الكتاب: الاحصار والصد
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء:
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: وقد تم تجهيزها للطبع في ليلة الثامن من ربيع الثاني سنة ١٤١٣ الهجري القمري المصادف ١٤ / ٧ / ١٣٧١ الهجري الشمسي حيث صادف ذكرى ولادة كوكب الولاية والإمامة الحادي عشر حضرة الإمام الحسن العسكري عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
لقد كانت إحدى نعم الله جل ثناؤه علي بأني تمكنت وببال صاف وفكر مرتاح -
وهو ما يليق بكل طالب - بأن أكون طالبا من طلاب البحث الخارج في موضوع
الحج فاستفدت من فيض محور الفائدة وصاحب النفس الزكية سيد الفقهاء
والمجتهدين الأب الروحي أستاذنا الأكبر سماحة آية الله العظمى المرجع الديني
الأعلى فقيه أهل بيت العصمة والطهارة السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد
ظله العالي على رؤوس الأنام.
إن هدف هذه المحاضرات المحوري هو قدوم مئات الأفراد من العلماء ومحبي
العلوم الاسلامية وطلابها للاشتراك فيها من أجل كسب العلم والوعي المتقدم في
المبادي الاسلامية، وإن الشخصية الفريدة والاستثنائية في العالم الاسلامي، فهو
نعم السلف الصالح بتخصصه وتبحره القيم في مسائل وأحكام الحج المعقدة
والصعبة، حيث عرضها بشكل سهل وخال من الاشكال.
لقد شاركت في هذه الحلقة الدراسية ذات الثروة العلمية الثمينة، منذ البداية
وحتى النهاية، بحيث استغرق إنجاز كل مطالبها مدة خمس سنوات، وذلك بتدوين
الملاحظات القصيرة بشكل مناسب، واستيعابها وفهمها ثم عرضها أمام أستاذنا
الأجل الأكبر بين آونة وأخرى ليبدي رأيه فيها، فكنت أعيد النظر فيها بناء على
ملاحظاته القيمة واسترشادا بها.
المقدمة 1

وقد كنت سعيدا بإنجاز هذا العمل في كل مرة لما يبديه حضرة سيدنا دام عزه من
رضاه إضافة إلى تشويقه وتفقده لتلميذه في هذا العمل ورغبته الصريحة التي أظهرها
بطبع هذه المجموعة، وفكرة الطبع هذه كانت قد حصلت في ذهني، لكني لم أوفق
في تلك الفترة وحتى هذه الأيام وبتشجيع من الأصدقاء صممت على طبع هذه
الأمنية القيمة.
وقد تم تجهيزها للطبع في ليلة الثامن من ربيع الثاني سنة 1413 الهجري القمري
المصادف 14 / 7 / 1371 الهجري الشمسي حيث صادف ذكرى ولادة كوكب الولاية
والإمامة الحادي عشر حضرة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
معنى الحج لغة واصطلاحا
ويعرفه المتشرعون في الاصطلاح الشرعي بأنه اسم لمجموعة مناسك وأفعال
الحج التي يؤديها في وقت خاص ضمن حدود الحرم من الاحرام والطواف وصلاته
والسعي بين الصفا والمروة، والتقصير، والوقوف في عرفات والمشعر والمبيت في
منى ورمي الأحجار وغير ذلك من الأفعال التعبدية.
أهمية الحج من الناحية الاجتماعية الحج من الأسس التي تبرز أهمية الحج
وتجعله عاملا مهما ومؤثرا في وحدة واتحاد الأمة الاسلامية في أرجاء العالم هي
كونه - شعارا لمجموعة أفراد يسعون للوصول إلى هدفهم النهائي، فيجب عليهم أن
يبتعدوا عن الفرقة والانفصال، وسيروا بوعي عميق إلى الأمام باتجاه الهدف،
فيجب على المسلمين أن يمنعوا الفرقة وأن يقودوا الناس في طريق الخلاص في
سبيل الله جل وعلا ضمن مسؤولياتهم المشتركة واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا (1) إن الاسلام لا يدعو إلى اتحاد ووحدة المجموعات
الانسانية الصغيرة وحل مشكلاتها فحسب، وإنما يأخذ في نظره اتحاد المسلمين في
أنحاء العالم، وبرنامج الحج والاجتماع إلى جانب بيت الله في وقت معين ومن

1 - سورة آل عمران: الآية 98.
المقدمة 2

أطراف وزوايا العالم من أجل أداء هذه الفريضة الإلهية، وهذا أيضا أوجد لرفع
الحاجة الاسلامية.
أهمية الحج من الناحية المعنوية والدينية
لم يأت الاسلام بالحج وزيارة بيت الله على أنها من الأفعال والأعمال للناس
وللأمة الاسلامية، بل إن أساس وتشريع ذلك يعود إلى زمن حضرة آدم على نبينا
وعليه الصلاة والسلام لذلك، فإن الكعبة أول بيت وضع من أجل عبادة الله تعالى،
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات
بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا (1) ومنذ إبراهيم صلى الله عليه وآله
خرج الحج على العالم وسيبقى حتى انتهاء العالم مركزا للعاكفين والزائرين كشمع
يدور الطائفون والمجتمعون حوله، ويكون زينة لهم كالملائكة وآدم وسائر الأنبياء
والرسل وليطوفوا بالبيت العتيق (2) ولذا فإن التأكيدات القرآنية والنصوص
الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام متوازية ومتساوية بهذا الخصوص، وإن
هذا يعود إلى عظمة وأهمية وقداسة هذا البناء المقدس للزائرين والطائفين، أما
أولئك المبتلون بهذا بتشويق الحج، الذين يتخلفون عن الذهاب إلى الديار المقدسة
، والطواف حول البيت، ويؤجلون تأدية هذه الفريضة الإلهية إلى اليوم وغد بدون
عذر شرعي أو عقلي، فقد جعلهم الله في عداد الكفار، حيث قال ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن
العالمين (3) وفي الحديث (4) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من
مات ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وعن أمير المؤمنين

1 - آل عمران: الآية 90.
2 - الحج: الآية 29.
3 - آل عمران: الآية 91.
4 - الوسائل: الباب - 7 - من أبواب وجوب الحج ح (5).
المقدمة 3

عليه السلام (1) في احتجاجه على الخوارج قال: ولو ترك الناس الحج لم يكن
البيت ليكفروا بتركهم إياه ولكن كانوا يكفرون بتركهم إياه.
أهمية الحج من الناحية الاقتصادية
هذا الحجم من الاهتمام والتوصية من قبل الشارع المقدس وإعلانه في دعوته
الناس للحضور في ذلك المكان الشريف وأداء المناسك وذكر الله، يدل على أن
لأعمال الحج فوائد وحكم أوجبت شريعة للناس، فمنها منافع اقتصادية وفوائد
مادية، وإلى هذا أشار القرآن الكريم وأذن للناس بالحج يأتوك رجالا وعلى
كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله
في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا
البائس الفقير (2) وهناك رواية أيضا في مجال بيان تفسير أمر الحج بأنه يجلب
منافع وتبادل المنتجات التجارية في هذا الاجتماع وفوائد وقد جاء عن حضرة الإمام
السادس جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عند إجابته لسائل أعطى الله
الناس أمرا بأن يجتمعوا في مكة من الشرق والغرب ليتعرف بعضهم
على بعض، وينقلوا بضائعهم ومنتجاتهم من مكان لآخر، وأعطى الله
أمر الحج ليتعرف الناس على آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأحاديثه وأن لا ينسوا سنته إن كل شعب أو أمة في أي مكان إذا
انحصرت تجارتها في وطنها ستضمحل ويختل وضع التجارة، وستنسى
أخبار رسول الله صلى عليه وآله وسلم وتختفي (3)
فضيلة الحج
الحج من أعظم الشعائر الاسلامية وأفضلها، وأرفع وسيلة يمكن للناس بواسطتها
الاقتراب من ذات الله جل وعلا لذلك، ففي هذا الطريق تحمل مشقة الأبدان وتهيئة

1 - الوسائل الباب - 7 - من أبواب وجوب الحج ح (4).
2 - سورة الحج: الآية 28 - 29.
3 - الوسائل: ج 8 ص 9.
المقدمة 4

النفس بهذا الاتجاه والابتعاد عن الأهل والزوجة والأطفال والوطن، وكبح جماح
الشهوات والعادات والتقاليد، وإنفاق المال، وتذليل الصعوبات التي يعاني منها
الحاج، والالتقاء بأفراد سيئ الأخلاق، والحوادث المتوقعة من هذا القبيل، هذا
كل ما يلاقيه الحاج في سفره إلى بيت الله، فالحج واقعا رياضة النفس والطاعة
المالية والعبادة البدنية، ولذا يمكن القول بأن للحج خاصية وفضيلة غير موجودتان
في الصلاة، وقد أشير إليه بهذا المعنى في النصوص، فعن عمر بن يزيد (1) قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: حجة أفضل من سبعين رقبة لي، قلت
ما يعدل الحج شئ قال: ما يعد له شئ والدرهم في الحج أفضل من
ألف ألف فيما سواه في سبيل الله.
روي أن الحج أفضل من الصلاة والصيام لأن المصلي إنما يشتغل
عن أهله ساعة وإن الصائم عن أهله بياض يوم، وإن الحاج يشخص بدنه
، ويضحي نفسه وينفق ويطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى
التجارة (2)
وفي الحديث (3) أما أنه ليس شئ أفضل من الحج إلا الصلاة، وفي
الحج ههنا صلاة، وليس في الصلاة قبلكم حج
والعقل والنقل متفقان بهذا المعنى إن أفضل الأعمال أضمرها، وإن الأجر
على قدر المشقة (4) بل يستحب أن يتهيأ الانسان لزيارة البيت الحرام بشكل
مكرر وأن يبعث عائلته إلى الديار المقدسة أيضا حتى لو كان تأمين مصاريف السفر
عن طريق الاستدانة أو عن طريق التقليل من المصاريف اليومية (5).

1 - الوسائل: الباب - 41 - من أبواب وجوب الحج ح (3).
2 - الفقيه: ح 1 ص 79.
3 - الوسائل: الباب - 41 - وجوب الحج ح (2).
4 - نهاية ابن الأثير، مادة فخر.
5 - الوسائل - الباب - 45 - 46 - 53 - من أبواب وجوب الحج.
المقدمة 5

إن للحج منزلة عالية جدا وإن الذي يأتي بمناسكه يعود كالذي ولدته أمه
بنفس اليوم.
أول من نادى للحج
المنادي الأول والداعي لزيارة البيت الحرام، مركز الطائفين والعاكفين هو إبراهيم
عليه السلام، الرجل الذي حطم الأصنام قطعا متناثرة (فجعلهم جذاذا (1).
خرج نمرود وأتباعه يوما من المدينة بعد أن تولوا مدبرين (2) فأقسم
إبراهيم على تحطيم أصنافهم وتا الله لأكيدن أصنامكم (3) فكانت عقوبته
الحرق في النار وقالوا أحرقوه وانصروا آلهتكم (4) فأمر الله تعالى النار بأن تكون
عليه بردا وسلاما قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم (5) وترك
إبراهيم مركز التمدن والثقافة آنذاك كلده ثم توجه إلى معبوده الحقيقي في شبه
جزيرة العرب فنزل في تلك الأرض اليابسة حيث لا ماء ولا طعام وشرع بتجديد بناء
الكعبة المشرفة وبمساعدة ولده إسماعيل عليه السلام إذ يرفع إبراهيم القواعد
من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (6) أمرهما الله
جل وعلا بأن يقيما هذا البناء التوحيدي ويحافظا عليه من التلوث أيضا وإذ
جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين
والركع السجود (7).
أسلوب أئمة الاسلام (ع) في توضيح أحكام الحج
إن طريقة أولئك العظماء يمكن تقسيمها في هذا المجال بموضوعين منفصلين
جديرين بالذكر والاهتمام:

1 - الأنبياء - الآية 59.
2 - الأنبياء - الآية 58.
3 - الأنبياء - الآية 58.
4 - الأنبياء - الآية 68.
5 - الأنبياء الآية - 69.
6 - البقرة: الآية 121.
7 - البقرة الآية 119.
المقدمة 6

1 - التطبيق العملي: من هذه الناحية يمكن بيان السعي الجدي لكل رجال
الله والقادة الدينيين والحقيقيين كان الناس بأنواع مختلفة من الترغيب والتشجيع في
أوقات متفاوتة وخصوصا في أيام حجة الاسلام ذي الحجة في مركز الوحي
الممتلئ بالناس، والجميع متساوون وهم يهتفون طبقا لنداء إبراهيم عليه السلام
بصوت واحد ونداء واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك)
وحتى ينفذ صوت التوحيد بهذه الواسطة ليعم أنحاء العالم.
إن تاريخ الاسلام مضئ بقصص متنوعة ذات عبر أهداها لنا أولئك العظماء في
أدائهم الحج، فهذا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كما ينقل ابن شهرآشوب
عن الإمام الصادق عليه السلام قد ذهب إلى البيت المشرف 25 مرة ماشيا
على قدميه.
والإمام زين العابدين علي ابن الحسين عليه السلام كما نقل الغزالي في كتاب
أسرار الحج عن سفيان بن عيينة، بأنه قد اصفر لونه المبارك في أيام الحج وارتعش
ثم سقط ولم يتمكن من القول لبيك وحينما أفاق سئل فقال أخاف أن أجاب بلا
بيك ثم أغمي عليه وسقط من راحلته حين كبر، وكانت تصيبه هذه الحالة دائما
حتى ينتهي من الحج.
وكانت تحدث للإمام الصادق عليه السلام نفس الحالة، كما نقل مالك أحد أئمة
المذاهب الأربعة. لقد كان كافة أئمة الهدى يتعاملون مع الحج بنفس الطريقة
وتنتابهم هذه الحالة.
2 - توضيح وتفسير مسائل وأحكام الحج: وبيان أهميته الخاصة بين كافة
الأحكام، قال الإمام الباقر عليه السلام بني الاسلام على خمس: الصلاة
والزكاة والحج والصوم والولاية (1) قال زرارة: (2) قلت لأبي عبد الله عليه

1 - الوسائل: الباب - 1 - ج 1 من أبواب العبادات.
2 - الوسائل: الباب - 1 - من أبواب وجوب الحج ح (12).
المقدمة 7

السلام: جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني؟ فقال: يا
زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفني مسائله في أربعين
عاما (1).
كانت هذه السنة والطريقة محكمة وقوية منذ بدء ظهور الاسلام وحتى زمن
الأئمة المعصومين عليهم السلام، ثم بين فقهاء الشيعة والسلف الصالح تغمدهم الله
جل وعلا بغفرانه من بعدهم، حتى عصرنا الحاضر، عصر المرجعية الرشيدة
والزعامة الكبرى على الاطلاق، حضرة أستاذنا الأكبر دام ظله العالي، حيث اهتم
بهذا العمل، فبدأ بحثا جامع الأطراف في مجال أحكام الحج والمسائل المتعلقة به
بشكل كامل وتام.
لقد جمعت قسما منه من المحاضرات التي هي قطرة من البحر العميق منذ ربيع
الأول 1395 هجري. وإن مادة الدرس كانت من هذا الاجتماع الكبير الذي عقد
وبحضور العلماء الذين جاءوا من أنحاء البلاد.
يجب أن نعلم للتذكرة بأنه إضافة إلى تدوين القسم الأعظم من الحج، فقد دونت
بحوثا واسعة في القضاء والشهادات والبيع لهذا المرجع الاسلامي الكبير نتيجة
لحضوري في حلقة درسه دام ظله.
* * *

1 - الوسائل: الباب - 1 - من أبواب وجوب الحج ح (12).
المقدمة 8

يحتوي هذا الكتاب على أحكام الصد والحصر ثم تلاها بحوث الكفارات
فأحكام الصيد في الحرم وتختم هذه المحتويات ببحث العمرة.
وختاما أرجو من العلي القدير تبارك وتعالى أن يتقبل هذا العمل المتواضع
خالصا لوجهه الكريم وفي يوم تحار فيه الأبصار.
وأن يحصل ثوابه لروح والدي المحترم المرحوم حضرة آية الله العظمى الحاج
الشيخ عباسي الشاهرودي وجميع أقاربه المؤمنين
كما أرجو ببركة هذا العمل أن ثبت الله أقدام الوالد المحترم وهذا الداعي الحقير
في الآخرة، فعليه نعتمد ونتوكل فهو حسبنا في الدارين ونعم الوكيل.
قم المقدسة جمادى الأول 4 / 44 - 4 - 1414 هجري
أحمد الشاهرودي
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

(الركن الثالث في اللواحق، وفيه مقاصد)
(الأول في الاحصار والصد)
في الفرق بين الحصر والصد الصد بالعدو والاحصار بالمرض لا غير واختلاف الأحكام بين المحصور والمصدود صار
سببا لاختلاف التعريف. ويمكن القول بالترادف بينهما، لأن الحصر لغة مطلق الضيق والحبس، عن السفر وغيره، والصد
المنع كما في القاموس والصحاح، بل في المدارك هو قول أكثر الجمهور، بل فيها أيضا أنه نقل النيشابوري وغيره اتفاق
المفسرين على نزول قوله تعالى (فإن أحصرتم) (1) في حصر الحديبية. ويمكن أن يكون اختصاص الحصر بالمرض وهو
خيرة الشرايع، وعن صاحب الجواهر: هو المعروف بين الفقهاء وفي المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر
عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم.
روى الصدوق قدس سره بإسناده عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: المحصور
غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو غير مريض، والمصدود تحل له النساء، والمحصور لا تحل له النساء (2) وإلى ذلك أشار قوله تعالى فإن أحصرتم (3)
ربما حكي عن ثعلب أيضا
وإذا كان كذلك يمكن استظهار معنى الصد من دليل آخر من الرواية وغيرها.
وأما وجوب إتمام الحج لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة) (4) إلا لعذر شرعي كالمحصور والمصدود إن قلنا بالترادف،
فهو بعد مرخص من كل شئ إلا النساء لقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ
الهدي محله (5) إذ بعد المنع يبعث بهديه وإذا بلغ الهدي محله يقصر ويحل من كل شئ إلا النساء.
وإن قلنا بالتغاير، فالعذر تارة شرعي كالمحصور فهو كما قلناه وأخرى عقلي، فكالمصدود، فهو يفعل كما فعل رسول
الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية من إحلاله عن كل شئ حتى النساء والذبح في مكان الصد.
وكيف كان فالمحصور والمصدود يشتركان في ثبوت أصل التحلل في الجملة، ويفترقان في أمور: الأول: عموم تحلل
المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالاحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له
على طوافهن.
الثاني: الاجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافا فبعض يحكم باللزوم، وبعض بالعدم.
الثالث: تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.
الرابع: افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود، فإن فيه قولين، فبعض يحكم بالوجوب

1 - البقرة: 192.
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
3 - البقرة: 192.
4 - البقرة: 192.
5 - البقرة: 192.
5

وبعض بالعدم لكن من المعلوم أن اختلاف هذه الأحكام مع وقوع كل واحد من السببين منفردا عن الآخر، أما إذا
اجتمعا على المكلف بأن مرض وصده العدو ففي المسالك: في ترجيح أيهما أو التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره، أو
الأخذ بالأخف فالأخف من أحكامهما أوجه، أجودها الأخير وهو خيرة الأستاذ دام ظله العالي.
ولا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبين إذا كان قبل الشروع في حكم السابق، فلو عرض الصد بعد بعث
المحصر، أو الاحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصر احتمل ترجيح السابق وهو خيرة الدروس.
وعن صاحب الجواهر: لا يخلو القول بترجيح السابق مطلقا أو على الوجه الذي ذكره الشهيد من وجه.
وإن فرض تعاقب الصد والحصر: فتارة بعد أخذه بحكم أحدهما يطرء عليه الآخر فلا يبقى مورد للكلام عن تقديم ما
أخذ لأن المصدود بعد الصد يحل عن كل شئ حتى النساء وإن أحصر بعده.
وأخرى قبل أن يأخذ بحكم أحدهما يطرء عليه الآخر، فإذن إن قلنا بعدم لزوم القصد للمصدود في الاحلال فهو أيضا
حل عن كل شئ، لأن المصدود لا يصدق عليه المحصور لشهرة أن الممنوع لا يمنع وإن قلنا به فكالسلام المخرج عن
الصلاة فللبحث عن تقديم أحدهما على الآخر مجال.
ولكن الانصاف إن كان الصد سابقا على الحصر فهو حل عن كل شئ، ولا يحتاج إلى التكلف والبحث عن تقديم
أحدهما على الآخر، قال صاحب الشرايع فالمصدود إذا تلبس بإحرام حج أو عمرة وجب عليه الاكمال مع الاختيار.
أما إذا تلبس بإحرام الحج ثم صد تحلل بمحلله من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصد، لأن
الطريق منحصر فيه والمفروض أن العدو منعه عنه، أو كان له طريق وقصرت نفقته.
والظاهر عند الأستاذ حفظه الله الفرع الأخير من مصاديق عدم الاستطاعة، لا أنه من أفراد المصدود كما صرح بذلك
المصنف، وتبعه صاحب الجواهر.
وكيف كان فالمحصور غير المصدود لأن المحصور بعد بعث الهدي إلى محله يحتاج إلى التقصير وطواف النساء، بخلاف
المصدود الذي إن صد يحل من كل شئ حتى النساء هذا مضافا إلى ما سمعته سابقا من قول الصادق عليه السلام: في
صحيح معاوية بن عمار (1) ورواه في كتاب المقنع (2) مرسلا مثله ثم قال: والمحصور والمضطر يذبحان بدنتيهما في المكان
الذي يضطران فيه، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك يوم الحديبية حين رد المشركون بدنته وأبوا أن يبلغ
المنحر فأمر بها فنحرت مكانه.
وفي رواية أخرى عن معاوية بن عمار، (3) عن أبي عبد الله عليه السلام في قضية سيد الشهداء عليه السلام صرح
فيها الإمام بالفرق بين المحصور والمصدود.
وخبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور

1 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
2 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
3 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
4 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
6

يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد
أحل فأتى النساء، قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث.
وكرواية حمران، (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين صد بالحديبية قصر
وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.
ونحوها غيرها في الدلالة على أن المصدود يحل عن كل شئ ولا يجب عليه طواف النساء أيضا، نعم إن صد في الحج
الواجب يأتي في القابل.
قال المحقق: ويستمر إذا كان له مسلك غيره ولو كان أطول مع تيسر النفقة ووافقه صاحب الجواهر لأنه في ضمن
شرح كلام المصنف قال: بل ليس هو من المصدود ومفهومه أن النفقة إن قصرت يكون مصدودا.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد قلنا سابقا قصر النفقة منشأه عدم الاستطاعة لا أنه من مصاديق المصدود.
ومن هنا قال صاحب الشرايع: لو خشي الفوات حينئذ: أي في فرض طول الطريق مع تيسر النفقة لم يتحلل
وصبر حتى يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة نحو غيره ممن يفوته الحج بدون الصد، هذا.
والجدير بالذكر عدم تعرض المصنف فرض العلم بالفوت، نعم في قواعد العلامة إنه قال: المصدود من طريق إن كان
له طريق آخر وجب عليه سلوكه وإن كان أطول مع تيسر النفقة، وإن خاف الفوات لم يتحلل، لأن التحلل خلاف
مقتضى قوله تعالى:
(وأتموا الحج (2) إلا ما خرج بالدليل وهو الصد، أو يعلم الفوات على إشكال.
وعن فخر الاسلام في الايضاح نقلا عن والده: ولعله من الضرر بالاستمرار كما في الصد ولذلك له التحلل.
وعن الأستاذ دام بقاؤه: بل أولا: إن التحلل هنا أولى من الصد، لأن المصدود مع احتمال رفع الصد عنه يجب عليه
الاحلال، بخلاف العلم بالفوات الذي لا احتمال فيه أصلا.
ثانيا: وردت النصوص بوجوب الاحلال للمصدود دون غيره، ولذا لا يمكن إسراء الحكم منه إلى غيره لأن جواز
الاحلال للمصدود لا يكون من جهة الضرر حتى يمكن التعدي عنه إلى غيره.
وعن صاحب الجواهر: ولا ضرر في استمراره إلى تحقق الفوات مضافا إلى عدم جريان قاعدة لا ضرر في البحث
لأنها لا تجري في موارد الضرري مثل الحج والجهاد وأمثالهما.
ويمكن أن يقال: أنه لا دليل هنا على الانقلاب والعدول بل إن الحج يبدل بالعمرة والاحلال بعدها.
ويؤيد هذا الاحتمال ما عن الفخر في الايضاح حيث إنه قال: لا يجوز للعالم بالفوات العدول من الحج إلى العمرة ولا
انقلاب، بل تبديل الحج بالعمرة والاحلال بعدها.
وكيف كان المصدود يحل من كل شئ أحرم منه.
2 - البقرة: الآية 192.

1 - الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
7

قال المحقق صاحب الشرايع: ثم يقضي أي يأتي بالفعل بعد رفع الصد عنه في القابل واجبا إن كان الحج واجبا
عليه وجوبا مستقرا أو كان مستطيعا في السنة القابلة وإلا أتى به ندبا وألحق في المسالك بالأول وهو الوجوب
الاستقراري من قصر في السفر بحيث لولاه لما فاته الحج، كأن ترك السفر مع القافلة الأولى ولم تصد، وفي المدارك هو إنما
يتم إذا أوجبنا الخروج مع الأولى، أما إذا جوزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقا أو على بعض الوجوه سقط وجوب القضاء
، لعدم ثبوت الاستقرار، وانتفاء التقصير.
وفيه: لا يكون الفرق في وجوب القضاء عليه بين أن يكون التأخير عن تقصير أو عن علم لأن الاستطاعة بواقعها
تثبت القضاء عليه.
قال المحقق صاحب الشرايع: وكيف كان فلا يتحلل المصدود إلا بعد ذبح الهدي أو نحره كما صرح به
غير واحد، بل نسبه بعض إلى الأكثر، وآخر إلى المشهور، بل في المنتهى قد أجمع عليه أكثر العلماء إلا مالكا لقوله
تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (1) بناء على أن المراد من الاحصار فيها ما يشمل الصد، بل عن الشافعي
لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، بل في المدارك عن النيشابوري وغيره اتفاق المفسرين
على نزولها في حصر الحديبية، وقد قلنا سابقا.
وفي المسالك عند العامة الحصر والصد واحد من جهة العدو.
فظهر من ذلك كله وجوب الهدي للمصدود.
وعن صاحب الجواهر وجوب الهدي للمصدود لاستصحاب حكم بقاء الاحرام إلى أن يعلم حصول التحلل.
وعن الأستاذ دام عزه: وما ذهب إليه صاحب الجواهر جيد لأن المحدث حين ما شك في إيجاب الطهارة المائية أو
الترابية عليه لرفع الحدث عنه لا يتمكن من إجراء البراءة بل لا بد له من استصحاب بقاء الحدث ووجوب الطهارة عليه.
ولما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بالمرسل عن الصادق عليه السلام المحصور والمضطر يذبحان بدنتيهما في
المكان الذي يضطران فيه. (2)
وبه يدل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المصدود يذبح حيث شاء ويرجع صاحبه فيأتي النساء (3).
فما عن ابن إدريس] وظاهر المحكي عن علي بن بابويه من سقوط الهدي وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين
للأصل الذي هو عبارة عن براءة ذمة المصدود عن كل شئ بعد الصد [هو الممنوع أو المقطوع كما عن الجواهر بما عرفت.
وعن الأستاذ - دام ظله - مراده من الممنوع هو المنع من تمسكه بالبراءة لأن المصدود إن شك في وجوب بقاء الاحرام
عليه بعد الصد لا بد وأن يستصحب وجوب بقاء الاحرام عليه إلى أن يعلم بحصول التحلل لا أنه عند الشك يتمسك
بالبراءة.

1 - البقرة: 192.
2 - الوسائل ج (5) الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
3 - المستدرك الباب - 10 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
8

ومن المقطوع: الروايات الواردة في حكم المصدود التي يحكم الإمام فيها بوجوب الهدي للمصدود.
وما عساه يظهر من المحكي عن الفقه (1) المنسوب إلى الرضا عليه السلام الذي لم تثبت حجيته عندنا، قال: وإن
صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء، لأن هذا مصدود وليس كالمحصور على
أنه مطلق يقيد بما سمعت من النصوص الواردة في حكم المصدود: يذبح حيث صد
ونقل العلامة في المنتهى عن المالك إنه قال: المصدود يتحلل من غير تقصير وكأن المالك يشبه المصدود بمن أتم نسكه.
وأورد العلامة على المالك ما خلاصته وقال: ما ذهب إليه المالك: أولا خلاف النصوص الواردة التي أمر الإمام عليه السلام فيها بوجوب الهدي والتقصير للمصدود.
ثانيا: خلاف ما فعله النبي صلى الله عليه وآله يوم الحديبية لأنه قصر وأحل ونحر.
ثالثا: المصدود منعوه عن إتمام نسكه ولم يمنعوه عن ذبح الهدي والتقصير، فظهر مما مضى أن المصدود لا يجب عليه
ذبح الهدي في مكانه.
والمناقشة بأعمية فعله صلى الله عليه وآله من الوجوب واضحة الضعف، خصوصا بعد ظهوره في امتثال ما نزل إليه
من الله تعالى
بقي هنا شئ: وهو هل كان معه صلى الله عليه وآله الهدي حين صد بالحديبية أم لا؟
والثمرة تظهر فيما إذا لم يكن كذلك حين صد لأنه لا يمكن القول باشتراء الهدي وذبحه في مكان الصد.
وأما زمان النحر فمن حين الصد إلى ضيق الوقت عن الحج إن صد عنه كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله
مضافا إلى الروايات الواردة في حكم المصدود.
كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المصدود يذبح حيث شاء ويرجع صاحبه فيأتي النساء (2) ونحوها غيرها
في الدلالة على أن المصدود يذبح في مكان الصد ولا يجب عليه إرسال الهدي إلى مكة كالمحصور.
وعن أبي الصلاح والغنية أنهما قالا: المصدود كالمحصور في وجوب البعث عليه إلى مكة.
وعن الإسكافي من التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، وعدمه فينحرها في مكانه.
وعن أحمد: المصدود إن ساق الهدي معه فهو كالمحصور في وجوب البعث عليه إلى مكة، وإلا يذبح في مكان الصد.
وعن الأستاذ دام عزه: وما ذهب إليه أبو الصلاح وغيره خلاف صريح الروايات الواردة في حكم المصدود، حيث إنها
نص بأن المصدود يذبح حيث شاء.
نعم قد يستدل لأبي الصلاح وغيره بعموم قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله (3) إن قلنا بأن الحصر
في الآية: فإن أحصرتم (4) لغة مطلق الضيق والحبس ومقتضاه الترادف بين الصد والحصر من حيث المعنى، خلافا

1 - المستدرك - الباب - (1) من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
2 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
3 - البقرة: 192.
4 - البقرة: 192.
9

لصاحب الجواهر حيث صرح باختصاص قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم (1) بالمحصور، وأما المصدود يذبح في مكان
الصد.
وإن قلنا إن الحصر يشمل الصد أيضا يخصص بالروايات فيبقى المحصور تحت الآية ويبعث بهديه ويذبح المصدود
حيث صد.
قال المحقق صاحب الشرايع: وكيف كان فيجب نية التحلل عند ذبح الهدي كما صرح به الشيخ وابن حمزة
والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل وغيرهم، على ما حكي عن بعضهم، بل نسبه إلى الأكثر، وفي المنتهى: ولأنه عن
إحرام فيفتقر إلى نية كمن يدخل فيه.
وعن صاحب الجواهر: مجرد مصادرة، مع وضوح الفرق بين الابتداء والانتهاء.
وفيه: إن قلنا إن الاحلال والاحرام من قبيل الانشائيات فما ذهب إليه العلامة في المنتهى جيد لأن الخروج عن
الاحرام كالدخول في الاحرام يحتاج إلى النية كالزوجية والملكية فكما أن العلقة بينهما تحتاج إلى العقد فكذلك ارتفاعهما.
وأما إن قلنا أنهما من قبيل الأحكام كالصوم والصلاة وما اختاره صاحب الجواهر حق لأن الاحرام لا يحتاج إلى
الخروج عنه إلى النية.
وعن صاحب الرياض: يجوز للمصدود البقاء على إحرام الحج حتى يفوت الحج ويحل بعمرة بعدها.
وفيه: مراده أن الاحلال يتوقف وجوده بالقصد ونية التحلل، وبدونه لم يتحلل ولو يذبح ألف مرة، لا أنه كالارتداد
الذي لا يتوقف خروج الزوجة عن الزوجية بقصد الزوج بعد ارتداده، نعم إن قلنا بتوقفه على القصد فبعد أن صد
يحل من كل ما أحرم منه.
وعن المنتهى ذلك أيضا لأن الذبح يقع على وجوه.
ورد بأنه يمكن الاكتفاء بقصد القربة بعد أن لم يكن الأمر مشتركا بينه وبين غيره يذبح الهدي في الفرض، بل الأمر به
إنما هو للتحلل الخاصة، ونية التعيين إنما يحتاج إليها مع التعدد كما عرفته غير مرة.
وعن الرياض إنه قال عدم وجوب نية التعيين للمصدود حين الذبح بل بصرف الصد يذبح بعد أن قال الهدي
للمصدود، ويرجع البحث إلى قولين إحداهما: توقف الاحلال على النية، وبدونها لا يمكن الاحلال ولو يبقى ألف سنة.
الثاني: عدم توقفه على النية وعلى هذا إن صد يحل من كل ما أحرم منه وذهب كل إلى قولين.
وعن المبسوط بعد وروده في أحكام الصد والحصر ما ملخصه قال: وإن صد من الوقوف بالموقفين أو عن أحدهما جاز
له التحلل لعموم الآية والأخبار، وإن لم يتحلل ففاته الحج يتحلل بعمرة. انتهى كلامه.
وقد ظهر من ذلك ذهاب الشيخ في المبسوط إلى توقف الاحلال على القصد، وذهب ابن إدريس في السرائر مثل ما
ذهب إليه الشيخ في المبسوط في أن الاحلال يتوقف على القصد.
وهل يجب على المصدود مضافا إلى الهدي الحلق أو التقصير أو كلاهما أم لا؟

1 - البقرة: 192.
10

فيه أقوال: وعن صاحب الجواهر: ثم إن ظاهر المتن وغيره، بل قيل: الأكثر عدم اعتبار غير الذبح أو النحر على
الوجه المزبور للأصل وإطلاق الأدلة السابقة الظاهرة في حصول التحلل بذلك من دون توقف على شئ آخر.
وفيه مراده من الأصل هو براءة ذمة المصدود بعد الذبح عن كل شئ.
إن قلت: يستصحب بقاء الاحرام عليه ولو بعد الذبح أيضا، قلت: بعد تسليم بقاء وجوبه مع تغير الحال الأول إنه
يكفي إطلاق الأدلة السابقة كتابا وسنة في قطعه.
وفيه: أولا: لا نسلم تغير الحال الأول لأن العرف حاكم في تعيين موضوع الاستصحاب وهو لا يرى الفرق بين
المصدود وغيره.
ثانيا: على فرض تغير الحال الأول أصالة البراءة مقطوع بالاطلاقات الواردة.
منها رواية عامية (1) بحلقه صلى الله عليه وآله يوم الحديبية.
ومنها رواية الفضل بن يونس (2) عن أبي الحسن عليه السلام: قال فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا شئ
عليه. الظاهر في عدم وجوب الحلق عليه، ولكن الانصاف لا يمكن الاتكال عليها والعمل بها.
ومنها رواية حمران (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين صد بالحديبية قصر
وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير
ولكن في سندها كالمرسل ضعف، ولذا لا يتعارضان خلافا للفاضل في القواعد، فاعتبر مع ذلك التقصير، وللمراسم
والكافي والفقيه فخيروا بينه وبين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين: وفي آخر تعين الحلق، واختار الشهيد أن التخيير
بينهما وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة.
وعن الشرح من وصل إلى مكة ومنع من فعل الطواف والسعي أنه بحكم المصدود أيضا.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولو كان ساق هديا وقرن الحج والعمرة وأشعر ما ساق أو قلد يجب عليه ذبح ما ساقه
صد أم لم يصد، وهل يجب عليه هدي آخر للتحلل أم لا قيل والقائل الصدوقان يفتقر إلى هدي التحلل مع ذلك،
لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب كالافطار في رمضان، وقول القائل ظهرك كظهر أمي، وللمحكي من فقه (4) الرضا عليه
السلام فإذا قرن الرجل الحج والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ محله
أحل وانصرف إلى منزله، وعليه الحج من قابل، ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل، وإن صد رجل عن الحج وقد
أحرم فعليه الحج من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء، لأن هذا مصدود وليس كالمحصور.
والمناقشة فيه من جهة تعرضه عليه السلام حكم المحصور دون المصدود، ولا بأس به بعد صرف الكلام في ذيلها إلى
حكم المصدود أيضا، وللاستصحاب بعدم قطعه بإبراء ذمته بعد ذبح ما ساقه فيستصحب وجوب بقاء الاحرام عليه.

1 - سنن البيهقي ج (5) ص (214).
2 - الوسائل باب - 3 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
3 - الوسائل باب - 6 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
4 - ذكر ذيله في المستدرك في الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3) وتمامه في فقه الرضا ح (4) ص 29.
11

ولعله إليه يرجع ما عن ابن الجنيد من أنه إن أحصر ومعه هدي قد أوجبه الله تعالى بحال من نذر أو إشعار بعث
بهدي آخر عن إحصاره، فإن لم يكن أوجبه بحال من إشعار ولا غيره أجزأه عن إحصاره، وفي الدروس إن وجب بنذر
أو كفارة أو شبههما فالأصل عدم كفاية ذبح ما ساقه للتحلل، وإن كان دون ذلك أي دون ما وجب بالاشعار ولا التقليد
أجزأه.
وقيل والقائل المشهور يكفيه ما ساقه مطلقا وإن وجب بإشعار أو غيره.
وعن المحقق صاحب الشرايع وهو الأشبه بأصول المذهب بعد صدق قوله تعالى فما استيسر من الهدي (1) عليه
وبعد ما قيل من أنه لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر والصد هديا مستقلا، وإنما المستفاد من الأدلة كتابا وسنة
إنما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول أو هديه كما في الثاني ولا ريب في صدقهما على المسوق مطلقا في محل البحث،
وإن كان لا يخلو ما ذكره أولا من نظر أو منع، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:
سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر، قال: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا ولكن يدخل في
مثل ما خرج منه. (2)
وعن الأستاذ دام ظله: كأنه عندهم من إرسال المسلم على عدم وجوب الهدي المستقل للتحلل عليه سوى ما ساقه،
والروايات ولو وردت في حكم المحصور ولكن مع ذلك لا يكون في هذه الجهة - عدم وجوب الهدي المستقل - وفرق
بين المحصور والمصدود والمريض وغيره إن لم نقل بعموميتها خصوصا ما فعله النبي صلى الله عليه وآله يوم الحديبية حين
صده المشركون لأنه نحر بدنته.
وقد قلنا سابقا لا يكون الفرق بين الحج والعمرة من جهة عدم وجوب الهدي المستقل سوى ما ساقه أيضا ومما ظهر
لك فيما مضى سقوط التمسك بالاستصحاب وأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب إن قلنا بإطلاق الآية والرواية وإلا فلا.
وصحيح (3) رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر قال:
يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.
وصحيح محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام، وعن فضالة: عن ابن أبي عمير، عن رفاعة، عن أبي
عبد الله عليه السلام أنهما قالا: القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني قال: يبعث بهديه، قلنا: هل
يتمتع في قابل: قال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.
وفيه أن الراوي يعلم وجوب القضاء عليه ولكن يتردد من أن القضاء مقيد بمثل ما خرج أم لا يكون مقيدا به،
فأجاب عليه السلام بقوله: ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.
واحتمال أن يكون مراد السائل عن كيفية الهدي ولأجل ذلك أجاب عليه السلام: يبعث بهديه في جواب السائل بعيد

1 - البقرة: 192.
2 - الوسائل ج 5 الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
3 - الوسائل ج (5) باب - 4 - من أبواب الصد والاحصار، ح (2).
4 - الوسائل ج (5) الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد.
12

عن السياق جدا، وصحيح رفاعة بن موسى (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين عليه السلام معتمرا
وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم وحلق شعر رأسه ونحرها مكانه، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي
عليه السلام ابني ورب الكعبة افتحوا له الباب، وكانوا قد حموه الماء فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد.
ولا يبعد ظهورها في كفاية ذبح ما ساقه عن هدي التحلل أيضا، وعدم بعثه إلى منى من جهة عدم تمكنه عليه السلام
من هذا، وأما حلق رأسه فهو لعلة دائه عليه السلام وأما ما من الفاضل من احتمال أن يكون المراد أن هدي السياق كاف
لكن يستحب هدي آخر للتحلل ففيه ما لا يخفى، كما عن الجواهر من أنه لا دليل له، مع أنه لا يخلو إما أن يحل بما ساقه
، فلا معنى لذبح هدي آخر للتحليل أو لا، فيجب الآخر، وإن قدمه على ما ساقه أشكل نية الاحلال به، ويشكل تقديم
ما ساقه بلا نية الاحلال بناء على وجوبها، اللهم إلا أن يريد الاحتياط من الاستحباب فينوي بهما التحلل للاحتياط،
وعلى كل حال فقد ظهر أن الأقوى ما عليه المشهور مما عرفت، وبه ينقطع استصحاب البقاء على الاحرام، كما أنه
بالتأمل فيما ذكرنا تندفع كثير من المناقشات انتهى كلامه رفع مقامه.
هذا كله فيمن ساق هديا فلا ريب في وجوب هدي التحلل عليه وأما إذا لم يقدر على التحصيل كما لم يكن عنده
دراهم، أو لم يتمكن من التحصيل كما لم يوجد في السوق فهل له بدل كما في الحج التمتع أم لا؟ بل لا بد وأن يبقى في
الاحرام إلى أن يتمكن من الحج أو العمرة.
فأجاب عن ذلك صاحب الشرايع قال: ولا بدل لهدي التحلل وعن صاحب الجواهر لا اختيارا ولا اضطرارا،
لكن عن الإسكافي أنه يتحلل حينئذ بدون دم، لقوله تعالى: فما استيسر (2) ولم يستيسر.
وأجاب عنه جمع من العلماء ما ذهب إليه الإسكافي ضعيف جدا لأن الاحلال تارة بإكمال النسك، وأخرى بذبح الهدي
إن صد، وفي غيرهما لا يكون دليل من الشارع للاحلال فالحق مع المشهور ولعله مما عرفت ومن العسر والحرج، وقول
الصادق عليه السلام في حسن ابن عمار (3) في المحصور ولم يسق الهدي ينسك ويرجع فإن لم يجد ثمن هدي صام بناء
على أن كلمة ينسك بمعنى الهدي.
وكذا في صحيحه (4) إلا أن فيه قيل له: فإن لم يجد هديا؟ قال: يصوم.
وعن الأستاذ دام ظله العالي: وفيهما جهات من البحث والاشكال: أولا عدم تعين عدد أيام الصوم فيهما.
ثانيا: هل كلمة يصوم إشارة إلى ما في الآية أم لا؟
وإن قلنا بها هل يريده عليه السلام ما في الآية أم لا؟
ثالثا لو قلنا أن المصدود إن لم يجد ثمن هدي أو لم يجد هديا، يصوم ويتحلل ولكن في الروايات لم يفهم هذا الحكم
ولذا قال صاحب المدارك إن هذه الرواية كانت دلالتها ناقصة من جهة إجمال كلمة يصوم في الرواية وعدم معلومية أنها
بدل حج تمتع أم بدل للمصدود، ولو من جهة السند تام.

1 - الوسائل ج (5) الباب - 6 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
2 - البقرة: 192.
3 - الوسائل الباب - 7 - من أبواب الاحصار والصدد، ح (3).
4 - الوسائل الباب - 7 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
13

وقد عرفت مما ذكرنا أولا أن الروايات مضافا إلى اختلافها وعدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها وردت في حكم
المحصور ولا يمكن التعدي عنها إلى حكم المصدود أيضا.
ثانيا: لو سلمنا يبعد حمل الصوم الواقع فيها على الواجب في بدل الهدي، ومن هنا قلنا سابقا اتفاقهم على عدم بدل
لهدي التحلل، وعن صاحب الحدائق إن أحصر الرجل فعليه البدل للتحلل، لأن عدم تعرض الأصحاب لعدم رؤيتهم.
وعن الشيخ في التهذيب لا يمكن القول بعدم رؤيتهم بل عدم تعرضهم لاختلافها وعدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها
، ولذا قال في الجواهر فلم يتحقق إعراضهم عنها حينئذ لعدم الدليل على بدل الهدي للتحلل وإن كان الأصح ما عرفت.
قال المحقق صاحب الشرايع: وحينئذ (فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على إتمام
النسك ولو عمرة، بل لا مدخل هنا للعجز عن ثمنه.
وعلى كل حال ف‍ (- لو تحلل)، حينئذ بغير ما ذكرنا (لم يحل) إلا مع الاشتراط بناء عليه.
وعن الأستاذ دام ظله، والأقوال فيه مختلفة، وعن بعض إن اشترط حين الاحرام فعند العجز عن الهدي يحل ولا
يحتاج إلى الهدي ولو مع التمكن، وعن بعض آخر وله الهدي مع التمكن، وعن ثالث الصد يؤثر عليه، وعن رابع إن
اشترط عند الصد والحصر يحل وإلا يصبر حتى اليأس.
قال المحقق صاحب الشرايع: ويتحقق الصد عن الحج بالمنع عن الموقفين اختياريا واضطراريا وأما إن لم يمنع عن
اضطراري أحدهما ويدرك اختياري أحدهما مع اضطراري الآخر فهو لا يكون مصدودا.
ويمكن بعد منعه عن الموقفين رجوعه إلى منى ويحل بالعمرة المفردة. انتهى كلامه دام عزه في شرح كلام المصنف.
وعن صاحب الجواهر ولا يجب عليه الصبر حتى يفوته الحج للأصل وإطلاق النصوص، ولأنه لا فوات حقيقة
إلا بالموت وخصوصا العمرة المفردة.
وفيه: إن الأصل هو البراءة عن وجوب الصبر على المصدود حتى يفوته الحج، ولكن البراءة تعارض مع
الاستصحاب والاحتياط لأن المصدود بعد أن صد يشك في وجوب الصبر عليه إلى أن يفوت الحج عنه وعدمه،
والاستصحاب يقتضي بقاء الصبر عليه، وأما إطلاق الأدلة وهو قوله عليه السلام في موارد مختلفة المصدود يذبح حيث
صد وهو من هذه الجهة - قبل الفوات وبعدها - مطلق وبه يمكن الحكم بانقطاع الاستصحاب عن الحجية رأسا.
وربما نوقش بالمنع عن إطلاق النصوص، فإن الصد عن الوقوف إنما يتحقق بالصد عنه إلى فوات وقته، أو يفرق بين
العمرة والحج، لافتراقهما بالفوات وعدمه.
وفيه إن الفوات يتحقق بفوت وقته، بل في المسالك، ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت
الهلال عندهم لا عندنا، ولم يمكن التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم، فإن التقية هنا لم تثبت، ولعله لأنها في
موضوع.
وربما يؤيده ما ورد (1) من الأمر بقضاء يوم العيد الذي ثبت عندهم وأفطر فيه تقية، اللهم إلا أن يفرق بينهما بشدة

1 - الوسائل، الباب 57، من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك.
14

المشقة في الحج دون صوم اليوم، فيلحق الموضوع حينئذ فيه بحكم التقية ويجزيه الوقوف معهم بخلاف الصوم.
وفيه: إن قلنا بإجزاء الموافقة معهم تقية فحينئذ يتجه إدراجه في حكم من صح حجه لا في حكم المصدود.
وإن قلنا بعدم إجزاء الموافقة معهم تقية يتجه إدراجه في حكم من فاته الحج.
وعن صاحب الجواهر وما اختاره المسالك في غاية الاشكال خصوصا بعد وضوح منع تحقق الصد في ذلك سيما في
بعض الأفراد.
قال المحقق صاحب الشرايع: وكذا يتحقق الصد بالمنع من الوصول إلى مكة سواء كان المنع حين ذهابه إلى مكة
أولا، أو ذهابه بعد إتمام نسكه في منى.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها، بل يحكم
بصحة الحج ويستنيب في الرمي.
وفيه: ولم يتعرض المصنف حكم الممنوع إذا أراد الرجوع من المشعر إلى منى للرمي وذبح الهدي والحلق ثم التحلل
عن كل شئ.
وعن المسالك والجواهر ما ملخصه: ولو صد عن نزول منى خاصة استناب في الرمي والذبح كما في المريض.
وفيه: مقتضى القاعدة عدم وجوب الاستنابة في الذبح بخلاف الرمي لعدم اشتراط المباشرة في الذبح.
وعن صاحب الجواهر: إن لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي في مكانه كالسعي والطواف.
وفيه: تصريح بعموم الآية: فإن أحصرتم... (1) ولأجل ذلك يرد عليه ما يرد عليه في مسألتي الطواف والسعي.
إلا أن صاحب الجواهر يمكن أن يدعي الخروج بالنص والاجماع، وذهابهم إلى أن للمصدود عن نزوله للرمي أن
يستنيب كالمريض من جهة عدم التمكن من إتيان الفعل في الخارج، الذي يترك لكل عذر كما في السعي والطواف.
وفي كشف اللثام لو صد عن السعي والطواف يستنيب.
وعن صاحب الجواهر لم أر موافقا لما اختاره الكشف، لأن المصدود من السعي والطواف يتحلل بالذبح.
نعم يمكن دعوى ظهور أدلة الصد فيما يفوت به الحج فإذن يكفي في التحلل الذبح، وأما إن لم يفت الحج بفواته فالأقوى
إمكان الاستنابة فيه، وجعله في المسالك أجود الوجهين - أي إن لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي -.
ودعوى ظهور أدلة الصد فيما يفوت به الحج أو العمرة بالكلية لا بعض أفعالها المتأخرة يدفعها ولو من الفحوى في الأعم
من ذلك.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه عدم صحة الفحوى، لعلمنا بعدم موافقة الشارع ترك الأفعال التي يمكن إيجادها في
الخارج.
إنما الكلام في سقوط الترتيب بين أفعال الحج وعدمه؟
وهل يسقط إن قدم أعمال منى على السعي والطواف أم لم يسقط؟ وقد تلخص مما تقدم ذهاب صاحب الجواهر إلى
الاحلال بالهدي في مكانه إن لم يمكنه الاستنابة.

1 - البقرة: 192.
15

وفيه: إن منع من معظم الأجزاء لم يقيد الشارع الاحلال بالتمكن عن الاستنابة، فبعض الأجزاء أولى بالاحلال بعدم
التمكن فالجزء أولى بالاحلال من الكل، لأن الجزء أولى بالاحلال من الكل بالهدي.
إن قلت لقائل أن يقول أولا لا يجب تدارك الجزء إن كان غير ركن، لأن صاحب الجواهر يقول: ظاهر الأدلة كتابا
وسنة وحدة الأجزاء حكما وإذا لم يقدر على إيجاد جزء في الخارج كاف في جريانه لكل جزء ركنا كان أم غير ركن،
وحينئذ يكون الأصل تحقق الصد الموجب للتحلل بالهدي بالمنع عن الحج والعمرة، ولو أبعاضهما وسقوط ما صد عنه بعد
التحلل في عامه ولكن وجوب الحج باق في ذمته.
ثانيا إن قلنا بعدم شمول دليل الأولوية للتحلل بالهدي في مكانه فبسبب استصحاب بقاء وجوب الاحرام عليه يمكن
اثبات توقف الاحلال على الذبح، وليس من لوازم المصدود قضاء الحج وجوبا أو ندبا في القابل، إلا في صورة الاستقرار
عليه فإذن يأتي به في القابل، وأما لو أفسد الحج فعليه الاتمام في تلك العام والقضاء في القابل.
وعن صاحب المدارك والمسالك والقواعد: ويحتمل أن يحلق ويأتي بالطواف والسعي ويستنيب في الرمي والذبح إن
أمكن ويتحلل بما عدا الطيب والنساء والصيد حتى يأتي بالمناسك.
وإن لم يمكنه الاستنابة يحلق ويأتي بالطواف والسعي ويأتي قضاء الرمي والذبح في القابل.
وأشكل عليهم الأستاذ حفظه الله وقال: إن قلنا بشمول دليل جواز الاحلال للمصدود بعد صده من الرمي والذبح
فعليه القضاء في القابل، لأن الحج لا يبطل بتركهما ولو عمدا، وإن قلنا بعدم شموله فالعمدة هي إشكال الفاضل في القواعد
في ذلك، حيث قال: ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال - أي في تحقق الصد وأحكامه - وادعاء انصراف صدق الصد
على الاجزاء التي تكون ركنا.
وعن الأستاذ حفظه الله، قلنا أولا لا يمكن الافتراق بين الاجزاء ركنا كان الجزء أم غيره.
ثانيا: قدر المتيقن من جواز التحلل للمصدود هو الصد عن الموقفين وباقي المناسك كما يقتضي ذلك كتابا وسنة وفتوى
، لا ما إن صد من دون الموقفين، وفي صدق الصد عليه إشكال...
نعم الفرق بين التارك والمصدود موجود لأن في فرض الترك مضافا على القضاء في القابل يكون على التارك المعصية
بخلاف المصدود فإن عليه القضاء في القابل فقط.
وإن قلنا يكون جواز الاحلال رخصة لا أنه عزيمة فله التحلل بعد الطواف والسعي والقضاء في القابل.
وإن قلنا بقدر المتيقن في المسألة فله الحلق وبعده يسعى ويطوف ويصح حجه.
وعن صاحب الجواهر: ولا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل بل ظاهر
الأدلة خلافه، لقوله تعالى: (1) وأتموا الحج والعمرة، وإن لم يقدر على الاتمام، فما استيسر من الهدي (2) وهذا الحكم
عام يشمل كل جزء ركنا كان الجزء أم غير ركن.
2 - البقرة: 192.

1 - البقرة: 192.
16

ويمكن تقريب البحث على نهج آخر: وهو أن المحلل للاحرام، إما أن يأتي المناسك، أو أنه صد عن الموقفين إذ إن لم
يصد عنهما لا بد وأن يأتي بباقي الأفعال فإذن يرجع البحث أيضا إلى تمامية الأفعال وعدمها.
ولو صد عن الذبح خاصة ولم يمكنه إيداع الثمن فيمن يذبحه فهل يصدق عليه اسم المصدود حتى يحكم له بالتحلل أم
لا بد له أن يأتي بالبدل وهو صيام عشرة أيام؟
وقد اختار سيدنا الأستاذ ما ذهب إليه كشف اللثام، وهو إن صد من السعي والطواف بعد إدراك الموقفين وأعمال منى
يستنيب.
وخلاصة الكلام ولو صد عن مكة خاصة بعد الاتيان بأفعال منى فإن أتى بالطواف والسعي في تمام ذي الحجة ولو
بالاستنابة كما صرح به في الروضة صح حجه، وإلا ففي المبسوط والسرائر والقواعد والتذكرة والتحرير والمنتهى والدروس
وحواشي الكركي وظاهر التبصرة والتلخيص على ما حكي عن بعضها بقي على إحرامه بالنسبة للنساء والطيب والصيد.
وما ذهب إليه المشهور - أي تحقق الصد - وجواز التحلل لاطلاق قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي
(1) الذي لا يمكن تقييده بأن الصد يتحقق إن لم يمكنه الاستنابة.
وما ذهب إلى بقاء الاحرام عليه قال لأن المحلل للاحرام إما الهدي للمصدود أو المحصور، أو الاتيان بأفعال يوم
النحر والطوافين والسعي، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك يوم النحر تعين عليه الاكمال، لعدم جواز التحلل بالهدي
حينئذ، فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك.
وخيرته حفظه الله ما اختاره المشهور، وهو تحقق الصد وجواز التحلل ووجوب القضاء عليه في القابل.
هذا كله لو صد عن الطواف والسعي الذي يحكم له بالتحليل، ولو صد عن طواف النساء خاصة هل يجوز له الاحلال
أم لا بد أن يأتي ولو بالاستنابة؟
وقد أفاد الأستاذ دام ظله في ضمن البحث وقال: إن قلنا أنه جزء من أفعال الحج فبالصد يتحلل بالهدي ولا يمكن أن
يرد وقال إن الصد عن طواف النساء إنما يتحقق بالصد عنه إلى فوات وقته، لأنا قلنا إن المصدود لا يجب عليه الصبر
حتى يفوت عنه وقته، بل له التحلل بالهدي ولو بأن له التمكن من قبل.
وإن قلنا إنه يباح جواز الوطي لم يصدق عليه اسم المصدود لأن طواف النساء في الفرض الأخير لا يكون جزء الحج
حتى بعد المنع عنه يتحقق الصد، ولهذا الفرع ثمرة عملية كما ذكرها بعض الأساطين:
وهي إن قلنا أنه جزء الحج فللنائب إتيانه للمنوب عنه وأما إن قلنا أنه يباح جواز الوطي فيأتي النائب بنفسه.
بقي شئ: وهو إن منع من المبيت بمنى فهل للممنوع القضاء في القابل أو الاستنابة به أو الفداء عن كل ليلة شاة.
وعن المشهور الأخير، بل عن صريح الخلاف والغنية وغيرهما، وظاهر المنتهى وغيره الاجماع عليه.
وإن كان المصدود معتمرا بعمرة التمتع يتحقق صده بمنعه عن دخول مكة، أو بمنعه بعد الدخول في مكة عن الطواف
والسعي فله التحلل بالهدي في مكانه.

1 - البقرة: 192.
17

وفي المسالك: في تحقق الصد بالمنع من السعي خاصة بعد الطواف] أي عدم إتيان الطواف وهل يجوز له التحلل أو
البقاء على إحرامه حتى يأتي بباقي المناسك: أو لا هذا ولا ذاك؟ بل يصبر حتى يفوت عنه المناسك ويعمل بعدها كما
يعمل قبل الفوت [وجهان من إطلاق الأدلة وعدم مدخلية الطواف في التحلل فيتحقق الصد، ومن عدم التصريح بذلك
في النص والفتوى فلم يتحقق الصد.
وعن صاحب الجواهر: وفيه ما لا يخفى بعد وضوح الصدق اسم الصد عليه، وشمول أدلة التحلل بالهدي.
ثم قال الوجهان آتيان في العمرة المفردة مع زيادة إشكال فيما لو منعه بعد التقصير عن طواف النساء، فيمكن أن لا
يتحقق الصد حينئذ، بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن.
وعن صاحب الجواهر: وفيه منع واضح أيضا بعد عدم توقف تحقق الصد على عدم إمكان الاتيان بالنسك، بل ظاهر
النص والفتوى تحققه، وإن كان يمكن فيما بعد ذلك الاتيان بالمصدود وعنه مع البقاء على إحرامه، ومن ذلك يظهر لك
النظر فيما في حاشية القواعد للكركي من دعوى عدم صدق الصد على المعتمر عمرة إفراد بالشروع في بعض أفعالها، فيبقى
على إحرامه إلى أن يأتي الباقي، نعم لو منع من دخول مكة أو المسجد تحقق الصد.
وعن صاحب الجواهر: لا يمكن صدق الصد على المعتمرة إفرادا وذلك لعدم تصوير الفوت فيها لأنا قلنا سابقا يصدق
الصد على من يفوت عنه الحج.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه نظن أن الكركي أراد التفصيل بين الكل والبعض ففي الأول يحكم بتحقق الصد فيه بخلاف
الثاني، ولكن محط نظر صاحب الجواهر ودليله قوله تعالى: فإن أحصرتم.... (1) ولأجل ذلك يحكم بتحقق الصد كلا
منع أم بعضا فيتحلل بالهدي في مكانه كما قلنا سابقا.
ثم إن الأمر بالاحلال في النص والفتوى وإن أفاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه، لأنه في مقام توهم الحظر
كما صرح به غير واحد، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به، فإذا بقي على إحرامه حينئذ للحج حتى
فات الحج كان عليه التحلل بعمرة إن تمكن منها كما هو شأن من يفوته الحج، ولآدم عليه لفوات الحج كما صرح المصنف
في الفرع الثاني والفاضل وغيرهما، وإن لم يتمكن بمنعه عن دخول مكة بعد الاحرام فله التحليل بالهدي أو الصبر حتى
فات الحج وعليه التحليل بالعمرة فقط، وإن كان الحج تمتعا، وأما إن كان التحليل عمرة مفردة فعليه طواف النساء.
وعن صاحب الجواهر: لكن في محكي الخلاف عن بعض الأصحاب أن عليه دما لخبر داود الرقي (2) قال: كنت مع
أبي عبد الله عليه السلام بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج فقال نسأل الله العافية، ثم قال:
أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلق، وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، وإن أقاموا حتى
تمضي أيام التشريق بمكة، ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل،
وأنت خبير بعدم دلالتها على ما في المحكي من الخلاف، بدعوى أن الظاهر كون الدم للتحلل لعدم تمكنهم من العمرة لا

1 - البقرة: 192.
2 - الوسائل الباب، - 27 - من أبواب الوقوف بالمشعر، ج (5).
18

للتحليل بالعمرة الذي كان البحث عن ذلك، بمعنى إن فات الحج كان عليه التحلل بعمرة ومعه دم شاة أيضا أم لا.
والظاهر منها عدم لزوم التحليل بعمرة، بل إن فات الحج عليه دم شاة للتحلل.
ويمكن حملها على من لم يتمكن من العمرة ولأجل ذلك أمر عليه السلام تفضلا بالاهراق إن أقاموا حتى تمضي أيام
التشريق بمكة، وعن الشيخ كان الحج مندوبا وللمتطوع التحليل بغير بدل. وإن أمر عليه السلام بالاهراق لكن كان هذا
استحبابا وفيه خلاف ظاهر.
وعلى كل حال فهل يجوز له التحلل بعمرة قبل الفوات؟ كما يجوز ذلك بعد الفوات؟ عن المنتهى والتذكرة إشكال،
وبه قال بعض الجمهور لجواز العدول بدون الصد، فمعه أولى، ومؤيد ما ذهب إليه الجمهور، ما فعله رسول الله صلى الله
عليه وآله بالحديبية حين صده المشركون، وقد أمر صلى الله عليه وآله أصحابه بالعدول إلى العمرة، ونصوص الواردة
فيمن أحرم بإحرام الحج التي يحكم فيها عليه السلام بجواز العدول.
وعن صاحب الجواهر: وهو أي] التحلل بالعمرة بعد الفوات وقبلها - [متجه حيث يجوز له العدول لاطلاق دليله
الشامل لحال الصد.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه: لا يشمل دليل الصد جواز التحليل بالعمرة قبل الفوت.
قال المحقق صاحب الشرايع: فروع: الأول: إذا حبس بدين فإن كان قادرا عليه ومع ذلك لم يدفعه يقول صاحب
الشرايع لم يتحلل بالهدي، ضرورة عدم كونه من المصدود الذي شرع في حقه ذلك.
وإن عجز عن أدائه تحلل بالهدي لكونه من المصدود عن الحج حينئذ، لأن الصد هو المنع الصادق على مثله،
وعن الجواهر مثل ما عن الشرايع.
وفي المسالك ما ملخصه أولا: إن المديون إذا حبس ظلما كان مصداقا للمصدود، لا أنه من أقسام الصد كما ذهب إليه
صاحب الشرايع وتبعه في ذلك صاحب الجواهر.
ثانيا: انحصار الصد والحصر فيما ذكروه مورد نظر، لأن فناء النفقة وفوات الوقت وضيقه لا تكون من أمثالهما، مع أنه
يجوز التحلل عندها لرواية حمران بن أعين (1) إنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقول: حلني حيث حبستني،
قال: هو حل حيث حبسه الله قال أو لم يقل.
وفي إلحاق أحكام هؤلاء بالمصدود أو بالمحصر أو استقلالهم عنها نظر، من مشابهة كل منهما، والشك في حصر السبب
فيهما، وعدم التعرض لحكم غيرهما، ويمكن ترجيح جانب الحصر على الصد لأنه أشق وبه يتيقن البراءة.
وأجاب عنه الجواهر: ضرورة عدم صدق كل منهما على أمثال هؤلاء بالمصدود، ولأجل ذلك لا يجوز له التحلل إن
فات الوقت أو ضاقت، بل يبقون على الاحرام أو إلى الاتيان بالنسك أو العمرة المفردة.
واستشكل بعض بأن المديون لا يصدق عليه اسم المصدود، بل الصد اسم لمنع العدو.
وأجيب: إن المديون إن كان عاجزا عن أداء دينه كأن في حكم المانع للعدو، وعليه التحليل إذا حبس ووردت

1 - الوسائل الباب - 23 - من أبواب الاحرام ح (4).
19

الرواية التي يمكن التمسك بها بإطلاقها والحكم فيها بأن المديون إذا حبس عن ظلم يصدق عليه الصد كما يشهد له ما سمعته
في خبر الفضل بن يونس (1).
قال المحقق صاحب الشرايع: وكذا لو حبس ظلما وقد وقع البحث في كلمة كذا وهل يرجع بالجزء الأخير من
حكم المديون وهو قوله (تحلل) فيكون الحاصل حينئذ إن المحبوس ظلما يتحلل مطلقا، لأنه مصدود سواء قدر على رفع
المطلوب منه أم لا، وسواء، كان مجحفا أم لا؟.
وربما احتمل في عبارة المتن كون المشبه به المشار إليه بذا مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله، فيكون الحاصل
حينئذ أن المحبوس ظلما إن قدر على رفع ما يراد منه لم يتحلل، وإن عجز تحلل نحو ما سمعته في المديون، وإن قلنا
بالأول: فهو يوافق لما يأتي حيث قال: إن منع قبل الاحرام وطلب منه مالا وهو قادر على دفعه يتحلل، وإن قلنا بالثاني
فهو موافق لما قيل الذي نقل عنه صاحب الشرايع في الفرع الخامس وهذا نص عبارته: لو طلب مالا لم يجب بذله ولو
قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.
(ربما قيل إنه كان الأولى للمصنف العكس، فيجب بذل جميع ما يتمكن ويقدر مع التلبس بالاحرام لوجوب الاتمام
عليه وجوبا مطلقا، فيقتضي وجوب مقدمته، بخلاف ما إذا لم يتلبس بالحج فإن الوجوب فيه مشروط بتخلية السرب،
وهو منتف، وشرط الواجب لا يجب تحصيله، وقال صاحب الجواهر وأجاب: إن قلنا أن وجوب المقدمة تقتضي دفعه ففي
كلا الحالتين مراد - قبل التلبس وبعده - ويمكن أن يقال إن الوجوب للمقدمة يعارضه قاعدة نفي الحرج ونفي الضرر
وغيرهما، ولذا قيد بعضهم وجوبها بما إذا لم يستلزم ضررا، وملخص ما تقدم إن كان قادرا على دفع ما طلب منه فهو
مما لا يكون ظلما ولذا لا بد أن يدفع ما طلب منه، ولا يصدق عليه أنه مصدود لأنه قادر على دفعه، وإن لم يقدر على
دفع ما طلب فهو مصدود وله التحلل.
قال المحقق صاحب الشرايع: الفرع الثاني: إذا صابر ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي وتحلل بعمرة وقال
صاحب الجواهر تبعا للماتن: لعدم صدق اسم المصدود حينئذ عليه، وإن الصد في زمن بقاء الحج، وإذا انقضى أيام الحج
فلا يصدق عليه اسم المصدود.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا أن الصد والحصر كالمسافر والحاضر فما اختاره صاحب الشرايع صحيح، لعدم جواز
التحلل له بالهدي لفوات الحج منه، بل لا بد، أن يتحلل بعمرة، كما أن المسافر لا بد، أن يأتي صلاته ناقصة، وأما إن قلنا
أنهما كمثل قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم.... (2) فما ذهب إليه الماتن لا يصح، لصدق اسم المصدود
عليه، ولذلك له جواز التحلل بالهدي، لقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (3) وإذا شككنا في أن المصدود
إذا صابر ففات له الحج هل يكون كالمسافر والحاضر حتى لا يصح له التحلل بالهدي، أم يكون كمن قتل حتى يصح له
التحلل، فيمكن بالاستصحاب إثبات عدم وجوب شئ عليه، سوى جواز التحلل له بالهدي، ولو فات عنه الحج لصدق
اسم المصدود عليه.

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحصار والصد ح (2).
2 - النساء: 95.
3 - البقرة: 192.
20

نعم إن لم يمكن إثبات التحلل بالهدي فليتحلل بعمرة ولا دم عليه كما قاله صاحب الشرايع وتبعه صاحب الجواهر.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولا دم وعليه القضاء أي تدارك الحج إن كان واجبا وإلا فإن كان ندبا بالأصل
فلا يجب عليه القضاء وإن كان قد وجب بالشرع.
وعن الأستاذ حفظه الله: ولو بقي على هذا الحال، فتارة يذهب إلى مكة ويتحلل بعمرة، وأخرى يرجع إلى بيته ولا
يقدر على التحلل بعمرة فعليه الهدي فالتحلل وإلى ما قلناه يرجع: ما في الدروس: لو صار إلى بلده ولم يتحلل وتعذر
العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود، فله التحلل بالذبح في بلده والتقصير وتبعه عليه في المدارك.
واستشكل عليه صاحب الجواهر: ولكنه لا يخلو من نظر، ضرورة عدم صدق اسم الصد على مثله عرفا.
وعن الأستاذ دام بقاؤه: وفيه لا يبعد القول بشمول أخبار الصد حتى في مورد البحث أيضا: نعم لو صار إلى بلده
وتعذر العود لخوف الطريق يصدق عليه انتفاء السرب عنه وهو ممن لا يستطيع، وأما إن لم يتحلل فهو يصدق اسم
المصدود عليه، فما
ذهب إليه العلمين حق خصوصا إن قلنا إن وقت العمرة تكون طيلة العمر فإذن هو مما لا شك ولا ريب في صدق اسم
المصدود عليه.
قال المحقق صاحب الشرايع: الفرع الثالث إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز له التحلل بل عن
بعض ولو علم ذلك، بل عن الجواهر لا أجد فيه خلافا معتدا به فضلا عمن كان يرجوه، لصدق اسم المصدود، ويكفي في
العموم النصوص السابقة، نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوى ظهور كلمات الأصحاب في خلافها، ولولا ذلك
لكان إلحاقها متجها أيضا.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: لو علم انكشاف العدو لم يجز له التحلل، نعم يمكن القول بالعموم كما ذهب إليه صاحب
الجواهر وغيره.
واستشكل على العموم صاحب المدارك بأن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة أي
صورة غلبة الظن، ومع انتفاء العموم الحكم بالجواز مشكل، أو يلوح من كلام الشهيد في الروضة وموضع من الشرح
أن التحلل إنما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت، ولا ريب في أنه أولى.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولكن الأفضل وعن الجواهر والأولى بل والأحوط البقاء على إحرامه فإذا انكشف
أتم ولو اتفق الفوات تحلل بعمرة ولم يعرض فيه المصنف حكم من تحلل اختيارا وانكشف العدو.
هنا بحث: وهو هل جواز التحلل للظان حكم ظاهري أم واقعي؟ وتظهر الثمرة إن قلنا أنه حكم ظاهري إذا المصدود
لو غلب على ظنه انكشاف العدو وتحلل ولكن مع ذلك يكون محرما فعليه إتيان مناسكه بعد انكشاف الخلاف، لذهاب
الأصحاب رضوان الله عليهم إلى أن الحكم الظاهري حجة ما لم ينكشف خلافه، فإذا انكشف خلافه لا يكون حجة، وأما
إن قلنا إنه حكم واقعي فهو حل واقعا ولو انكشف الخلاف، فإذن يحرم ثانيا بإحرام الحج من ميقاته أو بإحرام العمرة من
ميقاتها هذا. ولكن ما استفاد العلماء من مجموع الأدلة أن حكم الاحلال حكم واقعي لا ظاهري.
21

فائدة: إن قلنا بعدم شمول الأدلة مورد الظن والرجاء بانكشاف العدو لقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة (1) يمكن
القول بانصراف الآية إلى القدر المتيقن منها وهو مورد اليقين بعدم انكشاف العدو إلى فوات الوقت، وأما إن قلنا بشمولها
لموردهما أيضا فالمتجه تسوية الكل في الحكم أي جواز التحلل إلا مورد العلم بانكشاف العدو قبل فوات الوقت.
قال المحقق صاحب الشرايع: الفرع الرابع: لو أفسد حجه وتصويره كما لو جامع امرأته التي كانت تحت يده قبل
الوقوفين فصد كان عليه بدنة للافساد ودم التحلل للصد والحج من قابل للافساد، وتلخص مما تقدم إن أفسد
حجه فعليه الاتمام لقوله تعالى:] وأتموا الحج والعمرة [(2) الذي لا يمكن القول بالتفصيل بين الحج الفاسد والصحيح، لأن
الاتمام الذي أمر به سبحانه وتعالى في كتابه عام يشمل كلا الموردين، نعم إن أفسد حجه فصد فعليه التحلل.
لا يقال أدلة الصد لا تشمل الفرض المذكور. لأنا قلنا عموم الأدلة وإطلاقها رافع لاحتمال اختصاص الصد
بالحج الصحيح.
واختلف كلمات الأصحاب رضوان الله عليهم في الحج القابل، ذهب بعض ومنهم صاحب الجواهر إلى أنه إن كانت
الحجة التي أفسدها حجة الاسلام والثانية عقوبة فعليه إتمام الحجة في عامه، والحج في القابل مطلقا، سواء كانت الحجة
التي أفسدها واجبا أو مندوبا، هذا فيما إذا أفسد ولم يصد، وأما إن صد بعد إفساده فلم يكف الحج الواحد أيضا إذا لم
يأت بشئ مما عليه من العقوبة وحجة الاسلام فقد وجبا عليه، لأن المفروض تحلله بالصد، وإن قلنا إن الأولى عقوبة
كان المتجه وجوب حجة واحدة كما عن المبسوط والايضاح وغيرهما، للأصل بعد كون المعلوم وجوبه عليه عقوبة إتمام ما
أفسده، والفرض سقوطه عنه بالصد فليس عليه إلا حجة الاسلام، بعد أن لم يكن دليل على قضاء حجة العقوبة، وأما
المصنف حيث أطلق الكلام في المتن فقال المحقق صاحب الشرايع: والحج من قابل وادعى صاحب الجواهر تبعية
المصنف القول الأول وهذا نص عبارته في حق الماتن: إلا أن ظاهر المصنف كون الأولى حجة الاسلام والثانية عقوبة،
ولذا أطلق وجوبها عليه.
وعن صاحب الجواهر، ولعله لأنه حج واجب قد صد عنه، وكل حج واجب قد صد عنه يجب عليه قضاؤه، ولما
تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من الخبر (3) الدال صريحا على أن الأولى حجة الاسلام والثانية عقوبة.
وعن الأستاذ حفظه الله أولا: بعد وجود الدليل الدال على أن الأولى منهما حجة الاسلام والثانية عقوبة لا نحتاج إلى
التعليل.
ثانيا: إن كان المأمور به كليا وأراد المأمور إيجاده في الخارج في ضمن الفرد، إن كان قادرا على إتمامه فعليه الاتمام،
ويسقط عنه الكلي الذي أمر به سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وإذا قام على إيفاء وظيفته وطرء المانع عليه يسقط عنه
وجوب الاتمام، ولكن لم يسقط عنه أصل التكليف لأنه باق إلى أن يأتي، وكذلك الحج في مثل البحث فإن صد في عامه لم
يسقط عنه أصل التكليف، وإن سقط وجوب الاتمام عنه، ولأجل ذلك فعليه الحج من قابل، وعن صاحب الجواهر:

1 - سورة بقرة آية: 192.
2 - البقرة: 192.
3 - الوسائل الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (9).
22

وعلى كل حال فبناء على وجوب الحج تين عليه ينبغي تأخرها حينئذ عن حجة الاسلام لتقدم وجوبها، بل عن الايضاح
الاجماع عليه.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بالاجماع فما اختاره صاحب الجواهر حق، وإلا فلا يمكن القول بالترتيب عموما،
نعم في بعض الأحيان للترتيب ثمرة كما عن صاحب العروة في قضاء رمضان.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستيناف القضاء وجب) وعن صاحب الجواهر
وجب القضاء في عامه إن كان واجبا من أصله، ضرورة تناول الخطابات له مع فرض بقاء الوقت، وعن الأستاذ دام عزه
قلنا إن الاحلال حكم واقعي ولا بأس به وإن أعاد الاحرام بعد انكشاف العدو.
وقيد صاحب الجواهر وجوب الاستيناف بالوجوب، وقال إن كان الحج واجبا وجب عليه القضاء ومفهومه إن لم يكن
واجبا لم يكن عليه وجوب القضاء، مع أن المصنف حكم بوجوب القضاء مطلقا، ومؤيد ما ذهب إليه الماتن قوله تعالى:
(وأتموا الحج والعمرة).
قال المحقق صاحب الشرايع: وهو حج يقضى بل عن المبسوط والسرائر والمنتهى إنه ليس في غير هذه الصورة حج
فاسد يقضي لسنته.
وعن الأستاذ دام عزه للقضاء معان متفاوتة، يختلف على حسب موارده عند القوم، فتارة يطلق القضاء على شئ
ويراد به إتيان الفعل في الخارج، كقوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم (1) أي أتيتم، وأخرى يطلق القضاء ويراد منه
تدارك ما فات عنه وهذا كقوله عليه السلام اقض ما فات كما فات أي تدارك الذي فات عنك، ولأجل ذلك وقع
الخلاف بينهم، فإن كانت الوقت باقية هو حج يؤتي به في سنته، فلا يصدق عليه القضاء في تلك السنة.
نعم إن أحرم يسقط عنه لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا (2) كالمسافر والحاضر ولذا
يدخل في عموم قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة (3)، فيكون الموضوع اثنين قبل التلبس وبعده، ففي الأول الأول، وفي
الثاني الثاني، فإن أفسد حجه وصد فعليه الحج من قابل، وإن انكشف العدو وكان الوقت باقيا فصدق القضاء عليه أي
الاتيان في عامه يكون بدليل خارج، فلا يصدق على ما أتاه القضاء بل هو أداء لأنه وقع في عامة.
ولا يرد إشكال اثنينية الموضوع لأنه موضوع واحد.
نعم يمكن القول بالقضاء على هذا الفرض مسامحة وأنى بإثبات هذا.
ولأجل ذلك يقول صاحب الجواهر ناقلا عن الأصحاب، نعم الظاهر إرادة التدارك من القضاء في هذه السنة، ضرورة
كونها حجة الاسلام، وهذا العام عامها، لا أنها قضاء فيه، فإذن لا يبقى في ذمته حجة العقوبة أيضا، خلافا لما ذهب إليه
الماتن من أن حج العقوبة عليه باقية في القابل، وتبعه صاحب الجواهر.
وعن صاحب الجواهر: هذا كله في حج الاسلام المستقر أو المستمر، أما إذا كان مندوبا وقد أفسده ثم صد وتحلل ثم

1 - سورة بقرة: آية 196.
2 - سورة آل عمران: آية 91.
3 - سورة توبة: آية 192.
23

انكشف العدو قضى أيضا واجبا ويكون حكمه كالحج الواجب أم فيهما خلاف.
وعن الأستاذ دام عزه: هنا بحث: الجهة الأولى في حكم الحج الندبي وهو إن قلنا أن الثانية عقوبة، والحج وإن كان
مندوبا إلا أنه بعد أن أفسد وصد وتحلل وانكشف العدو لا بد وأن يقضي واجبا فعليه الحج من قابل عقوبة، ولذا أطلق
المصنف.
قال المحقق صاحب الشرايع: وعلى ما قلناه فحجة العقوبة باقية
وأما إن قلنا أن الأولى عقوبة والحج مندوب يتجه له القضاء حينئذ، بمعنى أنه يتدارك عن الفاسد مع فرض سعة
الوقت، وكونه حجا يقضي لسنته، ضرورة عدم وجوبه عليه في القابل لو كان غير حج الاسلام، وقد تداركه في تلك
السنة.
وعن الجواهر: وعلى كل حال فمما ذكرناه يظهر لك النظر فيما في التنقيح حيث قال: إذا أعتق العبد في الحج الفاسد
قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حج الاسلام، ولو كان العتق بعد الوقوف وقلنا الأولى فرضه لم يجزه، ويجب حج
الاسلام بعد حج القضاء، وإن قلنا أنها العقوبة أجزأ القضاء عن حجة الاسلام لصدق عتقه قبل الوقوف انتهى كلام
التنقيح إذ فيه أولا ما لا يخفى عليك بعد ما عرفت من الاجماع على وجوب تأخير حج القضاء عن حج الاسلام.
وعن الأستاذ: ما تمسك به الجواهر ردا لما اختاره التنقيح غير صحيح، ولو قلنا بتقدم السبب، لأن في الفرض
المذكور سبب قضاء الحج مقدم على حج الاسلام لتقدم سببه، لأن العبد في حال العبودية لا يجب عليه حج الاسلام، وإن
أجاز له المولى بعد أن أفسد وأعتق واستطاع فالقضاء مقدم على حج الاسلام لتقدم سببه.
وعن الجواهر: وثانيا ما في قوله: أي التنقيح: وإن قلنا إنها العقوبة إلى آخره كأن مراده على الظاهر كون عتقه قد
حصل قبل وقوف القضاء، وقد قلنا إن الثانية هي حجة الاسلام، وهو قد أعتق قبل وقوف حجة الاسلام فيجزيه لعموم
قولهم عليهم السلام (1): إذا أعتق العبد قبل الوقوف أجزأ عن حجة الاسلام وفيه إن القضاء إنما يجزي عن حجة
الاسلام على القولين في موضع لو سلم من الافساد لأجزأ عن حج الاسلام، وفي الفرض لو سلم عن الافساد لم يجز عن
حج الاسلام، لكون المفروض وقوع العتق بعد الموقفين، ولأن القضاء قد صار عليه بسبب الافساد، فلا يجزي عن حج
الاسلام الذي لا يجزي عنه الفاسد على تقدير عدم فساده.
وعن الأستاذ: إن قلنا إن الذي يدل على إيجاب القضاء هي الرواية لا عموم: ولله على الناس.... (2) فيجب عليه
حج الاسلام بعد حج القضاء، وإن لم نقل به، بل قلنا إن الذي يدل على إيجاب القضاء أيضا هي الآية ولله على الناس
... أجزأه القضاء عن حج الاسلام ولو لم يكن قد تحلل مضى في فاسده وقضاه في القابل.
قال المحقق صاحب الشرايع: الفرع الخامس لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب سواء غلب على الظن السلامة أو
العطب.

