الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٠
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
العتق والتدبير
الكفارات والنذر
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
العتق والتدبير
الكفارات والنذر
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

الكفارات والنذور
فقه الرضا
المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب الأيمان والنذور والكفارات:
اعلم يرحمك الله أن أعظم الأيمان الحلف بالله عز وجل فإذا حلف الرجل بالله على
طاعة نظير رجل حلف بالله أن يصلى صلاة معلومة أو أن يعمل شيئا من خصال البر فقد
وجب عليه في يمينه أن يفي بما حلف عليه لأن الذي حلف عليه لله طاعة، فإن لم يف بما حلف
وجاز الوقت فقد حنث ووجب عليه الكفارة فإن حلف أن لا يقرب معصية أو حراما ثم
حنث فقد وجب عليه الكفارة.
والكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ثوبين لكل مسكين، والمكفر عن يمينه
بالخيار إن كان موسرا أي ذلك شاء فعل، والمعسر لا شئ عليه إلا إطعام عشرة مساكين أو
صوم ثلاثة أيام إن أمكنه ذلك والغني والفقير في ذلك سواء، فإن حلف بالظهار وهو يريد
اليمين فعليه للفظ اليمين عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وقد
روي أن الثلاثة عليه عقوبة على مكروه أمه وذوي رحمه بمثل هذا، ولا يمين في قطيعة رحم ولا
في ترك الدخول في حلال، وكفارة هذه الأيمان الحنث.
واعلم أن كل ما كان من قول الانسان: لله على نذر من وجوه الطاعة
ووجوه البر فعليه الوفاء بما جعل على نفسه، وإن كان النذر لغير الله فإنه إن لم يعط ولم يف بما
3

جعله على نفسه فلا كفارة عليه ولا صوم ولا صدقة نظير ذلك أن تقول: لله على صلاة
معلومة أو صوم معلوم أو بر أو وجه من وجوه البر، فيقول: إن عافاني الله من مرضي أو ردني
من سفري أورد على غائبي أو رزقني رزقا أو وصلني إلى محبوبي حلالا فأعطي ما تمني لزمه ما
جعل على نفسه إلا أن يكون جعل على نفسه ما لا يطيقه فلا شئ عليه إلا بمقدار ما يحتمله،
وهذا ممن يجب أن يستغفر الله منه ولا يعود إلى مثله، وإن هو نذر لوجه من وجوه المعاصي،
مثل الرجل يجعل على نفسه نذرا على شرب الخمر أو فسق أو زنا أو سرقة أو قتل أو موت
أو إساءة مؤمن أو عقوق أو قطيعة رحم فلا شئ عليه في نذره، وقد روي أن عليه في ذلك
كفارة يمين بالله للعقوبة لا غير لإقدامه على نذر في معصية، وقد روي إذا نذرت طاعة لله
فقدمه فإن الله أو في منك.
واعلم أن الكفارة على مثل المواقعة في شهر رمضان والأكل والشرب فيه، فعليه لكل
يوم عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فإن عاد لزمه لكل يوم مثل
الكفارة الأول، وقد روي: أن الثلاث عليه وهذا الذي يختاره خواص الفقهاء ثم لا يدرك
مثل ذلك اليوم أبدا.
فأما الظهار أن يقول الرجل لامرأته أو ما ملكت يمينه: هي عليه كظهر أمه أو كظهر
أخته أو خالته أو عمته أو دايته، فإذا فعل ذلك وجب عليه للفظ ما قد فسرناه في باب
الظهار، وإن حلف المملوك أو ظاهر فليس عليه إلا الصوم فقط وهو شهران متتابعان، وأما
كفارة الدم فعلى من قتل مؤمنا متعمدا أن يقاد به فإن عفي عنه وقبلت منه الدية فعليه التوبة
والاستغفار، ومن قتل مؤمنا خطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا ودية مسلمة إلى أهله، فإن لم يكن له مال أخذ من عاقلته، فأما الكفارة
على من واقع جاريته أو أهله وهو محرم فعليه بدنة قبل أن يشهد الموقفين وعليه الحج من
قابل.
4

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
5

باب الأيمان والنذر والكفارات
اليمين على وجهين: أحدهما أن يحلف الرجل على شئ لا يلزمه أن يفعل فيحلف
أنه يفعل ذلك الشئ أو يحلف على ما يلزمه أن يفعل فعليه الكفارة إذا لم يفعله، والأخرى
على ثلاثة أوجه: فمنها ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذبا. ومنها ما لا كفارة عليه فيها
ولا أجر له. ومنها ما لا كفارة عليه فيها والعقوبة فيها دخول النار. فأما التي يؤجر الرجل
عليها إذا حلف كاذبا ولم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو
خلاص ماله. وأما التي لا كفارة عليه ولا أجر له، فهو أن يحلف الرجل على شئ ثم يجد ما هو
خير من اليمين فيترك اليمين ويرجع إلى الذي هو خير. وأما التي عقوبتها دخول النار فهو
إذا حلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما، فهذه يمين غموس توجب النار ولا
كفارة عليه في الدنيا.
ولا يجوز إطعام الصغير في كفارة اليمين ولكن صغيرين بكبير. فإن لم تجد في
الكفارة إلا رجلا أو رجلين فكرر عليهم حتى يستكمل.
فإن قال الرجل: إن كلم ذا قرابة له فعليه المشي إلى بيت الله. وكل ما يملكه في
سبيل الله وهو برئ من دين محمد ص. فإنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على
عشرة مساكين فإن حلفت امرأة وقالت: كل ما أملك فهو للمساكين صدقة وعلى المشي
7

إلى بيت الله إن تزوجت. فعليها إذا تزوجت أن تتصدق بثلث مالها وإن لم تتزوج فليس
عليها شئ.
واعلم أنه لا يمين في قطيعة رحم ولا نذر في معصية ولا يمين لولد مع والده ولا للمرأة
مع زوجها ولا للمملوك مع مولاه.
واعلم أن كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد أو كسوتهم لكل
رجل ثوب أو تحرير رقبة وهو بالخيار، أي الثلاث فعل، جاز. وإن لم يقدر على واحدة منها
صام ثلاثة أيام متواليات والنذر على وجهين: أحدهما أن يقول الرجل إن كان كذا وكذا
صمت أو صليت أو حججت أو فعلت شيئا من الخير فهو بالخيار إن شاء فعل وإن شاء لم
يفعل. فإن قال: إن كان كذا وكذا فلله عليه كذا وكذا، فهذا نذر واجب لا يسعه تركه وعليه
الوفاء به. فإن خالف لزمته الكفارة صيام شهرين متتابعين. وروي كفارة يمين فإن نذر رجل
أن يصوم كل سبت أو أحد أو سائر الأيام فليس له أن يتركه إلا من علة وليس عليه صومه
في سفر ولا مرض إلا أن يكون نوى ذلك. فإن أفطر من غير علة تصدق مكان
كل يوم على سبعة مساكين. فإن نذر أن يصوم يوما بعينه ما دام حيا فوافق ذلك اليوم يوم
عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سافر أو مرض فقد وضع الله عنه الصيام في هذه
الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم.
وإن نذر رجل نذرا ولم يسم شيئا فهو بالخيار إن شاء تصدق بشئ. وإن شاء صلى
ركعتين. وإن شاء صام يوما. وإذا نذر أن يتصدق بمال كثير ولم يسم مبلغه فإن الكثير
ثمانون دينارا أو درهما لقول الله عز وجل: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة. وكان ثمانين
موطنا. فإن صام رجل يوما أو شهرا لم يسمه في النذر فلا كفارة فأفطر عليه إنما هو عليه أن
يصوم مكانه يوما أو شهرا على حسب ما نذر. فإن نذر أن يصوم يوما
معروفا أو شهرا معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم أو ذلك الشهر، فإن لم يصمه أو صامه فأفطر فعليه
الكفارة، وإن نذر رجل أن يصوم يوما فوقع ذلك اليوم على أهله، فعليه أن يصوم يوما بدل
يوم ويعتق رقبة مؤمنة.
واعلم أن الأعمى لا يجزئ في الرقبة ويجزئ الأقطع والأشل والأعور. لا يجوز المقعد
8

ويجزئ في الظهار صبي ممن ولد في الاسلام.
فإن حلف رجل غريمه أن لا يخرج من البلد إلا بعلمه فلا يجوز له أن يخرج حتى
يعلمه، فإن خشي أن لا يدعه أن يخرج ويقع عليه وعلى عياله ضرر، فليخرج ولا شئ عليه
وإذا ادعى عليك مالا ولم يكن عليه بينة، فأراد المدعي أن يحلفك، فإن بلغ مقدار
ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ثلاثين درهما فاحلف ولا تعطه.
9

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
11

باب النذور والأيمان والكفارات
اليمين على وجهين: يمين فيها كفارة ويمين لا كفارة فيها.
فالتي فيها الكفارة، فهي أن يحلف الرجل على شئ لا يلزمه أن يفعل، فيحلف أن
يفعل ذلك الشئ ولم يفعله أو يحلف على ما يلزمه أن يفعله فعليه الكفارة إذا لم يفعله.
واليمين التي لا كفارة إذا لم يفعله فيها فهي على ثلاثة أوجه: فمنها ما يؤجر عليه الرجل إذا
حلف كاذبا ومنها ما لا كفارة عليه ولا أجر ومنها ما لا كفارة عليه فيها، والعقوبة
فيها دخول النار عليه.
فأما التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ولم يلزم فيها الكفارة، فهو أن
يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو تخليص مال لامرئ مسلم من متعد يتعدى
عليه من لص أو غيره.
وأما التي لا كفارة عليه ولا أجر، فهو أن يحلف الرجل على شئ ثم يجد ما
هو خير من اليمين فيترك اليمين ويرجع إلى الذي هو خير. وقال العالم ع:
لا كفارة عليه وذلك من خطوات الشيطان.
وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو
على حقه ظلما، فهذه يمين غموس توجب النار ولا كفارة عليه في الدنيا.
واعلم أنه لا يمين في قطيعة رحم ولا نذر في معصية. ولا يمين لولد مع والده
ولا للمرأة مع زوجها. ولا للمملوك مع مولاه.
13

ولو أن رجلا نذر أن يشرب خمرا أو يفسق أو يقطع رحما أو يترك فرضا أو سنة
لكان يجب عليه أن لا يشرب الخمر ولا يفسق ولا يترك الفرض والسنة ولا كفارة عليه
إذا حنث في يمينه.
وإذا حلف الرجل على ما فيه الكفارة لزمته الكفارة، كما قال تعالى: فكفارته
إطعام عشرة مساكين: وهو مد لكل رجل. أو كسوتهم لكل رجل ثوب. أو تحرير رقبة
وهو بالخيار أي الثلاث فعل جاز له، فإن لم يقدر على واحدة منها، صام ثلاثة أيام
متوالية.
والنذر على وجهين، فأحدهما أن يقول الرجل: إن عوفيت من مرضي أو
تخلصت من دين أو عدو أو كان كذا وكذا، صمت أو صليت أو تصدقت أو حججت
أو فعلت شيئا من الخير، فهو بالخيار إن شاء فعل متتابعا، وإن شاء متفرقا وإن شاء لم
يفعل. فإن قال: إن كان كذا وكذا مما قدمنا ذكره، فلله على كذا وكذا. فهذا نذر
واجب لا يسعه تركه وعليه الوفاء به. فإن خالف لزمته الكفارة، صيام شهرين
متتابعين. وقد روي كفارة يمين.
فإن نذر الرجل أن يصوم يوما أو شهرا لا بعينه، فهو بالخيار أي يوم صام
وأي شهر صام، ما لم يكن ذا الحجة أو شوالا، فإن فيهما العيدين ولا يجوز صومهما.
فإن صام يوما أو شهرا لم يسمه في النذر فأفطر فلا كفارة عليه، إنما عليه أن
يصوم يوما مكانه أو شهرا معروفا على حسب ما نذر.
فإن نذر أن يصوم يوما معروفا أو شهرا معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم أو
ذلك الشهر. فإن لم يصمه أو صام فأفطر فعليه الكفارة.
ولو أن رجلا نذر نذرا ولم يسم شيئا فهو بالخيار، إن شاء تصدق بشئ وإن
شاء صلى ركعتين أو صام يوما إلا أن يكون نوى شيئا في نذره، فيلزمه فعل ذلك
الشئ من صدقة أو صوم أو حج أو غير ذلك.
فإن نذر رجل أن يتصدق بمال كثير، ولم يسم مبلغه فإن الكثير ثمانون، فما
14

زاد. لقوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم
وكانت ثمانين موطنا.
15

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم 336 - 413 ه‍ ق
17

باب الأيمان والأقسام:
ولا يمين عند آل محمد ص إلا بالله عز وجل وبأسمائه الحسنى، ومن
حلف بغير اسم من أسماء الله تعالى فقد خالف السنة ويمينه باطلة لا توجب حنثا
ولا كفارة، ولا يمين بالله تعالى في معصية لله، فمن حلف بالله أن يعصيه فقد أثم وكفارة يمينه ترك
الفعل لما حلف عليه والاستغفار من يمينه في الباطل، وقول الرجل: الطلاق لي لازم إن
فعلت كذا، وقوله لامرأته: أنت طالق إن فعلت أو إن لم تفعلي، باطل لا يجب عليه فيه كفارة
ولا يقع بالحلف فيه طلاق.
ولو قال: عبدي حر لوجه الله إن فعلت كذا، وأراد اليمين دون النذر كان باطلا، وقول
القائل: علي الحج إن فعلت كذا، ومالي صدقة إن كان كذا، فهو باطل إلا أن يقصد بذلك
نذرا في طاعة الله عز وجل فيلزمه الوفاء به، وقول القائل: أيمان البيعة لازمة لي إن كان كذا
وكذا، باطل أيضا ليس بيمين يوجب حنثا ولا كفارة.
وإن قال انسان لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا، ثم فعله لم تحرم عليه
امرأته بذلك، وكذلك قولهم: ما أنقلب إليه حرام إن فعلت كذا، باطل ليس بيمين، ولا يجب
عليه الكفارة في الحنث حتى تكون اليمين بالله عز وجل ويكون الحالف قاصدا لليمين
19

معتقدا، قال الله عز وجل: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان، واللغو أن يحلف الانسان بالله عز وجل من غير نية في اليمين، أو يحلف على غضب
لا يملك نفسه أو يكون مكرها على اليمين ومجبرا عليها فحكم ذلك حكم اللغو الذي عفا
الله عز وجل عن المؤاخذة به ولم يوجب فيه كفارة.
ومن حلف بالله أن لا يفعل شيئا من الخير فليفعله ولا كفارة عليه، وإن حلف على ترك
وكان فعله أفضل في الدين وأعون للإنسان على البر والعبادة من تركه فليفعله
ولا كفارة عليه، وكذلك إن حلف أن يفعل شيئا وكان تركه أفضل من فعله فليتركه
ولا كفارة عليه.
ولا يمين في قطيعة رحم وصلتها أولى ولا كفارة على صاحبها، ولا يمين لولد مع والده فيما
يكرهه منه وللوالد أن يمنعه من الوفاء بيمينه ولا تكون عليه كفارة في ذلك، ولا يمين للمرأة مع
زوجها في خلافه، ولا يمين للعبد مع سيده في خلاف طاعته، ولا كفارة في اليمين على الماضي
إذا قال: والله ما فعلت كذا، وقد كان فعل ويستغفر الله عز وجل من ذلك ويتوب إليه منه.
وإذا حلف العبد أن لا يلبس ثوبا أو لا يسكن دارا أو لا يستعمل أجيرا أو لا يبتاع شيئا
ثم خالف يمينه ولم يكن الخلاف لها أفضل وجبت عليه الكفارة، وهي أحد ثلاثة أشياء: عتق
رقبة أو كسوة عشرة مساكين أو إطعامهم مما يقتاته الحالف وأهله شبعهم في طول يومهم،
وهو مخير في الثلاثة الأشياء أيها فعل أجزأه، فإن لم يقدر على واحد منها صام ثلاثة أيام
متتابعات، ولا يجزئه في الكفارة إطعام الشيخ الكبير ولا الطفل الصغير، وكذلك من
حلف بالله أن يطيعه بشئ من الأعمال ولم يفعله وجبت عليه الكفارة كما يجب عليه في المباح،
ولا كفارة قبل الحنث وإنما تجب بعده.
ومن كانت عنده أمانة فطالبه ظالم بتسليمها إليه وخيانة صاحبها فيها فليجحدها
ليحفظها على المؤتمن له عليها، وإن استحلفه على ذلك فليحلف له ويوري في نفسه ما يخرج
به عن الكذب ولا كفارة عليه في ذلك ولا إثم بل له عليه أجر كبير - والتورية أن يضمر
عند اليمين خلاف ما يظهر ينوي أنه ليس عندي شئ مما تستحلفني عليه تستحقه مني -
فإن لم يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة ومنع الظالم مما لا يستحقه أجزأته النية وكان
20

مأجورا، وكذلك اليمين في الدفع عن أذى المؤمنين وحقن دمائهم وحراسة أموالهم.
والسلطان الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المؤمنين فحلفوا له لم يجز لهم الوفاء
بأيمانهم وكان عليهم أن يجتنبوا الظلم ولا كفارة عليهم في ذلك ولا مأثم في اليمين بل لهم
أجر عظيم، ومن حلف على مال مؤمن ليقتطعه ارتكب بذلك كبيرة موبقة وكانت كفارته
منها توبته ورد مال المؤمن عليه أو تحليله منه بعد التوبة والاستغفار.
ومن كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره فقدمه صاحب الدين إلى حاكم
يعلم أنه متى أقر بالدين عنده حبسه فأضر به وأجاع عياله فله أن يجحده ويحلف له وينوي
قضاءه عند تمكنه منه ويوري في يمينه ولا إثم عليه ولا كفارة، فإن لم ينو قضاءه عند يمينه كان
مأثوما، ولا يجوز لصاحب الدين أن يعرض صاحبه لليمين وهو يعلم إعساره فإنه يأثم
بذلك، ولا يحل له حبسه إذا كان محيطا علما بعجزه عن أداء الدين، فإن حبسه مع العلم بذلك
كان موزورا.
وينبغي للمسلم أن يجتنب اليمين بالله تعالى صادقا وكاذبا، ومتى وجد سبيلا إلى
ترك اليمين بالله تعالى فليتركها، وإن لحقه ضرب من الأذى بذلك فإنه أولى في الدين، ومن ادعى
على مؤمن باطلا وأراد استحلافه عليه وكان تخلصه من اليمين بما لا يجحف بماله فالأفضل
أن يفتدي بذلك يمينه بالله تعالى وإن كان لو حلف صادقا، وإن كان فديته من اليمين بشئ
يجحف بماله أو يضر به في أحواله فلا حرج عليه في اليمين بالله تعالى ليدفع الضرر عنه في
الباطل المدعى عليه.
ولا يجوز لأحد أن يستحلف أحدا بغير أسماء الله عز وجل، ولا يجوز أن يحلف الانسان
برسول الله ص ولا بأمير المؤمنين ولا بأحد من الأئمة ع، فإن
حلف بواحد ممن ذكرناه فقد أخطأ وعليه أن يفي بما حلف إلا أن يكون باطلا أو غيره أفضل
منه، وإن لم يف بيمينه فليستغفر الله عز وجل ولا كفارة عليه.
ولا يجوز لأحد أن يحلف بأبيه فإنها يمين اليهود، واليمين بالمصحف باطلة وكذلك
اليمين بالكعبة والمسجد الحرام وما أشبه ذلك، ومن حلف بشئ منه أخطأ وليس عليه في
خلاف ما حلف عليه من ذلك كفارة، ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله تعالى ومن رسوله
21

ص ومن أحد من الأئمة ع، ومن حلف بشئ من ذلك ثم
حنث كان عليه كفارة ظهار، وقول القائل: أنا برئ من الاسلام، أو أنا مشرك إن فعلت كذا،
باطل لا تلزمه إذا فعل كفارة وقسمه بذلك خطأ منه يجب أن يندم عليه ويستغفر الله تعالى منه.
باب النذور والعهود:
ومن نذر لله تعالى شيئا من البر والقربات فمفترض عليه الوفاء به، فإن لم يف به كان
عليه كفارته، والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، أي
هذه الثلاثة فعل فقد أدى الواجب في كفارته، ولا نذر في
معصية لله عز وجل فمن نذر شيئا هو معصية لله تعالى وجب عليه اجتنابه ولم يحل له فعله، وكان تركه المفترض دون فعله
ولا كفارة عليه في الانصراف عنه.
فأما نذر الطاعة فهو أن يعتقد الانسان أنه إن عوفي من مرضه أو رجع من سفره أو ربح في
تجارته أو كفى شر عدوه كان لله تعالى عليه صيام يوم أو شهر أو سنة أو صدقة درهم أو دينار
أو حج أو زيارة وما أشبه ذلك من أفعال الخير، أو نذر ذلك في فعل الله تعالى بولد له أو والد
أو أخ من إخوانه فعليه الوفاء به، فإن لم يف بنذره مختارا كانت عليه الكفارة التي ذكرناها.
والنذر في المعصية أن يعتقد فيما يفعله الله تعالى به مما ذكرنا أو يفعله بغيره ممن
سميناه أن يشرب خمرا أو يرتكب فجورا أو يقتل مؤمنا أو يؤذي مسلما أو يترك مفروضا أو
يهجر تطوعا، فعليه ترك الشر وفعل الخير والخلاف لما نذره والعدول عنه إلى الطاعة دون
المعصية ولا كفارة عليه حسب ما ذكرناه، وكذلك من نذر لله تعالى عليه إن تمكن من
معصية له فأوقعها أن يصوم شكرا أو يتصدق أو يحج، فلا يجوز له الصوم على هذا الوجه
ولا الصدقة ولا الحج لأن ذلك شكر على ما حظره الله تعالى ولم يبحه، فإن جعل نذره على
ذلك بالصوم والصدقة والحج وما أشبهه على وجه الكفارة لفعله وتأكيدا للندم على صنعه
وجب عليه الوفاء به، وكذلك إن جعله نذرا على وجه الكفارة ليمينه في غيره وتمام مراده في
سواه، فإن جعله شكرا لذلك لم يجز له فعله.
ومتى اعتقد الانسان أن يفعل شيئا من الخير على نفع يحصل له ولم يجعله في اعتقاده لله
22

عليه ويوجبه على نفسه كان بالخيار فيه إن شاء فعله وإن شاء تركه ولا كفارة عليه في تركه،
ولو قال قائل: إن كان كذا فعلي كذا، ولم يقل لله عز وجل كان بالخيار، وإذا قال: إن كان كذا
فلله على كذا، فقد نذر نذرا وجب عليه الوفاء به إذا كان ما نذره طاعة لله عز وجل أو في
طاعة أو مباح، وإن كان معصية لله أو في ضلال فلا يجوز له فعله كما قدمناه.
ومن نذر لله تعالى عليه شيئا ولم يسمه ولا عينه باعتقاد كان بالخيار إن شاء صام يوما
وإن شاء تصدق بشئ قل أم كثر، وإن شاء صلى ركعتين أو فعل قربة من القربات، ومن نذر
أن يصوم حينا من الدهر ولم يسم شيئا معينا كان عليه أن يصوم ستة أشهر، قال الله
تعالى: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وذلك في كل ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زمانا ولم
يسم شيئا فليصم خمسة أشهر كما روي عن أمير المؤمنين ع.
ومن نذر أن يعتق كل عبد له قديم في ملكه ولم يعين شيئا أعتق كل عبد قد مضى عليه
ستة أشهر في ملكه، قال الله جل اسمه: والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم،
وهو ما مضى عليه ستة أشهر، ومن نذر أن يتصدق من ماله بمال كثير ولم يسم شيئا تصدق
بثمانين درهما، فما زاد، قال الله عز وجل: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، وكانت
ثمانين موطنا.
ومن عاهد الله عز وجل أن لا يأتي محظورا ثم أتاه كان عليه مثل الذي ذكرناه من
الكفارة على من لم يف ينذره من الناس، وهو عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا، فإن عاهده أن لا يطيعه في شئ أو يعصيه لم يجز له ذلك وكان عليه أن
يجتنب معصية الله تعالى ويصير إلى طاعته ولا كفارة عليه، فإن عاهد الله تعالى أن
لا يفعل مباحا كان بالخيار فيه ولا كفارة عليه، فإن كان ما عاهد الله عليه أفضل من تركه ثم
لم يف بالعهد كان عليه من الكفارة ما ذكرناه.
ومن نذر الله تعالى شيئا لا يستطيعه أو عاهد الله على فعله فلا كفارة عليه في تركه
لعجزه عنه، ومن نذر أن يحج ماشيا أو يزور كذلك فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة عليه،
فإن ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج والزيارة ويمشي ما ركب منه ويركب ما مشى إن
شاء الله، وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا أو بحرا فليقم فيه قائما ولا يجلس
23

حتى يخرج إلى الأرض.
والذي ينذر لله تعالى أن يصوم يوما بعينه فيفطره لغير عذر فعليه الكفارة وصيامه
على سبيل القضاء، فإن عرض له في ذلك اليوم مرض فليفطره ثم ليقضه ولا كفارة عليه إن
شاء الله، وكذلك المرأة إذا نذرت صوم يوم بعينه فحاضت فيه أفطرته وقضته إذا طهرت،
والمسافر يصوم يوم النذر في سفره ولا يفطره مختارا.
ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم يسم شيئا معينا كان بالخيار
إن شاء تصدق به على فقراء المؤمنين وإن شاء جعله في حج أو زيارة أو وجه من وجوه البر
ومصالح الاسلام، ومن جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لمشهد من
مشاهد الأئمة ع فليبع العبد والجارية والدابة ويصرف ثمنهم في مصالح
البيت والمشهد، وفي معونة الحاج والزائرين حسب ما سمي في المجعول لذلك من المكان.
باب الكفارات:
قد مضى القول في كفارة الإيمان وبينا أنها عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين لكل
مسكين ثوبان أو إطعامهم لكل مسكين شبعه في يومه ولا يكون في جملتهم صبي صغير
ولا شيخ كبير ولا مريض، وأدنى ما يطعم كل واحد منهم مد من طعام وهو رطلان وربع بما
تيسر من الأدم، وأعلاه اللحم وأدناه الملح وأوسطه ما بين ذلك من الإدام وينبغي أن يطعم
المسكين من أوسط ما يطعم أهله وإن أطعمه من ذلك كان أفضل، ولا يطعمه من أدون
ما يأكل هو وأهله من الأقوات، فإن لم يجد الحانث في اليمين شيئا من هذه الثلاثة الأشياء
لفقره صام ثلاثة أيام متتابعات.
وكفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد المظاهر ذلك صام شهرين متتابعين فإن لم يقدر
على هذا الصيام أطعم ستين مسكينا، فإن جامع قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى
للجماع مثل الأولى مما ذكرناه، ولا كفارة في اليمين إلا بعد الحنث، ومن صام شهرا واحدا في
كفارة الظهار أو قتل الخطأ وغيرهما مما يجب فيه صيام شهرين متتابعين ثم أفطر مختارا
استأنف الصيام من أوله، فإن أفطر لمرض على ما صام، وإن صام شهرا ومن الثاني يوما أو
أكثر ثم أفطر لغير عذر كان مسيئا وله أن يبني على ما مضى من الصيام.
24

وكفارة الإيلاء كفارة يمين، وكفارة الخلف في النذر كفارة الظهار فإن لم يقدر على ذلك
كان عليه كفارة يمين، وكفارة الوطء في الحيض دينار إن كان وطؤه في أوله على ما بيناه، وإن
كان في وسطه فنصف دينار وإن كان في آخره فربع دينار - وقيمة الدينار عشرة دراهم
جيادا لا غش فيها بحديد ولا رصاص وما أشبههما مما ليس بفضة من الأجناس - ومن
وطئ أمته في حيضها كفر عن ذلك بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة مساكين.
ومن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا
أو صيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم وأنى له بمثله في الفضل والثواب، ومن نكث
عهدا لله تعالى كان عليه من الكفارة ما قدمناه وهي كفارة قتل الخطأ، ومن أفطر يوما
يقضيه من شهر رمضان وكان إفطاره له قبل الزوال قضى يوما مكانه ولا كفارة عليه، وإن
كان إفطاره فيه بعد الزوال كان عليه كفارة يمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، فإن لم
يجد صام ثلاثة أيام متتابعات وقضى مكانه يوما.
ومن أصبح على الجنابة في شهر رمضان متعمدا حتى تجب صلاة الغداة فعليه الغسل
والصيام وكفارة بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين كما يجب على
من أفطر يوما من شهر رمضان، ومن وجب عليه قضاء يوم من شهر رمضان ففرط فيه ولم
يقضه حتى استهل عليه شهر رمضان ثان فعليه صيام الحاضر والكفارة عن كل يوم من
الماضي بمد من طعام على مسكين ثم ليقضه بعد صيام الشهر الذي حضره حتى يكمل العدة
الفائتة، ومن فاته صيام شهري رمضان لمرض دام به فليكفر عن الأول منهما بثلاثين مدا من
طعام على ثلاثين مسكينا وليس عليه قضاء صيام، وليقض صيام الثاني منهما إن شاء الله،
والحكم في بعض الشهر الأول كالحكم في جميعه سواء، يكفر عن ذلك ويقضي الثاني.
ومن قتل مؤمنا خطأ وهو أن يرمي غرضا فيصيب المؤمن بغير اعتماد فعليه ديته
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، ومن حلق رأسه من أذى به وهو محرم كفر
عن ذلك بدم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام متتابعات، وإذا قص المحرم
أظفاره أو شيئا من شعره كان عليه دم يهريقه كفارة لصنيعه.
والمتمتع بالعمرة إلى الحج عليه لإحلاله بين الإحرامين دم يهريقه مما تيسر له، فإن لم يجد
25

دما لفقره صام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، وسبعة أيام
إذا رجع إلى أهله متتابعات كما قال الله عز وجل: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من
الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، ومن
ظلل على نفسه وهو محرم أو لبس ثوبا بعد إحرامه كان عليه دم يهريقه بمنى كفارة لما صنع،
ومن صاد وهو محرم فلم يقدر على الفدية والإطعام قوم ما وجب عليه من الفداء بمنى
وفض قيمته على البر وحسبه وصام لكل نصف صاع يوما، قال الله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من
النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك
صياما، وإن قدر على الإطعام ولم يقدر الفدية كان عليه في النعامة إطعام ستين مسكينا، وفي
البقرة الوحشية إطعام ثلاثين مسكينا، وفي الظبي إطعام عشرة مساكين، ومن نفر حمام الحرم
كان عليه لتنفيره دم شاة كفارة لذنبه.
ومن وطئ بيض نعام وهو محرم فكسره كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد
ما كسره من البيض فما نتج منها كان المنتوج هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يقدر على
ذلك كفر عن كل بيضة بإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد الإطعام صام عن كل بيضة شهرين
متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما عوضا عن إطعام كل
عشرة مساكين بصيام ثلاثة أيام، فإن وطئ بيض القبج أو الدراج أرسل فحولة الغنم
على إناثها بعدد المكسور من البيض فما نتج كان هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يجد ذلك
ذبح عن كل بيضة شاة فإن لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر على
الإطعام صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
ومن قتل زنبورا وهو محرم كفر عن ذلك بتمرة وكذلك من قتل جرادة، فإن قتل جرادا
قليلا كفر عن ذلك بكف من تمر فإن كان الجراد كثيرا كفر بمد من تمر، ومن حلف بالله تعالى
وهو محرم كاذبا كفر عن يمينه بدم شاة، فإن حلف ثانية كفر بدم بقرة فإن حلف ثالثة كفر
بدم بدنة، فإن حلف مرة أو مرتين صادقا لم يكن عليه شئ فإن حلف ثلاث مرات صادقا كفر
بدم شاة، ومن وطئ وهو محرم كفر عن ذلك ببدنة ينحرها بمنى، ومن تزوج بامرأة في عدتها
فارقها وكفر عن فعله بخمسة أصوع من دقيق.
26

ومن نام عن صلاة عشاء الآخرة حتى يزول النصف الأول من الليل صلاها حين
يستيقظ ويصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت، ومن نام عن صلاة
الكسوف متعمدا حتى يصبح فليغتسل كفارة لذنبه ويقضها بعد الغسل، ومن سعى إلى
مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه فليستغفر الله تعالى من ذلك ويغتسل كفارة لسعيه إليه،
ومن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وأسلم نفسه إلى أولياء المقتول فرضوا منه بالدية أو عفوا
عنه كفر عن فعله مع التوبة بعتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا، فإن لم
يقدر على جميع هذه الثلاث كفارات وكانت في إمكانه واحدة منها كفر بها إن شاء الله.
ولا يجوز للرجل أن يشق ثوبه في موت ولده ولا في موت زوجته، فإن فعل ذلك كان عليه
كفارة يمين ولا بأس أن يشق ثوبه على أبيه وفي موت أخيه، و لا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها
في مصاب ولا تخدشه ولا تجز شعرها، فإن جزته كان عليها كفارة قتل الخطأ عتق رقبة أو
إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين، وإن خدشت وجهها حتى تدميه فعليها
كفارة يمين، وإن لطمت وجهها استغفرت الله تعالى ولا كفارة عليها أكثر من الاستغفار.
27

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
29

كتاب الأيمان والنذور والكفارات
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من حلف بالله تعالى أن يفعل قبيحا أو يترك واجبا لم
ينعقد يمينه ولم تلزمه كفارة إذا فعل ما حلف أنه لا يفعله أو لم يفعل ما حلف أنه يفعله، ومن
عدا الإمامية يوجبون على من ذكرناه الحنث والكفارة.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن انعقاد اليمين حكم شرعي بغير شبهة. وقد علمنا
بالإجماع انعقاد اليمين إذا كانت على طاعة أو مباح، وإذا تعلقت بمعصية فلا إجماع ولا
دليل يوجب العلم على انعقادها، فوجب نفي انعقادها لانتفاء دليل شرعي عليه.
وأيضا فإن معنى انعقاد اليمين أن يجب على الحالف فعل ما حلف أنه يفعله أو يجب
عليه أن لا يفعل ما حلف أنه لا يفعله، ولا خلاف أن هذا الحكم مفقود في اليمين على
المعصية لأن الواجب عليه أن لا يفعلها فكيف تنعقد يمين يجب عليه ألا يفي بها وأن يعدل
عن موجبها.
فإن قيل: ليس معنى انعقاد اليمين ما ادعيتم بل معناه وجوب الكفارة متى خالف أو
حنث.
قلنا: هذا غير صحيح لأن وجوب الكفارة وحكم الحنث يتبعان انعقاد اليمين لأنا إنما
31

نلزمه الكفارة لأجل خلافه ليمين انعقدت فكيف نفسر الانعقاد بلزوم الكفارة وهو مبني
عليه وتابع له، والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أن الله تعالى أمرنا بأن نحفظ أيماننا ونقيم
عليها بقوله تعالى: واحفظوا أيمانكم، وبقوله تعالى: أوفوا بالعقود، فاليمين المنعقدة هي
التي يجب حفظها والوفاء بها، ولا خلاف أن اليمين على المعصية بخلاف ذلك، فيجب أن
تكون غير منعقدة، فإذا لم تنعقد فلا كفارة فيها.
وأيضا فإن من حلف أن يفعل معصية ثم لم يفعلها هو بأن لم يفعلها مطيع لله تعالى
فاعل لما أوجبه عليه فكيف يجب عليه كفارة فيما أطاع الله تعالى فيه وأدى الواجب به، وإنما
وجبت الكفارة على من أثم بمخالفة يمينه وحنث لتحط عنه الكفارة الإثم والوزر.
فإن قيل: فقد روي عن النبي ص أنه قال: من حلف على شئ فرأى
ما هو خير منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا يقتضي قطعا، وإنما تثبت الأحكام بما يقتضي
العلم ولنا من أخبارنا التي نرويها عن أئمتنا ع ما لا يحصى من المعارضة مما
يتضمن التصريح بسقوط الكفارة.
ويعارض هذا الخبر بما روي عن النبي ص في حديث عمر وأنه قال:
وليأت الذي هو خير وكفارتها تركها، يعني عليه السلام ترك المعصية لأن الكفارة لما كانت
لإزالة الإثم وترك المعصية إذا كان واجبا فلا إثم عليه فيه فقد قام مقام الكفارة،
ونحن نستعمل الخبرين المرويين عنه ع فنحمل قوله: وليكفر، على الاستحباب
والندب، والمخالف لنا لا يمكنه على مذهبه استعمال الخبر المتضمن سقوط الكفارة، وإن
كفارتها تركها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن القائل إذا قال: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو هي على
كظهر أمي أو عبدي حر أو مالي صدقت لم يكن كل ذلك يمينا يلزم فيها الحنث والكفارة،
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقالوا: متى حنث لزمه والظهار والعتق.
وقال أبو حنيفة: إذا حلف بصدقة جميع ماله ثم حنث فعليه أن يتصدق بجميعه، وقال
32

الشافعي: يجب عليه إذا حنث كفارة يمين، وقال مالك: يخرج عن ماله الثلث إذا حنث.
وقد روي موافقة الشيعة عن ابن عباس رحمه الله وطاووس والشعبي وأنه لا شئ على
من حلف بذلك ثم حنث.
أما الدلالة أن على الطلاق والظهار لا يقعان مشروطين فقد تقدم في هذا الكتاب، وأما العتق
والصدقة ففي أصحابنا من يفتي بأنه إن أخرج ذلك القول مخرج اليمين كان لغوا باطلا
لا حكم له، وإن أخرجه مخرج النذر كان له حكم النذر ووجب عليه العتق والصدقة إذا كان
ما علقة به من الشرط، وهذا غير صحيح لأن النذر عند جميع أصحابنا من شرطه أن يقول
الناذر: لله تعالى على كذا إن كان كذا، فإذا قال: إن عبدي حر إن كان كذا أو مالي صدقة،
وقصد النذر دون اليمين فلا يكون ناذرا إلا أن يقول: لله على صدقة مالي وعتق عبدي، فإن
لم يقل ذلك لم يكن ناذرا كما لا يكون حالفا.
والدليل على أن ذلك ليس بيمين ولا يلزم فيه حنث إجماع الطائفة وإجماعهم حجة،
وأيضا فلا خلاف في أن الحالف بغير الله تعالى عاصي مخالف لما شرع له من كيفية اليمين،
فإذا كان انعقاد اليمين حكما شرعيا لم يقع بالمعصية المخالفة للمشروع، وأيضا فإن
الأصل براءة الذمة من الحقوق ومن أثبت ذلك كان عليه الدليل.
فإن احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتيتنا من فضله لنصدقن
الآية، وتعالى ذمهم على مخالفة نفس ما عاهدوا عليه.
فالجواب أنا لا نسلم أن ذلك عهد فمن ادعى له حكم العهد فعليه الدلالة، وبعد
فإن أكثر أصحابنا يقولون: إن قوله: على عهد الله، ليس بيمين.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن القائل إذا قال: علي عهد الله أن لا أفعل محرما، ففعله أو
أن أفعل طاعة فلم يفعلها أو ذكر شيئا مباحا ليس بمعصية ثم خالف أنه يجب عليه عتق
رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وهو مخير بين الثلاث.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، فعند أبي حنيفة ومالك أن هذا القول يمين
يجب فيه ما يجب في حنث اليمين، وقال الشافعي: إن نوى بذلك اليمين كان يمينا ومتى لم ينو لم يكن
33

- يمينا.
دليلنا إجماع الطائفة المحقة، وإن شئت أن تقول قد ثبت أن من حلف على أن يفعل
فعلا هو معصية أنه يجب عليه أن لا يفعله ولا كفارة تلزمه، وكل من قال بسقوط الكفارة
عمن ذكرناه قال: في من عاهد الله تعالى ثم نكث، أن الكفارة التي ذكرناها تلزمه، ولا أحد
من الأمة يفرق بين المسألتين، فمن فرق بينهما خالف الاجماع.
مسألة:
ومما يظن أن الإمامية انفردت به، وللشافعي فيه قولان: أحدهما موافق للإمامية: إن من
حلف بالله تعالى أن لا يدخل دارا أو لا يفعل شيئا ففعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة عليه،
وألزمه باقي الفقهاء الكفارة إلا على أحد قولي الشافعي الذي ذكرناه.
دليلنا على صحة ما ذكرناه وذهبنا إليه الاجماع المتكرر، وأيضا قوله تعالى، ليس عليكم
جناح فيما أخطأتم به، فإذا قيل: الجناح هو الإثم، قلنا: قد يعبر به في القرآن والشريعة عن
الإثم وعن كل فعل فيجب حمله على الأمرين ما لم تقم دلالة، وأيضا فإن النسيان والإكراه
يرفعان التكليف العقلي فكيف لا يرفعان التكليف السمعي، وأيضا فإن الكفارة وضعت في
الشريعة لإزالة الإثم المستحق، وقد سقط الإثم عن الناسي بلا خلاف ولا كفارة عليه.
وأيضا فإن الفعل المحلوف عليه يتعذر بالإكراه والنسيان كما يتعذر بفقد القدرة،
فكما يرتفع التكليف مع فقد القدرة، فكذلك يرتفع مع الإكراه وفقد العلم، وكما أن من
حلف على أن يفعل شيئا وفقد قدرته عليه لا يلزمه كفارة، فكذلك من حلف أنه يفعله فأكره
على أن لا يفعله أو سلب علمه فيجب أيضا أن لا تلزمه الكفارة لارتفاع التمكن على
الوجهين معا.
ويمكن أن يعارض المخالفون في هذه المسألة بما رووه وهو ظاهر في كتبهم ورواياتهم،
عن ابن عباس رحمه الله عن النبي ص أنه قال: إن الله تعالى تجاوز لأمتي عن
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وليس لهم أن يحملوا الخبر على إثم الخطأ والنسيان
دون حكمهما لأن الواجب حمله عليهما معا إلا أن تقوم دلالة، أ لا ترى أن رفع الخطأ والنسيان
34

نفسيهما لا يمكن أن يراد بالخبر، وإنما المراد ما يرجع إلى الخطأ والنسيان من حكم وإثم،
وليس حملهما على أحدهما بأولى من الآخر فيجب حمله عليهما.
مسألة:
ومما يجوز أن يظن بالإمامية الانفراد به: إن من حلف أن لا يكلم زيدا حينا وقع على
ستة أشهر، وقد وافق الإمامية أبو حنيفة في ذلك، والشافعي يذهب إلى أن الحين يقع على
الأبد، وقال مالك: الحين سنة واحدة، والذي يجب تحقيقه أن هذا القائل إذا كان عني بالحين
زمانا بعينه فهو على ما نواه، وإن أطلق القول عاريا من نية كان عليه ستة أشهر.
دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد، وإذا كان اسم الحين يقع على أشياء مختلفة
فيقع على الزمان كله في قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) وإنما أراد
زمان الصباح والمساء كله، ورأيت بعض متقدمي شيوخ أصحاب أبي حنيفة يحمل هذه
الآية على أن المراد بها ساعة واحدة فكأنه قال سبحانه ساعة تمسون وساعة تصبحون،
وهذا غلط فاحش منه لا يخفى، ومما يقع عليه أيضا اسم الحين أربعون سنة قال الله تعالى: هل
أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فذكر المفسرون أنه تعالى أراد أربعين
سنة، ومما يقف عليه أيضا اسم الحين على وقت مبهم. قال الله تعالى: ومتعناهم إلى حين، ويقع على
ستة أشهر، قال الله تعالى: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وروي عن ابن عباس أن المراد بذلك ستة أشهر، وقال غير ابن عباس سنة، ومع
اشتراك اللفظ لا بد من دلالة في حمله على البعض، ولما نقلت الإمامية عن أئمتها عليهم
السلام أنه ستة أشهر، وأجمعوا عليه كان ذلك حجة في حمله على ما ذكرناه، وأبو حنيفة مع
اعترافه باحتمال اللفظ للمعاني المختلفة كيف حمله على ستة أشهر بغير دليل مرجح
واللفظ يحتمل ذلك ويحتمل غيره؟ وكذلك مالك. وأما الشافعي فهو أعذر منهما، لأنه لما
رأى الاشتراك حمله على التأبيد.
35

مسائل النذر
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به إن النذر لا ينعقد إلا بأن يقول الناذر: لله علي كذا وكذا، بهذا
اللفظ فإن خالف هذه الصيغة وقال: على كذا وكذا، ولم يقل لله عز وجل لم ينعقد نذره،
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وقد روي عن الشافعي وأبي ثور موافقة الإمامية في ذلك.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع الذي تكرر، وأيضا فلا خلاف في أنه إذا قال باللفظ
الذي ذكرناه يكون ناذرا، وانعقاد النذر حكم شرعي لا بد فيه من دليل شرعي، وإذا خالف
ما ذكرناه فلا دليل على انعقاده ولزوم الحكم به. وأيضا فإن الأصل براءة الذمة من حكم
النذر، فمن ادعى مع اللفظ المخالف لقولنا وجوبه في الذمة فعليه الدليل.
مسألة:
ومما كان الإمامية منفردة به: إن النذر لا يصح في معصية ولا بمعصية ولا تكون
المعصية فيه سببا ولا مسببا فأما كون المعصية سببا، فمثاله أن ينذر أنه إن شرب خمرا أو
ارتكب قبيحا أعتق عبده، ومثال كون المعصية مسببا أن يعلق بما يبلغه من محبة أن
يشرب خمرا أو ترتكب قبيحا والشافعي يوافق الشيعة في أن نذر المعصية لا كفارة فيه، وما
كان عندي أنه يوافقنا في إبطال كون المعصية سببا حتى قال لي بعض شيوخ الشافعية أن
الشافعي يوافقنا أيضا في ذلك.
والدلالة على قولنا بعد إجماع الطائفة أن لزوم النذر حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل
شرعي، وقد علمنا أن السبب أو المسبب إذا لم يكن معصية انعقد النذر ولزم الناذر حكمه
بلا خلاف فمن ادعى مثل ذلك في المعصية فعليه الدلالة.
وأيضا فمعنى قولنا في انعقاد النذر أنه يجب على الناذر فعل ما أوجبه على نفسه، وإذا
علمنا بالإجماع أن المعصية لا تجب في حال من الأحوال علمنا أن النذر لا ينعقد في المعصية،
36

ويجوز أن يعارض المخالفون بالخبر الذي يروونه عن النبي ص أنه قال:
لا نذر في معصية، ولم يفرق بين أن تكون المعصية سببا أو مسببا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن من خالف النذر حتى فات فعليه كفارة وهي عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وهو مخير في ذلك فإن تعذر عليه الجميع كان
عليه كفارة يمين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا هذه الكفارة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وإن شئت أن تبنيه على بعض المسائل
المتقدمة، فتقول: كل من ذهب إلى أن قول القائل مالي صدقة أو امرأتي طالق إن كان كذا أنه
لا شئ يلزمه، وإن وقع الشرط أوجب عنده الكفارة على من لم يف بنذره، والتفرقة بين
الأمرين خلاف الاجماع. وإن شئت أن تقول: كل من منع انعقاد النذر على معصية أو
بمعصية على كل حال أوجب هذه الكفارة في من فوت نفسه نذره ولا يلزم على ذلك أن
الشافعي يوافق في بطلان النذر المتعلق بالمعصية لأنه لا يمنع منه على كل حال ويشرطه
بالاجتهاد وهو يجوز لمن أداه اجتهاده إلى خلافه أو استفتى من هذه حاله خلاف مذهبه،
ونحن لا نجوز خلاف مذهبنا على كل حال، وقد شرطنا أن من منع ذلك على كل حال قد
أوجب الكفارة، وهذا مالا يوجد مع الشافعي.
مسألة:
ومما يظن أن الإمامية انفردت به القول: بأن من نذر سعيا إلى مشهد من مشاهد النبي
عليه وآله السلام أو أمير المؤمنين ع أو أحد الأئمة ع أو نذر صياما أو
صلاة فيه أو ذبيحة لزمه الوفاء به، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك إلا أنه قد روي عن الليث
بن سعد أنه قال: متى حلف الرجل أن يمشي إلى بيت الله عز وجل ونوى بذلك مسجدا من
المساجد أن ذلك يلزمه.
دليلنا الاجماع الذي يتكرر، وأيضا قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود،
وهذا عقد فيه طاعة لله عز وجل وقربة وليس لهم أن يقولوا قد أوجب على نفسه جنسا لا يجب
37

مثله في العبادات لأن السعي قد يجب إلى البيت الحرام وفي مواضع الصلاة والصيام والذبح
لا شبهة فيه ويعارضون بما يروى عنه ع من قوله: من نذر أن يطيع الله تعالى
فليطعه.
مسألة:
ومما كان الإمامية منفردة به: إن النذر لا ينعقد حتى يكون معقودا بشرط متعلق به، كأن
يقول: لله علي إن قدم فلان، أو كان كذا أن أصوم أو أتصدق، ولو قال: لله على أن أصوم
من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، إلا أن أبا بكر الصيرفي
وأبا إسحاق المروزي ذهبا إلى مثل ما تقوله الإمامية.
دليلنا على صحة ذلك الاجماع الذي تردد وأيضا إن معنى النذر في اللغة أن يكون متعلقا
بشرط، ومتى لم يتعلق بشرط لم يستحق هذا الاسم، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم يشرط ولم يلزمه
الوفاء لأن الوفاء إنما يلزم متى ثبت الاسم والمعنى.
فأما استدلالهم بقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وبقوله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم، وبما روي عنه ع من قوله: من نذر أن يطيع الله فليطعه فليس بصحيح،
أما الآية فإنا لا نسلم أنه مع التعري من الشرط يكون عقدا، وكذلك لا نسلم لهم أنه مع
الخلو من الشرط يكون عهدا، والآيتان تناولتا ما يستحق اسم العقد والعهد فعليهم أن
يدلوا على ذلك، وأما الخبر عن النبي ص أنه أمر بالوفاء بما هو نذر على
الحقيقة ونحن نخالف في أنه يستحق هذه التسمية مع فقد الشرط فليدلوا عليه.
فأما استدلالهم بقول جميل:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي وهموا بقتلي يابثين لقوني
وبقول عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لقيتهما دمي
38

وإن الشاعرين أطلقا اسم النذر مع عدم الشرط، فمن ركيك الاستدلال لأن جميلا ما
حكى لفظ نذرهم وإنما خبر عن أعدائه بأنهم نذروا دمه فمن أين أن نذرهم الذي خبر
عنه لم يكن مشروطا؟ وكذلك القول في بيت عنترة على أنه قوله إذا لقيتهما أو إذا لم
ألقهما دمي على اختلاف الرواية هو الشرط، فكأنهم قالوا: إذا لقيناه قتلناه، فنذروا قتله،
والشرط فيه اللقاء له.
مسائل الكفارات
قد مضى في صدر هذا الكتاب الكلام في المسائل التي تنفرد بها الإمامية في كفارة
واطئ امرأته في الحيض وفي باب الصوم أيضا في من تعمد أن يبقى جنبا من ليل شهر
رمضان إلى نهاره، وفي نظائر هذه المسألة من باب الصوم فوجب فيها من الكفارة مالا
يوجبه أكثر الفقهاء، وقد بيناها في باب مسائل الصوم وفي كفارة الجنايات في الحرم، ولا
فائدة في إعادة ما مضى وإنما نذكر ما لم يتقدم ذكره.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من وطأ أمته وهي حائض أن عليه أن يتصدق
بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة مساكين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا بعد الاجماع المتردد أنا قد علمنا أن الصدقة بر وقربة وطاعة لله تعالى فهي داخلة
تحت قوله تعالى افعلوا الخير، وأمره بالطاعة فيها لا يحصى من الكتاب وظاهر الأمر يقتضي
الإيجاب في الشريعة فينبغي أن تكون هذه الصدقة واجبة بظاهر القرآن، وإنما يخرج بعض
ما يتناوله هذه الظواهر عن الوجوب ويثبت له حكم الندب بدليل قاد إلى ذلك ولا دليل
هاهنا يوجب العدول عن الظاهر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من نام عن صلاة العشاء الآخرة حتى يمضى
النصف الأول من الليل وجب عليه أن يقضيها إذا استيقظ وأن يصبح صائما كفارة
39

تفريطه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
دليلنا على صحة قولنا بعد الاجماع الذي يتردد الطريقة التي ذكرناها قبل هذه المسألة
بلا فصل من قوله تعالى: وافعلوا الخير، وأمره عز وجل بالطاعة على الترتيب الذي بيناه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن على المرأة إذا جزت شعرها كفارة قتل الخطأ عتق رقبة أو
إطعام ستين مسكين أو صيام شهرين متتابعين فإن خدشت وجهها حتى تدميه كان عليها
كفارة يمين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ودليلنا ما تقدم ذكره ولا معنى لإعادته.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من شق ثوبه في موت ولد له أو زوجة كان عليه كفارة يمين
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، دليلنا على صحة ما ذكرناه فيها، تقدم في المسألتين المتقدمتين بلا فصل.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم بذلك أن عليه أن
يفارقها ويتصدق بخمسة دراهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والدليل على ذلك ما تقدم
ذكره.
مسألة:
ومما يظن أن الإمامية انفردت به القول: بأن ولد الزنى لا يعتق في شئ من الكفارات،
وقد روي وفاقها عن عبد الله بن عمر وعطاء والشعبي وطاووس، وباقي الفقهاء
يخالفون ذلك.
دليلنا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، وولد الزنى يطلق
عليه هذا الاسم.
وقد رووا عن رسول الله ص أنه قال: لا خير في ولد الزنى لا في لحمه ولا
في دمه ولا في جلده ولا في عظمه ولا في شعره ولا بشره ولا شئ منه، وإجزاؤه في الكفارة
40

