الكتاب: كتاب الطهارة ، الأول
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء:
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار القرآن الكريم للعناية بطبعه ونشر علومه - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤)

كتاب الطهارة
تقرير أبحاث
فقيه العصر سماحة آية الله العظمى
السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
دام ظله الوارف
تأليف
محمد هادي المقدس النجفي
1

دار القرآن الكريم
للعناية بطبعه ونشر علومه
إيران - قم المقدسة صندوق البريد 24
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع درجة العلماء وفضل مدادهم على دماء
الشهداء والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته
محمد سيد المرسلين وخاتم الأنبياء وعلى عترته الشرفاء الأمناء
واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الله ما دامت الأرض
والسماء وبعد فإن شرف العلم لا يخفى وفضله لا يحصى
قد ورثه أهله من الأنبياء ونالوا بذلك نيابة خاتم الأوصياء
وممن سلك هذا السبيل يجد واجتهاد ولدنا الفاضل
حجة الاسلام الشيخ محمد هادي المقدس النجفي دامت أيام
إفاضاته وحضر أبحاثنا العالية في الفقه والأصول
حضور تفهم وتحقيق وتعمق وتدقيق فضبط ما ألقيناه
من المحاضرات في الحوزة العلمية من كتاب الطهارة وعرض
علينا ما كتب قراءة علينا وسرحنا النظر ثانيا فألفيناه
حسن الأسلوب جميل التعبير جيد التبويب وقد استجازنا
في طبعه فأجزناه داعين له بمزيد التوفيق ودوام التأييد
فلله تعالى دره وعليه سبحانه أجره وكثر في العلماء العاملين
أمثاله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام
عليه وعلى سائر العلماء العاملين ورحمة الله وبركاته
حرر في اليوم العاشر من ذو القعدة الحرام ه‍ 1402 محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
3

منشورات
دار القرآن الكريم
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على جميع نعمه وآلائه والصلاة والسلام على أشرف رسله وخاتم
أنبيائه محمد وآله الذين هم حجج الله على عبيده وإمائه سيما بقية الله الأعظم
صلوات الله عليه وعلى آبائه. واللعنة على أعدائهم إلى يوم لقائه
أما بعد فيقول أقل الناس جرما وأكثرهم جرما المفتاق إلى عفو ربه الوفي محمد
هادي المقدس النجفي ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ علي المقدس النجفي الرشتي قده
هذا ما تلقيناه مما ألقاه أستاذنا الأعظم الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي
الگلپايگاني دام ظله الوارف من مباحث الطهارة وكان شروعه فيها - على ما بالبال - في
أواخر سنة ألف وثمانين وثلاثمائة هجرية في صحن فاطمة بنت موسى بن جعفر
عليها السلام ببلدة قم المحمية ثم انتقل دام ظله بعد ذلك إلى المسجد الأعظم المجاور للصحن
المطهر وذلك بعد ارتحال أستاذنا الأكبر الحجة الآية المرحوم المغفور له الحاج حسين
الطباطبائي البروجردي قدس سره في تلك السنة وإني وإن لم أستقص جميع أبحاث الأستاذ
دام علاه إلا أني بذلت غاية جهدي في جمع البحوث الهامة من أبحاث الأستاذ وهذا
الكتاب يحتوي على أبحاث المياه والأسئار والطهارات الثلاث أي الوضوء والغسل والتيمم
وأغسال النساء وأغسال وأحكام الأموات والمطهرات والنجاسات وغير ذلك وسميته
(أبحاث حول الطهارة) والله الموفق للسداد.
المؤلف محمد هادي النجفي
5

(كتاب الطهارة)
وحيث إنه لا فائدة للتعرض لمعناها صرفنا الكلام عن معناها إلى بيان أقسامها و
أحكامها المترتبة عليها. وقبل الخوض في ذلك لا بد من تقديم البحث عن المياه وأقسامها
لتوقف الطهارة على فهم أقسامها وأحكامها
(المبحث الأول في المياه وأقسامها)
اعلم أن الماء كله طاهر ومطهر من الحدث والخبث في الجملة اجماعا بل كونه
في الجملة مطهرا للحدث والخبث من ضروريات الاسلام. وماهية الماء ظاهرة
عند العرف في أي لغة كان ولكن مفهومه غير ظاهر غاية الظهور بحيث لا تبقى له مصاديق
مشتبهة أصلا ولذا ترى العرف يشكون في صدق الماء على الماء الممزوج بشئ من السكر
أو الملح وكذا الماء الخارج من عين مالحة وأنه هل هو ماء مالح أو هو ماء الملح
والحاصل أن مفهوم الماء كأغلب المفاهيم له مصاديق مشتبهة وليس له مفهوم مبين
عرفي بحيث لا يشك العرف في شئ من مصاديقه وحينئذ لا بد في كل مورد مشتبه من
الرجوع إلى الأصل الجاري في ذلك المورد ففي المثالين المتقدمين يرجع في المثال الأول منهما إلى
أصالة بقاء المائية ليحكم بارتفاع الحدث أو الخبث به وفي الثاني منهما يرجع إلى أصالة بقاء
الحدث أو الخبث إذا استعمل في رفع أحدهما لكن أصالة الطهارة الجارية في الماء المذكور إن
استعمل في رفع الخبث هذا كله في الشبهة المفهومية
وأما الشبهات المصداقية بأن كان مفهوم الماء مبينا عنده ومفهوم الجلاب أيضا
مبينا ولكن شك في مورد أنه ماء أو جلاب فإنه تجري فيه أصالة الطهارة إذا لاقى النجس
ولكن لا يرتفع به الحدث أو الخبث.
أما الدليل على كون الماء مطهرا - مضافا إلى دعوى الاجماع والضرورة أما من
الكتاب فآيات منها قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) (1) فإن الطهور وإن كان
مبالغة في الطاهر إلا أن بعض أهل اللغة قد فسره بالمطهر لغيره ووافقه على ذلك جميع الفقهاء

(1) سورة الفرقان الآية 48.
6

مع أن بعض الآيات يدل عليه.
كقوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (1)
وقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (2)
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق.. الآية) (3)
وقد ثبت بالضرورة من الدين أن التطهير - أعم من أن يكون من الحدث في
حال الاختيار أو من الخبث في أكثر الموارد - لا يكون إلا بالماء فبضم هذه الآيات إلى قوله
تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) يعلم جزما أن المراد من الطهور هو المطهر لغيره وإن فرض أن اللغة
لا تساعد عليه.
ومنها قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) (4) وهذه الآية
تصرح بكون الماء مطهرا فلا نحتاج إلى ضم شئ إليها والآيات الأخر هي الآيات التي
أشرنا إليها من قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا) الخ.
وكذا يستدل لكون الماء مطهرا بأخبار كثيرة نذكر بعضها
فمنها رواية السكوني عن أبي عبد الله علية السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: (الماء يطهر ولا يطهر). (5)
ومنها مرسلة الفقيه عنه عليه السلام قال: قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة
بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عز وجل عليكم بأوسع مما بين السماء
والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون (6)
ومنها رواية السرائر قال: " قول رسول الله صلى الله عليه وآله المتفق على روايته
أنه خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته " (7) إلى غير ذلك من الأخبار

(1) سورة البقرة الآية 222
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة المائدة الآية 6
(4) سورة الأنفال الآية 11
(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1 - 2
(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1 - 2
(7) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9.
7

وضعف رواية السكوني وغيرها ضائر بعد جبر ضعفها بعمل الأصحاب.
ثم إنه إذا ثبت من الآيات والأخبار كون الماء مطهرا فهل يكون فيها اطلاق
بحيث يشمل جميع الأشياء أي يكون مطهرا لجميع الأشياء حتى الماء المتنجس وكذا الدهن
المتنجس والدبس المتنجس وغير ذلك والحاصل أنه كلما يشك في أنه هل يطهره أم لا يؤخذ
باطلاق هذه الأدلة في مطهرية الماء له أو ليس فيها اطلاق بل هي بصدد اثبات كون الماء
مطهرا في الجملة على نحو الاهمال والاجمال وأما أنه مطهر لماذا فلا تكون بصدد بيانه بل لا بد
من استفادة كونه مطهرا لأي نوع من المتنجسات من دليل آخر غير هذه الآيات والروايات
وهي لا يمكن التمسك باطلاقها لكيفية التطهير أيضا إذا شك في أنه هل يحصل التطهير
للمتنجسات بالماء بأي كيفية كانت أو لا بد له من كيفية خاصة.
ثم إنه إذا فرض بالاهمال والاجمال في الآيات والروايات فهل يكون المرجع
هو العرف بأن يقال: إن كلما يراه العرف أنه تحصل الطهارة بهذه الكيفية إذا غسل به نقول
به فيه دون ما لا يساعد العرف على ذلك.
وكذا إذا شك في أن الماء هل يكون مطهرا لبعض الأجسام أم لا فهل يكون مرجعه
الشرع أو العرف لا يبعد أن يقال: إن المرجع - على فرض الاهمال والاجمال في الآيات
والروايات - هو العرف
ولكن الظاهر أنه ليس فيها اهمال بل اطلاقها شامل لجميع المتنجسات التي لها
قابلية التطهير فلا يشمل الدهن والدبس المتنجسين إلا في صورة استهلاكهما في الماء فحينئذ
كل ما يشك في قابليته للتطهير يتمسك فيه بالاطلاق كذا إذا شك في أن التطهير هل يعتبر فيه
كيفية خاصة أم لا تنفى أيضا بالاطلاق.
ثم إن صاحب الشرائع (قده) قد قسم المياه إلى ثلاثة أقسام الماء الجاري وماء
البئر والماء المحقون وسائر أقسامها قد ألحقها بها أما الجاري فاختلف فيه أولا بأنه هل
يعتبر فيه الجريان أو يكفي فيه النبوع فقط قال في المسالك: المراد بالجاري النابع غير البئر سواء
جرى أم لا واطلاق الجاري عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية والأصح اشتراط كريته انتهى.
ولا يخفى عليك أن هذا الكلام لا يساعد عليه العرف واللغة.
أما العرف فلا يطلق الجاري عندهم إلا على ما جرى على وجه الأرض وكأنه أراد
8

رحمه الله بذلك أن المراد بالجاري ليس ما هو الظاهر من هذا اللفظ بل المستفاد من الأخبار أنه
النابع مطلقا.
ولكن لا شاهد له على ما ادعاه وأما اللغة ففي المصباح المنير - للفيومي - جرى
الماء سال خلاف وقف إلى أن قال: والماء الجاري هو المتدافع في انحدار فاعتبر في معناه
السيلان والتدافع.
واختلف فيه ثانيا بأنه هل تعتبر فيه الكرية أم لا قال العلامة والشهيد الثاني
قدس سرهما بالأول وقال الأكثر بالثاني وهو الأصح لعدم الدليل على اشتراط الكرية فيه مع أن
اطلاق بعض الأخبار في الجاري يدفعه.
ثم إنه لا فرق في صدق الماء الجاري بين ما إذا خرج الماء من العين متدافعا وبشدة
أو خرج بنزو وضعف ولا بين أن يخرج من العيون أو يسيل من الثلوج وإن لم تكن له مادة
أو يخرج من منبع كبير بحيث يكون له استمرار واستدامة لصدق اسم الجاري على ذلك كله
عرفا ولا دليل من الشرع على خلاف ذلك نعم إذا لم تكن له مادة مثل ما إذا سال كر من
الماء على وجه الأرض بدون وجود المادة أو كانت له مادة لكن لا استدامة لها فالظاهر عدم
صدق الجاري عليه عرفا وإن صدق لغة.
ثم إنا قد ذكرنا عدم الفرق في الجاري بين كونه أقل من الكر للاطلاق المستفاد
من أخباره (1)
ويمكن تأسيس أصل كلي لعدم تنجس مطلق المياه إذا كانت كرا أو كانت لها
مادة إلا ما خرج بالدليل فيكون هذا الأصل هو المرجع عند الشك إذا حصلت ملاقاة الماء
للنجس ويستفاد هذا الأصل الكلي من كثير من الأخبار.
منها الرواية التي رواها ابن إدريس وادعى الاتفاق على روايتها وحكى عن ابن
أبي عقيل أنها متواترة عن أبي عبد الله عن آبائه عن النبي صلوات الله عليهم أجمعين أنه
قال: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (2)

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9 - 2.
9

ومنها موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يمر بالماء و
فيه دابة ميتة قد أنتنت قال: إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب " (1)
فإن لفظ الماء فيهما أريد به الجنس لا واحد من مياه العالم لأنه في مقام البيان
لا الاجمال فالرواية الأولى دالة على أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه بالنجس
والثانية دالة - بمفهومها - على عدم تنجس مطلق المياه إذا لم تكن ريح الميتة الواقعة فيها
غالبة على ريحها
ومنها رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كلما غلب الماء
على ريح الجيفة فتوضأ منه واشرب وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ ولا تشرب " (2)
فإن لفظ الماء أيضا مطلق شامل لمطلق المياه
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام حيث سأله عن الماء النقيع تبول فيه
الدواب.
فقال: " إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وإن لم يتغير من أبوالها فتوضأ منه وكذلك الدم
إذا سال في الماء وأشباهه " (3)
فإن المراد بالماء النقيع هو الماء الراكد وليس فيه التقييد بالكرية أو الجريان أو غيرهما
فيشمل مطلق المياه إلا ما خرج بالدليل. والحاصل أنه يستفاد من هذه الأخبار أصل كلي و
قاعدة كلية وهي عدم تنجس مطلق المياه إلا إذا تغير أحد أوصافه بالنجس وخرج من.
هذه الكلية الماء القليل والدليل على خروجه عن القاعدة الأخبار الكثيرة المعتبرة وهي صنفان:
الأول الروايات الدالة على عدم انفعال الكر بملاقاة النجس وسنوردها في موضعها
انشاء الله تعالى فإنها دالة بمفهومها على انفعال ما دون الكر وهل يستفاد منها أنه ينفعل بجميع
النجاسات أو ينفعل بالنجاسات في الجملة سيجئ تفصيله.

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9 - 2
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1 - 8
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1 - 8.
10

الثاني الأخبار الكثيرة الواردة في موارد خاصة
منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في رجل رعف فامتخط
فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه فقال: إن لم يكن
شيئا (شئ خ ل) يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئا بينا فلا تتوضأ (فلا يتوضأ خ ل) منه.
قال (وسألته عن رجل رعف وهو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه
قال: لا) (1)
وصدر هذه الرواية يحتمل أن يراد منه فرض العلم الاجمالي بإصابة الدم إما للإناء
أو للماء فحكم عليه السلام بعدم البأس بالوضوء من هذا الماء ولا بد من حمله على ما إذا كان
ظهر الإناء خارجا عن محل الابتلاء حتى لا يكون العلم الاجمالي منجزا وحينئذ لا دخل للرواية
فيما نحن فيه نعم الجملة الثانية أعني قوله عليه السلام: وإن كان شيئا الخ مرتبط بما نحن فيه بل
هو تصريح للمفهوم من الجملة الأولى.
ويحتمل أن يكون المراد من الرواية أن الدم أصاب الإناء قطعا لكن فصل الإمام عليه السلام بين كون الدم شيئا بينا في الماء أو غير بين فحكم بعدم جواز الوضوء على الأول
وجوازه على الثاني وهذا التفصيل هو مختار شيخ الطائفة (قده) في الاستبصار على ما حكى
عنه وفي المحكي عن المبسوط: ما لا يمكن التحرز عنه مثل رؤس الإبر وغيره فإنه معفو عنه لأنه
لا يمكن التحرز عنه انتهى.
ولكن يدفع هذا الاحتمال ذيل الصحيحة فإنه ترك التفصيل بين كون الدم بينا في
الماء وغيره وحكم عليه السلام بعدم جواز الوضوء بوقوع قطرة من الدم في الإناء من غير تفصيل.
اللهم إلا أن يقال بأن المراد من القطرة الدم البين ولكن لا يناسب هذا السؤال من
مثل علي بن جعفر رضوان الله عليه بعد التفصيل الذي ذكره الإمام عليه السلام في
صدر الرواية فلا بد من أن يحمل صدرها على غير ما أريد من ذيلها وهو عدم إصابة الدم للماء
وهو الاحتمال الثالث في الرواية وحاصله أن انتشار الدم وصيرورته قطعا صغارا
صار سببا لتحير السائل حيث إنه علم بإصابة الدم للإناء وشك في إصابته للماء فسأل عن

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 4.
11

حكم ذلك فأجاب عليه السلام بأنه إن لم يستبن شئ في الماء فلا بأس بالوضوء منه وهذا
كناية عن الشك في إصابة الدم للماء وإن كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه لأنه يعلم بإصابة
الدم للماء وهذا الاحتمال قريب جدا بخلاف الاحتمالين الأولين فلا بد من حمل الرواية عليه
لأنه أظهر الاحتمالات أو حينئذ تصير الرواية شاهدة لما نحن فيه من انفعال الماء القليل بملاقاة
النجس لأنه حكم عليه السلام فيها بأنه إذا كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه والنهي عن التوضؤ
لا بد من جهة عروض النجاسة في الماء لأنه الظاهر لا لأجل حصول القذارة فيه فإنه بمكان
من البعد.
ومنها صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل يده في
الإناء وهي قذرة قال: يكفئ الإناء (1).
ومنها صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال: إن كانت يده قذرة فأهرقه (فليهرقه خ ل)
وإن
لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج (2).
ومنها رواية شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا في الرجل الجنب يسهو
فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها أنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ (3) فدلت
بمفهومها على تنجس الماء إذا أدخل يده في الإناء وكانت قذرة بأن أصابها المني كما يظهر ذلك
من الأخبار الآتية.
ومنها موثقه سماعة عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: إذا أدخلت يدك في الإناء
قبل أن تغسلها فلا بأس إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء وفيها
شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء (4)
ومنها موثقته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في
الإناء فلا بأس إن لم يكن أصاب يده شئ من المني (5).
ومنها موثقته الثالثة أيضا قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في
الإناء قبل أن يفرغ على كفيه قال: يهريق من الماء ثلاث حفنات وإن لم يفعل فلا بأس

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 7 والآية في سورة الحج الآية 78
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 7 والآية في سورة الحج الآية 78
(3) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 7 والآية في سورة الحج الآية 78
(4) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3 - 8 - 9.
(5) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3 - 8 - 9.
12

وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شئ من
المني وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله (1).
ولكن تعارض هذه الروايات الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أخبار
كثيرة دالة على عدم انفعال الماء القليل.
منها رواية أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في حائط له فحضرت
الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي (2)
فإن الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الانسان فدلت الرواية على عدم انفعال
الماء القليل بملاقاة النجس وحمل الدلو على ما يبلغ الكر بعيد للغاية كما أن حمل العذرة على
فضلة مأكول اللحم أيضا بعيد.
ومنها رواية محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب
ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به
ويداه قذرتان قال: يضع يده و (ثم) يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال الله تعالى: ما جعل عليكم
في الدين من حرج (3).
ولفظ القليل ظاهر فيما دون الكر وحمله على القليل بمقدار الكر خلاف ظاهر لفظ
القليل والمقصود أنه يضع يده في الماء ويتوضأ أي يطهر يده به لأن الوضوء هنا بفتح الواو وهو
بمعنى التنظيف لا الوضوء المعهود فإنه لا يجتمع مع غسل الجنابة.
وهذا المعنى المستفاد من الرواية - أعني عدم انفعال الماء القليل بوضع يده المتنجسة
في الماء - هو المناسب لرفع الحرج الذي استدل به الإمام عليه السلام دون سائر التأويلات
البعيدة عن الرواية لكي لا تنافي الروايات المتقدمة الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاته
للنجاسة ويمكن حمل النهي الوارد في الروايات المتقدمة - عن الوضوء بالماء الملاقي
للنجاسة - على الكراهة في صورة الاختيار وحمل هذين الخبرين على الجواز بدون الكراهة
في صورة عدم وجود ماء غيره وكذا يمكن حمل الأخبار الآمرة بإراقة الماء الملاقي للنجاسة على
استحباب الإراقة

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3 - 8 - 9
(2) جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13 - 14.
(3) جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13 - 14.
13

ولكن كل ذلك خلاف الظاهر ومناف لعمل معظم الأصحاب
القسم الثاني من الأخبار الدالة على انفعال الماء القليل في الجملة هو مفهوم أخبار
الكر.
فمن الأخبار صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: الغدير فيه ماء
مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه
شئ (1).
وكذا الأخبار الكثيرة الدالة على أن الماء إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ (2). فإن
مفهومها انفعال الماء بملاقاة النجس إذا لم يبلغ حد الكر ولكن لا يخفى أن نقيض السالبة
الكلية التي ذكرت في منطوق هذه الأخبار من قوله (عليه السلام) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه
شئ - هي الموجبة الجزئية فلا يستفاد من مفهوم هذه الكلية إلا أن الماء إذا لم يكن قدر كر
ينجسه شئ ما لا أنه ينجسه جميع الأشياء أو جميع النجاسات وحينئذ فيمكن أن يكون منجس
الماء القليل هو الكلب أو الخنزير أو الخمر التي يستفاد من الأخبار تنجيسها للماء القليل.
كصحيحة لبقباق الواردة في سؤر الكلب قال عليه السلام في حق الكلب: إنه رجس
نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (3).
وسيجئ البحث في هذه الرواية مفصلا في مبحث الأواني انشاء الله تعالى.
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الكلب
يشرب من الإناء قال: اغسل الإناء (4).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: وسألته عن خنزير شرب
من إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرات (5).
ومرسلة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما يبل الميل من النبيذ ينجس حبا من ماء
يقولها ثلاثا (6).

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4 - 1 - 3
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4 - 1 - 3
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبوب الأسئار الحديث 4 الباب 3
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبوب الأسئار الحديث 4 الباب 3
(5) جامع الأحاديث 23 من أبواب النجاسات الحديث 9
(6) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 6.
14

ورواية عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في قدح من
مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره فقال: لا والله ولا قطرة قطرت في
حب إلا أهريق ذلك الحب (1)
هذا كله بالنسبة إلى النجاسات الثلاث.
وأما سائر النجاسات فلا دلالة لروايات الكر على تنجيسها للماء القليل ومفهوم
روايات الكر لا عموم فيه حتى يتمسك به.
والقدر المتيقن من مفهوم روايات الكر هو تنجيس هذه الثلاثة - أعني الكلب
والخنزير والخمر للماء القليل فينزل المفهوم عليها.
مضافا إلى أنه يمكن أن يقال: إن أخبار الكر ليس لها مفهوم أصلا بل التحديد
بالكر لبيان تحقق موضوع عدم الانفعال وهو مقدار الكر فالشرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع
مثل إن رزقت ولدا فأختنه ومثل هذه الشرطية ليس لها مفهوم أصلا بل ينتفي الحكم بانتفاء
موضوعه لا أن انتفاء الموضوع يصير سببا لتحقق موضوع قضية أخرى.
هذا وربما يدعى أن الجمع بين الأخبار على نحو ما مر من حمل ما دل - على
النهي عن التوضؤ بالماء الملاقي للنجس على الكراهة وما دل على الإراقة على الاستحباب -
غير ممكن في موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء
وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال: يهريقهما (جميعا) و
يتيمم (2) فإنها صريحة في عدم جواز استعمال الإناءين الذين وقع في أحدهما قذر وانتقال
تكليفه إلى التيمم فيعلم من هذه الموثقة انفعال الماء القليل بوقوع القذر والتأويل المذكور
غير متمش فيها ولكن لا يخفى عدم معارضة هذه الموثقة للروايات الدالة على عدم انفعال الماء
القليل لفرض السائل انفعال الماء على سبيل البت والجزم وإنما سأل عن حكم الماءين الذين
وقع القذر في أحدهما واشتبه فسؤاله إنما هو عن حكم المشتبه بعد الفراغ عن نجاسة الماء وليس
سؤاله عن الماء بأنه ينجس بوقوع القذر فيه أم لا ويمكن أن يكون القذر المفروض في كلامه
هو الكلب أو الخنزير أو الخمر فلا ينافي ما ذكرناه هذا كله بحسب الأخبار والجمع بينها.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1.
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 3.
15

وأما أقوال العلماء فذهب الأكثر بل كاد أن يكون اجماعا إلى انفعال الماء القليل
بملاقاة مطلق النجس بل المتنجس والمخالف في ذلك من القدماء الحسن بن أبي عقيل العماني
والصدوق في ظاهر كلامه في الفقيه قال في الفقيه: فإن دخل رجل الحمام ولم يكن معه ما
يغرف به ويداه قذرتان ضرب يده في الماء وقال: بسم الله وهذا مما قال الله عز وجل: وما
جعل عليكم في الدين من حرج (1) وكذلك الجنب إذا انتهى إلى الماء في الطريق ولم يكن معه
إناء يغرف به ويداه قذرتان يفعل مثل ذلك انتهى والظاهر أن مستنده هو رواية محمد بن ميسر
المتقدمة (2) فإن قلنا بظهور الرواية في عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس كما قويناه نقول
بظهور كلامه في ذلك ويشهد لذلك استشهاده بالآية فإنه لا يناسب ذلك كون الماء المفروض
كرا كما لا يخفى. ومن المتوسطين فخر الدين ومن المتأخرين المحدث الفيض الكاشاني والسيد
عبد الله الشوشتري كما ذكر - لك كله في مفتاح الكرامة ولكن الصدوق قد خص عدم
الانفعال بصورة الاضطرار كما يظهر ذلك من قوله ولم يكن معه إناء يغرف به إلا أن يقال: إن
هذا القيد لرفع الكراهة وحمل أخبار المنع على الكراهة في صورة الاختيار كما مر في رواية
محمد بن ميسر ثم إن مخالفة ابن أبي عقيل والصدوق غير ضائر في تحقق الاجماع لكونهما معلومي
النسب وكذا فخر المحققين والفيض الكاشاني إلا أن يقال: إن مستند المجمعين ليس إلا هذه الأخبار وليس هنا اجماع كاشف قطعي عن قول المعصوم عليه السلام وقد عرفت أن الأخبار
متعارضة فبعضها دال على انفعال الماء القليل وبعضها دال على عدم الانفعال
لكن نقول: إن اعراض الأصحاب عن أخبار عدم الانفعال يكشف عن عدم
حجيتها ويوجب وهنها عندنا.
ثم بناء على انفعال الماء القليل كما قويناه لا فرق بين أن تكون سطوح الماء
متساوية أو مختلفة إذا لم يكن للماء قوة دافعة فالعالي ينجس بملاقاة النجس لسافله إذا لم يكن
له دفع وقوة مثل ما إذا أدخل إبرة نجسة من تحت القربة فإنه ينجس الماء العالي فيها أيضا و
كذا إذا كان الإبريق في أسفله ثقب واتصل ماء الإبريق بواسطة الثقب بالأرض النجسة
فإنه ينجس الماء الذي في أعلى الإبريق أيضا وأما إذا كان للماء دفع وقوة فلا ينجس بملاقاة

(1) سورة الحج آية 78.
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 14.
16

النجس لبعض أجزائه سواء أكانت السطوح متساوية أم مختلفة حتى أن السافل لا ينجس
بملاقاة العالي للنجاسة كالفوارة فالمناط في عدم التنجس حصول الدفع وإن كان من مثل
السافل للعالي لا العلو فإن العلو من حيث هو غير موجب لعدم الانفعال ما لم يكن للماء دفع و
قوة والسر في ذلك هو أن سبب التنجس ليس هو الملاقاة فقط بل السبب بنظر العرف هو الملاقاة
مع حصول السراية وإذا حصلت الملاقاة ولم تحصل السراية لا يحكم العرف بالتنجس بمجرد
الملاقاة.
وكذا لا فرق بين ورود النجاسة على الماء ووروده عليها لأنه بعد ما علم أن سبب
التنجس هو الملاقاة مع السراية لا يفرق العرف بينهما مع أن ملاكهما واحد وهو حصول
الملاقاة والسراية فما ذكره بعض الأعلام - من عدم الدليل على انفعال القليل بوروده على
النجاسة فإن ما دل على الانفعال كله مورده ورود النجاسة على الماء - مدفوع بأن ذكر مورد
ورود النجاسة إنما هو من باب المثال لا الخصوصية بقرينة فهم العرف فإنه إذا ألقيت الأدلة
الدالة على الانفعال مما كانت النجاسة واردة على الماء على العرف لا يفهم العرف منها
الخصوصية بل يحكمون حكما قطعيا بأن الماء إذا ورد على النجاسة حكمه أيضا كذلك.
ثم إن الظاهر أنه لا خلاف بين العامة والخاصة بأن مطلق المياه إذا تغير أحد أوصافها
الثلاثة أعني الريح واللون والطعم تنجس سواء أكان الماء قليلا أم كرا أم جاريا أم بئرا نعم
نسب إلى صاحب المدارك الاشكال بالنسبة إلى اللون لعدم وجوده في الأخبار الصحيحة و
لكن النسبة على خلاف الواقع حيث قال فيها في كلام له: الأولى نجاسة الماء الجاري
باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه والمراد بها اللون أو الطعم أو الرائحة لا مطلق الصفات
كالحرارة والبرودة وهذا مذهب علمائنا كافة انتهى وهذا الكلام فيه تصريح بخلاف تلك
النسبة.
وكيف كانت فمستند نجاسة الماء بتغير أحد أوصافه الثلاثة هو الأخبار المستفيضة بل
المدعى تواترها فمنها قوله صلى الله عليه وآله خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه
أو ريحه (1) ومنها صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال: كلما غلب الماء (على) ريح
الجيفة فتوضأ من الماء واشرب وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ ولا تشرب وهذه

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9 - 1.
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9 - 1.
17

الرواية قد دلت على تنجس الماء بالريح والطعم ومفهوم قوله: كلما غلب الماء الخ أنه كلما لم
يغلب الماء ريح الجيفة فلا يجوز التوضؤ والشرب منه ولا يكون ذلك إلا بأن يغلب ريح الجيفة
على الماء لعدم وجود الواسطة بين غلبة الماء على ريح الجيفة وغلبة ريح الجيفة على الماء فح
يمكن أن يكون المنطوق هو تغير الماء بالريح ثم عطف عليه الطعم فذكر عليه السلام قسمين من
أقسام التغير في هذه الرواية وهو التغير بالريح والطعم ولفظ الماء في الرواية مطلق شامل
للكر والجاري وماء الحمام وغير ذلك.
ومنها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل
أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه
فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة (1) ومنها ما ذكر فيها اللون مع الريح
أو اللون فقط كرواية شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله عليه السلام أسأله فابتدأني
فقال: إن شئت فاسأل وإن شئت أخبرتك قلت -: أخبرني قال: جئت لتسألني عن
الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا قال: نعم قال: فتوضأ من الجانب الآخر إلا أن
يغلب على الماء الريح فينتن، وجئت لتسأل عن الماء الراكد من الكر قال: فما لم يكن فيه
تغير أو ريح غالبة قلت: فما التغير قال: الصفرة فتوضأ منه وكلما غلب عليه كثرة الماء
فهو طاهر (2) فإن الظاهر من الفقرة الثانية أيضا فرض كون التغير بوصف النجس لا مطلقا
وإن لم يذكر شئ من النجاسات فيها من الجيفة وغيرها إلا أن الفقرة الأولى شاهدة على أن
فرض التغير في الفقرة الثانية أيضا هو التغير بالجيفة إلا أنها مخصوصة بالراكد ونحوه والأولى
مخصوصة بالغدير ويظهر من هذه الرواية التغير باللون أيضا.
ومنها رواية العلاء بن فضيل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحياض يبال
فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (3) ومفهومها أنه إذا غلب لون البول على لون
الماء فيه بأس أي ينجس الماء فذكر في هذه الرواية اللون فقط.
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 6
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 7.
18

فقال:
إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه (1) فإن تشبيه الدم بالأبوال ظاهر
في كون التغير باللون فهذه الرواية أيضا مما يدل على أن التغير باللون أي بلون النجاسة يكون منجسا
للماء بل نفس ذكر الدم ظاهر في التغير اللوني لأن الدم ليس له رائحة منتنة وإن كان له طعم
أيضا إلا أن المتبادر منها هو اللون فلا اشكال في اللون أصلا فما قيل من عدم وجود المستند للون
لا وجه له بعد ورود هذه الأخبار.
فتحصل من جميع الأخبار أن الماء مطلقا من أي أقسام المياه ينجس بتغير
أحد أوصافه الثلاثة أعني الريح والطعم واللون بالنجس وهل ينجس الماء بتنجس وصفه
بغير هذه الثلاثة بأن تغير بالثقل أو الخفة أو الحرارة أو البرودة وغيرها فيه اشكال لعدم دلالة
هذه الأخبار على ذلك نعم في بعض الأخبار ذكر التغير من غير تقيد بأحد هذه الأوصاف
الثلاثة مثل قوله ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير به (1) وغير ذلك.
ولكن يمكن حمله على ما دلت عليه تلك الأخبار مضافا إلى عدم فهم العرف من لفظ
التغير غير التغير بأحد هذه الأوصاف الثلاثة فينزل المطلق على المتفاهم العرفي.
(فروع)
(الأول) هل ينجس الماء بتغير أحد أوصافه بالمتنجس مثل ما إذا تغير لونه أو طعمه
بوقوع الدبس المتنجس أو تغير ريحه بوقوع الدهن المتنجس أو الجلاب المتنجس فيه أم لا؟ يمكن
أن يقال: إنه يستفاد من الأخبار المتقدمة أنه لا بد في تنجس الماء بالتغير تغيره بالنجس وأنه
المتبادر من هذه الأخبار فلا تشمل التغير بالمتنجس نعم في بعض الأخبار ما يشمل الفرض
مثل صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير (2) فإنه ليس فيها
ذكر النجس بل ذكر لفظ الشئ الشامل للمتنجس أيضا إلا أن التبادر فيها ابتدائي يدفعه
ذيلها عقيب قوله: ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، فإنه ظاهر في

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3 - 2.
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3 - 2.
19

التنجس بالنجس فإن الريح المنتنة لا توجد في غير النجس غالبا وكذا الطعم الخبيث لا يحصل
من المتنجس فتأمل
(الفرع الثاني) أنه لا فرق بين ورود النجس على الماء وورود الماء على النجس ومورد
الأخبار وإن كان هو الأول إلا أن العرف بعد ما علم أن النجس ينجس الماء القليل لا يفرق
بين المقامين ويعلم أن ذكر ورود النجس على الماء من باب المثال لا من باب الخصوصية.
(الثالث) ذكر السيد الطباطبائي (قدس سره) في العروة الوثقى أنه إذا وقع في الماء دم
وشئ طاهر أحمر فاحمر الماء بالمجموع لم يحكم بالنجاسة ووجهه ظاهر فإن السبب للتغير هو
المجموع من النجس والطاهر فلم يستند التغير إلى ملاقاة النجس فقط. ولكن ذكر رحمه الله
قبله: أنه إذا تغير ريح الماء بالميتة الواقع جزء منها في الماء وجزء منها في الخارج تنجس الماء
ولم يعلم الفرق بين المسألتين فإنه إن كان كون النجس جزء المستند التغير يجب الحكم
بالنجاسة في المسألتين وإلا فلا نحكم بالنجاسة في شئ منهما فإنه لا فرق بين الريح واللون
ولا بين تنجس الماء بالدم أو الميتة هذا كله فيما إذا تغير أحد أوصاف الماء بملاقاة النجس وأما
إذا لم يتغير فإن كان الماء قليلا فقد مر البحث فيه وإن كان كرا لا ينجس وسيأتي الكلام فيه
هذا كله في الماء القليل والجاري.
20

البحث في ماء الكر
وأما الكر فله في الأخبار تحديدان أحدهما بحسب المساحة والآخر بحسب الوزن أما بحسب
المساحة ففيها أخبار مختلفة فبعضها يدل على اعتبار بلوغ كل من أبعاده الثلاثة الطول
والعرض والعمق ثلاثة أشبار ونصف مثل ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن صالح
الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان الماء في الركي كرا لا ينجسه شئ قلت:
وكم الكر قال: ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار
ونصف عرضها (1).
والرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أن الأصحاب اعتمدوا عليها وعملوا بها.
واشتمالها على ما لم يقل به أحد - وهو اعتبار الكرية في عدم انفعال ماء البئر - غير ضائر
لامكان حمل هذه الجملة بالخصوص على التقية ولا يلزم من ذلك حمل تمام الخبر عليها مع أنه
لا وجه له لعدم اعتبار الكرية عند العامة في عدم الانفعال بل الماء غير المنفعل عندهم القلة
والقلتان وعند بعضهم أن مطلق المياه لا ينفعل حتى القليل مضافا إلى أن الركوة بحسب
تفسير بعض أهل اللغة هو الحوض الكبير فلا يلزم أن يكون بئرا. واستشكل في الرواية أيضا "
بعدم ذكر الطول في نسخ الكافي وإنما ذكر الطول في نسخ الاستبصار فقط فحينئذ ذكر فيها
البعدان برواية الكافي وهو مخالف للاجماع فتسقط الرواية عن الاعتبار والجواب عنه أولا أنه
إذا دار الأمر بين احتمال النقيصة والزيادة فاحتمال النقيصة أولى لأن النسيان يصير غالبا
سببا للنقيصة لا للزيادة.
وثانيا أنه لو فرض عدم ذكر أحد الأبعاد فلا يضر بالمقصود فإن المراد بالعرض
هو السطح أعم من الطول والعرض لا خصوص العرض المقابل للطول ويشهد لذلك عدم
ذكر الأبعاد الثلاثة في جميع أخبار الكر بحسب تحديده بالمساحة بل ذكر فيها البعدان فقط

(1) - جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2.
21

فيظهر من ذلك أن المراد بالعرض هو السطح الشامل للطول والعرض.
ومن روايات الكر ما رواه أبو بصير في الصحيح عن الصادق عليه السلام أيضا -
قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف (ونصفا خ ل) في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه
من الأرض فذلك الكر من الماء (1).
والمناقشة فيها بما مر من اهمال ذكر أحد الأبعاد الثلاثة فيها مدفوعة بما عرفت مضافا
إلى أنه يمكن أن يقال: إن الأبعاد الثلاثة مذكورة فيها بأن يقال: ثلاثة أشبار ونصف الذي
ذكر أولا هو البعد الأول وفي مثله للبعد الثاني وثلاثة أشبار ونصف الثاني بيان أو بدل لقوله:
في مثله وقوله في عمقه أي ثلاثة أشبار ونصف في عمقه فقوله في عمقه بيان للبعد الثالث
واكتفى فيه بظهوره من سابقه وهاتان الروايتان هما مستند قول المشهور من اعتبار بلوغ حاصل
ضرب كل من الأبعاد الثلاثة في الآخر ثلاثة وأربعين شبرا إلا ثمن شبر.
وقيل: يكفي ستة وثلاثون شبرا ومستند هذا القول هو رواية إسماعيل بن جابر قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الماء الذي لا ينجسه شئ قال: ذراعان عمقه في ذراع ونصف
سعته (2): بأن يقال: إنه يضرب الذراعان اللذان هما أربعة أشبار في ذراع وشبر اللذان هما
ثلاثة أشبار في ذراع وشبر طولا فيصير مجموع مكسره ستة وثلاثين شبرا.
ولكن لا يخفى أن الذراع أكثر من شبرين فيصير حاصل مضروب الجميع قريبا مما
قاله المشهور من اعتبار بلوغ مكسره ثلاثة وأربعين شبرا إلا ثمن شبر فهذه الرواية دلالتها على
مذهب المشهور أقوى.
وقيل: يكفي بلوغ حاصل المضروب سبعة وعشرين شبرا ومستنده رواية إسماعيل
ابن جابر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شئ فقال: كر قلت:
وما الكر قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (3) قال الصدوق في المجالس: روى أن
الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا (4) والظاهر أن

(1) - جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحدث 1
(2) - جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 6
(3) - جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 5
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 3.
22

رواية الصدوق (قدس سره) هي رواية إسماعيل المتقدمة نقلها بالمعنى لا رواية أخرى برأسها
ولكن يمكن سقوط لفظ النصف من هذه الرواية فيحتمل مطابقتها لقول المشهور فثبت أن
الأقوى ما عليه المشهور من بلوغ مكسره ثلاثة وأربعين شبرا.
هذا كله تحديد الكر بحسب المساحة وأما بحسب الوزن فالأخبار وأقوال العلماء فيه
أيضا مختلفة فبعض الأخبار يدل على تحديده بحسب الوزن بستمائة رطل مثل صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: والكر ستمائة رطل (1) وبعضها يدل على أن
الكر ألف ومائتا رطل مثل مرسلة ابن أبي عمير عنه عليه السلام قال: الكر من الماء الذي
لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل (2) وكيف يمكن التوفيق بينهما ولكن يمكن أن يقال: إن
طريق الجمع بينهما بعد القطع بأن ألفا ومأتي رطل ليس المراد منه الرطل المكي الذي هو
ضعف العراقي لانعقاد الاجماع على خلافه ولأنه مناف للتحديد بحسب المساحة حتى على
القول باعتبار بلوغها ثلاثة وأربعين شبرا إلا ثمن شبر كما اخترناه - أن يقال: إن المراد
بستمائة رطل في رواية محمد بن مسلم هو الرطل المكي وبألف ومائتي رطل في مرسلة ابن أبي
عمير هو الرطل العراقي الذي هو نصف الرطل المكي فإنه لا يمكن حمل الرطل في رواية ابن
أبي عمير على المكي قطعا لما ذكرناه ولا على المدني الذي هو أكثر من العراقي بمقدار الثلث لمنافاته
لرواية محمد بن مسلم فإن الرطل فيها لو حمل على المكي لا يوافق الألف ومأتي رطل المدني
ولمنافاته للتحديد بالأشبار كما ذكره بعض المحققين فإن الألف ومأتي رطل المدني أكثر من
التحديد بالأشبار بكثير. فتعين أن المراد بستمائة رطل هو الرطل المكي وبألف ومأتي رطل
هو العراقي. مضافا إلى موافقة ألف ومأتي رطل للتحديد بثلاثة وأربعين شبرا إلا ثمن شبر فإنه
كما قيل قريب من التحديد المذكور وإن كان لا يبلغ التحديد المذكور على نحو الدقة فإن
الأصل في تحديد الكر هو التحديد بالوزن وهو تحديد حقيقي بخلاف الأشبار فإنها كاشفه عن
وجود الكر وهي تحديد تقريبي فإن الشارع الحكيم بعد أن لاحظ اختلاف الأشبار في القصر
والطول جعل طريقا للعرف إلى الوصول إلى حقيقة الكر ولكن راعى فيه الاحتياط فجعل
الأكثر طريقا لئلا يضر القصر والطول في احراز الكرية.

(1) - جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4
(2) - جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 8.
23

هذا في الكر بحسب المساحة والوزن وأما أحكام ماء الكر فقد بيناها في مطاوي بيان
أحكام الماء القليل من أنه لا ينجس بملاقاته للنجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة و
ذكرنا أخباره فراجع
البحث في ماء المطر
وأما ماء المطر فلا ينفعل حال نزوله بملاقاة النجس ويطهر كل ما له قابلية التطهير
بالماء وتدل على ذلك روايات كثيرة.
(منها) مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: أمر في
الطريق فيسيل علي الميزاب في أوقات أعلم أن الناس وضاؤون قال: قال: لا بأس لا تسأل
عنه قلت: ويسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات
علي وينتضح علي والبيت يتوضأ على سطحه فكيف على ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله
كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر (1) فإنها تدل على عدم تنجس ماء المطر بوقوعه على النجس
وكونه مطهرا للمتنجس ولا يمكن أن يكون الماء مطهرا مع قبوله الانفعال والمراد بماء
المطر المفروض في كلام السائل الماء المجتمع من قطرات المطر لا نفس المطر النازل من السماء
بدليل أنه قال أرى فيه التغير الخ فإن نفس المطر ما لم يسل على وجه الأرض ليس فيه تغير
بل التغير يحصل فيه بسيلانه على وجه الأرض والظاهر أن المراد بآثار القذر آثار القذارة
الظاهرية أي الوسخ وتغير ماء المطر بجريانه على الأرض بوصف المتنجس لا بوصف النجس
فإن ماء المطر ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة بملاقاة النجس كسائر المياه والوضوء بفتح
الواو الاستنجاء والوكوف الرشح.
و (منها) رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكنيف يكون
خارجا " فتمطر السماء فتقطر علي القطرة قال: ليس به بأس (2).
و (منها) صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في السطح يبال عليه
فيكف فيصيب الثوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه (3) وغير ذلك من الأخبار

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 9 - 4.
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 9 - 4.
(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 9 - 4.
24

الآتية فإنها تدل على عدم انفعال ماء المطر بملاقاته للنجس ثم إنه يشترط في اعتصام ماء
المطر عدم انقطاع التقاطر من السماء لا لأجل دلالة الأخبار على اعتبار الجريان في عاصميته
لأن المراد بالجريان في تلك الأخبار الجريان على وجه الأرض لا الجريان من السماء كما سيأتي
توضيحه. بل لأجل أن القدر المتيقن هو صورة تقاطره من السماء فما عداه يشك في صدق
المطر عليه أي بعد انقطاعه يشك في أنه عاصم أم لا مضافا إلى دعوى الاجماع على اعتبار ذلك.
وهل يعتبر في عاصميته الجريان على وجه الأرض لولا المانع أو يكفي مسمى
المطر وإن لم يجر على وجه الأرض فيه وجهان بل قولان والظاهر هو القول الأول ومستنده
روايات مستفيضة ذكر فيها الجريان.
(منها) رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري
في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلى فيه قبل أن يغسل قال: إذا جرى فيه المطر
فلا بأس (1) وذكر الجريان وإن كان في كلام السائل إلا أن الإمام عليه السلام نبه بذكره في
كلامه أيضا " على أن مناط عدم البأس هو الجريان والظاهر أن المراد بالجريان الجريان على
وجه الأرض لا الجريان من السماء بقرينة كلمة فيه والضمير عائد إلى المكان والجريان في
المكان هو الجريان على وجه الأرض ولو كان المراد الجريان من السماء لقال (ع): إذا جرى عليه
المطر مضافا إلى أن لفظ الجريان غير معلوم الصدق على الجريان من السماء بل يطلق عليه
لفظ التقاطر ولفظ المطر مثل قولهم: تقاطر المطر من السماء أو قولهم أمطرت السماء ولا يقال:
جرى المطر من السماء.
و (منها) صحيحة علي بن جعفر أيضا عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة
فقال: إذا جرى فلا بأس به.
قال: وسألته عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي
فيه قبل أن يغسله فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلي فيه ولا بأس به (2) ولكن هذه
الرواية ظاهرة في الجريان من السماء لأن مفروض السائل وهو الأخذ من ماء المطر والتوضؤ به

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 7
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5 و 8.
25

إنما يتحقق فيما إذا جرى على وجه الأرض حتى يتمكن من أخذ الماء منه فقيد إذا جرى في
الجواب، لا بد أن يراد منه الجريان من السماء إلا أن يقال فيها: ما ذكرناه في الرواية السابقة
من أن هذا القيد إنما هو لبيان تحقق موضوع الحكم مثل أن يقال في السؤال: إذا كان الرجل
عالما فهل يجب اكرامه فيجاب نعم إذا كان عالما يجب اكرامه فيذكر الشرط المذكور في
الجواب تنبيها على أنه شرط تحقق الموضوع وهذه الرواية وإن كان ذيلها مطلقا إلا أن قيد إذا
جرى في الصدر كاف للقرينية على عدم إرادة الاطلاق في الذيل مع أن الذيل له دلالة على
تحقق الجريان لأن مفروض السائل السؤال عن الرجل يمر في ماء المطر وهو غير صادق إلا
إذا كان المطر جاريا على وجه الأرض ومع عدم الجريان لا يمر في ماء المطر بل يمر على الأرض.
ومنها روايته الأخرى عن أخيه صلوات الله عليه قال: سألته عن الكنيف يكون فوق
البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أيصلي فيها قبل أن تغسل قال: إذا جرى من
ماء المطر فلا بأس، يصلي فيه (1) ولكن الانصاف أن هذه الرواية لا دلالة لها على اعتبار
الجريان بل الظاهر منها أنه إذا جرى ما يكف من ماء المطر أي يشترط أن يكون ما يكف من
ماء المطر لا من ماء الكنيف وأين هذا من اعتبار الجريان وهذه الأخبار - كما ترى - تدل على
اعتبار الجريان في مطهرية المطر وبعض الأخبار المتقدمة (2) ليس فيها قيد الجريان ويمكن
الجمع بينهما بأن مورد أخبار الجريان هو الكنيف أو المكان المعد لتوارد النجاسات وقيد
الجريان لا لأجل كونه دخيلا في التطهير بل لأجل حصول الطهارة لجميع السطح بواسطة
جريان المطر عليه حتى المكان الذي لم يصبه المطر فإنه يطهر أيضا بجريان ماء المطر على سطح
الأرض ووصوله إليه فلا يمكن الحكم بطهارة السطح أو بطهارة ما يكف على الثياب على
الاطلاق بل لا بد إما من قيد الجريان حتى يطهر جميع السطح وإما من قيد أن كل مكان
أصابه المطر يطهر فقيد الجريان لدفع هذا الاطلاق لا أنه شرط في المطهرية فعلى هذا لا يعتبر في
المطهرية الجريان بل يكفي كون المطر غالبا على النجاسة.

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 6
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 و 4.
26

البحث في ماء البئر
وأما ماء البئر ففيه بحثان الأول في مفهوم البئر ومعناه لغة أو شرعا قال في المسالك
نقلا عن الشهيد: إنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا
انتهى قلت: الأحكام الثابتة للبئر لا بد من احراز مراد الشارع من لفظ البئر الواقع في كلامه
إما بالحقيقة اللغوية وأصالة عدم النقل عنها في كلام الشارع أو بالحقيقة الشرعية إن
قلنا بها أو بالاجماع على عدم الفرق بينهما وإلا فترتب الأحكام الشرعية عليها مع عدم احراز أن
المراد بالبئر الواقعة في كلام الشارع هي البئر الواقعة في كلامنا والمصطلحة عندنا غير ممكن
لاحتمال اختلاف عرفه مع عرفنا.
ولكن الظاهر أن الشارع ليس له اصطلاح خاص بالنسبة إلى البئر ولا فرق بين المعنى
اللغوي والعرفي فيها ومعناها العرفي واضح وهو النابع غير الجاري على وجه الأرض الذي له
قعر وهو المرادف لقولنا بالفارسية (چاه) وكذا هو مرادف لسائر اللغات المستعملة في هذا
المعنى في أي لغة كان فليس له اصطلاح خاص في جميع اللغات.
المبحث الثاني في أحكامها
وهل ينفعل ماءها بوقوع النجس فيها؟ فيه أربعة أقوال (الأول) الانفعال مطلقا
وهو المشهور بين القدماء (الثاني) عدمه مطلقا وهو المشهور بين المتأخرين (الثالث) التفصيل
بين الكر وغيره بعدم الانفعال في الأول والانفعال في الثاني وهو المنقول عن الشيخ محمد بن
محمد البصروي من القدماء (الرابع) عدم الانفعال ووجوب نزح المقدرات تعبدا نسب ذلك
إلى العلامة والأقوى هو القول الثاني ويدل عليه كثير من الأخبار
(منها) صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل
أبا الحسن الرضا صلوات الله عليه فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه
فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة (1).

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1.
27

والمراد بالواسع الواسع من حيث الحكم يعني أن الناس في سعة من حيث حكم ماء
البئر وهذا نظير قوله عليه السلام: الناس في سعة ما لا يعلمون وتدل على طهارة ماء البئر فإن
الحكم بنجاستها ضيق على الناس تنفيه هذه الرواية وقوله: لا يفسده شئ بيان لقوله واسع و
أقوى مصاديق الافساد النجاسة وقد نفتها هذه الرواية وقوله: إلا أن يتغير ريحه الخ دليل على
انحصار الافساد بما إذا تغير وقوله: لأن له مادة تعليل لقوله واسع أي علة سعة ماء البئر وعدم
فساده بملاقاة النجس هو وجود المادة العاصمة للماء عن الانفعال وأورد على الاستدلال
بالرواية أمور أحدها ما ذكره الشيخ في الاستبصار من أن المراد بأنه لا يفسده شئ فسادا
لا ينتفع بشئ منه إلا بعد نزح جميعه إلا ما يغيره انتهى.
أقول: ولنعم ما قال بعض الأعاظم من أن طرح الرواية ورد علمها إلى أهلها أولى من
ابداء هذا النحو من الاحتمالات العقلية التي لا يكاد يحتمل المخاطب إرادتها من الرواية
خصوصا في جواب المكاتبة انتهى مع أن المعنى الذي ذكره قدس سره مع التغير كذلك فإن
التغير أيضا لا يصير سببا " لفساد الماء بحيث لا ينتفع به إلا بعد نزح جميعه بل يكفي النزح إلى أن
يذهب التغير فيطهر كما هو ظاهر الرواية بل صريحها، فعند ذلك يصير الاستثناء لغوا وهو
غير ممكن بالنسبة إلى كلام الإمام عليه السلام مضافا إلى أن هذا المعنى الذي ذكره مناف
لما هو وغيره عليه من وجوب نزح جميع ماء البئر في بعض الموارد مثل ما إذا صب في البئر
خمر أو أحد الدماء الثلاثة أو مات فيها انسان فإنه (قدس سره) حكم بوجوب نزح الجميع
فانحصار الافساد بالتغير لا وجه له حينئذ إلا أن يدعى بأن الحصر إضافي وهو بعيد غايته.
(الثاني) مما أورد على المكاتبة أن المراد من الافساد ليس من حيث النجاسة بل
الافساد المنفي في الرواية هو الافساد من حيث القذارة الظاهرية أي الوسخ بمعنى أن ماء البئر
لا يحتمل وسخا بل هو دائما نظيف لأن له مادة ولكن فيه ما لا يخفى فإن الإمام عليه السلام
ليس من شأنه بيان بعض الأمور العرفية التي يعرفها العرف بل من شأنه بيان الأحكام الشرعية فإن كون ماء البئر بواسطة وجود المادة لا يحتمل القذارة الظاهرية بل وإن
صار وسخا يرتفع وسخه بسبب المادة أمر واضح عند العرف ليس من شأن الإمام بيانه.
الاشكال الثالث الذي أوردوه على الرواية أن سند الرواية غير سليم فإنه وإن كان
الرواة كلهم حتى محمد بن إسماعيل بن بزيع موثقين إلا أن ابن بزيع قال: كتبت إلى رجل
28

أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (ع) والرجل الذي كتب إليه ابن بزيع مجهول الحال وأيضا
لفظ قال الذي في الرواية لعله كان من كلام ذلك الرجل لا من كلام الإمام عليه السلام
فالرواية حينئذ مجهولة ومقطوعة.
والجواب أن الرواية نقلها ابن بزيع للأصحاب وتلقاها الأصحاب بالقبول حتى
أن الشيخ مع قوله بنجاسة البئر تلقاها بالقبول بدليل أنه أولها إلى المعنى الذي ذكره حتى
لا تخالف سائر الأخبار الدالة على النجاسة بزعمه ولم يخدش في سندها بل خدش في دلالتها
فالظاهر أن ابن بزيع علم أن قوله: البئر واسع (الخ) من كلام الإمام عليه السلام إما لأنه
سمعه من الإمام حين سأله ذلك الرجل وكان ابن بزيع حاضرا في المجلس ولكن كان له
مانع من السؤال من الإمام (ع) فكتب إلى ذلك الرجل أن يسأل الإمام (ع) عن حكم ماء البئر
فأجاب الإمام وسمعه ابن بزيع وإما إن ابن بزيع رآى مكتوب الإمام بخطه (عليه السلام) فنقل عن الإمام (عليه السلام) بلفظ قال أو علم أن ذلك الرجل الذي قال له هذا الكلام. نقله عن الإمام عليه السلام لا إنه من قبل نفسه قال هذا الكلام.
ومن الأخبار الدالة على طهارة ماء البئر صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق
عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن
فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر (1) فإن الظاهر منها أن كل ميتة وقعت
في البئر لا تنجس ماءها إلا إذا أنتنت فإن انتان الميتة مستلزم غالبا لتغير الماء فحينئذ يجب نزح
ماء البئر إلى أن يطيب كما نطقت به الرواية المتقدمة.
و (منها) صحيحته الأخرى عنه عليه السلام في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل
ويصلي وهو لا يعلم (بها خ) أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه قال: لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه (2)
ونظيرها بل أظهر منها دلالة موثقة أبان بن عثمان عنه عليه السلام قال: سئل عن الفأرة تقع
في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها أيعاد الوضوء فقال: لا (3)
وحمل الفأرة على الفأرة الحية بعيد في الغاية بل لا يحتمله أحد من السؤال بل
المفروض كونها نجسا والسؤال عن حكم ماء البئر وأبعد منه حمل التوضؤ والصلاة على ما

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7 - 8 -.
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7 - 8 -.
29

إذا شك في كون أحدهما كان قبل وقوع الفأرة فيها أو بعده فإن الرواية ولا سيما الثانية كادت
تكون صريحة في تأخر الصلاة والوضوء عن وقوعها في البئر.
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن بئر ماء
وقع فيها زبيل (زنبيل) من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها قال:
لا بأس (1) والظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الانسان فلا وجه لحمل العذرة على العذرة
الطاهرة أو الأعم منها ومن النجسة بل لو حملت على الأعم لدلت على عدم الانفصال أيضا
وكذا الظاهر منها إصابة العذرة لماء البئر فلا وجه لحمل الرواية على ما إذا شك في إصابتها لماء البئر
بعد إصابة الزنبيل له.
ومنها صحيحة أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن عثيم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء قلنا: فما تقول في صلاتنا
ووضوئنا وما أصاب ثيابنا فقال: لا بأس به (2) ودلالتها على طهارة ماء البئر واضحة بل
صريحة فالأمر بالنزح لأجل التنزه لا لأجل النجاسة.
ومنها موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بئر يستقى منها ويتوضأ به
وغسل منه الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال (فقال خ ل) لا بأس به ولا يغسل
منه الثوب ولا تعاد منه الصلاة (3) فإن الميت ظاهر في الميت النجس دون الطاهر فإن
الطاهر ليس موردا للسؤال.
(هذه) هي الأخبار الدالة على الطهارة وفيها اطلاق يشمل الكر وما دونه وهنا أخبار
أخر تعارض بظاهرها هذه الروايات (منها) رواية الحسن بن صالح الثوري المتقدمة (4)
في باب الكر فإن فيها التقييد بالكر في عدم انفعال ماء البئر ولفظها هكذا: إذا كان الماء
في الركي كرا لم ينجسه شئ فمفهومها إذا لم يكن الماء في الركي كرا ينجسه شئ وهو معارض
للروايات المتقدمة.
ويمكن أن يجاب عن المعارضة بأن لفظ الركي ليس صريحا في البئر فإن معنى الركي

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه حديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10 - 11
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10 - 11
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2.
30

كما في القاموس هو الحفرة وفيه أيضا: المركو الحوض الكبير فيمكن أن يكون المراد منها
في الرواية هو مطلق الحفرة دون خصوص البئر وإرادة البئر منه في بعض الموارد من باب اطلاق
الكلي على الفرد لا أنه معناه الحقيقي وعلى فرض كون المراد من الركي خصوص البئر
في الرواية لتفسير الركي بالبئر في كتب اللغويين نقول: بأن هذه الرواية يستفاد منها أن
العاصم لتنجس البئر هو الكرية ومفهومها عدم وجود العاصم فيما دون الكر وسائر الأخبار
الدالة على عدم انفعال ماء البئر دالة على أن العاصم هو وجود المادة الموجودة فيما دون
الكر أيضا ودلالة هذه الرواية على الانفعال بالمفهوم واطلاق تلك الأخبار منطوق وهو أقوى
دلالة من المفهوم فلا يصلح المفهوم لتقييد المنطوق هذا كله في بيان الأخبار الدالة على الطهارة.
وأما الأخبار المتوهم دلالتها على النجاسة فهي كثيرة أيضا (منها) رواية محمد بن
إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام
في البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة
كالبعرة ونحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها فوقع عليه السلام بخطه
في كتابي (كتابه خ ل) ينزح دلاء منها (1).
وتقريب الاستدلال بها على النجاسة هو: إن السائل سأل عما يطهر البئر حتى يحل
الوضوء منها ويعلم منه أن النجاسة كانت مفروغا عنها عنده بوقوع المذكورات في البئر إلى أن
يتحقق المطهر ولم يردعه الإمام عليه السلام بنفي النجاسة عن الماء بل أبقاه على اعتقاده فيعلم
من ذلك أن ماء البئر ينجس بوقوع المذكورات فيها.
والجواب عن هذه الرواية أن ذكر الدلاء بنحو الاهمال وعدم تعيين مقدار النزح
يستكشف منه أن الأمر بالنزح لأجل التنزه لا للوجوب وإلا فلا يصلح ذكر النزح بنحو الاهمال
للجواب بعد وضوح أنه عليه السلام كان في مقام بيان الحكم وبعد ظهور أن السائل كان
جاهلا بالمطهر حتى سأل - ما الذي يطهرها فالمراد بما يطهرها في كلام السائل ما الذي ترفع
قذارتها العرفية حتى يرتفع كراهة الوضوء منها وإن كان حمل جملة حتى يحل الوضوء منها على
ذلك خلاف الظاهر إلا أنه لا بد من هذا الحمل جمعا بين هذه الرواية وسائر الروايات الصريحة

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6.
31

في الطهارة مع أن صاحب الكافي بعد نقله لهذه المكاتبة قال بلا فصل: وبهذا الاسناد قال: ماء
البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير به (1) فيظهر منه أن هذه الرواية أيضا مكاتبة
بنحو مكاتبته السابقة ويؤيده أن الشيخ (قدس سره) نقلها في التهذيب بسند المكاتبة
السابقة (2)
فيحتمل قويا أن الروايتين هما مكاتبة واحدة لا مكاتبتان فحينئذ يصلح قوله (عليه السلام) ماء
البئر واسع (الخ) ردعا لظاهر قوله: ما الذي يطهرها و (منها) صحيحة علي بن يقطين
عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة والكلب
والهرة فقال يجزيك أن تنزح منها دلاءا فإن ذلك يطهرها انشاء الله (3) وهذه الرواية أظهر
دلالة من سابقتها في دلالتها على تنجس ماء البئر بوقوع النجس فيها لأن السابقة كانت دلالتها
بالتقرير وهذه بتصريح الإمام (عليه السلام) بأن ذلك يطهرها فيعلم منه أن الماء صار نجسا بوقوع
المذكورات فيها حتى يطهره النزح.
والجواب في هذه الرواية هو الجواب الذي ذكرناه في تلك الرواية من أن اهمال الدلاء
وعدم ذكر مقدارها مع أن بين هذه النجاسات فرقا بينا بحسب الأخبار الواردة في كل واحدة
منها ومع أنه عليه السلام كان في مقام البيان بقرينة قوله (عليه السلام): يجزيك يستشعر منه أنه للتنزه
لا وجوب النزح ويمكن أن يكون قوله (عليه السلام) فإن ذلك يطهرها صدر لأجل التقية فإن العامة
قائلون بنجاسة البئر بوقوع إحدى النجاسات فيها فعبر (عليه السلام) بما يوافق التقية وأشار إلى عدم
النجاسة باهمال الدلاء والأمر بنزح الدلاء للنظافة.
ومنها رواية عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام قال في آخرها: وسئل عن
بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال: تنزف كلها فإن غلب عليه الماء فلتنزف يوما إلى الليل
ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت (4).
فإن قوله: وقد طهرت في ذيلها قد دل على أن البئر صارت نجسة بوقوع أحد المذكورات
فيها وهذه الرواية أيضا لا تصلح لمعارضة أخبار الطهارة لاشتمالها على ما لم يقل به أحد من الفقهاء

(1) - الكافي المجلد 3 الصفحة 5
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6 - 9
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6 - 9
(4) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1.
32

وهو وجوب نزح جميع الماء للفأرة والكلب فإن أكثر ما قيل في وقوع الفأرة هو سبع دلاء وفي
وقوع الكلب أربعون دلوا بل الخنزير أيضا حكمه حكم الكلب عند كثير من الفقهاء وحمل نزح
جميع الماء على صورة تغيره بالمذكورات كما فعله الشيخ قده لا يخفى ما فيه ضرورة أن
التغير أيضا لا يستلزم وجوب نزح جميع الماء بل يكفي نزح مقدار يزول به التغير وكذا في صورة
التغير وغلبة الماء لا معنى للتراوح إلى الليل فإنه إن زال التغير قبل الليل طهر وإن لم يزل
لا يكفي التراوح إلى الليل بل لا بد من النزح إلى أن يزول التغير وإن كان إلى ليلتين أو ثلاث
ليال أو أكثر.
فهذه الرواية غير معمول بها مع أنها معارضة لسائر الأخبار الواردة في نزح المذكورات
ويمكن حمل قوله (عليه السلام) وقد طهرت على ما ذكرناه في الروايتين السابقتين من أن المراد بالطهارة
رفع القذارة العرفية لا ما يقابل النجاسة ومما استدل به على النجاسة صحيحة ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به
فتيمم بالصعيد فإن رب الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم
ماءهم (1) فإن جواز التيمم مع وجود الماء غير ممكن في هذا الفرض إلا إذا كان وقوع الجنب في البئر
مستلزما لنجاسة الماء بأن كان بدنه متلطخا بالمني فيعلم منه تنجس الماء بملاقاة النجس و
أيضا قوله (عليه السلام) ولا تفسد على القوم ماءهم ظاهر في الافساد من حيث النجاسة كما أن
قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار المتقدمة: ماء البئر واسع لا يفسده شئ (2) ظاهر في عدم الافساد من
حيث النجاسة.
ولكن لا يخفى أنه حينئذ كان التعليل ببطلان غسله أولى من التعليل بافساد الماء
على القوم، لأنه موهم لجواز الغسل عند عدم افساد الماء على القوم بأن كانت البئر ملكا له أو لم
يكن لأحد فيها حق التصرف فلا بد من أن يراد بالافساد الافساد من حيث القذارة العرفية
لا تقذر على القوم مائهم بأن كان بدنك متلطخا بالمني فتدخل في الماء فيستقذر القوم للماء
بمقتضى طبائعهم أو المراد بالافساد صيرورة الماء ذا وحل أي لا تدخل في البئر فتغير الماء
على القوم وتصيره ذا وحل وهذا الاحتمال الثاني صادق حتى مع طهارة البدن وأما الافساد

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 4
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1.
33

بمعنى النجاسة فلا يتحقق مع طهارة البدن مع أن الرواية لها اطلاق يشمل صورة طهارة البدن
أيضا فلا بد أن يكون المراد بالافساد فيها هو المعنى الذي ذكرناه أي المعنى الثاني من المعنيين
وبهذا ظهر الفرق بين الافساد هنا والافساد في قوله: لا يفسده شئ.
فإن الافساد هنا ليس بمعنى النجاسة لما ذكرناه بخلاف الافساد هناك فإنه لا بد أن
يكون بمعنى النجاسة لأن بعد قوله: لا يفسده شئ قوله: إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فإن تغير
الريح أو الطعم بغير النجاسة لا يصير سببا لتنجس الماء فيعلم أن المراد بالافساد الافساد من
حيث النجاسة.
ومما استدل به على النجاسة صحيحة الفضلاء أعني زرارة ومحمد بن مسلم وأبا بصير
قالوا: قلنا له: بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أينجسها قال: فقال إن كانت البئر في أعلى
الوادي والوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس
ذلك الشئ وإن كان أقل من ذلك ينجسها وإن كانت البئر في أسفل الوادي ويمر الماء عليها
وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها وما كان أقل من ذلك فلا يتوضأ منه.
قال زرارة: فقلت له: فإن كان مجرى البول يلزقها وكان لا يثبت على الأرض
فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس وإن استقر منه قليل فإنه لا يثقب الأرض ولا قعر له
حتى يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس فيتوضأ منه إنما ذلك إذا استنقع كله (1).
ويمكن أن يقال: إن هذه الرواية أظهر الروايات في دلالتها على نجاسة ماء البئر لأن
التأويل الذي ذكرناه في قوله (عليه السلام): فإن ذلك يطهرها غير متمش هنا فإن التنجيس كالصريح
في المعنى المعروف. ولكن الجواب عن هذه الرواية بأن الظاهر أن التحديد بعدد معين في تباعد
النجس عن البئر ليس من باب تشخيص الموضوع بعلم الإمامة فإن بيان موضوع الأحكام.
وتشخيصه خصوصا إذا كان من باب الاخبار بالغيب ليس من شأن الإمام عليه السلام بل
شأنه بيان الأحكام وتشخيص موضوعاتها موكول إلى نظر العرف إلا أن يكون الموضوع من
الموضوعات الشرعية فإن بيانه موكول حينئذ إلى الشارع وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فح
يحتمل أن يكون هذا التحديد طريقا إلى عدم ملاقاة ما في الكنيف للبئر بأن يكون الشارع

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 5.
34

لاحظ غلبة الملاقاة عند عدم هذا المقدار من التباعد فجعل هذا المقدار من التباعد طريقا إلى
احراز عدم تحقق الملاقاة.
ويحتمل أن يكون هذا التحديد ارشادا إلى عدم تحقق الملاقاة عند هذا المقدار من
الفصل فعلى كل من الاحتمالين لم يعلم أن الشارع جعل هذا التحديد طريقا أو ارشادا إلى
عدم انفعال ماء البئر بالملاقاة أو بالتغير وبعبارة أخرى أن الشارع جعل هذا النحو طريقا إلى
عدم تنجس ماء البئر وأما إن المنجس هل هو نفس الملاقاة أو مع التغير فلم يعلم من هذا التحديد
فيمكن أن يكون قد لاحظ أن أقل من هذا التحديد ملازم غالبا عند استقرار النجس في محله
لتغير الماء كما يظهر من آخر الحديث فجعل هذا التحديد طريقا وعلى فرض الاطلاق في الرواية
فلا بد من تقييدها برواية الجعفريات مسندا عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم السلام أن
رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين إن لنا بئرا وهو متوضأنا وربما عجنا العجين من مائها وإن
بئر الغائط منها أربعة أذرع ولا نزال نجد رائحة نكرهها من البول والغائط فقال علي
عليه السلام: طمها أو باعد بين الكنيف عنها إذا وجدت ريح العذرة منها (1).
فإن الظاهر أن ماء البئر تغير ريحه بملاقاة الغائط للبئر وسرايته إليها لا بالمجاورة للغائط
فإن المجاورة مع النجس وإن غيرت ريح الماء ليست منجسة وأظهر من هذه الرواية في كونها
مقيدة باطلاق الرواية المتقدمة إن كان لها اطلاق صحيحة محمد بن القاسم عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها قال
ليس يكره من قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء (2) فجوز (عليه السلام) الوضوء والغسل
من الماء ما لم يتغير ويظهر من هذه الرواية مجاورة الكنيف للبئر بأقل من التحديد المذكور
في الرواية السابقة في ذاتها ليست منجسة ولا مانعة من الوضوء والغسل وإنما المانع
هو ما إذا تغير الماء بالنجاسة فيستكشف من هذه الرواية أن المانع من الوضوء في الرواية
السابقة هو تغير الماء بالملاقاة والتحديد المذكور فيها طريق غالبي إلى تحقق التغير بأقل من
التحديد المذكور لا أن التحديد تعبدي فبفقدانه يتحقق التنجيس وإن شك في الملاقاة
كما لا يخفى.

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 8
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4.
35

ومما استدل على نجاسة ماء البئر بوقوع النجس فيها الأخبار الآمرة (1) بالنزح بوقوع
كل واحدة من النجاسات فيها وهي كثيرة جدا تبلغ أربعين حديثا ولذا ادعي تواترها وتلك
الروايات فيها الصحيح والحسن والموثق ولا يجوز طرح جميعها للعلم بصدور كثير منها والجواب
عن تلك الروايات أن الأمر فيها لا يمكن حمله على الواجب التعبدي والقول بعدم تنجس ماء البئر
بملاقاته للنجاسة كما عن العلامة في المنتهى فإنه خلاف ظاهر الروايات فإن العرف يفهمون
من الأمر بالنزح فيها أنه مقدمة للغير أي لحصول الطهارة للبئر أو لحصول النظافة لها ورفع القذارة
الظاهرية عنها.
وليس النزح مطلوبا بنفسه بل هو مطلوب لغيره فحينئذ هو إما مقدمة لجواز الوضوء
أو الغسل منه شرعا وشرط له وإما مقدمة لحصول النظافة ولكن الظاهر هو الثاني للقرائن
الخارجية والداخلية الدالة على ذلك دون حصول الطهارة أما القرائن الخارجية فهي أخبار
الطهارة المتقدمة وهي كثيرة أيضا وأخبار النزح وإن كانت ظاهرة في حصول النجاسة إلا أن
أخبار الطهارة صريحة في الطهارة فلا بد من حمل الظاهر على النص.
وأما القرائن الداخلية فهي القرائن الموجودة في نفس أخبار النزح مثل الحكم بصحة
الوضوء من البئر وعدم الأمر بغسل الثياب إذا توضأ قبل النزح ثم تبين له أن النجس كان
واقعا فيها مع الأمر بالنزح في رواية أبي أسامة المتقدمة ومثل التعارض الواقع بين نفس تلك الأخبار في مقدرات بعض النجاسات مثل الفأرة فإن بعض الأخبار يدل على وجوب نزح
خمس دلاء (2) وبعضها على وجوب سبع دلاء (3) ومثل هذا التعارض في مقدرات بعض
النجاسات كثير (راجع الباب 10 من أبواب المياه من جامع أحاديث الشيعة.)
ومثل اهمال الدلاء أو توصيفها باليسيرة في بعض أخبار النزح راجع الباب
المذكور فإنها تدل أيضا على عدم الاهتمام بأمر النزح ومن القرائن الداخلية في تلك الأخبار أنه
أمر بالنزح في بعضها لموت ما ليس له دم سائل كرواية منهال قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: العقرب يخرج من البئر ميتة قال: استق منها عشر دلاء (4) وقارن في بعض تلك الأخبار بالنزح بين ذي النفس وغيره مثل صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 14 - 35.
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 14 - 35.
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 14 - 35.
36

عليه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء (1) فهذه القرائن
الكثيرة كادت توجب القطع بأن الأوامر الواردة في هذه الأخبار ليست على ظواهرها من
إفادة الوجوب بل هي مقدمة لحصول النظافة وعلى فرض القول بنجاسة البئر في الجملة فهل
يمكن القول بنجاستها مطلقا حتى ما إذا كانت بمقدار الكر أو لا بد من قصر الحكم على خصوص
القليل منها؟ ظاهر بعض الأخبار الآمرة بالنزح انفعال ماء البئر بملاقاة النجس ولو كان كرا.
مثل رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع
في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة قال: فقال: كل ذلك يقول: سبع دلاء قال: حتى
بلغت الحمار والجمل فقال: كر من ماء (2) فإنها تدل على أن الماء الموجود في البئر يكون كرا
أو أكثر حتى يمكن أن ينزح منها بمقدار الكر فتدل على تنجس ماء البئر بوقوع النجس وإن كان
ومثل رواية التراوح المتقدمة (3) فإنها أيضا تدل على تنجس البئر وإن كانت كرا لفرض
كون الماء بمقدار لا يمكن نزح جميعه إلا بالتراوح والنزح إلى الليل وهذا لا يفرض إلا في بئر
مشتملة على أكرار في الماء دون كر واحد فضلا عن أن يكون دون الكر إلا إذا اشتملت على
مادة قوية فح يقع التعارض بيت الأخبار الدالة على عدم انفعال الماء إذا كان كرا الشاملة
باطلاقها للبئر أيضا وبين هذين الخبرين لكن التعارض إنما يقع بناء على القول بانفعال ماء
البئر.
وأما على القول الآخر الذي اخترناه من أن الأمر بالنزح في هذه الروايات للتنزه
والاستحباب فلا تعارض ويمكن أن يجاب - بناء على القول بالانفعال - بعدم صلاحية
هذين الخبرين لمعارضة تلك الأخبار فإن رواية عمرو بن سعيد مجهولة فإن عمرو بن سعيد
المذكور من أصحاب الباقر عليه السلام ولم يصفوه بمدح ولا قدح وليس هذا عمرو بن سعيد بن
هلال المدائني الثقة كما توهم فإن ذلك من أصحاب الرضا عليه السلام والرواية الثانية أيضا
ضعيفة السند متروكة الظاهر متهافتة المتن وليس لنا دليل معتبر يدل على انفعال ماء
البئر إذا كان كرا غير هذين الخبرين وقد عرفت حالهما فتبقى أدلة عدم انفعال الكر بلا معارض

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10 - 26
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10 - 26
(3) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1.
37

بالنسبة إلى البئر وغيرها فاطلاقها أو عمومها شامل للبئر أيضا ولا يفرض مانع لشمولها إلا أحد
أمرين وقوعها في القعر أو وجود المادة لها
وكل واحد منهما لا يصلح للمانعية فإن الكر لا فرق فيه بين وجوده فوق الأرض أو تحتها
ووجود المادة علة لعدم الانفعال ولا يمكن أن يقال: أن وجود المادة علة للانفعال فح لا فرق
بحسب اطلاق أدلة عدم انفعال الكر بين البئر وغيرها.
هذا كله في صورة عدم تغير الماء بوقوع إحدى النجاسات في البئر وأما إذا تغير أحد
أوصافه بها فينجس بالاتفاق من القائلين بنجاسة البئر والقائلين بعدمها وهل يكفي في تطهيره
زوال التغير بأي نحو كان ولو بصب دواء فيه يزيل تغيره بل وإن زال تغيره من قبل نفسه
أو لا بد في إزالة التغير من النزح ولا بد أولا من ذكر الأخبار الواردة في هذه المسألة حتى يتضح
الأمر فنقول الأخبار في هذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما يدل على أنه لا بد أن ينزح حتى
يطيب وهي روايات:
منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة (1) وفيها لا يفسده شئ إلا أن
يتغير به فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة ومنها رواية أبي
بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقع في الآبار فقال: أما الفأرة وأشباهها فينزح منها
سبع دلاء إلا أن يتغير الماء فينزح حتى يطيب (2) ومنها موثقة سماعة عنه عليه السلام عن
الفأرة تقع في البئر أو الطير فقال: إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء إلى أن قال:
وإن أنتن حتى يوجد ريح نتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء (3) ومنها
صحيحة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في الفأرة والسنور إلى أن قال: وإن تغير الماء
فخذ منه حتى يذهب الريح (4) وفي خبر زرارة فإن غلب الريح نزحت حتى يطيب (5).
ومنها ما يدل على نزح جميع البئر كخبر معاوية بن عمار: لا تعاد الصلاة ولا يغسل
الثوب مما يقع البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر (6) بناء
على دعوى ظهورها في نزح الجميع ومثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام سئل في

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 18 - 25
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 18 - 25
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 27 - 37 - 31.
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 27 - 37 - 31.
(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13 - 27 - 37 - 31.
38

الفأرة تقع في البئر قال: إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا وإذا انتفخت أو نتنت نزح الماء
كله (4) ومثل رواية منهال المتقدمة وفي آخرها: فإن غلب الريح عليها بعد مأة دلو فانزحها
كلها (5) والقسم الثالث من الروايات ما يدل على نزح مائة دلو وفيه خبر واحد وهو خبر منهال.
المذكور وفيه: وإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مأة دلو... الحديث.
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بأن يكون نزح الجميع الواقع في خبر منهال محمولا على
صورة عدم ارتفاع التغير إلا بنزح الجميع ويؤيده ذيل الخبر المذكور فإن الظاهر من قوله: فإن
غلب الريح الخ أن جميع الماء صار منتنا فح لا يزول نتنه غالبا إلا نزح الجميع وأما مأة
دلو الواقع في خبر منهال المذكور فغير معمول به عند الأصحاب فالعمل ح بالأخبار الدالة
على وجوب النزح إلى أن يطيب الماء أي يرتفع التغير.
إذا عرفت ذلك نقول: يظهر من القسم الأول من الروايات المتقدمة أن الطيب غاية
للنزح لا أنه علة له حتى يقال: إن العلة تعمم وتخصص فحيث إن علة النزح هو حصول
الطيب فبأي نحو حصل وبأي سبب تحقق كفى ولا يلزم أن يكون خصوص النزح فإن كونه
علة خلاف المتبادر من لفظة حتى فإن الظاهر أنها تفيد الغاية وإذا كانت بمعنى الغاية فليس
لها عموم مثل العلة حتى يقال: إنها تعمم وتخصص بل المغيى هو لازم الاتباع فقط ولو فرض
عدم ظهورها في الغاية فليست ظاهرة في العلة أيضا فيحصل الاجمال فيؤخذ بالقدر المتيقن من
محصل الطيب وهو النزح بالمقدار المذكور في الروايات وأيضا النزح بحسب المتفاهم العرفي
ليس سببا لحصول الطيب، لظهور أن حوضا من الماء إذا صار متغيرا فالأخذ من مائه لا يصيره
طاهرا فلا بد من أن يكون الأمر بالنزح في هذه الأخبار لأجل خروج ماء طاهر من المنبع
واختلاطه بالماء المتغير حتى يذهب تغيره ويصيره طاهرا وهذا غير ممكن غالبا في زوال التغير
من قبل نفسه فإن أكثر الآبار ما لم يؤخذ من مائها لا يخرج من منبعها شئ من الماء الطاهر
النظيف إلا شيئا قليلا غير معتد به فح لا يحصل الامتزاج بين هذا الماء النجس المتغير وبين الماء
الطاهر الخارج من المنبع.
نعم إذا فرض أنه كان ماء البئر قليلا جدا وصار متغيرا وصار بحسب بعض العوارض

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 35.
39

أو بحسب اتيان بعض الفصول كثيرا بحيث صار غالبا قاهرا على الماء النجس واختلطا وذهب
التغير نلتزم بكون ذلك مطهرا ولا يجب النزح فالمناط هو ارتفاع التغير وحصول المزج مع الماء
الطاهر فاعتبار النزح في هذه الروايات باعتبار أنه لا يحصل الامتزاج بالماء الطاهر غالبا إلا به
نعم لو قلنا بكفاية مطلق الاتصال بالماء العاصم ولو لم يحصل الامتزاج أمكن القول بكفاية
مطلق زوال التغير من أي سبب حصل مع خروج شئ من الماء العاصم من المادة
البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث
هل الماء المستعمل في رفع الخبث طاهر مطلقا أو نجس مطلقا أو فيه تفصيل بين الغسلة
المزيلة للعين أو الغسلة الأولى في البول وغيرها.
نسب القول الأول إلى السيد المرتضى وابن أبي عقيل لكن الثاني أعني ابن أبي عقيل
قائل بعدم انفعال الماء مطلقا سواءا كان واردا أو مورودا عليه والسيد رحمه الله قائل بعدم
انفعال القليل إذا كان واردا على النجس لا خصوص الغسالة وعلله بأن الماء القليل الوارد
إذا تنجس بوروده على النجس لزم أن لا يكون مطهرا من الخبث أصلا لأنه ماء قليل لاقى نجسا
فيعلم منه عدم انفعال الماء الوارد على النجس فظهر عدم صحة عدمها من القائلين بطهارة
الغسالة فإن ابن أبي عقيل قائل بعدم انفعال الماء مطلقا والسيد قائل بعدم انفعال
الماء الوارد وأين قولهما من طهارة ماء الغسالة نعم لازم قول السيد بعدم نجاسة الماء الوارد عدم
نجاسة الغسالة وهو غير القول بطهارة الغسالة.
واستدل للقول بنجاسة الغسالة بأمور الأول وهو أقواها أدلة انفعال الماء القليل فإنها
باطلاقها أو عمومها شاملة لماء الغسالة لأنه ماء قليل لاقى النجس نعم لا بد من رفع اليد عن
الاطلاق أو العموم بالنسبة إلى حين الملاقاة قبل الانفعال لتحقق الاجماع على كون القليل
مطهرا من الخبث ويلزم أن يكون طاهرا إلى زوال الخبث بناء على دعوى الاجماع على أن الماء
النجس لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا إلا أن يدعى أن مورد الاجماع أو القدر المتقين منه ما يكون
طاهرا قبل ملاقاة المتنجس أي يشترط أن يكون قبل الملاقاة طاهرا وأما اعتبار طهارته حتى
حين الملاقاة فلا اجماع عليه ولا هو مخالف للعقل فإنه يمكن أن يكون هذا الماء الذي ينجس
بالملاقاة بعد ما كان طاهرا قبل الملاقاة مطهرا للخبث قبل الانفعال بأن ينتقل الخبث من
40

المحل إلى هذا الماء ويصير الماء حاملا للخبث بعدما كان المحل حاملا له والعرف يساعد على
ذلك أيضا.
الثاني من الأدلة ما رواه الشيخ في الخلاف عن العيص بن القاسم قال: سألته عن
رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء فقال (ع): إن كان الوضوء من بول أو قذر فليغسل وإن
كان وضوئه للصلاة فلا يضره (1) والظاهر أن هذه الرواية نقلها الشيخ (قده) عن كتاب العيص
وطريقه إلى ذلك الكتاب حسن فلا تكون مرسلة واضمارها غير ضائر بعد الاطمينان بأن
المسؤول منه هو الإمام عليه السلام والمراد بالوضوء الغسالة وما روى عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن
يتوضأ منه وأشباهه وأما الماء الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف
فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به (2) الأمر الثالث من الأمور التي استدل بها على نجاسة
الغسالة دعوى الاجماع على النجاسة كما عن المنتهى والتحرير المعتضدة بالشهرة العظيمة.
وحيث إنا قائلون بالتفصيل بين الغسلة المزيلة للعين وغيرها والغسلة الأولى والثانية
في البول نذكر أدلة القائلين بالطهارة حتى يتضح الحال فنقول: استدل القائلون بالطهارة بأمور
أحدها أصالة الطهارة وفيه أن الأصل دليل حيث لا دليل هنا موجود كما ذكره
القائل بالنجاسة.
وثانيها ما حكي عن السيد قده بقوله: قال الناصر: لا فرق بين ورود الماء على
النجاسة وورودها عليه ثم قال السيد: وهذه المسألة لا أعرف فيها نصا ولا قولا صريحا
والشافعي يفرق بين ورود الماء عليها وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء
ولا يعتبر ورود الماء على النجاسة إلى أن قال: والذي يقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل
لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه أنا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة
لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر إلا بايراد كر من الماء عليه وذلك يشق انتهى.
وحاصله دعوى الملازمة بين تطير الثوب وطهارة الماء ولكن الملازمة ممنوعة لأن
الاجماع الواقع على اعتبار طهارة الماء الذي يعسل به المتنجس مورده أو القدر المتيقن منه

(1) الخلاف - الطبعة الأولى صفحة 18 - المسألة 135
(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 1.
41

طهارته قبل الملاقاة مع المتنجس وأما طهارته حتى حين الملاقاة فلا اجماع عليه فيمكن أن
يكون اجتماع النجسين أعني نجاسة الثوب ونجاسة الماء سببا لطهارتهما كما احتمل ذلك في
الماء النجس المتمم كرا بنجس آخر نعم هذا المعنى مشكل القبول بالنسبة إلى الغسلة
المزيلة للعين أو الغسلة الأولى في البول ولذا اخترنا القول بالنجاسة فيهما.
والحاصل أن الجمع بين أدلة انفعال الماء القليل وبين أدلة جواز تطهير المتنجس
بالماء القليل إما بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال بأن يقال بأنه قبل الانفصال من محل
المتنجس طاهر وبالانفصال يصير نجسا فالانفصال صار سببا لتنجسه وهو بعيد لأن الانفصال
لا يكون منجسا وإما بأن يقال بطهارة الغسالة حتى بعد الانفصال وهو بالنسبة إلى
غير الغسلة المزيلة وغير الغسلة الأولى في البول لا يبعد الالتزام به وأما بالنسبة إليهما فلا للأخذ
بالقدر المتيقن من المخصص الخارج عن أدلة انفعال الماء القليل.
أو الالتزام بنجاسة الغسالة حين الملاقاة وبعد الانفصال ولكن يطهر المحل به تعبدا
وهو أيضا بعيد ومع ذلك فالأوجه هو الوجه الثاني.
الثالث من أدلة الطهارة أنه يستفاد من تتبع الأخبار وكثير من الاجماعات أن
المنجس لا يطهر والقول بنجاسة الغسالة خروج عن هذه القاعدة الكلية فلا بد من القول
بطهارتها ولا معارض لهذه القاعدة إلا أدلة انفعال الماء القليل وهي غير شاملة لما نحن فيه لوجود
الأدلة الدالة على جواز التطهير بالماء القليل فبضم هذه القاعدة أي أن المنجس لا يطهر إلى
أدلة جواز التطهير بالقليل - لا مساغ لشمول أدلة انفعال القليل لها وعلى فرض الشمول يتعارض
الدليلان ويتساقطان فالمرجع (ح) هو استصحاب الطهارة.
ولكن قد عرفت وجه الجمع بين أدلة الانفعال وأدلة جواز التطهير بالقليل من أنه
لا بد من أن نلتزم بأحد أمور ثلاثة إما بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال وإما بالالتزام
بنجاستها قبل الانفصال وبعده ولكن يطهر المحل بانفصال الغسالة عنه تعبدا وإما بالالتزام
بطهارتها قبل الانفصال وبعده إلا أنا نلتزم بنجاستها قبل زوال العين لملاقاة الماء القليل
للنجاسة.
وهذا الفرض الأوسط لا يلزم منه التطهير بالماء النجس لفرض كون الماء قبل
ملاقاته للنجس كان طاهرا وبالملاقاة انتقلت النجاسة من المحل إلى الماء فلا يلزم من
42

الحكم بنجاسة الغسالة الحكم ببقاء نجاسة المحل وإلا أن لا يكون الماء القليل مطهرا وهو
خلاف الاجماع.
الرابع من أدلة طهارة الغسالة ما ورد من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بتطهير المسجد من بول الأعرابي بصب ذنوب من الماء عليه ومن المعلوم أن النبي صلى الله
عليه وآله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده نجاسة فيلزم أن يكون الماء باقيا على طهارته.
وفيه أولا أنها ضعيفة السند لأن راويها أبو هريرة على ما عن المعتبر وثانيا يمكن أن
يكون الأمر بصب ذنوب من الماء بعد زوال عينه بالشمس أو غيرها والحاصل أنها قضية
في واقعة لا يعلم وجهها والذنوب هو الدلو.
الخامس ما ورد في غسالة الحمام من الحكم بطهارتها مثل مرسلة الواسطي عن أبي
الحسن صلوات الله عليه أنه سئل عن مجمع الماء في الحمام من غسالة الناس قال: لا بأس
به (1) والروايات (2) التي وقع النهي فيها عن الاغتسال بالغسالة محمولة على الكراهة جمعا
بينها وبين هذه الرواية الدالة على الجواز.
ومحصل الكلام منا في الغسالة إنا تلتزم بطهارة الغسالة في الجملة لا مطلقا وهذه الأدلة
الدالة على الطهارة أو المدعى دلالتها لا بد من حملها على ما ذكرناه من أن المراد غير الغسلة
المزيلة للعين أو غير الغسلة الأولى في البول جمعا بينها وبين أدلة انفعال القليل وغيرها من أدلة
القائلين بالنجاسة ثم إنه بناء على نجاسة الغسالة خرج منها ماء الاستنجاء فإنه ليس بحكم
الغسالة اجماعا فإنه إما طاهر كما هو المختار وعليه المشهور أو نجس ولكنه معفو عنه في الصلاة
وغيرها والدليل على ذلك أخبار مستفيضة.
منها رواية محمد بن النعمان الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج من
الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في الماء الذي استنجيت به فقال: لا بأس به (3).
ومنها روايته الأخرى قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: سل عما
شئت فارتجت علي المسائل فقال: سل مالك فقلت: جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 9
(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث
(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15 - 16.
43

ثوبه في الماء الذي يستنجي به فقال: لا بأس فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به قلت:
لا والله جعلت فداك قال: إن الماء أكثر من القذر (1) ويظهر من التعليل الذي يعمم ويخصص
أن علة عدم انفعال ماء الاستنجاء هو أكثرية الماء بالنسبة إلى القذر والمراد بالأكثرية ليس
الأكثرية بحسب الوزن أو المساحة كما توهم وإلا يلزم عدم انفعال القليل إذا كان أكثر من
القذر ولو كان القذر كثيرا بل ولو كان واردا على الماء وهذا مما لا يلزم به أحد بل الأكثرية
هنا كناية عن غالبية الماء وقاهريته على النجاسة بحيث تصير مغلوبة للماء ومضمحلة فيه
وعموم العلة يقتضي عدم انفعال مطلق الغسالة وهذا أيضا يؤيد ما ذكرناه في الغسالة من
طهارتها في غير الغسلة المزيلة وغير الغسلة الأولى في البول.
إلا أن يخدش في استفادة العلية من هذه الرواية بأن يقال: أن التعبير (لم صار لا بأس
به) لا يبعد ظهوره في الحكمة وإذا استظهر منه أن الحكمة في عدم انفعال ماء الاستنجاء أكثرية
الماء بالنسبة إلى القذر لا يمكن تعدي الحكم عن مورده لأن الحكمة منحصرة في موردها
لا تتعداه ولا أقل من الاحتمال فلا يمكن الاستدلال بعموم العلة مع احتمال كونها حكمة.
ومنها رواية الكاهلي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: أمر في
الطريق فيسيل علي الميزاب في أوقات أعلم أن الناس يتوضأون قال: ليس به بأس لا تسأل
عنه (2) والمراد بالوضوء الاستنجاء ولكن هذه الرواية لا دلالة لها على طهارة ماء الاستنجاء
لأن الظاهر من قوله (عليه السلام): لا تسأل عنه أن السائل كان شاكا في أن الماء السائل من الميزاب
هل هو ماء الاستنجاء أو غيره ولكن يعلم أن هذه الأوقات أوقات استنجاء الناس فلا تدل
على طهارة ماء الاستنجاء
ومنها رواية الأحول عنه عليه السلام قال: قلت له: استنجي ثم يقع ثوبي
فيه وأنا جنب فقال: لا بأس به (3) والظاهر أن قوله: وأنا جنب يكون المراد منه أن
المحل يكون ملوثا بالمني ثم أستنجي وأغسل المني فيقع ثوبي في هذا الماء الذي استتنجيت به
وغسلت موضع المني به فقال: لا بأس به.

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15 - 16
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3
(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 17.
44

فعلى هذا المعنى الذي تكون الرواية ظاهرة فيه تدل الرواية على طهارة الغسالة حتى
الغسلة المزيلة للعين من غير الاستنجاء
ومنها رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه
قال: لا (1) والظاهر من هذه الأخبار خصوصا الأخيرة منها أن ماء الاستنجاء طاهر لا أنه
نجس معفو عنه كما توهم وهل يعم الحكم بطهارة ماء الاستنجاء ماء الاستنجاء من البول
أيضا أو يختص بماء الاستنجاء من الغائط فقط - ربما يقال: إن الاستنجاء مأخوذ من النجو
وهو بمعنى الغائط فلا يقال لغسالة البول: ماء الاستنجاء ولكن الظاهر أن الاستنجاء بحسب
فهم العرف يطلق على الاستنجاء من البول أيضا.
مع أن خروج الغائط ملازم غالبا لخروج البول فالاستنجاء من الغائط استنجاء من
البول أيضا ولم ينبه الإمام عليه السلام السائل بأن هذا الحكم مختص بالاستنجاء من الغائط
فترك التفصيل دليل على العموم ولا يمكن حمل كلامه (ع) على صورة عدم خروج البول منه
فإنه حمل على الفرد النادر.
ثم إن الفقهاء اشترطوا لطهارة ماء الاستنجاء أمورا الأول عدم
تغير الماء بالقذر ففي صورة التغير ينجس لتقدم أدلة انفعال الماء بالتغير بأحد أوصافه على
اطلاق هذه الروايات وإن كانت نسبة هذه الروايات إلى أدلة الانفعال بالتغير عموما من
وجه لافتراق هذه الروايات عن أدلة الانفعال في ماء الاستنجاء غير المتغير وافتراق أدلة
الانفعال عن هذه الروايات في الماء المتغير بغير الاستنجاء واجتماعهما في الماء المتغير
بالاستنجاء إلا أن أدلة الانفعال بالتغير أقوى لدلالتها على انفعال الكر والجاري بالتغير
فالقليل أولى فتقدم على اطلاقات أدلة ماء الاستنجاء.
الثاني عدم وصول نجاسة خارجية إلى المحل فإنه أيضا ليس بطاهر لدلالة أدلة
انفعال مطلق الماء القليل بملاقاة النجس وهذا الماء المستنجى به ليس أقوى اعتصاما من
مطلق الماء القليل.
الثالث عدم التعدي من المخرج والمراد منه إن كان التعدي إلى شئ آخر بأن

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 18.
45

يتعدى الغائط مثلا من المخرج إلى ملابسه أو رجله فلا اشكال في اشتراط هذا الشرط وإن كان
المراد التعدي إلى أطراف المخرج فلا دليل على اشتراطه بل الاطلاق يدفعه فإن الأمزجة
بحسب اليبوسة واللينة مختلفة ولم يفصل الإمام عليه السلام بينهما مع وجود هذا الاختلاف بين
الأمزجة فعدم التفصيل دليل على العموم اللهم إلا أن يكون المراد التعدي إلى أطراف المحل
خارجا عن المتعارف
الرابع أن لا تخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى كالدم والمني والتحقيق أن
يقال: أنه إذا كان بوله أو غائطه دما بحيث يقال: إنه بال دما أو تغوط دما يجري على الماء
الذي استنجى به حكم ماء الاستنجاء وإن لم يكن كذلك بأن كان الدم في ضمن بوله
أو غائطه فلا يبعد أن يقال بأنه لا مانع من طهارة الماء (ح) أيضا للاطلاق الذي أشرنا إليه
آنفا فإن وجود الدم مع البول أو الغائط ليس نادرا حتى يقال: إن الأدلة منصرفة عن الفرد
النادر وأما المني فقد مر الكلام فيه في ضمن رواية الأحول
الخامس عدم وجود أجزاء الغائط في الماء ويدل على اعتبار هذا الشرط قوله
عليه السلام في رواية الأحول المتقدمة: لأن الماء أكثر من القذر (1) وأن المراد من هذه الرواية
غالبية الماء وقاهريته ومغلوبية النجاسة بحيث تصير مضمحلة عرفا غير مبين أجزائها في الماء.
فصل
الماء المستعمل في الوضوء طاهر ومطهر من الحدث والخبث وليس فيه خلاف
من العامة والخاصة إلا أبا حنيفة فإنه قال بنجاسته نجاسة مغلظة بحيث لا تصح الصلاة معه
وإلا تلميذه أبا يوسف فإنه قال بنجاسته نجاسة مخففة ولكن اطلاقات طهارة الماء وطهوريته
حجة عليهما.
وأما الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر فيرفع الخبث لأنه ماء طاهر تشمله
اطلاقات أدلة إزالة النجاسة بالماء القليل وهو اجماعي على الظاهر وهل يرفع
الحدث فيه خلاف فأكثر القدماء على المنع وظاهر كثير من المتأخرين على الجواز واستدل
المانع برواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء
المستعمل وقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 16.
46

يتوضأ منه وأشباهه (1).
فإن الظاهر منها أن الماء الذي يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يرفع به الحدث ثانيا بل
هي صريحة في ذلك ولكن أورد على الاستدلال بالرواية أمران الأول من حيث السند فإن في
السند أحمد بن هلال الذي ورد فيه عن العسكري صلوات الله عليه احذروا الصوفي المتصنع
أحمد بن هلال، ورمي بالغلو والنصب أيضا وعن العلامة في الخلاصة أن روايته غير مقبولة وعن
الشيخ في الفهرست أنه كان غاليا متهما في دينه.
ولكن يمكن الجواب عن ذلك بأنه قال النجاشي في حقه: أنه صالح الرواية يعرف
منها وينكر وقد روى في ذموم من سيدنا أبي محمد العسكري (ع) انتهى. فجعله صالح الرواية
وإن كان ذكر بعده: يعرف منها وينكر فلا يجوز رد جميع رواياته ويمكن أن يكون نقله لهذه
الرواية كان في حال استقامته كما هو الظاهر لأنه رمي بالوقف فهو في زمان الصادق
عليه السلام كان مستقيما ثم انحرف بعد الكاظم عليه السلام وصار واقفيا أو غيره.
ونقل عن ابن الغضائري أنه توقف في حديثه إلا فيما يرويه عنه الحسن بن محبوب من
كتاب المشيخة وعن محمد بن أبي عمير من كتاب نوادره وهذه الرواية قد رواها عنه الحسن
ابن محبوب والشيخ مع أنه حكم في الفهرست بأنه كان غاليا متهما في دينه حكم في الخلاف
بما عليه المشهور من القدماء من عدم جواز رفع الحدث بماء الغسل واستند بهذه الرواية فيظهر
منه أن الرواية كانت معتبرة عنده فلا اشكال (ح) في الرواية من حيث السند.
الأمر الثاني في الرواية الاستشكال من حيث الدلالة فقال الفاضل الهمداني قده
في طهارته: إن عدم جواز الاغتسال بالمستعمل في رفع الجنابة الذي دلت الرواية عليه إنما هو
لغلبة اشتمال بدن الجنب على قذر الجنابة لا من حيث رفع حدث الجنابة، ولكن الظاهر أن
الأمر ليس على ما ذكره قده لأن قوله: الماء الذي يغسل به الثوب الخ نعلم منه علما قطعيا أنه
ليس لخصوص الثوب مدخلية في عدم جواز التوضؤ بغسالته بل ذكر الثوب من باب المثال
فيشمل غسالة كل شئ متنجس من الجسد وغيره.
فذكر قذر الجنابة ثانيا على ما توهمه (قده) بعد ذكر الثوب الشامل لقذر الجنابة

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث 13.
47

بالفرض تكرار فكان ينبغي للإمام أن يذكر بعد الثوب البدن ونحوه بدل ذكر قذر الجنابة
الموجب لتوهم خلاف المقصود.
مع أن التعبير بالاغتسال دون الغسل يوجب ظهور الجملة في الاغتسال لرفع الحدث
لا غسل الخبث وإلا كان عليه أن يقول: أو يغسل به الرجل من الجنابة وقيل في عدم دلالة
الرواية على ذلك: إن غسل الثوب لا يلازم نجاسة الثوب فيمكن أن يكون لإزالة الوسخ عنه
فح يحمل النهي أو النفي في قوله: لا يجوز أن يتوضأ به وأشباهه على الكراهة أي كراهة التوضؤ
بالماء المستعمل في إزالة الوسخ والمستعمل في رفع الجنابة.
وفيه أنه خلاف الاجماع للاجماع على عدم كراهة التوضؤ بالماء المستعمل في إزالة
الوسخ وخلاف ما دل عليه صدر الرواية من قوله: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل الشامل
باطلاقه للمستعمل في إزالة الوسخ.
فح تتضمن الرواية للتناقض مضافا إلى أنه وإن كان غسل الثوب أعم من غسله
للنجاسة إلا أن الغالب غسله من النجاسة فينصرف الاطلاق إلى الفرد الغالب مع أن حمل
كلمة لا يجوز على الكراهة خلاف المتبادر منها
ومما استدل على عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الحدث الأكبر في رفع الحدث
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن ماء الحمام فقال: ادخله
بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيه جنب أم
لا (1) فإن الظاهر من قوله إلا أن يكون فيه جنب أنه لا يجوز الاغتسال (ح) فتدل على عدم
جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة والجواب أن صدر الرواية من قوله ادخله
بإزار أنه في مقام بيان آداب الحمام وقوله: ولا تغتسل من ماء آخر ليس لبيان عدم جواز
الاغتسال بماء آخر قطعا للاجماع على جواز الاغتسال بماء آخر مع وجود ماء الحمام.
فالنهي إنما هو لدفع توهم الخطر من الاغتسال بماء الحمام كما يظهر هذا التوهم من
كلام السائل حيث قال: سألته عن ماء الحمام أو لأولوية الاغتسال بماء الحمام مع وجود ماء
آخر وقوله: إلا أن يكون فيه جنب معارض للأخبار الكثيرة (2) الدالة على جواز الاغتسال بماء

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 9
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4 و 5 و 6 والباب 15 من أبواب المياه الحديث 1.
48

الحمام الذي اغتسل منه الجنب وسيجيئ بعضها ولعل المراد من ذلك أنه لا بأس بالاغتسال
بماء آخر ولا رجحان للاغتسال بماء الحمام حينئذ أو يكون الأمر المستفاد من قوله: إلا أن
يكون فيه جنب أمر بالاحتياط الاستحبابي ويؤيده وكذا يؤيد ما قبله أنه قال (ع) بعد ذلك
: أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا فإن احتمال وجود الجنب غير ضائر قطعا.
وإن قلنا بعدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر مع أن قوله (ع)
إلا أن يكون فيه جنب غير صريح في الماء الذي اغتسل فيه الجنب إذ يشمل ما كان فيه جنب
ولكن لم يغتسل منه فالنهي لعله لقذارة المني المتلطخ بدنه به.
ومما استدل به على المنع أيضا صحيحة ابن مسكان قال: حدثني صاحب لي ثقة
أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل
وليس معه إناء والماء في وهدة فإن هو اغتسل به رجع غسله في الماء كيف يصنع قال: ينضح
بكف من يديه وكفا من خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله ثم يغتسل (1) فإن قول
السائل: فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء يظهر منه أن ممنوعية الاغتسال بالماء المستعمل في رفع
الحدث الأكبر كان مرتكزا في نفسه وقد قرره الإمام عليه السلام وأمره بصب كف من الماء
من كل جانب ليمنع من رجوع الماء إلى الوهدة التي معناها المكان المنخفض من الأرض، وفيه
أن الرواية لا تدل على أن المحذور الذي تخيله السائل إنما هو الاغتسال بالماء المستعمل في رفع
الجنابة فيمكن أن يكون المحذور هو نجاسة بدن الجنب كما هو الغالب أو إضافة الماء أي
صيرورته مضافا برجوع ماء الغسل في الوهدة واختلاطه بالتراب أو غير ذلك فليس فيها تصريح
أو ظهور في أن المحذور الذي تخيله السائل ولم يردعه الإمام (ع) هو الاغتسال بالماء المستعمل
في رفع الجنابة.
ثم إن صب كف من الماء من كل جانب كيف يصير سببا لعدم رجوع الماء
في الوهدة مع أنه في بعض الأراضي كالأراضي الصلبة يكون بالعكس أي صب الماء يصير
سببا لسرعة رجوع الماء إلى الأراضي المنخفضة فإذا كان مراده (ع) عدم رجوع الماء إلى الوهدة
كان اللازم عليه أن يقول: إنه يجمع التراب حول الوهدة حتى لا يرجع الماء إليها

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب الغسل الحديث 3.
49

أو نحو هذا الكلام فالأنسب أن يحمل صب كف من كل جانب على الاستحباب، كما
ورد الأمر به في بعض الأخبار المحمول على الاستحباب مثل رواية الكاهلي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا أتيت ماء فيه قلة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضأ (1).
فإن من المعلوم أن الأمر هنا ليس للوجوب لأنه لم يقل به أحد والحاصل أنه لم يعلم
وجه الأمر بالنضح في كل جانب وهذا الأمر ورد في كثير من الرويات كما يجيئ أيضا في
الروايات الآتية.
ومما استدل على المنع صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن
الماء الذي تبول فيه الدواب. وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء
قدر كر لا ينجسه شئ (2).
ولكن الانصاف أن هذه الرواية لا دلالة لها على المنع أصلا فإن الظاهر منها أن السائل
سأل من جهة النجاسة لا من جهة استعماله في رفع الحدث الأكبر لأنه قرن باغتسال الجنب
في الماء بعض الأشياء المنجسة للماء والجواب أيضا كاد أن يكون صريحا في ذلك ومما استدل
به على المنع الروايات الناهية عن الاغتسال بغسالة ماء الحمام معللا في بعضها (3) بأنه يسيل
فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وفي بعضها (4) بأنها مجمع
غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت فيظهر من التعليل الأول أن
إحدى علل النهي عن الاغتسال بغسالة ماء الحمام هو اغتسال الجنب من مائه.
ولكن لا يخفى على الناظر في تلك الأخبار أن المستفاد من مجموعها أحد أمرين.
الأول أن النهي فيها للكراهة لأنه يغتسل فيها جميع الناس من أي أنواع كانوا من
اليهودي والنصراني والمجوسي والجنب وولد الزنا والزاني والناصب فالماء الذي هذا شأنه
لا ينبغي الاغتسال به لأنه مورث لأنواع الأمراض ويدل على أن النهي فيها للكراهة أن
الإمام (ع) بين في بعض تلك الأخبار حكمة النهي عن الاغتسال التي يستفاد منها الكراهة مثل
رواية علي بن جعفر عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي

(1) لم أظفر بهذه الرواية في مضانها ولم أتذكر من أين نقلنها
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 2
(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11 - 12.
(4) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11 - 12.
50

قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أهل
المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني
والناصب الذي هو شرهما وكل من خلق الله ثم يكون فيه شفاء من العين (1).
الثاني إن النهي في هذه الأخبار لأجل نجاسة الغسالة باغتسال هؤلاء الأنجاس فيه
ولكن الظاهر هو الوجه الأول كما يظهر من الرواية الأخيرة فإنه (ع) بين وجه الحكمة
في مرجوحية الغسل بمثل هذا الماء بإصابة الجذام فيستفاد منها الكراهة فلم يبق من الأخبار
ما يدل على المنع إلا رواية عبد الله بن سنان ولكنها معارضة ببعض الأخبار
مثل رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الحمام يغتسل
فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه
وجئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب (2) فتدل صريحا
على جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل منه الجنب لكن السائل إما أراد بقوله: الحمام يغتسل
فيه الاغتسال من الحوض الكبير البالغ أضعاف الكر وهو بعيد لعدم تداول ذلك في تك الأزمنة
والأمكنة وأما أراد الاغتسال من الحياض الصغيرة بأخذ الماء منها وصبه على جسده ولكن
حيث أن الماء الذي اغتسل به ينزو من الأرض ويترشح فيصيب الماء الذي في الحياض
فيصير مستعملا في رفع الحدث الأكبر.
فإن كان مراد السائل هو الفرض الأول أي الاغتسال من الحوض الكبير فلا دلالة
للرواية على ما نحن فيه لأن كلامنا في الماء القليل وإن كان المراد هو الفرض الثاني أعني
الاغتسال من الحياض الصغار كما هو الظاهر فمن المعلوم أن ورودها لم يكن متعارفا بل
غير ممكن فكان الاغتسال بأخذ الماء منها وصبه على الجسد ونزو الماء وإصابة القطرات من
جسد الجنب للحياض الصغار غير ضمائر وإن كان الماء قليلا كما يدل عليه بعض الأخبار (1) فضلا
عن كون الماء ذا مادة كما في الحياض الصغار فهذه الرواية أعني رواية محمد بن مسلم لا تدل على
جواز استعمال الماء المستعمل في غسل الجنابة في رفع الحدث وتعارض أيضا رواية عبد الله بن

(1) وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 2
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 5.
51

سنان رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام وقال: سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقيه
أو مستنقع ما يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة
ولا مدا للوضوء وهو متفرق فكيف يصنع وهو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه.
فقال: إن كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه وكفا
أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم
مسح جلده بيده فإن ذلك يجزيه وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه
ورجليه وإن كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه وإلا اغتسل من هذا ومن هذا وإن كان في مكان
واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فإن ذلك يجزيه (1) فإن قوله
فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه كالصريح في جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل به ولكن
الرواية محمولة على الضرورة كما هي ظاهرة فيها فإن قوله وإن كان في مكان واحد وهو قليل
لا يكفيه لغسله الخ كالصريح في أن موردها في جواز الاغتسال بالماء الذي رجع من الغسل
وهو صورة عدم كفاية الماء ولكن يمكن أن يقال: إنه لا ضرورة هنا أي في صورة عدم كفاية
الماء لغسله لامكان الادهان بهذا الماء الذي لا يكفيه للغسل على النحو المتعارف فإن هذا المقام
مقام الادهان فالادهان يرفع الضرورة إلى استعمال الماء المستعمل فتجويز استعمال
هذا الماء المستعمل مع امكان الادهان يستلزم تجويزه مطلقا.
مع أنه قيل بعدم القول بالفصل بين الضرورة وغيرها فح أي حين تعارض رواية
عبد الله بن سنان مع هذه الرواية لا بد من حمل أحدهما على الأخرى فنقول: إنه يمكن حمل
رواية عبد الله بن سنان على الكراهة أي كراهة التوضؤ بالماء المستعمل في رفع الجنابة بل
كراهة رفع الحدث مطلقا بالماء المذكور بقرينة هذه الرواية الصحيحة الدالة على الجواز
صريحا.
إلى هنا انتهت المباحث المتعلقة بأقسام المياه وأحكام المياه المستعملة في رفع الحدث
والخبث وبقي من أقسام المياه التي لم نتعرض لأحكامها الماء الجاري وماء الحمام والماء
المضاف.

