الكتاب: السجود مفهومه وآدابه والتربة الحسينية
المؤلف: مركز الرسالة
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة: مهر - قم
الناشر: مركز الرسالة - قم - ايران
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-١٨٣-٤
ملاحظات:

السجود
مفهومه وآدابه والتربة الحسينية
مركز الرسالة
1

سلسة المعارف الاسلامية 20
السجود
مفهومه وآدابه والتربة الحسينية
مركز الرسالة
4

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المركز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف مبعوث للعالمين، نبينا محمد
المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، ومن أخلص من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين. وبعد:
إن أساليب علاقة الانسان بخالقه تعالى تتسع باتساع الحياة وطرق التعامل معها في
شؤونها المختلفة، وليست هي موقوفة على أسلوب واحد أو نمط واحد، قال تعالى: (يا
أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، فللانسان في مسيرة حياته
بطولها خطوط وصل بينه وبين الله تعالى لا يحول دونها شئ إلا إرادة الانسان نفسه
في تقطيعها أو تهميشها، ذلك الذي سيجر إلى نفسه الشقاء بمحض إرادته.. فما زال
الانسان يشق طريق حياته من خلال معرفته بالله تعالى وتحري سبل رضاه متمثلا قوله
تعالى: (وما لاحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى) فهو على
سبيل النجاة.. إذ هو ماض مع كلمة الله تعالى في خلقه: (وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون). وتلك هي العبادة في مفهومها الواسع الذي لا تخرج عن إطاره صغيرة ولا
كبيرة في طريق الكدح الانساني الطويل. وهكذا تكون حياة الانسان عامرة بالعبادة
فهو على صلة بالله تعالى لا تنقطع.
غير أن الانسان أحوج ما يكون إلى أنماط من الصلة بالله تعالى تكون فيها الروح
هي الحاضرة بالدرجة الأولى، بعيدا عن معترك الحياة وشؤونها. فالروح تسمو في
أجوائها الخاصة بها، وتتألق حيث تتراجع مصالح الجسد العاجلة ومشتهياته.
من هنا كانت العبادات الخاصة التي أوجبتها الشريعة السمحة بمثابة الفرص النموذجية
لتألق الروح وتساميها وتكاملها، لاستجماع البصيرة وشحذها بمزيد من الطاقة اللازمة
لدفعات الحياة اللاحقة.. ناهيك عما تتفرد
5

به هذه العبادات الخاصة من أسباب القرب إلى الله تعالى ونيل رضاه، فالحج والصيام
هجرتان إلى الله تعالى في لونين مختلفين، تعيش الروح مع كل منهما نمطا من أنماط
التكامل والسمو، وفي الزكاة والصدقات حركة جهادية تنفلت فيها الروح من أسر الأنا
ومن أسر المادة لتذوق حلاوة الاحساس بالمسؤولية إزاء عباد الله الذين كرمهم الله
تعالى وعظم حرماتهم.. وفي الصلاة انقطاعة لا نظير لها إلى الله تعالى.. وقوف
وامتثال وخضوع في أشكال شتى وأذكار متعددة تنتقل خلالها الروح من روض إلى روض، ومن
فناء إلى فناء، ومن موعظة إلى أخرى.. تستقبل في ذلك كله أجمل التعاليم في سياق
منتظم، إنها مدرسة الروح ومنتجع القيم..
وفي أثناء هذه الرياضة الروحية المثلى يستشعر الانسان قربه الحقيقي من بارئه حين
يضع جبهته على التراب، ساجدا خاضعا مسبحا بحمد ربه الاعلى الذي سبح له كل
شئ.
إن المتمثل لحالات السجود يدرك جيدا أن السجود وحده مدرسة.. ولا شك فإن لكل
مدرسة نظامها وحدودها وآدابها.. ومن ناحية أخرى فلقد ارتبطت بمدرسة السجود معالم
أخرى واقترنت بها لأسباب جديرة بتحقق ذلك الاقتران، فدخلت في موسوعة السجود
مفردات مثل التربة الحسينية فما هو موقع هذه المفردة من هذه الموسوعة، وكيف نفهم
مفردات أخرى تعترضنا هنا من قبيل سجود الملائكة لآدم، و سجود يعقوب وبنيه
ليوسف ونحو هذا؟
في مدرسة السجود هذه وبين صفحات موسوعتها سينتقل بنا هذا الكتاب مجيبا عن شتى
الأسئلة مما له بالبحث صلة.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل
مركز الرسالة
6

المقدمة
لقد كرم الله تعالى الانسان وفضله على كثير ممن خلق بما أعطاه من العقل ليميز
به الأشياء، ويختار ما يراه مناسبا ومتوافقا مع ما أراده الله تعالى له من
الوصول إلى الكمال من خلال العبودية لله وحده، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون).
لقد شرف الله تعالى هذا الانسان على بقية مخلوقاته بالعبادة، وجعل الصلاة من
أفضل العبادات، فهي صلة العبد بربه، ومعراج المؤمن، وقربان كل تقي، والحد الفاصل
بين المسلم والكافر، والميزان في قبول الأعمال، وفي الأثر عن النبي الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإذا قبلت
قبل سائر عمله، وإذا ردت عليه، رد عليه سائر عمله.
والصلاة هي العبادة التي يمتثل بها العبد أمام خالقه واهب الحياة، وهي التي تطهر
روحه، وتصده عن الفحشاء والمنكر، وتهديه إلى سواء السبيل، قال تعالى: (إن الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر).
وأفضل أجزاء الصلاة وأهمها هو السجود لله سبحانه وتعالى، لأنه يمثل منتهى
مظاهر العبودية والتذلل والتعظيم لله جل وعلا، وهو أعظم العبادات، وما عبد الله
بمثله، وما من عمل أشق على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا لله تعالى، لأنه قد
أمر به فعصى وغوى فهلك، وابن آدم قد أمر به فأطاع وسجد فنجا.
7

والسجود - في نظر الاسلام - هو غاية الخضوع والتواضع البشري أمام الله عز وجل
- خالق الكون ورب العالمين - وذروة التحليق والسمو الانساني في مسيرة العبودية
لله وحده، لذا يحرم السجود لغير الله سبحانه وتعالى بأي شكل كان، وليس السجود
مقتصرا على الانسان وحده، قال تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض).
إن المسلمين متفقون بأجمعهم على ضرورة السجود لله سبحانه وتعالى، ومتفقون على
وجوب سجدتين في كل ركعة من كل صلاة، ويعتبرون ذلك من ضروريات الاسلام، لان
السجود من الواجبات الركنية في الصلاة فلا يجوز تركها بأي حال من الأحوال،
وإنما يختلفون فيما يصح السجود عليه، ولهم في هذه المسألة آراء متعددة.
ونحن سنتناول هذه الآراء وغيرها مما يتعلق بمفهوم السجود، ونحاول دراستها
تفصيلا، وفقا لمنهج البحث العلمي الموضوعي، مستهدين بآيات القرآن الكريم وبما ثبت
من السنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت عليهم السلام، وذلك ضمن أربعة فصول:
الأول: في بيان مفهوم السجود وآثاره العبادية.
والثاني: في أنواع السجود.
والثالث: في بيان حرمة السجود لغير الله.
والرابع: في بيان ما يصح السجود عليه وما لا يصح، وتوضيح الأسباب الموجبة للسجود
على التربة الحسينية.
آملين منه تعالى التوفيق في الوصول إلى كلمة الفصل، وبه نستعين.
8

الفصل الأول
مفهوم السجود وآثاره العبادية
المبحث الأول
معنى السجود وموقعه العبادي
أولا: تعريف السجود:
1 - السجود في اللغة:
الطاعة والخضوع، يقال: سجد، سجودا، أي: خضع وتطامن (1)، ومنه قوله تعالى: (
ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات والأرض...) (2) فهذا لسان حال تلك
المخلوقات في الطاعة والخضوع، وكل شئ ذل

(1) المعجم الوسيط 1: 416 (سجد)، مكتب نشر الثقافة الإسلامية 1412 ه‍ ط 4.
والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير / الفيومي 1: 266 (سجد)، منشورات دار الهجرة
- قم 1414 ه‍ ط 2.
(2) سورة الحج: 22 / 18.
9

فقد سجد (1)، وهو ساجد. والجمع: سجد، وسجود (2).
والسجاد: الكثير السجود (3)، ورجل سجاد: على وجهه سجادة، أي: ثفنة من أثر
السجود (4).
وقد اشتهر به الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لكثرة سجوده
لله تعالى ولهذا لقب عليه السلام بالسجاد، وذي الثفنات.
والمسجد: جبهة الرجل حيث يصيبه أثر السجود (5)، والجمع مساجد، والمساجد من
بدن الانسان: الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، وهي: الجبهة واليدان والركبتان
والقدمان (6).
والمسجد: بيت الصلاة (7)، ومكانها المخصص.
والمسجد الحرام: الكعبة، والمسجد الأقصى: مسجد بيت المقدس، قال تعالى: (
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد

(1) المصباح المنير 1: 266 (سجد).
(2) المعجم الوسيط 1: 416 (سجد).
(3) المعجم الوسيط 1: 416 (سجد).
(4) أساس البلاغة / الزمخشري: 285 (سجد)، دار الفكر - بيروت 1409 ه‍ 1989 م.
(5) المختار من صحاح اللغة: 229 (سجد)، انتشارات ناصر خسرو - طهران 1363 ه‍ ش.
وأساس البلاغة: 285 (سجد).
(6) المعجم الوسيط 1: 416 (سجد). (7) المصباح المنير / الفيومي 1: 266 (سجد).
10

الأقصى الذي باركنا حوله) (1). والجمع: مساجد.
2 - السجود في الاصطلاح:
هو الانحناء ووضع أعضاء السجود (2) على الأرض، بحيث يساوي موضع جبهته موقفه، أو
يزيد بقدر لبنة لا غير (3).
وحقيقته: وضع الجبهة وباطن الكفين والركبتين وطرفي الابهامين من القدمين على
الأرض (4)، بقصد التعظيم (5).
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام تسمية مثل هذا السجود بالسجود الجسماني، وهو
أقل رتبة من السجود الآخر المسمى بالنفساني، قال عليه السلام: السجود
الجسماني: هو وضع عتائق الوجوه على التراب، واستقبال الأرض بالراحتين والركبتين
وأطراف القدمين مع خشوع القلب وإخلاص النية.

(1) سورة الإسراء 17 / 1.
(2) أعضاء السجود سبعة، وهي: الجبهة، والكفان، والركبتان، وإبهاما الرجلان.
تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي 3: 185، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء
التراث - قم 1414 ه‍ ط 1، وإليه ذهب أحمد بن حنبل واختاره الشافعي في أحد قوليه، كما
في المغني لابن قدامة الحنبلي 1: 591. والام للشافعي 1: 114.
(3) جامع المقاصد في شرح القواعد / المحقق الكركي 2: 298، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم
السلام لإحياء التراث - قم 1414 ه‍ ط 2.
(4) المقنعة / الشيخ المفيد: 105.
(5) مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام / السيد السبزواري 6: 416، مؤسسة المنار -
1412 ه‍ ط 4.
11

والسجود النفساني: فراغ القلب من الفانيات، والاقبال بكنه الهمة على الباقيات،
وخلع الكبر والحمية، وقطع العلائق الدنيوية، والتحلي بالأخلاق النبوية (1).
3 - السجود في القرآن الكريم:
هذا وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى ضربين من السجود وهما:
1 - سجود اختيار: وهو خاص بالانسان وبه يستحق الثواب نحو قوله تعالى: (فاسجدوا
لله واعبدوا) (2) أي تذللوا له، وهو المراد بالتعريف الاصطلاحي المتقدم (3).
2 - سجود تسخير: وهو للانسان والحيوان والنبات والجماد وعلى ذلك قوله تعالى: (
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها) (4) وقوله تعالى: (والنجم والشجر
يسجدان) (5).
ولم يرد الباري عز وجل أن المذكور في هذه الآية الشريفة يسجد سجود البشر في
صلاته، وإنما أراد تعالى أن تلك الأشياء غير ممتنعة من

(1) غرر الحكم ودرر الكلم / عبد الواحد الآمدي 1: 122 / 2234 و 2235، مؤسسة الأعلمي -
بيروت 1407 ه‍، 1987 م ط 1. ومستدرك وسائل الشيعة / الميرزا حسين النوري 4: 486 / 5232
باب 23 من أبواب السجود، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - 1407 ه‍
ط 1.
(2) سورة النجم: 53 / 62.
(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن / الراغب الأصفهاني: 229 مادة (سجد).
(4) سورة الرعد: 13 / 15.
(5) سورة الرحمن: 55 / 6.
12

فعله تعالى فهي كالمطيع له سبحانه، وهذا ما عبر عنه بالساجد (1).
وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤيد كلا النوعين بآيات كثيرة، ومن الآيات ما اشتمل
على كلا النوعين من السجود (التسخير والاختيار)، كقوله تعالى: (ولله يسجد ما في
السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) (2).
ثانيا: العبادة في السجود:
لا شك أن السجود في ذاته عبادة إذ إنه يمثل غاية الخضوع، بل هو أبلغ صور التذلل
لله سبحانه وتعالى، لأنه يربط بين الصورة الحسية والدلالة المعنوية للعبادة في
ذلة العبد، وعظمة الرب، وافتقار العبد لخالقه. ولا يكون الانسان عبدا لله تعالى
إلا بهذا التذلل وبهذه العبودية. ومن هنا يظهر سر اختصاص السجود بالقرب من الله
تعالى (3)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقرب ما يكون العبد إلى الله
وهو ساجد (4).

(1) المسائل السروية / الشيخ المفيد: 49، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد رقم 46
- 1413 ه‍ ط 1.
(2) سورة النحل: 16 / 49.
(3) فقه السجود / علي بن عمر بادحدح: 20 - 21 بتصرف، دار الأندلس - جدة 1415 ه‍.
(4) جامع أحاديث الشيعة 5: 463 / 8039 - 8311. وصحيح مسلم بشرح النووي / 4: 267 / 482 باب
42 ما يقال في الركوع والسجود، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية -
بيروت 1415 ه‍ ط 1. وسنن أبي داود 1: 231 / 875 باب الدعاء في الركوع والسجود، دار
الفكر - بيروت. وفيض
القدير شرح الجامع الصغير / المناوي 2: 87 / 1348، دار الكتب العلمية - بيروت 1415 ه‍
1994، ط 1.
13

ثالثا: موقع وأهمية السجود بين أجزاء الصلاة:
إن من المناسب أن نقف قليلا موقف المقارنة بين أجزاء الصلاة، لنرى موقع السجود
بينها وما يمتاز به من خصائص، وذلك على النحو الآتي:
1 - القيام في الصلاة:
ويراد به المثول بين يدي مالك الملك، إعلانا للطاعة والولاء وامتثال الامر، ولا
يخفى أن الاستعداد والمثول قياما بين يدي الملك هو من دلائل الطاعة وعلاماتها.
ومن هنا يقتضي أن تكون هيئة المثول وحقيقته متناسبة مع عظمة الملك الذي نقف بين
يديه.
فكمال القيام بين يدي الله تعالى أن يكون على طمأنينة وسكون وهيبة وحياء، فلا يجعل
رأسه مرفوعا وكأنه يقف أمام ضده ونظيره، ولا يبالغ في طأطأته فيخرج بالحياء عن
صورته، بل يجعل نظره إلى محل سجوده، مقيما صلبه ونحره، مرسلا يديه على فخذيه
بوقار، فلا يعبث بهما، ولو استحضر العبد أثناء قيامه قول الله تعالى: (الذي يراك
حين تقوم * وتقلبك في الساجدين) (1) لما فارق هذه الهيئة.
ويزيد في جلال القيام وهيبته ما وجب فيه من تلاوة بعض سور القرآن الكريم، وبهذا
يكون القيام مشهدا من مشاهد الطاعة والولاء والاجلال

(1) سورة الشعراء: 26 / 218 - 219.
14

والتعظيم.
فهذا الإمام السجاد عليه السلام وهو يستحضر هذا المشهد فيلفت انتباه الناس من
حوله تغير لونه حال وضوئه وكان إذا قام إلى الصلاة اخذته رعدة فقيل له: مالك؟ فقال
عليه السلام: أتدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ (1) إنه الحضور بين يدي مالك
الملك.
2 - الركوع في الصلاة:
وهو صورة أخرى من صور الامتثال والخضوع، ولا شك أنه يحمل من معاني الخضوع فوق ما
يحمله القيام، ولكل معناه وأبعاده ومغزاه.
ومع صورة التعظيم الظاهرة في انحناءة الركوع، يأتي الذكر الذي يصحبها متوجا معنى
التعظيم ومركزا مغزاه في قلب الراكع: سبحان ربي العظيم وبحمده.
هذه المرتبة من التعظيم أفردها الاسلام لله تعالى وحده، فنهى أن ينحني أحد أمام
أحد احتراما وتعظيما، ولذلك تميز الركوع بمرتبة أخص من الامتثال قياما في
الولاء والخضوع والتعظيم، فالقيام يقع كثيرا في يوميات الانسان، كالامتثال قياما
بين يدي الوالدين، أو بين يدي المعلم، أو الرئيس أو الملك، ولكن يحرم الركوع
لهؤلاء ولغيرهم، لأنه من

(1) مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور 17: 236 / 134 ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب عليه السلام، دار الفكر - دمشق 1409 ه‍ ط 1. وسير أعلام النبلاء / الذهبي 4:
392 / 157 ترجمة علي بن الحسين عليه السلام، مؤسسة الرسالة - بيروت 1412 ه‍ ط 8.
15

خصائص الخضوع لله تعالى.
ولهذا فقد اختص الله تعالى هذه الأمة بالسلام، وهي تحية أهل الجنة، وحرم
عليهم ما كان شائعا من مظاهر التحية كالسجود والانحناء والتكفير وغيرها من المظاهر
التي لا تجوز إلا لله تعالى (1).
ولقد ورد في سر مد العنق في الركوع عن أمير المؤمنين عليه السلام: تأويله
آمنت بالله ولو ضربت عنقي (2).
وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام في الركوع من الذكر ما يستشعر به المرء حقيقة
ما يؤديه من امتثال وطاعة وخشوع، يقول فيه: إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب:
الله أكبر، ثم اركع وقل: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت
ربي، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما
أقلته قدماي، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر، سبحان ربي العظيم وبحمده
(3).
وكما أن الركوع تخشع لله تعالى، كذلك رفع الرأس منه تواضع له تعالى، وانتصاب
للامتثال بين يديه.

