال

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
269

عن الكل، فإن الاحلال بالصد عن الكل إذا كان جائزا
فبالبعض يكون بطريق أولى أو بقائه على احرامه إلى
أن يأتي ببقية المناسك كما احتمله في محكى المسالك و
المدارك قال في محكى الثاني: فإن لم يمكنه الاستنابة
في ذلك احتمل البقاء على احرامه تمسكا بمقتضى الأصل
انتهى، ومراده بالأصل هنا استصحاب بقائه على احرامه
- فيه وجهان، بل قولان لا يبعد أولهما من قوة لصدق
المصدود عليه باطلاق الأدلة كما عرفت.
وحينئذ ينقطع الأصل المتوهم جريانه هنا مضافا
إلى اقتضاء أدلة نفي العسر والحرج لما ذكرنا.
ودعوى ظهور أدلة الصد في ما يفوت به الحج دعوى
لا شاهد لها، بل يمكن دعوى شمولها لأبعاض أفعال
الحج بالاطلاق أو بالفحوى حتى في ما يمكن فيه الاستنابة
غاية الأمر خروج ما يمكن فيه الاستنابة عن الاطلاق بالنص
والاجماع، وكذا الوجهان لو صد عن أعمال منى يوم النحر
وأعمال مكة، والظاهر شمول أدلة الصد له أيضا لما ذكرنا
من أن الصد إذا كان مفيدا للتحلل عن الجميع فمن البعض
270

بطريق أولى، ولو صد عن الهدي خاصة قيل: هو
ممن لا يستطيع الهدي، فعليه الصيام بدله أي ثلاثة
أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله كما دلت عليه الآية فيمن لا
يستطيع الهدي.
إلا أنه قال في الجواهر: لا يخلو من نظر بعد الإحاطة
بما ذكرنا) ومراده بما ذكره هو شمول أحكام الصد على
الصد عن الأبعاض كما عرفت.
ويرد عليه أنه أن أمكنه الاستنابة في الهدي
أو ايداع ثمنه عند من يثق بأنه يذبح عن طول ذي الحجة
فهو وإلا فلا مانع من شمول الآية له أعني قوله تعالى: فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) بناءا على
أن المراد بقوله (فمن لم يجد) فمن لم يتمكن أو معنى يشمل
عدم التمكن والله العالم.
وأما إذا صد عن أعمال مكة خاصة فإن أمكنه
الاتيان بالطواف والسعي طول ذي الحجة ولو بالاستنابة
271

صح حجه كم عن الشهيد في الروضة وإلا فعن المبسوط
وغيره أنه يبقى على إحرامه بالنسبة إلى طواف للنساء
والطيب والصيد لأن المحرم إذا صد إما أن يحلل
بالهدي أو بالاتيان بأفعال يوم النحر والطوافين
والسعي، فإذا شرع في الثاني فلا بد من اكماله ولا دليل
على كفاية البعض عن الكل، فإذا أتى بأعمال منى يوم
النحر فلا بد من اتمامه بالطوافين والسعي لتحصيل التحلل
ولكن فيه أن اطلاق أدلة الصد يشمل هذا المورد
أيضا فالقول بأنه يتحلل من جميع المحرمات إذا صد عن
أفعال مكة لا يخلو من وجه.
وأما إذا صد عن أعمال منى خاصة بعد يوم النحر
كالمبيت بمنى ورمي الجمار فلا يتحقق فيها الصد، ولا
يجري عليها أحكام الصد بل لا بد له من الاتيان بها
فيما بعد أن أمكنه ذلك وإلا فيستنيب فيها، وإن لم
يمكنه الاستنابة في تلك السنة فمن قابل، وهذا اجماعي
لتحلله من جميع محرمات الاحرام بالاتيان بطواف النساء
فلا معنى لشمول أدلة الصد لأعمال منى، نعم هي من
واجبات للحج التي لا يبطل الحج بتركها فيحكم بصحة حجه
272

هذا كله بالنسبة إلى الصد عن أعمال الحج.
وأما الصد عن عمرة التمتع فيتحقق بصده عن دخول
مكة أو بمنعه - بعد الدخول - عن أعمال العمرة، قال في
المسالك: وفي تحققه (أي تحقق الصد) بالمنع من السعي
بعد الطواف خاصة وجهان من اطلاق النص وعدم
مدخلية الطواف في التحلل وعدم التصريح بذلك
في النصوص والفتوى، والوجهان اتيان في عمرة الافراد
مع زيادة اشكال فيما لو صد - بعد التقصير - عن طواف
النساء، فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد، بل يبقى على احرامه
بالنسبة إليهن انتهى.
ووجه زيادة الاشكال بالنسبة إلى الصد عن طواف
النساء أنه بناءا على خروجه عن حقيقة العمرة كما اختاره
بعضهم يشكل شمول أدلة الصد له إذا صد عنه بل عدم
الشمول لا يخلو من وجه، ولكن فيه أولا أنه لا مانع من
شمول أدلة الصد للسعي، وما ذكره من عدم مدخلية الطواف
273