(1) جامع الأحاديث باب جملة من آداب الحمام.
52

(الماء الجاري)
أما الماء الجاري فمجمل الكلام فيه أنه رافع للحدث والخبث ولا ينفعل بملاقاة
النجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة ومستند هذه الأحكام بعض الأدلة المتقدمة في أقسام
المياه من العمومات والاطلاقات والروايات الآتية في ماء الحمام.
وأما ماء الحمام فملخص الكلام فيه أنه إذا كان قليلا وليس له مادة فحكمه حكم
الماء القليل.
وأما إذا كانت له مادة فحكمه حكم الجاري لا ينفعل بملاقاته للنجس إلا إذا تغير
أحد أوصافه الثلاثة ويرتفع به الحدث والخبث والدليل على ذلك كله العمومات والاطلاقات
المتقدمة وخصوص بعض الروايات الدالة على عدم انفعاله وأنه كماء النهر أو بمنزلة الماء
الجاري.
كرواية داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في ماء الحمام
فقال: هو بمنزلة الماء الجاري (1) ورواية إسماعيل بن جابر عن أبي الحسن عليه السلام قال:
ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شئ (2) ورواية حنان قال: سمعت رجلا يقول
لأبي عبد الله عليه السلام: إني أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم فأغتسل
فينتضح على بعد ما أفرغ من مائهم قال: أليس هو جار قلت: بلى قال: لا بأس (3).
ورواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر عليه السلام قال: ماء الحمام لا بأس به
إذا كانت له مادة (4) ورواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: إن
ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا (5).
وأما الماء المضاف فلا يرفع الحدث والخبث وينجس بملاقاته للنجس ولو كان
كرا بل أكرارا والدليل على ذلك هو الروايات الدالة على ذلك فمنها رواية زكريا بن آدم قال:

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1 - 2 - 6 - 7
(5) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11.
53

سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه مرق ولحم
كثير فقال (ع): يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله الحديث (1).
ومنها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام
قد سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة قال: يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل (2) ولكن
الروايتين لا تدلان على انفعال المضاف من حيث إنه مضاف بل يمكن أن يكون انفعال
المرق بوقوع الخمر أو النبيذ أو الفأرة فيه لأجل أنه ماء قليل أصابته النجاسة لا من جهة أنه ماء
مضاف إلا أن يقال إن عدم تحمل المضاف للنجاسة وتنجسه بملاقات النجس له مما قام عليه
الاجماع فلا بد من حمل الروايتين عليه.
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون
معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة قال: لا إنما هو الماء والصعيد (3) وأما ما روي عن يونس عن أبي
الحسن عليه السلام قال: قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال: لا بأس
بذلك فهو شاذ غير معمول به فيمكن حمله على التقية هذا تمام الكلام في أقسام المياه وأحكامها
والحمد لله.
المبحث الثاني في الأسئار
وهي جمع السؤر وهو بقية الماء الذي يبقيه الشارب في الإناء أو في الحوض كما
في مجمع البحرين ثم قال: ثم استعير لبقية الطعام قاله في المغرب وعن الأزهري اتفق أهل
اللغة أن سائر الشئ باقيه قليلا كان أو كثيرا وفي ية - سائر مهموز ومعناه الباقي لأنه اسم
فاعل من السؤر وهو ما يبقى من الشراب وهذا مما يغلط فيه الناس فيضعونه موضع الجميع
وقد يقال في تعريفه: السؤر ما باشره جسم حيوان وبمعناه رواية ولعله اصطلاح وعليه حملت
الأسئار كسؤر اليهودي والنصراني وغيرهما انتهى كلام صاحب المجمع وحاصله أن الأصل
في معنى السؤر هو بقية الشراب ثم استعمل لبقية الطعام ثم استعمل في كل ما باشره جسم

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 2
(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 5.
54

حيوان أعم من أن يكون بالشرب أو الأكل أو غيرهما.
وهذا المبحث وإن كان داخلا في سائر أبحاث الطهارة من انفعال القليل وعدم انفعال
الكثير وتنجس المضاف بملاقات النجس وتنجس كل شئ بملاقاته لشئ نجس مع رطوبة
مسرية وغير ذلك من أبحاث الطهارة إلا أنه حيث وردت أخبار كثيرة في خصوص الأسئار أفرد
الفقهاء لها مبحثا على حدة بل العامة أيضا أفردوا لها بابا على حدة لورود الروايات من طرقهم
أيضا.
وقد اختلفت أقوال العامة والخاصة في الأسئار واختلاف العامة أكثر.
فمنهم من ذهب إلى أن الأسئار كلها نجسة ومنهم إلى أن الأسئار كلها طاهرة
عدا سؤر الكلب والخنزير ومنهم من فصل بين مأكول اللحم وغيره فقال بطهارتها في الأول
دون الثاني وبعضهم قال بالنجاسة إلا أنه جوز التوضؤ بها إلى غير ذلك من أقوالهم ومنشأ
اختلافهم هو اختلاف ما أدى إليه نظرهم من الاجتهاد والأقيسة وأما أصحابنا رضوان الله
عليهم فالمشهور بينهم أن سؤر جميع الحيوانات طاهر عدا نجس العين كالكلب والخنزير والكافر
وقال بعضهم كالشيخ والحلي في السرائر بأن سؤر مأكول اللحم طاهر.
وأما سؤر غيره فنجس واستثنى الطيور مطلقا وما يعسر الاجتناب عنه كالسنور والفأر.
وقال قوم بكراهة سؤر ما كره أكله كالبغال والحمير واستدل من فصل بين
سؤر مأكول اللحم وغيره بمفهوم رواية عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سئل عما تشرب منه الحمامة فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب وعن ماء
شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى
في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب (1) فإن المفهوم من قوله: كلما
أكل لحمه الخ أن كلما لم يؤكل لحمه فلا تتوضأ من سؤره ولا تشرب والمستفاد من النهي عن
الوضوء والشرب هو النجاسة لأن النهي في أمثال هذه الموارد كناية عن النجاسة كما لا يخفى
على من لاحظ نظائرها في الأخبار.
ولكن لا يخفى أن مفهوم الوصف ليس بحجة خصوصا في مثل المقام مما وقع جوابا

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 10.
55

للسائل فإن السائل كان مورد سؤاله بعض أفراد المأكول فأجابه الإمام عليه السلام على النحو
الكلي في أفراد المأكول فجوابه (ع) يلزم مطابقته لمورد السؤال الذي هو المأكول فليس
لنحو هذا الوصف مفهوم فإن أشبه شئ بمفهوم اللقب فكأن هذا الوصف أخذ موضوعا
للحكم.
وعلى فرض وجود المفهوم له فمفهومه السالبة الجزئية لا السالبة الكلية كما ذكرنا ذلك
في قوله (ع): إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ بأن مفهومه إذا لم يكن قدر كر ينجسه شئ من
الأشياء على نحو الاهمال لا أن مفهومه ينجسه كل شئ فكذا ههنا فإنه على فرض تحقق المفهوم
فمفهومه أن ما لا يؤكل لحمه ليس حكمه كذلك أي ليس جميع أقسامه مثل مأكول اللحم فيمكن
أن يكون ما منع من التوضؤ بسؤره هو الكلب والخنزير دون سائر الحيوانات غير مأكولة اللحم
وعلى تقدير تسليم ثبوت الكلية للمفهوم يعارض هذا المفهوم ما هو أقوى سندا ودلالة وهو ما روي
بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سئل عن فضل الهرة والشاة والبقر والإبل
والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم يترك السائل شيئا إلا سأله عنه فقال لا بأس
به، حتى انتهى السائل إلى الكلب فقال (ع): رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء
واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (1).
وكذا رواية معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن
سؤر السنور والشاة والبقر والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضأ منه
قال: نعم اشرب منه وتوضأ منه قال: قلت له: الكلب قال: لا قلت: أليس هو سبع قال:
لا والله إنه نجس (2) فإنه يفهم من السؤال والجواب أمران الأول أن سور السبع طاهر وأنه كان
مرتكزا في ذهنه وأنه إذا كان الكلب سبعا فلم لا يجوز الشرب والتوضؤ من سؤره ولم يردعه
الإمام (ع) عما كان في ذهنه بل أجاب (ع) بأنه ليس بسبع بل الظاهر من الجواب أيضا أنه
إذا كان سبعا كان سؤره طاهرا.
الثاني أن علة عدم جواز شرب سؤره والتوضؤ به هو نجاسة الكلب فغير المأكول الطاهر
لا بد أن يكون سؤره طاهرا نعم يستفاد من بعض الأخبار كراهة سؤر غير مأكول اللحم كمرسلة

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3 - 2.
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3 - 2.
56

الوشاء عنه عليه السلام أنه كان يكره سؤر كل شئ لا يأكل لحمه (1).
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها كافية في كونها مستندة للكراهة للتسامح
في أدلة السنن والمكروهات مع أنه يعضدها مفهوم الرواية المتقدمة التي نفى البأس فيها بالنسبة
إلى المأكول وألحق المشهور بمكروه اللحم الجلال وهو المتغذى بعذرة الانسان إلى حد يحرم
لحمد وكذا آكل الجيف بل نقل
عن السيد والشيخ وابن الجنيد بنجاسة سؤر الجلال ولم يعلم وجهه إلا أن يقال
بنجاسة موضع الملاقاة في الجلال إما لنجاسة لعابه أو لعدم انفكاك موضع الملاقاة عن التلطخ
بالنجس غالبا أو لنجاسة عرقه كما هو المشهور أو لنجاسة نفس الجلال كما عن بعض.
لكن لا يخفى ما في الكل أما الأول فهو منتقض ببصاق شارب الخمر فإنه طاهر وأما
الثاني فهو مخالف لمفروض المشهور لأنهم قيدوا كراهة سؤر الجلال بخلو موضع الملاقاة عن
النجاسة فح يصير هذا القول مخالفا للمشهور وكذا بناء على نجاسة عرقه فإن التلطخ بالعرق
أيضا مخالف لمفروض المشهور المقيدين له بخلو موضع الملاقاة عن النجاسة.
وأما نجاسة الجلال فهي خلاف ما عليه السيد والشيخ وابن الجنيد من الحكم
بطهارته فالقول بنجاسة سؤره ضعيف وأما الكراهة فليس لها مستند أيضا سوى مرسلة الوشا
المتقدمة بناء على تعميم غير مأكول اللحم الذاتي والعرضي وهو مشكل فإن المتبادر من
غير مأكول اللحم هو الذاتي ويمكن أن تستفاد الكراهة من رواية العيص الواردة في سؤر الجنب
والحائض وهي ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
سؤر الحائض قال: لا توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن
تدخلها الإناء (2).
فإنه يستفاد منها خصوصا بناء على اسقاط كلمة لا من قوله: لا توضأ منه كما عن
التهذيب والاستبصار أنها إذا كانت مأمونة فلا بأس بالتوضؤ من سؤرها ومفهومها كراهة
التوضؤ أو حرمته إذا لم تكن مأمونة ولا أقل من الكراهة فيمكن أن يستشعر منها أن العلة
في كراهة التوضؤ أو حرمته في غير المأمونة هي كونها معرضا لتنجس سؤرها إذا لم تكن مأمونة

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الأسئار الحديث 9.
57

لأنها لا تبالي من النجس فتستفاد الكلية من هذه العلة بأن كل مورد يكون معرضا لتوارد
النجس أو ملاقاته يكره مباشرته والتوضؤ منه ويستحب اجتنابه ولكن استفادة العلية منها
مشكلة.
المبحث الثالث في الطهارة المائية
وهي الوضوء والغسل وفي الوضوء والغسل فصلان.
الفصل الأول في الأحداث الموجبة للوضوء والأحداث جمع الحدث وهو بحسب
اللغة مطلق ما يحدث بعد ما لم يكن موجودا وفي عرف الفقهاء الأشياء الستة الناقضة للوضوء
وقد يطلق على نفس هذه الأشياء وقد يطلق على الحالة الحاصلة للانسان بعد صدور هذه
الأشياء منه.
وكيف كان فهل يكون التقابل بين الطهارة والحدث من تقابل العدم والملكة بأن
تكون الطهارة أمرا عدميا ولكن من شأنه الوجود والحدث أمرا وجوديا أو بالعكس أو من
تقابل التضاد بأن كان كلاهما وجوديين وتظهر الثمرة في الموارد النادرة كما في الانسان المخلوق
الساعة الذي لم يتحقق منه حدث فإن قلنا: إن التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة وقلنا
بأن الطهارة أمر عدمي فلا بد لنا من أن نقول: إن الحدث مانع للصلاة لأنه على هذا
لا يمكننا أن نقول: إن الطهارة شرط للصلاة لأنه أمر عدمي فح يصح من هذا الانسان
الاتيان بالصلاة من دون الطهارة لأنه لم يتحقق منه الحدث المانع للصلاة ولكن إذا قلنا بأن
التقابل بينها من تقابل التضاد فلا يكفي عدم صدور الحدث منه بل لا بد له من الطهارة المائية
لأن الطهارة ح شرط للصلاة كما أن الحدث مانع لها.
ويستفاد من الأخبار أن الطهارة أمر وجودي لأنه يظهر من غير واحد منها أنه أطلق
على الأحداث الموجبة للوضوء - الناقض فيعلم أن الطهارة قابلة لنقض شئ لها فلا بد من
كونها أمرا وجوديا حتى يصح نقض شئ لها فإن الأمر العدمي لا ينقض بشئ لأنه عدم
محض.
ويعلم أيضا منها أن الأحداث من الأمور الوجودية فإن الأمر العدمي لا يمكن أن
يكون ناقضا كما لا يخفى فح يكون التقابل بين الطهارة والحدث من تقابل التضاد لا تقابل
العدم والملكة.
58

ثم إن الأحداث الناقضة للوضوء ستة كما عن المشهور بل كاد أن يكون اجماعا
الأول البول الثاني الغائط ويدل على كونهما ناقضين أخبار كثيرة فمنها موثقة أو صحيحة
زرارة قال قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: ما ينقض الوضوء فقالا: ما يخرج من
طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر من الغائط والبول أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل
الحديث (1).
ومنها رواية سالم بن أبي الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس ينقض
الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله بهما عليك (2) ومنها رواية أبي بصير عنه
عليه السلام قال: سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل فقال: ليس في هذا وضوء إنما
الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله تعالى بهما عليك (3) إلى غير ذلك من الأخبار التي
سيأتي بعضها.
هل ينقض الوضوء البول أو الغائط الخارج من المحل غير المعتاد أو يختص الناقض
بخروجه من المحل المعتاد أو يكون غير المعتاد كالمعتاد إذا صار خروج أحدهما منه معتادا فيه
وجوه بل أقوال يمكن أن يقال: إن الأخبار ناظرة إلى بيان ما ينقض الوضوء وليس لها اطلاق
بالنسبة إلى المحل غير المعتاد بل يمكن دعوى انصرافها إلى المحل المعتاد لأجل الغلبة لكون
الموضع المعتاد من الأفراد الغالبة فلا تحمل الأخبار على الأفراد النادرة كالموضع غير المعتاد
مضافا إلى التقييد في بعض الأخبار بما يخرج من طرفيك الأسفلين فإنه ظاهر خصوصا الرواية
الأولى من الروايات الثلاث المتقدمة التي قيد الأسفلان فيها بالذكر والدبر في المحل المعتاد.
اللهم إلا أن يدعى أن التقييد لبيان ما ينقض الوضوء فهو علامة ومعرف للناقض
مثل أن يقال: الذي يرد من هذا الباب هو ابن زيد فإن العرف لا يفهم من هذا القيد أن
وروده من هذا الباب له مدخلية في كونه ابن زيد بل يفهم منه أن الاتيان بهذا القيد لتعريفه
ولكن الظاهر أن هذا المورد أي ما نحن فيه ليس من قبيل المثال المذكور فإن التقييد بما يخرج
من الأسفلين وبيان الأسفلين بأنهما الذكر والدبر مع أن البول والغائط معناهما واضح ليس
إلا للعناية بالخصوص بأن يخرجا من الأسفلين فالخروج من الأسفلين له دخل في ناقضيتهما
للوضوء إلا أن يقال: بأن العامة قد عدوا من النواقض القئ والرعاف والحجامة والفصد و

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14 - 6 - 17.
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14 - 6 - 17.
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14 - 6 - 17.
59

البلغم وغير ذلك من الأشياء الكثيرة.
فهذا التقييد لأجل رد قولهم وأن الناقض هو البول والغائط والريح مما يخرج من
الأسفلين فما يخرج من غير الأسفلين من القئ وغيره لا ينقض الوضوء فهذا الحصر إضافي
بالنسبة إلى أقوال العامة ويؤيده ما روي عن العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا
عليه السلام قال: إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة دون سائر الأشياء لأن
الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فأمروا
بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم الحديث (1) فيظهر من هذا الحديث أن ملاك
الأمر بالطهارة إصابة النجاسة من أنفسهم وهذا المعنى يتحقق بإصابة النجاسة للانسان
من الطريق غير المعتاد.
الثالث من النواقض الريح سواء أكان مع الصوت أم بدونه وتدل على ناقضيتها
أخبار كثيرة منها رواية زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن الناصور أينقض
الوضوء قال: إنما ينقض الوضوء ثلاث: البول والغائط والريح (2) ومنها رواية زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها
أو فسوة تجد ريحها (3).
ومنها رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الشيطان ينفخ
في دبر الانسان حتى يخيل إليه أنه قد خرج منه ريح فلا ينقض الوضوء إلا ريح تسمعها
أو تجد ريحها (4) والظاهر أن مناط كونها ناقضة هو نفس خروجها سواء سمع صوتها أو وجد ريحها
أولا.
والتنبيه في بعض هذه الأخبار بسماع صوتها أو وجدان ريحها إنما هو لأجل العلم
بخروجها لا إن لكل واحد من سماع صوتها أو وجدان ريحها دخلا في الناقضية فكل واحد
منهما علامة لخروجها كما يظهر من بعض الأخبار مثل رواية معاوية بن عمار المتقدمة ومثل
رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه قال للصادق عليه السلام: أجد الريح في بطني حتى أظن
أنها قد خرجت فقال: ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح ثم قال (ع): إن

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب ما ينقض الوضوء الحديث 17
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2 - 1 - 19.
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2 - 1 - 19.
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2 - 1 - 19.
60

إبليس يجلس بين أليتي الرجل فيحدث ليشككه (1) فإن الظاهر من هذين الخبرين أن سماع
الصوت أو وجدان الريح علامة موجبة لحصول العلم بخروجها.
ويدل على كون مطلق خروج الريح ناقضا سواء سمع صوتها أو وجد ريحها أم
لا رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى صلوات الله عليه قال: وسألته عن
رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها قال (ع):
يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا (2)
الرابع من النواقض النوم لا مطلقه بل ما يكون غالبا على السمع والبصر ومستند ذلك
روايات متضافرة.
منها رواية سعد عن الصادق عليه السلام قال: أذنان وعينان تنام العينان ولا تنام
الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء (3).
ومنها رواية زرارة أو موثقته قال: قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة
والخفقتان عليه الوضوء فقال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين
والأذن والقلب وجب الوضوء الخبر (4).
ومنها رواية ابن بكير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تعالى: إذا أقمتم إلى
الصلاة ما يعني بذلك قال: إذا قمتم من النوم قلت: ينقض النوم الوضوء فقال: نعم إذا كان
يغلب على السمع ولا يسمع الصوت (5) فيظهر من هذه الروايات أن مطلق النوم غير ناقض
بل الناقض هو النوم الغالب على السمع والبصر وعبر عن هذا المعنى في بعض الروايات
بالغالب على القلب أو الذاهب بالعقل مثل قول علي عليه السلام في حديث الأربعمأة
إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء (6) ومثل الرواية المروية عن الرضا عليه السلام وقد
سئل عن الرجل ينام على دابته فقال: إذا ذهب النوم خ بالعقل فليعد الوضوء (7)
ولكن ليس في بعض الأخبار التقييد بكونه غالبا على السمع بل يستفاد منه أن
مطلق النوم ناقض كرواية عبد الحميد بن العواض عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20 - 21
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20 - 21
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30 - 33 - 28
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30 - 33 - 28
(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30 - 33 - 28
(6) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29 - 31.
(7) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29 - 31.
61

يقول: من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء (1).
ومن البعيد جدا امكان المشي مع غلبة النوم على السمع والقلب ومثل رواية زرارة
عن أحدهما عليهما السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين
أو النوم (2) ومثل رواية إسحاق بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء
إلا حدث والنوم حدث (3) ومثل رواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
ينام وهو ساجد قال: ينصرف ويتوضأ (4).
فليس في هذه الروايات التفصيل بين النوم الغالب على السمع بل فيها اطلاق
يشمل غير الغالب على السمع ولكن يمكن الجمع بين هذه الروايات والروايات المقيدة
بالغالب على السمع بأن يقال: إن النوم الحقيقي هو ما غلب على السمع والقلب.
وأما الغالب على العين فقط فليس بنوم لصحة سلب النوم عنه واطلاق النوم عليه في
بعض الأحيان مجاز بالمشارفة لكونه مشرفا على النوم فالتقييد في تلك الأخبار لبيان حقيقة
النوم لا لاخراج بعض أفراد النوم عن هذا الحكم فلا تنافي الأخبار المطلقة
الخامس من النواقض كل ما أزال العقل من سكر أو اغماء أو جنون وادعى
كثير من الفقهاء عليه الاجماع وإن تردد فيه صاحب الحدائق (ره) على ما حكي
عنه إلا أنه لم يفت بالخلاف وغيره أيضا لم يفت بالخلاف وغيره أيضا لم يفت بالخلاف
واستدل على ناقضيته بصحيحة معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد فربما
أغفى وهو قاعد على تلك الحال قال: يتوضأ قلت له: إن الوضوء يشتد عليه لحال علته
فقال: إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء (5) الخبر.
والاغفاء وإن فسر في كتب اللغة بالنوم إلا أن المراد هنا بقرينة شدة مرضه كما يظهر
من قوله: إن الوضوء يشتد عليه لحال علته هو الاغماء وأيضا قوله (عليه السلام) في ذيل الخبر: إذا خفي
عليه الصوت يشمل ما إذا خفي بسبب الاغماء أيضا.

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25 - 11
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25 - 11
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24 - 26
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24 - 26
(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 43.
62

وفيه إن الاغفاء كما صرح هو به بمعنى النوم وشدة المرض ليست قرينة لكون
الاغفاء بمعنى الاغماء بل الظاهر أن المراد أنه لا يقدر على الاضطجاع لشدة مرضه فهو متكئ
على الوسائد فيغلب عليه النوم في هذه الحال وهذا المعنى كثير مطرد بالنسبة إلى المريض وأما
قوله: إذا خفي عليه الصوت الخ فليس فيه عموم يشمل الاغماء لأن الضمير في قوله: فيه
عائد إلى الرجل المغفي.
واستدل أيضا على ناقضية الاغماء وغيره مما يزيل العقل بالأخبار الدالة على
وجوب الوضوء بالنوم الذاهب بالعقل بأن يقال: إن علة وجوب الوضوء بالنوم الذاهب بالعقل
هو زوال العقل فإذا كان زوال العقل بالنوم موجبا لوجوب الوضوء فزواله بالاغماء والسكر أولى
بايجابه.
وفيه أن تلك الأخبار ناظرة إلى بيان تحديد النوم الناقض للوضوء ولا يستفاد منها أن
العلة التامة لوجوب الوضوء هو زوال العقل فيمكن أن يكون زوال العقل المقارن للنوم موجبا
للوضوء لا مطلق زوال العقل نعم القول به موافق للاحتياط.
السادس من النواقض الاستحاضة القليلة كما ذكره كثير من الفقهاء وإنما قيدوه
بالقليلة لأن المتوسطة والكثيرة موجبتان للغسل أيضا وإنما الكلام في نواقض الوضوء فقط
ولكن يرد عليهم أن المتوسطة أيضا موجبة للوضوء فقط في بعض الموارد مثل ما إذا أتت بالغسل
الواجب عليها في اليوم أو الليلة مرة واحدة ثم رأت بعد ذلك الدم فإنه لا يجب عليها لكل صلاة
إلا الوضوء إلى اليوم الآتي أو الليلة الآتية وغير هذه الستة غير ناقض للوضوء مثل المذي والوذي
والودي ومس الفرج ولمس النساء وخروج الدم والقئ وغير ذلك.
ولكن قد ورد الأمر بالوضوء في بعض هذه الموارد في بعض الأخبار كالمذي فإنه
في كثير من الأخبار قد ورد الأمر بالوضوء فيه أو الحكم بنقض الوضوء بخروجه.
كرواية محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المذي فأمرني
بالوضوء منه ثم أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه وقال: إن عليا عليه السلام
أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله واستحيى أن يسأله فقال: فيه الوضوء
قلت: فإن لم أتوضأ قال: لا بأس به (1) ومثل رواية يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 16.
63

عليه السلام عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة قال: المذي منه
الوضوء (1) ولكن يعارض الروايتين غير واحد من الأخبار الدالة على عدم وجوب إعادة
الوضوء بخروج المذي.
منها رواية بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي
فقال: لا ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد إنما هو بمنزلة المخاط و
البصاق (2) وبمضمونها أخبار كثيرة ولذا جمع بينهما بعض العلماء بحمل ما ورد من الأمر فيه
بالوضوء على ما إذا خرج بشهوة وما ورد من عدم نقضه للوضوء على ما إذا خرج بغير شهوة
ويدل على هذا الجمع بعض الأخبار منها رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: المذي يخرج من الرجل قال: أحد لك فيه حدا قال: قلت: نعم جعلت فداك قال: إن
خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء (3).
بل في بعض الأخبار الحكم بنقض الوضوء أن تخرج بشهوة وهو رواية علي بن
يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي أينقض الوضوء قال: إن كان من شهوة
نقض (4).
ولكن يعارض هذا التفصيل مضافا إلى أن المذي هو ما خرج بشهوة ولذة
وأما ما خرج بغير شهوة فليس بمذي كما يدل عليه كلام أهل اللغة ويدل عليه بعض الأخبار
كرواية ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المني
والمذي والودي إلى أن قال: وأما المذي فهو يخرج من شهوة ولا شئ فيه (5) مضافا إلى ما ذكر
اطلاق كثير من الأخبار الدالة على عدم نقض الوضوء به فإنه يشمل ما إذا خرج من شهوة ويعارض
هذا التفصيل أيضا رواية محمد ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19 - (7)
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19 - (7)
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 22
(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 20
(5) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 6.
64

المضاجعة وضوء الخبر (1).
ورواية عمر بن يزيد قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيبت فمرت
بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد الله
عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء (2) الخبر.
ومن المعلوم أن الامذاء من التفخيذ لا يكون إلا من شهوة فالأولى أن يقال: إن
الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالمذي أو الآمرة بالوضوء محمولة على التقية لأن العامة
يحكمون بنقض الوضوء بخروج المذي أو محمولة على الاستحباب أي استحباب الوضوء
بخروج المذي ويشهد للحمل الثاني رواية محمد بن إسماعيل المتقدمة (3) فإنه عليه السلام
بعد ما أمره في السنة الأولى وكذا في السنة الثانية بالوضوء حكم في آخر الرواية بأنه لا بأس إن
لم يتوضأ فلو كانت الرواية صادرة تقية لا يمكن الحكم فيها بأنه لا بأس بأن لم يتوضأ فلا بد من
أن يكون الأمر فيها وكذا في سائر الأخبار محمولا على الاستحباب.
وكذا الدم فقد ورد الأمر بالوضوء بخروجه في بعض الأخبار.
منها رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصابه دم
سائل قال: يتوضأ ويعيد وإن لم يكن سائلا توضأ وبنى الخبر (4).
ومنها رواية الحسن بن علي ابن بنت الياس قال: سمعته يقول: رأيت أبي (ع) وقدر
عف بعد ما توضأ دما سائلا فتوضأ (5) ولكن يعارض هذين الخبرين أخبار كثيرة منها رواية
أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل فقال:
ليس في هذا وضوء إنما الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله بهما عليك (6).
ومنها رواية أبي هلال قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: أينقض الرعاف والقئ
ونتف الإبط الوضوء فقال: وما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله المغيرة، يجزيك من

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 8
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب النواقض الحديث 13
(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 16
(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21 - 22
(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21 - 22
(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 17.
65

الرعاف والقئ أن تغسله ولا تعيد الوضوء (1).
وغير ذلك من الأخبار الدالة على عدم نقض خروج الدم للوضوء صريحا.
فتحمل الروايتان على أن المراد من الوضوء غسل موضع الدم لا الوضوء بمعنى
الطهارة من الحدث أو تحملان على استحباب الوضوء بعد خروج الدم أو على التقية ولعل
الأخير أظهر لحكم كثير من العامة ببطلان الوضوء بخروج الدم
فصل 2
في أحكام الخلوة وهي أمور الأول يجب ستر العورة من كل ناظر محترم سواء أكان
الناظر مماثلا للمنظور إليه أم غير مماثل حتى الطفل المميز وكذا يحرم النظر إلى عورة الغير
كذلك فههنا مسئلتان.
الأولى وجوب غض البصر عن عورة الغير سواء أكان مماثلا للمنظور إليه في الذكورة
والأنوثة أم غير مماثل وسواء كان المنظور إليه مكلفا أم غير مكلف لكنه كان مميزا والدليل
عليه صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه (2) والأخ
له اطلاق يشمل الطفل المميز ولكن له ظهور في كون المنظور إليه مسلما لأن المسلم أخ المسلم
وسيجيئ بعض الأخبار الدالة على أن النظر إلى عورة الكافر كالنظر إلى عورة الحمار كمرسلة
محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: النظر إلى عورة ما ليس بمسلم
مثل النظر إلى عورة الحمار (3).
المسألة الثانية وجوب ستر العورة ويدل عليه قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم ويحفظوا فروجهم (4) بضميمة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام حيث
سئل عن هذه الآية فقال: كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 9
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمام الحديث 5
(4) سورة النور آية 30.
66

إلا في هذا الموضع فإنه للحفظ من أن ينظر إليه (1).
بل يمكن أن يقال: إن نفس الآية بدون ضم الرواية إليها دالة على وجوب
الستر للمقابلة الوقعة بين الأمر بالغض وحفظ الفرج حيث إنه يستفاد منها أن المراد
بذكر حفظ الفرج بعد الأمر بالغض الحفظ من النظر لا من الزنا هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله
وإن كان استفادة ذلك من الآية لا تخلو من اشكال.
ويدل على وجوب ستر العورة أيضا كثير من الأخبار منها رواية النعماني عن علي
عليه السلام في قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية قال: معناه لا ينظر أحدكم
إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه الحديث (2) ومنها مرسلة حسن بن علي بن
شعبة في تحف العقول عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي إياك ودخول الحمام
بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه (3) ومنها رواية حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال: سألته أو سأله غيري عن الحمام فقال: ادخله
بميزر وغض بصرك الحديث (4) إلى غير ذلك من الأخبار ولكن في بعض الأخبار ما يدل على كراهة إبداء العورة كرواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته أيتجرد الرجل عند صب الماء ترى عورته أو يصب عليه الماء أو يرى هو عورة
الناس قال: كان أبي يكره ذلك من كل أحد (5) ورواية الصدوق عنه عليه السلام قال: إنما
أكره النظر إلى عورة المسلم الحديث (6) والرواية الأولى دالة على كراهية النظر أيضا إلا أن
الروايتين لا تصلحان لمعارضة الروايات الكثيرة فإن عمل الأصحاب قد استقر على تلك
الروايات فهاتان الروايتان معرض عنهما فلا بد من حملهما على التقية.
أو يقال: إن الكراهة هنا ليست بالمعنى المصطلح عند الفقهاء وهو المرجوح مع جواز
الارتكاب بل الكراهة هنا بمعنى ممنوع الفعل ومثل هذا الاستعمال في الأخبار كثير.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 5
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث 5 - 2
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث 5 - 2
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمام الحديث 2
(6) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمام الحديث 2.
67

وأما تحديد العورة فيظهر من بعض الأخبار أنها القبل والدبر فقط دون الفخذ والسرة
وغيرهما كالأليتين وهي رواية بعض الأصحاب عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال:
العورة عورتان القبل والدبر والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد
سترت العورة (1) ورواية محمد بن حكيم قال الميثمي لا أعلمه إلا قال: رأيت أبا عبد الله
عليه السلام أو من رآه متجردا وعلى عورته ثوب فقال: إن الفخذ ليست من العورة (2) ومرسلة
الصدوق عن الصادق عليه السلام قال: الفخذ ليست من العورة (3).
ولكن في بعض الأخبار ما يدل على أن ما بين السرة والركبة من العورة أيضا وهي
رواية بشير النبال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمام فقال: تريد الحمام قلت: نعم
فأمر باسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطي ركبتيه وسرته إلى أن قال: هكذا فافعل وهذه
الرواية وإن كانت ظاهرة في ذلك لأن الأمر ظاهر في الوجوب إلا أنها معارضة بالأخبار الدالة
صريحا على أن العورة هي القبل والدبر وأن الفخذ والسرة ليستا من العورة فلا بد من حمل الأمر
في هذه الرواية على الاستحباب.
ويظهر من أخبار وجوب الستر وحرمة النظر إلى عورة الغير أن العلة في ذلك هي
التحذير عن الوقوع في الحرام كالزنا واللواط وهذه العلة موجودة في الطفل المميز الذي يكون في
معرض اللذة والشهوة وأما الطفل غير المميز فحيث إنه ليس في معرض اللذة والشهوة لا يحرم
النظر إلى عورته.
الثاني من أحكام الخلوة حرمة استقبال القبلة أو استدبارها وعلل هذا الحكم مضافا
إلى الأخبار الدالة على ذلك بوجوب احترام القبلة فاستقبالها بالبول والغائط هتك لها. ولا يخفى
أن الاحترام وهتكه قد يكون عرفيا وقد يكون شرعيا.
فيمكن أن يجعل الشارع شيئا احتراما لشئ مع أنه بنظر العرف ليس كذلك فإنه
قد يجعل الشارع شيئا مستحبا مع أنه بنظر العرف يكون هتكا مثلا قد جعل الشارع التسمية وكذا
ذكر الله حين التخلية مستحبا مع أنه بنظر العرف لولا الشرع يكون هتكا فإنه إذا قيل
لأحد: إني حين الدخول إلى بيت التخلية أذكرك يغضبه ذلك فإن كان مراد القائل بأن

(1) الوسائل باب 4 من أبواب الحمام الحديث 2 - 1
(2) الوسائل باب 4 من أبواب الحمام الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب الحمام الحديث 1.
68

الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط هتك عرفي بالنسبة إلى القبلة فيمكن الخدشة فيه
خصوصا الاستدبار فإنه ليس بهتك أصلا بنظر العرف ولم يفرق العرف بينهما وبين اخراج
الريح في الهتك
مع أنه لم يلزم أحد بحرمة اخراج! الريح بحذاء القبلة وإن كان مراده من الاحترام
والهتك الاحترام والهتك الشرعيين بأن جعل الشارع الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط
هتكا للقبلة وجعل الانحراف عنها احتراما لها من دون فهم العرف ذلك فالظاهر أنه كذلك لكنه
ليس دليلا برأسه بل هو تمسك بمفاد الأخبار.
ثم إن الدليل على حرمة استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط أولا هو دعوى
الاجماع على ذلك فإنه لم ينقل الخلاف عن أحد إلا من الشاذ وثانيا هو الأخبار الدالة على ذلك
فإنها وإن كانت بين مرفوعة ومرسلة وضعيفة ولم يكن فيها صحيحة السند إلا أن عمل
الأصحاب قد جبرها فإن الأصحاب على الظاهر قد اعتمدوا على هذه الأخبار فيما أفتوا به لا على
الدليل المتقدم ولا على غيره فعملهم جابر لضعف هذه الأخبار.
فمن الأخبار رواية محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم قال: خرج
أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه السلام: وأبو الحسن موسى عليه السلام قائم فقال له
أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال: اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار و
مساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث
شئت (1)
ومنها ما رواه عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي
صلوات الله عليهم أجمعين أنه قال في حديث المناهي الطويل: إذا دخلتم الغائط فتجنبوا
القبلة (2).
وعن الفقيه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن استقبال القبلة ببول
أو غائط (3).
ومنها خبر عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التخلي الحديث 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2 - 3.
69

قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها
ولكن شرقوا أو غربوا (1).
ولا فرق في حرمة الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط بين كونه جالسا حين
التخلي أو قائما أو نائما مضطجعا أو مستلقيا لاطلاق هذه الأخبار وهل يحرم الاستقبال و
الاستدبار في حال الاستنجاء أيضا أم لا يمكن أن يقال: إنه يستفاد من بعض هذه الأخبار أن
المنهي عنه هو الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط كما صرحت بذلك رواية الفقيه وبعض الأخبار كرواية عيسى بن عبد الله المتقدمة وإن لم يكن فيه تقييد بالبول والغائط إلا أنه يمكن
حمله على ذلك بقرينة رواية الفقيه.
وهل تشمل هذه الأخبار ما إذا جلس في مقابل القبلة ولكن وجه عورته إلى غيرها
حال التخلي وكذا العكس بأن كان مقاديم بدنه إلى غيرها ولكن وجه بعورته حين التخلي
إليها ويمكن دعوى ظهور هذه الأخبار في حرمة الاستقبال بالبول والغائط بأن كان خروج
البول والغائط إلى جهة القبلة لا حرمة الجلوس حذائها وإن كان البول أو الغائط إلى غير جهة
القبلة.
وربما يستظهر ذلك من رواية محمد بن إسماعيل قال: دخلت على أبي الحسن الرضا
عليه السلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة وسمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثم ذكر
فانحرف عنها اجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من معقده ذلك حتى يغفر له (2) ويستفاد من هذه
الرواية أن بناء الكنيف حذاء القبلة جائز ويلزمه جواز الجلوس إلى القبلة ولكن ينحرف
بعورته عنها حين التخلي لكن الأحوط ترك ذلك.
الثالث من أحكام الخلوة وجوب إزالة النجاسة أي البول والغائط وجوبا شرطيا
للصلاة والطواف مثلا أما البول فيجب غسله بالماء ولا يجزي غيره وتدل على ذلك بعد دعوى
الاجماع كما ادعاه غير واحد أخبار.
منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة إلا بطهور إلى أن قال: وأما

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب التخلي الحديث 5.
70

البول فلا بد من غسله (1).
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الوضوء الذي
افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم
يتوضأ مرتين مرتين (2) فإن المتبادر من الغسل هو الغسل بالماء بل لا يطلق الغسل على
الاذهاب بغير الماء.
ومنها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزي من الغائط
المسح بالأحجار ولا يجزي من البول إلا الماء (3).
وهل يكفي غسله مرة واحدة أو لا بد من غسله مرتين المشهور هو الأول لاطلاق
الأخبار وعدم تقييده بالمرتين فيها مع أنها في مقام البيان وقوله (ع) في رواية يونس بن يعقوب
المتقدمة: مرتين مرتين الظاهر أنه قيد للوضوء لا غسل الذكر ويمكن أن يكون المراد منه الاسباغ
في الوضوء.
وأما رواية محمد بن إدريس الحلي عن كتاب نوادر أحمد بن أبي
نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء
مرتين (4) فلا تفيد التقييد في الروايات السابقة كما قيل لأن الظاهر من قوله: يصيب الجسد
إصابة البول للجسد من الخارج لأن لفظ الإصابة ظاهر في ذلك إذ خروج البول من الموضع
لا تطلق عليه الإصابة فح يختص الحكم بوجوب المرتين بغير محل البول وأما الغائط فيجزي في
تطهير المحل منه غسله بالماء وتطهيره بالأحجار أيضا ويدل على ذلك كثير من الأخبار.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسح بالأحجار فقال
كان الحسين بن علي عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار (5).
ومنها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزي من الغائط التمسح

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلي الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 22
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب آداب التخلي الحديث 7
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلي الحديث 15.
71

بالأحجار ولا يجزي من البول إلا بالماء (1)
ومنها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن
يمسح العجان ولا يغسله ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما (2).
أقول: العجان مثل كتاب - كما في المصباح - ما بين الخصية وحلقة الدبر والمراد
أنه يجزي مسحه بالأحجار ولا يجب غسله لا أنه لا يجوز غسله ضرورة أن الأصل في المطهرات
هو التطهير بالماء وقوله: ويجوز أن يمسح رجليه الخ يمكن أن يكون المراد منه التنظير أي كما أن
الأرض تطهر باطن القدمين بالمشي عليها ولا يجب غسلهما كذلك موضع الغائط لا يجب غسله و
يكفي في تطهيره إزالة النجاسة بالأحجار وأما إذا كان المراد منه أن الأحجار تطهر الرجلين
إذا تنجستا بتعدي النجاسة إليهما فهو مخالف للاجماع.
ومنها رواية بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جرت السنة في
الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء (3).
ويستفاد من هذه الرواية أنه لا بد في الأحجار من أن تكون أبكارا أي لم تستعمل
بعد في الاستنجاء والرواية وإن كانت مرسلة إلا أن الأصحاب قد عملوا بها وأفتوا بمضمونها
والمراد بالبكارة إن كان عدم مسبوقية الاستعمال في استنجاء آخر أصلا كما ذكرناه سواء
أكان في استنجاء نفسه أم غيره وسواء أكان قد طهرها بعد الاستنجاء أم استنجى بالموضع
الطاهر منها أو كسر موضع الاستنجاء الأول منها واستنجى بالباقي منها أم لا فالظاهر عدم
اعتبار البكارة فيها بهذا المعنى ولا أظن أن أحدا من الفقهاء قال بذلك.
وإن كان المراد بالبكارة المذكورة في هذه الرواية وفي كلام الأصحاب كونها
طاهرة سواء أكانت غير مستنجى بها أو استنجى بالموضع الطاهر منها أو كسر موضع
الاستنجاء الأول منها واستنجى بالباقي أو استنجى بها بعد تطهيرها فالظاهر اعتبار البكارة
بهذا المعنى لأنه لم يعهد في الشرع تطهير المتنجس أو النجس للشئ المتنجس نعم يمكن أن يقال
بكفاية طهارة الموضع الذي يريد الاستنجاء به من الحجر ولا يجب طهارة جميعه فإن الرواية
مع فرض اعتبارها لا يستفاد منها التعبد المحض بل المستفاد منها ما هو المغروس في أذهان

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلي الحديث 8 - 3
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلي الحديث 8 - 3
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 4.
72

العرف من أن المطهر لا بد من أن يكون طاهرا ويستفاد من ذيل الرواية أنه يعتبر أن يتبع
الاستجمار بالماء وظاهره الوجوب وهو ينافي ما عليه المشهور بل الاجماع من التخيير بين
الاستجمار والغسل بالماء وكذا يستفاد التخيير بينهما من الأخبار.
وأما الرواية العامية المروية عن علي عليه السلام قال: إنكم كنتم تبعرون
بعرا واليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار (1) فهي ضعيفة السند ويمكن حملها على
الاستحباب أو على احتمال التعدي وهل يكفي إزالة العين ولو كانت بدون ثلاثة أحجار
بأن حصل النقاء بحجر أو حجرين أو لا بد من ثلاثة أحجار مقتضى رواية ابن مغبرة عن أبي
الحسن (ع) قال: قلت له هل للاستنجاء حد قال: لا حتى ينقى ما ثمة (2) أن حد الاستنجاء
الذي لا بد من الانتهاء إليه هو حصول النقاء فإذا حصل فلا يجب هناك شئ.
لكن مقتضى الأخبار الكثيرة التي قد تقدم بعضها أن حد الاستنجاء هو النقاء
بثلاثة أحجار فيمكن الجمع بين رواية المغيرة وتلك الروايات بأن يقال: إن حد الاستنجاء
هما معا أي النقاء والمسح بثلاثة أحجار فح إذا حصل النقاء قبل ثلاثة أحجار فلا يكفي ذلك
بل لا بد من اتمام ثلاثة أحجار وإذا لم يحصل بثلاثة أحجار فلا بد من التمسح بالأحجار حتى
يحصل النقاء.
المبحث الرابع في الوضوء وواجباته
واجبات الوضوء أمور الأول النية ويجب فيها الخلوص فلو جاء به رياء بطل على
المشهور بل كاد أن يكون اجماعا وتدل على ذلك أخبار متضافرة.
منها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل: اجعلوها في
سجين فإنه ليس إياي أراد بها الحديث (3).
و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلى

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلي الحديث 9
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب آداب الخلوة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 3.
73

فقال: يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له هل صليت ليقال: ما أحسن صلاة فلان
اذهبوا به إلى النار (1).
ومنها رواية مسعد بن زياد عنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام إن رسول الله
صلى الله عليه وآله سئل فيما النجاة غدا فقال: إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم
فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع عنه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر قيل له: فكيف يخادع الله
قال: يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره فاتقوا الله في الرياء فإنه الشرك بالله إن المرائي يدعى
يوم القيامة بأربعة أسماء يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص
لك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له إلى غير ذلك من الأخبار وقد جمعنا روايات الرياء في
المجلد الأول من كتابنا مرقاة الكمال فراجع.
ويستفاد من هذه الروايات وغيرها حرمة الرياء وبطلان عمل المرائي.
فما عن السيد - من أن عمل المرائي صحيح مسقط للأمر ولكنه غير مقبول عند الله
لأن الصحة أعم من القبول كما يدل على ذلك قوله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين (2) -
ضعيف جدا مناف لظاهر الأخبار وأما غير الرياء من الضمائم سواء أكانت راجحة مثل
الصلاة في المسجد أو مرجوحة مثل الصلاة في الحمام أو مباحة متساوية الطرفين فإن كانت
داعيا مستقلا إلى اتيان الوضوء سواء أكان له داع إلهي أيضا إلى اتيانه بحيث يكون كل من
الداعيين سببا مستقلا لاتيانه أو يكون الداعي الإلهي تابع للداعي غير الإلهي فالظاهر
هو الحكم بالبطلان أيضا لعدم استناد الفعل إليه تعالى بالخصوص بل إليه وإلى غيره.
وأما إذا كان الداعي الإلهي محركا له بالاستقلال نحو اتيان الفعل ولكن قد انضم
إلى هذا الداعي دواع أخر تابعة لهذا الداعي بحيث يسند الفعل إليه تعالى فالظاهر هو الحكم
بالصحة لعدم الدليل على بطلان العمل الذي يكون مع داعيه الإلهي غيره مما لا يكون رياءا
مضافا إلى أنه قلما يتفق خلوص النية من جميع الدواعي النفسانية بحيث لا يكون المقصود من
اتيان العمل إلا وجهه تعالى فقط والالتزام ببطلان العمل في جميع هذه الموارد كما ترى.
الثاني من الواجبات غسل الوجه والمشهور اعتبار الغسل من الأعلى والذي استدل

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 10
(2) سورة المائدة آية 27.
74

به أو يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك هو الاخبار.
منها رواية عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد باسناده عن أبي جرير
الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف التوضؤ للصلاة فقال: لا تعمق
في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء وكذلك
فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدمك (1).
وأبو جرير الرقاشي وإن كان مجهولا إلا أن رواية ابن محبوب عنه دليل على أنه كان
موثقا عنده مضافا إلى أن الرواية معمول بها عند الأصحاب فضعفها منجبر بعملهم ولكن
يمكن المناقشة في دلالتها بأن الظاهر منها أنه عليه السلام في مقام بيان مستحبات الوضوء
لا واجباته بدليل قوله: لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما مع أن من المقطوع به
أنه يجوز الوضوء بنحو لطم الوجه بالماء ولا يجب غسله بالمسح أي بايصال الماء إلى أجزاء الوجه
بامرار اليد عليه فالمراد من الرواية - والله العالم - أن لا تدقق في الوضوء حتى ينجر إلى
الوسواس ولا ينبغي أن تلطم وجهك بالماء بل الأولى أن توصل الماء إلى وجهك بامرار اليد عليه
وبعد العلم بأن بعض هذه الأمور ليس بواجب - فمن المستبعد جدا كون الغسل من الأعلى مع
كونه مذكورا في عداد المستحبات واجبا مع أنه يمكن أن يقال: إنه لبيان حد الغسل الواجب
أو لبيان حد المغسول الذي يجب غسله أي يجب الغسل من الأعلى أي قصاص الشعر كما في
الرواية الآتية إلى الذقن فهي لبيان الحدين للغسل لا لبيان كيفية الغسل.
ومنها رواية زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي
أن يوضأ الذي قال الله عز وجل فقال: الوجه الذي قال الله وأمر الله عز وجل بغسله الذي
لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم - ما دارت
عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان من الوجه
مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه فقال: لا (2)
فإن قوله (عليه السلام) من قصاص الشعر إلى الذقن ظاهر في وجوب الغسل من قصاص الشعر إلى
الذقن دون العكس ولكن الظاهر من الرواية أنه عليه السلام بصدد بيان حد الوجه

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 22
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 1.
75

طولا وعرضا كما يشهد به ما في السؤال حيث سأل زرارة عن حد الوجه وليس فيها اشعار
بأنه (عليه السلام) بصدد بيان كيفية الغسل وأنه يجب أن يكون من الأعلى أو يجوز العكس.
ومنها الأخبار التي بينت فيها وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وهي كثيرة
أوضحها دلالة رواية زرارة قال: حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله
عليه وآله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فأسد لها على وجهه من أعلى
الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسد لها على اليمنى ثم مسح
جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح ببقية
ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهما (1).
بتقريب أنه صلى الله عليه وآله غسل وجهه من أعلى الوجه فيعلم من فعله أنه
واجب
ولكن فيه أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على الوجوب لاحتمال أن
يكون للاستحباب أو من باب المتعارف لدى العرف فإن المتعارف عندهم غسل الوجه من الأعلى ولكن لا من قصاص الشعر فيمكن أن يكون فعله (صلى الله عليه وآله) كان كذلك.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذه الأخبار وإن كان دلالتها قاصرة في إفادة الوجوب
فاللازم الرجوع إلى المطلقات مثل قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق الآية (2) ولازم ذلك جواز الغسل بأي نحو اتفق إلا أن المشهور بل كاد أن يكون
اجماعا اعتبار البدأة من الأعلى فيمكن استناد المشهور إلى هذه الأخبار التي عرفت قصور دلالتها
على المطلوب ويمكن استنادهم إلى دليل آخر لم يصل إلينا فح نشك في الخروج عن عهدة
التكليف اليقيني إذا لم نراع ما عليه المشهور فإن المكلف به هي الطهارة والأفعال محصلاتها
فإذا غسلنا الوجه من غير الأعلى نشك في تحقق المكلف به بذلك فيلزم مراعاة الاحتياط حتى
نعلم بالخروج عن عهدة التكليف ثم على فرض وجوب البدأة من الأعلى هل يجب مراعاة
الأعلى فالأعلى بمعنى وجوب الغسل من قصاص الشعر أو يكفي الأعلى العرفي وإن كان من
فوق الحاجب - لا يبعد جواز الاكتفاء بالثاني فإن الغسل من الأعلى على تقدير وجوبه لا

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 6
(2) سورة المائدة آية 6.
76

يبعد أن يكون ارشادا إلى المعنى العرفي فإن العرف يكون بناؤه على الغسل من أعلى الوجه إلى
الأسفل دون العكس فيمكن أن لا يكون هنا تعبد في وجوب الابتداء من الأعلى بل هو
ارشاد إلى المتداول عند العرف والعرف إذا غسل أحدهم وجهه من فوق الحاجب أو من وسط
الجبين يقولون: إنه غسل من الأعلى كما هو ظاهر.
نعم على هذا يجب غسل ما فوق الحاجب إلى قصاص الشعر بعده حتى يتحقق
التحديد المذكور في الروايات
ثم إن حد الوجه طولا من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وعرضا ما أحاطت عليه
الابهام والوسطى كما دلت عليه الرواية المتقدمة وعليه اجماع العلماء فما خرج من هذين الحدين
كالصدغ والعذار ومقدار قليل من الجبينين وغيرها فهو خارج عن حد الوجه فلا يجب غسله.
وأما اللحية فإن كانت خفيفة بحيث ترى البشرة من تحتها يجب غسلها وغسل
ما تحتها من البشرة ووجهه واضح فإن البشرة الظاهرة يجب غسلها وغسل ما عليها من
الشعر لأنه من توابعها وأما إذا كانت كثيفة بأن أحاطت بالبشرة فلا يجب غسل البشرة التي
تحتها ويجب غسلها لصدق الوجه عليها عرفا والآية المباركة قد دلت على وجوب غسل الوجه
والبشرة المختفية تحت اللحية لا يصدق عليها الوجه بخلاف اللحية مضافا إلى أنه قد فسر الوجه
في كتب اللغة بأنه ما يواجه به فإن ما يواجه به هي اللحية دون البشرة المختفية تحتها ومضافا إلى
دلالة بعض الأخبار على ذلك.
منها رواية محمد بن مسلم عن عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل
أيبطن لحيته قال: لا (1) أي يغسل تحت لحيته وباطنها فقال (ع): لا ومنها رواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أرأيت ما أحاط به الشعر فقال: كل ما أحاط به من الشعر
فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء (2).
هذا كله في غير مسترسل اللحية وأما مسترسل اللحية أي صاحب اللحية التي
خرجت عن حد الوجه فلا يجب غسله لعدم صدق الوجه على ما خرج عن حد الوجه عرفا نعم
يجب ح غسل ما كان في حد الوجه فقط.

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث 6
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث 3.
77

الثالث من واجبات الوضوء غسل اليدين كما دلت عليه الآية المتقدمة ويجب البدأة
من المرفق ولا يجوز العكس على المشهور بل ادعى عليه الاجماع واستدل عليه بالوضوءات البيانية
التي حكى الإمام عليه السلام فيها وضوءات رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه بها بعد ما
غسل وجهه غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى
الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على
يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء (1) الخبر.
فقوله: لا يرد الماء إلى المرفق يمكن أن يكون من كلام الإمام عليه السلام حاكيا
وضوء النبي صلى الله عليه وآله ويمكن أن يكون من كلام الراوي كما هو الظاهر أي
لا يرد الإمام الماء إلى المرفق فإن كان من كلام الإمام (عليه السلام) يستشعر منه عدم جواز رد الماء إلى
المرفق فيكون كلامه تعريضا لفعل العامة حيث خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله
وأما إذا كان من كلام الرواي فلا يدل على عدم جواز الرد إلى المرفق لأنه حكاية عن
فعل الإمام (عليه السلام) بأنه لا يرد الماء إلى المرفق وعدم رده إلى المرفق أعم من عدم جوازه لجواز
أن يكون عدم رده للماء إلى المرفق لكون الغسل من الأعلى من أفضل الأفراد فلا يدل على
المنع من الرد وفي رواية أخرى من الوضوءات البيانية أنه عليه السلام بعد أن غسل وجهه غمس
يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء
على أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده
حتى جرى الماء على أطراف أصابعه الحديث (1).
فإن هذا الخبر صريح في أنه (عليه السلام) غسل يديه من المرفق إلى أطراف الأصابع وهو حاك
فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن هذا الخبر أضعف دلالة من الخبر السابق حيث إن
الغسل من المرفق لا يدل على أكثر من الجواز وقد جوز العامة عامتهم على ما حكي عنهم بأن
الغسل من المرفق جائز أيضا كجواز النكس ولم ينف ع خلافه فلا يدل على عدم جواز
النكس فيمكن أن يكون غسله من المرفق من جهة كونه أفضل ولكن يمكن أن يقال: إن
الآية وإن كانت مطلقة ومقتضى الاطلاق جواز الغسل من كل من الجانبين إلا أنا نعلم من

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 11
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 2.
78

هذه الأخبار أن النبي صلى الله عليه وآله غسل يديه من المرفق ولم نعلم أنه غسل يديه من
الأصابع إلى المرفق فالغسل من المرفق متيقن الجواز دون العكس فإنه مشكوك الجواز
واللازم ح هو الأخذ بالمتيقن مع أن بعض الأخبار ظاهرة بل كادت تكون صريحة في عدم جواز
النكس وإن كان سندها مخدوشا.
منها ما رواه الشيخ المفيد في الإرشاد مرسلا عن محمد بن الفضل أن علي بن يقطين
(ره) كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن
عليه السلام - فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن
تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى
المرفقين ثلاثا وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف
ذلك إلى غيره.
فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السلام فيه
مما جميع الصحابة على خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا أمتثل أمره فكان يعمل
في وضوئه على هذا الحد وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل: إنه رافضي فامتحنه الرشيد
من حيث لا يشعر فلما نظر إلى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة
وصلحت حاله عنده، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام: ابتدأ من الآن يا علي بن
يقطين وتوضأ كما أمرك الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى اسباغا واغسل يديك من
المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان
يخاف عليك والسلام (1).
فإن قوله عليه السلام واغسل يديك من المرفقين كالصريح في أنه يجب أن يكون الغسل من
المرفق حيث إنه وقعت هذه العبارة بعد قوله وتغسل يديك إلى المرفقين الظاهر في كون الغسل
منكوسا الذي ورد تقية وبعد زوالها أمره عليه السلام بكون الغسل من المرفقين وهو ظاهر بل كاد أن
يكون صريحا في أنه على نحو اللزوم.
ومن الروايات الدالة على اعتبار الغسل من المرفقين رواية

(1) الإرشاد لشيخنا قده صفحة 276.
79

هيثم بن عروة التميمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق فقلت: هكذا ومسحت من ظهر كفي إلى المرفق فقال: ليس
هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ثم أمر يده من مرفقه إلى
أصابعه (1).
فإن قوله ليس هكذا تنزيلها يحتمل وجهين الأول أن يكون المراد أن تنزيلها من
عند الله تعالى على رسوله كان بلفظ من المرافق فحرفوها وجعلوا مكان من إلى فتدل الرواية
على وقوع التحريف في الآية.
الثاني أن يكون المراد من التنزيل المعنى. أي ليس مراده تعالى من الآية الغسل من
ظهر الكف إلى المرافق بل يكون المراد فاغسلوا من المرافق إلى أطراف الأصابع فيكون
مراده عليه السلام أن إلى بمعنى من أو أن إلى في الآية ليس لانتهاء الغسل بل لانتهاء الحد المغسول والظاهر
من الاحتمالين في الرواية هو الاحتمال الثاني فتكون الرواية كالنص في لزوم الغسل من
المرفق وهي وإن كانت ضعيفة السند إلا أن عمل الأصحاب جابر لضعفها فتحصل مما
ذكرناه أن الأحوط هو الابتداء من المرفقين بل استقر عليه مذهب الإمامية رضوان الله عليهم
أجمعين.
الرابع من واجبات الوضوء مسح الرأس ولا يجب مسح جميعه اجماعا منا بل يكفي
المسح على الربع المتقدم منه كما يدل عليه غير واحد من الأخبار منها رواية محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مسح الرأس على مقدمه (2) ومنها رواية حماد بن عيسى عن
بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر
ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه (3) ولا يجوز المسح على غير المقدم على المشهور بل
ادعى عليه الاجماع وما يدل على الجواز من رواية الحسين بن عبد الله عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه أيجزيه ذلك
فقال: نعم (4) ورواية الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسح على

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوضوء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 3
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 4.
80

الرأس فقال: كأني أنظر إلى عكنة في قفاء أبي يمر عليها يده وسألته عن الوضوء بمسح الرأس
على مقدمه ومؤخره فقال: كأني أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها (1).
وروايته عنه عليه السلام قال: امسح الرأس على مقدمه ومؤخره (2) فيه محمولة على
التقية لمخالفتها لمذهب الأصحاب وهل يكفي المسح على كل جزء من المقدم إلى وسط الرأس
أو لا بد من المسح على خصوص الناصية - مقتضى بعض الأخبار هو الثاني مثل رواية زرارة
أنه عليه السلام قال: إن الله وتر ويحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه
واثنتان للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك (3).
ومثل رواية حسين بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس
كما يمسح الرجال إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها تضع الخمار عنها وإذا كان الظهر
والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها (4) فح فهل تخصص تلك الأخبار الدالة على كون
المسح على مقدم الرأس بهذين الخبرين الدالين على كون المسح على الناصية أو لا بد من
طرحهما والعمل على الأخبار السابقة - لا يبعد أن يقال: إن هذين الخبرين لا يصلحان
لتخصيص الأخبار السابقة لأن الناصية كما تطلق بحسب الشايع على ما بين النزعتين كذلك
تطلق على مقدم الرأس أيضا كما عن القاموس فح يمكن أن يكون المراد بالناصية هنا هو مقدم
الرأس دون ما هو الشايع من معناها مضافا إلى أن الخبر الثاني صدره معارض لذيله فإن صدره
يدل على كفاية المسح على الرأس مطلقا من غير تقييد الرأس بالناصية فإذا كان المراد من
الذيل هو المعنى الشايع من الناصية لزم التناقض بين الصدر والذيل ومن المعلوم ضرورة عدم
الفرق بين صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ثم إنه يحب المسح ببقية بلة اليد ولا يجوز استيناف ماء جديد وتدل على ذلك روايات
كثيرة. فمنها رواية الاسراء حيث بين الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كيفية
الوضوء إلى أن قال له: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء الحديث (5) ومنها

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5 - 6
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5 - 6
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5
(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8.
81

حكاية الباقر عليه السلام لوضوء رسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال
الراوي: ثم بما بقي في يده رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء (1).
ومنها رواية زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام إلى أن قال: وتمسح ببلة يمناك
ناصيتك (2).
ومنها رواية الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: إن نسيت مسح رأسك
فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك الخبر (3) إلى غير ذلك من الأخبار.
ولكن في بعض الأخبار ما يدل على جواز استيناف ماء جديد بل في بعض الأخبار
ما يدل على وجوبه منها رواية ابن أبي عمارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام امسح رأسي
ببلل يدي قال: خذ لرأسك ماءا جديدا (4) ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن مسح الرأس قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي قال: لا بل تضع يدك
في الماء ثم تمسح (5).
ومنها رواية معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام أيجزي الرجل أن يمسح
قدميه بفضل رأسه فقال برأسه: لا فقلت: أبماء جديد فقال برأسه: نعم (6) والرواية وإن كانت
في مسح القدمين إلا أنه لا فرق بين مسح الرأس ومسح القدمين ولكن يمكن أن يجاب عن
هذه الأخبار بأن الأصحاب قد أعرضوا عنها ولم يفتوا بمضمونها فلا بد من حملها على التقية
لموافقتها لمذهب العامة خصوصا الخبرين الدالين على لزوم كون المسح بماء جديد فإنهما
مخالفان لمذهب جميع فقهائنا فإن ابن الجنيد وإن جوز المسح بماء جديد إلا أنه جوز المسح أيضا
ببقية بلل اليد ولم يحكم بوجوب المسح بماء جديد.
ثم إن المسح لا بد أن يكون باليد ولا يجوز أن يكون بغيرها والآية المتقدمة وإن لم
يكن فيها تقييد بكون المسح باليد إلا أنه يمكن دعوى الانصراف إلى المسح باليد فإنه إذا قيل

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 5
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 6
(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4 - 5.
(6) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4 - 5.
82

لأحد: امسح الشئ الفلاني يتبادر إلى ذهنه أن المسح باليد مضافا إلى دلالة بعض الأخبار
على ذلك مثل قوله عليه السلام: وتمسح ببلة يمناك ناصيتك (1) وقول الله تعالى لنبيه صلى الله
عليه وآله وسلم في ليلة المعراج: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك الحديث (2) وحكاية أبي
جعفر عليه السلام لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الراوي: ثم مسح أي
أبو جعفر عليه السلام بما بقي في يده رأسه ورجليه الحديث (3) وغير ذلك من الأخبار.
وهل يشترط كون المسح باليد اليمنى أم لا - مقتضى رواية زرارة المتقدمة أعني قوله
وتمسح ببلة يمناك ناصيتك هو الاشتراط لأنها ظاهرة في الاشتراط لأن الجملة الخبرية
إذا استعملت في الانشاء كانت أظهر في إفادة الوجوب من الجملة الانشائية و ح يمكن تقييد
المطلقات بها ولكن يرد عليه أن المطلقات غير قابلة للتقييد لأنها في مقام البيان وكيف يمكن
أن يكون المسح باليد اليمنى واجبا ومع ذلك لم يبين الشارع ذلك من بدء ظهور الاسلام إلى زمان
الباقر عليه السلام ثم بينه الباقر (عليه السلام) للناس مع عدم أي مفسدة في بيان ذلك للنبي
صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده.
اللهم إلا أن يقال أن عدم بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك إنما هو لأجل
كونه متعارفا بين الناس فكأنه لأجل تعارفه كان مستغنيا عن البيان.
ثم إنه على فرض وجوب المسح بالكف اليمنى إذا تعذر المسح بها هل ينتقل الفرض
إلى المسح باليد اليسرى أو ينتقل الفرض إلى المسح بظهر الكف اليمنى أو إلى الزند من
اليمنى؟ - لا يبعد أن يقال: بانتقال الفرض إلى ظهر الكف اليمنى أو إلى الزند إذا قطعت الكف
اليمنى لأن الميسور من اليد اليمنى هو ظهر الكف عند تعذر الباطن دون اليد اليسرى فإنها بنظر
العرف ليست ميسور اليد اليمنى بل ميسورها هو ظهر الكف أو الزند عند قطع الكف.
نعم لو فرض قطع اليد اليمنى بأسرها يمكن أن تصير اليد اليسرى ميسورا لليد اليمنى ثم
لا بد أن يؤثر الماسح في الممسوح للتبادر من الأمر بالمسح فإنه إذا قيل لأحد: امسح يدك مع
الدهن على جراحتك مثلا يفهم منه أنه لا بد من ايصال الدهن إلى الجراحة لا مجرد المسح

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الضوء الحديث 2
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10.
83

بدون تأثير الدهن بالجراحة فح لا بد من أن يكون التأثير ببقية البلل في اليد فقط فلا يجوز
اختلاطه بماء آخر لأنه لا يصدق عليه المسح ببقية بلل الوضوء بل به وبغيره فاللازم جفاف
موضع المسح لأنه إذا اختلط بلل الوضوء مع ماء موضع المسح لم يحصل التأثير بماء الوضوء.
ثم أنه يجوز الأخذ من بلل اللحية والحاجب وأشفار العين كما دلت عليه رواية مالك
ابن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يسمح رأسه
فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد
الوضوء (1).
ورواية الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه
وعلى رجليك من بلة وضوئك فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ ما بقي منه في
لحيتك وامسح به رأسك ورجليك وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح
به رأسك ورجليك وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء (2) ورواية خلف بن حماد
عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة
قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به قلت: فإن لم يكن له لحية قال: يمسح من حاجبيه أو
أشفار عينيه (3) وغير ذلك من الأخبار.
وهل يجوز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين مطلقا أو يختص بصورة
جفاف ما على الكف من البلل - مقتضى هذه الأخبار جواز الأخذ في صورة نسيان المسح
حتى يجف ما على اليد فلا تشمل صورة وجود البلل في الكف ولكن يمكن أن يقال: إن هذه الأخبار وإن كان مفروضها هو صورة جفاف ما على اليد إلا أن التأمل فيها يعطي أنها في مقام
بيان العلاج في صورة الجفاف.
يعني أنه إذ جف يدك فعلاج وضوئك أن تأخذ من بلل لحيتك وتمسح بهار رأسك لا
أنها تقييد بصورة الجفاف ويؤيده أنه ع عبر في رواية الصدوق عن البلة التي في اللحية ببلة
الوضوء حيث قال عليه السلام: وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء والتقييد في هذه الأخبار مضافا إلى أنه ظاهر في بيان العلاج - إنما هو لأجل أنه في صورة وجود البلل في الكف

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1.
84

لا يحتاج إلى الأخذ من سائر مواضع الوضوء لا أن جواز الأخذ مخصوص بصورة الجفاف
الحاصل أن المتيقن هو وجوب كون المسح ببلة الوضوء والزائد منه يدفع بالاطلاق ويستفاد
ذلك من رواية الصدوق المتقدمة حيث إنه ليس فيها من بلة الكف بل فيها إن نسيت
مسح رأسك فامسح عليه وعلي رجليك من بلة وضوئك وبعض الأخبار الدالة على كون المسح
ببلة اليد أو الكف أو اليمنى (1) مثل بعض الأخبار المتقدمة يمكن أن يكون الوجه فيها هو كون
المتعارف المسح بنداوة اليد أو اليمنى مع نداوتها لا أن المستفاد منها كون المسح لا بد من أن
يكون بنداوة اليد فالمظنون هو كون ذكر اليد من باب كونها المتعارفة في المسح.
وإن قيل: إن هذا الظن لا دليل على حجيته قلنا إنا لا نعلم أيضا بورود التقييد على
المطلقات الدالة على كون المسح بنداوة الوضوء ولم نعلم بحصول التقييد بهذه الأخبار
لما ذكرنا فيها من احتمال كون ذكر بلة اليد من باب التعارف وعلى هذا
الاحتمال الذي ذكرناه وقويناه يمكن الالتزام بأمور الأول أنه لا فرق بين جفاف اليد وعدمه
في جواز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين.
الثاني أنه لا فرق بين المذكورات وغيرها من سائر أعضاء الوضوء في جواز الأخذ منها
مطلقا الثالث لا ترتيب بين اللحية والحاجبين وأشفار العينين فيجوز الأخذ من الحاجب
وأشفار العين مع وجود البلة في اللحية بل يجوز الأخذ من سائر أعضاء الوضوء مع وجود البلة
في اللحية والحاجب وأشفار العين وذكر اللحية والحاجب في الرواية لكونهما مظنة بقاء بلة
الوضوء دون سائر الأعضاء لا أن لهما خصوصية في ذلك.
(فرع)
يجوز المسح مقبلا ومدبرا كما دل عليه بعض الأخبار فمنها رواية حماد بن عثمان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ومنها روايته الأخرى عنه
عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا (3) ومنها رواية يونس قال: أخبرني من

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2 والباب 15 والباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1 و 8
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 1
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2.
85

رآى أبا الحسن عليه السلام بمنى - يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب
إلى أعلى القدم ويقول: الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح
مدبرا فإنه من الأمر الموسع انشاء الله (1)
ولكن هذين الخبرين قد دلا على جواز النكس في القدمين ولم يذكر فيها مسح الرأس
والرواية الأولى وإن كان فيها مسح الوضوء الشامل لمسح الرأس أيضا إلا أنه يمكن أن يكون
مسح الوضوء اشتباها من الراوي أو النساخ وأصله ما في الرواية الثانية من روايتي حماد بن
عثمان أي مسح القدمين فصحف ومنشأ هذا الاحتمال هو كون راوي الخبرين واحدا وهو
حماد بن عثمان والراوي عنه إلى أن ينتهي إلى الشيخ الناقل هذا الخبر في كتاب التهذيب
كلهم متحد في الخبرين فيمكن أن يكونان رواية واحدة وصحيحه ما في الرواية الثانية فالدليل
على جواز النكس في القدمين معلوم الوجود بخلاف مسح الرأس لعدم العلم بوجود دليل على
جواز النكس فيه.
ولكن يمكن دفع هذا الاشكال بأن الدليل الدال على جواز النكس في القدمين وإن
لم يدل على جوازه في مسح الرأس إلا أنه لا ينفي الجواز عن مسح الرأس لأن مفهوم اللقب
ليس بحجة فيتمسك لجوازه باطلاقات الأدلة كقوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين ومثل الأخبار البيانية وغيرها فإنه ليس في شئ منها التقييد بكون مسح الرأس
مقبلا فيتمسك لجواز النكس بهذه الاطلاقات.
ودعوى غلبة كون المسح مقبلا - فلو لم تكن مانعة من انصراف الاطلاق إليه فلا أقل
من مانعيتها في ظهور الأدلة في الاطلاق - ممنوعة لعدم تحقق الغلبة فإنه إذا أمر الشارع أو غيره
بمسح رأس اليتيم مثلا فإنه لا ينقدح في ذهن أحد المسح مقبلا بل المسح مقبلا ومدبرا بنظر
العرف سواء.
ثم إنه يجوز المسح على البشرة وعلى الشعر النابت عليها في مقدم الرأس اجماعا
ويمكن استفادة ذلك من الآية والأخبار أما الاستفادة من الآية فبأن يقال: إن في قوله: فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم وقوله تعالى وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فرقا فإن الأول يقتضي وجوب

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 3.
86

غسل ما يطلق عليه الوجه والوجه كما مر تفسيره عن أهل اللغة ما يواجه الانسان فالبشرة التي
تحت الشعر لا يجب غسلها لأنها غير مواجهة للانسان.
بخلاف الشعر فإنه يواجهه فيجب غسله فلذا أفتى الفقهاء بعدم كفاية غسل ما تحت
الشعر بدون الشعر والثاني وهو قوله تعالى وامسحوا الخ يقتضي جواز الاكتفاء بمسح كل من الشعر
والبشرة لأن مسح الرأس يصدق على كل واحد منها وأما الاستفادة من الأخبار فبأن
يقال: إنه يطلق على كل منها مقدم الرأس والناصية وغير ذلك من العبارات الواقعة
في الأخبار.
وأما الاستدلال على جواز المسح الشعر النابت في مقدم الرأس برواية الناصية
بأن يقال: بأن الناصية لا تطلق إلا على الشعر النابت في مقدم الرأس فتدل الرواية على جواز
المسح على الناصية التي هي الشعر الذي في مقدم الرأس - فضعيف فإن مقتضاه هو وجوب
المسح على خصوص الشعر المقدم وأما على ما ذكرنا من جواز المسح على كل منهما فرواية
الناصية لا تنافيه لأن الناصية كما تطلق على شعر مقدم الرأس كذلك تطلق على نفس مقدم
الرأس أيضا.
هذا كله في الشعر غير المتجاوز عن حدا الرأس وأما الشعر المتجاوز عن حد الرأس
والشعر المسترسل من موضع آخر على موضع المسح فيمكن أن يدعى بعدم صدق البشرة عليه
فإنه بنظر العرق كالحائل الموجود على الرأس.
وعلى فرض عدم كونه كالحائل فالقدر المتيقن من صدق الرأس ومقدمه والناصية
والبشرة هو بشرة الرأس والشعر غير المتجاوز وأما الشعر المتجاوز فيشك في صدق المذكورات
عليه فمقتضى الشك هو الاحتياط هذا كله في شعر الرأس.
وأما الحائل كالعمامة ونحوها من الحوائل حتى الحائل الرقيق فقد ادعى الاجماع
المحصل والمنقول على مانعيته وتدل على مانعيته أيضا رواية حماد بن عيسى عن بعض
أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال: يرفع العمامة
بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه (1) ورواية عبد الله بن الحسين عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنما المرأة إذا أصبحت مسحت

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1.
87

رأسها تضع الخمار عنها الخبر (1) وأما الحناء فمقتضى صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحناء يبدو له في الوضوء قال: يمسح فوق
الحناء (2) وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم
يتوضأ للصلاة فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه والحناء عليه (3) هو جواز المسح عليه فإن الظاهر
من الصحيحتين هو جواز المسح على نفس الحناء وإن احتمل في الصحيحتين بعض
التأويلات إلا أنها خلاف الظاهر.
ولكن مقتضى مرفوعة محمد بن يحيى عنه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء
ثم يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء (4) هو عدم الجواز
والصحيحتان مع صحتهما قد أعرض الأصحاب عنهما فإنه قد ادعى الاجماع على عدم الجواز نعم
نسب إلى الشيخ - القول بالجواز وعبارته في الاستبصار على ما حكي عنه وإن كانت توهم ذلك
إلا أن عبارته في محكى المبسوط تنفي جواز المسح على الحائل واطلاقها شامل للحناء أيضا
ورواية محمد بن يحيى وإن كانت مرفوعة إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب بها.
ثم إنه يكفي مسح مقدم الرأس طولا بمقدار صدق المسح وعرضا بمقدار إصبع
واحدة والأفضل ثلاثة أصابع فلا يجب الاستيعاب وتدل على ذلك روايات.
منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و
قلت: أن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول الله صلى
الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله عز وجل لأن الله عز وجل قال (يقول خ ل): فاغسلوا
وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين إلى
المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام
فقال: وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال: برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم
وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين
وصلهما (وصلها خ ل) بالرأس أن المسح على بعضهما (بعضها خ ل) ثم فسر ذلك رسول الله صلى

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 4 - 1.
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 4 - 1.
(4) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 4 - 1.
88

الله عليه وآله للناس فضيعوه الحديث (1).
ومنها رواية زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا مسحت بشئ من رأسك
أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك (2) ومنها مرسلة حماد عن
أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه
فيمسح على مقدم رأسه (3).
ومنها رواية حماد أيضا عن الحسين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل توضأ
وهو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال: ليدخل إصبعه (4).
إلى غير ذلك من الأخبار ولكن قيل: أنه يعتبر أن يكون المسح بثلاثة أصابع
استنادا إلى حسنة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن
تمسح مقدمها قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها (5) ورواية معمر بن عمر عنه عليه السلام
قال: يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل (الرجلين خ ل) (6).
ولكن الروايتين لا تكافئان تلك الروايات المتقدمة لأنها وإن كانت ضعيفة أو مرسلة
إلا أن عمل أكثر الأصحاب عليها فهي منجبرة بعملهم وهاتان الروايتان لم يعمل بهما
إلا الشاذ مع أنه يمكن حملهما على الأفضلية دون الالزام.
الخامس من واجبات الوضوء
مسح الرجلين ويدل على وجوبه أولا آية الوضوء المتقدمة وهي قوله
تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإنه بناءا على الخفض في أرجلكم كما في بعض
القراءات وتدل على ذلك أيضا رواية غالب بن هذيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن
قول الله عز وجل وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين على الخفض هي أم على النصب
قال: بل هي على الخفض (7) فح فالآية صريحة في أن الواجب هو المسح وقيل: إن قراءة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 2
(5) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 5
(6) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 5
(7) المستدرك الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 3.
89

الخفض مجمع عليها بخلاف قراءة النصب فإنها مختلف فيها: فقيل: إنه عطف
على محل رؤوسكم فتدل الآية على وجوب مسح القدمين وقال المخالفون: إن أرجلكم عطف على
وجوهكم وقولهم هذا مبني على قراءة النصب فتدل الآية بناء على قولهم على وجوب غسل
الرجلين أو جوازه.
وأما على قراءة الجر فحملوا الآية أيضا على ذلك بأن قالوا: إن أرجلكم عطف على وجوهكم
وإنما جرها للمجاورة مع رؤوسكم مثل قول العرب: هذا حجر ضب خرب بجر خرب مع أنه
صفة لحجر لمجاورته لضب ولكن يدفع قولهم: إن الجر بالمجاورة أولا لم يثبت إلا عند الشاذ وعلى
فرض ثبوته فهو شاذ لا يمكن حمل التزيل عليه وثانيا إن مورد الجر على المجاورة هو في صورة
عدم وجود العاطف كما صرحوا به في محله وما نحن فيه ليس كذلك.
والحاصل أن الآية ظاهرة بل كادت أن تكون صريحة في
أن أرجلكم عطف على رؤوسكم ومخالفونا وإن كان أكثرهم
قد أوجبوا الغسل إلا أن كثيرا من أخبارهم قد تضمن المسح أيضا ولازم ذلك هو القول بجواز
كل واحد من الغسل والمسح عندهم ولكن أكثرهم قد أوجبوا الغسل كما ذكرنا.
وأما أخبارنا فتدل أكثرها على خصوص المسح وهي كثيرة جدا بحيث بالغ السيد
المرتضى (ره) في الانتصار على ما حكي عنه وقال: إنها أكثر من عدد الرمل والحصى فمنها
الروايات البيانية المبينة لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قدمنا بعضها فإنه
ليس فيها إلا المسح على القدمين فراجعها.
ومنها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وذكر المسح
فقال: وامسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين (1) ومنها رواية سالم قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن المسح على الرجلين قال: هو الذي نزل به جبرئيل (2) ومنها رواية ابني
أعين عنه عليه السلام قال في المسح: تمسح النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك وإذا مسحت
بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك (3) إلى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد عبر في جميعها بالمسح على القدمين وبعض الأخبار التي يظهر

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4.
90

منها وجوب الغسل أو جوازه مثل خبر أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام: أسأله عن المسح على القدمين فقال: الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلا ذاك ومن
غسل فلا بأس (1) وخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتوضأ الوضوء
كله إلا رجليه ثم يخوض بهما الماء خوضا قال: أجزأه ذلك (2) - فهما محمولان على التقية.
ثم إنه يجب المسح من أطراف الأصابع إلى الكعبين كما هو مفاد الآية والأخبار.
مثل رواية ابني أعين المتقدمة وهل يكفي مسح ظاهر القدم أو لا بد من مسح الباطن
أيضا ظاهر الآية - الأول فإن الكعبين هما قبتا القدم الموجودتان في ظاهره فإذا قيل
لأحد: امسح رجليك إلى الكعبين لا يتبادر منه إلا المسح على الموضع الذي يكون الكعب فيه
موجودا مضافا إلى دلالة بعض الأخبار بل كثير من الأخبار على كفاية المسح من رؤس
الأصابع إلى الكعبين مثل رواية ابني أعين المتقدمة ومثل بعض الروايات البيانية فإن
في بعضها أنه صلى الله عليه وآله مسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه وفي بعضها قال ع
وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك
اليسرى (3) الخبر فإن في هذين الخبرين وإن لم يكن المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين
إلا أنه عبر بظهر القدم فيستفاد منهما وجوب مسح الظهر فقط دون الباطن.
وفي بعضها قال ع: ثم قال (أي الله تعالى): وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين،
فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد
أجزأه (4) الخبر.
ولكن في بعض الأخبار ما يدل على وجوب مسح القدمين ظاهرهما وباطنهما مثل
مرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في مسح القدمين
ومسح الرأس فقال: مسح الرأس واحدة إلى أن قال: ومسح القدمين ظاهرهما

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 18
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3.
91

وباطنهما (1) ورواية سماعة عنه عليه السلام قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما
ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب وضرب الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى
الأصابع (2)
وحمل الشيخ (قده) هذين الخبرين على ما حكي عنه على التقية قال لأنهما موافقان
لمذهب بعض العامة ممن يرى المسح ويقول باستيعاب الرجل.
ثم إنه يكفي في مسح القدمين مسماه كما في مسح الرأس ولو بإصبع واحدة من حيث
العرض لعدم تعيين مقداره في الآية فيؤخذ بالاطلاق مع أن الباء في برؤوسكم وأرجلكم إما
للتبعيض أو للالصاق والملابسة وعلى كل من الاحتمالين تدل على كفاية المسح ببعض
الرأس والقدمين مضافا إلى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة (3) على ذلك حيث قال في حديث
طويل: ثم فصل بين الكلام فقال: وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال: برؤوسكم أن المسح
ببعض الرأس لمكان الباء.
ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: وأرجلكم إلى الكعبين
فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، الخبر.
ويدل على كفاية المسح ولو بإصبع واحدة من حيث العرض رواية الأخوين أي
زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في المسح: وإذا مسحت بشئ من
رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك (4).
واستدل المحدث القاساني والبحراني صاحب الحدائق - على ما هو المحكى عنهما - بهذه
الرواية على كفاية المسمى من حيث الطول أيضا بأن يقال: أن قوله ع: ما بين كعبيك إلى
أطراف الأصابع بدل أو بيان من قدميك فيصير المعنى ح إذا مسحت بشئ من قدميك الذين
هما من أطراف الأصابع إلى الكعبين أي بشئ منهما فقد أجزأك فيشمل الطول والعرض أيضا
وقوى هذا الاحتمال الأستاذ دام ظله ولكن يمكن أن يقال: إنه لا يتعين جعل ما بدلا من قدميك
لاحتمال كونها بدلا عن الشئ فيصير المعنى - والله العالم - فإذا مسحت ببعض قدميك وذلك

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7 - 6 - 1
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7 - 6 - 1
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7 - 6 - 1
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4.
92

البعض هو ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك فتدل الرواية على الاستيعاب
الطولي أي استيعاب المسح لما بين الأصابع إلى الكعبين.
ولكنها تدل على كفاية المسمى عرضا لمكان الباء التي سمعت من رواية زرارة أنها
للتبعيض وهذا الاحتمال الذي ذكرناه مكافئ للاحتمال الذي ذكره الأستاذ دام ظله
ولا دليل على تعيين أحد الاحتمالين على الآخر مضافا إلى أن المشهور بل كاد أن يكون اجماعا
على خلاف ما ذكره القاساني وصاحب الحدائق (ره).
ثم إنه قد تعارض هذه الرواية من حيث العرض رواية محمد بن أبي نصر عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على
الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين
من أصابعه هكذا فقال: لا إلا (بكفيه) كلها (1) فإن الظاهر منها هو وجوب كون المسح بتمام
الكف ووجوب الابتداء من الأصابع والانتهاء إلى الكعبين وهذه الرواية معارضة مع صحيحة
زرارة المتقدمة (2) الدالة على كفاية المسح ببعض القدمين بل قد يقال إن الجمع بين هذه
الرواية وبعض الروايات المتقدمة الدالة على كفاية المسمى في المسح - أن الشئ المذكور
في بعض الروايات المتقدمة بقوله: فإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين
كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك - تفسره هذه الرواية بأن المراد بالشئ هو تمام
ظاهر القدم أي المقدار الذي تستوعبه الكف.
ولكن يمكن دفع المعارضة أما من حيث الطول فبأن يقال: إن صحيحة الأخوين
المتقدمة لا تعارض هذه الرواية لأن هذه الرواية حاكية عن الفعل والفعل لا يدل
على الوجوب لامكان اتيانه عليه السلام بأفضل الأفراد وأما من حيث العرض فبأن يقال: إن
ظاهر هذه الرواية هو الاستيعاب من حيث العرض ولو فرض أن مراده ع بتمام الكف الكف
من حيث الطول أي المسح بطول الكف لا بعرضها يلزم منه الاستيعاب أيضا أو قريب منه
ووجوب الاستيعاب العرضي مخالف للاجماع كما ادعاه غير واحد من الأصحاب.

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7 - 4.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7 - 4.
93

فهذه الرواية غير معمول بها بين الأصحاب.
وأما رواية معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزي
من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل (1) فيجاب
عنها بأنها لا يستفاد منها الوجوب لقوله يجزي الظاهر في الأعم من الوجوب لامكان أن يكون
الأفضل وهو المسح بثلاث أصابع - أحد فردي الواجب المخير ولكن لفظ يجزي ظاهر في عدم
اجزاء الأقل من ذلك كما لا يخفى وعلى فرض دلالتها على الوجوب العيني فصدرها
مخالف للاجماع كما ادعى ومخالف للأخبار الكثيرة الدالة على كفاية مسح الرأس بإصبع
واحدة.
ثم أنه يجب إنهاء المسح إلى الكعبين للآية والأخبار الكثيرة التي تقدم بعضها
واختلف في معنى الكعبين فقيل: هما المفصل وهو مجمع الساق والقدم ويمكن دلالة صحيحة
الأخوين على ذلك فإن فيها: فقلنا أين الكعبان فقال: هاهنا يعني المفصل دون عظم
الساق (2).
فإن كلمة دون إما بمعنى غير أو بمعنى تحت فمعناها (ح) إن الكعبين هما المفصل
لا عظم الساق أو تحت عظم الساق وقيل إن الكعبين هما قبتا القدم وهما العظم الذي له
نتواي علو في ظهر القدم.
وتدل عليه رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين
إلى ظاهر القدم الخبر (3).
بأن يقال: إن الكعبين هما في ظاهر القدم فقوله ع: إلى ظاهر القدم لا يمكن أن يكون
المراد منه الظاهر في قبال الباطن بل المراد بالظاهر هو المكان المرتفع فيكون معنى الرواية أنه
مسحهما إلى الكعبين أي المكان المرتفع في القدمين فيكون قوله ع: إلى ظاهر القدم بدلا أو بيانا
لقوله إلى الكعبين فتكون الرواية دالة على كفاية المسح إلى قبة القدم

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 5
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4.
94

والأحوط المسح إلى المفصل وإن كان المسح إلى قبة القدم لا يخلو عن وجه
ثم إنه هل يجوز النكس في مسح القدمين بأن يمسح من الكعبين إلى
أطراف الأصابع؟ ظاهر المشهور ذلك لاطلاق الآية فإن إلى وإن كانت للغاية
فمفادها (ح) أن المسح مغيي بالكعبين ومقتضاه عدم جواز النكس فإنه إذا قيل: سرت من
البصرة إلى الكوفة كان المنتهى الكوفة إلا أن قوله تعالى إلى المرافق حيث إنه بالاجماع غاية
للمغسول لا الغسل فلا بد من جهة اتحاد السياق من أن تكون إلى في قوله تعالى إلى
الكعبين غاية للممسوح لا المسح فح تصير الآية مطلقة بالنسبة إلى النكس ولم يكن المسح
مقبلا متعارفا بين الناس حتى يحمل اطلاق الآية عليه.
مضافا إلى دلالة بعض الأخبار على جواز النكس مثل رواية حماد بن عثمان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا (1) ورواية يونس عمن رآى
أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى
أعلى القدم ويقول: الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا
فإنه من الأمر الموسع انشاء الله تعالى (2).
وهل يجب الترتيب بين الرجلين بأن تقدم اليمنى في المسح على اليسرى أو لا اطلاق
الآية - وكثير من الأخبار وكذا الأخبار البيانية التي هي في مقام البيان بل بعضها قد ذكر فيها
كثير من المستحبات - يقتضي عدم ذلك وفي بعض الأخبار ما يدل على وجوب الترتيب
كرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وذكر المسح فقال: امسح على
مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن (3) وخبر أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان إذا توضأ بدأ بميامنه (4) وخبر النجاشي مسندا عن عبد الرحمن بن محمد بن
عبيد الله بن أبي رافع وكان كاتب أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه ع كان يقول: إذا
توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمنى (باليمين) قبل الشمال من جسده (5).
ولكن لا يخفى أن هذه الروايات لا تصلح لمعارضة تلك الروايات المطلقة الواردة

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 4.
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3 - 4.
95

في مقام البيان مضافا إلى أنه يمكن أن الرواية الأولى وإن كان سندها صحيحا
أو موثقا أن الأمر بالابتداء بالشق الأيمن لا ظهور فيه بالنسبة إلى الرجل اليمنى لاحتمال أن
يراد بالشق الأيمن اليد اليمنى لا الرجل اليمنى فإن التعبير بالشق الأيمن عن الرجل اليمنى خلاف
المتعارف والرواية الثانية ضعيفة السند والثالثة يمكن أن يكون المراد باليمنى فيها هو اليد اليمنى
لا الرجل اليمنى بقرينة قوله: قبل الشمال فإن الرجل يعبر عنها باليسرى لا الشمال وعلى فرض
صحة سندها ودلالتها على ذلك فلا بد من حملها على الاستحباب لمعارضتها للروايات
المطلقة الواردة في مقام البيان الآبية عن التقييد مع أن في بعض الأخبار ما يدل ظاهرا وصريحا
على جواز الجمع بين الرجلين.
أما ما يدل ظاهرا على جواز الجمع فهو خبر محمد بن الحنفية عن أبيه عليه السلام
هو طويل ومشتمل على الأدعية لكل من غسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرجلين إلى أن
وصل إلى مسح الرجلين قال: ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه
الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والاكرام (1) فيظهر من هذا الخبر مع
اهتمامه بذكر المستحبات وعدم اهتمامه بذكر الترتيب بين الرجلين أن الترتيب غير معتبر بينهما
وكذا يدل ظاهرا على جواز الجمع بل جواز تقديم الرجل اليسرى - خبر زرارة قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل: ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح
الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذارع قبل
الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل
الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله عز وجل به (2).
فإن هذا الخبر مع كونه في مقام بيان الترتيب بين الأعضاء لم يتعرض للترتيب بين
الرجلين فهو كالصريح في عدم وجوب الترتيب بينهما.
وأما ما يدل صريحا على جواز المسح على الرجلين معا فهو رواية الاحتجاج عن
الحميري عن مولانا الحجة عجل الله تعالى فرجه أنه كتب إليه ع يسأله عن المسح على
الرجلين بأيهما يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا معا فأجاب ع يمسح عليهما جميعا معا فإن بدأ

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الوضوء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 1.
96

بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين (1) ومكاتبة الحميري مقبولة عند الأصحاب ولكن
ذيل هذه الرواية معارض للأخبار المطلقة حيث إن ذيلها يدل على أنه إذا بدأ بإحداهما
فلا يبدأ إلا باليمنى ويمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين الروايات المطلقة الآبية عن
التقييد الدالة باطلاقها على عدم وجوب الترتيب بينهما مطلقا.
السادس من واجبات الوضوء
الترتيب بأن يبدأ أولا بالوجه ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم يمسح رأسه ثم رجليه
ويدل على وجوبه حسنة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: تابع بين الوضوء
كما قال: الله عز وجل ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين
يدي شئ تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع
وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله
عز وجل به، وقيل: إن الآية أيضا تدل على وجوب الترتيب.
ولكن دلالتها على ذلك مشكلة فإن الواو لا تدل على ذلك فإنها لا تدل على أزيد من
مطلق الجمع ولكن هذه الرواية دالة على أن الآية تدل على ذلك حيث إنه ع استشهد بها
لوجوب الترتيب.
ثم إنه إذ أخل بالترتيب سواء كان ذلك عمدا أم نسيانا أعاد على ما يحصل معه الترتيب
كما تدل عليه هذه الرواية مثلا إذا غسل يده اليمنى قبل وجهه يجب عليه الابتداء من الوجه
وهكذا وهل يختص هذا الحكم بما إذا لم يغسل وجهه بل غسل يده فقط أو يعم ما إذا غسل
وجهه بعد غسل يده اليمنى وبعبارة أخرى وجوب الابتداء بالوجه فيما إذا أخل بالترتيب
يختص بالفرض الأول أو يعم الفرض الثاني أيضا -؟ المستفاد من بعض الروايات هو الثاني
يعني يجب البدئة بالوجه في المثال وإن غسل وجهه بعد غسل يده اليمنى والرواية التي أشرنا إليها
هي رواية زرارة المتقدمة آنفا فإن قوله ع فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه - ظاهر في
تحقق غسل الوجه بعد الذراع.

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 5.
97

وأظهر من هذه الرواية رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا نسيت غسل
وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاغسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فإن بدأت
بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار الخبر (1).
فإن الظاهر من لفظ الإعادة أنه غسل وجهه بعد يده اليمنى وغسل يده اليمنى
بعد اليسرى فيستفاد منها أنه يجب عليه إعادة غسل العضو السابق وإن غسله بعد العضو
اللاحق وبهذا المضمون روايات أوردها في الوسائل (2) ولكن في بعض الأخبار ما يدل على
كفاية غسل العضو اللاحق من دون إعادة غسل العضو السابق إذا غسله بعد العضو اللاحق
مثل رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت
رأسك ورجليك ثم استيقنت بعد أنك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك ورجليك
(3) ورواية منصور بن حازم عنه عليه السلام في حديث تقديم السعي على الطواف
قال: ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك (4).
وتلك الأخبار الأول وإن كانت ظاهرة في وجوب إعادة غسل العضو المغسول
بعد العضو اللاحق إلا أن هذين الخبرين صريحان في كفاية غسل العضو اللاحق من دون إعادة
غسل العضو السابق المغسول والطائفة الأولى من الروايات وإن كانت أصح سندا إلا أن عمل
الأصحاب على الطائفة الثانية من الأخبار فإن من الأصحاب من عبر بمضامين تلك الأخبار
الأول ولم يزد على تلك المضامين شيئا ومنهم من أفتى صريحا بكفاية غسل العضو اللاحق ولم
نظفر بقول من يقول صريحا بلزوم إعادة الغسل على العضو السابق فكأن هذين الخبرين
قد عمل الأصحاب بهما والأخبار المتقدمة معرض عنها عندهم والله العالم.
السابع من الواجبات الموالاة
والظاهر أن وجوبها اجماعي في الجملة عند الخاصة كما ادعاه غير واحد وأما العامة

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 8
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 61.
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 61.
98

فعند الشافعي في أحد قولية اعتبارها بمعنى أنه إذا فرق بين أعضاء الوضوء إلى أن تجف بطل
وضوؤه وعند أبي حنيفة عدم اعتبارها وعند مالك التفصيل بين ما إذا فرق بين الأعضاء لا لعذر
فيبطل وبين ما إذا فرق لعذر فلا يبطل ولم يعتبر الجفاف في بطلانه.
ثم إن أقوال الخاصة في اعتبار ماهية الموالاة مختلفة فبعضهم عرفها بأنها عدم الجفاف
وبعضهم قد عرفها بأنها عذم الفصل الطويل بين الغسلات والمسحات ولم يعتبر الجفاف
وبعضهم قد اعتبر في تحققها كلا الأمرين والقول الرابع وجوب الموالاة نفسيا وحرمة
التأخير وإن لم يتحقق الجفاف وبطلان الوضوء بتحقق الجفاف ولا بد أولا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتى ينكشف الحال فنقول - وبالله الاستعانة -:
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت
لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض (1)
قوله: فإن الوضوء لا يبعض - الظاهر أن المراد منه أن
الوضوء ليس كالغسل في امكان اتيان أجزائه وأبعاضه متفرقة بل لا بد من اتيان أبعاضه
متوالية فلا يجوز أن يفرق بين أجزائه فيستفاد من التعليل عدم جواز الفصل بين أجزائه سواء
جف السابق أم لا لأن العلة تخصص وتعمم ومصداق الفصل في الرواية وإن كان جفاف
الوضوء أي ماء الوضوء إلا أن ذكر العلة بعده يشمل ما إذا لم يجف أيضا ولكن تحقق
التبعيض في الوضوء إلا أن يقال: إن التبعيض وإن كان يشمل ما ذكر في بادئ النظر لكن ذكر
الجفاف قبله بمنزلة ذكر حد التبعيض أي حد التبعيض الموجب للبطلان هو جفاف
العضو السابق فح لا تشمل العلة الفصل الطويل الذي لا يوجب الجفاف.
وروى معاوية بن عمار في الصحيح قال قلت لأبي عيد الله عليه السلام ربما توضأت
فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي قال: أعد (2) فيستفاد من هذه
الرواية أيضا أن المناط في الموالاة عدم جفاف العضو السابق إلا أن يقال: أن اعتبار عدم
جفاف العضو السابق في تحقق الموالاة لا ينفي تحققها بعدم الفصل الطويل أيضا فتحصل أن
المستفاد من الروايتين في ماهية الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق دون الفصل الطويل
ماحيا لصورة الوضوء بطل حينئذ وإن لم يتحقق الجفاف.

