الكتاب: الجمع بين الصلاتين
المؤلف: عبد اللطيف البغدادي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

الإهداء
إليكم يا هداة العباد.
إليكم يا من جاهدتم في الله حق الجهاد.
إليك يا رسول الله وإلى أهل بيتك الطاهرين.
إليكم جميعا - أعود ثانية - فأرفع هذا المجهود المتواضع وهو عنوان ولائي الخالص لكم راجيا التفضل علي بالقبول وهو حسبي.
المؤلف
آيات افتتاحية من الذكر الحكيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين (19) هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون (20) أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (
القرآن الكريم
[سورة الجاثية / 19 - 22] (1)
دعاء قرآني

(1) تنبيه مهم للمطالعين: - بما إني معتقد بأن البسملة آية من كل سورة وردت في القرآن الكريم فإنني ملتزم في جميع مؤلفاتي أن أذكر الترقيم الكاشف عن هذه الحقيقة.
2

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا...
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا...
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا...
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
(خاتمة سورة البقرة)
3

لقد تفضل سماحة المغفور له الحجة آية الله السيد محمد تقي آل بحر العلوم بما أتحف به كتابنا بكلمته الرائعة، ولقد لبى نداء ربه بتأريخ: 22 / جمادى الثانية / 1393 ه‍ تغمده الله برحمته ورضوانه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ورسولنا محمد وآله الطاهرين المعصومين وبعد فلا يخفى على أحد ما للصلاة من الأثر الفعال على سلوك المسلم في حياته وتهذيب أخلاقه وتركيز واقعيته وتعميق صلته بخالقه العظيم حيث أنها إذا أديت كاملة تنهاه عن المنكر والفحشاء وتجذب يده إلى حظيرة الخير والسعادة في الدارين، فهي من الدين عموده الذي به يستقيم، وهي للأتقياء قربانهم إلى المبدء الأعلى ووسيلتهم إلى الحظوة بالقرب المعنوي الشامخ.
ولقد أدرك فضيلة العلامة الخطيب الألمعي الشيخ عبد اللطيف البغدادي أيده الله تعالى وحرسه بذهنه الوقاد مدى هذه الآثار ولمس بفكره النابض ما تحتويه هذه العبادة من غامض الأسرار فأتعب نفسه وبذل جهده لإظهار ما اهتدى إليه واستثمره إلى أوسع الآفاق وأبعد الآماد فجاء كتابه القيم (الجمع بين الصلاتين على ضوء الكتاب والسنة والإجماع) من روعة
11

الأسلوب ومن حسن الاختيار والاحتواء والاستيعاب بشكل مفصل ومن عمق المضمون بحيث يصل إلى الدقة والتحقيق ولقد عرض علينا مؤلفه الجليل مسودات ما كتبه ولم يسع الحال والمجال لاستيعاب مراجعتها واستقصائها وبالرغم من اقتضاب مطالعتها فقد رأيناه عميق النظر والتحقيق في كثير من المواضيع فهو يعالج موضوعين فقهيين من أمهات المواضيع الفقهية هما (أوقات الصلاة) و (الجمع بين الصلاتين) مستندا إلى كل ذلك إلى فهمه الحاذق من آيات الكتاب المجيد وروايات أهل البيت عليهم السلام وإجماع المسلمين.
ثم رأيناه يتطرق إلى التأويلات لأحاديث الجمع المطلقة ويتأمل فيها. واستطاع بروح الباحث المحقق إلى إثبات وهنها وردها، ثم أفرد عنوانا خاصا لبيان ما هو الأفضل: التفريق أم الجمع بين الصلاتين فهو يناظر ويحاجج بقوة البيان ودقة التضلع إلى أن يصل إلى النتيجة الحاسمة وتوجيه الروايات المتعارضة توجيها حسنا.
ثم بالإضافة إلى ذلك كله سعة اطلاعه وطول باعه في هذا المجال لكثرة ما رأيناه يسرد ويستشهد بمصادر التفسير والحديث والفقه منتقيا من ذلك ما يتناسب وعظمة الموضوع. ونقطة أخرى تسجل له تقديرا وكرامة هي تفرده بهذا الموضوع بشكل مؤلف كبير مستقصي العرض وبحيث لم يعهد نظيره على الظاهر.
12

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق المؤلف الجليل ونظراءه ممن يخدمون الشرع الحنيف لما هو خير وأبقى والسلام عليه وعلى من أتبع الهدى ورحمة الله وبركاته.
لقد أتحفنا بكلمة قيمة سماحة الحجة آية الله السيد علي نقي السيد أحمد الحيدري أدام الله ظله وإنها نهلة من نميره العذب ورشفة من بحره الفياض فشكرا له غير مجذوذ (1)

(1) لقد لبى نداء ربه المرحوم الحجة ليلة السبت الخامس عشر من شهر شوال سنة 1401 هجرية المصادف 15 / 8 / 1981 م.
13

F
الحمد لله الذي أنار طرق الهداية بمصابيح الأدلة القاطعة، وأوضح سبل السعادة ببينات الآيات الساطعة، وصلى الله على من كشف بأنوار شريعته حجب الأوهام وأستار الظلام، وعلى آله سادات الأنام.
وبعد: فإن من المسائل الشرعية الملتبسة على أكثر الناس هي مسألة " الجمع بين الصلاتين "، فقد وقع فيها بين المسلمين جدال ونزاع أدى إلى تكدير صفو الأخوة بينهم، وصدع قناة الاجتماع والتراص بين صفوفهم التي هي من أهم الواجبات، ولا سيما في عصرنا هذا الذي تجمعت فيه قوى الضلال والكفر لمحو الإسلام ومحق المسلمين. ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى توحيد الكلمة، وجمع الصفوف، ولم الشعث، للذود عن حياض الدين وشعائره ومقدساته.
فمن الواجب أن نوضح وجهات النظر في المسائل الخلافية بين طوائف المسلمين ومذاهبهم، حسب ما يقود إليه دليل العقل والنقل، ويوصل إليه البحث العلمي النزيه المجرد عن الأهواء والنزعات، حتى تتوحد آراؤهم وأنظارهم، وتتقارب قلوبهم وأفكارهم، وليكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقوة كبرى لدفع غائلة العدو المشترك، المتربص بنا
14

الدوائر، والمتحفز بكل جهده وجنده وكيده لشن حرب شاملة عامة على بلاد المسلمين وممالكهم، ولنهب خيراتهم وثرواتهم.
ولقد قيض الله لهذه المسألة الخلافية (وهي مسألة الجمع بين الصلاتين) وسرد أدلة الطرفين فضيلة العلامة المجاهد والخطيب المتتبع الشيخ عبد اللطيف البغدادي، فجمع شتاتها، ولم متفرقاتها، وأوضح معضلها، وحل مشكلها، وأبان عن الحق الواضح فيها ببيان جامع، وبرهان ساطع، ليس فيه تحيز ولا عصبية، بل يتبع الدليل فيقتفي أثره، ويحذو حذوه، بأسلوب متين، وتعبير رصين، وعرض رائق، جمع فيه أدلة الطرفين، وأقوال الطائفتين، وشرح ما فيها من إشكال، واختار ما قاده إليه الدليل الواضح، والبرهان المنير، وناقش الآراء والأقوال، ورد الشبهات والأوهام بكل تجرد وإخلاص، وبكل صراحة ووضوح، حتى ليكاد المطالع أن تنكشف له الحقيقة بأدنى إمعان وتدبر، وبأقل نظر وتفكير.
فشكر الله للمؤلف سعيه، وأجزل مثوبته، فلقد سد بكتابه هذا فراغا طالما تشوق الباحثون لسده. فنحث طلاب الحق، وعشاق الحقيقة على اقتنائه ومطالعته والاستفادة من آرائه السديدة، وتحقيقاته القيمة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
15

مقدمة الطبعة الثانية
بقلم سماحة الحجة المفضال سيدنا الأجل السيد محمد طاهر الحيدري أدام الله ظله الوارف (1)
F

(1) لقد لبى نداء ربه في اليوم السادس من ذي الحجة الحرام سنة 1400 هجرية المصادف 16 / 10 / 1980 م.
16

الحمد لله أهل الحمد والثناء وصلى الله على محمد وآله الأمناء وصحبه الأتقياء.
أما بعد
فإن هذا الكتاب الجليل قد تعرض لمسألتين خطيرتين وهما مسألة تثليث أوقات الفرائض الخمس اليومية. وجواز الجمع بين فريضتين منها. وقبل صدور هذا الكتاب النادر كانت أدلة هاتين المسألتين متفرقة بين غضون الكتاب العزيز والأحاديث النبوية الشريفة من طرق أهل البيت عليهم السلام وطرق أهل السنة ولما وجد مؤلفه العلامة الخطيب الفذ الشيخ عبد اللطيف البغدادي دامت إفاداته أن الناس من جميع الفرق الإسلامية ترغب رغبة ملحة في الاطلاع على أدلة المسألة مجموعة في كتاب واحد
والوقوف على مداليلها بصورة واضحة نيرة لا تعقيد فيها ولا غموض ورأى أنه لم يؤلف في الموضوع إلا فصول غير مستقلة أو مستقلة ولكنها ليس فيها استيفاء تام ولا إحاطة كاملة فأحب رعاه الله أن يتصدى لإصدار كتاب جامع بين آيات الموضوع ورواياته مشروحة شرحا ضافيا واضحا مشرقا مبنيا على أساس الأنصاف مشتملا على كافة ما يتعلق بالموضوع وما يناسبه فجاء بحمد الله تعالى سفرا حاويا لاستقصاء الأدلة وجمع شتاتها وتأليف متفرقاتها فريدا في بابه نادرا في ترتيب أبوابه وحيدا في روعة أسلوبه قد جمع بين قوة الحجة ووضوح المعنى وبلاغة التعبير ورصانة البيان وسطوع البرهان والهيمنة على الموضوع من سائر جهاته وقد كشف فيه القناع عن إن أحاديث جواز الجمع بين الصلاتين قد رواها الفريقان وأعترف بصدورها وصحتها
17

الجانبان حتى أصبحت متواترة تواترا معنويا. وأن النهي عن الجمع لم يرد إلا في خبر واحد مطعون في سنده وغير معتمد عليه. ولقد أثبت مؤلفه فيه ضرورة اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام وأنهم مع القرآن والقرآن معهم.
وختم الكتاب بذكر أهمية الصلاة في وصية لأمير المؤمنين عليه السلام مشروحة شرحا جديرا بالاطلاع عليه فلله دره وعلى الله تعالى أجره فلقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد. وناهيك أنه لما صدر الكتاب عظمت رغبة الناس فيه وطلبوه متشوقين إليه حتى نفذت الطبعة الأولى فأضطر مؤلفه إلى طبعه ثانيا وفقه الله وكثر من أمثاله وأحسن عاقبته ومآله.
بغداد - السيد محمد طاهر الحيدري
7 / 5 / 1398 ه‍ 15 / 4 / 1978 م
18

F
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام على من بعثه رحمة للعالمين، وجعل شريعته أسهل وأسمح شرائع المرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين.
(1 (
قال الله سبحانه في محكم كتابه المجيد:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ([سورة الإسراء / 79].
أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الأعظم (ص) في هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء، أولا بإقامة الصلاة، والمقصود منها الصلاة اليومية المكتوبة، المشتملة على الفرائض الخمس: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح. وسنذكر أقوال المفسرين الذين يصرحون بأن الأمر بالصلاة في هذه الآية إنما هي الفرائض الخمس دون غيرها. ثم بين (جل وعلا) لنبيه (ص) أوقاتها، فقوله تعالى: (أقم الصلاة (أمر من الله بإقامة الصلاة، ومن معاني إقامة الصلاة هو تعديلها بأركانها، وحفظها من أن
23

يقع زيغ وباطل في أفعالها ومقدماتها وشرائطها، وإلا لم يكن العبد مقيما لها كما أمر الله بها.
وهذا المعنى مأخوذ من قولهم: أقام العود، إذا قومه وعدله. والأمر بإقامة الصلاة وإن كان موجها إلى النبي (ص) ولكن التكليف له ولأمته إلى يوم القيامة، وهو أمر وجوبي.
وأمره تعالى بإقامة الصلاة (لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر (بيان لأوقات الصلوات الخمس.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن أوقات الصلوات الخمس ثلاثة. الابتداء من دلوك الشمس، والانتهاء إلى غسق الليل، وما بينهما وقت ممتد مشترك للظهر والعصر، ثم للمغرب والعشاء، وأفرد جل وعلا صلاة الصبح بقوله: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (أي: تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار.
والمراد من دلوك الشمس هو زوالها، ويكون الزوال عند منتصف النهار في الفصول كلها، شتاء وصيفا وربيعا وخريفا.
وما ذكرناه من دلوك الشمس هو المروي عن كثير من الصحابة والتابعين، كما أنه مروي عن أبي جعفر الباقر وولده الصادق M، وعليه اتفاق الشيعة الإمامية، ووافقهم على هذا القول أيضا كثير من علماء السنة، ويؤيده قول النبي (ص) في بعض أحاديثه: (أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين الزوال، فصلى بي الظهر).
24

أما (غسق الليل (فالمراد منه: إما ظلمة الليل في أوله (على قول)، وإما نصف الليل وهذا هو القول الأشهر والأصح، وهو المروي أيضا عن الإمامين الباقر والصادق (ع).
وعلى ذلك يكون ابتداء وقت صلاتي الظهر والعصر من زوال الشمس، ثم يكون انتهاء وقت صلاتي المغرب والعشاء نصف الليل.
ومما تقدم بيانه عن الآية يظهر لنا أنه لا مانع من الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إذ أن وقت هذه الصلوات الأربع ممتد من دلوك الشمس - الذي هو نصف النهار - إلى غسق الليل - الذي هو نصف الليل -.
(2 (
وهذه المسألة - أعني مسألة الجمع بين الصلاتين - هي موضع خلاف بين فقهاء المسلمين من الشيعة وأهل السنة، كما هي موضع خلاف بين فقهاء أهل السنة أنفسهم.
نعم، اتفق جميع الفقهاء، بل جميع أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلها، على جواز الجمع بعرفة (للحجاج المسافرين) بين الفريضتين: الظهر والعصر في وقت الظهر، وهذا في اصطلاحهم جمع تقديم، أي يقدمون العصر في وقت الظهر.
25

كما اتفقوا أيضا على جواز الجمع في المزدلفة (للحجاج المسافرين) بين الفريضتين: المغرب والعشاء في وقت العشاء. وهذا في اصطلاحهم جمع تأخير، باعتبار أنهم يؤخرون المغرب إلى وقت العشاء.
وفيما عدا هذين المكانين (أي عرفة والمزدلفة بالنسبة إلى الحجاج المسافرين) اختلفوا في جواز الجمع وعدمه.
أما الحنفية فيمنعون الجمع بين الصلاتين مطلقا أتباعا لفتيا الإمام (أبي حنيفة) فلا يجوز الجمع عندهم لا حضرا ولا سفرا، لا لمطر ولا لمرض، لا لطين ولا لخوف في كل ذلك وغير ذلك من الأعذار.... لا يجوز الجمع عندهم إلا في عرفة والمزدلفة كما قلنا. وسنناقش هذه الفتوى في بحوثنا الآتية مناقشة علمية، على ضوء الكتاب والسنة والإجماع.
وأما المالكية والشافعية والحنبلية، فاتفقوا على جواز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر، ولكن على تنازع في شروط السفر المبيح للجمع. وما عدا السفر من الأعذار الأخرى كالمطر والطين والمرض والخوف وغير ذلك من الأعذار فهم فيها مختلفون... وسنذكر فتاوى المذاهب الأربعة من كتبهم في ذلك. وأما مذهب أهل البيت (ع) وهم الأئمة الاثني عشر من آل محمد (ص) الذين أفترض الله الصلاة عليهم في الصلاة الواجبة والمندوبة بحيث لا تقبل الصلاة بل ولا تصح ولا تتم إلا بالصلاة عليهم مقترنة مع الصلاة عليه صلى الله عليه وآله (1)..

(1) قد صح في جميع الصحاح الستة، وسائر كتب السنن، والمسانيد، والتفسير، والتاريخ، والفضائل، والمناقب، القديمة منها والحديثة عن جملة من الصحابة منهم سيد العترة علي أمير المؤمنين عليه السلام وكعب بن عجرة، وأبو مسعود الأنصاري، وعبد الله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وطلحة بن عبيد الله التيمي، وزيد بن خارجة، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن ثابت، وأبو حميد الساعدي، وعبد الله بن عمر وغيرهم، وقد صح عنهم جميعا تعليم رسول الله صلى الله عليه وآله الصحابة الأولين كيفية الصلاة عليه، وقارن في جميع تلكم الأحاديث ذكر الآل بذكره (ص) وقل حكم في شرعة الإسلام جاء فيه من الحديث مثل ما جاء في كيفية الصلاة عليه (ص)، وقد جمعنا ما ورد فيها وفي ألفاظها وصورها وهي تربو على الخمسين لفظا، مما يقارب المائة مصدر من مصادر أهل السنة فقط، وفي كافة تلك الأحاديث قارن الصلاة على آله بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله، جمعنا ذلك في حلقة خاصة سميناها (الصلاة على محمد وآله في الميزان) على ضوء الكتاب والسنة والإجماع والعقل. نسأل الله تعالى إكمالها وطبعها إنه سميع مجيب. لقد كملت والحمد لله، وهي الحلقة الخامسة وستأتيك إن شاء الله قريبا.
26

آل محمد الذين مثلهم الرسول الأعظم بسفينة نوح التي من ركبها نجا وسلم، ومن تخلف عنها غرق وهلك وزج في النار (1)..
آل محمد (ص) الذين هم أعدال الكتاب المجيد وقرناؤه في أحاديث الثقلين، والخليفتين اللذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من صد عنهما (2)..

(1) حديث السفينة من الأحاديث النبوية الشهيرة المتواترة، وقد رواه الكثير من علماء الفريقين الشيعة والسنة، من المفسرين والمحدثين والمؤرخين بطرق عديدة، عن عدة من صحابة الرسول (ص) منهم أمير المؤمنين عليه السلام، وعبد الله بن عباس، وسلمة بن الأكوع، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير وغيرهم، راجع أحاديثهم من مصادرها الموثوقة في كتاب (محمد وعلي = = وبنوه الأوصياء) لفضيلة العلامة المجاهد الشيخ الشريف نجم الدين العسكري ج 1 من ص 239 - 282.
(2) ذكرنا أحاديث الثقلين والخليفتين وبعض نصوصها، وأشرنا إلى إن من رواها من الصحابة البالغ عددهم 35 صحابيا، كما أشرنا إلى تحقيق تواترها في لفظها ومعناها، وإنه لا يمكن التمسك بأحد الثقلين دون الآخر، في كتابنا (قبس القرآن) في صفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من ص 337 - ص 345 فراجع. وسنعود - بأذن الله - في بعض الحلقات القادمة إلى دعم تلك الأحاديث بآي القرآن المجيد واستعراض مصادرها الكثيرة وطرقها المتنوعة ومفادها ومقاصدها ودلائلها من جهة عقلية ومنطقية.
27

فمذهبهم الثابت عنهم (سلام الله عليهم) بصراحة ووضوح هو جواز الجمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء مطلقا، يعني سفرا وحضرا، لعذر أو لغير عذر، جمع تقديم أو جمع تأخير.
نعم، عندهم التفريق بين الصلاتين أفضل، على تفصيل في ذلك يأتي بيانه مفصلا في محله من الكتاب إن شاء الله، تحت عنوان (التفريق بين الصلاتين أفضل أم الجمع؟).
وتبعهم في مذهبهم هذا شيعتهم في كل عصر ومصر، ولذا تراهم يجمعون غالبا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في سفرهم وحضرهم، لعذر أو لغير عذر. ولهم على جواز هذا الجمع أدلة قطعية، كتابا وسنة وإجماعا.
(3 (
28

وقد تصدينا لتأليف هذا الكتاب لبيان تلك الأدلة مع إيضاحها ليطلع عليها من لم يكن مسبوقا بها ويتساءل عنها، وما أكثر المتسائلين من طبقات الناس الكثيرة، لا سيما من الشباب.
وهذا هو السبب الذي دعاني إلى التصدي لهذا الموضوع الذي لم يفرد له تأليف خاص جامع للأدلة مستوعب للمقارنة بين فتاوى فقهاء المسلمين في المسألة وبين تلك الأدلة الكثيرة الواضحة فيما أعلم (1)، مع

(1) لما عزمت - بعد التوكل على الله - على تأليف رسالة خاصة في الموضوع (الجمع بين الصلاتين) وأخذت أطالع المصادر والمؤلفات التي تتعرض لهذا الموضوع وما يتعلق به، عثرت على تنبيه لفضيلة العلامة المجاهد الشيخ محمد جواد مغنية في ذيل كتابه (الفقه على المذاهب الخمسة) ص 98 من الطبعة الثانية يقول فيه: " من علماء المذاهب من يوافق الأمامية على الجمع في الحضر، وقد ألف الشيخ احمد الصديق الغماري كتابا في ذلك سماه (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر) ". في حين أني كنت أجهل وجود كتاب خاص في هذا الموضوع، فرحت أبحث عن الكتاب وأفتش عنه في المكتبات العامة والخاصة، وأسأل رجال العلم والاطلاع عنه، والكل ينكرون أن يكونوا قد سمعوا بهذا الكتاب. فكلفت بعض الأخوان - وقد سافر إلى لبنان - أن يتصل بفضيلة الشيخ مغنية ويسأله عن الكتاب، وبعد رجوعه نقل عن الشيخ أن الكتاب مطبوع ولكن نسخه نافذة وغير موجودة.
وبقيت أسأل عن الكتاب هذا وذاك إلى أن سألت عنه الأخ المخلص والشاب الفاضل السيد مرتضى الرضوي النجفي صاحب (مطبوعات النجاح بالقاهرة) فأخبرني أنه يعرف أحد أولاد الشيخ الغماري وأنه في مصر، ويعرف المطبعة التي يطبعون كتبهم فيها، ووعدني أن يراسل تلك المطبعة يطلب من صاحبها إرسال الكتاب، وكتب بالفعل وبقينا ننتظر الجواب أو وصول الكتاب، والسيد الرضوي في النجف وأنا في بغداد، وكلما أذهب إلى النجف أسأله فيقول: لم يردني جواب، إلى أن سهل الله له سفرة إلى مصر، فبحث عن الكتاب هناك حتى عثر على نسخة واحدة فأتى بها إلي وجزاه الله خير جزاء المحسنين. تاريخ طبع الكتاب سنة 1369 هجرية، وسنذكر في كتابنا هذا فهرس الموضوعات وخطبة الكتاب وسبب تأليفه أن شاء الله. كما أنا استفدنا منه كثيرا في نقض شبهاتهم وتأويلاتهم. وبعدها عثرنا على كتاب (قرة العين في الجمع بين الصلاتين) لمؤلفه العلامة حامد بن حسن شاكر اليمني طبعة القاهرة سنة 1348 هجرية، وعدد صفحاته 16 ويوجد الكتاب في مكتبة الجوادين في الكاظمية للعلامة الشهرستاني، ويوافقنا المؤلف في جواز الجمع بين الصلاتين ويقتطف على ذلك بعض الأدلة بايجاز.
وأخيرا صدرت (رسالة في الجمع بين الصلاتين) لفضيلة العلامة السيد حسين يوسف مكي العاملي، وتقع مع تقديم الناشر لها في 62 صفحة.
29

وجود الحاجة الماسة للتعرف عليها، ولا سيما وأن بعض الدعاة المقلدين الذين لا خبرة لهم بالأدلة ولا تمحيص للحقائق، يلقون دوما في أذهان الكثير من الناس أن الجمع بين الصلاتين مبطل لإحداهما، إذ تكون خارجة عن وقتها المحدد لها، بل يرون في ذلك حديثا مرفوعا عن النبي (ص) أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير
عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر) (1) نظرا لبطلان الصلاة التي تصلى خارج وقتها، وربما وكما سمعنا بآذاننا - يحتجون على بطلان الجمع بين الصلاتين بقوله تعالى: (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ([سورة النساء / 104] في حين لا حجة لهم في هذه الآية كما ستعلم (2).

(1) سنوافيك بالتفصيل عن هذا الحديث من ناحيتي السند والمتن إن شاء الله تعالى.
(2) أقرأ الشبهة الثانية، فقد فصلنا القول في مدلول هذه الآية ونقض هذه الشبهة تفصيلا كافيا شافيا، ولله الحمد.
30

وبلغ الحال ببعض ذوي الجهل المركب الذين يدعون العلم ولا يعرفونه أنهم يلقون في الأذهان مخالفة الجمع بين الصلاتين للقرآن والسنة النبوية والإجماع.
لذلك وغير ذلك رأينا من الواجب المحتم علينا كشف النقاب عن الحقيقة وتنوير الرأي العام في هذه المسألة التي طالما أشغلت أذهان الكثير من الناس، وجمعا لكلمة المسلمين على الحق الواضح.
وحيث أن مسألة الجمع بين الصلاتين من فروع مسألة أوقات الصلوات الخمس، وترتبط بها عند جميع الفقهاء، وأن أوقات الصلوات الخمس هي موضع خلاف أيضا بين أئمة المذاهب الأربعة من جهة، وبينهم وبين مذهب أهل البيت (ع) من جهة أخرى... فإنه يلزمنا بيان أوقات الصلوات الخمس حسب فتاوى أئمة المذاهب الأربعة، وفتاواهم في جواز الجمع أو عدمه.
بعد ذلك ننتقل إلى مذهب أهل البيت الثابت عنهم في أحاديثهم، والذي عليه عمل شيعتهم وفتاوى فقهائهم في أوقات الصلوات، وفي جواز الجمع بين الصلاتين.
ثم نستعرض الأدلة الإسلامية من الكتاب والسنة والإجماع، والتي تبين لنا الحقيقة الناصعة في أوقات الصلوات وجواز الجمع بين الصلاتين أو عدمه، حسب الطاقة والامكان، كما سندفع جميع الشبه والتأويلات الباطلة.
31

وسميناه (حول الصلاة والجمع بين فريضتين على ضوء الكتاب والسنة والإجماع)، ورتبناه على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة تتضمن وصية لأمير المؤمنين (بشأن الصلاة مع شرحها، ونسأل الله تعالى العون والعناية، والتوفيق والسداد، وان ينفع به الناس، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به (يوم لا ينفع مال ولا بنون (89) إلا من أتى الله بقلب سليم ([الشعراء / 89 - 90].
عبد اللطيف البغدادي
32

آراء الفقهاء والأئمة في أوقات الصلوات والجمع بين الصلاتين
قبل أن نستعرض فتاوى أئمة المذاهب الأربعة لأهل السنة في أوقات الصلوات الخمس وفي جواز الجمع بين الصلاتين أو عدمه نقدم لذلك مقدمة في فضل الصلاة اليومية وأنها أفضل الأعمال الدينية.
الصلاة اليومية أفضل الأعمال الدينية:
قال سيدنا المحسن الحكيم (تغمده الله برحمته) في (المستمسك): -
أعلم أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله تعالى. وهي آخر وصايا الأنبياء (ع)، وهي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها.
وهي أول ما ينظر فيه من عمل أبن آدم فأن صحت نظر في عمله وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله، ومثلها كمثل النهر الجاري فكما أن من أغتسل فيه في كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شئ من الدرن (1) كذلك كلما صلى الصلاة كفر ما بينهما من الذنوب. وليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة. وإذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شئ يسال عنه الصلاة فإذا جاء بها تامة وإلا زج في النار. وفي الصحيح قال مولانا الصادق (:

(1) الدرن: الوسخ.
35

" ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام قال: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (وروى الشيخ (1) في حديث عنه (قال: " وصلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات ". وقد استفاضت الروايات في الحث على المحافظة عليها في أوائل الأوقات وأن من استخف بها كان في حكم التارك لها.
قال رسول الله (ص): " ليس مني من استخف بصلاته "، وقال: " لا ينال شفاعتي من أستخف بصلاته " وقال: " لا تضيعوا صلاتكم، فأن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين " وورد: " بينا رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (ص): نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني " وعن أبي بصير قال: " دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (فبكت وبكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا... فتح عينيه ثم قال: أجمعوا كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فما تركنا أحدا إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: " إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ".
وبالجملة، ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى، ولله در صاحب الدرة (السيد محمد المهدي بحر العلوم) حيث قال:

(1) يعني الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة.
36

تنهى عن المنكر والفحشاء أقصر فهذا منتهى الثناء (1)
أوقات الصلوات الخمس في آراء أئمة المذاهب الأربعة:
يبدأ الفقهاء بصلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضت، ثم فرضت بعدها العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الصبح.. على الترتيب. وقد وجبت الصلاة الخمس بمكة ليلة الإسراء، قيل: بعد تسع سنوات من بعثة الرسول (ص)، وقيل: أربع سنوات بعد البعثة. وهي أول فريضة افترضها الله على هذه الأمة. ومما لا خلاف فيه (بين فقهاء الإسلام) أن الصلاة لا تجوز قبل دخول وقتها، وأن الشمس إذا زالت دخل وقت الظهر، واختلفوا في مقدار وقتها وامتداده.
1 - وقت الظهر:
قال أئمة المذاهب الأربعة: يبتدئ وقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ مثله. فإذا زاد عن ذلك خرج وقت الظهر. ولكن الشافعية والمالكية قالوا: يختص هذا التحديد بالمختار غير المضطر، أما المضطر فيمتد وقت الظهر معه إلى ما بعد امتداد ظل الشيء إلى مثليه عند الشافعية (2)، ويستمر إلى وقت الغروب عند المالكية (3). وفسروا الوقت الضروري بما نصه (4):

(1) مستمسك العروة الوثقى، لفقيه عصره السيد محسن الحكيم ج 5 / 2. ط مطبعة النجف، سنة 1377، نقلا عن العروة الوثقى لآية الله اليزدي.
(2) راجع: الأم، للشافعي، ص 63.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 / 132.
(4) كما في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 / 132.
37

" وسمي (أي الوقت) ضروريا، لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة وحيض وإغماء وجنون ونحوها. فلا يأثم واحد من هؤلاء بأداء الصلاة في الوقت الضروري، أما غيرهم فيأثم بإيقاع الصلاة فيه إلا إذا أدرك ركعة من الوقت.. ".
2 - وقت العصر:
قال الحنفية والشافعية: يبتدئ وقت العصر من زيادة الظل عن مثله إلى الغروب. وقال المالكية للعصر وقتان: أحدهما اختياري، والثاني اضطراري. ويبتدئ الأول من زيادة الظل عن مثله إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران. ويبتدئ الثاني (أي الوقت الاضطراري) من اصفرار الشمس إلى غروبها.
وقال الحنبلية: من آخر صلاة العصر إلى أن تجاوز الظل عن مثليه تقع الصلاة أداء إلى حين الغروب ولكن المصلي يأثم حيث يحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت.
والظاهر إنهم انفردوا بذلك عن سائر المذاهب.
3 - وقت المغرب:
38

قال الحنفية والشافعية والحنبلية: يبتدئ وقت المغرب من مغيب القرص وينتهي بمغيب الشفق الأحمر من جهة المغرب. وقال المالكية: إن وقت صلاة المغرب مضيق، ويختص من أول الغروب بمقدار ما يتسع لها ولمقدماتها وشرائطها من الطهارة والآذان، ولا يجوز تأخيرها عن هذا الوقت. أما مع الاضطرار فيمتد وقتها إلى طلوع الفجر.
وعدم جواز تأخير المغرب عن أول وقتها مما انفردت به المالكية.
4 - وقت العشاء:
قال أئمة المذاهب الأربعة: يبتدئ وقت العشاء من مغيب الشفق، وإن اختلفوا في الشفق. فأبو حنيفة يرى: إنه البياض الذي يكون بعد الحمرة المغربية، والباقون يقولون: هو مغيب الحمرة المغربية. وكيفما كان فهم متفقون على أن أول وقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق، أما انتهاء وقت العشاء: فعند الحنفية والشافعية يمتد وقتها إلى طلوع الفجر الصادق، وعند المالكية والحنبلية: إن وقت العشاء الاختياري يبتدئ من مغيب الشفق الأحمر وينتهي بانتهاء الثلث الأول من الليل، ووقتها الضروري ما كان عقب ذلك إلى طلوع الفجر الصادق. فمن صلى العشاء في الوقت الضروري أثم، إلا إذا كان من أصحاب الأعذار.
5 - وقت الصبح:
قال الحنفية والشافعية والحنبلية: وقت الصبح يبتدئ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس (مثل قول الإمامية) أما المالكية فقد قالوا:
39

للصبح وقتان: اختياري وهو من طلوع الفجر إلى تعارف الوجوه، واضطراري وهو من تعارف الوجوه إلى طلوع الشمس (1). وهذا الوقت الذي يذهب إليه مالك من الوقت الاختياري محمول عند الشيعة الإمامية على الأفضلية.. أي أن الأفضل عندهم إيقاع الصلاة في أول الوقت، وينتهي ذلك بطلوع الحمرة المشرقية. فمن أوقع الصلاة ما بين طلوع الفجر وطلوع الحمرة فقد أتى بها في أفضل وقتها، ومن تأخر عن ذلك فأوقعها بعد طلوع الحمرة وقبل طلوع الشمس فقد أجزأه ولا إثم عليه، ولكن ليس له ذلك الفضل.
الجمع بين الصلاتين في آراء أئمة المذاهب الأربعة:
وأما فتاوى أئمة المذاهب الأربعة في جواز الجمع بين الصلاتين وعدمه فهي محل خلاف ونزاع. والمقصود من الجمع بين الصلاتين في اصطلاحهم إنما هو إيقاعهما معا في وقت إحداهما دون الأخرى، جمع تقديم أو جمع تأخير. وهذا هو مراد المتقدمين منهم والمتأخرين من عهد الصحابة إلى يومنا هذا.
1 - الجمع بين الصلاتين عند الحنفية:

(1) راجع أوقات الصلوات الخمس في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج 1 / 131 - 134، ط دار الكتاب العربي - الطبعة الخامسة. وهو من تأليف جماعة من علماء الأزهر.
40

جاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) (1) ما نصه: " قال الحنفية: لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في السفر ولا في الحضر وبأي عذر من الأعذار إلا في حالتين " ويقصدون من الحالتين الجمع بعرفة والمزدلفة للحجاج. وذكروا شروط الجمع فيهما، فللجمع بعرفة ذكروا أربعة شروط وللجمع في المزدلفة شرطين. فراجع إذا شئت.
2 - الجمع بين الصلاتين عند المالكية:
قال المالكية: " أسباب الجمع هي السفر، والمرض، والمطر، والطين مع الظلمة في آخر الشهر، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة " ثم ذكروا شروط الجمع في كل من هذه الموارد، فراجع (2).
3 - الجمع بين الصلاتين عند الشافعية:
قال الشافعية: " يجوز الجمع بين الصلاتين المذكورتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر المتقدمة بشرط السفر، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر " (3). ويشترطون لجمع الصلاتين عند نزول المطر شروطا ستة فراجعها. ولم ير الشافعي جواز الجمع بين الصلاتين للمريض (4).

(1) ج 1 / 373.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1 / 370 - 372.
(3) المصدر السابق ج 1 / 372.
(4) سنن الترمذي ج 1 / 357.
41

4 - الجمع بين الصلاتين عند الحنبلية:
قال الحنبلية: " يجوز الجمع بين الصلاتين للمسافر، وللخائف على نفسه أو ماله أو عرضه، ولمن يخاف ضررا يلحقه بتركه في معيشته، ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة بسبب الثلج والبرد والجليد (1) والوحل والريح الشديدة الباردة والمطر الذي يبل الثوب ويترتب عليه حصول مشقة " (2).
وفي هذه الموارد عندهم جمع التأخير أفضل من جمع التقديم، ولهم على ذلك أيضا شرائط أربعة.
أوقات الصلوات الخمس حسب فتوى فقهاء الإمامية:
1 - وقت الظهرين وجواز الجمع بينهما:
أجمع فقهاء الإمامية بلا خلاف بينهم قديما وحديثا، استنادا إلى الأدلة القطعية عندهم في التعبد بمذهب أهل البيت (ع) على أن وقت صلاة الظهرين يبتدئ من زوال الشمس عن كبد السماء ويستمر إلى غروبها، ولكن يختص الظهر من أوله بمقدار أدائها، كما يختص العصر من آخره بمقدار أدائها، وما بينهما من الوقت مشترك للظهر والعصر. ولكن يجب تقديم الظهر على العصر.

(1) الجليد: ما يجمد على الأرض من الماء.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1 / 374.
42

ومن هنا قالوا، (جميعا) بجواز الجمع بين الظهرين لاشتراك وقتيهما، ولوجود أدلة خاصة بجواز الجمع أيضا.
2 - وقت العشائين وجواز الجمع بينهما:
وقت العشائين للمختار غير المضطر يبتدئ من المغرب الذي هو عبارة عن ذهاب الحمرة المشرقية (1) إلى نصف الليل، وتختص المغرب أيضا من أوله بمقدار أدائها، والعشاء من آخره بمقدار أدائها، وما بينهما من الوقت مشترك للمغرب والعشاء.
أما المضطر لنوم أو نسيان أو حيض أو غير ذلك، فيمتد وقتهما إلى الفجر الصادق، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها. وأما العامد الذي أخر صلاته إلى ما بعد نصف الليل فيجب عليه المبادرة إلى الصلاة ولكن ينوي بها (على الأحوط) مطلق القربة من دون تعرض إلى أداء أو قضاء. هذا إذا كان قبل طلوع الفجر، وأما بعد طلوع الفجر فتكون قضاء بلا خلاف.
معنى اختصاص الوقت:

(1) سيأتيك التحقيق حول أول وقت المغرب، هل هو غروب القرص أم ذهاب الحمرة المشرقية، في المقارنة الثالثة.
43

يعني اختصاص أول الوقت بالظهر، وآخره بالعصر، وهكذا في المغرب والعشاء، إن العصر لا تصح في الوقت المختص بالظهر، ولا الظهر تصح في الوقت المختص بالعصر، وهكذا في المغرب والعشاء.
أما الصلوات الأخرى كالقضاء والنوافل وغيرها فلا مانع من وقوعها في الوقت المختص.
ولو أخر أحد صلاة الظهر حتى بقي من الوقت ما يتسع لأربع ركعات فقط عليه أن يصلي العصر وتكون الظهر قضاء، وقد أثم في التأخير إلى ذلك الوقت إن كان عن عمد. أما إذا بقي من الوقت ما يتسع لخمس ركعات صلى الظهر أولا ثم صلى العصر بعدها مباشرة، لأنهم قالوا: من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله، وكذلك الحكم في العشائين، ولكنه لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك الوقت أيضا.
3 - وقت الصبح:
وقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وأول الوقت أفضل من غيره.
أوقات الصلوات الخمس والجمع بين الصلاتين في روايات أهل البيت (ع).
تمهيد:
44

إن فتوى فقهاء الإمامية في أتساع أوقات الصلوات الخمس، وجواز الجمع بين الصلاتين (كما مر) مستندة إلى التعبد لله جل وعلا بمذهب أهل البيت عليهم السلام.
وحسبنا في إيثارهم (وإيثار مذهبهم) على من سواهم، إيثار الله عز وجل إياهم، حتى جعل الصلاة عليهم جزاءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده، فلا تصح بدونها صلاة أحد من العالمين، بل لا بد لكل من عبد الله بفرائضه أن يعبده في أثنائها بالصلاة عليهم كما يعبده بالشهادتين.
أنى وفي الصلوات الخمس ذكركم لدى التشهد للتوحيد قد شفعا (1)
وهذه منزلة قد عنت لها وجوه الأمة، وخشعت أمامها أبصار سائر المذاهب والأئمة... قال الإمام الشافعي:
فرض من الله في القرآن أنزله من لم يصل عليكم لا صلاة له (2).
يا أهل بيت رسول الله حبكم كفاكم من عظيم الفضل أنكم.

(1) بيت من القصيدة العصماء لشاعر أهل البيت الشيخ صالح الكواز الحلي (ره) تجدها في كتاب (الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد) ص 145، ط بمبى.
(2) هذان البيتان من مدائح الشافعي السائرة، وهما بمكان من الانتشار والاشتهار. وقد أرسلهما عنه إرسال المسلمات كثير من أهل السنة، منهم ابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة) في تفسير قوله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي... " وقد عدها من الآيات النازلة في أهل البيت (ع) ص 88. وكذلك النبهاني في (الشرف المؤبد) ص 99، والإمام أبو بكر ابن شهاب الدين في (رشفة الصادي)، والشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) ص 105، والشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) بهامش نور الأبصار ص 118، والزرقاني في (شرح المواهب) ج 7 ص 7 كما في (مقدمة ينابيع المودة) الطبعة الثامنة.
45

وهنا فليتذكر المسلم ويرجع إلى العقل السليم والشرع المستقيم، فيستوحي منهما سائلا مستفهما: هل يمكن أن يوجب الله الصلاة على أهل البيت في الصلوات كلها، الواجبة منها بل وحتى المستحبة، وهم لا يعرفون أوقاتها؟!! أو يكون غيرهم أعرف منهم بأوقاتها، أو إنهم يفتون بخلاف حكم الله عز وجل فيها؟! لا أعتقد بل ولا أظن أنه يقول بهذا (من أسلم وجهه لله وهو محسن ([سورة البقرة / 113].
وأحاديث أهل البيت في اتساع أوقات الصلوات الخمس وجواز الجمع بين الصلاتين ثابتة عنهم وصريحة بذلك.. وهي كثيرة ومتواترة، ونختار منها ما استدل به الفقهاء وتسالموا على صحته. ومنهم فقيه عصره سيدنا السيد محسن الحكيم تغمده الله برحمته.
النصوص الواردة عن أهل البيت (ع):
1 - صحيح عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عن وقت الظهر والعصر فقال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه. ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس " (1).

(1) تهذيب الأحكام، لشيخ الطائفة الطوسي، ج 2 / 19 و 24، مطبعة النعمان - النجف.
46

2 - صحيح زرارة عن أبي جعفر (أي محمد الباقر () أنه قال: " إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخر " (1).
3 - خبر مالك الجهني: سألت أبا عبد الله عن وقت الظهر، فقال (: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين.. ".
4 - صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (إنه قال: " إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلا أن هذه قبل هذه " (2).
5 - داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي العشاء إلى انتصاف الليل " (3).

(1) المصدر السابق، وكذلك: مستمسك العروة الوثقى ج 5 / 139 مطبعة النجف، ووسائل الشيعة ج 5 / 139 طبعة القاهرة، ومن لا يحضره الفقيه ج 1 / 139 ط دار الكتب الإسلامية، النجف.
(3) المصدر السابق.
(2) مستمسك العروة الوثقى ج 5 / 20، وسائل الشيعة ج 5 / 6.
(3) تهذيب الأحكام ج 2 / 28، وسائل الشيعة ج 5 / 195، المستمسك ج 5 / 31.
47

6 - صحيح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (قال: " لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس " (1).
7 - خبر زرارة عن أبي جعفر (قال: " أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب
الشمس " (2).
8 - عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (قال: " إن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند الزوال إلى غروب الشمس، إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه ".
9 - عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (قال: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس " (3).

(1) المستمسك ج 5 / 21، وسائل الشيعة ج 5 / 168.
(2) تهذيب الأحكام ج 2 / 25، المستمسك ج 5 / 21، وسائل الشيعة ج 5 / 133.
(3) تهذيب الأحكام ج 2 / 25، المستمسك ج 5 / 22، وسائل الشيعة ج 5 / 140.
48

10 - صحيح الحلبي (في حديث) قال: سألته عن رجل نسي الأولى والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس، قال (: " إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل العصر، وإن خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته، فيكون قد فاتتاه جميعا، ولكن يصلي العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصل الأولى بعد ذلك على أثرها " (1).
11 - قال الصادق (: " لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة. لا تفوت صلاة النهار حتى تغرب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، وذلك للمضطر والعليل والناسي " (2).
12 - عن زرارة، عن أبي جعفر (قال: " وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " (3).
13 - صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (: " لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما، ووقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام " (4).

(1) المستمسك ج 5 / 22، وسائل الشيعة ج 5 / 142.
(2) وسائل الشيعة ج 5 / 139.
(3) المستمسك ج 5 / 36، وسائل الشيعة ج 5 / 214.
(4) المستمسك ج 5 / 36، وسائل الشيعة ج 5 / 214.
49

14 - عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (: " من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة " (1).
15 - روي عن النبي (ص) أنه قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " (2).
16 - عن صفوان الجمال قال: " صلى بنا أبو عبد الله (الظهر والعصر عندما زالت الشمس بأذان وإقامتين، وقال: إني على حاجة فتنفلوا " (3).
17 - عن عبد الملك القمي، عن أبي عبد الله (قال: " قلت له: أجمع بين الصلاتين من غير علة؟ قال: قد فعل ذلك رسول الله (ص) وأراد التخفيف عن أمته " (4).
18 - عن عباس الناقد قال: " تفرق ما كان في يدي وتفرق عني حرفائي فشكوت ذلك إلى أبي محمد (فقال لي: اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ترى ما تحب " (5).

(1) المستمسك ج 5 / 78، وسائل الشيعة ج 5 / 222.
(2) المصدران السابقان. والبحار ج 82 / 345 نقلا عن الذكرى.
(3) الكافي للكليني ج 3 / 287، وسائل الشيعة ج 5 / 223.
(4) علل الشرائع للصدوق ج 2 / 321، باب علة الرخصة في الجمع بين الصلاتين، والوسائل ج 5 / 225.
(5) الكافي ج 3 / 287، والوسائل ج 5 / 227.
50

19 - عن سعيد بن علاقة، عن أمير المؤمنين (قال: الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق " (1).
20 - عن إسحاق بن عمار، قال: " سألت أبا عبد الله (يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال: لا بأس " (2).
هذه بعض أحاديث أهل البيت الثابتة عنهم (ع) في أوقات الصلاة والجمع بين الصلاتين، ووردت عنهم في المسألتين أحاديث أخرى سيأتي بعضها في مكانها.
الخلاصة:
لقد استعرضنا لك (أيها المطالع الكريم) أوقات الصلوات الخمس، والجمع بين الصلاتين حسب فتاوى أئمة أهل البيت الصريحة والثابتة عنهم سلام الله عليهم.
ورأينا إن فتاوى المذاهب الأربعة في ذلك لا تتفق مع فتاوى فقهاء الشيعة وأحاديث أهل البيت... فعند أهل البيت أوقات الصلوات المجزية ثلاثة: الظهرين ويبتدئ وقتهما من زوال الشمس إلى غروبها، والعشائين

(1) الخصال للصدوق، كما في (مستدرك الوسائل) ج 5 / 227، والبحار ج 82 / 333.
(2) الوسائل ج 5 / 227.
51

يبتدئ وقتهما من الغروب إلى نصف الليل بالنسبة للمختار غير المضطر، ويستمر إلى طلوع الفجر للمضطر، والصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
بينما فتاوى المذاهب الأربعة تقرر لكل صلاة وقتا خاصا بها لا يجوز أن تصلى في غيره.
وعند أهل البيت يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقا، وعند المذاهب الثلاثة لا يجوز الجمع بدون أعذار معينة عند كل واحد، وعند أبي حنيفة لا يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقا، إلا في عرفة والمزدلفة كما علمت... إلى غير ذلك من موارد الخلاف.
ولكي نعرف الهدى والحق في أي جانب، لذا نستعرض لك في الفصلين القادمين الأدلة الإسلامية من الكتاب المجيد، والسنة النبوية الثابتة، والإجماع على أوقات الصلوات الخمس، والجمع بين الصلاتين، لنرى بعدها أي الفريقين أحق بالإتباع، أهل البيت أم غيرهم؟
(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ([سورة يونس / 36].
52

أوقات الصلوات وأدلة الجمع بين الصلاتين في الكتاب
تمهيد:
من المعلوم المتفق عليه أن أول الأدلة الإسلامية التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية إنما هو الكتاب المجيد، الذي هو الدستور الإلهي، وهو المرجع للجميع ولا سيما عند الاختلاف.
وأهل البيت أنفسهم يأمرون الناس بالرجوع إلى القرآن، والرد إليه في الأحكام والسنن، فما وافقه يؤخذ به، وما خالفه يترك.
روى شيخنا الكليني بسنده عن أبي عبد الله (قال: " قال رسول الله (ص): إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه " (1).
وروى بسنده أيضا عن أبي عبد الله (قال: " خطب النبي (ص) بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله " (2).
وروى بسنده عن أيوب بن الحر، قال: " سمعت أبا عبد الله يقول: كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف " (3).