1 - الوسائل الباب - 17 - من أبواب وجوب الحج.
2 - البقرة: 192.
24

وعن الأستاذ: البحث فيه من جهتين، الجهة الأولى: عبارة عن تعيين حدود مقدمة الواجب واجب. الجهة الثانية:
تعيين موضع صدق الصد، ومع الاغماض عن هاتين الجهتين إن سد طريق المسلمين ولم يكن طريق إلى مكة فهل يجب
الدفاع أم لا؟.
وعن صاحب الشرائع: لم يجب، وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك الاتفاق عليه، وفي
المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب، ولعله للأصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا
ومشقة ونحوهما مما تسقط بمثله كما في غير المقام.
وعن الأستاذ دام عزه: إن قلنا وجوب دفع العدو يكون من باب مقدمة الواجب ورفعناه بلا حرج وغيره فلا نحتاج
إلى الأصل، إلا أن يقال أن مراده رحمه الله من الأصل اللاحرج وغيره.
وعن المنتهى: إن كان مسلما وفي قتالهم مخاطرة النفس والمال وقتل المسلم فالأولى تركه، وفي محكي المبسوط الأعداء
إن كانوا مسلمين فالأولى ترك القتال إلا أن يدعوه الإمام عليه السلام أو نائبه إلى القتال فيجوز، لأنهم تعدوا على
المسلمين بمنع الطريق، فأشبهوا سائر قطاع الطريق، وإن كانوا مشركين لم يجب أيضا قتالهم لأنه إنما يجب للدفع عن النفس
، أو الدعوة للاسلام، وإذا لم يجب فلا يجوز أيضا سواء كانوا قليلين أو كثيرين، والمسلمون أكثر أو أقل، مع أنه قال في
المسلمين: إن الأولى ترك قتالهم، وهو مشعر بالجواز، ومن هنا قال في المسالك الظاهر إرادته التحريم لأنه أولى، وتعليله
بإذن الإمام عليه السلام يدل عليه.
وعن الجواهر: ولكن فيه المنع من اشتراط إذن الإمام في ذلك، ضرورة كونه من الدفاع إذا كان قد أراد السير في
الطريق المباح فمنعه، أو من النهي عن المنكر، ولذا صرح الفاضل والشهيد بالجواز في الكفار إذا ظن الظفر بهم.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: إن قلنا إن النهي عن المنكر واجب ولا يتوقف إلى إذن الإمام وإن ينته إلى المقاتلة فلا
يمكن رفعه بدليل الحرج، لأنه الحكم في مورد الحرج، ولا يمكن رفع الشئ بنفسه، واختار بعض هذا القول ومنهم
الفاضل حيث عبر بالجواز.
وإن قلنا هو واجب من غير حاجة إلى إذن الإمام عليه السلام إن لم ينته إلى المقاتلة، يمكن رفعه بلا حرج، وذهب
بعض إلى هذا القول ومنهم الشيخ في المبسوط.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: إن قلنا بوجوب النهي عن المنكر فما ذهب إليه الفاضل والشهيد من الجواز خلاف،
واستشكله في المسالك بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال والحرج على إذن الإمام، إلى هنا تنتهي كلمات الأصحاب
ولقد تعرضناها مستوفاة مع الغمض عن مقدمة الواجب واجب.
وأما إن يصدق على الممنوع بالعدو المصدود فلا يبقى في البين واجب لكي يبحث عن وجوب مقدمته، نعم بناء على ما
سلكناه من أن الأمر في الآية: فما استيسر من الهدي (1) واقع موقع توهم الحظر كان يجوز لها التحلل كما يجوز له الاتمام
إن كان قادرا على دفع العدو ورفع المانع.

1 - البقرة: 192.
25

وملخص الكلام إن قلنا بحرمة المقاتلة مع المسلم والكافر، فالممنوع وإن وجد له طريق غصبي لا مانع له من إدامة
الطريق إلا من هذه الجهة فله إدامة السير، إلا أن الممنوع يصدق عليه أنه المصدود قبل رفع المانع، وأما إن لم نقل بحرمة
المقاتلة معهم، بل قلنا بالجواز، فيمكن البحث من أنه هل يصدق عليه الصد وعدمه، فتارة دفع العدو لا يكون فيه
معونة أصلا بل بصرف الحركة والتهيؤ يندفع، فإذن دفعه واجب، وأخرى لا يمكن دفعه بأدنى الحركة والتصميم، بل
للمصدود لزوم الاحلال وإيقاع نفسه في المعركة، فما ذهب إلى الجواز يرى أولوية المحاربة معهم من باب مقدمة الواجب
واجب.
ومن لم يذهب إلى الجواز يرى الاحلال وترك المقاتلة، ولقد أجاد صاحب الجواهر وتذكر ما لم يتذكر المصنف حيث
قال: ولو بدأ العدو بالقتال فإن اضطر إلى الدفاع وجب، وكان جهادا واجبا من غير حاجة إلى إذن الإمام عليه السلام.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: إن لم يقدر على المصالحة والمواساة ولا على الفرار فالقتال واجب، ولا يكون في ذلك
فرق بين الظن بالسلامة وعدمها.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولو طلب مالا لم يجب بذله وعن المسالك: إن لم يكونوا موثوقين بل وإن بذلوه منعوا
بعد أن أخذوه لم يجب عليه إتمام الحج وله التحلل.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: فتارة لم يكن متمكنا من بذل المال فإذن يصدق عليه أنه المصدود، ولذلك له التحلل،
وله الصبر حتى يحل بعمرة، وأخرى له التمكن من أداء المال ورفع المانع.
وعن صاحب الشرايع عدم وجوب بذل المال له ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا ولذلك لا يجوز له
التحلل، بل يجب عليه أداء المال وإتمام الحج.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: وفي كلام الماتن نظر، إذ قد سمعت منه ما ذكره سابقا من وجوب التحمل مع التمكن، وإن
سده العدو قبل التلبس بالحج، ولم يقيد بأن لا يكون ما طلب مجحفا، بخلاف ما في هنا حيث قال: عليه وجوب الأداء
إذا كان غير مجحف، ومن هنا قال في المسالك والمدارك: كان حقه التسوية بين المقامين أو عكس الحكم وهو قبل التلبس
يجب عليه إن كان غير مجحف، وبعده يجب مع التمكن ولو كان مجحفا.
وعن صاحب الجواهر: وإن كان فيه أن الظاهر إرادته عدم الاجحاف من التمكن في السابق، ضرورة كون المناسب
لسقوط باب المقدمة بقاعدة نفي العسر والحرج، وغيرها.
وعن الأستاذ حفظه الله: أي القولين من الماتن أوفق بالقواعد؟ ولقد أفاد في ضمن البحث حفظه الله وقال: وما
اختاره المصنف أوفق، حيث قال: قبل التلبس لم يصدق عليه قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت (1)، ما دام لم
يقدر على تحصيل ما يحتاج إليه في السفر من الزاد والراحلة، ولذلك قيد الماتن رحمة الله عليه بذله إن لم يكن مجحفا،
وأما إذا تلبس وطلب مالا فيجب له بذله لأن إيجاب إتمام التكليف وهو قوله تعالى: وأتموا الحج (2) يقتضي ذلك، نعم

1 - البقرة: 192.
26

يجب عليه على حسب ما كلف، بمعنى أن إيجاب دفعه عليه منوط بعدم كونه زائدا على مقدار المتعارف وإلا يمكن رفعه
فيأتي الحرج والضرر وأشباههما، ولذلك قال الأستاذ دام عزه: التعبير بليس بجيد منهما ردا على المصنف لا يكون
بصحيح.
وأفاد صاحب الجواهر حين الشرح تسوية قول الماتن والمسالك والمدارك حتى يرفع النزاع من رأسه، حيث قال: بل
قد سمعت ما ذكره المصنف سابقا من وجوب التحمل مع التمكن قبل التلبس بالحج فضلا عن الفرض المأمور فيه بإتمام الحج
والعمرة هذا كله في المصدود.
قال المحقق صاحب الشرايع: وأما المحصر اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف، أو المنع عن
الوصول إلى مكة أو إتمام حجه، وأصله من باب الأفعال، ويقول للمحبوس: حصر بغير همز فهو محصور، وعلى كل حال
فهو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين على حسب ما سمعته في المصدود.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ف‍) إذا تلبس هذا بالاحرام لحج أو عمرة تمتع أو مفردة ثم أحصر كان عليه أن
يبعث ما ساقه إن كان قد ساق ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهو منى إن كان حاجا
، ومكة إن كان معتمرا.
وفصل المصنف رحمه الله بين الصد والاحصار وقال: بلوغ الهدي محل الصد وأما الحصر بلوغه في الحرم، نعم ما سمعته
من البحث في الاجتزاء في التحلل بالهدي المسوق في المصدود يجري هنا، وكذا الكلام في اعتبار النية وعدمها، وإنما
الخلاف في البعث وعدمه، وكيف كان فالحصر والصد يشتركان في أصل ثبوت التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة
، ويفترقان في أمور تعرفها في تضاعيف الباب وما اختاره الماتن في المحصور وهو بلوغ هديه يمنى إن كان حاجا، ومكة إن
كان معتمرا، موافق للمحكي عن ابن بابويه والشيخ وأبي الصلاح وبني حمزه والبراج وإدريس والدراج، بل حكى غير
واحد عليه الشهرة، نعم عن الأكثر تقييد مكة بفناء الكعبة، وابن حمزة بالجزورة، وعن الراوندي في فقه القرآن تخصيص
مكة بالعمرة المفردة، وجعل منى محل المتمتع بها كالحج، وسلار ففصل بين التطوع وحجة الاسلام، ففي الأول يذبح الهدي
حيث أحصر، وعن المقنع: والمحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه (1).
وعن المسالك كان الأولى للمصنف ترك ذكر المحل، لأن كل موضع يذبح فيه الهدي أو ينحر فهو محله، سواء كان
أحد الموضعين المذكورين أو محل الصد كما يقتضيه تفسير الآية عندنا، فإنها شاملة للمصدود والمحصور وإن عبر فيها بلفظ
المحصر، فيراد حينئذ بالمحل الأعم، وليس في ذكره فيها ما يفيد الاختصاص بالموضعين بل هو حكم مشترك بين
المحصور والمصدود، وإنما تمتازان بمكان الذبح وهو أحد الموضعين في المحصر، وموضع الصد في المصدود.
واستدل للمشهور بأن المراد من الآية فإن أحصرتم (2) من أحصره المرض أو الخوف، أو المتيقن منها المريض الذي
2 - البقرة: 192.

1 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
27

منع عن الوصول إلى مكة، أو عن إتمام نسكه، وعن مجمع البيان ما ملخصه: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي
محله (1) أي لا تحلوا من إحرامكم حتى يبلغ الهدي محله فينحر أو يذبح.
واختلف العامة في محل الهدي على قولين: الأول أنه الحرم، الثاني الموضع الذي يصد فيه.
وأما على مذهبنا فالأول حكم الحصر بالمرض، والثاني حكم المحصور بالعدو.
وإن قلت: مقتضى قوله تعالى حتى يبلغ الهدي محله تارة يمكن وأن يقول فيه إذا أحصر يبعث بهديه ولا يحل حتى
يبلغ الهدي محله، وأخرى عدم وجوب البعث عليه بل ينحر أو يذبح حيث أحصر ولا يحتاج إلى قوله تعالى: حتى يبلغ
الهدي محله ويمكن أن يؤيد القول الثاني بما في المدارك حيث قال في تفسير الآية: حتى يبلغ الهدي محله يحتمل أن يكون
معناها حتى تنحروا هديكم حيث حبستم كما هو المنقول عن حمران (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما
المحصور فإنما يكون عليه التقصير.
فكما أن الآية لا اختصاص لها بالصد بل هي أعم منه ومن المحصور، فكذلك لا يكون فيها الاختصاص بالموضعين بل
أعم منهما ومن المكان الذي أحصر فيه. قلت: هذا خلاف ما استظهرناه وما ذهب إليه المشهور من أن المصدود يذبح
حيث صد، والمحصور يبعث بهديه ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهو منى إن كان حاجا، ومكة إن كان معتمرا.
وعن صاحب الجواهر: ويدفع ما عن المدارك ظاهر النصوص الواردة.
منها (3) الخبر المشتمل على احتجاج الرسول صلى الله عليه وآله بالآية على عدم جواز الاحلال حتى يبلغ الهدي محله
: منى.
منها عن أبان، عن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد، ويرجع صاحبه فيأتي
النساء والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم
يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء، قال: فليعد وليس عليه شئ وليمسك الآن عن النساء إذا بعث.
بل وصحيحة معاوية بن عمار (5) قال: سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد
أصحابه ميعادا، فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، ولا يجب عليه الحلق
حتى يقضي مناسكه وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة

1 - البقرة: 192.
2 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
3 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (13).
4 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
5 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
28

قصر وأحل، وإن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع ونحر بدنة إن أقام مكانه، وإن كان في
عمرة فإذا برء فعليه العمرة واجبة، وإن كان عليه الحج فيرجع إلى أهله وأقام ففاته الحج وكان عليه الحج من قابل
فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شئ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا.....
إن قلت: كيف يمكن الجمع بين قوله عليه السلام محل الهدي يوم النحر وبين ونحر بدنة قلت: يمكن أن يقال:
بحمل الصدر على عدم إرادة الرجوع إلى أهله، ولأجل ذلك قيد الإمام عليه السلام في الذيل إن أراد الرجوع ولذلك
لا يكون في جملة ونحر بدنة دلالة على أن المحصور ينحر مكانه إذا أحصر، بل للمحصور أن يبعث هديه.
وأما قضية إرجاع الدراهم فظاهر في عدم وجود ما ينحر، ولذا قال عليه السلام: فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا
هديا ينحرونه ولكن يبعث من قابل.
ويمكن أن يكون مراده عليه السلام: ونحر بدنة يعني عليه ما عليه في مكة أو منى، ولكن الآن في إيجاد سبب
النحر وهو الدراهم.
ويضعف هذا الاحتمال بما في الذيل وهو قوله عليه السلام: فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها لصراحته على عدم
لزوم بعث الهدي إلى محله، نعم قد يعارض ذلك ما في ذيل صحيح ابن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
الحسين عليه السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السلام ذلك وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في
السقيا وهو مريض، فقال يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي رأسي، فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه،
ورد ه إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر، فقلت: أرأيت حين برء من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء
حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فقلت: فما بال النبي صلى الله عليه وآله حين رجع إلى المدينة حل له
النساء ولم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلى الله عليه وآله كان مصدودا والحسين عليه السلام محصورا
.
إن قلت: ذيلها تعارض صدرها من ناحية مكان النحر، قلت: أولا إن القضية المسؤولة عنها لا تكون بكلية بل
قضية شخصية في واقعة، وقد سئلها الراوي بعد فرضه مورد المسؤول عنه مريضا عن صحة إرسال هديه وعدمها،
وأجاب الإمام عليه السلام بقوله: فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر.
الثاني: يمكن حمل الصدر على من أرسله هديا لأن المصدود والمحصور جايزان لهما إرسال هديهما إلى مكة لأن الأمر
في مقام توهم الحظر أي المنع.
الثالث: فإذا حملنا الصدر على عدم لزوم البعث فمقتضى الذيل الذي يقول فيها (ونحرها) لا يكون فيها بأس أصلا.
وفيها جهات من النظر أيضا، الأولى قوله عليه السلام فلما برء من وجعه اعتمر شاهد لاحصاره ومع ذلك نحر
بدنته في المكان الذي أحصره المرض فيه.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
29

الثانية: والمناقشة باحتمال أن لا يكون محرما عليه السلام واضحة الضعف لأن السقيا هي البئر التي كان النبي صلى الله
عليه وآله يستعذب مائها فيستقى له منها، واسم أرضها الفلجان لا السقيا التي يقال بينها وبين المدينة يومان.
الثالث: لا ينبغي القول بعدم مرضه عليه السلام وعن الجواهر: وما في المدارك من عدم صلاحية هذه الرواية
للمعارضة - ليس بجيد.
وملخص ما حققناه تعارض الصدر مع الذيل ولكن في الباب روايات أخرى فيها دلالة على المطلوب.
منها عن أبان، عن زرارة (1)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد، ويرجع صاحبه فيأتي
النساء، والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم
يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء، قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث.
منها صحيحة أو موثقة عن زرعة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال:
فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحله أن يبلغ الهدي محله ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج، وإن كان في عمرة
نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى.
وفي قوله عليه السلام " فليبعث بهديه " دلالة على وجوب البعث للمحصور.
منها صحيحة زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه
خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك
، ولينحر هديه، ولا شئ عليه وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل والعمرة، قلت: فإن مات وهو محرم
قبل أن ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه إن كانت حجة الاسلام، ويعتمر إنما هو شئ عليه.
منها صحيح محمد بن مسلم (4)، عن أبي جعفر عليه السلام وعن فضالة وعن ابن أبي عمير، عن رفاعة، عن أبي
عبد الله عليه السلام إنهما قالا: القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني،
قال: يبعث بهديه، قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.
وفيها يبعث بهديه (5) صريح في لزوم الارسال للمحصور ولكن لا مطلقا بل للقارن الارسال إلى مكة أو منى.
منها: عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر، قال: يبعث
بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
30

منها، عن رفاعة (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت له: رجل ساق الهدي، ثم أحصر قال:
يبعث بهديه.
ويظهر لك من مجموع هذه النصوص - مع ما في بعضها الاطلاق وفي بعض آخر خصوص القارن - لزوم بعث الهدي
للمحصور إلى مكة أو منى - ومما حققناه يظهر لك بالتأمل أيضا معارضة هذه الروايات مع ما في ذيل رواية ابن عمار (2).
نعم إن قلنا بمقالة المشهور ومنهم صاحب الجواهر رحمه الله كما هو الحق والتحقيق، فيمكن حمل ذيل صحيحة ابن
عمار (3) السابق على الضرورة فإذن للمحصور البعث إلى مكة أو منى إلا في حال الضرورة فيذبح في مكان الحصر، فلا
يصح القول لرفع التغاير والتنافي بالفرق بين السائق هديه وعدمه فالأول يبعث، والثاني عدم لزوم البعث فيذبح في مكان
الحصر، ولا يصح القول أيضا لرفع التعارض والتنافي بالفرق بين حجة الاسلام وحج المندوب، ففي الأول لزوم البعث
بخلاف الثاني فيذبح في مكان الحصر.
كما يظهر لك من رواية المفيد في المقنعة (4) قال: قال عليه السلام المحصور بالمرض، إن كان ساق هديا أقام على
إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان حجة الاسلام، فأما
حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحل مما كان أحرم منه فإن شاء حج من قابل، وإن شاء لا يجب عليه الحج، والمصدود
بالعدو ينحر هديه الذي ساقه بمكانه، ويقصر من شعر رأسه ويحل وليس عليه اجتناب النساء سواء كانت حجته فريضة
أو سنة إن قلنا إن منتهى قوله عليه السلام فيها إلى هذا والباقي من المفيد.
ولا يصح أيضا لرفع التعارض والتنافي القول بالتخيير بين البعث وعدمه مطلقا كما اختاره ابن الجنيد وذهب إليه
صاحب الحدائق والمستند وصاحب المدارك حيث إن المدارك بعد نقل قوله عليه السلام (فإن كان في حج فمحل الهدي يوم
النحر).
قال: والمسألة لا تكون إجماعيا حتى يجب للمحصور البعث، فإذا كان كذلك له الارسال وله الذبح في مكان الحصر،
ومن أجل ذلك يقول: إن البعث كان قبل إحصاره.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه أولا (إن كان مراده إن البعث كان قبل إحصاره) بمعنى بعث هديا بعد ما كان مريضا ولم
يكن محرما بعيد جدا كما أن تقديم البعث استحبابا قبل إحصاره مشكل جدا. واحتمال (أخرج) مكان (أحرم) مردود كما
يرده ما عن المجلسي في مرآة العقول: من أن كلمة (أخرج) تصحيف لا أصل لها بل الصحيح هو (أحرم) ومن الأدلة التي

1 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
2 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (6).
31

تمسك بها صاحب المدارك لاثبات قوله أيضا ما رواه الصدوق في المقنع (1) مرسلا مثله ثم قال: والمحصور والمضطر يذبحان
بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك يوم الحديبية حين رد
المشركون بدنته، وأبوا أن يبلغ المنحر فأمر بها فنحرت مكانه.
وعن الأستاذ دام بقاؤه: هل المضطر فيما نحن فيه هو الذي لا يتمكن من إرسال هديه إلى محله، أو الذي له أن يحل
قبل بلوغ هديه.
وبعبارة أخرى: تارة يصدق على المحصور الاضطرار من حيث منعه من إرسال هديه، وأخرى من جهة عدم قدرته
على بقاء إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله لأنه اشتد عليه مرضه، وثالثة يصدق عليه المضطر من كلتا الجهتين فيرجع
التعارض والتغاير بين الروايات الواردة في هذا الباب ولكن الانصاف عدم مقاومة هذه النصوص مع العمومات الواردة في
لزوم البعث إلى مكة أو منى، فيسقط ما تمسك به المدارك عن الاعتبار رأسا، نعم المتيقن منها خروج حال الاضطرار عنها
ويبقى الباقي تحت العام.
وعن الشهيد: وربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضر به التأخير، وهو في موضع المنع لجواز التعجيل مع البعث يعني
تعجيل الاحلال قبل بلوغ الهدي محله، وخالف الدروس وقال: كلام الشهيد موضع منع لأن في تأخير الاحلال ضرر، لا
في إرسال الهدي فإذن يبعث بهديه ويحل قبل وصوله إلى محله.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا إن المستفاد من النصوص الواردة في الباب توقف الاحلال على وصول الهدي إلى
محله فلا يجوز له الاحلال قبل بلوغ هديه.
فكأنما الدروس يقول: للمحصور واجبان أحدهما هو البعث، والثاني: عدم الاحلال إلى أن يبلغ الهدي محله فإذا لم
يتمكن من إيجاد أحد الواجبين وهو البقاء على الاحرام حتى يصل هديه إلى محله، لا بد وأن لا يترك الثاني وهو البعث
فإذن يبعث بهديه ولكن يحل قبل وصول هديه.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره الدروس صحيح إن قلنا بعدم تقييد الاحلال إلى بلوغ الهدي محله وأما إن قلنا
به فلا يجوز له الاحلال قبل بلوغ هديه.
وعن صاحب الجواهر: إن النصوص التي استفدنا منها - وهي مرسلة المفيد وقصة الإمام عليه السلام - بعضها ظاهر
في أن المحصور حال الاضطرار أو الضرر له أن يذبح في المكان الذي اضطر فيه ويحل، لا أنه يبعث ويحل قبل بلوغ هديه
إلى محله.
وعن الأستاذ دام ظله: يظهر من كلام صاحب الجواهر أولا: تعين الذبح للمضطر في مكان الاحصار والاحلال بعده،
ثانيا: تمسك هو لاثبات قوله - وهو تعين الذبح... - بقوله عليه السلام الذي يصرح عليه السلام فيها: المضطر له
الذبح في مكان الاحصار والاحلال بعده. ولكن بعد ذلك كله قال: اللهم إلا أن يحمل على إرادة أن المحصور قبل بلوغ

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
32

الهدي محله إذا احتاج إلى حلق رأسه لأذى به، ساغ له ذلك، وواجب عليه الفداء كما عن المنتهى، مستدلا عليه بالخبر
المزبور، وحينئذ يكون الذبح كفارة لا أنه للتحلل، فإذن يطابق قول المشهور وهو توقف الاحلال على البعث وبلوغه إلى
محله.
وعن الأستاذ حفظه الله: ظاهر النص خلاف ما اختاره المنتهى، لأن النص صريح في جواز الذبح في مكان الاضطرار
فيمن لا يتمكن من البعث. هذا كله في مكان الذبح.
وأما الكلام في زمان الهدي ففي رواية ابن عمار (1) وقصة الإمام الحسين عليه السلام يصرح فيهما زمان ذبح الهدي
يوم النحر، ولكن عن القواعد وأيام التشريق لأن أيام التشريق كلها يوم النحر، وعن صاحب الجواهر كذلك، ولا
يكون في هذا الحكم - أيام التشريق كلها يوم النحر - فرق بين الحاج والمحصور، فإن تعين زمان الهدي ومكانه في
رواية أو غيرها يأخذ ويعمل بها وإن لم يتعين فينصرف إلى ما عين.
وكيف كان قال المحقق صاحب الشرايع: فإذا بلغ قصر وأحل إلا من النساء خاصة حتى يحج من قابل إن كان واجبا
، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا هذا حكم المحصور في الحج الواجب والمندوب، وأما حكم المصدود فقد
سمعت ما ذكره المصنف سابقا حيث قال: فالمصدود إذا تلبس ثم صد تحلل من كل ما أحرم منه، هذا مما لا شك فيه ولا
ريب فيه يعتريه، وإنما الكلام في كيفية حلية النساء بعد الحصر وهل يجب عليه في القابل طواف النساء خاصة، أم إتيان
طواف الزيارة والسعي بين الصفا والمروة وما يجب إتيانه في الحج؟ فظاهر عبارة الشرايع الثاني إن كان الحج واجبا، وأما
إن كان ندبا فيأتي طواف النساء بنفسه أو يطاف عنه، هذا كله في عالم الثبوت.
وأما في عالم الاثبات فيكفي ذيل رواية محمد بن محمد المفيد في المقنعة (2) ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من
قابل، هذا إذا كان حجة الاسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه، وقد أحل مما كان أحرم منه فإن شاء فيحج من
قابل، وإن شاء فلا يجب عليه الحج.
وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده في شئ من ذلك إذ قد سمعت في صحيح معاوية بن عمار (3) المتقدم
المشتمل على الفرق بين المصدود والمحصور بذلك، وصحيحة الآخر (4) المشتمل على إحصار الحسين عليه السلام مضافا
إلى النصوص (5) المتقدمة فيمن نسي الطواف الدالة على جواز الاستنابة فيه وإن تمكن من الرجوع بنفسه كما مر الكلام فيه
مفصلا.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (1).
33

وعن الأستاذ دام عزه: وفيه إن كان قادرا على الرجوع وإتيانه بنفسه فلا يجوز أن يطاف عنه، نعم إن تعذر من
الرجوع فعليه الاستنابة فيه.
تنبيه: الأول هل يمكن إلحاق العامد والجاهل بالناسي أم لا؟ الثاني: هل يمكن استفادة عموم النيابة من النصوص
حتى يشمل العامد الذي ترك الطواف عمدا أم لا؟ وهل يجوز له النيابة بعد أن صار قادرا على إتيانه بنفسه؟
الثالث: هل يكون الفرق بين المعذور وغيره لأن المعذور يجوز له أن يطاف بخلاف غيره، فلا بد في إثبات كل واحد
من هذه الاحتمالات ونفيها من الرجوع إلى النصوص.
منها صحيحة علي بن جعفر (1) عن أخيه قال: سألته عن من نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف
يصنع؟ قال: يبعث بهديه إن كان تركه في حج بعث به في حج، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكل من
يطوف عنه ما تركه من طوافه.
وعن الأستاذ دام إقباله: والمسؤول عنه وإن كان حكم نسيان طواف الفريضة إلا أن الشيخ حمله على طواف النساء
بقرينة واقعة فيها وهي وواقع النساء ويمكن أن يكون أمر ما في أمر الإمام عليه السلام بالتوكيل للطواف للمعذور وغيره
، ولقائل أن يقول أمره عليه السلام بالتوكيل للحرج وللمشقة.
قلنا فالحرج والمشقة بمقدار المتعارف ملازم لكل تكليف كنفس الحج مثلا الذي لا يمكن منع الناس عنه بمجرد وجود
المشقة والحرج فيه.
نعم إن زاد عن المقدار المتعارف فيمكن رفع التكليف بقاعدتي اللاحرج واللاضرر وأمثالهما من رأسه.
منها عن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليه أو غيره، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن
يقضى عنه، وإن نسي الجمار فليسا بسواء إن الرمي سنة، والطواف فريضة.
وعنه حفظه الله: وهل كلمة لا يصلح معناها الكراهة أم يكون بمعنى عدم الصحة، فإن قلنا هي حكم وضعي فهو
في معنى عدم الصحة، وأما إذا استعمل في حكم تكليفي فتارة يستعمل في عدم الصحة، وأخرى في الكراهة ولا أقل
يكون استعمالها فيها بمعنى عدم الصحة: أي لا يصح له مواقعة النساء إلا بعد إتيان طوافه مباشرة، نعم إن قلنا بعدم
ظهوره في عدم الصحة والحرمة تصير النص مجملا من جهة لزوم المباشرة وعدمها.
منها عن معاوية بن عمار (3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله،
قال: يرسل فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطاف عنه وليه.

1 - الوسائل الباب - 58 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (3).
34

وعن الأستاذ دام عزه: وقال عليه السلام فيها يرسل فيطاف عنه فاكتفى عليه السلام فيها في الحل بالاستنابة في
طواف النساء خلافا لما قبلها حيث قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت.
وإن قلت إذا رجع إلى بيته فالرجوع إلى مكة ضرر قلنا بهذا العنوان لا يمكن إثبات العذر حتى يوكل غيره ليطاف
عنه.
ويمكن الجمع بينهما بأن يقال له الاستنابة أو الارسال وإن كان إتيان الطواف بنفسه أولى.
وعن الشيخ: حكمه عليه السلام فيها بالارسال في فرض عدم قدرته إلى الرجوع بمكة وإتيانه بنفسه.
منها عن معاوية بن عمار (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: لا
تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه.
وفيه للشيخ شاهد جمع بين هاتين النصين وتأييد له فيهما كما نقلناه عنه قبل أسطر.
نعم إن قلنا جملة (فإن لم يقدر يأمر من يطوف عنه) للإمام عليه السلام فظاهر في التقييد، ولكن من المعلوم هي من
الراوي أضافها للسؤال عن حكمه، فإذن الأفضل له الاتيان بنفسه، فإن لم يقدر على إتيان الأفضل فله الاستنابة فيه.
منها عن معاوية بن عمار، قال (2): قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله قال: لا
تحل له النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو
غيره.
وقال سيدنا الأستاذ دام عزه: وفي هذه الرواية مع ما قبلها موضع من البحث: الأول حكمه عليه السلام بالاكتفاء
بالاستنابة عنه في مفروض المسألة بقوله عليه السلام (يأمر من يقضي عنه إن لم يحج) والتقييد بعدم القدرة في الرواية
السابقة حيث قال (إن لم يقدر عليه يأمر من يطوف عنه) ونفى ذلك إن لم يذهب فيستنيب، وإذا ذهب اختيارا إلى مكة
يأتي به وإلا يطاف عنه.
الثاني: يفهم من (لا تحل له النساء حتى يزور البيت) و (يأمر من يقضي عنه إن لم يحج) توقف حلية النساء بأعم من
المباشرة والاستنابة.
الثالث: ظهور قوله عليه السلام في (إن لم يحج) أقوى في الاختيار من ظهور قوله عليه السلام في جواب السائل حيث
قال: (يأمر من يطوف عنه إن لم يقدر) في الاضطرار، ومما حررناه يظهر لك بالتأمل أني لم أكن بصدد إثبات كيفية
الوجوب وهل هو تخييري كخصال الكفارات أم لا؟ بعد أن كان أعم من المباشرة والاستنابة، ولأجل ذلك لا يكون فرق
فيما حررناه بين القادر وعدمه، حيث أطلق القول، وقال: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت).

1 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (6).
35

منها عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال:
يرسل فيطاف عنه، وإن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه، قال: وسمعته يقول: من اعتمر من التنعيم قطع التلبية
حين ينظر إلى المسجد.
وملخص القول في الجمع بين النصوص هو أن الناسي وإن كان قادرا على إتيان طواف النساء بنفسه والمباشرة في ذلك
ولكن مضافا على هذا، له الاستنابة والارسال، ومع ذلك لا يمكن التعدي عن هذا الحكم إلى العامد والجاهل وأمثالهما
كالمحصور، على الخصوص بعد أن كان الواجب تعبديا.
وعن صاحب المستمسك رحمه الله في دليل الناسك كلام حيث قال: وأما العامد والجاهل فيتعين الرجوع فيهما إلى
القواعد التي تقتضي وجوب المباشرة كما قيل، أو جواز الاستنابة كما هو التحقيق إلى أن يقوم الاجماع على خلاف ذلك.
وما اختاره رحمه الله ضعيف جدا بعد أن قلنا إن الطواف يكون واجبا تعبديا كالصلاة مثلا مع أن الاجماع على
خلافه، وقد ظهر لك مما قدمناه: أن التفصيل بين الحج الواجب والمندوب والحكم بإتيان طواف النساء بنفسه في الأول
وجواز الاستنابة أو الاتيان بنفسه في الثاني مشكل.
وإلى ما قلناه يرجع ما في المدارك فإنه بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيها إلى علمائنا
مؤذنا بالاجماع عليه ولم يستدل عليه بشئ، واستدل عليه جمع من المتأخرين بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه
، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء - قال: وهو مشكل جدا لاطلاق
قوله عليه السلام (2): لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة.
وتبعه المحدث البحراني حيث قال: وما اختاره القوم من التفصيل بين الحج الواجب والمندوب فلا يمكن استظهاره من
النصوص فإذن إما أن نأخذ بالاطلاق ونحكم بالتسوية بينهما ومعنى ذلك عدم حلية النساء عليه إلا أن يأتي الطواف بنفسه
واجبا كان الحج أو مندوبا، وإما أن نختار سقوط طواف النساء فيه بعد أن حملنا ما في النص هنا على الواجب فبناء على
ذلك في الحج المندوب يذبح حيث أحصر، ولا يكون عليه أن يطوف، أو يطاف عنه طواف النساء وهو الأقوى، للأصل
، ومرسل المفيد.
وقال حفظه الله: إذا كان الشك في التكليف - بعد الاحلال نشك في بقاء وجوب طواف النساء وعدمه عليه - فما
اختاره المحدث البحراني وهو تمسكه بالأصل الذي هي البراءة حق إن لم نقل بشمول الاطلاق لكلا قسمي الحج وكذا
الأخبار إلا أن المفيد قد تعرض لحكم حج التطوع، فإذن مقتضى القاعدة عند الشك في التكليف البراءة كما اختاره
المحدث البحراني، إلا من ناحية حلية النساء لابقاء حرمتهن عليه إذ لا يمكن الاتكال على البراءة حينئذ، لأن
الاستصحاب حاكم عليها، ولذلك يستصحب بقاء حرمتهن عليه كما كانت قبل الاحلال، نعم إن قلنا بالاجماع فالتفصيل

1 - الوسائل - الباب - 58 - من أبواب الطواف، ح (11).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
36

صحيح، إلا أنه أولا دون إثباته خرط القتاد، ثانيا لم يقل به أحد غير العلامة في المنتهى. ثالثا تصريح الشرايع هنا يدل
على أن الأصحاب لا اتفاق بينهم في ذلك، فإذن الحق ما عليه المشهور، وهو جواز الاستنابة فيه كما عن الجواهر ذلك
أيضا، ولكن فيه إشكال من جهة أخرى وهو عدم وجود طواف النساء في الاطلاق ولا في النصوص بل يأمر فيها تارة في
جواب السائل عليه الحج في القابل، وأخرى يأمر فيها بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، ولذلك إتيان طواف
النساء من دون أن يضم إليه السعي بين الصفا والمروة مشكل، إلا أن يأتي في ضمن المناسك كلها، وعليه إن أحصر وبقي
في مكة حتى تمضي أيام الحج لا يجوز له إتيان طواف النساء من دون أن يحج في القابل، بل لا بد من إتيانه في ضمن
المناسك كلها إلا أن يقوم الاجماع على كفاية ذلك وحده، وإلى ما اخترناه يرجع ما عن الجواهر ردا على المحدث البحراني
حيث قال: ولكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالاطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، والمرسل بعد تسليم
ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، ولقد أجاد دام عزه في بيان ما عن الجواهر وقال: قوله
عليه السلام (لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة) عام ومعنى ذلك أن الناسي عن الطواف لا يحل له
النساء حتى يقضي المناسك كلها واجبا كان الحج أم مندوبا، ومرسل المفيد خاص حيث قال (تحل له النساء في الحج
المندوب) فينحصر الطواف في الحج الواجب دون المندوب، ولذا ما اختاره المحدث البحراني - من حمل النص هنا على
الواجب يجري في ما فعله الإمام الحسين عليه السلام أيضا وعليه يسقط حمل الاطلاقات على الحج المندوب لأنها تنصرف
عنه.
وعن العلامة فيما يحكى عنه إلحاق الواجب غير المستقر هنا بالمندوب في النيابة بل والواجب المستقر مع عجزه عنه في
القابل.
وعن الأستاذ دام عزه: إن قلنا بالاستنابة وما يحكى عنه صحيح، ولكن ظهر لك ما قدمناه من عدم جواز الاستنابة
إلا في صورة النسيان إن لم يقدر على إتيانه وإلا فيأتي بنفسه أيضا، هذا ولكن عن صاحب الجواهر إشكال حيث قال:
كل ذلك مع ضعف دلالة الصحيح المزبور على ذلك، لكونه في مقام بيان الفرق بين المصدود والمحصور، لا لبيان إجزاء
الاستنابة وعدمها كما هو واضح.
وفيه، والصحيح وإن كان مهملا من جهة بيان إجزاء الاستنابة وعدمها، ولكن صريح من ناحية أخرى وهو حاكم
وذاك محكوم، ولم يقل أحد بالتعارض بينهما بل وظيفة الدليل الحاكم السعة في الموضوع، فعليه إن أمرنا بالتكليف وإيجاده
في الخارج فهو أعم من المباشرة والاستنابة.
إن قيل وما اختاره بعض العلماء من جواز النيابة فيه وفي الواجب أعم من أن يكون قادرا عليه أم لم يكن قادرا
خلاف ما قلت - نعم لو كان قادرا على الاتيان به والفرض استقرار وجوبه لا استمراره لم يتحلل إلا بالاتيان بالنسك،
فلا يجديه الطواف فضلا عن الاستنابة فيه كما هو ظاهر الشرايع والمنتهى والمقنع والارشاد للأصل وما سمعته من قول
37

الصادق عليه السلام (1) (لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة) الظاهر في الاتيان بالنسك كقوله
عليه السلام في مرسل المفيد (2) (ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك) -.
قلنا وإطلاق العبارة المزبورة وإن اقتضى جواز الاستنابة في الواجب مع القدرة إلا أنه يمكن دعوى الاجماع على خلافه
، مضافا إلى الأصل والصحيح (3) وغيره مع احتمال إرادتهم بالاطلاق المزبور أي - يطوف أو يطاف عنه - (يحج أو يحج
عنه) التفريع والتخيير كتخيير المسافر في الكوفة بين القصر والاتمام لا الاجزاء مطلقا وعلى كل حال، وما نص عليه
الاتيان بنفسه في ضمن النسك إن استقر وجوب الحج عليه، لأن الطواف وحده لا يجديه فضلا عن الاستنابة.
وإن قيل: مقتضى ما نقلت عن الفقيه والتحرير لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهن في قابل أو يطاف عنه وغيره
الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب والمندوب.
قلنا: نعم إلا أنه مخالف للاجماع، ومما ذكرنا يظهر لك ما اختاره صاحب الجواهر، وهو اختصاص الواجب حينئذ
بتوقف الاحلال منه على فعل النسك مع القدرة، ومع العجز أو الندب أو عدم استقرار الوجوب يكفي الحج عنه، ومنه
يعلم ما في احتمال مدافعة الاطلاق المزبور بما سمعته من الاجماع المنتهي على الفرق بين الواجب والمندوب، ومن هنا قال
بعض الناس: يتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح المقتضي، لعدم الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب
والمندوب، لكنه كما ترى، ضرورة إمكان كونه بعد التسليم خرقا للاجماع المركب، إذ الأصحاب بين مفصل بينه وبين
الواجب بما عرفت، وبين مطلق بجوازها فيه وفي الواجب، وبين قائل بالتحلل بالندب من غير توقف على شئ كما عن
المراسم وظاهر المفيد أو محتمله، للمرسل الذي عرفته، لعدم وجود القائل في الاجماع المركب، وهو الاتيان في المندوب
بنفسه.
وعن الأستاذ دام ظله: إن قلنا به فالقول بمساواة المندوب للواجب غير متين، بل يطاف عنه طواف النساء إن كان
الحج تطوعا ويحج في القابل إن كان واجبا، وإن لم نقل فالحكم ما عن المدارك وهو عدم الفرق في الواجب والمندوب
والمستقر وغيره في الاتيان بنفسه.
وعن صاحب الجواهر: ضرورة عدم المستند أي عدم معلومية مستند صحة النائب في الواجب والمندوب، وعدم
معلومية ما قاله المفيد، وهو عدم لزوم الطواف في المندوب لأنه من المرسلات فلا مناص حينئذ عن القول المشهور، وهو
جواز الاستنابة في المندوب دون الواجب، بل يقوى إلحاق المستأجر والمتبرع عن الغير بذلك.
فرع: ولو أحصر في عمرة التمتع فهل يتوقف حل النساء له على فعل المناسك كأقسام الحج والعمرة المفردة؟ أم تحلل

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (62).
3 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
38

المحصور بعد التقصير؟ فإن قلنا مقتضى إطلاق قوله عليه السلام (1) لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا
والمروة منصرف إلى ما لا يمكن الاحلال منه إلا بعد إتيان طواف النساء فالظاهر أن المحرم بإحرام التمتع حل له النساء،
إذ حلية النساء فيها بالتقصير ولا يحتاج إلى الاحلال بإتيان طواف النساء، وإن قلنا بشموله لها فالظاهر لا يحللن له إلا
بعد طواف النساء.
وفي الدروس: ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ لا طواف لأجل النساء فيها، واستحسنه بعض
من تأخر عنه، بل استدل له بصحيح البزنطي (2) سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه أي شئ يكون
حاله وأي شئ عليه؟ قال: هو حلال من كل شئ، فقال من النساء والثياب والطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على
المحرم.
وعن صاحب الجواهر: لكن فيه أنه مطلق شامل للعمرة المفردة والحج بأقسامه ولا قائل به حينئذ، وإخراج ما عدا
العمرة المتمتع بها بالاجماع وإن أمكن جمعا بين الصحيح والاجماع إلا أنه غير منحصر في ذلك.
وفيه: توضيح الجمع وهو بحمل الأول على من لا يحللن له النساء إلا بعد إتيان طوافه. والثاني على من لا يحتاج إليه
وهو المحرم بإحرام التمتع إلا أن الشاهد لهذا الجمع يكون في الخارج ولا ارتباط به بسياق الدليل كمثل الجمع بين ثمن
العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة بحمل الأول على ما لا يؤكل لحمه، والثاني على ما يؤكل لحمه، إلا أنه غير
منحصر في ذلك، إذ من المحتمل حمله على التقية، فإن من العامة من يرى الاحلال حتى من النساء مطلقا، ومنهم من لا
يرى الاحلال إلا أن يأتي بالأفعال، فإن فاته الحج تحلل بالعمرة، خصوصا مع كون زمان الإمام عليه السلام المروي عنه
في شدة التقية، أو إذا استناب وطيف عنه كما ذكره صاحب الوسائل، إذ ليس فيما وصل إلينا من النصوص تعرض لذكر
طواف النساء، ولكن لا يخفى عليك: السياق اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الذي يتوقف حلهن عليه،
أما إذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء وغيرهن متحد، وهو الاتيان بالنسك، أو ما جعله الشارع محللا في الحصر
، وهو الهدي، ولعل هذا أقوى، وإن كان الأحوط الاتيان به مباشرة أو الاستنابة في الحال الذي تجوز فيه، كما عرفت،
والله العالم.
قال المحقق صاحب الشرايع: ولو بان أن هديه لم يذبح قلنا أن المحصور لو أحصر وبعث بهديه أو أرسل دراهم
لشراء الهدي يجوز له الاحلال من كل شئ إلا النساء حتى يأتي طوافه أو الحج في القابل، وإن بان أن هديه لم يذبح أو
ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه فقد أحل ولم يبطل تحلله وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك - أي عدم الابطال والحج في القابل - كما اعترف به غير واحد بل ولا إشكال، لأن تحلله قد كان بإذن من

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
39

الشارع، ولقول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (1) قال: المصدود يذبح حيث صد، ويرجع صاحبه فيأتي النساء،
والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي محله أحل هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم
يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء، قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث.
وقد ظهر لك منها حلية كل شئ حتى النساء إلا إذا بعث فعليه الامساك بعد البعث.
ولقول الصادق عليه السلام في رواية ابن عمار (2) عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد أصحابه ميعادا، فإن
كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، فلا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه،
وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها: فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل...
ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا.
وقد صرح الإمام عليه السلام في الرواية الأولى بالامساك عن النساء دون الثانية، وعدم تصريحه عليه السلام بوقت
الامساك في الثانية دون الأولى حيث قال فيها فعليه الامساك بعد البعث.
ولموثقة زرعة (3) قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحله أن يبلغ
الهدي محله، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج، وإن كان في عمرة نحر بمكة، فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا
كان ذلك اليوم فقد وفى، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى. الظاهر أن الاحلال وقع منه صحيحا وإن
تخلف الميعاد، ولا ريب في صحة الاحلال لاتفاقهم، إنما الاختلاف في أن الامساك عن كل شئ أو من النساء خاصة وعلى
كل تقدير هو واجب أو مندوب.
وعن المشهور وجوب الامساك عليه إلى يوم الوعد، كما هو مقتضى الخبرين، كما اعترف به ثاني الشهيدين وغيره
هذا في أصل الامساك، وأما في وقت الامساك اختلاف أيضا ولذا ذهب بعض في كون الامساك عن النساء من حين
الانكشاف، وآخرون في كون الامساك عنه حين البعث، وثالثة حين رفع الاحرام الذي بعث هديه معه.
تذنيب: إن النصوص الواردة عن طريقهم عليهم السلام تكون هكذا: (لو أحصر يبعث بهديه فيعدهم يوما) وعلى
هذا عنوان المواعدة طريقي أم موضوعي؟.
إن قلنا بموضوعيتها فيرجع البحث إلى أن الإمام عليه السلام نزل المواعدة منزلة البلوغ، بمعنى أن للتحلل سببين وهما
بلوغ الهدي محله لقوله تعالى: (4) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله والمواعدة.
وإن قلنا بطريقيتها فالنسبة بين الآية والرواية كنسبته بين الأمارة والأصل، فكما في فقد الأمارة يأخذ بالأصل فكذلك

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
4 - البقرة: 192.
40

في البحث، ففي فقد البلوغ يأخذ بالمواعدة، فتظهر الثمرة إن قلنا بطريقية المواعدة فعليه الامساك عنهن من حين
الانكشاف كما ذهب إليه بعض، وإن قلنا بموضوعيتها فعليه الامساك عن النساء حين البعث فلو بعث بعد مدة لم يجب
عليه الامساك قبل البعث ولو بعد الانكشاف.
والظاهر عند الأستاذ أدام الله ظله عنوان المواعدة موضوعي فلا يجب عليه الامساك، كما هو خيرة المصنف في النافع،
والفاضل في المختلف، والمقداد والحلي على ما حكي عنهم، بل هو ظاهر المتن وغيره للأصل.
ومراده من الأصل هو استصحاب عدم وجوب الامساك عنهن بعد الانكشاف إن شك في بقاء الوجوب وعدمه، هذا
إن قلنا أن ما يستفاد من النصوص السابقة أو الاجماع هو موضوعية المواعدة، وأما إن قلنا بطريقيتها ولم يمكن استفادة
غيرها منها فكان الأمر بالعكس، بمعنى أنه كان قبل هذا محرما وعند الشك في بقائه عليه وعدمه يستصحب.
وهل وجوب الامساك وعدمه بعد الانكشاف منوط بالجميع أو عنهن فقط؟ واختار بعض الأجلة الامساك عليه عن
الجميع، ويمكن استفادة غيره من النص لأن في إحداهما صرح عليه السلام بالامساك عنهن فقط حيث قال وليمسك الآن
عن النساء إذا بعث وفي أخريهما قال: وليمسك أيضا فيحمل إحديهما على الأخرى فيحكم بوجوب الامساك عليهم
عنهن فقط.
بحث روائي: وما اختاره صاحب الرياض والحدائق وصاحب المستند والجواهر في قول وهو ذهابهم إلى أن ما نقلها
زرارة موثقة لوجود حسن بن محمد بن سماعة (1) وأحمد بن الحسن الميثمي فيها بدليل أنهما من الواقفيين في عبد الله
بن أفطح غير صحيح.
لأن النجاشي اعترف في كتابه بوثاقته حيث قال: إن أحمد بن الحسن الميثمي فقيه ثقة كثير الحديث، وعن العلامة
بعين ما نقله النجاشي، وعن الشيخ إنه صحيح الحديث، وعن المجلسي في مرآة العقول إنه ثقة.
ومع اعتراف هؤلاء الأعاظم في توثيقه لا يبقى للمتأمل شك في وثاقته.
بقي الكلام في شئ: وهو أن ظاهر الموثق المزبور حلية النساء للمحصور ببلوغ الهدي محله، وقد عرفت عدم حلهن إلا
بإتيان الطواف بنفسه أو يطاف عنه على الوجه الذي تقدم، ومن هنا قال الكاشاني: لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن
بعد الطواف والسعي بعث هديا وأرسل ليطاف عنه.
وعن الجواهر: وفيه أنه خلاف صريح الخبر كما اعترف في الحدائق، لكن قال: اللهم إلا أن يحمل إتيانه النساء على
الخطأ والجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في ساير محرمات الاحرام، ويكون قوله عليه السلام ليس عليه شئ يعني
من حيث الجهل، فإنه معذور كما في غير موضع من أحكام الحج، وأنه بعد العلم بذلك فليمسك الآن عن النساء إذا بعث
، وفيه بعد الاغضاء عما في دعواه من معذورية الجاهل مطلقا في الحج من غير فرق بين الكفارة وغيرها إنه أيضا خلاف
ظاهره، ولعل الأولى حمله على عمرة التمتع التي قد عرفت أن الأقوى عدم احتياج حل النساء فيها إلى الطواف، كما
سمعت الكلام فيه مفصلا والله العالم.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
41

قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو بعث هديا ثم زال العارض) قبل التحلل (لحق بأصحابه).
وعن الأستاذ وما أفاده صاحب الجواهر - قبل التحلل - صحيح لأن بعد التحليل لا يصح إطلاق القول باللحوق
عليه، بل لا بد وأن يرجع إلى الميقات ولبس الاحرام منها وإتيان الحج ثانيا مع التمكن إن كان الحج واجبا، لأن المحصور
إذا أحل ثم زال العارض عنه قبل فوت الوقت كأنه في حكم من وجب عليه الحج ابتداء وعليه الاحرام من مكانه، وأما
إذا كان الحج مندوبا فعليه الخيار بين الاتيان وعدمه، هذا فيما إذا كان شرط صحة اللحوق قبل التحلل، وأما إن قلنا
بصحة اللحوق مطلقا - قبل التحلل وبعده - بتقريب أن المتيقن من أدلة المحصور هو بقاؤه في الحصر إلى أن يفوت عنه
الحج، وأما إذا أحصر مدة ثم زال العذر والحال أن الوقت باقية، ولو مدة أمكن فيها إدراك أحد الموقفين فلا يصدق عليه
أنه محصور، فبناء على ذلك ولو أحل فكأنما لم يحل لأن الحل وقع منه في غير محل فحكمه حكم السلام قبل الوقت في
الصلاة فكما أن السلام في غير المحل لا يخرج المصلي عن حال الصلاة، فكذلك هذا الاحلال الواقع منه في غير محله، لا
يخرج المحرم عن الاحرام.
قال المحقق صاحب الشرايع: فإن أدرك أحد الموقفين في وقته، فقد أدرك الحج، وإلا تحلل بعمرة وعليه في القابل
قضاء الواجب ويستحب قضاء الندب ضرورة شمول قوله تعالى: وأتموا الحج... (1) لهذا الفرض، مضافا إلى صحيح
زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام إذا أحصر بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خيفة فليمض إن ظن أنه يدرك
الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه، ولا شئ عليه،
وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال:
يحج عنه إذا كان حجة الاسلام ويعتمر إنما هو شئ عليه.
وقوله عليه السلام أو العمرة يعني إن كان إحرامه للحج فعليه الحج في القابل، وإن كان عمرة فعليه العمرة في القابل
، نعم بناء على ما عن بعض النسخ من العطف بالواو لا (أو) يتجه إرادة عمرة التحلل والحج في القابل.
إن قلت: لم لا يكون ذكر لعمرة التحلل فيها قلت: يقتضي التحلل بلوغ الهدي محله، ويمكن أن يقال توقف
التحليل بالنية كما عن الجواهر ذلك، حيث قال: ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من أنه لا عموم يقتضي التحليل
(التحلل خ ل) ببلوغ الهدي على وجه يشمل الفرض ونحوه فالأصل بقاؤه على الاحرام حتى يأتي بالعمرة، فيبقى حينئذ
عموم حكم من فاته الحج، وهو التحلل بالعمرة بحاله.
وأما قول الماتن (وإلا تحلل بعمرة) بمعنى أنه إن لم يدرك أحد الموقفين تحلل بعمرة - يكون مطلقا - بمعنى عدم المانع
منه قبل الذبح وبعده.
وهل وجوب التحلل بعمرة يكون منوطا بقبله أو بعده أم يكفي للتحلل النية؟ اختار بعض وجوب التحلل بعمرة لعدم

1 - البقرة: 192
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
42

صدق المحصور على ما زال عذره قبل أن يفوت عنه الحج، لأن النصوص لا تكون أعم من أن يزول عذره قبل فوت
الحج أو بعده، بل تكون أخص لشمولها على من يبقى في الاحصار إلى أن يفوت الحج عنه، وآخرون إلى كفاية بلوغ
الهدي للتحلل.
وتلخص مما ذكرناه أنه لا يمكن إثبات لزوم التحلل بعمرة، ولو ذهب بعض إليه، ومنهم صاحب الجواهر، حيث قال
: فالأحوط والأقوى وجوب المضي إلى مكة للتحلل بعمرة.
ولو فات الحج عنه بعد البعث وزوال العذر لعدم قدرته على استمرار الطريق، وقلنا شرط الحصر هو بقاؤه إلى أن
يفوت عنه درك أحد الموقفين أو كلاهما، وهل هو يدخل في حكم المحصور، أم هو يدخل في عموم حكم من فاته الحج.
إن قلنا بالأول فيكفيه للتحلل بلوغ الهدي محله، وإن قلنا بالثاني فعليه في القابل قضاء الحج إن كان واجبا.
وقد اختلف الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم لوجود العلم الاجمالي في البين وهو تردد التكليف بين دخوله في
المحصور أو في من فاته الحج، ولأجل ذلك أفتى بالاحتياط بعض وقال: عليه الحج في القابل إن كان مستطيعا هذا كله في
الحاج.
قال المحقق صاحب الشرايع: والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر كقضية الإمام الحسين عليه السلام
حيث أحصر وتحلل، فعليه القضاء في القابل إن كان واجبا، ووجوبها تكون تارة بسبب حجة الاسلام ولكن ليس لها
ارتباط بالحج أصلا، وأخرى بنذر أو عهد، أو غيرهما وإلا فندبا.
وقيل في الشهر الداخل، هذا - أي وجوب القضاء في القابل إن كان واجبا وإلا فندبا كالحج مما لا ريب فيه ولا
إشكال يعتريه - إنما الكلام في اعتبار مضي الزمانين بين الاحرامين كالعمرتين وعدمه، وذهب بعض الأصحاب إلى مضي
الشهر بين العمرتين بناء على اشتراط فصل شهر بين العمرتين، وعن بعض آخر فصل عشرة أيام، وعن بعض ثالث
فصل ثلاثة أيام، وعن المسالك: يأتي به عند زوال العذر من غير تربص زمان بناء على التوالي بين العمرتين، فإذن في
الناقص عدم توقفه على الفصل أولى.
ويمكن البناء على الخلاف في المتن في وجوب الفصل كما عن الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وبنو حمزة والبراج
وإدريس، وعدمه بل في المدارك: ظاهر الأصحاب أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين
عمرتين، قال في الدروس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا، فيبني على الخلاف.
قال في المدارك: وفيما قاله الأصحاب من أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة مناقشة إذ لا يمكن إرجاع هذه إلى
تلك، لعدم صدق اسم العمرة على الناقص وعلى هذا لا يجب عليه الفصل بين العمرتين.
اللهم إلا أن يقال وجوب الفصل هنا بين الاحرامين، لأنه أحصر بعد إحرامه بعمرة مفردة ولم يقدر على إتمامها وعليه
إتيانها في الشهر الآتي.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه وجوب الفصل بين العمرتين لا بين الاحرامين حيث إنه مقتضى الأخبار وظاهر الشرايع
هنا وفي النافع كما عن الجواهر القضاء عند زوال العذر مع اشتراطه فيه مضي الشهر بين العمرتين.
43

نعم يمكن أن يقال أن المتيقن من الأخبار وجوب الفصل بين الاحرامين الكاملين لا الناقصين فيرجع الخلاف إلى
وجوب الفصل بين الاحرامين كالعمرتين وعدمه خلافا لما زعمه المدارك.
قال المحقق صاحب الشرايع: (والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا وقيل: يأتي بما كان واجبا وإن كان
ندبا حج بما شاء من أنواعه وإن كان الاتيان بمثل ما خرج منه أفضل).
وعن العلامة التفصيل بين الواجب والمندوب، ففي الأول هو الحكم بوجوب المماثلة عليه في القابل، خلافا للمندوب
يحرم بما شاء في المستقبل.
والبحث فيه من جهتين: مرة على ما اقتضاه القواعد، وأخرى ما يمكن استظهاره من النصوص الواردة في الباب.
أما الأول: إن المحصور إن كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا يبعث بهديه وأحل فعليه القضاء في القابل إن كان
الحج واجبا معينا، وإلا فندبا: وإن كان مخيرا بينه وبين غيره كأهل مكة فهو الآن مخير أيضا.
وقال المصنف في المتن: القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، والواجب تعيينيا أم تخييريا.
وعن المسالك والمدارك: أنه مشهور، وعن صاحب الجواهر: بل الأكثر، بل المشهور لصحيحي محمد بن مسلم (1)
عن أبي جعفر عليه السلام وعن فضالة، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: القارن
يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني، قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في قابل، قال: لا (لكن يدخل بمثل
ما خرج منه).
وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى إطلاق قول الراوي وهو (القارن يحصر) و (رجل ساق الهدي) وترك استفصال
الإمام عليه السلام شمول الأقسام المتصورة في المسألة، بمعنى أن القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم
مندوبا والواجب تعيينيا أم تخييريا.
وما في كشف اللثام - من احتمال أن فرضه قران - لا قرينة عليه فيها، بل عليه إتمامه بمثل ما خرج منه.
ويمكن حمل النصوص المزبورة على الندب لعدم وجوب الدخول عليه بمثل ما خرج منه عدا واجب التعييني هذا إن
قلنا بعدم اقتضاء قوله عليه السلام (يدخل) على الوجوب كما عن المستند، وأما إن قلنا بظهوره، في الوجوب آكد في
البعث من الصيغة كما عن البعض، فالمتجه حملها على الندب والواجب التخييري أيضا، لعدم وجوب القضاء عليه فيهما
في القابل، نعم يمكن أن يقال لا يجب عليه القضاء، ولكن إن قضى فليقضه مماثلة: كالصلاة النافلة التي لا يجب على
المكلف إتيانها ولكن إذا أراد إتيانها فعليه إتيانها مع الطهارة كالفريضة، وحينئذ لا يمكن رفع اليد عن إطلاق النصوص،
وحملها على الفرد الخاص، أو على إرادة الندب والواجب التخييري منها، بل المتيقن ما عليه المشهور ومنهم المصنف.
هذا أولا، وأما ثانيا حملها على الندب مخالف لما قاله الإمام عليه السلام في جواب السائل (لا) بمعنى أنه لا يجوز
الدخول خلاف ما خرج منه، نعم إن كان فرضه التمتع وقرن للضرورة ثم أحصر أو صد لا يمكن الحكم عليه بوجوب
القضاء في القابل قارنا لانصراف النصوص عنه، فيبقى على مقتضى الأصول.

1 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
44

وعن صاحب الجواهر: مقتضى الاحتياط هو الدخول بمثل ما خرج منه، وعن سيدنا الأستاذ حفظه الله: مقتضى
الاحتياط هو الاتيان بالتمتع والأقوى هو التمتع والقران، وإن شك في بقاء وجوب القران بعد رفع الحصر يمكن استصحاب
عدم وجوبه عليه، فيأتي في القابل تمتعا.
ولكن عن ابن إدريس: حيث إنه لا يعمل بالأخبار الآحاد أنكر - على ما قاله الشيخ في النهاية وهو الحكم بالدخول
بمثل ما خرج منه - قال: وبما شاء يحرم في المستقبل لأنه مقتضى القاعدة.
وعن الأستاذ حفظه الله: بل القاعدة تقتضي خلاف ذلك وهو الدخول في القابل تعيينيا إن كان ما خرج منه واجبا
تعيينيا، ومندوبا إن كان ندبا، ومخيرا إن كان تخييريا، نعم يمكن أن يقال إن لم يكن له واجب بما شاء يحرم في المستقبل
وإلا فعليه وجوب الدخول بمثل ما خرج منه وإلى ذلك يمكن حمل إشكاله على الشيخ.
ثم إن مفروض المسألة يكون خصوص من حج قارنا وهل يمكن إظهار إرادة العموم من جواب الإمام عليه السلام
بقوله (لا) أم لا؟ مقتضى الجواب إتيان قاعدة كلية وهي وجوب المماثلة منها، وإن كان المورد القران، وحينئذ إن دخل
قارنا ثم أحصر ثم تحلل يقضي قارنا وهكذا في التمتع والافراد.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ثم يجتنب ما يجتنبه
المحرم فإذا كان وقت المواعدة أحل لكن هذا لا يلبي) وقد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في باعث الهدي تطوعا
الذي يواعد أصحابه يوما لتقليد ما أرسله أو أشعر ليحرم حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل في اليوم الذي وعدهم يوما،
هل هو مشروع أم لا؟ وعلى فرض تشريعه يكون واجبا أم مندوبا؟.
وعن الأستاذ حفظه الله: الاتفاق على أنه مندوب، وإذا أحرم فهل عليه الاجتناب عما يجتنبه المحرم كالمحرم في
الميقات أم لا يكون واجبا بل الاجتناب مكروها وإذا ارتكب محرمات الاحرام فهل عليه الكفارة أم لا؟ وعلى فرضها
هل تكون واجبة أم مندوبة؟ وعن الشيخ في النهاية ما ملخصه: قال يبعث بهديه ويواعد يوما للتقليد ويجتنب عما
يجتنب المحرم والحكم بوجوب الكفارة عليه كمثل المحرم في الميقات إلا أن هذا لا يلبي.
ورد ابن إدريس لها قائلا (إنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج إليها، وهذه أمور شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها
إلى أدلة شرعية، ولا دلالة من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في
تصانيفهم، وإنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية إيرادا لا اعتقادا لأن الكتاب المذكور كتاب
خبر ولا كتاب بحث ونظر، كثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية.
ورده في المختلف بأن هذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل ذلك شاذا من
غير دليل، وهل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك الأحكام الشرعية، وتبعه على ذلك غير واحد كالشهيدين
والصدوق في الفقيه، فظهر مما ذكرنا ثبوت مشروعية بعث الهدي تطوعا والمواعدة مع أصحابه وقتا لذبحه أو نحره والتهيأ
للدعاء يوم عرفة، وأما حكم الاجتناب عما يجتنبه المحرم، والمواعدة للتقليد فيمكن استظهارهما من النصوص الواردة.
45

عن أبي الصباح الكناني (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهدي مع قوم وواعدهم يوما يقلدون
فيه هديهم وينحرون فيه فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله، فقلت:
أرأيت إن اختلفوا في ميعادهم وأبطأوا في السير، عليه جناح في اليوم الذي واعدهم؟ قال: لا يحل في اليوم الذي
واعدهم.
منها عن أبان عن سلمة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام إن عليا عليه السلام كان يبعث بهديه ثم يمسك عما يمسك عنه
المحرم غير أنه لا يلبي ويواعدهم يوم ينحر بدنة، فيحل.
منها عن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ابن عباس وعليا عليه السلام كانا يعبثان هديهما
من المدينة ثم ينحران، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان
يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو
معتمرا.
ومنها عن الحلبي (4) في الصحيح أيضا (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم فساق وواعدهم
يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون قال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله:
قلت: أرأيت إن اختلفوا في الميعاد وأبطأوا في المسير، عليه وهو يحتاج إلى أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه قال: ليس
عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه).
ومنها عن معاوية بن عمار (5) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال: يواعد
أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب عما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر فإذا كان يوم
النحر أجزأ عنه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى
المدينة.
وعن سيدنا الأستاذ حفظه الله استدلال الإمام عليه السلام بما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية يدل
على كفاية الذبح للاحلال وعدم توقفه على شئ بعده ويظهر من ذلك كله لزوم المواعدة للاشعار كما يكون ذلك للنحر
خلافا للماتن وصاحب الجواهر لأن العرف يحكم بهما.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو أتى بما يحرم على المحرم كفر استحبابا) وتبعه الفاضل وغيره في ذلك، ولكن عن
ظاهر الشيخ وجوب التكفير لو فعل ما يحرم على المحرم وعن صاحب الجواهر: بل هو المنساق من التصريح بوجوب
اجتناب ما يحرم على المحرم فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار كفارات الاحرام.

1 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (1).
2 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (2).
3 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
4 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (4).
5 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
46

وعن صاحب المدارك: الحكم بوجوب الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم، وعن صاحب المسالك: الحكم بالكراهة
الشديدة، وعن سيدنا الأستاذ حفظه الله: الباعث بالهدي تطوعا كالمحرم في الميقات.
نعم ينبغي اختصاص مورد المسألة ببعث الهدي نفسه لا ثمنه خلافا لما أورده الشهيد في المسالك على صاحب الشرايع
حين نقل عبارته حيث قال وفيه أمور: الأول ما ملخصه: إرسال الهدي تطوعا عبادة ولا يمكن انحصارها ببعث الهدي
نفسه بل أعم من الهدي نفسه ومن ثمنه فلا يكون بينهما في الارسال من هذه الجهة فرق، للمرسل (1) في الفقيه عن الصادق
عليه السلام (ما يمنع أحدكم من أن يحج كل سنة؟ فقيل له: لا تبلغ ذلك أموالنا فقال: أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه
أن يبعث معه بثمن أضحية ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ وأتى
المسجد ولا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس.
وفيه إن الظاهر كون ذلك صورة أخرى غير الصورة السابقة لعدم ذكر المواعدة فيه ولا إشعار الهدي ولا الاجتناب عما
يجتنبه المحرم فإذن يكون مختلف فيها في تلك الهدي وفي هذا الثمن، وإحداهما غير الأخرى ومن هنا جعله غير واحد
كيفية أخرى، وأما الثياب المأمور بها فيمكن أن يكون غير الاحرام، ولأجل ذلك حكموا أصحابنا بإرساله: نعم لا بأس
به بعد التسامح في أدلة السنن.
ثم إن النصوص الواردة في الباب ولو كانت مختلفا فيها من جهة الارسال ففي بعضها لفظ الهدي وفي أخرى الثمن وفي
ثالثها لفظ البدن، ولكن مقتضى نصوص الهدي في الحج يقتضي التخيير بين النعم الثلاثة وإن كان البدن أفضل.
وأما مكان الاشعار أو التقليد: فالموجود في الروايات هو (وواعدهم يوما) وأمثاله فهو مشعر بالاطلاق - قبل الميقات
أو بعدها وقت الاحرام أو قبله - ولأجل ذلك في المسالك قال: لا فرق في يوم المواعدة بإشعاره أو تقليده بين كونه وقت
إحرامهم وغيره لاطلاق النص.
وعن الأستاذ حفظه الله: والمنساق من المواعدة في النصوص هو تعين الميقات التي يحرمون الناس منها ويشعرون
ويقلدون، نعم إن قلنا بعدم اشتراط إشعار سوق الهدي للحج بالميقات ففي سوق الهدي تطوعا كذلك وإلا فلا يصح
الاشعار قبل الميقات ولا يصح أيضا تلبسهم بالاحرام قبلهم إلا أن يبعث بثمن أضحية فحينئذ لا بأس بالذبح عنه حيث
وجد الهدي واشترى لعدم مواعدته معهم وعدم لزوم الاشعار أو التقليد.
ولكن عن الشهيد (لو افتقر على المواعدة بالذبح من غير إشعار وتقليد وفي تأدية الوظيفة به وجه، لعدم ذكره في
الخبر السابق وإن ذكر في غيره من الأخبار وعبارة الماتن هنا تدل عليه فإنه اقتصر على ذكر المواعدة للذبح).
وعن الأستاذ حفظه الله: الاكتفاء بالذبح فقط دون الاشعار أو التقليد للاحرام مشكل وبناء على ذلك كما عن الجواهر
إن باعث الهدي تطوعا يواعد يوما للاشعار أو التقليد ويواعدهم يوما ينحرون فيه، ويجتنب عما يجتنبه المحرم خلافا لما
يبعث بثمن أضحية، الذي لا يكون عليه شئ إلا أن يلبس ثيابه يوم عرفة وتهيأ وأتى المسجد ولا يزال في الدعاء حتى
تغرب الشمس.

1 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (6).
47

ثم إن الشهيد حكم بلزوم النية في تروك الاحرام لأنها عبادة ولكن التحقيق تركها إلا بالقصد.
وهل صرف الداعي يكفي فيها أم لا بد وأن يخطر بالبال؟ ما اختاره الشهيد هو الثاني وعن الأستاذ حفظه الله صرف
الداعي يكفي في تحقق القصد، ولو غض بعد.
وعن المسالك: من احتمال الاجتزاء باجتناب تروك الاحرام من غير أن يلبس ثوبيه، لأن ذلك هو مدلول النصوص،
وتظهر الفائدة فيما لو اقتصر على ستر العورة أو جلس في بيته عاريا ونحو ذلك، وأما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها
وكذلك كشف الرأس ونحوه.
وعن صاحب الجواهر: لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد ملاحظة الانسياق في النصوص والفتاوى، بل الظاهر
اعتبار النية في هذه العبادة وإن كانت النية هي الداعي عندنا.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يمكن استظهار وجوب ثوبي الاحرام من رواية هارون ابن خارجة وغيرها كما نقل عن
الشهيد ذلك.
نعم يمكن استظهاره بطريق آخر وهو من جملة (يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه) الذي يدل على وجوب
ثوبي الاحرام لباعث الهدي تطوعا بالملازمة، ولأجل ذلك قال بعض: نهى الراوي أبا مراد عن لبس المخيط ولو لمكان
أبي جعفر فبعثه إلى الإمام عليه السلام ليسأل عنه حكمه، وحكم عليه السلام بوجوب البدنة عليه كفارة عن لبس
المخيط، إلا أنه حمله على الاستحباب، لأن كفارة ثوب المخيط لا يكون بدنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: أصلها واجبة ولكن البدنة مندوبة فإذن البقرة أفضل.
ومما ذكرنا يظهر لك أن الحكم مشترك بين المرأة والرجل، وإن كان المورد خاصا، هذا أولا، وثانيا لا يمكن الاتكال
على ما استنبطه صاحب الجواهر من رواية هارون بن خارجة ولا يصح أيضا ما اختاره الشهيد.
وأما مصرف هدي التطوع وهل هو كمصرف الكفارات التي هي حق للفقراء؟ أو يكون مصرفه كمصرف هدي التمتع
في التثليث؟ أو كهدي القران الغير الواجب بنذر وشبهه؟ فيه أقوال، أجودها الثالث لأصالة البراءة مما زاد على الذبح.
وأما زمان النحر: فقد صرح به في بعض الروايات الواردة لتعيين موضعه بالخصوص وهو يوم النحر منها: عن
معاوية بن عمار (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال: يواعد أصحابه يوما
يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه،
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صده المشركون نحر بدنة ورجع إلى المدينة.
منها: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ابن عباس وعليا كانا يبعثان هديهما من المدينة ثم
ينحران، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم
النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا.