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2 - 3.
99

المبحث الخامس في الأغسال الواجبة
وهي ستة الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة وغسل مس الميت وغسل الميت
المسلم خلافا للصدوق والسيد المرتضى قدس سرهما في جعلهما غسل مس الميت مستحبا وخلافا
لبعض آخر في جعلها تسعة بإضافة غسل الناظر إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام وغسل من فاتته
صلاة الخسوف في وقتها فأراد القضاء في خارج الوقت وغسل يوم الجمعة
وفي هذا المبحث فصول
الفصل الأول في غسل الجنابة ووجوبه مجمع عليه بين المسلمين لدلالة الكتاب
العزيز عليه قال الله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا (1).
والمراد بالتطهر هنا غسل الجنابة بالاتفاق وسبب الجنابة أمران
الأول الانزال سواء أكان في النوم أم اليقظة وسواء أكان بشهوة أم بغيرها خلافا لأبي حنيفة
في تقييده بشهوة وربما يستشعر ذلك من بعض الأخبار الآتية وسيأتي الجواب
عنه وسببية الانزال للجنابة بالنسبة إلى الرجل اجماعية وأما المرأة
فسببيته للجنابة بالنسبة إليها مشهورة وتدل عليه أخبار مستفيضة
منها صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج
وتنزل المرأة هل عليها غسل قال: نعم (2) والمراد أن الجماع قد تحقق في ما دون الفرج ولم
يتحقق في الفرج ومنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة ترى أن الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل قال: تغتسل (3).
ومنها رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل
يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتى تنزل قال: إذا أنزلت
من شهوة فعليها الغسل (4) ومنها رواية يحيى بن أبي طلحة أنه سأل عبدا صالحا عليه السلام

(1) سورة المائدة الآية 6
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3 - 7 - 2.
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3 - 7 - 2.
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3 - 7 - 2.
100

عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت أعليها غسل أم لا قال: قد أنزلت
من شهوة قلت: بلى قال: عليها غسل (1) وهذان الخبران وإن كان ظاهرهما اعتبار كون الانزال من
شهوة إلا أن الظاهر أن الشهوة ليست قيدا في كون الانزال موجبا للغسل بل يكون من قبيل
المعرف لتحقق خروج المني، ضرورة وجوب الغسل بخروج المني وإن لم يكن من شهوة وهو
اجماعي بين المسلمين إلا أبي حنيفة.
ثم أن هذه الروايات تعارضها روايات كثيرة دالة على عدم وجوب الغسل على
المرأة بالانزال.:
منها رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف جعل على المرأة
إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها - الغسل ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون
الفرج في اليقظة فأمنت قال لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب
عليها الغسل والآخر إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله الخبر (2).
وهذه الرواية لم يعلم ما المراد منها لأن ظاهرها أن المرأة إذا رأت في المنام أن الرجل يجامعها
يجب عليها الغسل مع أن من المعلوم بطلانه إلا إذا أمنت فيمكن أن يكون مقصوده (عليه السلام) من
هذا الكلام وما بعده التعمية على السائل أو الحاضرين في مجلسه والله العالم.
ومنها رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يضع ذكره على
فرج المرأة فيمني أعليها غسل فقال: إن أصابها من الماء شئ فلتغسله وليس عليها شئ
إلا أن يدخله قلت: فإن آمنت هي ولم يدخله: قال: ليس عليها غسل (الغسل) (3) ومنها روايته
أيضا قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها
فأمذيت أنا وأمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك
فقال: ليس عليك وضوء ولا عليها غسل (4) ويمكن الجواب عن هذه الروايات بأنها من
الأحكام السياسية يعني أن احتلام المرأة وانزالها وإن كان موجبا للغسل عليها كالرجل إلا أنه
لا ينبغي اعلامها بذلك لأنها تأخذه وسيلة إلى الزنا فتزني وتغتسل فيقال لها: ما شأنك فتقول

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 15
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 19
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20.
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20.
101

احتلمت كما يظهر ذلك من رواية أديم بن الحرقان: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة
ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم ولا تحدثوهن بذلك فيتخذنه علة (1).
وكذا رواية عبيد بن زرارة قال: قلت له: هل على المرأة غسل جنابتها إذا لم يأتها
الرجل قال: لا وأيكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته أو أمه أو زوجته
أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل فيقول: ما لك فتقول: احتلمت وليس لها بعل ثم قال: لا ليس
عليهن ذلك وقد وضع الله عليكم ذلك فقال: وإن كنتم جنبا فاطهروا ولم يقل ذلك
لهن (2) ويستفاد من سياقها التعمية وابهام الأمر حتى لا ينتهي الأمر ببيان حكم انزال المرأة
إلى اغتسال المرأة التي ليس لها بعل بحجة الاحتلام.
فإن هذا المعنى معلوم أنه لا يصبر عليه أحد وإلا فلا معنى
لقوله ع - لولا التعمية - وقد وضع الله ذلك عليكم إلى قوله: ولم يقل ذلك لهن مع أن من المعلوم
عدم اختصاص حكم الجنب بالرجل فكما أن الرجل يجنب ويجب عليه الغسل فكذا المرأة
بل هو ضروري بين المسلمين فالآية أيضا غير مختصة بالرجل فهي نظير قوله تعالى: إذا قمتم إلى
الصلاة غير المختصة بالرجل والحاصل أن مقصوده ع اخفاء الأمر عليهن حتى لا يقعن
في مفسدة أهم وثانيا على فرض دلالة هذه الأخبار على عدم وجوب الغسل عليها بالانزال
فهي معرض عنها عند الأصحاب ولم يعمل بمضمونها أحد من الأصحاب إلا الصدوق ره في
المقنع على ما حكى عنه ويمكن حمل كلامه بأن المراد بالاحتلام - هو رؤيا الانزال أي بأن
رأت في المنام أنها أنزلت لا أنها أنزلت حقيقة فيوافق قوله قول المشهور.
ثم إن المشهور اعتبروا في كون ماء منيا عند الشك أحد أمور ثلاثة أو جميعها وهي
الشهوة والخروج بدفع وقوة وفتور الجسد فعند فقدان جميع هذه العلامات لا يحكم بكونه منيا
إلا أن يعلم بأنه مني أما الدليل على اعتبار الشهوة في الحكم بأن مني فلما مر في الخبرين
الواردين في أنزال المرأة (3) وكذا ما يأتي من بعض الأخبار وأما ما دل على اعتبار الدفع والدفق فقوله

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 12
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 22
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 15.
102

تعالى: فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق (1) وما رواه عبد الله بن أبي يعفور
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ وينظر فلا يجد
شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج قال: إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا شئ
عليه قال: قلت (فما فرق) الفرق بينهما فقال: لأن الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة
(بدفعة) قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد (2) وهذه الرواية تدل على كون المني يجئ من
شهوة من الشخص الصحيح وتدل أيضا أنه يجئ بدفع ودفق.
وأما ما يدل على اعتبار الفتور في الجسد فما رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المني والمذي والودي والوذي فأما المني فهو الذي يسترخي
له العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل (3) الخبر.
ثم إنه قيل بملازمة هذه العلامات الثلاث بعضها مع بعض إذا تحققت الشهوة
عند خروج المني تحقق الوصفان أيضا وهما الدفق وفتور الجسد ويستفاد من بعض الأخبار
اعتبار اجتماع الأوصاف الثلاثة وهي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني فما عليه قال: إذا جاءت
الشهوة ودفع وفتر لخروجه (بخروجه) فعليه الغسل وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة
فلا بأس (4) والظاهر أن هذه أمارات لكون الماء منيا لا أنه مع العلم بكونه منيا يعتبر فيه
الشهوة والدفع والفتور فإنه مما لم يقل به أحد من الخاصة وهذه الرواية وإن كان ظاهر صدرها
اعتبار الأوصاف الثلاثة إلا أن ظاهر ذيلها هو الاكتفاء بالوصفين.
فيمكن أن يقال بكفاية كل واحد منها في كونها أمارة بكون الخارج
منيا، ولا يعتبر اجتماعها فلذا اكتفي في الروايات بذكر واحد منها فإنه قد ذكر في بعض الأخبار

(1) سورة الطارق الآية 5 و 6
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 17
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 1.
103

الشهوة أو هي مع الدفق وفي بعضها فتور الجسد فيستفاد من مجموعها مع انضمام بعضها مع
بعض وتقييد بعضها ببعض أن الأوصاف الثلاثة بأجمعها أمارة بكون الخارج منيا عند الشك
لكن المتيقن بكون الخارج منيا عند الشك هو ما إذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة وأما
الاكتفاء بواحد منها كما قيل فمشكل فلا يترك فيه الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء
لو كان قبل ذلك محدثا نعم لا يبعد الاكتفاء باثنين منها لذيل رواية علي بن جعفر المتقدمة.
الثاني من الأسباب الموجبة لغسل الجنابة الجماع وهو اجماعي بين المسلمين
في الجلمة نعم اختلف العامة فيما إذا جامع ولم ينزل فالمشهور فيما بينهم هو وجوب الغسل و
القول غير المشهور فيما بينهم هو عدم وجوب الغسل في الجماع من غير انزال وأما الخاصة فإنهم
حكموا بوجوب الغسل بالجماع الوجب مطلقا أنزل أم لم ينزل من غير خلاف بينهم وإنما الخلاف بينهم
فيما يتحقق به الجماع الموجب للغسل فبعضهم اعتبر دخول جميع الذكر والمشهور كفاية دخول
الحشفة أو مقدارها من مقطوع الحشفة ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار في التعبير.
فبعضها عبر بالدخول كرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال: إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم (1) وفي
رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام إذا أولجه (2) وهل يستفاد من هذه الرواية اعتبار دخول
تمامه أو يستفاد منها اعتبار مطلق الدخول ولو ببعض الحشفة وإن قيدت في بعض الأخبار
الآتية بالدخول بتمام الحشفة الظاهر هو الثاني وكثير من الأخبار قد قيد الجماع بالتقاء
الختانين فمنها رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام عن علي
عليه السلام قال: إذا مس الختان الختان فقد وجب
الغسل (3) ومنها رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع
قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب
الغسل فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة
قال: نعم (4) إلى غير ذلك من الأخبار (راجع الوسائل ب 6 من أبواب الجنابة)
وهذه الروايات مثل روايات الدخول مجملة فإنها بظاهرها تشمل - إلا هذه الرواية

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2.
104

الأخيرة - مطلق التقاء الختانين وإن لم يتحقق الدخول ومثلها في الاجمال رواية الحلبي عن
الصادق عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: إذا مس الختان الختان فقد وجب
الغسل (1) ورواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: إذا وضع الختان على
الختان فقد وجب الغسل (2) وروايته عنه عليه السلام قال: إذا وقع الختان على الختان
فقد وجب الغسل (3) فإن هذه الأخبار ليست بصريحة في اعتبار الدخول إلا أن يقال: إن هذه
التعبيرات كناية قطعية عن الجماع بمعنى الدخول كما يشهد بذلك ملاحظة جميع أخبار الباب
بل في بعض الأخبار التصريح بذلك كرواية محمد بن إسماعيل المتقدمة فإنه قال في
ذيلها: فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال: نعم.
ثم إن التعبير بدخول الحشفة أو غيبوبتها ليس تقييدا على الظاهر حتى يقال: إنها
لا تشمل مقطوع الحشفة بل الظاهر أن المراد بيان المقدار الذي يحصل به الجنابة ويتحقق به
وجوب الغسل فالمعنى - والله العالم - إن ما يجب بسببه الغسل - هو غيبوبة الحشفة أي هذا المقدار
من الذكر فح نقول بوجوب الغسل في مقطوع الحشفة إذا أدخل مقدارها.
فروع
الأول - إنه لا فرق في الجماع بين الصغير والكبير في تحقق الجنابة وبين الفاعل والمفعول وإن
كان كلاهما صغيرين أو أحدهما صغيرا ويدل على ذلك - مضافا إلى نقل الاجماع من المشايخ
على ذلك - اطلاقات الأدلة قال قوله: إذا أدخله أو إذا أولجه فقد وجب الغسل يستفاد منه أن
الدخول مطلقا سبب لوجوب الغسل ولكن يمكن المناقشة في الصغير بأنه لا يمكن توجه الوجوب
إليه لأنه غير مكلف فإن من شرائط الوجوب البلوغ، فلا بد إما أن يقيد السبب وهو التقاء
الختانين بأن يقال: إن التقاء الختانين بعد البلوغ موجب للغسل ومقتضاه عدم تحقق الجنابة
بالتقاء الختانين قبل البلوغ.
وإما أن يقيد المسبب وهو وجوب الغسل بأن يقال: إذا التقى الختانان مطلقا أي
سواء أكان قبل البلوغ أم بعده وجوب الغسل بعد البلوغ ومقتضاه تحقق الجنابة بالتقائهما

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4
(3) لم أظفر بها في مظانها نعم نقلها الهمداني في مصباحه صفحة 223.
105

ولو كان قبل البلوغ لكن وجوب الغسل متوقف على البلوغ ولا ترجيح لأحد التقييدين على
الآخر فلا بد من التوقف
إلا أن يقال بترجيح الثاني لأنه يستفاد من بعض الأخبار المبينة لعلة وجوب الغسل من حدث
الجنابة أن السبب في وجوب غسل الجنابة هو حصول القذارة للبدن وأنها لا تزول إلا
بالغسل وهذا لا فرق فيه بين الصغير والكبير مع أن الجنابة حكم وضعي غير موقوف على البلوغ
كالنجاسة فإنها تعرض للجسم سواء فيها الصغير والكبير وسواء انسانا أو حيوانا أو جمادا والحاصل أنه
يمكن أن يجعل الشارع حكما وضعيا غير مشروط بالتكليف كالنجاسات والضمانات والأحداث
وغيرها.
الفرع الثاني
أنه لا فرق في الجماع بين القبل والدبر وقد ادعى عليه السيد وابن إدريس على ما حكي
عنهما الاجماع ويدل عليه اطلاقات الأدلة والروايات المتقدمة كقوله (عليه السلام) إذا أدخله فقد
وجب الغسل وقوله (عليه السلام) تعالى: أو لامستم النساء فإنه وإن كان من المقطوع به أنه ليس المراد منه
اللمس المطلق بل هو كناية عن الجماع إلا أنه لم يقيد فيه بالجماع في القبل وفي بعض الأخبار
أن عليا عليه السلام سئل عن الرجل يجامع امرأته أو أهله مما دون الفرج فيقضي شهوته
قال: عليه الغسل (1)
فإن لفظ الفرج كما عن بعض أهل اللغة يشمل القبل والدبر مضافا إلى ورود بعض الأخبار في خصوص ما نحن فيه بوجوب الغسل مثل رواية حفص بن سوقة عمن أخبره
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيين فيه
الغسل (2) ولكن يعارضها رواية البرقي مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها
فلم ينزل فلا غسل عليهما فإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها (3) ورواية بعض الكوفيين
مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها (في الدبر) وهي صائمة لم ينقض صومها

(1) لم أعثر عليها في مظانها
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2.
106

وليس عليها غسل (1).
ويمكن أن يجاب عن هذين الخبرين بأنهما ضعيفا السند بواسطة الرفع والارسال
مضافا إلى اعراض الأصحاب عنهما والرواية الأولى أي رواية حضص وإن كانت مرسلة إلا أن
المشهور قد عملوا بها واعتمدوا عليها وأفتوا بمضمونها مضافا إلى أنها موافقة لاطلاقات الأدلة
المتقدمة الثالث من الفروع - أن الوطي مع البهيمة سواء كان في قبلها أو دبرها هل يكون
كالجماع مع الانسان أولا - المشهور كما ادعاه بعضهم ذلك ويمكن استفادة ذلك من بعض
الاطلاقات المستفادة من الأخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام: إذا أدخله فقد وجب الغسل.
وقوله في الرواية المتقدمة حين سأله السائل عن رجل يأتي أهله من خلفها،
هو أحد المأتيين فيه الغسل بناء على عود الضمير - أي هو - إلى مطلق
الخلف لا خصوص خلف المرأة أي الخلف مطلقا سواء كان من الأنثى أو
الذكر أو الحيوان - هو أحد المأتيين أي الشيئين الذين من شأنهما أن يؤتى إليهما سواء كان بنحو
الحلال أو بنحو الحرام فيشمل ح وطي البهمية والغلام لكن استفادة وطي البهمية من
الرواية مشكلة وكذا استفادة ذلك من اطلاقات الأدلة فإنه يمكن أن يقال: إنها منصرفة عن
وطي البهيمة اللهم إلا أن يقال: إن الانصراف بدوي يرتفع بملاحظة علة وجوب غسل
الجنابة وأنه بسبب حصول القذارة ورافعها الغسل والمسألة بعد لا تخلو عن الاشكال لعدم
العلم بشمول الاطلاقات لوطي البهيمة فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين الغسل والوضوء
للمحدث بالحدث الأصغر
وأما أحكام الجنابة فأمران الأول حرمة قراءة سور العزائم أو خصوص قراءة آيات
السجدة على ما يأتي من الاختلاف عند الخاصة وأما العامة فبعضهم منعوا الجنب من قراءة
القرآن مطلقا واستدلوا لذلك بما رووه عن علي عليه السلام أنه كان صلى الله عليه وآله لا
يمنعه من قراءة القرآن شئ إلا الجنابة.
وبعضهم جوز القراءة له مطلقا سواء أكانت سور العزائم أم آيات السجدة أم غيرها
ولم يعتنوا بالرواية المذكورة وقالوا: (من أين علم علي (عليه السلام) أن النبي صلى الله

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3.
107

عليه (وآله) وسلم ترك القراءة لأجل الجنابة وهذا ظن منه) نعوذ بالله من الخذلان ومن الفرية
والبهتان.
ثم إن المحرم هل هو قراءة خصوص آيات السجدة أو تمام السورة من حيث المجموع
أو تشمل الحرمة قراءة آية واحدة بل كلمة واحدة من هذه السور - وجوه بل أقوال ولا بد أولا من
ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول - وبالله الاستعانة - إن الأخبار الواردة في قراءة
الجنب للقرآن على أربعة أوجه فمنها ما يدل على جواز القراءة له مطلقا أي من غير تقييد بغير
السجدة كرواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقرأ الحائض القرآن والنفساء
والجنب (1).
ورواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يتلو الحائض
والجنب القرآن (2) ومنها ما يدل على المنع من القراءة له مطلقا.
مثل رواية ابن أبي الدنيا المعمر قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام
يقول: كان رسول الله صلى الله عليه لا يحجبه أو يحجزه من قراءة القرآن إلا الجنابة (3).
وفي بعض الأخبار ما يدل على جواز قراءة الجنب للقرآن واستثني فيه السجدة مثل
رواية زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الحائض والجنب هل يقرءان من
القرآن شيئا قال: نعم ما شاء إلا السجدة (4) ورواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرئان من القرآن ما شاء الله
إلا السجدة (5).
وبعض الأخبار ما يدل على تحديد قراءة الجنب بسبع أو سبعين آية وهو رواية سماعة
قال: سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن قال: ما بينه وبين سبع آيات (6) وفي رواية زرعة عن
سماعة قال: سبعين آية (7).
ثم إنه يمكن الجمع بين الطائفتين الأولتين من الأخبار والطائفة الأخيرة منها بحمل
أخبار النهي على الكراهة فيما عد السبع أو السبعين آية بقرينة هذه الرواية الأخيرة وأما الطائفة

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5
(3) مستدرك الوسائل الجلد 1 صفحة 68
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة.
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة.
(6) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة.
(7) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة.
108

الثالثة فهل المراد من المستثنى أي السجدة هو سورة السجدة أو آيها قال المشهور بالأول بقرينة
اطلاق الآية على السورة كاطلاق البقرة التي تكون حكايتها في ضمن السورة وهكذا
في كثير من السور القرآنية وهذا المعنى أي تسمية الكل باسم الجزء كثير شايع في كلام العرب
فالظاهر أن المراد من السجدة في الروايتين المتقدمين هو سورة السجدة دون آياتها ويؤيده
استفادة المشهور ذلك من الروايتين مضافا إلى ورود خصوص ذلك في روايتين الأولى ما رواه
في المعتبر قال: يجوز للجنب والحائض أن يقرأ ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع وهي اقرأ
باسم ربك الذي خلق والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة روى ذلك البزنطي في جامعه
عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
فإنه يظهر من قوله روى ذلك الخ أن عبارة الرواية هي سور العزائم والرواية الثانية
رواية فقه الرضا عليه السلام قال: ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي
تسجد فيها الحديث (2) فإن العزائم هي السور دون الآيات ولكن في الجميع نظر أما اطلاق
الآية على السورة فباعتبار اشتمالها عليها فح اطلاق الآية وإرادة نفسها أكثر (3) وأما استفادة
المشهور من الروايتين ذلك فهي اجتهاد منهم واستظهار من الروايتين فلا يكون لنا حجة وأما ما
في المعتبر فالظاهر أنه استفاد من رواية البزنطي ذلك لا أن لفظ الرواية كان هو السورة بقرينة
ذكره تينك الروايتين اللتين فيهما ذكر السجدة حجة لقوله بعد ذكر كلام العامة ردا عليهم
فيعلم أنه استفاد من السجدة السورة فيمكن أن يكون رواية البزنطي أيضا مثل هاتين
الروايتين.
وأما رواية فقه الرضا (عليه السلام) فإنها وإن كانت ظاهرة في قول المشهور إلا أنها غير قابلة
للاعتماد لعدم اعتماد العلماء على صحة انتساب فقه الرضا إلى الرضا عليه السلام والحاصل
أن السجدة لا يستفاد منها أكثر من آية السجدة فالظاهر حرمة قراءة آية السجدة للجنب فقط
دون السور المشتملة عليها.
ثم على فرض حرمة قراءة السورة هل يكون مجموع السورة من حيث المجموع حراما أو

(1) المعبر صفحة 49
(2) مستدرك الوسائل صفحة 68.
(3) لا يخفى عليك ما فيه.
109

تشمل الحرمة أبعاضها أيضا بأن يكون قراءة كل آية منها حراما حتى البسملة - فيه قولان
مستند القول الأول أن السورة لأجل اشتمالها على آية السجدة تكون قرائتها محرمة ويمكن
أن يجاب عنه بأنه يؤول الأمر إلى حرمة قراءة آية السجدة فقط فإنه على هذا القول لا ينبغي
الحكم بحرمة قراءة جميع السورة بدون قراءة آية السجدة لعدم اشتمالها على آية السجدة فح
لا وجه للحكم بحرمة قراءة جميع السورة ومستند القول الثاني إن مناسبة الحكم والموضوع تثبت
حرمة جميعها أي كل آية منها فإن ملاحظة الحكم مع موضوعه مختلفة ففي بعض الموارد يستفاد
أن المراد المجموع مثلا إذا قيل: ابن لي مسجدا فإنه يستفاد منه إرادة بناء مسجد بتمامه
وكذا إذا قيل: اقرأ سورة يس فإنه يقتضي أيضا إرادة قرائتها بتمامها ولا يجوز الاكتفاء بقراءة
آية أو آيتين منها.
وفي بعض الموارد يكون المراد كل جزء من المجموع مثلا إذا قيل: لا تخرب المسجد
فإنه يستفاد منه أن تخريب كل جزء من المسجد منهي عنه فيمكن أن يكون ما نحن فيه من
هذا القبيل فإنه إذا قيل: لا تقرأ سورة السجدة فإنه يستفاد منه أن قراءة كل جزء منها مبغوض
عنده.
الثاني من المحرمات على الجنب مس كتابة القرآن وهو اجماعي ويدل على ذلك قوله
تعالى: لا يمسه إلا المطهرون (1) فإن الجنب لا يكون من المطهرين قطعا ولكن يمكن أن يخدش
في دلالتها على المطلوب بأن الضمير في لا يمسه راجع إلى الكتاب فح تشمل الآية جلد الكتاب
وورقه الذي ليس عليه الكتابة فلا بد من حملها على الكراهة للاجماع على جواز مس ما عدا
الكتابة ويمكن الجواب عن هذه الخدشة بأن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون المراد
بالكتاب الكتابة فقط دون الورق والجلد ويدل أيضا على حرمة مس الجنب للمصحف
أخبار.
منها رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: المصحف لا تمسه
على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه (خطه) ولا تعلقه إن الله تعالى يقول: لا يمسه
إلا المطهرون (2) وهذه الرواية صدرها ظاهر في إرادة ما ذكرناه من حرمة مس كتابة المصحف

(1) سورة الواقعة الآية 56
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3.
110

إلا أن ذيلها يوجب الوهن في التمسك بصدرها لأن قوله على ما في بعض النسخ: ولا تمس
خيطه بدل خطه وكذا قوله: ولا تعلقه يجعلها ظاهرة في كراهة المس لأن مس خيطه وتعليقه
جائز بالاجماع.
ومنها رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان إسماعيل بن
أبي عبد الله عنده فقال: يا بني اقرأ المصحف قال: إني لست على وضوء فقال: لا تمس الكتاب
ومس الورق واقرأ (1) وهذه الرواية فيها قرينة ظاهرة على أن المراد بالكتاب هو نفس الكتابة لأن
فيها التصريح بجواز مس الورق فيعلم منه أن الكتاب في هذه الرواية وكذا الرواية الآتية وكذا
الآية يراد منه ما عد الورق وغيره يعني يراد منه نفس الكتابة.
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قرأ في المصحف
وهو على غير وضوء قال: لا بأس ولا يمس الكتاب (الكتابة خ ل) (2) وهذه النسخة أي نسخة
الكتابة أيضا مؤيدة لكون المراد بالكتاب الكتابة ثم إن هاتين الروايتين وإن كان موردهما
غير المتوضي إلا أنهما تشملان الجنب أيضا بطريق أولى لأن الجنب على غير وضوء مع الزيادة
وهي كونه متلبسا بالحدث الأكبر.
ومنها رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجنب والحائض
يفتحان المصحف من وراء الثوب الخبر (3) وهذه الرواية لا تدل على وجوب الافتتاح من وراء
الثوب لأن مس حواشي القرآن ومس ما عدا خطوط القرآن جائز بالاجماع فلا بد من حملها على
الاستحباب لأنه لا ملازمة بين قراءة القرآن ومس خطوطه إلا أن يقال: إن المعلوم من
مصاحف ذلك الزمان هو تحقق المس بالافتتاح ولكن دون اثبات ذلك خرط القتاد.
ومنها ما في مجمع البيان في قوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون قال: وقيل: المطهرون من
الأحداث والجنابات وقالوا: لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف عن محمد بن
علي الباقر عليه السلام وطاووس وعطاء وسالم وغيرهم انتهى (4).

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3، 2
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث 1
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب الجنابة الحديث 5
(4) مجمع البيان جلد 9 صفحة 226.
111

ولكن هذه الرواية مضافا إلى أنها مرسلة يمكن أن تكون منقولة بالمعنى وإن صاحب
مجمع البيان استفاد منها ما ذكره فيمكن أن يكون اجتهادا له من الرواية لا أن عبارة الرواية
كانت كذلك.
ومنها رواية فقه الرضا عليه السلام قال: ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو أنت على
غير وضوء (1) وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة في المطلوب إلا أنها ضعيفة السند غير معتمد عليها
كما مر والحاصل أن الروايات الصحيحة لا تكون نصا في حرمة المس وما كانت نصا لم تكن
معتبرة ولكن عمدة الأدلة هو الاجماع في المسألة وكذا لا يجوز مس شئ عليه اسم الله للجنب
سواء أكان درهما أم دينارا أم غيرهما ويدل على ذلك رواية عمار بن موسى الساباطي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله (2) وفي التهذيب هذه
الزيادة ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله ولا يجامع وهو عليه ولا يدخل المخرج وهو عليه.
ولكن رواية المعتبر المنقولة عن أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب
يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله فقال: لا بأس به ربما فعلت ذلك (3) معارضة للرواية
الأولى وكذا رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته هل يمس الرجل الدرهم
الأبيض وهو جنب فقال: والله إني لأوتي بالدرهم فآخذه وأنا جنب (4) والظاهر أن المراد
بالدرهم الأبيض الدرهم الذي يكون عليه اسم الله أو سورة القرآن أو نحو ذلك مما يكون
محترما إذ لا معنى للسؤال من مس الدرهم من حيث كونه درهما فإنه ليس موردا للتوهم.
وكذا رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الجنب
والطامث يمسان أيديهما الدراهم البيض قال: لا بأس (5) فهذه الروايات معارضة للرواية
الأولى، ويمكن أن يجاب عنها بأنها معرض عنها عند الأصحاب فيمكن حملها على التقية أو على
عدم مس خصوص اسم الله فإنها لم تكن صريحة في جواز مس اسم الله بل على جواز مس
الدرهم ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

(1) مستدرك الوسائل جلد 1 صفحة 43
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1، 3، 2
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1، 3، 2
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1، 3، 2
(5) المعتبر للمحقق صفحة 50.
112

الفصل الثالث
في واجبات الغسل
وهي أمور الأول النية ولا يجب أزيد من نية الاستباحة أو رفع الحدث لعدم الدليل
على اعتبار أزيد من ذلك ولو شك في اعتبار شئ منهما أو غيرهما من الشرائط كالكون على الطهارة
أو اعتبار نية غاية من الغايات كالصلاة أو دخول المساجد ونحو ذلك فإن قلنا بأن المأمور به في
باب الغسل هو تحصيل الطهارة الواقعية لا نفس هذه الأفعال يجب ح الاتيان بكل شئ
يحتمل دخله في تحقق المأمور به لأنه بدون اتيان ذلك المحتمل الاعتبار يشك في تحقق
المأمور به.
وأما إذا قلنا بأن المأمور به هو نفس هذه الأفعال ولا يجب على المكلف وراء هذه الأفعال شئ آخر فلا يجب اتيان ما يحتمل دخله في المأمور به لأصالة البراءة والظاهر هو الثاني وإن
قيل بالأول فإن ظاهر قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كان ظاهرا في الأول إلا أن قوله
تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا (1) مبيتن لقوله تعالى: فاطهروا فإنه يعلم منه أن
المراد بالتطهر هو الاغتسال لا تحصيل الطهارة وكذا يستفاد هذا المعنى من روايات باب
الجنابة مثل قوله (ع) صب على رأسه ثلاث أكف (2) وقوله ثم أفض على رأسك
(3) وقوله (ع): وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته (4) وقوله (ع) ليصب على رأسه ثلاث
مرات (5) وغير ذلك من التعبيرات الواردة في كيفية غسل الجنابة فإنه يستفاد منها أن المأمور به
هو غسل البدن وصب الماء عليه ومس البدن به لا تحصيل الطهارة إلا أن ذلك كله لا يخلو
عن تأمل لأن الظاهر أن الأفعال مقدمات لحصول المأمور به الذي هو الطهارة.
ثم إنه يجب استدامة النية إلى آخر العمل بمعنى عدم نية الخلاف بناء على أن
المراد من النية هي الداعي كما هو الحق لا الاخطار بالبال فلذا أفتى الفقهاء ببطلان الصوم
عند قصد الافطار وإن رجع عن قصده وبطلان الصلاة عن إرادة قطعها إذا أتى ببعض

(1) سورة النساء الآية 43
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2 - 6 - 5 - 8.
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2 - 6 - 5 - 8.
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2 - 6 - 5 - 8.
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2 - 6 - 5 - 8.
113

الأفعال مع نية الخلاف وأما إذا لم يأت بشئ بعد نية الخلاف ورجع عن قصده قبل الاتيان
بشئ فقد حكم بعض الفقهاء بعدم بطلان الصلاة وأما إذا قلنا بأن النية هي الاخطار بالبال
كما اختاره بعض فاللازم هو الاستدامة الاجمالية يعني يجب استمرار الاخطار اجمالا لعدم
امكان الاخطار التفصيلي أو تعسره واستمرار الاخطار الاجمالي هو بمعنى وجود الداعي على
اتمام العمل.
الثاني من واجبات الغسل غسل تمام البشرة ويدل على وجوب التمام قوله (ع) في
رواية زرارة: ثم تغسل جسمك من لدن قرنك إلى قدميك الخبر (1) فهذا التعبير يستفاد منه بحسب
المتفاهم العرفي - أن الواجب غسل تمام البدن وكذا يجب ايصال الماء إلى ما تحت الشعر
وإن كان يكفي في غسل الوجه في الوضوء غسل الشعر منه ولا يجب غسل البشرة التي تحته كما
قدمناه في باب الوضوء لأن موضوع وجوب الغسل هناك هو الوجه والوجه صادق على شعره
لأن الوجه هو ما يواجه به والشعر مما يواجه به أيضا بخلاف الموضوع هنا فإنه الجسد كما تقدم
في رواية زرارة والجسد لا يصدق على الشعر مضافا إلى دلالة الأخبار الكثيرة على وجوب
ايصال الماء تحت الشعر وأصوله مثل رواية دعائم الاسلام عن علي عليه السلام أنه قال في
حديث: وبل الشعر حتى يصل الماء إلى البشرة (2) ومثل بعض الأخبار الآمرة للنساء بالمبالغة
بغسل رأسها (3) فإنه يستفاد منها أن الأمر بالمبالغة لايصال الماء إلى البشرة ومثل ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة (4).
ثم إن المشهور أنه لا يجب غسل الشعر وحكي عن صاحب الحدائق القول بوجوبه
واحتمل ذلك من عبارة المفيد (ره) واستدل لذلك برواية حجر بن زائدة عن الصادق عليه السلام
قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار (5) ثم قال صاحب الحدائق: التأويل
بالحمل على أن المراد بالشعرة ما هو قدرها من الجسد لكونها مجازا شايعا كما ذكروا وإن

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 13
(3) راجع جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل
(4) كنز العمال للمتقي الهندي الجلد 5 صفحة 135 على ما حكي عنه
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب الجنابة الحديث 5.
114

احتمل إلا أنه خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا بدليل إلى أن قال: ويزيدك بيانا وتأكيدا
ما روي عنه مرسلا من قوله صلى الله عليه وآله: تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة واستدل
أيضا بالأمر بمبالغة النساء في غسل رؤوسهن في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة
الجميل (1) وقال: قبل ذلك: أنا نمنع صدق الجسد على الشعر ولو مجازا كيف وقد حكموا بوجوب
غسله في يدي المتوضي معللين تارة بدخوله في محل الفرض وأخرى بأنه من توابع اليد فإذا
كان داخلا في اليد فاليد داخلة في الجسد ولو سلم خروجه من الجسد فلا يخرج من الدخول في
الرأس والجانب الأيمن والأيسر المعبر بها في جملة من الأخبار انتهى ملخصا.
وقال الفاضل الهمداني: دعوى صدق الجسد على الشعر حقيقة ممنوعة ومجازا غير مجدية
وكذا دعوى صدق الرأس على الشعر المتدلي عليه وعلى اللحية غير مسلمة بلى الرأس اسم
للعضو المخصوص نعم اطلاقه عليه وعلى ما عليه من الشعر مسامحة شايعة ولأجلها
لا نستبعد إرادة غسل المجموع من الأمر بغسل الرأس بل لا يبعد دعوى ظهوره في إرادة ذلك
لكن الأخبار الواردة في غسل الرأس والجانبين مسوقة لبيان الترتيب فلا يستفاد منها
إلا وجوب غسل الأعضاء في الجملة وأما غسل ما هو خارج عن مسمى الجسد فلا انتهى
كلامه رفع مقامه وحكى عن الشهيد أنه قال: الفارق بين اليد في الوضوء والجسم في الغسل
النص انتهى ولعل مراده من النص ما عن كتاب الجعفريات باسناده عن الصادق عن أبيه
عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: إذا اغتسلت المرأة من الجنابة فلا بأس أن لا تنقض
شعرها تصب عليه الماء ثلاث حفنات ثم تعصره (2).
وما عن الفقيه باسناده عن عمار الساباطي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
الحائض تغتسل وعلى جسدها الزعفران لم يذهب به الماء قال: لا بأس به وعن المرأة تغتسل وقد
امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء قال: مثل التي نشرت شعرها
وهو ثلاث حفنات على رأسها الخبر (3)
والحفنات جمع الحفنة وهي كما في المصباح - ملء الكفين وهاتان الروايتان يستفاد
منهما عدم وجوب نقض الشعر وحله عند الغسل فهو إما لأجل وصول الماء إلى جميع أجزاء الشعر

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 21 و 22
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25.
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25.
115

بدون الحل وهو غير ممكن غالبا ولا أقل من أن يكون معرضا بعدم وصول الماء أو للشك في
الوصول وإما لأجل عدم وجوب غسل الشعر وهو المطلوب وإما حسنة الجميل وصحيحة محمد
ابن مسلم المتقدمتان فهما ليستا على خلاف هاتين الروايتين لأن الأمر بمبالغة غسل رؤوسهن إنما
هو لأجل وصول الماء إلى البشرة لا لأجل وصوله إلى أجزاء الشعر كما لا يخفى على من تأمل فيها
غاية التأمل.
وأما رواية حجر بن زائدة والرواية المروية عن النبي صلى الله عليه وآله المتقدمتان
فالانصاف أنهما تدلان على وجوب غسل الشعر ولكن لا تدلان على الوجوب الذاتي النفسي
فيمكن أن يكون الوجوب غيريا أو تبعيا بمعنى أن وجوب غسل الشعر لأجل وجوب ايصال الماء
إلى البشرة وليس لوجوب غسل الشعر مصلحة ذاتية فح لو وصل الماء إلى البشرة من دون
وصوله إلى الشعر لكفى ولا ينافيه اثبات العقاب على تركه في قوله (صلى الله عليه وآله) من ترك شعرة من
الجنابة فهو في النار لأن ترك غسلها يؤدي غالبا إلى ترك ذي المقدمة فالعقاب في الحقيقة على
ترك ذي المقدمة أي ايصال الماء إلى البشرة.
واسناد العقاب إلى ترك المقدمة صحيح عند أهل المحاورة مثل أن يقول السيد
لعبده: اذهب إلى السوق واشتر اللحم وإن لم تذهب إلى السوق عاقبتك مع أن العقاب في
الحقيقة على ترك شراء اللحم وأما الوجوب التبعي فالالتزام به في الشعرات الصغار لا بأس به
لكون غسلها بنظر العرف هو غسل الجسد لا غسل شئ آخر ما وراء الجسد وأما الشعرات
الطوال فهي بنظر العرف شئ لا يشمله الجسد ولا تكون تابعة له بل هي شئ آخر فح الأقوى
عدم وجوب غسل الشعرات الطوال ووجوب غسل الشعرات القصار التي تكون بنظر العرف
تابعة للجسد ثم إنه يجب غسل ظاهر البدن دون الباطن مثل باطن العينين وباطن الأذنين
وباطن الأنفين وباطن الفم لدلالة كثير من الأخبار عليه.
فمنها مرسلة أبي يحيى الواسطي عمن حدثه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجنب
يتمضمض قال: لا إنما يجنب الظاهر ولا يجنب الباطن والفم من الباطن (1) قوله (عليه السلام): لا لنفي
الوجوب دون الجواز أو الاستحباب لأن المضمضة مستحبة للجنب ويوضح ذلك الرواية
الآتية.

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 28.
116

ومنها روايته عنه أيضا عليه السلام أنه قال في غسل الجنابة إن شئت أن تتمضمض
وتستنشق فافعل وليس بواجب أن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن (1) وكثير من الأخبار بهذا
المضمون.
الثالث من الواجبات الترتيب بين أعضاء الغسل أما الترتيب بين الرأس والطرفين
فوجوبه اجماعي على ما حكي إلا من الصدوقين وكلامهما المحكي ليس صريحا في الخلاف
أما الدليل على وجوبه فالآية أعني قوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا - ليست
دالة على الوجوب لأن الاغتسال إن كان من الغسل بالضم فيمكن أن يقال: إنها ليست
بصدد بيان كيفية الاغتسال فليس فيها اطلاق بالنسبة إلى الترتيب.
وأما إذا كان من الغسل بالفتح ففيها اطلاق لأن الغسل مفهومه واضح عند العرف
وهو غسل البدن ومفهومه ليس مشروطا بشرط لدى العرف ولم يثبت بحسب اللغة مجئ
الاغتسال من الغسل بالضم فيجوز الأخذ باطلاق الاغتسال لنفي وجوب الترتيب.
وأما الأخبار فكثيرة فمنها مطلقة مع أنها في مقام البيان كرواية زرارة قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك
فتغسل فرجك ومرافقك ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل رأسك من قرنك إلى قدمك ليس قبله
ولا بعده وضوء وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة
أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده (2) وهذه الرواية مع أنه (عليه السلام) ذكر فيها مستحبات
الغسل - كما ترى - لا تعرض فيها للترتيب ولا يمكن أن يقال: إنها ليست في مقام البيان
وكيف لا وقد ذكر (عليه السلام) فيها أجزائه المستحبة وحملها على الغسل الارتماسي أبعد فإن قوله (عليه السلام)
ولو أن رجلا ارتمس الخ ظاهر بل كاد أن يكون صريحا في الغسل الارتماسي وهو ظاهر في
مغايرته للجملة الأولى أعني قوله (عليه السلام) ثم تغسل من قرنك إلى قدمك فإنه ظاهر في الغسل الترتيبي
خصوصا مع ذيله وهو قوله: كل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته فإن امساس الماء يصدق على
مطلق الامساس وإن لم يحصل الارتماس.
ومثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 29
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12.
117

فقال: تصب على يديك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك ثم
تمضمض وتستنشق وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات وتغسل وجهك وتفيض على جسدك
الماء (1).
ومثل رواية ابن أبي نصر قال: قال الرضا عليه السلام: في غسل الجنابة تغسل يدك
اليمنى من المرفق إلى أصابعك ثم تدخلها في الإناء ثم اغسل ما أصاب منك ثم أفض على رأسك
وساير جسدك (2) وهاتان الروايتان وإن ذكر فيهما أولا الرأس ولكن حيث كان عطف
الجسد عليه بالواو وهي لا تدل على الترتيب فلا تدلان على وجوب الترتيب بين الرأس
والجسد ومثلهما في عدم الدلالة على الترتيب رواية الحكم بن الحكيم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها إلى أن
قال: وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل (3) ولكن بعض الأخبار يدل على وجوب الترتيب
بين الرأس وساير الجسد فمنها صحيحة زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب فقال: إن لم يكن أصاب
كفه شئ غمسها في الماء ثم بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثم صب على رأسه ثلاث أكف
ثم على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه (4).
هذه الرواية تدل على وجوب الترتيب بين الرأس وسائر الجسد ولكن لا تدل على
الترتيب بين الشق الأيمن والأيسر لعدم دلالة الواو على أزيد من مطلق الجمع إلا أن يقال: إن
عطف المنكب الأيمن بثم بعد الرأس يكشف عن أن غسل الأيمن لا بد من أن يكون بعد غسل
الرأس فقهرا غسل الأيسر يكون بعد الأيمن وهو معنى الترتيب ومنها رواية محمد بن مسلم
عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل
فرجك ثم تصب الماء على رأسك ثلاثا ثم تصب الماء على سائر جسدك مرتين الخبر (5) ومنها
رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل إلى أن
قال (عليه السلام): ثم ليصب على رأسه ثلاث مرات ملأ كفيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره
وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله الخبر (6) وهذه الرواية من الأخبار التي تدل

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11 - 1
(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11 - 1
(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2 - 3.
(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2 - 3.
118

على وجوب غسل جميع البدن في الغسل
ومن الأخبار الدالة على وجوب تقديم غسل الرأس خبر حريز الوارد في الوضوء
قال: قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي
قلت: وكذلك غسل الجنابة قال: هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك
قلت: وإن كان بعض يوم قال: نعم (1) وهذه الرواية تدل على وجوب التريب من جهتين
الأولى قوله: هو بتلك المنزلة يعني كما أن الوضوء لا بد أن يغسل الأول من الأعضاء فيه ثم يغسل
ما يليه فكذلك غسل الجنابة الثانية قوله وابدأ بالرأس فإنه أقوى دلالة على وجوب الترتيب بين
الرأس وسائر الجسد من لفظ ثم ومنها حسنة زرارة قال: من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم
بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل (2).
وهذه الرواية أقوى دلالة من جميع الروايات على الترتيب بين الرأس والبدن ولكن
في دلالة جميع هذه الأخبار على وجوب الترتيب نظر أما رواية زرارة ومحمد بن مسلم و
سماعة فلان لفظ ثم وإن كان يفيد الترتيب إلا أنه للترتيب مع التراخي وحيث أنه لا يعتبر
التراخي في غسل أعضاء الغسل فلا بد إما حمله على وجوب الترتيب بدون التراخي وهو
خلاف معناه الموضوع له أو على عدم إفادته للترتيب كما أن من المعلوم عدم إفادة ثم هنا
للتراخي إلا أن يقال: إن ثم استعملت في معناها وهو التريب مع التراخي إلا إنا علمنا من
الخارج أن التراخي ليس واجبا بل يكون جائزا وعلى فرض إفادتها للترتيب فلا بد من حملها على
الاستحباب جمعا بينها وبين المطلقات الدالة باطلاقها على عدم وجوب الترتيب لأنها في مقام
البيان فلا يمكن تقييدها بهذه الأخبار.
وأما رواية حريز فمضافا إلى عدم امكان التزام مضمونها في باب الوضوء - يظهر منها
أن مورد السؤال هو الموالاة لا التريب فأجاب (عليه السلام) هو بتلك المنزلة أي كما أن الوضوء إذا جف أو لم
يجف السابق من الأعضاء لا يضر في صحته فكذا الغسل يعني لا يعتبر الموالاة في الغسل
كما يوضحه ذيل الرواية أعني قوله: قلت: وإن كان بعض يوم قال: نعم وأما قوله في نفس هذه
الرواية أعني رواية حريز: وابدأ بالرأس فيمكن حمله على الاستحباب جمعا بينهما وبين

(1) جامع الأحاديث الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث 22
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الجنابة الحديث 1.
119

المطلقات.
وأما حسنة زرارة فيظهر من قوله: ثم بدا له أن يغسل رأسه أنه كان من أول الأمر عازما على غسل بدنه فقط بدون رأسه فكان عازما على اتيان شئ باطل في الشرع فلم
يكن مأمورا به فبطلانه من جهة عدم الأمر به لا لفوات الترتيب فلذا قال: لم يجد بدا من إعادة
الغسل والدليل على هذا الظهور إن لفظ بدا وإن كان معناه الظهور بعد الخفاء إلا أن هذا
التعبير يستعمل غالبا في ظهور الندم يعني أنه كان بانيا على غسل الجسد بدون الرأس ثم ندم
وغسل رأسه.
فعمدة المستند ح في المسألة أي وجوب الترتيب بين الرأس والجسد هو الاجماع إن لم
يعلم استناد المجمعين إلى هذه الأخبار وبعد ذلك فالمسألة لا تخلو من اشكال فلا يترك الاحتياط
بمراعاة الترتيب بين الرأس والجسد هذا كله في الترتيب بين الرأس والجسد وأما الترتيب
بين الشق الأيمن والأيسر فهو واجب على المشهور وقد استدل به برواية زرارة قال: قلت: كيف
يغتسل الجنب فقال: إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث
غرف ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر
مرتين الخبر (1) واعترض عليه بأن الواو لا تفيد الترتيب وأجيب بأنها وإن لم تفد الترتيب إلا
أن ذكر المنكب الأيسر بعد المنكب الأيمن وبعد الرأس يفيد أن الغسل له ثلاثة أجزاء وذكر
المنكب الأيمن بعد الرأس بثم يفيد أن الأيمن لا بد أن يغسل بعد الرأس فقهرا المنكب
الأيسر الذي هو من أجزاء الغسل بحسب هذه الرواية يقع غسله بعد المنكب الأيمن وهو معنى
الترتيب.
ولكن يمكن الجواب عن هذا الجواب بأنه يمكن غسلهما معا كما يستفاد ذلك من
الأخبار المطلقة مثل قوله (عليه السلام) بعد الأمر بغسل رأسه وتفيض على جسدك الماء (2).
واستدل أيضا لوجوب الترتيب بأخبار غسل الميت وتشبيه غسل الميت بغسل
الجنابة مع أن المستفاد من تلك الأخبار وجوب الترتيب فيستفاد من التشبيه، ثبوت حكم
المشبه أعني غسل الميت في المشبه به أعني غسل الجنابة ولا بد أولا من ذكر تلك الأخبار حتى
يعلم أنه هل يستفاد منها وجوب الترتيب في غسل الميت ثم ينظر في التشبيه وأنه هل يستفاد

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1 - 7.
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1 - 7.
120

منه ذلك أم لا.
فنقول: روى الكليني باسناده عن عبد الله الكاهلي عن الصادق في حديث قال: ثم
ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول
إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم ثن بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه واغسله
برفق إلى أن قال: ثم اضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى قدميه
وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ثم رده إلى جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر
فاغسله ما بين قرنه إلى قدميه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ثم (خ ل) رده إلى
قفاه فبدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول مرة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور
والحرض (1) وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا
بلحيته من جانبيه كلاهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ثم رده إلى الجانب
الأيسر حتى يبدو لك الأيمن فاغسله من قرنه إلى قدميه ثلاث غسلات ثم رده إلى الجانب
الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله من قرنه إلى قدميه ثلاث غسلات وأدخل يدك
تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذارع والكف مع جنبه طاهرة كلما غسلت شيئا منه أدخلت يدك
تحت منكبيه وفي باطن ذراعيه ثم رده إلى ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا تبدأ بالفرج ثم
تحول إلى الرأس واللحية والوجه حتى تصنع كما صنعت أولا بماء قراح الخبر (2).
ويستفاد من هذا الخبر وجوب الترتيب بين الرأس والشق الأيمن والأيسر ولكن
قال الأستاذ دام ظله: إن الابتداء بالشق الأيمن في غسل الرأس ليس بواجب كما ربما يظهر
من هذا الخبر حيث قال (عليه السلام) وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه فلا بد من أن يكون ذلك لأجل
التسهيل فيمكن أن يكون الابتداء بالمنكب الأيمن أيضا كذلك أو لأجل كون المتعارف
هو الابتداء بالأيمن ثم قوله عليه السلام بعد غسل الرأس: ثم اضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك
الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى قدميه معناه ماذا فلا بد أن يكون الأمر بغسل الرأس قبل ذلك
من باب المقدمة وإلا فلا معنى للغسل من القرن إلى القدم فيكون الشروع في واجبات الغسل
من قوله (عليه السلام): ثم اغسله من قرنه إلى قدميه فح يجوز غسل الرأس بعضه مع الجانب الأيمن و

(1) أي الأشنان
(2) الكافي جلد 3 صفحة 140 من الطبعة الحديثة.
121

بعضه مع الجانب الأيسر وأين هذا من الترتيب الذي نحن بصدد اثباته اللهم إلا أن
يقال: معناه من قرن الأيمن وقرن الأيسر ومعناه - كما مر - جميعه فح الضمير في قرنه وقدمه
راجع إلى الشق الأيمن والأيسر لا إلى الميت ولكن هذا المعنى خلاف الظاهر.
وروى الصدوق في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: غسل الميت مثل غسل
الجنب (1) وفي رواية يونس عنهم عليهم السلام في حديث قال بعد ذكر بعض المقدمات
والمستحبات: ثم اغسل رأسه بالرغوة (2) وبالغ في ذلك إلى أن قال: ثم اضجعه على جانبه
الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه (مه خ ل) ثلاث مرات إلى أن قال: ثم اضجعه
على جانبه الأيمن فافعل به مثل ذلك (3).
فإن هذا الرواية مثل الرواية الأولى فإن قوله (عليه السلام) ثم اغسل رأسه إن كان بعنوان
الغسل فلا معنى لقوله (عليه السلام) وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه لأنه قد غسل الرأس أولا
ولا معنى لغسل نصفه ثانيا مع الطرف الأيمن ونصفه الآخر مع الأيسر وإن كان غسل الرأس
من باب المقدمة كما يكون ما قبله من المذكورات في الرواية كذلك فح يجوز غسل الرأس مع
البدن ولا يجب تقديمه عليه فلا يجب الترتيب بين أجزاء الغسل نعم بعض روايات غسل
الميت ظاهر في وجوب الترتيب مثل حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت
غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر (عنك خ) عورته إما قميص قيمصا خ ل وإما غيره ثم
تبدأ بكفيه و (تغسل) رأسه ثلاث مرات ثم ساير جسده وابدأ بشقه الأيمن الحديث (4)
ومثل رواية أبي العباس عنه عليه السلام قال: سألته عن غسل الميت فقال: أقعده
وأغمز بطنه غمزا رفيقا ثم طهره من غمز البطن ثم تضجعه ثم تغسله تبدأ بميامنه
الحديث (5) ولكن حملهما على ما حملنا عليه الروايتين المتقدمتين ممكن فالترتيب غير مستفاد
وجوبه من أخبار غسل الميت هذا.
ولكن الانصاف أن هاتين الروايتين غير خاليتين عن الظهور في وجوب الترتيب

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 3
(2) أي السدر
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 3
(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 8 - 13.
(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 8 - 13.
122

خصوصا الرواية الأولى ولم يتعرض الأستاذ لهاتين الروايتين ولا لدلالتهما وكيف كان فعلى
فرض عدم دلالة الأخبار على وجوب الترتيب فيمكن اثباته بالاجماع إلا أن يقال: إنه على
فرض استفادة وجوب الترتيب من هذه الأخبار في غسل الميت لا يستفاد ذلك في غسل
الجنابة لأن التشبيه إنما هو بالنسبة إلى الخواص المعلومة الثابتة للمشبه به لا الخواص المشكوكة
الوجود مثلا إذا قيل: زيد كالأسد فلا بد أن يكون هذا التشبيه باعتبار وجود الخواص المعلومة
الوجود في الأسد حتى يثبت ذلك لزيد بالتشبيه ولا يمكن اثبات بعض الخواص لزيد المشكوك
وجوده في الأسد بهذا التشبيه وهذا أمر معلوم لا سترة عليه و ح فالمفروض فيما نحن فيه عدم
العلم بوجوب التريب في غسل الجنابة حتى يقال: أن قوله (عليه السلام) في الرواية المتقدمة: غسل
الميت مثل غسل الجنب (1) إن غسل الجنابة كما يعتبر فيه الترتيب فكذلك غسل الميت.
فلا بد أن يكون التشبيه باعتبار الأشياء المعلوم وجودها في غسل الجنابة من مثل
غسل جميع البدن وتغير ذلك ثم إنه على فرض اجمال الدليل وعدم تمامية الاجماع والشك في
اعتبار الترتيب في صحة الغسل فلا بد من الاحتياط باتيانه مع الترتيب لاشتغال الذمة يقينا
وعدم العلم بفراغها إلا باتيانه مرتبا لأن المأمور به هو نفس الطهارة وهذا الأفعال محصلاتها
وبدون اتيانه مرتبا نشك في الاتيان بالمحصل وهو مورد للاحتياط اجماعا فتأمل.
ثم إن الرقبة هل هي داخلة في الرأس أم هي داخلة في البدن أو هي مستقلة - لا يستفاد من
الأخبار شئ من ذلك نعم روى مرسلا: تصب على الصدر من مد العنق ثم تمسح سائر بدنك
بيديك (2) فبناء على هذه الرواية لا بد من غسل العنق مع البدن ولكن الأحوط غسلها مع
الرأس والبدن وكذا العورة يجب غسلها قبلا ودبرا قطعا ولكن هل يجب غسلها مستقلا أو
غسلها مع الجانب الأيمن أو مع الجانب الأيسر أو بالتنصيف لا يستفاد من الأخبار في ذلك
شئ.
نعم في بعض الأخبار الأمر بغسل الفرج ولكن قبل الشروع في غسل الرأس مثل
رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تصب على يديك
الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجيك ثم تمضمض وتستنشق وتصب

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 4.
123

الماء على رأسك ثلاث مرات وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء (1) وفي بعض الأخبار: ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك (2) وهذه الرواية يستفاد منها
أن الأمر بغسل الفرج لأجل تنقيته عن النجاسة كما في بعض أخبار غسل الميت الأمر بتنقية
فرجه كرواية يونس المتقدمة قالوا عليهم السلام ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة
الخبر (3) ولكن في رواية عبد الله الكاهلي المتقدمة الأمر بغسل الفرج في كل واحد من
الغسلات الثلاث فلاحظها (4) فيحتمل أن يجب غسل الفرج مستقلا قبل الشروع في غسل
الرأس فإن أردت الاحتياط التام فاغسله على حدة أولا أو آخرا واغسله أيضا مع كل من
الجانبين ويمكن الاحتياط أيضا بغسله بقصد ما في الذمة بأن ينوى أنه إذا كان الواجب غسله
مستقلا فأغسله كذلك وإن كان الواجب غسله مع كل الطرفين أو غسل بعضه مع الطرف
الأيمن وبعضه مع الطرف الأيسر فأغسله كذلك.
ثم إنه لا يجب البدأة من الأعلى في الغسل فيجوز النكس على المشهور خلافا لبعض
وقد استدل هذا البعض ببعض الأخبار الآمرة بصب الماء على المنكب الأيمن والأيسر كخبر
حريز المتقدم: ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين الخبر (5) ويمكن
الجواب عن هذه الرواية بأنها واردة مورد المتعارف من صب الماء على البدن من فوق
واستشكل بأنه كيف حملوا الأخبار الواردة في باب الوضوء على المتعارف وحكموا بوجوب
الغسل من الأعلى وهنا لم يحكموا بذلك مع أن الأخبار هنا محمولة على المتعارف أيضا وأجاب
الأستاذ دام ظله بأن الفارق هو النص فإن بعض الأخبار في باب الغسل يدل صريحا على عدم
وجوب البدأة من الأعلى مثل رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغتسل
أبي من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له: ما كان عليك لو سكت
ثم مسح تلك اللمعة بيده (6) ومثل رواية الجعفريات عن علي عليه السلام إن رسول الله
صلى الله عليه وآله اغتسل من جنابة فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فأخذ
رسول الله صلى الله عليه وآله من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثم صلى بالناس (7).

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب غسل الميت الحديث 7 - 11
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب غسل الميت الحديث 7 - 11
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 18
(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 18
(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 18
(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2.
(7) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2.
124

فإن حمل هذين الخبرين على الجزء الأخير من البدن حتى يحصل البدأة من الأعلى
خلاف الظاهر بل يمكن أن يستفاد منهما عدم وجوب الترتيب لأن اللمعة التي كانت في بدنه
التي لم يصبها الماء لم يبينها الإمام عليه السلام بأنها كانت في اليسرى أو غيرها فاطلاقها
يفيد عدم الفرق بين اليسرى وغيرها لأنه إذا كان هذا الحكم مختصا باليسرى ولم ينبهه الإمام عليه السلام على ذلك مع أنه (عليه السلام) كان في مقام البيان كان اغراءا بالجهل والقاء للسامع في
خلاف الواقع ومحال وقوع ذلك منه عليه السلام فتأمل.
فرع: إذا علم بعد الفراغ من الغسل أنه لم يصب الماء لمعة من بدنه ولم يدر أنها في أي
موضع هي فإن قلنا بعدم وجوب الترتيب يكفي غسل ما احتمل أنه لم يغسله ولا يجب غسل
العضو اللاحق بتمامه بعد ذلك مثلا إذا تيقن أنه ترك إما غسل منكبه الأيمن أو منكبه الأيسر
يكفي - بناء على عدم وجوب الترتيب - غسل المنكب الأيمن أو المنكب الأيسر ولا يجب إعادة
الشق الأيسر بتمامه.
وأما إذا قلنا بوجوب الترتيب بعد غسل المنكب الأيمن فلا بد من الإعادة على الأيسر
بتمامه ولكن يمكن أن يقال: إنه يكفي غسل المنكب الأيسر فقط كما ذكره بعض الفقهاء بأن
يقال: إنه بعد ما علم اجمالا بعدم غسل المنكب الأيمن أو الأيسر يعلم تفصيلا وجوب غسل
المنكب الأيسر لا محالة لأن المنكب الأيسر إما واجب الغسل لأجل عدم غسله أو لأجل فوات
الترتيب بين الأيمن والأيسر لعدم غسل الأيمن قبل الأيسر فيصير وجوب غسل الأيسر معلوما
تفصيلا ووجوب غسل المنكب الأيمن مشكوكا بالشك البدوي فتجري فيه أصالة البراءة
فيجب عليه غسل المنكب الأيسر فقط لا جميع الجانب الأيسر لأنه وإن كان يحتمل أن يكون
وجوب غسل المنكب الأيسر لأجل فوات الترتيب بين الأيمن والأيسر ولازمه هو وجوب غسل
تمام الجانب الأيسر لأن هذا الاحتمال أحد طرفي العلوم بالاجمال إلا أنه يصير من قبيل الأقل
والأكثر الارتباطيين الذين يجري البراءة في أكثرهما على المختار.
فصل: لا يعتبر الموالاة في الغسل على القول المشهور فيجوز غسل الرأس في أول
النهار وغسل الجانب الأيمن في وسطه والجانب الأيسر في آخره واستدل به بالأصل أي أصالة
عدم وجوب الموالاة أو استصحاب عدم وجوبها بالعدم الأزلي وباطلاقات الأدلة من الآيات
والروايات فإن قوله: ثم صب على رأسه ثلاث أكف وقوله: ثم صب على منكبه الأيمن مرتين
125

وعلى منكبه الأيسر مرتين (1) مطلق يصدق على ما لو صب على رأسه أول النهار وعلى جانبه
الأيمن وسطه وعلى الأيسر آخره ولكن الاستدلال بالأصل والاستصحاب لا وجه له فيما
إذا كان هناك دليل لفظي وأما الاستدلال بالاطلاقات فيمكن الخدشة فيه بأنه إذا قيل
لأحد: اغسل يدك مرتين مثلا أو قيل لأحد: اغسل جانبك الأيمن وجانبك الأيسر فغسل يده مرة
في هذه السنة وأخرى في السنة القادمة أو غسل جانبة الأيمن في هذا الشهر وجانبه الأيسر في
الشهر القادم فربما لا يصدق عليه بنظر العرف أنه امتثل أمر مولاه.
ولكن عمدة الدليل على عدم اعتبار الموالاة هو دلالة بعض الأخبار على ذلك كخبر
حريز المتقدم قال (عليه السلام): ثم ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قال: قلت: وإن كان بعض
يوم قال: نعم (2) ومثل رواية هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال: أدنه هذه أم إسماعيل جاءت وأنا
أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول، كنت أردت الاحرام فقلت: ضعوا
لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحففتها فأصبت منها فقلت: اغسلي رأسك
وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك
فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا
لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك (3).
فإن الروايتين صريحتان في جواز تأخير غسل بعض الأطراف بعد غسل طرف
أو طرفين.
الرابع من واجبات الغسل
تطهير تمام البدن من كل نجاسة وفيه أقوال.
الأول أنه يجب تطهير تمام البدن قبل الشروع في الغسل.
الثاني أنه يجب غسل العضو الذي يريد غسله ولا يجب غسل تمام البدن

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 18
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب غسل الجنابة الحديث 1.
126

قبل الشروع في الغسل مثلا يجوز أن يغسل الرأس ويشرع في الغسل وإن كان سائر البدن
نجسا وكذا الطرف الأيمن وإن كان الطرف الأيسر نجسا.
الثالث أنه يكفي تطهير البدن من النجاسة بنفس الاغتسال ولا يجب قبله بأن يصب
على رأسه النجس مثلا الماء بقصد إزالة النجاسة وبقصد الغسل.
الرابع أنه يجوز الاغتسال ولو كان بدنه نجسا ولا يجب إزالة النجاسة من البدن بشرط
لا تكون حائلة لوصول الماء وهذا القول في غاية الضعف والأقوى وجوب غسل النجاسة قبل غسل
ذلك العضو ولا يجب غسلها من جميع البدن قبل الشروع في الغسل والدليل على وجوب تطهير المحل
يريد غسله روايات كثيرة.
الروايات المتقدمة الآمرة بغسل الفرج قبل الشروع في الغسل وكذا الروايات الواردة في
غسل الأموات.
ومنها صحيحة الحكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة
فقال: أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم غسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل
فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل الخبر (1) وهذه الرواية صريحة أو ظاهرة في وجوب
تطهير البدن أولا ثم الغسل، ولكن يعلم منها ومن أمثالها أن وجوب غسل البدن قبل الشروع في
الغسل ليس له موضوعية بل لأجل التسهيل لأنه يعلم منها أن المناط هو طهارة البدن
عند الغسل وهي حاصلة بتطهير كل عضو قبل غسله.
مضافا إلى أن ذيل هذه الرواية كالصريح فيما ذكرنا قال (عليه السلام) بعد قوله: فاغتسل: فإن
كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك وإن كنت في مكان ليس بنظيف
فاغسل رجليك الخبر فإن من الواضح أن غسل الرجلين إذا كان في مكان قذر لا يمكن إلا بعد
غسل الرأس والشق الأيمن إلى حد الرجل وبعده الشق الأيسر إلى حد الرجل ثم يغسل رجله
من القذارة ثم يصب الماء عليها بقصد الغسل ولا يمكن حمل هذه الأوامر على الاستحباب
بقرينة ذكر بعض المستحبات قبلها أو بعدها لأن الأوامر الاستحبابية فيها علم استحبابها
من الخارج من اجماع أو غيره ولا يمكن حمل كل أمر فيها على الاستحباب لأجل الأوامر
الاستحبابية بل لا بد من حمل كل أمر على الوجوب إلا إذا علم من الخارج استحبابيته.

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 7.
127

ثم إنه استدل بذيل هذه الصحيحة على عدم وجوب إزالة النجاسة من البدن قبل
الغسل أو حينه بتقريب أن قوله (عليه السلام) فإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك يستفاد
منه أن غسل الرجل من النجس جائز ولو بعد الغسل.
ولكن ليس في الرواية ظهور في وجوب غسل الرجل بعد الغسل بل بقرينة صدرها
المراد هو غسل الرجل من القذارة قبل أن يصب عليها الماء بقصد الغسل كما استظهرناه منها
وكيف كان فاطلاقات سائر الأخبار التي هي في مقام البيان تعارض هذه الروايات إلا أن
يقال: هذه الروايات تخصص تلك الاطلاقات مع أن من العلوم عدم بقاء الاطلاقات على
حالها لورود المقيدات الكثيرة عليها من طهارة ماء الغسل وعدم غصبيته وعدم غصبية مكان
الغسل وغير ذلك من الشرائط التي هي اجماعية فلا بد من تقييدها فلتكن هذه الروايات من
مقيداتها والمسألة بعد غير خالية عن الاشكال بملاحظة الاطلاقات الواردة مورد البيان ومورد
الحاجة فلا يترك فيها الاحتياط بإزالة النجس عن العضو الذي يريد غسله قبل الشروع في
غسل ذلك العضو.
ثم إنه استدل أيضا لإزالة النجس قبل الغسل باشتراط طهارة ماء الغسل
اجماعا فلو لم يكن إزالة النجاسة عن البدن قبل الغسل معتبرة يلزم تجويز الاغتسال بالماء
المتنجس لأنه ينجس ماء الغسل بصبه على الموضع النجس وأجيب بنقض ذلك بالماء
المستعمل في رفع الخبث بناء على نجاسة الغسالة مع أنه نجس ومزيل للخبث فالذي عليه
الاجماع من عدم مطهرية الماء النجس للحدث والخبث مورده ما إذا كان نجسا قبل ملاقاته
للمحل النجس لا ما إذا صار نجسا بسبب الصب على الموضع النجس فيمكن أن نقول هنا بأنه لا مانع
من الاغتسال بهذا الماء الذي يصير نجسا بملاقاته للمحل النجس مضافا إلى أن هذا الاشكال
غير جار فيما إذا اغتسل بماء الكر بأن كان الاغتسال وإزالة النجاسة في آن واحد.
وربما استدل أيضا لوجوب إزالة النجاسة قبل الغسل بما هو المركوز في أذهان المتشرعة من
اعتبار كون محل الغسل طاهرا ولكن يرد عليه بأن ارتكازهم إنما نشأ من فتاوي الأصحاب
الذين حكموا بوجوب طهارة أعضاء الغسل فمع قطع النظر عن هذه الفتاوي لا يعلم وجود هذا
الارتكاز.
وهل يجب المباشرة في غسل الأعضاء أو تجوز الاستنابة - المشهور هو الأول وربما
128

يستدل لذلك بالآية المباركة. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة
ربه أحدا (1) بناء على أن المراد بالشرك في العبادة الشرك في اتيانها أي اتيانها مشتركا.
ولكن الظاهر المنساق إلى الذهن هو الشرك في المعبود بأن يأتي بالفعل لله تعالى
ولغيره وهو معنى الرياء إلا أن في بعض الأخبار ما يدل على المعنى الأول كالرواية المروية عن
الفقيه. كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء فقيل له: يا
أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا قال الله
تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه الآية (2) فإنه يظهر من هذه الرواية أن المراد من الآية الشرك في
الفعل وكالرواية المروية عن الكافي باسناده عن الوشاء قال: دخلت على الرضا عليه السلام
وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال: مه يا
حسن فقلت له: لم تنهاني أن أصب على يديك تكره أن أوجر قال: توجر أنت وأوزر أنا فقلت
له: وكيف ذلك فقال: أما سمعت الله عز وجل يقول وتلا هذه الآية وها أنا ذا أتوضأ للصلاة
وهي العبادة فأكره أن يشاركني فيها أحد (3).
ولكن في بعض الأخبار في باب الرياء (4) ما يدل على المعنى الثاني.
فيمكن أن يكون لفظ الشرك قد استعمل في المعنيين وكيف كان فلا تدل الروايتان
على عدم جواز الاستنابة لأن التشريك في اتيان فعل غير الاستنابة لأن الاستنابة هي اتيان
غير المأمور بالفعل على سبيل النيابة والتشريك هو اتيان المأمور بالفعل مع مساعدة الغير له فغاية
ما تدل عليه الروايتان هو حرمة تشريك الغير في اتيان المأمور به وهذا أجنبي عما نحن فيه من
عدم جواز الاستنابة في فعل الغسل ولكن يمكن أن يستدل لعدم جواز الاستنابة باطلاقات
الآية والأخبار الآمرة باتيان الجنب الغسل الظاهرة في المباشرة دون التسبيب
فصل
في الغسل الارتماسي ويتحقق بانغماس جميع بدنه في الماء دفعة واحدة ويسقط

(1) آخر سورة الكهف
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1 - 2
(4) راجع صفحة 98 من جامع الأحاديث من مقدمة الكتاب.
129

الترتيب بين أعضاء ح كما قاله في الشرايع والمعتبر وعن بعض الفقهاء اعتبار الترتيب
الحكمي فيه ولكن بعض الأخبار الوارد فيه يرد ذلك ففي رواية زرارة المتقدمة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك
جسده (1) وفي حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا ارتمس الرجل ارتماسة واحدة أجزئه
ذلك عن غسله (2) وفي رواية السكوني عنه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يجنب فيرتمس في
الماء ارتماسة واحدة ويخرج يجزيه ذلك من غسله قال: نعم (3) وفي مرسلة الحلبي قال: حدثني
من سمعه يقول إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله (4) وهذه
الروايات - كما ترى - غير متعرضة لوجوب الترتيب أصلا مع أنها في مقام البيان فباطلاقها
يدفع وجوب الترتيب الحكمي والاعتباري اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الأخبار المتقدمة المشتملة على بيان الترتيب - أن الغسل منحصر في فرد واحد وهو ما اشتمل على
الترتيب ويستفاد من هذه الأخبار أي أخبار الغسل الارتماسي - أن هذا النحو من الغسل
بدل من الغسل الترتيبي بقرينة قوله أجزأه ذلك أو يجزيه ذلك المشعر بأن الأصل في الغسل
هو الغسل الترتيبي والارتماسي بدل عنه فهو مجز عنه لا أنه فرد برأسه فح إذا لم يمكن الترتيب
الحقيقي فلا بد من الترتيب الحكمي.
ولكن يدفع هذا الاحتمال - أن التعبير بقوله: أجزاه ذلك أو يجزيه ذلك ليس له اشعار
بذلك فإنه يصح التعبير عن أحد فردي الواجب المخير أنه مجز عن الواجب مثلا يصح أن
يقال: إن اطعام ستين مسكينا في الافطار العمدي للصوم مجز عن عتق الرقبة فلفظ الاجزاء لم
يكن صريحا ولا ظاهرا في كون شئ بدلا عن الآخر فيمكن بل يظهر من الأخبار أن الغسل
الارتماسي أحد فردي الواجب المخير.
ثم إن الغسل الارتماسي هل يتحقق بارتماس البدن في الماء دفعة واحدة حقيقة
أو دفعة عرفية أو يمكن أن يتحقق تدريجا بحيث يتحقق شيئا فشيئا بوصول كل جزء من الجسد في
الماء وإن طال الزمان مثلا يدخل رجليه في الماء فيتحقق الغسل بالنسبة إلى الرجلين وبعد
ساعة يدخل ركبتيه وبعد ساعة يدخل وركيه وهكذا إلى أن يصل إلى رأسه فكل جزء من

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12 - 23
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12 - 23
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13 - 15.
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13 - 15.
130

البدن يصل إلى الماء يتحقق الغسل بالنسبة إليه - وجوه بل أقوال.
أما الدفعة الحقيقية فلا يمكن أن تحمل الأخبار عليها لأنها منزلة على المتفاهم العرفي
والعرف لا يساعد على ذلك بل هي غير ممكنة بحسب الغالب أو مستلزمة للعسر والحرج
المنفيين في الاسلام.
وأما المعنى الثاني فلا يبعد حمل الأخبار عليه فإن قوله (عليه السلام) ارتمس في الماء ارتماسة
واحدة ظاهر في الوحدة العرفية مع حفظ صدق الوحدة عليها فح المعنى الثالث بعيد عن
مساق الأخبار لعدم صدق الارتماسة الواحدة عليه.
ثم إنه هل يكفي بقاء جميع البدن في الماء مع نية الغسل وإن لم يحرك بدنه تحت الماء
أو لا بد من خروج جميع البدن من الماء ثم الشروع في الغسل بادخال جميع البدن في الماء دفعة
واحدة عرفية أو يكفي خروج بعض البدن من الماء ولا يعتبر خروج جميع البدن منه أو يكفي
تحرك البدن في الماء بقصد الغسل وإن لم يكن شئ من بدنه خارجا من الماء وجوه أو أقوال
وجه القول الأول أنه يلزم في الغسل الارتماسي الارتماس والاختفاء في الماء والمفروض تحقق
هذا المعنى بقاءا بعد النية وإن لم يتحقق حدوثا فإنه يصدق عليه أنه مرتمس في الماء وهذا مثل
ما لو أمر المولى بتخلية دار في يوم الجمعة فخلاها في يوم الخميس فبقيت خالية إلى يوم الجمعة فإنه
يصدق عليه امتثال الأمر بالتخلية مع أنه لم يحقق التخلية في يوم الجمعة بل حققها في يوم
الخميس ولكن التخلية صادقة عليها بقاءا في يوم الجمعة ولكن لا يخفى عليك ما فيه فإن الأمر
قد تعلق بغسل البدن والارتماس في الماء فإن بعض الأخبار الدال على وجوب إفاضة الماء
أو اجراء الماء أو صب الماء على البدن المقصود من جميع ذلك هو غسل البدن وهذه طرق لغسله
فح لا يصدق على التوقف في الماء بنظر العرف أنه غسل بدنه وكذا لا يصدق عليه أنه ارتمس في
الماء.
ووجه القول الثاني توقف صدق الارتماس على ذلك فإنه إذا قيل لأحد: ارتمس في
الماء يتبادر إلى ذهنه أن أدخل جميع بدنك في الماء وهذا لا يصدق إلا إذا كان جميع بدنه خارجا عن
الماء ثم ارتمس في الماء بجميع بدنه.
ويرد عليه أنه كما يصدق على ذلك الارتماس يصدق على ما إذا كان بعض بدنه
خارجا عن الماء خصوصا إذا كان ذلك البعض رأسه فارتمس ببعض بدنه في الماء بل على
131

تصريح بعض أهل اللغة أن الارتماس في الماء بمعنى تغطية الرأس فيه - هو ادخال الرأس في
الماء فقط لا جميع البدن.
ووجه القول الثالث أن الرمس في الماء كما يصدق فيما إذا كان جميع بدنه خارجا
منه ثم ارتمس فيه وأدخل مع بدنه فيه كذلك يصدق على ما إذا كان بعض بدنه خصوصا
رأسه - خارجا فارتمس في الماء
ووجه القول الرابع أن الارتماس في الماء يتحقق بما إذا كان تحت الماء ثم نزل في الماء أزيد مما
كان فإنه يصدق عليه أنه ارتمس في الماء والمناط صدق هذا المعنى وإن أبيت عن صدق الارتماس
فلا اشكال في صدق امساس الماء للبدن كما ورد في الرواية.
والظاهر كفاية جميع ما ذكرناه من الوجوه إلا واحدا منها وهو التوقف فيه بقصد
الغسل فإنه لا يخلو من اشكال
مسائل ثلاث
الأولى في حكم البلل الخارج بعد الغسل فيما إذا كانت الجنابة بالانزال فإنه إما أن
يعلم بكونه بولا أو منيا أو يعلم بأنه ليس بأحدهما أو يشك في كونه أحدهما أما إذا علم بأنه
أحدهما فلا اشكال ولا خفاء في حكمه، وكذا إذا علم بأنه ليس أحدهما وأما إذا شك في كونه
أحدهما فالمشهور بل ادعى عليه الاجماع - أنه إن استبرأ بالبول بأن بال بعد الانزال لا يجب
عليه الغسل وهل يجب عليه الوضوء أولا - يأتي الكلام فيه وإن لم يبل وجب عليه إعادة
الغسل وتدل على ذلك روايات متظافرة منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ قال: يعيد
الغسل قلت: فالمرئة يخرج منها شئ بعد الغسل قال: لا تعيد قلت: فما الفرق بينهما قال: لأن
ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج
من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال: يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون قد بال ثم اغتسل ثم
وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء لأن البول لم يدع شيئا (2) ومنها صحيحة

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10 - 6.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10 - 6.
132

الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل ثم يجد بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل
قال: ليتوضأ وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل (1).
وهذه الروايات تدل صريحا على وجوب إعادة الغسل إذا لم يبل قبل الغسل فوجد
بللا بعد الغسل وعلى عدم وجوب إعادته إذا بال قبل الغسل ولكن تعارضها رواية عبد الله بن
هلال قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثم يغتسل قبل أن يبول ثم
يخرج منه شئ بعد الغسل قال: لا شئ عليه إن ذلك مما وضعه الله منه (2).
ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب ثم
اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال: لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رآى شيئا (3) وحمل
الشئ على غير البلل من الريح ونحوه بعيد لكون الظاهر من السؤال هو ما أوقع السائل في
الشبهة مع أنه خلاف المتعارف.
وتعارضها أيضا رواية جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل
أيضا قال: لا قد تعصرت ونزل من الحبائل (4) وحمل الأخبار الآمرة بإعادة الغسل عند عدم
البول قبل الغسل على الاستحباب جمعا بينها وبين هذه الأخبار بعيد لإباء تلك الأخبار عن
ذلك وأبعد منه حمل تلك الأخبار على ما إذا لم يستبرئ بالاجتهاد أي الخرطات الثلاث وحمل هذه
على ما إذا استبرأ فإنه لا شاهد لهذا الجمع مضافا إلى أن الاستبراء بالخرطات ليس سقوط
الإعادة به اجماعيا نعم هو مشهور والذي يسهل الخطب إن الأخبار النافية للإعادة ضعيفة
السند غير معمول بها بين الأصحاب ولا يمكن جبران ضعفها بفتوى المشهور بكفاية الاستبراء
في سقوط إعادة الغسل وحمل هذه الأخبار على ذلك لعدم العلم باستناد المشهور إلى هذه الأخبار فيمكن أن يكون مستندهم غيرها فالوجه هو ما عليه المشهور من وجوب إعادة الغسل
عند عدم البول قبل الغسل.
ثم إن هذا المورد مع أنه مورد لاستصحاب بقاء الغسل عند خروج البلل المشتبه
ومع ذلك فقد حكم الشارع بوجوب الغسل ويمكن أن يكون من باب تقديم الظاهر على الأصل

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13 - 12 - 11.
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13 - 12 - 11.
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13 - 12 - 11.
133

حيث إن الظاهر بحسب الغالب هو بقاء بقايا المني في المخرج عند عدم البول وهل يكون
هذا الحكم المستفاد من الأخبار أصلا أو أمارة - الظاهر هو الثاني لأن كل واحد من الأصل
والأمارة وإن كان موردهما الشك إلا أن الأصل ما أخذ الشك في موضوعه مثل قوله (عليه السلام) إذا شككت
بين الثلاث والأربع فابن على الأربع.
وحيث إن موضوع الحكم في هذه الأخبار لا يكون شكا فلا بد من أن يكون أمارة
على كون ما خرج منيا فح يترتب على ما خرج جميع أحكام المني من نجاسته ووجوب تطهيره
للصلاة وكذا يترتب على الغسل منه جميع آثار الغسل من جواز الاكتفاء به للصلاة وغير ذلك
لأن الأمارة ولوازمها الشرعية والعقلية والعادية حجة وهذا بخلاف ما إذا كان أصلا فإنه إذا
استفدنا من الأخبار بأنه أصل شرعي فإنه لا يترتب على ما خرج سوى وجوب الاغتسال منه
حتى في جواز الاكتفاء به للصلاة عن الوضوء إذا قلنا بكونه أصلا اشكال لأن الأصل
لا يثبت به لوازمه العقلية والعادية بل ولا الشرعية إلا على القول بحجية الأصل المثبت
وقد حقق في محله عدم حجيته.
ثم اعلم أنه يستفاد من بعض الأخبار المتقدمة أن الجنب إذا بال واغتسل ثم رآى
بللا أنه يجب عليه الوضوء من غير تفصيل بين ما إذا استبرأ من البول بالخرطات أولا ولكن
يعارض هذا الاطلاق ما في كثير من الأخبار المعتبرة الصريحة من عدم إعادة الوضوء لمن
استبرأ من البول ثم رآى بللا مشتبها مثل رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين
ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى فإن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي (1).
ومثل رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال ولم يكن
معه ماء قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ
فليس من البول ولكنه من الحبائل (2) ونحوهما غيرهما من الأخبار.
فربما يقال: إنه لا بد من طرح تلك الأخبار الآمرة بالوضوء لكون هذه الأخبار
معمولا بها بين الأصحاب وموافقة للاجماع بخلاف تلك أقول: إنه لا حاجة إلى طرح تلك

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الخلوة الحديث 2.
134

الأخبار لأن النسبة بين تلك الأخبار الآمرة بالوضوء والأخبار الدالة على عدم وجوب الوضوء
عند الاستبراء هي العموم والخصوص المطلق والخاص حاكم على العام ومخصص له فح
نقول: إن مفاد الأخبار الآمرة بالوضوء هو أنه يجب الوضوء إذا رآى بللا بعد الغسل إلا أن
يكون قد استبرأ بعد البول فإنه لا يجب ح عليه الوضوء وهذا الاستثناء مستفاد من الأخبار
المخصصة والحاصل أنه لا تعارض بين العام والخاص أو المطلق والمقيد حتى تلاحظ
المرجحات بل لا بد من تقديم الخاص على العام وتقييد العام به وكذا لا بد من تقديم المقيد على
المطلق وتقييده به.
فرع
إذا رأى بللا بعد الغسل فإما أن يكون قد بال قبل الغسل أم لا وعلى الفرض الأول فإما أنه
استبرأ من البول بالخرطات أم لا وعلى الفروض فإما أن يشتبه البلل بين المني وأحد الأشياء
التي ليس فيها التكليف كالمذي أو بين البول وأحد تلك الأشياء أو اشتبه بين البول والمني فإن
بال واستبرء من البول بالخرطات قبل الغسل ثم رآى بللا بعد الغسل واشتبه بين المني وغير
البول أو كان احتمال البول أحد الاحتمالات أيضا فليس عليه ح الغسل ولا الوضوء.
أما عدم وجوب الغسل فللأخبار الدالة على عدم وجوب إعادة الغسل لمن بال قبل
الغسل.
وأما عدم وجوب الوضوء فللأخبار الدالة على عدم وجوب الوضوء على من استبرأ
من البول بالخرطات
وأما إذا تيقن أن البلل إما هو المني أو البول فقد يقال: بوجوب الوضوء عليه فقط
إذا كان متطهرا لأنه يعلم بانتقاض وضوئه ولا يعلم بانتقاض غسله لأنه يعلم أن وضوئه
قد انتقض إما بالحدث الأكبر أو الأصغر والقدر المتيقن هو وجوب الوضوء وأما وجوب الغسل
فلم يعلم بتوجهه إليه والأصل يقتضي العدم.
ولكن الظاهر وجوب كليهما عليه لأن الوضوء كما ينتقض بالحدث الأصغر ينتقض
بالحدث الأكبر أيضا والمفروض هنا أنه لم يعلم بكيفية انتقاضه ولكن علم بحدوث حدث له
وعلم بتوجه تكليف إليه ولا يعلم ما هو فلا بد من الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء.
135

نعم إذا كان محدثا قبل رؤيته للبلل يكفيه الوضوء لعدم العلم بتجدد تكليف
زائد على التكليف الذي كان متوجها إليه وأما إذا استبرأ من المني بالبول ولكن لم يستبرئ
من البول فيجب عليه ح الوضوء فقط للأخبار الدالة على وجوب الوضوء على من لم يستبرئ من
البول.
وأما الغسل فلا يجب عليه لما عرفت من دلالة الأخبار على عدم وجوب الغسل لمن
استبرأ بالبول من المني وأما إذا ترك البول فإن اشتبه البلل بين المني وغير البول يجب عليه
الغسل فقط لعدم احتمال كون البلل بولا والأخبار الدالة على وجوب الوضوء على من ترك
الاستبراء من البول مختصة قطعا بما إذا احتمل كون البلل بولا وأما في صورة عدم الاحتمال
فلا تشمله الأخبار وإن اشتبه بين المني والبول فالظاهر أن حكمه مثل ما مر في صورة الاستبراء
من المني والبول من وجوب الغسل والوضوء عليه لشمول كلتا الطائفتين من الأخبار لهذا
الفرض على اشكال في شمولهما لأطراف العلم الاجمالي.
وإن اشتبه بين البول وغير المني فالظاهر عدم وجوب شئ عليه أما عدم وجوب
الغسل فلاختصاص الأخبار الدالة على وجوب إعادة الغسل على من لم يستبرئ بالبول بما
إذا احتمل كون البلل منيا وأما إذا لم يحتمل فهو غير مشمول للأخبار قطعا.
وأما عدم وجوب الوضوء عليه فلاختصاص الأخبار الدالة على وجوب الوضوء على
من لم يستبرئ من البول بالخرطات بما إذا بال ولم يستبرئ وأما من لم يبل ولم يستبرئ بالخرطات
فلا تشمله الأخبار كذا في المسودة نقلا عن الأستاذ دام ظله وأظن أن ذلك اشتباه مني وعدم
الالتفات إلى كلام الأستاذ لأن هذا الكلام لا يخفى ضعفه مفروض كلامنا أنه أمنى
وبال ولكن ترك الاستبرائين أي الاستبراء من المني والاستبراء بالبول وأما من لم يبل فهو
خارج عن الفرض
المسألة الثانية:
إذا أحدث في أثناء الغسل فإما أن يكون ذلك الحدث موجبا للغسل أو موجبا للوضوء
فقط فإن كان الأول فإما أن يكون من جنس الحدث الذي يريد إزالته بأن صار جنبا أيضا
في أثناء غسل الجنابة يبطل ما أتى به من أجزاء غسل الجنابة ويجب عليه إعادة الغسل من
136

رأس. وإن كان من غير جنسه مثل ما إذا مس الميت في أثناء غسل الجنابة فالأحوط استيناف
الغسل بقصد التمام أو الاتمام والآتيان بالوضوء للصلاة.
وأما إذا كان الحدث موجبا للوضوء فقط ففيه ثلاثة أقوال الأول بطلان الغسل
ووجوب إعادته من رأس لعدم ثبوت كون الغسل المتخلل بالحدث رافعا للجنابة فيستصحب أثرها
إلى أن يعلم المزيل وقضية استصحاب الجنابة هو جواز الاكتفاء بغسلها عن الوضوء
لو أعاد الغسل كما لو استصحبها عند الشك في أصل الغسل ولرواية الصدوق عن الصادق
عليه السلام قال: لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل جسدك إلى
وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك فإذا أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو
مني بعد ما غسلت رأسك من قبل جسدك فأعد الغسل من أوله (1)
واستدل أيضا له بأن الحدث لو تأخر عن تمام الغسل لأبطل إباحتها للصلاة ففي
الأثناء بطريق أولى ولكن في جميع هذه الوجوه نظر.
أما استصحاب أثر الجنابة فسيجيئ بأنه محكوم باستصحاب صحة الأجزاء المأتي بها
وأما الرواية فإنها ضعيفة السند ولم يعلم استناد القائلين ببطلان الغسل بالحدث المتخلل
إلى هذه الرواية كما يظهر من استدلالهم حيث إنهم استدلوا بالاستصحاب والأولوية ولم
يستدلوا بهذه الرواية وأما الأولوية فحالها أسوأ فإن الحدث الواقع بعد الغسل لا يبطل الغسل
بل يوجب الوضوء فمقتضى الأولوية إن صحت أن الحدث إذا حدث في الأثناء فكذلك أي
هو موجب للوضوء وأين هذا من بطلان الغسل مع أن الأولوية بالنسبة إلى الوضوء أيضا
ممنوعة لأنه إذا تحقق الحدث في الأثناء يتحقق بعده ما يحتمل أن يكون مزيلا له وهو بقية
الغسل وهذا بخلاف ما إذا وقع بعد الغسل فهذا القول ضعيف.
القول الثاني صحة الغسل وما أتى به ووجوب اتمامه وجواز الصلاة بهذا الغسل من
غير وضوء ودليل هذا القول يمكن أن يكون هو استصحاب الصحة التأهلية بمعنى كون
الأجزاء المأتي بها بحيث لو انضم إليها بقية الأجزاء تحقق المأمور به وترتب عليه الأثر وإذا
ثبت صحة الغسل بالاستصحاب فلا يجب عليه الوضوء بالحدث في الأثناء فتأمل.
وفيه أن الاستصحاب محكوم باطلاقات الأدلة الدالة على وجوب الوضوء على من

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 4
137

أحدث والقدر المتيقن من ما خرج من هذه الاطلاقات ما إذا أحدث قبل الغسل وأما إذا
أحدث في أثناء الغسل فلا يعلم بخروجه عن اطلاقات الأدلة فتشمله اطلاقات الأدلة
ولا تصل النوبة إلى التمسك بالاستصحاب لأنه تمسك بالأصل في موضع وجود اطلاق الدليل
وهو غير جائز كما أن الاطلاقات تشمل ما إذا كان الحدث بعد اتمام الغسل قطعا.
والقول الثالث أنه يتم الغسل ويتوضأ للصلاة وهذا القول هو الأقوى أما وجوب
الاتمام وعدم بطلان الغسل بوقوع الحدث في أثنائه فلاقتضاء استصحاب صحة الأجزاء
المأتي بها - ذلك وليس لنا دليل دال على بطلان الغسل بتخلل الحدث في أثنائه.
وأما وجوب الوضوء فلما عرفت من الاطلاقات الدالة على وجوب الوضوء لمن
أحدث الشاملة لما نحن فيه وما يقال من أن الجنب ما لم يفرغ عن الغسل فهو محدث وبعد
الفراغ عن الغسل كما أنه يرتفع حدثه الأكبر فكذلك يرتفع حدثه الأصغر فهو ضعيف لأنه وإن كان
محدثا ما لم يفرغ عن الغسل إلا أنه لا يكون بحيث لم يأت بشئ أصلا نعم لا تترتب على ما أتى
به آثار الطهارة مع جواز الدخول في الصلاة وفي المسجد وجواز مس كتابة القرآن وغير ذلك
نعم له أثر في الجملة إذا انضم إليه باقي الأجزاء يصير غسلا كاملا فح ما دل على
وجوب الوضوء أو الغسل على من صار محدثا بالأصغر لم يتحقق امتثاله إذا أتم الغسل ولم
يتوضأ لأن المفروض أنه لم يغتسل بعد الحدث بل أتى ببعض أجزاء الغسل ولم يتوضأ على الفرض.
والحاصل أن غسل بعض الأعضاء في الغسل كغسل بعض الأعضاء في الوضوء فكما
أن الوضوء ما لم يفرغ منه لم تتحقق الطهارة ومع ذلك لا يجوز ايجاد الحدث في أثنائه واتمامه
فكذلك الغسل إلا إذا اتبعه بالوضوء.
المسألة الثالثة
لا يجوز أن يغسله غيره مع الامكان ويجوز مع الضرورة كما في الوضوء لعموم العلة
المنصوصة في الوضوء ففي صحيحة عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت
لهم: احملوني فاغسلوني فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني (1).

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الوضوء الحديث 1.
138

المبحث السادس في الحيض
وهو دم غليظ حار أسود يخرج بحرقة كما تدل على ذلك صحيحة حفص البختري أو
حسنته قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام امرأة سألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري
حيض هو أم غيره قال: فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم
الاستحاضة أصفر بارد الخ (1) وهاتان العلامتان المذكورتان لدم الحيض والاستحاضة
غالبية لا دائمية بقرينة حكم الشارع بوجوب ترتيب آثار الحيض في بعض الموارد دوان لم يكن
بصفات الحيض مثل ما إذا رأت الدم في أيام عادتها فإن الشارع قد حكم بأنه حيض وإن لم
يكن بصفات الحيض وكذا حكم في الدم الذي تراه أقل من الثلاثة أو أكثر من العشرة بأنه
دم الاستحاضة وإن كان بصفات الحيض ثم إن هذه العلامة لدم الحيض علامة له فيما إذا اشتبه
بدم الاستحاضة وأما إذا اشتبه بدم العذرة فقد ذكر الشارع له علامة أخرى يتميز بها عن دم
العذرة وهي ما رواه خلف بن حماد قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام بمنى فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها
سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام أن القوابل اختلفن في ذلك فقال
بعضهن: دم الحيض وقال بعضهن: دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع قال عليه السلام فلتتق
الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها وإن كان من العذرة
فلتتق ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك.
فقلت له: وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغي قال: فالتفت يمينا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 2 لكن عن حفض من البختري.
139

وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ثم نهد إلي فقال: يا خلف سر الله فلا تذيعوه
ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله إلى أن قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها
اخراجا دقيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وإن كان مستنقعا في القطنة فهو
من الحيض الخبر (الوسائل الباب 2 من أبواب الحيض الحديث 1)
ثم إن أقل الحيض ثلاثة أيام وهو اجماعي وتدل عليه الأخبار الكثيرة التي يأتي
بعضها فما في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله في المرأة الحبلى ترى الدم اليوم
واليومين قال (عليه السلام): إن كان الدم عبيطا فلا تصل ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل
عند كل صلاتين (1) فضعيف فلا بد من طرحها لمخالفتها للاجماع والأخبار الكثيرة أو تأويلها
بأن يقال: إن رؤية الدم في اليوم واليومين لا تنافي رؤيته أكثر من ذلك أو يكون ترك الصلاة
للاستظهار.
وكذا أكثر الحيض عشرة أيام وهو اجماعي أيضا وتدل على كلا الحكمين روايات
معتبرة منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أقل ما يكون
الحيض - ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام (2) ومنها صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض قال: أدنى الحيض ثلاثة وأبعده
عشرة (3) ومنها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه عن
أدنى ما يكون من الحيض فقال: (أدناه) ثلاثة (أيام) وأكثره عشرة (4) على غير ذلك
من الأخبار الكثيرة وهذه المسألة أي إن أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة مما لا اشكال فيها و
إنما الاشكال في أنه هل يكفي الثلاثة مطلقا أي ولو كان مع التفريق أو لا بد من
التوالي يتبادر من الروايات المتقدمة اشتراط التوالي لأن العدد ظاهر فيه مثلا إذا قيل: صم
ثلاثة أيام لا يتبادر إلى الذهن مطلق الثلاثة بل ينتقل إلى الثلاثة المتوالية ولكن في بعض الأخبار ما يدل على كفاية مطلق الثلاثة.
مثل رواية يونس عن الصادق عليه السلام قال: أدنى الطهر عشرة أيام وذلك أن
المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ويكون حيضها عشرة أيام فلا تزال كلما كبرت

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3 - 2 - 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3 - 2 - 1.
(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3 - 2 - 1.
140

نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام فإذا رجعت إلى ثلاثة أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من
ثلاثة أيام فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام
فهي حائض وإن (فإن) انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم
رأت الدم إلى عشرة أيام فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى
تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو
الحيض وإن مر من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن
من الحيض إنما كان من علة إما من قرحة في جوفها (في الجوف) وإما من الجوف فعليها أن
تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها الخبر (1).
وهذه الرواية صريحة في كفاية رؤية الدم ثلاثة أيام وإن كانت في ضمن عشرة
أيام ولا يشترط التوالي فهذه الرواية حاكمة على جميع الروايات الظاهرة في اشتراط التوالي و
هي وإن كانت مرسلة إلا أن ارسالها منجبر بعمل الأصحاب بها مضافا إلى أن ارسال مثل
يونس الذي قيل: إنه يونس بن عبد الرحمن كالاسناد.
إلا أن يقال: إن هذه الرواية مرسلة كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليها في اثبات
هذا الحكم المخالف للأصل ولظواهر الأخبار ولا يعلم استناد بعض الأصحاب القائلين
بعدم اعتبار التوالي إلى هذه الرواية فيمكن أن يكون اعتمادهم على غيرها كما يظهر ذلك من
استدلالاتهم نعم هي من جملة استدلالاتهم مضافا إلى ميل أكثر الأصحاب إلى اشتراط
التوالي مع أن هذه الرواية كانت بمرأى منهم ومع ذلك لم يعملوا بها والمسألة بعد غير خالية عن
الاشكال فالأحوط في صورة عدم التوالي الجمع بين تروك الحائض وأعمال الطاهر وكذا
القول بأن أكثر الحيض عشرة أيام اجماعي وما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أكثر ما يكون من الحيض ثمان وأدنى ما يكون منه ثلاثة (2) فهو مطروح
لمخالفته للاجماع والأخبار المتواترة.
وكذا أقل الطهر عشرة أيام وهو أيضا اجماعي وتدل عليه رواية يونس المتقدمة
قال (عليه السلام): أدنى الطهر عشرة أيام الخبر ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 14.
141

قال: لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى
الدم (1) ورواية الدعائم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: وأقل الطهر عشر ليال
الخبر (2) ورواية فقه الرضا عليه السلام قال: والحد بين الحيضين القرء وهو عشرة أيام
الحديث (3).
ولكن في بعض الأخبار ما يدل على كفاية أقل من العشرة في الطهر مثل رواية
يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام
قال: تدع الصلاة قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام قال: تدع الصلاة قلت فإنها
ترى الطهر ثلاثة أيام قال: تصلي قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام قال: تدع
الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر فإن انقطع الدم عنها وإلا فهي مستحاضة (4).
وروايته الأخرى عن أبي بصير عنه عليه السلام في المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر
خمسة أيام وترى الدم أربعة أيام وترى الطهر ستة أيام فقال: إن رأت الدم لم تصل وإن رأت
الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما الخبر (5).
ولكن لا بد من طرح هاتين الروايتين لمخالفتهما للاجماع والأخبار الكثيرة واعراض
الأصحاب عنها أو حملهما على بعض المحامل مثل حملهما على ما إذا تغيرت عادتها وأشبهت
عليها صفة الدم كما ذكره الشيخ قده أو غير ذلك ثم إن الدم الذي تراه المرأة قبل اكمالها تسع
سنين هلالية ليس بحيض وتدل عليه مضافا إلى دعوى الاجماع على ذلك - صحيحة عبد الرحمن
ابن الحجاج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ثلاث يتزوجهن على كل حال وعد منها التي
لم تحض ومثلها لا تحيض قال: قلت: ما حدها قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين (6) وفي
روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها (7).
وكذا الدم الذي تراه بعد اليأس ليس بحيض وحد اليأس في غير القرشية خمسون

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 10
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9 - 12
(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9 - 12
(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15 - 16
(5) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15 - 16
(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق
(7) لم أرها في مظانها نعم أوردها في مصباح الفقيه صفحة 260.
142

سنة وفي القرشية ستون سنة كما عليه المشهور.
والدليل عليه ما اقتضاه الجمع بين الأخبار فإن بعض الأخبار قد حدد الحيض
بخمسين سنة من دون تفصيل بين القرشية وغيرها مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: حد التي قد يئست خمسون سنة (1) ومثلها صحيحته الأخرى
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ثلاث يتزوجن على كل حال إلى أن قال: والتي قد يئست
من المحيض ومثلها لا تحيض قال: قلت: وما حدها قال: إذا كان لها خمسون سنة (2).
وبعض الأخبار يدل على التحديد بالستين وهو باطلاقه شامل لغير القرشية مثل
روايته أيضا عن الصادق عليه السلام قال: ثلاث يتزوجن إلى أن قال: إذا بلغت ستين سنة فقد
يئست من المحيض ومثلها لا تحيض (3).
وهذه الرواية يمكن وقوع السهو فيها من الراوي لأنها بعينها هي الرواية التي مرت
آنفا من حيث الراوي ومن حيث المروي عنه إلا أن في الجواب فرقا بينها وبين السابقة
حيث إن في هذه الرواية التحديد بالستين وفي السابقة التحديد بالخمسين فح الظاهر أنهما
رواية واحدة وقع السهو في إحداهما وهي رواية الستين ويؤيده عدم تعرض القدماء
للتفصيل بين القرشية وغيرها بل حكموا على الاطلاق بأن حد اليأس خمسون سنة ولكن
يمكن حمل رواية الستين على القرشية ورواية الخمسين على غيرها بأن تكون رواية الخمسين
ورواية الستين روايتين لا رواية واحدة والشاهد على هذا الحمل مرسلة ابن أبي عمير التي
هي كالمسندة عند الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة
إلا أن تكون امرأة من قريش (4).
وعن الشيخ في المبسوط أنه قال: تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة إلا أن تكون
امرأة من قريش فإنه روى أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة والظاهر أن رواية المبسوط
هي مضمون مرسلة ابن أبي عمير نقلها بالمعنى لا أنها رواية أخرى وتلك الرواية أعني مرسلة
ابن أبي عمير وإن لم يذكر تحديد القرشية فيها بالستين إلا أن الاجماع قد قام على عدم تجاوز دم

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق
(3) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب والحديث 4
(4) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب والحديث 4
143

الحيض عن الستين مطلقا وعلى عدم الواسطة بين الخمسين والستين فيكون المراد من
الاستثناء هو الستون بالنسبة إلى القرشية كما ذكره الشيخ صريحا في المبسوط.
ثم إن القرشية هي التي انتسبت إلى النضر بن كنانة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله
على ما صرح به كثير من الأصحاب ويكفي الانتساب به من جهة الأب فقط وهل يكفي
الانتساب من جهة الأم فقط الظاهر لا لعدم مساعدة العرف على ذلك.
وألحق بعض الأصحاب بالقرشية النبطية وقد اختلف في معناها أهل اللغة فقال
بعضهم: هم قوم ينزلون سواد العراق وقال البعض الآخر: هم قوم ينزلون البطائح بين البصرة
والكوفة وقال البعض الآخر: هم قوم من العجم وقال بعضهم: من كان أحد أبويه عجميا
والآخر عربيا إلى غير ذلك من الاختلافات في معناها وحيث لم يعلم مستند الالحاق وإن
قيل: إنه مشهور بين الأصحاب نعم نقل عن مقنعة الشيخ المفيد أنه قال: وقد روى أن القرشية
من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة ولكن المفيد (ره لم) يظهر منه العمل بمضمونها مع
أنه ناقلها ولاجمال معنى النبطية يشكل الالحاق وإن كان الأحوط الجمع بين تروك الحائض
وأعمال المستحاضة فيما إذا تجاوز دمها أي دم النبطية عن الخمسين ولم يتجاوز عن الستين ثم إن المعروف إن كل دم تراه المرأة دون الثلاثة وفوق العشرة فليس بحيض.
وما تراه بعد الثلاثة ولم يتجاوز العشرة وأمكن كونه حيضا فهو حيض سواء أكان
متجانسا لدم الحيض في الصفات أم مختلفا وكذا كل دم تراه المرأة غير القرشية قبل
الخمسين أو القرشية قبل الستين وأمكن كونه حيضا بأن لا يكون أقل من الثلاثة ولا أكثر من
العشرة فهو حيض.
وهذه القاعدة أي قاعدة الامكان مما أثبتها كثير من الأصحاب بل ادعى عليها
الاجماع واستدل لصحتها وكونها مرجعا عند الشك بأخبار كثيرة منها أخبار الحبلى إذا رأت
الدم وشكت في كونه حيضا فإنه عليه السلام حكم بحيضيتها معللا بأنها ربما قذفت الدم وهي
حبلى فلنذكر بعض أخبارها حتى يظهر الحال في دلالتها فنقول: روى عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة فقال: نعم إن الحبلى ربما
قذفت الدم (1).