وإسقاط الحكم به عن الجاني ضرب كثير من الخير وقد نفاه الرسول ص، فإن
تعلقوا بظاهر قوله تعالى: فتحرير رقبة، قلنا: نخص ذلك بدليل كما خصصنا كلنا أمثاله
بالدليل.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن من أفطر لمرض في صوم التتابع بنى على ما تقدم
ولم يلزمه الاستئناف، وقد وافق الإمامية على هذا أحد قولي الشافعي وله في هذه المسألة
قولان: أحدهما أن يستأنف مثل قول باقي الفقهاء، والآخر لا يستأنف.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن المرض عذر ظاهر لسقوط الفروض، وقد علمنا أنه
لو أفطر بغير عذر للزمه الاستئناف ولم يجز له البناء، فلا يجوز أن يكون مثل ذلك حكمه مع
العذر لأن المعذور لا بد أن يخالف حكمه حكم من لا عذر له، والقوم يفرقون بين المرض
والحيض في هذا الحكم ولا فرق بينهما عند التأمل لأن لكل واحد منهما عذرا لا يقدر على
دفعه والانفكاك منه.
مسألة:
ومن انفراد الإمامية به القول: بأن من صام من الشهر الثاني يوما أو أكثر من صيام
الشهرين المتتابعين وأفطر من غير عذر كان مسيئا وجاز له أن يبني على ما تقدم من غير
استئناف، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا بعد الاجماع الذي يتكرر قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وقوله
تعالى: يريد الله أن يخفف عنكم، وقد علمنا أن في إلزام من ذكرناه الاستئناف مشقة شديدة
وحرج عظيم.
41

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
43

فصل في النذور والعهود والوعود:
لا ينعقد النذر إلا في طاعة خالصة لله مماثلة لما تعبد به الله سبحانه في شريعتنا، معلقة
ببلوغ طاعة أو مباح أو نجاة من مخوف ديني أو دنيوي، فإن نذر مباحا لم ينعقد، وإن علق نذر
الطاعة بمعصية لم ينعقد أيضا، وكذلك إن علقه بفعل ما الأولى تركه أو ترك ما الأولى فعله
أو بطاعة تخالف المشروع، وهو على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض: أن يقول الناذر في حال عقده، لله علي إن كان كذا وكذا من الأمور الحسنة
كذا من الطاعات فعلا أو تركا أو يعزم على الإيجاب، فمتى بلغ ما علق النذر به وجب عليه
ما نذره على الوجه الذي نذره في وقته.
فإن كان متعينا له مثل كيوم خميس أو شهر محرم، فليفعله في أول الأزمنة من تمكنه، وإن كان متعينا
لا مثل له كشهر معين من سنة معينة أو من كل سنة أو كل خميس فعليه فعله فيه،
فإن فرط حتى فات فعليه قضاؤه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.
وإن حضر الزمان وهو غير متمكن من فعله فهو في ذمته إلى حين إمكانه، وإن علق فعله
بمكان معين كمكة أو مسجد النبي أو بعض مشاهد الأئمة ع أو شرط فيه صفة
فعليه فعله في المكان وعلى الصفة، ولا يجزئه من دونهما.
45

والمسنون: أن يقول المكلف: إن كان كذا وكذا من المباح أو الطاعة فعلت كذا من
الطاعات، ولا يقول: لله علي، ولا يلزم على الإيجاب، فهو بالخيار في الوفاء بالنذر والإخلال به
والأداء أفضل.
ومن عاهد الله سبحانه أن لا يفعل قبيحا أو يفعل طاعة في زمان معين لا مثل له، ففعل
القبيح فيه أو أخل بالطاعة مع ثبوت تكليفه، لزمه ما يلزم المخل بفرض النذر المعين
مختارا، وكذلك حكمه إذا عاهد الله أن لا يفعل قبيحا معينا أبدا ففعله، وإن كان المعهود
معلقا بوقت له مثل أو بصفة ففعله في غيره أو بغير صفته فعليه استئنافه في وقته وبصفته.
ومن وعد غيره بما يحسن الوفاء به فعليه الوفاء به، لأن خلفه كذب يجب اجتنابه، وإن
كان لو لم يف بالوعد لم يجب في الحكم إلزامه به، وإن كان الوعد قبيحا لم يجز الوفاء به ويلزم
الاستغفار منه لقبحه.
فصل في الأيمان:
لا يمين شرعية إلا باسم من أسماء الله تعالى الحسنى دون غيرها من كل مقسم به، وهو
على ضربين: أحدهما يوجب الكفارة والآخر لا كفارة فيه.
فأما ما يوجب الكفارة فمن شرطه أن يتعلق بأن لا يفعل الحالف في المستقبل قبيحا
أو مباحا لا ضرر عليه في تركه، أو يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله معتقدا لليمين
بالقصد مطلقا لهما من الاشتراط بالمشيئة فيلزم الوفاء، فإن حنث الحالف فعليه التوبة من
كذبه في قسمه.
والكفارة بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد صام ثلاثة أيام،
والكسوة على الموسر ثوبان وعلى المعسر ثوب واحد، والإطعام شبع المسكين في يومه، فإن لم
يجد إلا واحدا كرر الإطعام عشرة أيام.
ولا يجوز الانتقال إلى الصوم إلا لمن لم يجد ثوبا زائدا على ستر عورته وطعاما زائدا على
قوته وعياله ليومه، ولا كفارة قبل الحنث، فإن علق اليمين بالمشيئة فقال: والله لأفعلن كذا
إن شاء الله، أبطل حكمها ولم تلزمه كفارة مع الحنث.
46

فأما ما لا كفارة فيه فعلى ضروب:
منها أن يتعلق اليمين بفعل تركه أولى أو ترك فعله أولى في الدين، فتكون مخالفتها
أولى ولا كفارة.
ومنها أن يحلف على ماض وهو كاذب فيه كقول: والله ما فعلت كذا وقد فعل، أو: والله
لقد فعلت كذا وما فعله، فهو مأزور لكذبه في قسمه تلزمه التوبة دون الكفارة.
ومنها أن يحلف على جحد حق لغيره يتمكن من أدائه إليه فهو مأزور يلزمه الخروج إلى
ذي الحق منه ولا كفارة عليه.
ومنها أن يحلف على غيره ليفعلن كذا فهو مأثوم يلزمه التوبة والمحلوف عليه بالخيار،
والأفضل أن يبر قسمه ما لم يكن عامة ضرر فيه، ولا كفارة عليهما.
ومنها أن يستحلف غيره شافعا إليه في مندوب أو مباح، فالمشفوع إليه باليمين بالخيار،
والأفضل قبول الشفاعة ولا كفارة عليهما بحال.
ومنها اللغو وهو قول القائل: لا والله بلى والله، من غير أن يعقد القسم بالنية فلا تلزمه
كفارة والأولى تجنب ذلك.
واليمين بالمصحف والنبي والإمام وذي الرحم المؤمن خلاف للسنة والحالف
مرغب في الوفاء بما حلف عليه، وإن حنث أثم لكذبه ولا كفارة عليه، ولا يمين بطلاق
ولا عتاق ولا ظهار والحالف آثم لتدينه بخلاف المشروع ولا يلزم حكم ما حلف عليه،
ولا يمين للولد مع والده ولا للعبد والأمة مع السيد، ولا للمرأة مع الزوج فيما يكرهونه من
المباح.
ولا يجوز لأحد أن يحلف لغيره ليفعل قبيحا أو يخل بطاعته مختارا كاستحلاف الظلمة
لأعوانهم فإن اضطر جاز ذلك، ولا يحل له الوفاء باليمين، ومن طالبه ظالم بتسليم ما
لا يستحقه لم يجز له ذلك، فإن استحلفه عليه فليحلف ويوري في يمينه بما يخرج به عن الكذب
ولا شئ عليه وهو مأجور، وإن لم يفعل خوفا من اليمين وسلم ما لا يستحقه تسليمه فهو
ضامن له.
ولا يحل لمدين أن يضطر غريمه المعسر إلى اليمين، فإن اضطره إليها فهو مأزور، ويجوز
47

للغريم إذا خاف من الإقرار الحبس أن ينكر حقه ويحلف له ويوري في إنكاره ويمينه عليه بما
يخرج به عن الكذب.
وقول القائل: هو برئ من الله أو رسوله أو أحد الأئمة ع مطلقا مختارا
يقتضي كونه مأثوما تجب عليه التوبة وكفارة ظهار، فإن كان مكرها فلا شئ عليه، وإن
علق ذلك بشرط أثم، فإن خالف ما علق عليه البراءة فعليه الكفارة المذكورة.
وإن قال: هو برئ من الاسلام، أو هو كافر، أو هو مشرك، أو فاسق إن كان كذا، أو لم
يكن، أو قد كان، أو ما كان كذا، فهو مأزور صادقا كان أم كاذبا، وكذلك حكمه إن استحلف
غيره بالبراءة وذلك الغير مرغب في الإجابة، ولا كفارة في شئ من ذلك على حال.
48

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي 385 - 460 ه‍ ق
49

كتاب الأيمان والنذور والكفارات
باب ماهية الأيمان والأقسام:
اليمين المنعقدة عند آل محمد ع هي أن يحلف الانسان بالله تعالى أو بشئ
من أسمائه أي اسم كان، وكل يمين بغير الله أو بغير اسم من أسمائه فلا حكم له، وإذا
قال: لعمر والله، كان ذلك يمينا بالله. وقول الرجل: يا هناه ولا بل شانيك، من قول أهل
الجاهلية.
ولا يجوز أن يحلف أحد بالقرآن ولا بوالديه ولا بالكعبة ولا بالنبي ولا بأحد من الأئمة
ع، فمن حلف بشئ من ذلك كان مخطئا ولا يلزمه حكم اليمين، وإذا قال
الرجل: أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو مشرك أو كافر وأيمان البيعة والكنيسة يلزمني
فإن كل ذلك باطل ويستحق قائله به الإثم ولم يلزمه حكم اليمين، ولا يجوز أن يحلف أحد
بالبراءة من الله ولا من كتابه ولا من نبيه ولا من شريعة نبيه ولا من أحد من الأئمة
ع، وإذا قال الانسان: أقسمت أو حلفت لم يكن ذلك يمينا حتى يقول: حلفت بالله أو
أقسمت بالله، وإذا قال: حلفت برب المصحف، كان ذلك يمينا صحيحة.
واليهودي والنصراني والمجوسي وسائر أصناف الكفار لا يحلفون إلا بالله تعالى
وبأسمائه، فإن علم الإمام أو الحاكم أن استحلافهم بالتوراة والإنجيل أو بشئ من كتبهم
51

أردع لهم في بعض الأحوال جاز له أن يحلفهم به، ولا يقع اليمين بالطلاق ولا بالعتاق
ولا بالظهار ولا بتحريم الرجل امرأته على نفسه.
ولا تنعقد اليمين إلا بالنية والضمير فمتى تجرد من النية كان لغوا، والنية إنما يراعى
فيها نية المستحلف إذا كان محقا وإذا كان مبطلا كانت النية نية الحالف، ويمين المكره
والغضبان والسكران غير منعقدة إلا أن يكون في شئ من هذه الأحوال مالكا فيها نفسه
وينوي اليمين، والاستثناء في اليمين جائز إذا تعقب اليمين بزمان لا تتراخى فيه المدة
ويكون متصلا باليمين فإن تراخي زمانا طويلا فلا تأثير له، وإذا حلف علانية فليستثن
علانية وإذا حلف سرا فليستثن مثل ذلك، ومتى استثنى الانسان في يمينه ثم خالفه لم يكن
عليه شئ لأنها يمين موقوفة.
ولا يجوز لأحد أن يحلف إلا على ما يعلمه وإذا علمه جاز أن يحلف عليه قليلا كان أو كثيرا
إلا أنه يستحب له أن يتجنب اليمين على القليل وإن كان مظلوما بل يبذل من نفسه مقدار
ما يحلف عليه ما لم يضر به ذلك، فإن استضر به جاز له أن يحلف عليه كل حال.
وإذا حلف الانسان غيره على مال له وجب عليه الرضا بيمينه وليس له أن يأخذ من
ماله شيئا، فإن جاء الحالف ثانيا مقلعا وأعطاه المال الذي حلف عليه جاز له قبضه فإن جاء
بالمال ومعه ربحه فليأخذ رأس المال ونصف الربح ويعطيه النصف الآخر، فإن كان له
المال عنده فغصبه عليه وجحده غير أنه لم يحلفه ثم ظفر بشئ من ماله جاز له أن يأخذ
منه القدر الذي له من غير زيادة عليه، وإن كان المال الذي ظفر به وديعة عنده لم يجز له
جحده ولا يدخل في مثل ما دخل معه فيه.
باب أقسام الإيمان:
اليمين على ضربين: ضرب تجب فيه الكفارة وضرب لا تجب فيه الكفارة.
والضرب الذي لا كفارة فيه هو أن يحلف الانسان على أن يفعل ما يحرم عليه فعله، مثلا
أن يحلف أن يظلم إنسانا أو يقتل من لا يستحق القتل أو يؤذي مؤمنا أو يخون أخا له
فليترك جميع ذلك ولا كفارة عليه، وكذلك إن حلف أن يفعل فعلا كان الأولى ألا يفعله في دينه
52

أو دنياه فليتركه ولا كفارة عليه، مثلا أن يحلف أن يطالب بحق له على غيره الأولى ترك
مطالبته أو يحلف أن يبيع متاعا له الأولى به إمساكه أو يحلف أن يمضى في أمر كان الأولى تركه
فليترك جميع ذلك وليس عليه كفارة.
وإذا حلف ألا يفعل ما يجب عليه فعله فليفعله ولا كفارة عليه، مثلا أن يحلف ألا يرد
الوديعة أو لا ينصف من نفسه أو لا يشكر النعمة أو لا يصوم أو لا يصلي أو لا يحج وما أشبه
ذلك لا كفارة عليه، وإذا حلف إلا يفعل ما الأولى به فعله إما في دينه أو دنياه، مثلا أن يحلف
ألا يحسن إلى أحد أو لا يصلي نافلة أو لا يصوم تطوعا أو لا يصل أحدا من إخوانه أو لا يتجر
لمعيشته وهو محتاج إليها أو لا يسافر وهو محتاج إلى السفر أو لا يشتري لأهله شيئا وكانت
المصلحة في شرائه أو لا يسكن دارا وهو محتاج إلى سكناها وما أشبه ذلك، فليفعل جميع ذلك
ولا كفارة عليه.
ولا يمين لولد مع والده ولا لزوج مع زوجها ولا لمملوك مع سيده، فمتى حلف واحد منهم
على شئ مما ليس بواجب ولا قبيح جاز للأب حمل الولد على خلافه وساع للزوج حمل
زوجته على خلاف ما حلفت عليه ولا تلزمهما كفارة، ومتى حلف الانسان على الماضي مثلا أن
يقول: والله ما فعلت كذا وكذا وكان قد فعله فقد أثم بذلك ولم يلزمه كفارة وليستغفر الله
ولا يعد.
ومن كان عنده وديعة لمؤمن فطالبه بها ظالم فلينكرها وإن استحلفه على ذلك فليحلف
ويوري في نفسه ما يخرجه عن كونه كاذبا وليس عليه كفارة بل له فيه أجر كبير، وإن لم يكن
ممن يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة لم يكن عليه شئ أيضا، ومن حلف على شئ
يدفع به أذى عن نفسه أو عن مؤمن كان له فيه أجر ولم يكن عليه فيه كفارة، والسلطان
الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المؤمنين فحلفوا له لم يجز لهم الوفاء به بل وجب
عليهم ترك الظلم ولا كفارة عليهم.
ومن كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره فقدمه صاحب الدين إلى حاكم
يعلم أنه متى أقر عنده حبسه فأضر به وبأهله جاز له جحده والحلف عليه بعد أن ينوي
قضاءه عند التمكن منه ويوري في يمينه ولا إثم عليه في يمينه ولا كفارة، وإن لم ينو قضاءه كان
53

مأثوما، ولا يجوز لصاحب الدين أن يعرضه لليمين مع علمه بإعساره ولا يحل له حبسه مع
العلم بعجزه عن أداء ما عليه، فإن حلفه على ذلك أو حبسه مع إحاطة علمه بعجزه كان
مأثوما.
ومن وهب له أحد والديه شيئا ثم مات الواهب فطالبه الورثة بذلك الشئ جاز له أن
يحلف أنه كان اشتراه وأعطى ثمنه ولم يكن عليه كفارة ولا إثم، ومن حلف على انسان
ليأكل معه أو يجلس معه أو يمشي فلم يفعل لم يجب عليه الكفارة ومن حلف ألا يشترى لأهله
شيئا بنفسه فليشتره وليس عليه كفارة ومن حلف لزوجته ألا يتزوج عليها ولا يتسرى لا في
حياتها ولا بعد وفاتها جاز له أن يتزوج ويتسرى وليس عليه كفارة ولا إثم، وكذلك إن
حلفت هي ألا تتزوج بعد وفاته جاز لها أن تتزوج ولم يكن عليها كفارة ولا إثم.
ومن حلف بأن عبيده أحرار خوفا من ظالم لم ينعتقوا بذلك ولم يكن عليه كفارة، وإذا
حلفت المرأة ألا تخرج إلى بلد زوجها ثم احتاجت إلى الخروج فلتخرج ولا كفارة عليها،
ومن كان عليه دين فحلفه صاحبه ألا يخرج من البلد إلا باذنه لم يجز له الخروج إلا بعد
إعلامه، إلا أن يخاف إن أعلمه منعه من ذلك وكان عليه في المقام ضرر أو على عياله فإنه
يجوز له الخروج ولم يكن عليه كفارة.
ومن حلف أن يؤدب غلامه بالضرب جاز له تركه ولا تلزمه كفارة، قال الله تعالى: وأن
تعفوا أقرب للتقوى، ومن حلف ألا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها وليس به
حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهن، فإن أكل أو شرب مع
ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة، وإن كان قد شرب ذلك لحاجة به لم يكن عليه شئ.
ومن أودع عند انسان مالا وذكر أنه لإنسان بعينه ثم مات فجاء ورثته يطالبونه
بالوديعة فإن كان الموصي ثقة عنده جاز له أن يحلف بأن ليس عنده شئ ويوصل الوديعة
إلى صاحبها، وإن لم يكن ثقة عنده وجب عليه أن يرد الوديعة على ورثته.
ومن حلف ألا يمس جارية غيره أبدا ثم ملكها بعد ذلك جاز له وطؤها لأنه إنما حلف ألا
يمسها حراما فإذا ملكها فقد زال ذلك عنه، ومن حلف على مال لغيره ليقتطعه ارتكب
بذلك كبيرة موبقة غير أنه لم يجب عليه الكفارة بل كفارته أن يرد على صاحب الحق حقه
54

من غير نقصان.
وأما الضرب الآخر من الأيمان التي تجب فيه الكفارة فهو أن يحلف ألا يخل بواجب
أو لا يفعل قبيحا فمتى أخل بما وجب عليه أو ارتكب قبيحا وجب عليه فيه الكفارة، ومتى
حلف أن يفعل ما قد وجب عليه فعله أو ما الأولى به فعله في دينه أو دنياه ثم لم يفعل ما وجب
عليه أو أخل بما الأولى به فعله كان عليه الكفارة، ومن حلف أن يفعل فعلا من الأفعال كان
فعله وتركه على حد واحد ولم يكن لأحدهما على الآخر مزية فمتى لم يفعله كان عليه
الكفارة، وكذلك إن حلف ألا يفعل فعلا كان فعله مثل تركه فمتى فعله وجبت عليه الكفارة.
باب ماهية النذور والعهود:
النذر هو أن يقول الانسان إن كان كذا وكذا فلله على كذا وكذا من صيام أو صدقة
أو حج أو صلاة وغير ذلك من أفعال البر.
فمتى كان ما نذر عليه وحصل وجب عليه الوفاء بما نذر فيه ولم يسغ له تركه، وإن
قال: إن كان كذا وكذا فعلى كذا ولم يقل: لله، لم يكن ذلك نذرا واجبا بل يكون مخيرا في
الوفاء به وتركه والأفضل له الوفاء به على كل حال.
ومتى اعتقد أنه متى كان شئ فلله عليه كذا وكذا وجب عليه الوفاء به عند حصول
ذلك الشئ وجرى ذلك مجرى أن يقول: لله على كذا وكذا، وإن جعل في اعتقاده أنه متى
كان شئ كان عليه كذا ولم يعتقده لله كان مخيرا في ذلك أيضا حسب ما قدمناه في القول.
ومن نذر لله تعالى أنه متى حصل أمر كان عليه شئ ولم يعينه ولم يميزه كان بالخيار إن
شاء صام يوما وإن شاء تصدق بشئ قل أم كثر وإن شاء صلى ركعتين أو فعل قربة من
القربات، ومتى قال: متى كان كذا وكذا فلله على المشي إلى بيت الله أو اهتداء بدنة إليه،
فمتى كان ذلك الشئ وجب عليه الوفاء به، فإن قال: متى كان كذا فلله على أن أهدي
هذا الطعام إلى بيته، لم يلزمه ذلك لأن الإهداء لا يكون إلا في البدن خاصة أو ما يجري مجراها
من البقر والغنم ولا يكون بالطعام.
والمعاهدة أن يقول: عاهدت الله تعالى أو يعتقد ذلك أنه متى كان كذا فعلى كذا، فمتى
55

قال ذلك أو اعتقده وجب عليه الوفاء به عند حصول ما شرط حصوله وجرى ذلك مجرى
النذر سواء، ومتى قال: هو محرم بحجة أو عمرة إن كان كذا وكذا لم يكن ذلك شيئا.
والنذر والعهد معا إنما يكون لهما تأثير إذا صدرا عن نية، فمتى تجردا من النية لم يكن
لهما تأثير على حال.
باب أقسام النذور والعهود
النذر على ضربين: ضرب يجب الوفاء به وضرب يجب ذلك فيه.
فالذي يجب الوفاء به هو أن ينذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا كان عليه شئ
بعينه من صيام أو صدقة أو حج أو غير ذلك من أفعال البر فمتى فعل ذلك وجب عليه
الوفاء به، وكذلك من نذر أنه متى عوفي من مرضه أو قدم من سفره أو ربح في تجارته أو سلم
من يد ظالم أو كان شئ من ذلك بولد له أو أخ أو مؤمن كان لله عليه شئ معلوم وجب أيضا
عليه الوفاء به، ومتى نذر الانسان أنه إن عوفي ولد له من مرضه وهو غائب عنه ثم سمع
بصلاحه فإن كان برؤه بعد النذر وجب عليه الوفاء به وإن كان برؤه قبل النذر لم يجب
عليه ذلك.
ومتى نذر أنه لا يتزوج حتى يحج ثم تزوج قبل الحج وجب عليه الوفاء بالنذر سواء
كانت حجته حجة الاسلام أو حجة التطوع لأنه عدل عن طاعة إلى مباح، ومتى وجب عليه
ما نذر فإن كان علقه بشرط وأنه يفعله في وقت معين وجب عليه الوفاء به عند حصول
الشرط أو دخول الوقت، فإن خالفه كان عليه الكفارة وإن لم يكن علقه بشرط ولا بوقت
معين كان ذلك ثابتا في ذمته إلى أن يفي به.
ومن نذر أن يصوم شهرا أو سنة أو أقل أو أكثر ولم يعلقه بوقت معين وجب عليه
الوفاء به أي وقت كان غير أن الأحوط إتيانه به على الفور وإن أخره لم تلزمه كفارة، ومتى
علقه بوقت معين فمتى لم يصمه في ذلك الوقت وجب عليه القضاء والكفارة، ومتى وجب
عليه صيام نذر فمرض أو سافر أو اتفق أن يكون يوم العيدين وجب عليه أن يفطر ذلك
اليوم ويقضيه وليس عليه كفارة، اللهم إلا أن يكون قد نذر أن يصومه على كل حال سواء
56

كان مسافرا أو حاضرا فإنه يجب عليه الوفاء به وكان عليه صيامه، فأما صيام يوم العيدين
فلا يجوز له على كل حال وإن ذكر ذلك في حال النذر لأن ذلك نذر في معصية.
ومن نذر أن يعتق رقبة بعينها لم يجزئه غيرها سواء كانت كافرة أو مؤمنة وعلى أي وجه
كانت، ومن نذر أن يصوم حينا من الدهر ولم يسم شيئا معينا كان عليه صيام ستة أشهر
ومن نذر أن يصوم زمانا ولم يسم شيئا فليصم خمسة أشهر، ومن نذر أن يعتق كل عبد له
قديم في ملكه ولم يعين شيئا أعتق كل عبد قد مضى عليه في ملكه ستة أشهر، ومن نذر أن
يتصدق من ماله بمال كثير ولم يسمه تصدق بثمانين درهما فما زاد.
ومن نذر أن يحج ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة
عليه، وإن ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج أو الزيارة يمشي ما ركب منه ويركب
ما مشى، وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا فليقم فيه قائما ولا يجلس حتى يخرج
إلى الأرض.
ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم يسم شيئا كان بالخيار إن
شاء تصدق به على فقراء المؤمنين وإن شاء جعله في حج أو زيارة أو وجه من وجوه البر
ومصالح الاسلام، ومن جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لمشهد من
مشاهد الأئمة ع فليبع العبد أو الجارية أو الدابة ويصرف ثمنه في مصالح
البيت أو المشهد أو في معونة الحاج أو الزائرين.
ومن نذر أن يصلى صلاة معروفة تطوعا في وقت مخصوص وجب عليه أن يصليها
في ذلك الوقت في سفر كان أو حضر ليلا كان أو نهارا، ومن نذر أن يتصدق بدراهم على
الفقراء أو في موضع مخصوص لم يجزئ عنه الانصراف إلى غيره، فإن صرفها في غير
ذلك الوجه كان عليه إعادتها، ومن نذر أنه متى رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات الناذر
وجب أن يحج بالولد أو عنه من صلب ماله الذي ترك.
ومتى نذر في طاعة أنه يتصدق بجميع ما يملكه وجب عليه الوفاء به غير أنه إذا خاف
الضرر على نفسه في خروجه من جميع ما يملكه فليقوم جميع ما يملكه على نفسه ثم ليتصدق معه
ويثبته إلى أن يعلم أنه استوفى ما كان قد وجب عليه وبرأت ذمته، ومن نذر ولم يسم شيئا إن
57

شاء صلى ركعتين وإن شاء صام يوما وإن شاء تصدق بدرهم فما فوقه أو دونه، ومن نذر
ألا يبيع مملوكا له أبدا فلا يجوز له بيعه وإن احتاج إلى ثمنه.
ومن نذر في شئ فعجز عنه ولم يتمكن من الوفاء لم يكن عليه شئ، ومن نذر أن يحرم
بحجة أو عمرة من موضع بعينه وإن كان قبل الميقات وجب عليه الوفاء به، وإذا حاضت
المرأة في حال صيام نذرته وجب عليها أن تفطر ثم تقضي وليس عليها شئ، ومن نذر أن
يحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أجزأه عمن حج عنه وعما نذر فيه.
وأما ما لا يجب الوفاء به من النذور فهو أن ينذر أنه متى لم يترك واجبا أو ندبا كان عليه
كيت وكيت فليفعل الواجب أو الندب ولا شئ عليه، وكذلك إن نذر أنه متى لم يفعل قبيحا
كان عليه كيت وكيت فليترك القبيح ولا شئ عليه، ومن نذر شكرا لله تعالى أنه متى فعل
قبيحا كان عليه كيت وكيت ثم فعل القبيح لم يلزمه بما نذر به لأن هذا نذر في معصية، اللهم
إلا أن يجعل ذلك على نفسه على سبيل الكفارة لما يرتكبه من القبيح فيجب عليه حينئذ
الوفاء به، ومن نذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو قدم من سفر أو ربح في تجارة أو برأ من
مرض وما أشبه ذلك شرب خمرا أو ارتكب فجورا أو قتل مؤمنا أو ترك فرضا، فعليه أن يترك
الشر ويفعل الخير ولا كفارة عليه.
ومن عاهد الله أن يفعل واجبا أو ندبا أو ما يكون به مطيعا وجب عليه الوفاء به فإن لم
يفعل كان عليه الكفارة، فإن عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل
القبيح أو ترك الواجب أو الندب وجبت عليه الكفارة، ومن عاهد الله أن يفعل فعلا كان
الأولى ألا يفعله في دينه أو دنياه أو لا يفعل فعلا الأولى أن يفعله فليفعل ما الأولى به فعله وليترك
ما الأولى به تركه، وليس عليه كفارة.
باب الكفارات:
كفارة اليمين إما عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أي هذه الثلاثة
فعل فقد أجزأه مخير فيها، فمتى لم يقدر على واحدة منها وعجز عن جميعها وحد العجز عن
ذلك هو ألا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت عياله كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات،
58

فإن لم يقدر على الصوم فليستغفر الله تعالى ولا يعود.
ومتى أراد أن يعتق رقبة فليعتق من كان ظاهره ظاهر الاسلام أو بحكم الاسلام ذكرا
كان أو أنثى مدبرا إلا بعد أن ينقض تدبيره ولا أن يعتق مكاتبا له وقد أدى من مكاتبته
شيئا، ولا بأس أن يعتق مملوكا قد أبق منه إذا لم يعرف منه الموت ولا بأس أن يعتق أعرج أو
أعور أو أشل، ولا يجوز أن يعتق أعمى ولا أجذم ولا مقعدا لأن هؤلاء ينعتقون بهذه الآفات
من غير أن يعتقهم صاحبهم، ويجوز عتق أم الولد في الكفارة.
وإذا أراد أن يطعم المساكين فليطعم لكل مسكين مدين من طعام فإن لم يقدر على ذلك
أ يطعم كل واحد مدا من طعام، وإن جمعهم في مكان واحد وأطعمهم ذلك الطعام لم يكن به
بأس، ويجوز أن يكون في جملتهم من هو صغير ولا يجوز أن يكونوا كلهم صغارا، ومتى كانوا
كلهم صغارا احتسب كل اثنين منهم بواحد.
ولا يطعم إلا فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم ومتى لم يجد تمام العدد من المؤمنين ووجد
بعضهم كرر من الموجودين حتى يستوفي العدد، وإن لم يجد إلا واحدا أطعمه عشر مرات يوما
بعد يوم إلى أن يستوفى العدد، ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم أطعم
المستضعفين ممن خالفهم، ولا يجوز أن يطعم الناصب شيئا من ذلك، وأرفع ما يطعمهم الخبز
واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدونه الخبز والملح، ومتى أراد كسوتهم فليعط كل
واحد منهم ثوبين يوارى بهما جسده، فإن لم يقدر عليهما جاز أن يقتصر على ثوب واحد
لكل واحد منهم.
وكفارة اليمين لا تجب إلا بعد الحنث. فإن كفر قبل الحنث لم يجزئه وكان عليه قضاؤها
بعد الحنث، ومن حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من واحد من الأئمة ع
كان عليه كفارة ظهار فإن لم يقدر على ذلك كان عليه كفارة اليمين.
وكفارة نقض النذور والعهود عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا مخير فيها أيها شاء فعل فقد أجزأه، ومتى عجز عن ذلك كله كان عليه صيام ثمانية
عشر يوما فإن لم يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو قام بكسوتهم فإن لم يقدر على ذلك
تصدق بما استطاع فإن لم يستطع شيئا أصلا استغفر الله تعالى ولا يعود، ومن كان عليه
59

صيام يوم قد نذر صومه فعجز عن صيامه أطعم مسكينا مدين من طعام كفارة لذلك اليوم
وقد أجزأه.
وكفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد رقبة كان عليه صيام شهرين متتابعين فإن لم يقدر
على الصيام أطعم ستين مسكينا، فإن جامع قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى حسب
ما قدمناه، وكلما جامع كان عليه كفارة أخرى إلى أن يكفر.
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان إما عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام
شهرين متتابعين، أي الثلاثة فعل فقد أجزأه وهو مخير فيها.
وكفارة قتل الخطأ عتق رقبة، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا، وكفارة قتل العمد
عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين بعد رضا أولياء المقتول بالدية أو
العفو عنه.
وكفارة من وطئ زوجته في حيض إن كان وطؤه لها في أول الحيض كان عليه دينار
قيمته عشرة دراهم جيادا، وإن كان في وسطه نصف دينار وإن كان في آخره ربع دينار على
حساب ما قدمناه، وإن وطئ أمته في الحيض كان عليه ثلاثة أمداد من طعام يفرقها على
ثلاثة مساكين.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في شئ مما ذكرناه من الكفارات فصام شهرا
ومن الثاني شيئا ثم أفطر من غير علة كان مخطئا وجاز له البناء عليه، وإن صام شهرا ولم
يكن قد صام من الثاني شيئا وجب عليه الاستئناف، وإن كان إفطاره قبل الشهر لمرض
كان له البناء عليه على كل حال، ومن عجز عن صيام شهرين وجبا عليه صام ثمانية عشر
يوما وقد أجزأه، وإن لم يقدر على ذلك تصدق عن كل يوم بمد من طعام فإن لم يستطيع
استغفر الله تعالى وليس عليه شئ.
وكفارة الإيلاء كفارة اليمين سواء، ومن أفطر يوما قد نوى صومه قضاء لشهر رمضان
بعد الزوال كان عليه كفارة يمين فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، ومن تزوج بامرأة في عدتها فارقها
وكفر عن فعله بخمسة أصوع من دقيق، ومن نام عن عشاء الآخرة حتى يمضى النصف
الأول من الليل صلاها حين يستيقظ ويصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك
60

الوقت، ومن نام عن صلاة الكسوف متعمدا وقد احترق القرص كله فليغتسل كفارة
لذنبه وليقض الصلاة بعد الغسل، ومن سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه
فليستغفر الله من ذنبه ويغتسل كفارة لسعيه إليه.
ولا يجوز للرجل أن يشق ثوبه في موت ولده ولا في موت زوجته فإن فعل ذلك كان عليه
كفارة يمين، ولا بأس أن يشق ثوبه على أبيه وفي موت أخيه، ولا يجوز للمرأة أن تلطم
وجهها في مصاب ولا تخدشه ولا تجز شعرها، فإن جزته كان عليها كفارة قتل الخطأ: عتق
رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين، فإن خدشت وجهها حتى تدميه
وجب عليها كفارة اليمين، فإن لطمت وجهها استغفرت الله تعالى ولا كفارة عليها أكثر
من الاستغفار.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة فعجز عن الرقبة فانتقل إلى الصوم فصام شيئا ثم
وجد الرقبة لم يلزمه الرجوع إليها وجاز له البناء على الصوم، وإن رجع إلى الرقبة كان
ذلك أفضل له، ومن ضرب مملوكا له فوق الحد كانت كفارته أن يعتقه، فإن قتله كان عليه
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وعليه التوبة مما فعل.
61

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
63

كتاب الأيمان والنذور والعهود:
أحكام الأيمان والنذور والعهود على ضربين: أحدهما ما ينعقد به، والآخر ما يلزم
بمخالفة ذلك. فأما الأيمان فعلى ضربين: أحدهما اليمين بالله تعالى وأسمائه، والآخر
بغير ذلك. فالأول على ضربين: أحدهما ما يلزم - بالحنث فيه - الكفارة والآخر لا يلزم.
فما به الكفارة أن يقسم أن لا يفعل مباحا، أو أن يفعل طاعة أو مباحا، فيحنث.
وما عدا ذلك فلا يلزم - بالحنث فيه - كفارة وهو على ثلاثة أضرب: أحدها يأثم
باليمين والآخر يؤجر والثالث لا يأثم ولا يؤجر.
فما يأثم فيه: أن يحلف أن يعصي الله تعالى أو أن لا يفعل شيئا من الخير أو أن يقطع
رحما أو يحلف على والده أو تحلف امرأة على زوجها أو عبد مع سيده أو يحلف على المعاصي أو
يحلف أنه يعاون السلطان الجائر.
وما يؤجر على اليمين فيه: أن يحلف في تخليص المؤمنين نفوسهم وأموالهم، فإن
كان يحسن التورية ورى.
وما لا يأثم به ولا يؤجر عليه: اللغو، وهو أن يحلف من غير نية أو يكون غير مالك
أمره.
وأما اليمين بغير الله تعالى فعلى ضربين: أحدهما: يلزم - بالحنث به - كفارة ظهار
وهي اليمين بالبراءة من الله ورسوله والأئمة ع والآخر لا يلزم فيه كفارة بتة
إلا أنه يأثم فيه إذا حنث.
وينبغي أن يجتنب الحلف صادقا وكاذبا. ومن رأى أن ترك اليمين خير من الوفاء
بها في دينه ودنياه فعل ذلك ولا كفارة عليه.
65

ذكر: النذور والعهود: لا نذر ولا عهد في معصية. والنذر على ضربين: نذر علق بالله تعالى ونذر مطلق.
فالأول أن يقول: لله تعالى على كذا وكذا إن كان كذا وكذا. وهذا واجب الوفاء به
إذا وقع ما نذر فيه فإن لم يف به فعليه كفارة.
والمطلق أن يقول: على كذا وكذا. فهو مخير إن شاء وفي به وإن شاء لم يف به إلا أن
الوفاء أفضل.
والمنذور فيه على ضربين: معين وغير معين. فالمعين يجب فعله بعينه، وما ليس بمعين
إن شاء صام فيه وإن شاء صدق أو صلى أو فعل شيئا من القرب. فإن كان
سمى غير معين من اللفظ كأن يقول: إن كان كذا صمت حينا أو زمانا. فصيام الحين ستة
أشهر والزمان خمسة أشهر على ما رسم. وإن قال: أصدق بمال كثير، صدق بثمانين درهما.
وأما العهود إذا عقدها على ترك معاصي الله عز وجل ثم أتى ذلك وجب عليه كفارة
مخالفة واجب النذور، فإن خالف العهد - لأنه خير له في دينه ودنياه من الوفاء به - فلا حرج
ولا كفارة.
ذكر: الكفارات:
كفارة اليمين - إذا حنث فيها - عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين لكل
واحد منهم ثوبان أو إطعامهم لكل واحد منهم شبعه في يومه ولا يكون فيهم صبي ولا شيخ
كبير ولا مريض. وأدنى ما يطعم لكل واحد منهم مد بما تيسر من الأدم أعلاه اللحم وأدناه
الملح، ولا يطعم إلا من أوسط ما يطعم أهله، فإن لم يجد ذلك كله صام ثلاثة أيام متتابعات.
وكفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام
ستين مسكينا، فإن صام شهرا واحدا من كل ما يجب فيه صيام شهرين متتابعين ثم أفطر
لغير عذر استأنف وإن كان لعذر بنى. فأما إن أفطر وقد صام من الثاني يوما فالبناء.
وكفارة حلف النذر كفارة الظهار، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا
عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم، هذه الكفارة مخير له فيها ومثلها في المبلغ والتخيير كفارة قتل الخطأ.
فأما كفارة الظهار فمرتبة، وكفارة قتل العمد أن يجمع بين ما هو مخير في كفارة قتل
الخطأ، فإن لم يقدر كفر بواحدة منها.
66

ومن عقد صوم قضاء يوم من شهر رمضان فأفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، فإن
أفطر بعده فعليه كفارة يمين. وقد بينا كفارة الجماع في الحيض للحرة، فأما الأمة فثلاثة أمداد
من طعام. وكفارة النائم عن صلاة العشاء الآخرة حتى جاز نصف الليل أن يصبح
صائما. وكفارة من شق ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين ولا كفارة في شقه في موت
أخيه وأمه. وكفارة من لطم وجهه الاستغفار فإن خدشه فكفارة يمين. وفي جز الشعر كفارة
قتل الخطأ.
وقسمة هذا الباب أن يقال: إن الكفارة على ضربين: منها ما فيه عتق رقبة والثاني لا
عتق فيه. فالأول على ثلاثة أضرب: أحدها عوض الرقبة كسوة عشرة مساكين وعوض
الكسوة إطعامهم. والآخر عوض الرقبة صيام شهرين متتابعين وعوض الصيام إطعام
ستين مسكينا. والآخر يجمع فيه بين العتق وصيام الشهرين وإطعام الستين مسكينا.
وأما الثاني فعلى ضربين: أحدهما كفارته استغفار والآخر فعل قربة غيره، وهو على
ضربين: أحدهما صيام يوم واحد والآخر صدقة دينار أو ثلاثة أمداد، ولا يخرج عن ذلك
شئ من باب الكفارات.
67

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
69

باب مسائل يتعلق معا باليمين والحنث منها
مسألة: إذا كان انسان ساكنا في مسكن لغيره وهما جميعا فيه، فحلف فقال في يمينه:
لا ساكنته. ثم أقام بعد هذا اليمين في المسكن، هل يحنث أم لا؟
الجواب: إن مضى من هذا الزمان مدة يمكنه الخروج من المنزل فيها ولم يخرج، فقد
حنث، لأن الاستدامة كالابتداء، فكأنه ابتدأ المقام بعد يمينه وذلك مقتضي للحنث.
مسألة: إذا كان الانسان وغيره يسكنان في خان وغيره، وكل واحد منهما في بيت
مفرد، فحلف أحدهما لا ساكنته. هل يحنث أم لا؟
الجواب: هذا لا يحنث لأن سكناهما في الخان على الوجه المذكور ليس بمساكنة، فإن
كانا في بيت واحد أو بيتين لا باب لواحد منهما، لزم الحنث إذا لم يفعل.
مسألة: إذا حلف وقال: لا دخلت هذه الدار. ثم جلس في سفينة أو على ماء فحمله الماء، فجرى به
الماء حتى دخل الدار أو ألقى نفسه على الماء وجرى الماء حتى صار في الدار
هل يلزمه الحنث على ذلك أم لا؟
الجواب: هذا يحنث لأنه دخلها باختياره. ويجري مجرى من ركب دابة وأرسلها
فدخلت به الدار فإنه يحنث لأنه دخلها باختياره.
مسألة: إذا كان لإنسان ثوب هو رداء، فحلف أن لا يلبسه، ثم جعله قميصا فلبسه
71

هل يحنث أم لا؟
الجواب: إذا حلف على هذا الثوب أن لا يلبسه فلا يخلو من أن يكون حلف ذلك
وهو رداء أو حلف عليه بالإطلاق. وإن كان حلف لا يلبسه وهو رداء ثم خاطه قميصا ثم
لبسه، لم يحنث لأنه ليس باقيا على الصفة التي حلف أنه لا يلبسه وهو عليها، وإن حلف
عليه بالإطلاق ثم لبسه بعد إن خاطه قميصا، حنث.
مسألة: إذا حلف أن لا يدخل بيتا على زيد، فدخل زيد عليه، ولم يخرج الحالف من
البيت بل استدام المقام فيه بعد دخول زيد عليه، هل يكون حانثا أم لا؟
الجواب: لا يكون حانثا لأن استدامة مقامه في البيت بعد دخول زيد عليه لا يجري
مجرى الابتداء، لأنه لم يستدم ذلك عن دخول تعلق بزيد.
مسألة: إذا حلف أنه، أن لا يدخل على زيد بيتا، فدخل المسجد وهو فيه هل يحنث أم
لا؟
الجواب: لا يحنث، لأن إطلاق البيت يتضمن بيتا يسكن، والمسجد لا يسكن. فلا
يحنث على ما ذكرناه.
مسألة: إذا حلف لا كلمت زيدا وعمروا فكلم واحدا منهما، هل يحنث بذلك أم
لا؟
الجواب: هذا يحنث. لأن ذلك منه يمينان، لأنه حلف لا يكلم زيدا ولا يكلم عمروا،
وكانت الواو ههنا نائبة مناب تكرار الفعل كأنه أراد أن يقول والله لا كلمت زيدا ولا كلمت
عمروا، فقال أو عمروا.
مسألة: إذا حلف لا يأكل خبزا، فمزجه في الماء فشربه. هل يحنث بذلك أم لا؟
الجواب: لا يحنث بذلك، لأن الأكل الحقيقي الذي هو مضغه ولوكه له وازدراده مع
ذلك، لم يتناوله.
مسألة: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل القلب، هل يحنث بذلك أم لا؟
الجواب: لا يحنث، لأن اسم اللحم لا يقع عليه ولا يحنث بذلك.
مسألة: إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا، هل يحنث بذلك أم لا؟
72

الجواب: إذا أكل جميع الثمرة التي نصفها رطب ونصفها بسر حنث، لأنه يكون
قد أكل رطبا وهو النصف الرطب وإن أكل النصف الذي هو بسر، لم يحنث لأنه لم يأكل
رطبا.
مسألة: إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا، هل يحنث أم لا؟
الجواب: القول في الجواب عن هذه المسألة، كالقول في الجواب عن المسألة المتقدمة
عليها سواء.
73

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
75

كتاب الأيمان
قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان، وقال: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في
الآخرة، وقال تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها،
وقال: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا
عظيما.
وروي عن النبي ص قال بئس القوم يجعلون أيمانهم دون طاعة الله
وعنه ص لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله
إلا وأنتم صادقون، وعن علي ع أنه قال: اتقوا اليمين الكاذبة فإنها منفقة للسلعة
ممحقة للبركة ومن حلف يمينا كاذبة فقد اجترأ على الله فلينتظر عقوبته.
فاليمين الشرعية عند أهل البيت رسول الله ص لا تكون إلا بالله أو
بأحد أسمائه الحسنى، وكل يمين كانت بغير ما ذكرناه فليست يمينا صحيحة ولا يستقر لها
حكم في حنث ولا كفارة، فلو حلف بالنبي أو بالكعبة أو بما أشبه ذلك من المخلوقات
كلها أو بالبراءة من الله تعالى أو من النبي أو الأئمة أو أحدهم ع أو من القرآن
أو ما جرى مجرى ذلك لم يكن يمينا صحيحا.
اليمين ضربان: أحدهما يجب الكفارة عليها والآخر لا يجب عليها ذلك.
فأما الأول فمثل أن يحلف أن لا يخل بواجب أو لا يرتكب قبيحا ثم يخل بالواجب أو
77

يرتكب القبيح فيجب عليه الكفارة، أو يحلف أن يفعل ما وجب فعله أو ما الأولى فعله في
دينه أو دنياه ثم لا يفعل ما حلف على أن يفعله مما وجب عليه أو أخل بما الأولى فعله
فعليه الكفارة، أو يحلف أن لا يفعل شيئا بتساوي فعله وتركه ثم يفعله فعليه الكفارة، فإن
حلف أن لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها لم يجز له أن يأكل من لحمها
ولا يشرب من لبنها، وكذلك لا يأكل ولا يشرب من لحم أولادها أو ألبانهن، فإن أكل
من ذلك أو شرب وهو غير محتاج إليه كان عليه الكفارة.
فإن حلف على أن يفعل شيئا من المحرمات مثل قتل انسان غير مستحق للقتل أو
غصب ماله أو ظلمه أو يؤذي مؤمنا أو غير ذلك مما يحرم عليه فعله فليترك جميع ذلك ولا
كفارة عليه، أو يحلف أن يفعل شيئا لا ينفعه في دينه أو دنياه مثل أن يبيع شيئا الأولى أن
يمسكه أو يمضى في شئ الأولى أن لا يمضى فيه أو يطالب بحق هو له على غيره الأولى أن
لا يطالبه فليترك جميع ذلك وليس عليه كفارة، أو يحلف أن لا يفعل ما يجب عليه فعله
مثل أن لا يقضي دينا أو لا يرد وديعة أو لا يشكر منعما أو لا ينصف من نفسه أو لا يصلى
ولا يصوم أو لا يزكي ماله أو لا يحج فليفعل ذلك ولا كفارة عليه.
أو أن يحلف أن لا يفعل ما الأولى فعله في دينه أو دنياه مثل أن لا يحسن إلى أحد أو
لا يصلى نافلة أو لا يصوم تطوعا أو لا يصل أحدا من الإخوان أو لا يسعى في شئ من
حوائجهم ألا يعينهم ولا يساعدهم أو لا يتجر لمعيشته مع حاجته إلى ذلك أو لا يبتاع لأهله
شيئا في ابتياعه مصلحة لهم أو لا يسكن دارا وبه حاجة إلى سكناها أو لا يبنيها وهو مضطر
إلى بنائها أو ما جرى مجرى ذلك، فليفعله ولا كفارة عليه.
ومن كان عنده وديعة فطالبه بها ظالم فلينكرها وليحلف عليها ويوري في نفسه
ما يخرج به من كونه كاذبا ولا يلزمه كفارة بل يكون مثابا على ذلك، فإن حلف على
ما ذكرناه ولم يكن ممن يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة فليس عليه كفارة، وإذا
حلف على ماض مثل أن يقول: والله ما فعلت كذا وكان قد فعل ذلك فليس عليه كفارة
وهو مستحق للعقاب ويجب عليه أن يستغفر الله تعالى ولا يعود إلى مثل ذلك.
78

وليس للولد يمين مع والده ولا للمملوك مع سيده ولا لزوجة رجل معه، فإن حلف
واحد من هؤلاء على شئ مما ليس بواجب ولا قبيح جاز للأب حمل ابنه على خلافه ولا
كفارة عليه، وكذلك القول في العبد وسيده والمرأة مع زوجها، وإذا حلف على ما يدفع به
ضررا أو أذية عن نفسه أو عن بعض المؤمنين لم يلزمه على ذلك كفارة بل يكون مثابا عليه،
وإذا استحلف السلطان الجائر أصحابه وأعوانه على ظلم المؤمنين وحلفوا له على ذلك
وجب عليهم ترك الظلم وترك الوفاء بما استحلفوا عليه ولا كفارة عليهم في ذلك.
وإذا حلف على غيره أن يبتاع له شيئا أو يمضي معه إلى بعض المواضع أو يأكل منه أو
يشرب أو يسير معه في طريق أو ما جرى مجرى ذلك فلم يفعل له ذلك لم يجب عليه كفارة،
فإن حلف عليه أن يركب له دابة أو يقطع معه شجرا أو يحمل معه حملا فلم يفعل لم يجب
عليه كفارة، وإذا وهب له أحد أبويه شيئا ثم مات الواهب وطالبه الوارث به جاز له أن
يحلف بأنه كان ابتاعه منه ودفع إليه ثمنه ولم يكن عليه كفارة ولا إثم.
وإذا كان عليه دين فطالبه به صاحب الدين فلم يقدر على قضائه لإعساره و دافعه عنه
وأحضره إلى الحاكم وخاف من الإقرار له به لئلا يحبسه عليه فيضر ذلك به وبأهله جاز له
أن يحلف عليه ويوري في يمينه ويعزم على قضائه إذا أيسر ولا يلزمه كفارة على ذلك ولا
إثم، فإن لم ينو قضاه كان مأثوما، وإذا علم صاحب الدين حالة من ذكرناه من العجز لم
يجز له استحلافه ولا حبسه، فإن علم بعجزه عن أداء ما عليه من ذلك واستحلفه أو حبسه
كان مأثوما.
وإذا حلف أن لا يبتاع لأهله شيئا بنفسه جاز له أن يبتاعه وليس عليه كفارة ولا إثم،
وإذا حلف على أن مملوكه حر خوفا من أن يأخذه منه ظالم لم ينعتق بذلك ولم يجب عليه
كفارة، وإذا حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها ولا يشترى مملوكة يطأها أو يتسرى بها لا في
حياتها ولا بعد وفاتها جاز له أن يتزوج ويشترى الجارية ويتسرى بها ولا كفارة عليه في
ذلك ولا إثم، وإذا حلفت المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعد طلاقه لها وبينونتها منه أو بعد موته
كان لها أن تتزوج ولم تكن عليها كفارة ولا إثم في ذلك.
79

وإذا كان عليه دين فحلف لصاحبه أن لا يخرج من البلد إلا بعلمه وكان لا يقدر على
قضاء دينه وخاف من مطالبته له إن أقام في البلد، وإن أعلمه بخروجه اعتقله أو حبسه
واستضر هو وأهله بذلك جاز له الخروج من غير إعلامه بذلك وليس عليه كفارة ولا إثم في
ذلك.
وإذا حلف أن لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها فأكل أو شرب من
ذلك وهو محتاج إليه لم يكن عليه كفارة، وإذا حلف أن يؤدب مملوكه بضرب جاز أن
لا يضربه وليس عليه كفارة، وإذا حلف أن يقتطع مال غيره فلا كفارة عليه وإن كان
مأثوما بذلك وإنما كفارته إيصال ذلك إلى مستحقه، وإذا حلف أن لا يمس جارية غيره
أبدا ثم ابتاعها لنفسه جاز له أن يطأها لأنه إنما حلف أن لا يمسها حراما، وإذا أودع عند
غيره مالا أو متاعا وأعلمه أنه لإنسان معين ومات وطالبه الوارث به، فإن كان الموصي
بذلك عنده ثقة جاز له أن يحلف على أنه ليس عنده ويدفع ذلك إلى صاحبه ولا كفارة
عليه، فإن لم يكن عنده ثقة دفع ذلك إلى الوارث.
وإذا حلف وقال: والله لأقتلن زيدا، وزيد قد مات أو قال: والله لأصعدن إلى سماء،
وما أشبه ذلك لم يحنث بذلك ولا يلزمه كفارة، وإذا حلف الانسان بالله تعالى وهو كافر
صحت يمينه ولم يصح منه الكفارة إذا حنث لأنها تفتقر إلى نية القربة والقربة لا تصح من
الكافر لأنه لا يعرف الله تعالى، وإذا لم يعرفه لم يصح أن يتقرب إليه بذلك.
وقد ذكر فيما تقدم أن اليمين لا يكون يمينا صحيحة إلا بأن يكون بالله تعالى أو بأحد
أسمائه الحسنى فعلى هذا إذا حلف بالله كان يمينا، وكذلك إذا حلف بالرحمن الرحيم
وأطلق وأراد اليمين بذلك كان يمينا، وكذلك رب العالمين وجميع ما يشاركه فيه غيره مثل
رب وخالق ورازق وما أشبه ذلك، وإذا حلف حالف به وأطلق ذلك ولم يقيد وأراد اليمين
كما قدمناه كان يمينا، فإن قيده برب الدار وخالق الحركة أو رازق الجند وما أشبه ذلك لم
يكن يمينا على حال، مثل أن يكون رب الدار وخالق الحركات ورازق الجند.
وإذا قال: وعزة الله وجلال الله أو عظمة الله، وأراد اليمين كان ذلك يمينا فإن قال:
80