1 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (5).
48

وفي بعض آخر بالعموم، وهو قوله عليه السلام في جواب الحلبي (1).
منها: عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم فساق وواعدهم يوما يقلدون فيه
هديهم ويحرمون قال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله، قلت: أرأيت إن
اختلفوا في الميعاد وأبطأوا في المسير عليه وهو يحتاج أن يحل هو في اليوم الذي وعدهم فيه، قال: ليس عليه جناح أن
يحل في اليوم الذي وعدهم فيه.
وحينئذ تقيد العام وهو الحلبي بواسطة الخاص وهو صحيح ابن سنان، ومعاوية بن عمار، فالمتعين من زمان النحر هو
يوم النحر وهو يوم العيد.
وأما مكان النحر ففي المسالك: والنصوص والفتاوى خالية من بيان مصرفه وزمانه ومكانه.
وعن صاحب الجواهر: المنساق من النصوص كون مكانه منى.
ومما ذكرنا يظهر لك أن مكان النحر لباعث الهدي المتطوع كالحج الواجب أيضا هو منى، هذا مما لا ريب فيه ولا شك
يعتريه، إنما الكلام في انحصار الذبح في منى وعدمه، وقد تعرضنا هذا الحكم جوابا لسؤال بعض المؤمنين لشيوع أن مكان
النحر تغير من منى إلى وادي محصر فإن قلنا بانحصاره فيه ففي غيره لا يجزي إلا مع الاضطرار أو عن تقية، وإن لم نقل
به فهو مع غيره مساو في الأجزاء في حال الاختيار.
فنقول مستعينا بالله: وللقائلين بانحصاره فيه وجوه: الأول قول الأصحاب رضوان الله عليهم وعن المنتهى: لا بد من
ذبح الهدي في منى وهو مذهب علمائنا، وفي التذكرة: هو مشعر بالاجماع، وعن الأردبيلي في الفوائد: أنه المشهور، وكأنما
هذا القول لا يكون عنده إجماعيا.
وعن الأستاذ حفظه الله: ولو قلنا بأنه إجماعي ولكن لا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام لأنه هو إجماع
مدركه قول الأصحاب والتأسي وغير ذلك الذي هو مخدوش من وجوه.
الثانية: التأسي وهو ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله ومعلوم أن ما فعله صلى الله عليه وآله حجة علينا
وواجب اتباعه فإذن الذبح في منى واجب علينا، وفيه أولا: لا يكون كل ما فعله صلى الله عليه وآله واجب علينا
كالسواك والتهجد في الليل لقوله تعالى (فتهجد به نافلة) (2) وأمثال ذلك.
ثانيا: بعد أن اجتمع الناس حوله لذبح هديهم رأى صلى الله عليه وآله أن الأمر شاق عليهم قال: منى كله منحر
(3) بمعنى أن الذبح جايز حتى في البيت وأمثالها، فيخرج هذا من عموم قوله صلى الله عليه وآله: (خذو عني مناسككم).
الثالث: قوله صلى الله عليه وآله منى كله منحر مفهومه عدم جواز ذبح الهدي في غير منى لأنه لا يكون فيه
صلاحية المنحرية.
وعن الأستاذ دام عزه: لا يكون في قوله صلى الله عليه وآله مفهوم، نعم إن كان الدليل موجودا لنفي منحرية منى فهو

1 - الوسائل الباب - 9 - من أبواب الاحصار والصد، ح (3).
2 - الإسراء: 81.
3 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (7).
49

، وإلا لا يمكن إثبات عدم منحرية غير منى بهذه الروايات، وأما الروايات منها، عن إبراهيم الكرخي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب
فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى، وفيها وجوب الذبح بمنى.
ومنها عن معاوية بن عمار (2) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في
منزلك بمكة، فقال: إن مكة كلها منى.
وهو يدل على عدم وجوب ذبح الهدي بمنى ولأجل ذلك حملها الشيخ على التطوع.
وعن الأستاذ حفظه الله هذا الحمل بعيد، لأن في الفعل المندوب لا يكون تعيير مضافا إلى ظهور هديك في الهدي
الواجب. نعم لا يمكن استظهار الاشعار أو التقليد منه أيضا. وعن صاحب الحدائق حملها على التقية حيث قال: جمهور
العامة يجوزون ذبح الهدي في مكة حتى هدي التمتع.
وعن الأستاذ أدام الله ظله: نعم ولكن صدور التعيير منهم يدل على أنهم كانوا يذبحون بمنى إذ لو كانوا في مكة لم
يعيرونه عليه السلام. وهل تعييرهم يرجع بخصوص ما فعله عليه السلام في منزله؟ أو بمكة؟ لأن التعيير إن كان يرجع
بمكة فيصير مقابلا بمنى.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يبعد رجوعه إلى كليهما. ويحتمل أن يكون الهدي لعمرة مفردة فإذن (مكة كلها منحر)
للعمرة المفردة لأن الإمام عليه السلام استدل في جواب المعترضين عليه بقوله (إن مكة كلها منحر) كما قال رسول الله
صلى الله عليه وآله (منى كله منحر) ومن ذلك كله يظهر لك عدم انحصار منى في المنحرية بل مكة كلها منحر فيجوز ذبح
الهدي للعمرة بمكة وإن كان في منى لا بأس به.
ومنها عن شعيب العقرقوقي (3) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة،
قلت: فأي شئ أعطي منها؟ قال: كل ثلثا، واهد ثلثا، وتصدق بثلث.
وعن الأستاذ دام عزه: وفيه أنه إن كان ذبح الهدي بمكة جايزا للمعتمر فللحاج يجوز أيضا.
ومنها عن مسمع (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخل بهديه في العشر فإن كان أشعره وقلده فلا ينحر إلا
يوم النحر بمنى، وإن كان لم يقلده ولم يشعره فلينحره بمكة إذا قدم في العشر.
ومنها عن عبد الأعلى (5) قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لا هدي إلا من الإبل، ولا ذبح إلا بمنى.
وفيه انحصار المنحرية في منى، ولكن لا يخفى فيها من المناقشة من جهة الدلالة، وهي قوله عليه السلام (لا هدي إلا
من الإبل) والحال أن الإبل من بين الأنعام الثلاثة مندوب، وحينئذ ذبح الهدي في منى يكون بواسطة المقابلة مندوبا أيضا

1 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (1).
2 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (2).
3 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (3).
4 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (5).
5 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الذبح، ح (6).
50

، فمقتضى قوله عليه السلام (لا هدي) أي لا هدي كامل إلا من الإبل، ولا ذبح كامل إلا في منى.
ومنها عن إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يخرج (يجتر ح خ ل) من حجته
شيئا يلزمه منه دم، يجزيه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: نعم، وقال فيما أعلم يتصدق به، قال إسحاق: وقلت
لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع إلى أهله، قال: يهريقه في
أهله ويأكل منه الشئ.
وعن الأستاذ حفظه الله: أرادوا أن يستفيدوا منها عدم لزوم ذبح الهدي في منى. وقوله عليه السلام (ويأكل منه
الشئ) يدل على أنه يكون الهدي هدي التمتع.
وعن المجلسي في مرآة العقول حملها على الضرورة، وهل يمكن تصحيح ذبح الهدي في غير منى ولا ضرورة حتى
يساوي غيره معه في الاجتزاء أم لا؟ وإذا لم يمكن استنباط الجواز ولو ضرورة فلا بد وأن يعمل بمقتضى الأصل.
وعن بعض ذبح الهدي في منى مقتضى الأصل والتأسي والسنة والاجماع المنقول.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن أن يقال مراده من الأصل اشتغال الذمة وعدم فراغها لو يذبح في غير منى.
وفيه: قوله تعالى (فما استيسر من الهدي) (2) يكون مطلقا، ولا يمكن تقييدها بعد أن لم يمكن تقيد الأخبار، لأن
مفروض الكلام في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) (3) هو حلق الرأس ولا يمكن أن يفهم منه لحصر ذبح الهدي في منى
خصوصية، هذا كله في حال الاختيار.
وأما حال الاضطرار: وهل يمكن لاثباته التمسك بقاعدة الميسور ولو في قرب منى؟ فإن قلنا بشمولها له فيمكن القول
بجواز ذبح الهدي في غير منى لأنه ما تيسر من إيفاء الوظيفة، ولو كان الذبح في وادي محصر، وحينئذ لا يحتاج إلى
غيرها من القواعد.
وأما إن لم نقل به فإذن لا بد من التمسك بقوله تعالى (فمن لم يجد) (4) وهل مراده تعالى عدم وجدان الهدي؟ أو عدم
التمكن من الذبح؟ أو عليه إعطاء الدراهم ليذبح عنه طوال ذي الحجة، أو سقوط التكليف عنه لعدم وجود شرطه وهو
التمكن من الذبح في منى؟ أو عليه أن يصوم بمقتضى قوله تعالى (وثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم) (5) إن قلنا أن مراده
تعالى من (فمن لم يجد) عدم القدرة على الذبح؟ أو عليه الاحتياط بمعنى أنه عليه أن يعطي درهما لاشتراء الهدي له
ويذبح عنه طوال ذي الحجة مضافا عن الصيام؟
وعن الأستاذ حفظه الله: ولم أعثر فيما رأينا في كلماتهم حكم حال الضرورة إلا عن بعض، وهو قال: يجوز ذبح
الهدي بمنى إن كان في غير الضرورة. وادعى لقوله بالأدلة الأربعة، وهي السنة والأصل والاجماع والتأسي، وأما

1 - الوسائل الباب - 5 - من أبواب الذبح، ح (1).
2 - البقرة: 192.
3 - البقرة: 192.
4 - البقرة: 192.
5 - البقرة: 192.
51

المحصور، فبعد الحصر يكون عليه بعث ما ساقه إلى منى مع القدرة إن كان في الحج، ومكة إن كان في العمرة، وأما مع
العجز والضرورة ففيه عدة من الروايات ففي بعضها يحكم الإمام عليه السلام بالذبح في مكان الحصر، ووضع الشئ
عليه أي علامة على هديه للاعلان بأنه الهدي لا غير، ففي بعض أخرى يحكم بالبدل.
وعن الأستاذ حفظه الله: أجابه الإمام عليه السلام من عدم سقوط وجوب ذبح الهدي ولو مع الحصر في الضرورة،
بخلاف المكان أي منى لأنه خاص، ولأجل ذلك لا يمكن التعدي عنه إلى غيره.
وملخص الكلام إن قلنا بعدم خصوصية في منى لذبح الهدي فيمكن القول بصحة ذبح الهدي في خارج منى، ولو مع
الاختيار، وإن قلنا بها فلا يجزي في غيره ولو اختيارا، ولم أعثر فيما أعلم ذهابهم إلى جواز ذبح الهدي في غير منى مع
الاختيار، وعلى هذا الأساس لا يمكن التفرد في القول، والحكم بجواز ذبح الهدي في غير منى ولو اختيارا، نعم عن
الصدوق في المقنع بعد أن قال بعدم جواز ذبح الهدي في غير منى ما نص عبارته، قال: وإن نسيت أن تذبح بمنى حتى
زرت البيت فأت بمكة وانحر بها وليس عليك شئ فقد أجزأ عنك، مضافا إلى ما سمعته من الروايات مثل ما قاله
الصدوق رحمه الله: ولو كانت الروايات أعم منه ومن حال الاضطرار والعصيان هذا، ولكن الانصاف كما عن الأصحاب
رضوان الله تعالى عليهم لا تكون الرواية صريحة فيما اختاره الصدوق.
نعم إن قلنا إن الذبح يكون من باب تعدد المطلوب فيمكن التمسك بقاعدة الميسور وما فعله رسول الله صلى الله عليه
وآله لصحة ذبح الهدي في غير منى في حال الاضطرار.
ويمكن مضافا إلى ما احتملناه لاثبات صحة ذبح الهدي في غير منى في حال الاضطرار القول بالتقية، لقوله عليه
السلام (التقية ديني ودين آبائي) توضيح ذلك: تبعية المخالف تارة تقتضي إيجاد الفعل في الخارج وحكم من أحكامهم
وهو كالوضوء نكسا، وأخرى تقتضي الترك وهذا كالافطار في يوم رمضان، ففي الأول يصح المتابعة إن لم يمكن إتيانه
على غير ما حكموا به لخوف أو غيره.
وأما في الثاني فلا يمكن الحكم بالصحة لقوله عليه السلام بالقضاء عليه، لعدم موافقة حكم من أحكامهم بل هو في
هذا الحال، أي في إفطار صوم يومه تارك.
وبعبارة أخرى تارة تقتضي التقية إيجاد الصلاة في الخارج بدون الوضوء وأخرى مقتضاها الوضوء نكسا فلا ريب في
بطلان الصلاة في الأول بخلاف الثاني.
وهل متابعة المخالف في ذبح الهدي في غير منى يدخل في الأول حتى يحكم ببطلانه وعدم إجزائه، أو يكون الذبح في
غير منى من مصاديق الثاني حتى يحكم بالصحة.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يبعد دخوله في الثاني بمعنى جواز ذبح الهدي في غير منى لخوف أو غيره كما أن الوقوف
على ما حكموا به صحيح إذا اقتضت التقية متابعتهم إن لم يتمكن من إتيانه ثانيا في غيره.
ثم إن قلنا إن التقية مجز في حال الخوف أو غيره لا يمكن تقييدها بعدم علمهم بما يفعل من أنه يتبعهم واقعا أم خوفا
حقنا من الدماء، لأن الملاك عندهم متابعة أعمالهم وحكم حاكمهم، سواء كانت المتابعة صوريا أو واقعيا.
52

وتلخص مما اختاره الأستاذ حفظه الله جواز ذبح الهدي في غير منى تقية، ولكن الأحوط مضافا إلى ذبح الهدي عليه
صيام عشرة أيام، هذا إن لم يقدر على ذبح الهدي في منى طوال ذي الحجة وإذا تمكن فعليه ذبح الهدي في منى طوال ذي
الحجة فلا يحتاج إلى هذا الاحتياط. والله العالم.
] (المقصد الثاني في أحكام الصيد) [
كان البحث في باب ما يحرم على المحرم عن حرمة الصيد عليه وحليته، ولكن البحث هنا في إثبات ما يجب من
الكفارة وعدمها فيه.
فنقول: لا كفارة للمحرم في الصيد الحلال كالسمك، وأما الحرام ففيه تفصيل فذهب بعض بوجوب الكفارة فيه.
واختار الآخرون بعدم وجوبها فيه، وعن صاحب الشرايع: (الصيد هو الحيوان الممتنع، وقيل يشترط أن يكون حلالا)
أي أكله كما عن الماتن في النافع، فالمتيقن عنده الصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم.
وعن صاحب الجواهر حلالا وحراما كما في القواعد، مع زيادة بالأصالة التي يمكن إرادة المصنف لها أيضا، ولو
بدعوى انسياقها من إطلاق الممتنع، حتى لا يرد عليه ما عن المسالك من دخول ما توحش من الأهلي والممتنع كالإبل
والبقر ونحوهما مما قتله جائز إجماعا، ولا خروج ما استأنس من الحيوان البري كالظبي، بل عن الراوندي هو أي
التعريف بما سمعت أي الممتنع بالأصالة مذهبنا مشعرا بالاجماع عليه.
وعن الأستاذ دام عزه: لا تنال يد الشارع في تعيين موضوع اللفظ، نعم له تعيين موضوع الحكم الشرعي، ومما
يشهد له ما نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله:
صيد الملوك ثعالب وأرانب * وإذا ركبت فصيدي الابطال
وعن الأستاذ حفظه الله: حصر الصيد فيهما لا بأس به، ولكن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، ومما يؤيد أن قوله
عليه السلام صيد الملوك إلخ لحصر الصيد في الابطال، قول العرب (سيد الصيد الأسد).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه تعيين موارد الاستعمال، وهو أعم من اللغوي، هذا مضافا إلى خبر زيد الشحام (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه) (2) قال: إن رجلا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا
فجعل يقرب النار إلى وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث من استه، وجعل أصحابنا ينهونه عما يصنع، ثم أرسله بعد
ذلك، فبينما الرجل نائم إذ جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه الذي
هو أقوى شاهد على أن في قتل محرم الأكل أيضا كفارة وهذا لتطبيقه عليه السلام قوله تعالى ومن عاد... على الثعلب
خلافا لما زعم أن موضوع الآية وهو (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (3) مختص بالممتنع الحلال.
وعن الأستاذ حفظه الله: فالبحث هنا في إثبات أن الصيد هل هو الحيوان الممتنع بالذات أو هو أعم منه ومن الممتنع
بالعرض؟ وهل هو خصوص المحرم أو هو مع المحلل.

1 - الوسائل الباب - 8 - من أبواب تروك الاحرام، ح (1).
2 - المائدة: 96.
3 - المائدة: 96.
53

وبعبارة أخرى هل موضوع الصيد في الآية الكريمة هو الأعم من المحلل والمحرم، أو المنساق من الكتاب إرادة
خصوص مأكول اللحم منه بعد أن كان الصيد ما توحش من الأهلي والممتنع كالإبل والبقر ونحوهما جائزا إجماعا وعدم
جواز صيد ما استأنس من الحيوان البري كالظبي ونحوه إجماعا.
ولو قيل: إن الصيد يطلق على الممتنع بالفعل فلا يمكن صدق الصيد على ما استأنس من الحيوان البري كالظبي إن
اصطيد.
قلنا: نعم ويمكن مع ذلك أن يصدق عرفا أنه صيد اصطيد، ثم إن قلنا بعدم إمكان تقييد لفظ الصيد بالحلال لعدم
الاطلاق عند الشك فمقتضى قوله تعالى (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (1) هو المحلل والمحرم بريا كان أم بحريا، ولا بد
لاخراج المحرم منها من التماس دليل. نعم يستثنى من هذا الاطلاق صيد البحر لقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر) (2)
فظهر مما ذكرنا أن مراده سبحانه وتعالى من قوله (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (3) حرمة قتل الصيد الحلال لا الأعم منه
ومن الحرام.
ومما يؤيد ما استظهرناه قوله تعالى (حرمت عليكم صيد البر ما دمتم حرما) (4) أي أكل ما كان حلالا وحرمت بسبب
الاحرام لمعلومية حرمة أكل ما كان حراما علينا قبل الاحرام أيضا.
وعن صاحب الجواهر: فلو كان صيد هذه الأنواع المحرمة محرما للزم فيه الفداء بمقتضى ما مر من التلازم الظاهر من
الآية والأخبار، والتالي باطل مما عرفت من الاجماع، فتعين أن المراد بالصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم
، وإلا للزم إما الفداء فيه مطلقا، وهو خلاف الاجماع كما مضى، أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية
والأخبار كما قدمناه، ولا سبيل إليه أيضا، فإن تخصيص الصيد فيهما بالمحلل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما
، سيما وإن التخصيص ولو في الجملة لو عم الصيد لازم أيضا قطعا، وإشعار عبارة الراوندي بالاجماع موهون بما عرفت من
الحكاية عن الأكثر التخصيص بالحلال، فلا مستند حينئذ لدعوى العموم في الصيد.
فصار نتيجة البحث حصر الآية في الحلال والتلازم بينه وبين الكفارة، وعدم لزوم الكفارة في قتل المحرمات إلا
الأسد مع اختلافهم فيه، ومؤيد لما استظهرناه قول الشيخ في محكي المبسوط، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر، بل اختيار
المصنف في النافع اختصاصه بالحلال خلافا لما في الشرايع حيث قال: (وقيل يشترط أن يكون حلالا) (والنظر فيه
يستدعي فصولا: (الأول الصيد قسمان فالأول منهما ما لا يتعلق به كفارة) وعن بعض الاشكال عليه في التعريف لأولوية
تقسيم الصيد على قسمين فالحكم بالجواز وعدمه، فقسم يجوز قتله، والآخر لا يجوز قتله، فالأول لا يكون فيه كفارة،
وفي الثاني التفصيل ففي بعضه وجوب الكفارة، وفي آخر عدمه. وفي الثاني التلازم بين جواز القتل وعدم لزوم الكفارة
-
1 - المائدة: 96.
2 - المائدة: 96.
3 - المائدة: 96.
4 - المائدة: 96.
54

وهو صيد البحر كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا بقسميه، بل هو كذلك بين المسلمين كما في المنتهى فضلا عن المؤمنين. ثم
إن الصيد الذي يعيش في الماء دائما كالسمك فلا يحتاج في تعريفه إلى معونة بيان، وهكذا فيما يعيش في البر دائما وإنما
الاشكال والابهام فيما يتردد بينهما في طوال العمر، ولأجل ذلك قال المحقق صاحب الشرايع: (كصيد البحر وهو ما يبيض
ويفرخ في الماء) وعن صاحب الجواهر: وبحكم ذلك التوالد.
وعن الأستاذ حفظه الله: فيما شككنا في جواز قتله وعدمه عند عدم الدليل مقتضى الأصل جواز القتل.
(ومثله الدجاج الحبشي) وعن صاحب الجواهر: المسمى بالسندي والفرغر، وفي المسالك: قيل إنه طائر أغبر اللون
قدر الدجاج الأهلي، أصله من البحر، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص.
منها صحيح معاوية بن عمار (3) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدجاج الحبشي فقال ليس من الصيد، إنما
الصيد ما طار بين السماء والأرض وصف).
ومنها صحيح جميل ومحمد بن مسلم (4) قالا: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم
فقال: نعم، لأنها لا تستقل بالطيران) إلى غير ذلك من النصوص العامة لإباحة كل ما لا يصف والخاصة للدجاج الحبشي
، بل منها يستفاد أنه ليس بصيد، لعدم امتناعه خلافا للمحكي عن الشافعي فحرمه، قال: لأنه وحشي يمتنع بالطيران وإن
كان ربما يألف البيوت، وهو الدجاج البري قريب من الأهلي في الشكل واللون.
وعن الأزهري (كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة أعتى الناس على الله تعالى فقالوا قولا لم يقله أحد، فعاقبهم الله
بعقوبة ترونها الآن بأعينكم، جعل رجالهم قردة، وبرهم الذرة، وكلابهم الأسود، ورمانهم الحنظل وعنبهم الأراك،
وجوزهم السرو، ودجاجهم الفرغر، وهو دجاج الحبش، لا ينتفع بلحمه لرائحته) وعن التهذيب: لاغتذائه بالعذرة.
قال الحقق صاحب الشرايع: (وكذا النعم ولو توحشت) لعدم صدق اسم الصيد عليه أولا، وامتناعه بالعرض ثانيا،
وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى نسبته إلى علماء الأمصار، مضافا إلى الأصل وإطلاق
النصوص (5) الدالة على جواز ذبحها وذبح الدجاج في الحرم وللمحرم عند الشك، فما عن مالك من عدم الجزاء
للمستأنس منه وعدم جواز قتل ما توحش في غير محله، كالمحكي عن المزني من عدم الجزاء أيضا في المملوك منه، وعن
الأستاذ حفظه الله: ضرورة منافاته لاطلاق الروايات الواردة في الباب التي ذكرناها.
قال الحقق صاحب الشرايع: (ولا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة إلا الأسد فإن على قاتله كبشا إذا لم
يرده على رواية فيها ضعف) وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في المستثنى منه، بل عن صريح الخلاف وظاهر
المبسوط والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة بعد الأصل.

1 - المائدة: 97 - أحل لكم صيد البحر وطعامه.
2 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام، ح (1) و (2) و (3).
3 - الوسائل - الباب - 40 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1) و (7).
4 الوسائل - الباب - 40 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
5 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب تروك الاحرام.
55

وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا إن المتيقن من قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد) (1) مأكول اللحم كما هو الحق،
والمحقق عدم التلازم بين لزوم الكفارة ومحرم الأكل يكفي جريان أصالة البراءة عند الشك كما قلنا سابقا خلافا لما ذهب
إلى أن يثبت حلية القتل بالأخبار عند الشك.
وعن صاحب الجواهر: وأما المعتبرة المستفيضة المبيحة قتلها إذا أرادته أو خشيها على نفسه - التي منها ما سمعته
سابقا - ومنها قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر عبد الرحمن العرزمي (2) (يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه).
وفي خبر أبي البختري (3) المروي عن قرب الإسناد للحميري (يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره، ويقتل
الزنبور والعقرب والحية والنسر والذئب والأسد وما خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور).
ومنها صحيح حريز (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كلما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيره
فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده).
ومنها قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (5) الذي عبر بمضمونه في محكي المقنع (إذا أحرمت فاتق الدواب
كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتضرم أهل البيت، وأما العقرب فإن نبي الله صلى الله
عليه وآله مد يده إلى حجر فلسعته عقرب، فقال: لعنك الله لا برا تدعينه ولا فاجرا، والحية إذا أرادتك فاقتلها، وإن لم
تردك فلا تردها، والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم يريداك فلا تردهما، والأسود الغدر فاقتله على كل
حال، وارم الحدأة والغراب رميا عن ظهر بعيرك).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه أولا معلومية استثناء صيد البحر منها، وثانيا بعد عدم التلازم بين القتل والكفارة في
السباع لا يمكن استظهار الكفارة منها وعدمها، بل الحكم بسكوتها قريب من الفهم، نعم في قوله عليه السلام (إن أرادك
فاقتلها) يدل على عدم وجوب الكفارة في قتله عليه.
ومنها صحيح معاوية بن عمار (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا قال: إن كان خطأ
فليس عليه شئ. قلت: لا بل متعمدا قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني قال: إن أرادك فاقتله).
وعن الأستاذ حفظه الله معناها إن لم يردك فلا تقتله، وإن قتلته فعليك الكفارة في قتله، وبناء على ما قلنا سابقا من
عدم لزوم الكفارة في قتل السباع مطلقا يمكن حمله على السباع كما ذهب إليه بعض لأن في قتل الصيد كفارة وقع القتل
عمدا أو خطأ أو جهلا.
ومنها مرسل المقنعة (7) قال: (سئل عن قتل الذئب والأسد فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إن أراداه) ولكن مع ذلك

1 - المائدة: 96.
2 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (7).
3 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (12).
4 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (2).
6 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (1).
7 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (13).
56

كله في رواية ضعيفة يحكم الإمام عليه السلام بلزوم الكفارة في قتل الأسد وهي خبر أبي سعيد المكاري (1) قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام رجل قتل أسدا في الحرم قال: عليه كبش يذبحه) وعن صاحب الجواهر: وهو - مع ضعفه
واختصاصه بالحرم، ولذا اقتصر عليه في الدروس محلا كان أو محرما - خال عن التقييد بعدم الإرادة وإن قيده الشيخ
بذلك جمعا بينه وبين غيره المجوز لقتله مع الإرادة، ولكن قد يناقش بأن الخبر وإن كان ضعيفا ولكنه معتضد بالمحكي
عن الفقه المنسوب (2) إلى الرضا عليه السلام (وإن كان الصيد أسدا ذبحت كبشا).
وعن الأستاذ حفظه الله: وإن قلنا سابقا يكفي في حلية جواز القتل عند الشك أصالة البراءة ولكن مقتضى الاحتياط
إتيان الكبش للكفارة عند القتل فإذن تلخص مما اخترناه هو عدم لزوم الكفارة في قتل السباع أرادك أم لم يردك إلا
الأسد فإن على قاتله كبشا على ما ذهب إليه صاحب الشرايع أيضا خصوصا إذا كان في الحرم لمورد السؤال انتهى.
وعن الأستاذ حفظه الله: وأما اختصاصه بالحرم وعدم شموله للمحرم خارج الحرم فيمكن إثباته بوجهين، الأول خبر
أبي سعيد المكاري السابق المعتضد بالمحكي عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام وبما سمعته من الاجماعين في الغنية
والخلاف وبما قيل (من أن كل ما يحرم قتله في الحرم يحرم قتله على المحرم) ولكن الأحوط عليه الكبش إن كان في الحرم
: وقد أوردناه توضيحا لما سبق ولو لم يكن واجبا.
قال الحقق صاحب الشرايع: (وكذا لا كفارة فيما تولد بين وحشي وأنسي أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشارة إلى أنه لا يمكن القول مطلقا بعدم حرمة قتل ما توحش وما تؤنس، وعدم
الكفارة فيهما بخلاف ما هنا، ولأجل ذلك أطلق الماتن الحكم بعدم الكفارة فيما تولد بين وحشي وأنسي وعدم حرمة قتل
ما تولد منهما كالمتولد بين الظبي والشاة، وإن قيل إن حرمة القتل منوط بصدق اسم الصيد عليهما، وإذا لم يكن كذلك بل
كان أحدهما أهليا والآخر وحشيا لم يكن الصيد حراما، فنقول هذا صرف ادعاء.
(أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم) كالمتولد بين القردة والشاة فإن كان محرم الأكل فلا كفارة في قتله بخلاف ما إذا كان
محلل الأكل لأن في قتله كفارة.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بلزوم رعاية الاسم في ما تولد منهما كان حسنا، هذا إذا كان المتولد منهما لا يشتبه،
وأما إذا اشتبه الأمر ولا يمكن الادخال فيما امتنع وما لا يمتنع فمقتضى الأصل عدم حرمة القتل وعدم وجوب الكفارة إن
قلنا بعدم حرمة قتل كل دابة على المحرم إلا ما استثني، وإن قلنا بها فلو لم يكن له اسم كالسمع المتولد بين الذئب
والضبع ولكن يمكن إدخاله فيما امتنع جنسه بالأصالة فحينئذ يحرم قتله وتجب الكفارة لعموم حرمة قتل كل دابة على
المحرم إلا ما استثني، لدخوله فيما نهي عن قتل السباع ما لم يردك.
قال الحقق صاحب الشرايع: (ولو قيل يراعى الاسم كان حسنا) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه ما لا يخفى لعدم
كفاية صدق الاسم في الحكم بجواز القتل ووجوب الكفارة، نعم إن كان مراده أن الصيد إذا صار ممتنعا بالذات فعليه

1 - الوسائل - الباب - 39 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - المستدرك - الباب - 28 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
57

الكفارة في قتله ولو استأنس عارضا فصحيح، ولكن البحث فيما تولد واستأنس ذاتا وأما إذا كان ممتنعا بالذات واستأنس
بالعرض فلا، فالصحيح عند الأستاذ (لو قيل يراعى الاسم وكان ممتنعا فقتله حرام وإلا فلا).
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولا بأس بقتل الأفعى والعقرب والفأرة) ومقتضى ظاهر العبارة هنا عدم حرمة قتلهن
وعدم وجوب الكفارة فيهن، خلافا للفرع السابق الذي يمكن القول بحرمة قتلهن لما سمعت في صحيح معاوية بن عمار (1)
عن الصادق عليه السلام (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة) الذي يكون ظاهرا في جواز قتل
المستثنى مطلقا ولو لم يردك، نعم في بعض الروايات جواز القتل يكون مقيدا بصورة الإرادة كقول الصادق عليه السلام في
صحيح حريز (2) (كلما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده) وفي خبر ابن
عمار (3) (والحية إن أرادتك فاقتلها، وإن لم تردك فلا تردها) ولأجل ذلك وقع الكلام في أنه هل يمكن تقييد إطلاق النهي
عن قتل الدواب الذي هو كالصريح في بعض النصوص السابقة بغير السباع أم لا يمكن التقييد بغيرهن بل لا بد وأن يبقى
الاطلاق على حاله والقول بحرمة قتلهن إلا مع الإرادة، ولكن التدبر فيها أجمع يقتضي جواز القتل في هذه الثلاثة لأن
قتلها مطلوب رأسا لأن الفأرة هي التي توهي السقا وتضرم أهل البيت، وأما العقرب فإن نبي الله مد يده إلى الجحر
فلسعته عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعنك الله لا برا تدعينه ولا فاجرا، بخلاف السباع الذي لا يكون في
قتلهن مطلوبية فلا بد حينئذ من الجمع بين ما أمر بقتله مطلقا أراد أم لم يرد وبين ما لم يرد بحمل الثاني على الكراهة
والجواز في الأول.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ويرمى الحدأة والغراب رميا) وعن الأستاذ حفظه الله: ومقتضى قول الصادق عليه
السلام: (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها) لزوم الاجتناب عن رميهما أيضا، ولكن استثني من عمومها الحدأة والغراب كما
استثني منها غيرهما، هذا مما لا إشكال فيه ولا كلام إنما الكلام في أن الاستثناء هل هو يشمل الرمي دون القتل أو هو أعم
من القتل والرمي؟ ظاهر النصوص المزبورة جواز رميهما لا قتلهما إلا إذا اتفق إفضاء الرمي إلى القتل، خلافا للمحكي
عن المبسوط فجوز قتلهما، بل يظهر منه الاجماع عليه، ثم جواز الرمي الذي يمكن إفضائه إلى القتل هل هو مقيد بكونه
عن ظهر البعير كما ذكر في صحيح معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (وارم الغراب والحدأة رميا عن ظهر
بعيرك) أم هو أعم منه ومن غيره، مقتضى اختيار الأستاذ حفظه الله وظاهر المتن وغيره العموم، وربما يؤيده ما سمعته في
خبر محمد بن فضيل (5) (لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة) وفي خبر حنان بن سدير (6) (والغراب الأبقع ترميه) بل عن
الشيخ تقييد جواز الرمي للغراب والحدأة بالمحرم وذلك لانصراف الآية والرواية عنده بما عدا المحرم من الصيد، خلافا
للأستاذ حفظه الله حيث خص الصيد بالمحلل، فيمكن استثناء ما كان قتله حراما بمعونة الروايات، ثم هل هما ضربان

1 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (2).
5 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (10).
6 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (11).
58

مأكول وغير مأكول؟ فيه خلاف اختار صاحب الجواهر: أنه ضرب واحد وهو مأكول اللحم، ولكن عن صاحب
الرياض الاعتراف بأنهما ضربان مأكول وغير مأكول، حيث قال: (لا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقا، لاطلاق ما دل
على حرمة الصيد من الكتاب والسنة المتواترة الشامل لما حل من الغراب، وتقييده بما عدا الغراب لهذين الصحيحين -
وهما قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (1) (وارم الحدأة والغراب رميا عن ظهر بعيرك) وقول الصادق
عليه السلام في خبر حنان بن سدير (2) (والغراب الأبقع ترميه) - وإن أمكن لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا
المحلل، فإن التعارض بينهما وبين الكتاب عموم من وجه، لأن التعارض بين الكتاب والسنة في الغراب الحلال ومن هنا
يقدم صاحب الرياض تخصيص الآية على الرواية.
وعن صاحب الجواهر: ما ملخصه، أولا نمنع كونهما على ضربين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم وعلى فرض
تسليمه يكون التعارض بينهما هو العموم والخصوص مطلقا، بل إن قلنا إن المحرم في الكتاب خصوص أكل الصيد أو قتله
كان بينهما التباين.
وعن الأستاذ حفظه الله: سلمنا الفرق بين القتل والرمي: ولكن مقتضى ظهور النصوص المزبورة عدم البأس بالقتل
إذا اتفق إفضاء الرمي إليه، فالمتجه ما ذهب إليه صاحب الرياض، ولكن لصاحب الجواهر أن يقول: يجوز له الرمي من
دون إفضائه إلى القتل فالمتجه بينهما التباين، هذا كله إن قلنا بكون الغراب على ضربين، وأما إن لم نقل بذلك ففي فصحة
من ذلك، لأن مقتضى الآية كما عرفت سابقا عموم الصيد للمحلل والمحرم، ومقتضاه عدم الفرق بين الحدأة والغراب
وغيرهما، كما أن مقتضاه عدم الفرق بين القتل والتنفير وغيرهما من أنواع الأذى، لكن مقتضى الرواية السابقة جواز
رمي الغراب والحدأة عن ظهر البعير مطلقا، ولا ريب في أنه خاص بالنسبة إلى ذلك مطلقا، هذا إن لم نقل بوحدة
المطلوب كقول القائل: أعتق رقبة ثم بعد ذلك يأمر بعتق رقبة مؤمنة، لأن مقتضى ذلك تفسير الآية بالرواية ولكن ظاهر
النصوص يأبى عن ذلك.
قال الحقق صاحب الشرايع: (ولا بأس بقتل البرغوث) كما في القواعد، وعن موضع من المبسوط، وعن صاحب
الجواهر للأصل.
وعن الأستاذ حفظه الله: مجرى الأصول يكون مع فقد الأمارة، ومع وجودها لا تصل النوبة إليها، إلا مع عدم شمول
الدليل في مورد يشك فيه، وأما إذا لم يكن كذلك كما نحن فيه لوجود الدليل العام الشامل بعمومها الاحتراز عن كل
دواب كقوله عليه السلام (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها) فلا يصح التمسك بالأصل، ولذلك بعد قوله للأصل، يقول:
وقول الصادق عليه السلام في مرسل ابن فضال (3) (لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم) وهو مخصص لعموم
قوله عليه السلام: (فإذا أحرمت إلخ) وما في محكي السرائر عن نوادر البزنطي عن جميل (4) قال: (سألت أبا عبد الله

1 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (11).
3 - الوسائل - الباب - 84 - من أبواب تروك الاحرام، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام، ح (7).
59

عليه السلام عن المحرم يقتل البقة والبراغيث إذا أذاه قال: نعم) وهو أيضا كقبله عام، نعم قيد السائل جواز بالأذية،
ولذلك يمكن الحكم بسكوته عن غيره، بمعنى عدم وجود مفهوم الموافقة فيه حتى يمكن الحكم بعدم جواز القتل إن لم يؤذ
، فمقتضى هذه كلها تخصيص العام الشامل لوجوب الاجتناب للمحرم عن كل دواب.
وخبر زرارة (1) عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه قال: نعم) مقتضى
ذلك جواز القتل حتى مع عدم الإرادة، نعم في رواية ظاهرها عدم جواز قتل البرغوث، وهي خبر زرارة قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام هل يحك المحرم رأسه؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة) لعمومها البرغوث.
وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن تخصيص ما يقول بالجواز بما إذا لم يتعمد في قتله.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وفي الزنبور تردد) ومنشأ الترديد اختلاف الروايات كما سمعته من النهي في النصوص
السابقة عن قتل ما لم يردك من المؤذيات، وفي بعض آخر جواز القتل مع الكفارة.
وعن صاحب الجواهر: من الأصل وكونه من المؤذيات ومعنى ذلك عدم البأس بالقتل عند الشك في الجواز وعدمه.
ولكن عن الأستاذ حفظه الله: مقتضى قوله عليه السلام: (فإذا أحرمت فاتق الدواب كلها) حرمة ما يدب في الأرض
إلا ما خرج بالدليل، ومما يمكن التمسك به لأجل خروج بعض ما يدب في الأرض عن عموم المنع خبر غياث بن إبراهيم
(2) عن الصادق عليه السلام قال: (يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه وقال
الكلب العقور هو الذئب).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه احتمالان: الأول عدم البأس بقتل الزنبور مطلقا، وأما غيرها من المؤذيات فجواز
قتلها مقيد بالخوف، الثاني: من الممكن القول بأنها من مصاديق ما يخاف، وحينئذ لا يجوز قتلهن إلا مع الإرادة، وأما مع
عدمها فيبقى تحت عموم المنع، هذا كله إن قلنا أن المراد من الخوف في الحديث يكون شخصيا، وأما إن لم نقل به بل قلنا
مراده عليه السلام من الخوف يكون نوعيا فإذن الحكم هو جواز القتل أراد أم لم يرد.
ومما يؤيد ما قلناه خبر أبي البختري (3) المروي عن قرب الإسناد للحميري عن علي عليه السلام قال: (يقتل المحرم
ما عدا عليه من سبع أو غيره، ويقتل الزنبور والحية والنسر والذئب والأسد وما خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب
العقور).
وعن الأستاذ حفظه الله: معنى ذلك جواز قتل الأسد والزنبور مطلقا مع أن الأصحاب رضوان الله عليهم جوزوا قتل
الأسد حيث أراد، ومع ذلك يجب عليه الكفارة، هذا كله إن لم نقل بأنه من مصاديق ما يخاف، وأما إن قلنا بأنه من
مصاديق ما يخاف يقيد بما إذا أراد ومع عدمها يبقى عدم جواز القتل تحت عموم المنع، ولأجل ذلك وافق الأستاذ الماتن
وقال: (والوجه المنع) ومعنى ذلك أن المتيقن من الأدلة عدم جواز قتله مطلقا، بل جواز القتل مقيد بصورة الإرادة،
ولأجل ذلك ولو تردد ابتداء في الجواز وعدمه ولكن بعد ذلك حكم بالمنع في فرض عدم الإرادة.

1 - الوسائل - الباب - 79 - من أبواب تروك الاحرام، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (8).
3 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (12).
60

قال المحقق صاحب الشرايع: (ولا كفارة في قتله خطأ وفي قتله عمدا صدقة ولو بكف من طعام) لصحيح معاوية بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا قال: إن كان خطأ فليس عليه شئ، قلت: لا
بل متعمدا قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني، قال: إن أرادك فاقتله).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيها دلالة على عدم وجوب شئ على المحرم، إن قتل زنبورا خطأ بخلاف قتله عمدا حيث
قال عليه السلام: (عليه إطعام شئ من الطعام).
وهل مقتضى قوله عليه السلام: (إن أرادك فاقتله) وجوب الكفارة أم لا؟ وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بجواز
القتل للمحرم مع الإرادة فالحق سقوط الكفارة عنه، مع أن الإرادة لا يذهب التعمد في القتل، ولو قلنا بأن العامد تارة
يتعمد بالقتل لخوف وأخرى من دونه هذا كله مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه وإنما الاشكال في أن الماتن قال: (وفي قتله
عمدا صدقة ولو بكف من طعام) خلافا للنصوص المتفقة على أن للقاتل شئ من طعام لا مطلق الصدقة ولو بكف من
طعام، كما هو ظاهر المتن، ولعل التقدير بها لأنه أقل ما ينتفع به الفقير، وأقل ما قدر به ذلك من الطعام في غيرها. هذا
مع أن مقتضى قوله عليه السلام: (يطعم شيئا من الطعام) عدم كفاية غيره من الدرهم وغيره، ولكن عن بعض وهو
الشيخ في المبسوط إنه فسر الشئ بالتمر، لقول القائل: (ادفع الخطر عنك ولو بتمرة) خلافا للأستاذ حفظه الله حيث قال
: لا يمكن تفسير الشئ بالتمر، وعن المقنعة: إن كان الزنبور واحدا فليتصدق بتمرة وعن القواعد أضاف إليها: وشبهها
وعن الأستاذ حفظه الله: ولم يعلم مراده بها هل هو التمر أو الزبيب أو الكف أو غير ذلك ولكن الأخير خلاف الظاهر.
ثم إنه قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في قتل الكثير منه، وعن الكافي (فإن قتل زنابير فصاع، وفي قتل
الكثير دم شاة) وعن الفقيه والمهذب (في الكثير منه شاة).
وعن الأستاذ حفظه الله: كل ذلك خلاف ما سمعت من النصوص، لأن مقتضى الروايات الواردة في حكم الزنبور هو
الحكم باعطاء كف من الطعام إن كان المقتول واحدا، وإن كان كثيرا فلكل واحد منها كف من طعام، وعن بعض إيجاب
الشاة لكثيره، للحمل على الجراد.
وعن الأستاذ حفظه الله: حمل كثير الزنبور في الكفارة على الجراد قياس. وعن بعض أن موردها كبعض العبارات
الزنبور المتحد فالمتعدد والكثير خال عن النص فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل وهو البراءة.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال لعدم إمكان أن نقول: في الواحد كف من طعام، ولكن في كثيره لزوم الرجوع
إلى الأصل وهو البراءة كقولنا لمن يفطر صومه في شهر الصيام عمدا: عليك عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام
شهرين متتابعين، وإن أفطرت شهرا كاملا فلا يجب عليك شئ.
نعم يمكن القول به إن قلنا بتداخل الأسباب، ولكن لم أر القول الأخير في فتاوى الأصحاب.
ثم إن طيور الحرم كما حققناه في محله صيده حرام للمحرم وحرام عليه أيضا لحرمة الحرم، ولا يجوز التعرض لطير
الحرم والأخذ منه ولكن مع ذلك اختلف الأصحاب في الدباسى والقمارى واختار بعض جواز شرائهما دون القتل ومنهم

1 - الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام، ح (9).
61

صاحب الشرايع حيث قال: (ويجوز شراء القمارى) جمع قمرية بالضم ضرب من الحمام. والقمرة بالضم لون الخضرة أو
الحمرة فيه كدرة والدباسي جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة، ومنه الدبسي لطائر أدكن يفرف
(وإخراجهما من مكة على رواية) العيص بن القاسم بل حسنة بل صحيحة (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
شراء القمارى يخرج من مكة والمدينة قال: لا أحب أن يخرج منها شئ) والأمر يدور بين إبقاء لفظ (لا أحب) على ظاهره
من الكراهة وبين صرفه عن ظاهره إلى التحريم، فالأول أولى مما يقتضيه الانصاف من دلالة الصحيح على جواز
الاخراج من مكة ولو بملاحظة حكم المدينة المعلوم أنه الجواز.
ولذلك اختار صاحب الشرايع هنا جواز إخراجهما وشرائهما لأن مورد السؤال أمران وهما الشراء والاخراج وأجاب
عليه السلام بقوله: (لا أحب) وهو يرجع إلى الأخير ولا مساس له بالأول، ولذا حكم بالجواز والخروج معا، وتبعه
صاحب الجواهر في ذلك أيضا.
ومما يؤيد أو يدل أن كلمة (لا أحب) لا بد وأن يحمل على ظاهره وهو الكراهة عطفه عليه السلام المدينة بمكة ونحن
بعد أن علمنا خارجا كراهة خروج طير المدينة فإذن يمكن الحكم بالكراهة فيهما.
وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن حمل كلمة (لا أحب) مع ظهورها في الكراهة على عدم الجواز وهو شايع في العرف،
كمن يريد أن يظهر انزجاره عن الشيئين الذين يهديهما أو أحدهما إليه يبرز بكلمة (لا أحب) مع أنهما أو أحدهما حرام
عليه شرعا في الواقع ونفس الأمر وإذا كان كذلك يبقى الاحتمال المزبور وهو دوران كلمة (لا أحب) بين الكراهة والحرمة
على حاله.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيهما نصوص فلا بد من إطلاق النظر إليها وهل أن حكم الجواز مختص بالاخراج والشراء
أم هو أعم منهما ومن القتل والاخراج وعدم ردها إلى مكة والتصدق بثمنه إذا تلف أيضا أم لا؟
ومنها صحيح علي بن جعفر (1) قال: (سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة
فقال: يرده إلى مكة) ونحوه صحيحه الآخر (2) عن أخيه موسى عليه السلام وزاد فيه: (فإن مات تصدق بثمنه).
وفيهما حكم عليه السلام بالعود إليها بعد الاخراج عنها، فلا يمكن استفادة عدم جواز الاخراج منها، نعم هما
ساكتتان عن عدم جواز شرائهما، ولكن مع ذلك يمكن استظهار عدم جواز شرائهما من عدم جواز إخراجهما عن قوله
عليه السلام (يرده إلى مكة) بمعنى أنهما كساير طيور الحرم في عدم جواز التعرض لها.
ومنها قال علي بن جعفر عليه السلام (3) في الصحيح (سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من
حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به) وفيه عدم جواز إخراج الحمام
مطلقا.
-
1 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
62

ومنها عن يونس بن يعقوب (1) قال: أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام إن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا
بها معا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، فعلينا في ذلك شئ؟ فقال للرسول
: فإنهن كن فرهة، فقال: قل له يذبح مكان كل طير شاة).
وعن الأستاذ حفظه الله: وهل يكون للإمام عليه السلام قرينة على أن السائل أخرج الحمام من الحرم وذبحها في
الكوفة ولذلك حكم بالشاة في قتل كل واحد منها وهل الجزاء الذي عينه الإمام عليه السلام لمخرج الطير من الحرم كانت
لطير المدينة أو لحرمة الحرم لقوله تعالى (ومن دخله كان آمنا) وملخص كل ذلك إن كان في البين دليل على عدم حرمة
إخراج طير المدينة وعدم وجوب الجزاء لها إن أخرجت منها فإذن وجوب الفداء في بعض النصوص وعدم جواز إخراجها
فيه مختص بطيور الحرم، ولا فرق في ذلك بين المحرم وغيره، وفيه تأييد لما استظهرناه من الاحترام الخاص بمكة وإذا
أدخلت الحمام فيها فليس عليك إخراجها.
ومنها مرسل يعقوب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها، فإذا
أدخلته مكة فليس لك أن تخرجه).
ومنها عن علي بن جعفر قال: (سألت أخي موسى عليه السلام (3) عن حمام الحرم يصاد في الحل، فقال: لا يصاد
حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه دلالة على أن الاحترام مخصوص بالحرم فلا يجوز لأحد أن يخرج حمام الحرم ولا يجوز
أكله ولا صيده: فتلخص مما قدمناه لك حرمة إخراجها منها حتى القمارى والدباسي.
ومما يدل على أن كلمة (لا أحب) لا يمكن حملها على ظاهرها وهي الكراهة بل لا بد وأن يحمل على معناها الحقيقي وهو
الحرمة وجود كلمة (شئ) في ذيل رواية العيص بن القاسم وهو من ألفاظ العموم، فلا يمكن القول بالكراهة فيهما وبالحرمة
في غيرهما، وخلاصة ما حررنا لك أنه لا فرق في حرمة الخروج بين القمارى والدباسي وغيرهما ولو ذهب الماتن والشيخ
إلى الجواز ولكن العلامة اختار حرمة إخراج، كل ذلك لعدم مقاومة النصوص الدالة على جواز إخراج في مقابل الروايات
الناهية على عدم جواز إخراجها عن مكة.
وعن صاحب الجواهر: فمن الغريب عن المختلف والتذكرة من الاستدلال بالصحيحة على الحرمة، وعن الأستاذ حفظه
الله: قلنا مقتضى رواية العيص عدم الجواز إن لم نقل بحرمة إخراجها منها فتصير الرواية مجملة فلا تصلح حجة لأحد
القولين لأن كلمة (لا أحب) إن كانت ترجع إلى المدينة فمعناها الكراهة وإن كانت ترجع إلى مكة فمعناها حرمة الاخراج.
وإن ادعي إرادة القدر المشترك بين الكراهة والحرمة من قوله عليه السلام (لا أحب) حتى يصير مثل اغسل للجمعة
والجنابة فالأول موافق للنصوص وحيث لا دليل على الكراهة أو الجواز بالنسبة إلى طيور مكة والحكم بحرمة إخراجها
كلها حتى القمارى والدباسي.

1 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (9).
2 الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، الحديث (5).
3 - الوسائل - الباب - 13 - من أبواب كفارات الصيد، الحديث (4).
63

ثم إن جواز الاخراج منها مختص بالقمارى، ولكن ألحق الماتن به الدباسى مع أنه ليس فيها أي في الصحيحة وغيرها
أثر منه، وعن صاحب الجواهر: نعم هو خاص بالقمارى ويمكن إتمامه بعدم القول بالفصل.
وعن الأستاذ حفظه الله: وأشكل عليه الأصحاب بأنه خلاف مقتضى التحقيق. نعم يمكن أن يكون القائل بعدم
الفصل سعة تتبعه أزيد منا وأنى بإثبات ذلك.
وعن كشف اللثام: من أنه ليس فيها أي في الصحيحة ولا في شئ من الفتاوى إلا الاخراج من مكة لا الحرم. وعن
ابن إدريس عدم جواز الاخراج عن الحرم، فلا يخالفه منع ابن إدريس من الاخراج منه، فيمكن إرجاع قوله إلى ما عن
الشرايع وعن المبسوط، وهو جواز الاخراج من مكة. نعم نص الشهيد على جواز الاخراج عن الحرم، وعن كشف
اللثام: لم أعرف جهته، وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه من عدم جواز الاخراج عن مكة يمكن أن يكون بمقتضى
فهمه الكراهة أو الحرمة من كلمة (لا أحب) يمكن أنه يرى التلازم بينها وبين الحرم، ونتيجة ذلك إن قلنا بجواز الاخراج
عن مكة دون الحرم فيصير الحرم بمنزلة بيت من بيوت مكة، وإن قلنا بعدم جواز الاخراج منها فلازم ذلك عدم جواز
الاخراج من الحرم أيضا، فيصير مخالفا لما ذهب إلى جواز الاخراج من الحرم دون مكة وموافقا لما اختاره صاحب
الجواهر من التلازم بين عدم جواز الاخراج من مكة والحرم وهل يمكن قبول هذا التلازم؟ عن الأستاذ حفظه الله: وفيه
قولان: الأول عدم إمكان القول بالتلازم المذكور لأنه من الممكن القول بأنه أخرجه من الحرم دون مكة، الثاني إمكان
القول به، وفيه إن قلنا مكة كلها منحر فما اختاره صاحب الجواهر صحيح، وإن قلنا بعدمها فلا، فإذن لا يمكن القول بأن
جواز الاخراج عن مكة ملازم للاخراج عن الحرم، ومما تمسك به صاحب الجواهر لاثبات جواز الاخراج عن مكة قوله
في ذيل عبارته (ولو بترك الاستفصال).
وعن الأستاذ حفظه الله: توضيح ذلك، وقد سأل الراوي عن رجل أخرج القمارى عن مكة، وترك الإمام عليه السلام الاستفصال عن مكة إلى الحرم أو بالعكس أو كليهما حاك بعدم الفرق بينهما، وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال
لامكان القول بأن ترك الاستفصال حاك عن جواز القتل وعدمه أيضا، ولأجل ما ذكرنا يقول صاحب الشرايع: (ولا
يجوز قتلهما ولا أكلهما) وعن الأستاذ حفظه الله: ولا يكون في كلامه رحمه الله تفصيل من ناحية ممنوعية القتل والأكل.
وهل هما يختصان بالحرم أم هما أعم منه ومن خارج الحرم أيضا؟ عن كشف اللثام: يشمل اتفاقا للمحرم ولغيره في
الحرم.
وعن صاحب الجواهر، بل ظاهر غيره المفروغية من ذلك للعمومات وما تسمعه من خبر سليمان بن خالد (1) قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل؟ قال: قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه
قيمتان ليس عليه دم.
وإن سلمنا جواز شرائهما وإخراجهما عن مكة هل يمكن تسليم جواز قتلهما في خارج الحرم أيضا، قال في الدروس:
القمارى والدباسي مستثنى من الصيد فيجوز على كراهة شرائهما وإخراجهما من الحرم للمحل والمحرم على الأقوى لا

1 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
64

إتلافهما، بل إن خرج بهما لا يجوز قتلهما للمحل في خارج الحرم أيضا كما احتمل في المسالك تحريم الاتلاف والأكل لو
خرج بهما المحل من الحرم لتحريمها في الحرم ابتداء خرج منه الاخراج بالدليل فيبقى الباقي تحت الحرمة، وعن صاحب
الجواهر، وإن كان فيه ما لا يخفى.
وعن الأستاذ حفظه الله إن كان مقتضى الروايات عدم جواز القتل والأكل ولو عن المحل في خارج الحرم، فما ذهب
إليه المسالك حق لخبر زرارة (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة فقال:
يرده إلى مكة، فإن مات تصدق بثمنه) نعم إن خرج بنفسه عن الحرم يخرج من حكم الصيد اتفاقا.
وفي كشف اللثام بعد نقل خبر سليمان بن خالد (2) قال: لدلالته على أنها كساير الصيود، وحينئذ معنى كلمة (لا
أحب) حرمة قتلها على المحرم في الحرم حتى الشراء والاخراج.
وعن صاحب الجواهر: قلت لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم الوقع لهذا الكلام بعد أن كان المستثنى الشراء
والاخراج دون القتل والاتلاف في الحرم أو في الاحرام.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد ظهر لك من مطاوي ما استظهرناه من الروايات مساواة القمري مع ساير الطيور في
المنع حتى الاخراج فيحصل التعارض بين روايتي العيص والخالد لأن مقتضى رواية العيص جواز الاخراج خلافا لما
اقتضاه رواية خالد حيث كان مضمونه المنع مطلقا حتى الاخراج، اللهم إلا أن يقال باستثناء الشراء والاخراج منه دون
القتل والأكل.
كان البحث في الصيد سابقا وقلنا إنه قسمان فالأول منهما ما لا يتعلق به الكفارة وقد تقدم الكلام فيه مفصلا، قال
المحقق صاحب الشرايع: (الثاني ما يتعلق به الكفارة وهو ضربان: الأول ما لكفارته بدل، وهو كل ما له مثل من النعم)
ومراده من المثل المماثلة في صفة الحيوانية لا القيمة، نحو البدنة في النعامة، والبقرة الأهلية في البقرة الوحشية والشاة
الأهلية في الظبي، والأصل فيه قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) (3) لكن المصنف وغيره عدوا البيض من ذوات
الأمثال، ولا مماثلة بينه وبين فدائه لا صورة ولا قيمة، ومن هنا كان المدار على الثابت شرعا ولو لم يكن في العرف
مماثلة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وأقسامه خمسة: الأول النعامة، وفي قتلها بدنة) وعن الأستاذ حفظه الله ولقد دار
البحث فيها بين الأصحاب رضوان الله عليهم هل هي تنطبق على الناقة أو هي أعم منها ومن الإبل؟ فتظهر الثمرة في
براءة الذمة في الذبح ثانيا إن قلنا بالثاني، وأما إن قلنا إنها أي البدنة خاصة بالناقة فذبح الإبل لا يكفي في سقوط الذمة
عند الشك في اشتغال الذمة وعدمه، فلا بد لتيقن براءة الذمة ذبح الناقة ثانيا ذهب بعض إلى الأول وهو انطباقها على
الناقة وإن كان الموجود في الروايات هو انطباق البدنة للجزور أيضا إذ لا فرق بين البدنة والجزور.

1 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
2 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
3 - المائدة: 96.
65

وعن صاحب الجواهر قال: مع فرض شمول البدنة للجزور وإلا فلا، قال الصادق عليه السلام في صحيح حريز (1)
في قول الله عز وجل (فجزاء مثل ما قتل) قال: (في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الظبي شاة، وفي البقرة
بقرة) وقال أيضا في صحيح زرارة وابن مسلم (2) (في محرم قتل نعامة عليه بدنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن
كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا وإن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين
مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) وقال أيضا في صحيح سليمان بن خالد (3): (في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي
الحمار بدنة، وفي النعامة بدنة، وفيما سوى ذلك قيمة) ولكن في خبر أبي الصباح (4) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل في الصيد (من قتل) إلى آخره قال: في الظبي شاة وفي حمار وحش بقرة، وفي النعامة جزور) وعن
صاحب الجواهر: ولو قال المحقق في الشرايع: في قتل النعامة بدنة، ولكن لا بد وأن يعمم حتى تشتمل الذكر والأنثى،
ولذلك عند الشك في الاجزاء وعدمه لا بد وأن يذبح الناقة لصحة روايتها.
وعن الأستاذ حفظه الله: وما ورد من النصوص في حكم كفارة النعامة على ما في الوسائل سبعة وقد صرح الإمام عليه السلام في ستة منها للنعامة بدنة، وواحدة منها للنعامة جزور، وعن المشهور: في قتل النعامة بدنة، وعبارة بعض
الأصحاب مشعر بالاجماع، بل هو المحكي عن أكثر مخالفينا أيضا، وعن صاحب الحدائق: أجمع الأصحاب على أن
للنعامة بدنة، ولكن مع ذلك أفتى أن أي في النعامة جزور.
وفي محكي النهاية والمبسوط والسرائر والتذكرة والمنتهى: هو مشعر أو ظاهر في إرادة الجمع بين القولين - أي الجزور
والبدنة - ومستند القائلين بالقول الأول هو النصوص لتعددها وصحتها واعتضادها بمعقد نفي الخلاف والاجماع وأكثر
الفتاوى، بل هو المشهور في التعبير نقلا وتحصيلا، ومستند القائلين بالقول الثاني قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من
النعم) ومراده سبحانه وتعالى من المثل في الآية الكريمة هو في الصورة تقريبا فإذن مثل النعامة في الصورة، وإطلاق البدنة
على الأعم من الذكر والأنثى في عبارات الأصحاب ورواية أبي الصلاح (5) السابقة (وفي النعامة جزور).
وأجاب الأستاذ حفظه الله: وأما إطلاق الآية فقولهم: مراده تعالى من المثل، المثل في الصورة صحيح، إن لم يكن
قيد زائدا على الآية في الرواية وإلا فلا بد وأن يؤخذ بمضمونها، وإلا فيوافق ما عن التذكرة من اعتبار المماثلة بين الصيد
وفدائه، قال: ففي الصغير من الإبل ما في سنه، وفي الكبير كذلك، وفي الذكر ذكر، وفي الأنثى أنثى، ولكن الانصاف أن
للبدنة إطلاق ولا يصح تقييدها بالمماثلة التي ذكرها العلامة، بل لا بد من إعطاء البدنة حتى للنعامة الصغيرة لإرادتهم عن
البدنة الجنس، وعن بعض لا فرق بين البدنة والجزور إلا أن البدنة ما يحرز للهدي والجزور أعم، وإنما سميت البدنة بدنة
لعظم بدنها وسمنها.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
3 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
5 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
66

ولكن مع ذلك كله إمكان الفرق بينهما لانطباق البدنة على الناقة دون الجزور بل هو أعم من الأنثى والذكر ولأجل
ذلك يختلف الفتاوى.
وعن المشهور لا يمكن انطباق البدنة على غير الناقة وعن آخر: التخيير بين الأنثى والذكر، وفي محكي التذكرة: لا
يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع، فمن قتل نعامة وهو محرم وجب عليه جزور ونحوه عن المنتهى وهو مشعر أو ظاهر
في إرادة الجمع بين القولين.
فملخص الكلام: إن قلنا بوحدة القولين فهو وإلا فمستند عدم القائلين بالوحدة بين البدنة والجزور قوله تعالى (مثل ما
قتل من النعم) كما قدمنا لك ورواية أبي الصباح، إلا أن في طريقه محمد بن الفضيل، بل في كشف اللثام: لا مخالفة بينه
وبين النصوص السابقة ولا بين القولين كما يظهر من المختلف.
(بحث روائي) وعن صاحب الجواهر: اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم حول محمد بن الفضيل وهل هو الفضيل
بن محمد بن قاسم أم غيره، وعن الوحيد البهبهاني الاعتراف بأنه هو الفضيل بن محمد بن القاسم، وعن المقدس الأردبيلي
في شرح الفوائد إنه اعترف بصحة روايته ولكن عن الشيخ أنه ضعفه.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بصحتها وقبولها فهو الفضيل بن محمد بن القاسم فعلى هذا لا يكون في البين معارض
، فإذن التمسك بها لا مانع منه. ولكن كما قدمنا لك الترجيح مع روايات البدنة لصحتها وتعددها.
وعن صاحب الجواهر ردا على ما عن التذكرة: قال ولم نقف له، أي لصاحب التذكرة على دليل سوى دعوى كونه
المراد من المماثلة في الآية، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص المقتضي كون مسمى البدنة مماثلا للنعامة على كل حال،
لأصالة براءة الذمة المكلف عند الشك في تكليف زائد على وجوب الأنوثية والذكورية.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ومع العجز تقوم البدنة ويفض ثمنها على البر، ويتصدق به لكل مسكين مدان، ولا
يلزم ما زاد عن ستين) وقد اختلف الأصحاب عباراتهم بعد العجز عن البدنة فعن بعض: عليه شراء البر معادلا لقيمة
البدنة ويتصدق به لكل مسكين مدان، وعن بعض: التصدق بنفس الدراهم، وعن آخر: إطعام ستين مسكينا، وعن
بعض: لكل مسكين مد، وفي العروة في باب كفارات الصوم: فإن عجز عن البدنة فعليه صيام ثمانية عشر يوما.
وعن الأستاذ حفظه الله: فإن عجز عن البدنة فعليه أن يعطي لكل مسكين مدين وإن عجز عن الاطعام فعليه
التصدق بالدراهم، وإن عجز عن التصدق فيصوم، وخلاصة الكلام بعد العجز عن البدنة هل عليه البر أو مطلق الطعام؟
وقد اختلفت الروايات الواردة في باب الكفارات.
منها ما عن الزهري عن علي بن الحسين (1) فيما رواه الصدوق في محكي المقنع والهداية قال: أتدري كيف يكون عدل
ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدري فقال: يقوم الصيد قيمة عدل ثم تفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك
البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما)، وقبلها صاحب الحدائق، وعن صاحب الجواهر: لا قائل به، وعن الأستاذ
حفظه الله: يمكن أن يكون مراده قلة القائل، ومعها يصير في حكم إعراض الأصحاب عنها، وأما البر أو مطلق الطعام

1 - الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الصوم، ح (1).
67

فالاحتياط يقتضي حمله على البر، وإن كانت الرواية ضعيفة سندا ولا يكون قابلا للاعتماد عليها، ومؤيد ما قلناه من حمل
الطعام أو الاطعام عليه، أو انصراف الطعام إلى البر المتيقن من كل ما يسمى طعاما وعلى كل حال هو المتيقن هنا، وإن
كان في الاجتزاء بغيره مما يجزي في الكفارات لا بأس به، ومما يؤيد ما ذكرناه قوله عليه السلام: (ثم قومت الدراهم
طعاما لكل مسكين نصف صاع) أي عليك إتيان البر لكل مسكين مدان.
وأما قوله عليه السلام (يطعم لكل مسكين مدا) فلا دلالة فيها على وجوب الاعطاء بل ظاهر في الاطعام، وكيف كان
فالموجود في أكثر النصوص الواردة في الباب هو (الاطعام) أو (يطعم) إلا أن الموجود في رواية الزهري عن الإمام السجاد
عليه السلام هو البر، وتلك مطلقات لا يمكن تقييدها بغيرها على مذاق سيدنا الأستاذ حفظه الله، فإذن رواية البر في
نهاية القوة وإن كان في ما يسمى طعاما كفاية أيضا كما في ساير الكفارات ولا فرق في ذلك بين الاطعام والاعطاء،
لصحيح أبي عبيدة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي
أصاب فيه الصيد قوم جزاءه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر
على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) الذي هو ظاهر في الاعطاء انتهى كلامه حفظه الله.
بقي هنا شئ، وهو تعيين مقدار ما يكفر لكل مسكين وهل هو مدان أو مد؟ وقد اختلفت الروايات في الباب.
والموجود في بعضها كفاية نصف صاع لكل مسكين كخبري الزهري (2) وأبي عبيدة (3) السابقين، إلا أن غيرهما من
النصوص بين مطلق - كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام في محرم قتل نعامة قال: (عليه
بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين
مسكينا، وإن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) - وبين مقيد بالمد، كخبر أبي
بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة قلت: فإن لم
يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة
مد على كل مسكين، قال: وسألته عن محرم أصاب بقرة قال: عليه بقرة قلت: فإن لم يقدر على بقرة قال: فليطعم
ثلاثين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم تسعة أيام قلت: فإن أصاب ظبيا، قال: عليه شاة،
قلت: فإن لم يقدر، قال: فاطعام عشرة مسكين، فإن لم يقدر على ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام.
نعم خبر علي بن جعفر (6) عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال
عليه بدنة فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما) ضعيف، كما أن خبر داود الرقي

1 - الوسائل - البا ب - 2 - من كتاب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الصوم، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
5 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
6 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
68

(1) عن الصادق عليه السلام (فيمن عليه بدنة واجبة في فداء قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية
عشر يوما) لا عامل به هنا، فتنحصر الروايات المعمول بها في المدين والمد ونصف صاع، فتتعارضان، وإنا اخترنا في
حاشيتنا لكل مسكين مدان، ولو كان الحق الجمع بينهم.
وعن المدارك اختيار المدين بحمل المدين على الأفضلية، وعن صاحب الجواهر: اختيار المدين هنا للاستحباب والمد
في باقي الكفارات ولعله للفرق بين المقام وغيره بتعارض حق الفقراء هنا، إذ هو تفريق للموجودين، بخلاف غيره فإنه
دفع ممن عليه الكفارة، فلا بأس باستحباب دفعه المدين بخلاف ما هنا.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه ما لا يخفى. فالتحقيق يقتضي صحة ما اختاره المشهور وهو المدان لكثرة قائله، ولا
يصح القول بأن مقتضى الاحتياط مدان لأن صحة الاحتياط في فرض وجوب المد وإن أراد درك الأفضلية فعليه إعطاء
المدين، ولكن هنا كان الأمر من أول الأمر وجوب المدين، وعن بعض الجمع بإعطاء المدين إن وفى وإلا فلا يجب عليه
إلا مد واحد.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه ما لا يخفى برجوع هذا الجمع إلى تعدد كفارات النعامة فتارة مدان وأخرى مد واحد،
وعن صاحب الحدائق: ما اختاره العامة بعينه هو ما اختاره الخاصة ولأجل ذلك القول برفع اليد عن قول المشهور وهو
المدان مشكل، واختيار الأقل وهو المد أشكل.
وعن كنز العرفان هو أي المدان اختيار أصحابنا، وفيه عدم وجود الاجماع للمخالف، وعن صاحب الجواهر هو
الموافق بالفتاوى.
وعن الأستاذ حفظه الله: توضيح ذلك يرجع إلى وجود روايتين متعارضتين فمقتضى قوله عليه السلام: (خذ بما اشتهر
بين أصحابك) أن يجب علينا الأخذ برواية المدين وهو يرجع إلى قول صاحب المدارك الذي اختار المدين لاستحبابه
وأفضليته، وعن بعض مقتضى صحيح ابن عمار (2) وأبي عبيدة (3) عموم وخصوص مطلقا. وعن الأستاذ حفظه الله:
قوله عليه السلام (من أصاب شيئا) عام لعدم تقييده بالمحرم أو المحل وهو مع إطلاقه يحكم على العاجز عن البدنة أن
يعطي لكل مسكين مدا، وقوله عليه السلام: (إذا أصاب المحرم الصيد فعليه نصف صاع) وهو خاص بالمحرم، ومن
جهة أخرى أيضا بينهما عموم وخصوص مطلقا لأن رواية أبي عبيدة يحكم بالمدين بخلاف رواية ابن عمار فإنها يحكم بالمد
، فيخصص الأول بالثاني وفيهما اختلاف من جهة أخرى أيضا لأن جزاء كل صيد في رواية ابن عمار بدنة، بخلاف رواية
أبي عبيدة فإن الواجب فيها بدنة في صيد نعامة، ولأجل ذلك يقدم المد على المدين.
وعن بعض التخيير لعدم إمكان تقييد المطلقات، إلا أن الظاهر من الاطلاقات موافقة ستين مسكينا مع المد، لأن
الاطعام أعم من الاعطاء وغيره، وإذا كان كذلك فالحكم بالمد أقوى، ولكن المشهور اختار المدين.
ومما ذكرنا يظهر عدم إمكان إثبات المدين عند الشك في الأقل والأكثر فهل حينئذ لا بد وأن يؤخذ بالأكثر للاحتياط

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (11).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
69

أو إجراء براءة ذمته عن الأكثر للأصل لتقدم المدين على المد بالتعارض ولمطابقته لفتوى المشهور لا للاحتياط، بل وعدم
قياس مطلق الكفارات مع ما هنا لأن روايات باب الكفارات لا مساس لها بالباب، بل روايات باب كفارة النعامة
مخصوصة بها.
وأما عدم وجوب الزائد ولا إكمال الناقص: فعن الخلاف الاجماع على الأول.
وعن صاحب الجواهر: فلا خلاف أجده فيه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص الدالة على الحكمين التي لا ينافيها
إطلاق غيرهما من النصوص في إطعام الستين بعد تنزيله على ذلك لقوله عليه السلام: (أتدري كيف يكون عدل ذلك
صياما يا زهري) وإن قرأناه بالكسر فيصير مساويا للمقدار، وإن قرأناه بالفتح فيصير مساويا للحكم.
وأما قوله تعالى (أو عدل ذلك) وقد اختلف الأصحاب في أن مقتضى كلمة (أو) هل هو التخيير من أول الأمر كما كان
الأمر كذلك في غيرها كخصال الكفارات، أم هو الترتيب خلافا لمقتضى كلمة (أو).
وعن بعض مخالفينا التخيير، لكن أصحابنا اختاروا الترتيب للروايات الواردة في الباب التي قيد الإمام عليه السلام
الحكم فيها بالعجز فإذا كان كذلك فالروايات حاكم ومفسر لاجمال الكتاب، فيتعين الترتيب، خلافا لمقتضى ما هو في
الكتاب، وهو التخيير هذا، وإن كان المصرح في الروايات هو الصوم ولكن لا يجب عليه إطعام أكثر من ستين ولو زادت
الأمداد على ستين مسكينا لصحيح محمد بن مسلم وزرارة (1) ومرسل جميل (2) ولذا لا يجب الزائد ولا إكمال الناقص.
بقي شئ في البين وإن لم يتعرض به الماتن ولكن تعرضه صاحب الجواهر، وهو تعيين المراد من حكم العدلين الوارد في
قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وعن بعض اعتبار الشاهدين العدلين، بمعنى أنهما يعينان المثلية في الجزاء إن لم يكن
متعينا وأما في فرض التعين لا يحتاج إلى تعيينهما، وإذا كان كذلك ينافي اعتبار الحكم، وأما إن قلنا بعدم اعتبار التعدد في
الحكم كما في الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام (والعدل رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده
، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب) فالآية تكون دليلا على أن المراد من (ذوا عدل) النبي صلى الله عليه وآله والإمام
من بعده لأن الألف في (ذوا عدل) من تصرف نساخ القرآن خطأ والصواب عدم نسخها، وذلك إن قلنا بلزوم ثبوت
الألف فيه فيفيد أن الحاكم لا بد وأن يكون اثنين، والحال أنه واحد وهو الرسول صلى الله عليه وآله في زمانه ثم كل إمام
في زمانه على سبيل البدل، هذا مما اختاره الأستاذ حفظه الله.
ولكن عن صاحب الجواهر: ذهب المفسرون إلى غير ذلك، وهو اعتبار التعدد في الحكم، ومن هنا قال الطبرسي
عليه الرحمة في جوامع الجامع والمقداد في آيات الأحكام: (يحكم به رجلان عدلان فقيهان) خلافا لما اختاره الفقهاء عليهم
رضوان الله من أن اعتبار التعدد ينافي الحكم، هذا كله إن كان المثل معينا، وأما إن لم يكن معينا فإن شهدا على تعيينه
فهو، وإلا أي وإن لم يكن في البين شاهد فحينئذ يرجع الاختلاف تارة إلى القيمة وأخرى إلى العين، فالأول مجرى
البراءة خلافا للثاني لعدم إمكان إجراء البراءة فيه بل هنا يلزم مراعاة الاحتياط وإعطاء الأكثر.