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3.
144

وعن أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدم قال: نعم أنه ربما
قذفت المرأة الدم (بالدم) وهي حبلى (1).
واستفاد بعض الأصحاب من التعليل بقوله (عليه السلام) ربما قذفت الدم الكلية لهذه
القاعدة بأنه كلما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض لأنه عليه السلام حكم على الحبلى بكون
دمها حيضا لأجل أنه يمكن أن تقذف الدم.
ولكن يدفع هذا التوهم بعض أخبارها الأخر مثل رواية محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما
في كل شهر فقال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلت (2).
ورواية سماعة قال: سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل قال: تقعد أيامها التي
كانت تحيض فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد عن الصلاة استظهرت بثلاثة أيام
ثم هي مستحاضة (3).
وهاتان الروايتان يستفاد منهما كغيرهما من الأخبار أن الحبلى كغيرها تقعد عن
الصلاة أيام عادتها وأن الحبل ليس مانعا من عادتها وأين هذا من قاعدة الامكان فلا بد
من حمل الروايتين المتقدمتين على هذا المعنى أيضا فإن كلمة ربما وإن كانت تجئ بمعنى
التقليل ولكن كثيرا ما تجئ بمعنى التكثير فالروايتان المتقدمتان مضمونها متحد مع هذين
الخبرين ومضمون الجميع أن الحبلى إذا رأت الدم في أيام عادتها يحكم بحيضيتها لأنه فرق بين
الحبلى وغيرها في الحكم بحيضية ما تراها من الدم في أيام عادتها وهذا بمعزل من قاعدة
الامكان كما لا يخفى.
ومن الأخبار التي استدل بها لقاعدة الامكان أخبار من تقدم حيضها على عادتها
بيوم ويومين وأنه من الحيض معللا بأنه ربما تعجل بها الوقت كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام في المرأة ترى الصفرة فقال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وإن كان
بعد الحيض بيومين فليس من الحيض (4) ولولا قاعدة الامكان لم يكن وجه للحكم بحيضية

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4 - 2
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4 - 2
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 6
(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 4.
145

الصفرة قبل أيام العادة.
أقول: الظاهر أنه ليس من قاعدة الامكان بل من باب الحاق ما يقع بقرب أيام العادة بما في
أيام العادة وليس هذا تعبدا بل هو أمر عرفي فإن الشئ الذي يعتاد وقوعه في وقت معين إذا تقدم على
ذلك الوقت بيسير فإنه يقال: عند العرف أنه جاء في وقته.
مثلا إذا كان أحد مبتلى بالحمى في كل يوم مرة في أول الظهر مثلا إذا تقدم في
بعض الأيام على ذلك الوقت بساعة واحدة أو أقل لا يجعل العرف ذلك حمى على حدة بل
يقولون: أنه تقدم حماه عن وقته هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله ولكن لا يخفى أن هذا المعنى
بعينه جار فيما إذا تأخر عن وقته بقليل مع أنه عليه السلام حكم فيما إذا تأخر الدم بيومين عن
أيام الحيض بأنه ليس من الحيض إلا أن يقال: بأن المراد بما بعد الحيض ما تجاوز عن العشرة
فإنه لا يمكن الحكم بحيضيته لعدم امكان تجاوز الحيض عن العشرة.
ومن الأخبار التي استدل بها لقاعدة الامكان أخبار الاستظهار مثل رواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم
أو يومين ثم هي مستحاضة (1) ورواية فضيل وزرارة عن أحدهما عليه السلام
قال: المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين الخبر (2) إلى غير ذلك من
الأخبار ومعنى الاستظهار طلب ظهور الحال أي بعد أيام العادة إذا رأت الدم تترك الصلاة
يوما أو يومين أو ثلاثة أيام على اختلاف الأخبار حتى يظهر الحال فلولا قاعدة الامكان لم
يكن وجه لترك الصلاة والصوم بعد أيام العادة.
ولكن يمكن أن يقال أيضا بما قلناه آنفا من أنه إذا تقدم حيضها بيوم أو يومين لم
يحكم عليها بالاستظهار وترك الصلاة لقاعدة الامكان بل لأنه وقع قريبا من أيام العادة فلا تكون هذه الأخبار دليلا لقاعدة الامكان.
واستدل أيضا لهذه القاعدة بالروايات الدالة على أن الصائمة تفطر بمجرد رؤيتها
للدم في أي وقت من النهار كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أي ساعة

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 3.
146

رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت الحديث (1) ورواية محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام في المرأة تطهر في أول النهار في رمضان أتفطر أو تصوم قال: تفطر وفي المرأة
ترى الدم من أول النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم قال: تفطر إنما فطرها من
الدم (2) وغيرهما من الأخبار فإن حكمه (عليه السلام) بوجوب افطارها بمجرد رؤية الدم دليل على قاعدة
الامكان لأن الدم أعم من الحيض ومع ذلك حكم (عليه السلام) بوجوب الافطار عليها
وفيه ما لا يخفى فإن الدم في هاتين الروايتين هو الدم المعهود أعني دم الحيض خصوصا
مع تصريحه بذلك في الرواية الأولى ويزيدك بيانا تصريح كثير من أخبار الباب مثل تصريح
أبي عبد الله عليه السلام في رواية العيص بن القاسم حيث سأله عن امرأة تطمث في شهر
رمضان قبل أن تغيب الشمس قال: تفطر حين تطمث (3).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن امرأة طمثت في رمضان قبل أن
تغيب الشمس قال: تفطر (4) وغير ذلك من الأخبار فإنها صريحة في وجوب الافطار حين
تحيض لا حين ترى الدم مطلقا ولو كان مشكوكا والتعبير بالدم في بعض الأخبار المراد منه
الحيض بقرينة هذه الأخبار لا الدم المشكوك حتى تثبت به قاعدة الامكان ومن الأخبار
المستدل بها لهذه القاعدة أخبار العادة الدالة على أن المرأة إذا رأت دما في العادة ولو كان
صفرة يجب عليها ترك الصلاة.
فمنها صحيحة أو حسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة
ترى الصفرة في أيامها فقال: لا تصلي حتى ينقضي أيامها الخبر (5) ومنها رواية إسماعيل
الجعفي عنه عليه السلام قال: إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عدتها لم تصل وإن كانت
صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت (6).
ومنها رواية معاوية بن حكيم قال: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض إلى
أن قال: وهي في أيام الحيض حيض (7) إلى غير ذلك من الأخبار.
ومن الأخبار التي استدل بها لقاعدة الامكان الأخبار الدالة على أن الدم بعد أيام

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4 - 1 - 2
(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4 - 1 - 2
(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4 - 1 - 2
(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1 - 2 - 3.
(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1 - 2 - 3.
(7) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1 - 2 - 3.
147

العادة بحكم الحيض وهي مختلفة فبعضها يدل على أن الدم إذا تجاوز عن العادة بيوم
أو يومين يكون حيضا وبعد اليومين يكون استحاضة كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي
مستحاضة الخبر (1) ومثلها بهذا المضمون غيرها وبعضها دال على أنها تستظهر إلى ثلاثة أيام
كخبر سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت
بعد ذلك - الشئ من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيامها بيومين
أو ثلاثة (بيوم أو يومين أو ثلاثة خ ل) ثم تصلي (2).
وبعضها دال على أنها تستظهر إلى عشرة أيام كرواية يونس بن يعقوب قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي
قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل
في وقت كل صلاة (3).
ولكن هذه الروايات وكذا روايات العادة يمكن حملها على أن الشارع جعل الدم في
أيام العادة وفي أيام العشرة مثلا أمارة على كونه حيضا لا أنه من باب قاعدة الامكان ولو سلم
فلا يمكن التجاوز عن مورد النص والحاصل أنه لم تثبت عندنا مشروعية هذه القاعدة إلا في
أيام العادة وأيام العشرة على اشكال فيهما أيضا.
مسائل
الأولى - ذات العادة الوقتية والعددية تترك الصلاة والصوم بمجرد رؤية الدم اجماعا وتدل
على ذلك روايات كثيرة مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال: لا تصلي حتى ينقضي أيامهما (4)
وحمل هذه الرواية على أنها إذا رأت ثلاثة أيام جمعا بينها وبين ما دل على أن الحيض
لا يكون أقل من ثلاثة خلاف اطلاق الرواية وهذا الحمل لا يتأتى في مرسل يونس عنه

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7 - 12.
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7 - 12.
(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1.
148

عليه السلام قال: كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض (1).
فإن كلمة كلما بعمومها شاملة لليوم الأول والثاني أيضا وكذا في موضع آخر من هذه
المرسلة حيث قال: فإذا رأت المرأة في أيام حيضها تركت الصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة
أيام فهي حائض وضعفها بالارسال منجبر بالاجماع وعمل الأصحاب هذا كله في ذات
العادة الوقتية والعددية وأما الوقتية فقط فاطلاق الروايتين المتقدمتين يشملها أيضا فإن لفظ
الأيام الواقع في الروايتين - المقصود منها هو أيام العادة من حيث الوقت سواء أكان
العدد مساويا أم لا وأما ذات العادة العددية فقط فيشكل شمول هاتين الروايتين لها لأن
المراد من الأيام - كما ذكرنا - هو الوقت فح لو رأت الدم في اليوم الأول والثاني ولم يكن
بصفات الحيض فالأحوط أن تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام فإن
استمر الدم إلى ثلاثة أيام علم بكونه حيضا.
نعم إذا كان الدم بصفات الحيض يجوز لها ترك الصلاة بمجرد رؤيته لأن أخبار
الصفات جعلت الدم الواجد للصفات أمارة على الحيض هذا كله في ذات العادة مطلقا.
وأما المبتدئة فقال في الشرايع: في تحيضها بمجرد رؤيتها للدم تردد والأظهر أنها
تحتاط حتى يمضي ثلاثة أيام انتهى أقول: وقيل: إنها تترك الصلاة بمجرد رؤية الدم ودليل هذا
القول أمران الأول قاعدة الامكان وقد مر الكلام فيها وأنها غير معلومة المستند إلا في موارد
ورود النص مضافا إلى أن قاعدة الامكان تجري فيما إذا أحرز امكان كون الدم حيضا لا فيما
شك في أصل امكانه كما فيما نحن فيه فإن الدم إذا استمر إلى ثلاثة أيام يمكن أن يكون حيضا
وأما إذا لم يستمر فلا يمكن أن يكون حيضا والمفروض أن المبتدئة إذا رأت الدم في اليوم الأول
لا تعلم استمراره إلى الثلاثة فكيف يجري في هذا الفرض قاعدة الامكان
الثاني مما استدل به الأخبار كموثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الجارية
البكر أول ما تحيض تقعد (فتقعد خ ل) في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها
لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم
ما لم تجز العشرة الخبر (2).

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 2.
149

ورواية عبد الله بن بكير قال: في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون
مستحاضة - أنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من
الحيض الخبر (1) وروايته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرأة إذا رأت الدم في أول
حيضها فاستمر (بها) الدم (بعد ذلك) تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما فإن استمر
بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما (2) وهذه الروايات
لا تدل على مطلوب هذا القائل من وجوب ترك الصلاة بمجرد رؤية الدم فإنها لا تدل على
أزيد من أنها تترك الصلاة ما دامت ترى الدم إلى عشرة أيام فيمكن أن يكون الشرط في ذلك
أنه إذا استمر الدم إلى ثلاثة أيام تترك الصلاة لا مطلقا كما ربما يشعر بذلك الخبر الأخير
فإنه (عليه السلام) قال: المرأة إذا رأت في أول حيضها فاستمر بها الدم الخبر.
فالأحوط ما ذكره في الشرايع من أنها تحتاط إلى ثلاثة أيام.
المسألة الثانية
أنه إذا رأت المرأة الدم مطلقا سواء أكانت ذات العادة أم مبتدئة أم غيرهما ثلاثة
أيام ولم يكن ما يمنع من حيضيته بأن لم يكن بعد اليأس أو قبل مضي أقل الطهر
ثم انقطع قبل العشرة أو فيها المشهور بل ادعى عليه الاجماع - أن الكل
حيض أما أن الثلاثة حيض فاستدل لحيضيتها بأمور الأول قاعدة الامكان المتقدمة وقد
عرفت ما فيها.
الثاني الاجماع ولا بد من التتبع الثالث بعض الأخبار كاطلاق صحيحة يونس بن
يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال: تدع الصلاة
الحديث (3).
واستدل لحيضيته ما بعد الثلاثة إلى العشرة برواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى وإن كان بعد

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 6
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 7
(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15.
150

العشرة فهو من الحيضة المستقبلة (1) واستدل لذلك أيضا بقاعدة الامكان والاجماع.
أقول: أما رواية يونس التي استدل بها لحيضية الثلاثة فموردها ما إذا رأت الدم ثلاثة أيام
أو أربعة أيام فحكم (عليه السلام) بأنها تدع الصلاة وأين هذا مما إذا رأته في اليوم الأول ولم تعلم باستمراره إلى
الثلاثة فالأولى أن يقال: في الصورة الأولى أي في الثلاثة أنه إذا كان بصفات الحيض يحكم
بحيضيته وتدع الصلاة في اليوم الأول لا لاطلاق رواية يونس بل لأخبار الصفات وأما إذا لم
يكن بصفات الحيض لم يكن حيضا إلا إذا كان في أيام العادة لرواية علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام أنه قال في حديث: ولا غسل عليها من صفرة إلا من صفرة تراها في أيام
طمثها فإن رأت صفرة في أيام طمثها تركت الصلاة كتركها للدم (2).
إلا أن يدل الاجماع على خلافه فالأحوط أن تجمع بين أعمال المستحاضة وتروك
الحائض.
وأما الصورة الثانية أي ما تراه بعد الثلاثة إلى العشرة فينبغي التفصيل المذكور في
الثلاثة - فيها لأن قاعدة الامكان قد عرفت ما فيها والاجماع غير ثابت عندنا تحققه إلا في ذات
العادة ورواية محمد بن مسلم المتقدمة - وإن كانت مطلقة تشتمل ما إذا رأت صفرة أيضا إلا
أنها معارضة بما دل من الأخبار الكثيرة على أن الصفرة في غير أيام الحيض ليس بحيض نعم
هي شاملة للصفرة في أيام العادة وليس لها معارض بالنسبة إلى أيام العادة فالقول بأنها إذا
رأت بصفات الحيض بعد الثلاثة فهو حيض وإذا رأت صفرة فليس بحيض - لا يخلو من وجه
والأحوط الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة الفاقد للصفة هذا كله في المبتدئة وفي
غير ذات العادة
وأما ذات العادة إذا تجاوز دمها عن عادتها ولم يتجاوز العشرة فالذي يستفاد من
الأخبار الكثيرة وجوب الاستظهار عليها في الجملة ومعنى الاستظهار - كما يستفاد من
الأخبار - هو ترك العبادة إلى أن يظهر حالها ولكن في مدة الاستظهار اختلاف شديد بين تلك الأخبار فبعضها يدل على وجوب الاستظهار عليها بيوم.
كرواية إسحاق بن حريز قال: سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 6.
151

عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت إلى أن قال: فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض
فتجوز أيام حيضها قال: إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي
مستحاضة (1) وهذه الرواية قد صرحت بأن مدة الاستظهار يوم واحد وبعد ذلك اليوم تكون
مستحاضة وبعضها يدل على وجوب الاستظهار بيومين كصحيحة زرارة قال: قلت
له: النفساء متى تصلي قال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت إلى
أن قال: قلت: والحائض قال: مثل ذلك سواء (2).
وبعضها يدل على وجوبه ثلاثة أيام كموثقة سماعة قال: سألته (عليه السلام) عن المرأة ترى
الدم قبل وقت حيضها فقال: إذا رأت المرأة الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنها ربما
يعجل بها الوقت وإن كان أكثر أيامها التي تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي
أيامهما فإذا تربصت ثلاثة ولم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة (3). ومثلها
غيرها وبعضها يدل على وجوب الاستظهار إلى عشرة أيام مثل موثقة يونس قال: قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام): امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي قال: تنظر عدتها التي
كانت تجلس ثم تستظهر لعشرة أيام (4).
وهذه الروايات - كما تراها - شديدة الاختلاف جدا بحيث يصعب الجمع بينها وقيل
في الجمع بينها بحمل الأخبار الدالة على اليوم واليومين والثلاثة على العشرة بأن يقال: إن
كل واحد منها لا ينفي العشرة فإن اثبات الشئ لا ينفي ما عداه ولكن فيه ما لا يخفى فإن بعض
تلك الأخبار قد صرح على أن ما عدا اليوم الواحد مثلا هو استحاضة
وقيل في الجمع بحمل الأخبار المختلفة على الحالات المختلفة في النساء فيحمل اليوم
الواحد على ما إذا تجاوز الدم العادة بيوم واحد والاثنان على ما إذا تجاوز بيومين والثلاثة على
ما إذا تجاوز عن العادة إلى ثلاثة أيام والعشرة على ما إذا تجاوز إلى العشرة.
وفيه أيضا أنه خلاف مفروض تلك الأخبار فإن المفروض فيها أن دمها قد استمر إلى

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 3
(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 8
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 12.
152

أن حكموا عليهم السلام بأن الدم بعد أيام الاستظهار - دم الاستحاضة وهذا لا يناسب
انقطاع الدم.
وقيل في الجمع بينها غير ذلك مما لا يخلو أكثرها عن المناقشة فالأولى في الجمع بينها
بحمل هذه الروايات المختلفة على التخيير بأن تتخير المرأة تستظهر يوما واحدا ويومين وثلاثة
أيام وإلى عشرة أيام وكل واحد من هذه الأيام المختلفة واجب تخييري تتخير
المرأة بالأخذ بأي واحد منها والشاهد لهذا الجمع الروايات المستفاد منها التخيير بأن عطف
الاثنين والثلاثة على الواحد بأو المفيدة للتخيير في هذه المقامات مثل صحيحة البزنطي عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الحائض كم تستظهر قال: تستظهر بيوم أو يومين
أو ثلاثة (1).
ورواية سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر
وربما رأت بعد ذلك الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيامها بيومين
أو ثلاثة (2) ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيام قرئها
ثم تحتاط بيوم أو يومين (3).
ثم إنه قد اختلف في وجوب الاستظهار أو استحبابه فذهب بعض الأصحاب إلى استحبابه
جمعا بين هذه الأخبار والأخبار الدالة على نحو الاطلاق بأن الدم إذا كان صفرة فيما بعد أيام
العادة فليس بحيض كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رأت المرأة
الصفرة قبل انقضاء أيام عدتها لم تصل وإن كانت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها
صلت (4) وبهذا المضمون أخبار كثيرة ولكن في هذا الحمل ما لا يخفى فإنه لا يمكن حمل مثل
قوله (عليه السلام): تستظهر بيوم ثم هي مستحاضة على الاستحباب وكذا مفهوم رواية البصري
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المستحاضة أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت قال: تقعد
أيامها التي كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به وإن كان فيه خلاف فلتحتط
بيوم أو يومين (5).

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6 - 7
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6 - 7
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض والباب 6 الحديث 11
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض والباب 6 الحديث 11
(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4 - 2.
153

فإن مفهومها جواز الوقاع بعد الاحتياط بيوم أو يومين ولا يمكن حمل مثل هذا
على الاستحباب مضافا إلى أنه كيف يمكن حمل هذه الأخبار الدالة على الاستظهار على
الاستحباب ولا معنى لاستحباب ترك العبادة مع الحكم في تلك الأخبار بأنها طاهرة ويجب
عليها الغسل والصلاة فلاحظ تتمة الروايات التي ذكرناها آنفا بل استحباب العكس أولى
أي يستحب لها حينئذ فعل الصلاة.
ويتلوه في الضعف حمل أخبار الاستظهار على الإباحة كما عن الذخيرة ويمكن أن
يكون وجهه حمل الأوامر الواردة في هذه الأخبار على مورد توهم الحظر فإنها لا تفيد أزيد من
الإباحة وفيه أيضا ما مر.
وقيل في الجمع بحمل أخبار العادة على ما عدا أيام الاستظهار بأن يقال: إن أيام
الاستظهار حيث إن الشارع حكم بتحيض المرأة فيها بحكم أيام العادة فكأنه قد وسع الشارع
في أيام العادة - بهذه الأخبار فلسانها لسان الحكومة مثل ما إذا قال: إذا غربت الشمس خرج
الوقتان أي وقت الظهر والعصر ثم قال في مورد آخر: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك
الوقت فإنه إذا أدرك ركعة من صلاة العصر في آخر الوقت فمع كون معظم صلاته وقع خارج
الوقت فاللازم أن تصير قضاء بمقتضى الرواية الأولى ومع ذلك فقد وسعت هذه الرواية الوقت
بلسان الحكومة.
ولكن حمل هذه الأخبار على ذلك وإن كان ليس ببعيد إلا أنه لا يخلو من اشكال لأن
الحكم بكونه حيضا في اليوم الأول من أيام الاستظهار أو اليوم الثاني والثالث أيضا أو إلى
العشرة على اختلاف الأقوال والأخبار حكم ظاهري جعله الشارع تكليفا للشاكة في كون
الدم حيضا.
وأما إذا تجاوز دمها عن العشرة فالحكم بكون ما تجاوز عن عادتها إلى أن تجاوز عن
العشرة كله ليس بحيض حكم واقعي بالنسبة إلى ما بعد العشرة وظاهري بالنسبة إلى العشرة
وكيف يمكن حمل دليل واحد على الحكم الظاهري والواقعي معا.
وقيل في وجه الجمع بحمل أخبار العادة على ما إذا رأت صفرة بعد أيام العادة وحمل
أخبار الاستظهار على ما إذا رأت بصفات الحيض والشاهد لهذا الجمع ملاحظة أخبار العادة
فإن أكثرها فيه التعبير عن الدم المتجاوز عن العادة بالصفرة مثل قوله (عليه السلام) في رواية معاوية
154

ابن حكيم: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وبعد أيام الحيض ليس بحيض وهي
في أيام الحيض حيض (1) ولكن يرد هذا الحمل رواية سعيد بن يسار المتقدمة قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر ثم رأت بعد ذلك الشئ من الدم الرقيق بعد اغتسالها
من طهرها فقال: تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة (2).
فإنها صريحة في وجوب الاستظهار عليها وإن رأت صفرة وربما حملت أخبار
الاستظهار على ذات العادة غير المستقيمة بأن يزيد أو ينقص من عادتها يوم أو يومان بناء
على عدم قدح مثل ذلك في العادة بأن كانت الزيادة أو النقيصة أحيانا بحيث لا تخرج بذلك
عن العادة وحمل أخبار العادة على ذات العادة المستقيمة والشاهد لهذا الجمع رواية البصري
المتقدمة قبيل ذلك قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة أيطأها زوجها
وهل تطوف بالبيت قال: تقعد أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها.
فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين. بناء
على ظهور أقرائها التي كانت تحيض فيها - في أيام العادة ثم قسم (عليه السلام) العادة إلى من استقامت
عادتها وغيرها.
ولكن يمكن أن يقال: إن المراد باستقامة القرء هو استقامة الحيض لا استقامة العادة
فإن القرء هنا بمعنى الحيض فح التقسيم إلى ذات العادة وغيرها لا ذات العادة المستقيمة و
غيرها بل يمكن دعوى ظهور الرواية في ذلك ولا أقل من تساوي الاحتمالين وقيل: غير ذلك
من وجوه الجمع مما لا يخلو من اشكال.
فالأولى ما ذكره شيخنا المرتضى قده في الجمع بين الطائفتين من الأخبار من أن
أخبار العادة محمولة على ما إذا تجاوز دمها عن العشرة وأخبار الاستظهار على ما إذا لم يتجاوز
عنها فأخبار الاستظهار في الحقيقة مخصصة لأخبار العادة فإن أخبار العادة وإن كانت مطلقة
تشمل ما إذا تجاوز دمها عن العادة ولو بيوم أو يومين أو ثلاثة أو إلى العشرة إلا أنه لا بد من
تقييدها بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام أو إلى العشرة على اختلاف الأقوال والأخبار والشاهد
لهذا الجمع والتقييد هو نفس أخبار الطرفين أي أخبار العادة وأخبار الاستظهار فإن المستفاد

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7.
155

من أخبار العادة هو كونها كثيرة الدم مثل قول الصادق عليه السلام في رواية داود مولى أبي
المعزا العجلي قال سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم
قال: (فقال خ ل) تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام فإن استمر الدم فهي
مستحاضة وإن انقطع الدم اغتسلت وصلت قال: قلت له: فالمرئة يكون حيضها سبعة أيام أو
ثمانية أيام حيضها دائم مستقيم ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم فترى البياض لا صفرة ولا دم
قال: تغتسل وتصلي قلت: تغتسل وتصلي وتصوم ثم يعود الدم قال: إذا رأت الدم أمسكت
عن الصلاة والصيام قلت: فإنها ترى الدم يوما وتطهر يوما فقال: إذا رأت الدم أمسكت عن
الصلاة، وإذا رأت الطهر صلت.. الخبر (1).
فإن الظاهر منها أن موردها المرأة المعتادة التي استمر بها الدم فترى يوما طهرا ويوما
دما وكذا رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: امرأة رأت الدم في
حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم
تستظهر بعشرة أيام فإن رأت الدم صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة (2).
فإنه وإن ذكر فيها الاستظهار بعشرة أيام فتكون من الروايات الدالة على وجوب
الاستظهار إلا أن قوله (عليه السلام): فإن رأت الدم صبيبا ظاهر بل صريح في استمرار الدم وهذه
الرواية تصلح شاهدا للجمع بين أخبار العادة وأخبار الاستظهار حيث إنه عليه السلام فصل
بين ما إذا انقطع الدم على العشرة فحكم بكون الجميع حيضا وبين ما إذا تجاوز عنها فحكم
بوجوب الغسل والصلاة عليها ومثل هذين الخبرين في إفادة الاستمرار رواية حريز قال: سألتني
امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت إلى أن
قال: فقالت له: أصلحك الله ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها دون عشرة أيام
استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة، قالت: فإن الدم يستمر
بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين
الخبر (3).
وهذه الرواية مضافا إلى أنه يستفاد منها أن مورد السؤال مستمرة الدم - يستفاد منها

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9 - 12
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9 - 12
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13.
156

أيضا أنه إذا استمر بها الدم وتجاوز عن العشرة فالحيض أيام عادتها فقط وبعد العادة هي
مستحاضة كما ذكره المشهور لا أنها تكون حائضا إلى العشرة وبعد العشرة تكون مستحاضة
ويشهد لهذا الجمع أيضا نفس أخبار الاستظهار فإن معنى الاستظهار هو
طلب الظهور أي تترك العبادة حتى يظهر لها حالها من أنها حائض أو مستحاضة وفي بعض تلك الأخبار التعبير بالاحتياط كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام
قال: المستحاضة تقعد أيام أقرائها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت وإن
هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت الخبر (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية والروايات الأخر الواردة في الاستظهار أن الاستظهار
لأجل كشف الحال فإن انكشف الحال وانقطع الدم إلى العشرة أو ما دونها تبين كون الدم
حيضا وإن تجاوز تبين كونه استحاضة حتى في أيام العشرة لكن بعد أيام العادة يجب عليها
قضاء ما فاتها من الصلاة والصيام وإن كانت هذه الأخبار لم تتعرض للقضاء إذا تجاوز الدم
عن العشرة لدلالة الأخبار الأخر على وجوب الصلاة والصوم على المستحاضة.
وأخبار الاستظهار وإن دلت على وجوب الاستظهار وترك العبادة في يوم أو يومين
أو ثلاثة أو إلى العشرة إلا أن هذا الحكم حكم ظاهري لها لاحتمال كونها حائضا وبعد
كشف الخلاف تعلم أن العبادة كانت واجبة عليها في أيام الاستظهار وهذا نظير ما إذا رأت
الدم في أيام عادتها يوما أو يومين وتركت العبادة ثم ظهر أنه لم يستمر ثلاثة أيام فإنها
وإن كانت بحسب الظاهر مكلفة بترك العبادة إلا أنها بعد كشف الخلاف تعلم أنها لم تكن
حائضا وفاتت العبادة عنها فيجب عليها قضائها قطعا هذا كله إذا أمكن الجمع بين الأخبار
وأما إذا قلنا بعدم امكان الجمع بينها وطرحنا أخبار الطرفين للتعارض الواقع بينها فالمرجع في
الدم المتجاوز عن العادة غير المتجاوز عن العشرة هو الاستصحاب بأن يقال: إن هذا الدم
كان قبل انقضاء العادة حيضا فالأصل بقائه على الحيضية بعد العادة.
ولكن لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع والمفروض هنا ارتفاعه قطعا فإن الدم
الذي كان في أيام العادة قد ارتفع وهذا الدم المتحقق بعد أيام العادة ليس ذلك الدم
فلا يمكن استصحابه إلا أن يقال: إنه يكفي البقاء بنظر العرف لا البقاء الدقي الفلسفي وهذا

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1.
157

الدم بعد أيام العادة وإن لم يكن متحدا مع الدم في أيام العادة بحسب الدقة العقلية إلا أن
العرف يراهما دما واحدا نظير ما إذا كان ماء النهر مضافا ثم صار صافيا في الجملة فيشك بذلك
في إضافته فيستصحب إضافته مع أن الماء الصافي في الجملة غير الماء المعلوم إضافته قطعا
ولكن بنظر العرف هما ماء واحد حيث إن مجراهما واحد لشدة اتصالهما وعلى فرض عدم
امكان جريان استصحاب الحيضية يمكن جريان الاستصحاب بتقريبين آخرين الأول
جريان الاستصحاب بالنسبة إلى المرأة بأن يقال: إن هذه المرأة كانت في أيام عادتها حائضا
فالأصل بقائها على الحيضية وهذا لا يرد عليه تبدل الموضوع فإن الموضوع في القضية هي المرأة
وهي باقية فالقضية المشكوكة والمتيقنة موضوعهما واحد.
والتقريب الثاني استصحاب الحكم بأن يقال: هذه المرأة كان يحرم عليها العبادة
ودخول المساجد والوقاع في أيام العادة فالأصل بقاء هذه الأحكام بعد انقضاء العادة ما دام
الدم باقيا.
فرعان يتعلقان بتجاوز الدم عن العشرة:
واستمراره إلى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين:
الأول إن ذات العادة إذا تجاوز دمها عن العشرة تجعل عادتها حيضا كما عرفت سواء
أكان بصفات الحيض أم لا خلافا للقول غير المشهور حيث حكم بالحيضية إذا كان مع
الصفات دون غيرها وبعد أيام العادة يحكم بكونه استحاضة سواء أكان بصفات الحيض أم
بصفات الاستحاضة وإذا كانت عادتها بالتميز بأن كانت ترى مثلا في كل شهر من أول
الشهر إلى سبعة أيام بصفات الحيض فالظاهر جعل ما كان بصفات الحيض حيضا وما كان
بصفات الاستحاضة استحاضة ما لم يعارضه دم آخر بصفات الحيض بأن رأت دما بصفات
بالحيض خمسة أيام في أول الشهر ثم رأت خمسة أيام بصفات الاستحاضة ثم رأت خمسة أيام
أيضا بصفات الحيض فإنه لا يمكن جعل كلا الدمين أي الأول والثالث حيضا فلا بد لها من
أن تحتاط في كلا الدمين إلا أن يكون أحدهما واقعا في أيام العادة فإنه حيض دون الآخر
فإنه ليس بحيض لعدم تخلل أقل الطهر بينهما.
وإن رأت دما بصفة الاستحاضة في أيام عادتها التي تحققت بالصفات فالظاهر أنه
158

حيض فح إن رأت بعد ذلك دما بصفات الحيض فالظاهر أنه استحاضة لأن العادة مقدمة
على الصفات.
وإذا رأت في أيام العادة الدم بصفات الحيض ثم رأت بصفات الاستحاضة بمقدار
أقل الطهر ثم رأت ثانيا الدم بصفات الحيض فالظاهر أن الدم الأول فقط حيض دون غيره
وإن كان بصفات الحيض لتقديم ما في العادة على غيرها.
الفرع الثاني الظاهر أن المبتدئة وهي التي لم تر الدم قط كما عن المشهور أو المرأة
التي لم تستقر لها العادة كما عن بعض آخر تجعل ما بصفة الحيض حيضا وما بصفة
الاستحاضة استحاضة فتكليفها تمييز الحيض عن غيره بالأوصاف لا الرجوع إلى الأقران
أو الروايات والدليل على ذلك الروايات الدالة على تميز الحيض عن الاستحاضة بالصفات
عند الاختلاط. كحسنة حفص البختري قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام امرأة
فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره قال: فقال لها: إن دم الحيض
حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة أصفر بارد (1).
ورواية إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله
عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت إلى أن قال: قالت: فإن الدم يستمر بها الشهر
والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين
قالت: إن أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر
مثل ذلك فما علمها به قال: دم الحيض ليس به خفاء وهو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة
دم فاسد بارد الحديث (2). ولكن يستفاد من بعض الأخبار أن وظيفة المبتدئة الرجوع إلى
الروايات أي روايات الست أو السبع أي جعل حيضها في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام
كمرسل يونس الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام فإنه (عليه السلام) بعد ما بين فيه وظيفة ذات العادة و
وظيفة الناسية لها قال: وأما السنة الثالثة ففي (فهي) التي ليس لها أيام متقدمة ولم تر الدم قط ورأت
أول ما أدركت واستمر بها فإن سنة هذه غير سنة الأولى والثانية وذلك أن امرأة يقال لها: حمنة
بنت جحش أتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة فقال

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13.
159

لها: احتشي كرسفا.
فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا فقال: تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم
الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي الفجر غسلا وأخرى الظهر وعجلي العصر وأخرى المغرب
وعجلي العشاء واغتسلي غسلا الخبر (1).
فيستفاد من اطلاق هذا الحديث إن سنة المبتدئة ووظيفتها الرجوع إلى الروايات
لا إلى التميز بالصفات فيقع التعارض بين هذا الخبر والأخبار الدالة على التميز بالصفات الشاملة
باطلاقها للمبتدئة ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على ما إذا رأت الدم على لون واحد
واستمر كما ربما يظهر ذلك من قولها: إني أثجه ثجا أي أصبه صبا والمراد بذلك كثرة الدم
فإن كثرة الدم ومجيئه بتدافع وشدة يلازم غالبا كونه بلون واحد وهو غلظته وحدته وحرارته و
حمرته بل يظهر من آخر الرواية التصريح بذلك حيث قال (عليه السلام) في بيان حكم الناسية: وإن
اختلطت عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون
عملت باقبال الدم وادباره إلى أن قال (عليه السلام): فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن
الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها
السبع والثلاث والعشرون لأن قصتها كقصة حمنة حين قالت: إني أثجه ثجا.
فيستفاد منه أن الدم إذا كان على لون واحد فسنة المرأة سواء كانت ناسية أو
مبتدئة - السبع والثلاث والعشرون أي تتحيض سبعة أيام وتصلي وتصوم ثلاثة وعشرين يوما
فإن تنظير الناسية بالمبتدئة يظهر منه أن المبتدئة المفروضة في الرواية كان دمها على لون
واحد.
(فصل في أحكام الحائض)
يحرم على الحائض أمور.
الأول قراءة سور العزائم أو آياتها كما مر في الجنب.
الثاني المكث في غير المسجدين ودخول المسجدين أي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم.
الثالث مس كتابة القرآن ومس أسماء الجلالة وأسماء النبي والأئمة بل أسماء الأنبياء
عليهم السلام والدليل على ذلك ما مر في الجنب.
160

الرابع الاتيان بالعبادات من الصلاة والصوم ويجب عليها بعد الطهر قضاء الصيام
دون الصلاة والدليل على ذلك رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا كانت المرأة
طامثا فلا تحل لها الصلاة (1)
ورواية عمر بن أذينة عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء
الحائض الصلاة ثم تقضي الصيام قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم
شهر رمضان الحديث (2) ونحوهما غيرهما من الأخبار الكثيرة.
الخامس يحرم على زوجها أن يجامعها في القبل ولا يحرم عليه سائر الاستمتاعات حتى
الوطي في الدبر على المشهور وتجب عليه الكفارة بدينار إن جامعها في أول الحيض وبنصف الدينار إن
جامعها في وسطه وبربع الدينار إن جامعها في آخره.
أما حرمة المجامعة فتدل عليها رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال: تنظر الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضها
مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام
ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أراد (3).
والمراد بالمستحاضة الكثيرة الدم ويستفاد من هذه الرواية عدم جواز غشيانها قبل
الغسل وإن صارت نقية من الحيض وهو مخالف لما عليه كثير من الأعلام ويمكن حمل هذه
الجملة أي قوله ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل على الكراهة. والدليل على حرمة وطيها أيضا
من الآيات قوله تعالى واعتزلوا النساء في المحيض (4) وأما الأخبار فهي كثيرة (راجع ب 21 من
أبواب الحيض من جامع الأحاديث).
ويدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرح رواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم (5).

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب الحيض الحديث 3
(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 1
(4) سورة البقرة الآية 222
(5) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 16.
161

ورواية عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يحل للرجل من امرأته
وهي حائض فقال: ما دون الفرج (1).
والفرج وإن كان صادقا على القبل والدبر إلا أن في بعض الأخبار التصريح بالقبل
كرواية عبد الكريم (الملك) بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما لصاحب المرأة
الحائض منها فقال: كل شئ ما عدا القبل يصيبه منها بعينه (2).
وأما ما روي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل: ما يحل له من الطامث قال: لا شئ له حتى تطهر (3) فمطروح أو مأول قال الشيخ
قده: لا شئ له من الوطي في الفرج وإن كان له ما دون ذلك انتهى وأما ما دل على وجوب
الكفارة فكثير منها ما دل على وجوب الدينار في أول الحيض ونصف الدينار في وسطه وربع
الدينار في آخره كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام في كفارة الطمث: أنه يتصدق
إذا كان في أوله بدينار وفي وسطه (أو في أوسطه) بنصف دينار وفي آخره ربع دينار (4) ومنها ما دل على
وجوب دينار على من جامعها من غير تفصيل كرواية محمد بن مسلم قال: سألته عمن أتى
امرأته وهي طامث قال: يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى (5) ومنها ما دل على وجوب
نصف دينار على من جامعها من دون تفصيل كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به (6).
ويمكن حمل جميع هذه الأخبار على الاستحباب أي استحباب الكفارة للتسامح
الظاهر في بيان مقدارها مع أن في بعض الأخبار - ما يستفاد أنه يكفيه الاستغفار كرواية
إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أتى أهله وهي
حائض قال: يستغفر الله تعالى ولا يعود قلت: فعليه أدب قال: نعم خمسة وعشرون سوطا ربع
حد الزاني وهو صاغر لأنه أتى سفاحا (7).
وفي بعض الأخبار ما يدل على كفاية التصدق على مسكين واحد بقدر شبعه كرواية

(1) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20 - 18
(2) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20 - 18
(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 والباب 22 الحديث 11
(4) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 والباب 22 الحديث 11
(5) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 3
(6) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5 - 8.
(7) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5 - 8.
162

عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع على امرأته وهي حائض
قال: يتصدق على مسكين بقدر شبعه (1).
فيستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها المسامحة بالنسبة إلى ما على الرجل الآتي
أهله وهي حائض فلا يبعد حمل ما دل على وجوب الدينار أو نصفه أو ربعه عليه على
الاستحباب وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه ثم إنه يشمل وجوب الكفارة لمن أتى
حائضا أجنبية أولا يمكن أن يقال: إنه وإن كان المتبادر من الآية المباركة والأخبار هو الزوجة
إلا أن المناط ليس الزوجية بل كونها حائضا مثلا إذا قيل: إذا قطعت إصبع امرأة فعليك كذا
من الدية لا يستفاد منه أن موضوع وجوب الدية هو قطع إصبع المرأة بل يستفاد منه أن
الموضوع هو قطع الإصبع فح هذا الحكم ثابت لمن قطع إصبع الرجل أيضا فكذا هنا.
فإن قوله (عليه السلام) من أتى حائضا فعليه كذا يستفاد منه أن المناط اتيان الحائض لا اتيان
امرأته في حال الحيض، وهل تتكرر الكفارة بتكرر الوطي قيل: بعدمه مطلقا كما عن ابن إدريس وقيل بالتكرر مطلقا وقيل بالتكرر مع تخلل الكفارة بأن وطي وكفر ثم وطئ ومنشأ
الاختلافات أن النهي أعني قوله تعالى: ولا تقربوهن حتى يطهرن هل تعلق بالطبيعة
بصرف وجودها أو بالطبيعة السارية فإن كان الأول فلا تتكرر لأن متعلق النهي هو ذات
الطبيعة من حيث هي مع قطع النظر عن الأفراد والطبيعة تصدق على القليل والكثير.
بخلاف ما إذا تعلق بها على النحو الثاني فإن متعلق النهي هي الأفراد لا نفس
الطبيعة فكل فرد من أفراد الطبيعة قد تعلق النهي به فكل فرد من أفراد الوطي حيث إنه
متعلق النهي موجب للكفارة فلا بد من أن يستظهر من الأدلة أنه على النحو الأول أو الثاني
ولا يبعد أن يقال هنا: إن الظاهر من قوله (عليه السلام): من أتى حائضا الخ أن ما يوجب الكفارة
هو اتيان الحائض فكل فرد من اتيانها يصدق عليه أنه أتى حائضا خصوصا مع تخلل الكفارة
فلا يبعد القول بتكرر الكفارة عند تكرر الوطي.
السادس يحرم طلاقها اجماعا منا بل من المسلمين كما في الجواهر ويقع باطلا اجماعا
منا ومن بعض العامة خلافا لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والدليل على بطلانه
في حال الحيض الأخبار الكثيرة يجدها المراجع في باب الطلاق من الوسائل.

(1) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 11.
163

منها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يطلق امرأته وهي
حائض قال: الطلاق على غير السنة باطل (1) واستثنى من هذا الحكم ثلاثة 1 - طلاق
غير المدخول بها 2 - طلاق الحامل 3 - طلاق الغائب عنها زوجها بحيث لا يتمكن من الاطلاع على
حال زوجته والدليل على هذا الاستثناء الروايات المعتبرة.
منها صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: خمس يطلقهن الرجل
على كل حال الحامل والتي لم يدخل بها والغائب عنها زوجها والتي لم تحض
والتي يئست من المحيض (2).
وحد الغيبة التي يجوز معها الطلاق على كل حال واختلاف الأقوال والأخبار
فيه موكول بباب الطلاق.
ومن أحكام الحائض وجوب الغسل عليها بعد ما صارت طاهرة من الحيض لأجل
العبادات المفروضة عليها وهذا الوجوب مقدمي أي مقدمة للعبادات الواجبة وليس وجوبه
نفسيا خلافا لبعض الأصحاب كصاحب المدارك.
فإن المترائي من الوجوب في هذه الموارد ليس إلا الوجوب للغير وليس له محبوبية
ذاتية كما لا يخفى ثم إن كيفية هذا الغسل مثل غسل الجنابة في جواز الاتيان به ترتيبا أو
ارتماسا كما يدل عليه خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: غسل الجنابة والحيض
واحد (3) وغير ذلك من الأخبار.
وهل يكفي هذا الغسل عن الوضوء ككفاية غسل الجنابة عنه أو لا بد معه من الوضوء
قبله أو بعده المشهور عدم الكفاية وعن المرتضى قده وابن الجنيد والمقدس الأردبيلي
وصاحب المدارك وبعض المتأخرين القول بكفاية غسل الحيض عن الوضوء ومستند المشهور
مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل غسل قبله وضوء إلا غسل
الجنابة (4) ورواية الأخرى عن حماد بن عثمان أو غيره عنه عليه السلام قال: في كل غسل

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الطلاق الحديث 3
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الطلاق الحديث 1
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الحيض الحديث 1
(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11.
164

وضوء إلا غسل الجنابة (1).
ورواية فقه الرضا: وليس في غسل الجنابة وضوء والوضوء في كل غسل ما خلا غسل
الجنابة لأن غسل الجنابة فريضة تجزيه عن الفرض الثاني ولا تجزيه سائر الأغسال عن الوضوء
لأن الغسل سنة والوضوء فريضة ولا تجزي سنة عن فرض إلى أن قال: فإن اغتسلت لغير جنابة
فابدأ بالوضوء ثم اغتسل ولا يجزيك الغسل عن الوضوء فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ
وأعد الصلاة (2).
ومستند من قال بكفاية مطلق الغسل عن الوضوء أخبار كثيرة فيها الصحيح والموثق
منها مكاتبة محمد بن عبد الرحمن الهمداني إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن
الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب (عليه السلام): لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره (3) وهذه
الرواية لا يتطرق فيها بعض الاحتمالات المتطرقة في بعض الأخبار الآتية من احتمال أن
يكون المراد بالغسل غسل الجنابة أو يكون الوضوء من شرائط صحة الغسل فإن هذه الرواية
صريحة بأن الوضوء المسؤول عنه هو الوضوء للصلاة وكذا هي صريحة بكفاية ما عدا غسل
الجنابة من غسل الجمعة وغيره الشامل باطلاقه لجميع الأغسال عن الوضوء.
ومنها موثقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل
من جنابته (جنابة خ ل) أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده
فقال: لا ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض
أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل (4).
وهذه الرواية أيضا ظاهرة في كفاية مطلق الغسل عن الوضوء ومنها رواية محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل يجزي عن الوضوء وأي وضوء أطهر من
الغسل (5) ونوقش في دلالة هذه الرواية بأن الألف واللام في الغسل إما أن تكونا للجنس أو
للعهد فإن كانتا للجنس فلازمه كفاية مطلق الغسل عن الوضوء سواء كان من الأغسال
الواجبة أو المسنونة بل وإن لم يكن من الأغسال المشروعة لأن معناه ح أن ماهية الغسل يكفي

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11 - 10
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11 - 10
(3) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6 - 7
(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6 - 7
(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث - 1.
165

عن ماهية الوضوء فلازمه جواز الاتيان بالغسل في مقام الوضوء الواجب دائما وهذا لا يلتزم به
أحد.
وإن كان المراد من الألف واللام العهد فإما أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة
أو جميع الأغسال المشروعة ولا ترجيح للاحتمال الثاني على الاحتمال الأول بل الترجيح
يكون للاحتمال الأول لكثرة الابتلاء بغسل الجنابة دون سائر الأغسال فيمكن أن يكون
المراد بالغسل غسل الجنابة فلا يشمل سائر الأغسال مع هذا الاحتمال.
ومنها رواية عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الوضوء
بعد الغسل بدعة (1) وفي بعض الأخبار مرسلا: بأن الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة (2) وأما
الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الوضوء مع الغسل إلا غسل الجنابة فيمكن الجواب عنها
بأن مرسلة ابن أبي عمير لا تكافئ هذه الأخبار الصحيح بعضها لارسالها مع أنها ليست
صريحة في الوجوب فيمكن حملها على الاستحباب وروايته أي ابن أبي عمير عن حماد بن
عثمان يمكن أن تكون بعينها هذه الرواية المرسلة وعلى فرض تعددها حيث إن المروي عنه
مردد بين حماد وغيره فهي أيضا كالمرسلة ورواية فقه الرضا وإن كانت من حيث الدلالة
لا شبهة فيها إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم العلم بصدور فقه الرضا عن الإمام الثامن
صلوات الله عليه فالعمل ح على الأخبار الدالة على أن لا وضوء مع مطلق الغسل سواء أكان
جنابة أم غيرها.
لكن الانصاف أن هذه الأخبار مع كثرتها وصحة بعضها لا تعارض مرسلة ابن أبي عمير
لانجبار ضعفها بعمل جل الأصحاب وهذه الأخبار مع أنها بمرأى منهم لم يعملوا بها مع كون
بعضها صحيحا فيعلم من ذلك وجود علة فيها حتى أعرض الأصحاب عنها حتى أن
الصدوق (قدس سره) جعل مضمون مرسلة ابن أبي عمير في اعتقاداته من دين الإمامية مع تبحره
في الأخبار فيعلم كون هذه الأخبار معرضا عنها عند الأصحاب فالأحوط بل لا يخلو عن قوة وجوب
الوضوء قبل الغسل أو بعده.

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 5 - 4.
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 5 - 4.
166

المبحث السابع
في الاستحاضة. كل دم لا يمكن جعله حيضا بأن كان أقل من الثلاثة أو أكثر من
العشرة أو لم يتخلل بين دم الحيض وبينه أقل الطهر وهو عشرة أيام على المشهور وكذا الدم بعد
اليأس والدم الذي لا يمكن جعله حيضا ولا نفاسا ولم يكن من العذرة فهو دم الاستحاضة وهو
على ثلاثة أقسام على المشهور قليلة ومتوسطة وكثيرة خلافا لابن أبي عقيل حيث جعلها
قسمين متوسطة وكثيرة ولم يوجب للقليلة غسلا ولا وضوءا وخلافا لابن الجنيد حيث جعلها
قسمين أيضا إلا أنه حكم بوجوب الغسل الواحد في كل يوم وليلة للقليلة وألحق المتوسطة
بالكثيرة في وجوب تثليث الأغسال والروايات أيضا خالية عن تثليث الأقسام بل الذي
يستفاد منها هو كون الاستحاضة على قسمين الأول ما يثقب الدم الكرسف والمراد به هو
القطنة والمراد بثقبه للكرسف نفوذ الدم فيه.
فلنذكر أولا بعض تلك الأخبار حتى يتضع المراد فنقول ومن الله الاستعانة روى
الكليني والشيخ قدس سرهما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المستحاضة تنتظر
أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت (جاوزت خ ل) أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف
اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء الآخرة غسلا تؤخر هذه وتعجل
هذه وتغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر إلى أن قال: وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت
المسجد وصلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها زوجها إلا في أيام حيضها (1).
ورويا أيضا مسندا في الموثق عن سماعة قال: قال: المستحاضة إذا ثقب الدم
الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1.
167

يوم مرة والوضوء لكل صلاة وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إن كان دمها عبيطا
وإن كان صفرة فعليها الوضوء (1) قوله: وإن لم يجز الدم الكرسف الخ يستفاد منه أن المفروض
في الفرض الأول الذي حكم فيه بوجوب الغسل لكل صلاتين هو ما إذا جاوز الدم
الكرسف.
وعدم التجاوز له فردان الأول ما إذا دخل الدم في الكرسف ولكن لم يجاوزه
والثاني ما إذا لم يدخل الكرسف أصلا وهذا هو القليلة فقد أوجب عليه السلام على المستحاضة القليلة
الغسل أيضا ولا يستفاد من الرواية التثليث.
هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله ولكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من قوله عليه السلام وإن لم
يجز الدم الكرسف هو دخول الدم في القطنة ولكن لم يتجاوز إلى الطرف الآخر ولا يشمل
ما إذا لم يدخل القطنة أصلا حتى يشمل القليلة وقوله عليه السلام في آخر الرواية وإن كانت صفرة
فعليها الوضوء يمكن أن يكون المراد من الصفرة هي الاستحاضة القليلة لأن الدم القليل ملازم
غالبا للصفرة فتكون الرواية متعرضة لتثليث الأقسام فتأمل جيدا.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يظهر منها أن الاستحاضة على قسمين نعم رواية فقه
الرضا عليه السلام تدل صريحا على تثليث الأقسام وهي قوله عليه السلام: فإذا زاد عليها الدم على أيامها
اغتسلت في كل يوم مع الفجر واستدخلت الكرسف وشدت وصلت ثم لا تزال تصلي يومها
ما لم يظهر الدم فوق الكرسف والخرقة فإذا ظهر أعادت الغسل وهذه صفة ما تعمله
المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها.
وقال عليه السلام أيضا: وإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد عن الصلاة عشرة
ثم تغتسل يوم الحادي عشر وتحتشي وتغتسل فإن لم يثقب الدم القطن صلت صلواتها كل
صلاة بوضوء وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد وسائر
الصلوات بوضوء وإن ثقب الدم الكرسف وسال صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد والظهر و
العصر بغسل وتؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر وتصلي المغرب والعشاء الآخرة بغسل واحد
وتؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة (2).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 6
(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 10.
168

وهذه الرواة وإن كانت صريحة في التثليث إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم ثبوت
استناد فقه الرضا إلى مولانا الرضا عليه السلام كما ذكرنا ذلك غير مرة اللهم إلا أن يقال: إن
ضعفها منجبر بعمل المشهور بها لكن يرد عليه أنه لا يعلم استناد المشهور في هذه الفتوى إلى
هذه الرواية بل تحتمل قويا استفادتهم لهذا الحكم من الأخبار الواردة في هذا الباب.
ويمكن استفادة التثليث من صحيحة الصحاف الواردة في حيض الحامل وهي
ما رواه الكليني والشيخ مسندا عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة فقال: إذا رأت الحامل
الدم بعد ما تمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت
تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث إلى أن قال: وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد
ما يمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي وتستثفر وتصلي
الظهر والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينهما (بينها خ ل) وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ثم تطرح الكرسف عنها فإن طرحت
الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل.
قال: وإن طرحت الكرسف عنها ولم يسل الدم فلتوضأ ولتصل ولا غسل عليها
قال: وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها
أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي وتصلي وتغتسل للفجر وتغتسل للظهر
والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة الخبر (1).
وهذا الخبر وإن كان الظاهر منه تثليث الأقسام إلا أنه لم يفت الأصحاب بمضمونه وهو
طرح الكرسف وامساكه والحاصل أنه لا يوجد خبر دال على تثليث الأقسام يعتمد عليه
دلالة وسندا لأن المعتمد سندا كهذه الصحيحة غير دال على تثليث الأقسام والمعتمد دلالة
غير صحيح السند (كذا في المسودة بخط الحقير مؤلف هذا الكتاب نقلا عن الأستاذ دام
علاه).
ولكن يمكن أن يقال: إن اشتمال الرواية على جملة لم يعمل بها الأصحاب لا يوجب
طرحها مع أن المفروض كونها صحيحة السند وظاهرة الدلالة على تثليث الأقسام وقد أفتى

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14.
169

جل الفقهاء بمضمونها.
ثم إن المشهور بين الفقهاء هو أن حكم القليلة تبديل القطنة أو تطهيرها
وتطهير المحل والوضوء لكل صلاة.
أما وجوب تبديل القطنة فقد استدل له أولا بأن هذا الدم من الدماء غير المعفو عنها
فلا بد من تطهيرها أو تبديلها وتطهير المحل عن ذلك الدم وثانيا بأن بعض الأخبار دال على
وجوب تبديل القطنة في المتوسطة والكثيرة مع عدم الفرق كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي
الحسن عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم
طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة قال: لا هذه
مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها إن
أراد (1).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة
أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت قال: تقعد قرئها الذي كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما
فلتأخذ به وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ولتستدخل كرسفا فإذا ظهر
على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي الحديث (2) ولكن لا يخفى عليك ضعف
الدليلين أما الأول فبأن هذا الدم على فرض عدم العفو عنه إنما يضر إذا كان في الظاهر
لا ما إذا كان في الباطن كما هو المفروض في القليلة مضافا إلى أن تبديل القطنة غير مجد بعد
صيرورتها متلوثة بالدم بعد التبديل وأما الثاني وهو دلالة الروايتين على وجوب التبديل في
المتوسطة والكثيرة ففيه أولا أن الروايتين لا دلالة لهما على وجوب التبديل فيهما أيضا فضلا عن
القليلة فقوله: تستدخل قطنة بعد قطنة لا يدل على وجوب التبديل عند كل صلاة بل غاية
ما تدل الرواية عليه أن عليها التبديل عند إرادة الغسل وثانيا أن الرواية الثانية دلالتها على خلاف
مطلوبهم أظهر لأنها تدل على وضع كرسف آخر عند ظهور الدم على الكرسف بعد الغسل
وليس لها ارتباط بالاستحاضة القليلة ح.
وأما وجوب الوضوء عند كل صلاة فيدل عليه بعض الروايات منها موثقة سماعة

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5 - 11.
(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5 - 11.
170

المتقدمة قال: وإن كان صفرة فعليها الوضوء (1) بناء على أن المراد بالصفرة الاستحاضة
القليلة.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال في حديث: وإن كان
الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء (2) ومنها
موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع
قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل
صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا نفذ الدم اغتسلت (3).
ومنها صحيحة الصحاف المتقدمة قال: وإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل
من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة (4) واستدل لابن أبي عقيل في
قوله: بعدم وجوب الوضوء للقليلة أولا بالأصل والمراد منه أما الاستصحاب أي استصحاب
عدم وجوب الوضوء عليها عند عروض الاستحاضة القليلة لأن عدم وجوب الوضوء قبل
عروض هذا الدم كان مقطوعا به فيستصحب عند عروضه وإما أن يكون المراد بالأصل البراءة
أي أصالة براءة ذمتها عن هذا الوضوء عند عروض هذا الدم ولكن يرد عليه أنه لا مورد لاجراء
الأصل في مثل هذه الموارد لوجود الدليل اللفظي فيها
وثانيا بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المستحاضة تغتسل عند
صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل
عند الصحيح وتصلي الفجر (5) ففي ترك التعرض للوضوء مع أنه (عليه السلام) في مقام البيان دلالة على
عدم وجوبه.
وكذا رواية الجعفي وفيها: فإن هي رأت طهرا اغتسلت وإن هي لم تر طهرا اغتسلت
واحتشت فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4 - 1
(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4 - 1
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14
(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 6.
171

الغسل (1).
وتقريب الاستدلال بها أنه يستفاد منها أنها إذا لم تر طهرا يكفيها غسل الحيض بعد النقاء
ولا يجب عليها شئ إلى أن يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر يجب عليها ح غسل
الاستحاضة وعدم ظهور الدم هو الاستحاضة القليلة
ولكن يمكن الجواب عن الروايتين بأنهما وإن لم تتعرضا للوضوء إلا أن مقتضى
الجمع بينهما وبين الروايات المتقدمة هو وجوب الوضوء عليها في الاستحاضة القليلة
وهل يكفي وضوء واحد لفريضة واحدة مع نافلتها أو لا بد للنافلة أيضا من وضوء
علي حده استدل للأول بلزوم الحرج وأنه لا يستفاد من هذه الأخبار أن هذا الدم من
الأحداث الناقضة للوضوء غاية ما في الباب أنه حدث خاص يجب فيه الوضوء عند إرادة
الاتيان بكل فريضة لا عند حدوثه في أي وقت كان بخلاف سائر الأحداث فلذا ترى أنه
إذا طهر في أثناء الصلاة لا تبطل الصلاة ولا الوضوء به.
هذا ولكن يرد على الأول بعدم لزوم الحرج في المستحبات لعدم الالزام فيها وعلى
الثاني بأنه يستفاد من وجوب الوضوء في القليلة لكل صلاة أن هذه أيضا من الأحداث وعدم
عدادها في الأحداث والنواقض الموجبة للوضوء لا يفيد الحصر أي حصر النواقض فيما عداها
لأن ايجاب الوضوء لهذه الاستحاضة يستكشف منه كونها من النواقض، وعدم بطلان الصلاة
والوضوء بعروض هذا الدم في أثنائها لا يثبت كونها حدثا خاصا بل يمكن أن يكون عدم البطلان
لأجل الضرورة كما في السلس مضافا إلى أنه يستفاد من اطلاق قوله عليه السلام وتصلي كل صلاة بوضوء
وقوله عليه السلام: فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة أن النافلة أيضا لا بد فيها من الوضوء
كالفريضة.
نعم ذكر الشيخ قده على ما حكي عنه أن النوافل الراتبة لا يجب فيها الوضوء وكأن
دليله أنها من توابع الفريضة وهو أيضا مشكل.
وهل يجب تبديل الخرقة أيضا لكل صلاة - الظاهر - لا إلا إذا تلوثت بالدم هذا كله في
الاستحاضة القليلة.
وأما المتوسطة فقال في الشرايع يلزمها مع ذلك (أي ما تقدم من تبديل القطنة وتجديد

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 4.
172

الوضوء لكل صلاة تغييرا الخرقة والغسل لصلاة الغداة).
أما وجوب تبديل القطنة فيمكن الاستدلال له بصحيحة صفوان بن يحيى ورواية
البصري المتقدمتين في القليلة (1) ورواية الجعفي فإن فيها: فإن رأت طهرا اغتسلت وإن هي لم
تر طهرا اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف
فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف (2).
ولكن هذه الروايات لا تدل على وجوب التبديل عند كل صلاة كما مر فإن الظاهر
منها على فرض ظهورها في وجوب تبديل القطنة أنه يجب التبديل عند الغسل أو بعد الغسل
فإن كان اجماع على وجوب تبديل القطنة وتطهير المحل لكل صلاة بالنسبة إلى المتوسطة فهو وإلا
فلا دلالة لهذه الروايات ولا غيرها على وجوبه.
نعم يمكن أن يقال: إنه على تقدير وجوب التبديل في القليلة فالمتوسطة بطريق أولى
لأن الدم يظهر فيها على الكرسف وهو ملازم غالبا أو دائما لتنجيس ظاهر البدن فالقليلة مع
كونها لم تكن غالبا ملازمة لتنجيس البدن ومع ذلك يجب تبديل القطنة فيها على المشهور
فالمتوسطة بطريق أولى فالأحوط هو التبديل.
وأما تجديد الوضوء لكل صلاة فلدلالة موثقة سماعة المتقدمة قال: المستحاضة إذا
ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها
الغسل كل يوم والوضوء لكل صلاة الخبر (3) بناء على أن المراد بقوله: وإن لم يجز الدم
الكرسف هو الاستحاضة المتوسطة لا القليلة كما احتملناه فيها مر
وموثقته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال: غسل الجنابة واجب وغسل الحيض
إذا طهرت واجب وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف
فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة
والوضوء لكل صلاة (4).

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5 - 11
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 4
(3) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الغسل الحديث 5.
173

وأما وجوب تغيير الخرقة فهو المشهور ولا دليل له إلا إذا تلوثت بالدم وقلنا بعدم العفو
عن هذا الدم.
وأما وجوب الغسل عند الغداة لصلاة الغداة فهو أيضا مشهور بين الفقهاء وتدل عليه
رواية فقه الرضا وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد
وسائر الصلوات بوضوء (1) وظاهر هذه الرواية أنها يكفيها الغسل لصلاة الغداة ولا يجب عليها
الوضوء مع الغسل نعم يجب الوضوء لسائر الصلوات ولكن تعارضها روايتا سماعة
المتقدمتان آنفا الظاهرتان في وجوب الوضوء لكل صلاة مع أن رواية فقه الرضا غير معتمد
عليها كما مر غير مرة فلا تكافئ الروايتين و ح وجوب الغسل قبل صلاة الغداة بالخصوص
كما يستفاد ذلك من رواية فقه الرضا لا يخلو عن اشكال فلا يبعد أن يقال بما دلت عليه روايتا
سماعة من وجوب الغسل عليها أي على المتوسطة كل يوم مرة من غير تقييد بالغداة وكذا
الكلام في وجوب الوضوء عليها لصلاة الغداة فإن الظاهر وجوبه عليها أيضا كما يجب لسائر
الصلوات هذا تمام الكلام في الاستحاضة المتوسطة.
وأما الاستحاضة الكثيرة فيجب عليها أي المستحاضة الكثيرة مع ذلك أي ما تقدم
من وجوب تبديل القطنة والخرقة والوضوء لكل صلاة على المشهور ثلاثة أغسال في كل يوم
وليلة. غسل قبل صلاة الفجر وغسل عند الظهر تصلي بها الظهر والعصر وتجمع بينهما وغسل
عند المغرب أو في الليل تجمع به بين المغرب والعشاء أما وجوب تبديل القطنة والخرقة فلما
مر في المتوسطة وأما وجوب ثلاثة أغسال عليها في كل يوم فلدلالة الأخبار الكثيرة عليه
كرواية معاوية بن عمار المتقدمة في أول هذا الباب (2).
ورواية سماعة المضمرة المتقدمة (3) ورواية حسين بن نعيم الصحاف
المتقدمة (4) ورواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المستحاضة كيف تصنع قال: إذا مضى وقت طهرها الذي كانت تطهرت فيه فلتؤخر الظهر
إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي الظهر والعصر وإن كان المغرب فلتؤخر إلى آخر وقتها ثم

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4
(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1 - 4
(3) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1 - 4
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14.
174

تغتسل ثم تصلي المغرب والعشاء فإذا كانت صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي
ركعتين قبل الغداة الخبر (1).
ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المستحاضة تغتسل
عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم
تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر الخبر (2).
وهاتان الروايتان وإن كان لفظ المستحاضة فيهما مطلقا إلا أنه لا بد من حملهما على
الكثيرة بقرينة سائر الروايات وأيضا يدل على ثلاثة أغسال للكثيرة صحيحة زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: النفساء متى تصلي قال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر
بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت استثفرت وصلت فإن جاز الدم الكرسف
تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل
الخبر (3) إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما وجوب الوضوء لكل صلاة فهو المشهور واستدل له بقوله تعالى: إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم (4) الآية بناء على عمومها لمطلق الحدث وبناء على أن
الاستحاضة أيضا حدث وأما إذا قلنا بأن المراد من الآية القيام من النوم كما فسرت به في
بعض الأخبار أو قلنا بأن المتبادر منه الحدث الأصغر فلا تشمل الحدث الأكبر كما لا يبعد
دلالتها على ذلك.
وأما الاستشكال في دلالتها بأنها مختصة بالرجال والحاق النساء بالرجال إنما هو بالاجماع
ولا اجماع هنا على الالحاق لوقوع الخلاف فيه فهو مردود بعدم اختصاصها بالرجال
بل المراد منها الخطاب إلى مطلق المكلفين سواء فيهم الذكر والأنثى.
واستدل لوجوب الوضوء أيضا بقوله (عليه السلام): في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة أو قوله (عليه السلام): كل
غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة (5) بناء على ترجيح هذه الرواية على معارضها من قوله عليه السلام: الغسل

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1 - 4
(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1 - 4
(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 3
(4) سورة المائدة الآية 6
(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10.
175

يجزي عن الوضوء وأي أطهر من الغسل (1) وقوله: وأي وضوء أنقى من الغسل (2) كما تقدم.
واستدل أيضا بأن الأصل عدم الاجتزاء بالغسل وبأولوية هذه من القليلة والمتوسطة
فإنه إذا كان الوضوء فيهما واجبا ففي هذا القسم أولى.
ولكن يمكن الخدشة في هذه الأدلة إلا في قوله عليه السلام: في كل غسل وضوء
إلا الجنابة بأن الآية ليس فيها عموم أو اطلاق بحيث يشمل حدث الاستحاضة لاحتمال أن
يكون رافع هذا الحدث الغسل فقط ويؤيده أنه ليس شئ من أخبار الباب متعرضا لوجوب
الوضوء مع أن جلها أو كلها في مقام البيان ومن البعيد جدا ايكال وجوب الوضوء إلى موضع
آخر وأما الأصل فإن كان المراد منه استصحاب العدم الأزلي فحجيته غير ثابتة إلا عند بعض
نعم يمكن أن يكون المراد بالأصل أصالة الاشتغال بأن يقال: إن هذا الدم قد أوجد حدثا لا يعلم
ارتفاعه بالغسل فقط ولكن يعلم ارتفاعه بالغسل والوضوء.
وفيه أيضا أن بيان الرافع بيد الشارع والمفروض أنه لم يذكر في رافعيته سوى الغسل
وأما الأولوية ففيها ما لا يخفى فإن الأولوية منتفية لاختصاص هذا القسم أعني الكثيرة
بثلاثة أغسال بخلاف الأولين فيمكن أن يكون الغسل كافيا لإزالة هذا الحدث بخلاف
القليلة فإنه ليس فيها إلا الوضوء وبخلاف المتوسطة فإنه ليس فيها إلا غسل واحد وباقي
الصلوات لا بد فيها من شئ رافع للحدث والمفروض عدم وجوب الغسل عليها في باقي
الصلوات بعد الاتيان بالغسل في المرة الأولى فيمكن أن يكون رافع الحدث في الكثيرة نفس
الغسل من دون دخل شئ فيه والله العالم.
وقد يستظهر وجوب الوضوء من قوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: وسئل عن
المستحاضة فقال: إنما ذلك عرف (عرق خ ل) عابر (غاند خ ل) أو ركضة من الشيطان فلتدع
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة قيل: وإن سال قال: وإن سال مثل المثعب
الحديث (3).
والمثعب واحد المثاعب ومثاعب الحياض هي مجاريها التي يجري فيها الماء فقيل في
دلالتها: إن المتيقن من موردها هي الاستحاضة الكثيرة بقرينة قوله عليه السلام وإن سال مثل المثعب

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10 - 11 - 1 والباب الثاني من أبواب الغسل
الحديث 12
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10 - 11 - 1 والباب الثاني من أبواب الغسل
الحديث 12
(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 1.
176

ولكن لا يخفى على من لاحظ الرواية أنها في مقام بيان أحكام الحائض وذكر بعض أحكام
الاستحاضة استطرادا والذي يدل على ذلك أنه عليه السلام لم يتعرض لوجوب الغسل عليها فإن
قوله عليه السلام تغتسل المراد منه غسل الحيض ظاهرا فح نقول: قوله عليه السلام وإن سال مثل لمثعب يحتمل
قويا إرادة وجوب الصلاة عليها في أيام استحاضتها في مقابل وجوب قعودها عن الصلاة في
أيام حيضها يعني تجب عليها بعد انقضاء أيام حيضها الصلاة وإن لم ينقطع الدم عنها بل وإن
سال مثل المثعب. لا أنه يجب عليها الوضوء وإن سال مثل المثعب (كذا في المسودة بخط الحقير نقلا
عن الأستاذ دام علاه ولكن يرد عليه أن قوله عليه السلام: وتتوضأ لكل صلاة صريح في وجوب الوضوء لكل
صلاة والظاهر أن المراد الوضوء بعد غسل الاستحاضة لا الوضوء بعد غسل الحيض بقرينة
قوله عليه السلام لكل صلاة فإن الوضوء الواحد بعد غسل الحيض كاف لصلاتين بل لأكثر ما لم يتخلل بينهما
الحدث ولا نحتاج إلى تكرار الوضوء لكل صلاة).
نعم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحمنة بنت جحش في نفس هذه المرسلة
حيث أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة فقال: لها: احتشي كرسفا
فقالت: أنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا فقال لها: تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله
ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة (أربعا خ ل)
وعشرين واغتسلي للفجر غسلا وأخري الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا وأخري المغرب
وعجلي العشاء واغتسلي.
فإنه في مقام بيان أحكام المستحاضة ولم يتعرض لوجوب الوضوء عليها مع أنه في
مقام البيان فيحتمل أن يكون المراد بالوضوء في قوله عليه السلام: وتتوضأ الوضوء المتعارف لا الوضوء
لرفع حدث الاستحاضة أو يكون المراد من الوضوء الوضوء لحدث الاستحاضة لكن
لبعضها كالقليلة ولكن لم يبينه لأنه عليه السلام لم يكن بصدد بيان أحكام الاستحاضة.
وأما الاستدلال لوجوب الوضوء بقوله عليه السلام في مرسلة ابن أبي عمير كل غسل
قبله الوضوء إلا غسل الجنابة (1) فقد مر في غسل الجنابة اختياره وأن رواية ابن أبي عمير
وإن كانت مرسلة لكن المشهور قد عملوا بها وأفتوا بمضمونها ولم يعملوا بقوله عليه السلام: الغسل
يجزي عن الضوء وأي وضوء أطهر من الغسل أو أنقى من الغسل (2) وقريب من سائر أخبار
الباب مع أن بعضها صحاح فيعلم وجود علة في تلك الأخبار فالأحوط بل لا يخلو من
قوة وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة أيضا.

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10 - 1.
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10 - 1.
177

المبحث الثامن في دم النفاس
وهو دم الولادة ولا حد لقليله فيمكن أن يحدث آنا ما بعد الولادة ثم ينقطع بل يمكن
تحقق الولادة بدون تحقق دمها كما نقل وقوعه في الأزمان السابقة وأما التحديد من طرف
الكثرة فالمشهور أن أكثره عشرة أيام وقيل: إن أكثره ثمانية عشر يوما ومنشأ الاختلاف
هو اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فبعض تلك الأخبار ما يدل على القول الأول
كصحيحة زرارة المروية بعدة طرق عن أحدهما عليه السلام قال: النفساء تكف عن الصلاة
أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة (1).
وموثقة يونس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر
مما كانت تراه قال: فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت
دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة وإن رأت صفرة فلتوضأ ثم لتصل (2).
قال الشيخ قده: يعني تستظهر إلى عشرة أيام.
أقول: يعني أن الباء بمعنى إلى بقرينة سائر الأخبار ورواية مالك بن أعين قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم قال: نعم إذا
مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها
زوجها يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب (3) ومرفوعة علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه
قال: سألت امرأة أبا عبد الله عليه السلام فقالت: أني كنت أقعد في (من) نفاسي عشرين يوما
حتى أفتوني بثمانية عشر يوما فقال أبو عبد الله عليه السلام: ولم أفتوك فقال رجل: للحديث

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 1 - 6
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 1 - 6
(3) جامع الأحاديث الباب 30 من أبواب الحيض الحديث 1.
178

الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا سماء بنت عميس حين نفست
بمحمد بن أبي بكر فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن أسماء (بنت عميس خ) سألت رسول الله
صلى الله عليه وآله وقد أتى لها (بها خ ل) ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل
وتفعل كما تفعل المستحاضة (1).
وما رواه الشهيد الثاني قده في المنتقى - على ما حكي عنه - عن حمران بن أعين
قال: قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا: اقرأ أبا جعفر (عليه السلام) السلام وقل له: إني كنت
أقعد في نفاسي أربعين يوما وإن أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما فقال أبو جعفر
عليه السلام: من أفتاها بثمانية عشر يوما قال: قلت: الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس
أنها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت: يا رسول الله كيف أصنع فقال لها: اغتسلي
واحتشي وأهلي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضي
الحج فرجعت إلى مكة فأتت رسول الله صل الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله أحرمت ولم
أطف ولم أسع فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: وكم لك اليوم فقالت: ثمانية عشر يوما
فقال: أما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي فاغتسلت وطافت وسعت
وأحلت.
فقال أبو جعفر عليه السلام: إنها لو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذلك
وأخبرته لأمرها بما أمرها به قلت: فما حد النفساء قال: تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام
قرئها فإن هي طهرت وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت فإن كان انقطع الدم
فقد طهرت وإن لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي (2) إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة.
ومستند القول الثاني أيضا أخبار كثيرة (منها) صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله
حين أرادت الاحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلل بالحج فلما قدموا مكة
وقد نسكوا المناسك وقد أتى لها ثمان عشر يوما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تطوف

(1) جامع الأحاديث الباب 27 من أبواب الحيض الحديث 12
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 13.
179

بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد
قال: إن أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل لثمانية
عشرة ولا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين (2).
وهذه الرواية من الروايات الدالة على امكان تحقق النفاس عشرين يوما لأن يومي
الاستظهار إذا انضما إلى ثمانية عشر يوما يصير المجموع عشرين يوما ومنها رواية حنان بن
سدير المروية عن العلل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة أعطيت النساء ثمانية
عشر يوما ولم يعط الأقل والأكثر قال: لأن الحيض أقله ثلاثة أيام وأوسطه خمسة وأكثره عشرة
فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره (3).
ومنها ما عن العيون فيما كتبه مولانا الرضا صلوات الله عليه للمأمون قال: والنفساء
لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فإن طهرت قبل ذلك صلت وإن لم تطهر حتى
تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت وعملت بما (ما) تعمل المستحاضة (4) إلى غير ذلك من
الأخبار
ولكن هذه الأخبار لا تكافئ الأخبار المتقدمة أما الروايات المشتملة على قصة أسماء
بنت عميس فلا تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله قد رخصها بترك الصلاة إلى ثمانية
عشر يوما بل غاية ما تدل أن أسماء قعدت عن الصلاة إلى ثمانية عشر يوما ثم سألت النبي
صلى الله عليه وآله عن تكليفها فأمرها بالغسل فيمكن أن يكون يأمرها بالغسل إذا سألته
قبل ذلك كما يظهر هذا المعنى من روايتي علي بن إبراهيم وحمران المتقدمتين المشتملتين على
قصة أسماء بنت عميس فكأن الروايتين المتقدمتين تفسران هذه الروايات المطلقة.
نعم صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة لا تخلو عن ظهور من تحديده للنفاس بثمانية
عشر يوما ولكن لا بد من حملها على ما لا ينافي الأخبار المتقدمة أو حملها على التقية وأما رواية
العلل فالظاهر أنها محمولة على التقية بقرينة التعليل الواقع فيه غير المفهوم منه المراد فإن أقل
الحيض وأوسطه وأكثره لا تصير علة لكون النفاس ثمانية عشر يوما فيمكن أن يراد منه

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14 - 16 - 20
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14 - 16 - 20
(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14 - 16 - 20
(4) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 18.
180

التعمية.
وأما رواية العيون فالظاهر حملها أيضا على التقية فإن المأمون وإن كان مائلا إلى
التشيع إلا أنه كان إلى مذهب العامة أميل وكان يراعي جانبهم مع أن الأخبار المتقدمة
أكثر عددا وأصح سندا وقد عمل المشهور بها بخلاف هذه الأخبار وبهذا يظهر ما في الأخبار الدالة على أنها تقعد ثلاثين يوما أو أربعين يوما أو خمسين يوما كصحيحة محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما إلى
الخمسين (1) فإنها لا بد من حملها على التقية لاعراض الأصحاب عنها.
(فرع)
لو ولدت المرأة توأمين وكان بينهما فصل بعشرة أيام فالظاهر أن الدم قبل العشرة
وبعدها كله نفاس فإنه يتحقق بذلك نفاسان لكل مولود نفاس وإذا تخلل
الفصل بينهما بأقل من العشرة وجاوز الدم عنها فالظاهر أنه أيضا كذلك أي يتحقق بذلك
نفاسان إلا أنه يتداخل الأول في الثاني أي يجوز لها القعود عن الصلاة إلى عشرة أيام بعد تولد
الثاني إذا رأت الدم إلى العشرة.
وأما النفاس الأول أي في المولود الأول فمنتهاه إلى تولد الثاني بل لا يبعد أن يجري هذا
الكلام في المولود الواحد إذا تولدت أجزائه متفرقة كما إذا تولد رأسه أولا ثم تولد سائر جسده بعد
خمسة أيام فإنه لا يبعد تحقق نفاسين بذلك فإنه يصدق عليها أنها ولدت مرتين مع تحقق
الفصل.
(فرع آخر)
إذا تحقق منها الولادة ولم تر الدم حينها ولكن رأت في رأس العشرة فظاهر الأصحاب
الحكم بكون هذا الدم نفاسا دون النقاء قبله أما النقاء فلا وجه للحكم بنفاسيته لأن
ما هو سبب للنفاس هو الدم الحاصل عند الولادة لا نفسها.
وأما الحكم بنفاسية الدم المتحقق على رأس العشرة فلا مانع منه فإن دم النفاس

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 26.
181

لا يلزم أن يكون متصلا بالولادة بل القدر اللازم هو صحة انتساب هذا الدم إليها مثلا إذا قلع
سنه ولم يخرج الدم بمجرد القلع ولكنه خرج بعد زمان فإنه يصدق عليه أنه دم المقلوع وهنا
أيضا كذلك.
وإذا رأت الدم يوم الولادة ثم انقطع ثم رأته في اليوم العاشر فإن كانت ذات عادة
وكانت عادتها عشرة أيام فالظاهر أن الدمين والنقاء المتخلل نفاس لما قيل: من كون النفاس
حيضا احتبس لغذاء الولد ولقول الصادق عليه السلام في مرسل يونس: تنتظر (أي
النفساء) عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة الحديث (1).
بناء على أن المراد بالباء بمعنى إلى كما عن الشيخ قده وأما النقاء فالحكم بنفاسيته
لأجل ما دل على حيضية النقاء المتخلل بين الدمين المحكومين بالحيضية ما لم يكن النقاء عشرة
أيام ولم يتجاوز الدم مع النقاء عن العشرة.
وأما إذا لم تكن ذات عادة فالظاهر أنها أيضا كذلك وأما إذا كانت عادتها أقل من
عشرة أيام فالنفاس هو الدم الأول فقط دون الثاني ودون النقاء المتخلل لأن الدم الثاني ليس
من عادتها قطعا فلا وجه لجعل النقاء بمقدار عادتها مع الدم الأول نفاسا كما توهم وأما
أحكام النفساء فقال في الشرايع يحرم على النفساء ما يحرم على الحائض وكذا ما يكره لها
ولا يصح طلاقها انتهى كلامه قدس سره

(1) وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الحيض الحديث 12.
182

المبحث التاسع في أحكام الأموات
قال السيد الطباطبائي في العروة الوثقى: إن أهم الأمور وأوجب الواجبات التوبة من
المعاصي وحقيقتها الندم وهو من الأمور القلبية انتهى والحاصل أنه يجب على الانسان التوبة
قبل ظهور أمارات الموت وكذا يجب عليه رد الودائع إلى أهلها قال السيد المتقدم: يجب ردها
مع الامكان والوصية بردها مع عدم الامكان انتهى ولكن لا يخفى أن وجوب الرد إنما هو في
صورة عدم العلم بردها بالوصية وأما إذا علم بتحقق الرد بالوصية فلا يجب عليه
الرد بالخصوص.
وهل يجب عليه اعلام الورثة بموضع دفن أمواله أم لا يمكن أن يقال: إنه حيث
ينتقل المال بموته إلى الورثة ويكون المال ملكا لهم فإذا لم يعلمهم بموضع أموالهم فقد فوت عليهم
أموالهم وأضربهم فتكون ذمته مشغولة بأموالهم يوم القامة لأنه قد ضيع أموالهم ولم يوصلها
إليهم فيجب عليه اعلامهم بذلك لكنه كلام لم يلتزم به أحد والأولى أن يقال: إنه اتلاف
للمال.
ولكن يمكن أن يقال: إنه لا دليل شرعا على وجوب الاعلام وهذا الوجه وجه
استحساني وإن كان الأحوط وجوب الاعلام بل لا يترك هذا الاحتياط حيث إنه حق الناس
وهكذا الكلام فيما إذا كانت له أمانات عند الناس فإن الأحوط اعلام الورثة بها وإن كان في
وجوبه نظر نظرا إلى أنه كما يجوز تفويت أمواله على الورثة بالهبة ونحوها كذا يجوز تفويتها
عليهم بعدم اعلامهم بها ولا يبعد على هذا عدم وجوب الاعلام والله العالم.
(ومن الواجبات)
توجيه المحتضر إلى القبلة ووجوبه مشهور بين الأصحاب والمحقق مع أنه قال في
183

الشرائع بوجوبه ناقش في وجوبه في المعتبر وكذلك صاحب المدارك ناقش في وجوبه و
استدل للوجوب بروايات الأولى ما عن الفقيه مرسلا وعن العلل مسندا عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل
من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه لغير القبلة فقال: وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك
أقبل عليه الملائكة وأقبل الله عز وجل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض (1).
قوله صلى الله عليه وآله وهو في السوق بفتح السين أي هو في حال نزع الروح وأورد على
الاستدلال بهذه الرواية أمور الأول ضعف السند بالارسال في مرسلة الفقيه والمسندة أيضا
ضعيفة السند الثاني كونها قضية في واقعة - الثالث الخدشة في دلالتها على الوجوب بأنها معللة
وظاهر التعليل وذكر الفائدة في رواية يدل على أن الأمر للاستحباب مثلا إذا قيل: إن أذنت
وأقمت للصلاة صلى خلفك صفان من الملائكة وإن أقمت صلى خلفك صف واحد من
الملائكة فإنه بمنزلة التعليل بأنه أذن وأقم فإنه يصلي خلفك صفان من الملائكة.
فإنه يستفاد من هذا الكلام المستفاد منه علة الحكم أن الأمر استحبابي وارشاد
إلى هذه الفائدة.
ولكن في هذه الخدشات ما لا يخفى أما ضعف السند فهو مجبور بعمل جل الأصحاب
لولا كلهم وأما كونها قضية في واقعة فهي أضعف من الأول فإن المورد لا يكون مخصصا
وإلا يلزم أن تكون موارد القضايا والأحكام الواردة في الشرع مختصة بها وهو كما ترى.
وأما الخدشة في دلالتها ففيها أولا أنه ذكر صلى الله عليه وآله في التعليل أقبل الله عليه بوجهه
فيستفاد منه أن عدم توجيهه إلى القبلة يستلزم عدم اقباله تعالى عليه وهل هذا إلا معنى
الوجوب فإن ما يلزم من عدمه عدم اقباله تعالى على العبد هو الواجب فإن المستحب
لا يستلزم تركه ادبار الله عن العبد وثانيا أن التعليل لا يدل على الاستحباب دائما إذ كثير من
الواجبات قد علل وجوبها كقوله تعالى إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر (1).
واستدل أيضا بحسنة علي بن إبراهيم عن أبيه معنعنا عن سليمان بن خالد
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب أحكام الأموات الحديث 1
(2) سورة العنكبوت الآية 45.
184

إذا غسل يحفر له موضع المغتسل فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة (1).
ولكن هذه الرواية وإن كانت صحيحة أو حسنة إلا أنها تدل على التوجيه إلى القبلة
بعد الموت لا حين النزع وإن قيل: إن المراد من قوله (عليه السلام) إذا مات لأحدكم ميت - إذا أشرف
على الموت فيجاب عنه مع أنه خلاف ما استعمل فيه اللفظ بأن قوله سجوه تجاه القبلة
ظاهر في التوجيه بعد الموت لأن معنى التسجية التغطية ومعلوم أن تغطية الانسان لا يحسن
إلا بعد موته وحمله على ذلك لا قائل بوجوبه ويؤيد كون التوجيه إلى القبلة التوجيه بعد الموت
أنه حكم (عليه السلام) بأنه إذا غسل فحكمه أيضا كذلك أي يوجه إلى القبلة فيستفاد من ذلك أن
الرواية بصدد بيان استحباب التوجيه إلى القبلة فيما بعد الموت والله العالم.
واستدل لوجوب التوجيه إلى القبلة أيضا برواية معاوية بن عمار قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الميت فقال: استقبل بباطن قدميه إلى القبلة (2) إلى غير ذلك من
الأخبار التي تقصر سندا أو دلالة عن إفادة المطلوب ولكن الذي يسهل الخطب أن الشهرة
العظيمة بين الأصحاب على وجوب التوجيه إلى القبلة تجبر ضعف سندها أو دلالتها وربما
قيل بمعارضة هذه الروايات لما روي عن المفيد في الإرشاد أن النبي صلى الله عليه وآله قال
لعلي عليه السلام عند الموت: فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني إلى
القبلة الحديث (3)
بيان المعارضة أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ثم وجهني بعد قوله: فإذا فاضت نفسي يستفاد منه أن
الأمر وجوبا أو استحبابا بالتوجيه إلى القبلة إنما هو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
ولكن يمكن الجواب عنها أولا بأنها لا تكافئ تلك الروايات لأنها مرسلة ولعدم عمل
الأصحاب بها.
وثانيا بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ثم وجهني إلى القبلة يمكن أن يكون الأمر بتبديل مصداق إلى
مصداق آخر بأن كان رأسه صلى الله عليه وآله أولا في حجر علي عليه السلام أو على صدره وكان مواجها
للقبلة حين النزع ثم أمره أنه بعد وفاته أيضا يوجهه إلى القبلة ولكن بنحو آخر بأن يجعل

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أحكام الأموات الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب أحكام الأموات الحديث 5
(3) ارشاد المفيد صفحة 88.
185

رأسه على الأرض ثم إن مقتضى مرسلة الفقيه أن التوجيه إلى القبلة غايته إلى الموت فلا يجب
بعده لقوله عليه السلام: فلم يزل كذلك حتى يقبض فإن الغاية وإن كانت غاية لاقبال الملائكة عليه
إلى أن يقبض إلا أنه يستفاد منها بالتبع أن التوجيه إلى القبلة إلى حين الموت لأن اقبال
الملائكة عليه إنما هو لأجل توجيه إلى القبلة وقيل: يجب التوجيه إلى ما بعد الموت ولكن
لا يعلم مستنده.
ولا فرق في وجوب التوجيه - بين الصغير والكبير بل ولا المؤمن والمنافق ولا الإمامي
وغيره لاطلاق قوله: إذا مات لأحدكم ميت الخ وعدم امكان سريان التعليل في بعض
الموارد - كالمنافق وغير الإمامي - لا يوجب تخصيص الحكم بمورد امكان السريان بعد ما كان
التعليل في الأحكام تعليلا لأصل التشريع
وهل يجب على المحتضر توجيه نفسه إلى القبلة مع القدرة على ذلك وبقاء الشعور
أولا - من أن ظاهر الخطاب متوجه إلى غيره من المكلفين ومن أنه من الواجبات الكفائية
يجب اتيانه على كل مكلف وهو أيضا من المكلفين وظهور الخطاب في غيره - من باب
الأغلبية لأن الأغلب عدم امكان الخطاب إلى المحتضر لا أن الحكم مختص بغيره من المكلفين
والظاهر هو القول الثاني.
وهل يجب أن يكون التوجيه بإذن الولي فلا يجوز من غير إذنه إلا إذا علم بعدم اتيان
الولي بالمكلف به فح يسقط إذنه أولا يجب الإذن فيجوز توجيهه بدون إذنه - فيه
وجهان - والأحوط بل لا يخلو من رجحان - هو الوجوب فإن بعض الأخبار وإن كان مطلقا في
وجوب التوجيه ولم يتعرض لوجوب الإذن من الولي إلا أن قوله صلوات الله عليه في حسنة
سليمان بن خالد المتقدمة: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة - ظاهر في أن الخطاب
لصاحبي الميت إذ قوله لأحدكم يستشعر منه ذلك وهم أولياء الميت وقوله تعالى: وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض (1) وإن كان مرتبطا بأحكام الميت من الغسل والصلاة والتكفين
والدفن فإنه يشترط فيها إذن الولي إلا أنه لا يبعد سريانه هنا أيضا بلحاظ أن مناط الإجازة
من الولي كونه صاحبا للميت وكون الميت بلا إرادة ولا اختيار فيكون اختياره بيد الولي
والمفروض أن المحتضر بحكم الميت في عدم الإرادة بحسب الغالب

(1) سورة الأنفال الآية 75.
186

فلا يبعد أن يكون التوجيه إلى القبلة منوطا بإذن الولي ولا أقل من أنه أحوط.
ويستحب التسريع في تجهيزه ودفنه إلا إذا اشتبه حاله بأن لم يعلم بموته فح يتربص
إلى أن يعلم بموته بل لا يجوز دفنه مع الشك في موته بل لا بد من الصبر حتى يعلم بموته بأن ينتن
أو يمضي ثلاثة أيام كما في رواية علي بن أبي حمزة قال: أصاب الناس بمكة سنة من السنين
صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير فدخلت على أبي إبراهيم عليه السلام فقال مبتدئا من
غير أن أسأله: ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص بهما ثلاثا لا يدفن إلا أن يجيئ منه ريح
تدل على موته.. الخبر (1).
ويدل على التحديد بثلاثة أيام أيضا رواية إسحاق بن عمار قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الغريق أيغسل قال: نعم ويستبرأ قلت: وكيف يستبرأ قال: يترك
ثلاثة أيام قبل أن يدفن وكذلك أيضا صاحب الصاعقة فإنه ربما ظنوا أنه مات ولم
يمت (2).
وربما يتوهم أن الثلاثة لها موضوعية للحكم بحيث إنه بعد مضي ثلاثة أيام يجوز
دفنه ولو مع عدم العلم بموته ولكن الظاهر أن التقييد بالثلاثة لأنه مما يحصل بها العلم عادة
وأنه طريق للعلم العادي لا طريق تعبدي يدل على ذلك موثق عمار عن الصادق عليه السلام
قال: الغريق يحبس حتى يتغير ويعلم أنه قد مات ثم يغسل ويكفن قال وسئل عن المصعوق
فقال: إذا صعق حبس يومين ثم يغسل ويكفن (3).
انظر كيف جعل ع غاية الحبس وتأخير دفنه العلم بموته وجعل غاية تأخير المصعوق
يومين لامكان حصول العلم عادة في المصعوق بالخصوص دون غيره فيعلم أن المناط حصول
العلم بالموت.
وهل يثبت الموت بالبينة التي تكون ذات خبرة بأن يقال: إن الأدلة على
حجية قول البينة وأنه نازل منزلة العلم - شاملة باطلاقها لما نحن فيه والقدر المتيقن من
تخصيصها إنما هو في الزنا ونحوه فإنه لا يثبت بشاهدين بل لا بد من أربعة وأما ما نحن فيه فلم
يعلم بخروجها من تحت العموم أو الاطلاق فيشمل عمومها أو اطلاقها لما نحن فيه ولكن

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب دفن الميت الحديث 3 - 6
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب دفن الميت الحديث 3 - 6
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب دفن الميت الحديث 5.
187

المسألة بعد لا تخلو عن اشكال لأن المورد حايز للأهمية لأجل أنه من النفوس مضافا إلى أنه
يستفاد من بعض الأخبار أن الموت من الأمور الخفية فلا يثبت بالبينة.
(القول في غسل الميت)
وهو واجب كفائي على جميع المسلمين في الميت المسلم على المشهور وقال صاحب
الحدائق - على ما حكي عنه إنه واجب على الولي أولا فإن لم يأت به عصيانا أو نسيانا
يصير واجبا على كافة المسلمين وعن شيخنا الأنصاري أنه يحتمل أنه واجب على بعض
ومستحب على بعض فيكون نفلا يسقط به الفرض يعني حيث إن الشارع أراد تحقق وجوده
في الخارج من أي مباشر كان بحيث إذا تحقق في الخارج ولو بفعل الصبي غير المميز لحصل
مطلوبه كما أن وجوب توجيه الميت إلى القبلة من هذا القبيل فإنه بأي نحو اتفق تحققه
ولو بالريح العاصفة أو بحركة المحتضر من حيث لا يشعر - إلى القبلة أو بفعل الطفل غير
المميز - يحصل المقصود.
فح يمكن أن يكون هذا الفعل واجبا على الولي مستحبا على غيره ولكن إذا فعل ذلك
الغير سقط عن الولي لأن المطلوب حصوله في الخارج وقد حصل.
ولكن لا يخفى أنه إذا كان المطلوب حصوله في الخارج بأي نحو اتفق ولم يلاحظ فيه
مباشر خاص فكيف يمكن القول بأنه واجب على الولي ومستحب على غيره مثلا إذا أراد
حفظ وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ولم يلاحظ فيه مباشرا خاصا بل أراد تحقق هذا الفعل في
الخارج من أي مباشر كان فالمباشرون بالنسبة إلى هذا الفعل وحكمه سواء فلا يتصور أن
يكون هذا الفعل بالنسبة إلى بعض واجبا وبالنسبة إلى آخر مستحبا فإن المفروض مطلوبية
تحققه في الخارج من أي مباشر كان وحاصل الكلام أنه يعتبر في تغسيل الميت الإذن من وليه
وهل يكون هذا الإذن شرطا في الوجوب بحيث لولا الإذن لا وجوب على غير الولي فلا يكون
وجوب الغسل كفائيا بل عينيا على خصوص الولي أو يكون الإذن شرطا للواجب مع كون
الوجوب مطلقا على كل أحد فيكون الإذن كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة في وجوب تحصيله
وهذا أي كون الإذن شرطا للواجب على قسمين الأول بطلان المشروط بفقدان شرطه كبطلان الصلاة
بفقدان الوضوء والثاني حصول العصيان بفقدان الشرط من دون أن يصير فقدانه موجبا
لفقدان المشروط ولنذكر أولا الأخبار الواردة في وجوب الاستيذان من الولي وأنه الأولى
188

بغسل الميت حتى نستظهر أحد الاحتمالات فنقول:
روى الشيخ مسندا والصدوق مرسلا عن علي عليه السلام أنه قال: يغسل الميت
أولى الناس به أو من يأمره الولي (1) أقول: هذه الزيادة أي قوله: من يأمره الولي - في
كتاب الفقيه وفي باب الصلاة على الميت ما يدل على أولوية الولي بالصلاة عليه منها ما عن
الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر
من أحب (2).
وعن التهذيب مسندا عن السكوني عنه عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم
قال: إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت
وإلا فهو غاصب (3).
ولكن في رواية الجعفريات ما يدل على أن السلطان أحق بالصلاة على الجنازة من
وليها وهي ما رواه عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: الوالي أحق بالصلاة على
الجنازة من وليها (4) إلى غير ذلك من الأخبار وغاية ما يستفاد من هذه الأخبار أن إذن الولي
لا بد منه في الغسل والصلاة وأما أن الولي يجب عليه عينا الغسل مباشرة أو تسببا فلا يستفاد منها
كيف ولو كان الغسل والصلاة وغيرهما واجبة على الولي عينا لكانت صادرة عن الولي
مباشرة ولو أحيانا مع أنا لم نسمع بصدور ذلك مباشرة حتى النسبة إلى المعصومين إلا إذا كان
المتوفى معصوما مثله.
فلو كانت واجبة على الولي لكان المعصومون هم المتصدون لهذه الأمور بالمباشرة
وسيرة المتشرعة من زمان المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين إلى زماننا هذا على ارجاع تجهيز
الأموات إلى الغير فهل سمعت إلى الآن أن الأخ غسل أخاه أو أن الابن غسل أباه أو دفنه
إلا في موارد شاذة فيستكشف من ذلك أنه لم يكن واجبا على الولي بالخصوص وأي نحو هذا
من الواجب العيني الذي لم يصدر عمن وجب عليه عينا أصلا إلا نادرا.
وأما أنه لم تصح هذه الأمور إلا بإذن الولي فالظاهر أنه ليس كذلك لأن المستفاد من
هذه الأخبار هو لزوم الإذن من الولي في جواز غسل الميت وهذا الإذن إما شرط للوجوب وإما

(1) جامع الأحاديث الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 1 - 3 - 5.
(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 1 - 3 - 5.
(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 1 - 3 - 5.
189

شرط للواجب أعني الغسل أما شرطا لوجوب فهو خلاف ما يستفاد من الأخبار وكلام
الأصحاب لأنه يصير غسل الميت ح واجبا مشروطا والمعلوم أنه واجب مطلق فلا بد من أن
يكون شرطا للواجب ولا يستفاد من الأخبار المتقدمة أزيد من أن الغسل وصلاة الميت وغيرهما
لا بد أن يكون بإذن الولي.
وأما أن الغسل والصلاة باطلان بدون إذنه فلا يستفاد البطلان من هذه الأخبار
فيمكن أن يكون قوله عليه السلام في رواية السكوني: وإلا فهو غاصب معناه أنه غاصب لحق
الولي لا أن صلاته متصفة بالغصب حتى تكون باطلة والحاصل أنه لا يستفاد من هذه الأخبار
أزيد من اثبات حق للولي لأجل اجلاله وتبجيله لا أن الغسل أو غيره واجب عليه عينا ولا أن
إذنه شرط في صحة الغسل مضافا إلى أن الأخبار ضعيفة السند.
ثم إن أولى الناس بالميت هل هو الأولى بميراثه كما هو المشهور أو يكون المراد منه
الأقرب إلى الوارث فإن الولي يجيئ بمعنى القريب فيكون معنى الأولى بالميت الأقرب إليه نسبا
وإن لم يكن وارثا ويكون أيضا بمعنى صاحب الاختيار كقوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم (1).
فعلى الثاني فجد الميت مقدم على ابن ابنه مع أن الجد ليس بوارث مع وجود ابن
ابن للميت فإن الابن هو الوارث وإن نزل ولا يرث الجد مع وجود الابن للميت مطلقا ومع ذلك
على هذا الاحتمال فالجد مقدم على ابن الابن لأنه أقرب إلى الميت.
وعلى الأول فابن الابن مقدم على الجد لأنه الوارث دون الجد واستدل المشهور
لقولهم بقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض (2) فإذا كان بعض أولى الأرحام
أولى من بعض في الإرث فليكن أولى في الولاية أيضا واستدلوا أيضا بالرواية الواردة في قضاء
الصلاة عن الميت فإن في بعضها قوله ع: يقضيه أولى الناس به (3) وفي بعضها يقضي عنه
أولى الناس بميراثه (4).

(1) سورة الأحزاب الآية 6
(2) سورة الأنفال الآية 75
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات عن الميت الحديث 10 - 12 - 13 والباب 34 من
أبواب الدفن الحديث 3.
190

فالظاهر أن أولى الناس في باب غسل الميت والصلاة عليه وغيرهما من أحكامه هو
أولى الناس بميراثه وهو الوارث له من هو أقرب إليه وإن كان أكبر سنا من الوارث بقرينة
تلك الرواية الواردة في صلاة القضاء عنه ولكن المسألة بعد غير خالية عن الاشكال.
فإنه يرد على الاستدلال المذكور أولا بأن باب الغسل والصلاة على الميت غير مرتبط
بباب قضاء الصلاة عنه وأي ارتباط بين البابين.
وثانيا يلزم من الاستدلال بباب القضاء أن ولي الميت الولد الأكبر لا غيره لأن
الولد الأكبر في باب القضاء هو المكلف لاتيان قضاء الميت مع أن معقد الاجماع المدعى في باب
غسل الميت والصلاة عليه هو أن الأب مقدم على الابن والابن مقدم على الأم والأم مقدمة على
الأخ والذكور مقدمون على الإناث مع أن في الأخبار (1) في باب القضاء نفي القضاء عن
الإناث.
ثم إن معنى تقدم الذكور على الإناث في باب غسل الميت والصلاة عليه - أن مع
عدمهم فالإناث أولى بالميت كما صرح به في الشرايع وصرح غيره أيضا.
وأما الاستدلال بالآية المباركة - بناء على أن الآية مرتبطة بالإرث وأن الأولوية -
بحسب طبقات الإرث - فإن الطبقة الأولى وهم الأب والأم والأولاد مقدمة على الطبقة
الثانية وهم الإخوة والأخوات والأجداد وهكذا.
فيرد على هذا الاستدلال بأنه لا وجه ح لتقديم الأب على الابن مع أنهما في طبقة
واحدة ولا لتقديم الذكور على الإناث مع أن في باب الإرث قد تقدم الإناث على الذكور كما
إذا مات وخلف بنتا وأخا فإن البنت من الطبقة الأولى فهي أحق بميراثه من الأخ الذي في
الطبقة الثانية.
والحاصل أنه لا دليل على اثبات ولاية المذكورين على الترتيب المذكور في عبارة
الفقهاء بحيث تطمئن به النفس وإن فرض بأن الولاية ثابتة لأحد من الوراث على سبيل
الجزم فمصداق الولي مجهول اللهم إلا أن يدعى الاجماع على ثبوت الولاية بالترتيب
المذكور - أي أن الأب مقدم على الابن والابن مقدم على الأم والأم مقدمة على الأخ
والذكور مقدمون على الإناث - وتحقق الاجماع منظور فيه فالأحوط الاستيذان من جميع من
احتمل ثبوت الولاية له مثلا إذا مات أحد وخلف أبا وابنا وجدا فالأحوط الاستيذان من

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 18 ولكن فيه يقضى عند أولى الناس به.
191

الثلاثة لاحتمال أن يكون الولي الجد لأنه أكبر واحتمال أن يكون خصوص الأب لأن
الفقهاء قد أفتوا بتقدمه على الابن واحتمال أن الأب والابن على حد سواء لمساواتهما في الطبقة
هذا كله في غير الزوج والزوجة.
وأما الزوج فهو أولى بزوجته من سائر الورثة إلى أن يضعها في قبرها اجماعا ويدل
على ذلك روايات.
منها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المرأة تموت من أحق
الناس بالصلاة عليها قال: زوجها قلت: الزوج أحق بها من الأب والأخ والولد قال:
نعم (1).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال: الزوج أحق بامرأته حتى يضعها
في قبرها (2) ولكن تعارض هاتين الروايتين صحيحة حفص بن البختري عنه عليه السلام
في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها قال: أخوها أحق بالصلاة عليها (3).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على
المرأة الزوج أحق بها أو الأخ قال: الأخ (4)
ولكن هاتان الروايتان غير معمول بهما عند الأصحاب فلذا أعرضوا عنهما وحملهما شيخ
الطائفة - على ما حكي عنه - على التقية لموافقتهما لمذهب العامة ولا فرق في الزوجة بين الدائمة
والمنقطعة خلافا لصاحب الجواهر حيث استشكل فيما إذا انقضى أجلها لأنها تصير ح أجنبية
بل استشكل حتى فيما إذا لم ينقض أجلها لأن الموت يبطل الإجارة فإن التمتع بمنزلة الإجارة
كما يدل عليه قول عليه السلام: هن مستأجرات فكما أن الإجارة تبطل بموت المؤجر أو
المستأجر فكذا ما هو نازل منزلتها.
ولكن يرد عليه بأن هذا الاشكال - أي صيروتها أجنبية وبطلان العقد بالموت -
بعينه جار في العقد الدائم أيضا فإن الزوجية تنتفي بموت الزوجة فلذا يجوز للزوج العقد على
أخت الزوجة بمجرد موتها فكون الزوج أحق بها حتى يضعها في قبرها - حكم تعبدي فلا فرق
بين الدائمة والمنقطعة.