(1) راجع مجمع البيان / الطبرسي 5: 405، دار المعرفة - بيروت 1406 ه‍.
(2) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق 1: 204 / 928 باب 45، دار الأضواء - بيروت
1405 ه‍ ط 6. وجامع أحاديث الشيعة / تحت اشراف آية الله السيد البروجردي 5: 430 / 8213
باب 2 كيفية الركوع - قم 1416 ه‍.
(3) جامع أحاديث الشيعة 5: 433 / 8229 باب 2 كيفية الركوع.
16

ومن حيث الحكم: فالركوع: موضع تعظيم الله تعالى، وتبطل الصلاة بعدم إتيانه أو
بتكراره، ولو سهوا.
3 - السجود في الصلاة:
وهو موضع الدعاء وطلب الحاجات، ويعد غاية في الخضوع والتذلل والاستكانة.
إن العبد في حالة السجود يكون في تمام الذلة والخضوع لله سبحانه وتعالى، وإذا عرف
العبد نفسه بالذلة والافتقار عرف ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار (1).
روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: السجود منتهى العبادة من بني
آدم (2).
وعنه عليه السلام: ما خسر والله قط من أتى بحقيقة السجود ولو كان في عمره مرة
واحدة، وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه، غافلا لاهيا
عما أعد الله تعالى للساجدين من البشر العاجل، وراحة الآجل، ولا بعد عن الله
أبدا من أحسن تقربه في السجود، ولا قرب إليه أبدا من أساء أدبه وضيع حرمته
بتعليق قلبه بسواه في حال السجود.. (3)

(1) فيض القدير للمناوي 2: 68 / 1348.
(2) الدعوات / قطب الدين الراوندي: 7. ومستدرك الوسائل 4: 472 / 5193 باب 18. وجامع
أحاديث الشيعة 5: 466 / 8321.
(3) مصباح الشريعة: 91 باب 41 في السجود، منشورات مؤسسة الأعلمي - بيروت 1403 ه‍ ط 2.
17

والمراد في هذه الصورة المتحركة التي يرسمها هذا الحديث الشريف هو ضرورة حضور
القلب في جميع أحوال الصلاة من أفعالها وأقوالها، وجدير بالتأمل أن ذلك يقتضي أن
يكون الحضور حال السجود آكد، لان حضور القلب في القيام - مثلا - يقتضي الالتفات
إلى مقام العبودية والربوبية، وفي الركوع يقتضي الالتفات إلى عظمة الرب وذلة العبد،
وإلى أن الحول والقوة منفية عنه.
والحضور المناسب للسجود هو بالفناء عن الكل والحضور عند الرب تعالى (1).
ولأهمية السجود جعله الله تعالى واحدا من العلامات التي تميز عباده المخلصين،
قال تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (2).
تسمية المصلى مسجدا:
ومما يؤكد اهتمام الاسلام المتزايد بالسجود هو تسمية المصلى - وهو موضع إقامة
الصلاة - مسجدا، إذ أصبح له عنوانا خاصا متميزا، عناية بأهم أجزاء الصلاة،
باعتبار أن السجود هو موضع القرب كما تبين وبه يتجلى التواضع والخضوع والتذلل لله
جل وعلا، لذا فقد أولى الباري تعالى عناية خاصة بالمساجد فنسبها له سبحانه وحده
كما قال: (إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (3).

(1) أسرار الصلاة / الميرزا جواد الملكي التبريزي: 268، دار الكتاب الإسلامي - قم.
(2) سورة الفتح: 48 / 29.
(3) سورة الجن: 72 / 18.
18

ولقد شاءت ارادته تعالى أن يجعل المسجد مبدأ إسراء النبي صلى الله عليه وآله
ومعراجه إلى السماء ليريه من آياته العظمى ويثبت له معجزة في ذلك قال تعالى: (
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله
لنريه من آياتنا..) (1).
4 - هيئة السجود وحالته وذكره:
إن للسجود هيئة وحالة وذكرا، تنطوي على جملة أسرار تتجلى للانسان المؤمن من
خلال صلاته بمقدار درجة الاقبال وحضور القلب ووعي تام لما يقوم به من حركات وما
يتلفظه من كلمات.
أ - فهيئته: إراءة حالة التواضع وترك الاستكبار والعجب من خلال وضع الجبهة على
الأرض وإرغام الانف - وهو من المستحبات الأكيدة - إظهارا لكمال التخضع
والتذكر والتواضع.
ب - وأما الحالة: فهي وضع أعضاء السجود السبعة على الأرض، وبما أن تلك الأعضاء
تعد مظهرا لعقل الانسان وقدرته وحركته، فيكون إرغامها على التذلل والخضوع
والمسكنة عبر السجود لله عز وجل مظهرا من مظاهر التسليم التام له سبحانه، وهذا
يعني شعور العبد بالندم والتوبة وطلب المغفرة والابتعاد عن الخطيئة بشتى أشكالها،
ومع حصول تلك المعاني في نفس الساجد، فلا شك أنه سيشعر بحالة من الانس ورهبة
حقيقية تمنعه من العدول إلى ارتكاب المعصية من جديد.
ج - وأما الذكر: وهو (سبحان ربي الأعلى وبحمده) فإنه متقوم بالتسبيح

(1) سورة الإسراء 17 / 1.
19

ج - وأما الذكر: وهو (سبحان ربي الاعلى وبحمده) فإنه متقوم بالتسبيح - وهو
التنزيه عن التوصيف - والتحميد، وذكره تعالى بأنه العلي الاعلى، والعلي من
الأسماء الذاتية لله تعالى (1).
وفي الحديث الشريف عن الإمام الرضا عليه السلام:.. فأول ما اختار لنفسه: العلي
العظيم، لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه: الله واسمه العلي العظيم، هو أول
أسمائه، علا على كل شئ (2).
د - ومن أسرار حركات السجود: - من الهوي إلى الأرض، ثم استقرار الجبهة عليها، ثم
رفع الرأس، ثم العودة إليها، ثم الرفع منها ثانية - استحضار دورة حياة الانسان
كلها منذ نشأته الأولى من مادة الأرض، وتكونه إنسانا يدب عليها، ثم عودته
فيها بعد موته، ثم خروجه منها يوم البعث والنشور.
وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام أطراف هذا المشهد في جوابه العجيب عن سؤال سائل
سأله، قائلا: يا بن عم خير خلق الله، ما معنى السجدة الأولى؟ فقال عليه السلام:
تأويله اللهم إنك منها خلقتنا - يعني من الأرض - ورفع رأسك: ومنها أخرجتنا،
والسجدة الثانية: وإليها تعيدنا، ورفع رأسك من الثانية: ومنها تخرجنا تارة
أخرى.. (3).

(1) الآداب المعنوية للصلاة / الإمام الخميني: 536 - 537، نشر طلاس - دمشق 1984 م ط 1.
(2) أصول الكافي / الكليني 1: 113 / 2 باب حدوث الأسماء، كتاب التوحيد، دار الأضواء -
بيروت 1405 ه‍.
(3) علل الشرائع / الشيخ الصدوق 2: 336 / 4 باب 32، منشورات مكتبة
الداوري - قم (افسيت على طبعة المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، تحقيق السيد محمد
صادق بحر العلوم سنة 1385 ه‍).
20

فمن عثر على سر الصلاة يقف على مواقف القيامة ويراها كأنها قامت وتدعو نارها من
أعرض وتولى، فيجد ويجاهد ويجتهد في إخمادها، كما في المأثور عن الإمام زين العابدين
عليه السلام أن حريقا وقع في بيته وهو ساجد فجعلوا يقولون له: يا بن
رسول الله، النار، يا بن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى طفئت. فقيل له - بعد
فراغه: ما الذي ألهاك عنها؟
قال عليه السلام: ألهاني عنها النار الأخرى (1).
رابعا: العلاقة العبادية بين الركوع والسجود:
ربما عبر القرآن الكريم عن الصلاة كلها بالركوع والسجود، قال تعالى: (يا أيها
الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (2). ومثله
ما حكاه القرآن من قول الملائكة لمريم: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع
الراكعين) (3).
ومع هذا الاشتراك بين الركوع والسجود، وكونهما مثالين لغاية التذلل

(1) مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور 17: 236 / 134 ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب. وسير أعلام النبلاء / الذهبي 4: 391 - 392 / 157 ترجمة علي بن الحسين عليه
السلام. وانظر: مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب 4: 147 - 148، دار الأضواء - بيروت
1991 م - 1412 ه‍ ط 2.
(2) سورة الحج: 22 / 77.
(3) سورة آل عمران: 3 / 124.
21

والتخضع، ومقرونين بالذكر الخاص بكل منهما، لكن في السجود زيادة تخضع ظاهرة، فبين
الانحناءة ومد العنق وبين وضع الجبهة على الأرض، مصحوبا بهذا الذكر الجليل
سبحان ربي الاعلى فارق مرتبة جعل العبد في حالة السجود أشد قربا إلى الله
تعالى، وبه يتجلى لنا معنى قوله تعالى: (واسجد واقترب) (1) وقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد (2).
وفي حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام يوازن فيه بين الركوع والسجود، جاء فيه:
.. الركوع أول والسجود ثان، فمن أتى بمعنى الأول صلح للثاني، وفي الركوع أدب،
وفي السجود قرب، ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب،... فإن الله تعالى يرفع عباده
بقدر تواضعهم له ويهديهم إلى أصول التواضع والخضوع بقدر اطلاع عظمته على سرائرهم
(3).
وقد علق الامام الخميني قدس الله سره على هذا النص بقوله: (وفي هذا الحديث
الشريف إشارات وبشارات وآداب ووظائف.. ومن هنا يعلم أن السجود فناء ذاتي كما قال
أهل المعرفة، لان الركوع أول هذه المقامات والسجود ثان، فليس هو إلا مقام
الفناء في الذات) (4).

(1) سورة العلق: 96 / 19.
(2) راجع: صحيح مسلم بشرح النووي 4: 167 / 482 باب 42 كتاب الصلاة. والسنن
الكبرى / النسائي 1: 242 / 723 باب 25 كتاب التطبيق، دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍
ط 1. وجامع أحاديث الشيعة 5: 225 / 2937 باب أفضل السجود وآدابه من أبواب السجود.
(3) وسائل الشيعة 6: 309.
(4) الآداب المعنوية للصلاة / الامام الخميني: 527 - 528. والحديث منقول من
كتاب مصباح الشريعة: 12 باب 15.
22

وأما من حيث الذكر، فالذكر الذي ينبغي قوله في كل منهما يشترك في جوانب ويختلف في
أخرى، فالاشتراك بذكر التسبيح والتحميد، وهو التنزيه والشكر على النعم.
سأل محمد بن سنان الإمام الرضا عليه السلام عن علة جعل التسبيح في الركوع
والسجود فقال عليه السلام: لعلل، منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده
وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه إلى الله مقدسا له وممجدا، مسبحا
مطيعا، معظما شاكرا لخالقه ورازقه فلا يذهب به الفكر والأماني إلى غير الله
(1).
وأما موضع الافتراق ففي الأول التعظيم في الانحناء، وفي الثاني ذكره بالعلو مع
التذلل والانحطاط والصاق الجبين بالتراب بمعنى ربي أنت العلي وأنا الوضيع الداني.
عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام - في حديث صلاة النبي
صلى الله عليه وآله في الاسراء - قال: قلت له.. ولأي علة يقال في الركوع: (سبحان
ربي العظيم وبحمده) ويقال في السجود: (سبحان ربي الاعلى وبحمده)؟
قال عليه السلام: يا هشام.. فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه،

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام / الشيخ الصدوق 2: 106 / 1 باب 34. العلل التي ذكرها
الفضل بن شاذان والتي سمعها من الإمام الرضا عليه السلام مرة بعد مرة، تحقيق السيد
محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الأعلمي - طهران (أوفسيت على طبعة المكتبة
الحيدرية - النجف الأشرف) 1390 ه‍.
23

فابترك على ركبتيه، وأخذ يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده) فلما اعتدل من ركوعه
قائما نظر إليه (1) في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول: (سبحان
ربي الاعلى وبحمده) فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة
(2).
ومن بديع التعبير عن علاقة الركوع بالسجود ما قاله السيد السبزواري رحمه الله:
إن الركوع والسجود والثنا * أعظم طاعة لخالق السما
إن الركوع والسجود حقه * بذاته لذاك يستحقه (3)

(1) الضمير في (إليه) راجع إلى الموصول في قوله عليه السلام: فلما ذكر ما رأى من
عظمة الله وليس المراد به ما ذهب إليه المجسمة الذين ما قدروا الله حق قدره،
فقالوا بالرؤية، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
(2) علل الشرائع / الصدوق 2: 332 - 333 / 4 باب 30.
(3) مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام / السيد السبزواري 6: 415.
24

المبحث الثاني
فضل السجود وآثاره ونتائجه
للسجود فضائل كثيرة وآثار محمودة ونتائج طيبة تعود بالخير على الساجد نفسه في
عاجلته وآجلته، وبما أن للسجود حالات وأوصافا متعددة لذا كانت نتائجه موافقة
لحالاته وأوصافه، فقد يكون السجود طويلا وكثيرا مصحوبا ببكاء الساجد وخشيته
الشديدة من الله عز وجل، كما قد يكون قليلا وسريعا كنقر الغراب، وقد نهى عنه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا
تنقر نقرا (1) لأنه لا يتمكن من السجود ولا يطمئن فيه.
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: أبصر أمير المؤمنين عليه السلام رجلا
وهو ينقر بصلاته فقال: منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا. قال
عليه السلام: مثلك عند الله مثل الغراب إذا ما نقر، لو مت، مت على غير ملة أبي
القاسم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن أسرق
السراق من سرق من صلاته (2)، وقد يكون وسطا بين هذا وذلك.

(1) وسائل الشيعة 6: 298 / 8017 باب 3 وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود كتاب الصلاة.
وراجع: مستدرك الوسائل / الميرزا حسين النوري 4: 469 / 5185 باب 17 من أبواب السجود.
(2) روضة الواعظين / الفتال النيسابوري 2: 319. وصحيح البخاري 1: 206 باب إذا لم يتم
سجوده، كتاب الصلاة عن حذيفة.
25

والسجود الذي نروم الحديث عن فضله وآثاره ليس سجود المرائين والمنافقين القائم على
أساس بلوغهم أهداف خسيسة زائلة، ومقاصد حقيرة عاجلة، فلا شك أنه ليس له من تلك
الآثار نصيب، ولا لفاعله إلا الخيبة والخسران.
وإنما هو السجود الصادق لله عز وجل وإن اختلفت شدته ورتبته من ساجد إلى آخر،
وبالجملة فإن السجود الصادق لله عز وجل له من الآثار والفضائل ما يجل وصفها،
وسوف نذكر ما تيسر لنا منها اهتداء بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله
عليهم السلام، وعلى النحو الآتي:
1 - مدح الساجدين في القرآن الكريم:
لقد مدح الله تعالى الساجدين في أكثر من موضع، ولا سيما ممن جمع مع السجود الجهاد
في سبيل الله وتحلى بمكارم الأخلاق، لان السجود بطبيعته خضوع لله تعالى، لذا
فإنه يستوجب الزهد بكل شئ من أجله تعالى، والاقبال على ما يوفر رضاه ومحبته،
قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا
سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (1).
أي أن سجودهم لله تذللا وتخشعا أثر في وجوههم أثرا، وهو سيماء الخشوع لله،
ويعرفهم به من رآهم، وقيل: المراد أثر التراب في جباههم لأنهم كانوا إنما يسجدون
على التراب، لا على الأثواب (2).

(1) سورة الفتح: 48 / 29.
(2) الميزان في تفسير القرآن / السيد محمد حسين الطباطبائي 18: 300 في تفسير
الآية السابقة، مؤسسة مطبوعات اسماعيليان - قم (أفست على طبعة بيروت 1393 ه‍ ط 3).
26

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يشير إلى هذا الصنف من الناس بقوله عليه
السلام: إني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود.. (1).
وروي أن الإمام زين العابدين عليه السلام قال في معرض رده على قوم يزعمون التشيع
لأهل البيت عليهم السلام: أين السمت في الوجوه؟ أين أثر العبادة؟ أين سيماء
السجود؟ إنما شيعتنا يعرفون بعبادتهم وشعثهم، قد قرحت العبادة منهم الآناف ودثرت
الجباه والمساجد (2).
2 - اتخاذ إبراهيم عليه السلام خليلا لكثرة سجوده:
من الآثار المباركة لكثرة سجود النبي إبراهيم عليه السلام، أن اتخذه الله خليلا،
كما يدلك على هذا حديث الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل: لم اتخذ الله
إبراهيم خليلا؟
فقال عليه السلام: لكثرة سجوده على الأرض (3).

(1) تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي 2: 313 / 1375 باب 15 كيفية الصلاة وصفتها، دار
الأضواء - بيروت 1406 ه‍ ط 3. وجامع أحاديث الشيعة 5: 468 / 8326.
(2) مستدرك الوسائل / النوري 4: 468 / 5182 باب 17 عن كتاب صفات الشيعة: 28 / 40. وجامع
أحاديث الشيعة 5: 472 / 8338.
(3) علل الشرائع / الشيخ الصدوق: 34 / 1. ومستدرك الوسائل 4: 470 / 5189 باب 18.
27

3 - اصطفاء موسى عليه السلام كليما لكثرة سجوده:
مما تميز به النبي موسى عليه السلام من بين جميع الأنبياء عليهم السلام هو أن
الله سبحانه وتعالى اصطفاه بكلامه، ولم ينل هذه الرتبة إلا بعد أن جسد موسى عليه
السلام أقصى حالات التواضع والخضوع لله جل وعلا فكان يطيل السجود ويعفر خده في
التراب زيادة في التذلل وطلب القرب من العلي الاعلى.
فقد روي عن الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: كان موسى بن عمران
عليه السلام إذا صلى لم ينتفل - من صلاته - حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده
الأيسر بالأرض (1).
وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى
موسى عليه السلام: أن يا موسى أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا رب
ولم ذاك؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن
فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على
التراب - أو قال على الأرض - (2).
4 - مباهاة الرب عز وجل الملائكة بالعبد الساجد:
من وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبه أبي ذر الغفاري رحمه الله
وهو يرشده

(1) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 219 / 973 باب سجدة الشكر والقول فيها.
(2) أصول الكافي 2: 123 / 7 باب التواضع. ومن لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق 1:
219 / 974 باب 47 عن الإمام الباقر عليه السلام باختلاف يسير.
28

إلى أعمال يحبها الله تعالى ويباهي بها الملائكة قال صلى الله عليه وآله وسلم:
يا أبا ذر، إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر - إلى أن قال صلى الله
عليه وآله وسلم - ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله
تعالى: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد (1).
وروى الحسن بن علي الوشاء عن الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته عليه
السلام يقول: إذا نام العبد وهو ساجد قال الله عز وجل للملائكة: انظروا إلى
عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي (2).
ومن وصايا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة بن زيد: يا أسامة،
عليك بطريق الحق - إلى أن قال - يا أسامة، عليك بالسجود، فإنه أقرب ما يكون العبد
من ربه إذا كان ساجدا، وما من عبد سجد لله سجدة، إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا
عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، وباهى به ملائكته (3).
5 - السجود طاعة لله تعالى ونجاة للساجد:
أخرج الشيخ المفيد رضي الله عنه بسنده عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام
حديثا تضمن جملة وصايا حيث ركز فيها على طول السجود باعتباره طاعة لله عز وجل
ونجاة للساجد قال عليه السلام:... ولا تستصغروا قليل الآثام، فإن القليل يحصى
ويرجع إلى الكثير، وأطيلوا السجود فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم
ساجدا لأنه أمر بالسجود فعصى وهذا أمر