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد - ح (7).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
70

إيقاظ: وقد تبين لك مما قدمناه أن الحق في الآية الكريمة هو الترتيب بمعنى أنه بعد العجز عن البدنة تقوم ثمنها على
البر، ويطعم الطعام فإن عجز عن إطعام الطعام صام عن كل مدين يوما.
فإن لم يتمكن عن البدنة ولكن كان قادرا على أن يعطي الدراهم لمن يشتري الطعام فهل يصدق عليه أنه عاجز أم لا
؟ اختار الأستاذ حفظه الله أنه لا يكون عاجزا بل عليه إعطاء الدراهم لاشتراء الطعام والاعطاء لكل مسكين حقه، وهل
عليه شراء البر أم لا يكون مقيدا به كساير الكفارات؟ فعن بعض عدم وجوب شرائه بل له هنا ما عليه في ساير
الكفارات، وعن بعض التقييد به.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا إنه مصداق لما يطعم فلا بأس بإعطاء غيره، وإن قلنا إنه فيه خصوصية لا يمكن القول
بصحة مطلق الطعام لتعدد المطلوب.
هذا مما لا ريب فيه ولا إشكال. وإنما الكلام في أن ملاك العجز الذي تكلمنا حوله هل هو مقيد بأعم من مكة
وغيرها أم هو مختص بمكة ظاهر صاحب الجواهر الثاني لقوله: ولو فقد العاجز عن البدنة مثلا البر وقلنا بتعينه دون قيمته
فأقوى الاحتمالات عند الفاضل وضع قيمة عادلة عند ثقة ليشتريه إذا وجده إذا أراد الرجوع، وإلا أبقاها عنده مترقبا
لوجوده.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو عجز صام من كل مدين يوما) وفاقا للمشهور، ولكن عن الصدوق والعماني:
(فإن عجز صام ثمانية عشر يوما) ومستند القولين الأخبار. إلا أن المشهور لم يأخذوا بإطلاق الروايات الآمرة بصوم ثمانية
عشر يوما بعد العجز عن إطعام ستين مسكينا بل قيدوها بالعجز عن صوم ستين يوما لتعدد رواياتها وصحتها ووضوح
دلالتها، ولأجل ذلك لا يحتاج إلى ذلك التأويلات، ولكن عن صاحب العروة وعليه صيام ثمانية عشر يوما عند العجز
عن البدنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما رأيت قط ما اختاره صاحب العروة في كلام المتقدمين. وبعد العجز عن البدنة يتصدق
بثمنها، نعم في الصدقة خلاف ذهب البعض إلى وجوب التصدق بثمنها وإن لم يتمكن فعليه إطعام ستين مسكينا ونتيجة
ذلك: إن نقص القيمة عن إطعام الستين فعليه إكماله.
(فرع) قد ظهر من مطاوي ما قدمناه لك وجوب صوم ستين يوما عن كل مدين أو مد على خلافهم لما سمعته من خبر
الزهري (1) وصحيح أبي عبيدة (2) وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (3) إن ساواهما، فإن زاد لم يجب غير الستين كما لم
يجب عليه إكماله إن نقص بل يصوم بمقدار ما يساوي الأمداد.
فإن صام شهرا بعد أن كان عليه وجوب صوم ستين يوما وعجز عن الصوم بعد ذلك فهل عليه صيام ثمانية عشر يوما
أم لا؟ فعن الأستاذ حفظه الله: لم يجب عليه بعد ذلك صيام ثمانية عشر يوما لأن عجزه كاشف عن أنه تعالى لم يكن
كلفه إلا ببدل الشهرين - وهو ثمانية عشر يوما - ولا يدخل بهذا في عموم الأخبار والفتوى بتسعة عن شهر لأنها فيمن

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية الصوم الواجب، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
71

كان تكليفه شهرا من أول الأمر لا من بقي عليه شهر بخلاف البحث هنا لأنه عليه من أول الأمر إلى آخره أنه ممن عليه
شهران، وقد عجز عنهما فتشمله أدلة الثمانية عشر يوما، وقد صامها، نعم يمكن لرفع الاشكال القول بإلقاء الخصوصية
بينهما وإثبات هذا دونه خرط القتاد.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وفي فرخ النعامة روايتان: إحداهما مثل ما في النعامة) وهي صحيحة أبان بن تغلب
(1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه
بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال).
(والأخرى من صغار الإبل) كما عن النهاية والسرائر والمبسوط إرسالها وإن كنا لم نقف عليها (وهو الأشبه) وعن
صاحب الجواهر بأصول المذهب وقواعده خلافا للأستاذ حفظه الله حيث قال بالاشتغال هنا لوجود المباينة في الصغير
والكبير وإذا كان كذلك لا يكفي الصغير في فرخها عند الشك في براءة الذمة وعدمها بل عليه ذبح الصغير والكبير فكما في
مورد النذر لا بد وأن يأتي بالأكثر بمقتضى الاحتياط فكذلك هنا هذا بخلاف ما لو قلنا بكفاية الصغير لمرسل أو غيره
لامكان إجراء أصالة البراءة عند الشك في خصوصية أو قيد زائد على أصل التكليف، ولو لم يكن بإعطاء الكبير بأس إن
أراد ذلك لعدم خصوصية في الكبير منه أو الصغير.
ومن الأدلة التي ترجح المرسلة على الصحيحة موافقة المشهور معها لتقدمها عليها لقاعدة معروفة بين الأصحاب وهي
(خذ بما اشتهر بين أصحابك) مضافا إلى انجبار ضعفها وإرسالها بموافقة المشهور معها.
ومنها احتمال حصول جنايتين: القتل والأكل، ولذلك لا ينافي وجوب الصغار في فرخها دون ما إذا كان القتل والأكل
، هذا كله فيما لو شك في وجوب خصوصية في التكليف زائدا على أصل التكليف، وأما إن قلنا أن المراد منها هو الجنس
فيمكن تقييد الاطلاق وهو رواية البدنة بالخاص وهو صغير من الإبل بضميمة قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم)
وحينئذ فجزاء الصغير صغير والكبير كبير وبذلك يرفع التنافي بينهما.
واختار صاحب الجواهر هنا ما اختاره الماتن، وإن كان الكبير أفضل خلافا للأستاذ حفظه الله حيث قال: إن مقتضى
أصالة البراءة عدم وجوب الكبير عليه ولذا يبرء ذمته بإعطاء الصغير، فإن عجز عنها تصدق بثمنها أو يصوم ستين يوما
أو ثمانية عشر يوما، لما قلناه ولكن الانصاف أنه لم يأت في النصوص الترتيب بهذا النهج في فرخها، وإن يمكن الحكم به
كليا في النعامة، هذا ولكن اختار الشهيد في المسالك تعين الكبار حين عجز عن الصغار، وعدل بعد ذلك وقال: لا يمكن
القول بالتعين، بل الحق ولو كان متمكنا من صغار الإبل لا بأس بالكبار إلا أنه أفضل، وعن الأستاذ حفظه الله: وهذا
نظير إعطاء من عليه الغنم المريض لا بأس بالغنم الصحيح وإن كان الصحيح أفضل.
وتلخص مما قلناه أنه يمكن القول بإجزاء الكبير بدلا عن الصغير من وجهين: الأول على نحو الواجب التخييري ومن
المعلوم أنه على هذا الفرض لا تصل النوبة إلى العجز كما لم تصل النوبة أيضا إلى الصيام أو الاطعام.
الثاني: ولو كان التكليف من أول الأمر إتيان للصغير ولكن يمكن أن يثبت من دليل خارج إجزاء الكبير بدلا عن

1 - الوسائل - الباب - من أبواب كفارات الصيد - ح (9).
72

الصغير أيضا وهذا كمن كان ذمته مشغولا ويؤتي الدراهم لأن يبرء ذمته، وفي هذه الحالة يقبل الشارع الكبير من
الصغير لأن الأمر من أوله كان على الصغير وإن لم يقدر فلا يكون للشارع أن يأمره على الصغير حتى يحكم بإجزاء الكبير
عن الصغير.
وقد أثبتنا في محاوراتنا وجوب الصوم لكل مد أو مدين، وهل هو ستين يوما أو ثمانية عشر يوما؟ فيه قولان:
البراءة والاحتياط، مقتضى الدليل الأول هو لانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي، لأن التكليف
مردد بين الأقل والأكثر فيمكن الأخذ بالأقل وإجراء البراءة في الأكثر لأنه من الشك البدوي للتكليف.
وأما الدليل للثاني: أنه إنا مكلفون بالتكفير فلا يمكن الأخذ بالأقل لأنه بعد الأخذ به يمكن أن نشك في أن الأقل
مسقط للتكليف وقابل للتكفير أم لا؟ مقتضى الاحتياط عدمه، فلا بد من الأخذ بالأكثر.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن كان التكليف مرددا بين الأقل والأكثر ولم يكن بينهما تغاير وتضاد مقتضى القاعدة بعد
الأخذ بالأقل والشك في الأكثر هو البراءة لا الاشتغال.
بقي الكلام في أنه هل فيه لزوم التتابع أم لا بعد عدم الفرق بين أن يكون التكليف ثمانية عشر يوما أم ستين يوما أو
ثمانية عشر يوما؟ ذهب بعض إلى عدم وجوب التتابع فيها لحصر التتابع في غيرها لصحيح سليمان بن جعفر الجعفري (1)
قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفريقه
قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة اليمين).
وعن بعض آخر لزوم التتابع، وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى القاعدة لزوم التتابع لعدم تحقق الأمثال بتفريقه،
ولكن الانصاف أن الشك في الامتثال مسبب عن الشك في السبب وهو الأمر فالأصل عند الشك عدم لزوم التتابع، لعدم
معلومية قيد زائد على التكليف.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثاني البقرة الوحشية والحمار الوحشي، وفي قتل كل واحد منهما بقرة أهلية) وفي
الأول منهما اتفاق الأصحاب، بل وفي الثاني إلا ما عن الصدوق من وجوب البدنة فيه، وعن الإسكافي التخيير بين البقرة
والبدنة، وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى المماثلة في الآية الكريمة إيجاب الحمار الأهلي في الحمار الوحشي، وإن لم يقل به
أحد وحينئذ فالمرجع ما حكم به ذوا عدل.
ويمكن أن يقال ببدلية البقر عن الحمار لانتفاع الناس من أكله بخلاف الحمار الذي يتنفر الطبع من لحمه وإن لم يكن به
بأس هذا، وفي المسألة أقوال ثلاثة: الأول وجوب البقرة لصحيح حريز (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في قول
الله عز وجل: (فجزاء مثل ما قتل من النعم قال: في النعامة بدنة، وفي حمار وحش بقرة، وفي الظبي شاة، وفي البقرة
بقرة) وبه روايات أخرى الثاني: وجوب البدنة لرواية أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم
أصاب نعامة وحمار وحش قال: عليه بدنة قال: قلت: فإن لم يقدر على بدنة؟ قال: فليطعم ستين مسكينا قلت، فإن لم

1 - الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان، ح (8).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
73

يقدر على أن يتصدق؟ قال فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة مد على كل مسكين قال: وسألته عن محرم أصاب بقرة،
قال عليه بقرة، قلت، فإن لم يقدر على بقرة؟ قال: فليطعم ثلاثين مسكينا) وبه روايات أخرى.
وأما القول الثالث فهو التخيير، لامكان رفع اليد عن ظهور تعيين وجوب كل واحد من البدنة والبقرة وصرفه إلى
التخيير، وعن بعض إرادة البقرة من البدنة لكبرها المقابل للشاة لصغرها.
وعن الأستاذ حفظه الله: هذا خلاف ما ورد في الروايات التي نرى بالعيان تقابل البدنة والبقرة فيها، وبعد أن كان
هذا الاحتمال ضعيفا فيرجع الأمر إلى القولين: التعيين بين البدنة أو البقرة أو التخيير بينهما، وإن قلنا بالتخيير جمعا بين
الأدلة فهو وإلا لا بد وأن يرى الترجيح.
وعن صاحب الجواهر وفيه: أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، وعن الأستاذ حفظه الله: ولكل من المسلكين
روايات صحيحة لولاها لأمكن الأخذ، ولذلك الجمع أولى من الطرح ولم يعرف قول الجواهر بالتكافؤ، نعم إن قلنا بعدم
المعارضة فما ذهب إليه الجواهر حق ولكن إثبات هذا دونه خرط القتاد.
ويمكن أن يقال: أن مراده إعراض الأصحاب عن رواية البدنة إلا الصدوق وإذا كان الأمر كذلك لا يصح أن يتمسك
بها بل تصل النوبة إلى الترجيح، وعن بعض: مقتضى الاحتياط إتيان البدنة وفيه: لا معنى لذلك الاحتياط إلا أن يقال
بأفضلية البدنة عن غيرها، ولكن مع ذلك ذهب المشهور إلى أن في البقرة وحمار الوحش بقرة أهلية قال المحقق صاحب
الشرايع: (ومع العجز تقوم البقرة الأهلية ويفض عنها على البر ويتصدق به كل مسكين مدان ولا يلزم ما زاد على ثلاثين)
والخلاف هنا كالخلاف في النعامة من أنه يفض ثمنها على البر أو على غيره؟ وهل لكل مسكين مدان أو مد؟ إلا أن في
البقرة الوحشية وردت روايات مختلفة، ولذلك حكم بعض المتأخرين بالتخيير بين الاطعام لكل مسكين إن كان قادرا وإلا
فعليه صيام ثمانية عشر يوما، وعن بعض آخر صيام ستين يوما أفضل فردي الواجب التخييري.
وعن الأستاذ حفظه الله: والقول الأخير خلاف ظاهر مقتضى الروايات الواردة في الباب لصحيح أبي عبيدة (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجدها يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه
من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف
صاع يوما) ولم يعين فيها عدد المساكين بل حكم بلزوم الاطعام لكل مسكين نصف صاع أو يقوم الدراهم من النعم،
ولكن الانصاف أنه يمكن تعيين عدد المساكين بمعونة روايات أخرى كرواية أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
(سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة قلت: فإن لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا
قلت؟ فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة مد على كل مسكين قال: وسألته عن محرم
أصاب بقرة قال: عليه بقرة إلخ).
وعليه فالتعارض بين هاتين الروايتين موجودة، ويمكن تقديم إحديهما على الأخرى ولكن المشهور قيدوا بما لم يقدر.
قال المحقق صاحب الشريع: (ومع العجز يصوم عن كل مدين أو مد على الاختلاف السابق يوما وإن عجز صام تسعة
أيام).

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
74

فرع: إذا قلنا بوجوب صوم يوم عن كل مد أو مدين فزاد عنه ربع صاع فهل يجب أيضا صوم يوم لهذه الزيادة أم لا
؟ فعن الأصحاب لزومه، وعن بعض آخر عدم إيجاب الصوم عليه، لأن الروايات تحكم به في ما ساوى الباقي مدا أو
مدين وأما إن نقص فلا يجب عليه إكماله، وفي الفرض لا يجب عليه صيام يوم.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثالث في قتل الظبي شاة) لخبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام قال: (قلت
فإن أصاب ظبيا قال: عليه شاة: قلت فإن لم يقدر قال: فإطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد ما يتصدق به فعليه صيام
ثلاثة أيام) ومقتضى ذلك لزوم صيام ثلاثة أيام إن لم يقدر على ما يتصدق به ولكن هنا روايات أخرى التي حكم فيها
الإمام عليه السلام بلزوم ستين يوما أو ثمانية عشر يوما أو تسعة أيام فإذن أمكن القول بالتخير أو الحكم بإتيان أفضل
فردي الواجب التخيري ومن ذهب إلى أن الأفضل هو صيام ستين يوما اختاره هذا أيضا واختلاف الأصحاب في ولد
الشاة كاختلافهم في فرخ النعامة وهل يمكن إلحاق ولدها بها أم لا؟ قلنا في قتل الظبي شاة هل في ولدها أيضا شاة أم لا
؟ بل يكون بينهما فرق؟ فإن قلنا بالمماثلة ففي الفرخ فرخ كما في الشاة شاة وإلا فلا.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وفي الثعلب والأرنب شاة) لخبر البزنطي (2) عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته
عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال: في الأرنب دم شاة) ولصحيح الحلبي (3) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الأرنب يصيبه المحرم فقال: شاة هديا بالغ الكعبة) ولخبر أبي بصير (4) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
قتل ثعلبا قال: عليه دم، قلت فأرنبا قال: مثل ما في الثعلب) هذا لا خلاف ولا ارتياب فيه وإنما الكلام والاشكال في
أن السؤال وقع عن كليهما والجواب عن بعضهما، ولذلك استشكل على هذه الرواية صاحب المدارك، وقال: إنها ضعيفة
لأن السائل أراد أن يعلم حكم كليهما والإمام عليه السلام أجاب عن حكم الأرنب فقط، وعن صاحب الجواهر: ولا
ينافي تخصيص الأرنب بالشاة في الصحيح الأول بعد احتمال أنه عليه السلام ترك ذكر الثعلب لوجوه منها الاكتفاء بذكر
الأرنب لمعلومية التساوي بينهما.
وفيه إشكال لعدم الدليل في البين على أن حكم الثعلب كالأرنب في الكفارة ولذلك لقائل أن يحكم بعدم الكفارة في
الثعلب لأن السكوت في مقام البيان يدل على عدم الكفارة فيه.
وفيه: عدم البيان في المورد الذي يكون فيه وجود بيان آكد يدل على السكوت وعدم الحكم، إلا أن هذا لم يكن
دليلا لكي يمكن اثبات وجود المعارضة مع ما فيها حكم الثعلب لأن عدم البيان لا يمكن أن يعارض مع البيان مضافا إلى
بيان حكمهما في تحف العقول وفي رواية أبي بصير وفي الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام وفي دعائم الاسلام إلا أن
صحة الأخيرين لم يثبت عندنا.
وأما ما في تحف العقول وإن كان ضعيفا إلا أن الأصحاب عمل بمضمونه ولذلك لا يمكن رده والمناقشة فيه من هذه

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
75

الجهة كما عن المدارك، وحينئذ يكون حكم الأصحاب بالشاة فيهما منحصرا برواية أبي بصير وتحف العقول.
فتلخص مما ذكرناه أن حكم الثعلب كالأرنب في كفاية الشاة، هذا كله إن كان قادرا، وأما إن لم يقدر فظاهر المصنف
عدم بدل لفدائهما.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وقيل فيه ما في الظبي) لخبر أبي عبيدة (1) السابق الشامل لهما، وعن المسالك اختيار
القول الأول، لعدم وضوح مستند القول الثاني بعد اختصاص الرواية بوجوب الشاة.
ثم قال: (فعلى الأول وهو الأقوى يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام
لصحيح معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها - إلى أن قال - والفرق بين مدلول الروايات وبين
إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين، فعلى الالحاق يقصر على القيمة، وعلى الرواية
يجب إطعام العشرة).
وعن صاحب الجواهر: وفيه ما لا يخفى، ضرورة ظهور النصوص السابقة أو صراحتها في أن الاطعام يتبع القيمة وإن
كان لا يزيد على الستين في قيمة البدنة، ولا الثلاثين في قيمة البقرة، ولا العشرة في قيمة الشاة، كما أن الصيام يتبع ذلك
على الوجه الذي ذكرناه، فتلخص أن كان الدليل رواية أبي عبيدة وبعد العجز تقوم الشاة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير وقيل على الترتيب، وهو الأظهر) والأول
كخصال الكفارات في شهر رمضان، وعن صاحب الجواهر التخيير عند جماعة لظهور أو في الآية فيه كما أن والقائل
بالترتيب هو المشهور هذا.
وفي المسالك أن الصوم الأخير في الثلاثة وهو الثمانية عشر والتسعة والثلاثة لا خلاف في أنه مترتب على المتقدم بمعنى
أنه إن لم يقدر على إتيان الأبدال السابقة فعليه أن يصوم ثلاثة أيام هذا.
وأما القائل بالتخيير لظهور (أو) في الآية فيه ولو لقول الصادق عليه السلام في صحيح حريز (2): (كل شئ في القرآن
(أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأول بالخيار).
وعن الأستاذ حفظه الله: لعدم إمكان القول بعدم ظهور (أو) في التخيير فإذن إن لم يكن في البين رواية لم يمكن
استفادة الترتيب من ظهور كلمة (أو).
وقد ظهر مما ذكرناه أن الآية الكريمة لا تكون في بيان الترتيب أو التخيير بل لبيان مصاديق ما يمكن أن يقع بدلا عن
غيره، ولذا يتمسك القائلون بالترتيب بالروايات الواردة في الباب بمعنى أن الإمام عليه السلام فسر الآية بالخصوص
لسؤالهم عن معنى الآية فأجاب عليه السلام هو بالترتيب، فإذن إن كلمة (أو) في الآية ولو تكون ظاهرة.
في التخيير ولكن الإمام عليه السلام فسرها بالترتيب للروايات الواردة، منها صحيح أبي عبيدة (3) السابق وهو
أقوى شاهد على أنها أي الأبدال الثلاثة تكون للترتيب، وبناء على ذلك إن الآية ولو ابتداء يوافق مع القائلين بالتخيير،

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقيه كفارات الاحرام، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
76

أما بعد تفسيره عليه السلام بالترتيب تكون في الترتيب أظهر وهذا حكم يجب مراعاته في كل مورد.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الرابع: في كسر بيض النعام إذا تحرك فيه الفرخ بكارة من الإبل لكل واحدة واحدة)
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد اختلفت الأخبار في بيض النعامة ولأجل اختلاف الأخبار اختلفت الفتاوى عن الأصحاب
، وعن الوسيلة: ماخض، وعن الكافي والفقيه فصيل، وعن الجامع والسرائر صغار من الإبل، وعن بعض: يرسل
فحولة من الإبل، ولذلك صار الجمع بينهم مشكلا لتغايرها وتضادها، وعن المدارك بعد نقل قول الماتن قال: هو إجماع
الأصحاب.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن كان الحكم إجماعيا فالأمر سهل وإن لم يكن كذلك يبقى الأمر بإشكاله.
وعن صاحب الجواهر: فتلف بالكسر: وعن الأستاذ حفظه الله الانكسار على قسمين: تارة بعد الانكسار يتلف
البيض أيضا وأخرى لم يتلف بل يبقى ويعيش، ومعلوم أن الفداء وهو بكارة من الإبل يتعلق بالكسر مع الاتلاف وأما إذا
لم يتلف بعد الانكسار لم يجب عليه شئ هذا، فإذا كانت الأخبار متغايرة فلا بد من إطلاق النظر إليها وإخراج الحكم عنها
. منها صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه عليه السلام (عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك فقال: عليه
لكل فرخ قد تحرك بعير ينحره في المنحر) والحكم فيه بالفداء منحصر بقتل فرخ قد تحرك فبناء على ذلك إن لم يكن في
البيض فراخ لم يكن عليه شئ وهكذا إن كان ولكن لم يتلف بالانكسار بل يبقى على حاله ويعيش.
ومنها خبر سليمان بن خالد (2) عن الصادق عليه السلام قال: (إن في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة
من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) وفيه: وإن لم يقيده عليه السلام بالتحرك ولكن أمكن
تقييده: خبر علي بن جعفر السابق والحكم بأن مراده عليه السلام بيض وفيه فراخ قد تحرك.
وهل هما عام وخاص مطلقا لشمول الثاني البيض سواء تحرك فيها الفراخ أم لا، ولشموله أيضا ما وجد الفرخ فيه وما
لم يوجد فيه فرخ خلافا للأول الذي هو خاص بالبيض الذي فيه فرخ قد تحرك أم هما مفهومان متغايرا لا مساس
لأحدهما على الآخر؟ فإن قلنا بالأول فهما متعارضتان مع الرواية التي يحكم فيها بإرسال فحولة من الإبل وإن لم نقل به
بل قلنا بأنهما بنفسهما متعارضتان لم يكن للعلامة مجال على أن يحكم بعدم وجوب الفداء إن لم يكن فيه فرخ قد تحرك
ولكن الانصاف يقتضي أن كل واحد منهما موضوع على حدة لا مساس لأحدهما على الآخر.
منها عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة
فشدخه، فقال: يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم كما يرسل الفحل في مثل عدة البيض للنعام من الإبل) وفي
هذه الرواية وإن لم يقيده بالتحرك ولكن قال: عليه إرسال فحولة من الإبل.
منها صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في

1 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
3 - الوسائل - الباب - 25 - أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
77

مثل عدد البيض من الإبل، فإنه ربما فسد كله، وربما خلق كله، وربما صلح بعضه وفسد بعضه فما نتجت الإبل فهديا بالغ
الكعبة).
ومنها المرسل (1) الذي رواه الشيخان في التهذيب والمقنعة (إن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فقال له يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت ناقتي بيض نعام وكسرته فهل علي كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني
الحسن عنها، وكان بحيث يسمع كلامه فتقدم إليه الرجل فسأله، فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل
فحولة الإبل في أناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى، فقال له أمير المؤمنين: يا بني كيف
قلت ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق، فقال عليه السلام يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق أو
كان فيه ما يمرق، فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: صدقت يا بني ثم تلا (2) (ذرية بعضها من بعض، والله سميع
عليم).
وقد اختار المشهور إن كان في البيض فراخ وقد تحرك فعليه بكارة من الإبل، وأما إن لم يكن فيه أصلا أو كان ولم
يتحرك يرسل فحولة من الإبل ولذلك قال صاحب الشرايع: (وقبل التحرك إرسال فحولة من الإبل في إناث منها بعدد
البيض فما نتج فهو هدي) وقد قلنا سابقا إن الأخبار في هذا الباب مختلفة، ففي صحيح علي بن جعفر السابق يحكم بالبعير
إن كان المكسور بيض نعام وفيه فراخ قد تحرك خلافا لما ورد في رواية سليمان بن خالد التي حكم فيها عليه لكسر مطلق
البيض بكارة من الإبل، ولأجل الاختلاف حمل الثاني على الأول لأن يرتفع الخلاف.
وعن صاحب الجواهر: بناء على كون المراد فيه الكامل في الأجزاء بمعنى أن البعير لا ينفي البكارة من الإبل بل لأجل
كماله قال: عليه بعير ينحره في المنحر، أو أن المراد من البعير البكارة من الإبل، ونتيجة ذلك وحدة مضمون الخبرين.
وأما اختلافهما من ناحية إطلاق خبر سليمان بن خالد الذي حكم عليه السلام فيه: في بيض النعام بكارة من الإبل
وخصوصية رواية علي بن جعفر لقوله: لكل فرخ قد تحرك بعير، فقال صاحب الجواهر: إنه يراد من إطلاق رواية
سليمان خالد ما إذا كان فيه فراخ قد تحرك.
وكأنما أراد صاحب الجواهر أن يجمع بين إطلاق رواية الخالد وخصوصية رواية علي بن جعفر، ولذلك قال: يمكن
تقييد إطلاق رواية الخالد بما إذا كان فيه فراخ قد تحرك فعليه بكارة من الإبل.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يصح تقييد إطلاق رواية الخالد بما في خبر علي بن جعفر، لتغاير موضوعهما ولعدم صحة
إطلاق الفرخ على نفس البيض، نعم أمكن هذا الاطلاق مجازا.
وأما ملاحظة أخبار إرسال فحولة من الإبل مع ما يأمر بالبعير أو ببكارة من الإبل بعد الانكسار، وهما أيضا بينهما
عموم وخصوص مطلقا ولذلك يجب علينا أن نطلق النظر إليهما حتى يمكن لنا إخراج الحكم منهما.
منها المرسل السابق (3) الذي حكم فيه بعد الانكسار بايجاب إرسال فحولة من الإبل فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى

1 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
2 - سورة آل عمران الآية 30.
3 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
78

. وروايات الارسال وإن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب حملها على المكسور قبل التحرك فعليه أن يرسل فحولة من الإبل
جمعا بينه وبين صحيح علي بن جعفر لصراحته في فرخ قد تحرك بعير، ليناسب الحكم مع الموضوع، وفي صحيح علي بن
جعفر (1) ما هو الموجود فرخ قد تحرك فعليه بعير، وأما في المرسل: بيض له في المستقبل أن يصير فرخا فعليه إرسال
فحولة من الإبل.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما هو الموجود في البيض ما دام لم يلج فيه الروح لم يصح إطلاق الفرخ عليه، ولذلك إطلاق
الفرخ على البيض منصرف إلى ما ولج فيه الروح.
ومما يؤيد ما قلناه خبري أبي الصباح الكناني (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن محرم وطئ بيض نعام
فشدخها، فقال: قضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح
وسلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة، وقال: قال أبو عبد الله عليه السلام ما وطئته أو وطأته بعيرك أو دابتك وأنت محرم
فعليك فداؤه) والمرسل السابق.
فتلخص من جميع ما قدمناه أنه إن لم يكن فيه فرخ لم يصح إطلاق الفرخ عليه لقوله عليه السلام: (يا بني كيف قلت
ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق) هذا مما لا ريب فيه ولا إشكال لامكان القول والجمع بينهما بأنه
قبل التحرك يجب عليه إرسال فحولة من الإبل وبعد التحرك عليه البعير، وإنما الاشكال فيما يأمر عليه بعد الانكسار عن
كل بيض شاة، وهو أيضا يكون مطلقا ولأجل ذلك حمله المشهور على صورة العجز من البعير أو من بكارة من الإبل كما
عن صاحب الشرايع أيضا حيث قال: (ومع العجز عن كل بيضة شاة، ومع العجز إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام
ثلاثة أيام) هذا هو المشهور، والمخالف وإن كان موجودا إلا أنه لا يمكن الاعتناء بمخالفته، فمستند قول المشهور مضمون
خبر علي بن حمزة (3) عن أبي الحسن عليه السلام (قال: سألته عن رجل أصاب بيض نعام وهو محرم، قال: يرسل
الفحل في الإبل على عدد البيض، قلت: فإن البيض يفسد كله ويصلح كله، قال: ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ
الكعبة، وإن لم ينتج فليس عليه شئ، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد تصدق على عشرة مساكين لكل
مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام).
وعن صاحب المدارك: ظاهر الأصحاب الاتفاق على مضمون خبر علي بن أبي حمزة المتقدم ويمكن انجبار ضعفها
لوجود سهل بن زياد بعمل المشهور.
وعن صاحب الجواهر: ولعله الحجة، فما عن الصدوق من العكس فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام فإن لم
يقدر أطعم عشرة مساكين لخبري أبي بصير (4) وابن الفضيل (5) في غير محله لعدم اعتناء المشهور بهما أولا وضعفهما ثانيا.

1 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
4 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
5 - الوسائل - الفقيه ج 2 - ص 234 - الرقم 1117.
79

وهل يمكن إجراء البحث هنا وهو إيجاب المدأ والمدين كما أجريناه في كفارة صيد النعامة أم لا؟ وعن الأستاذ حفظه
الله: لا يصح إجراؤه هنا للفرق بين المقام وهو البحث عن بيض النعام بخلافه هناك الذي يكون البحث فيه في نفس
النعامة.
أما الكلام في بيان محل ذبح الفداء: فصريح بعض النصوص هو هدي بالغ الكعبة، وعن صاحب الشرايع إنه أطلق
كونه هديا.
وأما مصرف هذا الهدي، فالواجب تفريقه على المساكين في الحرم لا مطلق المساكين، وعن صاحب الجواهر: والأظهر
أن مصرف هذا الهدي كغيره من جزاء الصيد مساكين الحرم، لاطلاق اسم الهدي عليه في الكتاب، وفحوى إبداله بإطعام
المساكين وغير ذلك، ولا يجب ترتيبه للأصل وغيره.
وعن الأستاذ دام عزه: وقوله (ولا يجب ترتيبه) هو الفرق بين هدي الحج وغيره، خلافا للأستاذ دام عزه حيث قال
بعدم الفرق بين هدي الحج وغيره.
نعم في شمول قوله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم) على مورد البحث نظر وتأمل،
بقي شئ: وهو أنه هل يجب في إرسال النتاج أن نصبر حتى يصير كبيرا أم لا يجب الصبر؟ فعن الأصحاب عدم
وجوب الصبر، ولكن عن الأستاذ حفظه الله: مقتضى تناسب الحكم والموضوع هو الصبر حتى يكون فيه صلاحية
للارسال.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الخامس في كسر بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم) والأول يأكل
الحجر والثاني هو الكبك المعروف، البحث هنا كالبحث في بيض النعام، بمعنى أنه يجب فيه صغار الغنم بعد الكسر إن كان
فيه فراخ قد تحرك ومات، وأما إن لم يكن فيه فراخ قد تحرك أو كان ولم يمت فيجب إرسال الفحل في عدد البيض من
الغنم.
ومستند هذا القول صحيح سليمان بن خالد (1) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: في كتاب علي عليه السلام: في
بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) وصحيحه الآخر (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام: قال: في كتاب علي عليه السلام: في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام).
وعن الأستاذ حفظه الله: والمثل فيه في أصل الكفارة لا أن بيض القطاة في الكفارة مساو لبيض النعام، بل كفارة
بيض النعام بكارة من الإبل وكفارة بيض القطاة صغار من الغنم، ودعوى احتمال المثلية بينهما - أي بين بيض النعام
وبيض القطاة - مدفوع بمقتضى خبر سليمان بن خالد (3) المتقدم.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولكن قيل عن البيضة مخاض من الغنم) لمضمر سليمان بن خالد (4) قال: (سألته عن

1 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 25 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
80

رجل وطأ بيض قطاة فشدخه قال: يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل
، ومن أصاب بيضته فعليه مخاض من الغنم).
وغاية ما يمكن أن يقال هو حمل الصدر على ما لم يكن فيه فراخ قد تحرك وحمل الذيل على البيض التي فيها فراخ قد
تحرك وإذا كان كذلك فهو معارض لما في صحيحه - وهو صغار من الغنم في كسر بيض القطاة هذا.
وتلخص مما حررناه لك أن فتوى صاحب الشرائع ومن تبعه ومنهم صاحب الجواهر حمل قوله عليه السلام: (يرسل
الفحل في عدد البيض من الغنم) بقبل التحرك وقوله عليه السلام: (عليه صغار من الغنم) ببعد التحرك جمعا بين المسلكين
وحماية من النصوص الواردة المختلفة في الباب، ولذلك لم يقبل صاحب الجواهر المضمر ويحكم بمعارضته مع ساير
الروايات ويضعفه، وهذا نص ما قاله: وهو - أي المضمر - مع إضماره وعدم ذكر تحرك الفرخ فيه، وظهوره في الفرق بين
الوطء والإصابة المفسرة بالأكل، وكون المذكور فيه بيضة لا بيض قطاة، فيحتمل بيضة النعام، كما يحتمل في المخاض
إرادة بنت المخاض من الإبل لأن فيها فرخا يتحرك بناء على أنها من البكارة، واستبعاد كون الجزاء في البائض حملا فطيما
وفي البيض مخاضا - معارض بما سمعت من صحيحه وغيره).
وعن الأستاذ حفظه الله، وأما قوله: (مع إضماره) مردود، لنقله روايات متعددة في هذا الباب وكلها تكون مسندا إلى
أبي عبد الله عليه السلام أولا وصحة الوسائل ثانيا ونقل عبارات ما سأله بعينه عنه عليه السلام، وأما قوله (عدم ذكر
تحرك الفرخ فيه) بمعنى أنه يلزم من ذلك دخول غير المتحرك فيه، وفيه: مشاركة بكارة من الإبل مع هذا الاحتمال، وأما
قوله: (وكون المذكور إلخ) وهو بعيد عمن له أدنى المسك من الفضل لأن هذا العمل خارج عن طور البحث، نعم يبقى
الاستبعاد بحاله لاتحاد الفداء للبيض والبائض، ولذلك لا يمكن العمل بمضمونها بل لا بد من طرحها أو إرادة المخاض من
البكارة، وحينئذ يرتفع الخلاف وإن قلنا بالتباين كليا جاز الحمل على الفضل فكيف وإنما يتباينان جزئيا كما عن كشف
اللثام، وعن الأستاذ حفظه الله توضيحا لما قاله كشف اللثام: وهو جواز صغار من الغنم إلا أن إعطاء المخاض أفضل.
ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما حررناه لك في بيض النعام أن ما سمعته يجري هنا أيضا، ولعله لذلك قال المصنف هنا:
(فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام) لمرسل ابن رباط (1) عن أبي عبد الله عليه السلام: (سألته عن بيض القطاة قال:
يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل) إلا أن الفداء هناك يكون إبلا بخلاف البحث حيث إن الفداء يكون
غنما، كما أن هناك لا بد من إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض كذلك هنا لا بد من إرسال فحولة الغنم في إناث
منها بعدد البيض.
وعن الأستاذ حفظه الله: ومعناه أنه إذا تعذر الارسال بعد الانكسار فيجب عليه الشاة فذلك هنا، وعن النهاية
والمبسوط: إن تعذر الارسال فعليه يجب الشاة، وعن صاحب الجواهر: لكن عن المصنف في النكت: (في وجوب الشاة
بعد التعذر إشكال لوجوب الاطعام بعد التعذر عن الارسال.
وعن الأستاذ حفظه الله لم يعلم ارتباط قوله: (فإن عجز) بما قبله وهل مراده قبل التحرك أو بعده؟ وقال ابن

1 - الوسائل، الباب - 25 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
81

إدريس: هكذا أورده شيخنا في نهايته، وقد وردت بذلك أخبار.
وعن المنتهى، عندي في ذلك - أي في ورود الأخبار - تردد كما عن المدارك، وذلك لوجوب الاطعام بعد التعذر دون
إرسال الشاة، وهذا هو المراد من قوله في النهاية والمبسوط: (فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام) كذلك هنا، نعم لا
يكون التشبيه من جميع الجهات بل من جهة الاطعام.
وعن الأستاذ حفظه الله: ولقد رأيت النكت قال المصنف فيه بعد نقل كلام الشيخ: لا يكون عندنا رواية لارسال
الشاة بعد التعذر لأنه أي إرسال الشاة محمول على فراخ قد تحرك، وإذا لم يكن فيه فرخ قد تحرك فلا دليل عندنا على
إرسال الشاة مع أن في القطاة حمل فطيم ومختار صاحب الشرايع ومن تبعه هو الشاة، وأما صاحب الجواهر فحيث أن
مختاره بعد التعذر عن الارسال هو الشاة يدافع عما هو يختاره ويقول: وأما الاستبعاد فمع أنه غير حجة يمكن منعه، ولا
ينافي ذلك فإن الشاة وإن كانت أقوى في الشبه ولكن الارسال أشق منها على الحاج لأنه يتوقف على تحصيل الفعل الكثير
والانتظار حتى تلد ثم يهدي، بخلاف ذبح الشاة وتفريقه على فقراء الحرم فإنه سهل غالبا، وعن الشهيد في الروضة: إن
لم يكن فيه فرخ قد تحرك فرواية الارسال للتسهيل ووجوب الشاة أسهل، ويرجع ما في الروضة إلى التخيير بين الشاة
والارسال ولو مع القدرة فإذا لم يقدر فعليه الشاة.
وفيه ما لا يخفى، لوجوب الشاة بعد العجز عن الارسال، والارسال يجب لمن كسر البيض ولا يكون فيه فرخ قد
تحرك.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد اختلفت الروايات والفتاوى هنا: وعن بعض بعد العجز عن الارسال وجوب الشاة
كصاحب الشرايع وتبعه صاحب الجواهر وغيره، وعن بعض آخر: بعد العجز عن عليه إطعام عشرة مساكين كما عن
الشيخ وغيره، وعن بعض آخر: وجوب القيمة هذا كله في مقام الثبوت وأما مقام الاثبات فالانصاف أنه بعد العجز عن
الارسال يجب إطعام عشرة مساكين، بمقتضى قوله تعالى في الآية الكريمة: (فجزاء مثل ما قتل من النعم أو إطعام) حيث
إنه أوفق بالقواعد وأصول المذهب وهكذا اختار الشيخ ومن تبعه.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثاني فيما لا بدل له على الخصوص، وهو خمسة أقسام) بخلاف الأول الذي لكفاراته
بدل بالنص.
ومن هنا ذكر بيض القطاة والقبج من الأول وبائضهما من الثاني، ويمكن تعيين البدلية ولها من الآية والنصوص الواردة
(الأول الحمام، وهو اسم لكل طائر يهدر) وعن صاحب الجواهر ويرجع صوته ويواصله مرددا.
وعن الأستاذ حفظه الله وهو - أي تعريف الماتن - عنوان عام لا خصوصية له بالحمام، خلافا لصاحب الجواهر
حيث خص التعريف به وبأشباهه، (ويعب الماء) ويشربه كرعا أي يضع منقاره في الماء ويشربه، لا بأن يأخذ الماء بمنقاره
قطرة قطرة ويبلعها بعد اخراجه كالدجاج والعصافير قال المحقق صاحب الشرايع: (وقيل كل مطوق وفي قتلها شاة على
المحرم) وعن صاحب الجواهر: في الحل، وهو مختار الأستاذ والماتن كما سيأتي إن شاء الله، على المشهور، وبه قال علي
82

عليه السلام وعمر وعثمان وابن عمر، بل روى العامة (1) أن ابن عباس قضى في الحمام حال الاحرام بالشاة ولم يخالفه
أحد من الصحابة كل ذلك مضافا إلى روايات مستفيضة، منها قول الصادق عليه السلام في حسن (2) حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخها ففيه حمل، وإن وطأ البيض فعليه درهم)
ورواه العياشي في (تفسيره) عن حريز (3) وزاد كل هذا - أي الشاة والدرهم والحمل - يتصدق بمنى إن كان في الحج
وبمكة إن كانت في العمرة وهو قول الله تعالى: (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم) البيض والفراخ
(ورماحكم) الأمهات الكبار.
ومنها موثق الكناني (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام وأشباهها إن قتله المحرم شاة، وإن كان فراخا
فعدلها من الحملان الحديث).
وعن الأستاذ حفظه الله ومراده عليه السلام (وأشباهها) كل طائر يشبه الحمام.
ومنها خبر أبي بصير (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من
الحرم، قال: عليه شاة - (إلى أن قال) - قلت: فمن قتل فرخا من حمام الحرم وهو محرم قال: عليه حمل).
وعن الأستاذ حفظه الله تعالى: والظاهر أنه إن كان القتل خارج الحرم وهو محرم فعليه حمل، بخلاف ما إذا كان في
الحرم وهو محرم فعليه الحمل للغداء، والقيمة لمحرمة الحرم.
ومنها عن عبد الله بن سنان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول في حمام مكة الطير الأهلي من غير
حمام الحرم: من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه، فإن كان محرما فشاة عن كل طير).
ومنها خبره الثالث (7) عنه عليه السلام أيضا إنه قال (في محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا
فجدي أو حمل صغير من الضأن).
ومنها عن حريز (8) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وإن وطأ المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم كل هذا يتصدق به
بمكة ومنى وهو قول الله تعالى: (تناله أيديكم ورماحكم).
ومنها، عن علي بن جعفر (9) عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل كسر بيض حمام وفي البيض فراخ
قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، ويتصدق بلحومها إن كان محرما وإن كان الفرخ لم
يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم).

1 - سنن البيهقي ج 5 ص 205.
2 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
5 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (9).
6 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
7 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
8 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
9 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
83

وعن الأستاذ مد ظله العالي: وفيه إشكال لأفضلية البيض على البائض في الفداء، إلا أن يراد منها جنسها حتى
يشمل الصغير والكبير، وحينئذ يرتفع الاشكال (لامكان الحكم بكفاية الصغير وإن كان الكبير أفضل.
إلا أنه مع ذلك اختلفت الفتاوى لاختلاف الروايات في أن المحل في الحرم إن قتل حمامة من حمام الحرم فهل عليه
القيمة أو الدرهم أو الثمن فعن بعض ومنهم المصنف وصاحب الجواهر وفاقا للمشهور أن عليه درهم وإن كانت القيمة (أزيد
، وفي المدارك: أن المتجه اعتبار القيمة مطلقا وعن صاحب الجواهر: قلت لكنه مخالف لكلام الأصحاب المقطوع فيه بعدم
إرادة كون ذلك قيمة سوقية له، وفي محكي التذكرة: لو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص فالأقرب الغرم عملا
بالنصوص، والأحوط وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا بد من إطلاق النظر إلى الروايات وبعد الغور فيها يجب الأخذ بالمتيقن منها سندا ودلالة،
هذا إذا لم تكن الروايات مجملة وإلا فعلى المتتبع الرجوع إلى الأصول العملية وهل هي الاحتياط أو البراءة؟ أما
الروايات فمنها عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قيمة الحمام درهم، وفي الفرخ نصف
درهم، وفي البيض ربع درهم).
وعن الأستاذ حفظه الله: وهل يكون عنوان الدرهم فيه تعبدا؟ أو يكون لبيان قيمة الحمام؟ فإن قلنا بالأول فلا
يصح اعطاء الأزيد ولو كانت القيمة أزيد من درهم، ولا الأنقص ولو كانت القيمة أنقص، وأما إن قلنا بالثاني فهو طريق.
ومنها عن منصور بن حازم (2) قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير مذبوح بمكة فأكله: أهلنا، فقال:
لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه).
ومنها، عن الحرث بن المغيرة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم وهو
محرم قال: عليه لكل بيضة دم، وعليه ثمنها سدس أو ربع درهم الحديث).
وعن صفوان بن يحيى (4) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة،
والقيمة درهم يشتري علفا لحمام الحرم).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه يمكن أن يعلم الإمام عليه السلام القيمة فحينئذ يكون مصداقا للقيمة لا واجبا، بل
الواجب هي القيمة ويستفاد تعين الدرهم من تفسيره عليه السلام قوله تعالى: (يحكم به ذوا عدل).
ومنها عن ابن أبي عمير عن حفص البختري (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام درهم، وفي الفرخ نصف
درهم، وفي البيضة ربع درهم).
وعن الأستاذ حفظه الله: هل يكون تعيين الدرهم فيها حكما كليا بجميع الأعصار والأزمان أم هو مخصوص بزمانه

1 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
5 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
84

عليه السلام، إن قلنا بالأول فلا خلاف ولا شك في إشكاله، بخلاف الثاني الذي لا إشكال فيه.
ومنها خبر محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو
غير محرم، قال: عليه قيمتها وهو درهم، يتصدق به أو يشتري طعاما لحمام الحرم، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه
شاة وقيمة الحمامة) وعن الأستاذ حفظه الله: ويظهر من قوله عليه السلام (عليه قيمتها) التعبد.
ومنها عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكة محل
، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت: جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة، فسألتني أن أذبحهما، فظننت أني بالكوفة، ولم أذكر
الحرم فذبحتهما، فقال: تصدق بثمنها، فقلت كم ثمنها؟ فقال درهم خير من ثمنها).
وعن الأستاذ حفظه الله: وأما قوله عليه السلام: (درهم خير من ثمنها) فظاهر في أن الواجب هو الثمن ولكن الدرهم
أفضل فبناء على ما استظهرناه أمكن الحكم بأن الدرهم في كل هذه الروايات يكون طريقا لا أصلا تعبديا حتى لا يمكن
التعدي عنه إلى غيره.
ومنها، صحيح صفوان (3) إلا أن فيه: (قال: عليك قيمتها: فقلت: كم قيمتها؟ فقال درهم وهو خير منها).
وعن الأستاذ حفظه الله: ومعناه أن الدرهم يكون قيمة شرعية وهو أفضل من القيمة الواقعية ويمكن أن يكون
الدرهم أكثر ثمنا.
ومنها: عن منصور بن حازم (4) قال: (حدثني صاحب لنا ثقة قال: كنت: أمشي في بعض طرق مكة فلقيني إنسان،
فقال لي: اذبح لي هذين الطيرين فذبحتهما ناسيا وأنا حلال، ثم سألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: عليك الثمن).
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بأن الدرهم قيمة واقعية فيمكن أن يكون مخالفا مع قوله عليه السلام: (عليك الثمن)
لأن القيمة يمكن أن تكون تارة أنقص من الدرهم وأخرى أزيد، فيرجع الأمر إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو
مشكل جدا.
ومنها، عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) إنه سأله عمن قتل حمامة من حمام الحرم في الحرم
وهو حلال، قال: (عليه ثمنها ليس عليه غيره).
وعن الأستاذ حفظه الله: هل تكون النسبة بين القيمة والثمن عموم وخصوص من وجه؟ أو لأجل تطابقهما في الخارج
غالبا قال عليه السلام: عليه ثمنها وهو يدل على مساواة القيمة والثمن، وأما إن قلنا بعدم التنافي بينهما فكأنه يصير
الحكم في حكم قياس المساواة لعدم التنافي بين الثمن والدرهم أيضا. فنهاية ما يمكن أن يقال هنا في قتل حمام الحرم أنه إن
كان القاتل محرما وهو في الحل فعليه درهم، ولكن الانصاف كما عن الأستاذ حفظه الله أن ذلك خلاف الظاهر لأن الثمن

1 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
2 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
3 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
5 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
85

عبارة عما يشترى به الشئ ولو قلنا بأنه طريق إلى القيمة لامكان زيادة الثمن على الدرهم ونقصانه عنه.
ومنها، عن حريز (1) عن محمد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جئ به وهو في
الحرم محل قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه أن الدرهم في الروايات السابقة يكون نحوا من الثمن وهذا هو المؤيد لقول صاحب
المدارك حيث قال: (إن المتجه اعتبار القيمة مطلقا) وعن صاحب الجواهر قلت: لكنه مخالف للمشهور ومنهم صاحب
الشرايع حيث قال: (وعلى المحل في الحرم درهم) مع اختلافها باختلاف الأزمنة، ولو قلنا: كانت القيمة السوقية سابقا
للحمام درهما، ولكن في زماننا هذا لا يمكن قبول مثل هذا الحكم عقلا ولذلك اختار الأستاذ حفظه الله أرجحية القيمة
السوقية على الدرهم مخالفا للمشهور.
فكيف كان لو أمكننا أن نستفيد تعيين الفداء من النصوص فهو، وإلا فمقتضى الأصول العملية هو البراءة عند الشك
في إيجاب الأكثر بعد الاتيان بالأقل، لأنه من باب الأقل والأكثر غير الارتباطي، فيجري البراءة عند الشك في إيجاب
الأكثر بعد إعطاء الأقل وهذا لاتفاقهم على ذلك.
نعم يمكن أن يقال بالاشتغال بوجوب الكفارة علينا ولنا محو آثارها وعند الشك في الأكثر لا يمكن إجراء البراءة لأن
هذا الشك يرجع إلى الشك في المحصل، فمقتضى الشك في المحصل هو الاشتغال لا البراءة.
وعن الأستاذ حفظه الله، والانصاف هو الأول لا الثاني وكيف كان فعن الكركي (إن إجزاء الدرهم في الحمام مطلقا في
غاية الاشكال، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه قيمته السوقية بالغة ما بلغت فكيف يجزي الأنقص في
الحرم).
وفيه: إن هذا إنما يتم إذا قلنا بكون فداء المملوك لمالكه، لكن سيأتي إن شاء الله أن الأظهر كون الفداء لله تعالى،
وللمالك القيمة السوقية.
وعن الأستاذ حفظه الله: هذه الأولوية غير صحيحة بل الصحيح هو الذي حكم به الشارع.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وفي فرخها للمحرم حمل) وفاقا للمشهور أيضا لما سمعته من حسن (2) حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخه ففيه حمل، وإن وطأ البيض فعليه درهم)
وخبر أبي بصير (3)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم،
قال: فقال: عليه شاة - (إلى أن قال) - قلت: فمن قتل فرخا من حمام الحرم وهو محرم، قال: عليه حمل).
وخبر أبي الصباح الكناني (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام وأشباهها إن قتله المحرم شاة، وإن كان
فراخا فعدلها من الحملان الحديث).

1 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (9).
2 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (9).
4 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
86

نعم في صحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه، فإن
كان فرخا فجدي أو حمل من الضأن).
وعن المسالك: (روى عبد الله سنان) وعن المدارك أجتزي به، وعن صاحب الجواهر: إلا أني لم أجد له موافقا،
وعن الحدائق - بعد نقل عبارة المدارك - قال: لا بأس به، وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه: أنه يمكن أن يكون مراد
صاحب الجواهر من قوله: إلا أني... قبل الحدائق ولذا قال: والمعروف بين الأصحاب كالنصوص تعين الحمل.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويحتمل أن يكون عدم أخذ الأصحاب بالجدي إدخال كلمة (أو) فيها زيادة عن الراوي
ومعناه أن كلمة (أو) لا تكون عن الإمام عليه السلام وإن تردد نافيه فلا يمكن الافتاء بمضمونها.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وللحمل في الحرم نصف درهم) وفاقا للمشهور، وللنصوص الآتية.
منها صحيح بن الحجاج (2) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (في قيمة الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي
البيض ربع درهم). وعن الأستاذ ولو لم يذكر فيه المحل والمحرم وكونه في الحل أو الحرم ولكن يمكن تعيين كل ذلك
بقرينة روايات أخرى، منها صحيح ابن الحجاج (3) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن فرخين مسرولين ذبحتهما
وأنا بمكة محل فقال لي: لم ذبحتهما؟ قلت: جائتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة ولم
أذكر الحرم فذبحتهما فقال: عليك قيمتها، قلت: كم قيمتها؟ قال: درهم، وهو خير من ثمنها).
وعن الأستاذ حفظه الله: ويحتمل أيضا كما قلنا في الفرع السابق أن يكون ما حكمه عليه السلام في الفرخ من نصف
درهم تعبديا كما يحتمل أن يكون طريقيا والظاهر أنه تعبدي لتغيير القيمة السوقية كما ذهب إليه صاحب الجواهر.
ويحتمل أيضا أن يكون قوله عليه السلام: (درهم وهو خير من ثمنها) لاختيار العامة الثمن، ولذلك حكم عليه السلام
بأرجحية الدرهم عن الثمن، ولم أرقط هذا الاحتمال وعليكم بالفحص والبحث.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران) وفاقا للمشهور، بل عن شرح الجمل
للقاضي الاجماع عليه ولقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، ودعوى عدم صدق هذه القاعدة على المورد، لأنه من وحدة
المسبب ولو قلنا بتعدد السبب كالنوم والبول والحدث مدفوع، لدخول المورد فيها لأنه يكون مثل إن ظاهرت فكفر، وإن
أفطرت فكفر، وحينئذ انطباق المورد على القاعدة قهري لأن المحرم في الحرم إن قتل شيئا، فإنه قد هتك الحرم والاحرام
فيجتمع عليه الأمران وللنصوص.
ومنها خبر محمد بن الفضيل (4) عن أبي الحسن عليه السلام: (وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة
درهم).

1 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
2 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
87

ومنها خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم فقال:
عليه شاة وقيمة الحمامة درهم يعلف به حمام الحرم، وإن كان فرخا فعليه حمل وقيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام
الحرم).
ومنها، عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو
شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام الحرم).
ومنها عن زرارة بن أعين (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي
فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفي قوله عليه السلام: (إلى أن يبلغ الظبي) احتمالان: الأول: معناه: عليه دم شاة يهريقه
إلى أن يبلغ مقدار الظبي، وأما إذا تجاوز هذا الحد فعليه فداء آخر، الثاني: عليه تضاعف الفداء ما لم يبلغ الفداء إلى
البدنة وإذا وصل إليها لم يجب عليه تضاعف الفداء، وقد تمسك به بعض لاثبات تضاعف الفداء ما دون البدنة وأما في
البدنة فلا يجب التضاعف لكونه أعظم ما يكون، قال الله عز وجل (4): (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
إلا أن الأصحاب لم يعملوا به وحكموا بلزوم التضاعف حتى في البدنة، وعن بعض تضاعف الفداء لا تضاعف الفداء
والقيمة بمعنى أنه إن كان عليه البدنة يجب عليه ذبح الاثنين منهما، ومنشأ ذلك النصوص الواردة وهو المحكي عن
الإسكافي وقد استدل به بقول الصادق عليه السلام في الحسن أو الصحيح (5): (إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم
فالفداء مضاعف عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء
واحد).
وقوله عليه السلام في الموثق (6): (وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا) إلا أنه يمكن تنزيلهما
بإرادته من المضاعفة ولو مجازا هو تضاعف الفداء والقيمة أو على غير المقام، فيقع التعارض بينهما ولكن يمكن رفع
التعارض بتصريح النصوص الواردة في البحث، والحكم فيها بتضاعف الفداء والقيمة لا تضاعف الفداء نفسه كما عن بعض
، وحينئذ فلو كان التضاعف هو عبارة عن تكرار ما هو الفرد، ولكن هنا لا بد من تنزيله بنوع خاص من التضاعف وهو
تكرار القيمة والدرهم.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل) وظاهر المصنف عدم الفرق في ذلك بين المحل والمحرم
خصوصا مع ملاحظة تفصيله في الفرخ قبل التحرك بين أن للمحرم في الحل حمل وللمحل في الحرم درهم، ومال إليه

1 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - سورة الحج الآية 33.
5 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
6 - الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد، ح ذيل ح (5).
88

صاحب المدارك قال: (وعبارة المصنف كالصريحة في التعميم حيث أطلق وجوب الشاة بعد تحرك الفرخ وفصل الحكم
قبله).
وعن الأستاذ دام ظله: ومقتضى ذلك زيادة فداء كسر حمل البيض ذي الفرخ المتحرك في الحرم على فداء الفرخ نفسه
الذي عرفت وجوب نصف درهم له، وعن الشهيدين: إن حكم البيض بعد تحرك الفرخ حكم الفرخ، ومقتضاه
اختصاص هذا الحكم بالمحرم في الحل، ويجب على المحل في الحرم نصف درهم، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم).
وعن الأستاذ حفظه الله: يجب علينا النظر إلى الروايات وإخراج الحكم المتيقن منها.
منها خبر يونس بن يعقوب (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم
وفراخ وبيض قال: إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، ولكل فرخ حملا، وإن لم يتحرك فدرهم،
وللبيض نصف درهم).
وعن الأستاذ حفظه الله: ولا دلالة فيه على ما اختاره صاحب الشرايع بل هو يدل على ما ذهب إليه الشهيدان لقوله
عليه السلام: (عن رجل أغلق بابه في الحرم بعد ما أحرم للبيض نصف إن لم يتحرك) معناه إن ترك وهو محرم في الحل
حمل.
ومنها صحيح علي بن جعفر (2) سأل أخاه عليه السلام (عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك قال:
عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك شاة، ويتصدق بلحومها إن كان محرما، وإن كان الفراخ لم تتحرك تصدق بقيمته
ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم).
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه احتمالان: الأول: ضرب الذيل وهو (إن كان محرما) بالصدر وهو قوله عليه السلام:
(عليه أن يتصدق إلخ) فيصير موافقا لما اختاره الشهيدان، وأما أن لم نضرب الذيل وهو (إن كان محرما) بالصدر وهو قوله
عليه السلام: (عليه أن يتصدق إلخ) فيصير موافقا لما اختاره الشيخ ومن تبعه، ومنهم صاحب الشرايع، ولكن مع ذلك
كله لا يصير الرواية دليلا على ما اختاره صاحب الشرايع لاجماله وتردده بين هذين الاحتمالين.
ومنها، صحيح الحلبي (3) قال: حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبد الله عليه السلام، فقال:
جديين أو حملين) وحمله الشيخ على الفراخ المتحرك، وإن كان الموجود في الرواية بيضتان بمقتضى ما في صحيح علي بن
جعفر المتقدم فإنه عليه السلام حكم فيه في كسر البيضتين بحملين.
وعن الأستاذ حفظه الله: فإن قدمنا الحلبي على غيره من الصحاح يقع التعارض بينهما إذ الموجود في الأول (في البيض
المتحرك حمل) وفي الثاني: (في الفرخ المتحرك درهم) ويمكن رفع التعارض بأن نحكم في الفرخ بوجوب درهم إلا إذا كان

1 - الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 26 - من أبواب كفارات الصيد - ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 26 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
89

في البيض، وفي هذه الحالة على قاتله حمل. وهذا بعيد لرجوع أشدية البيض على البائض، وإن أفتى به الشيخ وتبعه
صاحب الشرايع، والحق عند الأستاذ كما عن صاحب الجواهر أيضا أن للبيض إذا تحرك الفرخ فيه للمحرم في الحل نصف
درهم مطلقا خارج البيض أم فيه.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وقبل التحرك على المحرم درهم، وعلى المحل ربع درهم، ولو كان محرما في الحرم
لزمه درهم وربع).
وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن استظهار تفصيل صاحب الشرايع من ناحية الجمع بين النصوص التي منها ما سمعته من
حريز (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، وإن قتل فراخه ففيه حمل، وإن وطأ
البيض فعليه درهم) وهو وإن كان مطلقا لكن بضميمة نصوص أخرى عليه يمكن حمله على المحرم في الحل.
ومنها عن حفص البختري (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي
البيضة ربع درهم) وهو في الاطلاق وإن كان كقبله إلا أنه لا بد وأن يحمل على المحل في الحرم، فإذا اجتمع الأمران وهو
المحرم في الحرم فعليه درهم وربع، وهذا كقتل المحرم الحمامة في الحرم الموجبين للشاة والدرهم.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ويستوي الأهلي وحمام الحرم في القيمة) وعن الأستاذ حفظه الله: وفي التعبير بالأهلي
إجمال، لاشعاره بكونه مملوكا أو غيره، ويمكن أن يكون مراده من الأهلي إدخال ما ليس من الحرم في الحرم، ويحتمل
أن يكون مراده من الأهلي ما استأنس في البيوت، ويمكن أن يكون مقصوده من الأهلي هو إدخال الحمام الأهلي في الحرم
، وهما يستويان في الفداء والاحتمال الأخير هو اختيار الأستاذ حفظه الله، فكما يستويان في الحرم يستويان في الحل أيضا
لقوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) وللنصوص، منها قوله عليه السلام: (كما لا يجوز قتل حمام الحرم لا يجوز قتل حمام
غير الحرم) هذا كله مما لا ريب فيه ولا خلاف إلا من داود، فلا جزاء لصيد الحرم لكبره، فإذن لا يمكن رفع المعصية
بالكفارة، بل الفداء مختص بالأهليات.
وعن صاحب الجواهر: ويمكن القطع بفساده بملاحظة النصوص السابقة والفتاوى والاجماعات، نعم في بعضها التخيير
بين الصدقة به وبين أن يشتري به علفا لحمام الحرم. منها خبر محمد بن الفضيل (3)
سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو محرم، قال: إن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة درهم)
وهذا هو الشاهد لمن يقول بلزوم الكفارة في صيد الحرم.
ومنها صحيح الحلبي (4)
درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمامة مكة، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها).

1 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
3 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
90

وعن الأستاذ حفظه الله: بإطلاقه يحكم بعدم الفرق بين حمام الحرم أهليا كان أم غيره، والأول مملوكا دون الثاني،
والثاني مستوحش دون الأول، خلافا لمن يقول بالفرق بين الحرمي وغيره.
ومنها عن الحلبي (1)
الحرم فإن عليك جزاؤه، فإن فقأت عينيه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة) وعن الأستاذ دام عزه: الظاهر منه هو
وجوب الفداء إذا قتل صيدا بين البريد إلى الحرم، ولو كان من خارج الحرم ودخل فيه لقوله تعالى: (ومن دخله كان
آمنا).
فتلخص مما ذكرناه مساواة القيمة بين الحرمي وغيره، ولكن عن بعض النصوص يظهر الفرق والتفصيل بين الحرمي
وغيره وهو خبر حماد (2)
غير الحرم، قال: يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم ويتصدق بجزاء الآخر).
وعن الأستاذ حفظه الله: والبحث فيه من جهتين: الأول: هل يجب شراء الحنطة معينا أم هو مثال، إن قلنا بالأول
فيمكن تقييد إطلاق غيره من النصوص به وأما إن قلنا بالثاني فحينئذ هو أحد فردي الواجب التخييري الثاني: اشتراء
الحنطة ينحصر بالحرمي منها وأما في غيره فهل يجب عليه أن يتصدق بجزاء الآخر أم لا؟
عن الأستاذ حفظه الله: شراء الحنطية للحرمي أفضل ويتصدق لغير الحرمي.
وعن المسالك ما نصه: (إن المراد بالقيمة ههنا ما يعم الدرهم والفداء ليدخل حكم بيضه وفرخه وغيرهما) ثم قال:
(وإنما يستويان في ذلك مع إذن المالك في إتلاف الأهلي أو كان المتلف هو المالك أما لو كان غيرهما افترق الحكم على
الأقوى، إذ يجتمع على المتلف في الأهلي القيمة للمالك والفداء كما سيجئ إلى أن قال - وأما الأهلي فقد أطلقوا وجوب
الصدقة بقيمته على المساكين، وينبغي أن يكون ذلك في موضع لا يضمنه للمالك، وإلا كان فداؤه للمساكين وقيمته للمالك
، فينبغي تأمل ذلك، فإن النص والفتوى متطابقان).
وعن صاحب الجواهر: قلت: لا ريب في أن ما ذكره أحوط وإن كان الأصل وظاهر النص والفتوى خلافه، اللهم إلا
أن يدعى انسياقها إلى غير المملوك، وإن عبروا عنه بالأهلي ونحوه، وإنما المراد منه كما عرفت الذي يألف البيوت
ويسكنها في مقابل الوحشي، هذا.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يؤثر عدم المملوكية وعدم الاستيناس في استواء القيمة لأنا قلنا سابقا باستوائهما في الفداء.
وفي الرياض ما نصه: (وهل يختص الاستواء المزبور بالمحل أم يعمه والمحرم؟ حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في
الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني، ومع الفداء على الأول؟ إشكال من إطلاق النص والفتوى باجتماع الأمرين إذا
جنى على الحمام في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها والحرمي، ومن أن ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة

1 - الوسائل - الباب - 32 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
91

الحرم والاحرام فيلزمه الأمران كل بسببه، وهذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة، لكونه صيدا منع عنه المحرم، وأما
الأهلي منها فلا منع فيه إلا من جهة الحرم، لأن من دخله كان آمنا، ولم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الفرض فضلا
عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه والأول من وجهي الاشكال هو الأقرب، لقوة دليله) إلى آخره.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثاني في كل واحد من القطاة والحجل والدراج حمل قد فطم ورعى) لصحيح سليمان بن
خالد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وجدنا في كتاب علي عليه السلام في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم
من اللبن وأكل من الشجر).
وعن سليمان بن خالد (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام (من أصاب قطاة أو
حجلة أو دراجا أو نظيرهن فعليه دم).
وعن الأستاذ حفظه الله: وهما وإن كانا مطلقا ومقيدا ولكن نقل تقيد الدم عن أبي عبد الله عليه السلام بالحمل
والاطلاق وإن لم يكن أقوى ولذلك تفسيره أظهر من أن يقال: إن الحمل أحد افراد وجوب الدم أو الأقل حمل ولا
بأس بالأكثر هذا.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه - أي في عبارة الشرايع - إشكال لاستلزامه وجوب الحمل في البائض ووجوب
المخاض في البيض وهو مدفوع بأن الشرع على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في الصغير أزيد مما
يثبت في الكبير. وعن بعض: بأن المراد من المخاض بنت المخاض، وعدم الفرق بين البائض والبيض لوجوب المخاض
في كليهما.
وعن صاحب المدارك: إن لم يمكن الحكم بالتساوي بينهما فالأقوى ترك رواية المخاض لضعف سندها والأخذ بغيره
والحكم بالحمل في البيض والبائض، هذا قال المحقق صاحب الشرايع: (الثالث في قتل كل واحد من القنفذ والضب
واليربوع جدي) لحسن مسمع أو صحيحه (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه
المحرم فعليه جدي، والجدي خير منه، وإنما جعل عليه هذا لكي ينكل عن قتل غيره من الصيد).
وعن بعض التعدي منها وإلحاق أشباها بها، وعن الأستاذ حفظه الله: لا يمكن التعدي عن النص إلى غيره لاثبات
حكم شرعي، إلا أن يلحق الغير بها بالأولوية.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الرابع في كل واحد من العصفور والقبرة والصعوة مد من طعام) وفاقا للمشهور.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفي كل واحد منها أقوال: الأول: مد من طعام، وهو قول المشهور ومنهم صاحب الشرايع
، الثاني: دم شاة، وهو للصدوقين فأوجبا لكل طائر عدا النعامة شاة، الثالث: القيمة: وهو للإسكافي فأوجب في

1 - الوسائل - الباب - 5 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 5 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
92

العصفور والقمري وما جرى مجراهما قيمته إن كان في خارج الحرم، وفي الحرم قيمتان، هذا.
ومستند قول المشهور مرسل صفوان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام: (في القبرة والعصفور والصعوة إذا قتله المحرم
فعليه مد من طعام).
وعن صاحب الجواهر: المنجبر بالشهرة إن لم نقل باعتباره في نفسه.
ومستند القول الثاني: صحيح ابن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا إنه قال: (في محرم ذبح طيرا إن عليه
دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن) وهو مع عمومه يمكن تخصيصه بالمرسل لذهاب المشهور
بخلافه، وعن صاحب المدارك: هذا صحيح إن قلنا بصحة سنده، إذ الثاني وهو خبر ابن سنان صحيح، دون الصفوان
الذي هو مرسل، وعن صاحب الجواهر: ينجبر ضعف مرسل صفوان بعمل الأصحاب به.
ومستند القول الثالث خبر سليمان بن خالد (3) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري والدبسي والسماني
والعصفور والبلبل قال: قيمته، فإن أصابه وهو محرم فقيمتان، ليس عليه فيه دم شاة).
وعن الأستاذ حفظه الله: الأول فهو قاصر سندا، والثاني لم يعمل به الأصحاب إلا الإسكافي فلا يكون معمولا بها
لعدم اعتبارها فيقع التعارض بين الصحيح والمرسل، ومقتضى الاحتياط بعد عدم التمكن من تصحيح سند المرسل هو
إعطاء الشاة لتباينهما وعدم إمكان إجراء البراءة في الأكثر وهو دم شاة بعد الشك في التكليف - أي المكلف به.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الخامس في قتل الجرادة تمرة - لصحيح معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: (ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم قال: تمرة
خير من جرادة وهي من البحر. الحديث) ومعناه أفضليتها عليها كقوله: (درهم خير من ثمنها) قال المحقق: (والأظهر
كف من طعام) لصحيح محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل جرادة قال: كف من
طعام، وإن كان كثيرا فعليه شاة).
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد نهى عليه السلام بقوله: (ليس للمحرم إلخ) عن الأكل والقتل، ولكن تترتب الفداء
على القتل دون الأكل، ولذلك لا بد من البحث من أنه هل للأكل كفارة خاص أم هو ملحق بالقتل؟ بمعنى عدم الفرق
بينهما في الكفارة، وعن صاحب الجواهر: فالمتجه إلحاق الأكل بقتلها في التصدق بتمرة.

1 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
93

وعن حماد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة، والتمرة خير من جرادة).
وعن محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا، قال: كف من طعام،
وإن كان أكثر فعليه شاة).
وعن الأستاذ حفظه الله: لا يكون بين الواحد والكثير تعارض لأن في خبر حماد يحكم عليه السلام بإطعام تمرة في
قتل جرادة خلافا للثاني وهو خبر محمد بن مسلم حيث قال عليه السلام: كف من طعام إن كان كثيرا فحينئذ فالجمع
بينهما بأنه إن كانت الجرادة واحدة فتمرة، وإن كانت كثيرا فكف من طعام، وإن كان أكثر فعليه دم شاة، وعن بعض إنه
جمع بينهما بالتخيير، وعن المختلف: (والذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته: (وإن قتلت جرادة تصدقت بتمرة
، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة) انتهى كلامه ملخصا.
وعن محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام (قال: سألته عن محرم قتل جرادة قال: كف من طعام، وإن كان
كثيرا فعليه دم شاة).
وعن عروة الحناط (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أصاب جرادة فأكلها، قال: عليه دم).
وعن الأستاذ حفظه الله: العمل بخبر الحناط مشكل لأجل الجمع بين الأكل والقتل، ويمكن الجمع بينها وبين ساير
النصوص، بالحكم بتمرة في قتل جرادة وفي الأكل والقتل دم شاة، وهذا أيضا ضعيف ولذلك قال الشيخ: هذا محمول
على الجراد الكثير، وإن أطلق عليه المفرد، لأنه أراد الجنس، وعن صاحب المدارك بعد نقل قول الماتن: (في قتل
الجرادة تمرة) قال: التخيير بين التمرة وكف من طعام أفضل) وهذا هو مختار سيدنا الأستاذ حفظه الله، هذا كله في حال
الاختيار فإذا قتل جرادة فعليه الاختيار بين التمرة وكف من طعام فإن كان أكثر فعليه دم شاة، وأما في حال الاضطرار -
فعن حريز (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان في طريقه، فإن لم يجد بدا فقتل
فلا بأس (فلا شئ عليه خ ل).
وعن معاوية (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجراد يكون في ظهر الطريق
والقوم محرمون، فكيف يصنعون؟ قال: يتنكبونه ما استطاعوا قلت: فإن قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال لا شئ عليهم) -
فلا شئ عليهم بمقتضى هذه الروايات.

1 - الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
2 - الوسائل - الباب 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
4 - الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
5 - الوسائل - الباب - 38 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
6 - الوسائل - الباب - 38 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
94

هذا كله في القتل، وأما الأكل فمقتضى قوله عليه السلام في خبر الحناط: (أصاب جرادة فأكلها قال: عليه دم) أن
للأكل والقاتل معا دم وهو مردود لضعف سنده، وعدم عمل الأصحاب به، ولكن عن صاحب الجواهر: إلحاق الأكل
بالقتل، وعن الأستاذ حفظه الله: إن صح هذا الالحاق فهو وإلا فلا، ودعوى إثبات وجوب الكفارة في الأكل بالأولوية
مدفوع بأنه أولوية هنا.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وكذا في القملة يلقيها من جسده) ومعناه: إذا ألقاها عن جسده فعليه كف من طعام،
وإن لم يفض إلى القتل، وعن صاحب المسالك: وحكم قتلها حكم إلقائها على المشهور خلافا للشيخ في المبسوط حيث
جوز قتلها وأوجب الفداء في رميها دون قتلها، هذا وأما الأخبار: فمنها، خبر حماد بن عيسى أو صحيحه (1) (قال:
سألت الصادق عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما).
وعن الأستاذ حفظه الله: وإن لم يكن فيه كف من طعام ولكن يمكن إرادة الكف من إطعام الطعام مكانه، إذ هو
أقل مقدر منه.
لا يقال يمكن إعطاء الأقل من الكف أيضا، لأن مقتضى قوله عليه السلام (يطعم مكانها طعاما) هو الانصراف إلى
كف من طعام هذا، مع أنه يمكن تفسيره بالنصوص الواردة في الباب.
ومنها خبر ابن مسلم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال:
يطعم مكانها طعاما) وعن الأستاذ حفظه الله: ولكن الأصحاب حكموا بضعف هذين الخبرين لوجود عبد الرحمن في
طريقهما كما عن المدارك، وعن بعض آخر وهو المجلسي والمامقاني: هو ثقة لأنه كان عاملا لتقسيم بيت المال من ناحية
الإمام عليه السلام وهذا هو السر بحكم البعض بوثاقته وإن لم يعترف بوثاقته في كتب الحديث والرجال ولذلك عمل بهما
الأصحاب وحكموا بكف من طعام في إلقاء القملة، هذا كله في هاتين الصحيحتين.
ومنها صحيح الحسين بن أبي العلاء (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من
ثوبه متعمدا، وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده).
وعن الأستاذ حفظه الله: قوله عليه السلام (متعمدا) أي جهالة وعن غير صواب: وقوله عليه السلام (قبضة بيده)
يطابق كفا من طعام.
ومنها خبر ابن مسكان (4) عن الحلبي (قال: حككت رأسي وأنا محرم فوقع منه قملات فأردت ردهن فنهاني، وقال:
تصدق بكف من طعام).

1 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (3).
4 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (4).
95

وعن الأستاذ حفظه الله: وقوله (حككت) ظاهر في عدم العمد، والرواية ولو نقلها الحلبي إلا أنه في حكم ما صدر
عن... الإمام عليه السلام.
ومنها صحيح ابن عمار (1) سأل الصادق عليه السلام (عن المحرم يحك رأسه فيسقط منه القملة والثنتان: فقال لا شئ
عليه ولا يعود) وهو ظاهر في عدم الكفارة.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد يجمع بينهما وبين خبر ابن مسكان كون الكفارة في إلقاء القملة على الندب، وعن
صاحب الجواهر مع ذهابه بصحة خبر حماد قال: خصوصا مع صحة سند النافي لها، وضعف المثبت لها، ومراده من
الضعف المثبت لها وجود عبد الرحمن فيهما، ولكن قلنا عمل بهما المشهور، وبه يمكن انجبار ضعفهما إن كان، وحينئذ يدور
الأمر بين الترجيح والحكم بلزوم الكفارة أو الجمع والثاني أو لي. وقد تلخص مما حررناه أن في المسألة أقوالا: الأول
وهو مختار الأستاذ أدام الله ظله العالي هو حمل رواية ابن مسكان على أنه يكون غير متعمد في إلقائها كما هو ظاهر من
قوله: (يحك رأسه) وقال حفظه الله: هو أتقن الجمع وأحسنها، الثاني يخصص بما عدا الكف، ويرجع هذا الجمع إلى
عموم مطلق، ومعناه لا شئ عليه إلا كف من طعام، وعن الأستاذ حفظه الله: هذا الجمع غير صحيح لأنه لا يصح
الحكم بعدم لزوم الكفارة في المورد الذي يكون فيه كفارة وبعد ذلك نقول إلا كف من طعام، الثالث الجمع بينهما وبين
خبر ابن مسكان بلزوم الكفارة لايذائها في الثاني دون الأولين، وهذا الجمع أيضا غير صحيح.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن الجمع بينهما والحكم بعمومية كف من طعام أعم من أن تؤذيه أم لم تؤذه وبين خبر
ابن مسكان بعدم العقاب لا عدم الكفارة، نعم إن ألقاها نسيانا لا فيه كفارة ولا فيه عقاب.
وعن بعض الجمع بينهما وبين خبر ابن مسكان بعدم العقاب وعدم الكفارة المعينة.
وعن الأستاذ: هذا الجمع بعيد لأنه لا يمكن أن ينفى العقاب ولا يتكلم عن الكفارة.
وعن معاوية بن عمار (2) قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شئ عليه في
القملة، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها) أقول: ذكر الشيخ أنهما محمولان على نفي العقاب إذا كانت تؤذيه، أو على نفي كفارة
معينة محدودة كغيرها، ويحتمل الحمل على النسيان.
وعن الأستاذ حفظه الله: كل هذه الاحتمالات خلاف الظاهر. وعن أبي الجارود (3) قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: حككت رأسي وأنا محرم فوقعت قملة، قال: لا بأس، قلت: أي شئ تجعل علي فيها؟ قال: وما أجعل عليك في
قملة، ليس عليك فيها شئ) وفيه أنه ليس قابلا للعمل لضعف سندها.