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 10 - 12 - 13 والباب 34 من
أبواب الدفن الحديث 3.
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 10 - 12 - 13 والباب 34 من
أبواب الدفن الحديث 3.
(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 10 - 12 - 13 والباب 34 من
أبواب الدفن الحديث 3.
(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 10 - 12 - 13 والباب 34 من
أبواب الدفن الحديث 3.
192

وهل يجوز تغسيل الزوج لزوجته - المشهور كما صرح به بعضهم ذلك لاطلاق قوله ع
الزوج أحق بزوجته حتى يضعها في قبرها والأحقية تشمل ما إذا أراد اتيان الفعل مباشرة
ولا تختص بما إذا كان أمر غسلها بيده فقط ولكن يمكن أن يقال: إن الأخبار الآتية الدالة على
اعتبار المماثلة بين الغاسل والميت تقيد اطلاق هذه الرواية فتصيرها مخصوصة بكون
أمر غسلها بيده دون جواز غسلها بالمباشرة أو تحمل هذه الروية على جواز بعض تجهيزها
بالمباشرة كالصلاة عليها دون جميع واجباتها ولنورد أولا بعض الأخبار الدالة على وجوب المماثلة
بين الغاسل والميت فنقول: روى الشيخ مسندا عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري قال: سألته
عن امرأة ماتت مع رجال قال: تلف وتدفن ولا تغسل (1) قوله مع رجال فيه اطلاق يشمل المحرم
وغيره مع قطع النظر عن سائر الروايات
وفي القفيه عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تموت في السفر وليس
معها ذو محرم ولا نساء فقال: تدفن كما هي بثيابها والرجل يموت وليس معه إلا النساء وليس
معهن رجال (رجل خ ل) قال: يدفن كما هو بثيابه (2).
وروى الشيخ والكليني عن داود الفرقد قال: مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله
عليه السلام عن المرأة تموت مع الرجال (رجال خ ل) ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها
ثيابها فقال: إذن يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها (3) وهذه الرواية قيدت بأنه ليس معها
ذو محرم والظاهر أن المراد بقوله: إذن يدخل ذلك عليهم دخول النساء عليهم.
وروى الشيخ ره أيضا عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة
ماتت في سفرها وليس معها نساء ولا ذو محرم فقال: يغسل منها موضع الوضوء ويصلى عليها
وتدفن (4).

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 5.
(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 5.
(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2 - 3 - 5.
193

وروى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه
إلا النساء قال: يدفن ولا يغسل والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل (1)
ومثله رواية داود بن سرحان (2)
وهذه الروايات تدل على عدم جواز الغسل مع فقد المماثل وفقد ذات المحرم بل تدفن
المرأة وكذا الرجل بثيابهما بدون الغسل ويظهر منها أنه لا يجب تكفينهما أيضا ويمكن أن
يقال: إن الأمر والنهي في قوله عليه السلام: يدفن ولا يغسل - حيث إنهما في مقام توهم وجوب
الغسل لا يستفاد منهما أكثر من نفي الوجوب ولا يستفاد منها نفي الجواز وعلى فرض نفي الجواز
تعارض هذه الروايات روايات كثيرة دالة على وجوب الغسل أو جوازه عند فقدان المحرم
والمماثل.
فمنها رواية عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: المرأة
إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب ويستحب
أن يلف على يديه خرقة (3).
ومنها رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في رجل مات ومعه
نسوة وليس معهن رجل قال: يصببن الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الستر
ويصلين عليه صفا ويدخلنه قبره والمرأة تموت مع الرجال وليس معهم امرأة قال: يصبون الماء
من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون (4) تدل هذه الرواية على وجوب
الغسل والصلاة والتكفين والدفن لمن لا يكون له مماثل.

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 35 - 34
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 35 - 34
(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 7
(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الغسل الحديث 38.
194

ومنها رواية زيد بن علي عن أبيه عن أبيه عن علي عليه السلام قال: إذا مات الرجل
في السفر مع النساء ليس فيهن (فيهم خ ل) امرأة ولا ذو محرم (ذات محرم خ ل) من نسائه قال:
يوزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبا ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهن
ويطهرنه (1).
ومنها رواية أبي بصير (أبي سعيد خ ل) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم ذات محرم يصبون الماء عليها صبا ورجل مات مع نسوة
وليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبا فقال أبو عبد الله عليه السلام: بل
يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي فإذا بلغن الموضع الذي
لا يحل لهن النظر إليه ولا مسه وهو حي صببن الماء عليه صبا (2).
ولكن يمكن تقييد اطلاق هذه الروايات والروايات المتقدمة الدالة على منع الغسل
بطائفة ثالثة من الروايات وهي ما دل على اعتبار المماثل في الغسل إلا إذا وجد ذو محرم
للميت فح يجوز لذي المحرم غسل الميت غير المماثل كرواية زيد الشحام قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس فيهم امرأة غيرها قال: إن لم يكن
فيهم لها زوج ولا ذو رحم لها دفنوها بثيابها ولا يغسلونها وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم
لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها قال: وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس
معهن رجل فقال: إن لم تكن له فيهن امرأة فليدفن بثيابه ولا يغسل وإن كان له فيهن امرأة

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 39 - 6.
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 39 - 6.
195

فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته (1).
بيان تقييد كلتا الطائفتين من الروايات بهذه الرواية بأن يقال: إن الطائفة الأولى
المانعة من تغسيل الميت إذا لم يوجد له مماثل بل لا بد من دفنه بلا غسل تقيد بما إذا لم يوجد
الزوج أو الزوجة ولم يوجد ذو محرم للميت وإلا فيجب غسله وكذا الطائفة الثانية المجوزة لغسل
الميت عند فقدان المماثل تقيد بما إذا وجد الزوج أو الزوجة أو ذو محرم أي عند فقدان المماثل
يجوز لغير المماثل غسل الميت إذا كان زوجا أو زوجة أو ذا محرم للميت لا مطلقا.
ودعوى أن رواية زيد بن علي ورواية أبي سعيد (أبي بصير) غير ممكن الحمل على ذلك
لفرض السؤال فيما إذا لم يوجد ذو محرم ولا الزوج والزوجة فيكف يمكن حملهما على الزوج
والزوجة وذو محرم - يدفعها أنه وإن كان المفروض في السؤال ذلك إلا أن قوله عليه السلام يصبون عليها
الماء صبا وقوله عليه السلام صببن عليه الماء صبا غير ظاهر في الغسل فيحتمل أن يكون المراد مطلق
صب الماء على الميت من دون أن يكون ذلك غسلا مضافا إلى أن هذه الأخبار أي الأخبار
المجوزة ضعيفة السند ومعرض عنها عند الأصحاب فلا تكافئ تلك الأخبار الناهية عن غسل
غير المماثل مع أنه يمكن حملها أي الأخبار المجوزة على الاستحباب أي استحباب غسل
الميت غير المماثل غير ذي المحرم.
فتحصل مما ذكرناه أنه تعتبر المماثلة بين الغاسل والميت ومع فقدان المماثلة فالزوج
أو الزوجة يغسله ومع فقدهما فالرحم ذي المحرم للميت ومع فقده يدفن الميت بلا غسل و
لكن يستحب غسله من وراء الثوب ما لم يستلزم نظرا أو لمسا لخصوص هذه الأخبار المجوزة

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 9.
196

فإنها وإن كانت ضعيفة السند إلا أنها تصلح لأن تكون مستندة للاستحباب لأجل التسامح في
أدلة السنن.
إذا عرفت ذلك نقول: أما غسل الزوج لزوجته وبالعكس فجوازه مشهور بل كاد أن
يكون اجماعا ويدل عليه روايات كثيرة بعضها مطلقة وبعضها مقيدة بفقد المماثل أما
الأخبار المطلقة فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يغسل امرأته قال: نعم
من وراء الثوب (1).
ومنها حسنته قال: سألته عن الرجل يغسل امرأته قال: نعم إنما يمنعها أهلها
تعصبا (2).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يغسل امرأته
قال: نعم من وراء الثوب لا ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ منها والمرأة تغسل زوجها لأنه
إذا مات كانت في عدة منه وإذا ماتت هي فقد انقضت عدتها (3).
وأما المقيدة فمنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل أيصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها وعن
المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت فقال: لا بأس إنما يفعل ذلك أهل المرأة
كراهية أن ينظر زوجها إلى شئ يكرهونه (4)
ومنها رواية الحلبي عنه عليه السلام في المرأة إذا ماتت وليس معها امرأة تغسلها قال:
يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلى المرافق (5) ومنها رواية أبي الصباح الكناني عنه
عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء قال: يدفن ولا يغسل
والمرأة تكون مع الرجال: بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل إلا أن يكون زوجها معها فإن كان
زوجها معها غسلها من فوق الدرع ويسكب الماء عليها سكبا ولا ينظر إلى عورتها وتغسل
امرأة إن مات والمرأة إن ماتت ليست بمنزلة الرجال المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت (6) إلى غير
ذلك من الأخبار المقيدة بعدم وجود امرأة معها في جواز غسل الزوج إياها.
ومقتضى الجمع بين المطلق والمقيد بحسب القواعد الأصولية هو حمل المطلق على

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 12 - 14 - 13 - 17
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 12 - 14 - 13 - 17
(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 12 - 14 - 13 - 17
(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 12 - 14 - 13 - 17
(5) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15 - 12 - 14 - 13 - 17
(6) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 35.
197

المقيد لكن الذي يستفاد من بعض هذه الأخبار هو أن عدم اقدام الزوج على تغسيل زوجته مع
وجود المماثل إنما هو لأجل كراهية أهل الميت لذلك لأجل تعصبهم لعرضهم وكراهتهم أن
ينظر الزوج إلى شئ من جسدها كما ربما تشير إليه رواية محمد بن مسلم ورواية عبد الله بن
سنان المتقدمتين لا لأجل أنه غير مشروع مضافا إلى أن التقيد بذلك أي بعدم وجود المماثل
إنما هو في كلام الراوي فيمكن أن يكون تقييد الراوي لأجل كونه المتعارف لا أن المرتكز في
ذهنه عدم جواز تغسيل الرجل لزوجته مع وجود المماثل فالتقييد منزل منزلة الغالب الشايع
فح يجوز لكل من الزوجين تغسيل الآخر ولو مع وجود المماثل.
وهل يجب أن يكون الغسل من وراء الثياب أو يجوز الغسل مجردا ويجوز لكل واحد
منهما النظر إلى الآخر في أي موضع من بدنه ظاهر كثير من الأخبار عدم جواز النظر إلى عورته
كرواية أبي الصباح المتقدمة قال: ولا ينظر إلى عورتها ورواية زيد بن علي المتقدمة قال:
ولا ينظرن إلى عورته ورواية منصور عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر و
معه امرأته فتموت إلى أن قال: يلقي على عورتها خرقة (1).
ورواية زيد الشحام عنه عليه السلام المتقدمة حيث إنه قال في ضمنها: وإن كان
معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها إلى غير ذلك من الأخبار وهذه
الروايات لا معارض لها فالعمل بها متعين.
وأما النظر إلى ما عدا الفرج فظاهر صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم وصحيحة إلى
أبي الصباح المتقدمات وغيرها عدم الجواز ولكن صريح صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
ورواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة توفيت أيصلح لزوجها أن
ينظر إلى وجهها ورأسها قال: نعم (2) هو الجواز ويظهر من رواية عبد الله بن سنان المتقدمة
أن الأمر الوارد في هذه الأخبار بغسلها من وراء الثياب لأجل كراهية أهل الميت لأن ينظر
الرجل إلى شئ من جسدها فالأمر بغسلها من وراء الثياب أو وراء الدرع محمول على
الاستحباب لأجل أن لا يحصل لأهل بيت الميت ما يوجب كراهتهم والله العالم.
هذا كله في الزوج والزوجة وأما غيرهما من محارم الرجل أو المرأة كالأخ والابن

(1) جامع الأحاديث لباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 44
(2) الجواهر جلد 4 من الطبعة الحديثة صفحة 53.
198

والأب فالذي يستفاد من الأخبار هو جواز تغسيلهم للميت إذا لم يوجد له المماثل فلاحظ ما
نتلوه عليك من بعض الأخبار.
فمنها رواية زيد الشحام المتقدمة قال: سألته عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس
معهم امرأة غيرها قال: إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم لها دفنوها بثيابها ولا يغسلونها وإن
كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها الخبر (1) وكذا حكم ع
بالنسبة إلى الرجل إذا لم يوجد رجل يغسله فإن المفروض في كلام الإمام عليه السلام أيضا عدم وجود
المماثل.
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال: المرأة إذا ماتت مع الرجال
فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال الحديث (2) فالتقييد أيضا في كلام الإمام عليه السلام
والمراد ببعض الرجال - كما قدمناه - هو المحارم من الزوج والأب والابن وغيرهم لأنه
مقتضى الجمع بين الأخبار.
(فرع)
إذا لم يوجد المماثل المسلم فإن وجد من محارم الميت أحد وجب عليه تغسيله للميت
وإن وجد المماثل الكتابي وأما إذا لم يوجد من المماثل أحد ولكن وجد من المماثل الكتابي
كاليهود والنصارى فهل يجوز تغسيل الكتابي للمسلم أو لا بل لا بد من دفن المسلم بلا غسل
المشهور هو الأول ويدل عليه موثق عمار السابطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن
الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمته وخالته
مسلمتان كيف يصنع في غسله قال: تغسل عمته وخالته في قميصه ولا يقربه النصارى.
إلى أن قال: فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي
قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة قال: يغتسل النصراني ثم
يغسله فقد اضطر وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذي
(ذوي خ ل) قرابتها ومعها امرأة نصرانية ورجال مسلمون ليس بينها وبينهم قرابة قال:

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 9
(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 7.
199

تغتسل النصرانية ثم تغسلها (1).
ورواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: أتى رسول الله صلى الله
عليه وآله نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم فقال: كيف صنعتم بها فقالوا:
صببنا عليها الماء صبا فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها قالوا: لا فقال: أفلا
يمموها (2).
ولفظ الرواية الأولى وإن كان النصراني أو النصرانية ولكن المراد بقرينة الرواية
الثانية مطلق أهل الكتاب وهل يمكن تعدية الحكم إلى مطلق الكفار وإن لم يكونوا من
أهل الكتاب مشكل جدا فإن الكفر وإن كان ملة واحدة إلا أن غير أهل الكتاب أشد كفرا
منهم لاشراكهم به تعالى غيره أو لعدم اعتقادهم بوجوده تعالى فهم أنجس من أهل الكتاب
وكيف كان فقد أورد على الروايتين بأمور ثلاثة الأول ضعف السند فإن الرواية الثانية ضعيفة
السند ورواية عمار رجالها فطحية وهم غير الإمامية.
والثاني عدم امكان تحقق نية القربة من الكافر مع أن الغسل من العبادات يعتبر
فيه نية القربة.
والثالث أنه يستلزم غسل الكتابي للمسلم تنجس ماء الغسل عادة مع أنه لا بد في
ماء الغسل أن يكون طاهرا كما مر في باب الجنابة فلا بد ح من دفنه بلا غسل.
ولكن يمكن أن يجاب عن الأول بأن ضعف الروايتين منجبر بعمل الأصحاب مع
أن رواية عمار موثقة ولا ينحصر مستند الحكم في الرواية الصحيحة فإن الموثقة يصح الاستناد
إليها في الفقه كما هو واضح.
وعن الثاني بامكان حصول النية من الكافر بل امكان تحقق نية القربة منه وإن
لم يحصل القرب له من الله تعالى ولا يلزم من نية القربة حصول القرب منه تعالى وعلى فرض
عدم امكان تحقق نية التقرب من الكافر فهذا المورد تخصيص للأدلة العامة الدالة على اعتبار
قصد القربة في مطلق العبادات لأجل هذه الرواية الموثقة المعتضدة بعمل الأصحاب فيمكن
أن يكون الشارع قد اكتفى باتيان صورة الغسل في هذا المورد.

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 49
(2) وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب غسل الميت الحديث 4.
200

وعن الثالث بامكان عفو الشارع عن هذه النجاسة في هذا المورد أو امكان القول
بعدم تنجيس المتنجس في هذا المورد فهذا أيضا تخصيص للأدلة على أن المتنجس
منجس.
(فرع آخر)
إذا كان الميت الخنثى المشكل بأن لا يعلم ذكوريته وأنوثيته فهل يجب دفنه
بلا غسل أو يجب لكل واحد من الرجل غير المحرم والمرأة غير المحرم تغسيله فيجب غسله مرتين
إلا إذا وجد له محرم فح لا يجب إلا غسل واحد أو يجوز الاكتفاء بغسل واحد مطلقا وإن لم يوجد
له محرم وجوه.
أما الوجه الأول فيمكن توجيه بأنه يشترطه في الغسل المماثلة بين الميت والغاسل
ومع الشك في ذكورية الميت وأنوثية يشك في تحقق هذا الشرط فالأمر يدور بين حرمة الغسل
لأنه مستلزم للنظر واللمس ووجوبه فيراعى جانب الحرمة فيلزم تركه أو يشك ح في وجوبه
لاحتمال فقدان شرطه فالأصل يقتضي البراءة عن الوجوب.
وأما الوجه الثاني فتوجيهه بأن يقال: إن المسلم أو المسلمة إذا مات يجب على كل
مسلم أو مسلمة تغسيله وتجهيزه إما مباشرة أو تسبيبا ألا ترى أنه إذا ماتت مسلمة يجب على
الرجال السعي في تجهيزها وغسلها ولو تسبيبا فح يجب على كلتا الطائفتين الاتيان بغسل
الخنثى المشكل لأنه لم يعلم باتيان الرجال لغسله فراغ ذمة النساء من وجوب غسله لأنه
يحتمل عدم تحقق المماثلة بين الغاسل والميت.
وأما الوجه الثالث فبأن يقال: إن وجوب المماثلة ليس من مقومات الغسل كطهارة
الماء ونحوها حتى يراعى فيها لزوم احرازها بل الذي يستفاد من الأخبار أنها من جهة حرمة
النظر واللمس فح يكون عدمها مانعا أن يكون وجودها شرطا فعند الشك في تحقق المانع
للغسل فالمجرى أصالة عدم تحقق المانع للغسل فيصح الغسل بدون احراز الشرط ولكن الظاهر
ضعف هذا الوجه فإن الظاهر من الأدلة هو كون المماثلة شرطا في الغسل فاللازم احرازها
فالأحوط هو الوجه الثاني (أي تكرار الغسل) من المحارم.
ولا يجب تغسيل الكافر بل لا يجوز لأن الأدلة الدالة على وجوب تغسيل
الميت منصرفة عنه فإنها منصرفة إلى المسلم مضافا إلى ما في موثقة عمار المتقدمة قال:
201

والنصراني يموت مع المسلمين لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان
أباه (1) مضافا إلى أن عدم وجوب غسله اجماعي فلا اشكال فيه وإنما الاشكال في وجوب
غسل المخالف لما عليه أهل الحق من سائر فرق المسلمين المظهرين للشهادتين فعن المفيد
وبعض المتأخرين عدم وجوب غسلهم.
ووجه الشيخ في التهذيب على ما حكي عنه كلام المفيد بأنه حكم بكفرهم و
بعض الفقهاء مع أنه لم يحكم بكفرهم حكم بعدم وجوب غسلهم أو توقف فيه لانصراف
أدلة وجوب الغسل عنهم وحمل مضمر أبي خالد قال: اغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع
وكل شئ إلا ما قتل بين الصفين فإن كان به رمق غسل وإلا فلا (2) وقول أبي عبد الله في
موثقة سماعة: وغسل الميت واجب (3) على المؤمن لا على الفرد المطلق مع قطع النظر عن
أوصافه من الاسلام والكفر.
وحمل رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: صل على من
مات من أهل القبلة وحسابه على الله عز وجل (4) مع الإشارة إلى ضعفها على اثبات
مشروعية الصلاة عليه وكذا الغسل بضميمة عدم القول بالفصل بين الغسل والصلاة دون
الوجوب لأنها في مقام دفع توهم الخطر فلا تفيد الوجوب.
ولكن يمكن أن يقال: إن أدلة وجوب غسل الأموات مطلقة شاملة للمخالف
ودعوى الانصراف ضعيفة وقوله عليه السلام: اغسل كل الموتى شامل بعمومه للمخالف أيضا فكما أنه
عام باعتبار أنواع الأفراد فكذا يكون عاما باعتبار خصوصيات الفرد من كونه مؤمنا أو مخالفا
ولا يلزم من ذلك دخول الكافر في العموم لخروجه بالمخصص الخارجي قطعا ورواية طلحة بن
زيد كالصريح في وجوب الصلاة عليه أي على المخالف ويتم الوجوب في الغسل بعدم القول
بالفصل وضعفها منجبر بعمل المشهور بها فالأحوط بل لا يخلو من قوة هو وجوب غسله
والظاهر أن كيفية غسله هو كيفية غسل أهل الحق لدلالة اطلاق الأخبار عليه وقيل كيفيته

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 49
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب غسل الميت الحديث 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب غسل الميت الحديث 1
(4) الإستبصار الباب 1 من أبواب الصلاة على الأموات الحديث 2.
202

كيفية الغسل عند العامة لقوله عليه السلام، ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ولكن ظاهر هذه الرواية هو
الزامهم بما يكون ضررا عليهم لا مطلقا فلا تشمل ما نحن فيه والله العالم
ثم إنه استثنى الفقهاء
من وجوب الغسل الشهيد وهل المراد منه من قتل بإذن الإمام في المعركة أم مطلق من قتل
في المعركة سواء كان بإذن الإمام أم نائبه الخاص أو العام أو بغير الإذن ولكن علم بوجوب
القتال مع الكفار في مورد.
كما إذا خيف على بيضة الاسلام من تهاجم العدو ولم يتمكن من الإذن من الإمام
أو يشمل مطلق من قتل في سبيل الله ولو بالشنق والسم ولو لم يكن في المعركة وجوه
ولا يبعد أن يقال بالوجه الثاني لدلالة الأخبار عليه.
كرواية أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل
الله أيغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه قال: يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلا أن يكون به رمق
فإن كان به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط الخبر (1).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه
ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعده فإنه يغسل ويحنط (2) فإن قوله عليه السلام
يقتل في سبيل الله وإن كان يشمل ما إذا قتل في غير الحرب ولو بالسم ولكن قوله إلا أن
يدركه المسلمون وبه رمق ظاهر في كون قتله في المعركة وهاتان الروايتان لم تقيد أكون
قتاله بإذن الإمام وكذا سائر أخبار الباب ولكن لا بد من أن يكون مشروعا والحاصل أنه لا بد
من أن يكون تحقق الشهادة في المعركة للمتفاهم العرفي من لفظ الشهيد ولأن ملاحظة جميع
أخبار عدم وجوب غسل الشهيد يعطي ذلك فإن مصب كثير منها أو أكثرهما من قتل في سبيل
الله في ميدان الحرب فلا يشمل من قتل في فراشه بالسم مثلا فلذا غسلوا الأئمة الأطهار عليهم السلام
جميعهم مع أن جميعهم كانوا شهداء في سبيل الله نعم إن الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم
السلام حيث استشهدوا في المعركة لم يغسلوا وإن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه
مع أنه قتل بالسيف وأطلق عليه في زياراته بالشهيد غسله الحسن عليه السلام فيظهر من
ذلك أن الشهيد الذي لا يجب غسله هو الشهيد في المعركة.

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب غسل الميت الحديث 1 - 1.
(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب غسل الميت الحديث 1 - 1.
203

والظاهر أن المراد بقوله: إلا إذا أدركه المسلمون وبه رمق - ادراكهم له بعد أن
وضعت الحرب أوزارها ويحتمل أن يكون المراد بادراكهم اخراجهم له عن المعركة وهو
حي ولو كان قبل انقضاء الحرب وإما أن يكون المراد بادراكهم له ملاقاتهم له ورؤيتهم
إياه وهو حي فبعيد جدا إذ لم يبق للمستثنى منه ح أعني سقوط الغسل عن الشهيد - مورد
إلا شاذا لأنه قلما يتفق موت شحص فورا بمجرد تحقق جراحة له بحيث لا يراه أحد من المسلمين
إلا بعد موته.
والذي يدل على أن المراد بادراكه هو ما ذكرناه لا مجرد رؤيتهم له حيا حكاية
شهادة عمار رضي الله عنه حيث استسقى فسقي باللبن فكان آخر زاده من الدنيا مع أن
أمير المؤمنين عليه السلام لم يغسله كما دل عليه الأخبار المستفيضة فمع أنه رآه المسلمون قبل
موته وسقوه اللبن لم يغسله عليه السلام
وكذا حكاية سعد بن ربيع يوم أحد حيث قال النبي صلى الله عليه وآله في ذلك
اليوم: من ينظر إلى ما فعل سعد بن ربيع فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول الله فنظر فوجده
جريحا وبه رمق فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات فقال:
أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام قال: ثم لم أبرح إلى أن مات ولم يأمر النبي
صلى الله عليه وآله بتغسيل أحد منهم.
وعلى فرض الشك في دخول ذلك أي من مات قبل تقضي الحرب وأدركه
المسلمون في المستثنى يمكن التمسك لعدم وجوب غسله بالمستثنى منه أي عدم وجوب غسل
كل شهيد عدا من أدركه المسلمون وبه رمق فإن دخوله في المستثنى مشكوك فيشك في
استثنائه من حكم مطلق الشهيد فيتمسك لعدم وجوب غسله بعموم لعدم وجوب غسل كل شهيد
وليس هذا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بل من باب التمسك بالعام في الشبهة
المفهومية وهو مما لا ضير فيه كما لا يخفى ولا فرق في جريان حكم الشهيد بين الصغير
والكبير ولا بين الرجل والمرأة إذا جاء بالصغير والمرأة إلى الحرب للمصلحة المقتضية لذلك
لصدق القتل في سبيل الله عليهم.
وهل يصدق الشهيد على من حضر الحرب لغير الله بل لداع آخر كالظفر بالغنيمة
واظهار الشجاعة فقتل مشكل لعدم صدق من قتل في سبيل الله عليه وكذا صدقه على من ولى
204

هاربا من الزحف فقتل في حال فراره مشكل.
ويلحق بالشهيد في سقوط الغسل عنه المرجوم والمرجومة والمقتص منه اجماعا كما
ادعاه غير واحد ويؤمر قبل رجمه أو قصاصه بأن يغتسل ثم يرجم أو يقتص منه وتدل عليه
رواية مسمع كردين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرجوم والمرجومة يغتسلان ويحنطان
ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما والمقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل ويحنط
ويلبس الكفن (1).
وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أن عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها وهل
يكتفى بغسل واحد ولا بد من اغتساله ثلاثة أغسال بل لا بد من أن يكون أحدها بالسدر
وثانيها بالكافور كما في غسل الميت فيه وجهان من اطلاق الأمر بالاغتسال في الرواية
وكلمات الأصحاب فيتحقق الامتثال بغسل واحد ومن استظهار أن هذا الغسل هو بعينه
غسل الميت قدم على موته لأن في الرواية بعد قوله يغتسل قوله ويحنط ويلبس الكفن ومن
المعلوم أن التحنيط والتكفين من واجبات الميت فيظهر منه أن هذا الغسل هو غسل الميت
والأمر بالاغتسال وإن كان مطلقا إلا أن الأمر بالتحنيط والتكفين يوجب صرف اطلاقه إلى
الغسل المعهود أعني غسل الميت لكن المسألة غير خالية عن الاشكال فالأحوط الاغتسال
بثلاثة أغسال مع مزج الخليطين السدر والكافور.
(الثالث من واجبات الميت)
تكفينه أي تكفين الميت المسلم وهو من الواجبات الكفائية يجب على
كل واحد من المسلمين ولكن اعطاء الكفن له ليس من الواجبات بل من المستحبات وهل
يكون التكفين من الواجبات التعبدية بمعنى وجوب قصد القربة فيه أو من الواجبات
التوصلية فيكفي ايجاده في الخارج بأي قصد كان الظاهر هو الثاني لعدم الدليل على
وجوب قصد القربة فيه والأصل ينفيه.
ثم إنه يجب تكفينه في ثلاثة أثواب اجماعا إلا ما عن السلار فإن المحكي عنه
هو الاكتفاء بثوب واحد شامل لجميع البدن.
والمشهور أن الثلاثة أثواب هي اللفافة والقميص والإزار خلافا لصاحب المدارك

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1.
205

حيث أوجب لفافة أخرى عوضا عن المئزر وحمل الإزار المذكور في بعض الأخبار على اللفافة ولنذكر بعض أخبار الباب حتى يتضح المراد فنقول ومن الله التوفيق:
روى الكليني والشيخ قدس سرهما باسنادهما عن يونس عنهم عليهم السلام قال في
تحنيط الميت وتكفينه: ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص عليه
الخبر (1)
يدل على أن القميص يكون فوق الإزار وروى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: يكفن الميت في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق
وخمار ولفافتين (2) وهذه الرواية كالصريحة في أن المراد من الإزار في سائر الروايات هو
المئزر لأن المراد بالدرع هو القميص والمنطق كمنبر ما يشد بالظهر فيكون بمعنى المئزر فالواجب
للمرأة المئزر والقميص واللفافة فهي في هذه الثلاثة كالرجل والمستحب لها الخمار ولفافة
أخرى لعظمها إما في الجثة أو في نظر الناس وروى الشيخ مسندا عن محمد بن سهل عن أبيه
قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها
قال: أحب ذلك الكفن يعني قميصا قلت: يدرج في ثلاثة أثواب قال: لا بأس به والقميص
أحب إلي (3).
تدل على كفاية تكفينه بالأثواب التي كان يصلي فيها ومعلوم أن الثوب الذي
يصلي فيه الرجل يكون من قبيل القميص والإزار لا مثل اللفافة كما لا يخفى.
وروى الشيخ أيضا والكليني مسندا عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: كيف أصنع بالكفن قال: يؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه قلت:
فالإزار قال: إنها لا تعد شيئا إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شئ الخبر (4).
وهذا الخبر أيضا كالصريح فيما عليه المشهور لأنه توهم السائل من قوله عليه السلام: يؤخذ
خرقة الخ بأن هذه الخرقة هي الإزار فلذا قال: فالإزار أي فالإزار هذه الخرقة فأجاب عليه السلام بأنها
لا تعد شيئا من الكفن فيعلم منه أن الإزار بمعنى المئزر وإلا لم يكن وجه لتخيله بأن هذه

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب تكفين الميت الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 3
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 4 - 20.
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 4 - 20.
206

الخرقة هي الإزار فإن الإزار يشتبه بالخرقة دون اللفافة إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على ما
عليه المشهور وأما ما يظهر من بعض الأخبار من لزوم كون الثلاثة أثواب من قبيل اللفافة
الشاملة لجميع البدن كصحيحة زرارة المروية عن بعض نسخ التهذيب قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: العمامة للميت من الكفن قال: لا إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام
لا أقل منه يوارى فيه جسده (1).
وحسنة حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت: فالكفن
قال: يؤخذ خرقة فيشد بها سفليه وتضم فخذيه (وسطه خ ل) بها إلى أن قال: ثم يكفن
بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن (2).
فإن الظاهر من اللفافة هو ما يشمل جميع البدن والبرد أيضا كذلك فلا بد من
تأويلهما على ما يوافق المشهور فإن رواية زرارة مضطربة المتن فإنه نقل عن بعض نسخ أخرى
من التهذيب بعد قوله: ثلاثة أثواب قوله: أو ثوب تام فالتام صفة للثوب لا لثلاثة أثواب فتصير
هذه الرواية دليلا لقول سلار القائل بجواز الاكتفاء بثوب واحد شامل لجميع البدن وعن
الكافي وثوب تام بالواو وعلى أي تقدير فهي معرض عنها عند الأصحاب مضافا إلى أن لفظ تام
على النسخة الأولى لا يمكن أن يكون صفة لثلاثة أثواب كما لا يخفى.
ورواية حمران ليست صريحة في خلاف المشهور فإنه يمكن أن يكون المراد باللفافة
الإزار لأنه يلف بالبدن وعلى فرض ظهور الروايتين وغيرهما في لزوم كون ثلاثة أثواب مما
يشمل جميع البدن فلا بد من رفع اليد عنهما لعدم عمل الأصحاب بهما فظهر من جميع ذلك
ضعف ما ذهب إليه صاحب المدارك من حمل الإزار في الأخبار على اللفافة فإنه خلاف ما يستفاد
من الأخبار الكثيرة المعمول بها بين الأصحاب.
ثم إنهم اشترطوا في الكفن أمورا الأول كونه مباحا فلا يجوز تكفينه في المغصوب
وادعى عليه الاجماع لحرمة التصرف في مال الغير شرعا وعقلا حتى أنهم حكموا بجواز نبش
القبر واخراج الكفن المغضوب إذا دفنوه به.
الثاني عدم كونه حريرا محضا تدل عليه مضمرة حسن بن راشد قال: سألته عن

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 23.
207

ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيه الموتى
قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس (1).
ورواها الصدوق مرسلا عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ومفهوم هذه الرواية
وإن كان عدم جواز التكفين فيه إذا لم يكن القطن أكثر وإن كان مساويا للقز وهذا مما لم يلتزم
به أحد من الفقهاء إلا أنا لم نلتزم به إلى هذا المقدار
بل نقول بعدم جواز التكفين فيما
إذا كان حريرا محضا والرواية تدل عليه بنحو الأولوية بل الاحتياط في ترك التكفين فيما
إذا كان القز غالبا على القطن.
واستدل أيضا لعدم جواز التكفين بالحرير بالرواية الناهية عن التكفين بكسوة
الكعبة مع الإذن في بيعها كرواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئا فقضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في
يده هل يصلح له بيعه قال: يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد (ويهب ما يريد، خ) ويستنفع به و
يطلب بركته قلت (قيل خ ل): أيكفن به (فيه خ) الميت قال: لا (2). بناء على أن علة
النهي عن التكفين هو كونها حريرا محضا غالبا.
ولكن يمكن الخدشة فيها بأنه لا ينحصر النهي فيها بكونها حريرا فيمكن أن تكون علة
النهي هو كون التكفين بها موجبا لهتك الحرمة.
الثالث من الأمور المعتبرة في الكفن أن يكون طاهرا فلا يجزي التكفين بالمتنجس
ويدل عليه مضافا إلى دعوى الاجماع عليه الروايات الدالة على وجوب الكفن أو غسله إذا
تنجس بخروج النجاسة من الميت كرواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن بدا من الميت شئ بعد غسله فاغسل الذي بدا منه (3).
ورواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خرج
من الميت شئ بعدما يكفن فأصاب الكفن قرض منه (4).

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب تكفين الميت الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب تكفن الميت الحديث 3
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب غسل الميت الحديث 1 وباب 24 من أبواب تكفين الميت الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب غسل الميت الحديث 1 وباب 24 من أبواب تكفين الميت الحديث 1.
208

الرابع أن لا يكون من شعر أو صوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه ومستنده دعوى
الاجماع على ذلك وربما استدل لذلك برواية محمد بن مسلم عن أبي عبد لله عليه السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فإن
الميت بمنزلة المحرم (1).
فإذا انضم إليه ما ورد في الاحرام من لزوم كون جنس ما يحرم فيه مما تجوز
الصلاة فيه فلا بد من أن يكون جنس الكفن مما يجوز أن يحرم فيه فلا يجوز في غير مأكول
اللحم هذا ولكن يرد على هذا الاستدلال أنه إذا استفدنا من هذا الرواية عموم المنزلة فلا بد
من الحكم بحرمة جميع تروك الاحرام على الميت وهذا مما لم يقل به أحد فالعلة المذكورة في
الرواية بشهادة فهم العرف علة لكراهة تجهيز أكفانه وتطييبه فقط مضافا إلى أن
مرجوحية تجمير الكفن وتطييبه معارضة بسائر الأخبار الدالة على رجحان تجمير الأكفان
(راجع ب 9 من أبواب غسل الميت من جامع الأحاديث الحديث 4 من قوله عليه السلام: وجمر ثيابه بثلاثة
أعواد و ب 1 من أبواب تحنيط الميت من قوله عليه السلام: وتجمر كفنه و ب 17 ح 2 من أبواب الدفن
قوله عليه السلام: ولكن يجمر الكفن) فالعمدة في مستند هذا الحكم هو الاجماع إن تحقق.
ثم إنه لا فرق في الثلاثة أثواب بين أقسام الثوب مما نسج من القطن أو الكتان
أو الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لصدق الثوب على ذلك كله وأما المتخذ من
الجلد ففي صدق الثوب عليه اشكال بل يمكن دعوى الانصراف عنه.
الرابع من واجبات الميت تحنيطه ولا خلاف في وجوبه إلا ما حكي عن السلار في
المراسم من القول بعدم وجوبه وإلا الأردبيلي من التأمل في وجوبه والاختلاف فيه من
جهتين الأولى في كيفيته وأنه هل يكفي وضع الكافور على المواضع أو لا بد من مسحه بها وعلة
هذا الاختلاف هو التعبيرات المختلفة الواردة في الأخبار.
ففي صحيحة عبد الله سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: كيف أصنع
بالحنوط قال: تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه (2).
وفي رواية الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يوضع الكافور من

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التكفين الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 6
209

الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وعلى باطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى
الركبتين والراحتين والجبهة واللبة (1).
وفي رواية دعائم الاسلام عنه عليه السلام قال: إذا فرغ الرجل من غسل الميت نشفة
في ثوب وجعل الكافور والحنوط في مواضع سجوده في جبهتة وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه
ويجعل من ذلك في مسامعه وعينيه وفيه ولحيته وصدره الحديث (2).
وفي حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور
فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط (3) وفي
رواية زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور
فمسحت به آثار السجود منه ومفاصله كلها واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط
وعلى صدره وفرجه الخبر (4)
وهذه الروايات كما تراها مختلفة التعابير ففي بعضها يوضع الكافور وفي
رواية الدعائم وجعل الكافور وفي بعضها التعبير بالمسح ولذا قال بعضهم بوجوب وضع
الكافور على المواضع وبعضهم بوجوب مسحها بالكافور وبعضهم احتاط بوجوب تحقق
كلا الأمرين أي الوضع والمسح والمراد من الأمرين أنه لا بد أن يكون المسح بحيث يبقى من
الكافور على المواضع شئ حتى يصدق وضع الكافور وجعله عليها.
ولكن الظاهر أن التعبيرات المختلفة في الأخبار لا يراد منها المعاني المختلفة فإن
المراد من جميعها معنى واحد وهو مسح المواضع بالكافور بحيث يبقى أثره على المواضع فإن معنى
المسح ليس امرار يد الماسح على الممسوح فقط بل لا يطلق المسح إلا فيما إذا بقي من يد الماسح
على الممسوح أثر كما تقدم في باب الوضوء من قوله عليه السلام: وتمسح ببلة يمناك ناصيتك.
استفيد منه أنه لا بد من تأثير البلة من يد الماسح على الممسوح ولا يكفي مجرد امرار يد
المساح على الممسوح فظهر أنه يعتبر مسح المواضع بالكافور بحيث يبقى أثره عليها حتى يصدق
وضع الكافور عليها فلا يكفي مسح المواضع بدون تعلق الكافور بها.
ويستفاد من بعض الأخبار المتقدمة كون التحنيط بعد الغسل وقبل التكفين

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 5 - 3
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 5 - 3
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 2 - 1.
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 2 - 1.
210

فلا يجب بعد التكفين خلافا لبعض لأن قوله عليه السلام إذا فرغ من غسل الميت الخ ظاهر في أنه قبل
التكفين وكذا قوله عليه السلام: إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور الخ.
الثاني من وجهي الاختلاف أن الواجب هل هو تحنيط مواضع السجود فقط أو هي مع
إضافة الأنف إليها أو هما معا مع إضافة جميع المفاصل أو هي مع الفم والسمع والبصر والصدر
واللحية والرأس والفرج فيه اشكال ومنشأه اختلاف الأخبار ففي بعضها ذكر المساجد فقط
كموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنوط للميت فقال:
اجعله في مساجده (1) وفي بعضها إضافة الأنف إليها كرواية الدعائم المتقدمة (2).
وفي بعضها الأمر بوضع الكافور إضافة إلى ما ذكر على جميع المفاصل كرواية
الحلبي المتقدمة (3) وفي بعضها إضافة الفم المسامع والرأس واللحية والصدر والفرج كرواية
زرارة المتقدمة (4)
ولكن تعارض هذه الروايات الدالة على وضع الحنوط في فمه ومسامعه وبصره
وغيرها روايات أخرى ناهية عن ذلك.
كرواية يونس عنهم عليهم السلام قال: ابسط الحبرة بسطا إلى أن قال: ولا تجعل في
منخره ولا في بصره ومسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا (5).
ورواية عثمان النواء عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: ولا تقربن شيئا من
مسامعه بكافور (6) ورواية حمران بن أعين عنه عليه السلام أنه قال في حديث:
ولا تقربوا أذنيه شيئا من الكافور (7).
وربما قيل في المعارضة بأن كلمة في في تلك الأخبار الآمرة بمعنى على فيصير المنهي
بحسب هذه الأخبار الناهية هو جعل الكافور وادخاله في هذه المواضع وبحسب تلك الأخبار
يصير المأمور به مس تلك المواضع بالكافور فلا تعارض.
ولكن فيه مع بعده جدا أنه لا يدفع المعارضة لما في بعض الأخبار من قوله

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 4
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3 - 2 - 1
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3 - 2 - 1
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3 - 2 - 1
(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 3 - 21 - 23.
(6) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 3 - 21 - 23.
(7) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 3 - 21 - 23.
211

عليه السلام: لا تمس مسامعه بكافور (1).
وقيل بحمل الأخبار الآمرة بالتحنيط على التقية لموافقتها لمذهب العامة وفيه أن الأخبار الناهية تبقى ح بلا معارض وهي ظاهرة في الحرمة مع أنه لا قائل به على الظاهر وقيل في
دفع المعارضة غير ذلك.
ويمكن دفع المعارضة بحمل الأخبار الناهية على دفع توهم الوجوب لأنه واجب
عند العامة فيصير ح مباحا فهل يشمله أخبار من بلغ لكي يصير مستحبا لورود الأوامر الكثيرة
في تلك الأخبار بذلك فيكون من مصاديق قوله صلى الله عليه وآله: من بلغه ثواب على عمل
الخ ولا يمنعه الأخبار المعارضة لهذه الأخبار لعدم العلم بصدور تلك الأخبار ولأنه بلغ ذلك
من مهابط الوحي وانكار البلوغ مكابرة فلا يبعد القول باستحباب تحنيط ما تضمنته تلك الأخبار من الفم والمسامع والعين والمنخر وغيرها بأخبار من بلغ هذا كله بالنسبة إلى
غير المفاصل.
وأما المفاصل فالظاهر استحباب تحنيطها لدلالة بعض تلك الأخبار الآمرة على ذلك
من دون معارض نعم هي ظاهرة في الوجوب إلا أن موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنوط للميت فقال: اجعله في مساجده (2) تعارض هذه
الروايات الدالة بظاهرها على الوجوب لأن الموثقة في مقام البيان ومع ذلك لم يذكر
غير المساجد فهي كالنص في أن الواجب هو مسح المساجد فقط بالكافور فلا بد من حمل تلك الأخبار على الاستحباب
وهذا التحنيط واجب لكل ميت مسلم عدا المحرم فلا يجوز تحنيطه بل لا يجوز جعل
الكافور في ماء غسله وادعى على ذلك الاجماع والأخبار في ذلك كثيرة
منها موثقة سماعة قال: سألته عن المحرم يموت فقال يغسل ويكفن بالثياب كلها
ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمسه الطيب (3) ومنها رواية عبد الرحمن

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 22
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 4
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 4.
212

ابن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به قال: إن
عبد الرحمن بن الحسن ع مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام وهو محرم ومع
الحسين ع عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وصنع به كما صنع بالميت وغطى وجهه ولم
يمسه طيبا الحديث (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المحرم إذا
مات كيف يصنع به قال: يغطى وجهه ويصنع به كما بالمحل (بالحلال خ ل) غير أنه
لا يقربه طيبا (2).
ويمكن الخدشة بأن مس الطيب في هذه الأخبار ظاهر في التحنيط فلا يصدق على
القاء الكافور في ماء غسله ويمكن استفادة هذا المطلب من موثقة أبي مريم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: خرج الحسين بن علي عليهما السلام وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس
وعبد الله بن جعفر ومعهم ابن للحسن ع يقال له: عبد الرحمن فمات بالأبواء وهو محرم فغسلوه و
كفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه ورأسه ودفنوه (3) فإنه ظاهر في أن غسله كسائر أغسال الموتى
وصريح في أنه لم يحنطوه.
ولكن يمكن الجواب عن هذه الخدشة بأن المس غير ظاهر في ذلك بل المراد بالمس
هو المساس للميت ومعلوم أنه إذا أدخل في مائه كافورا فقد حصل مساسه للميت مع أن
رواية محمد بن مسلم أظهر من هذه الروايات فإنه ع قال: ولا يقربه طيبا فيشمل ما إذا أدخل
في ماء غسله كافورا لأنه يصدق عليه أنه قربه طيبا مضافا إلى فهم الأصحاب من هذه
الروايات ذلك.
(الخامس)
من واجبات الميت الصلاة عليه أي على الميت المسلم فلا تجب على الكافر بل
لا تجوز ووجوبها على المسلم اجماعي وتدل عليه الأخبار الكثيرة الخارجة عن حد الاحصاء
فمنهما رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صل على من مات من أهل القبلة
وحسابه على الله عز وجل (4) حتى أن في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الصلاة على الزاني

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث - 1 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث - 1 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث - 1 - 4 - 5
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 7.
213

والسارق وشارب الخمر من المسلمين منها رواية هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: قلت
له: شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا قال: نعم (1) ومنها رواية السكوني
الدالة على وجوب الصلاة على المرجوم والقاتل نفسه وفي تلك الرواية: قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من
أمتي بلا صلاة (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
وهل تجب الصلاة على الأعضاء المنفصلة عن الميت أولا - مقتضى كثير من الأخبار
أن الميت إذا قد نصفين يصلى على النصف الذي فيه القلب كرواية القلانسي عن أبي جعفر
عليه السلام قال: سألته عن الرجل الذي يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف
يصنع به قال: يغسل ويكفن ويدفن فإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه
قلبه (3).
ولكن في بعض الأخبار ما يدل على أن الجزء المشتمل على العظم تجب الصلاة عليه
ولا تجب على الجزء غير المشتمل على العظم.
كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قتل قتيل فلم يوجد
إلا لحم بلا عظم له لم يصل عليه فإن وجد عظم بلا لحم صلي عليه (4) والظاهر أن المراد من
قوله عظم بلا لحم بيان الفرد الخفي لا أنه إذا وجد العظم مع اللحم لا تجب الصلاة عليه فهو
في مقابل قوله لحم بلا عظم ويستقاد من اطلاق قوله: فإن وجد عظم بلا لحم صلى عليه أنه
تجب الصلاة على كل ما كان فيه العظم سواء أكان مشتملا على الصدر أم لا وسواء ا كأن
العضو تاما أم غير تام أو مشتملا على القلب أو لا وهذا الاطلاق بظاهره مناف لسائر الأخبار فإنه
قد عرفت من رواية القلانسي المتقدمة آنفا أن الجزء الذي فيه القلب تجب الصلاة عليه و
ظاهرها عدم وجوب الصلاة على غير المشتمل على القلب.
وكذا رواية محمد بن خالد عمن ذكر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وجد
الرجل قتيلا فإن وجد له عضو تام من أعضائه صلى على ذلك العضو وإن لم يوجد له عضو تام

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 3
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 5 - 8.
(4) الوسائل الباب 38 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 5 - 8.
214

لم يصل عليه ودفن (1).
فإنها أيضا معارضة لاطلاق رواية محمد بن مسلم المتقدمة فلا بد من حمل رواية ابن
مسلم على مفاد هاتين الروايتين إذا لم يعمل باطلاقها أحد من الفقهاء على الظاهر ومع ذلك
فالاحتياط لا ينبغي تركه.
وإذا وجد لحم بلا عظم فقد عرفت من رواية محمد بن مسلم عدم وجوب الصلاة عليه
إلا إذا اشتمل على القلب فإن مقتضى الجمع بين هذه الرواية ورواية القلانسي هو وجوب
الصلاة عليه وكيفية هذه الصلاة وباقي أحكامها مذكور في الكتب المبسوطة فراجع.
(السادس)
من واجبات الميت دفن الميت المسلم وأما الكافر فلا يجب بل لا يجوز دفنه ووجوب
دفن الميت المسلم اجماعي بل هو من ضروريات الدين والأخبار في وجوبه خارجة عن حد
الاحصاء كرواية القلانسي المتقدمة في اجزاء الميت قال: يغسل ويكفن ويدفن ورواية
محمد بن خالد المتقدمة عن أبيه قال عليه السلام في أجزائه: فإن لم يوجد له عضو تام لم يصل
عليه ودفن ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: إنما أمر بدفن الميت
لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير رائحته ولا يتأذى الأحياء بريحه و
لا يدخل عليه من الآفة والفساد وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوه
ولا يحزن صديقه (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
ويجب في تحقق الدفن المواراة تحت الأرض بحيث يأمن من تعرض السباع له و
يأمن أيضا من انتشار ريحه ومع تحقق هذين الوصفين يكفي مسمى الدفن نعم يستحب جعل
اللحد له ولا بد من دفنه في الأرض فلا يكفي أن يجعل في تابوت من حديد أو صندوق أو
مواراته في جدار ونحو ذلك لعدم صدق الدفن على ذلك كله بل لا يجوز القاؤه في البحر إلا مع
الضرورة فإنه معها يكفي إذا مات في البحر ولم يمكن الصبر إلى الوصول إلى البر القاؤه في البحر
بعد جعله مثقلا بالحديد أو الحجر لئلا يظهر على وجه الماء أن يجعل جانبه الأيمن تجاه القبلة.

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 9
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الدفن الحديث 1.
215

ويحرم نبش قبر المسلم لاستلزام ذلك لهتكه وقوله ع في بعض الأخبار: النباش
كالسارق بناء على أن المراد بالنباش مطلق من ينبش القبور سواء سرق أو لا وأما إذا قيل:
إن المراد من النباش من ينبش القبور لأجل سرقة الأكفان - كما هو الغالب أو لأجل اتيان
عمل مناف للعفة كالزنا فلا دلالة في هذه الرواية على حرمة مطلق النبش والظاهر من
الرواية هو إرادة المعنى الثاني لعدم فهم العرف منها ومن غيرها غير ذلك
وكيف كان فالعمدة في مستند حرمة نبش القبر هو الاجماع والظاهر أن علة الحرمة
هي الهتك فلا حرمة لو لم يستلزم الهتك كنبش قبره لنقله إلى المشاهد المشرفة فإنه جائز على
المشهور إذا أوصى بذلك ما لم يوجب هتك حرمته كانتشار ريحه أو تبدد أعضائه وأما إذا لم يوص
بذلك فالمشهور أنه أيضا كذلك بل عن كشف الغطاء أنه نقله إلى المشاهد المشرفة وإن
استلزم تقطيعه إربا إربا ولكن فيه اشكال.
والدليل على جواز نقله إلى المشاهد المشرفة - مضافا إلى دعوى الاجماع أو عدم نقل
الخلاف - الرواية المروية عن ارشاد القلوب وهي ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه
كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغري فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف
فإذا رجل قد أقبل من البرية راكبا على ناقة وقدامه جنازة فحين رآى عليا عليه السلام قصده
حتى وصل إليه وسلم عليه فرد ع عليه السلام فقال: من أين قال: من اليمن قال: وما هذه
الجنازة التي معك قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض فقال: له علي عليه السلام: لم
لا دفنته في أرضكم. قال: أوصى بذلك وقال: إنه يدفن هناك رجل - يدخل في شفاعته
مثل ربيعة ومضر فقال ع له: أتعرف ذلك الرجل قال: لا قال: أنا والله ذلك الرجل ثلاثا فادفن
فقام ودفنه (1) فإنه عليه السلام قد قرره في فعله حيث لم يعترض عليه في فعله
وكذا يجوز بل يجب النبش إذا دفن بلا غسل أو بلا كفن أو كفن مغصوب أما إذا
دفن بلا غسل ولا كفن فإن النبش ح لا يستلزم الهتك بل يستلزم احترام الميت فإن دفنه
بلا غسل ولا كفن يوجوب هتكه.
وأما إذا كفن بالكفن المغصوب فإنه وإن استلزم النبش هتكه إلا أن حرمة الهتك
معارضة بحرمة مال الناس ومال الناس أولى بالرعاية بل لو استلزم دفنه عاريا لا يجب على

(1) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب دفن الميت الحديث 11.
216

صاحب المال بذل الكفن له فإن الواجب هو تكفين الميت لا اعطاء الكفن له.
واستشكل على جواز النبش إذا دفن بلا غسل ولا كفن بأن النبش مستلزم لهتك
الحرمة وهو حرام لا يعارضه وجوب تغسيل الميت وتكفينه لتغليب جانب الحرمة على الوجوب
فيما إذا دار الأمر بينهما فيه أن هذا لا يستلزم هتك الميت بل يوجب احترامه لأن الدفن بلا غسل
ولا كفن موجب لهتكه ونبش قبره واخراجه لتغسيله وتكفينه يصدق عليه بنظر
العرف فلا حرمة حتى تعارض الوجوب
ومن موارد جواز نبش القبر ما إذا وقع في القبر مال له قيمة معتد بها أو دفن معه مال
كذلك فإن احترام مال الغير يوجب جواز نبش قبره وإن استلزم هتك المؤمن لأن حرمة
أموال الناس أعظم من سائر المآثم.
ومن الموارد المستثناة - ما إذا دفن في موضع يوجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة
ومقابر الكفار فإنه أيضا يجوز نبش قبره ونقله إلى موضع يوجب احترامه فإن اخراجه
لا يصدق عليه الهتك بل يصدق عليه احترامه كما هو واضح.
ثم إنه تجوز النياحة على الميت بالشعر والنثر ما لم تشتمل على الباطل والكذب ولم
تشتمل على خلاف رضا الله والأخبار الدالة على جوازها كثيرة.
منها قوله صلى الله عليه وآله في قتل حمزة رضي الله عنه - بعد ما رجع المسلمون من
عزوة أحد وأقاموا المأتم لموتاهم: لكن حمزة لا بواكي له فسمع المسلمون ذلك فجعلوا يقيمون
العزاء والنياحة في كل مصيبة وردت عليهم أولا على حمزة رض ثم على موتاهم (1).
وأما ما يدل على عدم جواز النياحة من بعض الأخبار فمحمول على الغالب من
اشتمالها على الباطل والكذب
ولكن لا يجوز اللطم وشق الجيب على غير الأب والأخ كما عن
المشهور ومستنده رواية الدعائم عن الصادق عليه السلام أنه أوصى عندما احتضر فقال: لا
يلطمن علي الخد ولا يشقن علي جيب فما امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع كلما
زادت زيدت (2)

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب البكاء على الميت الحديث 21 نقلا بالمعنى
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 33.
217

وعن مسكن الفؤاد للشهيد الثاني قده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب (1).
وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى عليه وآله لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها
والداعية بالويل والثبور (2) وعن مشكاة الأنوار نقلا عن المحاسن عن الصادق عليه السلام في
قول الله عز وجل: ولا يعصينك في معروف (3) قال: المعروف أن لا يشققن جيبا ولا يلطمن
وجها ولا يدعون بالويل والثبور (4).
وهذه الروايات وإن كانت مرسلة أو ضعيفة إلا أن الأصحاب قد عملوا بها فينجبر
ضعفها بعملهم ولكن بعض الأصحاب قد جوزهما مطلقا على كراهية في غير الأب والأخ
والأقارب أو مطلقا وبعضهم قال بجوازهما للزوجة على زوجها أو المرأة على مطلق أقاربها ولعل
مستندهم رواية الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق
الثياب (5) من حيث ظهور كلمة لا ينبغي في الكراهة.
ورواية سدير عن الصادق عليه السلام بعد أن سأله عن رجل شق ثوبه على أبيه وعلى
أمه وعلى قريب له قال: لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى على هارون ولا يشق الوالد على ولده
ولا زوج على امرأته وتشق امرأة على زوجها إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده
فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك إلى أن قال: ولقد شققن
الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام وعلى مثله تلطم
الخدود وتشقق الجيوب (6)
ويستقاد من هذه الرواية ممنوعية شق الجيوب للوالد على ولده والزوج على زوجته
وجوازه فيما سوى ذلك ويستفاد أيضا من قوله عليه السلام: لقد شققن الجيوب ولطمن الخدود
الفاطميات على الحسين (عليه السلام) جواز اللطم وشق الجيوب على مطلق القريب إذ من المستبعد
اختصاص الجواز بمصيبة مولانا الحسين صلوات الله عليه فإنه إذا كانا محرمين في الاسلام

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 31 - 10 - 5
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 31 - 10 - 5
(3) سورة الممتحنة الآية 12
(4) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 31 - 10 - 5
(5) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 2 - 40.
(6) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 2 - 40.
218

لم يرتكبن ذلك ولو كانا جائزين على الحسين عليه السلام لاشمئزاز النفوس من ذلك.
ولكن هذه الرواية ضعيفة السند غير منجبرة بعمل الأصحاب والرواية الأولى - أعني
رواية الصيقل - غير معارضة للروايات السابقة لعدم ظهور لفظ الكراهية في الكراهة المصطلحة
لاستعمال الكراهية في كثير من الأخبار في الحرمة فما عليه المشهور من حرمة لطم الوجوه
وشق الجيوب على غير الأب والأخ والزوجة لا يخلو عن قوة بل وجوب الكفارة في شق الرجل
ثوبه على امرأته أو ولده وكذا في نتف الشعر وجزه وكفارة هذه الأمور هي كفارة اليمين و
هي اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد ثلاثة أيام
وأما شق الجيب على الأب والأخ فالمشهور بل كاد أن يكون اجماعا - جوازه نعم عن
الحلي منعه مطلقا. والدليل على الجواز الروايات الدالة على شق موسى على هارون
عليهما السلام والرواية في شق أبي محمد الحسن العسكري في موت أبيه وهي ما عن كشف
الغمة عن كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال: خرج
أبو محمد عليه السلام في جنازة أبي الحسن عليه السلام وقميصه مشقوق فكتب إليه ابن عون.
من رأيت أو بلغك من الأئمة شق قميصه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمد عليه السلام يا
أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون (1) إلى غير ذلك من الأخبار والروايات
المجوزة وإن كانت ضعيفة السند إلا أن عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها.
فصل في غسل مس الميت الآدمي
وهو واجب على المشهور بل ادعى عليه الاجماع إلا من السيد ره حيث حكي عنه في
شرح الرسالة والمصباح القول باستحبابه ويدل على قول المشهور أخبار كثيرة.
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت الرجل يغمض
الميت أعليه غسل قال: إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل قلت: فالذي
يغسله يغتسل قال: نعم الحديث (2).

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الدفن الحديث 5
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب مس الميت الحديث 1.
219

ومنها حسنة حريز أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من غسل ميتا
فليغتسل وإن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه وإذا برد ثم مسه فليغتسل قلت: فمن أدخله القبر
قال: لا غسل عليه إنما يمس الثياب (1).
ومنها صحيحة عاصم بن الحميد قال: سألته عن الميت إذا مسه الانسان أفيه غسل
قال: فقال إذا مسست جسده حين برد (يبرد خ ل) فاغتسل (2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الذي يغسل
الميت عليه غسل قال: نعم قلت فإذا مسه وهو سخن قال: لا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل
قلت: والبهائم والطير إذا مسها عليه غسل قال: لا ليس هذا كالانسان (3).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام قال: من غسل ميتا وكفنه اغتسل
غسل الجنابة (4) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على الوجوب إما بصيغة الأمر الظاهرة في
الوجوب وإما بصيغة الماضي أو المضارع التي يكاد يكون دلالتها على الوجوب أقوى لفرض تحقق
وجوده فاستشكال صاحب الذخيرة - على ما حكي عنه - بأنها غير واضحة الدلالة على
الوجوب - في غير محله نعم تعارض هذه الأخبار أخبار أخر ظاهرة في الندب أو عدم الوجوب
ولعل السيد ره استند للاستحباب بهذه الروايات.
فمن الروايات صحيحة الحلبي قال: اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وإذا
غسلت ميتا الحديث (5).
فإن مقارنة غسل مس الميت لما هو معلوم الندبية من غسل يوم الفطر والأضحى
والجمعة ظاهرة في عدم الوجوب.
ومنها رواية الحسين بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق عليه السلام: هل اغتسل
أمير المؤمنين ع حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته فأجابه: النبي طاهر مطهر ولكن
فعل أمير المؤمنين عليه السلام وجرت به السنة (6)
ومنها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال:

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 8 - 12 - 11 - 5
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 8 - 12 - 11 - 5
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 8 - 12 - 11 - 5
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 8 - 12 - 11 - 5
(5) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 4
(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 2.
220

الغسل من سبعة من الجنابة وهو واجب ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزأك الحديث (1)
بأن يكون المراد أن تطهير اليد المماسة للميت مثلا كاف ولا يجب الغسل.
ومنها التوقيع المروي عن الاحتجاج عن الحميري حيث كتب إلى مولانا الحجة
صلوات الله عليه أسئلة من حملتها روى لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم صلى
بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال: يؤخر ويتقدم بعضهم
ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه فوقع عليه السلام: ليس على من مسه إلا غسل اليد (2)
ولكن هذه الروايات ليست صريحة في عدم وجوب الغسل بل يمكن حملها على ما لا يعارض
تلك الروايات
أما صحيحة الحلبي فلا يلزم من اقتران غسل مس الميت بالأغسال المستحبة - كونه
مستحبا لأن اقتران الواجب بالمستحب ليس في الأخبار قليلا وكم له فيها من نظير.
وأما رواية الحسين بن عبيد فمع ضعف سندها لم يعلم ما المراد بقوله: وجرت به
السنة فإنه إذا كان المراد أن غسل أمير المؤمنين عليه السلام جرت به السنة يعني لم يكن
الغسل مستنا بل صار مستنا بفعله فإنه خلاف الضرورة من الدين فإن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قد اغتسل غسل مس الميت وإن كان المراد غير ذلك فهو مجهول المراد.
وأما رواية عمرو بن خالد فمع ضعف السند يمكن أن يكون المراد منها إن اغتسلت
أجزأك عن الوضوء.
وأما التوقيع فيمكن حمله على ما إذا كان قبل برده ويحتمل أن يكون عدم وجوب
الغسل على من مسه لأجل عدم ملاقاته إلا من وراء الثياب ولكن لا يناسبه وجوب
غسل اليد المستفاد من قوله: ليس على من مسه إلا غسل اليد فالأظهر هو الاحتمال الأول.

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الغسل الحديث 16
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميت الحديث 18.
221

المبحث العاشر
في التيمم وفيه مباحث الأول في مسوغاته وأسبابه قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق إلى أن قال وإن كنتم مرضى أو على
سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طبيا وامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه الآية (1) دلت على وجوب التيمم عند عدم وجدان الماء وهذا القيد
أعني قوله: فلم تجدوا - إما قيد لقوله إن كنتم مرضى أو لقوله أو على سفر فتكون أو في
الموضعين - أعني أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء - بمعنى واو الحالية فيصير
معنى الآية - والله العالم - إن كنتم مرضى أو مسافرين والحال أنه قد حدث لكم
الحدث الأصغر أو الأكبر ولم تجدوا ماء للوضوء أو للغسل فح تيمموا الخ وإما أن يكون قيدا
لجميع الأربعة أعني إن كنتم (1) مرضى أو على (2) سفر أو جاء (3) أحد منكم من الغائط أو
لامستم (4) النساء فيكون معنى فلم تجدوا ماء بالنسبة إلى المرضى - بمعنى فلم تتمكنوا من
استعمال الماء لأن نفس المرض المضر له استعمال الماء من مسوغات التيمم ولا يلزم فيه
عدم وجدان الماء.

(1) سورة المائدة الآية 6.
222

وأما أن يكون قيدا للثلاثة الأخير أي ما عدا قوله: وإن كنتم مرضى فيكون المرض
في قبال فقدان الماء أي لو كنتم مرضى أو فاقدين للماء فتيمموا الخ فح لا بد من أن يحمل
المرض على الغالب من كون استعمال الماء مضرا لأن مطلق المرض لا يكون من مسوغات
التيمم.
وأما أن يكون قيدا للأخيرين فقط أعني قوله: أو جاء أحد منكم من الغائط وقوله:
أو لامستم النساء فيكون قوله وإن كنتم مرضى وقوله أو على سفر مطلقين وفي قبال عدم
وجدان الماء فح لا بد من حمل المرض والسفر على الغالب من كون استعمال الماء مضرا
للمرض ومن أن السفر غالبا ملازم لفقدان الماء.
ولكن هذه الاحتمالات كلها غير خالية عن التكلفات البعيدة عن مساق الآية إلا
أن الاحتمال الثاني وإن كان غير خال عن التكلف أقرب بمساق الآية فيكون معنى:
فلم تجدوا ماء: لم تتمكنوا من استعمال الماء حتى تنطبق الآية على جميع مسوغات التيمم و
يؤيده بل يمكن أن يدل عليه وآية الحلبي حيث سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا
أجنب ولم يجد الماء قال: يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة وعن الرجل
يمر بالركية وليس معه دلو قال: ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الصعيد
(الأرض) فليتيمم (1).
ورواية عنبسة بن مصعب عنه عليه السلام قال إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد
دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا
تفسد على القوم مائهم (2).

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 2 و 4.
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 2 و 4.
223

ورواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في
السفر فيخاف قلته قال: يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء
والصعيد (1).
فإن هذه الأخبار ظاهرة في أن هذين الموردين أي فقدان الدلو وقلة الماء من مصاديق قوله
تعالى: فلم تجدوا لا أنه عليه السلام جعلهما فردين علي حده في قبال عدم وجدان الماء وكذا
سائر الأعذار المسوغة للتيمم كالمرض وبطء برئه وكالخوف من الوصول إلى الماء فيمكن
جعل جميع الأعذار من مصاديق عدم وجدان الماء بناء على أن المراد منه هو عدم التمكن من
استعماله فحينئذ لا يكون ذكر سائر الأعذار في لسان الأخبار فردا مباينا لعدم وجدان الماء حتى
يقال: إنه تعالى لم يذكر من مسوغات التيمم إلا سببا واحدا وهو فقدان الماء وباقي الأسباب
ذكره ونبه عليه الأئمة عليهم السلام والله العالم.
وكيف كان فقد ذكر صاحب الشرايع قده لجواز التيمم أمورا ثلاثة الأول عدم
الماء الثاني عدم الوصلة إليه الثالث الخوف وذكر بعضهم كالعلامة في المنتهى على
ما حكي عنه ثمانية أسباب من موجبات التيمم وبعضهم عبر بالأمر الكلي الشامل
لجميع المسوغات وهو العجز عن استعمال الماء.
أما السبب الأول الذي ذكره في الشرايع فهو من مسوغات التيمم اجماعا وتدل عليه
الآية المتقدمة وغيرها بالصراحة وتدل عليه أيضا أخبار كثيرة.
كرواية ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم يجد الرجل
طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماءا فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي
صلى (2) والمشهور بل كاد أن يكون اجماعا وجوب طلب الماء لعدم احراز لم تجدوا بدون ذلك
لاحتمال وجود الماء في الأطراف فلم يحرز الشرط للتيمم وهو عدم وجدان الماء بدون
الطلب ولمصححة زرارة الدالة على وجوب الطلب في الجملة.
وهي ما رواه عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليمسك خ ل
فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 7
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1.
224

وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل (1).
ورواية السكوني عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: يطلب الماء في
السفر إن كانت الحزونة فغلوة سهم وإن كانت سهولة فغلوة سهمين لا يطلب أكثر من ذلك (2).
فيستفاد من الروايتين وجوب طلب الماء.
وأما ما رواه يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يكون
معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمره أن يغرر بنفسه
فيعرض له لص أو سبع (3)
وما رواه داود الرقي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في السفر وتحضر الصلاة
وليس معي ماء ويقال: إن الماء قريب منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا قال: لا تطلب
الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل فيأكلك السبع (4) فهما
ظاهران بل صريحان في صورة وجود الخوف من تحصيل الماء ومفروض الروايتين هو وجود
الماء في غلوتين أو قريب من المسافر لا الشك في وجوده ومع ذلك لم يأمره عليه السلام بالطلب بل أمره
بالتيمم لأنه من مظان الخوف فمفروضهما خارج عما نحن فيه.
نعم يعارض الروايتين على الظاهر اطلاق رواية علي بن سالم عنه عليه السلام
قال: قلت له: أتيمم وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي على وقت فقال: لا تعد الصلاة فإن رب
الماء هو رب الصعيد فقال له داود الرقي أفأطلب الماء يمينا وشمالا فقال: لا تطلب الماء لا
يمينا ولا شمالا ولا في بئران وجدته على الطريق فتوضأ وإن لم تجده فامض (5).
فإنها غير مقيدة بالخوف بخلاف الروايتين المتقدمين ولكن يمكن حملها أيضا على صورة
الخوف على النفس أو المال بقرينة نقل داود الرقي ذلك الذي نقل تلك الرواية المشتملة على
الخوف من تحصيل الماء فيحتمل قويا أن تكون الروايتان رواية واحدة حذف ذيلها من
كلام علي بن سالم مع أنها باطلاقها غير معمول بها عند الأصحاب.
ثم إن المشهور بين الأصحاب أن مقدار الطلب في الأرض السهلة قدر غلوة سهمين

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 3
(2) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 3
(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 3
(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 4
(5) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 7.
225

وفي الأرض الحزنة كالتلال والأودية والآجام بمقدار غلوة سهم.
وربما يستفاد من كلمات بعض الأعلام المتقدمين وجوب الطلب إلى أن يتضيق
الوقت ومستند هذا القول مصححة زرارة المتقدمة.
ولكن الرواية مع أنها أصح سندا من رواية السكوني المتقدمة لم يعمل أكثر
الأصحاب بها وعملوا برواية السكوني مع أن رواية زرارة مختلفة النسخ ففي بعض النسخ
كما عرفت بدل فليطلب فليمسك فتصير دليلا على عدم جواز البداراي المبادرة بالصلاة
ما لم يضيق الوقت ومن المحتمل بناء على نسخة فليطلب ما ذكره المشهور ودلت عليه رواية
السكوني وهو الغلوة والغلوتين لأنها ليست صريحة في وجوب الطلب في تمام الوقت وإن كانت
ظاهرة في ذلك فيحتمل أن يكون معناها أنه لا يبادر إلى الصلاة بل يتأمل ويصبر ويكون
بصدد تحصيل الماء لعله يصيبه إلى أن يضيق الوقت ودلالتها على عدم جواز البدار أيضا
منافية لسائر الأخبار الدالة على جواز البدار.
وكيفية الطلب بالغلوة والغلوتين مختلفة بين الأصحاب فبعضهم قال: بالاكتفاء
بالغلوة والغلوتين من طرف واحد وهو المشي لأجل الطلب نحو الإمام مثلا ويحتمل حمل
رواية علي بن سالم المتقدمة على ذلك.
وبعضهم قال بوجوب الطلب فيما بين اليمين والشمال وربما يؤيد ذلك بما ورد في
رواية علي بن سالم حيث سأل عن الطلب يمينا وشمالا وكذا رواية داود الرقي ورواية يعقوب
ابن سالم المتقدمتين فكأن وجوب الطلب يمينا وشمالا كان مرتكزا في أذهانهم ولم يردعهم
الإمام عليه السلام عن ذلك وإنما ردعهم عن ذلك لأجل كون الموضع موضع الخوف الذي
يسقط وجوب الوضوء حتى مع العلم بوجود الماء في الناحية القريبة كما دلت على ذلك
رواية يعقوب بن سالم فضلا عن وجوب الطلب.
ويحتمل أن يكون اليمين والشمال المرتكزين في أذهان الأصحاب كناية عن
الجوانب الأربعة لا خصوص اليمين والشمال وكيف كان فيمكن أن يكون مستند هذا القول
هذه الروايات المتقدمة بضميمة أن الرجوع إلى الخلف الذي جاء منه آنفا وعلم بعدم وجود
الماء فيه لغو والطلب نحو الإمام يتحقق بالحركة نحوه بأضعاف الغلوة والغلوتين لأنه حركة إلى
مقصده فلا يبقى مجال للطلب إلا في الموضعين أعني اليمين والشمال وقيل بوجوب الطلب في
226

الأطراف الثلاثة باسقاط الخلف للزوم اللغوية.
وقيل بوجوب الطلب في الجوانب الأربعة ويجاب عن لغوية الطلب في جانب
الخلف بأن وجوب الطلب منوط باحتمال وجود الماء في كل واحد من الأطراف فهما علم
بعدم وجود الماء في طرف يسقط وجوب الطلب عن ذلك الطرف فيقال هنا: بأنه إن احتمل
وجود الماء في طرف الخلف بعد المرور عنه وجب الطلب فيه أيضا وإلا فلا والأحوط هو القول
الأخير.
ثم إنه إذا ترك الطلب عامدا وصلى بالتيمم في سعة الوقت بطلت صلاته وإن علم بعد
الصلاة بعدم وجود الماء في الأطراف إلا إذا تمشى منه قصد القربة لأن من شرط التيمم
فقدان الماء فتيمم بدون احراز شرطه ولا بأس بتفصيل القول فيما هو نظيره حتى يتضح الحال
فيه
فنقول: إذا دخل وقت الصلاة وكان متطهرا وكان له ماء يكفي للوضوء أو للغسل ولم يكن
له ماء سواه فالمشهور بل كاد أن يكون اجماعا أنه لا يجوز له نقض الطهارة أو إراقة الماء إذا لم
يتمكن بعد ذلك من الطهارة المائية وعلى فرض نقضه لطهارته أو إراقته للماء في الفرض
المذكور هل تصح صلاته ح مع الطهارة الترابية أو لا - المشهور نعم لأن ملاك جواز التيمم هو
عدم وجدان الماء فيشمله قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا الخ لأن اطلاقه يشمل ذلك فإنه
غير مقيد بالاختيار أو عدم الاختيار فلم يكن عليه إلا الصلاة في الوقت مع الطهارة الترابية.
وكذلك الحال فيما إذا كان متمكنا من الطهارة المائية ولم يأت بها حتى ضاق الوقت
فإنه تصح ح منه الصلاة مع الطهارة الترابية
ولكن قيل: إنه لا تصح الصلاة منه في الوقت مع الطهارة الترابية التكليف
عليه بالصلاة مع الطهارة المائية وقد صيرها ممتنعة عليه بسوء اختياره والتكليف وإن كان يسقط
تارة بواسطة العصيان إلا أنه يشكل في سببيته لانقلاب الموضوع واندراجه تحت عنوان
العاجز.
بل لا يبعد أن يقال بعدم اندراجه تحت عنوان العاجز فإن قوله تعالى: فلم تجدوا ماء
فتيمموا وإن كان مطلقا إلا أنه منصرف بحسب المتفاهم العرفي عن هذا الفرد الذي قد صير نفسه
بسوء اختياره عاجزا فإن المتبادر من لفظ العاجز الذي حصل له العجز قهرا فلا يطلق على
القادر الذي صير نفسه عاجزا بسوء اختياره.
227

وقيل بوجوب الجمع بين الصلاة مع التيمم في ضيق الوقت والقضاء في خارجه أما
وجوب الصلاة في الوقت مع التيمم فلقوله عليه السلام في المستفيضة: إن الصلاة لا تسقط
أو لا تترك بحال وأما وجوب القضاء عليه فلتفويته الفريضة الثابتة عليه بسوء اختياره.
ولكن يرد على هذا القول أنا نعلم بالضرورة من الدين أنه لا يجب عليه ء أكثر من
صلاة واحدة فكيف تجب عليه صلاتان أداءا وقضاء اللهم إلا أن يقال: إنه يعلم اجمالا
بواسطة تفويته الفرضية المنجزة عليه أعني الصلاة مع الطهارة المائية أنة تجب عليه إحدى
الصلاتين إما الأداء مع التيمم وإما القضاء مع الطهارة المائية فيشك في أن المكلف به مع
تفويته لتلك الصلاة أيهما هو فيعلم اجمالا ثبوت أحد التكليفين عليه فلا بد من الاحتياط
وأما القول الثاني - أعني سقوط الأداء ووجوب القضاء عليه فيرد عليه ما ذكرناه من عدم
قصور اطلاق قوله تعالى: فلم تجدوا ماءا فتيمموا - عن شموله لمثل هذا العاجز الذي صير نفسه
عاجزا بسوء اختياره ودعوى الانصراف عن مثله ممنوعة فإنه أيضا صار ولو بسبب سوء اختياره
عاجزا وعلى فرض صحة دعوى الانصراف فهو بدوي فالأقوى هو القول الأول أي صحة
صلاته بالترابية.
هذا بالنسبة إلى غير المعصية وأما المعصية يعني هل يعصي المكلف بإراقة لماء وجعل
نفسه محدثا بعد ما كان متطهرا إذا علم بعدم امكان تحصيل الطهارة المائية فيما بعد - المشهور
هو القول بالعصيان وقيل بعدم العصيان ومستند هذا القول أعني عدم العصيان أن
القدرة مأخودة في الطهارة المائية كما أن موضوع الطهارة الترابية هو العجز فهما موضوعان
لحكمين كالمسافر والحاضر فكما أن المسافر له حكم علي حده وهو القصر والحاضر أيضا له حكم
على حده وهو الاتمام ويجوز للمكلف اخراج نفسه من موضوع أحدهما وادخاله في موضوع
الآخر في سعة الوقت اختيارا - فكذا فيما نحن فيه.
فإن موضوع الطهارة المائية هو القادر على اتيانها وموضوع الطهارة الترابية هو العاجز
عن اتيان الطهارة المائية فح يجوز للمكلف تبديل موضوع التكليف بأن يصير نفسه اختيارا
من موضوعات التيمم بعد ما كان داخلا في موضوع الطهارة المائية فإن تبديل الموضوع بموضوع
آخر جائز شرعا كما عرفت.
هذا ولكن لا يخفى أن التكليف بالطهارة المائية متوجه إلى المكلف من دون تقيده بالقدرة
228

أو العجز فإذا كان التكليف مطلقا يجب تحصيل القدرة عليه ولا يجوز تصيير نفسه عاجزا
عن ذلك. مثلا إذا قال المولى: جئني بماء فإن لم تقدر فجئني بالفاكهة لا يجوز للمكلف إراقة
الماء وتصيير نفسه عاجزا عن اتيانه بالفاكهة لاعتراض المولى عليه بأني قلت: فإن لم
تقدر فجئني بالفاكهة وأنت كنت قادرا على اتيان الماء فلم أهرقته.
ففي المقام نقول: إن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
الخ يظهر منه أن التكليف مطلق ومتوجه إلى عامة المكلفين ولم يكن مشروطا نعم
التكليف بالتيمم يكون مشروطا بعدم وجدان الماء لقوله تعالى في نفس الآية: فلم تجدوا ماء
فتيمموا.
فما لم يوجد الشرط لا يجوز التيمم فح فالأقوى - كما عليه المشهور - هو الحكم بحرمة
تفويت القدرة على الاتيان بالطهارة المائية كإراقة الماء وابطال الوضوء مع العلم بفقدان الماء
ونحوهما إذا عرفت ذلك نقول: هل يكون ترك الطلب مع احتمال وجود الماء من هذا القبيل
أو يكون من غير هذا الباب الظاهر أنه ليس من هذا القبيل فإن الاستشكال في ترك الطلب
لأنه مردد بين كونه مندرجا تحت خطاب فاغسلوا أو تحت خطاب فتيمموا لأنه إذا طلب الماء
ووجده كان مأمورا بالطهارة المائية وإن لم يجده كان مأمورا بالطهارة الترابية فإذا ترك
الطلب وأتى بالتيمم لا يعلم بأنه أتى بما هو وظيفته لاحتمال أن يكون وظيفته الاتيان بالطهارة
المائية فيكون المأمور به مرددا بين الطهارة المائية والطهارة الترابية فمع دورانه بينهما كيف
يمكن الأخذ بأحدهما من دون مستمسك شرعي ويحكم ببطلان الصلاة بترك الطلب.
نعم الطلب بالغلوة أو الغلوتين موضوع شرعا لعدم وجود الماء وإن كان الماء في نفس
الأمر موجودا.
وحاصل الكلام في ترك الطلب أنه إما أن يتركه عمدا أو سهوا فعلى الأول إما أن
يعلم بعدم وجود الماء إن طلبه ثم ينكشف الخلاف بعد الصلاة وإما أن يعلم بوجوده إن طلبه
وإما أن يشك في ذلك والشك إما أن يكون شكا بدويا وإما أن يكون شكا ساريا بأن علم أولا
بعدم وجدان الماء ثم صلى مع هذا العلم وبعد الصلاة شك في أنه إذا كان طلب الماء قبل
الصلاة هل كان يجده أولا أما الفرض الأول - أعني ما إذا علم بعدم وجود الماء لو طلبه
وانكشف الخلاف بعد الصلاة - فيمكن أن يقال بصحة صلاته نظرا إلى أنه كان له طريق
229

عقلي بعدم وجود الماء ويتمكن من مخاطبته بطلب الماء في هذه الحالة لأنه لغو فإنه
لا ينبعث بذلك الخطاب لأنه عالم بعدم وجود الماء فيشمله قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا
وليس المراد من عدم الوجدان عدم الوجود الواقعي بل المراد أعم منه ومن الاعتقادي ويدلك
على هذا أنه إذا طلب الماء بالغلوة والغلوتين فلم يجده وصلى بالتيمم صحت صلاته وإن كان
الماء في نفس الأمر موجودا.
وكذا إذا كان في غير السفر أي كان في الحضر وطلب الماء إلى أن يئس من وجدانه
فإنه إن صلى وبعد الصلاة بالتيمم انكشف أن الماء كان موجودا فإن صلاته تكون
صحيحة على المشهور.
ولكن لا يخفى أنه وإن لم يمكن للشارع في هذه الحالة مخاطبته بطلب الماء ولكن
الخطاب بحسب الواقع كان موجودا والمكلف بواسطة اعتقاده بعدم وجود الماء كان غير ملتفت
إلى ذلك الخطاب وبعد زوال اعتقاده يعلم به والحاصل أنه كان اعتقاد بوجوب التيمم
عليه اعتقادا تخييليا ليس له واقعية فبعد تبين الخلاف يظهر له أنه لم يكن مأمورا بالتيمم
بحسب الواقع بل كان مأمورا بالطهارة المائية فلا بد له بعد كشف الخلاف من الإعادة
أو القضاء.
وأما إذا علم بوجود الماء إن طلبه ومع ذلك صلى من غير طلب فإن صلاته باطلة من
غير ترديد لأنه كان بحسب الواقع واجد الماء فلم يكن له مسوغ للتيمم.
وأما إذا كان شاكا بأن احتمل وجود الماء لو طلبه ومع ذلك صلى بدون الطلب فإن
كانت الصلاة في ضيق الوقت صحت صلاته وكذا في الفرض السابق - أعني ما إذا كان
عالما بوجود الماء لو طلبه فإن الذي قلناه من بطلان صلاته إنما هو إذا كانت في سعة الوقت
وأما في ضيقه فالظاهر صحة صلاته مطلقا أي سواء ترك الطلب عمدا أو سهوا وسواء علم
بوجود الماء لو طلبه أو علم بعدم وجوده أو شك في ذلك.
وأما إذا كانت الصلاة في سعة الوقت فالظاهر بطلانها وإن انكشف بعد الصلاة
عدم وجود الماء لو طلبه لأنه كان مأمورا بالطلب وكان الطلب موضوعا شرعا لوجود الماء
أو عدمه فمع تركه كان شاكا في أن الصلاة مع التيمم كانت مأمورا بها أولا فلا يمكنه قصد
التقرب بالشئ الذي يشك في كونه مأمورا به نعم في صورة مصادفة صلاته لعدم وجدان الماء
230

تصح صلاته مع فرض حصول قصد القربة له وأما مع عدم حصولها فلا وأما في صورة مصادفة
صلاته لوجدان الماء فالظاهر بطلانها لأنها غير مأمور بها وإن حصلت منه نية التقرب.
وأما إذا نسي طلب الماء أو نسي أن الماء كان موجودا عنده فالظاهر أيضا بطلان
صلاته لأنه كان في الواقع مأمور بالطهارة المائية وإن كان غير ملتفت إليه وكان بزعمه مأمورا
بالطهارة الترابية وبعد كشف الخلاف وأن الماء كان موجودا لو طلبه أو كان موجودا في رحله
يعلم أن زعمه كان على خلاف الواقع مضافا إلى ورود رواية في هذا المورد بالخصوص.
وهي رواية أبي بصير قال: سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه
فتيمم وصلى ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يكون يخرج الوقت قال: عليه أن يتوضأ
ويعيد الصلاة (1)
ثم إنه لا فرق في انتقال وظيفته إلى التيمم بين أن لا يكون معه ماء أصلا أو كان معه
ماء ولكن لا يكفي للطهارة المائية وهو اجماعي على ما اعترف به غير واحد نعم نسب إلى
العلامة قده في النهاية وجوب صرف الماء إلى بعض الأعضاء في الجنابة لاحتمال وجود
ما يكمل به الطهارة ونسب إلى بعض العامة أنه قال: الجنب إذا وجد ماء لا يكفيه لطهارته
استعمل الماء في الطهارة أي في بعض أعضاء الوضوء أو الغسل وتيمم أيضا
ولكن هذا القول - أي استعمال الماء في بعض أعضاء الوضوء أو الغسل مما لم يقل
به أحد من أصحابنا وقول العلامة قده - مع أنه مخصوص بغسل الجنابة ولم يذكره في الوضوء
ليس خلافا في المسألة بين الأصحاب لأنه حكم هوره في سائر كتبه بل في النهاية
أيضا على ما حكي عنه بأن وظيفته التيمم ح ولا يجب استعماله في الطهارة نعم احتمل
وجوب صرفه واستعماله في بعض الأعضاء لا أنه حكم بوجوب ذلك على سبيل الجزم مع أنه
احتمل ذلك مراعاة لجواز تحقق ما تكمل به الطهارة فهذا الحكم منه من باب الاحتياط.
وكيف كان فاستدلوا لعدم وجوب صرف الماء غير الكافي في الطهارة المائية
بالأدلة الثلاثة أي الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فبظاهر قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا فإنه ظاهر في الماء الكافي
بحسب المتفاهم العرفي لا مطلق الماء ولو كان قطرة وأما السنة فبصحيحة محمد بن مسلم

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التيمم الحديث 5.
231

عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به قال: يتيمم
ولا يتوضأ (1) وبرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه
من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ أو يتيمم قال: لا بل يتيمم ألا ترى أنه جعل عليه نصف
الوضوء (2).
وبرواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يجنب ومعه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم قال ألا ترى أنه
جعل عليه نصف الطهور (3).
ومورد السؤال في الروايتين - وإن كان في أنه إذا لم يكن للجنب ماء إلا بمقدار يكفي
للوضوء فقط فهل يجب عليه الوضوء أو التيمم فأجاب عليه السلام بأنه يجب عليه التيمم
إلا أن مفروض المسألة هي المسألة التي نبحث عنها أعني ما إذا كان عنده ماء لا يكفي للطهارة
التي وجبت عليه فمع أنه عليه السلام كان بصدد البيان والمفروض وجود الماء في الجملة ومع
ذلك لم يأمره بصرفه في بعض أعضاء الجنابة بل أمرة بالتيمم فيعلم من ذلك أنه لا يجب
صرف الماء غير الكافي في بعض الأعضاء ومورد هذه الروايات - وإن كان الجنب - إلا أن
العلم باتحاد الملاك في الطهارتين يوجب كون الوضوء مثل الغسل في هذا الحكم والظاهر
أن قوله عليه السلام: ألا ترى أنه جعل عليه نصف الوضوء أو نصف الطهور - لدفع توهم
الاستحسانات بأن يتوهم أن الجنب حيث إنه لا يكفيه الماء لرفع جنابته أن يتوضأ للصلاة
ولا يتيمم.
فأجاب عليه السلام عن هذا التوهم بأن التكاليف الشرعية ليست مما تدركه
العقول ألا ترى أنه جعل عليه نصف الوضوء أي مسحات التيمم فقط وارتفعت الغسلات
عنه
ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام أن التيمم إنما شرع لأجل التسهيل على العباد فالوضوء
تكليفه أشد ألا ترى أنه جعل عليه نصف الطهور والله العالم.
وربما يتوهم التعارض بين هذه الأخبار وظاهر الآية وبين قوله عليه السلام: الميسور

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب التيمم الحديث 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1 - 3
232

لا يسقط بالمعسور بأن يقال: إن بين مورد الآية وقاعدة الميسور عموما وخصوصا من وجه
لصدق الآية بدون قاعدة الميسور فيما إذا لم يجد ماء أصلا وصدق القاعدة بدون الآية في
غير باب التيمم والوضوء وتصادقهما فيما إذا وجد ماء لا يكفي للطهارة المائية فح يقع التعارض
في مورد التصادق ولا وجه لتقديم أحد المتعارضين على الآخر من غير مرجح.
ولكن يمكن أن يجاب عن هذا التوهم بأن قاعدة الميسور يستفاد منها أن الشئ
الناقص يقبله الله مكان الشئ التام مثل ما إذا قال: صل عن قيام فإن لم تتمكن من
القيام فصل قاعدا فهو من باب قبول الشئ الناقص مكان الكامل وهذا أي قبول الناقص
مكان الكامل يكون في غير مورد جعل البدل للشئ وإلا ففي مورد جعل البدل للشئ يكون
البدل مكان ذلك الشئ الكامل مثلا إذا قيل: أطعم عشرة من السادات بالطعام اللذيذ وإن
لم تقدر على اطعامهم بالطعام اللذيذ فأطعمهم بالخبز واللبن ففي هذا المورد الذي جعل للفرد
الكامل البدل لا يتوهم أحد جريان قاعدة الميسور فيه بأن يطعم خمسة منهم بالطعام اللذيذ
عند عدم القدرة على اطعام العشرة ويترك الباقي بل ينتقل ذهنه إلى وجوب البدل
وهو طعام العشرة بالطعام الأدون.
وهذا المورد من هذا القبيل فإن التيمم بدل عن الوضوء التام فلا تنتقل وظيفته إلى
الفرد الناقص أي بعض الوضوء مع عدم التمكن من التام لجعل الشارع البدل - وهو
التيمم - للفرد التام.
فرع
إذا كان عنده ماء بمقدار الطهارة المائية وكان بدنه أو لباسه نجسا فهل يقدم إزالة
الخبث ويتيمم للصلاة أو يستعمل الماء في الطهارة المائية ويصلي مع الخبث؟ المشهور بل
ادعى عليه الاجماع هو القول الأول لأن مطلوب الشارع سبحانه هو الصلاة مع الطهارة من الحدث و
الخبث فإذا استعمل الماء في رفع الخبث وتيمم فقد حصل كلا مطلوبي المولى سبحانه أعني
الصلاة مع الطهارة من الحدث والخبث بخلاف ما إذا استعمل الماء في الطهارة المائية فإنه
لا يتحقق إلا أحد مطلوبيه أعني الطهارة من الحدث ولم يأت بمطلوبه الآخر أعني الطهارة من
الخبث فإذا دار الأمر بين الاتيان بالفرد الكامل والآتيان بالفرد الناقص فالأول مقدم
بشهادة الوجدان فإن الصلاة مع الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث فرد كامل للصلاة
233

وإن كانت طهارتها ترابية فإن الطهارة الترابية قد جعلت في حال عدم وجدان الماء من أفراد
الطهارة من الحدث بخلاف الفرض الآخر فإن الصلاة وإن كانت مع الطهارة المائية من
الحدث إلا أنها فاقدة لرفع الخبث فيقدم الفرض الأول.
السبب الثاني
من أسباب التيمم الذي ذكره في الشرائع عدم الوصلة إليه - أي إلى الماء - بأن
كان الماء موجودا ولكن لا يمكن الوصول إليه إما لأجل كبر سنه أو لأجل المرض أو الضعف
المفرط الذي يكون تحصيل الماء له في كل واحد منها مما لا يتحمل عادة فإن نفي العسر
والحرج في الشريعة يجعله بمنزلة فاقد الماء فيشمله قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا لأن
الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي وكذلك عدم الوجدان الشرعي كعدم الوجدان العقلي.
وإما لأجل فقدان ثمن الماء وإن كان موجودا ويباع بثمن المثل أو بأقل منه أو كان
واجدا لثمنه ولكن يضر شراؤه بحاله بأن كان الماء غاليا بحيث إذا اشتراه بتلك القيمة وقع في
الحرج أو كان الماء رخيصا ولكن لقلة ذات يده يقع لأجل شرائه في الضيق.
وأما إذا كان الماء غاليا ولكن لأجل تمكنه المالي يتمكن من شرائه بأي سعر كان
فقد قيد بعض الفقهاء بعدم كون الشراء اجحافا في الثمن وعن ابن جنيد عدم وجوب الشراء
إذا كان الماء غاليا ويمكن الاستدلال له بنفي الحرج والضرر في الاسلام.
ولكن الظاهر أن المورد لا يكون من موارد الحرج والضرر فإن الحرج والضرر أمر
عرفي يصدق على الفقير المعدم تارة ولا يصدق على الغني المثري أخرى مثلا ربما يكون صرف
درهم واحد بالنسبة إلى أحد حرجيا وصرف ألف درهم بالنسبة إلى غيره لا يكون حرجيا
لتمكنه منه وعدم تأثيره بالنسبة إلى حسن حاله فح لا نحتاج أن نلتزم بتخصيص قاعدة نفي
العسر والحرج بما سيجئ من الأخبار بل نقول: المناط وجوب شراء الماء في كل مورد لا يكون شراؤه حرجيا ولو كان الشراء بأضعاف ثمنه بل بآلاف درهم أو دينار وعدم وجوب
الشراء إذا كان موجبا للضرر والحرج.
فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب شراء الماء مع التمكن ولو كان بآلاف درهم
لصدق وجدان الماء ح فلا يشمله قوله: فلم تجدوا ماء فإن المقدور بالواسطة مقدور وللروايات
الدالة على وجوب الشراء.
234

منها صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى
الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمأة درهم أو بألف درهم وهو
واجد لها أيشتري ويتوضأ أو يتيمم قال: لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت
وتوضأت وما يشتري (يسرني) بذلك مال كثير (1) ولعل المراد بذيل الرواية. أن ما يشتري بإزاء
هذا المال هو شئ كثير عند الله لأن ثوابه الجنة.
ومنها ما عن الصدوق مرسلا عن الرضا عليه السلام نحوه باختلاف يسير (2).
ومنها رواية الحسين بن أبي طلحة قال: سألت عبدا صالحا عن قول الله عز وجل:
أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ما حد ذلك قال: فإن لم تجدوا بشراء
وبغير شراء قلت: إن وجد قدر وضوء بمأة ألف أو بألف وكم بلغ قال: ذلك على
قدر جدته (3). أي قدر سعته يعني إذا كان متمكنا بأي مقدار وكم بلغ ذلك المقدار فلا بد من
أن يشتري الماء ويتوضأ وإن زاد عن مأة ألف قال في مصباح الفقيه: يخصص بهذه الأخبار
الخاصة عموم نفي الضرر والحرج انتهى.
أقول الظاهر أن هذا المورد لا يكون من موارد الضرر فإن الضرر المتوجه إلى المكلف
من ناحية التكليف الشرعي كوجوب الزكاة والخمس والكفارات والانفاق على العيال
وإن كان قيمة ما ينفقه غالية - لا يرفعه حديث لا ضرر فإن المتبادر من لا ضرر ولا ضرار في
الاسلام التكليف الذي يجيئ منه الضرر على المكلف كما إذا كان الوضوء ضرريا وكالصوم
الذي يتحقق من المرض ونحو ذلك لا أصل التكليف وإلا يلزم أن يرفع اللاضرر جل
التكاليف الشرعية لاحتياج كثير منها إلى صرف المال لو أريد امتثالها.
والحاصل أن الضرر المتوجه إلى الانسان من ناحية الحكم الشرعي لا يعد من الضرر
المرفوع بلا ضرر والمورد من هذا القبيل فإنه بعد ما وردت الروايات المعتبرة بوجوب شراء الماء
وإن كان بأضعاف قيمته وعمل المشهور بها يصير وجوب الشراء حكما شرعيا فلا مجال لجريان
قاعدة لا ضرر في هذا المورد فتأمل وسيأتي الكلام في نظيره.

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمم الحديث 1 - 1
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمم الحديث 1 - 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمم الحديث 2.
235

السبب الثالث
من أسباب التيمم الخوف من استعمال الماء إما على نفسه إما على من يتعلق به
أو على عرضه بأن يخاف أن هو فارق عرضه - كزوجته وأمه وأخته - وذهب لتحصيل الماء أن
يتعرض أحد لعرضه أو يخاف بأن يسبه أحد أو يهتك ستره إن أراد استعمال الماء فإنه أيضا
من موارد التيمم أو يخاف على ماله بأن يذهب السارق بماله أو يحترق أو يذهب به السيل
ونحو ذلك فهذه الموارد كلها من موارد قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج (1).
فإن هذا الموارد من موارد الحرج إلا فيما يخاف على المال فيما إذا لم يقع بتلفه في الحرج
فإن هذا المورد ليس من موارد الحرج مثلا إذا علم بأن استعمال الماء أو الاتيان به مستلزم
لذهاب مأة دينار منه بأن يذهب به اللص أو يأخذه الظالم منه قهرا وجبرا ولكن لا يقع بذهابها
في حرج بل يكون متمكنا فإن هذا المورد من موارد الضرر دون الحرج فإن علم بذلك قبل
استعمال الماء يرتفع وجوب الطهارة المائية لقاعدة لا ضرر وإن شك في أن الطهارة المائية
مستلزم لذهاب هذا المقدار من المال الذي يكون مع ذهابه متمكنا أولا فهل تشمله
القاعدة - أعني لا ضرر أولا - الظاهر لا لأنه يشك في كونه من مصاديق الضرر ولا بد في
كل حكم من الأحكام الشرعية سواء كانت مثبتة للحكم أم نافية له من احراز موضوع ذلك
الحكم فبدون احراز الموضوع لا يمكن ترتب الحكم وهو واضح.
وهل يمكن التمسك بعموم أدلة وجوب الوضوء في هذا المورد المشكوك الظاهر لا، لأنه
تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فح لا يمكن ادراج هذا الفرد المشكوك في العام أعني أدلة الوضوء
ولا في المخصص - أعني قاعدة لا ضرر - فلا بد من الرجوع فيه إلى سائر الأدلة من البراءة
أو الاحتياط نعم يمكن أن يقال: إن الأحكام الثانوية أي الاضطرارية مترتبة على خوف الضرر
لا العلم بالضرر كالصوم الذي يخاف معه الضرر فإنه يجب فيه الافطار وغير ذلك الذي استفيد
من الأخبار وكلمات الأصحاب أن المناط فيه خوف الضرر لا العلم به مضافا إلى ورود بعض الأخبار في خصوص هذا المورد المشعرة بأن الملاك هو الخوف من الضرر.
كرواية داود الرقي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أكون في السفر فتحضر
الصلاة وليس معي ماء ويقال: إن الماء قريب منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا

(1) سورة الحج الآية 78.
236

قال: لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف من أصحابك فتضل ويأكلك
السبع (1).
قوله: فإني أخاف اشعار بأن المورد من موارد الخوف فلا بد من أنك تخاف أيضا
لا أن خوفه عليه السلام يكون مسوغا لجواز تيمم داود.
ورواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يكون معه
ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له
لص أو سبع (2) وهذه الرواية وإن لم يكن فيها لفظ الخوف إلا أنه يستفاد منها إن المورد كان
معرضا للص أو السبع وهذه الرواية تدل أيضا على أن الخوف على تلف المال من مسوغات
التيمم لأنه ذكر فيها اللص والظاهر من لفظ اللص هو التعرض للمال وإن احتمل كون لفظ
اللص أيضا لخوف تلف النفس حيث إن كثيرا من اللصوص كانوا يقتلون الناس
بعد أخذ أموالهم أو يقتلونهم ثم يأخذون أموالهم إلا أن المتبادر من هذا اللفظ - حيث أطلق
هو خوف تلف الأموال وإن أبيت فلا أقل من أن يكون الخوف على كليهما أي النفس والمال.
فما استشكله صاحب الحدائق بالنسبة إلى خوف تلف المال بأنه غير مستفاد من
الأخبار فإن المستفاد منها هو الخوف على النفس بعد اعترافه بأن خوف تلف المال من
مسوغات التيمم وأنه اجماعي في غير محله لأنه مستفاد من هذه الرواية الأخيرة كما عرفت
فإن المتبادر منها أي من لفظ اللص فيها هو أخذ الأموال وإن كان يتعدى ويقتل النفوس.
ولا فرق في الخوف على النفس بين أن يكون على تلف النفس أو يكون
على تلف العضو أو يخاف المرض أو اشتداده أو بطء برئه والدليل على جميع ذلك هو نفي الحرج
أو الضرر بل يمكن أن يقال: إنه لا حاجة لجريان لا حرج ولا ضرر في هذه الموارد لشمول قوله
تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (3) لكثير من هذه الموارد ولا فرق بين العلم بتلف
النفس أو العضو أو تحقق المرض أو الشك في ذلك مع الخوف من عروض هذه الأشياء
عند استعمال الماء فإن هذه الآية قد فسرت بمعرض الهلكة أي لا تلقوا أنفسكم فيما يكون معرضا
للهلكة ومعرض الهلكة هو كل ما فيه خوف الهلكة مضافا إلى دلالة كثير من الأخبار على أن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2
(3) سورة البقرة الآية 195.
237

ملاك وجوب التيمم هو الخوف على النفس لا العلم بالضرر.
منها رواية داود الرقي المتقدمة حيث قال عليه السلام: فإني أخاف عليك التخلف من
أصحابك فتضل فيأكلك السبع.
ومنها صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح
أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل ويتيمم (1) وهاتان الروايتان
قد ذكر الخوف فيها صريحا وبعض الأخبار وإن لم يذكر فيها الخوف إلا أنه يستفاد منها أن ملاك
جواز التيمم هو خوف الضرر.
منها رواية إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أن رجلا أصابته
جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال (2).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له إن فلانا أصابته
جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال (3).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به
القرح والجراحة يجنب قال: لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم (4).
ومنها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يؤمم
المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة (5)
ووجه دلالة هذه الأخبار على كون مواردهما من موارد الخوف أن هذه الموارد كان
الغالب فيها هو الخوف من الضرر لا القطع به ولا يمكن أن يقال: إن هذه الموارد مما يقطع بعدم
الضرر فيها لأن حصول القطع لأحد مع هذه الأمراض خلاف المتعارف ومع القطع بالضرر
كيف يمكن أن يغسل المسلم أخاه المسلم وهل هو الاقدام على قتله فلا بد من أن يكون
مواردها من موارد خوف الضرر.
هذا ولكن تعارض هذه الأخبار روايات كثيرة دالة على وجوب الغسل وإن خاف
الضرر بل بعضها يدل على وجوب الغسل وإن علم بالضرر.

