الكتاب: المرتقى إلى الفقه الأرقى
المؤلف: السيد محمد الروحاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠ - ١٣٧٨ ش
المطبعة: ستارة
الناشر: دار الجلي
ردمك: ٩٦٤-٥٩٧٢-٤٢-٦
ملاحظات: تقريراً لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني /٩٦٤-٥٩٧٢-٤٢-٢

المرتقى
إلى الفقه الأرقى
كتاب الخيارات
الجزء الأول
تقريرا لأبحاث
سماحة آية الله العظمى
السيد محمد الحسيني الروحاني
الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم
دار الجلي
1

حكيم، عبد الصاحب، 1319 - 1361.
المرتقى إلى الفقه الأرقى: كتاب الخيارات
تقريرا لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني،
عبد الصاحب الحكيم. - تهران: دار الجلي، 1378.
2 ج
(دوره) 2 - 44 - 5972 - ISBN 964
فهرستنويسي بر أساس اطلاعات فيپا.
عربي.
كتابنامه.
1. خيارات. ألف. روحاني، محمد، 1298 - 1376
مصحح. ب. عنوان.
4 م 8 ح / 2 / BP 190 372 / 297
كتابخانه ملي إيران 16728 - 78 م
المرتقى إلى الفقه الأرقى
كتاب الخيارات / ج 1
آية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم
باهتمام: القسم الثقافي لمكتب آية الله العظمى الروحاني قدس سره
نضد الحروف والتصحيح: القسم الفني
الألواح الحساسة: تيزهوش: المطبعة: ستاره، التجليد: بيروت
الناشر: دار الجلي
الطبعة الأولى / 1378 ش = 1420 ق
كمية الطبع 3000 نسخة
(دوره) 2 - 44 - 5972 - 964 شابك
(ج. 1) 6 - 42 - 5972 - 964 شابك
جميع حقوق الطبع - عرفا وشرعا - محفوظة للناشر
دار الجلي: تلفون: 09112274977 - فاكس - 731519 (0251)
2

بسم الله الرحمن الرحيم
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي
أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في
عبادك الصالحين. (27: 19)
يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا
ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق
علينا إن الله يجزي المتصدقين. (12: 88)
3

الخيارات
تعرض الشيخ (قدس سره) (1) إلى تعريف الخيار أولا، وقبل الدخول في البحث فيه لا بد من التنبيه على أمرين:
أحدهما: إن صاحب الكفاية (رحمه الله) (2) في كفايته كثيرا ما ينفي الفائدة في إطالة
الكلام في التعريفات المذكورة لبعض العناوين، لأنها تعاريف لفظية يقصد بها
شرح الاسم. فهل تعريف الخيار من هذا القبيل؟، فلا يهم التعرض إليه أولا، بل له
ثمرة عملية فيهم التعرض إليه؟
هذا، مع أنه قد اشتهر أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فالتعرض للتعريف
الاصطلاحي ومناقشته قليل الجدوى.
الحق أنه لا بد لنا من إيقاع البحث في مفهوم الخيار وتحديد معناه، إذ قد وقع
بهذا العنوان في لسان الأدلة، فيترتب على تحديده أثر عملي.
فلا بد من معرفة المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وهل بينهما ارتباط
ومناسبة أم لا ارتباط بينهما، بل هما متبائنان؟
فإذا كانا متبائنين، فلا وجه لحمل اللفظ على المعنى الاصطلاحي لأنه معنى
مستحدث لا يمت للعرف بصلة، بخلاف ما إذا كان بينهما العموم والخصوص
المطلق، كما سيأتي توضيحه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 214، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 215، طبعة مؤسسة آل البيت (ع).
5

والآخر: أن الخيار هل يتعلق بخصوص الأفعال أم أنه يتعلق بالأعم من الفعل
والعين؟
الخيارات
لا بد من إيقاع البحث في ذلك لأنه ذو ثمرة عملية، لوقوع البحث - فيما يأتي
إن شاء الله تعالى - في أن ثبوت الخيار هل تكون ثمرته أن يكون لذيه حق فسخ
العقد أو حق استرداد العين؟
ونتيجة هذا البحث تظهر في صورة تلف العين، فإنه يسقط الخيار على الثاني
لانتفاء موضوعه دون الأول.
ومن الواضح أن هذا البحث إنما يتأتى لو صح تعلق الخيار بالعين، فيقال: إن
الدليل المتكفل لإثبات الخيار بلا أن يعين متعلقه هل مقتضاه تعلقه بنفس العقد
فيكون له حق فسخه، أو بالعين فيكون له حق استردادها؟، لأن كلا من العقد
والثمن والمثمن من شؤون المعاملة، فيحتمل تعلق الخيار بكل منهما.
أما لو فرض عدم صحة تعلق الخيار بالأعيان لم يتأت البحث المزبور، بل
يتعين تعلق الخيار بالعقد، فإنه فعل اختياري - كما سيأتي توضيحه إن شاء الله
تعالى -.
وبعد ذلك نقول: إن الشيخ (قدس سره) ذكر للخيار تعريفات ثلاثة: أحدها لغوي،
والآخران اصطلاحيان.
أما اللغوي، فقد أشار إليه بما ذكره من أن الخيار اسم مصدر من الاختيار،
ولكنه أهمل بيان معنى الاختيار وايضاح مفهومه.
وقد ذهب السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في حاشيته إلى أن معناه هو السلطنة،
ويظهر ذلك من المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) وإن لم يصرح بذلك لكنه يستفاد من
كلامه. كما ذكر السيد الطباطبائي أن الخيار لا يضاف إلى غير الأفعال لأن مصدره
وهو الاختيار لا يضاف إلا إلى الأفعال دون الأعيان والمنافع.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
6

وخالفهما المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1)، فذهب إلى أن معنى الاختيار لا يساوق
السلطنة لاستعماله في موارد كثيرة لا يمكن أن يراد به معنى السلطنة فيها، كما
إذا قلت: اختار زيد العزلة عن الناس، واختار شرب الدواء الخاص، واخترت
لبس هذا الثوب من بين الأثواب، وكقوله تعالى (2): * (واختار موسى من قومه
سبعين رجلا) *، وقوله تعالى (3): * (وأنا اخترتك...) *،... إلى غير ذلك من
الاستعمالات.
ومن الواضح أنه لا معنى لإرادة معنى السلطنة من الاختيار في هذه
الاستعمالات، مع أنه لا يرى فيها وفي أمثالها أدنى مسامحة وعناية. ولعل الجامع
بين هذه الموارد وغيرها من موارد استعمال مادة الاختيار على اختلاف هيئاتها
هو إرادة ما يساوق معنى الترجيح والانتقاء والاصطفاء.
ومن هنا يظهر أن الاختيار - ويلحق به الخيار لأنه بمعناه - يمكن أن يتعلق
بالأعيان، إذ يصح إضافة الانتقاء والترجيح إلى العين. وفي الآيتين الكريمتين
المتقدمتين وغيرهما - كقول القائل: اخترت زيدا صديقا لي واخترت هذا الكتاب
من بين الكتب - كفاية في إثبات المطلوب، لإضافة الاختيار فيها إلى العين من
دون أي تقدير ولا مسامحة.
وأما ما ذكره السيد (رحمه الله) من: أن الاختيار لا يضاف إلى الأعيان، فلعله ناشئ من
الخلط بين الاختيار بالمعنى اللغوي والاختيار بالمعنى الاصطلاحي للمتكلمين
الذي هو بمعنى المشيئة والإرادة، إذ المشيئة لا يمكن أن تتعلق بغير الأفعال.
فالتفت.
هذا، ولكن الانصاف أن ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في معنى الاختيار لا
يخلو عن مناقشة، فإن الترجيح غير مساوق لمفهوم الاختيار ولو انطباقا، فإنه لا

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
2 - سورة الأعراف، الآية: 155.
3 - سورة طه، الآية: 13.
7

يصح استعماله في كل مورد يستعمل فيه الخيار أو الاختيار، ففي مثل قوله (1):
" البيعان بالخيار " لا معنى لأن يراد به: " البيعان بالترجيح أو الرجحان " - الذي هو
اسم مصدر من الترجيح -.
والذي نراه أن المفهوم القريب لمعنى الاختيار والخيار الذي لا أقرب منه هو
الارتضاء والرضا، فإنه وإن لم يكن نفس الاختيار مفهوما لكنه أقرب ما يمكن أن
يشار به إلى الاختيار من المفاهيم، فالارتضاء يساوق الاختيار والرضا يساوق
الخيار، وتقدير الرضا في قوله: " البيعان بالخيار " لا مانع منه بعد فرض أن الباء
بمعنى: " مع "، فيكون دليلا على اعتبار استمرار الرضا في البيع إلى وقت الافتراق.
ولعله يشير إلى ما ذكرنا من معنى الخيار ما ورد في بعض النصوص (2) من
التعبير عن إعمال الخيار بأن ذلك رضا بالبيع.
ثم إنه لا يخفى أن الرضا يتعلق بالأعيان كما يتعلق بالأفعال، فيضاف إلى
العين بلا تقدير ولا مسامحة. وقد تقدمت الإشارة إلى ثمرة تحقيق ذلك وسيأتي
ايضاح الكلام فيها في محله انشاء الله تعالى.
وأما التعريف الاصطلاحي الأول، فهو ما فسره به في موضع من الإيضاح (3)
من أنه ملك فسخ العقد.
واستشكل الشيخ (قدس سره) فيه، أولا: بأنه غير مانع لشموله كثيرا من الموارد التي لا
يصطلحون عليها بالخيار، كملك فسخ العقود الجائزة، وملك المالك فسخ عقد
الفضولي، وملك الوارث رد العقد بما زاد على الثلث، وملك العمة والخالة فسخ
العقد علي بنت الأخ والأخت إذا كان بدون إذنهما، وغير ذلك. فلا يصح تعريف
الخيار اصطلاحا بما يشمل ما لا يطلق عليه الخيار اصطلاحا.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 1: من أبواب الخيار، ح 3.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب الخيار، ح 1.
وسائل الشيعة، ج 12 / باب 12: من أبواب الخيار، ح 1.
3 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 482، الطبعة الأولى.
8

ولكنه (قدس سره) رد هذا الاشكال بما توضيحه: بأن موارد الخيار اصطلاحا، وهذه
الموارد المذكورة، وإن كانت تشترك في ثبوت السلطنة على فسخ العقد، لكنها
تختلف من جهة وهي الثابت في موارد الخيار يقبل الاسقاط والانتقال بالميراث
ولذا يعبر عنه بالحق. والثابت في هذه الموارد التي قيل بانتقاض التعريف فيها لا
يقبل الاسقاط والانتقال، فلا تسقط سلطنة المالك على رد عقد الفضولي ولو
أسقطها ألف مرة. ويعبر عن ثبوت السلطنة ههنا بأن ثبوتها بنحو الحكم لا الحق.
وإذا ثبت وجود الفرق موضوعا بين الموردين - مورد الخيار وهذه الموارد -،
ففي التعبير بالملك في التعريف كفاية في اخراج غير موارد الخيار اصطلاحا، إذ
عرفت أن ثبوتها ليس بنحو الملك بل بنحو الحكم. وبذلك يكون هذا التعريف بنظر
الشيخ خاليا عن الاشكال.
وقد استشكل في هذا الرد المحققان السيد الطباطبائي (1) والشيخ
الإيرواني (رحمهما الله) (2).
أما السيد الطباطبائي (رحمه الله) فذهب إلى أن الملك لغة بمعنى السلطنة وهي إذا
أضيفت إلى العين تفيد الملكية بالمعنى المعروف وهو واجدية المالك للشئ
وكون أمره بيده، بخلاف ما إذا أضيفت إلى الفعل فإنها لا تفيد أكثر من القدرة عليه.
وفي المقام بما أن الملك الذي هو بمعنى السلطنة قد أضيف إلى الفعل وهو فسخ
العقد، فلا يفيد أكثر من القدرة والتسلط عليه. وهذا المعنى كما هو ثابت في موارد
الخيار ثابت في موارد العقود الجائزة للقدرة فيها على فسخ العقد.
ولعل الوجه فيما ذكره (رحمه الله) من الفرق بين إضافة السلطنة للعين والفعل هو: أن
السلطنة على العين لا معنى لها، فلا بد من تقدير فعل، وبما أن حذف المتعلق يفيد
العموم، فإضافة السلطنة إلى العين تفيد السلطنة على جميع التصرفات المتعلقة

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
9

بالعين وهو لازم الملكية، بخلاف السلطنة على الفعل فإنها متصورة فتحمل على
معناها العرفي وهو القدرة على الفعل بايجاده وعدمه، وهذا لا يلازم الملكية بوجه
من الوجوه. هذه خلاصة إيراده مع توضيحها.
وأما المحقق الإيرواني (رحمه الله) فذهب: إلى أن السلطنة على نحوين: سلطنة يكون
لذيها سلطنة عليها، كالسلطنة على فسخ العقد في موارد الخيار فإن لذي الخيار
السلطان على اسقاط سلطنته، وسلطنة لا يكون لذيها سلطان عليها كالسلطنة على
الفسخ في موارد العقود الجائزة فإنها حكم شرعي ولا يكون أمرها بيد ذي
السلطنة بل بيد الحاكم.
وكلام الشيخ (قدس سره) إنما يتم لو فرض أن الملك عبارة عن السلطنة الخاصة
والاستيلاء الخاص وهو الاستيلاء بالنحو الأول، فإن التعبير به يستلزم خروج
موارد العقود الجائزة لأن الاستيلاء في مواردها من النحو الثاني. أما لو كان الملك
عبارة عن مطلق الاستيلاء أعم مما كان له عليه سلطان وما لم يكن عليه سلطان،
لم يكن في التعبير بالملك دلالة على نفي موارد العقود الجائزة، لصدقه في
مواردها أيضا. والأمر في الملك هو ذلك، فإنه لا يعتبر فيه إلا كون المملوك تحت
السلطان، أما كون السلطنة تحت السلطان أيضا فلا يعتبر فيه. والشاهد على ذلك
إضافة المالكية لله جلت عظمته بل هو مالك الملوك مع أنه ليس له سلطان على
سلب سلطنته على الكون، كما هو واضح.
إذن، فالتعبير بالملك في التعريف لا يستلزم خروج موارد العقود الجائزة
وغيرها.
وبالجملة، فمرجع كلا الكلامين إلى عدم دلالة التعبير بالملك على اختصاص
التعريف بموارد الخيار، بل هو على عمومه لغير موارده اصطلاحا.
ولكن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) دفع هذين الكلامين، وتوضيح كلامه: أن

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
10

الملك في الاصطلاح لا يساوق السلطنة التي هي المفهوم العرفي للملك، فإنها
عبارة عن سلطنة اعتبارية غير نفس الآثار المجعولة، وهذه السلطنة لا ثبوت لها
في موارد الأحكام، ولأجل ذلك اصطلح الفقهاء بالحكم في قبال الملك. وإذا
فرض أن الملكية في الاصطلاح أمر اعتباري يختلف عن الحكم، فالتعبير بالملك
في التعريف يخرج موارد السلطنة الثابتة بنحو الحكم، إذ اللازم حمل الملك في
التعريف على معناه الاصطلاحي لوروده في التعريف الاصطلاحي للخيار، ولا
وجه لحمله على المعنى اللغوي.
وبذلك يندفع كلا الكلامين، إذ لا معنى لحمل السلطنة على معنى القدرة على
الفسخ - كما هو مضمون كلام السيد (رحمه الله) -، كما لا معنى لدعوى أن الملك مطلق
الاستيلاء - كما هو مضمون كلام الإيرواني (رحمه الله) -، إذ كل منهما نقل للكلام إلى غير
موضعه.
وما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) متين جدا، إذ بعد وقوع التعبير في مصطلح
الفقهاء فلا معنى للبحث عن معناه اللغوي. ومن الواضح أن الملك باصطلاحهم
يختلف عن الحكم، فإنهما اصطلاحان متقابلان.
نعم، ما ذكره من أن الملكية عبارة عن سلطنة اعتبارية لدى الفقهاء لا يخلو من
حديث وبحث، إذ البعض (1) يرى أن الملكية أمر انتزاعي، أو يرى (2) الحق من
الأمور الانتزاعية وإن كانت الملكية اعتبارية.
فالتعبير الجامع: أن الملكية عبارة عن سلطنة خاصة وهي ما يلحظ فيها
واجدية المالك للمملوك وكون زمام أمره بيده أعم من كون ذلك المعنى اعتباريا أو
انتزاعيا، وهذا المعنى لا ثبوت له في موارد الحكم.
وعلى كل حال ظهر من مجموع ما ذكرنا وجه ما ذكره الشيخ (قدس سره) من: أن التعبير

1 - كالشيخ في المكاسب ص 215 حيث يقول بل حقق في الأصول أن لا معنى للحكم الوضعي إلا ما
انتزع من الحكم التكليفي.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 79، الطبعة الأولى.
11

بالملك يتكفل اخراج موارد العقود الجائزة، من جهة عدم ثبوت شؤون الملكية
في تلك الموارد، كما ظهر أن ما ذكره تام لا خدشة فيه.
وأما التعريف الاصطلاحي الثاني، فهو ما ينسب إلى صاحب الجواهر (رحمه الله) (1)
من أنه ملك إقرار العقد وإزالته.
وقد تنظر الشيخ (قدس سره) فيه: بأن المراد بإقرار العقد إن كان إبقائه على ما كان من
الحال، فهذا مما يستفاد من فرض ملكية الفسخ والقدرة عليه، إذ القدرة على
الفسخ لا يتحقق إلا بالقدرة على عدم الفسخ، ففرض القدرة على الفسخ فرض
للقدرة على عدمه فيبقى العقد على حاله، فيكون ذكر الاقرار مستدركا.
وإن كان المراد به جعل العقد لازما غير قابل للفسخ، فهذا مرجعه إلى اسقاط
الخيار، فيكون لازما، فيلزم أن يؤخذ في تعريف الخيار ملكية إسقاطه وهو كما
ترى، إذ المفروض هو محاولة معرفة مفهوم الخيار الذي يتعلق به الاسقاط، فلا
معنى لأخذ إسقاطه في تعريفه، فإنه يستلزم الدور كما لا يخفى.
هذا، مع أن المراد جعل العقد لازما بقول مطلق فيلزم أن لا يشمل التعريف
موارد الخيار الثابت لكلا المتعاملين، لأن اسقاط الخيار لا يجعله لازما مطلقا، بل
من طرف خصوص من أسقط خياره.
أقول: مراده من الشق الأول من التنظر يمكن أن يكون أحد وجهين:
الأول: أنه يريد ببقاء العقد على حاله نفس عدم الفسخ بلحاظ وجود المقتضي
للبقاء، فبمجرد عدم الفسخ يتحقق البقاء فعلا. فيكون ذكره مستدركا بلحاظ أنه
تكرار محض مستهجن، لأن القدرة على الفسخ قدرة على عدمه.
الثاني: أن يريد بالبقاء أمرا وجوديا مسببا عن عدم الفسخ، فلا يكون ذكره
تكرارا. نعم يكون ذلك لغوا بلحاظ أنه بعد بيان القدرة على الفسخ وعدمه يتكفل
بيان القدرة على البقاء بالملازمة، إذ القدرة على السبب قدرة على المسبب. وعلى

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 3، الطبعة الأولى.
12

أي تقدير فذكره لغو وزيادة لاستفادته من اللفظ إما مباشرة أو بالملازمة، فلاحظ.
وقد استشكل في الشق الثاني من تنظر المصنف بكلا وجهيه:
أما الوجه الأول: وهو ما أفاده من إرادة إبرام العقد من البقاء وجعله لازما
راجع إلى أخذ اسقاط حق الخيار في مفهوم الخيار، فأورد عليه بوجهين:
الأول: ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1)، - وهو ما كان يجول في الذهن من
قديم الزمان - أن هذا البيان إنما يتأتى لو فرض أن معنى الخيار هو ملك فسخ
العقد فقط ليكون أخذ اسقاط هذا الحق في مفهوم الخيار أخذا لاسقاط الخيار في
مفهومه.
ولكن هذا الفرض أول الكلام، بل خلاف المفروض إذ المفروض تعريف
الخيار بملك فسخ العقد وملك اسقاط هذا الحق، فأين أخذ اسقاط الخيار في
مفهوم الخيار؟.
وبالجملة، نظر من يعرف الخيار بالتعريف المزبور إلى أن الخيار عبارة عن
أمرين: ملك فسخ العقد وملك إقراره باسقاط حق الفسخ.
وذلك لا يستلزم أخذ اسقاط الخيار في مفهومه، بل هو أخذ لاسقاط حق
الفسخ في مفهومه وهو لا يستلزم محذورا ثبوتيا.
وبنظرنا أن هذا الايراد واضح جدا عند الالتفات إلى المغالطة الواقعة في إشكال
الشيخ (قدس سره).
الثاني: ما ذكره السيد الطباطبائي (2)، وغيره (3) من أن إقرار العقد وجعله
لازما لا ينحصر بإسقاط حق الخيار كي يكون ذلك ملازما لأخذ اسقاط الخيار
في مفهومه، بل هو يتحقق بالرضا بالعقد والالتزام به بقاء الذي يرجع إلى إعمال
الخيار وترتيب أثره. فيكون الخيار عبارة عن ملك الرضا بالعقد - في مرحلة
البقاء - وملك فسخه.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا على: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
13

وأما الوجه الثاني: وهو ما أفاده من أن المراد جعل العقد لازما بقول مطلق فلا
يشمل موارد الخيار الثابت لكلا المتعاقدين، كخيار المجلس.
فيورد عليه: بأن ما ذكره ليس نصا ومما لا يقبل التقييد عقلا، بل هو على تقدير
تسليمه لا يعدو أن يكون ظاهرا، فيمكن تقييده بإرادة اللزوم من قبل ذي الخيار
ويقال إن مرادهم ذلك لا اللزوم المطلق، وتكون القرينة عليه ما هو المعهود من
عدم تأثير الخيار في اللزوم بقول مطلق في جميع موارده.
هذا، مع المناقشة في أصل الظهور في إرادة اللزوم المطلق، بل المناقشة في
المقيس عليه وهو الفسخ، كما جاء في بعض الحواشي (1)، فراجع.
ونتيجة ذلك: أن هذا التعريف لا إشكال فيه بلحاظ مقام الثبوت بناء على إرادة
الاحتمال الثاني منه، فيكون كلا التعريفين خاليين عن الاشكال الثبوتي ولا
محذور في الالتزام بأيهما.
فيقع الكلام بعد ذلك في ترجيح أحدهما بلحاظ مقام الاثبات. وقبل ذلك لا بد
أن نعرف مقدار ارتباطهما بالمفهوم اللغوي للخيار، وقد قيل إن النسبة بينهما وبينه
نسبة الخاص إلى العام، إذ مفهوم الخيار لغة عبارة عن السلطنة، ومفهومه
اصطلاحا عبارة عن سلطنة خاصة.
ولكن ينفي هذا القول ما تقدم من أن مفهوم الخيار لغة ليس هو السلطنة، بل هو
مفهوم يقارب مفهوم الرضا أو الترجيح. ومقتضى ذلك هو تحقق التباين بين
المفهوم اللغوي والاصطلاحي.
وعليه، فقد يقال: بأنه لا فائدة في تحقيق المعنى الاصطلاحي بعد أن كان
مبائنا للمعنى اللغوي، إذ لا يمكن حمل اللفظ على المعنى الاصطلاحي إذا ورد
في كلام الشارع لأنه قبل الاصطلاح.
لكن الحق أن المعنى الاصطلاحي وإن كان مبائنا للمعنى اللغوي لكنه لازم له،
فإن جعل حق الرضا بالعقد بقاء - كما كان له الرضا به حدوثا - أو جعل حق

1 - الشهيدي، الميرزا فتاح: حاشية المكاسب، ص 405، الطبعة الأولى.
14

الرجحان أو الترجيح، لا يكون إلا بجعل السلطنة على فسخ العقد أو السلطنة
على فسخه وإقراره، إذ لا معنى لجعل الحق المزبور مع عدم جعل السلطنة
المزبورة.
إذن، فالخيار بمعناه الاصطلاحي من لوازم الخيار بمفهومه اللغوي، فيصح
حمل اللفظ الوارد في النص على إرادة المعنى الاصطلاحي.
وإذا ثبت مقدار ارتباط المفهوم اللغوي بالمفهوم الاصطلاحي...
فيقع الكلام بعده في أن أي المعنيين اصطلاحا أرجح في مقام الاثبات؟
ولا بد قبل ذلك من إيقاع الكلام في أنه هل للبائع في موارد الخيار حق إبرام
العقد وإلزامه بحيث لا يقبل الفسخ بالالتزام به أوليس له ذلك، مع قطع النظر عن
أخذ هذا الأمر في مفهوم الخيار الذي نفاه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في حاشيته،
بل الكلام في ثبوتها في نفسها.
ومن الواضح أنه لو لم تثبت هذه الصلاحية للبائع لم يكن مجال للبحث عن
تقويمها لمفهوم الخيار.
كما يقع الكلام في أنه هل لذي الخيار جعل العقد لازما ولو باسقاط حق الفسخ
أو لا؟. فيقع البحث في جهتين:
الجهة الأولى: في أنه هل لذي الخيار اسقاط الخيار، بمعنى أنه هل قابلية
الخيار للاسقاط من لوازمه التي لا تنفك عنه عقلا أو لا؟
قد يتخيل هذا الأمر في الخيار، بل في كل حق. فيدعى أن مميز الحق عن
الحكم هو قابلية الحق للاسقاط بحيث لا يكون الحق حقا إلا إذا ثبت هذا اللازم
له.
ولا يخفى أن هذا الكلام مصادرة، إذ أي شئ يقتضي لا بدية كون الحق مما
يقبل الاسقاط. ومجرد إرادة تمييزه عن الحكم لا تقتضي الالتزام بذلك، إذ لا نعدم
الفوارق بين الحق والحكم غير قابلية الاسقاط، فليكن من الفوارق قابلية الحق
للنقل والانتقال دون الحكم. هذا بحسب مقام الثبوت.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
15

وأما بحسب مقام الاثبات، فهناك ما يدل بنحو العموم على أن لكل ذي حق
اسقاط حقه. وعليه، فيثبت في موارد الخيار امكان إلزام العقد باسقاط الخيار.
الجهة الثانية: في أنه هل يثبت في موارد الخيار حق إبرام العقد وتثبيته وجعله
لازما بالالتزام به بقاء أوليس لذي الخيار هذا الحق؟
والكلام في هذه الجهة في مرحلتين: الأولى: في إثبات حق الابرام.
والثانية: في بيان ما يتحقق به انشاء الابرام على تقدير الالتزام بثبوت ذلك،
فهل يتحقق بانشاء الالتزام بالعقد أو يتحقق بانشاء ترك الفسخ.
ويقع الكلام في المرحلة الأولى وهي أنه هل له حق الابرام كماله حق الفسخ أوليس
له إلا حق الفسخ وتركه؟
وقد عبر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) عن هذا النزاع، بأنه هل يتقوم الخيار
بأمرين وجوديين أم بأمر وجودي وأمر عدمي وأوقع الكلام فيه، ونسب إلى بعض
أجلة العصر عدم ثبوت حق الابرام، بتقريب إليك نصه:
" أن العقد مقتض للزوم فإن الأصل في البيع هو اللزوم والخيار جهة مانعة،
فابرام العقد بعدم إعمال جهة مخالفة لمقتضاه من دون حاجة إلى إعمال جهة
وجودية، فليس لإبرام العقد معنى إلا عدم نقضه وهدمه وهو معنى الالتزام به، إذ
الرضا باستمرار الأمور الواقعة في الخارج المقتضية للدوام ليس إلا بعدم إرادة
نقضها وهدمها ".
ولا يخفى عليك أن ظاهر هذه العبارة المنقولة أنها بحث في المرحلة الثانية لا
الأولى - التي هي محل الكلام -، لأنها صريحة في ثبوت الابرام والمفروغية عن
ذلك وأنه لا يحتاج إلى انشاء أمر وجودي بل يكتفي فيه بانشاء عدم الفسخ، فلنا
أن نقول أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) خلط بين المرحلتين.
وعلى أي حال، فهذه العبارة أجنبية عما نحن بصدده.
ويمكن توجيهها بما ينتهي إلى كونها دليلا على ثبوت حق الابرام، بأن نقول: إن
المراد أن العقد مقتض للزوم، ونسبة الفسخ إليه نسبة المانع من تأثيره، فترك

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
16

الفسخ من الملتفت إلى كونه حقا له ملازم عرفا للالتزام بالعقد، فجعل حق
الفسخ وتركه ملازم لجعل حق الالتزام بالعقد وإبرامه بإمضائه بقاء، فيثبت بذلك
حق الابرام. ومن الممكن أن يكون نظر القائل إلى هذه الجهة وإن جاء في الكتاب
أنه دليل على عدم ثبوت حق الابرام، فلعله اشتباه من الناسخ فجعل لفظ: " الأول "
مكان " الثاني "، فراجع.
وكيف كان الأمر، فهذا التقريب مخدوش بوجهين:
الأول: إنكار الملازمة بين ترك الفسخ والالتزام بالعقد، بل من الممكن بناءه
على الفسخ بعد حين لأجل عدم توفر ما يترتب عليه لديه من إرجاع الثمن ونحو
ذلك، ومن الممكن تردده فعلا في الصالح لشأنه.
الثاني: أنه لو سلمت الملازمة، فمجردها لا يكفي في ترتيب الأثر على ما
يلازم ترك الفسخ من الالتزام بالعقد، بل لا بد من البحث عن دليل على ترتب الأثر
على الالتزام بالعقد الذي هو محل البحث.
وبعبارة أخرى: إثبات الملازمة غاية ما ينفع في إثبات موضوع البحث وهو
تحقق الالتزام عند ترك الفسخ، أما أنه يترتب عليه الأثر وهو إبرام العقد فكيف
نستفيده من الملازمة؟. وهذا واضح جدا.
وأما جواب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) عن البيان المزبور بأن مقتضى تطبيق المقام
على قاعدة المقتضي والمانع أن العقد لا يكون مقتضاه وهو اللزوم فعليا إلا بزوال
المانع وهو حق الخيار لا بمجرد عدم إعمال جهة مخالفة لمقتضاه.
فهو أجنبي عن هذا التوجيه بالمرة، إذ ليس الكلام متركزا على المقتضي
والمانع فقط، بل ذكر ذلك تمهيدا لبيان ملازمة عدم الفسخ للالتزام بالعقد الذي
يسقط به الخيار ويتحقق به اللزوم. فالمتعين هو الجواب بما ذكرناه.
وهناك وجه آخر في إثبات حق الابرام وهو: دعوى قيام السيرة على ذلك
المنتهية إلى زمان المعصوم (عليه السلام) من دون ردع، الكاشف عن إمضائها.
ويمكن الخدشة في ذلك: - مع غض النظر عن مناقشة أصل قيام السيرة
17

والتشكيك فيه - بأن القدر المتيقن هو ثبوت السيرة عند التزام ذي الخيار بالعقد
على معاملة العقد معاملة اللازم، أما أن منشأ ذلك هو ثبوت حق الابرام، فغير
معلوم. بل من المحتمل أن يكون منشؤه كاشفية الالتزام عن اسقاط حق الخيار.
وعليه، فلا دليل لدينا على ثبوت حق الابرام لذي الخيار. وقد عرفت أنه لا
مجال معه للبحث عن دخوله في مفهوم الخيار. فيكون التعريف الأول للخيار هو
المتعين لا الثاني. هذا تمام الكلام في تعريف الخيار.
ويقع الكلام بعد ذلك في المقدمة الثانية التي ذكرها الشيخ (قدس سره)، والبحث فيها
يدور حول إثبات أصالة اللزوم في البيع، وقد تعرض في أثناء حديثه إلى كلام
العلامة (رحمه الله) وبيان المراد منه بنحو مفصل، وهذا هو شأن الأعلام السابقين. وقد
رأينا الاعراض عن ذلك أولى، لعدم الأثر العملي المترتب عليه فيما نحن فيه.
فالمهم هو تحقيق الأصل في البيع وغيره من المعاملات ليكون هو المرجع في
مورد الشك.
وقد حكى الشيخ (قدس سره) (1) عن غير واحد تبعا للعلامة (رحمه الله) (2) أن الأصل هو
اللزوم، ثم ذكر أن المستفاد من كلمات جماعة أن الأصل قابل لأن يراد به معان
أربعة:
الأول: أن يراد به الراجح بمعنى المظنون والمستند فيه هو الغلبة، فإنها تفيد
الظن في إلحاق الفرد المشكوك بالغالب.
الثاني: أن يراد به القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند
الشك.
الثالث: أن يراد به الأصل العملي وهو الاستصحاب.
الرابع: أن يراد به المعنى اللغوي للأصل، وهو أن وضع البيع وبنائه في ذاته
على اللزوم عرفا وشرعا.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 214، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 515، الطبعة الأولى.
18

ولا يخفى أن الصحيح من هذه المعاني الأربعة التي يمكن أن يلتزم به هو الثاني
والثالث دون الأول والرابع.
أما الأول، فيرد عليه:
أولا: أنه يبتني على حجية الظن الناشئ من الغلبة وهو غير ثابت، إذ لا دليل
على حجيته.
وثانيا: أنه لا يرتبط بما نحن بصدده لأن ما نحن بصدده هو إثبات الأصل
في طبيعي البيع مثلا وأن بناءه على اللزوم أو لا، وهذا المعنى يبتني
على إثبات غلبة اللزوم في البيع، فينفع في إلحاق المشكوك بالغالب، فهو
يرتبط بخصوص فرد معين من المعاملة شك في لزومه وجوازه، لا بكلي
المعاملة وطبيعيها إذا شك في أنها لازمة، كالبيع - مثلا -، أو جائزة،
كالهبة.
وقد أورد الشيخ (قدس سره) على هذا المعنى: بأن المراد إن كان غلبة الأفراد فغالبها
ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط. وإن كان المراد غلبة
الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة.
ولا بد من ايقاع الكلام في كلا الشقين، فنقول:
أما غلبة الأفراد..
فيمكن تصحيحها بعد تقييد المعاملة بما بعد المجلس والثلاثة أيام في
الحيوان، فإنه لنا أن نقول إن الغالب في أفراد البيع هو اللزوم فيما بعد المجلس أو
الثلاثة أيام في بيع الحيوان - مثلا -.
وأما غلبة الأزمان..
فقد استشكل السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في ما أفاده الشيخ (قدس سره): من أن غلبة
الأزمان لا تنفع في الأفراد المشكوكة، بأن الشك في فرد من البيع أنه لازم أو
جائز يلازم الشك في جوازه في زمان خاص، فإذا الحق هذا الزمان بحكم الغلبة

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
19

بسائر الأزمنة في اللزوم، نفع ذلك في إثبات اللزوم بالنسبة إلى الفرد وإن لم
يكن بعنوانه، وهو لا يضر لتلازم الحيثيتين واقعا، فثبوت الحكم من إحداهما
يكفي في المدعى.
كما استشكل المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) فيه أيضا: بأن وقوع العقد في غالب
الأزمان على صفة اللزوم إن كان نافعا في إلحاق الزمان المشكوك من عقد واحد،
فهو نافع في إلحاق تمام أزمنة عقد واحد، لأن أثر الغلبة إلحاق النادر بالغالب
سواء كان النادر تمام أزمنة عقد واحد أو بعض أزمنته.
والذي نراه أن الحق مع الشيخ (قدس سره)، وذلك لأن المعتبر في باب الغلبة أن يكون
هناك جامع بين الغالب والنادر والمشكوك كي يلحق المشكوك منه بالغالب منه،
فإذا لوحظت الغلبة من حيث الأزمان، [فإنها] لم تتصور إلا في فرد معين يكون
الغالب في زمانه اللزوم وإنما يشك في بعض أزمنته أنه لازم أو لا. أما إذا شك في
فرد أنه لازم أو لا في جميع أزمنته - كالمعاطاة مثلا - الذي هو محل الكلام، فلا
تتأتى فيه هذه الغلبة، إذ ما هو الغالب الذي يراد إلحاق المشكوك فيه؟!.
ولعل هذا هو مراد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) من قوله: "... وتوهم تلازم
الحيثيتين إنما هو في الفرد الذي شك في لزومه وجوازه في زمان خاص وأما
الفرد الذي يشك في لزومه وجوازه مطلقا من دون خصوصية زمان فلا تلازم كما
لا يخفى ".
فما ذكره المحققان يمكن أن يكون ناشئا من الخلط بين غلبة الأزمان وغلبة
الأفراد.
وأما الرابع، فلا بد من معرفة المراد منه قبل معرفة الاشكال فيه، فنقول: المراد
من لزوم البيع بذاته في قبال جواز الهبة بذاتها ليس كون اللزوم ذاتيا بالمعنى
المراد من الذاتي في كتاب الكليات وهو ما تتقوم به الذات من الجنس والفصل، إذ

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 2، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 4، الطبعة الأولى.
20

لا يتقوم البيع باللزوم بل هو حكم عارض عليه. كما أنه ليس المراد به المعنى
المراد بالذاتي في كتاب البرهان، إذ العقد ليس بنحو يكفي وضع ذاته في انتزاع
اللزوم، إذ عرفت أن اللزوم حكم مجعول عارض عليه.
وإنما المراد من كونه ذاتيا، أن البيع - مثلا - بعنوانه الأولي وبما هو بيع محكوم
باللزوم ويكون الحكم بالجواز عليه لطرو عنوان آخر عليه زائد على ذاته، ككون
المبيع حيوانيا وغير ذلك، فهو نظير ما يقال: من أن الميتة بذاتها حرام ويعرض
عليها الجواز بطرو عنوان الاضطرار عليها.
وقد بينت الذاتية بنحو آخر وهو أن طبيعة العقد تقتضي اللزوم ثبوتا وهذا المعنى
بظاهره واضح الاشكال، إذ ليس البيع من الحقائق الخارجية ذات الطبع، نظير
الماء الذي يقال أن طبيعته البرودة، والنار التي يقال إن طبيعتها الحرارة.
وقد وجهه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) بما لا دليل عليه. ولذا رأينا الاعراض
عنه أولى وايقاع الكلام فيما ذكرناه له من المعنى.
وما ذكرناه واضح الاشكال، وذلك لأن المقصود من ثبوت اللزوم للبيع - مثلا
- بما هو، وثبوت الجواز له بعنوان طار عليه..
إن كان ثبوته بهذا النحو ببناء العقلاء، فيشكل بأن العرف ليس لهم بناءان
عمليان أحدهما عام والآخر خاص، إذ البناء العملي ليس إلا عملهم الخارجي،
ومن الواضح أن عملهم رأسا على اللزوم في غير موارد العيب - مثلا -، وعملهم
على الجواز في موارده.
إذن، فليس البيع في مورد العيب في ذاته لازما، إذ البناء العملي على الجواز
رأسا.
وعليه، فمع الشك في جواز عقد أو لزومه ليس لدينا قاعدة عامة تشخص
لدينا حكمه.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 4، الطبعة الأولى.
21

وإن أريد ثبوته ببناء الشارع..
فإن كان بنحو الامضاء للبناء العقلائي العملي بعدم الردع عنه، فالكلام فيه هو
الكلام في سابقه.
وإن كان الامضاء بالعموم أو الاطلاق اللفظي، فهو وإن أثبت المعنى المزبور إذ
يمكن أن يكون الدليل بعمومه أو اطلاقه شاملا لأفراد العقد بمجموعها ويكون
ما يدل على الجواز مخصصا له أو مقيدا.
إلا أن هذا يرجع إلى المعنى الثاني، وهو إرادة القاعدة المستفادة من
العمومات من الأصل وليس معنى مغايرا له، كما هو الفرض.
ومما ذكرنا من معنى الأصل الرابع تعرف أنه لا فرق بين أن يكون الجواز الثابت
لبعض أفراد العقد ثابتا بعنوان الحق أو بنحو الحكم، في عدم كونه منافيا لفرض
وضع البيع بما هو على اللزوم.
فما يظهر من الشيخ (قدس سره) (1) من التفرقة بين الجواز الحقي والحكمي في عدم منافاة
الأول ومنافاة الثاني في غير محله. فلاحظ.
وإذا تبين بطلان هذين المعنيين، فيقع الكلام في المعنى الثاني والثالث.
أما الثالث، وهو الاستصحاب، فيراد به استصحاب بقاء ملكية المالك بعد
الفسخ، إذ يشك بعد الفسخ في زوال ملكية المشتري للمثمن والبائع للثمن،
فتستصحب ملكيتهما ونتيجة ذلك مع اللزوم واحدة.
نعم، في هذا الاستصحاب وقفتان يرجع في تحقيقهما إلى الأصول، وهما:
أولا: إنه من استصحاب الأحكام الكلية. ثانيا: إنه من استصحاب الكلي القسم
الثاني لتردد الملكية الحاصلة أولا بين اللازمة والجائزة.
وقد تحقق لدينا صحة استصحاب الحكم الكلي خلافا للنراقي (2) ومن

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 214، الطبعة الأولى.
2 - النراقي، المولى أحمد: مناهج الأحكام والأصول، ص 240، الطبعة الأولى.
22

تابعه (1)، كما تحقق لدينا صحة القسم الثاني من استصحاب الكلي.
هذا، مع ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) في مسألة المعاطاة من أن المستصحب شخص
الملكية لا القدر المشترك، لأن اللزوم والجواز ليسا من عوارض الملكية، بل من
أحكام العقد. وعلى كل حال فلا إشكال لدينا في إجراء الاستصحاب.
فلو توقفنا عن إجرائه لإحدى الشبهتين أو لكليهما..
فمع الفسخ ووجود العوضين يحصل العلم الاجمالي لكل من المشتري والبائع
بحرمة تصرفه إما في الثمن أو المثمن لاحتمال انفساخ البيع وعدمه.
ومع تلف الثمن يحصل للبائع علم إجمالي بوجوب رد قيمته أو بحرمة التصرف في
المثمن. وهكذا الحال بالنسبة إلى المشتري لو تلف المثمن.
أما مع تلف كلا العوضين، فلا علم إجماليا بشئ، بل يشك في الضمان
والأصل البراءة منه.
وأما الثاني، وهو القاعدة، فهي المستفادة من العمومات الدالة على اللزوم
وهي بأكثرها لا تختص بالبيع، بل تعم غيره.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (3) العمومات التي يستفاد منها ذلك وهي:
الأول: قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (4).
وتقريب دلالتها على اللزوم كما ذكره الشيخ (قدس سره): أن الآية الكريمة دالة على
وجوب الوفاء بكل عقد، والمراد بالعقد إما مطلق العهد، كما جاء تفسيره به في
صحيحة ابن سنان (5)، أو ما يسمى في العرف واللغة عقدا.
والمراد بوجوب الوفاء هو العمل بما يقتضيه العقد في نفسه بحسب مدلوله اللفظي

1 - الحسيني، السيد محمد سرور: مصباح الأصول، ج 3، ص 148، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 85، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 215، الطبعة الأولى.
4 - سورة المائدة، الآية: 1.
5 - الطباطبائي، السيد محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، ج 5: ص 200، الطبعة الأولى.
23

نظير الوفاء بالنذر، فإذا كان مقتضى العقد بحسب دلالته اللفظية تمليك العين للغير
فمقتضى وجوب الوفاء هو لزوم العمل بهذا المقتضى فكل ما يخالفه محرم بحسب
الآية الشريفة. فأخذه من يد الغير والتصرف فيه بدون رضاه ينافي مقتضى العقد،
فيكون محرما. فإذا تحقق الفسخ وشك في تأثيره، فحيث أن التصرف في العين
بعده يتنافى مع مقتضى العقد وهو التمليك كان محرما.
ومن الواضح أن تحريم ذلك بمقتضى اطلاق الآية يلازم لزوم العقد الذي هو
حكم وضعي، فإذا دل الدليل على الحكم التكليفي وهو حرمة التصرف بعد الفسخ
دل بالالتزام على الحكم الوضعي وهو اللزوم. أو نقول بأن مجرد جعل الحكم
التكليفي يكفي في انتزاع الحكم الوضعي بناء على ما حقق في الأصول من أن
الأحكام الوضعية منتزعة عن الأحكام التكليفية.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في تقريب دلالة الآية على اللزوم، ومحصله: إن
وجوب العمل بمقتضى العقد بقول مطلق حتى فيما بعد الفسخ لازم مساو للزوم
العقد، فيكشف عن جعل اللزوم، أو ينتزع عنه اللزوم.
وقد أورد عليه إيرادات متعددة:
الأول: ما أشار إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن العقد مطلق العهد، سواء
كان عهدا من الله سبحانه كالتكاليف. أو عهدا بين العبد وخالقه، كالنذر وشبهه. أو
عهدا بين الخلق بعضهم مع بعض، كالمعاملات. وبما أن من التكاليف ما لا يجب
امتثاله كالمستحبات، كان عموم العهد موجبا لصرف ظهور الأمر في الوجوب
وحمله على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب، فلا ينفع في إثبات
وجوب الوفاء في مورد الشك.
الثاني: ما ذكره السيد (رحمه الله) (2) أيضا وغيره من: أن موضوع الحكم بوجوب

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
2 - المصدر.
24

الوفاء هو العقد. ومن الواضح أن الحكم يدور مدار موضوعه، فإذا صدر الفسخ
من أحد المتعاقدين وشك في تأثيره يحصل الشك في تحقق العقد، إذ الفسخ على
تقدير تأثيره يؤثر في حل العقد وإزالته، فمع الشك في ذلك يشك في ثبوت العقد،
فلا يمكن التمسك بعموم وجوب الوفاء بعد الفسخ للشك في موضوع الحكم.
فالمورد من موارد الشبهة المصداقية للعام، وهو مما لا يجوز التمسك بالعام
فيه بلا كلام، فلا يتوهم أحد جواز التمسك بعموم: " أكرم كل عالم " في شخص
يشك في كونه عالما.
الثالث: ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) من: أن الوفاء هو القيام بما التزم به
قياما خارجيا، وهذا إنما يصدق وجودا وعدما في مورد يتعلق الالتزام والعهد
بعمل، كنذر الفعل والجعالة والمزارعة ونحو ذلك. أما إذا تعلق العهد بالنتيجة،
كالبيع والنكاح ونذر النتيجة، فلا يصدق في موردها الوفاء وعدمه حقيقة لأنه لا
معنى للقيام بما التزم به بعد إن لم يكن من أعماله.
وعليه، فتختص الآية الكريمة بالعقود الواقعة على الأعمال لا النتائج، كالبيع،
فإن الملتزم به الملكية وهي نتيجة لا عمل للشخص نفسه. فلا تنفع في إثبات
اللزوم في مطلق العقود.
أقول:
أما الوجه الأول: فيمكن الاشكال فيه: بأنه من الواضح أن العقد ليس بمعنى
العهد بقول مطلق، إذ لا يرتاب أحد في عدم صدق العقد على وجوب الصلاة
واستحباب غسل الجمعة وغيرها من التكاليف الشرعية، والموضوع في الآية
الكريمة ليس مطلق العهد، بل الموضوع هو العقد وهو عهد خاص.
وعليه، فلا ضير في الالتزام بظهور الأمر بالوفاء في اللزوم ولا يلزم منه
محذور، لخروج التكاليف الشرعية عن موضوعه التي هي منشأ الاشكال.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
25

وأما الوجه الثاني: فقد أجيب عنه بوجوه متعددة وعمدتها وجهان:
الوجه الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) ناسبا له إلى غير واحد من
الأعلام ويظهر منه تقريره وارتضائه، ومحصله بتوضيح: إن المراد من العقد ليس
هو العقد اللفظي ولا الانشائي بما هو مدلول للكلام، ولا الالتزام القلبي لكل من
البائع والمشتري لأنه زائل قطعا فلا بقاء له.
وإنما المراد بالعقد هو الاعتبار الشرعي أو العرفي الحاصل بواسطة الانشاء،
فالعقد الذي يتصور فيه البقاء هو الموجود الاعتباري الذي يتحقق باعتبار من
بيده الاعتبار من شرع أو عرف بملاحظة ما يراه من مصلحة.
وبما أن الموضوع الوارد في الدليل الشرعي يحمل على معناه العرفي، فالمراد
من العقد في الآية الكريمة هو العقد العرفي.
ومن الواضح أنه بالمعنى العرفي ذو بقاء بعد قول: " فسخت " وإنما الشك في
تأثير الفسخ بنظر الشارع.
وفيه:
أولا: أن هذا الحديث لا يتأتى مع الشك في تأثير الفسخ في حل الملكية
عرفا، إذ كما يشك في بقاء العقد شرعا يشك في بقائه عرفا، فلا يمكن التمسك
بالدليل.
وثانيا: إن العرف وإن كانت له اعتبارات مستقلة عن الشارع إلا أنها إذا لم تكن
ملغاة بنظره الأقدس.
بيان ذلك: أنه إذا فرض أن جماعة معينة حكموا شخصا منهم في جميع أمورهم
يتصرف بهم وبأموالهم كما يتصرف بماله من دون اعتراض منهم على ذلك بل كانوا
يرون الحق له فيه. فإنه من الواضح أنه لا معنى لاعتبار الجماعة ملكية زيد للمال
إذا فرض أن ذلك الشخص اعتبر ملكية عمرو له، أو سلب عن زيد ملكيته، إذ
الفرض أنهم يرون مال الغير بالنسبة إلى ذلك الشخص كماله، فكما أنه إذا ملك

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 7، الطبعة الأولى.
26

عمرا ماله لم يعتبروا ملكية زيد له بل إنما يعتبرون ملكية عمرو له، فكذلك بالنسبة
إلى مال أحدهم.
إذا عرفت ذلك، ففيما نحن فيه الأمر كذلك، إذ الشارع له السلطنة المطلقة على
العباد وهذا مما يقر به المتشرعة ولا يستطيعون مخالفته بما هم كذلك في تصرفاته
فيهم، فإذا نفى الملكية عن أحد لم يعتبروا له الملكية، بل لا بد لهم من متابعته.
وعليه، فإذا فرض أنه احتمل أن يكون الفسخ مزيلا للملكية بنظر الشارع لم
يكن للعرف اعتبارها في هذا الحال لكون الفرض متابعتهم له وليس لهم انحياز
عنه، فذلك نظير ما لو شك في اعتبار زيد ملكية ماله لعمرو فإنه مع هذا الشك لا
يعتبر العرف ملكية عمرو لمال زيد. فتدبر.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) وبيانه: أن العهد والعقد إذا تعلق
بأمر استمراري مجموعي كان الوفاء به هو القيام بذلك الأمر بنحو الاستمرار من
دون اعتبار استمرار العهد في النفس أو الانشاء في الخارج، بل يعتبر القيام بالأمر
الاستمراري وفاء للعقد أو العهد الحادث، فإن القيام به يعد وفاء وعدم القيام به
يعد نقضا له.
ويشهد لذلك عرفا أنه إذا وعد زيد عمرا أن يأتيه يوم الجمعة ثم ندم يوم
الخميس على التزامه وبنى على حل ذلك العهد والالتزام، فإذا لم يأته يوم الجمعة
عد ذلك نقضا للعهد والوعد وإن عدل عنه قبل وقت الوفاء. وهذا ما لا يشكك فيه
كل أحد.
وفيه: أنه قد حققنا في محله من مباحث الأصول (2) أن الأمور الانشائية
يتحقق لها وجود إنشائي بالانشاء يكون هذا الوجود مستمرا إلا إذا أزاله
انشاء رافع له. وقد عرفت هناك أن بعض المحققين (3) حاول إنكار هذا الوجود

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
2 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 1: ص 125، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: نهاية الدراية، ج 1، ص 273، ط مؤسسة آل البيت (ع).
الفياض، محمد إسحاق: محاضرات في أصول الفقه، ج 1، ص 88، الطبعة الأولى.
27

لكنه التزم به من غضون بعض التزاماته في بيع الفضولي (1) وغيره.
وإذا ثبت هذا المعنى، كان الوفاء في مرحلة البقاء هو الوفاء به لا الوفاء بالعقد
في مرحلة حدوثه، حتى في مثل الوعد، فإن له وجودا انشائيا لا يزول بالعدول
القلبي عما التزم به، فيصدق النكول عن وعده بلحاظ هذا الوجود المستمر لا
بلحاظ الوعد في مرحلة حدوثه.
ولذا لو أنشأ العدول أمكن أن يدعى زوال وجوده الانشائي فلا يلزمه عرفا
الوفاء لزوال وعده. إلا أن يقال بعدم تأثير انشاء الخلاف في رفع الوجود
الانشائي للوعد شرعا ولا عرفا، فيعتبر الوفاء لبقاء موضوعه.
وعليه، فنقول: إذا تحقق انشاء البيع تحقق للتمليك وجود إنشائي يستمر ولا
يزول بزوال الالتزام قلبا - وهذا هو الذي يتعلق به الامضاء في باب بيع الفضولي
إذ الوجود اللفظي منعدم لا معنى لامضائه أو رده - وإنما يزول ببعض الانشاءات
المخالفة له إذا اعتبر الشارع تأثيرها في ذلك، والوفاء بقاء إنما هو بلحاظه لا
بلحاظ العقد في مرحلة حدوثه، فمع الشك في تأثير الفسخ يشك في بقاء هذا
الوجود الانشائي للملكية، فيشك في ثبوت وجوب الوفاء والحال هذه.
نعم، ما ذكرناه يبتني على أن الوفاء والفسخ بلحاظ الوجود الاستمراري
للعقد - بالمعنى الذي ذكرناه - لا بلحاظ الوجود الحدوثي.
وهذا سهل الاثبات، إذ الكل يذهب إلى أن الفسخ حل العقد وهو لا يصح إلا
إذا أريد به ما ذكرناه، إذ لا معنى لحل العقد المتقدم إذ لا بقاء له. واحتمال أن يكون
الفسخ حق استرداد العين وإن كان موجودا، إلا أنه لم يذهب إليه أحد.
وبالجملة، يدور الكلام حول كون الفسخ والوفاء يرتبطان بالعقد بوجوده
الاستمراري أو بوجوده الحدوثي. وقد عرفت أن الأول هو المتعين.
وعليه، فالاشكال الثاني على الشيخ يبقى على حاله بلا رافع له.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب البيع، ص 147، الطبعة الأولى.
التوحيدي، محمد على: مصباح الفقاهة، ج 4: ص 152، الطبعة الأولى.
28

وأما الوجه الثالث: الذي ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله)، فتحقيق الحال فيه بنحو
يتضح الاشكال فيه يتوقف قبل كل شئ على معرفة مفهوم الوفاء والمراد به في
الآية الكريمة.
فنقول:
ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله): إلى أن معنى الوفاء هو القيام بما التزم به قياما
خارجيا.
وذهب المحقق الأصفهاني (رحمه الله): إلى أن معنى الوفاء هو الاتمام، والوافي بمعنى
التام.
ولكن لا يمكن الالتزام بكلا هذين المعنيين:
أما الأول: فلأنه يقال: درهم وافي، وكتاب وافي، واستوفى دينه، وفي كل
ذلك لا معنى لتقدير القيام بما التزم به قياما خارجيا، إذ الدرهم لم يصدر منه عمل
وهكذا الكتاب، وليس في الاستيفاء قيام للمستوفي بما التزم به. وبملاحظة موارد
استعمال هذه الكلمة باشتقاقاتها المتنوعة يتضح بطلان هذا المذهب جيدا.
وأما الثاني: فلأنه وإن أمكن إرادته من الدرهم الوافي ومن مثل
* (وأوفوا الكيل والميزان) * (1) إذ يمكن أن يراد الدرهم التام، وأتموا الكيل
والميزان، لكن لا يمكن إرادته من مثل: * (أوف به) * - كما ورد في الآية الكريمة -
إذ لا معنى لأن يراد أتموا بالعقود من الآية، وأتم به من المثال.
والذي نستطيع أن نجزم به في المقام هو أن للوفاء مفهوما يساوق عدم التجاوز
عن الشئ ويلازمه لكن لا مطلق عدم التجاوز، إذ لا يقال عن امتثال الواجب إنه
وفاء به مع أنه لم يتجاوزه، بل عدم التجاوز في موارد يتحقق الالتزام والبناء على
العمل ولو كان ذلك أمرا تقديريا ارتكازيا، كما في موارد استعمال: " وافى زيد
القوم " إذا سبق إن كان هناك عهد أو بناء ارتكازي على مروره على القوم.
ونقصد بما ذكرنا أنه لا يعتبر في حقيقة الوفاء الالتزام الشخصي، بل ما يعمه
ويعم البناء النوعي على أن يتحقق الشئ بالنحو الخاص. ومن هذا الباب صدق

1 - سورة الأنعام، الآية: 152.
29

الدرهم الوافي والكتاب الوافي إذا لم يتجاوز كل منهما ما بني عليه من كونه
بالوزن الخاص وكونه مؤديا للمقصود. كما لا يعتبر في صدقه القيام الخارجي
بالمقصود كي نتوقف في صدقه في المثالين، إذ لا عمل صادر من الدرهم ولا
الكتاب. بل المراد به أعم منه ومن القيام بالمقصود ولو بغير اختيار، ولعل التعبير
الجامع هو أداء وكونه بنحو لا يتجاوز المقصود بل يؤديه ولا يقصر عنه.
ومنه ظهر اختلاف ما نذهب إليه في معنى الوفاء مع ما ذهب إليه المحقق
الإيرواني (رحمه الله) من أن معناه هو القيام الخارجي بما التزم به. وما ذكره المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) من أن معناه هو الاتمام.
نعم، ما ذكر له من المعنيين يحققان معناه الذي ذكرناه في بعض الموارد،
فالقيام بما التزم به قياما خارجيا في مثل المزارعة يحقق عدم التجاوز عما التزم
به. وهكذا الاتمام في مثل الكيل والميزان، فإنه يحقق عدم التجاوز عن المرغوب
فيه في الكيل إلى خلافه.
وما ذكرناه أقرب لمعنى الوفاء من جميع ما ذكر، ويمكن تطبيقه على جميع
موارد استعمال هذه الكلمة بمشتقاتها المختلفة.
وإذا ظهر ذلك، فننقل الكلام فيما نحن فيه وهو الآية الكريمة: * (أوفوا
بالعقود) *، وبما أنك عرفت أن معنى الوفاء يساوق العمل بالتزامه وعدم التجاوز
عنه، فالباء في الآية الكريمة شأنها شأن الباء في قولنا العمل بالالتزام، والمراد
على هذا عدم التجاوز عن العقد والعمل به بتطبيق مقتضاه.
وبما أن مفاده - في البيع مثلا - هو النقل والانتقال والتمليك والتملك، فمقتضى
الوفاء به البناء على الملكية والنقل والانتقال، وعدم التجاوز عنها.
وعليه، فالأمر بالوفاء أمر بابقاء الملكية وعدم فسخها وإزالتها، فمرجعه إلى
النهي عن إزالتها. وهذا مما لا يمكن الالتزام به لأنه..
إما أن يراد به اثبات صحة العقد أو لزومه، وعلى كلا التقديرين إما أن يكون
الأمر ارشاديا أو مولويا.
أما فرض أن يراد به اثبات صحة العقد وكونه مولويا، فيدفعه: أن وجوب
30

الوفاء متفرع عن كون العقد صحيحا، فلا معنى لأن يراد به صحة العقد.
وأما فرض كونه ارشادا إلى صحة العقد، فيدفعه: أنه لا معنى لامضاء البيع -
مثلا - وبيان نفوذه بالأمر بما يترتب على الصحة والنفوذ.
إذن، فلا بد أن يكون الملحوظ به مقام اللزوم.
وفرض كونه أمرا مولويا الذي يرجع إلى حرمة الفسخ، فيترتب عليه فساده
وعدم تأثيره وهو معنى اللزوم.
يدفعه: أولا: إن النهي عن المعاملة على ما حققناه في الأصول (1) لا يقتضي
الفساد، كما ذهب إليه بعض (2)، ولا يقتضي الصحة، كما ذهب إليه آخرون (3) -
فيما إذا تعلق بالمسبب -.
وثانيا: أنه من الواضح الضروري أن الفسخ لو ثبت تأثيره أو عدمه لا يكون
محرما، إذ لم يدع أحد من الفقهاء حرمته. إذن فحمله على الوجوب المولوي
الراجع إلى حرمة الفسخ خلاف ضرورة الفقه.
وأما حمله على الارشاد إلى عدم تأثير الفسخ واللزوم، فهو خلاف ظاهر
الأمر شرعا خصوصا في مثل الوفاء الذي يعلم أنه محبوب شرعا فيشتمل على
ملاك الأمر المولوي.
وعلى هذا، فلا بد من التصرف في معنى الوفاء ههنا وحمله على معنى يتلائم
مع الأمر المولوي به، فيقال إن المراد به ليس ابقاء الملكية حقيقة الذي يرجع إلى
عدم الفسخ، بل المراد به ابقاء الملكية عملا - كما يقال عين ذلك في المراد بالنقض
في باب الاستصحاب فيقال إن المراد به النهي عن النقض عملا، إذ لا يمكن النهي
عن النقض والأمر بالابقاء حقيقة -، فيرجع إلى الأمر المولوي بترتيب آثار
الملكية.

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 3: ص 206، الطبعة الأولى.
2 - الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الأصول، ج: ص 271، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - التفتازاني، ملا سعد: شرح التلويح على التوضيح، ج 1: ص 415 الطبعة الأولى.
31

ومقتضى اطلاقها لزوم ترتيب الآثار حتى بعد الفسخ، وهذا يلازم الحكم
باللزوم وعدم ترتب الأثر على الفسخ، كما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) في تقريبه لأصالة
اللزوم. وبهذا البيان تثبت أصالة اللزوم لولا إشكال الشك في موضوع الحكم بعد
الفسخ، فإنه اشكال متين لم يثبت الجواب عنه.
إن قلت: إنك وإن ذهبت في حقيقة الوفاء إلى معنى يختلف عما ذهب إليه
المحقق الإيرواني، لكنه لا بد أن يراد بالوفاء المذكور في الآية الشريفة ما ذكره
المحقق الإيرواني وذلك لفرض كونه متعلقا للأمر، فلا بد أن يراد به خصوص الفعل
الاختياري، كما أنه متعلق بالعقود وهي التزامات شخصية، فيراد منه هو القيام
الاختياري بما التزم به.
وبما أنه لا يمكن الالتزام بتعلق الأمر المولوي بالوفاء على ظاهره - كما قرب
- يدور الأمر بين التصرف في معنى الوفاء بحمله على الابقاء العملي كما ذكر.
وبين التصرف في المراد بالعقود بحمله على العقود الواقعة على العمل، كالمزارعة
والمساقاة دون الواقعة على النتيجة، كالبيع والنكاح.
وقد رجح المحقق الإيرواني (رحمه الله) التصرف في ظهور المتعلق لو دار الأمر بينه
وبين ظهور الفعل، فيبقى الوفاء على ظهوره ويخصص العقد بالواقع على العمل.
ومن الواضح أنه لو التزمنا بكون المراد بالعقد هو خصوص الواقع على العمل،
كالمزارعة، أمكن حمل الأمر بالوفاء على الأمر المولوي مع التحفظ على ظهوره
في معناه، إذ المراد بالوفاء في مثل تلك العقود إتيان نفس العمل الذي وقع عليه
العقد، ولا مانع من تعلق الأمر المولوي الوجوبي به وليس هو نظير الفسخ كي يقال
إنه لا قائل بحرمته.
وبهذا البيان تعرف مقدار التقاء كلامنا مع ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله)، وإن
اختلفنا معه في الطريق الموصل إلى هذا الترديد، فوصوله إلى ذلك من باب عدم
التوافق بين معنى الوفاء بذاته وإرادة مطلق العقود. ووصولنا إليه من باب عدم

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 215، الطبعة الأولى.
32

التوافق بين الأمر المولوي بالوفاء وإرادة مطلق العقود.
قلت: - مع الغض عن تصور القيام بما التزم به لو وقع الالتزام على النتيجة ولو
بنحو التسبيب - إن ما ذكر من ترجيح ظهور الوفاء والتصرف في المراد بمتعلقه وهو
العقود فاسد، لوجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت أن الالتزام العقدي في مثل المزارعة والمساقاة واقع
على العمل، بيان ذلك: أن المزارعة معاملة ترجع إلى تكفل أحد المتعاملين زرع
أرض غيره بحصة من الحاصل. والمساقاة معاملة ترجع إلى تكفل أحدهما شؤون
الآصال الراجعة لغيره من سقي وغيره بحصة من حاصلها. وحقيقة المزارعة
وهكذا المساقاة يمكن أن تكون بأحد أنحاء ثلاثة:
الأول: أن تكون من سنخ الجعالة على العمل الخاص، نظير من رد ضالتي فله
كذا.
الثاني: أن تكون عقدا والتزاما بتمليك صاحب العمل عمله في مقابل تملكه
الحصة المعينة من الحاصل.
الثالث: أن تكون من سنخ الجعالة بضميمة التزام الزارع زرع الأرض، فيكون
الالتزام بالعمل من قبيل الشرط الضمني في المعاملة.
أما النحو الأول: فليس فيه أي التزام بعمل كما لا يخفى.
وأما النحو الثاني: فالالتزام تعلق بالنتيجة وهي ملك العمل، فيكون أداء العمل
نظير تسليم المثمن في البيع لا قياما بما التزم به، فيكون حالهما حال البيع
والنكاح.
وأما النحو الثالث: فالالتزام وإن تعلق بالعمل لكنه ليس التزاما عقديا بل هو
شرط في ضمن العقد. فلا معنى لحمل العقود عليه.
الوجه الثاني: أنه لو سلم كون الالتزام والعقد واقع على العمل لا على النتيجة في
المزارعة والمساقاة، فالظاهر اختصاص ذلك بهما.
ومن الواضح أن حمل لفظ العقود عليهما مع بعدهما عن الأذهان وتعارف مثل
33

البيع والنكاح والإجارة وانصراف الذهن إليها، بعيد جدا ولا يقدم عليه العرف.
وليس تقديم ظهور الفعل على ظهور المتعلق لو دار الأمر بينهما مما وردت به آية
أو رواية.
إذن، فالمتعين ابقاء العقود على ظاهره والتصرف في لفظ الوفاء وحمله على
ما ذكرناه، فتدبر.
وبالجملة، تقريب الشيخ (قدس سره) بالنحو الذي ذكرناه لاستفادة أصالة اللزوم من
الآية الشريفة متين في نفسه ولا اشكال فيه سوى إشكال الشك في بقاء الموضوع
بعد الفسخ. وبه يتوقف عن الذهاب إلى دلالة الآية على أصالة اللزوم.
هذا، ولكن الانصاف أنه يمكن دعوى دلالة الآية على اللزوم، بتقريبين:
الأول: أن انشاء الفسخ من أحد المتعاملين..
إما أن يكون مستلزما لارتفاع العقد الانشائي الثابت بالانشاء. وإما أن
لا يكون مستلزما لذلك، بل يبقى العقد على حاله.
فعلى الثاني: كان العقد باقيا فيترتب عليه وجوب الوفاء لثبوت موضوعه.
وعلى الأول: يستلزم أن يكون اللزوم في موارده بلحاظ الوفاء بالعقد
الحدوثي، إذ الفرض تأثير الفسخ في حل العقد بقاء مع فرض اللزوم ولا يكون
ذلك إلا مع فرض كون الوفاء بقاء بالعقد في مرحلة حدوثه.
وعليه، فيصح التمسك بوجوب الوفاء بعد الفسخ لكون العقد الموضوع هو
العقد حدوثا وهو لم يتأثر بالفسخ.
الثاني: وبيانه يتوقف على ذكر مقدمة وهي أن الموضوع، تارة: يكون مرتبطا
بمتعلق الحكم بمعنى أن متعلق الحكم يضاف إليه. وأخرى: لا يكون كذلك بأن لا
يكون المتعلق مضافا إليه ومتوقفا في تحققه عليه.
والأول: على قسمين، لأنه:
تارة: لا يمكن أن يصدق ويتحقق بدون بقاء الموضوع، نظير: " أكرم العالم "
فإن متعلق الحكم هو اكرام العالم. ومن الواضح أنه لا تصدق هذه الحصة فعلا مع
34

زوال العلم، فلا يصدق اكرام العالم فعلا على اكرام زيد الذي كان عالما أمس
وزال عنه العلم اليوم. فالحصة المقيدة لا تصدق مع زوال التلبس بالعلم.
وأخرى: يمكن أن يصدق فعلا ولو لم يبق الموضوع، بل يكون وجود
الموضوع حدوثا كافيا في تحقق صدق المتعلق في مرحلة البقاء. كما في المثال
السابق لو أخذنا العالم أعم من المتلبس والمنقضي عنه المبدأ، فإنه يصدق مع
زوال التلبس بالعلم اكرام العالم فعلا.
وأما الثاني: فهو مثل ما إذا قال: " إذا نزل المطر وجب عليك اكرام زيد ".
ولا يخفى أنه مع الشك في بقاء الموضوع لا يمكن التمسك باطلاق المتعلق في القسم
الأول، لفرض أن الحكم متعلق بما يدور مدار الموضوع بقاء، فلا يمكن التمسك
بالاطلاق في اثبات الحكم في فرض الشك في بقاء الموضوع.
وأما في القسم الثاني والثالث، فيمكن التمسك بالاطلاق، فيقال: إن مقتضى
اطلاق المتعلق ثبوت الحكم له ولو مع الشك في الموضوع المأخوذ في لسان
الدليل، إذ الفرض تحقق المتعلق من دون الموضوع بقاء، وبه يثبت أن الموضوع
هو تحقق العنوان حدوثا فقط.
ومن هنا ظهر أن ما يقال من عدم امكان التمسك بالاطلاق مع الشك في
الموضوع ممنوع على اطلاقه، بل لا بد من التفصيل المذكور فيه.
إذا عرفت ذلك، فنقول: العقد وإن كان له وجودان حدوثي وبقائي، إلا أن
الوجود الحدوثي يتعلق بترتيب الآثار بنحو الاستمرار. وعليه، فترتيب الآثار في
مرحلة البقاء يصدق عليها فعلا إنها وفاء للعقد بلحاظ الوجود الحدوثي له وإن لم
يبق العقد فعلا لزواله ببعض الأسباب.
وعليه، فيمكن التمسك بالاطلاق، فيقال: إن مقتضى اطلاق الوفاء إرادة
الوفاء بالعقد مطلقا حتى بعد قول: " فسخت " فيثبت الحكم له وهو الوجوب بعد
قول: " فسخت " ولو كان بقاء العقد مشكوكا، إذ يصدق الوفاء بالعقد الحدوثي بعد
قول: " فسخت " ولو مع الشك في زوال العقد به.
35

وبذلك نستكشف أن موضوع وجوب الوفاء هو العقد حدوثا لا بقاءا
واستمرارا. فالوفاء بالعقد من قبيل القسم الثاني من الأقسام الثلاثة لارتباطه
بالعقد وإضافته إليه لكنه يصدق فعلا ولو لم يبق العقد.
ولا يخفى أن ما ذكرناه وإن كان يتفق مع ما ذكره المحقق الإيرواني في
الدعوى، إلا أن دليل المحقق الإيرواني (رحمه الله) غير سديد، كما بيناه، فراجع.
وعلى كل، فدعوى دلالة الآية الكريمة على أصالة اللزوم متينة جدا.
الثاني: قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * (1).
وتحقيق الكلام فيها: إنه قد ذكر للحلية احتمالات ثلاثة:
الأول: إرادة الحلية الوضعية.
الثاني: إرادة الحلية الجامعة بين الوضعية والتكليفية.
الثالث: إرادة الحلية التكليفية ومتعلقها هو التصرفات المترتبة على البيع، وهو
ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) (2).
وههنا احتمال رابع لم يذكره أحد فيما نعلم ولكنه أقرب من غيره بنظرنا، وهو
أن يراد بالبيع الكناية عن الربح الحاصل به والفائدة المترتبة عليه. والحلية تكليفية
متعلقة بها لبا، وتعلقها بالبيع لفظا بلحاظها، نظير موارد ترتيب أحكام المسبب
على السبب لفظا.
والقرينة على هذا الاحتمال هو مقابلة البيع مع الربا في المشابهة. ولا يخفى
أنه لا وجه للتشبيه ما لم يرد ما ذكرنا، إذ الربا عبارة عن الزيادة، فكأن الخصم
يقول ما الفرق بين هذه الزيادة والزيادة الحاصلة بالبيع خصوصا في مثل بيع
النسيئة بثمن زائد على ثمن المثل، فإن جهة الزيادة في الثمن لا تختلف عن جهة
الزيادة المجهولة في القرض الربوي، فإنهما بملاك واحد. وإلا فأي معنى للتشبيه
بين البيع بمعنى العقد وبين الربا بمعنى الزيادة.

1 - سورة البقرة، الآية: 275.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 83، الطبعة الأولى.
36

وعلى هذا الوجه، فتقريب دلالة الآية على اللزوم أن يقال: إنها دلت على
حلية الزيادة الحاصلة بالبيع، فمقتضى الاطلاق ثبوتها ولو بعد انشاء الفسخ، وهذا
هو معنى اللزوم.
وقد عرفت أن الشيخ (قدس سره) حمل الحلية على الحلية التكليفية والتزم بعدم تعلقها
بنفس البيع، بل بالتصرفات المترتبة عليه.
أما حملها على الحلية التكليفية، فلعله لأجل المقابلة بينها وبين حرمة الربا
المراد بها الحرمة التكليفية قطعا، إذ لا معنى لحملها على غير التكليفية بالنسبة إلى
الربا وإن ادعى أن المراد بها الارشاد إلى عدم تملك الربا. ولكنه باطل، إذ لا معنى
لتعلق الحرمة بشئ والارشاد إلى شئ آخر. نعم لو قيل يحرم تملك الربا أمكن
حمل التحريم على عدم تحقق التملك (1) فتدبر.
وأما صرف الحلية عن تعلقها بالبيع إلى تعلقها بما يترتب عليه من التصرفات،
فقد يوجه بوجوه:
الأول: إن البيع إن كان فاسدا فلا معنى لحليته تكليفا، إذ هي لغو. وإن كان
صحيحا فلا معنى لتحريمه تكليفا، إذ المنع عنه ينافي ترتب الأثر عليه، فلا معنى
للتصدي إلى بيان حليته.
وفي هذا الوجه ما لا يخفى، إذ هو ينافي تحرير البحث عن دلالة النهي عن
المعاملة على فسادها المبحوث عنه لدى الكل، إذ المفروض تعلق النهي بالمعاملة
سواء أدى ذلك إلى فسادها أو إلى صحتها أو لا إلى شئ منهما - على اختلاف
الأقوال - وهو أمر مفروغ عنه لا ريب فيه.
الثاني: أن البيع عند الشيخ هو انشاء التمليك ولا معنى لتحريمه بما هو انشاء،
لأنه مجرد استعمال خفيف المؤنة، فبيان الحلية لا يكون بلحاظه إذ لا موهم
لتحريمه.

1 - سيأتي في البحث عن: " لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه " ما له نفع في المقام.
37

وفيه: أن فرض تعلق النهي عن المعاملة ثابت لدى الشيخ، فكيف يذهب ههنا
إلى ذلك.
الثالث: - وهو المختار - أن الملحوظ بقرينة المقابلة والتشبيه هو حرمة وحلية
البيع بلحاظ ما يترتب عليه من آثار لا بنفسه، إذ لا معنى لتشبيهه بنفسه بالربا،
وإنما المنظور ذلك. وإذا ثبت أن المراد من الحلية حلية التصرفات، فيتمسك
باطلاق الدليل على ثبوتها حتى بعد انشاء الفسخ فيثبت اللزوم، كما تقدم تقريبه
في: * (أوفوا بالعقود) *.
ثم إنه لو تعلقت الحلية التكليفية بنفس البيع، فهل تدل على الصحة والنفوذ أو
لا؟
قد يدعى ذلك بلحاظ أن البيع اسم للمسبب وهو التمليك، فما لم يكن مقدورا
لا يتعلق به الحكم الشرعي. فتعلق الحلية به يكشف عن القدرة عليه وهو يكشف
عن تحققه بالانشاء. وهذا هو معنى النفوذ وإلا فلا يكون مقدورا عليه.
ولكن هذا البيان قابل للمناقشة وإن ادعي نظيره في دلالة النهي عن الصحة،
كما عليه صاحب الكفاية (1). وقد ذكرنا مناقشته في مبحث النهي عن الفساد من
مباحث الأصول (2). وذكرنا هناك أن ذلك إنما يتم لو فرض كون متعلق النهي أو
الحلية هو التمليك الشرعي، لأنه ملازم للقدرة عليه فيكشف عن تحققه. أما لو
فرض كون متعلق النهي هو التمليك الشخصي أو الانشائي أو الاعتباري العقلائي
بناء على أن للعقلاء اعتبارا مستقلا عن الشارع، فلا يكون النهي مستلزما لصحته
الراجع إلى ترتب الأثر الشرعي عليه، إذ القدرة على التمليك الشخصي أو
الاعتباري العقلائي لا تلازم القدرة على التمليك الشرعي. وقد عرفت هناك أن
البيع ليس اسما للتمليك الشرعي. فراجع تعرف.
وأما لو حملت الحلية في الآية على الحلية الوضعية - ببيان: أن الحل في مقابل

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 187، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 3، ص 199 الطبعة الأولى.
38

الضيق والتقيد فيراد بها الانطلاق والحرية، وهي كما تقابل التحريم لما فيه من
التقييد كذلك تقابل البطلان وعدم النفوذ لما فيه من التقيد أيضا، بضميمة ما هو
المعروف من أن الحلية في باب المعاملات إرشادية - لدلت على اللزوم بالاطلاق
أيضا، لأن مقتضى الاطلاق هو ترتب الأثر على البيع حتى بعد قول: " فسخت "،
فيثبت اللزوم. هذا ولكن حمل الحلية ههنا على الوضعية خلاف ظاهر المقابلة بين
البيع والربا.
وعلى أي حال، فقد عرفت دلالة الآية على اللزوم بالتقريب المتقدم. لكن
يرد عليها ما مر ايراده على دلالة الآية السابقة، من: أن التمسك بالاطلاق بعد
قول: " فسخت " من التمسك به في الشبهة المصداقية للشك في بقاء البيع بعد انشاء
الفسخ.
والجواب عن هذا الاشكال بما تقدم الجواب به عن الآية السابقة من
الوجهين، فراجع.
نعم بالنسبة إلى الوجه الثاني منهما يكون: * (أحل الله البيع) * على التقريب الذي
بيناه من قبيل القسم الثالث وهو ما لم يكن متعلق الحكم مضافا إلى الموضوع، إذ
مفاد الآية أنه إذا تحقق البيع حلت جميع التصرفات في العين. ولا يخفى أن ذلك
يصدق ولو لم يكن بيع. فلاحظ.
هذا، ولكن يوقفنا عن التمسك باطلاق الآية الكريمة شئ آخر غير ذلك،
وهو: أن أساس التمسك بالاطلاق كون المتكلم في مقام البيان، والآية الكريمة
ليست في مقام بيان حلية البيع وموضوعها، كي يتمسك باطلاقها في نفي الشك في
دخالة شئ في تحقق الحكم. بل هي في مقام بيان التفريق بين البيع والربا في أن
البيع حلال والربا حرام لا أكثر، فلا يمكننا التمسك باطلاق الحلية في نفي الشك
في بعض القيود.
فهو نظير قول الطبيب للمريض بأن البنسلين مضر والأسپرين نافع في مقام
الرد على المريض الذي قال للطبيب إنهما نافعان معا، فهل يصح للمريض أن
39

يتمسك بقول الطبيب: " الأسپرين نافع " فيثبت نفعه في جميع الحالات وبجميع
المقادير، وغير ذلك.
ونظير ما لو كان المتكلم في مقام بيان الفرق بين العالم والجاهل وعدم المساواة
بينهما بأن العالم يجب احترامه والجاهل لا يجب. فإنه لا يمكننا التمسك باطلاق
العالم في إثبات الحكم له ولو كان فاسقا، إذ ليس ذلك من قبيل: " يجب احترام
العالم " الوارد في مقام بيان الحكم وموضوعه.
وهذا الاشكال متين جدا ولا نعرف له جوابا، وإن كان يخطر في الذهن أن
المحقق الأصفهاني (رحمه الله) تصدى إلى الجواب عنه في الجزء الأول من حاشيته ولكن
الجواب غير صحيح - والكتاب لا يحضرنا فعلا -. فالتفت وتدبر.
الثالث: قوله تعالى * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (1).
وتقريب دلالتها على اللزوم هو أنها تفيد أن جواز التصرف بالمال يترتب على
التجارة عن تراض، ومقتضى إطلاقها ثبوت ذلك حتى بعد انشاء الفسخ من
أحدهما بلا رضى من الآخر.
والاشكال فيها من جهة الشبهة المصداقية والجواب عنه يردان فيها كورودهما
في آية: * (أحل الله البيع) * فالتفت.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) بعد أن ذكر هذه الآيات الثلاث وقرب دلالتها على اللزوم
قال: " لكن يمكن أن يقال إنه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع
الآثار الثابتة باطلاق الآيتين الأخيرتين لم يمكن التمسك في رفعه إلا
بالاستصحاب ولا ينفع الاطلاق ".
وقد أجمل المراد من هذه العبارة. ولا يمكن حمله على إشكال كون موارد
الفسخ من موارد الشبهة المصداقية للمطلق، إذ كان يمكنه التعبير بذلك لتعارفه
وتداوله. هذا مع عدم اختصاص الاشكال المزبور بالآيتين الأخيرتين، بل يشمل

1 - سورة النساء، الآية: 29.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 215، الطبعة الأولى.
40

الأولى أيضا كما عرفت.
وقد حمل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) كلام الشيخ (قدس سره) هذا على إرادة مطلب
دقيق فقال: " بل التحقيق اختصاص الآيتين بخصوصية إفادة الحلية والإباحة دون
غيرهما حتى المستثنى منه في آية التجارة عن تراض، والإباحة غالبا من باب
اللا اقتضاء دون الأحكام الطلبية حتمية كانت أو غير حتمية فإنها عن اقتضاء
لزومي أو غير لزومي، وكما أن لا اقتضائية الموضوع بذاته لا تنافي وجود
المقتضي لخلافه ولا تزاحمه ثبوتا، فكذا الإطلاق المنبعث عن لا اقتضائية
الموضوع بذاته لا يندفع الشك في المقتضي لضده مثلا بل لا اقتضائية الموضوع
المستتبعة للحلية محفوظة مع وجود المقتضي المستدعي للحرمة ولأجل تكفل
الآيتين للإباحة دون سائر الآيات والروايات فلذا خص الاشكال بهما، فتدبره
فإنه حقيق به ".
وهذا البيان وإن كان ذا صورة برهانية صناعية لكنه واضح الدفع بما يعلم عدم
إرادة الشيخ (قدس سره) له، وذلك بما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) نفسه من أن الظاهر من
الدليل تكفل الحكم الفعلي للحلية، وهو لا يمكن أن يجتمع مع مقتضي ضدها كيفما
كان، كما هو واضح جدا، فتدبر.
ويمكننا حمل كلام الشيخ (قدس سره) على ما كان يدور على ألسنة بعض الأعلام -
ولعله مما يذكره الشيخ في مبحث الخيارات - من أن التمسك بالاطلاق مع الشك
في الرافع ممتنع، وذلك لأن الرافع في مرحلة متأخرة عن وجود الشئ إذ الرفع
يتعلق بما هو موجود. وعليه، فاطلاق الحكم الذي يتكفل اثبات وجوده في جميع
موارد الشك لا يمكن أن يشمل مورد الشك في رافعه، لأن الاطلاق إذا كان
بلحاظ نفي الرافع يلزم أن يلحظ الشئ في مرحلة سابقة عليه، إذ وجود الحكم
أسبق رتبة من رافعه والاطلاق يتكفل وجود الحكم كما عرفت، فلحاظ الرافعية

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، الطبعة الأولى.
41

في هذا المقام يستلزم ملاحظتها في مرحلة سابقة عليها، وامتناعه من
الواضحات. ومن هنا كان اطلاق الحكم غير مجد في رفع الشك في رافعه، إذ
ليس الاطلاق بلحاظ النفي الرافع.
ولا يخفى أن هذا الوجه يختص بالآيتين، لأن الفسخ - على تقدير تأثيره -
يرفع ما يثبت بهما مباشرة وهو جواز التصرف بجميع أنحاء التصرف. وليس كذلك
بالنسبة إلى آية الوفاء، لأن المراد بالوفاء ههنا هو العمل بما التزم به والفسخ على
تقدير تأثيره يرفع ما التزم به وهو النقل والانتقال، فهو لا يرفع حكم الآية مباشرة
بل يرفع موضوعه فيرتفع الحكم. فنسبة الفسخ ليست نسبة الرافع لحكم المطلق.
فلاحظ.
وهذا المطلب سمعناه من بعض الأعلام (قدس سرهم) ويخطر بالذهن إنه منسوب
إلى الشيخ (قدس سره) ولا يحضرنا فعلا إنه موجود في كتاب المكاسب، وإن كنا
نحتمل ذلك قويا، ولعله من العلم المخزون في الصدور المتناقل على
الألسنة.
وعلى أي حال، فهو غير تام وذلك لأن المقصود التمسك بالاطلاق من دون
لحاظ المشكوك بوصف الرافعية، بل بلحاظ ذاته وهي غير مترتبة على وجود
الحكم. فإذا ثبت الحكم - بواسطة الاطلاق - عند وجود ما يشك في رافعيته
بملاحظة ذاته، كشف ذلك عن عدم كونه رافعا. فيقال مثلا عند قول: " فسخت "
يشك في وجود الحكم ومقتضى الاطلاق ثبوته حينذاك، فيعلم أنه ليس رافعا،
فالمشار إليه ذات قول " فسخت " لا بما هو مشكوك الرافعية كي يقال إن ذلك
متأخر عن أصل وجود الحكم.
ثم إن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) استشكل في اطلاق الآيتين الكريمتين الأخيرتين
بما يمكن أن يرجع إلى: أن غاية ما تفيده الآيتان هو ثبوت جواز جميع التصرفات
عند تحقق البيع أو التجارة. أما ثبوت ذلك في جميع الأحوال والأزمان فلا اطلاق
لهما.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 8، الطبعة الأولى.
42

وعليه، فتأثير الفسخ لا ينافي اطلاق الآيتين، لأنه بلحاظ أفراد التصرف،
فيثبت جميعها مع غض النظر عن ثبوتها في مطلق الأحوال. وقد أفاد هذا المطلب
بعبارات مختلفة، فراجع حاشيته على المقام.
وفيه: إنه إذا فرض تكفل الآيتين لاثبات جواز جميع التصرفات، فأي جهة
موجبة للتوقف في عدم اطلاقها من حيث الأحوال والأزمان؟. وأي فرق بين هذا
المتعلق وبين متعلقات سائر الأحكام التي يتمسك باطلاقها في اثبات الحكم لها
مطلقا. فما ذكره لم يظهر له وجه وجيه، بل هو لا يخرج عن مجرد الدعوى.
الرابع: قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1).
وقد قرب الشيخ (قدس سره) (2) دلالتها على اللزوم، بأن تفيد النهي عن أكل المال بكل
وجه يكون باطلا عرفا، فيشمل ما نحن فيه لأن أخذ مال الغير وتملكه من دون
رضا صاحبه باطل عرفا. وأما ما ثبت ترخيص الشارع فيه فهو ليس من الباطل
عرفا لأن إذن الشارع يجعله ليس من الباطل في نظر العرف.
وقد يستشكل بأنه مع الشك في ثبوت حق الفسخ شرعا يشك في كونه من
الباطل عرفا، ومع الشك في ذلك يمتنع التمسك بالدليل لكون الشبهة مصداقية.
وتحقيق الكلام في الآية بنحو يرتفع عنها بعض الغموض، هو: إن فرض كون
المستثنى منه هو الباطل يجعل الاستثناء منقطعا لأن التجارة عن تراض ليست من
أفراد الباطل بل تباينه.
وفي صحة الاستثناء المنقطع الراجع إلى عدم دخول المستثنى في المستثنى منه
نظير: " ما جاء القوم إلا الحمار " بحث.
فقد يدعى صحته استشهادا بهذا المثال ونحوه. ويلتزم فيها بأن: " إلا " لم
تستعمل بمعنى الاخراج فإنه ممتنع في هذا المقام وإنما هي مستعملة في معنى
الاستدراك بمعنى: " لكن ".

1 - سورة النساء، الآية: 29.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 215، الطبعة الأولى.
43

ولكن استشكل فيه: بأنه لو صح استعمال: " إلا " بمعنى: " لكن " لصح أن يقال:
" ما جاء زيد إلا عمرو " بدل: " ما جاء زيد لكن عمرو "، مع أنه غلط بالضرورة،
فيكشف ذلك عن أن: " إلا " لا تستعمل إلا في معنى الاخراج والاستثناء.
وأما توهم كون الاستثناء فيه منقطعا، ففي الحقيقة الاستثناء فيه متصل، ولم
تستعمل: " إلا " إلا في معنى الاخراج، ففي مثل: " ما جاء القوم إلا حمارا " ليس
المستثنى منه هو القوم فقط بل القوم مع توابعه وشؤونه من دواب وغيرها، فيكون
الحمار خارجا حقيقة مما فرض كونه مستثنى منه. ومما يستشهد على هذا
المطلب أنه لا يصح أن يراد بالحمار غير حمار القوم.
وإذا ثبت ما ذكر، فلا يمكن أن يفرض كون المراد من الباطل في الآية الباطل
العرفي، لعدم صحة الاستثناء منه. ولا الشرعي، لذلك ولعدم معرفته وتشخيصه،
بل هو ينتزع من ثبوت الأحكام وعدمها.
وبتعبير آخر: أن الآية في مقام بيان البطلان شرعا، فلا معنى لأخذه في
الموضوع. فلا بد من فرض المستثنى منه معنى يشمل المستثنى في حد نفسه،
فيقال: إن المراد بالآية: " إنه لا تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنه باطل
إلا التجارة عن تراض "، فيكون قوله بالباطل بمنزلة تعليل الحكم العام وبيان أن
كل وجه باطل.
والاستعمالات العرفية على ذلك كثيرة، ففي مقام نهيه عن مطلق الكلام لتأذيه
منه بقول المولى لعبده: " لا تتكلم بما يؤذيني " فإنه في مقام النهي عن كل كلام لا
في مقام تفصيل الكلام إلى ما يؤذي وما لا يؤذي، ونحو ذلك كثير.
وإذا ثبت أن المراد بالآية الشريفة هذا المعنى ظهرت دلالتها على اللزوم
بوضوح، فإن الفسخ يدخل في عموم المستثنى منه لأنه ليس تجارة عن تراض،
فيحرم أكل المال بسببه.
44

وهذا المطلب ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في حاشيته في مبحث عقد
المكره، وقد لخصناه مع إضافة بعض الايضاحات الدخيلة في المقام، فإن استطاع
أحد الجزم به كانت النتيجة واضحة على ما عرفت.
وإن أخذ الكلام بظاهره البدوي وفرض كون الاستثناء منقطعا، فنقول المراد
بالأكل - بعد تعذر حمله على المعنى الحقيقي - إما التملك أو التصرف بالمال.
والظاهر إرادة الأول، فإن مجرد التصرف ما لم ينضم البناء على تملكه
وإدخاله في ضمن ممتلكاته لا يعد أكلا للمال عرفا، فلا يقال لمن سكن دار الغير
سنة من دون إذنه إنه أكلها، بل يقال لمن استملكها وغصبها إنه أكلها.
وعليه، فالآية الشريفة تتكفل النهي عن تملك المال بالباطل. ومقتضاها عدم
نفوذ التملك بالسبب الباطل بحمل النهي على الارشادي إلى الفساد، كما هو
الظاهر في باب المعاملات، لا على التكليفي كي يتوقف اقتضاؤه للفساد على
القول بذلك في أبواب المعاملات، وهو خلاف ما حققناه في الأصول. والمراد
بالباطل الباطل العرفي، فتدل على عدم نفوذ الفسخ وتأثيره شرعا لو لم يكن
مؤثرا بنظر العرف.
وأما لو أريد من الأكل التصرف، فتتكفل الآية النهي عن التصرف بالمال
بسبب باطل عرفا، فتدل على اللزوم إذا فرض أن الفسخ غير مؤثر بنظر العرف.
لكن قد يشكل أن الشارع إذا أذن في الفسخ خرج عن كونه باطلا عند العرف
لكشفه عن ثبوت حق له، كما في الموارد التي يكون العقد جائزا فيها، فإن
خروجه عن الآية بالتخصص لا التخصيص.
وعليه، فمع الشك في تأثير الفسخ شرعا يشك في أنه باطل عرفا، فلا يصح
التمسك بالآية لكون الشبهة مصداقية.
وينحصر الجواب عن هذا الاشكال بما تدفع به دعوى عدم إمكان التمسك
باطلاق أدلة المعاملات لو فرض أن أساميها موضوعة للصحيح شرعا، إذ كل ما

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 126، الطبعة الأولى.
45

يشك في شرطيته يشك في دخالته في المسمى، فلا يمكن التمسك بالاطلاق
المعتبر فيه إحراز انطباق اللفظ على المورد المشكوك (1).
وحاصل هذا الدفع: هو دعوى أن عدم بيان الشارع لما هو الصحيح مع توقف
معرفته على بيانه يكشف بدلالة الاقتضاء على أن الصحيح بنظره هو الصحيح بنظر
العرف مع عدم بيان مخالفته للعرف، إذ لولا ذلك كان الدليل لغوا لعدم تشخيص
موضوعه.
فالجواب عن الإشكال في المقام بأن يقال: إن عدم بيان الشارع لما هو الباطل
يكشف بدلالة الاقتضاء عن أن الباطل العرفي الذي لم يثبت تصحيحه من الشارع
هو الملحوظ في موضوع الدليل، فعدم ثبوت تأثير الفسخ شرعا يكفي في شمول
الآية.
وبالجملة، دلالة الآية على اللزوم على هذا التقدير تبتني على إثبات هذا
المطلب فيها.
وهذا الإشكال وجوابه يردان أيضا على الاحتمال الأول أعني إرادة التملك من
الأكل.
الخامس: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه " (2).
وتحقيق الكلام فيها بعد بيان مقدمة وهي: أن الحلية..
تارة: تضاف إلى الأفعال المعاملية، كالبيع والنكاح وغير ذلك.
وأخرى: تضاف إلى غيرها من الأفعال، كالقيام والجلوس وغيرهما.
وثالثة: تضاف إلى الأعيان، كالماء.
فالأولى: تحمل على الحلية الوضعية، فإنها الظاهرة عرفا في مثل ذلك ولذا
يقال إن معنى البيع أو النكاح جائز إنه نافذ.

1 - يتعرض إلى تفصيل ذلك في البحث الصحيح والأعم في الأصول وفي مبحث تعريف البيع من كتاب
المكاسب، فراجع.
2 - ابن حنبل، أحمد: مسند، ج 5: ص 72، طبعة بيروت.
46

والثانية: تحمل على التكليفية ولا معنى للحلية الوضعية أصلا.
وأما الثالثة: فتحمل على التكليفية أيضا للظهور العرفي [في] ذلك. فإذا قيل
الماء حلال فهم منه الحلية التكليفية ولم يفهم منه أن الماء نافذ أو صحيح.
ثم إن الحلية التكليفية المتعلقة بالعين وإن كان تعلقها بها بلحاظ الفعل المتعلق بها
كالشرب في حلية الماء، إلا أن الحلية تسند إلى العين حقيقة وبلا مسامحة أصلا.
فلا يجد العرف في قوله: " الماء حلال " أي مسامحة، فتعلق الحلية كالشرب يكون
واسطة في الثبوت لا في عروض الحلية للماء.
وهكذا سائر الأحكام غير الحلية.
وهذا بخلاف الحلية الوضعية، فلو كان تملك الماء نافذا لم يصح إسناد النفوذ
والصحة إلى نفس الماء، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك، ففي الرواية الشريفة أضيفت الحلية إلى العين وهو: " المال "
فلا بد أن يراد بها الحلية التكليفية. ومقتضى حذف المتعلق إرادة جميع التصرفات،
فيكون المعنى لا يحل التصرف بمال امرئ إلا بطيب نفسه.
لكنه لا ينفع في إثبات اللزوم، إذ بالفسخ يشك في كون المال للغير أو لنفسه،
فلا يصح التمسك بهذا الدليل لكون الشبهة مصداقية.
ودعوى: أن من جملة التصرفات المقدرة هو التملك، فيكون حراما، فيثبت
اللزوم.
تندفع: - مع غض النظر عن قيام الاجماع على عدم حرمة الفسخ في حال من
الأحوال - بأن حرمة التملك تكليفا لا تدل على الفساد على ما حققناه من عدم دلالة
النهي عن المعاملة على الفساد. فاستفادة اللزوم تبتني على القول بدلالة الحرمة
على الفساد.
وأما تقدير خصوص التملك دون غيره من التصرفات ومعه تحمل الحلية على
الوضعية، فتدل الرواية على عدم صحة تملك مال الغير بدون إذنه، فيكون الفسخ
غير مؤثر. فهو فاسد لوجهين:
47

الأول: إنه تخصيص التملك بالتقدير دون غيره مما لا وجه له إلا التحكم.
الثاني: ما عرفت من إضافة الحلية إلى العين ومقتضى ظهورها إرادة الاسناد
الحقيقي. وقد عرفت أن إضافة الحلية الوضعية إلى العين مجازية، فلا بد من إرادة
الحلية التكليفية. وقد عرفت عدم دلالتها على الفساد. ففي هذا الاحتمال مخالفة
للظاهر من جهتين.
والنتيجة: أن هذه الرواية لا تدل على لزوم المعاملة إلا بالالتزام بأن النهي عنها
يدل على الفساد وهو خلاف التحقيق.
السادس: قوله (صلى الله عليه وآله): " الناس مسلطون على أموالهم " (1).
وتحقيق الكلام فيه: إن الشيخ (قدس سره) ذكره في مواضع ثلاثة: في الكلام عن صحة
المعاطاة ونفوذها، وفي الكلام عن لزومها، وفي هذا المقام.
وقد ذهب في المقام الأول (2) إلى عدم دلالتها على صحة المعاطاة. وذهب
إلى دلالتها على لزومها في المقام الثاني (3). ودلالتها على اللزوم مطلقا في هذا
المقام (4).
وقد يتخيل المنافاة بين هذين الاختيارين، فلا بد من ملاحظة ما ذكره في
المقام الأول ثم مقارنته بما يرتبط بالمقامين الآخرين.
فالذي ذكره في مقام نفي دلالة هذه الرواية على صحة المعاطاة ونفوذها هو: أن
الملحوظ فيه أنواع السلطنة، فعمومه باعتبارها، فيجدي فيما لو شك في ثبوت
نوع من الأنواع للمالك. أما مع العلم بثبوت نوع منها في حقه، كتمليك ماله للغير
على حد سائر التصرفات في المال، لكن شك في أن التمليك هل يحصل بمجرد
التعاطي بدون لفظ أم يعتبر اللفظ، فلا نظر للرواية في إثبات ذلك.

1 - المجلسي، محمد تقي: بحار الأنوار، ج 2: ص 272 الحديث: 7.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 83، الطبعة الأولى.
3 - المصدر، ص 85.
4 - المصدر، ص 215.
48

واستشكل السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في ذلك بوجهين:
أحدهما: أن ظاهر هذا الكلام أعني: " الناس مسلطون على أموالهم " هو
إثبات السلطنة للمالك بأنواع السلطنة بالنحو المتداول عرفا، فإذا كانت المعاطاة
متداولة بين العرف في مقام البيع شملها العموم.
والآخر: أن المراد بالنوع ليس النوع المنطقي، بل ما يعمه ويعم الصنف، فلنا
أن نقول بأن التمليك المعاطاتي أحد الأنواع المشكوكة، فيشمله العموم.
ثم إنه (رحمه الله) ذكر بعد كلام أنه يمكن أن يقرر الاشكال على هذه الرواية بوجه
آخر بأن يقال: إنها ليست في مقام نفوذ المعاملات وإمضائها، بل في مقام بيان
عدم ممنوعية المالك من التصرفات وإنه لا ولاية لغيره عليه لا أكثر.
ورده (رحمه الله): بأن هذا الوجه مجرد دعوى بلا شاهد. ولو انتهى الكلام لمثل هذا
الحد لأمكننا الاستشكال في كثير من الاطلاقات المسلمة.
وما أبعد ما بين ما ذكره السيد (رحمه الله) وما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) من: أنه
ينبغي أن يجعل نقل ماله بعوض نوعا في قبال التصرفات المتعلقة بالمال من
الشرب والأكل وغيرهما، فلا يفرض كل من النقل بالبيع والنقل بالصلح نوعا على
حدة، بل هما يندرجان تحت نوع واحد، فكما لا يستفاد من هذا النص صحة
المعاطاة لا يستفاد منه صحة البيع والصلح والهبة وغيرها، بل يلزم الاقتصار على
المتيقن.
والذي يبدو لنا أن مراد الشيخ (قدس سره) من كلامه أمر لا يبقى معه مجال لكلام هذين
العلمين، بيان ذلك: أن القدرة إذا نسبت إلى المسبب - أي مسبب كان - فلا نظر لها
إلى تشخيص الأسباب والشرائط المحققة للتأثير، بل لا ينافي القدرة على المسبب
عدم كون الشئ الكذائي سببا أو اعتبار الأمر الكذائي شرطا، فمثلا لو قيل: " إن
زيدا قادر على القتل "، فهل يرى منافاة هذا الكلام لعدم قاتلية الخشب، أو

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب البيع، ص 69، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب البيع، ص 77، الطبعة الأولى.
49

لاعتبار مماسة السكين للرقبة في تحقق القتل؟ وإذا قيل إنه قادر على الاحراق
فهل يرى منافاة ذلك لعدم تأثير الماء في الاحراق، أو لاعتبار مماسة النار
المحرق؟
وعليه، فالمقصود من قوله: " الناس مسلطون على أموالهم " إثبات القدرة على
التصرفات المتعلقة بالأعيان المملوكة وغيرها من المملوكات. ومن هذه
التصرفات تمليك المال للغير، والتمليك من المسببات التي لا تحصل إلا بأسبابها،
فإثبات القدرة عليه لا نظر فيه إلى ما يحققه من أسباب ولا منافاة بينه وبين عدم
سببية أمر أو شرطية آخر. وإذا ثبت ذلك، فلا دلالة لهذا النص على سببية المعاطاة
للتمليك.
فنكتة مراد الشيخ (قدس سره) هو: أن إثبات السلطنة على المسبب لا تنافي بوجه من
الوجوه تقييد السبب بنحو خاص معين، فإطلاقه لا يثبت بحال من الأحوال
مسببية المعاطاة. ومراده (قدس سره) من أن الثابت أنواع السلطنة هو ثبوت أنحاء
التصرفات بلا نظر إلى أسبابها ومحققاتها.
ومن هنا تعرف أنه لا مجال لذلك، لدعوى أن المراد بيان السلطنة بالنحو
المتعارف المتداول بين العرف، أو دعوى أن المعاطاة نوع كسائر الأنواع، إذ لا
نظر في الكلام إلى السبب كي يحمل على إرادة المتعارف لدى العرف، أو يقال إن
مقتضى الاطلاق شمول الحكم للمعاطاة.
كما تعرف أن المراد من الحديث ليس بيان عدم ممنوعية المالك في قبال
المولى عليه، كي يقال إن ذلك بلا دليل، فما أفاده السيد (رحمه الله) غير سديد.
وأما ما ذكره المحقق الإيرواني، ففيه: أن البيع والصلح وغيرهما إن أراد بها
المسببات أعني التمليك البيعي أو الصلحي - كما لعله الظاهر -، فلا مجال لدعوى
عدم شمول الحديث لها، إذ عرفت أنها ناظرة إلى بيان القدرة على التمليك
ومقتضى إطلاقه إرادة جميع أنحائه، فتدل على صحة البيع والصلح ونحوهما بنحو
الاجمال من حيث السبب المحقق لذلك.
50

وعلى أي حال، فيوجه كلام الشيخ (قدس سره) بما عرفت. ونتيجته عدم دلالة الحديث
على نفوذ المعاطاة وغيرها من الأسباب المشكوكة النفوذ.
ولكن الشيخ تمسك بهذا الحديث على أصالة اللزوم - كما أشرنا إليه -.
وهذا قد يوهم المنافاة لما سبق، وذلك لأن مرجع دلالته على اللزوم هو نفي
سببية الفسخ للتأثير، وإثبات صحة المعاملة بعد الفسخ، وهذا لا يجتمع مع ما تقدم
من أن الحديث ليس بناظر إلى الأسباب ولا يتكفل إثبات الصحة.
ويندفع هذا التوهم ببيان أمرين:
الأول: أن اثبات القدرة على المسبب وإن لم يكن ناظرا إلى أسبابه
وخصوصياته، إلا أنه يتكفل بيان إمكان تحقق السبب بنحو الموجبة الجزئية، وإلا
فمع انتفاء السبب بالمرة لا يصح إثبات القدرة على المسبب، فلا يقال لمن لا يجد
السكين وغيره من أسباب القتل أنه قادر على القتل. وأما نفي القدرة على
المسبب، فهو ملازم لنفي السبب بالمرة، إذ فرض تحقق بعض أفراد السبب ينافي
عدم القدرة على المسبب بل يحققها كما عرفت. فالفرق بين إثبات القدرة على
المسبب ونفيها في هذا الأمر، فالاثبات لا يستلزم سوى القدرة على بعض أفراد
السبب في الجملة، بخلاف نفي القدرة عليه فإنه ملازم لعدم إمكان تحقق جميع
أفراد السبب.
الثاني: أن الحديث الشريف كما يشتمل على عقد اثباتي وهو إثبات السلطنة
على المال، يفيد عقدا سلبيا وهو نفي سلطنة الغير على المال، وطريق استفادة هذا
المطلب أحد وجهين:
الأول: ظهور الحديث في مقام الحصر وبيان من له السلطنة، فإثبات السلطنة
للشخص على ماله ينفي سلطنة غيره على المال.
الثاني: ما يشير إليه الشيخ (1) (قدس سره) من أن سلطنة الغير على مال غيره تنافي
سلطنة المالك المطلقة على ماله، فإن تملك الغير أو تمليكه مال المالك من دون

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 85، الطبعة الأولى.
51

إذنه ينافي سلطنة المالك على ماله بقول مطلق، إذ من مقتضيات السلطنة تمكنه
من منع تصرف الغير به التي من جملتها تملكه وتمليكه، فإثبات السلطنة المطلقة
ينفي بالملازمة سلطنة الغير.
وإذا عرفت ما ذكرنا تعرف أنه يمكن استفادة اللزوم من الحديث مع فرض
عدم نظره إلى نفوذ الأسباب وعدم تكفله بيان الصحة، وذلك لأنه إذا فرض بأنه
ينفي سلطنة غير المالك على مال غيره فهو ينفي قدرته على تملك مال غيره.
وقد عرفت أن نفي القدرة على المسبب يلازم نفي إمكان تحقق السبب، فنفي
القدرة على تملك مال الغير يلازم نفي صحة الفسخ ونفوذه، فاثبات اللزوم إنما هو
بملاحظة العقد السلبي المستفاد من الحديث الشريف إما من جهة الحصر أو من
جهة الملازمة، فلا ينافي عدم تكفل العقد الايجابي للصحة ونفوذ السبب. وقد
عرفت الفرق بين العقد الايجابي والسلبي من هذه الجهة.
ثم إنك عرفت أن تقريب اللزوم بإفادة الحديث نفي سلطنة الغير المستلزم لنفي
سببية الفسخ وصحته، وليس من جهة إطلاق سلطنة الشخص على ماله الشامل لما
بعد الفسخ.
وبعبارة أخرى: ليس باطلاق العقد الايجابي كي يرد عليه إشكال الشك في
الموضوع، ببيان أنه بعد الفسخ يشك في أن المال لمن هو؟، فلا معنى للتمسك
باطلاق دليل السلطنة لإثبات سلطنة غير الفاسخ إذ ليس من المعلوم أن المال
ماله، وموضوع السلطنة هو المال المضاف إلى من تفرض له السلطنة. فلاحظ.
ثم إن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) اتفق مع الشيخ (قدس سره) في دلالة هذا الحديث على
اللزوم بملاحظة المدلول الالتزامي له وهو نفي سلطنة الغير على مال المالك. لكنه
اختلف معه في التقريب، فذهب إلى أن نفي سلطنة الغير على مال المالك ليس من
جهة مزاحمة سلطنته لسلطنة المالك بل من جهة أخرى. وتقرير ذلك كما ذكره (رحمه الله)
إن السلطنة على قسمين:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، الطبعة الأولى.
52

أحدهما: ما يتفرع على الملكية ويترتب عليها وهو مدلول قوله (عليه السلام): الناس
مسلطون على أموالهم - أي الأموال المضافة إليهم بإضافة الملكية أو الحقية -.
وثانيهما: سلطنة ابتدائية كسلطنة الشفيع على تملك مال شريكه ببذل مثل
الثمن. ومن البين أن المدلول الالتزامي لدليل السلطنة المتفرعة على الملك عدم
السلطنة لغير المالك حيث لا ملك، فلا سلطنة لا لمزاحمتها لسلطان الغير على ماله
بل لعدم المقتضي لمثل هذه السلطنة، وأما سلطنته الابتدائية على رد ملك الغير
فهي إنما تكون مزاحمة لسلطنة المالك إذا كانت سلطنة المالك مقتضية لنفيها. ومن
الواضح أن المالك وإن كان له السلطنة على إبقاء ملكه وإزالته، إلا أن المراد إبقائه
بعدم نقله حيث أنه طرف إعدامه وإزالته. وأما السلطنة على الإبقاء بمعنى اسقاط
الرجوع عن التأثير فهي من السلطنة على الحكم لا من السلطنة على المال.
هذا ما ذكره (رحمه الله) نقلناه بنصه وخلاصة ما يريد أن يقول: إن نفي سلطنة الغير على
الرجوع التزاما من جهة عدم الموضوع المقوم للسلطنة وهو كون المال له، لا من
جهة منافاة سلطنة الغير لسلطنته، إذ ثبوت سلطنته بالنحو الذي ينافيه سلطنة الغير
على الرجوع يستلزم ثبوت سلطنته على الحكم وهو ليس بمدلول الحديث إذ
مدلول الحديث السلطنة على المال.
وما ذكره بكلتا جهتيه مردود:
أما ما ذكره من دلالة الحديث على نفي سلطنة الغير لعدم الملك. ففيه: أنه..
إن أريد انتفاء شخص الحكم الثابت للمالك بما هو مالك. فهو من الواضحات
التي لا تحتاج إلى مزيد بيان، فإن كل حكم شخصي يتقوم بموضوعه، فينتفي
بانتفائه قهرا لا من باب الدلالة الالتزامية.
وإن أريد انتفاء سنخ الحكم الثابت للمالك بحيث لا يثبت فرد آخر لغير
المالك - الذي هو المقصود في المقام - ففيه: أنه يبتني على مفهوم الوصف وهو مما
لا يلتزم به، أو الحصر وهو غير ثابت صغرى، إذ لم يظهر ورود الحديث في مقام
الحصر.
53

إذن، فلا دلالة للحديث على نفي سلطنة الغير لعدم الملك.
وأما ما ذكره من عدم دلالته على نفي سلطنة الغير من باب المزاحمة والتنافي
مع سلطنة المالك.
ففيه: أن القدرة على الشئ تكوينا والسيطرة عليه تنافيها قدرة الغير
على استلاب ذلك الشئ من يده، فما نحن فيه كذلك، فإن سلطنة المالك
على ماله بقول مطلق تتنافى مع وجود سلطنة للغير على ماله تمكنه من تملك
المال من دون رضا صاحبه، فإذا فرض جعل السلطنة المطلقة للمالك لم يكن
جعل السلطنة لغيره، فنفي سلطنة الغير على مال المالك لا يستلزم سلطنة المالك
على الحكم، كما ذكره (قدس سره)، إذ ليس من باب سلطنة المالك على عدم تأثير الرجوع
بل من جهة إن جعل السلطنتين شرعا ممتنع للتنافي بينهما فإذا ثبتت إحداهما
يستكشف عن عدم جعل الشارع للأخرى، وهذا أجنبي عن سلطنة المالك على
الحكم. إذن، فما ذكره الشيخ (رحمه الله) من تقريب نفي سلطنة الغير على الرجوع وجيه لا
إشكال فيه.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) إلى عدم دلالة الحديث على اللزوم،
ببيان: أن الحكم مهما كان له من إطلاق، فهو يدور مدار موضوعه ويتفرع عليه ولا
يتعداه. وعليه، فالسلطنة الثابتة في الحديث بما أنها متفرعة على إضافة المال بما
هو مال لذي السلطنة، فموضوعها الملك. وذلك يقتضي أن الدليل لا نظر له إلى
إثبات السلطنة على إبقاء الملكية وإدامتها، فزوال الملكية بالفسخ لا تتنافى مع
ثبوت السلطنة على الملك.
وهذا الكلام مردود بوجهين:
الأول: النقض بسائر موارد النقل والانتقال، فإن مقتضى ما ذكره عدم سلطنة
المالك - بدليل: الناس مسلطون على أموالهم - على إيجاد النقل والانتقال لأنه
يرجع إلى إزالة الملكية ورفع إضافة المال، مع أنه (رحمه الله) ذهب إلى دلالتها على صحة

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 5، الطبعة الأولى.
54

النقل بالعوض، كما تقدم، بل النقض بموارد إتلاف المال المزيل للملك.
الثاني: الحل في الجميع، بأن موضوع السلطنة وإن كان المملوك، إلا أن المراد
به المملوك في حال ثبوت السلطنة لا المملوك بقاء وإلى أبد الدهر، وهذا متحقق
في حال التصرف المعاملي، فإن البيع يقع على المملوك وبالبيع يخرج عن
الملكية، فلا ضير فيه، إذ المال مملوك في حال التصرف ووقوع البيع أو غيره.
وعليه، فتسلط الغير على إزالة الملكية وتملك العين ينافي سلطنة المالك على
ماله في ذلك الحال. إذ الفسخ يقع على ما هو ملك الذي هو موضوع السلطنة.
وبما أن الكلام قد انجر إلى هذا الحديث والبحث، فلا بأس بالتنبيه على ما
ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في بعض المباحث، من: أن دليل السلطنة المذكور
لا يثبت نفوذ الاعراض وزوال الملكية به، ببيان: أن هذا الدليل إنما يتكفل إثبات
السلطنة للمالك على ماله ولا يتكفل إثبات السلطنة على هذه السلطنة بحيث
يكون له القدرة على إزالتها. وعليه، فلا يحق للمالك إزالة الملك بالاعراض لأنه
من باب السلطنة على السلطنة، إذ بإزالة الملك لا تبقى له سلطنة وهو مما لا دليل
عليه.
وهذا الكلام غير تام، فإن مقتضاه عدم سلطنة المالك على التصرفات المقتضية
للنقل والانتقال لأنها تقتضي إزالة السلطنة وهذا مما لا يلتزم به.
وحل المطلب: أن تسلط المالك على إزالة الملك ليس من باب سلطنته على
السلطنة كي يقال إن الحديث لا يتكفل هذه الجهة، بل من باب أن التسلط على
المال يعني القدرة على التصرفات المتعلقة به ومنها نقله عن ملكه بأي نحو من
أنحاء النقل، غاية الأمر تحقق النقل يلازم انتفاء سلطنته بقاء لانتفاء موضوعها
وهو الملك، لكن هذا لا يرجع إلى ثبوت السلطنة على السلطنة، بل حقيقة ذلك
السلطنة على نفس المال بنحو يلازم التصرف فيه زوال تلك السلطنة لزوال
موضوعها، فالتفت.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، كتاب البيع، ص 34.
55

السابع: قوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (1).
ودلالته على اللزوم في البيع تتوقف على أمرين: أحدهما: إطلاق الشرط
على البيع ونحوه. والآخر: إنها تفيد حكما إلزاميا يرجع إلى لزوم الوفاء بالشرط.
وقد وقع الكلام في كل من الأمرين:
فنفى الشيخ (قدس سره) (2) إطلاق الشرط على الالتزام الابتدائي وحصره بالالتزام
الضمني، وخالفه غيره (3) في ذلك.
والذي نستطيع أن نقول به جازمين، هو عدم صحة إطلاق الشرط على البيع
خلافا لصاحب الحدائق (رحمه الله) (4) الذي ساق أمثلة كثيرة لاطلاقه عليه، ووفاقا
لصاحب الكفاية (رحمه الله) (5) الذي ذهب إلى عدم معقوليته. ونكتفي في هذا المقام
بمجرد الدعوى، وتوضيح ذلك يأتي في مبحث الشروط انشاء الله تعالى.
ومع هذا، فلا يهمنا التعرض إلى تحقيق ما هو مدلول الحديث من كونه حكما
إلزاميا أو أنه حكم أخلاقي استحبابي نظير: " المؤمن إذا وعد وفى "، (6) كما ادعاه
المحقق الإيرواني (رحمه الله) (7) فلاحظ.
الثامن: قوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع " (8).
وهذا الحديث يختص بالبيع كما هو ظاهر، وهو يحتمل وجهين:
الأول: أن المراد من قوله: " فإذا افترقا وجب البيع " لزوم البيع بقول مطلق
وعدم ثبوت الخيار مطلقا.
الثاني: أن يراد لزومه من جهة خيار المجلس الثابت قبل الافتراق.