(1) أمالي الشيخ الطوسي 2: 243. ومستدرك الوسائل 4: 471 / 5191 باب 18.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام / الصدوق 2: 7 / 19 باب 30.
(3) مستدرك الوسائل 4: 475 / 5204 باب 18.
29

بالسجود فأطاع فنجا (1).
6 - كثرة السجود تحت الذنوب:
إن كثرة السجود تدلل على استمرار تذلل العبد لربه العظيم وطلب المغفرة وتطهيره
من الذنوب لما في السجود من تجسيد حقيقة العبودية بعد نفي التكبر والتمرد
والعصيان.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، كثرت ذنوبي
وضعف عملي، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: أكثر من السجود، فإنه يحت الذنوب
كما تحت الريح ورق الشجر (2).
7 - طول السجود وكثرته طريق إلى الجنة:
جاء في الحديث التأكيد على ضرورة إطالة السجود لمن أراد أن تكون له الجنة هي
المأوى.
فقد روى ثقة الاسلام الكليني رضي الله عنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: مر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال: يا
رسول الله ألا أكفيك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: شأنك، فلما فرغ قال له رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: حاجتك؟ قال: الجنة، فأطرق رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ثم قال: نعم، فلما ولى قال له: يا عبد الله

(1) الخصال / الشيخ المفيد: 616. وجامع أحاديث الشيعة 5: 476 - 477 / 8354. ومثله عن
النبي صلى الله عليه وآله راجع علل الشرائع 2: 340 / 2.
(2) أمالي الصدوق: 404 / 11 المجلس 75 منشورات الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1400 ه‍
ط 5. ومستدرك الوسائل 4: 470 / 5188 باب 18.
30

أعنا بطول السجود (1).
وفي خبر آخر، أن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول
الله، اضمن لنا على ربك الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: على أن
تعينوني بطول السجود (2).
وعن ربيعة بن كعب أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله بأن يدعو له بالجنة، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعني بكثرة السجود (3).
8 - طول السجود طريق للحشر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
ومن الفوائد المترتبة على طول السجود، توفيق الله تعالى لان يحشر حليف السجدة
الطويلة مع النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، وذلك هو
الفوز العظيم.
أورد الديلمي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: علمني عملا يحبني الله، ويحبني المخلوقون،
ويثري الله مالي، ويصح بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذه ست خصال تحتاج إلى ست خصال، إذا أردت أن
يحبك الله فخفه واتقه، وإذا أردت أن يحبك المخلوقون فأحسن إليهم

(1) الكافي 3: 266 / 8 باب فضل الصلاة.
(2) أمالي الطوسي 2: 277. ومستدرك الوسائل 4: 471 / 5190 باب 18 من أبواب السجود.
وجامع أحاديث الشيعة 5: 465 / 8315 فضل السجود.
(3) دعوات الراوندي: 9. ومستدرك الوسائل 4: 471 / 5192 باب 18 من أبواب السجود.
31

وارفض ما في أيديهم، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكه، وإذا أردت أن يصح الله
بدنك فأكثر من الصدقة، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك، وإذا أردت أن
يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار (1).
9 - السجود يحقق الشفاعة في الآخرة:
المستفاد من النصوص الواردة في السجود، أن لطوله وكثرته سهما في نيل الشفاعة
والوصول إلى الرضوان الإلهي وهو الجنة بدرجاتها والتخلص من النار وآثارها، ويدل
عليه قول النبي صلى الله عليه وآله للرجل - كما في الحديث المتقدم:: أعني بكثرة
السجود فإنه يعني أن الشفاعة تحتاج إلى مقدمات أهمها الاستعانة بالصلاة وتفهم
أجزائها والتعايش مع أبعادها التربوية قال تعالى: (استعينوا بالصبر والصلاة وإنها
لكبيرة إلا على الخاشعين) (2).
وهذه الاستعانة تكون لأمور شتى، منها الوصول إلى الشفاعة، ومن أهم أجزاء الصلاة
التي يستعان بها هو السجود، فمن صلى وأطال سجوده فقد توصل إلى الشفاعة بالصلاة
والسجود.

(1) أعلام الدين في صفات المؤمنين / الديلمي: 268 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لإحياء التراث - قم 1408 ه‍. وبحار الأنوار 85: 614 / 12. وجامع أحاديث الشيعة 5:
472 - 473 / 8339 باب 1 فضل السجود.
(2) سورة البقرة: 2 / 45.
32

10 - السجود من سنن الأوابين:
إن الأوابين هم أولئك الذين صفت نفوسهم وارتفعت إلى مدارج الكمال بحيث سمت
نفوسهم التقية فوق مستوى المادة، فهم على صلة مع الله عز وجل في كل حين كما هو
واضح من معنى الأواب أي الكثير الرجوع إلى الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.
لذا كان من الطبيعي جدا أن يكون سجودهم له طعمه الخاص ولونه الخاص في صفته وطوله
ومن هنا جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام ما يؤكد على أن طول السجود من سنن
الأوابين.
فقد جاء في وصيته لأبي بصير قوله عليه السلام: يا أبا محمد عليك بطول السجود،
فإن ذلك من سنن الأوابين (1).
11 - مواضع السجود لا تأكلها النار:
ومن فضل السجود عند الله عز وجل أنه يثيب عليه حتى من غلبت سيئاته حسناته فدخل
النار، وذلك بتكريم مواضع السجود لله في حياته فلا تأكلها النار، وقد ورد في الحديث
ما يؤيد ذلك، ففي المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:... إن النار
تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما نبت
الحبة في حميل السيل (2).

(1) مشكاة الأنوار / الطبرسي: 146 منشورات الأعلمي، بيروت 1411 ه‍ ط 3. وقريب منه
باختصار في علل الشرائع 2: 340 / 1 باب 39.
(2) سنن النسائي 2: 229 باب موضع السجود دار الكتب العلمية - بيروت.
33

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في وصف أهوال يوم القيامة:
... حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة ان يخرجوا من
كان يعبد الله فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل
أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود.. (1).
12 - شهادة الأرض للساجد عليها يوم القيامة:
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام استحباب تغيير
مكان الصلاة باستمرار وخصوصا في الأماكن المقدسة، وذلك لان الأرض تشهد للمصلي
عند الله تبارك وتعالى، ولا سيما البقعة التي يضع عليها جبهته سجودا لله جل
وعلا، عن أبي ذر الغفاري رحمه الله في حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: يا أبا ذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها
يوم القيامة..
يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: يا جارة، هل
مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل، أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله تعالى؟ فمن
قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم، اهتزت وانشرحت وترى أن لها فضلا على
جارتها (2).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: صلوا في المساجد في بقاع مختلفة،

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2: 552 / 806.
(2) أمالي الشيخ الطوسي: 534.
34

فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة (1).
13 - استجابة الدعاء في السجود:
يعتبر السجود من أهم مواضع استجابة الدعاء، لذا قال تعالى: (فاسجد واقترب) (2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو
ساجد فأكثروا الدعاء (3).
فالنبي صلى الله عليه وآله يؤكد هنا على أن العبد أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله
العميم في حال سجوده لذا جاء الحث على الدعاء في السجود.
روى جميل بن دراج، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: أقرب ما يكون
العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد، فأي شئ تقول؟
قلت: علمني - جعلت فداك - ما أقول؟
قال عليه السلام: قل، يا رب الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا
جبار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا - يعني
أذكر حاجتك - ثم قل: فإني عبدك، ناصيتي في قبضتك، ثم ادع بما شئت واسأله فإنه
جواد لا يتعاظمه شئ (4).

(1) وسائل الشيعة 3: 474 / 7.
(2) سورة العلق: 96 / 19.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 167 / 482 باب 42.
(4) الكافي 3: 323 / 7 باب السجود والتسبيح والدعاء.
35

فالساجد إذن ما دام في موضع القرب والزلفى يمكنه أن يطلب من ذخائر الرحمة وأبواب
المغفرة ما يشاء.
عن عبد الله بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام تفرق أموالنا وما دخل
علينا، فقال عليه السلام: عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى
الله وهو ساجد.
قال: قلت: فأدعو في الفريضة، واسمي حاجتي؟
فقال عليه السلام: نعم، قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا على
قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله علي عليه السلام بعده (1).
وعن عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: أدعو وأنا
ساجد؟
فقال عليه السلام: نعم، فادع للدنيا والآخرة، فإنه رب الدنيا والآخرة (2).
وعن زياد القندي قال: كتبت إلى أبي الحسن الأول عليه السلام: علمني دعاء، فإني
قد بليت بشئ - وكان قد حبس ببغداد حيث أتهم بأموالهم - فكتب إليه عليه السلام:
إذا صليت فأطل السجود ثم قل: (يا أحد من لا أحد له) حتى ينقطع النفس، ثم قل:
(يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا جودا وكرما) حتى تنقطع نفسك، ثم قل (يا رب
الأرباب أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلا منك، يا علي يا عظيم).

(1) الكافي 3: 324 / 11 الباب السابق.
(2) الكافي 3: 323 / 6 الباب السابق.
36

قال زياد: فدعوت به ففرج الله عني وخلي سبيلي (1).
وروى زيد الشحام عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ادع في طلب الرزق في
المكتوبة وأنت ساجد: يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين، ارزقني وارزق عيالي من
فضلك، فإنك ذو الفضل العظيم (2).
نعم إن استجابة الدعاء تستلزم توفر شروطها، وأبرز هذه الشروط الصدق في الدعاء،
وهو يستدعي إظهار حالة الفقر الحقيقي إلى الله الغني القادر على قضاء حاجته، ثم
العزم على التقيد بما تفرضه عبوديته لله الخالق العظيم وعدم مخالفته في شئ صغيرا
كان أو كبيرا.
14 - ثواب السجود المقترن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم
السلام:
عن عبد الله بن سليمان قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الرجل يذكر
النبي صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة المكتوبة، إما راكعا وإما ساجدا فيصلي
عليه وهو على تلك الحال؟ فقال عليه السلام: نعم إن الصلاة على نبي الله صلى الله
عليه وآله وسلم كهيئة التكبير والتسبيح، وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا
أيهم يبلغها إياه (3).
وقال أبو حمزة الثمالي: قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: من قال في
ركوعه وسجوده وقيامه (صلى الله على محمد وآل محمد) كتب الله له بمثل

(1) الكافي 3: 328 / 25 باب السجود والتسبيح والدعاء.
(2) وسائل الشيعة / الحر العاملي 6: 372 / 8212 باب 17 جواز الدعاء في السجود للدنيا
والآخرة.
(3) الكافي 3: 322 / 5 باب السجود والتسبيح والدعاء.
37

الركوع والسجود والقيام (1).
المبحث الثالث
مع الساجدين
فيما يلي نماذج مختارة من سجود النبي صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم
السلام تعكس لنا مدى اهتمامهم عليهم السلام بهذا الامر وحرصهم عليه:
سجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
روى أبو بصير عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام انه قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة ذات ليلة فقام يتنفل فاستيقظت عائشة فضربت بيدها
فلم تجده، فظنت انه قد قام إلى جاريتها، فقامت تطوف عليه، فوطئت عنقه صلى الله عليه
وآله وسلم وهو ساجد باك، يقول: سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، أبوء إليك
بالنعم، واعترف لك بالذنب العظيم، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر
الذنب العظيم إلا أنت، أعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ برحمتك من
نقمتك وأعوذ بك منك، لا أبلغ مدحك والثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك أستغفرك
وأتوب إليك، فلما انصرف قال: يا عائشة لقد أوجعت عنقي، أي شئ خشيت؟ أن أقوم إلى
جاريتك؟ (2).

(1) الكافي 3: 324 / 13 باب السجود والتسبيح والدعاء.
(2) الكافي 3: 324 / 12 باب السجود والتسبيح والدعاء.
38

وهذه الرواية قد حرفها العامة أبشع التحريف وأفقدوها الجزء الأعظم من دلالتها
الصريحة على ما كانت عليه عائشة إذ أوردها ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي هريرة
عن عائشة أنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فجعلت أطلبه
بيدي فوقعت يدي على باطن قدميه وهما منتصبتان فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ
برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما
أثنيت على نفسك (2).
وروى عبد الله بن أبي رافع عن علي عليه السلام أنه قال: إن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، فذكر الحديث. وقال: ثم إذا سجد
قال في سجوده اللهم لك سجدت، وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق
سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين (1).
سجود أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
من كلام لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وهو يصف لنا صفات المؤمن الحق، قال
عليه السلام:... إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة، إذا جن عليه
الليل فرش وجهه وسجد لله تعالى ذكره بمكارم بدنه ويناجي الذي خلقه في فكاك رقبته
ألا فهكذا كونوا (3).

(1) صحيح ابن خزيمة 1: 335 - 336 / 673 باب 99 الدعاء في السجود، المكتب الاسلامي،
تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، بيروت 1412 ط 2.
(2) صحيح ابن خزيمة 1: 335 / 671 باب الرجاء في السجود.
(3) مشكاة الأنوار في غرر الاخبار / الطبرسي: 90 باب 2 فصل 4 في منزلة الشيعة عند
الله وحقوقهم وما يجب أن يكونوا عليه.
39

وعن أبي ذر الغفاري رحمه الله انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
مثل علي فيكم - أو قال: في هذه الأمة - كمثل الكعبة المستورة، النظر إليها عبادة،
والحج إليها فريضة (1).
وعن أبي سليمان الخطابي قال: معناه والله أعلم: إن النظر إلى وجهه: يدعو إلى ذكر
الله لما يتوسم فيه من نور الاسلام، ويرى عليه من بهجة الايمان، ولما يتبين فيه
من أثر السجود وسيماء الخشوع، وبذلك نعته الله فيمن معه من صحابة الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم فقال: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (2)، وهذه كما يروى لابن
سيرين أنه دخل السوق فلما نظر إليه - وقد جهدته العبادة ونهكته - قال: سبحوا (3).
وقال نوف البكالي واصفا أمير المؤمنين كأن جبينه ثفنة بعير (4).
روى حفص الأعور عن الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: كان علي
صلوات الله عليه إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر (5)،

(1) تاريخ دمشق / ابن عساكر 42: 356 / 8948 ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام، دار
الفكر - بيروت 1417 ه‍ ط 1.
(2) سورة الفتح: 48 / 29.
(3) تاريخ دمشق / ابن عساكر 42: 356 ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.
(4) مستدرك الوسائل / النوري 4: 469 / 187 باب 4.
(5) قال في المصباح المنير 1: 185 (خوى): خوى الرجل في سجوده: رفع بطنه عن الأرض،
وقيل جافى عضديه. وفي المعجم الوسيط: 263: خوى البعير: رفع بطنه عن الأرض في بروكه
ومكن لثفناته والمصلي في سجوده: رفع بطنه عن الأرض وفرج بين عضديه وجنبيه.
40

يعني بروكه (1).
سجود الإمام السجاد عليه السلام:
روى جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن علي بن الحسين ما ذكر
لله عز وجل نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلا سجد،
ولا دفع الله عنه شرا يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا
سجد، ولا وفق لاصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان كثير السجود، في جميع مواضع سجوده
فسمي السجاد لذلك (2).
وعن الإمام الباقر عليه السلام: كان أبي في موضع سجوده آثار نابتة فكان يقطعها
في السنة مرتين، في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذو الثفنات (3).
وعن الفضل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه
السلام إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض (4) عرقا.
ثم يرفع رأسه من السجدة الأولى ويقول: اللهم أعف عني واغفر لي، واجبرني، واهدني
(إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (5).

(1) الكافي 3: 321 - 322 / 2 باب السجود والتسبيح والدعاء.
(2) مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب 4: 180 - 181، دار الأضواء، بيروت 1412 ه‍ ط 2.
(3) المصدر السابق. والثفنة: الجزء الذي يصيب الأرض من الجسم فيغلظ، والجمع ثفنات.
وانظر: مستدرك الوسائل 4: 466 / 5177 باب 17.
(4) يرفض: يسيل ويتفرق ويتتابع سيلانه. لسان العرب 7: 156 مادة رفض.
(5) مستدرك الوسائل 4: 447 / 5130. وراجع فلاح السائل / ابن طاووس: 133 - 134 والآية من
سورة القصص: 28 / 24.
41

وعن سعيد بن كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأطراه ومدحه بما هو أهله - وأخذ يصف الإمام علي
وعبادته، فقال:.. وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه
وفقهه من علي بن الحسين عليهما السلام، ولقد دخل أبو جعفر - ابنه - عليهما السلام
عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمصت
عيناه من البكاء، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه من القيام في
الصلاة، فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء فبكيت
رحمة له وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك
الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا
ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي عليه السلام (1).
سجود الإمام الباقر عليه السلام:
عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وهو ساجد: أسألك بحق حبيبك
محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا بدلت سيئاتي حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا - ثم
قال في الثانية - أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا كفيتني مؤونة
الدنيا وكل هول دون الجنة - ثم قال في الثالثة - أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله
عليه وآله وسلم لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل، وقبلت من عملي

(1) الارشاد / الشيخ المفيد 2: 141 - 142 باب ذكر أخبار علي بن الحسين، تحقيق مؤسسة
آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم 1413 ه‍ - ط 1. والمستدرك / النوري 4:
466 / 5178 باب 17. وكتاب الإمام زين العابدين / عبد الرزاق المقرم: 330.
42

اليسير - ثم قال في الرابعة - أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما
أدخلتني الجنة، وجعلتني من سكانها، ولما نجيتني من سفعات النار برحمتك (1).
وروى إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اني كنت أمهد لأبي
فراشه فانتظره حتى يأتي فإذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي، وانه أبطأ علي
ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه وذلك بعدما هدأ الناس، فإذا هو في المسجد ساجد وليس
في المسجد غيره فسمعت حنينه وهو يقول: سبحانك اللهم أنت ربي حقا حقا سجدت لك يا
رب تعبدا ورقا، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهم قني عذابك يوم تبعث
عبادك وتب علي إنك أنت التواب الرحيم (2).
سجود الإمام الصادق عليه السلام:
روى الكليني عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سجدت فكبر وقل:
اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه
وشق سمعه وبصره، الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين، ثم قل: سبحان
ربي الاعلى وبحمده، ثلاث مرات فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهم اغفر لي
وارحمني واجرني وادفع عني، إني لما أنزلت إلي من خير فقير. تبارك الله رب

(1) فلاح السائل / ابن طاووس: 243 - 244. ومستدرك الوسائل 4: 448 / 5130. وسفعته النار
والسموم: إذا نفحته نفحا يسيرا فغيرت لون البشرة. ومنه الدعاء: أعوذ بك من سفعات
النار - مجمع البحرين 4: 345 مادة سفع.
(2) الكافي 3: 323 / 9 باب السجود والتسبيح والدعاء.
43