(1) أصول الكافي، كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ج 1 / 69، وتجدها في تفسير العياشي ج 1 / ص 8.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
57

ومضامين هذه الأحاديث متفق عليها عند جميع المسلمين. فقد روى البخاري في صحيحه عن النبي (ص) أنه قال: تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردوه (1).
مواقيت الصلوات في القرآن:
وقد جاءت في الكتاب جملة من أمهات الأحكام في 500 آية تقريبا كما ذكر، ومن جملة تلك الآيات، الآيات النازلة في مسألة أوقات الصلوات، نذكرها على حسب ترتيبها في القرآن، من سبع سور منه وهي:
1 - قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ([سورة هود / 115].
2 - قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ([سورة الإسراء / 79].
3 - قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ([سورة طه / 131].

(1) الغدير ج 8 / 27 ط النجف نقلا عن صحيح البخاري.
58

4 - قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (17) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ([سورة الروم / 18 - 19].
5 - قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ([سورة ق / 40 - 41].
6 - قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ([سورة الطور / 49 - 50].
7 - قوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (25) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ([سورة الإنسان / 26 - 27].
فهذه إحدى عشرة آية، استعرضت أوقات الصلوات، وإليك البيان حول الآيات..
الآية الأولى في سورة هود:
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (.
التحقيق حول الآية الكريمة:
59

صرح الفقهاء والمفسرون من الفريقين أن الأمر بإقامة الصلاة في هذه الآية الكريمة وارد على الصلوات الخمس المكتوبة، وأن المراد من الحسنات التي تذهب السيئات إنما هو الصلوات نفسها. وهذا هو الظاهر منها. وقيل: الحسنات هي الصلوات وسائر أنواع الطاعات، كما جاءت في هذه المعاني روايات صريحة سيمر عليك بعضها.
والآية (كما ترى) تعرضت لأوقات إقامة الصلاة فجعلتها ثلاثة فقط هي:
(طرفي النهار (والظاهر - وظواهر القرآن حجة - إن المراد من الطرفين هو الطرف الأول من النهار، والطرف الثاني منه.. فهذان وقتان، و (وزلفا من الليل (أي ساعات قريبة من الليل، وهذا الوقت الثالث. ولما كانت صلوات النهار ثلاث: الصبح والظهر والعصر، فيكون الصبح في الطرف الأول من النهار، ويكون وقت الظهر والعصر معا في الطرف الثاني منه، ويبتدئ من زوال الشمس ظهرا وينتهي بغروبها. وصلاة الليل الواجبة إنما هي المغرب والعشاء فيكون وقتهما معا مبينا في قوله: (وزلفا من الليل (.
قال شيخنا الطريحي: (قوله تعالى: (طرفي النهار " أي أوله وآخره) (1).
وقال أيضا: (قوله: (وزلفا من الليل (أي ساعة بعد ساعة، واحدتها زلفة كظلم وظلمة، من أزلفه إذا قربه، فيكون المعنى ساعات متقاربة من

(1) مجمع البحرين، كتاب الفاء، باب ما أوله الطاء، ص 382.
60

الليل، ومن للتبيين... والمراد صلاة المغرب والعشاء، والمراد بطرفي النهار نصفاه، ففي النصف الأول صلاة الصبح، وفي النصف الثاني صلاة الظهر والعصر) (1).
فدلت الآية إذا دلالة واضحة على اتساع الوقت وامتداده لصلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وإن مجموع أوقات الصلوات ثلاثة لا خمسة. وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت الذين هم مع القرآن، والقرآن معهم في كل آياته، (لن يفترقا) فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآية الكريمة:
وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآية الكريمة:
1 - قال محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 في تفسيره:
((طرفي النهار (صلاة الغداة والعشي) (2) ونقل الطبري إجماع المفسرين على أن المراد من صلاة طرف النهار الأول صلاة الفجر وهي الغداة، ثم ذكر اختلاف أهل التأويل (3) في المراد من الصلاة في الطرف

(1) مجمع البحرين، كتاب الفاء، باب ما أوله الزاي، ص 378.
(2) التفسير الكبير، لمحمد بن جرير الطبري، ج 12 / 71، المطبعة الميمنية بمصر.
(3) أهل التأويل عند الطبري وغيره من أهل السنة هم أمثال عبد الله بن عباس، وعبد الله أبن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وغيرهم من الأصحاب، وكذلك قتادة ومجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم من التابعين.
أما أهل التأويل عند الشيعة فهم الأئمة من أهل البيت بعد جدهم الأعظم (ص) فقط، وأنهم هم المعنيون بقوله تعالى في سورة آل عمران / 7: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ".
61

الثاني، ثم قال: قال بعضهم: عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر. قالوا: وهما من صلاة العشي. وروى تأييدا لهذا القول روايات عديدة من طرقهم، منها ما رواه بسنده عن منصور، عن مجاهد، في قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار (قال: الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر. وروى عن مجاهد أيضا من طريقين آخرين مثله. وروى مثله أيضا عن محمد بن كعب القرظي من طريقين، ومثله عن الضحاك أيضا.
ثم روى روايات أخرى في ص 72 تدل على أن صلاة الطرف الثاني هي المغرب، وأختار هو هذا القول بحجة أن الإجماع حاصل على أن صلاة الطرف الأول من النهار هي صلاة الفجر، وهي تصلى قبل طلوع الشمس، فالواجب إذا أن تكون صلاة الطرف الثاني هي صلاة المغرب لأنها تصلى بعد غروب الشمس.
نقاش علمي مع الطبري:
والحقيقة أنها حجة لا تتفق مع الآية، لأن نص الآية: (طرفي النهار (والمراد من طرفيه أوله وآخره كما نص على ذلك المفسرون واللغويون. وصلاة المغرب لم تكن واقعة في آخر النهار بل واقعة في أول الليل وخارجة عن النهار، وداخلة تحت قوله تعالى: (وزلفا من الليل (كما أن المعلوم أن طرفي الشيء (أي شئ كان) منه لا خارج عنه، فالقول الأول
62

هو الأرجح والمتبادر إلى الذهن، وهو الذي رواه الكثير من أصحابه ونقل هو أكثر رواياتهم.
وقال الطبري في (ص 73) في قوله تعالى: (وزلفا من الليل (:
فقد قال قوم: (وزلفا من الليل (: صلاة المغرب والعشاء. وروى تأييدا لهذا القول روايات عديدة، منها باسناده عن الحسن من طريقين، ومنها عنه أيضا أنه قال: قال رسول الله (ص): (هما زلفتا الليل، المغرب والعشاء) وعن مجاهد من طرق ثلاثة أيضا، وعن المبارك بن فضالة، عن الحسن:) وزلفا من الليل): المغرب والعشاء. وقال: فقال رسول الله (ص): (هما زلفتا الليل، المغرب والعشاء). ومثله أيضا عن قتادة، وعن محمد بن كعب القرظي من ثلاثة طرق، وعن الضحاك أيضا.
هكذا أكثر الطبري من نقل الروايات من طرقهم في هذه الآية من (ص 71 - 78) من الجزء الثاني عشر في إن قوله: (طرفي النهار (صلاة الفجر والظهر والعصر، و (وزلفا من الليل (المغرب والعشاء، فراجع إذا شئت.
2 - وقال أبو بكر احمد بن علي الجصاص الحنفي المتوفى سنة 370 ما نصه:
(من مواقيت الصلوات، وقال تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل (روى عمرو عن الحسن في قوله تعالى: (طرفي النهار (قال: صلاة الفجر، والأخرى الظهر والعصر، و (زلفا من الليل (قال: المغرب والعشاء).
63

ثم قال: فعلى هذا القول قد تضمنت الآية الصلوات الخمس (1).
3 - وقال جار الله محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي، المعروف بالزمخشري المعتزلي المتوفى سنة 528:
(... (طرفي النهار (غدوة وعشيا، و (زلفا من الليل (ساعات من الليل وهي ساعات قريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وأزدلف إليه. وصلاة الغدوة: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر، لأن ما بعد الزوال عشي. وصلاة الزلف: المغرب والعشاء) (2).
4 - وقال محمد بن عمر المعروف بفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606:
(كثرت المذاهب في تفسير (طرفي النهار (، والأقرب أن الصلاة التي تقام في طرفي النهار هي الفجر والعصر، وذلك لأن أحد طرفي النهار طلوع الشمس، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله: (وزلفا من الليل (فوجب حمل الثاني على صلاة العصر) (3).

(1) أحكام القرآن ج 2 / 267، مطبعة الأوقاف الإسلامية، 1335 ه‍.
(2) الكشاف عن حقائق التنزيل، ج 1 / 616، مطبعة محمد مصطفى، 1308 ه‍.
(3) مفاتيح الغيب ج 5 / 95، المطبعة الخيرية، 1308 ه‍.
64

ثم صرح الفخر الرازي في (ص 96) بدخول المغرب والعشاء تحت قوله تعالى: (وزلفا من الليل (ولكنه (عفى الله عنه) نسي ذكر صلاة الظهر وكأنها غير داخلة في الآية.
نعم قال في تفسير خاتمة الآية: (إن الحسنات يذهبن السيئات (: المسالة الأولى في تفسير الحسنات قولان: الأول - قال أبن عباس: المعنى إن الصلوات الخمس كفارات لسائر الذنوب بشرط الاجتناب عن الكبائر.
فحديث أبن عباس هذا، صريح في إن الصلوات الخمس داخلة في الآية الكريمة، وأوقاتها ثلاثة لا خمسة.
5 - وقال الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774:
(قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار (قال الحسن في رواية، وقتادة والضحاك وغيرهم: هي الصبح والعصر (1). وقال مجاهد: هي الصبح في أول النهار، والظهر والعصر مرة أخرى. (وزلفا من الليل (قال أبن عباس، ومجاهد، والحسن وغيرهم: يعني صلاة العشاء. وقال الحسن في رواية أبن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه (وزلفا من الليل (يعني المغرب والعشاء. قال رسول الله: وهما زلفتا الليل، المغرب والعشاء، وكذا قال مجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والضحاك: إنها صلاة المغرب والعشاء) (2).

(1) وفي رواية أخرى عن الحسن: إنها هي الصبح والظهر والعصر.
(2) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ج 2 / 462، مطبعة الاستقامة 1373 ه‍.
65

6 - وقال جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 991:
(وأخرج عبد الرزاق، وأبن جرير، وأبن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله (وأقم الصلاة طرفي النهار (قال: صلاة الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر... (وزلفا من الليل (قال: المغرب والعشاء.
وأخرج أبن جرير، وأبن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن في قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار (قال: الفجر والعصر، (وزلفا من الليل (قال: هما زلفتان: صلاة المغرب وصلاة والعشاء. قال: وقال رسول الله (ص): هما زلفتا الليل.
وأخرج أبن جرير، ومحمد بن نصر، وأبن مردويه، عن أبن مسعود في قوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات (قال: الصلوات الخمس.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبن أبي شيبة، ومحمد بن نصر، وأبن جرير، وأبن المنذر، وأبن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبن عباس في قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات (قال: الصلوات الخمس، و (الباقيات الصالحات) قال: الصلوات الخمس (1).
وأكثر السيوطي من نقل الروايات المتظافرة في سبب نزول الآية، وأن الحسنات فيها هي الصلوات الخمس من (ص 351) إلى (ص 355) فراجع إذا شئت.

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 3 / 351، المطبعة الميمنية 1314 ه‍.
66

7 - وقال الجلالان، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في (تفسير الجلالين):
(وأقم الصلاة طرفي النهار: الغداة والعشي أي الصبح والظهر والعصر،) وزلفا) جمع زلفة أي طائفة (من الليل) أي المغرب والعشاء، (إن الحسنات (الصلوات الخمس (يذهبن السيئات (الذنوب الصغائر..) (1).
8 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره المطبوع على هامش (مفاتيح الغيب):
(وأقم الصلاة طرفي النهار: أي غدوة وعشية، وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا إلى الوقت (وزلفا من الليل (أي ساعات منه قريبة من النهار، والمراد بصلاتهما الغداة والعصر، وقيل: الظهر موضع العصر، لأن ما بعد الزوال عشى، وصلاة الزلف، المغرب والعشاء... إلى أن قال: (إن الحسنات (التي من جملتها بل عمدتها ما أمرت به من الصلوات (يذهبن السيئات (التي قل ما يخلو منها البشر أي يكفرونها. وفي الحديث: " إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر "...) (2).
9 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري المدرس بالجامعة المصرية ومدرسة دار العلوم:

(1) تفسير الجلالين ص 180، ط مصر 1370 ه‍.
(2) هامش تفسير مفاتيح الغيب ج 5 / 84، المطبعة الخيرية مصر 1380 ه‍.
67

(وأقم الصلاة طرفي النهار: غدوة وعشية، وهو منصوب على الظرفية لأنه مضاف إلى الظرف، وصلاة طرفي النهار الأول، الصبح، وطرف النهار الثاني الظهر والعصر... (وزلفا من الليل (الزلف: جمع زلفة، من أزلفه إذا قربه أي ساعات من الليل قريبة من آخر النهار، وهي صلاة المغرب والعشاء... (إن الحسنات (كالصلوات الخمس (يذهبن السيئات (أي الذنوب. وفي الحديث: " إن الصلوات الخمس تكفر ما بينهما من الذنوب "، ومثل الصلوات جميع الطاعات. قال عليه - وآله - الصلاة والسلام: " واتبع السيئة الحسنة تمحها ") (1).
10 - وقال الأستاذ سيد قطب في تفسيره:
(ومن الاستقامة إقامة الصلاة في أوقاتها، والآية هنا تذكر طرفي النهار، وهما أوله وآخره، وزلفا من الليل أي قريبا من الليل، وهذه أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها، والعدد محدود بالسنة، ومواقيته كذلك) (2).
ونسجل هنا ملاحظة على عبارة الأستاذ سيد قطب جديرة بالانتباه، وهي أن مواقيت الصلاة محددة بهذه الآية حسب اعترافه، كما هي محددة في السنة فقوله: " ومواقيته كذلك " عبارة زائدة لا يجوز عطفها على عدد الصلاة، فأن الآية لم تتعرض لعدد الصلاة وإنما تعرضت لأوقاتها وأنها ثلاثة فقط (طرفي النهار، وزلفا من الليل (.

(1) تفسير الجواهر ج 6 / 178، ط مصطفى البابي بمصر 1346 ه‍.
(2) في ظلال القرآن ج 12 / 68، ط دار أحياء الكتب العربية.
68

الآية الثانية في سورة الإسراء:
قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (.
التحقيق حول الآية الكريمة:
اتفق الفقهاء والمفسرون من الفريقين إلا من شذ منهم (1) على أن المراد بإقامة الصلاة في هذه الآية إنما هو الصلوات الخمس المفروضة دون غيرها.
والآية - كما ترى - قد استعرضت أوقات إقامتها فجعلتها ثلاثة فقط: (لدلوك الشمس (وهو وقت الابتداء لفريضتي الظهر والعصر مشتركا بينهما (إلى غسق الليل (وهو الانتهاء لفريضتي المغرب والعشاء على الاشتراك بينهما أيضا (وقرآن الفجر (لفريضة الصبح خاصة.
ودلوك الشمس هو زوالها على ما هو المروي عن النبي (ص) وعن كثير من الصحابة والتابعين، كما أنه مروي عن الإمامين أبي جعفر الباقر وولده أبي عبد الله الصادق (ع)، وعليه اتفاق الشيعة الإمامية في كل العصور، ووافقهم على هذا القول أيضا أكثر علماء أهل السنة (2).

(1) لا نعلم أحدا شذ عن هذا الاتفاق غير سيد قطب، وستقرأ رأيه في المراد من الصلاة في الآية ونقاشنا له في الموضوع.
(2) كما في (مفاتيح الغيب) ج 5 / 422، و (التفسير الحديث) ج 3 / 259.
69

وروى مالك بن أنس - إمام المالكية - في كتابه (الموطأ) (1) بسنده عن عبد الله بن عمر كان يقول: (دلوك الشمس ميلها). وقال محمد الزرقاني: " ميلها وقت الزوال، وكذا روي عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي برزة، وعن خلق من التابعين ".
وأما غسق الليل فهو أما ظلمة الليل في أوله على قول ضعيف، وإما نصف الليل وهذا هو الأقوى والأصح، وهو المروي أيضا من طرق الفريقين، والمؤيد عند أكثر المفسرين كما سيمر عليك.
وعلى هذا يكون ابتداء وقت صلاتي الظهر والعصر من زوال الشمس، ثم يكون انتهاء وقت صلاتي المغرب والعشاء نصف الليل، وصلاة الصبح وقت الفجر، فالآية فيها دلالة واضحة على اتساع الوقت وامتداده للصلوات الأربع من زوال الشمس إلى نصف الليل.
قال الزرقاني في شرحه على (الموطأ) ص 29:
(وهذه الآية إحدى الآيات التي جمعت الصلوات الخمس، فدلوك الشمس إشارة للظهرين، وغسق الليل العشاءين، وقرآن الفجر إلى صلاة الصبح).
وقال الحسن - أي البصري -: (لدلوك الشمس (: لزوالها صلاة الظهر وصلاة العصر إلى (غسق الليل (صلاة المغرب والعشاء الآخرة،

(1) الموطأ: لمالك بن انس، المطبوع في ذيله (شرح الزرقاني) ج 1 / 28.
70

كأنه يقول: من ذلك الوقت إلى هذا الوقت على ما يبين لك من حال الصلوات الأربع، ثم صلاة الفجر، فأفردت بالذكر (1).
فتكون أوقات الصلوات كلها - إذن - ثلاثة لا خمسة، وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت الذين هم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا).. فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآية الكريمة:
وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآية الكريمة...
1 - قال الطبري في تفسيره:
(أختلف أهل التأويل في الوقت الذي عناه الله بدلوك الشمس. فقال بعضهم، هو وقت غروبها، واستشهد على ذلك بأقوال بعض المفسرين، ثم قال: وقال آخرون: دلوك الشمس ميلها للزوال، والصلاة التي أمر رسول الله (ص) بإقامتها عند دلوكها الظهر) (2).
واستشهد الطبري على ذلك بروايات عديدة، عن عبد الله (3)، وعن ابن عباس، وعن ابن عمر، وعن أبي برزة السلمي، وعن سيار بن سلامة

(1) تفسير التبيان: للشيخ الطوسي ج 6 / 509 - 510.
(2) تفسير الطبري ج 5 / 85.
(3) والظاهر يعني به عمرو بن العاص.
71

الرياحي عن أبي برزة أيضا، وعن مبارك عن الحسن، وعن يونس عن الحسن أيضا، وعن جويبر عن الضحاك، وعن أبي جعفر (أي الإمام الباقر ()، وعن الزهري عن ابن عباس، وعن معمر عن قتادة، وعن سعيد عن قتادة أيضا، وعن مجاهد من طريقين.
ثم قال الطبري في (ص 86): وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بقوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (صلاة الظهر، ثم استدل على صحة هذا القول بدلائل عديدة من كلام أهل اللغة وغيرهم، ثم قال: وبذلك ورد الخبر عن رسول الله (ص).
ثم روى بسنده عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): أتاني جبرئيل (لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر، وعن أبي برزة: كان رسول الله يصلي الظهر إذا زالت الشمس ثم تلا: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (. وعن جابر بن عبد الله قال: دعوت نبي الله ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي (ص) فقال: " أخرج يا أبا بكر قد دلكت الشمس ".
ثم قال الطبري: إن معنى قوله جل ثناؤه: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (: أن صلاة الظهر والعصر بحدودهما مما أوجب الله عليك فيها، لأنهما الصلاتان اللتان فرضهما الله على نبيه (ص) من وقت دلوك الشمس، وقوله: (إلى غسق الليل (فسر الطبري الغسق ببدء الليل وظلمته، ونص على أنه وقت لصلاة المغرب والعشاء، وأن قوله: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (هي صلاة الفجر، وتشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
72

2 - وقال أبو بكر بن أحمد بن علي الجصاص الحنفي:
(فيما ذكر في الكتاب من أوقات الصلاة قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر (ذكر مجاهد عن ابن عباس (لدلوك الشمس (قال: إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر. وكذلك روي عن ابن عمر في دلوكها أنه زوالها... وقد علمنا أن دلوكها هو أول الوقت، وغسق الليل نهايته وغايته، لأنه قال: (إلى غسق الليل (.. فأن حمل المعنى على الزوال انتظم أربع صلوات (وقرآن الفجر (وهو صلاة الفجر فتنتظم الآية الصلوات الخمس، وهذا معنى ظاهر قد دل عليه إفراد صلاة الفجر بالذكر) (1).
وقال في موضع آخر: " وقال الحسن: غسق الليل صلاة المغرب والعشاء. وقال إبراهيم النخعي: غسق الليل العشاء الآخرة. وعن أبي جعفر (يعني الإمام الباقر (): غسق الليل انتصافه " (2).
3 - وقال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:
(دلكت الشمس: غربت، وقيل: زالت. وروي عن النبي (ص): أتاني جبرئيل (لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر. واشتقاقه من الدلك، لأن الإنسان يدلك عينيه عند النظر إليها. فأن كان الدلوك للزوال فالآية جامعة للصلوات الخمس، وأن كان الغروب فقد خرجت منها الظهر

(1) أحكام القرآن: للجصاص ج 2 / 266.
(2) نفس المصدر السابق ج 2 / 267.
73

والعصر (وقرآن الفجر (صلاة الفجر (مشهودا (يشهده ملائكة الليل والنهار) (1).
ثم قال الزمخشري عند تفسير الآية التالية: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك (: (عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس).
4 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:
(المسألة الثانية: أختلف أهل اللغة والمفسرون في معنى دلوك الشمس على قولين... والقول الثاني: إن دلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء، وهو اختيار
الأكثرين من الصحابة والتابعين. وأحتج القائلون بهذا القول على صحته بوجوه..) وبعد أن ذكر ثلاث حجج على ذلك قال: (الحجة الرابعة، قال الأزهري: الأولى حمل الدلوك على الزوال في نصف النهار، والمعنى أقم الصلاة أي أدمها من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل، وعلى هذا التقدير فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم قال تعالى (وقرآن الفجر (، فإذا حملنا الدلوك على الزوال دخلت الصلوات الخمس في هذه الآية، وأن حملناه على الغروب لم يدخل فيه إلا ثلاث صلوات وهي المغرب والعشاء والفجر، وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى، فوجب أن يكون المراد من الدلوك الزوال.. (إلى أن قال): وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين. فهذا يقتضي
74

جواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء مطلقا، إلا أنه دل الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فوجب أن يكون الجمع جائزا بعذر السفر وعذر المطر وغيره (1).
نقاش علمي مع الفخر الرازي:
ما أدري أي دليل دل الفخر الرازي على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز؟ فأن كان الكتاب فهذه آية من آياته نص هو نفسه على أنها تقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء مطلقا، وهكذا بقية آياته في المسألة وهي نصب عينيك، وأن كان الدليل من السنة، ففعل النبي (ص) وقوله وإقراره على جواز الجمع ثابت كما سيأتيك البيان مفصلا ومسندا إلى صحاحهم وسننهم ومسانيدهم، وأن كان الإجماع فمعلوم أن لا إجماع بين فقهاء المسلمين في أن الجمع بين الصلاتين لا يجوز بدون عذر. نعم، قد يقصد بالدليل فتاوى المذاهب الأربعة فذلك عذره أن كان مقلدا لهم.
ومن هنا قال في جوابه سيدنا الأجل السيد عبد الحسين شرف الدين (ره) في كتابه الصغير الحجم الكبير النفع (مسائل فقهية) ص 15 ما نصه:
(قلت: أمعنا بحثا عما ذكره (أي الفخر الرازي) من دلالة الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فلم نجد له - شهد الله - عينا ولا أثرا... نعم كان النبي (ص) يجمع في حال العذر، وقد جمع أيضا في
75

حال عدمه لئلا يحرج أمته، ولا كلام في أن التفريق أفضل، ولذلك كان يؤثره رسول الله (ص).. كما هي عادته في المستحبات كلها صلى الله عليه وآله وسلم).
5 - وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي في تفسيره:
(يقول تبارك وتعالى لرسوله (ص) آمرا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (قيل: لغروبها، قاله ابن مسعود، ومجاهد، وابن زيد، وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس: دلوكها زوالها، ورواه نافع عن ابن عمر، ورواه مالك في تفسيره عن الزهري عن ابن عمر، وقاله أبو برزة الأسلمي، وهو رواية أيضا عن ابن مسعود، ومجاهد، وبه قال الحسن، والضحاك، وأبو جعفر الباقر، وقتادة، واختاره ابن جرير. ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد، عن الحكم بن بشير: حدثنا عمرو بن قيس، عن ابن أبي ليلى، عن رجل، عن جابر بن عبد الله قال: دعوت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، ومن شاء من أصحابه، فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي (ص) فقال: أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس. ثم رواه عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر عن رسول الله (ص) نحوه. فعلى هذا تكون الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فمن قوله: (لدلوك الشمس إلى غسق الليل (وهو
76

ظلامه، وقيل: غروب الشمس أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قوله: (وقرآن الفجر (يعني صلاة الفجر) (1).
6 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:
(وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (قال: لزوال الشمس. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: دلوك الشمس زياغها بعد نصف النهار. وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: دلوك الشمس زوالها. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن ابن عباس قال: دلوكها زوالها. واخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر، واخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله (ص) يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: كان النبي (ص) يصلي الظهر عند دلوك الشمس.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: غسق الليل اجتماع الليل وظلمته. وأخرج ابن الأنباري في (الوقف) عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: (إلى غسق الليل (قال: الغسق دخول الليل بظلمته... قال فيه زهير بن أبي سلمى:
77

ظلت تجوب يداها وهي لاهية حتى إذا أجنح الإظلام في الغسق
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (قال: صلاة الصبح. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: (وقرآن الفجر (قال: صلاة الفجر. وأخرج أحمد، والترمذي - وصححه - والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم - وصححه - وابن مردويه، والبيهقي في (شعب الأيمان) عن أبي هريرة في قوله: (إن قرآن الفجر كان مشهودا (قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها) (1).
78

7 - وقال الجلالان في تفسيرهما:
((أقم الصلاة لدلوك الشمس (أي من وقت زوالها (إلى غسق الليل (إقبال ظلمته، أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وقرآن الفجر (صلاة الصبح (إن قرآن الفجر كان مشهودا (تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار) (1).
79

8 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
((أقم الصلاة لدلوك الشمس (لزوالها كما ينبئ عنه قوله عليه (وآله) الصلاة والسلام: أتاني جبرئيل (لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر... فالآية على تفسير الدلوك بالزوال جامعة للصلوات الخمس) (1).
9 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:
((أقم الصلاة لدلوك الشمس (لزوالها أي بعد زوال الشمس لأن الدلوك من الدلك وهو الانتقال، والدلك لا تستقر يده في مكان (إلى غسق الليل (إلى ظلمته، وذلك وقت صلاة العشاء الأخيرة إذا زال الشفق، (وقرآن الفجر (صلاة الصبح، وسميت قرآنا من تسمية الكل باسم البعض لأن القراءة من أركانها (2) كما تسمى ركوعا وتسمى سجودا (إن قرآن الفجر كان مشهودا (تشهده شواهد القدرة، وبدائع الحكمة، ونظام الخليقة، وبهجة العالم العلوي والسفلي.. وهذه هي الصلوات الخمس، فمن دلوك الشمس إلى غسق الليل أي غروب الشفق الذي يتبعه الظلام أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقرآن الفجر هو الصبح) (3).
10 - وقال الأستاذ سيد قطب في تفسيره:
80

(دلوك الشمس هو ميلها إلى المغيب. والأمر هنا للرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم خاصة. أما الصلاة المكتوبة فلها أوقاتها التي تواترت بها أحاديث الرسول (ص) وتواترت بها سنته العملية وقد فسر بعضهم دلوك الشمس بزوالها عن كبد السماء، والغسق بأول الليل، وفسر قرآن الفجر بصلاة الفجر، وأخذ من هذا أوقات الصلاة المكتوبة وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (من دلوك الشمس إلى غسق الليل) ثم الفجر. وجعل التهجد وحده هو الذي اختص رسول الله بأن يكون مأمورا به، وإنه نافلة له. ونحن نميل إلى الرأي الأول: وهو أن كل ما ورد في هذه الآيات مختص بالرسول (ص)، وأن أوقات الصلاة المكتوبة ثابتة بالسنة القولية والعملية) (1).
نقاش علمي مع سيد قطب:
لقد وجد الأستاذ (قطب) في الآية القرآنية دليلا صريحا في أن أوقات الصلوات ثلاثة، في حين أن فتاوى المذاهب الأربعة تذكر أنها خمسة، ووجد أن الآية تقضي بجواز الجمع بين الصلاتين، والمذاهب لا تجيزه، فوقف موقف الحيرة في الجمع بين ما نصت عليه الآية من أوقات الصلوات، وبين ما عليه فتوى المذاهب فرأى أن يميل إلى صرف الآية عن هدفها الحقيقي من بيان أوقات الصلاة المكتوبة إلى أنها مختصة بالرسول (ص)، وأن أوقات الصلاة المكتوبة ثابتة بالسنة القولية والعملية، فخالف بذلك كافة الفقهاء والمفسرين من حيث يشعر أو لا يشعر.
81

أما قوله: أن أوقات الصلاة المكتوبة ثابتة بالسنة القولية والعملية فصحيح، ولكن السنة الثابتة مع هذه الآية والآيات الأخرى لن تفارقها، وسيأتيك بيانها.
هذا والمعلوم بالضرورة والإجماع عند علماء المسلمين أجمعين أن من خصائص النبي (ص) وجوب صلاة الليل عليه فقط دون غيرها من النوافل الأخرى، وهي مندوبة لأمته، ووقتها من بعد نصف الليل إلى وقت طلوع الفجر، وإليها أشارت الآية التالية [79 من سورة الإسراء]: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (وهذا لا خلاف فيه لأحد.
ولم تسمع أذن الدنيا قولا قبل قول الأستاذ قطب أن هناك صلاة واجبة على النبي وخاصة به غير صلاة الليل، فمن أين جاء باختصاص النبي بصلاة عند دلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر؟ وما هي هذه الصلاة؟ وما كيفيتها؟!!
لست أدري ولا أظن أن الأستاذ يدري... نعم أن الله (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ([سورة المؤمن / 20].
الآية الثالثة في سورة طه:
قال تعالى: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (.
82

التحقيق حول الآية الكريمة:
صرح أكثر الفقهاء والمفسرين من الفريقين (1) بأن التسبيح الذي أمر الله سبحانه به في هذه الآية هو الصلوات الخمس المكتوبة، أو المكتوبة والمندوبة، وأن الله سماها تسبيحا من باب تسمية الكل باسم البعض كما سماها قرآنا وسجودا وذكرا، أو لأن التسبيح لغة هو التنزيه والتقديس، والصلاة من أبرز مظاهرهما.
قال السيد محمد رشيد رضا في تفسيره: " وكانوا يعبرون عن الصلاة بالتسبيح ويقولون سبح الغداة مثلا أي صلى الفجر " (2).
ويؤيد هذا نصوص مروية عن النبي (ص) وأصحابه والتابعين كما ستمر عليك قريبا.
والآية - كما ترى - تذكر أوقاتا أربعة (قبل طلوع الشمس (وهذا وقت لصلاة الصبح بلا خلاف، وهو بيان لآخر وقتها، وعلى هذا نعلم بطلان من رأى أن وقت صلاة الصبح الاختياري ينتهي في وقت تعارف الوجوه وهو الإسفار والتنوير (3) (وقبل غروبها (. وهذا وقت للظهر والعصر مشتركا بينهما، وهو بيان لآخره، ومن هنا نعلم أيضا بطلان من

(1) راجع (تفسير الميزان) للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ج 14 / 255، و (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي ج 6 / 81.
(2) المنار في تفسير القرآن ج 2 / 437.
(3) راجع فتوى مالك في وقت الصبح.
83

رأى أن وقت صلاة العصر الاختياري ينتهي إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران (1)، ومن ذهب أيضا إلى أن من أخر صلاة العصر إلى تجاوز الظل عن مثليه يأثم، وأنه يحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت (2).
(ومن آناء الليل فسبح (أي ساعات من الليل وهو وقت للمغرب والعشاء مشتركا بينهما أيضا، وإن هذا الوقت هو بعض الليل لا كله، لأن (من) للتبعيض، وينتهي الوقت (حسب روايات أهل البيت وفتاوى شيعتهم) للمختار غير المضطر في منتصف الليل، وهو الوقت القريب من النهار في قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل (أي ساعات من الليل قريبة من النهار، وبذلك نعلم بطلان من رأى أن صلاة العشاء يمتد وقتها إلى طلوع الفجر الصادق الذي به يكون انتهاء الليل (3).
(وأطراف النهار لعلك ترضى (وهذا الوقت الرابع اختلف المفسرون في المراد منه وستمر عليك بعض أقوالهم فيه، والظاهر لنا - والله أعلم - أن (أطراف (جمع طرف، والجمع في اللغة لا يكون أقل من ثلاثة وعليه فإن أريد به أول النهار ووسطه وآخره، يكون ذلك تأكيدا من الله سبحانه لعباده على صلوات النهار المفروضة الواقعة في أطرافه وهي الصبح والظهر والعصر التي ذكرها بقوله: (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (. وإن أريد به مطلق أطرافه أي ساعاته فإنه يكون ترغيبا من الله لعباده في التطوع بمطلق الصلاة المندوبة في أي وقت شاء من النهار.

(1) راجع فتوى مالك في وقت العصر.
(2) راجع فتوى احمد بن حنبل في وقت العصر.
(3) راجع فتوى أبي حنيفة، ومحمد بن إدريس الشافعي في وقت صلاة العشاء.
84

ويؤيد هذا ما روى شيخنا الكليني بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (قال: قلت له: (وأطراف النهار لعلك ترضى (قال: يعني تطوع بالنهار (1).
فظهر لنا من الآية الكريمة أن فيها دلالة واضحة على اتساع الوقت وامتداده لصلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ولصلاتي الظهر والعصر إلى غروبها، والمغرب والعشاء إلى منتصف الليل، وأن مجموع أوقات الصلوات المفروضة ثلاثة لا خمسة. وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت (ع) الذين هم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآية الكريمة:
وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآية الكريمة:
1 - قال الطبري في تفسيره:
(... (وسبح بحمد ربك (يقول: وصل بثنائك على ربك (إلى أن قال) وقوله: (قبل طلوع الشمس (وذلك صلاة الصبح، (وقبل غروبها (وهي العصر، (ومن آناء الليل فسبح (صلاة العشاء الآخرة، لأنها تصلى بعد

(1) فروع الكافي ج 3 - 444 ط حيدري طهران، ونقله العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في (الميزان) ج 14 - 261.
85

مضي آناء الليل، وقوله: (وأطراف النهار (يعني صلاة الظهر والمغرب، وقيل (أطراف النهار (الصلاتان اللتان ذكرناهما) (1).
يقصد الطبري بالصلاتين اللتين ذكرهما صلاة الصبح والعصر، وعليه يكون الوقت الرابع في الآية للتأكيد على الصلاة المذكورة (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (وهي الصبح والظهر والعصر، وهذا هو الأصوب.
وروى الطبري (2) بإسناده عن أبي زيد عن أبن عباس (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (قال: الصلاة المكتوبة، وروى حديثا آخر عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي (ص) أن المراد من التسبيح هو الصلوات المكتوبة. وروى عن قتادة في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس (قال: هي صلاة الفجر، (وقبل غروبها (قال: صلاة العصر (ومن آناء الليل فسبح (قال: صلاة المغرب والعشاء، (وأطراف النهار (قال: صلاة الظهر.
2 - وقال أبو بكر احمد بن علي الجصاص الحنفي في عرضه لمواقيت الصلوات في القرآن:
((فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (. وهذه

(1) تفسير الطبري ج 16 / 151.
(2) تفسير الطبري ج 16 / 152.
86

الآية منتظمة لأوقات الصلوات أيضا، فهذه الآيات كلها فيها ذكر أوقات الصلوات) (1).
3 - قال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:
(والمراد بالتسبيح الصلاة، أو على ظاهره، قدم الفعل على الأوقات أولا، والأوقات على الفعل آخرا، فكأنه قال: صل لله قبل طلوع الشمس يعني الفجر، وقبل غروبها يعني الظهر والعصر، لأنهما واقعان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها، وتعمد آناء الليل وأطراف النهار مختصا لهما بصلاتك.. وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة (أي صلاة العشاء) وفي أطراف النهار: صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى... ((2).
4 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:
(المسألة الثالثة: اختلف المفسرون في التسبيح على وجهين.
فالأكثرون على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على أوجه.
الأول إن الآية تدل على الصلوات الخمس لا أزيد ولا أنقص، فقال أبن عباس: دخلت الصلوات الخمس فيه، فقبل طلوع الشمس هو صلاة

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 267.
(2) تفسير الكشاف للزمخشري ج 2 / 38.
87

الفجر، وقبل غروبها هو الظهر والعصر، لأنهما جميعا قبل الغروب، (ومن آناء الليل (فسبح: المغرب والعشاء الأخيرة، ويكون قوله: (وأطراف النهار (كالتوكيد للصلاتين في طرفي النهار، وهي صلاة الفجر وصلاة المغرب كما اختصت في قوله: (والصلاة الوسطى (بالتوكيد) (1).
ثم قال: (القول الثاني: إن الزيادة تدل على الصلوات الخمس وزيادة، وأن الزيادة هي قوله تعالى: (وأطراف النهار (للنوافل) (2).
5 - وقال الحافظ أبن كثير الدمشقي الشافعي في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس (يعني صلاة الفجر (وقبل غروبها (يعني صلاة العصر.. وقال الإمام احمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عمارة بن رؤيبة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. ورواه مسلم من حديث عبد الملك بن عمير.. (ومن آناء الليل فسبح (أي من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء (وأطراف النهار " في مقابلة آناء الليل) (3).
6 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:

(1) تفسير مفاتيح الغيب للرازي ج 6 / 81.
(2) المصدر السابق ج 6 / 82.
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 3 / 170.
88

(أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وأبن المنذر، وأبن أبي حاتم، عن أبن عباس في قوله: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " قال: هي الصلاة المكتوبة. وأخرج عبد الرزاق، وأبن جرير، وأبن المنذر، وأبن أبي حاتم عن قتادة في قوله: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس (قال: هي صلاة الفجر، (وقبل غروبها (قال: صلاة العصر، (ومن آناء الليل (قال: صلاة المغرب والعشاء، (وأطراف النهار (قال: صلاة الظهر. وأخرج أبن أبي شيبة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن عمارة بن رؤيبة: سمعت رسول الله (ص) يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (. وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبي (ص) قال له: حافظ على العصرين، وما العصرين؟ قال: صلاة (قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها (..) (1).
7 - وقال الجلالان في تفسيرهما:
(.. (وسبح (وصل (بحمد ربك (حال، أي متلبسا به (قبل طلوع الشمس (صلاة الصبح (وقبل غروبها (صلاة العصر (ومن آناء الليل (ساعاته (فسبح (صل
المغرب والعشاء (وأطراف النهار (عطف على محل (ومن آناء الليل (المنصوب، أي صل الظهر لأن وقتها يدخل

(1) الدر المنثور ج 4 / 312. واختصر السيوطي هذا الحديث فأسقط أوله، وسنذكره بنصه من (مستدرك الحاكم) تحت عنوان (مواقيت الصلوات في السنة النبوية) كما اختصر الحديث السابق فأسقط آخره، وسنذكره بنصه أيضا.
89

بزوال الشمس فهو طرف النصف الأول، وطرف النصف الثاني (لعلك ترضى (بما تعطى من الثواب) (1).
8 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
(.. " وسبح " متلبسا " بحمد ربك " أي صل وأنت حامد لربك الذي يبلغك إلى كمالك على هدايته وتوفيقه، أو نزهه تعالى عما ينسبون إليه بما لا يليق بشأنه الرفيع، حامدا له على ما ميزك بالهدى، معترفا بأنه مولى النعم كلها، والأول هو الأظهر المناسب لقوله تعالى (قبل طلوع الشمس (فإن توقيت التنزيه غير معهود، فالمراد صلاة الفجر، (وقبل غروبها (يعني صلاة الظهر والعصر لأنهما قبل غروبها وبعد زوالها.. (ومن آناء الليل (أي ساعاته جمع إني بالكسر والقصر، وآناء بالفتح والمد (فسبح (أي فصل والمراد به المغرب والعشاء... (وأطراف النهار (تكرير لصلاة الفجر والمغرب، إيذانا باختصاصهما بمزيد مزية.. أو أمر بالتطوع في أجزاء النهار) (2).
9 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:
(... " وسبح " أي صل " بحمد ربك " أي وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه، معترفا بأنه مولى النعم كلها، بأن تقول في صلاتك: الحمد لله رب العالمين... الخ، وليكن ذلك (قبل طلوع الشمس (وهي صلاة الفجر التي

(1) تفسير الجلالين / 251.
(2) تفسير أبي السعود ج 6 / 272.
90

تكون في أوقات الصفاء والجمال والبهجة وإشراق الجو بنور بهج بديع مشرق مذكر بالنور الإلهي المالئ للكون " وقبل غروبها " وقت الظهر ووقت العصر، وقد أزفت ترحل من العالم الأرضي إلى عالم أرضي آخر، فتكون الصلاة في هذين الوقتين للاعتراف بما حباه الله للناس من النور الذي أكسبهم حياة ومعيشة، وسبب لهم الخيرات والنعم، وأحاطهم بأصناف الكرامات من جنات وأعناب وسحاب وضياء به يبصرون طرقهم (ومن آناء الليل فسبح (الآناء جمع إني بالكسر والقصر، أو آناء بالفتح والمد أي الساعات يقول: صل في ساعات الليل المغرب والعشاء... وأما قوله تعالى (وأطراف النهار (فإنه تكرار لصلاة الصبح وصلاة المغرب وهو معطوف على " قبل " يقول الله: سبحني في هذه الأوقات (لعلك ترضى (أي رجاء أنك ترضى...) (1).
10 - وقال الأستاذ (سيد قطب) في تفسيره:
(وأتجه إلى ربك بحمده قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. في هدأة الصبح وهو يتنفس ويتفتح بالحياة، وفي هدأة الغروب والشمس تودع، والكون يغمض أجفانه، وسبح بحمده فترات من الليل والنهار.. كن موصولا بالله على مدار اليوم... لعلك ترضى.
إن التسبيح بالله اتصال، والنفس التي تتصل تطمئن وترضى، ترضى وهي في ذلك الجوار الرضي، وتطمئن، وهي في ذلك الحمى الآمن.

(1) تفسير الجواهر ج 10 / 142 - 143.
91

فالرضى ثمرة التسبيح والعبادة، وهو وحده جزاء حاضر ينبت من داخل النفس، ويترعرع في حنايا القلب) (1).
الآية الرابعة والخامسة في سورة الروم:
قال تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (17) وله الحمد 0 في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون (.
التحقيق حول الآيتين الكريمتين:
نص الكثير من الفقهاء والمفسرين من الفريقين أن التسبيح في الآية هو الصلوات الخمس المكتوبة، وهو خبر، ولكن المراد به الأمر، أي سبحوه ونزهوه بمعنى: صلوا له في هذه الأوقات.
ووردت في ذلك نصوص صريحة عن بعض الصحابة والتابعين كما سيأتي.
ووجه تسمية الصلاة بالتسبيح هو أن التسبيح تنزيه لله تعالى عن صفات المخلوقين، إذ هو المتعال عنهم المختص بالعبادة له دونهم، وكما أنه منزه عن صفات المخلوقين كذلك هو جل وعلا متصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال المطلق الذي لا يتصف به المخلوقين، ومن كان كذلك استحق مطلق الحمد والثناء، ولذلك قرن الحمد له بالتسبيح.

(1) في ظلال القرآن ج 16 / 107.
92

والآيتان - كما ترى - تذكران أوقاتا أربعة (فسبحان الله حين تمسون (صلاة المغرب والعشاء معا على ما نص عليه أكثر المفسرين. إذ الإمساء الدخول في المساء وهو مجيء الليل، كما أن الإصباح الدخول في الصباح وهو مجيء ضياء النهار، ثم قال: (وحين تصبحون (صلاة الصبح بلا خلاف، (وله الحمد في السماوات والأرض (جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وذكر الحمد هنا إشارة إلى أن له تبارك وتعالى الحمد والثناء المطلق في العالمين العلوي والسفلي، (وعشيا (صلاة العصر عطفا على أوقات الصلوات المتقدمة، (وحين تظهرون (وهذا الوقت الرابع، والمراد منه صلاة الظهر.
فتكون الآية - على هذا - قد ذكرت للصلاة المكتوبة أربعة أوقات، في حين بقية الآيات السابقة والآيات اللاحقة تذكر للصلاة أوقاتا ثلاثة.
والظاهر لي بعد التدبر والإمعان - والله أعلم - أن من أهداف هاتين الآيتين بالخصوص بيان أن الجمع بين الصلاتين مشرع ولا مانع منه لذا عينت الآية الأولى وقتا واحدا لصلاتي المغرب والعشاء معا بنصها: (وحين تمسون (ثم بيان أن التفريق بين الصلاتين مشرع أيضا ولا مانع منه، لذا ذكرت الآية الثانية وقتا خاصا لصلاة الظهر، وآخر لصلاة العصر، بنصها: (وعشيا وحين تظهرون (.
فتكون الآيتان (مع ملاحظة الآيات الأخرى) مؤيدين لروايات أهل البيت (ع) في جواز الجمع بين الصلاتين من جهة والتفريق بينهما من جهة أخرى، وأنهم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
93

أقوال وروايات أهل السنة في الآيتين الكريمتين:
وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآيتين الكريمتين.
1 - قال الطبري في تفسيره:
(... (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (يقول تعالى ذكره: فسبحوا الله أيها الناس، أي صلوا له حين تمسون وذلك صلاة المغرب (1) وحين تصبحون وذلك صلاة الصبح، (وله الحمد في السماوات والأرض (وله الحمد في جميع خلقه دون غيره في السماوات من سكانها، والأرض من أهلها من جميع أصناف خلقه فيها، (وعشيا (يقول: وسبحوه أيضا عشيا وذلك صلاة العصر (وحين تظهرون (يقول: وحين تدخلون في وقت الظهر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) (2).
وذكر في هذا روايات عديدة منها عن ابن عباس قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون (قال: المغرب والعشاء، (وحين تصبحون (الفجر، (وعشيا (العصر (وحين تظهرون (الظهر.

(1) كذا في المتن، ولم تذكر معها العشاء، والظاهر أن كلمة (والعشاء) ساقطة في الطبع إذ أن الطبري بعد أن ذكر قوله هذا أيده برواياتهم التي تذكر صلاة العشاء بعد المغرب.
(2) تفسير الطبري ج 21 / 18.
94

ثم ذكر الطبري مثل هذه الرواية من طرق ثمانية عن ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد.
2 - وقال أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي:
(وروى ليث، عن الحكم عن أبي عياض، قال: قال ابن عباس: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون (المغرب والعشاء (وحين تصبحون (الفجر، (وعشيا (العصر (وحين تظهرون (الظهر، وعن الحسن مثله) (1).
3 - وقال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:
(والمراد بالتسبيح ظاهره فيها الذي هو تنزيه الله من السوء والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعمة الله الظاهرة، وقيل: الصلاة، وقيل لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم وتلا هذه الآية (تمسون (صلاة المغرب والعشاء (وتصبحون (صلاة الفجر (وعشيا (صلاة العصر (وتظهرون (صلاة الظهر) (2).
4 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:
(وأما المعنى فقال بعض المفسرين: المراد منه الصلاة، أي صلوا. وذكروا أنه أشار إلى الصلوات الخمس..) (3).