في الاحلال، فيه ما لا يخفى إذا السعي المتعقب الطواف
له مدخلية في حصول التحلل لا السعي بدون الطواف
وإن كان الطواف من حيث هو لا يحصل به التحلل
بل يمكن أن يتحقق بالمجموع من الطواف والسعي والتقصير
- التحلل كما ربما يستفاد ذلك من ظواهر الأدلة.
وثانيا أن طواف النساء ليس خارجا عن حقيقة
العمرة كما هو الحق عندنا، وعلى فرض خروجه عنها لا يبعد
شمول أدلة الصد له باعتبار دخله في حصول التحلل
ثم إن الأمر بالاحلال لا يفيد الوجوب بل هو
في مقام دفع توهم الحظر فلا يفيد أكثر من الإباحة كما في
قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) فحينئذ يجوز له
أن لا يحل، بل يبقى على إحرامه إلى أن يفوته الحج، فإذا
فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ولا دم عليه حينئذ لفوات الحج
ولكن عن الخلاف عن بعض الأصحاب أن عليه
دما.
لرواية داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام
بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فأيهم
الحج، فقال: تسأل الله العافية، أرى عليهم أن يهريق
274

كل واحد منهم دم شاة، ويحلق، وعليهم الحج من
قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، وإن أقاموا حتى تمضي
أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة
فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل (1).
إلا أن هذه الرواية يمكن حمل ها على عدم امكان تحللهم
بالاتيان بالعمرة فحينئذ يتحللون بالهدي.
(فروع:)
الأول: إذا حبس بدين فإن كان قادرا على أدائه
ومما طل لأدائه فحبسوه لأجله فهو ليس بمصدود لأنه
كان عليه أداء دينه، فحيث لم يؤده فهو مفوت لحجه اختيارا
فلا تشمله أدلة الصد، وأما إذا كان عاجزا عن أدائه فحبسوه
عن الحج فهو مصدود لأنه محبوس ظلما لعدم اعتبار العداوة
في تحقق الصد، بل يتحقق بصده ظلما.
كما دلت عليه رواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.
275

ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة
فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال:
يلحق، فيقف بجمع، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح
ويحلق ولا شئ عليه، قلت: فإن خلى سبيله يوم النفر
كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل
متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا، ثم يسعى
أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحج
فليس عليه ذبح ولا شئ عليه (1).
فحكم عليه السلام عليه بالصد بمنع السلطان له من الاتيان
بأعمال الحج، بل يمكن تحقق الصد بالمنع له من طريق خاص
بل قال في المسالك: إن حصر الصد فيما ذكروه في موضع
نظر، فقد عد من الأسباب فناء النفقة وفوات الوقت
وضيقه والضلال عن الطريق مع الشرط قطعا ولا معه في
وجه.
لرواية حمران عن الصادق عليه السلام حين سأله عن للذي
يقول: حلني حيث حبستني، فقال: هو حل حيث حبسه
الله، قال أو لم يقل (2)، وفي الحاق أحكام هؤلاء بالمصدود

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الاحرام الحديث 4.
276

أو المحصر أو استقلالهم نظر من مشابهة كل منهما والشك في
حصول السبب فيهما وعدم التعرض لحكم غيرهما، ويمكن ترجيح
جانب الحصر لأنه أشق، وبه يتيقن البراءة انتهى.
ويرد عليه أنه - بعد ما عرفت فيما سبق من أن الصد
بالعدو والحصر بالمرض كما دلت عليه الرواية الصحيحة المتقدمة
- لا وجه لعد هؤلاء من المصدود أو المحصر فإن الصد أو
الحصر ليس مطلق عدم امكان الاتيان بأفعال الحج أو
العمرة بل عدم الامكان الخاص، وهو الصد بالعدو
أو الحصر بالمرض، فلذا لم يعد الفقهاء رضوان الله عليهم
من المصدود أو المحصر من فاته الحج لضيق الوقت،
وحينئذ يمكن بل الظاهر أنه كذلك - أن حكم هؤلاء
الذين ذكرهم قدس سره حكم من فاته الحج لضيق الوقت
في أن وظيفته أن يحلل نفسه بعمرة الأفراد.
وقال في الشرائع: وكذا لو حبس ظلما انتهى، أي وكذا
التفصيل الذي ذكره في المديون بأنه إن كان قادرا على
277

أداء الدين فحبس لأدائه لم يتحلل ولم يصدق عليه
المصدود، وإن كان عاجزا تحلل، فهنا أيضا كذلك
فإنه إذا طالبوه بمال ظلما فإن كان قادرا على أدائه
ولم يؤده فحبسوه لم يتحلل، وإن كان عاجزا تحلل لأنه حينئذ من المصدود.
ويحتمل أن يكون مراده قدس سره أنه يكون من
المصدود مطلقا أي سواء كان قادرا على أداء المال أو
لا، بناء على عدم وجوب دفع المال مقدمة للاتيان بالحج
ولكن ربما يدل على الاحتمال الأول ما ذكر
في الشرائط فيما إذا كان في الطريق عدو لا يندفع
إلا بالمال فإنه قال: ولو قيل: يجب التحمل (أي تحمل المال)
مع المكنة كان حسنا، و
وكذا قال في الفرع الخامس الذي يأتي: ولو طلب
(أي العدو) ما لا لم يجب بذله، ولو قيل بوجوبه إذا كان
غير مجحف كان حسنا انتهى، فيستفاد من العبارتين أنه
إذا كان قادرا على دفع المال لم يكن مصدودا بل عليه
دفعه، غاية الأمر الفرق بين العبارتين أعني العبارة التي
278