العالمين (1).
عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو ساجد: اللهم إني أسألك
الراحة عند الموت، والراحة عند الحساب - قال إسماعيل في حديثه - والامن عند الحساب
(2).
عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو ساجد: سجد وجهي
اللئيم، لوجه ربي الكريم (3).
عن مفضل بن عمر قال: أتينا باب أبي عبد الله عليه السلام ونحن نريد الاذن عليه
فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية. ثم بكى فبكينا لبكائه،
ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت: أصلحك الله أتيناك نريد الاذن
عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكيت فبكينا
لبكائك، فقال عليه السلام: نعم ذكرت إلياس النبي وكان من عباد أنبياء بني
إسرائيل، فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه (4) بالسريانية فلا والله ما
رأينا قسا ولا جاثليقا (5) أفصح لهجة منه به، ثم فسره لنا بالعربية فقال عليه
السلام: كان يقول في سجوده: أتراك

(1) الكافي 3: 321 / 1 باب السجود والتسبيح والدعاء.
(2) مستدرك الوسائل 4: 463 / 5167.
(3) مستدرك الوسائل 4: 463 / 5168.
(4) اندفع فيه: أي شرع فيه.
(5) القس: رئيس النصارى في العلم كالقسيس. والجاثليق: يكون فوقه ويطلق على قاضيهم.
44

معذبي وقد أظمأت لك هواجري (1)، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي، أتراك
معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي، قال عليه السلام:
فأوحى الله إليه: أن ارفع رأسك فإني غير معذبك، قال: إن قلت: لا أعذبك ثم
عذبتني ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال: فأوحى الله إليه: أن ارفع رأسك، فإني غير
معذبك، إني إذا وعدت وعدا وفيت به (2).
من وصاياه عليه السلام لأصحابه، ما رواه إسماعيل بن عمار قال: قال أبو عبد الله -
الصادق - عليه السلام: أوصيك بتقوى الله والورع، وصدق الحديث، وأداء الأمانة،
وحسن الجوار، وكثرة السجود، فبذلك أمرنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (3).
سجود الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام:
عرف الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام بالعبد الصالح وحليف السجدة الطويلة،
ومن شدة حبه للعبادة كان يدعو الله سبحانه بأن يفرغه للعبادة، وبعد أن سجنه
الطاغية هارون حسدا وظلما، شكر الله وكظم غيضه.
روي أنه عليه السلام كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع
الشمس ثم يخر ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد

(1) الهاجرة: نصف النهار حين يستكن الناس في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا من شدة الحر.
(2) أصول الكافي 1: 227 - 228 / 2 باب 34 كتاب الحجة.
(3) مشكاة الأنوار / الطبرسي: 66.
45

حتى يتعالى النهار (1).
روى أبو العباس الخزري عن الثوباني انه قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه
السلام بضع عشرة سنة في كل يوم سجدة بعد انقضاض الشمس إلى وقت الزوال، فكان هارون
ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبو الحسن عليه السلام فكان يرى
أبا الحسن عليه السلام ساجدا، فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم
في ذلك الموضع؟
فقال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر عليه السلام له كل يوم
سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، قال الربيع: قال لي هارون: أما ان هذا من
رهبان بني هاشم، قلت: فمالك قد ضيقت عليه في الحبس؟
قال: هيهات لابد من ذلك (2).
روى زياد بن مروان: كان أبو الحسن الإمام الكاظم عليه السلام يقول في سجوده:
أعوذ بك من نار حرها لا يطفأ، وأعوذ بك من نار جديدها لا يبلى، وأعوذ بك من نار
عطشانها لا يروى، وأعوذ بك من نار مسلوبها

(1) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 218 / 970 باب 47.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 77 - 78 / 14 باب 7.
46

لا يكسى (1).
وروى محمد بن سليمان عن أبيه قال: خرجت مع أبي الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام
إلى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين
وتغرغر دموعه: ربي عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت
وعزتك لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك
لكنعتني، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني،
وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني.
ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول: العفو العفو ثم ألصق خده الأيمن بالأرض
وسمعته يقول بصوت حزين: بؤت إليك بذنبي، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا
يغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثلاث مرات ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول:
إرحم من أساء واقترف واستكان واعترف ثلاث مرات ثم رفع رأسه (2).
سجود الإمام الرضا عليه السلام:
عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في سجوده: يامن
علا فلا شئ فوقه، ويا من دنا فلا شئ دونه، اغفر لي

(1) الكافي 3: 328 / 22 باب السجود والتسبيح والدعاء.
(2) التهذيب 2: 111 - 112 / 418 باب 8 كتاب الصلاة.
47

ولأصحابي (1).
وعن أبي الحسن الصائغ عن عمه قال:... فلما صار إلى قرية سمعت الرضا عليه السلام
يقول في سجوده: لك الحمد إن أطعتك، ولا حجة لي إن عصيتك، ولا صنع لي ولا لغيري في
إحسانك، ولا عذر لي إن أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك يا كريم، اغفر لمن في مشارق
الأرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات (2).
سجود الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
قال محمد الشاكري يصف الإمام العسكري عليه السلام: (... كان عليه السلام أصلح من
رأيت من العلويين والهاشميين،... كان يجلس في المحراب ويسجد، فأنام وأنتبه، وأنام
وهو ساجد...) (3).

(1) التوحيد / الشيخ الصدوق: 67 / 21 باب 2 تحقيق السيد هاشم الحسيني الطهراني، مكتبة
الصدوق طهران 1398 ه‍. ومستدرك الوسائل 4: 450 - 451 / 5133.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 205 / 5 باب 47 دلالات الرضا عليه السلام.
(3) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 251 - 217 / 179 تحقيق الشيخ عبد الله الطهراني
والشيخ علي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية 1417 ه‍ ط 2 ومستدرك الوسائل 4:
473 / 5197 باب 18.
48

الفصل الثاني
أنواع السجود
نبين في هذا الفصل أنواع السجود وبعض الأحكام المتعلقة بها والتي تعتبر من مواضع
الابتلاء التي كثيرا ما يحتاجها المكلف في سجود الصلاة وغيره.
المبحث الأول
أنواع السجودات وأعدادها
السجود على ضربين: واجب، ومندوب.
فالواجب أربعة أشياء:
الأول: سجود الصلاة، والذي يعتبر جزءا منها بل ركنا من أركانها الأساسية فلا
يجوز تركه بأي شكل كان سواء كانت الصلاة واجبة أو مندوبة، لأنه لا تتم الصلاة
إلا بوجوده واتيانه وفق ما جاء في الشرع
49

المقدس.
الثاني: سجود قضاء ما فاته من سجدات الصلاة ناسيا. في حالة نسيان المصلي لبعض
السجدات بحيث فات محلها ولا يمكن تداركها في الصلاة، فيجب قضاؤها بعد الصلاة
مباشرة وبدون أن تكون فاصلة بين الصلاة وبين أدائها.
الثالث: سجود السهو في الصلاة: وهو عبارة عن أداء سجدتي السهو لجبران ما سها به
المصلي أثناء صلاته وسنبين تفصيل ذلك.
مواضع سجود السهو:
تجب سجدتي السهو في ستة مواضع وهي:
1 - إذا تكلم في الصلاة ناسيا (سهوا) أو الظن بأن صلاته قد تمت.
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الرجل يتكلم
ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال عليه السلام: يتم صلاته ثم يسجد
سجدتين، فقلت: سجدتي السهو قبل التسليم هما أو بعده؟
قال عليه السلام: بعده (1).
2 - إذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكر حتى يركع أو يتشهد ويسلم في

(1) الاستبصار / الطوسي 1: 378 / 1 باب 221 من تكلم في الصلاة ساهيا أو عامدا.
50

الثانية: قضى السجدة المنسية بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو (1).
3 - إذا ترك التشهد الأول ولم يتذكر حتى ركع في الثالثة، قضى التشهد المنسي بعد
التسليم وسجد سجدتي السهو.
عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس
في الركعتين الأوليتين؟
فقال عليه السلام: إذا ذكر قبل أن يركع فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم
الصلاة حتى إذا فرغ وسلم فليسجد سجدتي السهو (2).
4 - إذا سلم في غير موضعه، كما لو سلم في الركعة الثانية من الصلاة الرباعية
سهوا: أتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو (3).
5 - إذا شك بين الأربع والخمس وهو جالس: تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو.
روى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: إذا لم
تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو بغير
ركوع ولا قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا (4).

(1) راجع: المسائل المنتخبة / السيد السيستاني: 151 / 346 باب قضاء الأجزاء المنسية.
(2) الاستبصار / الطوسي 1: 362 / 1 و 2 باب 212 من نسي التشهد الأول حتى ركع الثالثة.
وراجع: تهذيب الأحكام / الطوسي 2: 344 / 17 و 18 و 19 باب 16 أحكام السهو.
(3) راجع: المسائل المنتخبة / السيستاني: 153 / 2 سجود السهو.
(4) الاستبصار / الطوسي 1: 380 / 1 باب 222 التسبيح والتشهد في سجدتي السهو.
51

6 - في كل زيادة أو نقصان تحدث في الصلاة عدا الواجبات الركنية بعد اليقين بها.
روى سفيان بن السمط عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: تسجد سجدتي السهو
في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (1).
وفي رواية أخرى فيها تفصيل لعبارة كل زيادة ونقصان الواردة في الفقرة السادسة.
عن عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن السهو، ما
يجب فيه سجدتا السهو؟
فقال عليه السلام: إذا أردت أن تقعد فقمت، وإذا أردت أن تقوم فقعدت، وإذا أردت
أن تقرأ فسبحت، وإذا أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو وليس في شئ مما يتم
به الصلاة سهو (2).
وهناك مواضع أخرى تجب فيها سجدتي السهو مع أعمال أخرى كصلاة الاحتياط من قيام أو
جلوس وغيرها فمن أراد الوقوف على تفاصيلها مراجعة الرسائل العملية باب شكوك الصلاة.
صفة سجود السهو:
تجب المبادرة إلى أداء سجدتي السهو في حال وجوبهما بعد

(1) الاستبصار / الطوسي 1: 361 / 2 باب 210 وجوب سجدتي السهو على من ترك سجدة واحدة ولم
يذكرها إلا بعد الركوع.
(2) تهذيب الأحكام / الطوسي 2: 353 - 354 / 54 باب 16 أحكام السهو. وراجع: المسائل
المنتخبة / السيستاني: 153 / 351.
52

الانصراف من الصلاة أي بعد التسليم مباشرة وقبل صدور ما ينافيها من الأقوال
والافعال ومن تعمد تأخيرها عد عاصيا. فقد روى عبد الله بن ميمون القداح عن
الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن الإمام علي عليهم السلام أنه قال: سجدتا السهو
بعد التسليم وقبل الكلام (1).
وأما لو نسي أداءها فيجب عليه السجود متى ذكرها - وإن مضت أيام، ولا يجب إعادة
الصلاة -، لرواية عمار بن موسى الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام وهو يسأل عن
الرجل إذا سها في صلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو؟
قال عليه السلام: يسجدها متى ذكر (2).
كيفية سجود السهو:
وسجدتا السهو بعد التسليم هي: أن يسجد الانسان كسجوده في صلاته متفرجا معتمدا
على سبعة أعظم - كما تبين فيما سلف - ومراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة من
الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك، ويجب الاتيان بالذكر الخاص في سجدتي السهو،
وقد اختلف العلماء في صيغة هذا الذكر لأجل اختلاف الروايات الواردة فيه والذي جاء
في الرسالة العملية للسيد السيستاني هو أن يقول: (باسم الله وبالله السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (3) وإن شاء قال: (باسم الله وبالله اللهم صل
على محمد وآل محمد الطاهرين) فهو مخير في القولين

(1) الاستبصار / الطوسي 1: 380 / 1 باب 221 سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام.
(2) تهذيب الأحكام / الطوسي 2: 352 - 354 / 54 باب 16 أحكام السهو.
(3) منهاج الصالحين / السيد السيستاني 1: 286 / 881 فصل في سجود السهو.
53

أيهما قال أصاب السنة، ثم يرفع رأسه فيجلس، ثم يعود إلى السجود فيقول ذلك مرة
أخرى، ثم يرفع رأسه ثم يجلس ويتشهد ويسلم (1).
الرابع: سجود العزائم: ويسمى عادة سجود التلاوة وهو سجود واجب كهيئة سجود الصلاة
يؤدى في أربعة مواضع من القرآن الكريم وهي:
1 - سورة السجدة الآية: 5.
2 - سورة فصلت الآية: 37.
3 - سورة النجم الآية: 62.
4 - سورة العلق الآية: 19.
حكم سجود التلاوة:
يجب على المستمع لها بل على السامع - عند الكثير من الفقهاء احتياطا - أينما كان
أن يسجد إذا لم يكن في حال الصلاة، أو كان في حال يتعذر عليه أداء السجود المتعارف،
ان يومئ إلى السجود.
قالوا: وليس في سجود التلاوة تكبيرة افتتاح ولا تشهد ولا تسليم، بل يستحب التكبير
للرفع منه بعد أدائه.
وقالوا: ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث ولا الاستقبال ولا طهارة محل
السجود ولا الستر ولا صفات الساتر، بل يصح حتى على المغصوب، إذا لم يكن السجود
تصرفا فيه.

(1) المقنعة / المفيد: 148 باب 11 أحكام السهو في الصلاة.
54

ولا يشترط فيه مراعاة وضع الأعضاء السبعة، أو وضع الجبهة على الأرض أو ما في
حكمها. ويكفي فيه مسمى السجود.
ويشترط فيه النية، وإباحة المكان. أما الذكر فلا يجب فيه ذكر خاص. ويستحب فيه
الذكر الواجب في سجود الصلاة.
وجوب أداء السجدة فوري فلا يجوز التهاون بها وتأخيرها، ويتكرر السجود مع تكرر
السبب، ويكفي في التعدد رفع الجبهة ثم وضعها من دون رفع بقية المساجد والجلوس (1).
المندوب من السجود خمس عشرة سجدة وهي:
1 - سجدة الفصل بين الأذان والإقامة.
2 - سجدة الشكر، وسيأتي تفصيل ما يتعلق بهذه السجدة في المبحث الثاني.
3 - سجدة المتابعة للامام، ومعناها أنه إذا رأى الامام رافعا رأسه من الركوع
أو السجود وأراد الدخول معه في الصلاة، سجد، فإذا رفع الامام رأسه، رفع هو رأسه
وقام فاستقبل الصلاة.

(1) راجع: منهاج الصالحين / السيد الخوئي 1: 189 / 158 و 159 ط 9. وجامع الأحكام الشرعية
/ السيد السبزواري: 96 / 83 و 84، مؤسسة المنار - قم. والاحكام الواضحة / الشيخ
فاضل اللنكراني: 184 / 679 و 680، قم ط 1. ومنهاج المؤمنين / المرعشي النجفي 1: 174 / 35 -
40، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي، قم 1406 ه‍. ومنهاج الصالحين / السيد
السيستاني 1: 222 - 223 / 654 - 656 نشر مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني - قم
1414 ه‍.
55

4 - السجود لمن دخل المسجد الحرام إذا قرب من الحجر الأسود، وسجدات التلاوة ما
عدا العزائم الأربع وهي إحدى عشر سجدة.
5 - سجدة آخر سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون
عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) (1).
6 - سجدة سورة الرعد وهي قوله تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا
وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) (2).
7 - سجدة سورة النحل وهي قوله تعالى: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من
دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) (3).
8 - سجدة سورة بني إسرائيل (الاسراء) وهي قوله تعالى: (قل آمنوا به أو لا
تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا)
(4).
9 - سجدة سورة مريم عليها السلام وهي قوله تعالى: (... إذا تتلى عليهم آيات
الرحمن خروا سجدا وبكيا) (1).
في سورة الحج سجدتان:
10 - السجدة الأولى من سورة الحج وهي قوله تعالى: (ألم تر أن الله

(1) سورة الأعراف: 7 / 206.
(2) سورة الرعد: 13 / 15.
(3) سورة النحل: 16 / 42.
(4) سورة الإسراء: 17 / 107.
(5) سورة مريم: 19 / 58.
56

يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب
وكثير من الناس...) (1).
11 - السجدة الثانية من سورة الحج وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا
واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (2).
12 - سجدة سورة الفرقان وهي قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما
الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) (3).
13 - سجدة سورة النمل وهي قوله تعالى: (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في
السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش
العظيم) (4).
14 - سجدة سورة ص وهي قوله تعالى: (... وخر راكعا وأناب) (5).
15 - سجدة سورة الانشقاق وهي قوله تعالى: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون)
(6).
مستحبات السجود:
يستحب في السجود عدة أمور أهمها هي:

(1) سورة الحج: 22 / 18.
(2) سورة الحج: 22 / 77.
(3) سورة الفرقان: 25 / 60.
(4) سورة النمل: 27 / 25 - 26.
(5) سورة ص: 38 / 24.
(6) سورة الانشقاق: 84 / 21.
57

1 - التكبير حال الانتصاب من الركوع قائما أو قاعدا ورفع اليدين حال التكبير قبل
الهوي إلى السجود.
2 - السبق باليدين إلى الأرض للرجل ثم ركبتيه، وللمرأة بالعكس تسبق بركبتيها إلى
الأرض ثم تضع يديها.
3 - أن يسجد على الأرض بل التراب والأفضل منه التربة الحسينية.
4 - استيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه.
5 - الارغام بالأنف بالإضافة إلى الجبهة.
6 - بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتى الابهام حذاء الاذنين متوجها بهما إلى
القبلة.
7 - شغل النظر إلى طرف الانف حال السجود.
8 - الدعاء قبل الشروع في الذكر بان يقول: (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت
وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره والحمد لله رب العالمين
تبارك الله أحسن الخالقين).
9 - تكرار الذكر واختيار التسبيح والكبرى منه وهو: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)
والختم على الوتر، تثليثها والأفضل تخميسها والأفضل تسبيعها.
10 - مساواة موضع الجبهة للموقف، بل مساواة جميع المساجد.
11 - الدعاء في السجود بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة وخصوص طلب الرزق الحلال
بان يقول: (يا خير المسؤولين ويا خير
58

المعطين، ارزقني وارزق عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم).
12 - التورك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما وهو: ان يجلس على فخذه الأيسر جاعلا
ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى.
13 - أن يقول بين السجدتين: (استغفر الله ربي وأتوب إليه).
14 - أن يكبر بعد رفع الرأس من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئنا ويكبر للسجدة
الثانية وهو جالس، ويكبر بعد الرفع من الثانية كذلك، ويرفع اليدين حال التكبيرات.
15 - وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس مطمئنا اليمنى على اليمنى واليسرى على
اليسرى.
16 - التجافي في حال السجود بمعنى رفع البطن عن الأرض والتجنح، بمعنى تجافي
الأعضاء حال السجود، بأن يرفع الرجل مرفقيه عن الأرض مفرجا بين عضديه وجنبيه
ومبعدا يديه عن بدنه جاعلا يديه كالجناحين.
والمرأة بالعكس، فيستحب عدم تجافيها عن الأرض حال السجود بل تفترش ذراعيها وتلصق
بطنها بالأرض وتضم أعضاءها.
17 - إطالة السجود والاكثار فيه من التسبيح والذكر.
18 - أن يصلي على محمد وآل محمد في السجدتين.
19 - أن يبسط يديه على الأرض معتمدا عليها للنهوض رافعا ركبتيه قبل يديه.
والمرأة بالعكس: تبدأ برفع يديها قبل ركبتيها حال النهوض للقيام وتنهض وهي منتصبة
الجسم.
59

وتنهض وهي منتصبة الجسم.
20 - أن يقول عند النهوض (بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد) (1).
الأماكن التي يستحب فيها السجود في الصلاة:
كما بينا آنفا أن السجود لله تعالى هو من أفضل صور العبادة فينبغي أن يكون في
الأمكنة المحترمة وفي المواضع الطاهرة وقد ورد استحباب السجود والصلاة في بعض
الأماكن المقدسة وأهمها هي:
1 - المسجد الحرام، فقد ورد أن الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة.
2 - مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة. 3 -
مسجد الكوفة، والصلاة فيه تعدل ألف صلاة.
4 - المسجد الأقصى، الذي احتلته اليهود الصهاينة أعداء الله، والصلاة فيه تعدل
ألف صلاة.
5 - المسجد الجامع للبلد، والصلاة فيه تعدل مئة صلاة.