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 267.
(2) تفسير الكشاف للزمخشري ج 2 / 186.
(3) تفسير مفاتيح الغيب للرازي ج 6 / 471.
95

5 - وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي في تفسيره:
(هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار بضيائه. ثم اعترض بحمده مناسبا للتسبيح وهو التحميد فقال تعالى: (وله الحمد في السماوات والأرض (أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض، ثم قال تعالى: (وعشيا وحين تظهرون (فالعشاء هو شدة الظلام، والإظهار قوة الضياء) (1).
6 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:
(وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم - وصححه - عن أبي رزين قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن
عباس فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، فقرأ (فسبحان الله حين تمسون (صلاة المغرب (وحين تصبحون (صلاة الصبح، (وعشيا (صلاة العصر (وحين تظهرون (صلاة الظهر، وقرأ " ومن بعد صلاة العشاء ") (2).
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وأبن المنذر، عن ابن عباس قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون (قال:

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 3 / 428.
(2) سورة النور / 59.
96

المغرب والعشاء، (وحين تصبحون (الفجر، (وعشيا (العصر، (وحين تظهرون (الظهر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وأبن المنذر، عن مجاهد مثله) (1).
7 - وقال الجلالان في تفسيرهما:
(... (فسبحان الله (أي سبحوا الله بمعنى صلوا (حين تمسون (أي تدخلون في المساء، وفيه صلاتان: المغرب والعشاء، (وحين تصبحون (تدخلون في الصباح، فيه صلاة الصبح، (وله الحمد في السماوات والأرض (اعتراض ومعناه يحمده أهلهما (وعشيا (عطف على (حين) وفيه صلاة العصر، (وحين تظهرون (، تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر) (2).
8 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
(وقيل: المراد بالتسبيح والحمد الصلاة لاشتمالها عليهما، وقد روي عن أبن عباس: أن الآية جامعة للصلوات الخمس (تمسون (صلاتا المغرب والعشاء، و (تصبحون (صلاة الفجر، و (عشيا (صلاة العصر، و (تظهرون (صلاة الظهر) (3).
9 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:

(1) الدر المنثور ج 5 / 154.
(2) تفسير الجلالين / 318.
(3) تفسير أبي السعود ج 6 / 272.
97

(.. (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (أي فسبحوا لله، والتسبيح تنزيه الله من السوء، والثناء عليه بالخير في الصلاة وغيرها، وقد سأل نافع بن الأزرق أبن عباس قائلا: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم، وقرأ هاتين الآيتين، وقال: جمعت الصلوات الخمس ومواقيتها، قال العلماء: وذلك أن قوله (تمسون (صلاة المغرب والعشاء، وقوله (تصبحون (صلاة الفجر، (وعشيا (صلاة العصر، (وحين تظهرون (صلاة الظهر) (1).
10 - وقال الأستاذ سيد قطب في تفسيره:
(والنص يربط التسبيح والحمد بالأوقات: الإمساء والإصباح والعشي والإظهار، كما يربطهما بآفاق السماوات والأرض. فيتقصى بهما الزمان والمكان، ويربط القلب البشري بالله في كل بقعة وفي كل أوان، ويشعر بتلك الرابطة في الخالق مع هيكل الكون ودورة الأفلاك وظواهر الليل والنهار والعشي والإظهار.. ومن ثم يظل القلب مفتوحا يقظا حساسا، وكل ما حوله من مشاهد وظواهر، وكل ما يختلف عليه من آونة وأحوال يذكره بتسبيح الله وحمده ويصله بخالقه وخالق المشاهد والظواهر والآونة والأحوال) (2).
الآية السادسة والسابعة في سورة ق:

(1) تفسير الجواهر ج 5 / 23.
(2) في ظلال القرآن ج 21 / 34.
98

قال تعالى: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود (.
التحقيق حول الآيتين الكريمتين:
هاتان الآيتان قريبة في نصهما ومفادهما من آية سورة طه (1) وقد صرح أكثر الفقهاء والمفسرين من الفريقين أن التسبيح الذي أمر الله به فيهما هو الصلوات الخمس المكتوبة والمندوبة بعدها.
ويؤيد هذا نصوص مروية عن بعض الصحابة والتابعين (2).
والآيتان - كما ترى - تذكر أوقاتا أربعة (قبل طلوع الشمس (وهذا وقت للصبح بلا خلاف، (وقبل الغروب (وهذا وقت للظهر والعصر مشتركا بينهما، (ومن الليل فسبحه (أي بعض الليل فصل له، وهو وقت للمغرب والعشاء مشتركا بينهما أيضا، (وأدبار السجود (وهذا الوقت الرابع، وقد ذهب المفسرون في المراد منه إلى قولين:
الأول: أن المراد منه النوافل بعد الفريضة أو بعضها.

(1) راجع كلامنا حول الآية الثالثة.
(2) منها ما عن أبن عباس إنه قال في تفسير الآيتين بما نصه: وقال أبن عباس الصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل الغروب الظهر والعصر، ومن الليل العشاءان، وأدبار السجود النوافل بعد الفرائض، تفسير المراغي ج 26 / 170.
99

الثاني: أنه التعقيب والذكر بعدها، والقول الأول أشهر، وقد وردت فيه نصوص عن الأئمة الأطهار من طرق الفريقين. فقد روى شيخنا الكليني في (فروع الكافي) (1) بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر قال: قلت له: (وأدبار السجود)؟ قال: ركعتان بعد المغرب، والظاهر أنه عليه السلام يريد صلاة الغفيلة وهي ركعتان تصلى بعد صلاة المغرب استحبابا.
وروى العلامة الشيخ احمد الجزائري قائلا: (وفي الصحيح عن أبن أبي عمير، عن الرضا (قال: أدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب، وأدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح) (2).
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بسنده عن أبن أبي بصير (3) قال: (سألت الإمام الرضا (عن قول الله (ومن الليل فسبحه وأدبار السجود (قال أربع ركعات بعد المغرب) (4) والمراد بأربع ركعات هنا نافلة المغرب.
ويمكن أن يستظهر من هذا الاختلاف بين الرواية الأولى عن أبي جعفر، وبين الروايتين عن الإمام الرضا (أن المراد من قوله (وأدبار

(1) ج 3 / 444.
(2) قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر ج 1 / 109.
(3) نقل هذا الحديث الشيخ احمد الجزائري في (قلائد الدرر) ج 1 / 109 عن تفسير علي بن إبراهيم بسنده، إلا أن الراوي فيه عن الإمام هو أبن أبي نصر، وهو الصحيح، وكلمة (بصير) خطأ مطبعي.
(4) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 / 327.
100

السجود (مطلق النوافل البعدية ويكون ذكر الركعتين عن أبي جعفر (والأربع ركعات عن الرضا (من باب التمثيل لا التعيين.
وروى أهل السنة عن علي أمير المؤمنين (أنها ركعتان بعد المغرب.
فالآيتان الكريمتان فيهما دلالة واضحة (كغيرها من الآيات) على اتساع الوقت وامتداده لصلاة الصبح إلى طلوع الشمس، والظهر والعصر إلى الغروب، والمغرب والعشاء إلى منتصف الليل، وأن مجموع أوقات الصلوات المفروضة ثلاثة لا خمسة، وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت (ع) الذين هم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآيتين الكريمتين:
إليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآيتين الكريمتين:
1 - قال الطبري في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس (يقول: صل بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، وصلاة العصر قبل الغروب) (1).

(1) تفسير الطبري ج 26 / 100 - 101، والمقتضي أن يقول: وصلاة الظهر والعصر قبل الغروب.
101

وذكر الطبري على ذلك روايات من طرقهم عن علمائهم، ثم قال: وقوله تعالى (ومن الليل فسبحه (فقال بعضهم: عنى بذلك صلاة العتمة (أي العشاء) وقال آخرون: هي صلاة بالليل في أي وقت صلى.
ثم روى الطبري عن مجاهد: (ومن الليل فسبحه (قال: الليل كله، ثم قال الطبري: والقول الذي قاله مجاهد في ذلك أقرب إلى الصواب، وذلك أن الله - جل ثناؤه - قال: (ومن الليل فسبحه (فلم يحد وقتا من الليل دون وقت، وإذا كان ذلك كذلك كان على جميع ساعات الليل، وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا فهو بأن يكون أمرا بصلاة المغرب والعشاء أشبه منه بأن يكون أمرا بصلاة العتمة، لأنهما يصليان ليلا. وقوله (وأدبار السجود (قيل: هما الركعتان بعد صلاة المغرب. وذكر في ذلك روايات عديدة.
2 - وقال أبو بكر احمد بن علي الجصاص الحنفي في كتابه:
(وروى أبو رزين عن أبن عباس (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (قال: الصلاة المكتوبة) (1).
3 - وقال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:

(1) أحكام القرآن ج 2 / 267.
102

(.. (وسبح بحمد ربك (حامدا ربك، والتسبيح محمول على ظاهره، أو على الصلاة، فالصلاة (قبل طلوع الشمس (الفجر، (وقبل الغروب (الظهر والعصر، (ومن الليل فسبحه (العشاءان، (وأدبار السجود (التسبيح في آثار الصلوات، والركوع والسجود يعبر بهما عن الصلاة. وقيل: النوافل بعد المكتوبة. وعن علي رضي الله عنه: الركعتان بعد المغرب، وروي عن النبي (ص): من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين. وعن أبن عباس: الوتر بعد العشاء، والأدبار جمع دبر، وقرأ: وأدبار من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمت. ومعناه وقت انقضاء السجود كقولهم: أتيتك خفوق النجم) (1).
4 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك (يحتمل وجوها. أحدها أن يكون الله أمر النبي (ص) بالصلاة، فيكون كقوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل (وقوله تعالى: (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (إشارة إلى طرفي النهار، وقوله: (ومن الليل فسبحه (إشارة إلى زلفا من الليل.. وقوله: (وأدبار السجود (وقد تقدم بعض ما يقال في تفسيره، ووجه آخر هو إشارة إلى الأمر بإدامة التسبيح، فقوله: (بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه (إشارة إلى
أوقات الصلوات، وقوله: (وأدبار السجود (يعني بعدما فرغت من السجود وهو الصلاة فلا تترك

(1) تفسير الكشاف ج 2 / 406.
103

تسبيح الله وتنزيهه بل داوم أدبار السجود ليكون جميع أوقاتك في التسبيح..) (1).
5 - وقال الحافظ أبن كثير الدمشقي الشافعي في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر (إلى أن قال): صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: (ومن الليل فسبحه (أي فصل له، (وأدبار السجود (قال أبن أبي نجيح عن مجاهد عن أبن عباس: هو التسبيح بعد الصلاة.
والقول الثاني: أن المراد بقوله: (وأدبار السجود (هما الركعتان بعد المغرب. وروي ذلك عن عمر، وعلي، وأبنه الحسن، وأبن عباس، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وبه يقول مجاهد، وعكرمة، والشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة وغيرهم) (2).
6 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:

(1) تفسير مفاتيح الغيب ج 7 / 447.
(2) تفسير أبن كثير ج 4 / 229.
104

(.. أخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي (ص) في قوله: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (قال: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة العصر.. وأخرج ابن جرير عن أبن زيد في قوله: (ومن الليل فسبحه (قال: العتمة، (وأدبار السجود (النوافل. وأخرج أبن جرير عن مجاهد (ومن الليل فسبحه (قال: الليل كله.. وأخرج أبن المنذر، وأبن نصر عن أبي تميم الجيشاني قال: قال رسول الله (ص) في قوله (وأدبار السجود (هما الركعتان بعد المغرب) (1).
وأكثر السيوطي من نقل الروايات في هذه المعاني.
7 - وقال الجلالان في تفسيرهما:
(.. (وسبح بحمد ربك (صل حامدا (قبل طلوع الشمس (أي صلاة الصبح، (وقبل الغروب (أي صلاة الظهر والعصر، (ومن الليل فسبحه (أي صلاة العشائين (وأدبار السجود (بفتح الهمزة جمع دبر، وبكسرها مصدر أدبر، أي صل النوافل المسنونة عقب الفرائض) (2).
8 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
(.. (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (هما وقت الفجر والعصر، وفضيلتهما مشهورة، (ومن الليل فسبحه (وسبحه بعض الليل (وأدبار

(1) تفسير الدر المنثور ج 6 / 110.
(2) تفسير الجلالين / 412
105

السجود (وأعقاب الصلوات، جمع دبر، وقرئ بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمت، ومعناه وقت انقضاء السجود. وقيل: المراد بالتسبيح الصلوات، فالمراد بما قبل الطلوع صلاة الفجر، وبما قبل الغروب الظهر والعصر، وبما من الليل العشاءان والتهجد، وما يصلى بأدبار السجود النوافل بعد المكتوبة) (1).
9 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:
(.. (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (أي وقت الفجر، ووقت الظهر والعصر، (ومن الليل فسبحه (أي وسبحه بعض الليل (وأدبار السجود (وأعقاب الصلاة، ومعنى هذا أن يقول: سبحان الله والحمد لله في أحوال أربعة وقت الفجر، ووقت الظهر والعصر، أو العصر فقط، وفي الليل، وعقب الصلوات، فيكون التسبيح على ظاهره.
وقيل: أن التسبيح نفس الصلاة فيكون صلاة الفجر، وصلاة الظهر والعصر، وصلاة المغرب والعشاء، والرابع النوافل بعد الصلوات. وإنما سميت هذه الصلوات تسبيحا تسمية بالجزء منها وهو ما في الركوع والسجود من التسبيح، فالتسبيح على الأول خارج الصلاة، والتسبيح في الثاني صلاة وتسبيح داخل فيها، ولا جرم أن الحمد مذكور في (الفاتحة) والتسبيح في الركوع والسجود، ومعنى (وأدبار السجود (وقت انقضاء السجود كقولهم (آتيك خفوق النجم) وفي حديث البخاري عن أبن عباس

(1) تفسير أبي السعود ج 8 / 161.
106

قال: أمر رسول الله (ص) أن يسبح في أدبار الصلوات كلها، يعني قوله (وأدبار السجود (..) (1).
10 - وقال الأستاذ سيد قطب في تفسيره:
(وطلوع الشمس وغروبها ومشهد الليل الذي يعقب الغروب.. كلها ظواهر مرتبطة بالسماوات والأرض. وهو يربط إليها التسبيح والحمد والسجود، ويتحدث في ظلالها عن الصبر على ما يقولون من إنكار للبعث وجحود بقدرة الله على الإحياء والإعادة. فإذا جو جديد يحيط بتلك اللمسة المكررة، جو الصبر والحمد والتسبيح والسجود، موصولا كل ذلك بصفحة الكون وظواهر الوجود، تثور في الحس كلما نظر إلى السماوات والأرض، وكلما رأى مطلع الشمس، أو مقدم الليل، وكلما سجد لله في شروق أو غروب) (2).
الآية الثامنة والتاسعة في سورة الطور:
قال تعالى: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (.
التحقيق حول الآيتين الكريمتين:

(1) تفسير الجواهر ج 23 / 12.
(2) في ظلال القرآن ج 26 / 169.
107

كثرت أقوال الفقهاء والمفسرين ورواياتهم حول هاتين الآيتين وتفسيرهما (1) وترجع مجموع تلك الأقوال إلى ثلاثة:
أولها - أن المراد من التسبيح الصلاة المفروضة والأمر بها في هذه الأوقات (وسبح بحمد ربك حين تقوم (أي من نوم القائلة (2) وهو وقت لصلاتي الظهر والعصر، (من الليل فسبحه (وهو وقت لصلاتي المغرب والعشاء، (وإدبار النجوم (أي أعقاب غياب النجوم وهو وقت لصلاة الصبح.
ثانيها - أن المراد من التسبيح هو ذكر الله بتسبيحه وحمده، وذلك إنك إذا قمت إلى الصلاة المفروضة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، أو إذا قمت من المجلس أو أي مكان فقل: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أغفر لي وتب علي. وروي هذا (مرفوعا) عن النبي (ص) وإنه كفارة المجلس، وروي عن علي أمير المؤمنين (إنه قال: (من أحب أن يكتال حسناته بالمكيال الأوفى فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين). وعلى هذا يكون المعنى: لا تغفل عن ذكر ربك صباحا ومساء وليلا، ونزهه في جميع أحوالك بهذه الأوقات فإنه تعالى لا يغفل عنك وعن حفظك.

(1) راجع (مجمع البيان) ج 5 / 170، و (كنز العرفان) ج 1 / 62، و (زبدة البيان في أحكام القرآن) ص 61، و (قلائد الدرر) للمحقق الشيخ أحمد الجزائري ج 1 / 109.
(2) نام في القائلة: أي في منتصف النهار.
108

ثالثها - أن التسبيح المأمور به في الآيتين هو إشارة إلى نوافل الصلوات المفروضة، أو إلى بعضها، ويذكرون منها ركعتين قبل صلاة الصبح نافلة لها، وفي ذلك حديث عن الإمامين أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (، ومنها صلاة الليل، وفي ذلك حديث آخر أيضا عن الإمامين M أنهما قالا: إن رسول الله (ص) كان يقوم من الليل ثلاث مرات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس آيات من آخر سورة آل عمران إلى قوله: (إنك لا تخلف الميعاد (ثم يفتتح صلاة الليل.. وفي تفسير علي بن إبراهيم (1): (وسبح بحمد ربك حين تقوم (قال: صلاة الليل (فسبحه (قال: قبل صلاة الليل (وإدبار النجوم (أخبرنا احمد بن إدريس عن احمد بن محمد عن أبن أبي نصر عن الرضا (قال: (وإدبار النجوم (أربع ركعات بعد المغرب (وأدبار السجود (ركعتان قبل صلاة الصبح.
وهذه الأقوال الثلاثة كلها محتملة، والله أعلم بحقيقة المراد منها.
ولكننا نقول إن التسبيح في الآية إذا كان أمرا بالصلاة المفروضة فتكون أوقاتها في الآية ثلاثة لا خمسة، وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت (ع) الذين هم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآيتين الكريمتين:

(1) ج 2 / 333.
109

وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآيتين الكريمتين:
1 - اختار الطبري في (تفسيره) أن يكون الأمر بالتسبيح في الآيتين أمرا للوجوب وأن التسبيح إنما هو الصلاة المكتوبة، وأن المراد من قوله (وسبح بحمد ربك حين تقوم (أي من منامك وذلك نوم القائلة، وإنما عنى بها صلاة الظهر. وقوله (ومن الليل فسبحه (: إن المراد به صلاة المغرب والعشاء، وروى تأييدا لهذا القول رواية عن أبن زيد، وقوله (وإدبار النجوم (عنى بها الصلاة المكتوبة صلاة الفجر، فراجع إذا شئت (1).
2 - وقال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:
(.. (حين تقوم (من أي مكان قمت، وقيل: من منامك (وإدبار النجوم (وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل، وقرئ وأدبار بالفتح بمعنى في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت، والمراد الأمر بقول: سبحان الله وبحمده في هذه الأوقات، وقيل: التسبيح، الصلاة إذا قام من نومه، ومن الليل صلاة العشائين، (وإدبار النجوم (صلاة الفجر) (2).
3 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:

(1) تفسير الطبري ج 27 / 21.
(2) تفسير الكشاف ج 2 / 414 - 415.
110

(.. (حين تقوم (فيه وجوه - إلى أن قال -: الثالث حين تقوم إلى الصلاة، وقد ورد أنه (ص) كان يقول في افتتاح الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك - إلى أن قال - الخامس: حين تقوم أي بالنهار فإن الليل محل السكون والنهار محل الابتغاء وهو بالقيام أولى، وعلى هذا يكون كقوله (ومن الليل فسبحه (إشارة إلى ما بقي من
الزمان، وكذلك (وإدبار النجوم (وهو أول الصبح. وقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (وقد ذكرنا فائدة الاختصاص بهذه الأوقات ومعناه.. وحينئذ تبين ما ذكرنا من الوجه الخامس في قوله (حين تقوم (أن المراد النهار لأنه محل القيام، ومن الليل القدر الذي يكون الإنسان يقظانا فيه، (وإدبار النجوم (وقت الصبح) (1).
4 - وقال أبن كثير الدمشقي في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك حين تقوم (قال الضحاك: أي إلى الصلاة تقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقد روي مثله عن الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما. وقال أبو الجوزاء (حين تقوم) أي من نومك من فراشك.. وقال أبن أبي نجيح عن مجاهد (حين تقوم) قال: من كل مجلس، وأنه إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك.. (ومن الليل فسبحه (أي أذكره وأعبده بالتلاوة والصلاة في الليل، وقوله (وإدبار

(1) تفسير مفاتيح الغيب ج 7 / 503.
111

النجوم (قد تقدم أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر فإنهما مشروعتان عند أدبار النجوم أي جنوحها للغيبوبة) (1).
5 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:
(اخرج الفريابي، وأبن المنذر عن مجاهد في قوله: (وسبح بحمد ربك حين تقوم (قال: من كل مجلس.. واخرج أبن أبي شيبة عن يحيى بن جعدة قال: كفارة المجلس سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. وأخرج سعيد بن منصور، وأبن أبي شيبة، وأبن جرير، وأبن المنذر عن الضحاك (حين تقوم) قال حين تقوم إلى الصلاة تقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.. وأخرج أبن مردويه عن أبن عباس (حين تقوم) قال: حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة، قوله تعالى (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله (وإدبار النجوم) قال: ركعتي الفجر، وأخرج أبن جرير عن الضحاك (وإدبار النجوم) قال: صلاة الغداة) (2).
6 - وقال الجلالان السيوطي والمحلي في تفسيرهما:
(.. " وسبح " متلبسا " بحمد ربك " أي قل: سبحان الله وبحمده (حين تقوم (من منامك، أو من مجلسك (ومن الليل فسبحه (حقيقة أيضا، (وإدبار

(1) تفسير أبن كثير ج 4 / 245.
(2) تفسير الدر المنثور ج 6 / 120.
112

النجوم (مصدر أي عقب غروبها سبحه أيضا، أو صل في الأول العشائين وفي الثاني الفجر وقيل: الصبح) (1).
7 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
(.. (وسبح (أي نزهه عما لا يليق به متلبسا (بحمد ربك (على نعمائه الفائتة للحصر، (حين تقوم (من أي مكان قمت، قال سعيد بن جبير وعطاء: أي قل حين تقوم من مجلسك: سبحانك اللهم وبحمدك. وقال أبن عباس: معناه صل لله حين تقوم من منامك.. (ومن الليل فسبحه (إفراد لبعض الليل بالتسبيح، (وإدبار النجوم (أي وقت إدبارها من آخر الليل أي غيبتها بضوء الصباح، وقيل التسبيح من الليل صلاة العشائين (وإدبار النجوم (صلاة الفجر) (2).
8 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:
(.. (وسبح بحمد ربك حين تقوم (من أي مكان قمت، ومن منامك، وإلى الصلاة، (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (: وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل أي في أعقابها إذا غربت أو خفيت.. قيل: التسبيح الصلاة إذا قام من نومه، ومن الليل صلاة العشائين، (وإدبار النجوم (صلاة الفجر) (3).

(1) تفسير الجلالين / 417.
(2) تفسير أبي السعود ج 8 / 179.
(3) تفسير الجواهر ج 23 / 216.
113

9 - وقال الأستاذ سيد قطب:
(.. (وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (فعلى مدار اليوم عند اليقظة من النوم، وفي ثنايا الليل، وعند إدبار النجوم في الفجر، هنالك مجال الاستمتاع بهذا الإيناس الحبيب، والتسبيح زاد وانس ومناجاة للقلوب، فكيف بقلب المحب الحبيب القريب) (1).
الآية العاشرة والحادية عشرة في سورة الإنسان:
قال تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (25) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا (.
التحقيق حول الآيتين الكريمتين:
(صرح أكثر مفسري أهل السنة في تفاسيرهم أن الأوامر بهاتين الآيتين من ذكر أسم الله والسجود له والتسبيح هي أوامر للوجوب بإقامة الصلوات الخمس المكتوبة على النبي (ص) وأمته، وإقامة صلاة الليل عليه خاصة.
فقوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة (وقت لصلاة الفجر (وأصيلا (وقت لصلاتي الظهر والعصر، (ومن الليل فاسجد له (أي بعض الليل فأسجد له، وهو وقت لصلاتي المغرب والعشاء (وسبحه ليلا طويلا (أي تهجد له وهو أمر خاص له بوجوب صلاة الليل عليه واستحبابها لأمته.

(1) في ظلال القرآن ج 27 / 48.
114

قال شيخنا الطبرسي في (مجمع البيان): (وسبحه ليلا طويلا (يريد التطوع بعد المكتوبة، وروي عن الرضا (أنه سأله احمد بن محمد عن هذه الآية وقال: وما ذلك التسبيح؟ قال: صلاة الليل) (1).
فظهر لنا جليا أن أوقات الصلوات المكتوبة ثلاثة لا خمسة. وهذا ما مر علينا صريحا في روايات أهل البيت (ع) الذين هم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
أقوال وروايات أهل السنة في الآيتين الكريمتين:
وإليك أقوال بعض المفسرين ورواياتهم من أهل السنة حول الآيتين الكريمتين:
1 - قال الطبري في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد اسم ربك فادعه به، بكرة في صلاة الصبح، وأصيلا في صلاتي الظهر والعصر، (ومن الليل فاسجد له (يقول: ومن الليل فاسجد له في صلاتك، (وسبحه ليلا طويلا (يعني أكثر الليل) (2).

(1) راجع ج 5 / 413 من الكتاب المذكور.
(2) تفسير الطبري ج 29 / 121.
115

ثم روى الطبري بعض الأخبار المؤيدة لهذا المعنى، فراجع إذا شئت.
2 - وقال الزمخشري المعتزلي في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (: ودم على صلاة الفجر والعصر (ومن الليل فاسجد له (وبعض الليل فصل له، أو يعني صلاة المغرب والعشاء.. (وسبحه ليلا طويلا (فاسجد له) (1).
3 - وقال الفخر الرازي في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (25) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا (: وفي هذه الآية قولان:
الأول - أن المراد هو الصلاة، قالوا: لأن التقيد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله: (واذكر اسم ربك (، الصلوات. ثم قالوا: البكرة هي صلاة الصبح، والأصيل صلاة الظهر والعصر، (ومن الليل فاسجد له (: المغرب والعشاء، فتكون هذه الكلمات جامعة للصلوات الخمس، وقوله (وسبحه ليلا طويلا (المراد منه التهجد.
والقول الثاني - إن المراد من قوله: (واذكر اسم ربك (إلى آخر الآية ليس هو الصلاة بل المراد التسبيح الذي هو القول والاعتقاد،

(1) الكشاف في تفسير القرآن ج 2 / 514.
116

والمقصود أن يكون ذاكرا الله في جميع الأوقات ليلا ونهارا بقلبه ولسانه) (1).
4 - وقال أبن كثير الدمشقي في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (أي أول النهار وآخره، (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا (كقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا () (2).
5 - وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره:
(واخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأبن جرير، وأبن المنذر، عن قتادة عنه (أي النبي - ص -) أنه بلغه أن أبا جهل قال - لما فرضت على النبي (ص) الصلاة وهو يومئذ بمكة -: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه فأنزل الله في ذلك: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا (24) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (...) (3).
6 - وقال الجلالان في تفسيرهما:
(.. (واذكر اسم ربك (في الصلاة (بكرة وأصيلا (يعني الفجر والظهر والعصر، (ومن الليل فاسجد له (يعني المغرب والعشاء، (

(1) تفسير مفاتيح الغيب ج 8 / 306.
(2) تفسير القرآن العظيم ج 4 / 458.
(3) تفسير الدر المنثور ج 6 / 303.
117

وسبحه ليلا طويلا (صل التطوع فيه كما تقدم من ثلثيه أو نصفه أو ثلثه) (1).
7 - وقال أبو السعود العمادي في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (: وداوم على ذكره في جميع الأوقات، أو على صلاة الفجر والظهر والعصر، فإن الأصيل ينتظمهما، (ومن الليل فاسجد له (وبعض الليل فصل له، ولعل صلاة المغرب والعشاء، وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من فريد كلفة وخلوص، (وسبحه ليلا طويلا (وتهجد له قطعا من الليل طويلا) (2).
8 - وقال الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره:
(.. (ولا تطع منهم آثما أو كفورا (: أي لا تطع كل واحد من مرتكب الإثم، ومن متجاوز الحد في الكفر، فأو بمعنى الواو، فإذا قال لك الآثم (وهو عتبة) اترك الصلاة وأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر، وإذا قال الكفور (وهو الوليد بن المغيرة): أنا أعطيك من المال حتى ترضى إذا رجعت عن هذا الأمر، فلا تطع واحدا منهما ولا غيرهما، فقد أعددنا لك نصرا في الدنيا وجنة في الآخرة قد عرفت وصفها، فلتستعد للنعيم المقيم بالصبر أولا، وداوم على ذكر ربك لا سيما وقت صلاة الفجر ووقت الظهر والعصر، وهذا قوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (

(1) تفسير الجلالين / 465.
(2) تفسير أبي السعود ج 8 / 370.
118

فهو إما بمعنى الوقتين المذكورين (ومن الليل فاسجد له (أي وبعض الليل فصل له تعالى كصلاة المغرب والعشاء (وسبحه ليلا طويلا (أي وتهجد طائفة من الليل طويلة) (1).
9 - وقال الأستاذ سيد قطب في تفسيره:
(.. (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا (25) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا (: هذا هو الزاد. اذكر اسم ربك في الصباح والمساء، واسجد له بالليل سبحه طويلا، إنه الاتصال بالمصدر الذي نزل عليك القرآن، وكلفك الدعوة، هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمد.. الاتصال به ذكرا وعبادة ودعاء وتسبيحا.. ليلا طويلا.. فالطريق طويل، والعبء ثقيل، ولا بد من الزاد الكثير والمدد الكبير. وهو هناك حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء، وفي تطلع وفي أنس، تفيض منه الراحة على التعب والضنى، وتفيض منه القوة على الضعف والعلة، وحيث تنفض منه الروح عنها صغائر المشاغل والشواغل، وترى عظمة التكليف، وضخامة الأمانة. فتستصغر ما لاقت وما تلاقي من أشواك الطريق) (2).
تعليق لأحد المفسرين على آيات مواقيت الصلاة:

(1) تفسير الجواهر ج 24 / 313.
(2) في ظلال القرآن ج 29 / 230.
119

قال الأستاذ محمد عزة دروزة في تفسيره (1)، عند تفسير آيتي (39، 40) من سورة " ق " تحت عنوان (تعليق على مدى العبارات القرآنية في تعيين أوقات الصلوات) ما يلي:
(وقد علق بعض المفسرين على ما احتوته الآيات (39، 40) من ذكر أوقات التسبيح التي أمر النبي (ص) بالتسبيح فيها بحمد ربه فقال: إنها بصدد أوقات الصلوات الخمس. ولقد تكرر الأمر والحث على ذكر الله وقراءة القرآن وإقامة الصلوات مقرونا بذكر أوقات معينة من الليل والنهار كما في آية هود هذه: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ([114]، وفي آيات سورة الإسراء هذه: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78) ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ([78، 79]. وفي آيات سورة طه هذه: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ([130]. ومع أن المتبادر من روح الآيات هو قصد الأمر بذكر الله وعبادته في جميع الأوقات فأن مما يحتمل أيضا أن يكون قد انطوى فيها قصد الصلوات الخمس المفروضة وأوقاتها. وإذا صح هذا ففيه دلالة على أن الصلوات الخمس في الليل والنهار مما كان ممارسا منذ عهد مبكر من البعثة، أو على الأقل فيه دلالة على أن النبي (ص) والمؤمنين كانوا يقيمون الصلاة في أوقات عديدة

(1) التفسير الحديث - السور مرتبة على حسب النزول - ج 2 / 45، ط دار إحياء الكتب العربية - 1381 ه‍.
120

من الليل والنهار منذ أوائل البعثة إذا صح أن الصلوات الخمس لم تفرض فرضا محدودا إلا في ظروف الإسراء، أي في السنة الرابعة من البعثة على ما شرحناه في سياق سورة العلق.
وواضح من آيات هذه السور والآيات الأخرى التي أوردناها آنفا لا تحتوي أسماء الأوقات صراحة ولا تحددها تحديدا معينا وقاطعا. وهذا ما تكفلت به السنة النبوية التي تكفلت بشرح وتحديد كثير من التعليمات والتشريعات والخطوط القرآنية).
جوابنا على هذا التعليق:
(الآيات القرآنية تحدد أوقات الصلوات أولها وآخرها).
الحقيقة إن الذي يتدبر مجموع تلك الآيات التي استعرضت أوقات الصلوات يجدها قد أوضحت أسماء الأوقات وحددتها تحديدا معينا وظاهرا بينا، وإليك بيان ذلك:
الصلوات الخمس (نهارا وليلا)، وصلاة النهار هي الصبح والظهر والعصر.
أما الصبح فقد حددت الآيات أول وقتها وآخره. أول وقتها محدد بقوله في آية سورة الإسراء (وقرآن الفجر (فيكون أول وقتها طلوع الفجر، وبقوله في آية سورة هود (طرفي النهار (، والمعلوم أن الطرف الأول من النهار يبتدئ من طلوع الفجر. وهكذا بقوله في سورة الروم (
121

وحين تصبحون (، وكون أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر هذا لا خلاف فيه.
نعم هناك من خالف في آخر وقتها في حين، آخر وقتها معين ومحدد بقوله تعالى في سورتي طه، وق (قبل طلوع الشمس (. فظهر لنا جليا أن صلاة الصبح أول وقتها الفجر، ويبقى مستمرا إلى ما قبل طلوع الشمس، فلو صلى المصلي صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولو بدقيقة واحدة فقد صلاها بوقتها المبين والظاهر المحدد في الآيات. نعم لا خلاف بين المسلمين أن الصلاة في أوائل الأوقات أفضل من أواخره.
وأما صلاتي الظهر والعصر فقد بينت آية سورة الإسراء أول وقتهما بقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس (ودلوك الشمس (كما مر علينا تحقيقه) هو زوالها في منتصف النهار، وهو الذي نص عليه الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام، وعليه اتفاق الشيعة، ووافقهم على هذا أكثر أهل السنة كما نص على ذلك الفخر الرازي، ومحمد عزة دروزة نفسه في تفسير الآية (1). وقد أشارت إلى أول وقت الظهر والعصر آية سورة هود بقوله (طرفي النهار (والطرف الثاني من النهار يبدأ من زوال الشمس ظهرا وينتهي بغروبها، وهو آخر وقت صلاة النهار: الظهر والعصر. وبينت أيضا آيتا طه، وق آخر وقتهما صراحة بقوله تعالى: (وقبل غروبها (وقوله: (وقبل الغروب (فعلى هذا يكون وقت صلاتي الظهر والعصر يبدأ من زوال الشمس ظهرا إلى غروبها تصريحا وتحديدا.

(1) التفسير الحديث ج 3 / 259.
122

أما الصلاة المفروضة ليلا فهي المغرب والعشاء، وقد بينت سورة الإسراء انتهاء وقتهما بقوله: (إلى غسق الليل (وغسق الليل إما ظلمته وإما نصفه وهو الأشهر والأصح. فإذا فسر الغسق بنصف الليل فيعلم أن انتهاء وقتهما نصف الليل، وإذا فسر الغسق بظلمة الليل فالظلمة تستمر إلى ما بعد نصف الليل، ولكن لما بينت آية سورة هود بقوله: (وزلفا من الليل (وفسرت بساعات من الليل قريبة من النهار فيعلم أن صلاتي المغرب والعشاء يبدأ وقتهما من أول الليل إلى ساعات منه حتى تصل إلى نصفه، وما بعد النصف لا تكون ساعات قريبة بل تكون بعيدة. وهكذا قوله تعالى في سورة طه: (ومن آناء الليل (وقوله في سورة ق وسورة الطور، وسورة الإنسان: (ومن الليل (، ومن للتبعيض بلا خلاف أي بعض الليل لا كله.
كما أن الظاهر من آيتي سورة الروم بيان أن الجمع بين الصلاتين مشرع ولا مانع منه، لذا عينت الآية الأولى وقتا واحدا لصلاتي المغرب والعشاء بنصها: (وحين تمسون (، ثم بيان إن التفريق بين الصلاتين مشرع أيضا ولا مانع منه لذا ذكرت الآية الثانية وقتا خاصا لصلاة الظهر، وآخر لصلاة العصر بنصها: (وعشيا وحين تظهرون (راجع كلامنا حول الآيتين وتحقيقا لهذا الظاهر، فالآيتان من سورة الروم والآيات الأخرى التي استعرضت أوقات الصلوات وتحديدها جاءت مؤيدة لروايات أهل البيت (ع) في أوقات الصلوات وتحديدها، وجواز الجمع بين الصلاتين، وجواز التفريق بينهما أيضا، وأنهم مع القرآن والقرآن معهم في كل آياته (لن يفترقا) فاتبعهم.
123

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ([سورة التوبة / 120].
124

أوقات الصلوات، والجمع بين الصلاتين، حضرا وسفرا في السنة والإجماع
الدليل الثاني - السنة:
أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله (ص) من قول أو فعل أو الإقرار (1) وكان مقصودا به التشريع والاقتداء (2) ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه، يكون حجة على المسلمين (3) ويلزمهم الأخذ بمقتضاه من الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة.
حيث قد دل العقل على عصمة الرسول (ص) وامتناع صدور الذنب والغفلة والخطأ والسهو منه، لذا يمكننا القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي كلها من قبيل التشريع، إذ مع الاعتقاد بالعصمة لا بد وان تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من إقرار موافقة للشريعة التي بعث بها، وهذا هو معنى حجية السنة (وما

(1) الإقرار بمعنى أن يعمل من أصحابه عملا بمحضره ومنظره ويقره على ما عمل ولا ينكره فهذا أيضا سنة نبوية.
(2) إذ ما لم يكن مقصودا به التشريع لغيره، والاقتداء به يكون من خصائصه (ص) كجمعه بين تسعة نسوة في زمن واحد، وكوجوب صلاة الليل عليه إلى غير ذلك من خصائصه المتفق عليها.
(3) الأصول العامة للفقه المقارن لفضيلة السيد محمد تقي الحكيم / 127 نقلا عن (علم أصول الفقه) / 39.
131

ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) علمه شديد القوى ([سورة النجم / 4، 5، 6] (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ([سورة الحشر / 8].
أما ما يرد عن النبي (ص) مما يخالف كتاب الله ويخالف سنته الثابتة عنه المتفق عليها، فإنه لا يؤخذ به قطعا. قال رسول الله (ص) في حجة الوداع: (قد كثرت علي الكذابة وستكثر، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به) (1).
والمراد من السنة هنا السنة الثابتة عنه (ص)، ولا سيما المتفق عليها عند فرق المسلمين لتكون مرجعا للجميع عند الاختلاف: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ([سورة النساء / 60].
مواقيت الصلوات في السنة النبوية:
ألحق علماء الأصول (من الشيعة) بسنة النبي (ص) سنة أهل بيته، لوجود أدلة كثيرة من الكتاب والسنة النبوية والعقل على إمامتهم وعصمتهم، وعدم صدور الذنب والخطأ والسهو منهم سلام الله عليهم، وانهم مثال له (ص)

(1) المجالس السنية للسيد محسن الأمين العاملي، ج 5 / 422 عن الإمام محمد الجواد (ع) والحديث بمعناه متفق عليه.
132

في عصمته وفي حجية أقواله وأفعاله وتقريراته، وأنهم ناطقون عن حقائق القرآن وسنة النبي (ص)، فالسنة عند الشيعة إنما هي سنة المعصوم المقطوع بعصمته وهم النبي وأهل بيته الأطهار دون غيرهم.
وألحق علماء الأصول (من أهل السنة) بسنة النبي (ص) سنة أصحابه، إذ أن الصحابة عندهم كلهم عدول ويقتدى بهم وبأفرادهم، وحيث أن سنة أهل البيت وسنة الأصحاب موضع خلاف، ونحن الآن في معرض الدليل المتفق عليه من السنة النبوية - في مواقيت الصلوات - فلذا نقتصر عليها، وننقلها من طرق أهل السنة إتماما للحجة، وإليك بيانها:
1 - روى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبن مسعود: (أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي (ص) فأخبره فأنزل الله: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات (فقال الرجل: يا رسول الله ألي؟ قال: لجميع أمتي كلهم) (1).
قال الكرماني عند شرحه لهذه الرواية (ص 181):
وقيل: نزلت في أبي اليسر - بفتح الياء وفتح السين المهملة - الأنصاري، كان يبيع التمر، فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له: اتق الله، فتركها وندم. فأتى رسول الله (ص) فأخبره بما فعل، فقال: انتظر أمر

(1) صحيح البخاري، شرح الكرماني ج 4 / 180، باب الصلاة كفارة، المطبعة البهية بمصر.
133

ربي، فلما صلى العصر نزلت، فقال له رسول الله (ص): اذهب فإنها كفارة لما عملت.
وروي أن عمر (قال: أهذا له خاصة أم للناس؟ فقال: بل للناس عامة.
ونقل الحديث عن (صحيح البخاري) أبن كثير الدمشقي في تفسير الآية، ثم قال: (وهكذا رواه في كتاب الصلاة، وأخرجه في التفسير عن مسدد عن يزيد بن زريع بنحوه، ورواه مسلم، واحمد، وأهل السنن إلا أبا داود من طرق عن أبي عثمان النهدي) (1).
وقال السيوطي في (الدر المنثور) في تفسير الآية: (واخرج احمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبن ماجة، وأبن جرير، وأبن المنذر، وأبن أبي حاتم، وأبو الشيخ وأبن حيان عن أبن مسعود - وذكر الحديث -) (2).
وأكثر السيوطي من ذكر مصادر هذه القصة وطرقها العديدة في سبب نزول الآية، وإن الصلاة فيها هي المكتوبة، وهي الحسنات التي تذهب السيئات.
2 - روى احمد بن حنبل في (مسنده) بسنده عن عثمان عن النبي (ص) في قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات (قال: هي الصلوات الخمس (3).

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي ج 2 / 462.
(2) الدر المنثور، ج 3 / 362.
(3) مسند احمد بن حنبل، ج 1 / 382، رقم الحديث 513 - شرح احمد محمد شاكر.
134

3 - روى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله (ص) يقول: " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقولون ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شئ، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بها الخطايا " (1).
ونقله عن (الصحيح) ابن كثير الدمشقي في تفسير قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات ((2).
وقال السيوطي في (الدر المنثور) في تفسير الآية:
(وأخرج البخاري، ومسلم، وابن مردويه، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص)... وذكر الحديث) (3).
4 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده) بسنده عن عثمان عن النبي (ص) أنه قال: " أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري، يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما كان يبقى من درنه؟ قالوا: لا شئ، قال: إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن " (4).

(1) صحيح البخاري، شرح الكرماني ج 4 / 182.
(2) راجع تفسير ابن كثير ج 2 / 462.
(3) الدر المنثور ج 3 / 353.
(4) مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 385، رقم الحديث 518.
135

5 - روى أحمد في (مسنده) مسندا عن سعد بن أبي وقاص، قال (ص): " إنما الصلاة كمثل نهر جار بباب رجل غمر عذب، يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون يبقى ذلك من درنه؟ " (1).
وحديث النبي (ص) بتمثيل الصلوات الخمس بالنهر الجاري من الأحاديث الشهيرة التي روتها الصحاح والسنن والمسانيد وكتب التفسير، عن جمع من كبار الصحابة، وهو تفسير منه (ص) لقوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات (وأنها هي الصلوات الخمس المذكورة في الآية بأوقاتها الثلاثة، وقد نص النبي على ذلك. ولذا أخرج المفسرون هذه الأحاديث عند تفسير الآية.
6 - كما نقل شيخنا الطبرسي في (مجمع البيان) (2) عند تفسير الآية، عن المفسرين من علمائنا قال:
(ورووا عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أحدهما - أي الإمام الباقر، أو الصادق (ع) - يقول: إن عليا عليه السلام أقبل على الناس فقال: أي آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: (إن الله لا يغفر أن يشرك به... ([سورة النساء / 49 و 117] فقال (: حسنة وليست إياها: وقال بعضهم: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه... ([سورة النساء / 111] قال: حسنة وليست إياها. وقال بعضهم: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ([سورة الزمر / 54] قال: حسنة وليست إياها. وقال بعضهم: (والذين إذا فعلوا فاحشة... ([سورة آل عمران /

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 67، رقم الحديث 1534.
(2) مجمع البيان ج 3 / 201.
136

136] قال: حسنة وليست إياها. قال: ثم أحجم الناس، فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ فقالوا: لا والله ما عندنا شئ، قال: سمعت حبيبي رسول الله (ص) يقول: أرجى آية في كتاب الله: (وأقم الصلاة طرفي النهار (وقرأ الآية كلها، وقال: يا علي والذي بعثني في الحق بالحق بشيرا ونذيرا، أن أحدكم ليقوم من وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شئ كما ولدته أمه، فأن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس، ثم قال: يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم أغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي).
7 - روى الطبري في (تفسيره)، وابن كثير الدمشقي في (تفسيره)، والسيوطي في (الدر المنثور)، في تفسير قوله تعالى: (وزلفا من الليل (عن الحسن (المعروف بالبصري) من طرق عديدة أنه قال: قال رسول الله (ص): هما زلفتا الليل المغرب والعشاء (1).
8 - روى الحاكم بسنده عن عبد الله بن فضالة عن أبيه، قال: علمني رسول الله (ص) فكان مما علمني: حافظ على الصلوات الخمس، فقلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال: " حافظ على العصرين " - وما كانت من لغتنا - فقلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها.

(1) تفسير الطبري ج 12 / 73، تفسير ابن كثير ج 3 / 351، الدر المنثور ج 3 / 351.
137

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وعبد الله هو ابن فضالة بن عبيد، وقد خرج له في الصحيح حديثان (1).
ورواه الحافظ محمد بن أحمد الذهبي في (تلخيص المستدرك) المطبوع بأسفله بالنص المذكور.
ونقله السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) عن الحاكم، ولكنه أسقط أوله كما مرت الإشارة إلى ذلك.
والحديث فيه إشارة صريحة إلى الآية الكريمة من سورة طه (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (ولذا ذكره بعض المفسرين عند تفسير الآية، فراجع إذا شئت.
9 - وروى مسلم في (صحيحه) بسنده عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه قال: " سمعت رسول الله (ص) يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يعني الفجر والعصر، فقال له رجل من أهل البصرة: أنت سمعت هذا من رسول الله (ص) قال: نعم، قال الرجل: وأنا أشهد إني سمعته من رسول الله، سمعته أذناي ورعاه قلبي " (2) ورواه النسائي في (سننه) (3)، وأبو داود أيضا (4).

(1) مستدرك الصحيحين ج 1 / 199، ط حيدر آباد، 1335 ه‍.
(2) صحيح مسلم ج 1 / 236، ط دار الكتب العربية.
(3) ج 1 / 235.
(4) ج 1 / 122.
138

وأخرجه السيوطي في (الدر المنثور) ج 4 / 312 عن أبن أبي شيبة، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، ولكنه اختصره فأسقط آخره. وكذلك رواه أبن كثير الدمشقي في (تفسيره) ج 3 / 170 نقلا عن احمد بن حنبل، ومسلم، وأسقط آخره أيضا.
10 - وأخرجه البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف قال: سمعت أبا أمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر وهذه صلاة رسول الله (ص) التي كنا نصلي معه (1
).
قال الكرماني في شرحه: وكانت دار أنس بجنب المسجد.
ورواه مسلم في صحيحه (ج 1 / 233).
ورواه النسائي في (سننه) بشرح جلال الدين السيوطي (ج 1 / 253).
وقال الشارح جلال الدين: قوله (حتى دخلنا على أنس بن مالك) أي وبيته في جنب المسجد. وهذا يفيد تعجيل العصر بلا ريب.. وهذا كان حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته، لأن أنسا (توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين.