1 - وسائل الشيعة: ج 15 / باب 20: من أبواب المهور، ح 4.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 215، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 4، الطبعة الأولى.
4 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 20: ص 73، الطبعة الأولى.
5 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 80، الطبعة الأولى.
6 - المجلسي، محمد تقي: بحار الأنوار، ج 67: ص 311، ح 45.
7 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 5، الطبعة الأولى.
8 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 1: من أبواب الخيار، ح 3 - 4.
56

ولا يخفى أن دلالته على لزوم البيع إنما تتم لو كان المراد به الوجه الأول أما لو
أريد به الثاني فلا دلالة له على اللزوم، إذ غاية ما ينفي خيار المجلس دون غيره.
ومع وجود الاحتمال الثاني الذي يمكن استظهاره من النص بذكر الافتراق
موضوعا للزوم الظاهر في كونه موضوعا للزوم من جهة خيار المجلس، إذ لا
يحتمل في ثبوت خيار الغبن أو غيره أنه يدور مدار المجلس - مع وجود هذا
الاحتمال - يسقط الحديث عن الاستدلال به على لزوم البيع.
هذا تمام الكلام في تحقيق القاعدة الأولية. وقد عرفت أن القاعدة الأولية هي
اللزوم استنادا إلى بعض العمومات المتقدمة لا جميعها، لما عرفت من الاشكال
في دلالة بعضها.
ثم إنك قد عرفت - أيضا - أن الأصل العملي - مع غض النظر عن العمومات -
يقتضي اللزوم وهو استصحاب ملكية المشتري بعد فسخ البائع أو ملكية البائع بعد
فسخ المشتري. وقد أشرنا في ما تقدم إلى بعض الاشكالات في هذا
الاستصحاب.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) أخيرا إلى الكلام في أن هذا الاستصحاب محكوم
لاستصحاب آخر وهو استصحاب بقاء علقة المالك الأول في العين وعدم
انقطاعها فيثبت له حق الرجوع باثبات بقاء علقته، فلا مجال لاستصحاب بقاء
الملكية بعد الفسخ.
واستشكل في هذا الأصل بأن العلاقة المستصحبة..
إن كانت هي علاقة الملك أو علاقة ما يتفرع على الملك، فهي مقطوعة الزوال
بزوال الملك بالبيع المقتضي للنقل والانتقال.
وإن أريد بها سلطنته على إعادة العين إلى ملكه، فهي علاقة حادثة بعد البيع
على تقدير ثبوتها لأنها تتفرع على عدم ملكه للعين، فهي مع الشك فيها مشكوكة
الحدوث لا البقاء.
وإن أريد بها العلاقة الثابتة في مجلس البيع لثبوت حق الخيار فيه، فبانتهاء
57

المجلس يشك في بقاء الخيار، فيستصحب ويثبت به بقاء الخيار (1).
ففيه: أولا: أنه أخص من المدعى، إذ بعض أفراد البيع لا خيار فيه في
المجلس.
وثانيا: أن المورد من موارد دوران الأمر بين الرجوع فيه للعام. وهو - * (أوفوا
بالعقود) * - والرجوع فيه إلى استصحاب حكم المخصص، والمتعين هنا هو الأول
بناء على الالتزام بالرجوع إلى العام.
وثالثا: أن الدليل دل على انقطاع الخيار بالافتراق وتحديده بعدم الافتراق،
فلا يجري الاستصحاب المزبور فيكون استصحاب الملكية سليما عن الحاكم.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) واستشكل فيما ذكره في رد استصحاب الخيار الثابت
في المجلس من الوجهين الأخيرين.
أما الثاني، فبوجهين: أحدهما: أن ما ذكره هنا من تقديم عموم * (أوفوا
بالعقود) * على الاستصحاب ينافي ما حققه في الأصول من أن الالتزام به يبتني
على أن يكون له عموم أزماني كما له عموم أفرادي، وهو ليس كذلك، ولذا أجرى
استصحاب خيار الغبن عند الشك في ارتفاعه.
والآخر: أن مفروض الكلام عدم وجود دليل لفظي أو غيره يقتضي اللزوم، إذ
البحث في الأصل العملي وهو إنما يفرض مع عدم الدليل.
وأما الثالث، فبأنه إذا فرض قيام الدليل على انقطاع الخيار بالافتراض لم يبق
مجال للرجوع إلى الأصل بالمرة، وهو خلف الفرض، بل خلاف ما رتبه على ذلك
من أن استصحاب الملكية يسلم من الحاكم، إذ وجود الدليل ينفي الأصل الحاكم
والمحكوم معا.
أقول: أما الإيراد الأول على الوجه الثاني فهو غير وارد، لأنه (قدس سره) لم يلتزم
بالعموم المزبور في قبال استصحاب خيار الغبن الثابت في الأثناء وهو لا يلازم
عدم الالتزام به في قبال استصحاب خيار المجلس، إذ من الممكن أن يكون

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216، الطبعة الأولى.
58

الشيخ يذهب إلى ما صرح به في الكفاية (1) من أن التخصيص في أول أزمنة
الحكم لا ينافي التمسك بالعام ولو لم يكن له عموم أزماني، ففرق بين التخصيص
في الأثناء والتخصيص من أول الأمر، وجهة الفرق مذكورة في محلها، فراجع
مباحث الأصول. نعم الإيراد الثاني على هذا الوجه متجه لا دافع له.
وأما الإيراد على الوجه الثالث، فيمكن دفعه: بأن نظر الشيخ (قدس سره) ليس إلى
تكفل الدليل لنفي الخيار بقول مطلق بعد المجلس كي لا يبقى مجال حينئذ
لاستصحاب الملكية، بل نظره إلى تكفله إلغاء الخيار الثابت سابقا وهو خيار
المجلس فقط.
وعليه، فلا يصح استصحابه للقطع بارتفاعه فيجتمع ذلك مع الشك في ثبوت
خيار آخر بعد الافتراق ولكنه شك في أمر حادث لا مجال للاستصحاب فيه،
فاستصحاب الملكية لا مانع منه وبه يثبت اللزوم.
ثم إنه قد ادعى تصور شق آخر لاستصحاب العلاقة غير هذه الشقوق
المتقدمة.
وهو أن يقال إن المستصحب كلي العلاقة الثابت أولا في ضمن الملكية للشك في
تبدله إلى مرتبة من الملكية (2) ضعيفة وهي المعبر عنها بحق الخيار، فيكون المورد
من موارد القسم الثالث من استصحاب الكلي ولكنه من الصور التي يجري فيها
الاستصحاب وهو ما إذا شك في ارتفاع الكلي أو تبدله إلى مرتبة ضعيفة من
مراتبه، فإنه قد التزم بجريان الاستصحاب في مثل ذلك، كما في استصحاب كلي
السواد الذي كان موجودا في ضمن مرتبة قوية منه إذا شك في تبدله إلى مرتبة
أخرى منه أو انعدامه.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 424: ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - يراد بها الملكية المتعلقة بالعين بناء على أن لذي الخيار حق التصرف بالعين بلا قصد انشاء الفسخ به
فإن مرجع ذلك إلى ثبوت ملكية ضعيفة لذي الخيار ولا يراد بها حق فسخ العقد الذي هو معنى الخيار
ولو كان الحق عبارة عن ملكية ضعيفة إذ يختلف متعلق الملكية السابقة واللاحقة. فالتفت ولا تغفل.
فالتقريب المذكور يبتني على ما ذكرناه.
59

وما نحن فيه كذلك، إذ الملكية كانت ثابتة بمرتبة قوية أولا، ثم يشك بعد
زوالها بتلك المرتبة إلى تبدلها بمرتبة أخرى ضعيفة وهي الملكية الثابتة بنحو
الحق، فيستصحب كلي الملكية والعلاقة، فتدبر.
وتندفع هذه الدعوى بوجهين:
أحدهما: ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من: أن ما يقبل الشدة والضعف
مقولات معينة ليس منها الملكية بمعناها المقولي، فإنها من مقولة الجدة وهي غير
قابلة لذلك.
هذا مع أن الملكية التي هي محل البحث هي الملكية الاعتبارية. ومن الواضح
أن اعتبار الملكية القوية واعتبار الملكية الضعيفة فعلان متغايران لا أن أحدهما
من مراتب الآخر، إذ لا تتصور الشدة والضعف في الأفعال، فالملكية لا تقبل
الشدة والضعف لا بمعناها المقولي ولا بمعناها الاعتباري.
وثانيهما: أنه لو سلم أن الملكية قابلة للشدة والضعف فلا ينفع ذلك في إجراء
الاستصحاب، لأن إجراء الاستصحاب في مثل هذه الموارد مما يشك في تبدل
الفرد إلى مرتبة أخرى إنما هو لأجل أن الشك في ذلك يكون شكا في بقاء المتيقن
بنظر العرف. أما إذا لم يكن الأمر كذلك بنظر العرف فلا مجرى للاستصحاب، لأن
المحكم في باب الاستصحاب هو العرف، كما في مثل الوجوب والاستحباب،
فإنه وإن كان الاستحباب مرتبة ضعيفة من الطلب ولكن حيث كان يضاد الوجوب
بنظر العرف ويمتاز عنه عرفا لم يصح استصحاب كلي الطلب فيما إذا شك في
تبدل الوجوب إلى الاستحباب، بل الحال فيه كالحال فيما إذا شك في حدوث فرد
مبائن.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن ذا الخيار وإن كان بالدقة مالكا بملكية ضعيفة
لكنه بنظر العرف ليس بمالك ومباينا للمالك، فلا يصح استصحاب كلي العلاقة بعد
كون العلاقة المشكوكة الثبوت فعلا مبائنة بنظر العرف للعلاقة السابقة.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 10، الطبعة الأولى.
60

هذا تمام الكلام في أصالة اللزوم اللفظية والعملية.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) بعد ذلك إلى ما ذكره العلامة (رحمه الله) (1) في المختلف في
مسألة أن المسابقة جائزة أو لازمة من أن الأصل عدم اللزوم.
وذكر أنه لا وجه صحيح لتقرير هذا الأصل بقول مطلق. نعم يختص بالمسابقة
وشبهها مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا، إذ لا أثر ثابت بالعقد كي يستصحب بقاؤه
بعد الفسخ كما هو الحال في البيع. إذ لا يترتب على مجرد المسابقة التمليك ما لم
يتحقق السباق.
ويمكن توجيه كلام العلامة (رحمه الله)، بدعوى: أنه لا يرى ثبوت اللزوم بآية:
* (أوفوا بالعقود) *، بل هي تفيد لزوم الوفاء بالعقد بما يقتضيه كل عقد بحسبه إن
كان لازما أو كان جائزا، كما ادعاه صاحب الجواهر (2).
ويريد من عدم اللزوم عدم ثبوت اللزوم لا عدمه واقعا، إذ غاية ما عندنا عدم
جريان الأصل المقتضي للزوم وهو لا يلازم الجواز وعدم اللزوم واقعا، فيصحح
كلامه بهاتين المقدمتين. وعلى كل حال فالأمر سهل.
إنما الكلام فيما ذكره الشيخ من صحة هذا الكلام في خصوص المسابقة لعدم
ترتب أثر على العقد كي يستصحب بعد الفسخ، فإنه قد رد بأن معنى صحة العقد هو
ترتب الأثر عليه، فلا بد في فرض صحة المسابقة من فرض ترتب أثر عليها.
وفيما نحن فيه الأثر المترتب هو ملكية الرهان على تقدير السبق، فإنه أثر
تعليقي يترتب على عقد المسابقة، فلنا أن نستصحب هذا الأثر التعليقي بعد تحقق
الفسخ. ولا محذور فيه بعد أن كان الشيخ (قدس سره) نفسه ممن يلتزم بجريان
الاستصحاب في الأحكام التعليقية.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد أن تعرض إلى كلام صاحب المختلف وتوجيهه بما
عرفت، ذكر أمرا وهو: إن ما ذكرناه من كون مقتضى العمومات المزبورة لزوم العقد

1 - العلامة الحلي، حسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج: ص 484، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 28: ص 223، الطبعة الأولى.
61

كما يجري فيما إذا شك في لزوم عقد معلوم العنوان، كما إذا شك في لزوم
البيع، يجري فيما إذا شك في كون العقد الخارجي الواقع من أفراد ما هو معلوم
اللزوم أو أفراد ما هو معلوم الجواز، كتردده بين كونه بيعا أو هبة جائزة، ولكن
جريانه في مثل ذلك يبتني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية
للخاص - الذي هو محل خلاف بين الأعلام كما حرر في الأصول (1) -.
أما بناء على عدم جوازه، فالمرجع في مثل ذلك هو الأصل العملي،
فيستصحب بقاء الأثر المعلوم حال العقد بعد تحقق الفسخ، كاستصحاب ملكية
العين في المثال المتقدم، ونتيجته البناء على اللزوم.
ولكنه إنما يجري استصحاب الأثر إذا لم يكن أصل موضوعي يجري في تعيين
العقد الواقع، كما لو دار الأمر بين كون العقد الواقع هبة أو صدقة، فإنه بجريان
أصالة عدم قصد القربة يثبت عدم كون الواقع صدقة وإنما هو هبة جائزة، فلا مجال
حينئذ لاستصحاب بقاء الأثر، لحكومة الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي.
ثم ذكر (قدس سره) أن الأصل الحكمي إنما ينفع في إثبات صفة اللزوم أما تعيين العقد
اللازم بعنوانه الخاص كي تترتب عليه آثاره الأخرى فلا، فإذا دار الأمر بين الهبة
والبيع وجرى استصحاب بقاء ملكية العين بعد الرجوع، ثبت لزوم العقد وعدم
تأثير الرجوع، ولكن لا يثبت به أن الواقع بيع كي تترتب عليه آثاره من اشتغال
الذمة بعوض العين والضمان مع فساد العقد، بل يرجع في كل أثر إلى ما يقتضيه
الأصل العملي، فيرجع إلى اشتغال الذمة بالعوض إلى أصالة البراءة فيكون في
حكم الهبة.
وأما الضمان مع فساد العقد، فإن قيل إن مستنده في البيع عموم: " على اليد "
وإنما خرج منه مورد الهبة بالتخصيص، فالمرجع هو العموم ههنا، فيحكم بالضمان
بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وإلا فالمرجع هو الأصل
العملي وهو يقتضي البراءة. وإن قيل أن مستنده دخول المشتري في ضمان العين
وإقدامه على أخذها مضمونة عليه بخلاف الهبة، كان المرجع هو الأصل العملي

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 221 ط مؤسسة آل البيت (ع).
62

للتردد في هذا الأمر وهو يقتضي البراءة.
هذا ما أفاد (قدس سره) في ختام هذا البحث، وفي بعض مواقعه كلام..
منها: ما ذكره في تعيين كون العقد الواقع هبة أو صدقة من إجراء أصالة عدم
قصد القربة لنفي كونه صدقة وإثبات كونه هبة، فإنه وقع مورد النقض والابرام.
وتحقيق الحال فيه: أن الهبة والصدقة:
تارة يقال: إنهما عنوانان لواقعين ثبوتيين، فكل منهما أمر ثبوتي واقعا يمتاز
عن الآخر بحقيقته، فلا يثبت بالأصل المزبور كون الواقع صدقة، بل يكون كل
منهما مشكوك الحدوث والتحقق، كما لا يخفى.
وأخرى يقال: إن الصدقة والهبة كل منهما حقيقته التمليك، لكن يختلفان في
أخذ خصوصية فيه توجب تباينهما، فالهبة عبارة عن التمليك الخاص وهو
التمليك لا بقصد القربة. والصدقة عبارة عن التمليك بقصد القربة. فأصالة عدم
قصد القربة لا تثبت تحقق التمليك لا بقصد القربة إلا بنحو الأصل المثبت، لأن
نفي أحد التمليكين الخاصين مع دوران الأمر بينهما لا يثبت التمليك الخاص
الآخر إلا بالملازمة العقلية.
وثالثة يقال: إن مطلق التمليك يسمى هبة وقد استثني منه التمليك بقصد
القربة فسمي صدقة وكأن لازما. فأصالة عدم تحقق قصد القربة يبتني جريانها
على الالتزام بجريان استصحاب العدم الأزلي، فإن المورد من موارده، إذ عرفت
أن لدينا عام يتكفل بيان جواز مطلق التمليك بلا عوض خرج منه التمليك مع
قصد القربة المسمى بالصدقة، فمع الشك في كون الفرد الواقع من أفراد الخاص
وعدمه، فإن قيل بجريان استصحاب العدم الأزلي في إثبات حكم العام جرت
أصالة عدم تحقق قصد القربة فيما نحن فيه ويترتب عليها الجواز، وإلا فلا.
فما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) من جريان الأصل المزبور يبتني على كون الهبة والصدقة
بالمعنى الثالث وجريان أصالة العدم الأزلي. فتدبر.
ومنها: ما ذكره في أن مقتضى الأصل العملي فيما إذا شك في كون العقد الواقع بيعا

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216، الطبعة الأولى.
63

أو هبة هو البراءة عن اشتغال الذمة بالعوض، فإنه قد يتوقف فيه من جهة وجود
العلم الاجمالي إما باشتغال ذمته بالعوض لو كان بيعا، أو بحرمة تصرفه في العين
بعد الرجوع لو كان هبة. ومقتضى هذا العلم الاجمالي تساقط الأصلين الجاريين
في طرفيه، فلا يجري أصل عدم اشتغال الذمة بالعوض (1)، كما لا يجري
استصحاب الملكية بعد الفسخ لمنافاتهما للعلم الاجمالي.
ولا يضر كون طرفي العلم الاجمالي تدريجيين، لما تقرر في محله من منجزية
العلم المتعلق بأمرين تدريجيين. نعم من شرائط منجزيته العلم بحصول الغرض
المعلق عليه الطرف الآخر المتأخر أما مع عدم العلم به فلا يتنجز، إذ لا يكون علما
بتكليف فعلي على كل تقدير بعد الشك بفعلية الحكم في الطرف الآخر لعدم العلم
بحصول موضوعه.
ففيما نحن فيه لا بد في منجزية العلم الاجمالي من العلم بتحقق الرجوع وإلا فلا
يكون منجزا، إذ لا يعلم بفعلية حرمة التصرف في حقه في ظرفها المفروض، إذ لا
علم بتحقق موضوعها. هذا إذا فرض كون العلم المفروض فيما قبل الفسخ كي
يكون علما متعلقا بأمرين تدريجيين، أما إذا فرض كون العلم فيما بعد الفسخ بأن
يقال: إنه بعد الفسخ يعلم إجمالا إما باشتغال ذمته بالعوض أو بحرمة تصرفه في
المال، فهو علم منجز بلا كلام ولا إشكال.
ومنها: مسألة الضمان مع فساد العقد، فإن المرجع فيها هو البراءة أو
استصحاب عدم اشتغال الذمة لعدم الالتزام بجواز التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية لكي يتمسك بحديث: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (2).
هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل.

1 - اختار السيد الأستاذ (مد ظله) أن الأصل الجاري هنا على تقديره هو استصحاب عدم اشتغال الذمة
بالعوض لا أصل البراءة إذ الاستصحاب مقدم على البراءة مع أن في جريان البراءة في الأحكام الوضعية تأملا.
2 - البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 6: ص 95، ط مؤسسة دار المعرفة بيروت.
64

أقسام الخيارات
ويقع الكلام بعد هذا في أقسام الخيار. وذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنها كثيرة ولكنها
متفرقة والمجتمع منها في كل كتاب سبعة وقد أنهاها بعضهم إلى أزيد من ذلك،
وذكر أنه يقتفي أثر من اقتصر على سبعة، كالمحقق (2) والعلامة (رحمهما الله) (3) لأن غيرها
لا يستحق أن يكون له عنوان مستقل وليس له حكم مغاير لسائر أنواع الخيار.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216، الطبعة الأولى.
2 - لم نعثر على هذا المقدار والذي وجدناه جمع في الشرائع (ج 2 ص 21) خمسة وفي المختصر النافع (ص 121) ستة.
3 - العلامة الحلي، حسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 515، ط مؤسسة آل البيت (ع).
65

الأول:
خيار المجلس
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن المراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين حين البيع،
وإنما عبر عنه بالمجلس لأنه الفرد الغالب منه.
وقد تصدى المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) إلى المناقشة في ذلك، بدعوى: أنه لا
خصوصية للمجلس ولا لمطلق المكان في ثبوت هذا الخيار، بل موضوعه الهيئة
الخاصة الحاصلة للمتبايعين حال البيع، فلو فارقا المكان الذي وقع البيع فيه مع
المحافظة على هيئتهما في حال البيع لم يسقط الخيار، بل ذكر أنه كما لا يعتبر
المجلس ولا المكان، لا يعتبر الاجتماع العرفي وإنما المناط عدم افتراق أحدهما
عن الآخر الحاصل بالتباعد عما كانا عليه وقت البيع، لأن غاية الخيار هي عدم
الافتراق لا غير ذلك.
أقول: هذه الجهات لا بد من البحث فيها ومعرفتها في مسائل هذا الخيار، أما
ذكرها في مقام تعريف هذا الخيار وبيان المراد به فهو ليس بذي أثر، إذ هذا
العنوان - أعني: " خيار المجلس " - عنوان اصطلح على هذا الخيار الذي يبحث
عن خصوصياته وشؤونه ههنا، ويكفي في الاصطلاح مجرد المناسبة بأي نحو
كانت.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 6، الطبعة الأولى.
66

وعلى كل حال، فليس في إطالة البحث في بيان المراد بالمجلس مزيد فائدة
بعد إن لم يكن بهذا العنوان واردا في موضوع الحكم، بل هو عنوان اصطلاحي
ذكره الفقهاء.
إنما المهم البحث في أمرين:
أحدهما: في دليل هذا الخيار ومستنده.
والآخر: في خصوصياته.
أما الدليل عليه، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه لا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذا
الخيار، والنصوص به مستفيضة. ونحن نذكر بعض النصوص تيمنا.
فمنها: رواية محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام ".
ومنها: رواية الفضيل (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - " قال قلت له: ما
الشرط في غير الحيوان قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد
الرضا منهما ".
ومنها: رواية الحلبي (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أيما رجل اشترى من رجل
بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع... ".
وعلى كل، فما ذكره الشيخ مما لا ريب فيه، وفي قبال جميع ذلك رواية
غياث (5) بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): " إذا
صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا ".
وذهب الشيخ (قدس سره) إلى أن هذا الحديث مطروح أو مؤول. وهو كما ذهب. وأحد
وجوه تأويله هو كون المراد بالوجوب ليس اللزوم بل مطلق الثبوت الذي هو

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216 الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 1: من أبواب الخيار، ح 1.
3 - المصدر، ح 3.
4 - المصدر، ح 4.
5 - المصدر، ح 7.
67

المعنى اللغوي له ولذا استعمل في كثير من المستحبات كغسل الجمعة وصلاة
الليل. إذن، فلا تدل الرواية على اللزوم بل على الصحة وهو لا ينافي جواز الفسخ.
فتدبر.
وأما البحث في خصوصياته، فيكون في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: في ثبوته للوكيل في البيع، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الوكيل
على أقسام:
القسم الأول: ما يكون وكيلا في إجراء صيغة العقد فقط من دون أن يكون له
دخل في مقدمات انشاء المعاملة ونتائجها، بل جعله المالك البائع - مثلا - وكيلا في
الانشاء لعدم معرفته - أي البائع - العربية مثلا. كما هو المألوف كثيرا في عقد
الزواج.
وذهب الشيخ (قدس سره) إلى عدم ثبوت الخيار له وفاقا لجماعة منهم المحقق (1)
والشهيد (2) الثانيان (رحمهما الله). واستدل على مختاره بوجوه:
الوجه الأول: تبادر غيره من النص، فإن المتبادر من قوله (عليه السلام) " البيعان... "
غير الوكيل في إجراء صيغة العقد. فلا دليل على ثبوت الخيار له. واستشكل
المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) في دعوى التبادر: بأن ما هو معنى البيع حقيقة وهو
التمليك الحقيقي متحقق من الوكيل في الانشاء، إذ يتحقق منه ايجاد الملكية
حقيقة لا انشاء فقط. والتفاوت بينه وبين غيره في أمر خارج عن حقيقة البيع بل
في مقدمات تحققه وهو تحقق البيع الحقيقي عن رأيه ونظره دون هذا القسم من
الوكيل، والتفاوت في ذلك لا يكون دخيلا في التفاوت في صدق البيع وعدمه.
وذكر المحقق الإيرواني (رحمه الله) (4) - بعد أن بين أصناف الوكيل - أن للبائع
إطلاقين فتارة يراد به المنشئ للبيع. وأخرى يراد به من كان حصوله باختيار

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 285، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 194، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
4 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 6، الطبعة الأولى.
68

منه واستقلال وإن لم يباشره.
فإن كان إطلاق البيع في الأخبار بالمعنى الأول ثبت للوكلاء أجمع لتحقق
الانشاء من الكل.
وإن كان بالمعنى الثاني لم يثبت لشئ منهم وإنما يثبت لموكليهم.
ثم اختار أنه منصرف إلى المعنى الثاني عند الاطلاق.
أقول: الذي نستطيع الجزم به هو أن البائع لا يطلق عرفا إلا على من كان له
اختيار البيع بحيث يكون لاختياره ورضاه دخل في تحققه. فلا يطلق على الوكيل
في انشاء الصيغة فقط إذ لا دخل لرضاه وعدمه في تحقق البيع وصحته. ولا
يختلف الحال فيما ذكرناه بين أن يكون معنى البيع حقيقة هو مجرد الانشاء أو
التمليك الحقيقي، أو غير ذلك.
فما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) من إنكار دعوى التبادر في غير محله.
كما أن ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) من تعميم عدم إطلاق البائع على مطلق
الوكيل إلا بمعنى واحد ليس كما ينبغي، إذ الوكيل في باب القراض يطلق عليه
البائع بالمعنى الذي ذكرناه مع أنه أنكر اطلاق البائع عليه.
وبالجملة، دعوى التبادر في هذا القسم مسلمة ولا نشكك فيها.
الوجه الثاني: أن مفاد أدلة الخيار إثبات حق وسلطنة لكل من المتعاقدين على
ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا
التسلط إذا لم يكن مفروغا عنه في الخارج.
وقد وقع الكلام في صحة هذا الكلام الذي ذكره الشيخ بلا أن يذكر ما يشهد له.
وتوضيح مراده: أن مفاد أدلة الخيار إثبات السلطنة لكل من المتعاقدين على
استرداد ما انتقل عنه ونقله إلى حوزته بعد الفراغ عن سلطنته على رد ما انتقل إليه
ونقله عن حوزته إلى حوزة مالكه الأول، فلا يثبت الخيار إلا في مورد يكون حق
رد ما انتقل إليه ثابتا. ومن الواضح أن الوكيل لمالك المبيع في إجراء الصيغة لا
سلطنة له على رد الثمن إلى المشتري، كي يكون له حق استرداد المثمن للبائع
الموكل.
69

ويمكن أن يستشهد له بوجهين:
أحدهما: - وهو استحساني اعتباري - هو أن الخيار متمم لحق الإقالة، فإن الإقالة
ثابتة لكل من المتعاقدين فلكل منهما حق الفسخ إذا رضي الآخر، فلكل
منهما حق استرداد ماله إذا رضي الآخر، فدليل الخيار يوسع هذا المعنى فيثبت
حق الاسترداد ولو مع عدم رضا الآخر. ومن الواضح أن الإقالة إنما تثبت مع
ثبوت حق رد المال إلى مالكه، فكذلك الخيار لأنه ملحوظ فيه التوسيع في الحكم
الثابت.
ولا يخفى أن هذا الوجه لا دليل عليه، إذ أي دليل على أن حكم الخياري
لوحظ فيه تتميم ما ثبت بالإقالة.
والآخر: ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1): من أن الخيار له معنى واحد في
جميع موارد ثبوته للمالك أو غيره، وهذا المعنى هو السلطنة على الاسترداد فقط،
وذلك لأن المالك له حق الرد بالإقالة والتفاسخ، فإذا جعل له الخيار فلا بد أن
يكون المجعول السلطنة على الاسترداد فقط، إذ جعل السلطنة له على الرد لغو -
مع فرض ثبوتها له بالإقالة -، بل قد يقال إنه محال لأنه من اجتماع المثلين. وإذا
كان الخيار المجعول للمالك هو السلطنة على الاسترداد فقط، فإذا فرض جعله
لغيره كان مجعولا بهذا المعنى لعدم التفاوت كما عرفت. ومن الواضح أن السلطنة
على الاسترداد لا يمكن جعلها إلا مع ثبوت السلطنة على الرد إذ لا يمكن إعمال
السلطنة على الاسترداد بلا أن تكون له سلطنة على الرد. إذن فالخيار هو جعل
السلطنة على الاسترداد في الحال الذي تثبت فيه السلطنة على الرد، فلا يثبت
للوكيل في إجراء الصيغة لعدم ثبوت سلطنته على الرد.
ولا يخفى أن هذا الوجه بالنحو الذي بيناه لم يؤخذ فيه ثبوت حق الرد بنحو
الموضوع لثبوت حق الاسترداد كي يشكل عليه بأن حق الرد وحق الاسترداد في
رتبة واحدة. بل ذكرنا أن حق الاسترداد إنما يثبت في مورد يثبت حق الرد وهو لا

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
70

يلازم أن يكون حق الرد موضوعا، بل يصح أن يكون لازما له، كما أنه أخذ كون
الخيار عبارة عن حق استرداد العين لا فسخ العقد مفروغا عنه فيه، فلا معنى
للايراد عليه بأن الخيار عبارة عن حق فسخ العقد لا حق استرداد العين، ولكن هذا
الوجه مع هذا لا يخلو عن إشكال، فلاحظ حاشية الأصفهاني.
والتحقيق أن ما ذكره الشيخ (قدس سره) حق لا محيص عنه لا لأجل ما تقدم من
الوجهين، بل لتقريب آخر.
وبيانه: أن كل معاملة بيع تتقوم بطرفين أحدهما البائع والآخر هو المشتري،
وهي تتكفل المبادلة بين ماليهما عن رضا منهما. ومن الواضح أن لهما فسخ العقد
إذا تراضيا على ذلك. ونعبر عن ذلك بثبوت حق رد ما انتقل إلى كل واحد منهما
لصاحبه الأول، فالبائع يرد الثمن للمشتري والمشتري يرد المثمن للبائع. وذلك لا
يتحقق إلا عن رضاهما معا. فإذا فرض ثبوت الخيار لكل منهما مع قطع النظر عن
رضا صاحبه، فيثبت له حق استرداد ماله من الآخر إذا أراد ذلك ولو لم يرض
الآخر.
فيدور الأمر ثبوتا بين أن يكون الخيار عبارة عن حق الاسترداد فقط وبين أن
يكون عبارة عن حق الاسترداد والرد معا، ومقام الاثبات يساعد على الأول،
فإنه مضافا إلى رجحانه اعتبارا لثبوت حق الرد مع قطع النظر عن الخيار، ظاهر
قوله (عليه السلام): " فإذا افترقا وجب البيع "، فإن ظاهره أنه بالافتراق يزول ما كان ثابتا
أولا قبله.
ومن الواضح أن الذي يزول هو حق الاسترداد. أما حق الرد فلا يزول لجواز
الإقالة بعد الافتراق قطعا، فذلك ظاهر في أن الثابت بالخيار هو حق الاسترداد
فقط، وبما أنه لا يتصور مع عدم ثبوت حق الرد - كما تقدم - تعين أن يكون يكون
حق الرد مأخوذا مفروغا عنه في مقام جعل حق الاسترداد، فلا خيار إلا مع ثبوت
حق الرد. ونتيجة ذلك أن الخيار لا يثبت إلا في مورد تثبت فيه الإقالة.
71

وهذا ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) بلا إيضاح له وتحقيق، ولا يخفى أن ما
ذكرناه لا يبتني على فرض تعلق الخيار بالعين بل يتأتى مع فرض تعلقه بالعقد إذ
البيان بنفسه يتأتى فيه.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) ذكر شاهدا على دعواه بقوله: " ألا ترى أنه لو شك
المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر
فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلة الخيار بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز
رده على البائع وعدم وجوب عتقه ".
وبيان مراده: أن عدم تحكيم أدلة الخيار ههنا يكشف عن أن الخيار عبارة
عن السلطنة على الاسترداد مع المفروغية عن ثبوت السلطنة على الرد، إذ
مع الشك في الانعتاق لا يحرز السلطنة على الرد، ولو كان الخيار عبارة عن
السلطنة على الاسترداد والرد أمكن تحكيم دليله ههنا وإثبات حق الرد بدليل
الخيار.
واستشكل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) في ذلك: بأنه لا يمكن تحكيم دليل
الخيار حتى على القول بأنه عبارة عن حق الاسترداد والرد، لأن السلطنة على
الرد موضوعها الأمر القابل، ومع الشك في الانعتاق لا يحرز قابلية المحل للرد،
فلا يمكن إثبات السلطنة على الرد فيه.
إذن، فعدم تحكيم أدلة الخيار لازم أعم لرأي الشيخ في الخيار ولما يقابله.
كما توقف المحقق الإيرواني (رحمه الله) (4) فيما ذكره الشيخ بأنه: إما أن يقال بأن
الخيار حق يتعلق بالعقد، فهو يثبت ولو مع تلف العين وجدانا أو شرعا، فيكون
ثابتا في المثال المزبور مع القطع فضلا عن الشك، وإما أن يقال إنه يتعلق بالعين،
فمع تلف العين يكون المورد خارجا بالتخصص، فالشك في التلف يستلزم عدم

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 5، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 216 الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
4 - الإيرواني، الشيخ ميزرا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 7، الطبعة الأولى.
72

إمكان التمسك بدليل الخيار للشك في موضوعه وهو العين، فلا ربط له
بالجهة التي ذكرها الشيخ (قدس سره).
والذي يبدو للنظر بعد التأمل العميق أن الشيخ (قدس سره) ناظر إلى جهة غفل عنها
العلمان في مقام ايرادهم عليه.
بيان ذلك: أن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية له مما لا إشكال في عدم
جوازه لعدم إحراز موضوع الحكم. وأما في الشبهة المصداقية لمخصصه، فهو
محل خلاف بين الأصوليين.
وقد ذهب بعض (1) إلى جواز التمسك به وإثبات أن المشكوك خارج عن
الخاص موضوعا، كما يقال في: " لعن الله بني أمية قاطبة " أنه يتمسك به في
مشكوك الايمان ويثبت به أنه ليس بمؤمن. فلاحظ تقريب ذلك في الأصول.
وعليه، فنقول: إن الخيار:
إذا كان عبارة عن حق الاسترداد مع المفروغية عن ثبوت حق الرد، فخروج
المورد غير القابل للرد [يكون] بالتخصص، فمع الشك في ثبوت حق الرد يكون
من الشك في مصداق نفس العام، إذ الحكم العام بالخيار ثابت في مورد ثبوت
حق الرد، فلا يمكن التمسك بدليل الخيار للشك في موضوعه.
وأما إذا كان عبارة عن حق الاسترداد والرد، فخروج موارد الانعتاق ونحوها
يكون بالتخصيص، إذ يصح أن يجعل في مواردها حق الرد والاسترداد بمعنى حق
فسخ العقد والمبادلة الذي عرفت تصويره. فمع الشك في ذلك يكون المورد من
موارد الشبهة المصداقية للخاص. وقد عرفت أنها محل خلاف في جواز التمسك
بالعام.
فمن الاطباق على عدم التمسك بدليل الخيار ههنا وعدم توهم ذلك من أحد
يستكشف أن خروج المورد عن دليل الخيار من جهة أن الخيار عبارة عن حق

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول ص 223 ط مؤسسة آل البيت (ع).
73

الاسترداد في المورد الثابت فيه حق الرد. لا أنه عبارة عن حق الاسترداد والرد،
فإن الأخير لا يستدعي الاطباق لأن كبراه محل خلاف، كما عرفت.
وإذا عرفت أن نظر الشيخ (قدس سره) إلى هذه الجهة تعرف عدم وقع كلا الاشكالين في
كلامه، بل يكون كلامه واستشهاده متينا. فتدبر ولاحظ.
الوجه الثالث: أنه قد قرن في بعض الأخبار (1) بين هذا الخيار وخيار الحيوان
وحكم بهما على موضوع واحد، وبما أن خيار الحيوان لا يثبت للوكيل في إجراء
الصيغة لما دل على تقييده لصاحب الحيوان غير الصادق على الوكيل، فبوحدة
السياق يثبت ذلك في خيار المجلس. والمورد ليس من موارد تعارض المطلق
والمقيد المثبتين لاختلاف الحكمين، فورود الدليل المقيد المقتضي لتقييد موضوع
خيار الحيوان بصنف خاص لا يستدعي حمل موضوع خيار المجلس المطلق
عليه لاختلاف الحكمين.
وهذا الوجه لا يخلو عن مناقشة. وعمدة ما نقوله - مع الغض عما قيل فيه - أن
وحدة السياق على تقدير تسليم كونها سببا للظهور، فهي إنما تسلم فيما إذا استفيد
تقييد أحد الموضوعين المذكورين في دليل واحد من قرينة في نفس الدليل - كما
يقال في حديث الرفع (2) وأن المراد من رفع ما لا يعلمون خصوص الشبهة
الموضوعية بقرينة أخواتها -. أما إذا استفيد ذلك من دليل خارجي يكشف عن
تقييد المراد الجدي، فلا معنى لدعوى وحدة السياق.
وما نحن فيه كذلك، إذ تقييد موضوع خيار الحيوان بالمالك من دليل آخر
منفصل، فلا تتجه دعوى وحدة السياق. فما نحن فيه نظير ما لو قال أكرم العالم ثم
ورد دليل أن النحوي العادل هو الذي يجب إكرامه دون غير العادل، فهل يسري
هذا التقييد إلى الفقيه وغيره بدعوى وحدة السياق؟.
الوجه الرابع: أن سائر أنحاء الخيارات لا يلتزم الفقيه بثبوتها في حق الوكيل

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 1 و 3: من أبواب الخيار، ح 1 و 6.
2 - وسائل الشيعة ج 11 / باب 56: من أبواب جهاد النفس، ح 1.
74

في إجراء الصيغة، فكذلك هذا الخيار لوحدة المجعول في الجميع.
وفيه: أن دليل سائر الخيارات إذا كان متكفلا لتحديد موضوعها بغير الوكيل
المزبور لم يكن ذلك منافيا لاطلاق موضوع هذا الخيار بحيث يشمل الوكيل
المزبور إذا ساعد عليه الدليل. ووحدة المجعول لا تقتضي وحدة الموضوع سعة
وضيقا كما لا يخفى.
الوجه الخامس: أن حكمة الخيار هي الارفاق لأجل إعمال الرأي وتحري
المصالح ولا يتصور هذا المعنى بالنسبة إلى الوكيل في إجراء الصيغة، إذ لا معنى
للارفاق به.
ويمكن الخدشة فيه: بأنه يتصور جعل الخيار للوكيل بملاحظة الارفاق بالمالك
فيتحرى ما فيه مصلحة المالك الموكل.
وكيف كان، ففي الوجهين الأولين كفاية في نفي ثبوت الخيار في حق الوكيل
في إجراء الصيغة.
ومن هنا يظهر ضعف ما هو ظاهر الحدائق (1) من ثبوت الخيار لهذا الوكيل.
ثم قال الشيخ (قدس سره) (2): " وأضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ
بزعم أن الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه للعقد فلا يبطل بمنع الموكل ".
وقد ناقشه المحقق الإيرواني (3) والسيد الطباطبائي (رحمهما الله) (4) بأن الخيار على
تقدير ثبوته للوكيل إنما يثبت له بحكم الشارع بمقتضى الدليل فلا تأثير لمنع
الموكل عن إعماله.
ولا يخفى أن هذه الجهة قد أشار إليها الشيخ في كلامه في توجيه عموم الحكم
لصورة منع الموكل، فالاشكال بها على الشيخ بعيد عن الأسلوب العلمي، بل كان

1 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 11، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 7، الطبعة الأولى.
4 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 5، الطبعة الأولى.
75

الأولى الإشارة إلى ما في ذهن الشيخ (قدس سره) في رد ذلك ثم مناقشته إن كان مما يقبل
المناقشة.
والذي يمكن توجيه منع ثبوت الخيار للوكيل مع منع الموكل به هو أن الخيار
جعل بملاك الارفاق بصاحب المال والامتنان عليه، فإذا فرض منعه عن إعمال
الخيار لم يكن وجه لجعل الخيار ههنا، لأنه خلاف الارفاق والتسهيل على
المالك، لأن المالك مقدم على الضرر ومعه لا يجري دليل الخيار لعدم ملاكه، كما
يقال إنه في المورد الذي يقدم المكلف على الضرر لا تجري في حقه أدلة نفي
الضرر المجعول بملاك الامتنان، إذ لا امتنان في الحكم على العبد ولا تسهيل في
هذه الصورة.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) هذه الجهة باجمال فيما يأتي من كلامه في القسم الثاني من
أقسام الوكيل.
ويقع البحث - بعد الالتزام وفاقا للشيخ (قدس سره) بعدم ثبوت الخيار لهذا القسم من
الوكيل - في ثبوته للموكل، وفيه احتمالان:
أحدهما: عدم ثبوته له.
والآخر: ثبوته له وهو الذي قواه الشيخ (قدس سره).
ويستشهد للأول بوجهين:
الأول: أن الظاهر من: " البيعين " - في النص - خصوص المتعاقدين، فلا يعم
الموكل لعدم قيامه باجراء صيغة العقد.
الثاني: أن الفقهاء ذكروا أنه لو حلف على ترك البيع لم يحنث ببيع وكيله فإنه
ظاهر في عدم صدق البائع عليه (1).
وفي كلا الوجهين نظر:
أما الأول: فلأن المراد بالظهور لا بد وأن يكون هو الانصراف وإلا فصدق البيع
حقيقة على الموكل مما لا ريب فيه، ومن الواضح أن منشأ الانصراف..

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
76

إن كان هو الغلبة في الوجود، فهي ممنوعة. ولو سلمت لا تكون منشئا له كما
حقق في محله أخيرا، فإن كثرة الوجود لا تستلزم انصراف اللفظ إليه وظهوره فيه.
وإن كان الغلبة في الاستعمال، فهي ممنوعة، لأن نسبة البيع إلى كل منهما -
أعني الوكيل والموكل - شائعة كثيرة وإطلاق البائع على كل منهما كثير (1).
وأما الثاني: فلأنه لم يعلم أن نظر الفقهاء في عدم حصول الحنث ببيع الوكيل
إلى الوكيل في إجراء الصيغة، بل لعل نظرهم إلى مثل الوكيل في باب القراض مما
فوض إليه التصرف في المال، بحيث قد لا يعلم المالك تحقق البيع عند صدوره من
الوكيل، إذ صدق البائع على المالك في مثل هذا القسم ممنوع، كما سيأتي البحث
عنه.
إذن، فالصحيح هو ثبوت الخيار للموكل لصدق البائع عليه، فيشمله دليل
الخيار،
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) بعد أن ذكر أن الأقوى ثبوت الخيار للموكل قال: " ولكن
مع حضورهما - أي الموكلين - في مجلس العقد والمراد به مجلسهما المضاف
عرفا إلى العقد فلو جلس هذا في مكان وذلك في مكان آخر فاطلعا على عقد
الوكيلين فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما إلا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا
لذلك العقد بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين ".
أقول: في اعتبار الاجتماع وعدمه وخصوصيات الاجتماع على تقدير اعتباره
كلام وتفصيل يأتي تحقيقه في البحث عن مسقطات الخيار.
فقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (3) إلى عدم اعتبار الاجتماع وإنما المعتبر هو
هيئة المتبايعين عند العقد، فإذا زالت زال الخيار، سواء كان بينهما اجتماع أم كانا
بعيدين لا اجتماع بينهما.

1 - لعل هذا هو المراد من قوله، (ونسبة الفعل إليهما شايعة).
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 6، الطبعة الأولى.
77

وكلامه هذا يصادم الفتوى والوجدان لظهور أخذ الافتراق غاية للخيار في
اعتبار الاجتماع، إذ لا يصدق الافتراق بدونه. فاعتبار الاجتماع في موضوع هذا
الخيار مما لا يمكن إنكاره.
وهل المراد به الاجتماع على المعاملة ولو لم يكن اجتماع في الأبدان، نظير
صلاة الجماعة في رأي أهل السنة في زماننا حيث جوزوا الائتمام مع الفصل
الكثير؟. الظاهر أنه لا يراد به ذلك، إذ المفروض أنه بالافتراق يلزم البيع مع أن
الافتراق على هذا الاحتمال يحصل بالتفاسخ ولا معنى لأن يكون غاية للزوم
البيع. فالمراد به الاجتماع بالأبدان قطعا.
ثم المراد به مطلق الاجتماع ولو لم يكن في مجلس العقد؟ أو يراد به الاجتماع في
مجلس العقد، كما هو ظاهر صدر كلام الشيخ الذي نقلناه، أو بإضافة خصوصية
أخرى وهي كون الاجتماع مرتبطا بالعقد ولغاية حصوله لا مطلق الاجتماع في
مجلس العقد ولو كان عفوا أو للتفرج؟ وذهب إلى هذا الأخير المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1).
وقد عرفت أن تحقيق الحق في ذلك يأتي انشاء الله ويأتي أيضا انشاء الله
تحقيق ما يريده الشيخ في ذيل كلامه الذي نقلناه وأنه هل يريد ما ذكره
الأصفهاني (رحمه الله) أو شيئا آخر، فانتظر بحث مسقطات هذا الخيار.
القسم الثاني من أقسام الوكيل: ما كان وكيلا في التصرف المالي ومستقلا في
التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها، نظير العامل في
باب القراض وأولياء القاصرين.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى ثبوت الخيار له.
والوجه فيه هو صحة إطلاق البيع والبائع عليه بلا إشكال، فيعمه دليل الخيار،
كما أن ما تقدم من استظهار أن الخيار ثابت في مورد ثبت فيه حق الرد لا يمنع من
ثبوت الخيار ههنا، إذ المفروض أنه مخول في كل شئ، فله الإقالة ورد المال إلى
مالكه الأول.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
78

وإلى هذا الأمر أشار الشيخ (قدس سره) (1) في قوله: " بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد
تحققها... ".
فلا مجال لما أورده المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) عليه من: أن ما ذكره إما عجيب
أو مستحيل. وذلك لأنه..
إن أريد من الوكالة في الفسخ الوكالة في الفسخ من قبل الموكل إعمالا لحقه،
فهو عجيب وأي مدخلية لهذا في ذاك.
وإن أريد الوكالة في الفسخ بخيار نفسه، فهو مع أنه باطل - إذ لا معنى للوكالة
فيما هو مستقل فيه وأمره لا يرجع إلى الموكل - دور مستحيل، لتوقف ثبوت
الخيار على التوكيل في الفسخ بالخيار المتوقف ذلك على ثبوت الخيار. إنتهى.
فإنك عرفت أن المنظور فيه الوكالة في التفاسخ والتقايل الذي هو دخيل في
ثبوت الخيار للوكيل بناء على الاستظهار المتقدم. فالتفت ولا تغفل والله ولي
العصمة.
ويقع الكلام في جهات ثلاث:
الأولى: أن الخيار هل يثبت للموكل - في هذا القسم - أو لا يثبت.
قد يدعى عدم ثبوته له ويستشهد لذلك بوجهين:
أحدهما: تبادر المتعاقدين من لفظ: " البيعين " الوارد في النص.
والآخر: الالتزام بعدم حنث المالك إذا حلف على ترك البيع ببيع وكيله.
ولكن الشيخ (قدس سره) (3) قوى ثبوت الخيار له بوجهين:
الأول: أن المستفاد من أدلة الخيار كون الخيار حقا ثابتا شرعا لصاحب المال
إرفاقا به.
الثاني: أن ثبوته للوكيل لأجل كونه نائبا عن موكله يستلزم عرفا ثبوته
للموكل المنوب عنه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217 الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 7، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
79

أقول: الاستدلال على عدم ثبوت الخيار بالوجه الأول ممنوع، لمنع دعوى
تبادر البائع إلى العاقد فقط كما تقدم، لكن في الوقت نفسه لنا أن ندعي عدم صدق
البائع على هذا النحو من الموكل الذي قد يجري البيع من دون علمه به بالمرة، بل
هو يخول وكيله في كل شئ ويقطع صلته بالمال، فإن العرف لا يرى صدق البائع
عليه.
وعليه، فتكون أدلة الخيار قاصرة الشمول للموكل في حد أنفسها. وهذا هو
الوجه في عدم حصول الحنث ببيع الوكيل إذا كان قد حلف الموكل على ترك البيع.
والذي يظهر من كلام الشيخ (قدس سره) أنه يقرر عدم صدق البائع على الموكل إذ لم
يتعرض إلى إثبات ذلك - لنفي صدق البائع عليه - كما تعرض إليه في القسم
الأول، وإنما حاول إثبات الخيار من طريق آخر.
ولكن ما سلكه من الطريق لا يخلو عن انغلاق.
أما الأول: فلأن مقصوده..
إن كان أن المستفاد من الدليل كون موضوع الخيار هو المالك بلا خصوصية
للبائع وإن عبر عنه في النص، فلازمه عدم ثبوت الخيار للوكيل، وهو مما لا يلتزم به.
وإن كان المقصود أن المستفاد من الدليل وإن كان ثبوت الخيار للبائع لكنه
بملاك الإرفاق بالمالك والمنة عليه. وهذا الملاك متحقق بالنسبة إلى المالك فيثبت
له الخيار، فلا يخلو الحال إما أن يكون الإرفاق تمام الموضوع بحيث يدور
الحكم مداره وجودا وعدما أو يكون جزء الموضوع أو قيده.
والأول، يتنافى مع أدلة الخيارات التي تتكفل اعتبار بعض الخصوصيات في
الخيار كالثلاثة أيام وعدم الافتراق ونحوهما، فإنه يكشف عن دخالة غير
الإرفاق في الحكم بثبوت الخيار، مع أن مقتضى ذلك إمكان استفادة ثبوت الخيار
في الموارد التي لا دليل فيها عليه إذا توفر فيها الملاك المزبور، كموارد الغبن وهو
مما لا يلتزم به ويقطع بعدمه.
والثاني، لا ينفع في إفادة المطلوب، إذ الفرض أن هناك خصوصية أخرى غير
80

الإرفاق معتبرة في ثبوت الخيار ككونه بائعا، وهي غير متحققة في المالك.
إذن، فالطريق الأول لا يصح السلوك فيه.
وأما الثاني: فلأنه إنما يصح لو كان الخيار ثابتا للوكيل بما أنه نائب ووكيل،
فيقال بثبوته للمنوب عنه بالملازمة العرفية، ولكن الأمر ليس كذلك، بل هو ثابت
للوكيل بما أنه بائع - إذ هو العنوان المأخوذ في موضوع الحكم في لسان الدليل -
وهو غير منطبق على الموكل، وكون منشأ صدق البائع على الوكيل هو التوكيل لا
ينفع في إثبات المدعى كما لا يخفى.
ألا ترى أنه لو رتب حكم على من رأى مكة، فثبوت هذا الحكم لمن سافر إلى
الحج نائبا من جهة إنه رأى مكة لا يلازم ثبوته للمنوب عنه لأنه لم ير مكة،
والاستنابة لا تحقق صدق هذا العنوان. فلاحظ.
وعليه، فأساس الالتزام بثبوت الخيار وعدمه هو ملاحظة انطباق عنوان:
" البيع " على الموكل وعدمه، فمن يرى انطباقه عليه يلتزم بثبوت الخيار له ومن لا
يرى انطباقه عليه - ويكفيه التشكيك - لا يلتزم بثبوت الخيار له.
وقد تقدم منا الجزم بعدم انطباق: " البيع " عليه عرفا، فلا يثبت له الخيار.
الثانية: فيما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) بعد التزام ثبوت الخيار للموكل والوكيل من أنه
قد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص متعددين من طرف واحد أو من
الطرفين، فيثبت الخيار للوكيل البائع وموكله ووكيله في إجراء الصيغة - بناء على
ثبوت الخيار له - وهكذا الحال في طرف المشتري. وحينئذ فإذا سبق أحدهم إلى
إعمال خياره إجازة أو فسخا نفذ وسقط خيار الباقين، وليس المقام من تقديم
الفاسخ على المجيز لأن تلك المسألة فيما إذا ثبت الخيار للجانبين كما إذا أجاز
المشتري وفسخ البائع فيقدم فسخ البائع، وما نحن فيه فرض من جانب واحد.
هذا ما ذكره الشيخ (قدس سره) ولتوضيح المقصود منه لا بد من ايضاح الحال في مسألة
الفاسخ والمجيز.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
81

فنقول: إن الإجازة الصادرة من أحد طرفي الخيار إما أن ترجع إلى اسقاط
حق الفسخ الذي لديه. وإما أن ترجع إلى إبرام العقد وجعله بحيث لا يقبل الفسخ.
فعلى الأول: لا تنافي بين الإجازة من طرف والفسخ من طرف آخر، إذ
اسقاط حق الفسخ من قبل المشتري - مثلا - لا ينافي إعمال حق الفسخ الثابت
للبائع، فينفسخ العقد بأعماله.
وعلى الثاني: إما أن ترجع الإجازة إلى الابرام بقول مطلق بحيث لا يقبل الحل
من أي أحد، وإما أن ترجع إلى إبرامه من قبله فقط.
فعلى الأول: يتحقق التنافي بين الإجازة والفسخ.
وأما على الثاني: فلا تنافي بينهما، إذ إبرام العقد من قبل أحد الطرفين لا ينافي
فسخ الطرف الآخر وحله لعدم التزامه به.
إذن، فتقدم الفسخ على الإجازة يبتني على الوجهين الأول والثالث في
مقتضى الإجازة. وأما على الوجه الثاني فلا يتقدم عليها بل المحكم منهما السابق،
لما عرفت من تنافي الفسخ مع الإجازة فلا يمكن الالتزام بهما معا. فلاحظ.
وعليه، فيقع الكلام فيما نحن فيه، فنقول: إن ثبوت الخيار لأشخاص متعددين
من طرف واحد كطرف البائع..
تارة: يكون بنحو العموم المجموعي، يعني يكون الخيار واحدا ثابتا
لمجموعهم.
وأخرى: يكون بنحو العموم الاستغراقي بأن يثبت لكل فرد منهم على حدة.
وثالثة: يكون ثابتا لطبيعي البائع وصرف الطبيعة وثبوته لكل منهم من باب أنه
أحد أفراد الطبيعة.
فعلى الأول: لا يصح إعمال الخيار إجازة أو فسخا من أحدهم بالخصوص سواء
عارضه الآخر أو لا، لعدم ثبوته له بل هو ثابت للمجموع، فلا بد أن يتحقق إعماله
من المجموع مرة واحدة. فالمورد على الأول خارج عن حدود ما نحن فيه
بالمرة.
وأما على الثاني: فالكلام فيه عين الكلام في مسألة تقديم الفاسخ على
82

المجيز، لتعدد الحق وثبوته لكل منهم بالاستقلال، فتتأتى فيه احتمالات الإجازة
وثمرتها، فراجع.
وعلى الثالث: كان المحكم هو إعمال السابق منهم إجازة أو فسخا، لأن
المفروض أن الثابت حق واحد موضوعه صرف وجود الطبيعي، وارتباطه بكل
منهم من قبيل ارتباط الوجوب الكفائي بكل واحد من المكلفين لصدق الطبيعي
على كل منهم. فإذا أعمل هذا الحق من قبل أحدهم ممن ينطبق عليه صرف
الوجود نفذ وسقط هذا الحق، فلا مجال لاعماله من قبل الآخر، نظير سقوط
الوجوب الكفائي بامتثال أحد المكلفين.
فمقصود الشيخ (قدس سره) هو هذا الأخير وأن الحق الثابت حق واحد ثابت لطبيعي
البائع المنطبق على كل منهم، فإذا أعمل من قبل أحدهم نفذ ولم يبق مجال
لاعماله من قبل غيره لسقوط الحق بالاعمال، فيختلف المورد عن مسألة تقديم
الفاسخ على المجيز لفرض تعدد الحق فيها، هذا كله بلحاظ مقام الثبوت.
أما مقام الاثبات، فالظاهر أن موضوع الحكم يؤخذ بنحو الطبيعة المطلقة
والعموم الاستغراقي لا صرف الوجود، كما هو الحال في متعلقات الأحكام، والسر
في ذلك ما حققناه (1) في مبحث الوجوب الكفائي في مقام بيان عدم صحة أخذ
صرف وجود المكلف موضوعا للحكم، فراجع ما ذكرناه في الأصول تعرف.
الثالثة: إذا فرض ثبوت الخيار للوكيل والموكل، فهل يزول بافتراق الوكيلين
خاصة أو الموكلين خاصة أو افتراق الكل عن الكل، فلو بقي من كل طرف واحد
في مكانه كفى في بقاء الخيار؟
ذهب الشيخ (قدس سره) (2) إلى الأخير.
والتحقيق: أن الاحتمالين الأولين لا سند لهما ولا دليل عليهما، فيدور الأمر
بين الاحتمال الأخير الذي قواه الشيخ (قدس سره) واحتمال رابع اختاره السيد

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 2: ص 497، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
83

الطباطبائي (رحمه الله) (1) وهو زوال الخيار بافتراق أحد ذوي الخيار من أحد
الطرفين.
والذي نقويه منهما هو الاحتمال الرابع لما ذكره السيد بنحو الدعوى من أن
الغاية المأخوذة هي الافتراق فإذا تحقق بنحو صرف الوجود زال الخيار.
وتوضيح ذلك: أن المستفاد من الأدلة الدالة على هذا الخيار إما أن يكون تقييد
موضوع الخيار باجتماع المتبايعين، فمدار ثبوت الخيار على تحقق الاجتماع
وصدقه.
وإما أن يكون المستفاد هو كون موضوع سقوط الخيار هو افتراق المتبايعين
بلا فرض الاجتماع في موضوع ثبوته.
فعلى الأول: لا يزول الخيار إلا بزوال اجتماع الكل عن الكل، لأن الطبيعي
يتحقق بواحد من أفراده فإذا كان بعض أفراد البائع مجتمعا مع بعض أفراد
المشتري صدق اجتماع البيعين، فكان الخيار ثابتا. ولا يضر افتراق البعض لأن
صرف الوجود يتحقق ببعض الأفراد.
وعلى الثاني: يزول الخيار بافتراق البعض، لما عرفت من أن الطبيعي يتحقق
بفرده، فصرف الطبيعة للافتراق يتحقق بافتراق بعض أفراد البائع، إذ يصدق حينئذ
افتراق البيعين، فيترتب عليه زوال الخيار.
إذن، فترجيح أحد الاحتمالين يبتني على تشخيص ما هو المستفاد من
الأدلة، فإن كان المستفاد هو الأول ثبت احتمال الشيخ، وإن كان المستفاد هو
الثاني ثبت احتمال السيد، وقد عرفت وجه ذلك.
وبما أن النصوص ظاهرة في الثاني لأخذها الافتراق في موضوع سقوط
الخيار - كما هو صريح قوله (عليه السلام): " فإذا افترقا وجب البيع " - كان ما ذكره
السيد (رحمه الله) هو المتعين.
ولا يخفى أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون صرف وجود الافتراق وطبيعيه

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 6، الطبعة الأولى.
84

- المتحقق بفرد من أفراد الافتراق - مضافا إلى صرف وجود البائع أو إلى
أفراد البائع، إذ افتراق صرف وجود البائع وطبيعيه يتحقق بافتراق أحد أفراد
البائع إذ يصدق افتراقه بمجرد افتراق أحد أفراد البائع، لأن صرف الوجود يتحقق
ويصدق على أحد الأفراد. كما أنه لو أضيف الافتراق إلى الأفراد كان الأمر كذلك
إذ يكون المستفاد: أن الخيار يسقط بافتراق أي فرد من أفراد البائع. فبافتراق
أحد الأفراد يتحقق موضوع زوال الخيار. وما ذكرناه واضح.
ومنه يظهر الاشكال فيما جاء في حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1)...
أولا: بالنسبة إلى ما ذكره من أنه لا بد من أخذ الافتراق مضافا إلى جنس البيع
لا الأشخاص في مقام إثبات عدم الواسطة بين ثبوت الخيار وعدمه الذي ادعى
استفادته من الأدلة. فإنك عرفت عدم تحقق الواسطة على كلا التقديرين وأن
النتيجة واحدة على كلا الفرضين.
وثانيا: بالنسبة إلى ما ذكره من عدم تحقق افتراق جنس البيع بافتراق أحد
أفراده، بل لا بد من افتراق الكل الذي انتهى منه إلى عدم الفرق بين المسلكين فيما
هو المستفاد من أدلة الخيار. فإنه ممنوع لما عرفت من أن افتراق طبيعي البائع
يتحقق بافتراق أحد أفراده لصدق الطبيعي على أحد الأفراد، فالتفت ولا تغفل.
القسم الثالث من أقسام الوكيل: ما كان وكيلا في التصرف على وجه المعاوضة -
من دون أن يكون مستقلا في مال الموكل قبل العقد وبعده - كما لو قال له اشتر لي
عبدا.
والكلام تارة: في ثبوته للوكيل. وأخرى: في ثبوته للموكل.
أما ثبوته للوكيل، فقد نفاه الشيخ (قدس سره) (2) بالوجه الثاني الذي ساقه لنفي ثبوته
للوكيل في إجراء العقد فقط، إذ الوكيل ليس له الرد هاهنا لعدم سلطنته على المال،
فلا يثبت له الخيار. وأما البائع والمشتري فهما يصدقان على هذا القسم من

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 15، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
85

الوكيل، وأما ثبوته للموكل فهو يدور مدار صدق " البيع " عليه، ولذلك كان الحق
هو التفصيل بين ما إذا أمره بشراء العبد أو الدار أو غير ذلك، فيثبت الخيار لصدق
البيع على الموكل، وبين ما إذا أوكل أمر أصل الشراء إلى نظره وإرادته، فقال له:
" اشتر لي عبدا إذا شئت "، فلا يثبت الخيار لعدم صدق البيع على الموكل في هذا
الفرض.
ثم إن الشيخ بعد ذلك تعرض إلى أمر وهو أنه هل للموكل تفويض الأمر إلى
الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري أوليس له ذلك؟. وقال: " الأقوى العدم لأن
المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له
بعده " (1).
وقد حمل الأعلام المحشين - كالسيد الطباطبائي (2) والمحقق الأصفهاني (3)
والمحقق الإيرواني (4) (رحمهم الله) - كلامه على إرادة البحث عن تمكن الموكل من نقل
خياره الثابت له إلى الوكيل فيكون الخيار له ويكون من ذوي الخيار. وأوقعوا
البحث في ذلك..
تارة: في أصل المطلب وأنه هل يقبل خيار المجلس للنقل والانتقال.
وأخرى: في استشهاد الشيخ على ما ذهب إليه من العدم، فذكر أنه أجنبي عن
محل البحث إذ لا موهم لاثبات قابلية الحق للنقل بدليل ثبوت الخيار، فراجع
كلامهم (قدس سرهم).
ولكن الذي يبدو لنا أن نظر الشيخ (قدس سره) إلى أمر أجنبي بالمرة عما حمل كلامه
عليه من قبل الأعلام المزبورين، وأن ما أوقعوه من الحديث حول كلام الشيخ
ناشئ عن عدم التنبه إلى مراده (قدس سره) - وذلك لا يضر بمقامهم العلمي الكبير فإن
الغفلة من العوارض اللازمة للانسان على ما قيل -.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 5، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 15، الطبعة الأولى.
4 - الإيرواني، الشيخ ميزرا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 8، الطبعة الأولى.
86

وعلى كل، فمراد الشيخ (قدس سره) من تفويض الأمر إلى الوكيل ليس تفويض أمر
الخيار إليه، بل تفويض أمر المال إليه من حيث الرد والتقايل ليتحقق موضوع
الخيار بالنسبة إلى الوكيل لأنه بائع ذو حق للرد والتفاسخ، فلا محذور في ثبوت
الخيار له وصيرورته ذا حق خياري بعد تحقق العقد، إذ عرفت عدم ثبوت الخيار
له من جهة عدم سلطنته على الرد.
فموضوع البحث هذا المطلب وهو أجنبي عما فهمه الأعلام من كلام الشيخ (قدس سره).
وأما الوجه الذي ذكره الشيخ (قدس سره) في عدم فائدة ذلك في إثبات الخيار له، فهو
أن المتيقن من دليل الخيار هو ثبوت الخيار لموضوعه وهو البيع في حال العقد بلا
فصل، فلا يتكفل إثباته له بعد العقد فيما لو لم يكن واجدا للشروط في حال العقد
وصار واجدا لها بعده. فالتفت ولاحظ.
هذا تمام الكلام في ثبوت الخيار للوكيل، ويلحق به البحث عن ثبوته
للفضولي.
والكلام تارة: في ثبوت الخيار للفضولي. وأخرى: في ثبوته للمالك.
أما ثبوته للفضولي قبل الإجارة، فقد نفاه الشيخ (قدس سره) (1) بفحوى ما تقدم من
عدم ثبوته للوكيلين غير المستقلين.
وقد يستشكل فيه: بأن الفحوى ترجع إلى أولوية عدم ثبوت الخيار هنا من
عدم ثبوته للوكيل في إجراء الصيغة وذلك يستلزم أن يكون الوجه في عدم ثبوته
للوكيل متحققا ههنا بنحو أشد أو أزيد أو آكد والأمر ليس كذلك.
لأن عمدة الوجوه السابقة هي تبادر لفظ: " البيع "، إلى غير الوكيل في إجراء
الصيغة، وظهور دليل الخيار في كونه لاثبات حق الاسترداد مع المفروغية عن
حق الرد.
أما الأول، فليس له مجال ههنا، لاطلاق لفظ البائع على الفضولي كما اعترف
به الشيخ (قدس سره).

1 - الأنصاري: الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
87

وأما الثاني، فهو جار ههنا - في الفضولي - لعدم ثبوت حق الرد له، ولكن لا
تأكد فيه كي يكون عدم ثبوت الخيار فيه أولى.
والتحقيق: عدم ثبوت الخيار للفضولي، لما اخترناه تبعا للشيخ من
اختصاص ثبوت الخيار في مورد يثبت لذي الخيار السلطنة على الرد والفضولي
لا سلطنة له على ذلك، ونظر الشيخ إلى ذلك وتعبيره بالفحوى ليس بمهم في أصل
المدعى.
ولا يخفى أن البحث في ثبوت الخيار للفضولي يبتني على فرض إمكان ثبوت
الخيار في مورد لا يكون للعقد تأثير فعلي في الملكية وإنما يتصف بالصحة
التأهلية، وإلا فلا موضوع للخيار، لأن عقد الفضولي غير مؤثر قبل الإجازة في
الملكية إلا بنحو الشأنية والاقتضاء (1). ولكن الشيخ (قدس سره) أخذ هذا المعنى مفروغا
عنه لرده على من ادعى ظهور الأخبار في كون الخيار ثابتا في خصوص مورد
حصول الملك شرعا بالبيع، بأن لازم ذلك عدم جريان الخيار في الصرف والسلم
قبل القبض لعدم حصول الملك قبله واللازم باطل.
وعلى هذا، فنقول: إن الشيخ (قدس سره) إن كان ممن يرى ثبوت حق الرد والإقالة في
الصرف والسلم قبل القبض بلحاظ أنهما من شؤون العقد، فلا اشكال. وإن كان
ممن لا يرى ذلك بلحاظ أنهما من آثار الملك، فلا يثبتان في مورد لا ملك فيه،
فالالتزام بثبوت الخيار في مورد الصرف والسلم - كما هو ظاهر كلامه - يستلزم
الالتزام بثبوته للفضولي، لأن التزامه به في مورد الصرف والسلم يلازم غض النظر
عن اعتبار حق الرد في مورد الخيار في موارد الصحة التأهلية للعقد، ومعه لا
محذور في ثبوته للفضولي لصدق البائع عليه كما عرفت.

1 - ذكر السيد الأستاذ دام ظله أن موضوع كلام الشيخ هو عقد الفضولي قبل الإجازة لقرائن منها قياسه
المقام على عقد الصرف والسلم قبل القبض وبيان عدم الاعتناء باعتبار ثبوت الملك شرعا في ثبوت
الخيار ومنها نفيه لدعوى أن البيع هو النقل ولا نقل ههنا بأن المراد هو النقل العرفي فإنه ظاهر في كون
الملحوظ هو ما قبل الإجازة ومنها ما ذكره في ذيل المطلب عن بيع الغاصبين ثم فسخهما قبل
الإجازة فلاحظ وتدبر.
88

فما أفاده الشيخ (قدس سره) يتم على تقدير دون آخر، فالتفت.
وأما الفضولي بعد الإجازة، فلا يثبت له الخيار أيضا لنفس الوجه في عدم
ثبوته له قبل الإجازة لعدم ثبوت السلطنة على الرد. فلاحظ.
وأما ثبوته للمالك بعد الإجازة - حيث لاموهم لثبوته له قبل الإجازة لعدم
صدق البائع عليه قبلها -، فالتحقيق فيه: أنه..
إما أن يقال إن الإجازة عقد مستأنف، فهي إما ايجاب أو قبول - كما التزم به
الشيخ وهو المختار -.
وإما أن يقال إن الإجازة توجب تحقق البيع من قبل المجيز بحيث يصدق عليه
البائع في مرحلة البقاء.
وإما أن يقال إن الإجازة عبارة عن الرضا بالعقد الواقع، فهي لا توجب صدق
البائع على المجيز وإنما توجب ربط البيع الحاصل به بنحو ربط ولا يعتبر في
موضوع الأثر أكثر من ذلك - أعني البيع عن رضا المالك -.
فعلى الأول، لا إشكال في ثبوت الخيار له لصدق البائع أو المشتري عليه
بالإجازة لأنها كالايجاب أو القبول الابتدائي. وهكذا..
على الثاني، لصدقه عليه من حين الإجازة وهو يكفي في ثبوت الخيار وإن لم
يصدق عليه في حال العقد.
وأما على الثالث، فلا يثبت له الخيار لعدم صدق البائع عليه وموضوع الخيار
هو " البيع ".
ثم إنه بناء..
على الأول، فالعبرة في الافتراق وعدمه من حين الإجازة لتحقق البيع بها.
وهكذا..
على الثاني، لأن ثبوت البيع من حينها وهو وقت ثبوت الخيار، فالملحوظ
افتراقهما وعدمه من ذلك الحين.
وأما على الثالث، فقد عرفت أنه لا ثبوت للخيار بلحاظه بواسطة الأدلة
89

العامة، فلو قام دليل خاص يدل على ثبوته فلا بد من ملاحظته ومعرفة قيود
موضوعه. فتدبر.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) من أنه يحتمل - في أصل المسألة - أن تكون الإجازة
من المجيز التزاما بالعقد، فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت.
فقد يورد عليه: بأن الإجازة في الفضولي أجنبية عن الالتزام بالعقد بمعنى
اسقاط حق الخيار أو إبرام العقد، بل هي راجعة إلى إمضاء ما وقع من الغير، فلا
يزيد ذلك على أصل البيع من قبل المالك، بل هي هو بناء على أنها عقد مستأنف،
فلاحظ وتدبر ولعله لهذا أشار بقوله: " فتأمل ".
وأما ما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من تعميم الحكم للفضولي الغاصب وأنه ليس لهما
التفاسخ بعد تمامية العقد، فهو في محله. وأما رد الموجب منهما قبل حصول
القبول، فاخلاله بالعقد يتضح في بعض مسائل البيع، فراجع.
هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.
المسألة الثانية: فيما لو اتحد البائع والمشتري، بأن كان شخص واحد بائعا
لنفسه ووكيلا عن غيره في الشراء بنحو يثبت له الخيار مع القدرة، كالوكيل
المستقل في التصرف. فهل يثبت الخيار في هذا المورد أو لا؟، فيه خلاف.
والمنسوب إلى المشهور ثبوت الخيار. وحكي عن جماعة: القول بعدم ثبوته،
وحكى الشيخ (قدس سره) (2) عن التحرير (3) وجامع المقاصد (4) التوقف وجعله الأولى.
وتحقيق الكلام في ذلك: أن منشأ الاشكال في ثبوت الخيار هو أمران:
الأول: ظهور لفظ: " البيعين " المأخوذ في النص في موضوع الخيار في إرادة
المتعدد، فإن ذلك مقتضى التثنية.
الثاني: ظهور لفظ: " الافتراق " المأخوذ غاية للخيار في كون الموضوع مما

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 217، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 350 - الطبعة الأولى.
4 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 285، ط مؤسسة آل البيت (ع).
90

يقبل الافتراق وهو المتعدد خاصة.
فمن يرى ثبوت هذين الظهورين أو أحدهما يذهب إلى عدم ثبوت الخيار
ههنا لعدم التعدد، ومن لا يرى ثبوت كل منهما ويستظهر خلافه كما ستعرف يذهب
إلى ثبوت الخيار ههنا، ومن يتوقف في ذلك يتوقف في ثبوت الخيار.
وقد عرفت تقريب الظهورين.
ولكن نوقش في الأول: بأن التثنية لطبيعة البائع والمشتري، فلا يقصد بها إلا
بيان ثبوت الحكم لكل منهما كسائر أحكامهما، فالبيعان بمنزلة (البائع والمشتري)
يلحظ فيه طبيعي البائع والمشتري، وهو ينطبق على المتحد كما ينطبق على
المتعدد. فالتثنية وإن كانت للتعدد، إلا أن الملحوظ بيان تعدد موضوع الحكم
وثبوت الحكم لكل من الفردين. وليس المقصود بيان أن الموضوع هو التعدد.
فالتفت.
ونوقش في الثاني: بأن جعل الغاية هي التفرق مبني على الغالب.
ولا يخفى أن الالتزام بظاهر هذا الكلام ممتنع، لأن ورود القيد مورد الغالب
يكشف عن عدم خصوصية فيه وعدم دخله في الحكم ولازم ذلك أن تحقق
الافتراق في المورد القابل له لا يستلزم سقوط الخيار، وهذا مما لا يلتزم به أحد.
وقد يراد به ما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) أخيرا بقوله: " إلا أن يدعى أن التفرق غاية
مختصة بصورة التعدد لا مخصصة للحكم بها ". وتوضيح مراده: أن موضوع
الحكم هو مطلق البائع والمشتري وغائية الافتراق تختص بصورة تعددهما، فلا
ظهور لها في تخصيص الحكم بصورة تعددهما، فللبائع والمشتري فردان:
أحدهما متعدد والآخر متحد، فعدم الافتراق شرط في الفرد الأول دون الثاني،
وإنما ذكر لأجل كونه الفرد الغالب دون الآخر لأنه نادر، فالمقصود أن التعرض
لحكم مورد التعدد مبني على الغالب، فلا ينافي ثبوت الحكم لمطلق الصور مع
ثبوت الخصوصية للافتراق.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
91

وبالجملة، فما قيل إن كان المراد به ما هو ظاهره الأولي، فقد عرفت الاشكال
فيه. وإن أريد به مع ما ذكره الشيخ أخيرا، فله وجه معقول.
هذا، ولكن الانصاف يقضي بقبول المناقشة الأولى دون الثانية، فإن ظهور
أخذ الافتراق غاية للحكم في كون الموضوع للحكم المورد القابل للافتراق مما لا
يقبل الانكار. وما ذكره الشيخ (قدس سره) مما عرفته حديث علمي تصوري لا مساس له
في الظهور.
إذن، فالحق أنه لا ثبوت للخيار فيما نحن فيه لعدم قابلية المورد للافتراق.
ولا يخفى أن ما ندعيه لا يرجع إلى اعتبار إمكان الافتراق، كي يقال إن:
" حتى " تدخل على الممكن والمستحيل، بل يرجع إلى اعتبار القابلية ولو لم
يمكن الافتراق لبعض الموانع العارضة، فاستحالة الافتراق أعم من عدم قابلية
المورد له. فالتفت.
وهذا هو منظور الشيخ في قوله: " ومنه يظهر سقوط القول بأن كلمة حتى
تدخل على الممكن والمستحيل ".
ومما ذكرناه يظهر لك أن ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من: أن الحكم ليس
هو الخيار المقيد بما قبل الافتراق حتى لا يتحقق في صورة الاتحاد، بل الظاهر
من الخبر أن الخيار ثابت لكل من المتبايعين وغايته التفرق، بمعنى أنه إن حصل
يرتفع الخيار، لا أنه يختص بما إذا حصل التفرق فيثبت الخيار فيما نحن فيه -
الذي يقاربه بل يرجع إليه ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) من أن الغاية هي فعلية
الافتراق فما لم يصر فعليا استمر الخيار سواء كان ذلك لعدم معقوليته أم لغير
ذلك -.
فيظهر لك أن ما ذكر.. ممنوع، لأنه وإن كان الافتراق غاية لاستمرار الحكم
وبقائه لكنه ظاهر في أن الملحوظ في حدوث الخيار هو المورد القابل للافتراق
بقاء. فتدبر.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 6، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، الطبعة الأولى.
92

ولعله لذلك قال المحقق الإيرواني (رحمه الله) بعد كلامه المزبور: " ومع ذلك ففي
النفس من شمول الاطلاق للمقام شئ ".
وإلى ما ذكرناه من ظهور أخذ الافتراق وعدمه في اختصاص الخيار في
المورد القابل للافتراق، يرجع ما أفاده المحقق الخراساني (رحمه الله) (1) من أن الافتراق
أخذ مقابلا لعدمه بتقابل العدم والملكة لا السلب والايجاب،
فلا مجال لإيراد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) عليه: بأن تقابل الافتراق وعدمه لا
يكون إلا بتقابل السلب والايجاب. وإنما المقابل للافتراق بتقابل العدم والملكة
هو الاجتماع، فإن الافتراق عبارة عن عدم الاجتماع في المورد القابل له.
إذ مقصود صاحب الكفاية (رحمه الله) الترديد بين أخذ الافتراق وعدمه في المورد
القابل لهما أو الأعم وترجيح الأول، وليس مقصوده احتمال كون الافتراق وعدمه
متقابلين بتقابل العدم والملكة.
وأما ما ذكره (قدس سره) من أن الافتراق والاجتماع متقابلان تقابل العدم والملكة،
ففيه: أنهما مفهومان وجوديان ينتزعان عن التقارب والتباعد الخاص فهما ضدان
لا من قبيل العدم والملكة. فتدبر.
هذا تمام الكلام في هذه المسألة وقد عرفت الحق فيها.
المسألة الثالثة: في استثناء بعض أشخاص المبيع من عموم ثبوت هذا الخيار
وهي موارد:
المورد الأول: من ينعتق على أحد المتبايعين، كما إذا اشترى أباه أو باع شيئا
بأبيه (3).
ونسب إلى المشهور عدم الخيار مطلقا. واحتمل في الدروس (4) ثبوت الخيار
للبائع - يعني لو كان المبيع ممن ينعتق على المشتري -.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب ص 84، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 16، الطبعة الأولى.
3 - فيه تأمل من جهة التأمل في صحة كون العبد ثمنا.
4 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 266، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
93

وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) قبل البحث في أصل المطلب أمرين:
أحدهما: أن الحديث في ثبوت الخيار وعدمه يبتني على قول المشهور بعدم
توقف الملك على انقضاء زمان الخيار. أما لو قيل بأن الملك لا يحصل إلا بعد
انتهاء زمان الخيار، فلا إشكال في ثبوت الخيار.
والسر فيه: أنه على هذا القول لا يتحقق الانعتاق قبل انقضاء زمان الخيار، بل
هو بعد على ملك مالكه الأول فلا مانع من ثبوت الخيار، إذ المانع على تقدير
ثبوته منشأه تحقق الانعتاق، كما ستعرف.
والآخر: أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العين، بمعنى أنه لو
ثبت الخيار إنما يرجع بالقيمة لا بالعين، لأن مقتضى الأدلة تحقق الانعتاق بمجرد
الملك والفسخ بالخيار من حينه لا من أصله، ولا يمكن رجوع الحر عبدا. ولو
أمكن ذلك لاحتاج إلى دليل ولا دليل على زوالها بالفسخ. هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره).
ولا بد لنا قبل تحقيق البحث من البحث في جهتين:
الجهة الأولى: أن الظاهر من الأصحاب رجوع صاحب المال - عند الفسخ في
مورد تلف العين - بقيمة العين على من كانت بيده بايعا أو مشتريا، وهو على
خلاف القواعد بدوا، لعدم تحقق سبب الضمان لأنه حين تلف كان في ملكه.
ويمكن أن يوجه بأحد وجوه ثلاثة:
الأول: عموم: " على اليد " (2) بتقريب أنه يقتضي الضمان وكان المانع من
تأثيره هو العقد، فإذا زال العقد بالفسخ كان المقتضي بلا مانع فيؤثر في تحقق
الضمان.
الثاني: أن الفسخ في مورد التلف يكشف عن ثبوت ملكية العين للمالك الأول
آنا ما قبل التلف، فيكون التلف في حال كونها ملكا لمالكها الأول. فيتحقق
الضمان.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
2 - الأحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي: ج 1: ص 224، ح 106، الطبعة الأولى.
94

الثالث: أن الحكم بالضمان مقتضى ما دل على جواز الفسخ مع التلف عقلا أو
شرعا بضميمة العلم بعدم صحة رجوع الفاسخ بماله بلا أن يرجع للآخر ماله بعينه
أو ببدله، ولا نحتاج إلى تطبيقه على القواعد، فالحكم بالضمان من باب دلالة
الاقتضاء.
ولا يخفى أن هذا الوجه الأخير يتوقف على وجود دليل خاص لاثبات
الخيار في مورد التلف. وأما الاطلاق، فلا ينفع إذ الاطلاق المتوقف على مؤونة
زائدة لا يمكن التمسك به وهو ههنا كذلك، إذ لا يمكن الالتزام بثبوت الخيار ما لم
يلتزم بالضمان الذي لا دليل عليه في حد نفسه.
وهكذا الوجه الثاني، فإن الالتزام بثبوت الملكية قبل التلف آنا ما ليست مما
تقتضيه القواعد فيحتاج إلى دليل خاص كي يكشف عنه بدلالة الاقتضاء.
وأما الأول، فينفع الاطلاق في تماميته لأنه يتكفل إثبات الضمان بحسب
القواعد العامة، ولكن اثباته مشكل، لأن اليد ليست مقتضية للضمان بقول مطلق،
بل اليد على مال الغير والعقد يرفع موضوعها لأنه يحقق الملكية فلا تكون اليد يدا
على مال الغير بل على ماله، فلا مقتضي للضمان كي يكون مؤثرا عند ارتفاع
المانع. فالعقد ليس مانعا من تأثير المقتضي بل رافعا لثبوته. مضافا إلى أنه عند
ارتفاع المانع لا يد على العين، لتلفها، فلا بد أن يتمم الوجه بالالتزام بأن اليد
حدوثا تؤثر في الضمان عند ارتفاع المانع بقاء، وهو مشكل، كما لا يخفى.
الجهة الثانية: قد ورد في بعض أبحاث المكاسب (1) الالتزام في بعض الموارد
بالملكية التقديرية، كمورد شراء من ينعتق عليه، فما هو المراد بالملكية التقديرية؟
فهل يراد بها ثبوت الملكية حقيقة آنا ما أو أمر آخر؟
الظاهر أن المراد بها تنزيل عدم الملك في مورد منزلة الملك بلحاظ ترتيب بعض
الآثار، فلا يرجع إلى اعتبار الملكية في المورد بل إلى تقديرها بلحاظ أثرها،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 89، الطبعة الأولى.
95

كتنزيل زيد الجاهل منزلة العالم ليترتب عليه أثر العالم، وكتنزيل الطواف منزلة
الصلاة بلحاظ ترتيب آثار الصلاة عليه.
وبالجملة، هذا المعنى معقول في حد نفسه وليس بعزيز في موارد الفقه نفيا
وإثباتا. ففي مثل شراء من ينعتق عليه يلتزم بها جمعا بين دليل (1) لا عتق إلا في
ملك ودليل (2) عدم ملكية عموديه، فيلتزم بأن الثابت الملكية التقديرية بلحاظ
ترتب صحة العتق.
والخلاصة أن الالتزام بالملكية التقديرية يرجع إلى الالتزام بتنزيل ما لا يملك
منزلة المملوك بلحاظ أثر خاص.
إذا عرفت ذلك، فيقع الكلام في ثبوت الخيار في صورة شراء من ينعتق عليه.
وتحقيق ذلك: أن محتملات حقيقة الخيار ثلاثة:
الأول: أنه حق متعلق بالعين، فيكون عبارة عن حق تراد العينين.
الثاني: أنه حق متعلق بالعقد ولكنه بلحاظ تراد العينين، بحيث يكون فسخ
العقد وسيلة للرجوع بالعينين.
الثالث: أنه حق متعلق بالعقد رأسا بلا لحاظ هذه الجهة بالمرة.
ومن الواضح أنه بناء على الوجهين الأولين، لا يثبت الخيار في مورد تلف
العوضين أو أحدهما، لامتناع التراد والرجوع في المبادلة.
وأما بناء على الوجه الثالث، فقد يستظهر ثبوت الخيار لعدم قوام فسخ العقد
بوجود العينين. وبما أنه لم يتضح من أدلة الخيار كونه على الوجه الثالث إن لم نقل
بظهور الدليل في أنه حق لوحظ فيه الرجوع في المبادلة، فهو إما حق الرجوع بهما
رأسا أو حق الفسخ بلحاظ الرجوع بهما، كفى ذلك في نفي ثبوت الخيار في مورد
تلف أحد العوضين لإجمال الدليل وقصوره عن شمول مثل هذه الصورة.
هذا مع أنه لو سلم أن الخيار مجعول على النحو الثالث، فلا ثبوت له في صورة

1 - وسائل الشيعة، ج 16 / باب 5: من أبواب العتق.
2 - وسائل الشيعة، ج 16 / باب 7: من أبواب العتق.
96

تلف أحد العوضين، بيان ذلك: أن العقد عبارة عن ربط والتزام بتبديل ملكية
العوضين فيدخل الثمن في ملك البائع ويدخل المثمن في ملك المشتري. فالفسخ
في مورد الخيار إما أن يلتزم بتعلقه بالالتزام أو يلتزم بتعلقه بالملتزم به وهو
المبادلة.
فعلى الأول، لا يثبت الخيار في مورد التلف، إذ الفسخ على تقدير ثبوته إنما
يتعلق به في مرحلة بقائه ولا يتعلق بالعقد في مرحلة حدوثه، لعدم قابليته للحل
لأن الشئ لا ينقلب عما وقع عليه. ولا يخفى أنه مع تلف أحد العوضين يرتفع
الالتزام قهرا لعدم تصور المبادلة والمعاوضة في هذا الحال، فأي شئ يتعلق به
الالتزام بقاء. ومن هنا يظهر عدم ثبوت الخيار..
على الثاني، إذ المبادلة مرتفعة قهرا، فلا معنى لحلها ورفع اليد عنها.
وبمقتضى هذين الوجهين تعرف أنه لا يمكن أن يلتزم لثبوت الخيار في مورد
تلف أحد العوضين. ومنه ظهر أنه لا يثبت الخيار في محل البحث، إذ مع تحقق
الانعتاق وعدم إمكان الرجوع إلى العبودية - كما هو الفرض - لا يمكن تراد
العينين، كما أن المبادلة ترتفع قهرا في مرحلة البقاء، فتدبر.
ثم إنه قد ذكر لنفي الخيار في محل البحث وجوه:
الأول: ما حكاه الشيخ عن العلامة (قدس سرهما) (1) من أن جعل الخيار في المجلس
بملاك رفع الغبن لينظر كل منهما ويتروى فيدفع الغبن عن نفسه، وفيما نحن فيه قد
وطن المشتري نفسه على الغبن لعلمه بانعتاقه. وفيه:
أولا: أنه لم يثبت كون الملاك في خيار المجلس دفع الغبن، بل الثابت خلافه،
إذ يثبت الخيار مطلقا حتى في مورد يكون الثمن أقل من ثمن المثل أو أكثر وإنما
يفسخ المشتري أو البائع لبعض الجهات.
وثانيا: ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) من أن الغبن الذي يلحظ بثبوت الخيار إنما هو

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 516، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
97

الغبن في المعاملة الراجع إلى تفاوت القيمة المسماة مع قيمة المثل لا مطلق
الخسارة. والتوطين على الانعتاق لا يلازم التوطين على الغبن في المعاملة، إذ قد
يرضى بالانعتاق ولا يرضى أن يشتريه بأكثر من ثمن المثل. فالتفت.
الثاني: ما حكي عن العلامة (رحمه الله) (1) أيضا من تغليب جانب العتق.
وفيه: ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) من أنه إنما يتم إذا كان المقصود بالخيار الرجوع
بالعين لا ببدلها وهو خلف الفرض، كما تقدم.
الثالث: ما ذكره الشيخ (قدس سره) (3) من أن الخيار يسقط بالاتلاف بل بأدنى
تصرف - كما سيجئ -. وعليه، فإقدام المشتري على شراء من ينعتق عليه إتلاف
له وإخراج له عن المالية، كما أن إقدام البائع على بيعه ممن ينعتق عليه إتلاف له،
فلا يثبت الخيار لكليهما وقيده بعلمهما بذلك. وبنى ذلك على الالتزام بالملكية
التقديرية لا التحقيقية. ولا يمكن الالتزام بذلك لوجوه:
أولها: أن الاتلاف على تقدير تسليم كونه موجبا لسقوط الخيار فإنما هو
إتلاف ما انتقل إليه من الثمن أو المثمن، أما إتلاف البائع مال المشتري أو العكس
فلا يوجب سقوط خياره، إذ المسقط للخيار هو التصرف فيما انتقل إليه - كما هو
ظاهر النص - لا فيما انتقل عنه.
وعليه، فمقتضى ذلك أن إقدام البائع على إتلاف المبيع وإخراجه عن المالية -
فيما نحن فيه - لا يوجب سقوط خياره وإن أوجب ذلك سقوط خيار المشتري.
فلا تغفل.
ثانيها: أن الظاهر من النص كون التصرف مسقطا للخيار الثابت ورافعا
لاستمراره، فغاية ما يستفاد منه أن الاتلاف رافع للخيار، والذي يحاول إثباته
ههنا نفي الخيار من أول الأمر الذي هو بمعنى دفعه، وهذا مما لا يساعد عليه
الدليل.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 516، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
98

وبالجملة، الذي يستفاد من دليل الاسقاط بالتصرف أنه رافع للخيار فلا دليل
على كونه دافعا له. وبعبارة أخرى: أن التصرف المسقط بحسب الدليل هو
التصرف المتأخر عن فرض ثبوت الخيار بحيث يكشف عن الرضى كما جاء في
النص، فلا يسري الحكم إلى التصرف المساوق للبيع بحيث يمنع من ثبوت الخيار
من رأس.
وثالثها: أنه لو سلم ما ذكره، فلا نعرف فرقا فارقا بين الالتزام بالملكية
التقديرية أو التحقيقية، فإن الاقدام على خروج المبيع عن المالية الذي هو بحكم
إتلافه متحقق على التقديرين. وثبوت الملكية حقيقة آنا ما وعدم ثبوتها لا يضر
فيما هو ملاك سقوط الخيار الذي ذكره كما لا يخفى.
لكن الانصاف أن الفرق موجود، فإن ثبوت الملكية آنا ما والخروج عن الملك
بعد ذلك لا يعد من الإقدام على الاتلاف من رأس بل يصير حاله حال سائر
الانتفاعات الموجبة للتلف بعد التملك أو الأسباب القهرية للتلف، كما لو علم أن
المبيع يغرق أو يموت بعد شرائه بقليل. فالبائع والمشتري مقدمان على التمليك
والتملك ولو زمانا قليلا وهو يكفي في ثبوت الخيار.
والمتحصل: أنه لا دليل على ثبوت الخيار فلا مقتضي له، ولو سلم أن المقتضي
له موجود فلا مانع منه لعدم صلاحية ما ذكر للمانعية. فنحن متفقون مع الشيخ في
عدم الخيار لكن نحن نستند إلى عدم المقتضي وهو يستند إلى وجود المانع.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) نقل كلاما لصاحب المقابيس (2) واستشكل فيه، وإليك
نص ما حكاه عنه قال (قدس سره): " إن ثبوت الخيار لمن أنتقل عنه مبني على أن الخيار
والانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما أو الأول بالأول
والثاني بالثاني أو العكس فعلى الأولين والأخير يقوى القول بالعدم لأنصية أخبار
العتق وكون القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل ولسبق تعلقه على

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 218، الطبعة الأولى.
2 - الدزفولي الشيخ أسد الله: مقابيس الأنوار ص 240، ط مؤسسة آل البيت (ع).
99

الأخير، ويحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين ودفعا للمنافاة من البين وعملا
بالنصين وبالإجماع على عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين وتنزيلا للفسخ
منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما وللعتق بمنزلة تلف العين ولأنهم حكموا
بجواز الفسخ والرجوع إلى القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق
على المشتري أو تعيب بما يوجب ذلك، والظاهر عدم الفرق بينه وبين المقام
وعلى الثالث يتجه الثاني لما مر ولسبق تعلق حق الخيار وعروض العتق... ".
ولنا على كثير من نقاط هذا الكلام مؤاخذات. وذلك لأنه إما..
أن يفرض أن دليل العتق محكم لا محالة وإنما يدور البحث في تحكيم دليل الخيار
لا غير.
أو يفرض الشك في تحكيم كلا الدليلين أو أحدهما بحيث يمكن القول برفع
اليد عن دليل العتق.
فعلى الأول، فلا معنى لما أفاده (قدس سره) من تقديم العتق على الخيار لأجل أنصية
أخبار العتق، إذ هذا يصلح تعليلا لتقديم أحد الدليلين على الآخر في مقام
يدور الأمر بينهما وهو خلاف الفرض، كما أن التعليل بسبق تعلق العتق على
الأخير عليل، إذ ثبوت الخيار على هذا الفرض يتوقف على عدم منافاته للعتق
المفروغ عنه. وسبق تعلق العتق لا أثر له في تحقق المنافاة ليصلح تعليلا لنفي
الخيار.
وعلى الثاني، يكون للتعليل بأنصية أخبار العتق وجه لكن لا وجه للتعليل
بالسبق، إذ على تقدير تسليم المنافاة بين الدليلين لا يكون سبق أحد الدليلين
على الآخر من المرجحات، بل السبق من مرجحات باب التزاحم على قول.
هذا فيما يرتبط بوجه العدم. وأما ما يرتبط بوجوه ثبوت الخيار..
فالجمع بين الحقين ما لم يقم عليه دليل لا يصلح بنفسه وجها للأخذ بالدليلين مع
المنافاة بينهما.
ودفع المنافاة من البين والعمل بالنصين لا يصلح وجها للعمل بالدليلين
100

المتنافيين إذا لم يساعد عليه الظهور العرفي لأنه يكون من الجمع التبرعي.
والاجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين إنما يصلح تعليلا
لأخذ قيمة العين بعد فرض ثبوت الخيار في حد نفسه ولا يصلح تعليلا لثبوت
الخيار، كما لا يخفى.
وأما قوله: " وعلى الثالث يتجه الثاني لما مر يعني من وجوه ثبوت الخيار
ولسبق تعلق حق الخيار وعروض العتق ".
ففيه: ما عرفت من أنه إذا فرض التنافي بين الدليلين فلا معنى لترجيح أحد
الدليلين على الآخر بالأسبقية، فإنها من مرجحات باب التزاحم.
وأما قوله: " وتنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما ".
فتوضيحه: أنه إذا ظهر عيب في المبيع يحكم بدفع أرش العيب وفرق الوصف
المفقود من حيث القيمة، ولا يحكم بذلك من باب تبعض الصفقة إذ لا يلتزم به في
باب الأوصاف. وحينئذ فالالتزام بالأرش يرجع إلى لزوم دفع قيمة العين
الصحيحة مع أنه لا وجود لها ولم يملكها المشتري، فكما يضمن ذلك، فكذلك في
ما نحن فيه يضمن قيمة العبد المنعتق عليه ولو لم يدخل في ملك البائع مرة أخرى
لعدم عود الحر رقا، فالتشبيه والتنزيل من هذه الجهة أعني جهة ضمان ما لم يكن
في ملك المضمون له. وكان الأولى التعبير بتنزيل حق الفسخ منزلة الأرش لا
تنزيل نفس الفسخ. فتدبر.
المورد الثاني: العبد المسلم المشترى من الكافر، بناء على عدم تملك الكافر
للمسلم اختيارا.
فبناء على ما اخترناه في المورد الأول من عدم ثبوت الخيار في موارد التلف
وما بحكمه إلا بدليل خاص، الأمر واضح هنا.
وأما بناء على مسلك الأصحاب من ثبوت الخيار في مورد التلف والرجوع
بالقيمة، فقد تعددت الأقوال في هذا الفرض..
فقول: بعدم الخيار لأحدهما. أما بالنسبة إلى العين، فلعدم جواز تملك الكافر
101

للمسلم وتمليكه إياه. وأما بالنسبة إلى القيمة، فلأن دفع القيمة مع الفسخ في مورد
التلف إنما هو لأجل الالتزام برجوع العين إلى مالكها الأصلي قبل التلف ولو
تقديرا لتكون مضمونة على من هي بيده بقيمتها.
وهذا مما لا يمكن الالتزام به في الفرض لأن رجوع العين إلى الكافر يستلزم
تملك الكافر للمسلم وهو غير جائز.
وهذا القول قد يستظهر مما حكي عن الشهيد (رحمه الله) حيث قال: " إنه يباع ولا
يثبت له خيار المجلس ولا الشرط ".
وقول: بعدم ثبوته للكافر وثبوته للمسلم المشتري، لأجل أن البيع بالنسبة
للكافر استنقاذ لأنه لا يملك المسلم وإنما له حق استيفاء ثمنه منه فهو مالك لماليته
لا لعينه وبالنسبة إلى المشتري كالبيع. ونسبه الشيخ (1) إلى فخر الدين (2) في
الإيضاح.
وناقشه الشيخ (قدس سره) بأنه بناء على ذلك لا دليل على ثبوت الخيار للمشتري
أيضا، لظهور دليل الخيار في اختصاصه بصورة تحقق البيع من الطرفين. مع أن
البيع يتقوم بطرفين فلا يتحقق بطرف واحد، فأما أن تجتمع شروطه فيتحقق
بالنسبة إلى الطرفين وإلا فلا يتحقق بالنسبة إليهما.
والوجه الثاني من المناقشة أشبهه بالاشكال النقضي، إذ لا تحل الشبهة حلا
واضحا. غاية الأمر أنه يعمم الحكم لكلا الطرفين. فالأولى أن يقال: إن البيع وإن
كان عبارة عن قصد التمليك إلا أنه لا يتوقف على ثبوت ملكية البائع في رتبة
سابقة على البيع كما في بيع الكلي في الذمة وإجارة الحر نفسه للعمل. وعليه
فالكافر وإن لم يملك العين لكنه يقصد تمليكها للمسلم المشتري فهو بائع كما أن
المسلم مشتري فتدبر.
وقول: بثبوته لكليهما بالنسبة إلى العين ولكن يجبر الكافر على بيعه لو فسخ

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
2 - الحلي محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 414، الطبعة الأولى.
102

وارتجع العين لأن نفي السبيل (1) إنما يقتضي نفي السلطنة المطلقة للكافر على
المسلم فلا يمنع من تملك الكافر المسلم مع اجباره على بيعه لأنه سلطنة ناقصة لا
تنفيها الآية الكريمة. وهذا القول ذهب إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) في تعليقته.
وفيه: أنه لو قيل بثبوت الخيار للكافر في بيعه فقد يستعمل هذا الحق في كل
بيع يجبر عليه لأن له ذلك، فيختار فسخ كل بيع إلى ما لا نهاية، ومثل ذلك مما
يعلم بعدم ثبوته في الشرع لعدم تحقق الغرض المقصود منه.
وقول: بثبوته لكليهما بالنسبة إلى قيمة العبد بتقريب أن دفع القيمة وإن استلزم
رجوع العين إلى مالكها الأصلي إلا أن ذلك لا مانع منه فيما نحن فيه لأن رجوع
العبد المسلم إلى ملك الكافر تقديرا بالمقدار الذي يثبت بدله لا يعد سبيلا للكافر
على المسلم. وهذا القول قربه الشيخ (قدس سره) (3) وجعله الأقوى. وهو مما لا بأس به لولا استشكالنا في أصل المبنى على ما عرفت.
المورد الثالث: شراء العبد نفسه. ولا نوقع الحديث فيه لابتنائه على الالتزام
بملكية العبد، والالتزام بصحة اتحاد المشتري والمبيع، وكلاهما محل بحث، هذا
مع أن المورد وسابقيه مما لا يتحقق الابتلاء بها في هذه الأزمنة، فإطالة البحث فيه
بلا طائل.
يبقى الكلام فيما نقله الشيخ (قدس سره) عن العلامة (رحمه الله) (4) في التذكرة من أنه لو اشترى
جمدا في شدة الحر ففي الخيار إشكال.
وقد دفع الاشكال صاحب المقاصد (رحمه الله) (5) بأن الخيار لا يسقط بالتلف.
ولكن الشيخ (قدس سره) وجه كلام العلامة بأنه من جهة احتمال اعتبار قابلية العين
للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار، ففي الفرض الذي لا تبقى العين بعد العقد

1 - سورة النساء، الآية: 141.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 8، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
4 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 516، الطبعة الأولى.
5 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 287، ط مؤسسة آل البيت (ع).
103

كالفرض المذكور لا خيار، ولا ينافي ذلك عدم سقوط الخيار بالتلف لأنه لا
يسقط به إذا كان الخيار ثابتا وعرض التلف على العين بعد ذلك، لا ما إذا أتلفت
رأسا بحيث لم يتعلق بها الخيار، فإن التلف لا يرفع الخيار لا أنه لا يدفعه.
أقول: لو فرض تصور مثل هذا في مثال الجمد بحيث يكون تلف العين
مساوقا لإنشاء البيع ولم يكن مثل هذا البيع سفهيا لعدم حصول الغرض من شراء
الثلج، ورد عليه ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من أنه لا يصح البيع لعدم
تحقق التمليك والتملك به وهو مما لا بد من قصده في البيع. وأما إذا فرض بقاؤها
مدة بعد العقد، فلا مانع من ثبوت الخيار والرجوع بالقيمة بعد تلفها.
المسألة الرابعة: هل يثبت خيار المجلس في غير البيع من العقود أو لا؟
الحق أنه لا يثبت لاختصاص دليله بالبيع، فيحتاج في ثبوته لغيره إلى دليل
وهو مفقود، وهذا واضح لا كلام فيه.
إنما الكلام فيما نقله الشيخ (قدس سره) عن المبسوط (2) من ثبوت الخيار المزبور
للوكالة والوديعة والعارية والقراض والجعالة. وقد وقع الكلام في توجيه مراده
وتصحيح كلامه بنحو لا يرد عليه إشكال امتناع ثبوت الخيار للعقود الجائزة في
نفسها التي لا تصير لازمة.
وقد نقل الشيخ (قدس سره) (3) توجيهات متعددة فراجع، إذ لا ثمرة في إطالة الكلام
بعد أن كان أصل المطلب واضحا تمام الوضوح.
المسألة الخامسة: في مبدأ هذا الخيار، ومبدؤه - كما ذكر الشيخ - من حين
العقد. والوجه فيه أن موضوع الخيار في الدليل هو البيع ومقتضاه تحققه عند تحقق
البيع كما هو الشأن في كل حكم بالنسبة إلى موضوعه وهذا واضح لا كلام فيه في
الجملة.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 20، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 82، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
104

إنما الكلام في عقد الصرف والسلم، فهل يثبت الخيار عند تحقق العقد قبل
القبض أو لا؟. والوجه في التوقف - بعد الفراغ عن أن تحقق القبض شرط في
حصول الملك وأنه بدونه لا ملك - أمران:
أحدهما: أن موضوع الخيار ليس هو العقد، بل هو البيع، فما دام لم يتحقق
البيع لا ثبوت للخيار، ولما كان واقع البيع هو التمليك والتملك فمع عدمه لا بيع،
فإذا فرض أن الشارع اعتبر القبض في حصول الملك في بيع الصرف والسلم فقبل
القبض لا ملك شرعا فلا بيع شرعا، فلا تثبت آثار البيع التي رتبها الشارع عليه.
نعم لو كان الموضوع هو العقد ثبت الخيار حينه لتحققه قبل القبض.
ولا دافع لهذا الاشكال، إلا بأن يقال: بأن الموضوع الشرعي للخيار هو البيع
بمصداقه العرفي لأنه مفهوم عرفي يتبع فيه العرف، كسائر المفاهيم المأخوذة في
الموضوعات. ولا إشكال في صدق البيع عرفا عند تحقق العقد وقبل القبض فيثبت
الخيار حينئذ.
الثاني: أن الخيار قبل القبض لغو لا أثر له لفرض ثبوت سلطنة كل من
المتعاقدين على ملكه لعدم القبض الذي هو شرط في الملكية.
وإلى هذه الجهة من الاشكال تعرض الشيخ ولم يتعرض للجهة الأولى مع أنه
كان اللازم التعرض لذلك وبيان أن الصرف والسلم قبل القبض بيع أو لا؟ لا أخذه
مفروغا عنه وجعل الاشكال من جهة اللغوية فقط.
وعلى كل، فبعد الفراغ عن أن الصرف والسلم بيع قبل القبض يقع الكلام في
الأمر الثاني من الاشكال، وقد ذكر الشيخ في مقام دفعه وجهين:
الوجه الأول: أنه لو قلنا بوجوب التقابض تكليفا كان أثر الخيار رفع هذا
الوجوب، إذ بالفسخ لا موضوع لوجوب التقابض. وقد وجه وجوب التقابض
بوجهين:
105

أحدهما: ما عن التذكرة (1) من أنه مع عدم التقابض يلزم الربا.
الثاني: قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * وهو ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2).
أما ما ذكره العلامة من لزوم الربا، فقد وجه - التوجيه والمناقشات للسيد
الطباطبائي (رحمه الله) (3) مع بعض توضيح منا -: بأن عدم التقابض مستلزم لكونه كبيع
الجنس الربوي بمثله نسيئة وهو معدود من الربا لأن التعجيل يعد زيادة في أحد
العوضين.
ونوقش أولا: بأنه إنما يتم في صورة كون العوضين من جنس واحد ككونهما
ذهبا أو فضة، ولا يتم مع اختلاف الجنس كبيع الذهب بالفضة.
وثانيا: أن مجرد عدم التقابض بلا أخذ التأخير في العقد لا يستلزم إجراء حكم
النسيئة عليه، إذ مع عدم أخذه في العقد لا يكون التأخير نقصا في أخذ العوضين
كما لا يخفى.
وثالثا: أن عدم التقابض في المجلس يوجب بطلان العقد فلا موضوع للربا كما هو
واضح. إذن فما ذكره العلامة لا يمكن الالتزام به.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) من استفادة وجوب التقابض من الأمر بالوفاء بالعقود
فقد استشكل فيه السيد الطباطبائي (رحمه الله) بأنه لا معنى للوفاء بالعقد إلا ترتيب الأثر
والمفروض أن ذلك غير حاصل إلا بعد التقابض لأنه شرط في صحة العقد فما لم
يتحقق لا يتم العقد.
أقول: إن كان المراد من الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضى العقد كان لما ذكره
وجه لعدم حصول الملكية قبل القبض، فلا يجب التقابض إذ لا ملك. وأما إن كان
المراد من الوفاء بالعقد ما يساوق إتمامه وجعله باقيا الراجع إلى عدم جواز نقضه
والاخلال به، كان ما ذكره الشيخ (قدس سره) صحيحا، إذ يجب التقابض ليتم العقد ولا

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 511، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، الطبعة الأولى.
106

ينتقض. ولكن تقدم أن حمل الآية على وجوب اتمام العقد وعدم نقضه ينافي
قيام الضرورة الفقهية على جواز الإقالة والفسخ، فلا يمكن الالتزام باستفادة
الوجوب التكليفي منها بل إما أن يلتزم بتكفلها للحكم الوضعي وبيان صحة العقد
أو بتكفلها للأمر بترتيب آثار العقد. وقد مر ايضاح الكلام في مدلولها في البحث
عن أصالة اللزوم، فراجع.
وتحصل مما ذكرنا: أن الوجه الأول لتصحيح ثبوت الخيار في الصرف والسلم
قبل القبض غير تام.
الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) بعد التنزل عن القول بوجوب التقابض،
وهو أن أثر الخيار هو إخلال الفسخ بالصحة التأهلية الثابتة للعقد قبل القبض، فإن
العقد مؤثر لو لحقه القبض، فإذا ثبت فيه الخيار كان الفسخ مؤثرا في رفع هذه
الصحة التأهلية بخلاف ما لو لم يثبت الخيار وهذا المقدار من الأثر كاف في
تصحيح جعل الخيار.
وهذا الوجه لا إشكال فيه، فيتعين عليه الالتزام بكون مبدأ الخيار في الصرف
والسلم هو حين العقد.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) ذكر أمرين (عبارتين) لا يخلوان من بحث:
الأمر الأول: قوله: - بعد بيان وجوب التقابض - " لأن ثمرة الخيار حينئذ جواز
الفسخ فلا يجب التقابض ".
والمراد من هذا الكلام..
تارة: يكون أن ثمرة الخيار جواز الفسخ فإذا تحقق الفسخ لا يجب التقابض.
وهو لا إشكال فيه. لارتفاع وجوب التقابض بارتفاع موضوعه بالفسخ وهو
العقد ولكنه خلاف ظاهر العبارة.
وأخرى: يراد تفريع عدم وجوب التقابض على نفس جواز الفسخ، وهو ظاهر

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
107

العبارة وتوجيهه: أن ما يدل على جواز الخيار ظاهر عرفا في عدم وجوب
التقابض فنفس جواز الخيار يكون رافعا لوجوب التقابض بلحاظ دلالة دليله على
ذلك عرفا.
وقد يستشكل فيه: بأن ثبوت الخيار متوقف على وجوب التقابض كما هو
الفرض، فإذا كان ثبوت الخيار رافعا لوجوب التقابض لزم من وجوب التقابض
عدم وجوبه.
ويندفع بما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من: أن الخيار موقوف على وجوب
التقابض لو خلي ونفسه فلا يتنافى مع ارتفاعه بالخيار وتخصيص دليله به.
الأمر الثاني: قوله: - بعد بيان تأثير الخيار بلحاظ الصحة التأهلية - " فلو فرض
اشتراط سقوط الخيار في العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية
التأثير ".
فإن هذه العبارة لم نعرف مقدار دخالتها في المطلب. فإن سقوط الخيار
باشتراط سقوطه أمر له حديثه الخاص به وهو مما لا يرتبط بما نحن فيه وأي
خصوصية لما نحن فيه كي ينبه عليه ههنا؟
كما أن تفريع ذلك على ما ذكره لا يخلو من سماجة، فهو بمنزلة أن يقول: " فلو
لم يفسخ لم يخرج العقد... "، ويكثر الظن إن جعل هذه العبارة في هذا المكان من
هفوات النساخ. فالتفت.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض لكلمات بعض الفقهاء بالنسبة إلى التقابض ووجوبه
وبالنسبة إلى ثبوت الخيار قبل القبض، ولا مزيد أثر للتعرض إليها.
وفي ختام هذه المسألة قال الشيخ (قدس سره) (2): " ومما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ
الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين على القول بثبوت الخيار لهما من
زمان إجازتهما على القول بالنقل وكذا على الكشف مع احتمال كونه من زمان
العقد ".