وعلم الله وقدرة الله، وأراد كونه عالما أو كونه قادرا وأراد بذلك اليمين كان يمينا، وإن أراد
المعنى الذي يكون العالم والقادر به عالما وقادرا لم يكن ذلك يمينا لأنه تعالى عالم لنفسه
وقادر لنفسه، فإذا قال أقسمت بالله وأراد بذلك اليمين كان يمينا؟ وإن أطلق ذلك لم يكن
يمينا لأن قوله " أقسمت بالله " يحتمل أن يكون خبرا والخبر عن أنه أقسم متقدما لا يكون
يمينا؟ فإن لم يرد بذلك الخبر ونوى اليمين كان يمينا صحيحة.
وإذا قال: لعمر الله، ونوى اليمين بذلك كان يمينا وإذا أطلق ولم ينو اليمين لم يكن يمينا،
وإذا قال: أعزم بالله، لم يكن يمينا نوى بذلك اليمين أو لم ينو لأن ذلك ليس من ألفاظ
اليمين، وإذا قال: أسألك بالله أو قال: أقسم عليك بالله لتفعلن كذا، لم يكن يمينا، وإذا
قال: والذي نفسي بيده، ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روي أن النبي
ص كان يقسم بذلك كثيرا فيقول تارة والله الذي نفسي بيده وتارة والذي نفس محمد
بيده، وإذا قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روي أن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع كان يقسم بذلك فيقول: والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة وتردى بالعظمة.
وإذا حلف في النفي أو الإثبات واستثنى فقال: إن شاء الله، سقط حكم اليمين بذلك
ولم يثبت لها حنث، وإنما سقط ذلك بهذا الاستثناء إذا كان متصلا غير منفصل وذلك أن
يأتي به نسقا من غير قطع الكلام أو يأتي به في معنى الموصول وهو أن يكون الكلام انقطع
لانقطاع النفس أو الصوت أو عي أو تذكر فإذا أتى به على هذا الوجه صح، وإن فصل بينه
وبين اليمين فصلا طويلا على غير ما ذكرناه ثم استثنى أو تشاغل بحديث آخر حين فراغه
من اليمين سقط بحكم الاستثناء.
فإذا كان الاستثناء بالمشيئة لا يصح في اليمين إلا أن يكون موصولا كما ذكرناه، فلا
يصح أيضا إلا أن يكون نطقا وقولا فإن كان نية أو اعتقادا لم يصح، وإذا أتى به قولا
ونطقا لم يصح إلا أن يقصد به الاستثناء وينوي ذلك ويعتقده، فإن لم يكن كذلك لم
يصح؟
81

وإذا أراد أن يقول: لا والله، فسبق لسانه فقال: بلى والله، وهو غير منوي بذلك اليمين
كان ما سبق به لسانه لغوا لا حكم له ولم يكن يمينا و لا يلزمه على ذلك شئ، وكذلك
ما جرى هذا المجرى من اللغو، فإذا حلف وحنث لزمه الكفارة وهي متعلقة بالحنث، فإن
قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه وكان عليه إعادتها.
باب النذور والعهود:
إذا قال انسان: إن كان كذا فلله على كذا، ثم ذكر صلاة أو صوما أو صدقة أو غير
ذلك من أفعال البر كان ذلك نذرا صحيحا ووجب عليه الوفاء بما نذر فيه ولم يجز له
الإخلال به، ويفتقر في صحة ذلك إلى النية وكذلك العهد، فإن تجرد واحد منهما من النية
لم يكن لذلك حكم، وإن قال: إن كان كذا فعلى كذا، ولم يذكر الله تعالى لم يكن ذلك
نذرا وكان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء بذلك.
وليس ينعقد النذر على معصية، فإذا نذر في شئ من ذلك كان النذر باطلا، وإذا لم
يتلفظ بالنذر واعتقد أنه إن كان كذا فلله على كذا، وإن اعتقد أنه إذا كان شئ كان
عليه كذا ولم يعتقد ذلك لله تعالى كان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء به،
وإذا قال: إن كان كذا فلله على المشي إلى بيته الحرام أو أهدي إليه بدنة أو أحمل إليه
كسوة أو ما أشبه ذلك، فإذا حصل ذلك الشئ كان عليه الوفاء بذلك، وإذا قال: إن
كان كذا فلله على أن أهدي إلى بيته طعاما، لم يجب عليه الوفاء به لأن الهدي لا يكون
إلا من الإبل أو البقر أو الغنم.
وإذا نذر أن يهدي إلى البيت هديا ولم يسمه كان عليه أن يهدي إما من الإبل أو البقر
أو الغنم لأن الهدي لا يكون إلا من ذلك كما قدمناه، وإذا نذر لله تعالى أنه متى كان كذا
فعليه شئ ولم يعين ذلك الشئ كان مخيرا بين الصلاة والصوم أو الصدقة أو غير ذلك
من أنواع القرب.
فأما المعاهدة فهو قول الانسان: عاهدت الله تعالى إن كان كذا فعلى كذا، ويعتقد
82

مثل ذلك فإن قال ذلك أو اعتقد وحصل الذي عاهد عليه كان عليه الوفاء بذلك عند
حصول ما ذكره، وإذا قال: أنا محرم بحجة أو عمرة إن كان كذا وكذا، كان ذلك لغوا ولم
يثبت له حكم.
والنذر ضربان: أحدهما يجب الوفاء به والآخر لا يجب الوفاء به، فالذي يجب الوفاء به
هو أن ينذر الانسان أنه متى فعل شيئا من الواجبات أو المندوبات أو المباحات كان عليه
شئ معين من صوم أو صلاة أو حج أو صدقة أو غير ذلك من أفعال البر فإنه متى فعل
ذلك كان عليه الوفاء به.
وإذا نذر إن عوفي من مرضه أو عاد من سفره أو ربح في تجارته أو كفى سطوة ظالم أو
تخلص من يده أو ما أشبه ذلك وحصل الشئ الذي نذر فيه كان عليه الوفاء بما نذر ولم
يجز له أن يخل به، وإذا نذر عن ولد له غائب وهو مريض أنه إن عوفي من مرضه كان عليه
كذا وبلغه برؤه، فإن كان برؤه حصل بعد النذر كان عليه الوفاء به، وإن كان حصل قبل
النذر لم يلزمه الوفاء به.
وإذا وجب عليه نذر وكان قد علقه بشرط أو وقت معين كان عليه الوفاء به عند
حصول الشرط أو الوقت المعين فإن خالف في ذلك كان عليه الكفارة، وإن لم يكن علقه
بشرط ولا وقت معين كان ذلك ثابتا في ذمته إلى أن يفي به، وإذا نذر صوم شهر أو سنة أو
أقل من ذلك أو أكثر وكان قد علق ذلك بوقت معين ولم يصمه فيه وجب عليه القضاء
والكفارة، فإن لم يكن علقه بوقت معين كان عليه الوفاء به أي وقت شاء إلا أن الأحوط
فعله على الفور والبدار دون التراخي، فإن أخره لم يكن عليه كفارة، وإذا كان عليه صوم
نذر فمرض أو سافر، فإن كان النذر نذر الصوم على كل حال وجب عليه الصوم في السفر
والمرض، وإن لم يكن نذره على كل حال أفطر وكان عليه القضاء بغير كفارة.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن النذر لا ينعقد على معصية، فإن نذر صوم يوم العيدين أو صوم
يوم فوافق أن يكون ذلك يوم العيدين وجب عليه إفطاره وليس عليه قضاء ولا كفارة،
وإذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال سواء كانت مؤمنة أو كافرة، فإن كانت
83

غير معينة أعتق أي رقبة شاء بعد أن لا تكون كافرة، وإذا نذر صوم حين من الدهر ولم
يعين شيئا وجب صوم ستة أشهر، فإن نذر صوم زمان ولم يعين شيئا كان عليه صوم خمسة
أشهر.
وإذا نذر عتق كل مملوك قديم في ملكه ولم يعين شيئا أعتق كل عبد مضى عليه في
ملكه ستة أشهر، وإذا نذر صدقة مال كثير ولم يسم شيئا معينا كان عليه أن يتصدق
بثمانين درهما أو ما زاد على ذلك، وإذا نذر اخراج شئ في وجه من وجوه البر ولم يذكر
شيئا معينا كان مخيرا بين الصدقة على فقراء المسلمين المؤمنين وبين اخراجه في حج أو
زيارة أو غير ذلك من وجوه البر.
وإذا نذر الحج ماشيا أو زيارة مشهد من المشاهد الشريفة كذلك ثم عجز عن المشي
كان له أن يركب ولا كفارة عليه، فإن ركب من غير عجز وجب عليه إعادة الحج أو
الزيارة بأن يمشي ما ركب ويركب ما مشى، وإذا أتى إلى نهر وأراد العبور فيه في زورق
فينبغي أن يكون فيه قائما ولا يجلس حتى يخرج إلى البر، وإذا جعل دابته أو ثوبه أو مملوكه
هديا للكعبة أو لبعض المشاهد كان عليه أن يبيع الدابة أو الثوب أو المملوك ويصرف
ثمنه في بعض مصالح الكعبة أو المشهد وفي معونة الحاج والزوار.
وإذا نذر صدقة بدنانير أو دراهم على فقراء معينين أو في موضع معين وجب عليه فعل
ذلك على ما عينه ولم يجز له العدول عنه إلى غيره، فإن عدل إلى غير ذلك كان عليه
الإعادة على الوجه الذي عينه، وإذا نذر صلاة معينة تطوعا في وقت معين كان عليه الوفاء
بذلك في الوقت الذي عينه مسافرا كان أو حاضرا، وإذا نذر الحج إن رزقه الله
ولدا ورزق الولد ومات قبل أن يحج وجب أن يحج بالولد أو غيره عنه من صلب ماله.
وإذا نذر ولم يعين شيئا كان مخيرا بين صلاة ركعتين وبين صوم يوم واحد أو صدقة
بدرهم أو أقل من ذلك أو أكثر، وإذا نذر في طاعة الصدقة بجميع ما يملكه كان عليه الوفاء
بذلك، فإن خاف المضرة بخروجه من جميع ما يملكه قوم ذلك على نفسه وتصدق به شيئا
بعد شئ ويثبت ما يتصدق به إلى أن يعلم الوفاء بذلك، فإذا علم برأت ذمته مما كان
84

نذره، وإذا كان له عبد فنذر أن لا يبيعه أبدا لم يجز له بيعه احتاج إلى ذلك أو لم يحتج إليه.
وإذا نذر الإحرام بحجة أو عمرة من مكان معين وجب عليه الوفاء بذلك، وإن كان
المكان الذي عينه لإحرامه دون الميقات، وإذا نذر الحج ولم يكن له مال له يحج به ثم حج
من غيره كانت حجته مجزئة عن ذلك الغير وعليه الحج إذا تمكن منه، وقد ذكر أن ذلك
يجزئه عن حجة النذر، والصحيح ما ذكرناه.
وإذا نذر وعجز عن الوفاء به لم يكن عليه شئ، وإذا كانت المرأة صائمة صوم نذر
فحاضت فيه كان عليها أن تفطر ثم تقضي ذلك ولا شئ عليها بعد القضاء.
وأما ما لا يجب الوفاء به من النذر فهو أن ينذر أنه متى فعل شيئا من القبيح كان عليه
كذا شكرا لله تعالى، ثم فعل ذلك القبيح لم يجب عليه الوفاء بذلك لأنه نذر في معصية،
وقد ذكرنا فيما تقدم أن النذر لا ينعقد على معصية، وإذا نذر أنه متى لم يترك واجبا أو ندبا
كان عليه كذا وكذا، فليفعل الواجب أو الندب ولا شئ عليه، وإذا نذر أنه إن فعل
واجبا أو ندبا أو ربح في تجارة أو برئ من مرضه إن برئ مريض له أو تخلص من ظلم
ظالم أو قدم من سفر وما أشبه ذلك فعل قبيحا، مثل أن يقتل مؤمنا أو يترك واجبا أو
يغصب مالا لغيره أو يفجر بامرأة أو ما جرى هذا المجرى كان عليه أن يترك ولا كفارة
عليه.
وأما المعاهدة فإن الانسان إذا عاهد الله تعالى على أن يفعل واجبا أو ما يكون به طائعا
فعليه الوفاء به، فإن لم يفعل كان عليه الكفارة، وإذا عاهد الله سبحانه على أن يفعل
ما الأولى أن يفعله في دينه أو دنياه أو لا يفعل ما الأولى أن يفعله، فليفعل ما الأولى فعله
ويترك ما الأولى تركه ولا كفارة، وإذا عاهد الله تعالى على أن لا يفعل قبيحا ولا يترك
واجبا أو ندبا وفعل القبيح أو ترك الواجب أو الندب كان عليه الكفارة.
85

كتاب الكفارات
الكفارات على ضروب: منها كفارة اليمين ومنها كفارة نقض النذور والعهود ومنها
كفارة الحلف بالبراءة من الله تعالى أو رسوله أو أحد الأئمة ع، ومنها كفارة
من أفطر في يوم شهر رمضان متعمدا ومنها كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم
من شهر رمضان ومنها كفارة قتل العمد ومنها كفارة قتل الخطأ ومنها كفارة وطء الزوجة
أو الأمة في الحيض، ومنها كفارة العجز عن صيام شهرين ومنها كفارة من تزوج امرأة
وهي في العدة ومنها كفارة من نام عن صلاة العشاء الأخيرة حتى صار نصف الليل
ومنها كفارة من ترك صلاة الكسوف ومنها كفارة النظر إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام ومنها
كفارة كفارة من شق ثوبه في موت ولده أو أخيه ومنها كفارة لطم المرأة وجهها في مصاب
أو خدشة أو جزها لشعرها في ذلك، ومنها: كفارة قتل السيد مملوكه أو كفارة ضربه لما به
يزيده على الحد.
كفارة اليمين:
كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وهذا الكفارات واجبة
على وجه التخيير دون الترتيب، والحانث مخير في أي شئ منها فعل كان مجزئا وإذا أراد
عتق الرقبة فينبغي أن يعتق من يكون على ظاهر الاسلام أو من يكون، بحكم ذلك ذكرا
كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا، ولا يجوز له عتق مدبر إلا بعد أن ينقض تدبيره
86

ولا يجوز له أيضا أن يعتق مكاتبا قد أدى شيئا من مكاتبته، ويجوز له أن يعتق المملوك
الآبق إذا لم يعلم موته ويجوز له أيضا عتق الأعور والأعرج والأشل، ولا يجوز عتق مقعد
ولا مجذوم ولا أعمى، ولا ينبغي للحانث أن يعتق أم ولده في الكفارة أيضا، وقد ذكر
جواز ذلك والأحوط ما ذكرناه.
وإذا أراد إطعام عشرة مساكين فليطعم كل واحد منهم شبعه في يوم، فإن لم يقدر
أطعمه مدا من طعام ويجوز جمعهم في موضع واحد وإطعامهم ذلك الطعام، ولا يجوز أن
يكون جميع العشرة صغارا، وقد ذكر أنه إذا لم يجد إلا الصغار جعل كل اثنين منهم بواحد،
ولا يجوز أن يكونوا إلا من فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم، فإن لم يجد أحدا من هؤلاء بقي
ذلك في ذمته إلى أن يجدهم فيطعمهم، وقد ذكر أنه إذا لم يجدهم أطعم المستضعفين من
المخالفين والأول أحوط.
وإذا لم يجد تمام العدد من المؤمنين ووجد بعضهم كرر على الموجودين حتى يستكمل
العدد، وإذا لم يجد إلا واحدا أطعمه في عشرة أيام يوما بعد يوم في كل يوم طعام واحد حتى
يستكمل العدد ولا يجوز أن يطعم الناصبي شيئا من ذلك على حال.
وأعلى ما يطعم الخبز واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدناه الخبز والملح، وإن
تمكن من إطعام ما هو أرفع من ذلك وفعل كان أفضل، وإذا أراد كسوتهم دفع إلى كل
واحد منهم ثوبين إذا قدر على ذلك، فإن لم يمكنه وقدر على أن يكسو كل واحد ثوبا واحدا
اقتصر على ذلك، فإن لم يقدر على شئ من هذه الكفارات الثلاث صام ثلاث أيام
متتابعات، فإن لم يقدر على الصوم استغفر الله ولا يعود إلى اليمين.
والكفارة لا تجب إلا بعد الحنث، فإن كفر الحالف قبل الحنث لم يكن ذلك مجزئا له
ووجب عليه إعادتها بعد الحنث، وإذا وجبت عليه الكفارة لم يجز له صرفها إلا إلى من
لا يلزمه نفقته فأما من يلزمه نفقته فلا يجوز صرفها إليه، وأما الكفارة إلى مسكين كان
المستحب له أن لا يشترى ذلك منه.
وإذا وجب على العبد كفارة كان فرضه فيها الصوم ولا فرق في ذلك بين أن تكون
87

الكفارة مخيرا فيها مثل كفارة اليمين وبين أن تكون مرتبة مثل كفارة الظهار والقتل، وإذا
أراد العبد هذا الصوم وكان قد حلف وحنث بإذن سيده، فإن أراد سيده منعه من ذلك لم
يجز له منعه لأنه صوم لزمه باذنه، وإن كان الحلف بغير إذنه والحنث باذنه فليس له أيضا
منعه منه، وكذلك لو كان الحلف بإذن سيده والحنث بغير إذنه فإذا لزمه الصوم على
ما ذكرناه، وإن أراده في وقت يضعف فيه بدنه منه كان لسيده منعه منه وإن لم يكن
كذلك لم يكن له منعه منه.
وإذا أعتقه سيده بعد اليمين وقبل الحنث فهو في الكفارة كالحر لأن المعتبر بحال وجوب
الكفارة وحال الوجوب عقيب الحنث وذلك قد حصل وهو حر، وإذا كان نصفه حرا
ونصفه مملوكا وحلف ثم حنث، فإن كان معسرا بما فيه من الحرية كان فرضه في الكفارة
الصيام، وإن كان موسرا بما فيه من الحرية صح منه العتق والإطعام والكسوة في ذلك ولا
يصح منه فيه الصوم.
وإذا حلف انسان لا أدخل هذه الدار ثم دخلها أو شيئا منها أو غرفة منها حنث، ولا
فرق في ذلك بين أن يدخلها من الباب أو ينزل إليها من السطح، فإن كان سطحها محجرا
ورقي عليه لم يحنث وكذلك إن وقف على بدن الحائط لم يحنث، وإذا حلف لا أدخلنها
فجلس في سفينة أو على شئ فحمله الماء فأدخله إليها أو ألقى نفسه في الماء فحمله فأدخله
إليها حنث لأنه دخلها باختياره، وإذا حلف لا دخلت هذه الدار وكان خارجا منها فابتدأ
ودخلها حنث ولو كان فيها فاستدام المقام فيها لم يحنث.
وإذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من أدم أو شعر أو وبر أو طين أو مدر فإن كان
بدويا ودخل ذلك حنث سواء دخل بيوت البادية أو الحاضرة، وإن كان قرويا فدخل
بيوت البلدان حنث وإن دخل بيوت البادية وكان يعرفها حنث وإن لم يعرفها لم يحنث،
وإذا حلف أن لا يأكل من طعام يشتريه زيد فاشترى زيد طعاما واشترى عمرو طعاما
وخلطاه فأكل منه حنث، لأنه لا يقطع على أنه لم يأكل من طعام زيد وقد ذكر أنه لا يحنث
والأحوط ما قدمناه.
88

وإذا حلف أن لا يدخل دار زيد هذه فدخلها حنث سواء كان ملك زيد قد زال عنها
أو لم يزل، وإذا حلف أن لا يدخل دار زيد ولم يقل هذه فدخل دارا يملكها زيد حنث، فلو
أن ملك زيد زال عنها وصارت ملكا لغيره ودخلها لم يحنث، وإذا حلف أن لا يلبس هذا
الثوب وهو رداء فلبسه وهو رداء حنث وإن لبسه ثوبا غير رداء لم يحنث، فإن حلف
لا لبست هذا الثوب وأطلق فلبسه وهو رداء حنث وكذلك لو عمله ثوبا ولبسه يحنث
أيضا.
وإذا حلف لا يدخل هذه الدار مطلقا فدخلها من بابها أو من غيره أو نزل إليها من
السطح حنث لأنه دخلها، فإن حلف لا يدخلها من هذا الباب فدخلها منه حنث ولو غير
بابها وجعلها من جهة أخرى ودخلها منه لم يحنث، وإذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل
دارا يملكها زيد حنث، فإن دخل دارا يسكنها زيد وهي غير ملك له لم يحنث، وإذا حلف
ألا يدخل على زيد بيتا فدخل بيت عمرو وزيد فيه وهو عالم بذلك حنث، فإن كان غير
عالم بذلك أو كان مكرها على دخوله لم يحنث.
وإذا حلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة فيهم زيد، فإن كان عالما به ولم يستثنه
بقلبه حنث وإن استثناه بقلبه لم يحنث، فإن لم يكن عالما به لم يحنث، ولا فرق في ذلك بين
أن يكون جاهلا به أو كان عالما به ثم نسيه حين السلام عليهم.
وإذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا ولم يأكله في غد حتى غربت الشمس من غد
حنث وكذلك إن أكل بعضه اليوم أو بعضه غدا حنث، وإذا حلف أنه يقضيه دينه غدا
فلم يقضه ذلك حتى غربت الشمس من غد حنث ما لم يكن قد مات أو أكره على تأخيره
فإن قضى بعضه اليوم وبعضه غدا حنث، وإذا حلف لا أكلت هذين الرغيفين أو لا لبست
هذين الثوبين فأكل أحد الرغيفين أو لبس أحد الثوبين لم يحنث فإن أكلهما أو لبسهما
حنث، فإن حلف ليأكلهن هذين الرغيفين أو ليلبسن هذين الثوبين فأكلهما أو لبسهما لم
يحنث، وإن أكل أو لبس أحدهما ولم يأكل ولا لبس الآخر حنث.
وإذا حلف لا كلمت زيدا وعمروا فكلم أحدهما حنث، والفرق بين ما ذكرناه هاهنا
89

وبين ما ذكرناه في الرغيفين والثوبين أن هناك يمينا واحدا وهنا يمينان لأن تقدير ذلك:
لا كلمت زيدا ولا كلمت عمروا، وإنما دخلت الواو نائبة مناب تكرير الفعل كأنه أراد
أن يقول: لا كلمت زيدا ولا كلمت عمروا، فقال: وعمروا.
وإذا حلف لا يأكل سمنا وكان السمن جامدا فأكله وحده أو مع الخبز حنث، وإن
كان مائعا فأكله مع الخبز أيضا حنث وإن شربه لم يحنث لأنه حلف أن لا يأكله فإذا
شربه لم يحنث، فإن كان الخبيص معمولا بسمن فأكله وكان السمن ظاهرا فيه حنث وإن
كان مستهلكا لم يحنث، وكذلك إذا حلف لا يأكل خلا فأكل مرقة فيها خل ظاهر فإنه
يحنث وإن كان مستهلكا لم يحنث.
وإذا حلف لا يأكل هذه الثمر فوقعت في ثمرة فأكل جميعه إلا واحدة، فإن تيقن أنه
قد أكل التي حلف عليها حنث وإن تيقن أنه لم يأكلها لم يحنث، وإن أشكل عليه الأمر
فيها لم يحنث لأن الأصل أنه ما حنث ولا يحنث بالشك، وإذا حلف لا آكل هذه الحنطة
أو من هذه الحنطة فأكلها على جهتها أو بعد إن طحنها وصارت دقيقا حنث لأن العين
الذي تعلقت اليمين بها واحدة.
وكان الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله قد قال لي يوما في الدرس: إن أكلها على
جهتها حنث وإن أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث، فقلت له: ولم ذلك وعين الدقيق هي
عين الحنطة وإنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن؟ فقال: قد تغيرت عما كانت عليه
وإن كانت العين واحدة وهو حلف أن لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لا ما يسمى دقيقا،
فقلت له: هذا لم يجز في اليمين فلو حلف لا أكلت هذه الحنطة ما دامت تسمى حنطة كان
الأمر على ما ذكرت فإنما حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، فقال: على
كل حال قد حلف أن لا يأكلها وهي على صفة وقد تغيرت عن تلك الصفة فلم يحنث،
فقلت: الجواب هاهنا مثل ما ذكرته أولا وذلك إن كنت تريد أنه حلف أن لا يأكلها
وهي على صفة أنه أراد وهي على تلك الصفة فقد تقدم ما فيه فإن كنت لم ترد ذلك فلا
حجة فيه ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو حلف أن لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره
90

وقطعه وأكله إلا يحنث ولا شبهة في أنه يحنث، فقال: من قال في الحنطة ما تقدم يقول في
الخيار والتفاح مثله، فقلت له: إذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما
ذكرته من أن العين واحدة اللهم إلا إن شرط في يمينه أنه لا يأكل هذا الخيار أو هذا
التفاح وهو على ما هو عليه فإن الأمر يكون على ما ذكرته وقد قلنا أن اليمين لم يتناول
ذلك، ثم قلت له: على أن الاحتياط يتناول ما ذكرته فأمسك.
فإذا حلف لا يأكل شحما فأكل ما يجري عليه اسم شحم حنث، وإذا حلف ألا
يأكل رطبا فأكل من النصف فإن كان أكل منه البسر لم يحنث وإن أكله بجملته حنث
لأنه أكل الرطب، وإذا حلف لا يأكل لبنا فأكل سمنا لم يحنث فإن أكل زبدا وكان في
الزبد لبن ظاهر حنث، وإن لم يكن فيه لبن أو كان مستهلكا لم يحنث.
باب كفارة نقض النذر والعهد:
كفارة نقض النذر والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا، وهذه الكفارة يجب على وجه التخيير أي شئ فعله المكفر منها كان مجزئا له،
فإن عجز عن جميع ذلك كان عليه صوم ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر على ذلك أطعم
عشرة مساكين أو كساهم فإن لم يقدر على ذلك تصدق بما قدر عليه، فإن لم يقدر على
شئ على وجه من الوجوه استغفر الله تعالى ولا يعود إلى مثل ذلك.
باب كفارة الظهار والإيلاء:
هذا الكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يقدر على ذلك
أطعم ستين مسكينا، وهي واجبة على الترتيب فلا يجوز للمكفر أن يعدل عن العتق إلى
الصوم إلا بعد العجز عن العتق، ولا يجوز له العدول عن الصوم إلى الإطعام إلا بعد العجز عن
ذلك، فإن عدل عن العتق إلى الصوم أو عدل عن الصوم إلى الإطعام من غير عجز عن
ذلك لم يجزئه وكان عليه أن يكفر بما وجب عليه أولا فأولا على الترتيب الذي ذكرناه دون
91

التخيير، فإن جامع المظاهر قبل التكفير كان عليه كفارة أخرى إلى أن يكفر، وأما كفارة
الإيلاء فهي كفارة اليمين وقد سلف ذكرها.
باب كفارة الحلف بالبراءة من الله
أو رسوله أو أحد الأئمة ع
هذه الكفارة مثل كفارة الظهار فإن لم يقدر على كفارة الظهار كان عليه كفارة يمين.
باب كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان متعمدا
أو أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان
كفارة من أفطر متعمدا في يوم من شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا، وهذه الكفارة تجب على وجه التخيير أيها فعل المكفر كان ذلك
مجزئا له، فأما كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان فهي
كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وقد ذكر أن كفارة ذلك كفارة يمين، وروي أنه
ليس عليه شئ والذي قدمناه أحوط على كل حال، فإن أفطر في هذا اليوم قبل الزوال لم
يكن عليه شئ.
باب كفارة قتل العمد والخطأ:
كفارة قتل العمد هي عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصوم شهرين متتابعين بعد
عفو أولياء الدم عن القود ورضاهم بأخذ الدية، وهذه الكفارة تجب على الجمع ولا يجوز
الاقتصار على واحد منها، فإن اقتصر المكفر على واحدة منهما لم يجزئه يكن مكفرا.
وأما كفارة قتل الخطأ فهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يقدر
على ذلك فإطعام ستين مسكينا، وهذه الكفارة تجب على الترتيب الذي ذكرناه ولا يجوز
على وجه التخيير.
92

باب كفارة من وطئ زوجته أو أمته في الحيض:
إذا وطئ رجل زوجته في أول الحيض كانت كفارته عن ذلك دينارا واحدا قيمته
عشرة دراهم جيادا، وإن وطئها في وسط الحيض كفر عن ذلك بنصف دينار، وإن وطئها
في آخره كفر عن ذلك بربع دينار وقد سلف ذكر ذلك، وأما كفارة وطء الأمة في الحيض
فهي ثلاثة أمداد من طعام يدفعها المكفر إلى ثلاثة مساكين لكل واحد منهم مد واحد.
باب كفارة العجز عن صوم الشهرين المتتابعين:
كفارة من عجز عن ذلك صوم ثمانية عشر يوما، فإن لم يستطع ذلك تصدق عن كل
يوم بمد من طعام فإن لم يقدر على ذلك استغفر الله تعالى ولم يكن عليه شئ بعد ذلك.
باب كفارة من تزوج امرأة في عدتها:
كفارة هذا المتزوج في العدة خمسة أصوع من دقيق بعد أن يفارقها.
باب كفارة من نام عن صلاة العشاء الأخيرة:
إذا نام الانسان عن صلاة العشاء الأخيرة حتى جاز نصف الليل كانت كفارته عن
ذلك صوم اليوم الذي يصبح من تلك الليلة فيه.
باب كفارة من ترك صلاة الكسوف:
كفارة من ترك هذه الصلاة هي الاغتسال وقضاء الصلاة بعد ذلك، وهذه الكفارة
إنما يثبت بشرط العمد لترك هذه الصلاة مع احتراق جميع القرص.
باب كفارة من نظر إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام:
كفارة النظر إلى المصلوب هي استغفار الله تعالى من ذلك والاغتسال، وهذه الكفارة
93

إنما تفعل إذا مضى الانسان إلى المصلوب متعمدا وقاصدا إلى ذلك وقد مضى له مصلوبا
ثلاثة أيام، فإن نظر إليه على خلاف ما ذكرناه لم يكن عليه شئ.
باب كفارة من يشق ثوبه في موت ولده أو زوجته:
هذه الكفارة هي كفارة اليمينين فإن شق ذلك في موت والد أو والدة أو أخ وما
أشبه ذلك لم يكن عليه شئ.
باب كفارة لطم المرأة وجهها في مصاب أو جزها لشعرها في ذلك:
الكفارة على هذا الفعل هي كفارة يمين وليس يلزم إلا بشرط، وهو أن تلطم المرأة
وجهها في مصاب وتخدشه حتى تدميه فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كفارة عليها، فإن
جزت شعرها في ذلك كانت الكفارة فيه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم
شهرين متتابعين.
باب كفارة قتل السيد مملوكه أو ضربه فوق الحد:
كفارة هذا القاتل لمملوكه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا
مخيرا في ذلك وعليه مع ذلك التوبة، فأما كفارة ضربه له فوق الحد فهي عتقه له إذا فعل
ذلك.
باب يلحق بما ذكرناه من الكفارات:
إذا وجب على المكفر صيام شهرين متتابعين في شئ من الكفارات فصام الشهر
الأول ومن الشهر الثاني شيئا آخر ثم أفطر لغير علة كان مخطئا وجاز له أن يبني على ذلك
ويتمم الشهر، وإن كان صام الأول ولم يصم من الثاني شيئا وأفطر كان عليه استئناف
الصوم من أوله وكذلك يجب عليه إذا أفطر في بعض أيام الشهر الأول، وإن أفطر قبل أن
94

يصوم من الشهر الثاني شيئا لعلة كان له أن يبني على ما مضى.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة وعجز عن العتق ثم انتقل إلى الصوم فصام شيئا ثم قدر
على عتق الرقبة جاز له إتمام الصوم ولم يلزمه الرجوع إلى العتق، فإن رجع إلى العتق
وعدل عن الصوم كان أفضل، فأما ما يلزم المحرم من الكفارات على جناياته فقد سلف
ذكره في كتاب الحج فمن احتاج إلى المعرفة بذلك نظره في الموضع الذي ذكرناه.
95

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
97

كتاب الأيمان والنذور والكفارات
اليمين المنعقدة هي أن يحلف الانسان بالله تعالى أو بشئ من أسمائه أي اسم كان،
ولا ينعقد إلا بالنية، فمتى تجرد عن النية كان لغوا، قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو
في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان، والنية إنما يراعى فيها نية المستحلف إذا كان
محقا بالظاهر، فإذا كان مبطلا على الحقيقة فيما يقول كانت النية نية الحالف.
أخبر تعالى أنه لا يؤاخذ بلغو اليمين، ولغو اليمين أن يسبق لسانه بغير عقيدة بقلبه
كأنه أراد أن يقول: لا والله، فقال: بلى والله، واختلفوا في لغو اليمين في هذه الآية: فقال ابن
عباس هو ما يجري على اللسان عادة، ولا والله وبلى والله، من غير عقد على يمين يقطع بها.
قال: أو يظلم بها أحد وهو المروي عنهما ع، وقال الحسن هي يمين الظان وهو
يرى أنه كما حلف فلا إثم عليه ولا كفارة، وعن طاووس أنها يمين الغضبان لا يؤاخذ منها
بالحنث، وقال زيد بن أسلم هو قول الرجل: أعمى الله بصري، أو أهلك الله مالي، فيدعو
على نفسه، قال تعالى: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم.
وأصل اللغو الكلام الذي لا فائدة فيه، وكل يمين جرت مجرى ما لا فائدة فيه حتى
صارت بمنزلة ما لم يقع فهي لغو ولا شئ فيها، يقال: لغا يلغو إذا تكلم بما لا فائدة فيه،
واللغو في اللغة ما لم يعتد به. والصحيح أن لغو اليمين هو الحلف على وجه الغلط من غير
قصد مثل قول القائل " لا والله " و " بلى والله " على سبق اللسان، ولا كفارة في لغو اليمين
عند أكثر المفسرين والفقهاء.
99

وقوله تعالى: عقدتم، وعقدتم، بالتخفيف والتشديد المراد به تأكيد الأيمان حتى يكون
بمنزلة العقد المؤكد، أو يكون المراد أنكم عقدتموها على شئ خلافا لليمين اللغو التي ليست
معقودة على شئ لأن الفقهاء يسمون اليمين على المستقبل يمينا معقودة، وهي التي يتأتى
فيها البر والحنث ويجب فيها الكفارة.
واليمين على الماضي عندهم ضربان: لغو وغموس، فاللغو كقول القائل: والله
ما فعلت كذا، في شئ يظن أنه لم يفعله أو: والله لقد فعلت كذا، في شئ يظن أنه فعله، فهذه
اليمين لا مؤاخذة فيها. وأما الغموس فهي اليمين على الماضي إذا وقعت كذبا كقول
القائل: والله ما فعلت، وهو يعلم أنه قد فعله، فهذه اليمين كفارتها الاستغفار بشرطه
لا غير.
باب في أقسام الأيمان وأحكامها:
لما بين سبحانه أنه لا يؤاخذ على لغو اليمين بين بعده بقوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان، أنه يؤاخذ بما عقد عليه قلبه ونوى، وقرئ " عاقدتم " و " عقدتم " بلا ألف مع
تخفيف القاف وتشديدها، ومنع الطبري من القراءة بالتشديد، قال: لأنه لا يكون إلا مع
تكرير اليمين والمؤاخذة تلزم من غير تكرير بلا خلاف، وهذا غير صحيح لأن تعقيد اليمين
أن يعقدها بقلبه ولفظه، ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيدا وهو كالتعظيم
الذي يكون تارة بالمضاعفة وتارة بعظم المنزلة.
قال أبو علي الفارسي: من شدد احتمل أمرين: أحدهما أن يكون لتكثير الفعل، بقوله
تعالى: ولكن يؤاخذكم، مخاطب للكثرة، فهو مثل: وغلقت الأبواب، والآخر أن يكون عقد
مثل ضعف لأنه أراد به التكثير، كما أن ضاعف قد لا يراد به فعل من اثنين وإن كان أصله بين
الاثنين، وقال الحسن بن علي المغربي: في التشديد فائدة وهي أنه إذا كرر اليمين على
محلوف واحد فإذا حنث لم يلزمه إلا كفارة واحدة، وفي ذلك بين الفقهاء خلاف والذي ذكره
قوي، ومن قرأ بالتخفيف جاز أن يريد به الكثير من الفعل والقليل.
و " عاقدتم " يراد به عقدتم كما يقال عافاه الله، ويحتمل أن يكون يقتضي فاعلين كأنه
100

قال: يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين، ولما كان عاقد في المعنى قريبا من عاهد عداه بعلى
كما يعدي بها عاهد، قال تعالى: ومن أوفى بما عاهد عليه الله، والتقدير يؤاخذكم بالذي
عاقدتم عليه ثم حذف الراجع فقال عاقدتم الأيمان.
ويجوز أن تكون ما مصدرية في من قرأ " عقدتم " بالتخفيف والتشديد، فلا يقتضي
راجعا كما لا يقتضيه في قوله تعالى: بما كانوا يكذبون، والقراءات الثلاث يجب العمل بها
على الوجوه الثلاثة، لأن القراءتين فصاعدا إذا صحت فالعمل بها واجب لأنهما بمنزلة
الآيتين والآيات، على ما ذكرنا في قوله تعالى: يطهرن، يطهرن.
فصل:
واليمين على ثلاثة أقسام:
أحدها: عقدها طاعة وحلها معصية فهذا يتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف كقوله.
والله لا أشرب خمرا ولا أقتل نفسا ظلما.
والثاني: عقدها معصية وحلها طاعة كقوله: والله لا أصلي ولا أصوم، فإذا حنث
بالصلاة والصوم فلا كفارة عندنا عليه.
والثالث: أن يكون عقدها مباحا وحلها كقوله: والله لا ألبس هذا الثوب، فمتى حنث
تعلق به الكفارة إذا لم يكن لبسه أولى وكذا إذا حلف أنه لا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل
من لحمها وليس به حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهن،
فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة، وإن أكل أو شرب لحاجة فليس
عليه شئ.
فعلى هذا تكون الأيمان على ضربين: أحدهما لا كفارة عليه والثاني يجب فيها الكفارة،
فما لا كفارة فيه هو اليمين على الماضي إذا كان كاذبا فيه وإن كان آثما، مثل أن يحلف أنه
ما فعل وكان فعل أو حلف أنه فعل وما كان فعل، فهاتان لا كفارة فيهما عندنا وعند أكثر
الفقهاء، وكذلك إذا حلف على مال لتقطيعه فليس له أن يقتطع ولا كفارة عليه ويلزمه
الخروج مما حلف عليه والتوبة، وهي اليمين الغموس، ومنها أن يحلف على أمر فعل أو ترك
101

وكان خلاف ما حلف عليه أولى من المقام عليه، فليخالف ولا كفارة عليه عندنا.
وما فيه كفارة فهو أن يحلف على أن يفعل أو يترك وكان الوفاء به واجبا أو ندبا أو كان
فعله وتركه سواء، فمتى حالف كان عليه الكفارة.
فصل:
وقوله تعالى " فكفارته " الهاء يحتمل رجوعها إلى أحد ثلاثة أشياء: أحدها إلى ما مر من
قوله: بما عقدتم الأيمان، الثاني إلى اللغو، الثالث إلى حنث اليمين لأنه مدلول عليه،
والصحيح الأول، ثم قال: إطعام عشرة مساكين، وإنما ذكر بلفظ التذكر تغليبا للتذكير في
كلامهم لأنه لا خلاف أنه لو أطعم الإناث لأجزأه.
وقد حده أصحابنا بأن يعطي كل واحد مدين أو مدا منفردا أو يجمعهم على ما هذا قدره
ليأكلوه ولا يجوز أن يعطي خمسة ما يكفي عشرة. وهل يجوز إعطاء القيمة؟ فيه خلاف،
والظاهر أنه لا يجزئ والروايات تدل على جوازه، وإنما ذكر الكفارة في الآية لأن التوبة من
كل ذنب يعلم وجوبها على الجملة وليس تجب الكفارة على كل ذنب لأن المعنى فكفارته
الشرعية كذا، وحكم التوبة معلوم من الشرع فلذلك لم يذكر.
وقوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم، فيه قولان:
أحدهما: الخبز والأدم دون اللحم، لأن أفضله الخبز واللحم والتمر وأوسطه الخبز
والزيت أو السمن وأدونه الخبز والملح.
الثاني: أوسطه في المقدورات، فكنت تشبع أهلك أولا تشبعهم بحسب العسر واليسر
فتقدر ذلك، هذا قول ابن عباس، وعندنا يلزمه أن يعطي كل مسكين مدين، وقال قوم
يكفيه مد، وروي ذلك في أخبارنا فالأول للغني الواجد والثاني لمن دونه في الغنى.
وقوله تعالى: أو كسوتهم، فالذي رواه أصحابنا أنه ثوبان لكل واحد مئزر وقميص
وعند الضرورة قميص، وقال الحسن ثوب ثوب.
وقوله تعالى: أو تحرير رقبة فالرقبة التي تجزئ في هذه الكفارة كل رقبة كانت سليمة
من العاهة صغيرة كانت أو كبيرة مؤمنة كانت أو كافرة، والمؤمنة أفضل لأن الآية مبهمة
102

مطلقة وفيه خلاف، وما قلناه قول أكثر المفسرين من الحسن وغيره ومعنى تحرير رقبة جعلها
حرة وهذه الثلاثة الأشياء مخير فيها بلا خلاف، وعندنا أيضا واجبة على التخيير، وقال قوم:
الواجب منها واحد لا بعينه، والكفارة قبل الحنث لا تجزئ، وفيه خلاف.
" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " أي فكفارته صيام ثلاثة أيام. وحد من ليس
بواجد هو من ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته كما ذكرناه في باب
الصوم، وصوم هذه الأيام الثلاثة متتابع ويقويه قراءة ابن مسعود وأبي " صيام ثلاثة أيام
متتابعات ".
وقيل في معنى قوله: أن تبروا، ثلاثة أقوال: أحدها لأن تبروا على معنى الإثبات، الثاني
أن يكون على معنى لدفع أن تبروا أو لترك أن تبروا، الثالث على تقدير ألا تبروا، وحذفت
" لا " لأنه في معنى القسم كقول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي لا أبرح، هذا قول أبي عبيد وأنكر هذا أبو العباس، لأنه لما كان معه " أن " بطل أن
يكون جواب القسم.
وفي موضع " أن تبروا " ثلاثة أقوال:
أحدها: أن موضعه الخفض فحذف اللام، عن الخليل والكسائي.
الثاني: موضعه النصب، قال: سيبويه لما حذف الخافض وصل الفعل، وهو القياس.
الثالث: قال قوم موضعه الرفع على أن يكون التقدير أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين
الناس أولى، وحذف أولى لأنه معلوم المعنى أجازه الزجاج، وقال بعض المفسرين: فعلى هذا
إذا حلف أن لا يعطي زيدا من معروفه ثم رأى أن بره خير أعطاه ونقض يمينه.
وعندنا لا كفارة عليه وجوبا وإن كفر كان ندبا، وإنما جاز ذلك لأنه لا يخلو من أن يكون
حلف يمينا جائزة أو غير جائزة، فإن كانت جائزة فهي مقيدة بأن لا يرى ما هو خير فليس في
هذا مناقضة للجائز، وإن كانت غير جائزة فنقضها غير مكروه، ثم قال: لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، أي لا يلزمكم كفارة في الدنيا
ولا عقوبة في الآخر على اليمين التي تقع منكم لغوا على ما ذكرناه.
103

فصل:
ومن حلف أن يؤدب غلامه بالضرب جاز له تركه ولا يلزمه الكفارة، قال الله تعالى:
وإن تعفوا أقرب للتقوى، على أنه يمكنه التورية، وإن كان حلف مثلا أن يضربه مائة على ما
أمره الله تعالى " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " ومن حلف أن لا يكلم زيدا حينا
وقع على ستة أشهر، والدليل عليه بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: تؤتي أكلها كل حين بإذن
ربها، روي عن ابن عباس أن المراد به ستة أشهر وهذا مروي عن أئمتنا ع.
وقيل: إن الاستدلال عليه من القرآن أن يقال: إن اسم " الحين " يقع في القرآن على
أشياء مختلفة: يقع على الزمان كله في قوله سبحانه: فسبحان الله حين تمسون وحين
تصبحون، وإنما أراد زمان الصباح والمساء كله ومما يقع عليه أيضا اسم الحين من قوله
تعالى: ومتعناهم إلى حين، فالمراد به وقت مبهم، وقال عبد الله بن عباس في قوله تعالى: تؤتي
أكلها كل حين هو ستة أشهر، ومما يقع عليه أيضا اسم الحين أربعون سنة، قال الله
تعالى: هل أتى على الانسان حين من الدهر، فذكر المفسرون أنه تعالى أراد أربعين سنة،
ومع اشتراك اللفظ لا بد من دلالة في حمله على البعض، ولما روت الإمامية عن أئمتها
ع ستة أشهر وأجمعوا عليه كان ذلك حجة في حمله على ما ذكرناه.
باب أقسام النذور والعهود وأحكامها:
قال الله تعالى: وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر، فالآية تدل على أن بالنذر يلزم
الشئ كما يلزم بإلزام الله، لأنه قرنه بالإنفاق الذي أمر الله تعالى به فقال: أنفقوا من طيبات
ما كسبتم، وقال الزجاج: يريد ما تصدقتم من قرض لأنه في ذكر الزكاة المفروضة، ألا ترى
إلى قوله بعده: وما للظالمين من أنصار، قال ابن جرير: الظالم هنا من أنفق ماله رياءا
وسمعة، وقيل المراد بالظالم هاهنا: من أنفق ماله لا كما أمر الله فوضع الصدقة في غير
موضعها، لأن الظلم وضع الشئ في غير موضعه، والمعتدي في الصدقة كمانعها والوفاء
بالنذر واجب إذا كان في طاعة الله.
والنذر عقد فعل شئ من البر على النفس بشرط كأن يقول: إن عافى الله مريضي
104

تصدقت بكد الله وهو من الخوف، لأنه يعقد على نفسه مخافة التقصير فيه، وقال تعالى: أوفوا
بالعقود، قال الزجاج: العقود أبلغ من العهود لأن العهد يكون على استيثاق وغيره والعقد
لا يكون إلا العهد الذي أخذ على استيثاق، وغيره والعقد لا يكون إلا العهد الذي أخذ
على استيثاق، فكأنه قال: العقود التي أحكم عقدها أوفوا بها. وقال ابن عباس: إذا كان
العقد على طاعة وجب الوفاء، وإن كان على معصية لم يجز الوفاء بها، وإذا كان على مباح
جاز الوفاء.
ولم يجب وعندنا يكون كما ذكرنا في باب اليمين على الطاعة والمباح والمعصية، وقال
الله تعالى: يوفون بالنذر ويخافون، وقال: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، و: أوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم، وقال: ومنهم من عاهد الله، وقال: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار
و كان عهد الله مسؤولا.
وقال الشيخ أبو جعفر في المبسوط: النذر ضربان: أحدهما: نذر لجاج وغضب، وصورته
صورة اليمين أما أن يمنع نفسه به فعلا أو يوجب عليها فعل شئ، فالمنع أن يقول: إن دخلت
الدار فمالي صدقة، والإيجاب أن يقول: إن لم أدخل الدار فمالي صدقة، فإذا وجد شرط
نذره فهو بالخيار بين الوفاء به وبين كفارة اليمين.
والضرب الثاني: نذر التبرير والطاعة، وهو على ضربين: إما أن يعلقه بجزاء أو يطلق،
فالجزاء إما إسداء نعمة كقولك: إن رزقني الله ولدا فلله علي أن أتصدق بمالي، وإما دفع
نقمة مثل أن تقول: إن نجاني الله من البحر فلله علي أن أصوم كذا، فإذا وجد شرط نذره
لزمه الوفاء.
والمطلق أن يقول: لله علي أن أتصدق بمالي أو أحج أو أصوم ونحو هذا نذر طاعة
ابتداء بغير جزاء فعندنا أنه يلزمه، وقيل: لا يتعلق به حكم لأن ثعلبا قال: النذر عند العرب
وعد بشرط، والأول أصح عندنا.
فصل:
واعلم أن النذر هو أن تقول: إن كان كذا فلله علي كذا، من صوم وغيره، أو تعتقد
105

أنه متى كان شيئا فلله علي كذا وجب عليك الوفاء به عند حصول ذلك الشئ، ومتى لم
تقل لله ولم تعتقده لله كنت مخيرا في الوفاء به وتركه، والمعاهدة أن تقول: عاهدت الله أو تعتقد
ذلك أنه متى كان كذا فعلي كذا، فمتى حصل شرطه وجب عليك الوفاء به، وكذا إن لم
تقل لله ولم تعتقده كان مستحبا الوفاء به، وإنما يكون للنذر والعهد تأثير إذا صدرا عن نية.
وعن محمد بن مسلم أنه سأل الباقر أو الصادق ع عن امرأة جعلت
ما لها هديا وكل مملوك لها حرا إن كلمت أختها أبدا، قال: تكلمها وليس هذا بشئ، إن هذا
وشبهه من خطوات الشيطان. قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان
ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.
وقال المرتضى: لا ينعقد النذر حتى يكون معقودا بشرط متعلق، كأنه يقول لله علي أن
أصوم أو أتصدق إن قدم فلان، ولو قال: لله علي أن أصوم، من غير شرط يتعلق به لم ينعقد
نذره، قال: والدليل عليه أن معنى النذر في القرآن يكون متعلقا بشرط، ومتى لم يتعلق بشرط
لم يستحق هذا الاسم، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم يشرط لم يلزمه الوفاء، لأن الوفاء إنما يلزم متى
ثبت الاسم والمعنى.
قال: فأما استدلالهم بقوله: أوفوا بالعقود، وبقوله: أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، فليس
بصحيح، لأنا لا نسلم أنه مع التعري من الشرط يكون عقدا وعهدا، وإنما تناولت الآيتان
ما يستحق اسم العقد والعهد فعليهم أن يدلوا عليه، والاحتياط فيما قدمناه من أنه يجب
الوفاء وإن كان مطلقا. فالقائل إذا نذر فقال: لله علي أن أصوم كل خميس، فإنه يجب عليه
صومه أبدا لأنه أيضا في معنى المشروط كأنه قال: إن عشت.
فصل:
وأما قوله تعالى: وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه، فما بمعنى الذي
وما بعدها صلتها والعائد إليها الهاء في قوله: يعلمه، والنذر عقد الشئ على النفس في فعل
شئ من البر بشرط أو غيره بأن يقول: لله علي كذا إن كان كذا ولله علي كذا، " فإن الله
يعلمه " أي يجازي عليه فدل بذكر العلم على تحقيق الخبر إيجازا للكلام.
106

وقوله: أوفوا بالعقود، أمرهم بالإتمام بالوفاء لما لزمهم، والعقود هي التي يتعاقدها
الناس بينهم أو يعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان وعقد النكاح وعقد الشركة
وعقد البيع وعقد العهد وعقد الحلف، وقال بعض المفسرين: أراد الوفاء بالنذور فيما يجوز الوفاء به،
أي أوفوا بالعقود الصحيحة لأنه لا يلزم أحدا أن يفي بعقد فاسد، كالنذر في قتل مؤمن ظلما
وغصب ماله.
وقيل في قوله تعالى: ولا تتبعوا خطوات الشيطان، هي النذور في المعاصي، وقوله
" يوفون بالنذر " الوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه، وقد ذكرنا أن النذر عقد على فعل
على وجه البر بوقوع أمر يخاف أن لا يقع،
وكفارة النذر مثل كفارة الظهار، فإن لم يقدر كان عليه كفارة اليمين والمعنى به أنه إذا
فات الوقت الذي نذر فيه صار بمنزلة الحنث.
باب أقسام العهد:
قال الله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم اعلم أن من عاهد الله أن يفعل واجبا
أو ندبا أو ما يكون به مطيعا وجب عليه الوفاء به، فإن لم يفعل كان عليه الكفارة، وكذلك إن
عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل القبيح أو ترك الطاعة وجب
عليه أيضا الكفارة.
أمر الله تعالى عباده بأن يفوا بعهده إذا عاهدوا عليه وكذلك قوله: وأوفوا بالعهد إن
العهد كان مسؤولا، أي مسؤولا عنه للجزاء عليه فحذف عنه لأنه مفهوم، والآية أمر منه
تعالى بالوفاء بالعهود التي تحسن، ومتى عقد عاقد على ما لا يجوز نقض ذلك العقد الفاسد.
وقد يجب الشئ للنذر والعهد والوعد به، وإنما يجب عند العقد والعهد الذي يجب
الوفاء به هو كل فعل حسن إذا عقد عليه وعاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه فإنه يصير واجبا
عليه ولا يجوز له خلافه كما ذكرناه، فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير
فلا كفارة عليه، وهذا يجوز فيما كان ينبغي أن يشرط، فأما إذا أطلقه وهو لا يأمن أن يكون
غيره خيرا فقد أساء بإطلاق العقد عليه.
107

ثم قال: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وهذا نهي منه تعالى عن حنث الأيمان بعد
عقدها وتوكيدها، وفي الآية دلالة على أن اليمين على المعصية غير منعقدة لأنها لو كانت
منعقدة لما جاز نقضها، وأجمعوا على أنه يجب نقضها ولا يجوز الوفاء به.
وقد مدح الله المؤمنين فقال: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، أي محافظون
ما يعاهدون عليه، والمراعاة قيام الداعي بإصلاح ما يتولاه. وقال تعالى: ولقد كانوا عاهدوا الله
من قبل، وقال: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن، وإنما صح أن يعاهد الله من
لا يعرفه لأنه إذا وصفه بأخص صفاته جاز أن يعرف عهده إليه فلذلك جاز أن يكون غير
عارف، وقال تعالى: وبعهد الله أوفوا.
باب الكفارات:
أما كفارة اليمين فقد قال الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما
تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، أي الثلاثة التي
هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فعل فقد أجزأ مخير فيها، فمتى عجز عن
جميعها كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.
وعن محمد بن مسلم سألت أبا جعفر ع عن قوله تعالى: من أوسط ما
تطعمون أهليكم أو كسوتهم، قال: ثوب، وعن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا
الجمع لإنسان واحد يعطاه؟ قال: لا ولكن يعطي إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى. قلت:
يعطيها الرجل قرابته إذا كانوا محتاجين؟ قال: نعم.
وفي قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، قال أبو عبد الله ع: هو كما
يكون في البيت من يأكل أكثر من مد ومنهم من يأكل أقل من مد فبين ذلك، وإن شئت
جعلت لهم أدما، والأدم أدناه الملح وأوسطه الخل والزيت وأرفعه اللحم.
والكفارة فعالة من الكفر وهو الستر والتغطية، أي الذي يستر هذا الذنب وهو
الحنث في اليمين المعقود عليها حتى يزول عنه العقاب، والضمير في قوله: فكفارته، يعود إلى
الذنب بالحنث بأنه مدلول عنه، وقال أبو علي الفارسي: أي كفارة ما عقدتم عليه لأن الكفارة
108

أوجبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها والمعقود عليه ما كان موقوفا
على الحنث والبر دون ما لم يكن كذلك. وقال الزجاج: أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث
أن يطعم عشرة مساكين ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين.
والمراد بالرقبة واحد من المماليك، والأصل في ذلك العنق وما حولها وأريد هاهنا جملة
البدن لأنه شبه المملوك بالأسير الذي يشد رقبته، فإذا أطلق فك عن رقبته فكذا المملوك إذا
أعتق. وقال الحسن: كل مملوك كالآخر في الجواز فيجوز الكافر أيضا لأن الآية مبهمة.
وخير الله الحالف بين هذه الثلاثة وفيه تفاوت، لأن إشباع عشرة لا يفي بثمن رقبة والله
العالم بوجه الحكمة في تسوية هذا بذاك، وكذلك الكسوة ثمنها دون ثمن الرقبة بكثير.
وقال الزجاج: أكثرها نفعا أفضلها عند الله، فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على
المأكول فالإطعام أفضل لأن به قوام الحياة وإلا فالإعتاق أو الكسوة أفضل.
فصل:
وكفارة قتل الخطأ واجبة سواء أخذ أولياء المقتول الدية من العاقلة أو من القاتل أو
تصدقوا، قال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، وسواء كان المقتول مؤمنا
بين المؤمنين أو مؤمنا وقومه كافرون والقاتل لا يعلم إيمانه والظاهر أنه مباح الدم أو مؤمنا
وقومه معاهدون، وقيل: إن الكفارة أيضا واجبة إذا كان المقتول كافرا بين قوم معاهدين،
لعموم قوله: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة.
واختلفوا في وجوب الكفارة على القاتل عمدا إذا قبل منه الدية أو عفي عنه: فقال قوم
لا كفارة عليه ومنهم من قال عليه كفارة واجبة كوجوبها في قتل الخطأ لأنها وجبت في الخطأ
بالقتل وهو حاصل في العمد، وعندنا كفارة قتل العمد عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا
وصيام شهرين متتابعين بعد رضاء أولياء المقتول بالدية أو العفو عنه.
فصل:
فإن قيل: ما تقولون في الكفارة أ هي عقوبة؟
109

قلنا: الصحيح أن يقال: الكفارة للظهار والوطء في نهار شهر رمضان في الحضر وغير
ذلك، أنها تقع موقع العقوبة لما لم يثبت وجوبها إلا فيما يعظم فيه المأثم، فأما أن يكون
عقوبة فيما سواه فكلا. وهذا بين لأن تحريم الأكل في نهار شهر رمضان في حال الحضر تكليف، فإذا
أكل وكفر بعده فإنه على التكفير يستحق المثوبة، وما هذا حاله معدود في النعم فكيف يكون
عقوبة؟.
باب الزيادات:
قوله تعالى: بما عقدتم الأيمان، أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها بالقصد والنية، والمعنى
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم، فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوما عندهم أو
بنكث ما عقدتم فحذف المضاف، " فكفارته " أي فكفارة حنثه ونكثه، والكفارة فعلة من
شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها.
مسألة:
وقوله تعالى: أو كسوتهم، عطف على محل من أوسط، ووجهه أن من أوسط بدل من
الإطعام والبدل هو المقصود، ولذلك كان المبدل منه في حكم المنحي، والكسوة ثوب يغطي
العورة، ومعنى أو التخيير. وإيجاب أحد الكفارات الثلاث على الإطلاق فإنها كلها واجبة
على سبيل التخيير بأيتها أخذ المكفر فقد أصاب.
وقوله " ذلك " أي ذلك، المذكور " كفارة أيمانكم "، ولو قيل: تلك كفارة أيمانكم لكان
صحيحا على معنى تلك الأشياء أو لتأنيث الكفارة، " واحفظوا أيمانكم " أي لا تحنثوا، أراد
الأيمان لله الحنث فيها معصية، وقيل: احفظوها كيف حلفتم بها ولا تنسوها تهاونا بها
" كذلك " أي مثل ذلك البيان " يبين لكم آياته " أي أعلام شريعته.
مسألة:
قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة، العرضة فعلة بمعنى مفعول كالغرقة، والعرضة أيضا
110

المعرض للأمر، ومعنى الآية على الأول أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة
رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك
البر في يمينه، فقيل لهم: فلا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه.
وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين، كما قال رسول الله ص لعبد
الرحمن بن سمارة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير، أي على
شئ مما يحلف عليه، وقوله: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، عطف بيان لأيمانكم، أي للأمور
المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس.
مسألة:
فإن قيل: بم تعلقت اللام في قوله بأيمانكم؟
قلنا: بالفعل، أي ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم حجازا، ويجوز أن يكون اللام للتعليل
ويتعلق " أن تبروا " بالفعل أو بالعرضة، أي لا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأيمانكم
فتبتذلوه بكثرة الحلف به، ولذلك ذم من أنزل فيه " ولا تطع كل حلاف مهين " بأشنع المذام،
وجعل كونه حلافا مقدمتها وأن تبروا علة للنهي، أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن
الحلاف مجترئ على الله غير معظم له فلا يكون متقيا ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في
وسائطهم وإصلاح ذات بينهم.
" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " أي لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد
معه ولكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذب في اليمين، وهو أن يحلف
على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله.
111

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
113

فصل في اليمين والعهد والنذر: لا يمين شرعية إلا بالله تعالى أو اسم من أسمائه الحسنى دون غيرها من كل
مقسوم
به، بدليل إجماع الطائفة، أيضا فالحالف بغير الله تعالى عاص بمخالفة الشرع من كيفية
اليمين وإذا كان انعقاد اليمين ولزوم الكفارة بالحنث حكما شرعيا لم يثبت بالمعصية،
وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يفتقر إلى دليل.
واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره - أن
لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه، أو أن يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر
عليه في فعله مع عقد اليمين بالنية وإطلاقها من الاستثناء بالمشيئة - فيخالف ما عقد
اليمين عليه مع العمد والاختيار، بدليل الاجماع المشار إليه لأنه لا خلاف في انعقاد اليمين
في المواضع التي ذكرناها وليس على انعقادها فيما سواها دليل، ويخص النية قوله تعالى:
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، وعقد اليمين لا يكون إلا
بالنية، ويحتج على المخالف في سقوط الكفارة بالسهو والإكراه بقوله ع: رفع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
واليمين التي لا تنعقد ولا كفارة فيها ما عدا ما ذكرناه، مثل أن يحلف الانسان على
115

ما مضى هو كاذب فيه، أو يقول: لا والله، و: بلى والله، من غير أن يعقد ذلك بنية وهذه يمين
اللغو، أو يحلف أن يفعل أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى واجبة ومندوبا إليها،
أو يكون أصلح له في دنياه.
ويحتج على المخالف في هذا بقوله ع: من حلف على شئ فرأى ما هو خير منه فليأت الذي هو خير
منه وتركه كفارته، ويخص اليمين على المعصية أن معنى انعقاد
اليمين أن يجب على الحالف أن يفعل أو يترك ما علق اليمين به وهذا لا يصح في المعصية
لأن الواجب تركها، وليس لأحد أن يقول: معنى انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة،
لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين وموجب عنه فكيف يفسر الانعقاد به؟
وكفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة
أيام، والكسوة على الموسر ثوبان وعلى المعسر ثوب، والإطعام شبع المسكين في يومه.
ولا كفارة قبل الحنث، ولا يمين للولد مع والده ولا للعبد مع سيده ولا للمرأة مع زوجها
فيما يكرهونه من المباح.
ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله أو من رسوله أو أحد الأئمة ع، فإن فعل
أثم ولزمه إن خالف ما علق البراءة به كفارة ظهار، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة. ومن
قال: علي عهد الله أن أفعل كذا من الطاعات أو أترك كذا من المقبحات، كان عليه الوفاء،
ومتى خالف لزمه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخير في ذلك،
بدليل الاجماع الماضي ذكره.
وأما النذر فهو أن يقول: لله علي كذا إن كان كذا، ويلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه -
وقد دللنا على وجوب ذلك فيما تقدم من الكتاب في باب الصلاة - فإن لم يفعل لزمه
كفارة نقض العهد بدليل الاجماع المشار إليه.
ومتى قال: على كذا إن كان كذا، ولم يقل لله، أو قال: لله علي كذا، ولم يقل إن كان
كذا، لم يكن ناذرا ولم يلزمه بالمخالفة كفارة لأن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد النذر به
ولا دليل على انعقاده من دونه، وقد روي عن ثعلب أنه قال: النذر عند العرب وعد بشرط،
ومن أصحابنا من أجرى قول القائل: لله علي كذا، من غير شرط مجرى العهد.
116

ولا ينعقد نذر المعصية ولا النذر فيها بدليل ما قدمناه من الاجماع ونفي الدليل
الشرعي على انعقاده، وأيضا فمعنى انعقاد النذر أن يجب على الناذر فعل ما أوجبه على
نفسه وإذا انتفى بالإجماع أن تجب المعصية على حال ثبت أن النذر لا ينعقد فيها، ويحتج على
المخالف بما رووه من قوله ع: لا نذر في معصية.
117

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
119

كتاب الأيمان والنذور
فصل في بيان أقسام اليمين:
لا بد في اليمين من ثلاثة أشياء: حالف ومحلوف عليه ومحلوف به.
والحالف لم يخل: إما حلف عن غير قصد ولا نية ويكون ذلك لغوا لا يلزم به حنث
ولا كفارة، أو حلف عن قصد ونية وذلك أيضا ضربان: إما حلف على أمر قد مضى ولا تلزم به
الكفارة بحال ويلزمه به الحنث إن كذب، وإما حلف على أمر مستقبل وذلك ينقسم اثني
عشر قسما: إما حلف على أنه لا يرتكب معصية أو لا يترك واجبا أو لا يفعل مكروها أو
لا يخل بمندوب أو يرتكب معصية أو يترك واجبا أو يخل بمندوب أو يواظب على المكروهات
أو يفعل مباحا أو يتركه، ويحلف من تلقاء نفسه أو يستحلفه غيره.
فالأول: يستحق به الثواب وبالإقامة عليه ويلزمه بحمله خمسة أشياء: الإثم واستحقاق
العذاب والحنث والكفارة والتوبة، والثاني: حكمه كذلك.
والثالث والرابع: يكون مأجورا باليمين وبالإقامة عليه ومأزورا بحله لمخالفة اليمين
دون ارتكاب المكروه وترك المندوب، ويلزمه الحنث والكفارة والتوبة عن حل اليمين
المنعقدة.
والخامس: يأثم باليمين وبالإقامة عليه ويستحق الثواب بحله، ويجب عليه حله
121

ولا يلزمه به حنث ولا كفارة بل يكون بذلك محسنا مطيعا، والسادس: كذلك.
والسابع والثامن: يستحب حلهما وتركهما ولا يستحق بذلك مأثما ولا يلزمه به حنث
ولا كفارة.
والتاسع والعاشر لم يخل: إما أن يكون فعلهما أو تركهما في باب المصالح دينا أو دنيا
سواء ويلزمه المقام عليه، فإن حله أثم وحنث ولزمته الكفارة وإن كان لأحدهما مزية في باب
المصالح حله ولم يلزمه إثم ولا حنث ولا كفارة، وروي لزوم الكفارة وهو الأحوط.
والحادي عشر: تكون اليمين على نية الحالف.
والثاني عشر: إن كان المستحلف ظالما له باستحلافه فكذلك وإن كان محقا كان
اليمين على نيته.
ولا يمين للزوجة مع زوجها ولا للولد مع والده ولا للمملوك مع سيده ما لم يؤد إلى فعل
قبيح أو ترك واجب.
ومن حلف لدفع أذى عن نفسه أو أخيه وورى حاز به أجرا، ومن حلف أنه لا يطأ
جارية فلان فإذا خرجت من ملكه لم يحنث بوطئها إذا ملكها أملكها غيره وتزوجها، ومن
كان عنده أمانة لمسلم وطالبه ظالم بها وأمكنه إنكاره أنكر فإن استحلفه حلف وورى، ومن
حلف عليه غيره ليفعل فعلا لم يلزمه بسبب يمينه شئ إلا أن يؤدي ذلك إلى مفسدة فإذا
أدى إليها فالأولى إجابته إليه.
وأما المحلوف به فأسماء الله تعالى أو صفات ذاته أو ذاته بحق، والله والرحمن والرب
والعزيز، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة والذي بعث محمدا والذي أنزل الفرقان والذي
علم السر، ورب العرش ورب الكعبة، والعالم بالسرائر والحي القيوم والذي أصوم له
وأحج والذي أسلمت له وما أشبه ذلك.
ولا يجوز اليمين بغير الله تعالى على وجه، وإن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من
رسوله ع أو من أحد الأئمة ع لم يكن يمينا، فإن كذب أثم ولزمته كفارة
النذر وإن استثنى في اليمين بمشيئة الله تعالى وكان متصلا أو في حكمه لم ينعقد، والتنزه عن
اليمين على كل حال أفضل وإن كان صادقا إلا إذا أدى إلى ضرر يجحف به، ويجتنب
122

اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع.
فصل في بيان النذر:
النذر: التزام طاعة لله تعالى بشرط حصول أمر غير محظور أو اندفاع أمر مكروه،
والنذر مشروط وغير مشروط، والمشروط إن كان الشرط والمنذور فيه كلاهما أو أحدهما
معصية لم ينعقد وإن كان الشرط طاعة والمنذور فيه أيضا طاعة أو أمرا مرغوبا فيه غير
قبيح صح.
ولم يخل: إما نذر لله تعالى وقال: لله علي كذا إن كان كذا، أو نذر مطلقا وقال: علي كذا
إن كان كذا، أو قال: علي كذا.
فالأول لم يخل: إما عين بوقت أو لم يعين، فإن عين بوقت وأمكنه الوفاء به ولم يف وقد
وقع الشرط لزمته كفارة النذر وإن لم يمكنه الوفاء به لم تلزمه وإن عين بوقت لم تصح تلك
العبادة فيه لم يصح النذر، وإن لم يعين بوقت وحصل الشرط لزمه ما نذر على الفور فإن لم
يفعل لم تلزمه الكفارة إلا بموته، وإن نذر بالنية وحدها دون القول كان حكمه حكم من قال
بلسانه ونوى،
وإن قال: علي كذا إن كان كذا، ولم يقل: لله، لزمه الوفاء ولم تلزمه الكفارة بفواته،
وإن قال: علي كذا فحسب، إن شاء وفي وإن شاء لم يف والوفاء أفضل.
والنذر ضربان: نذر غضب ولجاج ولا ينعقد ذلك، ونذر طاعة وتبرر ولم يخل: إما عين
الطاعة أو لم يعين. فإن عين لزمه الوفاء على ما ذكرنا وإن لم يعين كان مخيرا في فعل أي شئ،
شاء من أفعال البر والقربة من الصوم والصلاة والصدقة.
وإن نذر يوما بعينه أن يصوم فيه مطلقا واتفق أن يكون مسافرا في ذلك أو يكون اليوم
يوم عيد أو يوما من أيام التشريق وهو بمنى أفطر وقضى وإن قيد بحال السفر صام مسافرا،
وإن اتفق أن يكون من شهر رمضان صام بنية رمضان وقضى فإن صام بنية النذر أجزأ عن
رمضان وقضى صوم النذر، وإن نذر زيارة بيت الله كان ذلك راجعا إلى بيت الله الحرام
ولزمته زيارته حاجا أو معتمرا.
123

وإن نذر أن يأتي منى لم يلزمه فإن نذر أن يأتيه وينحر فيه فكذلك وإن نذر أن يأتيه
وينحر فيه ويفرق على المساكين لزم، وإن نذر أن يأتي مسجدا من المساجد غير المسجد
الحرام ومسجد النبي ص لم يلزمه، فإذا نذر إتيان أحد المسجدين لزمه أن
يأتيه حاجا أو معتمرا إن كان مخصوصا بالمسجد الحرام وزائرا للنبي ص
إن كان مخصوصا بمسجده.
وإن نذر إتيان مسجد الكوفة أو البصرة ليعتكف فيه لزمه لأجل الاعتكاف دون
المسجد، ومن نذر طاعة على صفة مخصوصة لزمه إذا حل به النذر وأمكنه على الصفة
المخصوصة. ومن نذر أن يتصدق بجميع ماله لزم فإن خاف الضرر قوم الجميع وتصدق
بشئ بعد شئ حتى يتصدق بجميع المبلغ، وقد روي أن النذر المطلق كالمشروط.
والمعاهدة ثلاثة أضرب:
أحدها أن يقول: عاهدت الله تعالى أنه متى كان كذا فعلي كذا أو عاهد على أن يفعل
فعلا أو يترك فعلا كان الأولى في دينه أو دنياه خلافه أو عاهد على أن لا يفعل مباحا، فالأول:
حكمه حكم النذر في جميع الأحكام في الصحة والفساد ولزوم الكفارة، والثاني: في حكم
اليمين، والثالث: يكون بالخيار فيه.
124

كتاب الكفارات
الكفارة ضربان: أحدهما يتعلق بجنايات الإحرام وقد ذكرناه في بابه، والآخر ضروب
وتختلف أحكامها، وتقع الكفارة في الكل بأحد خمسة أشياء، وهي: العتق والصيام
والإطعام والكسوة والغسل.
فالعتق ضربان: أحدهما يلزم عتق من جنى عليه مولاه بالضرب فوق الحد كفارة
لفعله، والثاني ضربان: أحدهما يكون له بدل على التخيير بينه وبين البدل والثاني يكون له
بدل على الترتيب، فإذا عجز عن العتق لزمه بدله.
والرقبة المعتقة في الكفارة ضربان: أحدهما يجب أن تكون مؤمنة وغيرها لا تجزئ
وذلك في كفارة قتل الخطأ، والثاني يجوز أن تكون غير مؤمنة وذلك في كفارة ما سواه.
والبدل ضربان: إما يكون صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، والآخر
الإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإذا عجز عن ذلك كفر بصوم ثلاثة أيام.
والذي بدله صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا على الترتيب ففي موضعين:
كفارة قتل الخطأ والظهار، وعلى التخيير في أربعة مواضع: كفارة النذر وإفطار يوم من شهر
رمضان متعمدا لغير عذر والحلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو من الأئمة
ع كاذبا، وفي جز المرأة شعرها في مصيبة أصابتها.
125

ويجزئ كل رقبة يستقر عليه ملك المالك إذا ملكه عبدا كان أو أمة صغيرا كان
أو كبيرا صحيحا كان أو مريضا مؤونا كان أو غير مؤون حاضرا كان أو غائبا أو آبقا إذا لم
يعرف موتهما، وأم الولد والمدبر والمعتق نصفه والمرهون إذا كان صاحبه موسرا والجاني
متعمدا إذا اختار ولي الدم الدية بمنزلة من ذكرناه، وكفارة المملوك على النصف من كفارة
الحر وفرضه الصوم دون العتق والإطعام إلا إذا ملكه صاحبه وأذن له فيه.
وأما ترتيب الصيام فقد ذكرناه في كتابه.
وأما الإطعام فلم يخل: إما يحضر المساكين ويطعمهم أو يعطيهم الطعام، وفرضه غالب
قوته، فإن أطعم خبزا منه فقد أحسن وإن أطعم دونه جاز إذا كان مما تجب فيه الزكاة،
وأفضل الطعام الخبز واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدناه الخبز والملح.
ولا يطعم واحدا نصيب اثنين لا في يوم واحد ولا في يومين إلا إذا لم يجد المساكين، وإن
حضر الصبيان عد مكان واحد اثنين، ومقدار الإطعام ما يشبع فإن لم يشبع أو شك فيه
أعاد، وإن أطعمهم دون ما يكفيهم أثم وإن زاد على الكفاية فهو بالخيار من استرداد
الفاضل وتركه لهم، وإن أعطاهم الطعام لزمه لكل مسكين مدان حال السعة والاختيار ومد
حال الاضطرار، وإذا عجز عن فرضه صيام شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما، فإن
عجز تصدق عن كل يوم بمد من طعام فإن عجز استغفر الله ولم يعد.
وقد تجتمع الكفارات الثلاث على واحد، وهو إذا قتل مؤمنا متعمدا وأسلم نفسه من
ولي الدم فعفا عنه أو أخذ منه الدية، وإن كان قتله في الأشهر الحرم لزمه صيام شهرين
متتابعين من الأشهر الحرم وإن دخل فيه الأضحى وأيام التشريق.
وما يكون بدل العتق فيه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإذا عجز لزمه صيام ثلاثة
أيام أربعة مواضع: كفارة اليمين والإيلاء وشق الثوب في موت الولد والزوجة وخدش المرأة
وجهها في مصاب، فحكم العبد قد ذكرناه وحكم الإطعام أيضا.
وإعطاء الطعام يكون من أحد ثلاثة أشياء: الحب والدقيق والخبز على ما ذكرنا،
ولا تجزئ القيمة في ذلك أي في الكفارات والكسوة: إزار ورداء من الثياب الجديدة فإن لم
يجد جاز الغسيل إذا بقيت منافعه والصوم فيه لا يجزئ غير متتابع.
126

ومن تزوج امرأة في عدتها ففارقها كفر بخمسة أصوع من دقيق، ومن نام عن صلاة
العشاء حتى يمضي نصف الليل قضاها وأصبح صائما كفارة له، وقد ذكرنا حكم الغسل
للكفارة في السعي بعد ثلاثة أيام إلى مصلوب ليراه، وفي من ترك صلاة الكسوف عمدا
وقد احترق القرص كله.
127

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
129

كتاب اليمين والنذر والعهد
في اليمين]:
لا يمين شرعية إلا بالله تعالى أو اسم من أسمائه الحسنى دون غيرها من كل مقسوم
به.
واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن
لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه، أو بأن يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر
عليه في فعله، مع عقد اليمين بالنية وإطلاقها من الاشتراط بالمشيئة فيخالف ما عقد عليه
اليمين مع العمد والاختيار، وما عدا ذلك من اليمين لا ينعقد ولا كفارة فيها كأن يحلف
على ما مضى إذ هو كاذب فيه، أو يقول: لا والله، و: بلى والله، من غير أن يعقد بنيته وهو يمين
اللغو، أو أن يحلف أن يفعل أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى واجبة أو مندوب إليها
أو يكون أصلح له في دنياه.
ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله أو من رسوله أو أحد الأئمة ع، فإن
فعل أثم ولزمه إن خالف ما علق البراءة به كفارة ظهار. والنية المعتبرة نية المستحلف إن كان
131

محقا وإن كان مبطلا فنية الحالف.
إذا حلف على غيره فقال: أقسمت عليك ألا تفعل كذا، أو: أسألك بالله، أو:
أتوسل إليك بالله إلا فعلت كذا، لم يكن يمينا ولم يلزم بمخالفته كفارة.
إذا عقب اليمين بمشيئة الله كأن يقول: والله لا أكلم زيدا إن شاء الله، أو: والله
لا كلمته اليوم إن شاء الله، سقط حكمها ولم يحنث بالمخالفة ولا كفارة، وإن عقب بها
مفصولا عنها بزمان طويل فلا تأثير لها إلا أن يكون ذلك لانقطاع نفس أو صوت أو تذكر،
ومجرد اعتقاد الاستثناء بالمشيئة لا يجدي حتى يقارنه النطق، وكفارة اليمين لا تتعلق إلا
بالحنث فإن قدمها ثم حنث لم يجزئه وعليه إعادتها، ولا يجوز أن يحلف الانسان إلا على
ما يعلمه.
من حلف على الماضي فقال: والله ما فعلت كذا، وقد فعل أو قال: والله لقد كان كذا،
ولم يكن فقد أثم وارتكب محظورا فليستغفر الله تعالى ولا كفارة عليه.
ولا يمين لولد مع والده ولا لزوجة مع زوجها ولا لمملوك مع سيده، فمتى حلف واحد
منهم على شئ مما ليس بواجب ولا قبيح جاز للأب حمل الولد على خلاف ما حلف عليه،
وكذا للزوج والسيد ولا كفارة.
ومن حلف أن لا يشرب من لبن غزالة أو نحوه أو لا يأكل من لحمه فأكل وشرب مع
فقد الحاجة إليه فعليه الكفارة، وأما مع الحاجة فلا.
فصل [في العهود]:
من قال: علي عهد الله، أو: عاهدت الله أن أفعل كذا من الطاعات أو أترك كذا
من المقبحات، كان عليه الوفاء فإن خالف لزمته الكفارة، وكذا إن قال: لله علي كذا إن كان
كذا، يلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه، فإن لم يفعل لزمته الكفارة، ومتى قال: على كذا إن
كان كذا، ولم يقل: لله، أو قال: لله علي كذا، ولم يقل: إن كان كذا، لم يكن ناذرا ويلزمه
بالمخالفة كفارة، وقيل أن قوله: لله علي كذا، بلا شرط كالعهد. ولا ينعقد نذر المعصية
ولا النذر فيها. الاعتقاد في ذلك بلا قول ينعقد وبالعكس لا ينعقد.
132

ومتى نذر أو عهد أن يخل بواجب أو مندوب أو يرتكب قبيحا فليخالف ولا شئ
عليه وإنما الذي يجب الوفاء به أن ينذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا أو قيض الله له
حاجة كان الله عليه شئ معين من أفعال البر. ومتى عاهد الله تعالى أن يفعل فعلا كان الأولى
تركه دينا أو دنيا أو أن لا يفعل ما الأولى فعله فليتحر الصواب ولا كفارة.
من نذر شيئا إن عوفي ولده الغائب من مرضه، فإن علم أن الولد قد برأ بعد النذر
وجب عليه الوفاء، وإن برأ قبله فلا.
إذا نذر شيئا من البر ولم يعينه أتى بشئ من الصيام أو الصدقة أو الصلاة أو غير
ذلك من القربات.
إذا قال: متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا الطعام إلى بيته، لم يلزمه ذلك لأن
الإهداء لا يكون إلا في الأنعام دون الإطعام.
من نذر أن يصوم شهرا أو سنة أو أياما ولم يعلقه بوقت معين وجب عليه الوفاء متى
شاء، والأحوط أن يأتي به على الفور، وإن أخره لم يلزمه كفارة وإن علقه بشرط أو وقت معين
وجب بالتأخير عنه الكفارة
من نذر صوم يوم بعينه فمرض فيه أو سافر أو كان يوم عيد فطر وجب قضاؤه
ولا كفارة.
من نذر صوم يوم مسافرا كان أو لا - وجب صومه ولو في السفر بخلاف صوم يوم
العيد فإنه لا ينعقد صومه ولو قيد النذر به لأنه نذر معصية.
إذا نذر أن يحج ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك فعجز عن المشي فليركب
ولا كفارة عليه، وإن ركب بلا عجز أعاد ومشى ما ركب وركب ما مشى، وليقم في المعابر
ولا يجلس حتى يخرج منه.
من جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لبعض مشاهد الأئمة
فليصرف ثمنه في مصالح ذلك وفي معونة الحاج والزوار، وإذا نذر أنه متى رزق ولدا حج
عنه أو به ثم مات حج عنه أو به من صلب تركته.
إذا نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه ثم خاف الضرر في ذلك فليقوم ذلك ثم ليتصدق
133

بالتفريق.
إذا نذر أن يحرم بحجة أو عمرة من موضع بعينه وجب الوفاء وإن كان قبل
الميقات.
إذا نذر أن يحج ولا مال له يحج عن غيره وأجزأ عنهما معا.
إذا شرع في صيام النذر ثم عرض له مرض أو حيض أفطر وقضى ولا شئ.
إذا نذر أن يصوم كل خميس مثلا فوافق ذلك شهر رمضان أجزأ عن رمضان دون
النذر وإن نوى النذر.
إذا نذر صوم يوم يقدم فيه فلان فقدم ليلا فلا شئ عليه، وإن قدم في بعض النهار و
بعد أن أفطر لم ينعقد نذره ولا يلزمه صومه ولا صوم بدله لأنه نذر لا يمكنه الوفاء به لأن
الصوم لا يصح في بعض اليوم.
إذا نذر صوم يوم بعينه فأفطر بلا عذر فعليه صوم يوم بدله وكفارة، من أفطر يوما من
رمضان معتمدا بلا عذر، ومن لم يتمكن بالوفاء بما نذر فلا شئ عليه.
134

كتاب الكفارات:
الكفارات أربعة أقسام:
أولها: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا يجب الجمع بينها و
ذلك في قتل العمد.
وثانيها: أن يجب أحد هذه الثلاثة فقط لكن على الترتيب، يجب الثاني إذا عجز من
الأول وكذا الثالث وذلك في الظهار وقتل الخطأ أو البراءة من الله أو الرسول أو أحد
الأئمة.
وثالثها: أن يجب أحد هذه الثلاثة على التخيير وذلك في إفطار يوم من شهر رمضان
بلا عذر وفي نقض النذر أو العهد وفي ضرب مملوكه حتى قتله وفي امرأة جزت شعرها في
مصاب.
ورابعها: أن يجب عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على التخيير وذلك
في اليمين والحلف بالبراءة إذا عجز عن كفارة الظهار وفي الإيلاء وفي من أفطر يوما من
قضاء رمضان بعد الزوال على قول، وعليه كفارة النذر على قول آخر. وفي من شق ثوبه في
موت ولده أو زوجته وفي امرأة خدشت وجهها في مصاب فأدمته، فإن لم يقدر على واحد
135

من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات، فإن عجز عنه استغفر الله ولم يعد.
وحد العجز أن لا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت عياله. ويعتق من كان على
ظاهر الاسلام أو بحكم الاسلام بأن يكون غير بالغ أو عاقل، ذكرا أو أنثى بأي سن كان، و
لا يعتبر الإيمان إلا في القتل خاصة من أنواع الكفارات وإن كان المؤمن في غيره أفضل.
ولا يجوز أن يعتق مكاتبا تحرر منه شئ ولا مدبرا إلا بعد نقض تدبيره، ويجوز أن
يعتق أم ولده، ولا بأس أن يعتق مملوكا قد أبق إذا لم يعرف منه الموت، ولا بأس أن يكون
أعور وأعرج أو أشل ولا يجوز أن يكون أعمى أو أجزم أو مقعدا لانعتاق العبد بذلك من
غير إعتاق بخلاف سائر العاهات والآفات والأمراض إلا المريض المدنف الذي أشرف على
الموت فإنه لا يجزئ.
إذا اشترى من يعتق عليه بنية الكفارة لا يجزئ عنها.
وفي التكفير بالطعام في الكفارات كلها يطعم كل مسكين مدين، فإن لم يقدر فبمد،
ويجوز أن يجمعهم ويطعمهم ذلك القدر ويجوز أن يكون فيهم صغير ولا يجوز أن يكونوا كلهم
صغارا، وإن كانوا كذلك احتسب كل اثنين بواحد. ولا يطعم إلا فقراء المؤمنين أو من كان
بحكمهم، فإن لم يجد تمام العدد منهم كرر على الموجودين وإن كان واحدا إلى أن يستكمل
العدد، وإن لم يجد مؤمنا ولا ولد مؤمن أطعم مستضعفي المخالفين ولا يطعم الناصب بحال.
وأرفع ما يطعمهم الخبز واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدونه الخبز والملح، ويجوز
اخراج الحب والدقيق والخبز وما كان من غالب قوت أهل البلد، وإذا أراد الكسوة أعطى
كل مسكين ثوبين يوارى بهما جسده، وإن لم يقدر اقتصر على واحد، ويستحب أن يكون
جديدا، فإن لم يكن فغسيلا، فإن كان سحيقا لم يجزه لأن منافعه بطلت. ولا يجوز صرف
الكفارة إلى من يلزمه نفقته.
من يجوز له أخذ الزكاة مع الغنى والفقر كالغازي والغارم وابن السبيل لا يعطي
الكفارة إلا مع المسكنة، ولا يعطي العبد ولأنه غنى بسيده، وكذا المدبر والمكاتب وأم الولد.
من اجتمعت عليه كفارات من جنس واحد أو أجناس مختلفة جاز أن يطعم عن بعض ويكسو عن
بعض ويعتق عن بعض، وله أن يعين النية وأن لا يعينها بل يطلقها، و
136

وقت النية حال التكفير.
من عجز عن الكفارات الثلاث في نقض النذر أو العهد صام ثمانية عشر يوما، فإن لم
يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو كساهم، فإن لم يقدر تصدق بما قدر، فإن لم يستطع
استغفر الله تعالى ولا يعود.
ومن عجز عن صوم يوم نذره أطعم مسكينا مدين ومن عجز عن صيام الشهرين
صام ثمانية عشر يوما فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن عجز استغفر الله
تعالى ومن عجز عن كفارة اليمين وكفارة إفطار يوم يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال
صام ثلاثة أيام.
من تزوج بامرأة في عدتها فارقها وكفر عن ذلك بخمسة أصوع من دقيق، ومن
وطأ أمته حائضا أطعم ثلاثة مساكين كل واحد مدا. ومن نام عن العشاء الآخرة إلى
انتصاف الليل قضاها إذا انتبه وأصبح صائما. ومن ضرب عبده فوق الحد فكفارته أن
يعتقه، فإن قتله لزمه كفارة إفطار يوم من رمضان.
إذا لطمت المرأة وجهها في مصاب استغفرت الله تعالى لا غير.
إذا سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه استغفر واغتسل كفارة لسعيه.
إذا نام عن صلاة الكسوف متعمدا وقد احترق القرص كله اغتسل ثم قضاها.
فرض العبد في الكفارات الصوم مرتبة كانت ومخيرا فيها لأن العبد لا يملك، وإن كفر
بغيره بإذن سيده أو كفر عنه سيده جاز، وإذا كان قد حلف وحنث بإذن سيده فليس له أن
يمنعه من الصوم، وإن كان لا باذنه لم يصم إلا باذنه لأنه ألزم نفسه صياما بغير إذنه كما لو
نذر بغير إذنه، وكذا إذا أذن له في اليمين دون الحنث.
إذا حلف عبدا وحنث حرا فعليه كفارة الحر.
إذا حنث وهو عبد ثم أعتق قبل الصيام فهو حين الوجوب عبد وحين الأداء
حر فله أن يكفر بالعتق أو الإطعام أو الكسوة كالحر المعسر حين الوجوب لم يكن فرضه
إلا الصوم، فإن كفر بالمال فقد عدل إلى الأفضل لأن المعتبر حال الإخراج، فإذا كان موسرا
في تلك الحال فعليه التكفير بالمال، فإن كان معسرا فعليه الصيام.
137

إذا حلف وحنث من كان نصفه حرا ونصفه عبدا فإن كان موسرا بما فيه من
الحرية صح منه العتق، وإن كان معسرا ففرضه الصيام، وفرض الصوم عليه في كفارة
الظهار وقتل الخطأ شهر واحد.
138

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
139

كتاب الأيمان والنذور والكفارات:
باب ماهية الأقسام والأيمان:
لا يمين شرعية منعقدة عند أهل البيت ع إلا بالله تعالى أو بأسمائه أو صفاته،
فإن حلف به كان يمينا بكل حال.
والحلف به هو أن يقول: ومقلب القلوب والذي نفسي بيده، ومتى حنث وجبت عليه
الكفارة.
فأما الحلف بأسمائه فأسماؤه على ثلاثة أضرب: اسم لا يشركه غيره فيه، واسم
يشاركه فيه غيره ولكن إطلاقه ينصرف إليه، واسم يشاركه فيه غيره وإطلاقه لا ينصرف
إليه.
فأما ما لا يشاركه فيه غيره فإنه يكون يمينا بكل حال كقوله: والله، فإنه يبدأ به ويعطف
عليه غيره فيقول: والله الرحمن الرحيم الطالب الغالب، وكذلك الرحمن له خاصة وهكذا
الأول الذي ليس كمثله شئ، كل هذا لا يصلح لغيره بوجه والحكم فيه كما لو حلف به
وقد مضى.
الثاني: ما يشاركه فيه غيره وإطلاقه ينصرف إليه، كالرب والرازق والخالق، يقال:
رب العالمين ورب الدار لغيره، ورازق الخلق ورازق الجند لغيره، وخالق الأشياء له وخالق
الإفك لغيره. وما كان من هذا فإطلاقه ينصرف إليه، فإن أطلق أو أراد يمينا كان يمينا،
وإن لم يرد يمينا فقيد بالنية أو بالنطق وأراد غير الله بذلك لم يكن يمينا.
141

الثالث: ما يشاركه فيه غيره وإطلاقه لا ينصرف إليه، كالموجود والحي والناطق ونحو
هذا كل هذا لا يكون يمينا بوجه وإن أرادها وقصدها لأنه مشترك لا ينصرف إطلاقه إليه،
فإذا كان كذلك لم يكن له في نفسه حرمة.
فأما الكلام في صفاته فصفاته ضربان: صفات ذات وصفات فعل.
فصفات ذاته مثل قوله: وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله وعلم الله وكبرياء
الله وعزة الله، فإنه إن قصد به المعنى الذي يكون به عالما وقادرا - على ما يذهب إليه الأشعري - لم
يكن يمينا بالله، وإن قصد به كونه عالما وقادرا كان يمينا فإن ذلك قد يعبر به عن كونه عالما
وقادرا.
إذا قال: لعمر الله، روى أصحابنا: أنه يكون يمينا، فعلى هذا لا يمين منعقدة بشئ من
المخلوقات والمحدثات، وكل مقسوم به ما عداه تعالى وأسمائه الحسنى وصفات ذاته على المعنى
الذي حررناه وشرحناه، فمن حلف بغير ذلك لا ينعقد يمينه وكان مخطئا مثل قوله: وحق الله
والقرآن والمصحف والكعبة وأنبياء الله وأئمته ع، كل ذلك لا ينعقد به اليمين لأن
الحالف بغير الله تعالى عاص بمخالفة المشروع من كيفية اليمين، وإذا كان انعقاد اليمين ولزوم
الكفارة بالحنث حكما شرعيا لم يثبت بالمعصية وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى
دليل.
واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث هي: أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن
لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه أو أن يفعل طاعة أو مباحا لا يترجح
فعله على تركه، مع عقد اليمين بالنية وإطلاقها من الاشتراط بالمشيئة فيخالف ما عقد اليمين
عليه مع العمد والاختيار، لأنه لا خلاف في انعقاد اليمين في الموضع الذي ذكرناه وليس على
انعقادها فيما سواه دليل، ويختص في النية قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان.
وعقد اليمين لا يكون إلا بالنية.
ويحتج على المخالف في سقوط الكفارة بالسهو والإكراه بقوله ع: رفع عن أمتي الخطأ
142

والنسيان وما استكرهوا عليه.
واليمين التي لا تنعقد ولا كفارة فيها - ما عدا ما ذكرناه - مثل: أن يحلف الانسان على
ماض هو كاذب فيه، أو يقول: لا والله وبلى والله، من غير أن يعقد ذلك بنية وهذه يمين
اللغو، أو يحلف أن يفعل أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى واجبة أو مندوبا إليها أو
يكون أصلح له في دينه أو دنياه.
ويحتج على المخالف في هذا بقوله ع: من حلف على شئ فرأى ما هو خير منه فليأت
الذي هو خير وتركه كفارتها.
ويخص اليمين على المعصية أن معنى انعقاد اليمين أن يجب على الحالف أن يفعل أو يترك
ما علق اليمين به، وهذا لا يصح في المعصية لأن الواجب تركها وليس لأحد أن يقول: معنى
انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة، لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين وموجب عنه فكيف يفسر
الانعقاد به؟
وكفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
متتابعات.
والكسوة اختلف قول أصحابنا في ذلك على حسب اختلاف الأخبار فبعض ذهب إلى
ثوبين وبعض ذهب إلى ثوب واحد وهو الأظهر للظاهر وسواء كان غسيلا أو جديدا قميصا
أو مئزرا أو سراويلا ولا يجزئ قلنسوة ولا خف.
والإطعام شبع المسكين مما يقتاته الحالف لا يجزئ غيره إلا أن يكون أعلى منه لقوله
تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو أن يسلم إليه مدا وقدره رطلان وربع بالبغدادي،
على الأظهر من الأقوال وذهب بعض أصحابنا إلى المدين، وإضافة الأدم إلى ذلك غير
واجب بل هو مستحب - على ما رواه أصحابنا - أعلاه اللحم وأوسطه الزيت والخل
وأدونه الملح، ومصرفها مصرف زكاة الأموال ومستحقها مستحقها لا يجزئ غير ذلك.
والعبد كفارة يمينه الصيام الأيام الثلاثة فحسب لأنه غير مخاطب بما يوجب المال.
ولا كفارة قبل الحنث، ولا يمين لولد مع والده، ولا لعبد مع سيده، ولا للمرأة مع زوجها
143

فيما يكرهونه من المباح، فمتى حلف واحد منهم على شئ مما ليس بواجب ولا قبيح جاز
للأب حمل الولد على خلافه وساع للزوج حمل زوجته على خلاف ما حلفت عليه وكذلك
العبد، ولا يلزم واحد منهم كفارة على ذلك.
ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله أو من رسوله أو واحد من الأئمة ع، فإن فعل
أثم ولزمه إن خالف ما علق البراءة به كفارة ظهار.
على قول بعض أصحابنا، وهو اختيار شيخنا المفيد في مقنعته وشيخنا أبي جعفر في نهايته، إلا أن
شيخنا أبا جعفر رجع عن ذلك في مبسوطه فقال: إذا قال: أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو
برئت من الله أو من القرآن أو من الاسلام لا فعلت كذا، ففعل لم يكن يمينا ولا يحنث بخلافه
ولا يلزمه كفارة وفيه خلاف، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله.
وقال أيضا في مسائل خلافه مسألة: إذا قال: أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئت من
الاسلام أو من الله أو من القرآن لا فعلت كذا، ففعل لم يكن يمينا ولا المخالفة حنث ولا يجب به
كفارة. ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وتعليق الكفارة عليها
يحتاج إلى دليل، وما ذكره في مبسوطه ومسائل خلافه هو الذي يقوى في نفسي وإليه أذهب وبه
أفتى، لأنا قد بينا أنه لا يمين إلا بالله تعالى وبأسمائه وبصفاته وهذا ليس كذلك، وأيضا الأصل
براءة الذمة وشغلها بالكفارة والانعقاد يحتاج إلى دليل، وأيضا انعقاد اليمين حكم شرعي يحتاج
في ثبوته إلى دليل شرعي ولا نرجع في ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، والإجماع
فغير منعقد عليه وكتاب الله تعالى خال من ذلك.
وقول الرجل: يا هناه ولاب لشانئك، من قول أهل الجاهلية لا ينعقد بذلك.
قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: معنى لاب لشانئك أي لا أب لشانئك، فاختصروا ذلك
على عادتهم في الاختصار والحذف فقالوا: لاب لشانئك، قال ابن درستويه النحوي: قد يلهج
بالكلمة الشاذة عن القياس البعيدة من الصواب حتى لا يتكلموا بغيرها ويدعوا القياس المطرد
المختار، ولا يجب أن يقال مع ذلك هذا أفصح من المتروك، من ذلك:
أيش صنعت، يريدون: أي شئ صنعت، ولاب لشانئك أي: لا أب لشانئك، ولا تبل أي لا تبال، هذا آخر كلام
144

ابن درستويه فدل ذلك على ما قلناه في لاب لشانئك، وما حدانا على تحقيق هذا إلا إيراد
شيخنا أبي جعفر ذلك في نهايته مطلقا من غير بيان له.
وإذا قال الانسان: أقسمت أو حلفت، لم يكن ذلك يمينا حتى يقول: حلفت بالله أو
أقسمت بالله.
وسائر أصناف الكفار لا يحلفون إلا بالله تعالى وبأسمائه، فإن علم الإمام أو الحاكم
أن استحلافهم بالتوراة والإنجيل أو بشئ من كتبهم أردع لهم في بعض الأحوال جاز له أن
يحلفهم به.
ولا يقع اليمين بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالظهار ولا بتحريم الرجل امرأته على نفسه، ولا
ينعقد اليمين إلا بالنية والضمير على ما قدمناه والنية إنما تراعى فيها نية المظلوم دون الظالم
فهذا معنى قول شيخنا في نهايته: والنية إنما يراعى فيها نية المستحلف إذا كان محقا وإذا
كان مبطلا كانت النية نية الحالف.
ويمين المكره والغضبان والسكران غير منعقدة إلا أن يكون في شئ من هذه الأحوال
مالكا فيها نفسه، لأنا قد بينا أن اليمين لا تنعقد إلا بالنية والضمير.
والاستثناء في اليمين جائز إذا كان متصلا باليمين أو في حكم المتصل بأن ينقطع النفس
فإن لم يتصل فلا تأثير له، فإذا استثنى فإنما يعمل إذا كان موصولا ولا يعمل مفصولا،
وينبغي أن يأتي به نسقا من غير قطع الكلام أو يأتي به في معنى الموصول وهو أن يكون
الكلام انقطع لانقطاع نفس أو صوت أو عي، فمتى أتى به على هذا صح.
وإن فصل بينه وبين اليمين فصلا طويلا ثم استثنى، أو حين فرع من اليمين تشاغل
بحديث آخر سقط الاستثناء، فإذا ثبت أنه لا يصح إلا موصولا فإنما يصح قولا ونطقا ولا
يصح اعتقادا ونية، فإذا أتى به نطقا فإنما يصح إذا قصد به الاستثناء ونواه واعتقده، فأما إذا
لم يكن كذلك فلا يصح.
ويصح الاستثناء في اليمين نفيا كانت أو إثباتا فالنفي أن يقول: والله لا كلمت زيدا
إن شاء الله، والإثبات: والله لأكلمن زيدا اليوم إن شاء الله تعالى، فإذا استثنى سقط
145

حكمها ولم يحنث بالمخالفة، ولسنا نقول الاستثناء يرفع ما حلف به لكنها قد وقعت ومنع من
الانعقاد، ولا يدخل الاستثناء إلا في اليمين فحسب.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ويدخل أيضا في الطلاق كقوله: أنت طالق إن شاء الله،
ويدخل أيضا في العتق والنذور وفي الإقرار، إلا أنه رجع عنه في مسائل خلافه في كتاب الأيمان
وقال: لا يدخل في غير اليمين بالله تعالى، وهذا الصحيح الذي لا خلاف بين أصحابنا فيه، والذي
اختاره رحمه الله في مبسوطه وفي مسائل خلافه في كتاب الطلاق مذهب بعض المخالفين.
ولا يجوز لأحد أن يحلف إلا على ما يعلمه، فإذا علمه جاز أن يحلف عليه قليلا كان أو
كثيرا لأنه مأذون له في ذلك، إلا أنه يستحب أن يتجنب اليمين على القليل وإن كان مظلوما
ما لم يضر به ذلك.
وإذا حلف الانسان غيره على مال له وجب عليه الرضا بيمينه وليس له أن يحاكمه بعد
ذلك على ما حلفه عليه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وليس له أن يأخذ من ماله شيئا، وإن جاز الحالف تائبا مقلعا
وأعطاه المال الذي حلف عليه جاز له قبضه، وإن جاء بالمال ومعه ربحه فليأخذ رأس المال
ونصف الربح ويعطيه النصف الآخر، وإن كان له المال عنده فغصبه عليه وجحده غير أنه لم
يحلفه ثم ظفر بشئ من ماله جاز له أن يأخذ منه القدر الذي له من غير زيادة عليه، وإن كان
المال الذي ظفر به وديعة عنده لم يجز له جحده ولا يدخل في مثل ما دخل معه فيه.
والذي نقول في هذا كله: أنه يجوز له أن يأخذ بمقدار ما له فيما بينه وبين الله تعالى سواء حلفه أو لم
يحلفه، وسواء كان المال المجحود غصبه منه أو لم يغصبه، وسواء كان مما ظفر له به وديعة أو غير
وديعة، لأنه لا دليل على المنع من ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد، ولا يجوز
تضييع المال لأن الرسول ع نهى عن قيل وقال وإضاعة المال، فأما الربح المذكور
وأخذ نصفه فلا وجه له إلا أن يكون المال المجحود مضاربة، وكان الربح قبل الجحود والمطالبة
والحكومة فحينئذ يصح ما ذكره رحمه الله.
ومن كان عنده وديعة لمؤمن فطالبه بها ظالم فلينكرها، فإذا استحلفه على ذلك فليحلف
146

ويوري في نفسه ما يخرجه من كونه كاذبا، وليس عليه كفارة بل له فيه أجر كبير، وهذه
من جملة الأيمان التي يؤجر الحالف عليها لأنها أربع هذه إحداها.
والثانية: لا يؤجر عليها ولا يعاقب ووجودها كعدمها، وهو أن يسبق لسانه إلى شئ
ويريد خلافه من غير نية له، وهذا لغو اليمين.
والثالثة: يأثم ويعاقب عليها ولا كفارة فيها، وهي اليمين على الماضي في اقتطاع مال
الانسان، وهي اليمين الغموس لأنها تغمس الحالف في الإثم فلأجل ذلك سميت يمين
الغموس.
والرابعة: من الأيمان هي التي يجب فيها الكفارة، فهو أن يحلف الانسان أن لا يخل
بواجب أو لا يفعل قبيحا فمتى أخل بما وجب عليه أو ارتكب قبيحا وجب عليه فيه الكفارة.
ومتى حلف أيضا أن يفعل ما قد وجب عليه فعله أو ما الأولى به فعله في دينه أو دنياه ثم
لم يفعل ما وجب أو أخل بما الأولى به فعله كان عليه الكفارة.
ومن حلف أيضا أن يفعل فعلا من الأفعال كان فعله وتركه على حد واحد ولم يكن
لأحدهما على الآخر مزية فمتى لم يفعله كان عليه الكفارة، وكذلك إن حلف أن لا يفعل فعلا
كان فعله مثل تركه فمتى فعله وجبت عليه الكفارة.
وجملة الأمر وعقد الباب أن ما فيه الكفارة فهو أن يحلف على أن يفعل أو يترك وكان
الوفاء به إما واجبا أو ندبا أو كان فعله وتركه سواء فمتى خالف كان عليه الكفارة.
ومتى حلف الانسان على شئ يدفع به أذى عن نفسه أو عن مؤمن كان له فيه أجر ولم
يكن عليه في ذلك كفارة.
والسلطان الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المسلمين فحلفوا له لم يجز لهم الوفاء به،
بل يجب عليهم ترك الظلم ولا كفارة عليهم.
ومن كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره فقدمه صاحب الدين إلى حاكم
يعلم أنه متى أقر عنده حبسه وأضر به وبأهله، جاز له جحده والحلف عليه بعد أن ينوي
قضاءه عند التمكن منه ويوري في يمينه ولا إثم عليه - ومعنى التورية أنه يبطن بخلاف
147

ما يظهر - إذا حلف بأن يقول: والله مالك عندي شئ، ويبطن في ضميره: تستحق
المطالبة به الآن، وهو صادق في ذلك لأنه ليس له المطالبة به الآن لقوله تعالى: وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ولا يجوز لصاحب الدين أن يعرضه لليمين مع علمه بإعساره
ولا يحل له حبسه مع إحاطة علمه بعجزه فإن حبسه حينئذ كان مأثوما.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن وهب له أحد والديه شيئا ثم مات الواهب وطالبه الورثة
بذلك الشئ جاز له أن يحلف أنه كان اشتراه وأعطى ثمنه ولم يكن عليه كفارة ولا إثم.
قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: هذا غير واضح، أما إذا طالبه الورثة بذلك الشئ فأقر لهم
به أو قامت لهم بينة بأنه للميت فلهم انتزاعه وعوده تركة، فإن ادعى أنه اشتراه من والده فقوله
غير مقبول والقول قول الورثة إلا أن يردوا عليه اليمين لأن اليمين في جنبتهم، ولا يجوز له أن يدعي
أنه اشتراه ولا أن يحلف أنه اشتراه، فإن حلف على ذلك كان كاذبا ومعاقبا على كذبه، وإنما
إن ادعى أنه له ورضي الورثة بيمينه فيجوز حينئذ أن يحلف أنه له ولا يكون كاذبا في يمينه بل
يكون صادقا، وإنما هذا خبر واحد أورده شيخنا إيراد لا اعتقادا.
ومن حلف على انسان ليأكل معه أو يجلس معه أو يمشي فلم يفعل لم يجب عليه الكفارة
لأنه حلف على فعل الغير.
ومن حلف أن لا يشترى لأهله شيئا بنفسه وكان شراؤه صلاحا له في دينه أو دنياه
فليشتره ولا كفارة عليه، ومن حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى لا في حياتها ولا
بعد وفاتها جاز له أن يتزوج ويتسرى ولا كفارة عليه في ذلك ولا إثم ومن حلف بأن عبيده
أحرار خوفا من ظالم لم ينعتقوا بذلك ولم يكن عليه كفارة وإذا حلفت المرأة أن لا تخرج إلى
بلد زوجها ثم احتاجت إلى الخروج فلتخرج ولا كفارة عليها وكذلك إذا أمرها بالخروج وإن
لم تحتج إلى الخروج فلتخرج معه ويجب عليها امتثال أمره ولا كفارة عليها في ذلك ولا إثم.
ومن كان عليه دين فحلفه صاحبه أن لا يخرج من البلد إلا باذنه لم يجز له الخروج إلا
بعد إعلامه، إلا أن يخاف إن أعلمه منعه من ذلك وكان عليه في المقام ضرر وعلى عياله فإنه
يجوز له الخروج ولا كفارة عليه ولا إثم.
148