ذكرها في الشرائط فإنه قد قيد وجوب إعطاء المال بالمكنة
وفي الفرع الخامس قيده بعدم الاجحاف مع أن المكنة أعم
من الاجحاف كما هو واضح، فيمكن أن يكون مراده بعدم
الاجحاف هو المكنة أيضا بأن المراد عدم الاجحاف بالنسبة
إلى حال الدافع وهو المتمكن، ويمكن أن يكون قد تغير نظره
والله العالم.
(الفرع الثاني:)
إذا صابر المصدود ولم يتحلل بالهدي حيث إنك
قد عرفت أن الأمر بالتحلل للرخصة - ففاته الحج أي فات
وقت الحج لم يجز له التحلل بالهدي لعدم صدق المصدود
عليه حينئذ، فيلزم عليه أن يتحلل بعمرة مفردة كغيره ممن
فاته الحج ولا دم عليه كما عرفت ذلك فيما سبق، وعرفت
أيضا رواية داود الرقي والجواب عنها، إلا أنه يجب عليه
القضاء إن كان الحج الفائت واجبا مستقرا عليه أو إذا استمرت
استطاعته، وأما إذا كان ندبا فلا يجب قضائه وإن صار
واجبا بالنذر وشبهه.
279

(الفرع الثالث:)
أنه إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل فوات
وقت الحج جاز له التحلل كما اختاره في الشرائع.
قال في الجواهر: كما في القواعد وغيرها بل لا أجد
فيه خلافا معتدا به فضلا عمن كان يرجوه لصدق اسم
المصدود، بل عن بعض (ولو علم ذلك) ولم يستبعده
الأصبهاني لو تم الدليل على الظن انتهى.
والظاهر أن مراده - أي الأصبهاني من قوله:
لو تم الدليل على الظن) المناقشة في تحقق الصد قبل
فوات الوقت، وكيف كان فمع الظن بانكشاف العدو
يجوز له التحلل لصدق اسم الصد عليه فعلا وعدم العلم برفع
الصد عنه.
وأما مع العلم برفع الصد عنه فيشكل صدق الصد
عليه إلا أنه لم يستبعده في كشف اللثام، بل الظاهر عدم
الصادق كما في فاقد الماء العالم بوجوده في آخر الوقت
فإنه لا يجوز له التيمم بل يجب عليه الصبر إلى آخر الوقت
وما نحن فيه - أي مع العلم بانكشاف العدو - من قبيل
280

أن يمنع من السير في هذا اليوم ويرتفع المنع في الغد الذي
لا يفوته معه الحج فإنه ليس من الصد في شئ كما لا يخفى
وعن الشهيد قدس سره في الروضة وموضع من السالك
أن التحلل إنما يسوق إذا لم يرج زوال العذر قبل خروج
الوقت) ولا ريب في أنه أولى وأحوط إلا أنه مناف لاطلاق
الروايات المتقدمة فالأفضل البقاء على احرامه إلى فوات
العذر، فإن بقي على احرامه إلى أن انكشف العدو فإن
لم يفت الوقت أتم نسكه ولا شئ عليه، ولو فاته الوقت
تحلل بعمرة مفردة.
(الفرع الرابع:)
لو أفسد حجه فصد بعده فإن أراد التحلل كان
عليه بدنة للافساد ودم آخر للتحلل من احرامه وعليه الحج
من قابل كما في الشرائع، هذا إذا كان حجه الذي صد
عن إتمامه حجة الاسلام، وعليه حجة أخرى عقوبة لما أفسده
من حجه فحينئذ عليه حجتان في القابل: إحداهما قضاء
حجة الاسلام التي فاتته بالصد والثانية عقوبة لما أفسده
281

من حجه، وهذا بناءا على أن الحجة الأولى فرضه والثانية
عقوبة كما اختاره في الشرائع، فحينئذ لا يجوز له الاكتفاء
بحجة واحدة.
وأما إذا قلنا بأن الأولى التي أفسدها هي عقوبة
والثانية فرضه فلا يجب عليه في القابل إلا حج واحد
وهو حجة الاسلام وما صد عنه فهو حج العقوبة الذي كان
عليه اتمامه عقوبة للافساد، ولكن لما صد عن الاتمام
سقط عنه وجوب الاتمام، ولا يجب قضاء الحج
العقوبي عليه لما سيجئ في الحج المندوب إن شاء الله
هذا إذا كان الذي أفسده حجة الاسلام.
وأما إذا كان حجا مندوبا فالظاهر أنه ليس عليه
شئ في القابل لأنه وإن كان بالشروع فيه وكذا بافساده
صار اتمامه عليه واجبا إلا أنه لما صد عن اتمامه سقط
عنه وجوب الاتمام.
وربما يقال بأنه بالشروع فيه وكذا بافساده صار
عليه واجبا، وكل حج واجب إذا لم يتمكن من إتمامه
وجب عليه قضائه، ويدفعه منع كلية الكبرى في
المندوب، فإن دليل الصد لا يدل على وجوب القضاء
282