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 9، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 219، الطبعة الأولى.
108

والمقصود من هذه العبارة: أن ثبوت الخيار للمالك على القول بالنقل من حين
الإجازة إذ قبل الإجازة لم يتحقق أي شئ منه يستند إليه. وأما على الكشف فقد
يحتمل أنه من حين العقد لكشف الإجازة عن سبق التمليك والتملك. ولكن هذا
الاحتمال لا يتأتى في الصرف مما يتوقف فيه الملك على القبض، إذ لا يحتمل أن
تكون الإجازة كاشفة عن تحقق الملك من حين العقد ما دام لم يتحقق القبض. إذن
فلا مجال للالتزام بالكشف في هذا الباب، وعليه فيكون مبدأ ثبوت الخيار للمالك
المجيز من حين الإجازة.
فمقصود الشيخ (قدس سره) هو التنبيه على أن مبدأ الخيار للمالك في بيع الفضولي في
باب الصرف هو حين الإجازة سواء قيل بأن الإجازة كاشفة أو ناقلة، وإن اختلف
الحال في غير هذا الباب بالنسبة إلى القولين كما أشرنا إليه.
ووجه ظهوره مما سبق هو ما تقدم منه من أن الملك في باب الصرف لا يتحقق
قبل القبض، ومعه لا يتصور تحقق الملك السابق بالإجازة لو قيل إنها كاشفة. إلا
أن يقال: إن ثبوت الخيار ليس من آثار الملك، بل هو أثر يترتب على العقد في
عرض ترتب الملك لا في طوله، فإذا امتنع ترتب الملك على العقد من حينه
بالإجازة في باب الصرف، فلا وجه لعدم ترتيب الخيار على العقد، فيلتزم بترتب
ثبوت الخيار من حين العقد على الكشف، لأن الكشف لا يتمحض بالالتزام بترتب
خصوص الملك من حين العقد حتى إذا امتنع ترتبه في صورة امتنع الكشف فيها
بل هو عبارة عن الالتزام بترتيب آثار العقد الصحيح من حين العقد وكون العقد
مؤثرا فيها من حين وقوعه. ومن الواضح أن امتناع ترتيب أحد الأثرين لا يمنع
من ترتيب الأثر الآخر. وإلى هذا أشار الشيخ بقوله: " مع احتمال كونه من زمان
العقد ".
109

الكلام في مسقطات خيار المجلس
وذكر الشيخ (قدس سره) أنها أربعة على ما ذكرها في التذكرة (1):
الأول: اشتراط سقوطه في ضمن العقد. وقد ذكر الشيخ أنه لا خلاف ظاهرا
في سقوطه به. وحكي عن الغنية (2) الاجماع عليه.
واستدل الشيخ (قدس سره) (3) على سقوطه به بعموم: " المؤمنون (4) والمسلمون (5)
عند شروطهم ".
وذكر (قدس سره) أن توهم معارضة هذا العموم بعموم أدلة الخيار ويرجح هذا العموم
على أدلة الخيار بالمرجحات فإن التعارض بينهما بالعموم من وجه.
ضعيف، لأن الترجيح من جهة الدلالة والسند مفقود، إذ ليست دلالة هذا
العموم ولا سندها بأقوى من دلالة أو سند أدلة الخيار. وأما موافقة دليل الشروط
لعمل الأصحاب فهو ليس بمرجح لأنه إنما يكون مرجحا إذا كان عملهم بعموم
الشروط بعد التفاتهم إلى المعارضة وأنه يكشف عن وجود جهة مرجحة بنظرهم،

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 517، الطبعة الأولى.
2 - الحلبي، السيد حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 217، ط مؤسسة الإمام الصادق (ع).
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
4 - وسائل الشيعة: ج 15 / باب 30 من أبواب المهور، الحديث: 4.
5 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 6 من أبواب الخيار، الأحاديث: 1 و 2 و 5.
110

فليس الأمر ههنا كذلك إذ عملهم بعموم الشروط بلحاظ نفسه لا بلحاظ جهة
ترجيحه على معارضه لعدم التفاتهم إلى المعارضة. فتدبر.
كما أن التمسك بعموم * (أوفوا بالعقود) * على نفوذ هذا الشرط باعتبار صيرورته
كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به.
غير صحيح، لأن أدلة الخيار أخص من عموم الوفاء بالعقود، فيخصص بها.
وقد دفع الشيخ (قدس سره) (1) دعوى المعارضة بين العمومين - أعني عموم نفوذ
الشروط وعموم الخيار - بأن نسبة عموم نفوذ الشرط إلى دليل الخيار نسبة الدليل
المتكفل للحكم بالعنوان الثانوي إلى الدليل المتكفل للحكم بالعنوان الأولي،
فدليل الخيار إنما يتكفل ثبوت الخيار بحسب ذات العقد بلا ملاحظة طرو عنوان
ثانوي عليه كعنوان الاشتراط، فلا يتنافى مع دليل نفوذ الشرط، نظير عدم منافاة
دليل وجوب الوفاء بالنذر لدليل حكم المنذور في حد نفسه لولا النذر.
وبالجملة، دليل الشروط حاكم على دليل الخيار، كحكومة كل دليل ثانوي
على الدليل الأولي.
وقد أورد على التمسك بدليل الشروط في المقام بوجوه ثلاثة ذكرها الشيخ:
الأول: أن الشرط الذي يجب الوفاء به هو الشرط في ضمن العقد اللازم. أما
إذا كان العقد جائزا، فلا يكون الشرط لازما إذ لا يزيد حكمه على أصل العقد.
وعليه فلزوم الشرط يتوقف على فرض لزوم العقد، ويمتنع أن يكون لزوم العقد
مستندا إلى لزوم الشرط فإنه دور.
وما نحن فيه كذلك، إذ العقد في المجلس لولا لزوم الشرط جائز، فيمتنع أن
يصير لازما بلزوم الشرط، بل لا يكون الشرط لازما لأنه شرط في عقد جائز.
ودفعه الشيخ (قدس سره) بأن الخارج عن العموم هو الشروط الابتدائية لأنها كالوعد.
وكذلك الشروط الواقعة في عقد جائز بلحاظ ذاته أو لأجل الخيار مع بقائه على

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
111

الجواز، باعتبار أن الشرط تابع للمشروط. فيمتنع أن يكون الشرط لازما والعقد
المشروط به جائزا غير لازم الوفاء، وهذا الملاك لا يسري إلى صورة كون مؤدي
الشرط لزوم العقد المشروط به، إذ لزوم الوفاء بالشرط ههنا عين لزوم العقد، فلا
تفكيك بين الشرط والمشروط والتابع والمتبوع في اللزوم والجواز.
الثاني: أن شرط سقوط الخيار مناف لمقتضى العقد، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام):
" البيعان بالخيار "، والشرط المخالف لمقتضى العقد باطل.
ودفعه الشيخ (قدس سره): بأن العقد ليس علة تامة لتحقق الخيار كي يكون اشتراط
سقوط الخيار مخالفا لمقتضى العقد وإنما هو بمنزلة المقتضي له فلا يتنافى مع
وجود المانع منه وهو شرط سقوطه، فلا يكون شرط سقوط الخيار ممتنعا، لعدم
مخالفته لمقتضى العقد.
أقول: هذا الجواب منه لو تم لأشكل الأمر في التمسك بدليل الخيار في
موارده، إذ لا دلالة على أكثر من كون العقد مقتضيا للخيار لا سببا تاما له، فكيف
يحكم بثبوت الخيار بمجرد حصول العقد؟ وسيأتي تتمة الحديث في ذلك فانتظر.
فالمتعين أن يقال في دفع هذا الايراد: إن المراد بالشرط المخالف لمقتضى العقد هو
اشتراط ما يتنافى مع مدلول العقد والمنشأ به، كاشتراط عدم التملك في البيع
والإجارة، وبطلانه لم يثبت بدليل خاص وإنما هو على طبق القاعدة لأن قصد
تحقق مدلول العقد وانشائه يتنافى مع اشتراط عدمه ولا يمكن اجتماعهما،
فبطلانه من حيث أنه يتنافى مع القصد إلى مدلول المعاملة المعتبر في صحتها.
ومن الواضح أن شرط سقوط الخيار ليس من ذلك، لأنه ليس مفاد البيع
وحقيقته هو ثبوت الخيار وإنما البيع موضوع الحكم بالخيار. فاشتراط سقوطه لا
يكون من الشرط المخالف لمقتضى العقد.
ولو ادعي عموم المخالفة لمقتضى العقد للمخالفة لمفاده ولآثاره بلحاظ أنه
مقتض لأحكامه لأنه موضوع لها.
فلا دليل على بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد بهذا المعنى العام
112

للمخالفة، لما عرفت من أن بطلان الشرط المخالف لم يكن لدليل لفظي كي يتمسك
باطلاقه، بل كان على طبق القاعدة بالبيان السابق، وقد عرفت أنه يختص بما إذا
كان الشرط مخالفا لمفاد العقد ومقتضاه بمعنى مدلوله ومؤداه.
الايراد الثالث: ما استدل به بعض الشافعية من أن اسقاط الخيار في ضمن العقد
اسقاط لما لم يجب، لأن الخيار لا يحدث إلا بعد البيع، فاسقاطه فيه كاسقاطه
قبله.
وكأن الشيخ (قدس سره) استوجه هذا الايراد وتمحل فيه فنحى في التفصي عنه نحوا
آخر، فدفعه بالالتزام بأن دليل الخيار منصرف إلى صورة عدم تحقق اشتراط
السقوط وأما صورة اشتراطه فدليل الخيار قاصر عن شمولها. فشرط سقوط
الخيار مبطل للمقتضي لا مانع من تأثيره.
إذن، فيتحصل أن دليل الشيخ (قدس سره) على نفوذ هذا الشرط وجهان:
أحدهما: عموم المؤمنون عند شروطهم بتقريب حكومته على أدلة الخيار.
والآخر: انصراف دليل ثبوت الخيار إلى صورة عدم وجود هذا الشرط في
ضمن العقد، فهو قاصر عن شمول صورة الشرط، فلا خيار من باب عدم الدليل
عليه.
وقد استشكل المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) في ذلك: بأن هذا تهافت من الشيخ،
لأن مقتضى الوجه الأول تمامية اطلاق دليل الخيار بحيث لولا الدليل الحاكم كان
شاملا لهذه الصورة. ومقتضى الوجه الثاني عدم الاطلاق فلا معنى للحكومة أو
غيرها. ثم إنه (رحمه الله) ناقش كلا الوجهين:
وناقش الأول: بأن دليل الخيار وارد على دليل الشروط لأن دليل نفوذ
الشروط مقيد بما لا يحرم الحلال ويحلل الحرام من الشروط، وبمقتضى اطلاق
دليل ثبوت الخيار يكون اشتراط سقوط الخيار من الشرط المحرم للحلال،
فلا يشمله عموم نفوذ الشروط.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
113

وناقش الثاني: بأن دعوى الانصراف في غاية الضعف وأي فرق في
الانصراف بين هذا الشرط إذا كان في ضمن العقد وبين ما إذا كان خارج العقد، مع
أنه لم يلتزم به أحد ممن لا يعتبر الشروط الابتدائية.
ثم إنه (رحمه الله) ذكر أن شرط عدم الخيار خارج عن عموم الشروط تخصصا من أول
الأمر لأنه شرط لأمر غير مقدور، إذ عدم ثبوت الخيار ليست من أفعال المكلف
كي تكون موردا للشرط والالتزام.
فهو يرى عدم صحة هذا الشرط لأنه شرط لأمر غير مقدور ولأنه شرط مخالف
للسنة.
ولمعرفة صحة هذا الكلام لا بد من التعرض بنحو الاجمال إلى البحث في جهات:
الجهة الأولى: تحقيق معنى الشرط المبحوث عنه في هذا المقام وغيره،
وقد قيل في معنى الشرطية وجوه:
أحدها: أنها عبارة عن الالتزام مطلقا أو الالتزام في ضمن التزام آخر. ولا
يخفى أن الثاني لا ينطبق على الشروط الابتدائية.
ويرد عليه أن مجرد الالتزام أو الالتزام مع الالتزام لا يصحح انطباق الشرط
وصدقه فإنه لو قال بعتك الكتاب والتزمت بصلاة ركعتين لا يكون الالتزام بصلاة
ركعتين شرطا ما لم يرتبط بالالتزام الآخر بنحو ارتباط.
الثاني: إنها للتعليق والربط والتقييد - وهو مدعى المحقق الإيرواني (رحمه الله) - سواء
كان تكوينيا أو عقليا أو شرعيا ويكون المعلق عليه شرطا.
الثالث: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من أنها الالتزام الوضعي وهو عبارة
عن جعل شئ لازما لشئ. ويظهر من بعض كلماته أنه يريد بها التعليق، فالوجه
الثاني والثالث متحدان.
ولا يخفى أن أخذ الشرطية بمعنى الربط لا يلازم عدم تصور الشرط الابتدائي،
إذ الشرط الابتدائي هو الالتزام غير المقيد به التزام آخر لا غير المرتبط بشئ

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 22، الطبعة الأولى.
114

آخر، فلو قال إذا نزل المطر فلك علي كذا كان شرطا ابتدائيا مع أنه تحقق الربط.
وقد يشكل أن الشرطية إذا كانت بمعنى التعليق ويكون الشرط هو المعلق
عليه (1).
فإن كان المعلق هو نفس البيع، فهو باطل اجماعا، للاجماع على بطلان
التعليق في البيع وأنه لا بد من انشائه منجزا. مع أن لازم ذلك بطلان البيع عند

1 - ألف - يمكننا أن نلتزم بأن الشرط ههنا - أي شرط سقوط الخيار أو ثبوته - راجع إلى التمليك وهو
بالخصوص مستثنى من الاجماع لو تم انعقاده على عدم صحة التعليق.
ب - ويمكننا أن نلتزم بأن اشتراط سقوط الخيار أو اشتراط الخيار يرجع إلى تعليق الاقدام على المعاملة
وتحقق التمليك التنجيزي، فتسميته بالشرط بلحاظ ما قبل المعاملة من التداول والترديد.
والتحقيق: أن الشرط قد يستعمل في موارد لا يتصور فيها التعليق كما لو ذهب إلى الدار بشرط أن لا يبيت
عنده ونحوه، بل في مثل شرط سقوط الخيار أو اشتراط الخيار لا يتصور التعليق إذ لا تخلف في
تحقق الشرط فلا معنى لتعليق أي شئ عليه لأن التعليق ظاهر في احتمال عدم حصول المعلق عليه
من وصف أو فعل. فتأمل.
إذن فلا نستطيع أن نأخذ الشرط مساوقا للتعليق والذي يقرب في الذهن القاصر أن الشرطية بمعنى القرار
والفرض والالزام ونحو ذلك من المفاهيم. والاختلاف في ما هو المقرر والملزم به فتارة يكون فعلا
اختياريا فيجعل عليه، وأخرى يكون تعليقا للعقد أو اللزوم على شئ وثالثة يكون أمرا خارجيا بلا
نظر إلى تعليق كما في المثال العرفي السابق، ولذا لو خالف المشروط عليه الشرط يستنكر عليه بأنه
خالف القرار والإلزام من قبل ذي الشرط فلنا أن نقول إن الشرط في موارد التعليق هو نفس تعليق
اللزوم على الوصف أو الفعل - مثلا - لا أنه نفس الفعل أو الوصف ولذا يصح له أن يعبر عن شرطه
بالتعليق بمفهومه الاسمي فيقول بعتك الدار على أن يكون التزامي بالبيع معلقا على مجئ زيد أو
صلاة ركعتين أو نحو ذلك، ولعله مما يؤكد ما ذكرت هو ما يذكره الأصحاب من رجوع الوصف إلى
شرط الخيار بمعنى اشتراط الخيار عند عدم تحقق الوصف، فإنه ظاهر في أن الشرط تعليق اللزوم
بتحقق الوصف إذن فالشرطية هي القرار والفرض والإلزام من قبل أحد الطرفين والاختلاف في
موارد الشروط في ما يقرر ويلزم به فتارة يكون هو التعليق فإذا التزم به لزم عليه بمقتضى دليل النفوذ
وأخرى يكون الفعل فإذا التزم به لزم عليه بمقتضى دليل النفوذ، وثالثة يكون شيئا آخر مقارنا للعقد
ومرتبطا به كشرط الخيار أو سقوطه، فإذا التزم به لزم وتحقق.
وهذا المعنى يمكن تسريته حتى إلى الشروط التكوينية بمسامحة في معنى الفرض والإلزام وحمله على
الإلزام التكويني بلحاظ ذات الشرط والمشروط.
وبالجملة الشرطية في ما نحن فيه بمعنى الإلزام والفرض ولذا يصح تبادل التعبير بينها فيقول له أذهب معك
إلى السوق وأشترط عليك أن تمر بزيد وألزمك بأن تمر بزيد أو أفرض عليك ذلك.
115

تخلف الشرط لعدم تحقق شرطه لا ثبوت الخيار مع أن الملتزم به هو ثبوت الخيار
عند تخلف الشرط.
وإن كان المعلق لزوم البيع، فهو وإن كان صحيحا فيكون لزومه دائرا مدار
حصول الشرط لكن لازم ذلك عدم صدق الشرط في موارد العقود الجائزة، إذ لا
لزوم فيها كي يتصور تعليقه على الشرط. مع أن صدقه في مواردها لا يكاد ينكر
وإنما يقع البحث في نفوذه وصحته.
وقد يجمع بين أخذ الشرطية بمعنى التعليق وصدق الشرط في موارد العقود
الجائزة بأن العقود الجائزة وإن لم تكن لازمة شرعا لكنها لازمة عرفا واعتبارا،
فإن الرجوع في الهبة مستنكر لدى أهل العرف وبلحاظ الموازين الاجتماعية
ومخالف للكمال، فيرجع التعليق إليه فلا يكون الرجوع مع تخلف الشرط مورد
استخفاف وانكار.
وعلى أي حال فيرد على الالتزام بكون معنى الشرطية ذلك:
أولا: بأن مقتضى نفوذ الشرط بعموم " المؤمنون عند شروطهم " هو دوران
لزوم المعاملة مدار تحقق الشرط، فإذا تخلف الشرط كان للمشروط له فسخ
المعاملة. ولا يقتضي العموم أكثر من ذلك لأنه إنما يقتضي تحقق ما هو مفاد
الشرط وهو ليس أكثر من ذلك، وعليه، فلا وجه حينئذ للالتزام بلزوم الوفاء به
وجواز المطالبة بتحقيقه، مع أن هذا أمر ثابت.
وثانيا: أن هذا المعنى لا يتلاءم مع شرط سقوط الخيار أو شرط ثبوت الخيار
له. إذ لا يصح تعليق البيع كما عرفت، وتعليق اللزوم على مثل ذلك لا معنى له. إذ
أي معنى لتعليق اللزوم على عدم الخيار أو تعليقه على ثبوت الخيار له بحيث إذا
انتفى الخيار لم يكن لازما. فلاحظ وتدبر.
وإطلاق الشرط على شرط عدم الخيار أو ثبوت الخيار مما لا ينكر.
116

الرابع: ما ذهب إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن الشرطية..
تارة: تكون بمعنى الالتزام إذا كان الشرط من الأفعال الاختيارية، كما إذا
باعه بشرط أن يزور عن والده.
وأخرى: يكون بمعنى التقييد إذا كان من الأمور غير الاختيارية، كما إذا باعه
العبد بشرط أن يكون أبيض، فرارا عن محذور عدم تعقل شرطية الأوصاف لو
التزم بأن الشرطية بمعنى الالتزام بقول مطلق. وهو ايراد آخر على الوجه الأول.
وجعل الجامع بين النحوين هو الجعل.
ويرد عليه: أولا: ما تقدم على سابقه من عدم تصور شرط سقوط الخيار أو
ثبوته. وهو واضح على الأول. وما تقدم من أن الالتزام وحده لا يحقق معنى
الشرطية عرفا واصطلاحا.
وثانيا: أن المستفاد من عموم " المؤمنون عند شروطهم " إن كان حكما تكليفيا
وهو وجوب الوفاء به، كان غاية ما يدل عليه لزوم اتيان ما التزم به على نفسه إذا
كان الشرط فعلا اختيارا ولا دلالة له على تزلزل العقد عند تخلفه عن أداء الشرط
بل غاية ما في الأمر أنه يكون آثما، مع أنه خلاف ما ثبت من ثبوت الخيار
للمشروط له إذا تخلف المشروط عليه عن أداء الشرط. كما أنه لا دليل حينئذ
على نفوذ شرط الوصف بل يختص بالشروط الاختيارية القابلة للتكليف شرعا.
وإن كان المستفاد حكما وضعيا وهو نفوذ الشرط اختص بشرط الوصف، فلا
دلالة له على حرمة التخلف عن أداء شرط الفعل إلا أن يرجع الالتزام إلى التعهد
فنفوذه بمعنى كون الفعل في عهدته فيجب الإتيان به، ولا على تزلزل العقد عند
تخلفه عن أدائه لعدم التعليق فيه، إلا أن يقال: بانحلال شرط الفعل إلى شرطين،
الالتزام بالفعل وتعليق العقد عليه وهو مما لا يلتزم به. فلاحظ.
والذي يتحصل لدينا أنه لم يتضح لنا لحد الآن معنى جامع للشرط في موارده
المختلفة. ولنكتف بهذا المقدار من البحث فإن لتفصيل الكلام فيه محلا آخر.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 107، الطبعة الأولى.
117

الجهة الثانية: في تحديد الشرط المخالف للكتاب والسنة. وقد اختلف في
تحديده، ولعل أمتن الوجوه ما أفاده المحقق النائيني. ولكن التعرض لجميعها
ومناقشة ما لا نرتضيه تطيل علينا المقام.
الجهة الثالثة: في بيان أن مفاد: " المؤمنون عند شروطهم " هل هو حكم
تكليفي متعلق بالوفاء بالشرط والعمل به، فيدل على لزوم العمل به؟. أو أنه حكم
وضعي راجح إلى إنفاذ الشرط وجعل صحته؟. أو أنه يتكفل حكما تكليفيا
مستلزما لحكم وضعي، كما قيل في مفاد: * (أوفوا بالعقود) * من أنه حكم تكليفي
متعلق بترتيب الآثار الملازم لصحة العقد وهو حكم وضعي.
ولا يخفى أنه لا يهمنا البحث كثيرا عن ذلك إذ لا تنحصر أدلة الشروط بهذا
العموم، بل ورد في بعض الموارد التعبير بالجواز (1) الظاهر في إفادة الحكم
الوضعي، كما ورد في بعض الآخر التعبير بما هو ظاهر في الحكم التكليفي (2).
فلاحظ.
الجهة الرابعة: في صحة شرط النتيجة. ولا يخفى أنه لا يصح بناء على كون
الشرطية عبارة عن الالتزام لعدم تعلق الالتزام بغير الفعل الاختياري. أما بناء على
كونها بمعنى التعليق، فلا مانع من تعليق عقد على النتيجة لا على الفعل ويكون
مفاد عموم الشرط تحقق النتيجة. فيكون الشرط - بمقتضى دليله - من أسباب
تحقق النتيجة كغيره من الأسباب المحققة لها. فتدبر.
وبعد كل هذا نعود للبحث عن موضوعنا الذي نحن فيه وهو صحة شرط عدم
الخيار وسقوطه. فقد عرفت تقريب الشيخ (قدس سره) صحته بوجهين. وقد تقدم ذكر
إيرادات ثلاثة على صحة هذا الشرط وجواب الشيخ عنها، والآن نكرر الحديث
بتحقيق الحق فيها، فقد سبق ذكرها بنحو الاجمال. فنقول:
أما الوجه الأول: فيقرب بوجهين:

1 - الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي: ج 5، ص 212، ح 17.
2 - الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام: ج 7: ص 467، ح 1872، الطبعة الأولى.
118

أحدهما: - وهو يبتني على عدم فصل صحة الشرط عن لزومه وأن صحته نفس
لزومه لا أن له صحة ولزوم كالبيع، فهو إما صحيح لا تزلزل فيه أو باطل لا غير -
أن الشرط إنما يكون صحيحا ولازما إذا كان في ضمن عقد لازم أما إذا كان في
عقد جائز فلا لزوم له. وعليه فلزوم الشرط يتوقف على لزوم البيع فلا يمكن أن
يكون لزوم البيع متوقفا على لزوم الشرط - كما فيما نحن فيه - لاستلزام ذلك
للدور.
والجواب عنه بما ذكره الشيخ في صدر عبارته من: أن المتيقن من دليل جواز
الشرط وعدم لزومه - وهو الاجماع - هو ما إذا كان شرطا ابتدائيا - فإنه قد يقال إنه
ليس بشرط حقيقة بل هو كالوعد - وما إذا كان شرطا في ضمن عقد جائز بنحو
الاستمرار (1)، فلا يشمل الشرط في مثل عقد البيع، فلا دور حينئذ.
والآخر: وهو يبتني على تصور لزوم الشرط غير صحته وأن للشرط صحة
ولزوما، فيقال: إن الشرط في حد نفسه صحيح لكنه إنما يكون لازما إذا كان في
ضمن عقد لازم دون ما إذا كان في ضمن عقد جائز فإذا توقف لزوم العقد على
لزوم الشرط - كما فيما نحن فيه - لزم الدور. وهذا التقريب على هذا المبنى لا نعلم
له قائل بالخصوص،
ويرد عليه:
أولا: أنه إنما يتم في الشروط التي يتصور فيها التفكيك بين الصحة واللزوم،
وما نحن فيه ليس كذلك إذ على تقدير صحته ونفوذه يترتب الأثر عليه ولا يعقل
فيه عدم اللزوم، فلاحظ.
وثانيا: أن لزوم العقد فيما نحن فيه لا يتوقف على لزوم الشرط كي يلزم الدور بل
إنما يتوقف على صحته ونفوذه لا أكثر، كما لا يخفى.
وثالثا: أن التفكيك بين الصحة واللزوم وفرض أمرين في الشروط التي

1 - بل لعل معنى جواز الشرط في ضمن العقد الجائز هو جواز موضوعه وهو العقد، فيستطاع على إلغائه
بفسخ العقد لا أنه كالوعد يحسن الوفاء به وليس شرطا حقيقة - هذا مما أفاده السيد الطباطبائي (في
حاشيته على المكاسب ص 10).
119

بأيدينا غير صحيح، لأن الشرط إما شرط فعل يجب الإتيان به، فلا معنى للزوم
فيه. وإما شرط نتيجة من ملك أو غيره يكون نافذا ولا مجال لفسخه إذا تحقق،
ولا موهم للالتزام المذكور.
ولا يخفى أن هذه الوجوه لا ترد إلا على التقريب الثاني دون الأول.
أما ايراد الشيخ (قدس سره) على التقريب الأول، فلا يرد على التقريب الثاني إذ لا يعلم
مستنده كي يقال إن القدر المتيقن منه كذا، فهو مجهول المستند. فللقائل أن يدعي
عموم الدليل الذي يستند إليه.
وإذا عرفت أن هذه الوجوه الأربعة لا ترد على محل واحد تعرف ما في كلام
بعض الأعلام من الجمع بين ايراد الشيخ (قدس سره) وغيره وتوجيه الكل على الدعوى
المتقدمة بلا تفصيل وتشقيق.
وأما ما أفاده الشيخ (قدس سره) في ذيل جوابه من: أن الحكم بلزوم الشرط مع فرض
جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان، لأن الشرط تابع وكالتقييد للعقد
المشروط به. أما إذا كان نفس مؤدى الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما
نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد، فلزومه الثابت بمقتضى عموم
وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد، فلا يلزم تفكيك بين التابع والمتبوع في
اللزوم والجواز. فقد استشكل (1) في بعض جهاته:
منها: ما ذكره من أن الشرط تابع وكالتقييد للعقد المشروط به.
فقد أورد عليه: بأن الشرط الأصولي هو الذي يكون بمعنى التقييد فلا يختلف
المقيد مع القيد. وأما الشرط الفقهي فهو التزام في قبال الالتزام المعاملي لكنه من
جهة ارتباطه به عبر عنه بالشرط بمعنى التقييد، فلا يستلزم ذلك الملازمة بين
جواز العقد وجواز الشرط.
ومنها: ما ذكره من أن الشرط ههنا ليس التزاما مغايرا لالتزام أصل العقد.
فقد أورد عليه: بأن الشرط الفقهي التزام مغاير لكن مؤداه نفس لزوم العقد.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 33، الطبعة الأولى.
120

ومنها: ما ذكره من أن لزوم الشرط عين لزوم العقد.
فقد أورد عليه: بأن لزوم الشرط غير لزوم العقد بل لزوم العقد مؤدى الشرط.
وأما الوجه الثاني: فهو دعوى أن شرط سقوط الخيار من الشروط المخالفة
لمقتضى العقد لأن البيع مما يقتضي الخيار والشرط المخالف لمقتضى العقد غير
صحيح ولا يشمله عموم " المؤمنون عند شروطهم ".
ويتوجه عليه: أن الشرط المخالف لمقتضى العقد يتصور على أنحاء:
أحدها: ما كان مخالفا لما هو مفاد العقد وقوامه كالتمليك في البيع، فإن حقيقة
البيع هي التمليك، فشرط عدمه شرط يخالف مقتضى عقد البيع.
ثانيها: ما كان مخالفا لما هو من لوازم العقد عادة وعرفا بحيث يستحيل تحقق
العقد بدونه كالانتفاع في البيع، فإن شرط عدم الانتفاع فيه بحيث يفرض كونه
عديم الأثر بالمرة شرط مخالف لمقتضاه.
ثالثها: ما كان مخالفا لما هو لازم له شرعا كسائر الأحكام الشرعية المترتبة على
البيع ومنها الحكم بالخيار، فشرط عدم ترتبه شرط مخالف لمقتضى العقد.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أن هذا العنوان - أعني الشرط المخالف لمقتضى العقد -
لم يرد في لسان دليل كي يتمسك باطلاقه بالنسبة إلى الأنحاء الثلاثة، فلا بد من
ملاحظة كل نحو بنفسه والنظر فيما تقتضيه القواعد من بطلانه وعدمه، فنقول:
أما النحو الأول: فبطلانه من القضايا التي قياساتها معها، لأنه يتنافى مع قصد
حقيقة المعاملة ومدلول العقد وهو قوام صحة المعاملة الانشائية، فقصد التمليك مع
شرط عدمه لا يجتمعان.
وأما الثاني: فهو باطل أيضا، لأنه يتنافى مع تحقق القصد إلى التمليك لأنه
عديم الأثر، فلا داعي للتمليك، فيمتنع قصده.
وأما الثالث: فلا وجه لبطلانه عقلا، بل الوجه في بطلانه هو تخيل أنه شرط
يخالف الكتاب والسنة لأن مقتضى الدليل ثبوت الخيار أو غيره من الأحكام عند
تحقق البيع بحيث يكون البيع موضوعا لها، فشرط عدم تحققها يخالف مقتضى
الدليل من كتاب أو سنة.
121

ولكن قد مر بعض الكلام في ذلك وبيان أنه - أعني شرط عدم الخيار - ليس
من الشروط المخالفة للكتاب والسنة وسيأتي تحقيق ذلك فيما بعد انشاء الله
تعالى.
هذا تحقيق الجواب عن الاشكال المزبور. ولكن الشيخ (قدس سره) (1) أجاب عنه بما
يحتمل وجهين:
الأول: إن ما يترتب على البيع بحسب ذاته هو حكم الخيار الطبيعي الاقتضائي
لا الحكم الفعلي به - بناء على ما ثبت في محله من تصور الوجود الطبيعي للحكم في
قبال الوجود الفعلي - والمشروط عدمه في البيع هو الخيار الفعلي فلا مخالفة في الشرط
لمقتضى العقد.
الثاني: أن البيع الذي هو علة تامة للخيار هو البيع المجرد عن شرط عدم
الخيار. أما المقترن بهذا الشرط فليس مشمولا لدليل الخيار. إذن فشرط عدم
ترتب الخيار ليس من الشروط المخالفة لمقتضى العقد لأنه لا يترتب على البيع
بقول مطلق بل على حصة خاصة منه.
وصدر كلامه (قدس سره) قد يشعر بالوجه الأول لكن ما بعده ظاهر بل صريح في
الوجه الثاني. وقد ذكر (قدس سره) لتوجيه انحصار الخيار بالبيع المجرد عن الشرط
وجهين:
أحدهما: دعوى انصراف دليل الخيار إلى صورة تجرده عن هذا الشرط فدليل
الخيار قاصر عن الشمول لصورة وجود الشرط، فالمرجع فيه أصالة اللزوم.
والآخر: أن ذلك مقتضى الجمع بين دليل الخيار ودليل نفوذ الشرط بالتقريب
السابق في صدر هذا البحث من دعوى حكومة الدليل المتكفل للحكم الثانوي على
الدليل المتكفل للحكم الأولي.
وفي كلا الوجهين كلام:
أما دعوى الانصراف، فغاية ما يقال في توجيهها: أن الحكمة في خيار
المجلس هو فسح المجال للمتبايعين للتروي والتفكير في المعاملة وأنها في

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 23، الطبعة الأولى.
122

صالحه أو لا؟. وهذا المعنى منتف مع شرط عدم الخيار لأن المقدم على
المعاملة بهذا الشرط لا بد أن يكون قد فكر وتروى. فالانصراف المدعى مما
تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.
وأورد عليه: أولا: بأن الانصراف المدعى يتنافى مع التعبير - ارتكازا من قبل
الكل حتى الشيخ نفسه - بشرط سقوط الخيار بلا مسامحة وعناية، فإنه ظاهر في
ثبوت المقتضي للخيار لولا نفوذ الشرط، ويتنافى مع وقوع الكلام في تأثيره في
عدم ثبوت الخيار وعدم تأثيره، فإن ذلك يقتضي أن يكون لدليل الخيار إطلاق
يشمل مورد الشرط.
وثانيا: أنه يتنافى مع الاستدلال بعموم الشروط على صحة هذا الشرط، إذ
على التقريب المزبور يكون الخيار غير ثابت بالشرط ولو لم يكن هناك عموم.
وهذان الايرادان للسيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) بتوضيح منا.
وأما دعوى أنه مقتضى الجمع بين دليل الخيار وعموم الشروط بالتقريب
المتقدم ذكره، فيردها ما تقدم من المحقق الإيرواني (رحمه الله) من أن دليل الخيار لو كان
له اطلاق يشمل مورد الشرط كان واردا على العموم لصيرورة الشرط بمقتضى
اطلاق دليل الخيار من الشرط المخالف للسنة وهو باطل، فلا مجال لعموم
الشروط مع اطلاق دليل الخيار.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) بعد أن ذكر ذلك استشكل فيه: بأنه يلزم بمقتضى هذا
الجمع أن لا يبقى شرط مخالف للكتاب والسنة، لاجراء هذه الطريقة من الجمع
بين دليل الشرط ومطلق عمومات الكتاب والسنة.
ثم أجاب عنه فيما يرتبط بما نحن فيه بنحو مجمل، بأنه: " حيث علمنا بالنص
والاجماع أن الخيار حق مالي قابل للاسقاط والإرث لم يكن سقوطه منافيا
للمشروع فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي... ".

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
123

وغرضه مما نقلناه بعبارته: أن اسقاط الخيار لا يكون منافيا بوجه لجعل
الخيار بل هو من شؤون الحق، فلا منافاة أصلا في كلام المولى حين يقول له:
" جعلت لك الحق الكذائي ولك أن تسقطه "، فهو نظير جواز اخراج ما ملكه
بالشراء عن ملكه بالبيع أو بالهبة أو بغيرهما. فإن مثل هذه الأحكام لا تعد منافية
لمقتضى العقد بوجه من الوجوه، بل تعد من فروع وشؤون مقتضاه، غاية الأمر
يحتاج في ثبوتها إلى أسباب مجعولة شرعا. فدليل الشرط غاية ما يقتضيه امضاء
شرط عدم الخيار بمعنى جعله للشرط سببا لترتب السقوط عليه. والمفروض أن
أصل السقوط مما لا يتنافى مع ثبوت الحق كما عرفت.
إذن فلا منافاة بين دليل الشرط ودليل الخيار بالمرة بل دليل الشرط كدليل
امضاء هبة ما اشتراه من غيره. فلاحظ.
وقد جعل السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) ما ذكره الشيخ (قدس سره) أخيرا - الذي أوضحناه -
من تتمات الوجه الثاني في رد اشكال كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد، ومن
متممات الجمع بين الدليلين الذي أفاده الشيخ (قدس سره) فقال: " والثاني إنا سلمنا كون
الدليل شاملا للصورتين إلا أنا نستكشف من النص والاجماع على جواز اسقاطه
في الجملة أنه ليس من مقتضيات العقد على وجه لا يمكن تغييره، وحينئذ نقول إن
دليل الشرط لما كان حاكما على أدلة الأحكام يدل على امكان اسقاطه بالشرط
أيضا ". والذي نراه أن ما ذكره أخيرا وجه مستقل ذكره لدفع تخيل أن الشرط من
الشروط المخالفة للسنة ولا ربط له بالجمع بين الدليلين، فهما وجهان لا وجه
واحد.
وذلك لأن مقتضى الجمع بين الدليلين هو منافاة أحد الدليلين للآخر وإنما يسلك
بعض الطرق للجمع بينهما بنحو يرتفع التنافي. وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ (قدس سره)
أخيرا يرجع إلى بيان عدم المنافاة بين جعل الخيار وبين سقوطه المقتضي لعدم
المنافاة بين دليل الخيار وبين دليل مسببية الشرط للسقوط كما لا منافاة بين

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
124

* (أوفوا بالعقود) * ودليل امضاء هبة ما اشتراه من غيره، ولا يعد ذلك من الجمع
بين الدليلين كما هو واضح جدا. إذن فهما وجهان مستقلان. والأخير ينظر فيه
دفع توهم أن هذا الشرط مخالف للكتاب والسنة. أما الأول فهو ناظر إلى دفع
توهم أنه شرط مخالف لمقتضى العقد وقد عرفت أن ما ذكره من الجمع ليس بتام.
وأما ما أفاده أخيرا: فيتوجه عليه: أن غاية ما قام عليه النص والاجماع هو
جواز اسقاط الخيار وهو لا يلازم جواز سقوطه وعدم تحققه من أول الأمر، لأن
الاسقاط يرجع إلى رفع الخيار واعدامه بقاء وبعد فرض ترتبه على العقد في زمان
ما. وليس كذلك السقوط الذي نبحث فيه فإنه يرجع إلى إلغاء الخيار من حين
حدوث العقد بحيث لا يترتب عليه الخيار فهو دفع الخيار لا رفعه، إذن فلا ملازمة
بين جواز اسقاط الخيار وسقوطه، لاحتمال خصوصية في إلغاء الخيار بقاء لا
حدوثا والفرق الاعتباري بينهما موجود.
إلا أن يدعى قيام الاجماع على جواز إلغاء الخيار حدوثا وبقاء.
ولكنها ممنوعة وأول الكلام، إذ لم يثبت إلغاء الخيار حدوثا بغير اشتراطه في
صورة ما، كي يقاس عليها صورة الشرط ببركة عموم الشروط.
وبالجملة، أن مقتضى دليل الخيار ثبوت الخيار عند تحقق البيع. فلو قام دليل
من نص أو إجماع على أن هذا الحق المجعول مما يمكنك دفعه وعدم شموله لك لم
يكن ذلك منافيا لأصل جعله بل كان محددا للحق وكيفية ثبوته، فيتطلب لذلك
السبب فيصح الأخذ بعموم الشروط. أما إذا لم يقم دليل إلا على تمكنك من رفعه
بقاء دون دفعه حدوثا لم ينفع دليل الشرط في اثبات تأثيره لأنه يتنافى مع مقتضى
دليل الخيار ومصادما له لاقتضائه ثبوت الخيار. وأما ما ذكره من قابلية الخيار
للإرث وعطفه على الاسقاط فهو غير دخيل في الدليل أصلا - كما أفاده السيد
الطباطبائي (رحمه الله) -.
والمتحصل: أن اشكال مخالفة هذا الشرط للكتاب والسنة - وهو عمدة
الاشكالات - لا يندفع بهذه الوجوه. وسيأتي دفعه في محله، فإنك عرفت أن أمتن
125

الوجوه في تحديد الشرط المخالف للكتاب والسنة هو ما أفاده المحقق
النائيني (رحمه الله)، وبه يخرج مثل هذا الشرط عن الشرط المخالف للكتاب والسنة.
وأما الوجه الثالث - من وجوه الاشكالات على هذا الشرط -: فهو أن هذا
الشرط اسقاط لما لم يجب، لأن حدوث الخيار يترتب على تحقق البيع.
وقد أجاب عنه الشيخ (قدس سره) (1) بأن المتبادر من دليل الخيار هو ثبوته في غير
صورة الشرط فمع الشرط يكون المقتضي والدليل للخيار قاصرا عن الشمول،
فليس عدم تحقق الخيار من جهة منافاة حكم الشرط لمقتضى الدليل ومانعيته كي
يقال إنه غير صحيح من باب أنه اسقاط لما لم يجب، بل من جهة تقيد موضوع
الخيار بعدم الشرط فلا خيار مع الاشتراك لعدم موضوعه ولو لم يكن الاشتراط
نافذا.
وهذا المعنى هو مراد الشيخ من قوله: " ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا اثبات
المانع " يعني أن عدم الخيار ليس لأجل التمانع بين دليله ودليل الشرط بل لعدم
تحقق موضوعه بعد انصراف دليله إلى صورة عدم الشرط. وليس المراد هو
المقتضي والمانع الاصطلاحيين كي يورد عليه ببعض الايرادات، كالايراد عليه
بأن العدم يستحيل أن يقوم المقتضي فلا معنى لأن يكون عدم الشرط جزء
المقتضي للخيار.
وعلى كل، فظاهر الشيخ (قدس سره) أنه يرى أن الشرط ههنا من باب اسقاط ما لم
يجب لكنه لا يراه مضرا بالدعوى بعد أن كان عدم الخيار غير مسبب عن صحة
الشرط بثبوت الحكم له، بل من باب تقيد الخيار بصورة عدم الشرط، فلا أهمية
لبطلانه وعدم ترتب الأثر عليه بما هو شرط، فإن الغرض يترتب على وجوده لا
على حكمه. وقد تقدم منا الاشكال في دعوى الانصراف.
إذن، فمانعية الشرط في الخيار تتوقف على نفوذ وعموم دليل الشروط له
فيعود الاشكال لأنه اسقاط ما لم يجب. ولكن يرد عليه:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
126

أولا: أن هذا الشرط ليس من باب اسقاط ما لم يجب، إذ هو بالحقيقة شرط
عدم ثبوت الخيار وإن عبر عنه بشرط السقوط، فلم يؤخذ فيه اسقاط الخيار بعد
تحققه آنا ما. وهذا الايراد يتوجه على الشيخ (قدس سره) أيضا لاعترافه بأن الشرط من
باب اسقاط ما لم يجب.
وثانيا: لو سلم ذلك، فاسقاط ما لم يجب إنما يمتنع إذا كان المراد به تحقق
الاسقاط فعلا وتحقق السقوط فيما بعد، فإنه ممتنع لأنه من قبيل التفكيك بين
الايجاد والوجود.
أما إذا أريد منه حصول الاسقاط والسقوط فيما بعد وبعد تحقق الخيار آنا ما،
وإنما الشئ الحاصل فعلا هو الانشاء الذي يصير سببا لتحقق الاسقاط والسقوط
في ظرفه القابل له، فهو مما لا مانع منه ومجرد تسميته باسقاط ما لم يجب لا
يستلزم محذورا.
فيراد من اسقاط ما لم يجب ههنا: ايجاد ما يستلزم سقوط شئ لم يتحقق فعلا
عند تحققه وفي ظرفه. فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) ذهب إلى أنه يمكن أن يستأنس لدفع الاشكال من الوجهين
الثاني والثالث من صحيحة مالك بن عطية (2) وهي: " قال: سألته عن رجل كان له
أب مملوك وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد: هل
لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد
ذلك على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم فأعطاها في مكاتبتها على أن
لا يكون لها الخيار بعد ذلك، قال (عليه السلام): لا يكون لها الخيار المسلمون عند
شروطهم ".
ووجه دلالتها على دفع الاشكالين واضح، فإنها بدلالتها على نفوذ الشرط
تكشف عن أن الشرط ههنا لا يستلزم مخالفة للكتاب والسنة مع أنه يتنافى مع

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة: ج 16 / باب 11: من أبواب المكاتبة، الحديث: 1.
127

دليل الخيار. كما أنها تكشف عن أنه ليس من باب اسقاط ما لم يجب
المستلزم للمنع العقلي.
وإنما ذهب الشيخ إلى الاستئناس منها دون الاستظهار، لما ذكره (قدس سره) في صدر
المبحث من أن ظاهرها كون الشرط ابتدائيا، والاجماع قد انعقد على عدم لزومه
فهي بظاهرها تصادم الاجماع. ولذا حملها على صورة وقوع الاشتراط في ضمن
عقد لازم أو المصالحة على اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال.
أقول: لا ظهور للرواية في كون الشرط ابتدائيا، بل ظاهرها أنه شرط في
ضمن هبة المال لها، كما هو ظاهر قوله: " فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون
لها الخيار ". وكون الهبة جائزة لا يمنع من لزوم العقد، لأن قيام الاجماع على
جواز الشرط في العقد الجائز لا نسلمه بنحو يصلح للاعتماد عليه ورفع اليد عن
هذه الرواية.
إذن، فالرواية خير دليل على صحة الشرط وهي على ما استظهرناه تدفع
الوجه الأول من الايرادات، إذ موضوعها يكون شرط عدم الخيار في العقد
الجائز، وهي تدل على لزومه. فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر بعد هذا أن هذا الشرط يتصور على وجوه:
الوجه الأول: أن يشترط عدم الخيار وهو مراد المشهور من اشتراط
السقوط، بأن يقول بعت بشرط أن لا يثبت خيار المجلس، فالمراد بالسقوط عدم
الثبوت لا الارتفاع. وقد تقدم الكلام فيه.
الوجه الثاني: أن يشترط عدم الفسخ فيقول: " بعت بشرط أن لا أفسخ في
المجلس ". والكلام فيه يقع في جهتين:
الجهة الأولى: في صحته ونفوذه - وهي مما أغفلها الشيخ (قدس سره) في كلامه -.
والاشكال الوحيد الذي يرد عليه أنه شرط في ضمن عقد جائز، فلا يكون
لازما.
ولا يندفع بما تقدم من الشيخ (قدس سره) من أن لزوم العقد بلزوم الشرط فلا تفكيك
بين التابع والمتبوع، إذ صحة الشرط ههنا لا تلازم لزوم العقد. فتأمل.
128

وقد نبه على ذلك المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1). لكن عرفت منا التشكيك في عدم
لزوم الشرط في العقد الجائز. ولعل المراد من جواز الشرط في العقد الجائز -
الذي انعقد الاجماع عليه - هو امكان رفعه برفع موضوعه وهو العقد لا أنه غير
صحيح مع بقاء العقد على حاله، نظير ما يقال بعدم وجوب الصوم لأجل التمكن
من السفر واخراج نفسه عن موضوع الوجوب.
هذا مع ما سيأتي من بيان عدم تأثير الفسخ مع الشرط المستلزم لسقوط (2)
حق الخيار ولزوم البيع، فيكون شرطا مقارنا للزوم، كالنحو الأول على ما تقدم.
هذا، مع أن المتيقن من الاجماع إرادة العقد الجائز في نفسه ونوعه، كالهبة، لا
البيع الذي يعد من العقود اللازمة ولذا يمثل العقد اللازم به غالبا وإنما يعرضه
الجواز في آن ما. فلاحظ جيدا.
الجهة الثانية: وهي التي تعرض لها الشيخ (قدس سره) وهي أنه لو خالف الشرط وفسخ
فهل يترتب الأثر على فسخه أو لا بل يكون لغوا؟
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (3) لاحتمال عدم تأثير الفسخ وجهين:
الوجه الأول: إن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لعدم سلطنته على تركه، وقد
حمل كلامه على إرادة أن حرمة الفسخ تستلزم سلب السلطنة عليه شرعا، فلا
يمكن أن يكون نافذا.
وقد قرر المحقق النائيني (رحمه الله) (4) هذا المعنى في مقام تقريب دلالة النهي في
المعاملة على الفساد، فذهب إلى أن النهي عن المعاملة يستلزم سلب السلطنة
عليها وهي معتبرة في صحة المعاملة. وهذا المعنى محل اشكال يتعرض إليه في
محله.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
2 - إنما يستلزم سقوطه لغوية جعل الخيار حينئذ، لكن قد يتصور له أثر وهو ميراثه بناء على عدم ثبوت
الشرط في حق الوارث واختصاصه على المورث. فالتفت.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
4 - الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الأصول، ج 2، ص 472، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
129

وقد ذهب البعض (1) إلى أن النهي يستلزم الصحة، ومن هنا أورد السيد
الطباطبائي (رحمه الله) (2) على الشيخ (قدس سره) أنه..
إن أريد سلب السلطنة وضعا الراجع إلى عدم نفوذ فسخه وعدم تأثيره، فهو
محل الكلام.
وإن أريد سلب السلطنة تكليفا الراجع إلى تحريم العمل عليه ومنعه عن صدوره
منه، فلا يلازم فساد المعاملة.
والتحقيق: إن نظر الشيخ (قدس سره) ليس إلى ملازمة الحرمة للفساد، بل إلى أن وجوب
الوفاء ههنا ملازم لثبوت حق المشروط له في الشرط فيكون ذا حق فيه، فيمنع من
صحة تصرف المشروط عليه فيه ولا يترتب عليه الأثر، لأنه متعلق حق الغير،
فيكون كسائر الأمور المتعلقة لحق الغير التي يمتنع التصرف فيها بلا مراجعة ذي
الحق.
والذي يدلنا على كون نظره ذلك قوله: " المستلزم لوجوب اجباره عليه "، كما
سيأتي بيانه.
إذن، فالوجه الأول لمنع نفوذ الفسخ هو كون الفسخ متعلق حق المشروط له.
فيقع الكلام في جهتين:
إحداهما: في الدليل على ثبوت حق المشروط له في الشرط.
والأخرى: في إثبات أن هذا الحق على تقدير ثبوته مما يمنع من التصرف في
متعلقه، فإن الحقوق على نحوين: نحو لا يستلزم المنع عن التصرف، كحق الجناية،
فإن العبد الجاني يجوز بيعه وإن كان موردا لحق الجناية ويدور الحق مع العبد أين
ما دار. ونحو يستلزم المنع، كحق الرهانة، فلا يجوز لصاحب المال أن يبيع المال
لتعلق حق المرتهن بها.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول: ص 189، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
130

ولنقدم الكلام في الجهة الثانية، فنقول: إن الضابط الذي يذكر لبيان ما يمنع من
الحقوق من التصرف دون ما لا يمنع هو: أن الحق المانع من التصرف هو ما كان
التصرف في متعلقه مانعا من استيفاء ذي الحق حقه، كما إذا كان يدور استيفاء حقه
مدار قرارها في ملك المالك الأول فيمتنع نقلها عن ملكه وذلك كحق الرهانة، فإن
المرتهن إنما يتمكن من استيفاء دينه من العين إذا كانت العين في ملك المدين،
فإذا نقلها المدين إلى ملك غيره فات على المرتهن استيفاء حقه منها.
والحق غير المانع من التصرف هو ما لا يتوقف استيفاء الحق من العين على
قرارها في ملك المالك الأول فلا يكون التصرف مفوتا على ذي الحق حقه، وذلك
كحق الجناية، فإنه يدور مع العين أين ما دارت، فلذي الحق استيفاء حقه منها ولو
انتقلت إلى ملك غير مالكها عند الجناية.
إذا عرفت ذلك تعرف أن الحق المتعلق بعدم الفسخ من قبيل ما يمنع من
التصرف، لأنه بالفسخ لا يبقى مجال لاستيفاء حقه لانحلال العقد وعدم بقاء
الموضوع للفسخ وعدمه، فالفسخ مفوت على المشروط له حقه، فلا يصح ولا
يكون مؤثرا.
وأما الكلام في الجهة الأولى، فتحقيقه: أن لإثبات الحق في الشرط للمشروط
له طريقين:
الطريق الأول: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) (1) من أن وجوب الوفاء بالشرط
مستلزم لوجوب اجباره عليه. وهو إشارة إلى أمر مفروغ عنه في باب الشروط
وهو أن المشروط له لو طالب المشروط عليه بالوفاء فامتنع ورفع المشروط له
أمره إلى الحاكم الشرعي وطالبه بحمل المشروط عليه على الوفاء، كان للحاكم
اجباره عليه.
ومن الواضح أن مثل هذا المعنى مما يدل على ثبوت حق للمشروط له، إذ

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 220، الطبعة الأولى.
131

إناطة الاجبار بمطالبة المشروط له ظاهرة في أن له حقا يصح أن يطالب به ويلزم
الأخذ له بحقه، فإن ثبوت الحق في مورد يعرف بآثاره.
ومن هنا تعرف أن ما أفاده المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) من: أن وجوب الاجبار
تكليفا من باب النهي عن المنكر لا يرفع أثره الوضعي.
غير سديد، إذ لم يكن وجوب الاجبار من هذا الباب بل من باب استنقاذ
الحقوق وحفظها. ولذا كان مرتبطا بمطالبة المشروط له، وأي دخل لمطالبة
المشروط له في النهي عن المنكر.
كما أن ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) من أن وجوب الاجبار لازم أعم، إذ
يمكن أن يكون من باب لزوم النهي عن المنكر، ويمكن أن يكون من باب استنقاذ
حق المشروط له.
غير سديد أيضا، لأن وجوب الاجبار منوطا بمطالبة المشروط له لازم
لخصوص ثبوت حق للمشروط له، ولا ربط له بلزوم النهي عن المنكر، كما هو
واضح.
والشيخ (قدس سره) وإن لم يصرح بارتباط وجوب الاجبار بمطالبة من له الشرط إلا
أن نظره إلى هذه الضميمة لا خصوص وجوب الاجبار، لأنه أشار إلى ما هو أمر
مفروغ عنه في محله، وليس في مقام بيان حكم مستقل ههنا، والأمر الثابت في
محله هو ما عرفته من لزوم الاجبار عند مطالبة من له الشرط.
وبالجملة، فبهذا الأمر الثابت المتقرر في محله وبما تقرر أيضا من قابلية
الشرط للاسقاط ورفع اليد عنه، يعلم أن للمشروط له حقا متعلقه الشرط فله
المطالبة به وله رفع اليد عنه، فإن ثبوت الحق في كثير من موارده يعرف بآثاره ولا
يعرف بالتصريح به، وحينئذ يمنع من نفوذ الفسخ لما عرفت من أن الحق الثابت
فيما نحن فيه من قبيل الحق المانع من التصرف.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 24، الطبعة الأولى.
132

وأما احتمال أن نفس وجوب اجباره عند المطالبة ظاهر في عدم نفوذ الفسخ،
إذ لو كان نافذا لم يكد يتصور الاجبار على عدمه، إذ من عليه الشرط يفسخ
بمجرد الترافع وقبل الحكم عليه، فلا موضوع للاجبار حينئذ.
فضعيف، لأن الفسخ إذا لم يكن مؤثرا فلا معنى لاجباره إذ لا يهتم به، فإن
فسخه لغو فكيف يجبر على عدمه؟.
ومن هنا تعرف أن وجوب الاجبار ليس ثابتا فيما نحن فيه، إذ لا معنى له إن
لم يكن الفسخ مؤثرا، ولا يكاد يتصور تحققه إذا كان الفسخ مؤثرا، كما عرفت.
وعليه، فكون الشرط فيما نحن فيه متعلق الحق نستكشفه من ثبوت هذه
الخصوصية وهي وجوب الاجبار على إنفاذ الشرط والعمل به في نوع الشروط
وفي المورد القابل له، فإنه يكشف بطريق الإن أن هناك حقا مجعولا في مورد
الشرط ولو لم يكن قابلا للاجبار لوحدة المجعول في الشروط بلا اختلاف بينهما،
فالاجبار معلول للحق يثبت في مورد قابل له، فيمكن أن يثبت الحق بدونه وليس
علة له كي يدور ثبوته مدار ثبوت الاجبار، فتدبر.
الطريق الثاني: إن معنى الشرطية والاشتراط هو جعل الشرط حقا للمشروط
له، كما يدل على ذلك كلمة: " له " في المشروط له وصحة التعبير بلا مسامحة ب‍:
" بعتك كذا والتزمت لك بزيارة الحسين نيابة عنك "، فإن مؤدى اللام هو
الاختصاص والملكية والحقيقة ونحو ذلك.
إذن، فالحق مما يقتضيه طبع الاشتراط ومؤداه. وتحقيق الكلام في ذلك أن
الكلام في ناحيتين:
إحداهما: في مفاد اللام وأنها هل المراد منها جعل الحق للمشروط له في الشرط
كما استظهر أو لا، وبتعبير آخر هل اللام ههنا بمعنى الاختصاص والملكية
والإضافة أو غيرها؟
الثانية: إنه على تقدير كونها بمعنى الملكية والاختصاص، فما هو متعلق ذلك
هل هو الالتزام أم الملتزم به؟ والاستدلال يتم على الثاني لا الأول كما لا يخفى.
133

وقد اعترف المحققان الطباطبائي (1) والإصفهاني (رحمهما الله) (2) بأن اللام للاختصاص
والملكية، لكنهما ذهبا إلى امكان أن يكون المضاف هو الالتزام لا الملتزم به الذي
هو الشروط، فلا يثبت الحق إلا في الالتزام لا الملتزم به.
وفيما أفاداه منع، لأن ثبوت الحق في مورد يعرف بترتب بعض الآثار الخاصة
التي ينتزع منها عنوان الحق أو يستكشف بها ثبوته - على الكلام في أنه حكم
وضعي مجعول كالملكية أو أنه أمر انتزاعي عن ثبوت أحكام خاصة -، كجواز
الاسقاط وجعل أمر متعلق الحق بيد ذي الحق وغير ذلك. والأمر الذي يتصور
ثبوته على تقدير تعلق الحق بالالتزام هو جعل الالتزام بيد من له الحق فله رفع
اليد عنه، فيكون الالتزام متعلقا لخيار الملتزم له.
وهذا ممنوع فيما نحن فيه، لأنه إن كان أمر أصل الالتزام بالشرط بيد
المشروط له، فهو باطل قطعا، لأن المفروض أنه في مقام أن يلتزم له تنجيزا بلا
تعليق. وإن كان أمر الالتزام بقاء بيد المشروط له، فهو مما يكذبه الوجدان، إذ
لا يرى الملتزم في نفسه أنه يلتزم فعلا ويجعل أمر التزامه بقاء بيد المشروط له
وإنما الذي يجعله هو أمر الملتزم به.
هذا، ولكن الاشكال في الناحية الأولى، فإنه لا ظهور لللام في التمليك كي
يكون مفادها جعل الحق للمشروط له ويكون دليل نفوذ الشرط امضاء له، بل هي
محتملة لأن تكون لام الغاية والمنفعة، فيكون مفاد قوله: " والتزمت لك بكذا "
التزمت لأنه مما يعود نفعه إليك ولأجلك ومنفعتك، فإنه يكثر استعمال اللام في
هذا المقام، فلا ظهور لها على هذا في جعل الحق.
وعليه، فالطريق الثاني لا يوصل إلى المطلوب، فالعمدة هو الطريق الأول
الذي ذكره الشيخ (قدس سره).
هذا تمام الكلام في الوجه الأول لنفي تأثير الفسخ.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 24، الطبعة الأولى.
134

وأما الوجه الثاني: فهو ما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) من أن عموم وجوب الوفاء
بالشرط يدل على وجوب ترتيب آثار الشرط وهو عدم الفسخ في جميع الأحوال
حتى بعد الفسخ فيستلزم كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في الاستدلال
بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ أحدهما منفردا لغوا لا يرفع وجوب
الوفاء.
وقد أورد عليه المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) - والظاهر أنه حمل كلام الشيخ على كون
مقتضى الاطلاق حرمة الفسخ بعد الفسخ الأول الكاشف عن لغوية الفسخ الأول -:
بأن اللازم من التمسك بهذا الاطلاق عدم التمسك به، وذلك لأن مقتضى دلالته
على حرمة الفسخ بعد الفسخ الأول أن الفسخ غير مؤثر، فإذا لم يكن مؤثرا لم
يكن معنى لتحريمه لأنه لغو، فيلزم من وجوده عدمه.
ولا يخفى أن النكتة التي يستند عليها ايراده (رحمه الله) هو أن مقتضى النهي هو الصحة
ويستحيل أن يتعلق النهي بما لا يترتب عليه الأثر من المعاملات.
وقد أورد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) على هذا الاحتمال لكلام الشيخ - وهو إرادته
أن الأمر بالوفاء بالشرط يقتضي حرمة الفسخ مولويا -: بأن حرمة الفسخ عرفت
أنها لا تقتضي عدم تأثير الفسخ بل يستحيل اقتضاؤه لعدم التأثير. ويشير بقوله:
" عرفت " إلى ما حققه في مكان آخر من أن النهي يقتضي صحة المعاملة ويستحيل
أن يؤثر في فسادها وإلا لزم من وجود النهي عدمه.
ومن هنا تعرف أن ركيزة الايرادين هو أن مقتضى النهي عن المعاملة صحتها لا
فسادها وإلا لزم من وجوده عدمه.
أقول: إن تمسك الشيخ (قدس سره) باطلاق وجوب الوفاء بالشرط لاثبات حرمة
الفسخ ثانيا بعد الفسخ أولا الذي قصد به بيان عدم نفوذ الشرط يبتني على عدم

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 320، 331، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 24، الطبعة الأولى.
135

فرض النهي مستلزما للصحة ولا مستلزما للفساد وأنه لا يقتضي شيئا منهما، لأنه
لو كان مقتضيا للصحة بنظره لاستدل على نفوذ الفسخ الأول بتعلق النهي به فكيف
يستدل على فساده باطلاق النهي الشامل للفسخ ثانيا؟ كما أنه لو كان مقتضيا
للفساد لم يحتج إلى التمسك بالاطلاق بل كان له أن يتمسك بتعلق الحرمة بالفسخ
الأول مباشرة.
وإذا ظهر ذلك، فمبناه في استدلاله على عدم فرض أحد الأمرين في النهي من
دلالته على الصحة ودلالته على الفساد.
وتقريب ما أفاده: أنه إذا ثبت بالاطلاق حرمة الفسخ ثانيا كشف ذلك عن عدم
نفوذ الفسخ الأول، لأنه لو كان نافذا لانحل العقد به فلا موضوع للشرط ولا للفسخ
ثانيا فلا معنى لتحريمه، نظير ما تقدم في التمسك باطلاق * (أوفوا بالعقود) *
لإثبات وجوب ترتيب الآثار بعد الفسخ الدال بالملازمة على عدم نفوذ الفسخ.
وبهذا البيان ظهر أن ما أورده المحققان المتقدمان بعيد عن محط نظر الشيخ (قدس سره)
في استدلاله، فتدبر.
وقد تردد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في مقام الاشكال على الشيخ في المراد من
الأمر بالوفاء بالشروط بين احتمالات ثلاثة:
أحدها: أن يكون الأمر بالوفاء بالشرط ارشاديا إلى عدم انتقاضه بنقض
المكلف ورفع اليد عنه بل هو لازم لا يقبل الحل.
وذكر أنه لا يستلزم عدم تأثير الفسخ في حل العقد وإن استلزم انتقاض
الشرط، لأنه إنما يمنع من حل الشرط ونقضه ولا يتكفل المنع عن حل موضوع
الشرط وهو العقد، فينتقض الشرط قهرا لعدم موضوعه.
فالفسخ يؤثر في العقد مباشرة فلا يبقى موضوع للشرط، لا أنه يحل الشرط
وينقضه كي يتنافى مع دليل نفوذه ولزومه.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 24، الطبعة الأولى.
136

ثانيها: أن يكون مولويا متعلقا بنفس الوفاء بالشرط الراجع إلى حرمة الفسخ
لوجوب تركه.
وذكر أن حرمة الفسخ لا تقتضي عدم تأثيره بل يستحيل ذلك.
ثالثها: أن يكون مولويا متعلقا بترتيب آثار ترك الفسخ.
وقد ذكر أن مقتضاه كون الأمر كما ذكره المصنف العلامة (قدس سره) لكنه مما لا موجب له
هنا وإن التزم به في عموم * (أوفوا بالعقود) *، لأنه إنما التزم به هناك لقرينة وهي أن
الوفاء لا بد أن يكون عمليا كي يصح تعلق التكليف به ولا يتحقق ذلك - في مورد
العقد - إلا بترتيب آثار الملك، إذ العقد لا يصلح لأن يكون متعلقا للأمر كما لا
يخفى.
أما هنا، فحيث أن الشرط هو ترك الفسخ وهو عمل من الأعمال: فالوفاء به
ليس إلا اعمال ذلك العمل لا ترتيب آثاره فإنه خلاف الظاهر بلا قرينة عليه،
فالأمر يتعلق بأعماله رأسا.
أقول: قد عرفت الاشكال عليه بالنسبة إلى طرف الترديد الثاني وأنه بعيد عن
محط نظر الشيخ (قدس سره)، مع أن ظاهر كلام الشيخ هو التمسك بالاطلاق على حرمة
الفسخ ثانيا الكاشف عن عدم تأثير الفسخ الأول. فمحط نظره (قدس سره) هو الفسخ الثاني
لا الفسخ الأول، كي يقال بأن النهي يقتضي الصحة ولا يقتضي الفساد.
وبالجملة، الايراد عليه أولا: أن مبنى كلام الشيخ (قدس سره) عدم اقتضاء النهي لا
للصحة ولا الفساد - كما تقدم - وثانيا: أن محط كلامه هو الفسخ الثاني لا الأول.
فالتفت.
وأما طرف الترديد الأول، فما استشكله فيه غير تام، بل لنا أن نختاره ونوجه
كلام الشيخ بحسبه.
وذلك لأن الشيخ (قدس سره) ليس في مقام الاستدلال بلزوم الشرط على عدم جواز
حل العقد، وليس في مقام بيان الملازمة بين لزوم الشرط وعدم نفوذ الفسخ كي
يورد عليه بما ذكر، بل هو في مقام بيان أن مقتضى الاطلاق إثبات اللزوم وعدم
جواز حل الشرط بعد الفسخ الأول. وهذا يقتضي عدم نفوذ الفسخ، إذ لو كان نافذا
137

لم يكن وجه للحكم بعدم جواز نقض الشرط لارتفاع موضوعه، فأي ربط
لهذا البيان بما أفاده من أن لزوم الشرط لا يقتضي عدم تأثير الفسخ فيه.
وبالجملة، نظر الشيخ (قدس سره) إلى أن مقتضى إطلاق دليل الوفاء بالشرط - على أي
تقدير في مؤداه من كونه حكما ارشاديا أو غيره - هو الأمر بالوفاء بعد تحقق
الفسخ الملازم ذلك لعدم تأثير الفسخ، كما عرفت.
ثم إنه بناء على الطرف الثالث للترديد قد عرفت أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله)
ذهب إلى تمامية ما أفاده الشيخ (قدس سره)، لكنه استشكل في صحة اختيار هذا الطرف
وأنه خلاف الظاهر بلا قرينة عليه على العكس من الأمر بالوفاء بالعقود فإنه يحمل
على وجوب ترتيب آثار العقد لقرينة عرفتها.
وقد حمل السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) كلام الشيخ (قدس سره) على هذا المعنى واستشكل
فيه:
أولا: بأن وجوب الوفاء إنما يقتضي وجوب العمل بالشرط ومقتضاه في المقام
وجوب ترك الفسخ لا ترتيب أثر عدم الفسخ.
وثانيا: بأن وجوب ترتيب أثر عدم الفسخ مشروط ببقاء موضوعه وهو عدم
الفسخ. وأما إذا فسخ فلا يبقى شرط حتى يجب الوفاء به بمعنى ترتيب أثره لا أقل
من الشك وهو مانع عن التمسك بالعموم، كما قلنا بنظيره في عموم * (أوفوا
بالعقود) *.
وأورد المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) على الشيخ (قدس سره) - بناء على كون مراده هذا
الاحتمال - أنه مع احتمال انحلال المعاملة لا يبقى مجال للتمسك بالاطلاق على
عدم حل المعاملة لأن بقاء المعاملة غير محرز.
ثم ذكر (رحمه الله) أن التمسك باستصحابها لاحراز الموضوع ثم التمسك بالاطلاق
باطل بعد الدليل الاجتهادي المثبت للخيار. كما أنه إن خصصنا ذاك الدليل

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، 12، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
138

الاجتهادي بالتقريب المتقدم لم نحتج إلى التمسك بالاستصحاب مقدمة للتمسك
بدليل المؤمنون ثم استكشاف اللزوم وعدم انحلال المعاملة بذلك، بل تكفي
عمومات اللزوم ونفس هذا الاستصحاب في إثبات المدعى.
أقول: يشترك السيد الطباطبائي مع المحقق الإيرواني (رحمهما الله) في الايراد على
الشيخ (قدس سره) بعدم صحة الاطلاق لعدم احراز الموضوع. وهو كما أنه ايراد على الشيخ
يصلح أن نوجهه ايرادا على المحقق الأصفهاني (رحمه الله) لأنه ارتضى كلام الشيخ بناء
على هذا التقدير، كما عرفت.
وعلى أي حال، فهذا الايراد متجه على الشيخ (قدس سره)، لأن الشرط فيما نحن فيه
لما كان التزاما في ضمن العقد فوجوب الوفاء به موضوعه بقاء العقد، فإن قضية
الحكم تكون هكذا: " يجب الوفاء بالشرط في هذا العقد ". فمع احتمال تأثير
الفسخ وانحلال العقد به لا يحرز موضوع الحكم وهو وجوب الوفاء بالشرط، فلا
يمكن التمسك باطلاقه لأنه فرع احراز الموضوع.
وهذا التقريب للاشكال يتلاءم مع ما أفاده المحقق الإيرواني (رحمه الله)، فقد فرض
الموضوع المشكوك نفس المعاملة.
وأما عبارة السيد (رحمه الله)، فهي لا تخلو من غموض، إذ لا يعرف مراده بالموضوع
المشكوك، فهل هو العقد كما قربناه؟ أو أنه نفس الالتزام الشرطي بالمعنى
المصدري بلحاظ أنه عند الفسخ يزول هذا الالتزام أو يشك في زواله شرعا؟ أو
أنه الملتزم به وهو عدم الفسخ كما هو صريح صدر عبارته؟. وذيلها وهو قوله:
" فلا يبقى شرط " يمكن إرجاعه إليه، كما يمكن إرجاعه إلى إرادة الالتزام
الشرطي؟.
وإرادة الملتزم به وهو عدم الفسخ لا تخلو من مناقشة، لأن عدم الفسخ هو
نفس الشرط فهو متعلق الحكم لا موضوعه فلا معنى للشك فيه.
وتوجيه كلامه بأن مراده من الموضوع هو عدم الفسخ الذي هو الملتزم به وهو
ليس متعلقا للحكم بل آثاره متعلقة للحكم، فهو بالنسبة إلى الحكم موضوع لأن
139

المفروض أن الحكم هو وجوب ترتيب آثار الشرط ويشك في بقائه عند انشاء
الفسخ.
غير سديد، إذ وجوب ترتيب آثار الشرط على تقديره لم يثبت بنحو يكون
عدم الفسخ مأخوذا بنحو فرض الوجود كسائر الموضوعات، إذ المقصود إثبات
الحكم ولو مع انشاء الفسخ، نعم يؤخذ في موضوع وجوب ترتيب آثار عدم
الفسخ الشرط بالمعنى المصدري وهو الالتزام لا الملتزم به.
هذا، ولكن يمكننا توجيه كلامه (رحمه الله) بحمله على إرادة عدم الفسخ من
الموضوع، ولكنه لا يريد من الموضوع ما يفرض في الاصطلاح مقابلا للمتعلق بل
ما يعم المتعلق، إذن فما معنى الشك فيه؟ فنقول: إن الفسخ المنهي عنه ليس مجرد
اللفظ بل قصد حل العقد ونقضه فإن ذلك معتبر في صدق الفسخ، فلا يكون الانشاء
فسخا إلا إذا ورد على أمر مبرم، فلا يطلق الفسخ على إنشائه في مورد العقد
المنحل.
ومن الواضح أنه يعتبر في التمسك باطلاق المتعلق إحراز انطباق عنوانه على
مورد الشك ومع عدم إحراز انطباقه لا يصح التمسك بالاطلاق لعدم الجدوى فيه -
كما هو واضح -.
وعليه، فمراده (رحمه الله) أن التمسك باطلاق دليل حرمة الفسخ لاثبات حرمته ثانيا
غير ممكن، لعدم إحراز صدق عنوان الفسخ على إنشائه ثانيا لاحتمال انحلال
العقد بالفسخ الأول فلا فسخ حقيقة، فتعبيره بالموضوع يريد به عنوان المتعلق
المأخوذ في مقام ثبوت الحكم، فلاحظ.
وعلى أي حال، فتقريب الشك في الموضوع بأي نحو يكون، يكون نافعا في
رد كلام الشيخ، كما أنه بالنحو الأول الذي عرفته في كلام المحقق الإيرواني يدفع
التمسك بالاطلاق على جميع الاحتمالات الثلاثة في المراد بوجوب الوفاء من
كونه حكما وضعيا أو تكليفيا متعلقا بعدم الفسخ أو بترتيب آثاره. فتدبر.
ثم إنه يمكننا أن نقول إن منظور الشيخ (قدس سره) في كلامه ليس هو الاحتمال
140

الثالث، كما استظهره السيد (1) وغيره وأورد عليه بعدم الوجه فيه كما تقدم. بل
نظره إلى التمسك بالاطلاق على جميع التقادير في المراد بعموم الشروط، كما
عرفت تقريبه على الاحتمال الأول، فمراده أن مقتضى إطلاق دليل الوفاء
بالشرط ثبوت مقتضاه - أي شئ كان - بعد الفسخ الأول ولازمه عدم تأثيره، إذ لو
كان مؤثرا لم يثبت وجوب الوفاء بالشرط على جميع تقاديره لأن موضوعه العقد
وقد انحل بالفسخ. فلاحظ.
وأما ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) من الرجوع إلى الاستصحاب ومناقشته،
فيتوجه عليه أن الاستصحاب لا يجري ههنا، لا لما ذكره، بل لوجهين:
الوجه الأول: أن موضوع الحكم الشرعي هو فسخ العقد. ومن الواضح أن
استصحاب بقاء العقد لا يثبت كون الفسخ الطارئ فسخا للعقد إلا بالملازمة، بل قد
عرفت أن قوام صدق الفسخ بطروه على الأمر المبرم، فههنا يشك في صدق
الفسخ، والاستصحاب لا ينفع في إثبات كون الانشاء فسخا إلا بالملازمة، فهو
نظير استصحاب وجود الماء في الإناء بالنسبة إلى إثبات كون الغسل بالماء أو
إثبات أصل الغسل بناء على تقوم مفهومه بوجود الماء. فلاحظ.
الوجه الثاني: أن المقصود هو إثبات موضوع الاطلاق كي يثبت بالملازمة عدم
نفوذ الفسخ. ومن الواضح أن هذا المعنى لا يترتب على الاستصحاب لأنه على
هذا يكون من الأصول المثبتة، إذ لازم أثر المستصحب واقعا هو عدم نفوذ الفسخ،
وليس عدم نفوذ الفسخ لازما للأعم من الوجود الظاهري والواقعي للأثر المترتب
على المستصحب، فلا يترتب الغرض المقصود على إجراء الاستصحاب.
وأما ما ذكره (رحمه الله) في مقام رد الاستصحاب من أن دليل الخيار - وهو دليل
اجتهادي - يكون حاكما على استصحاب بقاء العقد لأنه يقتضي عدم نفوذ الفسخ.
ففيه: أن المفروض كون دليل الخيار محكوما لدليل الشروط لو تم إطلاقه
الملازم لعدم نفوذ الفسخ الأول وليس لدينا إشكال من هذه الجهة، لأن دليل

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
141

الشروط ناظر إلى مثل دليل الخيار مما كان متكفلا لاثبات الحكم بعنوان أولي،
لأنه مما يتكفل الحكم بعنوان ثانوي. فاطلاق دليل الشروط يكون مخصصا لبا
لمقتضى دليل الخيار بغير صورة هذا الشرط.
وعليه، فيمتنع أن يكون دليل الخيار حاكما على الاستصحاب المنقح
لموضوع إطلاق دليل الشرط، لأنه بجريان الاستصحاب يرتفع موضوع دليل
الخيار فكيف يكون حاكما عليه؟
وبالجملة، الدليل المحكوم لا يصلح للمنع عما يرفع موضوعه لأنه إنما ينهض
بمقتضاه إذا ثبت موضوعه، فتدبر.
وأما ما أفاده من أنه يكتفى بالاستصحاب - لو فرض جريانه - بضميمة
عمومات اللزوم ولا يحتاج إلى جعله مقدمة لتنقيح موضوع دليل الشروط
واستكشاف لزوم المعاملة بذلك.
ففيه: أنك قد عرفت فيما تقدم بيان أن الاستصحاب بنفسه يقيد اللزوم ولا
حاجة إلى ضميمة عمومات اللزوم بل هو يتمسك به بعد فقد العمومات، فراجع
مبحث أصالة اللزوم. وعلى أي حال، فالايراد بعدم إحراز موضوع الاطلاق
متوجه على الشيخ (قدس سره) كما عرفت، ولكن لنا في الوجه الأول الذي قربناه في نفي
نفوذ الفسخ كفاية في إثبات المدعى.
الوجه الثالث: من وجوه هذا الشرط: أن يشترط اسقاط الخيار. وقد تعرض
الشيخ للبحث عن جهات ثلاث:
الجهة الأولى: ما أشار إليه بقوله: " ومقتضى ظاهره وجوب الاسقاط بعد
العقد " (1) ويريد به أن ظاهر الاشتراط المزبور هو إرادة تحقق الاسقاط بعد العقد
مباشرة، لأن أصل الاسقاط مع قطع النظر عن الفورية مما يقتضيه صريح الشرط
ونصه لا ظاهره. ويأتي إن شاء الله تعالى بعض الكلام في هذا الأمر.
الجهة الثانية: ما ذكره من أنه لو أخل بالشرط وفسخ العقد فهل يؤثر الفسخ في

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 320، الطبعة الأولى.
142

انحلال العقد أو لا؟ وذكر أنه يتأتى فيه الوجهان المتقدمان في شرط عدم الفسخ،
وأن الأقوى عدم التأثير. وهو موافق لما قربه في شرط عدم الفسخ.
وتحقيق الكلام: أن ما يذكر لبيان عدم تأثير الفسخ في صورة اشتراط عدم
الفسخ هو وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: - وهو ما لم نتعرض إليه فيما تقدم - أن المجعول في باب الخيار
بالمطابقة حكم تكليفي وهو جواز الفسخ تكليفا يدل بالملازمة على الحكم
الوضعي وهو جواز العقد ومضي الفسخ. فالحكم الوضعي والحق المجعول في
باب الخيار مدلول التزامي للحكم التكليفي الترخيصي الراجع إلى الترخيص في
حل المعاملة وعدم الالتزام بمضمونها، نظير حل البيع على القول بكون مؤداه
الحلية التكليفية المستفاد منها الحلية الوضعية بالملازمة. وعليه، فإذا شرط عدم
الفسخ فمقتضى عموم الشروط حرمة الفسخ تكليفا، فيخصص المدلول المطابقي
لدليل الخيار - لبا -، ومع سقوطه في مدلوله المطابقي لا يكون حجة في مدلوله
الالتزامي لتبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية. فلا دليل حينئذ
على نفوذ الفسخ.
وهذا الوجه لا يتأتى في شرط اسقاط الخيار، إذ لزوم الشرط ووجوب
الاسقاط لا ينافي جواز الفسخ تكليفا الدال بالملازمة على جوازه وضعا، فإن
الأمر باعدام الموضوع لا ينافي جواز ما يترتب على ذلك الموضوع مع بقائه
وعدم انتفائه. فالدلالة المطابقية على حالها لم ترتفع فتتبعها الدلالة الالتزامية،
وإلى هذا الوجه تعرض المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) وإن لم يبن عليه.
الوجه الثاني: ما تقدم من أن مقتضى إطلاق دليل الشرط هو ثبوت حكم
الشرط بعد الفسخ أولا، الدال بالالتزام على عدم نفوذ الفسخ الأول. وهذا جار
فيما نحن فيه، إذ يقال أيضا إن مقتضى إطلاق دليل الشرط ثبوت حكم الشرط
ههنا وإسقاط الخيار بعد الفسخ الأول فإنه يدل بالالتزام على عدم نفوذ الفسخ

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 11، الطبعة الأولى.
143

الأول، إذ لو كان نافذا لا موضوع للشرط كي يثبت له حكمه من تكليف أو وضع.
الوجه الثالث: ما تقدم من أن الاشتراط يوجب ثبوت حق للمشروط له في
الشرط بحيث يكون مانعا من التصرف في موضوع الحق. ولا يخفى أنه قد يشكل
جريان هذا الوجه في إثبات عدم نفوذ الفسخ في صورة اشتراط الاسقاط، وذلك
لأن متعلق الحق في شرط اسقاط الخيار هو الاسقاط، فالفسخ ليس تصرفا في
متعلق الحق بخلاف الفسخ في مورد شرط عدم الفسخ فإنه تصرف في متعلق الحق
ومانع من استيفائه.
ولكن الصحيح خلافه، فإن الحق الثابت في صورة شرط الاسقاط يكون مانعا
من تأثير الفسخ أيضا وذلك لأن الاسقاط مضاف إلى الخيار الثابت في العقد،
فالعقد ههنا متعلق لمتعلق الحق وليس بمتعلق للحق مباشرة. ولكن التصرف فيه إذا
كان يستلزم تفويت الحق المتعلق به ولو كان تعلقه بالتبع كان ممنوعا إذ الملاك في
المنع عن التصرف ليس كونه متعلقا للحق مباشرة بل كونه موجبا لتفويت استيفاء
الحق على ذيه، فلا يمكن الجمع بين ثبوت الحق وجواز التصرف، فيكون ثبوت
الحق مما في الاسقاط مانعا من الفسخ لأنه يستلزم حل العقد الذي هو متعلق الحق
أيضا بالتبع بمعنى أن لذي الحق المطالبة بابقائه محافظة على استيفاء حقه ولو كان
ثابتا في غيره مباشرة. فالفسخ فيما نحن فيه يكون مانعا من استيفاء ذي الحق
حقه فيكون باطلا.
إذن، فهذا الوجه الآخر يتأتى في شرط الاسقاط، فكلام المصنف (قدس سره) على
إطلاقه ممنوع، إذ عرفت أنه لا ملازمة بين عدم تأثير الفسخ في صورة شرط عدم
الفسخ وعدم تأثيره في صورة شرط اسقاط الخيار، على الوجه الأول في توجيه
عدم تأثير الفسخ، إلا أن هذا الوجه لا مساس له من الصحة بل هو وجه علمي
محض، لأنه يتنافى مع ظاهر قوله: " البيعان بالخيار... " الدال على جعل حق
الخيار رأسا وخصوصا بملاحظة قوله: " فإذا افترقا وجب البيع " الظاهر في أن
لزوم البيع ارتفاع لما كان مجعولا قبل الافتراق بالافتراق، كما أنه مغفول عنه في
144

كلمات الشيخ (قدس سره) فاطلاقه بملاحظة الوجهين الآخرين الذين تعرض لهما صحيح
لا إشكال فيه.
ثم إنه قد ينقدح مما ذكر من عدم تأثير الفسخ في كلتا الصورتين إشكال يرجع
إلى دعوى استحالة شرط عدم الفسخ وشرط اسقاط الخيار، بيان ذلك: أن شرط
عدم الفسخ إذا كان مستلزما لعدم نفوذ الفسخ كان مما يلزم من وجوده عدمه
ويقرر ذلك بوجهين:
الوجه الأول: - ما يرجع إلى حكم الشرط - أن وجوب الوفاء بشرط عدم
الفسخ مقتضاه عدم القدرة على الفسخ، فلا معنى لوجوب الوفاء بالشرط لعدم
القدرة عليه، فوجوب الوفاء بالشرط يستلزم عدم وجوب الوفاء به.
الوجه الثاني: ما يرجع إلى نفس الشرط وموضوع الحكم وهو أن شرط عدم
الفسخ يرجع إلى الالتزام بعدم الفسخ لأنه شرط فعل، ومع فرض أن الالتزام بعدم
الفسخ يقتضي عدم نفوذ الفسخ الملازم لعدم القدرة عليه، يكون الالتزام ههنا
التزاما بغير مقدور وهو مستحيل. إذن فيكون الالتزام بعدم الفسخ مستلزما لعدم
الالتزام به، وهو محال.
وهذا الكلام بعينه يجري في شرط الاسقاط، لأن عدم نفوذ الفسخ يستلزم
سقوط الخيار، فيمتنع الاسقاط حينئذ، فلا موضوع لوجوب الوفاء كما لا موضوع
للالتزام.
ولا يخفى أن العمدة في وجهي تقرير الاستحالة هو الثاني لا الأول، إذ يمكن
دفع الأول بأن مقتضى وجوب الوفاء بالشرط عدم تحقق الفسخ ولزوم العقد، نظير
شرط النتيجة، فلا ملزم لفرض استمرار وجوب الوفاء بل لا معنى لوجوب الوفاء
ههنا إلا عدم نفوذ الفسخ رأسا، كما هو الحال في شرط النتيجة، لا أنه حكم
تكليفي استمراري.
ولكن الوجه الثاني لا يتأتى فيه ذلك، إذ لم يقرر الاشكال من جهة الحكم
المترتب على الشرط بل من جهة نفس الاشتراط بالمعنى المصدري الراجع إلى
145

الالتزام، فإنه مع عدم القدرة على الملتزم به في آن من الآنات كيف يتحقق
الالتزام.
والتحقيق أن هذا الاشكال لا يرد على شرط اسقاط الخيار، إذ عدم نفوذ
الفسخ وعدم تأثيره لا يلازم سقوط الخيار بل الخيار على حاله ثابت لا تزلزل فيه
ومورد لبعض الآثار كما سيتضح إن شاء الله تعالى. فيكون إسقاطه مقدورا فلا
مانع من الالتزام به.
وبالجملة، ما لا يقدر عليه بواسطة الشرط غير متعلق الشرطية والالتزام.
وأما بالنسبة إلى شرط عدم الفسخ، فهو وارد لا دافع له، فإن الشرط يقتضي
عدم القدرة على المشروط وهو يتنافى مع واقع الشرط وهو الالتزام. فلا محيص
بعد قيام الاجماع على صحة مثل هذا الشرط من الالتزام بعدم تمامية ما قربناه من
عدم نفوذ الفسخ من كونه متعلق حق للمشروط له.
ولا يخفى عليك أن المقصود بعدم الفسخ ههنا - أي الملتزم به - هو عدم الفسخ
المؤثر، فإنه هو الذي يكون محط غرض العقلاء الداعي إلى الشرط. إذ من
الواضح أن الاشتراط عادة يرجع إلى تحصيل غرض يرومه المشروط له أو
الشارط ولا يصدر عبثا، والغرض العقلائي يدعو إلى اشتراط عدم الفسخ المؤثر.
والمقصود بشرط عدم الفسخ عدم حل المعاملة وبقائها على الابرام، فلا مجال
حينئذ لتوهم أن الشرط يرجع إلى عدم الفسخ انشاء ولو لم يكن بمؤثر لا حقيقة
وهو مقدور ولو قيل بعدم تأثيره، فإنه مما لا يتعلق به غرض المشروط له كما هو
واضح جدا.
ولو سلم ذلك، فلا وجه للالتزام بعدم تأثير الفسخ، إذ متعلق الحق هو الفسخ
الانشائي وهو مما لا يفوت بالفسخ المؤثر فلا يكون التصرف بمتعلق الحق ممنوعا
منه لعدم استلزامه تفويت الحق على صاحبه.
الجهة الثالثة من البحث:
أنه لو لم يسقط المشترط الخيار بعد العقد مباشرة، فهل للمشروط له الفسخ
146

ولو لم يفسخ المشترط أو لا؟ وجهان:
أما وجه جواز الفسخ للمشروط له، فهو عدم حصول الشرط، فله خيار تخلف
الشرط المحقق ثبوته في محله.
وأما وجه عدم جواز الفسخ، فقد ذكره الشيخ (قدس سره) وهو: أن المقصود بقاء العقد
وعدم انحلاله وهو حاصل ولا يحصل التخلف عنه إلا بالفسخ.
أقول: إن أراد من كون المقصود بقاء العقد أن الغرض العقلائي من هذا الشرط
هو ذلك بحيث يكون من قبيل القرائن المكتنفة بالكلام الموجبة لصرف ظهور
الاسقاط في موضوعيته وإنما المدار هو إبقاء العقد فيرجح الشرط في الحقيقة إلى
اشتراط ابقاء العقد لا إلى الاسقاط بعنوانه إذ لا غرض فيه.
فهو لو تم - خصوصا بملاحظة بعض الموارد التي تلغى فيها خصوصية العنوان
المأخوذ في موضوع الحكم، كموارد الأوقاف عند تعذر الوجه الذي أوقفت عليه،
فإنه يراعى في مصرفها الأقرب فالأقرب له بدعوى ظهور الوقف على الوجه
الخاص في تعدد المطلوب فإذا انتفت الخصوصية وجب الصرف على الجهة
الجامعة - كان منافيا لما ذكره في صدر كلامه من ظهور الشرط في وجوب
الاسقاط فورا، إذ التخلف إنما يحصل بالفسخ، فلا محصل لدعوى ظهور الشرط
في وجوب الاسقاط فورا، لعدم موضوعية الاسقاط.
وإن لم يكن ذلك من قبيل القرائن المتصلة، فلا وجه لكون المدار عليه، لكون
المدار عليه بعد أن كان الشرط غيره، إذ يصدق التخلف ولو كان المقصود الأصلي
حاصلا، إلا أن يقال: إنا نختار الشق الثاني وليس مجرد التخلف موجبا للخيار، إذ
سيأتي أن وجوه الخيار عند تخلف الشرط متعددة ولعل منها ما يتقيد بتخلف
الغرض الأصلي لا مجرد تخلف الشرط لعدم أخذه في موضوع دليل لفظي، فمن
الممكن أن يكون الشيخ ممن لا يرى أن مجرد تخلف الشرط مما يوجب الخيار
بل الموجب للخيار هو تخلف الغرض الأقصى من الشرط فإذا لم يتخلف فلا
خيار، فتدبر.
147

ثم إنه (قدس سره) أفاد أن الأولى عدم الخيار بناء على عدم تأثير الفسخ لعدم تخلف
الشرط، إذ لا أثر للاسقاط وعدمه حينئذ بعد إن لم يكن الفسخ مؤثرا، بل لا
موضوع للاسقاط لعدم الخيار.
وأما على القول بتأثيره، فالأولى ثبوت الخيار، إذ قد يكون الغرض من شرط
الاسقاط هو عدم تزلزل العقد وعدم ثبوت سلطنة المشروط عليه على العقد لأنها
على خلاف مصلحة المشروط له، كما أنه قد يموت المشروط عليه فينتقل الخيار
إلى وارثه فيفسخ وارثه.
فعلى هذا يتحقق التخلف الموجب للخيار بخلافه على الأول، إذ لا سلطنة
للمشترط على الفسخ.
هذا، وقد أورد عليه: بأن التخلف صادق حتى مع القول بعدم نفوذ الفسخ، لأن
عدم نفوذ الفسخ لا ينافي بقاء حق الخيار بل هو ثابت، ولكنه مزاحم بحق آخر
يمنع من التصرف فيه، وهو لا ينافي ثبوت أصل الحق نظير الملك الممنوع من
التصرف فيه لسفه أو حجر.
وبتعبير آخر: أن الشرط المذكور إنما يمنع من إعمال حق الخيار في الفسخ
ولا ينافي أصل ثبوته. وعليه، فلعل الغرض من اشتراط الاسقاط إلغاء حق الخيار
وعدم تزلزل العقد، ومع بقائه يتخلف الشرط ولا يتحقق الغرض ولو لم يكن
إعمال حق الخيار، خصوصا بملاحظة أن المشترط قد يموت فينتقل الخيار إلى
وارثه فيفسخ وينفذ فسخه وهو أمر يخالف غرضه.
وبالجملة، قد يكون غرض المشروط له في إلغاء حق الخيار وعدم تأثير
الفسخ لا يحققه، فيصدق تخلف الشرط بمجرد عدم الاسقاط.
ودعوى: أن الوارث وإن كان يرث حق الخيار من المشترط لكن فسخه عديم
الأثر كفسخ مورثه لأنه مزاحم بالحق أيضا.
تندفع: بأن متعلق حق المشروط له هو نفس الشرط الثابت على المشترط وقد
انتفى بموته ولا ثبوت للشرط على الوارث. ولم يكن الاشتراط على المورث
148

مستلزما لثبوت حق في نفس الخيار الموروث أو العقد كي يكون مانعا من
نفوذ فسخ الوارث لمنافاته للحق الثابت.
هذا تمام الكلام في وجوه هذا الشرط. ويقع الكلام فيما ذكره الشيخ (قدس سره) بعد
ذلك من اعتبار كون هذا الشرط مذكورا في ضمن العقد ومتنه، فلا يلزم إذا ذكر
سابقا على العقد. والكلام في جهات ثلاث:
الجهة الأولى: في تحقيق أصل المطلب فنقول: إن الشرط إذا ذكر سابقا على
العقد كالالتزام بعدم الخيار عند تحقق العقد، فقد قيل إنه مما لا يجب الوفاء به
لأنه..
إما وعد بالتزام يعني بتحقق الوعد بأنه يلتزم بعدم الخيار إذا وقع العقد، والوعد
ليس بواجب الوفاء.
وإما التزام ابتدائي تبرعي لا يجب الوفاء به إجماعا لأنه شرط ابتدائي - لو
صدق عليه الشرط -. وأما العقد..
فتارة: يقع محفوفا بالإشارة إلى الشرط السابق بأن يقول: بعتك على الشرط
المذكور. فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه من المذكور في متن العقد فيلزم الوفاء به.
وأخرى: يقع العقد بلا إشارة إليه ولا بناء قلبي عليه بل كان مغفولا عنه بالمرة،
فهذا مما لا يلزم الوفاء به جزما بملاحظة العقد.
وثالثة: يقع العقد بلا إشارة لفظية إليه ولكن مع البناء القلبي عليه بحيث يقع العقد
مبنيا عليه.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى أنه لا يلزمه لأنه إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام
العقد إلا بجعل المتكلم وانشائه، فبدون الانشاء لا يلزم الوفاء به.
ووجهه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) - بعد أن بين أن الشرط قد يكون بمعنى التعليق
وبمعنى التقييد وبمعنى الالتزام الضمني والأخير هو الشرط الضمني الذي هو محل
البحث - بأن الشرط من الأمور الانشائية المتقومة بالابراز والانشاء فلا يترتب

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 221، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 25، الطبعة الأولى.
149

الأثر عليها بل لا تصدق خارجا إلا بالانشاء، فكما أن مجرد الالتزام النفسي
بالنقل والانتقال لا يوجب صدق البيع ما لم يكن على طبقه انشاء كذلك مجرد
الالتزام النفسي الضمني لا يحقق صدق الشرط بلا أن يكون على طبقه انشاء.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) إلى أن محور الكلام هو أن الشرط هل
يصدق على مجرد الالتزام، كالعهد. أو يحتاج إلى الانشاء، فلا يصدق على مجرد
الالتزام بلا انشاء. فعلى الأول يكون البناء النفسي - فيما نحن فيه - لازما دون
الثاني. فهو يتفق مع المحقق الأصفهاني في أن وجه الحكم بعدم اللزوم ههنا هو
اعتبار الانشاء في صدق الشرط.
وذهب السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2): إلى أن الشرط المنشأ وإن كان سابقا على العقد
وشرطا ابتدائيا لكنه نافذ لعموم: " المؤمنون عند شروطهم "، إذ خروج الشرط
الابتدائي إنما كان بالاجماع ولا إجماع فيما نحن فيه مما كان الشرط مرتبطا
بالعقد اللاحق، لوجود الخلاف. فيكون العموم محكما.
هذا مما دار حول كلام الشيخ (قدس سره) من الكلمات.
وتحقيق الكلام: أن الشرط الضمني - المقابل للابتدائي -..
إما أن يراد به ما يكون مضمونه مرتبطا بالعقد فلا خصوصية للمقارنة، فيصدق
الشرط الضمني على الالتزام المنشأ قبل تحقق العقد لارتباط مضمونه بالعقد
اللاحق - كما هو المفروض لأن المفروض أنه شرط عدم الخيار في العقد اللاحق -
فلا بد من الالتزام بصحته. وهو خلاف ما يراه الشيخ (قدس سره).
وإما أن يراد به ما يقع العقد مبنيا عليه بحيث يتقيد مضمون العقد به ويكون
المتعاقد عليه هو الحصة الخاصة الملازمة للشرط. والظاهر أن هذا هو منظور كلام
الشيخ (قدس سره) كما يظهر من بعض كلماته.
وجهة توقفه في المقام في وقوع العقد متقيدا بالشرط ليس من جهة أن الشرط
مما يعتبر فيه الابراز، بل من جهة لزوم تعيين المتعاقد عليه بشؤونه وخصوصياته

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 12، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
150

بالانشاء الدال عليه، فإذا أشار إلى بناء العقد باللفظ كما لو قال - على الشرط
السابق - صح ولزم العقد بهذه الخصوصية وإن لم يعبر عنه باللفظ لم يلزم. فادعاؤه
لزوم الانشاء ههنا لجهة راجعة إلى العقد لا إلى الشرط.
فلا تبتني المسألة على صدق الشرط على مجرد الالتزام وعدم صدقه - كما أفاده
المحقق الإيرواني (رحمه الله) - بل لو فرض البناء على صدق الشرط على مجرد الالتزام لم
ينفع في وقوع العقد متقيدا بالشرط، لما ذكرناه من لزوم الانشاء في خصوصيات
العقد كنفس العقد.
وعلى هذا لا معنى لتوجيه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) كلام الشيخ (قدس سره) بالبيان
المزبور مع ما في تقسيمه للشروط من المسامحة، إذ الذي نعرفه من مبناه هو ما
تقدم من كون الشرط بمعنى اللزوم الوضعي الراجع إلى التعليق والربط.
ومن هنا ظهر أن حكم الشيخ بصحة الشرط لو قال: بعت على ما ذكر من
الشرط ليس من جهة انشاء الشرط مقارنا للعقد، فإنه ظاهر في كون الشرط
سابقا، بل من جهة أن بناء العقد على الشرط السابق قد أنشئ به لفظا وهو معتبر
في لزومه. نعم لو أريد من الشرط الضمني هو الالتزام المقارن للعقد أمكن أن يقال
إن الشرط المنشأ لفظا سابق ليس بمقارن والمقارن هو الالتزام فقط فلو كان
يصدق عليه الشرط نفذ وإلا فلا، فيتجه ما أفاده الإيرواني (رحمه الله).
لكن فيه:
أولا: ما عرفت من أن مطلق الالتزام المقارن ما لم يرتبط بالعقد نوع ارتباط لا
يصحح صدق الشرط ولا يكون نافعا.
وثانيا: أن الشرط المنشأ قبل العقد يحصل له وجود إنشائي مستمر كالبيع الذي
يلتزم بأن له وجودا إنشائيا مستمرا وهو الذي تلحقه الإجازة في باب الفضولي.
وعليه، فالعقد يكون مقارنا للوجود الانشائي للشرط المنشأ سابقا.
إلا أن يدعى اعتبار حدوث الشرط في آن العقد وهو مصادرة.
الجهة الثانية: في الفرق بين هذا الشرط وبين العوضين وقيودهما حيث إنهما
من شؤون العقد ومما يبتني العقد عليهما، مع أنه لا يلزم ذكر خصوصية الصحة -
151

مثلا - في العوضين في لزومها بل يكفي التباني عليها، فإذا ظهر المبيع معيبا كان له
الخيار أو الأرش.
وقد نبه الشيخ (قدس سره) (1) على جهة الفرق ومحصلها: أن التباني على بعض
الخصوصيات إذا كان مما جرت العادة والعرف عليه لا يحتاج إلى ذكره
بالخصوص، إذ العقد اللفظي ينصرف إلى المضمون المقيد بتلك الخصوصية من
جهة التعارف، فتكون الخصوصية مما دل عليها الانشاء بخلاف ما لم تجر العادة
عليه، فإن العقد لا يكون له ظهور فيها فلا يدل عليها الانشاء.
وشرط الصحة في العوضين من قبيل الأول فلا يحتاج إلى التنصيص عليه لظهور
انشاء البيع في إرادته، بخلاف شرط عدم الخيار فإنه من قبيل الثاني فيحتاج إلى
التنصيص. فلاحظ.
الجهة الثالثة: فيما نقله الشيخ (قدس سره) عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) (2) وتعيين المراد
منه فقد قال في محكي الخلاف: " لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد
العقد صح الشرط ولزم العقد بنفس الايجاب والقبول ثم نقل الخلاف عن بعض
أصحاب الشافعي ثم قال: دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط والأصل جوازه وعموم
الأخبار في جواز هذا الشرط يشمل هذا الموضع ".
وقد حمله شيخنا الأعظم (قدس سره) على إرادة ذكر الشرط سابقا، ووقوع العقد مبنيا
عليه بلا تصريح به ولا إشارة إليه. ثم احتمل أن يريد صورة الإشارة إليه بقوله
على الشرط المذكور - وأن قوله: " قبل العقد " يريد به قبل تمام العقد لا قبل
الايجاب بل قطع به بعد ذلك. ولا يخفى أنه ليس في تحقيق ذلك ثمرة عملية،
فاهمال الكلام فيه متعين.
يبقى الكلام فيما ذكره العلامة (رحمه الله) (3) موردا لعدم جواز اشتراط عدم خيار
المجلس في ضمن العقد وهو الفرع الذي نقله الشيخ عنه، وهو ما إذا نذر المولى أن

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 221، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 10، المسألة 28، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 495، الطبعة الأولى.
152

يعتق عبده إذا باعه بأن قال: لله علي أن أعتقك إذا بعتك، فقد قال: لو باعه بشرط
نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر فيجب الوفاء به ولا يتم برفع الخيار، وعلى
قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغى الشرط ويصح البيع ويعتق.
وقد بناه الشيخ (قدس سره) (1) على أن تعلق النذر بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على
التصرفات المنافية له، لأن النذر يستتبع ثبوت حق للمنذور له في متعلق النذر.
كما قربنا ذلك في الشرط على ما تقدم.
وقد علق السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) على هذا الفرع بأني لم أفهم وجه تخصيص
الفرض بما إذا نذر عتقه إذا باعه مع أن الحكم يجري فيما إذا نذر عتقه وإن لم يقيد
بصورة البيع، إذ البيع الخياري ليس منافيا والبيع بشرط سقوط الخيار مناف له،
فلا يجوز له شرط السقوط.
ووجه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) تخصيص الفرض بنذر العتق على تقدير البيع
بأنه ليس لأجل دخله في حكم البيع وإنما هو لاقتضاء مورد الفرع، فإن المورد ما
إذا أعتقه على تقدير البيع الذي ذهب العلامة (رحمه الله) إلى بطلانه لأنه معلق، ثم استدرك
بأنه يجوز نذر العتق معلقا.
وتحقيق الكلام في هذا الفرع: أن النذر..
تارة: يتعلق بالعتق على تقدير البيع اللازم بحيث يتصور أنه يستطيع العتق بعده
بشراء العين مرة أخرى أو أن المشتري يهبها له، فلا إشكال ههنا في جواز شرط
عدم الخيار ونفوذه لعدم منافاته للنذر، بل هو مأخوذ في موضوع النذر.
وأخرى: يتعلق بالعتق على تقدير تحقق البيع بقول مطلق، فتارة: يعلم أنه
يتمكن من إرجاع العين - على تقدير لزوم البيع - بإقالة أو شراء أو استيهاب أو
غير ذلك. فلا إشكال أيضا في جواز شرط عدم الخيار إذ يتمكن معه من الوفاء
بالنذر فلا ينافي النذر. وأخرى يعلم بأنه على تقدير لزوم البيع لا يستطيع إعادة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 221، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 25، الطبعة الأولى.
153

العين بحيث كان طريق العتق منحصرا بفسخ البيع بالخيار، فهذه الصورة هي محل
البحث في أنه هل يجوز أن يشترط عدم الخيار الموجب لعدم تمكن من العتق أم
لا يصح شرطه لأجل منافاته مع النذر؟
الحق أنه يجوز الشرط وينفذ بلا محذور.
وذلك لما تحقق في محله من أن وجوب الوفاء بالنذر أخذ في موضوعه شرعا
القدرة على المنذور، فلا يصح النذر بدونها.
وعليه، فدليل نفوذ الشرط فيما نحن فيه يكون واردا على دليل وجوب الوفاء
بالنذر لأنه يرفع موضوعه، لأن نفوذ الشرط مستلزم لعدم القدرة على المنذور
الموجب لبطلان النذر فكيف يصلح دليل النذر لنفي صحة الشرط؟ إذ لا مجال
للدليل المورود مع الدليل الوارد.
بل لو لم نقل بأن وجوب الوفاء بالنذر معلق على القدرة شرعا، بل كان مقيدا
بالقدرة العقلية ككثير من التكاليف. لم يصلح لنفي صحة الشرط، لأن نفوذ الشرط
في حال البيع الذي هو ظرف فعلية وجوب الوفاء بالنذر لتعليق عليه، يستلزم رفع
القدرة عقلا على العتق فيسقط وجوب الوفاء بالنذر للعجز عن متعلقه. إذن
فالالتزام بنفوذ الشرط لا ينافي وجوب الوفاء بالنذر إذ لم يصر الوجوب النذري
فعليا كي يلزم امتثاله إذ هو قبل البيع غير فعلي لأخذ البيع في موضوعه، وبعد البيع
غير مقدور المتعلق فيسقط. ولا صلاحية له لنفي ما يستلزم رفع القدرة على
متعلقه، كما لا يخفى.
نعم، بناء على وجوب التحفظ على عدم فوات الغرض الملزم في ظرفه وعدم
جواز تعجيز المكلف نفسه عن تحصيل المصلحة الملزمة في ظرفها فلا يجوز له
إهراق الماء قبل الزوال إذا علم أنه لا يتمكن من الماء بعده، لأن مصلحة الطهارة
المائية بعد الزوال ملزمة والقدرة غير دخيلة في حصولها. وهكذا الحال بالنسبة
إلى سائر المقدمات المفوتة.
وبناء على أن وجوب الوفاء بالنذر يستتبع ثبوت حق في متعلق النذر مانع من
التصرفات المنافية للنذر.
154

بضميمة الالتزام بأن وجوب التحفظ الناشئ عن مصلحة وجوب الوفاء بالنذر
كذلك يستتبع ثبوت حق يمنع من التصرفات المنافية له، بناء على جميع ذلك
يمكن القول بعدم صحة الشرط وعدم نفوذه.
فالالتزام بعدم نفوذ الشرط فيما نحن فيه يتوقف على المفروغية عن أمور:
عدم أخذ القدرة شرعا في متعلق النذر وقد عرفت أنه ممنوع.
وكون وجوب الوفاء مستلزما لثبوت حق في متعلق النذر وهو مما لا دليل عليه
بخلاف الشرط، إذ عرفت أن آثار وجود الحق ثابتة.
وتبعية وجوب التحفظ لوجوب الوفاء بالنذر في استلزامه الحق وهي دعوى بلا
شاهد.
نعم، أصل وجوب التحفظ مسلم، كما حققناه في مباحث الأصول (1) فراجع.
ومن هنا ظهر الفرق بين الفرع المزبور وبين ما إذا نذر أن يعتقه بلا أن يعلقه على
البيع، فإن وجوب الوفاء فعلي يجب امتثاله ولا يجوز له تعجيز نفسه عنه بعد
قدرته على الامتثال. فما أفاده السيد (رحمه الله) (2) من عدم الفرق بينهما في غير محله.
وبالجملة، الكلام في كل منهما يختلف عن الآخر، فتدبر.
ومن هنا يظهر الاشكال فيما وجه به المحقق الأصفهاني (رحمه الله) تخصيص الكلام
بهذا الفرع لأن ظاهره تسليم ما ذكره السيد (رحمه الله) من عدم الفرق في حقيقة الحال
والأثر، فالتفت.
ثم إن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) أورد على الشيخ (قدس سره) في بنائه كلام العلامة (رحمه الله)
على استتباع حكم النذر لثبوت حق في متعلقه بأن: مصب كلام العلامة (رحمه الله) صحة
البيع وفساده من حيث تضمنه للشرط الفاسد، كما هو واضح بأدنى ملاحظة.
وليس مصب كلامه صحة نفس الشرط أو بطلانه، لأن البيع بملاحظة ذاته لا يكون

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 2: ص 179، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 25، الطبعة الأولى.
155

تصرفا منافيا بل المنافي هو الشرط، فيكون محط الكلام هو صحة البيع وعدم
صحته بما هو متضمن للشرط.
وفيه: أن الشيخ (قدس سره) أخذ استلزام فساد الشرط لفساد البيع مفروغا عنه وبنى
الحكم بالبطلان على ثبوت الحق المستلزم لبطلان الشرط بعد الفراغ عن استلزام
الشرط الفاسد لفساد البيع، فيتمحض البحث عن فساد الشرط لأجل منافاته للحق
الثابت وعدم فساده. فالتفت وتأمل.
الثاني: - من مسقطات خيار المجلس - إسقاطه بعد العقد. وذكر الشيخ (قدس سره) (1)
أنه هو المسقط الحقيقي واستدل على سقوطه بالاسقاط بوجوه:
الأول: الاجماع. وهو مما لا يصلح للاعتماد عليه بعد وجود الوجوه الأخرى
فإنه لا يقطع معها بكونه إجماعا تعبديا.
الثاني: فحوى ما ورد من النص الدال على سقوط الخيار بالتصرف معللا بأنه
رضا بالبيع. وقد قربت الفحوى بوجهين:
أحدهما: أن التصرف قد اعتبر مسقطا للخيار باعتبار كاشفيته عن الرضا
بالبيع والاسقاط أقوى دلالة وكشفا على الرضا به، لأجل تطرق بعض
الاحتمالات غير المستلزمة للرضا في التصرف بخلاف الاسقاط، فإنه لا يتطرق
إليه احتمال لا يستلزم الرضا.
والآخر: أن مسقطية الرضا بالبيع المنكشف بالتصرف إنما هي لأجل أن مرجع
الرضا بالبيع هو اسقاط حق الخيار، فنفس انشاء الاسقاط أولى بأن يكون مسقطا
مما يؤول إلى الاسقاط.
واستشكل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) في كلا الوجهين:
أما الثاني: فبما أفاده من أن الالتزام بالعقد والرضا به أحد طرفي حق الخيار -
على ما تقدم - فهو إعمال للحق واستيفاء له لا اسقاط له، وزوال الشئ باستيفائه

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 221، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 26، الطبعة الأولى.
156

غير اسقاطه، فلا مساواة فضلا عن الفحوى.
وأما الأول: فبما أفاده من أنه إنما يتم إذا كانت العبرة في الدلالة على الرضا
بالكشف النوعي، إذ يمكن اختلاف الكاشف قوة وضعفا من حيث تطرق احتمال
الخلاف فيه وعدم تطرقه. أما إذا كانت العبرة في نفس الرضا الفعلي، فهو مما لا
يقبل الاختلاف، فالرضا الفعلي المتحقق في ضمن التصرف ليس معه احتمال عدم
الرضا شخصا، فلا أولوية في البين.
أقول: تقدم من الشيخ (قدس سره) أن حق الخيار ليس إلا حق فسخ العقد وعدمه
وليس هو حق إبرام العقد وفسخه، وتقدم منا تقريب ذلك والاستدلال عليه.
إذن، فالرضا بالبيع ليس إعمالا للحق بل يرجع إلى اسقاط الحق.
وأما مناقشته في الوجه الأول، فهي ترجع إلى نفي دعوى الأولوية على أحد
التقديرين وهو ليس بمهم بعد تسليم ثبوت الرضا في مورد الاسقاط، فيثبت له
الحكم ولو كان بالمساواة لا بالأولوية.
الثالث: عموم القاعدة المعروفة: " لكل ذي حق اسقاط حقه ".
ولا يخفى أنه لم يرد نص بهذا المضمون وإنما الدليل الذي استدل به عليها هو
فحوى ما دل على أن: " الناس مسلطون على أموالهم "، فإنه يقتضي السلطنة على
حقوقهم بالأولوية.
وقد قرب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) الأولوية المدعاة بأن المراد من المال في
قاعدة السلطنة هو المال المضاف إلى الناس بإضافة الملكية، وإضافة الملكية
أقوى من إضافة الحقية. فإذا كانوا مسلطين على أملاكهم فهم أولى بالسلطنة على
حقوقهم لأن السلطنة على الأقوى تستلزم السلطنة على الأضعف بالأولوية.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) إلى إنكار الأولوية ببيان أن علقة الحقية
أضعف من العلقة الملكية، ودلالة النص على إثبات السلطنة على العلقة القوية لا

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 26، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
157

تقتضي السلطنة على العلقة الضعيفة فضلا عن الأولوية، لأن إثبات شئ للقوي لا
يستلزم إثباته للضعيف، بل الحال بالعكس فإن إثبات شئ للضعيف يقتضي ثبوته
للقوي بطريق أولى.
والذي نراه في منشأ اختلاف المحققين في تقريب الأولوية ونفيها هو أن..
المحقق الأصفهاني (رحمه الله) لاحظ كون السلطنة من شؤون الشخص المالك
ومقتضياته، فإذا كان الشخص ذا قدرة على إزالة العلقة القوية كانت له قدرة على
إزالة العلقة الضعيفة بطريق أولى.
وأما المحقق الإيرواني (رحمه الله)، فقد لاحظ السلطنة من شؤون ومقتضيات نفس
العلقة. ومن الواضح أن الشئ القوي إذا اقتضى أمرا لم يستلزم أن يقتضي
الضعيف ذلك الأمر فضلا عن الأولوية بل الأمر بالعكس.
فالمدار في الاختلاف على ملاحظة السلطنة من شؤون الشخص ذي العلقة أو
من شؤون نفس العلقة. فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد أن أنهى الكلام في مسقطية الاسقاط تعرض إلى البحث في
مسألة وموضوعها أنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر. ولعل التعرض إلى ذلك
باعتبار وروده في النص، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه ورد في ذيل بعض أخبار خيار
المجلس: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر " (2).
وعلى كل، فقبل الدخول في المسألة ينبغي التنبيه على شئ وهو: أن البحث
فيها يقع على بعض المباني في حقيقة الخيار لا على جميعها، فقد عرفت الكلام
في أن حق الخيار هل يتقوم بأمرين أحدهما حق إبرام العقد والآخر حق فسخ
العقد - كما عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) - أو أنه عبارة عن حق فسخ العقد
وعدمه، كما قربناه تبعا للشيخ (قدس سره).