1 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (7).
96

وعن أبي الجارود (1) قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة وهو محرم قال: بئس ما صنع، قلت
: فما فداؤها قال: لا فداء لها) وهذه كلها معارض لما قبلها ولذلك ذهب بعض إلى القول بكون الكفارة في ذلك على الندب
، وعن صاحب الجواهر: ولكنه مناف للاحتياط، خصوصا بعد العمل بظاهر الأمر ممن عرفت.
وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن حمل هذه النصوص على الاضطرار أو غير العمد وهو النسيان، ومع ذلك كله لا منافاة
فيها لوجوب الكفارة دون العقاب كالتظليل.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وكلما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته) وعن صاحب الجواهر: لقاعدة الضمان مع عدم
ما يخالفها من نص ونحوه، ومعناه أنه إن أتلف مال الغير فهو له ضامن وكذلك هنا.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيها يبحث من جهتين: الأول: تارة يوجد لما أتلف مثل في النعم وورد النص من الشارع
به وأخرى لا يوجد له مثل من النعم، وحينئذ تحكم قاعدة الضمان في المثلي على المثل وفي القيمي على القيمة، وملخص
الكلام بعد تعارض النصوص وعدم إمكان التمسك بها فالقاعدة تقتضي وجوب القيمة فيما لا تقدير لفديته، ولقول الصادق
عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد (2) (في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة وفي الحمار بدنة، وفي النعامة بدنة، وفيما سوى
ذلك قيمته).
وعن الأستاذ حفظه الله: وقوله عليه السلام: (وفيما سوى ذلك قيمته) عام يشمل بعمومه الطير وغيره ولكن نعلم
بالعيان خروج بعض الطيور بالنص، فحينئذ يبقى الباقي تحت العام فعليه القيمة بعد القتل، هذا كله إن لم يمكن إثبات
الضمان بالقاعدة، وإلا فمع إمكان الاثبات نحن في غنى عن النص الخاص، وقد عرفت سابقا أن هذا ونحوه حكم المحرم في
الحل، والمحل في الحرم، وأما المحرم في الحرم فتتضاعف عليه القيمة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (وقيل في البطة والاوزة والكركي شاة) لصحيح ابن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه
السلام إنه قال: (في محرم ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه: فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن).
وعن الأستاذ حفظه الله: قوله عليه السلام: (ذبح طيرا) عام يشمل كل طير حتى الكركي والاوزة والبطة ولم يقل
بالعموم إلا الصدوق، ولكن تخصيصه بها غير صحيح، ولذلك قال الماتن: (وهو تحكم) وعن بعض أنه خاص بالذبح،
مع أنه لا فرق بينه وبين غيره من الإشارة والدلالة وغيرها في الكفارة خلافا لظاهر الصحيح الذي يحصر الكفارة في
الذبح دون غيره، وأجاب بأنه يدفع بعدم القول بالفصل.
وأما مسألة التقويم - فهو بعد عدم وجود المثل في الخارج إن قلنا بفقده عادة - هنا كغيره من المقامات فيجري
البحث في إجزاء العدل الواحد لكونه من باب الاخبار، أو لا بد من التعدد لكونه من باب الشهادة؟ في القواعد وغيره:

1 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (8).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
97

يجب أن يحكم في التقويم عدلان عارفان ولو كان أحدها القاتل أو كلاهما فإن كان عمدا لم يجز، وإلا جاز، وأما قوله:
ولعدم الاجزاء في حال العمد بالفسق المخرج عن العدالة، إلا أن تفرض التوبة.
وعن الأستاذ: ما أدري ما المراد من التوبة لقبول شهادته؟ ولو حكم عدلان بأن له مثلا من النعم، وعن الأستاذ
حفظه الله: بناء على هذا الفرض يخرج من غير النصوص ويدخل في النصوص.
قال المحقق صاحب الشرايع: (فروع خمسة: الأول إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور فداه بصحيح ولو فداه
بمثله جاز) لظاهر الآية، هذا إن قلنا إن المراد من المثل في الآية هو الشخص، ولكن إن لم نقل به بل قلنا إن مراده من
المثل هو الجنس فالحكم بالاجزاء مشكل، لأن المأمور به ولو يكون أعم من الصحيح والمعيب ولكن الأمر على هذا
الفرض يختص بالصحيح دون الأعم، وعلى كل حال فلا ريب في أن الصحيح أفضل وأولى لأنه زيادة في الخير وفي تعظيم
الشعائر، وإن قلنا بالثاني.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ويفدى الذكر بمثله وبالأنثى وكذا الأنثى) وعن بعض الشافعية عدم الاجزاء بالذكر عن
الأنثى لأن لحمها أطيب وأرطب، وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال لعدم كلية هذه القاعدة.
وإن شككنا في أن المثل في الآية هو شخصي أو نوعي فيمكن إجراء البراءة في الشك في الزيادة عن المكلف به لأنه
قيد زائد على أصل التكليف، ولكن عن الأستاذ حفظه الله: مقتضى الاحتياط هو إتيان الصحيح في كلتا الحالتين
ومراعاة المماثلة في الذكورية والأنوثية.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثاني: الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الاخراج) لأنه بعد العجز عن الفداء ينتقل إلى
القيمة فتجب، والواجب أصالة هو الجزاء (وفيما لا تقدير لفديته وقت الاتلاف) وعن صاحب الجواهر: لأنه وقت
الوجوب.
وعن الأستاذ حفظه الله: والأولى هنا التمسك بقاعدة الضمان وصحيح ابن خالد (1) المتقدم لأن القيمي يمكن إثباته بهما
وبناء على ذلك لا بد من ملاحظة قيمة يوم التلف، وفي قيمة البدل من النعم بمنى إن كانت الجناية في إحرام الحج، وبمكة
إن كانت في إحرام العمرة لأنهما محل الذبح، هذا وقد ذهب بعض ومنهم صاحب الشرايع إلى وجوب الفداء يوم التلف
لأنه هو المنساق من قاعدة الضمان واختار بعض آخر وجوب الفداء يوم الأداء لأن العين التالف تضمن إلى يوم الأداء وفي
هذا اليوم يمكن أداء العين أو القيمة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الثالث إذا قتل ماخضا مما له مثل يخرج ماخضا) وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه، بل في المدارك احتمال إجزاء غير الماخض قويا لعدم تأثير هذه الصفة في زيادة اللحم، بل ربما اقتضت نقصه،
فلا يعتبر وجودها كاللون، وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن أن يكون مراده احتمال إجزاء غير الماخض لتوقف حق
الفقراء عليه، ولذلك لا بد وأن يذبح الأنفع وهو غير الحامل، ولكن في التحرير والتذكرة والمنتهى: إنه لو أخرج عن

1 - الوسائل - الباب 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
98

الحامل حائلا ففي الاجزاء نظر لانتفاء المماثلة، ومن أن الحمل لا يزيد في اللحم بل ينقص منه غالبا، فلا يشترط كاللون
والعيب، وفي الدروس: (لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا ففي سقوط اعتبار الحمل هنا نظر) هذا.
وعن الأستاذ حفظه الله: ومنشأ الاختلاف والفرق هو اختيار الجنس من المثل في الآية أو اختيار الشخص فلو قلنا
بالأول ولكن هنا لا يفيد لأن المثل إن قلنا هو الذي عينه الشارع فحينئذ مثل الظبي هو الشاة وإن كانت البدنة أفضل،
ومن هنا يظهر إن الاجماع الذي ادعى صاحب الجواهر يكون اجتهاديا لا تعبديا، لأنه إن كان الاجماع تعبديا فلا يصح
إعطاء الغير إن كان له مثل في البين، نعم إن قلنا إن الكفارة عبارة عن تدارك ما مضى وحق للفقراء فيدور الأمر بين
إعطاء ما نفعه أكثر أو ما هو الأقل فالأول أوفق بالغرض وموافق للاحتياط فإذا كان كذلك يصح ما عن البعض ومن
احتمال إجزاء الحائل عن الحامل.
نعم عن الشافعي لا يذبح الحامل من الفداء، لأن فضيلتها لتوقع الولد، وقال: يضمها بقيمة مثلها، لأن قيمة المثل
أكثر من قيمة اللحم.
وعن الأستاذ حفظه الله: هذا صحيح إذا قتل حائلا وأراد أن يفدي حاملا لأن في هذا الحال فضيلتها لتوقع الولد
ولا بد أن يصبر حتى تلد كالمرأة الحامل التي لا بد وأن يصبر الحاكم حتى تلد وبعد ذلك يجري في حقها الحكم الشرعي،
هذا مع أنه قياس واستحسان خاص بالعامة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو تعذر يقوم الجزاء ما خضا) ولا يكون فيه مخالف، وإن كان المخالف في فداء المثل
موجودا، والوجه في ذلك وإن قلنا بلزوم الجنس في المماثلة ولكن من أتلف مال الغير فعليه قيمة المثل لأن الشارع إذا أمر
بإعطاء شئ ينصرف حكمه إلى الفرد المتعارف، فحينئذ في القول بعدم إجزاء الحائل عن الحامل كما عن بعض إشكال،
نعم إعطاء الأقل لا يجزي وإن كان إعطاء قيمة الأكثر أفصل، وعن الشهيد: (لو زاد جزاء الحامل عن إطعام المقدر
كالعشرة في شاة الظبي فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل إلا أن يبلغ العشرين فلا يجب الزائد) ويحتمل عن بعض
وجوبه، وعن بعض الآخر عدم لزوم الزائد عن العشرة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الرابع إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم مات فدى الأم بمثلها والصغير
بصغير ولو عاشا لم يكن عليه فدية إذا لم يعب المضروب ولو عاب ضمن أرشه ولو مات أحدهما فداه دون الآخر، ولو
ألقت جنينا ميتا لزمه الأرش، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا).
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بحياة الطفل في بطن أمه ثم مات بالضرب لزمه فدى الأم والطفل، وأما إن لم نقل به
بل قلنا ولو كان في بطن أمه حيا ولكن الفداء يدور مدار سقوطه حيا فإذا سقط حيا فعليه الفداء، وإذا مات بعد السقوط
فلا يلزمه الفداء.
ملخص الكلام: مرجع الحكم باللزوم هو العلم بالحياة على الأول، فإن لم نعلم يمكن استصحاب عدم الحياة أو
استصحاب عدم ولوج الروح فيه، لأن بعد الضرب لا نعلم أنه كان حيا ثم مات بالضرب أم لا؟ ومن يقول بلزوم الحياة
بعد السقوط ففي فصحة لأنه سقط ميتا.
99

وأما على القول الأول وهو العلم بالحياة فلا يمكن الحكم بعدم الفداء ولو أسقطه ميتا وتلخص أيضا بعد السقوط إن
كان ميتا ففي كلتا الحالتين الأصل هو عدم وجوب الفداء عليه، لعدم صدق الصيد عليه أولا ولموته بعد سقط ثانيا، نعم
عليه الأرش وهو التفاوت ما بين الصحيح والمعيب.
ولو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته احتمل وجوب عشر الشاة كالوقف المشاع الذي يكون عشره وقفا لمصالح
المسلمين فله التصرف في التسعة من العشرة دون العشر الباقي فكذلك هنا، ومعناه بعد الذبح له التصرف في التسعة من
العشرة ويعطي العشر في سبيل الله، ويحتمل وجوب عشر ثمنها.
هل القول الأول صحيح أم الثاني؟ وأجاب الأستاذ حفظه الله: مقتضى الاحتياط الجمع بين القيمة وإعطاء عشر
الشاة.
ولو أزمن صيدا وأبطل امتناعه فهل ويجب عليه كمال الجزاء؟ أو ضمان الأرش؟ وهو تفاوت بين قيمتها صحيحا
ومعيبا.
فعن الأستاذ حفظه الله: والأقوى عندي هو الأرش، وكذا لو أبطل أحد امتناعي مثل النعامة والدراج ضمن الأرش
قطعا.
قال المحقق صاحب الشرايع: (الخامس: إذا قتل المحرم حيوانا وشك في كونه صيدا لم يضمن) وعن الأستاذ حفظه
الله: الشك قسمان: قسم مصداقي وهو عبارة عن اشتباه الصيد بالآخر بعد أن كانا معا فرمى المحرم فأصاب، فلا يدري
بأيهما أصاب، فإن أصاب بالظبي فعليه شاة وإن أصاب بالآخر فلا يجب عليه الجزاء لأنه شك في التكليف والأصل فيه
هو البراءة، وقسم مفهومي وهو عبارة عن وجود الواحد في الخارج ولكن لا يدري هو ظبي أم شئ آخر، فرمى فأصاب
فمات فلا يجب عليه الجزاء أيضا، ولا يمكن في هذين الحالتين التمسك بقوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد) (1) لاثبات إيجاب
الكفارة عليه، وكذا إذا شك في كونه صيد البر، وأما إذا علم عين المقتول وشك في كونه صيدا أو صيد البر ففي كشف
اللثام عليه الاستعلام كما قد يرشد إليه قوله عليه السلام (2) في الجراد (ارمسوه في الماء) ولكن عن صاحب الجواهر:
وفيه نظر لأصالة البراءة والخبر إنما هو في مقابل من قال إنه صيد بحري لا مثل الفرض.
وعن الأستاذ حفظه الله: وإن علم أنه صيد ولكن شك في أنه بحري أم بري يمكن القول بانطباق قوله تعالى: (لا
تقتلوا الصيد) عليه فيجب الجزاء في قتله لأنه عام وبعمومه يشمل كل مورد يشك فيه، للشك في خروجه عن العام
بواسطة الخاص، وهو قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) والشك أيضا في دخوله تحت الخاص الآخر وهو قوله تعالى:
(حرم عليكم صيد البر) حتى يجب عليه الجزاء إن رماه فأصاب فمات وهو كقوله أكرم العلماء ولا تكرم الفساق، وإذا
شك في وجوب الاكرام وعدمه في أحد للشك في أنه فاسق حتى يحرم عليه الاكرام أم غير فاسق حتى يجب عليه الاكرام
يمكن التمسك بالعام وإثبات إيجاب الاكرام عليه هذا.

1 - البقرة: الآية 192.
2 - الوسائل - الباب - 7 - من تروك الاحرام، ح (1).
100

وقد ظهر مما ذكرناه وهو إثبات وجوب الجزاء عليه للتمسك بقوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد) خلافا لكشف اللثام الذي
تمسك لاثبات الجزاء بالنص، وهو الرواية الواردة عن المعصوم عليه السلام.
الفصل الثاني في موجبات الضمان (وهي ثلاثة: مباشرة الاتلاف واليد والسبب، أما المباشرة فنقول: قتل الصيد
موجب لفديته فإن أكله لزمه فداء آخر، وقيل يفدي ما قتل ويضمن قيمة ما أكل وهو الوجه).
وعن صاحب الجواهر: قيل للأصل وقول الصادق عليه السلام في موثق ابن عمار (1): (وأي قوم اجتمعوا على صيد
فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك).
وحسن منصور بن حازم أو صحيحه (2) عن الصادق عليه السلام أيضا قال له: (أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله
أهلنا فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قال: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه) ومعنا ذلك: إن شك في المتباينين
ولم يكن أحدهما ثمنا فمقتضى الاحتياط وجوب إعطاء كل منهما، ولكن إن كان أحدهما ثمنا فمقتضى القاعدة إجراء أصالة
البراءة عن الآخر وإتيان القيمة.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إن كان الجزاء ثمنا ولم يعلم لغيره مدخلية فيه أم لا؟ فمقتضى القاعدة إجراء أصالة
البراءة، وأما إذا كان التكليف مرددا بين الثمن والشاة وفي البين نصوص مؤيدة للجزاء لا يمكن القول عند الشك: مقتضى
الأصل إعطاء القيمة دون الفداء بل مقتضى الأصل في الأكل كالقتل الفداء.
منها، عن ابن بكير وزرارة جميعا (3) عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم، قال
: يأكل الصيد ويفدي).
ومنها، عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟
قال: يأكل من الصيد أليس هو بالخيار (أما يجب أن) يأكل؟ قلت: بلى قال: إنما عليه الفداء فليأكل وليفده) وفي هذا
الباب وهو باب ثلاث وأربعين من أبواب كفارات الصيد وتوابعها من وسائل الشيعة اثنتي عشرة رواية وفي عشرة منها
صرح الإمام عليه السلام بلزوم الفداء بعد الأكل على أن فيها حسن وصحيح وموثق.
فتلخص مما ذكرناه إيجاب الفداء في الأكل كالقتل. وهل هذا يرجع إلى تعدد المسبب بتعدد السبب؟ أم يتداخل؟
قال سيدنا الأستاذ حفظه الله بعدم التداخل، فحينئذ يجب لكل منهما الفداء، إلا عن بعض ومنهم المصنف وقيل عليه
بعد الأكل قيمته للأصل وموثق ابن عمار (5) وحسن حازم (6) المتقدم.

1 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
4 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
6 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
101

ثم إن الأصحاب اختلفوا في الفداء لاختلاف الروايات وعن بعض وجوب الشاة، وعن بعض آخر لزوم إتيان البدنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: الحق عندي فداء الأكل هو الشاة لتعدد نصوصها، بل إذا شككنا في الزائد منها فمقتضى
الأصل هو البراءة، ومستند مالية الفداء هو النصوص المصرحة بها حيث أجاب عليه السلام في رواية ابن فضال (1) قال
: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي: قال هو. أي الصيد - مالك، لأن عليك فداؤه وفي غيرها مثله
خلافا لما اختاره الجواهر: في النعامة بدنة وفي غيرها الشاة.
قال المحقق صاحب الشرايع: (لو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية) وعن صاحب الجواهر: ولكن يستغفر
الله تعالى بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر جماعة الاجماع عليه، بل ولا إشكال للأصل.
وعن الأستاذ حفظه الله: ومعناه: مقتضى الآية الكريمة وهو (فجزاء مثل ما قتل النعم) (2) هو الفداء للقتل، ولازم
ذلك عدم وجوبه مما دون ذلك فيما ضرب ولم يؤثر.
وأما قوله (ليستغفر الله إلخ): لزوم الاستغفار تارة يرجع إلى أن المحرم فعل حراما، وأخرى حاك عن جرأته للمولى
وبعبارة أخرى يعد متجريا، واختار الأستاذ القول الثاني.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه) وعن الأستاذ حفظه الله: ويظهر من مطاوي
ما ذكره الماتن مساواة الجرح والكسر في الضمان ويمكن إظهار ذلك أيضا من قوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) إن
قلنا لازم ضمان الكل ضمان الجزء أيضا.
نعم إن قلنا بالانفكاك بين الكل والجزء فلا يجب عليه الفداء في الجزء وإن كان يجب عليه في الكل.
ويمكن القول بمساواة الضمان في الجرح والكسر لوجود الاجماع كما عن صاحب الجواهر.
فتلخص مما حررناه لك عدم الفرق بين انكسار اليد والرجل في النصوص في الضمان إن كان، وإلا فلا بد بعد عدم
وجود النص الخاص فيهما الرجوع إلى الأرش أو ربع القيمة فيهما إلا أنه مع ذلك فرق الماتن بين الجرح والكسر، وفي
الأول قال بالأرش خلافا للثاني حيث قال: (وقيل ربع القيمة) مع أن الربع في النص مخصوص بالكسر دون الجرح.
فعلى كل حال مقتضى الآية أو الاجماع أو القاعدة هو الأرش كما عن الجواهر ذلك أيضا لعدم إمكان الحكم بعدم
الضمان في صورة الكسر.
نعم عن والد الصدوق والمفيد والحلبي والديلمي وابن حمزة التصدق بشئ لأنه جناية لا تقدير فيها) ولكن ذهب
الباقي إلى الربع أو الأرش، واختار الأكثر الثاني، هذا كله في الجرح فقد عرفت عدم النص فيه.
وأما الكسر فإن كان فيه نص ولكن اختلف التعبير فيه ولذلك لا بد من حمل أحدهما إلى الآخر.
ومنها: صحيح علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيدا فكسر يده أو رجله
فتركه فرعى الصيد قال: عليه ربع الفداء).

1 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - المائدة: الآية 961.
3 - الوسائل - الباب - 28 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
102

ومنها خبر أبي بصير (1) قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل رمى ظبيا وهو محرم فكسر يده أو رجله
فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع فقال: عليه فداؤه، قلت فإنه رآه بعد ذلك مشى قال: عليه ربع ثمنه).
وعن الأستاذ حفظه الله: وقوله عليه السلام: (عليه ربع الفداء) معناه يمكن أن يكون ربع القيمة أو ربع نفسه بعد
ذبحه، ولكن إطلاق الربع منصرف إلى ربع القيمة، وقد أفاد الأستاذ حفظه الله قولا لارتفاع الاختلاف بين هاتين
الروايتين وهو إرجاعه - أي الفداء - إلى القيمة: ومعناه في كسر الظبي ربع قيمته انتهى.
ومنها، عن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت، ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل
؟ قال: عليه ربع قيمة الغزال، قلت: فإن هو كسر قرنيه؟ قال: عليه نصف قيمته يتصدق به، قلت فإن فقأ عينيه؟ قال
: عليه قيمته، قلت: فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال: عليه نصف قيمته، قلت: فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال:
عليه نصف قيمته، قلت: فإن هو قتله؟ قال: عليه قيمته، قال: قلت: فإن هو فعل به وهو محرم في الحل؟ قال: عليه
دم يهريقه، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم) وإن لم يمكن إرجاع الفداء إلى القيمة فيطابق قول الماتن وهو
الأرش ولو (قيل ربع القيمة).
فظهر هما اختاره الماتن هنا مساواة الجرح والكسر في الضمان هذا ولكن كما قلنا سابقا اتفاق الأكثر على الأرش (وإن
لم يعلم حاله لزمه الفداء) ومعناه لزوم الفداء لو احتمله الهلاك بعد الإصابة عليه لاتفاق الأخبار على ذلك (وكذا لو لم
يعلم أنه أثر فيه أولا) وفيه: إن مقتضى النص على أنه إذا أصاب فغاب الصيد ولم يعلم حاله ضمن فداءه بخلاف ما لم
يعلم أنه أثر فيه أم لا، فإنه لا يكون عليه شئ، نعم يمكن بمقتضى التعليل بأنه لا يدري لعله قد هلك اختيار الماتن
العموم. ولكن الانصاف: مقتضى التعليل بثبوت الحكم بعد الإصابة لا حتى إذا لم يصيب لأن مقتضى القاعدة في الشك في
الإصابة هو عدم ثبوت الفداء كما اعترف به الماتن في المسألة الأولى، ومن غلبة التأثير مع فرض حصولها.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بطريقية الإصابة وقلنا في المسألة الأولى بعد الإصابة لم يعلم أنه هلك أم لا فحينئذ
يجب عليه الفداء، فبناء على ما استظهرناه في الشك في التأثير بعد الإصابة وعدم القول بطريقيتها فالأصل عدم وجوب
الفداء، ولا يمكن التمسك في هذا الفرض بالتعليل المتقدم من غلبة التأثير مع الإصابة لاثبات وجوب الفداء عليه، لأن
ظاهر النصوص وصريح الفتاوى صورة القطع به لا الظن.
ومنها، عن علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم فكسر يده أو
رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد قال: عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد).
ومنها، عن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن محرم رمى صيدا فأصاب يده وعرج، فقال:
إن كان الظبي قد مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شئ عليه وإن كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما
صنع فعليه فداؤه لأنه لا يدري لعله قد هلك).

1 - الوسائل - الباب - 27 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 28 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 27 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 27 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
103

وعن الأستاذ حفظه الله: والجمع بينهما بحمل الأول على رجوع السلامة إليه بعد الكسر بسبب الإصابة فلا شئ عليه
بخلاف الثاني الذي لم يرجع إليه السلامة بعد الكسر بسبب الإصابة فعليه فداؤه.
ومما حررناه ظهر لك أن في المسألة صور خمس: الأولى: رمى ولم يصب: الثانية: رمى فأصاب فوقع الكسر ثم رآه
يعيش: الثالثة: رمى فأصاب فوقع الكسر فغاب عن النظر، الرابعة: رمى صيدا فأصاب فوقع فغاب ولم يدر وقع
الكسر أم لا: الخامسة: رمى ولكن يشك في الإصابة وعدمها، فإن الكسر أو الجرح لو وقع وبعد وقوعه مضى الصيد
فعليه الفداء كاملا: وأما إن كان الكسر أو الجرح وقع ويعيش فعليه الأرش، وأما إن رمى فلا يدري وقع الكسر أو
الجرح أم لا، أثر فيه بعد الرمي أم لا فلا شئ عليه، وأما إن شك في التأثير بعد الرمي فالأصل عدم التأثير فليس عليه
شئ انتهى كلام الأستاذ وما أفاده حفظه الله.
(و) في رواية أبي بصير (1) المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام: (في كسر قرني الغزال نصف قيمته، وفي كل واحد
ربع، وفي عينيه كمال قيمته، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته، وكذا في إحدى رجليه) (وفي الرواية ضعف) وعن
صاحب الجواهر: وهو إن كان كذلك لما في المدارك من أن في طريقها عدة من الضعفاء منهم أبو جميلة المفضل ابن صالح،
وقيل إنه كان كذابا يضع الحديث، وتبعه على ذلك غيره، وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بانجبار ضعفها لعمل
الأصحاب بها ولو أنه معارض مع غيرها، لأن حكم الكسر فيها نصف قيمته، وحكم الكسر في صحيح علي بن جعفر (2)
المتقدم ربع قيمته، ولكن يمكن الجمع بينهما بحمل الكسر فيها بعدم البرء بعد الوقوع، وأما الكسر فيه بالبرء بعد الوقوع،
فإذن المتجه العمل بها، ولكن ينبغي الاقتصار على مضمونها. وأما في غيره فالأرش.
(ولو اشترك جماعة في قتل صيد ضمن كل واحد منهم فداء) وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى قاعدة الضمان بعد ما
أتلف مال الغير، إن كان واحدا فعليه القيمة إن كان قيميا أو المثل إن كان مثليا، وإن اشترك جماعة في الاتلاف فعليهم
الاشتراك في القيمة أو في المثل ولكن يلزم هنا تعبدا، للنص والاجماع على كل منهم الفداء كاملا، وكذلك عند الاجتماع
في الأكل، الذي تقدم من النصوص ما يدل عليه (3) أيضا، إلا عن بعض العامة فأوجب فداء واحدا عليهما.
وهل يكون الفرق في ذلك بين المحرمين والمحلين والمختلفين؟ ظاهر عبارة الشرايع عدم الفرق في ذلك، نعم إن قلنا
بأن الفداء هو الشاة يجب إخراج المحل لأنه إن اشترك مع غيره في قتل الصيد، أو قتل صيدا فعليه القيمة وأما إن قلنا
بالقيمة فلا فرق بينه وبين غيره في ذلك، مضافا إلى خبر معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته) وخبر علي بن جعفر (5) عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ما عليهم؟ قال: على كل من أكل منهم

1 - الوسائل - الباب - 28 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل الباب - 27 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل باب من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل باب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
104

فداء صيد، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا) وخبر معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في
حديث) قال: وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل
ذلك) وخبر أبان بن تغلب (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها
وأكلوها، فقال: عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة يشتركون فيهن فيشترون على عدد الفراخ وعدد الرجال،
قلت: فإن منهم من لا يقدر على شئ، قال: يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما) وخبر
عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما أو على
كل واحد منهما الجزاء؟ فقال: لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك
فلم أدر ما عليه: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا).
وكيف كان فإن هذه النصوص تدل على أن لكل واحد منهم الفداء كاملا ومورد النصوص وإن كان جماعة محرمين إلا
أن إطلاق الفتاوى يشملهم وغيرهم من المحلين في الحرم والمتفرقين، ثم إن قلنا بأن القوم لفظ عام يشمل بعمومه كل ما
يمكن أن يتصور هنا فلا يحتاج إلى التكلف الذي وقع (ابتلى) به صاحب الجواهر حيث قال: - واحتمال إرادة ما يشمل
القيمة منه ليس بأولى من إرادة خصوص المحرمين، بل هو أولى باعتبار غلبة تعبير الأصحاب بمضمون النصوص
ورجحان التخصيص على المجاز مع التعارض، وخصوصا هنا، لانصراف الاطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب
على المحرم من الكفارات إليه دون المحل ولو في الحرم، انتهى كلامه) ولكن مع ذلك كله ذهب الشيخ في التهذيب في
المحل والمحرم إذا اشتركا في قتل صيد حرمي إلى أنه يجب على المحرم الفداء (كاملا) وعلى المحل نصف الفداء.
(ومن) كان محرما في الحرم (فضرب بطير على الأرض) فقتله بعد أن اصطاده فيه (كان عليه دم وقيمتان: إحداهما
للحرم وأخرى لاستصغاره) هذا الحكم مسلم بين الأصحاب، إلا أنه خلاف مقتضى القواعد، والأصل فيه ما نقله الشيخ
عن معاوية بن عمار (4) سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال:
عليه ثلاث قيمات قيمة لاحرامه، وقيمه للحرم، وقيمة لاستصغاره إياه) وعن الأستاذ حفظه الله: قال: لا يتضح المراد
من قوله عليه السلام (فقتله) هل المراد أنه بعد اصطياده هذا ضربه على الأرض فقتله فيكون الفاء للتفريع، أو أنه وضعه
على الأرض وذبحه، ظاهر النص الأول، وهو القتل بالضرب، وعن الشهيد: وأما قوله عليه السلام فيه (لاستصغاره
إياه) فيحتمل عود الضمير فيه للحرم، من حيث الاستخفاف بجاره وللطير، وحينئذ فينسعب فيما إذا فعله في الحل)
ومعناه وجوب القيمات الثلاث عليه وإن كان خارج الحرم، وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره الشهيد فيه إشكال لأن
حرمة الطير تكون بواسطة الحرم، نعم إن قلنا بعود الضمير إليه يصير حكمه في الحرم والخارج سواء، ولكن الانصاف لا
يمكن تعميم الحكم والقول بلزوم ثلاث قيمات للاستصغار حتى في خارج الحرم لضعف الخبر، لوجود محمد بن أبي بكر

1 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
3 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
4 - الوسائل - الباب - 45 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
105

وزكريا فيه أولا، ومخالفته مع القواعد ثانيا، وعن صاحب الجواهر: المنجبر بالشهرة بل عدم الخلاف، وإن اختلفوا في
التعبير عن ذلك، فمنه ما عرفت، وفي محكي الوسيلة والمهذب التعبير بالجزاء وقيمتين، وعن بعض ثبوت الدم وقيمتين،
ويمكن حمل القيمة الأولى على الدم لثبوته في بعض الطيور، والتعبير بالقيمة وإرادة الفداء شايع في العرف كإطلاق الشمس
على القمر في قولهم الشمسين، إلا أن مقتضى قوله عليه السلام (طيرا) وكذا قول الراوي يشمل مطلق الطير، فلا يمكن
إخراج الحمام عن هذا الحكم، بل بعمومه يشمل كل طير حتى العصفور، ولكن جزاء كل على حسبه، وعن الشهيد في
بعض تحقيقاته أن استصغاره يرجع إلى قصده، فإن قصد استصغاره بالحرم لزمه دم وقيمتان إن كان الفعل بالحرم، وإن
كان في غير الحرم فعليه القيمة لا غير، وإن قصد الاستصغار بالصيد لزمه مطلقا القيمتان سواء كان في الحل أو الحرم،
وعن الأستاذ حفظه الله: فيلزم منه عدم وجوب شئ عليه إن قتله من دون قصد. مع أن النص لم يقيد إيجاب الفداء
وعدمه على القصد وعدمه، بل نفس الاستصغار موجب للقيمات الثلاثة.
وعن بعض زاد التعزير مع ذلك لخبر حمران فإنه قال: لأبي جعفر عليه السلام (1): (محرم قتل طيرا فيما بين الصفا
والمروة عمدا قال: عليه الفداء والجزاء ويعزر قال: قلت: فإنه فتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء والجزاء ويضرب
دون الحد ويقام للناس كي ينكل غيره) وعن بعض وجوب التعزير مطلقا داخل الحرم أم خارج الحرم، وعن بعض آخر
حصر التعزيز فيهما أي فيما بين الصفا والمروة).
(ومن شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن) وأغفل المصنف عن قيد الاحرام وإن كان موجودا في خبر يزيد
بن عبد الملك (2) عن الصادق عليه السلام (في رجل مر وهو محرم في الحرم فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب لبنها قال:
عليه دم وجزاء للحرم عن اللبن) وهو الذي نقله الشيخ والكافي والوافي وأفتى به جمع من الأصحاب إلا ما عن الوسائل
لاختلاف التعبير وجاء بدل (عنق): بكلمة (عنز) وعن المدارك الاشكال في خبر يزيد بن عبد الملك لضعفه ومجهولية صالح
بن عقبة لكذبه وعدم اعتناء الأصحاب بما رواه غالبا هذا أولا، وأن الحكم مخالف للأصل ومقتضى القواعد ثانيا، فيبقى
تركه والحكم بدخوله فيما لا نص فيه فعليه وجوب قيمة اللبن، وعن صاحب الجواهر: وضعفه منجبر بعمل الأصحاب به
، وزاد صاحب الحدائق بقوله: لم أر فيما أعلم من ردها، وعن صاحب الرياض: الظاهر جبره ولا خلاف فيه بينهم، نعم
وقع الاختلاف بينهم في التعبير عنه، وأغفل بعض عن الحرم: كما أغفل الآخر عن الاحرام، وعن الأستاذ حفظه الله:
المتجه اعتبار جميع القيود إن قلنا بحصول الانجبار وحصول العمل به، وعدم إمكان التعدي عن مقدار ما عمل به كقاعدة
لا ضرر، فما عن الشهيد من احتمال وجوب القيمة على المحل في الحرم والدم على المحرم في الحل قياس في غير محله،
لعدم تصريحه عليه السلام به، فينبغي الاقتصار فيه على النص في محل الانجبار كقاعدة لا ضرر ولا حرج اللتين لا يمكن
التعدي منهما إلى زائد على ما أثبته الأصحاب، نعم يمكن إلغاء الخصوصية من جهة العنق والعنز والقول بعدم الفرق فيهما
في إيجاب الحكم، وأما من ناحية الاحتلاب، فعن بعض الالغاء أيضا، وعن بعض آخر لزومه، وعن الأستاذ حفظه الله:

1 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 54 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1) مع الاختلاف.
106

وإن كان فيه وجهان إلا أنه لا يبعد إلغاؤه كما عن الشرايع أيضا، ومعناه عدم الفرق بين الحلب والشرب وبين إحلاب
الغير وشربه، فعلى كلتا الحالتين لزمه دم وقيمة اللبن، وعن العلامة في محكي التذكرة والمنتهى زيادة الاستدلال: بأنه
شرب ما لا يحل شربه، إذا اللبن كالجزء من الصيد فكان ممنوعا منه فيكون كالأكل لما لا يحل أكله، فيدخل في قول
الباقر عليه السلام (1) (من نتف إبطه - إلى أن قال - أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا
فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة) إذ لا فرق بين الأكل والشرب، ثم قال: (وأما وجوب قيمة اللبن
فلأنه جزء صيد، فكان عليه قيمته) وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذكره من إدخال الشرب في الأكل واستواء الحكم في
الحالتين لا يخلو من نظر بل منع، نعم إن قلنا بعدم الفرق بينهما في عموم الحكم وتمكنا من استفادة عموم الحكم من نص
أو الآية يمكن التعدي من مورد النص وهو حصر الحكم في المحرم إلى المحل أيضا، والقول بحرمة شرب اللبن ولزوم
الفداء والقيمة على المحرم في الحل أيضا، ويتفرع الحكم عليه انسحاب الحكم في غيرها أي الظبية إلى البقرة ونحوها،
هذا كله إن لم نقل بانصراف الأكل عن الشرب والقول بصحة إطلاقه عليه وعمومية حرمة الصيد حتى اللبن وإلا فلا.
(ولو رمى الصيد وهو حلال فأصابه وهو محرم لم يضمنه) لافتتاح الجناية في وقت لم يجب عليه الضمان (وكذا لو جعل
في رأسه ما يقتل القملة ثم أحرم فقتله) نعم قيده الكركي بما إذا لم يتمكن من الإزالة حال الاحرام، وإلا ضمن، وكذا
الكلام لو نصب شبكة للصيد محلا فاصطادت محرما أو احتفر بئرا كذلك، وعن صاحب الجواهر. ولو لم يقصد الصيد بها
لم يضمن للأصل وغيره، وعن الأستاذ حفظه الله: فإن قلنا يتوقف تحققه بالقصد أمكن إلحاقه بالقتل خطأ ومعنى ذلك،
أنه في حال الاحلال نصب شبكة لاصطياده ما يحل له صيده فوقع ما يحرم عليه صيده، ولأجل ذلك لم يجب عليه شئ
بعد الاحرام.
(الموجب الثاني اليد) ومعناه كما عن الأستاذ حفظه الله، إن اصطاد صيدا في الاحلال وأحرم وجب عليه إرساله فإن
لم يرسله وبقي تحت يده فتلف وجب عليه ضمانه، وعن الجواهر الاجماع عليه صريحا، وعن صاحب الجواهر، ولعله
العمدة في إثبات ذلك، وعن المسالك والمدارك: هو المقطوع به بين الأصحاب، وعن العلامة في المنتهى: الاجماع على
ذلك، وعن الأستاذ حفظه الله: ويتفرع على ما قلناه أحكام: الأول كما عن الشرايع أيضا (ومن كان معه صيد فأحرم
زال ملكه عنه) الثاني (ووجب إرساله) الثالث (إن أمسكه بعد صيده حتى مات فعليه الفداء) هذا كله مما لا خلاف فيه
بين الأصحاب، إنما الخلاف والاشكال في بقاء الملك وعدمه إن أمسكه بعد صيده في الاحلال حتى خرج من الاحرام،
وعن المدارك: وربما قيل ببقاء ملكيته له، وتظهر الفائدة فيما لو أخذه آخذ وجنى عليه جان فعليه ضمانه للمالك، وعن
الأستاذ حفظه الله: إن قام الاجماع على وجوب الارسال بعد الاحرام وخروجه عن ملكه فهو وإلا فيمكن الاتجاه على
نحو ما قيل من أنه لا يملكه ابتداء فكذا استدامة، وعن الأستاذ حفظه الله: ورد لوضوح منع التلازم، إذ يمكن إثبات
الملكية له استدامة دون الابتداء، وبناء على ذلك فإن أمكن إثبات حرمة جميع التقلبات عليه وحرمة التصرف فدل على
خروجه عن ملكه بمقتضى قوله تعالى (حرم عليكم صيدا البر ما دمتم حرما) إلا أن خروج الصيد عن ملكه مقيد بوصف

1 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (1).
107

الاحرام، وبعده خروجه عن ملكه يتوقف على الدليل، وأما النصوص، منها: في خبر أبي سعيد المكاري (1) عن الصادق
عليه السلام (لا يحرم أحد ومعه شئ من الصيد حتى يخرجه عن ملكه فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه! فإن لم
يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء) وعن الأستاذ حفظه الله: قوله عليه السلام: (لا يحرم) نهي تكليفي لا وضعي
، ومعناه: ينعقد الاحرام عنه ولو أمسك ولم يرسله، نعم إن لم يرسله ومات في يده فعليه الفداء. وخبر بكير بن أعين (2)
سألت أبا جعفر عليه السلام (عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال: إن كان حين أدخله الحرم
خلى سبيله فلا شئ عليه، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء) وعن الأستاذ حفظه الله: أنهما ضعيفان من جهة السند
أولا، وعدم صراحتهما في خروجه عن ملكه ثانيا، نعم أمكن إثبات عدم ملكيته له بقوله عليه السلام (فعليه الفداء) إذ
الفداء مغاير للملكية، إلا أن الانصاف أنه يمكن جبر ضعف السند بما ادعاه الجواهر والخلاف من الاجماع عليه، واعترف
به صاحب الجواهر، وإن لم يمكن قبوله مستقلا، ولكن اعتضاده بهاتين الروايتين يصير سببا للقبول:
هذا كله مما يمكن استظهاره. ولكن في المسألة وهي زوال ملكية الصيد عن المحرم ولزوم إرساله بعد لبس الاحرام
لصاحب الجواهر الدلائل الأربعة، الأولى: الاجماع الثانية: عموم الآية فإن صيد البر فيها ليس مصدرا، الثالثة: خبري
أبي سعيد المكاري (3) وبكير بن أعين (4) السابقين، الرابعة التلازم، وردها كلا إلا الاجماع حيث قال: ولعله العمدة في
إثبات ذلك: وأما الخبران: فإن مفاد الخبر الأول وجوب الارسال بعد دخول الحرم لا بعد الاحرام، وعدم دلالة الخبر
الثاني على المطلوب بوجه، وإنما فيه الفداء وعدمه، وأما التلازم: فوضوح بطلان كل من الملازمة واللازم، مضافا إلى
ضعف الخبر وعدم الجابر، خصوصا بعد ما قيل من عدم ظهور ما في الغنية ظهورا يعتد به.
وعن الأستاذ حفظه الله: وما اختاره صاحب الجواهر - من أن مفاد الخبر هو زوال ملكية الصيد عنه بعد دخول
الحرم ووجوب إرساله عليه لا مطلقا حتى بعد الاحرام قبل دخول الحرم - صحيح، وأما قوله (وبطلان كل من الملازمة
واللازم) فإن قلنا بالتلازم العقلي فما ذهب إليه صاحب الجواهر صحيح، لحرمة إيجاد الملكية للمحرم ابتداء دون استدامة
كحرمة إيجاد الزوجية بين المحرم وغيره ابتداء دون استدامة، وإن قلنا بالتلازم بعد قيام الدليل بعدم تحقق الملكية لمحرم
حدوثا وبقاء فلازم ذلك أمنية الوحوش عنه.
وأما الآية فقد أورد عليها صاحب الجواهر ثلاث إشكالات: الأولى: عدم دلالة الآية بعد تسليم إرادة غير المصدر
من الصيد فيها إلا حرمة الابقاء، الثانية: قيل فلا يفيد فساده إلا إذا اقتضاه النهي وكان ذاكرا، الثالثة: ولو سلم فالدليل
أخص من المدعي فإنه قد ينسى.
وعن الأستاذ حفظه الله: توضيح المدعى: والمدعى هو زوال الملكية مطلقا فإن أردتم أن تزول الملكية عنه بالنهي
يمكن قبوله إذا كان النهي منجزا، وأما إن لم يكن منجزا كمن ينسى فلازم ذلك عدم زوال الملكية عنه فيصير الدليل
أخص من المدعى.

1 - الوسائل - الباب - 34 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 36 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
108

وما اختاره صاحب الجواهر فيه غموض وإشكال، أما قوله من عدم كون المراد من الصيد معناه الاسمي بل المراد
المعنى المصدري فيرجع النهي إلى النهي عن الرمي في البر، فإن هذا مخالف لظاهر الأدلة: وأما قوله: (فلا يفيد فساده
إلخ) فإن كان المورد مما يمكن اندارجه في باب المعاملات أو العبادات فحينئذ يسع لنا أن نتكلم في صحته أو بطلانه وأما إذا
لم يكن منهما فلا يمكن البحث عن حليته أو حرمته، ولأجل ذلك اختار عدم ملكية الصيد على المحرم لأجل حرمة جميع
التقلبات لا من حيث أن النهي يدل على الفساد. وإن قلنا إنه أخذ بقصد التملك أو أخذ آخذ فيمكن البحث في أنه هل
كان النهي يرجع إلى أخذ الصيد في حال الاحرام ففي هذه الصورة يمكن البحث هل أن مقتضى الأخذ الحلية أم الحرمة:
وعن الأستاذ حفظه الله: الفرق بين العبادات والمعاملات واضح لمن له أدنى تأمل، لأن النسيان في الأول لا يضر
بالمقربية بخلاف الثاني الذي لا يكون فيها بين الناسي والعالم، وعن الشيخ الحائري: النهي تارة يرجع إلى المعاملة وأخرى
لا ترجع كالجمعة أي صلاتها، وفي الأول قام الاجماع على بطلان المعاملة علاوة عن المعصية وهذا النوع من المعاملة لا
مساس لها به تنجز النهي وعدمه، وملخص ما ذكرناه هو عدم إمكان الموافقة والتبعية مما اختاره صاحب الجواهر.
ولكن الانصاف وجود الاطلاق في الاجماع حتى يشمل الحرم وخارجه ولو أن مفاد خبر أبي سعيد المكاري في
خصوص الفداء إن مات في الحرم وظاهره تقيده بالحرم ولكن قلنا سابقا ما أفاده الخبر لم يقل به العلماء، وما اختاره
العلماء لم يقل به الخبر، ولأجل ذلك لا يمكن انجباره لأجل الفتوى فإذن وجوب الفداء عليه مطلقا، وعن صاحب
الجواهر: نعم إن لم يتمكن من إرساله بعد الاحرام لم يجب عليه ضمانه، وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن إثبات الضمان
عليه أيضا بقاعدة على اليد، لأن يده عليه لم يكن يد أماني حتى يكون خارجا من عموم على اليد، وإن مات في يده
فعليه ضمانه أيضا، ولو لم يرسله حتى أحل ولم يكن قد أدخله الحرم فلا شئ عليه سوى الإثم، للأصل وغيره. وهل
عليه وجوب الارسال بعد الاحلال أم لا؟ اختار البعض عدم وجوب الارسال عليه كاصطياده قبل الاحرام، ولكن مع
شرط عدم إدخاله في الحرم.
توضيح ذلك: إن اصطاد المحل صيدا وأمسكه حتى أحرم ومات في يده وهو محرم فهو به ضامن، وإن أمسكه حتى
أحرم ولم يدخله الحرم وأحل بعد ذلك بعمرة مفردة مثلا ورجع وأخذه لم يجب عليه إرساله، لأن هذا الحكم وأمثاله
مختص بالمحرم، والمفروض أنه يكون محلا ولا يحتاج لاثبات ذلك التمسك بالاستصحاب، لأن عدم وجوب الارسال يكون
بمقتضى الدليل كوجوب القصر على المسافر وإتمامه عليه بعد أن كان حاضرا، وإن شك في بقاء الحكم وارتفاعه عنه لا
يصح التمسك به لتعيين وظيفة كل منهما في كل من الموطنين من ناحية الدليل من قبل الشارع.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره البعض صحيح إن كان الدليل منحصرا بالآية لأن موضوعها حرمة التصرف على
المحرم ما دام محرما، ومن المعلوم أنه لا يمكن إيجاب حكم الاحرام وإنجازه عليه، حتى بعد الاحرام، مع أنه ليس كذلك،
بل وردت النصوص في الباب أيضا. منها قول الصادق عليه السلام في ذيل خبر أبي سعيد المكاري (1) (فإن أدخله الحرم
وجب عليه أن يخليه، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء) فعليه يمكن إثبات الاطلاق والقول بوجوب
الضمان عليه إن مات في يده حتى بعد الاحلال لقوله عليه السلام بلزوم الارسال عليه قبل الاطلاق وإن لم يفعل ذلك
109

حتى دخل الحرم وجب عليه إرساله فإن لم يفعل ومات في يده حتى بعد الاحلال فعليه فداؤه، هذا كله إن قلنا إن
مقتضى التعبد بالنصوص إيجاب الضمان عليه حتى بعد الاحلال، وأما إن لم نقل به فالحكم مختص بالحرم والمحرم. ولأجل
ذلك يكفي في عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الاحلال عدم الدليل. وأما الاجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر:
وفيه اختلاف المجمعين أيضا، لذهاب أكثرهم إلى عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الاحلال، هذا كله بعد الاغماض
عن صراحة الدليل على عدم وجوب الضمان عليه.
ثم إن قلنا بعدم وجود الدليل في البين لاثبات ذلك الحكم فلا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا. وهل يمكن التمسك
بالبراءة كما اختاره صاحب الجواهر وذهب إليه أم لا؟ وأجاب سيدنا الأستاذ حفظه الله: بأن ما اختاره مشكل لوجود
الاستصحاب في البين وإثبات الضمان عليه به قبل الاحلال، وبعد الاحلال نشك في بقائه وارتفاعه فنستصحب بقاء الضمان
عليه. نعم إن قيل إن الاستصحاب جريانه متوقف على العلم ببقاء موضوعه سابقا والشك في بقائه لاحقا، وأما إذا لم
يدر ثبوت موضوعه في البين فلا يمكن اجراؤه وإثبات الحكم على الموضوع وهو جار في ما نحن فيه. لأن استصحاب
وجوب الارسال عليه بعد الاحلال لا يمكن لتبدل موضوعه وهو الاحلال بعد الاحرام. قلنا هذا صحيح إن قلنا ببقاء
موضوعه بالدليل: لأن موضوعه تارة عقلي. وأخرى من ناحية الدليل. وثالثة عرفي، وفي الأول لا يمكن إجراؤه لتبدل
موضوعه بالشك. وهكذا في الثاني. ولكن يمكن إجراؤه في الثالث كالحاضر والمسافر إذ بعد أن صار حاضرا فعليه إن
شك في بقاء موضوعه عليه وعدمه أن يستصحب أحكام الحاضر ويعمل، وما نحن فيه كذلك إذ عنه الشك في وجوب
الارسال عليه وعدمه يجب عليه استصحاب وجوب الارسال لوجوبه قبل الاحلال ولو لم يجب عليه الارسال من ناحية
الدليل لتبدل موضوعه.
ولو أرسله ثم اصطاده لم يضمن قطعا: وعن الأستاذ حفظه الله: إن أحل أو حين الاحرام أرسله واصطاد ثانيا فهو
مملوكه بلا شك ولا ريب، إنما الاشكال والكلام في أنه إن قلنا بخروج الصيد عن ملك المحرم بعد الاحرام فهل يتوقف
عود الملكية إليه على اصطياده ثانيا أو أخذه من يد مرسل أو يكتفي بنية التمسك ثانيا والحق عند الأستاذ هو الأخير
لاحتياج الملكية إلى السبب لعدم عود الملكية إليه بعد الاحلال، وسبب الملكية تارة تكون شرعيا كالإرث وأخرى يكون
معامليا، وعن الشهيد يتوقف عود الملكية باصطياده أو أخذه من مرسل أو بكفاية نية التمسك ثانيا، ولو أرسل من يده
مرسل فلا ضمان عليه. وهل يصدق عليه عنوان الآية الكريمة وهو (حرم عليكم) أم لا؟ اختار البعض العدم لأنه نهي
عن المنكر وكأنما هو عامل من طرف الشارع، خلافا لأبي حنيفة، وعن الأستاذ حفظه الله: توضيح ذلك: تارة يأخذ
مال الغصب ليدفعه إلى صاحبه فهو في هذا الحال يكون محسنا ولا يكون عليه ضمانه إن أتلفه في يده بمقتضى الآية الكريمة
: (ولا على المحسنين من سبيل) وأخرى يأخذ من غاصب ليدفع إلى غاصب آخر وإليه يمكن إرجاع مخالفة أبي حنيفة،
فعليه فكما يحرم وضع إليه على الصيد للمحرم يحرم للمرسل أيضا،
لعدم الفرق بين الارسال والامساك، ولو قلنا بأنهما واجبان ولكن لا يكون على المرسل واجبا إرساله بل على
الممسك واجب إرساله ولو لم يكن عليه عقاب وهذا كأكل الخبز الغصبي في حال الاضطرار، لأن في هذا الحال ولو لم
110

يكن عليه عقاب أخروي ولكن حكم الوضعي وهو الضمان ثابت عليه وما نحن فيه أيضا كذلك، لأنا ولو قلنا لم يكن
عليه عقاب أخروي ولكن حكم الوضعي وهو وجوب الضمان عليه باق على كل حال، فتلخص من جميع ذلك أنه إن
قلنا بانصراف أدلة الصيد من هذا النحو من الصيد فلا وجه لمخالفة أبي حنيفة وإن لم نقل به فالمتجه حرمة التصرف
للمحرم مطلقا، ولو يكون على هذا النحو.
ولو أدخله الحرم ثم أخرجه: ومعنى ذلك أن المحرم إن اصطاد صيدا فأدخله الحرم ثم أخرجه هل عليه إعادته إليه
ثانيا أم لا بعد معلومية وجوب إعادة صيد الحرم إن أخرجه منه، وعن بعض الأصحاب وجوب الإعادة إليه للرواية.
وعن الشهيد المناقشة في كونه من صيد الحرم بمجرد الادخال، على أن النصوص مختصة بالطير، وعن الأستاذ حفظه الله
: نعم يمكن لاثبات وجوب الإعادة عليه بعد إخراجه منه التمسك بقوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) فبناء على ذلك بعد
إدخاله فيه وإن أخرجه لا بد وأن يكون مأمونا من الأذى فالاحتياط يقتضي إدخاله فيه، ولو أخرجه منه.
ولو كان الصيد بيده وديعة أو عارية أو شبههما: ومعناه أنه إن كان الصيد في يده بعنوان الأمانة أو العارية أو شبههما
ويريد أن يحرم والمفروض عدم تمكنه أن يرده إلى المالك أو الوكيل المأذون من قبله، أو حاكم عدل (أو عدول المؤمنين
فعن بعض يجب عليه إرساله وضمانه لمالكه، وعن المدارك فيه إشكال لعدم إمكان استفادة هذا الحكم من النص. ولكن
عن الأستاذ حفظه الله: يمكن استفادته من خبر أبي سعيد المكاري (1) السابق في قول الصادق عليه السلام (لا يحرم أحد
ومعه شئ من الصيد حتى يخرجه عن ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه) بناء على أن الملك في قوله (عن
ملكه) أعم من يد الأماني والاصالي فإذن يقع التعارض بين عموم ما دل على حفظ المال لمالكه إلى أن يرده إليه وبين ما
يدل على وجوب إرسال الصيد عليه بعد الاحرام بالعموم والخصوص. وهل يمكن تقديم الخاص وهو وجوب الارسال
عليه على العام أم لا وعلى فرض عدم إمكان تقديمه عليه يتساقطان فإذن المرجع هو الأصل.
هذا كله إذا كان الصيد معه (ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه) وعن الأستاذ حفظه الله: الأصل فيه صحيح
جميل (2) سأل الصادق عليه السلام (عن الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله
قال: وما به بأس لا يضره) بل عن صاحب الجواهر: فله البيع والهبة وغيرهما كما في المنتهى والتحرير التصريح بذلك.
بل في المسالك وغيرها (وكما لا يمنع الاحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداؤه أي للبعيد) فلو اشترى صيدا أو اتهبه أو
ورثه انتقل إلى ملكه أيضا: بل عن الأستاذ حفظه الله: فإذا كان الصيد لم يزل عن ملكه لكونه نائيا عنه فله أن يأمر
بذبحه له لعدم شمول قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد) هذا الفرض.
وأضاف صاحب الجواهر بقوله: للأصل وإطلاقات الأدلة: توضيحهما عن الأستاذ: ومراده من الاطلاقات هو جواز
التصرف في ملكه. وإن قيل يحرم عليه التصرف في الصيد في حال الاحرام. قلنا هو الصيد الذي كان معه لا ما إذا كان
نائيا فيخصص بواسطة إطلاقات أدلة جواز التصرف في الملك ممنوعية المحرم من التصرف في ملكه فيحكم بعدم الاشكال

1 - ذكر صدره في الوسائل في الباب - 34 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3) وتمامه في التهذيب ج 5 ص 362 الرقم 1257.
111

فيه إن كان نائيا. بل يمكن استظهار عدم وجوب الارسال عليه بمقتضى النص وهو قوله عليه السلام: (لا يحرم أحد ومعه
شئ من الصيد) لأن مفهومه عدم وجوب الارسال إن كان نائيا.
وعن صاحب الجواهر: ولكن عن بعض المنع في الأول وهو بقاؤه في الملك. وعن ظاهر الشيخ المنع في الثاني وهو
جواز البيع والهبة وعنه أيضا: إن قلنا إن الصيد هو الاصطياد فلا إشكال فيه لانحصار الحرمة في الاصطياد دون البيع
والهبة وغيرها خصوصا بملاحظة قوله تعالى: (وإذا حللتم إلخ) لحرمة الاصطياد للمحرم وبعد الاحلال لا يكون الاصطياد
عليه حراما. وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره بعيد عن الصواب لانطباق جميع الأحكام على الصيد لا الاصطياد.
وأما قوله تعالى: (وإذا حللتم إلخ) وفيه يمكن أن يقال بحرمة جميع التصرف فبعد ذلك يقول: (إذا حللتم...) فليس
عليكم جناح في اصطيادكم على أن صاحب الجواهر في هذه المسألة وأمثالها يتمسك بالاجماعات المنقولة ويفتي، مع أن
الغنية ادعى حرمة جميع التصرفات من الأكل والصيد وأمثالهما على المحرم أيضا ويقول: كل ذلك للاجماع وللاحتياط
ولقوله تعالى: (حرم عليكم) أي حرمة جميع التصرفات على المحرم. وعن الأستاذ حفظه الله: هل يمكن القول بالتلازم
بين بقاء الملك وجواز البيع والهبة وغيرهما هذا أولا وثانيا إن قلنا بعدم خروجه عن ملكه فما هو الدليل على جواز البيع
والهبة وغيرهما مع أنا قلنا بحرمة جميع التصرفات فيه إلا أنه يبقى في ملكه في حال إحرامه. ولكن صاحب الجواهر
يتمسك لاثبات قول الشيخ الذي منع البيع والهبة بخبر أبي الربيع (1) سأل الصادق عليه السلام (عن رجل خرج إلى
مكة وله في منزله حمام طيارة فألفها طير من الصيد وكان مع حمامه قال: فلينظر أهله في المقدار أي الوقت الذي يظنون
أنه يحرم فيه، ولا يعرضون لذلك الطير ولا يفزعونه ويطعمونه حتى يوم النحر ويحل صاحبهم من إحرامه) ولكن يرده
بقوله: ولازم ذلك أن يجوز التصرف لأهله في الصيد. وعن الأستاذ حفظه الله: أولا الفرق بين مورد البحث وهو إثبات
جواز التصرف في الملك في حال الاحرام وعدمه وبين الخبر الذي يمنع التصرف عن أهل المحرم. وملخص القول أنه إن
قلنا إن الطير يحسب آلة الصيد له واصطاد أهله له في حال إحرامه فلا بد أن لا يعامل معه معاملة الصيد حتى يحل، وإذا
كان كذلك فالحق ما اختاره الشيخ وهو منع التصرفات في ملكه وفي غير هذه الصورة فيجوز التصرف فيه.
(ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم ضمن كل منهما فداء) وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن إثبات الحكم فيهما من
الآية والنص: أما الفداء للقاتل لما صدر عنه الفعل وهو قد خالف ما نهي عنه بقوله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إذ
بعد الاحرام كان ممنوعا عن إيذاء الصيد وخالف حكم الله سبحانه وتعالى فعليه الفداء. وأما في الممسك فهو أيضا ممنوع
بمقتضى قوله تعالى: (حرم عليكم صيد البر) ومعناه حرمة جميع أفعال المكلفين في حال الاحرام كما قلنا سابقا، خلافا
للأصحاب حيث قالوا بحرمة كل ما فعله المحرم بالنسبة إلى الصيد ومنها الامساك، أعم من أن يقتل الآخر أولا لأولويته
من الضمان بالدلالة والمشاركة في الرمي بدون إصابة. وأما النص. فعن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: لا

1 - الوسائل - الباب - 34 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل الباب - 17 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
112

تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطادوه، ولا تشر إليه
فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده) وعن الأستاذ حفظه الله: وإن لم يتعرض عليه السلام فيه يحكم الامساك
ولكن هو شبيه بحكم الأولوية فإذا كان في الإشارة إلى الصيد فداء فيكون في الامساك بطريق أولى.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا إن العقل حاكم بها فهذه هي الأولوية لا المفهوم الموافقة. ويمكن التمسك لاثبات
الفداء للممسك بعموم التعليل وهو قوله عليه السلام: (فيستحل) وهو عام بعمومه يشمل كل مورد يصير سببا
للاستحلال، كقوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر وهو عام بعمومه يشمل كل مورد يكون فيه الاسكار، ومما حررنا لك
يظهر إمكان التمسك لاثبات الفداء للممسك بعموم التعليل، ولا يكون الدليل منحصرا في الأولوية كما أحصرها صاحب
الجواهر وغيره من العلماء.
ويمكن التمسك لاثبات الفداء للممسك أيضا بالمفهوم الموافقة وهو إن قلنا في الدلالة أو الإشارة على الصيد فداء فمفهومه
في الامساك أو غيره يجب الفداء بطريق أولى كقوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) مفهومه حرمة الضرب أو الشتم بطريق أولى
. وملخص الكلام كل ما يقوله عليهم السلام لا يكون خارجا عن قوله تعالى، بل كله ما حكم به القرآن لأنهم محبط
الوحي ومعدن الحكمة ومنهم الرسول الأمي صلى الله عليه وآله وسلم.
وخبر منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه فقتل فعليه
الفداء) فتلخص مما قلناه حرمة كل عمل من المحرم بالنسبة إلى الصيد.
(ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة) إن قلنا به، وإلا إن جنى المحرم بصيد في الحرم فعليه تضاعف
الفداء مطلقا بدنة كانت أم غيرها (ولو كانا محلين في الحرم لم يتضاعف) (ولو كان أحدهما محرما والآخر محلا تضاعف
الفداء في حقه، ولو أمسك المحرم الصيد في الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة) (ولو نقل بيض صيد عن موضعه
ففسد ضمنه) فإن كانت المنقول بيض نعامة أو حمامة أو غيرها فعلى النقال الضمان، وإن لم يكن في هذا الفرض نص كما
صرح به غير واحد. بل عن الشيخ نسبته إلى الأخبار، ولعله يريد أخبار الكسر وهي خبر الكناني (2) عن الصادق
عليه السلام (ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه) والمرسل الذي رواه الشيخان (3) في التهذيب
والمقنعة: (إن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت
ناقتي بيض نعام فكسرته هل علي كفارة الحديث) ولذلك يمكن انسحاب الحكم من كسر البيض إلى هنا، وإثبات
ممنوعية كل تصرف حتى الانتقال للمحرم.
(ولو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه) وعن الأستاذ حفظه الله: ومعناه إن عمل بعد الانتقال حتى خرج بسببه

1 - الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 23 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
113

الفرخ منه سليما لم يكن عليه شئ والمفروض عدم فساد البيض بعد الانتقال، ويمكن أن يكون حكم الفداء مترتبا على
الفساد الواقعي إذ لازم قوله: (ولو أحضنه إلخ) عدم الضمان إن لم يفسده بعد الانتقال وأما إن شك في الفساد وعدمه فلا
يكون عليه ضمان. ولكن عن المسالك: الأقوى ضمانه ما لم يتحقق عدم خروج الفرخ منه سليما، فلو جهل الحال ضمنه
أيضا ويمكن أن يكون كلامه ناظرا إلى ما سمعته فيمن رمى صيدا فأصابه فغاب فلم يعرف حاله وغير ذلك مما تقدم في
نصوص بيض النعام.
(وإذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة ويحرم على المحل، ولا كذا لو اصطاده وذبحه محل) وقد تقدم الكلام فيه سابقا
فراجع.
(الموجب الثالث السبب، وهو يشتمل على مسائل: الأولى: من أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ضمن
بالاغلاق) فإن كان النص موجودا كالاغلاق يؤخذ به ويحكم على حسب ما يمكن استظهاره من النصوص، وإن لم يكن
فيه نص خاص يمكن إدخاله في قاعدة (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) فإذا سد المحرم بيتا من بيوت الحمام حتى مات
من الجوع أو العطش أو سد البيض ففسدت البيض فعليه في كل من الحالتين الضمان.
فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان، ولو هلك ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم إن كان
محرما، وإن كان محلا ففي الحمامة درهم وفي الفرخ نصف وفي البيضة ربع) هذا كله لأجل النص. منها: عن إبراهيم بن
عمرو سليمان بن خالد (1) قالا: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام رجل أغلق بابه على طائر، فقال: إن كان أغلق الباب
بعده أحرم فعليه شاة، وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه) ومنها (2) عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن
الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات، قال: (يتصدق بدرهم
يطعم به حمام الحرم) فقد صرح فيه عليه السلام بأن يتصدق بدرهم، وإن لم يكن فيه صراحة على أنه حين إغلاقه عليه
كان محرما أم محلا أو كان في الحرم أم في خارجه بل تعرض لحكم حمام الحرم فأمر عليه السلام بالتصدق بدرهم.
ومنها: عن يونس بن يعقوب (3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم
وفراخ وبيض، فقال: إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهم، ولكل فرخ نصف درهم، ولكل بيضة
ربع درهم، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، ولكل فرخ حملا وإن لم يكن تحرك فدرهم،
وللبيض نصف درهم)
ويمكن تقييد رواية الحلبي بها والقول بأن الاغلاق فيها كان قبل الاحرام لتصريح الإمام عليه السلام بقوله: (إن كان
أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهم... وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة)

1 - الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
114

نعم لم تكن في غير رواية الحلبي (أغلق... فمات) لامكان وقوع الاغلاق في الاحرام وحين رجوعه بعد الأعمال -
من الطواف والتقصير وغيرهما - رآه سالما وحينئذ يمكن أن يقال: بترتيب الفداء على الموت كما عن الأصحاب ومنهم
صاحب الشرايع حيث قال: (فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان) ولكن عن الشيخ يستقر الضمان بنفس
الاغلاق ولو مع السلامة.
هذا. وعن صاحب المدارك الاعتراف بقيد هذا الحكم إن كان السند صحيحا، خلافا للحدائق حيث اعترف بصحة
السند والمناقشة في الدلالة لمغايرتها مع النصوص السابقة. إذ فيها: على المحرم في الحرم الفداء والقيمة خلافا لظاهر ما
هنا وهو الفداء دون القيمة، ويشكل حملها على غير الحرم أيضا لأنه لا شئ فيه حينئذ على المحل، اللهم إلا أن يكون
ذلك حكم حمام الحرم وإن لم يكن في الحرم لقوله: (حمامة من حمام الحرم) ومعنا ذلك مساواة خارج الحرم مع الداخل في
الحكم، فعليه على المحرم لاحترام الاحرام شاة وعلى المحل لحرمة الحرم القيمة، ويشكل أيضا الحكم بوجوبهما عليه
لحصول السببين كالحرم، اللهم إلا أن يقال: بعدم وجوبهما عليه في هذا القسم من الاتلاف فالنصوص السابقة مخصوص
بالقتل بخلاف ما هنا لاختصاصها بالاغلاق دون الموت كما هو مختار الأستاذ والشيخ أيضا. ولكن فيه ما عرفت من أن
الاغلاق مع السلامة أو لي بعدم الضمان من الرمي مع عدم الإصابة ومن الأخذ ثم الارسال فلا بد من حمل الخبر على حال
الهلاك. انتهى كلام صاحب الجواهر.
وعن الأستاذ: تقييد الاغلاق بالإصابة بل بالهلاكة مخالف لنصوص الرمي لأن الفداء فيها منوط بالإصابة وإن لم ينته
إلى الهلاك وحملها على حال الاغلاق مطلقا وإن لم يكن فيه الإصابة أيضا مخالف لنصوص الرمي لمخالفتها معها، إذ في
الأول الفداء هو الشاة دون الثاني، وحملها على حال الهلاك مخالف للنصوص السابقة لتضاعف الفداء والقيمة في الثاني
دون الأول، ولذلك لا يمكن تخصيص الاغلاق بالإصابة والقول بعدم تقدمه منه لأن الرمي من دون الإصابة يكون تجريا
على المولى بخلاف الاغلاق لإصابة الطائر فيه قطعا ومخالفة العبد مع المولى. وملخص الكلام أنه لا يمكن الحكم بمساواتهما
إذ الفرق بين مورد البحث والرمي واضح لمن له أدنى مسك من العلم. وما عن الجواهر: إلا أنا لم نتحققه، أي عدم
وجود القائل به. وعن الأستاذ حفظه الله: تارة يمكن القول بأن حملهم على حال الهلاكة كان لوجود القرينة ولكن خفيت
تلك علينا. وأخرى طرحها وتقييدها بالهلاكة كما هو ظاهر الآية والرواية إلا أنهم لم يفتوا بتضاعف الفداء في الحرم.
(الثانية قيل إذا نفر حمام الحرم فإن عاد فعليه شاة واحدة، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة) وهكذا قال: علي بن
بابويه وتبعه الأصحاب ومنهم صاحب الشرايع: ومعنى النفر بالفارسي هو (رمانيدن) ونفرته أي (رمانيدم) وقد استعمل
لازما ومتعديا، وقد كان من عادة الأصحاب الرجوع إلى فتوى ابن بابويه عنه عدم النص بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل
عليه النص الصحيح عنده،
وعن الحدائق: إن فيها ما هو مأخوذ من الفقه الرضوي (1) ثم للتنفير والعود احتمالات. منها: يمكن أن يقع التنفير من

1 -
115

مكان من الحرم إلى مكان آخر منه، وهل يصدق عليه التنفير أم لا؟. ومنها نفرها من الحرم إلى خارج الحرم. ومنها
عن الوكر وإليه، ومنها عن كل مكان يكون فيه وإليه، وعن الأستاذ حفظه الله: إذا لم يمكن استفادة معنى النفر من اللغة
ولم يكن في كلام الأصحاب أيضا الإشارة إلى معناه وشككنا في انطباق مفهوم النفر على المصداق فلا بد وأن يتمسك في
مورد الشك بالقدر المتيقن من النفر وهو الاحتمال الثالث، وإن كان النفر أقل منه كالأول لا يمكن الحكم عليه بالفداء لأنه
مورد شك وعنه الشك يمكن إجراء البراءة عن الفداء. وأما الشاك في العدد ينبني على الأقل ويجري أصالة البراءة عن
الزائد. ثم إن الأقوى عدم وجوب شئ في الواحدة ولذلك لا بد من حمل قوله: (إذا نفر حمام الحرم إلخ) على أن المراد منه
هو اسم جنس جمعي لا أنه اسم جنس لشموله الأقل والأكثر، إذ إن قلنا بالثاني يرد عليه أولا مساواة العود بعد النفر
وعدمه في الحكم وهو وجوب الشاة إن كانت واحدة، وثانيا مساواة القتل والرمي والعود في الحكم مع أن حكم القتل
مختص بالنصوص السابقة التي تكلمنا حولها في حكم قتلها، وما قيل: إن غاب بعد النفر فعليه شاة إن احتمل التلف، فهو
كمن رمى صيدا ولم يعلم حاله. قال: الأستاذ حفظه الله: هذا قياس باطل إلا أن يكون النفر سببا للاتلاف، فإذن يكون
وجوب الفداء عليه بدليل الاتلاف لا بما هو شبيه بالرمي ولم يعلم حاله.
ثم هل يكون الفرق بين المحرم والمحل في الحرم أم هما في الحكم سواء؟ فعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بوجود
النص فيه فلا يمكن الحكم بالفرق بينهما لظاهر النص نعم يمكن إثبات الفرق بينهما بمقتضى عموم التعليل الذي قال:
للمحرم تعدد الفداء للحرم وللاحرام، دون المحل في الحرم فعليه شاة للحرم، وعن الجواهر: لا يمكن الاعتراف بصحة
الفروع إلا بعد صحة مستند أصل الحكم. وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه الجواهر مشكل لفتوى ابن بابويه
ومتابعة المشهور ومنهم الشيخ رحمة الله عليه فلا يمكن الاعراض عنه وإن كان مقتضى الاحتياط الاقتصار على أصل
الحكم وهو المقدار المتيقن وإجراء البراءة في الزائد.
(الثالثة: إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته، وكذا على المخطي لإعانته) وقيد
الماتن وجوب الفداء على المخطي بالإعانة مع أنها لم تكن في النص موجودة لاطلاقها وعدم تقييدها بالإعانة أو غيرها،
إلا أن يدل عليه فيجب للدلالة للرمي أو أغراه أو أغواه، أما الرمي: إذا رمى صيدا فأخطأ فبذلك رمى الآخر فأصاب
، وأما الاغراء فهو إيجاد الشوق للرمي في الغير لعدم بنائه على الرمي. وأما الاغواء فهو انحرافه للتهيؤ للرمي. وعن
صاحب الجواهر: ولعل المراد بالإعانة إرادة صيده للرامي. وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره صاحب الجواهر في
تعريف الإعانة مشكل لعدم صدق الإعانة عليه إذ لا يمكن انطباقها على صيده للرامي أو لنفسه، مع أن ما اختاره الماتن
في التعريف وهو وجوب الفداء للإعانة مغاير لقوله سابقا: إن رميا صيدا فأصابه أحدهما دون الآخر فعلى المصيب فداء
دون المخطي إلا أن يقيد الحكم وهو وجوب الفداء بالإعانة، ولكن كما قلنا سابقا النص والفتوى بخلافه لاطلاقهما وعدم
تقيدهما بالإعانة وغيرها، كصحيح ضريس بن أعين (1) قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجلين محرمين رميا صيدا

1 - الوسائل - الباب - 20 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
116

فأصابه أحدهما قال: على كل واحد منهما الفداء) وخبر إدريس بن عبد الله (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال: عليهما جميعا، يفدي كل واحد منها
على حدة).
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بمقالة الماتن فيمكن التعدي من مورد النص إلى غيره لعدم الفرق حينئذ بين المحرم
والمحل في الحكم ولا بين تعدد الرامي أو اتحاده، وإن لم نقل بها فلا يمكن التعدي من النص وإسراء الحكم من المحرم إلى
المحل، والحكم بوجوب الفداء عليه أيضا إلا أن يكون فعله سببا للاتلاف فإذن يمكن التعدي لوجوب الاقتصار على مورد
النص، وهل يمكن التعدي منهما - أي المحرمين - إلى غيرهما؟ فيه وجهان: من أن الحكم الموجود في النص يكون على
خلاف مقتضى القاعدة فلا يمكن التعدي إلى غيره. ومن أنه يمكن أن يكون للاجتماع مدخلية في العرف فيمكن التعدي إلى
غيره. ثم إن قلنا بالتعدي فإذا تعدد الرامي فهل يجب على كل واحد منهم غير المصيب فداء على حدة أم يحتمل الاجتزاء
بفداء واحد لجميع المخطئين.
(الرابعة إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد، وإلا لزمهم فداء واحد)
وعن الأستاذ حفظه الله: وهل هو حكم عام يشمل المحرم والمحل أم هو خاص بالمحرم بعد فرض معلومية عدم وجوب
شئ للمحل في خارج الحرم؟ ومستند الحكم صحيح أبي ولاد الحناط (2) قال: (خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة
فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه وكنا محرمين فمر بنا طير صاف مثل حمامة أو شبهها
فاحترق جناحاه فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة فأخبرته وسألته فقال:
عليكم فداء واحد تشتركون فيه جميعا إن كان ذلك منكم على غير تعمد، ولو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع
ألزمت كل رجل منكم دم شاة، قال: أبو ولاد وكان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم) وإن أوقد المحل في الحرم نارا فهل
يمكن الحكم عليه بوجوب القيمة ولو كان ذلك بدون قصد منه أم لا؟ فعن الأستاذ حفظه الله: الحكم به مشكل، لعدم
الدليل، وكذا الحكم في المحرم في الحرم إلا أن يكون هو سببا، كل هذا لعدم إمكان التعدي من مورد النص إلى غيره،
فيجب الاقتصار في مورده، وأما مع القصد فعلى المحل في الحرم القيمة وللمحرم في الحرم تضاعف الجزاء كما أن المتيقن
من النص هو الايقاد عن جماعة، وإذا كان الموقد واحدا فلا يكون عليه شئ.
(الخامسة: إذا رمى صيدا اضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع) وعن الأستاذ حفظه الله: كل
هذا للتسبيب، ولا فرق في ذلك بين الاضطراب وغيره، بل إن رمى صيدا فاضطرب الصيد فبسببه وقع جنايتان مثل أن
يقتل فرخين فعليه فداء الجميع ولو قصد قتلا واحدا، خصوصا إن قلنا بعدم الفرق في الصيد بين الخطأ والعمد كأن رمى
حجرا فأصاب السهم الحجر فوقع الحجر على الصيد فمات فعليه أيضا فداؤه.

1 - الوسائل - الباب - 20 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 19 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
117

(السادسة السائق للدابة يضمن ما تجنيه دابته وكذا الراكب إذا وقف بها وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها) لقاعدة الضمان
، إلا أن الضمان في إتلاف أموال الناس، القيمة إن كان قيميا، والمثل إن كان مثليا بخلاف الصيد ففيه الفداء، هذا كله في
السائق وأما الراكب إذا سار ضمن ما تجنيه دابته بيديها ورأسها كالقائد لقوله صلى الله عليه وآله في المرسل (1): (الرجل
جبار) أي هدر خلافا للنص الآتي لاطلاقه وعدم تقييده بما عن الماتن، وشموله في وجوب الفداء حتى على الواقف إذا
جنى دابته بيديها ورجليها، وعلى المرسل للرعي، وعلى الراكب والسائق والقائد إذا وقعوا على الأرض وبذلك جنوا، مع
عدم لزوم الفداء عليهم، إذ الميزان في الفداء هو التسبيب لا الأعم منه ومن غيره، وهو صحيح أبي الصباح الكناني (2)
إنه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ما وطأته أو وطأته بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه) وعن معاوية بن
عمار (3) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ما وطيته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه الحديث) وعن صاحب
الجواهر: إلا أني لم أجد عاملا بهما على إطلاقهما، ولذلك حملهما على مقتضى القاعدة وهو وقوع الفعل تسبيبا لا ما هو
أعم، وحينئذ يطابق النص والفتوى هذا كله في المحرم، وأما المحل وإن لم يكن فيه شئ تضمن ضمانه بجناية دابته إلا أنه
يمكن أن يستفاد من فحوى نصوص الضمان بالدلالة للمحرم والمحل في الحرم التسبيب الذي لا فرق بين المحل والمحرم فتتجه
مضاعفة الجزاء فيه حينئذ أيضا إلا أن يكون من غير تسبيب فلا شئ عليه، بل في المدارك: (لم أقف على رواية تتضمن
تضمينه بجناية دابته إلا أن الأصحاب قاطعون بأن ما يضمنه المحرم في الحل يضمنه المحل في الحرم، ويتضاعف الجزاء في
اجتماع الأمرين) وعن الأستاذ حفظه الله: بناء على هذا يمكن أن يكون مستند قولهم وهو مساواة الحكم بين المحرم والمحل
التسبيب.
(السابعة: إذا أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه ضمن) ولو أمسك المحرم الأم في الحرم فمات الطفل فيه أيضا فعليه
الفداء للتسبيب (وكذا لو أمسك المحل صيدا له طفل في الحرم) فتلف الطفل فيه فعليه ضمانه لأنه قتل صيد الحرم كأن
رمى المحل صيدا في الحرم فعليه فداؤه وأما إن كان لامساك في الحرم فتلف الطفل في الحل فلا يكون عليه فداؤه: ففي
خبر مسمع (4) عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال: عليه
الجزاء لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم) ولا يكون قياسا لأنه بمقتضى تعليل النص الذي قال هذا لعدم حرمة
الحرم.
(الثامنة: إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن سواء كان في الحل أو في الحرم، لكن يتضاعف إذا كان في الحرم)
للتسبيب، كما قلنا سابقا في حكم المحرم إذا أمسك صيدا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاغراء في الحرم أو في الحل،
ولا بين أن يكون محرما أو محلا وكان الصيد في الحرم، بل بحكم الاغراء في الضمان حل الكلب المربوط في الحرم فقتل صيدا
، وكذا لو حل الصيد المربوط فتسبب ذلك لأخذ الكلب إياه فعليه الفداء إن لم يكن للإحسان وإلا فلا يكون عليه شئ.