ومن حلف أن يؤدب غلامه بالضرب جاز له تركه ولا يلزمه الكفارة لقوله تعالى: وأن
تعفوا أقرب للتقوى.
ومن حلف أن لا يشرب لبن عنز له ولا يأكل من لحمها وليس به حاجة إلى ذلك لم يجز
له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهن، فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة
كانت عليه الكفارة، وإن كان شرب ذلك لحاجة به لم يكن عليه شئ.
هكذا أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: أما شرب لبن العنز وأكل لحمها، فإن كان الشرب أو
الأكل تركه أولى من فعله في دينه أو دنياه فهو على ما قال رحمه الله، وإن كان فعل الأكل أو
الشرب أولى في دينه أو دنياه فليفعل ذلك ولا كفارة عليه ولا إثم، لأنه لا خلاف بيننا في أن من
حلف على شئ ورأى خلافه خيرا له في دينه أو دنياه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه. فأما
شرب لبن أولادها أو أكل لحومهن فلا بأس بذلك على كل حال، لأن اليمين تعلقت بعين العنز
دون أولادها، وإنما ذلك خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا فهذا تحرير الفتيا.
ومن أودع عند انسان مالا وذكر أنه لإنسان بعينه ثم مات فجاء ورثته يطالبونه
بالوديعة، جاز له أن يحلف بأن ليس له عنده شئ ويوصل الوديعة إلى صاحبها الذي أقر
المودع بأنها له سواء كان المودع ثقة أو غير ثقة، لأن إقرار العقلاء جائز على نفوسهم سواء
كانوا أتقياء أو غير أتقياء.
وذكر شيخنا أبو جعفر في نهايته: بأنه إن كان الوصي ثقة عنده جاز له أن يحلف بأن ليس له
عنده شئ ويوصل الوديعة إلى صاحبها، وإن لم يكن ثقة عنده وجب عليه أن يرد الوديعة على
ورثته، وهذا خبر واحد أورده رضي الله عنه إيرادا كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه.
ومن حلف أن لا يمس جارية غيره أبدا ثم ملكها بعد ذلك جاز له وطؤها لأنه إنما حلف
ألا يمسها حراما فإذا ملكها فقد زال عنه ذلك.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا قال الرجل. أنا يهودي أو مجوسي أو مشرك أو كافر وأيمان
البيعة والكنيسة تلزمني، فإن كل ذلك باطل ويستحق قائله به الإثم ولم يلزمه حكم اليمين.
149

قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: أيمان البيعة - بفتح الباء - وهي إما حقيقة البيعة التي
كانت على عهد رسول الله ص من المصافحة وبعده إلى أيام الحجاج، أو ما حدث
في أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك سواء صرح بذلك أو نواه وعلى كل حال،
فلا يظن ظان أنها بكسر الباء وأنها بيعة النصارى، وإنما يشتبه ذلك على كثير من الناس
لانضمام الكنيسة إليها وذلك غلط ووهم عظيم، فأما الكنيسة لم يوردها أحد من أصحابنا في
كتاب له ولا ورد بذلك خبر في كتب الأخبار، وشيخنا مصنف النهاية لم يوردها في غير النهاية
من سائر كتبه ولا كتبه الأخبارية ولا غيرها، ولا أدري إلى أي شئ أنسب ذلك لأنه لا أيمان
للبيعة والكنيسة ولا فيهما أيمان يخلف بها.
وقال رحمه الله في مسائل خلافه في الجزء الثالث في آخر كتاب النذور مسألة: إذا قال: أيمان
البيعة لازمة، لي أو أحلف بأيمان البيعة لا دخلت الدار، لم يلزمه شيئا ولم يكن يمينا سواء عني
بذلك حقيقة البيعة التي كانت على عهد رسول الله ص من المصافحة وبعده إلى
أيام الحجاج، أو ما حدث في أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك سواء صرح بذلك
أو نواه وعلى كل حال، وقال الشافعي: إن لم ينو شيئا كان لاغيا وإن نوى أيمان الحجاج ونطق
فقال: أيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتقها، انعقدت يمينه به لأنه حلف بالطلاق، وإن لم ينطق
بذلك ونوى الطلاق والعتق انعقدت يمينه أيضا لأنها كناية عن الطلاق والعتق، دليلنا أن
الأصل براءة الذمة، وانعقاد ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة فإنهم مجمعون على أن
اليمين بالطلاق والعتاق باطلة، فهذا لو كان صريحا بها لبطل ما قلناه، هذا آخر كلامه رحمه الله
فدل ذلك أنه ما أراد في نهايته بيعة النصارى وفي نهايته أورد الكنيسة.
إذا حلف: والله لا أكلت طيبا ولا لبست ناعما، كانت هذه يمين مكروهة والمقام
عليها مكروه وحلها طاعة لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله
لكم، ثم قال تعالى: وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، ثم قال تعالي: قل من حرم زينة
الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وقال تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك.
150

لا ينعقد يمين الكافر بالله ولا يجب عليه الكفارة بالحنث ولا يصح منه التكفير بوجه.
إذا قال: وحق الله، لا يكون يمينا قصد أو لم يقصد. إذا قال: الله، بكسر الهاء بلا حرف
قسم لا يكون يمينا. إذا قال: أشهد بالله، لا يكون يمينا. إذا قال: أعزم بالله لا يكون يمينا. إذا
قال: أسألك بالله أو أقسم عليك بالله لا يكون يمينا.
إذا حلف: لا أتحلي أو لا ألبس الحلي، فلبس الخاتم حنث. إذا حلفت المرأة:
لا لبست حليا، فلبست الجوهر وحده حنثت قال الله تعالى: وتستخرجون منه حلية
تلبسونها، ومعلوم أن الذي يخرج منه هو اللؤلؤ والمرجان.
إذا كان في دار فحلف: لا سكنت هذه الدار، فأقام عقيب يمينه مدة يمكنه الخروج منها
فلم يفعل حنث، لأن اليمين إذا علقت بالفعل تعلقت بأقل ما يقع عليه الاسم من ذلك
كرجل حلف: لا دخلت الدار، حنث بأقل ما يقع عليه الدخول وهو إذا عبر العتبة.
إذا كان في دار فحلف لأدخلها لم يحنث باستدامة فعوده فيها. إذا حلف: لا دخلت بيتا، فدخل
بيتا من شعر أو وبر أو بيتا مبنيا من حجر أو مدر فإنه يحنث.
إذا قال: والله لا دخلت على زيد بيتا، فدخل عليه وهو في الكعبة فإنه يحنث لأن الله
تعالى سماه بيتا.
فبعرف الشرع يسمى بيتا، وإن كان بعرف الاستعمال والعادة لا يسمى بيتا، فإذا طرأ عرف
الشرع على عرف اللغة أو الاستعمال كان الحكم له والمرجع إليه دون العرفين بغير خلاف من
محصل لأصول الفقه.
وقال شيخنا في مبسوطه: لا يحنث لأن البيت ما يكون للإيواء وللسكنى، ثم قال في موضع آخر
من تصنيفه في مسائل خلافه: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل لحم السمك حنث، ثم قال: دليلنا
أن اسم اللحم يطلق عليه قال الله تعالى: ومن كل تأكلون لحما طريا، وقال: وهو الذي سخر
لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا، فإذا كان اسم اللحم ينطلق عليه وجب أن يطلق الأيمان
عليه، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: العرف الشرعي وهو القرآن هو الذي سماه لحما وإن كان في
151

عرف الاستعمال والعادة لا يسمى لحما، فلزمه في البيت والكعبة ما ألزم خصمه في الاستشهاد
بالقرآن وتحنيث من دخل الكعبة في المسألة الأولى إذ هما سواء.
إذا حلف: لا يأكل من طعام اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة
فأكل منه لم يحنث عندنا. إذا اقتسما هذا الطعام وأفرد كل واحد منهما نصيبه فإن أكل من
نصيب زيد أو نصيب عمرو لم يحنث.
إذا حلف: لا لبس ثوبا من عمل يد فلان، فوهب له فلان ثوبا فإن لبسه حنث
بلا خلاف وإن استبدل به أو باعه أو بادل به ولبسه لم يحنث.
إذا حلف: لا يدخل دار زيد، فإن دخلها وهي ملك لزيد حنث بلا خلاف وإن كان
ساكنها بأجرة لم يحنث، لأن حقيقة هذه الإضافة تفيد الملك وإنما يستعمل في السكنى
مجازا، وظواهر الأسماء يجب حملها على الحقيقة، والدليل على أن حقيقة ذلك ما قلناه أنه لو
قال: هذه الدار لزيد، كان ذلك اعترافا بالملك. ولو قال: أردت أن يسكنها بأجرة لم يقبل
منه.
إذا حلف: لا دخلت دار زيد، أو حلف: لا كلمت زيدا، فكلمه ناسيا أو جاهلا بأنه
هو زيد أو مكرها أو دخل الدار ناسيا أو مكرها أو جاهلا لم يحنث لأن الأصل براءة الذمة
وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله ع: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه، وذلك عام في جميع الأشياء إلا ما خرج بالدليل.
إذا حلف: لا دخلت على زيد بيتا، فدخل على عمرو بيتا وزيد فيه وهو لا يعلم بكون
زيد فيه فإنه لا يحنث، وإذا دخل على عمرو بيتا وزيد فيه واستثناه بقلبه كأنه قصد الدخول
على عمرو دون زيد لم يصح.
وإن حلف لا كلم زيدا فسلم على جماعة فيهم زيد واستثناه بقلبه لم يحنث. إذا دخل
عليه عمرو بيتا فاستدام زيد القعود معه لا يحنث.
إذا قال الخليفة أو الملك: والله لا ضربت عبدي، ثم أمر به فضربه لم يحنث. إذا قال
الخليفة: والله لا تزوجت ولا بعت، فوكل فيهما لم يحنث.
152

إذا حلف: لا لبست هذين الثوبين، أو لا أكلت هذين الرغيفين، فأكل أحدهما لم
يحنث. إذا حلف: لا يأكل الرؤوس، فأكل رؤوس الغنم والإبل والبقر حنث، ولا يحنث
بأكل رؤوس العصافير والطيور والحيتان والجراد.
وقال بعض الفقهاء: لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم فحسب، وهو قوي لعرف العادة.
هذا إذا لم يكن له نية، فأما إذا كان له نية حنث وبر على نيته.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، وهو فروع المخالفين وتخريجاتهم، والذي تقتضيه أصولنا
أنه يحنث بأكل جميع الرؤوس لأن ذلك هو الحقيقة فلا يعدل عنها إلى المجاز، لأنا ننظر إلى مخرج
اليمين، ويحنث صاحبها ويبر على مخرجها وحقائقها دون أسبابها ومعانيها ومجازاتها وفحوى
خطابها، ولهذا إذا حلف انسان: لا يضرب عبده أو لا اشترى شيئا، فأمر بضربه أو شراء ذلك
الشئ فإنه لا يحنث لأن الأيمان يتعلق بحقائق الأسماء والأفعال لا بمجازاتها ومعانيها. وكذلك
إذا حلف انسان على انسان آخر وقد عدد أنعامه عليه فقال له في جواب ذلك: والله لا شربت
لك ماء من عطش، فانتفع بغير الماء وأكل الخبز ولبس الثياب لا يحنث لأن يمينه تعلقت بشرب
الماء حسب وهو الحقيقة وما عدا ذلك مجاز وفحوى خطاب، ولأن الأصل براءة الذمة من
الواجبات والمندوبات إلا ما أوجبه دليل قاطع للأعذار فليلحظ ذلك ويتأمل حق التأمل.
إذا حلف: لا يأكل البيض، انطلق على كل بيض بزايل بائضه وهو بيض الدجاج
والإوز والنعام والطيور ونحوها، فأما ما عدا ذلك مما لا يزائل بائضه حيا وهو بيض الحيتان
والجراد فلا يحنث بأكله، لأن إطلاق الأيمان يتعلق بما يقصد ويفرد للأكل وحده دون
بائضه.
هكذا ذكره شيخنا في مبسوطه والذي يقتضيه مذهبنا أنه يحنث بأكل جميع ما ينطلق عليه اسم
البيض لأن اسم البيض يقع حقيقة على جميع ذلك والأيمان عندنا تتعلق بحقائق الأشياء ومخارج
الأفعال والأسماء ولا يرجع إلى المعاني، فإنما هذا تخريجات المخالفين وقياساتهم فإذا كان اسم
البيض ينطلق على بيض السمك حقيقة وجب أن يتعلق الأيمان ويطلق عليه وطريقة
والاحتياط أيضا يقتضيه.
153

وقال شيخنا في مسائل خلافه: إذا حلف: لا يأكل لحما، فأكل قلبا لا يحنث والأولى أنه يحنث
لأن اسم اللحم ينطلق عليه حقيقة، وقد بينا أن الأيمان يتعلق بمخارج الأسماء وحقائقها، وإنما
بعض المخالفين قال هذا واستدل بأنه لا يباع مع اللحم، وهذا خروج منه عن الحقائق إلى المعاني
والمقاييس فلا يعرج عليها ولا يلتفت إليها.
إذا حلف: لا يشم الورد، فشم دهنه لا يحنث وكذلك البنفسج لأن اليمين ما تعلقت إلا
بشم الورد والبنفسج، فلا يتعدى إلى غيره ولا يرجع عن الحقائق إلى المجازات والمعاني
والتخريجات.
إذا حلف ألا يأكل لحما فأكل لحم الغنم والصيود والطيور حنث بلا خلاف وإن أكل
لحم السمك.
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى أنه يحنث واحتج بالآية وهو قوله تعالى: وهو الذي
سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا، وإذا كان اسم اللحم ينطلق عليه شرعا وجب أن
يطلق الأيمان عليه إلا أنه رجع عن ذلك في مبسوطه وقال: لا يحنث بأكل لحم السمك، وهو
قوي لعرف العادة، والأول أقوى للآية لأن عرف الشرع إذا طرأ على عرف العادة كان الحكم
لعرف الشرع.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: إذا حلف لا شربت من نهر لا شربت من دجلة، فمتى شرب من
مائها سواء غرف بيده أو في كوز أو غيره أو كرع فيها كالبهيمة حنث، إلا أنه رجع عن ذلك في
مبسوطه فقال: لا يحنث حتى يكرع فيها كالبهيمة لأنه إذا شرب غرفا بيده فما شرب منها وإنما
شرب من يده، وهذا الذي يقوى في نفسي لأن الأصل براءة الذمة، والكلام في الحقائق دون
المجاز وهذا هو الحقيقة وما عداه مجاز، ومعنى قوله: كرع، يقال كرع في الماء يكرع كروعا فهو
كارع إذا تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء، يقال: اكرع في هذا الإناء
نفسا أو نفسين، أي اشرب بفيك. وفيه لغة أخرى كرع بكسر الراء يكرع كرعا.
وجملة الأمر وعقد الباب أن الحكم إذا علق باسم لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
باسم خاص أو عام. فإن كان خاصا نظرت، فإن كان حقيقة فيه لا مجاز له في غيره تعلق
154

بالحقيقة ولم يتعلق بغيرها، فإن قصد الغير ونواه وأراده كقوله: لا شربت لك ماء من عطش،
هذا حقيقة غير مجاز في الشراب ومجاز في الطعام، وفي الناس من قال: هو حقيقة فيهما،
والأول أوضح والثاني قوي لا للحقيقة بل لفحوى الخطاب.
فأما إذا علقه بالعموم حمل على العموم إلا أن يدخله التخصيص، ويكون ذلك بأحد
ثلاثة أشياء: نية أو عرف قائم في الاسم أو عرف الشرع.
فالنية إذا علقها بعموم الأعيان كقوله: لا كلمت أحدا، تعلق بكل أحد فإن قال:
نويت إلا زيدا، كان على ما نوى وتعلقها بعموم الزمان مثل أن يحلف: لا كلمت زيدا
أبدا، اقتضى أبد الدهر فإن قال: نويت شهرا أو نويت ما لم يدخل الدار، صح لأن دخول
التخصيص في مثل هذا صحيح، وفي مثل هذا المعنى إذا علقها باسم خاص لشئ حقيقة
فيه وقد استعمل في غيره مجازا كقوله: لا دخلت دار زيد، حقيقته ملك زيد ومجازه دار
يسكنها زيد بأجرة، فإذا نوى المجاز قبل منه كما يعدل بالحقيقة إلى المجاز بدليل، فإذا ثبت
أنها تخص بالنية نظرت، فإن كانت يمينا بالله قبلنا منه في الحكم وفيما بينه وبين الله لأنه
أعرف بما نواه، وإن كانت بالعتق أو بالطلاق لم ينعقد عندنا أصلا وعندهم يقبل فيما بينه
وبين الله دون الحكم لأنه يدعي خلاف الظاهر.
وأما التخصيص بالعرف القائم في الاسم كقوله: لا أكلت البيض، حقيقة هذا كل
بيض سواء زايل بائضه وهو حي كالدجاج والنعام والإوز أو لا يزائل بائضه وهو حي
كبيض السمك والجراد، إلا أنا نحمله على ما يزائل بائضه حيا بالعرف القائم في الاسم،
ألا تراه إذا قال: أكلت البيض، لم يفهم منه بيض السمك والجراد. وكذلك إذا حلف:
لا أكلت الرؤوس، فهذا حقيقة في كل رأس ونحمله على رؤوس النعم بالعرف القائم في
الاسم.
وقد قلنا ما عندنا في مثل ذلك وحققناه وحررناه، وإنما أوردنا ما أورده شيخنا في مبسوطه من
كلام المخالفين وتخريجاتهم ألا ترى إلى قوله: فهذا حقيقة في كل رأس، فأين يعدل عن الحقيقة
وهي الأصل؟ وإنما يعدل في بعض المواضع بدليل قاطع مثلا قال انسان لغلامه: اشتر لنا رؤوسا
155

نتغدى بها اليوم، حملناه على رؤوس النعم لأجل القرينة وشاهد الحال، وليس كذلك إذا حلف
الانسان وأطلق كلامه عن القرائن والبيان أنه لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الغزلان وحمر
الوحش والخنازير يقول: لا يحنث وقد فعل ما حلف عليه أنه لا يفعله حقيقة بلا خلاف بين أهل
اللسان والعقلاء والعلماء أن تلك تسمى رؤوسا بلا إشكال.
وأما ما يخص بالعرف الشرعي فكلما كان له اسم في اللغة واختص بالشرع إلى غير ما
وضع له في اللغة حمل إطلاقه على الشرع، كالصيام هو في اللغة عام في الإمساك عن كل
شئ، وهو في الشرع إمساك عن أشياء مخصوصة، فحملنا المطلق على الشرعي، وفي هذا
المعنى الصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع هذه الأفعال المخصوصة، فانطلقت على الشرعية
فحملنا المطلق من الكلام على عرف الشرع لأنه الطارئ، فإذا حلف: لا كلمت الناس،
فهذا عام في كل أحد فإذا كلم واحدا حنث لأنه تعلق بالجنس.
إذا حلف: لا ذقت شيئا، فأخذه بفيه ومضغه ورمى به ولم يبتلع منه شيئا حنث، لأن
الذوق عبارة عن معرفة طعم الشئ وهذا قد عرف طعمه قبل أن يبتلعه.
قال شيخنا في مسائل خلافه: إذا حلف: لا وهبت له، فإن الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها
متبرعا بها بغير عوض فإن وهب له أو أهدي له أو نحله أو أعمره أو تصدق عليه بصدقة تطوع
حنث.
قال محمد بن إدريس تغمده الله برحمته مصنف هذا الكتاب: أما قوله رحمه الله وحده بأن: الهبة
عبارة عن كل عين يملكه إياها متبرعا بغير عوض، فغير واضح لأن الوقف كذلك ولا يسمى هبة
بغير خلاف، وصدقة التطوع عندنا لا تسمى هبة بل بينها وبين الهبة فرق كثير، لأن صدقة
التطوع بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها والهبة يجوز الرجوع فيها فلا يحنث بصدقة التطوع لأنه
ما وهب.
إذا حلف: لا أكلت هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، وأشار إلى حنطة بعينها ثم طحنها
دقيقا وأكلها لم يحنث، وكذلك إذا حلف: لا أكلت هذا الدقيق، فخبزه ثم أكله لم يحنث.
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى أنه: إذا حلف: لا وهبت عبدي، ثم وهبه
156

من رجل حنث لوجود الإيجاب قبل الموهوب له أو لم يقبل.
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب: ما ذهب إليه رحمه الله مذهب أبي حنيفة
وأبي العباس بن شريح، والذي تقتضيه أصول أصحابنا أنه لا يحنث إلا بوجود الإيجاب والقبول
لأن الهبة عقد عندنا بلا خلاف والعقود لا تكون إلا بين اثنين وهو مثل البيع سواء، وقد فرق
شيخنا بينهما بغير فرق وهو أنه قال: لا يقال باع بلفظ قوله: بعت حتى يحصل القبول، وكذلك
نقول نحن في الهبة لأنها باقية على ملكه بلا خلاف، فإذا وجد القبول انتقلت من ملكه وكذلك
البيع سواء فليلحظ ذلك، وقد رجع شيخنا في مبسوطه إلى ما اخترناه وحررناه.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا حلف لا أكل شحما، فأكل شحم الظهر لم
يحنث.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب أنه يحنث لأن الشحم
عبارة عن غير اللحم من أي موضع كان سواء كان شحم الألية أو الظهر أو البطن بغير خلاف
بين أهل اللسان.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل المنصف وهو
الذي نصفه رطب ونصفه بسر أو حلف: لا يأكل بسرا، فأكل المنصف حنث.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والذي يقوى في نفسي أنه لا يحنث للعرف لأن الانسان إذا قال
لغلامه: اشتر لنا رطبا، فاشترى له منصفا لم يمتثل أمره، وكذلك إن أمره أن يشتري له البسر
فاشترى له المنصف لم يكن ممتثلا أمره، لأن عرف العادة الرطب هو الذي جميعه قد نضج
وكذلك في البسر الذي جميعه لم ينضج منه شئ وهذا هو المتعارف.
إذا حلف: لا أستخدم فلانا، فخدمه فلان من قبل نفسه لا يحنث، لأن لفظ الاستفعال
أن يطلب منه الخدمة هذا موضوعها في اللغة وإذا لم يطلب منه ذلك لم يكن مستخدما.
إذا حلف: لا يشم الورد، فشم دهنه لم يحنث. إذا حلف: لا أضرب فلانا، فعضه أو
خنقه أو نتف شعره لم يحنث.
إذا حلف ألا يتسرى فالكلام في التسري ما هو؟
157

قال قوم: التسري الوطء والتخدير أنزل أو لم ينزل لأن الجارية ضربان: سرية وخادمة، فإذا
خدرها ووطأ فقد تسرى وترك الاستخدام. وقال قوم: التسري مجرد الوطء أنزل أو لم ينزل
خدرها وحصنها أو لم يفعل ذلك، والأقوى عندي الأول. قال الجوهري في كتاب الصحاح:
كان الأخفش يقول: السرية مشتقة من السرور لأنه يسر بها يقال: تسرت جارية وتسررت كما
قالوا: تظننت وتظنيت فعلى هذا من قال هو مشتق من التسرر يكون مصدره تسررت، ومنهم من
قال من السر وهو الجماع، ومنهم من قال من السرى وهو الظهر.
إذا حلف: لا يأكل أدما، فأكل الخبز بالملح حنث بلا خلاف.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا حلف: لا يتكلم، فقرأ القرآن لم يحنث، واحتج
رحمه الله بأن قال: لا يطلق على من قرأ القرآن أنه يتكلم، وهذا غير واضح والذي يقتضيه أصل
المذهب ولغة العرب أنه إذا قرأ القرآن فقد تكلم، وأن القرآن كلام بغير خلاف فعلى هذا التقرير
يحنث، وإنما اختار شيخنا قول بعض المخالفين محتجا بأن القرآن إن كان كلاما خارج الصلاة
كان كلاما داخل الصلاة فيؤدى إلى بطلانها، وهذا ليس بشئ لأنا نقول: إنه كلام خارج
الصلاة وداخل الصلاة وليس كل كلام يقطع الصلاة لأن التكبير والتحميد والتسبيح كلام
بلا خلاف وهو داخل الصلاة ولا يقطعها بالاتفاق.
باب النذور والعهود وأقسام ذلك وأحكامه:
النذر على ضربين: ضرب يجب الوفاء به وضرب لا يجب ذلك فيه.
فالذي يجب الوفاء به:
هو أن ينذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا، أو متى لم يفعل واجبا أو ندبا أو مباحا،
ولا يكون ترك المباح أعود عليه في دينه أو دنياه، ولا يكون النذر معصية ولا في معصية بل
لا ينعقد النذر إلا في طاعة خالصة لله مماثلة لما يعبد الله به سبحانه في شريعتنا، فمتى علق
بطاعة تخالف المشروع كان باطلا.
158

وما روي: أن من نذر أن يطوف على أربع كان عليه أن يطوف طوافين طواف ليديه وطواف
لرجليه، فهي من أخبار الآحاد الشواذ وقد قلنا ما عندنا في ذلك في كتاب الحج وأشبعنا القول
فيه.
فعلى هذا التقرير والتحرير لا يصح أن ينذر الانسان أن يصلي خمس ركعات بتسليمة
واحدة لأنه نذر مخالف للمشروع غير مماثل له.
ولا يصح النذر حتى يكون الناذر لافظا بقصده لله على نفسه بأن يقول ويتلفظ: على
لله أو لله على، ويكون معتقدا له مختارا من غير إكراه ولا إجبار، ولا يصح أيضا إلا فيما يملكه
الانسان، فإذا تقرر ذلك وتلفظ بما قدمناه فهذا الذي يسميه الفقهاء نذر التبرر والطاعة،
وهو على ضربين: إما أن يعلقه بجزاء أو يطلق.
فإن علقه بجزاء، فالجزاء ضربان: إما ابتداء نعمة كقوله: إن رزقني الله ولدا فلله علي
أن أتصدق بما لي، أو: إن ملكت مالا أو إن فتحت بلدا من بلاد أهل الحرب. وأما دفع
نقمة مثل أن يقول: إن نجاني الله من هذا الحرب أوردني من هذا السفر أو أنجاني من البحر
أو شفاني من هذا المرض، فإذا وجد شرط نذره لزمه الوفاء به بلا خلاف.
وأما المطلق بأن يقول: لله على أن أتصدق بمال أو أن أحج أو أصوم، ونحو هذا نذر طاعة
ابتداء بغير جزاء، فعندنا أنه يلزمه وعند الأكثر،
وذهب بعض المخالفين إلى أنه لا يتعلق به حكم، وتمسك بأن غلام ثعلب قال عن ثعلب: إن
النذر عند العرب وعيد بشرط، وهو اختيار المرتضى رحمه الله، وما ذهبنا إليه هو الظاهر المعمول
عليه عند أصحابنا وهو مذهب شيخنا أبي جعفر وغيره من مشيختنا رحمهم الله.
ومتى نذر الانسان أنه إن عوفي ولد له من مرضه وهو غائب عنه ثم سمع بصلاحه، فإن
كان برؤه بعد النذر وجب عليه الوفاء به، وإن كان برؤه قبل النذر لم يجب عليه ذلك.
وقد روي: أنه متى نذر الانسان أنه لا يتزوج حتى يحج ثم تزوج قبل الحج وجب عليه
الوفاء بالنذر سواء كانت حجته حجة الاسلام أو حجة التطوع لأنه عدل عن طاعة إلى
مباح.
159

ومتى وجب عليه ما نذر، فإن كان علقه بشرط وأنه يفعله في وقت معين وجب عليه
الوفاء عند حصول الوقت فإن خالفه أثم وكان عليه الكفارة وسنبينها فيما بعد إن شاء الله
تعالى. وإن لم يكن علقه بشرط ولا بوقت معين كان ذلك ثابتا في ذمته إلى أن يفي به ولا
يجب عليه في تأخيره له كفارة، بغير خلاف على ما بيناه في أبواب الصيام.
ومن نذر أن يصوم شهرا أو سنة أو أقل أو أكثر ولم يعلقه بوقت معين وجب عليه الوفاء به
أي وقت كان، ولا يجب عليه أيضا في تأخيره له كفارة، غير أن الأحوط إتيانه به على الفور
والبدار، فإن أخره لم يلزمه كفارة على ما قدمناه.
ومتى علقه بوقت معين فمتى لم يصمه في ذلك الوقت من غير عذر من مرض أو حيض أو
سفر وجب عليه القضاء والكفارة، كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان بغير خلاف في
هذا، بل الخلاف في كفارة خلاف النذر الذي هو غير الصيام.
فذهب فريق من أصحابنا إلى: أن كفارة ذلك كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، وذهب
فريق منهم إلى: أن كفارة ذلك كفارة يمين، فالأول اختيار شيخنا أبي جعفر، والثاني اختيار
السيد المرتضى وابن بابويه وهو الذي يقوى في نفسي وبه أفتي، لأن الأصل براءة الذمة والإجماع
غير منعقد من أصحابنا والأخبار مختلفة في ذلك.
ومن وجب عليه صيام نذر معين فمرض أو سافر وجب عليه أن يفطر ذلك اليوم ويقضيه
وليس عليه كفارة.
قال شيخنا أبو جعفر: أو اتفق أن يكون يوم العيدين، والصحيح من المذهب أنه إن اتفق أن
يكون يوم العيدين لا يجب عليه القضاء، لأن صيام يوم العيدين لا يتعلق النذر به على كل حال
لأن النذر إنما يتعلق بما يصح صومه وإفطاره قبل النذر فيجب به، وشهر رمضان واجب قبل النذر
بأمره تعالى وصوم العيدين محرم، فلا يدخل النذر على شئ منه، وشيخنا قد رجع عن ذلك في
مبسوطه.
فإن كان الناذر للصيام المعين نذر أنه يصومه على كل حال سواء كان حاضرا أو
مسافرا فإنه يجب عليه الوفاء به وصيامه في السفر بغير خلاف وقد أشبعنا القول في ذلك في
160

كتاب الصيام واستوفينا أقسامه فلا وجه لإعادته.
فأما صيام يوم العيدين فلا يجوز له على حال وإن ذكر ذلك في حال النذر، لأن ذلك
نذر في معصية لأنه زمان لا يصح صيامه ولا ينعقد النذر به على حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن نذر أن يعتق رقبة بعينها لم يجزئه غيرها سواء كانت كافرة
أو مؤمنة وعلى أي وجه كانت، وقد بينا أن عتق الكافرة لا يصح لأن العتق لا بد فيه من نية
القربة ولا يتقرب إلى الله سبحانه بالمعاصي لقوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون،
والكافر خبيث بغير خلاف، وقد بينا أيضا أحكام ذلك وحررناه في كتاب العتق، وما أورده
شيخنا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا أورده إيرادا لا اعتقادا
ومن نذر أن يصوم حينا وأطلق ذلك من غير نية بمقداره كان عليه صيام ستة أشهر، ومن
نذر أن يصوم زمانا كذلك فليصم خمسة أشهر، ومن نذر أن يعتق كل عبد له قديم في ملكه ولم
يعين شيئا أعتق كل عبد قد مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا.
ومن نذر أن يتصدق من ماله بمال كثير وأطلق ذلك ولم يسمه وأطلق ذلك من غير نية
بمقدار وجب عليه أن يتصدق بثمانين درهما إن كانت الدراهم يتعاملون بها وعرفهم في
بلدهم، وإن كانت الدنانير هي التي يتعاملون بها وهي عرفهم في بلادهم وجب عليه
التصدق بثمانين دينارا لقوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، وكانت ثمانين
موطنا.
ومن نذر أن يحج ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة
عليه ولا سياق بدنه،
هذا رأي شيخنا المفيد وهو الصحيح، وقال شيخنا أبو جعفر: فليسق بدنة.
ومتى ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج أو الزيارة يمشي في الدفعة الثانية ما ركب
من الطريق الأولة ويركب منها ما مشي، هكذا رواه أصحابنا من طريق الأخبار.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي ينبغي تحصيله في هذه الفتيا أن النذر المذكور للحج إذا
كان في سنة معينة، ونذر أن يحج فيها بشرط أن يقدر على الحج ماشيا، ولم يقدر أن يمشي مارا تلك
161

السنة، فلا يجب عليه المضي ولا القضاء في السنة الثانية إذا قدر على المشي فيها، لأن إيجاب
ذلك في السنة الثانية يحتاج إلى دليل والقضاء فرض ثاني يحتاج مثبته إلى شرع، والأصل براءة
الذمة من التكاليف، وأيضا فشرط النذر ما حصل فلا يجب مشروطه بغير خلاف في هذا، فإن
كان النذر مطلقا لا في سنة بعينها فيجب عليه الحج إذا قدر على المشي أي سنة قدر على المشي،
فإن كان قد مشى بعضا وركب بعضا فلا يجزئه الحج تلك السنة لأن شرط النذر ما وجد، فإن
حج السنة الثانية ومشى ما ركب في السنة الأولة وركب ما مشى منها فلا يجزئه أيضا الحج لأن
شرط نذره ما حصل، وإذا لم يحصل الشرط فلا يجب المشروط على ما بيناه، سواء كان ذلك عن
عذر أو لم يكن، ساق بدنة أو لم يسق، على مقالتي شيخنا جميعا فهذا الذي تقتضيه الأدلة وأصول
مذهبنا، ولا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد على ما حررناه في غير موضع.
وإذا أراد ناذر المشي أن يعبر في زورق نهرا فليقم فيه قائما ولا يقعد حتى يخرج إلى
الأرض، ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم يسم شيئا معينا، كان
بالخيار إن شاء تصدق به على فقراء المؤمنين، وإن شاء جعله في حج أو زيارة أو في بناء
مسجد أو قنطرة أو جسر أو وجه من وجوه البر ومصالح الاسلام.
وروي أنه من جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لمشهد من مشاهد
الأئمة ع، فليبع العبد أو الجارية أو الدابة ويصرف ثمنه في مصالح البيت أو
المشهد أو في معونة الحاج أو الزائرين الذين خرجوا إلى السفر وتناولهم اسم الحاج
والزائرين، ولا يجوز لأحد أن يعطي شيئا من ذلك لأحد منهم قبل خروجهم إلى السفر.
ومن نذر أن يصلى صلاة معروفة تطوعا في وقت مخصوص وجب عليه أن يصليها في
ذلك الوقت في سفر كان أو حضر ليلا كان أو نهارا.
ومن نذر أن يتصدق بدراهم على الفقراء أو في موضع مخصوص لم يجز له الانصراف إلى
غيره، فإن صرفها في غير ذلك الوجه كان عليه إعادتها.
ومن نذر أنه متى رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات الناذر وجب أن يحج بالولد أو
عنه من صلب ماله الذي ترك لأنه واجب عليه والحقوق الواجبة تخرج من صلب التركة
162

قبل الوصايا والميراث وقد روي: أن من نذر في طاعة أنه يتصدق بجميع ما يملكه وجب عليه
الوفاء به غير أنه إذا خاف الضرر على نفسه في خروجه من جميع ما يملكه فليقوم جميع ذلك
على نفسه ثم ليتصدق مما معه ويثبته إلى أن يعلم أنه استوفى ما كان وجب عليه أو استوعب
جميع ماله وقد برئت ذمته.
ومن نذر ولم يسم شيئا إن شاء صلى ركعتين أو ركعة، لأن صلاة ركعة واحدة عندنا
صلاة شرعية وهي المفردة من الوتر، وإن شاء صام يوما وإن شاء تصدق بدرهم فما فوقه أو
دونه.
قال شيخنا في نهايته: ومن نذر أن لا يبيع مملوكا له أبدا فلا يجوز له بيعه وإن احتاج إلى ثمنه،
وهذا غير واضح ولا مستقيم على أصول المذهب لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن الناذر إذا كان في
خلاف ما نذره صلاح له ديني أو دنياوي فليفعل ما هو أصلح له ولا كفارة عليه، وما ذكره
شيخنا وأورده خبر واحد لا يرجع بمثله عن الأدلة لأن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ومن نذر في شئ فعجز عنه ولم يتمكن من الوفاء به لم يكن عليه شئ لقوله تعالى: لا
يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وقد روي: أنه من نذر أن يحرم بحجة أو عمرة من موضع بعينه - وإن كان قبل
الميقات - وجب عليه الوفاء به.
فإن كان على هذه الرواية إجماع منعقد وإلا فالنذر غير صحيح لأنه خالف المشروع، لأنه
لا خلاف بين أصحابنا في أن الإحرام لا يجوز ولا ينعقد إلا من الميقات وبينهم خلاف في أنه إن
نذر أن يحرم قبل الميقات فهل يلزمه وينعقد نذره أم لا؟ فبعض يجيزه على هذه الرواية، وبعض
لا يجيزه ويتمسك بالأصل والإجماع المنعقد.
فأما ما لا يجب الوفاء به من النذر:
فهو أن ينذر أنه متى لم يترك واجبا أو ندبا كان عليه كيت وكيت، فليفعل الواجب أو
الندب ولا شئ عليه، وكذلك إن نذر أنه متى لم يفعل قبيحا كان عليه كيت وكيت
163

فليترك القبيح ولا شئ عليه.
ومن نذر شكرا لله تعالى أنه متى فعل قبيحا كان عليه كيت وكيت، ثم فعل القبيح لم
يلزمه الوفاء بما نذر لأن هذا نذر في معصية، اللهم إلا أن يكون جعل ذلك على نفسه على
سبيل الكفارة لما يرتكبه من القبيح، فيجب عليه حينئذ الوفاء به لأنه صار نذرا في واجب
وهو ترك القبيح.
ومن نذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو قدم من سفر أو ربح في تجارة أو برأ من مرض وما
أشبه ذلك، شرب خمرا أو ارتكب فجورا أو قتل مؤمنا أو ترك فرضا، فعليه أن يترك الشر
ويفعل الخير ولا كفارة عليه.
ومن عاهد الله أن يفعل واجبا أو ندبا وجب عليه الوفاء به فإن لم يفعل كان عليه
الكفارة، وكذلك إن عاهد الله على أن يفعل مباحا لا يترجح فعله على تركه، فإن عاهد على
أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل القبيح أو ترك الواجب أو الندب،
وجبت عليه الكفارة.
ومن عاهد الله أن يفعل فعلا كان الأولى أن لا يفعله في دينه أو دنياه أو لا يفعل فعلا
الأولى أن يفعله، فليفعل ما الأولى به فعله وليترك ما الأولى به تركه، وليس عليه في ذلك
كفارة.
وقد قدمنا أن النذر لا ينعقد إلا أن يتلفظ الناذر به، ويكون على صيغة مخصوصة،
وتقارنه النية المتقرب بها إلى الله سبحانه، ويكون في فعل واجب أو ندب أو ترك قبيح أو
مباح لا يترجح فعله على تركه دينا ودنيا، وسواء كان معلقا بشرط أو مطلقا عنه على الصحيح
من أقوال أصحابنا وفتاويهم.
وقال شيخنا في نهايته: النذر هو أن يقول الانسان: إن كان كذا وكذا فلله علي كذا وكذا من
صيام أو صدقة أو حج أو صلاة أو غير ذلك من أفعال البر، فمتى كان ما نذر وحصل وجب عليه
الوفاء بما نذر فيه، فذكر رحمه الله النذر المشروط في هذا الكتاب - أعني كتاب النهاية - ولم
يذكر المطلق من النذر، إلا أنه في مسائل خلافه يذهب إلى: أنه ينعقد سواء كان مشروطا أو
164

مطلقا، ويناظر على ذلك ويستدل على صحته، وهو الذي اخترناه نحن لأن العمل عليه وظاهر
القرآن والسنة يتناوله، ولا يلتفت إلى قول غلام ثعلب الذي يرويه عن ثعلب من أن النذر عند
العرب وعيد بشرط، لأنه في عرف الشرع صار متناولا للشرط وغير الشرط، وعرف الشرع هو
الطارئ وكالناقل.
ثم قال رحمه الله في نهايته: فإن قال: كان كذا وكذا، ولم يقل " لله " لم يكن ذلك نذرا واجبا، بل
يكون مخيرا في الوفاء به وتركه والأفضل له الوفاء به على كل حال، ومتى اعتقد أنه متى كان
شئ فلله عليه كذا وكذا، وجب عليه الوفاء به عند حصول ذلك الشئ وجرى ذلك مجرى أن
يقول: لله علي كذا وكذا، فإن جعل في اعتقاده متى كان شئ كان عليه كذا ولم يعتقد " لله "
كان مخيرا في ذلك حسبما قدمناه في القول، هذا آخر كلامه رحمه الله في نهايته.
وقد قلنا ما عندنا في ذلك من أنه لا ينعقد إلا أن يتلفظ به وينطق مع النية أيضا ولا يجزئ أحدهما
عن الآخر، لأن هذا مجمع على انعقاد النذر به وليس على انعقاده بغير ذلك دليل، لأن النذر
حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وأيضا فلا تتعلق الأحكام في معظم الشرعيات
إلا بما ينطق المكلف به ويتلفظ بذلك لسانه حتى يحكم عليه به من بيع أو طلاق أو هبة أو
صدقة أو إقرار وغير ذلك.
إلا أن شيخنا أبا جعفر رحمه الله رجع عما ذكره في نهايته في مبسوطه في الجزء الرابع في كتاب
الأيمان في فصل في كفارة يمين العبد قال: النذر ضربان: نذر تبرر وطاعة ونذر لجاج وغضب.
فالتبرر: أن يعلقه بابتداء نعمة أو دفع بلية ونقمة، فابتداء النعمة أن يقول: إن رزقني الله ولدا أو
عبدا فمالي صدقة وإن رزقني الحج فعلى صوم شهر. ودفع النقمة قوله: إن شفى الله مريضي إن
خلصني من هذا الكرب إن دفع عني شر هذا الظالم فعلي صدقة مال أو صوم شهر، فإذا وجد
شرط نذره لزمه الوفاء به بلا خلاف لقوله ع: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن
يعصيه فلا يعصيه، غير أنا نراعي أن نقول ذلك بلفظ: لله علي كذا، لأن ما عدا ذلك لا ينعقد به
نذر ولا يخلفه كفارة، هذا آخر كلامه رحمه الله.
إذا قال: لله علي حجة، عندنا يلزمه الوفاء به، فإن عينه في سنة بعينها وخالف وجبت
165

عليه كفارة النذر وانحل النذر، وإن أطلقه لا ينحل ووجب عليه الوفاء به.
ومن قال: متى كان كذا وكذا فلله علي المشي إلى بيت الله أو إهداء بدنة إليه، فمتى
كان ذلك الشئ وجب عليه الوفاء به، فإن قال: متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا
الطعام إلى بيته، لم يلزمه ذلك لأن الإهداء لا يكون إلا في النعم خاصة ولا يكون بالطعام.
والمعاهدة هو أن يقول: قد عاهدت الله تعالى أو على عهد الله متى كان كذا فعلى كذا،
فمتى قال ذلك وجب عليه الوفاء به عند حصول ما شرط حصوله وجرى ذلك مجرى النذر في
جميع الأحكام سواء والنذر والعهد معا إنما يكون لهما تأثير إذا صدرا عن نية فمتى تجردا من
النية لم يكن لهما حكم على حال.
ومتى قال: هو محرم بحجة أو عمرة إن كان كذا وكذا، لم يكن ذلك شيئا ولم يتعلق به
حكم من الأحكام.
إذا قال: لله علي أن أهدي بدنة، أجزأه أقل ما يقع عليه الاسم وأقلها ثنية، فإذا ثبت
انعقاده لم يخل من أحد أمرين: إما أن يطلق أو ينوي بدنة من الإبل، فإن أطلق نذر بدنة ولم
ينو شيئا فالصحيح أنه يلزمه من الإبل، لأن البدنة في اللغة عبارة عن الأنثى من الإبل، فإن
لم يجد فبقرة فإن لم يجد فسبع من الغنم، لأن الشرع أقام كل واحد منهما مقام صاحبه عند
العدم والتعذر.
إذا نذر صوم عشرة أيام أو عشرين يوما فهو بالخيار بين أن يتابع أو يفرق وبين أن يصوم
على الفور أو على التراخي.
إذا نذر أن يحج في هذا العام حجة الاسلام فوجدت شرائط الوجوب فلم يفعل حتى
فات الوقت استقرت في الذمة ولا يسقط، وإن حصر حصرا عاما في هذا العام سقط نذره
كالمفروضة وكذلك إن حصر حصرا خاصا، ولا فصل بين المفروضة والمنذورة إلا في فصل
واحد، وهو أن المفروضة إذا سقطت في هذا العام وجبت بوجود شرائطها بعده، والمنذورة إذا
سقطت في هذا العام لم تجب بعده و إن وجدت الشرائط، لأن النذر تعلق بهذه السنة فإذا
فات فلا يجب بعدها إلا بتجديد نذر فلهذا يسقط بكل حال.
166

إذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فإن قدم ليلا فلا يلزمه الصوم
أصلا لأنه ما وجد شرطه بلا خلاف، وإن قدم في بعض نهار لا يلزمه أيضا صومه ولا صوم يوم
بدله، لأن نذره لم ينعقد لأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب صوم يوم بدل هذا يحتاج إلى
دليل، والذي يدل على أن نذره لم ينعقد أنه نذر صوم لا يمكنه الوفاء به لأن بعض يوم لا يكون
صوما، وجرى ذلك مجرى أن يقول: يوم يقدم أصوم أمسه، فإنه لا يكون نذرا صحيحا
لاستحالته.
إذا نذر أن يصوم أياما معدودة متتابعة فأفطرها في سفر انقطع التتابع وعليه
الاستئناف.
إذا نذر صوم يوم الخميس إن شفى الله مريضه فشفاه الله فصام يوم الخميس عن كفارته
أو قضاء شهر رمضان، فالظاهر من مذهبنا أنه يقتضي أنه لا يجزئه لأنه قد تعين صومه بالنذر
فلا يقع فيه سواه، فإذا ثبت هذا فإنه يكمله عن نذره، وكذلك من نذر أن يصوم أول يوم من
رمضان لم ينعقد نذره لأنه مستحق صيامه لغيره لأنه لا يمكن أن يقع فيه على حال صيام غير
رمضان.
إذا لزمه صيام يوم بعينه أبدا بالنذر ثم وجب عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارة
القتل أو الظهار، فإنه يصوم الشهرين عن كفارته وما فيهما من اليوم المعين صيامه بالنذر عن
كفارته أيضا دون نذره، لأنه إذا صامه عن كفارته صحت الكفارة وقضى ما فيهما من الأيام
المعينة المنذورة، ولو صامها عن نذره بطل تتابعه وكان عليه الاستئناف ولم يمكنه الكفارة
بالصيام أبدا.
والذي يقتضيه مذهبنا أن في الشهر الأول يفعل هذا الذي قلناه، وفي الشهر الثاني إذا زاد عليه
شيئا فإنه يصح أن يصومها عن الكفارة وعن النذر معا، لأن الإفطار فيه لا يبطل التتابع، فإن
صام الكل عن الكفارة قضى كل يوم منذور كان في الشهرين، هذا إذا سبق النذر الكفارة فأما
إن سبقت الكفارة النذر وهو أن وجب عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارته ثم نذر أن يصوم
كل خميس، كان عندنا مثل الأول سواء وعند بعضهم أيضا، وقال بعضهم: لا يقضى ما فيهما من
167

الأيام المنذورة لأن كل يوم منذور في الشهرين مستحق للكفارة وهو غير نذره فلهذا لم ينعقد نذره
بها كأيام رمضان، والأقوى ما قلناه من أن عليه قضاءه، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه
في كتاب النذر جملته ما ذكرناه، والأقوى عندي أن يوم النذر لا يجوز صيامه عن الكفارة لا في
الشهر الأول ولا في الشهر الثاني، فأما قوله رحمه الله: ولو صامها عن نذره بطل تتابعه وكان عليه
الاستئناف ولم يمكنه الكفارة بالصيام أبدا، فتمسك غير واضح وأنا ألتزم أنه لا يصح له الكفارة
بالصيام ويكون فرضه الإطعام لأنه غير قادر على الصيام، وأي مانع يمنع من الانتقال عن الصيام
إلى الإطعام لأنه ليس في مقدوره الكفارة بالصيام، فليلحظ ذلك بعين الفكر والله الموفق
للصواب.
إذا نذر صلاة قال قوم: أقل ما يلزمه ركعتان وقال بعضهم: أقل ذلك ركعة.
وهذا هو الذي يقوى في نفسي، لأنها أقل صلاة مرغبة فيها شرعية وهي الوتر بلا خلاف بيننا
معشر أهل البيت ع، والخطاب إذا أطلق أجزء أقل ما يقع عليه الاسم، وقد بينا أن
الركعة صلاة شرعية وأيضا فلا نص لأصحابنا في ذلك والأصل براءة الذمة فيما زاد على
الركعة، وإذا كانت الركعة صلاة في الشريعة وعرفها حمل الإطلاق على أقل ما يقع الاسم
الشرعي عليه، واختار شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه أحد قولي الشافعي وهو: أنه يلزمه صلاة
ركعتين، واستدل بطريقة الاحتياط فحسب ولم يذكر إجماعا ولا أخبارا، وقد قلنا ما عندنا وليس
هو لما استدل بطريقة الاحتياط بأولى ممن استدل بدليل أن الأصل براءة الذمة.
باب الكفارات:
الكفارات على ثلاثة أضرب: كفارة مرتبة من غير تخيير، ومخير فيها من غير ترتيب،
وما فيها ترتيب وتخيير.
فالتي على الترتيب: كفارة الظهار بلا خلاف وكفارة قتل الخطأ أيضا بلا خلاف إلا من
شاذ من أصحابنا، ومعنى الترتيب هو أنه لا ينتقل من الأصل الأول إلى الثاني إلا بعد فقدان
الأول، ولا ينتقل من الثاني إلى الثالث إلا بعد عدم الثاني، ومعنى التخيير هو أنه له أن يفعل
168

أي الثلاث كان.
فكفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام
ستين مسكينا، وكذلك كفارة قتل الخطأ.
والتي على التخيير بكل حال: فكفارة فدية الأذى الانسان فيها بالخيار بين ذبح شاة أو
صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة أمداد لستة مساكين، وكذلك كفارات الحج كلها على
التخيير، على الصحيح من أقوال أصحابنا وظاهر القرآن يعضد ذلك وقد ذكرنا الخلاف في
ذلك في كتاب الحج.
والكفارة التي تجمع الأمرين: كفارة اليمين، فإن الانسان مخير في الثلاثة الأجناس إما
عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز عن ذلك أجمع وجب عليه صيام
ثلاثة أيام مرتبة متوالية بغير خلاف.
ومتى أراد أن يكفر بالإطعام فعليه أن يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد،
على الصحيح من المذهب وظاهر التنزيل يعضد ذلك والأصل أيضا يقويه، وقد ذهب بعض
أصحابنا إلى مدين، وقد المد رطلان وربع بالعراقي.
وكذلك في سائر الكفارات: الظهار والقتل والوطء وفدية الأذى وغير ذلك، ويجوز أن
يخرج حبا ودقيقا وخبزا وكل ما يسمي طعاما، إلا كفارة اليمين فإنه يجب عليه أن يخرج
من الطعام الذي يطعم أهله لقوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، فقيد تعالى ذلك
وأطلق في باقي الكفارات، ولأن الأصل براءة الذمة فإن أراد التكفير بالكسوة فلكل
مسكين ثوب واحد ولا يلزمه أن يكون جديدا ويجوز أن يكون غسيلا سواء كان مئزرا أو
قميصا، وقال بعض أصحابنا: الواجب ثوبان.
وكل من تلزمه نفقته لا يجوز صرف الكفارة إليه ومن لا يلزمه نفقته يجوز صرفها إليه.
وجملة الأمر وعقد الباب أن مستحق الكفارة مستحق الزكاة وقد مضى ذكرهم في
كتاب الزكاة، وعليه أن يعطي عشرة مساكين يعتبر العدد فيهم، فإن لم يجد العدد كرر
عليهم حتى يستوفي العدد عندنا يوما بعد يوم حتى يستوفي العدد.
169

وإذا أطعم خمسا وكسا خمسا لم يجزه لأنه خلاف الظاهر، ولا يجوز اخراج القيم في
الكفارات عندنا بغير خلاف ويجوز ذلك في الزكوات عندنا بغير خلاف أيضا.
وإذا اجتمع عليه كفارات لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون جنسا واحدا أو
أجناسا.
فإن كان جنسا واحدا مثل أن يكون يمينا أو ظهارا أو قتلا فنفرضها في كفارة الأيمان
فإنه أوضح، فإذا كان عليه كفارات عن يمين فإن أطعم عن الكل أو كسا عن الكل أو
أعتق عن الكل أجزأه، وإن أطعم عشرة وكسا عشرة وأعتق رقبة أجزأه عن الثلاث، فإذا
ثبت أنه جائز نظرت، فإن أبهم النية ولم يعين بل نوى كفارة مطلقة أجزأه لقوله: فكفارته
إطعام عشرة مساكين،
فأما إن كانت أجناسا، مختلفة مثل إن حنث وظاهر وقتل ووطأ في رمضان افتقر ذلك
إلى تعيين النية وهو شرط في ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: لا فرق بين أن يكون الجنس واحدا أو أجناسا مختلفة، وما
ذكرناه هو الذي تقتضيه أصول مذهبنا لقوله ع: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ
ما نوى، وإن كان في مسائل خلافه يذهب إلى ما اخترناه.
والكلام في وقت النية فعندنا لا يجزئه حتى تكون النية مع التكفير.
إذا كانت عليه كفارة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون على الترتيب أو على
التخيير.
فإن كانت على الترتيب، نظرت فإن خلف تركة تعلقت بتركته كالدين يعتق عنه
منها، وإن لم يكن له تركة سقط العتق عنه كما لو مات وعليه دين ولا تركة له، فإن اختار
وليه أن يعتق عنه كمال الواجب عليه أجزأ عنه لأنه يقوم مقام مورثه في قضاء ديونه وغير
ذلك.
وإن لم تكن الكفارة على الترتيب مثل كفارة اليمين، نظرت فإن كفر عنه وليه بالكسوة
أو الإطعام صح عمن أخرجه عنه، وكذلك إن أعتق عنه أجزأ عندنا، وقال بعض المخالفين:
170