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 222، الطبعة الأولى.
2 - الطبرسي، حسين: مستدرك وسائل الشيعة، ج 13: باب 2، من أبواب الخيار، ح 3.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 3، الطبعة الأولى.
158

ثم إنه بناء على المسلك الأول يقع الكلام في أنه إذا تحقق إبرام العقد من قبل
أحدهما، فهل يترتب عليه إبرام العقد بقول مطلق بحيث لا يبقى مجال لاعمال
الآخر حق خياره باختيار الفسخ. أو أنه إنما يترتب عليه إبرام العقد من ناحيته
فقط؟
ولا يخفى عليك أن الكلام في سقوط خيار الآمر وعدمه عند اختيار المأمور
الامضاء الذي هو محل البحث في هذه المسألة إنما يتأتى على المسلك الثاني في حق
الخيار أو الوجه الثاني من وجهي المسلك الأول. أما بناء على الوجه الأول منهما،
فلا مجال للبحث، لأن إمضاء المأمور يستلزم إبرام العقد ولزومه بقول مطلق
الملازم لعدم ثبوت خيار لأي شخص، فلا معنى للبحث عن سقوط خيار الآمر
وعدمه، فالتفت.
وكيف كان، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن المأمور بالاختيار لا يخلو إما أن يختار
الفسخ، أو يختار الامضاء، أو يسكت.
فإن اختار الفسخ، فلا مجال للبحث في بقاء حق الخيار للآمر لانفساخ العقد
بفسخه، وهو مما لا يتصور فيه أن يكون من طرف دون آخر، فلا معنى لأن يكون
العقد منفسخا من طرف وغير منفسخ من طرف آخر. وعليه، فلا موضوع للخيار
بعد الفسخ.
وإن اختار الإمضاء فالأقوال ثلاثة:
الأول: الالتزام بسقوط خيار الآمر وهو ظاهر الأكثر.
الثاني: الالتزام بسقوط خياره مع إرادته بأمره تمليك الخيار لصاحبه وإلا فهو
باق مطلقا - سواء أراد التفويض أم استكشاف الحال - وهو ظاهر التذكرة (1).
الثالث: الالتزام بسقوط خياره مع إرادته تمليك الخيار لصاحبه أو تفويض
الأمر إليه، وأما مع إرادة استكشاف الحال فلا يسقط خياره.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 518، الطبعة الأولى.
159

وإن اختار السكوت، فالأقوال ثلاثة أيضا.
الأول: بقاء الخيار مطلقا.
الثاني: السقوط مطلقا.
الثالث: السقوط مع إرادة التمليك، وهو للتذكرة (1).
والذي أفاده (قدس سره) في هذا المقام: هو أن كلمة.. " اختر " بحسب وضعه ظاهرة في
طلب الاختيار لأحد الأمرين من الفسخ والامضاء، ولا ظهور له في تمليك الخيار
أو تفويض الأمر إليه أو استكشاف الحال، نعم ظاهره عرفا كونه لأجل استكشاف
حال المخاطب وأنه ماذا ينوي؟ وكأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك
المخاطب، كما يظهر من باب الطلاق، وعليه يحمل النص السابق على تقدير
صحة سنده.
وعليه، فإن تمت دلالته على اسقاط الآمر خياره فهو وإلا فلا مزيل لخياره.
وتحقيق المقام: أن ظاهر كلمة: " اختر " - بحسب مادتها وهيئتها - وإن كان هو
طلب اختيار أحد الأمرين من الفسخ أو عدمه، إلا أنه لا مجال للأخذ بهذا الظاهر
ههنا بعد فرض أن المأمور له الخيار وأن له الفسخ وعدمه.
كما أنه لا مجال لحمله على إرادة استكشاف الحال، لأنه قد يتخلف ولا
ينكشف الحال للآمر، إذ له أن يسكت خصوصا لو التفت إلى أن غرض الآمر ذلك.
وأيضا لا يمكن حمله على إرادة تمليك الخيار للمأمور لأن حق الخيار لا يقبل
النقل إلى الغير.
وبعد بطلان هذه المحتملات يدور الأمر بين احتمالين احتمال كون الآمر
قاصدا اسقاط حقه الثابت له وعزل نفسه عن هذا الشأن وحصره بالمأمور،
واحتمال كونه في مقام تفويض أمر خياره للمأمور وتوكيله في اعماله، فالراجح
هو الأول، لأن مثل هذه الكلمة عادة إنما تقال في مقام تكريم الطرف الآخر
وتبجيله، وهذا إنما يتناسب مع عزل الآمر نفسه عن المأمور به بالمرة، وتوكيله

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 518، الطبعة الأولى.
160

الطرف الآخر في اعمال حقه لا يستلزم انعزاله عن ذلك إذ له أن يعدل عن التوكيل
ويقوم بالأمر بنفسه خصوصا بملاحظة أن الوكيل لا بد أن يلاحظ مصلحة الموكل،
فتقييده بما يكون له فيه مصلحة المستلزم لأن يكون على الوكيل ضرر أحيانا
خلف كونه في مقام التعظيم.
وبذلك نقول إن هذه الكلمة ظاهرة في اسقاط الآمر حق الخيار الثابت له،
ومقتضى ذلك سقوطه مطلقا في جميع الصور الثلاث، ويكون الحكم في النص
على طبق ظاهر الكلام. فلاحظ.
وأما ما تعرض إليه الشيخ (قدس سره) (1) بعد ذلك من أن امضاء أحد الطرفين للعقد لا
يستلزم سقوط حق الآخر بل له الفسخ وإن فسخ ينفسخ العقد، وأنه ليس من باب
تعارض الإجازة مع الفسخ وتقديم جانب الفسخ كي يقال إنه محل خلاف وأن
تعارضهما في موارد خاصة.
فليس تحقيقه في هذا المقام وسيأتي ايضاحه والكلام فيه في محل آخر إن شاء الله
تعالى.
الثالث: - من مسقطات خيار المجلس - افتراق المتبايعين، وسقوط الخيار به
- في الجملة - مما لا إشكال فيه ولا ريب للنصوص الدالة عليه مفهوما ومنطوقا،
ويقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: لا ريب في أن افتراق المتبايعين كاشف عرفا عن الرضا بالمعاملة
وأمارة عليه، فإن الشخص إذا لم يقتنع برجحان المعاملة ويبني على أنها في محله
لا يكاد يقوم عن مكانه ويذهب، بل يبقى مترويا، فإذا بقي كذلك وتبين له
رجحان المعاملة وصلاحها ذهب، والظاهر أن هذا مما لا ينبغي الشك فيه.
ويقع الكلام بعد الفراغ عن ذلك في أن حكم الشارع بكون الافتراق مسقطا
للخيار هل هو بملاك كشفه عن الرضا بالمعاملة، أو لا بل يكون له موضوعية بنظر
الشارع وبما هو افتراق؟

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 222، الطبعة الأولى.
161

وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1): أنه لا إشكال في عدم اعتبار ظهوره في رضا
المتبايعين بالبيع وإن كان يظهر ذلك من بعض الأخبار، ويريد به رواية الفضيل (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: " قلت له ما الشرط في غير الحيوان؟
قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما ". وقد
استدل (قدس سره) فيما يأتي بهذه الرواية على اعتبار دلالة الافتراق على الرضا في سقوط
الخيار، مع أنه لم يعتد بظهورها ههنا، ولم يعلم السر في ذلك، فهل نظره ههنا إلى
إنكار دلالة الرواية أو إلى وقوع التسالم على خلاف مفادها؟
وعلى كل حال، فلا بد من ايقاع البحث في مفاد الرواية ومعرفة المراد منها،
فنقول: إن محتملات الرواية متعددة:
الأول: أن يكون المراد بالرضا هو الرضا بالمعاملة حدوثا، فتفيد الرواية: عدم
ثبوت الخيار عند الافتراق بعد صدور المعاملة عن رضا من الطرفين.
الثاني: أن يراد بالرضا الرضا بالمعاملة بقاء بمعنى عدم الفسخ بعد وقوعها،
فتفيد الرواية: عدم ثبوت الخيار عند الافتراق وعدم صدور الفسخ من أحد
الطرفين.
الثالث: أن يراد به الرضا بالافتراق في قبال الافتراق لا عن رضا بل عن إكراه
أو اضطرار، فتفيد الرواية: أن الافتراق إنما يوجب سقوط الخيار إذا صدر عن
رضا لا ما إذا صدر عن إكراه أو اضطرار.
الرابع: أن يراد بيان دخل الرضا في لزوم المعاملة وهو مما يتصور على نحوين:
أحدهما: أن يكون المدار في السقوط على الافتراق المسبوق بالرضا
الواقعي، فالافتراق إنما يترتب عليه السقوط إذا تحقق العلم برضاهما في مرحلة
سابقة عليه.
والآخر: أن يكون المدار في السقوط على الافتراق بما هو كاشف عن الرضا لا بما
هو هو. فهذه محتملات خمسة.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 222، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 1، من أبواب الخيار، الحديث: 3.
162

أما الأول، فهو بعيد جدا لأن الرضا بالمعاملة عند حدوثها من شرائط صحتها،
وبدونه لا تكون صحيحة.
ومن الواضح أنه ليست الرواية في مقام بيان اعتبار ما هو دخيل في صحة
المعاملة لكي تكون موردا لثبوت الخيار وعدمه، إذ المعاملة الباطلة خارجة عن
مقسم الخيار وعدمه.
وأما الثاني، فهو بعيد عن ظاهر الرواية جدا وإن استقربه المحقق
الإيرواني (رحمه الله) (1)، بدعوى: أن حصول اللزوم عند التفرق في فرض عدم تحقق
الفسخ قبله وإلا فلا موضوع للزوم.
وأما الثالث، فهو بعيد أيضا عن ظاهر الرواية، كما اعترف بذلك من احتمله
وهو المحقق الإيرواني (رحمه الله).
وأما الرابع، فهو ممنوع، لأن الرضا بالمعاملة بنفسه موجب لسقوط الخيار
على ما تقدم بيانه. وعليه، ففيما نحن فيه يكون المستلزم للسقوط هو الرضا لأنه
يوجب اللزوم، كما عرفت. وهذا يستلزم عدم دخل الافتراق أصلا في ترتب
السقوط وهو يخالف ظهور النصوص في أن للافتراق دخلا في سقوط الخيار.
فيتعين بعد بطلان جميع هذه المحتملات الالتزام بالمحتمل الخامس، فيكون
الموجب للسقوط هو الافتراق بما هو كاشف عن الرضا.
ومثل هذا التعبير كثير عرفا، فمثلا إذا تكلم شخص بما يوجب هتك صديقه
يقول له الصديق: " أنه لا صداقة بيننا بعد الإهانة "، فإنه ظاهر في أن الكلام الصادر
مزيل للصداقة باعتبار أنه إهانة وهتك. فتدبر.
الجهة الثانية: في اعتبار اجتماع المتبايعين في المجلس في ثبوت الخيار
وعدمه، وتوضيح ذلك: أنه..
تارة: يقع البيع بين اثنين بينهما هيئة اجتماعية في مكان البيع بحيث يصدق كونهما
مجتمعين، كما إذا كانا جالسين في غرفة واحدة ووقع البيع بينهما.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
163

وأخرى: يقع البيع بين اثنين لا اجتماع بينهما حال البيع، كما لو كان كل واحد
منهما في مدينة غير مدينة الآخر وعقد البيع بواسطة الهاتف.
فالكلام في هذه الجهة يقع في أنه هل يعتبر الاجتماع في ثبوت الخيار أو لا
يعتبر، بل يثبت الخيار في مطلق البيوع ويزول بزوال الهيئة التي كان عليها
المتبايعان؟
والظاهر هو الأول، لأن نصوص الباب دلت على ثبوت الخيار مقيدا بعدم
الافتراق أو مغيى بالافتراق وظاهر ذلك هو فرض موضوع الخيار ما يقبل طروء
وصف الافتراق عليه، ولازمه أخذ عنوان الاجتماع، إذ الافتراق لا يصدق
خارجا إلا بزوال وصف الاجتماع، ولا يصدق بزوال كل هيئة كان عليها
المتبايعان ولو كانا بعيدين غاية البعد، ولو فرض أنه يصدق فهو صدق دقي لا
عرفي، بل هو خلاف المتفاهم العرفي من لفظ الافتراق.
وعلى ما ذكرنا يشكل الالتزام بثبوت الخيار لو أوقعا البيع وهما جالسين في
غرفتين متلاصقتين من طريق النافذة الموجودة بين الغرفتين. لعدم تحقق
الاجتماع بين المتبايعين، ونحوه في الاشكال ما إذا أوقعا البيع وهما في سفينتين
متلاصقتين. فتدبر.
ولم يتعرض الشيخ (قدس سره) إلى هذه الجهة أصلا وإنما تكلم فيما يتحقق به الافتراق
مع أنها دخيلة في الجهة الآتية كما سيتضح انشاء الله تعالى.
الجهة الثالثة: فيما يتحقق به الافتراق، والأقوال التي أشار إليها الشيخ (قدس سره)
ثلاثة:
الأول: أدنى الانتقال ولو كان أقل من خطوة.
الثاني: الخطوة فما زاد، فلا يتحقق بأقل منها.
الثالث: عدم كفاية الخطوة واعتبار خطوات.
والتحقيق: أنه بعد إن عرفت أن المراد بالافتراق ما يقابل الاجتماع بحيث
يرتفع صدق كونهما مجتمعين، لم تكن الخطوة كافية في تحققه لعدم انتفاء صدق
164

الاجتماع بمشي خطوة بل يقال إنهما مجتمعين، فلا يقال لمن بعد عن صاحبه
مقدار خطوة أنه فارقه، إذ كثيرا ما يكون ذلك بين رفيقين يسيران في الطريق، بل
لا بد من مشي خطوات عديدة، ولعله لأجل ذلك ورد في النص (1) أنه (عليه السلام) مشى
خطوات بقصد ايجاب البيع. نعم لو كان المراد من الافتراق عبارة عن زوال هيئة
المتبايعين - ولو كانا منفصلين حال البيع تمام الانفصال - تحقق بخطوة بل بأقل
منها، فيتجه القول الأول، لكن عرفت الاشكال في المبنى المذكور. فلاحظ.
الجهة الرابعة: في أن الافتراق بمفهومه العرفي هل يتحقق من الطرفين بحركة
أحدهما وسكون الآخر، أو أنه لا يتحقق إلا بحركة كل واحد منهما إلى غير جهة
الآخر؟
كلام الشيخ (قدس سره) في المقام لا يخلو عن تهافت، لأن ظاهر صدر كلامه هو تحقق
الافتراق من كل منهما بحركة أحدهما خاصة بملاحظة عدم مصاحبة الآخر معه
فيكون كل منهما مفترقا. وظاهر ذيل كلامه: أن الافتراق في مثل هذه الصورة
يتحقق بالنسبة إلى المتحرك خاصة وإن استلزم سقوط الخيار من الطرفين، نعم
سكون الآخر شرط في اتصاف حركة المتحرك بالافتراق. أما المفترق فهو
خصوص المتحرك. واستدل بالنص المتضمن لمشيه (عليه السلام) خطا بقصد ايجاب البيع.
وقد ذكر السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) كلاما طويلا في المقام، ملخصه: هو إنا نلتزم
بتحقق الافتراق من الطرفين في صورة الحركة من أحدهما وسكون الآخر وإلا
فلو كان الافتراق من جهة المتحرك خاصة فلا دليل على سقوط الخيار من
الطرفين، لأن ظاهر الأدلة هو استناد السقوط إلى حركة صاحب الخيار وافتراقه،
والرواية المزبورة لا تدل على ذلك لأن الإمام (عليه السلام) بتحركه أوجد افتراق الطرف
الآخر أيضا لا أنه افترق خاصة ولكن بافتراقه سقط خيار الآخر، بل تحقق
الافتراق من طرف دون آخر غير معقول.

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 2 من أبواب الخيار، ح 2 و 3.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 14، الطبعة الأولى.
165

وقد صرح (رحمه الله) بأنه على تقدير أن يكون المراد بصدر عبارة الشيخ (قدس سره) هو تحقق
الافتراق من الطرفين لا مجال لعبارة الذيل.
وللمحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) - في المقام - تحقيق دقيق. إلا أنه كبعض تعليقاته
في مباحث الأصول، تحقيق علمي اصطلاحي لا يترتب عليه أثر عملي، كتحقيقه
في أن محذور أخذ قصد الأمر في متعلقه هو الخلف لا الدور.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) إلى أن البحث في مقامين:
أما المقام الأول، فهو أن الافتراق المجعول غاية للخيار في النصوص هل هو
أمر اختياري يعتبر في تحققه الاختيار أو أنه يكفي في تحققه قيامه بهما ولو لم
يكن ذلك عن اختيار لهما أو لأحدهما؟. وذهب (رحمه الله) إلى الثاني باعتبار أن الأفعال
على نحوين فمنها ما يدل بهيئته على حلول الفعل ومطاوعة الفاعل، كالموت
والانكسار. ومنها ما يدل بهيئته على معنى الفعل دون المطاوعة، كالضرب. ويعتبر
في الثاني الاختيار، ولا يعتبر في الأول. وباب الافتعال من النحو الأول
كالافتراق، فإنه لا يعتبر فيه الصدور الاختياري.
وأما المقام الثاني، فهو أنه بعد فرض كون غاية الخيار هو الافتراق اختيارا
فهل يتحقق ذلك بحركة أحدهما وسكون الآخر أو أنه لا يتحقق إلا بحركتهما معا.
وقد ذكر أن كلام الشيخ (قدس سره) ناظر إلى المقام الثاني.
وبنى القولين فيه على أن البقاء هل يستغني عن العلة بعد تحقق علة الحدوث
أو أنه يحتاج إلى علة كالحدوث؟، فعلى الأول يكون افتراق الساكن غير
اختياري بخلافه على الثاني لأن سكونه بقاء باختياره فيكون بقاؤه اختياريا. هذا
ما أفاده المحقق الإيرواني (رحمه الله).
ولكن ما ذكره من كون نظر الشيخ إلى المقام الثاني غير وجيه، لأن الشيخ (قدس سره)
اختار سقوط الخيار بتحقق الافتراق بحركة السفينتين إذا كانا فيهما حال البيع، مع

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 27، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 14، الطبعة الأولى.
166

أن الفرد الظاهر لحركة السفينة هو الحركة غير الاختيارية.
كما أن بناء الكلام فيه على المبنى الواضح الفساد لدى أهل النظر ليس كما
ينبغي.
والذي ينبغي أن نقوله: هو أن البحث في جهة عرفية وهي أنه هل يصدق
الافتراق عرفا - بحسب مفهومه - على حركة أحدهما دون الآخر أو أنه لا يصدق
إلا بحركة كل منهما إلى غير جهة الآخر؟
وتحقيق ذلك: أن مفهوم الافتراق إذا كان أمرا عدميا بأن كان عبارة عن عدم
الاتصال وعدم الاجتماع، فتحققه في صورة حركة أحدهما وسكون الآخر لا
ينبغي الريب فيه لانتفاء الاجتماع بحركة أحدهما مع سكون الآخر.
وأما إذا كان مفهوم الافتراق مشتملا على خصوصية وجودية بأن كان مساوقا
لكلمة: " جدائي " في الفارسية، فلا يصدق في هذه الصورة على كلا الطرفين.
ويشهد لذلك أنه لو اعترض على الساكن منهما بقوله: " چرا از أو جدا شدى "
لصح له أن يعتذر بعدم صدوره منه، وأن المتحرك هو الذي افترق لا أنا.
وهذا مما لا اختصاص له بما إذا تحرك أحدهما وسكن الآخر، بل يشمل ما
إذا سكن أحدهما وتحرك الآخر في مورد يقتضي الحال حركتهما معا، فإن
المفترق هو الساكن دون المتحرك كما إذا كانا يمشيان معا فوقف أحدهما واستمر
الآخر في مشيه، فإن الماشي يصح له الاعتذار بأنه لم ينفصل عن صاحبه وإنما
صاحبه انفصل عنه. فالمدار على خروج أحدهما عن الحالة التي يقتضي الطبع
استمرارهما عليها من حركة أو سكون.
وإذا عرفت دوران الحال في صدق الافتراق على سكون الساكن في المثال
المزبور على تعيين ما هو مفهوم الافتراق وأنه أمر عدمي أو وجودي؟ فبما أنه لا
طريق لدينا لمعرفة مفهومه العرفي العربي كان صدقه في مفروض المسألة محل
إشكال.
هذا ولكن الذي يهون الخطب وجود الدليل الخاص على سقوط الخيار من
167

الطرفين في مثل مفروض المسألة وهو النص المتضمن لبيان مشيه (عليه السلام)
خطوات بقصد ايجاب البيع، فلا يهم بعد ذلك صدق الافتراق على سكون الساكن
وعدمه. فتدبر.
الجهة الخامسة: في أنه إذا تحقق الافتراق عن إكراه من الغير مع عدم التمكن
من التخاير قبل الافتراق، فهل يكون مثل هذا الافتراق موجبا لسقوط الخيار أو لا؟
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن المعروف عدم الاعتبار به واستدل لذلك بوجوه:
الوجه الأول: دعوى تبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار.
وعليه، فالمراد بالافتراق هو الافتراق الصادر عن اختيار، فلا عبرة بغير
الاختياري منه.
وقد قربه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) بما حاصله: أن نسبة المواد إلى محالها مختلفة
بسبب اختلاف المسند إليه من كونه فاعلا بالطبع كالنار بالنسبة إلى الحرارة،
وكونه فاعلا بالإرادة، ففي الأول لا تقتضي نسبة المادة إلى المحل سوى قيامها به
بخلاف الثاني فإن نسبتها إلى الفاعل بما هو فاعل بالإرادة تقتضي صدورها منه
بالإرادة والاختيار.
ولا يخفى أن ذلك لا يتنافى مع صدورها منه عن إكراه، إذ الاكراه لا
يستلزم سلب الإرادة عن الفعل المكره عليه، لكن ظاهر إسناد الفعل إلى
الفاعل بالإرادة هو صدوره منه بنفسه وبطبعه من دون دخل لإرادة الغير فيه،
وهذا يستلزم عدم صدوره عن إكراه لأن إرادة الغير - في باب الاكراه - دخيلة
في تحقق الفعل، إذ الفاعل لولا توعيد المكره لا يصدر منه الفعل بطبعه لعدم ميله
إليه.
وعليه، فبمقتضى هذين الأمرين - اقتضاء مقام الفاعل بالإرادة لصدور الفعل
عنه بالإرادة وظهور إسناد الفعل إليه بما هو كذلك في صدوره منه مستقلا وبلا
شركة للغير فيه - يحمل الافتراق على ما صدر عن اختيار وبلا إكراه.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 28، الطبعة الأولى.
168

ويشكل التقريب الأول لهذا الوجه بما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أنه لا
يعتبر في إسناد الفعل إلى الفاعل المختار وغيره سوى قيامه به أو صدوره عنه ولو
كان صدوره عن غفلة وعدم شعور، واستشهد على ذلك ببعض الأمثلة، كقولهم:
" من أتلف مال غيره فهو له ضامن ". فإنه يؤخذ باطلاقه في إثبات الضمان في
موارد الاتلاف الصادر عن غير اختيار، ومثل: " من أحدث بطلت صلاته أو
وضوءه " فإنه شامل للحدث الاختياري وغيره.
كما يرد على هذا الوجه ما ذكره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) من: أن ما يدل على
النسبة الصدورية ظاهر في الصدور الاختياري سواء كان اسما مثل ضارب أم
فعلا مثل ضرب وأما ما يدل على النسبة الحلولية أو الوقوعية مثل مات ونام
وتدحرج ومضروب فلا ظهور له في الاختيار لو لم يكن له ظهور في العكس.
والافتراق من قبيل الثاني فإنه يدل على المطاوعة وتحمل المبدأ.
وعليه، فلا ظهور له في الافتراق الاختياري. نعم لو كانت غاية الخيار هو
التفرق كان ظاهرا في الاختيار.
ومن هذا البيان يظهر الاشكال فيما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، فإنه بعد
إنكار ظهور الافتراق في الافتراق الصادر عن إرادة لا تصل النوبة إلى استظهار
صدوره من الفاعل بنحو الاستقلال وعدم شركة الغير فيه. فلاحظ.
الوجه الثاني: دعوى أن المتبادر من التفرق هو الناشئ عن رضا بالعقد، وقد
ذكر الشيخ (قدس سره) هذا الوجه بهذا المقدار بلا تقريب له.
وقد قربه بعضهم (3) بأن الافتراق بحسب ملاحظة السيرة الخارجية ينشأ غالبا
عن الرضا بالمعاملة بحيث إذا لم يتحقق الرضا لم يتحقق الافتراق ولذا كان الافتراق
كاشفا نوعا عن الرضا، كما تقدم بيانه في الجهة الأولى.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 14، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 14، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 27، الطبعة الأولى.
169

وعليه، فالمراد من الافتراق المجعول غاية للخيار في النصوص هو الفرد
الغالب منه لانصراف اللفظ إليه بمقتضى الغلبة، فلا يكون غيره من أفراد الافتراق
النادرة موجبا لزوال الخيار.
ولا يخفى أن هذا الاستدلال لا يرتبط بالاستدلال برواية الفضيل المتقدمة
الذكر، بل هو استدلال مستقل يعتمد على دعوى الانصراف بحكم الغلبة.
ويتوجه عليه: - بعد الفراغ عن هذه الجهة - أن المراد إن كان انصراف الافتراق
إلى الافتراق المسبوق بالرضا بالمعاملة بحيث تكون الغاية مجموع الأمرين الافتراق
والرضا السابق عليه، ففيه: أن الرضا بنفسه يستلزم سقوط الخيار ولزوم المعاملة
عند تحققه.
وعليه، فلا معنى لأخذ الافتراق اللاحق له دخيلا في السقوط، بل يكون أخذه
لغوا لسقوط الخيار قبل تحققه.
وإن كان المراد الانصراف إلى الافتراق الكاشف نوعا عن الرضا فيكون
المسقط هو الخيار بما هو كاشف عن الرضا نوعا لا بما هو هو، ففيه:
أولا: إنا ننكر كون الافتراق غير الكاشف عن الرضا نوعا نادر التحقق، بل هو
كثير وإن كان الفرد الكاشف أكثر منه لكن مطلق الأكثرية لا تستلزم الانصراف.
وثانيا: ما تقرر أخيرا من أن الغلبة والشيوع بحسب الوجود الخارجي لا
يستلزم انصراف اللفظ المطلق إلى الفرد الشائع، وإنما الموجب للانصراف هو
الغلبة بحسب الاستعمال الموجبة لحصول الأنس بين اللفظ والمعنى. وهي - أعني
الغلبة بحسب الاستعمال - غير مدعاة ولا مجال لادعائها لعدم الشاهد عليها بل
الشاهد على خلافها.
الوجه الثالث: حديث رفع الاكراه (1)، فإن مقتضاه عدم ترتب الأثر على
الافتراق المتحقق عن إكراه وهو اللزوم، بناء على شمول حديث الرفع للأحكام الوضعية كشموله للأحكام التكليفية.

1 - وسائل الشيعة: ج 11 / باب 56، من أبواب جهاد النفس.
170

وقد يتوجه على هذا الوجه إيرادات:
أولها: أنه لو بنى على عدم ترتب اللزوم على الافتراق عن إكراه من جهة
الالتزام بحديث الرفع للزم أن يبني على ذلك في صورة الاكراه على الافتراق مع
تمكنهما من التخاير، لأن نسبة حديث الرفع إلى الافتراق في كلا الفرضين على
حد سواء، مع أنهم لم يلتزموا بعدم سقوط الخيار مع التمكن من التخاير. فيكشف
ذلك عن عدم الاستناد إلى حديث الرفع فيما نحن فيه.
ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأنه مع التمكن من التخاير والقدرة على فسخ المعاملة
إذا تحقق الاكراه على الافتراق ولم يفسخ المتبايعان المعاملة مع تمكنهما عليه كشف
ذلك عن رضاهما بالمعاملة، وهو مستلزم لسقوط الخيار ولزوم المعاملة،
فالمعاملة تكون لازمة في هذا الفرض في مرحلة سابقة على الافتراق، فلا أثر
للافتراق كي يبحث في رفعه بحديث الرفع وعدمه.
أما مع عدم التمكن من التخاير، فالموجب للزوم المعاملة على تقديره هو
الافتراق ليس إلا، فيقع الكلام في شمول حديث الرفع له لوقوعه عن إكراه فينتفي
أثره الوضعي.
فعدم التمسك بحديث الرفع في صورة التمكن من التخاير ليس لأجل عدم البناء
على حديث الرفع وإنما هو لأجل تحقق لزوم المعاملة قبل الافتراق بالرضا فلا أثر
للافتراق، وأخذ قيد المنع من التخاير من جهة المحافظة على استناد اللزوم - لو
ثبت - إلى الافتراق لعدم ما يستند إليه اللزوم غيره من دون دخل له في التمسك
بحديث الرفع حكما.
ثانيها: ما ذكره السيد الطباطبائي (1) وتابعه المحقق الإيرواني (رحمهما الله) (2) من: أن
الافتراق إذا كان مأخوذا قيدا وغاية للموضوع بأن كان موضوع الخيار البيعين مع
عدم افتراقهما لم يكن حديث الرفع محكما في الفرض الذي نحن فيه، بل يزول
الخيار بتحقق الافتراق ولو كان عن إكراه.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 15، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 14، الطبعة الأولى.
171

وأما إذا كان مأخوذا غاية للحكم كان لحديث الرفع في نفي تأثير الافتراق
الاكراهي في اللزوم مجال، واستشهد (رحمه الله) على ما ذهب إليه على التقدير الأول بأنه
إذا أمر المولى عبده باكرام زيد الجالس في المسجد بحيث كان موضوع الاكرام
هو زيد المقيد بكونه في المسجد، فلو أخرج زيد من المسجد مكرها، فهل يتوهم
أحد بقاء الحكم بوجوب إكرامه بعد خروجه بدعوى أن حديث الرفع يتكفل رفع
أثر الخروج؟
وقد استظهرا (قدس سرهما) من الأدلة كون الافتراق مأخوذا قيدا للموضوع. ولأجل
ذلك أنكرا إجراء حديث الرفع فيه.
وقد ناقش المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في هذا البيان: بأن المدار في جريان حديث
الرفع على كون الافتراق قيدا شرعيا في قبال كونه قيدا عقليا، فإذا كان قيدا
شرعيا جرى حديث الرفع فيه بلا فرق بين الصورتين لأنه مما يكون أمر وضعه
ورفعه بيد الشارع. فالخيار إذا ثبت شرعا للبيعين ممتدا إلى حصول الافتراق صح
رفعه كما صح وضعه.
وأما إذا كان موضوع الخيار هو الهيئة الاجتماعية الخاصة المستفاد ذلك من
جعل الافتراق حدا، كان الافتراق حدا عقليا لزوال تلك الهيئة التي هي موضوع
الأثر شرعا حدوثا وبقاء، فالاكراه على الافتراق ليس إكراها على ما هو موضوع
الأثر شرعا.
والذي يقتضيه النظر هو صحة ما ذهب إليه السيد (رحمه الله) من منع جريان حديث
الرفع على تقدير أخذ الافتراق من قيود الموضوع لا الحكم، بيان ذلك: أن
الافتراق إذا كان قيدا للموضوع فلا يكون له حكم مستقل، بل الحكم المستقل
يترتب على الموضوع المقيد به، فإذا أريد إجراء حديث الرفع فإنما يجري
بالنسبة إلى الحكم المترتب على الموضوع المقيد.
ومن الواضح أن إجراءه ينتج عكس النتيجة المطلوبة، لأن الحكم المترتب

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
172

على الموضوع المقيد هو الخيار، ونفي هذا الأثر بتحكيم حديث الرفع يستلزم
ترتب اللزوم، كما لا يخفى، مع أن المطلوب هو إبقاء الجواز بعد تحقق الافتراق
عن إكراه. أما إذا كان الافتراق غاية للحكم نفسه كان له أثر مستقل لأنه مما
يترتب عليه سقوط الخيار ولزوم العقد، فيمكن إجراء حديث الرفع لغرض نفي
هذا الأثر فتترتب عليه النتيجة المطلوبة، فالتفصيل الذي ذكره السيد (رحمه الله) في محله
ولا وجه لإيراد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) عليه.
نعم الذي يرد على السيد (رحمه الله) هو ما ذهب إليه من ظهور دليل الخيار في أخذ
الافتراق حدا للموضوع، فإنه خلاف الظاهر من الدليل، بل ظاهره كون الخيار
مغيى بالافتراق وأن الافتراق غاية للحكم وحدا لاستمراره، كما يظهر ذلك
بملاحظة قوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار لهما "، فإنه
ظاهر في ترتيب سقوط الخيار على الافتراق، فلاحظ.
ثالثها: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من: أن الحديث إنما يجري في خصوص
مورد الأسباب المعتبر فيها طيب النفس لا مطلق موضوع الحكم ولو لم يكن من
الأسباب.
ويتوجه عليه: أن الأثر الشرعي إذا كان مترتبا على السبب المتحقق عن طيب
النفس يرتفع بالاكراه لأجل عدم تحقق موضوعه وهو طيب النفس، فلا حاجة
حينئذ للتمسك بحديث رفع الاكراه، وهذا واضح جدا، ومن الغريب صدور ما
ذكرنا عن المحقق الأصفهاني (رحمه الله).
والذي يتعين أن يقال في بيان عدم جريان حديث الرفع فيما نحن فيه هو: أن
حديث الرفع إنما يجري في مورد يكون موضوع الحكم فيه هو الفعل الاختياري،
لا ما يكون الموضوع فيه ليس بفعل بل كان أمرا خارجيا، أو يكون الموضوع فعلا
لكنه مطلق الفعل أعم من الاختياري وغيره.
وتوضيح ذلك باجمال: أنه وقع الاتفاق على عدم الفرق في الحكم بالضمان في

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 29، الطبعة الأولى.
173

موارد الاتلاف بين ما إذا كان اختياريا أو لم يكن بالاختيار أو كان اختياريا غير
تام الاختيار، كما في صورة الاكراه، ومثله الحال في ترتب النجاسة على الملاقاة
فإنه لا فرق في ترتبها بين تحقق الملاقاة اختيارا أو بغير اختيار.
وقد وقع الكلام في توجيه ذلك ومعرفة السر في عدم تحكيم حديث رفع
الاكراه.
وقد تكلم كل منهم في ذلك بكلام.
وذكر بعضهم: أن السر فيه هو أن حديث الرفع إنما يجري في مورد يكون
الموضوع مقتضيا للحكم لا علة تامة له. والاتلاف بالنسبة إلى الضمان من قبيل
الثاني، فلا يجري فيه حديث الرفع.
وذهب المحقق النائيني (رحمه الله) (1) - في أصوله - إلى توجيه آخر لا يلزمنا
التعرض إليه وإلى غيره من التوجيهات، بل المهم لدينا بيان ما نراه حلا للاشكال
وجوابا للسؤال وهو: أن الحديث يختص برفع الأثر المترتب - في لسان دليله -
على الفعل الاختياري. ومستند ذلك هو مناسبة الحكم والموضوع، فإن مناسبة
ترتيب الحكم على الاكراه هو ما ذكرنا، فلا يجري الحديث فيما إذا لم يكن
موضوع الأثر من مقولة الفعل أو كان فعلا لكنه أخذ في موضوع الأثر بما هو هو لا
بما هو اختياري للفاعل. إذ الاكراه يرجع إلى حمله المكره على الفعل بحيث لولاه
لما كان يصدر من المكره، فإذا لم يكن موضوع الأثر من الأفعال بل كان من
الأمور التكوينية المترتبة على الفعل لم يشمله حديث الرفع لو تحقق بسبب
الاكراه، وذلك كالملاقاة التي هي موضوع الحكم بنجاسة الملاقي. وهكذا الحال
فيما إذا كان موضوع الأثر مطلق الفعل لا خصوص الحصة الاختيارية منه. ومن
ذلك الاتلاف الذي هو موضوع للضمان فإنه يترتب عليه الضمان كيفما تحقق.
والافتراق من قبيل الاتلاف، لما عرفت سابقا من عدم كون الافتراق المأخوذ
في موضوع سقوط الخيار هو الحصة الاختيارية، بل الأعم منها ومن الحصة غير

1 - الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الأصول، ج 3: ص 357، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
174

الاختيارية، فلا مجال لجريان حديث الرفع فيه. فلاحظ.
الوجه الرابع: رواية الفضيل (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: " قلت
له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا
خيار بعد الرضا منهما ". وقد استدل بها الشيخ على المدعى.
ولا يخفى أن الرواية تحتمل وجوها متعددة، فلا بد من التعرض لها ومعرفة ما
هو الظاهر منها كي نعرف صحة الاستدلال بها وعدم صحته. وقد تقدم بيان
محتملات خمسة في هذه الرواية فلا نطيل بإعادتها.
نعم هنا احتمال سادس اختاره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) وهو: أن يراد بالرواية
حمل الرضا على الافتراق وبيان أن السقوط لأجل أن الافتراق رضا بالمعاملة لكنه
رضا عملي والتزام عملي بها في قبال الالتزام القولي والقلبي. ومن الواضح أن
الرواية على المحتمل الأول الذي اختاره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) تكون أجنبية
عن المدعى في المقام لأنها عليه في مقام بيان أن موضوع اللزوم والجواز هو
العقد الصادر عن رضا دون غيره لدخالة الرضا في صحة العقد، إذ مع فساده بدون
الرضا لا موضوع للجواز واللزوم.
وهكذا الحال بناء على المحتمل الثاني الذي اختاره المحقق الإيرواني (رحمه الله) (4)
كما لا يخفى.
وأما على المحتمل الثالث، فهي صريحة في الدلالة على المدعى وعدم العبرة
بالافتراق الصادر عن إكراه.
وأما على الاحتمالين الرابع والخامس، فهي تدل على عدم سقوط الخيار
بالافتراق عن إكراه لأنه غير مسبوق بالرضا في هذا الفرض، كما أنه غير كاشف
نوعا عن الرضا.

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 29، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
4 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 13، الطبعة الأولى.
175

وأما بناء على المحتمل السادس، فهي دالة على سقوط الخيار بالافتراق
مطلقا ولو كان عن إكراه.
إذا عرفت ذلك، فقد عرفت أن احتمال الأول خلاف ظاهر الرواية، لأن الرضا
بالعقد حدوثا دخيل في موضوع الحكم باللزوم والجواز معا، فلا خصوصية له في
الحكم باللزوم كي يذكر فيه.
وأما ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في رد هذا الاحتمال: بأن الرضا بالمعنى
المزبور ثابت في كلا فرضي ثبوت الخيار وسقوطه، فلا يصح جعله علة لسقوط
الخيار كالافتراق.
فهو غير سديد بناء على النحو الذي بينا به الاحتمال، من أخذ الرضا قيدا
لموضوع الحكم باللزوم لا أنه غاية للخيار وعلة لسقوط الخيار. فتدبر.
وأما الاحتمال الثاني، فهو خلاف الظاهر كسابقه، لوجهين:
أحدهما: أن عدم فسخ المعاملة قيد مأخوذ في موضوع الحكم باللزوم
والجواز، فلا معنى لأخذه في موضوع الحكم باللزوم.
والآخر: أن جعل الرضا بمعنى عدم الكراهة كناية عن عدم الفسخ خلاف
الظاهر.
وأما الاحتمال الثالث، فهو بعيد عن الظاهر كما صرح به من احتمله، فهو ما
بين من لم يحتمله أصلا وما بين من صرح ببعده. فلا تحمل عليه الرواية.
وأما الاحتمال الرابع، فقد عرفت أنه خلاف الظاهر لأنه يستلزم لغوية
الافتراق في مقام تأثيره في سقوط الخيار مع أن ظاهر النصوص دخالة الافتراق
فيه.
وأما الاحتمال السادس، فلا يمكن حمل النص عليه وذلك لأن الافتراق إنما
يكون التزاما عمليا بالمعاملة إذا فرض أنه مسقط للخيار شرعا، وإلا فلا ربط
للافتراق بالرضا العملي.
وإذا كان الأمر كذلك فلو كان قوله: " بعد الرضا " تفريعا على الحكم بسقوط
الخيار بالافتراق صح الكلام كما لا يخفى.
176

أما إذا كان تعليلا لسقوط الخيار بالافتراق لم يصح - على هذا الاحتمال - لأن
كونه رضا عمليا متفرع عن كونه مسقطا ومترتب عليه فلا معنى لأن يكون علة له.
وظاهر قوله (عليه السلام): " بعد الرضا منهما " أنه بمثابة التعليل للحكم بمسقطية الافتراق
للخيار، فكأنه قال: فإذا افترقا فلا خيار لأنه رضا.
وعليه، فلا يمكن حمله على ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله).
وإذا انتفت جميع هذه المحتملات يتعين المحتمل الخامس وهو الحكم بسقوط
الخيار بتحقق الافتراق باعتبار أنه كاشف نوعا عن الرضا، ومقتضى هذا الاحتمال
على ما عرفت عدم العبرة بالافتراق عن إكراه لعدم كشفه عن الرضا. فلاحظ.
هذا وقد استشكل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في هذا الاحتمال - الخامس -
بوجوه:
الأول: أن تقييد الافتراق بما يكون كاشفا عن الرضا إنما يتم فيما إذا لم يكن
القيد وهو قوله بعد الرضا واردا مورد الغالب، وإلا فمع كونه غالبيا لم يصلح لرفع
اليد به عن الاطلاق.
والأمر فيما نحن فيه كذلك أعني كون القيد غالبيا لغلبة وقوع الافتراق عن
الرضا، ومما يشهد لذلك وعدم صلاحيته للتقييد هو أن القيد المزبور ورد ذكره في
التصريح بمفهوم قوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " لأن قوله: فإذا افترقا فلا
خيار بعد الرضا منهما، تصريح بمفهوم: " ما لم يفترقا " وليس جملة مستقلة، فإنه
شاهد على أن ذكر القيد من باب الغلبة لا لخصوصية فيه، إذ لا مجال له - لو كان
مما له خصوصية - في التصريح بمفهوم المطلق.
الثاني: أن ظاهر النص هو كون عدم الخيار عند الافتراق بعد نفس الرضا لا
الكاشف عنه فحمل الرضا على الكاشف عنه خلاف الظاهر. بخلاف ما إذا جعل
بيانا للافتراق وأنه التزام عملي، فإنه يحافظ على ظهور لفظ الرضا في نفسه لا في
غيره.
الثالث: أن الافتراق لا يكون في وقت ما كاشفا عن الرضا لأن المفترقين إما
أن يمنعا من التخاير أو لا يكونا ممنوعين من التخاير.
177

فعلى الأول، لا يكون افتراقهما كاشفا نوعا عن الرضا.
وعلى الثاني، كان الكاشف نوعا عن الرضا نفس عدم فسخهما قبل الافتراق
لا نفس الافتراق.
وجميع هذه الوجوه مردودة:
أما الأول: فلأن كون القيد غالبيا لا يوجب كونه واردا مورد الغالب لأن
الأصل في كل قيد - ولو كان غالبيا - هو الاحترازية، ولا يحمل على غيرها إلا
بموجب.
وأما التصريح به في مفهوم المطلق فلا يكون دليلا على المدعى، إذ بعد أن كان
الكلام متصلا كان ذلك موجبا لتقييد الاطلاق ولا ينعقد للمطلق ظهور إطلاقي قبل
تمامية الكلام، فإذا ورد ما يستلزم تقييده - كما فيما نحن فيه - كان مقيدا لا مطلقا.
وأما الثاني: فلأن مثل هذا التعبير يعبر به في موارد ثلاثة:
أحدها: ما إذا كان الأثر يترتب على الواقع وقد لوحظ الشئ طريقا إليه، كما
إذا بدرت من شخص بادرة تدل على أنه يضمر العداء والبغض لصديقه فيقول: لا
صداقة بيننا بعد هذا البغض والعداء، فإن نفي الصداقة يترتب على واقع العداء
والبغض.
ثانيها: ما إذا كان الأثر يترتب على الشئ الكاشف عن غيره بما هو هو بلا
ملاحظة جهة طريقيته لغيره، كما إذا صدرت من أحد كلمة كانت إهانة لصديقه
وهتكا له. فإنه يقال إنه لا صداقة بعد هذا الهتك، فإن نفي الصداقة مما يترتب على
صدور الهتك وهو عنوان نفس الفعل.
ثالثها: ما إذا كان الأثر يترتب على الشئ لا بما هو طريق إلى الواقع ولا بما هو
هو بل عليه ولكن بملاحظة كشفه النوعي عن غيره، كما إذا صدر من أحد ما يكون
كاشفا نوعا عن المحبة فيقال: إنه لا بد من مجاملته بعد هذه المحبة في حقنا، في
الوقت الذي لا يكون محبا في واقعه، لأن المجاملة إنما تترتب على ما يكون
كاشفا نوعا عن المحبة لا على المحبة نفسها.
178

وما نحن فيه من هذا القبيل، فليس التعبير المذكور على خلاف الظاهر.
وأما الثالث: فلأن عدم الفسخ في نفسه لا يكشف عن الرضا، فإذا لم يتحقق
الفسخ بعد المعاملة بمقدار دقيقة أو دقيقتين لم يكشف ذلك عن الرضا بالمعاملة،
إذ لعل كلا منهما في مقام التروي والتأمل. وإنما يتحقق الكشف عن الرضا إذا
افترقا قبل الفسخ، فإن صدور مثل هذا الفعل يكشف عن الرضا بالمعاملة وإلا لم
يفترقا قبل الفسخ، فانكشاف الرضا إنما يتحقق إذا استمر عدم الفسخ إلى زمان
الافتراق، فيكون الافتراق هو الكاشف عن الرضا بالمعاملة.
وبالجملة، هذا الاحتمال - الخامس - هو المتعين ومقتضاه عدم سقوط الخيار
فيما إذا أكره المتبايعان على الافتراق مع منعهما من التخاير.
وأما الاستدلال بغير هذا النص من الوجوه السابقة فقد عرفت الخدشة فيه،
كما لا مجال بعد ذلك للاستدلال بالاجماع، لأنه يحتمل استناده إلى هذه الوجوه.
مضافا إلى أنه منقول.
هذا ولكن الحق أن الخيار يسقط بالافتراق مطلقا سواء كان عن إكراه أو عن
غيره ولا يمكن الأخذ بظاهر رواية الفضيل لما سيجئ بيانه في الجهة الآتية إن شاء
الله تعالى، فانتظر.
الجهة السادسة: فيما إذا أكره أحدهما على التفرق ومنع من التخاير، وبقي
الآخر في المجلس..
فتارة: يكره الآخر على عدم مصاحبته للذاهب ويمنع من التخاير. فيدخل في
موضوع الجهة الخامسة المتقدمة وهو ما إذا تحقق الافتراق عن اكراههما معا.
وأخرى: لا يكره الآخر على عدم مصاحبة الذاهب ولم يمنع من التخاير وهو
محل البحث في هذه الجهة.
وهناك صورة أخرى وهي ما إذا أكره أحدهما على المكث في المجلس مع
179

المنع من التخاير وخرج الآخر اختيارا، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الحكم فيها
يعرف من تحقيق الكلام في سابقتها.
فموضوع الكلام فعلا هو ما إذا أكره أحدهما على الذهاب من المجلس مع
منعه من التخاير وبقي الآخر في المجلس اختيارا ولم يمنع من التخاير. وقد ذكر
الشيخ (قدس سره) أن الأقوال أربعة:
الأول: سقوط خيار كليهما وهو ظاهر المحقق (2) والعلامة (3) والشهيد (4) (رحمهم الله)
وغيرهم.
الثاني: عدم سقوط كلا الخيارين وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (5) والمحقق (6)
والشهيد (7) الثانيين ومحتمل كلام العلامة (رحمهم الله) في الإرشاد (8).
الثالث: سقوط خيار المختار خاصة وهو ظاهر خلاف الشيخ (رحمه الله) (9) وجواهر
القاضي (10).
الرابع: التفصيل بين بقاء المختار في المجلس، فيثبت كلا الخيارين. وخروجه
عن المجلس اختيارا، فيسقط كلا الخيارين. وهو ظاهر العلامة (رحمه الله) (11) في
التحرير.
والذي ذكره (قدس سره) في مبنى هذه الأقوال الأربعة هو: أن الافتراق المجعول غاية

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 223، الطبعة الأولى.
2 - المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 2: ص 22، ط مؤسسة المعارف.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 65، الطبعة الأولى.
4 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 266، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
5 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط: ج 2: ص 84، الطبعة الأولى.
6 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 289، ط مؤسسة آل البيت (ع).
7 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 196، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
8 - المقدس الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة والبرهان، ج 8: ص 382، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
9 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 12، المسألة 35، الطبعة الأولى.
10 - ابن البراج، عبد العزيز: جواهر الفقه (سلسلة الينابيع الفقهية، ج 13: ص 120.
11 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 166، الطبعة الأولى.
180

لخيار كلا المتبايعين إما أن يكون المعتبر صدوره عن اختيارهما معا أو يكفي
صدوره عن اختيار أحدهما.
وعلى الأول، فأما أن يكون الافتراق الاختياري من أحدهما مؤثرا في
سقوط خيار نفسه بلا توقف على تحقق الافتراق الاختياري من الآخر، فيتجه
القول الثالث.
وأما أن لا يكون سقوط الخيار لأحدهما بلا سقوط خيار الآخر، بل كان
الخياران مما يسقطان معا، فيتجه القول الثاني لأن الافتراق الاختياري غير
حاصل إلا من قبل أحد الطرفين.
وعلى الثاني، فأما أن يلتزم بعدم تحقق الافتراق الاختياري الموجب لسقوط
كلا الخيارين إلا بفعل وجودي، كالحركة، ولا يتحقق بأمر عدمي، كالبقاء في
المجلس اختيارا مع خروج الآخر عنه، فيتجه القول الرابع الذاهب إلى التفصيل
بين خروج الآخر وبقائه.
وأما أن لا يلتزم بذلك ويلتزم بكفاية الأمر العدمي إذا كان اختيارا في صدق
الافتراق الاختياري، فيتجه القول الأول.
وبعد ذلك تعرض (قدس سره) للجمع بين بعض الأقوال ولا يهمنا ذلك فعلا ولعلنا نشير
إليه بعد ذلك انشاء الله تعالى، والمهم فعلا هو تحقيق أصل المسألة وقد اختار
الشيخ (قدس سره) بالبداية القول الثاني واستدل له بوجوه ثلاثة:
الأول: الأصل.
الثاني: ما تقدم منه من أن المتبادر من الافتراق الموجب لسقوط الخيار هو
الصادر عن رضا الطرفين معا. وهو غير متحقق في المقام، لأن الافتراق وإن
تحقق منهما اختيارا - لعدم منافاة الاكراه للاختيار - إلا أنه لم يتحقق عن رضا كلا
الطرفين، بل عن رضا أحدهما خاصة وهو الباقي في المجلس. ولا دليل على
كفاية ذلك في سقوط كلا الخيارين ولا سقوط خيار نفسه خاصة، بل لا بد في
سقوط الخيار من تحقق الافتراق عن رضاهما معا.
181

الثالث: رواية الفضيل المتقدمة لظهورها في اعتبار الرضا في سقوط الخيار.
وقد استشكل (قدس سره) في جميع هذه الوجوه:
أما الأول، فلأنه لا مجال للأصل بعد صدق الافتراق المجعول غاية للخيار
لاقتضاء الدليل - بمقتضى ذلك - سقوط الخيار.
وأما الثاني، فلأن المتيقن من اعتبار الرضا هو اعتبار رضا أحدهما لا كليهما.
وأما الثالث، فلأن رواية الفضيل معارضة بما دل على كفاية الرضا من أحدهما
خاصة، كالنصوص المتضمنة لمشي الإمام (عليه السلام) خطوات لأجل لزوم البيع، فإن
ظاهرها كفاية الرضا من جانب واحد لظهورها في عدم التفات الطرف الآخر
لمشي الإمام (عليه السلام) وافتراقه عنه.
أقول: الذي يظهر من الشيخ (قدس سره) بناؤه الوجوه المتقدمة على الترديد في المراد
بالاختيار المعتبر في سقوط الخيار وما به يتحقق الاختيار.
ولكن السيد (رحمه الله) (1) بنى الوجوه على الترديد في المراد بالافتراق المجعول غاية
للخيار وأن الافتراق من كل منهما غاية لخيار نفسه من باب مقابلة الجمع بالجمع أو
أن مجموع الافتراقين غاية للخيار، ثم إنه هل يتحقق بالأمر العدمي أو أنه يتوقف
على فعل وجودي.
ولا يخفى أن بناء المسألة على ذلك أولى من ما ذكره الشيخ (قدس سره)، إذ على ما
سلكه الشيخ لا بد من ملاحظة دليل اعتبار الاختيار بخلاف الحال على ما سلكه
السيد (رحمه الله) فإنه لا بد من ملاحظة دليل أخذ الافتراق غاية.
وتحقيق الكلام أنه قد تقدم في المسألة السابقة أن المستند في اعتبار الاختيار في
مقابل الاكراه هو رواية الفضيل بالتقريب المتقدم.
وأما الوجوه الأخرى المذكورة لاعتبار ذلك، فقد تقدمت منا المناقشة فيها.
وعليه، فنحن لا نحتاج إلى البحث ههنا بلحاظ جميع تلك الوجوه وبيان جهة

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 16، الطبعة الأولى.
182

الفرق بينها فيما يرجع إلى ما نحن فيه، كما ارتكبه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1)، فإنه
ذكر تحقيقا دقيقا في الفرق بين الاستناد في اعتبار الرضا إلى حديث الرفع وبين
الاستناد إلى غيره من الوجوه.
بل الكلام يقع في خصوص ما يستفاد من رواية الفضيل. ولا يخفى أن الخيار
الثابت للمتبايعين إنما يثبت لهما بنحو العموم الاستغراقي بمعنى أن لكل واحد من
المتبايعين خيارا مستقلا لا أن هناك خيارا واحدا يثبت لهما معا.
وعلى هذا، فإذا دل الدليل على كون المسقط لخيارهما هو افتراقهما،
فبمقتضى المقابلة بين الأمرين - الذي هو من قبيل مقابلة الجمع بالجمع - هو كون
تفرق كل منهما مسقطا لخيار نفسه لا خيارهما معا.
وقد أفاد حديث الفضيل أن الرضا معتبر في سقوط الخيار بالافتراق،
ومقتضى ما عرفت يكون الافتراق الاختياري - في مقابل الاكراهي - من كل
منهما موجبا لسقوط خيار نفسه لا خيارهما معا. هذا ما يستفاد من حديث
الفضيل.
لكن مقتضى النصوص الواردة في فعل الإمام (عليه السلام) ومشيه خطوات بقصد
ايجاب البيع - كرواية محمد بن مسلم (2) قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول بايعت
رجلا فلما بايعته قمت فمشيت خطا ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين
افترقنا " وغيرها - هو عدم اعتبار الرضا من أحدهما في سقوط الخيار بافتراقهما.
وبذلك تتحقق المعارضة بين هذه النصوص ورواية الفضيل، وقد أشار
الشيخ (قدس سره) إلى ذلك وذهب إلى تقديم هذه النصوص بلا أن يذكر وجه تقديمها، كما
أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) تعرض إلى تحقيق المسألة بالتفصيل وأشار إلى
المعارضة بين النصوص والرواية ولم يتعرض إلى ما به علاج المعارضة.
وعليه، فنقول: إن هذه النصوص تتنافى مع رواية الفضيل من جهتين:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 30، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 2 من أبواب الخيار، ح 3.
183

الأولى: صراحتها في ترتب السقوط على مجرد الافتراق بلا دخل للرضا فيه
لقوله (عليه السلام): " ليجب البيع حين افترقنا "، فإنه صريح في أن المدار على الافتراق بما
هو، وحيث أن الرواية تتكفل بيانا لقضية خارجية فلا إطلاق لها كي تقيد بمثل
رواية الفضيل الدالة على اعتبار الرضا.
الثانية: ظهورها في كون افتراق الإمام (عليه السلام) في ظرف غفلة الطرف
الآخر بحيث كان اغفاله مقصودا لأجل لزوم البيع، ومن الواضح أنه لا رضا
مع الغفلة لخروج الغافل عن مقسم الرضا وعدمه، فتدل هذه النصوص على
سقوط الخيار بالافتراق مع عدم تحقق الرضا من أحد الطرفين. وهذا يتنافى مع
رواية الفضيل كما تقدم بيانه لدلالتها على اعتبار رضا كل منهما في سقوط خيار
نفسه.
وقد عرفت أن التنافي بينهما يتفرع على حمل رواية الفضيل على المعنى الخامس
من المعاني المتقدمة من كون الافتراق بملاحظة كشفه النوعي عن الرضا موجبا
للسقوط.
وأما لو كان المراد بها بيان اعتبار الرضا حدوثا في صحة المعاملة، كما هو
المعنى الأول. أو المراد بها بيان أن الرضا التزام عملي كما اختاره الأصفهاني، فلا
تنافي بينهما.
وهذان المعنيان وإن كان كل منهما خلاف الظاهر كما عرفت، إلا أنه لا بد من
حمل النص على أحدهما جمعا بينه وبين هذه النصوص الصريحة في عدم اعتبار
الرضا في سقوط الخيار بالافتراق. فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) تعرض في المقام إلى الجمع بين كلمات الأعلام ودفع
التهافت بينها وبيان المراد منها. وهذا الأمر لا يهمنا في مثل هذه المسألة مما تتوفر
فيها الأدلة الواضحة الصريحة. نعم قد يحتاج إلى ذلك في المسائل التي لا يتوفر
فيها الدليل الواضح، فيمكن أن يستنتج من كلمات الأعلام دليل في المسألة،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 323، الطبعة الأولى.
184

كمسألة العصير الزبيبي، فقد تصدى شيخ الشريعة الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلى جمع
كلمات العلماء فيها وهو في محله.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى، ومنه يظهر الحكم في الصورة الثانية وهي
ما إذا أكره أحدهما على البقاء في المجلس مع منعه من التخاير وخرج الآخر
اختيارا، والحكم فيها - على ما عرفت - هو سقوط كلا الخيارين تحكيما
للنصوص الدالة على سقوط الخيار بمجرد الافتراق ولو لم يكن هناك رضا أصلا.
فتدبر.
الجهة السابعة: فيما لو زال الاكراه - بناء على أن الافتراق عن إكراه لا يوجب
سقوط الخيار وأن الخيار ثابت ما دام الاكراه، وقد حكي عن الشيخ الطوسي (2)
وجماعة (3) أن الخيار باق ببقاء مجلس زوال الاكراه ويزول بزوال مجلس زوال
الاكراه.
ووجهه الشيخ (قدس سره) بأن حديث الرفع يقتضي تنزيل الافتراق عن إكراه منزلة
المعدوم، فهو يفرض البيعين - المفترقين - غير مفترقين، فالاجتماع في مجلس
العقد باق تنزيلا بحكم حديث الرفع، فيكون الخيار باقيا لعدم حصول غايته.
ولكنه ناقشه: بأن غاية ما يتكفله حديث الرفع هو عدم ترتب حكم الافتراق
على الافتراق عن إكراه، أما تنزيل الافتراق الواقع منزلة العدم وفرض البيعين بعد
مجتمعين فلا يتكفله حديث الرفع.
ثم ذكر ما يرجع إلى أن المسألة من مصاديق دوران الأمر بين الرجوع إلى عموم
العام أو استصحاب حكم المخصص - بعد انتهاء زمان التخصيص -.
فعلى الأول: يثبت الخيار بعد زوال الاكراه فوريا لأنه المتيقن من استدراك حق
المتبايعين والمرجع في غيره عموم وجوب الوفاء بالعقد.

1 - الأصفهاني، شيخ الشريعة: قاعدة لا ضرر، ص 114 ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 48، الطبعة الأولى.
3 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23: ص 11، الطبعة الأولى.
الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 373، الطبعة الحجرية.
185

وعلى الثاني: يحكم ببقاء الخيار إلى حصول أحد مسقطاته. وقال بعد ذلك:
" والوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة ". وسيأتي ذلك إن شاء الله
تعالى في جملة من موارد الخيارات كخيار الغبن ونحوه.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في تحقيق هذه الجهة.
وقد ذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في المقام تحقيقا مفصلا يحسن التعرض إليه
وهو: أن غاية خيار المجلس إما أن تكون هي الأعم من حدوث الافتراق عن رضا
وبقائه. وإما أن تكون هي خصوص حدوث الافتراق عن رضا.
فعلى الأول: يكون للاكراه أثر في مرحلة البقاء، لأنه من الاكراه على الغاية
فإذا ارتفع الاكراه تحققت الغاية وهي الافتراق لا عن إكراه، لأن المفروض أن
الافتراق لا عن إكراه بقاء غاية للخيار فيسقط الخيار بمقتضى ما دل على أن
الافتراق لا عن إكراه موجب لسقوطه، فلا موهم - على هذا - لكون الخيار فوريا
أو ممتدا بمقتضى الاستصحاب.
وعلى الثاني: يكون المورد من موارد ثبوت الخيار مع امتناع غايته إذ هي
حدوث الافتراق لا عن إكراه. والمفروض أنه حدث عن إكراه، فلا يتصور حدوثه
لا عن إكراه، كما لا يخفى.
وعليه، فلا بد من ملاحظة دليل الخيار وأنه هل له إطلاق يشمل صورة امتناع
غايته أو لا؟، فإن كان له إطلاق يشمل صورة امتناع الغاية، كان ثبوت الخيار فيما
نحن فيه بعد زوال الاكراه بالدليل، فلا حاجة إلى الاستصحاب. وإن لم يكن له
إطلاق ليشمل صورة امتناع الغاية تحقق الشك في ثبوت الخيار، فالمرجع فيه هو
الاستصحاب.
لكن الشك في ثبوت الخيار إن حصل فهو إنما يحصل في الآن الذي يتحقق فيه
امتناع الغاية وهو زمان الاكراه لا زمان زواله، مع أنه لم يشك أحد في ثبوت
الخيار ما دام الاكراه. وعليه، فلا وجه للشك في ثبوت الخيار بعد زوال الاكراه مع

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 31، الطبعة الأولى.
186

الحكم بثبوت الخيار مع الاكراه وامتناع الغاية، فلا مجال للاستصحاب لعدم
موضوعه وهو الشك.
هذا بعض ما أفاده (رحمه الله) وغايته من هذا البيان الدقيق هو بيان أن المورد ليس من
موارد الاستصحاب بوجه من الوجوه.
ولكن يتوجه عليه:
أولا: أن ما ذكره أخيرا لا يقتضي إنكار الاستصحاب وإنما يقتضي فرض زمان
إجرائه زمان الاكراه - لأنه مبدأ حدوث الشك - لا زمان زوال الاكراه.
فهو إشكال على فرض مبدأ الاستصحاب زمان زوال الاكراه وذلك ليس بذي
أثر كبير.
وأما دعوى: أنه لا مجال للاستصحاب في زمان الاكراه لعدم التزام أحد بسقوط
الخيار فيه.
فتندفع: بأن مرجع ذلك إن كان إلى دعوى قيام الاجماع على ثبوت الخيار في
هذا الزمان وهو دليل لا يبقي مجالا للاستصحاب، ففيه: أن القدر المتيقن من
الاجماع هو زمان الاكراه - من أزمنة امتناع الغاية - وأما زمان زواله فلا، فيتحقق
الشك في ثبوت الخيار في زمان زوال الاكراه فيرجع فيه إلى الأصل، وهو ما رام
نفيه.
وإن لم يكن مرجعه إلى دعوى الاجماع، فلا عبرة به في نفي الشك، فلا بد من
الرجوع إلى الأصل من حين تحقق الاكراه لأنه أول أزمنة امتناع الغاية المستلزم
للشك في ثبوت الخيار.
وثانيا: أنه يمكن توجيه فرض الشك في ثبوت الخيار بعد زوال الاكراه مع قطع
النظر عن الحكم فيما يسبقه من الأزمنة.
فيقال: إن علة جعل هذا الخيار هو الارفاق بالمتبايعين وهي تقتضي ثبوت
الخيار بعد زوال الاكراه لتمكنهم من إعمال حق الفسخ حينذاك.
ولكن غاية ما تقتضيه هو ثبوت الخيار لهما آنا ما بنظر العرف - لا بالدقة -
187

بحيث يمكنهما الفسخ أما أزيد من ذلك فلا دليل عليه، فيشك في ثبوته لهما
بعد ذلك الآن، فيكون المرجع هو الاستصحاب أو عموم العام.
وبالجملة، يمكننا حصول توجيه الشك في ما بعد زمان زوال الاكراه، نعم لا
نلتزم بصحة هذا التوجيه، وإنما غرضنا رفع استغرابه وإنكاره الشديد على القوم.
فلاحظ.
وللمحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) كلام لا يخلو من تهافت بين صدره وذيله، فإنه ذكر
أولا أن مقتضى تقييد الافتراق المجعول غاية بالاختياري أن الخيار يزول بزوال
مجلس زوال الاكراه، لأنه زمان التفرق الاختياري.
وذكر أخيرا أن ذلك لا يقتضي سوى أن الافتراق الاختياري عن مجلس العقد
يسبب زوال الخيار ولا عبرة بالافتراق الاختياري عن أي مجلس كان.
والمفروض أن الافتراق الاختياري عن مجلس العقد متعذر لحصوله عن
إكراه، فراجع كلامه تعرف ما ذكرناه. ولعل منشأ ذلك هو عدم الاهتداء إلى حقيقة
مرامه في مقام جمع كلماته عند إرادة طبع كتابه والله العالم بحقائق الأمور.
الرابع: - من مسقطات خيار المجلس - التصرف.
وتحقيق الكلام: أن استلزام التصرف لسقوط الخيار...
تارة: من جهة أنه اسقاط للخيار، غاية الأمر أنه اسقاط عملي في قبال
الاسقاط القولي بلفظ أسقطت ونحوه، وهو خارج عما نحن فيه لدخوله في
مسقطية الاسقاط الذي تقدم بيان أنه موجب للسقوط بأي دال عليه من قول أو
فعل.
وأخرى: من جهة أنه تصرف، فتكون له موضوعية في قبال الاسقاط وهذا هو
محل الكلام.
والمنسوب إلى جماعة (2) هو كون التصرف من مسقطات خيار المجلس واستدل

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 15، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 10، المسألة 30 و 31، الطبعة الأولى.
188

له بالتعليل الوارد في بعض نصوص خيار الحيوان من أنه رضى منه فلا شرط له.
فإن مقتضى التعليل ثبوت الحكم للتصرف في غير خيار الحيوان، فيكون مسقطا
لخيار المجلس.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن ذلك هو الوجه في اتفاقهم على سقوط خيار الشرط
وإلا فلم يرد فيه نص بالخصوص. ثم ذكر أن سقوط خيار المجلس بالنسبة إلى
المشتري بتصرفه يستفاد من نفس الرواية المعللة، لأن المنفي بقوله: " فلا شرط
له " أعم من خيار المجلس والحيوان، وبعد ذلك أمر بالتأمل.
ولعل الوجه فيه ما ذكره غير واحد من المحشين من أن المنفي خصوص خيار
الحيوان ولا إطلاق له يشمل غيره، فتكون استفادة سقوط خيار المجلس من
التعليل.
وعلى أي حال، فسيأتي تفصيل القول في مسقطية التصرف في مبحث خيار
الحيوان إن شاء الله تعالى. فانتظر. هذا تمام الكلام في خيار المجلس.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 224، الطبعة الأولى.
189

الثاني:
خيار الحيوان
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه لا خلاف بين الإمامية في ثبوته للمشتري، وهو
مقتضى النصوص الكثيرة. ثم أشار إلى جهات:
الأولى: في موضوع خيار الحيوان وتحديد ما فيه الخيار من الحيوان.
والذي ذكره (قدس سره) هو أن ظاهر النص والفتوى عمومه لكل ذي حياة، فيشمل مثل
الجراد والزنبور والسمك والعلق ودود القز، ولا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود
حياته في الجملة. فمثل السمك المخرج من الماء خارج لأنه لا يباع من حيث إنه
حيوان، بل من حيث إنه لحم. ويشكل فيما صار كذلك لعارض، كالصيد المشرف
على الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم.
وتوضيح ما أفاده (قدس سره) هو: أنه تارة: يقصد التعامل على الحيوان بما هو حيوان
بحيث تكون جهة الحياة ملحوظة في مقام التعامل - كما إذا اشترى الفرس
للركوب -.
وأخرى: لا ينظر في مقام المعاملة إلى جهة الحياة وإنما يكون المنظور جهة اللحم
بحيث يكون هو المدار في تحديد الثمن، من دون نظر إلى جهة حياته وإن كانت
متحققة خارجا.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 224، الطبعة الأولى.
191

ولا يخفى أن الأول مصداق لعنوان: " بيع الحيوان " دون الثاني، كما هو ظاهر.
وعلى هذا، يدور اختصاص الخيار بالقسم الأول. وعمومه للقسمين مدار ما
يستفاد من دليله، فهل الدليل يتكفل إثبات الخيار في مورد بيع الحيوان بحيث
يكون هذا العنوان مأخوذا في موضوعه؟. أو يتكفل إثبات الخيار في كل مورد
كان المنتقل فيه هو الحيوان ولو لم ينطبق على المعاملة عنوان: " بيع الحيوان "؟
والذي ذهب إليه الشيخ هو الثاني، إذ لم يثبت الخيار في جملة من النصوص
لبيع الحيوان، بل ثبت في الحيوان ولصاحب الحيوان ونحو ذلك، وهو يقتضي
ثبوته في كل مورد يكون الحيوان فيه موردا للنقل والانتقال ولو لم تلحظ جهة
الحيوانية فيه.
ثم إن المورد الذي لا تلحظ فيه جهة الحيوانية، بل يباع الحيوان بما هو لحم...
تارة: لا تلحظ الحياة فيه أصلا، فلا يختلف الحال على المشتري بين بقاءه
حيا أو موته فعلا.
وأخرى: تكون ملحوظة في الجملة وبنحو ما، كما إذا اشترى الحيوان بما هو
لحم، لكن كان بحاجة إلى اللحم بعد أيام لا فعلا، ولم يكن يستطيع المحافظة على
اللحم إلى أيام لو مات الحيوان فعلا، فإن الحياة في مثل ذلك منظورة.
ولم يستبعد الشيخ (قدس سره) عدم ثبوت الخيار في الفرض الأول باعتبار أن مورد
النقل والانتقال ليس هو الحيوان، بل موردهما هو اللحم، والخيار إنما يثبت فيما
إذا كان موردهما الحيوان. ومثل له بالسمك المخرج من الماء والجراد المحرز في
الإناء، فإن المشتري لا ينظر إلى حركة السمكة المخرجة أصلا بل منظوره هو
لحمها. فالخيار يختص بما إذا كانت الحياة منظورة في الجملة وإن لم تقع المعاملة
على الحيوان بما هو حيوان، ولأجل ذلك استشكل في شمول الخيار لمثل بيع
الصيد المشرف على الموت، باعتبار الشك في أن بيعه من موارد عدم النظر إلى
الحياة أصلا، كبيع السمك، فلا خيار فيه. أو من موارد النظر إلى الحياة في الجملة،
فيثبت فيه الخيار.
هذا ايضاح ما أفاده الشيخ (قدس سره).
192

ومنه تعرف ما في كلام المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) فإنه قال - بعد التشقيق
والتقسيم -: " فالمدار على صدق تعلق العقد بالحيوان وذلك يدور مدار أخذ
عنوان الحيوان في متعلق العقد فإن أخذ ثبت الخيار وإلا فلا، ولا ينظر إلى كونه
سمكا مخرجا من الماء أو بعيرا ماشيا في البر ".
فإن ما ذكره يبتني على أخذ عنوان بيع الحيوان في موضوع الخيار، وهو
يختلف مع مبنى الشيخ (قدس سره) كما عرفت، فما أفاده أجنبي عن وجهة نظر الشيخ (قدس سره).
كما تعرف أن ما أورده على الشيخ في قوله: " ويشكل فيما صار كذلك... "
من قوله: " قد عرفت ما هو الضابط وأنه مع شراء ما هو مادة الحيوان لا
خيار حتى فيما كان الحيوان في كمال الصحة والسلامة، مع أنه لا فرق بين
مثال الصيد المشرف على الموت والسمك المخرج من الماء ليختص
هذا بالاشكال، بل إن كان إشكال ففي الجميع وإلا فلا إشكال في
الجميع "..
في غير محله، لما عرفت من بيان وجهة نظر الشيخ (قدس سره) وجهة إشكاله، فتدبر.
الثانية: ما أشار إليه (2) بقوله: " وعلى كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من
البائع قبل القبض أو في زمان الخيار... ".
وتوضيح ذلك: هو أن الثابت كون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع، بأن
يقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف آنا ما فيكون التلف منه.
كما أن تلف المبيع في زمن الخيار يكون ممن لا خيار له وهو البائع فيما نحن فيه -
كما سيتضح إن شاء الله تعالى -.
وعليه، فقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى أن تلف الصيد المشرف على الموت بإصابة
السهم قبل القبض أو بعده في زمان الخيار لا يكون من تلف المبيع قبل القبض أو
تلفه في زمان الخيار، فلا يكون تلفه من مال البائع.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 16، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 224، الطبعة الأولى.
193

وهذا الالتزام قد يصير مجال الاشكال، لأنه (قدس سره) توقف في ثبوت الخيار في
مثل هذا المورد ولم يجزم بعدمه، وتوقفه في ثبوت الخيار ينافي جزمه بعدم كون
تلفه من مال البائع، إذ على تقدير ثبوت الخيار يكون البائع لا خيار له فيكون
التلف منه.
فكان على الشيخ (قدس سره) بناء هذه الجهة على الجهة المتقدمة من ثبوت الخيار
وعدمه في هذا المورد.
ويمكن دفع هذا الاشكال بما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من أن موضوع
القاعدتين - وهما كون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع، وكون تلفه في زمان
الخيار ممن لا خيار له - هو المبيع. وقد عرفت أن المبيع في هذه الموارد هو اللحم
لا الحيوان، وهو لم يطرأ عليه التلف، وإنما طرأ على الحيوان وهو غير مبيع. إذن
فموت الصيد فيما نحن فيه لا يعد من موارد تلف المبيع أصلا.
وأما ثبوت الخيار، فهو منوط بكون مورد النقل والانتقال هو الحيوان وإن لم
يكن مبيعا بل كان اللحم هو المبيع، وقد عرفت التشكيك في هذه الجهة في مثل
الصيد المشرف على الموت، فلو جزم بثبوت الخيار في الفرض، لم يكن تلفه من
مال البائع لما عرفت أن المبيع هو اللحم وهو مما لم يطرأ عليه التلف، فلا تلف
للمبيع في الفرض، فتدبر.
الثالثة: في منتهى الخيار المذكور لو تلف الحيوان قبل انقضاء ثلاثة أيام ولم يزد
الشيخ في هذه الجهة على أكثر من قوله (2): " وفي منتهى خياره مع عدم بقائه إلى
الثلاثة وجوه... ".
وبعد أن انتهى الشيخ من ذلك قال (قدس سره): فالكلام فيمن له هذا الخيار وفي مدته
من حيث المبدأ والمنتهى ومسقطاته يتم برسم مسائل:
المسألة الأولى: فيمن له هذا الخيار، والأقوال فيه ثلاثة:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 32، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 224، الطبعة الأولى.
194

الأول: أنه المشتري خاصة. الثاني: أنه البائع والمشتري. الثالث: أنه صاحب
الحيوان سواء كان هو المشتري أم البائع.
أما القول الأول، فهو المشهور واستدل له بوجوه:
الأول: أن مقتضى عموم قوله: " فإذا افترقا وجب البيع " هو لزوم المعاملة
بالنسبة إلى الطرفين بعد الافتراق، والمتيقن خروجه من هذا العموم هو المشتري
خاصة في بيع الحيوان وأما البائع فهو مشكوك الخروج، فيشمله العموم لأصالة
العموم.
الثاني: أن مقتضى عموم: * (أوفوا بالعقود) * هو اللزوم مع عدم ثبوت خيار
المجلس بالأصل أو لاشتراط سقوطه. وعليه، فبضميمة عدم القول بالفصل يثبت
اللزوم في المعاملة التي يثبت فيها خيار المجلس.
الثالث: النصوص المتعددة وهي على طوائف ثلاث:
الأولى: ما يظهر منه تخصيص الحكم بالمشتري بمقتضى مفهوم الوصف،
كرواية الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام
للمشتري وهو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط ".
الثانية: ما يظهر منه ذلك بمقتضى مفهوم التحديد، كرواية الفضيل بن يسار (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قلت له ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام
للمشتري ".
الثالثة: رواية علي بن رئاب (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال الخيار لمن اشترى
ثلاثة أيام نظرة فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء ".
أما الطائفة الأولى، فالاستدلال بها يبتني على الالتزام بمفهوم الوصف.

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 1 و 4.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 5.
3 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 9.
195

وهو وإن كان بنحو الكلية مما لا يلتزم به - كما حقق في الأصول (1) - إلا أنه في
خصوص المقام قريب جدا، بملاحظة اختلاف التعبير في خيار المجلس وخيار
الحيوان، فأخذ في موضوع الأول " البيعان " وأخذ في موضوع الثاني عنوان
المشتري الظاهر في كونه دخيلا في ثبوت الحكم وإلا لم يكن مقتض لاختلاف
التعبير.
وأما الطائفة الثانية، فقد عرفت أن الاستدلال بها من الاستدلال بمفهوم
التحديد وهو أقوى المفاهيم، كما قيل. وهذا يرجع إلى استفادة كون المقام مقام
بيان خيار الحيوان بحدوده المختلفة، فيكون ذكر المشتري دليلا على اختصاص
الخيار به.
وهذه الجهة قابلة للمناقشة، إذ يمكن أن تكون الرواية في مقام التحديد من
جهة خاصة وهي جهة مدة الخيار في مقابل مدة خيار المجلس، وليست في مقام
التحديد من جهة من له الخيار. فالصغرى محل إشكال.
نعم، بملاحظة ما ذكر في الطائفة الأولى يقرب حمل الرواية على كونها في
مقام التحديد من جهة من له الخيار.
وأما الطائفة الثالثة، فهي صريحة باختصاص الخيار بالمشتري، لأن السائل
في مقام معرفة من له الخيار بحدوده ولذا تصدى للاستفهام بذكر المحتملات التي
تجول في ذهنه من كونه للمشتري أو للبائع أو لكليهما، فسؤاله عن ثبوته
للمشتري خاصة أو ثبوته للبائع خاصة أو لكليهما، فالجواب بثبوته للمشتري
صريح في أنه ثابت له خاصة، فالرواية تدل بمنطوقها على تحديد من له الخيار
بالمشتري بقرينة إرداف السائل البائع بالمشتري بنحو الترديد الظاهر منه إرادته
السؤال عن ثبوته لكل واحد منهما بخصوصه وإلا لما صح الارداف بنحو الترديد،
فلاحظ تعرف.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 206، ط مؤسسة آل البيت (ع).
196

والعمدة من هذه الوجوه الثلاثة هو الوجه الأخير، أما الوجه الأول والثاني
فهما يقبلان النقاش.
إذ يرد على الأول:
أولا: أن وجوب البيع بالافتراق معناه عدم كونه قابلا للانحلال أصلا، فمقتضاه
هو اللزوم بقول مطلق. وهذا لا يتصور فيه التبعيض بأن يكون المشتري خارجا
عنه.
نعم، مثل ذلك يتأتى في مثل: * (أوفوا بالعقود) * لأنه متوجه إلى كل من
المشتري والبائع فيمكن أن يخرج أحدهما دون الآخر، وأما مثل وجوب البيع
المستفاد من قوله: " وجب البيع "، فلا يقبل ذلك لأن الوجوب مضاف إلى البيع
وهو يعني أن البيع لازم لا يقبل الانحلال رأسا.
وثانيا: أن الوجوب المذكور إنما هو بالإضافة إلى خيار المجلس ولا إطلاق له
يشمل جميع الجهات. فلاحظ.
وهذان الوجهان ذكرهما المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1).
وقد يرد على الثاني:
أنه لا وجه لفرض الكلام ابتداء في البائع الذي ليس له خيار المجلس، إذ
يمكن التمسك بعموم الوفاء بالعقود بعد الافتراق في الموارد التي يكون للبائع
خيار المجلس.
إلا أن يقال: إن هذا لا يرد على الشيخ (قدس سره) إذ هو لا يلتزم بجواز التمسك بالعموم
بعد انتهاء زمان التخصيص إذا لم يكن العموم أزمانيا، كما هو الحال في مثل:
* (أوفوا بالعقود) *.
وأما القول الثاني، فهو المنسوب إلى السيد المرتضى (2) وابن طاووس (3)

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 16، الطبعة الأولى.
2 - علم الهدى، السيد مرتضى: الإنتصار، ص 207، ط النجف الأشرف.
3 - وهو أخو السيد ابن طاووس صاحب الاقبال ولم نعثر على كتابه وإنما نقله الشيخ (قدس سره) في
المكاسب.
197

وغيرهما (1). ويستدل له برواية محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى
يفترقا ". وبهذه الرواية يخصص ما دل على وجوب البيع بالافتراق، وعموم الوفاء
بالعقود.
وقد حاول الشيخ (قدس سره) (3) ترجيح هذه الرواية على تلك النصوص الدالة على
الاختصاص بالمشتري..
تارة: من حيث السند، ببيان: أن رواية محمد بن مسلم مروية في التهذيب
وهو مقدم على مثل كتاب " قرب الإسناد " المروية عنه رواية علي بن رئاب
المتقدمة. مع أنهم صرحوا بتقديم روايات أمثال محمد بن مسلم وزرارة على
أمثال علي بن رئاب.
وأخرى: من حيث الدلالة، ببيان: أن دلالة هذه الرواية على عموم الخيار
للبائع بالمنطوق ودلالة تلك النصوص على الاختصاص بالمشتري بالمفهوم،
والمنطوق أقوى دلالة من المفهوم.
والتحقيق: أنك قد عرفت أن عمدة نصوص القول الأول هي رواية ابن رئاب
لصراحته - منطوقا - في اختصاص الخيار بالمشتري.
وعليه، فالمعارضة بين المنطوقين، هذا مع أنه تقرر في الأصول أنه مع
المعارضة بين مفهوم ومنطوق تلاحظ النسبة بين المنطوق المستلزم للمفهوم
والمنطوق الآخر لا بين نفس المفهوم والمنطوق المعارض له، فراجع.
وما أفاده من الترجيح السندي لا عبرة به بعد صحة رواية ابن رئاب سندا.
وعليه، فقواعد الجمع العرفي بين هذين النصين تقضي بالتصرف في ظهور
رواية محمد بن مسلم، لصراحة معارضها في الاختصاص وظهورها في التعميم.
فتحمل إما على ما إذا كان كل من المبيع والثمن هو الحيوان بحيث يكون البائع

1 - الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرايع، ج 3: ص 68، مفتاح 916، ط مجمع الذخائر الاسلامية.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 3.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 224، الطبعة الأولى.
198

صاحب الحيوان أيضا، فلا ينافي عدم الخيار له فيما إذا كان المبيع حيوانا
خاصة.
وإما على ما لا ينافي الاختصاص بالمشتري مطلقا، بأن يكون أحد الخيارين
ثابتا لأحدهما وهو خيار الحيوان، والآخر ثابتا لهما معا وهو خيار المجلس،
ويصح نسبة ثبوت جنس الخيار لكلا المتبايعين بملاحظة ثبوت أحد فرديه لهما
لا كلا فرديه.
وأما القول الثالث، فهو المنسوب إلى جملة من المتأخرين منهم الشهيد
الثاني (1) في المسالك، واستدل له برواية زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
" سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب
الحيوان ثلاث... ".
ولكن بعد أن عرفت صراحة النص في اختصاص الخيار بالمشتري فلا بد من
التصرف في هذا النص بحمله على ما هو الغالب خارجا من كون المشتري هو
صاحب الحيوان لغلبة جعل الحيوان مبيعا
المسألة الثانية: في بيان عدم الفرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار (4).
المسألة الثالثة: في مبدأ هذا الخيار وأنه من حين العقد أو من حين التفرق؟.
ولا يخفى أن البحث يبتني على فرض شمول أدلة خيار المجلس لبيع الحيوان،
وإلا فمن يرى أن دليل خيار المجلس لا يشمل بيع الحيوان فلا يكون خيار
المجلس ثابتا في بيع الحيوان لا مجال لهذا البحث، ولأجل ذلك يحسن أن
نتعرض لهذا المطلب قبل الشروع في المسألة.
فنقول: استظهر السيد الطباطبائي (رحمه الله) (5) أن خيار المجلس يختص بغير مورد

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 200، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 6.
3 - وفي مضمونها رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) التي أشار إليها الشيخ، وسائل الشيعة: ج 12 /
باب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
4 - وقد أهمل السيد الأستاذ دام ظله البحث فيها ولعله لقلة الجدوى.
5 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 17، الطبعة الأولى.
199

خيار الحيوان وأن البيع على قسمين: قسم يثبت فيه خيار المجلس والآخر يثبت
فيه خيار الحيوان.
ويستدل على ذلك بجملة من النصوص، أظهرها رواية محمد بن مسلم (1):
" المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا "،
فقد خص (عليه السلام) خيار المجلس بغير مورد الحيوان.
ويمكن أن يناقش في ذلك بوجهين:
الأول: أنه إنما يتم لو كانت الرواية بصدد تشريع الخيارين.
ولكن ظاهرها أنها في مقام تحديد منتهى الخيارين - المفروض تشريعهما -
وبيان الفرق بينهما من حيث المنتهى، فليست في مقام تشريعهما كي يؤخذ
بظهورها في تحديد موردهما. إذن فلا دلالة لها على تعيين خصوصيات مورد
الخيارين المفروض تشريعهما سابقا. ولو تنزلنا عن دعوى ظهورها في ذلك،
فلا أقل من احتماله بنحو يمنع من استظهار خلافه.
الثاني: أنه لو سلم أنها في مقام التشريع وأنها تجعل حكم الخيار في مورد
خاص، فلا مفهوم لها بنحو يمنع من ثبوت الخيار إلى غير هذا المورد الخاص.
فإذا كان هناك دليل يدل على ثبوت الخيار في مطلق الموارد لم يتناف مع هذا
النص.
وعليه، فالمحكم هو العمومات الدالة على ثبوت خيار المجلس في كل بيع،
كقوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وغيره.
وبعد ذلك يقع البحث في هذه المسألة وهي أن مبدأ خيار الحيوان من حين
العقد أو من حين التفرق؟
ذهب المشهور إلى أنه من حين العقد، واستدل له الشيخ برواية ابن
مسلم المتقدمة لظهورها بعد ظهور كونها في مقام بيان الفارق بين الخيارين في أن
الفرق بين خيار الحيوان وخيار المجلس من حيث المنتهى دون المبدأ،

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
200

فهما يشتركان في المبدأ.
وقد عرفت أن خيار المجلس مبدؤه من حين العقد. واستدل له المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1): بأن الموضوع في خيار الحيوان هو عنوان: " المشتري "، كما
أن موضوع خيار المجلس هو: " البيعان " وكما أن فعلية الحكم بفعلية موضوعه
تقتضي ثبوت خيار المجلس من حين العقد كذلك تقتضي ثبوت خيار الحيوان من
حينه، لصدق المشتري من ذلك الحين كصدق " البيع ".
وقد ذكر أن هذا الوجه أولى بالاستدلال من دليل الشيخ (قدس سره).
ولكن يمكن الخدشة فيه بوجود الفرق بين خيار الحيوان وخيار المجلس،
لأن الأخبار الواردة في أحكام خيار الحيوان ليست في مقام تشريع هذا الخيار،
بل تشريعه أمر معلوم لدى السائل ومفروغ عنه وإنما النظر إلى بيان خصوصياته.
وعليه، فلا يمكن أن يتمسك بالأخبار في إثبات أن موضوع الحكم هو
المشتري بعنوانه، إذ ليس المقام مقام تشريع الخيار لموضوعه، فقد يكون
موضوعه المشتري بخصوصية تنضم إليه لا تتحقق من حين العقد.
وحكي عن ابن زهرة (2) وعن الشيخ (3) والحلي (رحمهم الله) (4) - في خيار الشرط
المتحد في الحكم مع هذا الخيار من جهة الدليل الذي ذكروه - أنه من حين
التفرق. وقد يستدل له بوجوه:
الأول: ما ورد في المبسوط (5) - ونحوه المحكي عن السرائر (6) - من أن
الخيار يدخل إذا ثبت العقد والعقد لم يثبت قبل التفرق.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 34، الطبعة الأولى.
2 - الحلبي، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 220، ط مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام).
3 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 15، م 44، الطبعة الأولى.
الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 85، الطبعة الأولى.
4 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 247، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
5 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 85، الطبعة الأولى.
6 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 247، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
201

وذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن هذه الدعوى لم نعرفها. وأوضح المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (2) إشكال الشيخ (قدس سره) بأن المراد من ثبوت العقد إن كان ما يساوق
وجود العقد فالعقد موجود، وإن كان ما يساوق لزوم العقد فإن أريد به اللزوم
الفعلي فيستحيل اجتماع اللزوم الفعلي والخيار الفعلي، كما هو واضح جدا. وإن
أريد به اللزوم الاقتضائي، بمعنى أن يكون العقد مقتضيا للزوم ومشمولا لعموم:
* (أوفوا بالعقود) * في نفسه لولا دليل الخيار، فهو ثابت ومتحقق فيما نحن فيه لأن
العقد مقتض للزوم فيما نحن فيه. نعم هناك مانعان من تأثيره في اللزوم الفعلي
وهما دليل خيار المجلس ودليل خيار الحيوان ونسبتهما إلى عمومات اللزوم
على حد سواء. وليس خيار المجلس في رتبة سابقة على خيار الحيوان كي يكون
العقد مع قطع النظر عن دليل خيار الحيوان وفي رتبة سابقة عليه غير مشمول
لعمومات اللزوم.
هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) - بتوضيح منا -. ويمكن أن يفرض شق
آخر في كلام المبسوط وهو أن يراد أن الخيار إنما يثبت في مورد لا يكون
الشخص فيه مسلطا على حل العقد لولا الخيار، لأنه لغو، إذ الخيار هو السلطنة
على الفسخ وهو إنما يجعل في مورد يكون العقد مبرما في نفسه لا متزلزلا.
يبقى إشكال أن هذا البيان يرد في خيار المجلس لأن نسبة الخيارين إلى العقد
على حد سواء، فما هو الوجه في عدم فرض الاشكال فيه؟
وجوابه: أن ثبوت خيار المجلس من حين العقد من ضروريات الفقه ومما لا
إشكال فيه فقاهيا. وعليه، فالعقد متزلزل في نفسه وإن لم يكن في رتبة سابقة على
خيار الحيوان، فلا مجال لخيار الحيوان معه للغويته، فيثبت من حين التفرق دفعا
للغوية.
فتقديم خيار المجلس بعد دوران الأمر بين رفع اليد عن أحدهما المنتهي إلى
التعارض بين دليلهما المقتضي للتساقط ورفع اليد عنهما معا إنما هو للضرورة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 34، الطبعة الأولى.
202

الفقهية لا بحسب القواعد الأصولية.
والجواب عن محذور اللغوية سيأتي إن شاء الله تعالى فانتظر.
الثاني: استصحاب عدم ارتفاع خيار الحيوان بانقضاء ثلاثة أيام من حين
العقد وبقائه إلى انتهاء ثلاثة من حين التفرق، بل استصحاب عدم حدوثه قبل
التفرق وانقضاء المجلس.
وأورد الشيخ (قدس سره) (1) على وجهي الاستصحاب بأنه لا مجال للأصل مع الدليل
وظاهر الدليل هو كون ابتداء الخيار من حين العقد. وأورد على الثاني منهما بأنه
مثبت لأنه لا يتكفل إثبات كون مبدأ الخيار هو زمان التفرق وكون نهايته بعد ثلاثة
أيام من حين التفرق إلا بالملازمة العقلية.
وقد يشكل عليه (2) بأن كلا من الأصلين مثبت من جهة وتام من جهة أخرى،
إذ لدينا أثران لكون مبدأ الخيار حين التفرق:
أحدهما: عدم تأثير الاسقاط الواقع بين حدوث العقد وزمان التفرق.
والآخر: امتداد الخيار إلى ثلاثة أيام بعد التفرق. والأثر الأول إنما يتكفل
إثباته هو الأصل بالتقرير الثاني دون الأول، والأثر الآخر يتكفل اثباته الأصل
بالتقرير الأول دون الثاني، فنحن بحاجة إلى إجراء كلا الأصلين لترتيب كلا
الأثرين.
فالعمدة في رد الأصل هو الوجه الأول.
الثالث: ما دل على أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع، مع أن التلف في
الخيار المشترك من المشتري، فلو كان مبدأ خيار الحيوان حين العقد لزم انتقاض
الحكم الأول لو تلف الحيوان قبل التفرق لأنه تلف في الخيار المشترك - وهو
خيار المجلس - فيكون من المشتري. فلا بد أن يكون الخيار مبدؤه من حين
التفرق حتى لا ينتقض الحكم المزبور.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 17، الطبعة الأولى.
203

ورده الشيخ (قدس سره) (1) بأن دليل كون التلف في الثلاثة من البائع محمول على ما
هو الغالب من كون التلف بعد التفرق لعدم امتداد مجلس البيع غالبا فيكون التلف
في وقت خيار المشتري خاصة فيكون من مال البائع.
الرابع: وهو العمدة وتوضيحه بعد فرض أن الخيار على أنحائه حقيقة واحدة
وليس حقائق مختلفة، كالسواد والحلاوة حتى يمكن اجتماعهما في شئ واحد
في آن واحد، بعد فرض ذلك يقال: إنه إذا اجتمع سببان للخيار في آن واحد
والتزم بتأثيرهما فأما أن يثبت كلا الخيارين على حدة وأما أن يثبت أحدهما.
والأول محال لاستلزامه اجتماع المثلين، وكذلك الثاني لأنه يلزم توارد
السببين على مسبب واحد وهو محال، إذ لا يصدر الواحد بما هو واحد إلا عن
واحد ويستحيل صدوره عن أكثر من واحد، فلا بد من الالتزام بعدم تأثير أحد
السببين وهو المطلوب فيما نحن فيه.
وقد حاول المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) رد هذا الوجه بنفي التماثل والتضاد في
الأمور الاعتبارية الخارجة عن دائرة المقولات والموجودات الحقيقية التي لها ما
بإزاء في الخارج، كما التزم بذلك في مثل الأحكام الخمسة حيث نفى التضاد
والتماثل بينها، كما تقدم بيانه في مسألة اجتماع الأمر والنهي في الأصول،
بدعوى: أن التضاد والتماثل من صفات الأمور المقولية أما الأمور الاعتبارية التي
تتقوم بالاعتبار فلا تضاد ولا تماثل بينها، فيمكن اجتماع الاعتبارات المتعددة
في شئ واحد بلا محذور اجتماع الأمثال، إذ ليس لها ما بإزاء في الخارج، فهي
كالفرض والتقدير. فلاحظ كلامه هذا.
ولكن الذي نراه أنه وإن لم يكن بين الخيارات المتعددة تماثل لكن محذور اجتماع
المثلين يتأتى في جعل الخيار المتعدد. - نظير ما قلناه في باب الأحكام من
التضاد بينها بلحاظ مبادئها لا أنفسها - وذلك لوجهين:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 35، الطبعة الأولى.
204

الأول: أن الأمر الاعتباري إنما يعرض عليه الاعتبار والجعل في مورد يمكن
تحقق الأمر المعتبر تكوينا وخارجا لو فرض أن يكون له وجود تكويني لأن
الاعتبار بلحاظ ترتيب ما للمعتبر من آثار وهو إنما يكون في مورد يعقل تحقق
المعتبر ليترتب أثره - المنتظر من وجوده الحقيقي - على اعتباره. ومن الواضح أنه
لا يعقل أن يكون للشخص الواحد فردان من السلطنة والقدرة التكوينية على فسخ
العقد وحله ونقضه في آن واحد لأنه من اجتماع المثلين، فلا يعقل حينئذ اعتبار
فردين من السلطنة لعدم معقولية الوجود الحقيقي لهما، وقد عرفت أن الاعتبار لا
معنى لأن يتعلق بالأمر غير المعقول، فلا معنى لاعتبار اجتماع النقيضين.
الثاني: أنه لو فرض أنه لا يعتبر إمكان الوجود الحقيقي للأمر المعتبر في صحة
اعتباره لكن نتيجة اعتبار السلطنة على الفسخ هو تحقق السلطنة والقدرة التكوينية
على التصرف في العقد وفسخه، كما قد يظهر من التعبير بأن له فسخ العقد، فأثر
اعتبار السلطنة هو تحقق القدرة التكوينية، وقد عرفت أنها لا تتعدد، ومقتضى
ذلك عدم إمكان تعدد المعتبر لعدم تعدد أثره.
هذا تحقيق الاشكال في جعل الخيار المتعدد.
ولكن يمكن التخلص عنه بأن ما ذكر لا يقتضي الالتزام بوحدة الخيار الثابت،
بل يمكن الالتزام بالتعدد لكن مع التأكد، فيتحقق التداخل في المسببات نظير باب
الأحكام التكليفية إذا تعددت أسبابها، كما لو نذر الاتيان بالصلاة الواجبة فإنه
يلتزم بتأكد الوجوب حينئذ. فالتعدد ثابت لكنه لا بالحدود الفردية بل بزوالها
وثبوت مرتبة أكيدة من الوجوب أو غيره، نظير ما إذا اجتمع سبب للضياء بمقدار
40 شمعة وسبب آخر بمقدار 40 شمعة أيضا، فإنه يتحقق باجتماعهما ضياء
بمقدار 80 شمعة، فكل من المسببين محفوظ وثابت لكنه لا بحده الخاص.
وعليه، فيلتزم في مورد تعدد سبب الخيار بثبوت خيار مؤكد، فلا يقتضي ما
ذكر من الاشكال أن يكون ابتداء خيار الحيوان من حين التفرق. بل مقتضى ظاهر
أدلته كون مبدأ الخيار هو العقد، فيؤخذ بظاهر الدليل بلا مانع.
ثم إنه لو فرض الالتزام بالاشكال ومقتضاه الالتزام بأن مبدأ الخيار هو من
205

حين التفرق. فهل يمتد إلى ثلاثة أيام من حين التفرق أو من حين العقد؟
لا يخفى أنه لو كان الدليل على خيار الحيوان مثل قوله: " يثبت خيار الحيوان
إلى ثلاثة أيام "، لكان ظاهرا في امتداده إلى ثلاثة أيام من حين التفرق، لظهوره
في أنه يثبت إلى ثلاثة أيام من حين ثبوته ولم يعين وقت حدوثه، فإذا قامت
القرينة العقلية على أن ثبوته من حين التفرق كان انتهاؤه بعد ثلاثة أيام من حينه.
كما أنه لو كان دليل الخيار مثل قوله: " يثبت خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام بعد
العقد " لم يكن إشكال حينئذ لأنه صريح في الاحتمال الثاني.
ولكن عرفت أن الدليل على خيار الحيوان هو النص المتكفل للمقابلة بينه وبين
خيار المجلس من حيث الأمد الأخير، فيحدده في خيار المجلس بالافتراق وفي
خيار الحيوان بثلاثة أيام. نعم بعد أن ثبت أن مبدأ خيار المجلس هو حين العقد
فبمقتضى التقابل المزبور كون مبدأ خيار الحيوان حين العقد أيضا، لأن ظاهر
النص أنه في مقام بيان اختلاف أمدهما الأخير أما مبدؤهما فهو واحد. ولازم
ذلك أمران:
أحدهما: أن حدوث خيار الحيوان من حين العقد.
والآخر: أن انتهاؤه بتمامية ثلاثة أيام من حين العقد. فإذا قامت القرينة العقلية
على عدم كون مبدئه حين العقد رفع اليد عن ظهور الدليل بمقدار ذلك.
وأما ظهوره في أن الثلاثة بعد العقد فلا ترفع اليد عنه لأنه لا ينافي القرينة
العقلية. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) ذكر أن المراد بالعقد هل هو بما هو عقد وانشاء، أو بما هو
مملك فلا يثبت الخيار إلا بعد ثبوت الملك؟ ثم استظهر الثاني.
ولعل الوجه فيه أن موضوع الخيار في النص هو عنوان: " صاحب الحيوان "
وهو لا يصدق إلا بعد تحقق الملك لا بمجرد العقد ولو لم يحصل به الملك.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
206

وقد وافق الشيخ (قدس سره) في ذلك بعض (1) معاصريه. وقد حكي عنه أنه لو أسلم
حيوانا في طعام وقلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان وإن كان بائعا كان مبدؤه
بعد القبض، لأنه لا يحصل الملك في بيع السلم إلا بالقبض.
وقد ذكر الشيخ أن تمثيله بما ذكر يبتنى على اختصاص الخيار بالحيوان
المعين. وإلا لصح التمثيل بما إذا كان المبيع هو الحيوان الكلي.
والغريب من المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) حيث ذكر أن المثال المزبور مبني على
مختار الممثل من ثبوت الخيار في الكلي. فإنه خلاف ظاهر تعبيره لغة وفقها، فإن
ظاهره أن الحيوان فرض ثمنا لا مثمنا. فلاحظ وتدبر.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (3) أنه بناء على اعتبار العقد بما هو مملك لا يثبت الخيار
في عقد الفضولي إلا بعد الإجازة بناء على القول بالنقل.
وقد استشكل فيه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (4): بأن الخيار مما يرتبط بنفس
العقد ويعتبر إضافة العقد إلى من له الخيار.
وعليه، فلا ربط لذلك بكون الإجازة ناقلة أو كاشفة، لأن الانتساب إنما
يتحقق حين الإجازة على كلا القولين.
أقول: ليس نظر الشيخ (قدس سره) إلى ارتباط العقد بذي الخيار بواسطة الإجازة بل
نظره إلى أن الموضوع للخيار هو صاحب الحيوان وهو مما يختلف فيه الحال على
الكشف والنقل كما لا يخفى، ولا يعتبر - عقلا - انتساب العقد لذي الخيار، إذ قد
يكون الخيار لأجنبي. فتدبر تعرف.
ثم إنه بعد ذلك كله أشار الشيخ (قدس سره) إلى ما تقدم من الكلام في ثبوت خيار
المجلس في باب الصرف، وقد تقدم الكلام فيه، فراجع.