1 - سنن البيهقي ج 8 - ص 343.
2 - الوسائل - الباب - 53 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 31 من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 33 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
118

(التاسعة: لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شئ أو أخذه جارح ضمن) وعن الأستاذ حفظه الله: لا يشمل هذا حمام الحرم،
لخروجها عن هذا الحكم وإنما الحكم فيه عدم وجوب الضمان للنافر إن لم تعد، بل الحكم راجع إلى من نفر صيدا وتلف
بمصادمته فعليه ضمانه، أو أخذه جارح ضمنه، ومفهومه لو عاد إلى وكره أو استقر بعد ذلك لم يضمن، وكذا إذا سكن في
غير ما نفره لم يضمن ولو تلف، إذا لم يستند التلف إلى ما سكن فيه لزوال السبب، وإن استند إليه ضمن كل ذلك
للتسبيب. إنما الكلام لو نفر صيدا ولم يعلم حاله بعد نفره، فعن المدارك: عدم وجوب الضمان عليه، خلافا لما قلنا سابقا من
أنه إذا رمى صيدا فغاب ولم يعلم حاله فعليه ضمانه، وعن بعض يحتمل ضمانه، وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى الأصل
هو عدم وجوب الضمان عليه، ولو قلنا به هناك فهو للإصابة ولم يعلم حاله بعد الإصابة بخلافه هنا الذي لم يقع الإصابة،
وأما لو تلف بعد النفر بآفة سماوي فعن الأستاذ: الحكم بعدم الضمان عليه لعدم صدق التسبيب على هذا النوع من التلف
، ولكن عن المدارك: فيه وجهان: من عدم صدق التسبيب على هذا النوع من التلف فلا يجب عليه الضمان، ومن أن
مقتضى النص وجوب الرد بعد النفر إلى مكانه وإذا تلف ولو بآفة سماوي يصدق عدم العود عليه فلذلك يجب عليه ضمانه
، وعن الأستاذ حفظه الله: تارة تلفه يرجع إلى نفره، وأخرى إلى مسألة اليد ومقتضى النص هو الثاني، عن علي بن
جعفر عليه السلام قال: سألت أخي موسى عليه السلام: عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها،
قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به) إن قلنا: وجوب التصدق عليه يرجع إلى نفره من الحرم فعليه لا
يمكن الحكم بوجوب الفداء عليه في كل نفر، بل الفداء يجب إن كان النفر من الحرم إلا أن يعود، فإذن يغاير النص مع
الفرض إذ الفرض هو النفر والنص هو اليد، وإن قلنا: وجوبه عليه يرجع إلى اليد كأن حبس صيدا ومات فيه ولو بتلف
سماوي ليضمن فيشمل مورد النص ولكن هذا خلاف الفرض إذ هو في النفر دون اليد فينحصر وجوب الضمان في صدق
التسبيب بعد النفر ووقوع المصادمة فعليه ضمانه وإلا فلا، نعم إن شك في أصل نفره فالأصل عدم ضمانه لأن الشبهة
موضوعية.
(العاشرة: لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن) ومثله لو أراد تخصيص الصيد من فم هرة أو
من سبع أو من شق جدار فهلك ضمن، وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى النص وجوب الضمان عليه من دون أن يكون
الفرق في ذلك بين إتلافه أو تلفه في نفسه وإن كان الظاهر من قوله (فهلك) صيرورته سببا للقتل ولو لم يقصد قتله، بل
من باب الاحسان أراد تخليصه لصدق قتل الصيد ولو خطأ، فهو كالطبيب الذي أراد أن يعالج مريضا أو يداويه فمات في
يده، أو كالتظليل الذي لا ينافي الضمان كل هذا لعدم انطباق صدق قاعدة الاحسان هنا، نعم إن لم يمكن استناد تلفه إلى
تخليصه لم يجب عليه ضمانه، ويمكن أن يقال بالقطع بعدم الضمان، لأن تخليصه مباح وإحسان محض، وينطق عليه قوله
تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) هذا مع أن المتيقن من الضمان في النص وضع اليد عليه مع العدوان دون غيره، عن
حفص البختري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام: (فيمن أصاب طيرا في الحرم، قال إن كان مستوى الجناح فليخل عنه
، وإن كان غير مستو فنتفه وأطعمه وأسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه) لعدم إمكان إثبات الضمان أو عدمه به لعدم

1 - الوسائل الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
119

تعرضه عليه السلام: لكل واحد من هذين الاحتمالين فالمتجه كما قلنا هو عدم لزوم الضمان عليه إن كان التخليص من
باب الاحسان.
(الحادية عشر: من دل على صيد فقتل ضمن) من دون أن يكون الفرق في ذلك بين القاتل والدال ولا بين أن يكون
الدال هو المحرم كالقاتل أم يكون الدال هو المحرم دون القاتل أو بالعكس إن كان في الحرم لأن الحل إن دل محرما على
الصيد في الحل لم يضمن لأنه لا ضمان عليه بالمباشرة فضلا عن التسبيب، ومفهومه عدم وجوب الضمان مع عدم ترتب
أخذ أو جرح أو قتل للدلالة وإن عصى بفعله ويمكن إثبات الفداء على الدال - مع قطع النظر عن النص - بالتسبيب،
لكن عن بعض إطلاق الفداء للدال قتل أم لم يقتل لخبر ابن حازم بحذف قوله عليه السلام: (فقتل) منه، (1) وإن كان هو
موجودا في نسخ الكافي والتهذيب، ولما عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تستحلن شيئا من الصيد
وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطادوه) ولا تشر إليه فيستحل من أجلك،
فإن فيه فداء لمن تعمده) وعن الأستاذ حفظه الله: أولا ظاهر لفظ ضمن هو ايجابه بعد التلف، وثانيا يمكن حمل المطلق
وهو الدلالة من دون وقوع القتل على المقيد وهو الدلالة مع القتل، والحكم بوجوب الضمان بعد القتل، وإن لم يقتل فلا
يجب عليه الفداء.
الفصل الثالث في صيد الحرم. في حكم اشتراك جماعة في قتل صيد. وهو أي الحرم ما أحاط بمكة من جميع
جوانبها، وعن المعصوم عليه السلام: هو بريد في بريد مع زيادة في بعض الأطراف والنقصان في بعض آخر، والسر في
ذلك، إما لأن آدم عليه السلام: لما أهبط إلى الأرض خاف على نفسه من الشيطان فبعث الله ملائكة تحرسه فوقفوا في
مواضع أنصاب الحرم فصار ما بينه وبين مواقفهم حرما، وإما لأن حجر الأسود لما وضعه الخليل على نبينا وآله وعليه
الصلاة في الكعبة حين بناها أضاء الحجر يمينا وشمالا وشرقا وغربا فحرم الله من حيث انتهى نوره، وهي أي الأعلام
مبنيه، وهي الأنصاب من جميع جوانبه خلا جهة جدة وأول من وضع الأنصاب على حدود الحرم إبراهيم الخليل عليه
السلام بدلالة جبرئيل عليه السلام ثم قصي بن كلاب، وقيل نصبها إسماعيل، وقلعتها قريش في زمن النبي صلى الله عليه
وآله فاشتد ذلك عليه فجاءه جبرئيل وأخبره أنهم سيعيدونها فرأى رجال منهم في المنام قائلا يقول: حرم أعزكم الله به
، نزعتم أنصابه سيحطمكم العرب فأعادوها، فقال جبرئيل للنبي صلى الله عليه وآله يا محمد قد أعادوها، فقال: هل
أصابوا فقال ما وضعوا فيها إلا بيد ملك، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفتح تميم بن أسيد فجددها ثم بعث
عمر لتجديدها بن نوفل، ثم جددها عثمان، ثم معاوية ثم الخلفاء والملوك إلى عهدنا هذا. وعن الأستاذ: قوله عليه
السلام: للنبي صلى الله عليه وآله (ما وضعوا فيها إلا بيد ملك) هو نظير قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون) ومعنا ذلك بعد أن كانت لها جهات معينة ومبينة فإنا لها لحافظون.
(يحرم من الصيد على الحل في الحرم ما يحرم على المحرم) وقد قلنا سابقا للمحرم في الحرم تضاعف الفداء وللحمل

1 - الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
120

فيه القيمة، وأما في الحل فعلى المحرم الفداء دون الحل، ولا خلاف بيننا في ذلك لما رواه الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ولا وأنت حلال في الحرم ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطادوه،
ولا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمد).
(فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه) أي قيمته لما عرفته سابقا من كون الأصح ذلك عند المصنف وغيره، وعن
الأستاذ حفظه الله: وإن لم يتعرض لحكم الحل في الحرم ولكن لا فرق في ذلك بين المحرم والحل في الحرم لاتحاد حكمهما
فيه إلا أن المحرم تجب هي عليه مع الفداء إذا كان مما له فداء، كقوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وإلا
تضاعفت القيمة للاحرام والحرم.
(ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء وفيه تردد) وعن الأستاذ حفظه الله: وجد تردده هو النص باحتمال
اختصاصه بالمحرمين كأكثر النصوص دون الحل في الحرم، ولذلك حكم باتحاد حكمهما في الحرم وتردد بعده، ويمكن أن
يقال باتحاد حكم الحل مع المحرم وهو إلغاء الخصوصية عن المحرم والقول بعدم الفرق في الفداء بين المحلين والمحرمين،
لرواية معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده أو أكلوا منه
فعلى كل واحد منهم قيمته) وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن إنه أراد أن يكشف لهم حرمة الاحرام فإذا كان كذلك فله
يشمل حكم الحل في الحرم، ويمكن أراد أن يبين لهم لزوم حرمة الصيد، ولا فرق في ذلك بين المحرم في الحرم والمحل
فيه، وإذا كان كذلك يمكن شموله للمحل أيضا، ولكن مع ذلك كله في المسألة نصوص لم تكن فيها قيد الاحرام، منها قول
الصادق عليه السلام: في خبر ابن عمار (3) (أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن
اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال من جهة عدم إمكان الحكم بلزوم الفداء على
المحل إن قتل صيدا وأكل منه في خارج الحرم، وحينئذ الأمر يدور بين اختصاصه بالمحرم في خارج الحرم، أو
اختصاصه بالحل والمحرم في الحرم والثاني (أولى ومعنا ذلك حرمة قتل الصيد في الحرم للمحل والمحرم وحرمة أكله أيضا
لهما فإن فعله فعليهما فداء على حسب ما ورد في النص، ومن هنا يتضح أنه إن قلنا: بلزوم الفداء لكل واحد منهما
فللمحرم في الحرم بطريق أو أولى، إلا أن يقال باختصاصه للمحرم أيضا كما كان كذلك في ساير النصوص، وعن الأستاذ
حفظه الله: لا مانع من شموله للمحل أيضا
وعن الأستاذ حفظه الله: والأولى استفادة الحكم بمساواة المحللين، لهم من قوله عليه السلام: (4) (من نتف إبطه -
إلى أن قال - أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعله ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا
فعليه دم شاة) فعليه يمكن الحكم بعدم الفرق بين المحل في الحرم والمحرم في خارج الحرم، لامكان عدم تمامية دلالته
وضعفه وعدم وجود لفظ المحرم فيه وإمكان القول بالفرق بين المحل في الحرم والمحرم في خارجه، كل ذلك لتعليق

1 - الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3) و (86).
4 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية كفارات الاحرام، ح (1).
121

الحكم على الاجتماع وعدم وجود النص في الحرم في حال الاجتماع وإذا كان كذلك فلا يمكن الحكم بوجوب الفداء على
كل واحد منهم، لأنه ليس بأعظم من الاشتراك في قتل مؤمن إذ ألزمت الدية، بل على كل منهم على حسب نسبته فإن
كانوا عشرة فنسبة كل واحد منهم هي العشر، وإن كانوا اثنين فلكل واحد منهما نصف الفداء كما هو المروي - أي
الأخير - عن بعض لعدم إمكان وجوب الفداء في الواحد دون الجماعة، هذا كله في حكم المحرم مع المحرم أو المحل مع
المحرم، وأما إذا كان الاشتراك بين المحل والمحرم في خارج الحرم: أما المحل فلا يجب عليه شئ هذا مما لا إشكال فيه
ولا ارتياب، إنما الكلام في حكم المحرم في خارج الحرم في هذا الحال فهل عليه فداء كامل أم نصف الفداء؟ ولم يتعرض
الماتن على هذا الفرع ولا يرد نص خاص أيضا وهل يمكن الحكم بوجوب نصف الفداء للمحرم أم يجب عليه فداء كامل
؟ فعن الصادق عن أبيه عليهما السلام: والراوي إسماعيل بن أبي زياد (1): (كان علي عليه السلام: يقول في محرم ومحل
قتلا صيدا على المحرم الفداء كاملا وعلى المحل نصف الفداء) وعن الأستاذ المحل نصف الفداء إن كان في الحرم وأما إذا
كان في المحل فلا شئ عليه خلافا للمحرم كما قلنا سابقا بمساواة الحكم للمحرم في حال الاشتراك والانفراد ولا فرق في
ذلك بين أن يكون الاشتراك مع المحل أم مع المحرم فإذا كان كذلك فعليه الفداء كاملا دون المحل، فإن تم ذلك فيقع
التعارض بينهما، فيحكم على المحرم الفداء وعلى المحل نصف الفداء ويمكن توجيه النص وهو الحكم بإيجاب نصف فداء
المحرم عليه إن كان في الحرم ولكن مقتضى الاحتياط هو الاعراض عنه، (وهل يحرم وهو يؤم الحرم قيل نعم) والقائل
هو الشيخ في الاستبصار والتهذيب (وقيل يكره وهو الأشبه) والقائل هو الشيخ والصدوق وابن إدريس، وعن الأستاذ
حفظه الله: والبحث فيه يقع من جهات ثلاثة: الجهة الأولى: هي تعيين حكم رمي الصيد الذي يؤم الحرم. الجهة الثانية
: هل أن وجوب الفداء عليه وعدمه يختص بما إذا دخل الصيد في الحرم فمات فيه أم يعمه وما كان خارج الحرم الجهة
الثالثة: هل يقيد كون موته بسبب الرمي أم لا؟ أما الأول فقد تبين لك أنها ذات قولين وعلة اختلاف الأقوال ترجع إلى
اختلاف الروايات وهل يمكن الجمع بينهما لكي ترتفع التعارض أم لا؟ ومن يحكم بحرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم
يتمسك بنصوص، منها: مرسل ابن أبي عمير (2) عن الصادق عليه السلام: (كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤم الحرم)
بناء على إرادة الحرمة من الكراهة فيه، ومنها عن مسمع (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل محل رمى صيدا في
الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم؟ فقال لحمه حرام مثل الميتة) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه قوله عليه السلام:
لحمه مثل الميتة يدل على عدم جواز رميه ولو رماه في الحل وبعده دخل في الحرم فمات فلذلك حكم بأنه مثل الميتة و
منها عن علي بن عقبة أبيه عقبة بن خالد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل قضى حجة ثم أقبل حتى
إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم والصيد متوجه نحو الحرم فرماه فقتله ما عليه في ذلك؟ قال: يفديه
على نحوه) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه: وإن لم يكن فيه ما يدل على دخوله في الحرم وعدمه إلا أنهم استدلوا بذلك -

1 - الوسائل - الباب - 29 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 29 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 29 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 39 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
122

أي حكمه عليه السلام: بالفداء عليه - بعدم جواز رمي الصيد الذي يؤم الحرم.
ومستند القائلين بالكراهة نصوص أيضا، منها عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل
يرمي الصيد وهو يؤم الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه، قال: ليس عليه شئ إنما هو
بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه، قلت: هذا عندهم من القياس؟
قال: لا إنما شبهت لك شيئا بشئ) وعن الأستاذ حفظه الله: (وهو) في قوله عليه السلام: (وهو يؤم الحرم) مردد بين
إرجاعه إلى الرامي أو إلى الصيد والظاهر هو الثاني خلافا للحدائق لذهابه إلى الأول لمتابعته القائلين بالحرمة.
ومما يؤيد الكراهة أصاب رميه به في البريد الذي يحيط الحرم من كل جانب والحرم داخل فيه، على أن الإمام عليه السلام نزل ذلك منزلة من نصب شبكة في الحل إلى جانب الحرم فكما لا يمكن الحكم في المقيس بالضمان فكذلك لا يمكن
الحكم به في المقيس عليه أيضا، وقد أشار مرتبطا بالبحث سيدنا الأستاذ دام إقباله إلى الفرق بين القياس والتشبيه بقوله:
القياس هو سراية الحكم من فرد إلى فرد آخر مماثلة له خلافا للتشبيه حيث إن الحكم فيها تطبيق الفرد المجهول على
الكلي المعلوم وهو عدم وجوب الضمان على المحل الذي رمي صيدا في الحل وهو يؤم الحرم، إذ من المعلوم عدم وجوب
شئ على الحل في الحل إن رمى صيدا كما صرح به النصوص فاشتبه الحال في هذا الفرد وهو الفرض المذكور للسائل
فسأله عن الإمام عليه السلام: وأجاب فشبه لتوضيح الحال بمن نصب شبكة وأضاف لتكميل الغرض بقوله عليه السلام
: (إنما شبهت لك الشئ بالشئ لتعرفه) ورواه في العلل عن الحجاج أيضا وقد اختار صاحب الحدائق وصاحب الوسائل
حرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم جمعا بين النصوص المتعارضة قائلا: إن المراد من ضمير (هو) في قوله عليه السلام:
(وهو يؤم الحرم) أن الرجل كان يوم الحرم لا الصيد فلا منافاة، خلافا للأستاذ حيث قال: إنه خلاف الظاهر، وحينئذ
يمكن حمل رواية العقبة والحلبي على الاستحباب لرجوع السؤال فيهما عن الجزاء وعدمه دون حرمة الرمي وعدمها خلافا
لرواية ابن الحجاج لدلالتها على حرمة الرمي لوجوب الفداء، وأما إن قلنا: بأن مقتضى السؤال في الكل الجزاء وحمل
رواية البقعة والحلبي بالاستحباب فلا ينافي الحرمة لرواية ابن الحجاج أصلا وإذا لم يكن في البين دليل يكفي عدم الدليل في
عدم الحرمة وهو الأصل، وحمل قوله عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير (وهو يكره) على الكراهة، وإن استعمل في
الحرمة أيضا على أنه ليس في رواية الحجاج الصيد يؤم الحرم بل هو مطلق لقوله: (رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته
إلخ) (2) ولذلك اختار صاحب الحدائق: أن المراد هو الصيد الذي لا يؤم الحرم لقوله عليه السلام: (ليس عليه جزاء)
خلافا للأستاذ حفظه الله: حيث قال: والعلة عام فيشمل الصيد الذي يؤم الحرم ولذلك يقع التعارض بينهما بين الثاني
الموجب بالفداء والمثبت له فيحمل على الاستحباب، وعن الحدائق وجه آخر لرفع التعارض وهو حمل يكره في مرسل
ابن أبي عمير على الحرمة فلذلك يجب عليه أن يفديه وأما غيره على التقية، وعن الأستاذ: هذا الجمع أيضا غير صحيح
لتصريحه عليه السلام: في جواب السائل حين قال: هذا قياس عند الناس (إنما شبهت لك الشئ بالشئ لتعرفه) وقد ظهر

1 - الوسائل - الباب - 30 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 30 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
123

من مطاوي ما قد منا لك خيرة الحدائق في البحث وهي حرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم ثم قال: ويتفرع على ذلك
ما يلي: وهو عدم وجوب الفداء إن قلنا: بالكراهة، ولزوم الفداء إن قلنا: بحرمة رميه وهو يؤم الحرم، وعن المسالك:
حرمة اللحم وأنه ميتة على القولين وعن الأستاذ حفظه الله: للنص إن قلنا: بإمكان استفادة حرمة لحمه وكونه ميتة عن
رواية مسمع (1) بدعوى عدم ارتباطه بحلية الرمي أو الكراهة لعدم وجود المعارض له، خلافا لمن يفرع حكمهما بمسألة
حرمة الرمي وكراهيتها لوجود المعارض معه وهو رواية ابن الحجاج لقوله عليه السلام: بعدم البأس وتمثيله بمن نصب
شبكة، ولذلك خالف صاحب الحدائق مع صاحب المسالك بقوله: إن قلنا بكراهة الرمي فالحكم بكونه كالميتة بعيد
لانحصار كونه كالميتة بحرمة رميه، وعن الأستاذ حفظه الله:، إن قلنا بالتعارض فيتعارض الحلبي وابن الحجاج، اللهم إلا
أن يلتزم بما التزم به الشهيد في المسالك وهو كونه كالميتة لحسن سمع المتقدم لعدم وجود المعارض له عنده وحينئذ المتجه
هو كراهة الرمي وإن كان جواز الرمي مع كونه كالميتة مشكلا، وعن صاحب الجواهر: الأقوى هو الكراهة وعدم لزوم
الفداء لتشبيه الإمام عليه السلام في رواية الحجاج بمن نصب شبكة لأنه محل فلا يكون عليه شئ هذا وإن كان يعارض ما
في صحيح الحلبي (2) وخبر عقبة (3) لدلالتهما على الحرمة وعلى كونه ميتة رواية ولكن يمكن توجيهما بأنه لا بأس بكونه
كالميتة لامكان كونه ميتة ولكن يجوز رميه وعدم لزوم الفداء عليه.
(ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه) وهو الموافق لأصول المذهب وفحوى صحيح الحلبي (4) وابن الحجاج
(5) لتشبيه الإمام عليه السلام: الرامي فيهما بمن نصب شبكة، لأن الصيد في الحل ويؤم الحرم على أن الرامي أيضا كان
محلا، وما يفهم من الأدلة من انحصار المانع من الاصطياد في الحرم والاحرام ومفهوم قوله تعالى: (6) (حرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما) المقتضي عدم الحرمة ما دمتم محلين كقوله تعالى: (7) (وإذا حللتم فاصطادوا) خرج منه صيد الحرم
للاجماع وبقي الباقي، ومنه ما نحن فيه (ولو أصابه صيدا فيه ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا) إن قلنا
باستحبابها وإلا فيجب الصدقة عليه للنص عن الحلبي (8) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت محلا في الحل فقتلت
صيدا فيما بينك وبين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاؤه، فإن فقأت عينيه أو كسرت قرنه لصدقت بصدقة) وهو الدليل
للقائلين بالاستحباب عن عبد الغفار البخاري (9) عن أبي عبد الله عليه السلام: (في حديث) قال: وذكر أنك إذا كنت
حلالا وقتلت صيدا ما بين البريد والحرم فإن عليك جزاؤه، وإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة)
وعن الأستاذ حفظه الله: ولأجلهما حكم الماتن باستحباب الفداء فحمله على الكراهة لعدم وجود النهي فيهما إلا أن الإمام

1 - الوسائل - الباب - 29 - كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 32 - كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 30 - كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 30 - كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 30 - كفارات الصيد، ح (3).
6 - سورة المائدة آية 97.
7 - سورة المائدة آية 3.
8 - الوسائل - الباب - 32 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
9 - الوسائل - الباب - 32 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
124

عليه السلام قال في جواب السائل بقوله: (فإن عليك جزاؤه) نعم يمكن أن يقال بالجواز، ومع ذلك عليه الفداء كالتظليل
، ويمكن أن يقال: مقتضى قوله عليه السلام: (تصدقت بصدقة) هو البأس، ويمكن أن يقال جمعا بين النصوص الحكم
باستحباب الفداء مع كراهة الرمي، ولا يمكن أن يتعدى من مورد النص إلى غيره وهو وجوب الفداء في كسر الرجل
لعدم النص ووجود الأصل (ولو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجر إخراجه)، للآية (1) (ومن دخله كان آمنا) الذي
استدل الإمام بها في مساواة الحكم بعد الدخول إنسانا كان أم غيره، وحينئذ لو دخل الحرم مربوطا لا يجوز إخراجه، بل
في المدارك: الاستدلال عليه بأنه بعد الدخول يصير من صيد الحرم، فيتعلق به حكمه، وعن صاحب الجواهر: وإن كان
فيه منع واضح، وعن الأستاذ حفظه الله: ما اختاره المدارك: موافق لاستدلال الإمام عليه السلام فهو المختار لأنهم
عالمون بالقرآن وحكماء بتأويله وتنزيله، فحيث قال: بعد الدخول يصير من صيد الحرم، فلا بد وأن يبقى مأمونا من
الاذاء، فإذن ولو قلنا بأنه خارج عن صيد الحرم موضوعا ولكن يدخل فيه حكما، عن عبد الأعلى بن أعين (2) سألت أبا
عبد الله عليه السلام (عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم والرباط
في عنقه فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه والرجل في الحل من الحرم، فقال ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة) عن معاوية بن
عمار (3) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمس لأن الله عز وجل يقول:
(ومن دخله كان آمنا) وملخص القول فيهما الحكم بالأمان بعد الدخول فيه، سواء كان إنسانا أم غيره خصوصا مع ما في
خبر ابن الأعين من حرمة لحمه وثمنه وكون لحمه كالميتة.
(ولو كان في الحل فرأى صيدا في الحرم فقتله فعليه فداؤه) للاجماع، وعدم الخلاف، والنص، منه صحيح ابن سنان
(4) (وما دخل من الوحش والطير في الحرم كان آمنا من أن يهاج ويؤذى حتى يخرج من الحرم) وعن الأستاذ حفظه الله
: ولا فرق في عدم جواز القتل بين أن يكون في الحرم أو في خارجه لأنه في كلتا الحالتين مأمون من أن يهاج أو يؤذى،
وعن الجواهر والمدارك: وبمعناه إرسال الكلب عليه، ومعنا ذلك: أن يبقى هو في الحل وأرسل كلبه عليه ويدخل في ورائه
فيه ويأخذه، نعم وجوب الضمان عليه مقيد بإرساله عليه، أما إذا أرسله على صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم
فقتل صيدا آخر على وجه لا يكون صاحبه سببا في ذلك فلا ضمان لانتفاء المباشرة والتسبيب، ولكن إن أرسله على صيد
في الحل، وكذا لو رمي وهو والصيد في الحل ولكن دخل الصيد الحرم ثم أصابه السهم، وجهان: من عدم تسبيبه ذلك فلا
يجب عليه ضمانه، ومن أنه قتل صيدا حرميا فيجب عليه ضمانه إن قلنا بعدم الفرق في وجوب الضمان عليه في الصيد بين
قتله عمدا أو خطأ (وكذا لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله) للاجماع، والنص الخاص، ولا يمكن الاستدلال بالآية
الكريمة هنا في الحكم بعدم جواز رمي الصيد من الحرم إلى الحل، وكذا لا يمكن التمسك بالنصوص الواردة عن المعصومين
عليهم صلوات الله لاثبات المنع عن رمي الصيد إن كان الرامي في الحرم وهو في الحل لعدم وجوده في الحرم والرامي لا

1 - سورة آل عمران، الآية 91.
2 - الوسائل - الباب - 36 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 36 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 13 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
125

يكون محرما أيضا وخلو النصوص في حكاية منع الرامي وهو في الحرم والصيد في الحل، وانحصار الآية في احترام الصيد
الحرمي للمحل، نعم يمكن إثبات المنع من نص خاص وهو صحيح مسمع (1) عن الصادق عليه السلام: (في رجل حل في
الحرم رمي صيدا خارج الحرم فقتله فقال: عليه الجزاء لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم) وعن الأستاذ حفظه الله:
معناه للحرم حرمة لا يجوز التعدي عن أحد لأحد سواء كان إنسانا أو غيره، ولا فرق في عدم الجواز بين أن يكون هو في
الحرم ويتعدى له أو في خارجه ويتعدى منه إليه في خارج الحرم (ولو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو
في الحرم منه فقتله ضمنه) وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى النصوص الواردة في حرمة الحرم عدم جواز رمية إلا أن يشك
في تحقق عنوان الحرمة فالأصل هو البراءة، وأما إذا تيقن بموضوعه فالأصل هو عدم جواز الرمي. (ولو كان الصيد على
فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم) ولزوم الضمان على الرامي لا يكون منحصرا في الطيور بل هو
أعم منها ومن غيرها وكذا لو كان أصلها في الحل والصيد على فرعها في الحرم فقتله ضمنه) وإن لم يتعرض عليه صاحب
الشرايع، ومستند القولين قوي السكوني (2) (عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام إنه سئل عن شجرة أصلها في
الحرم وأغصانها في الحل على غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال: عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم) وصحيح
معاوية (3) قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل قال: حرم فرعها لمكان أصلها
، قال: قلت: فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم فقال: حرم أصلها لمكان فرعها) وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضاهما
حرمة الغصن أو الأصل لحرمة الغصن لوجودها في الحرم، والمنطوق حكمه ظاهر في وجوب الفداء بخلاف المفهوم الذي
يدل على عدم إيجاب الفداء إن لم يكن أصلها في الحرم فإذن يقع التعارض بين منطوق ابن عمار لأن مقتضاه تحريم الأصل
الذي هو في الحل لمكان كون الفرع في الحرم، وهو مناف في الظاهر مع المفهوم في خبر السكوني ولذلك قال في المسالك:
(الضابط أن أصل الشجرة متى كان في الحرم فما كان عليها مضمون مطلقا ومتى كان في الحل فأغصانها تابعة لهواء ما هي
فيه، فما كان منها في الحرم بحكمه وما كان في الحل بحكمه، والثاني لا إشكال فيه، والأول مروي عن علي عليه السلام)
وعن الأستاذ حفظه الله: ما خلاصته، مقتضاه تقديم المفهوم على المنطوق لعمومية الثاني وهي حرمة كل جزء في الحرم
سواء كان أصلها في الحل وأغصانها في الحرم أو بالعكس بخلاف الأول إذ الحرمة فيه مختص بما إذا كان أصلها في الحرم وأما
إن كان أصلها في الحل وأغصانها وإن كانت في الحرم فلا يجب احترامها.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن أن يقال في تعارض العموم مع الاطلاق بتقديم العام على المطلق لعدم ذكر القيد في
الاطلاق، ولذلك يتمسك به عند الشك في احتمال إرادة الخاص منه بخلاف العام لأن دلالته على الافراد تكون بالوضع
هذا مع أن المنطوق دلالته على عموم الافراد أظهر من المفهوم فيقدم العام عليه ولذلك ذهب الأكثر إلى حرمة الشجر إن
كان غصنه في الحرم - وإن كان البعض تبع الشهيد وقدم المفهوم على المنطوق - فلا يلزم لأحد الاحترام للشجر الذي
أصله في الحل ولو كان غصنه في الحرم، ويظهر مما حررنا لك موافقة الماتن مع الشهيد:

1 - الوسائل - الباب - 33 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 90 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 36 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
126

(ومن دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله ولو أخرجه فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره)
وقد قلنا سابقا إن للغاصب ضمان المال المغصوب لو تلف في يده فكذلك هنا عليه ضمانه إن كان الصيد في يده فدخل به
الحرم ولم يرسل، إذ عليه إرساله ولو أخرجه فمات ضمنه أيضا وإن مات حتف أنفه، وعن صاحب الجواهر: نعم إن
سلمه غيره فأرسله وعلم بالارسال ثم مات فلا ضمان: وعن الأستاذ حفظه الله: إن كان مراده من تسليمه إلى غيره
إرساله مباشرة أو تسبيبا فهو ولا كلام فيه في عدم الضمان عليه إذ هو مقتضى النصوص في الباب والمتيقن منها، وإن كان
مراده من تسليمه إلى غيره، هو إعطاؤه إلى الغير وهو الوكيل للارسال في أيام الحج أو بعدها مع إذن صاحبه أو بدون
إذنه أو أخذ صيدا وأدخله الحرم قاصدا لامساكه ولكن فر الصيد، أو مات في يده قبل إرساله، أو أخذه آخذ وأرسله من
دون إذنه ففي هذه الصور كلها يمكن البحث عن سقوط الضمان وعدمه، والمتيقن من النصوص في عدم الضمان هو الارسال
بعد الدخول وإن مات بعده فلا شئ عليه، وإن أمسكه حتى مات فعليه ضمانه إذ هو مقتضى خبر بكير بن أعين (3). قال
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال: إن كان حين أدخله خلى
سبيله فلا شئ عليه، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء) وعن الأستاذ حفظه الله: منطوق الصدر يحكم بعدم الضمان
عليه بعد تخلية السبيل عنه، ومفهومه إيجاب الضمان عليه إن لم يخل عنه سبيله مباشرة أو تسبيبا، بل عليه ضمانه إن
أخذه آخذ ولم يرسله، أو يعطيه لغيره ليحفظه وهو يرسله.
وللذيل منطوق وهو إيجاب الضمان عليه إن كان أمسكه حتى مات، ومفهومه إن لم يمسكه فلا يجب عليه ضمانه اختيارا
أو اضطرارا ويتفرع للثاني إن أخذه آخذ وفر من يده أو فر من يد صاحبه فلا يجب عليه ضمانه، وحينئذ يدور الأمر بين
الأخذ بالصدر والحكم بوجوب الضمان عليه إن لم يرسله، أو الأخذ بمفهوم الذيل والحكم بعدم وجوب الضمان عليه إن لم
يمسكه والأول أولى لقاعدة تقديم جانب مفهوم الصدر على الذيل لأنا إن قلنا ابتداء، (الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شئ)
وقلنا بعده (الماء القليل الكائن في الكوز ينجسه شئ) لا يمكن انحصار أفراد مفهوم الصدر في الذيل إذ من الممكن أن
يكون الذيل موردا للنظر ولذلك يتكلم فيه، إذ الميزان في قبول النجاسة كل ما يكون قليلا لا أنه ينحصر في ماء الكوز،
فلولا ملاحظة مناسبة بين الحكم والموضوع لقلنا بأن عليه الضمان إن لم يرسله إلا أن يرسله، ولكن الانصاف أن الارسال
مقدمة لعدم الامساك حتى الموت لا حكم الضمان يشمل عموم أفراد مفهوم الصدر، فإن كان حكم الضمان ينحصر في ما لم
يرسل إذ هو المتيقن من المفهوم وإذا شك في باقي أفراد المفهوم لوجوب الضمان وعدمه مقتضى الأصل هو البراءة.
(ولو كان طائرا مقصوصا وجب حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله) لصحيح حفص البختري (1) عن أبي عبد الله عليه
السلام (فيمن أصاب طيرا في الحرم قال: إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، وإن كان غير مستو نتفه وأطمعه وأسقاه،
فإذا استوى جناحاه خلى عنه) وصحيح زرارة (2): (إن الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل أهدي له في الحرم
حمامة مقصوصة فقال: انتفها وأحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها) ويستفاد منهما وجوب الحفظ لاكمال

1 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
127

ريشها، وعن محمد بن مسلم (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي وجئ به وهو في الحرم
محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) وعن داود بن فرقد (2) قال: كنا عند أبي عبد الله عليه
السلام بمكة وداود بن علي بها فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: قال لي
داود بن علي: ما تقول يا أبا عبد الله في قمارى اصطدناها وقصصناها (قصينا ها خ ل)، فقلت: تنتف وتعلف فإذا
استوت خلى سبيلها) وعن ابن بكير (3) قال: سألت أحدهما عليهما السلام: عن رجل أصاب طيرا في الحل فاشتراه
فأدخله الحرم فمات فقال: إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فمات فلا شئ عليه وإن كان أمسكه حتى مات عنده في
الحرم فعليه الفداء) عن مثنى (4) عن كرب الصيرفي قال: كنا جماعة فاشترينا طائرا فقصصناه فأدخلناه الحرم فعاب ذلك
علينا جميعا أهل مكة فأرسل كرب إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله فقال: استودعه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة
(مسلمة خ ل) فإذا استوى ريشه خلوا سبيله عن مثنى (5) قال: خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج
(وهو موضع بين مكة والمدينة) حيث بلغنا البريد فنتف النساء جناحيه، ثم دخلوا به مكة، فدخل أبو بصير على أبي
عبد الله عليه السلام فأخبره فقال: ينطرون امرأة لا بأس بها فيعطونها الطير تعلفه وتمسكه حتى إذا استوى جناحاه
خلته) وهل هذا الحكم (وجوب الحفظ لاكمال ريشه ثم الارسال) مخصوص بالطير أو هو أعم منه ومن غيره؟ فعن
الأستاذ حفظه الله: فيه وجهان إن قلنا بإمكان إلحاق غيره إليه فلا بأس أن يحكم بأن الحكم عام، وذكر الطير من باب
المثال، إذ ملاك الحفظ وعدم الايذاء عام يشمل كل صيد فيجب حفظه ثم إرساله، وإن قلنا بعدم إمكان إلحاق غيره إليه
فالحكم مختص بالطائر ولا يمكن التعدي من النص إلى غيره.
وهل يشترط العدالة فيمن يحفظ الطير أم لا؟ قد اختلف كلمة الأصحاب في ذلك، ذهب بعض بلزوم إسلامه وذهب
بعض آخر بلزوم تشيعه ولكن الانصاف كما عن الأستاذ حفظه الله إنما الواجب للحافظ حفظه وإرساله، إذ هو المتيقن من
النصوص فلا يشترط العدالة والاسلام والتشيع فيه، نعم يجب على المودع الاطمينان من ذلك وإلا فعليه ضمانه كما قلنا
سابقا.
(وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟) وعن الأستاذ حفظه الله: أي المحل إذا كان في الحل هل يجوز له صيد
الحرم إن كان في الحل أم لا؟ فحينئذ البحث في الجواز وعدمه في خارج الحرم ينحصر بالمحل دون المحرم، إذ قلنا سابقا
: مقتضى النص والفتوى عدم جواز الصيد للمحرم فلا فرق في ذلك بين الحرم وغيره.
(قيل: نعم) والقائل الشيخ وتبعه جمع من متأخري المتأخرين (وقيل) والقائل الشيخ في حج المبسوط (لا) وإن كان
قوله في غيره نعم، ومنشأ اختلاف الفتاوى اختلاف النصوص، إذ مقتضى بعضها الجواز وبعضها الآخر عدمه، والذي

1 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
3 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
4 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (13).
5 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (10).
128

يختار الجواز يقول به مع قطع النظر عن الأصل، إذ الأصل بعد اليأس عن النص، وعند ما لم يكن النص موجودا
فالأصل عند الشك في جواز صيد الحرم للمحل في خارج الحرم وعدمه هو البراءة على أن الآية الكريمة (ومن دخله كان
آمنا). تحكم بلزوم الاحترام والأمان من أن يهاج أو يؤذى ما دام فيه، وأما لزوم الاحترام حتى بعد الخروج فلا، عن
عبد الله بن سنان (1) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (ومن دخله كان آمنا) قال: من دخل
الحرم مستجيرا به كان آمنا من سخط الله، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج
من الحرم) وعن الأستاذ حفظه الله: والظاهر من قوله عليه السلام (حتى يخرج من الحرم) جواز الصيد بعد الخروج من
الحرم، لحصر الحرمة لهم بما إذا كان في الحرم وأما بقاء الحرمة لهم حتى في خارج الحرم فلا يمكن استفادة ذلك منه على
أنه يوافق لحكم الانسان الملتجي إليه بل يوافق مع ما ينحصر حرمة أهل مكة فيما إذا كانوا فيها وأما بعد الخروج عنها فلا
يجب لأحد احترامهم. هذا ولكن في الباب نصوص أخرى تمنع عن صيد الحرم ولو كان خارجا عن الحرم ولذلك فلا بد
من الجمع بينهما بحمل النصوص الناهية عن صيد الحرم في خارج الحرم على الكراهة أو القول بالتخصيص بمعنى حصر
حرمة الصيد في خارج الحرم بالحمام دون غيره لأن النصوص الناهية عن صيد الحرم منها عبد الله بن سنان (2) السابق
عام يشمل كل صيد طير أم غيره بخلاف الثاني وهو خبر علي بن جعفر (3) لأنه خاص، ومفهوم الأول عدم الحرمة إن
كان خارج الحرم والثاني حصر الحرمة بالحمام ولكن لا فرق في ذلك بين أن يكون في الحرم أو خارجه، عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام (4) قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل
فيذبحه فيدخله في الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على حال، ولا فرق في ذلك بين أن يكون من الحرم
وخرج منه أو كان أصله من خارج الحرم ثم دخل به ثم خرج منه، عن عبد الله بن سنان (5) عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سمعته يقول: في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم من ذبح منه طيرا وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة
إن كان محرما بشاة عن كل طير) ولأجل المقابلة بين المحرم وغيره يفهم منه أن المقصود هو ما كان خارج الحرم فحينئذ
يدور الأمر بين القول بالكراهة بحمل النصوص عليها كلا وبين التخصيص وهو القول بحرمة صيد الحمام في خارج الحرم
دون غيره من الطيور، والأقوى عند الأستاذ حفظه الله هو الثاني وإن كان الأقوى عند صاحب الجواهر الأول لانصراف
الطير عنده إلى الحمام، وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه صاحب الجواهر خلاف الظاهر لقوله عليه السلام (ومن
دخله من الوحش والطير) نعم لو قال ومن دخل من الطير لأمكن تصحيح مقالة الجواهر، وإثباته دون خرط القتاد
ولكن عن صاحب الشرايع (والأحوط هو الترك).
(ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة) وعن الأستاذ حفظه الله: وإن لم يذكر إيجاب الفداء على الناتف إن

1 - الوسائل - الباب - 13 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 13 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
5 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
129

كان في الحرم أو في الحل أو الأعم منهما ولكن مقتضى النصوص السابقة هو إيجاب الفداء عليه إن كان في الحرم، وعن
صاحب المدارك وغيرها هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب لخبر إبراهيم بن ميمون (1) وإن كان ضعيفا إلا أن ضعفه
ينجبر بعمل الأصحاب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل نتف ريشة من حمام الحرم قال يتصدق بصدقة على كل
مسكين ويعطي باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه) وعن الأستاذ حفظه الله: لو تعدد نتف الريشة تكرر الفداء خلافا
للدفعة فلا يجب تكرار الفداء (ويجب أن يسلمها بتلك اليد) لقوله عليه السلام في خبر إبراهيم بن ميمون السابق (ويعطي
باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه) ولذلك أوجب الأصحاب الاعطاء باليد التي نتف بها، وعن الدروس (الأقرب عدم
وجوب تسليم الأرش باليد الجانية وإن قلنا بوجوب إعطاء الصدقة باليد الجانية) وعن صاحب الجواهر: بل إن لم يكن
الاجماع أمكن القول بذلك فيها أيضا بعد حمل الخبر المزبور على ضرب من الندب. بل لولاه لأمكن القول بالندب في
أصل الصدقة مع فرض عدم العيب، خصوصا بعد إطلاق الصدقة الذي مقتضاه الاكتفاء بمسماها.
(ومن أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته) بلا خلاف أجده فيه. إلا في القمارى والدباسي الذي عرفت الحكم
فيهما سابقا، وعن الأستاذ حفظه الله: وإن كان وجوب الإعادة إلى الحرم في النص مخصوصا بالطير، ولكن كما عن الماتن
وغيره وجب على من أخرج صيدا أن يرده إذ ما هو الموجود في النصوص شامل فلا خصوصية فيه، ولا فرق في وجوب
الرد ولزوم الضمان إذا مات في خارج الحرم بين أن يكون الصيد من الحرم وبين ما لم يكن من الحرم بل أدخله فيه من
خارج الحرم ثم أخرجه منه، ومدرك الحكم هو النص، منها صحيح علي بن جعفر (2) قال: سألت أخي موسى عليه
السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها، قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق
به) وعن الأستاذ حفظه الله: والظاهر من قوله عليه السلام (فإن مات إلخ) أي إن مات قبل أن يردها فعليه ثمنها يتصدق
به بخلاف ما إذا ردها قبل الموت فلا يجب عليه شئ ومنها صحيح علي بن جعفر (3) عن موسى بن جعفر عليه السلام قال
: (سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة كيف يصنع؟ قال: يرده إلى مكة، فإن مات تصدق بثمنه)
ومقتضاهما تعليق وجوب الضمان على الموت أولا، وتعيين الضمان وهو الثمن ثانيا وحينئذ ما استفدنا منهما موافق لما اختاره
الماتن وتفسيره، إذ الضمان لم يكن معلوما وبذلك صار معلوما وهو الثمن، ومنها عن يونس بن يعقوب (4) قال: أرسلت
إلى أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: حمام أخرج بها من المدينة إلى مكة ثم أخرجها من مكة إلى الكوفة، قال له:
أري أنهن كن فرهة (رفهمة خ ل) قل له: أن يذبح عن كل طير شاة) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه جهات من البحث:
أولا: إن الطير لم يكن من الحرم بل أدخله فيه ثم أخرجه ومع ذلك أمره عليه السلام بذبح الشاة عن كل طير الثاني:
الضمان هو الشاة الثالث: وجوب الشاة لا يكون مقيدا بالموت خلافا للصحيحين السابقين رابعا: يمكن أن يقال إن وجوب

1 - الوسائل - الباب - 13 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
130

الشاة لكل طير منوط ومخصوص بمن أدخل ثم أخرج منه، ومنها عن يعقوب بن يزيد، عن بعض رجاله (1) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت وإذا أدخلت مكة فليس لك أن
تخرجه) فلا فرق في عدم جواز الاخراج من الحرم بين الاحلال والاحرام، ومنها ما عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه
السلام: إنه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهو حي، قال: إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه أكله
وإمساكه فلا يشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جئ به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال) وعن الأستاذ
حفظه الله: وفيه زيادة على ما قلنا سابقا من أن الاخراج حرام (حرمة أكله وإمساكه وحرمة الاشتراء في الحرم إلا جواز الأكل للمحل) ومنها ما عن منصور بن حازم (3) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير مذبوح بمكة فأكله
أهلنا، فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه) والظاهر وقوع الذبح في مكة
فلذلك لا يجوز لهم أكله وقد أمره عليه السلام بإعطاء الثمن بدلا عن الأكل فإذن وقع الضمان على الأكل وإن لم يقع
الاخراج، عن زرارة (4) إنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج طيرا له من مكة إلى الكوفة، قال: يرده إلى
مكة) عن يونس بن يعقوب (5) قال: أرسلت إلى أبي الحسن (موسى عليه السلام خ) إن أخا لي اشترى حماما من المدينة
فذهبنا بها معا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، هل علينا في ذلك شئ؟
فقال للرسول: فإنهن كن فرهة، قل له يذبح عن كل طير شاة) هذا كله مع اختلافها وتغاير بعضها في المنطوق مع بعض
فلا بد لرفع الاختلاف من الجمع بينها، فيمكن أن يقال: إن مقتضى الجمع بينها وجوب الشاة بالاخراج والصدقة بالثمن لو
مات في الخارج قبل أن يرده إليها وحينئذ إذا أخرجه ورده قبل الموت فعليه الشاة للاخراج دون التصدق بالثمن وعن
الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال إذ مقتضى صحيحي علي بن جعفر السابقين حصر الضمان بالموت بعد الاخراج وقبل الرد
إليها وهو مخالف لما في خبر يونس بن يعقوب إذ فيه وجوب الشاة للاخراج إذ معنى ذلك سكوت الإمام عليه السلام في
وقت البيان وهو لا يناسب شأنه عليه السلام ويمكن الجمع أيضا بطريق آخر وهو وجوب الشاة للأكل والتصدق بالثمن
للموت والشاة أيضا للاخراج، وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه إشكال إذ يمكن الجمع بينها بالتخيير بمعنى وجوب الشاة إن
أخرجه ولا يعيده أو التصدق بالثمن أو كما عن الجواهر: وربما جمع بينه وسابقه بإرادة الشاة من الثمن وفيه إشكال. لعدم
إمكان إرادة الشاة من الثمن إذ الفرق بينهما واضح إذ مقتضى وجوب الشاة هو الذبح ومقتضى التصدق هو الثمن: وفي
التهذيب جمع بنحو آخر وهو أنه فرق بين من أدخل طيرا في الحرم وأخرجه فعليه دم وبين من أخرج طيرا من الحرم
فعليه التصدق بالثمن لقوله: (ولا يجوز أن يخرج شيئا من طيور الحرم من الحرم، ومن أخرج وجب على من أخرجه أن
يرده، فإن مات فعليه ثمنه يتصدق بها) واستدل عليه بخبر علي بن جعفر السابق، ثم قال: (وإذا أدخل المحرم طير الحرم

1 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
5 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الصيد، ح (9).
131

فليس له إخراجه منه، وإذا أخرجه فعليه دم) واستدل عليه بخبر يونس، ومقتضاه كونهما عنوانين، وعن الأستاذ حفظه
الله: وإن يمكن الاذعان والاعتراف بما ذهب إليه الشيخ ولكن التفكيك بين الاخراج ابتداء والاخراج ثانيا أي بعد
الدخول مشكل، بل وإن قلنا بإيجاب الارسال عليه بعد الدخول ولم يرسل، وهو في هذا الحال يكون كالمحرم الذي
يقتل صيد الحرم هذا، ولكن مع ذلك كله إن قلنا به يرتفع الخلاف والنزاع بينهما ويصح ما قال صاحب الشرايع (ولو
تلف قبل ذلك ضمنه).
(ولو رمي بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج إلى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء) عن الأستاذ حفظه الله: لوضوح
أنه رماه في الحل فقتله في الحل بخلاف ما إذا رماه المحل في الحرم أو المحرم في الحل فعليهما لزوم الفداء للنصوص السابقة
، نعم عن التذكرة التوقف في الضمان، ولعله لصدق خروج السهم من الحرم المقتضي للضمان، وعن الأستاذ: وفيه إشكال
وهكذا الاشكال إن أرسل الكلب ودخل الحرم ثم خرج منه فأخذ صيدا فإن المتجه عدم الضمان.
(ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة) لخبر وهب بن وهب (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام: (إذا ذبح
المحرم الصيد لم يأكله الحرام والحلال وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام) وعن الأستاذ حفظه
الله: وهو صريح في أن المحرم إذا ذبح صيدا وهو كالميتة، وإن كان ضعيفا من جهة السند ولكن انجباره بإجماع الفرقة في
حرمة صيد المذبوح للمحرم والمحل إن ذبحه المحرم مضافا إلى غيره من النصوص الظاهرة في ذلك وبها يمكن تأييده وإن
لم تكن صريحة في ذلك، وهكذا الحال إن كان المحرم ذبح صيدا في الحل.
(ولو ذبحه في الحل فأدخله الحرم لم يحرم على المحل ويحرم على المحرم).
(ولا يدخل في ملكه شئ من الصيد على الأشبه) لأصالة عدم دخوله بعد الشك في تناول سبب الملك له، بخلاف ما
إن عكس الأمر إذ مقتضى الأصل هناك هو بقاء الملك له، ولا يمكن التمسك في الفرع الأول عند الشك بالأصل إذ التمسك
به يكون بعد فقد الدليل مع أن العمومات المقتضية للملك كأحل الله البيع وأمثاله موجودة بل الدليل يمنع عن الدخول في
الملك والتصرف فيه بل يقتضي الخروج عن ملكه ولو كان قبل ذلك في ملكه، وحينئذ يدور الأمر بين القول بسلب
الملكية عنه إذ منعه عن التصرف في ملكه مناف لملكيته المقتضية لجواز التصرف، وبين القول بأن النهي عن التصرف لا
يغاير بقاء الملكية له لصحيح معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام سأله (عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال
: لا يمس، إن الله عز وجل يقول: ومن دخله كان آمنا) وصحيح الآخر عنه أيضا (3) قال: (قال الحكم بن عيينة سألت
أبا جعفر عليه السلام ما تقول في رجل أهدي له حمام أهلي وهو في الحرم، فقال: أما إن كان مستويا خليت سبيله) وعن
الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بالمنع عن التصرف في الحرم فهو مناف لملكيته له ولذلك إن باع واشترط في ضمن العقد عدم
جواز التصرف فيه يحكم بالبطلان لأنه خلاف مقتضى العقد، نعم إن اشترط منع التصرف فيه في موارد خاصة فلا يبعد
القول بعدم المغايرة مع ملكيته له وحينئذ بقاء الملكية له وعدمه عند الأستاذ حفظه الله مقيد بالأول دون الثاني.

1 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (11).
3 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد، ح (12).
132

(وقيل يدخل وعليه إرساله إن كان حاضرا معه) وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن إرجاع قوله (إن كان حاضرا معه)
إلى الارسال وعليه: يجب الارسال إن كان حاضرا معه: كما يمكن رجوعه إلى قوله (ولا يدخل في ملكه) فإن قلنا بالأول
معناه عدم إمكان تملكه وعليه إن مات في الحل أبوه وهو في الحرم منع عن الميراث للحرم، وإن قلنا بالثاني: معناه عدم
دخوله في ملكه إن كان حاضرا، وأما إن كان غائبا فلا مانع من دخوله في ملكه، وعن المدارك وهو الصحيح للاجماع
ولكن في الأول وهو وجوب الارسال عليه إن كان حاضرا معه إشكال وإن كان في الصيد النائي ينبغي القطع بإمكان
الدخول في ملكه بإرث أو شراء وكيل أو اصطياد أجير أو غير ذلك وعدم إخراج الصيد عن ملكه بعد الدخول في الحرم
ويجب عليه إرساله إن كان حاضرا معه وعدم جواز الامساك أيضا: وعن الأستاذ: عدم المغايرة بين الملك والمنع عن
التصرف إن كان في مورد خاص.
الفصل الرابع في التوابع فيما يجب على المحرم في الحرم من الكفارة (كلما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد أو المحل
في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم) وعن الأستاذ حفظه الله: أما المحرم في الحل فيلزم عليه مثله بدليل قوله تعالى:
(مثل ما قتل من النعم) (1) وإن لم يكن موجودا فبدله وإن لم يجد فقيمته، وأما المحل في الحرم فعليه القيمة، وأما المحرم
في الحرم فيجب عليه كفارة المحل في الحرم فهي القيمة وفداء المحرم في الحل فعليه يجتمع على المحرم في الحرم الفداء
والقيمة هذا كله إن لم تبلغ البدنة فإن بلغت البدنة فلا تضاعف فيها فالبحث يقع في أمرين: الأول أي دليل يوجب على
المحرم في الحرم تضاعف الفداء، الثاني ما هو وجه عدم تضاعف الكفارة إذا بلغت إلى البدنة، أما دليل الأول هو
الاجماع كما عن شرح الجمل للقاضي، ومنشأ الحكم هو النصوص الواردة في الباب، وإن قيل بعدم الاجتماع أو
الاختلاف في أصل الاجتماع، وهل مراد القائلين بالاجتماع هو تضاعف الفداء والقيمة، وقد نص صاحب الوسائل في كتابه
بأن للمحرم في الحرم اجتماع الفداء والقيمة خلافا للماتن حيث اكتفى بذكر الاجتماع، ويضاف على الفداء والقيمة التعزير إن
وقع الصيد في مكة، عن زرارة بن أعين (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم حمامة من حمام الحرم إلى
أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه، وإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه) هذا وإن لم يكن
مقيدا بالحرم ولكن الظاهر وقوع الإصابة في الحرم لتضاعف الفداء بخلاف ما إذا لم يكن في الحرم فلا يجب عليه تضاعف
الفداء بل إن كان محرما في الحل فعليه فداؤه أو بدله أو قيمته، وإن كان محلا في الحرم فعليه قيمته، عن الحلبي (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه ويتصدق به أو يطعمه
حمام مكة، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها) وفيه صراحة بأن المراد من الاجتماع في كلام الأصحاب ومنهم
الماتن هو الفداء والثمن عن حمران بن أعين (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له محرم قتل طيرا فيما بين الصفا
والمروة عمدا، قال: عليه الفداء والجزاء ويعزر، قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء والجزاء
ويضرب دون الحد، ويقام (يقلب خ ل) للناس كي ينكل غيره).

1 - المائدة الآية 95.
2 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
133

وحملوا الجزاء على الثمن، عن الحارث بن المغيرة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل أكل بيض حمام
الحرم وهو محرم، قال:
عليه لكل بيضة دم، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم ثم قال: إن الدماء لزمته لأكله وهو محرم، وإن الجزاء لزمه
لأخذ بيض حمام الحرم).
هذا مع أن الذي حكم به الإمام عليه السلام بتضاعف الفداء في بعضها وتضاعف الفداء والتعزير في بعض آخر هو
خاص بالطير ولكن نصوص أخرى في الباب فلا بد من النظر إليها، منها ما عن يزيد بن عبد الملك (2) في رجل مر
وهو محرم فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها، قال: عليه دم وجزاء الحرم عن اللبن ورتب فيه عليه السلام حكم
القتل على الأخذ وأمره بلزوم الفداء والجزاء، وعن سليمان بن خالد (3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري
والدبسي والسمان والعصفور والبلبل؟ قال: قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم) منها للقاضي ابن أكثم
(4) فسأل عن الإمام الجواد عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من
ذوات الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا) وهل مراده عليه السلام (فعليه
الجزاء مضاعفا) هو تضاعف الفداء، أو تضاعف الجزاء وهو الثمن، فعن بعض التفصيل بين الطير وغيره والحكم بتضاعف
الفداء في الثاني بخلاف الأول فعليه الفداء والقيمة، ورد بأنه ليس هذا معمولا لذهاب الأصحاب كلهم إلى تضاعف الفداء
في الكل من غير فرق بين الطير وغيره، أو الفداء والقيمة في الكل وخبر أبي بصير (5) عن الصادق عليه السلام أيضا في
الغزال (ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال عليه ربع قيمة الغزال، قلت: فإن كسر هو قرنيه؟ قال:
عليه نصف قيمته يتصدق به، قلت: فإن هو فقأ عينيه؟ قال: عليه قيمته؟ قلت فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال: عليه
نصف قيمته، قلت، فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال: نصف قيمته، قلت: فإن هو قتله: قال عليه قيمته: قال: قلت
: فإن هو فعل به وهو محرم في الحل؟ قال عليه دم يهريقه، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم) وعن الأستاذ
حفظه الله: وقد وقع البحث بينهم في قوله عليه السلام: (وعليه هذه القيمة) هل الواجب هو دم أو هو مع القيمة بعد أن
قلنا بأن المراد من الجزاء في كلامه عليه السلام هو الثمن ولكنه خلاف التحقيق، لأنه يكون في غير الطير، ويمكن أن
يكون مراده عليه السلام (وعليه هذه القيمة) هو الفداء، ولذلك حكم الأصحاب بتكرر الفداء في الغزال، ويمكن إرجاع
قوله عليه السلام: (عليه هذه القيمة) إلى قوله: (عليه قيمته) فحينئذ يجب على المحرم في الحرم الفداء والقيمة كما هو
المشهور بين الأصحاب، فصار ملخص القول فيه كقبله هو الفداء والقيمة للمحرم في الحرم،
ولكن ذهب بعض إلى تكرر الفداء أي على المحرم في الحرم تكرر القيمة إن لم يكن المثل موجودا أو تكرر الفداء،

1 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 28 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
134

وعن الأستاذ حفظه الله: فلا بد من قصر النظر في القولين وهو تكرار الفداء أو القيمة والفداء والبحث لاثبات تقديم
أحدهما على الآخر من دون مراجعة إلى تفاصيل أخرى، منها الفرق بين الطيور والصيد، ومنها الفرق بين الطيور الكبار
والصغار، ومنها الفرق بين الاشتراك والانفراد لعدم إمكان انطباقها مع النصوص الواردة أو لا، وعلى فرض الانطباق
ليست هذه التفاصيل معمولا بها فيصير كالشاذ النادر، وقد كثر النص في حكم المحرم في الحرم، والمحل في الحرم،
والمحرم في الحل مع صحتها واستفاضتها وصراحة دلالتها ووجود التعليل في النص الذي حكم بلزوم الفداء والقيمة
للمحرم في الحرم بأن الفداء للاحرام والقيمة للحرم، وهل يمكن إثبات الحكم بتضاعف الفداء للمحرم في الحرم من دون
مراجعة إلى النصوص الواردة في حكم الاجتماع للمحرم في الحرم لعدم الاحتياج بها مع وجود النصوص في حكم المحرم
في الحل إن صاد، وحكم المحل في الحرم لامكان الجمع بينهما والحكم بلزوم الفداء والقيمة للمحرم في الحرم إذ بتعدد
الأسباب يتعدد المسببات، فإن قلنا بإمكانه لا يحتاج إليها أصلا فحينئذ يصير الحكم موافقا لما قاله الماتن: للمحرم في
الحرم الفداء والقيمة.
ويمكن المناقشة في الحكم بالثمن للمحل في الحرم مع إلغاء قيد الاحلال والاحرام لأن الاصطياد في الحرم من المحل، أو
من المحرم في الحل يصير سببا للزوم الثمن أو الفداء عليه؟ إذ مع بقاء القيد لا يمكن الحكم للمحل بعد الاحرام بالثمن
ولذلك فإن لم يكن نصوص الاجتماع موجودا أمكن القول للمحرم في الحرم بالفداء والقيمة.
واختار جمع ومنهم صاحب الجواهر والمدارك: إن قلنا للمحل في الحرم الثمن فمعناه يكون صيد الحرم علة للزوم الثمن
مطلقا، محرما كان أم محلا، والاصطياد من المحرم علة للزوم الفداء سواء كان خارجا عن الحرم أو في الحرم فعليه
للمحرم في الحرم الفداء والقيمة، فإن أغمضنا عن إثبات الحكم للمحرم في الحرم بالاطلاق أمكن إثباته له بالأولوية، لأنا
إن قلنا للمحل في الحرم الثمن فللمحرم فيه بطريق أولى، وإن قلنا للمحرم في خارج الحرم الفداء فله فيه بطريق أولى.
ويمكن أن يقال: لا يمكن إثبات الحكم بالتضاعف للمحرم في الحرم لقوله تعالى: (فجزاؤه مثل ما قتل من النعم)
لاطلاقه الشامل بعدم الفرق بين الحرم وخارجه لعدم، إمكان القول بحصر الآية في خارج الحرم، ولكن نقول: حكم
تجاوز المحرم في الحرم يتحصل إثباته بمعونة النصوص الواردة في أن الحرم كان آمنا وبلحاظ الثمن، ولذلك يمكن القول
أيضا بعدم الاحتياج بالنصوص الواردة في حكم المحرم في الحرم إذ بمقتضى الآية والنصوص الواردة في أن الحرم كان آمنا
أمكن الحكم للمحرم في الحرم بالفداء والقيمة والقول بصحة ما قاله الماتن وهو الفداء والقيمة في حال الاجتماع، هذا كله
فيما يمكن أن يستفاد من النصوص الواردة في حكم المحرم في الحل والمحل في الحرم حكم المحرم في الحرم، ويمكن اتخاذ
حكمه مع المراجعة إلى نصوصه أيضا وهي وإن كانت التعبير فيها مختلفة إلا أن الأصحاب اتفقوا على قولين الأول: الفداء
والثمن، لا يقال: مراده عليه السلام من الثمن في بعض النصوص هو الفداء أيضا، لأنا نقول: هما نظير المسكين والفقير إن
اجتمعا في الخارج اتحدا، وإن افترقا تغايرا والثاني: هو الفداء مضاعفا ويشهد للقول الثاني ما نقله يحيى بن أكثم عن أبي
جعفر الثاني عليه السلام (1) وهو يأمر بتضاعف الفداء فيما نقله عنه مرتين: الأول في كبار الطيور (إن المحرم إذا قتل

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
135

صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطيور وكان الطير من كبارها فعليه شاة، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء
مضاعفا) فالظاهر هو تضاعف الشاة، والثاني: (وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه
بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة، وإن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا.
وعن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف
عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد) وإشكال
صاحب المختلف من جهة السند مدفوع لاعتراف الحدائق وغيره بصحة سنده، هذا كله للنصوص الحاكمة بتضاعف الفداء
وأما النصوص الواردة في حكم اجتماع الفداء والقيمة، منها ما عن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة درهم أو شبهه، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة، فإن قتلها في الحرم
وليس بمحرم فعليه ثمنها) وعن الأستاذ حفظه الله ولا يمكن أن يقال إن مراده عليه السلام من الثمن هو الشاة، ومنها ما
عن حمران بن أعين (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له محرم قتل طيرا فيما بين الصفا والمروة عمدا، قال: عليه
الفداء والجزاء ويعزر، قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا قال:
عليه الفداء والجزاء ويضرب دون الحد، ويقام (يقلب خ ل) للناس كي ينكل غيره) والظاهر من قوله عليه السلام:
(الجزاء) هو الثمن وإن احتمل غيره، وتوجيه النصوص الواردة في الاجتماع وهو الفداء والثمن لأخذ النصوص الآمرة
بالتضاعف يتوقف على القول بعدم إمكان الجمع بينهما، ومعه لا يحتاج إليها، وإن قيل بضعف خبر يحيى بن أكثم، ولكن
صاحب الجواهر خالف بقوله: لمعروفيته بين المخالف والموافق وإن بقي ضعف الراوي بحاله.
وملخص الكلام هل يمكن تقديم القول الأول لكثرة نصوصه واعتضاده بذهاب المشهور على القول الثاني أم لا، اختار
سيدنا الأستاذ حفظه الله تقديمه، وأول القول الثاني وهو تضاعف الفداء بما يعم من الفداء والقيمة.
هذا كله فيما لم يبلغ الصيد البدنة وإذا بلغ البدنة فلا يجب على المحرم في الحرم تضاعفها بل يعطي بنفسها كما هو مختار
المشهور ومنهم صاحب الشرايع، والدليل على ذلك هو النص، عن الحسن بن علي، عن بعض رجاله (4) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى إذا بلغ البدنة فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف لأنه
أعظم ما يكون قال الله عز وجل: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
عن ابن فضال، عن رجل سماه (5) عن أبي عبد الله عليه السلام في الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة، فإذا بلغ البدنة
فليس عليه التضعيف).
وعن الأستاذ حفظه الله: والتعارض بين هاتين النصين وبين غيرهما من الصحاح المتقدمة من حيث العموم

1 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 44 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
4 - الوسائل - الباب - 46 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 46 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
136

والخصوص فيمكن لارتفاع التعارض القول بتضاعف الفداء حتى يبلغ البدنة فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، وضعفهما ينجبر
بعمل الأصحاب بهما، وحينئذ فما عن ابن إدريس من الحكم بالتضاعف مطلقا حتى في البدنة غير صحيح، ولا يمكن
التمسك عند الشك في التضاعف وعدمه فيما إذا بلغ البدنة بوجود النص، نعم إذا وجب للمحرم في الحرم قيمة البدنة
ففقدها فلا يسقط عنه تضاعف القيمة وكذا إذا وجب عليه الأرش بجناية أو غيرها فلا يسقط الأرش بل عليه الأرش
والفداء.
(وكلما تكرر الصيد من المحرم نسيانا وجب عليه ضمانه) وعن الأستاذ حفظه الله: إن قيل: كيف يمكن تصوير هذا
الحكم وهو تكرار الكفارة في قتل الصيد إذا تكرر نسيانا أو سهوا مع أن ظاهر الآية وهو قوله تعالى: (ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ومن عاد فينتقم الله منه) حصر الحكم وهو الكفارة للعامد دون غيره، قال صاحب
الجواهر: ولو أن في الواقع يرجع القيد وهو التعمد إلى العود فيجب التكرار مع تكرره ولو عمدا، ولذا قال الماتن: (وقيل
تتكرر) ولكن يجب رجوع القيد وهو التعمد إلى الانتقام فلا يجب في تكراره تكرار الفداء للاجماع ولذا قال الماتن:
(والأول أشهر) وهو الحجة بعد العموم كتابا وسنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه صاحب الجواهر، وهو إبقاء قيد العمد في الآية ومع ذلك الحكم بتكرار
الكفارة للناسي أيضا غير سديد.
اللهم إلا أن يقال بوجود الاجماع والأخبار على أن القيد وهو العمد يرجع إلى الانتقام لا أنه يرجع إلى الجزاء، ولكن
إن أسقطنا القيد وهو العمد فلا مانع من الحكم بلزوم تكرار الكفارة للنسيان والخطأ وغيرهما، وإذا ثبت ذلك تتكرر
الكفارة بتكرر القتل وهذا نظير قول القائل للمفطر في يوم رمضان إطعام ستين مسكينا، فعليه إن تكرر الافطار تكرر
الاطعام فكذلك هنا تتكرر الكفارة بخلاف العامد لظهور قوله تعالى: (ومن عاد فينتقم الله منه) في أن الجزاء مع العود
انتقام الله تعالى في مقابل جزاء الابتداء من الفدية، ومرجعه إلى أن الجزاء للتكفير لا للعقوبة، هذا مضافا إلى ما في
النصوص من التصريح بكون المراد من الآية ذلك، عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكل
من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد فإن عليك فيه الفداء بجهل كان
أو بعمد) عن أحمد بن محمد (2) قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو عمد أو خطأ أهم فيه
سواء، قال:
لا: قال: فقلت: جعلت فداك ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة هو محرم قال: عليه الكفارة) وعن البزنطي (3)
سأل الرضا عليه السلام عن المحرم يصيبه الصيد بجهالة قال: عليه كفارة، قلت فإن أصابه خطأ قال: وأي شئ الخطأ
عندك قلت: ترى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى. قال: نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة) هذا كله في أصل لزوم الكفارة،
وعدم الفرق بين العامد والجاهل وغيرهما مؤيدا بالاجماع حتى المذاهب الأربعة وأما تكرر الكفارة بتكرره وحكم العامد

1 - الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
137

في هذا الحال وهل هو كغيره أم الفرق موجود بين العامد وغيره في التكرار فعن محمد بن يعقوب (1) عن أبي عبد الله عليه
السلام في محرم أصاب صيدا قال: عليه الكفارة قلت: فإن أصاب آخر: قال: إذا أصاب فليس عليه كفارة، وهو ممن
قال الله عز وجل: ومن عاد فينتقم الله منه لما عن ابن أبي عمر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم
الصيد خطأ فعليه كفارة، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة فإن
أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه والنقمة في الآخرة، ولم يكن عليه الكفارة، وعن ابن عمر (3) عن بعض
أصحابه، إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة الحديث).
وملخص الكلام هو عدم تكرار الكفارة إن تكرر القتل عمدا بخلاف ما إذا وقع القتل جهلا أو خطأ فيتكرر الفداء
بمقتضى النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام في تفسير الآية، هذا كله مع القول بإسقاط القيد وهو التعمد عنها
فيصير المعنى: على القاتل لزوم الفداء سهوا كان القتل أو جهلا للزوم تعدد السبب بتعدد المسبب، ولا يتوقف لزوم
الكفارة في القتل على القصد إذ القتل لا يكون كبعض الأفعال الذي لا يوجد في الخارج صحيحا إلا بالقصد كالركوع أو
السجدة بل بنفس الفعل يتحقق في الخارج فيجب على فاعله الكفارة، ولذلك لا يمكن أن يقال بإرجاع القيد وهو التعمد
إلى الجزاء بل هو قيد للإعادة فيرجع المعنى للقاتل الكفارة مطلقا إلا العامد فإن عاد فينتقم الله منه، كل هذا بعد
الاغماض عن النصوص الواردة في تكرار الكفارة بتكرر القتل إلا العامد.
وعن صاحب الجواهر: غاية ما يمكن أن يقال إن مقتضى الآية هو عموم الجزاء للقاتل عامدا كان أم غيره دون لزوم
تكرار الكفارة بتكرر القتل هذا إن قلنا إن كلمة (ما) في قوله تعالى: (ما قتل) تكون موصولة لأنها في بيان الفرد الخاص
وهو الجزاء بالمثل فيصير المعنى جزاء مثل الذي قتل.
وأما إن قلنا إن كلمة (ما) في قوله تعالى: (ما قتل) هي الوقتية فيلزم التكرر بتكرره، وعن الأستاذ حفظه الله: نختار
الشق الأول ونحكم بالملازمة مطلقا عامدا كان أم غيره لتعدد المسبب بتعدد السبب، هذا إذا كان المسبب قابلا للتكرر،
وأما إن لم يكن قابلا له فلا يجب التكرر وحينئذ فلا يحتاج لاثبات التكرر إلى القول بأن كلمة (ما) في قوله تعالى: (ما
قتل) هي الوقتية، هذا كله فيما إذا قلنا أن القيد وهو التعمد وما يترتب عليه وهو الإعادة فيصير الآية بعد إسقاطهما
(فجزاء مثل ما قتل من النعم) ويمكن القول بإثباتهما والحكم بالاخراج وعدم لزوم التكرار بتكرره في العمد بمقتضى النص
، منها ما عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ويتصدق بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه
وينتقم الله منه، والنقمة في الآخرة).
فإن قيل: كيف يجوز التصدق بالصيد مع كون المقتول في الحرم كالميتة؟ قلنا: أولا جاء قوله عليه السلام في بعض

1 - الوسائل - الباب - 48 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 48 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل الباب - 48 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
4 - الوسائل - الباب - 48 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
138

النسخ ويتصدق للصيد مكان بالصيد فعلى هذا فلا إشكال في البين لأن الواجب التصدق للصيد لا نفس الصيد
وثانيا - على فرض كون قوله عليه السلام ويتصدق بالصيد فقد تصدي لتصحيحه بأن الباء للسببية لا أنها مفعول به إذ
يصير في الواقع: يتصدق الصيد، ولذلك حكموا بعدم لزوم الكفارة في العامد إن عاد، بل عليه الجزاء في الأول دون
الثاني فينتقم الله منه، لعدم شموله القاتل سهوا إن قلنا بعدم الانتقام منه.
وقد ظهر مما قدمنا لك حكم قاتل الصيد عمدا وسهوا كما عن الماتن لقوله: (ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا)
وهكذا فيما لو رمى الصيد فمرق السهم فقتل آخر حيث قال: (فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان
وكذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه) إلا الجراد والسبع الذي أرادك أن يقتلك.
(ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة، وعلى المحل عن كل بيضة درهم) للنص
خلافا لما سبق من أن المحل في الحل إن قتل صيدا لم يكن عليه شئ، بل ولو اشترك في الصيد مع المحرمين لا يجب عليه
الكفارة، نعم إن دل عليه بالقتل أو أعانه فيه فعليه الكفارة.
وإن ذهب بعض إلى عدم لزوم الكفارة عليه حتى إذا انجر الاشتراك إلى الإعانة أيضا) وهو صحيح أبي عبيدة (1)
(سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال على الذي
اشتراه فداء لكل بيضة درهم، وعلى المحرم لكل بيضة شاة). لاطلاقه الشامل للمحل وإن كان في الحل.
وعن صاحب الجواهر: ولا استبعاد فيه بعد النص والفتوى، ولكن في المسالك: (يمكن وجوب أكثر الأمرين عليه من
القيمة والدرهم لو كان في الحرم، لأن حكم البيض المذكور يقتضي تغليظا، فلو اقتصر على الدرهم مع وجوب القيمة في
غيره، مع فرض زيادتها عليه لكان أنقص منه والواقع خلافه) وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه المسالك مجرد
استحسان واعتبار، لاطلاق النص بعدم الفرق في ذلك بين أن يكون في الحرم أو خارجه خصوصا مع ترك الاستفصال
فيه سؤالا وجوابا، ولامكان أن يكون ما فعله إعانة للإثم إذ من الممكن عدم شموله المورد الذي اشتراه لنفسه وأهدى
للمحرم فأكله، وقال أيضا فيها: (من أن الأكل إن كان في الحل فالحكم كما ذكر وإن كان في الحرم ففي تضاعف الفداء
بحيث يجتمع عليه الشاة والدرهم نظر، من إطلاق القاعدة الدالة على الاجتماع، ومن إطلاق النص هنا على وجوب الشاة
ويمكن هنا قويا أن يجمع بين المطلقين بالتضاعف لعدم المنافاة إلا أن الأصحاب هنا لم يصرحوا بشئ) وعن الأستاذ حفظه
الله: وما اختاره المسالك في الباب مردود عقلا، بحكومة القاعدة (وهو القيمة للمحل في الحرم والفداء للمحرم في الحل
وكلاهما في حال الاجتماع) على النص أولا، وعدم شمولها بمورد البحث ثانيا لعدم ورود نص هنا له حكم مخصوص لكل
واحد من المحرم في الحل والمحل في الحرم حتى أمكن الحكم بالتضاعف في حال الاجتماع، بل الحكم هنا خاص لهما على
كل حال، فلا يمكن التعدي من مورد النص إلى غيره لاختصاصه به فلآكل الشاة داخل الحرم كان أم خارجه، وللبايع
الدرهم خارج الحرم أم داخله، وإن قال الشهيد: الحكم بالتضاعف للمحرم في الحرم يكون بمقتضى النصوص السابقة
لاطلاقها الشاملة هنا أيضا، فنقول بالتخصيص لعمومها وخصوص المورد والحكم بالتضاعف للمحرم في كل مورد إلا هنا
فعلى المحرم الشاة ولو كان في الحرم، وللمحل الدرهم.