لا يجزئ، والأول أصح لأن الثلاثة عندنا واجبة مخير فيها، وليس الواجب واحدا لا بعينه.
ولا يجوز النيابة في الصيام في حال الحياة بحال، وإن مات الانسان وعليه صيام وجب على
وليه أن يصوم عنه عندنا.
إذا أعطى مسكينا من كفارته أو زكاة ماله أو فطرته فالمستحب أن لا يشتري ذلك ممن
أعطاه، والاعتبار عندنا في الكفارات المرتبة حال الأداء والإخراج لا حال الوجوب، فإن
كان في حال الإخراج والأداء موسرا وجب عليه العتق، وإن كان معسرا وجب عليه
الصيام ولا اعتبار بما تقدم.
العبد إذا وجبت عليه كفارة الحنث فأعتق لا يجزئه ذلك عن كفارته، لأنه كفر بغير
ما وجب عليه لأنه غير مخاطب باخراج المال.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة من الأحرار لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له فضل
عن كفايته ليومه وليلته أو وفق الكفاية، فإن كان له فضل لم يكن من أهل الصيام لأنه
واجد، وإن لم يكن له وفق كفايته ليومه وليلته كان فرضه الصيام.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي: لا يعتبر الإيمان في العتق في جميع أنواع الكفارات إلا في كفارة قتل
الخطأ خاصة وجوبا وما عداه جاز أن يعتق من ليس بمؤمن وإن كان المؤمن أفضل، وقال
المرتضى وباقي أصحابنا: باعتبار الإيمان في جميعها، وهو الذي أعتمده وأفتى به لقوله تعالى: ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون، والكافر خبيث بغير خلاف وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه.
والأعمى والمجذوم والمقعد بالزمانة لا يجزئ عتق واحد منهم لأنهم ينعتقون عند أصحابنا
بهذه الآفات، والأعرج والأقطع اليدين أو أحدهما أو أقطع الرجلين يجزئ للآية، وإليه
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه.
والمدبر وأم الولد يجزئ عتقهما عن الكفارة ولا يجزئ عتق المكاتب عندنا بحال.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه فإنه قال مسألة: عتق المكاتب لا يجزئ في الكفارة
سواء أدى من مكاتبته شيئا أو لم يؤد. وقال في نهايته في باب الكفارات: ولا يجوز له أن يعتق
مدبرا إلا بعد أن ينقض تدبيره ولا أن يعتق مكاتبا له وقد أدى من مكاتبته شيئا.
171

والذي يقتضيه أصولنا إن عتق المكاتب المشروط عليه في الكفارة جائز سواء أدى من مكاتبته
شيئا أو لم يؤد لإجماعنا على أنه عبد ما بقي عليه شئ، فأما المكاتب المطلق فإنه إذا لم يتحرر منه
شئ ولم يؤد شيئا من مال الكتابة فإنه يجزئ إعتاقه أيضا في الكفارة لأنه عبد لم يتحرر منه
جزء، وأما إن أدى شيئا ولو قليلا فلا يجزئ إعتاقه في الكفارة لأنه قد تحرر منه جزء بقدر ما أدى
بغير خلاف، فليلحظ ذلك ويحصل والله الموفق للصواب.
إذا مات وعليه حق لله مثل الزكوات والكفارات وحق الآدميين مثل الديون قيل فيه
ثلاثة أقوال: أحدها حق الله المقدم والثاني حقوق الآدميين والثالث هما سواء، وهو الأقوى
عندي لأن تقدم أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل.
وفرض العبد في الكفارات الصوم سواء كانت الكفارة مرتبة مثل كفارة الظهار أو
مخيرة فيها، لأن العبد لا يملك وقد ذكرنا فيما مضى كفارة اليمين، فإن عجز عن الثلاثة
الأجناس - وحد العجز أن لا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت من يجب عليه نفقته ليومه
وليلته - كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات يستوي الحر والعبد في صيامهن، فإن لم يقدر
على الصوم فليستغفر الله تعالى فهو كفارة له، فإن وجد بعد ذلك المال أو قدر على الصوم فلا
يجب عليه فعل شئ من ذلك لأنه قد كفر بالاستغفار، فوجوب ذلك ثانيا يحتاج إلى دليل،
وقد قدمناه أنه إذا لم يجد العدد ووجد بعضهم كرر عليهم حتى يستوفي العدد.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم أطعم
المستضعفين ممن خالفهم، وهذا غير مستقيم ولا واضح لأنه خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا،
لأن مستحق الكفارات مستحق الزكوات على ما قدمناه فلا يجوز إعطاؤهما لغيرهم على حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكفارة نقض النذور والعهود عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخير فيها أيها فعل فقد أجزأه، ومتى عجز عن ذلك كله كان
عليه صيام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو قام بكسوتهم، فإن لم
يقدر على ذلك تصدق بما استطاع، فإن لم يستطع شيئا أصلا استغفر الله تعالى ولا يعود، هذا آخر
كلامه رحمه الله.
172

والصحيح الذي يقتضيه أصول أصحابنا وما حققه محصلوهم أن النذر لا يخلو من أحد أمرين: إما
أن يكون صوما معينا فخالفه وأفطر فيه متعمدا، فكفارة ذلك كفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان متعمدا وهو ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في نهايته وحكيناه عنه في خلاف نقض
النذور. وإن كان النذر غير صيام فإن كفارة خلافه كفارة يمين لأن الأصل براءة الذمة، وقد
وردت به أخبار وذهب إليه من جملة أصحابنا السيد المرتضى في الموصليات وأبو جعفر بن بابويه
وغيرهما من الجلة المشيخة، وهو الذي يقوى في نفسي وأفتي به.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن كان عليه صيام يوم قد نذر صومه فعجز عن صيامه، أطعم
مسكينا مدين من طعام كفارة لذلك اليوم وقد أجزأه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا ليس هو على ظاهره، بل إن كان عجزه لكبر أو مرض
لا يرجى برؤه بمجرى العادة مثل العطاش الذي لا يرجى برؤه، فما ذكره رحمه الله صحيح، وإن
كان لمرض يرجى برؤه مثل الحمى وغير ذلك، فالواجب عليه الإفطار والقضاء لما أفطر فيه من
غير إطعام مدين ولا كفارة بحال، فليلحظ ذلك فهذا تحرير السؤال وقد قدمنا شرح كفارة الظهار
فلا وجه لإعادته.
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا إما عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو
صيام شهرين متتابعين مخير في ذلك على الصحيح من المذهب، وكفارة قتل العمد عتق رقبة
وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين على الجمع، وهذا في العمد المحض، وكفارة
قتل الخطأ المحض أو الخطأ شبيه العمد واحد منها وهي على الترتيب.
وقال شيخنا في نهايته: ومن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو من واحد من الأئمة
كان عليه كفارة ظهار، فإن لم يقدر على ذلك كان عليه كفارة اليمين. وقد قلنا ما عندنا في ذلك
في كتاب الأيمان فلا وجه لإعادته.
وكفارة من وطأ زوجته في حيض، إن كان وطؤه لها في أول الحيض كان عليه دينار
وقيمته عشرة دراهم جيادا، وإن كان في وسطه نصف دينار، وإن كان في آخره ربع دينار
على حساب ما قدمناه، وقد شرحنا ذلك وحررناه وذكرنا الخلاف فيه في كتاب الحيض
173

فلا وجه لإعادته.
فإن وطأ أمته في الحيض كان عليه أن يتصدق بثلاثة أمداد من طعام يفرقها على ثلاثة
مساكين، سواء كان وطؤه لها في أوله أو آخره أو وسطه بغير خلاف.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في شئ مما ذكرناه من الكفارات، فصام
شهرا ومن الثاني شيئا ثم أفطر من غير علة، كان مخطئا آثما وجاز له البناء عليه عند
أصحابنا، فإن صام شهرا ولم يكن قد صام من الثاني شيئا وجب عليه الاستئناف، وإن
كان إفطاره قبل الشهر لمرض كان له البناء عليه على كل حال، ومن عجز عن صيام
شهرين وجبا عليه صام ثمانية عشر يوما وقد أجزأه، وإن لم يقدر على ذلك تصدق عن كل
يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله تعالى وليس عليه بعد ذلك شئ.
وكفارة الإيلاء كفارة اليمين سواء، وكذلك كفارة من أفطر يوما قد نوى صومه قضاء
لشهر رمضان بعد الزوال، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة.
وقد روي: أن من تزوج بامرأة في عدتها عالما بذلك فارقها وكفر عن فعله بخمسة أصوع
من دقيق. وقد روي أيضا: أن من نام عن عشاء الآخرة حتى يمضى النصف الأول من
الليل صلاها قضاء حين يستيقظ ويصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت.
والأولى حمل هاتين الروايتين على الاستحباب دون الفرض والإيجاب، لأن الأصل براءة الذمة،
ولا إجماع على هاتين الروايتين، وذهب السيد المرتضى رحمه الله إلى: أن من تزوج امرأة ولها زوج
وهو لا يعلم بذلك أن عليه أن يفارقها ويتصدق بخمسة دراهم، ولم أجد أحدا من أصحابنا
موافقا له على هذا القول، والأصل براءة الذمة وشغلها بهذه الكفارة يحتاج إلى دليل، ولا دليل
عليها من كتاب ولا إجماع ولا تواتر أخبار.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: شيخنا أبو جعفر في نهايته جمع الصاع على أصع فقال: كفارة من
تزوج بامرأة في عدتها خمسة أصح من دقيق، وإنما جمع الصاع أصوع قال الأصمعي: العامة تخطئ
فتقول: ثلاث أصع، وإنما يقال: ثلاث أصوع وقد يذكر الصاع ويؤنث، فمن أنثه جمعه على أصوع
ومن ذكره جمعه على أصواع.
174

وروي أيضا: أن من ترك صلاة الكسوف متعمدا وقد احترق القرص كله، فليغتسل
كفارة لذنبه وليقض الصلاة بعد الغسل وقد قدمنا القول في هذا الغسل والخلاف فيه بين
الأصحاب فلا وجه لإعادته.
وروي: أن من سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه، فليستغفر الله من ذنبه ويغتسل
كفارة لسعيه إليه وذلك على طريق الاستحباب دون الفرض والإيجاب.
ولا يجوز للرجل أن يشق ثوبه في موت أحد من الأهل والقرابات، فإن فعل ذلك فقد
روي: أن عليه كفارة يمين،
والأولى أن يحمل ذلك على الندب دون الفرض، لأن الأصل براءة الذمة، وهذه الرواية قليلة
الورود شاذة تورد في أبواب الزيادات عن رجل واحد، وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما
ولا عملا إلا أن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاويهم، فصار الاجماع هو الحجة على
العمل بها وبهذا أفتى.
وروي: أنه لا بأس أن يشق ثوبه على أبيه وفي موت أخيه.
والأولى ترك ذلك واجتنابه، بل الواجب لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا
إجماع، والأصل حفاظ المال وتضييعه سفه لأنه إدخال ضرر والعقل يقبح ذلك.
فأما المرأة فلا يجوز لها أن تشق ثوبها في موت أحد من الناس فإن شقته أخطأت ولا
كفارة عليها بغير خلاف.
وإنما وردت الرواية في الرجل وأجمع عليها أصحابنا دون المرأة، والقياس باطل عندنا.
ولا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب ولا تخدشه ولا تجز شعرها، فإن جزته فإن
عليها كفارة قتل الخطأ وقد قدمنا شرحها على ما رواه أصحابنا، فإن خدشت وجهها حتى
تدميه كان عليها كفارة يمين، فإن لطمت وجهها استغفرت الله تعالى ولا كفارة عليها
أكثر من الاستغفار.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة فعجز عن الرقبة فانتقل إلى الصوم، فصام شيئا ثم وجد
الرقبة لم يلزمه الرجوع إليها وجاز له البناء على الصوم وإن رجع إلى الرقبة كان ذلك أفضل
175

له.
ومن ضرب مملوكا له فوق الحد كانت كفارته أن يعتقه.
على ما روي في بعض الأخبار، أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، ولا دليل على ذلك من كتاب
ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل براءة الذمة من العتق وبقاء الرق، فمن ادعى سوى ذلك
يحتاج إلى دليل.
وروي: أنه إن قتل كان عليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا وعليه التوبة مما فعل، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما ما ذكره شيخنا أبو جعفر فغير واضح ولا مستمر على أصل
مذهبنا، لأنه إن كان القتل للعبد عمدا محضا فالصحيح أنه يجب على السيد القاتل كفارة قتل
العمد المحض وهي الثلاثة الأجناس على الجمع، وإن كان قتله له خطأ فالواجب كفارة قتل
الخطأ المرتبة دون المخيرة فيها، وما أورده شيخنا في كتابه على التخيير دون الترتيب، فإن فرضنا
أنه قتله عمدا محضا فما يصح ما أورده، وإن كان قتله خطأ فما يستقيم أيضا ما ذكره.
176

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
177

كتاب النذر
والنظر في الناذر والصيغة ومتعلق النذر ولواحقه.
أما الناذر: فهو البالغ العاقل المسلم، فلا يصح من الصبي ولا من المجنون ولا
من الكافر لتعذر نية القربة في حقه واشتراطها في النذر، لكن لو نذر فأسلم استحب له
الوفاء. ويشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج، وكذا يتوقف نذر المملوك على إذن
المالك فلو بادر لم ينعقد وإن تحرر لأنه وقع فاسدا وإن أجاز المالك ففي صحته تردد أشبهه
اللزوم. ويشترط فيه القصد فلا يصح من المكره ولا السكران ولا الغضبان الذي لا قصد
له.
وأما الصيغة: فهي: إما بر أو زجر أو تبرع، فالبر قد يكون شكرا للنعمة كقوله:
إن أعطيت مالا أو ولدا أو قدم المسافر فلله علي كذا، وقد يكون دفعا لبلية كقوله: إن برئ
المريض أو تخطأني المكروه فلله علي كذا، والزجر أن يقول: إن فعلت كذا فلله علي كذا،
أو إن لم أفعل كذا فلله علي كذا. والتبرع أن يقول: لله علي كذا. ولا ريب في انعقاد النذر
بالأوليين وفي الثالثة خلاف والانعقاد أصح ويشترط مع الصيغة نية القربة فلو قصد منع
نفسه بالنذر لا لله لم ينعقد، ولا بد أن يكون الشرط في النذر سائغا إن قصد الشكر والجزاء
طاعة، ولا ينعقد النذر بالطلاق ولا بالعتاق.
وأما متعلق النذر: فضابطه أن يكون طاعة مقدورا للناذر، فهو إذن مختص
بالعبادات كالحج والصوم والصلاة والهدي والصدقة والعتق.
179

أما الحج: فنقول لو نذره ماشيا لزم ويتعين من بلد النذر، وقيل من الميقات، ولو حج
راكبا مع القدرة أعاد، ولو ركب بعضا قضى الحج ومشى ما ركب، وقيل: إن كان النذر مطلقا أعاد
ماشيا، وإن كان معينا بسنة لزمه كفارة خلف النذر، والأول مروي. ولو عجز الناذر عن
المشي حج راكبا، وهل يجب عليه سياق بدنة؟ قيل نعم وقيل: لا يجب بل يستحب، وهو
الأشبه، ويحنث لو نذر أن يحج راكبا فمشى، ويقف ناذر المشي في السفينة لأنه أقرب إلى شبه
الماشي، والوجه الاستحباب لأن المشي يسقط هنا عادة، ويسقط المشي عن ناذره بعد طواف
النساء.
فروع:
لو نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام انصرف إلى بيت الله سبحانه بمكة، وكذا لو قال:
إلى بيت الله واقتصر، وفيه قول بالبطلان إلا أن ينوي غيره.
ولو قال: أن أمشي إلى بيت الله لا حاجا ولا معتمرا، قيل: ينعقد بصدر الكلام وتلغو
الضميمة، وقال الشيخ: يسقط النذر، وفيه إشكال ينشأ من كون قصد بيت الله طاعة.
ولو قال: أن أمشي واقتصر، فإن قصد موضعا انصرف إلى قصده، وإن لم يقصد لم
ينعقد نذره لأن المشي ليس طاعة في نفسه.
ولو نذر إن رزق ولدا يحج به أو يحج عنه ثم مات حج بالولد أو عنه من صلب ماله.
ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أجزأ عنهما على تردد.
مسائل الصوم:
ولو نذر صوم أيام معدودة كان مخيرا بين التتابع والتفريق إلا مع شرط التتابع، والمبادرة
بها أفضل والتأخير جائز، ولا ينعقد نذر الصوم إلا أن يكون طاعة، فلو نذر صوم العيدين
أو أحدهما لم ينعقد، وكذا لو نذر صوم أيام التشريق بمنى، وكذا لو نذرت صوم أيام حيضها،
وكذا لا ينعقد إذا لم يكن ممكنا كما لو نذر صوم يوم قدوم زيد سواء قدم ليلا أو نهارا، أما
ليلا فلعدم الشرط وأما نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور فيه وفيه وجه آخر.
180

ولو قال: لله علي أن أصوم يوم قدومه دائما، سقط وجوب اليوم الذي جاء فيه ووجب
صومه فيما بعد، ولو اتفق ذلك اليوم في رمضان صامه عن رمضان خاصة وسقط النذر فيه لأنه
كالمستثنى ولا يقضيه، ولو اتفق ذلك يوم عيد أفطره إجماعا، وفي وجوب قضائه خلاف
والأشبه عدم الوجوب، ولو وجب على ناذر ذلك اليوم صوم شهرين متتابعين في كفارة قال
الشيخ: صام في الشهر الأول من الأيام عن الكفارة تحصيلا للتتابع، فإذا صام من الثاني
شيئا صام ما بقي من الأيام عن النذر لسقوط التتابع، وقال بعض المتأخرين: يسقط التكليف
بالصوم لعدم إمكان التتابع وينتقل الفرض إلى الإطعام وليس شيئا، والوجه صيام ذلك
اليوم وإن تكرر عن النذر ثم لا يسقط به التتابع لا في الشهر الأول ولا الآخر لأنه عذر لا يمكن
الاحتراز منه، ويتساوى في ذلك تقدم وجوب التكفير على النذر وتأخره.
وإذا نذر صوما مطلقا فأقله يوم، وكذا لو نذر صدقة اقتصر على أقل ما يتناوله الاسم،
ولو نذر الصيام في بلد معين قال الشيخ: صام أين شاء، وفيه تردد، ومن نذر أن يصوم
زمانا كان خمسة أشهر، ولو نذر حينا كان ستة أشهر، ولو نوى غير ذلك عند النذر لزمه ما
نوى.
مسائل الصلاة:
إذا نذر صلاة فأقل ما يجزيه ركعتان، وقيل: ركعة، وهو حسن، وكذا لو نذر أن يفعل
قربة ولم يعينها كان مخيرا، إن شاء صام وإن شاء تصدق بشئ، وإن شاء صلى ركعتين، وقيل:
يجزيه ركعة. ولو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد لزم لأنه طاعة، أما لو
نذر الصلاة في مكان لا مزية فيه للطاعة على غيره قيل: لا يلزم وتجب الصلاة ويجزي
إيقاعها في كل مكان، وفيه تردد. ولو نذر الصلاة في وقت مخصوص لزم.
مسائل العتق:
إذا نذر عتق عبد مسلم لزم النذر، ولو نذر عتق كافر غير معين لم ينعقد، وفي المعين
خلاف والأشبه أنه لا يلزم، ولو نذر عتق رقبة أجزأته الصغيرة والكبيرة والصحيحة
181

والمعيبة إذا لم يكن العيب موجبا للعتق، ومن نذر أن لا يبيع مملوكا لزمه النذر، وإن اضطر إلى
بيعه قيل لم يجز، والوجه الجواز مع الضرورة، ولو نذر عتق كل عبد قديم لزمه إعتاق من
مضى عليه في ملكه ستة أشهر.
مسائل الصدقة:
إذا نذر أن يتصدق واقتصر لزمه ما يسمى صدقة وإن قل، ولو قيده بقدر تعين عليه،
ولو قال بمال كثير كان ثمانين درهما، ولو قال: خطير أو جليل، فسره بما أراد، ومع تعذر
التفسير بالموت يرجع إلى الولي.
ولو نذر الصدقة في موضع معين وجب، ولو صرفها في غيره أعاد الصدقة بمثلها فيه،
ومن نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه لزمه النذر، فإن خاف الضرر قوم ماله وتصدق أولا
حتى يعلم أنه قام بقدر ما لزم، ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل الخير تصدق به على
فقراء المؤمنين أو في عمرة أو حج أو في زيارة أو في شئ من مصالح المسلمين.
مسائل الهدي:
إذا نذر أن يهدي بدنة انصرف الإطلاق إلى الكعبة لأنه الاستعمال الظاهر في عرف
الشرع، ولو نوى بمنى لزم، ولو نذر الهدي إلى غير الموضعين لم ينعقد لأنه ليس طاعة، ولو نذر
أن يهدي واقتصر انصرف الإطلاق في المهدي إلى النعم وله أن يهدي أقل ما يسمى من
النعم هديا، وقيل: كان له أن يهدي ولو بيضة، وقيل: يلزمه ما يجزي في الأضحية، والأول
أشبه.
ولو نذر أن يهدي إلى بيت الله الحرام غير النعم قيل: يبطل النذر، و قيل: يباع ذلك
ويصرف في مصالح البيت، أما لو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع ذلك وصرف
ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الذي نذر له وفي معونة الحاج أو الزائرين، ولو نذر نحر
الهدي بمكة وجب، وهل يتعين التفرقة بها؟ قال الشيخ: نعم عملا بالاحتياط، وكذا بمنى.
ولو نذر نحره بغير هذين قال الشيخ: لا ينعقد، ويقوى أنه ينعقد لأنه قصد الصدقة
182

على فقراء تلك البقعة وهو طاعة، ولو نذر أن يهدي بدنة فإن نوى من الإبل لزم، وكذا لو لم
ينو لأنها عبارة عن الأنثى من الإبل. وكل من وجب عليه بدنة في نذر فإن لم يجد لزمه بقرة
وإن لم يجد فسبع شياه.
أما اللواحق: فمسائل:
الأولى: يلزم بمخالفة النذر المنعقد كفارة يمين، وقيل: كفارة من أفطر في شهر رمضان،
والأول أشهر، وإنما تلزم الكفارة إذا خالف عامدا مختارا.
الثانية: إذا نذر صوم سنة معينة وجب صومها أجمع إلا العيدين وأيام التشريق إن
كان بمنى، ولا تصام هذه الأيام ولا تقضى، ولو كان بغير منى لزمه صيام أيام التشريق، فلو
أفطر عامدا لغير عذر في شئ من أيام السنة قضاه وبنى إن لم يشترط التتابع وكفر ولو شرط
استأنف، وقال بعض الأصحاب: إن تجاوز النصف جاز البناء ولو فرق، وهو تحكم، ولو
كان لعذر كالمرض والحيض والنفاس بني على الحالين ولا كفارة، ولو نذر صوم الدهر صح
ويسقط العيدان وأيام التشريق بمنى ويفطر في السفر، وكذا الحائض في أيام حيضها ولا يجب
القضاء إذ لا وقت له، والسفر الضروري عذر لا ينقطع به التتابع وينقطع بالاختياري، ولو
نذر صوم سنة غير معينة كان مخيرا بين التوالي والتفرقة إن لم يشترط التتابع، وله أن يصوم
اثني عشر شهرا والشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما، ولو صام شوالا وكان ناقصا
أتمه بيوم بدلا عن العيد، وقيل بيومين وهو حسن، وكذا لو كان بمنى في أيام التشريق فصام
ذا الحجة قضى العيد وأيام التشريق ولو كان ناقصا، قضى خمسة أيام، ولو صام سنة واحدة
أتمها بشهر ويومين بدلا عن شهر رمضان وعن العيدين، ولم ينقطع التتابع بذلك لأنه لا يمكن
الاحتراز منه ولو كان بمنى قضى أيام التشريق أيضا ولو نذر صوم شهر متتابعا وجب أن
يتوخى ما يصح ذلك فيه وأقله أن يصح فيه تتابع خمسة عشر يوما، ولو شرع في ذي
الحجة لم يجز لأن التتابع ينقطع بالعيد.
الثالثة: إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد نذره لأن صيامه مستحق
بغير النذر، وفيه تردد.
183

الرابعة: إذا نذر المعصية لا ينعقد ولا يجب به كفارة كمن نذر أن يذبح آدميا أبا كان
أو أما أو ولدا أو نسبيا أو أجنبيا وكذا لو نذر ليقتلن زيدا ظلما أو نذر أن يشرب خمرا أو
يرتكب محظورا أو يترك فرضا فكل ذلك لغو لا ينعقد، ولو نذر أن يطوف على أربع فقد مرت
في باب الحج والأقرب أنه لا ينعقد.
الخامسة: إذا عجز الناذر عما نذره سقط فرضه فلو نذر الحج فصد سقط النذر،
وكذا لو نذر صوما فعجز، لكن روي في هذا: يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.
السادسة: العهد حكمه حكم اليمين وصورته أن يقول: عاهدت الله أو على عهد
الله أنه متى كان كذا فعلي كذا، فإن كان ما عاهد عليه واجبا أو مندوبا أو ترك مكروه أو
اجتناب محرم لزم ولو كان بالعكس لم يلزم، ولو عاهد على مباح لزم كاليمين، ولو كان فعله
أولى أو تركه فليفعل الأولى ولا كفارة، وكفارة المخالفة في العهد كفارة يمين، وفي رواية:
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، وهي الأشهر.
السابعة: العهد والنذر ينعقدان بالنطق. وهل ينعقدان بالضمير والاعتقاد؟ قال
بعض الأصحاب نعم، والوجه أنهما لا ينعقدان إلا بالنطق.
184

ويلحق بهذا النظر في الكفارات: وفيه مقاصد:
الأول: في ضبط الكفارات:
وقد سبق الكلام في كفارات الإحرام فنذكر ما سوى ذلك، وهي: مرتبة ومخيرة وما
يحصل فيه الأمران وكفارة الجمع.
فالمرتبة ثلاث كفارات: الظهار وقتل الخطأ ويجب في كل واحدة العتق فإن عجز
فالصوم شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، وكفارة من أفطر يوما من قضاء
شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات.
والمخيرة كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان مع وجوب صومه بأحد الأسباب
الموجبة للتكفير، وكفارة من أفطر يوما نذر صومه على أشهر الروايتين، وكذا كفارة الحنث
في العهد، وفي النذر على تردد، والواجب في كل واحدة عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر.
وما يحصل فيه الأمران كفارة اليمين وهي عتق رقبة أو أطعام عشرة مساكين أو
كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وكفارة الجمع وهي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما، وهي عتق رقبة وصوم شهرين
متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
185

المقصد الثاني: في ما اختلف فيه: وهي سبع:
الأولى: من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار فإن عجز فكفارة يمين، وقيل: يأثم ولا
كفارة، وهو أشبه.
الثانية: في جز المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا، وقيل: مثل كفارة الظهار، والأول مروي، وقيل: تأثم ولا كفارة،
استضعافا للرواية وتمسكا بالأصل.
الثالثة: تجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب وخدش وجهها، وشق الرجل ثوبه
في موت ولده أو زوجته كفارة يمين.
الرابعة: كفارة الوطء في الحيض مع العمد والعلم بالتحريم والتمكن من التكفير
قيل: تستحب، وقيل: تجب، وهو الأحوط، ولو وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من
الطعام.
الخامسة: من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصوع من دقيق، وفي وجوبها
خلاف والاستحباب أشبه.
السادسة: من نام عن العشاء حتى جاوز نصف الليل أصبح صائما على رواية فيها
ضعف، ولعل الاستحباب أشبه.
السابعة: من نذر صوم يوم فعجز عنه أطعم مسكينا مدين فإن عجز تصدق بما استطاع
فإن عجز استغفر الله، وربما أنكر ذلك قوم بناء على سقوط النذر مع تحقق العجز.
المقصد الثالث: في خصال الكفارة:
وهي العتق والإطعام والصيام:
القول في العتق:
ويتعين على الواجد في الكفارة المرتبة، ويتحقق الوجدان بملك الرقبة أو ملك الثمن
مع إمكان الابتياع.
186

ويعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف:
الأول: الإيمان: وهو معتبر في كفارة القتل إجماعا، وفي غيرها مع التردد والأشبه
اشتراطه، والمراد بالإيمان هنا الاسلام أو حكمه، ويستوي في الاجزاء، الذكر والأنثى
والصغير والكبير، والطفل في حكم المسلم ويجزي إن كان أبواه مسلمين أو أحدهما ولو
حين يولد، وفي رواية: لا يجزي في القتل خاصة إلا البالغ الحنث، وهي حسنة، ولا يجزي
الحمل ولو كان أبواه مسلمين وإن كان بحكم المسلم.
وإذا بلغ المملوك أخرس وأبواه كافران فأسلم بالإشارة حكم بإسلامه وأجزأ، ولا
يفتقر مع وصف الاسلام في الاجزاء إلى الصلاة ويكفي في الاسلام الإقرار بالشهادتين،
ولا يشترط التبري مما عدا الاسلام، ولا يحكم بإسلام المسبي من أطفال الكفار سواء
كان معه أبواه الكافران أو انفرد به السابي المسلم، ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على
تردد، وهل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل: نعم صونا له أن يستزلاه عن عزمه وإن كان
بحكم الكافر.
الوصف الثاني: السلامة من العيوب: فلا يجزي الأعمى ولا الأجذم ولا المقعد ولا
المنكل به لتحقق العتق بحصول هذه الأسباب، ويجزي مع غير ذلك من العيوب كالأصم
والأخرس ومن قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه، ولو قطعت رجلاه لم يجز لتحقق
الإقعاد، ويجزي ولد الزنى، ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر أو لقصوره عن صفة الإيمان
وهو ضعيف.
الوصف الثالث: أن يكون تام الملك: فلا يجزي المدبر ما لم ينقص تدبيره وقال في
المبسوط والخلاف: يجزي، وهو أشبه، ولا المكاتب المطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا، ولو
لم يؤد أو كان مشروطا قال في الخلاف: لا يجزي، ولعله نظر إلى نقصان الرق لتحقق
الكتابة، وظاهر كلامه في النهاية أنه يجزي ولعله أشبه من حيث تحقق الرق، ويجزي
الآبق إذا لم يعلم موته، وكذلك تجزي المستولدة لتحقق رقيتها.
ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين لم يجز إذ لا يسمى ذلك نسمة، ولو أعتق شقصا
187

من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه، فإن نوى الكفارة وهو موسر أجزأ إن قلنا: أنه ينعتق
بنفس إعتاق الشقص، وإن قلنا: لا ينعتق إلا بأداء قيمة حصة الشريك، فهل يجزي عند
أدائها؟ قيل: نعم لتحقق عتق الرقبة، وفيه تردد منشأه تحقق عتق الشقص أخيرا بسبب
بذل العوض لا بالإعتاق، ولو كان معسرا صح العتق في نصيبه ولا يجزي عن الكفارة ولو
أيسر بعد ذلك لاستقرار الرق في نصيب الشريك، ولو ملك النصيب ونوى إعتاقه عن
الكفارة صح وإن تفرق لتحقق عتق الرقبة.
ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن، وقال الشيخ: يصح مطلقا إذا كان موسرا
وتكلف أداء المال إن كان حالا أو رهنا بدله إن كان مؤجلا، وهو بعيد. ولو قتل عمدا
فأعتقه في الكفارة فللشيخ قولان والأشبه المنع، وإن قتل خطأ قال في المبسوط: لم يجز عتقه
لتعلق حق المجني عليه برقبته، وفي النهاية: يصح ويضمن السيد دية المقتول، وهو حسن،
ولو أعتق عنه معتق بمسألته صح ولم يكن له عوض، فإن شرط عوضا كأن يقول: أعتق
وعلي عشرة، صح و لزمه العوض، ولو تبرع بالعتق عنه قال الشيخ: نفذ العتق عن المعتق
دون من أعتق عنه سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا.
ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت قال الشيخ: يصح، والوجه
التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز. وإذا قال: أعتق عبدك عني، فقال:
أعتقت عنك، فقد وقع الاتفاق على الاجزاء. ولكن مني ينتقل إلى الأمر؟ قال الشيخ:
ينتقل بعد قول المعتق: أعتقت عنك ثم ينعتق بعده، وهو تحكم والوجه الاقتصار على
الثمرة، وهو صحة العتق وبراءة ذمة الآمر وما عداه تخمين، ومثله إذا قال له: كل هذا
الطعام، فقد اختلف أيضا في الوقت الذي يملكه الآكل، والوجه عندي أنه يكون إباحة
للتناول ولا ينتقل إلى ملك الآكل.
ويشترط في الإعتاق شروط:
الأول: النية، لأنه عبادة يحتمل وجوها فلا يختص بأحدها إلا بالنية، ولا بد من نية
188

القربة فلا يصح العتق من الكافر ذميا كان أو حربيا أو مرتدا لتعذر نية القربة في حقه،
ويعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على الأشبه، و لو كانت الكفارات من
جنس واحد قال الشيخ: يجزي نية التكفير مع القربة ولا يفتقر إلى التعيين، وفيه إشكال،
أما الصوم فالأشبه بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين ويجوز تجديدها إلى الزوال.
فروع: على القول بعدم التعيين:
الأول: لو أعتق عبدا عن إحدى كفارتيه صح لتحقق نية التكفير إذ لا عبرة بالسبب
مع اتحاد الحكم.
الثاني: لو كان عليه كفارات ثلاث متساوية في العتق والصوم والصدقة فأعتق ونوى
القربة والتكفير ثم عجز فصام شهرين متتابعين بنية القربة والتكفير ثم عجز فأطعم ستين
مسكينا كذلك برأ من الثلاث ولو لم يعين.
الثالث: لو كان عليه كفارة ولم يدر أ هي عن قتل أو ظهار؟ فأعتق ونوى القربة
والتكفير أجزأه.
الرابع: لو شك بين نذر وظهار فتوى التكفير لم يجز لأن النذر لا يجزي فيه نية التكفير،
ولو نوى إبراء ذمته من أيهما كان جاز، ولو نوى العتق مطلقا لم يجز لأن احتمال إرادة
التطوع أظهر عند الإطلاق، وكذا لو نوى الوجوب لأنه قد يكون لا عن كفارة.
الخامس: لو كان عليه كفارتان وله عبدان فأعتقهما ونوى نصف كل واحد منهما عن
كفارة صح لأن كل نصف تحرر عن الكفارة المرادة به وتحرر الباقي عنهما بالسراية، وكذا لو
أعتق نصف عبده عن كفارة معينة صح لأنه ينعتق كله دفعة، أما لو اشترى أباه أو غيره
ممن ينعتق عليه ونوى التكفير قال في المبسوط: يجزي، وفي الخلاف: لا يجزي، وهو أشبه
لأن نية العتق مؤثرة في ملك المعتق لا في ملك غيره فالسراية سابقة على النية فلا يصادف
حصولهما ملكا.
الشرط الثاني: تجريده عن العوض، فلو قال لعبده: أنت حر وعليك كذا، لم يجز عن
189

الكفارة لأنه قصد العوض، ولو قال له قائل: أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا،
فأعتق لم يجز عن الكفارة لأنه قصد العوض وفي وقوع العتق تردد، ولو قيل بوقوعه، هل يلزم
العوض؟ قال الشيخ نعم، وهو حسن، ولو رد المالك العوض بعد قبضه لم يجز عن الكفارة
لأنه لم يجز حال الإعتاق فلم يجز فيما بعده.
الشرط الثالث: أن لا يكون السبب محرما، فلو نكل بعبده بأن قلع عينيه أو قطع رجليه
ونوى التكفير انعتق ولم يجز عن الكفارة.
القول في الصيام:
ويتعين الصوم في المرتبة مع العجز عن العتق، ويتحقق العجز إما بعدم الرقبة أو عدم
ثمنها وإما بعدم التمكن من شرائها وإن وجد الثمن، وقيل: حد العجز عن الإطعام أن
لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة، فلو وجد الرقبة وكان مضطرا إلى
خدمتها أو ثمنها لنفقته وكسوته لم يجب العتق، ولا يباع المسكن ولا ثياب الجسد ويباع
ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن، ولا يباع الخادم على المرتفع عن مباشرة الخدمة
ويباع على من جرت قيل: يلزم بيعه لإمكان الغنى عنه، وكذا قيل في المسكن إذا كان
غاليا وأمكن تحصيل البدل ببعض الثمن، والأشبه أنه لا يباع تمسكا بعموم النهي عن
بيع المسكن.
ومع تحقق العجز عن العتق يلزم في الظهار والقتل خطأ صوم شهرين متتابعين وعلى
المملوك صوم شهر، فإن أفطر في الشهر الأول من غير عذر استأنف وإن كان لعذر بنى،
وإن صام من الثاني ولو يوما أتم، وهل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردد أشبهه عدم الإثم فيه،
والعذر الذي يصح معه البناء: الحيض والنفاس والمرض والإغماء والجنون: أما السفر فإن
اضطر إليه كان عذرا وإلا كان قاطعا للتتابع، ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على
نفسيهما لم ينقطع التتابع، ولو أفطرتا خوفا على الولد قال في المبسوط: ينقطع، وفي الخلاف:
لا ينقطع، وهو أشبه.
190

ولو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع سواء كان إجبارا كمن وجر الماء في حلقه أو
لم يكن كمن ضرب حتى أكل، وهو اختيار الشيخ في الخلاف وفي المبسوط قال بالفرق،
ولو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا يصح صومه عن الكفارة كشهر رمضان والأضحى
بطل التتابع.
القول في الإطعام:
ويتعين الإطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام، ويجب إطعام العدد المعتبر لكل
واحد مد، وقيل: مدان ومع العجز مد، والأشبه الأول، ولا يجزي إعطاء ما دون العدد
المعتبر وإن كان بقدر إطعام العدد، ولا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة مع التمكن
من العدد ويجوز مع التعذر، ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله، ولو أعطى مما يغلب
على قوت البلد جاز، ويستحب أن يضم إليه إداما أعلاه اللحم وأوسطه الخل وأدونه
الملح.
ويجوز أن يعطي العدد متفرقين ومجتمعين إطعاما وتسليما، ويجزي اخراج الحنطة
والشعير والدقيق والخبز، ولا يجزي إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين ولو انفردوا
احتسب الاثنان بواحد، ويستحب الاقتصار على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم
كالأطفال، وفي المبسوط: يصرف إلى من يصرف إليه زكاة الفطر ومن لا يجوز هناك
لا يجوز هنا، والوجه جواز إطعام المسلم الفاسق ولا يجوز إطعام الكافر وكذا الناصب.
مسائل أربع:
الأولى: كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة، فإذا كسا الفقير وجب أن
يعطيه ثوبين مع القدرة ومع العجز ثوبا واحدا، وقيل: يجزي الثوب الواحد مع الاختيار،
وهو أشبه.
الثانية: الإطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين ولو كان قادرا على المدين. ومن
191

فقهائنا من خص المد بحال الضرورة والأول أشبه.
الثالثة: كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين.
الرابعة: من ضرب مملوكه فوق الحد استحب له التكفير بعتقه.
المقصد الرابع: في الأحكام المتعلقة بهذا الباب: وهي مسائل:
الأولى: من وجب عليه شهران متتابعان فإن صام هلالين فقد أجزأه ولو كانا
ناقصين، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا وأكمل الأول
ثلاثين، وقيل: يتم ما فات من الأول، والأول أشبه.
الثانية: العبرة في المرتبة بحال الأداء لا بحال الوجوب، فلو كان قادرا على العتق فعجز
صام ولا يستقر العتق في ذمته.
الثالثة: إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه بل يجب الصبر ولو
كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار، وفي الظهار تردد.
الرابعة: إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العود وإن كان
أفضل، وكذا لو عجز عن الصوم فدخل في الإطعام ثم زال العجز.
الخامسة: لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار قال الشيخ: لا يجزيه لأنه كفر قبل
الوجوب، وهو حسن.
السادسة: لا تدفع الكفارة إلى الطفل لأنه لا أهلية له وتدفع إلى وليه.
السابعة: لا تصرف الكفارة إلى من يجب نفقته على الدافع كالأب والأم والأولاد
والزوجة والمملوك لأنهم أغنياء بالدافع وتدفع إلى من سواهم وإن كانوا أقارب.
الثامنة: إذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس سواء كفر بالإعتاق
أو بالصيام أو بالإطعام.
التاسعة: إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد ولا يجوز أن يكفر بنصفين من
جنسين.
192

العاشرة: لا يجزي دفع القيمة في الكفارة لاشتغال الذمة بالخصال لا بقيمتها.
الحادية عشرة: قال الشيخ: من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين
متتابعين من الأشهر الحرم وإن دخل فيهما العيد وأيام للتشريق، وهي رواية زرارة
والمشهور عموم المنع.
الثانية عشرة: كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما
فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام فإن لم يستطع استغفر الله تعالى ولا شئ
عليه.
193

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
195

كتاب الأيمان:
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: ما به ينعقد:
ولا ينعقد إلا بالله وبأسمائه الخاصة. وما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق والبارئ
دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود. ولا ينعقد لو قال: أقسم أو أحلف حتى يقول بالله.
ولو قال: لعمر الله كان يمينا، ولا كذا لو قال: وحق الله.
ولا ينعقد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة ولا بالمصحف.
وينعقد لو قال: حلفت برب المصحف. ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو حلف بالبراءة من
الله أو رسوله أو الأئمة لم يكن يمينا، والاستثناء بالمشيئة في اليمين يمنعها الانعقاد إذا اتصل
بما جرت العادة. ولو تراخي عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين وسقط الاستثناء إلى
أربعين يوما وهي متروكة.
الثاني: الحالف: ويعتبر فيه البلوغ والتكليف والاختيار والقصد. فلو حلف عن غير نية
كانت لغوا، ولو كان اللفظ صريحا. ولا يمين للسكران ولا المكره ولا الغضبان إلا أن يكون
لأحدهم قصد إلى اليمين. وتصح اليمين من الكافر، وفي الخلاف لا يصح.
ولا ينعقد يمين الولد مع الوالد إلا باذنه. ولو بادر كان للوالد حلها أن لم تكن في واجب
أو ترك محرم. وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه.
197

الثالث: في متعلق اليمين:
ولا يمين إلا مع العلم. ولا يجب بالغموس كفارة. وتنعقد لو حلف على فعل واجب
أو مندوب أو على ترك محرم أو مكروه. ولا ينعقد لو حلف على ترك فعل واجب أو مندوب
أو فعل محرم أو مكروه. ولو حلف على مباح وكان الأولى مخالفته في دينه أو دنياه فليأت لما هو
خير له ولا إثم ولا كفارة. وإذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى
اليمين.
ولو حلف لزوجته ألا يتزوج أو يتسرى لم تنعقد يمينه وكذا لو حلفت هي أن لا تتزوج
بعده. وكذا لو حلفت أن لا تخرج معه.
ولا تنعقد لو قال لغيره: والله لتفعلن. ولا يلزم أحدهما. وكذا لو حلف لغريمه على
الإقامة بالبلد وخشي مع الإقامة الضرر، وكذا لو حلف ليضربن عبده فالعفو أفضل ولا إثم
ولا كفارة.
ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين. ولو حلف على تخليص مؤمن أو دفع أذية لم يأثم ولو كان كاذبا وإن أحسن التورية ورى
ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فتنازعه الوارث على تسليم الثمن
حلف ولا إثم. ويوري بما يخرجه عن الكذب وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد التخلص
من ظالم، لم يأثم ولم يتحرروا. ويكره الحلف على القليل وإن كان صادقا.
مسألتان:
الأولى: روى ابن عطية في من حلف ألا يشرب من لبن عنزة له ولا يأكل من لحمها
أنه يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم لأنهم منها، وفي الرواية ضعف. وقال في النهاية: أن شرب
لحاجة لم يكن عليه شئ والتقييد حسن.
الثانية: روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع في رجل أعجبته جارية عمته
فخاف الإثم فحلف بالأيمان ألا يمسها أبدا، فورث الجارية أ عليه جناح أن يطأها؟ فقال: إنما
حلف على الحرام ولعل الله رحمه فورثه إياها لما علم من عفته.
198

كتاب النذور والعهود:
والنظر في أمور أربعة:
الأول: الناذر:
ويعتبر فيه التكليف والإسلام والقصد ويشترط في نذر المرأة أذن الزوج. وكذا نذر
المملوك، فلو بادر أحدهما كان للزوج والمالك فسخه ما لم يكن فعل واجب أو ترك محرم.
ولا ينعقد في سكر يرفع القصد ولا غضب كذلك.
الثاني: الصيغة:
وهي أن تكون شكرا كقوله: إن رزقت ولدا فلله علي كذا. أو استدفاعا، كقوله: أن
برئ المريض فلله علي كذا، أو زجرا كقوله: إن فعلت كذا من المحرمات أو إن لم أفعل
كذا من الطاعات فلله علي كذا. أو تبرعا كقوله: لله علي كذا. ولا ريب في انعقاده مع
الشرط. وفي انعقاد التبرع قولان، أشبههما: الانعقاد.
ويشترط النطق بلفظ الجلالة، فلو قال علي كذا لم يلزم، ولو اعتقد أنه إن كان كذا فلله
عليه كذا ولم يتلفظ بالجلالة، فقولان، أشبههما: أنه لا ينعقد، وإن كان الإتيان به أفضل.
وصيغة العهد أن يقول: عاهدت الله متى كان كذا فعلى كذا. وينعقد نطقا. وفي انعقاده
اعتقادا قولان أشبههما: أنه لا ينعقد. ويشترط فيه القصد كالنذر.
199

الثالث: في متعلق النذر:
وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر ولا ينعقد مع العجز، ويسقط لو تجدد العجز.
والسبب إذا كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم. ولو كان زجرا لم يلزم. وبالعكس لو كان
السبب معصية.
ولا ينعقد لو قال: لله علي نذر واقتصر به وينعقد لو قال: علي قربة، ويبر بفعل قربة،
ولو صوم يوم أو صلاة ركعتين. ولو نذر صوم حين صام ستة أشهر. ولو قال: زمانا، صام خمسة
أشهر.
ولو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهما. ولو نذر عتق كل عبد قديم أعتق من كان
له في ملكه ستة أشهر فصاعدا، هذا إذا لم ينو شيئا غيره. ومن نذر في سبيل الله صرفه في
البر. ولو نذر الصدقة بما يملك لزم، فإن شق قومه وأخرج شيئا فشيئا حتى يوفي.
الرابع: اللواحق: وهي مسائل:
الأولى: لو نذر يوما معينا فاتفق له السفر أفطر وقضاه. وكذا لو مرض أو حاضت
المرأة أو نفست. ولو شرط صومه سفرا وحضرا صام وأن اتفق في السفر. ولو اتفق يوم عيد
أفطر، وفي القضاء تردد. ولو عجز عن صومه أصلا قيل: يسقط. وفي رواية يتصدق عنه بمد.
الثانية: ما لم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا. وما قيد بوقت يلزم فيه ولو أخل لزمته
الكفارة. وما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان فقولان، أحدهما: يتضيق فعله عند الشرط،
والأخير: لا يتضيق، وهو أشبه.
الثالثة: من نذر الصدقة في مكان معين أو الصوم والصلاة في وقت معين لزم، فإن
فعل ذلك في غيره أعاد.
الرابعة: لو نذر: إن برأ مريضه أو قدم مسافره فبان البرء والقدوم قبل النذر لم يلزم، ولو كان
بعده لزم.
الخامسة: من نذر إن رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات، حج به أو عنه من أصل
التركة.
200

السادسة: من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة
الحاج والزائرين.
السابعة: روى إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم ع في رجل كانت عليه
حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج
فغلامي حر، فبدأ بالنكاح.
فقال: تحرر الغلام) وفيه إشكال إلا أن يكون نذرا.
الثامنة: روى رفاعة عن أبي عبد الله ع في رجل نذر الحج ولم يكن له مال
فحج عن غيره أ يجزئ عن نذره؟ قال: نعم، وفيه إشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.
التاسعة: قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه
وهو استنادا إلى رواية مرسلة.
العاشرة: العهد كاليمين يلزم حيث تلزم. ولو تعلق بما الأعود مخالفته دينا أو دنيا خالف
إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.
201

الكفارات، وفيه مقصدان:
الأول: في حصرها: وتنقسم إلى مرتبة ومخيرة، وما يجتمع الأمران، وكفارة الجمع.
فالمرتبة: كفارة الظهار: وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم
يستطع فإطعام ستين مسكينا ومثلها كفارة قتل الخطأ.
وكفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامدا إطعام عشرة مساكين،
فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات.
والمخيرة: كفارة شهر رمضان، وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا. ومثله كفارة من أفطر يوما منذورا على التعيين، وكفارة خلف العهد على
التردد. أما كفارة خلف النذر ففيه قولان. أشبههما: أنه لصغيرة.
وما فيه الأمران: كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن
لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات.
وكفارة الجمع: كقتل المؤمن عمدا عدوانا، وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين
وإطعام ستين مسكينا.
مسائل ثلاث:
الأولى: قيل من حلف بالبراءة لزمه كفارة ظهار. ومن وطئ في الحيض عامدا لزمه
دينار في أوله ونصف في وسطه وربع في آخره. ومن تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر
202

بخمسة أصواع من دقيق. ومن نام عن العشاء الآخرة حتى جاوز نصف الليل أصبح
صائما. والاستحباب في الكل أشبه.
الثانية: في جز المرأة شعر رأسها في المصاب كفارة شهر رمضان، وقيل كفارة مرتبة،
وفي نتفه في المصاب كفارة يمين. وكذا في خدش وجهها. وكذا في شق الرجل ثوبه بموت
ولده أو زوجته.
الثالثة: من نذر صوم يوم فعجز عنه، تصدق عنه بالطعام المسكين مدين من طعام. فإن
عجز عنه، تصدق بما استطاع. فإن عجز استغفر الله.
المقصد الثاني: في خصال الكفارة:
وهي العتق والإطعام والكسوة والصيام.
أما العتق: فيتعين على الواحد في المرتبة. ويتحقق ذلك بملك الرقبة أو الثمن مع
إمكان الابتياع. ولا بد من كونها مؤمنة أو مسلمة، وأن تكون سليمة من العيوب التي تعتق
بها. وهل يجزئ المدبر؟ قال في " النهاية ": لا، وفي غيرها بالجواز وهو أشبه. ويجزئ الآبق
ما لم يعلم موته، وأم الولد.
وأما الصيام: فيتعين مع العجز عن العتق في المرتبة. ولا تباع ثياب البدن،
ولا المسكن في الكفارة، إذا كان قدر الكفاية، ولا الخادم.
ويلزم الحر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار صوم شهرين متتابعين، والمملوك صوم شهر.
فإذا صام الحر شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما أتم. ولو أفطر قبل ذلك أعاد إلا لعذر
كالحيض، والنفاس، والإغماء، والمرض، والجنون.
وأما الإطعام: فيتعين في المرتبة مع العجز عن الصيام. ويجب إطعام العدد لكل واحد
مد من طعام، وقيل مدان مع القدرة ولا يجزئ إعطاؤه لما دون العدد. ولا يجوز التكرار من
الكفارة الواحدة مع التمكن، ويجوز مع التعذر.
ويطعم ما يغلب على قوته، ويستحب أن يضم إليه أدما أعلاه اللحم، وأوسطه الخل،
وأدناه الملح. ولا يجزئ إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين. ولو انفردوا احتسب
203

الاثنان بواحد.
مسائل:
الأولى: كسوة الفقير ثوبان مع القدرة. وفي رواية يجزئ الثوب الواحد وهو أشبه.
وكفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين.
الثانية: من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثم تمكن من العتق لم يلزمه العود وإن
كان أفضل.
الثالثة: كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما. فإن
لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله سبحانه.
الرابعة: يشترط في المكفر البلوغ، وكمال العقل، والإيمان، ونية القربة، والتعيين.
204

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
205

كتاب الأيمان والكفارات:
لا ينعقد يمين الصبي والمعتوه والنائم والسكران والمكره والناسي واللاغي وهو أن
يسبق لسانه كأن يقول: لا والله، ثم يستدرك ب‍: بلى والله، أو يريد اليمين على شئ فسبق
لسانه إلى غيره ولا على الماضي فإن كذب فعليه الإثم الكبير فقط ولا على مالا يطيقه
كصعود السماء ولا على أن يفعل قبيحا أو يترك واجبا ويأثم باليمين ويجب حلها ولا
كفارة ولا على أن يفعل مكروها أو يترك ندبا.
فإن حلف على مباح وفعله أولى أو يساوى فعله وتركه فلم يفعله حنث، أو على تركه وتركه
أولى أو يساوى فعله وتركه فلم يتركه حنث، فإن حلف على فعله وترك أولى أو على تركه
وفعله أولى خالف ولا كفارة، فإن حلف على فعل الواجب أو الندب أو ترك القبيح والمكروه
انعقدت يمينه فإن حنث فعليه الكفارة، فإن خالف مكرها أو ناسيا لم يحنث، ولا يمين بقوله:
هو يهودي أو برئ من الدين أو زوجته طالق أو عبده حر أو يمين البيعة تلزمه أو حلاله حرام، أو
حلف غيره فقال: يميني في يمينه، أو حلف على غيره لم يكن لذلك حكم، وروي في البراءة إن
كذب كفارة ظهار وروي كفارة يمين.
ولا يمين إلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته الخاصة كالرحمن وبارئ النسم وخالق
الخلق، فإن حلف بالحي أو الموجود لم يكن يمينا، وإن حلف بالكعبة والنبي ع
والمسجد أتم ولم ينعقد يمينه وكذلك سائر المخلوقات، فإن قال: أقسمت أو أقسم أو أعزم أو
أحلف، فقط لم يكن يمينا فإن قال: أقسم بالله أو أقسمت بالله، كان يمينا إن نوى يمينا في الحال
207