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث 7 - 6 - 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث 7 - 6 - 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث 7 - 6 - 1
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 11 - 2.
(5) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 11 - 2.
238

فمنها رواية علي بن أحمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته
جنابة قال: إن كان أجنب فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم (1) ومنها مرفوعة إبراهيم بن هاشم
قال: إن عليه أن يغتسل على ما كان منه وإن كان احتلم فليتيمم وفي الفقيه - على ما
حكي عنه - حكاية الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام (2) ومنها صحيحة سليمان بن خالد
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن
يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه قال: وذكر أنه كان
وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة
فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فقالوا: إنا نخاف عليك فقلت: ليس بد فحملوني ووضعوني
على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني (3).
قوله وذكر أي أبو عبد الله عليه السلام ولكن يرد على ظاهر هذه الرواية أن جنابته
عليه السلام إن كانت بالاحتلام فلا يمكن القول به في حق الإمام عليه السلام حيث أنه من
نزعات الشيطان وهو برئ منها وإن كانت عمدا فكيف أجنب نفسه مع كونه عالما بأنه شديد
الوجع وأن استعمال الماء له مضربه اللهم إلا أن يقال: إن جنابته ع كانت عمدية ولكنه
كان عالما بعدم كون استعمال الماء له مضرا هذا ما أفاده الأستاذ دام علاه ولكن يرد عليه
أنه مناف لقوله ع: ليس بد في جواب قولهم: إنا نخاف عليك حيث يستفاد منه تقريره ع
لكلامهم وكأنه قال: نعم هذا من موارد الخوف ولكن ليس لي بد من الغسل وإن لم يكن
الغسل مضرا كان ينبغي له أن يجيبهم بأن الغسل ليس بمضر لي وإن كنت شديد الوجع
والهواء بارد والله العالم.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تصيبه
الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا فقال: يغتسل على ما كان
حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال: اغتسل على ما كان فإنه لا بد من
الغسل وذكر أبو عبد الله عليه السلام أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل به

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 22
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 22 - 18.
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 22 - 18.
239

وقال: لا بد من الغسل (1).
يظهر من صاحب الوسائل أنه حمل وجوب الغسل في هذه الأخبار على ما إذا
تعمد الجنابة دون ما إذا كانت جنابته بالاحتلام ويظهر هذا التفصيل من روايتي علي بن
أحمد وإبراهيم بن هاشم المتقدمين.
وقد وجهت هذه الأخبار فيما إذا تحققت الجنابة منه تعمدا بأن الزامه بالغسل من
باب العقوبة له لأنه مع علمه بكون استعمال الماء له مضرا أقدم باجناب نفسه وهذا نظير
الحدود أو القصاص منه لأنه هو الذي يوجد سببهما ومع أن الالقاء في التهلكة حرام
يجب عليه التمكين لاجراء الحدود أو القصاص عليه لأن هذا لمورد هو الذي أوجد سببه فليس
من الالقاء في التهلكة.
ولكن يرد على هذا التوجيه أنه يلزم منه حرمة اجناب نفسه تعمدا مع العلم بكون
استعمال الماء له مضرا مع أن الاجماع على خلافه للاجماع على جواز اجناب المعذور من
استعمال الماء تعمدا وتدل عليه بعد الاجماع روايات.
منها رواية السكوني عن جعفر بن محمد أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أبي
ذر (رض) أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء
قال: فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به ودعا بماء فاغتسلت أنا وهي ثم قال
لي: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين (2) يشير ص إلى أنه إن جامعت على غير ماء فإن الله تعالى
قد جعل لك طريقا آخر وهو التيمم فلا تزعم أنك هلكت.
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يكون
معه أهله في السفر ولا يجد الماء أيأتي أهله، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا
أو يخاف على نفسه قال: قلت طلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء قال: إن
يخاف على نفسه قلت: يطلب بذلك اللذة قال: هو حلال قلت: فإنه يروى عن النبي صلى
الله عليه وآله أن أبا ذر سأله عن هذا فقال: ائت أهلك تؤجر فقال: يا رسول الله آتيهم فأوجر
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك إذا أتيت

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 19
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 8.
240

الحلال أجرت فقال أبو عبد الله عليه السلام: ألا ترى أنه إذا خاف نفسه فأتى الحلال
أجر (1).
ومنها رواية الدعائم عن علي عليه السلام أنه قال: لا بأس أن يجامع الرجل امرأته في
السفر وليس معه ماء ويتيمم ويصلي وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ائت أهلك
وتيمم وصل تؤجر (2)
ومن موارد الخوف على النفس خوف العطش سواء خاف بواسطة العطش التلف
أو المشقة الشديدة بل الخوف على العيال والأولاد أيضا كذلك وكذلك الخوف على من يتعلق
به وإن كان ذميا على اشكال فيه حيث إنه وإن كان يحرم دمه وماله وعرضه إلا أنه لا يجب حفظه
من التلف ولكن ذكره بعضهم وكذا تلف الدابة التي هي مركوبه بحيث إذا تلفت يقع في
المشقة بل وإن لم تكن مركوبة له ولكن يحصل بتلفها اتلاف المال والتبذير.
وأما إذا لم تكن كذلك بأن لم تكن مركوبة له ولكن يمكن ذبحها والاستفادة من
لحمها فالظاهر أنه لا يجب بل لا يجوز صرف الماء في رفع عطشها بل يجب الوضوء ح وكذا يجب
صرف الماء في رفع عطش المسلم وإن يكن مرتبطا به إذا خاف عليه التلف تقديما للأهم
الذي هو حفظ المسلم من التلف - على المهم الذي هو الطهارة المائية.
وكيف كان فالذي يدل على أن خوف العطش من موارد التيمم أمران أحدهما
أدلة نفي العسر والحرج وثانيهما الروايات الواردة في خصوص المقام.
فمنها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الجنب يكون معه الماء القليل
فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم فقال: بل يتيمم وكذلك إذا أراد
الوضوء (3)
ومنها صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام أنه قال في رجل أصابته جنابة في السفر
وليس معه إلا ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال: إن خاف عطشا فلا يهريق منه
قطرة وليتيمم فإن الصعيد أحب إلي (4).
هذا كله فيما إذا خاف وأما إذا علم بتحقق العطش فيما بعد فهو كذلك وإن لم يكن.

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 11 - 9.
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 11 - 9.
241

موردا للروايات لكن يستفاد منها بالأولوية القطعية بل يمكن أن يقال: إن هذا المورد من
موارد الروايات أيضا.
تنبيهات
الأول: لا يعتبر في الخوف ظن تحقق العطش بل الاحتمال المتساوي الطرفين كاف
في تحقق الخوف بل يمكن تحقق الخوف مع مرجوحية احتمال وقوع ما يخاف منه فإن عدم
الأمن من وقوعه يتحقق به الخوف كما لا يخفى فما عن بعض من اعتبار الظن في تحقق الخوف
ضعيف.
الثاني - هل إن وجوب التيمم في موارد الخوف رخصة أو عزيمة وبعبارة أخرى هل
الوجوب تعييني أو تخييري بمعنى أنه إذا توضأ في مورد الحرج وتحمل المشقة هل يصح وضوئه
أو لا بد له من التيمم ولا يصح منه الوضوء وكذلك في موارد الضرر أو خوفه - فيه وجهان بل
قولان.
أما الوجه الأول فبأن يقال: إن لسان أخبار نفي الحرج والضرر وكذا لسان الآيات
لسان الامتنان على الأمة فلا ينتفي بالآيات والروايات أزيد من الالزام الذي تجيئ منه
المشقة والعسر أو الضرر فبرفع الالزام ينتفي الحرج والضرر فلا دلالة لها على نفي الجواز.
لا يقال: إنها وإن لم تدل على نفي الجواز إلا أنه برفع الالزام ينتفي الأمر فليس
الوضوء ح مأمورا به لأن المأمور به بالنسبة إلى هذا الشخص الذي يكون الوضوء له حرجيا
أو ضرريا هو التيمم فمع عدم الأمر بالوضوء يكون وضوئه باطلا لأن العبادة لا بد لها من الأمر
العبادي لأنا نقول: يكفي في كون الوضوء عبادة هو المطلوبية والمحبوبية الذاتية في نفس الوضوء
ولا يحتاج إلى الأمر كما هو محقق في محله فح نقول: إن الوضوء وإن لم يكن في مورد الحرج
مأمورا به لارتفاع أمره بأدلة نفي الحرج إلا أنه مطلوب ومحبوب له تعالى: بحسب ذاته وعنوانه
الأولى فيكفي كونه محركا وداعيا نحو العمل.
وأما الوجه القول الثاني فبأن يقال: إني الحرج جعلت هذا الشخص الذي
يكون استعمال الماء له حرجيا من أفراد فلم تجدوا ماء فتيمموا فكانت بمنزلة تخصيص الأدلة
الأولية أعني قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الخ.
فبعد خروج هذا الفرد من الأدلة الأولية ودخوله تحت قوله فلم تجدوا لا يمكن
242

تصوير صحة الوضوء بالنسبة إليه لأنه صار بأدلة نفي الحرج من موضوعات الطهارة الترابية
فإذا أتى بالطهارة المائية لم يمتثل ما أمر به وأتى بما هو أجنبي عن المأمور به فيكون باطلا وحيث
إنا لم ينكشف لدينا أن أدلة نفي الحرج والضرر من قبيل الأول أعني هي لرفع الالزام أو من
قبيل الثاني - أعني تخصيص الأدلة الأولية فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الاتيان بالتيمم وعلى
فرض الاتيان بالطهارة المائية فالأحوط الجمع بين الطهارة المائية وبين التيمم.
الأمر الثالث - هل يصح الوضوء أو الغسل في الموارد التي يستلزم استعمال الماء
ارتكاب الحرام أولا - وهذا تتصور فيه وجوه الأول أن استعماله مستلزم لارتكاب مقدمة
محرمة كما إذا كان استعمال الماء مستلزما للتصرف في إناء مغصوب وهذا مما لا اشكال في
بطلان الوضوء فيه مع الانحصار - أي انحصار الماء في الآنية المغصوبة وإن كان الوضوء
بالاغتراف لأنه مكلف ح بالتيمم والوضوء منهي عنه للنهي عن التصرف في المغصوب
والمفروض أن الوضوء يستلزم التصرف فيه.
وأما مع عدم الانحصار فيمكن أن يقال بصحة الوضوء لأنه مأمور ح بالوضوء ولكن
لا من هذه الآنية بل من المكان المباح فلو عصى وتوضأ بالاغتراف من الآنية المغصوبة
فقد ارتكب محرما بالتصرف فيها لكن أتى بالمأمور به إلا أنه يمكن أن يقال بعدم تحقق قصد
التقرب منه فإنه إذا شرع في الوضوء بالغرفة الأولى بانيا على اتمامه من الآنية المغصوبة يعلم
بأن باقي وضوئه مستلزم لمبغوضية المولى لأنه مستلزم للتصرف في المغصوب فمع هذا العلم
كيف يتمشى منه قصد القربة فإن المبغوض لا يكون مقربا نعم يمكن فرض صحته على القول
بالترتب بأن يقال إن مفسدة الغصب أهم من مصلحة الوضوء ولكن بعد ما علم بتحقق هذا
الغصب منه لا محالة يتوجه الأمر بالمهم إليه لأن الأمر بالمهم يتوجه إليه عند عصيان الأمر
بالأهم والعصيان وإن لم يتحقق منه إلا بعد الوضوء إلا أن العلم بالعصيان يجعله كالعاصي
بالنسبة إلى الأمر بالأهم.
الفرض الثاني ما إذا كانت نفس الطهارة المائية منهيا عنها بأن كان استعمال
الماء له مضرا أو كان الماء مغصوبا وهذا باطل قطعا بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي في
موضوع واحد كما هو الحق.
وأما بناء على جواز الاجتماع بلحاظ تعدد العنوان بأن يكون هذا الشئ الخارجي
243

محكوما بحكمين باعتبار عنوانين فباعتبار كونه وضوء متعلق للأمر وباعتبار كونه غصبا متعلق
للنهي فهو أيضا كذلك لأن تعدد العنوان لا يجعل الشئ الواحد شيئين والمفروض أن هذا
الشئ الواحد حيث إنه من مصاديق الغصب - يكون مبغوض المولى فكيف يصير الشئ
المبغوض محبوبا له حتى يمكن أن يكون مقربا أي لا يتمشى منه قصد القربة لأن مورد الأمر والنهي على هذا التقريب وإن كان متعددا لكن المقرب هو الموجود الخارجي وما في الخارج
لا يمكن أن يكون مقربا ومبعدا حيث إن القرب والبعد ضدان وكذا لا تكون له محبوبية
ومطلوبية ذاتية على فرض عدم وجود الأمر لأنه مبغوض للمولى والمحبوبية والمبغوضية
متضادتان لا تجتمعان في موضوع واحد ولا يمكن تقديم جانب الأمر لأن المأمور به هنا - وهو
الوضوء - له البدل فيجوز تركه إلى البدل ومفسدة الغصب وكذا مفسدة الاضرار بالنفس
أهم من مصلحة الوضوء فيقدم جانب النهي.
الفرض الثالث - ما إذا زاحم الوضوء واجبا أهم كما إذا زاحم الوضوء انقاذ الغريق
أو الحريق الذي له نفس محترمة والظاهر في هذا الفرض هو صحة الوضوء إذا ترك الأهم وأتى
بالوضوء لعدم دلالة الأمر بالشئ على النهي عن ضده الخاص كما حقق في محله ثم إن قلنا:
أنه لا يعتبر وجود الأمر في عبادية العبادة بل تكفي المحبوبية الذاتية فيها قلنا هنا بأن الأمر وإن
سقط بواسطة التزاحم لأمر الأهم إلا أن الوضوء محبوب ذاتي له تعالى وإنما لم يأمر به لأجل
المزاحمة لأمر الأهم لامتناع الأمر بالضدين لأنه لا يمكن للمكلف الجمع بينهما في مقام
الامتثال فلولا أمر الأهم كان يأمر بالمهم قطعا فكان الوضوء حين المزاحمة له أمر تقديري
فيعلم بكونه مطلوبا له تعالى فيأتي به بعنوان المطلوبية.
وأما إذا قلنا: إنه لا بد في العبادة من وجود الأمر كما عليه شيخنا البهائي قده - على
ما حكي عنه - يمكن أن يقال بتحقق الأمر هنا بناء على ثبوت الترتب بأن يقال: إن الوضوء
حيث كان مزاحما لأمر الأهم لم يكن فعليا ولم يوجب انبعاث العبد وبعد ترك الأهم
بواسطة العصيان صار أمر المهم فعليا لارتفاع المزاحمة بواسطة العصيان لأن أمر الأهم لا يوجب
بعث العبد لبنائه على عصيان أمر الأهم فيصير أمر المولى له لغوا فكأن أمر الأهم سقط بسبب
عصيان العبد فيصير أمر المهم بالنسبة إلى هذا العاصي لأمر الأهم فعليا لارتفاع التزاحم
244

بالعصيان.
المبحث الثاني
من مباحث التيمم فيما يتيمم به وهو الأرض وما بحكمها كالحجر والمدر على المشهور
خلافا لأبي حنيفة حيث جوزه بالثلج ومالك حيث جوزه بالنبات قال الله تعالى فلم تجدوا
ماء فتيمموا صعيدا طيبا الخ والصعيد على ما فسره كثير من أهل اللغة بل أكثرهم - هو
مطلق وجه الأرض نعم فسره بعض أهل اللغة بالتراب ويحتمل أن يكون تفسيره ببعض
مصاديق الأرض لا أن معناه التراب فقط.
وكيف كان فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيما يصح التيمم به فقال بعضهم:
لا يصح بغير التراب وهو المنقول عن الإسكافي والسيد في الناصريات والمفيد في المقنعة وأبي
الصلاح - على ما حكي عنهم - وقال المشهور يصح التيمم بكل ما تطلق عليه الأرض سواء
كان ترابا أو حجرا أو مدرا أو رملا وربما فصل بعضهم بين حالتي الاختيار والاضطرار
فمنع عن غير التراب في الحال الاختيار وجوزه في الضرورة ولا بد أولا من نقل الأخبار الواردة
في هذا الباب حتى يتضح المراد
منها ما أرسله في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أعطيت خمسا لم يعطها
أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا الخبر (1)
ومنها رواية أمالي ابن الشيخ بسند لا يخلو عن اعتبار - عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إن وسلمان خرجا في طلب رسول الله صلى الله عليه وآله (إلى أن قال ص) لهما
وأعطاني في أمتي خمس خصال لم يعطها نبيا كان قبلي نصرني بالرعب يسمع بي القوم بيني و
بينهم مسيرة شهر فيؤمنون بي وأحل لي المغنم وجعل لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت منها
أتيمم من تربتها وأصلي عليها الخ (2).
ومنها رواية الخصال والعلل عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا أشبه الناس
بآدم إلى أن قال: ومن علي ربي وقال: يا محمد قد أرسلت كل رسول إلى أمته بلسانها و
أرسلتك إلى كل أحمر وأسود إلى أن قال: وأعطيت لك ولأمتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة
الكتاب وخاتمة سورة البقرة وجعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2.
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2.
245

الحديث (1).
ومنها رواية عوالي اللئالي المروية في المستدرك عن فخر المحققين عنه صلى الله عليه
وآله أنه قال جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت
وصليت (2) وهذه الروايات قد ذكر التراب فيها طهورا لا مطلق الأرض ولكن تعارضها
روايات كثيرة دالة على أن الطهور مطلق وجه الأرض.
منها رواية فقه الرضا عليه السلام قال قال الله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا: الصعيد
المكان المرتفع عن الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء (3) وهذا التفسير الذي نقل عنه
عليه السلام موافق لتفسير بعض أهل اللغة الصعيد بالمكان المرتفع والمكان المرتفع مطلق
شامل للتراب وغيره بل الظاهر منه هو غير التراب لأن الغالب على المكان المرتفع هو الحجر.
ومنها رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها
تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فإن ذلك توسيع من الله عز وجل قال: فإذا
كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر وإن كان في حال لا يجد
إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به منه (4) ومن المعلوم أن أجف المواضع حين نزول المطر عوالي
الأرض الغالب عليها الصخور والحجر.
ومنها رواية السكوني عن الصادق عن علي عليهما السلام أنه سئل عن التيمم
بالجص فقال: نعم فقيل: بالنورة فقال: نعم فقيل: بالرماد فقال: لا أنه ليس يخرج من
الأرض إنما يخرج من الشجر (5) وفي رواية الجعفريات نحوه وزاد فيها: أنه قيل له: فهل
بالصفا الثابتة والنابتة على وجه الأرض قال: نعم (6).
فإنه يستفاد من هذه الرواية أمران أحدهما جواز التيمم على الجص والنورة لأجل
كونها من الأرض فيعلم منه أن ما يصح أن يتيمم به لا بد أن يكون مما تصدق عليه الأرض.
وثانيهما جواز التيمم على الصفاه التي بمعنى الحجر أو الحجر الأملس لأنها من
جنس الأرض مضافا إلى أن تلك الروايات - أعني المشتملة على لفظ التراب - كثير منها
ليس فيها لفظ ترابها بل يكون التعبير: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 4 - 9 - 11
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 4 - 9 - 11
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 4 - 9 - 11
(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 13 - 26 - 27.
(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 13 - 26 - 27.
(6) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 13 - 26 - 27.
246

أو جعلت لي ظهر الأرض مساجد وطهورا فراجعها فح الأقوى جواز
التيمم على مطلق وجه الأرض سواء أكان ترابا أم حجرا أم مدرا بل جصا أو نورة قبل
الاحراق وأما بعده فلا يجوز للشك في صدق اسم الأرض عليهما بعد الاحراق.
هذا كله في صورة التمكن من التيمم على وجه الأرض بأن كانت الأرض جافة
وأما إذا كانت ندية أو كان وجه الأرض مستورا بالثلج فح ينتقل وظيفته في الفرض الأول
إلى التيمم بالطين وفي الفرض الثاني - إذا لم يتمكن من التيمم بالطين - ينتقل وظيفته إلى
التيمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته والدليل على ذلك روايات.
منها رواية رفاعة المتقدمة آنفا ومنها رواية علي بن مطر عن بعض أصحابنا قال:
سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين فقال: نعم
صعيد طيب وماء طهور (1)
ومنها رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل دخل الأجمة ليس
فيها ماء وفيها طين ما يصنع قال: يتيمم فإنه الصعيد قلت: فإنه راكب ولا يمكنه النزول من
خوف وليس هو على وضوء قال: إني نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت
فليتيمم يضرب بيده (بيديه) على اللبد والبرذعة ويتيمم ويصلي (2) إلى غير ذلك من
الأخبار ثم إنه لا يجوز التيمم على المعادن كالذهب والفضة والفيروزج والقير ونحوها وكذا
الجص والنورة بعد الاحراق كما مرو كذا على الخزف والآجر ولا على الزجاج ولا على مطلق
النبات لخروج ذلك كله عن صدق اسم الأرض عليها ويجوز على الأرض السبخة على كراهية ما لم يعلو الملح على وجه الأرض.
فرع
لا يجوز التيمم قبل دخول الوقت اجماعا كما ادعاه غير واحد من الأصحاب ومستندهم
في ذلك غير معلوم إلا أن يقال في وجه المنع إن وجوب التيمم وجوب مقدمي يترشح من
وجوب ذي المقدمة كالصلاة والمفروض عدم وجوبها قبل دخول الوقت فكيف تجب مقدمتها
ومع فرض انتقاء الوجوب لا أمر باتيان المقدمة قبل الوقت ومع فقدان الأمر لا يصح الاتيان
به لكونه عبادة محتاجة إلى الأمر.

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 23 - 25.
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 23 - 25.
247

ولكن يرد هذا الاشكال بعينه في الوضوء والغسل قبل الوقت مع تجويزهم الاتيان
بهما قبل الوقت بقصد غاية من الغايات من غير نقل للخلاف ظاهرا.
ويمكن أن يجاب عن هذا الاشكال في الطهارات الثلاث بأحد وجوه ثلاثة الأول
أن يقال: إن المشروط - مع العلم بتحقق شرطه - كالواجب المطلق في وجوب
الاتيان بمقدماته فكما إذا علم بمجيئ زيد غدا الذي يكون اكرامه واجبا يجب تحصيل مقدمات
اكرامه من الآن إذا علم بعدم امكان اكرامه في موقع مجيئه إذا لم تتحقق مقدمات اكرامه من
الآن - فكذا يجب تحصيل مقدمات الصلاة إذا علم بعدم امكان اتيانها صحيحا إذا لم يأت
بمقدماتها قبل الوقت بأن يصير فاقد الطهورين بعد الوقت فلا بد من اتيان التيمم مثلا ح قبل
الوقت ولعل منع الفقهاء للتيمم قبل الوقت ناظر إلى غير هذا الفرض إذ يبعد جدا إرادتهم لهذا
الفرض أيضا وتجويزهم لأن يصير فاقد الطهورين.
بل يمكن أن يقال بجواز التيمم قبل الوقت مع التمكن من التيمم في الوقت أيضا
بالبيان المتقدم.
بأن يقال: حيث يعلم بأن هذا المشروط يتحقق شرطه فيما بعد - فيصير كالواجب
المعلق بأن يكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا فبعد فعلية الوجوب تكون مقدماته أيضا
واجبة هذا كله بناء على وجوب الملازمة الشرعية بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها فح يصير
التيمم قبل الوقت مأمورا به بالأمر الشرعي.
الوجه الثاني بعينه هو التقريب المذكور في الوجه الأول لكن بناء على وجوب
الملازمة العقلية بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها كما هو الحق المحقق في محله فتصير المقدمة
واجبة بالوجوب العقلي بمعنى اللابدية العقلية بعد العلم بوجوب ذي المقدمة ولكن يبقى اشكال
عدم وجود الأمر الشرعي مع أن التيمم من العبادات فلا بد فيه من الأمر.
ولكن يمكن أن يجاب بأنه إذا استفدنا من الأخبار أن التيمم بدل من الطهارة المائية
من جميع الجهات فكما أن الوضوء والغسل لهما محبوبية ومطلوبية ذاتية مع قطع النظر عن
غايتهما فكذلك التيمم والمحبوبية الذاتية كافية في صيرورة الشئ عبادة كما قرر في محله.
مع امكان أن يقال - بناء على الفرض الذي ذكرناه من أن هذا النحو من الواجب
المعلق - لم يبق اشكال أصلا إذ وجوب ذي المقدمة يكون ح فعليا وإن كان الواجب استقباليا
248

فلا مانع من ترشح الوجوب إلى مقدمته.
الوجه الثالث أن يكون وجوب المقدمة وجوبا مشروطا بشرط متأخر أي تكون
واجبة فعلا إلا أن من شرائطه دخول الوقت وهذا لا يصير بذلك من قبيل الواجبات المشروطة
بل من قبيل الواجبات المطلقة نظير صوم المستحاضة بناء على اشتراط الأغسال النهارية والليلية
في صحة صومها الآتي فح يمكن القول بصحة التيمم وكذا الوضوء والغسل قبل الوقت -
بأحد الوجوه المذكورة ولكن الأحوط عدم قصد الصلاة بها بل يقصد غاية أخرى كالكون على
الطهارة على المختار هذا كله في التيمم قبل الوقت وأما التيمم بعد دخول الوقت فإن كان في ضيق
الوقت فهو متيقن الجواز من موارد جواز التيمم المستفادة من الآية والأخبار بل هو من
ضروريات الدين.
وأما إذا كان في سعة الوقت فقد اختلفت كلمات الفقهاء في جوازه فعن الصدوق
وكثير من المتأخرين جوازه مطلقا وعن السيد في الانتصار والناصريات القول بالمنع مطلقا
وقيل بالمنع مع رجاء زوال العذر والجواز مع عدم الرجاء واستدل للمنع بالأخبار الكثيرة
المستفيضة.
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إذا لم
تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض (1).
ومنها حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام
في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء
عليه وليتوضأ لما يستقبل (2).
ومنها موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: فإذا تيمم الرجل
فليكن ذلك في آخر الوقت فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض. (3)
ومنها موثقته الأخرى المروية عن قرب الإسناد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أجنب فلم يصب الماء أيتيمم ويصلي قال: لا حتى آخر الوقت أنه إن فاته الماء لم
تفته الأرض (4).

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 6 - 1
(2) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 6 - 1
(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الجماعة والباب 3 من أبواب التيمم الحديث 8.
(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الجماعة والباب 3 من أبواب التيمم الحديث 8.
249

ومنها رواية محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: رجل تيمم ثم
دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال:
يمضي في الصلاة واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت (1) إلى غير ذلك من
الأخبار
ولكن هذه الرواية الأخيرة غير دالة على وجوب التأخير للتعبير فيها بلفظ لا ينبغي
المشعر بالاستحباب وخصوصا مع حكمه ع بصحة صلاته بعد الطلب مع أنها كانت في سعة
الوقت بقرينة قوله ثم يؤتى بالماء الخ الظاهر منه أنه كان يمكنه ابطال صلاته والآتيان
بالطهارة المائية ومع ذلك قال ع: يمضي في صلاته.
وتعارض هذه الروايات الروايات الدالة على وجوب إعادة الصلاة التي جاء بها
مع التيمم إذا أصاب الماء بعد الفراغ من الصلاة.
منها رواية علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أتيمم وأصلي ثم
أجد الماء وقد بقي علي وقت فقال: لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد (2).
ومنها موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ
الماء قبل أن يخرج الوقت قال: ليس عليه إعادة الصلاة (3).
ومنها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم
وهو في وقت قال تمت صلاته ولا إعادة عليه (4)
ومنها رواية السكوني عنه عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه قال: يطلب الماء إن كانت

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب التيمم الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 7 - 2 - 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 7 - 2 - 1.
(4) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 7 - 2 - 1.
250

الحزونة فغلوة سهم وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك (1) فإن الظاهر من هذه
الرواية أنه بعد الطلب يجوز له أن يصلي ولا يجب عليه انتظار ضيق الوقت.
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ
الماء قبل أن يخرج الوقت فقال: ليس عليه إعادة الصلاة (2).
ومنها رواية العيص قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب
وقد صلى قال: يغتسل ولا يعيد الصلاة (3) والمراد من هذه الرواية أنه كان جنبا ولم يكن معه
ماء فتيمم وصلى ثم أتى الماء وأراد الاغتسال من الجنابة فهل يجب عليه بعد الاغتسال وهو في
الوقت إعادة الصلاة قال ص لا يعيد الصلاة.
ومنها رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب فتيمم
بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال: لا يعيد أن رب الماء هو رب الصعيد فقد فعل أحد
الطهورين (4).
إلى غير ذلك من الأخبار وحمل هذه الروايات الكثيرة على صورة العلم بعدم زوال المانع
وعدم الظفر بالماء إلى آخر الوقت بعيد جدا مع أن ترك الاستفصال بين صورة العلم وصورة الشك
دليل على العموم مضافا إلى أنه يستفاد من جميع هذه الروايات أن التيمم في سعة الوقت كان متداولا
بين أصحاب الأئمة عليهم السلام ولم يردعهم الإمام عليه السلام عن ذلك فيكشف كشفا قطعيا أنه لم
يكن به بأس فلا بد من حمل تلك الأخبار أي أخبار المضائقة على أفضلية التأخير حتى يمكنه
احتمالا ادراك الصلاة مع الطهارة المائية حيث إن هذه الأخبار أي أخبار المضايقة ظاهرة
في وجوب التأخير وأخبار المواسعة نص في جواز البدار فهي أظهر من أخبار المضايقة فتقدم على
أخبار المضائقة ثم إن الظاهر أنه لا خلاف عند الأصحاب بين أن يكون عدم التمكن من الطهارة
المائية لأجل فقدان الماء أو لأجل سائر الأعذار.
ولعل الوجه في عدم الفرق مع أن الآية المباركة - أي فلم تجدوا ماءا فتيمموا - ظاهرها
كون موضوع التيمم هو عدم وجدان الماء - أن الملاك هو عدم التمكن من استعمال الماء أو يقال

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمم الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 2 - 4 - 5.
(3) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 2 - 4 - 5.
(4) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمم الحديث 2 - 4 - 5.
251

بأن المانع الشرعي كالمانع العقلي فالمريض الذي يضره استعمال الماء كالذي لم يكن عنده
الماء شرعا فيكون من أقسام فاقد الماء شرعا ثم إن المشهور جواز المبادرة إلى قضاء الفوائت بالتيمم
وهذا بناء على القول بجواز التيمم والصلاة في سعة الوقت لا اشكال فيه.
وأما بناء على عدم الجواز فهو مشكل مع أن الظاهر هو الحكم بالجواز حتى من القائلين
بالمضايقة نعم استشكل فيه بعضهم ويمكن الحكم بجواز المبادرة إن قلنا: بأن وقت قضاء الفوائت
مضيق وأنه تجب المبادرة إليها وحيث إنا قوينا في ذلك المقام عدم وجوب المبادرة إلى قضاء الفوائت
وعلمت هنا بأن المختار جواز التيمم في سعة الوقت لا يلزمنا من القول بجواز اتيان الفوائت
بالتيمم شئ من الاشكال.
نعم في جواز القضاء عن الغير بالتيمم اشكال لأن الآتي للقضاء عن الغير غير منحصر في
المتيمم لامكان استيجار المتوضئ للقضاء اللهم إلا أن ينحصر القاضي عن الميت في المتيمم
أو لا يتمكن الولي من استيجار المتوضئ لفقره.
(الثالث):
من مباحث التيمم بيان واجباته وكيفيته والواجب في التيمم أمور الأول النية أي
قصد التيمم بضرب الكف على الأرض ولا يكفي مطلق ضرب الكف على الأرض من غير قصد
للتيمم لقوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا فإن معنى التيمم بحسب المعنى اللغوي القصد ويجب في
النية الخلوص والتقرب إليه تعالى فلا يكفي اتيانه بدون قصد التقرب للاجماع على أنه من
العبادات ولقوله تعالى: فاعبدوا الله مخلصين له الدين (1) وإن فرض الخدشة في الاجماع ودلالة
الآية - يمكن أن يقال بعدم العلم بتحقق الامتثال بدون نية القربة لأن الأصل في المأمور به عند
العقل أن يكون مما يعتبر في تحققه قصد إطاعة أمر المولى مثلا إذا قال المولى لعبده جئني بماء فجاء
بالماء لنفسه أو لمتابعة الهوى لا لامتثال أمر مولاه فأخذه المولى منه وشربه لا يعد هذا العبد عند
العقلاء مطيعا لأمر مولاه لأنه لم يأت بالماء لأجل امتثال أمر مولاه فالأصل في الواجبات هو
التعبدية إلا ما أخرجه الدليل كغسل الثوب حيث علم من الدليل أن مطلوب المولى إزالة النجاسة
فإذا زالت بأي نحو اتفق ولو بإثارة الريح والقائه في الماء يحصل مطلوب المولى ويسقط الأمر
بالإزالة.

(1) سورة غافر الآية 14.
252

بخلاف ما إذا لم يدل الدليل على التوصلية فإنه بنفس اتيان نفس الفعل دون قصد
امتثال أمر المولى لم يعلم تحقق غرضه بذلك.
فالاشتغال اليقيني بالتكليف يقتضي خروج المكلف على سبيل الجزم عن عهدة
التكليف اليقيني وبهذا يجاب عن كل واجب تعبدي ولا يرد عليه اشكال أنه كيف يمكن أخذ قصد
الأمر في متعلق الأمر مع أنه يأتي من قبل الأمر وهو مستلزم للدور لأنا نقول بلزوم أخذه لحكم العقل:
على ذلك لا لوجود الأمر المتعلق بالمأمور به.
ثم إن التيمم هل هو مبيح للصلاة وللغايات المشروطة بالطهارة أو هو رافع للحدث -
وجهان بل قولان وجه القول الأول أن يقال: إن يبطل بمجرد إصابة الماء أو بمجرد زوال المانع
اجماعا ومن المعلوم أن إصابة الماء لا تكون من الأحداث الموجبة للطهارة فيستفاد من هذا الحكم
الاجماعي أن التيمم لم يكن رافعا للحدث وإلا لم يكن وجه في بطلانه بمجرد زوال العذر من
غير موجب فإن الطهارة المائية إذا تحققت لا يرتفع أثرها إلا بالحدث والمفروض إن التيمم بدل من
هذه الطهارة فليكن مثل الطهارة المائية.
والحاصل أنه لو قلنا: إن الحدث الأكبر أو الأصغر موجب لحصول القذارة الظاهرية
لبدن المكلف نظير الوسخ - كما يمكن تأييد ذلك بقوله عليه السلام: تحت كل شعرة جنابة فإذا
فرض زوال تلك القذارة بالتيمم فكيف يتصور عودها بإصابة الماء.
ولكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنه يحتمل أن يكون التيمم مما تحصل به
الطهارة المعنوية وترتفع به القذارة المعنوية الحاصلة للنفس بسبب موجبها إلا أنه ليس لهذا الطهارة
استقرار بل لها أمد ومدة تزول بانتهاء المدة ومدتها هو حال الاضطرار أو عدم وجدان الماء أو عدم
التمكن من الوصول إليه فإذا انقضى حال الاضطرار انقضت مدتها.
وبعبارة أخرى هو طهارة اضطرارية فإذا ارتفع الاضطرار وجاء حال الاختيار فقد تبدل
موضوع التيمم بموضوع الطهارة المائية نظير المسافر والحاضر حيث إن موضوع القصر هو المسافر
وموضوع الاتمام هو الحاضر فتغيير حكم الصلاة بالنسبة إلى هذا الشخص إنما هو لأجل خروجه
من موضوع حكم ودخوله في موضوع حكم آخر.
ومن هذا الجواب يظهر لك وجه القول الآخر من أن التيمم رافع للحدث وتحصل به
الطهارة ويدل عليه ظواهر الأخبار مثل قوله عليه السلام: التراب أحد الطهورين وظاهر قوله
253

تعالى بعد ذكر التيمم: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم إلى غير ذلك
من الأدلة فإنه يظهر من جميعها أن التراب بمنزلة الماء عند الضرورة لا أنه مبيح للدخول في الصلاة
أو لسائر الغايات مع كون الجنب باقيا على جنابته والمحدث بالحدث الأصغر أو الأكبر باقيا على
حدثه ولكن يستباح له الدخول في الصلاة وارتكاب الغايات المشروطة بالطهارة كالدخول في
المساجد ومس كتابة القرآن فالأقوى إذا ما عليه المشهور من أنه رافع للحدث إلا أن رفعه ما دامي
وموقت فما دامت الضرورة باقية فالحدث مرفوع بهذا التيمم فإذا زالت الضرورة يعود الحدث على
حاله وتصير الطهارة المائية واجبة عليه بالبيان المتقدم.
وقد يقال: إن له عنوان واحد سواء وقع بدلا عن الوضوء أو بدلا عن الغسل لا
أنه معنون بعنوان إذا وقع بدلا عن الوضوء وبعنوان آخر إذا وقع بدلا عن الغسل فهو نظير صلاة
المسافر وصلاة الحاضر فكما أن صلاة المسافر تتحد عنوانا مع صلاة الحاضر إلا أن الحاضر يجب
عليه ضم ركعتين أخريين إلى الأولتين فلذا إذا قصد المسافر سهوا أربع ركعات ثم تذكر بعد
الاتيان بالركعتين صحت صلاته وكذا العكس فيستفاد من هذا الحكم أن صلاة المسافر
وصلاة الحاضر عنوانها واحد وهو مطلق الصلاة ولكن يجب على الحاضر شئ زائد على ذلك
العنوان - فكذلك التيمم يكون متحد العنوان سواء أكان بدلا عن الوضوء أم بدلا عن الغسل
فهو نظير الوضوء إذا وقع رافعا للحدث سواء أكان سبب الحدث البول أم النوم فح إذا قصد
بتيممه رافعيته للحدث الأصغر متقربا إلى الله تعالى فبان بعد التيمم أنه كان محدثا بالحدث
الأكبر كان كافيا لأنه كان الواجب عليه التيمم بنية التقرب إليه تعالى وبدليته عن الوضوء
أو الغسل لا تجعله فردين للتيمم.
كما أن الوضوء في المثال المتقدم إذا كان رافعا للحدث البولي هو بعينه الوضوء الذي يقع
رافعا للحدث النومي أتى بالوضوء قاصدا لرفع الحدث فبان أن الحدث كان هو الحدث النومي لم
يضر بوضوئه فهكذا الحال في التيمم لأن التيمم الذي هو بدل عن الغسل هو بعينه
التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فقد نوى البدلية عن الوضوء اشتباها فقد أتى بما هو وظيفته غاية الأمر أنه توهم أنه بدل عن الوضوء ولكن كان في الواقع بدلا عن الغسل وهذا نظير ما إذا اقتدى
بإمام حاضر وتوهم أنه زيد فبان أنه عمر ولكن لم يكن قصد ايتمامه مقيدا بزيد فإنه تصح
صلاته وليس التيمم من قبيل الأغسال المختلفة الواجبة على الانسان فإنها حقائق مختلفة فإذا
254

كان عليه غسل الجنابة وغسل مس الميت ولم يقصدهما بل قصد اشتباها غيرهما لا يكفي عن
فرضه فإنه كان عليه غسل الجنابة وأتى بغيره فلا يكفي ولكن ما نحن فيه أي التيمم ليس من
هذا القبيل كما أوضحناه ولكن الالتزام باتحاد التيممين مشكل بل لا يبعد أن يقال بأنهما
متباينان يميزهما النية والله العالم.
(فرع)
هل يكفي تيمم واحد لغايات متعددة مثلا إذا كان على المكلف غسل الجنابة والحيض
وغسل مس الميت ولا يقدر على الماء فهل يكفي تيمم واحد للجميع أو لا بد لكل واحد منها
تيمم على حده - لم أر من تعرض لهذا الفرع ويمكن أن يقال: كما أن الشارع جوز التداخل في
الأغسال - مع أن الأصل في الأسباب المتعددة عدم التداخل بنظر العقلاء حيث إن تعدد
الأسباب يقتضي تعدد المسببات عندهم والمفروض أن الشارع قد جعل التيمم بمنزلة الغسل
ومقتضى عموم المنزلة وعدم استثنائه للتداخل هو عموم المنزلة فكذا يمكن القول بالتداخل في
التيمم أيضا.
الثاني من واجبات التيمم ضرب اليدين معا الأرض وهل واجب من واجبات
التيمم أو هو مقدمة له وليس من أجزائه كاغتراف الماء بالنسبة إلى الوضوء - لا يبعد استظهار
القول الثاني من الآية والأخبار فإن قوله تعالى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه - يظهر منه كون
الواجب فيه هو مسح الوجه واليدين وأما قوله تعالى قبل ذلك: فتيمموا صعيدا طبيا بمعنى
اقصدوا صعيدا طيبا لأن التيمم بمعنى القصد كما تقدم فلا ينافي ما ذكرناه لأن هذا مثل أن
يقال: إذا أردت الوضوء فاغترف الماء بيدك وصبه على وجهك ومن المعلوم أن الأمر بالاغتراف أمر
مقدمي لا نفسي وكذا هنا فإن الأمر بالقصد إلى الصعيد الطيب أمر مقدمي لا نفسي.
وأما الأخبار فإنها وإن اشتمل أكثرها أو جميعها على ضرب اليدين أو ضرب اليد إلا
أنه يمكن حملها على كون الضرب مقدمة ولنذكر بعض الأخبار حتى ننظر أنه هل يمكن حملها على ذلك
فمنها ما هو مشتمل على وضع اليد دون ضربها كأكثر الأخبار المشتملة على قصة تيمم عمار رضي
الله عنه.
كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات
يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت قال: تمرغت يا رسول الله في
255

التراب قال: فقال له: كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما
على الصعيد ثم مسح جبينيه (جينه خ ل) بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى الخ (1).
وصحيحة داود بن نعمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم فقال: أن
عمارا أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يهزأ به:
يا عمار تمعك كما تتمعك الدابة فقلنا له: فكيف التيمم فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما
الحديث (2)
وصحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التيمم فقال: إن
عمار بن ياسر أصابته جنابة إلى أن قال عمار: فقلت له: كيف التيمم فوضع يده على المسح
(المسبخ خ ل) ثم رفعها فمسح وجهه الخبر (3) إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على الوضع.
ومنها ما اشتملت على لفظ الضرب فمنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى
عمار بن ياسر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أجنبت الليلة ولم يكن معي ماء
قال: كيف صنعت قال: طرحت ثيابي وقمت على الصعيد فتمعكت فيه فقال: هكذا يصنع
الحمار إنما قال الله عز وجل: فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على
الأخرى ثم مسح بجبينيه الخ (4).
ومنها رواية المستدرك عن العياشي في قصة عمار إلى أن قال صلى الله عليه وآله: إن رب الماء هو رب
الصعيد إنما يجزيك أن تضرب بكفيك ثم تنفضهما ثم تمسح بوجهك ويدك كما أمرك الله (5).
ومنها رواية الكاهلي قال: سألته عن التيمم قال: فضرب بيده على البساط فمسح بها
وجهه (6) ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك الأرض ثم
تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك (7) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة وهي أكثر من أخبار
الوضع والحاصل أن أخبار التيمم كلها إما مشتملة على وضع اليدين وإما مشتملة على الضرب
على الأرض.
ولكن يمكن أن يقال: إن دين أو ضربهما على الأرض له دخل إما شطرا

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 11
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 11
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 11
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 11
(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 11
(7) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 12.
256

أو شرطا ومقدمة في التيمم فلذا ذكروه عليهم السلام في هذه الأخبار ولا يستفاد من هذه
الروايات أكثر من دخله في التيمم أما أنه بنحو الجزئية فلا يستفاد منها بل يستفاد من رواية
زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين
ما يصنع قال: يتيمم فإنه الصعيد قلت: فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على
وضوء قال: إني نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على
اللبد والبرذعة ويتيمم ويصلي (1) - أن التيمم غير الضرب على الأرض حيث قال: يضرب
بيديه على اللبد والبرذعة ثم قال: ويتيمم فيظهر منه أن التيمم غير الضرب على اللبد والبرذعة.
ولكن يستفاد من بعض الأخبار عكس ذلك فإن رواية إسماعيل بن همام الكندي عن
الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين (2) ظاهرة في أن التيمم نفس
الضربة أو الضربتين.
ويمكن أن يقال: إنه الرواية كمفاد سائر الأخبار من ظهور كون الضربة
مقدمة للتيمم إذ من المعلوم أن التيمم ليس هو الضربة فقط فحمل الضربة على التيمم فيه نوع
من التجوز باعتبار دخلها في التيمم في الجملة.
ثم بناء على دخالة الضرب أو الوضع على الأرض شرطا أو شطرا - والظاهر هو الأول -
أي دخالته شرطا - هل يكفي كل واحد من وضع اليد أو ضربها على الأرض أو لا بد من الضرب
عليها ولا يكفي مطلق وضع اليد يحتمل القول الأول لدلالة الأخبار المتقدمة المشتملة على كل
من الوضع والضرب فالتعبير بالضرب في سائر الأخبار لعله باعتبار أنه من مصاديق وضع
اليد لأن الضرب على الأرض هو وضع اليد عليها بشدة ودفع فلذا قد عبروا عليهم السلام عن وضع
اليد بالوضع تارة وأخرى بالضرب وكلاهما واحد ويؤيده أنه قد يعبر عن شئ بضرب اليد
عليه خصوصا بالفارسية مثلا يقال بالفارسية: (دست باين جيز نزن) مع أنه ليس المراد الضرب
عليه بل المراد النهي عن مسه ولمسه باليد كما هو واضح إلا أنه يمكن أن يقال: إن لي
الأرض وإن كان بمعنى وضع اليد عليها إلا أن الضرب هو الوضع مع الزيادة وهي القوة والشدة
ولم يعلم بكفاية غير الضرب فإن أخبار الوضع وإن كانت كثيرة إلا أن أخبار الضرب أكثر

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمم الحديث 25
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 21.
257

فيحتمل وقوع اشتباه في أخبار الوضع خصوصا في رواية زرارة المشتملة على قصة عمار رض
حيث إن في رواية من روايتيه التعبير بالوضع وفي روايته الأخرى التعبير بالضرب مع اتحاد
الراوي والمروي عنه والقصة.
فيحتمل وقوع الاشتباه في رواية الوضع إذ من المستبعد تعدد النقل من زرارة مضافا إلى أن
الأخذ بروايات الضرب أخذ بالقدر المتيقن لاشتماله على الوضع أيضا بخلاف الأخذ بروايات
الوضع وحيثما دار الأمر بين التعيين والتخيير فالتعيين أولى مع أن هذا أي وضع اليد وما بعده
من مسح الجبه واليدين أسباب لحصول الطهارة الترابية واللازم في الأسباب الشرعية هو
الاحتياط عند الشك إذ بدون الاتيان بالمشكوك يشك في اتيان المأمور به فلا بد من الاحتياط.
(الثالث:)
من واجبات التيمم المباشرة فلا يجوز اتيانه بالتسبيب اختيارا والدليل على وجوب
المباشرة بعد دعوى الاجماع أن المولى إذا أمر بشئ فالظاهر من أمره أنه يريد اتيانه مباشرة.
نعم إذ دل دليل من الخارج تحقق هذا الفعل في الخارج بأي نحو اتفق سواء فعله العبد
بنفسه أو بالتسبيب كغسل الموتى وكفنهم ودفنهم يجوز اتيانه بأي نحو كان من المباشرة
أو التسبيب وأما إذا لم يدل دليل على ذلك فظاهر الأمر هو اتيان المأمور به مباشرة إلا في مقام
الضرورة إذا دل دليل على عدم سقوطه ووجوب الاتيان به ولو باستعانة الغير كما فيما نحن فيه
حيث دلت الرواية على وجوب الاتيان بالتيمم باستعانة الغير إذا لم يمكن اتيانه مباشرة.
والرواية هي رواية محمد بن مسكين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له: إن
فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال: ألا يمموه إن شفاء العي السؤال (1)
وغير ذلك من الأخبار التي تقدم بعضها.
ثم إن الظاهر أنه لا بد أن يكون التيمم في التيمم التسببي بيد المتيمم أي الذي
وجب عليه التيمم لا يد الميمم المستعان به إلا أن يكون بيد المتيمم علة تمنع من التيمم
بها الرابع من واجباته الترتيب بين الوجه والدين بل نفس اليدين.
أما وجوب الترتيب بين الوجه واليدين ووجوب تقديم الوجه عليهما فهو اجماعي
وتدل عليه الآية والأخبار أما الآية فقوله تعالى: وامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه حيث قدم

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 3.
258

الوجوه على الأيدي.
وأما الأخبار فمنها الأخبار البيانية كقوله عليه السلام حكاية عن فعل النبي صلى
الله عليه وآله: ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى (1) وقوله عليه السلام
حكاية عنه صلى الله عليه وآله أيضا: فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه
ويديه (2) إلى غير ذلك من الأخبار البيانية.
ومنها الأخبار غير البيانية مثل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال:
تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك (3).
ومنها رواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك
على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك (4).
ومنها رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة
للوجه وضربة للكفين (5) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المقدمة للوجه على اليدين ولا يرد
على هذه الأخبار بأن العطف في جميعها وكذا الآية المباركة بالواو وهي لا تفيد الترتيب لأنا
نقول: إنها حيث كانت في مقام تعليم الأمة الاسلامية فهي ظاهرة في الترتيب بعد ما قدم
الوجه على اليدين في الآية والأخبار ولم يذكر غير هذا الوجه فيهما لكيفية التيمم.
وأما وجوب الترتيب بين اليدين بأن تقدم اليمنى على اليسرى فإن ظاهر أكثر أخبار
التيمم وإن كان عدم وجوبه لأنه لم يذكر فيها الترتيب بين اليدين بل اطلاق بعض الأخبار
ينفيه إلا أن رواية زرارة المشتملة على قصة عمار بن أبي جعفر عليه السلام إلى أن قال:
فضرب بيده على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل
واحدة على الأخرى فمسح باليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى (6) ظاهرة في وجوب
الترتيب حيث إنه عليه السلام قدم مسح اليمنى باليسرى على مسح اليسرى.
وكذا روايته الأخرى عنه أيضا عليه السلام المشتملة على قصة عمار إلى أن قال: ثم
وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه ثم دلك إحدى يديه

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 12 - 19 - 21
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 12 - 19 - 21
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 12 - 19 - 21
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 12 - 19 - 21
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 1 - 2 - 12 - 19 - 21
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 5.
259

بالأخرى على ظهر الكف بدأ باليمنى (1).
والظاهر أن المراد من قوله: بدأ باليمنى أنه بدأ بالمسح على اليمنى كما يتبادر إلى
الذهن من هذا الكلام ولا يتبادر إلى الذهن أنه بدأ بالمسح باليمنى على اليسرى كما لا يخفى.
وكذا رواية الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام إلى أن قال: ثم وضع أصابعه
اليسرى على أصابع اليمنى من أصل الأصابع فوق الكف ثم ردها إلى مقدمها ثم وضع
أصابعها اليمنى على اليسرى فصنع كما صنع باليسرى على اليمنى مرة واحدة الخبر (2) والاستشكال
في بعض هذه الروايات بالارسال أو ضعف السند غير قادح بعد انجبار ضعفها بعمل
الأصحاب.
الخامس من الواجبات الموالاة والدليل على وجوبها الاجماع كما ادعاه غير واحد وبناء
العرف فإنه إذا أمر المولى بشئ مركب من أجزاء فالظاهر أن بنائهم على التوالي أي اتيان
الأجزاء متواليا لا أن يأتوا بجزء المركب في أول النهار وجزء آخر في آخر النهار كما يظهر من
مراجعة بنائهم
نعم إذا دل دليل على عدم اعتبار التوالي كما في الغسل يرفع اليد عن بنائهم وأما في
صورة عدم الدليل على ذلك فالمتبع هو بناؤهم.
في كيفية التيمم
يعتبر في التيمم ضرب اليدين معا على الأرض فلا يجوز ضربهما على نحو التراخي بين
ضرب اليمنى وضرب اليسرى وهو المتبادر من الأدلة فإنه إذا قيل لأحد: اضرب كفيك على
الأرض لا يتبادر إلى ذهنه أن اضرب أولا اليد اليمنى ثم اضرب اليسرى بل يتبادر إلى ذهنه أن
اضربهما معا.
ويعتبر أيضا أن يكون الضرب بباطن الكفين دون ظاهرهما وإن كان اطلاق الكف
شاملا للظاهر أيضا لأن ظاهر الكف يصدق عليه الكف ولكن لما كان المتبادر من الكف هو
باطن الكف لأنه المتعارف فإنه إذا قيل لأحد: اضرب كفيك على الأرض أو على الجدار
لا يضرب ظهر كفيه كان باطن الكف هو القدر المتيقن من الآية والأخبار.

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 7 - 8.
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 7 - 8.
260

نعم في حال الاضطرار وعدم امكان ضرب باطن الكف يمكن التمسك باطلاق الآية
والأخبار والاكتفاء بضرب ظاهر الكف هذا بالنسبة إلى الماسح ولازم جواز الاكتفاء بظاهر
الكف في حال الضرورة في الماسح جواز الاكتفاء بباطن الكف في حال الضرورة بالنسبة إلى
الممسوح مع أني لم أر من تعرض لهذا الفرض
وإذا كان على باطن كفيه مانع فهل يجب ضرب الباطن مع ما عليه من المانع أو ينتقل
تكليفه إلى ضرب ظاهر الكف وجهان والأحوط تكرار التيمم بضرب باطن كفيه أولا
وضرب ظاهرهما ثانيا وكذا يحتاط فيما إذا كان مقطوع اليدين بين مسح جبهته بالتراب
والاستعانة بالغير بأن ييمه ولكن يمكن أن يقال: إنه يستفاد من رواية المجدور الذي صار جنبا
فغسلوه فمات أنه كان وظيفتهم أن ييمموه حيث قال عليه السلام: قتلوه ألا يمموه (1) فليكن هنا
أيضا كذلك لجامع الاشتراك بينهما بالعجز عن التيمم بنفسه والله العالم.
ويعتبر أيضا في التيمم مسح الجبهتين من أعلى الوجه إلى الطرف الأعلى من الأنف
وقد اختلفت عبارات الأخبار في مسح الوجه ففي أكثرها كرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) هو مسح الوجه وفي بعضها كرواية زرارة عن أبي جعفر على السلام (3) هو
مسح الجبينين وفي بعض النسخ مسح الجبهتين.
ويمكن أن يقال: إن لا منافاة بين هذه الأخبار بأن يجمع بينها بأنه يجب مسح الجبهة
من قصاص الشعر إلى طرف الأنف وكذا يجب مسح الحاجبين معا كما تدل عليه رواية العياشي
عن زرارة عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعمار كيف صنعت يا عمار قال:
نزعت ثيابي ثم تمعكت على الصعيد فقال: هكذا يصنع الحمار إنما قال الله: امسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه
الحديث (4).
فيستفاد منها وجوب مسح الحاجبين معا وكذا يجب مسح الجبينين بناء على أن المراد
منهما طرفي الجبهتين لا نفسهما فإن مسح الجبهتين معلوم الوجوب فتحصل من جميع أخبار التيمم

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمم الحديث 4
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 18 - 2
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 18 - 2
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 7.
261

أن الواجب في مسح الوجه هو مسح الجبهتين من أعلى الوجه إلى طرف الأنف الأعلى ومسح
الحاجبين معا ومسح الجبينين أي طرفي الجبهتين ولا يجب مسح تمام الوجه فما في رواية الدعائم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فإذا أراد المتيمم أن يتيمم ضرب بكفيه الأرض ضربة واحدة
ثم نفض إحدى يديه بالأخرى ثم مسح بأطراف أصابعه وجهه من فوق الحاجب إلى أسفل الوجه
مرة واحدة أصاب ما أصاب وبقي ما بقي (1) - معرض عنها لم يعمل المشهور بها مضافا إلى أنها
مرسلة هذا كله في مسح الوجه.
وأما مسح اليدين فيجب مسح ظهر اليمنى بباطن اليسرى ثم مسح اليسرى بباطن اليمنى
من الزند إلى أطراف الأصابع وهذا مستفاد من رواية زرارة المتقدمة آنفا حيث قال في ذيلها: ثم
دلك إحدى يديه بالأخرى على ظهر الكف بدأ باليمنى (2)
فيستفاد منها أنه يجب المسح على ظهر الكف ويستفاد منها أيضا وجوب الابتداء بمسح
اليمنى فما في رواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تضرب بكفيك على الأرض مرتين
ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك (3) من ظهورها في وجوب مسح الذارعين غير معمول
بها عند الأصحاب.
وهل تكفي ضربة واحدة للوجه واليدين معا أو لا بد من ضربتين وهل يكون فرق بين
التيمم الذي هو بدل عن الوضوء والتيمم الذي هو بدل عن الغسل أولا يمكن أن يقال: بلزوم
التعدد في الوضوء والغسل كليهما لاطلاق رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه
السلام قال: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين (4).
ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك على
الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك (5) وغيرهما من الأخبار.
ولكن الظاهر كفاية الضربة الواحدة في بدل الوضوء وبدل الغسل معا لدلالة
الروايات الكثيرة عليه بعضها بالاطلاق. مثل رواية صفوان عن الكاهلي قال: سألته عن التيمم
قال: يضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى (6).
وكذا الروايات البيانية المشتملة على قصة عمار رض وقد تقدم بعضها وبعضها

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 8 - 7 - 19
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 8 - 7 - 19
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 8 - 7 - 19
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 21 - 19 - 11.
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 21 - 19 - 11.
(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 21 - 19 - 11.
262

بالتصريح بكفاية الضربة الواحدة. كرواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم؟
قال: فضرب بيده (بيديه خ ل) الأرض ثم رفعها (رفعهما خ ل) فنفضها (فنفضهما خ ل) ثم مسح
بها (بهما خ ل) جبينيه (جبينه خ ل) وكفيه مرة واحدة (1) ورواية الدعائم قالوا عليهم السلام
للمتيمم: تجزيه ضربة واحدة يضرب بيديه الأرض فيمسح بهما وجهه ويديه (2).
وأما روايات التعدد فمن الممكن حملها على بيان الفرد الأفضل والأكمل مع
الاختلاف بينها فيظهر من بعضها توالي الضربتين كرواية ليث المرادي المتقدمة ومن بعضها أنه
يضرب أولا ضربة واحدة فيمسح بها وجهه ثم يضرب أخرى فيمسح بها يديه.
كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف التيمم؟ قال: هو ضرب
واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضها للوجه ومرة لليدين
الحديث (3) وهذه الرواية مجهولة المراد ومضطربة المتن ففي صدرها هو ضرب واحد وفيما بعد
الصدر تضرب بيديك مرتين فلم يعلم ما معنى هو ضرب واحد وما معنى تضرب بيديك مرتين وهل
يكون المراد تضرب بيديك مرتين قبل مسح الجبهة ثم تمسح جبهتك ويديك أو المراد تضرب مرة
لجبهتك ومرة ليديك؟
و كذا رواية إسماعيل بن همام المتقدمة عن الرضا عليه السلام (4) تدل على وجوب
ضربة واحدة للوجه وضربة أخرى لليدين وفي بعض روايات التعدد أنه يضرب أولا مرة للوجه ثم
يضرب شماله على الأرض فيمسح بها يمينه ثم يضرب يمينه فيمسح بها شماله كرواية محمد بن
مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه
ثم مسح بشماله الأرض ومسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع إلى أن قال: ثم صنع بشماله كما
صنع بيمينه الخبر (5).
فهذه الروايات مع كثرة الاختلاف بينها لا يمكن اثبات وجوب التعدد بها فالأولى
حملها على الاستحباب ويقال بأنه يتحقق الاستحباب بكل واحد من الكيفيات الثلاث
المذكور في هذه الروايات.

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 13
(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 14 - 15 - 21
(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 14 - 15 - 21
(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 14 - 15 - 21
(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمم الحديث 18.
263

المبحث الحادي عشر
في النجاسات وهي عشرة أو اثنتا عشرة على ما يأتي التفصيل فيها
الأولى البول الثانية
الغايط من كل حيوان محرم الأكل الذي له نفس سائلة سواء أكان بريا أم بحريا صغيرا أم كبيرا
والدليل على نجاستهما الروايات الكثيرة.
منها رواية ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الثوب
قال: اغسله مرتين (1).
ومنها رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول
قال: اغسله في المركن مرتين قال: فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة (2).
ومنها رواية سماعة قال: سألته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس فقال:
كأبوال الانسان (3).
وهذه الروايات دالة على نجاسة بول الانسان وبول كل حيوان محرم الأكل له نفس
سائلة وأما عد بول الحمار والفرس كبول الانسان في هذه الرواية مع كونهما مأكولي اللحم
فسيجئ الكلام فيه انشاء الله تعالى.
وأما الروايات الدالة على نجاسة الغائط من الانسان ومن كل حيوان محرم الأكل له
نفس سائله فهي كثيرة أيضا
منها رواية العلل عن الفضل بن شاذان في حديث العلل: فإن قال قائل: فلم وجب
الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم لا سائر الأشياء قيل: لأن الطرفين هما طريق

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 22.
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 22.
264

النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة إلا منهما الحديث (1).
ومنها الروايات الدالة على مطهرية الأرض لباطن القدم إذا تلطخ بالعذرة حيث
تستفاد منها نجاسة العذرة فتحصل مما ذكرناه أن أبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثها نجسة
إذا كانت لها نفس سائلة وأما أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه فهي طاهرة والدليل على طهارتها
روايات كثيرة.
منها رواية قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلوات الله عليهم
أجمعين قال: لا بأس ببول ما أكل لحمه (2).
ومنها رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل ما أكل لحمه
فلا بأس بما يخرج منه ولكن في بعض الأخبار ما يدل بظاهره على نجاسة أبوال البغال والحمير
والفرس كرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه فقلت
له: أليس لحومها حلالا قال: بلى ولكن ليس مما جعله الله للأكل (4)
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصيبه أبوال البهائم أيغسله أم لا قال: يغسل بول الفرس والبقر والحمار وينضح بول البعير والشاة
وكل شئ يؤكل لحمه فلا بأس ببوله (5).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل يمسه أبوال البهائم يغسله أم
لا قال: يغسل بول الحمار والفرس والبغل فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله (6)
إلا أنه يعارض هذه الروايات بعض الأخبار الدال على طهارتها
منها رواية المعلى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور قالا: كنا في جنازة ومر بنا حمار
فبال فجاءت الريح ببوله فصكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرناه
فقال: ليس به عليكم بأس (7)
ومنها رواية أبي الأغر النخاس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أعالج
الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فتنضح على ثيابي

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 17
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 1 - 8 - 13 - 14
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 1 - 8 - 13 - 14
(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 1 - 8 - 13 - 14
(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 1 - 8 - 13 - 14
(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 1 - 8 - 13 - 14
(7) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 7.
265

فأصبح فأرى أثره فيه فقال: ليس عليك شئ (1).
ومنها رواية محمد بن مسلم قال: كنت جالسا مع أبي جعفر عليه السلام وناضح له في
جانب الدار وقد أعلف الخبط قال: وهو هائج قال: وهو يبول ويضرب بذنبه إذ مر أبو جعفر عليه
السلام وعليه ثوبان أبيضان قال: فنضح عليه فملأ ثيابه وجسده قال: فاسترجع فضحك أبو جعفر
عليه السلام ثم قال: يا بني ليس به بأس (2) إلى غير ذلك من الأخبار فلا بد من حمل تلك الأخبار
الظاهرة في النجاسة على الاستقذار العرفي مع أنه ليس شئ من تلك الأخبار دالة صريحا على
نجاستها بل لا يكون فيها إلا الأمر بالغسل أو الكراهة فيحتمل ما ذكرناه من رفع الاستقذار العرفي
ويمكن استفادة هذا المعنى من رواية زرارة المتقدمة حيث إنه عليه السلام علل كراهته عليه السلام لأبوالها بأنها
وإن كانت مأكولة اللحم إلا أنها لم تخلق للأكل
هذا كله بالنسبة إلى غير الطيور المحرمة الأكل وأما الطيور المحرمة فالمشهور نجاسة بولها
وخرئها خصوصا الخشاف ويدل على نجاسة أبوالها وخرئها مضافا إلى العمومات الدالة
بعمومها على نجاسة بول غير مأكول اللحم وخرئه رواية داود الرقي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده قال: اغسل ثوبك (3)
ورواية عمار المروية عن المختلف عن الصادق عليه السلام قال: خرء الخطاف لا بأس
به وهو مما يحل أكله ولكن كره أكله لأنه استجار بك (4) فإنها بمفهومها تدل على نجاسة الطير
المحرم الأكل
ولكن تعارض العمومات وهاتين الروايتين روايات كثيرة أخرى دالة بعمومها أو
اطلاقها على طهارة أبوال الطيور المحرمة وخرئها كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كل شئ يطير فلا بأس ببوله وخرئه (5)
ورواية الصدوق في المقنع - مرسلا - قال: روى أنه لا بأس بخرء ما طار وبوله (6).
فإنهما تدلان بالعموم والاطلاق على طهارة بول وخرء ما لا يؤكل لحمه.
ورواية غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: لا بأس بدم البراغيث والبق وبول

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 10
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 10
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 25 - 24
(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 25 - 24
(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 20 - 21.
(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 20 - 21.
266

الخشاشيف (1).
ورواية الجعفريات عنه عن أبيه عليه السلام إن عليا عليه السلام سئل عن الصلاة في
الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف ودماء البراغيث فقال: لا بأس بذلك (2).
فإن في هاتين الروايتين التصريح بعدم نجاسة بول الخشاف فح لا يبعد القول بطهارة بول
وخرء الطيور المحرمة الأكل وإن كان الأحوط الاجتناب عنها.
الثالث من النجاسات المني من كل حيوان له نفس سائلة سواء أكان محلل الأكل أم
محرمة بريا كان أم بحريا وعمدة مستند هذا الحكم هو الاجماع - كما ادعاه غير واحد - وإلا
فالأخبار قاصرة عن إفادة التعميم فلنذكر بعضها.
فمنها رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المني يصيب الثوب
قال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك مكانه فاغسله كله (3).
ومنها موثقة سماعة قال: سألته عن المني يصيب الثوب قال: اغسل الثوب كله إذا خفي
عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا (4).
ومنها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه شئ
فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه شئ ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وإن استيقن
أنه قد أصابه ولم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن (5).
ومنها رواية زرارة أو صحيحته قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من
غسله فقال: نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافة فلا بأس (6) وهذه
الروايات وإن كانت دالة على نجاسة المني إلا أنها لا تدل على نجاسة من كل حيوان له نفس
سائلة فإن ظاهرها كغيرها هو نجاسة مني الانسان.
نعم يمكن استفادة العموم من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة
فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 26 - 27
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 26 - 27
(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 5 - 8.
(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 5 - 8.
(5) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 5 - 8.
(6) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 5 - 8.
267

وكذلك البول (1).
وصحيحته الأخرى عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن المذي يصيب الثوب
فقال: ينضحه بالماء إن شاء وقال في المني يصيب الثوب: فإن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي
عليك فاغسله كله (2).
ولكن هاتان الروايتان وإن كان المني فيهما مطلقا إلا أن المتعارف من إصابة المني لثوب
الانسان كون المني منه لا من غيره من سائر الحيوان فالمني فيهما منصرف إلى مني الانسان إلا أن
يقال: إنه لا ضير فيه بعد انعقاد الاجماع على نجاسة المني من كل حيوان له نفس سائلة.
الرابع من النجاسات الميتة
من كل حيوان له نفس سائلة سواء أكان بريا أم بحريا صغيرا أم كبيرا مأكول اللحم
أم غيره ويدل على نجاستها بعد الاجماع على ما ادعاه غير واحد أخبار متظافرة بل نجاستها في
الجملة من ضروريات المسلمين فما عن صاحب المدارك من التشكيك في نجاستها بأنه ليس في
الأخبار ما يدل صريحا على النجاسة لأنه ليس في الأخبار إلا الأمر بغسل اليد عند ملاقاتها
أو الأمر بالاجتناب عن الوضوء أو الشرب مما لاقاها أو النهي عن الصلاة فيه وكل ذلك لا يدل
على النجاسة لجواز أن يكون مصاحبة ما لاقى الميتة ممنوعة في الصلاة لغير جهة النجاسة
كمصاحبة غير مأكول اللحم فيها فإنها غير جائزة وإن كان غير مأكول اللحم طاهرا.
ولامكان أن يكون الملاقي للميتة مما له ضرر بدني فلا تدل هذه الروايات صريحا على
النجاسة مضافا إلى أن الصدوق قده يجوز الانتفاع بجلود الميتة كما يظهر ذلك من نقله ره بعض
الأخبار الدالة على جواز الانتقاع بجلود الميتة كما ستجئ تلك الأخبار انشاء الله مع ما شرط ره
على نفسه في أول الكتاب من أن ما ينقله فيه هو ما يفتي به ويكون حجة فيما بينه وبين ربه
فالاجماع على نجاسة الميتة مع مخالفة الصدوق قده - غير محقق الوقوع والأخبار غير صريحة في
النجاسة فالمسألة قوية الاشكال.
ولكن لا يخفى عليك أن الأخبار كما سنذكر بعضها يظهر من جميعها أن الأمر بغسل اليد
أو الأمر بالقاء ما أصابها أو النهي عن الوضوء أو الشرب مما باشرها يستفاد منها النجاسة
بحسب المتفاهم العرفي مضافا إلى أن بعض الأخبار تستفاد منها النجاسة صريحا كمرسلة

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 1.
268

السرائر عن النبي صلى الله عليه وآله المتفق على روايتها قال: خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ
إلا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته (1) (كذا في المسودة بخط الحقير نقلا عن الأستاذ دام علاه
ولا أعلم وجه دلالة هذه الرواية على نجاسة الميتة).
ونقل الصدوق لتلك الروايات الدالة على طهارة جلود الميتة لا يدل على كونه ره مخالفا
في هذه المسألة لأن الصدوق قده لم يعمل على ما بناه في أول الكتاب لايراده الأخبار المتعارضة
فيه كما هو واضح على من راجع الكتاب فلم تتحقق مخالفة صريحة للاجماع من الصدوق قده
ولنورد أولا الأخبار الدالة على النجاسة ثم نتبعها بالأخبار الدالة على طهارة جلود الميتة فنقول
ومن الله الاستعانة.
ومن الأخبار موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمر
بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت قال: إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب (2).
ومنها رواية حريز عمن أخبره عنه عليه السلام قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة
فتوضأ منه واشرب وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب (3).
ومنها رواية أبي خالد القماط أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: في الماء يمر به
الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان الماء قد تغير ريحه
أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه وإن لم يتغير ريحه وطعمه فاشرب وتوضأ (4).
ومنها رواية عمار أو إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل الذي يجد
في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا وغسل منه ثيابه واغتسل منه وقد كانت الفأرة
متسلخة فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد
ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة
وإن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى
سقطت فيه ثم قال: لعله أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها (5).
ومنها رواية السكوني عنه عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سئل عن

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9 - 1 - 3
(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9 - 1 - 3
(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9 - 1 - 3
(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 4
(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 1.
269

قدر طبخت فإذا في القدر فأرة قال: يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل (1).
ومنها رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال أتاه رجل فقال: له: وقعت فأرة في خابية
فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال: له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله فقال له الرجل:
الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنك لم
تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك إن الله حرم الميتة من كل شئ (2) إلى غير ذلك من
الأخبار.
وهذه الأخبار وغيرها من الأخبار الكثيرة كالنص في النجاسة وإن لم تشتمل على لفظ
النجاسة وعلى فرض دلالة الأخبار الآتية على طهارة جلود الميتة أو المدعى دلالتها فلا تدل على
طهارة نفس الميتة لعدم الملازمة بين طهارة جلودها وطهارتها.
والأخبار الدالة على طهارة جلودها كثيرة مستفيضة ولكن اشترط في بعضها الدباغ
فلنذكر بعضها.
منها رواية الفقيه قال: سئل الصادق عليه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء
والسمن ما ترى فيه فقال: لا بأس وأن تجعل فيها ما شئت من لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب منه
ولكن لا تصل فيها (3).
ومنها رواية الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب
فيه اللبن أو الماء فأشرب منه وأتوضأ قال: نعم وقال: يدبغ فينتفع به ولا يصلى فيه الخبر (4).
ومنها مكاتبة أبي القاسم الصيقل وولده قال: كتبوا إلى الرجل عليه السلام جعلنا الله
فداك إنا قوم نعمل السيوف وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ونحن مضطرون إليها وإنما علاجنا
من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها
وشرائها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا
إليها فكتب عليه السلام: اجعل ثوبا للصلاة وكتبت إليه. جعلت فداك وقوائم السيف التي

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب الحياة الحديث 1
(2) لم أظفر بها في مظانها لكنها منقولة في مكاسب الشيخ الأنصاري
(3) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 11
(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 2.
270

تسمى السفن اتخذها من جلود السمك فهل يجوز لي العمل بها ولسنا نأكل لحومها فكتب عليه السلام
لا بأس (1)
حيث إنه عليه السلام لم يتعرض لغير عدم جواز الصلاة فيها فيظهر من هذه الرواية
طهارة جلود الميتة وعدم وجوب غسل اليد إذا لاقتها مع الرطوبة مع أنه أيضا من المسائل التي
سأل السائل عنها وكان عليه السلام بصدد الجواب وفي مقام البيان ومن البعيد جدا حملها على
ما إذا لاقتها مع غير الرطوبة خصوصا في المناطق الحارة وخصوصا في الصيف مع أن عدم
التفصيل بين ملاقاتها بالرطوبة وبين ملاقاتها بدون الرطوبة دليل على العموم.
ومنها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقع
ثوبه على حمار ميت هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله قال: ليس عليه غسله وليصل فيه
ولا بأس (2) ولكن يمكن حمل هذه الرواية على ما إذا كانت الملاقاة بغير الرطوبة.
وأما الروايات المتقدمة فلا يمكن العمل بمضمونها لكونها مخالفة لضرورة المذهب من
نجاسة جميع أجزاء الميتة عدا ما استثنى منها من الشعر والوبر والصوف والعظم ونحو ذلك مضافا
إلى معارضتها للروايات الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب الصريحة في نجاسة جلود الميتة.
منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟
فقال: لا ولو دبغ سبعين مرة (3).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفراء قال:
كان علي بن الحسين عليه السلام رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز لأن دباغها بالفرط وكان
يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص
(الذي تحته) الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة
ويزعمون أن دباغه ذكاؤه (4) والظاهر أن نزعه عليه السلام للفرو قبل الصلاة إنما كان لأجل نجاستها
كما يشهد لذلك نزعه للقميص الذي تحته.

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 8
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 9
(3) جامع الأحاديث الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث 1
(4) جامع الأحاديث الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث 8.
271

ومنها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أدخل
سوق المسلمين - أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول
لصاحبها: أليس هي ذكية فيقول: بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية.
فقال: لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية
قلت: وما أفسد ذلك قال: استحلال أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته إلا أن
تقول: قد قيل لي: إنها ذكية الخبر (1).
والأخبار بهذا المضمون كثيرة فلا بد من حمل تلك الأخبار على التقية لموافقتها لمذهب
العامة هذا كله في الميتة غير الانسان وأما الانسان فعن المحدث القاساني القول بعدم نجاسته
وقيل بنجاسته لكن لا يكون منجسا ولو مع الرطوبة المسرية وقيل بنجاسته ولو مع عدم الرطوبة
المسرية وما أبعد ما بين هذا القول وبين القول الأول فإنهما على طرفي النقيض وقيل بنجاسته و
منجسيته مع الرطوبة المسرية دون ما إذا لاقى شيئا بلا رطوبة وهذا القول هو الأقوى.
أما وجه القول الأول فبأن تحمل الروايات الدالة بظاهرها على النجاسة كما
سنذكرها على النجاسة الباطنية كقذارة الجنب فإن قذارته بالغسل ويحتمل أن
تكون نجاسة الكفار أيضا كذلك إذ من المستبعد ارتفاع النجاسة عنهم بالتفوه بكلمة الشهادتين.
وأما القول الثاني فلا وجه له ظاهرا ولا يساعده ظاهر الأدلة بل ظاهرها بل صريحها على
خلافه حيث إنهم عليهم السلام أمروا بغسل الشئ الملاقي للميت كما سيجيئ.
وأما وجه القول الثالث فلظاهر الروايات المطلقة الآمرة بغسل ما أصاب الميت
فلنذكر بعضها
منها رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه جسد
الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب (2).
ومنها رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقع طرف ثوبه على
جسد الميت قال: إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وإن كان لم يغسل الميت
فاغسل ما أصاب ثوبك منه (3)

(1) جامع الأحاديث الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 10
(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 1
(3) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 2.
272

ومنها رواية الاحتجاج عن مولانا صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه مما سأله محمد
بن عبد الله الحميري إلى أن قال: روى لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم
بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال عليه السلام: يؤخر ويتقدم بعضهم
ويتم صلاتهم ويغتسل من خلفه التوقيع ليس على من نحاه إلا غسل اليد (1)
ومنها توقيعه الآخر (وكأنه من تتمة التوقيع الأول) قال: روى عن العالم عليه السلام
أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل وهذا الإمام في هذه الحالة
لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل
التوقيع إذا مسه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده (2).
وأما وجه القول الرابع الذي اخترناه فبأن يقال إن هذه الروايات وإن كان لها اطلاق
إلا أنه لا بد من تقييدها بموثقة عبد الله بن بكير كل يابس زكي.
ويؤيد ذلك ما في سائر النجاسات من عدم تنجس ما لاقاها من دون رطوبة مسرية.
كما هو اجماعي في سائر النجاسات مضافا إلى عدم صدق إصابة الميت بملاقاته من دون
الرطوبة فإن الظاهر من لفظ الإصابة تأثر الممسوح من الماسح فلذا لا يصدق الإصابة فيما إذا مسه
من وراء الثوب إلا بالمسامحة والتجوز.
ثم إنه يجب غسل اليد فقط من دون غسل مس الميت إذا مسه بحرارته أي من قبل أن
يبرد فإذا برد وجب عليه غسل مس الميت أيضا.
وتدل عليه مضافا إلى التوقيع المتقدم رواية الصفار قال: كتبت إليه: رجل
أصاب يده (يديه) أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يديه
أو بدنه فوقع عليه السلام: إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل (3).
بناء على قراءة الغسل بفتح العين ليطابق الجواب السؤال ولا بد من تقييده ح بالتوقيع المتقدم من
أن المس كان بعد برده ثم إنه لا فرق في الميتة بين أن تكون أجزائها متصلة أو منفصلة في كونها
نجسة لعدم الفرق بنظر العرف بين حال الاتصال والانفصال فكما أنه إذا قيل: بأن الكلب نجس

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب مس الميت الحديث 18
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل الميت الحديث 18
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب مس الميت الحديث 9.
273

أو الخنزير نجس لا يتأمل أحد في الأجزاء المبانة منها بأنها نجسة وإن لم يصدق على تلك الأجزاء
بأنها كلب أو خنزير فكذا فيما نحن فيه.
فما يقال بعدم صدق الميتة على الأجزاء المنفصلة والمفروض أن الحكم دائر مدار صدق
الموضوع لا ينبغي الاصغاء إليه.
هذا بالنسبة إلى الأجزاء المبانة من الميتة وأما الأجزاء المبانة من الحي فإنها وإن لم
تصدق عليها الميتة إلا أن الأخبار الكثيرة قد نزلتها منزلة الميتة
فمنها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أخذت الحبالة فانقطع
منه شئ فهو ميتة (1).
ومنها رواية زرارة عن أحدهما (أبي جعفر خ ل) عليه السلام قال: ما أخذت الحبائل
فقطعت منه شيئا فهو ميت وما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه (2).
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في أليات الضأن تقطع وهي
أحياء: إنها ميتة (3).
ومنها رواية الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن قطع أليات
الغنم فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ثم قال: إن في كتاب علي عليه السلام إن
ما قطع منها ميت لا ينتفع به (4).
ومنها رواية الحسن بن علي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك إن
أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال: هي حرام قلت: فنصطبح بها قال: أما
تعلم أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام (5) إلى غير ذلك من الأخبار.
والظاهر أن المراد أن الأليات المبانة من الحي ميتة حقيقة فهي توسيع للميتة يعني أن
الأفراد الخفية عند العرف قد جعلها الشارع ميتة لا أنها بمنزلة الميتة حتى يقال: إنه لا يلزم منه
ترتيب جميع آثار المنزل عليه على المنزل ومنها النجاسة فيمكن أن تكون الأجزاء المبانة من الحي
بمنزلة الميتة في الحرمة فقط دون النجاسة وذلك لما ذكرناه من أن الظاهر أنه جعلها من أفراد الميتة

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الصيد الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب الصيد الحديث 3 - 4
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 3
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1 - 2.
274

لا أنها بمنزلة الميتة كما لا يخفى على من تدبر في الأخبار حق التدبر.
ويزيدك وضوحا رواية الحسن بن علي المتقدمة آنفا لأن من المعلوم أن إصابة الميتة
لليد والثوب ليس بحرام ذاتا فلا بد من أن تكون من جهة النجاسة فهذه الرواية كالصريحة بأن
اطلاق الميتة على الأجزاء ليس من باب التنزيل وعلى فرض التنزيل فالتنزيل باعتبار النجاسة.
ثم إنه استثنى من الميتة أمور الأول فأرة المسك فقد استثناها كثير من الفقهاء وقال
بعضهم بنجاستها ولكن المشهور طهارة ما فيها من المسك بل ادعي الاجماع على طهارة المسك
في الجملة.
ولكن ذكر شيخنا الأنصاري قده أن الطاهر من المسك هو بعض أقسامه لا جميعها ثم
نقل عن التحفة له أقساما أربعة الأول ما تقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير فينجمد على
الأحجار وهو المسك التركي الثاني ما يكون لونه أخضر وهو المسمى بالهندي وهو المأخوذ من دم
الظبي المخلوط بروثه وكبده الثالث دم مجتمع في سرة الظبي بعد صيده يحصل من شق موضع الفأرة
وتغميز أطراف السرة حتى يجتمع الدم فيجمد ولونه أسود.
الرابع مسك الفأرة وهو دم يجتمع في أطراف سرته ثم يعرض للموضع حكة يسقط بسببها
الدم مع جلدة هي وعاء له أما القسم الأول والثاني فلا اشكال في نجاستهما إلا إذا حصلت
الاستحالة المانعة من اطلاق اسم الدم عليهما وأما القسم الثالث فهو طاهر مع تذكية الظبي
ونجس مع عدم تذكيته أما طهارته مع تذكيته فلأنه معدوم من الدم المتخلف في الذبيحة وأما
نجاسته مع عدم التذكية فهي مبتنية على عدم حصول الاستحالة ومع حصولها فهو أيضا طاهر.
وأما القسم الرابع فبأن يقال: إن العمومات وإن اقتضت نجاسته لأنه دم من ذي النفس إلا أن الاجماع دل على طهارته إما بخروجه عن صدق اطلاق الدم عليه بواسطة
الاستحالة أو بدعوى تخصيص العمومات بهذا الدم بواسطة الاجماع والأخبار انتهى كلامه قده
ملخصا مع تغيير ما.
أقول: لا وجه لهذا التفصيل بعد حصول الاستحالة فإنه إذا قيل بطهارة المسك في القسم
الرابع بواسطة الاستحالة وتبديل صورة الدم بصورة مايع طاهر فلا فرق بين أقسامها نعم في القسم
الثاني منها لا تحصل الطهارة له لأنه صار متنجسا بملاقاة الروث والكبد للدم فلا تتحقق الطهارة
له بالاستحالة نعم إذا احتراق وتبدلت صورته النوعية بحيث صار رمادا يطهر ح.
275

وأما إذا لم تتحقق الاستحالة ولكن قلنا بتخصيص العمومات الدالة على نجاسة الدم
هنا إما بالاجماع أو بالأخبار بأن يقال: إن المسك الموجود في الفأرة وإن كان دما وبقي على حاله
من الدمية إلا أن الاجماع أو الأخبار دال على طهارته فلا فرق أيضا بين الأقسام إلا القسم الثاني.
إلا أن يقال: إن الاجماع أو الأخبار منزل على ما هو المتعارف في ذلك الزمان وهو القسم
الرابع.
وأما سائر الأقسام فهي أقسام نادرة لا يمكن حمل الأخبار عليها ولكن اثبات ذلك
مشكل.
والذي ينبغي أن يقال: وهو الأوفق بالاحتياط أنه إذا علم بأنه المسك هو الدم
المنجمد فاللازم هو الاجتناب عنه لعدم العلم بتخصيص العمومات الدالة على نجاسة الدم من
ذي النفس واحتمال أن يكون المسك في زمانهم عليهم السلام هو غير هذا المسك وأنه كان
مستحيلا إلى مايع طاهر.
إلا أن يدعى العلم باتحاد المسك الموجود في زمانهم عليهم السلام مع زماننا وادعى العلم
أيضا بخروج هذا القسم من الدم. من نجاسة مطلق الدم بواسطة الاجماع والأخبار وإن علم
بعدم تحقق الاستحالة والحاصل عدم تحقق العلم بتخصيص العمومات الدالة على نجاسته مطلق
الدم من ذي النفس فلا بد من حمل الأخبار الدالة على طهارة المسك الموجود في فأرة الظبي على
المتيقن وهو ما إذا حصلت الاستحالة للدم هذا كله بالنسبة إلى المسك الموجود في الفأرة.
وأما نفس الفأرة وهي الجلدة فعن العلامة في التذكرة والنهاية وكذا عن الشهيد في
الذكرى القطع باستثنائها من القطعة المبانة من الحي لأنك قد عرفت فيما تقدم نجاسة القطعة
المبانة من الحي.
وعن المنتهى وكشف الاشتباه اشتراط طهارتها بكونها مبانة عن الحي أو المذكى وعن
المنتهى التصريح بنجاسة المبانة عن الميتة.
ويمكن أن يكون الوجه في استثنائها من القطعة المبانة من الحي أنها في حكم الشئ
المنفصل عن الحي خصوصا بناء على ما نشترط فيها من أن الحكم بطهارتها لا بد من أن يكون
أو إن انفصالها دون ما إذا لم تكن كذلك فإنها ح أي حين ما إذا كانت أو إن انفصالها تصير
كالبيضة لا تعد من القطعة المبانة عن الحي فيشملها ح قوله عليه السلام: كل شئ ينفصل
276

عن الشاة والدابة فهو ذكي وتصير كالأنفحة واللبن للميتة الذين وقع في الأخبار التصريح
باستثنائهما عن الميتة ولكن عن كشف اللثام القول بنجاسة الفأرة مطلقا أي سواء انفصلت عن
الحي أو الميتة وأشترط في طهارتها انفصالها عن المذكى واستغرب تفصيل العلامة قده بين ما
إذا كانت مبانة عن الحي وما كانت مبانة عن الميتة قال: لا أعرف له وجها انتهى ولكن يمكن
أن يكون وجه التفصيل هو قصور الأدلة الدالة على نجاسة القطعة المبانة عن الحي - عن الفأرة
فإنها بعد ما تعد وعاءا للمسك الموجود فيها تعد من فضول البدن كسائر الأشياء المنفصلة عن الحي
كالروث والريق ونحو ذلك فتنصرف عنها الأدلة.
وأما المبانة عن الميتة فحيث إن الفأرة أي نفس الجلدة - مما تحل فيه الروح - فلا بد
من الحكم بنجاستها.
أقول: بناء على ما اشترطناه من اعتبار كونها في أوان القطع لا فرق بين ما إذا كانت
مبانة عن الحي أو المذكى أو عن الميت فإنها إذا كانت كذلك أي في أوان انفصالها لا تعد من
الأجزاء التي تحلها الحياة فتصير من الأجزاء التي لا تحلها الحياة المحكوم في الأخبار بطهارتها.
والدليل على هذا الاطلاق اطلاق بعض الأخبار مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه
صلوات الله عليه قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهي في جيبه أو ثيابه قال:
لا بأس بذلك (1) فإنه ليس فيها تفصيل بين المبانة عن الميتة والمبانة عن المذكى أو عن الحي مع
أن من المعلوم عدم جواز حمل الميتة في الصلاة اللهم إلا أن يقال: إن المتعارف كان في ذلك
الزمان ما إذا انفصلت عن الحي أو المذكى فتحمل الرواية على المتعارف هذا ما ذكره الأستاذ
دام علاه.
ولكن تعارض اطلاق صحيحة علي بن جعفر مكاتبة عبد الله بن جعفر الحميري في
الصحيح كما في الجواهر - قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: هل يجوز للرجل أن يصلي
ومعه فأرة مسك فكتب: لا بأس به إذا كان ذكيا (2) فهذا الرواية تقيد اطلاق تلك الرواية
بالذكي فلا تشمل المبانة عن الميتة بل المبانة عن الحي أيضا ولكن عمدة مستند الاطلاق هو
خروج الروح بعد ما صار أو إن انفصالها فلا تكون مما تحله الحياة والله العالم.

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب لباس المصلي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب لباس المصلي الحديث 2.
277

الثاني مما استثني من الميتة اللبن وقد ذكر في كثير من الأخبار التي استثنى فيها
ما لا تحله الحياة كما سيئاتي والظاهر أن الأكثر على نجاسة نفس الضرع ومع ذلك فقد حكم
بطهارة ما فيه من اللبن والحاصل أن الحكم بطهارة اللبن من الميتة مما أثبتته الأخبار وأفتى به أكثر
علمائنا الأخيار ولازمه إما الحكم بطهارة الضرع أيضا ولكن لم أقف فيه على قائل وإما الحكم
بعدم تنجس ما لاقى النجس وتخصيص العمومات الدالة على نجاسة ماقي النجس فإن
تلك العمومات ليس من الأمور العقلية غير قابلة للتخصيص فإنها قد خصصت بماء الاستنجاء
الذي أثبت الشرع طهارته فليكن المورد من موارد التخصيص لتلك العمومات فإنه وردت فيه
أخبار صحيحة صريحة وعمل الأصحاب بمضمونها فلا وجه للترديد في طهارة اللبن بواسطة
ملاقاته للضرع المحكوم بنجاسته لأنه مما تحله الحياة.
وربما حمل بعضهم تلك الأخبار - أي أخبار طهارة اللبن على طهارته ذاتا وإن كان
ينجس بملاقاته للميتة وهو الضرع ولكن هذا الحمل حمل بعيد غير متبادر عرفا من الأخبار بل
المتبادر من الأخبار هو طهارته بعد خروجه من الضرع ولنذكر رواية واحدة من الأخبار وهي
صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الإنفحة تخرج من بطن الجدي الميت
قال: لا بأس به قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال: لا بأس به الخبر (1) فإنه يظهر
منها أن السؤال إنما هو عن اللبن الخارج من ضرع الشاة الميتة لا اللبن الموجود فيه من دون النظر إلى
خروجه فإنه غير محل للابتلاء حتى يتعلق به السؤال كما لا يخفى.
الثالث من المستثنى من الميتة الإنفحة وقد ذكرت في كثير من الأخبار واستثنائها
أيضا مما لا خلاف فيه وهل هي نفس الشئ الأصفر المستحيل إليه اللبن أو هو مع وعائه الذي
هو بمنزلة الكرش للحيوان فإنه نقل عن بعض اللغويين في تفسيرها أنها كرش الحمل والجدي ما
لم يأكل أي ما دام رضيعا فإذا أكل يسمى كرشا ويظهر من بعض آخر أنه شئ أصفر
يستحيل إليه اللبن الذي يشربه الرضيع وكيف كان فلا اشكال في المظروف.
وأما الظرف فإن قلنا: بأنه يستفاد من الأخبار كونها نفس الظرف أو هو مع مظروفه أو
قلنا بأنه يلزم من طهارة المظروف طهارة الظرف أيضا لعدم امكان طهارة الملاقي للنجس
إلا بدون الرطوبة المسرية فلا بد من الحكم بطهارة الظرف أيضا.

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 9.
278

وأما إذا قلنا: بأن الإنفحة هي نفس المايع الموجود في الظرف وهو الذي كان محلا
للابتلاء وهو الذي يستعملونه لصناعة الجبن ويقال له بالفارسية (پنيرمايه) وأما الظرف فليس
موردا للحاجة فاللازم هو الحكم بطهارته فقط وأما ملاقاته للميتة - أعني الظرف فيمكن أن
يكون من الموارد المخصصة للعمومات الدالة على أن ملاقي النجس نجس كما مر في بحث اللبن
والقدر المتيقن هو طهارة نفس المايع وأما الظرف المشتمل عليه فلا يعلم استثنائه من الميتة
فمقتضى القاعدة نجاسته.
الرابع من الأشياء المستثناة من الميتة ما لا تحله الحياة كالصوف والشعر والوبر والسن
والظفر والناب والحافر وكذا العظم والبيض والدليل على استثنائها أخبار كثيرة.
منها صحيحة زرارة المتقدمة آنفا ومنها حسنة حريز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام
لزرارة ومحمد بن مسلم: اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل
شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وأن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه (1).
ومنها رواية الحسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وأبي يسأله عن
السن من الميتة والإنفحة من الميتة واللبن من الميتة والبيضة من الميتة فقال: كل هذا ذكي
الخبر (2) ومنها مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام قال: عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن
والحافر والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض (3) إلى غير ذلك من
الأخبار.
الخامس من النجاسات الدم من كل حيوان له نفس سايلة وهو اجماعي بل ادعى
ضرورة المسلمين على نجاسة الدم في الجملة.
واستدل لنجاسته بالأدلة الثلاثة الأول الآية أي قوله تعالى: إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس (4) الآية وهذا الاستدلال مبني أولا على أن المراد بالرجس
النجاسة وأما إذا كان المراد به القذارة فلا دلالة فيها على النجاسة وثانيا مبني على رجوع
الضمير أعني قوله تعالى فإنه رجس إلى الثلاثة أي الميتة والدم ولحم الخنزير ومن المحتمل

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 1
(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 1
(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 7
(4) سورة الأنعام الآية 145.
279

رجوع إلى الأخير فقط ومع هذين الاحتمالين لا يمكن الاستدلال بالآية.
الثاني الاجماع على نجاسة الدم ولكن لا يمكن التمسك بالاجماع لاثبات نجاسة الدم
المشكوك النجاسة مثلا إذا شك في الدم الذي هو أقل من الدرهم فلا يمكن التمسك بالاجماع
لاثبات نجاسته فإن الاجماع ليس له اطلاق يتمسك به في الموارد المشكوكة لأن الاجماع دليل لبي
لا اطلاق له.
الثالث الأخبار الخاصة الواردة في موارد خاصة فإنه ليس في الأخبار ما يصرح بنجاسة
الدم ولكن يستفاد من جميع الأسئلة التي سألوها من الأئمة عليهم السلام ومن جميع الأجوبة التي
صدرت منهم عليهم السلام أن نجاسة الدم كانت مفروغا عنها بين الأصحاب وبين الأئمة
عليهم السلام فلنذكر بعض الأخبار.
فمنها صحيحة زرارة قال قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني فعلمت
أثره إلى أن أصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني
ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة وتغسله قلت: فإني لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد
أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته فلا تغسله وتعيد الصلاة قلت فإن ظننت أنه قد
أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فلما صليت وجدته قال: تغسله ولا تعيد
الصلاة (1).
ومنها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم
فينسى أن يغسله حتى يصلي قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة
لنسيانه (2)
ومنها صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فيصلي فيه
وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فعليه الإعادة (3)
ومنها رواية الدعائم عن أبي جعفر عليه السلام وكذا عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما
قالا في الدم يصيب الثوب يغسل كما تغسل النجاسات (4) وهذه الرواية كادت تكون صريحة في

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5
(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 وباب 24 الحديث 8 وباب 28 من
أبواب النجاسات الحديث 4
(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 وباب 24 الحديث 8 وباب 28 من
أبواب النجاسات الحديث 4
(4) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 1.
280

نجاسة الدم إلا أنها مرسلة.
ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الدم يكون في
الثوب: إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر قد رآه ولم يغسله حتى
صلى فليعد صلاته (1) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على نجاسة الدم.
ثم إنه قيل: يستفاد من هذه الروايات الاطلاق بمعنى أن مطلق الدم نجس إلا ما أخرجه
الدليل كالدم المتخلف في الذبيحة ودم ما لا نفس له فإن قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان
المتقدمة: إن أصاب ثوب الرجل الدم مطلق يشمل جميع الدماء والدم المتخلف في الذبيحة
والدم غير ذي النفس السايلة خارجان عن هذا الاطلاق وكذا الاطلاق في صحيحة إسماعيل
ابن جابر المتقدمة حيث إن قوله عليه السلام: في الدم يكون في الثوب الخ فيه اطلاق.
وأوضح الروايات المطلقة موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عما يشرب
منه الحمامة فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب وعما شرب منه باز أو صقر
أو عقاب فقال: كل شئ من الطير (من الطيور) يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره
دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب منه (2)
فإن لفظ دما مطلق خصوصا بعد ملاحظة أنه جعله موضوعا للحكم بقوله: فإن رأيت
في منقاره دما الخ فإن الحكم لا بد من أن يكون موضوعه مبينا فح يمكن تأسيس أصل في الدماء
بأن الأصل في الدماء النجاسة إلا ما دل الدليل على طهارته فكل مورد شك في نجاسة دم في أنه من
القسم الطاهر أو من القسم الثاني كقليل الدم الذي لا يبلغه الطرف كما عن الشيخ الحكم
بطهارته أو كالدم الأقل من الدرهم الذي حكم ابن الجنيد والصدوق على ما حكي
عنهما بطهارته أو الدم المشكوك بأنه من المتخلف في الذبيحة أو غيره أو الدم المشكوك بأنه من
الانسان أو من البعوض يمكن اجراء أصالة النجاسة فيه بمقتضى اطلاق هذه الروايات التي
استفيد منها أن كل دم نجس إلا ما أخرجه الدليل إلا أن يقال: إن المذكورة لا يمكن التمسك
بالعام لنجاستها ولا بالمخصص لطهارتها لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فالمرجع فيها هو
أصالة الطهارة.

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 والباب 24 الحديث 8 وباب 28 من أبواب
النجاسات الحديث 4
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 1.
281

ولكن يمكن أن يقال: إن هذه الأخبار وإن كانت مطلقة بحسب الظاهر إلا
أنه يحتمل قويا كون المراد بالدم فيها هو الدم المعروف والمعهود عند السامع أي الدم النجس.
ولا يقال في الرواية الأخيرة: إن الدم فيها نكرة وهي في سياق النفي مفيدة
للعموم لأنا نقول: إن الرواية الأخيرة وإن لم يمكن إرادة العهد فيها لأن الدم فيها نكرة إلا أن
المتيقن ليس كل دم فيها بل المراد هو الدم النجس قطعا فهو بمنزلة الإشارة إلى الدم المعهود لأن
الدم النجس كان معهودا عند الأصحاب فح لا يمكن تأسيس أصل للرجوع إليه في موارد
الشك.
السادس والسابع:
الكلب والخنزير البريان ونجاستها وكذا نجاسة جميع فضولها اجماعية وتدل على
ذلك روايات كثيرة.
منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من الكلب
يصيب شيئا من جسد الرجل قال: يغسل المكان الذي أصابه (1).
ومنها صحيحة الفضل أبي العباس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أصاب
ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فصب عليه الماء الحديث (2).
ومنها مرسلة حريز عنه عليه السلام قال: إذا مس ثوبك الكلب فإن كان يابسا
فانضحه وإن كان رطبا فاغسله (3).
ومنها رواية معاوية بن شريح عنه عليه السلام في حديث أنه سئل عن سؤر الكلب
يشرب منه أو يتوضأ قال: لا قلت: أليس هو سبع قال: لا والله إنه نجس لا والله إنه نجس (4)

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 4 - والباب 6 من أبواب الأسئار
الحديث 2.
(2) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 4 - والباب 6 من أبواب الأسئار
الحديث 2.
(3) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 4 - والباب 6 من أبواب الأسئار
الحديث 2.
(4) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 - 4 - والباب 6 من أبواب الأسئار
الحديث 2.
282

إلى غير ذلك من الأخبار في نجاسة الكلب.
وأما نجاسة الخنزير فيدل عليها أيضا روايات كثيرة منها صحيحة علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فيذكر و
هو في صلاته كيف يصنع به قال: إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في
صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله قال: وسألته عن خنزير
شرب من إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرات (1).
قوله عليه السلام: فليمض يمكن حمله على ما إذا لاقاه بلا رطوبة سارية بقرينة قوله عليه السلام:
إلا أن يكون فيه أثر بأن يحمل الأثر على ما إذا تأثر الملاقي بالكسر بملاقاته للخنزير بأن كان
مع الرطوبة
ومنها رواية سليمان الإسكاف قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شعر
الخنزير يخزز به قال: لا بأس بدو لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي (2).
ومنها رواية خير إن الخادم قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب
يصيبه الخمر أو الخنزير أيصلى فيها أم لا فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فكتب عليه السلام لا تصل فيه
فإنه رجس (3).
فما يظهر من بعض الروايات من الحكم بطهارته كرواية زرارة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من
ذلك الماء؟ قال: لا بأس به (4) وروايته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به قال: لا بأس به (5) لا بد من حمله على بعض المحامل بأن
يقال: إن لا ملازمة بين نجاسة الحبل ونجاسة الماء لامكان عدم حصول الملاقاة، هذا بالنسبة
إلى الرواية الأولى وأما الرواية الثانية فعن الشيخ قده أنه حملها على ما إذا كان الاستقاء
للدواب أو البساتين.