(1) صحيح البخاري، ج 4 / 195، باب وقت الصلاة.
139

11 - كما روى النسائي أيضا بسنده عن أبي سلمة قال: صلينا في زمان عمر بن عبد العزيز ثم انصرفنا إلى أنس بن مالك فوجدناه يصلي فلما انصرف قال لنا: صليتم؟ قلنا: صلينا الظهر، قال: إني صليت العصر فقالوا له: عجلت، فقال: إنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون (1).
وقد دل الحديثان على أن وقت صلاة العصر يدخل بمجرد الفراغ من صلاة الظهر، لأن دار أنس كانت إلى جانب المسجد كما صرح الكرماني والسيوطي، كما دل الحديثان أيضا على جواز الجمع بين الظهرين جمع تقديم، وأن هذه صلاة رسول الله (ص). وقول أنس في الحديث الثاني عن أبي سلمة: (أصلي كما رأيت أصحابي يصلون) أراد بأصحابه النبي (ص) وأصحابه، ويشهد لذلك قوله في الحديث المتقدم: هذه صلاة رسول الله (ص) التي كنا نصلي معه.
12 - وروى مسلم في (صحيحه) بسنده عن رافع بن خديج أنه قال: كنا نصلي العصر مع رسول الله (ص) ثم ننحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس (2).
ورواه الحاكم في (المستدرك) ج 1 / 192.

(1) سنن النسائي ج 1 / 253.
(2) صحيح مسلم ج 1 / 234.
140

والظاهر من هذا أنه (ص) كان قد صلى العصر بعد الظهر في أول الوقت، ولذا بقي من الوقت بعد صلاة العصر ما صلح لنحر الجزور وتقسيمها وطبخها وأكلها بعد نضجها قبل مغيب الشمس.
وهذه قضية في واقعة على ما نقلها صاحب كتاب (تيسير الوصول) قال: وفي أخرى: صلى بنا رسول الله (ص) العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورا لنا، وإنا نحب أن تحضرها، قال: نعم. فأنطلق وانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس (1).
13 - روى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبي هريرة، ونافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله (ص) أنه قال: " إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم " (2).
قال الكرماني في شرحه: " قال الزمخشري: حقيقة الابراد الدخول في البرد.. والمعنى إدخال الصلاة في البرد.. فإن قلت: لفظ الصلاة عام لجميع الصلوات فهل يستحب الابراد في غير الظهر؟ قلت: إنه مطلق والحديث الآخر مقيد بالظهر فيحمل المطلق على المقيد ".
14 - وروى البخاري في الباب المذكور بسنده عن أبي ذر، قال: " أذن مؤذن النبي (ص) الظهر، فقال: أبرد أبرد، أو قال: انتظر انتظر، وقال

(1) الحقائق في الجوامع والفوارق، للعلامة الشيخ حبيب آل إبراهيم ج 2 / 83.
(2) صحيح البخاري ج 4 / 186، باب الابراد بالظهر في شدة الحر.
141

شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، حتى رأينا فيئ التلول " (1).
قال الكرماني في شرحه: " التلول لكونها منبسطة غير منتصبة لا يظهر فيؤها عقيب الزوال بل لا يصير لها فيئ عادة إلا بعد الزوال بكثير، بخلاف الشاخصات المرتفعة كالمنارة مثلا.. "
وروى البخاري أحاديث كثيرة في الابراد، وقد رواها احمد بن حنبل وأصحاب الكتب الستة وغيرهم فلا نطيل بذكر مصادرها. راجع (شرح سنن الترمذي) ج 1 / 295.
15 - روى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبي هريرة قال: رسول الله (ص): " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " (2).
قال الكرماني: قوله (سجدة) قال الخطابي: معناها ركعة بركوعها وسجودها.
ورواه النسائي في (سننه) ج 1 / 273، باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح، والحاكم في (المستدرك) ج 1 / 274.

(1) المصدر السابق.
(2) صحيح البخاري، ج 4 / 200، باب من أدرك ركعة من العصر.
142

16 - روى مسلم في (صحيحه) بسنده عن عائشة (قالت: " قال رسول الله (ص): من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من بعد الصبح قبل أن تطلع أدركها، والسجدة إنما هي الركعة " (1).
ورواه النسائي في (ج 1 / 273) بلفظ: من أدرك ركعة من الفجر، ومن أدرك ركعة من العصر، عن عائشة.
17 - قال الجصاص الحنفي في (أحكام القرآن) في وقت العصر:
" قال أبو بكر: والدليل على أن آخر وقتها الغروب قول النبي (ص): من فاته العصر حتى غابت الشمس فكأنما وتر أهله وماله، فجعل فواتها بالغروب. وروى أبو هريرة عن النبي (ص) أنه قال: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب فقد أدرك، وهذا يدل على أن وقتها إلى الغروب " (2).
18 - جامع مسانيد أبي حنيفة، عن أبي حنيفة، عن شيبان، عن يحيى أبن أبي كثير، عن بريدة الأسلمي (قال: قال رسول الله (ص): بكروا بصلاة العصر في يوم الغيم، فإن من فاتته صلاة العصر حتى تغرب الشمس فقد حبط عمله " (3).

(1) صحيح مسلم ج 1 / 227.
(2) أحكام القرآن، ج 2 / 273.
(3) جامع مسانيد أبي حنيفة، لجامعه محمد بن محمود الخوارزمي الحنفي، المتوفى سنة 665، مطبعة دار المعارف - حيدر آباد الدكن، ج 1 / 298.
143

19 - وروى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أبي هريرة: " أن رسول الله قال: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " (1).
قال الكرماني في شرحه: " هذا الحديث دليل صريح في أن من صلى ركعة من الصبح أو العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهي صحيحه، وهذا مجمع عليه في العصر، وأما في الصبح فقال به العلماء إلا أبا حنيفة، فإنه قال: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها.. ثم قال: والحديث حجة عليه ".
أقول: بل الحديث حجة عليه من جهة، وعلى مالك بن أنس من جهة ثانية، حيث أفتى بان وقت العصر الاختياري يبدأ من زيادة الظل عن مثله إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران، وان وقت الصبح يبدأ من طلوع الفجر إلى تعارف الوجوه، وهو الإسفار والتنوير.
وحجة على احمد بن حنبل من جهة ثالثة، حيث أفتى بأن من أخر صلاة العصر إلى أن يتجاوز الظل عن مثليه يأثم ويحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت. والحديث ينقض هذه الآراء كلها كما ترى.
وهذا الحديث كما رواه البخاري، رواه مسلم في (صحيحه) ج 1 / 227، بنصه عن أبي هريرة، ورواه أبو داود أيضا في (سننه) ج 1 / 118،

(1) صحيح البخاري، ج 4 / 219. وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني كما في سبل السلام ج 1 / 110.
144

وأبن ماجة ج 1 / 227 عن كل من أبي هريرة وعائشة. وهكذا روته سائر الصحاح والسنن والمسانيد عن كل من عائشة وأبي هريرة وغيرهما، بل رواه أيضا الإمام مالك بن أنس إمام المالكية نفسه في كتابه (الموطأ) المطبوع بذيله (شرح الزرقاني) ج 1 / 20 عن أبي هريرة أيضا بالنص المذكور عن البخاري تماما.
وقال محمد الزرقاني في شرحه للحديث: " وصرح به في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم بسنده المذكور، ولفظه: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع فقد أدرك الصلاة، وأصرح منه رواية أبي غسان: محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة: " ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس " ورواه البيهقي. والبخاري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: " إذا أدرك أحدكم سجدة.. " (1) وللنسائي: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها ".
ثم قال الزرقاني: وفي هذا رد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي، وطهر الحائض، وإسلام الكافر، ونحو ذلك. وأراد بذلك نصرة مذهبه: إن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت، لأحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس.
قال الزرقاني: ودعوى أنها ناسخة لهذا الحديث تحتاج إلى دليل، إذ لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بحمل أحاديث

(1) ذكرنا الحديث عن البخاري برقم (15).
145

النهي على النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من دعوى النسخ. قال أبن عبد البر: لا وجه لدعوى نسخ حديث الباب لأنه لم يثبت فيه تعارض بحيث لا يمكن الجمع، ولا لتقديم حديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها عليه، لأنه يحمل على التطوع.
ثم قال الزرقاني: وقد أخرج الدار قطني من حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها الأخرى، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب.. الشمس.. فقد أدرك العصر.
وللبيهقي عن أبي غسان: فلم تفته في الموضعين.
قال الزرقاني: وهو مبين أن إدراكها يكون الكل أداء وهو الصحيح، ومفهوم الحديث " أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت ".
ورواه أيضا محمد بن إدريس الشافعي في كتابه (الأم) ج 1 / 63 بالنص المذكور عن أبي هريرة.
20 - روى البخاري، ومسلم، والنسائي بأسانيدهم عن أبي هريرة: " أن النبي (ص) قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " (1).
ورواه مالك بن أنس في (الموطأ) المطبوع بذيله (شرح الزرقاني) (2).
146

21 - قال الجصاص في (أحكام القرآن) في وقت الفجر:
وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي (ص) أنه قال: " وقت الفجر ما لم تطلع الشمس " (1).
22 - وقد روى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: " قال رسول الله: إن للصلاة أولا وآخرا، وأن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وأن آخر وقتها حين تطلع الشمس ".
وروى أبو هريرة أيضا عن النبي (ص) أنه قال: " من أدرك ركعة من صلاة الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ".
23 - وروى مسلم بسنده عن أبي نصرة الغفاري: " صلى بنا رسول الله (ص) العصر بالمخمص، فقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم " (2).
ورواه بسند آخر في ص 307 أيضا.
147

ورواه النسائي في (سننه) ج 1 / 259.
24 - روى البخاري في (صحيحه) بسنده عن أنس بن مالك قال: " أخر النبي صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى، ثم قال: قد صلى الناس وناموا، أما أنكم في صلاة ما انتظرتموها " (1).
قال الكرماني في شرحه: " قال الأصطخري من الشافعية: وقتها إلى نصف الليل، وبعد النصف قضاء لا أداء. وظاهر الترجمة يشعر بأن مذهب البخاري أيضا أن وقتها إلى النصف فقط، ولهذا لم يذكر حديثا يدل على امتداد وقتها إلى الصبح ".
25 - وروى النسائي بسنده عن أبي سعيد الخدري، وكذلك ابن ماجة القزويني في أن النبي (ص) أخر صلاة العشاء إلى شطر الليل (2).
26 - وقال النسائي: " وفي حديث علي: إلى شطر الليل " (3) ثم قال:
27 - وفي حديث آخر عن أنس: " أن النبي (ص) أخر ليلة صلاة العشاء الآخرة إلى قرب من شطر الليل... " (4)
وذكره الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 2 / 12.
148

28 - قال الجصاص الحنفي في (أحكام القرآن): " روي في حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) أنه قال: آخر وقت العشاء الآخرة نصف الليل " (1) ورواه أحمد كما تقدم.
29 - وروى أبو داود في (سننه) بسنده عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس قال: " قال رسول الله (ص): أمني جبرئيل مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي (يعني المغرب) حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم ألتفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين " (2).
ورواه أيضا الترمذي في (سننه) (3) المطبوع بشرح أحمد محمد شاكر.
ورواه الحاكم في (المستدرك) ج 1 / 193.
149

ورواه من قبلهم أحمد بن حنبل في (مسنده) ج 5 / 34 برقم 3081، عن نافع بن جبير عن ابن عباس، بالنص المذكور. وقال الشارح: إسناده صحيح، ورواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن.
كما رواه من قبل، محمد بن إدريس الشافعي في كتابه (الأم) ج 1 / 61.
30 - ورواه النسائي في (سننه) عن جابر بن عبد الله، وجاء في آخره قول جبرئيل: " ما بين هاتين الصلاتين وقت " (1).
ورواه أيضا الحاكم في (المستدرك) ج 1 / 195. ورواه العلامة محمد بن علي الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 1 / 300، وقال: رواه أحمد، والنسائي، والترمذي بنحوه، وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت.
وقال في (ج 1 / 301): أما حديث جابر فأخرجه أيضا ابن حيان، والحاكم، وروى الترمذي في (سننه) عن البخاري أنه أصح شئ في الباب.
ونكتفي بهذا القدر من أحاديث (مواقيت الصلوات في السنة النبوية) المروية من طرق أهل السنة، وإليك الآن المقارنة بين الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة، وبين ما أفتى به أهل المذاهب الخمسة.
150

المقارنة بين فتاوى الفقهاء في مواقيت الصلوات وبين أدلة الكتاب والسنة
1 - في أوقات الصلوات الخمس:
أوقات الصلوات الخمس المجزية عند أهل البيت (وشيعتهم تبعا لهم) ثلاثة كما مر علينا في أحاديثهم، وفتاوى شيعتهم فراجعها.
أما المذاهب الأربعة فعندهم (بالاتفاق) أن أوقات الصلوات الخمس خمسة، وقد بان لنا فيما سبق من دليل (مواقيت الصلوات في القرآن) أن هذا الرأي لا يتفق مع آياته الإحدى عشر، فراجعها بتدبر وامعان، إذ لا آية منها ولا من غيرها تذكر للصلاة أوقاتا خمسة.
وهكذا دليل السنة النبوية، راجع منه الأحاديث المرقمة 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 في سبب نزول آية سورة هود، وفي المراد من قوله تعالى:
151

فيها: (إن الحسنات يذهبن السيئات (تجد الإشارة الواضحة، بل والنص الصريح من النبي (ص) في أن المراد من الحسنات التي تذهب السيئات إنما هي الصلوات الخمس، التي ذكرت الآية لها أوقاتا ثلاثة، وأن قوله تعالى: (وزلفا من الليل (المغرب والعشاء معا.
وبهذه الحقيقة ظهر لنا أن أهل البيت مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا). فأتبعهم.
2 - في وقت الظهرين خاصة:
وقت الظهرين عند أهل البيت (وشيعتهم تبعا لهم) يبتدئ من زوال الشمس، ويستمر ممتدا إلى غروبها، إلا أن الظهر قبل العصر، كما مر علينا في أحاديثهم وفتاوى شيعتهم، فراجعها.
أما المذاهب الأربعة فعندهم (بالاتفاق) أن وقت الظهر للمختار غير المضطر يبتدئ من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، كما اتفقوا على أن وقت العصر يبتدئ من زيادة الظل عن مثله، أما انتهاؤه فعند الحنفية والشافعية: إلى الغروب، وعند المالكية: إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران، وعند الحنبلية: إن من أخر صلاة العصر إلى تجاوز الظل عن مثليه تقع الصلاة أداء إلى حين الغروب، ولكن المصلي يأثم حيث يحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت.
والحقيقة - أولا - أن اتفاق المذاهب الأربعة على انتهاء وقت الظهر عندما يصير ظل كل شئ مثله، واتفاقهم أيضا على ابتداء وقت العصر من زيادة الظل عن مثله، هما إتفاقان لا يتفقان مع الدليل القرآني،
152

لأن معنى هذا إنهم (كما هو معلوم) جعلوا وقتا خاصا للظهر لا يجوز إيقاع العصر فيه، ووقتا خاصا للعصر لا يجوز إيقاع الظهر فيه، وهكذا قالوا في صلاتي المغرب والعشاء، وعلى هذا تكون أوقات الصلوات عندهم خمسة، في حين أن المذكور في القرآن ثلاثة، أو أربعة (كما في آيتي سورة الروم فقط). فبان لنا صريحا أن اتفاقهم هذا لا يتحد وظواهر القرآن، بل ونصوصه الصريحة.
وكذلك دليل السنة النبوية، راجع الحديثين المرقمين (8) و (9) تجد فيهما الإشارة الصريحة من النبي (ص) إلى آية سورة طه التي ذكرت وقتا واحدا للظهرين، وإلى سعة وقت العصر واستمراره إلى ما قبل الغروب. وراجع الأحاديث المرقمة (10) و (11) و (12) الدالة على أن وقت العصر يكون بعد الفراغ من الظهر. وراجع الحديثين المرقمين (13) و (14) الدالين على استحباب تأخير الظهر في شدة الحر إلى وقت العصر، واللذين أمر النبي (ص) فيهما بالأبرد بصلاة الظهر، أي تأخيرها إلى أن تزول شدة الحر، ومعلوم أن شدة الحر لا تزول إلا بعد زيادة الظل عن مثله.
قال الجصاص في كتابه (أحكام القرآن) تحت عنوان (وقت الظهر) ما نصه:
" وقد كان شيخنا أبو الحسن رحمه الله تعالى يستدل بقوله (ص): أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم، على أن ما بعد المثل وقت للظهر، لأن الأبراد لا يكون عند المثل، بل أشد ما يكون الحر في الصيف عندما يصير ظل كل شئ مثله " (1).
153

والذي يؤيد هذا بصورة قطعية، الأحاديث الآتية المتواترة والصريحة في جمع النبي (ص) بأصحابه بين الظهرين، وكذا بين العشائين، جمع تقديم وتأخير في الحضر والسفر بغير عذر ولا اضطرار، بل رفعا للضيق والحرج عن الأمة، وتوسعة عليهم، ورخصة لهم.
ثانيا - ومما اتضح لنا بما تقدم أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس، وبهذا أفتى الحنفية والشافعية، أما المالكية الذين قالوا: أن وقت العصر إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران، وقول الحنبلية: إن من أخر صلاة العصر إلى ما بعد تجاوز الظل عن مثليه إلى الغروب يأثم ويحرم عليه ذلك، فهما قولان لا يتفقان مع الآيات القرآنية ولا نصوص السنة النبوية المتواترة في معناها، التي روتها الصحاح والسنن والمسانيد، وممن رواها مالك بن أنس نفسه في (الموطأ) فراجعها برقم (8) و (9) و (15) و (16) و (17) و (18) و (19) و (20) تجد تلك النصوص صريحة ببقاء وقت العصر إلى ما قبل الغروب وأن من أدرك ركعة أو سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، وليتم صلاته، وهكذا من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، وفي ذلك رفع للضيق والحرج الذي يتفق مع روح الشريعة السهلة السمحة.
ثالثا - إن خصوص قول الحنبلية: أن من أخر صلاة العصر إلى ما بعد تجاوز الظل عن مثليه إلى حين الغروب تقع الصلاة أداء، ولكن المصلي يأثم ويحرم عليه ذلك، فهو قول قد انفردوا به عن غيرهم، وهو ينقض بعضه بعضا بحسب الموازين العلمية، لأنهم قالوا: أن الصلاة تقع
154

أداء لا قضاء إلى حين الغروب، ولم يقيدوا ذلك بالاضطرار، فمعناه أن الصلاة واقعة في الوقت الذي حدده الشارع المقدس لا خارجا عنه، فلماذا إذا يأثم المصلي، ويحرم عليه التأخير؟! وهل الإثم والحرام يكونان بإيقاع الصلاة في وقتها المحدد؟! كلا.
وبهذه الحقائق ظهر لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا). فاتبعهم.
3 - في وقت العشائين:
وقت العشائين عند أهل البيت (وشيعتهم تبعا لهم) يبتدئ من غروب الشمس الذي يتحقق (كما في بعض أحاديثهم) بذهاب الحمرة المشرقية، ويستمر إلى نصف الليل للمختار غير المضطر، كما مر علينا في أحاديثهم، وفتاوى شيعتهم فراجعها.
أما المذاهب الأربعة فقد اتفقوا على ابتداء وقت المغرب من مغيب القرص، وانتهائه بمغيب الشفق الأحمر من جهة المغرب، إلا المالكية قالوا: أن وقت صلاة المغرب مضيق، ويختص من أول الغروب بمقدار ما يتسع لها ولمقدماتها وشرائطها من الطهارة والأذان، ولا يجوز تأخيرها عن هذا الوقت. أما العشاء فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن ابتداء وقتها من مغيب الشفق، أما انتهاء وقتها فعند الحنفية والشافعية يمتد إلى طلوع الفجر الصادق، وعند المالكية والحنبلية أن وقت العشاء ينتهي بانتهاء الثلث الأول من الليل.
155

تحقيق الغروب الشرعي:
والحقيقة - أولا - أن اتفاق المذاهب الأربعة على ابتداء وقت المغرب بمغيب قرص الشمس يتفق مع أهل البيت وشيعتهم، بل على ذلك إجماع المسلمين، إلا أن في بعض روايات أهل البيت ما يدل على أن مغيب قرص الشمس لا يعرف بمجرد مواراته عن العيان، بل بارتفاع الحمرة من جهة المشرق، لأن المشرق مطل على المغرب، وعليه تكون الحمرة المشرقية انعكاسا لنور الشمس، فكلما أوغلت الشمس في الغروب كلما ارتفع هذا الانعكاس، كما جاء هذا المعنى عن الإمام الصادق (في خبر أبن أشيم على ما في (فروع الكافي) ج 3 / 278، و (الوسائل) ج 5 / 186، و (المستمسك) ج 5 / 55، قال (: " وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأن المشرق مطل على المغرب هكذا، ورفع الإمام يمينه فوق يساره، ثم قال: فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا ".
وفي (الكافي) أيضا ج 3 / 279، و (الوسائل) ج 5 / 187، و (المستمسك) ج 5 / 56 عن أبن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله الصادق (قال: " وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص ".
وفي (الوسائل) ج 5 / 189، و (المستمسك) ج 5 / 57 مسندا عن عبد الله بن وضاح قال: " كتبت إلى العبد الصالح (يعني الإمام موسى بن جعفر (): يتوارى القرص، ويقبل الليل، ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستر عنا
156

الشمس، وترتفع فوق الجبل حمرة، ويؤذن عندنا المؤذن، أفأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينك ".
فمن هذه الأحاديث وغيرها وهي كثيرة، اشتهر عند الشيعة، وجرت سيرتهم على تأخير صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقية أو ارتفاعها الذي يكون بعد عشرة دقائق (تقريبا) من غياب قرص الشمس عن العيان، ذلك لاحتمال حجبها بضباب أو سحاب أو جبل أو غير ذلك، وربما استدل بعضهم على ذلك بقوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل (والليل يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، أما قبله لا يصدق عرفا أنه ليل (1).
ومعلوم أن الاحتياط للدين في الصلاة والصيام يقضي به، إذ فيه يكون الغروب ودخول الليل محققا، ومن هنا قال فقيه عصره سيدنا السيد محسن الحكيم (قدس سره) في (المستمسك) بعد سرد الأحاديث الدالة على تحقق الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وتعليقه عليها تعليقا علميا قال أخيرا: " فلا يبعد الحمل على إرادة أن زوال الحمرة طريق قطعي إلى غياب الشمس عن دائرة الأفق، بحيث لا يبقى احتمال كونها طالعة وأنها محجوبة بحائل من جبل أو غيره " (2).
وعلى كل استمر العمل بذلك عند الشيعة قديما وحديثا، ويرى بعض العلماء كالشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في (الوسائل) ج 5 / 189
157

وغيره أن العمل بأحاديث ذهاب الحمرة، أو ارتفاعها أقرب إلى الاحتياط للدين في الصلاة والصوم، وأن فيه جمعا بين الأدلة وعملا بجميع الأحاديث من غير طرح شئ منها، وفيه من حمل المجمل على المبين، والمطلق على المقيد.. وأنه أشهر فتوى بين الأصحاب، ولذلك يتعين العمل بها.
ومما يعضده من السنة النبوية المروية من طرق أهل السنة، الحديث المرقم (23) الذي قال النبي (ص) فيه: ولا صلاة بعدها (أي بعد العصر) حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم.
ولعل المراد به النجم الذي يكون قريبا من جهة الشروق الذي يقارب طلوعه ذهاب الحمرة غالبا، لا ظهور أي نجمة ما في السماء لأن بعضها تطلع قبل غروب القرص كما رأيت ذلك بعيني.
ومما يعضد هذا المعنى أيضا ما أخرجه أبن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص): " إذا أقبل الليل من هاهنا (وأشار إلى جهة المشرق) وأدبر من هاهنا (وأشار إلى جهة المغرب) وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " (1).
وفي لفظ أبن كثير الدمشقي: " في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص): إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم " (2).
158

فقوله (ص): " إذا أقبل الليل من هاهنا " يعني به إقبال سواد الليل من جهة المشرق التي يلازم إقباله منها إدبار النهار تماما من جهة المغرب، وفي حالة وجود الحمرة المشرقية لم يقبل - بعد - سواد الليل من جهة المشرق، ولم يكن ليل. وإذا كان الإفطار لا يحل (حسب مفاد هذا الحديث) إلا بعد إقبال الليل من جهة المشرق، فكذلك لا يحل وقت صلاة المغرب إلا بعد إقباله أيضا من تلك الجهة.
واخرج احمد، وعبد بن حميد، وأبن أبي حاتم، والطبراني في حديث عن بشير جاء فيه قول رسول الله (ص): (وأتموا الصيام إلى الليل (: فإذا كان الليل فأفطروا (1).
ثانيا - قول الحنفية والشافعية والحنبلية بانتهاء وقت المغرب بمغيب الشفق (الذي يزول بعد غروب قرص الشمس بساعة تقريبا) وقول المالكية: من أن وقت صلاة المغرب مضيق، ويختص من أول المغرب بمقدار ما يتسع لها ولمقدماتها.. الخ، هما قولان لا يتفقان مع الدليل القرآني، لأن معنى هذا أنهم جعلوا وقتا خاصا للمغرب لا يجوز إيقاع العشاء فيه، ووقتا خاصا للعشاء لا يجوز إيقاع المغرب فيه، كما جعلوا ذلك بالنسبة لصلاتي الظهر والعصر، وسبق أن ذكرنا أن على هذا تكون أوقات الصلوات خمسة، مع العلم اليقيني أن الأوقات المذكورة لها في القرآن ثلاثة، أو أربعة، كما أن وقت العشائين واحد في جميع تلك الآيات، فبان لنا بذلك عدم اتفاق القولين لظواهر القرآن ونصوصه الصريحة.
159

وكذا دليل السنة النبوية حيث جمع النبي (ص) بأصحابه مرارا بين العشائين، كما جمع بين الظهرين جمع تقديم، وجمع تأخير، في الحضر والسفر، وبغير عذر. وما ذلك إلا لأن وقت المغرب يشترك مع وقت العشاء، والعشاء مع المغرب، وأن وقت العشاء يدخل بمجرد الفراغ من المغرب، لا أن وقته يبدأ من مغيب الشفق، كما اتفقت عليه المذاهب الأربعة من أن وقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق.
ثالثا - قول الحنفية والشافعية بامتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر الصادق يخالف ظواهر القرآن في آياته (كما أشرنا إليه سابقا) في قوله تعالى: (وزلفا من الليل (
أي ساعات منه قريبة من النهار، وقوله تعالى: (آناء الليل (أي ساعات منه، وقوله تعالى في سورة ق، والطور، والإنسان (ومن الليل (وقلنا: أن (من) هنا للتبعيض بلا خلاف، أي بعض الليل لا كله.
أما قول المالكية والحنبلية من أن وقت العشاء ينتهي في الثلث الأول من الليل فهو مخالف للسنة النبوية ببقاء الوقت إلى نصف الليل راجع الأحاديث المرقمة (24 و 25 و 26 و 27 و 28) من أن النبي (ص) أخر يوما صلاة العشاء إلى نصف الليل، فصلاها في ذلك الوقت بمن كان ينتظر من أصحابه وقوله لهم: أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها، وهذا نص عملي ببقاء وقت العشاء إلى نصف الليل، وعين (ص) آخر وقت العشاء في الحديث رقم (28) حيث قال: آخر وقت العشاء الآخرة نصف الليل.
160

ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في (المستدرك) ج 1 / 190 وغيره بأسانيدهم عن عائشة (قالت: " ما صلى رسول الله (ص) الصلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله " ومفهوم هذا الحديث أن النبي أخر مرة واحدة كل صلاة فصلاها في آخر الوقت "
وبهذه الحقائق ظهر لنا أن أهل البيت مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا). فاتبعهم.
4 - في وقت الصبح:
وقت صلاة الصبح عند أهل البيت (وشيعتهم تبعا لهم) يبتدئ من طلوع الفجر الصادق وينتهي بطلوع الشمس، وبهذا أفتى الحنفية والشافعية والحنبلية، أما المالكية فعندهم ينتهي وقت صلاة الصبح بتعارف الوجوه، وهو الإسفار والتنوير.
والحقيقة أن هذا القول يخالف ظواهر القرآن بتحديد وقت الصبح النهائي في آيتي سورة طه، وق، بقوله تعالى: (قبل طلوع الشمس (، كما يخالف نصوص السنة النبوية المتواترة في معناها، راجع منها الأحاديث المرقمة (8 و 9 و 15 و 16 و 19 و 20) التي ينص بعضها على أن من أدرك من الصبح ركعة، أو سجدة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، وليتم، صلاته وأن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. وبعض هذه النصوص رواها مالك نفسه في (الموطأ).
161

وبهذه الحقيقة ظهر لنا أن أهل البيت مع السنة النبوية، كما هم مع الكتاب (لن يفترقا). فاتبعهم.
5 - في تحقيق الإجزاء ووقت الفضيلة في الصلوات الخمس:
هذه المقارنات التي استعرضناها في الصلوات الخمس إنما هي الأوقات المجزية لجميع المكلفين (كما أشرنا إلى ذلك) وهي ثلاثة.
أما الأوقات المفضلة ففيها تفاصيل كثيرة، واختلاف بين الفقهاء من الفريقين، ذلك لاختلاف الأحاديث الواردة، والظاهر أن اختلاف الأحاديث جاء من جهة اختلاف مراتب الفضيلة، ولكن المشهور عند علمائنا: أن وقت فضيلة الظهر يبتدئ من الزوال وينتهي ببلوغ الظل الحادث - بعد الانعدام، أو بعد الانتهاء - مثل الشاخص (أي بلوغ الظل المتجدد بعد الزوال بمثل الشاخص). ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين. ووقت فضيلة المغرب من الغروب إلى ذهاب الشفق، أي الحمرة المغربية. ووقت فضيلة العشاء إلى ثلث الليل. ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى أن يتخلل الصبح السماء، وذلك حين يظهر نور الصبح، بطلوع الحمرة المشرقية.
ومن تحديد هذه الأوقات المستندة إلى بعض الأحاديث من طرق الفريقين ظهر لنا أن أوقات الصلوات الخمس المفضلة خمسة، ومن هنا ذهب أهل السنة إلى أن أوقات الصلوات خمسة، استنادا إلى تلك الأحاديث التي هدفها بيان وقت الفضيلة لا وقت الاجزاء. ومن تلك الأحاديث، الأحاديث التي مرت برقم (29 و 30 و 31) التي مفادها أن جبرئيل صلى
162

بالنبي (ص) (أو أمره أن يصلي) الظهر في اليوم الأول عند الزوال، وفي اليوم الثاني حينما كان ظله مثله، والعصر في اليوم الأول حينما كان ظله مثله، وفي الثاني حينما كان ظله مثليه، والمغرب في اليوم الأول حينما أفطر الصائم، وفي الثاني كذلك لم يغيره، والعشاء في اليوم الأول حينما غاب الشفق، وفي الثاني في ثلث الليل، والصبح في اليوم الأول حينما حرم الطعام والشراب على الصائم، أي عند طلوع الفجر الصادق، وفي اليوم الثاني عند الإسفار، وأن جبرئيل قال أخيرا: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، وما بين هاتين الصلاتين وقت.
وهذه الأحاديث بما أفادت مروية أيضا من طرقنا كما في (الوسائل) ج 5 / 167، و (المستمسك) ج 5 / 44 مسندا عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (قال: " أتى جبرئيل رسول الله (ص) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح. ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح، ثم قال: ما بينهما وقت ". وتشير إلى هذا الحديث أحاديث أخرى منها ما رواه الكليني في (الكافي)، ج 3 / 280 بسنده عن زيد الشحام، ونقله عنه الحر العاملي في (الوسائل) ج 5 / 197، قال: سألت أبا عبد الله (عن وقت المغرب فقال: أن جبرئيل أتى النبي (ص) لكل صلاة
163

بوقتين، غير صلاة المغرب فأن وقتها واحد، ووقتها وجوبها (أي سقوط قرصها).
والحقيقة أن هذه الأوقات في هذه الأحاديث محمولة عند علمائنا بالإجماع (1) على الأفضلية أي أن الوقت الأفضل إيقاع الصلاة ما بين الوقتين المذكورين.
ومن القرائن الدالة على ذلك قول جبرئيل: " يا محمد هذا وقت الأنبياء " ذلك لأن الأنبياء يتحرون بعبادتهم وصلواتهم أفضل الأوقات، وفي طليعتهم نبينا (ص). ومن القرائن أيضا قوله: " وما بينهما وقت " أو " ما بين هاتين الصلاتين وقت " كما في حديث جابر بن عبد الله (. وهذا يدل على عدم الحصر، بل ظاهره إرادة دفع وهم من يتوهم أن الوقت منحصر في خصوص الأوقات التي أوقع الصلاة فيها، فدفعه بقوله: " ما بينهما وقت ".
وإذا قارنا هذه الأوقات بفتاوى المذاهب الأربعة اتضح لنا أنها محمولة عندهم أيضا على الأوقات المفضلة لا المجزية، وبيان ذلك:
أولا - إن الحنفية والشافعية عندهما أن وقت العصر من زيادة الظل عن مثله إلى الغروب، والحال أن مفاد الأحاديث بنصوصها أن وقت العصر من زيادة الظل عن المثل إلى المثلين، فلو لم يكن هذا الوقت محمولا عندهما على الأفضلية لما أفتيا بخلافه.

(1) نقل الإجماع على ذلك صاحب (الغنية) كما في (الحقائق) ج 2 / 80.
164

وعند المالكية: أن وقت العصر الاختياري من زيادة الظل عن مثله إلى اصفرار الشمس في الأرض والجدران، والحال أن اصفرار الشمس (كما هو معلوم) يكون بعد أن يصير الظل خمسة أمثال الشاخص أو أكثر، لا مثلين.. فمعناه أن وقت المثلين محمول عند (مالك) على الأفضلية أيضا.
وهكذا عند الحنبلية: أن من أخر صلاة العصر إلى تجاوز الظل عن مثليه تقع الصلاة أداء إلى حين الغروب، ولكن المصلي يأثم، حيث يحرم عليه أن يؤخرها إلى هذا الوقت. فقولهم بوقوع الصلاة بعد المثلين أداء إلى حين الغروب، معناه أن الوقت باق إليه، ولذا تصلى أداء لا قضاء.
ثانيا - عند الحنفية والشافعية والحنبلية: وقت المغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق من جهة المغرب، والحال أن مفاد الأحاديث بنصوصها أن وقت المغرب حين يفطر الصائم فقط، فلو لم يكن هذا الوقت محمولا عندهم على الأفضلية لما أفتوا بخلافه. نعم قال به المالكية: أن وقت المغرب مضيق، ويختص من أول الغروب بمقدار ما يتسع لها ولمقدماتها وشرائطها.. الخ، والحال أن هذا الوقت محمول عند علمائنا على زيادة الأفضلية، والتأكد بالخصوص على تقديم صلاة المغرب في أول وقتها أكثر من غيرها من الصلوات الأربع الأخرى.
إذ وردت أخبار كثيرة تدل على أن وقت الفضيلة للمغرب يستمر إلى غياب الشفق، وبعده تفوت فضيلة المغرب، ويبقى وقت الأجزاء.
165

ويؤيد ما ذهبنا إليه من أن هذا الوقت محمول على الأفضلية والاستحباب، ما قاله الجصاص الحنفي في كتابه (أحكام القرآن):
" فإن قيل: روي في حديث ابن عباس وأبي سعيد أن النبي (ص) صلى المغرب في اليومين جميعا في وقت واحد بعد غروب الشمس، قيل له: هذا لا يعارض ما ذكرنا، لأنه جائز أن يكون فعله كذلك ليبين الوقت المستحب.. فقول من جعل الوقت (أي وقت المغرب) مقدرا بفعل الصلاة خارج عن الأصول، مخالف للنظر والأثر جميعا " (1).
ثالثا - قول الحنفية والشافعية: أن وقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق، ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق، والحال أن مفاد الأحاديث بنصوصها إن وقت العشاء من مغيب الشفق، وينتهي بثلث الليل، فلو لم يكن هذا الوقت محمولا عندهما على الأفضلية لما خالفاه.
رابعا - قول الحنفية والشافعية والحنبلية: إن وقت الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والحال أن مفاد الأحاديث بنصوصها هو أن وقت الصبح من طلوع الفجر إلى الإسفار، فلو لم يكن هذا الوقت محمولا عندهم على الأفضلية لما خالفوه.
وبهذه الحقيقة وقرائنها ظهر لنا أن أهل البيت مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا). فاتبعهم.

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 275.
166

قل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ([سورة النور / 54].
167

الجمع بين الصلاتين مطلقا في السنة النبوية والإجماع
من روى أحاديث الجمع، أو أعترف بها؟:
استفاضت الأحاديث وتواترت تواترا قطعيا لا يعتريه شك ولا ريب في أن رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين، ظهرا وعصرا، ومغربا وعشاء، جمع تقديم وجمع
تأخير، في الحضر وبدون عذر. وروت تلك الأحاديث واعترفت بها (مفصلا أو مجملا) أئمة المذاهب الأربعة، وأصحاب الصحاح الستة، وسائر أصحاب المسانيد والسنن، وكتب الأحاديث والتفاسير والتاريخ، من طرق الفريقين، حتى بلغت معقد الإجماع.
وإليك بعض مصادر تلك الأحاديث ممن رواها أو اعترف بها من أهل السنة.
1 - اعتراف الحنفية بأحاديث الجمع:
اعترفت الحنفية - تبعا لإمام مذهبهم (1) - بأحاديث الجمع بين الصلاتين في السنة النبوية، كما نقل عنهم ذلك محمد الزرقاني في شرحه على (الموطأ) لمالك حيث قال: " وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقا إلا

(1) إمام مذهب الحنفية هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من أهل كابل، المولود سنة 80 والمتوفى سنة 150 ه‍، راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) للعلامة الشيخ أسد حيدر، تجد فيه ترجمة ضافية لأبي حنيفة من ص 287 - 346، = = وراجع ترجمته في (تاريخ بغداد) لأحمد بن علي الخطيب البغدادي ج 13 ص 323 - 423 أوفست بيروت.
170

بعرفة والمزدلفة، وهو قول الحسن، والنخعي، وأبي حنيفة، وصاحبيه، وقول النووي أنهما خالفاه، رده عليه السروجي في (شرح الهداية) وأجابوا (أي الحنفية) عن الأحاديث بأنه جمع صوري، وتقدم رده. وقال إمام الحرمين (1): ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل (2) "...
والذي نستفيده من نقل الزرقاني لقول الحنفية: (وأجابوا عن الأحاديث بأنه جمع صوري) أنهم اعترفوا بأحاديث جمع النبي (ص) بين الصلاتين، ولكنهم أولوها بأنه كان جمعا صوريا، أي أنه (ص) آخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها فلما فرغ منها دخل وقت العصر، فصلاها في أول وقتها، وهكذا في المغرب والعشاء. وسيأتيك نقض هذا التأويل مفصلا، وغيره من التأويلات الكثيرة بأذن الله تعالى، وحقا ما قال إمام الحرمين: (ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل).
2 - ما رواه الإمام مالك (3):

(1) إمام الحرمين: هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني نسبة إلى (جوين) وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور، كان من فقهاء الشافعية، وهو أستاذ الغزالي وغيره من العلماء في الفقه والأدب والأصول، ولقب ب‍ (إمام الحرمين) لأنه جاور بمكة المعظمة أربع سنين، وبالمدينة المشرفة يدرس، ويفتي بها مدة، فلهذا قيل له: إمام الحرمين. توفي في نيسابور سنة 478 وكانت تلامذته ما يقارب الأربعمائة نفر، وقد تأثروا عليه كثيرا كما تأثر عليه أهالي نيسابور فغلقت الأسواق يوم موته.
راجع (الكنى والألقاب) للمحقق الشيخ عباس القمي، ج 2 / 48.
(2) الموطأ: ج 1 / 295، شرح الزرقاني.
(3) مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، إمام المالكية، المولود سنة 93، أو 99 والمتوفى سنة 179 ه‍. راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 199 - 273، تجد فيه ترجمة ضافية لمالك.
171

1 - روى مالك بن أنس في (الموطأ) (1) بشرح محمد الزرقاني قال:
" وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك كان في مطر " (2).
وهذا تأويل ثان لأحاديث الجمع، وهو المطر. وسيأتيك رده مفصلا من طرق أهل السنة، وبالسنة النبوية نفسها.
3 - اعتراف الإمام الشافعي بأحاديث الجمع، وما رواه:
قال محمد بن إدريس الشافعي (3) في كتابه (الأم) (4) تحت عنوان اختلاف الوقت ما نصه:

(1) راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 290 في سبب تأليف مالك ل‍ (الموطأ)، وصحة أحاديثه عنده وعند من يقلده، وعدد أحاديثه المسند منها والمرسل.
(2) الموطأ: ج 1 / 2294، بشرح الزرقاني.
(3) الإمام الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن نافع، إمام الشافعية المولود سنة 150، راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 3 / 217 - 340، تجد فيه ترجمة ضافية للشافعي.
(4) راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 3 / 251، في نسبة كتاب (الأم) للشافعي، والتحقيق حول هذه النسبة. ومن قام بتأليفه وجمعه.
172

" ولما جمع رسول الله (ص) بالمدينة آمنا مقيما، لم يحتمل إلا أن يكون مخالفا لهذا الحديث (1) أو يكون الحال التي جمع فيها حالا غير الحال التي فرق فيها، فلم يجز أن يقال: جمعه في الحضر مخالف لإفراده في الحضر من وجهين أنه يوجد لكل منهما وجه، وأن الذي رواه منهما معا واحد وهو ابن عباس (2) فعلمنا أن لجمعه في الحضر علة فرقت بينه وبين إفراده، فلم يكن إلا المطر والله تعالى أعلم، إذ لم يكن خوف، ووجدنا في المطر علة المشقة، كما كان في الجمع في السفر علة المشقة العامة، فقلنا: إذا كانت العلة من مطر في حضر، جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " (3).
والذي نستفيده من قول الشافعي هذا هو أنه معترف بأن النبي (ص) جمع بين الصلاتين بالمدينة آمنا ومقيما، ولكنه رأى أن جمع النبي بين الصلاتين مخالف لإفراده، فرفعا لهذا الاختلاف أول أحاديث الجمع التي رواها ابن عباس (كما روى حديث التفريق) بأنه يقتضي وجود المطر، حيث يرى أن في المطر علة المشقة حسب نصه.

(1) يعني بقوله: (لهذا الحديث) حديث ابن عباس، الذي ذكر فيه أوقات الصلوات التي جاء بها جبرئيل إلى النبي (ص) وإنها خمسة، وقد مر علينا حديثه هذا بنصه برقم (29).
(2) أحاديث الجمع بين الصلاتين لم يختص ابن عباس وحده بروايتها، بل رواها غيره أيضا من الصحابة كما ستعلم، وكذلك أحاديث التفريق.
(3) الأم للشافعي ج 1 / 65.
173

والحقيقة أنه لا اختلاف بين أحاديث الجمع، وبين أحاديث التفريق. وكل منهما سنة ثابتة عنه (ص)، لأن أحاديث ابن عباس وغيره في أوقات الصلوات والتفريق بين الصلاتين هدفها بيان الأوقات المفضلة. راجع تعليقنا على تلك الأحاديث في المقارنة الخامسة لتعلم الحقيقة، وأحاديث ابن عباس وغيره في الجمع هدفها بيان الحقيقة من اشتراك الوقت المجزي للصلاتين، والتوسعة على الأمة، والرفع للضيق والحرج.
2 - وإليك ما روي عن الشافعي، قال الطحاوي: " حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن إدريس (أي الشافعي) قال: أخبرنا سفيان، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: أنبأنا جابر بن زيد أنه سمع ابن عباس يقول: صليت مع رسول الله بالمدينة ثمانيا جميعا وسبعا جميعا، قلت لأبي الشعثاء: أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك " (1).
4 - ما رواه الإمام أحمد بن حنبل من الأحاديث (2):
3 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده) (3) بشرح أحمد محمد شاكر قال: " حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو: أخبرني جابر بن زيد أنه سمع ابن

(1) إزالة الخطر ص 139.
(2) هو أحمد بن محمد بن حنبل، المولود سنة 164 والمتوفي سنة 241 هجرية، راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 4 / 247 - 365، تجد فيه ترجمة ضافية لأحمد.
(3) راجع كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 4 / 294 في التحقيق حول مسند أحمد، ومقدار أهميته واعتباره، وعدد أحاديثه، وأقوال العلماء فيه، وما يزيد عليه من بعده، ومن تولى شرحه واختصاره من ص 294 - 300.
174

عباس يقول: صليت مع رسول الله بالمدينة ثمانيا جميعا، وسبعا جميعا. قال: قلت له يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك.
قال الشارح أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح. أبو الشعثاء هو جابر بن زيد، والحديث رواه الشيخان كما في (نيل الأوطار) ج 3 / 266. وهذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء، ولا حجة له فيه " (1).
4 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا محمد بن عثمان بن صفوان بن أمية الجمحي، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا.
قال الشارح: إسناده صحيح (2).
5 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثنا قتادة، قال: سمعت جابر بن زيد، عن ابن عباس: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: وما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

(1) المسند لأحمد بن حنبل ج 3 / 280، ط دار المعارف بمصر / رقم الحديث 1918.
(2) المسند لأحمد بن حنبل ج 3 / 283، ط دار المعارف بمصر / رقم الحديث 1929.
175

قال الشارح: إسناده صحيح. والحديث رواه مالك في (الموطأ) ج 1 / 161، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: صلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر. وقال مالك بعده: أرى ذلك كان في مطر، وهذا الذي ظنه مالك تبين أنه خطأ بهذه الرواية التي فيها (في غير خوف ولا مطر) وهذه الرواية رواها الجماعة إلا البخاري " (1).
هذه الرواية، أو هذا الحديث رد حاسم على كافة التأويلات لأحاديث الجمع، لأنه صحيح الإسناد، وقد رواه الجماعة، وهو صريح في أن الجمع كان في المدينة أي النبي مقيم غير مسافر، وأنه كان في غير خوف وغير مطر، وقد بين العلة في الجمع وهو عدم الإحراج للأمة.
6 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن زيد، عن الزبير يعني بن خريت، عن عبد الله بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غابت الشمس وبدت النجوم، وعلق الناس ينادونه: الصلاة، وفي القوم رجل من بني تميم فجعل يقول: الصلاة الصلاة قال: فغضب وقال: أتعلمني بالسنة؟ شهدت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله: فوجدت في نفسي من ذلك شيئا، فلقيت أبا هريرة فسألته فوافقه.
قال الشارح: إسناده صحيح. الزبير بن خريت بكسر الخاء وتشديد الراء المكسورة وآخره تاء مثناة، سبق توثيقه في 308. والحديث رواه

(1) المسند لأحمد بن حنبل ج 3 / 292، ط دار المعارف بمصر / رقم الحديث 1953.
176

مسلم (ج 1 / 197) عن أبي الربيع الزهراني عن حماد. علق الناس أي: طفقوا " (1).
وعلق سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) على هذا الحديث في كتابه (مسائل فقهية) فقال:
" من هوان الدنيا على الله، وهوان آل محمد (ص) على هؤلاء أن يحوك في صدورهم شئ من ابن عباس - وهو حبر الأمة وابن عم نبيها - فيسألوا أبا هريرة، وليتهم بعد تصديق أبي هريرة عملوا بالحديث " (2).
7 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا حسين، حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن زيد قال: سمعت ابن عباس يقول: صلى رسول الله (ص) ثمانيا جميعا، وسبعا جميعا.
قال الشارح: إسناده صحيح " (3).
8 - وفي (المسند) أيضا قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر بالمدينة في غير سفر ولا خوف. قال: قلت يا أبا العباس ولم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.
قال الشارح: إسناده صحيح " (4).