1 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
139

وعن صاحب الجواهر: إن كسر بيض النعام قبل التحرك موجب للارسال، فلا يتم إطلاق وجوب الشاة هنا بل إن
كسره ثم أكله وجب الجمع بين الارسال بسبب الكسر، والشاة بسبب الأكل، تقريرا للنصين) وعن صاحب الجواهر: قلت
بتقديم الخاص وهو صحيح أبي عبيدة (1) السابق على غيره الآمرة بالارسال بعد الكسر لاطلاقه الظاهر في عدم الفرق
بين أن يكون الكسر بيد المحرم أو بيد المحل، وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بإطلاقه فما ذهب إليه صاحب الجواهر
حق إذ إن كان عليه شئ آخر سوى الشاة فاللازم ذكره فعدم البيان في مورد الحاجة يدل على عدم وجوب شئ سوى
الشاة، فحينئذ يقدم الخاص على العام، والقول بوجوب الارسال للكسر إلا هنا.
وهل يمكن التعدي من مورد النص أم لا بد من الاقتصار عليه؟ فعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا أن مدار الكفارة
وعدمه في البيض هو زوال الاستعداد عنه فلا فرق بين الكسر والافساد والطبخ وأما إن لم نقل به فلا يمكن التعدي من
مورد النص إلى غيره لامكان أن يكون فيه خصوصية دون غيره.
ولو كان المشتري للمحرم محرما فهل يكون للأكل الشاة وللبايع الدرهم أم يختص الحكم بالمحل والمحرم لعدم شموله
فيما إذا كان البايع والآكل محرمين؟ ولو انتقل إلى المحل بغير شراء وبذله للمحرم أو انتقل إليه غير البيض مثل الظبي مثلا
فذبحه وأكله فهل يكون حكمه مثل البيض أم لا؟
فلو طبخه المحرم ثم كسره وأكله فهل يكون عليه الارسال مع الشاة أم لا بد من الاقتصار على الشاة؟ فعن الأستاذ
حفظه الله: أما حكم الطبخ فهل هو مثل الكسر أم لا فهو منوط بمقدار ما يمكن أن يستظهر من النصوص السابقة في
حكم الارسال للبيض المكسور فإن قلنا علة الحكم زوال الاستعداد عن البيض فيمكن التعدي من مورد النص وهو
الكسر إلى غيره فحينئذ يصح ما اختاره المسالك من أن الأقوى وجوب الارسال مع الشاة لمساواة الطبخ للكسر في منع
الاستعداد للفرخ وأما إن لم نقل بالعلية بل قلنا بالحكمة فلا يمكن التعدي منه إلى غيره فلا يجب على المحرم الارسال وكذا
القول في الافساد وغيره.
وأما حكم اشتراء المحرم للمحرم، ففي المسالك احتمل قويا وجوب الدرهم خاصة، لأولويته من المحل بذلك، وعن
صاحب الجواهر: منع الأولوية بالنسبة إلى الدرهم لامكان اختصاص الحكم بالمحل دون غيره ولأن حكم المحرم قد نص
في النصوص السابقة فحينئذ إن أمكن استفادة حكم المحرم منها فيمكن الحكم عليه بالأولوية وإلا فلا لأنه يكون
كالقياس.
وأما لو انتقل إلى المحل بالإرث أو بالحيازة أو غيرهما فهل يجب عليه الدرهم لإعانته عليه أولا ولعدم الخصوصية في
الاشتراء ثانيا يمكن التعدي من مورد النص إلى غيره وإلا فلا.
(ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث) وقد قلنا سابقا: المنع عن جميع التصرفات
ينافي الملكية ابتداء واستدامة لأن سبب الملكية بالاحرام يزول حدوثا وبقاء لظهور الكتاب في التنافي بين الاحرام وتملك
الصيد، وأما السنة لقوله عليه السلام: (على المحرم وجوب إرسال الصيد وعلى المحل في الحرم إرساله وإن مات قبل

1 - الوسائل - الباب - 24 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
140

الارسال فعليه ضمانه) (1) وهذا كله يدل على عدم إمكان تملك الصيد للمحرم، وعن الأستاذ حفظه الله: إن المنع عن
التصرف في الملك مطلقا يغاير الملكية - كما عن المدارك أيضا - ضعيف، بل الحق التفصيل بين ما إذا كان المنع في كل
حال فهو مغاير للملكية، وأما إن لم يكن المنع في كل حال فلا يكون ملازما لسلب الملكية عن مالكه.
نعم يمكن استظهار الملازمة بين المنع عن التصرف وزوال الملكية إن قلنا إن معنى الصيد في الآية هو الاصطياد بدليل
المقابلة بين الأمر بالاصطياد في القرآن (فإذا حللتم فاصطادوا) للمحل وبين النهي عنه للمحرم لقوله تعالى: (حرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما) وحينئذ نهى الشارع عن الاصطياد الذي هو أحد أسباب الملكية، هذا كله بناء على أن النهي
هو نفس الاصطياد، ولكن عن بعض التفصيل بين الاصطياد وبين غيره والحكم بالجواز في الأول دون الثاني، وعن بعض
آخر الحكم بعدم خصوصيته في الاصطياد، بل مقتضى الحكم كون الصيد مأمونا ومحفوظا من إيهاج المحرم وعدم سقطه
عليه، ومعنا ذلك إثبات منع الاصطياد بمعونة الآية الكريمة والغاء الخصوصية عن غيره. فالقول بالملازمة بين المنع عن
التصرف وزوال الملكية ومعه لا يحتاج إلى غيرها من الأدلة.
وعن صاحب الجواهر: خصوصا إذا لوحظ كون تملكه من جملة الانتفاع، وعن الأستاذ حفظه الله: القول بحرمة جميع
التصرفات حتى التملك يحتاج إلى دليل وليس في البين دليل.
هذا كله إن قلنا إن الصيد معناه هو الاصطياد، وأما إن قلنا إن مقتضى قوله تعالى: (حرم عليكم) أي حرم عليكم
جميع التصرفات ومنه الاصطياد يصح القول حينئذ بحرمة الاصطياد أيضا لأنه يكون من مصاديق ما هو المحرم من قبل
الله تعالى.
وكيف كان بعد إثبات حرمة التصرفات فلا فرق في ذلك أي عدم التملك بين أن يكون سبب الملك اختياريا كالاصطياد
أو يكون قهريا كالإرث خلافا للبعض لذهابهم إلى الفرق بين الأسباب القهرية فيملك وبين غيره، فلا يمكن القول بدخوله
في ملكه، وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه البعض يمكن قبوله إن لم نقل بممنوعية التصرف فيه وعدم دخوله في
ملكه للاحرام، وأما إن قلنا به فلا يصح القول بالفرق بين الملك القهري والاختياري، وعلى كل حال فليس له القبض
من البايع أو الواهب أو نحوهما لحرمة إثبات اليد على الصيد، فلو قبض وتلف في يده فعليه الجزاء والقيمة للمالك الذي
هو البايع ونحوه، لكونه مقبوضا بالمعاملة الفاسدة، وإن أذن المالك، ضرورة كون القبض عدوانا باعتبار عدم المشروعية،
وما في كشف اللثام من التوقف، في غير محله، وكأنه أراد بالتوقف ما لم يقبضه هو، وأما إذا قبضه فلا يصح الحكم
بالضمان عليه.
وعن المسالك: الفرق بين علم البايع بالفساد فلا يكون للمحرم الضمان، بخلاف ما لم يكن عالما فعليه ضمانه، وعن
الأستاذ حفظه الله: هذا التفصيل غير صحيح لرجوعه مع العلم بالفساد إلى هتك ماله وتلفه بيده مع أن مبنى المعاملة هو
على التمليك، ورضاية البايع مبني على هذا النحو من المعاملة، فإذن إن تلف في يد المحرم فعليه ضمان ما تلف في يده،
وحكي عن المبسوط أنه قال: لا قيمة عليه للواهب لقاعدة ما لا يضمن لصحيحه لا يضمن بفاسده وعن الأستاذ

1 - الوسائل - الباب - 34 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3) وتمامه في التهذيب 5: 362 / 1257.
141

حفظه الله: وفي كلا الشقين إشكال: لكون القبض عدوانا ولعدم كون يده يد أمانة شرعية، فإذا تلف في يده فعليه
ضمانه لأن رضا البايع لا يكفي في رفع الضمان، اللهم إلا أن يقال بقيام الاجماع على صحتها وإلا فمقتضى قاعدة على اليد
ما أخذت حتى تؤدي هو وجوب الضمان، إلا مع التصريح من البايع بأنه راض على هذا النحو من المعاملة، هذا كله إذا
كان القبض بالعقد.
ولو باع صيدا ثم أحرم وصار المشتري مفلسا ولم يكن قادرا على أن يعطي القيمة للبايع فللغارم أخذ عين ماله إن لم
يكن محرما وأما إن كان محرما وحكم الحاكم العدل بتقسيم مال المفلس فللمشتري إخراج حصة البايع، وكذا لو باع واتفقا
على الخيار للبايع ثم أحرم فلا يصح له إعمال حق خياره بخلاف ما إذا كان ذلك للمشتري فله رد المبيع وأخذ ثمنه.
وفي كشف اللثام: (وللمشتري رده بعيب أو غيره من أسباب الخيار ولكن ليس له الأخذ) وفيه أن الرد بالعيب إذا لم
يترتب عليه تملك البايع للعين يمكن منع مشروعيته، بل حقيقة الرد رجوع العين إلى ملك البايع.
ثم بناء على عدم التملك بالإرث إذا كان معه، قال في كشف اللثام: (يبقى الموروث على ملك الميت إذا لم يكن وارث
غيره، وإذا أحل دخل في ملكه إن لم يكن في الحرم.
(وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن الحكم ببقاء الموروث على ملك الإمام إلى أن يحل ويدخل في ملكه بعد الاحلال:
بخلاف ما إذا كان الوارث طفلا ولم تضعه أمه إذ الحكم ببقاء الموروث على ملكه يكون بالنص كالكافر الذي أسلم قبل
قسمة الموروث فهو شريك في التركة بخلاف ما إذا أسلم بعد القسمة فلا يكون له الحق منها (وإن لم يكن معه إلا وارث
أبعد اختص بالصيد وهو بغيره) وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى قوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) بقاء
الموروث في ملكه ولو كان صيدا حتى يحل وينتقل عن ملك المتوفى إلى ملكه، اللهم إلا أن يقال: مقتضى قاعدة الإرث
هو انتقال التركة إلى الورثة حال موت المورث ومع عدم إمكان تملكه للاحرام ينتقل إلى غيره وإن كان أبعد منه.
ولو استودع صيدا محلا ثم أراد الاحرام سلمه إلى المالك ثم إلى الحاكم إن تعذر المالك، فإن تعذر الحاكم فإلى ثقة محل
لما عرفت من حرمة استيلائه على الصيد حال الاحرام، فإن تعذر الثقة فله الارسال والضمان، ويحتمل الحفظ وضمان
الفداء إن تلف تغليبا لحق الناس.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن كان الاحرام ندبا فالأقوى ترك الاحرام تغليبا لحق الناس، ولرد ملك الغير إليه، إذ
يلزم من الحكم بالاحرام تقديم المندوب على الواجب مع أن الحكم بخلافه، وأما إن كان الحج واجبا وصيده عنده فعليه
اختيار الأهم - وهو لزوم الاحرام مع التقصير بعده والفداء للصيد - وترك المهم.
وملخص الكلام: أمره يدور بين تقديم حق الناس وترك الاحرام ورد الملك إلى مالكه أو تقديم حق الله وهو
الارسال والفداء للصيد إذ في تقديم حق الله كأنه جمع بين الحقين كمن عنده عدد من الخبز وهو جوعان فله أكله وعليه
ضمانه للمالك، لكن مقتضى الانصاف هو القول بالتخيير بين الارسال والابقاء، إذ لم يحرز أهمية حق الناس في فرض
إعطاء القيمة بدلا عن الصيد (هذا كله فيما إذا كان الصيد عنده) (ولو كان في بلده ففيه تردد) من وجود الاحرام المانع عن
142

الملك بدليل الآية (1) وغيرها، ومن البعد الموجب لعدم خروج الصيد فيه عن الملك، فيقبل دخوله فيه (والأشبه أنه
يملك) وعن صاحب الرياض: للأصل بلا معارض ولكنه يعارضه عموم قوله تعالى: (حرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما) وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن أن يكون مراده من الأصل هو الأصل العملي أو غيره، فإن كان مراده هو الأول
معناه: عند الشك في انتقاله إليه بعد موت المورث وعدمه الأصل هو عدم الانتقال كما أن الأصل في العقود عند الشك في
الانتقال وعدمه هو الفساد.
ويمكن إثبات الملكية له بالاستصحاب التعليقي، توضيح ذلك: قبل إحرام الوارث إذا مات المورث يرث عنه الصيد،
وإذا اتفق موته حال إحرامه فشك في أنه يرث عنه أيضا أم لا فيستصحب إلى أن يثبت خلافه، وعن الأستاذ حفظه الله
: لا يمكن الاستصحاب التعليقي هنا والحكم بانتقال الموروث إلى الوارث حتى في حال الاحرام أيضا.
وما عن بعض: من أن وجود الاحرام مانع عن الملك فلا يدخل في ملكه، ومن أن البعد موجب لدخول الصيد في
الملك غير سديد، بل التحقيق: إن قلنا مقتضى ظهور الكتاب هو التنافي بين الاحرام وتملك الصيد فيمكن به تخصيص
العمومات الواردة في الكتاب من أن الوارث يملك الموروث بالميراث، ويملك البايع والمشتري كلا من الثمن والمثمن بعد
البيع والشراء إذ بينهما عموم وخصوص مطلق وبتقديم الخاص على العام يحكم بعدم المانع من الدخول في الملك، إلا
للمحرم حال إحرامه فإنه لا يدخل في ملكه الصيد بسبب من الأسباب.
ويمكن أن يقال: ولو كان مقتضى قوله تعالى: (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) هو المنع عن التصرف سواء كان
التصرف تصرفا خارجيا كالقتل والضرب وغيرهما أو اعتباريا كالبيع والوقف والهبة ونحوها، يمكن تقييده بالصيد الذي
كان معه، دون النائي الذي ليس فيه منع عن التصرف فيه إذا كان التصرف تصرفا اعتباريا مع أنه لا يتمكن من
التصرف خارجا، وكذا الكلام في قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) فحينئذ يمكن حصر المنع في المنع عن ملك
الصيد الذي كان معه دون النائي، إذ هو المتيقن من النص عند الشك في شمولها للأعم وعدمه أولا وعدم إمكان التصرف
الخارجي فيه مع إمكانه اعتبارا ثانيا، واستهجان منعه عن التصرف في النائي اعتبارا هذا سيما إذا قلنا: إن مقتضى عموم
الآية (حرم عليكم إلخ) هو تغاير الاحرام مع الملك سواء كان الصيد عنده أو في بلده، ولا ينافي استدامة الملك له مع أنه
ينافي بما كان ابتداء إلا أن يقوم الاجماع بالملازمة خلافا لما ذهب إليه الأستاذ حفظه الله: حيث قال: استهجان منعه عن
التصرف في النائي اعتبارا يخرج عن عموم المنع وحينئذ يملك المحرم النائي عنه، بخلاف ما كان معه.
(ولو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله وفداه ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء وإلا أكل الميتة) لقوله
تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) حيث أحل للانسان الميتة مطلقا للاضطرار، وإذا دار الأمر بين أكل الصيد والفداء
وبين أكل الميتة أيهما يأكل؟ وهل له أكل الصيد والفداء أو يجب عليه أكل الميتة فلا فداء عليه، أو له التخيير بينهما أيهما
شاء يأكل، أو التفصيل بين ما إذا كان معه الفداء فيقدم أكل الصيد وبين ما إذا لم يكن عنده الفداء فيأكل الميتة كما عن
الشرايع ذلك أيضا، أو التفصيل بين ما إذا ذبح المحل الصيد في الحل فيأكله وإن حرم عليه أكله للاحرام إلا أن ما ذبحه

1 -
143

المحل في الحل فهو مذبوح شرعا، وبين ما إذا ذبح المحرم في الحل أو المحل في الحرم فلا يأكله لحرمة الأكل عليه ولذلك
يأكل الميتة للآية دونها، أو بتقديم أكل الميتة على الصيد مطلقا لتعارض النصوص وتغايرها ومع عدم إمكان ترجيح
أحدها على الآخر وتساقطها فيقدم أكلها للآية، عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم
يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد أليس هو بالخيار (أما يحب أن) يأكل من ماله؟ قلت: بلى
قال: إنما عليه الفداء فليأكل وليفده) وعن يونس بن يعقوب (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى
الميتة وهو يجد الصيد، قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله عز وجل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد،
قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت: من مالي، قال: هو مالك، لأن عليك فداؤه، قلت: فإن لم يكن
عندي مال؟ قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك) وعلل الإمام في جواب السائل - حيث قال: أحل له الميتة ولم يحل له
الصيد - بقوله: (تأكل الصيد وهو مالك لأن عليك فداؤه) فحينئذ تكون المعاوضة بين أكل الصيد والفداء قهرية خصوصا
إذا ذبحه المحل في الحل، إذ لا يكون أكل الصيد مقيدا بالحياة أو المماة أو ذبحه هو أم غيره، أو ذبحه هو في الحل والذبح
في المحل وإن كان حراما للمحرم إلا أن الاضطرار رافعها وإن قلنا بخروجه عن ملكه إلا أن المعاوضة بينه وبين الفداء
تجعله من ماله، ويمكن أن يقال بتقديم الصيد على الميتة لمعاوضته بالفداء دونها، كما إذا دار الأمر بين ترك ما وجب ومعه
البدل وبين فعل ما حرم ومعه الكفارة مقتضى القاعدة تقديم ماله البدل من فعل أو ترك، وكذلك هنا فلا بد من تقديم
أكل الصيد لتقابله بالفداء دونها، ويمكن أن يكون ملكية الصيد له في هذا الحال للاضطرار فيذبح ويأكل ويفدي بدلا له
كما يمكن أن يقال بجواز ذبحه في هذا الحال لأنه ملكه، هذا كله فيما علم أن التقديم يكون بإذنه، أو القول بعدم التفاته
بكونه ملكه فأمره عليه السلام بتقديم أكله على الميتة.
محمد بن علي بن الحسين (3) قال: قال أبو الحسن الثاني عليه السلام: يذبح الصيد ويأكله ويفدي أحب إلي من
الميتة) وهو صريح في أنه يذبح ويأكل، ولذلك يمكن أن يستظهر من قوله عليه السلام: (يذبح الصيد ويأكله) تقديم أكل
الصيد على الميتة ولو ذبحه المحرم فعليه كفارتا الذبح والأكل، ويتفرع عليهما رفع العقاب وبقاء المصلحة على ما هي
عليها.
عن علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة، وقلت إن
الله عز وجل حرم الصيد وأحل الميتة، قال: يأكل ويفديه فإنما يأكل ماله).
وفي هذه النصوص كلها يأمر بأكل الصيد ويفدي لأنه يأكل ماله، خلافا للنصوص الآتية الآمرة بأكل الميتة لأنه تعالى
قال بجواز أكلها للمضطر قال: (5) (وقد روي أنه يأكل من الميتة لأنها أحلت له ولم يحل له الصيد).

1 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
5 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
144

وعن إسحاق عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام إن عليا عليه السلام كان يقول (1): إذا اضطر
المحرم إلى الصيد وإلى
الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له) وقد حمله الشيخ على من لم يجد فداء الصيد ولم يتمكن من الوصول إليه لما مر.
عن عبد الغفار الجازي (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا،
فقال: يأكل الميتة ويترك الصيد: وقد حمله الشيخ على من لا يتمكن من الفداء وجوز حمله على التقية، لأن ذلك مذهب
بعض العامة، وعلى من وجد الصيد غير مذبوح، ولأجل تغاير الأخبار وتعارض بعض مع البعض لا بد من الجمع بينها
ليرتفع الاختلاف وعن بعض: يأكل الصيد ويفدي مطلقا سواء كانت الميتة موجودة أم لم تكن موجودة وعن بعض آخر:
يأكل الميتة مطلقا وعن ثالث: إن كان له الفداء فيأكل الصيد وإن لم يكن له الفداء فيأكل الميتة وعن الأستاذ حفظه الله:
وهذا على خلاف ما صرح بأكل الميتة من النصوص، اللهم إلا أن يقال: إنه مقيد بإمكان الفداء وعن رابع: تقديم الميتة
على الصيد فيما إذا ذبح المحرم الصيد أو ذبحه المحل في الحرم دون ما إذا ذبحه المحل في الحل فيقدم على الميتة، هذه كلها
وجوه الأقوال في المسألة وإن لم يكن شاهد جمع فيها لها، إذ ظاهر بعض النصوص لزوم أكل الصيد ووجوب الفداء عليه
من غير فرق بين أن يكون عنده أو لم يتمكن فعلا من أدائه أو في المستقبل، ولا يكون تقديم أكل الصيد على الميتة مقيدا
بما إذا ذبحه المحل في الحل، بل إن ذبحه المحرم في الحرم أيضا مقدم أكله عليها، وحينئذ يدور الأمر بين الجمع بينهما أو
التخيير إن قلنا بأنهما متزاحمان، أو الترجيح إن قلنا بأهمية بعضها دون الآخر، وعن بعض: أقوى الوجوه هو الثاني
لموافقة الكتاب معه لأن الله أحل أكل الميتة للمضطر دون الصيد، وعن الأستاذ حفظه الله: وظاهر الكتاب هو الاضطرار
بالميتة لا ما إذا كان الأمر بينها وبين غيره لعدم صدق الاضطرار حينئذ، ويمكن تقديم أخبار الصيد لمخالفتها مع العامة
لأن الرشد في خلافهم وإذا كان كذلك لم يصل النوبة بأيهما شاء أخذ، ولم يصل النوبة أيضا إلى تخيير عقلي وهو تقديم
ترك واجب فيه بدل وفعل حرام فيه الكفارة على غيره فيما إذا دار الأمر بينه وبين غيره مما لا يكون له بدل أو الكفارة
لعدم العقاب أولا ولتدارك المصلحة الواقع ثانيا، وبعبارة أخرى إن أكل الصيد والفداء يفهم بارتفاع العقاب وبقاء المصلحة
دون ما إذا أكل الميتة هذا كله فيما له الفداء، وأما إن لم يكن له الفداء فعن الماتن تقديم أكل الميتة على الصيد، وعن
الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه الشرايع لا يمكن قبوله مطلقا بل الحق هو التفصيل بين ما إذا تعلق الفداء بالذمة فلا
فرق حينئذ بين أن يكون موجودا أم لم يكن موجودا إذ يبقى التعارض بحاله، وبين ما إذا لم يتعلق بالذمة فلا يمكن أيضا
في هذا الحال تقديم الميتة على الصيد، إذ في كل ما يتصور فقد الفداء يجب أكل الصيد، اللهم إلا أن يقال إنهما عام
وخاص إذ نصوص الميتة مخصوص بما إذا لم يتمكن من الفداء ولا يبعد أن يكون كل منهما عاما من جهة وخاصا من جهة
أخرى، ولكن الانصاف هو الأول، وعليه لا بد وأن يؤخذ بالمتيقن وهو ما يوافق مع قول الماتن، هذا كله إن لم نقل
بتقديم أكل الصيد مطلقا وإلا فأكل الصيد مقدم وإن لم يتمكن من الفداء فيأتي ببدله.
(وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه) وفي المسالك: هكذا أطلق عليه الأكثر، ثم قال: ويترتب على ما ذهب إليه
الماتن مفاسد:

1 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (12).
145

منها: ولما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر، ولما إذا كانت الجناية من
المحرم في الحل أو في الحرم أو من المحل في الحرم فيشمل ما يجتمع فيها القيمة والجزاء ومقتضاه أنه لا يجب له تعالى
سوى ما يجب للمالك، مع أن القواعد المستقرة تقتضي ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان، وكما قد يقتضي الحال في
هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران قد يقتضي ضمان ما هو أقل،
فيتحصل في المسألة مخالفة في أمور، منها لزوم البدنة عوضا عن النعامة مع أنها قيمته، ومنها لو كان المتلف بيضا موجبا
للارسال فأرسل الجاني ولم ينتج شيئا يلزم ضياع حق المالك وإن أوجبنا القيمة هنا ونفينا الارسال لزم الخروج عن النص
المعلوم، ومنها لو كان المحرم مثلا دالا ضمن أيضا مع المباشر، إلى غير ذلك من المخالفات للأصل المتفق عليه من غير
موجب يقتضي المصير إليه، ولذلك ذهب المحقق الشيخ علي إلى أن فداء المملوك لله تعالى، وعليه القيمة لمالكه، وعن
صاحب الجواهر: ولا ريب في قوة مختاره إن لم نقل بتعارض الأدلة من وجه باعتبار إطلاق ما دل على ضمان المال
لصاحبه بمثله أو قيمته، وإطلاق ما دل على ضمان النعامة مثلا بالبدنة سواء كانت مباحة أو مملوكة، ولكن في الأول تكون
لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره بخلاف الثاني الذي كان المالك فيه غيره، وعن الأستاذ حفظه الله: وفي قوله: (في
الأول تكون لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره إلخ).
لا بد وأن يكون الدليل الدال عليه موجودا وإلا فلا فرق بين ما يجب عليه إتيان البدنة لله تعالى أم للمخلوق، وهكذا
هديا بالغ الكعبة لعدم الفرق بين أن يكون صيدا أو غيره وإن قلنا بعموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع ولا يمكن
تقديم أحد الدليلين على الآخر، بل لا بد وأن يتمسك بالأصل، هذا وقد أجمع صاحب الجواهر بينهما على طريق آخر،
وهو عدم معارضة عموم ما دل على ضمان الأموال بالمثل والقيمة مع غيرها وهو ظهور الكتاب والسنة في كون الفداء
المزبور إنما هو لله تعالى وإن كان محرما في الحرم وأتلف مال الغير فهو له ضامن، وعن الأستاذ حفظه الله: وما ذهب إليه
مشكل إلا أن يقال: مقتضى ذلك اختصاصه تعالى ماله (هديا بالغ الكعبة) وعن المسالك: والمفهوم من الفداء ما يلزم
المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال، ويجب الرد لمالكه إلا أن إطعام عشرة مساكين مردد بين
الاطعام والاعطاء لصاحبه أو الحصر على إطعام عشرة مساكين، وذهاب البعض إلى ضمان الفداء للمالك إن كان وإلا فلا
مخالف لقاعدة نفي الضرر وحينئذ عليه أن يتدارك بالمثل أو القيمة.
(وإن لم يكن مملوكا تصدق به) بعد ذبحه إن كان حيوانا، والدليل على ذلك نصوص، منها ما عن الحلبي (1) قال
الصادق عليه السلام: (إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به) وهو ظاهر
في التصدق به بعد ذبحه، منها صحيح زرارة (2): (إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه
ويتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه) ومقتضى ما تقدم من النصوص هو التصدق به
بعد ذبحه، وهل يشترط اعتبار الايمان في مستحق هذه الصدقة أم لا، وعن المدارك لم أقف للأصحاب تصريح باعتبار

1 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
2 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
146

الايمان ولا بعدمه، وإطلاق النصوص مقتضي العدم. وعن الأستاذ حفظه الله: ولكن مقتضى قوله تعالى: (إنما الصدقات
للفقراء) إلخ هو اعتبار الايمان، ومؤيد ذلك ما عن المعصوم عليه السلام في جواب السائل: عليه إعادة زكاة المخالف بعد
استبصاره دون ساير عباداته، لاتيانها بالمخالف، نعم إن قلنا من أن مستحق هذه الصدقة فقراء الحرم وساكنيه كما هو
المنقول فعليه إتيانهم باستجازتهم أي استجازة المؤمن.
(وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن كان حاجا) وعن المدارك: هذا مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، وعن صاحب الجواهر: وهو كذلك في الأخير، وأما الأول فعن بعض: عليه تأخير فداء
العمرة والذبح بمنى حيث يذبح الناس، وعن ابن إدريس إن عمرة التمتع كالحج في ذبح فداء الصيد بمنى، وأما العمرة
المفردة فيذبح بمكة قبالة الكعبة، وعن بعض جواز فداء الصيد في موضع الإصابة وإن كان الأفضل التأخير إلى مكة ومنى
حاملا للآية على ذلك: وأما النصوص منها ما عن عبد الله بن سنان (1) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من وجب
عليه فداء صيد أصابه وهو محرم فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة)
وهو صريح في لزوم الذبح أو النحر في الحج بمنى والعمرة بمكة، وما عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: في
المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، فإن كان في عمرة
نحره بمكة الحديث) منها ما عن أبي عبيدة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر
من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف
صاع فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) ويستفاد منه وجوب دفع كفارة الصيد في موضع الإصابة وإن لم
يجد فالقيمة ولكن مع ذلك له جواز الذبح في منى، وما عن ابن أبي عمير (4) قال: يفدي المحرم فداء الصيد من حيث
أصابه) وهو صريح في فداء الصيد من حيث أصاب في مكة أو منى، منها ما عن زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام إنه
قال: في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في
عمرة ينحره بمكة، وإن شاء تركه إلى أن يقدم مكة ويشتريه فإنه يجزي عنه) معناه وجوب ترك ذبح ما يجب عليه ذبحه
بمنى ووجوب ذبحه بمكة، وما عن حريز (6) عن محمد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام
أهلي جئ به وهو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) معناه: عليه إتيان ثمنه فيما
أصابه لا في غيره.
وعن الأستاذ حفظه الله: والنصوص مختلفة من جهة أن بعضها يأمر بلزوم الذبح بمنى إن كان في حج وبمكة إن كان في
عمرة تارة، وبعضها يأمر بالترك في الأول ويأتي بمكة فيذبح كمن كان في عمرة، وفي بعض آخر لزوم الذبح في مكان

1 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 51 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 51 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
6 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (10).
147

الإصابة، وإن كان الأفضل منى في الحج ومكة في العمرة، وهل يمكن أن يجمع بالخيار مطلقا، أو الحكم بمقتضى قوله:
(وإن شاء تركه) إلخ بأن له جواز تأخير الذبح إلى أن يأتي أهله ويذبح حتى أفاد ذبحه المؤمنين الذين هم الأصل فيه بعد
أن قلنا باعتبار الايمان في مستحقيها، أو الأقل له جواز تأخير الذبح إلى مكة لاستفادة من له الأهلية وهم المؤمنون لعدم
لزوم ذبح الكفارة بمنى كالهدي، وعن المبسوط التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى، هذا كله لما يمكن
استظهاره من النصوص وأما إن أغمضنا عنها فمقتضى أصالة البراءة عدم مدخلية المكان في الذبح فيذبح بعد الوجوب
عليه حيث شاء وخلاصة الكلام: هل يجب ذبح الفداء مطلقا صيدا كان أم غيره للحاج بمنى وللمعتمر بمكة كما عن الماتن
أو ذبحه فيهما على الأفضلية فيجوز ذبحه في غيرهما ولو في الصيد، مع أن ظاهر الأمر هو الفور فيجب فورا ولو عقلا،
ولكن وجوب التأخير إليهما إن قلنا بالتعين فيهما أو إلى غيره أيضا إن قلنا بالأفضلية فيهما بمقتضى النصوص، وقوله تعالى
: (هديا بالغ الكعبة) أو الوجوب فيهما منحصر بفداء الصيد دون ساير الكفارات وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى النص
الثاني فلا يصح أن يعارض غيرها معها لقلتها وضعفها سندا، عن أبي عبيدة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم) وعن الأستاذ
حفظه الله: وهو صريح في عدم لزوم الذبح فيهما بل وجوب الذبح عليه هو من موضعه الذي أصاب فإن لم يجد قوم
جزاؤه دراهم وحينئذ يصح القول بلزوم ذبح فداء الصيد فيهما دون غيره.
وعن المفيد مرسلا (2) (في المقنعة) قال: قال عليه السلام: المحرم لا يأكل من الصيد وإن صاده الحلال، وعلى المحرم
في صيده في الحل فداء، وعليه في الحرم القيمة مضاعفة، ويأكل الحلال من صيد الحرم لا حرج عليه في ذلك قال: وقال عليه السلام: المحرم يفدي فداء الصيد من حيث صاده).
وعن الأستاذ حفظه الله: وقوله عليه السلام: (من حيث صاده) يحتمل أن يكون مكانيا أي يفدي فداء الصيد في
المكان الذي أصابه، ويحتمل أن يكون المعنى أن ابتداء لزوم ذبح الفداء من هنا، والاحتمال الثاني هو خيرة الأستاذ حفظه
الله، وعن حريز (3) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جئ به وهو في الحرم محل قال: إن
أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا مراده عليه السلام من قوله: (مكانه)
هو الموضع الذي أصابه لا عوضه الذي أصابه يدل على لزوم التصدق عليه في مكانه الذي أصاب ولكن الانصاف أنه لا
ارتباط لها بالبحث إذ الحكم فيها منوط بالمحل وعليه التصدق بالقيمة لا الفداء وعليه لا يمكن التمسك بها لاستظهار تعيين
موضع ذبح الفداء لعدم تعرضها، وعن معاوية بن عمار (4) قال يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه) وعن الأستاذ
حفظه الله: وفيه أولا عدم معلومية المنقول عنه هل هو الإمام أو معاوية بن عمار، الثاني: قوله عليه السلام: (يفدي) يمكن أن يكون معناه يجب، أو يذبح، أو يشتري.
هذا كله مما يمكن أن يتمسك بها لاثبات عدم تعيين ذبح فداء الصيد فيهما كما عن بعض أيضا، ولكن الانصاف أنه لا
يمكن رفع اليد عن النصوص الواردة في تعيين حكم ذبح فداء الصيد فيهما لصحتها واعتضادها بقوله تعالى: (هديا بالغ
الكعبة) وعدم إمكان التمسك بغيرها لقلتها وضعفها سندا وإرسال بعضها فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما بحمل الأولى منهما
على الأفضلية والجواز في غيرها.
ثم إن الكلام بعد أن قلنا بلزوم ذبحه للحاج بمنى وللمعتمر بمكة في أنه هل يمكن إثبات عدم لزوم ذبحه للمعتمر بمكة أم
لا؟ فعن منصور بن حازم (5) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة إلا
أن يشاء صاحبها أو يؤخرها إلى منى، ويجعلها بمكة أحب إلي وأفضل، وفيه: إنه بإطلاقه يدل بأفضلية ذبح كفارات
الصيد وغيره بمكة، وعن الشيخ حمله على غير كفارات الصيد، وخالف معه الأستاذ وقال: لا داعي لهذا الحمل اللهم إلا
أن يقال: صرح النص بعدم تقييد غير الصيد بالمكان فيؤخذ به وإلا يبقى الاطلاق بحاله، عن زرارة (6) عن أبي جعفر
عليه السلام إنه قال: في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر
الناس، وإن كان في عمرة ينحره بمكة، وإن شاء تركه إلى أن يقدم مكة ويشتريه فإنه يجزي عنه) ومعنا ذلك: عليه في
عمرة التمتع ذبح الفداء بمنى إن كان قادرا وإن لم يقدر أو لم يوجد يرجع إليها ويذبح بمكة ولكن نقلها في الباب الأخرى
غير ما نقلها هنا، وهي: العياشي في (تفسيره) عن زرارة (7) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: من أصاب نعامة فبدنة، ومن أصاب حمارا أو
شبهه فعليه بقرة، ومن أصاب ظبيا فعليه شاة بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره إن كان في حج فبمنى حيث ينحر
الناس، وإن شاء في عمرة نحر بمكة، وإن كان تركه حتى يشتريه بعد ما يقدر فينحره فإنه يجزي عنه) والظاهر هو عدم
تقييد ذبح فداء الصيد بمكان في العمرة خلافا للحج لتقييده بمنى، ومما يمكن استظهار عدم لزوم ذبح فداء غير الصيد بمكة
بل له الخيار في الذبح بمكة أو الرجوع إلى أهله وذبحه ما عن أحمد بن محمد (8)

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد، ح (10).
4 - الوسائل - الباب - 51 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
6 - الوسائل - الباب - 51 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
7 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
8 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
148

عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد فإن الله عز وجل يقول: (هديا
بالغ الكعبة) وعن الأستاذ حفظه الله: وهو بإطلاقه يشمل عدم تقييد ذبح فداء غير الصيد بالمكان حجا كان أو عمرة وله
أن يذبح حيث شاء ولو تركه حتى يرجع إلى أهله ويذبح هناك إلا الصيد، إذ مقتضى قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) هو
ذبح فدائه بمنى إن كان في الحج وبمكة إن كان في العمرة، وانحصار ذبح فداء الصيد فيهما مع قوله تعالى: (هديا بالغ
الكعبة) يكون بالنص، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه لارساله، ولذلك لا يمكن أن يعارض مع غيره ويقدم عليه في غير
الصيد والحكم بعدم لزوم مكان خاص في غير الصيد بل الحكم بإطلاقه منوط فيهما في الصيد كان أم غيره وهو أي
صحيح ابن حازم من حيث عدم لزوم الذبح بمكان خاص في العمرة المفردة يشمل بإطلاقه صيدا وغيره وإن حمله الشيخ
على كفارة غير الصيد، للنص، وهو صحيح عبد الله بن سنان لتعين ذبحه فيه بأحد الموضعين، وهاتان الروايتان وإن
يمكن الجمع بينهما بالعموم والخصوص مطلقا فيقدم الخاص وهو صحيح عبد الله بن سنان على العام وهو صحيح ابن حازم
فيحكم بلزوم ذبح فداء الصيد بمكة دون غيره: إلا أن الانصاف أن بينهما عموم وخصوص من وجه بيان ذلك: أن مقتضى
صحيح ابن سنان هو الاطلاق من ناحية لزوم ذبح فداء الصيد بمكة مفردة كانت العمرة أم تمتعا، وتقتضي رواية ابن حازم
الاطلاق من جهة كفارة العمرة المفردة له الذبح بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى ويجعلها بمكة أحب إلي
وأفضل صيدا وغيره، ويتعارضان في عمرة التمتع والصيد، إذ مقتضى صحيح ابن سنان ذبح كفارة التمتع بمكة فيما إذا كان
التمتع بمكة فيما إذا كان صيدا، كما أن مقتضى رواية ابن حازم الاطلاق صيدا وغيره بمكة أفضل وله الذبح بمنى، دون
صحيح ابن سنان لتعين ذبح فداء الصيد فيه بمكة، هذا ولكن الشيخ حمل صحيح ابن حازم على كفارة غير الصيد فيرتفع
التعارض، إذ مقتضاه حينئذ جواز ذبح فداء غير الصيد في العمرة المفردة بغير مكة وإن كان الذبح فيها أحب وأفضل،
ومقتضى صحيح ابن سنان ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع بمكة ويمكن تخصيص عموم أحدهما بمعونة الأخرى فيخصص
رواية ابن حازم بمعونة رواية ابن سنان إذ مقتضاه جواز ذبح فداء الكفارة في العمرة المفردة بغير مكة صيدا كان أو غيره
وإن كان الذبح فيها أفضل فيخصص بمعونة رواية ابن سنان فيحكم به إلا في الصيد لتعين ذبحه بمكة، وكذا يخصص عموم
رواية ابن سنان بمعونة رواية ابن حازم إذ مقتضى رواية ابن سنان تعين ذبح الكفارة فيهما فيخصص بمعونة رواية ابن حازم
فيحكم به إلا في العمرة المفردة بجواز ذبحه بمنى أيضا وإن كان الذبح بمكة أفضل.
وملخص الكلام أنه إن قلنا بالجمع بينهما يمكن استثناء العمرة المفردة من صحيح ابن سنان والحكم بجواز ذبح فداء غير
الصيد بغير مكة وإلا فلا، بل يبقى هو أيضا تحت الاطلاق ويقدم رواية ابن سنان بإطلاقه عن غيره، ويحكم بلزوم ذبح
الفداء بمكة إن كان في العمرة وبمنى إن كان في الحج.
وعن المدارك قال: وهذه الروايات كما ترى مختصة بفداء الصيد، أما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في
هذين الموضعين، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ولذلك ذهب بعض إلى أن هذه النصوص تكون في غير
الصيد، عن محمد بن إسماعيل (1) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال:
أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى، وفيه: أنه لا بد وأن يكون الاحرام للحج لحكمه عليه السلام بذبح فداء غير الصيد
كالتظليل وغيره أيضا بمنى، وعن الأستاذ حفظه الله: وإن يمكن القول بإطلاقه حتى يشمل الحج والعمرة ولكن الانصاف:
الظاهر أن كفارة الحج في الصيد متعينة بمنى، وعن علي بن جعفر (2) قال: سألت أخي عليه السلام، أظلل وأنا محرم؟
فقال: نعم وعليك الكفارة، قال: فرأيت عليا عليه السلام إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل) وعن الأستاذ حفظه الله
: وإن حكم الإمام عليه السلام بذبح الكفارة في غير الصيد بمنى، ولكن لا دلالة فيه على التعين.
بقي شئ: وهو بعد عدم القدرة على ذبح فداء غير الصيد فيهما (إن قدمنا نصوص التعين فيهما حتى في غير الصيد

1 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6).
149

أيضا) هل عليه الاطعام أو الصوم أو يجوز له التأخير حتى يذبح فداءه بعد الرجوع إلى أهله، فعن الأستاذ حفظه الله:
وإن كان النص موجودا في المسألة ويحكم فيما إذا لم يقدر على ذبحه فيهما فعليه الرجوع إلى أهله ويذبح هنا، ولكن
الأصحاب لم يتعرضوا حكم هذه المسألة عن معاوية بن عمار (1) وعن الأستاذ حفظه الله: وهو بإطلاقه يشمل كون عدم
ذبحه عن عصيان أو أنه لم يكن قادرا على الذبح وأمره عليه السلام بالصدقة يدل على أنه هو الكفارة، وعن يونس بن
يعقوب (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله
عز وجل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي،
قال: هو مالك، لأن عليك فداؤه، قلت: فإن لم يكن عندي مال؟ قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك) وعن الأستاذ
حفظه الله: وملخص هاتين الروايتين هو دلالتهما على جواز ذبح الفداء بمنزله ولا يجب عليه الرجوع بعد مجيئه إلى أهله
ولكن مع ذلك كله الحكم بالجواز وعدمه منوط بذهاب المشهور إليه وعدمه، ولا بد من الغور في كلماتهم حتى يظهر الحال
: فعن العلامة في المنتهى والتذكرة ما خلاصته: يجب ذبح الفداء والتصدق بعده إذ لا يجوز التصدق قبله لقوله تعالى:
(هديا بالغ الكعبة).
أي ما يهدي وإن لم يكن قادرا على ذبحه فيها فيجب عليه إطعام فقراء مكة أيضا وعن الحدائق: وما ذهب إليه
العلامة جيد إن كان النص موجودا (وروى) معاوية بن عمار (3) في الصحيح (أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد
وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج) وقد قلنا سابقا إن قتل نعامة مثلا فعليه
بدنة ومع العجز تقوم البدنة ويفض ثمنها على البر، ولكن في مورد البحث في كفارة الصيد بعد العجز عن الشاة إن وجب
عليه حكم بإطعام عشرة مساكين، وعن الأستاذ حفظه الله: وأن يترائى الخلاف منهما ولكن يمكن التمسك بإطلاقه كما
قيل (إذ لا يكون فيه لفظ الصيد والحج) والحكم بعدم المانع من إطعام عشرة مساكين حجا كان أم غيره صيدا هو أم
غيره.
المقصد الثالث في باقي المحظورات.
(وهي سبعة: الأول الاستمتاع بالنساء فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عالما بالتحريم فسد حجه وعليه إتمامه
وبدنة والحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا) لصحيح معاوية (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) وقد استظهر الأصحاب من قوله عليه
السلام: (فعليه الحج من قابل) فساد ما أتى به لفقدانه في النصوص إلا صحيح سليمان بن خالد (5) قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول (في حديث): والرفث فساد الحج، إلا أن الكلام في أنه هل يكون مرادهم من الفساد عدم كون تحقق

1 - الوسائل - الباب - 49 - من أبواب كفارات الصيد، ح (6) لا يطابق.
2 - الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد، ح (11).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (8).
150

المأمور به في الخارج صحيحا أم يكون مرادهم عدم إمكان حمل آثار الصحة عليه وإن كان المأتي وقع صحيحا؟ لسؤال
الراوي عن الإمام عليه السلام بأن الأولى هي الحج والثانية عقوبة أو العكس، وأجاب عليه السلام بقوله: الأولى التي
أحدث فيها ما أحدث هي الحج والأخرى عليه العقوبة.
وعن معاوية بن عمار (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا
فليس عليه شئ وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي
أصابا فيه ما أصابا، وعليه الحج من قابل) وعن جميل بن دراج (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم وقع
على أهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شئ
غير هذا؟ قال: عليه الحج من قابل وعن علي بن جعفر (3) عن أخيه عليه السلام (في حديث) قال: فمن رفث فعليه
بدنة ينحرها وإن لم يجد فشاة، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم) وعن معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ
الهدي محله) عن أبان بن عثمان رفعه (5) إلى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: المحرم إذا وقع على أهله يفرق
بينهما، يعني بذلك لا يخلوان، وأن يكون معهما ثالث) وعن خالد الأصم (6) قال: حججت وجماعة من أصحابنا، وكانت
معنا امرأة، فلما قدمنا مكة جائنا رجل من أصحابنا، فقال يا هؤلاء قد بليت، قالوا: بماذا؟ قال: شكرت بهذه المرأة
فاسألوا أبا عبد الله عليه السلام: فسألناه، فقال فسألناه: عليه بدنة فقالت المرأة: اسألوا لي أبا عبد الله عليه السلام فإني
قد اشتهيت فسألناه، فقال: عليها بدنة).
عن معاوية بن عمار (7) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع المحرم امرأته قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج من
قابل)
وعن حماد (8) رفعه إلى أحدهما عليهما السلام قال: معنى يفرق بينهما أي لا يخلوان وأن يكون معهما ثالث).
هذا كله لا خلاف فيه ولا إشكال في أن من جامع زوجته عامدا وعالما فسد حجه وعليه إتمامه وبدنة والحج من قابل،
بل إن اطلاق النصوص التي هي كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة الدائمة والمنقطعة والحرة والأمة كما صرح به غير
واحد لصدق الزوجة والأهل والامرأة، وإن يمكن يدعى اختصاص الدائمة لدعوى الانصراف إليه إلا أن الأصح كما قلنا،
لعدم الفرق في ترتب الحكم وهو فساد الحج على ذلك كله، إذ يمكن دعوى عدم لحاظ الخصوصية كالحرة والدائمة والأمة
في الحكم بل الحكم ثبوته وعدمه يدور مدار صدق تحقق الوطي وعدمه.

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (3).
3 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (4).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الصيد، ح (5).
5 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (6).
6 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (7).
7 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (10).
8 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (11).
151

وبناء على ما قلنا من عدم لحاظ الخصوصية في الحكم فيندرج حكم السفاح في البحث أيضا وعليه ما عليه من فساد
الحج والحج من قابل وإتمامه، ومما يؤيد ما استظهرناه - من عدم الفرق بين الأقسام المتصورة ومن أن الحكم بفساد الحج
وعدمه متوقف على صدق الوطي وعدمه - كلمة (رفث) في بعض النصوص المتقدمة وهو صحيح ابن خالد (1) إذ هو
بإطلاقه يشمل الأقسام المتصورة وبه يسقط دعوى الانصراف إلى الدائمة، وعن (2) البزنطي عن أبي جعفر عليه السلام
(في حديث) قال: قلت له: أرأيت من ابتلي بالرفث والرفث هو الجماع ما عليه؟ قال: يسوق الهدي ويفرق بينه وبين
أهله حتى يقضيا المناسك وحتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، فقلت: أرأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك
الطريق فيجتمعا إذا قضيا المناسك)،
بل مقتضى ما تقدم عدم الفرق بين القبل والدبر إذ العنوان هو الجماع والاتيان والوطء وهو كذلك لتناسب الحكم
والموضوع أولا، ولصدقه لكل منهما، فإن الدبر أحد المأتيين ويجب عليه الغسل كما في النص ثانيا، وحينئذ يفسد حجه
لو وطأها في الدبر أيضا كما في القبل وعليه الحج من قابل، وعن بعض أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة، وفيه
: إن قلنا بعدم عمومية العنوان كالجماع والاتيان وأمثالهما فهو كما ذكر، وإن لم نقل بالاختصاص كما هو الحق فالحكم كما
ذكرنا من غير فرق بين القبل والدبر، وعن صاحب الجواهر، إن لم يصح إطلاق الوطء على من واقع في الدبر فالأولى
عدم وجوب شئ عليه وإن قلنا بصحة إطلاقه عليه أيضا فالحكم كما ذهب إليه المشهور: وعن الأستاذ حفظه الله: لا
مورد لاشكال صاحب الجواهر عليه إذ يمكن استفادة ذلك من وطي دون الفرج.
ثم إمكان انسحاب الحكم من النساء إلى الذكران وتجاوزه عنها إليه وعدمه يتوقف على صدق الوطي والاتيان وعدمه
فإن قلنا بالصدق فيندرج تحت الحكم العام وهو الحج من قابل والاتمام والبدنة، وإن لم يصدق عليه الوطي والجماع فهو
خارج عن حكمهم، وكذا الكلام فيما لو وطأ الخنثى المشكل في الدبر، وعن الأستاذ حفظه الله: إن الخنثى إن كان قادرا
على الجماع والاتيان ويقدر على التوليد فلا يمكن اندراجه تحت حكم الخنثى لصدق الاتيان والجماع خلافا للماتن حيث
قال بعدم ترتب الحكم ما لو وطأها في القبل خاصة، نعم إن لم يصدق عليه الوطي يندرج تحت حكم ما دون الفرج
وعليه البدنة لا غير.
وأما وطي البهيمة فحكمه حكم وطي الدبر لصدق الجماع والاتيان، ولوجودها في النصوص الواردة في حكم من أتى
بهيمة، وأما الانزال فالظاهر عدم الفرق بينه وبين عدمه بعد صدق العنوان المزبور في النصوص.
ثم إن ظاهر النصوص وإن كان حكم الإعادة فيها مقيدا بالمحرم إلا أن الانصاف القول بكونه قيدا للاحرام، ومعنا
ذلك حكم الاحرام بعد إفساده عليه إتمامه وبدنة والحج من قابل من غير فرق بين الحج الواجب والندب الذي يجب
إتمامه بالشروع والعمرة وإن لم يجب عليه الإعادة في القابل في العمرة المفردة للنص وهو ما عن مسمع (3) عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشي أهله قبل أن يسعى بين الصفا

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (8).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (5).
3 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
152

والمروة، قال: قد أفسد عمرته وعليه بدنة وعليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثم يخرج إلى الوقت
الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله لأهله فيحرم منه ويعتمر) هذا كله فيما إذا لم يأت إلى المزدلفة عن معاوية بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يقف بالمزدلفة فعليه الحج من
قابل). وبه قال الأستاذ.
وأيضا عن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا واقع المحرم امرأته قبل أن يأتي المزدلفة فعليه
الحج من قابل) ومفهومه عدم وجوب شئ عليه إن أتى بامرأته بعدها أي بعد المجئ إلى المزدلفة وما اخترناه هو خيرة
الشرايع أيضا خلافا للمحكي عن المفيد وسلار والحلبي فاعتبروا تقدمه على عرفة لما روي (3) من أن الحج عرفة، وهو
مع ضعفه سندا يحتمل أن يكون المراد به أنه أعظم الأركان، ومنه يظهر فساد قول من يقول بتعلق الحكم لمن جامع قبل
المشعر بعد عرفة.
ثم إن ظاهر عبارة الشرايع وهو قوله: (فسد حجه) أو ظاهر النص وهو قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار
(4): (الرفث فساد الحج) أنه إذا أتى أهله قبل أن يقف بالمزدلفة ومن يحذو حذوه وجوب الإعادة في القابل لبقائه عليه
بعد إفساده، ومعناه أنه لا يبرء الذمة بوحده مجردا لو مات، بل المبرء هو، مع القضاء إن كان ما أفسده هو الواجب، أو
قلنا: لا فرق في ذلك أي الإعادة بين ما إن قلنا إن الأولى هي الحج والثانية عقوبة أو بالعكس، ولا بد من الاتيان بها في
القابل بعد التحلل منها كما في الصد والاحصار، وحينئذ لا مغايرة بين الاتمام وفساد الحج، خلافا لما قيل من أنه إن كان
الحج صحيحا لم يجب عليه إتمامه إذ مقتضى النص وجوب الحج في القابل، وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى النص خلافه
لقوله عليه السلام في رواية زرارة (5) قال: سألته عن محرم غشي امرأته... وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي
أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما... قلت:
فأي الحجتين لهما قال: الأولى التي أحدثا فيهما ما أحدثا،
والأخرى عقوبة عليهما) وبناء على ما قلناه إن المراد بالفساد كونها كالفاسد، ومما يؤيده ما رواه حمران بن أعين (6)
(فيمن جامع بعد أن طاف ثلاثة أشواط قال: قد أفسد حجه وعليه بدنة) مع الاجماع على صحة الحج في هذه الصورة.
وعن صاحب الجواهر: مؤيدا باستصحاب الصحة ونحوه: وعن الأستاذ حفظه الله: ومعنى ذلك - إن قلنا بفقدان
النص وعدم إمكان تشخيص حج الاسلام عن حجة العقوبة، أو كان، وقلنا بالمعارضة، وإن كان الواقع خلافه - المحرم
قبل أن يقف بالمزدلفة، أو قبل وقوفه بعرفة، أو قبل أن يقف بالمشعر بعد عرفة إذا أتى امرأته وشك بعد ذلك في صحة
الحج وعدمها نستصحب بقاء الصحة، بمعنى عدم المانع من إلحاق غيرها بها ليكمل الماهية المخترعة (المحصولة من الشارع)

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (10).
3 - الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (3).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (8).
5 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (9).
6 - الوسائل - الباب - 11 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
153

ولكن مع القول بالصحة التأهلية لها لا يجوز البحث في أن الاتيان مفسد شرعا أم لا إذ الصحة لا تكون مترتبا على عدم
الافساد، ولو كانت الملازمة بين الافساد وعدم صحة التأهلية (أي الصحة بالقوة) ثابتة عقلا وتظهر الفائدة - بناء على أن
الأولى الحج والثانية عقوبة أو العكس - في النية، فينوي على الأول في الاحرام مثلا حجة الاسلام، وعلى الثاني ما وجب
عليه بالافساد، وأما الأجير للحج في سنته أو الأعم منها ومن غيرها، فعلى الأول مضافا إلى حج العقوبة عليه إن قلنا
إن الثانية هي العقوبة فلا يستحق أجرة المثل لتغاير المأمور به مع المأتي به، بخلاف الثاني لأنه يستحق أجرة المثل ولو كان
عليه حج الاسلام وحج العقوبة، وأما النائب عن الميت، فإن قلنا إن الأولى هي الحج يبرء ذمة الميت وله أجرة المثل
وأما بالنسبة إلى حج العقوبة فيقضي في المستقبل من دون توقف ذمة الغير عليه بل هو بنفسه عليه الاتيان، فإن لم يقدر
عليه فله أن يستأجر غيره ليقضي عنه، نعم إن قلنا أن مقتضى الإجارة هو الحج التام من حيث الأجزاء والشرائط،
والأجير وإن أوجد مضمون الإجارة في الخارج لكن لا بما هي بل بما يغاير واقع الإجارة فلا يستحق أجرة المثل.
وأما النذر في سنته، أو الأعم منها ومن غيرها، فعلى الأول - مضافا إلى حج العقوبة عليه إن قلنا إن الأولى هي الحج
- كفارة حنث النذر وكذا العكس، وعلى الثاني عليه حج الاسلام وحج العقوبة دون كفارة حنث النذر، وأما المفسد
المصدود إن قلنا إن الأولى هي العقوبة كفى قضاء واحد وهو حج الاسلام ولا يكون عليه غيره لسقوط حجة العقوبة
بالتهلل منها كما تقدم سابقا، بخلاف ما إن قلنا إن الأولى هي حج الاسلام فعليه حج العقوبة وحج الاسلام.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن التمسك لاثبات بقاء صحة المأتي به بعد الافساد بإطلاق قوله تعالى: (ولا رفث ولا
فسوق ولا جدال في الحج) والحكم بصحة الحج حتى في مورد الافساد للاجماع ببقاء صحة الحج بعد الفسوق والجدال إلا
أنه عليه الكفارة لأن كلمة (لا) تكون في النهي التكليفي لا الوضعي فيمكن بمعونة عدم القول بالفصل الحكم ببقاء صحة
الحج بعد الرفث أيضا كما قلنا سابقا في أول البحث: (وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذ أحجا
على تلك الطريق) وعن الأستاذ حفظه الله: ظاهر ذلك هو وجوب الافتراق في حجة القضاء دون الحج الفعلي مع أن
الثاني أيضا تكون لازما فيه الافتراق لصحيح ابن عمار (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على
أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة ويفرق بينهما حتى يقضيا
المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليه الحج من قابل) وفتوى المشهور: وكذا في الحج القابل عليهما
أن يفترقا من ذلك المكان إلى أن يقضيا مناسكهما حتى يرجعا إليه فيجتمعا، نعم ظاهر قوله: (إذا حجا على تلك الطريق)
اعتبار سلوك ذلك الطريق وإلا فلا يجب الافتراق، كما أن مقتضى ظاهر قوله: (حتى يقضيا المناسك) هو انتهاء افتراقهما
يكون بانقضاء المناسك ولو لم يصلا إلى المكان الذي أصابا فيه خلافا لبعض النصوص.
ثم إن أصل التفريق يكون موردا للاجماع كما عن المدارك، وإن يظهر من المختلف عدم ذلك لترديد الأصحاب،
ولذلك يمكن حمل هاتين الخبرين على الندب، وعن الأستاذ حفظه الله: وإن لم يكن المسألة مجمعا عليها ولكن هو مشهور
قطعا، وأما وجوب الافتراق في القضاء هو ظاهر المصنف وتبعه المدارك وصاحب الجواهر فنحكم بعدم الفرق بين القضاء

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (4).
154

والحج الأولى في وجوب الافتراق، وعن المدارك تفريقهما في حج القضاء يكون موردا للاجماع ويتمسك بالنص، وأما
الحج الأولى فعن بعض وجوب التفريق في ذلك أيضا خلافا للبعض حيث اختار عدم وجوب التفريق فيه، وعن الأستاذ
حفظه الله: إذا كان مدرك الحكم هو النص فالأمر سهل لأن مقتضاها ولو يكون متغايرا بدوا إلا أن الانصاف يمكن
إرجاعها إلى الحكم الواحد وهو وجوب الافتراق في الحج الأولى والقضاء معا.
ثم إن ظاهر قول الماتن: (عليهما أن يفترقا) وجوب التفريق بين الذكر والأنثى وتبعه صاحب الجواهر، وعن
الحدائق: الظاهر أن الخطاب بالوجوب هو الإمام ومن يقوم مقامه، وعن الأستاذ حفظه الله: هو كذلك بعد أن كان في
زمن الماضي وظيفة الإمام ومن ينوب عنه تعليم أحكام الحج للناس في طريقه، وعن الأستاذ حفظه الله: إلا أن مقتضى
النص وجوب التفريق عليهما عينا ثم على الإمام ومن ينوب عنه كذلك، ثم على باقي الناس وجوبا كفائيا.
وكيف كان فلا بد من تعيين الغاية للتفريق لتغاير النصوص في المضمون، وفي صحيح معاوية بن عمار (1) عن أبي
عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شئ وإن لم يكن جاهلا فإن عليه
أن يسوق بدنة. ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليه الحج من قابل)
وعن الأستاذ حفظه الله: قوله عليه السلام: (ويفرق) يأمر بلزوم التفريق بينهما بعد أن كان لازما عليهما الافتراق،
ولذلك يقول صاحب الحدائق: إن المخاطب بالتفريق هو الإمام ومن ينوب عنه، وهو صريح في لزوم الافتراق من هنا
إلى هنا ولو لم يقل بوجوب التفريق عليهما في الحج القابل ولكن مع ذكره في مورد آخر لا إشكال فيه، عن معاوية بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء إلا أن يكون
معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله) وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه أيضا لزوم الافتراق عليهما حتى يبلغ الهدي محله وهو
كناية عن الاحلال أي بعد كونه بمنى يذبح هديه ويحل ولو لم يأت بالمناسك كلها ولكن لا مانع من اجتماعهما بواسطة بلوغ
الهدي محله.
ثم إن الجماع تارة يقع في الحج المتمتع بها، وأخرى في الافراد، فعلى الأول المراد من رجوعهما إلى المكان الذي أصابا
فيه هو الرجوع إلى مكة فبناء على ذلك هل يمكن الحكم بعد وصولهما إلى مكة بعدم لزوم التفريق ولو بقيا على إحرامهما
لعدم انقضاء المناسك، أم الحكم بارتفاع التفريق متوقف على انقضاء المناسك؟ فيه وجهان وأما على الثاني فيمكن أن
يكون محل الجماع قبل وصولهما إلى مكة لامكان إحرامهما قبلها ولو في مسجد الشجرة مثلا فلو قلنا إن مقتضى النص لزوم
التفريق قبل انقضاء المناسك يمكن تقييده بالنص الذي يكون مضمونه لزوم الافتراق بعد انقضاء المناسك.
وعن حماد بن عثمان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أرأيت... ويفرق بينهما حتى ينفر الناس
ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا) وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن حمله على حج الافراد، وعن سليمان بن
خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ فقال إن كانت المرأة

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (14).
3 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
155

أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، وحتى يرجعا إلى المكان الذي
أصابا فيه ما أصابا، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شئ) عن علي بن أبي حمزة (1) قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله قال: قد أتى عظيما قلت: أفتني " قد ابتلي " فقال: استكرهها أو لم
يستكرهها؟ قلت: أفتني جميعا، قال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة،
ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة، وعليهما الحج من قابل لا بد منه قال: قلت: فإذا انتهيا
إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى
يحلا، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما، فإن أبي كان يقول ذلك).
وعن الأستاذ حفظه الله: والجمع بين هذه النصوص هو كفاية بلوغ الهدي إلى محله وإن كان الأفضل البقاء على
التفريق حتى يقضيا مناسكهما في الحج الأولى، وأما في الحج القابل وجوب التفريق بينهما حتى يقضيا مناسكهما، أو الحكم
بالوجوب على التفريق في الحج الأولى والقضاء حتى يقضيا مناسكهما وإن كان الأفضل هو البقاء على التفريق حتى يرجعا
إلى المكان الذي أصابا فيه.
وفي الحدائق والرياض: (إن الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب
الفضل والاستحباب، فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة وإن أحلا وقضيا المناسك قبله، ثم قضاء المناسك، ثم بلوغ
الهدي محله كما في الصحيحين، وهو كناية عن الاحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة، ولكن
الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا، ثم الوسطى سيما في الحجة الأولى لكثرة أخبارها واشتهارها).
وعن الأستاذ حفظه الله: ومرجع قولهما هو البقاء على التفريق وجوبا حتى يبلغ الهدي محله وإن كان الأفضل البقاء
إلى أن يقضيا مناسكهما أو الرجوع إلى موضع الخطيئة، ومعنى ذلك إبقاء ظهور الأمر في الوجوب فيما إذا بلغ الهدي محله
وصرفه إلى الاستحباب في غيره، وهو قضاء المناسك كلها أو الرجوع إلى الموضع الذي أصابا فيه، وعن صاحب الجواهر
: وفيه أن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر إن لم يكن إجماع كون الغاية العليا
في الأداء والقضاء، وهي محل الخطيئة، نعم يمكن تحصيل الاجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء إلى قضاء
المناسك لا أزيد.
وعن الأستاذ حفظه الله: ومرجع قوله إلى أن الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور الأمر فيها في الوجوب وحمله على
تفاوت مراتب الفضل والاستحباب فيها، أو الابقاء على حاله. والثاني مختاره خلافا للأستاذ لذهابه إلى الأول لشيوعه في
الشريعة المقدسة.
وكيف كان فالذي اختاره سيدنا الأستاذ حفظه الله هو حمل النصوص التي تعين وجوب الافتراق بما دون الموضع الذي
أصابا فيه ما أصابا إلى عدم رجوعه من موضع الخطيئة وحمل النصوص التي تعين انتهاء وجوب الافتراق فيها إلى الموضع
الذي أصابا فيه ما أصابا إلى من يريد العبور من موضع الخطيئة وبهذا الجمع خرجنا عما وقع فيه صاحب الحدائق

1 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
156

والرياض، وهو صرف الأمر عن الوجوب إلى تفاوت مراتب الفضل والاستحباب، وكذلك خرجنا عما وقع فيه الجواهر
وهو تقديم منطوق أحدهما على مفهوم الآخر، عن حماد بن عثمان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت
: أرأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة وإن كانت المرأة بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما،
وإن كان استكرهها وليس بهوى منها فليس عليها شئ ويفرق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه
ما أصابا، قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم الحديث عن محمد بن مسلم
(2) عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: قلت له: أرأيت من ابتلي بالرفث والرفث هو الجماع ما عليه؟ قال:
يسوق الهدي، ويفرق بينه وبين أهله حتى يقضيا المناسك، وحتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا فقلت:
أرأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق، قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك).
وعلق انتهاء التفريق فيهما إلى انقضاء المناسك والعود إلى مكان الخطيئة أيضا، والظاهر من قوله عليه السلام: (حتى
يقضيا المناسك) وإن كان كلها إلا أنه لا مانع منه إذا بقي شئ منها خصوصا إن قلنا ينتهي التفريق أيضا إذا بلغ الهدي محله
وهو منى إذ بعده يبقى شئ من المناسك وهو السعي وطواف الزيارة والنساء، وهل يجب الرجوع من موضع الخطيئة أم لا
؟ أجاب سيدنا الأستاذ بقوله: لا يجب الرجوع من موضع الخطيئة عليهما.
ثم إن مقتضى النصوص تعليق الحكم على المحرم مع أنه أعم من عمرة التمتع والافراد، ومعلوم أن من أفسد عمرته
المفردة عليه البدنة والقضاء في شهر آخر دون الحول القابل كل هذا للنص، وعليه يخرج عمرته المفردة عن هذا العموم
خلافا للعمرة المتمتع بها فعليه الحج في القابل والبدنة ووجوب التفريق بينهما، هذا إذا كان له الخيار لتبديل العمرة المتمتع
بها بغيرها وإلا عليه إلحاق العمرة الفاسدة بالحج والقضاء في القابل مع الحج.
نعم ظاهر المصنف وجوب الافتراق في حجة القضاء دون الحج الأولى للاجماع خلافا للحدائق والجواهر لذهابهما
بوجوب التفريق في الحج الأولى وحجة القضاء. وكذا يظهر منه أيضا أن وجوب التفريق منوط بالرجوع من إمكان
الخطيئة وإلا فلا يجب التفريق بينهما، وإن اتفق الطريقان خلافا لبعض الأصحاب حيث قال في الفرض الأخير بوجوب
التفريق بينهما، وعن الأستاذ حفظه الله: لا فرق في وجوب التفريق بين حجة الاسلام وحجة القضاء والبقاء على التفريق
بينهما، وفي حجة القضاء إن أرادا الرجوع من مكان الخطيئة فلا بد من أن يفترقا حتى يقضيا مناسكهما، وإلا فلا يجب
خصوصا في حجة القضاء اتفق الطريقان أم لم يتفقا.
ولا فرق أيضا في وجوب الافتراق بين صورتي الاكراه والمطاوعة لاطلاق النصوص والفتاوى، وعن صاحب الجواهر:
وربما يوجد في بعض الفتاوى تقييده بالمطاوعة، ولا وجه له، نعم قد يدل مفهوم مضمر زرارة (3) على عدم الافتراق
بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما والآخر جاهلا والمكره بحكم الجاهل،
لكنه مقطوع السند، فلا يقيد به إطلاق الأخبار السابقة وعن الأستاذ حفظه الله: وقد صرح النص بعدم لزوم شئ من

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (14).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (15).
3 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (9).
157

التفريق والحج في القابل والبدنة على الجاهل إذا وقع عنه الخطيئة، خلافا للمكره فلا يمكن إلحاقه إليه لوجود النص
الذي يأمر فيه بوجوب التفريق بينهما، نعم يمكن إدراج المكره في حكم الجاهل بمعونة تنقيح المناط وإثباته دون خرط القتاد.
هذا مع أن عدم لزوم القضاء على المكره لا يلزم الحكم ببطلان التفريق أيضا، عن حماد بن عثمان (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أرأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة وإن كانت المرأة أعانت بشهوة
مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان فينحرانهما، وإن كان استكرهها وليس بهوى منها فليس عليها شئ، ويفرق بينهما حتى
ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى
يجتمعان؟ قال: (نعم الحديث) وعن الأستاذ حفظه الله: والسر في إلحاق المكره بالجاهل في عدم لزوم التفريق عند
صاحب الجواهر انحصار الدليل بمضمر زرارة والحال أن النصوص المطلقة يحكم فيها الإمام بلزوم التفريق بينهما بعد أن
أمكن التمسك بقوله عليه السلام: (يفرق بينهما) لاثبات الفرق ووجوب التفريق في المكره، هذا كله فيما إذا كان المرء
مكرها للمرأة فانعكس الأمر يمكن أن يكون كذلك أي وجوب البدنتين عليها إن قلنا بتنقيح المناط وإلا فلا وكذا فيما إذا
أكرههما ثالث.
(ومعنى الافتراق أن لا يخلوا إلا ومعهما ثالث) ويمكن أن يكون المراد بذلك هو الافتراق في المكان ومعنا ذلك تفريق
كل منهما في خباء غير ما فيه الآخر، أو هو كناية عن المانع من المواقعة ولو بحضور ثالث يمتنع معه حصولها، وعلى الثاني
لا عبرة بغير المميز والزوجة والأمة ونحوهم ممن لا يمنعها حضورهم.
(ولو أكرهها كان حجها ماضيا) للأصل والنص، ويكفي لعدم وجوب القضاء عليها في القابل عدم الدليل بالنسبة إليها،
إذ للشارع بيان ما يمكن أن يكون سببا للافساد، نعم يمكن أن يحكم بفساد حجها ولو كانت مكرهة لرواية سليمان بن خالد
(2) قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (في حديث): والرفث فساد الحج) وهو بعمومه يحكم ببطلان الحج بعد
المواقعة من دون أن يكون فرق بين المكره وغيره، ولا بين أن يكون الجماع بالاختيار أو الاضطرار، وإذا كان كذلك لا
يصح الحكم بانصرافه إلى الاختيار، ولو أمكن تخصيصه بالاختيار للنص، ولكن مقتضى إطلاقه هو العموم، وحينئذ لا
يصح التمسك لصحة حج المرأة بالأصل بعد الدليل العام الذي يدل بإطلاقه أنه لا يفرق بين المرأة والرجل في فساد الحج
بعد المواقعة، نعم يمكن إخراج حكم المرأة المكرهة عن تحت هذا العام بدليل خاص وهو صحيح معاوية بن عمار (3)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة وليس عليه الحج في القابل، وإن
كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان، وعليه الحج من قابل).
نعم يمكن انسحاب حكم الرجل للمرأة أيضا فيما إذا كانت المرأة أعانت بشهوة لصحيح سليمان بن خالد (4) عن أبي

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (14).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (8).
3 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
158

عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما، فقال: إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع
شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،
وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شئ).
وعن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أرأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه
بدنة وإن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، وإن كان استكرهها وليس بهوى منها فليس
عليها شئ، ويفرق بينهما حتى ينفر الناس، ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: أرأيت إن أخذا في غير
ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم (الحديث).
وعن الأستاذ حفظه الله: والظاهر منهما عدم وجوب الحج في القابل للمرأة المكرهة: ولو قيل: إنهما ساكتان عن الحج
في القابل عليها لما فيهما من أن عليهما بدنتان ينحرانهما بعد المواقعة دون إيجاب شئ آخر عليهما، فإنه يقال: مقتضى قوله
عليه السلام: (فليس عليها شئ) هو نفي الشئ عنها ولا يمكن رفع اليد عن عمومه، ولو كان ساكتا عن عدم لزوم شئ
آخر، فحينئذ لا يبعد القول بانصراف الأحكام إلى الاختيار والحكم بعدم شمول غيره، كما أن إخراج الجاهل يكون كذلك
، لعدم شمول الحكم له خصوصا انصراف قول السائل (رجل وقع إلى أهله) إلى الاختيار والعمد، وجواب الإمام لقوله:
(قال: وإن كانت المرأة) إلخ: وإذا كان كذلك مقتضى الأصل عدم بطلان حجها وعدم وجوب القضاء عليها في القابل،
هذا كله إن قلنا: مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: (والرفث فساد الحج) هو إفساد الحج، وعليه لا بد وأن يكون
لاخراج المرأة المكرهة دليل ويكفي في خروجها قوله عليه السلام: (فليس عليها شئ) لوجوده في سياق النفي فإخراج
المرأة المكرهة يكون بوجود الدليل فلا يحتاج إلى الأصل حينئذ، ولا يمكن الحكم ببقاء الحكم التكليفي في الاكراه عليها
للدليل الحاكم وهو ما عن النبي صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي التسع الخطأ والنسيان....... وما استكرهوا عليه بعد
بقاء الحكم الوضعي وهو بقاء صحة حجها على ما هو عليه بمقتضى النصوص الواردة في خروج حكم المرأة المكرهة، وإن
قيل: ما معنى وجوب إتيان البدنة عليها بعد صحة حجها، فإنه يقال: ولو قلنا بصحة حجها وعدم لزوم شئ عليها إلا
أن وقوع المواقعة في ضمن الحج تصير سببا لنقصان مصلحة حجها فيمكن تداركها بها ولو لم تكن مأمورا بها لعدم وجوبها
عليها لقوله: (وكان عليه كفارتان) للنص عن علي بن أبي حمزة (2) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع
أهله قال: قد أتى عظيما، قلت: أفتني (قد ابتلي) فقال: استكرهها أم لم يستكرهها قلت: أفتني فيهما جميعا، قال: إن كان
استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن يستكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى
ينتهيا إلى مكة، وعليهما الحج من قابل لا بد منه قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ قال: نعم هي
امرأته كما هي الحديث).