بل لا يدل على أكثر من جواز التحلل بالصد، ومن المعلوم أن
القضاء بأمر جديد، ولم يدل دليل هنا - أي في للمندوب
- على وجوب القضاء.
نعم الدليل على وجوب قضاء حجة الاسلام هو
العمومات الأولية الدالة على وجوب أصل الحج، كقوله
تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) وحيث إنه لا يتمكن من امتثال هذا الأمر لأجل الافساد
أولا وبالصد ثانيا فالأمر الأول باق على حاله، وليس لنا
دليل بمثل هذا في المندوب كما هو ظاهر.
ولكن أطلق في الشرائع بوجوب القضاء بقوله:
كان عليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل) مع قوله: بأن
الأولى فرضه والثانية عقوبة، والظاهر أن مبنى قوله
ما ذكرنا من أنه صاد بسبب الشروع والافساد واجب
الاتمام وكل حج واجب يجب قضائه لو فات.
إلا أنك قد عرفت ما فيه، وكيف كان فلو تحلل قبل
فوات وقته الحج بسبب الصد ثم انكشف العدو في دقت
283

يتسع لاستيناف القضاء وجب وهو حج يقضي لسنته
قاله في الشرائع.
ومراده قدس سره بقوله: يقضي لسنته أما فعل
الحج في تلك السنة بعد رفع الصد عنه فإن اطلاق
القضاء على فعل شئ ثانيا ولو كان في وقته - كثير
شائع، وإما أن يكون المراد به تدارك الحج بعد رفع
الصد عنه فإنه قد فاته الحج أولا ثم قدر على اتيانه و
إن كان في وقته فصار شبها بالقضاء من حيث
الفوت واتيانه فيما بعد وإلا فالحج ليس له وقت معين
بل هو أداء في جميع أيام العمر خصوصا بعد القدرة على
اتيانه في وقته وهو سنة الاستطاعة فإنه لا يطلق عليه
القضاء إلا باعتبار ما ذكرناه.
ثم إنه إن تحلل بسبب الصد فهو، وإن بقي
على إحرامه إلى أن انكشف العدو يجب عليه إتمام
ما أفسده، وعليه الحج من قابل إذا كان الحج واجبا بأن
كان حج الاسلام، بل وإن كان ندبا بناءا على وجوب
قضائه على ما ذكرنا وذكرنا ما فيه، فإن فات وقت الحج
284

وقد بقي على احرامه تحلل بالعمرة المفردة، وإن منعه العدو
منها أيضا تحلل حينئذ بالهدي.
(الفرع الخامس:)
قال في الشرائع: لو لم يندفع العدو إلا بالقتال
لم يجب، سواء غلب على الظن السلامة أو العطب
انتهى، وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، وفي
المسالك (الاتفاق عليه) وفي المدارك (هو مقطوع
به في كلام الأصحاب)
واستدل له في الجواهر بالأصل السالم عن معارضة
باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا ومشقة و
ونحوهما انتهى، ومراده بالأصل البراءة أي البراءة من وجوب
القتال عليه، ومراده بمعارضة باب المقدمة أن وجوب
ذي المقدمة - أي وجوب الحج - يقتضي وجوب المقدمة
وهي هنا القتال فإنه مقدمة لاتيان الحج الواجب، إلا
أنه لا يعارض وجوب المقدمة لأصالة البراءة لأن وجوب
المقدمة مرفوع باستلزامها للعسر والحرج المرفوعين في
285

الاسلام، فلا يعارض الأصل، هذا حاصل كلامه قده.
ويرد عليه بأن القتال إذا قلنا بوجوبه فلا يرتفع بالعسر
والحرج لعدم تصور رفع العسر والحرج لأصل التكليف
خصوصا التكليف الذي يكون أصله حرجيا كالتكليف
ألا ترى أن العسر والحرج لا يرفعان وجوب الصوم
وإن كان الصوم عسرا أو حرجيا كالصوم في شدة الحر
وكيف كان ففي محكى المبسوط (إن الأعداء
إن كانوا مسلمين فالأولى ترك القتال ألا أن يدعوه
الإمام عليه السلام إلى القتال فيجوز لأنهم تعدوا على المسلمين
بمنع الطريق فأشبهوا سائر قطاع الطريق، وإن كانوا
مشركين لم يجب أيضا قتالهم لأنه إنما يجب للدفع عن
النفس أو الدعوة للاسلام، وإذا لم يجب فلا يجوز أيضا
سواء كانوا قليلين أو كثيرين والمسلمون أكثر أو أقل
انتهى.
مع إن قدس سره ذكر في المسلمين بأن الأولى ترك
قتالهم مشعرا بجواز قتالهم ولكن في المسالك (الظاهر
إرادته التحريم لأنه أولى، وتعليله بإذن الإمام عليه السلام
يدل عليه، ثم قال: وجوزه جماعة منهم العلامة والشهيد
286

مطلقا مع ظن الظفر لأنه نهي عن منكر فلا يتوقف
على إذن الإمام عليه السلام.
ويشكل بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال
أو الجرح على إذن الإمام، وهما قد اعترفا به في بابه
وبأن ذلك لو تم لم يتوقف الجواز على ظن الظفر بل
متى جوزه كما هو الشر فيه، وأيضا الحاقه بباب النهي
عن المنكر يقضي إلى وجوبه لا إلى جوازه بالمعنى الأخص
وهم قد اتفقوا على عدم الوجوب مطلقا.
ولو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان فظاهرهم
الاتفاق على نفي الجواز أيضا، نعم لو بدأوا بالقتال
وجب دفاعهم مع المكنة في الموضعين لأن ذلك من
المواضع التي يجوز فيها الجهاد مع عدم إذن الإمام انتهى
كلامه رفع مقامه.
وحاصل كلامهم أو كلام بعضهم قدس الله أسرارهم
أنه لا يجب القتال سواء كان الصادون مسلمين أو كانوا
كفارا وسواء ظن السلامة أو العطب أي الهلاك بل
287