(1) المسند ج 4 / 70، رقم الحديث 2269.
(2) مسائل فقهية، للسيد عبد الحسين شرف الدين، ص 6.
(3) المسند ج 4 / 154، رقم الحديث 2465.
(4) المسند ج 4 / 191، رقم الحديث 2557.
177

9 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن أبن عباس عن النبي (ص) أنه صلى سبعا جميعا، وثمانيا جميعا.
قال الشارح: إسناده صحيح " (1).
10 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا يحيى، عن داود بن قيس، قال: حدثنا صالح مولى التوأمة عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر. قالوا: يا ابن عباس ما أراد بذلك؟ قال: التوسع على أمته.
قال الشارح: إسناده صحيح، فإن صالح بن نبهان مولى التوأمة اختلط في آخر عمره، وأنا أرجح أن داود بن قيس سمع منه قديما - أي قبل أن يختلط - " (2).
11 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته.
قال الشارح: إسناده صحيح " (3).

(1) المسند ج 4 / 201، رقم الحديث 2582.
(2) المسند ج 5 / 81، رقم الحديث 3235.
(3) المسند ج 5 / 113، رقم الحديث 3323.
178

12 - وفي (المسند) أيضا قال: " حدثنا إسماعيل، أخبرنا ليث، عن طاووس، عن ابن عباس: أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر والحضر.
قال الشارح: إسناده صحيح " (1).
5 - ما رواه البخاري من الأحاديث (2):
13 - روى البخاري في (صحيحه) بشرح الكرماني قال: " حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد هو ابن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد عن ابن عباس: أن النبي (ص) صلى بالمدينة سبعا وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عسى " (3).

(1) المسند ج 5 / 134، رقم الحديث 3397.
(2) البخاري هو أبو عبد الله بن إسماعيل البخاري الفارسي، ولد ببخارى سنة 194، ومات بخرتنك قرب سمرقند سنة 256، راجع ترجمته والتعليق على صحيحه، وعدد أحاديثه، وسبب جمعه، وغير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع كتاب (أضواء على السنة المحمدية) للأستاذ محمود أبو رية ص 247 - 252، و (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 2 / 292).
(3) صحيح البخاري، " باب تأخير الظهر إلى العصر "، ج 4 / 191. وقد تعقبه في عنوانه هذا شيخ الإسلام الأنصاري عند بلوغه إلى هذا الباب من شرحه (تحفة الباري). فقال: المناسب للحديث: باب صلاة الظهر مع العصر، والمغرب والعشاء. ففي التعبير بما قاله تجوز وقصور.. إلى أن قال: وتأويل ذلك بأنه فرغ من الأولى فدخل وقت الثانية فصلاها عقبها خلاف الظاهر، انتهى بلفظه في آخر ص 292 من الجزء الثاني من = = شرحه. وقال القسطلاني في ج 2 / 293 من شرحه (إرشاد الساري): وتأوله على الجمع الصوري بأن يكون أخر الظهر إلى أخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها ضعيف لمخالفة الظاهر، وهكذا قال أكثر علمائهم ولا سيما شارحو (صحيح البخاري) راجع (مسائل فقهية ص 9).
179

قال الكرماني في شرحه: قوله (جابر بن زيد) أي أبو الشعثاء تقدم..
قوله (سبعا) أي سبع ركعات للمغرب والعشاء، وثمان ركعات للظهر والعصر، وفي الكلام لف ونشر.
ثم قال الشارح: فأن قلت: فإذا جاز الجمع بينهما في وقت واحد، فلم خصصه البخاري بتأخير الظهر إلى العصر على ما دل عليه الترجمة، واحتمال جمع التقديم قائم؟ قلت: لعل البخاري علم من الحديث أن الجمع كان بالتأخير واختصر الحديث، أو فهم من السياق ذلك.
قوله: (أيوب) أي السختياني.
و (مطيرة) أي كثيرة المطر.
فأن قلت: صلاة العصرين ليست في الليل، فلا يصير هذا عذرا في تأخير الظهر. قلت: المراد في يوم وليلة مطرتين، فترك ذكر أحدهما اكتفاء بذكر الآخر، والعرب كثيرا ما تطلق الليلة وتريد الليل بيومه. الخطابي: الجمع بين الصلاتين لا يكون إلا لعذر، ولذلك رخص فيه للمسافر، فلما وجد الجمع في الحضر طلبوا له وجه العذر وكان الذي وقع لهم من ذلك المطر لأنه أذا فيه مشقة إذا كلف حضور المسجد مرة بعد أخرى.
180

أقول: وهذا يشكل لأن الجمع الذي لعذر المطر لا يجوز إلا بالتقديم فكيف يوافق ترجمة الباب.. الخ.
14 - وروى البخاري أيضا في (صحيحه) قال: " حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: صلى النبي (ص) سبعا وثمانيا.
قال الشارح في شرحه: (سبعا أي سبع ركعات في المغربين، وثمان ركعات في العصرين جمعا بينهما في وقت واحد " (1).
15 - وروى البخاري في (صحيحه) قال: " وقال أبن عمر وأبو أيوب، وابن عباس (: صلى النبي (ص) المغرب والعشاء " (2) يعني جمعهما في وقت أحدهما دون الأخرى.
قال الشارح: (أبو أيوب) أي الأنصاري.
6 - ما رواه مسلم من الأحاديث (3):

(1) صحيح البخاري، ج 4 / 206.
(2) صحيح البخاري، ج 4 / 208، باب ذكر العشاء والعتمة.
(3) هو أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ولد بنيسابور سنة 204 وتوفي بها سنة 268 ه‍، راجع ترجمته في كتاب (أضواء على السنة المحمدية) ص 254، تحت عنوان (مسلم وكتابه) وعنوان (البخاري ومسلم وما قيل فيهما) وعنوان (هل أصح الأحاديث ما في الصحيحين؟) وفي كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 293.
181

16 - روى مسلم في (صحيحه) في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، قال: " حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر " (1).
17 - وحدثنا احمد بن يونس، وعون بن سلام جميعا عن زهير، قال ابن يونس: حدثنا زهير، حدثنا ابن الزبير، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس قال: " صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ".
18 - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية وحدثنا أبو كريب، وأبو سعيد الأشج، واللفظ لأبي كريب قالا يعني أبا كريب وأبا سعيد: حدثنا وكيع، كلاهما عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
19 - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: " صليت مع النبي (ص) ثمانيا

(1) صحيح مسلم، ج 1 / 264، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
182

جميعا، وسبعا جميعا. قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك ".
20 - حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: " إن رسول الله (ص) صلى بالمدينة سبعا وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء ".
21 - وحدثني أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن الزبير بن الخريت، عن عبد الله بن شقيق قال: " خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني وقال: الصلاة الصلاة قال: فقال: ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته ".
22 - وحدثنا ابن أبي عمير، حدثنا عمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة فسكت. ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة؟ كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص).
23 - وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد، يعني ابن الحرث، حدثنا قرة، حدثنا بن الزبير، حدثنا سعيد بن جبير، حدثنا ابن عباس: " إن رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك
183

فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
24 - حدثنا أحمد بن هبة الله بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن أبي الطفيل عامر عن معاذ، قال: " خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا ".
25 - حدثنا يحيى بن حبيب، حدثنا خالد (يعني ابن الحرث) حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو الزبير، حدثنا عامر بن واثلة أبو الطفيل، حدثنا معاذ بن جبل قال: " جمع رسول الله (ص) في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
هذه عشرة أحاديث أخرجها مسلم في (صحيحه) وقد نقل تسعة منها سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين (ره) في كتابه (مسائل فقهية) وقال معلقا عليها، وعلى حديث معاذ، والذي قبله بقوله:
" قلت: هذه الصحاح صريحة في أن العلة في تشريع الجمع إنما هي التوسعة (بقول مطلق) على الأمة وعدم إحراجها بسبب التفريق رأفة بأهل الأشغال وهم أكثر الناس. والحديثان الأخيران (حديث معاذ والذي قبله) لا يختصان بموردهما (أعني السفر) إذ علة الجمع فيهما مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفرا، ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي، وإنما هي كالعام يرد في مورد خاص، فلا يتخصص به بل
184

يطرد في جميع مصاديقه، ولذا ترى الإمام مسلما لم يوردهما في باب الجمع في السفر، إذ لا يختصان به، وإنما أوردهما في باب الجمع في الحضر، ليكونا أدلة من جواز الجمع بقول مطلق. وهذا من فهمه وعلمه وإنصافه (1).
وصحاحه (في هذا الموضوع) التي سمعتها، والتي لم تسمعها، كلها على شرط البخاري، ورجال أسانيدهم كلهم قد أحتج البخاري بهم في (صحيحه)، فما المانع يا ترى من إيرادها بأجمعها في (صحيحه)؟ وما الذي دعاه إلى الاختصار على النزر اليسير منها؟ ولماذا لم يعقد في كتابه بابا للجمع في الحضر وبابا للجمع في السفر؟ مع توفر الصحاح (على شرطه) الواردة في الجمع، ومع أن أكثر الأئمة قائلون به في الجملة؟ ولماذا اختار من أحاديث الجمع ما هو أخسها دلالة عليه؟ ولم وضعه في باب يوهم صرفه عن معناه؟ فأني أربأ بالبخاري وأحاشيه أن يكون كالذين يحرفون الكلم عن مواضعه، أو كالذين يكتمون الحق وهم يعلمون... " (2).
7 - ما رواه أبو داود من الأحاديث (3):

(1) ولا سيما مع ملاحظة الأحاديث الواردة في جمع النبي بين الصلاتين في المدينة، وتعليلها بنفس هذه العلة وهي التوسعة على الأمة.
(2) مسائل فقهية ص 8.
(3) أبو داود هو الإمام الفقيه سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ره)، ولد سنة 202، قدم بغداد مرارا ومات في البصرة سنة 275 ه‍. راجع ترجمته في كتاب (أضواء على السنة المحمدية) ص 263 وكتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 296.
185

26 - روى أبو داود في (سننه) المطبوع بهامشه (عون الودود في شرح سنن أبي داود): " حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر " (1).
27 - قال أبو داود: " وروى حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ".
28 - ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير.
29 - قال أبو داود: " حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
قال الشارح في (عون الودود) ما نصه:
" قوله: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر... الحديث، أخرجه أحمد والشيخان. الحديث ورد بلفظ (من غير خوف ولا سفر)، وبلفظ (من غير خوف ولا مطر). قال الحافظ: وأعلم أنه لم يقع بالثلاثة في شئ من كتب الحديث،

(1) سنن أبي داود ج 1 / 120، باب (الجمع بين الصلاتين) ط لكنهو، الهند 1371.
186

بل المشهور: من غير خوف ولا سفر. وقد أستدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقا بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقا وعادة ".
العجب ممن لقب نفسه (أو لقبوه) بالحافظ، ولا أعلم (على التحقيق) أي حافظ هو هذا الذي ينقل عنه الشارح، ولا أريد أن أعلم، ولكن الذي أريد أن أقوله: إن هذا الملقب (بالحافظ) يقول معلقا على أحاديث الجمع بين الصلاتين: وأعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شئ من كتب الحديث.
نعم يقول الحافظ هذا وهو يعني أنه لم يقع حديث من أحاديث الجمع مجموعا بالثلاثة أي من غير خوف ولا سفر ولا مطر في كتاب من كتب الحديث، هذا مع العلم أنه بنفس الوقت يقرأ في كتب الحديث (أو يحفظ) حديث ابن عباس المروي عنه بطرق عديدة وصحيحة أنه قال: جمع رسول الله بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء (بالمدينة) (من غير خوف) (ولا مطر) بل ويريد شرح الحديث بالذات.
ألا سائل يسأل من هذا الحافظ: أليست المدينة هي دار هجرته صلى الله عليه وآله وسلم؟ وموطنه؟ ومدفنه؟ أكان مسافرا إليها حين جمع فيها بين الصلاتين أم كان مقيما؟ نعم لعله يؤول الحديث فيقول: جمع رسول الله (ص) بين الصلاتين حين سافر إلى المدينة مع أمه آمنة بنت وهب، وهو إذ ذاك ابن خمس سنين، وقبل أن يبعث بالرسالة بخمس وثلاثين سنة. نعم ربما يؤول الحديث بهذا، وليس هذا عنده ببعيد، وهكذا مني المسلمون بحفاظ لا يفقهون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ([سورة الحج / 47].
187

30 - قال أبو داود في (السنن) أيضا: " حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد، وحدثنا عمرو بن عون، أنبأنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: صلى بنا رسول الله (ص) بالمدينة ثمانيا وسبعا، الظهر والعصر والمغرب والعشاء " (1).
31 - قال أبو داود: " ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: في غير مطر ".
قال الشارح: قوله (صلى بنا رسول الله (ص) بالمدينة ثمانيا وسبعا، الظهر والعصر) أي ثمانيا جمعا وسبعا جمعا، كما صرح به البخاري في رواية له ذكرها في باب وقت المغرب.
8 - ما رواه الترمذي من الأحاديث (2):
32 - روى الترمذي في (سننه) باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر، فقال: " حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من

(1) السنن لأبي داود ج 1 / 120.
(2) الترمذي: هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي الضرير، ولد سنة 209 بترمذ، وتوفي بها سنة 279 ه‍، راجع ترجمته واعتبار كتابه في (أضواء على السنة المحمدية) ص 264، وفي كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 295,
188

غير خوف ولا مطر. قال فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته " (1).
33 - قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة.
34 - ثم قال: حديث ابن عباس قد روي عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد.
35 - وسعيد بن جبير.
36 - وعبد الله بن شقيق العقيلي.
قال الشارح احمد بن محمد شاكر: (العقيلي) بضم العين المهملة وفتح القاف وإسكان الياء نسبة إلى المصغر.. والترمذي لم يبين درجة هذا الحديث من الصحة، وهو حديث صحيح، رواه مالك واحمد وأصحاب الكتب الستة وغيرهم.
أما الروايات التي أشار إليها، فإن رواية جابر بن زيد، وهو أبو الشعثاء، رواها البخاري ومسلم وغيرهما. وأما رواية عبد الله بن شقيق فإنها عند مسلم (ج 1 / 197) - ثم ذكر الشارح الحديث كما مر فيما نقلناه من صحيح مسلم - ثم قال: ورواية سعيد بن جبير رواها مالك في (الموطأ) ج 1 / 161 - ونقل حديثه كما مر - وعلق على قول مالك: (أرى ذلك كان في مطر) بما يلي:

(1) السنن للترمذي ج 1 / 354، شرح احمد محمد شاكر ط القاهرة - 1356 ه‍.
189

" هذا نص الموطأ فقد جاء في بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر) وفي بعضها: (غير خوف ولا سفر) ومالك سمع الثانية ولم يسمع الأولى فتأول الحديث على عذر المطر. قال ابن حجر في (الفتح) ج 2 / 19: لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: (من غير خوف ولا مطر) فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر.
ونقل الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 264 عن ابن حجر أنه قال: (واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شئ من كتب الحديث، بل المشهور: (من غير خوف ولا سفر) ولم أجد هذا الذي نسب إليه لا في الفتح ولا في التلخيص. فالله أعلم، ولئن كان الحافظ قال ذلك فإنه مردود عليه بأن رواية مسلم وأصحاب السنن: (بالمدينة من غير خوف ولا مطر) تجمع الثلاثة، إلا إن كان يريد لفظ (سفر) بحروفه فقط لا بمعناه " (1).
9 - ما رواه النسائي من الأحاديث (2):
37 - روى النسائي في (سننه) بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، باب: الوقت الذي يجمع فيه المقيم، قال:

(1) السنن للترمذي ج 1 / 355، شرح احمد محمد شاكر.
(2) النسائي: هو أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي، ولد في (نسا) من نيسابور سنة 215، وكانت وفاته سنة 303 ه‍، راجع ترجمته والتعليق على (سننه) كتاب (أضواء على السنة المحمدية) ص 265، وكتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) ج 2 / 296.
190

" أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: صليت مع النبي (ص) بالمدينة ثمانيا وسبعا. أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء " (1).
قوله في ذيل الحديث: أخر الظهر وعجل العصر.. الخ هو ظن ظنه أبو الشعثاء جابر بن زيد ومن سأله، كما صرح به مسلم في نقله لهذا الحديث ونصه بعد نقل الحديث: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك.
ولكن الله تعالى يقول في محكم كتابه المجيد ردا على أمثال هذه الظنون: (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ([يونس / 37].
38 - قال النسائي: " أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم، قال: حدثنا حبان بن هلال، حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب، عن عمر وبن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شئ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ، فعل ذلك من شغل، وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله (ص) بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شئ ".
قال الشارح جلال الدين السيوطي: " قوله (الأولى) أي الظهر، فإنهم كانوا يسمون الظهر الأولى لكونها أول صلاة صلى جبرئيل بالنبي (ص).

(1) السنن للنسائي ج 1 / 286، ط مصر الأولى سنة 1248 ه‍.
191

(ثمان سجدات) أي ثمان ركعات، فأريد بالسجدة الركعة باستعمال اسم الجزء في الكل ".
وهذا الحديث هو مضمون الحديث الذي مر علينا عن (مسند احمد بن حنبل)، وعن صحيح مسلم، عن عبد الله بن شقيق، والمراد من قول الراوي (فعل ذلك من شغل) هو شغله بالخطبة لأنه خطب بعد العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء. وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. فراجعه.
39 - وروى النسائي أيضا في (سننه) باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، قال: " أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر " (1).
40 - وقال: " أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة واسمه غزوان قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي (ص) كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر. قيل له: لم؟ قال: لئلا يكون على أمته حرج ".

(1) السنن للنسائي ج 1 / 290.
192

قال الشارح السيوطي: قوله (لئلا يكون على أمته حرج) أي لئلا يتحرج من يفعل ذلك من أمته.
41 - وقال النسائي: " أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن جريح عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: صليت وراء رسول الله (ص) ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ".
10 - ما رواه ابن ماجة من الأحاديث (1).
42 - روى ابن ماجة القزويني في (سننه)، باب الجمع بين الصلاتين في السفر قال: " حدثنا محرز بن سلمة العدني، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن عبد الكريم، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس، أخبروه عن ابن عباس، أنه أخبرهم أن رسول الله (ص) كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير أن يعجله شئ ولا يطلبه عدو ولا يخاف شيئا " (2).
في حديث ابن ماجة هذا (كما هو ظاهر) خلط وخبط، وزيادة ونقيصة، حيث أنه أخرج الحديث عن كل من مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس وأنهم جميعا نقلوا الحديث عن ابن عباس، ومن المقطوع به أن حديث كل واحد من هؤلاء التابعين يختلف نصه، بل

(1) هو محمد بن يزيد بن ماجة، كنيته أبو عبد الله، المعروف بالقزويني المتولد سنة 209 والمتوفى سنة 273، ارتحل إلى العراق والكوفة ومكة والشام وألف كتابه في الحديث، وهو أحد الصحاح الستة. (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 2 / 297).
(2) سنن ابن ماجة ج 1 / 340، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط مصر 1372 ه‍.
193

ومعناه عن حديث الآخر، وبمراجعة أحاديثهم السابقة واللاحقة يتضح لك هذا المعنى.
والذي يهمنا التنبيه عليه في هذا المقام أن كلمة (في سفر) لم ترد وحدها في حديث طاووس، كما إنها منفية في حديث سعيد بن جبير الذي يرويه عن ابن عباس. أما حديث طاووس فقد مر علينا في (مسند احمد) ج 5 / 134 برقم 3397 ونصه عن طاووس عن ابن عباس: إن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر والحضر.
فحديث ابن ماجة جاءت فيه كلمة (في السفر) وأسقطت منه كلمة (والحضر) وهذا شئ لا يغتفر.
أما حديث سعيد بن جبير فقد رواه احمد ومسلم، وابن داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم، وقد جاء من طرق عديدة ونصوص كثيرة، فراجعها تجدها كلها تخالف نص حديث ابن ماجة.
والمعروف من حديث سعيد بن جبير أن النبي (ص) جمع بين الصلاتين في المدينة من غير خوف ولا مطر، وفي بعضها من غير خوف ولا سفر. فحديث طاووس إذا وحديث سعيد بن جبير يدلان على جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا. وقد رواهما ابن ماجة في (سننه) ولكن بتعبيره الخاص واختصاره، ومع ذلك ينفي أن يكون الجمع لعذر من الأعذار كشئ يعجله، أو عدو يطلبه، أو شئ يخافه فهو حجة في الباب.
194

11 - ما رواه أبو داود الطيالسي من الأحاديث (1):
43 - روى أبو داود الطيالسي في (مسنده) برقم 2613 قال: " حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو، عن جابر، عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) صلى بالمدينة سبعا وثمانيا معا " (2).
44 - وقال أيضا برقم 2614: " حدثنا يونس قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حبيب، عن عمرو بن هرم، عن سعيد بن حبير: أن ابن عباس جمع بين الظهر والعصر من شغل وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله (ص) بالمدينة الظهر والعصر جميعا ".
45 - وقال أيضا برقم 2629: " حدثنا أبو داود، قال: حدثنا قرة بن خالد، قال: حدثنا أبو الزبير قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء قلت: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
46 - وقال أيضا برقم 2720: " حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا الزبير بن خريت الأزدي، قال: حدثنا عبد الله بن شقيق

(1) هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل، مولى آل الزبير أحد الأعلام الحفاظ، يروي عنه احمد، والفلاس، وبندار، وابن الفرات، وعباس الدوري، وخلائق. وقد أثنوا عليه بالحفظ والصدق، وكان يقول: كتبت عن ألف شيخ. مات سنة 204، وكان من أبناء الثمانين. (تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 / 320 - الطبعة الثانية).
(2) مسند أبي داود ج 10 / 341، ط حيدر آباد الدكن.
195

العقيلي، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة فلم يزل يخطب حتى غربت الشمس وبدت النجوم فطفق رجل من بني تميم يقول: الصلاة الصلاة فقال ابن عباس: لا أم لك أتعلمني السنة، فقد جمع رسول الله (ص) بين الصلاتين، بين المغرب والعشاء، قال ابن شقيق: فلم يزل في نفسي من ذلك شئ حتى لقيت أبا هريرة فسألته فصدقه " (1).
12 - ما رواه عبد الرزاق بن همام من الأحاديث (2):
47 - قال عبد الرزاق في (جامعه): " أنبأنا ابن جريح، عن عمرو بن شعيب قال: قال عبد الله بن عمر: جمع لنا رسول الله (ص) مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقال رجل لابن عمر: لم ترى النبي (ص) فعل ذلك؟ قال: لئلا يحرج أمته أن جمع رجل ".
نقله عن عبد الرزاق الشيخ علي المعروف بالمتقي الهندي في (كنز العمال) ج 4 / 242 برقم 5078، كما نقله عنه أيضا الحافظ احمد بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 88. وحكاه عن عبد الرزاق أيضا الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 217 بقوله: وابن عمر

(1) مسند أبي داود ج 11 / 355.
(2) هو من شيوخ احمد بن حنبل، توفي سنة 211، وكان حافظا كبيرا ومن رجال الصحاح، قال الذهبي: إنه صاحب تصانيف، وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحاح، وله ما ينفرد به. انظر (تذكرة الحفاظ ج 1 / 331) و (الإمام جعفر الصادق والمذاهب الأربعة ج 3 / 318، و ج 4 / 287).
196

ممن روى جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه.
13 - ما رواه البزار من الأحاديث (1):
48 - قال البزار في (مسنده) عن أبي هريرة قال: " جمع رسول الله (ص) بين الصلاتين بالمدينة من غير خوف ".
نقله عنه الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 87، وقال معلقا على الحديث " " وفيه عثمان بن خالد الأموي وهو ضعيف، لكنه في (صحيح مسلم) من رواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عباس. وفيه قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته ".
أقول: إذا يكون حديث شقيق مقويا لحديث عثمان بن خالد الأموي الذي رواه البزار ونقله عن البزار صاحب كتاب (قرة العين في الجمع بين الصلاتين) ص 7، كما وقد أشار إلى حديث أبي هريرة أيضا الترمذي في (سننه) باب الجمع بين الصلاتين، بقوله: " وفي الباب عن أبي هريرة ".
14 - ما رواه أبو بكر الخلال من الأحاديث (2):

(1) البزار: هو أبو بكر أحمد بن عمر البصري الحافظ، صاحب (المسند الكبير)، وهو من علماء العامة، كانوا يشبهونه بأحمد بن حنبل في زهده وورعه، رحل في آخر عمره إلى الشام ونشر علمه، توفي بالرملة من الشام سنة 292. (الكنى والألقاب ج 2 / 72).
(2) هو - على الظاهر - محمد بن عبيد الله بن مرزوق بن دينار، كنيته أبو بكر الخصيب القاضي يعرف بالخلال، مات سنة 295 يوم الأحد سلخ جمادى الأولى، راجع - ترجمته، ومن روى عنه وبعض أحاديثه تاريخ بغداد ج 2 / 229 - 230.
197

49 - قال أبو بكر الخلال: " حدثنا إسحاق بن خالد البالسي، قال: حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا مالك بن أنس، حدثنا جعفر بن محمد (أي الصادق () عن أبيه عن جده قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر في المدينة فصلى ثمانيا، وبين المغرب والعشاء فصلى سبعا. قال مالك: في ليلة مطيرة ".
نقله عن الخلال الحافظ الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 84 وعلق على سند الحديث بما يلي: " قلت: هذا السند لا بأس به يكتب به في الشواهد، فالبالسي ذكره ابن حبان في الثقات، والعدني وثقه جماعة، وقال آخرون: فيه لين ".
50 - ورواه عن علي (، ابن المظفر في (البيان) كما في (نيل الأوطار) قال بما نصه: " ورواه ابن مظفر في (البيان) عن علي (، وزيد بن علي، والهادي " (1).
15 - ما رواه الطحاوي الحنفي من الأحاديث (2):

(1) نيل الأوطار ج 3 / 216.
(2) الطحاوي: هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي الفقيه الحنفي، كان ابن أخت المزني النحوي وكان أولا شافعيا يقرأ على المزني الشافعي، وكان يكتب في كتب أبي حنيفة، فقال له المزني يوما: والله لا جاء منك شئ، فغضب وأختار مذهب أبي حنيفة، وانتقل إلى أبي جعفر بن عمران الحنفي فأشتغل عليه. وللطحاوي مؤلفات منها: أحكام القرآن، واختلاف العلماء، وتاريخ كبير. توفي بمصر سنة 321. والطحاوي نسبة إلى (طحا) وهي قرية بصعيد مصر. راجع (الكنى والألقاب) ج 2 / 412.
198

51 - قال الطحاوي في (معاني الآثار): " حدثنا محمد بن خزيمة، وابن أبي داود، وعمران بن موسى الطائي، قالوا: حدثنا الربيع بن يحيى الأشناني، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة ".
نقل هذا الحديث بهذا النص الحافظ الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 84، كما نقل حديثا آخر عن (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصفهاني بسنده المنتهي إلى الربيع بن يحيى، عن سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر (وسيأتيك نصه). وعلق على سند الحديثين بقوله: " قلت: هذا سند على شرط البخاري، فالربيع بن يحيى روى له البخاري في (الصحيح)، قال الذهبي: صدوق، وقد قال أبو حاتم مع تعنته: ثقة ثبت... ".
وقال صاحب كتاب (قرة العين) ص 7: " وذكر إبراهيم بن خالد العلفي أن الطحاوي روى بسند صحيح عن جابر قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة. قال ففيه دلالة قوية لأنه صريح بأن الجمع كان للترخيص من غير خوف ولا علة.
199

ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج (وقوله (ص): بعثت بالحنفية السهلة السمحة ".
52 - وروى الطحاوي في (شرح معاني الآثار) فقال: " حدثنا ربيع الجيزي، حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا داود بن قيس الفراء عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في غير سفر ولا مطر ".
نقله الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) ص 115، وعلق على سنده بما نصه: وهذا أيضا سند صحيح، فأن صالحا ثقة حجة.
53 - وروى الطحاوي أيضا من طريق حجاج، عن حماد، حديث عبد الله بن شقيق الذي قال فيه: خطبنا ابن عباس بالبصرة... وفيه تصديق أبي هريرة (1). وقد مر عن الطحاوي حديث آخر من طريق محمد بن إدريس الشافعي برقم (2).
16 - ما رواه الطبراني من الأحاديث (2):

(1) راجع (إزالة الخطر) للحافظ الغماري ص 117.
(2) الطبراني: هو أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير (مصغرا) اللخمي، أحد حفاظ أهل السنة، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وغيرها وسمع الكثير، وعدد شيوخه ألف شيخ، ويقال له مسند الدنيا. يروى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وله مصنفات أشهرها: المعاجم الثلاثة، الكبير، والأوسط، والصغير. وهي أشهر كتبه. مولده بطبرية الشام سنة 260، وسكن أصبهان وتوفي بها سنة 360، وصلى عليه أبو نعيم، والطبراني منسوب إلى طبرية، وهي بلدة من أعمال الأردن بقرب دمشق، واللخمي نسبة إلى لخم أبي جذام، (الكنى والألقاب) ج 2 / 408.
200

54 - روى الطبراني في (المعجم الأوسط) و (الكبير) بسنده عن عبد الله بن مسعود أنه قال: جمع رسول الله (يعني في المدينة) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال (ص) صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي ".
نقله عن الطبراني محمد بن علي الشوكاني في (نيل الأوطار) (1) - باب جمع المقيم، وقال: ذكره الهيتمي في (مجمع الزوائد) عن ابن مسعود ثم قال معلقا على
سند الحديث: وقد ضعف بأن فيه عبد القدوس، وهو مندفع لأنه لم يتكلم فيه إلا بسبب روايته عن الضعفاء، وتشيعه. والأول غير قادح باعتبار ما نحن فيه إذ لم يروه عن ضعيف بل رواه عن الأعمش كما قال الهيتمي. والثاني ليس بقدح معتد به ما لم يجاوز الحد المعتبر ولم ينقل عنه ذلك. على أنه قد قال البخاري: أنه صدوق. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقا بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقا وعادة. قال في (الفتح): وممن قال به ابن سيرين، وربيعة، وابن المنذر، والقفال الكبير. وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث. وقد رواه في (البحر) عن الإمامية، والمتوكل على الله أحمد بن سليمان، والمهدي أحمد بن الحسين، ورواه ابن مظفر في (البيان) عن علي (، وزيد بن علي، والهادي، وأحد قولي الناصر، وأحد قولي المنصور بالله...

(1) نيل الأوطار ج 3 / 215.
201

ونقل حديث الطبراني عن ابن مسعود أيضا الحافظ الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 87، وقوى رجال سنده ووثقهم حيث قال: وفيه عبد الله ابن عبد القدوس، وثقه ابن حبان، ومحمد بن عيسى بن الطباع... وهذا الحديث لم يروه عن ضعيف، بل رواه عن الأعمش وهو ثقة، فيكون الحديث حسنا لا سيما مع شواهده.
ونقله عن الطبراني أيضا الزرقاني في (شرح موطأ مالك) وقال معلقا على الحديث: " وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج " (1).
ونقله عن الطبراني في (الأوسط) و (الكبير) وعن الهيتمي في (مجمع الزوائد)، الحافظ حامد بن حسن اليماني في كتابه (قرة العين في الجمع بين الصلاتين) ص 8.
55 - وروى الطبراني في (معجمه الصغير) قال: " حدثنا محمد بن الحسن ابن هارون الموصلي، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عمر بن أيوب، عن معاذ بن عقبة، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " (2).

(1) شرح موطأ مالك ج 1 / 294.
(2) إزالة الخطر ص 136.
202

17 - ما رواه أبو نعيم الأصبهاني من الأحاديث (1):
56 - روى أبو نعيم الأصبهاني في (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) قال: " حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا حبيب بن زيد الأنماطي قال: حدثنا عمرو بن هرم عن جابر بن زيد: أن ابن عباس جمع بين الظهر والعصر، وزعم أنه صلى مع رسول الله (ص) بالمدينة الظهر والعصر " (2).
ورواه عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء.
57 - حدثنا الحسن بن محمد بن كيان قال: حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا داود بن عمر قال: حدثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار قال: سمعت أبا الشعثاء يقول: قال ابن عباس: صلى رسول الله (ص) ثمان ركعات جميعا، وسبع ركعات جميعا، من غير مرض ولا علة.
58 - ورواه معمر، وروح بن القاسم، وحماد بن زيد بن عمرو مثله.

(1) أبو نعيم (مصغرا) هو الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، من أعلام المحدثين والرواة، وأكابر الحفاظ والثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه، له كتاب (حلية الأولياء) وهو من أحسن الكتب كما ذكره ابن خلكان.. له كتاب (الأربعين) من الأحاديث التي جمعها في أمر المهدي (عج)، وله كتاب (تاريخ أصبها،) وعن ابن الجوزي أن وفاة الحافظ هذا سنة 402، وفي (تاريخ ابن خلكان) أنه توفى سنة 430. (الكنى والألقاب ج 1 / 162).
(2) حلية الأولياء ج 3 / 90، مطبعة السعادة، مصر 1352.
203

59 - وقال أبو نعيم في (الحلية): " حدثنا فاروق الخطابي، حدثنا هشام بن علي السيرافي، وحدثنا علي بن الفضل بن شهريار المعدل، وحدثنا محمد بن أيوب الرازي، قال: حدثنا الربيع بن يحيى الأشناني، حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر (أي أبن عبد الله الأنصاري) أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، وأراد الرخصة على أمته ".
نقل هذا الحديث عن (حلية الأولياء) الحافظ احمد بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه (إزالة الخطر) ص 85، وقال معلقا على سند الحديث: قلت: هذا سند على شرط البخاري فالربيع بن يحيى روى له البخاري في (الصحيح) قال الذهبي: صدوق، وقد قال أبو حاتم مع تعنته: ثقة ثبت.
60 - قال أبو نعيم في (الحلية): " حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا مهران الرازي، حدثنا يزيد بن مخلد، حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير سفر ولا خوف، وبين المغرب والعشاء ".
نقله في (إزالة الخطر) ص 86 عن (الحلية) وعلق عليه بقوله: فكيفما دار الحال فالحديث صحيح.
61 - قال أبو نعيم في (الحلية): " حدثني أبي في جماعة قالوا: حدثنا محمد بن نصير، حدثنا إسماعيل بن عمرو الجبلي، حدثنا الثوري عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين
204

الظهر والعصر في غير مطر ولا خوف. فقيل لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته ".
نقله عن (الحلية) الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) ص 115.
18 - ما رواه أبو بكر البرديجي من الأحاديث (1):
62 - قال الحافظ أبو بكر البرديجي: " حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشيرازي، حدثنا جدي سعد بن الصلت، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ولم فعل ذلك؟ قال: لكي لا يحرج أمته ".
رواه الخطيب (2).
19 - ما رواه احمد بن عيسى من الأحاديث (3):

(1) هو الإمام أبو بكر احمد بن هارون بن روح البرديجي نزيل بغداد، حدث عن أبي سعيد الأشج، وعلي بن أشكاب، وهارون بن إسحاق الهمداني وبحر بن نصر الخولاني وعدة آخرون. وروى عنه أبو بكر الشافعي، وابن لؤلؤ الوراق، وأبو علي الصراف وآخرون. قال الدار قطني: ثقة جليل. وقال الحاكم: سمع منه شيخنا أبو علي الحافظ بمكة. قال الخطيب: كان ثقة فهما حافظا.
توفي سنة 301 ه‍ (راجع تذكرة الحفاظ الذهبي ج 2 / 281).
(2) إزالة الخطر ص 114.
(3) هو احمد بن عيسى بن زيد الشهيد، ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ويكنى أبا عبد الله، كان عالما فاضلا مقدما في أهله معروفا فضله، وقد كتب الحديث، وكتب عنه وروى عن الحسين بن علوان روايات كثيرة، وقد روى عنه محمد بن المنصور المرادي ونظراؤه، اختفى مدة في أيام المتوكل، ثم مات في البصرة سنة 247، في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وكانت ولادته سنة 157 في الثاني = = من المحرم فكان عمره تسعين سنة (راجع ترجمته في مقاتل الطالبيين ص 399 - 406.
205

63 - قال احمد بن عيسى بن زيد في (الأمالي): " حدثنا محمد بن جميل، عن ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بالمدينة من غير خوف ولا مرض، وقال ابن عباس: أراد التوسعة لأمته " (1).
64 - وقال في (الأمالي): " حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب، عن حفص، عن الأعمش، عن شقيق قال: شهدت ابن عباس خطب على المنبر فبدأ بالخطبة ثم نزل فجمع بين الظهر والعصر " (2).
20 - ما رواه البيهقي من الأحاديث (3):

(1) إزالة الخطر، ص 122 - 123.
(2) المصدر السابق، ص 135.
(3) البيهقي: هو أبو بكر احمد بن الحسين بن علي الشافعي. حافظ فقيه مشهور، وهو صاحب كتاب السنن الكبرى، والسنن الصغرى، ودلائل النبوة، وشعب الإيمان، وغيرها. قيل إنه كان زاهدا قانعا من دنياه بالقليل، قال إمام الحرمين في حقه: ما من = = شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة إلا البيهقي فإن له المنة على الشافعي نفسه وعلى كل شافعي لما صنعه في نصرة مذهبه. ومن كلماته - مقابل قول من قال: إن معاوية خرج من الإيمان بمحاربة علي عليه السلام قال البيهقي: أن معاوية لم يدخل في الإيمان حتى يخرج منه بل خرج من الكفر إلى النفاق في زمن الرسول (ص) ثم رجع إلى كفره الأصلي بعده. توفي سنة 458 بنيسابور ونقل إلى بيهق، وبيهق بفتح الموحدة وسكون الياء وفتح الهاء موضع كان بقرب سبزوار. (راجع الكنى والألقاب ج 2 ص 104).
206

روى البيهقي في (السنن الكبرى) ج 3 ص 166 - 169 بعنوان - باب الجمع بين الصلاتين - اثني عشر حديثا بأسانيد عديدة وطرق كثيرة عن مالك ابن أنس، والشافعي، وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية، وحماد بن سلمة، وهشام بن سعد، وقرة بن خالد، والأعمش، وحماد بن زيد، وعبد الله بن شقيق العقيلي وغيرهم. والعجب منه أنه عنون تلك الأحاديث بعنوان - باب الجمع في المطر بين الصلاتين - مع إنه لم يرد ولا في واحد من أحاديثه نص عن صحابي أن رسول الله جمع بين الصلاتين في المطر بل بالعكس حيث جاء في بعض تلك الأحاديث أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، وأن الراوي قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته، نعم لما ذكر حديث مالك بن أنس في - الموطأ - من أن رسول الله (ص) صلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ذكر تعليق مالك على الحديث إنه قال: أرى ذلك كان في مطر، ومن هنا تعقبه علاء الدين علي بن عثمان المارديني في (الجوهر النقي) في تعليقه على سنن البيهقي المطبوع في ذيله بما نصه: باب الجمع في المطر ذكر فيه عن ابن عباس جمعه (ص) بالمدينة في غير خوف ولا سفر ثم قال مالك: أرى ذلك كان في مطر. قلت: ينفي ما ذكره بعد في هذا الباب وعزاه إلى مسلم (عن ابن عباس إنه (ص) جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر) وقال ابن المنذر لا معنى لحمل الأثر على عذر من الأعذار لأن ابن عباس أخبر بالعلة فيه وهو قوله: أراد أن لا يحرج أمته.
207

ثم أن مالك لم يجز الجمع بين الظهر والعصر بعذر المطر فترك ما تأول هو حديث ابن عباس عليه.
ما رواه علماء الشيعة من أحاديث الجمع المطلقة
1 - عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (قال: " أن رسول الله (ص) صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب، فقال له عمر - وكان أجرأ القوم عليه: أحدث في الصلاة شئ؟ قال: لا، ولكن أردت أن أوسع على أمتي " (1).
2 - عن عبد الملك القمي، عن أبي عبد الله قال: " قلت أجمع بين الصلاتين من غير علة؟ قال: قد فعل ذلك رسول الله (ص) وأراد التخفيف على أمته أو عن أمته " (2).
3 - عن زرارة عن أبي عبد الله قال: " صلى رسول الله (ص) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، وإنما فعل ذلك رسول الله (ص) ليتسع الوقت على أمته " (3).

(1) علل الشرائع للصدوق ج 2 / 321، الوسائل للحر العاملي ج 5 / 225، فصل الخطاب لمحمد كريم خان الكرماني ص 374، وبحار الأنوار للمجلسي ج 82 / 334.
(2) المصادر الأربعة السابقة.
(3) المصادر الأربعة السابقة، وكذلك الشيخ الطوسي باسناده عن احمد بن محمد، و (الكافي) للكليني ج 3 / 286.
208

4 - عن عبد الله بن سنان عن الصادق (: " أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين " (1).
5 - وعن زرارة عن أبي جعفر (: " أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين " (2).
6 - عن صفوان، عن منصور، عن أبي عبد الله (قال: " سألته عن صلاة المغرب والعشاء يجمع (بينهما)؟ فقال: بأذان وإقامتين لا تصل بينهما شيئا، هكذا صلى رسول الله (ص) " (3).
7 - عن زرارة، عن أبي عبد الله قال: " صلى رسول الله (ص) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة " (4).
8 - عن إسحاق بن عمار، قال: " سألت أبا عبد الله (يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟
قال: لا بأس " (5).
209

9 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن القزويني قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا العباس بن سعيد الأزرق قال: حدثنا زهير بن حرب عن سفيان بن عيينة عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر من غير خوف ولا سفر فقال: أراد أن لا يحرج على أحد من أمته " (1).
10 - وبالإسناد عن العباس الأزرق، عن ابن عون بن سلام الكوفي، عن وهب بن معاوية الجعفي عن أبي الزبير مثله (2).
11 - وبالإسناد عن سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي خلف، قال: حدثنا أبو يعلى بن الليث - والي قم - قال: حدثنا عون بن جعفر المخزومي، عن داود بن قيس الفراء، عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس: " أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير مطر ولا سفر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد به؟ قال: أراد التوسع لأمته " (3).
210

12 - وبالإسناد عن زهير بن حرب، عن إسماعيل بن علية، عن ليث عن طاووس، عن ابن عباس أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر والحضر (1).
13 - وبالإسناد عن العباس بن سعيد الأزرق، عن سويد بن سعيد الأنباري، عن محمد بن عثمان، عن الجمحي، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس وعن نافع عن عبد الله بن عمر قالا: " أن النبي (ص) صلى بالمدينة مقيما غير مسافر جمعا وتماما " (2).
14 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما أنه قال في حديث: " أن رسول الله (ص) صلى الهاجرة والعصر جميعا، والمغرب والعشاء الآخرة جميعا، وكان يؤخر ويقدم، أن الله تعالى قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (إنما عنى وجوبها على المؤمنين ولم يعن غيره، أنه لو كان كما يقولون لم يصل رسول الله (ص) هكذا، وكان أخبر وأعلم " (3).
بيان مهم حول أحاديث الجمع المطلقة
عزيزي - المطالع الكريم - هذه بعض أحاديث الجمع بين الصلاتين المطلقة. وقد علمت أنها أحاديث ثابتة عن الرسول الأعظم (ص) حيث قد
211

أعترف بها ورواها أئمة المذاهب الأربعة، والصحاح الستة، وسائر كتب السنن والمسانيد والتفسير والتاريخ. وقد نص علماء الجرح والتعديل، وشراح الصحاح والسنن على صحتها ووثاقة رجال أسانيدها. وقد رواها جمع من الصحابة والقرابة وفي طليعتهم علي أمير المؤمنين (الذي يقول فيه الصادق الأمين (ص): " علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (1) وكذلك عبد الله بن عباس حبر الأمة وعالمها وابن عم نبيها، وأحاديثه في الجمع مطلقا ثابتة بإجماع الأمة، ومنصوص على صحتها، وكذلك رواها جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل. فهؤلاء ثمانية من الصحابة والقرابة رووا هذه السنة فيما أوقفناك عليه فراجع. كما رواها أيضا شيعة أهل البيت عنهم "، وعن غيرهم بطرق صحيحة كما مر قريبا وذكرنا أحاديثهم بحذف الإسناد حذرا من الإطالة.
وهنا تأخذك الدهشة والعجب فتقول سائلا، وحقا لك أن تسأل، لأن السؤال هنا يفرض نفسه بنفسه، فتقول: لما كان ذلك كما مر إذا كيف وسعهم رد هذه السنة وعدم قبولها بعد أن رووها ونصوا على صحتها وثبوتها؟! ولم لم يعملوا بها؟، والعمل بها سائغ بل ومطلوب، لا سيما وأن
212

هذه السنة مؤيدة بالكتاب في كل آياته التي تستعرض أوقات الصلوات، وأن النبي وصحابته قد صرحوا بأن في هذا الجمع وإقامة هذه السنة رفعا للحرج عن الأمة وتوسعة لهم، فلم إذا لم يرحبوا بهذه الرحمة ويتقبلوا هذه التوسعة وهي من صالحهم؟!
الجواب على هذه الأسئلة لا يخفى على النابه البصير..
وسبب الخلاف (في رأيي) يعود إلى السلطات القائمة سابقا، كالسلطة الأموية في الصدر الأول، والسلطة العباسية في الصدر الثاني، والناس (كما قيل) على دين ملوكهم.
ولكن الذي يفرضه العلم علينا أن نذكر هنا شبههم في هذه السنة الثابتة وتأويلاتهم لها، ثم نمعن النظر فيها بعد ذلك على ضوء اليقين والهدى، لنراها هل هي شبه أم حقائق؟ وهل تأويلاتهم لها صحيحة ومقبولة، أم فاسدة ومردودة؟، والحكم بعد ذلك لك أيها المطالع الكريم.
الشبه والتأويلات حول أحاديث الجمع المطلقة ونقضها (1):
213

1 - رد قوم هذه السنة الصحيحة الثابتة بأنها منسوخة بأحاديث المواقيت الخمسة الظاهرة في أن لكل صلاة وقتا خاصا، المروية عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة وغيرهم.
2 - ورد قوم منهم هذه السنة بأنها معارضة بالآية (103) من سورة النساء في قوله تعالى: (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (.
3 - ورد قوم منهم هذه السنة بأنها معارضة بالحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر).
4 - ورد قوم هذه السنة بأنها معارضة بالإجماع على تركها، والإجماع حجة.
5 - وتوهم البعض - من عوام الناس - في أن نسبة كل صلاة إلى وقت خاص يدل على معارضة هذه السنة ولزوم التفريق بين الصلاتين.
6 - وقال آخرون: إن هذه السنة لما كانت مخالفة لأحاديث المواقيت الخمسة الظاهرة في أن لكل صلاة وقتا خاصا، والدالة على التفريق بين الصلاتين، فيجب إذا تأويلها.
.. وهنا نذكر لك بعض تأويلاتهم، منها:
7 - تأويلهم: إن الجمع من النبي (ص) كان في حالة المطر.
214

8 - وقيل: إنه كان في غيم فصلى الظهر، ثم انكشف الغيم وظهر أن وقت العصر قد دخل فصلاها فيه.
9 - وقيل: إن الجمع كان في حالة المرض.
10 - وقيل: إن الجمع كان خاصا بمسجد النبي (ص) لفضله.
11 - وقيل: إن الجمع كان لعذر، من خوف أو مرض أو مطر أو وحل أو برد أو غير ذلك من الأعذار التي تعيق الإنسان عن التفريق، أو لمطلق الأعذار.
12 - وقيل: إنه لم يجمع لشيء من ذلك كله، بل جمع للرخصة ورفع الحرج، ولكنه كان جمعا صوريا، بمعنى أنه أخر الظهر إلى أن بقي من وقتها مقدار ما صلاها فيه ثم سلم منها، وقد دخل وقت العصر فصلاها في أول وقتها فكان جمعا في الفعل والصورة لا في الوقت الواحد للصلاة الواحدة.
هذه أهم شبههم وتأويلاتهم لأحاديث الجمع ولنا حق النظر فيها، ولكننا نترك النظر فيها لأهل السنة أنفسهم غالبا إلا ما يلزمنا التنبيه عليه، وقد قيل: سعيد من اكتفى بغيره. وقيل أيضا: من فمك أدينك.
1 - نقض شبهة النسخ:
أما من زعم أن أحاديث الجمع منسوخة بأحاديث المواقيت فقد رده عليه ونقضه الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري، وهو من أكابر
215

شيوخ أهل السنة وحفاظهم وأعاظم مؤلفيهم (1) حيث قال في كتابه (إزالة الخطر) ص 95 بما نصه: " أما من زعم أنه منسوخ بأحاديث المواقيت فقد قال الكذب، وادعى ما لا علم له به ولا برهان له عليه، فإن النسخ لا يثبت بمجرد الدعوى والتقول على النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان، ولو كان ذلك كذلك لادعى كل من شاء إبطال نص ورد العمل به: إنه منسوخ، ولعارضه خصمه: بأنه ناسخ وأن دليله هو المنسوخ، فتصير الأدلة الشرعية كلها منسوخة وناسخة، وفي هذا من التناقض والفساد ما يكفي في الزجر عن ادعاء النسخ بغير دليل ولا برهان (2)...
أما مدعي النسخ في - خصوص - هذا الحديث فقد ضم إلى التلاعب بنصوص الشريعة وأدلتها جهله بأصول الفقه، وأحكام الناسخ والمنسوخ، إذ لا يختلف اثنان أن المنسوخ هو المتقدم والناسخ هو المتأخر الدال على رفع الحكم السابق، وأحاديث المواقيت هي المتقدمة السابقة عند فرض الصلوات بمكة قبل الهجرة، وحديث الجمع المتأخر اللاحق بالمدينة
216

في آخر أيامه (ص) لأن أبا هريرة أحد من شهد ذلك الجمع معه (ص) وما أسلم إلا في السنة السابعة من الهجرة، فلو عكس مريد ذلك وادعى نسخ أحاديث المواقيت بحديث الجمع بالمدينة لكانت دعواه هي الموافقة لإحدى إمارات النسخ وهي تأخر النص في الزمان عن معارضه، ولكن ذلك لا يصار إلا عند تعذر الجمع بين النصوص
وعدم إمكان العمل بالدليلين ولو بضرب من التأويل، وهنا لا تعارض بين أحاديث المواقيت وحديث الجمع كما سنبينه إن شاء الله تعالى، فلا نسخ والحمد لله بل كل من الدليلين محكم معمول به ".. الخ.
.. نعم، لا تعارض بين أحاديث المواقيت الخمسة وأحاديث الجمع المطلقة، لأن أحاديث المواقيت هدفها بيان أوقات الصلوات المفضلة وهي خمسة، وأحاديث الجمع هدفها بيان سعة الأوقات المجزية، ورفع الضيق والحرج وهي ثلاثة كما نص عليها القرآن المجيد، وقد أثبتنا ذلك كله في المقارنة الخامسة وبينا الحقيقة وقرائنها الدالة عليها، وقارنا هناك بين فتاوى المذاهب الأربعة في أوقات الصلوات وبين أحاديث المواقيت وظهر لكل ذي عينين أو أذنين أن أحاديث المواقيت هدفها بيان وقت الفضيلة حتى عند المذاهب الأربعة فراجعها فإنها مهمة جدا.
والخلاصة: لا نسخ ولا تعارض والشبهة ساقطة من أصلها، وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
217

2 - نقض شبهة المعارضة بالآية (103) من سورة النساء:
أما من أدعى أن الجمع بين الصلاتين معارض بقوله تعالى: (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (حيث قالوا: قوله (موقوتا) يعني أن لكل صلاة وقتا معينا خاصا بها دون غيرها، فلذلك لا يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، واستندوا بذلك على قول زيد بن أسلم: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (قال: منجما كلما مضى وقت جاء وقت (1).
والحقيقة أنه ليست في هذه الآية دلالة - لا من قريب ولا من بعيد - على وجوب التفريق بين الصلاتين واختصاص كل واحدة منهما بوقت خاص، ولا فيها أية معارضة أيضا لأحاديث الجمع بينهما كما لا معارضة في قول زيد بن أسلم ومن قال بقوله من الجمهور، وبيان ذلك من جهتين:
أولا - إن الآية في سياقها لم تكن بصدد تعيين أوقات الصلوات أصلا، بل الظاهر أن هدفها بيان الصلاة مفروضة ثابتة لا تسقط بحال من الأحوال، ولا تبدل بشيء آخر كما يبدل الصوم مثلا بالفدية، وهذا هو الذي يلائم ما سبقها من الآيات التي بينت كيفية صلاة المسافرين، وصلاة الخائفين، ثم أمرت بإقامة الصلاة عند الاطمئنان فيكون المراد من قوله تعالى بعد ذلك: (كتابا موقوتا (أي فرضا ثابتا لا يسقط بحال، ولا يقوم شئ آخر مقامه. وهذا المعنى لم نقل به لمجرد السياق فحسب، بل جاء مؤيدا ومستفيضا في روايات عديدة ثابتة عند أهل بيت العصمة "، كما نفوا

(1) راجع تفسير ابن كثير، ج 1 / 550.
218

(بكل صراحة) كون المراد من قوله: (موقوتا (بأن لكل صلاة وقتا معينا تصلى فيه. وإليك بعض تلك الروايات الواردة عنهم ":
1 - عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (قال في جملة حديث له: " أن رسول الله (ص) صلى الهاجرة والعصر جميعا، والمغرب والعشاء الآخرة جميعا، وكان يؤخر ويقدم، أن الله تعالى قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (إنما عنى وجوبها على المؤمنين ولم يعن غيره، إنه لو كان كما يقولون لم يصل رسول الله هكذا، وكان أعلم وأخبر " (1).
2 - عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (عن هذه الآية: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (فقال: إن للصلاة وقتا، والأمر فيه واسع يقدم مرة ويؤخر مرة، إلا الجمعة فإنما هو وقت واحد، وإنما عنى الله (كتابا موقوتا) أي واجبا يعني أنها الفريضة " (2).
3 - وعن زرارة عن أبي جعفر: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (.
قال: لو أنها في وقت لا تقبل إلا فيه كانت مصيبة، ولكن متى أديتها فقد أديتها (3).