1 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23: ص 28، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 36، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 36، الطبعة الأولى.
207

المسألة الرابعة: في تحديد المراد من الثلاثة أيام في خيار الحيوان.
لا إشكال في أن اليوم ظاهر عرفا في النهار المقابل لليل ويشهد لذلك
الاستعمالات العرفية الكثيرة الدالة على تقابل اليوم والليل.
فالمراد من الأيام الثلاثة نهارات ثلاثة، ويقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: في دخول الليلتين المتوسطتين، فإنه قد يتوهم عدم ثبوت
الخيار فيهما بعد خروج الليل عن مفهوم اليوم. ولكن ثبوت الخيار فيهما مما لا
إشكال فيه.
والوجه فيه هو ظهور الدليل في استمرار الخيار وعدمه تقطعه ومقتضى ذلك
هو ثبوته في الليلتين المتوسطتين تحصيلا للاستمرار وإن كانتا خارجتين عن
مفهوم اليوم.
أما الدليل على الاستمرار، فهو قوله في رواية قرب الإسناد (1): " فإذا مضت
ثلاثة أيام فقد وجب الشراء "، فإنه ظاهر في أن حدوث اللزوم بعد مضي الأيام
الثلاثة وأن العقد كان جائزا قبل مضيها وذلك يقتضي استمرار الجواز كما عرفت.
الجهة الثانية: في صحة التلفيق وعدمها، كما لو وقع العقد في أثناء النهار -
كالظهر مثلا - فإنه هل يلتزم بالتلفيق، فيستمر الخيار إلى ظهر اليوم الرابع. أو لا
يلتزم به، بل يلتزم بثبوت الخيار في ثلاثة أيام تامة مستقلة، فيستمر الخيار إلى
غروب اليوم الرابع؟
ذهب الأكثر إلى الأول، وذهب صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) إلى الثاني مدعيا أنه
ينبغي القطع به لمن رزقه الله اعتدال الذهن. وتبعه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3).
وقد يستشكل في صحة التلفيق بأنه إذا كان المراد من اليوم نفس ما بين طلوع
الشمس إلى غروبها، لم تصدق الأيام الثلاثة في صورة التلفيق إذ اليوم الملفق لم
يكن بين طلوع الشمس إلى غروبها. وإن كان المراد به مقدار ذلك من الزمان لزم

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 9.
2 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23: ص 30، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 18، الطبعة الأولى.
208

أن يثبت الخيار في ليلة ونهارين أو نهار وليلتين وهذا مما يقطع بخلافه ولا
يلتزم به أحد.
ولكن هذا الاشكال يمكن دفعه بأن يقال: إن المراد من اليوم ليس مقدار ما
بين طلوع الشمس إلى غروبها من الزمان كي يرد عليه ما ذكر، بل المراد نفس
بياض النهار والنوع الخاص من الزمان المتحدد بما بين طلوع الشمس إلى
غروبها، لكن هذا يتحقق خارجا على نحوين:
أحدهما: بنحو الاتصال وعدم الانقطاع، فيجلس الانسان في مكان من طلوع
الشمس إلى غروبها، فيصدق أنه جلس في ذلك المكان نهارا كاملا.
والآخر: بنحو التشتت والانقطاع، فيجلس في مكان من طلوع الشمس إلى
الزوال ثم يغادره ويعود إليه في اليوم الآخر فيجلس فيه من الزوال إلى الغروب،
فيصدق أنه جلس في ذلك المكان نهارا كاملا أيضا، فصدق النهار لا يعتبر فيه
اتصال هذا النوع الخاص من الزمان بل يصدق أيضا مع التشتت.
وعليه، فيصدق النهار مع التلفيق، لأنه يدرك ما بين طلوع الشمس إلى غروبها
ولكن بنحو متقطع لا متصل وهو لا يضر في صدق النهار الواحد. ومما يشهد لذلك
أن الأسبوع اسم لما بين السبت والجمعة مع أنه يصدق على الملفق، كما إذا سافر
إلى بلد يوم الثلاثاء ورجع إلى بلده يوم الثلاثاء من الأسبوع الآخر فإنه يصدق أنه
سفره كان أسبوعا واحدا لأنه أدرك السبت إلى الجمعة لكن بنحو التلفيق. وهكذا
الشهر، فإنه اسم لما بين الهلالين مع أنه يصدق الشهر على الملفق من خمسة عشر
يوما من شهر وخمسة عشر من الشهر الآخر.
وإذا ثبت صدق النهار على الملفق فلا دليل على اعتبار الاتصال فيه، فيكون
الخيار مستمرا إلى ظهر اليوم الرابع في المثال المتقدم.
هذا، ولكن الانصاف أن الأمر في لفظ: " اليوم " يختلف عنه في لفظ الأسبوع
والشهر، فلا يصدق اليوم الواحد على الملفق بخلاف الأسبوع والشهر.
وتوضيح ذلك: أنه قد حقق في محله أن الأمر التدريجي وإن كان تدريجي
209

الحصول لكن له وحدة حقيقية ووجود حقيقي واحد وإنما يتعدد بالانقطاع،
فما دام مستمرا فهو واحد لا تعدد فيه، ومن ذلك الزمان، فإنه وجود واحد
لاستمراره وإن كانت آناته متصرمة غير قارة.
ولكن قد تتحدد بعض قطعه بحدود اعتبارية ويطلق على تلك القطعة اسم
خاص، ومن ذلك النهار، فإنه اسم للقطعة الخاصة من الزمان المحددة بطلوع
الشمس وغروبها، وهي ذات وحدة حقيقية. فلفظ النهار اسم للزمان الخاص ذي
الوحدة الحقيقية، فلا يصدق النهار على المتشتت، لأن الاتصال - كما عرفت -
يقوم صدق الوحدة في الأمر التدريجي. فالاتصال في آنات النهار معتبر في
صدق النهار من جهة اعتبار الوحدة الحقيقية في الزمان النهاري.
ولا ينتقض ذلك بالأسبوع، لأنه موضوع للقطع المتعددة من الزمان المتباينة
بالحدود الاعتبارية كيفما تحققت، ولكن الاتصال فيها محفوظ، فالزمان الذي
يطلق عليه الأسبوع محافظ على وحدته الحقيقية بالاتصال. بخلاف النهار الواحد
مع التلفيق فيه.
وبما ذكرنا يظهر أن الالتزام بالتلفيق غير سديد، بل المتعين متابعة صاحب
الجواهر (رحمه الله) والالتزام بعدم التلفيق واستمرار الخيار - في المثال المتقدم - إلى
غروب اليوم الرابع، فتدبر ولاحظ.
الجهة الثالثة: في دخول الليلة الأولى لو وقع العقد في أول الغروب مثلا.
ولا يخفى أنه يثبت فيها الخيار لما عرفت من ظهور الدليل في استمرار الخيار
من حين العقد وهو يقتضي ثبوته في تلك الليلة السابقة على اليوم الأول، كدخول
بعض النهار بناء على عدم التلفيق.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) كلاما لبعض الفقهاء يحكم فيه بدخول الليالي الثلاث مع
الأيام الثلاثة، لدخول الليلتين أصالة فتدخل الثالثة. وإلا لاختلف مفردات الجمع
في استعمال واحد، بأن يراد من اليومين الأولين مجموع النهار والليل ويراد من

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
210

اليوم الثالث النهار فقط، فتستعمل مفردات الجمع في معنيين في استعمال
واحد. ومراده من الأصالة ليس كون مفهوم اليوم وضعا عبارة عن مجموع النهار
والليل وإلا لجرى ذلك في اليوم الثالث أصالة أيضا لا تبعا، وإنما المراد أنه مع
القطع بإرادة مجموع النهار والليل من اليومين ولو بنحو المجاز تبعهما اليوم الثالث
في ذلك فرارا عن اختلاف مفردات الجمع في المعنى في استعمال واحد.
واستشكل فيه الشيخ (قدس سره) بأنه إن أراد إدخال الليلة السابقة على الأيام، فهو
حسن. ووجهه ما عرفت من دخولها لو وقع العقد في أولها لظهور الدليل في
الاستمرار. وقال (قدس سره) إلا أنه لا يعلل بما ذكر. وإن أراد الليلة الأخيرة، فالتعليل غير
تام، إذ لا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد، لأن إرادة
الليلتين المتوسطتين لم تكن بواسطة استعمال اليومين من الأولين في مجموع
النهار والليل، بل هما مستعملان في النهار فقط، ودخول الليلتين المتوسطتين كان
بواسطة ظهور الدليل في الاستمرار، والاجماع على ذلك وهذا الملاك لا يسري
إلى الليلة الأخيرة، فالتفت.
ثم إن قوله: " إلا أنه لا يعلل بما ذكر " ظاهر في عدم صلاحية التعليل لإثبات
المطلب وليس في مقام بيان بطلانه كما تصدى إليه في الشق الثاني من الترديد.
والوجه في عدم صلاحية التعليل لإثبات المطلب أنه غير مطرد في مطلق موارد
العقود، بل يختص بما إذا وقع العقد في أول الليلة الأولى. أما إذا وقع في بداية
النهار عند طلوع الشمس فلا معنى للالتزام بثبوت الخيار في الليلة السابقة لأنها
قبل وقوع العقد ولا معنى لثبوت الخيار قبل العقد.
ومن هنا يظهر ما في حاشية الإيرواني (1) والسيد الطباطبائي (2) (رحمهم الله) من
التسامح.
قد أوضحه الثاني بأن مراده (قدس سره) أن الوجه ما ذكرناه من ظهور الدليل في

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 19، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 18، الطبعة الأولى.
211

الاستمرار بلا أن يبين الوجه في عدم صلاحية كلام القائل للتعليل. كما أن الأول
ذهب إلى صحة تعليل المطلوب بما ذكره الشيخ وما ذكره القائل. فالتفت ولا
تغفل.
المسألة الخامسة: في مسقطات خيار الحيوان. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه
يسقط بأمور:
الأول: اشتراط سقوطه في العقد. وقد مر الكلام في نفوذ هذا الشرط وعدم
نفوذه في خيار المجلس بنحو التفصيل، فراجع.
نعم، يقع الكلام في جهة واحدة وهي ما إذا شرط سقوط بعض الخيار.
وقد صرح بعض بصحته. وقال الشيخ: " لا بأس به " (2). ولكن المحقق
الخراساني (رحمه الله) (3) استشكل فيه على إطلاقه وذهب إلى صحته على تقدير وعدم
صحته على تقدير آخر.
وتوضيح ذلك: أنه تارة: يلتزم بتعدد الحقوق بتعدد الآنات، فالمجعول حقوق
خيارية متعددة بعدد الآنات. وأخرى: يلتزم بأن المجعول حق واحد مستمر إلى انتهاء اليوم الثالث.
فعلى الأول، لا محذور في اشتراط سقوط الحق في بعض تلك الآنات، سواء
كانت من المبدأ أو المنتهى أو الوسط.
وأما على الثاني، فإنما يصح شرط سقوطه في اليوم الأول أو الثالث فيبدأ في
الفرض الأول من اليوم الثاني. وينتهي في الفرض الثاني بنهاية اليوم الثاني لعدم
منافاته للوحدة والاستمرار. ولا يصح شرط سقوطه في اليوم الثاني فقط
لاستلزامه تعدد الحق لتحقق الانفصال المساوق للتعدد في الأمور التدريجية،
وهو ينافي ما دل على أنه حق واحد مستمر، فتدبر.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 225، الطبعة الأولى.
3 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 94، الطبعة الأولى.
212

أقول: - بعد فرض أن حق الخيار واحد مستمر لا متعدد فإنه خلاف الظاهر -
أن الأيام الثلاثة..
تارة: تكون ظرفا لمتعلق الحق وهو فسخ العقد وحله فيثبت الحق في الأيام
الثلاثة بالملازمة العقلية كما لا يخفى.
وأخرى: تكون ظرفا لنفس الحق المجعول، وبالملازمة العقلية أيضا يثبت
الفسخ فيها لامتناع تقدم متعلق الحق على نفس الحق.
والظاهر هو الثاني لظهور النصوص في أن الخيار والشرط في ثلاثة أيام لا أن
فسخ العقد الذي هو متعلق الحق في ثلاثة أيام.
وعلى كلا التقديرين بعد أن عرفنا أن لدينا أمرين الحق وهو الخيار ومتعلقه
وهو فسخ العقد، فتارة يكون الشرط هو سقوط الحق في اليوم الثاني. وأخرى
يكون الشرط هو عدم تحقق الفسخ في اليوم الثاني. وبعبارة أخرى يكون الشرط
عدم التعلق بالفسخ في اليوم الثاني فهو سقوط للحق لكن بمعنى سقوطه عن تعلقه
بالفسخ في ذلك اليوم وإن كان ثابتا في نفسه.
ومقتضى الشرط الأول، هو سقوط الحق في اليوم الثاني وهو يتنافى مع
وحدته واستمراره.
أما الشرط الثاني، فلا يقتضي سقوط الحق، بل هو ثابت في اليوم الثاني ولو
بلحاظ الفسخ في اليوم الثالث - بنحو الواجب المعلق -. فحق الفسخ ثابت في
جميع الآنات بلا انقطاع، فيحافظ على وحدته واستمراره وإن لم يقع الفسخ في
بعض تلك الآنات. ويترتب على ثبوته مع عدم ثبوت الفسخ سائر آثاره من
قابليته للاسقاط والمبادلة.
إذن، فاشكال المحقق الخراساني (رحمه الله) إنما يتم في صورة كون متعلق الاشتراط
سقوط الحق بالنحو الأول ولا يتم في صورة كونه سقوط الحق بالنحو الثاني
الراجع إلى سقوط تعلقه بالفسخ في اليوم الثاني.
وقد بنى المحقق الأصفهاني في مقام مناقشة الخراساني (رحمهما الله) على أن الأيام
قيد لحل العقد.
213

مع أنك عرفت أنه خلاف ظاهر نصوص الباب.
وعلى أي التقديرين لا بد من بناء المناقشة على الترديد الذي ذكرناه.
الثاني: - من مسقطات هذا الخيار - إسقاطه بعد العقد. وقد مر الكلام فيه في
خيار المجلس، فراجع.
الثالث: التصرف في الحيوان. ولا إشكال ولا خلاف في كونه موجبا لسقوط
الخيار في الجملة، لدلالة النصوص عليه وهي..
رواية ابن رئاب (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - " فإن أحدث المشتري
فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط له. قيل له: وما الحدث
؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء ".
ورواية الصفار (2) قال: " كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) في الرجل اشترى من رجل
دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ أله أن
يردها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب
الذي يركبها؟ فوقع (عليه السلام) إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله ".
ورواية قرب الإسناد (3) عن ابن رئاب قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال: الخيار لمن اشترى... إلى أن قال: قلت له:
أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس قال فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى
ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته ".
وإنما وقع الكلام في تحديد المراد بالتصرف الموجب للسقوط.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) إلى بيان المراد بالنصوص، فتعرض أولا إلى بيان المراد
بالحدث - الوارد في النص - وأنه..
إما أن يراد به مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك إلا برضاه، كما يشير
إليه قوله (عليه السلام) أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء.

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 1.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 2.
3 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 3.
214

وإما أن يراد به التصرف بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد، كما يرشد إليه
وقوعه في صحيحة علي بن رئاب.
وقد حكم على الأول بأنه في غاية الاشكال، لعدم تبادره من لفظ الحدث
وعدم مناسبته للتعليل في رواية ابن رئاب، لعدم دلالته على الرضا، إذ قد يكون
بداعي الاختبار أو غيره. مع أنه لا ينفك مثل هذا التصرف عن الثلاثة أيام في
المملوك المشتري غالبا، إذ لا أقل من النظر إليها ونحو ذلك. فيكون جعل الخيار
لغوا في الوقت الذي ذكر القوم أن الحكمة في هذا الخيار هو الاطلاع على أمور
خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري فيه، مع أنه لا يمكن أن يطلع بدون
صدور مثل هذا التصرف منه. كما أنه ذكر..
أن الاحتمال الثاني لا يناسب إطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التي
ذكروها، فإن بعضها مما لا يدل على الرضا نوعا، كالركوب والنظر فإنه قد يكون
للاستخبار.
كما أنه تعرض لكلمة " الرضا " الواردة في رواية ابن رئاب، فذكر أن المراد بها
ليس الرضا بالملك لأنه مستمر من حين العقد إلى حين الفسخ وإنما المراد هو
الرضا بلزوم العقد في مقابل كراهة ضده وهو الفسخ، فيرجع إلى الالتزام بالعقد.
وبعد أن تعرض لذلك أوقع الحديث في مفاد قوله: " فذلك رضا منه ولا شرط
له "، فذكر أن فيها احتمالات:
الأول: أن تكون جوابا للشرط، فيكون مفاد الكلام حكما شرعيا بأن
التصرف رضا بالعقد والتزام به وإن لم يكن كذلك عرفا. وبعبارة أخرى: يرجع إلى
تنزيل التصرف منزلة الرضا، فتترتب عليه أثره وهو لزوم العقد.
الثاني: أن يكون الجواب للشرط هو قوله: " فلا شرط له " وقوله: " فذلك رضا
منه "، ذكر توطئة للجواب وهو بيان لحكمة الحكم لا لعلته، فالحكم يكون
بمسقطية مطلق التصرف للخيار، والحكمة فيه دلالته غالبا على الرضا. ويثبت
الحكم وإن علم بعدم الرضا لأن الحكمة لا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما.
الثالث: أن يكون الجواب هو قوله: " لا شرط له " وقوله: " فذلك رضا منه " ذكر
215

بيانا لعلة الحكم، فهي تتكفل إخبارا عن الواقع بلحاظ الغالب لأن التصرف بنوعه
دال على الرضا لو خلي وطبعه.
وإذا كان هذا المعنى علة للحكم كان الحكم يدور مداره، فيكون الحكم
بالسقوط ثابتا في مورد يكون التصرف له كشف نوعي عن الرضا. أما إذا لم يكن
كذلك - كما إذا قامت قرينة على أنه لا لأجل الرضا بل للاختبار أو اشتباها لم يكن
موجبا للسقوط، كما أنه يدخل في المسقط كل ما كان كاشفا نوعا عن الرضا وإن
لم يكن تصرفا، كالتعريض للبيع ونحوه. كما هو الحال في كل علة، فإنها توجب
التضييق والتوسعة في موضوع الحكم.
الرابع: أن تكون إخبارا عن الواقع وتكون العلة في الحكم هو نفس الرضا
الفعلي الشخصي فيدور الحكم مداره، فلو لم يثبت الرضا لم يسقط الخيار،
فالموضوع في الحقيقة هو الرضا لا التصرف.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) وقد رجح الاحتمال الثالث، ثم توقف فيه ولم يخرج
من المسألة بعد طول تحقيقه إلا بالتردد والاشكال.
وعلى كل، فلتوضيح الاحتمال الثالث والرابع نقول: إنه لا إشكال في وجود
المسامحة في حمل الرضا على التصرف المشار إليه بلفظ الإشارة، لأن الرضا أمر
قلبي والحدث عنوان لفعل خارجي فلا اتحاد بينهما حتى يصح الحمل حقيقة، فلا
يخلو الحال إما من الالتزام بالتقدير في جانب المحمول، فيكون المراد: " فذلك
كاشف عن الرضا ". وإما من الالتزام بعدم التقدير وكون إسناد الرضا إسنادا
مجازيا ولكن بملاحظة كون التصرف كاشفا عن الرضا، فتلحظ الكاشفية في مقام
تصحيح إسناد نفس الرضا إلى التصرف من دون أخذها في المحمول، بل تكون
ملحوظة في طرف الموضوع.
ونتيجة هذين الوجهين هو: أنه على الالتزام بتقدير الكاشف في طرف المحمول
يكون الكلام ظاهرا في أن علة السقوط كون التصرف كاشفا عن الرضا، فيدور
السقوط مدار الكشف عن الرضا.
216

أما على الالتزام الثاني، فلا دخل للكشف في السقوط، بل ظاهر الكلام أن
السقوط منوط بالرضا الفعلي، إذ الكشف لوحظ في مقام تصحيح الاسناد لا أكثر.
وعلى أساس هذين الوجهين ينبثق الوجه الثالث والرابع اللذين اكتفى
الشيخ (قدس سره) بذكرهما بنحو الدعوى ولم يتعرض لتوضيحهما وأساس احتمالهما، كما
لم يتعرض الشراح لذلك، كما يظهر الوجه في جعله الجملة إخبارا عن الواقع على
هذين الاحتمالين لأنها بهذا البيان تكون بيانا لأمر واقعي لا لإنشاء حكم تعبدي.
ومن هنا يظهر أن ما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) - وتابعه المحقق
الأصفهاني (2) - من حمل الوجه الثالث على إرادة الكشف النوعي وحمل الوجه
الرابع على إرادة أخذ التصرف مسقطا بما هو كاشف شخصي عن الرضا.
غير سديد، إذ ليس في كلام الشيخ في مقام بيان الاحتمال الرابع ما يشير إلى
إرادة أخذ الكشف الشخصي بقليل ولا كثير، ولو كان المنظور ذلك لم يكن العلة
نفس الرضا إذ الكشف الشخصي سواء أريد به الظني - كما صرح به السيد - أو
القطعي أو الأعم لا يلازم تحقق نفس الرضا لإمكان تخلف الكاشف عن المنكشف
كما في موارد خطأ العلم والظن. مع أن الشيخ صرح بأن العلة تكون هي نفس
الرضا الفعلي الشخصي وأن الحكم يدور مدارها.
ثم إن السيد (رحمه الله) صرح بأن نظر الشيخ في الوجه الثالث إلى أن التصرف
الكاشف نوعا عن الرضا مجعول حجة على الرضا، فالنص يتكفل جعل حجية
التصرف على وجود الرضا بلحاظ كشفه النوعي، كجعل الظاهر حجة على مراد
المتكلم باعتبار كشفه النوعي عن المراد.
كما أنه (رحمه الله) ذكر أن التصرف إذا أخذ مسقطا باعتبار أنه كاشف شخصا عن الرضا
لا يحتاج إلى جعل حجيته مع تصريحه بأن المراد بالكشف، الكشف الظني.
وكلامه مما لا يمكن الالتزام به..

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 20، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 37، الطبعة الأولى.
217

أما جعل التصرف حجة على الرضا بلحاظ كشفه النوعي، فهو مما لا ظهور
لكلام الشيخ فيه. وتشبيهه بالظواهر إنما هو من جهة تحقق الكشف النوعي فيها
عن مراد المتكلم لا من جهة حجيتها على المراد. كما أنه مما لا وجه له لأنه بعد إن
كان الحكم مترتبا على ما هو كاشف نوعا عن الرضا ووجود الكاشفية تكويني
محرز، كان ثابتا بمجرد تحقق الكاشف وهو التصرف بلا أن يحتاج إلى اعتبار
وجعل.
نعم لو كان للرضا بوجوده الواقعي دخل في الحكم بالسقوط، كما إذا كان جزء
الموضوع، اتجه ما ذكر من الاحتياج إلى جعل حجية التصرف على وجود الرضا
لكشفه النوعي عنه باعتبار أن الرضا غير محرز إلا بهذا الطريق، لكن الشيخ (قدس سره) لا
ظهور لكلامه في دخالة الرضا بوجوده الواقعي. فليس الموضوع سوى ما هو
كاشف عن الرضا بالكشف النوعي وهو محرز تكوينا كما هو الغرض، فأي دليل
على اعتبار التصرف حجة على وجود الرضا؟
وأما ما ذكره من عدم احتياج التصرف إذا أخذ بما هو كاشف شخصي إلى جعله
حجة على وجود الرضا وتفكيكه بين الكاشف النوعي والشخصي في ذلك، فهو
عجيب، لأن الكاشف الشخصي إنما لا يحتاج إلى جعل الحجية إذا أريد به
الكاشف القطعي لأن القطع لا يحتاج إلى جعله حجة.
أما إذا أريد به الكاشف الظني، فهو ما يحتاج إلى جعله حجة لعدم كون الظن
حجة بنفسه، وقد عرفت أنه صرح بإرادة الكشف الظني. فما أفاده مما لا نعرف له
وجها ظاهرا.
نعم، لا يرد ما ذكرناه على المحقق الأصفهاني (رحمه الله) لأنه لم يصرح بإرادة الكشف
الظني، بل أطلق الكشف الشخصي بلا تقييد فلعله يريد به الكشف القطعي. فتدبر.
ثم إن السيد (رحمه الله) (1) ذكر أن كلام الشيخ (قدس سره) لا يخلو من اضطراب: فيظهر منه
تارة: أخذ التصرف الكاشف نوعا عن الرضا موضوعا للحكم بسقوط الخيار بما

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 20، الطبعة الأولى.
218

هو طريق للواقع المنكشف الملازم لأخذ الرضا في الموضوع.
وأخرى: يظهر منه أخذ التصرف بما هو فيكون مسقطا تعبدا.
واستشهد على ما ذكره بما لا يخلو عن التفصيل.
والذي يبدو لنا أن الشيخ (قدس سره) لا يختلف كلامه وإنما يظهر من كلامه أولا وآخرا
أخذ التصرف بما هو وبنحو الموضوعية لا بنحو الطريقية.
وسيتضح ذلك إن شاء الله تعالى، كما قد يتضح بعض المناقشة في كثير من
كلمات السيد في المقام. ولا نوقع البحث فيه فعلا.
وإنما المهم لدينا تحقيق المستفاد من النصوص ومعرفة ما هو سبب السقوط
وبيان المراد بقوله: " فذلك رضا منه ولا شرط له "، إذ عليها يدور الكلام. وقد
عرفت أن الشيخ (قدس سره) ذكر فيه احتمالات أربعة:
وهناك احتمال خامس ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) وهو: أن الرضا -
بمعنى الاختيار والارتضاء - له وجودات ثلاثة: وجود نفسي قلبي ووجود قولي
ووجود عملي، نظير تصديق الخبر فإن له وجودا قلبيا وهو الجزم بالمخبر به،
ووجودا قوليا كقوله أنت صادق ووجودا عمليا وهو الجري على طبق الخبر بلا
بيان التصديق قولا بل العمل عمل المصدق يعد تصديقا عمليا.
فالالتزام بالعقد والرضا به كذلك أيضا، فكما أن له وجودا قلبيا ووجودا
قوليا، كقوله رضيت أو التزمت، كذلك له وجود عملي وهو الاتيان بما هو أثر
للالتزام وهو التصرف.
وعليه، فاسناد الرضا للتصرف إسناد حقيقي، لأنه رضا حقيقة ويكون مسقطا
باعتبار أنه من مصاديق الرضا.
وبذلك يختلف عن الوجه الأول من محتملات الشيخ، لأن مرجعه على ما
عرفت إلى تنزيل التصرف منزلة الرضا الراجع إلى ترتيب حكمه وأثره عليه كما
هو شأن مطلق موارد التنزيل، مع خروج المنزل عن حقيقة المنزل عليه. فلاحظ.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 37، الطبعة الأولى.
219

فيتحصل لدينا احتمالات خمسة في معنى النص.
ولا يخفى أن الشيخ (قدس سره) قد رجح الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها، وقد
اختلف بيانه في كلامه. فصدر كلامه ظاهر في ما بيناه من أخذ التصرف بما هو
كاشف نوعي عن الرضا مسقطا للخيار، ولكن ذكر في بعض كلماته أن التصرف
يكون التزاما فعليا ويريد به أن التصرف يمكن قصد انشاء الالتزام به لدلالته عليه،
فيكون كانشاء الالتزام بالقول، ويترتب عليه السقوط حينئذ لأن الالتزام بالعقد
موجب لسقوط الخيار بأي كيفية تحقق.
فمسقطية التصرف على النحو الأول من البيان بحكم الشارع تعبدا والعلة فيه
الكشف النوعي.
أما على النحو الثاني، فاستلزامه للاسقاط من باب تحقق الالتزام بالعقد انشاء
وهو موجب للسقوط على القاعدة.
وعلى أي التقديرين، فأساس الوجه الثالث على دعوى كون التصرف كاشفا
نوعا عن الرضا، وهذا مما لا يمكن الالتزام به خصوصا في مثل التصرفات
المذكورة في النصوص، إذ الكشف إما بالوضع أو بغلبة ملازمته للرضا.
والأول واضح البطلان. والثاني ممنوع، إذ ليس الغالب في التصرفات
ملازمتها لتحقق الرضا، فكثيرا ما يتحقق التصرف مع الغفلة عن تزلزل العقد، كما
ينشأ عن الاختبار واستعلام حال المبيع، بل قد يتحقق مع العزم على الفسخ. فلا
يمكن أن يلتزم بأن التصرف انشاء عملي للالتزام أو أنه مسقط تعبدا لعلة كونه
كاشفا نوعا عن الالتزام والرضا، ولأجل ذلك توقف الشيخ (قدس سره) في آخر كلامه
وذهب إلى أن تشخيص المراد من النص في غاية الاشكال.
وأما ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) من: أن التصرف التزام عملي، فهو مصداق
للرضا حقيقة وبدون مسامحة.
ففيه: أنه إن كان التزاما عمليا تنزيلا وتعبدا، فهو مما ينكره لرجوعه إلى الوجه
الأول من وجوه الشيخ (قدس سره).
220

وإن كان التزاما عمليا حقيقة كما هو ظاهر كلامه، فهو يتوقف على أن يكون
التصرف كاشفا عن الرضا بالملازمة كي يعد عرفا أنه التزام عملي. أما إذا لم يكن
لازما للرضا غالبا ولم يرتبط به نوعا، فلا يعد التزاما عمليا، لأن الالتزام العملي
إنما ينطبق على ما هو أثر الالتزام القلبي نوعا. فلاحظ وتدبر.
وعلى هذا، فيتعين حمل الرواية على الوجه الأول - تبعا للسيد
الطباطبائي (رحمه الله) (1) - فنقول: إن المراد بالرضا ههنا ليس هو الرضا القلبي والرغبة
النفسية إذ لا أثر له في السقوط كي ينزل التصرف منزلته، بل المراد هو الالتزام
بالعقد واختيار لزومه في قبال فسخه، وهو مما يترتب عليه سقوط الخيار. فالنص
يتكفل تنزيل التصرف منزلة الالتزام في هذا الأثر فيترتب عليه سقوط الخيار،
فليس هو رضا حقيقة ولا كاشفا عنه، بل هو منزل منزلة الرضا بالعقد بلحاظ ترتب
سقوط الخيار عليه.
وهذا المعنى يمكن أن ندعي أنه ظاهر من النص.
ومن الغريب أن الشيخ (قدس سره) ادعى كون الظاهر من النص هو الوجه الثالث مع
احتياجه إلى التقدير، كما عرفت، مضافا إلى الاشكال في أساسه. بل الظاهر من
النص هو التنزيل خصوصا بملاحظة صدور الكلام من الشارع الذي من شأنه
التعبد لا بيان الواقعيات.
ومقتضاه أن مطلق التصرف يكون موجبا لسقوط الخيار بأي نحو تحقق، وهو
الذي يوافق إطلاق سائر النصوص.
نعم، ذكر الشيخ (قدس سره) أمورا لاستبعاد إرادة هذا الوجه وتأييد الوجه الثالث لكنها
قابلة للمناقشة:
فمنها: ما ذهب إليه الجل من أن كل تصرف يكون إجازة من المشتري يكون
فسخا من البائع، فإنه لو كان التصرف موجبا لسقوط الخيار تعبدا لم يكن وجه
لهذا الحكم لأن دليله يختص بالمشتري فلا وجه للتعدي من كونه إجازة إلى كونه

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 30، الطبعة الأولى.
221

فسخا، أما لو كان من جهة كشفه النوعي عن الرضا كان حكما على طبق القواعد
فكان للتعدي وجه.
وفيه: أن هذا المطلب أجنبي عما نحن فيه، إذ هو يرجع إلى الملازمة بين
التصرف المتحقق بعنوان أنه إجازة وبين كونه فسخا، لا بين مطلق التصرف
المسقط للخيار وبين كونه فسخا من البائع. والنص يدل على الثاني، فلا يقتضي أن
يكون التصرف مطلقا فسخا، ولا ينافي حكم الأصحاب بالملازمة، فلاحظ.
ومنها: الحكم بأن التعريض للبيع موجب لسقوط الخيار مع أنه ليس بتصرف
عرفا، مما يكشف عن أن الموجب للسقوط كل ما يستكشف منه الرضا نوعا
وليس التصرف بما هو موجبا للسقوط.
وفيه: أن المأخوذ في النصوص موضوعا للسقوط ليس هو التصرف بعنوانه كي
يرد ما ذكر، بل هو عنوان الحدث وهو أعم من التصرف من جهة لأنه عبارة عن
العمل الجديد الذي يكون من شؤون المالك بحيث لم يكن له ذلك قبل الملك، وإن
لم يعد تصرفا عرفا. والتعريض للبيع من ذلك فإنه من شؤون المالك فيصدق عليه
عنوان الحدث، فيكون موجبا للسقوط لأجل ذلك وإن لم يكن تصرفا.
ومنها: حكمهم بعدم استلزام بعض التصرفات للسقوط، كالتصرف للاختبار
أو في طريق الرد أو اشتباها، فإنه يتنافى مع الالتزام بأن التصرف مسقط تعبدا.
ففيه: أنه وإن انطبق على بعض مثل هذه التصرفات عنوان الحدث، كالركوب
في طريق الرد أو نحو ذلك.
إلا أن المراد من الحدث في النصوص بمناسبة الحكم والموضوع وبقرينة هذه
الفتوى التي لا يمكن رفع اليد عنها هو الحدث الصادر بعنوان أنه مالك وباعتبار
كونه مالكا بحيث تكون جهة المالكية ملحوظة عند التصرف. فتخرج مثل هذه
التصرفات موضوعا، لأنها لم تصدر بملاحظة جهة المالكية بل التصرف صادر في
مقام الرد مثلا. وهكذا الحال في التصرف الاختباري، لأن الاختبار قد يصدر
ممن يريد أن يتملك الحاجة لا من يملكها فعلا.
222

ومنها: بعض النصوص الدالة على اعتبار الرضا في سقوط الخيار وهي:
أولا: رواية عبد الله بن الحسن (1) عن أبيه عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجل اشترى عبدا بشرط إلى ثلاثة أيام فمات العبد في
الشرط قال يستحلف بالله تعالى ما رضيه ثم هو برئ من الضمان ".
وجه دلالتها هو أن التلف في زمان الخيار من مال من لا خيار له وهو البائع في
الفرض، إلا أن يكون قد سقط خيار المشتري بالرضا ولذا قيل إنه يستحلف على
عدم الرضا.
وثانيا: رواية الحلبي (2): " في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم رد فقال
إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد وإن لم يكن لها لبن فليس
عليه شئ ".
فقد دلت الرواية على جواز الرد بعد التصرف بالحلب. وعدم العمل برد ثلاثة
أمداد لأن مقتضى القاعدة رد مقدار ما شرب منها لا يستلزم طرح الرواية كلية إذ
التفكيك في العمل بين أجزاء الرواية ليس بعزيز.
وثالثا: رواية السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى
في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه قال ليشهد
أنه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء فإن أقامه في السوق فلم يبعه فقد وجب
عليه ".
فقد دلت على أن العرض للبيع لا يستلزم السقوط بلا تحقق الرضا مع أن
العرض للبيع تصرف.
ولكن الرواية الأولى إنما تدل على المدعى باعتبار ترك الاستفصال فيها عن
تصرف المشتري في العبد وإنما أوكل الحال إلى تحقق الرضا، وهذا إنما ينفي
مدخلية التصرف بما هو في السقوط باعتبار الاطلاق. ومن الواضح أنه لا يتنافى

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 5 من أبواب الخيار، الحديث: 4.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 13 من أبواب الخيار، الحديث: 1.
3 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 12 من أبواب الخيار، الحديث: 1.
223

مع قيام دليل آخر على أن التصرف بما هو موجب للسقوط فإنه يوجب تقييد
إطلاق غيره.
وأما الرواية الثانية، فهي لا ترتبط بخيار الحيوان، بل بخيار آخر، لأن
مفروض الكلام فيها هو الرد بعد الثلاثة.
وأما الرواية الثالثة، فهي مربوطة بخيار الشرط وكلامنا في خيار الحيوان مع
تهافتها صدرا وذيلا، لأن ظاهر صدرها عدم كفاية العرض للبيع في سقوط الخيار
وظاهر ذيلها أن العرض للبيع موجب للسقوط.
وبالجملة، فليس في هذه المؤيدات ما يستلزم رفع اليد عن الالتزام بالوجه
الأول.
ومحصله: هو أن الرواية تتكفل حكمين:
أحدهما عام وهو: أن الالتزام بالعقد موجب لسقوط الخيار، وهذا إما من جهة
أن حق الخيار يتقوم بأمرين حق إبرام العقد وحق فسخه، فقد تقدم الحديث عنه
في أول مباحث الخيار، وقد قربنا أنه متقوم بحق الفسخ وعدمه دون حق الابرام.
ولكن هذا النص يدل على أن الالتزام بالعقد وإبرامه ينفي الخيار، فإما يكون
من جهة أن حق الخيار متقوم بأمرين، وإما من جهة أنه وإن لم يكن كذلك، ولكن
الالتزام بالعقد ناف للخيار شرعا، فلذي الخيار هذا الحق ولا يهم أنه دخيل في
معنى الخيار وعدم كونه دخيلا.
وهذا الحكم العام يستفاد من ترتيب نفي الشرط على الحكم بأن الحدث رضا
منه، فإنه ظاهر في أن مطلق الرضا والالتزام بالعقد ناف للشرط مطلقا.
والحكم الآخر حكم خاص وهو: الحكم بأن الحدث - بالمعنى الذي عرفته -
التزام ورضا وتنزيل منزلته. وهذا يقتصر فيه على مورده وهو خصوص خيار
الحيوان، فلا يتعدى منه إلى غيره من أقسام الخيار إلا إذا قام دليل خاص عليه
فيه.
وقد عرفت أن هذا البيان واقع كثيرا وليس خلاف الظاهر، فهو نظير " الطواف
224

في البيت صلاة " (1).
وأما ما أفاده المحقق الأصفهاني من: أن الحمل ههنا حقيقي والمراد من الرضا
الرضا العملي وهو عنوان ينطبق على كل ما يكون عملا للراضي ولو لم يكن بقصد
انشاء الرضا أو ينطوي على الرضا، نظير الجري على طبق الخبر فإنه تصديق
عملي ولو لم يكن في واقعه مصدقا وجازما بالخبر. ونظير الابقاء العملي - في
باب الاستصحاب - ونحو ذلك كثير في العرفيات، فإن إطلاق المفهوم على العمل
الخارجي الذي يكون من آثار الصفة النفسية كثير ولو لم تكن الصفة النفسية كامنة
فيه (2).
ففيه: - بعد الغض عن مدى اختلافه مع ما ذهبنا إليه عمليا لا علميا - أن الرضا
والالتزام تارة: يكون بمعنى الرضا بالملكية الراجع إلى ترتيب آثار العقد الصحيح
عليه. وأخرى: يكون بمعنى الرضا بلزومه الراجع إلى الالتزام بعدم فسخه وأنه لا
يريد انحلاله.
وبعبارة أخرى: الرضا بالعقد تارة بمعنى رؤيته العقد صحيحا ذا أثر في التمليك
والتملك وأخرى بمعنى بناؤه على عدم فسخه وإرادته استمرار الملك وعدم
زواله، والالتزام الذي يسبب السقوط هو الالتزام بالمعنى الثاني، إذ الالتزام
بالمعنى الأول حاصل حتى مع إرادة الفسخ إذ قبل الفسخ يرى نفسه مالكا.
ومن الواضح أن التصرفات الصادرة من الشخص حتى بعنوان أنه مالك لا
تلازم تحقق الرضا بالمعنى الثاني إلا القليل منها فكيف تعد التزاما عمليا مسقطا
للخيار، بل غاية ما تكشف عنه هو المعنى الأول من الالتزام والرضا أما كشفها عن
بناء المتصرف على استمرار الملك وعدم إزالته فلا. فكلامه (قدس سره) مبني على اشتباه
حال الرضا بين هذين المعنيين فتدبر تعرف. هذا تمام الكلام في خيار الحيوان.

1 - الأحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي: ج 2: ص 167، ح 3، الطبعة الأولى.
2 - ولا يخفى أن الاشكال السابق لا يرد عليه بعد تفسير الحدث بما تقدم لأنه كاشف نوعا عن الرضا
فالعمدة هو هذا الاشكال وهو وارد على الشيخ أيضا في التزامه بالوجه الثالث بعد اندفاع اشكالنا
السابق عليه أيضا بعد تفسير الحدث بما عرفت.
225

الثالث:
خيار الشرط
ويراد به: الخيار الذي يشترط ثبوته في العقد.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لا خلاف في صحة هذا الشرط ولا في أنه لا يتقدر بحد
عندنا، ونقل الاجماع عليه مستفيض. ثم ذكر أن الأصل فيه هو الأخبار العامة
المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما خالف كتاب الله. والأخبار الخاصة الواردة في
بعض أفراد المسألة.
وقد نسب إلى صاحب المستند (1) أن اشتراط الخيار من الشرط المخالف
للكتاب، وأن خروجه بواسطة تخصيص عمومات بطلان مثل هذا الشرط
بالأخبار الخاصة الواردة فيه بخصوصه.
ونوقش (قدس سره) بالمنع من كونه مخالفا للكتاب، وبالمنع من قابلية العمومات
للتخصيص لإباء لسانها عنه.
ولا يخفى عليك أن البحث عن تحديد الشرط المخالف للكتاب ههنا والبحث عن
قابلية العمومات الدالة على بطلانه للتخصيص قليل الجدوى فيما نحن فيه بعد ورود
الأدلة الخاصة على صحة خيار الشرط، فلا ملزم لإطالة الكلام في ذلك ههنا، بل
نوكله إلى محله فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
كما أنه بعد ورود الدليل الخاص على صحة خيار الشرط لا وجه للبحث في

1 - النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 384، ط مؤسسة آل البيت (ع).
227

صحته من جهة أنه شرط نتيجة أو فعل الله تعالى لا فعل العبد، فسواء صدق
عليه اسم الشرط أو لم يصدق من جهة أن مفهوم الشرط لا يتلائم مع اشتراط
النتيجة - كما تقدم البحث فيه - فهو مما لا إشكال في صحته للدليل الخاص.
إذن، فلا بحث في صحة هذا الشرط، وإنما يقع البحث في جهات ترتبط به،
ولنوقع الكلام في ذلك في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: في بيان عدم لزوم كون زمان خيار الشرط متصلا بالعقد،
فيجوز أن يكون منفصلا عنه بأن يجعل الخيار بعد مرور يومين - مثلا - من العقد.
واستدل الشيخ (قدس سره) (1) على ذلك بعموم أدلة الشرط، ولا محذور فيه سوى ما
قيل من أنه يستلزم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم، ورد ذلك بأنه لا مانع منه ولا
محذور فيه، مع انتقاضه بخيار التأخير وخيار الرؤية، فإن الخيار متأخر عن زمان
العقد.
وههنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهو: أنه إذا اشترط الخيار منفصلا عن العقد لمدة
معينة كيوم، لا يمكن الالتزام بلزوم العقد بعد مضي زمان الخيار بمقتضى: * (أوفوا
بالعقود) * إلا بناء على الالتزام بأن لها عموما أزمانيا، فإذا خصص عمومها
الأزماني ببعض أفراده التزم بالعموم في غير موارد التخصيص، وكان المورد من
موارد التمسك بالعموم.
أما إذا التزم بعدم تكفلها سوى العموم الأفرادي، فإذا خرج أحد الأفراد في
زمان ما لا يرجع إلى العموم بعد زمان التخصيص، لاختلال أصالة العموم فيه
بالتخصيص، بل المورد من موارد استصحاب حكم المخصص - وايضاح الكلام
في ذلك في محله من علم الأصول -، وتحقيق هذا المعنى في عموم: * (أوفوا
بالعقود) * يأتي في محله من خيار الغبن إن شاء الله تعالى. فانتظر.
وظاهر الشيخ (قدس سره) في الأصول هو كونه من قبيل الثاني (2) فراجع.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 228، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، ص 395، الطبعة القديمة.
228

المسألة الثانية: في لزوم تعيين المدة. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه يشترط تعيين
المدة، فلو تراضيا على مدة مجهولة، كقدوم الحاج، بطل بلا خلاف.
والوجه في ذلك هو: أن المعاملة باشتراط المدة المجهولة تصير غررية،
فيشملها عموم النهي عن بيع الغرر.
وأما تسامح العرف في بعض المقامات وإقدام العقلاء عليه أحيانا، فهو لا ينفع
في رفع اليد عن عموم النهي عن الغرر، إذ لا يخرجه عن ذلك عن كونه غررا،
والعرف مرجع في تشخيص المفاهيم لا المصاديق.
وقد ذكر بعض الأساطين أن دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته
في العرف، بملاحظة تسامح العرف وعدم تسامح الشرع.
واستشكل فيه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) بأن الأنسب أن يقال إن دائرة الغرر في
الشرع أوسع من دائرته في العرف، لأن الغرر الشرعي على هذا أعم والأعم أوسع
من الأخص.
والذي يبدو لنا أن النزاع بينهما لفظي وأن كلا التعبيرين صحيحان بملاحظتين.
وذلك لأن الشرع إذا لم يكن متسامحا في الغرر كان ذلك منشأ لتضييق دائرة
الحكم بصحة المعاملة، فالسيد (رحمه الله) بدعواه أوسعية دائرة الغرر الشرعي لاحظ نفس
مفهوم الغرر، وبعض الأساطين بدعواه الأضيقية لاحظ ما يستلزمه سعة انطباق
الغرر من ضيق في دائرة الحكم بالصحة. فكأنه يريد أن دائرة الحكم بالصحة
شرعا بملاحظة الغرر أضيق منه عرفا. والأمر سهل.
وعلى أي حال، فقد عرفت أن الوجه في دعوى لزوم تعيين المدة وتحديدها
بما يرفع الجهل بها هو صيرورة المعاملة مع عدم التعيين غررية، فيشملها دليل
النهي عن الغرر.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (3) إلى عدم المحذور في جهالة مدة الخيار

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 229، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 23، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 21، الطبعة الأولى.
229

وأن الغرر الناشئ من ذلك لا يكون مبطلا، لاختصاص دليل النهي عن الغرر بما
إذا كان أحد العوضين غرريا مجهولا كما أو وصفا دون مطلق الغرر في المعاملة.
واستشهد على ذلك بأنه لو كان النهي يشمل الغرر الحاصل من قبل جهالة مدة
الخيار لبطلت جميع البيوع لجهالة مدة خيار المجلس، بل لا تضر جهالة أصل
ثبوت الخيار، ولذا لا يلتزم ببطلان المعاملة إذا جهل المتبايعان ثبوت الخيار في
الشريعة، بل الجهل بثبوت الخيار للشبهة الموضوعية موجود في موارد خيار
الغبن وموارد العيب والتأخير والرؤية، فيعلم من ذلك اختصاص النهي بالغرر
الحاصل من جهل العوضين. فلاحظ.
وفيه: أن ما ذكره شاهدا للتخصيص لا صلاحية له. إذ المراد بالغرر المنفي
بدليل النهي عن بيع الغرر هو الغرر الراجع إلى بعض شؤون المعاملة التي وقع
التراضي عليها بحيث يكون الجهل في متعلق التراضي ومضمون المعاملة، وليس
المراد مطلق المعاملة المصحوبة بالجهل ولو لم يكن الجهل ناشئا من كيفية التعامل
بل كان ناشئا من الحكم الشرعي بالخيار المجهول، فإن مثل ذلك لا يكون مشمولا
لدليل النهي عن الغرر، بل لا يعقل ذلك لأن الحكم الشرعي بالخيار متفرع على
صحة المعاملة، فيستحيل أن يكون مستلزما لفسادها، فإن ما يلزم من وجوده
عدمه محال.
وما ذكره من النقوض كله من قبيل الثاني وما نحن فيه من قبيل الأول، إذ
الغرر ناشئ من تباني المتعاملين - الذي هو موضوع الحكم بالصحة والفساد ولم
يؤخذ فيه الصحة مفروغا عنها - على أمر مجهول ولا ربط له بالحكم الشرعي
المتفرع على صحة المعاملة التامة الشرائط، فعدم بطلان المعاملة في موارد جهل
الخيار أو مدته التي ذكرها لا يلازم عدم بطلانها في ما نحن فيه لاختلاف منشأ
الجهل ومحله. فتدبر تعرف.
وعلى هذا، فالالتزام ببطلان البيع لصيرورته غرريا بالجهل بمدة الخيار
المشترط متعين.
230

ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) تعرض إلى ما ينسب إلى صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) من
الاستدلال على لزوم تعيين المدة بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب
والسنة لأنه غرر، وناقشه (قدس سره) بما سنذكره.
ولم أجد من تعرض من المحشين لبيان المقصود من عبارة الكتاب استدلالا
ومناقشة، مع أنها لا تخلو عن غموض. نعم السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) أشار إلى
إجمال العبارة.
وكيف كان، فيحسن بنا أن نوضح عبارة الكتاب، فنقول: ظاهر الاستدلال هو
رجوع المخالفة للكتاب والسنة والغرر إلى شئ واحد من الشرط أو البيع، فهما
محمولان لأمر واحد منهما.
وهذا لا بد من رفع اليد عنه، لعدم صحة رجوعهما إلى أمر واحد سواء كان
الشرط أو البيع، لأنه..
إن أريد أن البيع مخالف للكتاب والسنة لأنه غرري، فيبطل بهذا الاعتبار
أعني كونه مخالفا للكتاب والسنة.
ففيه: أنه لم يرد في دليل تقييد موضوع الصحة في البيع بما لا يكون مخالفا للكتاب
والسنة، ولم يؤخذ هذا القيد فيه.
وإن رجع الأمران إلى الشرط، فهو يتوقف على دعوى عموم النهي عن الغرر
إلى النهي عن مطلق المعاملات الغررية ومنها الشرط كي يكون الشرط الغرري
مخالفا للسنة.
ومع هذه الدعوى يكون بطلان الشرط مستندا إلى دليل النهي عن الغرر، لأنه
نهي إرشادي إلى البطلان ولا حاجة معه إلى التمسك بدليل بطلان الشرط
المخالف، بل لا معنى له بعد كون منشأ تحقق المخالفة هو الدليل الدال على
البطلان.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 228، الطبعة الأولى.
2 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23: ص 33، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 24، الطبعة الأولى.
231

إذن، فيحمل الكلام أن الشرط مخالف للكتاب والسنة لأنه يستلزم الغرر في
البيع. وبعد هذا التصحيح يرد إشكال الشيخ (قدس سره)، وتوضيحه: بأن المقصود..
إن كان التوصل إلى بطلان الشرط من بطلان البيع لعدم موضوعه، فلا معنى
لتعليل بطلانه بأنه مخالف للكتاب والسنة، إذ لا موضوع للشرط وهو البيع
الصحيح في نفسه.
وإن كان التوصل إلى بطلان البيع من بطلان الشرط باعتبار أن الشرط الفاسد
مفسد، فلا يتجه تعليل بطلان البيع بأنه غرري الملازم لكون الشرط مخالفا
للكتاب والسنة.
وأما ما ذكره أخيرا بقوله: " اللهم إلا أن يراد... ".
فقد يشكل عليه: بأن منظور القائل هو بيان بطلان الشرط لا أكثر بلا نظر إلى
بيان بطلان البيع ببطلان الشرط كي يكون من قبيل الأكل من القفا، نعم لو كان نظره
إلى بيان بطلان البيع تم إشكال الشيخ عليه بأنه كالأكل من القفا.
المسألة الثالثة: قد عرفت لزوم تعيين مدة الخيار وبطلان العقد بجهالتها. فلا
فرق في ذلك بين ذكر المدة المجهولة، كقدوم الحاج. وبين عدم ذكر المدة أصلا،
بأن يقول: بعتك على أن يكون لي الخيار. وبين ذكر المدة المطلقة، بأن يقول: بعتك
على أن يكون لي الخيار مدة.
والسر فيه هو تساوي الجميع في الجهالة الموجب لكون البيع غرريا.
ولكن حكي عن المقنعة (1) وغيرها (2)، أن الخيار في الصورة الثانية ثلاثة
أيام. وحكي الاجماع عليه وفي محكي الخلاف (3) وجود أخبار الفرقة به.
وذكر الشيخ (قدس سره) (4) أن هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبار، فيكفي في انجبارها
الاجماعات المنقولة.

1 - الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 592، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - علم الهدى، السيد مرتضى: الإنتصار، ص 211، ط النجف الأشرف.
3 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 9، م 25، الطبعة الأولى.
4 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 228، الطبعة الأولى.
232

ولكنه (قدس سره) ذهب إلى أن شيئا من ذلك لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر، لأن
الاجماع المنقول إنما يجبر - لو قيل بجابريته - قصور سند الخبر المرسل المتضح
دلالته أو القاصر الدلالة بأن تردد أمره بين معنيين فيترجح أحدهما بالاجماع
عليه بدعوى قرب اطلاعهم على قرينة معينة لأحد المعنيين. ولا يتكفل جبر
المرسل المجهول العين الذي نحتمل عدم دلالته بالمرة لو اطلعنا عليه.
والظاهر أن ما نحن فيه من هذا القبيل، إذ ليس هناك نص خاص بأيدينا وارد
فيما نحن فيه بالخصوص. ويحتمل قويا أن يكون المراد من الأخبار هي أخبار
خيار الحيوان، فقد عول الشيخ (قدس سره) في دعواه وجود أخبار الفرقة على ما نحن فيه
على اجتهاده في مدلول أخبار خيار الحيوان، بقرينة أنه لم يذكر تلك الأخبار
المشار إليها في الخلاف في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار.
وأما ايراد الإيرواني (رحمه الله) (1) على الشيخ: بأن عمل المشهور يجبر الخبر المجهول
العين لأن ناقله ينقله بالمعنى فيكون مرسلا منقولا بالمعنى فأي فرق بينه وبين
غيره.
ففيه: أن النقل بالمعنى إنما لا يكون مخلا إذا كان مستندا إلى الحس أو ما يقرب
إليه وليس الأمر فيما نحن فيه كذلك، لقوة احتمال أن يراد من الأخبار أخبار
خيار الحيوان المعتمد في دلالتها على الاجتهادات غير الثابتة الحجية في باب
النقل، ولم يثبت أنه نقل عن خبر وارد في خصوص ما نحن فيه بل القرينة على
خلافه، كما عرفت.
إذن، فالحديث لا بد أن يكون في نفس الاجماع لا المنجبر بالاجماع، لقوة
احتمال اعتماد المجمعين على اجتهادهم واستنباطهم من الأخبار.
أما الأخبار المدعى دلالتها على المدعى، فهي ما ورد من أن الشرط في
الحيوان ثلاثة أيام اشترط أو لم يشترط، فإنه يدعى ظهورها في أن الخيار في
غير الحيوان ثلاثة أيام إذا اشترط.
وفيه ما لا يخفى، لأن ظاهر هذه الأخبار ثبوت خيار الثلاثة في غير الحيوان

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 21، الطبعة الأولى.
233

في خصوص مورد اشتراطها لا مطلق الشرط ولو لم يعين المقدار، فلا ربط له
بما نحن فيه.
وأما توهم الاستدلال بما روي في كتب العامة (1) من أن حنان بن منقذ كان
يخدع في البيع لشجة أصابته في رأسه فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بعت فقل: لا خلابة
وجعل له الخيار ثلاثا. وفي رواية (2) ولك الخيار ثلاثا.
فيندفع: أولا: بضعف الرواية سندا.
وثانيا: بقصور دلالتها، إذ أي ربط لموضوعها بما نحن فيه، مع احتمال أن
تكون ناظرة إلى اشتراط الخيار ثلاثا.
وقد حكي عن العلامة (رحمه الله) (3) أن معنى " لا خلابة " ذلك.
والحاصل أن الخروج بمثل ذلك عن عموم قاعدة الغرر ممنوع، لأن عمل
المشهور لو سلم كونه جابرا لضعف السند فلم يعلم تحققه لاحتمال استنادهم إلى
ما يستفاد من أخبار خيار الحيوان وقد عرفت الاشكال فيه. والرواية العامية
قاصرة السند والدلالة.
ثم إنه حكي عن مفتاح الكرامة (4) أنه لو ثبت التحديد بثلاثة أيام فيما نحن فيه
اندفع الغرر، فكان المورد خارجا عن القاعدة بالتخصص.
ورده الشيخ (قدس سره): بأن الغرر المأخوذ في موضوع القاعدة هو الغرر بلحاظ ما
يقصده المتعاقدان، وهو فيما نحن فيه حاصل، فلو دل الدليل على التحديد بثلاثة
كان الخروج به عن قاعدة الغرر بالتخصيص لا التخصص، لحصول الغرر في
المعاملة.
واستشكل في ذلك بأنه مع علم المتعاقدين بتحديد الشارع للخيار بثلاثة أيام،
لا يكون إقدامهم على أمر مجهول، فلا تكون المعاملة غررية موضوعا. فتدبر.

1 - القزويني، محمد بن يزيد: سنن ابن ماجة، ج 2: ص 789، الحديث: 2355 ط رياض.
2 - البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 5: ص 273، ط مؤسسة دار المعرفة بيروت.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 519، الطبعة الأولى.
4 - الحسيني العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة: ج 4: ص 562، ط مؤسسة آل البيت (ع).
234

المسألة الرابعة: في مبدأ هذا الخيار.
ذهب الشيخ (قدس سره) إلى أنه من حين العقد لأنه المتبادر من الاطلاق.
وتحقيق المقام هو: أن الحق..
إما أن يلتزم بكونه عبارة عن حكم اعتباري نظير الملكية ولكنه يختلف عنها
بأنه ملكية ضعيفة.
وإما أن يلتزم بكونه أمرا انتزاعيا عن حكم الشارع بانفساخ المعاملة عند
انشاء الفسخ، فليس الموجود في موارد الحق سوى الحكم الشرعي بما يعد من
آثار، ثبوت الحق وينتزع عنه عنوان الحق.
فعلى الأول، لا مانع من اجتماع خيارين أو أكثر في زمان واحد بلحاظ
أنفسها، إذ لا مانع من تعدد الاعتبار في موضوع واحد. نعم قد يمتنع التعدد بلحاظ
آثاره وقد تقدم الكلام فيه في خيار الحيوان، كما قد يدعى امتناعه باعتبار لغوية
تعدد الاعتبار. واندفاعه واضح لاندفاع اللغوية بتصور أدنى أثر.
وأما على الثاني، فلا يمكن اجتماع خيارين في موضوع واحد في آن واحد،
لأن الخيار على ما عرفت لا واقع له سوى منشأ انتزاعه وهو الحكم الشرعي
بانفساخ المعاملة عند انشاء فسخها الذي ينتزع منه ثبوت حق الخيار لمن يترتب
على إنشائه الفسخ. ومن الواضح أن الحكم بانفساخ المعاملة لا يقبل التعدد، إذ
المعاملة لا تتحمل انفساخين، كما هو واضح جدا، كما لا يقبل التأكد لعدم كونه
مما يقبل الشدة والضعف.
وعلى هذا، فإذا دل دليلان بظاهرهما على ثبوت الخيارين في زمان واحد،
كدليل خيار المجلس ودليل خيار الحيوان بالنسبة إلى زمان المجلس، لا يمكن
الأخذ بهما، بل لا بد من الحكم بتعارضهما وتساقطهما.
لكن ذلك لا يعني الرجوع إلى دليل اللزوم، كما هو الشأن في موارد تعارض
المخصصين، للعلم القطعي بثبوت ملاك جعل الخيار في هذا المورد بنحو آكد
فيلتزم بثبوت خيار واحد منهما بنحو التخيير، فالمورد من موارد التعارض، ولكن
يترتب عليه أثر التزاحم.
235

إذا عرفت ذلك، فنقول إن الظاهر من اشتراط الخيار هو جعله في ظرف لولا
الاشتراط لزم العقد، باعتبار أن الغرض منه التوصل إلى فسخ العقد فإذا كان
متمكنا منه لم يكن داع لاشتراطه، فلا إشكال حينئذ لعدم اجتماع الخيارين في آن
واحد.
وعليه، فقد يدعى في مورد اشتراطه مدة معينة، كثلاثة أيام، بأن الظاهر إرادة
ثبوت الخيار في ثلاثة مستقلة عن زمان الخيار الثابت له بأصل الشرع، فعلى هذا
يكون مبدأ خيار الشرط بعد انقضاء المجلس أو الثلاثة في الحيوان، ولا يجتمع
الخياران في آن واحد.
ودعوى: استلزام ذلك للغرر لعدم تعين مبدأ الخيار للجهل بوقت الافتراق.
تندفع: باغتفار مثل هذا الغرر لأجل الدليل على صحة خيار الشرط الظاهر
عرفا في هذه الصورة، كما هو المفروض، فتدبر.
وقد يقال: - وهو الأقرب - بأن اشتراط الخيار ثلاثة أيام ظاهر في اشتراط
استمرار الخيار إلى ثلاثة أيام من حين العقد وعدم انقضائه بالافتراق، فتكون
الثلاثة مركبة من خيار المجلس وخيار الشرط، فيكون المشترط ما يزيد على زمان
خيار المجلس مما تبقى من ثلاثة أيام من حين العقد.
وعلى هذا، لا إشكال أيضا. إنما الإشكال إذا كان مرجع اشتراط الخيار إلى
اشتراطه من حين العقد بنحو يكون خيارا مستقلا عن غيره بإنكار ظهور
الاشتراط في اشتراطه في زمان لا خيار له، فيلزم اجتماع الخيارين في آن واحد،
فيقع التعارض بين دليل خيار المجلس ودليل نفوذ الشروط. وقد عرفت أن النتيجة
ههنا هي التخيير لا التساقط.
المسألة الخامسة: في جعل الخيار للأجنبي بالاشتراط، والكلام في جهات:
الجهة الأولى: في حقيقة جعل الخيار للأجنبي والاحتمالات فيه ثلاثة:
الاحتمال الأول: أن يثبت له الخيار من باب الملكية بحيث يكون ذا حق مختص
236

به ومسلط عليه ومالك له - إن صح التعبير بالملكية للحق -. وعلى كل فالمراد ما
يساوق هذا المعنى.
وهذا الاحتمال هو ظاهر الشيخ (قدس سره) (1) في صدر كلامه.
الاحتمال الثاني: أن يكون الخيار ثابتا له من باب التوكيل في اختيار أحد
الأمرين من الفسخ والامضاء.
الاحتمال الثالث: أن يكون ثابتا له من باب التحكيم. وهو ظاهر الشيخ (قدس سره) في
وسط كلامه.
وقد ذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) أن الالتزام بثبوته للأجنبي بثبوت الملكية
يستلزم قابليته للنقل والانتقال وللإرث على حد سائر الأملاك بل الخيارات الثابتة
للمتعاقدين، مع أن هذا مما لا يلتزم به، إذ ليس للأجنبي نقل الحق الثابت له إلى
غيره، كما أنه لا يورث لو مات.
كما أن الالتزام بثبوته من باب الوكالة يستلزم تمكن الجاعل من عزله وتمكنه من
إعمال الحق بنفسه لأنه صاحب الحق حقيقة والأجنبي وكيل عنه.
وكل من هذين اللازمين لا يلتزم بهما أيضا.
وعليه، يتعين أن يكون من باب التحكيم، فهو عبارة عن ثبوت الحق له بلا
ترتب آثار الملكية والوكالة عليه.
ولكنه (قدس سره) تفصى عن ذلك بما لا يلزم ذكره فعلا.
فالتحقيق: أن حق الخيار للأجنبي المجعول له بالاشتراط ليس مجعولا له من باب
الوكالة، فإنه خلاف ظاهر اشتراط كون الخيار له. كما أنه لا يمكن الالتزام بأنه من
باب التحكيم، لعدم تصور معنى معقول للتحكيم في قبال التمليك والوكالة، ولم
يفرض في الكلام معنى للتحكيم في مقابلهما، بل التزم به على إبهامه من باب عدم
الالتزام بمقابليه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 229، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 39، الطبعة الأولى.
237

نعم، هو بمعنى الاستئمار معقول، لكنه ليس محل البحث ههنا، بل يأتي البحث فيه
في المسألة الآتية انشاء الله تعالى.
فالمتعين الالتزام بثبوته بنحو التمليك أو ما يساوقه عملا بظاهر جعل الخيار له.
وأما عدم قبوله للنقل وللإرث فهو لو تم لدليل خاص. وسيجئ البحث في ذلك
فيما يأتي انشاء الله تعالى.
الجهة الثانية: في دليل صحة هذا الشرط، وهو عموم: " المؤمنون عند
شروطهم "، فإنه يشمل هذا الشرط. ولا مانع من هذا العموم إلا..
ما يتوهم من أنه شرط مخالف للكتاب والسنة باعتبار أن المشروع هو ثبوت
الخيار بالأصل أو بالعارض للمتعاقدين وطرفي المعاملة ولم يثبت غير ذلك. ودليل
نفوذ الشرط إنما يتكفل سببية الشرط لثبوت ما هو مشروع بنحو الموجبة الجزئية،
ولا يتكفل تشريع ما هو مشكوك المشروعية.
وهو فاسد، لأن ثبوت الخيار للأجنبي بواسطة النقل بالبيع من صاحبه الأصلي
مشروع وثابت في الشريعة. إذن فسببية النقل لثبوت الخيار للأجنبي ثابتة.
والمشكوك فيما نحن فيه هو سببية الشرط لذلك - ولا شك لدينا في مشروعية ثبوت
الخيار للأجنبي في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية -، فدليل نفوذ الشرط يتكفل هذه
الجهة ويثبت سببية الشرط بثبوت الخيار للأجنبي.
وكان الأنسب للشيخ (قدس سره) الاستشهاد على هذا المطلب بصحة نقل الخيار للغير
لوضوحه، لا الاستشهاد بإرث الزوجة الخيار دون العين، والأمر سهل.
وكيف كان، فالعموم فيما نحن فيه محكم، فيلتزم بصحة هذا الشرط.
الجهة الثالثة: في لزوم ملاحظة الأجنبي للمصلحة.
وتحقيق ذلك: أن جعل الخيار للأجنبي إن كان من باب التوكيل كان مقتضى
الاطلاق لزوم ملاحظة مصلحة الجاعل، لأن الظاهر الاطلاق في باب الوكالة هو
توكيله في ما يرجع لصالحه دون ما يستلزم ضرره.
نعم لو نص على توكيله بنحو العموم لصورة المصلحة وعدمها، لم يلزم على
238

الوكيل مراعاة المصلحة في ما وكل فيه.
ولكن عرفت أن جعل الخيار للأجنبي ليس من باب التوكيل، بل من باب ما
يساوق التمليك، فلا دليل على لزوم مراعاته مصلحة الجاعل، ولا ظهور للكلام في
ذلك.
الجهة الرابعة: لو جعل الخيار لمتعدد بنحو يكون كل واحد ذا خيار مستقل،
فاختلفوا في الفسخ والإجازة بأن فسخ أحدهما وأجاز الآخر.
فإن قلنا بأن حق الخيار ليس إلا حق الفسخ وعدمه من دون أن يكون له حق
الابرام، كان مرجع الامضاء من ذي الخيار إلى اسقاط خياره. ومن الواضح أن
ذلك لا ينافي فسخ الآخر فيتقدم الفسخ على الامضاء.
وإن قلنا بأن الخيار يتقوم من حق الابرام وحق الفسخ بحيث تكون الإجازة
إعمالا للحق لا اسقاطا له..
فإن كانت الإجازة تستلزم لزوم العقد وإبرامه من خصوص طرف المجيز لم
تتناف مع الفسخ من الطرف الآخر وكان الفسخ مقدما.
وإن كانت الإجازة من أحدهما تستلزم إبرام العقد من الطرفين كانت منافية
للفسخ، فكان المقدم منهما هو الأسبق زمانا، كما لا يخفى.
وهذا التفصيل لا يتأتى في مورد تعدد الوكلاء من طرف واحد في الخيار، فإن
النافذ هو تصرف السابق فسخا كان أو إبراما، إذ بتصرفه يتحقق اعمال الحق أو
إسقاطه - على الخلاف المشار إليه آنفا - فلا موضوع للوكالة بعد ذلك لعدم الحق بعد
إعماله أو إسقاطه. فلاحظ.
الجهة الخامسة: في توضيح عبارتي الوسيلة (1) والدروس (2) اللتين ذكرهما
الشيخ (قدس سره).
أما عبارة الوسيلة: فهي أنه إذا كان الخيار لهما واجتمعا على فسخ أو إمضاء نفذ

1 - ابن حمزه، محمد بن علي: الوسيلة، (سلسلة الينابيع الفقهية: ج 13، ص 224).
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 248، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
239

وإن لم يجتمعا بطل. وإن كان لغيرهما ورضي نفذ البيع وإن لم يرض كان المبتاع
بالخيار بين الفسخ والامضاء.
وقوله: " إذا كان الخيار لهما " يحتمل أن يراد به أن الخيار لهما بنحو المجموع لا
بنحو الاستغراق. وحينئذ فإذا اجتمعا على أحد الأمرين نفذ، ولكن إذا لم يجتمعا لم
يستلزم بطلان البيع، فلا يمكن الأخذ بظاهر كلامه من بطلان البيع. هذا مع أن
فرض الخيار لمجموعهما لغو، لأن مرجعه إلى الإقالة.
إذن، فحمله على ما ذكر لا يخلو عن إشكال.
ويمكن أن يريد بكونه لهما أنه لهما بنحو العموم الاستغراقي بأن يكون الخيار ثابتا
لكل منهما.
ويريد من عدم اجتماعهما اختلافهما في الفسخ والامضاء فيتم الكلام، لأنهما إذا
اجتمعا نفذ ما اجتمعا عليه، وإن اختلفا ففسخ أحدهما وأمضى الآخر بطل البيع
لتقديم جانب الفسخ.
وأما قوله: " إن كان لغيرهما... " فهو بصدره واضح وإنما الاشكال في قوله:
" وإن لم يرض كان المبتاع... " لأن عدم رضى الأجنبي بالبيع لا يستلزم ثبوت
الخيار للمبتاع، إذ الخيار ثابت للأجنبي خاصة.
ويمكن أن تحمل عبارته على اختياره أن الخيار للأجنبي من باب التوكيل، فهو
ثابت للمبتاع أيضا، فإذا أمضى الوكيل البيع نفذ وإن لم يمض بل سكت ولم يقدم على
شئ كان للمبتاع إعمال حقه، لأن إعمال الأجنبي لحقه الثابت له بالوكالة موجب
لارتفاع حق الموكل. فالتفت.
وأما عبارة الدروس فهي: " يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا ولا اعتراض عليه
ومعهما أو مع أحدهما، فلو خولف أمكن اعتبار فعله وإلا لم يكن لذكره فائدة ".
والظاهر أن مراده من قوله " لو خولف... " أنه لو اختلف الأجنبي مع أحدهما في
الفسخ والامضاء أمكن أن يلتزم بتقديم الأجنبي فرارا عن محذور لغوية ذكره لو لم
يقدم.
240

ويرد عليه: أنه يمكن أن يلتزم بأنه يقدم فيما لو صدر منه الفسخ تقديما للفسخ
على الإجازة، ولا يقدم لو صدرت منه الإجازة، ويكفي ذلك في رفع لغوية اعتباره
وذكره ويكون شأنه في ذلك شأن جعل الخيار لأحد الطرفين. نعم لو التزم بتقدم
طرف العقد عليه مطلقا كان ذكره لغوا.
ويمكن أن يكون نظر الشيخ (قدس سره) (1) في قوله " أقول ولو لم يمض فسخ الأجنبي مع
إجازته والمفروض عدم مضي إجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة "، إلى
ما ذكرناه، فيكون كلامه ايرادا على الدروس، بأنه إنما لا يكون لذكر الأجنبي فائدة
إذا لم يلتزم بتقديم فسخه على إجازة غيره وفي الوقت نفسه لا يقدم إجازته على
فسخ غيره، ولكن الأمر ليس كذلك، بل يلتزم بالتفصيل.
وعليه، فلا مجال لتوهم أن يكون نظر الشيخ (قدس سره) إلى تقرير كلام الدروس
وتوضيحه. فلاحظ.
المسألة السادسة: في اشتراط استئمار الأجنبي، وقد أفاد الشيخ (قدس سره) (2) أنه يجوز
أن يشترط استئمار الأجنبي في أمر العقد فيأتمر بأمره، أو يشترط أن يأتمر بأمره إذا
أمره ابتداء وبدون استئمار.
فإذا كان الشرط من قبيل الأول، فيترتب عليه أنه إذا فسخ بلا استئمار لم ينفذ
الفسخ لعدم ثبوت حق الفسخ قبل الاستئمار.
وإذا استأمره فأمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا، لأن الغرض من الشرط
الالتزام بأمره لا مجرد الاستئمار، مع أن الأمر بالإجازة لا يستلزم ثبوت حق
الفسخ له ولو كان للاستئمار موضوعية لا طريقية.
وإذا أمره بالفسخ كان له حق الفسخ، وهل يجب الفسخ عليه أو لا؟ الحق عدم
وجوبه.
أما مع عدم رضى طرف العقد الآخر، فواضح، إذ لا سلطنة للأجنبي الآمر على
العقد وفسخه.

1 و 2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 229، الطبعة الأولى.
241

وأما مع طلب العاقد الآخر للفسخ، فلأن الالتزام بوجوب الفسخ حينئذ على
المستأمر يرجع إلى الالتزام بثبوت حق للعاقد الآخر عليه وسلطنته على الفسخ،
فله المطالبة بحقه. فيكون مرجع اشتراط الاستئمار إلى ثبوت حق لكل منهما على
الآخر وهو خلاف الظاهر لأن الاستئمار ظاهر في أنه حق للمستأمر خاصة. هذا ما
أفاده الشيخ (قدس سره) بتوضيح منا.
وتحقيق المطلب بنحو يتضح الحال في هذا الكلام وغيره من كلمات الأعلام هو:
أن المحتمل في اشتراط الاستئمار أحد أمرين:
الأول: أن يشترط المستأمر أنه يفعل ما يأمره به الآمر وينفذه، فيرجع إلى
الالتزام بالفعل على طبق الأمر من فسخ أو امضاء.
الثاني: أن يشترط المستأمر ثبوت حق الفسخ له عند الأمر به وحق الإجازة
عند الأمر بها، فيرجع إلى الالتزام بثبوت الحق. ويترتب..
على الأول لزوم الفسخ إذا أمر به لالتزامه به، فيجب بمقتضى لزوم الوفاء
بالشرط وللعاقد الآخر مطالبته به.
أما على الثاني، فلا يجب الفسخ، إذ غاية ما يقتضيه عموم نفوذ الشرط هو
ثبوت حق الفسخ له. أما لزوم إعمال هذا الحق فلا وجه له.
ولا يخفى أن المعنى الأول وإن كان ظاهر لفظ الاستئمار لظهوره في العمل بما يأمر
الآمر لكنه لا يمكن ارجاع شرط الاستئمار إليه، إذ الفسخ بدون ثبوت حق الفسخ
غير مقدور، فالالتزام به التزام بغير مقدور، فلا يصح اشتراطه لأنه اشتراط غير
مقدور، فالشرط حقيقة لا يتحقق فلا يشمله دليل نفوذ الشرط، فلا بد من ارجاعه
إلى المعنى الثاني، وإلا لكان باطلا.
واحتمال رجوع المعنى الأول إلى اشتراط أمرين طوليين أحدهما ثبوت حق
الفسخ له عند الأمر به والآخر الجري عملا على ما يأمر به الآمر وتنفيذ أمره.
منتف بأن حقيقة اشتراط الحق تختلف عن حقيقة اشتراط الفعل، فإنه على
الثاني بمعنى الالتزام وعلى الأول بمعنى القرار والبناء على ما تقدم تحقيقه.
242

وإذا اختلفت حقيقتاهما امتنع التعبير عنهما بلفظ واحد، لأنه من استعمال اللفظ
في أكثر من معنى.
نعم، يمكن ارجاع شرط الاستئمار إلى فرض اشتراط الخيار للمستأمر مسبقا
والالتزام بعدم التخلف في إعمال خياره عما يأمر به المستأمر وتنفيذ أمره.
ويكتفى في مقام بيان هذين الأمرين بأخذ الخيار في موضوع شرط الائتمار بأن
يقول: ولي أن أستأمر زيدا في إعمال الخيار. فإنه ظاهر في ثبوت الخيار له قبل
الاستئمار ولا يكون هذا في باب الاستعمال في أكثر من معنى إذ لم يقصد بلفظ واحد
انشاء شرطين، فلاحظ.
وهذا راجح على ارجاعه إلى ثبوت حق الفسخ أو الإجازة عند أمره بهما من
وجهين:
أحدهما: ظهور الاستئمار في العمل بما يأمر به الآمر وتنفيذه، فهو ظاهر في
شرط الفعل.
ثانيهما: الأخذ باطلاق الاستئمار الشامل لصورتي الأمر بالإجازة والفسخ،
فإن الاطلاق لا معنى له على المعنى الآخر، إذ لا معنى لاشتراط ثبوت حق الإجازة
عند أمر الآمر بها، إذ الإجازة إما أن يكون مرجعها إلى اسقاط حق الخيار، ولم
يفرض ثبوت الحق له، أو إلى ابرام العقد ولم يفرض كونه متزلزلا كي يصلح
لعروض الابرام عليه إذ هو لازم في نفسه. بخلاف المعنى الذي بيناه فإنه التزام
بالإجازة عند أمره بها وهي مما يتصور وقوعها بعد فرض ثبوت الخيار له في حد
نفسه.
ثم إن شرط ثبوت الحق على تقدير أمر الآمر ولو كان خصوص حق الفسخ على
تقدير أمره به يرجع إلى التعليق في الشرط وهو مبطل - كما قيل -، كما أنه يستلزم
الغرر لعدم علمه بثبوت الحق له، وهو مبطل أيضا. ومنه يظهر أنه لا يصح البناء على
هذا المعنى حتى إذا قامت القرينة على عدم إرادة ما ذكرناه. بخلاف ما إذا علم بثبوت
الحق وكان الجهل بصورة إعماله فإنه لا محذور فيه، كما هو الحال في جميع موارد
ثبوت الخيار للجهل بالفسخ وعدمه.
243

وبالجملة، المتعين الالتزام بارجاع شرط الاستئمار إلى ما ذكرناه عملا بالظهور
والاطلاق والبناء على صحة مثل هذا الشرط.
وعليه، نقول: إنه إذا فرض ثبوت الخيار له قبل أمر الآمر كان له الفسخ قبل
الأمر بأحد النحوين من الفسخ والإجازة، لثبوت الحق له بلا مانع. لأنه إنما يلتزم
بالجري على الأمر على تقدير (1)، ولا يلتزم بأنه لا يصدر منه عمل إلا بعد الأمر.
وإذا أمره بالفسخ وجب عليه لالتزامه به، فيجب لوجوب الوفاء بالشرط وكان
للعاقد الآخر حق المطالبة به.
ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا كان الشرط هو الالتزام بالأمر الابتدائي وبدون
الاستئمار، فإن الحكم واحد في الصورتين.
ثم إنه هل يلزم الآمر أن يراعي مصلحة المستأمر؟ الظاهر عدم الوجوب لعدم
الدليل عليه، إذ ليس هو من باب الوكالة كي يكون مقتضى الاطلاق مراعاته
لمصلحة الموكل. فهو أجنبي أنيط العمل بنظره بمقتضى الشرط فله أن يأمر بما يخالف
مصلحة المستأمر. فلا تغفل.
المسألة السابعة: في بيع الخيار، وهو - كما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) - أن يبيع لنفسه
شيئا ويشترط الخيار لنفسه في مدة معينة بأن يرد الثمن ويسترد المبيع.
وقد قيل: إنه من أفراد خيار الشرط مع خصوصية زائدة وهي رد الثمن.
والوجه في وقوع البحث فيه مستقلا هو ورود النصوص الخاصة فيه والخلاف
في مرجع الشرط فيه وترتب أحكام خاصة عليه.
وعلى أي حال، فلا إشكال في صحته للعمومات الدالة على نفوذ الشروط
ولخصوص النصوص المستفيضة الواردة فيه، ك‍:
رواية إسحاق بن عمار (3) قال: " حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله رجل

1 - هذا هو ظاهر اشتراط الاستئمار.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 229، الطبعة الأولى.
3 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 8: من أبواب الخيار، ح 1.
244

وأنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك
داري هذه، وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا
جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي فقال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها
عليه. قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة... ".
ورواية معاوية بن ميسرة (1) قال: " سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل باع دارا له من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار
حاصر، فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاثة سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال:
له شرطه. قال أبو الجارود: فإن ذلك... ".
ورواية سعيد بن يسار (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا نخالط أناسا من أهل
السواد وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر،
ونؤخر (نوجب) ذلك فيما بيننا وبين السنة ونحوها، ويكتب لنا الرجل على داره أو
على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء قد باع وقبض الثمن
فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نرد عليه الشراء فإن جاء الوقت ولم
يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في الشراء؟ فقال: أرى أنه لك إن لم يفعل وإن جاء
بالمال للوقت فرد عليه ".
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) في مقام توضيح المسألة إلى التكلم في جهات:
الجهة الأولى: في وجوه اعتبار رد الثمن في هذا الخيار.
وقد ذكر أنها خمسة:
الأول: أن يؤخذ رد الثمن قيدا لثبوت الخيار بمعنى أن البائع يشترط لنفسه
الخيار على تقدير رد الثمن، فلا خيار قبله.
وقد ردد الشيخ (قدس سره) في أخذ رد الثمن قيدا للخيار بين أخذه بنحو التعليق بأن
يقول ولك الخيار إن جئت بالثمن، وأخذه بنحو التوقيت بأن يقول ولك الخيار عند

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 8: من أبواب الخيار، ح 3.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 7: من أبواب الخيار، ح 1.
245

مجيئك بالثمن. والنتيجة وإن كانت واحدة لكن أخذه بنحو التوقيت إنما هو للفرار عن
محذور التعليق في العقود الذي ادعي قيام الاجماع على بطلان العقد به.
وقد ذكر في باب البيع إمكان الانشاء بنحو لا يرجع إلى التعليق وإن كانت
نتيجته مع التعليق واحدة.
الثاني: أن يكون قيدا للفسخ بمعنى أن الحق ثابت من حين العقد لكنه متعلق
بحصة خاصة من الفسخ وهو الفسخ عند رد الثمن أو بعده.
الثالث: أن يكون رد الثمن فسخا فعليا، فيكون الشرط هو ثبوت حق الفسخ
بالرد لا غير، أو يكون الشرط نفس الفسخ بالرد - إن صح اشتراط الفسخ بلا ثبوت
الحق -.
الرابع: أن يكون الرد قيدا لانفساخ العقد، فيكون الشرط هو تحقق الانفساخ
بالرد، فمعنى ثبوت الخيار هو تسلطه على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ.
الخامس: أن يكون الرد قيدا لوجوب الإقالة على المشتري بأن يلتزم المشتري
على نفسه أن يقيله إذا رد الثمن واستقاله.
وقد أضاف السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) وغيره (2) وجوها أخرى إلى هذه الوجوه.
وقد استشكل الشيخ (قدس سره) في الوجه الرابع ثبوتا بأنه شرط يخالف المشروع، إذ
المشروع هو توقف المسببات على أسبابها الشرعية وهي تنحصر في الانشاء القولي
أو الفعلي، وظاهر الشرط ههنا هو تحقق الانفساخ بمجرد رد الثمن بلا انشاء فعلي أو
قولي فهو يشبه انعقاد العقد بنفسه.
ثم أشار إلى جوابه. وسيأتي صحة مثل هذا الشرط المعبر عنه بشرط النتيجة
ويكون السبب في تحققه هو نفس الاشتراط، وأنه لا مانع منه إلا فيما دل الدليل على
خلافه كالطلاق. فانتظر.
كما أنه قد يشكل الوجه الأول ثبوتا بأنه يستلزم الغرر للجهل بمبدأ الخيار.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 26، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 22، الطبعة الأولى.
246

ويمكن أن يرد بتعيين مبدئه وأنه عند رد الثمن في الوقت الخاص.
كما أنه قد يشكل من جهة التعليق.
ويرد بأن التعليق مبطل للاجماع ولا إجماع ههنا، بل الاجماع على الصحة لو
رجع بيع الخيار إليه. مضافا إلى إمكان أخذه بنحو التوقيت، كما عرفت.
وعليه، فلا محذور في جميع الوجوه ثبوتا.
وأما إثباتا، فقد وقع الكلام بين الأعلام في ما يستفاد من النصوص المتقدمة.
والذي يبدو لنا: أن السؤال الوارد في النصوص إنما هو سؤال عن المعاملة
المعروفة بين الناس وأنها صحيحة أم لا؟ وليس سؤالا عن معاملة جديدة يحدثها
المتبايعان بنحو خاص. ومقتضى ذلك هو عدم ملاحظة التعبيرات الواردة
في السؤال بل ملاحظة ما هو المتعارف لدى الناس وحمل النصوص عليه. ولا
عبرة بنص سؤال السائل بعد العلم بأنه يقصد التعبير بكلامه عن المعاملة
المعهودة.
والذي نراه متداولا بين الناس مردد عندنا بين الاحتمال الثالث والرابع، وإن
كان الرابع بنظرنا أقرب، فإن العرف بأن على تحقق الانفساخ برد الثمن بلا ملاحظة
أنه أنشأ الفسخ أو لا، فيطالب البائع المشتري بماله بمجرد رده للثمن.
وعلى هذا، فلا نرى أنفسنا بحاجة إلى التعرض إلى ما أفاده الأعلام في مقام
الاستظهار من النصوص وتعيين الراجح منه. فتدبر.
الجهة الثانية: والبحث العلمي فيما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) في نقاط ثلاث يتضح
الحال فيما أفاده الشيخ (قدس سره) بوضوحها.
النقطة الأولى: فيما أفاده في صورة عدم قبض الثمن وأنه هل يثبت الخيار للبائع
في هذه الحال أو لا؟. واختار (قدس سره) ثبوت الخيار وإن لم يتحقق الرد لأنه شرط على
تقدير قبضه. ثم احتمل العدم بناء على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله.
وعبارته بشقيها لا تخلو عن إجمال.
أما قوله: " لأنه شرط على تقدير قبضه " فهو يحتمل وجوها ثلاثة:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 230، الطبعة الأولى.
247

الأول: أن الرد شرط على تقدير القبض فإذا لم يتحقق القبض لم يتحقق الشرط
لعدم موضوعه، فلا خيار لعدم الشرط، وهذا لا يمكن أن يكون مراده من العبارة
لأنه ذكرها تعليلا لثبوت الخيار لا لعدمه.
الثاني: أن الخيار ثابت بقول مطلق وهو مشترط بالرد على تقدير القبض، فإذا
لم يتحقق القبض كان الخيار ثابتا لعدم تعليقه على الرد عند عدم القبض.
وهذا خلاف الظاهر، إذ مرجعه إلى تعدد الشرط كما لا يخفى، مع أن ظاهر
المعاملة وحدة الشرط لا تعدده.
الثالث: أن الشرط حقيقة ليس هو الرد، بل هو حصول الثمن بيد المشتري والرد
أحد محققاته على تقدير القبض، فهو يريد أن الرد إنما يكون شرطا - بالمعنى اللغوي
للشرط لا من باب أخذه في المعاملة - يعني دخيلا في تحقق الخيار فيما إذا تحقق
القبض وبدونه لا دخالة له لتحقق الشرط وهو وصول الثمن.
وهذا هو الظاهر. ولا يخفى أنه يبتني على إلغاء خصوصية الرد المأخوذ في
المعاملة وعدم فهم الموضوعية له، بل يأخذ بما هو طريق لتحقق وصول الثمن
للمشتري، فإذا كان واصلا فلا يعتبر الرد.
إذن، فالبحث في هذه النقطة عن أن الرد هل له موضوعية أو أنه مأخوذ من باب
الطريقية.
ويمكن تعيين الثاني بملاحظة أن الغرض العقلائي من أخذ الرد في المعاملة هو
رجوع بدل العين الذي رفعه إليه وعدم فواته عليه بتأخير وتسويف ولا خصوصية
للرد في ذلك بل المدار على حصول الثمن بيده، فالشرط حاصل عند عدم القبض.
وأما احتمال العدم، فهو يبتني على فهم الموضوعية للرد. وعليه فيكون القبض
دخيلا في تحققه وبدون القبض لا يتحقق الشرط.
وهذا هو المراد من قوله: " بناء على أن اشتراط... " لا ما هو الظاهر الأولي
منها من تعدد الشرط وأنه كما يشترط الرد يشترط الاقباض في المعاملة، إذ لا وجه
لذلك. فالتفت.
النقطة الثانية: في جواز اشتراط رد البدل مع بقاء العين الشخصية للثمن
248

الشخصي. واستشكل فيه الشيخ (قدس سره).
والوجه فيه أن الفسخ يقتضي رجوع كل عوض إلى ملك مالكه الأول وزوال
الملكية الحاصل بالعقد لانفساخه.
وعليه، فلا يعقل أن يشترط عدم رجوع العين عند الفسخ لأنه ممتنع عقلا.
نعم، يمكن تصحيحه برجوع اشتراط رد البدل إلى أن الفسخ وإن استلزم رد
العين إلى ملك المشتري لكن تحصل مبادلة قهرية بين العين والبدل.
ولكن هذا المعنى - وهو اشتراط حصول التبادل القهري - مؤونة زائدة، فإن
التفت إليها المتبايعان صح الشرط. وإلا كان باطلا لعدم معقولية الشرط بمعناه
الأولي الظاهر فيه، كما عرفت.
النقطة الثالثة: في أن مقتضى إطلاق رد الثمن وعدم تقييده برد البدل مع التلف،
هل هو لزوم رد نفس العين، فمع التلف لا خيار لعدم تحقق الشرط. أو رد ما يعم
بدلها مع التلف، فيثبت الخيار برد البدل؟
التحقيق هو الثاني، فإن ظاهر رد الثمن وإن كان رد نفس العين، إلا أن لدينا من
القرائن العامة ما يصرف هذا الظهور ويثبت الظهور في إرادة الأعم من نفس العين
وبدلها. وهي:
أولا: أن الغرض العقلائي غالبا يتمحض في إرادة رجوع الثمن بماله من المالية بلا
ملاحظة خصوصياته، لعدم تعلق غرض بأعيان الأموال وإنما الغرض يتعلق بجهة
ماليتها عادة.
ولذا يعبر عن إرجاع البدل بارجاع ماله، فيقول له قد أرجعت لك مالك.
فالمقصود المتعارف هو إرجاع الثمن بما هو مال وهو يتحقق بارجاع بدله لا نفس
العين.
وثانيا: أن المتعارف في مثل هذه المعاملات هو أخذ الثمن لصرفه في حوائجه
ومنافعه التي يضطر لأجلها إجراء معاملة بيع الخيار لا أن يبقيه عنده مكنوزا، وهذا
أمر معلوم للبائع والمشتري ولا مناقشة فيه. ولازم ذلك هو بناء المشتري والبائع
249

على إرادة رد ما يعم البدل من الاطلاق، لعدم جريان العادة بالتنبيه على ذلك، مما
يكشف عن اعتمادهم على مثل هذه القرينة العامة في بيان مرادهم.
ومن هنا يظهر الحال فيما لو كان الثمن كليا واشترط عليه رد الثمن الذي قبضه
بقول مطلق.
هذا تمام الكلام في هذه النقاط الثلاث، وبها يتضح الحال في كلام الشيخ (قدس سره) فلا
حاجة إلى نقله.
الجهة الثالثة: فيما حكي عن ظاهر الأصحاب من عدم كفاية مجرد الرد في
الفسخ بناء على ما تقدم من أن رد الثمن في هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع.
وعلله الشيخ (قدس سره) (1) بوجوه ثلاثة:
الأول: أن الخيار معلق على تحقق الرد فلا يثبت إلا بعد تحققه، فيمتنع أن يتحقق
الفسخ بالرد لأن حق الفسخ متفرع على الرد.
الثاني: أن الرد لا يدل على الفسخ أصلا.
الثالث: أن الفسخ إنما يدل على إرادة الفسخ والإرادة غير المراد.
وقد ناقش (قدس سره) الوجهين الأخيرين وأهمل الأول. والذي يظهر منه أنه اختار -
أخيرا - كفاية الرد في تحقق الفسخ، لأنه بعد أن..
ناقش الثاني بدلالة الرد على الفسخ عرفا إما لأنه يفهم منه كونه تمليكا للثمن
ليتملك منه المبيع بنحو المعاطاة، أو لأنه يدل بنفسه على الرضا بكون المبيع له. وقد
اعترفوا بتحقق الفسخ بما هو أخفى من ذلك دلالة.
وناقش الثالث: بأن الرد يدل على إرادة كون المبيع ملكا له والثمن ملكا
للمشتري ولا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من ذلك. بعد أن ناقشهما.
قال: " مع أن ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع بل قد عرفت في
رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن فيحمل على تحقق الفسخ
الفعلي به ". وظاهره اختيار كفاية الرد في الفسخ وأن هذا إضافة إلى الدليل عليه
بحسب مقتضى القواعد.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 230، الطبعة الأولى.
250

وكان من المناسب للشيخ (قدس سره) أن يتعرض لدفع الوجه الأول الراجع إلى بيان
المحذور ثبوتا لا إثباتا، فإنه وجه لا يخلو من وجاهة.
كما أن استدلاله بالأخبار ليس كما ينبغي.
وقد أورد عليه: بأن الكلام إنما هو على تقدير خاص وهو فرض ترتب ثبوت
حق الخيار على الرد. والأخبار وإن ظهرت في تحقق الفسخ بالرد لكنها غير ظاهرة
في تعليق حق الخيار بل في اشتراط انفساخ العقد بالرد، ولا كلام في هذه الصورة
فانتبه ولاحظ.
وكيف كان، فالعمدة في التوقف عن تحقق الفسخ بالرد في هذا الفرض هو الوجه
الأول.
وقد دفعه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) بأنه إنما يتم لو كان الرد شرطا متقدما على
الخيار، أما لو كان شرطا مقارنا فلا يتم هذا الوجه، لأن المعتبر هو تحقق الفسخ في
زمان الخيار. وإذا فرض أن الرد شرط مقارن للخيار، كان ثبوت الخيار متحدا
زمانا مع الرد فيصح أن ينشئ به الفسخ إذ هو فسخ في زمان الخيار، والتقدم
والتأخر الرتبي لا يضران بعد ما كان المدار على الوحدة من حيث الزمان.
أقول: إذا كان حق الخيار عبارة عن حكم وضعي وكان مرجع الفسخ إلى كونه
إعمالا وتنفيذا للحق الثابت، كان الفسخ في رتبة متأخرة عن الخيار لأنه مأخوذ في
موضوعه ولتفرعه عليه، والمفروض أن الرد شرط لثبوت الخيار فهو في رتبة سابقة
عليه، فيمتنع أن يتحقق به الفسخ، لأنه يلزم أن يكون سابقا على الخيار رتبة
ولاحقا له رتبة في آن واحد وهو غير متصور.
نعم، لو دل دليل على أن الفسخ في زمان الخيار مؤثر ولو لم يكن بعنوان إعمال
الخيار أمكن الفسخ بالرد لوحدة زمان الرد والخيار.
وأما إذا كان الخيار عبارة عن أمر انتزاعي ينتزع عن انفساخ العقد بالفسخ، لم
يكن الفسخ إعمالا للخيار فيصح انشاؤه بالرد، لعدم تفرعه على الخيار وتأخره
عنه. فتدبر.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
251

الجهة الرابعة: في ما يسقط به هذا الخيار، وهو أمور:
الأول: الاسقاط، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه يسقط بالاسقاط بناء على الوجه
الثاني من الوجوه المتقدمة المحتملة، وهو ما إذا فرض ثبوت الخيار من حين العقد
ولكنه متعلق بحصة خاصة وهي الفسخ بالرد، إذ الخيار فعلي قابل للاسقاط.
واحتمل سقوطه بالاسقاط على الوجه الأول الراجع إلى تعليق حق الخيار على
الرد أو توقيته به بناء على كفاية تحقق السبب للخيار وهو العقد في صحة اسقاط
الحق، لكنه قد يتنافى مع ما صرح به في التذكرة (2) من عدم صحة اسقاط خيار
الشرط أو الحيوان بعد العقد بناء على حدوثها بعد التفرق، لظهوره في لزوم تحقق
الخيار فعلا في قابليته للاسقاط فلا يكفي مجرد حصول السبب، كما فيما نحن فيه.
إلا أنه قد يقال بالفرق فيما نحن فيه وبين ما في التذكرة، فإن المشروط له فيما نحن
فيه يملك الخيار قبل الرد لتملكه للرد الموجب له فيصح إسقاطه فعلا.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام. والكلام في ناحيتين:
الناحية الأولى: في تخصيصه جواز الاسقاط بالوجهين الأولين فقط، فقد أورد
عليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3).
أولا: بأنه يتأتى على الوجه الثالث لأنه يرجع إلى اشتراط الخيار أيضا.
وثانيا: بأنه يتأتى على جميع الوجوه بملاحظة أن له اسقاط حق شرطه الناشئ
من الاشتراط المستلزم لعدم تحقق أثر الرد بالمرة على جميع الوجوه. فكما له اسقاط
الحق المشروط له كذلك له اسقاط الحق الناشئ من قبل الاشتراط.
ولكن يندفع الايراد الأول: بأنه يمكن أن يكون نظر الشيخ (قدس سره) في الوجه الثالث
إلى شرط الانفساخ عند فسخه بالرد، فيكون من باب شرط النتيجة، فلا يرجع إلى
شرط حق الخيار.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 230، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 530، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 27، الطبعة الأولى.
252

ويندفع الثاني: بأنه لو سلم ثبوت حق للمشروط له في المشروط من قبل
الشرط بحيث أن له إسقاطه، فهو إنما يلتزم به في شرط الفعل الراجع إلى الالتزام
بالفعل لا شرط النتيجة، كما هو مرجع الوجه الثالث والرابع. فلا يتم ما أفيد على
جميع الوجوه.
الناحية الثانية: في أصل الموضوع وأنه هل يقبل الحق الاسقاط قبل صيرورته
فعليا أو لا؟
وتحقيق الكلام: أنه في مقام بيان الفرق بين الحق - كحق الخيار - والحكم -
كثبوت الميراث -..
تارة: يلتزم بأن الحق مستلزم عقلا لقابليته للاسقاط، فالقابلية للاسقاط مقومة
ومساوقة له. بخلاف الحكم فهو ثابت سواء أسقط أم لم يسقط.
وأخرى: لا يلتزم بذلك، ببيان أن الحق لا يلازم جواز الاسقاط. والفرق بينه
وبين الحكم من نواحي أخرى. فقابلية الحق للاسقاط تتبع قيام الدليل.
وعلى هذا، قد يلتزم بالتفصيل بين الحق الثابت بالدليل بعنوان الحق والثابت لا
بهذا العنوان.
فالأول - كما لو قال: له حق الشفعة - يكون قابلا للاسقاط بمقتضى دليله لا أكثر
بدعوى ظهور الحق عرفا في ما يقبل الاسقاط وإن لم يساوقه عقلا.
والثاني - كما لو قال: له الشفعة وعلمنا بدليل آخر أن ثبوتها بنحو الحقية - لا
يكون قابلا للاسقاط في نفسه بل يحتاج إلى دليل خاص.
ولا يخفى عليك أن حق الخيار لم يثبت في لسان الأدلة بعنوان الحق، كما لا يخفى
على من لاحظ نصوص الباب.
إذن فهو - على التقدير الثاني - مما يحتاج جواز اسقاطه إلى دليل.
وعليه، فتارة: يفرض الدليل على قابلية سقوط حق الخيار بالاسقاط هو
القاعدة الكلية وهي: " أن لكل ذي حق اسقاط حقه " التي أدعي الاجماع عليها.
وأخرى: يفرض الدليل هو قيام الاجماع في خصوص مورد حق الخيار على
قابليته للاسقاط.
253

فعلى الأول: فمقتضى عموم القاعدة جواز انشاء الاسقاط فعلا بقصد ترتب
السقوط بعد تحقق فعلية الحق، إما بنحو التعليق على مجئ ذلك الظرف لو لم يكن فيه
محذور آخر أو بنحو التوقيت فرارا من محذور التعليق الباطل - كما قيل -.
وحينئذ عند تحقق ظرف ثبوت الحق يسقط الحق بنفس الانشاء السابق بلا
حاجة إلى انشاء جديد، بل يتحقق به ولو كان فعلا غافلا أو نائما. ولا فرق في ذلك
بين تحقق المقتضي للحق وعدم تحققه أصلا.
نعم، إذا قصد بانشاء الاسقاط فعلا تحقق السقوط في الحال، فهو ممتنع، لعدم
الحق فعلا كي يقصد إسقاطه في الحال.
اللهم إلا أن يقال: إنه قيل بامتناع اسقاط ما لم يجب إجماعا. ولا يخفى أنه ليس
المراد بها اسقاط الحق فعلا وفي الحال قبل تحققه، لأنه ممتنع عقلا فلا حاجة إلى
الاستناد إلى الاجماع في ذلك. فلا بد أن يحمل هذا القول على ما ليس بمحال عقلا
وهو انشاء الاسقاط فعلا بقصد تحققه بعد فرض ثبوت الحق بنحو التعليق أو
التوقيت، فيلزم منه اختصاص قاعدة: " لكل ذي حق اسقاط حقه " بصورة فعلية
ثبوت الحق.
ولكن الانصاف خلاف ذلك، إذ لم يثبت تعليل امتناع اسقاط ما لم يجب
بالاجماع بنحو يستلزم رفع اليد عن إطلاق معقد اجماعهم على أن لكل ذي حق
اسقاط حقه.
نعم، هو مجرد احتمال لا أساس له من الناحية العلمية، فالبناء على عموم معقد
إجماعهم متعين.
وعلى الثاني: فحيث أن الاجماع على قابلية حق الخيار للاسقاط لا يعلم أنه
تعبدي كي يتمسك باطلاقه أو عمومه، لتعليل هذا الحكم في بعض الكلمات بأن
الاسقاط كاشف عن الرضا ومقتضى ما دل على أن الرضا موجب للاسقاط يكون
الاسقاط موجبا للسقوط. وعليه، فينبغي نقل الكلام في هذه العلة.
وبما أن ظاهر الدليل هو كون الرضا الثابت بعد تحقق الخيار هو المسقط له أما
254

السابق على تحققه بنحو التوقيت أو التعليق فلا دليل على كونه مسقطا كما سيجئ
توضيحه بعد قليل.
كان المتعين هو الالتزام بأن الخيار لا يقبل السقوط بالاسقاط قبل فعليته. فتدبر
ولاحظ.
الثاني - مما يسقط به هذا الخيار -: انقضاء المدة وعدم رد الثمن وهو واضح.
ولو رد الثمن فتبين كونه من غير الجنس بأن رد حنطة وكان الثمن شعيرا، لم
يتحقق الرد الموجب للخيار.
وأما لو تبين كونه معيبا، فقد ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى كفايته في مقام الرد فيثبت
الخيار وله الاستبدال.
أقول: الجمع بين هذين الالتزامين ممنوع، فإنه إن فرض كفايته في مقام الرد لم
يكن له الاستبدال. بيان ذلك: أن الثمن إما أن يكون شخصيا أو يكون كليا.
فإن كان شخصيا واشترط عليه رد الثمن أو بدله - مع وجوده - الراجع إلى
اشتراط تحقق المبادلة القهرية بين الثمن الأصلي وبدله لعدم صحته بدون ذلك كما
تقدم، فإذا رد المعيب، فإن كان الملحوظ في المردود ما يعم المعيب، فمع رد المعيب
تحققت المبادلة القهرية بينه وبين الثمن الأصلي، فليس له الاستبدال، وإن كان
الملحوظ فيه ما لا يعم المعيب لم يكن رد المعيب كافيا في تحقق الرد الموجب للخيار.
وإن كان كليا واشترط عليه ما يعم رد نفس ما دفعه أو بدله، فإذا كان الملحوظ
في مقام الاشتراط ما يعم رد المعيب من أفراد الكلي لم يكن له استبدال المعيب لو
تحقق الرد به لتملك المشتري له بالرد وتحقق الفسخ. وإن لم يكن الملحوظ مما يعم
المعيب لم يكن رد المعيب كافيا في مقام تحقق الرد، فلا خيار له بمجرد رد المعيب، بل
يكون بمنزلة رد ما هو من غير الجنس.
هذا هو تحقيق الكلام في المقام وبه يتضح الحال في بعض الكلمات. فلاحظ.
الثالث: التصرف في الثمن المعين في صورة اشتراط رد العين أو حمل الاطلاق
عليه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 231، الطبعة الأولى.
255

والوجه فيه - كما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) هو إطلاق ما دل على أن تصرف ذي
الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد وهو مستلزم لسقوط الخيار. وقد عمل به
الأصحاب في غير مورد النص وهو خيار الحيوان، كخيار المجلس والشرط.
وإنما خصص الحكم بصورة اشتراط رد الثمن أو ما بحكمه، لأنه لو لم يشترط رد
الثمن أو حمل الاطلاق على رد الأعم من العين والبدل لكون المتعارف هو تصرف
البائع في الثمن لاحتياجه إليه، لم يكن التصرف كاشفا نوعا عن الرضا الذي هو
مدار كونه مسقطا فإنه ليس مسقط تعبدا بما هو هو، كما تقدم بيانه.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض إلى بيان المحكي عن المحقق الأردبيلي (رحمه الله) (2) وصاحب
الكفاية (رحمه الله) (3) من عدم سقوط الخيار بالتصرف وبيان وجهه، وتعرض إلى مناقشة
العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في مصابيحه في ذلك، كما تعرض إلى مناقشة صاحب
الجواهر (رحمه الله) (4) للعلامة الطباطبائي (رحمه الله) ثم ذكر بعد ذلك أن جميع ما أفيد من كلمات
الأعلام الثلاثة غير تام وقابل للمناقشة (5).
وإنما المهم هو معرفة صحة ما أفاده الشيخ (قدس سره) في بيان مسقطية التصرف في
صورة اشتراط رد العين باعتبار أنه رضا بالبيع أو عدم صحته.
والحق هو أنه لا يصح بناء على تعليق الخيار على الرد أو توقيته به بحيث لا يثبت
الخيار قبل الرد، وذلك، لأن الظاهر من الدليل الدال على كون الرضا مسقطا هو
الرضا الصادر من ذي الخيار والحق، أما الرضا الحاصل قبل كونه ذا خيار فلا
يوجب السقوط لأنه ليس يصدق عليه بعد ثبوت الخيار أنه راض بالعقد ما لم يكن
منه رضى فعلي في ذلك الحال، وإلا فالرضا السابق لا يعد رضى من ذي الخيار مع

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 231، الطبعة الأولى.
2 - الأردبيلي، مولى أحمد: مجمع الفائدة والبرهان، ج 8: ص 402، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - السبزواري، ملا محمد باقر: كفاية الأحكام، ص 92، الطبعة الأولى.
4 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 40، الطبعة الأولى.
5 - وقد بينه السيد الأستاذ دام ظله في الدرس ولكن لم يزد على ما في الكتاب لذلك فلا نرى أننا بحاجة
إلى التعرض إليه ومن أراد الاطلاع عليه، فليراجع الكتاب.
256

كونه في حال الخيار غافلا أو نائما - مثلا -، فهو نظير الرضا بتصرف زيد في هذا
المال قبل أن يملكه ثم ملكه فإنه لا ينفع ذلك الرضا لأنه رضا من غير المالك.
وعليه، نقول: إن الرضا بالعقد وإن كانت مسقطيته من باب أنه راجع إلى
اسقاط الحق. وقد عرفت أن الاسقاط قابل لتقدمه على سبب ثبوت الحق إذا كان
بنحو التعليق أو التوقيت بحدوث الحق.
إلا أن الاسقاط بالرضا لا يصح أن يكون سابقا لكون المعتبر هو رضا ذي
الخيار، وهو لا يحصل قبل حصول الخيار. وعليه، فلا يثبت بالنص المزبور أن
التصرف المسقط بعنوان أنه كاشف عن الرضا يكون موجبا للسقوط إذا وقع قبل
زمان الخيار.
نعم، له انشاء الاسقاط قولا أو فعلا قبل حصول الخيار بنحو التوقيت أو التعليق
كما تقدم، لكنه أجنبي عن تعليله بأنه كاشف عن الرضا. وهو غير مجرد التصرف
الكاشف عن الرضا النفساني المستلزم لسقوط الخيار بحكم الشارع ولو لم يكن
هناك انشاء الاسقاط، فإنه لا يوجب السقوط إلا إذا وقع بعد ثبوت الخيار.
وبالجملة، تعليل كون التصرف موجبا للسقوط بما ذكر غير تام بناء على عدم
ثبوت الخيار قبل الرد. فلاحظ والتفت وهذا ما وعدناك بايضاحه قبل قليل.
فراجع.
الجهة الخامسة: فيما لو تلف المبيع أو الثمن قبل الرد أو بعده.
أما لو تلف المبيع - سواء كان قبل الرد أو بعده - فهو من المشتري كما أن نمائه له
بلا إشكال فإنه مقتضى النص والقواعد الأولية، ولا نرى مقتضيا للتعرض إلى ذلك
من الشيخ (قدس سره) إلا أن يكون تمهيدا للأبحاث السابقة ولذا أهمل بعض المحشين التعليق
عليه. وهل يسقط خيار البائع مع تلفه أو لا؟
استظهر الشيخ (قدس سره) أولا عدم السقوط، فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن. ثم
احتمل سقوطه بناء على ظهور هذا الخيار في ارتجاع المبيع الظاهر في اعتبار بقاء
المبيع فإذا تلف لا خيار.
257

ثم ذكر أنه لا منافاة بين شرطية البقاء وعدم جواز تفويت الشرط فلا يجوز
للمشتري إتلاف المبيع، لأنه إذا كان غرض البائع استرداد عين ماله فلا يتم إلا
بالالتزام بابقائه للبائع، فالمعاملة تشتمل على شرطين أحدهما شرط الخيار والآخر
شرط إبقاء العين للبائع.
ولا يخفى أن ذلك لا يتميز بضابط بل يختلف باختلاف المقامات. فإذا عرف من
البائع أنه يتعلق له غرض خاص ببقاء عين ماله بحيث تكون لخصوصية ماله
خصوصية عنده كان ذلك قرينة على إرادته استرداد عين المال، فيكون شرطا
بابقاء العين. ولو تلفت لم يثبت له الخيار. وإن كان غرضه من استرداد العين جهة
ماليتها أعم من عين ماله أو بدلها لم يكن شرطا بابقاء العين، ويثبت الخيار مع
التلف.
وأما لو تلف الثمن، فتارة يكون بعد الرد إلى المشتري وقبل الفسخ. وأخرى
يكون قبل الرد إليه.
فإن كان بعد الرد، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن مقتضى ما سيجئ من أن التلف في
زمن الخيار ممن لا خيار له كونه من المشتري لأنه لا خيار له وإن كان ملكا للبائع.
نعم، لو منع شمول القاعدة للثمن وادعى اختصاصها بالمبيع، كان التلف من
البائع لأنه ملكه ومقتضى القواعد الأولية كون التلف منه. ولكنه ذكر أن مقتضى
إطلاق غير واحد عمومها للثمن، كما أنه ادعى اختصاصها بالخيارات الثلاثة وهي
خيار المجلس والحيوان والشرط وذكر في ضمن كلامه أن هذه القاعدة - أعني قاعدة
أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له - لو عمت الثمن كانت منافية لقاعدة الخراج
بالضمان بضميمة الاجماع على أن نماء الثمن للبائع المالك.
فهنا جهات لا بد من البحث فيها لمعرفة الحق في المقام.
إحداهما: إن قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له هل تعم الثمن أو تختص
بالمبيع؟

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 231، الطبعة الأولى.
258

الثانية: أنه هل تشمل جميع أفراد الخيار أو تختص ببعض أفراده وما هي؟
الثالثة: في بيان المراد من قاعدة الخراج بالضمان. وتحقيق الكل له محل آخر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) نسب إلى صاحب الجواهر (1) دعوى اختصاص القاعدة
المزبورة بالمبيع وأنه استظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة.
ورده بأنه لم يعرف وجه الاستظهار، إذ ليس فيها إلا أن نماء الثمن للبائع وتلف
المبيع من المشتري وهما اجماعيان حتى في مورد كون التلف ممن لا خيار له، فلا
تكون الرواية مخالفة للقاعدة.
ولكن هذا الرد من الشيخ عنيف، فإن للاستظهار المزبور من الرواية وجها وإن
كان مورد المناقشة والمنع، لكنه بنحو يصلح وجها للاستظهار لا بأس به وهو أمران:
الأول: أن ظاهر الرواية أنها في مقام بيان الملازمة بين الضرر والنفع وبين الثمن
والمثمن وبين المشتري والبائع. والقرينة على ذلك قوله (عليه السلام): " أرأيت... " فإن هذا
الاستفهام الظاهر في كونه شاهدا على كون نماء الثمن للبائع لا يصح ذكره إلا إذا
فرض أن هناك ملازمة بين ثبوت النماء لشخص وكون الضرر منه، كما لا فرق في
هذه الجهة بين الثمن والمثمن وبين البائع والمشتري، وإلا فأي ربط لكون هلاك
المثمن من المشتري بكون نماء الثمن للبائع؟
يمكن المناقشة فيه بعدم ظهور النصوص قي التلف بل في التصرف بالتبديل ونحوه
وهو لا يتحقق به التلف ولا ينفسخ به البيع. وشمول الاطلاق للتلف مخصص بدليل
القاعدة الدالة على أن التلف ممن لا خيار له، بل لا ظهور في رواية معاوية في كون
الثمن مما يتحقق تبديله، لأن فرض النماء له يدل على أنه ليس من النقود بل من
الأعيان كالحيوان أو الدار وهو مما يتعارف بقاؤه ثلاث سنين بلا تبديل.
الثاني: أن إطلاق التصرف في الثمن في ثلاث سنين الشامل لصورة تلف الثمن
يقتضي ثبوت الخيار مع تلف الثمن، مع أنه لو كان التلف من المشتري لانفسخ العقد
بمجرد التلف، فلا معنى لبقاء الخيار للبائع بعد التلف، مع أنه مقتضى الاطلاق.