بل لا يجوز إلا بإذن الإمام عليه السلام، وجوزه جماعة من
باب النهي عن المنكر.
ولكن إذا كان من باب النهي عن المنكر فلا معنى
للقول بالجواز بل لا بد من القول بوجوبه حينئذ لأن
النهي عن المنكر واجب لا جائز إلا إذا كان المراد بالجواز
الجواز بمعنى الأعم الشامل للوجوب، هذا - أي القتال
من باب النهي عن المنكر - إذا لم يستلزم جرحا أو قتلا
وإلا فهو مشروط بإذن الإمام عليه السلام أو نائبه.
نعم لا يعتبر في القتال الدفاعي عن النفس أو العرض
بل المال إذا كان معتدا به إذن الإمام (عليه السلام) فحينئذ إذا تحقق
الصد سواء كان الصادون مسلمين أو كفارا يجوز له
التحلل سواء ظن السلامة إذا قاتل أو ظن الطعب أو تساوى
الاحتمالان، بل يمكن أن يقال بتحقق الصد وإن علم بالظفر
لو قاتل على اشكال لا يبعد القول به من وجه لصدق
تحقق الصد قبل القتال، وعدم وجوب القتال عليه، بل
غاية الأمر جوازه كما عرفت دعوى اتفاقهم عليه من المسالك
هذا كله بالنسبة إلى الظن بالظفر، والمراد بظن الظفر
288

هو ظن السلامة لا ظن الغلبة على العدو كما في الجواهر.
وأما إذا ظن الهلاك أو تساوى الاحتمالان ففي
المسالك أن ظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز انتهى
فإن تحقق اجماع فهو وإلا فالظاهر الجواز مع تساوي
الاحتمالين، هذا إذا لم يبتدأ الكفار بالقتال، وأما إذا
كان الابتداء منهم وجب الجهاد معهم من باب الدفاع
ولا يشترط حينئذ إذن الإمام (عليه السلام) وهو واضح، هذا إذا كان
صدهم عن الاتيان بأفعال الحج.
وأما إذا كان لأجل طلب المال (ف‍) لم يجب بذله
قاله في الشرائع، ثم قال: ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف
كان حسنا انتهى.
وذكر قدس سره في المقدمات أنه يجب عليه
بذل المال مع المكنة قبل التلبس بالاحرام، وأورد عليه في
المدارك بأنه حكم المصنف بوجوب البذل مع المكنة
مطلقا إذا كان قبل التلبس، وتقييده بعدم الاجحاف
إذا وقع الطلب بعده غير جيد، بل كان المناسب التسوية
289

بينهما أو عكس الحكم لوجوب اتمام الحج والعمرة بعد
التلبس بهما فيجب ما كان وسيلة إليه انتهى.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن التمكن من بذل المال
قبل التلبس من شرائط الاستطاعة، فإذا كان متمكنا
لاعطاء المال وجب، وإلا لم يكن مستطيعا، وأما إذا
بعد التلبس فإنه يجب عليه إتمام الحج والعمرة لقوله تعالى
(وأتموا الحج والعمرة لله)
فإن كان قادرا لاعطاء المال لدفع العدو ولم يكن
إجحافا بالنسبة إلى حاله وتمكنه وجب ولا يجوز له
التحلل بالصد لامكان دفعه للمال، وأما إذا كان اجحافا
بالنسبة إلى حاله بأن كان غير قادر لدفعه أو كان
قادرا إلا أنه مع المشقة الشديدة بأن يحتاج لدفع
المال إلى بيع ما يحتاج إليه فأدلة (لا ضرر) تدفع
وجوب إتمام الحج والعمرة عليه، فيجوز له حينئذ التحلل
بالصد.
والحاصل أنه بعد التلبس يجب عليه اتمام الحج
والعمرة ولو متسكعا إذا لم يستلزم ضررا غير قابل
للتحمل، ويمكن أن يكون مراد صاحب الشرائع من قوله:
290

(إذا كان غير مجحف) - ذلك.
وأما إذا كان قبل التلبس فإن وجوب الشروع
في الحج والعمرة مشروط بتمكنه من دفع المال، ومع عدم
التمكن لا يجب عليه الحج لعدم تحقق الاستطاعة، هذا
كله في المصدود.
(وأما المحصر:)
بالبناء للمفعول - من أحصره المرض إذا منعه
من التصرف - فقد قال في الشرائع: هو الذي يمنعه
المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين، فهذا يبعث ما
ساقه، ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي
محله، وهو منى إن كان حاجا ومكة إن كان معتمرا انتهى
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده في تحلله بالهدي
بل توقته، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب و
السنة - إلى أن قال: وإنما الخلاف في البعث وعدمه
فالمحكى عن ابني بابويه والشيخ وأبي الصلاح وبني حمزة و
البراج وإدريس ما ذكره المصنف، بل حكى غير واحد
291