(1) تفسير العياشي ج 1 / 273، مستدرك الوسائل ج 5 / 228، والبحار ج 82 / 352.
(2) تفسير العياشي ج 1 / 274، مستدرك الوسائل ج 5 / 7، والبحار ج 82 / 354.
(3) تفسير العياشي ج 1 / 274، والبحار ج 82 / 354.
219

4 - وعن زرارة عن أبي جعفر في قول الله عز وجل (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (أي موجبا (1).
5 - عن منصور بن خالد قال: " سمعت أبا عبد الله (يقول: " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (قال: لو كان موقوتا كما يقولون لهلك الناس، ولكان الأمر ضيقا، ولكنها كانت على المؤمنين كتابا موجوبا " (2).
6 - عن داود بن فرقد، قال: " قلت لأبي عبد الله (: قوله تعالى: " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (؟ قال: كتابا ثابتا... " (3).
7 - عن عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد الله (قال: " الله قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (قال: إنما عنى وجوبها ولم يعن غيره " (4).
8 - عن عبيد عن أبي جعفر، أو أبي عبد الله (قال: " سألته عن قول الله (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (قال: كتاب واجب، أما إنه ليس مثل وقت الحج، ولا رمضان إذا فاتك فقد فاتك، وأن الصلاة إذا صليت فقد صليت " (5).

(1) الكافي ج 3 / 272، والوسائل ج 5 / 5، وتفسير القمي ج 1 / 150.
(2) تفسير العياشي ج 1 / 273، والمستدرك ج 5 / 7، والبحار ج 82 / 353.
(3) الوسائل ج 5 / 5.
(4) تفسير العياشي ج 1 / 274، والمستدرك ج 5 / 8، والبحار ج 82 / 354.
(5) تفسير العياشي ج 1 / 274، والبحار ج 82 / 355.
220

هذه بعض أحاديث أهل البيت " في أن المراد من قوله تعالى (موقوتا) أي موجوبا ومفروضا وثابتا، وهناك روايات أخرى وردت عنهم " في هذا المعنى، وفيما ذكرناه كفاية. وهذا المعنى قد ورد أيضا من طرق أهل السنة، وإليك بعض رواياتهم في ذلك بنصوصها.
1 - أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (يعني مفروضا (1).
2 - وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: الموقوت الواجب (2).
3 - وأخرج عبد بن حميد، وأبن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد: (كتابا موقوتا (قال: مفروضا (3).
4 - وأخرج عبد بن حميد، وأبن جرير، وابن المنذر، عن الحسن: (كتابا موقوتا (قال: كتابا واجبا (4).
5 - وقال أبن كثير الدمشقي في تفسيره ما نصه: " وقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (قال ابن عباس: مفروضا " (5).

(1) تفسير الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 215.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) تفسير ابن كثير ج 1 / 550.
221

ثانيا - لو أعرضنا عن مجموع هذه الروايات الواردة من طرق الفريقين، وقلنا - استنادا إلى ظاهر لفظ (موقوتا) -: إن المراد منه أن للصلاة وقتا تؤدى فيه، ولكن هل عينت هذه الآية وجوب التفريق في تلك الأوقات؟
وهل نصت على أن لكل صلاة وقتا واحدا تؤدي فيه، حتى تكون الآية معارضة لأحاديث الجمع، ومؤيدة لأحاديث التفريق؟! وهل هناك خلاف بين المسلمين أجمعين في أن للصلاة وقتا تؤدي فيه؟!!
الجواب عن هذه الأسئلة: لا، قطعا. فإذا أين الحجة في الآية؟ وما وجه الاستدلال بها على وجوب التفريق وعدم جواز الجمع؟ وما وجه الاستدلال بقول زيد بن أسلم: (موقتا) أي منجما؟ قال الفخر الرازي عند تفسير الآية من تفسيره (مفاتيح الغيب): " واعلم أنه تعالى بين في هذه الآية أن وجوب الصلاة مقدرا بأوقات مخصوصة، إلا أنه أجمل ذكر الأوقات هاهنا وبينها في سائر الآيات وهي خمسة " (1).
نعم، بينت سائر الآيات أوقات الصلوات وهي إحدى عشرة آية من سبع سور من القرآن، لا خمس آيات كما قال الرازي، ومفاد تلك الآيات أن أوقاتها ثلاثة لا خمسة، ولذلك قد دلت دلالة واضحة على جواز الجمع بين الصلاتين، وأنه لا مانع منه، فراجعها تحت عنوان (مواقيت الصلاة في القرآن).

(1) تفسير (مفاتيح الغيب) ج 3 - 305، هنا قصد الرازي بقوله (وهي خمسة) الآيات لا الأوقات كما عدها في تفسيره.
222

وبهذا علمنا أن هذه الشبهة ساقطة من أصلها كسقوط شبهة النسخ السابقة.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
3 - نقض شبهة، " من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد آتى بابا من أبواب الكبائر ":
أما من أدعى معارضة أحاديث الجمع المطلقة بالحديث الذي رووه عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر) فهو من الأحاديث الموضوعة قطعا، وقد نسب إلى ابن عباس ثم إلى النبي (ص) نسبة كذب وزور بلا ريب. وذلك لأن الحديث ساقط وباطل من ناحيتي، السند، والمتن.
أما سنده فقد طعن فيه كل من رواه وغيرهم من علماء الحديث وشراحه، وعلماء الجرح والتعديل، من أهل السنة أنفسهم.
وبيان ذلك نقول:
أولا - رواه الترمذي في (سننه) قال: " حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة،
223

عن ابن عباس، عن النبي (ص) قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " (1).
ثم قال الترمذي بما نصه: حنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو (حنش بن قيس) وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه احمد وغيره.
وقال الشارح - لسنن الترمذي - احمد محمد شاكر عند شرحه للحديث بما نصه: حنش بالحاء المهملة والنون المفتوحتين والشين المعجمة، وهو لقب له، واسمه (حسين بن قيس الرحبي) بالراء والحاء المهملتين المفتوحتين والباء الموحدة، نسبة إلى (رحبة بن زرعة) وهو حنش بن قيس.
ثم قال الشارح: حنش ضعيف جدا. قال البخاري: أحاديثه منكرة ولا يكتب حديثه. وقال العقيلي في حديثه: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر، لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له، وقد صح عن ابن عباس: أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر.. الحديث.
ثانيا - رواه الدار قطني بسنده كما نقله عنه الحافظ الغماري، ثم نقل قوله بما نصه: حنش هو أبو علي الرحبي، متروك (2).

(1) سنن الترمذي ج 1 / 356.
(2) إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ص 100.
224

ثالثا - رواه البيهقي بسنده، كما نقله عنه الحافظ الغماري، ثم نقل قوله بما نصه: تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش، وهو ضعيف عند أهل النقل
لا يحتج بخبره (1).
رابعا - ورواه الحاكم في (المستدرك) (2) ولكنه قد شذ عن كافة علماء الحديث والجرح والتعديل من سلفه / حيث قد انفرد بتوثيق حنش فقال بعد روايته لحديثه: حنش بن قيس الرحبي، يقال له أبو علي، من أهل اليمن، سكن الكوفة، ثقة. ولذلك تعقبه الذهبي في (تلخيص المستدرك) فقال بما نصه: " قلت: بل ضعفوه ".
خامسا - ونقل الحديث عن هذه المصادر السابقة الحافظ الغماري، وقد رده من وجوه أربعة، نذكر الوجه الأول منها فقط: " الوجه الأول - أن الحديث ساقط لا يجوز العمل به لمعارضته للحديث المجمع على صحته. فقد قال العقيلي: لا أصل له. وقال ابن الجوزي: إنه موضوع لأنه من رواية حسين بن قيس الملقب بحنش. وقد كذبه احمد وقال مرة: متروك. وقال أبو زرعة وابن معين: ضعيف. وقال البخاري: أحاديثه منكرة جدا ولا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال مرة: ليس بثقة. وقال الدار قطني: متروك. وقال مسلم: منكر الحديث. وقال الساجي: ضعيف الحديث متروك يحدث بأحاديث بواطيل. وقال ابن حبان:

(1) المصدر السابق.
(2) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 1 / 275.
225

كان يقلب الأخبار ويلصق رواية الضعفاء بالثقاة، وتكلم فيه آخرون أيضا " (1).
وقال أبو الفضل المقدسي في (تذكرة الموضوعات) ص 90، وشمس الدين في (ميزان الاعتدال) ج 1 / 255، وجلال الدين السيوطي في (اللئالي المصنوعة) ج 2 / 13، قالوا جميعا الحسين بن قيس الملقب بحنش كذاب، أحاديثه منكرة جدا، لا يكتب حديثه (2).
فهذا واحد من رجال سند هذا الحديث، وقد علمت حاله، وهو المتهم بوضعه. والثاني من رجال سنده عكرمة المكنى بأبي عبد الله أصله من البربر ومن أهل المغرب وهو مولى ابن عباس. راجع ترجمته مفصلة في (ميزان الاعتدال) لشمس الدين الذهبي ج 2 / 208 تحت رقم 1639، وباختصار في (تذكرة الحفاظ) للذهبي أيضا ج 1 / 90، لتعلم أن علماء الجرح والتعديل متفقون على أن عكرمة من الخوارج المعادين لأمير المؤمنين، والخارجين عن الدين، وأنه كان كذابا، وأنه كان يكذب على ابن عباس، حتى أن علي بن عبد الله بن عباس أخذه وشده وثاقا عند باب الكنيف، ولما أنكر عليه هذا الفعل وقيل له: ألا تتقي الله؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
وقد طعن فيه ونص على كذبه كل من ترجمه، كالذهبي في (ميزان الاعتدال) و (تذكرة الحفاظ) والعسقلاني في (فتح الباري) وابن خلكان في

(1) إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ص 99.
(2) الغدير للمحقق الشيخ عبد الحسين الأميني ج 5 / 198، الطبعة الأولى.
226

(وفيات الأعيان) ج 1 / 346، ط إيران، وياقوت الحموي في (معجم الأدباء) وغيرهم.
راجع (الكلمة الغراء) المطبوعة مع (الفصول المهمة) للسيد شرف الدين، الطبعة الرابعة من ص 209 - 212 لتعرف عكرمة جيدا.
فهذا سند الحديث. وأما متنه فيشهد بكذبه، لأن متن الحديث: " من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " في حين أن الثابت بالإجماع هو أن النبي (ص) نفسه قد جمع بين الصلاتين من غير عذر، فيكون الحديث (على هذا) طعنا في عمل النبي، وأنه حاشاه - قد أتى بابا من أبواب الكبائر عندما جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر ولا مرض ولا علة، ومن غير أن يعجله شئ، ولا يطلبه عدو حسب نصوص الأحاديث المتقدمة فراجعها، وكذلك يكون الحديث طعنا في أصحابه الذين ائتموا به وهذا ما لا يفوه به (من أسلم وجهه لله وهو محسن ([سورة البقرة / 113] على أن ابن عباس هو الذي روى جمع النبي بين الصلاتين من غير عذر، وحديثه في ذلك هو الثابت بالإجماع، فكيف يناقض ابن عباس حديثه الثابت عنه؟!. هذا ما لا يصدر منه قطعا.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
4 - نقض شبهة الإجماع:
أما من زعم إن الإجماع حاصل على ترك العمل بأحاديث الجمع، وممن أدعى ذلك أو أشار إليه، الترمذي في آخر (سننه) قال:
227

" جميع ما في كتابي هذا من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر. وحديث النبي (ص) أنه قال: إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه " (1).
وظاهر كلام الترمذي أنه لم يعمل بحديث الجمع أحد، ومن هنا تمسك جماعة بحجة الإجماع على ترك هذه السنة. والحقيقة أنه لم ينعقد إجماع على ترك العمل بسنة الجمع بين الصلاتين، ومن هنا رد على الترمذي دعواه ترك العمل بحديث الجمع، كل من عياض في (الإكمال)، والنووي في (شرح صحيح مسلم) وسائر شراح الصحاح والسنن وغيرهم حيث قالوا جميعا: " لكن حديث ابن عباس (أي الجمع بين الصلاتين) ما أجمعوا على ترك العمل به، بل لهم فيه تأويلات.. " (2).
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) بعد ذكر كلام الترمذي بما نصه: " ولا يخفاك أن الحديث صحيح وترك الجمهور للعمل به لا يقدح في صحته ولا يوجب سقوط الاستدلال به، وقد أخذ به بعض أهل العلم كما

(1) سنن الترمذي، ج 2 / 484. كتاب العلل، ط لكنهو 1310 ه‍.
(2) راجع شرح الكرماني على (صحيح البخاري) ج 4 / 191، وشرح (سنن الترمذي) لأحمد محمد شاكر ج 1 / 357، وكتاب (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) للشيخ منصور علي آصف من علماء الأزهر ج 1 / 150، و (نيل الأوطار) للشوكاني ج 2 / 218، كما ستسمع كلامه في الأصل.
228

سلف، وإن كان ظاهر كلام الترمذي أنه لم يأخذ به أحد، ولكن قد أثبت ذلك غيره، والمثبت مقدم.. " (1).
وقال الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) في رد حجة الإجماع بما نصه: " وأما معارضته بالإجماع وكونه انعقد على خلافه فباطلة (أي حجة باطلة) مردودة بعدم ثبوت الإجماع، فقد قال به ابن عباس وعمل به كما سيأتي من (صحيح مسلم) ووافقه أبو هريرة، وكذلك قال به كثير من أئمة أهل البيت الأقدمين وهو مذهب الشيعة الإمامية بأجمعهم، وقول جماعة من فقهاء الزيدية وأئمتهم، منهم المهدي احمد بن الحسين، والمتوكل على الله احمد بن سليمان، والمنصور بالله في أحد قوليه، والهادي، بل والإمام زيد بن علي في إحدى الروايتين عنهما، واختاره المحقق الجلال منهم، وهو قول ابن سيرين، وربيعة، وابن شبرمة، وأشهب، ومن وافقه من المالكية، وابن المنذر، والقفال الكبير، وجماعة من أصحاب الحديث. واحتج به الإمامية على اشتراك وقتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وقالوا: إن وقت الظهر يدخل بعد الزوال بمقدار ما تؤدى فيه أربع ركعات الظهر في الحضر، وركعتين في السفر بشرط تقديم الظهر، كما هو أيضا قول أشهب، وابن القصار وغيرهما من المالكية فيما حكاه إسماعيل القاضي وابن يونس وغيرهما كما سبق..
وممن قال به أيضا (أي جواز الجمع) من الحنابلة وأطال في نصرته والاستدلال له ودفع الشبهة عنه ابن تيمية في رسالة له في أحكام الجمع والقصر في السفر " (2).

(1) نيل الأوطار للشوكاني ج 3 / 218.
(2) إزالة الخطر للحافظ الغماري ص 103.
229

وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
5 - نقض شبهة نسبة كل صلاة إلى وقت خاص:
ربما يتوهم بعض الناس أن لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتا خاصا بها، وأنها نسبت إلى ذلك الوقت فيقال: صلاة الظهر، وصلاة العصر، وهكذا المغرب والعشاء والصبح. وذلك يدل على وجوب التفريق بين الصلاتين وإيقاع كل منهما بوقتها المنسوبة إليه.
وهذا توهم فاسد لم يصدر من أي إنسان عالم عارف، نعم قد يكون هذا التوهم عند الجاهل البسيط أو الجاهل المركب الذي يدعي العلم ولا يعرفه. ولذا لم تدون هذه الشبهة في الكتب الفقهية لأهل السنة وغيرهم، ولكنها قد تدور على ألسن البعض من عوام الناس أو يلقيها البعض (ممن يروق له تفريق كلمة المسلمين) على أذهان السذج من الناس، ولذا رأينا أن نستعرض هذه الشبهة ونبين الحقيقة في ذلك. وإليك البيان:
أولا - المعلوم بالضرورة عند المسلمين أجمعين أن أوقات الصلوات إنما تؤخذ وتعرف من نصوص الشرع الثابت كتابا وسنة، وقد بيناها سابقا فراجعها، ولا يصح أن تؤخذ من أسماء الأوقات التي تنتسب إليها، وهذا واضح جلي.
230

ثانيا - إن نسبة الصلاة إلى وقت ما يراد به بعض ذلك الوقت، أو أوله، فمثلا صلاة الصبح تنسب إلى الصبح وتضاف إليه، والحال أن الصبح يبدأ من طلوع الفجر ويستمر إلى ما بعد طلوع الشمس وإلى قرب الزوال.. وهذا الوقت كله يطلق عليه (عرفا) الصبح، بل قال الطريحي في (مجمع البحرين): " والصباح خلاف المساء. وعن ابن الجواليقي: الصباح عند العرب من نصف الليل الآخر إلى الزوال " (1) في حين أن الشرع المقدس يحدد وقتها إلى ما قبل طلوع الشمس فقط. وبذلك علمنا أن نسبتها إلى الصبح إنما هي نسبة إلى أول الصبح أو بعضه لا كله. وهكذا صلاة الظهر تنسب إليه، والحال أن الظهر (كما في " المنجد " وغيره من كتب اللغة) ساعة انتصاف النهار، ومن الواضح أن وقتها يستمر إلى ما بعد ذلك بكثير حسب تحديد الشارع له.
وأما العصر فأصل هذه الكلمة مأخوذ من عصر الثوب ونحوه، وهو فتله والضغط عليه لإخراج مائه، ويطلق على الدهر كله لأنه الوقت الذي يمكن فيه فتل الأمور كما يفتل الثوب. وتطلق هذه الكلمة أيضا على العشي..
قال الشاعر:
يروح بنا عمرو وقد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر

(1) مجمع البحرين ص 174.
231

والعشي (كما في مجمع البحرين) " بفتح العين وتشديد الياء، من بعد زوال الشمس إلى غروبها. قال: وصلاة العشي: الظهر والعصر إلى ذهاب صدر الليل " (1).
وتطلق كلمة (العصران) على الغداة والعشي وصلاتهما الصبح والظهر والعصر كما في حديث النبي (ص) قال: " حافظ على العصرين.. فقلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها " (2).
كما تطلق (العصران) على الليل والنهار، قال الشاعر:
ولن يلبث العصران يوما وليلة * إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
والعصر: العشي إلى احمرار الشمس، والعشي يبدأ من زوال الشمس كما مر. ويقال له العصر، فإضافة الصلاة إليه لا تقتضي أن يكون وقتها هو الوقت الذي صار متعارفا إيقاعها فيه لدى أهل السنة وهو ما بعد صيرورة ظل الشيء مثله إلى مثليه، بل العصر أوسع من هذا. ولذا تنسب الصلاتان الظهر والعصر إلى كل واحد منهما فيقال: صلاة الظهرين، كما يقال: صلاة العصرين لاشتراك وقتهما.
وأما المغرب فهو لغة: المكان الذي تغرب منه الشمس، ومعنى غربت الشمس غروبا أي بعدت وتوارت في مغيبها، فالمغرب إذا وقت غروب الشمس في حين صلاة المغرب يستمر وقتها إلى ما بعد ذلك، وإنما نسبت إليه باعتبار أول وقتها غروب الشمس.

(1) مجمع البحرين للطريحي ص 58.
(2) مستدرك الصحيحين للحاكم ج 1 / 199.
232

وأما العشاء فيقع بعد المغرب مباشرة. قال الطبرسي في (مجمع البيان) عند تفسير قوله تعالى: (وسبح بالعشي والإبكار (: " وسبح: أي نزه الله، وأراد التسبيح المعروف. وقيل: معناه صل كما يقال: فرغت من سبحتي أي صلاتي، (بالعشي والأبكار) في آخر النهار وأوله " (1) وقال أيضا: " والعشاء من لدن غروبها إلى أن يولي صدر الليل " (2).
وقال صاحب (المنجد): " العشاء أول الظلام، وقيل: من المغرب إلى العتمة ".
ولما كان العشاء يقع بعد المغرب مباشرة لذا تنسب الصلاتان إلى كل واحد منهما، فيقال: صلاة المغربين كما يقال: صلاة العشائين. وبهذا علمنا سقوط هذه الشبهة من أصلها.
6 - نقض شبهة وجوب التأويل:
أما من أدعى وجوب تأويل أحاديث الجمع بحجة مخالفتها لأحاديث المواقيت فهي حجة باطلة ومردودة وبيان ذلك:
أولا - لقد أثبتنا في المقارنة الخامسة أنه لا مخالفة بين أحاديث المواقيت الخمسة، وأحاديث الجمع، حيث أن أحاديث المواقيت هدفها بيان الأوقات المفضلة وهي خمسة، وأحاديث الجمع هدفها بيان اشتراك الوقت المجزئ للصلاتين والتوسعة على الأمة ورفع الضيق والحرج عنهم وهي

(1) مجمع البيان للطبرسي ج 1 / 440.
(2) نفس المصدر ج 1 / 439، ونقله المجلسي عنه في (البحار) ج 82 / 313.
233

ثلاثة كما هو الظاهر من نصوص القرآن المجيد، فلا حاجة إذا لتأويل أحاديث الجمع فضلا عن أن يكون التأويل واجبا.
ثانيا - إنه لا يجوز تأويل النص وصرفه عن ظاهره، إلا إذا استحال ظاهره وتعذر العمل به لمخالفته للمعقول أو المنقول مخالفة لا يمكن الجمع بينهما بحال، وليست أحاديث الجمع كذلك فإنها لا تتناقض مع معقول ولا منقول كما بينا سابقا.
ثالثا - إن من المتفق عليه عند جمهور الأمة أن الأصل عدم التأويل للنصوص الشرعية، وإن العمل بالمعنى الظاهر من النصوص هو الواجب، ولا يسوغ العدول عنه إلا بدليل يقتضي هذا العدول (1) وعلى هدى هذا الأصل المتفق عليه، وحفاظا على نصوص الشريعة من نزعات الهوى، وضع علماء الأصول شروطا لا يعتبر التأويل صحيحا مقبولا إلا بتوافرها فما استوفى شروطه فهو المقبول، وإلا فهو التأويل الفاسد المردود، ومن أهم هذه الشروط ما يلي:
أ - إن المعنى الذي أول إليه اللفظ يجب أن يكون من المعاني التي يحتملها اللفظ نفسه ويدل عليها بطريق من طرق الدلالة، بمنطوقه أو مفهومه، ويكون في الوقت نفسه موافقا لوضع اللغة (ولو على سبيل المجاز) أو عرف الاستعمال أو غير ذلك من القرائن الدالة على صحة معنى التأويل وقبوله.

(1) راجع: (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي) للدكتور محمد أديب صالح، المدرس في جامعة دمشق، الطبعة الأولى، مطبعة جامعة دمشق ص 262 فإنه يصرح بهذا الاتفاق.
234

ب - أن يقوم على التأويل دليل صحيح قطعي من العقل أو النقل يدل على صرف اللفظ عن الظاهر إلى غيره، وذلك لما قدمنا من الأصل في عبارات الشارح ونصوص أحكامه أنها قوالب لمدلولاتها الظاهرة، وأن الواجب العمل بهذه الظواهر إلا إذا قام دليل العدول عنها إلى غيرها (1).
وإذا علمت ذلك فأعلم أن تأويلاتهم لأحاديث الجمع لا تتفق أبدا مع شروط التأويل المتفق عليها عند الجميع، ومن هنا لم يتفقوا على تأويل مقبول صحيح أبدا، كما سترى.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
7 - نقض تأويل أن الجمع كان في حالة المطر:
أما من أول أن الجمع كان في المطر، وهذا ترج واحتمال ورأي ظني ظنه مالك بن انس (إمام المالكية) وذكره في (الموطأ) حيث قال - كما تقدم - " أرى ذلك كان في المطر " واحتمله محمد بن إدريس الشافعي فذكره في كتابه (الأم) - كما تقدم - بقوله: " ووجدنا في المطر علة المشقة.. " وترجاه أيوب السختياني ومن سأله بقوله: " لعله في ليلة مطيرة، قال: عسى " كما ذكره البخاري في (صحيحه) وقد تقدم أيضا. وتبناه بعض من جاء بعدهم تقليدا لهم.

(1) المصدر السابق، ص 268 - 270.
235

ويكفينا في نقض هذا التأويل قول الله سبحانه: (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ([سورة يونس / 37].
وثانيا - إن الظن يرده ويبطله نص الحديث بنفي المطر بالخصوص، حيث جاء في حديث سعيد بن جبير، و صالح مولى التوأمة كلاهما عن ابن عباس أنه قال: " جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر. قال قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته " وقد علمت أن هذا الحديث رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والطيالسي، والطحاوي، وأبو نعيم الأصفهاني، والبيهقي، وأبو بكر البرديجي، والخطيب البغدادي وغيرهم، وهو من الأحاديث الصحيحة في الباب، كما نص عليه الشراح، وقد جاء بأسانيد عديدة تؤيد بعضها بعضا. فانظر بعقلك (أيها المسلم) هل ترد السنة الثابتة بالترجيات والاحتمالات والآراء الظنية التي لا تغني من الحق شيئا، ولم يقيموا عليها أي دليل، بل الدليل الصريح يبطلها.
ثالثا - قال الحافظ الغماري في كتابه ما نصه:
" الوجه الثالث من وجوه رد التأويل بالمطر، أن النبي صرح بأنه فعل ذلك ليرفع الحرج عن أمته، وبين لهم جواز الجمع إذا احتاجوا إليه (1) فحمله على المطر بعد هذا التصريح من النبي (ص) والصحابة الذين رووه

(1) الجمع بين الصلاتين جائز عند الحاجة وعدمها، كما هو الظاهر من الأحاديث. وسيأتيك التفصيل مشفوعا بالدليل.
236

تعسف ظاهر، بل تكذيب للرواة، ومعارضة لله والرسول، لأنه لو فعل ذلك للمطر لما صرح النبي (ص) بخلافه، ولما عدل الرواة عن التعليل به إلى التعليل بنفي الحرج، كما رووا عنه (ص) أنه كان يأمر المنادي أن ينادي في الليلة المطيرة (ألا صلوا في الرحال) ولم يذكروا ذلك في الجمع، فكيف وقد صرحوا بنفي المطر كما في الوجه الذي قبله " (1).
رابعا - قال الحافظ الغماري:
" الوجه الرابع أن ابن عباس الراوي لهذا الحديث أخر الصلاة وجمع لأجل انشغاله بالخطبة، ثم احتج بجمع النبي (ص) ولا يجوز أن يحتج بجمع النبي للمطر (وهو عذر بين ظاهر) على الجمع لمجرد الخطبة أو الدرس الذي في إمكانه أن يقطعه للصلاة ثم يعود إليه، أو ينتهي منه عند وقت الصلاة ولا يلحقه فيه ضرر ولا مشقة كما يلحق الإنسان في الخروج في حالة المطر والوحل " (2).
وأطال الحافظ الغماري الرد على هذا الوجه، كما ذكر وجها خامسا في الرد عليهم، وفي ما ذكرناه كفاية.
وبرد هذا التأويل وبطلانه، اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية، كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
8 - نقض تأويل أنه كان في غيم ثم انكشف:

(1) إزالة الخطر، ص 116.
(2) إزالة الخطر، ص 116 - 120.
237

وأما من أول بأن النبي (ص) كان حينما صلى الظهر في غيم، ثم انكشف فبان له أن وقت العصر قد دخل فصلاها فيه.. فهو تخرص ومجازفة ورجم بالغيب، بل طعن في النبي وصحابته، وحاشاهم. ومن هنا قال الحافظ الغماري في رد هذا التأويل:
" وأما تأويله بأنه كان في غيم ثم انكشف فهو مما يستحى من ذكره، ويجل المرء عن حكايته ولو على سبيل القدح فيه. وقد عقبه المازري بقوله:
(وهذا يضعفه جمعه بالليل، لأنه لا يخفى دخول الليل حتى يلتبس دخول المغرب بوقت العشاء ولو كان الغيم..) ولا يخفى ما في تعبيره عن هذا التأويل الفاسد بالضعف، من الضعف، والأولى - كما فعل عياض والنووي - حيث عبرا عن هذا التأويل بالبطلان " (1).
وسيأتيك نص النووي في (شرح صحيح مسلم) على بطلان هذا التأويل.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
9 - نقض تأويل أن الجمع كان في حالة المرض:
أما من أوله بأن الجمع كان في حالة المرض، وهذا التأويل قاله بعض التابعين، وبه أفتى أحمد بن حنبل وإسحاق، كما نص الترمذي في

(1) إزالة الخطر، ص 111.
238

(سننه) حيث قال: " ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض. وبه يقول أحمد وإسحاق، ثم قال: ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين " (1).
وهذا التأويل باطل قطعا، إذ هو كالتأويل بعذر المطر، وبيان ذلك:
أولا - إنه ظن والظن لا يغني من الحق شيئا، لا سيما وأنه لا دليل لهم عليه، وكل تأويل لا دليل عليه فهو باطل بالإجماع.
ثانيا - إن هذا التأويل يبطله التصريح بنفي العلة في أحاديث كثيرة، ومنها حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري (راجعه برقم 51) وقد جاء فيه: إن الجمع كان في المدينة للرخص من غير خوف ولا علة، والعلة تعم المرض وغيره، فهو نفي لكل تأويل، كما ورد النص بنفي المرض بالخصوص في بعض طرق حديث مولى التوأمة عن ابن عباس (راجعه برقم 63) ونصه: " جمع رسول الله بالمدينة من غير خوف ولا مرض " وكذا حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس أيضا (راجعه برقم 57) وقد جاء فيه قوله " من غير مرض ولا علة، إلى غير ذلك من الأحاديث الأخرى.
ثالثا - إن النبي (ص) ورواة حديثه من الصحابة قد صرحوا بأن الجمع كان لرفع الحرج لا للمرض وغيره، ولو كان للمرض لما عدلوا جميعا عنه إلى غيره.
239

رابعا - إنه لو كان للمرض لكان خاصا به (ص) والحال أنه جمع بالصحابة كما قال ابن عباس: " صلى بنا رسول الله، وصليت خلف رسول الله.. " وكما عرف من سيرته أنه ما كان يصلي وحده، وبالضرورة إن من صلى خلفه من الصحابة لم يكونوا جميعا مرضى فكيف يصلي بهم صلاة لا تجوز لهم ولا تصح منهم، وإنما تجوز له وحده لعذره في مرضه؟
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
10 - نقض تأويل أن الجمع خاص بالمسجد النبوي:
قال الحافظ الغماري في إبطال هذا التأويل: " أما من قال: أنه خاص بمسجد النبي (ص) لفضله، فيكفي في إبطاله أن دعوى الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، وأن مثل هذه الدعوى لا يعجز عنها أحد في كل شئ أراد نفيه من أنواع التشريعات، فأي فرق بين ادعاء الخصوصية في الجمع بين الصلاتين، وادعائها في الجماعة مثلا وأنها خاصة بمسجد رسول الله لفضله؟ وكذلك في الجمعة وأنها خاصة بمسجده وبزمانه واستماع خطبته وكلامه، وما عدا مسجده وزمانه فلا تشريع جمعة ولا جماعة. وهكذا سائر أفعاله التي قام الدليل على وجوب التأسي به فيها (أو استحبابه) ولأنه لا يجوز ادعاء الخصوصية به أو بمكانه أو زمانه إلا بدليل يدل على ذلك، فكيف وقد جمع بعرفة ومزدلفة ومنى وتبوك وكثير من البقاع في أسفاره
240

وغزواته، وجمع بعده أصحابه في أسفارهم وأوقات ضرورياتهم فهو دليل قاطع على بطلان هذا التأويل " (1).
ولا أدري ما معنى اختصاص الجمع بمسجد النبي لفضله؟ هل إن فضل المسجد النبوي الشريف يبيح للمصلين أن يصلوا قبل دخول الوقت أو بعد خروجه، والحال أن الصلاة قبل دخول وقتها أو بعده تعمدا، معصية كبيرة، بل بدعة صريحة، وإحداث المعصية أو البدعة في المسجد النبوي الشريف مما يزيد في فضاعتها وترتب العقاب عليها بشكل أكبر.. أو، الجمع بين الصلاتين لم يكن قبل دخول الوقت ولا بعد خروجه، بل في الوقت المجزئ، فحينئذ ما معنى هذه الخصوصية التي جاءوا بها من أنفسهم؟ (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ([سورة المؤمنون / 72].
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
11 - نقض تأويل أن الجمع كان لعذر ما:
أما من أدعى بأن الجمع كان لعذر من الأعذار كالمرض ونحوه، وقد نقل هذا التأويل النووي في (شرح صحيح مسلم) عن جماعة من الفقهاء كأحمد بن حنبل وغيره، وقد قواه، وسيأتيك نصه، فهو باطل أيضا،
241

لأنه إن كان الجمع لعذر معين فما هو ذلك العذر فأن كان المرض أو الخوف أو المطر أو الغيم أو خصوص فضل المسجد الشريف فقد علمت بأنها جميعا أعذار باطلة لا دليل لهم على شئ منها، ورواة أحاديث الجمع من الصحابة ينفونها، وإن كان الجمع لمطلق العذر أو الأعذار فما بطل به الخصوص يبطل به العموم.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
12 - نقض تأويل أن الجمع كان صوريا:
أما من ادعى أن الجمع لن يكن لعذر من الأعذار، وأنه لا يصح فيه تأويل من التأويلات المذكورة، ولكن كان جمعا صوريا لا حقيقيا. وهذا التأويل قال به مطلق الحنفية لتبرير فتوى إمام مذهبهم أبي حنيفة حيث أفتى (كما هو ثابت عنه) بعدم جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا، ولما كان الثابت عندهم وعند جميع المسلمين أن النبي (ص) جمع بين الصلاتين حضرا وسفرا، لعذر ولغير عذر، عدلوا إلى تأويل هذا الجمع بأنه صوري لا حقيقي. وهذا التأويل قد بالغ في تأييده أكابر الحنفية وشيوخهم ورأوه التأويل الوحيد الذي لا يصح سواه. قال الحافظ الغماري: " ونصره - أي هذا التأويل من الحنفية - الطحاوي في (شرح معاني الآثار) بما فيه تكلف وتعسف يتحاشى عن مثله أهل العلم على قاعدته في نصر مذهب أبي حنيفة، واختار هذا القول أيضا ابن الماجشون، والماورزي، وعياض، والقرطبي، وإمام الحرمين، وابن سيد الناس، والحافظ في (الفتح) مع
242

اعترافه بضعف دليله ومستنده، والمغربي في (البدر التمام) وتبعه شراح (بلوغ المرام)، والشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 216 - 218، وأطال في تقريره، وختم بأن له رسالة سماها (تنشيف السمع بإبطال أدلة الجمع) (1).
نعم، كل هذا نصرة لمذهب أبي حنيفة، والحقيقة أنها نصرة يعوزها الدليل، حتى أن الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) أبطل تأويلهم بالجمع الصوري ورده من عشرين وجها وجيها. ونحن نشير إلى بعض ما يبطله وينقضه فنقول:
أولا: إن الذي يبطل هذا التأويل وغيره من التأويلات أيا كانت، ظاهر الآيات القرآنية التي استعرضت أوقات الصلوات فجعلتها ثلاثة لا خمسة، فراجعها. وبحكم تلك الآيات لا مانع من الجمع الحقيقي لعذر وغير عذر مطلقا.
ثانيا: إن تأويلهم هذا وغيره من التأويلات الأخرى لم يستطيعوا أن يقيموا عليها دليلا صحيحا ومقبولا حتى عندهم، ولذا كانوا في تأويلهم غمة، وفي ليل من الحيرة مظلم، يرد تلك التأويلات بعضهم على بعض. ومعلوم أن كل تأويل لا دليل مقبول عليه فهو باطل. نعم أيد الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 217 التأويل بالجمع الصوري بتأييدات واهية، بل هي أوهى من بيت العنكبوت والتي منها قوله: " ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان، عن عمرو بن دينار أنه قال: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر
243

وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذلك. ثم قال الشوكاني: وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم ".
فالشوكاني يؤيد تأويل الجمع الصوري حيث ظنه أبو الشعثاء باعتباره راوي الحديث، ومعلوم باعلان القرآن المجيد (إن الظن لا يغني من الحق شيئا (سواء صدر من الراوي أو من غيره، وقد حذر النبي (ص) بقوله في الحديث المتفق عليه: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث) ومن هنا قال احمد بن شاكر عند شرحه لحديث أبي الشعثاء في (مسند احمد) بما نصه: " وهذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء ولا حجة له فيه " (1).
هذا ولعل عمرو بن دينار يقصد باستفهامه من أبي الشعثاء، وقوله: أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، أن النبي جمع جمع تأخير لا جمع تقديم، ولم يقصد الجمع الصوري أصلا.
ثالثا: إن لفظ (الجمع) في عرف الشريعة لا يطلق إلا على الجمع الحقيقي بين الصلاتين في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير، بل ولا ينصرف الذهن مطلقا إلا إليه، وهذا حتى عند الشوكاني نفسه، ولذا تراه أطلق كلمة (الجمع) على رسالته التي سماها (تنشيف السمع بإبطال أدلة الجمع) فإنه يريد بهذا الإطلاق الجمع الحقيقي قطعا، لأنه هو الذي يحاول إبطاله لا الجمع الصوري الذي يؤيده ويريده. وهكذا من افتعل حديثا على النبي (ص) أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من
244

أبواب الكبائر)، إنما يريد بإطلاق كلمة (جمع) الجمع الحقيقي لا الصوري، لأنه هو المتبادر إلى الذهن.
وبهذه الحقيقة صرح كثير من أعلامهم، ومنهم الخطابي وإليك عبارته بنصها، قال: " ظاهر أسم الجمع لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها وعجل العصر فصلاها في أول وقتها، لأن هذا قد صلى كل صلاة منها في وقتها الخاص بها، وإنما الجمع المعروف أن تكون الصلاتان في وقت إحداهما، ألا ترى أن الجمع بينهما بعرفة والمزدلفة كذلك " (1).
ومعلوم أن كل تأويل خالف عرف الشرع والعرف المطلق يكون باطلا بلا ريب، كما صرح علماء الأصول بالاتفاق.
رابعا: إن السنة النبوية تبين بعضها بعضا، فعلى فرض - وفرض المحال ليس بمحال - أن الجمع لم يكن في عرف الشرع خاصا بالحقيقي، ولكن جمع النبي بين الصلاتين بأسفاره عين المراد منه لأنه كان يجمع جمع تقديم تارة بأن يصلي الظهر عند الزوال في أول الوقت ثم يصلي العصر بعدها مباشرة، ويصلي المغرب عند الغروب ثم يصلي العشاء بعدها بلا فاصل.. وجمع تأخير تارة أخرى بأن يؤخر الظهر إلى ما بعد دخول وقت العصر فيصليهما معا، ويؤخر المغرب إلى ما بعد دخول وقت العشاء وغياب الشفق فيصليهما في ذلك الوقت معا، وفي بعض الأحيان يصليهما بعد ذهاب ربع الليل، وهذا وارد في أسفاره بنصوص صريحة
245

ومتفق عليها عند الجميع، وسيمر عليك بعضها، وما أدري كيف خالفها الحنفية فحملوا كافة أحاديث الجمع في الحضر والسفر وفي جميع الحالات على الجمع الصوري، وذلك ما لا يتفق مع الكتاب والسنة والإجماع.
خامسا: إن النبي (ص) لما جمع بالمدينة أخبر أنه أراد بجمعه بين الصلاتين رفع الحرج عن أمته والتوسعة عليهم. والجمع الصوري ليس فيه رفع لحرج التفريق عنهم، ولا توسعة عليهم، بل فيه إثبات وتقرير لما جاء به جبرئيل من الأوقات الخمسة المفضلة، ويكون النبي (ص) بجمعه الصوري قد صلى كل صلاة بوقتها المفضل فأي حرج إذا رفعه النبي عن أمته، وأي توسعة وسعها عليهم؟ والحال أن التوسعة تقتضي أن يكون في الوقت ضيق فيوسعه النبي وذلك لا يكون إلا إذا جمع جمعا حقيقيا جمع تقديم وجمع تأخير.
سادسا: إن الجمع الصوري - كما حددوه - فيه حرج أكثر من الحرج في التفريق، وذلك لأن الجمع الصوري هو أن يصلي الظهر عندما يبقى من وقته مقدار أربع ركعات فإذا فرغ منها دخل وقت العصر فيصليها فلا يخلو الحال إذا من أن يكون النبي (ص) قد أخبر أصحابه عند الزوال أنه يريد أن يجمع بهم قبيل العصر فكلفهم - بعد اجتماعهم - بالانصراف إلى غذائهم وسائر حوائجهم والرجوع إلى المسجد قبيل العصر، أو تركهم من وقت الزوال إلى قرب وقت العصر في الانتظار وفيهم من فيهم من الشيخ الكبير والضعيف وذوي الحاجات والنساء ذوات الأطفال. أو أنه أعلن لهم عند اجتماعهم للصلاة في الليل وأمرهم أن يجتمعوا غدا قبيل صلاة العصر بمقدار أربع ركعات حتى يجمع بهم بين
246

الظهرين جمعا صوريا. وفي أي من هذه الصور الثلاث من المشقة عليهم والإحراج لهم ما لا يخفى، وأقل ما يقال في إحدى هذه الصور من التكليف أنه أمرهم بالحضور إلى المسجد في وقت غير محدد ولا معروف لهم، إذ لا أذان قبيل العصر يجمعهم، ولا ساعات عندهم يومئذ يعرفون بها الوقت، بل يلزمهم أن يراعي كل واحد منهم مقدار الظل للشاخص عند الزوال وأن يراقبه إلى أن يزداد الظل للشاخص المعين بمقداره، وقبل هذا الوقت بمقدار أداء الظهر ينبغي أن يكونوا حاضرين في المسجد ليجمعوا جمعا صوريا، وذلك عين الحرج والضيق فكيف يقول (ص): " صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي " ويقول الرواة: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته؟
وإلى هذا أشار كثير من شراح الصحاح والسنن، ومنهم الزرقاني في (شرح موطأ مالك) ج 1 / 94 قال: وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو من حرج.
سابعا: من المعلوم أن وقوع أي صورة من هذه الصور الثلاث السابقة غير مألوفة للصحابة، وفيها تغيير لكيفية أداء الصلاة سابقا عندهم، وهذا ما يستوجب نقل تلك الكيفية - كما وقت - بالتواتر القطعي، وحينئذ لروى تلك الصورة الغريبة - على الأقل - رواة أحاديث الجمع من الصحابة، ولما لم يرد شئ من ذلك عنهم فضلا عن تواتره علمنا علم اليقين أن الجمع كان حقيقيا لا صوريا، ومعاذ الله أن يكلف النبي أصحابه وسائر أمته إلى يوم القيامة بمثل هذا التكليف الشاذ، بل جعل لهم - بأمر الحكيم الخبير - الوقت موسعا للظهرين من الزوال إلى الغروب،
247