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 88، الطبعة الأولى.
259

وقد استشكل المحقق الإصفهاني (رحمه الله) (1) في كلا التقريبين بعد ذكرهما:
أما الأول: فقد ذكر أنه يصح الاستشهاد المزبور بلا أن يكون المنظور هو بيان
الملازمة المزبورة، فإنه يمكن أن يكون نظر الإمام (عليه السلام) إلى أن النماء له لأنه من شؤون
الملك ومقتضى القواعد الأولية، كما أن مقتضاها هو كون التلف من المشتري لأنه
تلف ملكه فيذهب منه، وهذا لا ينافي أن يكون تلف الثمن ليس من البائع على
خلاف القاعدة للتخصيص. فالتشبيه إنما هو بين اقتضاء الملكية لكون الهلاك من
المشتري واقتضائها لكون نماء الثمن للبائع، وهو لا يمنع من كون تلف الثمن من
المشتري على خلاف القاعدة وتخصيصا، بل لعل التشبيه المزبور ظاهر في كون تلف
الثمن من المشتري، إذ لو كان من البائع لكان الاستشهاد به على كون النماء له أولى
من الاستشهاد بمورد وموضوع آخر. كما لا يخفى جدا.
وأما الثاني: فقد ذكر أنه لا يختص برواية معاوية بن ميسرة بل يجري في رواية
إسحاق بن عمار (2)، فيتمسك باطلاقها على كون التلف من البائع لا من المشتري.
هذا أولا.
وثانيا: أنه يبتني على ثبوت الخيار قبل الرد كي يكون مقتضى الاطلاق ثبوته
بعد التلف.
وإما إذا كان الخيار بعد الرد، فاطلاق الأخبار الشامل لصورة التلف قبل الرد
يكون أجنبيا عن المدعى، فلا ينافي قاعدة كون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار
له، لعدم كون زمان التلف زمان الخيار. فلاحظ.
هذا كله إذا كان تلف الثمن بعد الرد. وإن كان قبل الرد، فيحتمل أن يكون من
البائع لعدم ثبوت الخيار قبل الرد حتى يكون التلف من المشتري لأنه ممن لا خيار
له.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 46 - 47، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 8: من أبواب الخيار ح 1.
260

ولكن الشيخ (قدس سره) (1) ناقش فيه:
أولا: بمنع عدم ثبوت الخيار قبل الرد. بل يمكن الالتزام بثبوت الخيار قبله لكنه
متعلق بالحصة الخاصة وهي الفسخ بعد الرد.
وثانيا: أنه لو سلم عدم ثبوت الخيار قبل الرد، فمقتضى ما دل على أن التلف في
زمن الخيار ممن لا خيار له هو كون المناط تزلزل البيع وعدم لزومه سواء كان الخيار
متصلا أو منفصلا، فإنه مع كون الخيار منفصلا يكون البيع متزلزلا أيضا لقابليته
للفسخ بعد الرد وإن كان لازما فعلا.
ولعل جهة استظهار الشيخ هذا المعنى هو قوله (عليه السلام) في بعض أخبار تلك المسألة:
" حتى ينقضي الشرط... " ولا يصدق انقضاء الشرط على صورة عدم الرد قبل
زمانه. وهذه الجهة نوكل البحث فيها إلى محلها.
الجهة السادسة: لا إشكال في أنه لو كان الشرط هو رد الثمن إلى المشتري
بعينه لم يتحقق الرد بالرد إلى وكيله أو وليه من الحاكم الشرعي فلو تعذر الرد
إليه بعينه سقط الخيار. كما لا إشكال في أنه لو كان الشرط هو الرد إلى المشتري
أو بدله من الوكيل أو الولي كان الرد إلى الوكيل أو الولي موجبا لصحة
الفسخ.
إنما الاشكال فيما لو كان المشروط هو الرد إلى المشتري بلا تصريح بالعموم ولا
بالخصوص، فهل يصح الرد إلى وليه عند تعذر الرد إليه عقلا لغيبته أو شرعا لجنونه.
أو لا يصح، فيسقط الخيار لعدم تحقق شرطه؟
اختار الأول المحقق القمي (رحمه الله) (2) في بعض رسائله، واختار الثاني صاحب
المناهل (رحمه الله) (3). وقد نقل الشيخ في المقام كلاما لصاحب الحدائق (رحمه الله) (4) وناقشه ولا
يهمنا التعرض إليه وإنما المهم تحقيق أصل المطلب.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 232، الطبعة الأولى.
2 - المحقق القمي، الميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 195، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد: المناهل ص 334 - الثاني عشر، الطبعة الأولى.
4 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 35 - 36، الطبعة الأولى.
261

فنقول: إنه يذكر لاثبات صحة الرد إلى الحاكم الشرعي في هذه الصورة وثبوت
الخيار بواسطته وجهان:
الوجه الأول: أن دليل ولاية الحاكم الشرعي يتكفل تنزيل الحاكم منزلة المولى
عليه وهو المشتري الغائب فيما نحن فيه، فيكون الرد إليه بمنزلة الرد إلى المشتري لأنه
بمنزلته.
وهذا الوجه مردود بأن دليل الولاية إنما يتكفل تنزيل الحاكم منزلة المشتري في
الموارد التي للمشتري سلطنة شرعية فيها على الفعل، كالتصرف في ماله ببيع أو
إجارة أو غيرهما وكطلاق زوجته وغير ذلك مما يكون للغائب سلطنة وولاية
عليه. ولا يتكفل تنزيله منزلة المشتري الغائب في كل أمر يرتبط به ولو كان
موضوعا تكوينيا لا فعلا من أفعال الغائب فيما له سلطنة عليه، فإن ذلك أجنبي عن
دليل الولاية بالمرة.
وعليه، ففيما نحن فيه حيث كان الرد إلى المشتري ظاهرا في كون الشرط هو
حضور الثمن لديه، فلا يتكفل دليل الولاية كون حضور الثمن عند الحاكم بمنزلة
حضوره عند المشتري، إذ هو ليس من الأمور الراجعة إلى المشتري بلحاظ سلطنته
وولايته، بل هو من الأمور التكوينية التي لها علاقة بالمشتري بعلاقة الإضافة إليه
وأي ربط لدليل الولاية به؟
نعم، تكون للحاكم ولاية على الثمن المردود لو صحح الرد بطريق آخر وتحقق
الفسخ، لأنه يكون من أموال الغائب التي هي تحت ولاية الحاكم.
وقد أسهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) في بيان هذا المعنى.
كما أوضحه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) بعد أن بين أن ولاية الحاكم تثبت في
موردين يدعى تطبيق كل منهما على ما نحن فيه:
الأول: أنه ولي الممتنع ويراد به الأعم من الامتناع القهري أو الاختياري.
والثاني: أنه ولي الغائب.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 35، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 47، الطبعة الأولى.
262

ثم بين أن ولاية الحاكم في المورد الأول بمعنى صلاحية التصرف فيما يرجع إلى
الممتنع مما كانت له ولاية شرعية عليه وأن موردها في المورد الثاني هو مال
الغائب. والثمن قبل حصول الفسخ المتأخر عن الرد مال البائع الحاضر لا مال
المشتري الغائب.
الوجه الثاني: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) (1) وتبعه غيره (2) من وجود قرينة عامة
توجب ظهور المشتري في الأعم منه ومن وليه. وبعبارة أخرى: توجب إلغاء
خصوصية المشتري وأن المراد هو الرد إلى مالك التصرف أعم من المشتري ووليه
وهي أن المقصود عادة باشتراط الرد إلى المشتري هو حصول الثمن عنده وعدم
بقائه في ذمة البائع لأنه يكون - إذا بقي بالذمة - في معرض الانكار أو الضياع لفلس
وغيره، وهذا الأمر كما يتحقق في الرد إلى نفس المشتري يتحقق بالرد إلى ما هو
بمنزلته في المحافظة على ماله، بحيث يتحقق المقصود بالرد إليه، كالحاكم الشرعي.
إذن، فيصح الرد إلى الحاكم أو غيره من الأولياء لتحقق الرد إلى مالك التصرف
والحفظ بالرد إليهم. وعبارة الشيخ (قدس سره) لا تخلو من غموض.
ولكن السيد (رحمه الله) (3) وغيره (4) أوضح هذا المطلب، ويتضح هذا جدا بملاحظة ما
يقال في تصحيح إسناد البيع إلى الوكيل في الشراء، فيقول له البائع الأصيل بعتك مع
أنه وكيل وليس هو المشتري بل المشتري موكله، فكيف يسند إليه التمليك بكاف
الخطاب؟
فإنه يقال في مقام تصحيح ذلك أن البيع لم يسند إلى المخاطب بما هو هو إذ
خصوصية المشتري الخاص لا تلحظ نوعا في البيوع، إذ البائع لا يهمه إلا تبديل
ماله بثمن معين من أي شخص كان، فالبيع إنما يسند إلى مالك الثمن حقيقة وفي اللب
لا للمخاطب بما هو مخاطب.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 214، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 29، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 29، الطبعة الأولى.
4 - المامقاني، الشيخ عبد الله: نهاية المقال، ص 65، الطبعة الأولى.
263

وهكذا فيما نحن فيه، إذ لا خصوصية للرد إلى ذات المشتري نوعا وإنما المهم هو
عدم كون الثمن في ذمة البائع ووصوله إلى المشتري بنحو يحفظ له ماله وهو يتحقق
بايصاله إلى من له ولاية الحفظ، كالحاكم الشرعي.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) بعد أن ذكر ذلك تعرض لذكر فرعين:
الفرع الأول: لو اشترى الأب للطفل بخيار للبائع واشترط الرد عليه، فهل
يصح الرد إلى الجد مطلقا أو لا يصح مطلقا أو يصح مع عدم التمكن من الرد إلى
الأب؟ وجوه. ولم يتعرض إلى بيان منشأ الوجوه.
ولا يخفى أن الوجه الأول ينشأ عن دعوى أن الملحوظ في اشتراط الرد على
الأب كونه وليا لا خصوصية الأب نفسه فيصح الرد إلى مطلق الولي.
كما أن الوجه الثاني ينشأ عن دعوى ظهور الشرط في خصوصية للأب فلا يصح
الرد إلى غيره.
وأما الوجه الثالث، فلا يظهر له منشأ، إلا إذا فرض أن ولاية الجد في طول
ولاية الأب نظير ولاية الحاكم الثابتة عند عدم تمكن المشتري من التصرف، ولكن
الأمر ليس كذلك فإن ولاية الجد في عرض ولاية الأب، فلا يظهر للوجه الثالث
منشأ عرفي. فتدبر.
الفرع الثاني: لو اشترى الحاكم للطفل الصغير، فهل للبائع الرد إلى حاكم آخر
أو لا؟ ذهب الشيخ (قدس سره) إلى جريان الوجوه المتقدمة في الفرع السابق ههنا.
لكن ههنا قيد زائد وهو أنه يلزم أن لا يكون الرد إلى الحاكم الآخر مزاحمة
للحاكم الأول المشتري، إذ لا تصح مزاحمة حاكم لحاكم آخر فيما تصرف فيه.
ولا يخفى أن الرد إلى الحاكم الآخر إنما يصح لو فرض فهم عدم الخصوصية
للحاكم المشتري وأن المراد هو شرط الرد إلى مطلق الولي، ومعه لا تصدق المزاحمة
فإن الحاكم المشتري إذا فرض أنه أجاز الرد إلى غيره فكيف يتصور تحقق المزاحمة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 232، الطبعة الأولى.
264

له بالرد إلى غيره. فلاحظ.
الجهة السابعة: وقد تعرض الشيخ (قدس سره) (1) فيها لفروع:
الفرع الأول: أن مقتضى إطلاق رد الثمن إرادة رد تمام الثمن فلا يكون له الفسخ
برد بعضه. وهذا واضح لا خفاء فيه. ثم بين أن المشتري لا يحق له التصرف في
المدفوع إليه لأنه باق على ملك البائع وهو واضح أيضا كسابقه. كما ذكر أنه إن
صرح أن المدفوع إليه يكون أمانة في يده إلى أن يجتمع الكل فيفسخ لم يكن ضامنا
مع التلف، وإلا فإن كانت يده عليه بعنوان أنه ثمن كان ضامنا مع التلف، وهو حكم
على طبق القاعدة كما يذكر في محله. فهذا الفرع لا كلام فيه.
الفرع الثاني: أنه لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن جاز
الفسخ فيما قابل المدفوع وللمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع
وخرجت المدة وهل له ذلك قبل خروجها الوجه ذلك.
والكلام في هذا الفرع يقع في جهتين:
الأولى: أنه هل له أن يشترط الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن أو لا؟
الثانية: أنه على تقدير صحة الشرط وفسخ البائع مقدارا من المبيع فهل
للمشتري خيار التبعيض أو لا؟
أما الجهة الأولى، فتحقيقها: أن تبعض الصفقة في موارده، كما في بيع ما يملك وما
لا يملك - كبيع الخروف والخنزير - مع كون الانشاء وقع على المجموع وجعل مجموع
الثمن بإزاء المجموع..
تارة: يلتزم به من باب وجود الدليل الشرعي عليه وثبوت التعبد به بحيث لولا
الدليل الخاص لالتزم ببطلان البيع.
وأخرى: يلتزم به على القاعدة بدعوى أن العقد على المجموع ينحل في الحقيقة
إلى عقود متعددة بعدد الأجزاء ويكون لكل جزء من أجزاء المبيع حصة من الثمن،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 232، الطبعة الأولى.
265

فإذا تبين عدم صحة بيع بعض الأجزاء كان باطلا فيه خاصة أما سائر الأجزاء
القابلة للنقل والانتقال فيكون العقد عليها صحيحا ولها حصة من الثمن.
فعلى الأول: لا يصح الشرط فيما نحن فيه، لأن العقد في نفسه ليس قابلا للتبعض
فيكون الشرط باطلا، ولا دليل على صحته في خصوص المقام.
وعلى الثاني: يصح الشرط لقابلية العقد للتبعض، فلا مانع من اشتراط رفع اليد
عن بعضه، فصحة الشرط فيما نحن فيه تبتني على الوجه الثاني. وتحقيقه في محله.
وأما الجهة الثانية، فتحقيقها: أن خيار تبعض الصفقة يلتزم به في مورده لأحد
وجهين:
الأول: قاعدة نفي الضرر، ببيان أن في لزوم البيع في جزء المبيع بجزء من الثمن
ضررا على المشتري، إذ قد لا يتعلق بالجزء غرض له.
الثاني: إنه من باب تخلف الشرط، ببيان أن العقد على المجموع وإن كان حقيقة
عقودا متعددة بعدد الأجزاء لكن هناك شرط ضمني في البيع وهو شرط انضمام كل
جزء للآخر، فإن المشتري يشتري هذا الجزء ولكن بشرط انضمامه إلى الجزء
الآخر، فإن ذلك ظاهر العقد على المجموع، فإذا تخلف البيع وانتقض في بعض
الأجزاء تخلف الشرط فيكون له خيار تخلف الشرط، فمرجع خيار تبعض الصفقة
إلى خيار تخلف الشرط. فإذا كان المستند في ثبوت خيار تبعض الصفقة هو قاعدة
نفي الضرر، فهي مختصة كما حرر في محله بصورة عدم الاقدام على الضرر أما مع
الاقدام عليه فلا تكون محكمة.
وعليه، فبما أن المشتري أقدم على التبعض قبل انتهاء المدة لأن ذلك مفاد الشرط
فيما نحن فيه، فليس له الخيار قبل انقضائها.
نعم، بعد انتهائها له الخيار، إذ لم يقدم على التبعيض مطلقا بل هو أقدم على
التبعيض بنحو يفسخ في الكل إلى انتهاء المدة، فإذا لم يتحقق ذلك كان له الخيار.
وإن كان المستند في ثبوت خيار تبعض الصفقة هو كونه من جهة تخلف الشرط،
ليس له الخيار فيما نحن فيه، وذلك لأن المبيع قد انتقل إليه بمجموعه حدوثا فلم
266

يتخلف الشرط الضمني، وتحقق التجزئة والتبعيض بقاء بالفسخ أجنبي عن ذلك
لأنه لا يدعي كون الشرط الضمني هو تحقق الانضمام بقاءا بحيث ينافيه انتقال بعض
المبيع عنه بسبب من أسباب النقل. ولا يخفى أن الفسخ بالخيار إنما هو من حينه لا من
حين العقد. فتدبر والتفت فإنه لا يخلو عن دقة.
الفرع الثالث: أنه يجوز اشتراط الفسخ في الجميع برد جزء معين أو غير معين من
الثمن في المدة الخاصة، فيبقى الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ. وهذا واضح لا ريب
فيه.
الجهة الثامنة: وقد تعرض الشيخ (قدس سره) (1) فيها إلى ما لو كان الشرط رد المثمن،
فذكر أنه يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن، فإن ظاهر الاطلاق إرادة نفس
العين وأنه لا إشكال في جواز رد بدله مع تلفه.
إنما الاشكال في جواز اشتراط رد البدل مع التمكن من العين، ومنشأ الاشكال
فيه: أن مقتضى الفسخ رجوع كل من العوضين إلى صاحبه، فاشتراط البدل ينافي
ذلك فلا يصح، وقد تقدم هذا في اشتراط رد بدل الثمن مع التمكن من العين، فراجع.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه يجوز اشتراط رد التالف القيمي بالمثل ورد المثلي بالقيمة،
ووجهه بأنه بمنزلة اشتراط ايفاء ما في الذمة بغير جنسه، فيرجع إلى اشتراط تبديل
المثلي بالقيمة أو القيمي بالمثل.
ولا يخفى أنه جاز اشتراط ذلك بارجاعه إلى شرط آخر وهو شرط تبديل
القيمي بالمثل أو العكس جاز اشتراط رد البدل مع بقاء العين بارجاعه إلى وجود
شرط آخر وهو حصول المبادلة القهرية بين البدل والعين بنحو شرط النتيجة الذي
ذكرناه سابقا وقلنا أنه يمكن حمل الكلام عليه مع الالتفات وعدم الغفلة بدلالة
الاقتضاء. ولعله إلى هذا أشار (قدس سره) بقوله: " فتأمل ".
المسألة الثامنة: فيما يتأتى فيه خيار الشرط من المعاملات، وبيان عدم
اختصاصه بالبيع.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 232، الطبعة الأولى.
267

وقد ادعى الشيخ (قدس سره) (1) أن مقتضى عموم: " المؤمنون عند شروطهم " هو نفوذ
شرط الخيار في كل معاملة، والمهم هو بيان ما خرج عن هذا العموم، وقد قدم الكلام
في العقود الجائزة ثم الايقاعات ثم أعقبه بالعقود اللازمة. ونحن نجعل بداية الكلام
هو العقود اللازمة فإنه أولى.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنها على أقسام ثلاثة ما لا يصح فيه شرط الخيار اتفاقا، وما
يصح فيه بالاتفاق، وما اختلف فيه، ثم ذكر مصاديق كل قسم، وقبل الخوض في
ذكر مصاديق كل قسم قسم والتعرض لأحكامها وما يجري فيها من الكلام نذكر
ما قيل من الوجوه العامة المانعة من جريان شرط الخيار بحيث لا يكون لها
اختصاص بمعاملة واحدة، بل تشمل معاملات عدة. ثم نبحث في كل مورد
بخصوصه وهي وجوه:
الوجه الأول: أن شرط الخيار وجعل حق الفسخ لا يصح إلا في مورد يصح فيه
التقايل وتقريبه بأمور:
الأول: ما أفاده الشيخ (قدس سره) (2) في أواخر كلامه من أن الالتزام والرضا حين العقد
بسلطنة أحدهما على الفسخ يكون بمقتضى دليل نفوذ الشرط بمنزلة رضاه بالفسخ
بعد العقد، فينزل الالتزام حين العقد منزلة الرضا بعد العقد، فمع عدم نفوذ الرضا بعد
العقد بفسخ صاحبه في صورة عدم مشروعية الإقالة التي مرجعها إلى نفوذ رضا كل
منهما بفسخ الآخر لم يكن معنى للتنزيل المزبور لانتفاء موضوعه.
الثاني: ما أشار إليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) في حاشيته وهو: أن معنى نفوذ
الشرط هو إلزام المشروط عليه، والالزام بالشرط متفرع على جوازه للمشروط
عليه وهو يختص بمورد مشروعية الإقالة.
الثالث: ما نقله الأصفهاني (رحمه الله) عن بعض أجلة السادة (رحمه الله) وهو: أن مقتضى أدلة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 232، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 48، الطبعة الأولى.
268

الشروط قطع سلطنة المشروط عليه عن الامتناع من الفسخ وعدم كون رضاه
الفعلي شرطا في تأثير الفسخ، ولا ريب أن نفي شرطية رضاه أعم من كونه سببا
رافعا للعقد، بخلاف ما إذا علمنا من الخارج جواز التقايل منهما فإنه دليل على
سلطنة كل منهما على الفسخ بالتراضي، فيجدي حينئذ قطع سلطنة المشروط عليه
وعدم شرطية رضاه في تأثير الفسخ حيث علم سلطنة الآخر في نفسه على الفسخ
برضا الآخر المفروض فعليته حال العقد وقيامه مقام رضا بعده.
وجميع هذه التقريبات مخدوشة:
أما الأول: فلأن مفاد دليل نفوذ الشرط ليس إلى لزوم العمل بالشرط لزوما
تكليفيا إذا كان المشروط فعلا أو تحقق المشروط وضعا إذا كان نتيجة لا فعلا - كما
تقدم بيانه -، فمفاد دليل النفوذ هو الجري على طبق الشرط المستتبع للحكم التكليفي
عند شرط الفعل وللحكم الوضعي عند شرط النتيجة.
ومن الواضح أن شرط الخيار لا يقصد به إلا جعل الحق الخاص للمشروط له بلا
نظر إلى تنزيل الرضا حال العقد منزلة الرضا بعده، فمن أين يثبت تنزيل الرضا
حين العقد منزلة الرضا بعده كي يختص ذلك بمورد مشروعية الإقالة.
وأما الثاني: فلأن مقتضى دليل نفوذ الشرط هو تحقق المشروط، فلا يقتضي إلا
ثبوت الحق للمشروط له ويكون أثر ذلك هو الالزام المشروط عليه، وليس هو
متعلق الشرط ولا مفاد دليل النفوذ التابع لمفاد الشرط. ومنه يظهر الخدشة في..
الثالث: فإن عدم جواز امتناع المشروط عليه من الفسخ من آثار جعل الحق
وثبوته بمقتضى دليل نفوذ الشرط لا أنه بنفسه متعلق الشرط أو مفاد دليل النفوذ.
إذن، فالوجه الأول لا يمكننا الالتزام به لعدم الدليل عليه.
الوجه الثاني: ما ورد في النص (1) من أنه ما جعل لله فلا رجعة له فيه.
فإنه قد يدعى شموله لكل معاملة قصد بها القربة، فلا يصح شرط الخيار فيها.
ولأجل وضوح المراد من هذا النص وما شابهه لا بد من ايقاع البحث في جهات:

1 - وسائل الشيعة: ج 13 / باب 11: من أبواب الوقوف والصدقات ح 1.
269

الجهة الأولى: في المراد من قوله: " ما جعل لله " وقد ذكر المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1) أن محتملاته ثلاثة:
الأول: أن يراد ما أتى به بداعي التقرب إلى الله سبحانه، فيشمل مثل البيع
والنكاح إذا وقعا لأجل استحبابهما.
الثاني: أن يراد ما تتوقف صحته شرعا على قصد القربة، كالوقف عند بعض (2).
الثالث: أن يراد به ما يتقوم بذاته بقصد القربة بحيث يكون قصد القربة من قبيل
الفصل المقوم له لا من قبيل الشرط، كالصدقة بالمعنى الأخص المقابل للوقف والهبة.
وقد اختار (رحمه الله) المحتمل الثالث ولعله لأجل التسالم على عدم إرادة الأول للاجماع
على صحة شرط الفسخ في البيع ولو وقع قربيا، ولكون الثاني خلاف الظاهر فيتعين
الثالث.
ولا يخفى أن جامع الوجوه المحتملة هو كون المراد من قوله " لله " بداعي أمر الله
المعبر عنه بقصد القربة.
والذي يبدو لنا أن المراد به معنى أجنبي عن الاتيان بالعمل بداعي الأمر، بل
المراد به هو ما أتى به في وجه الله سبحانه وفي سبيله، فيكون المراد ما كان الداعي
إلى العمل هو ترتب الأمر المرغوب لله سبحانه، كالوقف في سبيل الخير والبر،
كإعانة الضعيف ومداواة المريض وترويج الدين وغير ذلك، وكالاعطاء بقصد
الاحسان والإعانة، ويشهد لذلك ما ورد في بعض النصوص من التعبير بما يبتغي به
وجه الله سبحانه، بلا نظر إلى اتيانه بقصد القربة وعدمه.
وتطبيقه على الصدقة في النص إنما هو بملاحظة أن الصدقة عبارة عن بذل المال
والتمليك في سبيل الخير والاحسان والإعانة، كالوقف الخيري المعبر عنه بالصدقة
الجارية والهبة إلى الفقير بعنوان إعانته والاحسان إليه. ولا يعتبر في تحقق مفهوم
الصدقة قصد القربة، إذ قد يعبر بها من لا إيمان له بالخالق.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 50، الطبعة الأولى.
2 - المفيد، الشيخ محمد بن النعمان: المقنعة، ص 652، وصاحب الحدائق: في حدائقه، ج 22، ص 153.
270

فظهر مما ذكرناه أن معنى الصدقة هو البذل والتمليك في وجوه الخير والإعانة
والاحسان سواء كان بقصد القربة أم لا.
وهذا المعنى للصدقة معنى عرفي مغفول عنه. وقد كنا لا نستطيع تشخيص مفهوم
الصدقة بحيث يباين الهدية ردحا من الزمن. والحمد لله تعالى على ما أنعم وألهم.
ثم إن الخير يختلف باختلاف الأنظار والأديان، فبذل الخمر من قبل المؤمن
بالله وبالإسلام لا يكون بنظره بذلا للخير فلا يعد صدقة بخلاف ما لو صدر من
غيره. فصرف المال بإزاء المنكر لا يعد بذلا في سبيل الخير.
وبهذا البيان يخرج مثل البيع وإن جئ به بقصد القربة لأنه تمليك وبذل بإزاء
العوض لا مجانا. وتخرج الهدية لأنها ليست بتمليك على وجه الخير والإعانة
والاحسان، فالمراد من النص المزبور هو ما يساوق الصدقة وهو كل بذل وتمليك
مجاني في سبيل الله سبحانه. فلاحظ.
الجهة الثانية: في المراد من قوله: " لا رجعة فيه " ومحتملاته متعددة أيضا.
أحدها: أنه لا يقبل الرجوع إلى من خرج عنه المال بأي وجه من الوجوه حتى
بالشراء والهبة وغير ذلك. وتؤيده بعض النصوص التي تشبه الصدقة بالعتق، كما
تدل عليه النصوص الدالة بالخصوص على عدم رجوعه له بالشراء ونحوه.
ثانيها: أن يراد به كونه عقدا لازما لو خلي وطبعه، كالبيع في قبال الهبة الجائزة.
فلا ينافيه جعل شرط الخيار فيه لأن اللزوم الطبعي لا يتنافى معه، كما هو الحال في
البيع.
ثالثها: أن يراد به أنه لازم بقول مطلق بحيث لا يقبل الفسخ فيكون اللزوم من
لوازم ذاته التي لا تنفك عنه.
أما المعنى الأول، فهو لا يمكن الالتزام به وإن أيدته النصوص لأنه خلاف
التسالم وسيرة المتشرعة، فإنه لا يتوقف أحد في جواز شراء المتصدق للصدقة إذا
باعها الفقير.
271

وقد بنى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) على الثالث بدعوى ظهور سياق الكلام فيه،
وهي غير ثابتة، فالثابت من هذا النص هو اللزوم الطبعي لا أزيد لعدم ظهوره فيما
هو أزيد منه.
الجهة الثالثة: في صدق الرجوع مع شرط الخيار، فقد يقال:
أولا: أنه مع شرط الخيار في الصدقة - مثلا - لا يتحقق الرجوع بالفسخ ولا
يصدق الرجوع بها لأن العقد مقيد بالشرط فهو واقع على كيفية مخصوصة فلا
يصدق الرجوع باعمال الحق، فهو نظير تقييد بزمان خاص، فإن استرداد المال بعد
ذلك الزمان لا يصدق عليه أنه رجوع.
وفيه: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) من أن الشرط لا يرجع إلى تقييد متعلق
العقد وتكييفه بكيفية خاصة بل هو التزام في ضمن التزام، فالالتزام العقدي لا تقييد
فيه، فينافيه التزام الرجوع فيه.
وثانيا: بما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) من عدم صدق الرجوع على الفسخ في
العقد المتزلزل، وأن الرجوع إنما يصدق حقيقة إذا كان المال باقيا على الوقفية أو
الصدقة لا مثل المقام.
وفيه: أن المقصود من الرجوع المنهي عنه في مثل الصدقة ليس الرجوع بالقهر
والغلبة الذي يكون غصبا، بل المراد به هو الرجوع بإزالة العلقة وفسخ العقد
فيصدق الرجوع على نفس الفسخ. ولعل مراده هو الوجه الأول، كما لعله يظهر من
صدر عبارته، فراجع.
والمتحصل من الذي ذكرناه في معنى الرواية: أن مثل الصدقة مما كان بذلا
وتمليكا في وجه الله تعالى وسبيله يكون لازما في طبعه وهو لا يمنع من شرط الخيار
فيه.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 50، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 50، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 33، الطبعة الأولى.
272

الوجه الثالث: ما أفاده الشيخ (قدس سره) في صدر كلامه من: أن دليل نفوذ الشرط إنما
يدل على نفوذ شرط الخيار في المورد الذي تثبت فيه مشروعية الفسخ في الجملة
بإقالة أو بخيار - كالبيع -، فيكون دليل النفوذ مقتضيا لنفوذ الفسخ في مورد الشرط.
أما إذا لم تثبت مشروعية الفسخ، فلا يتكفل دليل النفوذ إثبات سببية الفسخ،
بل يكون شرط الخيار من الشرط المخالف للكتاب والسنة، فلا يصح. فتدبر.
وهذا الوجه نبني عليه فعلا ريثما يأتي الحديث فيه انشاء الله تعالى في محله،
فانتظر.
ولنشرع الآن في الكلام عن كل عقد - ذكره الشيخ (قدس سره) - بنفسه، فنقول:
أما النكاح: فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه مما لا يدخله الشرط اتفاقا، وعلله بتوقف
ارتفاعه شرعا على الطلاق وعدم مشروعية التقايل فيه.
أقول: أما تعليله بعدم مشروعية التقايل فيه، فقد عرفت الاشكال في كبراه
وأنه لا دليل على اختصاص صحة شرط الخيار بما يشرع فيه التقايل.
وأما تعليله بتوقف ارتفاعه شرعا على الطلاق، فهو يحتمل وجهين:
الوجه الأول: ما فسره به بعض المحشين (2) من عدم ثبوت مشروعية الفسخ
فيه، فينطبق عليه الوجه الثالث.
ورد بالمنع من الصغرى لثبوت الفسخ فيه ببعض العيوب، كما يحرر في كتاب
النكاح.
الوجه الثاني: أن يكون مراده هو العلم بعدم زوال العلقة في باب النكاح إلا
بواسطة الطلاق، ويكون ما دل على زوالها بالفسخ في بعض الموارد مخصصا لذلك.
وهذا المعنى أقرب لعبارته وأنسب للشيخ لبعد تصدي الشيخ لنفي مشروعية
الفسخ في النكاح. ولكنه مردود بأنه لو ثبت مثل هذا الدليل - فإنه غير مسلم -، فهو
لا يتكفل أكثر من بيان لزوم النكاح وعدم زواله إلا بالطلاق، وهذا لا ينافي زواله

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 233، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 49، الطبعة الأولى.
273

بالفسخ مع الشرط بمقتضى دليل نفوذ الشرط فيكون مخصصا للعموم المزبور أو
حاكما عليه. فلاحظ.
وأما ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في مقام الاشكال على الشيخ (قدس سره) بعد حمل
عبارته على الوجه الأول: أن زوال العلقة وإن كان مشتركا بين الطلاق والفسخ إلا
أن الظاهر أن أحدهما في ذاته غير الآخر، لأن حقيقة الطلاق بينونة الزوجة وفراقها
عن الزوج ويلزمه ارتفاع علقة الزوجية. والفسخ نفس رفع العلقة وعود الأمر إلى
ما كان. وعليه، فتوقف البينونة والفراق على شئ لا يقتضي توقف مطلق رفع
العلقة عليه.
فهو وإن كان دقيقا، لكنه غير وجيه:
أولا: لأنه لا يتناسب مع حمل عبارة الشيخ على الوجه الأول الذي يرجع إلى
دعوى سلبية وهي عدم ثبوت الفسخ في النكاح، فالتفرقة بين مفاد الفسخ والطلاق
لا ترتبط به بتاتا، لعدم نظر الشيخ إليها على هذا التقدير. فلنا أن نقول إن إشكالي
الأصفهاني على الشيخ لا يتواردان على موضوع واحد. فتدبر.
وثانيا: لأنه غير تام في نفسه، فإنه لم يستدل على عدم تأتي شرط الخيار في
النكاح بتوقف البينونة على الطلاق، بل بأن انفساخ النكاح وزوال العلقة الزوجية
ينحصر سببها في الطلاق ولو بنحو الملازمة فلا تتحقق بغيره ولو مطابقة، فأي ربط
لما أفاده بأصل الدليل.
فالعمدة في المناقشة هو ما ذكرناه (2).
والمتحصل: أنه لا دليل على عدم صحة شرط الخيار في النكاح سوى الاجماع
والتسالم من الأصحاب، فمن اعتمد على مثل هذا الاجماع فهو. وإلا كان مقتضى
القاعدة جواز شرط الخيار فيه. فالتفت.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 49، الطبعة الأولى.
2 - ثم إنه قد ذكرت وجوه أخرى لبيان عدم صحة شرط الخيار في الفسخ نقلها المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في
حاشيته (ج 3، ص 49) وناقشها ولم يزد ما أفاده سيدنا الأستاذ دام ظله في بيانها على ما أفاده (رحمه الله) إن
لم يكن أقل اختصارا ولاستيضاح بطلانها فعليك بمراجعة الحاشية فإن فيها غنى وكفاية.
274

وأما الوقف: فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه مما اختلف فيه. والمشهور عدم دخوله
فيه. والوجه في عدم صحة شرط الخيار فيه أمور:
الأول: أنه مما يشترط فيه قصد القربة.
الثاني: أنه فك ملك بغير عوض.
الثالث: ما ورد من النص (2) في أن من أوقف أرضا ثم قال إن احتجت إليها
فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع في الميراث. ووجه دلالتها هو حمل
قوله: " أن احتجت إليها فأنا أحق بها " على شرط الخيار، وقد حكم
الإمام (عليه السلام) ببطلان هذا الشرط وهو مستلزم لبطلان الوقف ولذلك حكم برجوع
المال ميراثا.
واستشكل الشيخ (قدس سره) في كبرى الوجهين الأولين، كما تأمل في دلالة الرواية.
أما الوجه الأول: فصغراه ممنوعة إذ لم يثبت اشتراط قصد القربة في صحة
الوقف، نعم ورد في وقف الإمام (عليه السلام) أنه فعله بداعي القربة وهو لا يدل على
اشتراطه فيه.
كما أن كبراه ممنوعة، إذ عرفت أنه لا دليل على امتناع شرط الخيار فيما يعتبر فيه
قصد القربة إلا رواية: " ما جعل لله... ". وقد عرفت أن المراد بها غير ذلك وهو ما
أتى به في سبيل الله، كما عرفت أن نفي الرجعة فيه لا يدل على أكثر من اللزوم
الطبعي. نعم لو دلت على اللزوم بقول مطلق لدلت على عدم صحة شرط الخيار في
الوقف الواقع في سبيل الله تعالى كالأوقاف الخيرية، لا مطلق الوقف.
وأما الوجه الثاني: فالكبرى فيه ممنوعة، إذ لم يثبت اعتبار المعاوضية في صحة
شرط الخيار، إلا ببعض الوجوه الفاسدة، فراجع ما أفاده الأصفهاني (رحمه الله) (3) في
بعض وجوه المنع من شرط الخيار في النكاح.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 233، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة: ج 13 / باب 3: من أحكام الوقوف والصدقات ح 3.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 49، الطبعة الأولى.
275

وأما الوجه الثالث: فالرواية غير ظاهرة في المدعى، بل هي تحتمل وجوها غير
ذلك:
أحدها: أن الوقف باطل، فيرجع ميراثا من باب أن ادخال نفسه في الموقوف
عليهم موجب لبطلان الوقف، كما قرر في محله.
ثانيها: أن الوقف صحيح لكنه من باب التحبيس إلى مدة معينة وهي حصول
حاجته وقد حصلت حاجته فانتهى التحبيس، فيرجع ميراثا.
ثالثها: أن الوقف صحيح مع شرط الخيار لكن تحققت حاجته ففسخ لحصول
المعلق عليه الشرط أو انفسخ العقد لو كان الشرط بنحو شرط النتيجة. وهي
بالاحتمال الأخير تدل على صحة الشرط.
وبالجملة، الحكم بالرجوع ميراثا كما يحتمل تخريجه على ما أفيد يحتمل تخريجه
على أحد الاحتمالات الثلاثة الأخرى. ولا معين لأحدها خصوصا وأن المدعى
يتوقف على كون الشرط الفاسد مفسدا وهو محل كلام.
والمتحصل: أنه ليس من الوجوه الثلاثة ما ينهض لنفي صحة شرط الخيار في
الوقف. كما أن المسألة ليست اجماعية كما في النكاح لما عرفت من وجود الخلاف
فيه.
ثم إن الشيخ (قدس سره) وغيره لم يتعرض إلى بيان عدم ثبوت مشروعية الفسخ في
الوقف كي يصح مع الشرط بدليل نفوذ الشرط.
ولعل الوجه فيه: أن تصحيح الشرط في الوقف لا يحتاج فيه إلى التمسك بعموم
" المؤمنون عند شروطهم " كي يتوقف في شمول العموم لما لم يثبت فيه مشروعية
الفسخ، بل مقتضى: " الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها " (1) صحة
الشرط، لأن الشرط وإن كان التزاما في ضمن التزام لكنه يرجع إلى تقييد الوقف
بحصة خاصة ونحو خاص، فيصح له الفسخ على حسب قصده. فتدبر ولا تغفل.
تنبيه: ظاهر الشيخ (قدس سره) وغيره المفروغية عن كون الوقف عقدا ولذا يشبه

1 - وسائل الشيعة: ج 13 / باب 2: من أحكام الوقوف والصدقات، ح 1 و 2. (مع اختلاف يسير).
276

بالايقاع في مقام نفي صحة شرط الخيار فيه، ولكن الأقوى لدينا أنه ايقاع لا عقد
ومحل الكلام ليس ههنا، وإنما أردنا التنبيه على أن هذا الأمر ليس من المسلمات.
وأما الصدقة: فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الأقوى عدم دخول شرط الخيار فيها
تمسكا بعموم ما دل على أن ما جعل لله فلا رجعة له فيه بناء على أن المستفاد منه
كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة.
وقد تقدم في صدر هذا المطلب البحث في مدلول العموم المزبور وعرفت أنه
لا يدل على أزيد من اللزوم الطبعي كلزوم البيع الذي لا ينافي شرط الخيار. ولا
دلالة له على اللزوم بقول مطلق كما يراه الشيخ (قدس سره).
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر أنه مع الشك في ذلك كفى في عدم سببية الفسخ التي يتوقف
صحة اشتراط الخيار عليها.
ولا يخفى أن هذا لا يتفق مع ما سيجئ منه في مبحث الشروط من الرجوع إلى
عموم نفوذ الشرط مع الشك في كون الشرط مخالفا للكتاب والسنة، فإنه يتمسك
بأصالة عدم المخالفة.
وبيان ذلك بنحو الاجمال: أن صحة الرجوع إلى عموم نفوذ الشرط مع الشك في
مخالفة الشرط للكتاب والسنة تتحقق بأحد أمور ثلاثة:
الأول: الالتزام بأن المراد من الشرط المخالف للكتاب والسنة هو المخالف
بالمخالفة المعلومة لا الواقعية، فمع الشك لا علم بالمخالفة، فلا يشمله الدليل المخصص.
الثاني: الالتزام بصحة الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية للمخصص،
فيرجع إلى العموم مع الشك في المخالفة - لو أريد منها المخالفة الواقعية -.
الثالث: التمسك بأصالة عدم المخالفة بنحو استصحاب العدم الأزلي، فيتمسك
معه بالعموم.
فإذا لم يلتزم بصحة هذه الأمور الثلاثة بأجمعها، لم يصح التمسك بالعموم كما هو
واضح، ولكن الشيخ - كما سيجئ يبني على الوجه الأخير، فيصح الرجوع إلى

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 233، الطبعة الأولى.
277

العموم، بعد أن كان اعتبار سببية الفسخ في الجملة من جهة أنه مع عدم سببيته في
الجملة يكون شرط الفسخ من الشرط المخالف على ما بينا مراده في صدر كلامه.
فراجع.
وأما الصلح: فتارة: يلتزم أنه ليس معاملة وعقدا يغاير ما يفيد مفاده من
العقود، فهو بيع إذا أفاد فائدته، وإبراء إذا أفاد فائدته وهكذا.
وأخرى: يلتزم أنه معاملة غير سائر المعاملات وإن أفاد فائدتها.
فعلى الأول، فلا كلام فيه بنحو الاستقلال، بل هو يتبع ما يقرر في العقود
والايقاعات التي تتحقق به.
وعلى الثاني - وهو الأقرب -، يصح شرط الخيار فيه لصحة الفسخ والتقايل فيه
في الجملة.
وأما الضمان: فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الأقوى دخول شرط الخيار فيه لو قلنا
بالتقايل فيه. وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
وأما الرهن: فتارة: يلتزم بأن الاستيثاق وكونه وثيقة للدين دخيل في حقيقته
ومقوم لمفهومه.
وأخرى: يلتزم بأن حقيقته ليست ذلك، بل هو تحبيس للعين مع توكيل في البيع
واستيفاء الدين منه على تقدير عدم الوفاء.
وأما الاستيثاق فهو ملحوظ بنحو الغاية والداعي.
فعلى الأول: لا يصح شرط الخيار للراهن لأنه بنفسه ينافي الاستيثاق - مع قطع
النظر عن إعماله -، فيكون من الشرط المنافي لمقتضى العقد وهو باطل - كما يقرر في
محله -.
وعلى الثاني: - كما هو الأقرب - لا مانع من شرط الخيار لأنه لا ينافي مقتضى
العقد، نعم ينافي الغاية النوعية الملحوظة فيه. فإذا تصورنا داع آخر ولو كان ذلك
احتمال الاستيثاق كان صحيحا وخارجا عن اللغوية.
وأما الصرف: فقد أدعي الاجماع على عدم دخول شرط الخيار فيه. وذكر
278

الشيخ (قدس سره) (1) أنه لعله لما ذكره الشافعي - كما في التذكرة (2) - من أن المقصود من
اعتبار التقابض فيه أن يفترقا ولا يبقى بينهما علقة، فلو شرط الخيار بقيت العلقة.
وما ذكر من التعليل واضح المنع لعدم الدليل عليه ومجرد الاحتمال لا ينفع.
والذي يتحصل بأيدينا: أن هذه العقود اللازمة التي ادعي عدم ثبوت شرط
الخيار فيها بنحو الاجماع أو مع الاختلاف لا وجه لعدم الالتزام فيها بصحة شرط
الخيار ما لم يثبت الاجماع الصالح للاستناد إليه.
وأما غيرها من العقود اللازمة من البيوع والإجارة والمزارعة، فقد ذكر
الشيخ (قدس سره) أن الظاهر عدم الخلاف في صحة شرط الخيار فيها.
وعلى كل، فالمدار هو ما نبه عليه الشيخ (قدس سره) في صدر كلامه من أن شرط الخيار
لا يصح إلا في مورد يصح فيه الفسخ في الجملة.
أما إذا ثبت عدم مشروعية الفسخ فيه فيكون اشتراط الخيار مخالفا للكتاب
والسنة. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض - في نهاية كلامه - إلى أمرين:
أحدهما: ما ذكره في التذكرة (3) من دخول خيار الشرط في القسمة. فذكر (قدس سره)
أنه إنما يتصور فيما كان التراضي بالسهام قوليا لا فعليا، إذ بناء على لزوم ذكر الشرط
في متن العقد لا يتصور شرط الخيار مع التراضي بالفعل لا بالقول، واستظهر من
ذلك عدم صحة شرط الخيار في المعاطاة ولو قيل بلزومها لأن الشرط القولي لا
يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي.
وما أفاده لا يخلو عن نظر بل منع، فإنه يمكن ربط الانشاء القولي بالفعل إذا
كانت قرينة على ربطه به ورجوعه إليه. كما يمكن تقييد القول بغير اللفظ من قرائن
الأحوال. فحين يوقع عقد المعاطاة يقول بشرط كذا. فتدبر.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 522، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 522، الطبعة الأولى.
279

والآخر: ما ذكره في التذكرة (1) من دخول الخيار في الصداق فيرجع مع الفسخ
إلى مهر المثل. وعلله الشيخ (قدس سره) بأنه من جهة مشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات
كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل، ثم تنظر فيه.
أقول: لا يخفى أن أصل المهر ليس مقوما للعقد، وهكذا اعتبار مهر المثل - مع
إهمال ذكره - فإنه من باب انصراف الاهمال مع قيام القرينة العامة على إرادة
ثبوت المهر إلى إرادة مهر المثل. وإنما المهر التزام آخر غير الالتزام بأصل الزوجية،
فلا مانع من جريان الخيار فيه خاصة مع بقاء عقد الزوجية على حاله لعدم تقوم
العقد به.
ولكن ثبوت مهر المثل مع الفسخ في المهر المسمى مما لا مقتضى له ثبوتا بعد
تصور صحة عقد الزوجية بدونه.
وأما وجه تنظر الشيخ (قدس سره) في الاستشهاد على صحة الفسخ بما إذا زوجها الولي
بدون مهر المثل، فلعله من جهة أن التزويج بدون مهر المثل تزويج على خلاف
المصلحة فيكون فضوليا في الزواج، فالفسخ يرجع إلى فسخ أصل الزواج، مع أنه
ليس من الفسخ في باب الخيار. فتدبر.
هذا تمام الكلام في العقود اللازمة.
وأما العقود الجائزة: فقد قيل بعدم صحة شرط الخيار فيها، وعلل ذلك تارة:
بأنه تحصيل الحاصل. وأخرى: بأنه لغو.
ولكن الأول يمكن أن يدفع بأن الجواز المترتب على شرط الخيار غير الجواز
المترتب على نفس العقد من حيث هو لا نفسه كي يلزم تحصيل الحاصل.
والثاني يمكن أن يدفع بتصور أثر الجواز الثابت للشرط من قابليته للمعاوضة
والاسقاط والانتقال.
فالتحقيق أن يقال: إن الخيار إما أن يلتزم بأنه حكم وضعي اعتباري. وإما أن

1 - نفس المصدر.
280

يلتزم بأنه أمر انتزاعي عن حكم الشارع بانفساخ المعاملة بالفسخ.
فعلى الأول، فحيث لا مانع من ثبوت حكمين اعتباريين في موضوع واحد لم
يكن مانع من ثبوت الخيار المتعدد إلا بلحاظ أثر الخيار نفسه فيلتزم بالتأكد. وقد
مر في خيار الحيوان تفصيل القول فيه.
وعلى الثاني، - وهو الأقوى بنظرنا - فبما أنه يمتنع تعدد حكم الشارع بالانفساخ
لعدم قابلية المعاملة إلا لانفساخ واحد، فلا يتصور تعدد الخيار في آن واحد، فإذا
اجتمع سببان للخيار تداخلا وأثر المجموع في تحقق الحكم الشرعي.
ولكن هذا المعنى لا يتأتى بالنسبة إلى شرط الخيار مع جواز العقد - وإنما يتأتى
بالنسبة إلى خيارين نسبتهما إلى العقد على حد سواء بملاحظة دليلهما - وذلك لأن
المقصود بالشرط هو رفع أثر العقد الواقع بحيث يقصد أنه له الحق في رفعه، وهذا إنما
يتأتى فيما إذا كان أثر العقد في نفسه هو الملكية المستمرة. أما إذا كان أثره هو الملكية
المحدودة بعدم الفسخ فلا معنى لاشتراط تحديدها بالفسخ.
وبالجملة، شرط الخيار في طول الحكم الثابت للعقد من لزوم وجواز، فلا يصح
أن يثبت فيما كان حكم العقد هو الجواز وتحدد أثره بالفسخ، إذ هذا المعنى هو
المقصود بشرط الخيار فإذا فرض ثبوته في مرحلة سابقة عليه لم يصح الشرط. وقد
مر بعض الكلام في ذلك فراجع.
وأما الايقاعات: فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الظاهر عدم الخلاف في عدم دخول
الخيار فيها. وقد ذكر في وجه ذلك أمور:
الأول: أن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين والايقاع إنما يقوم بواحد.
ويرد هذا الأمر: بأن المراد أن الشرط نفسه يتقوم بشخصين المشروط له
والمشروط عليه لا أنه يعتبر أن يكون موضوعه متقوما بالايجاب والقبول، بل نفس
الشرط له ايجاب وقبول وإن حصل ضمن الايقاع، ولذا صرح بجواز عتق العبد
واشتراط خدمة مدة عليه ولزوم الشرط بقبول العبد.
الثاني: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من انصراف الشرط إلى ما كان في ضمن العقد
281

بملاحظة ما ورد في القاموس من تفسير الشرط بالالتزام في ضمن الالتزام.
وفيه: منع دعوى الانصراف. والايقاع أيضا التزام فلا ظهور للالتزام في إرادة
العقد.
الثالث: ما أفاده الشيخ (قدس سره) من عدم مشروعية الفسخ في الايقاعات في الجملة،
فلا يصح اشتراطه لأنه يكون من الشرط المخالف للكتاب والسنة، وقد عرفت
وجهه فيما تقدم.
والتحقيق: هو أنه لا يتصور الفسخ في مورد الايقاعات فضلا عن صحة
اشتراطه، بيان ذلك: أن الفسخ عبارة عن رفع الأثر في مرحلة البقاء ولذا يترتب
عليه أثر العدم من حينه لا من حين العقد. وهذا إنما يتصور فيما كان لأثر المعاملة
ثبوت استمراري كي يرتبط الفسخ به، كالملكية في باب البيع.
وإلا فلا معنى لفسخ المعاملة في مرحلة حدوثها، لانصرامها. فالفسخ إنما يتعلق
بما له بقاء.
وهذا إنما يتم فيما إذا كان أثر المعاملة وجوديا يعتبر الشارع استمراره لاحتياج
بقاء الوجود إلى علة وهي الاعتبار المسبب عن العقد. أما إذا كان الأثر عدميا فلا
معنى للفسخ فيه، إذ بقاء العدم ليس بواسطة تأثير المعاملة السابقة واستمرار
الاعتبار، بل بواسطة عدم تحقق منشأ الوجود، فالمعاملة تؤثر في العدم حدوثا وأما
بقاء فهو ينشأ من عدم علة الوجود. فعدم الزوجية بقاء - بعد الطلاق - ليس بتأثير
الطلاق بل لعدم ما يوجب الزوجية، وإنما يؤثر الطلاق في رفع الزوجية حدوثا لا
أكثر. فلا يتصور للمعاملة ذات الأثر العدمي بقاء كي يصح انفساخها وفسخها.
وبما أن الايقاعات المذكورة من الطلاق والابراء والعتق ونحوها إنما تؤثر في رفع
الحكم الوجودي الثابت، فلا بقاء لها، فلا فسخ لها. فتدبر ولاحظ.
وأما الرجوع في باب الطلاق، فهو ليس فسخا للطلاق، بل هو إعادة للزوجية
ولذا يسند إلى الزوجة فيقال رجع بالزوجة. فالتفت.
هذا تمام الكلام في خيار الشرط.
282

الرابع:
خيار الغبن
اختلف في معنى: " الغبن " لغة، فعرف بالخديعة المتقومة بعلم الخادع وجهل
المخدوع وأنه في البيع بتسكين الباء وفي الرأي بتحريكها. كما عرف بما يقابل
الاستواء. وليس تحقيق ما ذكر بمهم لعدم وروده فيما نحن فيه في لسان رواية أو آية،
نعم ورد في لسان بعض النصوص الآتي ذكرها والتي ستعرف عدم دلالتها على خيار
الغبن، فهي أجنبية عما نحن فيه.
فالكلام في ما هو مصطلح الفقهاء من التمليك بما يزيد على قيمة ماله مع الجهل.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الجهل دخيل في مفهوم الغبن، بخلاف كون الزيادة مما
لا يتسامح بها، فإنها شرط، وسيأتي الحديث عن ذلك فيما بعد على طبق ما يستفاد
من دليل الخيار بعد أن عرفت أن اللفظ المزبور لم يرد في النص كي يبحث عن
مفهومه العرفي.
فيقع الكلام في دليل خيار الغبن وهو وجوه ذكرها الشيخ (قدس سره) (2):
الأول: قوله تعالى (3): * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وتقريب
الاستدلال بها بدوا هو: أن المغبون لو علم الحال لم يرض بالبيع، ولكن هذا الوجه
بظاهره سقيم جدا لأن عدم الرضا التقديري لا يضر بالصحة بعد حصول الرضا

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
3 - سورة النساء، الآية: 29.
283

فعلا، فهو ليس كالرضا التقديري الذي يبحث عن تأثيره في حلية التصرف
بمال الغير.
ولأجل ذلك وجهه الشيخ (قدس سره) بتوجيه ذي صورة علمية وهو: أن بناء المغبون في
مقام التعامل على الشراء ما يساوي القيمة المبذولة للمبيع وهو شرط ارتكازي،
فرضاه تعلق بشراء مساوي القيمة، فإذا تبين نقص المبيع عن القيمة كان كسائر
صفات المبيع التي لا يوجب عدمها بطلان البيع بل يوجب الخيار، فالآية إنما تدل
على عدم لزوم العقد بما ينقص عن القيمة فإذا رضي بذلك كان كالرضا السابق
لفحوى حكم الفضولي والمكره.
ثم ناقشه (قدس سره) بأن الوصف المذكور - أعني مساوي القيمة - لم يؤخذ شرطا بل
أخذ بنحو الداعي الذي لا يوجب تخلفه البطلان ولا الخيار، ولو كان مأخوذا بنحو
التقييد لم يستوجب الخيار إذا لم يكن مذكورا في متن العقد.
أقول: التقريب الذي ذكره الشيخ (قدس سره) للاستدلال بالآية الشريفة كسابقه في
الضعف، إذ الآية إنما تدل على حكم ايجابي وهي صحة التجارة عن تراض ولا
مساس لها بالحكم السلبي وهي عدم صحة البيع لا عن رضا إلا بملاحظة عقد
المستثنى منه والمفروض عدمه، لأن الاستدلال بعقد المستثنى لا بمجموع الآية.
فالاستدلال يبتني على فرض مفهوم للمستثنى خاصة مضمونه عدم صحة التجارة
لا عن تراض غير ما يستفاد من المنطوق بملاحظة عقد المستثنى منه. وهذا لا وجه
له.
وبالجملة، عقد المستثنى إنما يتكفل حكما ثبوتيا لا سلبيا، فأي ربط له بالدلالة
على الخيار فيما نحن فيه. وقد تنبه لذلك المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1). هذا أولا.
وأما ثانيا: فقد سلمنا بوجود مفهوم لخصوص عقد المستثنى يدل على حكم
سلبي، ولكن مفاده هو نفي صحة العقد لا عن رضا، فمن أين يستفاد ثبوت الخيار؟
فالاستدلال..

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 27، الطبعة الأولى.
284

إن كان بملاحظة الحكم الثبوتي، فهو يفيد صحة العقد ولا ربط له بثبوت الخيار.
وإن كان بالحكم السلبي، فهو ينفي الصحة ولا يثبت الخيار.
والتفكيك المدعى بين العقد والشرط لا ينفع لأن مقتضاه صحة العقد بمقتضى
المنطوق، فمن أين يستفاد الخيار من نفس الآية؟ إلا بضميمة الصحة مع خيار تخلف
الشرط.
والاستشهاد بفحوى حكم الفضولي والمكره ليس كما ينبغي، إذ ما يؤثر فيه
الرضا المتأخر في باب الفضولي والمكره هو أصل الصحة في قبال البطلان مطلقا لا
اللزوم كي يثبت اللزوم ههنا - بالرضا المتأخر - بالفحوى. فلاحظ.
وثالثا: سلمنا استفادة الخيار من الآية، فهو ليس خيارا بالمعنى المقصود إثباته
الذي يكون من الحقوق والذي يقبل النقل والاسقاط والميراث، بل هو نظير الجواز
في الهبة.
وجملة القول: أن الاستدلال بالآية المذكورة على الخيار فيما نحن فيه واضح
المنع.
الثاني: قوله تعالى * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *.
وذكر الشيخ (قدس سره) أن الاستدلال بها أولى بناء على أن أكل المال على وجه الخدع
ببيع ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على رد المعاملة
وعدم نفوذ رده، أكل المال بالباطل. أما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد أكلا
بالباطل.
ثم قال: إن مقتضى الآية وإن كان حرمة الأكل حتى قبل الخدع إلا أنه خرج
بالاجماع وبقي ما بعد اطلاع المغبون ورده للمعاملة.
ولا يخفى أن مبنى الاستدلال على تفسير الآية بأنه لا يجوز الأكل على وجه
الباطل بحيث يكون الاستثناء منقطعا، لا على ما سبق منا اختياره من كون المراد أنه
لا يجوز أكل المال بوجه من الوجوه فإنه باطل، فيكون الاستثناء متصلا.
وعلى كل حال، فيرد عليه أولا: أنه لم يثبت قيام الاجماع على صحة العقد قبل
285

تبين الغبن مع فرضهم كون الأكل على وجه الباطل، مع ابتناء التمسك بالعموم بعد
ذلك على صحة التمسك بالعام بعد تخصيص بعض أفراده في أول أزمنته، فإنه
محل كلام، كتخصيص * (أوفوا بالعقود) * بخيار المجلس.
وثانيا: أنه لا يثبت الخيار بالمعنى المصطلح بل غاية ما يثبت جواز العقد، كما
تقدم في الآية السابقة.
ثم إن ظاهر تقريب الشيخ (قدس سره) للاستدلال بالآية الشريفة لا يخلو عن إشكال.
بيان ذلك، أن اللزوم وعدمه والصحة وعدمها متأخران عن العقد الباطل عرفا
أو الصحيح عرفا بحيث يكون الحكم بعدم الصحة متفرعا ومترتبا على فرض كون
الأكل بالباطل في حد نفسه ثابتا، وظاهر الشيخ (قدس سره) أنه جعل العقد من الباطل
بملاحظة ثبوت اللزوم له وعدم نفوذ تسلطه شرعا. فنفي اللزوم باعتبار أن ثبوته
يستلزم أكل المال بالباطل لا باعتبار أن العقد في نفسه كذلك بحيث لو ثبت اللزوم
لثبت أكل المال بالباطل كما هو ظاهر الآية، فالتفت.
وأما ما أفاده الشيخ (قدس سره) بعد ذلك من تشكيل المعارضة بين هذه الآية وآية
التجارة عن تراض، بناء على عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي والرجوع
بعد التكافؤ إلى أصالة اللزوم.
ففيه: أن الاستثناء إما أن يكون متصلا أو منقطعا، فإن كان متصلا كان قرينة
على المراد بالكلام وموجبا للتصرف في المستثنى منه ولا مجال لتوهم المعارضة بينهما
بل مورده يكون خارجا عن المستثنى منه بلا تردد. وإن كان منقطعا فلا يجتمعان
موضوعا للتباين بينهما فلا تعارض.
ودعوى: أنه يمكن أن يكون بين العنوانين عموم من وجه، فيكون الاستثناء
منقطعا مع إمكان اجتماعهما في مورد واحد.
تندفع: بأن الاستثناء المنقطع لا يمكن فرضه إلا إذا كان بين المستثنى والمستثنى
منه تباين كلي، فإذا كان بينهما عموم من وجه كان بحسب الفهم العرفي من الاستثناء
286

المتصل الظاهر في تقييد المستثنى منه بغير مورده، نظير كثير من موارد
الاستثناء، كقول الآمر: " أكرم العلماء إلا الفساق " فإنه ظاهر في إرادته الفساق من
العلماء، ونحوه ما نحن فيه لو كان بين العنوانين عموم من وجه، فلاحظ.
ثم إن الظاهر المعارضة التي شكلها الشيخ (قدس سره) أن آية التجارة تدل على اللزوم
ولذا تعارضها آية الأكل بالباطل، فيرجع إلى أصالة اللزوم. مع أن آية التجارة إنما
تدل على الصحة لا أكثر فهي لا تدل على ما ينافي مفاد الصدر من ثبوت الخيار،
فالتفت.
ومن هنا تعرف الاشكال في تشكيله المعارضة بنحو آخر.
وأما ما ذكره بعد المعارضة الأولى بقوله: " إلا أن يقال إن التراضي مع الجهل
بالحال لا يخرج عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا للباطل ".
فقد قيل فيه إن (لا) في " لا يخرج " غلط، لأن ثبوتها يتنافى مع كونه استدراكا
عن المعارضة، بل هو يؤكد المعارضة، فالصحيح هو " يخرج " فيصح الاستدراك إذ
يكون المقصود بيان عدم المعارضة بحكومة آية التجارة على آية الأكل بالباطل
لاخراجها المورد عن كونه أكلا بالباطل.
لكن الالتزام بذلك يخالف الظاهر من جهة أخرى وهي أن المعارضة المذكورة
ذكرت بعنوان الاستدراك على الاستدلال على ثبوت الخيار بآية الأكل بالباطل،
فالاستدراك الذي يتعقبها لا بد أن ينتهي إلى تأييد الاستدلال المزبور وتتميمه لا
إلى ما ينافيه، وفرض " لا " زائدة يستلزم ذلك لأنه ينتج تحكيم آية التجارة عن
تراض واثبات اللزوم بها، وهو لا يتلاءم مع التمسك بآية الأكل بالباطل لإثبات
الخيار.
ولأجل ذلك ذهب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلى ضرورة ثبوت " لا " خلافا
للسيد (رحمه الله) (2) الذي ذهب إلى كونها غلطا.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 35، الطبعة الأولى.
287

ثم حمل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) عبارة الشيخ (قدس سره) على ما يتلائم مع الاستدراك عن
المعارضة وتتميم الاستدلال السابق، فذكر أن المراد هو أن انطباق التجارة عن
تراض في الجهل لا ينافي انطباق أكل المال بالباطل بعد العلم وعدم قبول العقد،
واختلاف المورد بحسب الحكم بلحاظ حالتين لا مانع منه، فيكون المورد مشمولا
لآية أكل المال بالباطل بعد الرد فقط، فلا معارضة ويتم الاستدلال، فالمراد من
" يخرج " " ينافي ". وهذا المعنى يتعين الالتزام به وإن كان خلاف الظاهر من لفظ
" يخرج ".
الثالث: ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أثبت الخيار في تلقي الركبان وإنما أثبته
للغبن.
واستشكل فيه الشيخ (قدس سره) بامكان منع صحة حكاية إثبات الخيار، لعدم وجودها
في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.
وأشار البعض إلى وجود من ذكر هذه الرواية من القدماء وهو الشيخ (رحمه الله) (1) في
الخلاف.
وعلى كل، فذلك لا يجدي في إثبات هذه الرواية النبوية المروية من طرق
العامة، فالاعراض عنها متعين.
الرابع: قاعدة " لا ضرر "، فإنها تفيد نفي الحكم الضرري أو الحكم عن
الموضوع الضرري، وبما أن لزوم البيع في مورد الغبن وعدم تسلطه على الفسخ
يستلزم الضرر كان مرفوعا. أو يقال إن البيع المزبور فيه ضرر على المشتري،
فيرفع لزومه.
وقد ناقش الشيخ (قدس سره) (2) الاستدلال بالقاعدة على إثبات الخيار: بأن قاعدة
" لا ضرر " غاية ما تتكفله نفي اللزوم وإثبات تزلزل العقد، وهذا المعنى لا يستلزم
ثبوت الخيار للمغبون بين الرد والامضاء بكل الثمن، بل هو كما يجتمع معه كذلك

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 19، المسألة 6، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 235، الطبعة الأولى.
288

يجتمع مع طريقين آخرين يندفع بهما الضرر:
أحدهما: أن يتخير بين امضاء العقد بكل الثمن والرد بالمقدار الزائد. فإنه يندفع
الضرر بذلك على المغبون.
والآخر: تخير البائع بين الفسخ في الكل وتداركه ما فات على المغبون برد القدر
الزائد أو بدله، فلو لم يبذل التفاوت فللمغبون الفسخ. ومقتضى هذين الوجهين أن
الخيار إنما يثبت مع عدم بذل البائع مقدار التفاوت.
ثم دفع الاشكال على الأخير بأن الهبة المستقلة لا تستلزم عدم كون المعاملة
ضررية - دفعه -: بأن المبذول إنما هو بعنوان الغرامة والتدارك للضرر الحاصل لا
بعنوان الهبة، فيندفع به الضرر في المعاملة.
كما دفع الاشكال على الأول بأنه لا يتصور الرد بالمقدار الزائد مع عدم انفساخ
المعاملة في المبيع فيما يقابله مع أن الفسخ هو حل العقد - دفعه -: أيضا بأن استرداد
المقدار الزائد إنما هو بعنوان غرامة البائع للمشتري المغبون فليس هناك حل للعقد
في الثمن دون ما يقابله من المثمن.
ثم إنه أشار إلى احتمال جريان استصحاب بقاء الخيار بعد البذل للشك في بقاء
الخيار، ودفعه: بأنه مع البذل يشك في ثبوت أصل الخيار فلا يقين بالحدوث، إذ
يحتمل أن يكون البذل دافعا لثبوت الخيار لا رافعا له.
هذا خلاصة ما أفاده (قدس سره) في هذا المقام.
وأورد عليه: بأن ما أفاده إنما يتم لو أريد من الضرر في قاعدة نفي الضرر هو
الضرر غير المتدارك، ولكنه خلاف مبناه، إذ لم يحمل النص على نفي الضرر غير
المتدارك، بل حمله على إرادة نفي الحكم الضرري. وعليه، فمن الواضح أن لزوم
العقد يستلزم الضرر على المغبون، واندفاع الضرر بالتدارك على الوجهين الآخرين
لا يستلزم عدم شمول حديث " لا ضرر ".
كما أنه قد يقال: إن مقتضى تحكيم " لا ضرر " هو نفي صحة العقد لأن صحته
تستلزم الضرر.
289

والتحقيق: أنه بناء على أن المستفاد من حديث " لا ضرر " هو نفي الحكم
الضرري أو الحكم عن الموضوع الضرري، تكون بدائيا شاملة لصحة العقد
ولزومه، فإن صحة العقد تستلزم الضرر كما أن لزومه يوجب الضرر.
وبعبارة أخرى: أن الصحة قبل الفسخ وبعده تستلزم الضرر. وهي إن نفت
الصحة تنفي اللزوم قهرا لانتفاء موضوعه وذلك يستلزم ترجيح شمولها للصحة
ابتداء فلا تشمل اللزوم تخصصا، إذ لو كانت شاملة للزوم دون الصحة كان ذلك
تخصيصا لها. وكلما دار الأمر بين التخصيص والتخصص تعين الثاني، فلاحظ.
ومن الواضح أنه لا مرجح من جهة نفس الدليل لأحدهما على الآخر إلا أنه
تقول بعدم شموله للصحة لوجهين:
أحدهما: الاجماع القائم على صحة العقد الغبني وعدم بطلانه.
والآخر: هو أن مقتضى ورود نفي الضرر مورد المنة على العباد عدم شموله
لصحة العقد لأن بطلان العقد لا منة فيه أصلا للمغبون، بل المنة في جعل اختياره بيد
المغبون إن شاء قبل وإن شاء رد. وإذا ظهر أنها لا تشمل الحكم بالصحة كانت
شاملة للحكم باللزوم ومقتضاه ثبوت الخيار له وكون أمر العقد بيده. واندفاع
الضرر ببذل الغابن تداركا لا ينفع بعد صدق الضرر وتحققه بالمعاملة المستلزم لعدم
ثبوت الحكم باللزوم لها.
هذا، ولكن الخيار الثابت ليس على حد سائر الخيارات من كونه حقا يقبل
الإرث والاسقاط والنقل، إذ لا تقتضي قاعدة نفي الضرر أكثر من إثبات الجواز
ونفي اللزوم، فيكون كالجواز في العقود الجائزة.
ثم إن ما ذكرناه يبتني على مذهب المشهور في مفاد قاعدة نفي الضرر، وأما بناء
على ما حققناه تبعا لبعض الأعلام (1) من أن مفاد حديث نفي الضرر هو تحريم
الضرر والنهي عنه بلسان النفي، نظير * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) * (2)، فلا
يثبت سوى حرمة المعاملة الضررية. ولا يخفى أن النهي لا يستلزم الفساد خصوصا

1 - الحسيني، محمد سرور: مصباح الأصول ج 2 ص 524، الطبعة الأولى.
2 - سورة البقرة، الآية: 197.
290

إذا كان بعنوان ثانوي ينطبق على المعاملة وليس واردا على نفس المعاملة بعنوانها،
فتدبر.
فقاعدة نفي الضرر لا تنفع في اثبات الخيار على ما استظهرناه في مدلولها.
الخامس: ما ورد في الأخبار (1) من أن غبن المسترسل سحت.
ولا يخفى أن دلالتها على ثبوت الخيار تتوقف على أن يراد بالغبن الغبن في
المعاملة - بتسكين الباء - كما يراد أن المحرم هو أكل الثمن الزائد بعد الرد، وأما لو أريد
منه الغبن في الرأي - بقراءته بالفتح - الراجع إلى وجوب النصح لمن استرسل له أي
حسن ظنه به وحرمة الخديعة في المشورة، فتكون أجنبية عما نحن فيه، وهكذا لو
أريد منه الغبن في المعاملة، لكن الحرمة ثابتة لنفس الغبن لا الثمن في صورة الرد، فإنه
خلاف الظاهر.
إذن، فلا يستفاد الخيار من هذه الأخبار. لاجمالها وتردد المراد منها، فلاحظ.
السادس: الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أنه
العمدة في المسألة.
لكن فيه: أنه بعد وجود هذه الوجوه السابقة المتعددة وتعليل الخيار في كلمات
الأصحاب ببعضها، لا يبقى مجال للاعتماد على الاجماع لعدم كونه تعبديا كاشفا عن
رأي المعصوم (عليه السلام) أو دليل معتبر.
إذن، فلا دليل على ثبوت الخيار في مورد الغبن، لكن الانصاف أنه يمكن
الالتزام بثبوت خيار الغبن من طريق آخر وهو ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) - وإن لم
يرتضه - في مناقشة الاستدلال بآية التجارة، من أن بناء المشتري ارتكازا على كون
المبيع ما يساوي الثمن، فشرط المساواة بين المبيع والثمن شرط ارتكازي يبني عليه
العقلاء، وهو يكفي عن أخذه في متن العقد، فيكون تخلفه موجبا لخيار تخلف الشرط
الذي سيأتي الحديث عنه، فالبناء على خيار الغبن من باب خيار تخلف الشرط.
فالتفت.

1 - وسائل الشيعة: ج 12 / باب 17: من أبواب الخيار ح 1.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 235، الطبعة الأولى.
291

وبعد هذا يقع الكلام في مسائل:
المسألة الأولى: فيما يشترط في هذا الخيار، وذكر الشيخ (قدس سره) أنه أمران:
الأمر الأول: عدم علم المغبون بالقيمة، فلو علم بالقيمة فلا خيار. والسر فيه
هو أن عمدة وجوه ثبوت الخيار في مورد الغبن هو قاعدة نفي الضرر، وأنه من باب
خيار تخلف الشرط.
ولا يخفى: أنه لا يتأتى الوجه الثاني مع العلم بالزيادة، إذ لا شرط لعدم التفاوت
والمساواة إذا أقدم وهو عالم بالتفاوت، كما لا يخفى.
وأما قاعدة نفي الضرر، فهي لا تشمل مثل المقام للاقدام فيه على الضرر، وهي
لا تشمل صورة الاقدام على الضرر.
وتوقف البعض (1) في ذلك وأنه لا وجه لتخصيص قاعدة نفي الضرر بغير مورد
الاقدام على الضرر.
وعمدة منشأ توقفهم هو وضوح عدم ثبوت وجوب الغسل الضرري أو
الوضوء الضرري لمن أراد أن يغتسل، بل الغسل غير مشروع في حقه ولو أراده.
ولكن هذا التوقف في غير محله بناء على ما يذكر في محله من أن قاعدة نفي
الضرر واردة مورد الامتنان والنفي بملاك المنة على العباد، إذ لا امتنان في ثبوت
الخيار وعدم اللزوم لمن أقدم على الضرر وعلم به، إذ وجود هذا الحكم فعلا وعدمه
على حد سواء لدى المقدم على الضرر، وإن كان قد ينفعه في زمان آخر إذا حصل
لديه الندم، لكن المدار على حكمه في هذا الحال.
وأما النقض المذكور، فيندفع بوجهين:
الأول: أن الوجوب لا يمكن تعليقه على صورة الاقدام على الضرر لاستلزامه
تعليق وجوب الفعل على إرادته وهو ممتنع، إلا أن يسلك في تصحيحه بعض الطرق
الملتوية.
الثاني: - وهو العمدة - أن ارتفاع الوجوب في موردي الغسل والوضوء

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
292

الضرريين، لم ينشأ عن تحكيم قاعدة نفي الضرر بل هو لأجل الدليل الخاص
وظاهر الدليل أن المدار ليس على مطلق الضرر، بل على الضرر المستتبع للعسر
والحرج. أما إذا لم يستتبع العسر والحرج، فلا يوجب السقوط - كما يظهر من النص
الوارد في شراء ماء الوضوء -، فموضوع وجوب الوضوء هو عدم العسر والحرج
المعبر عنه بالاستطاعة العرفية والتمكن العرفي، وعند حصول العسر يتحقق موضوع
التيمم وهو عدم الوجدان والتمكن العرفي.
وعليه، فعند تحقق الضرر المستلزم للعسر يرتفع وجوب الوضوء ولكن من
جهة ارتفاع موضوعه وهو التمكن العرفي، فلا يكون الاقدام عليه مجديا لعدم
الموضوع. فهو نظير من يذهب إلى الحج مع عدم كونه مستطيعا عرفا فإنه لا ينفع في
ثبوت الحج. وليس من جهة إعمال " لا ضرر "، كي يتأتى فيه حديث الإقدام على
الضرر. فالتفت ولا تغفل.
هذا كله إذا كان عالما بالزيادة. وأما إذا كان مترددا، فقد استشكل الشيخ (قدس سره) (1)
فيه وأنه هل يثبت له الخيار أو لا؟ وذكر لكل من الاحتمالين وجها.
والتحقيق: أنه إن بنينا على ثبوت خيار الغبن من جهة الشرط الارتكازي، فلا
إشكال في ثبوته في مورد التردد، إذ تردده لا يتنافى مع بنائه على شرط المساواة،
لأن إقدامه مع التردد قد يكون برجاء حصول الشرط.
نعم، لو صرح بذلك وأنه يقدم على الشراء بلا ملاحظة المساواة في الثمن كان له
حكم آخر. وهذا بخلاف صورة العلم لفقدان رجاء ثبوت الشرط لديه، فاقدامه
يكشف عن عدم بنائه على الشرط.
وإن بنينا على ثبوت الخيار بقاعدة نفي الضرر وإنكار الشرط الارتكازي، فقد
صور المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) في هذا المقام بطريقة برهانية تحقق الاقدام على
الضرر المستلزم لعدم شمول القاعدة، ولا حاجة لنا بذكر تصويره.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 54، الطبعة الأولى.
293

بل الذي نقوله: إن الاقدام على الضرر بمفهومه وواقعه لم يؤخذ في لسان دليل
على أنه مانع من جريان قاعدة نفي الضرر كي يحاول إثبات صدق الاقدام في مورد
التردد، وإنما هو يستلزم عدم تحكيم قاعدة نفي الضرر من باب أنها لا تكون قاعدة
امتنانية معه، فلا بد من معرفة هذه الجهة وهي أن تحكيم قاعدة نفي الضرر هل يكون
موافقا للامتنان أو لا؟
والحق الأول، فإن في جعل الخيار للجاهل المتردد في الزيادة الذي يقدم على
المعاملة برجاء المساواة ولذا يتأثر نفسيا عند علمه بالزيادة، كمال الامتنان والرحمة
به، كما لا يخفى. فقاعدة نفي الضرر في مثل هذه الصورة محكمة.
ثم إنه يقع الكلام في فروع:
الفرع الأول: ما ذكره الشيخ (قدس سره) (1) من أنه..
لو أقدم على غبن يتسامح به، فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه ومن المعلوم،
فلا يبعد الخيار.
وإن أقدم على ما لا يتسامح، فبان أزيد بما يتسامح منفردا أو بما لا يتسامح منفردا،
ففي الخيار وجه.
وقد أفاد السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) أنه أقدم على الغبن الخاص بشرط لا بمعنى أنه
لو كان أزيد منه لا يقدم على ما أقدم عليه، فالشرط يرجع إلى الاقدام على الغبن
الخاص. فيكون الخيار ثابتا عند ظهور الزيادة لأنه غبن لا يتسامح به في جميع
الصور، ولم يقدم عليه لعدم تحقق الشرط.
وذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (3) إلى التفصيل بين صورة الاقدام بشرط لا،
فيثبت الخيار في الجميع، وصورة الاقدام لا بشرط، فلا يثبت إلا فيما كانت الزيادة
مما لا يتسامح بها.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 234، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 39، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 30، الطبعة الأولى.
294

والحق أنه لا وجه لما أفاده السيد (رحمه الله) ولا للتفصيل الذي ذكره الإيرواني (رحمه الله)،
لأن الشخص بحسب الظاهر يوطن نفسه على المقدار الخاص من الغبن لا بشرط، لا
أنه بشرط لا. نعم هو لا يوطن نفسه على أزيد منه، فلا بد من ملاحظة نفس الزيادة
على ما وطن نفسه عليه من كونها مما يتسامح بها أو لا، فلا يثبت الخيار إلا في
الصورة الثالثة. فلاحظ.
الفرع الثاني: فيما لو زادت القيمة بعد العقد بعد أن كانت ناقصة عن المقدار
المساوي.
الفرع الثالث: في الوكيل، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لا عبرة بعلم الوكيل إذا كان
وكيلا في مجرد العقد، بل المدار على علم الموكل وجهله.
وأما إذا كان وكيلا في المعاملة والمساومة، فمع علمه وفرض صحة المعاملة لا
خيار للموكل. وأما مع جهله فالخيار يثبت للموكل، إلا إذا كان عالما بالقيمة وعالما
بأن وكيله يجري العقد على أزيد منها ويقرره على ذلك. وفي صورة ثبوت الخيار في
عقد الوكيل فهو للموكل خاصة إلا أن يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ
فإنه كالولي حينئذ. وقد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس. هذا ما أفاده (قدس سره).
وقد أورد (1) على ما ذكره أخيرا من ربط المقام بما تقدم في خيار المجلس: بأن
المقام يختلف عن مقام خيار المجلس، لتعليق الخيار هناك على عنوان البائع فيدور
مدار صدق هذا العنوان. فيبحث هناك عن صدقه على الوكيل بأقسامه. وأما في
المقام فلم يثبت الخيار لعنوان البائع بل المدار على ملاكات أخرى عرفتها.
وتحقيق الكلام: إن الوكيل في اجراء الصيغة ومجرد الانشاء لا خيار له قطعا ولا
عبرة بجهله وعلمه.
وأما الوكيل في المعاملة والمساومة بنحو التخويل التام، فلا خيار له، لأن
الخيار..
إن كان من جهة قاعدة نفي الضرر، فالضرر على تقديره إنما يتوجه على المالك

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 55، الطبعة الأولى.
295

الموكل لا على الوكيل، فلزوم العقد في حق المالك ضروري.
وإن كان من جهة شرط المساواة الضمني الارتكازي..
فإن كان ملاك ثبوت الخيار عند تخلف الشرط هو عدم الضرر، فالأمر
كالسابق.
وإن كان من جهة رجوع الشرط إلى اشتراط الخيار عند تخلف الشرط، فلا بد من ملاحظة من يشترط له الخيار - فإنه بيد الشارط - من كونه الوكيل أو الموكل أو
الأجنبي عنهما.
وظاهر الاطلاق - في المعاملات العرفية - أنه الموكل، لأن الوكيل وكيل عنه في
المعاملة وقيودها، فهو يشترط له الخيار وكالة عنه كما يبيع عنه بالوكالة. نعم للوكيل
اعمال الفسخ لو كان وكيلا عنه فيه، ولكنه غير ثبوت حق الخيار له.
ومنه يظهر ما في كلام الشيخ (قدس سره) من ثبوت الخيار له لو كان وكيلا عنه حتى في
مثل الفسخ، إذ الوكالة عنه في الفسخ غير ثبوت حق الخيار له.
وأما ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من: أن الخيار إذا كان بملاك أن الاقدام
المعاملي على مساواة الثمن والمثمن للقيمة السوقية فالخيار ثابت للوكيل، لأن
الاقدام المعاملي يقوم به الوكيل دون الموكل.
فهو عجيب، لأن ابتناء الخيار على الاقدام المزبور ليس من جهة موضوعية
الاقدام كي يدور الحكم مدار من يقوم به، بل من باب رجوع الاقدام المزبور إلى
اشتراط الخيار عند ظهور الغبن، فلا بد من تنقيح من شرط له الخيار بحسب ما هو
المتعارف في المعاملات، وقد عرفت أنه الموكل. فلاحظ وتدبر.
ثم إن الظاهر أن المدار على علم وجهل الوكيل المفوض في أمر المعاملة
والمساومة، لأنه هو الذي لا يشترط أو يقدم على الضرر فإنه طرف التعامل. وأما
علم الموكل بالنقصان مع جهل الوكيل نفسه، فلا يمنع من ثبوت الخيار إذ لا يكشف
علم الموكل وعدم اعتراضه على اقدامه على الضرر أو عدم اشتراطه، بل يمكن أن

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 55، الطبعة الأولى.
296

يكون ترك الأمر يجري على طبيعته ثم يفكر في الأمر فيختار الفسخ أو الامضاء.
فتدبر.
الفرع الرابع: فيما لو اختلفا في الجهل وعدمه، فادعى المغبون الجهل بالقيمة
وأنكره الآخر وادعى علم المغبون.
والكلام في مقامين:
المقام الأول: ما إذا لم يكن مدعي الجهل بالقيمة من أهل الخبرة بل كان من
متعارف الناس.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في حكمه: بأن الجهل يثبت باعتراف الغابن وبالبينة إن
تحققت وبقول مدعيه مع اليمين، لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللزوم. مع أنه
قد يتعسر إقامة البينة على الجهل ولا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال.
هذا ما أفاده (قدس سره).
ويظهر منه أولا: فرض مدعي الجهل منكرا لموافقته للأصل وهو أصالة عدم
العلم.
وثانيا: إنه لو فرض كونه مدعيا فهو لا يطالب بالبينة، لخصوصية في الدعوى في
المقام، وهي تعسر إقامته البينة على الجهل لأنه من الصفات النفسية غير المحسوسة.
وعدم تمكن خصمه من اليمين على العلم إذ هو يجهل الحال ولا يتمكن من الجزم بعلم
خصمه وعدم جهله، فيلزم من ذلك عدم حسم الخصومة وبقاء النزاع. فلا بد من
قبول قوله مع يمينه حسما للنزاع ولو فرض أنه مدع لا منكر.
هذا توضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) ولا بد من الكلام في كلتا الجهتين:
أما الأولى - أعني التمسك بأصالة عدم العلم في اثبات أنه منكر -: فهو إنما يصح
بناء على كون دليل الخيار هو الاجماع لأنه مقيد في كلمات العلماء بعدم العلم، فيكون
الأصل المزبور منقحا لموضوع الحكم الشرعي.
أما إذا كان الدليل هو قاعدة نفي الضرر أو الشرط الضمني الارتكازي فلا
يجري الأصل المزبور، لأن مجراه ليس موضوعا لحكم شرعي بل لازم له عقلا،
297

فيكون مثبتا.
وعلى هذا، فالمرجع..
إما أصالة اللزوم بمعنى الاطلاقات والعمومات الدالة على اللزوم وهي غير
ثابتة، لأن الشبهة مصداقية لا يصح التمسك بالأصل اللفظي فيها.
وإما أصالة عدم تأثير الفسخ بعبارة، أو استصحاب بقاء الملك بعبارة أخرى،
وهي إنما تجري لو لم يكن هناك أصل موضوعي حاكم عليها، كأصالة اللزوم أعني
استصحابه ولكنها إنما تجري لو فرض أن العقد لازم قبل ظهور الغبن، أما لو فرض
أن الخيار يدور مدار نفس الغبن بوجوده الواقعي لا مدار ظهوره فلا مجال
لاجرائها، ويتعين اجراء استصحاب الملك وعدم تأثير الفسخ.
وبذلك يظهر أن من يوافق قوله الأصل هو مدعي العلم لا الجهل.
كما ظهر عدم صحة الايراد على الشيخ (قدس سره) بأن أصالة عدم العلم من الأصول
المثبتة، لأنه يرى أن عمدة دليل الخيار هو الاجماع. وقد عرفت صحة إجراء
الأصل بناء على كون الدليل هو الاجماع. فتدبر.
وأما الثانية: فما أفاده (قدس سره) غير تام.
أما الأول: وهو تعسر إقامة البينة على الجهل، فلأنه ممنوع، لأن المناط في
صورة تعسر إقامة البينة على تعسر إقامتها نوعا بحيث يكون موضوع الدعوى مما
لا يعرف نوعا إلا من قبل المدعي، وما نحن فيه ليس كذلك، لأن الجهل وإن كان من
الصفات القلبية لكن يمكن معرفتها بآثارها المحسوسة، نظير كثير من الصفات
النفسية، كالعدالة والشجاعة.
وأما الثاني: وهو عدم تمكن منكر الجهل من الحلف بنحو البت، فلأنه لا يستلزم
ما أفاده، إذ ليس على المنكر اليمين بنحو البت بل يكفيه اليمين والحلف على عدم
العلم، لأنه إنما يلزمه اليمين بنحو البت إذا كان موضوع الانكار من أفعال نفسه لا ما
إذا كان من أفعال الغير. هذا مع تمكنه من العلم بجهل المدعي لما عرفت من أن الجهل
298

من الصفات النفسية التي يمكن أن تعرف بواسطة آثارها المحسوسة.
ونتيجة ما ذكرناه: أنه لا يلزم من عدم قبول قوله مع يمينه لو فرض أنه مدع
تعطيل الدعوى وبقاء الخصومة. فتدبر.
ثم إن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) أورد على الشيخ (قدس سره) ايرادا ومحصله: إن التمسك
بأصالة عدم العلم إن كان في مقام بيان المدرك لقبول قوله بيمينه، كما هو ظاهر
كلامه. فهو غير وجيه، لأن الأصل لا يكون فاصلا للنزاع بل هو يجري لتشخيص
المدعي من المنكر، ومدرك قبول قوله بيمينه أمر آخر.
ويمكن دفع هذا الايراد بأن الشيخ (قدس سره) في مقام بيان مدرك تقديم قوله من باب
أنه منكر، فعلله بموافقة قوله الأصل.
ومن الواضع تداول تعليل ثبوت الحكم المفروغ عنه بثبوت موضوعه بلا إشارة
إلى دليله. فتدبر، والأمر سهل.
المقام الثاني: ما إذا كان مدعي الجهل من أهل الخبرة بحيث لا يتحقق منه
الجهل بالقيمة إلا بسبب غفلة ونحوها.
ولا يخفى أنه بحسب الموازين القضائية يكون مدعيا، لمخالفة قوله الظاهر المقدم
على الأصل. ولأجل ذلك ذهب في المسالك (2) والجامع (3) إلى عدم قبول قوله.
ويمكن أن يكون المراد بعدم قبول قوله رد دعواه بالمرة وعدم سماعها، نظير المقر
عملا بالظاهر وبأصالة عدم الغفلة لأن جهله لا ينشأ عن غفلة، كمن يدعي عدم
قصد الانشاء في العقد.
ويمكن أن يكون مرادهم كونه مدعيا فلا يقبل قوله بيمينه.
وقد يدعى قبول قوله بيمينه وإن كان مدعيا، نظير ما ذكر في القسم الأول من
تعسر إقامة البينة عليه وعدم معرفة الحال إلا من قبله.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 55، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 143، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 294، ط مؤسسة آل البيت (ع).
299

ولكن قد عرفت الاشكال في ذلك ومنعه.
مع أنه لو تم في القسم الأول لأشكل في هذا القسم، لأجل أن لمخالفة الظاهر
خصوصية فقد يدعى عدم سماع دعواه بيمينه حتى مع تعسر إقامة البينة لأجل عدم
اطراد الحكم في مثله. ولذا لا يقبل قول من يدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة
البينة على سبب الفساد. فتدبر.
الفرع الخامس: لو اختلفا في القيمة. وههنا صور:
الأولى: لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو بعده إذا كان ارتفاعها موجبا لعدم
الخيار، كما تقدم في الفرع الثاني مع اتفاقهما على التساوي بين المسمى والقيمة
السوقية فعلا أو قبل العقد. فادعى أحدهما أنها كانت مساوية للمسمى وادعى
الآخر أنها كانت أقل، فترجع الدعوى إلى دعوى تغير القيمة عما هي عليه الآن.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن القول قول منكر سبب الغبن، لأصالة عدم التغير وأصالة
اللزوم.
الثانية: لو اتفقا على التغير ونزول القيمة السوقية أو ارتفاعها ولكنهما اختلفا في
تاريخ العقد وأنه قبل التغير أم بعده مع جهل تاريخهما.
وقد حكم فيه الشيخ (قدس سره) بما حكم به في الصورة الأولى.
الثالثة: لو علما تاريخ التغير وجهلا تاريخ العقد وأنه قبله أم بعده، وقد ذكر
الشيخ (قدس سره) أن الأصل وإن اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد على القيمة لأصالة
عدم العقد إلى زمان التغيير، ولكنه لا يثبت به وقوع العقد على الزائد حتى يثبت
الخيار إلا بالملازمة العقلية، فيكون مثبتا. فالمرجع حينئذ أصالة اللزوم.
ولا يخفى أن القول قول منكر سبب الغبن في جميع الصور الثلاث، لموافقة قوله
الأصل وهو أصالة اللزوم بمعنى استصحاب بقاء الملك بعد الفسخ. لا بمعنى العموم
لعدم صحة التمسك به في الشبهات المصداقية ومنها المقام.
وأما أصالة عدم التغيير، فهي بحسب ظاهرها الأولي من الأصول المثبتة لأنها
لا تتكفل إثبات عدم وقوع العقد على الزائد الذي هو موضوع الأثر إلا بالملازمة،
300

نظير ما أفاده الشيخ (قدس سره) في أصالة تأخر العقد في الصورة الثالثة.
ولكن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) احتمل أن يكون المراد بها أصالة عدم وقوع
العقد على الزائد أو الناقص فلا تكون مثبتة، لأن مثل هذا العقد موضوع الخيار
فيصح التعبد بعدمه. واستشهد لذلك بأنه تقدم منه في أواخر كتاب البيع رجوع
أصالة عدم التغير إلى نظير ما ذكرناه.
لكنه قال (رحمه الله) بعد ذلك: إلا أنه على هذا الوجه لا مجال لأصالة عدم وقوع العقد
على الناقص أو الزائد في الفرع اللاحق المحكوم عنده (قدس سره) بحكم هذا الفرع لتعين تاريخ
العقد، فيعلم منه أن مراده التعبد بنفس عدم التغير.
أقول: لا مجال لأصالة عدم وقوع العقد على الزائد أو الناقص، فإنها
من الأصول المثبتة أيضا، لأن الأثر إنما يترتب على العقد الخارجي الواقع
على الزائد أو الناقص بمفاد كان الناقصة لا على وقوع العقد على الزائد بمفاد كان
التامة.
وأصالة عدم وقوع العقد على الزائد إنما تثبت كون العقد الخارجي غير واقع
على الزائد بالملازمة. فالتفت.
الأمر الثاني: - فيما يشترط في هذا الخيار - كون التفاوت فاحشا وحدده في
التذكرة (2) بما لا يتغابن الناس بمثله.
أقول: المراد بما لا يتغابن بمثله يحتمل وجهين:
الأول: ما لا يتسامح فيه في مقام المعاملة والعقد.
الثاني: ما لا يتسامح فيه في مقام الفسخ.
بيان ذلك: إن التسامح بالزيادة والنقيصة..
تارة: يكون في مقام العقد وإجراء المعاملة بمعنى أنه عند البيع أو الشراء يلتفت
إلى زيادة القيمة أو نقصها ولكنه يتسامح فيه لأنه يسير.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 56، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 523، الطبعة الأولى.
301

وأخرى: يكون في مقام الفسخ بمعنى أنه التفت إلى زيادة القيمة بعد تحقق العقد
لا يتصدى للفسخ لكون الفرق يسيرا يتغافل عنه.
وفي المقام الثاني يتسامح فيه بما لا يتسامح به في المقام الأول، لأن في الفسخ مؤونة
زائدة بنظر العرف والعقلاء، فمثلا لو أراد شراء علبة سيكاير من شخص بستين فلسا
فباعه غيره العلبة بثمانية وخمسين فلسا يعدل في شرائه إلى الثاني فلا يتسامح في
الفلسين في مقام العقد.
أما لو كان قد اشترى العلبة من الأول، والتفت بعد ذلك إلى أن قيمتها السوقية
ثمانية وخمسون فلسا، لا يقدم على الفسخ إذ يرى هذا الفسخ الناشئ عن مثل هذا
الفرق اليسير معيبا عرفا.
إذا ظهر لك ذلك، فهل المراد بما لا يتغابن الناس بمثله، ما لا يتغابن بمثله في مقام
المعاملة وعند العقد فيشمل الزيادة اليسيرة جدا في بعض المعاملات. أو يراد ما لا
يتغابن بمثله في مقام الفسخ فلا يشمل الفرق اليسير في القيمة؟
لا بد من ملاحظة الأدلة في تشخيص ذلك ولا بد قبل ذلك من معرفة مدرك
أصل هذا الشرط. ثم الكلام بعد ذلك في المراد منه، فنقول:
إن كان دليل خيار الغبن هو الاجماع، فقد انعقد على هذا الشرط - أعني كون
التفاوت مما لا يتغابن به -، فلا خيار بدونه.
وإن كان دليل الخيار قاعدة نفي الضرر، فقد يدعى انصرافها عما يتسامح فيه من
أفراد الضرر، وهو مما لا وجه له. ومثلها في الوهن دعوى أنه ليس بضرر ولا غبن،
إذ هو ضرر واقعي بلا اشكال.
نعم، لو ورد حديث نفي الضرر في خصوص المقام وفرض تسامح العقلاء في
المقام بالضرر اليسير أمكن دعوى الانصراف، لكن الأمر ليس كذلك.
فالعمدة هو الاقدام على مثل هذا الضرر نوعا. وقد تقدم أن القاعدة لا تشمل
صورة الاقدام على الضرر.
ودعوى: إن ثبوت الاقدام النوعي لا ينفع في اثبات الاقدام الشخصي،
302

والضرر المأخوذ في موضوع القاعدة هو الضرر الشخصي لا النوعي كما لا يخفى.
مندفعة: بأن ثبوت الاقدام النوعي يكون قرينة عامة على تحقق الاقدام
الشخصي نظير سائر الظهورات العرفية الحالية.
وإن كان دليل الخيار هو الشرط الضمني الارتكازي، فهو غير متحقق، لأنه مع
فرض التسامح في مثل هذا التفاوت، فلا يؤخذ شرطا سوى التفاوت الفاحش،
وبذلك يظهر أن أصل الحكم ثابت لا اشكال فيه.
وبعد ذلك يقع الكلام في المراد بما لا يتغابن فيه، وأن المنظور في ذلك أي المقامين
مقام المعاملة والعقد، أو مقام الفسخ، وما الذي تساعد عليه الأدلة؟ فنقول:
أما الاجماع، فالقدر المتيقن منه هو إرادة ما لا يتسامح فيه في مقام الفسخ لأنه
أخص.
وأما الشرط الضمني، فمرجعه إلى اشتراط الخيار عند التخلف، فالملحوظ في
الشرط مقام الفسخ لرجوعه إلى عدم اللزوم لا إلى أصل الصحة، فلا بد أن يكون
المنظور فيه شؤون ذلك المقام ومناسباته.
وأما الاقدام على الضرر، فالأمر فيه كذلك، لأن نفي الضرر راجع - كما
عرفت - إلى نفي اللزوم، فالملحوظ في مقام تطبيق القاعدة هو مقام اللزوم، فإذا كان
الضرر مما يتسامح عليه في هذا المقام، فلا تشمله القاعدة لتحقق الاقدام عليه.
إذن، فيتعين بملاحظة الأدلة إرادة ما لا يتسامح فيه في مقام الفسخ. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض إلى صورة الشك في كون التفاوت مما يتسامح فيه أو لا،
فذكر: أن المرجع هو أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه.
ويحتمل الرجوع إلى أصالة اللزوم لأن الخارج هو الضرر الذي يناقش فيه لا مطلق
الضرر.
وأورد عليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) بأن ظاهره التمسك بعموم قاعدة نفي
الضرر مع الشك وهو مشكل، لأن ما لا يتغابن فيه..

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 40، الطبعة الأولى.
303

إن قيل: إنه ليس بضرر حقيقة، فمع الشك فيه يشك في تحقق الموضوع فلا يصح
التمسك بالعموم.
وإن قيل: إنه ليس بضرر حكما وإن كان ضررا واقعا وحقيقة، كان التمسك
بالعموم عند الشك فيه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص، وهو ممنوع.
والتحقيق: إن الشك في أن هذا التفاوت مما يتسامح فيه أو لا..
تارة: يكون من قبيل الشبهة المفهومية المرددة بين الأقل والأكثر، كما لو علم أن
العشرة فلوس في عقد على شئ يسوي مائة يتسامح فيه ولكن شك في أن الخمسة
عشر فلسا يتسامح فيها عرفا ونوعا أو لا.
وأخرى: يكون من قبيل الشبهة المصداقية، كما إذا تردد مقدار التفاوت بين
كونه من أفراد ما علم أنه يتسامح فيه أو أفراد ما علم أنه لا يتسامح فيه.
فعلى الأول: لا مانع من التمسك بعموم القاعدة اقتصارا في التخصيص على
المتيقن، كما قرر في محله.
وعلى الثاني: لا يمكن التمسك بالعموم لأن الشبهة مصداقية، فالمرجع أصالة
اللزوم بمعنى الاستصحاب لا بمعنى عمومات اللزوم لأن الشبهة مصداقية أيضا.
فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض إلى أمر، وهو أن المراد بالضرر المنفي هل الضرر المالي
ولو لم يكن مضرا بحال الشخص أو أنه يختص بما إذا كان مضرا بالحال؟ وذهب إلى أن ظاهر الأصحاب هو الأول، واستشكل بعد ذلك أنه إذا كانت العبرة بالضرر في
المال ولو لم يضر في الحال فكيف يحكم بوجوب شراء ماء الوضوء بمال كثير إذا كان
لا يضر بحال الشخص مع أن مثل هذا الشراء ضرري قطعا، لأنه يستلزم النقص في
المال؟
ثم ذهب إلى الأول، وذكر أن حكم الوضوء خارج بالنص.
نعم، إذا كان الضرر مجحفا ينفى بأدلة نفي الحرج لا دليل نفي الضرر.
أقول: ظاهر " لا ضرر " هو نفي مطلق ما يصدق عليه الضرر وهو النقص في
304

المال أو البدن أو غيرهما، فالمتبع هو صدق الضرر سواء أضر بحال الشخص أم
لم يضر بحاله.
وأما مسألة الوضوء، فهي أجنبية عن باب نفي الضرر، لأن موضوع الوجوب
فيه مقيد بالقدرة وموضوع وجوب التيمم عدم القدرة، ومع عدم اضرار الشراء
بمال كثير بالحال تتحقق القدرة عرفا فيجب الوضوء ولا يجوز التيمم. ومع الاضرار
بالحال لا تتحقق القدرة عرفا فلا يجب الوضوء لارتفاع موضوعه، بلا حاجة إلى
التمسك بقاعدة نفي الحرج. فتدبر.
وبعد ذلك تعرض الشيخ (قدس سره) إلى ما ذكره الشهيد (رحمه الله) في الروضة (1) والمسالك (2)
تبعا لجامع المقاصد (3) في أقسام الغبن من أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو
المشتري أو هما.
ومحل الكلام فيه هو فرض المغبون كلاهما، فقد ذهب البعض إلى استحالة ذلك
وتعرض بعض آخر إلى تصويره، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) تصويرات خمسة ناقشها
بأجمعها، فراجعها.
وأفضل الوجوه في تصويره ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في حاشيته (4) على
المكاسب، من: أنه إذا كانت قيمة الشئ منضما أزيد من قيمته منفردا، كمصراعي
الباب فإذا فرض أن قيمة المصراعين منضما ستة دنانير مثلا وقيمة كل منهما منفردا
ديناران فباع أحد المصراعين بثلاثة دنانير، فالمشتري مغبون بدينار واحد.
والبائع أيضا مغبون بدينار واحد لأن حيثية الانضمام زالت بهذه المعاملة - أي
بسببها فهي أوجبت النقصان - فنقصت قيمة المصراع الباقي في ملكه.
وكيف كان فالأمر سهل لا يحتاج إلى مزيد اهتمام.