عليه الشهرة - إلى أن قال -: خلافا للإسكافي فخيره بين
الذبح حيث أحصر والبعث، وجعله أولى، وسلار
ففصل بين التطوع وحجة الاسلام، ففي الأول يذبح
الهدي حيث أحصر وعن المفيد روايته مرسلا، بل
ظاهره العمل به انتهى.
أما مستند المشهور القائلين بوجوب البعث فروايات:
منها الخبر الطويل الوارد في حجة الوداع في كيفية حج
النبي صلى الله عليه وآله فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما قضى طوافه
عند المروة أمر الناس أن يحلوا ويجعلونها عمرة، وهو شئ
أمر الله عز وجل به فأحل الناس، وقال رسول الله صلى
الله عليه وآله: لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت
لفعلت كما أمرتكم ولم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي
الذي معه، إن الله عز وجل يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله (1) الحديث.
ويستفاد من هذه الرواية أن الآية الكريمة صريحة
في أن موضع هدي الحج منى، وهذه الرواية مسنة بإبراهيم
بن هاشم وباقي رجاله من الأجلاء.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13
292

ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا
أحصر الرجل، فبعث بهديه، ثم أذاه رأسه قبل أن
ينحر فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو
يطعم ستة مساكين (1).
بناءا على أن المراد بالذبح في المكان الذي أحصر
فيه هو الفداء لأجل الحلق بقرينة الصوم أو الاطعام
لا الهدي لأنه بعثه كما هو مفروض الرواية.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار المروية في الكافي
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال - في حديث - و
سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال: يواعد
أصحابه ميعادا إن كان في الحج فحل الهدي يوم النحر،
فإذا كان يوم النحر فليقص من رأسه، ولا يجب عليه الحلق
حتى يقضي المناسك، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار
دخول أصحابه مكة، والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان
تلك الساعة قصر وأحل، وإن كان مرض في الطريق

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1.
293

بعد ما أحرم فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة أو أقام
مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة، وإذا برأ فعليه العمرة
واجبة، وإن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فإن عليه
الحج من قابل.
فإن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في
الطريق فبلغ عليا (عليه السلام) ذلك وهو بالمدينة فخرج في طلبه
فأدركه في السقيا وهو مريض بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟
فقال: أشتكي رأسي، فدعى علي (عليه السلام) ببدنة فنحرها
وحلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برء من وجعه اعتمر
فقلت: أرأيت حين برء من وجعه أحل له النساء؟
فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة، فقلت: فما بال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين رجع إلى
المدينة حل له النساء ولم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا
مثل هذا، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مصدودا والحسين عليه السلام
محصورا (1).
ولكن هذه الرواية يعارض صدرها ذيلها فإن مفروض

(1) الوسائل الباب 2 - 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 - 3
294

صدرها أنه يبعث بهديه ويواعد أصحابه يوما بعد بعثه
للهدي لأن ينحروا هديه بمنى أو بمكة، فحينئذ - أي بعد ما
حضر يوم الميقات - يقصر - وذيلها يدل على أن عليا
عليه السلام - بعد ما مرض الحسين عليه السلام - دعى ببدنة فنحرها،
وظاهر الرواية أنه نحرها مكانه، واحتمال أن المراد أنه عليه السلام
بعثها فنحروها بمكة بعيد جدا عن مساق عبارة الرواية، ولم يظهر
من الرواية أنه (عليه السلام) كان مضطرا بنحرها مكانه.
وأيضا قوله عليه السلام: وإن كان مرض في الطريق بعد
ما أحرم فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة الخ - معارض
لصدر الرواية المفروض فيه البعث.
وأبعد من الاحتمال المزبور احتمال أن يكون المراد
بقوله: خرج معتمرا أنه عليه السلام لم يكن معتمرا بل أراد الاعتمار
وأن البدنة التي نحرها كانت تطوعا - كما في الجواهر - فإن
حمل قوله (عليه السلام): معتمرا على إرادة الاعتمار بعيد في الغاية، ومع
ذلك فهذه الرواية حكاية فعل لم يعلم وجهه، فيحتمل كون
نحرها في مكانه لأجل الضرورة، والله العالم.
295

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام و
رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا:
القارن يحصر وقد قال واشترط: فحلني حيث
حبستني، قال (قالا ظ) يبعث بهديه، قلنا: هل
يتمتع في قابل؟ قال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج
منه (1).
ومنها موثقة زرعة قال: سألته عن رجل أحصر في
الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحله أن
يبلغ الهدي محله، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج، و
إن كان في عمرة نحر بمكة، فإنما عليه أن يعد هم لذلك
يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإن اختلفوا
في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى (2)
ولكن تعارض هذه الروايات روايات أخرى
منها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام
في المحصور ولم يسبق الهدي، قال: ينسك ويرجع
قيل: فإن لم يجد هديا، قال: يصوم (3)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 والباب 2 الحديث 2
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 والباب 2 الحديث 2
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1.
296

ومنها حسنة الأخرى عنه عليه السلام في المحصور
لم يسق الهدي قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن
هدي صام (1).
ومنها رواية رفاعة عنه عليه السلام قال: خرج الحسين
عليه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا
فبرسم، فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه، ثم أقبل حتى جاء
فضرب الباب، فقال علي عليه السلام: ابني ورب الكعبة
افتحوا له، وكان قد حموه الماء، فأكب عليه فشرب، ثم اعتمر
بعده (2).
قوله: فبرسم أي أخذه البرسام وهو نوع من المرض
ومنها مرسلة الصدوق في المقنع قال: والمحصور
والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه،
وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك يوم الحديبية