وللعشائين من الغروب إلى نصف الليل للمختار غير المضطر وإلى الفجر للمضطرين، وللصبح من الفجر إلى طلوع الشمس.
وهذه علائم لأوقات الصلوات معلومة ومعروفة للجميع بلا تكلف ولا مشقة ولا حرج، وهذا هو اللائق بشريعة الحق العامة للجميع، والخالدة ما خلد الدهر.
قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ([سورة الحج / 79].
ثامنا: إن جابر بن عبد الله الأنصاري أحد الصحابة الكرام الذين رووا حديث الجمع بين الصلاتين يصرح بقوله: إن النبي جمع بين الصلاتين للرخص من غير خوف ولا علة - راجع حديثه برقم (51)، وممن رواه. شيخ من شيوخ الحنفية وهو الطحاوي الحنفي. وراجع حديثه الآخر برقم (59) الذي رواه أبو نعيم في (حلية الأولياء) وقد جاء فيه قوله: " أراد الرخصة على أمته. والرخصة في اللغة: التيسير والتسهيل. قال الجوهري: الرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه، ومن ذلك رخص السعر إذا سهل وتيسر، وفي عرف أهل الأصول هو تغيير الحكم الشرعي من صعوبة إلى سهولة مع قيام السبب للحكم الأصلي، وهذا هو الواقع في الجمع الحقيقي فإنه تغيير من صعوبة تحديد الوقت وتقسيمه بجعل وقت خاص للظهر وآخر للعصر وآخر للمغرب وآخر للعشاء لسبب الفضيلة
248

لتلك الأوقات المعينة إلى سهولة الجمع بين الصلاتين بتجويز تقديم اللاحقة في وقت السابقة، أو تأخير السابقة إلى وقت اللاحقة، أما الجمع الصوري فليس فيه تغيير ولا تسهيل بل هو إيقاع للأوقات كما كانت عليه، بل هو بالعكس من تعريف الرخصة لأنه تغيير من سهولة إلى صعوبة كما علمت، فالقول بالجمع الصوري تشويه لوجه التشريع وقلب لحقيقته ونقض لمقصوده.
تاسعا: إن عبد الله بن عباس حين خطب في البصرة وناداه الناس: الصلاة الصلاة، وعدم مبالاته بهم واستمراره في خطبته لا يجيبهم، حتى جاء التميمي الذي صار يقول: الصلاة الصلاة، فناداه ابن عباس وهو مغضب: أتعلمني بالسنة؟ لا أم لك، ثم احتج عليه بالدليل والمستند بقوله: شهدت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، واستبعاد عبد الله بن شقيق واستغرابه لذلك الدليل حتى حاك في صدره منه شئ، ومجيئه إلى أبي هريرة وسؤاله عن ذلك وتصديق أبي هريرة لدليل ابن عباس، وجمع ابن عباس بالفعل بعد فراغه من الخطبة بين المغرب والعشاء، كما جمع النبي (ص)، كل ذلك وغير ذلك يبطل تأويلهم بأن الجمع كان صوريا، لأن ابن عباس أجل من أن يحتج بالجمع الصوري على الجمع الحقيقي.
عاشرا: من أحاديث الجمع بين الصلاتين، وأحاديث الأبراد بصلاة الظهر، وأحاديث أخرى كثيرة - إن النبي لم يجمع بالمدينة بين الصلاتين مرة واحدة حتى يؤول ذلك الجمع بأنه كان صوريا، بل جمع بين الصلاتين مرارا عديدة بل كثيرة جدا جمع تقديم وجمع تأخير، ولا سيما
249

أيام شدة الحر، فهل يؤول كل ما جمع بأنه جمعا صوريا؟ لا أعتقد بأن يقول هذا إنسان عاقل، فضلا عن عالم فاضل.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
نقض شراح الصحاح والسنن لمجموع التأويلات:
رد شراح الصحاح والسنن قديما وحديثا هذه التأويلات، ومن ضمنها التأويل بالجمع الصوري، وإليك ما ردها به النووي (1) في شرحه لصحيح مسلم، وقد نقله عنه من الشراح وغيرهم جمع كثير منهم القسطلاني في (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري) باب تأخير الظهر إلى العصر، ج 1 / 491، وابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) ج 2 / 163، والكرماني في (شرحه لصحيح البخاري) ج 4 / 192، والزرقاني في (شرح موطأ مالك) ج 1 / 294، والشوكاني في (نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار) ج 3 / 216، والشيخ منصور علي ناصيف - من علماء الأزهر - في كتابه (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) ج 1 / 150، وما بعدها، واحمد

(1) النووي: هو محيي الدين يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي، ولد بنوى التابعة لدمشق سنة 631 ه‍ وهاجر إليها لطلب العلم، وصار مدققا حافظا للحديث عارفا بأنواعه، توفى بنوى مسقط رأسه سنة 677، له مصنفات كثيرة منها (المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج) راجع (الكنى والألقاب) ج 3 / 233.
250

محمد شاكر القاضي في شرحه ل‍ (سنن الترمذي) ج 1 / 357 حيث قالوا نقلا عن النووي في (شرح صحيح مسلم) ج 5 / 218 بما نصه (1):
" ومنهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين، وهو ضعيف بالرواية الأخرى: من غير خوف ولا مطر. ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها، وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا
احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضا ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه مما في معناه من الأعذار، وهذا قول احمد بن حنبل، والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي، والمتولي، والروماني من أصحابنا، وهو المختار لظاهر الحديث (2) ولفعل ابن عباس، وموافقة أبي هريرة، ولأن المشقة فيه أشد من المطر. وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة،
251

لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره، والله أعلم " (1).
قال الشارح احمد محمد شاكر: " وكلام الخطابي في المعالم (ج 1 / 265) نصه: هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد إلا ما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث. وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبى إسحاق المروزي. قال ابن المنذر: ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: أراد أن لا يحرج أمته. وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شئ ما لم يتخذه عادة.
ثم قال الشارح: هذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الحديث، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصلاتين، ويأثمون من ذلك ويتحرجون، ففي هذا ترفيه لهم وإعانة على الطاعة ما لم يتخذه عادة، كما قال ابن سيرين ".
252

لا مانع من الجمع بين الصلاتين لحاجة أو لغير حاجة
بعد أن اتضح لنا نقض الشبهة حول الجمع بين الصلاتين وبطلانها، رأينا أن من تحرر من تلك الشبهة وردها بأجمعها وأبطلها من أهل السنة - وهم كثيرون قديما وحديثا - رأيناهم مع ذلك كله قيدوا الجمع بين الصلاتين بوقت الحاجة فقط، وبعدم اتخاذه عادة، هذا مع العلم أن القيد بالحاجة وبعدم اتخاذه عادة قيد مردود بحكم آيات المواقيت، وأحاديثه، وبحكم أحاديث الجمع المطلقة باعترافهم، وما فيها من التعليل بالتوسعة وعدم الحرج، والرخصة للأمة، كما أن هذا القيد لا دليل لهم عليه أصلا، ولا سيما أنهم وغيرهم من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد رووا أحاديث كثيرة تدل على رجحان الأخذ بالرخص، وأن الأخذ بها محبوب إلى الله، بل وان من تركها يأثم إذ يكون بتركها مخالفا لما شرعه الله لعباده، وجعله سنة لنبيه، وتسهيلا وتخفيفا على أمته. وإليك بعض تلك الأحاديث:
أحاديث الأخذ بالرخص والاستدلال بها:
1 - روى احمد بن حنبل في (مسنده) بسنده عن ابن عمر قال: " قال رسول الله (ص): إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " (1) ونقله عن احمد، الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 204، وعلق عليه بقوله: الحديث المروي عن ابن عمر رجاله رجال الصحيح.. إلى أن
253

قال: وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن عدي، وعن عائشة عنده أيضا.. ثم قال: والمراد بالرخص التسهيل والتوسعة، وفيه أن الله يحب إتيان ما شرعه من الرخص، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية دليل على أن في ترك إتيان الرخصة ترك طاعة كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية.. الخ.
ونقله عن احمد بسنده الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) ص 155.
2 - روى الشيخان البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث عائشة (رض) قالت: " صنع رسول الله (ص) شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي (ص) فخطب فحمد الله، ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية ".
نقله عن الشيخين الحافظ الغماري في (إزالة الخطر) ص 154، وقال بعده معلقا على موضوع الجمع بين الصلاتين بما نصه: فلو كان في هذا الجمع ما يخل بصحة الصلاة لكان النبي (ص) أولى بتركه، والتنبيه على وجه العلة الداعية إلى فعله في وقته، والتحذير من اتباعه فيه على إطلاقه، ولما لم يفعل شيئا من ذلك، وزاد التصريح بأنه فعل ذلك للرخصة، ورفع الحرج لم يبق للتنزه عنه معنى إلا مجرد الخلاف لله ولرسوله (ص)، وعدم قبول الرخصة التي أخبر النبي (ص) أن من لم يقبلها كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.. الخ.
والعجب من الحافظ الغماري الذي يقول هذا، وهو مؤلف الكتاب الضخم (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر) ويتحمس التحمس الشديد، ويوجه النقد اللاذع لمن يؤول أحاديث الجمع بأي تأويل
254

كان، ويصرح بأن المؤولين لأحاديث الجمع مخالفون لله ولرسوله، ثم هو نفسه يقيد الجمع بين الصلاتين بوقت الحاجة، وأن لا يتخذه الإنسان عادة، ويكرر هذا القيد في كتابه مرارا عديدة للتأكيد عليه (1) وإني والله لمستغرب ومتعجب أشد الاستغراب، والعجب منه بالخصوص في ذكره لهذا القيد وتكراره له، ولا أدري ما الداعي له إلى ذلك؟ هل هو التقليد للأسلاف كابن سيرين، وأشهب وأمثالهما؟ أو أنه يخشى مبادهة العامة بالقول بجواز الجمع لغير الحاجة، وبعدم المانع من اتخاذه عادة، أو غير ذلك، والله وحده (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ([سورة المؤمن / 20 / 21].
3 - روى احمد بن حنبل في (مسنده) عن أبي طعمة أنه قال: " كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أقوى على الصيام في السفر، فقال ابن عمر: سمعت رسول الله (ص) يقول: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة " (2).
255

ونقله عن احمد، ابن كثير الدمشقي في (تفسيره) ج 1 / 217 حيث قال: جاء في مسند الإمام احمد وغيره عن ابن عمر وجابر وغيرهما: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
ونقله عن احمد أيضا، السيد رشيد رضا في تفسيره (المنار) ج 2 / 154.
ونقله السيوطي في (الدر المنثور) ج 1 / 193 عن الطبراني.
4 - وروى ابن حبان في (صحيحه) مسندا عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال: " أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ".
ورواه البزار أيضا، وأبو علي والطبراني، وابن خزيمة، والبيهقي في (السنن) و (الشعب)، والقصاعي في (مسند الشهاب) والخطيب في (التاريخ) وغيرهم عن كل من ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وأبي الدرداء، وواثلة بن الأسقع، وأبي أمامة، وعائشة، كلهم عن النبي (ص) أنه قال: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه " (1).
5 - وأخرج الطبراني عن عبد الله بن يزيد بن أديم، قال: حدثني أبو الدرداء، وواثلة بن الأسقع، وأبو أمامة، وأنس بن مالك،: " أن رسول الله (ص) قال: إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه " (2).
256

وبمجموع ما تقدم علمنا علم اليقين أن الجمع بين الصلاتين لا مانع منه مطلقا، وأنه رخصة محبوبة عند الله، وسنة من سنن رسول الله (ص) وقد قال:
6 - " من رغب عن سنتي فليس مني ".
روته الصحاح والسنن والمسانيد، وهو حديث متفق عليه عند الجميع، وقد أرسله إرسال المسلمات كل من رشيد رضا في تفسيره، والحافظ الغماري في (إزالة الخطر) (1).
7 - أخرج البخاري في (الأدب المفرد) عن ابن عباس قال: " سئل النبي (ص) أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: " الحنيفية السمحة " (2).
8 - أخرج الطبراني، والبيهقي عن سهل بن أبي أمامة بن سهيل بن حنيف عن أبيه، عن جده " أن رسول الله (ص) قال: لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات " (3).
ويؤيد صحة هذه الأحاديث قول الله عز وجل في محكم كتابه المجيد: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ([سورة النساء / 29]. وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ([سورة
257

البقرة / 186] وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ([سورة الحج / 79].
التفريق بين الصلاتين أفضل أم الجمع؟
علمنا من مجموع ما تقدم من الدلائل - كتابا وسنة وإجماعا - أن الجمع بين الصلاتين جائز في الشرع مطلقا، كما أن التفريق بينهما كذلك، أما كون أيهما أفضل؟ فالمشهور بين فقهاء الشيعة أن التفريق أفضل من الجمع، لتوافر النصوص الدالة على ذلك من طرق أهل البيت "، وقد صرح به علماؤنا الأعلام في كثير من مؤلفاتهم
الفقهية فتوى واستدلالا، منهم آية الله السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي (قدس سره) قال في (العروة الوثقى):
" يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت، كالظهرين والعشائين، ويكفي مسماه.. " كما أيد آية الله الحكيم (قدس سره) في (المستمسك) ج 5 / 75 قول صاحب العروة واستدل عليه بدلائل عديدة، وأنه منسوب إلى الشهرة فراجع.
وقال الإمام شرف الدين في (مسائل فقهية) ص 15:
258

" ولا كلام في أن التفريق أفضل، ولذلك كان يؤثره رسول الله (ص) كما هي عادته في المستحبات كلها ".
ولكن المستفاد من ظواهر كثير من الأخبار الواردة عن أهل البيت " أن التفريق لم يكن مقصودا لذاته، وأن الوقت بين الفريضتين المشتركتين لم يجعل إلا لأجل النافلة، وربما يستفاد من هذا أيضا أن أفضلية التفريق واستحبابه لم يكن لذاته وإنما هو لمكان النافلة، وتؤيد هذا المعنى طوائف من الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة " وإليك بعضها:
أولا - الأخبار التي تصرح بأن الجمع بين الصلاتين إنما يتحقق إذا لم يكن بينهما تطوع، أما إذا كان بينهما تطوع فهو تفريق لا جمع، كما جاء هذا في روايات عديدة:
1 - عن محمد بن حكيم، عن أبي الحسن (قال: سمعته يقول: إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما " (1).
2 - وبإسناد آخر عن محمد بن حكيم أيضا قال: " سمعت أبا الحسن يقول: الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن تطوع، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع " (2) ومن هنا قال السيد الحكيم في (المستمسك) ما نصه: " فلا بأس بالاكتفاء في حصول التفريق بمجرد فعل النافلة، لما دل على أن الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن تطوع، فإن كان بينهما تطوع فلا جمع " (3).

(1) الكافي ج 3 / 278، والوسائل ج 5 / 228، والبحار ج 82 / 337.
(2) المصادر الثلاثة السابقة.
(3) المستمسك ج 5 / 76.
259

ثانيا - الأخبار التي تبين أن الأوقات المقدرة والمعينة لكل صلاة - طالت تلك الأوقات أم قصرت - إنها قدرت لمن يصلي النافلة مع الفريضة، وأن الغرض من ذلك التقدير سقوط النافلة إذا خرج الوقت المفضل للصلاة الواجبة، كما جاء هذا المعنى بطائفة أخرى من الأخبار منها:
3 - عن زرارة عن أبي جعفر (قال: " سألته عن وقت الظهر فقال (: " ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس " وقال زرارة: قال لي أبو جعفر (حين سألته عن ذلك: " إن حائط مسجد رسول الله (ص) قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر، ثم قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال: لمكان النافلة فأن لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعا، فإذا بلغ فيؤك ذراعا من زوال بدأت الفريضة وتركت النافلة، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة " (1).
وقال الشيخ الطوسي معلقا على الحديث: وفي هذا الخبر تصريح بما عقدنا عليه الباب أن هذه الأوقات إنما جعلت لمكان النافلة.

(1) (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي ج 2 / 20. ورواه أيضا بهذا النص الشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ج 1 / 140 تحقيق الحجة السيد حسن الخرسان، و (الوسائل) ج 5 / 153، نقلا عن المصدرين السابقين. كما رواه الصدوق مختصرا في (علل الشرائع) ج 2 / 349، ورواه الكليني في (الكافي) ج 3 / 288، ونقله عنهما في (الوسائل)، والمجلسي في (البحار) ج 83 / 30 نقلا عن (العلل).
260

4 - وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (قال: " أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في هذه " (1) ورواه الصدوق بلفظ: " أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لا، قال: حتى لا يكون تطوع في وقت مكتوبة " (2).
5 - وعن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: " الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك وبين أن يذهب ثلثا القامة، فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة " (3).
6 - وعن محمد بن مسلم: " قلت لأبي عبد الله الصادق (: إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إن الفضل أن تبدأ بالفريضة، وإنما أخر الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين " (4).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا ومستفيضة.
ثالثا - الأخبار التي تصرح بأنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه، وأن أمام كل منهما نافلة فإذا صلى نافلته (طالت أم قصرت) فليصل بعدها. جاء هذا في أخبار كثيرة منها:

(1) الوسائل ج 5 / 157، نقلا عن الشيخ الطوسي.
(2) علل الشرائع ج 2 / 349.
(3) الوسائل ج 5 / 157، نقلا عن الشيخ الطوسي.
(4) رواه الكليني في (الكافي) ج 3 / 289، ونقله عنه الحر العاملي في (الوسائل) ج 5 / 234. وآب: رجع، والأواب كثير الرجوع، والصلاة مع النافلة من شأنها أن تحمل الإنسان على الرجوع إلى ربه بالاستغفار والاعتراف بالتقصير.
261

7 - عن محمد بن أحمد بن يحيى قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (: روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع، والقامة والقامتين، وظلك مثلك، والذراع والذراعين، فكتب: لا القدم ولا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة (أي نافلة) وهي ثمان ركعات فأن شئت طولت، وإن شئت قصرت، ثم صل الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة، وهي ثمان ركعات، إن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل العصر " (1).
8 - عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (قال: " سألته عن وقت الظهر، قال: نعم إذا زالت الشمس فقد دخل وقتها، فصل إذا شئت بعد أن تفرغ من سبحتك، وسألته عن وقت العصر متى هو؟ قال إذا زالت الشمس قدمين صليت الظهر والسبحة بعد الظهر، فصل العصر إذا شئت " (2).
9 - عن ذريع المحاربي قال: " قلت لأبي عبد الله (: متى أصلي الظهر؟ فقال: صل الزوال ثمانيا، ثم صل الظهر، ثم صل سبحتك طالت أم قصرت ثم صل العصر " (3).

(1) الوسائل ج 5 / 146، نقلا عن الشيخ الطوسي وأنه قال معلقا على الحديث: إنما نفى القدم والقدمين لئلا يظن أن ذلك وقت لا يجوز غيره.
(2) الوسائل ج 5 / 147، نقلا عن (قرب الإسناد) لعبد الله بن جعفر، و (البحار) ج 83 / 27، نقلا عن (قرب الإسناد) أيضا.
(3) الكافي ج 3 / 276، ونقله الحر العاملي عنه في (الوسائل) ج 5 / 145.
262

10 - عن الحرث بن المغيرة، وعمرو بن طلحة، ومنصور بن حازم قالوا: " كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد الله (: ألا أنبئكم بأبين من هذا، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة وذلك إليك أن شئت طولت وأن شئت قصرت " وحديث منصور بن حازم جاء فيه:
" ذلك إليك فأن أنت خففت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك، وان طولت فحين تفرغ من سبحتك " (1).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة أيضا ومستفيضة.
وهذه الطوائف الثلاث من الأخبار يستفاد منها كما قدمنا: أن التفريق لم يكن مقصودا لذاته، وأن الوقت بين الفريضتين المشتركتين لم يجعل إلا لأجل النافلة، ومعنى هذا أن أفضلية التفريق واستحبابه لم يكن لذاته وإنما هو لمكان النافلة. وعلى هذا فمن صلى النافلة القبلية ثم صلى بعدها الفريضة، ثم صلى النافلة الثانية وصلى بعدها مباشرة الفريضة الأخرى فقد فرق بين الصلاتين، وحاز بذلك أجر التفريق كما حاز أجر المسارعة إلى الخير والعمل الصالح، ولا حاجة له إلى الانتظار إلى المثل والمثلين أو الذراع والذراعين.
ويؤيد هذا ما صرح به بعض الفقهاء (2) من أنه يمكن أن يكون الوجه في اختلاف الأخبار الواردة في مقدار وقت الفضيلة لكل صلاة والتي

(1) المصدران السابقان.
(2) كالسيد الحكيم (قدس سره) في (المستمسك) حيث أشبع الموضوع بحثا واستدلالا من ج 5 / 39 - 45 فراجع.
263

تصرح بعضها على ان وقت الفضيلة للظهر إذا ازداد الظل - الحادث بعد الزوال - مثل الشاخص وللعصر إلى المثلين، وبعضها إذا ازداد ذراعا وللعصر ذراعين، وبعضها إذا ازداد قدما وللعصر قدمين، وبعضها تصرح بأن كل صلاة - من الظهرين - بين يديها نافلة، فإذا فرغ الإنسان من نافلته طالت أم قصرت فليصل الفريضة بعدها، فقال في الجمع بين الأحاديث ما معناه: أنه يمكن حمل مجموع هذه الظواهر والتصريحات في هذه الأخبار - بعد ثبوت صحتها جميعا - على أن غاية الوقت المفضل المثل للظهر والمثلان للعصر، وأفضل منه القدم والقدمان، وأفضل منه ما قبل ذلك أي بمجرد ما زالت الشمس يصلي النافلة ثم يصلي الظهر، ثم يصلي النافلة للعصر ثم يصلي العصر، وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء (1)، ويعلل مواظبة النبي (ص) غالبا على الصلاة بعد الذراع والذراعين كما في كثير من النصوص، أو المثل والمثلين كما في نصوص غيرها، وانتظاره إلى أحد الوقتين المذكورين بأنه يمكن أن يكون الوجه فيه انتظار فراغ المسلمين من نوافلهم، أو لا يتيسر لهم - أجمع - فعلها في أول الوقت. وذلك لأن نوافل الظهر ثمان ركعات قبل الظهر، ونافلة العصر ثمان ركعات قبل العصر، فيكون مجموع الفريضتين مع نوافلهما أربعا وعشرين ركعة، فلو التزم النبي (ص) بأن يصليها كلها في أول الوقت بعد

(1) نافلة المغرب بعدها وهي أربع ركعات، وكذلك العشاء نافلتها بعدها وهي ركعتان من جلوس يعدان بركعة.
264

الزوال مع ما يتخلل ذلك من تعقيب (1)، وأذان، وإقامة لكل من الصلاتين لاحتاج إلى وقت كثير، وهذا ما يشق قطعا على سائر المسلمين، إذ منهم من هو في حاجة ملحة إلى الغذاء، ومنهم من يريد أن يمضي إلى كسبه، ومنهم من يريد راحته ونومه ولا سيما أيام شدة الحر في الصيف وشدة البرد في الشتاء، فإذا ربما كان (ص) يفرق بين الصلاتين ملاحظة لراحة المسلمين، ولا سيما أن المصلين كلهم لم يلتزموا بأداء النوافل فيشق عليهم الانتظار طيلة هذه المدة المذكورة.
قال الحر العاملي في (الوسائل) في تعليقه على اختلاف وقت الفضيلة لكل صلاة بما نصه: " وفي هذه الأحاديث اختلاف محمول على

(1) التعقيب بعد الفرائض من المستحبات المؤكدة، وورد عن الصادق (ع) أنه قال: من صلى فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه. وعنى التعقيب بعد الصلاة الجلوس بعدها لدعاء أو مسألة طال أم قصر. وقد وردت أدعية وأذكار في التعقيب كثيرة، مذكورة في كتب الأدعية، وقد ذكر السيد محسن الأمين العاملي - قدس سره - في كتابه (مفتاح الجنات) ج 1 فصولا في التعقيب وهي كما يلي: الفصل - 17 - في التعقيب المشترك بين جميع الفرائض من ص 74 - 88 وأوله أن يقول: (الله أكبر) ثلاث مرات رافعا بكل واحدة يديه إلى شحمتي أذنيه.. الخ. والفصل - 18 - في المختص بصلاة الظهر ص 89 - 91. والفصل - 19 - في المختص بصلاة العصر ص 91 - 92. والفصل - 20 - في المختص بصلاة المغرب ص 92 - 93. والفصل - 21 - في المختص بصلاة العشاء ص 94 - 96. والفصل - 22 - في المختص بصلاة الصبح ص 96 - 103. ومن هنا يتضح لنا أن الوقت المجعول بين الفريضتين لأجل النافلة أولا، ولأجل التعقيب ثانيا - إن شاء طال وإن شاء قصر.
265

تفاوت الفضيلة، واختلاف المصلين في تطويل النافلة، كما أشار إليه الشيخ وغيره " (1).
وقال المجلسي في البحار: " التفريق يتحقق بفعل النافلة بينهما، ولا يلزم أكثر من ذلك، ويجوز أن يأتي في أول الوقت بالنافلة ثم الظهر، ثم نافلة العصر، ثم بها، ولا يلزمه تأخير الفريضتين ولا نوافلهما إلى وقت آخر، بل إنما جعل الذراع والذراعان لئلا تزاحم النافلة الفريضة ولا يوجب تأخيرها عن وقت فضيلتها، وأما التقديم فلا حرج فيه بل يستفاد من بعضها أنه أفضل " (2).
هذا كله بالنسبة لمن يصلي النافلة مع الفريضة. أما من لم يصل النافلة فلا يبعد - استنادا إلى ما استفدناه من طوائف الأخبار الثلاث الماضية، والأخبار الأخرى الآتية - أنه لو جمع بين الصلاتين، في أول الوقت فهو أفضل من أن يفرق بينهما من دون نافلة، وذلك لأنه صلى الأولى ظهرا أو مغربا في أول وقتها - بعد الزوال أو بعد الغروب - ولا إشكال في أن الصلاة في أول الوقت أفضل.
11 - قال الإمامان أبو جعفر وأبو عبد الله (: " أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما " (3).

(1) الوسائل ج 5 / 160.
(2) البحار ج 82 / 336.
(3) الصدوق في (الفقيه) ج 1 / 140 عن الصادق (ع)، والشيخ الطوسي في (التهذيب) ج 2 / 18 عن أبي جعفر (ع)، ونقله عنهما الحر العاملي في (الوسائل) ج 5 / 133، والمجلسي في (البحار) ج 83 / 46 نقلا عن الهداية.
266

12 - وقال أبو عبد الله (: " لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما " (1).
13 - وقال (: " إن فضل الوقت الأول عن الآخر كفضل الآخرة على الدنيا " (2).
أما بالنسبة إلى الصلاة الثانية فإنه لما كان غير عازم على صلاة النافلة، فتقديم الفريضة الثانية بعد الأولى مباشرة أو يفصل بينهما بشيء من التعقيب والدعاء كما هو متعارف، قد يكون أفضل.. إذ يعتبر بذلك قد عجل بأداء الفريضة الثانية نظرا إلى دخول وقتها، وحاز أجر المسارعة إلى الخير والمغفرة، والتعجيل بالعمل الصالح، ويكون بذلك ممتثلا أمر الله سبحانه: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ([سورة آل عمران / 134]، ويكون ممن مدحهم الله تعالى بقوله: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ([سورة الأنبياء / 91].
أما إذا أخر الصلاة الثانية إلى آخر وقت الفريضة المفضل فإنه يكون بذلك قد صلاها في وقتها الوسط، وذلك وأن كان أفضل من أن يؤخرها إلى خارج وقتها الفضيلي، ولكنه وقت مفضول بالنسبة إلى أول الوقت. ويؤيد هذا ما جاء:

(1) رواه الكليني في (الكافي) ج 3 / 274، من طريقين. ورواه الحر في (الوسائل) 5 / 133.
(2) المصدران السابقان، و (البحار) ج 83 / 12.
267

14 - عن زرارة قال: " قلت لأبي جعفر (: أصلحك الله، وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ قال: أوله، إن النبي (ص) قال: أن الله يحب من الخير ما يعجل " (1).
15 - وعن زرارة أيضا قال: " قال أبو جعفر (: اعلم أن أول الوقت أفضل أبدا، فعجل الخير ما استطعت، وأحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه العبد وإن قل " (2).
وعلق عليه المجلسي في (البحار) ج 83 - 6 بقوله: بيان يدل على أفضلية أول الوقت مطلقا واستثني منه مواضع: الأول تأخير الظهر والعصر للمتنفل بمقدار ما يصلي النافلة، وأما غير المتنفل فأول الوقت له أفضل، هذا هو المشهور بين الأصحاب.. الخ.
16 - وعن سعد بن سعد، قال: " قال الرضا (: يا فلان إذا دخل الوقت عليك فصلها فإنك لا تدري ما يكون " (3).
17 - وقال (: " إن لكل صلاة ثلاث أوقات: أول ووسط وآخر. فأول الوقت رضوان الله، ووسطه عفو الله، وآخره غفران الله، وأول الوقت أفضله " (4).

(1) الكافي ج 3 - 274، و (الوسائل) ج 5 - 135.
(2) المصدران السابقان، ونقله المجلسي قي (البحار) ج 83 - 6، عن (السرائر) بتغيير يسير. وفي الهامش: (السرائر) ج 1 - 472، وتراه في (التهذيب) ج 1 - 145.
(3) الوسائل، ج 5 - 133.
(4) مستدرك الوسائل، ج 5 - 137، ونقله المجلسي في (البحار) ج 82 - 349 عن (فقه الرضا) ص 2.
268

ومما يؤيد ما استظهرناه من أن التعجيل بالجمع بين الصلاتين في أول الوقت أفضل لمن لا يصلي النافلة هو أن سيرة النبي (ص) غالبا يفرق بين الصلاتين وقل ما كان يجمع بينهما.. كل ذلك من أجل النافلة.
وأما في أسفاره فسيرته الظاهرة الجمع بين الصلاتين دائما، وذلك لأن النوافل - ولا سيما النهارية - تسقط عن المسافر سقوط عزيمة، فلذا كانت سيرته (ص) الجمع بين الصلاتين في كافة أسفاره، بصورة دائمية سواء كان نازلا مستقرا بمكان، أو سائرا في الطريق. فإذا كان بمكان سفره كان في الغالب يجمع في أول الوقت، أما إذا كان سائرا فكان يجمع جمع تقديم تارة، وجمع تأخير تارة أخرى حسب ما يقتضيه الحال. وستمر عليك أحاديث جمعه (ص) في أسفاره قريبا، وفي هذا دلالة واضحة على أن التفريق إنما جعل لمكان النافلة.
وبالإجمال أن التفريق أفضل لمن يصلي النافلة، أما من لم يصل النافلة فالذي استظهرناه من مجموع ما تقدم من الدلائل: إن التعجيل بالجمع أفضل من التفريق حضرا وسفرا، وربما كان مصداقا لحكم العقل بالمسارعة إلى طاعة أمر المولى.
وكذلك هذا هو الظاهر أيضا من (مواقيت الصلوات في القرآن) وقد مرت عليك وهي إحدى عشرة آية من سبع سور منه، ولا توجد آية واحدة منها تذكر للصلاة خمسة أوقات، بل كما علمت تذكر للصلاة المكتوبة
269

ثلاثة أوقات فقط، ما عدا آيتي سورة الروم فإنهما تذكران للصلاة أربع أوقات، وقد استظهرنا منها ومن النصوص الواردة في تفسيرها تشريع الجمع بين الصلاتين وتشريع التفريق بينهما (كما مر).
فأوقات الصلوات الواجبة (إذن) ثلاثة أولا وبالذات كتابا وسنة، وخمسة ثانيا وبالعرض، من أجل النافلة لمن يتنفل، ومع ذلك نقول: حيث إن هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء فعلى الإنسان أن يرجع فيها إلى مقلده: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ([سورة النحل / 44].
270

فتوى آية الله الخوئي في التفريق والجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي دام ظله: -
1 س - هل الأفضل للمكلف في الصلاتين المشتركتين في الوقت - التفريق بينهما بالنافلة بمقدار أدائها فقط؟ أم انتظاره إلى المثل والمثلين أو الذراع والذراعين بعد الزوال، وإلى غياب الشفق بعد المغرب هو الأفضل؟
2 س - لو لم يرد المكلف الإتيان بالنافلة، وأراد التعجيل بالجمع بين الصلاتين في أول الوقت فهل ينطبق عليه فضل المسارعة إلى عمل الخير، وإتيان الصلاة في أول وقتها، الذي تؤكد الروايات المستفيضة استحبابه أم لا؟
277

الجمع بين الصلاتين سفرا في السنة النبوية
1 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده) قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو اسامة، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده: أن عليا كان يسير حتى إذا غربت الشمس وأظلم نزل فصلى المغرب ثم صلى العشاء على أثرها، ثم يقول: هكذا رأيت رسول الله يصنع (1).
قال الشارح أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وهو ثقة ثبت مأمون، وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (2)، ذكره ابن حبان في (الثقات) والحديث رواه أبو داود في (1 / 476)...
2 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده): " حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان رسول الله (ص) يجمع بين الصلاتين في السفر، المغرب والعشاء، والظهر والعصر " (3).

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 / 265، رقم الحديث 1143.
(2) عمر بن علي بن أبي طالب (ع) هو عمر الأكبر، ويقال له: عمر الأطرف وأمه الصهباء التغلبية من بني تغلب، وهو لم يحضر الطف مع أخيه الحسين، وعمر عمرا طويلا، قيل خمسا وثمانين سنة، وقيل: خمسا وسبعين. ولقب بالأطرف بعد ولادة عمر الأشرف بن الإمام زين العابدين أخو زيد الشهيد لأمه وأبيه، فإنه لقب بالأشرف لجمعه الشرف من ولادة علي وفاطمة، والأطرف حاز الشرف من طرف أبيه فقط. راجع (عمدة الطالب).
(3) مسند أحمد ج 3 / 265، رقم الحديث 1874.
278

قال الشارح: إسناده صحيح، يزيد هو ابن أبي حبيب، وقد ورد معنى الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة صحيحة، انظر منها 1918 و 2191، والمنتقى 1532 و 1533.
3 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده): " حدثنا يونس، وحسن بن موسى المعنى، قالا: حدثنا حماد يعني ابن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس (قال: لا أعلمه إلا قد رفعه) قال: كان إذا نزل منزلا فأعجبه المنزل أخر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر، وإذا سار ولم يتهيأ له المنزل أخر الظهر حتى يأتي المنزل فيجمع بين الظهر والعصر، قال حسن: كان إذا سافر فنزل منزلا " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح. أبو قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام هو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، واسمه عبد الله بن زيد وهو أحد الأعلام، تابعي ثقة كثير الحديث. والحديث ذكره الحافظ في (الفتح) 2 / 480 وقال: أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف. وقد خرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على ابن عباس، والإسناد ان في البيهقي 3 / 164، الأول من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، والثاني من طريق حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة.

(1) مسند أحمد ج 4 / 36، رقم الحديث 2191.
279

4 - روى أحمد بن حنبل في (مسنده) قال: " حدثنا يزيد، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير: إن رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين في السفر " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح إلى ابن عباس وسعيد بن جبير، ولكنه حديث ابن عباس متصل، ومن حديث سعيد بن جبير مرسل.
5 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريح، قال: أخبرني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، وعن كريب: أن ابن عباس قال: إلا أحدثكم عن صلاة رسول الله (ص) في السفر؟ قال: قلنا: بلى. قال: كان إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما " (2).
قال الشارح: إسناده ضعيف لضعف حسين بن عبد الله، وقد مضى بمعناه بإسناد آخر صحيح.
6 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن عبيد الله يعني ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يجمع بين

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 98، رقم الحديث 3288.
(2) مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 161، رقم الحديث 3480.
280

الصلاتين المغرب والعشاء إذا غاب الشفق. قال: وكان رسول الله يجمع بينهما إذا جد السير " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح. ورواه الشيخان وغيرهما بمعناه. أنظر (المنتقى) 1534 و 1535.
7 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر أن النبي (ص) كان إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء " (2).
قال الشارح: إسناده صحيح. تجد الحديث في (موطأ) مالك ج 1 / 293.
وقد علق عليه الزرقاني في شرحه بقوله: " إن النبي كان إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء. قال: جمع تأخير. ففي الصحيح من رواية الزهري عن سالم عن أبيه: رأيت النبي إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. وتعلق به من اشترط في الجمع الجد في السير. ورده ابن عبد البر بأنه إنما حكى الحال التي رأى، ولم يقل: لا يجمع إلا أن يجد به، فلا يعارض حديث معاذ قبله، ولم يعين غاية التأخير، وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن ابن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق، ولعبد الرزاق عن معمر، عن أيوب وموسى بن عقبة، عن نافع: فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل، وللبخاري في الجهاد من طريق أسلم، عن ابن عمر: حتى كان بعد

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 6 / 220، رقم الحديث 4472.
(2) مسند أحمد بن حنبل ج 6 / 244، رقم الحديث 4531.
281

غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمع بينهما، ولأبي داود من رواية ربيعة عن عبيد الله بن دينار، عن ابن عمر في هذه القصة: فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا.. ".
8 - روى أحمد في (مسنده): " حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم عن أبيه: رأيت رسول الله (ص) يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح.
9 - روى أحمد: " حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، من بني أسد بن عبد العزى، قال: خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى فلما غربت الشمس هبنا أن نقول له: الصلاة حتى ذهب بياض الأفق، وذهبت فحمة العشاء نزل فصلى بنا ثلاثا واثنين والتفت إلينا وقال: هكذا رأيت رسول الله (ص) فعل " (2).
قال الشارح: إسناده صحيح، الحمى الظاهر أنه حمى النقيع (بالنون) وهو موضع قرب المدينة بينه وبينها عشرون فرسخا، وكان النبي حماه لخيله، ثم حماه عمر بن الخطاب لخيل المسلمين.
10 - روى أحمد: " حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب عن نافع: ان ابن عمر أستصرخ على صفية فسار في تلك الليلة مسيرة ثلاث ليال، وسار

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 6 / 248، رقم الحديث 4542.
(2) مسند أحمد بن حنبل ج 6 / 273، رقم الحديث 4598.
282

حتى أمسى، فقلت: الصلاة فسار ولم يلتفت ولم يزل سائرا حتى أظلم فقال له سالم أو رجل: الصلاة وقد أمسيت فقال: أن رسول الله (ص) كان إذا عجل به السير جمع ما بين هاتين الصلاتين وأني أريد أن أجمع بينهما فسيروا، فسار حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح وهو مطول (4472). ورواه أبو داود (1 / 468) مختصرا من طريق زيد بن أسلم عن أبيه أنه كان مع ابن عمر في هذه الحادثة، قال المنذري (1163): وأخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن عمر عن أبيه بمعناه أتم منه، وقد أخرج المسند منه بمعناه مسلم والنسائي من حديث مالك عن نافع، وفي هذا تقصير من المنذري إذ لم ينسب رواية سالم للبخاري فقد رواها مختصرة (2 / 478) من طريق الزهري عن سالم كرواية المسند، وهو في النسائي (1 / 99) بإسنادين من طريق نافع، وبإسناد واحد من طريق سالم.
ثم قال الشارح أحمد محمد شاكر: صفية هي بنت أبي عبيد وكانت زوج عبد الله بن عمر وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي، ولها ترجمة في الإصابة (8 / 131) (2).
11 - روى أحمد في (مسنده): " حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله: أخبرني نافع عن ابن عمر: كان إذا جد به السير جمع بين المغرب

(1) مسند أحمد بن حنبل ج 7 / 144، رقم الحديث 5120.
(2) أقول: ترجمتها في الطبعة التي عندنا من (الإصابة) في ج 4 / 342.
283

والعشاء بعدما يغيب الشفق، ويقول: إن رسول الله (ص) كان إذا جد به السير جمع بينهما " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح وهو مختصر 5120.
12 - روى أحمد: " حدثنا عبد الرحمن عن مالك عن نافع عن ابن عمر: إن النبي (ص) كان إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء " (2).
قال الشارح: إسناده صحيح.
13 - روى أحمد: " حدثنا يزيد: أخبرنا يحيى عن نافع أنه أخبره قال: أقبلنا مع ابن عمر من مكة ونحن نسير معه، ومعه حفص بن عاصم بن عمر، ومساحق بن عمرو بن خداش، فغابت لنا الشمس فقال أحدهما: الصلاة فلم يكلمه، ثم قال له الآخر: الصلاة فلم يكلمه، فقال نافع: فقلت له: الصلاة فقال: إني رأيت رسول الله (ص) إذا عجل به السير جمع ما بين هاتين الصلاتين فأنا أريد أن أجمع بينهما قال: فسرنا أميالا ثم نزل فصلى، قال يحيى: فحدثني نافع بهذا الحديث مرة أخرى، فقال: سرنا إلى قريب ربع الليل ثم نزل فصلى " (3).

(1) مسند أحمد ج 7 / 160، رقم الحديث 5163.
(2) مسند أحمد ج 7 / 199، رقم الحديث 5305.
(3) مسند أحمد ج 7 / 270، رقم الحديث 5478.
284

وقال الشارح: إسناده صحيح، ثم قال: مساحق بن عمرو بن خداش لم أعرف من هو، وما بهذا بأس فما هو من الرواة في إسناد هذا الحديث وإنما كان شاهد القصة، واحد السفر.
14 - روى أحمد: " حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا سفيان عن يحيى، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: أن النبي (ص) كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء وكان في بعض حديثهما إلى ربع الليل، أخرهما جميعا " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح.
15 - روى أحمد: " حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع ابن عمر، قال: كان رسول الله (ص) إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء " (2).
قال الشارح: إسناده صحيح.
16 - روى أحمد في (مسنده): " حدثنا وكيع عن العمري، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله (ص) إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء " (3).

(1) مسند أحمد ج 7 / 284، رقم الحديث 5516.
(2) مسند أحمد ج 8 / 135، رقم الحديث 5791.
(3) مسند أحمد ج 8 / 161، رقم الحديث 5838.
285

17 - روى أحمد في (مسنده): " حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم / عن ابن عمر قال: كان رسول الله (ص) إذا عجل في السير جمع بين المغرب والعشاء " (1).
قال الشارح: إسناده صحيح، وهو مكرر 5838.
18 - روى أحمد في (مسنده): " حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريح: أخبرني نافع قال: جمع ابن عمر بين الصلاتين (إلى أن قال) فقال: أني رأيت رسول الله (ص) إذا استعجل به السير أخر هذه الصلاة حتى يجمع بين الصلاتين " (2).
قال الشارح: إسناده صحيح، وهو مكرر 5120 بنحوه.
19 - روى احمد في (مسنده) من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص: " حدثنا ابن نمير: حدثنا حجاج عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال جمع النبي (ص) بين الصلاتين يوم غزا بني المصطلق " (3).
قال الشارح: اسناده صحيح، وهو في (مجمع الزوائد) 2 / 158، وذكر بعده الرواية الآتية 6694 وقال: رواهما أحمد.

(1) مسند أحمد ج 9 / 165، رقم الحديث 6354.
(2) مسند أحمد ج 9 / 185، رقم الحديث 6375.
(3) مسند أحمد ج 10 / 211، رقم الحديث 6682.
286

20 - روى احمد في (مسنده): " حدثنا يزيد عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين في السفر " (1).
قال الشارح: اسناده صحيح؛ وهو مختصر 6682، وقد أشرنا اليه والى كلام صاحب (مجمع الزوائد) هناك.
21 - روى احمد في (مسنده): " حدثنا نصر بن باب، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: جمع رسول الله بين الصلاتين يوم غزا بني المصطلق " (2).
قال الشارح: اسناده صحيح، وهو مكرر 6682.
22 - روى أحمد في (مسنده) قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (ص) يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر " (3).

(1) مسند أحمد ج 10 / 222، رقم الحديث 6694.
(2) مسند أحمد ج 11 / 143، رقم الحديث 6906.
(3) إزالة الخطر ص 18، وبواسطته نقلنا الأحاديث من 22 إلى 28، لأن الطبعة التي نقلنا عنها والتي عليها شرح أحمد محمد شاكر غير كاملة.
287

ورواه البخاري بسنده عن عبيد الله بن أنس قال: " أن أنسا حدث: أن رسول الله (ص) كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر، يعني المغرب والعشاء " (1).
أقول: وروى عن أنس حديث آخر بطريق آخر في الجمع بين الصلاتين سفرا، وفيه تفصيل. وسيأتيك قريبا منقولا عن (نيل الأوطار) للشوكاني.
23 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا أبن لهيمة عن أبي الزبير أنه قال: سألت جابرا (يعني جابر بن عبد الله الأنصاري) هل جمع رسول الله بين المغرب والعشاء؟ قال: نعم زمان غزونا بني المصطلق " (2)
24 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، وحدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان (أي الثوري) عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " (3).
25 - روى أحمد في (مسنده) عن عبد الرحمن بن مهدي، ومسلم، عن يحيى بن حبيب، عن خالد بن الحارث عن قرة بن خالد، عن معاذ بن جبل قال: " جمع
رسول الله (في غزوة غزاها) بين الظهر والعصر

(1) المصدر السابق.
(2) إزالة الخطر ص 19.
(3) المصدر السابق.
288

والمغرب والعشاء. قال: قلت: ما أراد بذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته " (1).
26 - روى أحمد في (مسنده)، كذا أبو داود والترمذي كلهم قالوا: " حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ: أن النبي (ص) كان في غزوة تبوك إذا أرتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا وإذا أرتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان إذا أرتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا أرتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب " (2).
27 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا حماد بن خالد، حدثنا هشام بن سعد عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل قال: كان النبي (ص) في غزوة تبوك لا يروح حتى يبرد حتى يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " (3).
28 - روى أحمد في (مسنده) قال: " حدثنا مغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة: إن النبي (ص) كان يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء في السفر " (4).