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 378، الطبعة الحجرية.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 143، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 295، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 58، الطبعة الأولى.
305

المسألة الثانية: في أن الخيار هل يثبت عند ظهور الغبن أو أن سببه الغبن نفسه
وإن لم يظهر؟
وحرر الشيخ (قدس سره) هذه المسألة بنحو آخر وهو: أن ظهور الغبن شرط شرعي
لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد. وقد ذكر (قدس سره) أن في ذلك وجهين
ينشئان من اختلاف كلمات العلماء في فتاواهم ومعاقد اجماعهم واستدلالاتهم. ثم
ذكر بعض كلمات الأعلام.
وتحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ملاحظة أدلة هذا الخيار وما يقتضيه
كل واحد منها، فنقول:
إن كان دليل الخيار هو قاعدة نفي الضرر، فهو يدور مدار نفس الغبن لا ظهوره،
لأن حكم الشارع باللزوم واقعا حكم بما هو سبب للضرر، فهو مرتفع بمقتضى
القاعدة ولا دخل للعلم والجهل به، لتحقق الضرر واقعا.
وتوهم: أن الالتزام بالعقد وعدم الفسخ عند الجهل بالغبن والضرر ليس مستندا
إلى الحكم باللزوم بحيث لولاه لزال الضرر، بل هو مستند إلى جهل العاقد نفسه
بالغبن.
يندفع: أولا: بأنه لا يتم بناء على الالتزام بأن مفاد القاعدة نفي الحكم عن
الموضوع الضرري، كما لا يخفى، فتأمل.
وثانيا: بأن لازمه عدم جريان قاعدة نفي الضرر مع عدم الالتفات إلى الحكم
الضرري وعدم العلم به، إذ الضرر لا يستند إليه أيضا بل إلى جهل المكلف، وهو مما
لا يلتزم به.
وثالثا: - وهو العمدة - إن مفاد القاعدة هو ارتفاع الحكم الذي يكون جعله
سببا للضرر في نفسه ومنشأ لوقوع المكلف في الضرر وهذا متحقق فيما نحن فيه،
وجهل المكلف لا يستلزم ارتفاع هذه الجهة وهذا الوصف عنه في الواقع. فلاحظ.
وإن كان دليل الخيار هو الشرط الضمني الارتكازي، فالظاهر أن مقتضاه
إناطة الخيار بنفس الغبن، لأن الشرط هو عدم الغبن، فتخلفه موجب للخيار.
306

وإن كان المستند فيه ما ورد في تلقي الركبان من أنهم بالخيار إذا دخلوا السوق.
فالظاهر الأولي له - بعد الجزم بعدم الخصوصية لدخول السوق وإنما المناط ظهور
الغبن الملازم لدخول السوق ومعرفة الأثمان - هو إناطة الخيار بظهور الغبن لا
بنفسه.
وقد استشكل المحقق الخراساني (رحمه الله) (1) في دلالتها على ذلك بما محصله: إنه إذا
فرض أن دخول السوق ليس له خصوصية وإنما هو سبب لتبين الخيار ولم يظهر في أنه سبب لتبين الخيار للغبن أو سبب لتبينه لظهور الغبن، ولا دليل على تعيين الثاني.
وهذا الاشكال مندفع: بأن المعلق على دخوله السوق هو الخيار، فلا بد أن
يكون دخول السوق ملحوظا طريقا لظهور الغبن لا لظهور الخيار - مع اجمال سببه -
إذ لا معنى لتعليق الخيار على تبين الخيار.
هذا، ولكن الانصاف أنه يمكن الخدشة في دلالة هذه الرواية على المدعى بما تقرر
من: أن لهذا التعبير ظهورا ثانويا في أن الموضوع هو ذات المعلوم والعلم والظهور
والتبين ونحو ذلك من الألفاظ المأخوذة بنحو الطريقية لا بنحو الموضوعية، كما
يقال: إذا ظهرت نزاهته فأكرمه وإذا ظهرت أعلميته فقلده وهكذا.
وإن كان دليل الخيار هو الاجماع، كان القدر المتيقن منه - مع الشك - هو ظهور
الخيار عند ظهور الغبن، للشك في ثبوت الخيار قبل ظهور الغبن من الاجماع.
ثم إنه لا وجه للاعتراض على الشيخ (قدس سره) في اقتصاره في تحقيق المسألة على نقل
الكلمات، لأن عمدة دليله على الخيار هو الاجماع كما تقدم، فيتعين عليه ملاحظة
كلماتهم لمعرفة مقدار معقد إجماعهم. فالتفت.
ثم إنه (قدس سره) بعد أن ذكر بعض كلمات الأعلام قال (2): " هذا ولكن لا يخفى امكان
ارجاع الكلمات إلى أحد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعنى الآخر.
وتوضيح ذلك: إنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها على الفسخ

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 101، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 237، الطبعة الأولى.
307

والامضاء قولا أو فعلا، فلا يحدث إلا بعد ظهور الغبن. وإن أريد ثبوت حق
للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه، فهو ثابت قبل العلم، وإنما يتوقف على العلم
إعمال هذا الحق، فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم
خياري المجلس أو الحيوان أو غيرهما.
ثم إن الآثار المجعولة للخيار بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية،
كالسقوط بالتصرف، فإنه لا يكون إلا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله. وبين ما
يترتب على ذلك الحق الواقعي كاسقاطه بعد العقد قبل ظهوره. وبين ما يتردد بين
الأمرين، كالتصرفات الناقلة... إلى أن قال: والمتبع دليل كل واحد من تلك الآثار
فقد يظهر منه ترتب الأثر على نفس الحق الواقعي ولو كان مجهولا لصاحبه، وقد
يظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلية ويظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ
المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع فصادف الغبن ".
وفي كلامه (قدس سره) مواقع للنظر..
منها: ما ذكره بعنوان توضيح ارجاع الكلمات إلى أحد الوجهين، فقد أورد
عليه أنه لا يتكفل هذه الجهة ولا يتصدى إلى الجمع المطلوب، كما لا يخفى.
ومنها: ما أفاده من أن الخيار إذا كان بمعنى السلطنة الفعلية فلا يحدث إلا بعد
ظهور الغبن لأن اعمال الحق يتوقف على العلم.
فقد أورد عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) بأن السلطنة..
تارة: يراد بها السلطنة الاعتبارية التي قد يفسر الحق بها، وهي كالملكية
الاعتبارية قد تكون ولا ينفذ التصرف ممن له الحق، لمانع من حجر لفلس أو سفه أو
غيرهما.
وأخرى: يراد بها السلطنة التكليفية والوضعية المتحققة بالترخيص في الشئ
تكليفا ووضعا.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 58، الطبعة الأولى.
308

ولا يخفى أن الأولى غير متقومة بالعلم، ومثلها الثانية فإن لذي الحق الخياري
فسخ العقد وينفذ فسخه واقعا وإن لم يعلم به، كما له نفس السلطنة الاعتبارية.
نعم، الغالب هو توقف اعمال السلطنة على العلم لا نفس السلطنة.
وعليه، فالمراد من السلطنة الفعلية في كلامه (قدس سره) إن كان هو التمكن الفعلي تكليفا
ووضعا، فهي متحققة مع الجهل ولا تتوقف على العلم. وإن كان المراد إعمال السلطنة
بالفسخ، فالاعمال ليس بسلطنة شرعية لا اعتبارية ولا تكليفية ولا وضعية.
ومنها: ما ذكره من أن ثمرة الوجهين تظهر أيضا فيما لو فسخ المغبون اقتراحا...،
فإن مراده من الوجهين..
إن كان ما ذكره أخيرا من السلطنة الفعلية والحق الواقعي، فلا ربط لذلك
بالوجهين، وليسا هما قسيمين يتردد الأمر بينهما كي يبحث عن ثمرتهما.
وإن كان ما ذكره أولا من أن الخيار معلق على نفس الغبن أو ظهوره.
ففيه: أولا: إنه لم يتقدم منه بيان ثمرتهما كي يقول هنا: " ويظهر ثمرة الوجهين
أيضا ".
وثانيا: إنه لا يحتاج إلى بيان، لأنه من المعلوم أن التردد في زمن الخيار يوجب
التردد في زمن ترتب آثاره. وهل هو إلا أحد آثار الحق، فأي خصوصية له من بين
سائر الآثار.
وثالثا: إنه إذا التزم ههنا بإمكان ترتب الفسخ مع الجهل بثبوت الحق لو بنى على
أن الخيار ثابت بالغبن نفسه، والتزم سابقا في صدر كلامه بصحة اسقاط الحق قبل
ظهور الغبن وترتبه على ثبوت الحق الواقعي، فقد التزم بإمكان إعمال الحق مع
الجهل به لأن اعماله إما بالفسخ أو بالاسقاط الراجع إلى الامضاء كما تقدم. فكيف
يذهب أولا أن اعمال الحق يتوقف على العلم به؟ فالتفت ولا تغفل والله سبحانه
العاصم.
المسألة الثالثة: في مسقطات هذا الخيار وهي أمور:
الأول: اسقاطه بعد العقد، والبحث عن سببية الاسقاط للسقوط ودليلها. وما
يتحقق به الاسقاط من الألفاظ تقدم جميعه فلا نعيد.
309

إنما الكلام ههنا في جهات - بعد اندفاع الاشكال على صحة الاسقاط بأن دليل
الخيار ههنا وهو قاعدة نفي الضرر لا يتكفل اثبات حق ههنا كسائر الحقوق القابلة
للاسقاط، فإنه يندفع بالاجماع على أن الجواز ههنا ليس من الأحكام كالجواز في
الهبة كي لا يقبل الاسقاط بل هو من الحقوق ولا خلاف في ذلك أصلا أي شئ كان
مفاد قاعدة نفي الضرر -.
الجهة الأولى: لا اشكال في صحة الاسقاط بلا عوض - مع العلم بالغبن - لو
أسقطه مع العلم بمرتبة الغبن أو مع الجهل بها لكن أسقطه على أي تقدير يكون الغبن
فاحشا كان أو أفحش.
وإنما الاشكال لو أسقطه باعتقاد أن التفاوت عشرة مثلا فظهر أنه مائة، فهل
يتحقق السقوط أو لا؟
ذكر الشيخ (قدس سره) أن في ذلك وجهين:
أحدهما: عدم السقوط لأجل عدم طيب نفسه بسقوط المقدار الخاص من الحق
وإنما طابت نفسه بسقوط ما دونه.
وبعبارة أخرى: ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، فهو نظير ما لو أسقط حق
عرض معتقدا أنه شتم لا يبلغ القذف فتبين أنه قذف، فإنه لا يسقط حق القذف
بذلك.
والآخر: هو السقوط لأجل أن حق الخيار حق واحد ناشئ عن التفاوت الذي
لا يتسامح فيه، ولا يتعدد بتعدد مقدار التفاوت ولا يتنوع بذلك فيسقط بمجرد
الاسقاط. وقياسه بالقذف والشتم قياس مع الفارق، لأن حق القذف غير حق ما
دونه من الشتم فإنهما حقان مختلفان.
وقد يورد على الشيخ (قدس سره): بأن ما أفاده (قدس سره) لا يعلم تحقيقا للمسألة وبيانا
للوجهين، إذ لا فرق بين تعدد نوع الحق وعدمه، لأن خيار الغبن له أفراد متعددة
بتعدد مقادير التفاوت الذي لا يتسامح به - الذي هو الجامع بينها - فكل فرد غير
الآخر، فإذا أسقط أحدها لا يكون اسقاطا للآخر كما أن اسقاط أحد نوعي الخيار
310

لا يستلزم سقوط الآخر إذا كان هو الثابت حقيقة دون ما تخيله.
فالأولى أن يجعل المناط في الوجهين هو أخذ المقدار الخاص من التفاوت الذي
تخيله بنحو الداعي أو بنحو التقييد، فيقال: إنه إذا كان قصده اسقاط الفرد الخاص
من الحق بنحو التقييد لم يستلزم سقوطه إذا كان الثابت في الواقع غيره من الأفراد.
وإن كان قصده اسقاطه بنحو الداعي استلزم سقوطه إذا تبين غيره.
ولكن الانصاف عدم ورود مثل هذا الايراد على الشيخ (قدس سره).
وذلك ما تقرر في محله أن الأوصاف الدخيلة في الثمن والمثمن على قسمين:
فتارة: تكون مقومة، كما لو باعه فرسا فتبين أنه حمار.
وأخرى: لا تكون مقومة، كما لو باعه عبدا كاتبا فتبين أنه غير كاتب.
وتقرر في محله أن الأوصاف المقومة تكون مأخوذة - نوعا - بنحو التقييد ولذا
يكون تخلفها موجبا لبطلان المعاملة وعدم صحتها.
وأما الأوصاف غير المقومة، فهي مأخوذة - نوعا - بنحو الداعي ولأجل ذلك
لا يكون تخلفها موجبا لبطلان المعاملة بل قد يوجب الخيار، وإلا فالمعاملة
صحيحة.
وهذا المعنى مقرر لديهم مسلم عندهم.
وعليه، ففيما نحن فيه، وإن تعدد الفرد باختلاف مقدار التفاوت لكن الحد
الخاص من المقدار لما لم يكن موجبا لتنويع الخيار فهو ليس من الجهات المقومة
للحق فيكون مأخوذا بنحو الداعي، فلا يكون تخلفه موجبا للبطلان.
وهذا بخلاف ما إذا تعدد نوع الحق، كحق القذف وحق الشتم، فإن كان كلا منهما
من الجهات المقومة فيكون تخلفها موجبا للبطلان. فتعدد النوع يوجب البطلان دون
تعدد الفرد.
فالشيخ (قدس سره) اعتمد على ما هو المعروف المرتكز والمقرر في محله من اختلاف
الوصف المقوم وغيره، وإنما نبه على الصغرى وأن المقام من أي القبيلين.
فلا وجه لما ذكر من لزوم بناء المسألة على أخذ الخصوصية بنحو التقييد أو بنحو
311

الداعي، بل ما ذكره الشيخ (قدس سره) هو المتعين وهو ناظر إلى هذه الجهة أيضا ومبتن
عليها. فالتفت.
الجهة الثانية: فيما لو أسقط خيار الغبن - بعد العلم بالغبن - بعوض بأن صالح عنه
به، فمع العلم بمرتبة الغبن لا إشكال في صحة المصالحة. وهكذا مع الجهل والتصريح
بعموم المراتب بأن صالحه على الاسقاط بأي مرتبة كان الغبن.
وأما لو أطلق وكان للاطلاق منصرف بأن كان ينصرف إلى مقدار خاص من
التفاوت فظهر أنه أزيد مما هو المنصرف، ففيه وجوه. هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره).
وقد استشكل فيما أفاده بأن الاطلاق إذا كان له منصرف كان بمنزلة
التقييد والتصريح بالمقدار الخاص، فيلزم البطلان لو ظهر الخلاف.
وفيه: ما عرفت من أن المدار ليس على ذكر القيد وعدمه، بل على أن القيد - ولو
كان مذكورا - هل هو ملحوظ بنحو الداعي كما إذا كان من الصفات غير المقومة، أو
أنه ملحوظ بنحو التقييد كما إذا كان من الصفات المقومة، فتدبر.
وأما الوجوه التي ذكرها الشيخ (قدس سره) فهي ثلاثة:
الأول: بطلان الصلح، لأنه لم يقع على الحق الثابت في الواقع وإنما وقع على ما لا
وجود له، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
الثاني: الصحة مع اللزوم، لأجل أن الخيار حق واحد له سبب واحد وأفراد
متعددة، فإذا أسقطه سقط. وإن شئت فقل: إن الوجه في الصحة ما أشرنا إليه سابقا
من أن الوصف المقصود ههنا ليس من الأوصاف المقومة فهو مأخوذ بنحو الداعي
الذي لا يكون تخلفه موجبا للبطلان.
الثالث: الصحة مع الخيار. أما الصحة فلما تقدم. وأما الخيار فلأن مثل هذه
المصالحة تشتمل على الغبن لتفاوت العوض المبذول للاسقاط بتفاوت مقدار الغبن
في المعاملة، كما لا يخفى.
وخيار الغبن يجري في الصلح كما يجري في البيع. فالمصالحة صحيحة خيارية،
وهو الأقوى وفاقا للشيخ (قدس سره) ووجهه ما عرفت. ولعل وجه من ذهب إلى اللزوم
312

غفلته عن هذه الجهة، أو التزامه باختصاص خيار الغبن بالبيع وعدم شموله للصلح.
وقد يورد على الشيخ (قدس سره) في التزامه بثبوت الخيار في الصلح بأن مبنى الصلح على
التغابن والتجاوز عن الحق كي يتحقق الصلح والتفاهم بين الطرفين، فلا معنى
لثبوت الخيار فيه لو ظهر الغبن. واحتمل أن يكون قوله: " فتأمل " إشارة إلى ذلك،
كما احتملت وجوه آخر ذكرت في محلها.
وفيه: أن الغرض في باب الصلح قد يكون مجرد المعاوضة المبنية على ملاحظة
كل طرف مصلحته الشخصية، وإنما لم يوقع العقد بيعا لأجل بعض الموانع كالتخلص
من الربا ونحو ذلك، فليس مبنى الصلح على التغابن. نعم الصلح في مقام التخاصم
والنزاع مبتن على ذلك.
ثم إنه يظهر منه (قدس سره) أن الغبن ههنا من جهة الجهل بعينه لا من جهة الجهل بمقدار
ماليته كما هو ظاهر قوله: " إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع
العلم بعينه وبين كونه لأجل الجهل بعينه ".
ولكن يرد عليه ما أورده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من: أن خصوصية المرتبة إن
كانت ملحوظة بنحو المقومية - وبها يصح القول بأن الحق الناشئ من هذه المرتبة
غير الحق الناشئ من تلك - لم يكن تخلف الخصوصية موجبا للخيار بل للبطلان.
وإن لم تلحظ بنحو المقومية بل من الأوصاف الموجبة لاختلاف المالية، كان الغبن
لأجل الجهل بالمالية لا الجهل بالعين. فلاحظ.
الجهة الثالثة: في اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن - بناء على أن
ظهوره شرط شرعي في حدوث الخيار -.
والمحاذير المتصورة في صحة مثل هذا الاسقاط ثلاثة:
الأول: أنه اسقاط ما لم يجب، إذ لم يثبت الخيار بعد، فلا يصح إسقاطه.
الثاني: أنه يتوقف على التعليق وهو موجب للبطلان في الانشائيات العقدية
فضلا عن الايقاعات، لاعتبار التنجيز فيها.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 59، الطبعة الأولى.
313

الثالث: عدم حصول الجزم بالقصد المعتبر في العقود، لعدم علمه بثبوت الحق
المستلزم للترديد.
ولكن الشيخ (قدس سره) تفصى عن جميع ذلك.
أما الأول: فبأن اسقاط ما لم يجب لا مانع منه إذا تحقق المقتضي للخيار وإن لم
يحصل الشرط، ونظيره إبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، لتحقق مقتضيه وهو
اليد غير الأمانية - بواسطة التفريط -. وبراءة البائع من العيوب - بعد البيع - الراجعة
إلى اسقاط الحق المسبب عن وجودها. وإنما يمتنع ذلك إذا لم يتحقق مقتضى الشئ،
كإسقاط الخيار قبل العقد.
وأما الثاني: فبأن التعليق الباطل هو التعليق على ما لا يتقوم به مفهوم الانشاء،
كتعليق البيع على مجئ زيد. وأما تعليقه على ما يتقوم به، فلا مانع منه كما تقدم بيانه
في شرائط الصيغة.
وما نحن فيه كذلك ونظيره طلاق مشكوك الزوجية وعتق مشكوك الرقية ونحو
ذلك. وبمثل ذلك تفصى عن المحذور الثالث. فلاحظ.
وقد يورد على ما تفصى به عن الأول: بأن المحذور في اسقاط ما لم يجب عقلي لا
يرتفع بما ذكر من وجود المقتضي وهو أن اسقاط ما لم يجب من باب إعدام المعدوم
وهو محال، كايجاد الموجود.
وفيه: أن المقصود بالاسقاط ليس تحقق السقوط فعلا كي يتأتى المحذور العقلي
المزبور، بل المقصود به تحقق السقوط في ظرف ثبوته وهو مما لا محذور فيه عقلا،
فيكون من الانشاء الفعلي والمنشأ الاستقبالي.
ولكن هذا باطل من جهة الاجماع. إلا أن المتيقن منه صورة ما إذا لم يكن
المقتضي موجودا وإلا فلا إجماع على بطلانه، فجواب الشيخ (قدس سره) متجه.
الجهة الرابعة: في الاسقاط قبل ظهور الغبن بعوض.
وقد استشكل فيه الشيخ (قدس سره) لعدم العلم بوقوع شئ بإزاء العوض فلا تتحقق
المعاوضة. فيتعين ضم شئ معلوم إلى المصالح عنه المجهول، كي يكون العوض
بإزائه عند ظهور عدم ثبوت الحق في الواقع.
314

وقد ادعي في قبال دعوى الشيخ (قدس سره) لزوم الضميمة، وجوه:
الأول: أنه لا يعتبر في باب الصلح التصالح على حق معلوم الثبوت، كما في وقوع
الصلح بين المتخاصمين على سقوط حقوق المدعي بشئ من المال، مع أن المنكر لا
يعترف بثبوت الحق، ومع هذا يصح الصلح.
وفيه: أن التصالح على اسقاط حق الدعوى لا الحق الذي يدعيه، فإن لكل أحد
حق الادعاء على غيره وإحضاره بين يدي الحاكم الشرعي، فإذا وقع الصلح
المزبور سقط هذا الحق، وكان للحاكم رد دعواه بعد ذلك.
الثاني: أن طرف العوض هو احتمال الحق في الواقع بمعنى أنه يأخذ العوض عن
تجاوزه عن الحق على فرض وجوده. وهذا ما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) في
تعليقته.
وفيه: أن التجاوز عن الحق لا يتحقق ولا يصدق إلا مع ثبوت الحق واقعا فمع
عدمه لا يتحقق التجاوز، فالمحذور كما هو لم يرتفع بهذا الوجه. وإرادة التجاوز
الانشائي الذي هو عبارة عن مجرد الانشاء الحاصل بالاستعمال فيه ما لا يخفى.
الثالث: ما نسب إلى المحقق الخراساني (رحمه الله) (2) من أن طرف المعاوضة هو نفس
الصلح والاتفاق.
وفيه: أولا: أن الصلح هو اسم نفس المعاوضة القائمة بالعوضين، فكيف يكون
هو أحد العوضين؟
وثانيا: أن الصلح والتجاوز لا يتحقق إلا مع فرض ثبوت الحق واقعا وإلا فلا
يصدق عليه التجاوز. فالمتعين ما التزم به الشيخ (قدس سره).
الثاني: - من مسقطات هذا الخيار -: اشتراط سقوطه في متن العقد.
وقد تقدم الكلام في هذا الشرط وما يدور حوله من اشكال ونقض وإبرام في
خيار المجلس، فراجع.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 102، الطبعة الأولى.
315

نعم، يختص هذا الخيار وخيار الرؤية باشكال من جهة هذا الشرط، ذكره
الشهيد (رحمه الله) (1) في الدروس، وهو أن اشتراط سقوطه يستلزم الغرر.
ووجهه الشيخ (قدس سره): بأن الجهل بمقدار مالية المبيع كالجهل بصفاته. وذلك لأن
الجهل بصفاته إنما يستلزم الغرر باعتبار انتهائه إلى الجهل بمقدار ماليته، لاختلافها
باختلاف الصفات، ولأجل ذلك لا يكون الجهل بالصفات غير الدخيلة في القيمة
موجبا للغرر. وعليه، فالجهل بمقدار المالية يوجب الغرر.
ثم ناقشه (قدس سره):
أولا: بأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان مستلزما للغرر لم يرتفع بالخيار لعدم
رفعه الجهل.
وثانيا: أن المعاملة إذا كانت غررية فلا يصححها الخيار، لأن الخيار حكم
شرعي ثابت في مورد المعاملة الصحيحة، فيمتنع أن يكون موجبا لصحتها وإلا لزم
الدور، فيلزم أن تكون المعاملة مع قطع النظر عن الخيار صحيحة. وإلا للزم أن
يصح كل بيع غرري بقيد الخيار، كبيع المجهول وجوده والمتعذر تسليمه.
والحق هو صحة ما ذهب إليه الشهيد (رحمه الله) للوجه المذكور.
وأما ايرادا الشيخ (قدس سره) فغير واردين:
أما الأول: فلأن المراد من الغرر هو الخطر الذي قد يؤدي إلى التخاصم
والنزاع. ومن الواضح أن مثل ذلك يرتفع بثبوت الخيار واشتراطه وإن كان جاهلا،
لأمانه من الحيف حينئذ.
وأما الثاني: فلأن الخيار وإن كان حكما شرعيا واردا على البيع الصحيح، لكن
ذلك إنما هو في الخيار الثابت شرعا ابتداء، كخيار المجلس والحيوان. أما الخيار
الناشئ من جعل المتعاقدين وتبانيهما، فلا يعتبر أن يرد كل منهما على المعاملة
الصحيحة في حد نفسها.
وعليه، نقول إن المعاملة بدون الشرط وإن كانت غررية لكنها بشرط الخيار
فيها تخرج عن كونها غررية، فتصح المعاملة ويثبت الخيار فيها شرعا بدليل نفوذ

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 276، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
316

الشرط. فالشرط يكون مصححا للمعاملة فيثبت لها الخيار.
وأما النقض بمثل البيع مع عدم القدرة على التسليم، فلو كان الوجه في منعه مجرد
كونه غرريا وليس لدليل خاص، فلا مانع من الالتزام بتصحيحه بشرط الخيار إذا
كان التسليم محتملا عقلائيا، وإلا كانت المعاملة سفهية وكان نفس الشرط غرريا.
فلاحظ.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) لمناقشة الشهيد (رحمه الله): بأن الأوصاف على
قسمين:
الأول: ما يكون دخيلا في المالية بحسب الأغراض النوعية العقلائية، بحيث
يكون الأثر المترقب من الشئ عند نوع العقلاء مما يكون الوصف دخيلا فيه. مثل
كون المترقب من الجارية الانتفاع بخدمتها وبوطئها. فلا بد من معرفة الأوصاف
الدخيلة في هذا الأثر وجودا وعدما. أما الأوصاف التي لا ترتبط بهذا الأثر مثل
كونها تعرف الغناء فلا يلزم معرفته، لعدم تفاوت الثمن بتفاوته نوعا.
الثاني: ما يكون دخيلا في المالية بحسب الغرض الشخصي، مثل كون العبد كاتبا
أو شاعرا. ومثل هذا لا يكون الجهل به موجبا للبطلان لعدم الغرر النوعي.
وبما أنه فيما نحن فيه قد أحرز جميع ماله دخل في المالية نوعا من الأوصاف،
فمجرد الجهل بالقيمة الناشئ من الجهل بعزة الوجود وكثرة الوجود لا يوجب الغرر
النوعي المنهي عنه.
وفيه: أن عزة الوجود وكثرته من الأوصاف الدخيلة في المالية نوعا، لأن عزة
الوجود توجب ارتفاع القيمة كما أن كثرته توجب نزولها، فلا بد من تحقق العلم بها
وإلا حصل الغرر النوعي. فتدبر.
وبالجملة، فما أفاده الشهيد (رحمه الله) هو الصحيح.
الثالث: - من مسقطات خيار الغبن - تصرف المغبون بعد علمه بالغبن. واستدل
عليه الشيخ (قدس سره) (2) بوجوه ثلاثة:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 61، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 239، الطبعة الأولى.
317

الأول: إطلاق بعض معاقد الاجماع، بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه
إجازة وفيما انتقل عنه فسخ.
الثاني: عموم التعليل الوارد في نصوص سقوط خيار الحيوان بالتصرف بأن
ذلك رضا بالبيع، فلا شرط له.
الثالث: قصور دليل الخيار عن إثباته في هذا المورد، وذلك لأن دليله إما نفي
الضرر وإما الاجماع.
والأول: منتف، لعدم جريانه بعد الرضا بالضرر بعد العقد، كعدم جريانه مع
الاقدام عليه حدوثا.
والثاني: لا ثبوت له مع تحقق الرضا.
ثم استدرك (قدس سره) بعد ذلك بأنه قد يقال: إن الشك في الرفع لا في الدفع. ثم تأمل
فيه. ولعل وجه تأمله هو إمكان الرجوع إلى عمومات اللزوم وإن لم يكن لها عموم
أزماني، لأن التخصيص من الأول لا في الأثناء. وقد ثبت في محله جواز الرجوع
إلى العموم في مثل ذلك.
فلا وجه لحمل كلامه على إرادة التنبيه على أن المورد من موارد الشك في
المقتضي أو الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.
ثم أوقع (قدس سره) البحث في ما يستفاد من كلامهم فيما نحن فيه من أن التصرف لا يسقط
الخيار، فهل يراد به الأعم مما بعد العلم بالغبن وقبله أو يختص بما تحقق قبل العلم به.
وذهب (قدس سره) إلى الثاني.
ثم ذكر (قدس سره) في آخر كلامه أن الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن
يبتني على ما سبق من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد، وإلا تعين
الرجوع في غير ما دل فعلا على الرضا باللزوم إلى أصالة بقاء الخيار.
أقول: إن التصرف الحاصل..
تارة: يكون له كشف نوعي عن الرضا بالعقد والالتزام به نظير قول " رضيت ".
وأخرى: لا يكون له كشف نوعي عن الرضا.
318

ومحل البحث هو الثاني لا الأول، إذ لا اشكال في سقوط الخيار بالنحو الأول بلا
حاجة إلى التمسك بهذه الأدلة أو غيرها، لأن الرضا إما يرجع إلى الامضاء فهو
إعمال للحق الثابت. أو يرجع إلى الاسقاط - كما عليه الشيخ (قدس سره) -، وسقوط الخيار
بذلك لا كلام فيه. ولذا لم يقع البحث في أن ذا الخيار لو قال " أمضيت أو رضيت "
هل يسقط خياره أو لا؟
فالكلام في النحو الثاني من التصرف الذي يكون الرضا فيه مشكوكا ولا دلالة
للفعل عليه نوعا.
ومن الواضح أنه لا قصور في أدلة الخيار عن شمولها لهذا المورد. وذلك..
أما قاعدة نفي الضرر، فهي إنما لا تشمل صورة الاقدام والرضا. والمفروض أنه
يشك فيه فيما نحن فيه والاستصحاب ينفيه، فيصح التمسك بقاعدة نفي الضرر لانتفاء
الرضا بالأصل. ولم يتوهم متوهم عدم تحكيم القاعدة مع الشك.
وأما الاجماع، فهو وإن لم يقم على ثبوت الخيار عند التصرف بقول مطلق، بل
قام على عدمه. لكن المجمعين استندوا في نفي الخيار إلى عموم العلة في نصوص خيار
الحيوان بحيث يظهر منهم أنه لولا هذا العموم فالخيار ثابت، فمن لا يرى دلالة
التعليل على العموم، يثبت الخيار لديه بالاجماع على عدم الرافع للخيار سوى عموم
العلة. وعليه، فلا قصور في مقتضي ثبوت الخيار.
يبقى الكلام في وجود المانع، وهو أمران:
أحدهما: الاجماع على أن التصرف رافع. وفيه: أنه لا يصلح للاعتماد عليه بعد
تعليل الحكم في كلام المجمعين بعموم التعليل.
والآخر: عموم التعليل في نصوص خيار الحيوان. وقد تقدم الحديث فيه مفصلا
وتقدم عدم استفادة ما يدل على العموم في مطلق الخيارات واختصاصه بخيار
الحيوان فقط، فراجع.
إذن، فالخيار ثابت بدليله ولا نحتاج إلى الاستصحاب كي يقع الكلام فيه.
ولعل مراد الشيخ (قدس سره) أخيرا من أصالة بقاء الخيار هو ما ذكرناه لا الأصل
المصطلح وهو الاستصحاب، إذ قد تأمل فيه أولا.
319

هذا تحقيق الكلام في هذا المقام. لا ما سلكه الشيخ (قدس سره) وتبعه غيره (1). فلاحظ.
الرابع: - من مسقطات خيار الغبن - تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن
تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم، كالبيع والعتق.
ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أنه المشهور بين المتأخرين، ونقل عن التذكرة (3) الاستدلال
عليه بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك، واستشكل فيه بظاهره لعدم
اشتراط الخيار عندهم بامكان رد العين.
ثم وجهه (قدس سره): بأن حديث نفي الضرر لم يدل على ثبوت الخيار وإنما يتكفل جواز
رد العين، فإذا امتنع ردها فلا دليل على جواز فسخ العقد. وتضرر المغبون لأجل
زيادة الثمن يعارضه تضرر الغابن بقبول البدل، مع إن اخراج المغبون العين عن
ملكه التزام بالضرر ولو جهلا منه به أو مع الاقدام عليه لا تشمله قاعدة نفي الضرر.
وذكر (قدس سره) بعد ذلك اعتراض الشهيد (رحمه الله) (4) في اللمعة على ذلك بما حاصله: أن
الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت بعده إذ لا يصدق الاقدام على الضرر مع
الجهل به.
ومعارضته بضرر الغابن بقبول البدل. تندفع: بأن فوات خصوصية العين على
البائع ليس ضررا، لأنها إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها. وإن كانت قيمية
فتعريضها للبيع يدل على إقدامه على القيمة فلا ضرر.
واستحسنه الشيخ (قدس سره) بعد نقله لولا قيام الاجماع على سقوط الخيار، لكنه
استظهر (قدس سره) عدم الاجماع لعدم عنوان المسألة في كلام من تقدم على المحقق (رحمه الله).
أقول: قد تقدم الاشكال في ثبوت الخيار بعد انتقال العين عن ملك أحدهما أو
تلفها، لعدم تصور تراد العينين، كما لا بقاء للعقد كي يلزم أو يفسخ. فلو ثبت الخيار
والحال هذه فلا بد من الالتزام بتقدير دخول العين في ملك مالكها الأول آنا ما قبل

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 34، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 239، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 523، الطبعة الأولى.
4 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 278، الطبعة الحجرية.
320

التلف أو النقل كي يكون خروجها عن ملكه، فيتحقق الضمان ويلزم البدل.
ولا يخفى أن هذا المعنى مؤونة زائدة تحتاج إلى دليل إما بورود الخيار في مورد
التلف، كما في موارد خيار الشرط. أو ظهور كونه من أحكام الخيار ولوازمه بنحو
مسلم بحيث يعلم بثبوت الخيار - أي قسم من أقسامه - في مورد التلف، كما لعل
الأمر كذلك. إذ هذا المعنى مفروغ عنه في كلماتهم فلم يتوقفوا في ثبوت الخيار مع
التلف والتزموا بالرجوع إلى البدل.
ولكن ذلك يلتزم به إذا كان دليل الخيار يثبته بعنوان الخيار، كخيار المجلس
والحيوان، وأما إذا لم يتكفل الدليل إثبات الخيار بعنوانه بل أثبت الجواز لا أكثر، فلا
يلتزم بما ذكر، إذ المتيقن - والمفروض أنه خلاف القاعدة - هو كونه من آثار الخيار
وأحكامه.
وعليه، فإذا كان الدليل فيما نحن فيه مجرد قاعدة نفي الضرر، فهي إنما تنفي اللزوم
لا أكثر، وهي ناظرة إلى أدلة لزوم الوفاء. ومن الواضح أنها إنما تطبق في المورد
القابل للزوم وشمول عموم الوفاء له دون غيره، ومورد التلف أو الانتقال من ملكه
لا يتصور اللزوم وشمول عموم الوفاء كي تجري قاعدة نفي الضرر لنفيه.
إذن، فلا خيار فيما نحن فيه، لقصور دليله. ولا تصل النوبة إلى تعارض
الضررين والتفصي عنه.
اللهم إلا أن يدعى تحكيم المغبون المتصرف قاعدة: " لا ضرر " بالنسبة إلى العقد
الثاني، لأن لزومه عليه ضرري لأنه سبب لثبوت الضرر الحاصل بالعقد الأول
واستقراره، لكنه يختص بالعقد الذي يكون هو أحد طرفيه لا مطلق العقود المتعاقبة
على العين ولو لم يكن المباشر نفس المغبون لأن المخاطب بالوفاء هو المتعاقدان ولا
ضرر بالعقد عليهما إذ ليس أحدهما مغبونا. فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر أنه لا خصوصية للمشتري المغبون بل ذكره من باب المثال، لتأتي
جميع ما ذكر فيه بالنسبة إلى البائع المغبون.
نعم، لو كان الحكم إجماعيا وانعقد الاجماع على خصوص المشتري أو كان
321

المتيقن منه ذلك، اختص سقوط الخيار به. ويقع الكلام بعد ذلك في فروع:
الفرع الأول: فيما إذا كان تصرف المغبون بالناقل الجائز، كالهبة أو البيع الخياري
ونحو ذلك.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن ظاهر التعليل بعدم إمكان الاستدراك والتقييد بصورة
امتناع الرد هو عدم سقوط الخيار في ما إذا كان الناقل جائزا.
وأورد عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) بأنه إنما يتم لو أريد من الامتناع في كلامهم
هو الامتناع الوقوعي في قبال الامكان الوقوعي، لعدم امتناع رد العين في مورد
العقد الجائز.
وأما إذا أريد به الامتناع بالغير - وهو الامتناع لأجل عدم تحقق العلة التامة في
قبال الوجوب بالغير وهو الممكن الموجود لأجل حصول علته التامة لامتناع تخلفه
عنها - فلا يتم ما ذكر، لأن رد العين ممتنع بالغير فعلا لعدم تحقق شرطه وهو بقاؤها
في ملك الراد.
والتحقيق هو الثاني، لأن رد الملك متقوم بوجود الملك لا بامكان وجوده.
كما أورد عليه المحقق الإيرواني (رحمه الله) (3) بأنه لا فرق بين العقد الجائز واللازم
ما دامت العين خارجة عن ملكه. ولو اقتضى دليل نفي الضرر فسخ العقد الجائز
توطئة لفسخ العقد الغبني، لاقتضى وجوب إعادة العين في العقد اللازم إن أمكن ولو
بإقالة أو شراء.
والحق هو تمامية ما ذكره الشيخ (قدس سره) ولا يرد عليه شئ مما ذكر، وذلك: لأن
سقوط الخيار إنما يثبت عند امتناع الرد من جهة أن جعل حق الاسترداد مع امتناع
الرد لا أثر له لعدم التمكن من إعماله، وإنما يتمكن من إعماله مع تمكنه من الرد.
إذن، ففي المورد الذي يتمكن من الرد ولو بالواسطة لا يسقط حق الخيار، لأن

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 62، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 35، الطبعة الأولى.
322

المقدور بالواسطة مقدور أيضا، فلا يكون جعل حق الخيار لغوا. وبما أنه في مورد
العقد الجائز يتمكن من الرد بواسطة رجوعه بالعين وفسخه العقد الجائز، لم يسقط
حق الخيار بخلاف مورد العقد اللازم. فالمراد من الامتناع ما يساوق الامتناع
الوقوعي، للسبب الذي عرفته وهو لغوية جعل الخيار معه وعدم لغويته مع
الامكان.
نعم، يرد على الشيخ (قدس سره) أن ما ذكر يتأتى في مورد العقد اللازم إذا كان يتمكن من
الإقالة ببعض الأسباب. فالتفت.
الفرع الثاني: فيما لو اتفق زوال المانع، كموت ولد أم الولد وفسخ العقد اللازم
لعيب أو غبن - يعني فسخ من قبل الطرف الآخر لا من قبل نفس المغبون وإلا دخل
في العقد الجائز -.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن في جواز الرد وجهين من أنه متمكن حينئذ. ومن
استقرار البيع.
ومراده (قدس سره) لا يخلو من غموض.
وقد ذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) في بيانه أن مبنى الوجه الأول على إمكان الرد
خارجا، وبعد عود العين إلى المغبون يتمكن من ردها خارجا. ومبنى الوجه الثاني
على أن الامتناع المتخلل بالتصرف اللازم مسقط لحق الرد ولم يحدث موجب لحق
الرد ثانيا.
وهذا المقدار غير تام، إذ يمكن أن يدعي ذو الوجه الأول أن دليله قاعدة نفي
الضرر، فلا بد لذي الوجه الثاني من نفي الدليل ولا يكفي مجرد دعوى عدم الدليل.
ويمكن أن يوجه: بأن مبنى الوجه الأول على التمسك بقاعدة نفي الضرر بعد
إمكان الرد. ومبنى الوجه الثاني على إنكار جريان قاعدة الضرر، وذلك لأنه..
قبل عود العين ثبت الاجماع على نفي الخيار ولزوم العقد، فهو دليل خاص ثبت

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 62، الطبعة الأولى.
323

في مورد الضرر. فلا مجال لقاعدة الضرر، إذ هي لا تشمل الحكم الوارد مورد
الضرر وإنما هي ناظرة إلى الأحكام الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية.
وبعد أن تعود العين، يحتمل بقاء نفس ذلك الحكم الضرري - وهو اللزوم - ولا
يمكن التمسك بالقاعدة لنفيه، لعدم شمولها في نفسها لمثله ولا نظر لها إليه كما عرفت.
وليس هناك دليل آخر يتوهم دلالته على نفي اللزوم، فيكون الاستصحاب محكما،
فالتفت.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) ذكر بعد ذلك أنه ربما يبني الوجهان على أن الزائل العائد
كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد. والمراد من ذلك هو أن الشئ إذا زال ثم عاد فهل هو
أمر آخر غير الأول فلم يعد الأول، أو أنه نفسه فكأنه لم يزل؟ وتقريب ابتناء ما
نحن فيه على هذين الوجهين بنحوين:
الأول: أن الملكية العائدة بزوال المانع كانت هي نفس الملكية الأولى.
الثاني: أن الملكية قبل زوالها كانت محكومة بالجواز. فإذا قلنا بأن الزائل العائد
كأن لم يزل، فهذا يعني أن الملكية العائدة هي نفس الملكية السابقة بجميع آثارها
ومنها كونها جائزة.
وفيه: أن المقصود من كون العائد نفس الزائل وعينه هو أنه نفسه بذاته وهذا لا
ينافي تبدل حكمه، إذ لا يستلزم تبدل حكم الذات بقاء الاختلاف في نفس الذات،
كما لا يخفى.
وبالجملة، بناء الوجهين على هذه القاعدة الفلسفية ليس بصحيح. ولعله لأجل
ذلك ذكره الشيخ (قدس سره) بعنوان: " ربما ".
الفرع الثالث: فيما لو عادت إليه العين بناقل جديد، كما لو اشترى المغبون العين
ممن باعها عليه.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أن الوجهين في الفرع السابق يتأتيان هنا، وذكر أن عدم

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
324

الخيار أولى لأن العود هنا بسبب جديد وفي الفسخ برفع السبب السابق.
والتحقيق: أنه لا وجه للخيار ههنا، لأن الملكية الأولى زالت ولم يثبت الخيار
قبل عودها، والملكية الحادثة ليست بسبب غبني كي ينفى لزومها بقاعدة نفي
الضرر، كما لا يخفى. فلا يتجه توهم ثبوت الخيار.
فلا يحسن ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن عدم الخيار أولى، لأنه متعين. ولا إثبات
الوجهين فيه، لعدم المجال لأحدهما.
هذا كله في تصرف المغبون.
وأما لو تصرف الغابن، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون
به.
وفيه: أن الوجه في عدم ثبوت الخيار عند تصرف المغبون إذا كان هو عدم
إمكان الاسترداد، فهذا يتأتى في مورد تصرف الغابن الناقل اللازم، لعدم إمكان
الاسترداد معه أيضا.
نعم، إن كان هو الاجماع لم يثبت فيما نحن فيه لعدم قيام الاجماع ههنا.
وعلى كل، فلو ثبت الخيار للمغبون وفسخ العقد فهل يكون فسخه موجبا
لبطلان تصرف الغابن من حينه أو من أصله - أي من الأول - أو لا هذا ولا ذاك بل
يرجع إلى البدل؟ وجوه ثلاثة:
ووجه الأول: - كما أفاد الشيخ (قدس سره) (2) - هو أن العقد على متعلق حق الغير، وبما
أن التصرف صدر من أهله لأن الغابن مالك لكنه يتنافى مع إعماله حق المغبون لا مع
ثبوته نفسه، فلا بد من رفع اليد عن التصرف بالمقدار المنافي لإعمال الحق، وهو
يقتضي انفساخ العقد الصادر من الغابن حين فسخ المغبون لأنه ظرف إعمال حقه.
وقد حمل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) كلام الشيخ (قدس سره) على أن ثبوت الحق الواقعي

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 63، الطبعة الأولى.
325

للمغبون بمجرد المعاملة، ولكن السلطنة الفعلية على الرد والاسترداد منوطة
بظهور الغبن، وتصرف الغابن قد وقع قبل ظهور الغبن والسلطنة الفعلية، فلا يكون
باطلا.
ثم ذكر (رحمه الله) أن هذا لا ينفع في نفي اللزوم للتصرف الصادر من الغابن الذي هو محل
الكلام، بل يقتضي عدم المانع من صحته.
ولكن عرفت توجيه كلام الشيخ (قدس سره) بما يربطه بما هو محل الكلام بل ظاهره ذلك،
فإن ظاهره أنه في مقام الجمع بين وقوع التصرف في ملك الغابن الذي يقتضي صحته
وبين إعمال الحق بعد ظهور الغبن الذي يقتضي انفساخ العقد من حين الإعمال لا
أكثر. فلاحظ.
ووجه الثاني: - كما أفاده الشيخ (قدس سره) - هو أن الحق الثابت للمغبون في العين من
قبيل حق الرهانة المانع من صحة التصرف بالعين المرهونة بدون إذن المرتهن، لأن
أداء دين المرتهن إنما يكون من العين ما دامت مملوكة للمدين ولا يدور مدار العين
أينما كانت، فالتصرف فيها بدون إذنه يتنافى مع كونها وثيقة للدائن. بخلاف حق
الجناية المتعلق برقبة العبد، فإنه حق يرتبط بنفس الجاني يدور معه أينما دار ولو
تعددت الأيدي المالكة له.
وعليه، فمقتضى ذلك هو تلقي المغبون الملك من البائع الغابن لا من أي شخص
كان - نظير حق الرهانة - فلا بد أن تكون العين حين الفسخ في ملك الغابن، ولا
يثبت ذلك إلا مع بطلان البيع من الأول وعدم عموم أدلة الصحة له، إذ بطلان
تصرف الغابن من حين الفسخ الصادر من المغبون لا يقتضي تلقي المال من البائع
الغابن بل من المشتري الثاني.
هذا توضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) في المقام. ومنه تعرف أن قوله: " من أن
وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس كما في بيع الرهن " يمكن
حمله على أنه توطئة وتمهيد لقوله: " ومقتضى فسخ البيع الأول تلقي الملك من

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
326

الغابن الذي وقع البيع معه " لا أنه وجه مستقل غير قوله الثاني، ويكون قوله الثاني
وجها آخر، كما حمله على ذلك المحقق الإصفهاني (رحمه الله) (1).
وذكر (رحمه الله) في وجه قوله الثاني أن مراده أنه إذا اقتضى الفسخ تلقي الملك من
الغابن فلا يتصور إلا بفرض العقد الثاني كالعدم من الأول، وإلا لزم توقيت الملكية
في العقد الثاني - مع أن أثر البيع هو الملكية المرسلة لا الموقتة -.
وأورد عليه: نقضا بأن مقتضى ذلك هو الالتزام بالانفساخ من الأصل في كل
فسخ وإلا لزم توقيت الملكية. إنتهى.
ولا يخفى عليك أنه لا مجال لما ذكره بعد توجيه عبارة الشيخ (قدس سره) بما تقدم.
وأما وجه الثالث: الذي قواه الشيخ (قدس سره) فيمكن أن يستفاد من عبارة الشيخ (قدس سره)
أنه الاجماع على صحة تصرف الغابن ولزومه لذهاب طائفة إلى أن التصرف في
زمن خيار غير المتصرف صحيح ولازم، وذهاب طائفة أخرى إلى أن خيار الغبن
إنما يثبت عند ظهور الغبن لا بنفس الغبن. ومجموع هاتين الطائفتين يشكلان إجماعا
على لزوم تصرف الغابن.
ولكن لا يخفى أن مثل هذا الاجماع لا يعتمد عليه للعلم بمستند بعض المجمعين،
فلا يكون إجماعا تعبديا، وليس هو من الاجماع المركب، فلاحظ.
وتحقيق الكلام في هذا الفرع: أنه إن فهم من أدلة الخيار أنه حق يتعلق بالعقد
بحيث لا يتقوم برد العين بل يجتمع مع رد البدل، كان الوجه الأخير هو المتعين لعدم
التنافي أصلا بين لزوم تصرف الغابن وثبوت الخيار للمغبون.
وإن فهم أنه حق يتعلق بالعين بحيث يتقوم بردها، كان المتعين هو الثاني وهو
بطلان تصرف الغابن من رأس، لما عرفت من أن هذا الحق نظير حق الرهانة
يقتضي تلقي الملك من البائع وهو لا يتم إلا ببطلان تصرفه.
وأما الوجه الأول، فهو يحتاج إلى دليل خاص يدل على تسلط المغبون على
فسخ تصرف الغابن لتدخل العين في ملك الغابن ثم يفسخ عقده المغبون فيه ليتلق

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 64، الطبعة الأولى.
327

الملك من البائع، وهو لا ثبوت له، أو يدل على تحقق انفساخ تصرف الغابن
قبل فسخ المغبون آنا ما وهو أيضا لا ثبوت له، فتدبر جيدا.
ثم إن قول الشيخ (قدس سره) بعد ذلك: " وكذا الحكم لو حصل مانع من رده
كالاستيلاد... " يمكن أن يكون راجعا إلى الوجه الثالث، فيكون التشبيه بلحاظ
الرجوع إلى البدل. ويمكن أن يكون راجعا إلى الوجوه الثلاثة فيكون التشبيه
بلحاظ تأتي الاحتمالات فيه، فيقال بأن حق الخيار إما أن يكون مانعا من ثبوت
حق الاستيلاد من رأس، أو يكون إعماله رافعا لحق الاستيلاد أو لا هذا ولا ذاك بل
يرجع إلى البدل.
ثم احتمل الشيخ (قدس سره) تقديم حق الخيار، لوقوع التزاحم بينهما. والمقرر في باب
المزاحمة تقديم الأسبق زمانا من المتزاحمين. ويقع الكلام بعد ذلك في فروع:
الفرع الأول: فيما لو كان تصرف الغابن تصرفا جائزا، كما لو كان قد وهب العين
لغيره.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى جريان الحكم المتقدم في التصرف اللازم - وهو
الرجوع إلى البدل - في التصرف الجائز، لأن معنى جوازه هو تسلط أحد المتعاقدين
على فسخه.
أما الأجنبي كالمغبون، فلا سلطنة له على فسخ العقد بعد فرض وقوعه صحيحا
لكونه تصرفا صادرا من المالك.
ثم إنه (قدس سره) نقل كلاما عن المسالك (2) يقضي بالزام الغابن بالفسخ، فإن امتنع
فسخه الحاكم وإن تعذر فسخه المغبون.
وتنظر (قدس سره) فيه: بأن فسخ المغبون للعقد الأول المغبون فيه إما بدخول العين في
ملكه، فلا موضوع للالزام بفسخ العقد الثاني كي يتكلم في الفاسخ. وإما بدخول
بدلها في ملكه، فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلى غيره.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 206، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
328

ودعوى: أن البدل الذي استحقه بالفسخ إنما هو بدل الحيلولة، فإذا أمكن رد
العين وجب على الغابن تحصيلها.
تندفع: بأن بدل الحيلولة إنما هو فيما كانت العين باقية على ملك مالكها فيلزم
الغاصب أو غيره بتحصيلها لمالكها. والأمر ليس كذلك ههنا، لأن العين ليست ملكا
للمغبون وقد تملك بدلها فلا دليل على وجوب تحصيل العين له.
وعلى القول بعدم وجوب الفسخ عليه لو عادت العين للغابن بالفسخ، فإن كان
قبل فسخ المغبون فالظاهر لزوم رد العين له حين فسخه. وإن كان بعده فالظاهر عدم
وجوب رده عليه لعدم الدليل بعد تملك البدل.
وأما لو كان العود بعقد جديد فالأقوى عدم وجوب الرد مطلقا، لأنه ملك
جديد تلقاه من مالكه. والفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق بعد فسخ العقد.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
وتحقيق الكلام يقتضي البحث في جهتين:
إحداهما: في أن الخيار لا بد أن يكون متعلقا بما يتصور فيه البقاء. والعقد اللفظي
أمر آني الحصول ومتصرم الوجود لا بقاء له، فلا يصح تعلق الخيار به. والعقد
الانشائي وإن كان له نحو استمرار لكنه لابقاء له مع تلف العين. فيلتزم بتعلقه بالعين
وهي مع التلف لابقاء لها فكيف يثبت الخيار؟ فالتزم ببقاء العين - بعد التلف - ببقاء
اعتباري بعنوان العوضية أو المعوضية.
فاعتبار المعوضية للعين التالفة نحو بقاء لها يصحح تعلق الخيار بها. فلا بد من
البحث في هذا الأمر بنحو التفصيل وسيأتي انشاء الله تعالى في أحكام الخيار.
الثانية: في أن الضمان هل هو كون نفس العين في العهدة أو الذمة إلى حين الأداء،
فإن تمكن من أدائها فهو وإلا انتقل الأمر إلى بدلها من مثل أو قيمة، وعليه يبتني
لزوم قيمة يوم الأداء. أو أنه هو كون بدلها في العهدة عند تلف العين، وعليه يبتني
لزوم قيمة يوم التلف؟
329

التزم بالأول السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1)، وذهب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) إلى
ركاكته.
ولا يخفى أنه بناء على الأول يكون كلام الشهيد (رحمه الله) في المسالك تاما، لأن العين
إذا كانت في العهدة لزم أن يؤديها مع الإمكان، والمفروض أن الغابن يتمكن من
أدائها بفسخ العقد الجائز فيلزم بذلك. بل لو تمكن من أدائها مع انتقالها عنه بالنقل
اللازم لزمه ذلك.
ومن ذلك يظهر الحكم فيما لو عادت العين إليه بعقد جديد، فإن عليه أداء العين
لأنها في ذمته وعهدته. وللكلام في أي الوجهين هو الصحيح مجال آخر وإنما كان
المقصود الإشارة إلى ذلك، فانتبه.
الفرع الثاني: فيما لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، فتارة يكون تغيرها
بالنقيصة. وأخرى بالزيادة. وثالثة بالامتزاج. فالبحث يكون في جهات ثلاث:
الجهة الأولى: ما إذا استلزم التصرف التغيير بالنقيصة.
فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن النقص إذا كان يوجب الأرش أخذ العين مع الأرش.
وعلله بأن الفائت مضمون بجزء من العوض، فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع
المعوض، فيتدارك الفائت منه ببدله، ثم قال (قدس سره) ومثل ذلك ما لو تلف بعض العين.
ولا يخفى عليك أن الظاهر أن مراده من النقص الموجب للأرش ولو بقرينة
الحاق تلف بعض العين به، هو تخلف بعض الأوصاف التي لها دخل في زيادة المالية.
وقد حمله السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) على إرادة تخلف وصف الصحة بحدوث
العيب، في قبال نقص ما لا يوجب شيئا وهو تخلف الأوصاف الكمالية وإن كانت
موجبة لنقص القيمة.
ولم يرتض ذلك المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (4)، باعتبار اشتراك كل من وصف الصحة

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 43، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 64، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 44، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 64، الطبعة الأولى.
330

ووصف الكمال في علة التدارك وهي نقص المالية، ولأجل ذلك حمل العبارة على
إرادة النقص المالي والنقص غير المالي.
ولا يخفى أن ذلك ليس بمهم جدا، إذ لا نتصور له أثر فقهي.
إنما المهم تحقيق ما أفاده الشيخ (قدس سره) - ولنحمل كلامه على إرادة النقص المالي
وتخلف الوصف الموجب لذلك أعم من وصف الصحة ووصف الكمال - من لزوم
الأرش، لأن الفائت مضمون بجزء من العوض.
فقد أورد عليه: بأن الأوصاف وإن كانت دخيلة في زيادة القيمة لكنها لا تقابل
بالمال، بل المال يبذل بإزاء نفس العين وذاتها، ولأجل ذلك لا يكون تخلف الوصف
موجبا لتقسيط الثمن وتبعض الصفقة.
وجملة القول: أن عدم لحوق الوصف جزء من الثمن أمر لا يقبل الانكار، فكيف
يكون الفائت مضمونا بجزء من الثمن؟
وقد يوجه ما أفاده: بأن مراده ليس ضمان الوصف الفائت، بل أن المعاملة لما
وقعت على العين الموصوفة بالصفة الخاصة كان الوصف مملوكا تبعا للعين، فإذا فسخ
كان مقتضى الفسخ هو رد ما وقعت عليه المعاملة وهي العين بوصفها، لدخوله في
الملك تبعا أيضا، فمع تخلفه يثبت الأرش.
وفيه: أن الوصف إنما ينتقل تبعا لموصوفه ما دام موجودا. أما مع انعدامه، فلا
يدخل في الملك - بعد الفسخ - سوى العين ولم تتعلق به المعاملة بنحو الاستقلال كي
يكون فسخها موجبا لرده أو رد بدله، بل التراد بين العينين لأنهما موضوع المبادلة،
ويتبعهما الوصف، فإذا لم يكن موجودا فلا تبعية أيضا. إذن فما أفاده الشيخ (قدس سره) غير
تام.
نعم، ما ذكره من ضمان الفائت إذا كان بعض العين صحيح، لأنه مما يبذل بإزائه
المال، كما لا يخفى.
هذا إذا كان النقص يوجب شيئا، وأما إذا لم يكن مما يوجب شيئا، فلا يثبت
على الغابن شئ.
331

ثم قال الشيخ (قدس سره) (1) بعد ذلك: " ومنه ما لو وجد العين مستأجرة... ". وظاهر
كلامه أن النقص الوارد من قبل استيجار العين مما لا يوجب شيئا.
مع أنه لا إشكال أن العين المسلوبة المنفعة خصوصا إذا كانت المدة طويلة تنقص
قيمتها عما إذا لم تكن كذلك. فدعوى أن سلب المنفعة لا يوجب نقصا في المالية
مكابرة.
ولكن يمكن أن يكون مراده (قدس سره) هو بيان أنه منه حكما لا موضوعا، فيكون مورد
الإجارة بحكم النقص الذي لا يوجب أرشا.
وعلى أي حال لا بد من ايقاع الكلام في هذه الصورة - أعني: صورة الإجارة -،
فلو فسخ المغبون ووجد أن الغابن آجر العين لمدة سنة، فهل تبطل الإجارة كما عليه
المحقق القمي (رحمه الله) (2)، أو لا تبطل؟
وعلى الثاني، فهل يستحق المغبون على الغابن شيئا أو لا يستحق عليه شيئا كما
عليه الشيخ (قدس سره).
وعلى الأول، فهل يستحق عليه عوض المنفعة الفائتة المعبر عنه بأجرة المثل أو
يستحق عليه ضمان النقص المالي الوارد على العين من جهة الإجارة؟ وجوه:
أما ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) من صحة الإجارة وعدم وجوب شئ على الغابن،
فوجهه: هو أن المنفعة مملوكة بملك العين، فتصح الإجارة بلحاظها.
وبما أن المنفعة المنفصلة لا تعود بعود الملك إلى المالك الأول نظير الحليب بعد
الحلب، فإنه لا يعود إلى مالك الشاة لو فسخ العقد الواقع عليها، بل هو للمفسوخ
عليه، في قبال المنفعة المتصلة، كالحليب في الضرع، فإنه يعود إلى مالك الشاة لعدم
استيفائه. فمنفعة الدار بعد ايقاع الإجارة عليها تكون كالمنفعة المنفصلة، فتكون
للمفسوخ عليه.
فمراد الشيخ (قدس سره) ليس كونها من الزوائد المنفصلة حقيقة بل بحكم الزوائد المنفصلة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
2 - المحقق القمي، الميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 300، الطبعة الأولى.
332

ومن قبيلها، لأنها غير منفصلة حقيقة.
ويمكن أن يرد ما أفاده (قدس سره) بأن منفعة الدار من الزوائد المتصلة لا المنفصلة.
وايقاع الإجارة عليها لا يعد استيفاء لها بل استيفائها يكون بالانتفاع بالدار
خارجا، فهي على هذا نظير اللبن في الضرع لا خارجه.
نعم، الإجارة صحيحة لأنها صدرت من مالك المنفعة في حينها، لكن رد العين
يقتضي رد توابعها بعد عدم تحقق الاستيفاء، ولازم ذلك ثبوت الضمان، لعدم امكان
رد المنفعة بعد لزوم الإجارة، فيكون من قبيل الفسخ في حال انتقال العين.
وعليه، يقع الكلام في أن المضمون أجرة المثل أو أرش نقص العين باعتبار أن
كونها مسلوبة المنفعة مدة من الزمن نقص يستلزم نقص ماليتها؟
ولا يخفى أنه لا بد من فرض المثال ما إذا كانت الإجارة لمدة طويلة توجب نقص
مالية العين ولا توجب خروجها عن المالية.
أما مثل إجارتها خمسين سنة، فهو يستلزم عدم القيمة للعين أصلا، إذ لا يبذل
بإزاء العين المسلوبة المنفعة هذه المدة أي ثمن عادة.
ومثل ذلك يستلزم الرد ضمان قيمة العين، لأنه بمنزلة تلف العين.
ولأجل ذلك لا يصح ايراد هذا المثال نقضا على الشيخ (قدس سره)، إذ لم يعلم منه عدم
التزامه بالضمان فيه.
بل الذي ينبغي أن يورد هو ما ذكرناه من المثال، كإجارتها عشر سنين، وهو
الذي ينبغي أن يكون موضوع البحث فيما نحن فيه.
وعليه، فنقول: إن الوجه في ضمان أجرة المثل هو تفويته على المالك مالا له وهو
منفعة الدار، وهي عادت في ملك المالك بعد الفسخ، فلا بد من إعطاء قيمتها.
وأما وجه ضمان أرش النقص المالي الوارد على العين، فهو أن المنفعة لم يستوفها
المفسوخ عليه لأن الإجارة لا تكون استيفاء - حسب الفرض -، والموجب للضمان
هو استيفائها، وإنما هي موجودة لكن المالك لا يتمكن من استيفائها للإجارة
الصحيحة، فلا يكون المفسوخ عليه مفوتا لأنه أوقع الإجارة وهي في ملكه.
333

نعم، بما أن المفروض أنه أخذ العين تامة، فلا بد أن يردها كذلك أعني تامة بلا
نقص. وكونها مسلوبة المنفعة نقص، فلا بد أن يدفع الأرش تداركا للنقص.
وبعبارة أخرى: أن الفسخ لا يقتضي رد العين بذاتها بل بما لها من المالية لأنها
مضمونة بلحاظ ماليتها لا بلحاظ ذاتها، فإن الملحوظ في باب الضمان هو جهة المالية
لا ذات العين، ولذا يضمن قيمة الشاي لو خدره مع بقاء ذات العين لخروجه عن
المالية. وعليه، فلا بد أن يضمن النقص الوارد على العين من هذه الجهة، فتدبر.
وأما ما وعد به (قدس سره) من ذكر ما يمكن أن يكون فارقا بين ما نحن فيه وبين مسألة
التفاسخ ووجدان العين مستأجرة حيث حكم فيها بلزوم أجرة المثل للبائع للمدة
الباقية بعد الفسخ، فقد ذكر المحشون (1) أنه لم يأت منه ذلك ولعله نسيان منه (قدس سره).
الجهة الثانية: ما إذا استلزم التصرف التغيير بالزيادة والكلام فيها في فرعين:
الفرع الأول: ما إذا كانت الزيادة حكمية محضة بأن كانت زيادة في القيمة بلا
زيادة في نفس العين، كصياغة الذهب خاتما ونحو ذلك.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (2) إلى ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين
مع الزيادة وبدون الزيادة وتؤخذ النسبة بين القيمتين.
وهذا الحكم منه صار مثار الاشكال، إذ ليس للمفسوخ عليه ما بإزاء في الخارج
كي يكون مالكا له وتثبت الشركة بينهما، فجميع أجزاء العين هي ملك الفاسخ، فمن
أين تثبت الشركة؟
ولا يخفى أن لهذا الفرع مشابهات، كما لو آجره على عمل شئ في العين وكانت
الإجارة فاسدة، فعمل الأجير ما يوجب زيادة قيمة العين كالصياغة بحيث يكون
لذلك العمل قيمة عرفا.
وكما لو استعان شخص في ايجاد ما يوجب الزيادة في العين بآلات ترجع إلى
الغير فهل يثبت لصاحب الآلة حق في العين أو لا؟

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 34، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 240، الطبعة الأولى.
334

والجامع بين هذه الفروع هو أن يكون للغير مدخل في زيادة قيمة العين، فهل
يثبت له حق في العين أو لا يثبت؟
وتحقيق الكلام فيما نحن فيه يقتضي البحث أولا عن تصور الشركة ثبوتا، وثانيا
عن الدليل عليها إثباتا.
أما الشركة ثبوتا، فيمكن تصورها لكن لا بنحو الشركة في العين بل بنحو
الشركة في المالية. بيان ذلك: أن للعين جهتين جهة ذاتها وأجزائها الخارجية وجهة
كونها مالا يتنافس عليه العقلاء، فالاشتراك بين شخصين في عين واحدة..
تارة: يكون في نفس الذات بنحو الإشاعة مع قطع النظر عن جهة ماليتها، كما لو
اشترى شخصان دارا بالسوية.
وأخرى: يكون في مالية العين بأن تكون العين ملكا لشخص واحد لكنها بما هي
مال لشخصين، فلو باعها مالكها كانت قيمتها لكلا الشخصين.
وهذا المعنى من الشركة التزمنا به في باب الخمس، فقلنا إن العين لصاحبها و
للفقراء حق في ماليتها لا غير ولذا يجوز تبديلها مع بقاء المالية. ونظيره ما يقال في
إرث الزوجة من الأرض.
وعليه، نقول: يمكن تصور حصول الشركة بواسطة ايجاد العمل الموجب للزيادة
لكن لا بنحو الشركة في العين، إذ ليس للعامل ما بإزاء في الخارج كي يصحح الشركة
في العين، والمفروض أن العين بذاتها للفاسخ. وإنما هي بنحو الشركة في المالية لأنه
سبب ما يوجب زيادة ماليتها، فيكون مالكا لبعض ماليتها وإن كانت الذات
لمالكها. هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما بحسب مقام الاثبات، فهو يساعد على ثبوت الشركة في المالية لأن العين
كانت في ملك الغابن المتصرف وقد زادت قيمتها وهي في ملكه فصار مالكا للعين
بمالها من المالية الزائدة، ولكنه تلقاها من مالكها الأول بمالها من المالية الأولى. فإذا
فسخ المغبون اقتضى الفسخ رجوع الذات بمالها من المالية الأولى، أما الزيادة فلا
مقتضي لرجوعها إلى الفاسخ بعد أن لم تكن ملكا له وحدثت في ملك الغابن بسببه،
فيكونان شريكين في مالية العين.
335

ولعل ذلك هو مراد الشيخ (قدس سره) وبما حققناه تعرف ما في كلام الأعلام في المقام
فتدبر.
ثم إن هذا البيان لا يتأتى في الفروع الأخرى المزبورة، لأن الزيادة وإن حصلت
بسبب عمل الغير أو آلاته إلا أن العين لم تكن ملكا لمن حصلت الزيادة بسببه، بل
هي ملك غيره فإذا ارتفعت ماليتها كانت ملكا لمالك العين إذ لا مقتضى لكونها ملكا
للمتصرف.
نعم، قد يلتزم بلزوم أجرة المثل في مثل هذه الموارد، بدعوى: أن عمل المسلم
محترم. لكنه إنما يثبت الأجرة في ما إذا كان العمل بأمر الغير أو بواسطة إجراء
معاملة غير صحيحة في الواقع، أو فيما إذا حبس العامل شخص عن العمل ففوت
عليه عمله، بناء على أن عمل الحر مضمون.
أما في غير هذه الموارد، فلا تثبت أجرة المثل.
ولذا لا حق للغاصب إذا عمل في العين عملا يوجب زيادة قيمتها. وهكذا فيما
نحن فيه لو لم نلتزم بالشركة، إذ العمل صدر تبرعا بل في ماله، فلا يستحق عليه
الأجر، فتدبر.
الفرع الثاني: ما إذا كانت الزيادة عينا محضا بلا أن تستلزم الزيادة في القيمة،
كالغرس في الأرض.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن في هذا الفرع من حيث جواز قلع الغرس وعدمه
وجوها وهي:
الأول: تسلط المغبون على القلع بلا أرش، كما اختاره في المختلف (2) في الشفعة.
ووجهه: أن كونه منصوبا المستلزم لزيادة قيمته هو عبارة عن كونه في مكان
صار ملكا للغير فلا حق للغارس، كما إذا باع أرضا مشغولة بماله وكانت قيمة ماله
في تلك الأرض أزيد منها في غير تلك الأرض لرواج السلعة في أرضه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 408، الطبعة الأولى.
336

الثاني: عدم تسلط المغبون على القلع مطلقا، كما عليه المشهور إذا رجع بائع
الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري.
ووجهه: أن الغرس إذا قلع صار مباينا عرفا لما عليه في حال الغرس، فالقلع
يستلزم زوال المال وتلف العين، لأنه في حال الغرس شجر وبعد القلع خشب،
وليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يبقى على ما هو عليه بعد اخراجه وإنما تقل
قيمته فقط. فما نحن فيه نظير ما إذا باع رقبة الأرض المغروسة في عدم الحق
للمشتري في قلع الغرس.
الثالث: تسلطه على القلع مع الأرش، كما اختاره في المسالك (1) هنا وقيل به في
الشفعة والعارية. ووجهه أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل ولا دليل على
استحقاق الغرس على الأرض البقاء، وقياس الأرض المغروسة على الأرض
المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها ولا تغرم لها أجرة المثل فاسد، لأن الفرق
موجود لتملك تمام المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ في مسألة الإجارة،
وليس كذلك فيما نحن فيه إذ المستحق هو نفس الغرس المنصوب بلا استحقاق
للمكان في الأرض، فله قلعه مع أرش الغرس.
وقال الشيخ (قدس سره) (2) بعد نقل هذه الوجوه وتوجيهها بما عرفت: " فالتحقيق أن كلا
من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على الآخر ولا عليه له فلكل منهما
تخليص ماله عن مال صاحبه فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم الحفر وإن
أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أعني تفاوت ما بين كونه منصوبا
دائما وكونه مقلوعا. وكونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم
تسلطه على قلعه لأن المال هو الغرس المنصوب ومرجع دوامه إلى دوام ثبوت
هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فأفهم ".

1 - المسالك ج 2 ص 225 ط. ق ولا يخفى أن صاحب المسالك إنما ذكر ذلك في الشفعة دون المقام نعم ذكر فيما
نحن فيه استحقاق المشتري أجرة عمله وقواه. المسالك ج 3 ص 205 الطبعة الجديدة.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
337

وقد حمل المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) قوله: " وكونه مالا للمالك... " على كون
مراده أن مالك الغرس إنما يستحق - بمقتضى ملكية الغرس المتقوم بالنصب لزوال
الشجرية بالقلع - أصل النصب لا النصب في المكان الخاص، فالاعتراف باستحقاقه
أصل النصب لا يكون اعترافا باستحقاقه النصب في المكان الخاص كي لا يجوز قلعه
لاستحقاقه البقاء.
وأورد عليه: أنه ليس لدينا في الخارج أمران كلي النصب والنصب في مكان
خاص، كي يقال إنه يستحق أحدهما دون الآخر، بل ليس في الخارج إلا النصب في
المكان الخاص، فإذا لم يستحقه الغارس لم يكن عليه الأرش.
والذي يبدو لنا أن نظر الشيخ (قدس سره) ليس إلى ما ذكره الإيرواني (رحمه الله)، بل نظره إلى
أن مالك الغرس يستحق الغرس بما هو شجر الذي يتقوم بالنصب وهذا لا يعني
استحقاق نفس النصب، فهو يستحق المنصوب بما هو كذلك وهو لا يلازم استحقاق
النصب حتى يقال إنه لا يجوز قلعه لمالك الأرض لأن استحقاق مالك الغرس النصب
واستحقاق صاحب الأرض القلع لا يجتمعان كما لا يخفى، فإذا لم يستحق مالك
الغرس النصب جاز لمالك الأرض قلعه، وتعويضه صفة المنصوبية المقومة لماله،
فنظره (قدس سره) إلى الفرق بين النصب وصفة المنصوبية التي عبر عنها بكونه مالا على صفة
النصب، لا إلى الفرق بين النصب الكلي والنصب في المكان الخاص، فالتفت.
وتحقيق الكلام في أصل المطلب هو أن لدينا صورا متعددة:
الأولى: ما إذا غصب العين غاصب وغرس فيها شجرا ثم أعاد العين لصاحبها
أو استنقذها صاحبها منه.
الثانية: أن تنتقل ذات العين المغروسة إلى شخص بناقل مع بقاء الغرس على
ملك مالكه الأول، كما إذا باعه العين خاصة دون الغرس.
الثالثة: أن تكون العين لشخص ثم يطرأ عليها الغرس بنحو مشروع ثم تعود
العين لمالكها الأول. وهي ذات فروع، إذ الغارس تارة تكون العين بيده عارية أو
تكون ملكه بعقد لازم ثم يطرأ الفسخ كما في مورد التفليس، أو بعقد جائز كما فيما

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 37، الطبعة الأولى.
338

نحن فيه. ومحل الكلام هو الصورة الثالثة.
أما الصورة الأولى: فلا إشكال عندهم في جواز قلع الغرس للمالك بدعوى أنه
ليس لعرق ظالم حق، ولا نبحث فيه فعلا بل يوكل إلى محله من باب الغصب.
وأما الصورة الثانية: فلا إشكال في عدم جواز القلع لأن العين انتقلت بهذه
الكيفية أعني كونها مسلوبة المنفعة، كما سيأتي بيانه.
وأما الصورة الثالثة: فالكلام في مقامين:
الأول: في الجهة الجامعة بين جميع الفروع بلا ملاحظة خصوصيات كل منها.
والثاني: في كل فرع من هذه الفروع الثلاثة في حد نفسه.
أما المقام الأول، فتحقيقه: أنك عرفت مختار الشيخ (قدس سره) على ما نقلناه عنه.
وذهب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلى أن صاحب الغرس ليس له حق القلع ولا
حق الابقاء وأن صاحب الأرض له حق القلع.
أما عدم ثبوت حق القلع لصاحب الغرس، فلأنه تصرف - بالحفر - في ملك
الغير وهو الأرض لا يجوز بدون إذنه، وقاعدة السلطنة على ماله لا تتكفل اثبات
الحق في مثل ذلك، لأنها قاصرة عن إفادة صحة التصرف الموجب للتصرف
الموجب للتصرف في مال الغير، ولذا لا يدعي أحد جواز حفر أرض الغير تمسكا
بقاعدة السلطنة على التصرف بآلة الحفر، أو جواز ضرب الغير بالعود تمسكا
بقاعدة السلطنة على العود.
وأما عدم ثبوت حق الإبقاء، فلأنه إشغال لأرض الغير واستيفاء لمنافعها.
وأما ثبوت حق القلع لصاحب الأرض، فليس من باب أن له حق تخليص ماله
من المزاحم، فإنه إنما يكون له حق التخليص إذا لم يستلزم التصرف بمال الغير،
نظير ما لو جر البساط من تحت الجالس عليه، وأما إذا استلزم التصرف بمال الغير،
كما فيما نحن فيه، لأن التخليص يتوقف على القلع وكما لو دفع الجالس على البساط،
فلا يثبت له هذا الحق.
بل من باب النهي عن المنكر ودفع المزاحم، إذ ليس للغير التصرف بغير ماله،

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 66، الطبعة الأولى.
339

ولذا يثبت هذا الحق لغير المالك، فيجوز له منع الغاصب من التصرف في مال الغير.
وعليه، فعدم صحة مزاحمة المالك في ماله لأجل عدم كون المزاحم مالكا، فلا
سلطنة له. لا لأجل أن مقتضى سلطنة المالك المطلقة دفع المزاحم.
هذا ملخص ما أفاده الأصفهاني (رحمه الله) مع بعض توضيح منا.
والحق أن ما أفاده من أن ثبوت حق دفع المزاحم للمالك من باب النهي عن
المنكر لا من جهة أنه من مقتضيات نفس السلطنة على المال، لا يمكن الالتزام به.
كيف وللمالك هذا الحق مع عدم وجود ملاك النهي عن المنكر. كما لو كان المزاحم
طفلا غير مكلف أو حيوانا دخل داره، فإنه يجوز له اخراجه من داره. ولا يجوز
لغيره ذلك، فلا يجوز لعمرو دفع الحيوان الداخل في دار زيد.
وهذا ظاهر في أن دفع المزاحم من باب ثبوت حق التخليص وأنه من مقتضيات
السلطنة على المال بنفسها.
وكيف كان، فنحن نشترك معه في المدعى وهو ثبوت حق القلع للمالك، لكن
نختلف معه في الطريق إليه (1).
وأما صاحب الغرس فهل له القلع؟ تحقيق ذلك: أن التصرف في ملك الغير
بدون رضاه غير جائز إذا كان مقدمة لمجرد التصرف في ملك نفسه، كما لو توقف
الجلوس في أرضه على اجتياز أرض الغير وهو غير راض به.
وأما إذا كان مقدمة لإنقاذ ماله من التلف كما لو توقف إطفاء الحريق في داره
على اجتياز أرض الغير أو الانتفاع بماله بالانتفاع العقلائي، فلا إشكال في جواز
التصرف، لأن المنع عنه ضرري.
نعم، لو كان التصرف في أرض الغير يوجب الضرر فيها أيضا كان من تعارض
الضررين، فله حكمه المذكور في محله من التعارض أو ترجيح الأقوى منهما.
وعليه، ففيما نحن فيه إذا أراد صاحب الغرس قلع غرسه لاستيفاء منافعه فليس
للمالك منعه إلا إذا استلزم ضررا على المالك.
وعليه، فقد يقال إن ما نحن فيه من هذا القبيل لأن تصرف الغارس في ملكه

1 - أشار الشيخ (قدس سره) إلى هذا البحث في آخر كلامه، فراجع (مكاسب ص 241).
340

بالقلع يستلزم الاضرار بأرض المالك بالحفر، فلا يجوز.
ولكن الحق عدم صحة ذلك، لأن الأرض رجعت إلى المالك مجوفة محفورة لأن
الغرس كان يشغل مقدارا من فضائها الداخلي. فإذا تمكن الغارس من قلع غرسه بلا
زيادة حفر يعد ضررا، لم يكن في القلع ضرر على المالك كي يكون المورد من
موارد تعارض الضررين. فله استنقاذ غرسه ولو استلزم التصرف في أرض الغير
وليس عليه أرش طم الحفر حينئذ خلافا للشيخ (قدس سره)، فتدبر.
وقد ذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) إلى أن للغارس حق القلع ولا أرش، لما
ذكرناه من عدم لحوق ضرر على الأرض لأنها انتقلت إلى مالكها محفورة بالشجر.
كما أن للمالك حق القلع ولا ضمان، لأن البقاء غير جائز لأنه تصرف في أرض
الغير فيكون ظلما وعدوانا، فلا حق له إذ ليس لعرق ظالم حق.
وفيه: أن البقاء لا يعد غصبا وتصرفا من الغارس في أرض الغير بدون إذنه لأنه
لا يستند إليه فعلا. ومجرد تمكنه من قلعه لا يصحح نسبة الغصب إليه، وحدوثه وإن
كان باختياره لكنه كان في ملكه، فلا يكون البقاء في ملك الغير بما هو كذلك ناشئا
عن اختياره، وسيجئ بعض توضيح لذلك.
ومن مجموع ما تقدم ظهر لك وجه جواز قلع الغرس بلا ضمان، لأن البقاء
تصرف في ملك الغير. وأما عدم جواز القلع مطلقا فلأنه إضرار بالغارس، فلا
تتحكم قاعدة السلطنة على المال.
وأما وجه جواز القلع مع الضمان، فيمكن أن يقرب ببيان: أن للغرس حكمين
أحدهما حرمة التصرف فيه بالقلع لأنه مال الغير. والآخر ثبوت الضمان مع اتلافه
بالقلع، والحرمة مرتفعة بقاعدة " لا ضرر " لأن البقاء ضرر على المالك لعدم التمكن
من الانتفاع بالعين مع بقاء الغرس فتصير العين مسلوبة المنفعة وهو نقص فيها.
إذن، فيجوز القلع بقاعدة نفي الضرر ولا ينافي ذلك سقوط سلطنة المالك على
قلع الغرس لقاعدة " لا ضرر "، إذ نحن نلحظ نفس التصرف بمال الغير من حيث هو
لا من حيث إن مال الغير يزاحم مال المالك.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 37، الطبعة الأولى.
341

وأما الضمان، فهو لا يرتفع بالقاعدة لأنه حكم ضرري لا يرتفع بقاعدة نفي
الضرر، لأنها غير ناظرة إلى الأحكام الواردة مورد الضرر.
وعليه، فيثبت جواز القلع مع الضمان.
ثم إنه هل لمالك الأرض إبقاء الغرس بالأجرة أو لا؟
ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى الأول بلا بيان الوجه فيه.
وذكر السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) في وجهه أنه مقتضى سلطنة كل منهما على ماله.
وفيه: أنه لا ربط له بحق المطالبة بالأجرة.
كما علله المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) بأنه مقتضى احترام مال المسلم، وهو غير
واضح أيضا.
وتوضيح الحال فيه: أن بقاء الغرس في ملك الغير ليس اختياريا لصاحب
الغرس وفعلا من أفعاله كي يكون مقتضى احترام مال المسلم استحقاق المالك
الأجر، لأن الغارس حين غرسه كان في ملكه. وكونه في ملك الغير بما هو كذلك
ليس باختياره كي يعد هذا استيفاء للأرض.
وعليه، فلصاحب الغرس أن يقول للمالك: أنا لا أعطي الأجر وأنت إعمل بما
تقتضيه القواعد الشرعية فإن شئت فاقلعه وادفع أرش الضرر والنقص، أو التلف.
وبالجملة، بقاء الغرس نسبته إلى الجميع على حد سواء، فلاحظ.
نعم، يمكن أن يقرب دفع الأجرة بوجه آخر وهو: أن العين بيعت ذات منفعة
فلا بد أن ترجع كذلك، فإذا رجعت العين مغروسة كانت مسلوبة المنفعة، فلمالكها
حق مطالبة الغابن بالتفاوت وهذا لا يرجع إلى استحقاق الأجرة بل يرجع إلى
استحقاق أرش النقص الوارد على العين باعتبار أنها مسلوبة المنفعة.
لا يقال: إن المنفعة الفائتة من المنافع المستوفاة بالغرس فلا يستحق المالك
أرش التفاوت.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 46، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 66، الطبعة الأولى.
342

فإنه يقال: إن الاستيفاء..
إما حقيقي وهو يتحقق تدريجيا آنا فآنا لتدرج المنفعة، فالمنفعة المستقبلة لا يعقل
استيفائها حقيقة من الآن. وعليه، فلا استيفاء حقيقي بالنسبة إلى منفعة الأرض.
وإما اعتباري يرجع إلى المعاوضة عليها بالإجارة، ولا ثبوت له ههنا.
إذن، فلا استيفاء للمنفعة لا حقيقة ولا اعتبارا.
هذا، ولكن هذا البيان لاثبات استحقاق أرش التفاوت إنما يتم بناء على عدم
جواز قلع الغرس للمالك لتصير العين بذلك مسلوبة المنفعة، ولكن قد عرفت أنه
يجوز للمالك القلع. وحينئذ فلا تكون العين مسلوبة المنفعة لتمكنه من استيفاء منفعتها
بعد القلع.
وعليه، فلا يصح البيان المذكور، فلاحظ.
هذا تحقيق الكلام في أصل المطلب. ويقع الكلام بعد ذلك في كل فرع من الفروع
المتقدمة على حدة..
أما صورة انتقال العين بالعقد الجائز، فقد يقال فيه بثبوت حق لمالك الأرض في
القلع لأن الغارس حين الغرس كان يحتمل انفساخ العقد فقد أقدم على الضرر.
وقاعدة نفي الضرر لا تجري في صورة الاقدام على الضرر، فقلع الغرس وإن كان
ضرريا على الغارس لكنه حيث أقدم عليه لم تشمله قاعدة نفي الضرر، فسلطنة
المالك على ماله محكمة. وأجيب عنه:
أولا: بأنه قد يكون الغارس جاهلا بثبوت الخيار.
وثانيا: أنه مع العلم قد يقدم على الغرس برجاء عدم إعمال الخيار أو الابقاء
بالأجرة.
وثالثا: أن الغرس ليس بضرري بل القلع ضرري، وهو إنما أقدم على الغرس
ولم يقدم على القلع، بل نقول: إن الاقدام على الضرر إنما يتحقق بلحاظ جواز القلع
الثابت للمالك إذ مع المنع من قلعه لا يكون الاقدام على الغرس إقداما على الضرر.
وعليه، فيمتنع أن يكون جواز القلع وتخليص ماله مترتبا على الاقدام على
الضرر المدعى.
343

وبتعبير آخر: إذا كان الغارس يعلم بعدم جواز قلع غرسه بعد الفسخ لا يكون
غرسه إقداما على الضرر، فتدبر.
وأما صورة العارية، بأن أعاره الأرض فغرس فيها المستعير، فقد يقال إن إذنه
في الانتفاع بها في الغرس ظاهر في الانتفاع الطويل الأمد لطول بقاء الغرس، فلا
يحق له قلع الغرس بعد رجوعه بالعين.
ولكن هذا القول غير صحيح، إذ يمكن أن يكون إذنه في الانتفاع موقتا مع بنائه
على الرجوع بالعين وإجراء ما تقتضيه الموازين والقواعد الشرعية بالنسبة إلى
الغرس، بل لو ظهر إذنه في الاستمرار لم يثبت عدم جواز الرجوع إذ له حق الرجوع
بما أذن فيه، فيحق له قلع الغرس بحسب ما تقدم من الموازين المشروعة.
وأما صورة الانتقال بالعقد اللازم ثم عروض الفسخ عليها، كمورد التفليس،
فقد حكى الشيخ (قدس سره) (1) عن الأكثر عدم جواز قلع الغرس حتى مع الأرش.
ثم إنه ذكر وجها للفرق بين الموردين - أعني مورد العقد المتزلزل وهو موضوع
البحث ومورد العقد اللازم -: بأن ملك الغرس فيما نحن فيه حدث في ملك متزلزل
فحق المغبون تعلق بالأرض قبل الغرس، بخلاف صورة العقد اللازم فإن التزلزل
حادث بعد الغرس فيكون شبيها ببيع الأرض المغروسة التي لا خلاف في عدم جواز
قلع الغرس فيها ولو مع الأرش.
لكن أورد عليه: بأنه لا فرق بين سبق تعلق الحق وعدمه في جواز القلع وعدمه،
فالمناط في جواز القلع أو عدم جوازه في مورد العقد المتزلزل يأتي في مورد العقد
اللازم بعد الفسخ، فلاحظ.
وأما مسألة بيع الأرض المغروسة، فهي تختلف عن مسألة الفسخ لأن بيع ذات
الأرض واستثناء الشجر ظاهر في بقاء الغرس على حاله وأن المبيع هو الأرض
مسلوبة المنفعة، نظير ما إذا أشتري العين مسلوبة المنفعة بالإجارة لمدة معينة،
فتدبر.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
344

ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر أنه إذا جاز القلع، فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع أم له
مطالبة المالك بالقلع ومع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟ وجوه ذكروها فيما لو
دخلت أغصان شجر الجار إلى داره.
ثم احتمل وجود الفرق بين المقامين بأن دخول الغصن في تلك المسألة إلى الدار
ليس بفعل المالك بخلاف الغرس فيما نحن فيه فإنه بفعله فيكون الابقاء كذلك.
وقد أفاد المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في تحقيق المسألة بأن الرجوع إلى الحاكم إما
لفرض حق المغبون على الغابن والحاكم ولي الممتنع، وإما لولاية الغابن على تصرف
وضعي لازم عليه فإذا امتنع كان الحاكم قائما مقامه فيما له الولاية عليه، وكلا
الأمرين لا ثبوت له في المقام.
أما الأول، فلأنه لا حق للمغبون على الغابن في قلع الشجر بحيث يكون امتناعه
عن القلع امتناعا عن الحق.
وأما الثاني، فلأنه ليس في المقام لزوم تصرف معاملي على الغابن بل لا يلزمه
سوى قلع الشجر. وإلزامه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص
بالحاكم الشرعي بل لكل مكلف ذلك.
أقول: تحقيق المقام يقتضي أولا: معرفة أنه هل البقاء يعد فعلا من أفعال الغابن
حتى يكون متعلقا لحكم تكليفي كالحرمة أو وضعي كاستحقاق المغبون عليه عدمه
بالقلع، أو أنه ليس فعلا من أفعاله فلا موضوع للحكم الوضعي أو التكليفي، ولا
موضوع لرفع أمره إلى الحاكم الشرعي لإجباره على القلع؟
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) (2) والمحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) هو الأول، ولعله
لدعوى تمكنه من القلع، فعدم القلع يكون إبقاء فيعد اشغالا للأرض.
ولكن الحق هو الثاني، لما أشرنا إليه قبل قليل في هذه المسألة من أن البقاء لا يعد
فعلا للغابن وإن تمكن من القلع، لأن مجرد التمكن من القلع مع عدم المانع شرعا

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 67، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 67، الطبعة الأولى.
345

لا يصحح صدق الفعل على عدم القلع، فهل يستطيع أحد أن يدعي أن عدم رفع
عمرو الحجر الواقع في دار زيد مع تمكنه من ذلك إبقاء للحجر في الدار من قبل عمرو
فيترتب عليه أثر الفعل؟
وأما ترتيب آثار الغصب على البقاء فيما لو كان الحدوث بغير إذن صاحب
الدار، فهو ليس من جهة أنه فعل للغاصب بقاء، بل من جهة استناد هذا الاشغال
إلى الغاصب بفعله الحدوثي وهو يكفي في ترتيب آثار الغصب.
وهذا لا يجري فيما نحن فيه لأن فعل الغرس حدوثا كان في ملكه لا في ملك الغير
فكونه في ملك الغير بقاء لا يستند إليه لأنه ليس باختياره، فالتفت.
هذا كله فيما يرتبط بالغرس. وأما إذا كان زرعا، فقد حكى الشيخ (قدس سره) عن
المسالك (1) تعين بقائه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر.
واحتمل الشيخ (قدس سره) (2) في وجهه هو كونه جمعا بين الحقين على وجه لا ضرر فيه
على الطرفين بخلاف مسألة الشجر فإن في تعيين إبقائه بالأجرة ضررا على المالك
لطول مدة البقاء.
وأورد عليه المحشون (3) بأن الفرق بين الموردين بقلة الضرر وكثرته وهو
لا يصلح فارقا في الحكم، فكما يجوز للمالك قلع الغرس لأن في بقائه ضررا عليه،
كذلك يجوز قلع الزرع لامتناع الانتفاع بالأرض مع وجوده فيستلزم الضرر على
المالك، فيرفع حرمة القلع بمقتضى قاعدة نفي الضرر.
نعم ذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (4) أن وجود الشجر يستلزم مضافا إلى امتناع
الانتفاع نقص قيمة الأرض لأنها مسلوبة المنفعة لمدة طويلة بخلاف الزرع لعدم
طول أمده، لكن هذا لا يمنع من جواز القلع لاستناده إلى امتناع الانتفاع لا إلى نقص
القيمة، فلاحظ.

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 2: ص 225، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 67، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 67، الطبعة الأولى.
346

أقول: الذي ينبغي أن يقال هو التفصيل بين موارد لا يستطيع مالك الأرض
الانتفاع بأرضه، للزراعة في تلك السنة عند قلع الزرع الموجود لفوات وقت الزرع
وموسمه. وبين غير ذلك.
ففي مثل الأول لا يجوز له القلع، إذ الضرر وارد عليه على كل حال وجواز القلع
إنما يثبت بلحاظ أن في البقاء ضررا على المالك - على ما تقدم في الغرس -، فإذا لم
يرتفع الضرر بالقلع، لم ترتفع حرمته لعدم ارتفاع الضرر بارتفاعها.
وفي مثل الثاني يجوز القلع دفعا للضرر.
وأما الابقاء بالأجرة، فقد عرفت في الغرس أنه لا وجه له، نعم لدعوى لزوم
اعطاء التفاوت بين الأرض المسلوبة المنفعة وغيرها وجه، لكن لا تتم ههنا، وإن
حرم القلع المستلزم لانسلاب المنفعة، لأجل عدم طول مدة بقاء الزرع فلا يكون
بقاؤه موجبا لنقص قيمتها نظير الدار المستأجرة ستة أشهر، فتدبر.
هذا تمام الكلام في هذا القسم من التصرف الصادر من الغابن، وهو التصرف في
الزيادة.
الجهة الثالثة: فيما لو كان التصرف مستلزما للتغير بالامتزاج.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الامتزاج تارة: يكون بغير الجنس. وأخرى: يكون
بجنسه.
فإذا كان بغير جنسه،..
فتارة: يكون على وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة،
كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت. والحكم فيه أنه كالتالف يرجع بعد الفسخ إلى
قيمته، لانعدامه عرفا وعدم إمكان رده.
وأخرى: لا يكون على وجه الاستهلاك بنحو يعد تالفا عرفا كامتزاج الخل
بالأنجبين، وفيه وجهان:
تحقق الشركة وكونه كالمعدوم في الرجوع إلى القيمة.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
347

ووجه الشركة أنه لا إشكال في حصول الشركة قهرا لو كانا لمالكين فكذا فيما نحن
فيه.
ووجه الرجوع إلى القيمة تغير حقيقته وانقلابه إلى حقيقة أخرى، فيكون
كالتلف الرافع للخيار.
ويمكن أن يريد من كونه رافعا للخيار أنه رافع للخيار الخاص وهو الخيار برد
العين لا أصل الخيار ولو كان برد القيمة كي يتنافى مع ما تقدم منه، من عدم سقوط
الخيار بالتلف ويعد قوله: " الرافع للخيار " من سهو القلم، فلاحظ.
وإذا كان الامتزاج بجنسه..
فتارة: يكون الامتزاج بالمساوي، فتثبت الشركة عند الفسخ.
وأخرى: يكون الامتزاج بالأردأ، فكذلك تثبت الشركة. ثم ذكر (قدس سره) احتمالات
ثلاثة:
الأول: استحقاقه لأرش النقص الوارد عليه.
الثاني: استحقاقه لتفاوت الرداءة من نفس العين الممتزجة بحيث تكون حصته
من العين أكثر من حصة الغابن بملاحظة نسبة قيمة ماله.
الثالث: استحقاقه للتفاوت من ثمن العين الممتزجة فتكون حصته من الثمن أزيد
من حصة شريكه وإن كانت حصتاهما من نفس العين متساويتين، فتتحقق الشركة
في العين بنحو التساوي وفي المالية بنحو التفاضل في الحصص. ولم يعين (قدس سره) أحد هذه
الاحتمالات.
وثالثة: يكون الامتزاج بالأجود، فيحتمل الشركة في الثمن بأن يباع ويعطى من
الثمن بنسبة قيمته وهو يرجع إلى الشركة في المالية، ويحتمل الشركة في العين بنسبة
القيمة، فإذا كان الجيد يساوي قيمتي الردئ كان المجموع أثلاثا، فثلث لصاحب
الردئ وثلثان لصاحب الجيد.
ثم ذكر (قدس سره) اشكال الشيخ (رحمه الله) (1) ومنعه لهذا الاحتمال في مسألة رجوع البائع على

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 263، الطبعة الأولى.
348

المفلس بعين ماله باستلزامه الربا، ونقل القول باستحسانه إذا التزم بعموم الربا لكل
معاوضة. هذا تمام ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
وقبل الدخول في تحقيق شقوق المسألة ينبغي تقديم أمور:
الأول: أنه لا إشكال في حصول الشركة عند امتزاج أحد المالين مع الآخر في
الجملة. وإنما الاشكال في حدود ذلك.
فذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) أن تحقق الشركة بالامتزاج لم يقم عليها دليل
لفظي كي يتمسك باطلاقه بل هي مما قام عليه الاجماع. والمتيقن من اجماع العلماء
هو حصول الشركة في خصوص مورد الامتزاج بين العينين المتماثلين في الجنس
والصفات بحيث لا تمتاز إحداهما على الأخرى. وحصره بعضهم بما إذا كان في
المثليات دون القيميات.
وعليه، فلا تتحقق الشركة مع اختلاف الجنس أو الوصف، كالجودة والرداءة.
والتحقيق: أن السيرة العقلائية قائمة على تحقق الشركة عند حصول الامتزاج
بين العينين بحيث يمتنع تمييز إحداهما وإفرازها عن الأخرى بحسب العادة لأن
الملكية المستقلة يلغوا جعلها عند الامتزاج، إذ لا يمكن ترتيب أي أثر من آثارها في
مقام السلطنة على العين المملوكة. وهي - أي السيرة - قائمة على تحقق الشركة في
مثل ذلك مطلقا سواء اتحد الجنس والوصف أم اختلف، ولم يثبت الردع شرعا عن
هذه السيرة.
وأما دعوى اختصاص الاجماع بمورد اتحاد الجنس والوصف.
فيدفعها: أنه لم يعلم أن محط نظر المجمعين على موضوعية التماثل في الجنس
والوصف، بل يمكن أن يكون تعبيرهم بذلك طريقا إلى الموضوع الواقعي وهو عدم
التمايز، فالمنظور في كلامهم هو عدم التمايز.
وبالجملة، الشركة تحصل بمطلق الامتزاج المانع من التمايز سواء كانا متماثلين
جنسا ووصفا أم غير متماثلين. فلاحظ.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
349

نعم، مثل امتزاج الحنطة الجيدة بالرديئة لا يستلزم الشركة لامكان التغاير وإن
عسر، فالتفت.
الثاني: أن الشركة على قسمين: شركة في نفس العين بنحو الإشاعة، وهي
واضحة. وشركة في المالية ويراد بها: أن تكون العين بحسب ذاتها وأوصافها
الخارجية مملوكة لشخص واحد، لكنها بما هي مال ملك لشخصين، فإن للعين وصفا
آخر وعنوانا ينتزع عن اعتبار المالية لها، وهي كونها مال، فهي بهذا العنوان ملك
لشخصين، فليس الاشتراك في نفس المالية، فإنها أمر اعتباري عقلائي لا يقبل
الملكية، بل في العين بالوصف الخاص لا بذاتها.
والأثر الذي يترتب على ذلك هو: أنه يجوز لمالك العين بذاتها أن يتصرف في
العين استقلالا من دون لزوم إذن شريكه في المالية مع بقاء مالية العين وعدم
تغيرها، وليس كذلك الحال في الشركة بنحو الإشاعة.
نعم، التصرف في العين بما يوجب نقص ماليتها لا يجوز بدون إذن الشريك.
وبهذا البيان يمكننا تصور الشركة في المالية ثبوتا، فلا مانع من الالتزام بها اثباتا
إذا ساعد عليها الدليل، كما قربنا الالتزام بها في باب الخمس. فراجع.
الثالث: إذا تحققت الشركة في المالية بالنسبة إلى عين ما، فانتقلت العين
بمعاوضة، تنتقل الشركة إلى العوض بلا كلام. إنما الكلام في أنها هل تنتقل إلى الثمن
بنسبة الحصة في مالية العين أو بمقدارها؟
فلو كان زيد شريكا مع عمرو في مالية الكتاب بمقدار دينار قيمة بعض أوراقه
وهو خمس ثمن الكتاب، فإذا بيع الكتاب بعشرة، فهل يستحق زيد دينارا من
العشرة أم خمس العشرة وهو ديناران؟
التحقيق: هو التفصيل بين ما كانت الشركة ثابتة بلسان الدليل بعنوان حصة
خاصة كالخمس والربع، ففي مثله إذا انتقلت العين بمعاوضة يكون لصاحب الخمس
خمس الثمن، لأن المعاوضة بلحاظ مالية العين. والمفروض أنه يملك خمسها، فيكون
له خمس العوض.
350

وبين ما إذا كانت ثابتة بعنوان مقدار خاص من المال، كما إذا امتزج الخل مع
العسل وقلنا بحصول الشركة في المالية، فإن صاحب الخل يملك قيمة الخل في مالية
الممتزج، كدينار مثلا، فلا يملك من الثمن إلا دينار قيمة خله، لأنه يملك من مالية
المعوض دينارا بهذا العنوان لا بعنوان نسبته إلى مجموع القيمة، كالربع - مثلا -.
الرابع: بناء على حصول الشركة عند الفسخ بالخيار، لأجل امتزاج العينين.
قد يشكل ذلك: بأن الفسخ لا يكون مؤثرا في عود الملكية السابقة وهي الملكية
الاستقلالية، فيكون المورد من موارد امتناع رد العين كما خرجت، وفي مثله يلتزم
بالانتقال إلى البدل، كالتالف. ولا وجه للالتزام بالشركة عند تحقق الفسخ.
وفيه: أنه يمكن أن يلتزم بأنه عند الفسخ ترجع العين الممتزجة إلى ملك مالكها
الأول بنحو الاستقلال لا الإشاعة.
إلا أنه حيث يعلم بعدم ثبوت الملكية كذلك في موارد الامتزاج بنحو الاستمرار
لامتناعه عقلا أو لأجل عدم ثبوته شرعا قطعا، يلتزم بثبوت الملكية المستقلة آنا ما
ثم تزول وتثبت الشركة والملكية بنحو الإشاعة. ولا دليل على امتناع ثبوت الملكية
المستقلة آنا ما للعين الممتزجة، بل الممتنع هو ثبوت الملكية المستقلة المستقرة
المستمرة.
إذن، فالفسخ يؤثر في عود العين كما خرجت، فلا وجه للانتقال إلى البدل
والقيمة.
ثم لو تنزلنا وقلنا بعدم تصور الملكية المستقلة للعين الممتزجة أصلا ولو
آنا ما، فلا تصل النوبة إلى البدل أيضا، بل تثبت بالفسخ الشركة في المالية، وذلك
لأن مقتضى الفسخ هو عود العين بخصوصياتها إلى ملك الفاسخ. فإذا لم يمكن عودها
بذاتها عادت بما هي مال إلى ملكه فإن ذلك ممكن، فتثبت الشركة في المالية بالفسخ.
وبهذا البيان يظهر أنه لا حاجة إلى تقريب الشركة في المالية بأن العين تكون في
العهدة عند الفسخ فإذا لم يمكن أدائها فلا بد من أداء قيمتها ولا بد من ملاحظة
الأقرب من القيمة للعين.
351

ومن الواضح أن قيمة شخص العين أقرب من القيمة النوعية لها، فتثبت القيمة
الشخصية وهو معنى الشركة في المال، لا القيمة النوعية الراجع إلى الضمان في الذمة.
بل هذا الوجه لا دليل عليه، إذ كون العين في العهدة محل كلام. كما أن لزوم
ملاحظة الأقرب إلى العين من القيمة الشخصية والنوعية لا شاهد عليه.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلى دفع الاشكال السابق بالالتزام
بالشركة في المالية، لأن الملكية المستقلة للممزوج غير ثابتة شرعا، والملكية بنحو
الإشاعة لا تثبت بالفسخ إذ هي غير الملكية السابقة.
ولكنك عرفت إمكان الالتزام بالملكية المستقلة الآنية لا المستمرة، وهي مما لا
دليل على امتناعها شرعا، وعرفت أنه يترتب عليها الملكية بنحو الإشاعة كسائر
موارد الامتزاج بين مالي المالكين. فالتفت.
وبعد جميع ذلك يقع الكلام في شقوق المسألة التي ذكرها الشيخ (قدس سره) (2)، فنقول:
أما صورة الامتزاج بغير الجنس الموجب للاستهلاك، فالحكم فيها كما أفاده
الشيخ (قدس سره) من الرجوع إلى القيمة لعدم بقاء العين عرفا فيمتنع الرد.
وأما صورة الامتزاج بغير الجنس الموجب لتغير الصورة النوعية مع بقاء واقع
العين وذاتها بلا استهلاك، كخلط العسل بالخل الذي يتكون منه صورة ثالثة وهي
الاسكنجبين، فالحكم فيها كسابقتها، لأن المعاملة وقعت على العين بصورتها
النوعية وهي مما يمتنع ردها كذلك لانسلاخها وحصول صورة ثالثة، فتكون بحكم
التالف في الرجوع إلى القيمة.
ولا يقاس المورد بما إذا كانت العينان لمالكين في تحقق الشركة، فإنه يلتزم هناك
بحصول الشركة لأجل بناء العقلاء عليه بعد فرض عدم صيرورة العين الممتزجة من
المباحات الأصلية، وعدم ترجيح أحد المالكين على الآخر. فيتعين الالتزام
بالشركة. وليس الأمر كذلك فيما نحن فيه، فلاحظ.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 68، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
352

ثم إن المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) أورد على الشيخ (قدس سره) في فرضه المال الممتزج في هذه
الصورة، كالتالف، بأنه لو كان كالتالف كان الممتزج الآخر أيضا كالتالف لأن نسبة
الصورة الحادثة بالامتزاج إلى كل من الممتزجين نسبة واحدة، ولازم ذلك أن لا
يكون الممتزج مالا لواحد منهما، مع أن ذلك باطل بالضرورة.
ولا يخفى عليك أن مقصود الشيخ (قدس سره) ليس أنه تالف حقيقة بل هو بحكم التالف في
المنع من الخيار برد العين لأن خيار رد العين يستدعي الرجوع بما وقع عليه العقد
وقد انعدمت صورته النوعية فلا يقبل الرجوع. لا أنه بحكم التالف في زوال المالية
وغيرها من أحكامه، فلاحظ.
وأما صورة الامتزاج بالجنس المساوي، فقد التزم الشيخ (قدس سره) بحصول الشركة
فيه ولم يبين الوجه في ذلك، كما أنه التزم بحصول الشركة في الامتزاج بالجنس أرداء
ثم ردد بين الاحتمالات الثلاثة بالنسبة إلى النقص الوارد.
وتحقيق الكلام في المقام هو أنك عرفت الاشكال في تحقق الشركة في العين بنحو
الإشاعة عند الفسخ.
وعليه، نقول: إنه تارة: نلتزم بالشركة في المالية لعدم تصور ثبوت الملكية
المستقلة للعين الممتزجة أصلا ولو آنا ما، أو للعلم بعدم ثبوتها شرعا. فتثبت الشركة
في المالية لما تقدم من أن العين إذا امتنع أن تعود بذاتها فلا يمتنع أن تعود بما هي مال.
وأخرى: نتصور حجة ثبوت الملكية بنحو الاستقلال آنا ما، فنلتزم بترتبها عند
الفسخ ثم حصول الشركة في العين بنحو الإشاعة، كما تقدم بيانه.
وثالثة: لا نلتزم لا بهذا ولا بذاك، فلا بد من الرجوع إلى القيمة لعدم إمكان رد
العين، إلا أن يقوم دليل خاص على صحة الفسخ وتحقق الشركة.
وعليه، يتضح الحكم في الامتزاج بالمساوي.
أما الامتزاج بالأردأ، فإن التزمنا بالشركة في العين بالتقريب المزبور، فالمتعين
من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة في كلام الشيخ (قدس سره) هو الثاني، لأن الشركة في العين قد

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
353

عرفت أن المستند فيها هو بناء العقلاء فلا بد من ملاحظة بنائهم في مثل الحال.
فهل يرون تحقق الشركة بنحو التساوي أو لا بل تكون حصته من العين أكثر من
حصة مالك الردئ بنسبة قيمة ماله؟
الظاهر هو الثاني، فإنه إذا كان لزيد حقة من السمن الجيد ولعمرو حقة من
السمن الردئ وكانت قيمة الجيد ضعف قيمة الردئ فاختلط أحدهما بالآخر،
فإن العقلاء يرون تحقق الشركة بينهما لكن لا بنحو التساوي بل يكون لزيد ثلثا
المجموع ولعمرو ثلثه. وهذا أمر لا إشكال فيه عندهم. فيثبت ذلك في ما نحن فيه.
وإن التزمنا بالشركة في المالية، فالأمر واضح جدا، لأن ما يعود إليه بالفسخ
قيمة ماله، فيستحق قيمة ماله من ثمن الممتزج.
وأما إذا التزمنا بالشركة لدليل خاص لا للتقريب المتقدم، فبما أنه لا يعرف ما
هو ذلك الدليل فلا نستطيع الجزم بأحد تلك الاحتمالات لا نفيا ولا إثباتا، لأن
السند للأصل مجهول فيصير الفرع مثله.
ومما ذكرنا يظهر الكلام فيما إذا امتزج بالأجود، فإن الكلام فيه هو عين الكلام
فيما إذا امتزج بالأردأ بلا اختلاف أصلا. فلاحظ تعرف.
ومن هنا يظهر الاشكال فيما أفاده الشيخ (قدس سره) من فصل الكلام في الخلط بالأردأ
عن الكلام في الخلط بالأجود وذكر بعض الاحتمالات في أحدهما لم يذكرها في
الآخر، فإنه بعد ما عرفت اتحاد الكلام في الصورتين يرد عليه:
أولا: عدم الوجه في تكثير الأقسام.
وثانيا: عدم الوجه في التمييز بينهما من حيث الحكم. فلاحظ وتدبر.
وقد أشار إلى هذا الاشكال المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1).
يبقى شئ وهو ما نقله الشيخ (قدس سره) عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) (2) من منعه زيادة حصة
مالك الجيد على مقدار ماله بنسبة قيمة ماله التي عرفت أنها مقتضى الشركة في العين

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 263، الطبعة الأولى.
354

بنحو الإشاعة، باعتبار لزوم الربا.
ووجهه على التقريب الذي ذكرناه هو أنه بالفسخ يدخل المال الجيد في ملك
مالكه بالملكية المستقلة، ثم تتبدل هذه الملكية إلى ملكية مشاعة لمقدار أكثر من
مقدار ماله، فيلزم مبادلة جنس ربوي جيد بأزيد منه مخلوط فيتحقق الربا.
ولا يخفى أن هذه المبادلة والمعاوضة قهرية فإنما تمنع لأجل الربا إذا قيل بعموم
دليل حرمته لمطلق المعاوضات حتى القهرية، فيكون دليل حرمة الربا رادعا عن
السيرة العقلائية القائمة على زيادة الحصة.
ولكن الظاهر أن دليل حرمة الربا يختص بالبيع، ولو ثبت عمومه لمطلق
المعاوضات فإنما هو يعم المعاوضات الجعلية الاختيارية لا المعاوضات القهرية مثل
ما نحن فيه.
ولا يخفى أن تقريب تحقق المعاوضة على ما سلكناه في تقريب حصول الشركة
واضح.
وأما بناء على القول بأنه عند الفسخ تتحقق الشركة رأسا، فلا يظهر تحقق
المعاوضة كي يرد حديث الربا، فالتفت ولا تغفل.
هذا تمام الكلام في هذا المقام وللمحقق الأصفهاني (1) والايرواني (2) (رحمهما الله) مطالب
لا تتعلق بأصل المطلب وإنما تحوم حوله أهملنا ذكرها خوفا من الإطالة المملة.
ويقع الكلام في صورة تلف أحد العوضين مع تحقق الغبن في المعاملة.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن التلف إما يكون فيما وصل إلى الغابن أو فيما وصل إلى
المغبون والتلف إما بسبب آفة أو باتلاف أحدهما أو باتلاف أجنبي، فهذه صور
ثمانية أربعة منها لتلف ما بيد الغابن وأربعة لتلف ما بيد المغبون.
أما إذا تلف بيد المغبون، فإن كان بسبب آفة، فذكر في حكمه أن مقتضى ما تقدم
من التذكرة في صورة الانتقال عن الملك من تعليل سقوط الخيار بعدم إمكان الرد

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 68، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 38، الطبعة الأولى.
355

سقوط الخيار هنا، لكن عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره، وعليه فإذا
ثبت الخيار وفسخ المغبون غرم قيمته وأخذ ما عند الغابن أو بدله.
وهكذا الحال فيما لو كان التلف باتلافه وإن كان باتلاف أجنبي، وفسخ المغبون
أخذ ما عند الغابن ورجع الغابن إلى المتلف إن لم يرجع المغبون عليه عند إتلافه وإلا
رجع الغابن على المغبون بالقيمة.
وإن كان باتلاف الغابن نفسه، فإن لم يفسخ المغبون رجع بالقيمة على الغابن وإن
فسخ رجع على الغابن بما عنده، ولا يرجع الغابن عليه بشئ لأنه هو أتلف العين.
وإن أبرأه المغبون من الضمان ثم ظهر الغبن ففسخ، وجب المغبون رد القيمة إلى
الغابن لأن ما أبرأه بمنزلة المقبوض. وأما إذا تلف ما بيد الغابن، فالحكم في جميع
الصور واحد إلا في صورة إتلاف الأجنبي، فإن ظاهر كلام الشيخ (قدس سره) فيما تقدم هو
الرجوع عليه بنحو التعيين.
لكنه في صورة تلف ما بيد الغابن ردد بين احتمالات ثلاثة، الرجوع على
الأجنبي خاصة، والرجوع على الغابن خاصة، والرجوع عليهما بنحو التخيير،
وذكر وجها لكل احتمال.
أقول: الظاهر أن صورتي تلف ما بيد المغبون وتلف ما بيد الغابن متساويتان في
أقسامهما الأربعة من حيث الحكم، إذ لا خصوصية لإحداهما توجب تميزها عن
الأخرى في الحكم، لأجل ذلك يكون التقسيم المذكور في كلام الشيخ (قدس سره) وتكثير
الصور ليس كما ينبغي خصوصا مع بيان بعض الفرق من حيث الحكم الذي لا وجه
له، كما سيتضح لك جليا.
وأما ما ذكره من تأتي الوجه المتقدم المانع من الخيار في صورة النقل اللازم تأتيه
في مورد التلف بآفة ورده بعدم الالتزام به في مورده فضلا عن غيره.
فقد يورد عليه: أنه لا أولوية لعدم جريان التعليل هنا لو لم يجر هناك، بل
الصورتان بملاك واحد وهو عدم إمكان التدارك وهو عام بلا أولوية، فقوله: " فضلا
عن غيره " ليس بحسن.
356

وكيف كان، فمع البناء على ثبوت الخيار مع تلف أحد العوضين أو كليهما لا كلام
في الصورة الأولى والثانية - أعني ما كان التلف بآفة أو بيده - فإن الحكم فيهما
واضح.
إنما الكلام فيما إذا كان المتلف أجنبيا أو طرف العقد الآخر، كالمغبون لو كان
التالف ما بيد الغابن. أو الغابن لو كان التالف ما بيد المغبون.
أما إذا كان التلف بسبب أجنبي، فقد عرفت أن ظاهر الشيخ (قدس سره) رجوع الغابن
عليه خاصة لو كان التالف ما بيد المغبون.
وقد وقع البحث في وجه الرجوع إلى الأجنبي وفي وجه تعينه.
وقد يوجه الرجوع إلى الأجنبي: بأن الضمان إذا كان يقتضي كون العين في
العهدة، فإذا أتلف الأجنبي العين كانت في عهدته للمغبون. وبما أن مقتضى الفسخ هو
تبديل العلقة الثابتة بواسطة العقد وإعادة الربط السابق على العقد، فإذا تحقق
دخلت العين الثابتة في عهدة الأجنبي في ملك الغابن فيستحقها عليه، فإذا أداها فهو
وإلا رجع عليه بالقيمة.
نعم، إذا كان الضمان يرجع إلى اشتغال الذمة بالقيمة رأسا، فإذا أتلف الأجنبي
العين اشتغلت ذمته للمغبون بالقيمة رأسا، فلا وجه لرجوع الغابن عليه بل يرجع
على المغبون، والمغبون يرجع على الأجنبي.
وهذا الوجه يمكن منعه، فإن اعتبار العين في العهدة متحقق حتى مع وجود العين
خارجا بمجرد وضع اليد عليها - سواء قلنا بأنها تعتبر ملكا في العهدة رأسا أو أن
هناك اعتبارين أحدهما اعتبارها في العهدة والآخر اعتبارها ملكا لصاحبها في
عهدة الضامن، نظير باب الذمة أيضا بالنسبة إلى الكليات، فقد قيل إن الفرق بين
الذمة والعهدة هو أن الأولى وعاء الكليات والثانية وعاء الخارجيات -. وهذا
يكشف عن أن الربط الحاصل بالنسبة إلى العين ليس هو الربط العقدي بل هو ربط
حاصل بواسطة الاتلاف فلا معنى لتأثير الفسخ في ثبوت الملكية للغابن، بل الحال
فيه حال القول بأن الضمان يرجع إلى اشتغال الذمة.
357

وقد يوجه الرجوع إلى الأجنبي أيضا: بأن اعتبار العين في العهدة يقتضي
ترتيب جميع آثار العين الخارجية عليها، لأن المعتبر في العهدة هو العين الخارجية.
ومن آثار العين الخارجية هو عودها إلى الغابن وانتقالها إليه بالفسخ فيثبت ذلك
بالنسبة إلى العين في العهدة.
وهذا الوجه ممنوع، بأن الاعتبار إنما يستلزم ترتيب الآثار إذا رجع إلى اعتبار
شئ شيئا آخر بمفاد كان الناقصة وليس اعتبار العين في العهدة كذلك، فإنه ليس
سوى اعتبار العين في هذا الوعاء بمفاد كان التامة لا أنه يعتبر العين في العهدة عينا
خارجية.
وإلا لاقتضى ثبوت الملكية لها مع وجود العين خارجا، والحال أن الأمر ليس
كذلك، فإنها تعتبر في عهدة من وضع يده على العين الخارجية قبل التلف ولكن لا
تثبت ملكيتها لصاحب العين إلا بعد التلف.
وعليه، فالملكية الثابتة ثابتة لأجل الاتلاف لا بعنوان التنزيل، فلا يؤثر فيها
الفسخ، فلاحظ.
والمتحصل: أن هذين الوجهين غير صالحين لاثبات الرجوع إلى الأجنبي.
نعم، يمكن أن يوجه ذلك بأنه قد تقدم توجيه صحة الفسخ عند التلف والرجوع
إلى البدل بأن الفسخ يكشف عن تحقق الانفساخ قبل التلف آنا ما ودخول العين في
ملك مالكها السابق قبل التلف ليتحقق الاتلاف وهي في ملكه.
وعليه، فيكون اتلاف الأجنبي اتلافا لملك الغابن فله حق الرجوع إليه وليس
له الرجوع على المغبون وإن كانت العين في يده، لأن يده ليست يد عادية، فتأمل.
لكن هذا لا يثبت في صورة رجوع المغبون على الأجنبي قبل الفسخ، إذ الأجنبي
أدى ما عليه. والثابت هو الكشف الحكمي البرزخي لا الحقيقي كي يقال أن الفسخ
يكشف عن عدم صحة رجوع المغبون على الأجنبي لأن المال لم يكن ملكه، فلا
يثبت سوى الحكم الفعلي بالملكية السابقة قبل التلف آنا ما فيترتب عليه آثار الملك
السابق الفعلية وفي مرحلة البقاء، لأن ظاهر القوم الحاكمين بالرجوع إلى البدل هو
358

الحكم بترتيب الآثار من الآن لا من السابق. فإذا رجع المغبون على الأجنبي لا
يكون لاتلاف الأجنبي أثر في مرحلة البقاء لفراغ ذمته في ظرف كون المال
للمغبون.
وحينئذ فهل يرجع الغابن على المغبون؟ قد عرفت أنه لا وجه له لعدم تحقق
الاتلاف من قبله وعدم كون يده عادية. والحكم بعدم أخذ الغابن بدل عينه أمر لا
يلتزم به قطعا، فلا بد من الالتزام بحصول مبادلة قهرية وضمان قهري بين المغبون
والأجنبي، فكأنه يقول له أعطني قيمة التالف وتكون هي في عهدتي لصاحب العين،
وهذه مؤونة أخرى زائدة يلتزم بها من باب دلالة الاقتضاء، غير مؤونة الالتزام
بتحقق الانفساخ آنا ما قبل التلف.
ثم إن القيمة المدفوعة إلى الغابن هل هي قيمة يوم التلف أو قيمة يوم الفسخ؟
وذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في تحقيق ذلك: بأن توجيه صحة الفسخ مع تلف
العين..
تارة: بفرض بقاء العقد بعد التلف بأن يتحول الربط العقدي من العين إلى بدلها
في الذمة، فيطرأ الفسخ على ذلك الربط ويؤثر في حله.
وأخرى: من جهة التعبد الخاص بصحة الفسخ عند التلف وثبوت البدل على
تقديره، فعلى الأول يكون المدار على قيمة يوم التلف، وعلى الثاني يكون المدار
على قيمة يوم الفسخ.
ولا يخفى عليك أن ما أفاده (رحمه الله) من تحول الربط العقدي عند التلف إلى بدل العين
لا نتصور له معنى معقولا فيها إذا فرض كون المتلف هو نفس مالك العين، فأي معنى
لاعتبار مالكيته لبدل العين في ذمته.
وتحقيق الكلام: أن الالتزام بصحة الفسخ بعد التلف يمكن أن يكون لوجوه:
الأول: ما أشرنا إليه من كشفه عن تحقق الانفساخ قبل التلف آنا ما.
الثاني: أن يفرض بدل العين التالفة في ذمة المتلف قبل الفسخ آنا ما لتصحيح

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 69، الطبعة الأولى.
359

الفسخ وتأثيره في استرداد العين، لا على أن تكون ملكا للمتلف كي يرد علينا ما
تقدم ايراده على المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، بل مجرد اعتباره بلحاظ تأثير الفسخ.
الثالث: أن يكون الفسخ معاملة مستقلة راجعة إلى المبادلة بين العوضين أو
بدلهما، غاية الأمر أنها ذات طرف واحد وهو من له الخيار، فتكون بمقتضى الانشاء
ايقاعا لكن واقعه المبادلة.
وهذا وجه قريب للذهن لا يحتاج إلى مؤونة وتقدير، كما هو الحال على الوجهين
الأولين خصوصا الأول الذي عرفت تعدد التقدير فيه لو رجع المغبون على الأجنبي
قبل الفسخ.
وسيأتي تحقيق ذلك في أحكام الخيار انشاء الله تعالى.
ولا يخفى أن مقتضى الأول هو كون المدار قيمة يوم التلف، ومقتضى الأخيرين
قيمة يوم الفسخ كما لا يخفى. فتدبر والتفت.
هذا كله إذا كان المتلف أجنبيا.
وإن كان المتلف الغابن نفسه..
فإن التزم بالوجه الأول وهو تقدير تحقق الانفساخ آنا ما، فلا يرجع الغابن على
المغبون بشئ لأنه هو الذي أتلف العين وقد حكم عليها بملكيته عند التلف فقد
أتلف ملكه، ولا وجه لرجوعه على المغبون أصلا، لأن العين في مرحلة البقاء
محكومة بملك الغابن من السابق.
وإن التزم بالوجهين الأخيرين، فالغابن يستحق على المغبون بدل عينه حين
الفسخ، والمغبون يستحق على الغابن قيمة العين عند التلف لأنها ملك المغبون، فإن
تساوت القيمتان تحقق التهاتر ولا شئ لأحدهما على الآخر، وإلا رجع أحدهما
على الآخر بما يستحق من الزائد.
إذن، فلا وجه للحكم بتحقق التهاتر بقول مطلق وعدم رجوع الغابن على
المغبون بشئ، فتدبر.
هذا إذا لم يبرئ المغبون الغابن قبل الفسخ. وإن أبرأه استحق الغابن على
360

المغبون تمام بدل العين، لأنه بالابراء تفرغ ذمة الغابن فلا تلزمه القيمة كي
يتحقق التهاتر أو نحوه، بل هو نظير ما لو قبض المغبون من الغابن القيمة ثم فسخ.
وهذا هو مراد الشيخ (قدس سره) (1) من أنه بمنزلة المقبوض، وليس مراده أنه بمنزلته
تعبدا واجتهادا كي يورد عليه بعدم الدليل على التنزيل المذكور، فمراده أنه بمنزلته
بملاحظة القواعد العامة المقتضية لاتحاد الصورتين في الحكم. فتدبر ولا تغفل.
هذا تحقيق الكلام في هذه الصورة. وقد عرفت اتحاد صورة تلف ما بيد الغابن
معها في جميع الأقسام لعدم ظهور جهة فارقة بينهما.
وقد أشار الشيخ (قدس سره) (2) فيها إلى البحث عن أن القيمة المدفوعة هل هي قيمة يوم
التلف أو يوم الفسخ. واستظهر من الأكثر القول بالأول، وذكر فتوى للدروس (3)
والمسالك (4) وغيرهما (5) في مسألة أخرى باعتبار قيمة يوم الفسخ.
وذهب إلى الاشكال في الفرق بين المسألتين في المناط، كما ذكر في مورد كون
المتلف أجنبيا احتمالات ثلاثة في من يرجع عليه بالقيمة، وقد عرفت الإشارة إليها،
كما عرفت تحقيق الحال.
وتتضح الوجوه المذكورة في كلام الشيخ (قدس سره) بملاحظة ما ذكرناه، فراجع والله
سبحانه العالم.
المسألة الرابعة: في الكلام عن عموم الخيار لجميع المعاوضات. وقد وقع
الخلاف في ذلك إلى أقوال ذكرها الشيخ (قدس سره) (6).
وتحقيق الكلام في المسألة هو أنه لا بد من ملاحظة دليل الخيار..
فإن كان الدليل هو الاجماع. فالمتيقن منه خصوص البيع ولا حاجة إلى إثبات

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 241، الطبعة الأولى.
3 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 211، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
4 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 257، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
5 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 189، الطبعة الأولى.
6 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 242، الطبعة الأولى.
361

ظهور كلماتهم في اختصاصه بالبيع، كما حاوله الشيخ (قدس سره)، بل يكفي التشكيك في
عموم معقد إجماعهم.
وإن كان الدليل هو قاعدة نفي الضرر، فهي عامة ومقتضى عمومها ثبوته في
جميع المعاوضات ولا يستثنى منه إلا المعاملة المبنية على التسامح والتنازل.
وإن كان الدليل هو الشرط الضمني الذي قربناه، فالظاهر أنه عام لجميع
المعاوضات إلا في موارد يظهر أنه لا يهتم بكمية القيمة لبعض الأغراض الدينية أو
الدنيوية.
ومن هنا يظهر أنه لا وجه لتصدي البعض إلى بيان عدم تحقق صدق الغبن في
بعض المعاوضات، إذ لم يرد في الدليل المعتد به عنوان الغبن. فلاحظ وتأمل.
هذا تحقيق المقام ولا نرى وجها للإطالة، بل أهمل بعض المحشين التعليق على
هذه المسألة بالمرة.
المسألة الخامسة: في أن خيار الغبن على الفور أو على التراخي.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) اختلاف الأصحاب في ذلك على قولين واستند للقول
بالفور - وهو المشهور ظاهرا - إلى كون الخيار على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على
القدر المتيقن وهو أول الأزمنة. وقرره في جامع المقاصد (2) بأن العموم في أفراد
العقود يستتبع عموم الأزمنة وإلا لم ينتفع بعمومه.
واستند للقول بالتراخي إلى الاستصحاب للشك في بقاء الخيار فيستصحب.
ونقل الشيخ (قدس سره) عن الرياض (3) ما حاصله: أن المستند في هذا الخيار إن كان
الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب، وإن كان نفي الضرر وجب الاقتصار
على الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (4) إلى إمكان الخدشة في جميع هذه الوجوه..