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (14).
2 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
159

وإلا فمقتضى الأصل عدم لزوم كفارة المرأة عليه، وعن سليمان بن خالد (1) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ قال: إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا، ويفرق
بينهما حتى يفرغا من المناسك وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة
واستكرهها فليس عليها شئ) وقال في المدارك: (وربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الاكراه:
وعن الأستاذ حفظه الله: ويظهر لك مما قدمنا لك ضعف ما قاله المدارك لذهاب المشهور إليه بل هو أي وجوب كفارتين
عليه إجماعي وبه ينجبر ضعف سنده أيضا.
(ولو جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير
الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحا وعليه بدنة لا غير) وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في الأول بل الاجماع
بقسميه عليه وكأنما حصل له ثاني الاجماعين وهو المحصل بنفسه.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويظهر من قوله: (ولو جامع بعد الوقوف) إلخ أقوال أربعة: الأولى: إن أتى امرأته قبل أن
يطوف طواف الزيارة ولو كان قبل الرمي والتقصير ولكن بعد الوقوف بالمشعر كان حجه صحيحا وعليه بدنة، الثانية: إن
واقع امرأته بعد أفعال الحج قبل أن يطوف طواف النساء كان حجه صحيحا وعليه بدنة، الثالثة: إن جامع ما دون الفرج
قبل الوقوف كان حجه ماضيا، الرابعة: إن الاتيان الذي هو سبب للافساد يكون مقيدا بالعلم والعمد دون الجهل كما
سيأتي إن شاء الله حكمه، قال في المدارك نقلا عن المنتهى: الاجماع على عدم لزوم القضاء عليه إن واقع امرأته بعد
الوقوف بالمشعر وتمسكا بالأصل أيضا، وعن الأستاذ حفظه الله: إن كان النص موجودا كالآية والرواية فلا يمكن التمسك
بالأصل بعد الاتيان عند الشك في بقاء صحة الحج وعدمه، ولو قيل بفقد النص هل يمكن لعدم إفساد المواقعة في الحج
التمسك بالأصل أم لا؟ إن كان بعد الوقوف، فأجاب عن ذلك سيدنا الأستاذ حفظه الله: نعم كالضاحك في أثناء الصلاة
بعد فقد النص والقول ببطلانه في الصلاة يمكن التمسك بالأصل والحكم ببقاء الصحة إلى أن يتمها: إلا أن الانصاف بين
المقامين فرق واضح، إذ في قضاء الحج لا يحتاج إلى أمر جديد بخلاف قضائها لاحتياجه إليه، اللهم إلا أن يقال: إن
الأصل هو البراءة إن قلنا إن الشك يرجع إلى الأقل والأكثر ومعنا ذلك هو البراءة عند الشك في قيد زائد أو شرط في
التكليف ولكن كل ذلك لا يرجع إلى محصل للعمومات وهي قوله تعالى: (ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وهو
بعمومه يشمل قبل الوقوف وبعده وملخص الكلام: حكم الأصحاب بعدم لزوم القضاء عليه في القابل بعد الاتيان إلى
امرأته بعد الوقوف وهذا للنص وبه يمكن تخصيص العام.
ثم إن في كلام الماتن: (ولو جامع بعد الوقوف) قلق واضطراب، ولذلك ذهب بعض كصاحب الجواهر والمدارك
والمسالك وغيرهم إلى أن الأولى كان ترك ذكرها: وعن الأستاذ حفظه الله: (ولو جامع قبل أن يأتي الطواف كلها لم يكن
عليه القضاء في القابل) أو (ولو جامع قبل إتيان السعي وطواف الزيارة يكون حجه صحيحا وعليه بدنة ولو كان ذلك قبل
أن يطوف طواف النساء بتوهم أن إتمام الحج بعد الطوافين ولو قبل أن يأتي طواف النساء) وما ذكرنا أولى بالصحة من

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
160

الماتن، والذي يخرج هذا عن العموم هو النص، عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع
الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) ويمكن أن يكون الثاني تفسيرا للأول كما يمكن أن
يكون كلمة (دون) بمعنى قبل ولا يصح أن يكون بمعنى بعد، ومفهوم ذلك: فليس عليه الحج في القابل إن أتى امرأته بعد
مزدلفة عن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع المحرم امرأته قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج
من قابل) وعن الأستاذ حفظه الله ومفهومها وإن كان مشكلا إخراج هذا الحكم عن العموم - وهو عدم لزوم الحج في
القابل - إلا أنه يمكن إخراجه عنه بمعونة النصوص الواردة إذ فيها كما ستسمع إن شاء الله من أنه لا شئ عليهما قبل أن
يطوفا طواف الزيارة أو السعي أو غير ذلك وحينئذ لا يصح أن يقال بانحصار المخصص بالمفهومين بعد ذلك مضافا إلى
قبولها والفتوى بمضمونها وهذا كله فيه كفاية وغنى للحكم بعدم لزوم الحج في القابل إن أتى امرأته بعد مزدلفة وأما وجوب
البدنة على الذي أتى امرأته بعد الوقوف بالمشعر فهو للنص، عن محمد بن علي بن الحسين (3) قال: الصادق عليه السلام
(في حديث)
إن جامعت وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل، وإن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة
وليس عليك الحج من قابل)
عن معاوية بن عمار (4) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع وقع على أهله ولم يزر قال: ينحر جزورا
وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما وإن كان جاهلا فلا شئ عليه، وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن
يطوف طواف النساء قال: جزور سمينة، وإن كان جاهلا فليس عليه شئ لما عن زرارة (5) قال: سألت أبا جعفر عليه
السلام عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال عليه جزور سمينة الحديث)
عن أبي خالد القماط (6) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور؟ قال:
إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة، وإن كان غير ذلك فبقرة، قلت: أو شاة؟ قال: أو شاة) وكذا غيرها من النصوص
الآمرة بلزوم البدنة على الذي أتى امرأته قبل أن يتم طواف النساء ولكن إن أتم وأتى امرأته بعده لم يكن عليه شئ هذا
كله في طواف النساء وأما طواف الزيارة فعليه البدنة ولو وقع بعده أو في الأثناء أهله.
وأما لو جامع في غير الفرج، فظاهر عبارة الماتن يوهم عدم لزوم البدنة على الذي أتى امرأته بعد الوقوف أو لم يكن
حجه ماضيا ولكن هذا التوهم فاسد إذ إن كان حجه صحيحا قبل الوقوف مع مجامعته في غير الفرج كان صحته بالأولوية

1 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (3).
6 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (3).
161

بعد الوقوف لأن الاتيان بأحد الفرجين بعد الوقوف لا يكون سببا للافساد ولو كان سببا للافساد قبل الوقوف وحينئذ
المواقعة على أهله بعد الوقوف لا يكون موجبا للافساد بالأولوية، ولذلك قال في المسالك في ذيل كلام الماتن: وهو يدل
على التعميم ومعنى ذلك عدم بطلان الحج لو جامع ما دون الفرج كان قبل الوقوف أو بعده هذا كله في نفس الحج وأما في
وجوب البدنة وعدمه فلا يمكن القول بالتعميم إذ من الممكن عدم لزوم البدنة على من أتى أهله بعد الوقوف مع لزومه
عليه قبله مع وضوح عدم بطلان حجه، عن معاوية بن عمار (1)
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة وليس عليه الحج
من قابل، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليه الحج من قابل).
وعن الأستاذ حفظه الله: وقوله عليه السلام: (وإن كانت المرأة تابعته على الجماع) إلخ وإن كان بظاهره مخالفا للنص،
إلا أن الانصاف يمكن أن يقال: إن الاتيان ولو وقع ابتداء فيما دون الفرج ولكن لا يبعد القول بالوقوع حقيقيا لتوافقهما
على ذلك، وإذا كان كذلك يصح ما حكم به الإمام بقوله: (فعليهما مثل ما عليه) إذ من البديهي أنه ليس للمرأة المكرهة
في هذا الحال (أي في حال متابعته) شئ إلا لمتابعته،
وعن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يقع على أهله، قال: إن كان أفضي إليها فعليه بدنة
والحج من قابل، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، الحديث).
(تفريع) إذا حج في القابل بسبب الافساد فأفسد لزمه ما لزم أولا وإن أفسد عشر حجج، فإذا أتى في السنة الرابعة
بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء وقضاء ولا يجب عليه قضاء آخر، وعن الأستاذ حفظه الله: وقد رأيت الكتب حتى
أجد فيها دليلا لما ذهبوا إليه وهو وجوب الحج الواحد صحيحا على الذي أفسد حجه ولكن لم أر شيئا ولذلك يمكن أن
يكون حكمهم بذلك للعمومات الشاملة له، هذا إلا أن الانصاف أنه لو قيل في المقام أن مقتضى تعدد السبب هو تعدد
الأسباب كان أولى، ومؤيد ذلك ذهابهم في البدنة إذ عليه في الحج الخامس حج واحد صحيح وإتيان خمسة بدنة مثلا.
وعن العلامة في التذكرة: إذا أفسد حجه في القضاء وجب عليه بدنة أخرى وإتمام القضاء والقضاء في القابل للعمومات
، وعن الأستاذ حفظه الله: لامكان القول بشموله (أي الاتيان في القابل والبدنة) للحج الواجب دون القضاء ولذلك قال:
يلزمه أن يأتي بالقضاء إذا أفسد الحج في القابل وإتيان البدنة بعد وجوب إتمام ما أفسد لكن لا يتعدد القضاء إذا لم يفسد
فإذا أتى في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء وقضاء ولا يجب عليه قضاء آخر وإن أفسد عشر حجج
لأنه إنما كان يجب عليه حج واحد صحيح، هذا كله لذهابه إلى أن الثانية هي حج الاسلام إذ هو مقتضى قوله: (لأنه يجب
عليه حج واحد صحيح) وبناء على ذلك إن أفسد الحجة الأولى وأكمله يبقى في ذمته الحجة الثانية وهي حج الاسلام وكذا
إن أفسد الحجة الثانية وأتمها يجب عليه أن يأتي بحج الاسلام في القابل أيضا وهكذا، وعن الأستاذ: لا يمكن مساعدة
دليل معه لو قلنا به، وأما إن قلنا إن الثانية هي العقوبة والأولى هي حج الاسلام فلا يصح القول بكفاية حج واحد بدلا

1 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
162

عن الذي أفسده بل يتعدد المسبب بتعدد السبب، ولذا إن وقع على أهله في الحج الأول يجب عليه إتمامه والقضاء عقوبة
في القابل وإن أتى أهله في الحجة الثانية وأفسد حجه فعليه إتمامه وحجان في القابل وهكذا.
(وفي الاستمناء بدنة) وعن الأستاذ حفظه الله: لم يقيد بالانزال كما عن المدارك ذلك، نعم يمكن استظهاره من ظاهر
كلامه إن قلنا مجرد قصد الامناء لا يوجب بطلان الحج ولا يجب على الفاعل الكفارة، وأما إن قلنا بالبطلان بمجرد قصده
كما هو كذلك في الصوم يبطل حجه وإن لم ينزل، ولكن لا يجب عليه الكفارة، هذا مضافا إلى قولهم بعدم الخلاف بأن
الاستمناء مع الانزال يكون سببا للزوم الكفارة على الفاعل وهو كذلك، ولا فرق في لزوم البدنة على الفاعل به بين أن
يكون هو بيده أو بملاعبة غيره أو بالنظر إلى غيره أو يكون الفكر أو الخيال سببا للانزال.
(وهل يفسد به الحج ويجب القضاء قيل: نعم) كما عن الشيخ إلا أنه قال: من يعبث بيده فأمنى فعليه مثل ما على
الذي يجامع (وقيل: لا) كما عن ابن إدريس، وعن الشرايع: (وهو الأشبه) ومنشأ اختلاف الأقوال هو اختلاف النصوص
، وأختار القول الأول في المختلف مع شمول النصوص التي وردت فيما دون الفرج على الاستمناء أيضا إذ الفرق بينه وبين
الاستمتاع بغير الجماع تجرده عن قصد الامناء بخلافه، لموثق إسحاق بن عمار (1) عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت:
ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل) وصحيح
عبد الرحمن ابن الحجاج (2) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام: عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير
جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) وعن الأستاذ
حفظه الله: والثاني صحيح سندا إلا أنه ناقش فيه صاحب المدارك من جهة دلالته، لقوله عليه السلام: (عليهما جميعا
الكفارة مثل ما على الذي يجامع) وعن الأستاذ: وفيه أولا: تنزيله عليه السلام العابث بغير الجماع منزلة الذي يجامع
فكما في الجماع إن كان قبل الوقوفين يجب عليه القضاء فكذلك فيمن يعبث بأهله فعليه الحج في القابل.
وثانيا: إمكان الحكم للعابث أهله بالكفارة دون الحج في القابل كمن يجامع، لحكمه عليه السلام بالكفارة مثل ما على
الذي يجامع، كما ناقش في الأول وهو موثق إسحاق سندا لأنه كان فطحيا، هذا كله يرجع إلى عدم قبوله ما عن العلامة
من أنه يجب عليه الحج في القابل بعد الاستمناء لافساد حجه بسببه) إذ غاية ما يمكن أن يقال حمل الحج في القابل على
الاستحباب، وعن صاحب الجواهر: والمناقشة في السند مدفوعة بما حررناه في الأصول من حجية الموثق، على أنه
معتضد هنا بما في التنقيح قال: قال ابن الجنيد: هي في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك (3) عن الصادق عليه
السلام فلذلك العمل بها أحوط، وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بصحة ما رواه إسحاق فهو نص واحد حكمه وجوب
الحج في القابل والبدنة، في مقابل ساير النصوص الواردة في حكم ما دون الفرج وهو وجوب البدنة لا غير، وهل هما
متعارضتان أم لا؟ إن قلنا به يتعارضان في المجمع عليه (مورد الاجماع) وهو المواقعة فيما دون الفرج مع الانزال وحينئذ

1 - الوسائل - الباب - 15 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
163

فمقتضى رواية إسحاق بن عمار هو الحج في القابل والبدنة بخلافها، إذ مقتضاها إتيان البدنة لا غير، وإن تساقط بعد
التعارض فمقتضى الأصل عدم لزوم شئ عليه أصلا، وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا بانحصار الحكم (في محرم عبث
بذكره فأمنى) كما عن الحدائق فعليه الحج في القابل والبدنة فلا يمكن التعدي عن النص إلى غيره كما عن التنقيح إذ قال:
ولو أنزل الماء بإدمان نظره أو لرقبه أو غير ذلك فهو يجب عليه الحج في القابل والبدنة، على أن النص يحكم بعدم لزوم
شئ على من أتى أهله وأمنى لعدم صدق الخصوصية عليه وهي العبث بذكره، عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال: لا شئ عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر
ربه وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى وهو محرم فلا شئ عليه، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم
وقال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: عليه بدنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: ويمكن أن يكون مراده عليه السلام بقوله (وإن حملها من غير شهوة) حملها لاضطرار لامكان
إتيانها بسبب خاص، وتلخص: إن جامع فيما دون الفرج وهو وإن كان لا إشكال فيه للمحل ولكن للمحرم البدنة، وهو
وإن أتى به في الحرم فعليه الحج في القابل والبدنة، ولكن صاحب الجواهر حمل موثق إسحاق على الندب لتعارضه بما في
الصحيحين ورجحانهما عليه، وعدم موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع المتقدمة لعدم الاستدلال بها لأحد سوى
المقداد في التنقيح، وإمكان أن يكون المراد بها ما في صحيح ابن الحجاج المصرح بالكفارة مثل الذي جامع.
وعن الأستاذ حفظه الله: الظاهر من التمثيل في قوله عليه السلام: (وعليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع)
هو تنزيل حكم الامناء منزلة الجماع في إفساد الحج فعليه مثل ما على الذي يجامع، على أن صاحب التنقيح بعد ذكرها
قال: فانجبر ضعف رواية ابن عمار بهذه - أي مدح الصادق عليه السلام المسمع - مع أن القائل بها أكثر والعمل بها أحوط
. هذا كله إن قلنا بصحة ما نقله المسمع فلا إشكال للتعدي عنه إلى غيره لمساواة حكم الجماع مع الامناء في إفساد الحج
وعدم الفرق في ذلك بين أن يكون السبب هو النظر أو الادمان، أو الريبة، وعدم لزوم حمل رواية إسحاق على الندب
لصراحته في الحكم الايجابي مع عدم معارضتها مع غيرها كما نص على ذلك الشهيد.
ثم وإن لم يكن في النصوص تفصيل بين من عبث بأهله قبل الوقوف بالمشعر أو بعده وكذا في الفتاوى ومنهم الماتن
لتردده بين النفي والاثبات وإن مال إلى الأول، إلا أنه يمكن أن يحكم بما إذا وقع ذلك قبل المشعر كما عن الشيخ حيث قال
: من عبث بذكره قبل المشعر حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على أهله فعليه الحج في القابل والبدنة، وأما بعده لم
يكن عليه شئ غير الكفارة، لا بعده، ويمكن تقديم أحد المتعارضين في محل الاجتماع والحكم بالكفارة فيما إذا أتى أهله
دون الفرج لا غير وأما غيره فهو الامناء والمواقعة ففيه الحج في القابل والبدنة.
ولو جامع أمته محللا وهي محرمة بإذنه تحمل عنها الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة وإن كان معسرا فشاة (أو صيام ثلاثة
أيام) وعن المدارك نسبه إلى قطع الأصحاب مشعرا بالاجماع، بل عن النهاية عليه بدنة، وعن المبسوط والسرائر كان

1 - الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
164

عليه كفارة يتحملها عنها، فإن لم يقدر على البدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام لموثق إسحاق بن عمار (1) أو
صحيحة (قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة قال: مؤسرا أو معسرا، قلت:
أجبني عنهما، قال: هو أمرها أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها، قلت أجبني عنهما، قال إن كان موسرا وكان عالما
أنه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالاحرام كان عليه بدنة؟ وإن شاء بقرة، وإن شاء شاة، وإن لم يكن أمرها بالاحرام
فلا شئ عليه مؤسرا كان أو معسرا؟ وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام).
وعن الأستاذ حفظه الله: وإن لم يكن في المتن التفصيل بين العالم والجاهل كما كان كذلك في الفرع السابق إلا أنه يمكن
استظهار الفرق بينهما عن تنظيره عليه السلام بالجماع، إذ الحكم فيه مقيد بالعلم والعمد وكذلك الحكم في البحث، وأما
الصيام وإن لم يكن مقداره في البحث متعينا ولكن أمكن إدراج البحث فيما عجز عن الشاة والحكم بأنه ثلاثة أيام التي هي
المعروفة في بدل الشاة مع احتمال الاكتفاء باليوم الواحد.
ورواه البرقي في (المحاسن) عن صباح الحذاء (2) مثله، إلا أنه قال: أو صيام أو صدقة) وعن الأستاذ حفظه الله:
وفيه جهات من النظر: الأولى الفرق بين ما إذا كان أمرها بالاحرام مع علمه بأنه لا ينبغي له هذا العمل وعدم أمرها به:
ففي الأول إن كان مؤسرا فعليه البدنة، أو البقرة، أو الشاة دون الثاني، لعدم لزوم شئ عليه مؤسرا كان أو معسرا، وإن
كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام، فعليه يمكن الحكم بتحملها عنها مع عدم لزوم شئ على المحل ولو فعل
أحد محرمات الاحرام، الثانية: هل يمكن الحكم بلزومها عليها بدلا عن المولى أم لا ولو كان المولى محلا مع عدم المانع من
لزوم الكفارة على المحل إن جامع مع أمته المحرمة، إلا أنه أشكل إخراجه لاطلاقه وإن كان المتيقن منه هو عدم لزوم شئ
على الأمة سواء أكرهها أم وقع ذلك مطاوعة، وعن الفاضل ومن تبعه باختصاص الحكم هنا بحال الاكراه لعدم تعرض
النص لحال المطاوعة، وفيه: أمكن إخراج الحكم مطاوعة كانت أم إكراها، ذكرا كان أم أنثى، ولو جامع مع حيوان أو
وقع مفاهة - بمقتضى عموم الأهل والمرأة الشامل للأمة أيضا، ولو قيل بانصراف النص عن حكمها واختصاص الحكم
بالمرء، أو القول باختصاص الحكم للمرء وعليه إتيان البدنة لأمرها به دون الأمة لعدم الفرق بين الاكراه والمطاوعة كما هو
ظاهر الأصحاب لقطعهم مشعرا بالاجماع عليه، خلافا لمن قال بالفرق بين الاكراه والمطاوعة للعمومات الشاملة في محل
البحث أيضا كما عن الأستاذ حفظه الله، نعم تكون نصوص أخرى ظاهرها معارضته مع الموثق وإن كان الواقع خلافه
لامكان حملها على غير مورده عن وهب بن عبد ربه (3) عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كانت معه أم ولد له
فأحرمت قبل سيدها، أله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل أن يحرم؟ قال: (نعم) وعن الأستاذ حفظه الله: يمكن أن يكون
إحرامها بغير إذن وقد أحرمت قبل سيدها فيسأل الله أن ينقض إحرامها فأجاب بقوله نعم، أو كان قبل التلبية،
-
1 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (1).
165

وعن ضريس (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو
أحرم، فغشيها بعد ما أحرمت، قال: يأمرها فتغتسل ثم تحرم ولا شئ عليه) كما يمكن حمله على أنها لم تكن لبت بعد
لما تقدم للنص بالنسبة إلى المرء وكذا الحال في المرأة لعدم الفصل بينهما في الحكم فقد ظهر مما حررنا ضعف ما ذهب إليه
صاحب الجواهر (وهو عدم شمول العمومات في محل البحث، إذ هو حكم خاص فلا بد من الجمود فيه) مع شمولها لعدم
الفرق بين المرأة والأمة والفرق بين الاكراه والمطاوعة للنصوص السابقة، بعد إمكان دعوى انسباق الموثق المزبور إلى ما هو
الغالب من علم الجارية بتقديم طاعة المولى على كل شئ فهي غير عالمة بالحال، فلا يترتب عليها شئ، ولو كان المحرم
بإذنه عبدا فالظاهر عدم إلحاقه بالأمة في الحكم، لأصالة البراءة من الكفارة، والاشتراك في المملوكية وكونه أفحش لا
يقتضيان ترتبها بعد حرمة القياس، وإن حكى عن بعض المتأخرين اختياره، ولكنه أحوط، ثم إن الكلام في حرمة وطي
الأمة المحرمة للمولى وعدمها، وعن الأستاذ حفظه الله، إن طاوعته على ذلك فهي حرام عليها للنص وهو قوله تعالى: (لا
رفث في الحج) المتيقن منه هو الحرمة التكليفية إن لم نقل بالأعم من الوضعي، وعليه الإثم لمعاونته إياها، هذا لا ريب فيه
، فإن أكرهها لا إثم للأمة نحو ما قيل في الزوج الذي حكمه الافطار مع الزوجة التي حكمها الصيام، وإن كان له إكراهها في
غير الصيام والحج وكذلك فيهما لعدم حرمة إكراهها عليه في الحالتين الصيام والحج إلا أن لزوم الكفارة عليه جابرة
لتدارك ما نقص من حجها، وعن صاحب الجواهر: إن المنساق من النص والفتوى حرمة وطي الأمة المحرمة وعن الأستاذ
حفظه الله: أما الفتوى وإن كانت عارية عن الحرمة والحلية إلا أنه يمكن استظهارها من الحكم بالكفارة عليه ولو قيل
بالملازمة بينها وبين الكفارة، وأما نصا فهو كذلك فظاهر قوله عليه السلام: (لا ينبغي له) في ذلك أو الأعم من الكراهة،
أو يمكن إظهار الحرمة منه بضميمة الكفارة عليه، وحينئذ لا يتحمل عنها، بل هو بنفسه عليه الكفارة، (ولو جامع المحرم
قبل طواف الزيارة لزمه بدنة).
كتاب العمرة
وهي لغة الزيارة أخذا من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته وشرعا اسم لمناسك مخصوصة واقعة في الميقات
ومكة زادها الله تعالى شرفا.
وصورتها أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الاحرام منه ثم يدخل مكة فيطوف ويصلي ركعتيه ثم يسعى بين الصفا
والمروة ويقصر وقد أشكل في هذه العبارة من جهة العمرة المفردة إذ التعريف مشتركة بين المتمتع بها والمفردة لا أن
المراد صورة المفردة، وإلا لوجب ذكر طواف النساء والتخيير بين القصر لها والحلق، ولا المتمتع بها خاصة، لعدم ذكر لها
بالخصوص.
خلافا للمسالك والمدارك حيث إنهما ذهبا إلى عدم الاشكال في التعريف صورة ولولا يناسب مع ما عليه من تقسيمها
إلى المفردة والمتمتع بها، نعم إن قلنا قصده العموم فلا بد عليه أن يذكر في ضمن التعريف طواف النساء أيضا هذا.

1 - الوسائل - الباب - 8 - من أبواب كفارات الاستمتاع، ح (3).
166

وقد اختار صاحب المسالك ميقات عمرته المفردة للنائي كالحج، خلافا لصاحب العروة حيث قال: للمعتمر المفردة
ميقاتان، إحدى من المواقيت الخمس، أو في الحل، فأذن في العمرة المفردة إن لم يحرم منها فهو عاص، فكذلك في الحج
ولو عامدا. خلافا للأستاذ الأكبر لذهابه ببطلان الحج في فرض العمد.
وهذا البحث وهو اثبات الميقات في العمرة المفردة في الحل كان مهما، ولكن البحث الآن في تقسيمها إلى المتمتع بها،
والمفردة.
وهي واجب كالحج مرة، والاجماع بقسميه عليه مضافا إلى الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله.
منها: محمد بن الحسن باسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل أبي
العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (1) وأتموا الحج والعمرة لله قال: هما مفروضان.
منها: وبإسناده عن موسى بن القاسم، عن عمار بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر
عليه السلام في حديث قال (2) العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى يقول وأتموا الحج والعمرة لله
وإنما نزلت العمرة بالمدينة.
منها: ورواه الكليني (3) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه
السلام مثله وزاد، قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي عنه قال: نعم.
منها: (4) وبإسناده عن المفضل بن صالح، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العمرة مفروضة مثل
الحج الحديث.
منها: قال صلى الله عليه وسلم وقال أمير المؤمنين عليه السلام أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأ ثم قال
الصدوق: يعني العمرة المفردة دون عمرة التمتع فلا يجوز أن يبدأ بالحج قبلها (1) منها (5) وفي العلل عن أبيه، عن سعد،
عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا يعني به الحج دون العمرة، قال: لا ولكنه يعني
الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى كالمتن ونحوه أنه لا يشترط في وجوب العمرة المفردة
الاستطاعة للحج معها، بل لو استطاع لها خاصة وجبت، كما أنه لو استطاع للحج الافراد خاصة دونها وجب، بل صرح
في القواعد بالثاني، قال: ولو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة. هذا أولا والثاني عدم ارتباطها
بالحج، وفي كلا القولين ضعف وقول الثالث وجود الارتباط بينهما.

1 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة، ح (2).
3 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة، ح (3).
4 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة، ح (5).
5 - الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة، ح (7).
167

بخلاف التمتع الذي تطابقت النصوص والفتاوى على كونه ثلاثة أطواف بالبيت وطوافين بالصفا والمروة، دون القران
والافراد فإنهما طوافان بالبيت وسعي واحد. فيجب تقديم عمرة التمتع التي فرضها للنائي على الحج بخلاف الحاضر فليس
عليه إلا المفردة نعم إذا اضطر المتمتع إلى تأخير العمرة عن الحج، فإنه حينئذ يكون له حكم الافراد فتصح عمرته في
جميع السنة لكن تجب الفورية التي هي ليست بتوقية عندنا، فلا ينافي التأخير إلى المحرم وما بعده وإنما اقتصروا على
استقبال المحرم لما في التهذيب أن الأصحاب رووا عن الصادق عليه السلام أنه قال: المتمتع إذا فاته عمرة المتعة وأقام
إلى هلال المحرم اعتمر، فأجزأت عنه وكان مكان عمرة المتعة ولذلك لا بأس باتيان العمرة المفردة للأجير الذي أتى من
البعيد لأداء المناسك من خارج مكة ولو لم يقل به بعض إلا للاحتياط ومقتضى ظهور النصوص عدم وجوب حج التمتع
وعمرتها على النائي إلا عند الاستطاعة عنهما وبذنيك يتجه عدم وجوب عمرة التمتع على النواب النائين في سنة النيابة وإن
استطاعوها استطاعة شرعية.
ولذا ذهب الأصحاب إلى القول بعدم الارتباط بين حج التمتع وعمرتها وهذا للاحتمالين، الأول: عمرة التمتع كعمرة
الحج أي للمستطيع يجب إتيانها الثاني، عدم وجوب التمتع للنائي، بل عليه اتيان العمرة المفردة.
وفي كلا الاحتمالين ما لا يخفى. لاختلافهما، وعدم وجوب غير المتعة للنائي إنما الكلام في أنه لو قلنا بلزوم الفورية فيها
فهل هي كالحج في المعصية والإثم ووجوب القضاء في التأخير أم لا؟ يمكن أن يقال بالفرق بينهما. إذ وقت المتمتع بها
أشهر الحج، ووقت المفردة ممن يجب عليه حج الافراد أو القرآن بعد الحج.
ثم هل يشترط في اتيان المفردة اتيانها بعد الحج أم لا بأس باتيانها قبل الحج أيضا ظاهر كلام الأصحاب جواز تأخير
اتيانها بعد الحج.
وعلى كل حال وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج ومع الشرائط تجب في العمر مرة وعن صاحب الجواهر:
كالحج بل الاجماع بقسميه عليه.
وعن الأستاذ - مد ظله العالي - لا صراحة في النصوص في أن شرائطها مع الشرائط نعم في الوجوب يشتركان وإلى
هذا يرجع سؤال الرواة فلذا لا بد وأن نتكلم حول النصوص الواردة في الباب وهل يمكن أن يتطهر الوجوب فيها منها أو
هي مع الكتاب. وبعبارة أخرى هل الدليل الدال على وجوب العمرة مرة في العمر ينحصر بالنصوص أم هي مع الكتاب
إذ من الممكن أن يقال إن الآية نزلت في الحج دون العمرة وقوله تعالى (1) وأتموا الحج والعمرة لله هو الآمر بإتمام الحج
والعمرة وليس ناظرا إلى أن العمرة وجبت على كل الناس كالحج، بل في بعض النصوص أطلق على العمرة الحج.
نعم إن قلنا بأن المراد من الحج في الآية ولله على الناس حج البيت الحج والعمرة كفى في اثبات الوجوب لهما مرة في
العمر ذلك كما ذهب إليه الأصحاب لأمره تعالى بالطبيعة وهي تسقط بالامتثال مرة وكذا قول الله تعالى (1) وأتموا الحج
والعمرة لله، وقال زرارة (2) في الصحيح قلت لأبي جعفر عليه السلام الذي يلي الحج في الفضل قال: العمرة المفردة ثم

1 - البقرة: 192
2 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العمرة، ح (1).
168

يذهب حيث شاء، وقال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فإن الله تعالى يقول وأتموا الحج والعمرة لله. إلى غير
ذلك من النصوص التي تسقط بفعلها مع الحجة الاسلام ولا خلاف أجده في أنها على الفور وهو واضح في عمرة التمتع التي
هي جزء من الحج الذي قد عرفت فوريته على من يجب عليه، بل والمفردة أيضا المشبهة بالحج في الوجوب مضافا إلى ما
سمعته من الاجماع المحكى، هذا ولكن مع ذلك كله لم يتعرض المصنف صاحب الشرايع وجوبها بل تعرض شرائط وجوبها
كشرائط وجوب الحج ولذا يستفاد من هذه العبارة وجوبها على المكلفين في العمر مرة واحدة كالحج وقد ظهر مما قدمنا
لك وهو وجوب الحج والعمرة للنائي إن استطاع إليهما سبيلا، بخلاف العمرة المفردة فيجب عليه إن استطاع ولو كان نائيا
فلذا لا يجوز الحكم بالاحتياط للحاضر بل العمرة المفردة واجبة على النائي والحاضر إن استطاع إليها سبيلا، لظهور ما
سمعته من الأدلة في وجوبها وإنها كالحج حتى في الفورية كما سمعت منا ذلك، فالمتجه إخراجها من التركة لو مات ويأتي
الأجير عنه مع الاستطاعة لها والتمكن من أدائها ولو قبل أشهر الحج ونية كونها عمرة الاسلام وكذلك للمستطيع لها وللحج
إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الاسلام فقد تحصل من مجموع ما سبق في مطاوي ما قلنا لك هل وجوب
العمرة معلق على من استطاع إلى الحج أم لا بد وأن يستطيع المكلف لها خاصة؟ ذهب إلى الأول الشهيد في الدروس وقال
: إن العمرة لا تجب إلا مع الاستطاعة للحج بخلاف الحج وكذلك ما عن المستند ومدرك القولان قوله تعالى لله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فصار الحج قسمان قسم يذهب الحاج فيه إلى العرفات، وآخر إلى زيارة
البيت فإذا كان كذلك صح القول بتعلق وجوب أحدهما على الآخر، في حج التمتع خلافا لعمرة المفردة إلى تعلق
الاستطاعة بها بنفسها دون الحج نعم إن قلنا بترتب العمرة عليه كترتب العصر على الظهر فما ذهب إليه الدروس صحيح
فإذن لو أتى بها دون الحج فالحكم هو البطلان بخلاف ما إذا أتى بالحج وعن الأستاذ حفظه الله لا يجب الترتيب فيهما لفقد
الدليل وعلى فرضه يلزم مراعاته في من استطاع إليهما سبيلا دون من يستطيع إلى أحدهما، ولأجل ذلك ذهب المشهور إلى
الصحة من جهة فقد الدليل وعدم لزوم الترتيب بحيث لو وجب كلاهما لا يكون العمرة بعد الحج لو لم يدع الاجماع.
ثم إنه يمكن أن يقال بعدم الفرق بين العمرتين المتعة والمفردة إلا أن الثاني يؤتي بها بعد الحج خلافا للأول حيث لا بد
وأن يؤتي بها قبل الحج فإنه يقال مع أنه خلاف الاجماع يكون خلاف لفظ الافراد المأتى به في النصوص أيضا وهذا هو
المعنى للافراد الذي لا بد وأن يؤتي بها مفردا خلافا للمتعة حيث لا بد وأن يؤتي بهما منضما إلى الحج فلذلك لو أتى بها
منفردا يصير الحج باطلا، وهذا بخلاف الافراد ولو في التأخير وعدم الاتيان معصية ولكن الحج ليس بباطل بقي هنا شئ:
وهو حكم الاحرام منهما وهل هما من ناحية الصورة مشتركة أم للمتعة صورة أخرى غيرها أي المفردة ظاهر قول الماتن:
وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج عدم الفرق فيهما من هذه الجهة أيضا كما يكون كذلك من ناحية العقل
والحرية والبلوغ " وقد تجب بالنذر وما في معناه وبالاستيجار والافساد والفوات " من غير فرق بين أن يكون في أشهر
الحج أم في غيرها، ولذلك إن استطاع إلى العمرة المفردة في ذي القعدة وذهب إلى مكة ليأتي بها وأتى بها وبعد أن تم
الأعمال صار مستطيعا للحج يجب عليه إتيان الحج وعمرة التمتع كما يجب على المكلفين إتيان العمرة لفوت الحج فإن من
فاته وجب عليه التحلل بعمرة، وللافساد ولو كان مستحبا بدوا فيصير للافساد واجبا وللدخول وإن لم يكن وقت الحج،
169

وإن كان الدخول مقارنا للوقت فهو مخير بين الحج والعمرة المفردة إلا الحطاب والحشاش ومن أصل ومما يمض شهر
ويتكرر وجوبها بحسب السبب. وأفعالها ثمانية: النية والاحرام والطواف وركعتاه والسعي والتقصير وطواف النساء
وركعتاه وهذه هي التي تكون أعمال العمرة المفردة وإن لم يصرح بها هنا أو فيما مضى عند ذكرها أيهما المتعة والأخرى
المفردة ولكن الحق أن ما مضى أعمال المتعة وما ههنا هو العمرة المفردة ولذا التعريف الأولى للنائي والثانية لمن حاضري
المسجد الحرام والأول لا تصح إلا في أشهر الحج كما تسقط المفردة عنها ولا تصح إلا في أشهر الحج، وتسقط المفردة
معها فعلى هذا الأساس للحاضر العمرة المفردة وبالمتعة تسقط المفردة. وهذا مخالف لقوله: والمفردة تلزم حاضري
المسجد الحرام إذ بين المفهومين تدافع ظاهر كما عن المسالك وأجاب عن ذلك: وكأن الموجب لذلك أي سقوط المفردة
بالمتعة كون عمرة التمتع أخف من المفردة، فكانت المفردة بسلب ذلك أكمل وهي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول
آية التمتع، وكانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزية عنها، وهي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة ويكون قوله والمفردة
تلزم إلى آخره إشارة إلى ما استقر عليه الحال وصار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع، ففي الأول إشارة إلى ابتدائه
والثاني إلى استقراره، وهو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي وعن الاستار حفظه الله وجه
أخفية المتعة منها في أمور منها: إن في عمرة التمتع يتعين التقصير وفي العمرة المفردة تخير بينهما: منها أنه لا يكون في عمرة
التمتع طواف النساء وفي العمرة المفردة يجب طواف النساء، منها ميقات عمرة التمتع أحد المواقيت، وميقات العمرة المفردة
أدنى الحل.
ثم أنه لا إشكال ولا خلاف في أن المواقيت التي عينها رسول الله صلى الله عليه وآله عام يشمل بعمومها الحج
وعمرته فلذا يجب للحاج الذي يمر على طريق المدينة في إحرامه لحج المتعة كان الاحرام أم للعمرة المفردة في أشهر الحج
هذا الاحرام، أم غيرها واجبا كان الاحرام أم مندوبا إن يحرم من ميقاتهم وهو نفس مسجد الشجرة ولا يجوز التأخير
اختيارا إلى الجحفة وهي لأهل الشام وما شاكل وإن عصى وأخر إلى أن يأتي الجحفة وأحرم منها صح إحرامه إفرادا كان
الاحرام أم تمتعا ولا يجب عليه العود إلى المدينة والاحرام منها.
ثم لو أخر الاحرام إلى أن يأتي مكة يجب عليه العود وإلا بطل إحرامه، وهنا مواقيت آخر منها: أدنى الحل وهو لكل
عمرة مفردة سواء كانت بعد حج القران أو الافراد أم لا، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة، وفي هذه الصورة
إن قلنا بأنه يختص لمن كان منزله مكة فالذي يكون خارجها ففيه تفصيل، وهو إن كان بعد الميقات فميقاته دويرة أهله،
وإن كان قبله فميقاته.
وهذا بخلاف ما لو لم نقل به بل قلنا باختصاصه بها فهو كساير المواقيت التي يجب الاحرام منها ولذا إن عصى وأخر
الاحرام إلى أن يأتي في الحل وأحرم منه فعمرته صحيح وإن عصى للفرق بين العمرة المفردة والمتمتع بها إذ في الثاني يجب
الاحرام له من ميقاته بخلاف الأول، نعم لو نسي فعليه العود إليه وإلى هذا تشير، أي جواز الاحرام من أدنى الحل
للتأسي والنصوص منها: عن معاوية بن عمار (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العمرة، ح (2).
170

وآله وسلم ثلاث عمرات متفرقات: عمرة ذي القعدة أهل من عسفان وهي عمرة الحديبية، وعمرة أهل من الجحفة
وهي عمرة القضاء، وعمرة من الجعرانة حين أقبل من الطائف من غزوة حنين.
ورواه الصدوق مرسلا إلا أنه قال: ثلاث عمرات متفرقات كلهن في ذي القعدة.
ومنها: عن أبان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرة الحديبية
وقضى الحديبية من قاتل ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمرات كلهن في ذي القعدة.
ففي العمرة المفردة لم يجب الاحرام من ميقاتها إذ في فرض الوجوب يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا
الاحرام من قرن المنازل وهو لأهل الطائف ومن يمر عليه لا من الجعرانة.
تلخص مما قدمنا لك صحة إحرام العامر بالعمرة المفردة من أدنى الحل تأسيا لما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم في الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين هذا معلق على القول بشرط أن تكون الإقامة بقصد المجاورة
فينقلب فرضه إلى فرض المكي بعد الدخول في السنة الثالثة فعليه الاحرام للحج من مكة وللعمرة من خارجها فكأنما
أدنى الحل ميقات عملي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أن ساير المواقيت هو الميقات القولي.
مسألة 4 (2) لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة وترك الاحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل وإن
كان متمكنا من العود إلى الميقات فأدنى الحل له مثل كون الميقات إمامه وإن كان الأحوط - مع ذلك - العود إلى الميقات.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقال الماتن فيها - وإن كان الأحوط - ولبعض الأعاظم هنا كلام: ولو ترك عمدا وتعذر
عليه التدارك من الميقات فإن لم يكن مريدا للنسك ولا أتى بها ولكن عازما إلى دخول مكة كان عاصيا بتركه ولا يجوز
له الاحرام لو تجاوز الميقات.
وأما إذا كان مريدا للناس ولم يحرم من الميقات به أخر الاحرام إلى أن يأتي أدنى الحل صح إحرامه بالعمرة المفردة
وإن أثم بتجاوزه عن الميقات.
وعن صاحب مستمسك العروة لكن قد يقال: إن المراد بطلان الاحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها
اختياري، وإن أثم بتركه الاحرام عند مروره بالميقات، بل قيل إن الأصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا.
فإذن إن قلنا بميقاتية أدنى الحل فالحاكم هو النصوص إذ فيها عدم جواز الاحرام من غير المواقيت التي عينها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي أي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج تقول أدنى الحل ميقات عن أبي عبد الله عليه
السلام (3) لما قال له سفيان: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له: هو وقت من
مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: وأي وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو؟
فقلت له: أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف وهذا نص عبارة الحدائق: الرابع - المفهوم من الأخبار -
وبه صرح الأصحاب - إن المجاور بمكة متى انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مستحبا مفردا من مكة وإن كان من أهل

1 - الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العمرة، ح (3).
2 - العروة الوثقى - ص - 552 -، طبع بغداد.
3 - الوسائل - الباب - 9 - من أقسام الحج، ح (5).
171

الآفاق إنه يخرج إلى خارج الحرم - مثل الجعرانة والحديبية ونحوهما - فيحل منه بالحج، وإن الصرورة منهم يهل بالحج
من أول الشهر، وهذا الميقات أيضا ميقات لمن أراد الاعتماد عمرة مفردة. (1)
وروى أيضا في الصحيح عن صفوان عن أبي الفصل (2) قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه السلام من
أين أحرم بالحج؟ فقال من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح
الطائف وفتح خيبر والفتح، فقلت: متى أخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد
حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام وتصح في جميع أيام السنة وأفضلها
ما وقع في رجب لا اشكال في جواز الاتيان بالعمرة المفردة مستحبا كانت أم واجبة في أشهر الحج أم في غيرها إنما
الكلام في جواز إتيانها لو استطاع إليهما قبل أشهر الحج كما هو ظاهر الماتن ذلك أم لا عن صاحب الجواهر: ولو وجبا
معا فقد قطع الأصحاب بوجوب تأخير العمرة حينئذ عن الحج بل ظاهر غير واحد كالعلامة الطباطبائي وسيد الرياض
الاجماع عليه، بل في كشف اللثام الاجماع قولا وفعلا عليه، بل عن المنتهى ذلك أيضا وقد ذكرنا سابقا إن الاجماع المزبور
هو العمدة في إثبات ذلك، ولولاه لكان للنظر فيه مجال، إذ في استفادته من النصوص نظر كما في المدارك، بل ظاهرها
خلافه، والله العالم.
وعن الأستاذ حفظه الله: هذا كله في فرض ثبوت الاجماع على ذلك، إذ في الأخبار، المعتمر يعتمر في أي شهور
السنة شاء ولو في غير أشهر الحج إذ بعد الوجوب لا بد وأن يأتي بها فورا ولا يجوز للمعتمر التأخير إلى أشهر الحج ويأتي
بعدها الحج إفرادا كان أم قرانا ولأجل ذلك ذهب الجواهر إلى جواز إتيانها قبل الحج، إلا أن الكلام في أنه يأتي بها في
رجب أم في رمضان؟ والأصحاب وإن صرحوا بأن جميع أوقات السنة صالح للعمرة المبتولة إلا أن أفضلها رجب.
محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام أنه
قال له: ما أفضل ما حج الناس، قال: عمرة في رجب وحجة مفردة في عامها الحديث، وهذا يختص لمن يتمكن من
إتيانهما معا في عامهما ومعناه للنائي حج التمتع وبعده يأتي العمرة المفردة وحجة في عامها، أو هو في مكة ويريد أن يأتي
العمرة المفردة والأفضل أن يأتيها في رجب.
عن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ثم قال: وأفضل العمرة عمرة رجب، وقال: المفردة للعمرة إن
اعتمر ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة، وحجته ناقصة مكية وهو صريح في أفضلية عمرة رجب عن غيره وتمامية
عمرته لوقوعها في رجب وناقصية حجته بإتيانه حج غير المتعة إذ فرضه المتعة وأتى الافراد الذي وظيفة من كان في مكة.
محمد بن علي بن الحسين باسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (5) أنه سئل أي العمرة أفضل
عمرة رجب أو عمرة شهر رمضان؟ فقال: لا بل عمرة في رجب أفضل.

1 - حدائق ج - 14 - ص - 431 -.
2 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج، ح (6)
3 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (1).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (2).
5 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (3).
172

وهو أيضا كسابقه صريح في أفضليته عمرة رجب عن غيره عن عبد الله بن الحسن (1) عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن عمرة رجب ما هي؟ قال: إذا أحرمت في رجب وإن كان في يوم
أحد منه فقد أدركت عمرة رجب وإن قدمت في شعبان فإنما عمرة رجب أن تحرم في رجب.
وهذا أيضا يدل على أن عمرة رجب أفضل من غيره ولو كان في يوم منه أحرم فتحها في شعبان فقد أدرك عمرة
رجب يكتب له الفضل فيه أي عمرة رجب.
عن ابن بكير عن عسير الفراء (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أهل بالعمرة في رجب وأحل في غيره كانت
عمرته لرجب وإذا أحل في غير رجب وطاف في رجب فعمرته لرجب.
ومن أحرم في جمادى الآخر وطاف في رجب فعمرته رجبية. ومع ذلك كله في الباب نصوص أخرى تدل على أفضلية
عمرة رمضان على غيره.
عن علي بن مهزيار، عن علي بن حديد (3) قال: كنت مقيما بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ومائتين، فلما
قرب الفطر كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الخروج في شهر رمضان أفضل أو أقيم حتى ينقضي الشهر وأتم
صومي؟ فكتب إلى كتابا قرأته بخطه: سألت رحمك الله عن أي العمرة أفضل، عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله.
الظاهر عند سيدنا الأستاذ دام ظله العالي لا يمكن القول بأفضلية عمرة شهر رمضان عن كل شهر حتى عن عمرة
شهر رجب.
فإذن يمكن تارة يقال: أن مورد السؤال هو أفضلية الخروج في شهر رمضان لاتيان العمرة في مكة؟ أو بقاؤه في وطنه
حتى ينقضي الشهر وأتم صومه؟ فكتب عليه السلام الخروج لدرك عمرة رمضان أفضل من بقائه ليتم صيامه.
كما يمكن أن يقال أخرى: أسأله أن عمرة رمضان أفضل أم شهر الشوال فكتب عليه السلام بخطه: عمرة شهر
رمضان أفضل.
ومع ذلك لا منافاة بين الاحتمالين وأفضلية عمرة شهر رجب. عن الوليد بن صبيح (4) قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام بلغنا أن عمرة شهر رمضان تعدل حجة فقال: إنما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
لها: اعتمري في شهر رمضان فهو لك حجة.
وفي هذا الحديث يقول المسائل للإمام عليه السلام: بلغنا عمرة رمضان تعدل حجة.
فقال له: ذلك لامرأة وعدها رسول الله صلى الله عليه وآله حينما سئلت عنه فالخصوصية للمورد ولا يمكن التعدي
عنه إلى غيره فلا يشمل البحث الذي نحن نكون بصدد إثباته على غيره فالحق أفضلية عمرة شهر رجب عن غيره.
قال المحقق صاحب الشرايع: ومن أحرم بالمفردة ودخل مكة جاز أن ينوي التمتع ويلزمه إن من دخل مكة بعمرة

1 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (14).
2 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (11).
3 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب العمرة، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 4 - من أبواب العمرة، ح (1).
173

مفردة في غير أشهر الحج فليس له أن يتمتع بها وإن كان في أشهر الحج فإن له أن يتمتع بها.
وفي الحقيقة البحث يدور حول جواز فيه التمتع للعامر الجائي في أشهر الحج بمكة ليعتمر عمرة مفردة أم هو يختص لمن
قدر على إتيانهما معا أي المفردة والمتمتع بها ولا فرق في ذلك بين أن يكون واجبا عليه إتيان ذلك بالأصالة كمن حاضري
المسجد الحرام، أم هناك سبب يقتضي تعين المفردة على وجه لا يكفي في امتثاله المتمتع بها كالنذر.
ذهب إلى قول الأول صاحب الشرايع وقال: جاز له ذلك مع النية وعليه دم.
خلافا لصاحب المسالك حيث قال: يجوز ذلك إن لم يتعين عليه بسبب من الأسباب.
وخالف في ذلك صاحب المدارك وذهب إلى أن من دخل مكة في أشهر الحج بعمرة مفردة له أن يتمتع بها بدون النية
لفقد وجود القيدين في النص بل في النص:
هل للمعتمر بعمرة مفردة أن يقيم بمكة ويأتي الحج ليصير المتعة أم لا وعن الأستاذ حفظه الله ما اختاره صاحب
المدارك له ثمرة وهي جواز إتيان التمتع له مع ما عليه عمرة مفردة ولو بالنذر هذا.
وعن الأستاذ حفظه الله: في الفرع نصوص لا بد من قرائتها وإطلاق النظر إليها لنبين هل فيها هذه القيود التي تعرضها
الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أم لا؟ وهي إن من أتى بعمرة مفردة غير متمتع بها إلى الحج في شهور الحج ثم أقام
بمكة إلى أن أدرك يوم التروية فعليه أن يحرم بالحج وفي هذه الصورة هل ينقلب فرضه إلى المتعة أم لا؟ وعلى فرض
الانقلاب وقع الحنث في نذره أم لا؟ وعلى فرض إتيانهما معا في عامها هل عليه عمرة مفردة في عام القادم أم لا بل
يسقط المتعة وعمرة مفردة للنذر.
وعنه، عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة معتمرا مفردا
للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، وإن أقام إلى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة، وقال: ليس تكون متعة إلا
في أشهر الحج وعن الأستاذ حفظه الله وفي هذه الرواية الدلالة على أن للمعتمر بعد قضاء عمرته له أن يخرج وله أن يقيم
، وعلى فرض البقاء وإدراك الحج كانت عمرته متعة لوقوعها في أشهر الحج.
ثم إن أتى بعمرة مفردة فطاف طواف النساء يأتي البحث وهو هل يجب عليه ذلك أم لا؟ ذهب إلى الجواز مع النية
وعدم الوجوب صاحب الشرايع خلافا لصاحب المدارك،
حيث قال: المقيم يرجع حكمه إلى هذا بدون أن يحتاج إلى النية. كما ذهب بعض إلى ذلك إن لم تكن متعينة. والحال
إن النص من كل هذه القيود مطلق. ومعنى ذلك للمعتمر بعد إتمامها البقاء كما له الخروج أيضا، عمر بن يزيد (2)، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة بعمرة فأتم إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس.
وعن الأستاذ دام عزه: يوافق ظاهرها مع كلام صاحب المدارك الذي يقول بانقلابها إلى المتعة ولو بدون القصد إليها،
بل ولو أتمها ثم أقام بمكة إلى هلال ذي الحجة فليس له إلا التمتع. لأن الأعمال بالنيات كما عن الشرايع ذلك.

1 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة، ح (6).
174

وفي الواقع يدور الكلام حول إمكان انقلابها إلى المتعة وعدمه؟ هذا لعدم وضوح كل هذه الاحتمالات. إذ يمكن أن
يقال تارة باطلاقها على نحو يشمل عليها، مثل أن يقيم مكة فعليه حج الافراد، بخلاف ما إذا يأتي من الخارج في أيام ذي
الحجة فعليه المتعة، أو الافاقي الذي يأتي مكة لاتيان العمرة ويبقى بمكة إلى حلول أشهر الحج فعليه عمرة التمتع وعليه لا
يجب على الافاقي أن يأتي مكة بعمرة المتعة بل ولو يذهب إلى مكة بعمرة مفردة وصادف أشهر الحج فعليه إتيان التمتع،
وأخرى لا.
والانصاف أن في الرواية ليست إطلاق بحيث يشمل بإطلاقها كلما يحتمل في الفرع إذ في الآيات والروايات للافاقي المتعة
فإذن الحكم بانتقال العمرة المفردة إلى المتعة ولو بدون النية مشكل، نعم إن كان فيها إطلاق أو المتعة هي العمرة المفردة
فالحكم بالانقلاب صحيح.
فالصحيح هو الحكم بانقلابها إلى المتعة بعد أن أحرم إليها، أو أن العمرة إنما وقعت أولا بنية الافراد إلا أنها من حيث
الوقوع في أشهر الحج صارت مرتبطة بالحج مع قصده وإرادته.
وعليه أن الحج متعة إنما هو على جهة الأفضلية والاستحباب، لا أن الافاقي له أن يأتي بالمفردة وينقلب فرضه إلى
المتعة، أو الحاضر لو خرج عنها ثم دخل فيها فعليه إتيان المتعة.
فالرواية لا مساس لها بانقلاب التكليف، بل تختص بمن جاز له الافراد بعد دخوله مكة جاز له التمتع أيضا، كما عليه
الجمع بينهما. فإذن يقع التعارض بينها وبين النصوص الحاكمة بالتخيير بين البقاء وإتيان التمتع، وبين الخروج إلى حيث
شاء.
عن إبراهيم بن عمر اليماني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج
إلى بلاده قال: لا بأس وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم، وإن الحسين بن علي عليه اسلام خرج يوم
التروية إلى العراق وكان معتمرا.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيها عدم وجوب الحج بعد إتيان العمرة المفردة ولذلك لا بأس بخروجه إلى بلاده وإن حج
من عامه فلا بأس عليه.
ويتفرع على هذا، جواز إتيان المفردة في أشهر الحج أو المتعة إن لم يجب عليه المتعة أو غيرها وإلا فلا.
وقد ظهر مما قدمنا لك ضعف ما ذهب إليه القول بانقلاب المفردة إلى المتعة في الفرض ووجه الضعف قوله عليه السلام
كانت عمرته متعة، إذ هو ظاهر أو صريح في أن المعتمر بعد إتمامها يجعل متعة ويحج تمتعا أو إفرادا. هذا خلافا لما ذهب
إليه صاحب العروة: من أن الانقلاب قهري، واستدل على ذلك بنصوص (2) وادعى عمل بها جماعة، بل في الجواهر: لا
أجد فيه خلافا وعن الأستاذ حفظه الله: والمتيقن منها المعتمر إن أتم العمرة وبقي فيها إلى أن يأتي أشهر الحج فعليه أن
يتمتع إما ينقلب عمرته إلى المتعة فلا يدل على ذلك نص.

1 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة، ح (2).
2 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة، ح (9) و (5) و (6) و (4).
175

نعم في بعض النصوص يستحب للمعتمر أن يبقى بعد ذلك إلى حلول أشهر الحج ويأتي المتعة وإلا فلا بأس بعمرته
ويحج إفرادا. تلخص مما ذكرنا أن من دخل مكة في أشهر الحج كان له أن يتمتع وإن شاء ذهب حيث شاء بل يستحب أن
يقيم حتى يحج ويجعلها متعة ولو كان في غير أشهر الحج لم يجز، وعن صاحب الشرايع: ولو دخل مكة متمتعا لم يجز له
الخروج حتى يأتي بالحج لأنه مرتبط به، نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز، ولو خرج فاستأنف عمرة
تمتع بالأخيرة وقد قلنا سابقا أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الاحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج إلا لحاجة
عرضت له، وأنه إن أراد ذلك عليه أن يحرم بإحرام الحج فيخرج محرما. ولو خرج محلا عصى ومع ذلك فإن رجع في
شهره دخل محلا، وإن رجع في غير شهره دخل محرما. والأولى هي عمرة مفردة كما أن الأخيرة هي المتمتع بها التي
وصلت بحجته.
وعن صاحب الشرايع: ولو أحرم بعد وروده بمكة بالمتعة وخرج عنها وأراد الرجوع إليها لا يحتاج إلى الاحرام.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه احتمالان الأول: إن أحرم فيها وخرج منها بعد الاحرام لا يجب عليه أن يحرم من
الميقات. الثاني: إن وقع الخروج قبل الشهر فكذلك.
فكأنما يرجع نظره رحمة الله عليه إن رجع فيها قبل مضي الشهر لا يحتاج إلى أن يتجدد الاحرام بخلاف ما اختاره
سيدنا الأستاذ دام عزه بأنه لا يجوز له الخروج قبل أن يأتي بالحج.
فإذن لا بد من النظر في النصوص واستظهار الحكم منها وهل يمكن استفادة ما ذهب إليه الماتن، وهو عدم المنع عن
الخروج أن لا يحتاج به تجديد الاحرام؟ أو الخروج مشكل، ذهب المشهور بعدم جواز الخروج من مكة بعد الاحلال من
عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج كما عن الملاك ذلك إذا كان الخروج محتاجا إلى تجديد العمرة، بأن كان الرجوع بعد شهر،
والمهذب كذلك خلافا للوسيلة لذهابه إلى ما ذهب إليه الماتن.
منها: عن حريز، عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي إلى أن
قال: (وليس لك أن تخرج من مكة - حتى تحج) مقتضى ظهور ذلك عدم جواز الخروج من مكة إلا بعد أن أحرم بإحرام
الحج.
منها: عن معاوية بن عمار (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: تمتع فهو والله أفضل، ثم قال: إن أهل
مكة يقولون: إن عمرته عراقية وحجته مكية كذبوا أوليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج حتى يقضيه.
مقتضى المنع عن الخروج في هذه هو المتمتع بها لا الافراد الذي فرض حاضري المسجد الحرام.
منها: عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر،
فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن المدينة منزلي ومكة منزلي، ولي بينهما أهل وبينهما أموال، فقال له: أنت
مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة، واحتاج إلى الخروج إليها، فقال: تخرج حلالا وترجع حلالا

1 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (2).
176

إلى الحج.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما المقصود من هذه الرواية؟ والحال لم يتعين فيها إن المتعة ليست بواجبة وللسائل منزل
بمكة كما أن له دار في المدينة وعلى هذا فيها احتمالان، الأول: لك الخروج من مكة والعود إليها قبل مضي الشهر. الثاني:
لك الخروج حلالا والعود إليها لحاجة عرضت لك.
والأول خارج عما نحن بصدد إثباته وهو المتعة، ولذلك يقول صاحب الوسائل: هذا مخصوص بمن حكمه حكم أهل
مكة وقد اعتمر عمرة الافراد ويريد أن يحج حج الافراد، وكونه مرتهن بالحج بمعنى أنه واجب عليه. بخلاف الثاني الذي
يجوز الخروج عنها الإمام عليه السلام والرجوع إليها إن كان هما أقل من الشهر.
منها، عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت
فتلبي بالحج، فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شئ وهو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتى يحج وفي هذه
دلالة على المنع عن الخروج عنها قبل أن يأتي بالحج متمتعا.
منها، عن حماد بن عيسى (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن
يخرج حتى يقضي الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا
بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه
وإن شاء وجهه ذلك إلى منى، قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الحج في أشهر
الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل
محرما، قلت: فأي الاحرامين والمتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي
وصلت بحجته، قلت فما فرق بين المفردة وبين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالعمرة بالحج وهو
ينوي العمرة، ثم أحل منها ولم يكن عليه دم، ولم يكن محتبسا لأنه لا يكون ينوي الحج.
وهذا هو الذي يمكن أن يستدل بها للارتباط بين عمرة تمتع وحجها وعدم جواز الفصل بينهما أصلا منها: عن الحلبي
(3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف، قال يهل بالحج من
مكة، وما أحب أن يخرج منها إلا محرما، ولا يتجاوز الطائف إنها قريبة من مكة.
وأما قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: ما أحب فدلالته على الكراهة كما ذهب إليها بعض مشكل، لاستعماله في
الحرمة أيضا.
نعم إن قلنا بعدم حجيتها فما ذهب إليها متبع وإلا فلا. منها، عن إسحاق بن عمار (4) قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعة ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال:

1 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (5).
2 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (6).
3 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (7).
4 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (8).
177

يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في
الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاورا ههنا فخرج يتلقى ملتقيا بعض هؤلاء فكما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من
ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج.
وعن الأستاذ حفظه الله: الفرق بين هذه وما قبلها، إن الحكم وهو الفرق بين الرجوع في شهره وبغير شهره في حماد
بن عيسى معلق على الجهل به بخلاف خبر إسحاق بن عمار الذي لا يكون الحكم فيه معلق على الجهل، إذ فيه عليه
السلام من دون أن يسئل عنه أجاب بدوا: المتمتع إن رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه لا بد وأن يعتمر، وإلا فلا.
منها، عن أبان بن عثمان، عمن أخبره (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى
يخرج إلى الحج إلا أن يأبق غلامه، أو تضل راحلته، فيخرج محرما ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة.
وعن الأستاذ حفظه الله: وفيه لا يجوز الخروج من مكة إلا لضرورة أي الحاجة كما يأبق عبده، أو تضل راحلته ومع
ذلك لا بد وأن يخرج محرما منها، محمد بن علي بن الحسين (2) قال: قال عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة
إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم لا يفوته الحج، وإن علم وخرج وعاد في
الشهر الذي خرج دخل مكة محلا، وإن دخلتها دخلها في غير ذلك الشهر دخلتها دخلها محرما.
وعن الأستاذ: يحفظه وهذا مرسل الصدوق الذي يقول به لحاجة عرضت للمعتمر ولذا لا مجال للاعتماد عليه
لارساله والقول بأنه يعارض هو وما ورد في صحيح الحلبي من كلمة ما أحب مع الصحاح الأخر غير صحيح.
منها، عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن رجل قدم
متمتعا ثم أحل قبل يوم التروية أله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج ولا يجاوز الطائف وشبهها، وعن الأستاذ
حفظه الله.
ملخص مما قد منا لك إن المسألة ذات قولين: الأول، جواز الخروج من مكة حلالا لحاجة عرضت له إن لم يفت حجه
، الثاني: عدم جواز الخروج من مكة بعد الاحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج كما صرح بذلك النصوص السابقة
أيضا وعلي هذا فلا يمكن الحمل بالكراهة بالجمع بين هذه النصوص ومرسل الصدوق وصحيح الحلبي الذي فيه لا أحب،
أو الحكم بالجواز ما دام لم يفت حجه.
لأن المتيقن من هذين القولين هو الثاني وعلى فرض الضرورة لا بد وأن لا يخرج إلا محرما.
بقي شئ: وهو مكة كلها حرم أم الحرم أوسع من مكة إن قلنا بالأول فلا بد أن لا يخرج من الحرم إلا أن يحرم منه.
بخلاف القول الثاني إذ عليه أن يحرم قبل أن يخرج من مكة ثم يأتي الكلام حول تعيين مصداق هذا المفهوم الذي صرح به
النصوص وعلق الحكم عليه.
وهو هذا المفهوم ينطبق على ما كانت في الأيام السالفة، أو زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي عليه السلام

1 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (9).
2 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (10).
3 - الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج، ح (11).
178

أو الآن؟ مقتضى الاحتياط لا بد وأن لا يخرج من مكة السابقة إلا وأن يحرم.
قال المحقق صاحب الشرايع: وتستحب المفردة في كل شهر وأقله عشرة أيام ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من
عشرة أيام وقيل يحرم والأول أشبه.
وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، إلا من العماني فاعتبر السنة بين العمرتين، لقول الصادق عليه السلام في
صحيح الحلبي (1) قال: العمرة في كل سنة مرة.
عن حريز، (2) عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن جميل، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا
يكونان عمرتان في سنة.
ولكن لا قائل به غيره، لندرة القائل بهما. ولذا حملهما الشيخ على عمرة التمتع.
ولذا لم يرد ما قاله صاحب الشرايع أحد من العلماء، بل ذهب بعض إلى استحبابها لكل عشرة عمرة، بل عن
الشرايع جواز الاتباع بين العمرتين مطلقا ولو في كل يوم وإن كره في أقل من عشرة أيام للتسامح في المستحبات كالناقلة.
وعن المدارك ذلك إلا أنه ادعى لم أر فيه نص دل على هذا، إلا أنه قال يكفي في اثبات هذا عمومات تسامح في أدلة
السنن.
ووجه الاختلاف، اختلاف النصوص، فإنها طوائف.
منها: محمد بن علي بن الحسين (3) قال: وقال الرضا عليه السلام العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
منها: محمد بن علي بن الحسين (4) قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الحجة ثوابها الجنة، والعمرة
كفارة لكل ذنب وأفضل العمرة عمرة رجب مقتضى اطلاقه مسوق لبيان الفضيلة فيها وإن العمرة كفارة للذنوب من دون
أن يكون مقيدا بالفصل بينهما بالشهر أو العشرة أو اليوم كالصلاة.
منها: عن عبد الرحمان بن الحجاج (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام في كل شهر
عمرة.
وإن جاء الخبر على أن لكل سنة عمرة فالثاني مغاير مع الأول.
منها: عن يونس بن يعقوب (6) قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي عليه السلام يقول: لكل شهر
عمرة.
منها: عن علي بن أبي حمزة (7) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين

1 - الوسائل الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (6).
2 - الوسائل الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (7) و (8).
3 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (6).
4 - الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة، ح (7).
5 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (1).
6 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (5).
7 - الوسائل الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (3).
179

والأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا، وإذا خرج فليخرج محلا، قال: ولكل شهر عمرة، فقلت: يكون
أقل، فقال: في كل عشرة أيام عمرة، ثم قال: وحقك لقد كان في عامي هذه السنة ست عمرات، قلت: ولم ذاك؟ قال
: كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف، وكان كلما دخل دخلت معه.
وعن الأستاذ حفظه الله: ظاهرها عدم وجوب العمرة في كل سنة إلا أن السائل لما أخبره بدخول الرجل مكة في
السنة المرة والمرتين كيف يصنع؟ فأجابه من دون أن يحددها بالوقت ولزوم الفصل بينهما فقال: ولكل شهر عمرة، ولما
يعلم في الأقل منه إشكال.
فقال: في كل عشرة أيام عمرة، قال: وحقك.... وكان كلما دخل دخلت معه، وهذه مطلق يشمل باطلاقه فيما إذا
كان الفصل أقل من يوم أيضا فإذن يستحب العمرة لكل أحد ولو في كل يوم بل الأقل منه، إلا أن القادم إلى مكة لا بد
وأن يأتي محرما بعد مضي الشهر من خروجه عنها، الخلاف ما لم يمض.
منها: عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: لكل شهر عمرة.
كل هذه النصوص تدل على أن الاتيان بالعمرة في كل شهر يكون موردا لتأكيد الشارع المقدس، ولا ينافي اتيانها في
كل شهر اتيانها في كل يوم أو في كل عشرة أيام أيضا.
منها: عن إسحاق بن عمار (2) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة.
منها: وبإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (3) قال: لكل شهر عمرة، قال وقلت له: يكون أقل
من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة.
يمكن أن يكون داره في المدينة فلا يتمكن من اتيانها في الأقل من شهر فأجابه هكذا.
منها: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4)، عن الرضا عليه السلام أنه قال: لكل شهر عمرة.
أقول: وتقدم ما ظاهره اعتبار الشهر في كفارات الاستمتاع.
تلخص: مما يمكن ما يستفاد من مجموع هذه النصوص وما ورد من أن العمرة إلى العمرة كفارة بينهما صالح للحكم
بالاستحباب وأن الآتي بها له الفضل والثواب.
هذا كله فيما إذا كان الفصل بين العمرتين شهر وأما إذا كان الفصل بينهما عشرة أيام أو اليوم فقط بل الأقل منه
مقتضى الأصل العملي في الحكم بالاستحباب وعدمه هو عدم الاستحباب للشك في مشروعيتها عما وقع في الأقل من
الشهر.
خلافا لصاحب الجواهر حيث أيد الماتن ويكره، وقيل يحرم، والأول أشبه بقوله: بأصول المذهب وقواعده
التي منها التسامح في المستحبات مع أن الأصل في العبادات عدم مشروعيتها حينما يشك في شرعيتها ولذا لا يمكن الاكتفاء

1 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (4).
2 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (9).
3 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (10).
4 - الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة، ح (12).
180

في الحكم بالوجوب أو الاستحباب بعدم الدليل بل لا بد مضافا على ذلك وجود الدليل به والذي يمكن أن يقال أو قيل
على مشروعيتها أمور، منها: اطلاقات وعدم لزوم الفصل بينهما فيما صدر عنهم عليهم السلام بعبائر متفاوتة والحث
والترغيب إليها الظاهرة في أنها مستحبة على كل حال بل في كل يوم، وكفارة من الذنوب وللمأتي بها فضل وثواب،
ولذلك ذهب صاحب المستند، إن كان للاتيان بها فضل ولم يكن للتحديد دليل فلا مانع من الأخذ باطلاقات والاتيان في
كل حال، فإذا كان كذلك لا يمكن القول بالتعارض بين النصوص المتضمنة للتحديد بأشهر وبينها بالعشرة إذ مقتضى كل
منها تأكد الاستحباب في كل يوم وفي اليوم أكثر من مرة أيضا فراجع وتأمل.
منها: التسامح في المستحبات ما وصل إلينا من طريقهم صلوات الله عليهم.
وجوب المرة في العمر، وكفى في ذلك فتاوى العلماء أيضا كما عن الجواهر ذلك.
إنما الكلام فيما زاد عن المرة وحكمها، وعلى فرض عدم العلم ببلوغ النص عن النبي صلى الله عليه وآله بالخصوص في
الزائد عن المرة، يمكن إثبات الاستحباب ومشروعيتها بحديث من بلغ لكن الانصاف أن البحث في أدلة التسامح في
السنن معلق على عدم العلم بالاستحباب فيما زاد عن المرة أو أكثر، والمفروض ورود الروايات المتظافرة باستحبابها وفيها
ترغيب الناس إليها ليعتمر عمرة مفردة. فإذن لا يمكن الحكم بانطباق أدلة السنن في مورد البحث ثم مقتضى أدلة السنن
اثبات الأمرين. الأول: هذا العمل ليس بحرام. الثاني: أنه مستحب. وعلى هذا لا يمكن إثبات الاستحباب ونفي الحرمة
التشريعية عن هذا العمل في مورد الشك بين الحرمة والاستحباب.
نعم إن كان مرجع احتمال الحرمة في الواقعة إلى أنه ليس بمشروع لأنه أمر عبادي وهو يتوقف على الأمر من ناحية
الشارع وبلوغ النص باستحبابه فيمكن اثبات استحبابه بمعونة أدلة التسامح في المستحبات.
هذا كله في اثبات استحباب العمرة وإتيانها أزيد من المرة بالاطلاقات والتسامح في المستحبات لولا المانع.
وأما المانع فهو صحيح الحلبي وحريز اللذان مضى الكلام فيهما في صدر البحث والجواب عنهما.
فيأتي الكلام حول إثباتها في كل يوم، وفي كل شهر، ولكل عشرة أيام عمرة.
وأما حديث لكل شهر عمرة ففي المقامين، الأول: ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام، والثاني
منهما، ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا وكلاهما يدلان على عدم المنع من إتيانها في كل شهر
لا أنهما في مقام إثبات المنع في أزيد من المرة في كل شهر، إذ ليست العمرة استحبابها منحصرة بالمرة في كل سنة وعلى
هذا لا يمكن إثبات المنع عن الزائد من المرة في كل شهر. وكذا الكلام في لكل عشرة أيام عمرة تلخص مما قدمنا لك
عدم المانع من إتيان العمرة في كل شهر وكذلك الأمر في كل عشرة أيام لتأكدها والحث عليهما في النصوص بخلاف اليوم
الذي ليس فيها في اليوم تأكيد. هذا بقي الكلام في عدم الفرق في إتيانها بين الليل واليوم من ناحية الفضل والثواب إذ لا
مدخلية في إجزائها وترتب المثوبة عليها اليوم.
وعن صاحب الشرايع: ويتحلل من المفردة بالتقصير ولكن الحلق أفضل عمرة المفردة كعمرة التمتع إلا في أمور،
منها: إن في عمرة التمتع يتعين التقصير ولا يجوز له الحلق، خلافا للمعتمر بعمرة مفردة الذي له الاختبار بينهما، كما
181

للحاج كذلك إن كان غير صرورة، وإلا فيتعين عليه الحق وذلك لما روي عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه
السلام في الرجل يجئ معتمرا عمرة مبتولة، قال: يجزيه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافا
واحدا بالبيت ومن شاء أن يقصر قصره وعن الأستاذ حفظه الله: لقد فهموا واستفادوا الأصحاب رضوان الله تعالى
عليهم اطلاق الحكم بالنسبة إلى المعتمر بالعمرة المفردة مطلقا - أي صرورة كان أم لا - والحال هؤلاء أغمضوا عن
الاشكال في خبر معاوية بن عمار (2) في الحج في التخيير بين الحلق والتقصير مع أن الحكم هناك كذلك.
عن معاوية بن عمار (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب
عليك الحلق، وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج وليس في المتعة إلا التقصير.
فيمكن تخصيص اطلاقها بالروايات الواردة في حكم الصرورة بالخصوص وإن عليها ليس إلا الحلق.
عن بكر بن خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس للصرورة أن يقصر، وعليه أن يحلق.
عن معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي للصرورة أن يحلق، وإن كان قد حج فإن شاء قصر
وإن شاء حلق، فإذا لبد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق، وليس له التقصير، عن عيص قال (5): سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه وحل عقاص رأسه فقصر وأدهن وأحل، قال:
عليه دم شاة، وعن الأستاذ حفظه الله: يجب عليه الحلق لقصاص رأسه ولم أتى بوظيفته فقصر ولذا حكم عليه السلام:
عليك دم شاة.
عن أبي سعيد (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد، ورجل حج بدوا لم يحج
قبلها، ورجل عقص رأسه.
عن حريز (7) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية: اللهم اغفر
للمحلقين مرتين، قيل: وللمقصرين يا رسول الله، قال: المقصرين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه
الرواية واستغفر للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة واحدة، ولم يعلم من ظاهر الخبر أن المحلق الذي دعا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم له رجل حج البيت أو اعتمر بدوا ولم يزرها قبلها أم لا.
عن سالم أبي الفضل قال (8) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: دخلنا بعمرة نقصر أو نحلق؟ فقال: احلق فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، وعلى المقصرين مرة واحدة وعن الأستاذ حفظة الله: ومعنى
ذلك أفضلية الحلق على التقصير في العمرة ومع ذلك يجوز له التقصير أيضا إلا أن الحلق بدوا والتقصير بعدا وإلى ذلك ما

1 - الوسائل - الباب - 9 - من أبواب العمرة، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (8).
3 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (10).
4 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (1).
5 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (9).
6 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (3).
7 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (6).
8 - الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحلق والتقصير، ح (13).
182

في الآية عن سليمان بن مهران وفي حديث أنه قال (1) لأبي عبد الله عليه السلام: كيف صار الحلق على الصرورة واجبا
دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، ألا تسمع قول الله عز وجل ليدخلن المسجد الحرام إن شاء
الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون وعن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده ولا إشكال في أن التقصير
يكفي في العمرة المفردة إن قام القرينة من إجماع أو غيره على أنه يختص بالحج، وإلا ففي العمرة المفردة يكفي التقصير أيضا
لكن الأفضل الحلق والله العالم.
وعن صاحب الشرايع: فإذا أتى بطواف النساء حل له النساء فهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من
امرأة وخصي وصبي، خلافا لما سمعته سابقا من ظاهر العماني من عدم الوجوب فيها ونقل الشهيد في الدروس عن الجعفي
أنه حكم بسقوط طواف النساء في العمرة المفردة وقد مر الكلام فيه مفصلا. وهذا لا ريب فيه ولا إشكال بعد ما كتب أبو
القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل (2) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء والعمرة التي يتمتع
بها إلى الحج؟ فكتب أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء وأما التي يتمتع بهما إلى الحج فليس على صاحبها
طواف النساء.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المعتمر يطوف ويسعى ويحلق، قال: ولا بد له بعد الحلق من طواف آخر (3).
وعن الأستاذ حفظه الله: وهذا مطلق وباطلاقه يشمل المعتمر بعمرة التمتع وغيرها وليكن يقيد اطلاقه بحديث محمد بن
عيسى المتقدم فينحصر طواف النساء وجوبه في العمرة المبتولة.
عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام (4): يقول إذا قدم المعتمر مكة وطاف وسعى فإن شاء فليمض على راحلته
وليلحق بأهله.
وعن الأستاذ حفظه الله: وقد حملوها بمعونة الروايات السابقة على أنه طاف وسعى وحل له كل شئ فهو حل لركوب
على راحلته والالحاق بأهله.
عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العمرة المبتولة يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل، فإن شاء
أن يرتحل من ساعته ارتحل.
وهذا كسابقه لا بد وأن يحمل على غير ظاهره.
ولذا حمل صاحب الوسائل على غيره وقال: المراد بالطواف هنا طواف العمرة وطواف النساء لما مضى ويأتي هنا وفي
أحاديث العمرة.
أنه قال لإبراهيم بن عبد الحميد (6) يسأل له أبا الحسن موسى عليه السلام عن العمرة المفردة على صاحبها طواف

1 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (1).
2 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (1).
3 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (2).
4 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (3).
5 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (4).
6 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (5).
183

النساء؟ فجاء الجواب أن نعم هو واجب لا بد منه، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال: نعم هو واجب،
فدخل بشير بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فسأله عنها فقال: نعم هو واجب.
عن صفوان بن يحيى (1) قال: سأله أبو حارث، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصر هل عليه طواف
النساء؟ قال: لا إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى.
عن الفقيه (2) قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام
وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حل له كل شئ ما خلا النساء، لأن عليه لتحله النساء طوافان وصلاة.
عن صاحب الوسائل: أقول حمله الشيخ وغيره على لزومه في الحج لا في العمرة.
وفيه، وهو غريب فإن الفرض في أوله دخول مكة بعد التلبس بحج التمتع وعن الأستاذ حفظه الله: دخل مكة بعد
الرجوع من منى ولذا لا يعمل به.
ملخص مما حررناه وجوب طواف النساء في العمرة المفردة على الرجال والنساء والخصي والصبي دون عمرة التمتع.
والله العالم.
وعن صاحب الشرايع وإذا أقصر أو حلق حل له كل شئ إلا النساء عن الأستاذ حفظه الله: ظاهر ذلك حلية كل
شئ له بعد طواف النساء من دون أن يذكر الماتن توقف حلها له بأن يأتي ركعتاه أيضا هذا أولا، وهل هو بعد السعي
والتقصير أو الحلق أم لا مانع من إتيانه قبل السعي والتقصير أو الحلق ثانيا؟ وكذلك صاحب الجواهر. أي لم يبين أنه بعد
السعي أم قبله.
وعن الأستاذ حفظه الله: لا إشكال في ما أوردته عليه أولا بعد أن يكون الروايات كذلك إلا في بعض.
عن الفقيه (3) قال عليه السلام: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم
عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حل له كل شئ ما خلا النساء لأن عليه لتحل النساء طوافان وصلاة.
وأما ما أوردته عليه ثانيا: وقد تعرض صاحب الجواهر ذلك وأضاف عند ذكر الماتن فهو واجب في المفردة بعد السعي
والحلق أو التقصير، كما أن الروايات كذلك وما ذهب إلى حلية النساء بعد الطواف النساء وتبعاته، غير جيد، لبعده وعن
الأستاذ حفظه الله: ولكن مع ذلك كله مقتضى ظهور بعض الروايات عدم وجوب طواف النساء
عن زرارة (4)، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا قدم المعتمر مكة وطاف وسعى فإن شاء فليمض على
راحلته وليلحق بأهله.
وعن الأستاذ حفظه الله: أنه حمله الأصحاب على أنه أتى بطوافه جميعا ويشير إلى هذا ما في ذيل الرواية وهو:
وليلحق بأهله.

1 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (6).
2 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (7).
3 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (7).
4 - الوسائل الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (3).
184

عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: المعتمر يطوف وسعى ويحلق، قال: ولا بد له بعد الحلق من طواف آخر.
وعن الأستاذ حفظه الله: وهذا موافق لما اختاره صاحب الجواهر في ضمن شرح قول الماتن حيث قال: بوجوب
طواف النساء بعد السعي والحلق أو التقصير.
ومعنى ذلك لا بد وأن يأتي الحلق أو التقصير بعد الطواف إذ لا يجوز له الحلق قبل اتيان الطواف ليحل مع الحلق عن
كل شئ.
فإذن مقتضى الاحتياط اتيان الطواف بعد الحلق وركعتاه ولا يجوز له المواقعة قبل اتيان ركعتاه أيضا.
وعن صاحب الشرايع: وهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من امرأة وخصي وصبي ووجوب العمرة
على الفور.
وعن الأستاذ حفظه الله: والأحكام الوضعية لا تخص المكلف ولذا على الولي أمر المميز به، والطواف بغير المميز،
فإن لم يفعلوه وحرمن عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحابا للأوامر لأن الطواف حكم المحرم فإن لم يفعل
ذلك المحرم لم يحل له ما حرم عليه رجالا كان المحرم أم نساء كما عن المسالك ذلك.
فيمكن اعتبار هذا الطواف في حج النساء بالنسبة إلى حل الرجال لهن، للأصل مضافا إلى تصريح غير واحد به من
المتأخرين ومتأخريهم، والاجماع والأخبار على حرمة الرجال عليها بالاحرام، وقاعدة الاشتراك إلا ما خرج بالدليل.
هذا وعلى الخصيان إجماعا محكيا عن المنتهى والتذكرة، مضافا إلى الأصل وهو الاستصحاب وهو بقائه في الاحرام حتى
يأتي طواف النساء وركعتاه لتحل له النساء. ويشترط في صحة الطواف أن يكون مختونا ولا يعتبر ذلك في المرأة.
والحمد لله الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج أوله الشكر على ذلك أولا وآخرا وباطنا وظاهرا. وقد تم كتاب
مباحث من الحج في عشية يوم السبت الرابع من شهر رجب المرجب 1414 - المشتمل على الأحكام المتعلقة بالاحصار
والصد وأحكام الصيد وما يتعلق به الكفارات والضمان وباقي المحظورات والعمرة.

1 - الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الطواف، ح (2).
185