(1) المصدر السابق.
(2) إزالة الخطر ص 45، نيل الأوطار ج 3 / 213.
(3) المصدر السابق ص 56.
(4) المصدر السابق ص 54.
289

بيان مهم حول أحاديث الجمع في السفر:
1 - الإشارة إلى مصادر الأحاديث، والإجماع عليها، ورواتها من الصحابة:
أحاديث جمع النبي (ص) بين الصلاتين في السفر لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الأحاديث وسائر كتب الفقه الاستدلالية لأئمة المذاهب ولأصحاب الصحاح والسنن الستة ولغيرهم ممن قبلهم وبعدهم، فمصادرها بالمئات.
وهي ثابتة بالتواتر القطعي والإجماع من الأمة الإسلامية، وثبوتها وتواترها والإجماع عليها بلا ريب أشهر من الثبوت والتواتر والإجماع على أحاديث الجمع في المدينة وبغير عذر، ولكنا روما للاختصار اقتصرنا على بعض ما رواه أحمد بن حنبل في (مسنده) وهي كما مرت عليك ثمانية وعشرون حديثا ذكرناها مع تعليق الشارح عليها، وقد نص على صحتها جميعا، كما أشار إلى بعض من رواها من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.
ورأينا (حسب تتبعنا) أن أحاديث جمعه (ص) بين الصلاتين في السفر قد وردت عن كثير من الصحابة والقرابة، منهم علي أمير المؤمنين (، وأم
290

المؤمنين عائشة، وحبر الأمة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل... وهؤلاء ثمانية نقلنا أحاديثهم عن (مسند أحمد) فقط، كما وقد رويت عن غيرهم من الصحابة أيضا كعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن زيد، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأبي جحيفة، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم، وقد نقلها من التابعين عن هؤلاء الصحابة خلق كثير بطرق كثيرة تؤيد بعضها بعضا. وفي طليعة التابعين الإمام زين العابدين (فقد روى عنه المحدثون ومنهم مالك بن أنس في (الموطأ) ج 1 / 295 ما نصه: " وحدثني عن مالك أنه بلغه عن علي بن الحسين (أنه كان يقول: كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أن يسير ليله جمع بين المغرب والعشاء " ونقل الزرقاني في تعليقه على هذا الحديث عن ابن عبد البر أنه قال: هذا حديث يتصل من رواية مالك من حديث معاذ بن جبل وابن عمر بمعناه، وهو عند جماعة من أصحابه مسند.
وخالف في ذلك الحنفية فأفتوا بعدم جواز الجمع حتى في السفر بتأويل أن الجمع من النبي (ص) كان صوريا، وهو تأويل مردود بصراحة أحاديث الجمع سفرا، وسيأتيك البيان.
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت (ع) مع السنة النبوية، كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
291

2 - سيرة النبي (ص) الجمع في السفر دائما دون التفريق:
الظاهر لنا منها أن سيرة النبي (ص) كانت الجمع بين الصلاتين في كافة أسفاره بصورة دائمية، بحيث ما كان يفرق بينهما في السفر، وما عثرنا - على كثرة تتبعنا - على حديث واحد يصرح بأن النبي فرق بين الصلاتين في سفر، ومن هنا اشتهرت أحاديث الجمع سفرا أكثر من اشتهارها حضرا، وأرى أن العلة في ذلك هي ما أشرنا إليه سابقا من سقوط النوافل عن المسافر ما دام مسافرا حتى يرجع إلى وطنه ما لم ينو الإقامة عشرة أيام.
وهذا مما يدل دلالة واضحة على أن التفريق مشرع من أجل النافلة، وحيث أن النافلة تسقط في السفر فلذا كان النبي (ص) يجمع بينهما دائما في أسفاره من غير أن يعجله شئ و لا يطلبه عدو و لا يخاف شيئا. روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) بسنديهما عن أبن عمر أنه قال: " صحبت النبي (ص) فلم أره يسبح في السفر، أي لا يصلي نوافل الصلاة " (1).
ومن هنا روى البيهقي في (سننه) بسنده عن جابر بن زيد عن أبن عباس " أنه (رض) كان يجمع بين الصلاتين في السفر ويقول: هي السنة " (2).
وقال البيهقي في (سننه): " أن الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين، مع الثابت عن

(1) راجع (نيل الأوطار) ج 3 / 220.
(2) المصدر السابق.
292

النبي (ص) ثم عن أصحابه ثم ما أجمع عليه المسلمون من جمع الناس بعرفة ثم بالمزدلفة " (1).
نعم، هذه هي السنة: الجمع بين الصلاتين في السفر، في حين ينقل الزرقاني في شرحه على (موطأ مالك)، والشوكاني في (نيل الأوطار)، وغيرهما عن المالكية والشافعية قولهم بأن: ترك الجمع للمسافر أفضل، وعن مالك رواية بكراهته، وكذا في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) (2).
وما أدري إذا كان الجمع في السفر سنة نبوية ثابتة فلماذا يكون مكروها؟ ولماذا يكون ترك الجمع أفضل؟!
وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت (ع) مع السنة كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فأتبعهم.
3 - أقسام الأحاديث وكيفيات الجمع سفرا:
إن أخبار الجمع في السفر جاءت على أقسام، منها ما فيه إثبات لفظ الجمع مجملا غير مبين أنه تقديم أو تأخير، جمع حقيقي أو صوري، جمع أثناء السير والجد به أو أثناء النزول والاستقرار بمكان. ومنها ما فيه كيفية الجمع التي رآها الصحابي من النبي (ص) من ضم الثانية إلى الأولى في وقتها وهو المعبر عنه بجمع التقديم، وضم الأولى إلى الثانية في وقتها

(1) إزالة الخطر ص 17.
(2) المصدر السابق ص 22.
293

وهو المعبر عنه بجمع التأخير. ومنها ما فيه البيان بلفظ محتمل للجمع الصوري والجمع الحقيقي معا. ومنها ما فيه البيان بالجمع في حالة الجد في السير تارة وفي حالة الاستقرار والنزول بمكان تارة أخرى.
وكل تلك الأحاديث بأقسامها ثابتة عن النبي (ص) وصحيحه عندهم، ويحتج بها بعضهم على بعض، فليزم إذا الأخذ بها جميعا، في حين نرى الفتاوى لأهل السنة مختلفة، وكل فريق منهم يشترط في جمع السفر شروطا لم يرد ذكرها في الأحاديث، ولا تكاد تتفق للإنسان إلا نادرا (1) ويؤول الأحاديث تأويلا بعيدا عن منطقها، والأخذ بظاهرها... وإليك بعض الأمثلة على ذلك في البيانات التالية:
4 - قسم من أحاديث الجمع سفرا تنقض التأويل بالجمع الصوري:
يؤول الحنفية جميع الأحاديث الواردة حضرا وسفرا بأن الجمع فيها كان صوريا، ولذا لا يجيزون الجمع بين الصلاتين مطلقا. وقد علمت سابقا أن الجمع الصوري تأويل منقوض ومردود من وجوه، ولا سيما في بعض نصوص أحاديث الجمع في السفر التي يرويها حتى الحنفية أنفسهم، وتلك النصوص تراها صريحة كل الصراحة في الجمع الحقيقي لا الصوري.
فهذا الإمام الشوكاني وهو من كبار الحنفية، والذي يصر على أن الجمع بين الصلاتين كان صوريا لا حقيقيا، يروي لنا مع ذلك في كتابه

(1) راجع شرائط المذاهب الأربعة في الجمع بين الصلاتين سفرا في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج 1 / 370 - 375 لتعلم صحة قولنا.
294

(نيل الأوطار) تحت عنوان: (أبواب الجمع بين الصلاتين: باب جوازه في السفر في وقت أحدهما):
1 - " عن أنس قال: كان رسول الله (ص) إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل يجمع بينهما، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ": متفق عليه (1).
وفي رواية لمسلم: " كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر يؤخر الظهر حتى يدخل أول العصر، ثم يجمع بينهما " وعلق عليه بقوله: " قوله: يجمع بينهما، أي في وقت العصر. وفي الحديث دليل على جواز التأخير في السفر سواء كان للسير مجدا أو لا... "
2 - " وعن معاذ (رض): أن النبي (ص) كان في غزوة تبوك إذا أرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا، وإذا أرتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان إذا أرتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا أرتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. قال: رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي " (2).
3 - " وعن ابن عباس (رض) عن النبي (ص) كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب فإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا

(1) نيل الأوطار للشوكاني ج 3 / 212.
(2) المصدر السابق ج 3 / 213.
295

حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما. قال: رواه أحمد، ورواه الشافعي في مسنده بنحوه وقال فيه: وإذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر " (1).
ثم قال الشوكاني:
4 - " وعن ابن عمر أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول الله (ص) كان يفعل ذلك إذا جد به السير. قال: رواه الترمذي بهذا اللفظ وصححه، ومعناه لسائر الجماعة إلا ابن ماجة " (2).
فهذه الأحاديث الأربعة التي نقلها ورواها الشوكاني عن أئمته (كما ترى) صريحة في الجمع الحقيقي، وبها يبطل التأويل بالجمع الصوري.
وبذلك اتضح أن أهل البيت (ع) مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
5 - قسم من أحاديث الجمع سفرا ترد القائلين بأن الجمع لا يصح إلا أثناء السير:
296

وقيدت المالكية تبعا لإمامهم مالك بن أنس وأتباعه كأشهب، وابن الماجشون، وابن حبيب، وأصبغ، والليث بن سعد وغيرهم... قيدوا الجمع بين الصلاتين سفرا بحالة الجد في السير، ولإدراك أمر مهم، وبشرائط
خاصة، واحتجوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمر من أن النبي (ص) كان إذا جد به السير جمع بين الصلاتين (1).
وهذا مردود بالحديث الذي رواه مالك نفسه في (الموطأ) ج 1 / 291 - 292 ونصه:
" حدثني عن مالك عن ابن الزبير المكي، عن أبى الطفيل عامر بن واثلة: أن معاذ بن جبل أخبره: أنهم خرجوا مع رسول الله (ص) عام تبوك فكان رسول الله (ص) يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ".
وقد وثق العلامة الزرقاني في شرحه لهذا الحديث رجال سنده، وقال: كلهم ثقات، وقال معلقا على لفظ الحديث: (ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا) قال: قال الباجي: مقتضاه أنه (ص) مقيم غير سائر لأنه إنما يستعمل في الدخول إلى الخباء والخروج منه وهو غالب.
ثم قال الشوكاني: وقال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على رد من قال: لا يجمع إلا إذا جد به السير، وهو قاطع للالتباس. ففيه أن المسافر له
297

أن يجمع نازلا وسائرا، وكان فعله (ص) لبيان الجواز، وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس في الصحيحين وغيرهما، قال: كان النبي (ص) إذا أرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت قبل أن يرحل صلى الظهر ثم ركب، وعند الإسماعيلي: وإذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل.
واحتج بحديث معاذ السابق، الإمام الشافعي في كتابه (الأم)، ونقل احتجاجه الشوكاني في (نيل الأوطار) ج 3 / 215 وعبارته: " قال الشافعي في (الأم): قوله (ثم دخل ثم خرج) لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا وسائرا ".
وقال الصديق الغماري في (إزالة الخطر) ص 22: " فإن هذا الجمع كان في حالة النزول لا في حالة السير، كما قال الإمام الشافعي وغيره، وهي زيادة يجب قبولها، لا سيما وغزوة تبوك كانت سنة تسع وهي من أواخر أسفار النبي (ص) ".
وقال ابن قدامة: " والأخذ بهذا الحديث متين لثبوته وكونه صريحا في الحكم، ولا معارض له، ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير فقط ".
أقول: ومما يؤيد حديث معاذ هذا، حديث آخر، ممن رواه: الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ الكبيرين، المتوفى سنة 310 في كتاب (الولاية) عند ذكر بيعة الناس لعلي أمير المؤمنين بالولاية في غدير خم بسنده عن زيد بن أرقم، وهو حديث طويل جاء في آخره،
298

قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي (ص) وعليا: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس، إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلى العشائين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافحة ثلاثا.
نقل هذا الحديث عن الطبري، صاحب كتاب (ضياء العالمين) (1).
ورواه أيضا أحمد بن محمد الطبري الشهير بالخليلي في كتاب (مناقب علي بن أبي طالب) المؤلف سنة 114 بالقاهرة من طريق شيخه محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن. وفيه: " فتبادر الناس إلى بيعته وقالوا: سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا، ثم انكبوا على رسول الله وعلى علي بأيديهم، وكان أول من صافق رسول الله (2) أبو بكر وعمر وطلحة والزبير ثم باقي المهاجرين والناس على طبقاتهم ومقدار منازلهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثا، ورسول الله (ص) كلما بايعه فوج بعد فوج يقول: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين، وصارت المصافقة سنة ورسما، واستعملها من ليس له حق فيها " (3).
299

ورواه أيضا صاحب كتاب (النشر والطي) ولفظه: " فبادر الناس بنعم نعم، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله، آمنا بقلوبنا، وتداركوا على رسول الله وعلي بأيديهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشائين في وقت واحد، ورسول الله (ص) كان يقول كلما أتي فوج: الحمد لله الذي فضلنا على العالمين " (1).
وبذلك اتضح لنا أهل البيت (ع) مع السنة كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فأتبعهم.
6 - مثال واقعي من تشددات البعض في ترك سنة الجمع سفرا:
ذكر الحافظ محمد بن الصديق الغماري سبب تأليف كتابه (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر) في مقدمته، وهي قصة ظريفة واقعية حملته على تأليف هذا الكتاب، ومنها نعرف مقدار تشدد أهل السنة في ترك سنة الجمع بين الصلاتين في السفر فضلا عن الحضر. وإليك مقدمته بنصها:
قال في ص 3:
مقدمة كتاب إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين أصطفى.
300

أما بعد فإن بعض الراغبين في العمل بالسنة من إخواننا الشفشاوينين سمع مني أن الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر والحضر للحاجة من غير مرض ولا مطر سنة ثابتة عن رسول الله (ص) ينبغي العمل بها وإحياؤها، فلما رجع إلى بلده اتفق له بعد مدة أن خرج مع جماعة إلى قرية تبعد عن بلده بنحو عشرة أميال أو ثمانية بقصد الإتيان منها بعروس فلما عزموا على الخروج من القرية والرجوع إلى البلد (وكان ذلك بعد الزوال وعلم أنهم لا يصلون إلى المدينة إلا عند الغروب) جمع بالناس بين الظهر والعصر جمع تقديم في وسط وقت الظهر ثم توجهوا إلى البلد، فقامت قيامة طلبتها وادعوا أن صلاة العصر باطلة يجب إعادتها، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل قالوا: ينبغي تعزير الرجل وضربه، وقال آخرون: يجب نفيه من البلد وطرده، بل قال ذو الجهل والحماقة منهم: يجب قتله، ولما ذكر لهم الحديث الوارد بذلك وهو حديث ابن عباس المخرج في الصحيحين قالوا: إنه باطل موضوع، وتصدر بعضهم للكتابة غيرة على الدين فيما زعم، فنسخ في ورقة كلام ميارة في شرحه الكبير، وبعض كلام الشوكاني في (نيل الأوطار) فأخطأ في كلا النقلين، لأنه نزل كلام ميارة في غير منزله، وقلد الشوكاني وهو من غير أهل مذهبه، فأحببت أن أبين خطأ الخائضين في هذه القضية، وأثبت صحة الصلاة من طريق الحجة والدليل، وطريق الرأي والتقليد، وابدأ بتحرير القول في الثانية، لأن الخائضين في القضية ليسوا من أهل العلم والدليل، ولأفهم الحجة والبرهان وإن كانوا قضاة ومفتين وشهودا ومدرسين، وإنما هم أهل تقليد لفلان وفلان، وقبول الرأي من غير دليل ولا برهان، فلنخاطبهم بقدر ما يفهمون، ونلزمهم الحجة من كلام من يقلدون ثم بعد
301

ذلك نتكلم بلسان العلم والدليل مع من يقف عليه من أهل العلم وقبول الحق، فنقول.. " انتهى.
وإليك قائمة بمحتويات كتابه (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر) بنصه وفاء بالوعد، ونظرا لندرة وجود الكتاب، وربما يرغب بعض المطالعين بالاطلاع على محتوياته.
فهرست كتاب إزالة الخطر:
الصفحة
الموضوع
3
خطبة الكتاب وذكر سبب تأليفه
4
بيان جواز الجمع في مذهب المالكية، وجلب نصوصهم في ذلك
11
جواز الجمع في الحضر عند المالكية
16
ثبوت الجمع في السفر عن النبي (ص) من طرق، وذكرها بأسانيدها
22
قيدت طائفة جواز الجمع في السفر بجد السير، ورد هذا التقييد
23
جوزت طائفة أخرى جمع التأخير دون جمع التقديم، ورد كلامهم
27
رد كلام ابن حزم، ومناقشته بإسهاب
42
تعنت ابن حزم ومجازفته
302

رد قوم هذه السنة الثابتة، وتمحلوا في ذلك بعدة أقوال
303

123
رد كلام من زعم أنه كان لعذر
124
رد تأويل من حمله على الجمع الصوري، وبيان بطلانه من عشرين وجها
132
رد كلام من أيد الجمع الصوري بأنه تفسير الراوي
133
رد كلام الحافظ في تقوية الجمع الصوري
134
رد تأييد الشوكاني للجمع الصوري، وإبطال كلامه بتوسيع كبير
142
نفي الراوي لما رواه لا يبطل روايته لجواز النسيان عليه
143
نسيان بعض الصحابة لأحاديث بعد ما حدثوا بها وحفظت عنهم
304

147 إبطال تمسك الشوكاني بقول ابن عمر: كان يعجل العصر ويؤخر الظهر
149 مناقشة الشوكاني فيما ادعاه بخصوص لفظ (جمع) في الحديث وإبطال دعواه
151 تناقض الشوكاني وتهافت كلامه
153 بيان الجمع في الحضر لحاجة عن رسول الله (ص)
153 بعض الأحاديث المؤيدة للجمع في الحضر
154 بعض الأحاديث الخاصة على اتباع الرخص الواردة
انتهى
وبمجموع ما تقدم، علمنا أن أهل البيت (ع) مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب (لن يفترقا) فاتبعهم.
305

الخاتمة
وصية أمير المؤمنين (بشأن الصلاة وشرحها
الوصية:
من كلام لإمامنا أمير المؤمنين (كان يوصي به أصحابه:
تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها (كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا (ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ([سورة المدثر / 43 و 44] وأنها لتحت الذنوب حت الورق، وتطلقها إطلاق الربق، وشبهها رسول الله (ص) بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن، وقد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع ولا قرة عين من ولد ولا مال، يقول الله سبحانه: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ([سورة النور / 38] وكان رسول الله (ص) نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه: (وأمر أهلك بالصلاة
306

واصطبر عليها ([سورة طه / 133]. فكان يأمر بها أهله، ويصبر عليها نفسه.. الخ (1).
الشرح والتعليق عليها:
(تعاهدوا أمر الصلاة).
أوصى (أولا بالتعاهد لأمر الصلاة، ومعنى تعاهدت الشيء أي جددت به عهدا وهو القيام عليه وملاحظته، ومثال ذلك كمن له ضيعة (أي بستان) كيف يتعاهد أمرها ويلاحظ ما تحتاج إليه من حرث وبذر وسقي وحراسة وما إلى ذلك من أنواع التعاهد لها، وهكذا كل صاحب حرفة من معمل أو حانوت أو سيارة أو غير ذلك تراه يلاحظها ويكمل كل نقصان فيها، هكذا يجب على المصلي أن يتعاهد أمر صلاته فيتعرف على ما يتعلق بها من أحكام وشرائط ومقدمات، وأن يتقن صحة قرائتها إذا كان غير عارف بقواعد النحو حتى تكون صلاة صحيحة معتنى بها، وحينئذ يستحق الأجر والثواب عليها، إذ هي عمود دينه إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها، حسب نص نبينا الصادق الأمين (ص).
ولكننا (ويا للأسف) نرى الكثير من المصلين فضلا عن غيرهم يعتنون الاعتناء البالغ الكبير في أمر دنياهم وأنواع حرفهم ولا يعتنون

(1) هذه الوصية طويلة، أخذنا منها ما يتعلق بالصلاة، ويوصي (ع) بعدها بالزكاة ثم بالأمانة وينبه العباد بإحاطة الله سبحانه بهم، وإنه لا يخفى عليه ما اقترفوه. فراجعها في طبعات النهج، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 569، كما رواها الكثير من علمائنا ومنهم ثقة الإسلام الكليني في فروع (الكافي) بسنده، بتغيير يسير، كما نقلها عنه صاحب (نهج السعادة) ج 2 / 55 باب الوصايا.
307

بأمر دينهم وصلاتهم التي هي عموده. ومما نسب لأمير المؤمنين (في هذا المعنى:
أن السفينة لا تجري على اليبس وثوب لبسك مغسول من الدنس.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ما بال دينك ترضى أن تدنسه.
فتعاهدوا أيها المؤمنون أمر صلاتكم امتثالا لأمر إمامكم.
(وحافظوا عليها).
امتثالا لأمر ربكم حيث أمر جل وعلا عباده بذلك في قوله سبحانه وتعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ([البقرة / 239] (1) ومن أهم مصاديق المحافظة عليها - بعد شدة الاعتناء بإقامتها - هو اجتناب الظلم بأنواعه، بأن لا تعتدوا ولا تغشوا ولا تخونوا ولا تكذبوا ولا تستغيبوا.. إذ تكونوا بارتكاب هذه الجرائم وأمثالها قد ضيعتم أجر صلاتكم فإنه (إنما يتقبل الله من المتقين ([المائدة / 28].
(واستكثروا منها وتقربوا بها).
فإنه كما جاء في الخبر: الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل (2) ولأن الصلاة تقرب العبد إلى ربه فهي صلة بينه وبين الله عز وجل تقربه إليه زلفى، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الكليني بسنده

(1) الصلاة الوسطى هي الظهر على أظهر الأقوال، قال السيد بحر العلوم: حافظ عليهن وخص الوسطى. ظهرا على الأظهر فيها ضبطا.
(2) (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء) للمولى محسن الكاشاني ج 2 / 63.
308

عن الإمام الرضا (أنه قال: أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد وذلك قوله عز وجل، واستشهد الإمام بآية الأمر بالسجود والتقرب به إلى الله، وهي آخر آية من سورة العلق (1) وروى (انه قال: الصلاة قربان كل تقي (2)، فبالصلاة يتقرب العبد إلى ربه ويوصل حبله بحبله، وإذا ترك العبد الصلاة فمعناه قطع صلته بالله عز وجل، ولكن الله تعالى من لطفه ورأفته بعبده لا يقطع صلته عنه في الدنيا، فيرحمه ويرزقه لان الله تكفل بالرزق لكافة عباده المؤمن منهم والكافر، والمطيع والعاصي، والذكر والأنثى، والكبير والصغير بل (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ([سورة هود / 7] وهكذا رحمته تشمل الجميع (في الدنيا) حتى إبليس، ولكن لو بقي العبد قاطعا صلته بالله، كافرا بنعمه، تاركا لصلاته التي هي أهم الفرائض وأفضلها، ربما يقطع الله عنه رحمته يوم القيامة (يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم ([سورة الشعراء / 89 و 90].
ثم بين أمير المؤمنين (بوصيته هذه أن الصلاة فريضة عينية لازمة على جميع المؤمنين لا بد من إقامتها ولا محيص لأحد عنها، واستدل على ذلك بآية من القرآن المجيد فقال (:
فإنها (كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (.
309

وهذا اقتباس من الآية (103) من سورة النساء وهي قوله تعالى: (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (فقوله (كتابا) أي فرضا واجبا، كما في قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة ([الأنعام / 55] أي أوجب الله على نفسه الرحمة لعباده، وكقوله سبحانه: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ([البقرة / 184]. أي فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم. وقوله تعالى: (موقوتا) تأكيدا على لزوم هذا الفرض وثبوته، أو المراد موقوتا أي منجما وموقتا، راجع ما حققناه حول الآية في الشبهة الثانية وما أثبتناه من نصوص أهل البيت (ع) في تفسيرها ص 174 - 175.
ولما كانت الصلاة فريضة قد أوجبها الله وأثبتها على عباده، بل هي أهم الفرائض وأعظم الأركان، لذا يستحق تاركها دخول النار، وقد بين أمير المؤمنين في وصيته هذه ان ترك الصلاة من الأسباب الموجبة لدخول النار، واستدل على ذلك بآية أخرى من القرآن المجيد فقال (:
(ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: (ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين () [المدثر / 43 و 44].
والسائلون لأهل النار بهذا السؤال هم أهل الجنة حيث يطلعهم الله تعالى على أهل النار فيرونهم في العذاب، ويوجهون إليهم هذا السؤال، ما سلككم في سقر؟ فأول سبب يذكرونه لاستحقاقهم العذاب ودخول النار هو ترك الصلاة، قالوا: لم نك من المصلين.
310

وبهذا المعنى صرح النبي (ص) حيث قال: لا تضيعوا صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين (1) ولا تستغرب من هذا الحديث، لأن المنافق هو الذي يظهر خلاف ما يبطن في الدين، كمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويظهر الطاعة ويبطن المعصية، ويظهر الحب ويبطن البغض، وهكذا. فالذي يترك أفضل الأعمال الدينية ويضيعها وهي الصلاة، ثم يدعي الإسلام فهو بلا ريب منافق و (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ([سورة النساء / 146 و 147].
وأنشد بعضهم:
وأبى معادا صالحا ومآبا أضحى بربك كافرا مرتابا غطى على وجه الصواب حجابا
خسر الذي ترك الصلاة وخاب إن كان يجدها فحسبك انه أو كان يتركها لنوع تكاسل.
ثم بين أمير المؤمنين (بعض فوائدها فقال:
(وإنها لتحت الذنوب حت الورق، وتطلقها إطلاق الربق).
311

الحت لغة: هو تناثر الورق وسقوطه عن الشجر، والمعنى أن الله عز وجل يسقط الذنوب عن الإنسان ببركة الصلاة كما يسقط الورق عن الشجر، والربق هو الحبل الذي يربط به الحيوان أو يكتف به الإنسان، والمعنى أن الإنسان كالمربط والمكتف بذنوبه فإذا أقام الصلاة أطلقه الله تعالى من رباقه وكتافه بغفرانه له ببركة الصلاة، فيا لها من رحمة رحم الله بها عباده.
وقد أقام أمير المؤمنين على هذا المعنى شاهدا من السنة النبوية حيث قال (: (وشبهها رسول الله (ص) بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن.
الحمة: هي كل عين تنبع بالماء الحار التي يستشفي بها الأعلاء والمرضى، والدرن: الوسخ، والمعنى كما أن من أغتسل في اليوم والليلة خمس مرات في الماء الحار لا يبقى على بدنه درن ووسخ فكذا من واضب على الصلوات الخمس لا يبقى عليه من درن الذنوب شئ. قال ابن أبي الحديد: وهذا الخبر من الأحاديث الصحاح، قال (ص): أيسر أحدكم أن تكون على بابه حمة يغتسل منها كل يوم خمس مرات فلا يبقى عليه من درنه شئ قالوا: نعم، قال: فإنها الصلوات الخمس.
وكون الصلاة تسقط الذنوب عمن أقامها معنى يشير إليه القرآن المجيد بقوله: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (راجع ما حققناه حول الآية الكريمة من سورة هود، إذ هي الآية الأولى التي استعرضت أوقات الصلوات
312

الخمس، وراجع أقوال وروايات أهل السنة حول الآية، وأقرأ أيضا الأحاديث النبوية في تفسير خاتمة الآية (إن الحسنات يذهبن السيئات (فقد ذكرنا هناك ستة أحاديث ترويها الصحاح والسنن من الشيعة وأهل السنة في أن المراد من الحسنات إنما هي الصلوات الخمس، وإنها تذهب السيئات وتسقطها، وأن مثلها كمثل النهر الجاري الذي يغتسل منه في اليوم خمس مرات.
والجدير بالذكر (الذي يلزم التنبيه عليه) إن الذنوب التي تسقطها الصلوات الخمس هي الصغائر منها لا الكبائر كما قد صرح بذلك الصادق الأمين (ص) حيث قال: الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر (1).
وأجل فائدة للصلاة وأنفع ثمرة لها ما ذكره الله تعالى بقوله: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ([سورة العنكبوت / 46].
ومن هنا قال السيد بحر العلوم قدس سره: تنهى عن المنكر والفحشاء. اقصر فهذا منتهى الثناء. وهنا يأتي سؤال يدور على ألسن الكثير من الناس فيقال: نرى كثيرا من الناس يصلون ولم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، فالجواب: إن الإنسان لو أقام الصلاة وهو مؤمن بالله عز وجل صادق الإيمان، وكانت صلاته كما شرعها الله، وكما هي
313

ثابتة عن النبي (ص) وأهل بيته الأطهار، أي جامعة لشرائط الصحة، وجامعة لشرائط القبول أيضا من إحضار القلب فيها، والتدبر لمعاني ما تضمنته الصلاة من الذكر والقراءة والتسبيح وغير ذلك لعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبيان ذلك:
أول ما يبتدئ به العبد في صلاته: " الله أكبر " فيعترف بأنه أكبر من أن يوصف، وأنه أكبر من كل شئ، فيحصل في نفسه الإذعان لكبرياء خالقه وعظمته، ثم يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم (كلمة الشروع، (الحمد لله رب العالمين (وهو اعتراف بأنه المنعم المستحق للحمد المطلق في مقابل نعمه التي لا تحصى، واعتراف أيضا بأنه المربي للعوالم بما فيها، فيتوجه إليه بكل حواسه، (الرحمن الرحيم (يصفه بالرحمة استعطافا لأنه بعد اعترافه بأن الله هو المربي لكل العوالم (ما يعقل وما لا يعقل) يستصغر نفسه، فلأجل استجلاب الرحمة والعطف الإلهي يصفه بذلك، (مالك يوم الدين (اعتراف بالمعاد والقيامة وأنه تعالى هو المالك لجميع الأمور في ذلك اليوم، وكل شخص يعترف مصدقا بالقيامة والمحاسبة فيها يكون دائما بصدد إصلاح أموره الفردية والاجتماعية، لئلا يكون مسؤولا في ذلك اليوم الرهيب أمام ربه وأمام جميع الخلائق، (إياك نعبد (اعتراف بوحدانية المعبود، بمعنى أعبده ولا أعبد غيره (وإياك نستعين (اعتراف بأن الاستعانة لا تكون (حقيقة) إلا بالله تعالى فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وتقديم المفعول أعني (إياك (يفيد الحصر كما يقول العلماء، وأحسن السيد بحر العلوم: إياك من قول به تفند. فأنت عبد لهواك تعبد. تلهج في إياك نستعين. وأنت غير الله تستعين (اهدنا الصراط المستقيم (
314

.. الخ. شروع في الدعاء لنفسه وهدايتها.. وابتعاد عن الضلال والغواية، (الركوع) تعظيم وخشوع للخالق (سبحانه ربي.. الخ) تنزيه الباري عن النقائص والرذائل والصفات الذميمة (السجود) غاية الخضوع والخشوع، وهكذا إلى آخر الصلاة، فكل جزء من فعل وقول وحركة منها لها فوائد نفسية واجتماعية تظهر بالتدبر فيها لا مجال لشرحها مفصلا.
فالصلاة اعتراف عملي بالإيمان بالله وصفاته ونعمه الذي هو أأكد من الاعتراف القولي، كما أن مطلق الأعمال أأكد في الدلالة من الأقوال، ولذلك ورد " أدبوا الناس بأعمالكم ".
فكل فرد إذا تذكر كل يوم خمس مرات أن هناك ربا له بالمرصاد سميعا عليما، وأنه المنعم عليه، والمستعين به دون غيره، وأن هناك يوما يحاسب فيه وتناقش فيه أعماله، ويسأل عن أداء فرائضه ووظائفه كيف يتصور صدور المخالفة عنه، أو يغفل عن حقوق أبناء مجتمعه، وبذلك يظهر لك (بوضوح) تفسير الآية الكريمة (إن
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (وهذا كله بعد المعرفة والإيمان بالله عز وجل وثبوته في قلبه، وإلا لم تنهه صلاته وأن صلى بتدبر، لأن الإيمان بالله هو الأساس الأول لصحة الأعمال وقبولها. (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ([الحجرات / 15]. ومن هنا لما سأل معاوية بن وهب الإمام الصادق (عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إليه فقال (: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه
315

الصلاة ألا ترى العبد الصالح عيسى بن مريم قال (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ([مريم / 33] (1).
فالمؤمنون العارفون بالله هم الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر وهي كبائر الذنوب، وتسقط عنهم الصغائر وتكفرها، ومن هنا قال أمير المؤمنين (في وصيته:
" وقد عرف حقها رجال من المؤمنين لا تشغلهم عنها زينة متاع ولا قرة عين من ولد ولا مال يقول الله سبحانه وتعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة (.
فالمؤمنون هم الذين يعرفون حق الصلاة وأهميتها وعظيم فوائدها وينتفعون بها في دينهم ودنياهم، ولو لم يكن من فضلها إلا ما ورد في الكتاب العزيز من تكرار ذكرها وتأكيد الوصاية بها والمحافظة عليها لكان بعضه كافيا، كيف وقد ذكر الله تعالى الصلاة في القرآن بمادتها (غير ما ذكرها بلفظ التسبيح والذكر أو غير ذلك) في مائة مقام أو أكثر.
ولما كان رسول الله (ص) هو أعرف خلق الله بالله لذا كان (ص) تعبا في الصلاة كما قال أمير المؤمنين (:
(وكان رسول الله (ص) نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه وتعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها (فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه).
316

والمراد من الأهل في هذه الآية بالخصوص هم علي وفاطمة والحسن والحسين الذين أنزل الله تعالى فيهم آية التطهير أيضا وعبر عنهم بأهل البيت، كما تضافرت بذلك السنن النبوية من طرق الشيعة وأهل السنة، قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان: روى أبو سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها (كان رسول الله (ص) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر عند كل صلاة فيقول: الصلاة رحمكم الله. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ([الأحزاب / 34]. قال: ورواه ابن عقدة بإسناده من طرق كثيرة عن أهل البيت وعن غيرهم مثل أبي برزة وأبي رافع، وقال أبو جعفر الباقر (: أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس، فأمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة (1).
وقال السيوطي الشافعي في (الدر المنثور): وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجار، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت (وأمر أهلك بالصلاة (كان النبي (ص) يجيء إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة رحمكم الله. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ((2).
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما زوج علي بفاطمة (ع) جاء النبي (ص) أربعين صباحا إلى بابها يقول: السلام عليكم أهل
317

البيت ورحمة الله وبركاته: الصلاة رحمكم الله. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (أنا حرب لمن حاربتم، أنا سلم لمن سالمتم (1).
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة (ع) إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: الصلاة يا أهل البيت. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ((2).
واخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن أبي الحمراء قال: حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي (فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال: الصلاة الصلاة. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ((3).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب (عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب
318

عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (الصلاة رحمكم الله، كل يوم خمس مرات (1).
نعم هكذا كان رسول الله (ص) يخص أهل بيته الأطهار بالأمر بالصلاة، فليقتدي المؤمنون بنبيهم الكريم في إقامة هذه الفريضة العظيمة والمحافظة عليها، وليأمر كل واحد منهم أهله وخاصته بإقامتها والمحافظة عليها أيضا.
(لقد كان لكم في رسول الله (ص) أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)
الخطيب عبد اللطيف البغدادي
بغداد / حي المستنصرية (العقاري)
م (502) ز (7) د (11)
319

هاتف 4150090
تقريض شعري في بيتين
تفضل علينا فضيلة الأديب الكبير العلامة الشيخ عبد الغفار الأنصاري ببيتين من الشعر في تقريض الكتاب إرتجلهما وقدمهما إلينا بخطه بما نصه:
(تقريض كتاب المتبحر الأستاذ الخطيب الشيخ عبد اللطيف البغدادي (الجمع بين الصلاتين):
تسند الآثار بالآيات يزهو بنور العلم كالمرآة.
أسلوبكم بالجمع في الصلاة بنوعه قد جاءنا (لطيف).
عبد الغفار الأنصاري
320

" تاريخ تأليف الكتاب ونشره في بيتين للمؤلف "
فيه المنى (لكل عبد منيب) (نصر من الله وفتح قريب)].
جمع الصلاتين لعبد اللطيف أرخت [في إتمامه كاملا.
1971 تاريخ تأليف الكتاب
وبعد أن طبع الكتاب (الطبعة الأولى) عام 1973 غير المؤلف بيت التاريخ ليصبح بالسنة الهجرية وكما يلي:
(نصر من الله وفتح قريب)].
قد قلت في تاريخه [كاملا.
1394 ه‍ (تاريخ نشر الكتاب)
مصادر الكتاب
1 - القرآن المجيد...
321

حرف الألف
1 - أجوبة المسائل الدينية: لجنة من علماء كربلاء، ط النجف الأشرف.
2 - إحقاق الحق: القاضي نور الله التستري، تحقيق السيد شهاب الدين المرعشي، ط طهران.
3 - أحكام القرآن: أبو بكر الجصاص، ط مطبعة الأوقاف 1335.
4 - الأدب المفرد: البخاري صاحب الصحيح - بالواسطة.
5 - أربعين حديثا في الجمع بين الصلاتين: الشيخ نجم الدين العسكري - مخطوط.
6 - إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: القسطلاني، ط بولاق 1323.
7 - إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر: الحافظ الغماري، ط دار التأليف بمصر 1369.
8 - الإصابة: ابن حجر العسقلاني، مطبعة مصطفى محمد بمصر 1358.
9 - الأصول العامة للفقه المقارن: السيد محمد تقي الحكيم، ط دار الأندلس بيروت.
10 - أضواء على السنة المحمدية: محمود أبو رية: ط صور الحديثة 1383.
11 - الإكمال: القاضي عياض.
12 - الأم: محمد بن إدريس الشافعي، ط المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق 1321.
13 - الأمالي: احمد بن عيسى بن زيد - بالواسطة.
322

14 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: الشيخ أسد حيدر، ط النجف الأشرف.
15 - إسعاف الراغبين: للشيخ محمد الصبان، المطبوع بهامش نور الأبصار ط 1356.
16 - أحكام الجمع والقصر في السفر: لابن تيمية - بالواسطة.
17 - الاستيعاب: لابن عبد البر المالكي، مطبعة مصطفى محمد بمصر 1358.
حرف الباء
1 - بحار الأنوار: العلامة المجلسي، الطبعة الجديدة.
2 - البدر التمام: المغربي.
3 - بلوغ المرام: لابن حجر العسقلاني - بالواسطة.
4 - البيان: ابن المظفر - بالواسطة.
حرف التاء
1 - تاريخ ابن عساكر: ابن عساكر.
2 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، تحقيق وطبع أوفست كونروا غرافير - بيروت.
3 - التاج الجامع للأصول: الشيخ منصور علي ناصف، ط مصر 1351.
4 - التبيان: الشيخ الطوسي، ط دار الأندلس بيروت.
5 - تذكرة الحفاظ: الحافظ الذهبي.
6 - تذكرة الموضوعات: أبو الفضل المقدسي.
323

7 - التفسير الكبير: محمد بن جرير الطبري، ط الميمنية بمصر.
8 - تفسير القرآن العظيم: ابن كثير الدمشقي، ط الاستقامة بالقاهرة 1373.
9 - تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، ط مصر 1370.
10 - تفسير أبي السعود العمادي، المطبوع بهامش (مفاتيح الغيب)، ط الخيرية بمصر 1308.
11 - تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي، ط النجف 1387.
12 - التفسير الحديث: محمد عزة دروزة، ط دار إحياء الكتب العربية 1381.
13 - تفسير العياشي: محمد بن مسعود العياشي، ط قم 1371.
14 - تفسير النصوص في الفقه الإسلامي: الدكتور محمد أديب صالح، ط دمشق - بالواسطة.
15 - تلخيص المستدرك: الحافظ الذهبي، ط حيدر آباد الدكن - في ذيل (المستدرك).
16 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي، ط النعمان، النجف الأشرف.
17 - تيسير الوصول إلى جامع الأصول في حديث الرسول: عبد الرحمن الزبيدي الشافعي - بالواسطة.
18 - تفسير المراغي: الأستاذ احمد مصطفى المراغي، ط الثانية 1373.
حرف الجيم
1 - جامع عبد الرزاق - بالواسطة.
324

2 - جامع مسانيد أبي حنيفة: محمد بن محمود الخوارزمي، ط حيدر أباد الدكن 1332.
3 - تفسير الجواهر: طنطاوي جوهري، ط مصطفى البابي 1346.
4 - الجوهر النقي على سنن البيهقي: علاء الدين علي بن عثمان المارديني، ط حيدر أباد الدكن 1347.
حرف الحاء
1 - الحقائق في الجوامع والفوارق: الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي، ط بعلبك.
2 - حلية الأولياء: أبو نعيم الأصفهاني، ط السعادة بمصر 1352.
حرف الخاء
1 - الخصال: الشيخ الصدوق.
حرف الدال
1 - الدر المنثور (تفسير): جلال الدين السيوطي، ط الميمنية بمصر 1314.
2 - الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد: جمع السيد محسن الأمين العاملي، ط بمبئي.
3 - الدرة النجفية: لآية الله السيد مهدي بحر العلوم قدس سره.
325

حرف الراء
1 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني، الطبعة الثانية.
2 - رشفة الصادي: أبو بكر بن شهاب الدين.
حرف الزاي
1 - زبدة البيان في أحكام القرآن: المقدس الأردبيلي، ط الحيدرية بطهران.
حرف السين
1 - السرائر: ابن إدريس الحلي.
2 - السنن: ابن أبي شيبة - بالواسطة.
3 - السنن: ابن المنذر - بالواسطة.
4 - السنن: ابن أبي حاتم - بالواسطة.
5 - السنن: ابن مردويه.
6 - السنن: سعيد بن منصور - بالواسطة.
7 - السنن: عبد بن حميد - بالواسطة.
8 - السنن: الفريابي - بالواسطة.
9 - السنن: أبو الشيخ - بالواسطة.
10 - السنن: ابن حيان - بالواسطة.
11 - السنن: أبو داود، ط لكنهو - الهند 1371.
12 - السنن: الترمذي، ط القاهرة 1356.
326

13 - السنن: النسائي احمد بن شعيب، ط مصر 1348.
14 - السنن: ابن ماجة القزويني، ط مصر 1372.
15 - السنن: أبو بكر البرديجي - بالواسطة.
16 - السنن: الإمام الدارمي، ط الاعتدال - دمشق 1349.
17 - السنن: الدار قطني - بالواسطة.
18 - السنن الكبرى: البيهقي - ط الأولى حيدر آباد الدكن 1347.
19 - سبل السلام: شرح بلوغ المرام للصنعاني ط بيروت الخامسة 1391.
حرف الشين
1 - شرح سنن النسائي: جلال الدين السيوطي، ط المصرية بالأزهر 1348.
2 - شرح سنن ابن ماجة: محمد فؤاد عبد الباقي، ط مصر 1372.
3 - شرح سنن الترمذي: احمد محمد شاكر، ط القاهرة 1356.
4 - شرح صحيح مسلم: النووي - بهامش (إرشاد الساري) ط بولاق السابعة.
5 - شرح الكرماني على صحيح البخاري: الكرماني، ط البهية بمصر 1352.
6 - شرح مسند احمد: احمد محمد شاكر، ط الثانية - دار المعارف بمصر.
7 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ط دار الكتب العربية بمصر.
8 - شرح الموطأ: الزرقاني، ط مصر 1355.
327

9 - شرح الهداية: العلامة السروجي - بالواسطة.
10 - الشرف المؤبد: العلامة النبهاني.
11 - شعب الإيمان: البيهقي - بالواسطة.
12 - شرح المواهب: للزرقاني - بالواسطة.
حرف الصاد
1 - الصحيح: ابن حبان.
2 - صحيح البخاري: البخاري، ط البهية بمصر 1352.
3 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، ط دار الكتب العربية.
4 - الصواعق المحرقة: ابن حجر الهيتمي.
5 - الصوم: العلامة السيد علي نقي الحيدري.
حرف الضاد
1 - ضياء العالمين - بالواسطة.
حرف العين
1 - العروة الوثقى: السيد محمد كاظم اليزدي.
2 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق، ط الحيدرية في النجف 1383.
3 - عمدة الطالب: السيد الداوودي.
4 - عون الودود في شرح سنن أبي داود: ابن عبد الله الفنجابي، ط لكنهو 1371.
328

حرف الغين
1 - الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني، ط النجف وطهران.
2 - الغنية - بالواسطة.
حرف الفاء
1 - فتح الباري: ابن حجر العسقلاني، ط مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
2 - فتح الإله: الشيخ احمد الشنقيني، الطبعة الثانية.
3 - فردوس الأخبار: الديلمي - بالواسطة.
4 - فصل الخطاب في أخبار آل محمد الأطياب: محمد كريم خان الكرماني.
5 - الفقه على المذاهب الأربعة: لجنة من علماء المذاهب الأربعة، ط الخامسة.
6 - الفقه على المذاهب الخمسة: الشيخ محمد جواد مغنية. ط الثانية، بيروت.
7 - في رحاب القرآن: الشيخ محمد حسن آل ياسين، مطبعة المعارف بغداد 1388.
8 - في ظلال القرآن (تفسير): سيد قطب، ط دار إحياء الكتب العربية بمصر.
9 - فيض الغفار من أحاديث النبي المختار: الشيخ محمد بن أحمد الشنقيني، الطبعة الثانية.
329

حرف القاف
1 - قبس من القرآن: الخطيب عبد اللطيف البغدادي، ط مطبعة الآداب 1389.
2 - قرب الإسناد: عبد الله بن جعفر الحميري.
3 - قرة العين في الجمع بين الصلاتين: حامد بن حسن شاكر اليمني.
4 - قلائد الدرر: الشيخ أحمد الجزائري.
حرف الكاف
1 - الكافي في الأصول والفروع: الشيخ الكليني، ط الحيدري طهران.
2 - الكشاف (تفسير): الزمخشري، ط محمد مصطفى 1308.
3 - الكنى والألقاب: الشيخ عباس القمي، ط الحيدرية - النجف 1376.
4 - كنز العمال: الشيخ علي المتقي الحنفي، ط حيدر آباد الدكن في الهند.
5 - الكلمة الغراء: السيد عبد الحسين شرف الدين، مطبوعة مع (الفصول المهمة).
6 - الكاشف (تفسير) محمد جواد مغنية ط بيروت، دار العلم للملايين.
حرف اللام
1 - اللئالي المصنوعة: جلال الدين السيوطي - بالواسطة.
330

حرف الميم
1 - المجالس السنية: السيد محسن العاملي، ط ابن زيدون 1371.
2 - مجمع البيان: الشيخ الطوسي، ط العرفان - صيدا.
3 - مجمع البحرين: الشيخ الطريحي، ط طهران 1379.
4 - مجمع الزوائد: الهيتمي - بالواسطة.
5 - المدخل إلى علم أصول الفقه: معروف الدواليبي، الطبعة الثالثة - بالواسطة.
6 - مسائل فقهية: السيد عبد الحسين شرف الدين، منشورات مكتبة الأندلس، بيروت.
7 - مستدرك الصحيحين: الحاكم النيسابوري، ط حيدر آباد الدكن 1235.
8 - مستدرك الوسائل: الشيخ النوري، ط القاهرة - مطبوعات النجاح.
9 - مستمسك العروة الوثقى: فقيه العصر السيد محسن الحكيم، ط النجف 1377.
10 - المسند: احمد بن حنبل، شرح احمد محمد شاكر، الطبعة الثانية.
11 - المسند: البزار - بالواسطة.
12 - مسند الشهاب: القضاعي - بالواسطة.
13 - مسند الطيالسي: سليمان بن داود، ط حيدر آباد 1321.
14 - مصباح السنة: البغوي، ط مصر 1318.
15 - المعالم: الخطابي - بالواسطة.
16 - معاني الآثار: الطحاوي الحنفي - بالواسطة.
17 - معجم الأدباء: ياقوت الحموي.
331

18 - المعجم الكبير: الطبراني - بالواسطة.
19 - المعجم الأوسط: الطبراني - بالواسطة.
20 - مفاتيح الغيب (تفسير): الفخر الرازي، ط الخيرية بمصر 1308.
21 - المنار (تفسير): السيد رشيد رضا، ط دار المنار بمصر - الرابعة.
22 - مناقب علي بن أبي طالب: احمد بن محمد الطبري الشهير بالخليلي - بالواسطة.
23 - المنجد: الأب لويس معلوف اليسوعي، الطبعة التاسعة بيروت.
24 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق، دار الكتب الإسلامية، النجف.
25 - الموطأ: مالك بن أنس، ط مصر 1355.
26 - الميزان في تفسير القرآن: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ط مطبعة الحيدري طهران.
27 - ميزان الاعتدال: الحافظ الذهبي.
28 - المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: للمولى محسن الكاشاني ط مكتبة الصدق طهران.
29 - المستطرف: لشهاب الدين احمد الأبهشي، ط مصر، الميمنية 1314.
30 - مقاتل الطالبين: لأبي الفرج الأصبهاني المرواني ط الحيدرية في النجف الأشرف.
حرف النون
1 - النشر والطي - بالواسطة.
2 - نور الأبصار: الشبلنجي الشافعي، ط مصر 1356.
332

3 - نهج البلاغة: جمع الشريف الرضي ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت / دار الكتب الإسلامية / طهران.
4 - نيل الأوطار: محمد بن علي الشوكاني، ط العثمانية بمصر 1357.
5 - نهج السعادة: للشيخ محمد باقر المحمودي، ط النعمان في النجف الأشرف.
حرف الواو
1 - الوسائل: الشيخ الحر العاملي، ط القاهرة - مطبوعات النجاح.
2 - وفيات الأعيان: ابن خلكان - بالواسطة.
3 - الوقف: ابن الأنباري - بالواسطة.
4 - الولاية: محمد بن جرير الطبري - بالواسطة.
حرف الياء
1 - ينابيع المودة: للشيخ سليمان الحنفي القندوزي / ط - الثامنة
333