(1) راجع منهاج الصالحين / السيد الخوئي 1: 186 - 188 / 156 و 157. وجامع الأحكام الشرعية
/ السيد السبزواري: 95 / 82. والاحكام الواضحة / فاضل اللنكراني: 182 - 183 / 677.
ومنهاج المؤمنين / المرعشي النجفي 1: 173 - 174 / 32. والعروة الوثقى / السيد كاظم اليزدي
1: 501 - 503 فصل في مستحبات السجود، كتاب الصلاة. ومنهاج الصالحين / السيد السيستاني
1: 221 - 222 / 653.
60

6 - مسجد القبيلة، والصلاة فيه تعدل خمسا وعشرين صلاة.
7 - مسجد السوق، والصلاة فيه تعدل اثني عشر صلاة.
8 - مشاهد أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام وهي البيوت التي أمر الله أن ترفع
ويذكر فيها اسمه.
9 - روضات الأنبياء عليهم السلام.
10 - مقامات الأولياء والصالحين والعلماء والعباد (1).
الأماكن التي يكره فيها السجود في الصلاة:
يكره السجود في الصلاة في مواضع عديدة منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام
قوله: عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين، والحمام، والقبور، ومسان الطريق، وقرى
النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخ، والثلج (2).
وهناك أماكن أخرى يكره السجود فيها نتعرض إليها جميعا:
1 - الحمام: وهو المكان الذي يغسل فيه، وعمم بعض الفقهاء الكراهة إلى المسلخ (3).

(1) العروة الوثقى 1: 265.
(2) الكافي / الكليني 3: 390 / 12. الاستبصار / الطوسي 1: 394 - 395 / 1 باب 234 الصلاة في
بيوت الحمام. والتهذيب 2: 219 / 71 باب 11.
(3) الاستبصار / الطوسي 1: 395 / 2 الباب السابق. والتهذيب 2: 374 / 86 باب 17.
61

2 - المزابل: وهي المواضع القذرة التي تجمع فيها القمامة.
3 - المكان المتخذ للكنيف.
4 - في مكان أمامه حائط ينز من بالوعة يبال فيها أو كنيف (1).
5 - المواضع التي يصنع فيها المسكر أو يباع (2).
6 - الأماكن التي تذبح فيها الحيوانات أو تنحر.
7 - المطابخ وبيوت النار (3).
8 - البيع والكنائس وبيوت المجوس، إلا إذا رشت وجف ما عليها من رطوبة (4).
9 - الأرض السبخة (5). 10 - أعطان ومرابط الإبل والبغال والحمير والبقر ومرابض
الغنم وذلك لقذارتها (6).

(1) الكافي 3: 388 / 4. التهذيب / الطوسي 2: 221 / 79 باب 11 و 376 / 95 باب 17.
(2) الكافي 3: 392 / 24. التهذيب / الطوسي 2: 220 / 72 باب 11 و 377 / 100 باب 17.
(3) الاستبصار 1: 396 / 1 - 2 باب 237.
(4) الكافي 3: 387 / 1 و 5. التهذيب 2: 222 / 83 - 84 باب 11.
(5) الكافي 3: 388 / 5. الاستبصار 1: 395 - 396 / 1 - 2 باب 236. والتهذيب 2: 221 / 80 -
81 باب 11.
(6) الكافي 3: 387 - 388 / 2 - 3. والاستبصار 1: 395 / 1 - 2 باب 235. والتهذيب 2:
220 / 75 - 71 / 11.
62

11 - الطرق العامة ما لم تضر بالمارة، فإن أضرت بها حرم السجود وبطلت الصلاة (1).
12 - مجاري المياه وإن لم يتوقع جريان الماء فيها.
13 - السجود على القبر أو بين المقابر ولا سيما بين قبرين بدون حائل (2).
14 - السجود قرب قرى النمل (3).
15 - السجود في الطين (4).

(1) الكافي 3: 389 / 7 - 10. والتهذيب 2: 375 / 92 باب 17. والفقيه / الصدوق 1: 157 -
158 / 11 و 12 باب 38.
(2) الكافي 3: 390 / 13. والاستبصار 1: 397 / 1 و 2 و 3 باب 238.
(3) راجع: الاستبصار 1: 394 - 395 / 1 باب 234. والتهذيب 2: 219 / 71 باب 11.
(4) التهذيب 2: 376 / 94 باب 17.
63

المبحث الثاني
سجود الشكر وآثاره
1 - صفة سجود الشكر:
لا يشترط في أداء سجود الشكر شرط، فيصح كيفما أتى به الساجد الشاكر، ولكن الأفضل
أن يكون السجود على الأرض وعلى المواضع السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه
كما في سجود الصلاة، والصاق الساعدين والبطن بالأرض عكس ما يعمل في سجود الصلاة من
استحباب التجافي عن الأرض، كما يستحب وضع الجبهة على الأرض أولا ثم التعفير،
والمراد به وضع الخدين على التراب ثم العودة إلى السجود بوضع الجبهة على الأرض
ثانيا، وبه يتحقق تعدد سجود الشكر، لان العودة إلى السجود بعد التعفير يعني تحقق
سجدة شكر أخرى وهي مستحبة اتفاقا، ولأجل هذا يقال سجدتا الشكر.
وفيما يلي صورة لسجدتي الشكر كما أوردها الشيخ المفيد فقال: وليحمد الله بعد
تسليمه وليثن عليه ويصلي على محمد وآله عليهم السلام ويسأل الله حوائجه، ثم يسجد
سجدتي الشكر، فليلصق فيها ذراعيه بالأرض ويقول في سجوده: (اللهم إليك توجهت وبك
اعتصمت وعليك توكلت، اللهم أنت ثقتي ورجائي فاكفني ما أهمني وما لا يهمني وما
أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك صل على محمد وآل محمد وعجل
64

فرجهم).
ثم يرفع جبهته عن الأرض ويضع خده الأيمن على موضع سجوده ويقول:
(ارحم ذلي بين يديك، وتضرعي إليك، ووحشتي من الناس، وانسي بك يا كريم يا كريم يا
كريم).
ثم يرفع خده الأيمن عن الأرض ويضع مكان خده الأيسر ويقول:
(لا إله إلا أنت ربي حقا حقا، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا، اللهم إن عملي
ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم).
ثم يرفع خده عن الأرض ويعود إلى السجود فيقول في سجوده: شكرا شكرا، مئة مرة،
وإن قالها ثلاث مرات أجزأه، وأكثر من ذلك أفضل، والمئة فيها أفضل وبها جاءت
السنة.
ثم يرفع رأسه، ويجلس مطمئنا على الأرض، ويضع باطن كفه الأيمن موضع سجوده، ثم
يرفعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه، ثم يمرها على باقي وجهه،
ويمرها على صدره، فإن ذلك سنة وفيه شفاء إن شاء الله.
وقد روي عن الصادقين عليهما السلام أنهم قولهما: إن العبد إذا سجد امتد من
أعنان السماء عمود من نور إلى موضع سجوده، فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح
بيده موضع سجوده، ثم يمسح بها وجهه وصدره فإنها لا
65

تمر بداء إلا نفته إن شاء الله تعالى (1).
2 - استحباب سجود الشكر:
لا خلاف بين العلماء، إلا من شذ (2)، في استحباب السجود شكرا لله عز وجل
عقيب الصلوات، لأنها مظنة التعبد، وموضع الخضوع والشكر على التوفيق لأداء
العبادة، وعند تجدد النعم، ودفع النقم، لما روي من أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خر ساجدا شكرا لله تبارك وتعالى (3).
عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوجه نحو صدقته،
فدخل فاستقبل القبلة، فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت أن الله عز وجل قبض
نفسه فيها، فدنوت منه فجلست، فرفع رأسه فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
من هذا؟ قلت: عبد الرحمن
قال: ما شأنك؟، قلت: يا رسول الله، سجدت سجدة خشيت أن يكون

(1) المقنعة / الشيخ المفيد: 109 (سجدتي الشكر).
(2) كمالك وأبي حنيفة كما في المجموع شرح المهذب 7: 70.
(3) سنن أبي داود 3: 89 / 2774 باب سجود الشكر، كتاب الجهاد، تحقيق محمد محي الدين
عبد الحميد، دار الفكر - بيروت. وسنن ابن ماجة 1: 440 / 1394 باب 192 ما جاء في
الصلاة والسجدة عند الشكر، دار الفكر - بيروت 1415 ه‍. وسنن الترمذي 4: 141 / 1578
باب 25 ما جاء في سجدة الشكر، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، دار عمران - بيروت.
66

الله عز وجل قد قبض نفسك فيها.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني فقال: إن الله
عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله عز
وجل شكرا (1).
وروي عن الإمام علي عليه السلام انه سجد شكرا لله تعالى يوم النهروان لما وجدوا
ذا الثدية مقتولا (2).
وعن هشام بن أحمد قال: كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة،
إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته، فقلت: جعلت
فداك، رأيتك قد أطلت السجود؟
فقال عليه السلام: إني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي، فأحببت أن أشكر
ربي (3).
ومن الأوقات التي يتأكد فيها استحباب سجود الشكر، هو عقيب الصلاة المكتوبة.

(1) تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي 3: 223. ومسند أحمد 1: 314 / 1667 حديث عبد الرحمن
بن عوف، دار إحياء التراث العربي 1414 ه‍ ط 2، والنص منه. والسنن الكبرى / البيهقي 2:
371 باب سجود الشكر، دار المعرفة - بيروت.
(2) المصنف / ابن أبي شيبة 2: 368 / 13 باب 314 في سجدة الشكر، دار الفكر - بيروت
1414 ه‍. والمصنف / عبد الرزاق 3: 358 / 5962 باب سجود الرجل شكرا، تحقيق الشيخ حبيب
عبد الرحمن الأعظمي من منشورات المجلس العلمي. والسنن الكبرى / البيهقي 2: 371 باب
سجدة الشكر.
(3) مشكاة الأنوار / الطبرسي: 29.
67

ويؤكد ذلك ما رواه مرازم عن الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:
سجدة الشكر... تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب الملائكة منك، وإن العبد إذا
صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة
فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي، أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد شكرا لي على ما
أنعمت به عليه، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك.
ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك.
ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه.
فيقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ قال: ولا يبقى شئ من الخير إلا قالته
الملائكة.
فيقول الله تبارك وتعالى: يا ملائكتي، ثم ماذا له؟
فتقول الملائكة: ربنا لا علم لنا. فيقول الله تبارك وتعالى: أشكر له كما شكر لي،
وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي... (1).
3 - أهم الأدعية والأذكار الواردة في سجود الشكر:
إن المسنون من الأدعية والأذكار في سجود الشكر - كما في أحاديث أهل البيت عليهم
السلام - كثير، وللساجد الاقتصار على ما شاء منه، وسوف نقتصر

(1) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 219 - 220 / 978 باب سجدة الشكر والقول فيها.
وتهذيب الاحكام / الطوسي 2: 110 / 415 باب 8.
68

على ذكر بعضه، وعلى النحو الآتي:
أ - عن الامامين الصادق والكاظم عليهما السلام، أنهما كانا يكثران في سجدة الشكر
من قول: أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب (1).
ب - كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إذا أصابك أمر فبلغ منك
مجهودك فاسجد على الأرض وقل: يا مذل كل جبار، يا معز كل ذليل، قد وحقك بلغ بي
مجهودي فصل على محمد وآل محمد وفرج عني (2).
ج - وسئل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن سجدة الشكر وما يقال فيها،
فقال عليه السلام: السجدة بعد الصلاة المكتوبة شكرا لله على توفيقه عبده لأداء
فرضه، وأدنى ما يقال في هذه السجدة: شكرا لله ثلاثا.. (3).
4 - من فوائد سجدة الشكر:
إن لسجدة الشكر فوائد وعطاءات جمة تشتمل على غاية ما يصبو إليه الانسان المؤمن
من خير الدنيا والآخرة، كزيادة النعمة، وتوفيق الطاعة، واستجابة الدعاء فيها، زيادة
على ما يكتبه الله عز وجل من حسنات وما يمحوه من سيئات كما هو واضح من كلام أهل
البيت عليهم السلام.
فقد سئل الإمام الرضا عليه السلام عن سجدة الشكر وعن معنى شكرا لله؟

(1) الكافي / الكليني 3: 323 / 10 باب السجود والتسبيح والدعاء. ومستدرك الوسائل 4:
463 / 5167 باب 14 من أبواب السجود.
(2) الدعوات / قطب الدين الراوندي: 51 / 128 فصل في ألح في الدعاء وأوجزه.
(3) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 219 - 220 / 977 باب 47 سجدة الشكر والقول فيها.
69

فأجاب عليه السلام: إن معناها أن هذه السجدة هي شكر مني لله تعالى على أن وفقني
لان قمت بخدمته وأديت فرضه، وشكر الله يوجب زيادة النعمة وتوفيق الطاعة، وإذا كان
قد بقي في الصلاة تقصير ولم تتم بالنوافل أتمتها هذه السجدة (1).
وعن جهم بن أبي جهم، قال: رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وقد سجد بعد
الثلاث الركعات من المغرب فقلت له: جعلت فداك، رأيتك سجدت بعد الثلاث ركعات، فقال
عليه السلام: ورأيتني؟ فقلت: نعم، قال عليه السلام: فلا تدعها، فإن الدعاء فيها
مستجاب (2).
وعن الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: من سجد لله سجدة الشكر
وهو متوضئ كتب الله له بها عشر صلوات، ومحا عنه عشر خطيئات عظام (3)، ورفع له عشر
درجات في الجنان (4).

(1) الباقيات الصالحات / الشيخ عباس القمي شرح محمد هويدي: 807 باب سجدة الشكر، نشر
المؤسسة العالمية لعلوم القرآن، دار الملاك 1415 ه‍ ط 1.
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 217 - 218 / 967 باب 47 سجدة الشكر والقول فيها.
(3) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 218 / 971 باب 47 سجدة الشكر والقول فيها.
(4) الباقيات الصالحات: 806 باب سجدة الشكر.
70

الفصل الثالث
حرمة السجود لغير الله تعالى
من خلال ما تقدم من آيات وروايات يتضح اختصاص السجود بالله عز وجل وحده دون
سواه مهما كانت رتبته ومنزلته.
وقد مر أن السجود هو الخضوع والخشوع والتذلل، وبما ان الخضوع والخشوع والتذلل
أعم من السجود، فقد يشتبه الجاهل فيحمل حرمة السجود - وهو مفهوم خاص - لغير الله
عز وجل على حرمة الخضوع لغير الله تعالى، مع أن الله تعالى أمر بتذلل العبد
لوالديه في محكم كتابه العزيز فقال تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (1).
كما حث علماء الأخلاق عند جميع المسلمين - اقتداء بجملة من الآثار والاخبار -
على التواضع للعلماء والخضوع لهم لا سيما في مقام التعلم حتى جعل خضوع الطالب
وتذلله لأستاذه من أوليات آداب التلمذة والتعلم.

(1) سورة الإسراء: 17 / 24.
71

ويكفي في المقام اتفاق العقلاء على ضرورة الخضوع للحق والانقياد له حتى ولو سمع من
صبي. فكيف الحال إذن مع أنبياء الله عز وجل ورسله وأوليائه الذين هم حجج الله
في أرضه على عباده؟ فلا شك في كون الخضوع والتذلل لهم والانصياع لأوامرهم من
موجبات الشرع الحنيف على أن لا يكون ذلك بنحو التأليه وإلا فهو من الشرك بالله
عز وجل.
نعم، السجود على الأعضاء السبعة منحصر بالله عز وجل ولا يجوز أن يكون لغير
الله تعالى حتى وان لم يكن بنحو التأليه، لأنه سيكون من قبيل تسوية العبد
بخالقه، وهو عين الضلال حتى وان قصد بها الاحترام لما فيها من جعل المخلوق بمرتبة
الخالق وتنزيل الخالق إلى منزلة المخلوق.
ومن هنا جاء في الحديث الشريف أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي، فقال له رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معاذ! ما هذا؟ قال: إن اليهود تسجد لعظمائها
وعلمائها ورأيت النصارى تسجد لقسسها وبطارقتها، قلت ما هذا؟ قالوا: تحية الأنبياء،
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: كذبوا على أنبيائهم (1).
وروى سفيان الثوري عن سماك بن هاني أنه قال: دخل الجاثليق على علي بن أبي طالب
عليه السلام فأراد أن يسجد له فقال له الإمام علي عليه السلام: اسجد لله ولا تسجد
لي (2).