وإن قال: لعمر الله، كان يمينا.
فإن قال: علي عهد الله، كان نذرا لا يمينا فإن قال: بالله لأفعلن، وأراد بالله أستعين لم
يكن يمينا فإن قال: والله وبالله، كان يمينا فإن قال: علي كفالة الله أو أمانة الله، لم يكن نذرا
ولا يمينا. والاستثناء بمشيئة الله في اليمين يحلها ولا حنث فيها ويدخل في الإقرار والعتق
والطلاق ولا يجب ذلك في اليمين، وقيل: يجب لقوله تعالى: ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك
غدا إلا أن يشاء الله، ولا يكون له حكم حتى يتصل، فإن انقطع لانقطاع نفس أو سعال
عرض له فبحكم المتصل وإنما يصح بالنطق والاعتقاد معا.
فإن حلف ليضربن عبده مائة سوط فضربه بعذق فيه مائة شمراخ برئ، وإن حلف
ليؤدبن عبده فعفا فلا بأس لأنه أقرب للتقوى، وإن حلف على غيره ليفعل فلم يفعل أو أن
لا يفعل ففعل لم يكن على الحالف والمحلوف عليه كفارة وإذ حلف علانية أو سرا استثني كذلك.
ولا يحلف الحاكم الخصم إلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته الخاصة، ولا يحلفه بمحدث
كالقرآن والنبي والتوراة وشبهها ولا بطلاق وعتق وحرام، والنية فيها نية المظلوم من
الخصمين دون الظالم، ويستحب له أن يتجنب اليمين على القليل وما لا يضره تحمله طائلا
والإحلاف عليه ولا يمين لعبد مع سيده ولا لامرأة مع زوجها ولا لولد مع والده في غير واجب
وترك قبيح ولا حنث عليهم فيه.
وإن حلف يمينا قصد بها خلاص نفسه أو ماله أو غيره من ظالم وورى في يمينه أجر
ولا كفارة عليه، وكذلك لو خاف أن يحبسه الغريم وهو معسر وجحد وحلف وورى وانطوى
على الأداء مع المكنة ولا شئ عليه، وكذلك إن وهب له والده أو تصدق عليه في مرضه وخاف
قاضي جور يفسده فكتب به كتاب شراء وقنع الورثة منه باليمين على الشراء وتقبيض
الثمن حلف وورى إن أمكنه ولا بأس عليه.
وإن حلف على ترك المباحات كاللبس والأكل والشرى والتزويج على زوجته لم يلزمه
منه ذلك وليفعل ولا كفارة عليه، ولو حلفت أن لا تتزوج بعده لم يلزمها، ولو حلف أن
لا يشترى لأهله شيئا أو لا يشرب من لبن هذه الشاة أو لا يأكل من لحمها وكان الأولى أن
يفعل فعل ولا كفارة، ولو حلف عند الحاكم على مال مسلم أو ذمي دين أو عين كاذبا
208

انغمس في الذنب ولا كفارة، ويصح يمين الكافر ويجب عليه الكفارة بالحنث سواء حنث
في حال كفره أو بعد إسلامه، ولا يصح منه التكفير حال كفره ولا يتعلق الكفارة إلا
بالحنث، فإن قدمها عليه لم تجزه وعليه الإعادة وكذلك لو جرح مسلما أو صيدا وهو محرم
وكفر قبل موتيهما لم يجزه.
كفارة اليمين:
وكفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا في ذلك، فإن لم يجد
(وحده أن لا يفضل عن قوته وقوت عياله ليومه وليلته) ما يكفر به ولا يعد دار سكناه
وخادمه في ذلك، والكسوة في ذلك ثوبان أو ثوب والإطعام لمسكين مد أو مدان من أوسط
ما يطعم أهله، فإن كسى خمسة وأطعم خمسة أتم أحدهما، ويجوز أن يجمعهم ويطعمهم ذلك في
وقت واحد ويستحب أن يؤدم بلحم أو خل أو ملح.
والمسكين هو المحتاج وهو مؤمن أو بحكمه فإن تعذر فمستضعف المخالف، ولا يطعم
الناصب ولا أهل الذمة، فإن كانوا صبيانا حسب كل اثنين بواحد فإن كان فيهم صبي
فلا بأس، فإن كرر على الواحد عشرا في عشرة أيام لم يجز، فإن تعذر فروي جوازه،
والصوم ثلاثة أيام متوالية فإن فرق استأنف، ولا يعتق من عتق عليه كالأعمى والأجذم
والمقعد ومن نكل به، ويجزئ الأعور والأشل والمريض والأقطع والمدبر بعد نقض تدبيره وأم
الولد والخصي والمجبوب، والثوب يواري الجسد ولا يجزئ خف وقلنسوة وقيل يجزئ
السراويل وقيل لا يجزئ.
بقية الكفارات:
ومن نذر صوم يوم فعجز عنه تصدق بمدين من طعام على مسكين وأجزأه، ومن تزوج امرأة لها
زوج أو في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصوع دقيقا، ومن نام متعمدا عن صلاة العشاء
الآخرة حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما.
ولا يجوز للرجل شق ثوبه بموت ولده وزوجته فإن فعل فعليه التوبة وكفارة يمين، وفي
209

جز المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا،
وكذلك في قتل عبده عمدا وروي في قتل عبده أيضا بالواو، وفي لطم المرأة خدها حتى تدميه
كفارة يمين، وفي نتف المرأة شعرها كفارة يمين، وفي لطم خدها بلا إدماء التوبة، فلا بأس بشق
الانسان ثوبه لموت أخيه ووالديه وقريبه والمرأة لموت زوجها.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة فانتقل إلى الصوم ثم وجد الرقبة بنى على صومه
والأفضل الإعتاق، فإن تجاوز بضرب مملوكه الحد فكفارته إعتاقه، وكفارة الحالف بأبيه قول:
أشهد أن لا إله إلا الله، والعبد ليس عليه في الكفارة سوى الصوم ففي كفارة اليمين ثلاثة
أيام وفي الظهار شهر واحد، فإن كفر بالمال بإذن المولى أجزأه.
ويكره أن يشترى المكفر ما كفر به أو يستوهبه ويجوز أن يعطي الزوجة زوجها من
الكفارة، ولا يعطى العبد من الكفارة والمدبر وأم الولد والمعتق نصفه ولا غنى، فإن أعطى
المكفر على الظاهر فبان أنه كافر أو عبد أو غنى فلا إعادة عليه، ويجزئ في الكفارة غالب
القوت من الحنطة أو الشعير أو الذرة أو الدهن أو اللبن أو الأقط أو اللحم، والحب والدقيق
والخبز سواء.
ويجب النية في الكفارة حين الإخراج، وإن كان عليه كفارتان من جنس ككفارتي يمين
فأعتق رقبتين أو واحدة عن إحداهما أو أطعم عن إحداهما معينا ومبهما إذا كانتا جنسين
كحنث وظهار أجزأه، ومن كفر عنه غيره في حياته باذنه أو غير إذنه بالمال أجزأه، وإذا مات
وعليه كفارة مرتبة أعتق من تركته، فإن لم يخلف ما يسعها كفر بالصوم عنه وليه، فإن كانت
مخيرة فللوارث أن يعتق أو يطعم من مال الميت، فإن اختار الصوم كان المال ميراثا، ويعتبر
حال من وجبت الكفارة وقت الإخراج في عسر أو يسر، فإن اشترى من يعتق عليه بنية
الكفارة لم يجزه وقيل يجزيه.
وإذا حنث من نصفه حر ونصفه عبد وكان موسرا بما فيه من الحرية صح تكفيره
بالعتق والإطعام والكسوة ولا يصح منه الصيام، وإذا حلف العبد بإذن سيده وحنث باذنه
لم يجز منعه من الصوم، وإن كانا بغير إذنه فله منعه، وإن حلف باذنه وحنث بغير إذنه
فكذلك، وإن حلف بغير إذنه وحنث باذنه فليس له منعه لأن التكفير يجب بالحنث، وإذا
210

منعه في ماله منعه ففعل لم يقع موقعه وكذا الحج تطوعا، وإن صام في زمان الشتاء ونحوه فله
منعه وعند قوم لا يمنعه.
باب جامع في الأيمان:
إذا كان في دار فحلف لا يسكنها فخرج عقيب اليمين، فإن رجع أو أقام لإخراج متاعه
أو خرج بنفسه دون ماله وعياله لم يحنث، فإن أقام عقيب يمينه مدة يمكنه الخروج منها حنث،
فإن حلف لا يدخلها فصعد سطحها لم يحنث، فإن كان فيها لم يحنث باستدامة قعوده
فيها، فإن حلف لا يدخل بيتا فدخل بيت شعر أو حجر أو مدر حنث.
فإن حلف ألا يأكل من طعام شراه زيد فاشتراه مع عمرو لم يحنث، ولو اقتسماه فأكل
من نصيب زيد لم يحنث، فإن اشترى زيد ثم اشترى عمرو فردين ثم خلطاه، فإن أكل أكثر
من النصف حنث، فإن حلف: لا أدخل دار زيد أو لا أتكلم عبد عمرو أو زوجة جعفر أو
لا أمس جارية محمد، فخرج ذلك إلى صاحب آخر لم يحنث، فإن حلف: لا أدخل هذه الدار،
فخربت فصارت براحا ودخلها لم يحنث وكذلك لو جعلها حماما أو بستانا، ولو حلف:
لا ألبس ثوبا من غزل فلانة أو نساجة فلان، فباعه واشترى به ثوبا غيره لم يحنث بلبسه.
فإن قال: لا شربت له ماءا من عطش عند ما من عليه، فأكل من طعامه أو لبس من
ثيابه لم يحنث، وإذا حلف: لا أدخل دار زيد، فإن كان ساكنها بأجرة لم يحنث، وإذا دخل الدار
المحلوف عليها أو كلم المحلوف على أن لا يكلمه ناسيا أو مكرها أو جاهلا لم يحنث، فإن
حلف: لا دخلت على زيد داره، فدخلها وهو وغيره فيها وهو لا يعرفه لم يحنث، فإن استثناه
بقلبه بأن قصد الدخول على عمرو دونه حنث، فإن حلف أن لا يسلم على زيد فسلم على
جماعة هو فيهم واستثناه بقلبه لم يحنث لأن السلام لفظ عام يتخصص بالقصد والفعل
واحد لا يصح تخصيصه.
فإن حلف: لا دخلت على زيد بيتا، فدخل زيد عليه في بيت لم يحنث، فإن حلف ليأكلن
هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث، فإن هلك لا من جهته في اليوم لم يحنث، فإن
هلك كذلك في الغد بعد مضى زمان يمكن فيه الأكل حنث وقبله لم يحنث، فإن حلف لا أكلمه
211

عن قرب أو بعد أو حقب فلا حد له، فإن حلف: لا اشتريت أو لا ضربت، فأمر من فعلهما لم
يحنث، فإن حلف لا أكل الرغيفين فأكل أحدهما لم يحنث، فإن حلف: لا أدخل الدار، فأدخل
رجله لم يحنث، وإن حلف ليدخلنها فأدخل رجله لم يبر فإن حلف: لا شربت من دجلة،
فشرب منها كرعا أو بإناء أو بيده حنث والكارع شارب من فيه كالقدح.
فإن حلف لأفارقه دون أخذ حقه فإن كان عليه دراهم فأخذ عنها ثوبا أو دينارا حنث،
وإذا حلف لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس العصافير والسمك لم يحنث وقيل يحنث، فإن
حنث لا يأكل لحما فأكل كبدا أو قلبا أو سمكا أو ألية لم يحنث، فإن حلف لا ذاق فأخذ بفيه
ومضغ ولفظه حنث، فإن حلف: لا آكل من هذه الحنطة، فجعلها سويقا أو دقيقا فأكل منه لم
يحنث، فإن حلف على الدقيق فخبزه لم يحنث، فإن حلف على الشحم فأكل الألية أو لحما لم
يحنث، وإذا حلف على الرطب أو البسر فأكل المصنف حنث، فإن حلف على اللبن فأكل
الزبد أو السمن لم يحنث، فإن حلف لا كلم زيدا فسلم عليه حنث، فإن أرسل إليه رسولا
أو أومأ إليه إيماء بيده أو عينه لم يحنث.
وإذا حلف لا وهب له فتصدق عليه أو بالعكس أو أهدي إليه حنث، فإن حلف لا ركب
دابة العبد فركبها لم يحنث، فإن حلف: لا استخدمه، فخدمه من عند نفسه لم يحنث، فإن
حلف على الفاكهة فأكل العنب أو الرمان أو الرطب حنث، فإن حلف لا شم الورد فشم
دهنه لم يحنث، فإن حلف لا ضربه فعضه لم يحنث، وإذا حلف لا أكل أدما فأكل لحما مشويا أو
مطبوخا حنث.
فإن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث، وإذا حلف: لا بعت عبدي أو لا وهبته،
فأوجب ولم يقبل الآخر لم يحنث، وإذا حلف لا دخل هذه الدار فانهدمت ثم أعيدت بآلتها
فدخلها حنث وقيل لا يحنث، وإن بنيت بغير تلك الآلة لم يحنث، وإذا حلف لا يتسرى فأخذ
أمة وخدرها ووطأها حنث، فإن حلف لا آكل هذه التمرة فوقعت على تمر كثير أكله إلا
واحدة لم يحنث.
212

باب النذور والعهود:
لا يصح النذر إلا في طاعة تماثل ما يعبد الله به في الشريعة المحمدية أو ترك قبيح أو
مكروه، فإن جعل الشرط بلوغ قبيح كأن يقول: إن زنيت بفلانة فلله علي كذا، على سبيل
الشكر بالظفر لم يصح النذر وهو مأثوم وإن قصد بذلك الامتناع منه صح، فإن جعل
الشرط فعلا مباحا أو طاعة أو دفع مضرة أو اجتلاب نفع صح.
ولا يصح نذر القبيح والمكروه وترك الواجب والمباح. ولا ينعقد إلا بقوله: لله علي
كذا، أو علي كذا لله مطلقا ومشروطا، فإن لم يقل لله كان بالخيار والوفاء أفضل، فإن تجرد
عن النية لم يصح، فإن قال: علي عهد الله أو ميثاقه أو عاهدت الله أن أفعل كذا من طاعة
أو ترك قبيح أو مكروه، كان نذرا.
فإن ذكر في النذر صلاة أو صدقة أو صوما معينا أو في مسجد معين أو على شخص معين
أو في وقت معين لم يجزه غيره وعليه الإعادة، فإن أخل بما نذره عمدا مع تمكنه منه، فإن كان له
وقت معين فخرج فعليه مثل كفارة إفطار شهر رمضان فإن لم يقدر فكفارة يمين، فإن لم يكن
له وقت معين فمتى فعله أجزأه، ويحنث لآخر جزء من حياته ويكفر من أصل ماله.
فإن نذر التصدق بجميع ماله وخاف ضرر ذلك على نفسه قومه على نفسه وأثبته
وأخرج شيئا شيئا حتى يوفي، وإن نذر فعل طاعة في مسجد معين وجب أن يسافر إليه، فإن كان
المسجد الحرام وجب أن يدخل حاجا أو معتمرا، فإن نذر المشي إليه وجب ذلك إلا لعجز
فليركب فإن ركب من غير عجز عاد فركب ما مشى وبالعكس، فإن نذر المشي إليه لا لحج
ولا لعمرة ولا عبادة فلا شئ عليه، فإن نذر المشي إلى مسجد النبي
ص أو قبور الأئمة ع أو المسجد الأقصى وجب الوفاء به، وإن نذر نحر بدنة
أو ذبح بقرة في بلد عينه كالبصرة والكوفة وجب فيها، فإن أطلق فبمكة وبفناء الكعبة منها
أفضل وروي بمنى، وإن نذر إهداء الطعام أو العصفور أو الدجاج إلى البيت أو منى لم
يصح، فإن نذر من الأنعام صح.
فإن نذرت المرأة والرجل صوم أيام معينة فحاضت أو نفست فيها أو سافر أو مرض
أو وافق يوم عيد أفطرا وقضيا، وقيل: إن وافق العيد لم يقضيا، فإن مرضا في خلال الزمان
213

المشروط تتابعه أو حاضت أو نفست أتماه بعد الطهر والبرء ولم يستأنفا ويستأنفان لسفر
القصر، وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق شهر رمضان أجزء عن شهر رمضان ولم يقع عن
النذر وإن نواه عنه.
وكفارة نقض العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، فإن
نذر صوما مطلقا صام يوما، وإن نذر صلاة صلى ركعتين وقيل واحدة، وإن قال: أيمان البيعة
تلزمني، لم تلزمه سواء نوى البيعة التي كانت على عهد رسول الله ص من
المصافحة وبعده إلى أيام الحجاج أو ما حدث في أيامه من اليمين بالعتق والطلاق
وغيرهما.
فإن نذر ذبح ولده فنذره باطل، وروي أنه يذبح كبشا يتصدق به على المساكين، ولا نذر
في معصية ولا في ما لا يملك، فإن نذر فعل قربة إن برئ ولده أو حاضت أمته الغائبان، فإن
بلغه حصول الشرط قبل النذر لم يلزمه فإن حصل بعده لزمه، فإن نذر إن تزوج قبل
الحج فعليه كذا فتزوج قبل الحج لزمه ذلك وإن كان الحج ندبا، فإن نذر التصدق بمال كثير
تصدق ثمانين درهما، ومن نذر جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو مشهد من
مشاهد الأئمة ع باع ذلك وصرف ثمنه في مصالح البيت والمشهد ومعونة
الحاج والزوار ممن يعرف، فإن قال: لله على نذر ولم يسمه لم يصح وإذا قال: لله على إن
كلمت أبي أو أخي، أو تقول المرأة: إن خرجت مع زوجي أو إن تزوجت المتعة فعلى كذا لم
يصح النذر، ومن نذر الحج ولم يكن معه مال فحج عن غيره أجزء عنه.
وروي عن أمير المؤمنين ع في من حلف أن يزن الفيل: أنه أمر بقرقور فيه
قصب فأخرج منه بعضه ثم علم صبغ الماء بقدر ما عرف قبل اخراج القصب ثم وضع
الفيل فيه حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء أولا ثم وزن القصب الذي
أخرج فعرف وزن الفيل، وفي مقيد حلف ألا يقوم من موضعه حتى يعرف وزن قيده، فوضع
رجله في إجانة فيها ماء فعرف قدره مع وضعها فيه ثم رفعها فيه ثم رفعه إلى ركبتيه ثم عرف
مقدار صبغه، ثم ألقي في الماء زبر الحديد حتى رجع الماء إلى قدر ما كان من القيد في الماء
فنظر: كم وزن الذي ألقي في الماء، فقال: هذا وزن قيدك.
214

وإذا نذر صيام أول يوم من شهر رمضان لم يصح نذره لأنه لا يمكن أن يقع فيه غيره،
وإذا وجب عليه صوم يوم معين من كل شهر بالنذر أبدا ووقع ما تجب به عليه كفارة صوم
شهرين متتابعين انتقل إلى الإطعام ولم يصح منه التكفير بالصيام لأنه يتمكن من التتابع،
وإن نذر صوم عشرة أيام جاز متتابعا ومتفرقا.
فإن نذر الحج ماشيا فأفسده وجب إتمامه ماشيا، فإن نذر صوم سنة معينة صامها إلا
يومي العيدين وأيام رمضان لتعين صومه وأيام التشريق بمنى لأنها
مستثناة ولا قضاء عليه، وإن لم يكن معينة وشرط التتابع وجب، فإن أفطر بغير عذر
استأنف وإن أفطر لعذر لم ينقطع التتابع، وكل عدة بين هلالين شهر، فإن نذر صوم يوم العيد
لم يصح نذره ولا قضاء عليه، فإن نذر الحج هذا العام فمنعه ظالم سقط ولا قضاء
عليه، وإن وجد الاستطاعة لحجة الاسلام فمنعه ظالم لم يجب عليه الحج في القابل إلا أن
يبقى على استطاعته إليه، فإن نذر صوم يوم يقدم فلان أبدا لم يصح في يوم قدومه ويصح في
مثله في ما بعد أبدا، فإن أهل شهر رمضان صام عنه وإن صامه عن النذر وقع عن
شهر رمضان.
215

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
217

كتاب الأيمان وتوابعها:
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: في الأيمان: وفيه فصول:
الفصل الأول: في حقيقتها:
اليمين عبارة عن تحقيق ما يمكن فيه الخلاف، بذكر اسم الله تعالى أو صفاته
، وإنما ينعقد بالله تعالى كقوله: ومقلب القلوب والذي نفسي بيده. والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة، أو بأسمائه المختصة به كقوله: والله والرحمن والقديم والأزلي
والأول الذي ليس قبله شئ، أو بأسمائه التي ينصرف إطلاقها إليه وإن أمكن
فيها المشاركة كقوله: والرب والخالق والرازق، وكل ذلك ينعقد به مع القصد لا
بدونه، ولا ينعقد بما لا ينصرف الإطلاق إليه كالموجود والحي والسميع والبصير،
وإن نوى بها الحلف لسقوط الحرمة بالمشاركة.
ولو قال: وقدرة الله أو علم الله، فإن قصد المعاني لم تنعقد، وإن قصد كونه
قادرا عالما انعقدت، ولو قال: وجلال الله وعظمة الله وكبرياء الله ولعمر الله،
أو أقسم بالله وأحلف بالله، أو أقسمت بالله أو أحلفت بالله أو أشهد بالله، انعقدت
ولو قال: أقسم أو أحلف أو أقسمت أو أحلفت أو أشهد مجردا، أو قال: وحق الله
على الأقوى، أو أعزم بالله أو أحلف بالطلاق أو بالعتاق أو التحريم أو الظهار أو
219

بالمخلوقات المشرفة كالنبي والأئمة ع، أو الكعبة أو القرآن، أو حلف
بالأبوين أو بشئ من الكواكب أو بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو أحد
الأئمة ع على رأي، أو قال: هو يهودي أو مشرك أو عبدي حر إن كان
كذا أو أيمان البيعة تلزمني، لم ينعقد.
وحروف القسم الباء والتاء والواو، ولو خفض ونوى من دون حرف انعقد،
وكذا لو قال: ها الله أو أيمن الله أو أيم الله أو من الله أو م الله، ولو قال في
أقسمت أو أقسم: أردت الإخبار أو العزم، قبل منه.
والاستثناء بمشيئة الله تعالى توقف اليمين بشرطين: الاتصال والنطق، فإذا
اتصل أو انفصل بما جرت العادة به، كالتنفس والسعال أثر، ولو تراخي عن ذلك
لم يؤثر وكان لاغيا، وكذا يقع لاغيا لو نواه من غير نطق به، ولا بد من القصد
للاستثناء حالة إيقاعه لا حالة اليمين، فلو قصد الجزم وسبق لسانه إلى الاستثناء من
غير قصد إليه كان لاغيا، ولو لم ينو حالة اليمين بل حين فراغه منها وقت نطقه به
أثر.
ويصح الاستثناء بالمشيئة في كل الأيمان المنعقدة فيوقفها، ولو: قال لأشربن
اليوم إلا إلا أن يشاء الله، أو لا أشرب إلا أن يشاء الله، لم يحنث بالشرب ولا تركه
كما في الإثبات، ولا فرق بين تقديم الاستثناء مثل: والله إن شاء الله لا أشرب
اليوم، وبين تأخيره، وضابط التعليق بمشيئة الله أن المحلوف عليه إن كان واجبا
أو مندوبا انعقدت وإلا فلا.
ولو قال: والله لأشربن اليوم إن شاء زيد، فشاء زيد لزمه الشرب، فإن تركه
حتى مضى اليوم حنث، وإن لم يشأ زيد لم يلزمه يمين وكذا لو لم يعلم مشيئته بموت
أو جنون أو غيبة، ولو قال: والله لا أشرب إلا أن يشاء زيد، فقد منع نفسه
الشرب إلا أن توجد مشيئة زيد، فإن شاء فله الشرب وإن لم يشأ لم يشرب، وإن
جهلت مشيئته لغيبة أو موت أو جنون لم يشرب، وإن شرب حنث لأنه منع نفسه
220

إلا أن توجد المشيئة فليس له الشرب قبل وجودها، ولو قال: والله لأشربن إلا أن
يشاء زيد، فقد ألزم نفسه الشرب إلا أن يشاء زيد أن لا يشرب، لأن الاستثناء
والمستثنى منه متضادان، والمستثنى منه إيجاب لشربه بيمينه، فإن شرب قبل مشيئة
زيد بر.
وإن قال زيد: قد شئت أن لا تشرب، انحلت لأنها معلقة بعدم مشيئته لترك
الشرب ولم تنعدم، فلم يوجد شرطها، وإن قال: قد شئت أن تشرب أو ما شئت
ألا تشرب، لم تنحل لأن هذه المشيئة غير المستثناة، فإن خفيت مشيئته لزمه الشرب
لأنه علق الشرب بعدم المشيئة وهي معدومة بحكم الأصل، والتحقيق أنه إن قصد
بقوله: إلا أن يشاء زيد أن لا أشرب، فالحكم ما تقدم وإن قصد إلا أن يشاء زيد
أن أشرب، فالحكم بضد ما تقدم والتضاد ثابت هنا أيضا، وإن جهل الأمران
احتمل ما تقدم والبطلان، ولو قال: والله لا أشرب إن شاء زيد، فقال: قد شئت
أن لا تشرب، فشرب حنث، وإن شرب قبل مشيئته لم يحنث لأن الامتناع من
الشرب تعلق بمشيئته، ولم يثبت مشيئته فلم يثبت الامتناع، ولا يدخل الاستثناء في
غير اليمين، وفي دخوله في الإقرار إشكال أقربه عدم الدخول.
الفصل الثاني: في الحالف:
ويشترط فيه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد والنية، فلو حلف الصغير أو
المجنون أو المكره أو السكران أو الغضبان إذا لم يملك نفسه لم ينعقد، ولو حلف من
غير نية لم ينعقد سواء كان بصريح أو كناية، وهي يمين اللغو وتنعقد بالقصد، ولا
تنعقد يمين ولد مع والده إلا مع إذنه ولا المرأة مع زوجها إلا باذنه ولا المملوك مع
مولاه إلا باذنه، وذلك فيما عدا الفعل الواجب وترك القبيح، وأما فيهما فينعقد من
دون إذنهم. ولو قيل: بانعقاد أيمانهم، كان وجها، نعم لهم الحل في الوقت مع بقاء
الوالد والزوجية والعبودية.
221

فلو مات الأب أو طلقت الزوجة أو أعتق المملوك وجب عليهم الوفاء مع بقاء
الوقت، وكل موضع يثبت لهم الحل لا كفارة معه على الحالف ولا عليهم، ولو أذن
أحدهم في اليمين انعقدت إجماعا ولم يجز لهم المنع من الإتيان بمقتضاها، وهل
للمولى المنع من الأداء في الموسع أو المطلق في أول أوقات الإمكان؟ إشكال، ولو
قال الحالف: لم أقصد، قبل منه ودين بنيته و يأثم مع الكذب.
ويصح اليمين من الكافر على رأي فإن أطلق وأسلم لم يسقط الفعل، وكذا إن
قيده بوقت وأسلم قبل فواته، فإن حنث وجبت الكفارة، ولو أسلم بعد فوات الوقت
ولم يكن قد فعله حنث ووجبت الكفارة ولكنها تسقط بإسلامه.
الفصل الثالث: في متعلق اليمين: وفيه مطالب:
المطلب الأول: في متعلق اليمين بقول مطلق:
إنما تنعقد اليمين على فعل الواجب أو المندوب أو المباح إذا تساوى فعله وتركه
في المصالح الدينية أو الدنيوية، أو كان فعله أرجح أو على ترك الحرام أو المكروه أو
المرجوح في الدين والدنيا من المباح، فإن خالف أثم وكفر، ولو حلف على فعل
حرام أو مكروه أو مرجوح من المباح أو على ترك واجب أو مندوب لم تنعقد اليمين
ولا كفارة بالترك، بل قد يجب الترك كما في فعل الحرام وترك الواجب أو ينبغي
كغيرهما مثل أن يحلف ألا يتزوج على امرأته أو لا يتسرى.
ولا تنعقد على الماضي مثبتة كانت أو نافية، ولا يجب فيها كفارة وإن
كذب متعمدا وهي الغموس، وإنما تنعقد على المستقبل، ولا تنعقد على فعل الغير
لا في حق الحالف ولا المقسم عليه ولا على المستحيل ولا يجب بتركه كفارة،
وإنما تنعقد على الممكن، فإن تجدد العجز انحلت كمن يحلف ليحج عامه فيعجز.
واليمين إما واجبة مثل أن يتضمن تخليص معصوم الدم من القتل، وإما
مندوبة كالتي يتضمن الصلح بين المتخاصمين، وإما مباحة كالتي تقع على فعل
222

مباح ما لم تكثر، وإما مكروهة كالمتعلقة بفعل المكروه، وإما محرمة كالكاذبة
والمتعلقة بفعل الحرام والأيمان الصادقة كلها مكروهة إلا مع الحاجة، وتتأكد
الكراهية في الغموس على قليل المال وقد تجب الكاذبة إذا تضمنت تخليص مؤمن أو
مال مظلوم أو دفع ظلم عن انسان أو ماله أو عرضه لكن إن كان يحسن التورية
وجب أن يوري ما يخلص به من الكذب، ولو لم يحسن جاز الحلف ولا إثم ولا
كفارة.
المطلب الثاني: في المتعلقة بالمأكل والمشرب:
قاعدة مبني اليمين على نية الحالف، فإذا نوى ما يحتمله اللفظ انصرف الحلف
إليه سواء نوى ما يوافق الظاهر أو يخالفه، كالعام يريد به الخاص، كأن يحلف: لا
آكل كل لحم، وينوي نوعا معينا وبالعكس مثل أن يحلف: لا شربت لك ماء
من عطش، ويريد به قطع كل ما له فيه منة، وكالمطلق يريد به المقيد وكالحقيقة
يريد بها المجاز وكالحقيقة العرفية يريد بها اللغوية وبالعكس، ولو أطلق لفظا له
وضع عرفي ولغوي ولم يقصد أحدهما بعينه ففي حمله على العرفي أو اللغوي إشكال
أقربه الأول، ولو نوى ما لا يحتمله اللفظ لغت اليمين لأن غير المنوي لا يقع لعدم
قصده ولا المنوي لعدم النطق، ولو لم ينو شيئا حمل على مفهومه المتعارف. إذا عرفت
هذا.
فلو حلف لا يأكل هذه الحنطة فطحنها دقيقا أو سويقا وأكله لم يحنث،
وكذا لو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله أو لا يأكل لحما فأكل ألية أو مخا
وهو ما في وسط العظام، أو دماغا وهو ما في وسط الرأس، ويحنث بالرأس والكراع
ولحم الصيد والميتة والمغصوب، ولا يحنث بالكبد والقلب والرئة والمصران
والكرش والمرق، ولا يحنث في الشحم باللحم ولا بشحم الظهر على إشكال ولا
بما في الجنب أو تضاعيف اللحم، ولا يحنث في اللبن بالزبد والسمن والجبن.
223

ويحنث في أكل السمن بأكله مع الخبز وعلى الطعام مذابا متميزا، ولو حلف
لا يأكل رأسا انصرف إلى الغالب كالبقر والغنم والإبل دون رأس الطير والسمك
والجراد على إشكال وكذا اللحم، ويحنث في الرطب والبسر بالمنصف على إشكال
أما في الرطبة والبسرة فلا، ويندرج الرمان والعنب والرطب في الفاكهة ولا
يدخل الخضراوات كالقثاء والخيار وفي البطيخ إشكال، والأدم ما يؤتدم به يابسا
كالملح ورطبا كالدبس، ولو حلف لا يأكل خلا فاصطبغ به حنث بخلاف
السكباج، ولا يحنث في التمر بالرطب ولا بالبسر ولا بالعكس فيهما ولا بينهما،
ويحنث في اللبن بلبن الصيد والأنعام والآدمية والحليب والمخيض والرائب.
ولو حلف لا يأكل تمرة معينة فوقعت في تمر لم يحنث إلا بأكل الجميع أو
تيقن أكلها، ويجب ترك الاستيعاب ولو بإبقاء واحدة. وهل يجب اجتناب
المحصور غير المشق؟ إشكال أقربه ذلك، وإن حرمنا المشتبهة بالأجنبية لأصالة
التحريم هناك والإباحة هنا، ولو تلف منه تمرة لم يحنث بالباقي مع الشك، فلو
حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل ما اشتراه مع غيره لم يحنث وإن اقتسماه
على إشكال، ولو اشترى كل منهما طعاما وامتزج فأكل الزائد على ما اشتراه الآخر
حنث، ولو حلف لا يأكل من لحم شاته ولا يشرب لبنها لزم إلا مع الحاجة ولا
يسري التحريم إلى النسل على رأي.
ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث لتحقق المخالفة وتلزمه
الكفارة معجلا على إشكال، وكذا لو هلك الطعام قبل الغد أو فيه بشئ من قبله
ولا يحنث لو هلك لا بسببه، ولو حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله
لم يحنث، ولو حلف لا يشرب فمص قصب السكر أو حب الرمان لم يحنث، وكذا
لو حلف لا يأكل سكرا فوضعه في فيه فذاب وابتلعه، ولو حلف لا يطعم أو لا
يذوق حنث بالأكل والشرب والمص، ولو حلف لا يأكل قوتا احتمل صرفه إلى
الخبز والتمر والزبيب واللحم واللبن لأنها تقتات في بعض البلدان، وكذا غيرها
224

مما يقتاته بعض الناس وإلى عادة بلده وهو الأقرب، ويحنث بالحب الذي خبزه
مقتات.
ولا يحنث بالعنب والخل والحصرم والطعام يصرف إلى القوت، والأدم
والحلواء والتمر والجامد والمائع دون الماء وما لم تجر العادة بأكله كورق الشجر
والتراب، ويحنث في الشعير بالحبات التي في الحنطة منه إلا أن يقصد المنفرد، ولو
حلف على شئ بالإشارة فتغيرت صفته، فإن استحالت أجزاؤه وتغيرت اسمه مثل
أن يحلف: لا أكلت هذه البيضة فيصير فرخا أو هذه الحنطة فيصير زرعا، لم يحنث
وإن زال اسمه مع بقاء أجزائه مثل: لا أكلت هذا الرطب فيصير تمرا أو دبسا أو
خلا أو ناطفا أو هذا الحمل فيصير كبشا أو هذا العجين فيصير خبزا، فإنه يحنث ولو
تغيرت الإضافة مثل: لا أكلت هذا رطب زيد فباعه على عمرو، حنث إلا أن
يقصد الامتناع باعتبار الإضافة.
فإذا حلف ليفعلن شيئا لم يبر إلا بفعل الجميع، ولو حلف ألا يفعله وأطلق
ففعل بعضه لم يحنث ولو اقتضى العرف غيرهما صير إليه، فلو حلف ليشربن ماء
الكوز لم يبر إلا بفعل الجميع، ولو حلف ليشربن ماء الفرات بر بالبعض ولو قصد
خلاف مدلول العرف صير إلى قصده، ولو حلف: لا شربت ماء الكوز، لم يحنث
بالبعض ويحنث في ماء الفرات به ولو حلف: لا شربت من الفرات، حنث
بالكرع منها ومن الشرب من آنية اغترف منها، وقيل: بالكرع خاصة.
ولو حلف على فعل شيئين مثل لا آكل لحما وخبزا ولا زبدا وتمرا فإن
قصد المنع من الجميع أو من كل واحد حمل على قصده وإلا على الأول، فلا يحنث
بأحدهما ولو كرر لا حنث بكل منهما، ولو قال: لا آكل لحما وأشرب لبنا،
بالفتح وهو من أهل العربية لم يحنث إلا بالجمع لا بالآحاد، ولو حلف على السمن
لم يحنث بالأدهان بخلاف العكس، ولو حلف لا يأكل بيضا وأن يأكل ما في كم
زيد، فإذا هو بيض بر بجعله في ناطف وأكله.
225

المطلب الثالث: في البيت والدار:
إذا حلف على الدخول لم يحنث بصعوده السطح من خارج وإن كان محجرا،
فعلى هذا لا يجوز الاعتكاف في سطح المسجد ولا يتعلق الحرمة به على إشكال،
ويحنث بدخول الغرفة في الدار، ولو حلف لا يدخل بيتا فدخل غرفته لم يحنث
ويتحقق الدخول إذا صار بحيث لو رد بابه لكان من ورائه، ويحنث في الدار
بالدهليز لا بالطاق خارج الباب ولو حلف: لا دخلت بيتا، حنث ببيت الشعر
والجلد والخيمة إن كان بدويا وإلا فلا، ولا يحنث بالكعبة والحمام لأن البيت
ما جعل بإزاء السكنى وكذا الدهليز والصفة، ولو حلف ليخرجن فصعد السطح ففي
البر إشكال.
ولو حلف على فعل فإن كان ينسب إلى المدة كالابتداء حنث بهما وإلا
فبالابتداء، فلو حلف لا يدخل دارا وهو فيها لم يحنث بالمقام فيها، وكذا لو قال: لا
آجرت هذه الدار ولا بعتها أو لا وهبتها، تعلق اليمين بالابتداء خاصة ولو قال: لا
سكنت، وهو ساكن بها أو: لا أسكنت زيدا، وهو ساكن حنث بالاستدامة
والابتداء ويبر بخروجه عقيب اليمين، ولو عاد لا للسكنى بل لنقل متاعه وعيادة
مريض بها وشبهه لم يحنث، وكذا لو قال: لا أركب وهو راكب ولا ألبس وهو
لابس، حنث بالابتداء والاستدامة، وفي التطييب إشكال أقربه الحنث بالابتداء
خاصة.
ولو حلف لا يسكن حنث بالمكث ساعة يمكنه الخروج فيها، ولو أقام لنقل
رحله وقماشه لم يحنث ولا يجب نقل الرحل والأهل، ولا يحنث بتركهما مع خروجه
بنية الانتقال ولو حلف. لا ساكنت فلانا، حنث بالابتداء والاستدامة ولو انتقل
أحدهما بر، ولو كانا في بيتين من خان أو دار متسعة لكل بيت باب وغلق فليسا
بمتساكنين بخلاف ما لو لم ينفردا بغلق، ولو كانا في دار فخرج أحدهما وقسماها
حجرتين وفتحا لكل واحدة بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل منهما في حجرة لم
226

يحنث، ولو تشاغلا ببناء الحاجز وهما متساكنان حنث ولو قال: لا ساكنته في
هذه الدار، فقسماها حجرتين وبنيا حاجزا ثم سكنا لم يحنث، ولو حلف ليخرجن
من هذه الدار اقتضى الخروج بنفسه خاصة، وإن أراد النقلة وينحل اليمين به فله
العود.
المطلب الرابع: في العقود:
والإطلاق ينصرف إلى الصحيح منها فلو حلف ليبيعن أو لا يبيع انصرف إلى
الصحيح دون الفاسد إلا في المحرم بيعه كالميتة والخمر والخنزير، فإن اليمين على عدم
البيع لا ينطلق إلى الصحيح بل إلى الصورة، نعم الأقرب اشتراط ما يشرط في
الصحيح ويحنث بالبيع مع الخيار، والمختلف فيه كوقت النداء، وإنما يحنث
بالإيجاب والقبول لا بأحدهما، فلو أوجب ولم يقبل المشتري لم يحنث، ولو حلف
ليبيعن لم يبر به وليس يمينا على فعل الغير، ويحنث بالإيجاب فيما لا يفتقر إلى
القبول كالوصية لأن قبولها قد يقع بعد الموت، قيل والهبة.
ولو حلف ليتزوجن على امرأته بر بالإيجاب والقبول من غير دخول لأن الغيظ
يحصل به بل بالخطبة، ولو قصد الغيظ لم يبر بما لم يحصل به كالتزويج بالعجوز، ولو
حلف لا يأكل ما اشتراه زيد لم يحنث بأكل ما ملكه بهبة معوضة أو رجع إليه بعيب
أو إقالة أو قسمة أو صلح بعوض أو شفعة ويحنث بالسلم، ولو حلف ألا يتسرى أو
لا يتزوج فوكل وعقد الوكيل أو قال: لا بنيت بناء، فبناه الصانع بأمره أو
استئجاره: أو لا ضربت، وهو سلطان فأمر به ففي الحنث إشكال ينشأ من معارضة
العرف والوضع ولعل الأقرب متابعة العرف، ولو قال: لا أستخدمه، فخدمه بغير
أمره لم يحنث، ولو حلف أن لا يبيع أو لا يشترى أو لا يتزوج فتوكل في هذه العقود فالأقرب الحنث.
ولو حلف لا كلمت عبدا اشتراه زيد فاشترى وكيل زيد لم يحنث بكلامه،
227

وكذا في امرأة تزوجها زيد فقبل وكيل زيد، ويحنث لو قال زوجة زيد أو عبده،
ولو حلف لا يبيعه بعشرة فباعه بأقل ففي الحنث إشكال ولا يحنث بالأكثر قطعا
وبالعكس في الشراء، ولو حلف على الهبة انطلق إلى كل عطية متبرع بها كالهدية
والنحلة والعمرى على إشكال، والوقف والصدقة ولو قال: لا أتصدق، لم يحنث
بالهبة، ولو حلف على المال انطلق على العين والدين الحال والمؤجل وإن كان
المديون معسرا، والعبد الآبق والمدبر فلو حلف ليتصدقن بماله لم يبر إلا بالجميع
دون المكاتب وأم الولد، و في المنفعة كإجارة الدار نظر.
المطلب الخامس: في الإضافات والصفات:
لو حلف لا يدخل دار زيد انصرف إلى المملوكة ولو بالوقف، وإن لم يكن
مسكنه لا المسكونة بأجرة وغيرها، ولو حلف على مسكنه دخل والمستعار و
المستأجر وفي المغصوب إشكال، ولا يدخل الملك مع عدم السكنى، واليمين تابعة
للإضافة مع عدم الإشارة، فلو حلف لا يدخل دار زيد فباعها أو لا يدخل مسكنه
فخرج عنه أو لا يكلم زوجته فطلقها أو لا يستخدم عبده فباعه انحلت اليمين، ولو
قيده بالإشارة كقوله: لا دخلت هذه الدار، لم ينحل اليمين ولو جمع كقوله: لا
دخلت دار زيد هذه أو لا استخدمت هذا عبد زيد، والأقرب بقاء اليمين مع عدم
الإضافة ولو قال: لا آكل لحم هذه البقرة، وأشار إلى سخلة أو: لا كلمت هذا
الرجل، وأشار إلى طفل حنث بالأكل والكلام تغليبا للإشارة.
ولو حلف لا يدخل هذه الدار من بابها لم يحنث بالدخول من غير الباب، ولو
استجد باب آخر فدخل به حنث سواء أزيل الباب الأول أو بقي، ولو قلع الباب
وحول إلى دار أخرى وبقي الممر حنث بدخوله لأن الاعتبار في الدخول بالممر لا
بالمصراع، ولو حلف لا دخلت من هذا الباب لم يحنث بالدخول من باب آخر وإن
حول الخشب إلى الثاني، ولو حلف على الدخول فنزل من السطح فالأقرب الحنث.
228

ولو حلف لا يركب دابة العبد لم يحنث إلا بما يملكه بعد العتق إن أحلنا الملك
مع الرقية، ويحنث في المكاتب وإن كان مشروطا لانقطاع تصرف المولى عن
أمواله، ولو حلف لا يركب سرج الدابة حنث بما هو منسوب إليها، ولو حلف لا
يلبس ما غزلت فلانة حنث بالماضي من الغزل، أما لو قال: لا ألبس ثوبا من
غزلها، يشتمل الماضي والمستقبل ولا يحنث بما خيط من غزلها أو كان سداه منه إذا
ذكر الثوب، ولو حلف لا يلبس قميصا فارتدى به ففي الحنث إشكال ولا يحنث
لو فتقه واتزر به، وإذا علق على الإشارة دامت بدوام العين كقوله: لا أكلت هذا
أو لا كلمته، ولو علق على الوصف انحلت بعدمه كقوله: لا كلمت عبدا أو لا
أكلت لحم سخلة، فكلم من أعتق أو أكل لحم بقرة، ولو اجتمعا فالأقرب تغليب
الإشارة كقوله: لا كلمت هذا العبد أو لا أكلت لحم هذه السخلة، فيعتق وتكبر.
ولو حلف لا يخرج بغير إذنه فأذن بحيث لا يسمع المأذون ففي الحنث إشكال
وإذا خرج مرة باذنه انحلت اليمين، ولو حلف: لا دخلت دارا، فدخل براحا كان
دارا لم يحنث ولو قال: لا دخلت هذه الدار، فانهدمت وصارت براحا احتمل
الحنث بدخولها وعدمه للتردد بين الرجوع إلى الإشارة أو الوصف، ولو حلف لا
يدخل على زيد بيتا فدخل على جماعة هو فيهم عالما ولم يستثنه حنث وكذا إن
استثناه بأن نوى الدخول على غيره خاصة على رأي، أما لو قال: لا كلمته، فسلم
على جماعة هو فيهم وعزله بالنية أو النطق لم يحنث ولو لم يستثنه مع العلم حنث.
ولو حلف ليعطين من يبشره فهو لأول مخبر بالسار سواء تعدد أو اتحد، ولو
قال: من يخبرني، استحق الثاني ومن بعده مع الأول ولو قال: أول من يدخل داري،
فدخلها واحد استحق وإن لم يدخل غيره ولو قال: آخر من يدخل داري، كان
لآخر داخل قبل موته لأن إطلاق الصفة يقتضي وجوده حال الحياة، ولو حلف لا
يلبس حليا حنث بالخاتم واللؤلؤ والتسري هو وطء الأمة، وفي جعل التخدير شرطا
نظر، ولو حلف أن يدخل لم يبر إلا بدخوله كله، ولو حلف ألا يدخل لم يحنث
229

بدخول بعضه كرأسه ويده، ولو حلف لا يلبس ثوبا فاشترى به أو بثمنه ثوبا
ولبسه لم يحنث.
المطلب السادس: الكلام:
لو قال: والله لا كلمتك فتنح عني، حنث بقوله تنح عني دون الأول ولو
قال: أبدا، لم يحنث به أو: الدهر أو ما عشت أو كلاما حسنا أو قبيحا، ولو علل
مثل: لأنك حاسد أو مفسد، فإشكال. ويحنث لو شتمه ولو كاتبه لم يحنث وكذا
لو راسله أو أشار إشارة مفهمة، ولو حلف على المهاجرة ففي الحنث بالمكاتبة
إشكال، ولو حلف لا يتكلم ففي الحنث بقراءة القرآن أو بترديد الشعر مع نفسه
إشكال، ولو حلف أن يصلى لم يبر إلا بصلاة تامة ولو ركعة، ولو حلف أن لا
يصلى فالأقرب الحنث بالكاملة دون التحريم إذا أفسدها، ولو حلف ألا يكلمه فكلم
غيره بقصد إسماعه لم يحنث، ولو ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته
حنث، ولو كلمه حال نومه أو إغمائه أو غيبته أو موته لم يحنث ويحنث حال جنونه
ولو سلم عليه حنث، ولو صلى به إماما لم يحنث إذا لم يقصده بالتسليم.
المطلب السابع: في الخصومات:
لو حلف أن لا يأوى مع زوجته في دار فآوى معها في غيرها فإن قصد الجفاء
حنث وإلا فلا وكذا لو حلف لا يدخل عليها بيتا، ولو حلف ليضربن عبده مائة
سوط قيل يجزئ ضربة واحدة بضغث فيه العدد والأقرب المنع، نعم لو اقتضت
المصلحة ذلك فعل كالمريض، ويشترط وصول كل شمراخ إلى جسده ويكفي ظن
الوصول ويجزئ ما يسمى به ضاربا ويشترط إيلامه، أما لو حلف ليضربنه بمائة
سوط فالأقرب إجزاء الضغث ولا يبر بالسوط الواحد مائة مرة هذا في الحد
والتعزير، أما في المصالح الدنيوية فالأولى العفو ولا كفارة.
230

ولو حلف على الضرب حنث باللطم واللكم والضرب بغير العصا، إلا
بالعض والخنق وجز الشعر المؤلم، ولو حلف لا يرى منكرا إلا رفعه إلى القاضي لم
يجب المبادرة فإن قصد المعين وإلا احتمله واحتمل الجنس، ولو عين فعزل قبل
الرفع ففي الرفع إليه إشكال، ولو بادر فمات القاضي قبل الوصول إليه لم يحنث ولو
اطلع القاضي عليه قبل رؤيته ففي وجوب الرفع إشكال، ولو حلف ألا يتكفل بمال
فتكفل ببدن لم يحنث وإن استعقب إلزام المال عند التعذر.
ولو حلف لا يفارق غريمه ففارقه الغريم فلم يتبعه لم يحنث على إشكال، وكذا
لو اصطحبا في المشي فمشى الغريم ووقف لأن المفارق هو الغريم، أما لو قال: لا
نفترق، حنث فيهما ولو قال: لا فارقتك حتى أستوفي حقي، فأبرأه حنث على
إشكال، ولو قضاه قدر حقه ففارقه فخرج رديئا أو ناقصا لم يحنث وكذا لو خرج
مستحقا فأخذه صاحبه، ولو فلسه الحاكم فالأقرب عدم الحنث لوجوب مفارقته فهو
كالمكره، ولو أحاله ففارقه حنث على إشكال ينشأ من البراءة، أما لو ظن أنه قد بر
بذلك ففارقه لم يحنث وكذا لو كانت يمينه: لا فارقتك ولي قبلك حق، لم يحنث
بالإحالة والإبراء، وفي قضاء العوض عن الحق إشكال، ولو وكل فقبض الوكيل
قبل المفارقة لم يحنث، ولو قال: لا فارقتك حتى أوفيك حقك، فأبرأه الغريم لم
يحنث، ولو كان الحق عينا فقبل هبته حنث.
المطلب الثامن: في التقديم والتأخير:
إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأخر حنث، وإن تلف الطعام قبل الغد أو
مات الحالف انحلت اليمين ولو تلف في أثناء الغد بعد التمكن من أكله حنث، ولو
جن في يومه ولم يفق إلا بعد خروج الغد انحلت، ولو حلف ليضربن عبده غدا
فمرض العبد أو غاب لم يحنث، ولا يتعين الضرب في وقت معين من الغد بل
يتضيق بتضيق الغد، ولا يبر بضربه ميتا ولا بضرب غير مؤلم ولا بخنقه ونتف
231

شعره وعصر ساقه وإن ألم.
ولو قال: لأقضين حقك غدا، فمات صاحبه ففي وجوب التسليم إلى الورثة في
غد إشكال ولو قال: لأقضين حقك عند رأس الهلال، فعليه إحضار المال والترصد
للهلال فإن سلم قبله أو بعده حنث ولو قال: لأقضين إلى شهر، كان غاية ولو
قال: إلى حين أو زمان، قيل يحمل على النذر في الصوم وفيه نظر، والأقرب أنه لا
يحنث بالتأخير إلى أن يفوت بموت أحدهما فحينئذ يتحقق الحنث، وكذا الإشكال لو
قال: لا كلمته حينا أو زمانا، والحقب ثمانون عاما والدهر والوقت والعمر
والطويل والقريب والبعيد والقليل والكثير واحد، فلو حلف لا يكلمه دهرا بر
باللحظة ولو قال: لا كلمته الدهر أو الأبد أو الزمان، حمل على الأبد ولو حلف أن
يقضيه حقه في وقت فقضاه قبله لم يحنث إن أراد عدم تجاوز ذلك الوقت وإلا
حنث، ولو كان غير القضاء حنث بتعجيله.
الفصل الرابع: في اللواحق:
يكفي في الإثبات الإتيان بجزء من الماهية في وقت ما، ولا بد في النفي من
الامتناع عن جميع الجزئيات في جميع الأوقات إلا أن يعين جزئيا معينا أو وقتا
بعينه، وإذا حلف ليفعلن لم يجب البدار بل يجوز التأخير إلى آخر أوقات الإمكان،
وهو غلبة الظن بالوفاة فيتعين إيقاعه قبل ذلك بقدر إيقاعه، ويتحقق الحنث
بالمخالفة اختيارا سواء كان بفعله أو بفعل غيره كما لو حلف ألا يدخل فركب دابة أو
قعد في سفينة أو حمله انسان ودخلت الدابة أو السفينة أو الحامل باذنه ولو سكت
مع القدرة فكذلك على إشكال، ولا يتحقق الحنث بالإكراه ولا مع السهو ولا مع
الجهل، والحلف على النفي مع انعقاده يقتضي التحريم كما أن الحلف على الإثبات
يقتضي الوجوب.
ويجوز أن يتأول في يمينه إذا كان مظلوما، ولو تأول الظالم لم ينفعه، والتأويل
232

أن يأتي بكلام ويقصد غير ظاهره مما يحتمله مثل أن يقول: هو أخي، ويقصد أنه
أخوه في الاسلام أو المشابهة، أو يعني بالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش
الأرض وبالأوتاد الجبال وباللباس الليل، أو يقول: ما رأيت فلانا، يعني ما ضربت
رئته ولا ذكرته، يعني ما قطعت ذكره، أو يقول: جواري أحرار، ويعني سفنه،
ونسائي طوالق، ويعني أقاربه من النساء، أو يقول: ما كاتبت فلانا، يعني كتابة
العبد ولا عرفته، جعلته عريفا ولا أعلمته، جعلته أعلم الشفة ولا سألته حاجة،
يعني شجرة صغيرة ولا أكلت له دجاجة، يعني كبة من الغزل ولا في بيتي فرش،
أي صغار الإبل ولا بارئة، أي سكين تبرأ بها أو يقول: ما لفلان عندي وديعة،
ويعني بما الموصولة أو ما أكلت منه شيئا، يعني بعد ما أكلت.
ولو لم يكن ظالما ولا مظلوما فالأقرب جواز التورية، وكذا يجوز استعمال
الحيل المباحة دون المحرمة ولو توصل بالمحرمة أثم وتم قصده، فلو حملت المرأة ابنها على
الزنى بامرأة لتمنع أباه من العقد عليها أثمت وتمت الحيلة ولو عقد الولد تمت ولا
إثم، ولو برئ من الدين بإسقاط أو إقباض وخشي إن ادعاه أن ينقلب الغريم
منكرا جاز الحلف على إنكار الاستدانة، ويوري ما يخرجه عن الكذب وجوبا مع
المعرفة بها، وكذا لو خاف الحبس وهو معسر والنية أبدا نية المدعي إن كان محقا،
فلو ورى الحالف الكاذب لم ينفعه توريته وكانت اليمين مصروفة إلى ما قصده
المدعي ونية الحالف إذا كان مظلوما.
ولو أكرهه على اليمين على ترك المباح حلف وورى مثل أن يوري أنه لا
يفعله في السماء أو بالشام، ولو أكره على اليمين أنه لم يفعل فقال: ما فعلت كذا،
وجعل ما موصولة جاز ولو اضطر إلى الجواب بنعم فقال وعني الإبل أو حلف أنه
لم يأخذ ثورا وعني القطعة الكبيرة من الأقط أو جملا وعني به السحاب أو عنزا
وعني به الأكمة جاز، ولو اتهم غيره في فعل فحلف ليصدقنه أخبر بالنقيضين، فلو
حلف ليخبرنه بعدد حب الرمانة خرج بالعدد الممكن.
233