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2.
297

حين رد المشركون بدنته وأبوا أن تبلغ المنحر فأمر بها
فنحرت مكانه (1).
ويمكن حمل هذه الروايا علي صورة الاضطرار
بأن لا يمكنه البعث إلى مكة أو إلى منى، وربما يشهد لهذا
الحمل ذيل هذه المرسلة حيث قال: وأبوا أن يبلغ المنحر
وربما يجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات
بالحمل على التخيير بين البعث والنحر مكانه كما ذكره في
المدارك، إلا أنه لا شاهد لهذا الجمع خصوصا بعد ذهاب
معظم الأصحاب إلى وجوب البعث.
وأما الحمل في رواية رفاعة على عدم إحرام الحسين
عليه السلام - كما احتمله صاحب الجواهر - فهو مناف لظاهر
الرواية حيث إن فيها (خرج الحسين عليه السلام معتمرا) وكيف
كان فإذا بلغ الهدي محله قصر وأحل من كل شئ أحرم
منه إلا النساء، فلا تحل له حتى يحج من قابل إن كان الحج
واجبا أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا
كما في الشرائع، وقال في الجواهر: بلا خلاف معتد به
أجده في شئ من ذلك، بل عن المنتهى نسبته إلى

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2
298

علمائنا، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص
والاجماع على كل من المستثنى والمستثنى منه، انتهى كلام
صاحب الجواهر.
ويدل على أنه أحل من كل شئ إلا النساء مضافا
إلى دعوى الاجماع - روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث قال في
ذيلها: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا
والمروة (1).
ومنها مرسلة المفيد قال: قال الصادق عليه السلام: المحصور
بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ
الهدي محله، ثم يحل ولا يقرب النساء حتى يقضي
المناسك من قابل، هذا إذا كان في حجة الاسلام،
فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه، وقد حل ما كان أحرم
منه، فإن شاء حج من قابل، وإن لم يشأ لا يجب عليه الحج (2).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 3 - 1.
299

وهذه الرواية ظاهرة في ما ذكره في الشرائع من التفصيل
بين الحج الواجب والتطوع كما نقلناه عنه آنفا إلا أن هذه
الرواية مرسلة مع احتمال أن يكون قوله: (هذا إذا كان في
حجة الاسلام) الخ من كلام المفيد لا جزءا من الرواية.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر هذا
المبحث فإنه عليه السلام قال في ذيلها: والمصدود تحل له النساء
والمحصور لا تحل له النساء (1)، إلى غير ذلك، من الأخبار.
وأما أن الاحلال لا يكون إلا بالحج من قابل إذا كان
الحج واجبا فيدل على صحيح معاوية بن عمار المتقدم فإنه
عليه السلام: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا
والمروة (2).
ومرسلة المفيد المتقدمة فإنه عليه السلام قال: ولا يقرب
النساء حتى يقضي المناسك من قابل)
وأما الاكتفاء بالاتيان لطواف النساء أو الاستنابة.
فيه في التطوع في حصول الاحلال منهن فيدل عليه
ذيل مرسلة المفيد الدالة على عدم وجوب الرجوع في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 - 3.
300

التطوع مضافا إلى النصوص المتقدمة الدالة على أن
طواف النساء قابل للاستنابة.
كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع
النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في
حج بعث به في حج، وإن كان تركه في عمرة بعث به في
عمرة، ووكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه (1).
وصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله، قال: يرسل، فيطاف عنه فإن توفي قبل أن يطاف
عنه فليطف عنه وليه (2)، إلى غير ذلك، هذا حاصل
ما ذكره من الجواهر.
إلا أنه يرد عليه أن روايات الاستنابة موردها ما
إذا حج أو اعتمر ونسي طواف النساء لا ما إذا أحصر من
الاتيان بطواف النساء ولم يتمكن من الاتيان به لأجل

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
301

الحصر.
وأما مرسلة المفيد فلا يمكن الاعتماد عليها لضعف
السند، فالأحوط لو لم يكن أقوى هو العمل بمطلقات
سائر الأخبار كقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار
في قضية اعتمار الحسين عليه السلام في الرواية المتقدمة: لا تحل
له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا و
المروة) المراد منه - ولو بقرينة سائر الروايات - الاتيان
بالحج أو العمرة من قابل.
(فرع:)
لو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله وعليه ذبح
هدي في القابل لأن تحلله كان بإذن الشارع،
ولصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام أنه
قال في ضمنها: فإن رد والدراهم عليه ولم يجدوا هديا
ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شئ، ولكن يبعث من قابل
ويمسك أيضا (1) الحديث.
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في حديث:

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1.
302

والمحصور يبعث بهديه، فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي
أحل هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه
ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء، قال: فليعد وليس
عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذ بعث (1).
قوله: وليمسك الآن عن النساء الخ معناه فليمسك
عن النساء فعلا إذا بعث هديه إلى أن يبلغ الهدي محله
وظاهره الوجوب.
وكذا قول الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة آنفا فإنه
قال في آخرها: وليمسك أيضا.
نعم عن العلامة في المختلف والفاضل المقداد والحلي
عدم الوجوب، وهو المستفاد من صاحب الشرائع للأصل
ولكن لا مجال لجريان الأصل هنا بعد ظهور الخبرين
في الوجوب، ولا قرينة لحملهما على الاستحباب بعد ما حكم
كثير من الفقهاء بالوجوب، بل في الجواهر (لعله المشهور انتهى
هذا كله في حج التمتع، وأما القارن إذا أحصر فتحلل