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 11 الحديث 12 والباب 17
الحديث 3 والباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.
(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 11 الحديث 12 والباب 17
الحديث 3 والباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.
(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 11 الحديث 12 والباب 17
الحديث 3 والباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.
(4) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 11 الحديث 12 والباب 17
الحديث 3 والباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث 2.
283

وكيف كان فهذان الخبران وغيرهما مما ظاهره طهارة الخنزير لا تكافئ الروايات
الصحيحة الصريحة في النجاسة المعمول بها بين الأصحاب.
(الثامن:)
الخمر وكل مسكر مايع بالأصالة ويدل على نجاستها مضافا إلى دعوى الاجماع
عن غير واحد من الأصحاب أولا الآية المباركة أعني قوله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان (1) بناء على أن المراد بالرجس النجاسة وأما
بناء على أن المراد به الشئ الذي ينبغي أو يجب الاجتناب عنه كما هو الظاهر هنا
بقرينة ذكر الميسر وما بعده بعد ذكر الخمر فلا دلالة للآية على النجاسة.
وثانيا بالأخبار الكثيرة الدالة على نجاستها مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه
فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد صلاتك (2).
ومنها رواية ذكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ
مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة
أو الكلاب واللحم اغسله وكله إلى أن قال: قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال:
فقال: فسد الخبر (3).
ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه
الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون قال: إذا غسل فلا بأس وعن
الإبريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء قال: إذا غسل فلا بأس وقال في قدح
أو إناء يشرب فيه الخمر قال: يغسله ثلاث مرات سئل أيجزيه أن يصب فيه الماء قال:
لا يجزيه حتى يدلكه ويغسله ثلاث مرات (4).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل

(1) سورة المائدة الآية 90
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 9 والباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 9 والباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 9 والباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.
284

الذمة والمجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي
يشربون فيها الخمر (1).
ومنها رواية أبي بصير قال: دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه السلام وأنا
عنده فقالت: جعلت فداك أنه يعتريني قراقر في بطني وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ
بالسويق فقال: ما يمنعك من شربه فقالت: قد قلدتك ديني فقال: فلا تذوقي منه قطرة لا والله
لا آذن لك في قطرة منه فإنما تندمين إذا بلغت نفسك ههنا وأومى بيده إلى حنجرته يقولها
ثلاثا أفهمت فقالت: نعم ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها
ثلاثا (2).
ومنها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دواء عجن بالخمر
فقال: لا والله ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به أنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير
وترون أناسا يتداوون به (3) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة صريحا أو ظاهرا في
نجاسة الخمر.
ولكن تعارض هذه الروايات روايات أخر طاهرة في طهارة الخمر.
فمنها صحيحة ابن أبي سادة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصاب ثوبي
شئ من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال: لا بأس إن الثوب لا يسكر (4).
ومنها موثقة ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب
الثوب قال: لا بأس (5).
ومنها صحيحة علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ
المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه قال: صل فيه إلا أن تقذره فتغسل فيه موضع الأثر إن
الله تبارك وتعالى إنما حرم شربهما (6)
ومنها ما عن الفقيه قال: وسئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام فقيل لهما: إنا نشتري
ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها أنصلي فيها قبل أن نغسلها فقال (فقالا ظ): نعم
لا بأس إنما حرم الله أكله وشربه ولم يحرم لبسه ومسه والصلاة فيه (7).
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه سأل عن الرجل يمر في ماء المطر

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 و 4.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 و 4.
(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 13.
(5) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15 - 19 - 18.
(6) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15 - 19 - 18.
(7) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15 - 19 - 18.
285

وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسل ثوبه قال: لا يغسل ثوبه ولا رجله
ويصلي فيه ولا بأس (1).
ولكن يمكن حمل هذه الأخيرة على ما إذا كان المرور في حال نزول المطر أو ما إذا صبت
فيه الخمر ثم نزل عليه المطر ومنها رواية الواسطي قال: دخلت الجويرية وكانت تحت موسى بن
عيسى على أبي عبد الله عليه السلام وكانت صالحة فقالت: إني أتطيب لزوجي فنجعل في
المشطة التي أتمشط بها الخمر وأجعله في رأسي قال: لا بأس (2).
ومنها رواية: الحسن بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نخالط اليهود
والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصب على ثيابي الخمر
فقال: لا بأس إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره (3) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بظاهرها
على طهارة الخمر وفيها الصحيح والموثق وقد أفتى بمضمونها الصدوق والجعفي والعماني على ما
حكي عنهم قدس سرهم وعن الأردبيلي والمحقق في المعتبر الترديد في نجاستها.
ولكن ادعى اجماع المسلمين من العامة والخاصة على نجاستها إلا من شرذمة قليلة
غير معتد بها.
وحاصل الجواب عن هذه الأخبار أن المشهور القريب من الكل لم يعملوا إلا بأخبار
النجاسة وهذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع وفيها الصحيح والموثق لم يفتوا بمضمونها
وأعرضوا عنها فالعمل بأخبار النجاسة هو المتعين فح لا بد من حمل هذه الأخبار على بعض المحامل
أو رد علمها إلى أهلها وألحق بعض الفقهاء بل المشهور بالخمر العصير العنبي إذا إذا غلا قبل ذهاب
ثلثيه فقال بنجاسته إذا غلا ما ولم يذهب ثلثاه واشترط بعضهم في نجاسته بأنه إذا غلا واشتد والمراد
بالاشتداد إما حصول القوام له أو المراد الشدة المطربة.
وكيف كان فعمدة مستند القائلين بالنجاسة بعد ادعاء الاجماع هو دلالة الأخبار
وأظهرها دلالة موثقة معاوية بن عمار المروية عن التهذيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث وأنا أعلم أنه يشربه على

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 10
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
286

النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف فقال: هو خمر لا تشربه قلت: فرجل من غير أهل
المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث فلا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده نجتجا قد ذهب
ثلثاه وبقي ثلثه نشرب منه قال: نعم (1)
تقريب الاستدلال بها أنه عليه السلام جعله من أفراد الخمر وقال: هو خمر لا تشربه فكما
أن الخمر نجسة فكذا ما هو من أفرادها متثبت نجاستها بهذه الرواية.
ولكن يرد عليه أن وإن كان بمعنى العصير المطبوخ بحسب اللغة كما فسره بعض
اللغويين ذلك وعن ابن الأثير أنه معرب پخته أي الخمر المطبوخ إلا أنه يمكن أن يكون من أقسام
العصير الذي يصير بالطبخ مسكرا لا يذهب سكره إلا بذهاب ثلثيه.
والحاصل أنا لا نعلم أن المراد بالعصير المطبوخ المعبر عنه في الرواية من أي قسم
من أقسام العصير المطبوخ أن يكون من الأقسام التي يحصل فيه الاسكار لا مطلق العصير المطبوخ
مضافا إلى أنه لم يكن كلمة (هو خمر) في الرواية المروية عن الكافي فتحتمل زيادتها في نسخة
التهذيب مع أنه نقل عن بعض التهذيب عدم وجود هذه الزيادة فيها وعلى فرض وجودها يحتمل
أن يكون معناها هو بمنزلة الخمر أي في الحرمة لا في جميع الآثار فإن التنزيل لا يفيد ترتيب جميع
آثار المنزل عليه على المنزل كما هو واضح.
وحاصل الكلام في العصير العنبي أنا لم نجد في جميع الأخبار التي تمسكوا بها لنجاسته
ما يدل صريحا أو ظاهرا على نجاسته بمجرد الغليان وأما حرمته بمجرد الغليان فمما لا اشكال فيه و
يدل عليها مضافا إلى دعوى الاجماع من غير واحد الأخبار الكثيرة.
منها مرسلة محمد بن الهيثم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن العصير
يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه فقال: إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (2).
ومنها حسنة حماد بن عثمان المروية في الكافي عنه عليه السلام قال: لا يحرم العصير
حتى يغلي.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الأشربة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 7 - 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 3 - 4.
287

ومنها مرسلة حماد أيضا المروية في الكافي أيضا عنه عليه السلام قال: سألته عن شرب
العصير فقال: اشرب ما لم يغل فإذا غلا فلا تشربه قال: قلت: جعلت فداك أي شئ الغليان
قال: القلب (1)
ومنها حسنة ابن سنان المروية في الكافي عنه عليه السلام قال: كل عصير أصابته النار
فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (2) إلى غير ذلك من الأخبار بل في بعض الأخبار حصول
الحرمة للعصير بمجرد النشيش وهو ما إذا وقع له صوت ولم يحصل له الغليان بعد بل هو من
مقدمات الغليان القريبة.
وهو موثقة ذريح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا نش العصير أو
غلا حرم (3).
ولكن يرد على ظاهر هذه الرواية أن النشيش إذا كان سببا للحرمة فذكر الغليان يصير
مستدركا لأن النشيش دائما يكون قبل الغليان فإذا نش صار حراما على هذه الرواية فلا تصل
النوبة إلى الغليان.
إلا أن يقال: إن من النشيش والغليان سبب مستقل للحرمة والنشيش
سبب فيما لا يمكن فيه الغليان كما إذا تحقق الغليان من قبل نفسه بأن كان بواسطة حرارة الهواء
فإن هذا المورد لم يتحقق الغليان الحقيقي الذي هو القلب أي جعل أعلاه أسفله كما فسره الإمام عليه السلام في الرواية المتقدمة بذلك.
فالنشيش مختص بما إذا تحقق الغليان من قبل نفسه والغليان بما إذا غلا بالنار.
ثم إنه إذا غلا بالنار أو نش بنفسه فهل يطهر بذهاب ثلثيه بأي نحو اتفق أي ولو كان
بالشمس أو بالهواء أو لا بد من أن يكون ذهاب ثلثيه بخصوص النار قيل بالأول لاطلاق قولهم
عليهم السلام في الروايات: حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ولم يقيدوه بكون ذهاب الثلثين بالنار،
وقيل إنه لا بد من أن يكون ذهاب الثلثين بالنار فقط وهو الأظهر ويستفاد ذلك من
الروايات.
منها حسنة ابن سنان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل عصير أصابته النار
فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 3 - 4.
288

والمراد بإصابة النار اغلاء النار للعصير بقرينة سائر الروايات وظاهر هذه الرواية أن
ذهاب الثلثين أيضا بالنار فإنه إذا قيل في المثل العرفي: إذا غلا الماء بالنار فلا تغسل جسدك به حتى
يذهب ثلثاه يستفاد منه أن ذهاب الثلثين أيضا بالنار كما كان غليانه بالنار أيضا.
ومنها رواية محمد بن الهيثم المتقدمة عنه عليه السلام قال: سألته عنه العصير يطبخ
بالنار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه قال: إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه حتى يذهب
ثلثاه ويبقى ثلثه وهذه أيضا ظاهرة في كون ذهاب ثلثيه بالنار حيث إن المفروض في السؤال أنه
يطبخ بالنار فالجواب منزل على مفروض السؤال فلا اطلاق فيه حتى يتمسك به للعموم.
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام وقد سئل عن الطلاء فقال: إن طبخ حتى يذهب
منه ثلثان ويبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير (1).
ومنها حسنته قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه
ويبقى ثلثه فهو حلال (3) وهاتان الروايتان ليس لهما اطلاق يتمسك به لأن المفروض فيهما
هو الطبخ وهو لا يكون إلا بالنار فذهاب ثلثيه المتفرع على الطبخ لا يكون إلا بالنار ومثل
هذه الروايات سائر روايات الباب التي قيل باطلاقها أو اطلاق بعضها في كون ذهاب الثلثين
بأي نحو اتفق كافيا في حصول الحلية فإنك إذا تأملتها حق التأمل لا تجد فيها اطلاقها يشمل جميع
أنحاء ذهاب الثلثين بأي نحو اتفق.
فإنه إما فرض فيها إصابة النار للعصير أو طبخ العصير وما لم تفرض فيها إحدى الجهتين
فظاهرها أيضا كون ذهاب الثلثين بالنار بل الظاهر من هذه الروايات كون الغليان أيضا
بالنار فليس لها اطلاق يشمل ما إذا غلا بنفسه أو بالشمس فالأحوط احتياطا شديدا كون
الغليان بالنار وذهاب الثلثين أيضا بها وفي غير هذه الصورة لا يعلم بتحقق الحلية فالأحوط
الاجتناب عنه إلى أن يصير خلا هذا كله في العصير العنبي.
وأما العصير الزبيبي والتمري إذا غليا فعدم نجاستهما اجماعي كما ادعاه بعضهم وأما
حرمتها فعن صاحب الحدائق دعوى الاجماع على عدمها ولكن حدث القول بالحرمة في الأعصار المتأخرة وحكي عن الشيخ سليمان البحراني والسيد الجزائري والمولى محمد باقر البهبهاني

(1) لم أظفر بها في مضانها نعم أوردها العلامة الهمداني في طهارته
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1.
289

وغيرهم الحكم بالحرمة وربما يستدل لهم بصحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: كل
عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (1).
وبموثقة عمار عنه عليه السلام أنه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل قال:
خذ ماء التمر فاغسله (فاغله) حتى يذهب ثلثاه (2).
وموثقة الأخرى المروية عن الدروس عنه عليه السلام قال: سألته عن النضوح قال:
يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يتمشطن (3). والظاهر أن النضوح كان طيبا تجعله
النساء في رأسها عند رأسها عند إرادتها التمشط كما يظهر من هذه الرواية
وكذا يستدل برواية عيثمة قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده نساؤه فشم
رائحة النضوح فقال عليه السلام: ما هذا قالوا: نضوح يجعل فيها لضياح قال: فأمر به فأهريق في
البالوعة (4) وبرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الزبيب هل
يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يرفع
فيشرب منه السنة فقال: لا بأس به (5) وبرواية زيد النرسي في أصله قال: سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن الزبيب يدق ويلقى في القدر ثم يصب عليه الماء ويوقد تحته فقال: لا تأكله
حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث فإن النار قد أصابته قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر
قد يصب عليه الماء ثم بطبخ ويصفى عنه الماء فقال: كذلك هو سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء
فصار حلوا بمنزلة العصير ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم وكذلك إذا أصابته النار
فأغلاه (فأغلته ظ) فقد فسد (6).
وكذا يستدل بموثقة عمار بن موسى قال: وصف لي أبو عبد الله عليه السلام المطبوخ
كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال لي عليه السلام: تأخذ ربعا من زبيب وتنقيه ثم تصب عليه
اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليله فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور
سخن قيلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله إذا أصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 والباب 32 الحديث 2. والباب 37 الحديث
1 والباب 31 الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 والباب 32 الحديث 2. والباب 37 الحديث
1 والباب 31 الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 والباب 32 الحديث 2. والباب 37 الحديث
1 والباب 31 الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 والباب 32 الحديث 2. والباب 37 الحديث
1 والباب 31 الحديث 1.
(5) لم نظفر بها في مظانها نعم أوردها العلامة الهمداني في طهارة صفحة 553
(6) المستدرك جلد 3 من أبواب الأشربة المحرمة 1 صفحة 135.
290

ثم تغليه حتى يذهب حلاوته ثم تنزع مائه الآخر فتصبه على الماء الأول ثم تكيله كله فتنظر كم
الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي تريد أن تغليه وتقدره وتجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها
على قدر منتهى الماء ثم تغلي الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه
حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث الحديث (1).
ولكن الانصاف أنه لا دلالة لهذه الروايات على الحرمة أو النجاسة بمجرد الغليان أما
قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان كل عصير أصابته النار الخ فالظاهر منه العصير العنبي
لعدم امكان إرادة الكلية منه لشموله ح لعصر الرمان والبطيخ والتفاح وغيرها وهو واضح الفساد
فلا بد من أن يراد منه العصير العنبي بل ادعى بعض بأن العصير لغة أو عرفا هو العصير العنبي فقط
فلا يقال للعصير الزبيبي.
وأما روايات النضوح فلم يعلم ما المراد منها وأن حرمتها أو نجاستها هل هو لأجل نفس
الغليان بدون وصف الاسكار أو كان الأمر باذهاب الثلثين منه أو الأمر باهراقه في البالوعة لأجل
حصول الاسكار له بمجرد الغليان بدون ذهاب الثلثين منه بواسطة جعل بعض المواد في ماء التمر أو
لأجل فساده واضراره بالبدن بمجرد الغليان بدون ذهاب ثلثيه فلذا أمر باهراقه في البالوعة لأنه
من البعيد عدم علم نسائه بنجاسته قبل ذهاب ثلثيه وكذا عدم علمهن بحرمته فإنه على تقدير
طهارته وحرمته لا مانع من استعماله في غير الشرب وإن كان شربه محرما فيحتمل ما ذكرناه من
كون شربه قبل ذهاب ثلثيه مضرا للبدن.
وأما رواية علي بن جعفر فمع فرض ذهاب الثلثين في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه السلام يحتمل أن يكون ذهاب الثلثين لأجل بقائه سنة كما يظهر من كلام السائل
لا لأجل تحقق الحلية.
وأما رواية زيد النرسي فإنها وإن كانت صريحة في الحرمة إلا أنه لا يصح الاعتماد
عليها لأنها ضعيفة السند بل قيل: إن أصله موضوع ورواية ابن أبي عمير عنه أحيانا لا يجبر ضعف
روايته لامكان روايته أحيانا عن الضعفاء مع أن الرواية التي يرويها ابن عنه يمكن جبرها بنقله
عنه وهذه الرواية لم ينقلها عنه ابن أبي عمير هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله.
(ولكن يمكن أن يقال: إن عمير رض لا يرسل إلا عن ثقة فلذا يعتمد الأصحاب

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
291

على مراسيله و ح ارساله عن زيد النرسي وروايته عنه يكشف عن اعتماده عليه وأنه كان
معتمدا عليه عنده فهذه الرواية وإن لم يروها عنه ابن أبي عمير إلا أن روايته عنه أحيانا يكشف
عن أنه معتمد عليه عنده إلا أن يقال: إن توثيق ابن أبي عمير له وحده غير كاف لأنه عدل واحد
مع أن توثيقه معارض بتضعيف غيره له فح يشكل الاعتماد على هذه الرواية المشتملة على حكم
مخالف للأصل وللروايات الدالة على انحصار المحرم في المسكر)
وأما موثقة عمار فإنها وإن كانت ظاهرة في الحرمة بمجرد الغليان خصوصا قوله كيف
يطبخ حتى يصير حلالا بل يظهر منها حصول الحرمة بمجرد النشيش إلا أن الظاهر بل المعلوم أن
قوله: كيف يطبخ حتى يصير حلالا من كلام السائل لا من كلام الإمام عليه السلام
وأما قوله: فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش فإنه وإن كان من كلام الإمام عليه السلام
إلا أنه يحتمل أن يكون مراده عليه السلام وخشيت أن ينش ويصير بعد ذلك مسكرا أو خشيت أن ينش
ويصير فاسدا بغير السكر أو إذا نش لا يمكن بقائه سنة كما يظهر من آخر الرواية أن هذه
الدستورات بأن يجعل فيه العسل والزنجبيل والزعفران لأجل طول مكثه وبقائه مدة كما يظهر
من رواية علي بن جعفر المتقدمة أن ذهاب الثلثين لأجل بقائه سنة وعلى فرض ظهورها في
الحرمة بواسطة تقرير الإمام عليه السلام له أو بواسطة قوله عليه السلام وخشيت أن ينش فلا بد من رفع
اليد من هذا الظهور بواسطة الأخبار الكثيرة الدالة على أن ماء التمر أو ماء الزبيب لا ينجس
إلا بالاسكار.
فمنها (1) رواية حنان بن سدير قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام: ما
تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك أمرته بشربه فقال: صدق أبو مريم سألني عن
النبيذ فأخبرته أنه حلال ولم يسألني عن المسكر ثم قال إن المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا
ولا غيره الحديث.
ومنها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبد الله
عليه السلام فسأله عن النبيذ فقال: حلال فقال: أصلحك الله إنما سألتك عن النبيذ الذي يجعل
فيه العكر فيغلي حتى يسكر فقال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3.
292

كل مسكر حرام الخبر (1).
ومنها رواية الكلبي النسابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النبيذ فقال: حلال
فقال: إنا ننبذه فتطرح فيه العكر وما سوى ذلك قال: شه شه تلك الخمرة المنتنة (2).
ومنها صحيحة صفوان الجمال قال: كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد الله
عليه السلام أصف لك النبيذ فقال: بل أنا صفه لك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام
وما أسكر كثيرة فقليله حرام فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة فقال لي: ليس هكذا
كانت السقاية إنما كانت السقاية زمزم أفتدري من أول من غيرها قال: لا قال: العباس بن
عبد المطلب كانت له حبلة أفد تري ما الحبلة قال: الكرم كان ينقع الزبيب غذوة ويشربونه
بالعشي وينقعه بالعشي ويشربونه من الغدا يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس وإن هؤلاء
قد تعدوا فلا تشربه ولا تقربه (3)
والظاهر أن المراد أن النبيذ بنفسه ليس بحرام وإن لم يذهب ثلثاه ولكن الناس قد
تعدوا وشربوه حتى مع اسكاره فلا تشربه ولا تقربه أنت مع الاسكار.
ومنها صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن رجلا من بني
عمي وهو من صلحاء مواليك يأمرني أن أسألك عن النبيذ وأصفه لك فقال: أنا أصف لك قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام قال: فقلت: فقليل
الحرام يحله كثير الماء فرد بكفه مرتين: لا لا (4)
ويستفاد من جميع هذه الروايات أن النبيذ له قسمان حرام وحلال والحرام منهما يدور
مدار الاسكار وأن الغليان لا يوجب الحرمة فلذا لم تعلل الحرمة في هذه الأخبار بالغليان وحكم
بحلية النبيذ إلا إذا جعل فيه العكر الذي هو دردي الخمر وهو مما يصنع به الخمر أو إلا إذا أسكر
فحكم عليه السلام في جميع هذه الأخبار بأن مناط الحرمة هو الاسكار لا غير فإن كان شئ
غير الاسكار موجبا للحرمة أيضا كان عليه عليه السلام بيانه وأظهر من الكل دلالة.
رواية الكافي عن محمد بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: قدم على رسول الله صلى الله

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 7
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الماء المضاف الحديث 2
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - 1.
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - 1.
293

عليه وآله قوم من اليمن فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلما ساروا مرحلة
قال: بعض لبعض: نسينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عما هم إلينا فنزل القوم وبعثوا
وفدا لهم فأتى الوفد رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله إن القوم قد بعثونا إليك
يسألونك عن النبيذ.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله: وما النبيذ صفوه لي قالوا: يؤخذ التمر فينبذ في
إناء ثم يصب عليه الماء ثم يوقد تحته حتى ينطبخ فإذا انطبخ اتخذوه (أخرجوه خ ل) فألقوه في
إناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم ألقي في إناء ثم صب عليه من عكر ما كان
قبله ثم هدر وغلي ثم سكن على عكره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا هذا قد أكثرت علي
أفيسكر قال: نعم فقال: كل مسكر حرام الحديث (1).
التاسع من النجاسات الفقاع وهو شراب خاص متخذ من الشعير كما ذكره
غير واحد ونجاسته اجماعية عندنا وأما العامة فيحكمون بحليته ولعل حكمهم بحليته مع أن كل
مسكر عندهم حرام لأجل خفاء السكر فيه أو حصول السكر في كثير منه دون قليله فما يقال: من أن
الفقاع لا يشترط فيه السكر فكل شئ يصدق عليه الفقاع فهو حرام سواء أسكر أم لا يرده ما
يستفاد من الأخبار من أن الفقاع من الخمر ولا يصدق الخمر على غير المسكر فلنذكر بعض الأخبار حتى يتضح المراد.
منها موثقة ابن فضال قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر وفيه
حد شارب الخمر (2).
ومنها رواية الحسن بن الجهم وابن فضال قالا: سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع
فقال هو خمر مجهول الحديث (3).
ومنها موثقة عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع فقال:
هو خمر (4).
ومنها رواية محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الفقاع فقال: هي
خمر بعينها (5)

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 6 مع اختلاف ما
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 - 11 - 7 - 8.
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 - 11 - 7 - 8.
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 - 11 - 7 - 8.
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 - 11 - 7 - 8.
294

ومنها رواية هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع فقال:
لا تشربه فإنه خمر مجهول وإذا أصاب ثوبك فاغسله (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
وظاهر هذه الروايات كغيرها أن الفقاع من أفراد الخمر حقيقة خصوصا رواية الحسن
بن الجهم ورواية ابن سنان المتقدمتان حيث ذكر عليه السلام: أنه خمر لكنه مجهول (أي على
الناس أي أبناء العامة) خمريته لخفاء الاسكار فيه أو لكون كثيره مسكرا دون قليله وذكر عليه السلام في
رواية ابن سنان أن الفقاع هو الخمر بعينها فإنه كالصريح في كونه من مصاديق الخمر لا أنه من
الأفراد النزيلية للخمر حتى يقال: بأنه لا يعتبر في حرمته الاسكار بل المناط في الحرمة هو صدق
اطلاق الفقاع عليه فإنه خلاف ما يستفاد من الأخبار كما ذكرنا.
والحاصل أنه يستفاد من ملاحظة مجموع أخبار الفقاع أن الفقاع على قسمين حلال
وحرام فالحرام ما حصل فيه الاسكار وهو الذي قد أطلق عليه الخمر في الروايات المتقدمة وهو ماء
الشعير الذي حصل فيه الغليان وصار مسكرا ولا يبعد عدم اختصاص الحرمة بماء الشعير فقط
فكل شئ سمي بالفقاع وحصل فيه خواص الفقاع من الاسكار وغيره يحرم أيضا سواء أخذ من
الشعير أو القمح أو الزبيب أو غيرها فالملاك هو صدق اطلاق الفقاع المسكر عليه.
وأما القسم الحلال منه فهو الذي يستفاد من بعض الأخبار أنه كان موجودا في بيت
بعض الأئمة الهداة عليهم السلام الصلاة وهي صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال: كان يعمل
لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله قال محمد بن أحمد قال أبو أحمد يعني ابن أبي عمير: ولم
يعمل فقاع يغلي (2) وكذا غيرها من الروايات حيث يستفاد منها أن بعض أفراد الفقاع حلال
وهو ما لم يغل فح ما يصدق عليه السم الفقاع ولو كان مثل ما الشعير الذي يستعمله الأطباء أي
ما كان قبل الغليان لا يكون حراما بل المحرم الفقاع الذي يكون مسكرا ولو كان اسكاره خفيا
بأن كان بعد الغليان كما يظهر من الرواية المتقدمة.
(العاشر:) من النجاسات عرق الجنب من الحرام كما نسب إلى الصدوقين قدهما والشيخين والإسكافي
وكثير من المتأخرين ومستندهم ما عن الذكرى قال: روى محمد بن همام باسناده عن

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 - 11 - 7 - 8 (2) الوسائل الباب 39 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1.
295

إدريس ابن زياد الكفرثوتي أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رآى في عهد أبي الحسين
عليه السلام وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه فبينما هو قائم في
طاق باب لانتظاره حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعة وقال مبتدئا: إن كان من حلال
فصل فيه وإن كان من حرام فلا تصل فيه الحديث (1) وما عن البحار عن علي بن مهزيار
قال: وردت العسكر وأنا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من
الربيع إلا أنه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى أبي الحسن عليه السلام لبا بيد وعلى
فرسه تخفاف لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجبون منه ويقولون: ألا ترون إلى هذا
المدني وما قد فعل بنفسه فقلت: لو كان إماما ما فعل هذا فلما خرج الناس إلى الصحراء لم
يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل ثم غرق بالمطر وعاد (عليه
السلام) وهو سالم من جميعه.
فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب
إذا عرق في الثوب فقلت: أن كشف وجهه فهو الإمام فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال:
إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه وإن كانت جنابته من
حلال فلا بأس به فلم يبق في نفسي بعد ذلك شك الحديث (2).
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال: إن حلال فالصلاة في الثوب حلال
وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام (3) ولكن لا يستفاد من هذه الروايات نجاسة عرق
الجنب من الحرام فإن هذه الروايات في حكم رواية واحدة لأن المروي عنه هو أبو الحسن
الهادي عليه السلام ومورد السؤال هو شئ واحد فيحتمل أن يكون قد اشتبه اسم الرواي
على الرواة وغاية ما تدل عليه هذه الرواية أو الروايات أن هذا العرق لا تجوز الصلاة فيه
وهذا لا دلالة له على النجاسة فيحتمل أن يكون هذا العرق من موانع الصلاة كرطوبة
ما لا يؤكل لحمه وشعره ووبره.
نعم رواية فقه الرضا لا تخلو من اشعار في ذلك قال: إن عرقت في ثوبك وأنت جنب
وكانت الجنابة من حلال تجوز الصلاة فيه وإن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 2
(2) مستدرك الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 5.
(3) مستدرك الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 5.
296

يغسل (1).
ولكن رواية فقه الرضا غير قابلة للاعتماد كما ذكرنا ذلك غير مره مضافا أن
قوله: حتى يغسل يمكن أن يكون لأجل إزالة عين العرق فإن العرق له عين ما غالبا ولو بعد
يبوسته فلا دلالة لها على النجاسة مع أن هذه الروايات ضعيفة السند ولم يجبر ضعفها بعمل
الأصحاب بها لأن المسألة فيها ثلاثة أقوال الأول الحكم بنجاسته الثاني الحكم بطهارته لكن
لا تجوز الصلاة فيه.
الثالث الحكم بطهارته مع كراهة الصلاة فيه فمع هذه الاختلافات كيف يمكن جبر
ضعف هذه الأخبار مضافا إلى عدم صدور حكم عرق الجنب من الحرام عن أحد من أئمة
الاسلام عليهم السلام إلى زمان أبي الحسن علي الهادي عليه السلام مع وجود كثرة الزنا
واللواط في زمانهم عليهم السلام ومن البعيد جدا ثبوت هذا الحكم في الشريعة وعدم بيان
النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم له - إلى زمان الهادي عليه السلام مع عدم وجود أي مانع
ظاهرا من بيانه مع كون الأخبار المطلقة في مقام البيان ومع ذلك لم تفرق بين أقسام الجنابة
بل حكمت بنحو الاطلاق بعدم نجاسة عرق الجنب الشامل لعرق الجنب من الحرام فلنذكر
بعضها.
فمنها رواية علي بن أبي حمزة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام - وأنا حاضر - عن
رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه فقال: ما أدى به ئاسا وقال: إنه يعرق حتى لو شاء أن يعصره
عصره فقطب أبو عبد الله عليه السلام في وجه الرجل وقال: أن أبيتم فشئ من ماء فانضحه
به (2) ومنها رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يجنب الثوب الرجل ولا
الرجل الثوب (3).
ومنها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم
السلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى
يلصق عليهما فقال: إن الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عز وجل ليس كذا في العرق فلا يغسل

(1) فقه الرضا صفحة 4
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 4
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 5.
297

ثوبهما (1).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القميص يعرق فيه
الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص فقال: لا بأس وإن أحب أن يرشه بالماء فليفعل (2) إلى
غير ذلك من الأخبار.
وهذه الروايات لم يفصل فيها بين عرق الجنب من الحرام وعرق الجنب من الحلال
ويستفاد من الأسئلة الواقعة في هذه الأخبار أن المركوز في أذهان السائلين كان نجاسة عرق
الجنب مطلقا والظاهر أن هذا الارتكاز كان من فتوى العامة فلذا ألح السائل في رواية علي
بن أبي حمزة مع أنه عليه السلام أجاب بأنه لا بأس ومع ذلك لم يكتف به حتى أعاد السؤال
فغضب عليه السلام من تكرار سؤاله وقال: إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه به - أي إن
أبيتم أيها العامة من طهارته ولم تقلبوا قولي فانضحوا عليه شيئا من الماء نعم في رواية محمد بن
علي بن جعفر اشعار بالنجاسة.
حيث قال الرضا عليه السلام في حديث: من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه
فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه قال: فقلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أهل المدينة
يقولون: إن فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب
الذي هو شرهما وكل من خلق الله ثم يكون فيه شفاء من العين (3).
ولكن هذه الرواية أيضا لا دلالة لها على نجاسة عرق الجنب من الحرام بل هي دالة
على أن ليس في غسالة الحمام التي اغتسل فيها هؤلاء الأشرار شفاء من العين والمراد من
الرواية الرد على من زعم أن في غسالة الحمام شفاء من العين وليس المراد اثبات نجاستها
كما هو واضح لمن تدبر في معنى الرواية.
الحادي عشر:
عرق الإبل الجلالة على المشهور بل ادعى بعض الاجماع عليه وتدل على
نجاستها ثلاث روايات الأولى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 9 - 8
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 9 - 8
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب المضاف الحديث 2.
298

لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله (1) والثانية حسنة حفص بن البختري
عنه عليه السلام قال: لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله (2).
الثالثة مرسلة الصدوق في الفقيه في باب مناهي النبي صلى الله عليه وآله نهى عن
ركوب الجلالات وشرب ألبانها وقال: إن أصابك من عرقها فاغسله (3)
ولكن أورد على الرواية الأولى والثالثة بأن مضمونهما نجاسة عرق مطلق الحلال ولم
يقل أحد بنجاسة عرق غير الإبل الجلالة من سائر الحيوانات الجلالة - إلا حكي عن ابن
سعيد في النزهة وهو شاذ فح لا يمكن التمسك بها لاثبات نجاسة عرق الإبل الجلالة لدلالتهما
على الاطلاق وحمل الألف واللام في الرواية الأولى على العهد لتوافق الرواية الثانية بأن
يكون المراد بالجلالة الإبل الجلالة لا دليل عليه ولا يمكن حمل العام على الخاص بقرينة
الرواية الثانية لكون ذلك الحمل فيما إذا علم بأن المراد من العام والخاص شئ واحد
لا ما إذا احتمل تعدد المطلوب مثل ما إذا قيل: أكرم العلماء ثم قال: أكرم زيدا العالم فإنه
لا يمكن حمل العام في هذا المورد على الخاص كما لا يخفى هذا ولكن يمكن الجواب عن
هذا الاشكال بأن هذا الاطلاق حيث علم من الخارج عدم عمل الفقهاء به فلا بد من حمله
على الاستحباب.
ولكن رواية حفص بن البختري حيث حكم بغسل العرق من خصوص الإبل
الجلالة وأفتى المشهور بمضمونها فاللازم هو الحكم بوجوب الغسل من خصوص عرق الإبل
فنقول: إن الرواية الأولى وإن كان اللازم حملها على الاستحباب وكذا الرواية الثالثة لعدم
عمل المشهور باطلاقهما إلا أنا نحملهما على الوجوب في الإبل فقط دون سائر الجلالات بقرينة
حسنة حفص وفتوى المشهور.
(الثاني عشر:)
الكافر ونجاسته في الجملة اجماعية بين المسلمين ولا فرق في الكافر بين أقسامه عن
المشرك والطبيعي والدهري والكتابي ومنكر الضروري والناصبي والغالي والخوارج وغير ذلك
واستدل لنجاسة مطلق الكافر بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2
(3) الجواهر جلد 6 صفحة 77.
299

فلا يقربوا المسجد الحرام (1).
بناء على أن المراد بالمشرك مطلق من كفر بالله العظيم أو بأنبيائه أو بأوليائه أو بآياته
بدليل قوله تعالى: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن
نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله
مفعولا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الآية (2)
فإن ظاهر هذه الآية أن الله تعالى قد سمى عدم الايمان بما أنزله شركا لأن قوله إن الله
لا يغفر الخ وقع في قبال يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم الخ وقوله
تعالى أيضا في شأن اليهود والنصارى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح
ابن الله ذلك قولهم بأفواهم يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل إلى أن قال: وما أمروا إلا
ليعبدوا إلها واحدا لا إله هو سبحانه عما يشركون (3).
فسمى قولهم شركا إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاق الشرك على الكفر
ويؤيد الآيات ما روي عن الفضل أنه دخل على أبي جعفر عليه السلام رجل محصور عظيم
البطن فجلس معه على سريره فحياه ورحب به فلما قام قال: هذا من الخوارج قال: قلت
مشرك فقال مشرك والله مشرك (4).
حيث دلت هذه الرواية على اطلاق المشرك على الخارجي وإن لم يكن مشركا
بالمعنى الاصطلاحي.
وعلى فرض عدم اطلاق الشرك على مطلق الكفر يمكن تتميم دلالة الآية بالاجماع
على نجاسة مطلق الكافر سوى الكتابي.
وأورد على دلالة الآية - مضافا إلى الايراد السابق من عدم شمولها لمطلق الكافر -
باشكالين الأول عدم كون (نجس) بالفتح صفة قابلة للحمل على الذات فإنه مصدر لا صفة
مشبهة كما لا يخفى فلا بد من تقدير شئ يصح معه الحمل على الذات مثل كلمة (ذو) فيصير

(1) سورة التوبة الآية 28
(2) سورة التوبة الآية 47
(3) سورة النساء الآية 30 - 31
(4) الجواهر جلد 6 من الطبقة الحديثة صفحة 50.
300

المعنى - والله العالم - إنما المشركون ذو نجس فلا تدل الآية حينئذ على نجاستهم الذاتية
فيصير ظاهرها على تقدير (ذو) إنما المشركون أصحاب النجاسة فلا تدل إلا على النجاسة
الغرضية أي أنهم حيث لا يجتنبون من النجاسات كالخمر والخنزير والبول والغائط
فلذا يكونون مصاحبين للنجاسة الثاني أن النجس على فرض امكان حمله على الذات يحتمل
أن يراد منه النجاسة الحكمية أي الخباثة الباطنية فهو نظير قوله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس الآية حيث إنه لا معنى لكون الميسر والأنصاب والأزلام رجسا
إلا إذا كان بمعنى الخباثة فمع هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال لنجاسة المشركين بهذه الآية
إنما المشركون نجس.
ولكن يمكن الجواب عن الاشكال الأول بأنه لا حاجة إلى تقدير كلمة ذو حتى يلزم
ما ذكر فإنه يمكن حمل المصدر على الذات للمبالغة مثل زيد عدل فح تصير دلالة الآية على
نجاسة الكافر أوضح مما إذا كان النجس بالكسر أعني ما إذا كان بنحو الوصفية محمولا
على المشركين كما هو واضح.
وعن الاشكال الثاني بأنه وإن كان النجس يحتمل بأن يراد منه النجاسة الحكمية
أعني الخباثة - إلا أن الظاهر من لفظ النجس هو النجاسة العينية كما في سائر النجاسات
فكما أنه إذا قيل: الكلب نجس لا يحتمل أحد منه إلا النجاسة العينية فكذا فيما نحن فيه.
نعم يحتمل ذلك أي النجاسة الحكمية في قوله تعالى: ويجعل الله الرجس
على الذين لا يؤمنون (1) فإن استدل لنجاسة مطلق الكفار بهذه الآية فلولا احتمال إن المراد
من الرجس في هذه الآية النجاسة الحكمية لكانت دلالة الآية على نجاسة مطلق الكفار
أوضح من دلالة الآية السابقة هذا كله في نجاسة غير الكتابي.
في حكم الكتابي:
وأما الكتابي أي أهل الكتاب فالمشهور بل ادعى من غير واحد الاجماع على
نجاستهم ولكن نقل عن ابن الجنيد الحكم بطهارتهم وعن ابن أبي عقيل الحكم بطهارة
سؤر الذمي وعن المفيد قدس سره الحكم بكراهة سؤر الذمي.

(1) سورة الأنعام الآية 125.
301

ولكن مخالفة ابن الجنيد غير ضائرة بعد ما علم كونه عاملا بالقياس وحكم ابن أبي
عقيل يمكن أن يكون لأجل عدم انفعال الماء القليل بملاقاته للنجس كما هو مذهبه والحكم
بالكراهة المنقول عن المفيد قده لعل المراد بها الحرمة وكيف كان فاستدل لنجاسة أهل
الكتاب بعد الاجماع - أولا بالآية المتقدمة - أعني قوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله و
قالت النصارى المسيح ابن الله إلى أن قال: سبحانه عما يشركون حيث يستفاد من ذيلها
أنهم مشركون وثانيا بالأخبار.
منها صحيحة سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي و
النصراني فقال: (عليه السلام) ومنها رواية أبي بصير عن أحدهما عليه السلام في مصافحة
اليهودي والنصراني فقال: من وراء الثوب فإن صافحك بيده فاغسل يدك (2).
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخية أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سألته
عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه قال: لا (3).
ومنها رواية هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أني أخالط
المجوس فآكل من طعامهم فقال: لا (4).
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه سأله عن النصراني يغتسل
مع المسلم في الحمام قال: إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على
الحوض فيغسله ثم يغتسل وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة
قال: لا إلا أن يضطر إليه (5) إلى غير ذلك من الروا يأت التي استدلوا بها لنجاسة أهل الكتاب
ولكن ذيل هذه الرواية الأخيرة غير خال عن الاضطراب فإنه إذا كان الماء طاهرا عند مماسة
اليهودي أو النصراني له فيكف لا يجوز الوضوء منه إلا عند الاضطرار وإن كان نجسا فلا يجوز
الوضوء منه حتى في حال الاضطرار لعدم جواز التوضؤ بالماء النجس.
إلا أن يكون المراد بالاضطرار الاضطرار في حال التقية بأن يخاف من المخالفين
إن لم يتوضأ من الماء النجس - أن يقتلوه فح يجوز الوضوء به بل يجب عليه الوضوء بهذا الماء

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 8
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 5
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 7 - 9.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 7 - 9.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 7 - 9.
302

وجوب غسلها رفع الاضطرار كما يظهر ذلك من هذه الرواية حيث إنه عليه السلام لم
ينبه السائل بذلك فيحتمل قويا رفع التقية للأحكام الوضعية كما أنها رافعه للأحكام
التكليفية
واستدل القائلون بطهارة أهل الكتاب بالآية والأخبار أما الآية فقوله تعالى: اليوم
أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم الآية (1) فإن
الطعام فيه اطلاق يشمل ذبائحهم وغيرها كالخبز واللبن والسمن وغير ذلك فيستفاد من
اطلاق الآية طهارتهم.
ولكن يرد عليه أن الطعام قد فسر في بعض الأخبار الصحيحة والموثقة بالحبوب فمنها
رواية قتيبة الأعشى قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقال له: الغنم يرسل
فيها اليهودي والنصراني فتعرض فيها العارضته فتذبح أنأكل ذبيحته فقال أبو عبد الله عليه
السلام: لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها فإنما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم فقال له
الرجل: قال الله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فقال
له أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يقول: إنما هو الحبوب وأشباهها (2).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: رأيت عنده رجلا يسأله وهو يقول له:
إن لي أخا يسلف في الغنم في الجبال فيعطى السن مكان السن فقال: أليس بطيبة نفس من
أصحابه؟ قال بلى، قال: فلا بأس قال: يكون فيها الوكيل فيكون يهوديا أو نصرانيا فتقع فيها
العارضة فيبيعها مذبوحة ويأتيه بثمنها وربما ملحها فأتاه بها مملوحة فقال: إن أتاه بثمنها فلا يخلطه
بماله ولا يحركه، وإن أتاه بها مملوحة فلا يأكلها فإنما هو الاسم وليس يؤمن على الاسم إلا مسلم
فقال له بعض من في البيت: فأين قول الله عز وجل: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
وطعامكم حل لهم فقال: إن أبي عليه السلام كان يقول: ذلك الحبوب وما أشبهها
(وأشباهها خ ل) (3).
ومنها رواية علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:

(1) سورة المائدة الآية 5
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبائح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبائح الحديث 6 والباب 27 والحديث 46.
303

وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال عني بطعامهم هنا الحبوب والفاكهة غير الذبائح
التي يذبحون فإنهم لا يذكرون اسم الله عليها أي على ذبائحهم ثم قال: والله ما استحلوا
ذبائحكم فيكف تستحلون ذبائحهم (1).
ومنها مفهوم رواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طعام أهل
الكتاب ما يحل منه قال: الحبوب (2).
ومنها صحيحة هشام بن سالم عنه عليه السلام في قوله تعالى: وطعامهم حل لكم
(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ظ) فقال: العدس والحمص وغير ذلك (3) إلى غير
ذلك من الأخبار بل عن كثير من أهل اللغة تفسير الطعام بخصوص البر وعلى فرض كون
الطعام في الآية مطلق ما يؤكل فالمراد من حليته حليته من حيث هو فلا ينافيها حرمته ونجاسته
من حيث كونه ملاقيا لهم بالرطوبة السارية مثل أن يقال: لحم الغنم حلال فمن المعلوم أن
المراد من حليته إنما هو من حيث ذاته فلا ينافيها ما إذا عرضت عليه الحرمة بالعنوان الثانوي
مثل ما إذا كانت موطوئة للانسان أو مغصوبة.
وأما ما عن بعض من أن المراد بالطعام في الآية ذبائح أهل الكتاب فهو مناف لقوله
تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق (4) حيث إن من المعلوم عدم
ذكرهم لاسم الله عز وجل على ذبائحهم وعلى فرض ذكرهم اسم الله عليها أو دلالة اطلاق
الآية على حلية ذبائحهم فلا تدل على طهارتهم لعدم الملازمة بين الحلية والطهارة كما يظهر
ذلك فيما يصيده الكلب المعلم فإنه إذا لم يدركه حيا وقتله الكلب قبل ذلك فإنه حلال إذا
اجتمع فيه شرائط الصيد مع أنه ليس بطاهر بل موضع ملاقاته الكلب نجس كما هو واضح
وأما الأخبار فمنها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث يشربون الخمر ونسائهم على تلك الحال ألبسها
فأصلي فيها؟ قال: نعم قال معاوية: فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من
السابري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبائح الحديث 6 والباب 27 الحديث 46
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبائح الحديث 2 - 5
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبائح الحديث 2 - 5
(4) سورة الأنعام الآية 121.
304

الجمعة (1).
ومنها صحيحة ابن سنان قال: سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر أني أعير
الذمي ثوبا وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي
فيه فقال أبو عبد الله عليه السلام: صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر
ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه (2).
ولكن يمكن حمل الروايتين على ما إذا لم يعلم تنجيس المجوسي والذمي للثوب بأن شك
في ملاقاتهما له بالرطوبة السارية كما يظهر ذلك من الرواية الثانية فلا تدلان على طهارة
المجوسي والذمي.
ومنها صحيحة العيص قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهود و
النصارى والمجوس فقال: إن كان من طعامك وتوضأ فلا بأس (3).
ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في
طعام أهل الكتاب فقال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال:
لا تأكله ولا تتركه تقول: إنه حرام ولكن تتركه تتنزه عنه أن في آنيتهم الخمر ولحم
الخنزير (4)
ومنها صحيحة زكريا بن إبراهيم قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت:
إني رجل من أهل الكتاب وإني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت
واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم فقال لي: يأكلون الخنزير فقلت: لا ولكنهم يشربون
الخمر فقال لي: كل معهم واشرب (5).
ومنها موثقة عمار عنه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب النجاسات الحديث 1
(3) الوسائل الباب 53 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4
(4) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4
(5) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
305

غيره إذا شرب على أنه يهودي قال: نعم قلت: فمن ذلك الماء الذي يشرب منه قال نعم (1).
ومنها صحيحة إبراهيم بن محمود قال: قلت للرضا عليه السلام الجارية النصرانية
تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها (2).
ومنها صحيحته الأخرى قال: قلت للرضا عليه السلام: الخياط أو القصار يكون
يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله قال: لا بأس (3) إلى غير ذلك
من الأخبار الدالة بظاهرها على طهارة أهل الكتاب.
ولكن هذه الروايات - مع كثرتها ووجود الصحيح والموثق فيها - لم يعمل
الأصحاب بها وأعرضوا عنها مع أنها كانت بمرأى منهم ومسمع إلا ما نقل عن ابن الجنيد من
حكمه بطهارتهم ولكن لا يعبأ الأصحاب بخلافه لأن أكثر أقواله موافق للعامة لعمله
بالقياس.
وأما ابن أبي عقيل القائل بطهارة سؤر الذمي فيمكن أن يكون لأجل قوله بعدم
انفعال الماء القليل كما هو مذهبه فلم يعلم مخالفته لما ذهب إليه الأصحاب وقد عرفت عدم
العلم بمخالفة المفيد القائل بكراهة سؤر الذمي لاحتمال أن يراد منها الحرمة مع عدم نسبة
تلامذته هذا القول - أعني طهارة أهل الكتاب - إليه مع أنهم أعرف بمذهبه فح لا خلاف
بين الأصحاب في نجاستهم إلا من ابن الجنيد من القدماء وقد عرفت عدم اعتناء الأصحاب
بمخالفته.
نعم قد وافقه بعض المتأخرين كالسبزواري والفيض القاساني على ذلك لكنهما
حيث كانا من المتأخرين مع أن لهما أقوالا شاذة كحلية الغناء وطهارة الخمر وعدم وجوب
الخمس فيما زاد على المؤنة في زمان الغيبة - فلا اعتداد بمخالفتهما فإذا انعقد الاجماع على
نجاستهم فلا بد من تأويل هذه الروايات وحملها على بعض المحامل وإن كانت المحامل بعيدة أو
نحملها على التقية لموافقتها لمذهب العامة والله العالم
ثم إنه لا فرق في الكافر بين المنكر للألوهية أو المنكر للرسالة وبين من أنكر ضروريا

(1) لم أظفر بها في مظانها نعم أوردها الهمداني في طهارته صفحة 560
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب النجاسات الحديث 2
(3) لو أظفر بها نعم أوردها الهمداني في مصباح الفقيه صفحة 560.
306

من ضروريات الاسلام كمن أنكر وجوب الصلاة أو الزكاة أو الحج بل وكذا إذا أنكر
استحباب بعض المستحبات المعلوم ثبوته في الشرع الأطهر كاستحباب صلاة الجماعة.
وهل يكون انكار الضروري سببا مستقلا للكفر فيوجب الكفر وإن كان الانكار
لشبهة أو يكون من حيث استلزامه لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله فلا استلزام في موارد
الشبهة أو يكون طريقا تعبديا لتحقق الكفر فلا بد من ملاحظة الدليل في كل مورد - وجوه.
وربما يتمسك لكونه سببا مستقلا لحصول الكفر بالأخبار الدالة على تحقق الكفر
بانكار الفرائض أو انكار أحد من الأحكام الضرورية كمكاتبة عبد الرحيم القصير إلى
الصادق عليه السلام حيث قال فيها: لا يخرجه (أي المسلم) إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال
أن يقول للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا عن
الاسلام والايمان داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في
الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه الحديث (1).
وكالصحيحة المنقولة عن أبي جعفر عليه السلام حيث سئل عن أدنى ما يكون به
العبد مشركا قال: من قال للنواة حصاة وللحصاة: نواة ودان به (2).
وصحيحة أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن عندنا قوما
يقولون: إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو مؤمن قال:
فلم يضربون الحدود وتقطع أيديهم إلى أن قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا
الحديث (3).
وصحيحة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرتكب
الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك عن الاسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب
المشركين أم له مدة وانقطاع فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه
ذلك عن الاسلام وعذب أشد العذاب وإن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه أخرجه من
الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول (4) وحاصل ما يستفاد

(1) أصول الكافي جلد 2 صفحة 27 من الطبعة الحديثة
(2) مصباح الفقيه للعلامة الهمداني صفحة 566
(3) مصباح الفقيه للعلامة الهمداني صفحة 566
(4) أصول الكافي جلد 2 صفحة 33.
307

من هذه الأخبار وغيرها أن الاسلام عبارة عن الشهادتين مع التدين بواجباته ومحرماته
فمن أنكر واجبا من واجباته أو استحل محرما من محرماته خرج عن الاسلام وصار كافرا وفي
هذه الأخبار اطلاق يشمل العالم بالضروري والجاهل به بل يشمل كل منكر لحكم من
أحكام الدين وإن لم يكن ضروريا بل وإن لم يكن اجماعيا.
ومن جملة ما استدل به على كفر مطلق من أنكر الضروري - وإن كان عن جهل -
تسالم الأصحاب على كفر الخوارج والنواصب مطلقا أي من غير فرق بين العالم منهم والجاهل
مع وضوح كون أكثرهم من الجاهلين بحق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكذا حق أولاده
عليهم السلام فعدم تفصيلهم بين العالم بحقهم والجاهل يستكشف منه عدم الفرق بين منكر
الضروري عن علم وعمد أو عن جهل بحقهم عليهم السلام.
هذا ولكن يمكن أن يقال: إن الظاهر أن هذه الأخبار منزلة على صورة العلم بكون
شئ ضروريا بقرينة التعبير في بعض هذه الأخبار بالانكار والجحد المختصان بصورة العلم
فإن من المعلوم عدم استعمال الجحد في صورة انكار الشئ جاهلا وعلى فرض ظهور ذلك في
الاطلاق فلا بد من حمله على صورة العلم لاستثناء مورد الشبهة في كلمات كثير من الأصحاب
فالقدر المتيقن إذا من هذه الأخبار هو صورة العلم بكونه ضروريا.
وحمل شيخنا الأنصاري قده هذه الأخبار على صورة العلم والعمد وعلى صورة الجهل
أيضا إذا كان الجهل عن تقصير وأما إذا كان عن قصور فلا يشمله اطلاق هذه الأخبار لدلالة
بعض الأخبار على معذورية الجاهل مثل ما ورد في باب حد شارب الخمر من أن مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام رفع الحد عن شارب الخمر الذي اعتذر بأني لو أعلم أنها حرام
اجتنبتها (1).
وما ورد عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دعوناه إلى جملة
الاسلام فأقر به ثم شرب الخمر ثم زنا وأكل الربا ولم يتبين له شئ من الحلال والحرام أقيم
عليه الحد إذا جهله قال: لا إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد كان أقر بتحريمها (2).
وما ورد عن أبي عبيدة الحذاء بسند حسن قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو وجدت
رجلا كان من العجم أقر بجملة الاسلام لم يأته شئ من التفسير - زنا أو سرق أو شرب خمرا لم

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5 - 2.
308

أقم عليه الحد إذا جهله إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد أقر بذلك وعرفه (1).
ولكن قد فرق الشيخ الأنصاري قده بين ما إذا كان الضروري مطلوبا فيه العمل
كالصلاة والزكاة والصوم وبين الضروري الذي يكون المطلوب فيه الاعتقاد فحكم بعدم
حصول الكفر بانكار الأول أي المطلوب فيه العمل إذا كان الانكار عن قصور وعلله بأنه
يبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر (لجهله بحرمتها) ويكفر بترك التدين بحرمته.
وأما إذا كان المطلوب فيه الاعتقاد كالاعتقاد بالمعاد والجنة والنار فالواجب عليه
هو الاعتقاد دون العمل نظير الاعتقاد بالمبدأ ونبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) فكما أن غير
المعتقد بألوهية الله تعالى أو بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله يكون كافرا وإن كان عن جهل قصور غاية الأمر
يكون معذورا ومن المرجين لأمر الله - فكذا فيما نحن فيه مما يكون الاعتقاد فيه مطلوبا وبهذا
الوجه جمع قدس سره بين الأخبار الدالة على كفر منكر الضروري وهذه الأخبار الدالة على
معذورية الجاهل.
ويرد عليه أنه يلزم مما ذكره قده أن المجتهد إذا أفتى على خلاف الواقع
يصير كافرا إذا كان اجتهاده عن تقصير في مقدماته كالقياس ولم يقل به أحد
وأيضا ما الفرق بين ما إذا كان المطلوب منه العمل وبين ما إذا كان المطلوب منه
الاعتقاد وما الدليل على هذا الفرق وما الدليل على الحاق ما كان المطلوب منه الاعتقاد بمنكر
الألوهية أو الرسالة؟
فالأقوى أن انكار الضروري إذا كان عن علم وعمد دون ما إذا كان عن جهل
مطلقا أي وإن كان الجهل عن تقصير بل انكار مطلق ما كان الدين موجب للكفر وإن كان
ثبوت كونه من الدين بالاجماع بل وإن لم يكن اجماعيا ولكن علم كونه من الدين.
والمناط في حصول الكفر بالانكار هو رجوع انكاره إلى تكذيب النبي صلى الله
عليه وآله فلم يتحقق هذا المناط في صورة الجهل وإن كان عن تقصير.
وأما تسالم الأصحاب على كفر الخوارج والنواصب مطلقا أي وإن كان الخروج عليهم
عليهم السلام أو النصب لهم (عليهم السلام) عن جهل فيمكن أن يكون لأجل الروايات المطلقة الواردة

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
309

في ذلك لا لأجل انكارهم للضروري أما الروايات الواردة في نجاسة النواصب.
فمنها رواية القلانسي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ألقى الذمي فيصافحني
قال: امسحها بالتراب أو الحائط قلت: فالناصب قال: اغسلها (1).
ومنها مرسل الوشا عمن ذكره أبي عبد الله عليه السلام أنه كره سؤر ولد الزنا
واليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الاسلام وكان أشد ذلك عنده سؤر
الناصب (2) ومنها موثقة ابن أبي يعفور عنه عليه السلام أنه قال في حديث: وإياك أن تغتسل
من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت
فإن الله تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت لا نجس منه (3).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها
غسالة الحمام فإن فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفيها غسالة الناصب وهو
شرهما إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وإن الناصب أهون على الله تعالى من الكلب
الحديث (4) إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما الروايات الدالة على كفر الخوارج ونجاستهم.
فمنها رواية الفضل أنه دخل على أبي جعفر عليه السلام رجل محصور عظيم البطن
فجلس معه على سريره فحياه ورحب به فلما قام قال: هذا من الخوارج كما هو قلت: مشرك
فقال: مشرك والله مشرك (5).
ومنها ما أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في وصفهم: أنهم يمرقون
من الدين كما يمرق السهم من الرمية (6) ولعل الوجه في كفر الخوارج والنواصب على
الاطلاق كما يستفاد من هذه الأخبار بضميمة فتوى الأصحاب أن مودة ذوي القربى التي
قد أمر الله بها صارت من حيث الوضوء ح بمثابة الاقرار بالألوهية والرسالة فكما أن انكارهما

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4
(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 12 - 11
(4) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 12 - 11
(5) الجواهر جلد 6 صفحة 50
(6) سفينة البحار جلد 1 صفحة 383.
310

موجب للكفر وإن كان عن قصور وكان معذورا لا يعذبه الله على هذا الانكار في الآخرة
لأنه من المستضعفين فكذا مودة ذوي القربى فإن انكارها يمكن أن يكون كانكار الألوهية
والرسالة وبهذا البيان ظهر لك الوجه في كفر الخوارج والنواصب على الاطلاق.
وأما الغلاة فقد حكم في الشرايع بكفرهم لأنهم ينكرون الضروري من الدين)
ولكن إذا كان المراد منهم من قال: بأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى
فهو منكر للألوهية لا للضروري من الدين وأما إذا كان المراد منهم من قال: إن الله تعالى غير
أمير المؤمنين ولكنه قد حل فيه أو حل في أحد من الأئمة فإنه يصير ح من المنكرين للضروري
لأن من ضروريات الدين أن الله تعالى لا يحل في شئ من الأشياء وكذا يكون من
الغلو الموجب للكفر أن يثبت للأئمة عليهم السلام الصفات المختصة بالله تعالى مثل أن يدعى
أنهم خالقون أو هم الرازقون للخلق أو هم المميتون للخلق أو هم المحيون لهم وهذا إذا ادعى
أنهم مستقلون بهذه الأمور وأن الله تعالى قد فرغ من جميع ذلك.
وأما إذا ادعى أن هذه الأمور تصدر منهم بإذن الله تعالى وأن الله قد مكنهم وأمرهم
بها يفعلون ما يشاء الله فلا يوجب الكفر وغاية ما يترتب على هذه الدعوى هو الكذب إن لم
نقل باستفادة ذلك من بعض الأخبار.
ومن الطوائف إلى قد حكم بعض بكفرهم المجسمة ويمكن أن يوجه كفرهم بأنهم
منكرون للضروري من ضروريات الدين وهو أن الله تعالى بسيط غير محتاج إلى التركيب
والتركيب يستلزم التعدد ومع أنه قديم يلزم تعدد القدماء والقول به موجب للشرك وأيضا
الجسم محتاج إلى الحيز والمحتاج ممكن مضافا إلى دلالة ظاهر بعض الأخبار على كفرهم.
كرواية ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن
نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر (1) ورواية الحسين بن خالد عنه عليه السلام قال: من قال
بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك (2).
ورواية داود بن القاسم عنه عليه السلام قال من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن
وصفه بالمكان فهو كافر (3). ورواية أبي الصلت الهروي عنه عليه السلام قال: من وصف

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 1 - 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 1 - 5
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 16.
311

الله بوجه كالوجوه فقد كفر (1).
ولكن يمكن أن يقال: إن الحكم بكفرهم إنما هو في صورة التفاتهم بالملازمة
واقرارهم بالتركيب والتعدد وأما إذا كان بدون التوجه إلى أن قولهم بجسميته تعالى مستلزم
للتركيب والتعدد والاحتياج - كعدم توجه أكثر العوام فلا يوجب صرف القول بذلك
الكفر مع أن ظاهر بعض الآيات هو الجسمية كقوله تعالى: الرحمن على العرش استوى (2)
وقوله تعالى: وجاء ربك والملك صفا صفا (3) وغيرهما فالتمسك بظاهر الآيات مع عدم
ملاحظة تأويلها ليس بكفر إذا لم يلتزم بلوازم الجسمية ولم يلتفت إليها وأما الروايات فلعل
المراد بالكفر فيها هو الكفر الأخروي كما يأتي نظيره في بحث كفر العامة واسلامهم كيف لا
والحال أن كثيرا من العامة قائلون بجسميته تعالى بل كثير من عوام الخاصة يزعمون أنه تعالى
جسم لا كالأجسام ونور لا كالأنوار والالتزام بكفر جميعهم كما ترى.
ومن الطوائف التي قد حكم الشيخ قده على ما حكي عنه بكفرهم المجبرة
ودليله ظاهرا هو الرواية المتقدمة آنفا عن الرضا عليه السلام قال: من قال بالتشبيه والجبر فهو
كافر مشرك والبحث في هذه الطايفة نظير الطائفة السابقة فإنه يقال في هذا المورد أيضا أن
القول بالجبر إن استلزم الانكار لضروري من ضروريات الدين كانكار العذاب وانكار
بعث الرسل وانزال الكتب فإن هذه الأمور لازمة للقول بالجبر فهو موجب للكفر في صورة
التزامه بهذه الأمور واقراره بها وإلا فلا والظاهر أن المراد بالكفر في الرواية هو الكفر الأخروي
كما مر نظيره.
وهكذا الكلام في المفوضة سواء أكان المراد منهم من زعم أن الله تعالى قد فوض
أمور الخلق من الإحياء والإماتة والخلق والرزق إلى محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين أم
كان المراد منهم من زعم أن الله قد فوض جميع الأمور إلى العباد وليس له تعالى دخل
ولا تصرف في أي أمر من أمورهم من الرزق والمرض والصحة والفقر والغنى وغير ذلك فادعى
أن ذلك كله مفوض إليهم فإن هذا القول أيضا إذا استلزم انكار الضروري من نسبة العجز أو

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 3
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة الفجر الآية 12.
312

نسبة الفراغ إليه من جميع الأشغال مع أنه تعالى قال: كل يوم هو في شأن (1) (أي شغل) -
فهو موجب للكفر وأما إذا كان غير ملتفت إلى لوازم كلامه كما هو الشأن في غالب من قال
بهذه الأقوال الفاسدة فلا يستلزم كلامه الكفر.
وأما المخالفون غير الناصبين للأئمة الهداة عليهم السلام والصلاة فقد نسب إلى السيد
المرتضى قده الحكم بكفرهم ونجاستهم بل نسب في الحدائق هذا القول إلى الشهرة بين
القدماء ونقل عن الشيخ الجليل ابن النوبخت أنه قال: دافعوا النص كفرة عند جمهور
أصحابنا ومن الأصحاب من يفسقهم انتهى وقوى هذا القول في الحدائق واستدل على
كفرهم بروايات كثيرة.
منها ما عن الكافي مسندا عن الباقر عليه السلام قال: إن الله عز وجل نصب عليا
عليه السلام علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان
ضالا (2) ومنها رواية أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن عليا عليه السلام
باب فتحه الله من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (3).
ومنها ما عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام باب من أبواب الجنة
فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج عنه كان في
الطبقة الذين لله عز وجل فيهم المشية (4).
ومنها حسنة الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل نصب
عليا عليه السلام علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن
جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء
بعداوته دخل النار (5).
ومنها رواية أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عرفنا كان مؤمنا ومن

(1) سورة الرحمن الآية 29
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 48 - 49
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 48 - 49
(4) أصول الكافي جلد 2 صفحة 389
(5) أصول الكافي جلد 2 صفحة 388 وجلد 1 صفحة 187.
313

أنكرنا كان كافرا ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
واستدل صاحب الحدائق على نجاستهم بأنهم بمقتضى بعض الأخبار من النواصب
فتشملهم الروايات الدالة على كفر الناصب وأنه أنجس من الكلب وهو رواية. عبد الله بن
سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت
لأنك لا تجد أحدا يقول: إني أبغض محمدا وآل محمد صلى الله عليهم ولكن الناصب من
نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وتبرأون من أعدائنا (2) ورواية محمد بن علي بن عيسى
قال: كتبت إليه يعني علي بن محمد عليه عليهما السلام أسأله عن الناصب هل أحتاج في
امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما فرجع الجواب من كان على
هذا فهو ناصب (3).
ولكن لا يحضرني الآن من كلام القدماء شئ وأما ما نسبه إلى السيد قده
فمع أنه يحتمل أن يكون مراده ما نذكره في كلام غيره وفي الأخبار فهو ضعيف مخالف
للأخبار الآتية وأما ما نقل عن ابن نوبخت فالظاهر أن مراده من الكفر الكفر الأخروي
وإن حكي عن العلامة أنه قال في شرح كلامه في علة كفرهم: إن النص (أي النص على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام) معلوم بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله فيكون ضروريا
أي معلوما من دينه فجاحده كافر كوجوب الصلاة انتهى فيحتمل أن يكون المراد كفر
خصوص الطبقة الأولى من المسلمين الذين سمعوا النص من النبي صلى الله عليه وآله ثم
أنكروه كما ذكره في الجواهر ومن المعلوم أن النص لا يعلمه إلا بعض علمائهم.
وأما العوام منهم إن لم يعلموا بوجود النص على إمامته عليه السلام فلم يكن انكارهم من
الضروري مع أنه يمكن أن يقال كما احتمله الشيخ الأعظم في طهارته أن انكار هذا
الضروري ليس كانكار سائر الضروريات موجبا للكفر لكثرة احتياج الشيعة إلى معاشرة
أبناء العامة ولذا قد رخصوا عليهم السلام في معاشرتهم كما يستفاد من الروايات الآتية.
أو يقال: إنهم محكومين بالنجاسة إلا أن الشارع قد عفى عن هذه النجاسة.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3
(2) أصول الكافي جلد 2 صفحة 388 وجلد 1 صفحة 187.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 14.
314

للعسر والحرج الشديد على الشيعة لو حكم الشارع باجتنابهم.
وأما الروايات الدالة بظاهرها على نجاستهم فتعارضها روايات كثيرة دالة على
اسلامهم وجريان أحكام الاسلام عليهم.
فمنها ما رواه في الكافي عن سفيان بن السمط قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه
السلام عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق
وقد أذف من الرجل الرحيل فقال له أبو عبد الله عليه السلام كأنه قد أذف منك رحيل
فقال: نعم فقال: فالقني في البيت فلقيه فسأله عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما فقال:
الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله. وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام وقال:
الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقربها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا (1)
ومنها موثقة سماعة أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الاسلام والايمان أهما
مختلفان فقال: إن الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي
فقال: الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله به حقنت الدماء وعليه
جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من
صفة الاسلام وما ظهر من العمل الخبر (2)
ومنها صحيحة حمران بن أعين عن الباقر عليه السلام قال: سمعته يقول: الايمان ما
استقر في القلب وأفضى به إلى الله تعالى وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره والاسلام
ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه
جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك
من الكفر وأضيفوا إلى الايمان الحديث (3)
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على بيان الفرق الاسلام والايمان وأن
المخالف مسلم لكنه ليس بمؤمن ويدل على اجراء أحكام الاسلام على المخالف الأخبار الكثيرة المتظافرة (4) الدالة على حلية اللحوم والشحوم والجلود المأخوذة من أسواق المسلمين

(1) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 وصفحة 25 وصفحة 26
(2) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 وصفحة 25 وصفحة 26
(3) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 وصفحة 25 وصفحة 26
(4) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات.
315

مع أن من المعلوم أن أكثر الأسواق في زمان صدور الروايات كانت قائمة بأبناء العامة بل لم
يكن للخاصة سوق معلوم كما هو واضح.
وأما الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على كفرهم فيمكن حملها بقرينة هذه
الروايات على الكفر الباطني والأخروي وعليه يحمل ما نقل عن بعض القدماء كابن
النوبخت من الحكم بكفرهم كما تقدم.
وأما الجواب عن الروايتين الدالتين على أنهم من النواصب فبأن يقال: إن من
المحتمل أن يكون المراد أن تقديم الجبت والطاغوت على مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وكذا نصب الشيعة لكونهم موالين للأئمة عليهم السلام مرتبة ضعيفة من النصب لهم عليهم
السلام فيكون حكمهم حكم النواصب المعلنين بسبهم وعداوتهم عليهم السلام بحسب
العقاب الأخروي لا أنهم بحكمهم في جميع الأحكام حتى النجاسة بقرينة هذه الأخبار الدالة
على اثبات أحكام الاسلام عليهم.
وأما قوله عليه السلام: لأنك لا تجد أحدا يقول: إني أبغض محمدا وآل محمد صلى الله عليه وآله فهو
بظاهره خلاف الواقع لكثرة المبغضين لهم والسابين لهم والمستحلين لقتالهم عليهم السلام
فلا بد من تأويله أو رد علمه إلى أهله
(فصل)
في أحكام النجاسات وهي أمور.
الأول هل يكون المتنجس منجسا إذا لاقى الطاهر له مع الرطوبة السارية أو لا؟
المشهور بل ادعى كثير من الأعلام الاجماع على تنجيس المتنجس في الجملة.
نعم يظهر من ابن إدريس في السرائر انكار سراية النجاسة فيما عدا الملاقي الأول
وأنكر المحدث الفيض القاساني على ما حكي عن مفاتيحه - انكار السراية مطلاقا أي حتى
بالنسبة إلى الملاقي الأول استنادا إلى روايات سنذكرها ونذكر الجواب عنها.
واستدل على السراية أولا بالاجماع من جميع العلماء في جميع الأعصار على تنجيس
المتنجس ومخالفة ابن إدريس غير قادحة بعد معلومية نسبه والفيض من المتأخرين مع أن له
فتاوى شاذة كطهارة الخمر وحلية الغناء.
وثانيا بالأخبار وهي كثيرة فمنها الروايات الدالة على نجاسة الإناء إذا أدخل يده فيه
316

وكانت قذرة (1) ومنها موثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يجد في إنائه
فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا أو اغتسل أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة؟
فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها
في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة
الحديث (2)
وهذه الموثقة دالة على سراية النجاسة إلى الملاقي الثاني لأن الملاقي الأول الماء الذي
لاقته الفأرة فتنجس بها والملاقي الثاني بدنه وثيابه وغيرهما التي لاقت الماء فتنجست به وقد
أمر عليه السلام بغسلها وغسل كل ما أصابه ذلك الماء.
ومنها رواية المعلى بن خنيس عنه عليه السلام في الخنزير يخرج من الماء فيمر على
الطريق يسيل منه الماء أمر عليه حافيا قال عليه السلام: أليس ورائه شئ جاف قلت: بلى قال:
فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا (3).
تدل هذه الرواية على تنجس الرجل الملاقية للأرض التي مشى عليها الخنزير الذي
سال منه الماء وأن الأرض الجافة تطهرها ومن المعلوم أن الرجل الملاقية الثانية بل الثالثة
بالنسبة إلى الخنزير فإن الملاقي الأول للخنزير هو الماء والملاقي الثاني هو الأرض فتصير الرجل
هي الملاقية الثالثة.
ومنها الروايات الدالة على وجوب تطهير الإناء إذا شرب الكلب منه الماء (4).
ومنها صحيحة العيص قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بال في موضع
ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه قال: يغسل ذكره وفخذه وسألته عمن
مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب ثوبه يغسل ثوبه قال: لا (5).
وصدر هذه الرواية يدل على سراية النجاسات إلى ثلاث وسائط لأن الذكر
هو الملاقي الأول للبول والعرق هو الملاقي الثاني الذي لاقى الذكر والملاقي الثالث هو الفخذان

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه
(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 4 والباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 5
(3) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 4 والباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 5
(4) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1 والباب 6 الحديث 2.
317

اللذان لاقيا العرق وقد أمر عليه السلام بغسل الجميع ولكن ذيلها ينافي صدرها إذا كان المراد
من السؤال أن الموضع الذي أصاب البول هو الذي أصاب الثوب فيدل على عدم السراية مع
أن الصدر دل على السراية فيحصل التنافي بين الصدر والذيل.
مضافا إلى أن بعض الفقهاء استدل بذيلها على عدم تنجيس المتنجس ولكن يحتمل
أن يكون المراد بالسؤال أنه مسح البول ببعض يده ثم مسح ثوبه ببعضها الآخر يشك معه أن
موضع النجس من يده هل أصاب ثوبه أم لا فأجاب عليه السلام بأنه لا يغسل ثوبه لأنه لا يدري أن
الموضع الذي أصاب الثوب هو الموضع الذي أصابه البول هذه هي الروايات التي تدل على
تنجيس المتنجس لملاقيه.
وأما الروايات الدالة - بظاهرها - على عدم تنجيس المتنجس فكثيرة أيضا.
منها موثقة حنان بن سدير قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال:
إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي فقال: إذا بلت فامسح وتمسحت (خ ل) ذكرك
بريقك فإن وجدت شيئا فقل: هذا من ذاك (1).
فإنه يستفاد منها أن البلل الخارج بعد البول مع عدم الاستنجاء منه بحكم الريق
أي هو طاهر مع أنه أصاب موضع البول الذي لم يغسله.
ولكن يحتمل أن يكون مراد السائل من قوله: يشتد ذلك علي - أني بواسطة عدم
وجدان الماء وخروج البلل الملاقي لموضع البول أقع في الشدة والضيق لأجل تنجس جسدي
وسراويلي فأجاب عليه السلام بأنه يمكن لك دفع الشدة بالقاء الشك عليك بأن تمسح
ذكرك أي غير الموضع البول منك بالريق فإن وجدت بعد ذلك شيئا من الرطوبة فقل:
هذا رطوبة الريق لا الرطوبة الخارجة من مخرج البول فكأنه عليه السلام علمه بعض الحيل
الشرعية.
ومنها صحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أبول فلا أصيب
الماء وقد أصاب يدي شئ من القذر فأمسحه بالحائط أو التراب ثم تعرق يدي فأمسح وجهي
أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي فقال: لا بأس به (2).

(1) جامع الأحاديث الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث 2
(2) لم أظفر بها في مظانها نعم أوردها الهمداني في مصباحه صفحة 581.
318

بناء على أن المراد أن خصوص موضع البول أصاب الوجه أو بعض الجسد أو
الثوب.
ولكن يمكن أن يكون مراده أن هذه اليد التي أصاب ببعضها البول أصابت
الوجه ولكن لا أعلم أن الموضع المتنجس أصاب الوجه أو الموضع الطاهر منها أصاب وجهي
فأجاب (عليه السلام) بأنه لا بأس به يعني أنك حيث لا تعلم بأن خصوص الموضع المتنجس قد أصاب
وجهك فلا تعتن بذلك
ومنها رواية سماعة أو موثقته قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إني أبول
فأتمسح بالأحجار فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي قال: لا بأس به (1).
وهذه الرواية يمكن أن يكون نفي البأس فيها لأجل عدم تنجيس المتنجس فتصير
دليلا لما نحن فيه.
ويحتمل أن يكون لأجل كفاية المسح بالأحجار في رفع قذارة البول فتكون الرواية
موافقة لقول العامة وحيث إنه لا دليل على تعيين أحد الاحتمالين فلا يمكن الاستدلال بها مع
أنها ضعيفة السند.
ومنها رواية حفص الأعور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الدن يكون فيه
الخمر ثم يجفف فيجعل (يجعل خ ل) فيه الخل قال: نعم (2)
فإنه يستفاد منها أن الدن مع أنه لاقى الخمر وتنجس لا ينجس الخل الذي يصب
فيه وإلا كان عليه أن يأمر بغسله ولكن تعارض هذه الرواية روايات أخر
مثل رواية عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدن يكون فيه الخمر هل
يصلح أن يكون فيه الخل أو ماء كامخ أو زيتون قال: إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق وغيره
يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء قال: إذا غسل فلا بأس الحديث (3).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الشراب في إناء
يشرب فيه الخمر قد حاعيدان أو باطية قال: إذا غسله فلا بأس وسألته عن دن الخمر أيجعل

(1) جامع الأحاديث الباب 16 من أبواب التخلي الحديث 6
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 12
(3) جمع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 9.
319

فيه الخل وزيتون أو شبهه قال: إذا غسل فلا بأس (1). إلى غير ذلك من الأخبار فلذا حمل
الشيخ قده رواية حفص الأعور على ما إذا غسل ثلاثا، ومنها أي من الروايات الدالة
بظاهرها على عدم تنجيس المتنجس رواية علي بن جعفر عنه عليه السلام قال: سألته عن
الكنيف يصب فيه الماء فينتضح على الثياب ما حاله قال: إذا كان جافا فلا بأس (2) بناء
على أن المراد أن الكنيف مع كونه نجسا إذا انتضح الماء منه على الثياب لا تتنجس لعدم
تنجيس المتنجس وأما إذا كان رطبا فلا يكون كذلك لوجود أجزاء النجاسة فيه فيكون من
انتضاح النجس حينئذ دون المتنجس.
ولكن يحتمل أن يكون المراد أن الموضع إن كان جافا باشراق الشمس عليه
فلا بأس لأنه قد طهرته الشمس وكيف كان فلا يمكن الحكم بظواهر هذه الروايات مع هذه
الاحتمالات فيها مع ما في أكثرها من الضعف واعراض المشهور عنها فلا تكافئ تلك
الأخبار الصحيحة والمعتبرة المعمول بها فالأقوى ما عليه المشهور من أن المتنجس منجس.
الثاني:
من أحكام النجاسات أنه يحرم على المكلف تنجيس المساجد واستدل لتحريم
تنجيس المساجد بأمور الأول الاجماع الثاني قوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا
المسجد الحرام (3) بدعوى عدم الفصل بين نجاسة المشرك وسائر النجاسات ودعوى عدم
الفصل بين المسجد الحرام وسائر المساجد.
ولكن يمكن أن يناقش في دلالة الآية بأنه لم يثبت كون النجس في الآية بمعنى
النجس الشرعي إذ يحتمل أن يكون بمعنى القذارة ولم يثبت شرعا عدم جواز ادخال كل قذر
في المسجد.
واستدل أيضا بقوله تعالى: وطهر بيتي للطائفين والعاكفين (4) مع تتميمه بعدم

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 10
(2) جامع الأحاديث الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 10
(3) سورة التوبة الآية 28
(4) سورة الحج الآية 26.
320

الفصل بين المسجد الحرام وغيره ولكن يرد على هذا الاستدلال أن الأمر على فرض دلالته
على الوجوب لا يدل إلا على وجوب تطهير المسجد بعد تنجسه فلا يدل على حرمة تنجيس
المسجد كما لا يخفى فتأمل.
الثالث الرواية المروية من طرق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
جنبوا مساجدكم النجاسة (1) بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب بها.
ويمكن أن يناقش في دلالتها - مع الغض عما في سندها بأنه يحتمل أن يكون
المراد بالمساجد مواضع السجدة كما في قوله تعالى: إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله
أحدا (2).
إلا أن يجاب عن هذه المناقشة بأن الظاهر من المساجد هي المساجد المعروفة
لا مواضع السجدة لوقوع نظائرها في الأخبار كقوله عليه السلام: جنبوا مساجد كم الأطفال
والمجانين ونحو ذلك.
واستدل أيضا على عدم جواز تنجيس المساجد بموثقة الحلبي قال: نزلنا في مكان
بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أين نزلتم فقلت: في
دار فلان فقال: إن بينكم وبين المسجد زقاقا " قذرا أو قلنا له: إن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا
فقال: لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضها (3) وبروايته الأخرى عنه عليه السلام قال:
قلت له: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق
برجلي من نداوته فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة قلت: بلى قال: فلا بأس أن
الأرض يطهر بعضها بعضا قلت: فأطأ على الروث الرطب فقال: لا بأس أنا والله ربما وطئت
عليه ثم أصلي ولا أغسل (4).
ويرد على الاستشهاد بهذه الرواية أنه يمكن أن يكون مورد نظر السائل أن
النجاسة مانعة للصلاة فأجاب عليه السلام بأن الأرض يطهر بعضها بعضا خصوصا بقرنيه

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة الحديث 2
(2) سورة الجن الآية 18
(3) جامع الأحاديث الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 1
(4) جامع الأحاديث الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 2.
321

ذيله من قوله ع: ثم أصلي ولا أغتسل.
وربما يستدل بهذه الأدلة على عدم جواز ادخال مطلق النجاسات في المسجد
وإن كانت غير متعدية.
ولكن يرد عليه - مضافا إلى الخدشة في أصل دلالتها على حرمة ادخال مطلق
النجاسات والمتعدية أيضا - أن ما يستفاد من بعض الأخبار من جواز اجتياز الجنب
والحائض ودخول الأطفال - على كراهية - ودخول صاحب القروح والجروح - في
المساجد مع العلم غالبا أو دائما بنجاستهم وحضور صاحب القروح والجروح ومن به الدم
القليل لصلاة الجماعة - مناف لذلك كله وللأخذ باطلاق الأدلة المتقدمة ويعلم أن الاطلاق
ليس على حاله بل المراد حرمة تلويث المسجد بالنجاسة الذي لا يتحقق إلا بادخال
النجاسة الرطبة فيه فلا بأس بادخال اليابسة نعم إذا استلزم ادخالها هتكا للمسجد يحرم ح
ادخالها فيه لأجل الهتك لا لأجل حرمة مطلق ادخال النجاسة فيه.
ثم إنه كما يحرم تنجيس المساجد كذلك يجب إزالة النجاسة عنها اجماعا ومستند ذلك
- بعد الاجماع - هي الأدلة المتقدمة - أعني قوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام وقوله
تعالى: وطهر بيتي الخ وقوله صلى الله عليه وآله: جنبوا مساجد كم النجاسة - بل دلالة
بعض تلك الأدلة على وجوب التطهير أوضح من دلالتها على حرمة تنجيس المساجد بل
يستفاد من بعضها أولا وبالذات وجوب التطهير كقوله تعالى: وطهر بيتي وقوله صلى الله عليه وآله وسلم جنبوا
مساجد كم النجاسة ودلالة هذين على حرمة التنجيس على نحو الاستلزام.
ثم أنه ألحق بالمساجد في حرمة تنجيسها ووجوب تطهيرها عن النجاسات المشاهد
المشرفة والضرائح الشريفة وكذا المصحف الشريف وكتب الأحاديث بل يمكن الحاق كل
ما يكون تنجيسه هتكا لحرمة الاسلام كالكتب الفقهية والرسائل العملية والأمكنة المعدة
للعبادة كمزار العلماء والصلحاء وأولاد الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما بقي الليل والنهار.
وأما إذا لم يستلزم التنجيس للهتك بأن صار جلد الكتب متنجسا بالنجاسة غير
العينية وكذا سائر المذكورات فلا يجب تطهيرها.
ثم إن إزالة النجاسة عن المساجد فورية فلا يجوز تأخيرها والمبادرة بالصلاة في سعة
وقتها فإن صلى قبل الإزالة قيل ببطلان الصلاة لأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده
322

الخاص.
ولكن حيث اخترنا في الأصول عدم كون الأمر بالشئ مقتضيا للنهي عن ضده
الخاص - فلا نحكم ببطلان الصلاة من هذه الجهة نعم يمكن الحكم ببطلانها من جهة عدم
الأمر بها مع ورود الأمر بالإزالة لعدم امكان صدور الأمر بالضدين في وقت واحد
والمفروض أن مشروعية العبادة تحتاج إلى ورود الأمر من الشارع.
ولكن يمكن تصوير وجود الأمر على نحو الترتب بأن يقال: إن الصلاة والإزالة كل
واحدة قد تعلق الأمر بها بالأصالة ولكن يمنع الأمر الصلاتي الأمر بالإزالة فإذا خالفه فالأمر
بالصلاة يصير فعليا مع أنه يمكن أن يقال: إنا لا نحتاج إلى وجود الأمر بالصلاة فإن المصلحة
الذاتية الكائنة فيها تصيرها راجحة بحيث يمكن تحقق نية التقرب بها.
(الثالث:)
من أحكام النجاسات أنه تجب على المصلي إزالة النجاسة عن بدنه ولباسه فإن
صلى مع النجاسة عامدا مختارا بطلت صلاته وإن صلى جاهلا بالنجاسة صحت وإن صلى
ناسيا لها بطلت أيضا وتدل على الفروع الثلاثة - أعني بطلان صلاته باتيانها مع النجاسة
تعمدا أو نسيانا وصحة اتيانها مع النجاسة جهلا روايات كثيرة.
منها رواية عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب
ثوبه جنابة أو دم قال: إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم صلى فيه
ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة (1).
ومنها رواية الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يبول
فيصيب بعض فخذه وركبته قدر نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد ذلك أنه لم يغسله قال:
يغسله ويعيد صلاته (2).
ومنها رواية ابن مسكان قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله عليه السلام مع إبراهيم
بن ميمون قلت سله (تسأله خ ل) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي
ويذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها قال: يغسلها ويعيد صلاته الصلاة (3) إلى غير ذلك من

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 3 والباب 28 من أبواب النجاسات - 28
الحديث 15.
(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 3 والباب 28 من أبواب النجاسات - 28
الحديث 15.
323

الأخبار وسنتكلم في هذه المسألة تفصيلا.
فصل في النجاسات المعفو عنها في الصلاة
وهي أمور الأول دم القروح الثاني دم الجروح وهل يكون العفو منهما على الاطلاق أو
بشرط أن يكون في تطهيرهما المشقة أو بشرط السيلان مع ذلك؟ - قد اعتبر كثير من القدماء
والمتأخرين - بل قيل: إنه مختار الأكثر وجود القيدين بل قيل: إن المستفاد من الأخبار ذلك
ولكن قال بعضهم بأنه لا يشترط شئ من القيدين بل يكون الدم معفوا ما دام القروح
أو الجروح باقية فلنذكر بعض الأخبار حتى يتضح القول الصواب.
فمنها صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون به
الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا (وثيابه بمنزل جلده خ ل) فقال: يصلي في
صلاته ولا يغسلها ولا شئ عليه (1). ومنها موثقة سماعة عنه عليه السلام قال إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه
من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم (2).
ومنها رواية أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي فقال لي
قائدي: إن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما فقال لي: إن
بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرء (3). وهذه الرواية كالصريحة بأن غاية وجوب غسل
الدم حصول البرء.
ومثله رواية سماعة بن مهران التي قبل هذه الرواية والمراد بانقطاع الدم في رواية
سماعة هو حصول البرء وليس المراد بحصول البرء هو انقطاع الدم وأن يبرأ الجرح فإنه
خلاف الظاهر فيستفاد من الروايتين العفو عن هذا الدم ما دام القرح والجرح باقيين وبعد
حصول البرء يجب تطهير الدم ولم يقيد في الروايتين بحصول المشقة في تطهيره بل هما مطلقتان.
نعم يظهر من موثقة سماعة اعتبار السيلان حيث قال: إذا كان بالرجل جرح
سائل.
ومثله رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الرجل تخرج

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 18 - 20.
(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 18 - 20.
324

به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلي فقال: يصلي وإن كانت الدماء تسيل (1).
حيث يستفاد منها أن مفروض السؤال هو دوام الادماء فيستكشف من الروايتين
أن العفو مشروط بالسيلان هذا.
ولكن رواية محمد بن مسلم دلالتها على عدم اعتبار السيلان أظهر لأنه عليه السلام
قال في جوابه: يصلي وإن كانت الدماء تسيل حيث يظهر منه أنه فرض فردا خفيا يعني تجوز
الصلاة مع الدماء وإن كانت تسيل فضلا عما إذا لم تكن سائلة ففرض السيلان فرض خفي
فعدم السيلان أولى بالعفو مع أنه ليس المراد بالسيلان سيلان الدم دائما بحيث لا يحصل له فتور
وانقطاع فإنه غير ممكن في أكثر القروح والجروح بل المراد بالسيلان في بعض هذه الأخبار
وكلمات بعض الأصحاب مجيئ الدم شيئا فشيئا أي في وقت دون وقت بحيث لم ينقطع
بالكلية فإنه يطلق عليه السيلان في العرف مثلا إذا رآى أحد في بدن غيره جراحة يسيل منها
الدم ثم رآه بعد أيام فسأل عنه هل انقطع الدم أو لا فأجابه بأنه لا يزال يجري منه الدم -
لا يتبادر إلى ذهن السائل أن الدم كالماء الجاري لا ينقطع جريانه أصلا بل يستفيد من كلامه
أن جرحه لما يندمل ويجيئ منه الدم في بعض الأحيان هذا تمام الكلام في السيلان. وأما
اعتبار المشقة فاطلاق هذه الروايات يدفعه نعم يستشعر من بعض الأخبار اعتبارها.
فمنها مضمرة سماعة قال: سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن
يربطه ولا يغسل دمه قال: يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه
كل ساعة (2).
ومنها رواية محمد بن مسلم المضمرة قال: قال: إن صاحب القرحة التي لا يستطيع
ربطها ولا حبس دمها يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة (3).
ولكن لا يمكن الاعتماد على هاتين المضمرتين لأنها مخالفتان لاطلاق الروايات
المتقدمة التي فيها الصحيحة والموثقة مع كونهما مضمرتين ومشتملتين على ما لم يفت
الأصحاب به وهو غسل الثوب في كل يوم مرة.

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 14
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 19
(3) لم أظفر مظانها نقلها الهمداني في طهارته صفحة 588.
325

نعم حملهما الأصحاب بالنسبة إلى غسل الثوب كل يوم مرة على الاستحباب فح
العمل على طبق اطلاق تلك الأخبار متعين اللهم إلا أن يقال: إن تلك الأخبار مطلقة يمكن
تقييدها بهاتين المضمرتين لكن يرد عليه أن المضمرتين لا تصلحان للتقييد لأنهما ضعيفتا
السند ولا جابر لهما وإن كان الأحوط اعتبار المشقة في غسل الدم.
وأما اعتبار السيلان فقد عرفت معناه وأن المراد به على تقدير اعتباره هو عدم انقطاع
الدم بالمرة ولا بأس بالالتزام به بهذا المعنى وإن أمكن دفع اعتباره باطلاق سائر الأخبار.
ثم إن المعفو من دم القروح والجروح ما كان في أطراف القروح - أو الجروح دون
ما إذا تجاوز من أطرافها فإذا تجاوز عن المقدار المتعارف إلى الأطراف وكان يمكنه ربطه بخرقة
أو نحوها فالأقوى عدم العفو، والمقدار المتعارف يختلف بحسب اختلاف القروح والجروح في
الكبر والصغر وبحسب اختلاف مواضعها ولا بد من صدق القروح أو الجروح من موارد العفو
فالدماميل الصغار التي تحصل بالحكة ونحوها لا يصدق عليها القروح وكذا الشقاق الذي
يتحقق في البدن بواسطة البرد ونحوه لا يصدق عليه الجروح نعم في صورة الصدق في كل مورد
يجري عليه حكم العفو، وفي موارد عدم الصدق إن استلزم غسلها للعسر والحرج المنفيين في
الاسلام لا يجب غسلها بواسطة أدلة العسر والحرج لا بواسطة هذه الأدلة فإن هذه الأدلة أعم
من أدلة العسر والحرج فإن الظاهر من هذه الأدلة هو العفو عن دم القروح والجروح وإن لم
يستلزم غسلها للعسر والحرج فهذه الأدلة دائرتها أوسع من دائرة أدلة نفي العسر والحرج.
(الثالث:)
مما يعفى عنه في الصلاة الدم الأقل من الدرهم وادعى غير واحد على عفوه الاجماع
وأما الدم الذي يكون أكثر من الدرهم فالاجماع على عدم عفوه.
وإنما الاختلاف في الدم الذي يكون بمقدار الدرهم فالأكثر على عدم عفوه وقيل
بالعفو عنه ويستشعر ذلك من بعض الأخبار فلنذكر بعضها حتى يتضح القول المختار.
منها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في
دم البراغيث.؟ قال: ليس به بأس قال: قلت: إنه يكثر ويتفاحش قال: وإن كثر قلت:
فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد
ما صلى أيعيد صلاته قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله
326

ويعيد الصلاة (1) وهذا الرواية صريحة في عدم العفو عن الدم بمقدار الدرهم وهي صحيحة
وليس لها معارض صريح وما بترائي من بعض الأخبار الآتية من ظهوره في العفو عن مقدار
الدرهم - سيجيئ التكلم فيه وقوله عليه السلام: مجتمعا أي يقدر مجتمعا بمقدار الدرهم وليس المراد به
الاجتماع الفعلي.
ومنها مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام أنهما قالا: لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح وإن كان
قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم (2).
ومنها رواية إسماعيل الجعفر عن أبي جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في
الثوب: إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم وقد كان
قد رآه فلم يغسل حتى صلى فليعد صلاته وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة (3).
واستدل من قال بالعفو عن الدم بمقدار الدرهم أولا بهذه الرواية لأنه عليه السلام
قد علق الإعادة على ما إذا كان الدم أكثر من الدرهم فيستفاد منها عدم وجوب الإعادة فيما
إذا كان بمقدار الدرهم وإلا لم يكن لتعليق وجوب الإعادة على ما إذا كان أكثر من الدرهم
ثانيا بحسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الدم يكون في الثوب علي
وأنا في الصلاة قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره وإن لم يكن عليك
ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من
ذلك فليس بشئ رأيته قبل أو لم تره وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت
غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه (4).
ولكن لا يمكن التمسك بالروايتين لاثبات العفو عن مقدار الدرهم - بعد التصريح
في صحيحة ابن أبي يعفور بوجوب غسل مقدار الدرهم وإعادة الصلاة فيمكن حمل الروايتين
على بعض المحامل.
أما الرواية الأولى فبأن يقال: إن تدل عليه هو عدم بيان حكم الدم بمقدار

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 2
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 6.
327

الدرهم فكما يحتمل دخوله في حكم الجملة الأولى - أعني حكم الدم الأقل من الدرهم -
فكذا يحتمل دخوله في حكم الجملة الثانية - أعني حكم ما إذا كان أكثر من الدرهم -
ولا مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر فتكون الرواية مجملة بالنسبة إلى الدم بمقدار الدرهم
ويقال أيضا إذا كان الدم بمقدار الدرهم معفوا فلم خص العفو في صدر الرواية بالدم الأقل
من الدرهم فمع هذا الاجمال كيف يمكن التمسك بالرواية؟
وأما الرواية الثانية فإنها أيضا لا تخلو عن اجمال لأن قوله عليه السلام وما كان أقل من ذلك -
كما في نسخة الكافي والتهذيب - إن كان المشار إليه بذلك - الزائد من الدرهم - أي
إذا كان أقل من الزائد عن الدرهم - فيكون مقدار الدرهم على هذا البيان معفوا عنه.
وأما إذا كان كلمة ذلك إشارة إلى الدرهم فيكون المعفو أقل من الدرهم وإن كان
يؤيد الاحتمال الأول قوله عليه السلام: وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم ويؤيد
الاحتمال الثاني ما عن الفقيه من قوله عليه السلام: فإن كان أقل من درهم بدل قوله: وما كان أقل
من ذلك فيكون حكم العفو مختصا بأقل من الدرهم.
والحاصل أن هذه الرواية مع هذه الاحتمالات واختلاف النسخ لا يمكن
الاستدلال بها فالعمل ح على طبق صحيحة ابن أبي يعفور مع أن عمل أكثر الأصحاب على
طبقها.
ثم إنه لا فرق ظاهرا بين ما إذا كان الدم الأقل من الدرهم مجتمعا وبين ما إذا كان
متفرقا وربما يقال: بأن المتفرق مثل النضح معفو عنه وإن كان أكثر من الدرهم.
واستدل له بصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة حيث قال في ضمنها: قلت: فالرجل
يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى،
أيعيد صلاته قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد
الصلاة حيث يظهر منها أن مقدار الدرهم إذا كان مجتمعا فلا بد له من إعادة الصلاة.
ولكن هذا بناء على أن يكون مقدار الدرهم اسما لكان ومجتمعا خبره أو يكون
مجتمعا خبرا بعد خبر لكان أو يكون حالا لمقدار الدرهم وأما إذا كان حالا للدم المقدر كونه
اسما لكان فيصير معناه ح إلا أن يكون ذلك الدم أي الدم المنقط أي المنتشر في الثوب بمقدار
الدرهم حال كون الدم مجتمعا أي مقدرا اجتماعه بمقدار الدرهم فيكون المراد بالاجتماع
328

الاجتماع التقديري دون الفعلي وظاهر الرواية هو الاحتمال الأخير فإنه المناسب لمفروض
السؤال وأما إذا كان المراد الاجتماع الفعلي فلا يناسب مفروض السائل فإن السائل إنما
سأل عن الدم المنتشر في الثوب لا مطلق الدم أو الدم المجتمع فجوابه بحكم الدم المجتمع
جواب بشئ أجنبي عن السؤال فيصير الاستثناء عند ذلك منقطعا بخلاف ما إذا كان المراد
بالاجتماع الاجتماع التقديري فإن الجواب يصير ح ملائما للسؤال.
واستدل هذا القائل أيضا بمرسلة جميل المتقدمة حيث قالا - أي الباقر والصادق
عليهما السلام: لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح وإن كان
قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم. بأن يكون المراد إذا كان
مجتمعا ففيه بأس إذا كان بمقدار الدرهم وأما إذا لم يكن مجتمعا فلا بأس وإن كان بمقدار الدرهم
ولكن دلالة هذه الرواية على مراد هذا البعض أضعف من دلالة الأولى بل دلالتها
على ما ذكرناه في الرواية الأولى - من أن المراد بالاجتماع الاجتماع التقديري لا الفعلي -
أظهر من دلالة الرواية الأولى فالأقوى ما عليه الأكثر من أنه لا فرق بين الدم المجتمع والمتفرق
في الحكم.
ثم إنه استثنى من الدم الأقل من الدرهم الدماء الثلاثة - أعني دم الحيض
والنفاس والاستحاضة وكذا دم النجس العين كالكلب والخنزير والكافر والميتة وكذا دم غير
مأكول اللحم أما الدليل على استثناء دم الحيض - مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من غير
واحد - فرواية أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لا تعاد الصلاة من
دم لم لا تبصره إلا دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء (1).
واستشكل في الرواية بأمرين أحدهما ضعف السند وثانيهما من جهة ضعف الدلالة
فإن قولهما عليهما السلام: لا تعاد الصلاة من دم لم لا تبصره - كما يحتمل أن يكون المراد
به القلة يعني لا تعاد الصلاة من الدم الذي لا يدركه الطرف لأجل قلته كذلك يحتمل أن
يكون المراد منه الدم الذي لم تره قبل الصلاة أي إن كنت به جاهلا قبل الصلاة خصوصا في

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 1.
329

النسخة المشتملة على لفظ لم في قوله: من دم لم تبصره فإن الأظهر أن المراد الجهل بوجوده فمع
هذين الاشكالين كيف يمكن التمسك بالرواية؟
ولكن يمكن الجواب عن كلا الاشكالين أما ضعف السند فمنجبر بعمل الأصحاب
بها.
وأما ضعف الدلالة فيقال: إن المراد بقرينة فهم الأصحاب وبقرينة قوله: إلا دم
الحيض فإن قليلة وكثيره الخ - الدم القليل لا الدم المجهول وجوده فح يحتمل أن يكون قوله
رآه أو لم يره تأكيدا لقوله: قليله وكثيره يعني أن دم الحيض وإن كان قليلا بل وإن لم يره من
جهة قلته لا بد من إعادة الصلاة منه وعلى فرض أن يكون المراد بقوله: وأن لم يره الجهل
بوجوده فيكفي قولهما عليهما السلام: قليله وكثيره غاية الأمر أن الرواية دالة على عدم العفو عن
دم الحيض حتى في حال الجهل بوجوده فالرواية تصير حينئذ غير معمول بها بالنسبة إلى هذه
الفقرة ولا مانع منه بعد عمل الأصحاب بالفقرة الأولى أعني قولهما عليهما السلام: قليله وكثيره.
وعلى فرض ضعف سند الرواية ودلالتها فلا جماع وعدم نقل الخلاف كاف في
المسألة هذا كله في دم الحيض.
وأما دم النفاس فلا رواية فيه تدل على المنع نعم يمكن دلالة هذه الرواية المانعة من
دم الحيض على ذلك بأن يقال إن دم النفاس هو دم الحيض حبسه الله تعالى في رحم الأم
لغذاء الولد كما يستفاد من بعض الأخبار (1) فيكون من أفراد دم الحيض الممنوع فيه
الصلاة.
وفيه أن هذا الوجه مجرد استحسان لا يمكن الاعتماد عليه فإنه يشبه بالقياس
فإن كونه بحسب الواقع دم الحيض لا يترتب عليه جميع أحكام لحيض وإلا فلا وجه لجعله
قسيما للحيض وفردا مقابلا له فالعمدة في المستند هو دعوى الاجماع.
وكذا الاشكال بعينه جار في دم الاستحاضة بأنه ليس من أقسام الحيض ولم يدل
على مانعيته دليل على حدة ويجاب بهذا الجواب أيضا بأن يقال: إنه وإن لم يكن من أفراد
الحيض إلا أن بطلان الصلاة بترك الاغتسال منه يصيره بمنزلة دم الحيض.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب النفاس.
330

ولكن هذا الجواب كسابقه فالعمدة فيه أيضا دعوى الاجماع.
وأما دم نجس العين فذكروا لاستثنائه من الدم المعفو عنه أمرين الأول أن دم نجس
العين ملاق للنجس العين ومن المعلوم أن الدم من حيث هو معفو عنه فإذا لاقى نجسا آخر
كالعذرة أو البول ينتفي العفو عنه فدم نجس العين حيث إنه دائما ملاق لنجاسة أخرى وهي
نجاسة نجس العين لا يمكن القول بالعفو عنه.
الثاني أن نجس العين من الحيوان غير المأكول وكل حيوان مأكول اللحم لا يجوز
الصلاة بشئ من أجزائه كما ورد في بعض الأخبار من قوله عليه السلام: إن الصلاة في
وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد
لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحله الله الخ (1).
فالصلاة في دم نجس العين أيضا فاسد لدخوله في قوله عليه السلام: وكل شئ منه. ومن هذا
البيان يظهر الوجه في عدم جواز الصلاة في دم ما لا يؤكل لحمه.
ثم إنه لا فرق بين الثوب والبدن في العفو عما دون الدرهم من الدم فيه وإن كانت
الأخبار قد ذكر فيها الثوب فراجعها. لعدم اختصاص الحكم بالثوب فقط مع أن في بعض الأخبار ذكر البدن.
كرواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: حككت
جلدي فخرج منه دم فقال: إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله وإلا فلا (2).
وتحديد الدم بالحمصة في هذه الرواية وإن كان منافيا لتحديده في سائر الأخبار إلا أنه
لا مانع من الاستشهاد بصدرها مع أنه يمكن توجيهه بأن المراد بالحمصة مقدار وزنها وهذا
المقدار لعله أكثر من مقدار الدرهم.
ثم إن المشهور أن الدرهم وقع غاية للجواز هو الدرهم البغلي وقد اختلفوا في
مقداره على أربعة أقوال الأول تحديد مقداره بأخمص الراحة أي المقدار المنخفض من راحة
الكف الثاني أن مقداره رأس عقد الابهام الثالث أن مقداره عقد السبابة الرابع أن مقداره
عقد الوسطى.