(1) مسند أحمد بن حنبل 5: 515 / 18913 و 516 / 18914 وفي الطبعة القديمة 4: 381.
(2) التفسير الكبير / الفخر الرازي 2: 232 في تفسير الآية 34 من سورة البقرة.
72

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء
بعير فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد
لك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرا
أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (1).
هذا، وأما ما حكاه القرآن من قصة السجود لآدم عليه السلام ونحو ذلك مما سيأتي فلا
منافاة بينه وبين ما تقدم من حرمة السجود لغير الله عز وجل، وهذا ما سنوضحه على
النحو الآتي:
أولا: معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام:
سنذكر في بيان معنى السجود لآدم عليه السلام أهم الآراء المطروحة في المقام، ثم
نبين القول المختار منها وما يرد على غيره من الأقوال، وهي:
الرأي الأول: إن سجود الملائكة لآدم عليه السلام هو بمعنى الخضوع والتواضع، وليس
بمعنى السجود المعهود، وقد مر أن الخضوع للأنبياء عليهم السلام لا يتنافى مع
السجود لله عز وجل، بل هو مما أمر الله تعالى به وحذر من مخالفته.
وفيه: أن هذا التأويل خلاف الظاهر من اللفظ، فلا يصار إليه من غير

(1) راجع: مسند أحمد بن حنبل 6: 300 / 21480 و 7: 111 - 112 / 23949 واللفظ منه وفي
الطبعة القديمة 4: 381 و 5: 228 و 6: 76، وسنن ابن ماجة 1: 581 / 1852 و 582 / 1853 باب
4 حق الزوج على المرأة. وسنن أبي داود 2: 244 / 2140 باب حق الزوج على المرأة، وزاد
فيه: لما جعل الله لهم عليهن من الحق.
73

قرينة، وإن الروايات قد دلت على أن ابن آدم إذا سجد لربه ضجر إبليس وبكى، لأنه
أمر به فعصى واستكبر فلعن وأبعد، وهذه الروايات دالة على سجود الملائكة بهذا
المعنى المعهود للسجود لان المتبادر من السجود وضع الجبهة على الأرض، ويؤيده
قوله تعالى: (فقعوا له ساجدين) حيث امتثل الجميع - بالسجود - لأمر الله إلا
إبليس أبى قال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
واستكبر وكان من الكافرين) (1)، لذلك يضجر إبليس ويبكي من إطاعة ابن آدم للامر
وعصيانه هو من قبل (2)، وقد روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام ما يؤيد
ذلك، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سجدت الملائكة لآدم عليه السلام ووضعوا
جباههم على الأرض؟
قال عليه السلام: نعم تكرمة من الله تعالى (3).
الرأي الثاني: إن سجود الملائكة كان لله تعالى، وإنما كان آدم قبلة لهم، كما
يقال: صل للقبلة أي إليها. وقد أمر الله الملائكة بالتوجه إلى آدم في سجودهم
تكريما له وتعظيما لشأنه وهو ما نسب إلى أبي علي الجبائي وأبي القاسم البلخي
وجماعة (4).
ويرد عليه ما ورد على سابقه من مخالفته لظاهر اللفظ بل ومنافاته

(1) سورة البقرة: 2 / 34.
(2) راجع البيان في تفسير القرآن / السيد الخوئي: 506، المطبعة العلمية - قم 1394 ه‍
ط 5.
(3) بحار الأنوار 11: 139 / 3 باب سجود الملائكة ومعناه.
(4) بحار الأنوار 11: 140 / 6 باب سجود الملائكة ومعناه.
74

لصريح الآية المباركة (واسجد لمن خلقت طينا) (1) فإن إبليس إنما أبى عن السجود
بادعاء أنه أشرف من آدم عليه السلام.
فلو كان السجود لله تعالى، وكان آدم قبلة محضة لما كان في احتجاجه الذي سجله
لنا القرآن الكريم معنى، قال تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة
اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك
قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن
تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) (2) وهذه الآيات صريحة بإرادة السجود، وليس
المتبادر منه هو القبلة.
الرأي الثالث: إن السجود لشخص آدم عليه السلام، حيث كان بأمر الله تعالى، فهو في
الحقيقة خضوع لله وسجود له لكونه بأمره.
وبيان ذلك: أن السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع، ولذلك قد خصه الله سبحانه
بنفسه، ولم يرخص لعباده أن يسجدوا لغيره.
غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله تعالى كان في الحقيقة عبادة له
وتقربا إليه، لأنه امتثال لامره، وانقياد لحكمه، وإن كان في الصورة تذللا
للمخلوق.
ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد على هذا الامر، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل
للمخلوق، ولا يخضع لغير الخالق حتى لو كان يأمره.

(1) سورة الإسراء: 17 / 61.
(2) سورة الأعراف: 7 / 11 - 13.
75

وهذا الرأي هو الصحيح المختار:
وقد روي هذا المعنى عن أهل البيت عليهم السلام في جملة من الاخبار، نذكر منها ما
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: قال إبليس: رب اعفني من السجود
لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فقال الله: لا حاجة لي
إلى عبادتك، إنما أريد أن اعبد من حيث أريد، لا من حيث تريد، فأبى أن يسجد...
(1).
وهذا الحديث صريح بكون السجود لآدم هو عبادة لله عز وجل، لأنه كان بأمره
تعالى.
وروي أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله زنديق: أفيصلح السجود لغير
الله؟ قال الإمام عليه السلام: لا قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم
عليه السلام؟ فقال الإمام عليه السلام: إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان
سجوده لله إذا كان عن أمر الله (2).
ثانيا: معنى السجود ليوسف عليه السلام:
وأما عن سجود آل يعقوب ليوسف الصديق عليه السلام كما صرح به القرآن الكريم وهو
يقص لنا أحسن القصص بقوله تعالى: (ورفع أبويه على

(1) البيان في تفسير القرآن / السيد الخوئي: 508. وبحار الأنوار 11: 141 / 7 باب سجود
الملائكة ومعناه.
(2) الاحتجاج / الطبرسي 2: 218 / 223 كلامه في حكمة سجود الملائكة لآدم عليه السلام.
انتشارات الأسوة - قم 1413 ه‍. وبحار الأنوار 10: 168 / 2 باب 13 احتجاجات الإمام الصادق
عليه السلام على الزنادقة والمخالفين.
76

العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا) (1)
فلا ينافي أيضا ما تقرر في محله من حرمة السجود لغير الله عز وجل، لأنه
في الواقع كان إعظاما وشكرا لله عز وجل على ما أنعم عليهم من نعمة السلامة
واجتماع الشمل، ولم يكن سجود عبادة ليوسف عليه السلام، فهذا ما يأباه كل من عرف
مقام الأنبياء ومنزلتهم ودعوتهم الناس إلى نبذ الشرك والاعتقاد بالتوحيد الخالص.
نعم، فقد كان من بين أولئك الساجدين نبي الله يعقوب عليه السلام، وهو ممن أخلص لله
في كل شئ ولم يبث شكواه إلا لله قال تعالى: (وإنه لذو علم لما علمناه ولكن
أكثر الناس لا يعلمون) (2).
وتفسير السجود بهذا المعنى الذي ينسجم مع أصول العقيدة الاسلامية من حرمة السجود
لغير الله، هو ما أثبتته مدرسة أهل البيت عليهم السلام كما يدل عليه جملة من
الروايات، نكتفي بالإشارة إلى بعضها:
عن أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:... فلما دخلوا على يوسف
في دار الملك اعتنق أباه فقبله وبكى... ثم دخل منزله فادهن واكتحل ولبس ثياب
العزة والملك ثم رجع إليهم - أو خرج إليهم - فلما رأوه سجدوا له جميعا اعظاما
وشكرا لله، فعند ذلك قال: (يا أبت هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا) إلى أن
قال: (بيني وبين اخوتي) قال: ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا
يتطيب ولا

(1) سورة يوسف: 12 / 100.
(2) سورة يوسف: 12 / 68.
77

يضحك، ولا يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله، جمع بينه وبين يعقوب واخوته (1).
وعن موسى بن محمد بن علي بن موسى، سأل الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام عن
قول الله عز وجل: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) أسجد يعقوب وولده
ليوسف وهم أنبياء؟...
فقال عليه السلام: وأما سجود يعقوب وولده ليوسف، فإن السجود لم يكن ليوسف، كما
أن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم، إنما كان منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد
يعقوب وولده شكرا لله باجتماع شملهم، ألم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت (
رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث..) (2).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى: (وخروا له سجدا)
قال عليه السلام: كان سجودهم ذلك عبادة لله (3).
ونخلص من ذلك كله إلى اختصاص السجود بالله تعالى وحده، وإن ما أتى به الملائكة
لآدم عليه السلام وكذا ما فعله يعقوب عليه السلام وولده ليوسف الصديق عليه السلام
فإنما ذلك كله سجود لله تعالى، وطاعة له وائتمار بأمره سبحانه ومحبة لآدم وفضيلة
له عليه السلام وكذا تحية ليوسف وتكرمة له عليه السلام ليس إلا.

(1) تفسير العياشي 2: 197 / 83. وبحار الأنوار 12: 318 / 143 كتاب النبوة.
(2) الاختصاص / الشيخ المفيد: 91 - 93، انتشارات مكتبة الزهراء عليها السلام - قم
1402 ه‍. وتفسير العياشي 2: 197 / 82.
(3) تفسير العياشي 2: 197 / 85.
78

الفصل الرابع
السجود على التربة الحسينية
تمهيد: فيما يصح السجود عليه وما لا يصح:
1 - ما يصح السجود عليه:
يمكن تقسيم ما يصح السجود عليه بحسب أدلته الثابتة إلى ما يأتي:
أ: السجود على الأرض سواء كانت ترابا أو رملا أو حجرا أو مدرا أو حصى أو
طينا، بشرط تمكين الجبهة (1)، ويدل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا الذي روي بألفاظ متقاربة في كثير من الصحاح
والسنن والمسانيد وغيرها (2).

(1) لان السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ومع عدم التمكن لا يصدق الوضع،
بل يكون عن مجرد المس. مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام / السيد عبد الأعلى
السبزواري 5: 457.
(2) انظر صحيح البخاري 1: 91 باب التيمم مؤسسة التاريخ العربي - بيروت. وصحيح مسلم
1: 370 - 371 / 3 - 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار
الكتب العلمية - بيروت. وسنن أبي داود 1: 132 - 133 / 492 باب في المواضع التي لا
يجوز فيها الصلاة. وسنن النسائي 1: 267 /
815 باب 42 كتاب المساجد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، دار الكتب العلمية - بيروت.
وسنن الترمذي 2: 131 / 317 باب 236 من أبواب الصلاة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار عمران
- بيروت. والسنن الكبرى / البيهقي 2: 435 كتاب الصلاة. والمصنف / ابن أبي شيبة 2: 293 / 1
- 8 باب 240 من قال الأرض كلها مسجد.
79

وقد دل الحديث بمنطوقه ومفهومه على أن السجود لله تعالى يكون على الأرض بصورة
مطلقة وانه لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، كما دل الحديث أيضا على أن
الأصل في الأرض هو الطهارة إلا ما خرج عن ذلك الأصل بدليل كوجود عين نجسة على
بقعة فيها.
ويؤيد هذا الحديث أحاديث اخر تشير إلى هذا المعنى صراحة، كأحاديث وضع الجبهة
والأنف على الأرض في السجود (1) وانه لا صلاة لمن لا يفعل ذلك في سجوده (2).
هذا زيادة على السنة الفعلية للنبي صلى الله عليه وآله المنقولة عن جملة من
الصحابة

(1) الكافي 2: 333 / 2 باب وضع الجبهة على الأرض. والاستبصار 1: 337 / 4 باب السجود
على الجبهة. وصحيح البخاري 1: 206 باب السجود على الانف كتاب الصلاة. والسنن
الكبرى / البيهقي 2: 103 - 104 باب إمكان الجبهة من الأرض في السجود كتاب الصلاة.
والمستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري 1: 404 / 997 و 998 كتاب الصلاة، تحقيق
مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍ ط 1. والمصنف / عبد الرزاق 2:
181 - 182 / 2976 - 2989 باب السجود على الانف.
(2) أنظر سنن الدارقطني 2: 273 - 274 / 1302 و 1305 باب 42 وجوب وضع الجبهة والأنف
على الأرض كتاب الصلاة، دار الفكر - بيروت 1414 ه‍. وراجع: المصنف / عبد الرزاق 2:
181 - 182 / 2976 - 2989 باب السجود على الانف.
80

والمؤكدة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد وضع جبهته وطرف أنفه على
الأرض، وهكذا كان يفعل كبار الصحابة والتابعين حتى إن مسروق بن الأجدع كان إذا
أبحر أخرج معه لبنة يسجد عليها في السفينة في أوقات الصلاة (1).
وقد دلت جملة من الاخبار على صحة السجود على ما ذكرناه من أنواع الأرض كالحصى
والرمل حتى اشتكى الصحابة من حرها فلم يشكهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
عن عبد الله بن مسعود قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وآله حر الرمضاء فلم
يشكنا (2)، مما اضطر الصحابة إلى اتخاذ

(1) الطبقات الكبرى / ابن سعد 6: 141 / 1977 في ترجمة مسروق بن الأجدع، تحقيق محمد
عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت 1410 ه‍ ط 1.
(2) راجع: صحيح مسلم 1: 433 / 189 و 190 و 191 باب 33 استحباب تقديم الظهر في أول
الوقت في غير شدة الحر. ومسند أحمد بن حنبل 5: 108 و 110، و 6: 124 / 20547 و
126 / 20558. والمصنف / عبد الرزاق 1: 543 - 544 / 2055 باب وقت الظهر. وسنن البيهقي 2:
105 - 107 باب من بسط ثوبا فسجد عليه وباب السجود على الكفين ومن كشف عنهما في
السجود. وسنن النسائي 1: 247 في المواقيت باب وقت الظهر. وسنن ابن ماجة 1: 218 / 675
و 676 باب 3 وقت صلاة الظهر وفي الطبعة القديمة 1: 37. وتنوير الحوالك: 47 - 48 / 27
باب 7 النهي عن الصلاة في الهاجرة. والرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من
الفعل والوصف / العاقولي 1: 225 باب صلاة الظهر، مكتبة التوعية الاسلامية، القاهرة
1406 ه‍ ط 2. ولسان الميزان / ابن حجر العسقلاني 2: 63 / 243 ترجمة بلهط، مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات 1390 ه‍ ط 2. وميزان الاعتدال / الذهبي 1: 352 / 1319 في ترجمة بلهط، تحقيق
علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية 1382 ه‍ ط 1. وانظر: من لا يحضره
الفقيه / الشيخ الصدوق 1: 176 / 11 و 12 و 13 باب 40. وانظر: جواز السجود على الحصى في
الكافي 3: 334 / 7 وضع الجبهة على الأرض.
81

أسلوب آخر - للتخلص من صعوبة السجود ومشقته بسبب حرارة الأرض - هو تبريد الحصى
بأكفهم حتى يتسنى لهم السجود عليها. عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: كنا
نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فأخذت قبضة من حصى في كفي أبرده
ثم أحوله في كفي الأخرى فإذا سجدت وضعته لجبهتي (1).
ثانيا: السجود على ما أنبتته الأرض أو المصنوع منه بشرط أن لا يكون مأكولا أو
ملبوسا، وقد ورد في ذلك جملة من الاخبار تؤكد سجود النبي صلى الله عليه وآله على
الحصير والخمرة المصنوعة من سعف النخل (2).
ولم يرد جواز السجود على ما يؤكل أو يلبس كما يفعله العامة في سجودهم، وهو قبيح في
نفسه لأنه أشبه بفعل الوثنيين الذين كانوا يسجدون على تماثيل من التمر ثم
يأكلونها!!
ولهذا ورد النهي صراحة عن السجود على القطن والكتان، لأنه مما

(1) السنن الكبرى / النسائي 1: 227 / 668 باب 6 تبريد الحصى للسجود عليه كتاب التطبيق.
والسنن الكبرى / البيهقي 2: 441 / 2723 باب من بسط ثوبا فسجد عليه، كتاب الصلاة.
(2) صحيح البخاري 1: 90 آخر كتاب الحيض و 1: 106 باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته
إذا سجد و 106 - 107 باب الصلاة على الحصير و 107 باب الصلاة على الخمرة. وفتح
الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني 2: 431 / 374 باب 7 و 3: 12 - 21 / 38 باب
20 مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة 1417 ه‍ ط 1. وسنن النسائي 2: 208 -
209. ومسند أحمد 3: 539 / 11589 وفي الطبعة القديمة 3: 103. والخمرة: هي حصير صغير
قدر ما يسجد عليه يعمل من سعف النخل ويزمل بالخيوط.
82

يكون لباسا (1)، وكذلك النهي عن السجود على الثمار، لأنه مما يؤكل (2).
ثالثا: السجود على الفرش والثياب في حالات الضرورة القصوى، وقد دلت عليه جملة
من أخبار الفريقين وآثارهم (3).
علة السجود على الأرض ونباتها:
قال هشام بن الحكم: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: أخبرني عما يجوز
السجود عليه وعما لا يجوز؟
قال عليه السلام: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما
أكل أو لبس فقلت له: جعلت فداك ما العلة في ذلك؟
قال عليه السلام: لان السجود هو الخضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على
ما يؤكل أو يلبس، لان أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في
عبادة الله تعالى، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين
اغتروا بغرورها. والسجود على الأرض أفضل، لأنه

(1) الكافي / الكليني 3: 330 / 1 باب ما يسجد عليه وما يكره.
(2) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 174 / 3 باب 40.
(3) انظر الاستبصار / الشيخ الطوسي 1: 332 / 8 - 12 باب 188، دار الأضواء - بيروت
1406 ه‍ ط 3. ومن لا يحضره الفقيه 1: 169 / 48 باب 39 ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من
الثياب. وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 1: 414. والسنن الكبرى / البيهقي 2: 440 -
441 / 2720 و 2721 و 2722 باب من بسط ثوبا فسجد عليه كتاب الصلاة، دار الفكر -
بيروت. وفي كتاب الشيخ علي الأحمدي (السجود على الأرض) تفصيل واسع لجميع ما
ذكرناه في هذا التمهيد وقد أرشدنا إلى كثير من مصادره.
83

أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل (1).
إن هذا الكلام الواضح يكشف بجلاء عن أن السجود على التراب إنما هو لأجل أن
مثل هذا العمل يتناسب مع التواضع أمام الله الواحد أكثر من أي شكل آخر وهو الأصل
كما جاء في العديد من النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام. روى محمد بن يحيى
باسناده عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: السجود على الأرض فريضة، وعلى
الخمرة سنة (2).
2 - ما لا يصح السجود عليه:
وأما ما لا يصح السجود عليه - وقد مر بعضه - فأنواع كثيرة إذ ورد النهي عنها مع
التصريح بعدم صحة السجود عليها في جملة من الاخبار، ونذكر تلك الأنواع:
كور العمامة، والثوب والكم، والقلنسوة (3)، والقطن والصوف وبقايا الحيوان كالعظام
والجلود ونحوها والطعام والثمار والرياش (4) والقير

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 177 / 1 باب 41. وعلل الشرائع: 341 / 1 باب 42.
(2) الكافي 3: 331 / 8 باب ما يسجد عليه وما يكره.
(3) الكافي / الكليني 3: 334 / 9 باب وضع الجبهة على الأرض. ومن لا يحضره
الفقيه / الصدوق 1: 176 / 10 باب 40 ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه. وتهذيب
الاحكام / الطوسي 2: 86 / 319 باب 8 كتاب الصلاة. والطبقات الكبرى / ابن سعد 1: 151.
والسنن الكبرى / البيهقي 2: 105 - 106 باب من بسط ثوبا وسجد عليه، دار المعرفة.
والمصنف / عبد الرزاق 1: 401 / 1568 و 1569 و 1570 باب السجود على العمامة. وكنز العمال
4: 212 وفي طبعة 8: 26.
(4) الكافي 3: 330 / 2 باب ما يسجد عليه وما يكره.
84

والنورة (1) والذهب والفضة (2) والزجاج (3) والسبخة والثلج (4) ونحوها.
من فتاوى علماء الإمامية حول موضع السجود:
لقد وردت المضامين الحديثية المتقدمة في فتاوى فقهاء الامامية منذ القدم وإلى
اليوم، وقد اخترنا أربعة نصوص للدلالة على أن الأصل في السجود هو أن يكون على
الأرض.
1 - قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق الأول ت 329 ه‍) في وصيته
إلى ولده أبي جعفر الصدوق الثاني كما نقلها عنه بقوله: (قال أبي رحمة الله عليه
في رسالته إلي: اسجد على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ولا تسجد على الحصر
المدنية، لان سيورها من جلد، ولا تسجد على شعر ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا
زجاج ولا حديد ولا صفر ولا شبه ولا رصاص ولا نحاس ولا ريش ولا رماد.
وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك الاحتراق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو
شوكة تؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان

(1) الكافي 3: 331 / 6 من الباب السابق.
(2) الكافي 3: 332 / 9 من الباب السابق.
(3) الكافي 3: 332 / 14 من الباب السابق. وعلل الشرائع / الشيخ الصدوق: 342 / 5 باب 42.
(4) الاستبصار 1: 335 - 336 / 1 باب 192 السجود على الثلج، وهناك جملة من الروايات
تجوز السجود على الثلج عند الضرورة القصوى كما لو كانت الأرض مغطاة بالثلج، راجع:
من لا يحضره الفقيه 1: 169 / 49 باب 39، نعم يجوز ان يضع الساجد حائلا بين الثلج
وجبهته كالثوب بحكم تلك الضرورة كما دلت عليه أخبار أخر.
85

من قطن أو كتان.
وإن كان بجبهتك دمل فاحفر حفرة فإذا سجدت جعلت الدمل فيها.
وإن كانت بجبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن من
جبهتك فان لم تقدر عليه فاسجد على قرنك الأيسر من جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد
على ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول الله عز وجل: (إن الذين
أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا... ويزيدهم خشوعا)
(1)، ولا بأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين والابهامين على غير الأرض وترغم
بانفك، ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم ويكون سجودك
كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه تكون شبه المعلق لا يكون شئ من جسدك على شئ
منه) (2).
2 - أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين عبد الله الحلبي (ت 447 ه‍): قال: (لا يجوز
السجود بشئ من الأعضاء السبع إلا على محل طاهر، ويختص صحة السجود بالجبهة على
الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس، فإن سجد ببعض الأعضاء على محل نجس
وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة) (3).