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاحصار والصد الحديث 5.
303

لا يحل في قابل إلا حج القران، وإن كان وظيفته
التمتع، وفاقا للمحكى عن المبسوط والنهاية والتهذيب و
المهذب البارع والجامع بل الأكثر بل المشهور كما
في الجواهر، ومستندهم بعض الروايات.
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر وكذا صحيحة
رفاعة عن أبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: القارن
يحصر وقد قال واشترط: فحلني حيث حبستني
قال: يبعث بهديه، قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال: لا
ولكن يدخل في مثل ما خرج منه (1).
ومنها رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال في حديث: سألته عن رجل ساق الهدي
ثم أحصر، قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من
قابل؟ قال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه (2).
وقيل: هو مخير بين القران وغيره إذا لم يكن
التمتع عليه واجبا وإلا فلا بد من الاتيان به بالخصوص
ومستند هذا القول الذي هو محكي عن ابن إدريس
وتبعه في محكى النافع هو الاستصحاب، وليس لهذا

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1 - 2
304

لهذا القول دليل سوى الاستصحاب،
ولكن الاستصحاب مقطوع بالنص الذي
عمل به الأصحاب كما عرفت.
ثم إن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا
لذبحه ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم في وقت اشعار الهدي
أو تقليده، فإذا كان وقت المواعدة للذبح أحل، وهذا
الحكم وإن كان على خلاف القاعدة إلا أنه دل عليه صحيح
معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب قال: يواعد أصحابه
يوما يقلدون فيه فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه
المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله حين صده المشركون يوم
الحديبية نحر وأحل ورجع إلى المدينة (1).
وصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الاحصار والصد الحديث مع اختلاف ما
305

رجل بعث بهديه مع قوم سياق وواعدهم يوما يقلدون
فيه هديهم ويحرمون قال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم
في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله،
قلت: أرأيت إن اختلفوا في الميعاد وأبطأوا في المسير
عليه، وهو يحتاج أن يحل هو في اليوم الذي وعدهم فيه،
قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم
فيه (1).
وكذا صحيح ابن سنان عنه عليه السلام قال: إن ابن
عباس وعليا (عليه السلام) كانا يبعثان هديهما من المدينة
ثم ينحران، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا
أصحابهما بتقليدهما واشعارهما يوما معلوما، ثم
يمسكان يومئذ إلى يوم النحر على كل ما يمسك عنه
المحرم ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي
إلا من كان حاجا أو معتمرا (2)، إلى غير ذلك من
الأخبار الدالة على أنه يصير باشعار هديه أو تقليده
بمنزلة المحرم في وجوب اجتناب ما يجتنبه المحرم إلى أن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الصد والاحصار الحديث 4 - 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الصد والاحصار الحديث 4 - 3.
306

يبلغ الهدي محله.
فما عن ابن إدريس من الرد لهذه الأخبار قائلا
بأنها أخبار آحاد - لا موقع له كما أن حملها على المصدود
والمحصور - كما عن الحدائق على الظاهر - كذلك أيضا
لصراحة صحيح معاوية بن عمار بأنه الهدي المندوب
فإنه عبر فيه بأنه يبعث بهديه تطوعا) فلا ارتباط له
بالهدي الواجب، وكذا ظاهر سائر الروايات،
وهل يلزمه الكفارة لو أتى بما يحرم عليه؟ قيل: نعم
وقال في الشرائع: كفر استحبابا)
وربما يدل على القول الأول رواية هارون بن
خارجة قال: إن أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذي بعث
بها معه أن يقلد ويشعر يوم كذا وكذا، فقلت له: إنه لا
ينبغي أن تلبس الثياب فبعثني إلى أبي عبد الله عليه السلام
وهو بالحيرة، فقلت له: إن أبا مراد فعل كذا وكذا وأنه
لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر، فقال (عليه السلام).
307

مره أن يلبس الثياب ولينحر بقرة يوم النحر عن لبسه
الثياب (1).
وقد تم بحمد الله وحسن توفيقه وعنايته
المجلد الثاني من كتاب الحج من تقريرات بحث
السيد الأستاذ آية الله الحاج السيد محمد رضا الموسوي
الگلپايگاني المتوفى سنة 1414 هجرية قمرية
رضوان الله تعالى عليه وقد كان الفراغ
من مسودة المجلد الثاني في سنة 1395 هجرية، وقد
فرغت من مبيضة المجلد الثاني في اليوم الآخر من
شهر ذي القعدة الحرام المصادق ليوم استشهاد
سيدنا ومولانا الإمام التاسع أبي جعفر محمد بن علي
التقي الجواد صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين
الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعاديهم ومنادئيهم
ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم
أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
وقد فرغت من المبيضة في اليوم 30 من شهر

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الاحصار والصد الحديث 1.
308

ذي القعدة الحرام من السنة 1415 من الهجرة النبوية على
مهاجرها آلاف ألف من الصلاة والسلام والتحية
الموافقة ل‍ 10 / 2 / 1374 من السنة الشمسية
ولنشرع - بعون الله وحسن توفيقه وعنايته
- في المجلد الثالث من هذا الكتاب
- وهو يحتوي على كفارات الاحرام
والصلاة على سيد الأنام و
على أهل بيته الكرام
المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي.
309