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب لباس المصلي الحديث 8
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 8.
331

الرابع:
من النجاسات المعفو عنها في الصلاة نجاسة ثوب المربية للطفل إذا غسلته في كل يوم
وليلة مرة واحدة على المشهور بل ادعى غير واحد عليه الاجماع والدليل على عفو هذه
النجاسة هو رواية أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص
واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع قال: تغسل القميص في اليوم مرة (1).
ولكن الرواية ضعيفة السند لأن في طريقها محمد بن يحيى المعاذي الذي ضعفه
العلامة قده - على ما حكي عنه ولاشتراك أبي حفص بين الثقة وغيره ولذا قد توقف في هذا
الحكم المقدس الأردبيلي وتبعه صاحب الذخيرة وصاحبي المعالم والمدارك - على ما حكي
عنهم.
إلا أن يقال: إن مع ضعفها قد عمل أكثر الأصحاب بها فلا اشكال فيها من
جهة ضعف السند.
وأما من جهة دلالتها فيقع البحث فيها من جهات الأولى هل يمكن تعدي الحكم
من المربية إلى المربي للطفل فيه وجهان من جهة أن مورد الرواية المربية والتعدي عن
موردها يحتاج إلى الدليل ومن جهة أن لفظ المرأة لا دخل له في هذا الحكم والتعبير بلفظ المرأة
في الرواية باعتبار أن المتصدي لتربية المولود غالبا هي المرأة وهذا كما يقال: إن لاقى كلب
ثوب رجل مع الرطوبة يجب غسله فكما لا يفهم من هذا الكلام اختصاص الحكم بالرجل
ولا بالثوب فكذا فيما نحن فيه فيقال: إن مناط الحكم في المرأة المتصدية لتربية المولود موجود
في المربي أيضا فيمكن أن يكون التعبير بالمرأة من باب المثال لا الاختصاص والأوجه
هو الوجه الثاني أي التعدي من مورد الرواية.
الجهة الثانية هل يكون فرق في المولود بين الذكر والأنثى؟ الظاهر لا وإن عبر بعض
الفقهاء كصاحب الشرايع بالصبي لأن مورد الرواية هو المولود وهو يشمل الذكر والأنثى.
الجهة الثالثة هل يمكن التعدي من البول الذي هو مورد الرواية إلى غيره من

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب النجاسات الحديث 1.
332

النجاسات كالغائط والدم الظاهر لا لأن مورد الرواية هو البول ولا اطلاق في لفظ بحيث
يشمل سائر النجاسات مع أنه يمكن اختصاص الحكم بالبول من جهة عسر التجنب عنه
لأجل كثرته ومائيته بخلاف مثل الغائط فإن التجنب عنه ليس بهذه المثابة عن العسر
فالتعدي في هذا الحكم المخالف للأصل يحتاج إلى دليل.
وكذا يكون مورد الرواية هو ثوب المربية فلا يمكن التعدي منه إلى البدن وإن كان
نجاسة الثوب غالبا ملازمة لنجاسة البدن ولكن حيث إن تطهير البدن أقل مشقة من تطهير
الثوب لعدم اعتبار العصر فيه وحصول الجفاف بمجرد غسله بخلاف الثوب فلا بد من غسله
كلما صار نجسا اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على المتيقن وهو الثوب الذي هو مورد
الرواية.
نعم إذا استلزم غسل البدن للعسر والحرج المنفيين في الدين لا يجب غسله إلا بمقدار
لا يستلزم الحرج والعسر حتى أنه إذا كان غسله في كل يوم وليلة مرة واحدة مستلزما للعسر
لا يجب غسله مرة في كل يوم وليلة.
فيكون حكم غسل البدن دائرا مدار العسر والحرج فكل مورد يستلزم غسله للعسر
والحرج يسقط غسله ولا ارتباط له بحكم الثوب فإن الثوب لا يجب غسله في كل يوم وليلة
إلا مرة واحدة وإن لم يستلزم غسله في كل يوم عشر مرات للعسر والحرج فوجوب غسل البدن
وعدم وجوبه دائر مدار العسر فكل مورد يكون غسله عسرا لا يجب غسله وإذا لم يستلزم العسر
وجب غسله.
وهذا بخلاف الثوب فإن وجوب غسله لا يدور مدار العسر فلا يجب غسله في كل يوم
إلا مرة واحدة وإن لم يستلزم غسله عشر مرات في كل يوم للعسر والحرج.
نعم إذا استلزم غسله في كل يوم وليلة مرة للعسر والحرج سقط ح وجوب غسله في
كل يوم وليلة مرة بل يجب غسله ح بمقدار لا يستلزم العسر والحرج.
الرابع:
من أحكام النجاسات أنه يجب غسل البول من الثوب والبدن مرتين على المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا بل ربما ادعى عليه الاجماع.
وقيل: بكفاية المرة مطلقا استضعافا للروايات الآمرة بالمرتين واستنادا إلى بعض الروايات
333

المطلقة.
كحسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي قال: تصب
عليه الماء وإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا والغلام والجارية في ذلك شرع سواء (1).
ورواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: وسألته
عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثم يصب
عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من الجانب الآخر (2).
ولكن هاتان الروايتان لا تصلحان للمعارضة مع الأخبار الآتية التي فيها الصحيحة
والحسنة مع أن هاتين الروايتين ونحوهما من الاطلاقات يمكن تقييدها بسائر الأخبار المقيدة
واستضعاف الأخبار الآتية في غير محله لأن بعضها صحيحة وبعضها حسنة أو موثقة وعمل
الفقهاء بها وربما فصل بين الثوب والبدن فقيل بوجوب التعدد في الأول دون الثاني
استضعافا للرواية المشتملة على الجسد.
وهي رواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول
يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء الخبر (3).
ورواية أبي إسحاق النحوي عنه عليه السلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد
قال: صب عليه الماء مرتين (4) فإنه قيل: إنها أيضا ضعيفة السند كسابقتها.
ويمكن أن يقال: إن كثيرا من العلماء قالوا بصحة سندهما وعلى فرض ضعف
سندهما فهو مجبور بعمل الأصحاب والمشهور بهما كما ذكرنا من أنه لا فرق بين الثوب والبدن في
وجوب غسلهما من البول مرتين ومستند المشهور روايات كثيرة منها الروايتان المتقدمتان -
أعني رواية الحسين بن أبي العلا ورواية إسحاق النحوي - المشتملتان على ذكر الجسد.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (5).
وصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الثوب يصيبه
البول قال: اغسله مرتين (6) ومنها رواية الحسين بن أبي العلاء التي مر صدرها ثم قال في

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14 - 19
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14 - 19
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7 - 1 - 1
(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7 - 1 - 1
(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7 - 1 - 1
(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 1.
334

ذيلها: وسألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين وسألته عن الصبي يبول على الثوب
قال: يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره (1).
ومنها رواية إسحاق النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام التي قدمناها قال: سألته
عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين (2) إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا فرق - كما عرفت - بين الثوب والجسد كما لا فرق بين الثوب وغيره مما يرسب
فيه الماء كالملاحف والفرش والستور وغيرها فذكر الثوب في هذه الروايات من باب المثال
لا الخصوصية.
وكذا لا فرق بين جسد الانسان وسائر الأجسام التي لا يرسب فيها الماء كالأحجار
والأخشاب والحديد نعم يستثنى من ذلك الأواني حيث إنه يجب غسلها ثلاث مرات كما
يأتي تفصيله انشاء الله تعالى.
وكذا يستثنى من الكلية بول الصبي الرضيع ما لم يأكل فإنه يكفي في غسله بالماء
مرة واحدة وتدل عليه روايات.
منها ذيل رواية أبي العلا المتقدمة حيث قال: وسألته عن الصبي يبول على الثوب
قال: يصب عليه الماء قيلا ثم يعصره. ومنها حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن بول الصبي قال: تصب عليه الماء وإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا والغلام
والجارية في ذلك شرع سواء (3).
ثم إنه هل يكفي غسله أي غسل مطلق البول مرة واحدة بعد إزالته بالماء أو غيره
أو لا بد من غسله مرتين حتى بعد إزالته - فيه وجهان مبناهما أن الغسلة الأولى للإزالة فقط
وليس لها جهة المطهرية بل ربما يستفاد ذلك من ذيل رواية المعتبر حيث إنه ذيل بعض
الروايات (4) المتقدمة الدالة على غسل البول مرتين - بقوله عليه السلام: الأولى للإزالة والثانية
للانقاء ولكن ظاهر سائر الروايات أن كلا الغسلتين للانقاء حيث عبر فيها بالغسل فقال
عليه السلام: اغسله مرتين ولا أقل من الشك بكفاية الغسلة الواحدة بعد الإزالة ومقتضى

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7 - 6
(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7 - 6
(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14
(4) ما ظفرت بهذه العبادة في المعتبر.
335

الاحتياط عدم الكفاية.
وأما ذيل رواية المعتبر فلم يثبت مع احتمال كونه من كلام المؤلف (رم) واجتهاد
منه لا أنه من كلام الإمام عليه السلام فالأحوط اعتبار مرتين بعد إزالة العين وإن كان
الأقوى كفاية المرة بعد إزالة العين بالماء.
هذا كله في الماء القليل وأما الجاري فلا يعتبر فيه التعدد لصحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة
واحدة (1).
حيث دلت على أن غسله في الجاري يكفي فيه المرة.
وأما الكر أو ماء الحمام أو المطر - وبالجملة الماء الذي له العاصم - فالظاهر أيضا
كفاية المرة لأنه عليه السلام حكم بوجوب غسله مرتين في الماء القليل فقال: اغسله في
المركن مرتين والمركن بمنزلة الإجانة أو نفسها وهي دائما أقل من الكر مع عدم وجود العاصم
له بحسب الغالب فبعد ذلك ذكره عليه السلام لخصوص الجاري في مقابله من باب المثال
لا الخصوصية مع أن الأخبار الدالة على عدم تنجس الماء إذا كان كرا كقوله عليه السلام: إذا بلغ
الماء قدر كر لا ينجسه شئ وعدم تنجس ماء الحمام كقوله عليه السلام هو بمنزلة الجاري أو ماء
الحمام بمنزلة الجاري أو ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وقوله عليه السلام في بعض
المياه الذي له عاصم: هذا وأشباهه لا يصيب شيئا إلا وقد طهره كافية في عدم اعتبار
التعدد في غير القليل ولكن لا يخفى أن غير الرواية الأخيرة لا يدل على الاكتفاء بغسله مرة.
ثم إنه هل يكفي التعدد التقديري بمعنى أنه يصب عليه الماء مرة واحدة مستمرا بحيث
يتحقق الغسل بمقدار غسلتين أو أكثر أو لا بد من التعدد الحسي؟ يمكن أن يقال إن الأمر بالتعدد
في هذه الروايات إنما هو لأجل تحقق استمرار الماء على موضع البول وهذا الاستمرار يتحقق
باستمرار الغسل مرة واحدة من غير انقطاع بمقدار الغسل مرتين.
ولكن هذا الوجه مجرد استحسان لا يساعده ظاهر الروايات فيمكن أن تكون في
البول قذارة لا يمكن رفعها إلا بغسلتين مع تخلل الفصل بينهما وظاهر الأخبار هو وجوب
غسلتين ولا تصدقان في الغسلة الواحدة المستمرة.

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2.
336

فرع:
إذا تنجس شئ بالمتنجس بالبول فهل يكفي غسله مرة واحدة أو لا بد من غسله مرتين؟
- وجهان والتحقيق أن يقال: إن إما أن تثبت كيفية تطهيرها بدليل لفظي وإما لم
يرد في كيفية تطهيرها لفظ خاص فإن كانت من قبيل الأول كالدم والمني وملاقي الكلب
والعذرة فيمكن نفي التعدد بواسطة اطلاق قوله: اغسله الوارد في هذه الموارد مثلا إذا سأل
السائل الإمام عليه السلام أنه أصاب ثوبي الدم أو المني أو لاقى ثوبي الكلب فيقول:
اغسله ففي هذه الموارد ننفي وجوب التعدد باطلاق قوله عليه السلام: اغسله الظاهر منه طلب نفس
طبيعة الغسل ولا يستفاد منه التعدد وبهذا البيان نقول في سائر النجاسات غير البول: بأنه
لا يجب التعدد.
وأما الثاني وهو ما إذا لم يرد في كيفية تطهيره لفظ خاص بل كان الدليل مثل
الاجماع فلا يمكن التمسك بالاطلاق لنفي وجوب التعدد لعدم وجود اطلاق في البين حيث إنه
لا لفظ حتى يتمسك باطلاقه فالمرجع ح إما اجراء البراءة بالنسبة إلى الزائد على الغسلة
الأولى فإنه من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين فالغسلة الأولى متيقنة الوجوب والزائد عليها
مشكوك الوجوب فينفي باجراء أصل البراءة فيه فتأمل.
وأما الاستصحاب بأن يقال: إن هذا شئ صار نجسا بملاقاته للمتنجس بالبول
ونشك في زوال النجاسة عنه بغسله مرة واحدة فالأصل يقتضي بقاء النجاسة فيه إلى أن
يعلم بالمزيل وهو ما إذا غسل مرتين فمع جريان هذا الأصل أعني الاستصحاب لا مجال
لاجراء أصالة البراءة بالنسبة إلى الغسلة الثانية فإن الاستصحاب بمنزلة الدليل اللفظي فمع
وجوده لا يمكن اجراء البراءة - كما هو واضح - فالأحوط هو التعدد في المتنجس بالبول.
ولكن يمكن أن يقال: إنه يمكن التمسك لنفي التعدد باطلاق أدلة الغسل في جملة من
النجاسات وتتميمه بعدم القول بالفصل بين النجاسات وخرج من الاطلاق البول بأدلته
الخاصة فيبقى الباقي تحت الاطلاق ومنه المتنجس بالمتنجس بالبول إلا أن الأوجه
هو الاحتمال الأول - أعني وجوب التعدد لأنه أوفق بالاحتياط.
ثم إن المعتبر في النجاسات زوال أعيانها فلا عبرة ببقاء اللون بل الريح والطعم بعد
337

زوال أعيانها لمساعدة العرف على زوال العين مع بقاء الريح ونحوها والدقة العقلية بأن
العرض غير ممكن البقاء مع زوال الذات غير جارية في الأحكام الشرعية مع أن بعض
الروايات دال على زوال النجاسة ببقاء أحد الأوصاف الثلاثة.
كقول أبي الحسن عليه السلام - بعد ما سئل هل للاستنجاء حد: لا حتى ينقى
ما ثمة فقيل له: يبقى الريح قال عليه السلام: الريح لا ينظر إليها (1)
ورواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته أم ولد فقالت
جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن شئ وأنا أستحي منه قال: سلي ولا تستحيي قالت:
أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره قال: اصبغيه بمشق حتى يختلط ويذهب
أثره (2).
وبيان دلالة هذه الرواية أنه عليه السلام لم يقل: اغسليه حتى يذهب أثره بل قال:
اصبغيه فيعلم منه أنه صار طاهرا بغسله وإنما أمرها بصبغها بمشق إما لأجل زوال الشك من
قلبها وإما لأجل ارتفاع القذارة الظاهرية التي تشمئز منها النفوس برؤيتها).
وعلى أي حال فتدل الرواية على عدم الاعتناء باللون وربما يفصل - كما عن
العلامة في بعض كتبه بين الطعم وغيره فحكم بعدم زوال النجاسة ببقاء الطعم.
فإن كان مراده قده عدم زوال العين مع بقاء الطعم كطعم الخمر فما الفرق بينه
وبين اللون والريح؟ فإذا كان بقاء الطعم كاشفا عن عين النجس فليكن في الريح واللون
أيضا كذلك وإن كان لأجل وجود دليل بالنسبة إلى الطعم فليس لنا دليل على دلك نعم
لا يبعد أن يكون هذا التفصيل مطابقا لارتكاز العرف.
الخامس:
من أحكام النجاسات أنه تجب إزالة النجاسة عن البدن واللباس - وهذه المسألة
قد قدمنا الكلام فيها مجملا ولنذكرها هنا بالتفصيل بعون الله تعالى.
فنقول: إذا صلى عالما عامدا مع النجاسة بطلت صلاته وكذا إذا صلى ناسيا بعد
ما علم بتنجس ثوبه أو بدنه.

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث 7
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الحيض باختلافها.
338

وأما إذا كان جاهلا بالحكم أي كان جاهلا بأنه لا يجوز الصلاة في الثوب المتنجس
مثلا مع علمه بتنجس ثوبه وصلى فيه فالمشهور وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في
خارجه.
وأما إذا كان جاهلا بأصل النجاسة موضوعا فلا تجب عليه الإعادة ولا القضاء.
والدليل على وجوب الإعادة سواء أكان عامدا أم ناسيا روايات كثيرة.
منها حسنة ابن سنان أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل
أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم
صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى (1).
ومنها صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى
فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة (2).
ومنها رواية الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يبول
فيصيب بعض فخذه وركبته قدر نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد ذلك أنه لم يغسله قال:
يغسله ويعيد صلاته (3) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
وربما فصل في حال النسيان بين الوقت وخارجه بوجوب الإعادة في الوقت دون
خارجه.
واستدل لذلك بصحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره
أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره وأنه
مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء
الصلاة فصلى فأجابه عليه السلام بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا
ما تحققت فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك
الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أن الرجل
إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت وإن كان جنبا أو صلى على غير وضوء
فعلية إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأن الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث أو الباب 24 الحديث 8
(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث أو الباب 24 الحديث 8
(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2.
339

انشاء الله (1).
ولكن هذه الرواية لا تكافئ تلك الروايات الصحيحة والموثقة والحسنة لأنها أولا
مقطوعة لعدم معلومية المسؤول.
وثانيا أنها مضطربة المتن لأنها ذكر فيها أولا وجوب إعادة الصلوات التي صلاهن
بالوضوء الذي كان مواضعه نجسة ثم ذكر في تعليله أن العلة في وجوب الإعادة دون القضاء
أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا يعيد في الوقت دون خارجه فذكر في أصل الحكم أن وجوب
الإعادة لأجل نجاسة مواضع الوضوء وذكر في تعليله أن وجوبها لأجل نجاسة الثوب فهي
مضطربة المتن جدا مضافا إلى أن الأصحاب لم يعملوا بها إلا القليل منهم وتلك الروايات
مضافا إلى صحة سندها قد عمل أكثر الأصحاب بها.
وقد يقال في الناس بعدم الإعادة مطلقا أي لا في الوقت ولا في خارجه استنادا إلى
صحيحة العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه
فينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال: لا يعيد قد مضت
الصلاة صلاته خ ل وكتبت له (2).
واستدل أيضا لهذا القول ببعض أخبار ناسي الاستنجاء كرواية هشام بن سالم عنه
عليه السلام في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال فقال: يغسل ذكره ولا يعيد
الصلاة (3).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل ذكر وهو في
الصلاة أنه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة وإن ذكر
وقد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك ولا إعادة (4).

(1) جامع الأحاديث 23 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 8.
(2) جامع الأحاديث 23 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 8.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 2 - 4.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 2 - 4.
340

وموثقة عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجي
من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة (1).
ولكن يرد على الاستدلال بهذه الروايات مضافا إلى تغاير المسألتين حيث إنه يمكن
الالتزام بصحة الصلاة فيما إذا نسي غسل موضع الاستنجاء دون سائر النجاسات أن هذه
الروايات تعارضها روايات أخر هي أصح سندا وأكثر عملا كصحيحة زرارة قال: توضأت
ولم أغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: اغسل ذكرك وأعد
صلاتك (2).
وصحيحة عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أبول وأتوضأ وأنسى
استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك وأعد صلاتك (3).
ومرسلة ابن بكير عنه عليه السلام في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضأ
ويصلي قال: يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء (4).
فح العمل على طبق هذه الأخبار متعين وأما صحيحة العلاء فلا تقاوم هذه الصحاح لعمل
جل الأصحاب بهذه الصحاح واعراضهم عن هذه الصحيحة فالأقوى ما عليه المشهور من
وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه فيما إذا صلى ناسيا في المتنجس.
وأما إذا صلى جاهلا بالحكم مع العلم بالنجاسة فالمشهور أيضا كذلك وهو الأقوى وتدل
عليه روايات كثيرة.
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه ذكر المني فشدده وجعله أشد
من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن
أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول (5).
ودلالة هذه الرواية على ما نحن فيه بنحو الاطلاق حيث إن قوله: إن رأيت المني قبل
أو بعد الخ له أفراد ثلاثة الأول أنه يراه ويصلي فيه عالما عامدا الثاني أنه يراه ويصلي فيه

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 3 والباب 18 من نواقض الوضوء الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 3 والباب 18 من نواقض الوضوء الحديث 7.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7 - 5.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7 - 5.
(5) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2.
341

جاهلا بالحكم أي جاهلا بأن الصلاة في النجاسة باطلة الثالث أنه يراه ثم يصلي فيه
ناسيا.
ولكن حمل الرواية على الفرض الأول فقط حمل على الفرد النادر لأنه من المستبعد جدا
أن يصلي أحد في المتنجس مع العلم ببطلان صلاته فلا بد من حملها على الفرض الثاني والثالث
معا إذ لا مرجح لأحدهما على الآخر مع أن اطلاق الرواية يشملهما معا حيث إنه يصدق على
كل منهما أنه رآى المني أو البول قبل أن يدخل في الصلاة أو بعد ما دخل فيها ثم صلى بعد
رؤيته.
ومنها حسنة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه
جنابة أو دم قال: إن علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم
يغسله فعليه أن يعيد ما صلى وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة الخبر (1) وهذه الرواية أيضا
شاملة باطلاقها للجاهل بالحكم لأنه علم به ثم صلى فيه.
ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: إني ثوبك دما وأنت تصلي ولم
يكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله وإن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم
تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف واغسله وأعد صلاتك (2).
ومنها رواية إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب:
إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم وقد كان قد رآه فلم
يغسله حتى صلى فليعد صلاته وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة (3).
وهذه الروايات وإن كان يستشعر منها أن موردها صورة النسيان إلا أن لها اطلاقا يشمل
صورة الجهل بالحكم هذا كله في الجاهل بالحكم.
وأما الجاهل بالموضوع أي الجاهل بأصل النجاسة موضوعا فالمشهور بل ادعى الاجماع

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3.
(2) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 12.
(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 4.
342

على صحة صلاته إذا علم بها بعد الفراغ منها والدليل على ذلك روايات كثيرة تقدم بعضها
حيث فصل فيها بين ما إذا رآى النجاسة قبل الصلاة ثم صلى معها فحكم بوجوب الإعادة
وبين ما لو رآها بعد الصلاة فحكم بعدم وجوب إعادتها.
ومن الروايات أيضا صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف إلى أن قال:
قلت فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال:
تغسله ولا تعيد الصلاة قلت: ولم ذلك قال: لأنك كنت على يقين ثم شككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا الحديث (1).
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم
فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه الخبر (2)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يرى في
ثوب أخيه دما وهو يصلي قال: لا يؤذ به حتى ينصرف (3).
ومنها صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى في
ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه قال: لا يعيد شيئا من صلاته (4).
وهذه الرواية الأخيرة لا يمكن الاستدلال باطلاقها لجواز الصلاة في كل مشكوك الحلية
سواء أكان الشك في جواز الصلاة فيه لأجل الشك في نجاسته أم لأجل الشك في كونه من
مأكول اللحم أو من غيره أم لأجل الشك في كون شئ ذهبا أو حريرا محصنا أم غير ذلك
حيث إن مفاد الرواية أن صاحب الثوب أخبر بأنه لا تجوز الصلاة فيه ولم يبين بأن عدم جواز
الصلاة فيه إنما هو لأجل النجاسة فاطلاق السؤال وتقرير الإمام عليه السلام له يشملان
جواز الصلاة في المشكوك كونه من مأكول اللحم أو من غيره أو المشكوك كونه من الحرير
أو الذهب أو غير ذلك والله العالم.

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5.
(2) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 1.
(4) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1.
343

ثم إنه تعارض هذه الأخبار صحيحة وهب بن عبد ربه عن الصادق عليه السلام في
الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد قال: يعيد إذا لم يكن
علم (1).
ورواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة
فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم (2).
ولكن الروايتين لا تكافئان الأخبار الصحيحة الصريحة المعمول بها عند جل الأصحاب
لولا كلهم بخلاف هاتين الروايتين اللتين لم يعمل بهما إلا الشاذ منهم.
وهل يكون فرق بين ما إذا علم بالنجاسة بعد الصلاة وبين ما إذا علم بها في أثناء
الصلاة وجهان ظاهر كثير من الفقهاء بل الأكثر هو الفرق وأنه إذا علم بها في الأثناء حكموا
ببطلان صلاته والدليل الفارق بينهما هو صحيحة زرارة الطويلة حيث قال منها: قلت له: إن
رأيته (أي الدم) في ثوبي وأنا في الصلاة قال: تنقص وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم
رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري
لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (3)
حيث أن قوله (عليه السلام): إذا شككت في موضع منه ثم رأيته يظهر منه أنه كان شاكا من أول
الصلاة في وقوع الدم عليه وبعد ما رآه يعلم أنه كان قبل الصلاة وأما إذا لم يكن شاكا ثم رآه
في أثناء الصلاة رطبا لا يعلم بأنه كان من أول الصلاة موجودا لأنه يحتمل بأنه وقع عليه في
هذا الآن الذي يراه فلذا قال (عليه السلام): لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فيظهر منه أنه إذا
علم بأنه كان من أول الصلاة لا بد له من نقض الصلاة وإعادتها كما صرح عليه السلام
بذلك

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 8 - 9.
(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5.
344

وأما حمل قوله (عليه السلام): إذا شككت في موضع منه ثم رأيته على ما إذا علم بوقوع الدم عليه
من أول الصلاة ولكنه شك في موضع خاص منه بأنه هل أصابه أولا فهو خلاف الظاهر
خصوصا مع قوله (عليه السلام): لعله شئ أوقع عليك فإنه يستفاد من مفهومه أنه إذا علم بوقوعه عليه
قبل الصلاة لا يكون حكمه قطع الصلاة وغسله والبناء عليها بل تكون الصلاة باطلة من
أصلها.
ومن الأخبار التي استدل بها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة خ ل الصلاة وإن أنت نظرت
في ثوبك فلم تصبه وصليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا إعادة عليك فكذلك البول (1).
حيث فصل (عليه السلام) بين ما إذا رآه بعد ما دخل في الصلاة فحكم بإعادة الصلاة وبين ما إذا
رآه بعد الصلاة فحكم بعدم وجوب الإعادة عليه.
ومن الروايات رواية أبي بصير عنه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين
ثم علم بها قال: عليه أن يبتدأ الصلاة قال: وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابه أو دم
حتى فرغ من صلاته ثم علم قال: مضت صلاته ولا شئ عليه (2) وقيل بأنه تعارض هذه
الروايات روايات كثيرة.
منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرعاف
أينقض الوضوء قال: لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله
فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها (3) وبهذا المضمون روايات كثيرة في الرعاف.

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2 والباب 40 الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2 والباب 40 الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 11.
345

وفيه أن روايات الرعاف لا دخل لها لما نحن فيه لأن المفروض فيما نحن هو ما إذا علم
بسبق النجاسة على الصلاة ومفروض روايات الرعاف هو عروضه في أثناء الصلاة وأين هذا
من ذاك؟
ومنها حسنة محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب وأنا في الصلاة قال:
إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره وإن لم يكن عليك ثوب فامض في
صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم (1).
ولكن لا يخفى عليك أن هذه الرواية كما ترى لا تدل إلا على جواز الصلاة في
الدم ما لم يزد على مقدار الدرهم لا مطلقا فلا تكون من الأخبار المعارضة.
ومنها موثقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي في ثوبه
فأبصر في ثوبه دما قال: يتم (2).
ومنها ما عن السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن
عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال: إني ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته
قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله الخبر (3).
ولكن الروايتين غير معمول بهما عند الأصحاب حيث إن ظاهرهما عدم وجوب
التبديل أو التطهير بعد رويته للدم إلى تمام الصلاة وهذا مخالف لما عليه الأصحاب.
نعم يمكن حملهما على الدم الأقل من الدرهم فح لا تعارضان الروايات المتقدمة.
وربما يتشبث لعدم بطلان الصلاة برؤية النجاسة في أثناء الصلاة إذا علم بسبقها
بالأولوية القطعية بأن يقال: إن الروايات الدالة على جواز الاتيان بتمام الصلاة -
إذا كان جاهلا بالنجاسة تدل على جواز الاتيان ببعضها مع النجاسة جهلا بطريق أولى.
ولكن مع ورود الروايات المتقدمة ببطلان الصلاة إذا رآى النجاسة في أثنائها وعلم
بسبقها عليها لا عبرة بهذه الأولوية كما لا يخفى.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 11
(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 1
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث 2.
346

المبحث الثاني عشر
في المطهرات وهي كثيرة الأول الماء وقد مضى بعض أحكامه في المباحث السابقة.
الثاني الشمس وهي مطهرة للسطح والأرض والأبنية والأشجار بل للحصر
والبواري من المنقولات على قول ولا تطهر غيرهما من المنقولات والدليل على مطهريتها
للسطح والأرض دون غيرهما هو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن
البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال: إذا جففته الشمس فصل فيه فهو
طاهر (1).
ويستفاد من هذه الرواية أمور.
الأول اشتراط مطهريتها باستناد الجفاف إليها فلا يكفي إذا حصل الجفاف بهبوب
الرياح أو حصل من قبل نفسه.
الثاني أن مورد السؤال هو البول فالتعدي عنه إلى سائر النجاسات مشكل ولكن
يمكن أن يقال: إن ذكر البول من باب المثال لا التقييد مع أن في سائر الروايات الآتية
ما يفيد التعميم فلاحظها.
الثالث أنه يستفاد منها أن الشمس مطهرة للنجاسة لا أنه باشراق الشمس عليه يصير
من النجاسات المعفو عنها كما عن الراوندي وحمل قوله عليه السلام: فهو طاهر على غير
الطهارة الشرعية - ضعيف في الغاية وهذه الرواية من أوضح الروايات الدالة على مطهرية
الشمس وأصحها سندا ودلالة إلا أنها لا تدل الأعلى مطهريتها للسطح والأرض دون مثل
الأشجار والأحجار والزرع والنبات ما دامت قائمة على أصولها ولا يبعد دلالتها على طهارة

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 1.
347

الحصر والبواري بها لأن الأرض المفروشة تصدق عليها الأرض بل يمكن شمولها للفراش
المنسوج من القطن أو الصوف أو غيرهما إلا أن الاجماع قد دل على عدم طهارته بالشمس بل
لا بد من غسله.
ومنها رواية أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام قال: يا أبا بكر ما أشرقت عليه
الشمس فقد طهر (1).
وهذه الرواية دالة باطلاقها على مطهرية الشمس لمطلق الأشياء من المنقول وغيره
من الأشجار والنبات إلا أنها ضعيفة السند ولكن يمكن جبر ضعفها بعمل الأصحاب بها
إلا أنه لا بد من تخصيصها واخراج المنقول عنها بالاجماع.
نعم يمكن أن يقال: إن الظاهر من قوله: ما أشرقت كل شئ يكون في مظان اشراق
الشمس بأن كان مما تشرق عليه الشمس طبعا بأن كان في مكان غير مسقف مثلا
فلا تشمل المنقول لأن المنقول ليس طبعه أولا وبالذات اشراق الشمس عليه فتشمل هذه
الرواية الأرض وما يتبعها من الزرع والنبات والحصى وتشمل أيضا السطح والأبنية والأبواب
والأخشاب المنصوبة في البناء وكذا تشمل الأشجار وفي شمولها للحصر والبواري تأمل إلا أن
يقال: إنها تعد من أرض كما قدمنا وعلى فرض عدم شمولها لهما يدل على تطهير الشمس
لهما بعض الأخبار.
كرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه قال في حديث: سألته؟ عن البواري
يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم (2).
وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر
أيصلى عليها؟ قال: إذا يبست فلا بأس (3).
ورواية عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البارية
يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها فقال: إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها (4).
ولكن لا بد من تقييد هذه الروايات بما إذا جفت بالشمس بقرينة تينك الروايتين

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 5
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 3
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 5.
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 5.
348

المتقدمتين وغيرهما.
ومن الروايات الدالة على كون الشمس من المطهرات صحيحة زرارة وحديد بن
الحكم الأزدي قالا: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام: السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى
في ذلك المكان فقال إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس إلا أن يتخذ
مبالا (1) وهذه الرواية وإن لم تكن ظاهرة في تطهيرها للموضع القذر لاحتمال كون جواز
الصلاة عليه لأجل جفاف الموضع لا لأجل أنه طهرته الشمس إلا أن هذه الروايات بضميمة
سائر الروايات الدالة على مطهرية الشمس تدل أيضا على كونها من المطهرات ولا ينافي ذلك
عطف الريح عليها مع عدم دخلها في المطهرية لاحتمال أن يكون المراد بذكر الريح من
جهة تلازمهما غالبا في جفاف الموضع مع استناد الجفاف إلى الشمس.
ومن الروايات موثقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الموضع
القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال: لا يصلى
عليه وأعلم موضعه حتى تغسله وعن الشمس هل تطهر الأرض قال: إذا كان الموضع قذرا
من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس حتى يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة وإن
أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس
الحديث (2).
وهذه الرواية وإن كان من المحتمل فيها أن جواز الصلاة على الموضع القذر بعد
الجفاف لأجل العفو عن النجاسة التي أشرقت عليها الشمس - كما عن الراوندي - وكذا
من المحتمل أن جواز الصلاة على الموضع القذر إنما هو لجفاف الموضع وعدم سراية النجاسة إلى
لباس المصلي - إلا أن الظاهر من الرواية أن اشراق الشمس عليه موجب لطهارته لأنه
قد ذكر عليه السلام في الفرض الأول أنه لا يصلي عليه وأمر بأن يعلم موضع النجاسة حتى
يغسله ولكن لم يذكر في الفرض الثاني أنه يعلم موضع القذر حتى يغسله فيعلم منه أنه غير
محتاج إلى التطهير وإلا كان عليه عليه السلام أن يبينه وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ولأنه عليه السلام ذكر في هذا الفرض أنه يصلي عليه إذا صار يابسا وظاهره أن

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 3
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 4.
349

المراد السجود على الموضع الذي كان قذرا وإلا فإذا كان المراد الصلاة في هذا الموضع مع
السجود على الموضع الطاهر فلا فرق بين هذا الفرض والفرض السابق لأنه تجوز الصلاة على
الموضع القذر إذا كان يابسا مطلقا أي وإن لم تشرق عليه الشمس فمنعه عليه السلام من
الصلاة على الموضع القذر في الفرض الأول وتجويزه في الفرض الثاني كاشف عن أن المراد
بالصلاة عليه هو السجود عليه لا غير.
وأيضا مورد السؤال في الرواية أنه هل تكون الشمس مطهرة أم لا؟ فلا بد من أن
يكون الجواب مطابقا للسؤال وإلا يلزم أن يكون سؤاله بلا جواب.
ويستفاد من هذه الرواية التعميم بين البول وغيره حيث قال: إذا كان الموضع قذرا
من البول أو غير ذلك
وتعارض هذه الروايات الدالة على كون الشمس من المطهرات صحيحة إسماعيل
ابن بزيع قال: سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من
غير ماء قال: كيف تطهر من غير ماء (1).
لكن يمكن حمله على استبعاد أن تطهر الشمس الأرض مع جفافها أي لا بد من أن
تكون الأرض رطبة حتى تشرق عليها الشمس فتجففها حتى تطهر.
(الثالث):
من المطهرات النار ذكرها غير واحد من القدماء والمراد بمطهريتها أنها إذا صيرت
عين النجس رمادا أو دخانا يصير ذلك الرماد أو الدخان طاهرا.
ولكن لا اختصاص للنار بذلك فإن عين النجس إذا تبدلت واستحالت إلى عين
طاهرة بأي سبب حصلت تلك الاستحالة سواء تحققت بالنار كاحراق العذرة أو الميتة
وصيرورتها رمادا أو دخانا أو بالهواء كاستحالة الكلب ملحا أو باشراق الشمس وبالأرض
كصيرورة العذرة دودا أو غير ذلك - يطهر ذلك النجس فتخصيص المطهرية بالنار كما في
كلام بعض القدماء ليس له وجه إلا أن يقال: اقتفوا في ذلك أثر بعض الأخبار الظاهرة في
كون النار من المطهرات.
كصحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص توقد

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 7.
350

عليه العذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد فكتب إليه بخطه: إن الماء والنار قد طهراه (1)
ولكن هذه الرواية لا يمكن الالتزام بمفادها لأنه إذا كان المراد أن طبخ الجص يكون
باشعال العذرة وعظام الموتى تحتها من غير حصول المزج والاختلاط فما معنى قوله: إن الماء
والنار قد طهراه فإنه لم يصر نجسا حتى يطهر بايقاد النار تحته وبتسلط الماء عليه اللهم إلا أن
يكون المراد بالتطهير هو رفع القذارة الظاهرية أعني ما يتنفر الطبع منه بسبب ايقاد العذرة
وعظام الموتى عليه دون رفع النجاسة.
وإن كان المراد بايقاد العذرة وعظام الموتى الايقاد فوق الجص بأن يحصل التخليط
بين الجص وبينهما فلا يمكن تطهيره بالنار والماء أما بالنار فواضح لأن الجص لا يصير بايقاد
النار عليه مستحيلا إلى جسم آخر بحيث يتبدل موضوع النجس إلى الموضوع الطاهر بل لم
يتبدل إلا بعض أوصافه ومن المعلوم أن تبدل الأوصاف لا يكون استحالة.
وأما بالماء فهو أوضح لأن الماء لا يسري إلى الجص مع بقاء اطلاقه ولم تنفصل
الغسالة بملاقاته فهذه الرواية لا يمكن العمل بظاهرها فلا بد من رد علمها إلى أهله.
ومن الروايات مرسلة محمد بن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في
عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه (2).
ورواية أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك
الخبز قال: إذا أصابته النار فلا بأس بأكله (3).
ولكن هذه الرواية لا تدل على أن النار قد طهرت الخبز لامكان أن لا يكون الخبز
نجسا بناء على عدم انفعال ماء البئر بوقوع النجس فيها كما هو المختار فح يحتمل أن يكون المراد
بنفي البأس عن أكله عند إصابة النار له هو ما ذكرناه في صحيحة الحسن بن محبوب من أن
المراد ذهاب النار بالقذارة الظاهرية الموجبة لتنفر الطباع وعلى هذا تحمل مرسلة ابن أبي عمير
بأن يقال: إن الماء وإن كان غير مقيد بماء البئر في السؤال إلا أنه يمكن حمله على ماء البئر

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب النجاسات الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 1.
(3) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 2 - 1.
351

أو بعض المياه التي لها عاصم من النجاسة.
وكيف كان فيعارض هاتين الروايتين خبر زكريا بن آدم قال: سألت أبا لحسن
عليه السلام عن قطرة نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال: يهراق المرق
أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله قلت: فإن قطر فيه الدم قال: الدم تأكله
النار قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال: فقال: فسد قلت: أبيعه من اليهود
والنصارى وأبين لهم قال: بين لهم فإنهم يستحلون شربه الحديث (1).
فإن ظاهرة أن المرق إذا نجس بوقوع الخمر أو النبيذ فيه لا يطهر بإصابة النار له وكذلك
العجين بل لا بد من أن يطعمه أهل الذمة أو الكلب أو يبيعه من اليهودي أو النصراني ولكن
بالنسية إلى الدم قال: الدم تأكله النار ويمكن أن يحمل الدم على الدم الطاهر الذي يحرم
شربه كالدم المتخلف في الذبيحة.
وأيضا تعارض الروايتين المتقدمتين مرسلة ابن أبي عمير الأخرى عن أبي عبد الله
عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به قال: يباع ممن يستحل أكل
الميتة (2).
ومرسلته الأخرى عنه عليه السلام قال: يدفن ولا يباع (3).
إذ لو كان إصابة النار له مطهرا لما كان يأمر بالبيع ممن يستحل أكل الميتة أو الدفن.
وكيف كان فلا اختصاص للنار في تحقق الاستحالة المطهرة للجسم النجس وأن
ذكر القدماء لها في عداد المطهرات لأجل متابعة النص الذي عرفت عدم دلالته على كونها
من المطهرات إلا إذا تحققت الاستحالة بها فح كل جسم نجس تبدلت حقيقته الذاتية إلى
جسم طاهر سواء أكان بالنار كصيرورة العذرة رمادا أم باشراق الشمس عليه كصيرورة
العذرة دودا أو ترابا أو من قبل نفسه كصيرورة الخمر خلا يطهر الخمر إذا انقلبت
خلا بواسطة العلاج كصب الخل أو الملح فيها كما تدل عليه الروايات الكثيرة فراجعها في
باب الأشربة من الوسائل (4).

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 4
(3) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 3 - 4
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة.
352

هذه كله بالنسبة إلى عين النجس. وأما المتنجس كصيرورة الخشب بالاحراق
رمادا أو دخانا فربما يقال بعدم حصول الطهارة بذلك لأن الحكم بالطهارة في الأعيان
النجسة بسبب الاستحالة إنما ثبت على عين النجس كالخمر والكلب إذا انقلبا إلى عين
طاهره كالخل والملح فقد تبدل موضوع النجس أعني الخمر والكلب إلى موضوع طاهر وهو الخل
والملح.
وهذا بخلاف المتنجس فإن الحكم بالنجاسة في مثل الخشب لا يثبت على الخشب
من حيث إنه خشب بل من حيث إنه جسم فإذا تبدل جسميته إلى جسم آخر لم تتبدل
الجسمية بل تبدلت الخشبية والمفروض أن الحكم بالنجاسة لم يترتب على الخشبية.
هذا ولكن هذا الوجه يشبه بالسفسطة لأنه إذا كان تبدل عين النجس إلى جسم
طاهر موجبا لطهارته فتبدل المتنجس إلى جسم طاهر أولى بالحكم بالطهارة وموضوع النجس
وإن لم يكن نفس الخشب إلا أن النجس القائم به ينعدم بالاحراق ويتبدل إلى موضوع
طاهر.
(الرابع)
من المطهرات الاسلام فإن الكافر إذا أسلم يطهر وهو اجماعي بل ضروري بالنسبة
إلى جميع أقسام الكفر
إلا كفر المرتد الفطري والمراد بالمرتد الفطري من انعقدت نطفته والحال
أن أحد أبويه مسلم فإنه يستفاد من كلمات كثير من الفقهاء بل قيل: إنه مشهور عدم
قبول توبته لا ظاهرا ولا باطنا.
وقيل: إنه تقبل توبته باطنا بمعنى صحة عباداته وطهارته عند نفسه - لا ظاهرا بمعنى
عدم صحة عباداته بالنسبة إلى الغير فلا يجوز للغير الاقتداء به ولو صار بعد اسلامه عادلا وكذا
لا يجوز للغير معاملته معاملة الطاهر.
وقيل بقبول توبته ظاهرا وباطنا وهو الأقوى ويدل على القول الأول صحيحة
محمد بن مسلم قال عليه السلام: من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله
بعد اسلامه فلا فتوبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسم ما ترك على ولده (1).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث.
353

وموثقة عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل مسلم بين مسلمين
ارتد عن الاسلام وجحد محمدا صلى الله عليه وآله نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من
سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة
المتوفى عنها زوجها وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (1).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن مسلم تنصر
قال يقتل ولا يستتاب قلت فنصراني أسلم ثم ارتد قال: يستتاب فإن رجع وإلا قتل (2).
ولا يخفى أن هذه الرواية ظاهرة في التفصيل بين المرتد الفطري والملي بعدم قبول
توبة الأول وقبولها في الثاني ورواية عمار وإن لم يكن ظهورها بمثابة ظهور هذه الرواية إلا أنها
لا تخلو من الظهور في المرتد الفطري حيث قال: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الاسلام
الظاهر منه أنه كان مسلما وولد من مسلمين ثم ارتد وإن قرئ مسلمين بصيغة الجمع فهو
أيضا ظاهر في المرتد الفطري لأنه يستفاد منه أنه كان مسلما بين مسلمين ثم ارتد.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فإنها أيضا لا تخلو عن الظهور في كون المراد بقوله: من
رغب عن الاسلام هو الذي كان مسلما ثم رغب عن الاسلام وارتد
ولكن تعارض هذه الروايات الروايات الدالة باطلاقها أو عمومها على قبول توبته
بل بعضها ظاهر في المرتد الفطري:
منها رواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا من المسلمين
تنصر فأتي به أمير المؤمنين عليه السلام فاستتابه فأبى عليه فقبض على شعره ثم قال: طئوا يا
عباد الله فوطئ حتى مات (3).
ولا يخفى ظهور الرواية في المرتد الفطري لكنها ضعيفة السند
ومنها حسنة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام قالا في المرتد: يستتاب فإن تاب وإلا قتل الحديث (4)

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد من كتاب الحدود الحديث 5
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 4
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 2.
354

وهذه الرواية مطلقة تشمل المرتد الفطري.
ومنها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى قوم أمير المؤمنين
عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة أوقد فيها نارا
وحفر حفيرة إلى جانبها أخرى وأفضى بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة
الأخرى حتى ماتوا (1).
ومنها رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه
السلام قال: المرتد تعزل عنه امرأته ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل
يوم الرابع (2). وهذه الرواية أيضا شاملة للمرتد الفطري لكنها ضعيفة السند ولا يضرنا
ضعفها لأن في غيرها من الصحيحة والحسنة كفاية خصوصا صحيحة هشام بن سالم التي
يظهر منها أن موضوعها المرتد الفطري حيث إنه يظهر منها أن القوم كانوا من شيعة علي عليه
السلام ثم ارتدوا وصاروا من الغلاة.
ثم إن هذه الروايات التي سردناها أخيرا وغيرها من مطلقات أدلة التوبة كقوله
تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (3) - هي أدلة القول
الثالث الذي قويناه - أعني قبول توبته ظاهرا وباطنا فما يظهر من الروايات المتقدمة
على هذه الروايات من عدم قبول توبته لا بد من حمله على عدم سقوط آثار الارتداد عنه بمجرد
التوبة لأن مقتضى الجمع بين هذه الروايات - الدالة على قبول توبته وتلك الروايات
الظاهرة في عدم قبولها - ذلك.
ثم أنه يجوز العقد على زوجته بعد التوبة بالعقد الجديد بعد انقضاء العدة بل
يستفاد من بعض الروايات وتقتضيه القواعد الفقهية جواز العقد عليها في العدة وكذا ما
يكتسبه بعد التوبة لعدم المانع منه شرعا.
وما يظهر من بعض الروايات المتقدمة من انتقال أمواله إلى ورثته بالارتداد هو المال
الذي كان يملكه في حال اسلامه قبل ارتداده فلا دليل يدل على عدم حصول التملك له بعد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المرتد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 2
(3) سورة النساء الآية 48.
355

الارتداد وكذا لم نظفر بدليل دال على عدم امكان اتخاذه للزوجة بمجرد الارتداد سواء أتاب
منه أم لا فله أن يرجع إلى زوجته الأولى بالعقد الجديد بعد اسلامه وله أن يتزوج زوجة
غيرها.
(الخامس:)
من المطهرات زوال عين النجس عن ظاهر بدن الحيوان وباطن الانسان
وهو اجماعي كما حكاه غير واحد أما زوال النجاسة عن ظاهر الحيوان فيدل على كونه من
المطهرات - مضافا إلى السيرة القطعية بين المتشرعة على عدم تطهير مواضع النجاسة من بدن
الحيوان عند ملاقاتها للنجاسة - الروايات الدالة على طهارة سؤر السنور وسائر البهائم
والطيور.
كالرواية المروية بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سئل عن فضل
الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش فلم يترك السائل شيئا إلا
سأله عنه فقال عليه السلام لا بأس حتى انتهى إلى الكلب فقال: رجس نجس الحديث (1).
وكالرواية المروية عن معاوية بن شريح عنه عليه السلام قال: سأله عذافر وأنا
عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه
أو يتوضأ منه قال: نعم اشرب منه وتوضأ منه الحديث (2)
وكرواية عمار أو موثقته عنه عليه السلام قال: سئل عما تشرب منه الحمامة قال:
كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال:
كل شئ من الطير يتوضأ؟ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما
فلا توضأ منه ولا تشرب (3).
والمراد بعدم جواز الشرب عند رؤية الدم عدم الجواز عند العلم بوجود الدم أو ما يقوم
مقام العلم كالبينة وأخبار ذي اليد ونحو ذلك لا خصوص الرؤية فإن الرؤية لا يمكن أخذها
في موضوع عدم جواز الشرب لأن موضوع عدم الجواز نفس الدم لا رؤيته.
فيستفاد من هذه الروايات وغيرها أن البهائم والسباع والطيور حتى المحرمة منها بل

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3
(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2 - 10.
(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2 - 10.
356

حتى الآكلة للجيف محكوم بطهارتها وطهارة سؤرها إلا أن تشاهد النجاسة في مواضع سؤرها
ومن المعلوم عدم احتراز البهائم والسباع عن مزاولة النجاسات وخصوصا السباع حتى مثل
الهرة فإن رزقها غالبا من افتراس فريستها إن الهرة من شأنها غالبا أكل الفأر وكذا سائر
السباع فإنها لا تصبر عن أكل الجيف بل أكل بعضها بعضا وكذا بعض الطيور المحرمة
الآكلة للجيف كالصقر والبازي والعقاب وقضاء العادة بعدم تطهيرها لمواضع النجس.
فما يقال: من أن الحكم بطهارتها - في صورة غيبتها واحتمال تطهيرها ولو من باب
الاتفاق بأن تدخل فمها أو منقارها في الماء الجاري - ضعيف جدا لأنه يستلزم حمل الروايات
على الموارد الشاذة النادرة خصوصا في صدر الاسلام المعلوم قلة وجود الماء فيه بل قلة وجود
الكر والجاري فيه.
وأما باطن الانسان فاستدل لكون ذهاب النجاسة عنه مطهرا - بالاجماع هذا إذا
قلنا بتنجس الباطن بملاقاته للنجس وأما إذا قلنا بعدم حصول النجاسة للباطن أصلا
كما ليس ببعيد فلا يمكن عده من المطهرات وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا أدخل إصبعه في
فيه وكان ريقه ملاقيا للدم ح فإن قلنا بقول المشهور من تنجس الباطن تنجس إصبعه لأنها
لاقت ريقه الملاقي للدم وإن قلنا بالثاني لم تتنجس لأنها لم تلاق الدم وإنما لاقت الريق
الملاقي للدم والمفروض عدم تنجسه بملاقاة الدم ولكن قول المشهور أوفق بالقواعد لأنه إذا دار
الأمر بين تخصيص الأدلة العامة الدالة على تنجيس كل نجس لملاقيه - بالبواطن بأن يقال:
إن كل نجس منجس لملاقيه إلا البواطن وبين بقاء تلك العمومات على حالها حتى تشمل
البواطن لكن نزيد على عدد المطهرات ونقول: إن من المطهرات زوال العين عن باطن
الانسان فالثاني أولى لأنه على الأول يلزم تخصيص الأدلة العامة وهي آبية عن التخصيص
وأما على الثاني فلا يلزم ذلك بل العمومات على حالها غاية الأمر أنه يقال: إن من المطهرات
التي يستفاد من كلام الشارع حيث قال: إنما عليك أن تغسل الظاهر لا الباطن - أن الشارع
جعل زوال العين من باطن الانسان مطهرا، وعد هذا من المطهرات ليس مخالفا للعمومات و
لا مخصصا لها لأن الشارع لم يحصر المطهرات فيما عدا هذا الفرد فلا منافاة بين كون الماء و
الشمس والنار والأرض مثلا من المطهرات وبين كون زوال العين عن البواطن أيضا من
المطهرات والله العالم وعلى القول الأول - أي بناء على عدم تنجس الباطن فلا وجه لعده.
357

من المطهرات هذا إذا لم نقل بانصراف أدلة النجاسات عن البواطن.
(السادس:)
من المطهرات غيبة المسلم ومستند كونه من المطهرات أمور الأول السيرة القطعية
على طهارة بدن المسلم ولباسه بمجرد غيبته مع علمه بنجاسة بدنه أو لباسه وعدم بناء المتشرعة
على استفسار حاله وأنه هل غسل النجاسة من بدنه ولباسه أو لا؟ ولكن يمكن أن يقال: إن
السيرة إنما تكون حجة لو كانت كاشفة قطعية عن أنها تكون مستمرة من زمان المعصوم عليه
السلام حتى تكشف عن رأيه عليه السلام وأنى لهم باثبات ذلك.
الثاني ظاهر حال المسلم في الاحتراز عن النجاسات فيما يكون استعماله مشروطا
بالطهارة فإذا تنجس بدنه أو لباسه أو أوانيه وعلم بذلك ثم استعمله فيما تشترط فيه الطهارة
مثل ما إذا صلى في بدنه الذي كان نجسا من قبل أو مع هذا اللباس الذي كان نجسا أو توضأ
من هذه الآنية التي كانت نجسة أو شرب منها شيئا من المايعات ولم نعلم بأنه هل طهر هذه
المذكورات أولا واحتملنا تطهيره لها فظاهر حال المسلم - من أنه يجتنب عن النجاسات
يقتضي الحكم بأنه قد طهرها وهذا الوجه من أقوى الوجوه في مستند كون غيبة المسلم من
المطهرات لأن بناء أكثر أفعاله على الصحة.
الثالث دعوى الاجماع من غير واحد على كون غيبة المسلم من المطهرات، ولكن يرد
عليه إن الاجماع غير محقق لأنه قد نقل الخلاف من غير واحد على عدم الحكم بطهارة المسلم
بمجرد غيبته بل قيل: إنه مشهور فلاحظ.
الرابع لزوم الحرج لولا الحكم بطهارته بمجرد غيبته وعلمه بنجاسة بدنه أو لباسه
ولكن يلزم من هذا الوجه أن يكون غيبة المسلم من المطهرات في موارد الحرج فقط لا مطلقا
ولم يقل به أحد.
ثم إنه يشترط في كون الغيبة مطهرة لبدن المسلم أو لباسه أمور ثلاثة الأول علمه
بنجاسة بدنه أو لباسه فما لم يعلم لا يحكم بطهارة بدنه أو لباسه خلافا لصاحب الجواهر حيث
ادعى السيرة القطعية على الحكم بالطهارة حتى في مورد عدم العلم بالنجاسة.
الثاني استعماله فيما يشترط فيه الطهارة كأن صلى فيه ولم يكن من الأشياء التي
تجوز الصلاة فيها مع النجاسة كالقلنسوة أو لاقاه مع الرطوبة السارية أو أكل منه أو شرب أو
358

توضأ منه.
الثالث احتمال تطهيره فلا يمكن الحكم بطهارته في صورة العلم بعدم مبالاته
بالنسبة إلى النجاسات.
(السابع:)
من المطهرات الأرض فإنها تطهر النعل وباطن القدم والخف بالمشي عليها على
المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وتدل عليه روايات كثيرة منها النبوي العامي
قال: إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب (1).
وربما يقال: بطهورية التراب دون مطلق وجه الأرض استنادا إلى هذه الرواية ولكن
الرواية عامية ضعيفة السند ومع ذلك تعارضها روايات صحيحة أو موثقة وستجئ إن شاء الله
تعالى.
ومنها صحيحة فضالة عن ابن بكير عن حفص بن أبي عيسى أنه قال للصادق عليه
السلام: إني (ظ) إن وطئت على عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة
فيه؟ فقال: لا بأس (2) ويستفاد من هذه الرواية وكذا رواية زرارة الآتية كفاية المسح على
الأرض حتى يذهب أثر النجاسة ولا يحتاج إلى المشي خصوصا المشي خمسة عشر ذراعا كما
يستفاد ذلك من صحيحة الأحول الآتية فإنه يمكن حملها على بعض المحامل كما سيجئ.
ومنها رواية محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام قال: قلت له: إن طريقي إلى
المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال:
أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة قلت: بلى قال: فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا
الحديث (3).
ومنها حسنة المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخنزير
يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال: أليس ورائه شئ
جاف قلت: بلى قال: فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا (4).
ومنها صحيحة الحلبي قال: نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على

(1) كنز العمال على ما حكي عنه الحديث 5 صفحة 88
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 9 - 3.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 9 - 3.
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 9 - 3.
359

أبي عبد الله عليه السلام فقال: أين نزلتم فقلت: نزلنا في دار فلان فقال: إن بينكم وبين
لمسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: إن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا فقال: لا بأس إن الأرض يطهر
بعضها بعضا الحديث (1).
ويستفاد من هذه الجملة في الروايات - أعني قوله: إن الأرض يطهر بعضها بعضا - أن
المراد بنفي البأس في هذه الروايات من جهة زوال النجاسة بالمشي على الأرض لا العفو عن
النجاسة بواسطة الصلاة في الخف أو النعل الذي تجوز الصلاة فيه لأنه لا تتم الصلاة فيه
منفردا - كما توهم - ومعنى قوله: إن الأرض تطهر الخ أن الأرض النجسة إذا تعلقت أجزائها
برجل أحدا وبنعله تطهر أرض أخرى تلك النجاسة بعد زوال العين - بالمشي عليها والله العالم.
ومنها صحيحة الأحول عنه عليه السلام في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم
يطأ بعده مكانا نظيفا قال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا ونحو ذلك (2).
وهذه الرواية بظاهرها منافية لاطلاق سائر الروايات لأن قيد خمسة عشر ذراعا
لا يوجد في سائر الروايات إلا أن يحمل على ما إذا لم يذهب أثر النجاسة إلا بها.
ومنها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت
رجله فيها أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكنه
يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي (3).
وهذه الرواية تدل على عدم اعتبار المشي مطلقا أي ولو أقل من خمسة عشر ذراعا فلا بد
من حمل صحيحة الأحول الظاهرة في التقدير - على ما ذكرناه أو على أن التقدير المذكور أحد
الأفراد التي تتحقق بها الطهارة - أي طهارة الرجل والفرد الآخر تحقق مسمى المشي ولو كان
خطوة أو خطوتين والفرد الآخر المسح على الأرض حتى يذهب أثر النجاسة.
ثم إنه هل تعتبر طهارة الأرض أولا - فيه وجهان بل قولان واستدل لاعتبار طهارتها
بأمور.
الأول ارتكاز العرف على أن المتنجس لا يكون مطهرا فإن الفاقد للطهارة كيف يكون
معطيا لها.

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 1
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 1
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 7.
360

الثاني الاستقراء فإن الماء لا يكون بنحو الاطلاق مطهرا سواء أكان قليلا أم كثيرا إلا أن
يكون طاهرا فكذا التراب الذي يكون مطهرا من الحدث لا بد من أن يكون طاهرا كتراب
التيمم بل لا يكون مطهرا من الخبث إلا إذا كان طاهرا كحجر الاستنجاء.
الثالث دلالة صحيحة الأحول المتقدمة - على ذلك حيث قال السائل: الرجل يطأ على
الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا حيث إن الظاهر أن المراد بالمكان النظيف
المكان الطاهر وهذا القيد وإن كان في كلام السائل إلا أن تقرير الإمام عليه السلام له على هذا
القيد وعدم ردعه كاشف عن اعتباره.
الرابع ما استدل به في الحدائق - على ما حكى عنه - من قوله صلى الله
عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا - بناء على أن المراد بالطهور الطاهر في نفسه المطهر
لغيره فلا بد من أن تكون الأرض طاهرة ومطهرة حتى يصدق عليها الطهور
ولكن يرد عليه أنه على فرض أن يكون المراد بالطهور الطاهر في نفسه المطهر
لغيره لا تدل الرواية على اعتبار كون الأرض طاهرة فإن المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: جعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا الطاهرة من حيث الذات أي مع قطع النظر عن عروض النجاسة عليها فلا ينافيه
نجاستها - لعارض والحاصل عدم استفادة اعتبار القيد الأول من قوله: طهورا هذه الأدلة مما
ذكرها الأستاذ دام ظله مستدلا بها على اعتبار طهارة الأرض تبعا لمن شرط ذلك.
ويمكن الخدشة في الكل أما الارتكاز فيمكن أن يدعى أن ارتكازهم على خلاف
ذلك كما لا يخفى على من راجع ارتكازهم فإنه إذا قيل لهم: إن الأرض مطهرة لباطن النعل
والقدم لا يسألون عن أنه هل يعتبر طهارة الأرض أولا بل لا ينقدح في أذهانهم السؤال عن ذلك.
وأما الاستقراء فهو أيضا كسابقه إذ لا يمكن اثبات حكم من الأحكام الشرعية
بالاستقراء فإن الاستقراء لا يفيد إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا مع أن مبنى الشريعة
الاسلامية على جمع المختلفات وتفريق المجتمعات.
وأما صحيحة الأحول فليس فيها سوى الاشعار على ذلك وفرض المكان النظيف
وغير النظيف إنما هو في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه السلام وإنما قرره الإمام
عليه السلام في مفروضه وهو المكان النظيف ومن المعلوم أن مفهوم اللقب ليس بحجة ولم
ينف الإمام عليه السلام الطهارة من المكان غير النظيف مع أنه يمكن أن يكون المراد بالمكان
361

النظيف المكان الخالي عن القذارات الظاهرية أي الخالي عن الأوساخ لا الخالي عن
النجاسات وإن كان هذا الاحتمال بعيدا عن مساق الرواية ولكن مع ذلك كله الأحوط
هو اعتبار طهارة الأرض كما عليه المشهور.
ويعتبر أيضا جفاف الأرض على المشهور والدليل عليه رواية محمد بن علي الحلبي
المنقولة عن مستطرفات السرائر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن طريقي إلى المسجد
في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال عليه السلام: أليس
تمشي بعد ذلك في أرض يابسة فقلت: نعم فقال: لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا (1).
وحسنة المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخنزير يخرج من
الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال: أليس ورائه شئ جاف قلت: بلى
قال: لا بأس إن الأرض يطهر بعضا (2).
والخدشة في سندهما - مع أن الثانية حسنة في غير محلها لأن المشهور قد عملوا بهما.
ثم إنه لا فرق ظاهرا بين النعل والقدم وبين أقسام النعل من الخف وغيره بل يمكن
التعدي إلى أسفل عصا الأعرج بل ركبتي من يمشي على الأرض بركبتيه.
وكذا لا فرق في الأرض بين المفروشة بالآجر والحصى وغيرهما تمسكا في ذلك كله
باطلاق النصوص نعم يشكل الحكم في المفروشة بالقير والآهك والجص للشك في صدق اسم
الأرض عليها.
(الثامن)
من المطهرات ماء الغيث ذكره غير واحد من القدماء تبعا للنصوص وهل يعتبر في
صدق اسم المطر الجريان على وجه الأرض - كما ذكر ذلك كثير من الفقهاء بل نسب ذلك إلى
المشهور - فيه قولان فلنذكر أولا النصوص ثم ننظر في دلالتها فنقول ومن الله التوفيق:
من النصوص مرسل الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: يسيل علي من
ماء المطر أرى فيه التغير وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي وينتضح علي منه والبيت
يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس ولا تغسله كل شئ يراه ماء المطر فقد

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 9 - 3.
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 9 - 3.
362

طهر (1).
وهذه الرواية فيها اطلاق يصدق على غير الجاري على وجه الأرض اللهم إلا أن يقال
بعدم صدق المطر على غير الجاري وهو بعيد.
ومنها مرسلة الفقيه قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن طين المطر يصيب الثوب فيه
البول والعذرة والدم فقال: طين المطر لا ينجس (2).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا
فتمطر السماء فتقطر علي القطرة قال: ليس به بأس (3).
ومنها صحيحة علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يمر في ماء المطر وقد
صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجله
ولا بأس به (4).
ومنها ما عن الفقيه أنه سأل هشام بن سالم أبا عبد الله عليه السلام عن السطح يبال عليه
فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه (5).
وهذه الروايات من الروايات المطلقة وليس فيها تقييد بالجريان ولكن في بعض
الروايات ما يظهر منه التقييد بالجريان مثل صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى
عليه السلام عن البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه من الجنابة ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه
فيتوضأ به للصلاة فقال: إذا جرى فلا بأس به (6).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة
فيصيب الثوب أيصلى فيه قبل أن يغسل قال: إذا جرى به المطر فلا بأس (7).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه
المطر فيكف فيصيب الثياب أيصلى فيها قبل أن تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس
يصلى فيه (8).
ولكن هذه الروايات لا ظهور لها في كون مصداق المطر لا يتحقق إلا إذا جرى على وجه

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 12 - 9
(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 12 - 9
(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3 - 12 - 9
(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8 - 4 - 5 - 7
(5) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8 - 4 - 5 - 7
(6) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8 - 4 - 5 - 7
(7) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8 - 4 - 5 - 7
(8) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 6.
363

الأرض لامكان أن يكون المراد بالجريان الجريان من الميزاب بمعنى أنه إذا جاء المطر من الميزاب
فلا بد في مطهريته من الجريان ويحتمل في خصوص صحيحة علي بن جعفر (1) أن اعتبار
الجريان إنما هو لأجل كون الموضع معدا للقذارات فما لم يجر فيه المطر لا يمكن الأخذ من مائه
والتوضؤ به لأجل اختلاطه بالقاذورات وأما في صورة الجريان فيذهب ماء المطر بها مضافا
إلى أن مفروض السؤال في هذه الروايات هو المكان المعد للقاذورات الذي لا يمكن تطهيره
إلا بعد جريان المطر عليه لأنه بواسطة كثرة النجاسات لا يمكن غلبة المطر عليه إلا بعد جريانه
على وجه الأرض وذهاب النجاسات بواسطة كثرة المطر وإلا تصير النجاسات غالبة عليه
بواسطة كثرة النجاسات وقلته كما هو واضح.
ويحتمل أن يكون المراد بالجريان الجريان من السماء بمعنى أنه يشترط في عاصمية
ماء المطر من النجاسة بحيث إذا وكف على الثوب لا يتنجس الثوب بذلك وكذا في جواز
التوضي به - الجريان من السماء وعدم انقطاع المطر لأن الموضع موضع قذر فمجرد انقطاع
المطر عنه يصير الماء الباقي على وجه الأرض متنجسا لملاقاته للنجس وهذا الاحتمال لم يذكره
الأستاذ دام ظلة فح يكون الأقوى ما عليه كثير من الفقهاء من عدم اعتبار جريانه على وجه
الأرض تبعا لاطلاق النصوص المتقدمة
ثم إن المطر كما يطهر الأرض المتنجسة وما بحكمها كذلك يطهر الماء المتنجس ولكن
الأحوط حصول الاختلاط بينهما لأنه بدون الاختلاط والامتزاج لا يصدق عليه أنه رآه ماء المطر
لأن الماء الذي يكون في أسفل الحوض لم يره ولم يلاقه ماء المطر فلم يتحقق مصداق قوله عليه السلام: كل
ما رآه ماء المطر فقد طهر وهذا نظير ما إذا كان أحد جانبي القميص مثلا نجسا وكان في المطر
وكان الجانب الآخر خارجا عنه فكما أن الجانب الذي لا يراه المطر لا يطهر بملاقاة المطر للجانب
الآخر الذي رآه ماء المطر فكذا فيما نحن فيه.
أقول: على رغم جهودنا الجبارة في ضبط مطالب الأستاذ مد ظله قد فاتتنا بقية
المطهرات فلم أسجلها في المسودة

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5.
364

المبحث الثالث عشر
في أحكام آنية الذهب والفضة.
يحرم الأكل والشرب اجماعا منا في الجملة ومن
العامة إلا من الشاذ منهم من آنية الذهب والفضة والأخبار في ذلك من الطرفين كثيرة.
فمن العامة ما روي من طرقهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تشربوا في
آنية الذهب ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (1).
وعنه صلى الله عليه وآله من طرقهم أيضا أنه قال: الذي يشرب في آنية الذهب
والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (2).
ومن طرقنا ما روي عن الصادق عليه السلام بطريق حسن أو صحيح قال: لا تأكل
في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة (3)
وما روي عن داود بن سرحان عنه عليه السلام أنه قال: لا تأكل في آنية الذهب
والفضة (4).
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه نهى عن آنية الذهب
والفضة (5)
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا روي عن الكاظم عليه السلام
أنهما قالا: آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون (6)
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تأكل من آنية ذهب

(1) كنز العمال - على ما حكي عنه جلد 8 صفحة 16
(2) المستدرك الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 4
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 والحديث 73 - 7 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 والحديث 73 - 7 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 والحديث 73 - 7 - 3 - 4.
(6) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 والحديث 73 - 7 - 3 - 4.
365

ولا فضة (1)
وهذه الروايات ظاهرة في حرمة الأكل من آنية الذهب والفضة والشرب منها
وبعض هذه الروايات له اطلاق بالنسبة إلى حرمة مطلق الاستعمالات ولكن تعارض هذه
الروايات روايات أخر ظاهرة في كراهة الأكل والشرب منها بل كراهة مطلق استعمالها
منها صحيحة ابن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن آنية الذهب والفضة
فكرهما فقلت: روي أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبسة فضة فقال: لا والحمد لله
إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي ثم قال: إن حين عذر أي ختن عمل له
قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضة نحوا من عشرة دراهم فأمر به
أبو الحسن عليه السلام فكسر (2)
ومنها رواية بريد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أنه كره الشرب في الفضة وفي
القدح المفضض وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض والمشطة كذلك (3)
ومنها موثقة ابن مهران عنه عليه السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب
والفضة (4). حيث إن لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة
ولكن يمكن الجواب عن هذه الروايات بأن الكراهة في لسان الأئمة عليهم السلام
ليست ظاهرة في الكراهة المصطلحة عند الفقهاء لأن الكراهة في لسانهم عليهم السلام تطلق
على مطلق ما يكون مرجوحا سواء أكان محرما أم مكروها وكثيرا ما تطلق على المحرم القطعي
فهذه الروايات لا تعارض تلك الروايات الدالة على الحرمة وعلى فرض معارضتها فالترجيح
لتلك الروايات لعمل الأصحاب بها فإن فتواهم مطبقة على حرمة الأكل والشرب منها ولم
ينقل الخلاف من أحد في الحرمة إلا ما حكي القول بجواز الشرب منها من المحقق السبزواري
في الذخيرة لعدم ما يدل على الحرمة فإن ما دل على الحرمة يدل على حرمة الأكل فقط.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن الاستناد إليه لكونه عاميا
كما مر وما دل على كراهة الشرب كرواية بريد ورواية سماعة بن مهران فإنما هو بلفظ

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 5
(2) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 5
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 2
(4) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 7 -.
366

الكراهة أولا ينبغي وهما لا يدلان على الحرمة.
ولكن يجاب بأن الرواية العامية ضعفها مجبور بعمل الأصحاب ولفظ الكراهة أولا
ينبغي ليس صريحا في الكراهة المصطلحة وإن كان ظاهرا فيها إلا أنه لا بد من رفع اليد عن
ظهوره بواسطة فتوى الأصحاب القائلين بالحرمة.
وربما حملت روايات الكراهة على التقية لموافقتها لفتوى بعض العامة.
وهل يحرم خصوص الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة أو يحرم مطلق
استعمالاتها - الظاهر هو الثاني وفاقا لأكثر المتأخرين لأنه - وإن كان أكثر الأخبار المتقدمة
النهي عن الأكل والشرب - منها إلا أن رواية محمد بن مسلم المتقدمة ظاهرة في حرمة
مطلق الاستعمال لأن الباقر عليه السلام قد نهى عن آنية الذهب والفضة ومن المعلوم عدم
تعلق النهي بنفس الآنية فلا بد من تقدير المتعلق وحيث إن حذف المتعلق مفيد للعموم
فالمنهي عنه مطلق الاستعمال وكذا الرواية المروية عن النبي والكاظم صلوات الله عليهما
وآلهما فإنهما قالا: آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون.
وكذا صحيحة ابن بزيع المتقدمة قال: سألت الرضا عليه السلام عن آنية الذهب
والفضة فكرههما وقد تقدمت الرواية فإنه يستفاد من هذه الروايات ممنوعية مطلق استعمالها
ولا يضر بالاستدلال ضعف سند بعضها لجبر الضعف بعمل الأصحاب فح يحرم جميع أقسام
الاستعمالات مثل التدهين منها أو الاستنجاء بها أو التوضؤ أو الاغتسال منها سواء أكان
بالارتماس فيها أم بالاغتراف منها.
وهل يبطل الوضوء أو الغسل منها أولا - أما إذا كان بالارتماس فهو باطل قطعا
لاتحاد المحرم مع المأتي به لأن الوضوء منها هو عين التصرف فيها واستعمالها فما عن كشف
اللثام من عدم البطلان ضعيف جدا.
وأما إذا كان بنحو الاغتراف فكذلك أيضا إذا كان مع الانحصار لأنه وإن لم يكن
التصرف في الإناء هو عين التوضؤ منه إلا أنه لم يكن مأمورا بالوضوء مع الانحصار بل يكون
فرضه التيمم فبطلانه ح لأجل عدم الأمر به لا لأجل التصرف في إناء الذهب مثلا.
وأما مع عدم الانحصار فيمكن القول بصحة الوضوء لأنه ح مأمور بالوضوء ولا يكون
التصرف في الإناء بنظر العرف هو عين التوضؤ منه فيكون اغترافه من الإناء حراما ووضوئه
367

صحيحا.
ثم إن المناط في صدق الإناء والآنية هو تشخيص العرف لأنه ليس في كتب اللغة
ما يفسرها تفسيرا واضحا فإن في أكثر كتب اللغة أن الإناء والآنية معروف لا يزيدون على
هذا شيئا نعم عن المصباح المنير أن الإناء والآنية كالوعاء والأوعية لفظا ومعنى) وظاهره
ترادفهما وأن الإناء والآنية عين الوعاء والأوعية وإن قال في الجواهر: إنه تفسير بالأعم لأن
الوعاء بمعنى مطلق الظرف أعم من الإناء فإن كان تفسير مصباح اللغة بالأعم فهو وإلا
فيشمل تفسيره قراب السيف ونحوه مما لا يكون إناءا قطعا
ثم - بناء على المراجعة إلى العرف في تشخيص الإناء - يشمل الإناء كل ما يطبخ
فيه أو يستعمل في الأكل والشرب والتطهير كالقدر والكأس والمشقاب والقوري والاستكان
والنعلبكي والمطهرة بل والمصفاة والملعقة بل والقليان أي الموضع الذي يجعل الماء فيه دون
رأسه لأن موضع الماء منه يصدق عليه الإناء وأما مثل رأس القليان ورأس الشطب وغلاف
السيف وموضع الأنفية أو الترياك أو موضع السكائر أو موضع التعويذ ونحو ذلك فالظاهر
عدم صدق الإناء عليها.
والحاصل أن ملاك الحرمة هو صدق الإناء على شئ بنظر العرف وإن كان
مشبكا بل وإن لم يكن له أطراف كالصينية والمشقاب إذا لم يكن لهما أطراف كالظروف
النايلونية فما عن كشف الغطاء من اختصاص الحرمة بما له أسفل يمسك ما يوضع فيه أي بما له
قعر أو اختصاصها بما له حواش وأطراف ليس له وجه بعد صدق الإناء على ما ليس كذلك.
ثم إنه لا فرق في الإناء بين ما يؤكل أو يشرب منه وبين ما يكون من مقدمات الأكل
أو الشرب فمثل السماور والقوري معدود من الإناء وإن لم يشرب منهما بلا واسطة.
وهل يحرم استعمال الإناء المفضض والمراد به أما الإناء الذي يكون منبتا بالفضة أو
بعض مواضعه معبأ بها أو المراد به ما كان مموها بماء الفضة - فيه وجهان ولنذكر أولا بعض الأخبار والله المستعان.
فمنا الصحيحة أو الحسنة المروية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكل في آنية من فضة
ولا في آنية مفضضة (1) وظاهر النهي هو التحريم.

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1.
368

ومنها رواية بريد عنه عليه السلام أنه كره الشرب في الفضة والقدح المفضض وكذلك
أن يدهن في مدهن مفضض والمشط كذلك وزاد الصدوق (ره) على هذه الرواية: فإن لم يجد بدا من
الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن مواضع الفضة (1).
ومنها صحيحة معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الشرب في
القدح فيه ضبه من فضه قال: لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها (2).
وهذه الصحيحة فيها دلالة على جواز الشرب من الآنية التي فيها شئ من الفضة فلا بد
من حمل الروايتين المتقدمين على كراهة الشرب من الآنية المفضضة فإن الحسنة المتقدمة
وإن كانت ظاهره في التحريم لأن النهي ظاهر فيه وكذا رواية بريد فإن الكراهة غير ظاهرة في
الكراهة المصطلحة - أعني مرجوع الفعل مع عدم المنع منه - لأنها تستعمل في لسان الأخبار في
الأعم من الحرمة والكراهة إلا أنه لا بد من حملهما على الحرمة أو الكراهة فيما إذا جعل فمه على
موضع الفضة بقرينة ذيل رواية بريد على نقل الصدوق المشتمل على زيادة قوله: فإن لم يجد بدا
الخ.
ويدل أيضا عليه أي أن المحرم وضع فمه على موضع الفضة صحيحة ابن سنان أو
حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك
عن موضع الفضة (3) فإن هذه الرواية تدل صريحا على جواز الشرب من القدح المفضض
لكن بشرط عزل الفم عن موضع الفضة فمقتضى الجمع بين الطائفتين من الأخبار هو حمل
أخبار النهي أو الكراهة على الكراهة المصطلحة أي كراهة الشرب من الآنية المفضضة وعلى
هذا المعنى أيضا يمكن حمل رواية عمرو بن أبي المقدام قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام
قد أتى بقدح من ماء فيه ضبة من فضة فرأيته ينزعها بأسنانه (4) لكن هذه الرواية لا تدل
على شربه عليه السلام منه قبل نزع الفضة فإن الإمام عليه السلام لا يرتكب مكروها وإن كان
جائزا.

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 5
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 4 - 5
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 والباب 18 الحديث 1.
369

(المبحث الرابع عشر)
في أحكام اللحوم والشحوم والجلود المشكوكة التذكية إذا وجد أحد هذه الثلاثة ولم يعلم
بتذكيته فإن وجده في البرية ولم تكن عليه أمارات التذكية أو وجده في بلاد الكفر أو في الحد
المشترك بين المسلمين والكفار فالظاهر الحكم عليه بأنه ميتة وفاقا لأكثر الأصحاب بل ادعى عليه
الاجماع لاعتبار احراز التذكية والعلم بتحققها أو قيام الأمارة الشرعية بوقوعها في الحلية
والطهارة
وأصالة عدم الموت حتف الأنف كما قيل - لا تثبت كونه مذكى لعدم اعتبار
الأصل المثبت كما تقرر في محله مع أن موضوع الحرمة والنجاسة ليس الموت حتف أنفه بل
الموضوع هو الأعم منه لأن موضوعه هو غير المذكى سواء أمات حتف أنفه أم ذبح على غير الوجه
الشرعي ومن المعلوم أن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام كما هو واضح مضافا إلى أن هذا الأصل
أي أصل عدم الموت حتف الأنف معارض بأصالة عدم التذكية والأصل الثاني
هو الاستصحاب.
ولكن يرد عليه بعدم تحقق الحالة السابقة إلا أن يقال بتحقق الحالة السابقة بأن يقال:
إن هذا الحيوان كان في حال حياته غير مذكى والآن نشك في انقلاب تلك الحالة عنه بعد موته
والأصل بقائها.
لكن يرد عليه أن موضوع الحرمة والنجاسة ليس كونه غير مذكى فقط حتى في حال
حياته بل الموضوع هو غير المذكى مع موته وهذا ليس له حالة سابقة اللهم إلا أن يقال: إن
التذكية محرز بالأصل وموته محرز بالوجدان فيتحقق كلا جزئي الموضوع بذلك فتتحقق الحرمة
والنجاسة.
وكيف كان فعمدة المستند في هذا الحكم هو الأخبار.
فمنها رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: من جرح صيدا بسلاح وذكر
اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه
إن شاء (1).

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 والباب 18 الحديث 2.
370

فإنه عليه السلام قد علق جواز الأكل منه بالعلم بأن سلاحه قتله.
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرمية يجدها
صاحبها أيأكلها؟ قال: إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل (1) ومثله صحيحة
حريز (2).
ومنها موثقة سماعة قال: سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثم كان في
طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه فقال: إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه
وإلا فلا يأكل منه (3).
ومنها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم
وترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل تغيب عنك أو لم يغب عنك (4).
ومنها رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
في صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدري من قتله: لا تطعمه (5).
هذا كله فيما إذا لم تكن عليه أمارات التذكية وأما إذا كانت عليه أمارات التذكية بأن
وجد في سوق المسلمين أو كان بيد المسلم أو في أرض الاسلام مع غلبة المسلمين بواسطة كثرتهم
على الكفار أو أخبار المسلم بتذكيته أو معاملة المسلم معه معاملة المذكى فحكمه في جميع ذلك حكم
المذكى ولا يجب السؤال عنه وتدل عليه الأخبار الكثيرة.
فمنها ما يدل على اعتبار سوق المسلمين - مثل صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر
عن الكاظم عليه السلام قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية
هي أم غير ذكية أيصلي فيها قال: نعم ليس عليكم المسألة إن أبا جعفر عليه السلام كان
يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك (6).
ورواه الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري عنه عليه السلام وكذا صحيحة الحلبي
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر وصل فيها حتى

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 والباب 18 الحديث 2
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 والباب 18 الحديث 2
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الصيد الحديث 3 - 5
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الصيد الحديث 3 - 5
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب الصيد الحديث 1
(6) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 3.
371

تعلم أنه ميتة بعينه (1) ومثلها صحيحة الأخرى (2)
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفاف يأتي
السوق فيشتري الخف لا يدري أذكى هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه؟
قال: نعم أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة (3)
وكذا رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أعترض السوق
فاشتري خفا لا أدري أذكى هو أم لا قال: صل فيه قلت: فالنعل قال: مثل ذلك قلت: إني
أضيق من هذا قال: أترغب عما كان أبو الحسن عليه السلام يفعله؟ (4)
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أدخل سوق
المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها:
أليس هي ذكية فيقول: بلى هل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية فقال: لا ولكن لا بأس أن
تبيعها وتقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية قلت: وما أفسد ذلك قال: استحلال
أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله
صلى الله عليه وآله (5)
وتدل على ذلك أيضا رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن
جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الخيل (الجبل) أيسأل عن ذكاته إذا كان
البائع مسلما غير عارف قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك
وإذا رأيتم (رأيتموهم خ ل) يصلون فيه فلا تسألوا عنه (6).
ويستفاد من هذه الرواية أن المفروض في السؤال أن ذلك السوق كان مختلطا فيه
المسلمون والكفار ولم يكن بحيث كان غالب أفراده المسلمين ليعد سوق الاسلام فلذا لم يعتد
عليه السلام بيد المسلم فقال: وإذا رأيتم (أي المسلمين) يصلون فيه (أي يعاملونه معاملة
المذكى) فلا تسئلوا عنه ومعناه والله العالم - أن المسلم غير العارف المختلط مع الكفار بحيث
لا يكون غلبة الأفراد مع المسلمين لا بد لكم إما أن تسألوا عن ذكاة الفراء التي اشتريتموها منه

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 2
(2) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 2 - 4
(3) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 2 - 4
(4) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6 - 2 - 4
(5) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 10 - 5.
(6) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 10 - 5.
372

وإما ترون أنهم يعاملون معها معاملة المذكى كالصلاة فيها فلا تسئلوا ح عن ذكاتها فيعلم من هذه
الرواية أن سوق المسلمين إنما يكون حجة إذا كان الغالب عليه المسلمين وأما إذا لم كذلك
فليس بحجة.
وتدل عليه أيضا موثقة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال: لا بأس
بالصلاة في الفرو اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام قلت له: فإن كان فيها غير أهل الاسلام
قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس (1)
ومن الأخبار ما يدل على اعتبار ما صنع في أرض الاسلام كرواية الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: تكره الصلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز (2).
وهل تكون هذه الرواية وكذا موثقة عمار المتقدمة معارضة لتلك الروايات الدالة على
اعتبار سوق المسلمين أو مقيدة لها حيث أن تلك الروايات دلت على اعتبار سوق المسلمين
فما يشترى من غير سوق المسلمين ولو علم أنه صنع في أرض الاسلام لا يكون ذكيا وهذه الرواية
تدل على اعتبار ما صنع في أرض الاسلام وإن كان يشتري من غير سوق المسلمين إذا كان الغالب
فيه المسلمين فما التوفيق بينهما.
ولكن يمكن الجمع بين الطائفتين من الروايات بأن يقال: إنه يكون الشارع
جعل كل واحد من سوق المسلمين وأرض الاسلام علامة للتذكية فما وجد في سوق المسلمين
يكون مذكى وما اشترى من مسلم أيضا يكون مذكى ومعنى اعتبار سوق المسلمين هو اعتبار يد
المسلم وأن ما يشترى من المسلم أو يؤخذ من سوق المسلمين محكوم بالتذكية ففي الواقع المعتبر
هو يد المسلم والسوق كاشف عن يده وكذا ما صنع في أرض الاسلام وعلم أنه من مصنوعات
الاسلام يحكم عليه بالتذكية وإن بيع في بلاد الكفر.
وحاصل الجمع بين الطائفتين من الأخبار أن اللحم أو الجلد إذا أخذ من سوق المسلمين
يكون بحكم المذكى سواء أخذ من المسلم أو من مجهول الحال وأما إذا أخذ من الكافر فإن علم
بعدم سبق يد المسلم عليه فهو بحكم الميتة وإن لم يعلم بعدم سبق يد المسلم عليه واحتمل أنه أخذه
من مسلم فلا يترتب عليه أحكام المذكى لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة (3) الدالة على

(1) جامع الأحاديث الباب 32
(2) جامع الأحاديث الباب 32
(3) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 5.
373

وجوب السؤال عما يبيعه المشركون وكذا لا يترتب عليه أحكام المذكى إذا أخذه من المسلم
غير العارف إذا لم يكن السوق مما يكون غالب أفراده المسلمين إلا إذا صلى المسلم فيه وأما إذا أخذ
ما صنع في أرض الاسلام سواء أخذه من المسلم أو أخذه من مجهول الحال بل وإن أخذه من
الكافر إذا علم أنه مصنوع في بلاد الاسلام فهو بحكم المذكى على اشكال في الأخير أي فيما إذا
أخذه من الكافر حيث إنه ادعى الاجماع على أنه بحكم الميتة فالأحوط الترك.
نعم إذا علم أن ما بيد الكافر هو مصنوع المسلم فلا اشكال فيه فح إذا كانت الجلود
المجلوبة من بلاد الكفار مما علم أنه مصنوع أرض الاسلام وكان البايع مسلما فلا اشكال فيه
بل وإن بيع في بلاد الكفر بعد ما علم أنه من مصنوعات بلاد الاسلام.
(المبحث الخامس عشر في كيفية غسل الأواني)
وفيه مباحث
الأول في وجوب غسل الإناء لولوغ الكلب وفيه مقامات الأول وجوب غسله ثلاثا
إحداهن التراب على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع. والخلاف في ذلك في القول الشاذ في
عدد الغسلات.
وهو وجوب السبع وهو المحكي عن ابن الجنيد ومستنده ما حكي عن كنز العمال عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن
بالتراب (1) ولكن الرواية حيث إنه لم ترد من طرقنا لا يمكن الاعتماد عليها مع أنه يمكن حملها
على الاستحباب نعم في موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه
النبيذ قال: تغسله سبع مرات وكذلك الكلب (2).
لكن لا بد من حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة البقباق الآتية
المقام الثاني في كون الغسل بالتراب لا بد من أن يقع في الأولى من الغسلات
الثلاث - كما هو المشهور - لكن عن المفيد قده في المقنعة أنه تجب فيه ثلاث غسلات وسطاهن
التراب ولم يعلم مستنده لأن مستند وجوب تعفيره أولا بالتراب هو صحيحة البقباق عن
أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال

(1) كنز العمال - على ما حكي عنه - جلد 5 صفحة 89
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب النجاسات الحديث 1 والباب 30 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
374

والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا وسألته عنه فقال: لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب فقال:
رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (1) وهي
ظاهرة في وجوب كون الأولى بالتراب.
المقام الثالث
هل تكفي غسلة واحدة بعد التعفير بالتراب أو لا بد من غسلتين - ظاهر
المدارك هو الأول حيث قال بعد نقل صحيحة البقباق المتقدمة: كذا وجدته فيما وقفت عليه من
كتب الأحاديث ونقله كذلك الشيخ رحمه الله في مواضع من الخلاف العلامة في المختلف إلا أن
المصنف ره نقله بزيادة لفظ مرتين - بعد قوله: اغسله بالماء وقلده في ذلك من تأخر عنه ولا يبعد
أن يكون الزيادة وقعت سهوا من قلم الناسخ ومقتضى اطلاق الأمر بالغسل الاكتفاء بالمرة
الواحدة بعد التعفير إلا أن ظاهر المنتهى وصريح الذكرى انعقاد الاجماع على تعدد الغسل بالماء
فإن تم فهو الحجة وإلا أمكن الاجتزاء بالمرة الواحدة لحصول الامتثال بها انتهى.
ومراد قده من قوله: كذا وجدته - أي في الرواية من قوله عليه السلام واغسله بالتراب أول مرة
ثم بالماء أي من دون كلمة مرتين بعد قوله ثم بالماء ولكن المصنف أي صاحب الشرائع
الرواية مع إضافة كلمة مرتين فتصير دليلا لقول المشهور
أقول: وذكر غيره أن كلمة مرتين وإن لم تكن موجودة فيما وصل إلينا من النسخ إلا أن
المحقق ذكره في المعتبر والعلامة في المنتهى وأفتى القدماء في كتبهم الاستدلالية بوجوب غسله
مرتين بعد التعفير بالتراب ولعلهم عثروا على لفظ المرتين فيما بأيديهم من الأصول خصوصا
المحقق الذي يروى عن الأصول التي لم نسمع اليوم إلا أسماءها).
وكيف كان فالقول هو قول المشهور من اعتبار غسله مرتين إما لصحيحة البقباق التي
نقلها المحقق قده بزيادة مرتين وإما للأدلة العامة الدالة على وجوب غسل مطلق الإناء ثلاث
مرات وصحيحة البقباق دلت على كون وجوب الغسلة الأولى بالتراب فيستفاد من صحيحة
البقباق ومن الأدلة العامة ما هو المشهور من وجوب الغسلات الثلاث لولوغ الكلب إحداهن
بالتراب.
هذا كله فيما إذا غسل الإناء بالماء القليل وأما إذا غسل بالماء الجاري أو الكر فالظاهر

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب النجاسات الحديث 1 والباب 30 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
375

كفاية المرة لاطلاق قوله عليه السلام: هذا وأشباهه لا يصيب شيئا إلا وقد طهره (1) نعم لا يسقط
التعفير بالتراب ح لاطلاق صحيح البقباق ودعوى سقوطه لاطلاق روايات الجاري ساقطة عن
الاعتبار لأنه إنما يمكن التمسك بالاطلاق فيما لم يكن له مطهر سوى الماء دون ما نحن فيه الذي
يكون من أجزاء مطهرة التراب.
(المقام الرابع)
هل تجب الغسلات الثلاث بولوغ الكلب من الإناء فقط وهو شربه منه كما عن
المصباح المنير وعن الصحاح شربه بطرف لسانه وفي القاموس شرب ما فيه بأطراف لسانه أو
أدخل لسانه فيه انتهى أو تجب الغسلات أيضا ولو بمباشرة سائر أعضائه للإناء ظاهر صحيحة
البقباق هو الأول لأن قوله عليه السلام: لا تتوضأ بفضله ظاهر في أن حكم التعفير مختص
بفضل سؤره أي بفضل ما شرب منه ولذا قد عبر الفقهاء عنه أي عن فضل ما شرب منه بالولوغ
فإن لفظ الولوغ وإن لم يكن في الروايات الصحيحة - نعم هو موجود في النبوي المتقدم - إلا
أن التعبير بقوله في صحيحة البقباق: لا تتوضأ بفضله يستفاد منه أن المراد منه الولوغ فإن المراد
منه ما يفضل عن شربه ومن المعلوم أن شربه للماء بحسب المتعارف إنما هو أخذه بأطراف
لسانه والفضل وإن كان يشمل ما يفضل من مأكوله أيضا إلا أن من المعلوم أن المراد من
فضله هو المايع لأن أكل الجامد من الإناء لا يوجب نجاسته فح القدر المتيقن من وجوب
التعفير هو ما إذا ولغ فيه أي شرب بأطراف لسانه فلا يشمل سائر مباشراته للإناء حتى لطعه
له.
نعم بالنسبة إلى اللطع يقال: بأنه مشتمل على جميع ما اشتمل عليه الولوغ وإنا وإن
لم نقطع بذلك لاحتمال دخل خصوص الشرب من الإناء عند الشارع إلا أنه لا يمكننا الافتاء
بعدم وجوب التعفير ح لاحتمال اتحاد مناطيهما فالأحوط احتياطا شديدا وجوبه.
وهل يلحق بالولوغ وقوع لعابه في الإناء أولا - عن العلامة قده في النهاية وجوب
التعفير لدعوى أن وجوب التعفير بالولوغ إنما هو لأجل اشتماله على اللعاب فلعابه أولى بالحكم
بوجوب التعفير.
ولكن لا شاهد لهذه الدعوى سوى الاحتمال فكما أنه يحتمل ذلك فكذا يحتمل أن

(1) لم أظفر بها في مظانها.
376

يكون في الولوغ خصوصية يجب معها التعفير لا نعرفها فإن أحكام الشرع الأطهر لا يمكن اثباتها
بصرف الاحتمال.
وأما مباشرة سائر أعضائه للإناء فلا تلحق بولوغه لعدم الدليل على الالحاق سوى
صحيحة البقباق وهي لا تدل إلا على ثبوت حكم التعفير بالنسبة إلى الولوغ لأنه قال عليه السلام:
لا تتوضأ بفضله ولا يطلق الفضل إلا على ما فضل من شربه فإن الماء الذي باشره سائر أعضائه
لا يطلق عليه الفضل ولكن مع ذلك ألحقها بعضهم بالفضل وقال: بأولوية سائر الأعضاء من
الولوغ لأنها أنجس من فمه لأن فمه أطيب نكهة من سائر الحيوانات لكثرة لهثه أي اخراج
لسانه وتحريكه فإذا كان مباشرة فمه - مع طيب نكهته موجبة للتعفير فسائر أعضائه أولى
ولكن ما أشبه هذا الوجه بالاستحسان بل بالقياس فإن الأحكام الشرعية توقيفية
لا تنالها يد العقل ولا يمكن اثبات شئ منها بهذه الوجوه الاستحسانية كما هو واضح
نعم في رواية فقه الرضا عليه السلام ما يدل على الالحاق قال عليه السلام: وإن وقع الكلب في
الماء أو شرب منه أهريق وغسل الإناء ثلاث مرات (1). حيث دلت على غسله ثلاث مرات
بوقوع الكلب فيه. ولكن لا يمكن الاعتماد على رواية فقه الرضا كما ذكرنا ذلك غير مرة فح
الأقوى عدم الالحاق بل مباشرة سائر الأعضاء للإناء حكمها حكم سائر النجاسات لا يجب
فيها أكثر من غسله ثلاث مرات ولكن الأحوط الالحاق خصوصا " في لعابه.
(المقام الخامس)
أن وجوب غسله بالتراب أول مرة في الجملة اجماعي كما ادعاه غير واحد وتدل عليه
صحيحة البقباق المتقدمة.
وهل يجب غسله بالتراب الخالص أي من دون اختلاط الماء معه نظرا إلى أن
التراب في قوله عليه السلام: اغسله في التراب ظاهر في التراب الخالص أو يجب اختلاطه بالماء اختلاطا
لا يخرجه عن صدق الترابية نظرا إلى ظهور الرواية في ذلك بحسب المتفاهم العرفي فإنه إذا قيل
لأحد: اغسل يديك بالأشنان أو بالصابون لا ينقدح في ذهنه: أدلك يديك بالصابون
أو بالأشنان اليابس بل ينقدح في ذهنه اغسل يديك بالصابون أو بالأشنان مع الماء فكذا فيما
نحن فيه أو يجب غسله بالماء المختلط بالتراب في الجملة نظرا إلى ظهور الغسل في الغسل بالماء

(1) جامع الأحاديث الباب (19) من أبواب النجاسات الحديث 2.
377

فيصير معنى الرواية اغسله بالماء مع التراب فتكون الباء للمصاحبة أو يجب الغسل بالتراب
الخالص أولا ثم بالتراب الممزوج مع الماء في الجملة - وجوه بل أقوال والأقوى كفاية كل
واحد من الوجهين الأولين لاطلاق صحيحة البقباق المتقدمة وأما الوجه الثالث فيرد عليه أن
الغسل وإن كان ظاهرا في الغسل بالماء إلا أنه بعد ما ذكر متعلقه أي ما يغسل به في الرواية
وهو التراب في قوله عليه السلام: اغسله بالتراب أول مرة الخ لا يمكن حمله على الغسل بالماء
والحاصل أنه لا بد من ارتكاب التجوز إما بالنسبة إلى الغسل بأن يقال: إن
الحقيقي هو الغسل بالماء ولكن استعماله في الغسل بالتراب مجازي وإما بالنسبة إلى التراب
بأن يقال: إن الغسل مستعمل في الغسل بالماء ولكن اسناد الغسل إلى التراب مجازي باعتبار
اشتمال الماء على التراب فعلى كل منهما لا بد من ارتكاب المجاز ولكن الرواية ظاهرة في
المعنى المجازي الأول
وأما الوجه الرابع فلا وجه له سوى الاحتياط وقد عرفت أن الرواية باطلاقها دالة
على كفاية كل واحد من الوجهين الأولين فلا وجه للاحتياط.
ثم إن ظاهر الرواية عدم كفاية غير التراب مكان التراب كالأشنان والرماد
وغيرهما للأمر بغسله بالتراب وهل يسقط وجوب التعفير بفقدان التراب أو بعدم امكان
تعفيره لضيق رأسه أو عدم تحمله للتعفير بأن ينكسر بتعفيره - فيه وجهان: وجه الأول أن
يقال: إن الأمر بغسله بالتراب ظاهر في امكان الغسل به فلا يشمل غير ممكن الغسل من أول
الأمر أو ينصرف الاطلاق عنه.
ووجه الثاني أن ظاهر الرواية إناطة حصول الطهارة على غسله بالتراب أول مرة
فلا تتحقق الطهارة بتعذر تعفيره أو تعسره خصوصا إذا قلنا: إن الأمر بغسله بالتراب ليس
أمرا تكليفيا بل الأمر بالغسل أمر وضعي أي يشترط في حصول طهارة الإناء الذي ولغ فيه
الكلب غسله بالتراب أول مرة فما لم يحصل الشرط لم يحصل المشروط وهذا الوجه هو الأحوط
وإن كان الوجه الأول لا يخلو من وجه
ثم إن الظاهر اعتبار طهارة التراب لعدم معهودية مطهرية المتنجس في الشرع
وللاستقراء بأن ما يرفع الحدث أو الخبث يعتبر أن يكون طاهرا كتراب التيمم وحجر
الاستنجاء
ولكن ربما يستدل لعدم اعتبار طهارته باطلاق صحيحة البقباق المتقدمة حيث إنه
378

لم يقيد فيها باعتبار طهارة التراب مع أنه عليه السلام كان في مقام البيان.
وهذا الوجه وإن لم يرتضه الأستاذ دام ظله إلا أنه بنظري القاصر لا يخلو عن قوة لكن
الانصاف أن التمسك بالاطلاق لا يخلو عن قوة وأن ما يصلح للقرينية وهو ارتكاز المتشرعة بأن
المتنجس لا يطهر التمسك به مشكل جدا والله العالم.
(المبحث الثاني في حكم الإناء الذي شرب منه الخنزير)
ولا يلحق الخنزير بالكلب وإن ألحقه الشيخ قده به ومستنده في الالحاق على
ما حكي عنه أنه أطلق عليه الكلب لغة فيثبت له حكمه ولكن يرد عليه أولا بعدم ثبوت ذلك
لغة وثانيا على فرض الثبوت فالحكم الشرعي الثابت للكلب لا يكمن اثباته للخنزير لأن
الحكم الشرعي منزل على الموضوع العرفي والعرف لا يطلق الكلب على الخنزير.
والذين لا يلحقونه بالخنزير اختلفوا في أنه هل يجب غسله سبع مرات أو ثلاث مرات
أو مرة واحدة ومستند الثلاث مرات هو اطلاق الروايات العامة الدالة على وجوب غسل الإناء
ثلاثا لكل نجاسة وحمل صحيحة علي بن جعفر الآتية على الاستحباب لقلة العامل بها من
القدماء.
ومستند القول بالسبع هو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: وسألته
عن خنزير شرب من الإناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرات (1).
ولكن العمل على الصحيحة هو المتعين ولا يعلم وجه عدم عمل القدماء بها لكن أكثر
المتأخرين من زمان العلامة قده إلى زماننا هذا قد عملوا بها ووجه كفاية غسله مرة واحدة
هو كفاية المرة في مطلق الإناء الذي تنجس بأي نجاسة كان وهو ضعيف أيضا لم نقل به في
مطلق النجاسات الملاقية للإناء كما سيجيئ.
وكذا قيل بوجوب غسل الإناء سبع مرات إذا شرب فيه الخمر ومستنده موثقة عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث يشرب فيه النبيذ قال: يغسل سبع مرات
وكذا الكلب (2). ولكن تعارض هذه الموثقة موثقته الأخرى عنه عليه السلام أنه قال في
حديث: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر تغسله ثلاث مرات وسئل أيجزيه أن يصب فيه الماء؟

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
379

قال: لا يجزيه حتى يدلكه ويغسله ثلاث مرات (1).
فيمكن حمل الموثقة الأولى على الاستحباب خصوصا بقرينة عطف الكلب على
الخمر والحكم بوجوب غسل الإناء منه سبع مرات مع أنه لم يقل به أحد في الكلب.
وربما يقال: إن رواية السبع مختصة بشرب النبيذ فيه وهو شراب متخذ من الزبيب
أو التمر كما صرحت به الرواية ورواية الثلاث مختصة بالخمر ما عدا النبيذ ولكن هذا التفصيل
لم يقل به أحد إذ كل من قال بوجوب السبع قاله به في جميع أقسام الخمر ومن قال بوجوب
الثلاث قاله به في جميع أقسامها.
وكذا قيل بوجوب غسل الإناء سبعا لموت الجرذ فيه وهو الفأرة الكبيرة الموجودة في
الصحراء غالبا ومستند هذا القول موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغسل الإناء
الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات الحديث (2).
ولكن من لم يعمل برواية عمار ويقول: إنه فطحي لا يعتمد على رواياته - قال
بوجوب الثلاث في موته استنادا إلى الروايات التي سنذكرها في مطلق النجاسات الملاقية
للإناء ونحن حيث نقول باعتبار روايات عمار لأنه وإن كان فطحيا إلا أن رواياته موثوق بها
لا يبعد القول بوجوب السبع لموت الجرذ.
(المبحث الثالث في كيفية غسل مطلق الإناء)
وكيفيته في غير ولوغ الكلب والخنزير وشرب الخمر فيه وموت الجرذ ثلاث مرات
ومستند ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الكوز والإناء يكون قذرا
كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ
منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ
منه وقد طهر (3)
وهذه الرواية يستدل بها لكل نجاسة تصيب الإناء إلا أن يقوم دليل آخر يخرجه عن
هذه الكلية كشرب الخمر بناء على ترجيح رواية السبع وكموت الجرذ - بناء على العمل
برواية عمار المتقدمة - كما قوينا ذلك - لأنا نعمل بروايات عمار خصوصا إذا لم يكن لها

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 19 الحديث 1
(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 9 والباب 19 الحديث 1
(3) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1.
380

معارض كما هنا أي في موت الجرذ حيث أنه لا معارض لها إلا هذه الرواية الدالة باطلاقها
على وجوب ثلاث غسلات لكل نجاسة ولا بد من تقييد اطلاقها بتلك الرواية الواردة في موت
الجرذ الدالة على وجوب السبع لموته.
قد تم تبييض ما أثبتناه في المسودة من مباحث الطهارة من تقريرات أبحاث سيدنا
الأستاذ العلامة الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله العالي في
ليلة العشرين من صفر المظفر ليلة الأربعين من شهادة سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله
الحسين صلوات الله عليه من سنة 1402 من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف ألف صلاة
وسلام وتحية ولعلي زدت على مطالب الأستاذ دام ظله أو نقصت عنها سهوا وغفلة
وقد بعد العهد وطال الزمان والانسان لا يخلو عن الغفلة والنسيان وأستغفر الله من الزيادة
والنقصان والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وقد كان
تصحيح الكتاب بأشراف من الأستاذ دام ظله وقرائتي عليه وقد بذل الأخ العزيز الفاضل
الأديب الحاج الشيخ محمد كاظم الخوانساري دام تأييده جهدا مشكورا في طبع الكتاب و
اخراجه والله والي التوافيق.
المؤلف محمد هادي المقدس النجفي
قم المقدسة 1 ربيع الثاني 1420
381

ترجمة مؤلف هذا الكتاب
هو محمد هادي المقدس النجفي ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ علي المقدس الرشتي
مولدا والنجفي مسكنا ومدفنا أعلى الله مقامه، ولد المؤلف في العشر الأخير من شهر ربيع
الثاني من سنة ألف وثلاثمأة وأربع وأربعين هجرية في النجف الأشرف على مشرفها ألف
ألف صلاة وسلام وتحية، وتلمذ بعض السطوح على جماعة من أفاضل ذلك العهد إلى أن بلغ
إلى الروضة البهية وقوانين الأصول، ثم، انتقل في سنة ألف وثلاثمأة وثمانية وستين إلى
إيران فقطن في بلدة قم المحمية من طوارق الحدثان حرم أهل البيت وعش آل محمد
عليهم السلام فأخذ العلم من أفاضلها إلى أن فرغ من السطوح ثم حضر الخارج من السطوح
فحضر دروس سيدنا الأعظم آية الله الحاج السيد حسين الطباطبائي البروجردي قدس سره
ودروس سيدنا الأستاذ آية الله الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظله
وغيرهما من الأعاظم إلى أن بلغ بحمد الله إلى مرتبة الإجتهاد.
مؤلفات المؤلف
1 - كتاب الطهارة وهو هذا الكتاب الذي بين يديك وهو من تقريرات بحث آية الله
الگلپايگاني وهو حاو على معظم بحوث كتاب الطهارة على نحو الإيجاز وهو يحتوي على خمسة
عشر بحثا من بحوث كتاب الطهارة فلاحظ.
2 - أيضا كتاب الطهارة تقريرات أبحاث سيدنا الأستاذ آية الله البروجردي إلا أنه غير
تام فإنه قد قرر قليلا من بحوث الطهارة ثم فاجأه الأجل فانتقل إلى جوار رضوان الله، وذلك
في سنة أل وثلاثمأة وثمانين من الهجرة، فابتلينا بعد ارتحاله المؤلم بمصائب لا تحصي
ودامت بل اشتدت إلى زماننا هذا ولعل الله يفرج عنا وعن جميع المؤمنين بكشف هذه
المصائب بيد الحجة بن الحسن عليهما السلام.
390

3 و 4 - مرقاة الكمال في مجلدين ضخمين يحتويان على 60 موضوعا من الموضوعات
الهامة الإسلامية مفيدة للخطباء والوعاظ الكرام جدا، وقد انطبع المجلد الأول في أربعين بابا
و 700 صفحة، لاحظ فهرس الكتاب وهو من صفحة 12 إلى 16.
5 إلى 9 - خودسازى انسان وهو في خمسة مجلدات وهذا الكتاب بالفارسية ترجمنا الآيات
والروايات الموجودة في كتاب مرقاة الكمال بكيفية خاصة حيث أوضحناهما بأكثر مما في
مرقاة الكمال وقد بينا في الكتابين - أعني مرقاة الكمال و خودسازى في كل باب، المفاسد
الموجودة في اجتماعنا هذا.
10 - كتاب الحج من تقريرات بحوث سيدنا الأستاذ آية الله الگلپايگاني وقد جمعنا فيه
جميع واجبات الحج والعمرة وواجبات الإحرام ومحرمات وقد فاتنا ذكر مقدمات الحج
والعمرة.
11 - كتاب البيع من تقريرات بحث آية الله المذكور إلا أنه حفظه الله لم ذكر من
هذا المبحث إلا قليلا من كثير فترك هذا المبحث وشرع في كتاب القضاء.
12 - كتاب القضاء من تقريرات بحث آية الله الگلپايگاني أيضا.
13 - كتاب الشهادات من تقريرات بحثه دام ظله أيضا.
14 - كتاب الحدود وقد ذكر مد ظله مبحث حد الزنا وحد اللواط ثم فاجأه المرض
ونسأل الله تعالى أن يعافيه عافية كاملة حتى يمكنه أن يتمم هذا المبحث الجليل بل يطيل
عمره إلى ظهور مولانا الحجة عجل الله تعالى فرجه بجاه محمد وآله.
15 - منية الأحباب وهو أول مؤلفات المؤلف وقد اشتمل الكتاب المذكور على ثلاثة
وثمانين بابا واقتصرنا في هذا الكتاب على ذكر الروايات فقط بخلاف مرقاة الكمال فإنه
قد صدرنا أكثر أبوابه بذكر آية أو آيتين أو أكثر ثم عقبناها بتفسيرها، وكذا الروايات قد
عقبناها بتوضيحها وتشريحها وبيان لغاتها المشكلة فمنية الأحباب كالمختصر لمرقاة الكمال إلا
أنه حاو على بعض الأبواب الذي خلى منه مرقاة الكمال.
16 - كتاب أحسن الحكايات وهو حاو على مأة وأربع عشر حكاية على عدد السور
المباركة القرآنية، وقد جمعنا هذا الكتاب من خمسة وعشرين كتابا تقريبا من كتب العامة
والخاصة وجمعنا فيه من الروايات والحكايات اللطيفة الطريقة العجيبة التي قل من سمعها،
391

وقد بينا اللغات المشكلة فيها تحت الصفحة أو بعد الفراغ من الحكاية.
17 و 18 - بهترين داستانها في مجلدين وهو بالفارسية وترجمة لكتاب أحسن الحكايات،
إلى غير ذلك من مؤلفاته في الفقه والأصول التي لم تخرج إلى البياض، والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين الغر الميامين
25 ذي القعدة الحرام يوم دحو الأرض من سنة 1407 هجرية
المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي
392