(1) سورة الإسراء: 17 / 107 - 109.
(2) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 174 - 175 / 827 باب 40. ويتخوى الرجل: يجافي بطنه
الأرض في سجوده بان يجنح بمرفقيه ويرفعهما عن الأرض ولا يفترشهما افتراش الأسد.
(3) الكافي في الفقه / الحلبي، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 272 كتاب الصلاة.
86

3 - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (ت 460 ه‍) قال: (لا يجوز
السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس ويحتاج أن يجمع
شرطين:
أن يكون ملكا أو ما في حكم الملك، ويكون خاليا من نجاسة، فأما الوقوف على ما فيه
نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به، والتنزه عنه أفضل) (1).
4 - السيد كاظم اليزدي قدس سره في العروة الوثقى قال: (يشترط مضافا إلى طهارته -
مسجد الجبهة من مكان المصلي - أن يكون من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول
والملبوس، نعم يجوز على القرطاس أيضا، فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن
مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج والقير والزفت ونحوهما، وكذا ما خرج عن اسم
النبات كالرماد والفحم ونحوهما، ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان
ونحوهما، ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن) (2).
تغاير مواضع السجود:
يجدر التنبيه على مسألة مهمة في السجود، وهي هل يشترط في السجود أن تكون مواضع
السجود السبعة المعروفة كلها على شئ واحد يصح السجود عليه أو لا يشترط ذلك؟
وبمعنى آخر ما هو حكم السجود

(1) الجمل والعقود / الشيخ الطوسي، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 352، فصل في ذكر ما
يسجد عليه كتاب الصلاة.
(2) العروة الوثقى / السيد كاظم اليزدي 1: 425 - 426 فصل في مسجد الجبهة من مكان
المصلي، كتاب الصلاة، تحقيق ونشر مدينة العلم آية الله العظمى السيد الخوئي 1414 ه‍
ط 1.
87

الذي يكون على شئ وبدن الساجد على شئ آخر؟
والجواب باختصار: نعم، فقد وردت روايات متعددة عن أهل البيت عليهم السلام تؤكد على
عدم اشتراط اتحاد مواضع السجود على شئ واحد، منها ما رواه حمران عن أحدهما -
الباقر أو الصادق عليهما السلام - قال: لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر
والصوف إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام والسجود
عليه (1).
ووردت جملة من الفتاوى المدعومة بالأثر من طريق العامة صريحة بصحة هذا السجود
كما لو وضع الساجد مثلا جبهته على التراب وكان جسمه على الفراش أو الثوب أو الحصير
ونحو هذا (2)، فالشرط إذن أن يكون موضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ولا يضر
فيما لو كان البدن خارجا ولكن في مكان طاهر (3).
ومن هنا يتضح التوافق على جواز التغاير في مواضع السجود، ويختص مذهب أهل البيت
عليهم السلام باشتراط وضع الجبهة على الأرض، أو ما أنبتت.
ولا خلاف أيضا في صحة السجود على أية بقعة من بقاع الأرض بعد إحراز طهارتها،
ولا فرق في ذلك بين أن يكون السجود على جبل أو

(1) الاستبصار 1: 335 / 2 باب 119 السجود على شئ ليس عليه سائر البدن، كتاب الصلاة.
(2) انظر: المدونة الكبرى 1: 75. ومصنف عبد الرزاق 1: 392 / 1529 باب الصلاة على
الصفا والتراب. وفتح الباري 1: 413.
(3) تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي 1: 273.
88

سهل، أو في أرض قاحلة أو في رياض غناء، وإنما جاء تشريف بعض البقع على بعض من
طريق الأثر الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام الذين
عصمهم الله في محكم كتابه من كل دنس ورجس.
التربة الحسينية:
لقد كانت التربة الحسينية من تلك البقع المشرفة التي خصها الله بنوع من الكرامة في
جملة من الأحاديث الواردة في هذا الشأن عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته
عليهم السلام، هذا فضلا عن أن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأمكنة
والبقاع، إذ بالإضافات والنسب تكون للأراضي والأماكن والبقاع خاصة ومزية بها،
تجري عليها مقررات كثيرة وتنزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها (1).
وأي مسلم لا يفرق بين الموضع الذي دفن فيه أشقى الأشقياء والموضع الذي ضم جدث
سيد الرسل وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، بل وأي عاقل في هذه الحياة لا
يفرق بين بيت الخلاء وبيت الصلاة؟
إذن فبالإضافة يتميز المضاف ويعرف قدره، ومن هنا ينتزع للأماكن المقدسة حكمها
الخاص كبيت الله الحرام، والمسجد النبوي، وكذا سائر المساجد والمعابد والأماكن
المقدسة التي يذكر فيها اسم الله عز وجل.
وعلى هذا، نستطيع بقاعدة الاعتبار أن نفسر حنين الانسان إلى مكان ونفرته
واشمئزازه من مكان آخر، وبهذه القاعدة أيضا نعرف لماذا جاء

(1) راجع: السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية / الشيخ عبد الحسين
الأميني: 55 - 56.
89

جبرئيل عليه السلام بقبضة من تراب كربلاء وأعطاها للنبي صلى الله عليه وآله فشمها
وقبلها وفاضت عيناه بالدموع (1).
ولماذا احتفظت أم سلمة بقطعة من تراب كربلاء وصيرتها في قارورة (2)؟

(1) المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري 3: 194 / 4818 وفي طبعة 3: 176 - 177
فضائل أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد عليه السلام. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه و 4: 439 - 440 / 8201 كتاب تعبير الرؤيا. وسير أعلام
النبلاء / الذهبي 3: 288 - 289 / 48 ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام مؤسسة الرسالة -
بيروت 1401 ه‍ ط 1. ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي
9: 179 - 186. باب فيما اشترك فيه الحسن والحسين من الفضل، دار الكتاب العربي -
بيروت 1967 م ط 2. ومقتل الحسين / الخوارزمي 1: 231 - 234 / 1 - 6 في اخبار رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسين وأحواله، تحقيق الشيخ محمد السماوي، دار أنوار
الهدى 1418 ه‍ ط 1. والفصول المهمة: 145. والصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي المكي:
292 / 28 و 29 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها،
دار الكتب العلمية - بيروت 1414 ه‍ ط 3. وكنز العمال / المتقي الهندي 6: 223. والخصائص
الكبرى / السيوطي 2: 125. ومثير الأحزان في أحوال الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
أمناء الرحمن / الشيخ شريف الجواهري: 12 منشورات الرضي - قم ط 2. واللهوف في قتلى
الطفوف / ابن طاووس: 6 - 7 منشورات الرضي - قم (أوفسيت على طبعة منشورات المطبعة
الحيدرية في النجف 1369 ه‍).
(2) مسند أحمد 4: 242. ومقتل الحسين / الخوارزمي 1: 231 / 1 و 234 / 6. وكنز
العمال / المتقي الهندي 6: 225 - 226. ومجمع الزوائد / الهيثمي 9: 187 - 190 باب مناقب
الحسين بن علي عليه السلام. وذخائر العقبى: 146 - 147.
والخصائص الكبرى / السيوطي 2: 125. وتاريخ دمشق / ابن عساكر 14: 190 - 191 / 3522 و 3523
و 2524 و 2525. وتهذيب تاريخ دمشق / ابن منظور 7: 134 / 126 ترجمة الإمام الحسين بن
علي بن أبي طالب عليه السلام، دار الفكر - بيروت. والصواعق المحرقة / ابن حجر: 292 -
293 / 30. والأمالي / الشيخ الصدوق: 202 / 1 و 203 / 3 مجلس 29، تحقيق قسم الدراسات مؤسسة
البعثة - قم 1417 ه‍. ومثير الأحزان / الجواهري: 12 - 13. وينابيع المودة لذوي
القربى / القندوزي الحنفي 3: 13 / 16 الباب 60، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، دار
الأسوة - قم 1416 ه‍ ط 1.
90

ولماذا كانت الزهراء عليها السلام تأخذ من تراب قبر أبيها الطاهر وتشمه؟
ولماذا عملت سبحتها من تراب قبر أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم (1)؟
ولماذا بكى أمير المؤمنين عليه السلام حين مر بكربلاء وأخذ قبضة من ترابها فشمه
وبكى حتى بل الأرض بدموعه وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون
الجنة بغير حساب (2).

(1) وسائل الشيعة / الحر العاملي 6: 455 / 8427 باب 16 من أبواب ما يسجد عليه. ومستدرك
وسائل الشيعة / النوري 4: 12 / 4056 باب 9 من أبواب ما يسجد عليه. وقولها عليها السلام
مشهور في ذلك وهو:
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا
والفصول المهمة: 32.
(2) تهذيب الأحكام 6: 72 - 73 / 138 باب 22. وكامل الزيارات / ابن قولويه: 452 -
454 / 686 باب 88. وتاريخ دمشق / ابن عساكر 14: 198 - 199 في ترجمة الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهما السلام. والصواعق المحرقة / ابن حجر: 293 الفصل الثالث. وقعة صفين:
141. المصنف / ابن أبي شيبة 15: 98 / 191214.
وسير أعلام النبلاء / الذهبي 3: 288 / 48 ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام. والأمالي /
الصدوق: 694 - 697 / 5 مجلس 78. وينابيع المودة / القندوزي 3: 12 / 14. وبحار الأنوار
/ المجلسي 44: 253 و 255 و 258.
91

ترى، أبعد هذا يستكثر على من يعبد الله ولا يشرك بعبادته أحدا، أن يسجد لله على
تربة قتيل الله وابن قتيله، وحبيب الله وابن حبيبه، والداعي إليه والدال عليه
والناهض به والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه والواضع دم مهجته في كفه تجاه
أعلاء كلمته ونشر توحيده وتوطيد طريقه وسبيله؟ (فما لكم كيف تحكمون)؟
ومن هنا قال الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد عن أرض الحسين كربلاء المقدسة:
(فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظرة
والمشاهدة، ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزارا
لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة وحظا من الفضيلة، لأننا لا نذكر بقعة
من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع
الانسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين عليه السلام فيها) (1).
وبغض النظر عما في تلك التربة من شرف معنوي باعتبارها مذكرا ومنبها على آيات
الصمود الحق بوجه الطاغوت، وما فعله آل الله من إيثار الحق على مهجهم وما جناه آل
الشيطان على أنفسهم، فإنها لم تكن في الواقع سوى قطعة من تراب طاهر، والمناقشة في
صحة السجود عليها كالمناقشة في صحة السجود على أي تراب طاهر، لكونهما من جنس

(1) أبو الشهداء: 145.
92

واحد، إذ لم تكن تربة الحسين عليه السلام معدنا وإن كانت في واقع الحال أعز على
قلوب المؤمنين من الذهب الابريز، بل هي من جملة التراب الطاهر الذي جعله الله تعالى
مسجدا وطهورا.
على أن المناقشة في صحة السجود عليها لم نجد لها أثرا قبل بروز الانحراف في
الفكر والعقيدة الذي تزعمه بعض من تمرنوا على قبول الجهل بشكل عجيب، واعتادوا
الكذب الصريح بشكل أعجب من الذين قدر لهم أن يكونوا دعاة لترويج الباطل وقدر
لدعوتهم أن يكون لها أنصار وأتباع (1).
وفي الواقع أن معظم صيحاتها المحمومة من قبيل كذبهم على المسلمين بأن الشيعة تبيح
لأنفسها السجود على الصنم! - يعنون بذلك السجود على التربة الحسينية - قد ارتدت
بحمد الله تعالى إلى نحورهم بعد أن عرف المسلمون حقيقة الامر وواقعه وأدرك
الكثيرون منهم أن الأفواه التي أطلقت تلك الصيحة هي نفس الأفواه العفنة التي
كفرت أهل التوحيد في كل مكان بعد أن ابتدعت لها مذهبا ضالا مضلا ينكر على
المسلمين توسلهم بحبيب الله وصفوته من خلقه، ويبدع عليهم زيارة قبره المطهر صلى
الله عليه وآله وسلم مع أن الثابت بالدليل القاطع هو أن حرمة النبي صلى الله عليه
وآله ميتا كحرمته حيا.
ومن هنا أقام المسلمون بشتى مذاهبهم الدليل تلو الدليل على أن الفم

(1) انظر: شبهات حول الشيعة / السيد عباس الموسوي: 61 - 62 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
- بيروت 1400 ه‍.
93

الذي يطلق التكفير عليهم كيفما شاء، إنما هو من القذارة بمكان لا يستحق معه الجواب
أو العتاب، ولولا مخافة أن ينخدع الغر السليم بتلك الأكاذيب والأراجيف التي ما
أنزل الله بها من سلطان لما ضم هذا الفصل زمان أو مكان (1).
وقد ارتأينا أن يكون الحديث فيه موزعا على الفقرات الآتية:
أولا: تاريخ السجود على التربة الحسينية:
تقدم آنفا ما يشير إلى أن شرف المكان إنما هو بشرف المكين، وكدليل على ذلك -
نقتبسه من عصر صدر الاسلام - وهو ما جرى على آل البيت عليهم السلام وعموم المسلمين
بعد استشهاد أسد الله وأسد رسوله حمزة عليه السلام عم النبي صلى الله عليه وآله،
فقد أمر النبي صلى الله عليه وآله نساء المسلمين بالنياحة عليه، ثم بلغ أمر
المسلمين في تكريم حمزة عليه السلام بعد استشهاده وعلى مرأى من النبي صلى الله عليه
وآله وعلمه أن عملوا التسابيح من تربته، وكان أول من عمل ذلك سيدة نساء العالمين
فاطمة الزهراء عليها السلام، ثم اقتدى بها المسلمون، حتى بقيت الحالة هكذا إلى أن
استشهد الإمام الحسين عليه السلام فعدل بالامر إلى تربته الشريفة، وقد جاء
التصريح بهذا عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتل، معقود عليه عدد التكبيرات،
وكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبر وتسبح، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعملت
تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين عليه السلام عدل بالامر
إليه،

(1) انظر: الأرض والتربة الحسينية / الشيخ كاشف الغطاء: 29.
94

فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية (1).
وأما عن أهل البيت عليهم السلام فقد ثبت سجودهم لله على تربة السبط الزكي الطاهر،
فإن أول من بادر إلى استخدام التربة الحسينية والسجود عليها هو ابنه الإمام علي
بن الحسين زين العابدين عليه السلام (2)، فبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
كانت الإمامة لابنه علي عليه السلام فهو الذي قام بدفن أباه الشهيد بكربلاء، فبعد
أن دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف،
فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجادة ومسبحة.
ولما رجع الإمام السجاد عليه السلام هو وأهل بيته إلى المدينة، صار يتبرك بتلك
التربة ويسجد عليها، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها هو الإمام زين العابدين
عليه السلام (3) ثم تلاه ولده الإمام محمد الباقر عليه السلام فبالغ في حث
أصحابه عليها ونشر فضائلها وبركاتها، ثم زاد على ذلك ولده الإمام جعفر الصادق عليه
السلام فإنه نوه بها لشيعته، كما وقد التزم الإمام عليه السلام ولازم السجود
عليها بنفسه (4).
فقد كان للإمام الصادق عليه السلام خريطة من ديباج صفراء فيها من تراب أبي

(1) مستدرك الوسائل 4: 12 / 4056 باب 9 من أبواب ما يسجد عليه. وانظر: وسائل الشيعة
6: 55 / 8427 باب 16 من أبواب ما يسجد عليه.
(2) كتاب الإمام زين العابدين / عبد الرزاق المقرم: 225. وانظر مناقب آل أبي طالب 2:
251.
(3) بحار الأنوار / المجلسي 101: 136 / 78 عن دعوات الراوندي.
(4) الأرض والتربة الحسينية / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: 31 - 32.
95

عبد الله الحسين عليه السلام، وكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه لله
عز وجل، كما أن المروي عنه عليه السلام أنه كان لا يسجد إلا على تربة الحسين
عليه السلام تذللا لله واستكانة إليه، ولم تزل الأئمة من أولاده تحرك العواطف
وتحفز الهمم وتوفر الدواعي إلى السجود عليها والالتزام بها وبيان تضاعف الأجر والثواب
في التبرك والمواظبة عليها حتى التزمت الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام مع
عظيم الاهتمام، ولم يمض على زمن الإمام الصادق عليه السلام قرن واحد حتى صارت
الشيعة تضعها ألواحا وتضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم (1).
وفي جوابات الإمام المهدي (عج) لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، وقد سأله عن
السجود على لوح من طين القبر الشريف - أي التربة الحسينية - فأجاب عليه السلام:
يجوز ذلك وفيه الفضل (2).
ثانيا: الالتزام بالسجود على التربة الحسينية:
التزام الشيعة الإمامية بالسجود على التربة الحسينية لا يعني اعتقادهم بعدم صحة
السجود إلا على التربة الحسينية، إذ لا وجود لهذا القول عند فقهائهم أجمع، بل لا
توجد رواية واحدة في الحديث الشيعي تحصر السجود بالتربة الحسينية، نعم وردت روايات
كثيرة متواترة عن أهل البيت عليهم السلام في بيان فضل التربة الحسينية وطهارتها
واستحباب السجود عليها مع كونها أسلم من غيرها من جهة النظافة والنزاهة المؤكدة
فيها

(1) الأرض والتربة الحسينية / كاشف الغطاء: 32.
(2) بحار الأنوار / المجلسي 101: 135 / 74. ووسائل الشيعة 3: 608.
96

ونحو ذلك من المسوغات المشروعة والتي يمكن اجمالها بالنقاط الآتية:
1 - اطمئنان الساجد على التربة الحسينية بان يسجد لله على قطعة طاهرة من الأرض لا
تختلف عن غيرها من تراب الأرض إلا من الناحية المعنوية.
2 - التأسي بأهل البيت عليهم السلام من جهة الاقتداء بأفعالهم في السجود على
التربة الحسينية، وبأقوالهم الثابتة في الحث على السجود عليها أيضا.
3 - صلة التربة الحسينية بالمعاني الروحية الرفيعة التي ندب الاسلام إليها، فهي
تذكر بالتضحية والصمود من أجل العقيدة والتفاني المنقطع النظير من أجل إعلاء كلمة
الحق وإزهاق الباطل.
وما أجمل بالمصلي أن يتوجه لله عز وجل بقلب خالص من الرياء ويتذكر ما صنعه
الحسين عليه السلام في عاشوراء من أجل الدفاع عن الاسلام وتحطيم هياكل الجور
والفساد والظلم والاستبداد، مجددا العهد مع الله عز وجل وهو واضع جبهته على
تراب الحسين، بأنه سيمضي في طريقه ولا يخشى في الله لومة لائم.
ثالثا: السر في تقبيل التربة الحسينية:
وأما عن تقبيل التربة الحسينية إنما هو اقتداء بما فعله رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، إذ ثبت من طرق العامة - كما رواه جمع من حفاظهم - بأن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لما جاءه جبرئيل عليه السلام بقبضة من تراب كربلاء، شمها
وقبلها وأخذ يقلبها بحزن بالغ حتى قالت له أم سلمة: ما هذه التربة يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني جبرائيل أن ابني هذا - يعني الحسين عليه
السلام - يقتل بأرض العراق،
97

فقلت لجبرائيل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها (1).
وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أم سلمة بحفظها قائلا: هذه
التربة التي يقتل عليها - يعني الحسين - ضعيها عندك فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي
الحسين.
وفي خبر أخرى عن أبي وائل شقيق أم سلمة، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: وديعة عندك هذه - فشمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: -
ويح كرب وبلاء.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما،
فاعلمي أن ابني قد قتل.
قال أبو وائل: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول:
إن يوما تحولين دما ليوم عظيم (2).