1 - نفس المصدر.
2 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 38، ط مؤسسة آل البيت (ع).
3 - الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 1: ص 525، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 242، الطبعة الأولى.
362

أما وجوب الاقتصار على القدر المتيقن. فقد ذكر أنه لا وجه له مع ثبوت
الاستصحاب.
وأما ما ذكره جامع المقاصد، فقد تنظر فيه بما قرره في الأصول (1) - في مبحث
الاستصحاب - وأشار إليه ههنا، من أن العموم على قسمين:
الأول: أن يلحظ الزمان فيه مكثرا لأفراد العام بأن يلحظ كل فرد في كل زمان
غيره في الزمان الآخر، كما إذا قال أكرم كل عالم في كل يوم، فزيد العالم يوم الجمعة
فرد ويوم السبت فرد آخر وهكذا، وفي مثل ذلك لو ورد خاص يدل على خروج
أحد الأفراد في يوم الجمعة - مثلا - وشك في خروجه يوم السبت، كان المرجع هو
العموم في إثبات وجوب إكرامه يوم السبت لأنه شك في تخصيص زائد والأصل
عدمه.
الثاني: أن يلحظ الزمان فيه ظرفا لأفراد العام، ولا يلحظ مفردا، بل يكون
لكل فرد من أفراد العام حكم واحد مستمر باستمرار الزمان، كما إذا قال أكرم كل
عالم إلى الأبد، وفي مثله لو ورد خاص يدل على خروج أحد الأفراد وشك في
خروجه دائما أو في زمان معين خاص كيوم الجمعة مثلا. فلا يصح الرجوع إلى
العموم فيما بعد يوم الجمعة لعدم كون الشك في تخصيص زائد، إذ خروجه دائما
لا يستلزم تخصيصا زائدا بعد أن لم يكن الزمان ملحوظا مفردا، بل المرجع في مثل
ذلك هو استصحاب حكم الخاص، حتى أنه لو لم يجر الاستصحاب لمانع، لا يصح
الرجوع إلى العموم، لعدم المقتضي له بعد خروج الفرد إذ المفروض تبعية العموم
الزماني للعموم الأفرادي.
كما أنه في القسم الأول إذا لم يمكن الرجوع إلى العموم لا مجال للرجوع
للاستصحاب في الزمان الثاني لأنه من باب إسراء الحكم الثابت لموضوع إلى
موضوع آخر وهو قياس لا استصحاب.
ولا يخفى أن العموم فيما نحن فيه أعني * (أوفوا بالعقود) * (2) من قبيل الثاني، إذ لم

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، ص 395، الطبعة القديمة.
2 - سورة المائدة، الآية: 1.
363

يلحظ الزمان فيه مفردا، بل كل فرد من العقود له حكم واحد مستمر، فإذا فرض
خروج أحد الأفراد عن هذا العموم في ظرف خاص لم يكن مجال للتمسك بالعموم
فيما بعد ذلك الزمان، بل المرجع هو الاستصحاب لو تمت شروطه.
وبذلك يظهر أن الاشكال فيما ذكره جامع المقاصد من جهتين:
الأولى: أن ما أفاده لا يكون تقديرا لكلام من يتمسك بالعموم لبطلان التمسك
به، كما عرفت.
الثانية: أنه لا يقتصر فيه على القدر المتيقن للرجوع إلى الاستصحاب، كما
عرفت أيضا.
وقد نبه الشيخ (قدس سره) (1) على أن المدار ليس على كون العموم لغويا أو اطلاقيا، بل
المدار على لحاظ الزمان ظرفا أو قيدا للأفراد سواء كان العموم لغويا أو اطلاقيا،
فلا وجه لما أورد على جامع المقاصد من أن آية * (أوفوا بالعقود) * مطلقة لا عامة إلا
أن يدعى أن ظاهر الاطلاق هو أخذ الزمان بالنحو الثاني.
كما نبه (قدس سره) على عدم صحة دعوى تعارض الاستصحاب مع العموم، وتخصيص
العموم به لاختلاف موردهما وعدم اجتماعهما في مورد واحد، كما عرفت.
كما نبه (قدس سره) على أن المرجع على تقدير سقوط الاستصحاب فيما نحن فيه هو
الرجوع إلى أصالة اللزوم العملية لا اللفظية الثابتة بالعمومات.
وكيف كان، فقد عرفت أن الرجوع إلى العموم أو الاستصحاب يدور مدار أخذ
الزمان في العموم بالنحو الأول أو الثاني.
ولكن صاحب الكفاية (رحمه الله) (2) سلك مسلكا آخر في تحقيق المقام، فذهب: إلى أنه
لا بد من ملاحظة دليل الخاص نفسه وكيفية أخذ الزمان فيه، فإن أخذ الزمان قيدا
لحكم الخاص الآخر لم يصح إجراء الاستصحاب وإن أخذ الزمان في العام ظرفا.
وإن أخذ الزمان في الحكم الخاص ظرفا صح إجراء الاستصحاب فيه في نفسه وإن
أخذ الزمان في العام مفردا.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 243، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 424، ط مؤسسة آل البيت (ع).
364

وما أفاده (رحمه الله) متين في نفسه، كما قرر في محله، لكنه لا أثر فيما نحن فيه، إذ عرفت
أن العموم المستفاد منه اللزوم لوحظ الزمان فيه ظرفا لا مفردا وهو يذهب إلى عدم
صحة التمسك به بعد مضي زمان الخاص.
وأما الاستصحاب فلو فرضنا أن الدليل الخاص الدال على ثبوت الخيار في
وقت معين لوحظ الزمان فيه بنحو القيدية لا الظرفية، فلا مانع من جريانه لكن
مجراه نفي حكم العام لا حكم الخاص.
بيان ذلك: أن الدليل الدال على ثبوت حكم الخاص في ظرف معين يدل
بالملازمة على ارتفاع حكم العام عن ذلك الفرد الملحوظ بنحو الوحدة والاستمرار.
وعليه، فاستصحاب حكم الخاص نفسه وإن لم يمكن لفرض أخذ الزمان قيدا مفردا،
لكن لا مانع من استصحاب عدم حكم العام بالنسبة إلى الفرد. ففي المقام لا
يجري استصحاب الخيار لكن يجري استصحاب عدم اللزوم، وهو كاف في اثبات
الخيار ونفوذ الفسخ وإن لم تترتب عليه آثار الخيار الخاصة.
وأما ما أفاده من جريان الاستصحاب إذا لوحظ الزمان فيه ظرفا وإن كان قد
لوحظ في العام مفردا فهو كما أفاد، لكن مع وجود العام لا مجال للاستصحاب لأنه
وارد أو حاكم عليه.
نعم، يصح إشكالا على الشيخ (قدس سره) الذي التزم بعدم جريان الاستصحاب حتى
مع سقوط العام عن الاعتبار، لكنه فرض نادر الوقوع.
ونتيجة ما ذكرناه: أن تفصيل صاحب الكفاية (رحمه الله) وإن كان متينا من الناحية
العلمية لكنه ليس بذي أثر عملي كبير.
وكيف كان، فالظاهر أنه لا مجال للرجوع فيما نحن فيه إلى عموم الوفاء بعد
تخصيصه في بعض الأزمنة، بل المرجع هو الاستصحاب لو تمت أركانه وشروطه.
إلا أن يقال: إنه لا مانع من الرجوع إلى العموم ولو كان الزمان لوحظ فيه ظرفا
إذا كان التخصيص من أول الأزمنة بناء على أن خيار الغبن ثابت بنفس الغبن لا عند
ظهوره كما تقدم تحقيقه، فتدبر والتفت.
365

وأما الاستصحاب، فقد منع الشيخ (قدس سره) جريانه ههنا لأجل الشك في بقاء
الموضوع المعتبر في الاستصحاب.
وظاهر عبارته ههنا أن تخصيص الاستصحاب بما إذا لم يكن الشك في المقتضي
لأجل الشك في بقاء الموضوع. وأن مرجع الشك في المقتضي والشك في الموضوع
إلى شئ واحد لا أنهما شيئان ينفصل أحدهما عن الآخر، كما قد توهمه عبارات
الرسائل (1) وسنحقق ذلك في الأصول (2) ونتأمل في كلماته انشاء الله تعالى لعلنا
نصل إلى مراد الشيخ (قدس سره) هناك بواسطة بعض القرائن ونوفق بينه وبين ما ذكره ههنا.
وكيف كان، فتوضيح ما ذكره الشيخ (قدس سره) هنا: هو أنه قد تقرر في محله أنه يعتبر في
جريان الاستصحاب بقاء الموضوع ومع ارتفاعه أو الشك فيه لا مجال لجريانه.
والمراد من الموضوع ليس ما هو المصطلح في الأصول وهو كل ما يكون دخيلا
في ثبوت الحكم ويترتب عليه الحكم، فيشمل مثل الزوال بالنسبة إلى وجوب صلاة
الظهر، إذ إرادة ذلك تستلزم سد باب الاستصحاب لأن الشك في البقاء لا بد أن
ينشأ من زوال بعض العوارض والصفات التي يحتمل كونها دخيلة في الحكم بقاء،
فلا يكون الموضوع بهذا المعنى محرزا.
وبعبارة أخرى: مع إحراز الموضوع بهذا المعنى لا شك في البقاء.
وإنما المراد منه ما كانت نسبة الحكم إليه نسبة العارض إلى المعروض، فالمراد به
معروض المستصحب كالعالم بالنسبة إلى وجوب التقليد ونحوه.
وطريق معرفته هو دليل الحكم الشرعي وما هو المفهوم منه عرفا ولو بمناسبة
الحكم والموضوع بنحو يوجب صرف ظهور الكلام الأولي، فالعرف يفهم من قوله:
" يجوز تقليد العالم " دخالة العلم في موضوع التقليد بهذا المعنى من الموضوع، لكنه
لا يفهم ذلك من قوله: " يجب إكرام العالم " فيرى أن معروضه هو ذات العالم، فكل
ما يفهم العرف من لسان الدليل ولو بحسب مرتكزاته أنه معروض الحكم يعتبر
بقاؤه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، ص 399، الطبعة الأولى.
2 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 6، ص 345، الطبعة الأولى.
366

ولو تردد العرف في صفة ما وأنها دخيلة أو لا، فالمرجع هو الظهور اللفظي
للدليل لأنه حجة على المراد ولا مزاحم له.
هذا إذا كان الدليل لفظيا يمكن أن يستظهر منه ما هو المعروض للحكم، وأما إذا
لم يكن لفظيا، فيشكل جريان الاستصحاب مع الشك في دخالة الصفة الزائلة في
معروض الحكم، للشك في بقاء الموضوع.
نعم إذا كان الشك في بقاء الحكم من جهة الشك في الرافع بحيث لا شك من جهة
تغير الموضوع بأن علم ببقائه بأي نحو فرض، لا مانع من جريان الاستصحاب.
وإذا ظهر ذلك، ففيما نحن فيه ثبت الخيار في الزمان الأول لمن لم يكن له طريق
إلى دفع ضرره سوى الخيار الذي يعبر عنه في الفارسية: " بي چاره "، وقد زال هذا
الوصف عنه عند ثبوت الخيار له، لتمكنه وإن لم يفعل، ففي مرحلة البقاء يشك في
ثبوت الحكم، لكن من جهة احتمال أن موضوع الخيار خصوص من لم يكن له طريق
إلى دفع الضرر ومن لا حيلة له، فلا يثبت لمن كان يتمكن ولم يفعل بل يكون ذلك
من القياس المحرم لأنه موضوع آخر.
ولا طريق لنا إلى إحراز موضوع الخيار في الآن الأول، فلا مجال حينئذ
للاستصحاب، للشك في بقاء الموضوع.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) بعد ذلك أورد على صاحب الرياض في كلامه المتقدم ذكره،
بأن أمر الموضوع في الاستصحاب إن بني على التدقيق كما أشرنا إليه هنا وحققناه في
الأصول (2) فلا يجري الاستصحاب وإن كان مدرك الخيار هو الاجماع.
وإن بني على المسامحة، فيه كما هو المشتهر جرى الاستصحاب وإن كان مدرك
الخيار هو قاعدة نفي الضرر، لاحتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء
الحكم وإن زال هو، كما صرح بذلك ولده (رحمه الله) في المناهل (3). إلا أن يدعى ظهور

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 243، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، ص 401، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد: المناهل، ص 327، الطبعة الأولى.
367

قاعدة نفي الضرر في كون الموضوع هو المتضرر العاجز عن التدارك، فلا يشمل من
تمكن ولم يتدارك، كما أشرنا.
ونتيجة جميع ما ذكرناه هو: أنا نتفق مع الشيخ (قدس سره) في اختيار الفورية لما قدمنا
بيانه (1) من عدم جواز التمسك بالعموم، ومن عدم جواز الرجوع إلى استصحاب
الخيار.
فالمرجع حينئذ استصحاب بقاء أثر العقد عند الفسخ، وأصالة عدم ترتب الأثر
على الفسخ.
فالمرجع هو أصالة اللزوم العملية لا اللفظية.
لكن هذا إن كان مدرك الخيار هو الاجماع أو قاعدة نفي الضرر.
وإن كان مدركه تخلف الشرط الضمني، فلا وجه للفورية بقول مطلق، إذ لم
يؤخذ في شرط الخيار الفورية فيه، نعم يختلف باختلاف الموارد بحسب المبيع
والزمان فلا ضابطة له مطلقا، فقد يكون الظاهر هو المبادرة وقد يكون الظاهر عدم
اعتبارها. ثم إن المبادرة تختلف سعة وضيقا بحسب اختلاف الموارد، فلا بد من
ملاحظة كل مورد في نفسه والنظر فيما يقتضيه الظاهر.
ثم إنه (قدس سره) (2) نقل كلاما لبعض معاصريه وذهب إلى أنه لا محصل له، ولا يهمنا
ذكره، فراجع.
ثم إنه إذا ظهر لك اعتبار الفورية، فيقع الكلام في المراد بالفورية وهل هي
الفورية العرفية أو الفورية الحقيقية؟ واختار الشيخ (قدس سره) - ونعم ما اختار - الأول، إذ
الخيار..
إن كان مستنده قاعدة نفي الضرر، فالاقتصار على الحقيقية حرج على ذي
الخيار، فلا ينبغي تدارك الضرر به.
وإن كان مستنده الاجماع، فقد قام على كون المراد هو المبادرة عرفا وثبوت

1 - قد عرفت إمكانه لأن التخصيص من أول الأزمنة، فراجع.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 243، الطبعة الأولى.
368

الخيار بعد الآن الأول الدقي.
نعم لا دليل على إرادة الفورية بمعنى عدم التواني والتماهل عرفا التي هي أوسع
من المبادرة العرفية.
ومن هنا يشكل ما أفاده العلامة (رحمه الله) (1) من عدم انتفاء الخيار مع عدم الفسخ لو
كان متهيئا للصلاة وذهب فصلى ثم فسخ ونحو ذلك من الأمثلة، لعدم صدق المبادرة
وإن لم يصدق التواني والاهمال. بل استشكل الشيخ (قدس سره) في عدم صدقه في بعض
الأمثلة التي ذكرها كمثال الصلاة، مضافا إلى اشكاله في أصل الدعوى. فراجع.
وعلى كل حال لا دليل على ما أفاده العلامة (رحمه الله). هذا مجمل الكلام في هذه الجهة
وتحقيقها، فلاحظ (2).
والله سبحانه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 529، الطبعة الأولى.
2 - ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض بعد ذلك إلى حكم الجاهل بالحكم ومعذوريته في ترك المبادرة كالجاهل
بالموضوع. وإلى حكم الجاهل بالفورية وعدم معذوريته لتمكنه من التدارك. وإلى الشاك في ثبوت
حكم الخيار. وإلى صورة الاختلاف بين المتعاقدين من جهة دعوى المغبون الجهل، أو نسيان
الحكم.
ولما لم يزد سيدنا الأستاذ - دام ظله - على ما أفاده الشيخ ولم يعلق عليه بل اكتفى ببيانه فقط لم نر لزوما
ذكره، فإن شئت معرفة ذلك فراجع.
369

الخامس:
خيار التأخير
ويراد به الخيار الثابت للبائع من جهة تأخير الثمن ثلاثة أيام من قبل المشتري.
وهو ثابت في الجملة بلا خلاف ظاهر، ويستدل عليه بوجهين:
الوجه الأول: ما أشار إليه في التذكرة (1) وأوضحه الشيخ (قدس سره) (2) من الرجوع
إلى قاعدة نفي الضرر، لأن الصبر أكثر من ثلاثة أيام يستلزم الضرر على البائع، بل
الضرر هنا أشد من الضرر الحاصل في مورد الغبن، إذ المبيع هنا في ضمانه وتلفه منه
وهو ملك غيره لا يجوز له التصرف فيه.
ولكن يمكن الاشكال في الاستدلال بالقاعدة على ثبوت الخيار من وجوه:
الأول: أنها لا تفيد نفي الحكم في موارد الضرر وإنما تتكفل النهي عن إلحاق
الضرر بالغير أو بالنفس - كما استقربناه (3) في محله - فلا ربط لها بما نحن فيه حينئذ.
الثاني: أنه لو ثبت دلالتها على نفي الحكم في موارد الضرر، فهي إنما تفيد نفي
اللزوم ههنا لو كانت متكفلة لنفي الحكم المستلزم للضرر من باب نفي السبب بلسان
نفي المسبب، كما عليه الشيخ (قدس سره)، إذ يقال حينئذ أن لزوم البيع مع تأخير الثمن
ضرري على البائع فيرتفع.
أما لو كانت متكفلة لنفي الحكم عن الموضوع الضرري كما ينسب إلى صاحب

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 523، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 244، الطبعة الأولى.
3 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 5، ص 411، الطبعة الأولى.
371

الكفاية (رحمه الله) (1)، فلا تدل على نفي اللزوم ههنا، إذ البيع ليس ضرريا وإنما الضرر
يجئ من تأخير الثمن.
الثالث: أنه لو سلم دلالتها على نفي الحكم المستلزم للضرر، فإنما تدل على نفي
اللزوم لو انحصر رفع الضرر به. والأمر ليس كذلك لاندفاع الضرر بأخذ المبيع
مقاصة عما له في ذمة المشتري من الثمن.
الرابع: أن غاية ما تتكفله القاعدة هو نفي اللزوم لا إثبات الخيار الذي هو حق
من الحقوق، فالتفت.
وقد يورد عليها: بأن الضرر ناشئ من مجرد تأخير الثمن ولو قبل الثلاثة، فلا
اختصاص لها بما بعد ثلاثة أيام، فمقتضاها نفي اللزوم قبل الثلاثة.
ويمكن دفعه: بأن الأمر وإن كان كذلك، لكن القاعدة مخصصة بواسطة النص
والاجماع فيما قبل الثلاثة، وبعد الثلاثة يرجع إلى العموم.
والايراد على ذلك: بأن المرجع بعد زمان التخصيص إلى استصحاب حكم
الخاص لا إلى عموم لا ضرر، لعدم ثبوت عموم أزماني لها، كما قرره المحقق
الإيرواني (رحمه الله) (2).
يمكن دفعه: بأن التخصيص ههنا من أول أزمنة شمول العام للفرد، نظير تخصيص
عموم الوفاء بالعقود بخيار المجلس، وهو من الموارد التي يمكن الرجوع فيها إلى
العموم بعد زمان التخصيص ولو لم يكن للعام عموم أزماني، كما بينه صاحب
الكفاية (رحمه الله) (3) ولم يظهر من الشيخ ما ينافيه، لظهور اختصاص كلامه في نفي التمسك
بالعموم في موارد كون التخصيص في الأثناء.
الوجه الثاني: النصوص المتعددة الواردة في هذا المقام، ك‍:
رواية زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " قلت له: الرجل يشتري من الرجل

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 381، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 41، الطبعة الأولى.
3 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 424، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار، الحديث: 1.
372

المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه، قال: إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام
وإلا فلا بيع له ".
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال: " اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه
وتركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذة، فقال قد
بعته، فضحكت، ثم قلت: لا والله لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضى بأبي بكر
بن عياش؟ فقلت: نعم فأتيته فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تريد
أن أقضي بينكما؟ أبقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته
يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له ".
ورواية علي بن يقطين (2): " أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع ولا
يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه وإلا
فلا بيع بينهما ".
ورواية إسحاق بن عمار (3) عن عبد الصالح (عليه السلام) قال: " من اشترى بيعا فمضت
ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له ".
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (4) أن ظاهر هذه الأخبار بطلان البيع وعدم صحته. ونسب
فهم ذلك إلى الشيخ في المبسوط (5) وتقويته إلى صاحب الكفاية (6) والجزم به إلى
الحدائق (7) والتوقف فيه إلى المحقق الأردبيلي (8) واحتمال حكايته عن ظاهر
الإسكافي (9).

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار، الحديث: 2.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار، الحديث: 3.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار، الحديث 4.
4 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 244، الطبعة الأولى.
5 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 87، الطبعة الأولى.
6 - السبزواري، ملا محمد باقر: كفاية الأحكام، ص 92، الطبعة الأولى.
7 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 46، الطبعة الأولى.
8 - الأردبيلي، مولى أحمد: مجمع الفائدة والبرهان، ج 8: ص 406، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
9 - لم نعثر على كتابه: لكن حكاه عنه في المختلف ص 351.
373

ولكنه (قدس سره) بعد التزامه بالظهور في الفساد استقرب دلالتها على نفي اللزوم خاصة.
لأجل فهم العلماء وحملهم الأخبار على نفي اللزوم.
ولأجل قوله (عليه السلام) في أكثر تلك الأخبار: " لا بيع له " يريد به المشتري فإنه ظاهر
في اختصاص النفي به ولا معنى له لو أريد به نفي الصحة إذ هي لا تقبل التبعيض،
فلا بد أن يراد به نفي اللزوم من طرف البيع إذ يمكن أن يكون البيع لازما من طرف
أحد المتعاقدين دون الآخر.
لكنه استدرك بأن الموجود في رواية ابن يقطين: " فلا بيع بينهما ".
ثم إنه اكتفى بالشك لرجوعه إلى استصحاب الآثار المترتبة على البيع. هذا ما
أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
وتحقيق الكلام: إن محتملات هذه النصوص ثلاثة:
الأول: تكفلها لنفي اللزوم فقط.
الثاني: تكفلها لنفي الصحة من حين العقد، فتكون دالة على أن القبض في الثلاثة
شرط في صحة البيع نظير القبض في المجلس الذي هو شرط لصحة بيع الصرف.
الثالث: تكفلها لنفي الصحة فيما بعد الثلاثة.
ولا يخفى عليك أن الظهور البدوي لقوله: " لا بيع " هو نفي الصحة - في الجملة -
لا نفي اللزوم، لكن قد يستشكل في ذلك من جهتين:
الجهة الأولى: وهي راجعة إلى استظهار نفي اللزوم من هذا التركيب في حد نفسه
مع قطع النظر عن القرائن الأخرى. وذلك ببيان: أن البيع الوارد في النص المدخول
لأداة النفي إما أن يراد به البيع الانشائي وهو العقد أو يراد به البيع الحقيقي وما هو
بالحمل الشائع تمليك. وبعبارة أخرى: إما أن يراد به السبب أو المسبب.
فعلى الأول: يكون كل من الصحة واللزوم من آثار البيع. والمراد بالنفي حينئذ
ليس نفي الحقيقة واقعا لتحقق السبب وجدانا، بل نفيها بلحاظ نفي الأثر. والأثر
الظاهر للبيع بما هو عقد وإن كان هو نفوذه وتأثيره لكنه بما هو بيع يكون أثره
الظاهر هو اللزوم لأنه المعاملة المبنية على اللزوم.
374

وبما أن المنفي عنوان البيع لا العقد فالملحوظ فيه جهة البيعية، فيكون المنفي أثره
الظاهر وهو اللزوم.
وعلى الثاني: يكون له وجود وعدم لا صحة وبطلان، فيكون النفي حقيقيا
متوجها إلى نفس الحقيقة ولا موجب لحمله على نفي اللزوم مع وجود الحقيقة إلا
بقرينة صارفة.
ولكن نقول إن هذا التركيب ظاهر بظهور ثانوي في نفي الأثر الظاهر نظير * (فلا
رفث ولا فسوق) * (1)، ولا ضرر وغيرها. وقد عرفت أن الأثر الظاهر هو اللزوم،
فيتكفل التركيب نفيه.
الجهة الثانية: وهي راجعة إلى استظهار نفي اللزوم بواسطة القرينة الصارفة مع
الالتزام بظهور أصل التركيب في نفي الصحة، وذلك ببيان: أنه ورد التعبير في أكثر
النصوص بقوله: " لا بيع له ". ومن الواضح أن البطلان غير قابل للتبعيض بحيث
يكون العقد باطلا من طرف دون آخر، وليس كذلك اللزوم.
وبما أن الظاهر من الأخبار اختصاص النفي بالمشتري، فيكون ظاهرا في نفي
اللزوم من قبل البائع فليس للمشتري حق المطالبة بالمبيع.
وأما ما ورد في رواية ابن يقطين من قول: " فلا بيع بينهما "، فهو لا يأبى الحمل
على نفي اللزوم من المجموع بلحاظ انتفائه من أحدهما، إذ المركب عدم بانعدام أحد
أجزائه، فيراد به العموم المجموعي لا الاستغراقي.
هذا خلاصة ما أفيد في المقام من قبل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2).
لكنه مخدوش بكلتا جهتيه:
أما الأولى، فخلاصتها دعوى ظهور قوله: " لا بيع " في نفي الأثر الظاهر وهو
اللزوم، سواء أريد به السبب أو المسبب.
وفيه: أن الأثر الظاهر للبيع هو التمليك والتملك والنقل والانتقال لا اللزوم بل قد

1 - سورة البقرة، الآية: 197.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 76، الطبعة الأولى.
375

يغفل عنه بالمرة، ولو التفت إليه يقيد البيع بكونه لازما باسقاط الخيار ونحوه،
وهذا واضح.
وأما الثانية: ففيها: أن الصحة والبطلان وإن لم يقبلا التبعيض، لكن لا ظهور
لقوله: " له " في اختصاص النفي بالمشتري. وتخصيصه بالذكر إنما هو من جهة وقوعه
مورد السؤال، فلا يصلح حينئذ لصرف ظهور " لا بيع " في نفي الصحة.
وقد نبه على هذه الجهة المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1).
ولا أقل من إجمال النص، فلا يصلح للتصرف في قوله: " فلا بيع بينهما " الظاهر
باعترافه في نفي الحقيقة بلحاظ كلا الطرفين، بل يبقى على ظهوره، بل يمكن دعوى
ارتفاع الاجمال به.
وأما ذهاب العلماء إلى دلالتها على نفي اللزوم دون نفي الصحة، فهو لا يصلح
حجة ودليلا بل غايته أنه مؤيد، فالتفت.
والانصاف: أنه إن قلنا باعتبار خبر الواحد الثقة ولو لم يحصل به الوثوق
الشخصي، لم يكن محيص عن الالتزام بنفي الصحة عملا برواية ابن يقطين لظهورها
في ذلك، كما عرفت. ولا موجب لحملها على نفي اللزوم بعد قصور سائر النصوص
عن ذلك وإجمال دلالتها، بل هي صالحة لرفع اجمال غيرها.
وإن لم نقل بحجية خبر الثقة واعتبرنا حصول الوثوق الشخصي، فلا وثوق
برواية علي بن يقطين خاصة سندا. والنصوص الأخرى عرفت إجمالها.
فتصل النوبة إلى الشك، والقدر المتيقن نفي اللزوم، إذ بطلان البيع بعد الفسخ
ثابت بلا إشكال على جميع التقادير.
وأما قبله، فهو مشكوك فيرجع إلى عموم أدلة النفوذ - كما هو الشأن في كل عام
يخصص بمخصص مجمل مردد بين الأقل والأكثر - مثل: * (أحل الله البيع) *.
ثم إنه بناء على إفادة النصوص نفي الصحة وتردد الأمر بين نفي الصحة من أول الأمر
أو بعد الثلاثة، فالقدر المتيقن هو انتفاء الصحة ما بعد الثلاثة وأما قبله

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
376

فالمرجع عمومات الصحة أيضا، إذ يقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.
ثم إنه لو تردد أمر النصوص بين نفي اللزوم ونفي الصحة يمكن الرجوع إلى
استصحاب الصحة الثابتة قبل انتهاء الثلاثة - مع عدم الدليل الاجتهادي -، بمعنى
استصحاب بقاء الأثر.
وقد يشكل هذا الاستصحاب من وجهين:
الأول: ما أشار إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) ووافقه المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2)،
من احتمال تكفل النصوص نفي الصحة من حين العقد، فهي مشكوكة الحدوث فلا
مجال لاستصحابها.
وفيه (3): أنه يمكن دفع الاحتمال المزبور بالرجوع إلى عمومات الصحة
قبل انتهاء الثلاثة فيصح استصحابها بعد الثلاثة، لليقين بالحدوث بواسطة
الدليل.
الثاني: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) (4) في كلامه تحت عنوان: " وتوهم... ". ومحصله:
أن الصحة المستصحبة كانت ثابتة قبل زمان الشك وهو قبل انتهاء الثلاثة أيام في
ضمن اللزوم، وقد ارتفعت قطعا بعد انتهاء الثلاثة ويشك في حدوث فرد آخر منها
وهي الصحة في ضمن الجواز، فاستصحاب ما كان ثابتا من الملكية غير ممكن للقطع
بانتفائه، واستصحاب الكلي من القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو غير جار
على ما يحقق في محله (5).
وقد دفعه الشيخ (قدس سره) (6) بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة وإنما هو حكم

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
3 - أقول: وصول النوبة إلى الاستصحاب إنما هي بعد فرض عدم عموم الصحة، وحينئذ فلا مجال
للاستصحاب لعدم اليقين بالحدوث إذ لو فرض وجود الدليل على الصحة فكما يدل على الصحة قبل
انتهاء الثلاثة يدل على الصحة بعدها فلا مجال للاستصحاب. فانتبه.
4 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
5 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 6، ص 179، الطبعة الأولى.
6 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
377

مقارن له في خصوص البيع الخالي عن الخيار فلا مانع من استصحاب ما كان
ثابتا للشك في زواله، والمرتفع قطعا أحد أحكامه.
ومرجع كلامه (قدس سره) إلى ما نبه عليه في بيع الفضولي من أن اللزوم والجواز لا
يرجعان إلى اختلاف في حقيقة الملكية، بل هما من أحكامها وهي في كلا التقديرين
حقيقة واحدة لا تختلف.
وقد دقق المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) النظر في هذا المقام محاولا إثبات عدم تعقل
اختلاف حقيقتي الملكية اللازمة والجائزة وعدم كون الجواز واللزوم من قبيل
الفصول ببيان المحتملات في اللزوم والجواز من كونهما يرجعان إلى الاختلاف في
الشدة والضعف، أو أن الجواز هو نفس الحكم بالخيار وغير ذلك.
ولكن الظاهر أن المدعى ليس هو رجوع الاختلاف إلى الاختلاف في الشدة
والضعف كي يناقش بأن الملكية ليست من المقولات القابلة للشدة والضعف، كما أن
المدعى ليس رجوع الجواز إلى نفس حق الخيار كي يقال إنه حكم مغاير للملكية،
بل الاختلاف يرجع إلى الاختلاف في حقيقة الملكية المعتبرة وإنها تارة تكون بنحو
يقبل الانفساخ والزوال عند الفسخ وأخرى بنحو لا يقبل الزوال بالفسخ، وهذا
ممكن ثبوتا.
فمرجع النزاع حينئذ إلى أن الملكية في موارد الجواز واللزوم هل هي حقيقة
واحدة وانحلالها بالفسخ وعدمه حكم من أحكامها يثبت باختلاف الموارد، أو أنها
حقيقتان مختلفتان بحيث تتأثر أحدهما بالفسخ دون الأخرى؟
ولا يخفى عليك أنه لا طريق إثباتا لتعيين أحد الوجهين إلا ملاحظة العرف وبناء
العقلاء. والظاهر أن بناءهم على وحدة الحقيقة في الموردين، إذ لا يرون اختلاف
المنشأ في موارد الملكية الجائزة أو اللازمة، بل يرون المنشأ في الموردين أمرا واحدا.
ومما يدل على ذلك: أنه إذا أتى بالعقد الجائز معتقدا أنه لازم أو العكس يحكم بصحة
العقد مع أن العقود تتبع القصود، فلو فرض اختلاف حقيقة المنشأ، فقد قصد

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 77، الطبعة الأولى.
الشيخ ذلك في بحث المعاطاة ص 85 وأوائل الخيارات ص 215 دون بيع الفضولي.
378

انشاء الملكية الجائزة فكيف يحكم بلزوم العقد وهكذا العكس؟
وبهذا البيان يظهر أن ارتفاع اللزوم بعد الثلاثة قطعا لا يضر باستصحاب
شخص الملكية الثابتة قبل انتهاء الثلاثة إذا شك في بقائها.
هذا، مضافا إلى ما قيل: من أنه لو فرض كون اللزوم والجواز من مقومات
الملكية ومما يوجب تغايرها فلا يضر بالاستصحاب، لأن العبرة في باب
الاستصحاب هو تحقق الشك في البقاء عرفا، وإن زال الفرد المتيقن بالدقة العقلية.
ولذا يصح إجراء الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي إذا احتمل تبدل الفرد
إلى مرتبة أخرى من مراتبه، كما أنه يصح إجراء استصحاب وجود الخشب الموجود
سابقا في ضمن الشجرية وعلم بزوال الشجرية ولكن شك في انعدامه أو بقائه
خشبا، فإن استصحاب الخشب لا مانع منه مع أن وصف الشجرية من المقومات
العقلية.
وما نحن فيه كذلك، فإن الملكية الجائزة وإن كانت غير الملكية اللازمة دقة
وعقلا، لكن زوال اللزوم وتبدله بالجواز يحقق صدق البقاء عرفا ويقال إن الملكية
السابقة بعد باقية وإن زالت بالدقة.
وعليه، فمع الشك في ارتفاعها أو تبدلها إلى الجواز يحصل الشك في بقائها
فيستصحب، فالتفت وتدبر.
ويقع الكلام بعد ذلك في ما ذكر لهذا الخيار من شرائط وهي أمور:
الشرط الأول: عدم قبض المبيع، وذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه لا خلاف في اشتراطه
ظاهرا، واستدل عليه برواية ابن يقطين المتقدمة لقوله (عليه السلام) فيها: " فإن قبض بيعه
وإلا فلا بيع بينهما " بناء على إرادة المبيع من " البيع ".
ونقل (قدس سره) عن الرياض (2) إنكار دلالة الأخبار على هذا الشرط ومتابعة بعض
المعاصرين له. وذكر أنه لا يعلم له وجها إلا أحد أمرين..

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 1: ص 525، ط مؤسسة آل البيت (ع).
379

إما سقوط الفقرة المزبورة في رواية ابن يقطين عن النسخة التي أخذ منها
الرواية.
وإما قراءة " قبض " بالتخفيف و " بيعه " بتشديد الياء، فتصير بمعنى " قبض البائع
الثمن ".
وضعف الوجه الثاني أولا: بعدم استعمال البيع بالتشديد مفردا إلا نادرا بل لا
وجود له.
وثانيا: بامكان إجراء أصالة عدم التشديد، نظير ما ذكره في الروضة (1) من
إجراء أصالة عدم المد في لفظ " البكاء " الواقع في قواطع الصلاة.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام. وخالفه في ذلك السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2)،
فذهب إلى إطلاق الأخبار ودلالتها بواسطته على عدم اعتبار أكثر من قبض الثمن
بل عدم مجيئه به سواء قبض المبيع أم لا. وأن رواية ابن يقطين غير صالحة
للاستدلال بها للاحتمال المذكور الذي وجه به كلام الرياض، ودعوى ندرة
الاستعمال ممنوعة.
وذهب المحقق الإيرواني (رحمه الله) (3) إلى عدم ثبوت إطلاق للأخبار واختصاص
مواردها بصورة عدم قبض المبيع فيجب الاقتصار في الحكم بالخيار على مواردها.
نعم رواية ابن الحجاج مطلقة لكن راويها أبو بكر بن عياش.
والتحقيق: أن جميع النصوص ما عدا رواية ابن يقطين مطلقة.
أما رواية ابن الحجاج، فموردها وإن كان يختص بصورة عدم قبض المبيع، لكن
الحكم المنقول عن الإمام (عليه السلام) عام (مطلق) وهو قوله: " من اشترى شيئا... " يشمل
المورد وغيره وموضوع الحكم فيه ليس خصوص المورد، وقد تقرر أن المورد لا
يصلح لتخصيص الوارد.

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 102، الطبعة الحجرية.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
3 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
380

وأما رواية إسحاق، فاطلاقها واضح ولا مورد لها، وهي ظاهرة في إناطة الحكم
بعدم قبض الثمن.
وأما رواية زرارة، فهي بدوا وإن كانت ظاهرة في إثبات الحكم في خصوص
مورد السؤال وقد فرض فيه عدم قبض المبيع، لظهور رجوع الضمير في قوله " فإن
جاء " إلى المشتري المسؤول عنه والمفروض في صدر الرواية، لكنها بعد التأمل
ظاهرة في الإطلاق، لأنها لم تفرض في مورد السؤال عدم قبض المبيع إلى انتهاء
الثلاثة، بل فرض فيها عدم قبض المبيع في الآن الأول، فهي مطلقة من حيث تحقق
القبض بعد ذلك قبل الثلاثة وعدمه، فتدل على عدم اعتبار عدم قبض المبيع.
وأما رواية ابن يقطين، فهي..
أولا: مجملة المراد، إذ عرفت أن السيد (رحمه الله) (1) نفى ندرة استعمال: " البيع "
بالتشديد مفردا وإن لم يستشهد له.
والتمسك بأصالة عدم التشديد ههنا من باب أصالة عدم الزيادة غير ثابت
الصحة لدينا، إذ المسلم في إجراء أصالة عدم الزيادة ما إذا تعدد النقل وكان أحدهما
يشتمل على زيادة على الآخر، وتردد الأمر بين نقص أحدهما وزيادة الآخر. فإنه
يتمسك بأصالة عدم الزيادة في النص الزائد ويبنى على اشتباه الرواية الناقصة،
فيراد من الأصل عدم كون اللفظ الزائد - مثلا - زيادة، فيبنى على الزيادة.
أما في مثل ما نحن فيه مما تردد أمر النقل الواحد بين روايته بنحو زائد أو
ناقص، فلم يثبت التمسك بأصالة عدم الزيادة لنفيها، فتدبر.
هذا مع معارضة أصالة عدم التشديد في " بيع " بأصالة عدم التشديد في " قبض "
على قراءة الشيخ كما أشار إليه المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) مضافا إلى التشكيك في صحة
ورود " قبض " بالتشديد بمعنى الاقباض.
وبالجملة، رواية ابن يقطين غير صالحة لتقييد المطلقات.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
381

وثانيا: لو سلم ورودها بالنحو الذي قربه الشيخ (قدس سره) الظاهر في اعتبار قبض
المبيع، فلا تصلح لتقييد المطلقات أيضا بل هي معارضة لها، وذلك لأن ظاهرها كون
المدار على خصوص قبض المبيع بلا دخل لقبض الثمن فيه، وهذا ينافي مفاد سائر
النصوص الظاهرة في دخل قبض الثمن.
وبما أنه قد فرض في موردها عدم قبض الثمن، فجعل المدار فيها على قبض المبيع
خاصة تكون نصا في نفي دخالة قبض الثمن لأنه المتيقن، فتكون معارضة لسائر
النصوص الدالة على دخل قبض الثمن خاصة دون قبض المبيع بالنص أيضا. وإذا
وصلت النوبة إلى المعارضة كان الترجيح للمطلقات للاجماع على اعتبار تأخير
الثمن حتى ممن عمل برواية ابن يقطين فلا بد إما من طرح الرواية، أو حملها (1) على
ما لا يتنافى مع اعتبار عدم قبض الثمن خاصة، بأن يكون المقصود من قوله: " فإن
قبض بيعه " مدلوله الالتزامي لملازمة قبض المبيع لقبض الثمن عادة، كما أشار إليه
السيد (رحمه الله). فتدبر.
ونتيجة ما ذكرناه أن الصحيح هو ما أفاده السيد تبعا لصاحب الرياض (رحمهما الله).
ويقع الكلام بعد ذلك في فروع تبتني على اعتبار عدم قبض المبيع في الخيار:
الفرع الأول: ما إذا كان عدم قبض المشتري لعدوان من البائع بأن بذل له الثمن
فامتنع من أخذه واقباض المبيع حتى مضت الثلاثة أيام، فهل له الخيار أو لا؟
ذهب الشيخ (قدس سره) إلى الثاني وعلله بأن ظاهر النص والفتوى كون هذا الخيار
ارفاقا للبايع ودفعا لتضرره، فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله.
ولا يخفى أن ظاهر استدلال الشيخ (قدس سره) هو أن مقتضى إطلاق الأخبار في نفسه
ثبوت الخيار في هذه الصورة وإنما يرفع اليد عنه بملاحظة تنقيح المناط. إذ لو كانت
الأخبار بحسب دلالتها قاصرة الشمول لهذه الصورة لم تصل النوبة إلى تنقيح المناط
ونحوه.

1 - أقول: يمكن حملها على إرادة كلا المدلولين وعدم التصريح بدخالة قبض الثمن لأنه ملازم عادة
لقبض المثمن، فتكون دالة على التقييد بلا محذور، فأنتبه " المقرر ".
382

وبالجملة، فاستدلال الشيخ (قدس سره) بتنقيح المناط إنما هو على فرض تمامية دلالة
النص باطلاقه على ثبوت الخيار في هذه الصورة.
وعليه، فالايراد عليه بأن عدم الخيار ههنا من جهة عدم شمول الأخبار
لظهورها في كون الموضوع عدم المجئ بالثمن وهو غير متحقق مع بذل المشتري
للثمن وامتناع البائع - ولا وجه لتعليله بتنقيح المناط، كما ارتكبه السيد (رحمه الله) (1)
والايرواني (رحمه الله) (2) -.
ليس كما ينبغي، إذ عرفت أن كلام الشيخ (قدس سره) إنما هو على فرض دلالة الأخبار
باختيار كون المعتبر هو عدم قبض الثمن لا عدم بذله والمجئ به، فلا معنى للايراد
عليه بما أخذه مفروض العدم.
نعم، لا بد من إيقاع البحث في أن المعتبر هل هو عدم قبض الثمن أو عدم بذله؟
وهذا بحث آخر سيجئ التعرض له انشاء الله تعالى.
ثم إن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من عدم الخيار لظهور كون الخيار ارفاقا به لا مناقشة
فيه.
الفرع الثاني: فيما إذا قبض المشتري المبيع على وجه يكون للبائع استرداده كما لو
لم يكن بإذنه مع عدم إقباض الثمن. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (3) فيه وجوها أربعة:
الأول: أنه بحكم عدم القبض مطلقا ولا يرتفع به الخيار.
الثاني: أنه بحكم عدم القبض مع استرداد البائع دون ما إذا لم يسترده.
الثالث: أنه قبض مطلقا فيمنع من ثبوت الخيار.
الرابع: بناء المسألة على الالتزام بأن مثل هذا القبض رافع للضمان عن البائع
وعدمه، فلا خيار على الأول دون الثاني وقواه الشيخ (قدس سره).
ووجه الشيخ (قدس سره) دعواه: بأن في تأخير الثمن وعدم قبض المبيع ضررا على البائع
من جهات: إحداها: لزوم حفظ المبيع لصاحبه. والأخرى: عدم وصول ثمنه

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 57، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 42، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
383

إليه. والثالثة: ضمان المبيع وتلفه من ملكه لما ثبت من أن كل مبيع تلف قبل
القبض فهو من مال بائعه.
والعمدة من هذه الجهات وهي الموجبة لثبوت الخيار في مطلق الموارد هي الجهة
الثالثة، فإذا ارتفع الضمان ارتفع الخيار.
وأما الجهتان الأوليان، فهما مما يمكن اندفاعهما بغير الخيار كأخذه مقاصة عن
الثمن، فلا تصلحان منشأ لثبوت الخيار.
وقد وجهت على كلام الشيخ (قدس سره) إشكالات كثيرة ذكرها المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1) سبعة.
والمهم هو أن ما أفاده (قدس سره) يبتني..
على فرض كون ثبوت الخيار بقاعدة نفي الضرر أو بواسطة الأخبار مع دعوى
كون تمام الملاك هو نفي الضرر.
وعلى اختصاصها برفع الضمان قبل القبض.
وعلى عدم اندفاعه بطريق آخر كالمقاصة.
وعلى تأتي المقاصة في مطلق الموارد الرافع للضرر من الجهتين الأخريين.
والجميع محل نظر.
إذ دليل الخيار هو الأخبار وظاهرها كون الملحوظ هو تأخير الثمن لا تأخير
قبض المبيع، مع أن ضرر الضمان قبل القبض قابل للاندفاع بالمقاصة كما تقدم، مع أن
المقاصة لا تجوز مطلقا وإنما تجوز في صورة الامتناع.
وبالجملة، ما سلكه الشيخ (قدس سره) في تحقيق المسألة ليس كما ينبغي.
إذ لا بد من ملاحظة الأخبار وما يستفاد منها، وهي أجنبية عن التفصيل المزبور
بالمرة. فيدور الأمر بين الوجوه الثلاثة الأخرى.
ووجه الأول: هو أن ظاهر رواية ابن يقطين اعتبار اقباض البائع للمبيع وهو
يتحقق بأمور ثلاثة:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 78، الطبعة الأولى.
384

الأول: قبض المشتري للمبيع.
الثاني: تصدي البائع لذلك.
والثالث: إذن البائع فيه وتحققه عن إرادته.
ومقتضى ظهور النص هو اعتبار هذه الجهات الثلاثة، لكن انعقد الاجماع
والتسالم على عدم اعتبار الجهة الثانية، فيؤخذ بظهور النص في اعتبار الجهتين
الأخريين.
ووجه الثاني: أن عدم الاسترداد بقاء يكشف عن إذنه في بقائه عنده وإلا
لاسترده، فيتحقق القبض المشروع في مرحلة البقاء.
ولا يخفى أن هذا في الحقيقة ليس تفصيلا في المسألة يقابل القول الأول، بل
مرجعه إلى القول الأول وهو اعتبار الإذن في القبض وإلا لكان كلا قبض، وإنما
الاسترداد جعل كاشفا لا موضوعية له.
ووجه الثالث: هو عدم ظهور أكثر من اعتبار القبض من النصوص إذ الاقباض
غير معتبر قطعا للتسالم، وقد تحقق القبض سواء كان بنحو مشروع أو غير مشروع.
والمتعين هو القول الأول، إذ ظاهر رواية ابن يقطين على ما عرفت اعتبار
الاقباض، والقدر الذي يرفع اليد عنه هو ما قام الاجماع عليه من عدم لزوم تصدي
البائع له فيبقى ظهوره في اعتبار الإذن محكم. فتدبر.
الفرع الثالث: فيما إذا مكن البائع المشتري من المبيع فلم يقبضه المشتري، فهل
يسقط الخيار أو لا؟
وقد بنى الشيخ (قدس سره) (1) الحكم على أن ارتفاع الضمان بالتمكين وعدمه. فعلى
الأول: لا خيار لعدم الضرر. وعلى الثاني: يثبت الخيار للضرر.
وقد عرفت ما في هذا الكلام من إشكال. فلا بد من الرجوع إلى النص ومعرفة
ما يظهر منه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
385

وقد حكى الشيخ (قدس سره) عن بعض - ويقال إنه صاحب الجواهر (1) - استظهار عدم
كفاية التمكين من قوله في رواية زرارة " ثم يدعه عنده ". وتنظر (قدس سره) فيه ولم يبين وجه
النظر، كما لم يذكر وجه الاستظهار..
وقد وجه السيد (رحمه الله) (2) استظهار عدم كفاية التمكين من قوله: " ثم يدعه " بأنه
مطلق من حيث تمكين البائع وعدمه، فهو بمقتضى الاطلاق يدل على عدم كفاية
التمكين للحكم بثبوت الخيار في صورة ترك المبيع عند البائع أعم من صورة تمكين
البائع المشتري من المبيع وعدمه.
وهذا التوجيه عجيب منه (رحمه الله)، إذ مجرد الاطلاق لا ينفع بعد فرض قيام الدليل
الخاص على اعتبار القبض لأنه لا بد من ملاحظة ما يستفاد من ذلك الدليل وأنه هل
يراد به القبض أو يراد به كفاية مجرد التمكين بفهم عدم الخصوصية للقبض.
وبالجملة، عرفت سابقا أن مقتضى إطلاق الرواية نفي دخالة عدم القبض
بالاطلاق. والمفروض عدم العمل بهذا الاطلاق للدليل الخاص. فكذلك لا ينفع
التمسك بالاطلاق في نفي دخالة عدم التمكين لو فرض استفادة دخالته من الدليل
الخاص.
فالصحيح في وجه الاستظهار هو استفادة ذلك من نفس مدلول قوله: " فيدعه "
لظهوره في كون ترك المبيع مستندا إلى المشتري نفسه، وهذا ظاهر في عدم امتناع
البائع عن تسليمه وإلا لم يكن بقاء المبيع عنده من جهة ترك المشتري له بل من جهة
امتناع البائع نفسه.
وعلى هذا، فتكون الرواية واردة مورد التمكين، فلا يمكن رفع اليد عنه بدليل
آخر لأنه من تخصيص المورد وهو مستهجن، فتكون نصا في عدم ثبوت الخيار مع
التمكين وتكون هي قرينة على عدم إرادة التمكين من قوله: " فإن قبض بيعه " ودافعا
لفهم عدم الخصوصية للقبض.

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 53، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
386

وأما وجه النظر، فقد قيل فيه: إن امتناع البائع إذا كان معلقا على قبض الثمن
وتسلمه من المشتري، فإذا لم يعط المشتري الثمن يصدق أنه ترك المبيع عند البائع ولم
يتسلمه منه وإن كان البائع ممتنعا من تسليمه والحال هذه. ولذا يصح للبائع في هذا
الحال أن يقول إن المشتري ترك الحاجة عندي ولا يأتي لأخذها مع العلم بأنه
لا يسلمها إليه إلا بعد دفع الثمن.
إذن فمجرد امتناع البائع لا يمنع من نسبة الترك والابقاء إلى المشتري كي تكون
نسبته إليه في الرواية ظاهرة في عدم امتناع البائع وتمكينه.
إذن، فيمكن أن يكون قوله: " ثم يدعه عنده " ناظرا إلى صورة ترك المشتري
المبيع من جهة امتناع البائع من دفعه إليه بدون الثمن، فلا يكون ظاهرا في عدم
الامتناع. والقرينة على تعيين ذلك قوله في النص: " حتى آتيك بثمنه "، فإنه ظاهر في
أن الترك من جهة عدم إعطاء الثمن، وقد عرفت صحة نسبة الترك إلى المشتري في
هذه الحال ولو كان البائع ممتنعا.
وبالجملة، لا ظهور للقول المزبور في ورود النص مورد تمكين البائع، فتدبر.
وتحقيق الكلام في هذا الفرع: أن قوله: " فإن قبض " وإن كان ظاهرا في اعتبار
القبض في عدم الخيار دون التمكين - إلا إذا قيل إن التمكين قبض، فيكون التمكين
محققا للشرط لكنه لا وجه له -، لكن الظاهر من النص هو إرادة القبض والاقباض
المعهودين والمرتكزين في باب البيع، إذ المرتكز في باب البيع وبناؤه على شرط
التسليم والتسلم، فالقبض الواقع في قوله: " ولم يقبضه صاحبه ولم يقبض الثمن "
ظاهر في كونه ما هو المرتكز أخذه في باب البيع.
ومن الواضح أن المرتكز أخذه في باب البيع هو تمكين كل منهما صاحبه من المال
وتسليطه عليه لا تسليمه يدا بيد ونحوه.
وعليه، فقوله: " فإن قبض بيعه " يراد به المعنى الواقع في السؤال للقبض، وقد
عرفت أنه بمعنى التمكين والتسليط، فيكون النص ظاهرا في أن الشرط هو مجرد
التمكين ولا يعتبر القبض بمعناه اللغوي، فانتبه.
387

الفرع الرابع: في قبض بعض المبيع، فهل هو كعدم القبض في ثبوت الخيار أو
كقبض الكل في عدم الخيار أو يتبعض الخيار فيثبت بالنسبة إلى الجزء غير المقبوض
دون المقبوض؟ وجوه ثلاثة ذكرها الشيخ (قدس سره)..
وقد بنى الأول على ظاهر الأخبار لظهورها في قبض تمام المبيع.
وبنى الثاني على دعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شئ منه.
وبنى الثالث على تحقق الضرر بالنسبة إلى غير المقبوض لضمانه على البائع دون
المقبوض لعدم ضمانه.
ولا يخفى عليك أنه لا تقابل بين مبنى الوجه الثالث ومبنى الوجهين الأولين لعدم
رجوعهما إلى مقسم واحد ودليل واحد للخيار، وإنما يختلف ما يستفاد منه، بل
الوجه الثالث يبتني على كون دليل الخيار نفي الضرر، والوجهان الأولان يبتنيان
على كون دليله الأخبار وهو لا يخلو من مسامحة.
وكيف كان يمكن بيان استفادة الوجوه الثلاثة من الأخبار، بأن يقال: إن المراد
من " قبض بيعه " بناء على أن المراد منه المبيع إما أن يراد به شخص المبيع الذي وقع
على البيع، أو يراد به جنس المبيع وطبيعيه. فعلى الأول، فهو ظاهر في قبض مجموع
المبيع وتمامه. وعلى الثاني، فهو كما ينطبق على المجموع ينطبق على بعض المبيع لأنه
مبيع أيضا. وعلى هذا الأساس يلتزم بصحة البيع في مورد تبعض الصفقة ولا يلتزم
ببطلانه.
وهذا هو المنظور في كلام الشيخ (قدس سره) في قوله: " لدعوى انصرافها إلى صورة عدم
قبض شئ منه ".
وعلى هذا، فإما أن يلتزم بأن الظاهر أن مجرد قبض طبيعي المبيع يوجب سقوط
الخيار، أو يلتزم بمناسبة الحكم والموضوع بأن قبض الطبيعي يوجب سقوط الخيار
بمقدار المقبوض ويبقى ثابتا في غير المقبوض.
هذا، ولكن الظاهر من هذه الوجوه هو الأول، لظهور " قبض بيعه " في إرادة
قبض شخص المبيع. وقد عرفت ظهوره في إرادة قبض المجموع، وقبض البعض
لا يحقق قبض المجموع. فلاحظ.
388

الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن. وذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه مجمع عليه نصا
وفتوى، فلو قبض بعض الثمن لم يرتفع الخيار وكان كلا قبض، لظهور الأخبار في
ذلك لأن ظاهرها هو قبض الثمن الذي كان طرفا للمعاملة وهو ظاهر في تمام الثمن
ومجموعه، وقبض البعض لا يصدق معه قبض المجموع.
وعضد الشيخ (قدس سره) هذا الاستظهار بفهم أبي بكر بن عياش في رواية ابن
الحجاج (2) المتقدمة، لأن موردها صورة قبض بعض الثمن.
ولكنه تنظر في كونها دليلا على ذلك. ووجه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) تنظره
بعدم حجية فهم أبي بكر أولا وعدم تمامية السند ثانيا.
أقول: المورد ليس من موارد اجتهاد أبي بكر في مدلول الرواية وتطبيقه على
مورد التحاكم كي لا يكون فهمه حجة، بل المورد من موارد النقل بالمعنى الذي هو
حجة بلا إشكال، لاستناده إلى الحس أو ما يقرب منه - كما حقق في محله -. وذلك
لأنه بين حكم المسؤول عنه بالنقل عن الإمام (عليه السلام) وهذا ظاهر في أنه ينقل عن
الإمام (عليه السلام) ما ينطبق على مورد السؤال، ونقله بهذه الكيفية حجة مع قطع النظر عن
عدم وثاقته.
وبالجملة، هو ينقل الحكم المطلق عن الإمام (عليه السلام) بما هو مطلق شامل لمورد
السؤال، لا أنه ينقل لفظا ويستفيد الاطلاق منه، فانتبه.
فالعمدة في وجه المناقشة هو عدم صحة السند لعدم ثبوت وثاقة أبي بكر. وعلى
أي حال، ففي ظهور غيره من الأخبار كفاية.
ثم تعرض الشيخ (قدس سره) إلى قبض الثمن بدون إذن المشتري وذهب إلى أنه كعدمه،
لظهور الأخبار في اشتراطه بالإذن في بقاء البيع على صفة اللزوم، مع أن ضرر المبيع
مع عدم وصول الثمن إليه بنحو يجوز له التصرف فيه باق.
نعم، لو كان القبض بدون الإذن عن استحقاق، كما إذا مكن المشتري من المبيع

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار، ح 2.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 52، الطبعة الأولى.
389

فلم يقبضه، لم يثبت الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار وعدم تضرر البائع
بالتأخير.
أقول: استدلاله على كون القبض بدون الإذن كلا قبض، يمكن المناقشة فيه: بأن
القبض مع الإذن لا يرفع الضرر المزبور، إذ المدار فيه على عدم قبض المبيع، إذ
مقتضى ما دل على أن كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال صاحبه: ضمان المبيع
عند تلفه ولو قبض الثمن.
أما ظهور الأخبار في اعتبار الإذن، فالوجه فيه: أن الظاهر منها كون الموضوع
هو مجئ المشتري بالثمن وهو ظاهر في كون القبض بإذنه مع إلغاء جهة تصديه،
للجزم بعدم اعتبارها للتسالم، كما مر نظيره في قبض المبيع. سواء جعلنا الموضوع
نفس المجئ بالثمن أو جعلناه نفس القبض وكان التعبير بالمجئ فيه كناية عن
إقباضه. فعلى أي حال فهو ظاهر في لزوم كون القبض بإذنه.
وأما الوجه في خروج الصورة الثانية عن منصرف الأخبار، فلعله لدعوى أن
ظاهر النص وإن كان اعتبار الإذن لكن ذلك من باب أخذ الموضوع هو القبض
المشروع، فإذا كان القبض عن استحقاق ولو لم يكن عن إذن لم يثبت الخيار.
ثم إنه يمكن أن يوجه الفرق بين الصورتين مع قطع النظر عما هو ظاهر الأخبار
بحيث يكون قرينة على التصرف في ظهور الأخبار لو فرض ظهورها على خلافه،
بما بيانه: أنه من المعلوم أن خيار التأخير ليس حكما تعبديا صرفا بحيث لا يفهم سره
العرف والعقلاء، نظير كثير من الواجبات، بل هو حكم جار على طبق المرتكزات
العقلائية.
نعم، تجري التعبدية في بعض حدوده وخصوصياته، والذي يفهمه العرف أنه
بملاك دفع الضرر عن البائع من جهتين: إحداهما عدم وصول الثمن إليه ليتصرف فيه
في مصالحه. والأخرى كون المبيع في ضمانه.
وكلتا هاتين الجهتين موجودتان في الصورة الأولى، إذ القبض بدون الإذن مع
عدم الاستحقاق لا يجوز معه التصرف في الثمن، كما أن ضمان المبيع ثابت عليه.
كما أنهما مرتفعتان في الصورة الثانية لجواز تصرفه في الثمن مع عدم ضمانه للمبيع
390

لارتفاعه بالتمكين على رأي الشيخ (قدس سره). ولأجل ذلك يثبت الخيار في الصورة
الأولى ولا يثبت في الثانية. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض بعد ذلك إلى احتمال القول بعدم اعتبار الإذن في القبض
أصلا في الثمن وإن اعتبر في المبيع، نظرا إلى تعبير الفقهاء عن الشرط السابق
باقباض المبيع وعن الشرط اللاحق بقبض الثمن، وهو ظاهر في اعتبار ذات القبض.
وتنظر (قدس سره) في ذلك بأن ذلك ناشئ من عنوان المسألة باسم البائع فيعبر في طرف
الثمن والمثمن بما هو فعل له وهو اقباض المثمن وقبض الثمن.
ولكنه أمر بالتأمل. ووجه ذلك بأنه كان باستطاعتهم التعبير باقباض المشتري
البائع للثمن لو فرض توجههم إلى اعتبار الإذن، فيقولون مثلا: " مع عدم اقباضه
المبيع وعدم اقباضه الثمن ".
وكيف كان، فالأمر سهل بعد عدم ثبوت هذا التعبير في معقد اجماع، بل عدم
ثبوت كون من عبر بذلك في مقام البيان من هذه الجهة. فلاحظ.
ثم إنه بناء على اعتبار الإذن في القبض، لو قبض البائع الثمن بلا إذن ثم أجاز
المشتري بعد ذلك فهو في حكم الإذن، لتحقق القبض المشروع ومع الإذن بقاء،
وهل الإجازة كاشفة أم أنها ناقلة؟ ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى الثاني.
والوجه فيه: إن حديث الكشف والنقل والتردد فيه إنما يتأتى في الإجازة المتعقبة
للأسباب الاعتبارية بلحاظ مداليلها الانشائية، فيتصور الكشف على أساس أن
الإجازة إمضاء لمضمون السبب وهو وقوع التمليك - مثلا - من حينه.
أما في مثل القبض مما كان فعلا خارجيا لا دلالة فيه على شئ فلا يتصور
الكشف في إجازته ولا تتأتى وجوه الكشف فيها، فيتعين الالتزام بتأثير الإجازة
من حينها.
ويظهر الأثر - كما أشار إليه الشيخ (قدس سره) - فيما إذا أجاز بعد الثلاثة، فإنه لا خيار
بناء على الكشف دون النقل. فتدبر.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
391

الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين عن الثلاثة. وعلله
الشيخ (قدس سره) بأن المتبادر من النص غير هذه الصورة. وقد بين وجه الانصراف بأن
ظاهر قوله: " فإن لم يجئ " هو عدم المجئ فيما من شأنه أن يجئ بالثمن، فالتقابل
الملحوظ تقابل العدم والملكة. فإذا كان عدم المجئ بالثمن لأجل الاشتراط فليس
ذلك تأخيرا لما من شأنه أن لا يؤخر.
هذا بالنسبة إلى تأخير الثمن مع الشرط، وأما بالنسبة إلى تأخير المبيع مع
الشرط، فلأن قوله: " ثم يدعه عنده فيقول آتيك بثمنه " ظاهر في أن ترك المبيع عند
المشتري بطبعه من جهة تأخيره ثمنه لا أنه ملزوم به اشتراط البائع تأخير تسليمه
سواء سلم الثمن أم لا.
وأما قوله: " فإن قبض بيعه " فإن محط النظر هو مفهومه أعني: " فإن لم
يقبضه... ".
ومن الواضح أن المراد به وبعدم الاقباض الوارد في الصدر هو التأخير لا عن
اشتراط وإلا لما كان وجه للسؤال والحيرة إذا فرض أنه قد اشترط تأخير المبيع.
فانتبه.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر في مقام تقريب هذا الشرط بأنه في الجملة إجماعي.
والذي يريد بقوله: " في الجملة " هو عدم ثبوت الخيار في زمان الشرط
بالاتفاق، فإن من أثبته مع شرط التأخير إنما أثبته فيما بعد انقضاء الشرط. فعدم
ثبوت الخيار عند شرط التأخير ثابت بالاجماع في الجملة. فانتبه.
ثم إنه لا بد من التنبيه على شئ وهو: إن الالتزام بهذا الشرط في خيار التأخير
يلازم لغويته بالمرة.
وذلك لأن غالب المعاملات العرفية المهمة وغيرها لا يخلو من شرط ارتكازي
ضمني يدل عليه ظاهر الحال أو بعض المناسبات، يرجع إلى شرط تعجيل الثمن أو
المثمن أو تأخيرهما.
ففي مثل شراء الدواء للمعالجة يكون ظاهر الحال اشتراط تعجيل تسليم المبيع،
392

وفي مثل بيع حاجة لأجل دفع ضرورة عاجلة ظاهر في اشتراط تعجيل تسليم
الثمن، وفي مثل شراء دار ظاهر في صحة التأخير أكثر من ثلاثة أيام من ناحية الثمن
والمثمن.
ومن الواضح أنه مع ثبوت هذا الشرط الضمني الارتكازي، لا موضوع حينئذ
لخيار التأخير، إذ مع اشتراط التعجيل ضمنا لا مجال للامهال ثلاثة أيام بل يثبت
الخيار عند مجرد التأخير، فلا معنى للسؤال عن حكم التأخير عن ثلاثة أيام
والحيرة فيما يثبت له، فالأخبار منصرفة عنه. ومع اشتراط التأخير عرفت أنه
لا ثبوت للخيار لأنه منصرف النصوص.
والمفروض أن غالب المعاملات تشتمل على هذا الشرط. ومن المقطوع بعدمه
تكفل نصوص خيار التأخير حكما تعبديا يرجع إلى عدم الاعتناء بالشرط
الضمني.
وعليه، فلا يبقى مورد لخيار التأخير إلا نادرا، ومن هنا نستطيع أن نقول إن
مضمون هذه النصوص خصوصا بعد ظهورها بدوا في نفي الصحة، مما يرد علمه إلى
أهله. فالتفت.
الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهه - كصاع من صبرة - وقد التزم
الشيخ (قدس سره) (1) بهذا الشرط لوجوه ثلاثة:
الأول: ما ذهب إلى استفادته من كلمات العلماء من أن هذا الشرط إجماعي.
وحاول دفع جميع ما يحاول به نفي الاجماع.
الثاني: عدم تأتي قاعدة نفي الضرر بلحاظ ضمان المبيع قبل القبض، فإن ذلك
إنما يتأتى بالنسبة إلى المبيع الشخصي، إذ هو المضمون على البائع قبل القبض ولا
يجوز له التصرف فيه فيثبت له الخيار دفعا للضرر، ولا يتأتى بالنسبة إلى المبيع
الكلي، كما لا يخفى.
الثالث: ظهور النصوص في كون الموضوع خصوص المبيع الشخصي.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 245، الطبعة الأولى.
393

أما روايتا (1) ابن يقطين وابن عمار فقد اشتملتا على لفظ: " البيع "، وقد عرفت أنه بمعنى المبيع. واطلاق المبيع قبل تحقق البيع لا بد أن يكون بملاحظة معروضيته
للبيع، وهو إنما يتصور في الأعيان الشخصية، إذ هي القابلة للعرض لأجل البيع دون
الكلي.
وأما رواية زرارة (2)، فقد اشتملت على لفظ المتاع وهو ظاهر في المبيع
الشخصي، كما اشتملت على لفظ " يدعه عنده " وهو إنما يتصور في المبيع الشخصي.
وأما رواية أبو بكر بن عياش (3)، فهي وإن اشتملت على التعبير ب‍: " من اشترى
شيئا " وهو مطلق يعم الكلي والمعين، إلا أن الظاهر من لفظ الشئ الموجود
الخارجي كما يقال " اشتريت شيئا " إذ لا يعبر به عن شراء الكلي.
هذا ملخص ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المقام. وقد خالفه الأعلام المحشون (قدس سرهم) (4)
وذهبوا إلى عموم الحكم لصورة بيع الكلي أيضا وتصدوا لمناقشة جميع هذه الوجوه،
وملخص ما قيل في وجه مناقشتها:
أما الاجماع، فبعدم ظهور ذلك من كلمات الكل خصوصا وأن الشهيد في
الدروس (5) نسب إلى خصوص الشيخ (رحمه الله) تقييد هذا الخيار بشراء معين، فإنه ظاهر
في عدم فهمه التقييد من كلمات العلماء غيره.
وأما قاعدة نفي الضرر، فهي وإن لم تنطبق بلحاظ الضرر الحاصل من قبل ضمان
المبيع لعدم الضمان في الكلي. ولكن ضرر تأخير الثمن بعد استحقاقه له بالملك
لا يرتفع في بيع الكلي، فيمكن تطبيق قاعدة نفي الضرر بلحاظه واثبات الخيار بها.
ودعوى: إن ضرر تأخير الثمن إنما هو بلحاظ حبس البائع عن التصرف في

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار ح 3 و 4.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار ح 1.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار ح 2.
4 - كالسيد الطباطبائي في حاشيته ص 53، والمحقق الأصفهاني في حاشيته ص 80، والمحقق
الإيرواني في حاشيته ص 43.
5 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 273، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
394

المبيع المقابل له، وهذا إنما يكون في بيع الشخصي دون الكلي إذ البائع مطلق
العنان في التصرف في جميع أمواله، فتأخير الثمن يكون فواتا للنفع لا ضررا.
تندفع: أن الثمن بعد أن صار ملكا للبائع بواسطة البيع فحبسه عنه حبس له عن
التصرف في ملكه وحرمانه منه وهو ضرر بلا إشكال، لأنه نقص يرد عليه.
نعم، قبل تملكه يكون فوات الثمن فوات نفع وليس بضرر، فانتبه.
وأما النصوص، فروايتا ابن يقطين وابن عمار يمكن أن يراد بلفظ " البيع " فيهما
معناه المصدري لا المبيع فيكون مفعولا مطلقا، كما يقول من عامل معاملة أو تاجر
تجارة ونحو ذلك. ولو فرض أن المراد بالبيع المبيع، فإطلاقه قبل تحقق البيع يمكن أن
يكون بمناسبة الأول والمشارفة لا المعروضية للبيع، فيعم الكلي حينئذ، ولو سلم
إرادة المعروضية للبيع.
وأما رواية زرارة، فلا ظهور للمتاع في الشخصي، كما لا ظهور لقوله: " يدعه "
في ذلك، إذ يصدق على عدم قبض الكلي وتركه لدى البائع أنه يدعه عنده.
وأما رواية أبي بكر بن عياش، فالشئ وإن كان يساوق الموجود لكن لا ظهور
له في إرادة الموجود الخارجي، بل يعم كل موجود ولو كان موجودا في الذمة،
كالكلي، لأنه يعتبر في الذمة كما أشرنا إليه سابقا، فيقال له بهذا الاعتبار أنه شئ،
ويصح أن يعبر عن شراء الكلي بشراء شئ.
وبالجملة، فما أفاده الشيخ (قدس سره) لا يمكن الالتزام به، فالصحيح هو التعميم لمطلق
موارد البيع شخصيا كان المبيع أم كليا.
الشرط الخامس: عدم الخيار لهما أو لأحدهما.
وحكي عن التحرير (1) أنه قال: " ولا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار
لأحدهما ". والأقوال التي أشار إليها الشيخ (قدس سره) في هذا الشرط أربعة:
الأول: اشتراط عدم الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 167، الطبعة الأولى.
395

الثاني: اشتراط عدم الخيار لخصوص البائع، فالخيار الثابت للمشتري لا يمنع
من خيار التأخير.
الثالث: اشتراط عدم خصوص خيار الشرط لأحدهما.
الرابع: نفي اشتراط عدم الخيار لأحدهما بقول مطلق ومرجعه إلى إنكار الشرط
الخامس بالمرة وهو مختار الشيخ (قدس سره).
أما القول الأول: فقد وجهه بما حاصله: أن ذا الخيار يكون له حق تأخير الثمن
أو المثمن ولا يلزمه التسليم، وقد تقدم أن الأخبار الدالة على خيار التأخير
منصرفة عما إذا كان التأخير بحق، كموارد اشتراط التأخير، بل موضوعها ما إذا
كان التأخير لغير حق. فثبوت الخيار بمنزلة اشتراط تأخير أحد العوضين.
واستشهد على ذلك بما ذكره العلامة في التذكرة (1).
وبالجملة، هذا الوجه مركب من مقدمتين:
إحداهما: جواز تأخير الثمن إذا كان الخيار للمشتري وجواز تأخير المثمن إذا
كان الخيار للبائع، فإن ذلك من أحكام الخيار.
والأخرى: انصراف الأخبار الدالة على خيار التأخير عن صورة ما إذا كان
التأخير عن استحقاق لا عن ظلم وتعد.
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) توقفه في كلتا المقدمتين. والوجه في ذلك..
أما المقدمة الأولى: فلأن الثابت في باب الخيار هو سلطنة ذي الخيار على حل
العقد بإعمال حق خياره، أما جواز حبسه الثمن أو المثمن فلا دليل على جوازه بعد
دخول كل منهما في ملك الآخر، فلا يقتضي الخيار السلطنة عليهما ما دام العقد ثابتا.
وأما المقدمة الثانية: فقد يتخيل أن الاستشكال فيها ينافي ما تقدم منه من
الالتزام بعدم الخيار عند اشتراط تأخير أحد العوضين بدعوى انصراف الأخبار
عن صورة كون التأخير بحق، إذ التأخير فيما نحن فيه بحق أيضا.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 537، الطبعة الأولى.
396

وقد ذكر في وجه عدم التنافي: أن الجامع بين الفرضين وإن كان هو كون التأخير
عن حق لا عن ظلم وإهمال.
لكن الملاك في عدم الخيار في صورة اشتراط التأخير ليس مجرد كون التأخير
عن حق حتى يسري الحكم إلى ما نحن فيه، بل لأنه مع اشتراط التأخير والتزام
البائع بحقية المشتري تأخير الثمن لا مجال للسؤال عن أنه إذا أخر الثمن ماذا أفعل، إذ
لا حيرة له بعد التزامه كي يسأل عن حكمه، فتكون الأخبار الظاهرة في الحيرة
منصرفة عن هذه الصورة.
وهذا لا يتأتى في مورد يجوز للمشتري التأخير بلا التزام البائع على نفسه بذلك،
إذ تتصور الحيرة في أمره وله مجال السؤال عن حكمه إذا أخر المشتري ولو كان
تأخيره جائزا شرعا، نظير ما إذا كان التأخير عن امتناع عقلي، فإنه أيضا عن حق
لا عن ظلم لكن تشمله أخبار خيار التأخير، فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد تسليمه كلتا المقدمتين أورد على الوجه المزبور: أنه يستلزم
عدم ثبوت خيار التأخير في بيع الحيوان لثبوت الخيار فيه في الأيام الثلاثة، فيكون
التأخير فيها عن حق. مع أن الاتفاق على ثبوت خيار التأخير في الحيوان، كما يظهر
من المختلف (1).
فلازم الدليل المزبور نتيجة تنافي الاجماع. ثم قال (قدس سره): " إلا أن يراد بما في التحرير
عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد
الثلاثة ".
وأورد عليه السيد الطباطبائي (رحمه الله): بعدم ارتباط هذا القول بما قبله. وذلك لأن
الشيخ (قدس سره) ذكر دليلا على القول باشتراط خيار التأخير بعدم الخيار لأحدهما،
وذهب إلى أن مقتضاه عدم ثبوت خيار التأخير في بيع الحيوان وهو خلاف
الاتفاق.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 351، الطبعة الأولى.
397

ولا يخفى أن الاستدراك المناسب الذي يرجع إلى تصحيح الدليل ودفع الإشكال
عنه ليس هو بيان مراد العلامة في التحرير وأنه لا يخالف الاجماع، إذ هو لا يرفع
الإشكال عن الدليل لو كان مقتضاه عاما بنحو ينافي الاجماع، بل المناسب هو بيان
أن مقتضى الدليل هو نفي خيار التأخير ما دام الخيار لأحدهما ثابتا، فلا يستلزم نفي
خيار التأخير في الحيوان مطلقا حتى ينافي الاجماع.
وقد دافع المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) عن الشيخ (قدس سره) وأثبت ارتباط قوله: " إلا أن
يراد... " بما قبله، ببيان يرجع إلى أن مقتضى الجمع بين دليل خيار الحيوان بضميمة
ما دل على عدم استحقاق التسليم في زمن الخيار ودليل خيار التأخير، هو ثبوت
خيار التأخير في الحيوان بعد الثلاثة بحيث يلاحظ تأخير الثمن بعد الثلاثة، فيكون
قوله " إلا أن يراد... " تنبيها على هذه النكتة، فيرتبط بما قبله.
ولا يخفى عليك أن ما ذكر يرجع إلى فرض مقدمات مطوية في كلام الشيخ (قدس سره)
وبدونها يثبت عدم الارتباط بين الاستدراك وما قبله. وهذا في الحقيقة اعتراف
بعدم الربط بحسب ظاهر الكلام. وهو ما يريد السيد (رحمه الله) بيانه، فما أفاده متين.
فلاحظ.
وأما القول الثاني: فقد وجهه الشيخ (قدس سره) بوجهين:
الأول: أن ظاهر أخبار خيار التأخير بقرينة المقابلة بين المجئ بالثمن وعدم
المجئ، به هو ثبوت اللزوم قبل الثلاثة ونفي الخيار فيها. وظاهرها هو كون المنفي
قبل الثلاثة هو المثبت بعدها، وبما أن المثبت بعد الثلاثة هو الخيار المطلق فيكون هو
المنفي قبل الثلاثة، وليس المثبت بعد الثلاثة هو خصوص خيار التأخير إذ الحكم
لا يتقيد بسببه، فلا معنى لأن يكون التأخير سببا لخيار التأخير بما هو كذلك إذ
مقتضاه سببية السبب لنفسه وهو محال، فالمسبب هو مطلق الخيار لا الخيار الخاص،
فيكون المنفي قبل الثلاثة هو مطلق الخيار، فإذا فرض ثبوت الخيار قبل الثلاثة كان
ذلك خارجا عن منصرف الأخبار وظاهرها.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 81، الطبعة الأولى.
398

وهذا البيان لا يتأتى فيما إذا كان الخيار للمشتري خاصة، إذ الأخبار لا تثبت له
الخيار حتى يقال أن مقتضاها نفيه قبل الثلاثة بقرينة المقابلة.
وقد ناقش الشيخ (قدس سره) هذا الوجه وحمل كلامه على أن عدم تقيد المسبب بسببه
للمحذور السابق لا يمنع من كون المنفي خصوص خيار التأخير، لعدم سببه. فيلتزم
بأن المنفي هو خيار التأخير خاصة لعدم سببه.
وأورد عليه (قدس سره): بأن إثبات نفي الخيار المطلق قبل الثلاثة ليس من جهة عقلية
كي يقال: أن المحذور العقلي في تقيد المسبب بسببه لا في عدم المسبب الخاص لعدم
سببه، بل من جهة ظهور الكلام بلحاظ المقابلة في وحدة المنفي والمثبت.
ولكن الذي يظهر لنا من كلام الشيخ (قدس سره) ليس ذلك، بل نظره إلى أن قرينة المقابلة
لا تحتم نفي الخيار في الثلاثة بالنحو الثابت بعدها بحيث تكون النصوص دالة على
اللزوم بقول مطلق. بل المقابلة تتحقق بجهة أخرى أيضا وهي أن الخيار ثابت بعد
الثلاثة لحصول سببه ولا ثبوت له قبلها لعدم سببه وهو لا ينافي ثبوت الخيار من جهة
أخرى. وبهذا تتم المقابلة بلا استلزام لنفي الخيار وإثبات اللزوم، ولا ظهور للمقابلة
في المعنى الأول بعد تماميتها بهذا الوجه.
الثاني: إن ملاك هذا الخيار هو دفع الضرر الوارد على البائع وفي مورد تمكن
البائع من دفع الضرر بخيار آخر لا يكون في اثبات هذا الخيار إرفاق به ومنة.
وبهذا البيان لكلام الشيخ (قدس سره) لا يتوجه عليه حينئذ بأن تدارك الضرر لا ينافي
انطباق " لا ضرر " بعد تمامية الموضوع. إذ ليس مجرد نفي الضرر هو الملاك في
تطبيقها بل مع كونه ارفاقيا، وقد عرفت أنه لا ارفاق فيه مع تمكن البائع من دفعه
بخيار آخر.
نعم، يتوجه على هذا الوجه أنه يتم لو فرض أن دليل الخيار هو قاعدة نفي
الضرر، وليس الأمر كذلك بل دليله هو النصوص، ولا ظهور فيها في كون تمام
الملاك في الحكم هو الارفاق بنحو يدور الحكم مداره وجودا وعدما. بل هو
ملحوظ بنحو الحكمة، فلا ينافي تخلفه في بعض الموارد ثبوت الخيار فيها.
399

وأما القول الثالث: فلا وجه له ظاهر. فالمتعين هو القول الرابع.
الشرط السادس: تعدد المتعاقدين، فلا يثبت مع وحدتهما، كالوكيل عن
المالكين في اجراء صيغة العقد، فيكون البائع والمشتري واحدا.
والوجه فيه: أن النص يختص بصورة التعدد. مضافا إلى أن هذا الخيار ثبت بعد
خيار المجلس وخيار المجلس باق مع اتحاد العاقد إلا مع إسقاطه، إذ لا يتصور التفرق
حينئذ الذي هو غاية لخيار المجلس.
ولكن كلا الوجهين مندفعان، كما أفاده الشيخ (قدس سره) (1):
أما الأول: فلأن بعض الأخبار وإن كان ظاهرا في كون مورده تعدد العاقد،
لكن إطلاق بعضها يشمل صورة وحدتهما.
ثم إن ظاهر الأخبار كون المناط هو القبض وعدمه. ومن الواضح أن المنظور
فيه هو المالكان لا العاقد، إذ الثمن لا يعطى لمن ينشئ الصيغة. والمالكان متعددان
وإن اتحد العاقد من قبلهما.
نعم، لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأول لتحقق قبض
المبيع والثمن، فلا يثبت الخيار ولكنه ليس من جهة وحدة العاقد.
وأما الثاني: فقد أفاد الشيخ (قدس سره) بأن خيار المجلس لا يثبت للوكيل في إجراء العقد
فقط ولو سلم ثبوته فيمكن إسقاطه أو اشتراط عدمه في ضمن العقد.
ثم إنه لا يخفى أن دعوى كون هذا الخيار بعد خيار المجلس - ويراد به ظاهرا أن
مبدأ الثلاثة بعد خيار المجلس - مما لا وجه له بحسب الصناعة بالمرة. نعم يقع البحث -
على ما ستعرف - في أن مبدأ الثلاثة هل هو من حين العقد أو من حين التفرق، وهذا
أجنبي عن كون مبدئه من بعد خيار المجلس، إذ قد يسقط خيار المجلس قبل التفرق،
فانتبه.
الشرط السابع: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية، فإنه حكي عن
الصدوق (رحمه الله) في المقنع (2) التزامه فيما إذا أشتري جارية بأنه إن جاء بالثمن فيما بينه

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 246، الطبعة الأولى.
2 - الصدوق، محمد بن علي: المقنع، ص 365، الطبعة الأولى.
400

وبين شهر وإلا فلا بيع له. ونسب الخلاف له في مطلق الحيوان.
ولا يخفى أنه ليس إنكارا لخيار التأخير في الحيوان والجارية، وإنما هو قول به
بنحو خاص.
وعلى كل، فالوجه فيه رواية ابن يقطين (1): " عن رجل أشتري جارية فقال
أجيئك بالثمن فقال (عليه السلام): إن جاء بالثمن فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له ".
وناقش الشيخ (قدس سره) (2) دلالتها: بأنه لا دلالة لها على صورة عدم إقباض الجارية،
كما أنه لا قرينة على حملها عليه.
وبما أنها منافية لعمل المعظم فلا بد من حملها على بعض الوجوه، كحملها على
صورة اشتراط المجئ بالثمن إلى شهر في متن العقد، فيثبت خيار تخلف الشرط عند
التأخير عن الشهر. أو على استحباب صبر البائع إلى شهر وعدم فسخه.
هذا تمام الكلام في شرائط هذا الخيار وقد عرفت أن المسلم منها اثنان: الثاني
والثالث خاصة.
يبقى الكلام في أمر أشرنا إليه في الشرط السادس وهو أن مبدأ الثلاثة من حين
التفرق أو من حين العقد؟
ووجه الأول: هو أن ظاهر قوله: " فإن جاء بالثمن بينه وبين ثلاثة أيام " كون
مدة الغيبة ثلاثة، إذ لا يقال للحاضر أنه جاء بالثمن.
ووجه الثاني: أنه من المعلوم هو قوله (عليه السلام) المتقدم كناية عن القبض وعدمه في
الثلاثة بلا خصوصية للغيبة، كما هو ظاهر رواية ابن يقطين لقوله (عليه السلام): " الأجل
بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع له " فإن الظاهر كون تمام المناط هو
القبض وعدمه في الثلاثة ولا دخل للتفرق والغيبة فيه. ومن هنا يظهر أن المتجه هو
القول الثاني.
ويقع الكلام بعد ذلك في مسقطات هذا الخيار وهي أمور:

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 9: من أبواب الخيار ح 6.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 247، الطبعة الأولى.
401

الأول: إسقاطه بعد العقد، ولا كلام في صحته إذا كان بعد الثلاثة وفي زمان
فعلية الخيار.
إنما الاشكال في صحته إذا كان قبل انتهاء الثلاثة، ووجهه أنه يكون من اسقاط
ما لم يجب، إذ فعلية الخيار بعد الثلاثة.
أقول: إن أريد بالاسقاط قبل انتهاء الثلاثة تحقق السقوط فعلا، فهو محال إذ لا
حق كي يسقط. وإن أريد به الانشاء الفعلي للسقوط كي يتحقق السقوط في ظرف
ثبوت الخيار، فليس قبل الثلاثة إلا الاسقاط الانشائي على تقدير حدوث الخيار
وفعليته، فلا محالية فيه كما لا يخفى، لكن فيه اشكال من جهتين:
الأولى: أنه يرجع إلى التعليق في الانشاء، لأن المنشأ هو السقوط على تقدير
فعلية الخيار وتحقق ظرفه، وهو - أي التعليق - باطل في المعاملات.
ويمكن دفعه: بأن امتناع التعليق ليس عقليا بل إجماعيا، ولا إجماع على عدم
صحة الاسقاط فيما نحن فيه.
الثانية: أن دليل تحقق السقوط بالاسقاط هو الاجماع على أن لكل ذي حق
اسقاط حقه، وهو مشكوك الشمول لما نحن فيه - أعني ما كان الاسقاط فعليا
والسقوط استقباليا. وبعبارة أخرى: ما لم يكن انشاء الاسقاط في ظرف فعلية
الحق -. فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو صورة اسقاط الحق الثابت فعلا. وعلى
هذا فتشكل صحة الاسقاط قبل انتهاء الثلاثة.
الثاني: - من المسقطات - اشتراط سقوطه في متن العقد، والوجه في صحته
عموم " المؤمنون عند شروطهم " (1).
لكن استشكل (2) فيه الشيخ (قدس سره) بأن العموم المزبور إنما يقتضي نفوذ الشرط فيما
كان مشروعا في حد نفسه ولا يثبت مشروعيته إذا لم يكن مشروعا في نفسه.
وعليه، فصحة الشرط فيما نحن فيه تتوقف على المفروغية عن مشروعية

1 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 20: من أبواب المهور، ح 4.
2 - ستأتي المناقشة في هذا الاشكال في خيار الرؤية.
402

الإسقاط قبل انتهاء الثلاثة، ولا يثبت به مشروعية سقوط ما لا يشرع إسقاطه
بدون شرط.
نعم، لو قام إجماع على صحة الشرط فيما نحن فيه قيل به، وبفحواه نقول بصحة
اسقاط الخيار بعد العقد وقبل انتهاء الثلاثة. وإلا فللنظر فيه مجال.
الثالث: - من مسقطات الخيار - بذل الثمن من المشتري بعد الثلاثة.
وقد حكي ذلك عن التذكرة (1) وقيل (2) بعدم سقوطه للاستصحاب.
وقد ناقش الشيخ (قدس سره) في جريان الاستصحاب في المقام لو كان المستند في الخيار
هو قاعدة نفي الضرر.
والوجه فيه: إما عدم الشك في البقاء - كما يظهر من كلامه - باعتبار أن ملاك
الخيار إذا كان دفع الضرر، فلا شك في عدم الضرر بعد بذل المشتري للثمن، فلا
خيار لأجل عدم الضرر.
وإما لتبدل الموضوع، إذ الخيار كان ثابتا عند تحقق الضرر، فإذا زال الضرر
ببذل الثمن تبدل الموضوع ولا مجال للاستصحاب معه، كما حرر في محله.
وقد نوقش الوجه الأول: بأن المعلوم ارتفاعه هو شخص الحكم الثابت سابقا
بملاك الضرر وهو لا ينافي ثبوت سنخ الحكم بملاك آخر غير الضرر الفعلي. نعم لو
استفيد من دليل نفي الضرر انحصار العلة به بنحو المفهوم تم ما ذكر، ولكنه مما لا وجه
له.
ونوقش الوجه الثاني: أن موضوع الخيار قبل بذل الثمن وإن كان هو البائع
المتضرر لكن التضرر يعد عرفا من حالاته لا مقوماته، فزواله لا يكون مستلزما
لزوال الموضوع، نظير زوال وصف التغير عن الماء النجس بالتغير.
ويمكن الجواب عن مناقشة الوجه الأول: بأن ما أفاده الشيخ (قدس سره) ليس من جهة
دلالة الحديث على المفهوم، بل من جهة القطع في المقام خاصة بعدم ثبوت خيار

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 523، الطبعة الأولى.
2 - النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 57، الطبعة الأولى.
403

التأخير لغير جهة الضرر وأنه على تقدير ثبوته، فهو من جهة دفع الضرر.
فيكون اندفاع الضرر مستلزما للقطع بعدم الخيار.
كما يمكن الجواب عن مناقشة الوجه الثاني: بأن التضرر ليس ملحوظا من
عوارض نفس البائع كي يقال أنه من حالاته لا مقوماته. بل إما هو ملحوظ قيدا
للمعاملة أو لحكمها وهو اللزوم. ومن الواضح أن الضرر في المعاملة قد لوحظ
مقوما، فالبيع الخياري هو البيع الضرري بما هو كذلك، وهكذا الضرر في اللزوم فإن
المرفوع هو اللزوم الضرري بما هو كذلك.
وبعبارة أخرى: إن تمام ملاك ثبوت الخيار هو دفع الضرر وهذا يقتضي كون
الضرر قواما للموضوع عرفا، نظير العلم في لزوم التقليد للعالم، فإن مناسبة الحكم
والموضوع تقتضي عرفا تقوم جواز التقليد بجهة العلم.
وبالجملة، لا مجال للاستصحاب بناء على كون دليل الخيار هو قاعدة نفي
الضرر.
وأما لو كان مستند الخيار هو الأخبار، فقد أستحسن الشيخ (قدس سره) جريان
الاستصحاب.
أقول: مقتضى إطلاقها - كما قيل - هو ثبوت الخيار على تقدير بذل الثمن، فلا
محل للاستصحاب. وأما دعوى انصراف الأخبار إلى صورة التضرر فعلا بلزوم
العقد، فلا تدل على ثبوت الخيار على تقدير بذل الثمن.
ففيها: أن ظاهر الأخبار هو ملاحظة الضرر الحاصل بالتأخير ثلاثة أيام ولا
نظر لها إلى الضرر لما بعد الثلاثة، فكان خيار التأخير جزاء على الضرر الذي أورده
المشتري على البائع، فانتبه.
الرابع: - من مسقطات الخيار - أخذ الثمن من المشتري. وقبل البحث فيه لا بد من التنبيه على جهتين:
الأولى: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) من أن البحث في مسقطية أخذ الثمن إنما يتأتى بعد
فرض عدم مسقطية البذل، وإلا لكان البحث عنه لغوا، لسبق البذل على الأخذ فلا
موضوع لمسقطية الأخذ حينئذ.
404

الثانية: في وجه التقابل بين أخذ الثمن والاسقاط، مع أن مسقطيته من جهة أنه
اسقاط للخيار فعلي، فينبغي إدراج البحث في مسقطية أخذ الثمن في البحث عن
مسقطية الاسقاط، فيبين هناك أنه لا فرق بين الاسقاط القولي والفعلي.
وقد تصدى إلى توجيه التقابل، فذكر فيه وجهان:
الأول: أن حق الخيار يتقوم بجهتين: إحداهما حق الفسخ. والأخرى حق
الامضاء والالتزام، وجهة سقوط الخيار بأخذ الثمن من جهة أنه يكشف عن التزام
البائع بالعقد ورضاه به، فيكون إعمالا للخيار، فيسقط في قبال إسقاطه ودفع اليد
عنه. وهذا الوجه أشار إليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1).
الثاني: ما أشار إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) وهو: أن أخذ الثمن التزام قهري
بالبيع بمقتضى تعبد الشارع، كما يشير إليه التعليل الوارد في التصرف بأنه رضا
بالبيع، فليس هو من مصاديق الإسقاط الانشائي الفعلي كي لا تصح المقابلة.
وكيف كان، فيقع الكلام في أن أخذ الثمن هل يستلزم سقوط الخيار أم لا؟
ذهب الشيخ (قدس سره) إلى ذلك ببيان أنه التزام فعلي بالبيع ورضاء بلزومه.
ثم إنه (قدس سره) ردد بين اشتراط إفادته العلم بكونه لأجل الالتزام بالبيع وبين الاكتفاء
بالظن، وبين عدم اعتبار شئ من ذلك لأجل كونه كاشفا نوعيا عن الالتزام،
والظهور النوعي حجة مع عدم حجة على خلافه، وقال (قدس سره) خير الوجوه أوسطها
لكن الأقوى الأخير.
ولم نعرف وجه الجمع بين هذين الأمرين. وعلى كل حال، فقد أورد على دعوى
كون أخذ الثمن كاشفا نوعيا عن الالتزام بالعقد والرضا به بأنه منتقض بموارد خيار
المجلس والحيوان، فإن أخذ الثمن بعد العقد وفي زمن الخيار لا يمنع من ثبوت الخيار
ولا يقول به أحد.
ولكن يمكن الفرق بين المقامين، بأن أخذ الثمن بعد مضي زمان طويل يكون فيه

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 84، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 55 - 56، الطبعة الأولى.
405

مجال للتروي والتأمل في إمضاء العقد وفسخه، وما هو الصالح منهما يكشف عن
الرضا بالعقد، إذ أخذ الثمن لو لم يكن بانيا على الالتزام بالعقد يكون لغوا، إذ لا يمكنه
التصرف به لأن التصرف به مسقط للخيار والمفروض أنه ليس في هذا المقام.
وبالجملة، لو كان بانيا على فسخ العقد لا معنى لأخذه الثمن لأنه عمل لغو.
فأخذه والحال هذه يكون كاشفا عن اختياره الالتزام بالعقد، وليس الحال كذلك
بالنسبة إلى أخذه بعد العقد مباشرة، إذ يمكن أن يكون مترددا ولم يميز الصالح بعد
لعدم مضي زمان صالح للتروي والجزم بأحد الطرفين، فلا يكون أخذ الثمن كاشفا
نوعيا عن التزامه بالعقد في مثل ذلك.
وبالجملة، لا اشكال بأن أخذ الثمن فيما نحن فيه كاشف نوعي عن الالتزام بالعقد
والرضا به - بعد فرض أن التصرف مسقط للخيار - وبمقتضى حجية الظواهر العرفية
في باب الأقوال والأفعال يتم المطلوب.
ويقع الكلام بعد ذلك في أن مطالبة الثمن هل تستلزم سقوط الخيار أو لا؟
قد يقال: بالسقوط، لدلالته على الرضا بالبيع. واستشكل الشيخ (قدس سره) فيه بأن
سبب الخيار هو الضرر الحاصل في المستقبل، إذ الضرر الحاصل في الماضي مما
لا يمكن تداركه بالخيار. ومطالبة الثمن لا تدل على الرضا بالضرر في المستقبل بل هي
استدفاع له كالفسخ. وليست التزاما به ليسقط الخيار.
أقول: يرد على الشيخ (قدس سره) وجهان:
الأول: أنه لا وجه لتركيزه الكلام على الضرر الماضي والمستقبل وإهماله الضرر
الفعلي بالمرة، مع أن ملاك نفي الضرر هو الضرر الفعلي لظهور الدليل في فعلية الحكم
بفعلية موضوعه. فالخيار الثابت بملاك دفع الضرر إنما يلحظ فيه الضرر الفعلي
الحاصل من التأخير لا الضرر الماضي لعدم تداركه بالخيار ولا الضرر الاستقبالي
لأنه خلاف ظاهر الدليل. ولم نعلم الوجه في إغفال الشيخ (قدس سره) ذلك وسكوت المحشين
عنه.
ولا يخفى عليك أنه يمكن تقريب دلالة المطالبة بالثمن على الرضا بالعقد والتجاوز
عن الضرر الفعلي بعين ما تقدم في بيان دلالة أخذ الثمن، إذ لا معنى للمطالبة إذا
406

فرض أنه بأن على الفسخ، إذ لا يمكنه التصرف به لو أخذه لأن التصرف مسقط
بحسب الفرض. فلولا أنه راض بالمعاملة لكانت مطالبته لغوا. فالمطالبة كاشف
نوعي عن الالتزام بالعقد.
الثاني: ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن الظاهر من الأخبار كون الضرر
الماضي دخيلا في ثبوت الخيار، فيكون الملاك فيه هو الضرر الماضي والمستقبل.
فإذا فرض أن المطالبة كاشفة عن الرضا بالضرر الماضي سقط الخيار، لأن جعل
الخيار مع الرضا بالضرر لا امتنان فيه بل يكون من قبيل موارد الاقدام على
الضرر.
ولا يخفى أن نظره (رحمه الله) إلى أن الرضا الفعلي بالضرر الماضي يوجب سقوط الخيار
فعلا وعند المطالبة، لا أنه يرجع إلى الرضا بسقوط الخيار في الماضي كي يورد عليه
بأنه لا معنى له، كما في حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2)، فراجع.
ويقع الكلام بعد ذلك في مسائل:
المسألة الأولى: في أن هذا الخيار على الفور أو على التراخي، فإن فيه قولين كما
ذكر الشيخ (قدس سره) (3).
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه قد تقدم في خيار الغبن الحديث في هذه الجهة. وقد بين
هناك الضابط العام وما يصلح أن يستند إليه كل طرف مع قطع النظر عن
خصوصيات الموارد.
واختار (قدس سره) هناك أن الخيار على الفور، لعدم امكان الرجوع إلى استصحاب
الخيار، في الوقت الذي لا يمكن الرجوع إلى عموم * (أوفوا بالعقود) *، فيرجع إلى
أصالة اللزوم العملية لا اللفظية، ولكن هذا الخيار يختلف عن سابقه، فيمكن أن
يلتزم به بالتراخي لوجهين:

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 56، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 84، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 247، الطبعة الأولى.
407

الوجه الأول: ظهور النص في نفي اللزوم بقول مطلق بلا تحديد له في زمان
خاص.
بيان ذلك: أنه قد عرفت أن قوله (عليه السلام) في روايات الباب " لا بيع له " ظاهر في نفي
الحقيقة. وحيث امتنع حمله على نفي الحقيقة فالأقرب إلى ذلك هو نفي الصحة.
وظاهر أنه ينفي الصحة بقول مطلق لا أنه ينفيها في زمان ما، فإذا فرض حمله على
نفي اللزوم باعتبار أنه أظهر الآثار - كما قيل - فهو ظاهر أيضا في نفيه بقول مطلق،
لظهور اللفظ عرفا في إرادة النفي في مطلق الأزمنة لا في زمان خاص.
ولكن الشيخ (قدس سره) تأمل في ذلك. وقيل في وجه تأمله أن ما أفاده (قدس سره) من ظهور
النص ينافي ما صرح به مرارا وبنى عليه من أن النص لا يتكفل حكما زائدا على
قاعدة نفي الضرر في المقام، وقاعدة نفي الضرر لا تقتضي أزيد من الخيار آنا ما
لاندفاع الضرر بذلك.
الوجه الثاني: إمكان جريان استصحاب الخيار وعدم اللزوم، ولا ينافي ذلك
ما تقدم منه من كون المستفاد من النص هو الحكم بملاك نفي الضرر باعتبار أن
مقتضاه تحقق الشك في بقاء الموضوع، أو العلم بزواله كما تقدم في خيار الغبن.
وذلك لأن الخيار ليس مستفادا من قاعدة نفي الضرر كي يقال أن موضوعها
المتضرر وقد زال، وإنما استفيد من النص وهو وإن كان بملاك نفي الضرر لكن
لا يستلزم ذلك تقييد الموضوع - في باب الاستصحاب - في ظاهر النص بالمتضرر،
إذ الملاك يوجب تحديد سعة الحكم الثابت بالدليل ولا يوجب تغيير ظهور الدليل في
كون الموضوع - بمعنى معروض الحكم - ذات البائع.
وقد تقدم أنه إذا كان هناك دليل لفظي ينقح معروض الحكم فالمدار عليه، فانتبه
ولا تغفل. هذا بيان ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام وهو متين لا اشكال لنا فيه.
المسألة الثانية: في تلف المبيع، وهو تارة يكون بعد الثلاثة وأخرى قبلها.
أما إذا كان التلف بعد الثلاثة، فذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه من البائع إجماعا مستفيضا

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 247، الطبعة الأولى.
408

بل متواترا، كما في الرياض (1). ويدل عليه الحديث النبوي المشهور وإن لم
يوجد في كتبنا " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " (2). ومقتضى اطلاقه
ثبوت الحكم مطلقا في حال الخيار أو بعد بطلانه باسقاط، أو لتأخير - بناء على
الفور - وغير ذلك.
وقد يدعى معارضة هذا النبوي بقاعدتين أخرتين:
إحداهما: قاعدة الملازمة بين النماء والدرك المستفاد من النص والاستقراء المعبر
عنها بقاعدة: " الخراج بالضمان " أو: " من له الغنم فعليه الغرم " فإن مقتضاها كون
التلف من المشتري إذ النماء له لو تحقق.
والأخرى: قاعدة أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، فإن مقتضاها كون
التلف من المشتري لأنه لا خيار له.
ورد الشيخ (قدس سره) هذه المعارضة..
أما بالنسبة إلى قاعدة الخراج بالضمان، فذكر (قدس سره) أن النبوي مخصص لها، لأنه
خاص بالنسبة إليها.
وأضاف إليه غيره (3): أنه بناء على الالتزام بأن مقتضى النبوي هو انفساخ
المعاملة قبل التلف آنا ما ورجوع المبيع إلى ملك البائع آنا ما قبل التلف، كان المورد
خارجا موضوعا عن قاعدة الخراج بالضمان، لأن النماء للبائع قبل التلف آنا ما لا
للمشتري.
وأما بالنسبة إلى القاعدة الثانية، فذكر (قدس سره) أنها لا عموم لها لجميع أفراد الخيار بل
سيجئ اختصاصها بخيار المجلس والشرط والحيوان. كما لا عموم لها لمطلق أحوال
البيع بل تختص بما إذا كان التلف بعد القبض.
وأما إذا كان قبل الثلاثة، فالمشهور أنه من مال البائع وعن الخلاف (4) الاجماع
عليه.

1 - الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 1: ص 536، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الأحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي، ج 3: ص 212، ح 59، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 56، الطبعة الأولى.
4 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 9، المسألة 24، الطبعة الأولى.
409

وعن جماعة من القدماء منهم المفيد (1) والسيدان (2) أنه من مال المشتري
وأدعي عليه الاجماع.
وذكر الشيخ (قدس سره) أن الاجماع بضميمة قاعدة ضمان المالك لماله يصلح حجة لهذا
القول.
ثم ناقشه: بأن الاجماع معارض - كما عرفت - بل موهون بكثرة المخالف.
والقاعدة مخصصة بالنبوي المتقدم المنجبر ضعف سنده بعمل الكل والتسالم عليه، مع
تكفله حكما على خلاف القاعدة مما يوجب الجزم بصدوره.
مضافا إلى رواية عقبة بن خالد (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا
من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله
تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: " من مال صاحب المتاع الذي هو في
بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه
حتى يرد ماله إليه ".
ثم إن التمكين من القبض فيما نحن فيه هل يسقط ضمان البائع؟
وقد بناه الشيخ (قدس سره) على كون التمكين بقول مطلق موجبا لرفع الضمان وعدمه
واختار أن الأول أقوى. وفي عبارته نحو قصور لا يخفى على من لاحظها.
وبعد ذلك تعرض الشيخ (قدس سره) إلى نقل قول الشيخ الطوسي (رحمه الله) في النهاية (4) يرتبط
بما نحن فيه وظاهره المنافاة لما تقدم. وإليك نصه كما جاء في كتاب المكاسب: " إذا
باع الانسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضى المبتاع فإن العقد موقوف
ثلاثة أيام فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له، وإن مضت ثلاثة أيام
كان البائع أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم يكن قبضه إياه كان
من مال البائع دون المبتاع وإن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة الثلاثة

1 - المفيد، الشيخ محمد بن النعمان: المقنعة، ص 592، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - علم الهدى، السيد مرتضى: الإنتصار / كتاب المتاجر، سلسلة الينابيع الفقهية، ج 13 ص 47.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 10: من أبواب الخيار، ح 1.
4 - الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، ص 386، الطبعة الأولى.
410

أيام كان من مال المبتاع، وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل
حال، لأن الخيار له بعدها ".
وقد قال العلامة (رحمه الله) (1) بعد حكايته هذا القول: " وفيه نظر إذ مع القبض يلزم
البيع ".
وأفاد الشيخ (قدس سره) بعد نقله لكلا القولين أن الظاهر من كلام العلامة (رحمه الله) أنه جعل
الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين، فيشمل ما بعد القبض وما قبله خصوصا بملاحظة
قوله: " على كل حال ".
واستشكل فيه بأن ظاهر تعليل الشيخ (رحمه الله) الحكم بقوله: " لأن الخيار له بعدها "
هو فرض التلف في زمن الخيار ومن المعلوم أن عدم القبض شرط فيه، فيدل على أن
الحكم المعلل مفروض قبل القبض.
وأما قوله: " على كل حال "، فيمكن حمله على إرادة ثبوت الحكم في ما بعد
الثلاثة على كلا القولين فيه إذا كان التلف قبل الثلاثة من كونه من مال البائع أو
المشتري.
وقد وجه المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) كلام الشيخ (رحمه الله) في النهاية - بعد حمله على ما
استظهره العلامة - بنحو يدفع عنه إيراد العلامة واشكال الشيخ (قدس سره). وبيان ذلك: أن
المنسوب إلى الشيخ (رحمه الله) أنه يرى أن تحقق النقل والانتقال إنما هو بعد مضي زمان
الخيار فلا ملك في زمان الخيار، بضميمة أن القبض بعد الثلاثة لا يستلزم سقوط
الخيار، وإنما الذي يرفع الخيار هو القبض قبل الثلاثة، كما تقدم.
وعليه، فإذا تلف المبيع بعد الثلاثة فهو تلف في زمن الخيار فيكون من مال
البائع، لأنه بعد في ملكه سواء كان قد قبضه المشتري أم لم يقبض. أما إذا كان قبل
الثلاثة فإنه إذا كان بعد القبض كان من المشتري لأنه لا خيار، فالنقل والانتقال
تحقق بالبيع. وإن كان قبل القبض، فلأنه وإن كان الخيار بعد الثلاثة لكن يقال إنه
تلف في زمن الخيار ولو بملاحظة أن له الخيار بعد ذلك.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 351، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 46، الطبعة الأولى.
411

وهذا التوجيه متين يتناسب مع تعليل الشيخ (رحمه الله) للحكم بأن له الخيار بعد
الثلاثة.
وعليه، فلا وجه لحمل الشيخ كلامه على ما تقدم، إذ الخيار وإن فرض أن عدم
القبض شرط فيه إلا أن الشرط هو عدم القبض في الثلاثة لا بعدها. كما لا وجه
لإيراد العلامة، إذ بالقبض قبل الثلاثة يلزم البيع لا بعد الثلاثة، فتدبر.
المسألة الثالثة: في بيع ما يفسد من يومه وتأخير الثمن، وقد حرر هذا الفرض في
كلمات الفقهاء، وتكلم فيه الشيخ (قدس سره) من جهات عديدة، كثبوت الخيار فيه من أول
الليل، وبيان المراد من كلمات الأعلام (قدس سرهم)، ثم إرجاع هذا الخيار إلى خيار التأخير
واشتراط جميع شروطه فيه، ثم بيان المراد بالفساد وأنه ليس هو التلف حقيقة بل ما
يعم تغير العين، ثم التعرض لحكم فوات السوق خاصة بلا حدوث تغير العين.
أقول: إن مورد هذا الخيار - كبيع البقول - مما يتحقق فيه إقباض المبيع غالبا إما
بمباشرة المشتري نفسه ثم يتركه لدى البائع، وإما بواسطة البائع بجعل المشتري له
وكيلا عنه في القبض وعزله عن مجموع بضاعة البائع، بحيث يرى البائع أن هذا المال
مال المشتري لا يسوغ له التصرف فيه ولا بيعه. وعليه، فلو تلف فلا يضمنه البائع.
ولو فرض أن ليس الغالب فيه القبض، فالغالب فيه هو التمكين من القبض الرافع
للضمان كما تقدم. مع أن البيع في مثل هذه الموارد يتكفل على تقدير عدم القبض
بحيث يكون تلفه من البائع شرطا ضمنيا بلزوم تسليم الثمن وإلا فسخ البيع وباع
السلعة من شخص آخر.
وبملاحظة هذه الوجوه الثلاثة تعرف أن البيع في مثل هذا المورد ليس فيه ضرر
وارد على البائع كي يدفع بالخيار، كما أنه يختلف عن خيار التأخير موضوعا لأن
موضوع ذلك هو عدم قبض المثمن كما تقدم.
هذا كله، مع أن الضرر الوارد على البائع بتأخير السلعة إلى الليل وكونها في
معرض التلف على تقدير مبيتها عنده لا يندفع بالخيار أول الليل، إذ ينقطع البيع
عادة في الليل في غالب الأماكن خصوصا في مثل القرى والأرياف وخصوصا في
الأزمنة السابقة فإن أسواق المأكولات تفتح عادة في النهار.
412

ومن ذلك يظهر الاشكال في الالتزام بثبوت هذا الخيار لو ساعد النص عليه،
للجزم بأن النص لا يتكفل حكما تعبديا صرفا بل تلحظ فيه جهة عقلائية، وقد
عرفت أن ليس في ثبوت هذا الخيار للبائع جهة داعية إليه لعدم الضرر عليه، وعدم
اندفاعه على تقدير ثبوته.
هذا، مع ما يستدل به من النصوص عليه لا يصلح لاثباته، فإنه روايتان:
إحداهما: مرسلة محمد بن أبي حمزة (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أويب " وأبي
الحسن (عليه السلام) في الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه
بالثمن، قال: " إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له ". وهي لارسالها غير
صالحة للاعتماد عليها.
والأخرى: رواية ابن رباط عن زرارة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث -
قال: " العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل ".
وهي مخدوشة:
أولا: من حيث السند، لاحتمال أنها مرسلة، إذ في بعض النسخ (عمن رواه) بدل
(عن زرارة) بل احتمال أنه من كلام الصدوق (رحمه الله) لا من كلام الإمام (عليه السلام)، كما استظهر
ذلك صاحب الجواهر (3).
ثانيا: من حيث الدلالة، إذ لا يعرف المراد من العهدة هل هو عهدة البيع فتكون
دالة على الخيار، أو عهدة المبيع فتكون دالة على ارتفاع الضمان عند حلول الليل.
ولعل الظاهر هو الثاني لتعارف التعبير عن الضمان بالعهدة. وإذا ثبت عدم ثبوت هذا
الخيار لا شرعا ولا عقلائيا، فلا نرى ضرورة في ايقاع البحث في سائر الجهات التي
تعرض لها الشيخ (قدس سره).

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 11: من أبواب الخيار، ح 1.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 11: من أبواب الخيار، ح 2.
3 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 59، الطبعة الأولى.
413