(1) المعجم الكبير / الطبراني 3: 108 - 110 / 2817 و 2818 و 2819 و 2820 و 2821.
والمستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري 4: 440 / 8202 كتاب تعبير الرؤيا وفي طبعة
4: 498. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. سير أعلام
النبلاء / الذهبي 3: 188 - 189 / 48 ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام. وذخائر العقبى في
مناقب ذوي القربى / المحب الطبري: 146 - 148 مكتبة القدسي 1356 ه‍. ومنتخب كنز
العمال / المتقي الهندي 5: 66 مقتل الحسين رضي الله عنه، دار إحياء التراث العربي
1410 ه‍ ط 1.
(2) المعجم الكبير / الطبراني 1: 124 / 51 - 54. ومقتل الحسين / الخوارزمي 1: 231 / 1 و 6.
ومجمع الزوائد / الهيثمي 9: 188 - 189 باب مناقب الحسين بن علي عليه السلام. وذخائر
العقبى: 147 في ذكر إخبار الملك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين
عليه السلام. والخصائص الكبرى / السيوطي 2: 125 و 126. وأعلام النبوة /
الماوردي: 83. ومسند أحمد بن حنبل 7: 418 / 25985 وفي طبعة 6: 294. وتاريخ دمشق / ابن
عساكر 14: 190 - 194 / 3522 - 3532 ترجمة الإمام الحسين رقم / 1566. وسير أعلام
النبلاء / الذهبي 3: 288 - 289 / 48 ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام. وكنز
العمال / المتقي الهندي 13: 108 و 111 و 16: 225 - 226. وفي طبعة 6: 223. والصواعق
المحرقة: 292 - 293 / 30 الفصل الثالث. والروض النضير 1: 92 - 94. وتاريخ
الإسلام / الذهبي 3: 11. وأمالي الطوسي 1: 325.
98

فالشيعة يقبلونها كما قبلها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويشمونها
كما شمها كأغلى العطور وأثمنها، ويدخرونها كما ادخرها، ويسكبون عليها الدموع كما
سكب عليها دمعه اقتفاء لاثره صلى الله عليه وآله وسلم واتباعا لسنة الله
وسنة رسوله وأهل بيته عليهم السلام، ولكل مسلم في رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أسوة حسنة، وآها لها من تربة سكب عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
دمعه قبل أن يهراق فيها دم مهجته وحبيبه.
ولا شك في أن الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الواجبات
الثابتة عند جميع المسلمين بلا خلاف، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة) (1).
وروي أن الامام أمير المؤمنين عليه السلام لما نزل كربلاء في مسيره إلى صفين، وقف
هناك ونظر إلى مصارع أهله وذريته وشيعته ومسفك دماء مهجته وثمرة قلبه، وأخذ من
تربتها وشمها قائلا: واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة
بغير حساب ثم قال: طوبى لك من تربة

(1) سورة الأحزاب: 33 / 20.
99

عليك تهراق دماء الأحبة (1).
بل وحتى لو لم يرد في ذلك شئ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته
المعصومين عليهم السلام، فلا ضير في تقبيل التربة الحسينية أصلا، وأي محذور في
تقبيل شئ يذكرك بمثل الاسلام العليا وقيمه الراقية التي تجسدت في شخص الإمام الحسين
عليه السلام.
على أن تقبيل التربة الحسينية لا للتربة ذاتها، وإنما لإضافتها إلى الإمام الحسين
عليه السلام الذي تكمن في اسمه كل فضيلة مع ما توحيه تلك التربة لكل غيور على
الاسلام من ضرورة الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة مع نصرة الحق أينما
كان.
نعم، لو لم يرد في تقبيلها شئ من السنة لكان أصل التقبيل محببا عقلا، لأنه
التعبير الصادق عن الوفاء والحب فيكون من قبيل قولهم:
أمر على الديار ديار ليلى * أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا
رابعا: حكم السجود على التربة الحسينية:
بعد ثبوت سيرة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ابتداء من الإمام علي بن
الحسين زين العابدين عليه السلام وانتهاء بالامام المهدي 7 في السجود على

(1) تهذيب الأحكام 6: 72 - 73 / 138 باب 22. وكامل الزيارات 453 - 454 / 686 باب 88.
وبحار الأنوار 44: 253 و 255 و 258. ومجمع الزوائد 9: 146 و 148 و 157.
100

التربة الحسينية بما ليس فيه أدنى مجال للشك، وبعد ثبوت كون السجود على مطلق الأرض
هو الفرض النازل من الله تعالى على عباده والمؤكد بسنة نبيه صلى الله عليه وآله
وسلم، سيكون السجود على التربة الحسينية ليس فرضا، وإنما من المستحبات الأكيدة
وهذا هو ما يقوله جميع الشيعة بلا استثناء اقتداء بأهل البيت عليهم السلام، ولهذا
تراهم كما يسجدون على التربة الحسينية يسجدون على غيرها مما صح السجود عليه كالتراب
والرمل والحصى أو مما أنبتت الأرض مما لم يؤكل ولا يلبس.
ومع هذه الحقيقة قد ذهب المتطرفون من خصوم الشيعة إلى القول بأن الشيعة لا تجيز
السجود على غير التربة الحسينية، بل وصفوا سجودهم على التربة الحسينية بالسجود لغير
الله، ومن غبائهم أنهم لم يفرقوا بين السجود على الشيء وبين السجود للشيء، إذ لو
جاز أن يقال إن الشيعة تسجد للتربة الحسينية، لجاز القول بأن العامة تسجد للأرض
أي تسجد لما هو أدنى وأقل منزلة من التربة الحسينية لثبوت شرف التربة الحسينية على
غيرها من الأرض. هذا في الوقت الذي نجد فيه تصريح جميع فقهاء الشيعة بأنه يحرم
السجود لغير الله وأنه من يفعل ذلك فقد كفر وخرج عن دين الاسلام، لان السجود
عبادة فلا تصح لاحد سواه تعالى مهما كان نبيا أو وصيا.
قال الشيخ عبد الحسين الأميني رحمه الله: وليس اتخاذ تربة كربلاء لدى الشيعة من
الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا يفرق أي أحد
منهم - منذ أول يوم - بينها وبين غيرها من تراب الأرض في جواز السجود عليه، خلافا
لما يزعمه الجاهل بهم
101

وبآرائهم، وإن هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلا لما هو أولى بالسجود لدى العقل
والمنطق والاعتبار وحسب.
وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه
كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليها في صلواتهم (1).
فتاوى فقهاء الشيعة بالسجود على التربة الحسينية:
1 - الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقب ب‍ سالار (ت / 462 ه‍) قال:
(لا صلاة إلا على الأرض أو ما أنبتته ما لم يكن ثمرا أو كثرا أو كسوة فلهذا لا
تجوز الصلاة على القطن والكتان، وإنما يصلى على البواري والحصر... وما يستحب
السجود عليه، وهو الألواح من التربة الحسينية المقدسة...) (2).
2 - عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة، قال:
(الأرض كلها مسجد يجوز السجود عليها وعلى كل ما ينبت منها مما لا يؤكل ولا يلبس
بالعادة إلا الحصر المعمولة بالسيور الظاهرة، إذا اجتمع فيه شرطان: الملك أو حكمه
وكونه خاليا من النجاسة، ويستحب السجود على الألواح من التربة - الحسينية - وخشب
قبور الأئمة عليهم السلام ان وجد ولم يتق) (3).

(1) السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية / عبد الحسين الأميني: 67.
(2) المراسم / سالار، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 368 باب أحكام ما يصلى عليه كتاب
الصلاة.
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة / ابن حمزة الطوسي، سلسلة الينابيع الفقهية 4: 582
فصل في بيان ما يجوز السجود عليه، كتاب الصلاة.
102

3 - الشيخ أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي (ت / 689 أو 690
ه‍)، قال: (ولا يجوز السجود بالجبهة إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما
أكل أو لبس ويعتبر فيه وفي الثياب، والمكان أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ويكون
طاهرا... والسنة: السجود على الأرض للخبر وما بين قصاص الشعر إلى طرف الانف
ومسجد ما وقع منه على الأرض أجزأه، وعن أهل البيت عليهم السلام الناس عبيد ما
يأكلون ويلبسون فأحب أن يسجد له على مالا يعبدونه ويستحب السجود على التربة
الحسينية، والله أعلم) (1).
4 - الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني (ت / 1091 ه‍)، قال: (... واهو للسجود بخضوع
وخشوع، متلقيا إلى الأرض بكفيك قبل ركبتيك، وتجنح في سجودك بيديك، باسطا كفيك،
مضمومتي الأصابع حيال منكبيك ووجهك، غير واضع شيئا من جسدك على شئ منه ممكنا
جبهتك من الأرض، وأفضلها التربة الحسينية - على صاحبها أفضل التسليمات - جاعلا
أنفك ثامن مساجدك السبعة مرغما به ناظرا إلى طرفه) (2).
5 - قال السيد كاظم اليزدي في عروته الوثقى ما نصه: (السجود على

(1) الجامع للشرائع / الشيخ ابن زكريا الهذلي، سلسلة الينابيع الفقهية 4: 865 ما يسجد
عليه من كتاب الصلاة.
(2) منهاج النجاة / الفيض الكاشاني: 68 مؤسسة البعثة، قسم الدراسات الاسلامية -
طهران 1407 ه‍ ط 1.
103

الأرض أفضل من النبات والقرطاس، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر.
وأفضل من الجميع التربة الحسينية، فإنها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرضين
السبع) (1).
6 - قال الامام روح الله الموسوي الخميني قدس سره: (يعتبر في مسجد الجبهة مع
الاختيار كونه أرضا أو قرطاسا، والأفضل التربة الحسينية وهي تحمل ذكرى الإمام الحسين
الشهيد عليه السلام) (2).
7 - السيد علي الحسيني السيستاني: قال: (يعتبر في مسجد الجبهة أن يكون من الأرض
أو انباتها غير ما يؤكل أو يلبس، فلا يجوز السجود على الحنطة والشعير والقطن ونحو
ذلك.
ويجوز السجود اختيارا على القرطاس المتخذ من الخشب وكذا المتخذ من القطن أو
الكتان على الأظهر دون المتخذ من الحرير والصوف ونحوهما على الأحوط.
والسجود على الأرض أفضل من السجود على غيرها، والسجود على التراب أفضل من السجود
على غيره وأفضل من الجميع التربة الحسينية

(1) العروة الوثقى / السيد كاظم اليزدي 1: 429 / 1374 مسألة 26 في مسجد الجبهة من مكان
المصلي.
(2) زبدة الاحكام / الامام الخميني: 50 - 51 مسألة 9 مكان المصلي كتاب الصلاة،
منظمة الاعلام الاسلامي - طهران 1404 ه‍.
104

على مشرفها آلاف التحية والسلام) (1).
خامسا: آثار وفوائد التربة الحسينية والسجود عليها:
للتربة الحسينية المباركة شرف عظيم ومنزلة رفيعة كما أكدت عليها الروايات الواردة
عن أهل البيت عليهم السلام فهي:
1 - شفاء من كل داء وأمان من كل خوف:
فقد ثبت أن للتربة الحسينية أثرا في علاج الكثير من الأمراض التي تعسر شفاءها
بواسطة العقاقير الطبية، وقد جرب الكثير من محبي الإمام الحسين عليه السلام
ونالوا الشفاء ببركة صاحب التربة المقدسة.
روى محمد بن مسلم عن الامامين الباقر والصادق عليهما السلام من أن للإمام الحسين
عليه السلام ثلاث فضائل مميزات ينفرد بها عن غيره من جميع الخلق مع ما له من
الفضائل الأخرى والتي يصعب عدها قال عليه السلام:... أن جعل الإمامة في ذريته،
والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره... (2).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: في طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء
وهو الدواء الأكبر (3). علما أن الاخبار تظافرت بحرمة أكل الطين إلا من تربة
قبر الإمام الحسين عليه السلام بآداب مخصوصة وبمقدار معين، وهو أن

(1) المسائل المنتخبة / السيد علي السيستاني: 131 - 132 الثالث من باب السجود كتاب
الصلاة - قم ط 5.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى / الطبرسي 1: 431.
(3) من لا يحضره الفقيه 2: 362 / 1619 باب 221 فضل تربة الحسين عليه السلام. وتهذيب
الاحكام 2: 26.
105

يكون أقل من حمصة وأن يكون آخذها من القبر بكيفية خاصة وأدعية معينة (1).
وروي أنه لما ورد الإمام الصادق عليه السلام إلى العراق، اجتمع إليه الناس،
فقالوا: يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء، وهل هي أمان من كل
خوف؟ فقال عليه السلام: نعم، إذا أراد أحدكم أن تكون أمانا من كل خوف، فليأخذ
السبحة من تربته، ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات. وهو أمسيت اللهم
معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول من شر كل غاشم وطارق من سائر
من خلقت وما خلقت من خلقك الصامت والناطق من كل مخوف بلباس سابغة حصينة ولاء أهل
بيت نبيك عليهم السلام، محتجبا من كل قاصد لي إلى أذية بجدار حصين، الاخلاص في
الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم، موقنا أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم، أوالي من
والوا، وأجانب من جانبوا.
فصل على محمد وآل محمد وأعذني اللهم بهم من شر كل ما أتقيه، يا عظيم حجزت
الأعادي عني ببديع السماوات والأرض (إنا جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم
سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون).
ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه، ويقول: اللهم إني أسألك بحق هذه التربة،
وبحق صاحبها، وبحق جده وأبيه، وبحق أمه وأخيه، وبحق ولده الطاهرين اجعلها
شفاء من كل داء، وأمانا من كل خوف، وحفظا من كل سوء، ثم يضعها في جيبه.

(1) راجع: من لا يحضره الفقيه 2: 362 / 1620 الباب السابق.
106

فان فعل ذلك في الغدوة فلا يزال في أمان حتى العشاء، وإن فعل ذلك في العشاء فلا
يزال في أمان الله حتى الغدوة (1).
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام انه ما كان يبعث إلى أحد شيئا من الثياب أو
غيره إلا ويجعل فيه الطين - يعني طين قبر الحسين عليه السلام - وكان يقول عليه
السلام: هو أمان بإذن الله (2).
2 - اتخاذها مسبحة:
والملاحظ أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يوصون شيعتهم بضرورة الاحتفاظ بمسبحة من
طين قبر الإمام الحسين عليه السلام واعتبارها أحد الأشياء الأربعة التي لابد
وان ترافق المؤمن في حله وترحاله، قال الإمام الصادق عليه السلام: لا يستغني
شيعتنا عن أربع: خمرة يصلي عليها، وخاتم يتختم به، وسواك يستاك به، وسبحة من طين
قبر الحسين عليه السلام (3).
وفي معرض بيان ثواب التسبيح بمسبحة مصنوعة من طين قبر الإمام الحسين عليه السلام
بالاستغفار والذكر مالا ينبغي الاستغفال عنه لعظمة ما يترتب عليه من فوائد وآثار
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: من أدار سبحة من تربة الحسين
عليه السلام مرة واحدة بالاستغفار أو غيره، كتب الله له سبعين مرة... (4).
وروي عنه عليه السلام أنه قال: ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام

(1) فلاح السائل / السيد ابن طاووس: 223 - 224.
(2) كامل الزيارات / ابن قولويه: 278.
(3) وسائل الشيعة 3: 603 و 10: 421. وبحار الأنوار 101: 132.
(4) مكارم الأخلاق / الطبرسي: 302. وسائل الشيعة 6: 456 / 8430 باب 4.
107

كتب مسبحا وإن لم يسبح بها... (1).
3 - السجود عليها يخرق الحجب السبعة:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن السجود على تربة أبي عبد الله -
الحسين - عليه السلام يخرق الحجب السبعة (2).
وقد علق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على هذا الحديث بقوله: ولعل المراد بالحجب
السبعة هي الحاءات السبعة من الرذائل التي تحجب النفس على الاستضاءة بأنوار الحق
وهي: (الحقد، الحسد، الحرص، الحدة، الحماقة، الحيلة، الحقارة.
فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق يمزقها ويخرقها ويبدلها
بالحاءات السبع من الفضائل وهي: الحكمة، الحزم، الحلم، الحنان، الحصانة، الحياء،
الحب) (3).
4 - السجود عليها ينور الأرضين السبع:
قال الإمام الصادق عليه السلام: السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور
إلى الأرض السابعة (4).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 174 / 725 باب 40.
(2) وسائل الشيعة 3: 608. وبحار الأنوار 101: 135 و 85: 153.
(3) الأرض والتربة الحسينية / الشيخ كاشف الغطاء: 32.
(4) من لا يحضره الفقيه 1: 174 / 725 - باب 40 ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه.
108