المقصد الثاني: في النذر: وفيه فصول:
الفصل الأول: الناذر والنذر:
أما الناذر فيشترط فيه: البلوغ والعقل والإسلام والاختيار والقصد، فلا
ينعقد نذر الصبي وإن كان مميزا ولا المجنون والكافر لتعذر نية القربة في حقه،
نعم يستحب له الوفاء لو أسلم، ولو نذر مكرها أو غير قاصد بسكر أو إغماء أو نوم
أو غصب رافع للقصد أو غفلة لم يقع، ويشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج
وفي نذر المملوك إذن المولى، فلو بادر لم ينعقد وإن تحرر لوقوعه فاسدا وإن أجاز
المالك لزم، والأقرب عندي ما تقدم في اليمين، ويشترط أن يكون قادرا فلو نذر
الصوم الشيخ العاجز عنه لم ينعقد. وأما صيغة النذر فإن يقول: إن عافاني الله
- مثلا - فلله علي صدقة أو صوم أو غيرهما، وهو إما نذر لجاج أو غضب، أو نذر بر
وطاعة.
فالأول أن يقصد منع نفسه عن فعل أو يوجب عليها فعلا، فالمنع: إن دخلت
الدار فمالي صدقة، والإيجاب: إن لم أدخل فمالي صدقة.
والثاني إما أن يعلقه بجزاء إما شكر نعمة مثل: إن رزقني الله ولدا فمالي
صدقة، أو دفع نقمة مثل: إن تخطأني المكروه فمالي صدقة، أو لا يعلقه مثل: مالي
صدقة، ففي هذه الأقسام الأربعة إن قيد النذر بقوله لله انعقد وإلا فلا.
ويشترط في الصيغة نية القربة والنطق، فلو قصد منع نفسه بالنذر لا التقرب
لم ينعقد ولو اعتقد النذر بالضمير لم ينعقد على رأي، بل لا بد من النطق وكون
الشرط سائغا إن قصد الشكر والجزاء طاعة، وفي اللزوم التقييد بقوله: لله علي، فلو
قال: علي كذا ولم يقل لله، استحب الوفاء به، ولا ينعقد بالطلاق ولا العتق ولا
ينعقد نذر المعصية، ولا يجب به كفارة كمن نذر أن يذبح ولده أو غيره من المحرم
ذبحه أو ينهب مالا معصوما، وأن يشرب خمرا أو يفعل محرما أو يترك واجبا، بل إنما
ينعقد في طاعة إما واجب أو مندوب أو مباح يترجح فعله في الدين أو الدنيا أو
234

يتساوى فعله وتركه، ولو كان فعله مرجوحا لم ينعقد النذر وكذا لا ينعقد على فعل
المكروه.
الفصل الثاني: في الملتزم: وفيه مطالب: المطلب
الأول:
الضابط في متعلق النذر أن يكون طاعة مقدورا للناذر، فلا ينعقد نذر غير
الطاعة ولا غير المقدور كالصعود إلى السماء، ولو نذر الحج ألف عام أو صوم ألف
سنة احتمل البطلان لتعذره عادة، والصحة لإمكان بقائه بالنظر إلى قدرته تعالى.
ووجوب المنذور مدة عمره، ولو تجدد العجز بعد وقته وإمكانه كفر وإلا فلا، فلو
نذر الحج في عامه فصد سقط ولو نذر صوما فعجز فكذلك لكن روي هنا الصدقة
عن كل يوم بمدين والأقرب الاستحباب.
وأقسام الملتزم ثلاثة:
الأول: كل عبادة مقصودة كالصلاة والصوم ولحج والهدي والصدقة
والعتق، ويلزم بالنذر سواء كان مندوبا أو فرض كفاية كتجهيز الموتى والجهاد أو
فرض عين، وقيل لو نذر صوم أول يوم من رمضان لم ينعقد لوجوبه بغير النذر وليس
بجيد والفائدة في الكفارة، ويلزم بصفاتها كالمشي في الحج وطول القراءة في الصلاة
والمضمضة في الوضوء سواء في ذلك الحج الواجب والمندوب وكذا الصلاة
والوضوء.
الثاني: القربات كعيادة المريض وإفشاء السلام وزيارة القادم وتجب بالنذر
وكذا تجديد الوضوء.
الثالث: المباحات كالأكل والشرب وفي لزومها بالنذر إشكال، نعم لو قصد
التقوي بها على العبادة أو منع النفس من أكل الحرام وجب، ولو نذر الجهاد في
جهة تعين ولو نذر قربة ولم يعين تخير في الصلاة أو الصوم أو أي قربة شاء.
235

المطلب الثاني: في الصلاة:
وينصرف الإطلاق إلى الحقيقة الشرعية وهي ذات الركوع والسجود دون
صلاة الجنازة والدعاء إلا مع القصد، ولو نذر الصلاة في الأوقات المكروهة لزم على
إشكال، ولو نذر صلاة ونوى فريضة تداخلتا ولو نوى غيرها لم يتداخل، ولو أطلق
ففي الاكتفاء بالفريضة على القول بجواز نذر الفريضة إشكال، ولو نذر الطهارة لم
يكتف بالتيمم إلا مع تعذر الماء، ولو نذر ركوعا أو سجودا احتمل البطلان ووجوب
ما نذره خاصة وإيجاب ركعة.
ولو نذر إتيان مسجد لزم والأقرب عدم إيجاب صلاة أو عبادة فيه، ولو نذر
أن يمشي إلى بيت الله الحرام أو بيت الله بمكة أو بيت الله انصرف إلى مكة، ولو
قال: أن أمشي إلى بيت الله لا حاجا ولا معتمرا، فإن كان ممن يجب عليه أحدهما
عند الحضور لم ينعقد النذر وإلا انعقد، ولو قال: أن أمشي، وقصد معينا لزم
وإلا بطل لأن المشي ليس طاعة في نفسه، ولو نذر صلاة في الكعبة لم يجزه
جوانب المسجد ويجب المشي من دويرة أهله إلا أن يعين غيرها.
المطلب الثالث: الصوم:
ويجب في مطلقه أقله وهو يوم كامل ولا يلزمه التبييت، ولو نذر صوم شهر لم
يجب قيد التتابع والتفريق، ولو قيده بالتتابع وجب ولا يجب فيه التفريق لو قيده
على إشكال منشأه إيجاب يوم غير التالي فلا يجزئ التالي ولو عين يوما تعين، ولو
نذر التتابع في صوم شهر معين ففي وجوبه في قضائه نظر، ولو نذر صوم هذه السنة لم
يجب قضاء العيدين ولا أيام التشريق إذا كان بمنى ولا شهر رمضان، وهل يدخل
رمضان في النذر؟ الأقرب ذلك، فيجب بإفطاره عمدا كفارتان وقضاء واحد ويجب
قضاء ما أفطر في السفر والمرض والحيض، ولو كان بغير منى لزمه أيام التشريق.
ولو أفطر في أثناء السنة لغير عذر كفر وبنى وقضى ما أفطر خاصة وإن شرط
236

التتابع، ولو كان لعذر من مرض أو سفر أو حيض قضى ولا كفارة، ولو نذر سنة
غير معينة لزمه اثنا عشر شهرا ولا ينحط عنه رمضان ولا أيام الحيض ولا العيدان،
والشهر إما عدة بين الهلالين أو ثلاثون يوما ويتخير بين التوالي والتفريق، ولو
صام شوالا وكان ناقصا أتمه بيومين وقيل بيوم، وكذا لو كان بمنى أيام التشريق
وصام ذا الحجة وكان ناقصا أتمه بخمسة أيام على رأي، ولو صام سنة واحدة
أكملها بشهر عن رمضان وبيومين عن العيدين، ولو شرط التتابع في المطلقة فأخل
به استأنف ولا كفارة وقيل يكفي مجاوزة النصف، ولا ينقطع التتابع بالعيدين
ورمضان والحيض والمرض.
ولو نذر صوم شهر متتابعا وجب أن يتوخى ما يصح فيه ذلك فلا يصوم
ذا الحجة، وأقل التتابع أن يصح فيه تتابع خمسة عشر يوما، ولا ينعقد نذر الصوم إلا
أن يكون طاعة فلو نذر العيدين أو أيام التشريق بمنى أو صوم الليل أو مع الحيض لم
ينعقد، وأن يكون مقدورا فلو نذر صوم يوم قدوم زيد لم يصح سواء قدم ليلا أو نهارا
على إشكال ولو نذر دائما سقط يوم مجيئه ووجب ما بعده، ولو اتفق ذلك اليوم في
رمضان صامه بنية رمضان لأنه كالمستثنى ولا قضاء ولو اتفق يوم عيد أفطر ولا
قضاء على الأقوى.
ولو وجب على هذا الناذر صوم شهرين متتابعين قيل يصوم في الأول عن
الكفارة وفي الثاني عن النذر، ويحتمل صومه عن النذر فيهما لأنه عذر لا ينقطع به
التتابع، ولا فرق بين تقدم وجوب التكفير عن النذر وتأخره، ولو قدم ليلا لم يجب
شئ ولو أصبح بنية الإفطار ولم يفطر فنذر الصوم باقي اليوم قبل الزوال انعقد،
وحينئذ قد ينعقد نذر يوم قدوم زيد، ولو نذر الصوم في بلد معين قيل أجزأ أين شاء،
ولو نذر أن يصوم زمانا وجب خمسة أشهر ولو نذر حينا وجب ستة أشهر، ولو نوى
غير ذلك لزم ما نواه.
ولو نذر صوم الدهر فإن استثنى العيدين وأيام التشريق بمنى صح والأقرب
237

دخول رمضان، وإن نوى دخول العيدين وأيام التشريق بمنى بطل النذر رأسا، ولو
أطلق فالأقرب وجوب غير العيدين وأيام التشريق، ولو نذر صوم الدهر سفرا
وحضرا وجب ولم يدخل رمضان في السفر بل يجب إفطاره ويقضيه لأنه كالمستثنى،
لقوله تعالى: فعدة من أيام أخر. وهل له أن يعجل قضاء ما فاته من رمضان بسفر
أو حيض أو مرض أو يجب عليه إلى أن تضيق الرمضان الثاني؟ إشكال أقربه جواز
التعجيل، فلو عين يوما للقضاء فهل له إفطاره قبل الزوال اختيارا؟ إشكال، فإن
سوغناه ففي إيجاب الكفارة خلف النذر إشكال ينشأ من أنه أفطر يوما من القضاء
قبل الزوال ومن كون العدول عن النذر سائغا بشرط القضاء، فإذا أخل به فقد أفطر
يوما كان يجب صومه بالنذر لغير عذر إذ العذر صوم القضاء ولم يفعله، وبإفطاره
خرج عن كونه قضاء ولأن سقوط الكفارة في اليوم الأول يوجب سقوطها في اليوم
الثاني، وهكذا وكذا لو أفطر بعد الزوال ففي وجوب الكفارتين أو إحديهما وأيتهما
هي؟ إشكال.
ولو نذر صوم يوم قدومه فظهر بعلامة قدومه في الغد فالأقرب إيجاب نية الصوم
وإن عرف قدومه بعد الزوال، ولو نذر عتق عبده يوم قدومه فباعه ثم قدم يوم البيع
بعده ظهر بطلان العقد وحمل ذكر اليوم على جميع ذلك اليوم، ولو نذر إتمام صوم
التطوع لزمه ولو نذر صوم بعض يوم احتمل البطلان ولزوم يوم كامل، أما لو قال:
بعض يوم لا أزيد، بطل ولو نذر صوم الاثنين دائما لم يجب قضاء الأثانين الواقعة في
شهر رمضان إلا الخامس مع الاشتباه على رأي ولا يوم العيد على رأي، وفي
الحيض والمرض إشكال، ولو نذر أن يصوم شهرا قبل ما بعد قبله رمضان فهو شوال،
وقيل شعبان وقيل رجب.
المطلب الرابع: الحج:
لو نذر إيقاع حجة الاسلام في عام متأخر عن عام الاستطاعة بطل، ولو نذره
238

بعام استطاعته انعقد فإن أخل لزمه مع الإثم الكفارة، ولو نذر الحج ماشيا وقلنا:
المشي أفضل، انعقد الوصف وإلا فلا ويلزمه المشي من بلده وقيل: من الميقات،
ولو قيد أحدهما، لزم ولو نذر الحج راكبا فإن قلنا: إنه أفضل، انعقد الوصف وإلا
فلا وإذا لم ينعقد الوصف فيهما انعقد أصل الحج، ولو نذر المشي فعجز فإن كان
النذر معينا بسنة ركب ويستحب أن يسوق بدنة وقيل يجب، ولا يسقط الأصل إلا
مع العجز عنه مطلقا ولو كان النذر مطلقا توقع المكنة، ولو ركب مختارا فإن كان
معينا كفر ولو كان مطلقا وجب الاستئناف ماشيا ولا كفارة، ولو ركب بعضا
فكذلك وقيل: يقضي ويركب ما مشى ويمشي ما ركب.
ويقف ناذر المشي في السفينة عابرا نهرا استحبابا ويسقط المشي بعد طواف
النساء، ولو فاته الحج أو فسد مع تعينه ففي لزوم لقاء البيت إشكال، فإن أوجبناه
ففي جواز الركوب إشكال ثم يلزم قضاء الحج المنذور، ولو نذر الحج في عامه فتعذر
بمرض ففي القضاء إشكال ولا قضاء لو تعذر بالصد، ولو نذر إن رزق ولدا أن يحج
به أو عنه ثم مات حج بالولد أو عنه من صلب ماله، ولو نذر أن يحج ولم يكن له
مال فحج عن غيره ففي إجزائه عنهما إشكال، وإذا نذر أن يحج راكبا فحج ماشيا
مع القدرة قيل يحنث فيجب به الكفارة لا القضاء.
ولو نذر المشي أو الركوب إلى بيت الله تعالى ولم يقصد حقيقتهما بل الإتيان لم
يجب أحدهما بل القصد، ولو نذر القصد إلى البلد الحرام أو بقعة منه كالصفا أو
المروة لزمه حج أو عمرة ولو نذر إلى عرفة أو الميقات لم يجب أحدهما وفي انعقاد
النذر إشكال، ولو أفسد الحج المنذور ماشيا في سنة معينة لزمته الكفارة والقضاء
ماشيا، ولو نذر غير المستطيع الحج في عامه ثم استطاع بدأ بالنذر وكذا الاستئجار،
ولو نذر المستطيع الصرورة الحج في عامه ونوى حجة الاسلام تداخلتا، وإن نوى
غيرها فإن قصد مع فقد الاستطاعة انعقد وإن قصد معها لم ينعقد وإن أطلق ففي
الانعقاد إشكال، ولو أخل بحجة الاسلام والنذر في عامه وجب عليه حجان إن
239

انعقد النذر وكفارة خلف النذر، وكل موضع لا ينعقد فيه النذر لا يجب غير قضاء
حجة الاسلام.
المطلب الخامس: الهدي:
إذا نذر هدي بدنة انصرف الإطلاق إلى الكعبة ولو نوى منى لزم، ولو نذر إلى
غيرهما لم ينعقد على إشكال، ولو نذر نحر الهدي بمكة وجب وتعين التفريق بها
وكذا منى لا غيرهما على إشكال، وينصرف إطلاق الهدي إلى مكة ومنى إلى
النعم، ويجزئه أقل ما يسمى هديا منها وقيل: يجزئ ولو بيضة، ولو نذر أن يهدي
إلى بيت الله تعالى غير النعم قيل: بطل وقيل: يباع ويصرف في مصالح البيت.
ولو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع ذلك وصرف في مصالح البيت
أو المشهد الذي نذر له وفي معونة الحاج أو الزائرين، ولو نذر إهداء بدنة انصرف
إلى أنثى الإبل، وكل من وجب عليه بدنة في نذر ولم يجد لزمه بقرة فإن لم يجد
فسبع شياه، وإذا نذر التقرب بذبح شاة بمكة لزم ولو لم يذكر لفظ التقرب ولا
التضحية فإشكال، وإذا ذكر في النذر لفظ التضحية لم يجزئه إلا ما يجزئ في
التضحية وهي الثني السليم، ولو نذر إهداء ظبي إلى مكة لزم التبليغ على إشكال
ولم يجز الذبح، ولو نذر في بعير معيب وجب الذبح فيها.
ولو نذر نقل عقار إلى مكة بطل النذر ولم يلزم بيعه إلا أن يقصده فيصرف
ثمنه فيها، ولو نذر أن يستر الكعبة أو يطيبها وجب وكذا في مسجد
النبي ص والأقصى، وإذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها فإن أتلفها ضمن
قيمتها، ولو عابت نحرها على ما بها إذا لم يكن عن تفريط ولو ضلت أو عطبت
كذلك لم يضمن ويضمن مع التفريط، ولو ذبحها يوم النحر غيره ونوى عن صاحبها
أجزأته وإن لم يأمره، وإن لم ينو عن صاحبها لم يجزئ عنه ولا يسقط استحباب
الأكل بالنذر.
240

المطلب السادس: في الصدقة والعتق:
إذا نذر أن يتصدق وأطلق لزمه أقل ما يسمى صدقة ولو قيده بمعين لزم، ولو
قال: بمال كثير، لزمه ثمانون درهما ولو قال: خطير أو جليل أو جزيل أو عظيم،
فله الصدقة بأقل ما يتمول، ولو عين موضع الصدقة لزم وصرف في أهله ومن
حضره، فإن صرفها في غيره أعاد الصدقة بمثلها فيه ثم إن كان المال معينا كفر
وإلا فلا، ولا يجزئه لو صرف في غيره على أهل بلد النذر على إشكال، ولو نذر أن
يتصدق بجميع ما يملكه لزم فإن خاف الضرر قومه أجمع ثم يتصدق شيئا فشيئا حتى
يتصدق بقدر القيمة، وله أن يتعيش في المال وأن يكتسب به والكسب له، وهل
يجب أن يتصدق بما لا يتضرر به ثم يقوم المتضرر به؟ إشكال.
ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل الخير تصدق به على فقراء المؤمنين
أو في حج أو زيارة أو مصالح المسلمين كبناء قنطرة أو عمارة مسجد أو غير ذلك،
ولو نذر الصدقة على أقوام بعينهم لزم وإن كانوا أغنياء فإن لم يقبلوا فالأقرب بطلان
النذر، ولو نذر صرف زكاته الواجبة إلى قوم بأعيانهم من المستحقين لزم، وهل له
العدول إلى الأفضل كالأفقر والأعدل؟ الأقرب المنع، ولو نذر الصدقة بشئ معين
لم يجز غيره ولا يجزئ القيمة لو نذر جنسا، وإذا نذر عتق مسلم لزم ولو نذر عتق
كافر غير معين لم ينعقد وفي المعين قولان، ويجزئ الصغير والكبير والمعيب والأنثى،
ولو نذر ألا يبيع مملوكه لزم فإن اضطر إلى بيعه جاز على رأي، ولو نذر الصدقة فأبرأ
غريما مستحقا بنية التصدق أجزأ.
الفصل الثالث: في العهد:
وحكمه حكم اليمين، وصورته أن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله أنه متى
كان كذا فعلي كذا أو على عهد الله أن أفعل كذا، فإن كان ما عاهد عليه فرضا أو
ندبا أو ترك مكروه أو ترك حرام أو فعل مباح متساو في الدين أو الدنيا أو راجح
241

انعقد وإن كان بضد ذلك لم ينعقد كأن يعاهد على فعل حرام أو ترك واجب، ولو كان
المباح الذي عاهد عليه تركه أرجح من فعله فليتركه ولا كفارة عليه سواء كان
الرجحان في مصلحة الدين أو الدنيا، ولا ينعقد إلا باللفظ على رأي وتشترط
صدوره ممن يصح نذره، ولا بد فيه من النية.
المقصد الثالث: في الكفارات: والنظر في أطراف:
الطرف الأول: في أقسامها:
وهي إما مرتبة أو مخيرة أو ما حصل فيها الأمران وكفارة الجمع.
فالمرتبة ثلاث كفارات: الظهار وقتل الخطأ، ويجب فيهما العتق أولا فإن لم
يجد فالصوم شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، وكفارة من أفطر يوما
من قضاء شهر رمضان بعد الزوال وهي إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة
أيام متتابعات.
والمخيرة كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان مع وجوب صومه، والنذر المعين
على رأي وخلف النذر والعهد على رأي، ويجب في كل منهما عتق رقبة أو إطعام
ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين، وما يحصل فيه الأمران كفارة اليمين ويجب
بالحنث فيها عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز عن الثلاثة
صام ثلاثة أيام.
وأما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما وهي عتق رقبة وصوم
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا، وعندي أن إفطار يوم من شهر رمضان
عمدا على محرم كذلك.
ومن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو أحد الأئمة ع لم
ينعقد ولا يجب بها كفارة ويأثم وإن كان صادقا، وقيل يجب كفارة ظهار فإن
عجز فكفارة يمين إذا حنث، وروي إطعام عشرة مساكين ويستغفر الله تعالى، وقيل
242

في جز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار وقيل كفارة كبيرة مخيرة وقيل لا
كفارة، وهل يتناول الحكم البعض أو الجميع؟ إشكال، ويجب في نتف شعرها في
المصاب كفارة يمين وكذا في خدش وجهها فيه وشق الرجل ثوبه في موت ولده
وزوجته.
ومن تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصوع من دقيق وجوبا على
رأي، ومن نام عن العشاء حتى خرج نصف الليل أصبح صائما ندبا على رأي،
وكفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين، ومن ضرب عبده فوق الحد استحب عتقه كفارة
لفعله، وفي اعتبار أي حد أو حد الحرية إشكال، وخصال الكفارة إما عتق أو صوم
أو إطعام أو كسوة.
الطرف الثاني: في العتق: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الأوصاف:
يتعين على واجد العتق في الكفارات المرتبة عتق من اجتمع فيه الاسلام
والسلامة وتمامية الملك، ويحصل الوجدان بملك الرقبة أو الثمن مع وجود بائع
ويجب على التخيير في المخيرة.
أما الاسلام فهو شرط في كفارة القتل إجماعا وفي غيرها على الأقوى. وهل
يعتبر الإيمان؟ الأقوى ذلك، ويجزئ الذكر والأنثى والصحيح والسقيم والشاب
والكبير حتى لو بلغ حد التلف أجزأ عتقه، ولو أعتق من لا حياة له مستقرة
فالأقرب عدم الاجزاء، ويجزئ الصغير حتى المولود مع إيمان أحد أبويه، وفي رواية
لا يجزئ في القتل إلا البالغ الحنث، ولا يجزئ الحمل وإن كان بحكم المسلم.
ويكفي في الاسلام الشهادتان ولا يشترط التبري من غير الاسلام ولا
الصلاة، ويكفي إسلام الأخرس المتولد من كافرين بالإشارة بعد بلوغه، ولا يكفي
إسلام الطفل بين كافرين وإن كان مراهقا على إشكال، ويفرق بينه وبين أبويه
243

وإن كان بحكم الكافر لئلا يرداه عن عزمه، ولا يحكم بإسلام المسبي من أطفال
الكفار بإسلام السابي سواء انفرد به عن أبويه أو لا، ويجزئ ولد الزنى المسلم على
رأي.
وأما السلامة من العيوب فإنما يشترط السلامة من عيب يوجب عتقه وهو
العمى والجذام والإقعاد والتنكيل من مولاه خاصة، ويجزئ من عداه كالأصم
والمجنون والأعور والأعرج والأقطع والأخرس، ولا يجزئ
أقطع الرجلين ويجزئ أقطع اليدين مع رجل.
وأما تمامية الملك فلا يجزئ المكاتب، وإن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد،
والأقرب فيهما وفي المدبر الاجزاء وإن لم ينقض تدبيره على رأي، ويجزئ الآبق
وأم الولد والموصى بخدمته على التأبيد، وشقص من عبد مشترك مع يساره إذا نوى
التكفير إن قلنا أنه يعتق بالاعتقاق وإن قلنا بالأداء ففي إجزائه عنده إشكال ينشأ
من عتق الحصة بالأداء لا بالإعتاق، ولو كان معسرا صح العتق في حصته ولم يجز عن الكفارة وإن أيسر بعد ذلك لاستقرار الرق في نصيب الشريك، ولو ملك
النصيب فنوى إعتاقه عن الكفارة صح، وإن تفرق العتق لأنه أعتق رقبة فيجزئ
نصفان من عبد دفعتين ولا يجزئ نصفان من عبدين مشتركين، ولو أعتق نصف
عبده عن الكفارة نفذ العتق في الجميع وأجزأ.
ويجزئ المغصوب دون المرهون ما لم يجز المرتهن وإن كان الراهن موسرا على
رأي، والجاني خطأ إن نهض مولاه بالفداء وإلا فلا، ولا يصح الجاني عمدا إلا
بإذن الولي ولو قال: أعتق عبدك عني، فقال: أعتقت عنك، صح ولم يكن له
عوض ولو شرط عوضا مثل: وعلي عشرة، لزمه ولو تبرع فأعتق عنه من غير مسألة
قيل صح العتق عن المعتق دون المعتق عنه سواء كان حيا أو ميتا.
ولو أعتق الوارث من ماله عن الميت صح عن الميت وإن لم يكن من ماله
ولعل بينهما فرقا، وهل ينتقل الملك إلى الآمر قبل العتق؟ قيل نعم، فيحصل بقوله:
244

أعتقت عنك الملك، أولا للآمر ثم العتق ومثله: كل هذا الطعام، ولو قال: أعتق
مستولدتك عني وعلي ألف، فأعتق فإن قلنا: بالملك، ومنعناه مطلقا في أم الولد
نفذ عنه لا عن الآمر ولا عوض ويحتمل البطلان، ولو قال: إذا جاء الغد فأعتق
عبدك عني بألف، فأعتقه عنه عند مجئ الغد نفذ العتق وأجزأ وله العوض ولو
أعتقه قبل الغد نفذ لا عن الآمر ولم يستحق عوضا، ولو قال: أعتق عبدك عني على
خمر أو مغصوب، نفذ العتق ورجع إلى قيمة المثل على إشكال.
المطلب الثاني: في الشرائط:
وهي ثلاثة: النية والتجريد عن العوض وأن لا يكون السبب محرما،
ويشترط في النية القربة والتعيين مع تعدد الواجب، فلو كان عليه عتق عن كفارة
ونذر أو عن كفارتين مختلفتين فلا بد من التعيين، أما لو اتفقت الكفارتان لم يجب
كإفطار يومين من رمضان أو قتلي خطأ، فإنه يجزئ نية التكفير عن قتل الخطأ وعن
الإفطار وإن لم يعين إفطار اليوم الأول أو الثاني أو قتل زيد أو عمرو.
ولا يصح عتق الكافر عن الكفارة لعدم صحة التقرب منه سواء كان ذميا أو
حربيا أو مرتدا، ولو أعتق وشرط عوضا لم يجز عن الكفارة مثل أنت حر وعليك
كذا، وفي العتق نظر فإن قلنا به وجب العوض، ولو قيل له: أعتق مملوكك عن
كفارتك وعلي كذا، ففعل كذلك لم يجز عن الكفارة، وفي نفوذ العتق إشكال
ومعه الأقرب لزوم العوض، ولو رده بعد قبضه لم يجز عن الكفارة، ولو كان سبب
العتق محرما بأن نكل بعبده بأن قلع عينيه أو قطع رجليه ونوى التكفير انعتق ولم
يجزئ عن الكفارة.
فروع:
أ: لو أعتق عبدا عن إحدى كفارتيه صح على القول بعدم التعيين، ولو كان
245

عليه ثلاث كفارات مساوية فأعتق ونوى التكفير مطلقا ثم عجز فصام شهرين بنية
التكفير المطلق ثم عجز فتصدق على ستين كذلك أجزأه عن الثلاث.
ب: لو كان عليه كفارة ظهار وإفطار رمضان فأعتق ونوى التكفير فالأقرب
عدم الاجزاء لعدم التعيين وللاختلاف حكما، ولو سوغناه ففي وقوعه عن الظهار
إشكال أقربه الوقوع عما نواه وهو المطلق، وحينئذ لو عجز فالأقرب وجوب الصوم
عينا ولو لم يعجز فالأقرب وجوب العتق.
ج: لو كان عليه كفارة واشتبه القتل أو الظهار نوى بالعتق التكفير، ولو
شك بين ظهار ونذر فنوى التكفير لم يجزئ ولو نوى إبراء ذمته أجزأ، ولو نوى
العتق مطلقا أو الوجوب لم يجزئ ولو نوى العتق الواجب أجزأ.
د: لو كان عليه كفارتان فأعتق نصف عبد عن إحديهما ونصف الآخر عن
الأخرى صح ويسري العتق إليهما، وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفارة معينة صح
لأنه ينعتق كله.
ه‍: لو اشترى أباه أو غيره ممن ينعتق عليه ونوى به التكفير ففي الاجزاء
إشكال ينشأ من أن نية العتق تؤثر في ملك المعتق لا في ملك غيره والسراية سابقة
فلا تصادف النية ملكا.
و: لو أعتق أحد عبديه عن كفارته صح وعين من شاء.
ز: لو اشترى بشرط العتق لم يجزئ، عتقه عن الكفارة.
الطرف الثالث: في الصيام:
وإذا فقد الرقبة والثمن أو لم يجد باذلا للبيع وإن وجد الثمن انتقل فرضه
في المرتبة إلى صيام شهرين متتابعين، ولو وجد الرقبة وهو مضطر إلى خدمتها أو
وجد الثمن واحتاج إليه لنفقته وكسوته لم يجب العتق، وسواء كانت الحاجة
لزمانة أو كبر أو مرض أو جاه أو احتشام وارتفاع عن مباشرة الخدمة، وإن كان
246

من أوساط الناس ويعتق على من جرت عادته بخدمة نفسه إلا مع المرض، ولو
كان الخادم كثير الثمن يمكن شراء خادمين بثمنه يخدمه أحدهما ويعتق الآخر عن الكفارة احتمل وجوب البيع.
ولو كان له دار سكنى أو ثياب جسد لم يلزم بيعها، ولو فضل من الثياب
ما يستغني عنه ويمكن شراء عبد بثمنه وجب بيعه، ولو كانت دار السكنى أو ثياب
الجسد التي يعتاد مثله لبس دونها غالية الثمن وأمكن تحصيل العوض والرقبة
بالثمن وجب البيع، ولو كان له ضيعة يستنميها أو مال تجارة يتضرر بصرف ثمنها
في العتق لم يجب، ولو وجد الرقبة بأكثر من ثمن المثل ولا ضرر فالأقرب وجوب
الشراء مع احتمال عدمه لحرمة المال، ولو وجد الثمن وافتقر في الشراء إلى الانتظار
لم يجز الانتقال إلى الصوم إلا مع الضرر. كالظهار، وكذا لو كان ماله غائبا ووجد
من يبيعه نسيئة وجب الشراء وكذا لو وجد من يدينه مع وجود العوض ولا يجب
من دونه ولا قبول الهبة.
ولو انعتق نصفه ووجد بالجزء الحر مالا وجب عليه العتق والاعتبار في القدرة
بحال الأداء، فلو عجز بعد اليسار صام ولم يستقر العتق في ذمته ولو كان عاجزا
وقت الوجوب ثم أيسر قبل الصوم وجب العتق، ولو أعتق العبد ثم أيسر قبل الصوم
فالأقرب وجوب العتق، ولو شرع العاجز في الصوم ثم تمكن لم يجب الانتقال بل
يستحب وإذا تحقق العجز عن العتق وجب في الظهار.
وقتل الخطأ على الحر صوم شهرين متتابعين ذكرا كان أو أنثى وعلى المملوك
صوم شهر واحد ذكرا كان أو أنثى، ولو أعتق قبل الأداء فكالحر ولو أعتق بعد
التلبس فكذلك على إشكال، أما لو أفسد ما شرع فيه من الصوم فإنه يجب له
الشهران قطعا وكذا لو أيسر وأفسد تعين العتق، ولا يجب نية التتابع بل يكفيه
كل ليلة نية صوم غد عن الكفارة ولا يجزئه نية الصوم المفروض، ويتخير بين صوم
شهرين هلاليين أو ثلاثين يوما وشهرا هلاليا، ويجب التتابع بأن يصوم شهرا
247

متتابعا ومن الثاني شيئا ولو يوما. وهل يجوز تفريق الباقي؟ قولان ولا خلاف في
إجزائه، ولو أفطر في أثناء الأول أو بعده قبل أن يصوم من الثاني شيئا فإن كان
مختارا استأنف ولا كفارة وإن كان لعذر كمرض أو سفر ضروري أو حيض بنى،
السفر الاختياري قاطع للتتابع وفي نسيان النية إشكال.
ولا ينقطع بإفطار الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد على
رأي، ولا بالإكراه على الإفطار سواء وجر الماء في حلقه أو ضرب حتى شرب أو
توعد عليه، وينقطع التتابع بصوم زمان لا يسلم فيه الشهر واليوم عن وجوب إفطار
في أثنائه شرعا كالعيد أو وجوب صوم كذلك كرمضان، ولا ينقطع بنذر الأثانين
دائما ولو نذر أثانين سنة ففي وجوب الصبر حتى يخرج إشكال أقربه الوجوب إلا مع
الضرر، فلو صام يوما في أثناء الشهر واليوم لا بنية الكفارة انقطع تتابعه وعليه
الاستئناف إلا في الأثانين وشبهها، ولو حاضت في أثناء الثلاثة الأيام في كفارة
اليمين فالأقوى انقطاع تتابعها، ووطء المظاهر يقطع التتابع وإن كان ليلا على
رأي.
الطرف الرابع: في الإطعام:
وإذا عجز في المرتبة عن الصيام انتقل فرضه إلى الإطعام، ويجب إطعام ستين
مسكينا لكل مسكين مد وقيل مدان حال القدرة ومد مع العجز، ولو عجز عن
الصيام بمرض يرجى زواله لم يجز الانتقال إلى الإطعام إلا مع الضرر كالظهار،
والصحيح إذا خاف الضرر بالصوم انتقل إلى الإطعام بخلاف رمضان، ولو خاف
المظاهر الضرر بترك الوطء مدة وجوب التتابع لشدة شبقه فالأقرب الانتقال إلى
الإطعام، ولو تمكن من الصوم بعد إطعام بعض المساكين لم يجب الانتقال وكذا لو
تمكن من الرقبة، ولو وطئ في أثناء الإطعام لم يلزمه الاستئناف والأقرب وجوب
كفارة أخرى.
248

ويجب في المساكين الاسلام والإيمان ولا يجب العدالة، وهل يجزئ الفقراء؟
إشكال إلا إن قلنا بأنهم أسوأ حالا، ولا يجوز الصرف إلى ولد الغني ومن تجب
نفقته عليه ومملوكته والأقرب جوازه لمكاتبه المعسر، ولا يجوز صرفها إلى الغني وإن
استحق سهما في الزكاة أما عبد الفقير فإن جوزنا تمليكه قبول الهبة أو أذن له مولاه
جاز وإلا فلا، ولا يجوز صرفها إلى من تجب عليه نفقته إلا مع فقر المكفر على
إشكال، ويجوز أن تصرف المرأة إلى زوجها ويجب إعطاء العدد المعتبر ستين مسكينا
لا ما دونه وإن زاد على الواجب، ولا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة إلا
مع عدم التمكن من العدد سواء كرر في يوم أو أيام، ولا يجوز إطعام الصغار
منفردين ويجوز منضمين فإن انفردوا احتسب كل اثنين بواحد، والإناث كالذكور
وإذا أراد الوضع في صغير لم يسلمه إليه بل إلى وليه، ولو ظهر عدم استحقاق الأخذ
فإن كان قد فرط ضمن وإلا فلا.
ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله ويجوز من غالب قوت البلد، وتجزئ
الحنطة والدقيق والشعير والتمر والدخن ولا تجزى القيمة، ويستحب الإدام مع
الطعام وأعلاه اللحم وأوسطه الخل وأدونه الملح، ولو صرف إلى مسكين مدين
فالمحسوب مد وفي استرجاع الزائد إشكال، ولو فرق على مائة وعشرين مسكينا
لكل واحد نصف مد وجب تكميل ستين منهم وفي الرجوع على الباقين إشكال،
ويجوز إعطاء العدد مجتمعين ومتفرقين إطعاما وتسليما.
ولو دفع إلى ستين مسكينا خمسة عشر صاعا وقال: ملكت كل واحد مدا فخذوه أو ملكتكم هذا
فخذوه، ونوى التكفير أجزأ ولو قال: خذوه، فتناهبوا فمن
أخذ منهم قدر مد احتسب وعليه التكميل لمن أخذ أقل، ولو أدى وظائف الكفارة
بمد واحد بأن يسلمه إلى واحد ثم يشتريه ويدفعه إلى آخر وهكذا أجزأه لكنه
مكروه، ويجوز إعطاء الفقير من الكفارات المتعددة دفعة وإن زاد على الغنى ولو
فرق حرم الزائد عليه، ويستحب تخصيص أهل الخير والصلاح ومن بحكمهم من
249

أطفالهم.
تتمة: كفارة اليمين مخير بين العتق والإطعام والكسوة، فإذا كسا الفقير وجب
أن يعطيه ثوبين مع القدرة وواحدا مع العجز وقيل يجزئ مطلقا، ولا يجزئ ما
لا يسمى ثوبا كالقلنسوة والخف، ويجزئ الغسيل من الثياب ويجزئ القميص
والسروال والجبة والقباء والإزار والرداء من صوف أو كتان أو حرير ممتزج
وخالص للنساء وغير ذلك ما جرت العادة بلبسه كالفرو من جلد ما يجوز لبسه وإن
حرمت الصلاة فيه، ولا يجزئ ما يعمل من ليف وشبهه ولا يجزئ البالي ولا
المرقع، ويجزئ كسوة الأطفال وإن انفردوا عن الرجال مع المكنة، ولا يجب
تضاعف العدد.
الطرف الخامس: في اللواحق:
يجب تقديم الكفارة على المسيس في الظهار سواء كفر بالعتق أو الصوم أو
الإطعام، وتأخيرها عن نية العود، فلو ظاهر وكفر قبل نية العود لم يجزئه، ولا يجب
كفارة اليمين إلا بعد الحنث ولو كفر قبله لم يجزئه وكذا لا يجزئ لو قال: إن شفى
الله مريضي أن أعتق هذا العبد، فأعتقه قبله، ويجب عليه كفارة خلف النذر إن
عوفي مريضه ويصح العتق السابق وفي وجوب عتق عوضه إشكال، ولو باعه ففي
صحته إشكال وكذا في عتق عوضه، ولو مات العبد قبل الشفاء سقط النذر ولو
جرح فكفر قبل الموت لم يجزئه، ولو أراد حلق رأسه لأذى أو اللبس للضرورة ففي
جواز التقديم إشكال، وكذا الحامل والمرضع لو عزمتا على الإفطار فقدمتا الفدية.
ولا يجوز أن يكفر بجنسين في كفارة واحدة وإن كان مخيرا كأن يطعم خمسة
ويكسو خمسة، وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر
يوما فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد من طعام فإن عجز استغفر الله تعالى ولا شئ
عليه، ولو مات من عليه كفارة مرتبة اقتصر على أقل رقبة تجزئ فإن أوصى بالأزيد
250

ولم يجزئ الوارث أخرج المجزئ من الأصل والزائد من الثلث سواء وجب التكفير في
المرض أو الصحة، ويقتصر في المخيرة على أقل الخصال قيمة، ولو أوصى بالأزيد
أخرج الزائد من الثلث فإن قام المجموع بما أوصى وإلا بطلت في الزائد ووجبت
الدنيا ويحتمل الوسطى مع النهوض.
وإذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق ففرضه الصوم في المخيرة والمرتبة،
فإن كفر بغيره من إطعام أو عتق أو كسوة بإذن المولى صح على رأي وإلا فلا
وكذا يبرأ لو أعتق عنه المولى، ولو حلف بغير إذن مولاه لم ينعقد على قول علمائنا،
فإن حنث فلا كفارة ولا بعد العتق وإن لم يأذن له المولى فيه، ولو أذن في اليمين
انعقدت فإن حنث باذنه كفر بالصوم ولم يكن للمولى منعه، ولو قيل بمنع المبادرة
أمكن، ولو حنث بغير إذنه قيل له منعه من التكفير وإن لم يكن الصوم مضرا وفيه
نظر، ولو حنث بعد الحرية كفر كالحر وكذا لو حنث ثم أعتق قبل التكفير، ويكفي
ما يواري الرضيع إذا أخذ الولي له فإن أخذ لنفسه ففي الاجزاء نظر.
ولو أفطر ناذر صوم الدهر في بعض الأيام غير رمضان لعذر فلا قضاء عليه ولا
فدية ولا كفارة، ولو تعمد كفر ولا قضاء والأقرب وجوب فدية عنه لتعذر الصوم
فكان كأيام رمضان إذا تعذر قضاؤها، فلو أفطر في رمضان قضى ولا يلزمه فدية
بدل اليوم الذي صام فيه عن القضاء إن كان إفطاره لعذر وإلا وجبت على
إشكال، ولا كفارة على إشكال إلا في إفطار رمضان إلا أن يكون السفر اختيارا
فيفدي ولا كفارة، ولو أفطر يوما معينا بالنذر فالأقوى مساواة رمضان أما لو لم
يصمه فالأقوى كفارة يمين ويقضي، وكفارة اليمين والعهد واحدة وفي كفارة النذر
قولان: أحدهما كفارة اليمين والثاني كرمضان وقيل: بالتفصيل.
251

اللمعة الدمشقية
في فقه الإمامية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين
مكي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد المطلبي
العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
253

كتاب الكفارات
فالمرتبة: كفارة الظهار وقتل الخطأ، وخصالها خصال كفارة الإفطار في رمضان:
العتق فالشهران فالستون، وكفارة من أفطر في قضاء رمضان بعد الزوال وهي: إطعام
عشرة مساكين ثم صيام ثلاثة أيام.
والمخيرة: كفارة شهر رمضان وخلف النذر والعهد، وفي كفارة جزاء الصيد خلاف،
وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجز فصيام ثلاثة
أيام، وكفارة الجمع لقتل المؤمن عمدا ظلما وهي: عتق رقبة وصيام شهرين وإطعام
ستين مسكينا. والحالف بالبراءة من الله ورسوله والأئمة ع يأثم ويكفر
كفارة ظهار، فإن عجز فكفارة يمين على قول، وفي توقيع العسكري ع: يطعم
عشرة مساكين ويستغفر الله تعالى. وفي جز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار، وقيل:
مخيرة. وفي نتفه أو خدش وجهها أو شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين،
على قول. وقيل: من تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصواع دقيقا، ومن نام
عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما، وكفارة ضرب العبد فوق الحد عتقه
مستحبا، وكفارة الإيلاء كفارة اليمين.
ويتعين العتق في المرتبة بوجدان الرقبة ملكا أو تسبيبا، ويشترط فيها: الاسلام
والسلامة من العمى والإقعاد والجذام والتنكيل والخلو عن العوض. وتجب النية والتعين
ومع العجز يصوم شهرين متتابعين، ومع العجز يطعم ستين مسكينا إما إشباعا أو تسليم
مد إلى كل واحد، وإذا كسى الفقير فثوب ولو غسيلا إذا لم ينخرق، وكل من وجب
255

عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدق عن كل يوم
بمد، فإن عجز استغفر الله.
256

كتاب النذر وتوابعه
وشرط الناذر: الكمال والاختيار والقصد والإسلام والحرية إلا أن يجيز المالك أو
تزول الرقبة، وإذن الزوج كإذن السيد، والصيغة: إن كان كذا فلله على كذا.
وضابطه: أن يكون طاعة أو مباحا راجحا مقدورا للناذر، والأقرب احتياجه إلى اللفظ
وانعقاد التبرع. ولا بد من كون الجزاء طاعة والشرط سائغا إن قصد الشكر، وإن قصد
الزجر اشترط كونه معصية أو مباحا راجحا فيه المنع.
والعهد كالنذر وصورته: عاهدت الله أو على عهد الله.
واليمين وهي الحلف بالله كقوله: ومقلب القلوب والأبصار، والذي نفسي بيده
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة. أو باسمه كقوله: والله، وبالله، وتالله، وأيمن الله، وأقسم
بالله، وبالقديم، أو الأزلي، أو الذي لا أول لوجوده. ولا ينعقد بالموجود والقادر والعالم
ولا بالأسماء المخلوقات الشريفة. واتباع مشيئة الله تمنع الانعقاد، والتعلق على مشيئة
الغير يحبسها، ومتعلق اليمين كمتعلق النذر.
257

فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
259

باب العتق والتدبير والمكاتبة:
أروي عن العالم ع أنه قال: لا عتق إلا لمؤمن، من أعتق رقبة مؤمنة أنثى
كانت أو ذكرا أعتق الله بكل عضو من أعضائه عضوا منه من النار، وصفة كتاب العتق:
بسم الله الرحمن الرحيم، إن فلان بن فلان أعتق فلانا أو فلانة غلامه أو جاريته لوجه الله
لا يريد منه جزاء ولا شكورا على أن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويحج البيت، ويصوم شهر
رمضان ويتولى أولياء الله ويتبرأ من أعداء الله.
ولا يكون العتق إلا لوجه الله خالصة، ولا عتق لغير الله، ولا يمين في استكراه ولا
على سكر ولا على عصبية ولا على معصية.
والتدبير أن يقول الرجل لعبده أو لأمته: أنت مدبر في حياتي وحر بعد موتى على سبيل
العتق لا يريد بذلك إلا ما شرحناه، والمدبر مملوك للمدبر فإن كان مؤمنا لم يجز له بيعه وإن لم
يكن مؤمنا جاز بيعه متى ما أراد المدبر وما دام هو حي لا سبيل لأحد عليه، ونروي: أن المدبر
إذا باع المدبر أن يشترط على المشتري أن يعتقه عند موته.
والمكاتب حكمه في الرق والمواريث حكم الرق إلى أن يؤدى النصف من مكاتبته فإذا
أدى النصف صار حكمه حكم الأحرار لأن الحرية إذا صارت والعبودية.
261

سواء غلبت الحرية على العبودية فصار حرا في نفسه وأنه إذا أعتق عتقاء جاز فإن
شرط أنهم أحرار فالشرط أملك، وعلى، وعلى ما بقي من المكاتبة أداة حتى يستتم ما وقعت
المكاتبة عليه وإنما بلغت الحرية في النصف وما بعده إذا لم يمكنه أداء ما يبقى عليه فكان
ممنوعا من البيع وإن مات أجري مجرى الأحرار، وبالله التوفيق.
262

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
263

باب العتق والتدبير والمكاتبة والولاء وغير ذلك
اعلم أن من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو، عضوا من النار. وإن كانت أنثى
أعتق الله بكل عضوين منها عضوا من النار، لأن المرأة بنصف الرجل.
فإذا أعتقت فاكتب كتاب العتق كما كتب جعفر بن محمد ع: هذا ما
أعتق جعفر بن محمد. أعتق فلانة أو فلانا غلامه، لوجه الله لا يريد منه جزاء ولا شكورا،
على أن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويحج البيت ويصوم شهر رمضان ويتولى أولياء الله
ويتبرأ من أعداء الله. شهد فلان وفلان وفلان ثلاثة.
فإن أعتق رجل مملوكه عند موته وعليه دين وقيمة العبد ستمائة درهم ودينه
خمسمائة، فإنه يباع العبد. فيأخذ الغرماء خمسمائة وتأخذ الورثة مائة فإن كانت قيمة
العبد ستمائة درهم ودينه أربعمائة درهم فيأخذ الغرماء أربعمائة وتأخذ الورثة مائتين ولا
يكون للعبد شئ. فإن كانت قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم واستوى مال
الغرماء ومال الورثة مال الورثة أكثر مال الغرماء، لم يتهم الرجل
على وصيته وأجيزت على وجهها ويوقف العبد فيكون نصفه للغرماء وثلثه للورثة
ويكون له السدس من نفسه.
وإن ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن الميت أعتقه، فإن كان هذا الشاهد
265

مرضيا، لم يضمن وجازت شهادته في نصيبه واستسعى العبد فيما كان لغيره من الورثة.
وإذا كانت بين الرجلين جارية، فأعتق أحدهما نصيبه، فقالت الجارية للذي
أعتق: لا أريد أن تقومني ذرني كما أنا أخدمك. وأراد الذي لم يعتق نصفه، أن يستنكحها
فلا يجوز له أن يفعل ذلك، لأنه لا يكون للمرأة فرجان. ولا ينبغي له أن يستخدمها ولكن
يقومها فيستسعيها.
ومن كان شريكا في عبد أو جارية فأعتق حصته وله سعة، فليشتر حصة صاحبه
وليعتقه كله. وإن لم يكن له سعة في مال، ينظر إلى قيمة العبد كم كانت يوم أعتق نصفه،
ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق كله.
واعلم أن من أعتق رجلا سائبة، فليس عليه من جريرته شئ ولا له من ميراثه
شئ وليشهد على ذلك. ومن تولى رجلا ورضي بذلك، فجريرته عليه وميراثه له. وقال
النبي ص: الولاء لمن أعتق. وإذا اشترى رجل عبدا وله أولاد من امرأة حرة
فأعتقه، فإن ولاء ولده لمن أعتقه.
فإن قال رجل لغلامه: أعتقك على أن أزوجك جاريتي، فإن نكحت عليها أو
اشتريت جارية فعليك مائة دينار. وأعتقه على هذا. فنكح أو اشترى، فعليه الشرط. وإذا
أعتق الرجل جاريته وشرط عليها أن تخدمه خمس سنين، فأبقت ثم مات الرجل فوجدها
ورثته، فليس لهم أن يستخدموها.
واعلم أنه لا عتق إلا ما أريد به وجه الله عز وجل.
وإذا كانت للرجل أمة فيقول يوما: إن آتيها فهي حرة. ثم يبيعها من رجل ثم
يشتريها بعد ذلك. فلا بأس بأن يأتيها. قد خرجت من ملكه. فإن قال: أول مملوك أملكه فهو
حر، فورث سبعة مماليك، فإنه يقرع بينهم ويعتق الذي قرع.
فإن زوج أمته من رجل وشرط له: إن ما ولدت فهو حر. فطلقها زوجها، أو مات
عنها، فزوجها من رجل آخر، فإن منزلتهم منزلة الأم وهم عبيد، لأنه جعل ذلك للأول وهو في
الآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك.
وقال رسول الله ص: لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك.
266

فإن أعتق رجل عبده وله مال، فإن كان حين أعتقه علم أن له مالا، تبعه ماله،
وإلا فهو له. وإن لم يعلم أن له مالا وأعتقه ومات، فماله لولد سيده.
واعلم أن المملوك إذا عمي فقد عتق.
ولا بأس ببيع المدبر إذا كان على من دبره دين ورضي المملوك. وإذا أعتق الرجل
غلامه أو جاريته عن دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه، فليس له أن يبيعه، إلا أن يشترط على
الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته.
فإذا دبرت امرأة جارية لها، فولدت الجارية جارية نفيسة، فإن كانت الجارية حبلى
قبل التدبير ولم يذكر ما في بطنها، فالجارية مدبرة وما في بطنها رق، وإن كان التدبير قبل
الحمل ثم حدث الحمل فالولد مدبر مع أمه، لأن الحمل حدث بعد التدبير.
واعلم أن التدبير بمنزلة الوصية، وللرجل أن يرجع في وصيته متى شاء.
وروي أن العبد والجارية إذا أعتقا عن دبر، فلمولاهما أن يكاتب العبد إن شاء
وليس له أن يبيعه قدر حياته، إلا أن يشاء العبد، وله أن يأخذ ماله إن كان له مال.
وسئل أبو عبد الله ع عن امرأة أعتقت ثلث جاريتها عند موتها أعلى
أهلها أن يكاتبوها إن شاؤوا أو أبوا؟ قال: لا ولكن لها ثلثها وللوارث ثلثاها و
ألا يستخدمها بحساب ماله فيها ويكون لها من نفسها بحساب ما أعتق منها.
وسئل عن الرجل يكون له الخادم فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي
حرة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين، ثم تجدها ورثته. أ لهم أن
يستخدموها بعد ما أبقت؟ قال: لا إذا مات الرجل فقد عتقت.
وإذا قال الرجل لعبده: إن حدث في حدث فأنت حر وعلى الرجل تحرير رقبة في
كفارة يمين أو ظهار، فلا يجوز الذي جعل له في ذلك.
ولا بأس أن يطأ السيد المدبرة.
وإن كاتب رجل عبده واشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق، فله شرطه. ينتظر
بالمكاتب ثلاثة أنجم. فإن هو عجز رد رقيقا. وروي إذا عجز عن مكاتبته فعلى الإمام أن
يؤدى عنه من سهم الرقاب.
267

وإذا توفيت مكاتبة وقد قضت عامة الذي عليها وقد ولدت ولدا في مكاتبتها فإنه
يعتق منه مثل الذي عتق منها ويسترق منه ما رق منها.
وسئل أبو عبد الله ع عن قول الله تبارك وتعالى: وآتوهم من مال الله
الذي آتاكم. قال الذي أضمرت أن تكاتبه عليه لا تقول: " أكاتبه بخمسة آلاف وأترك ألفا
له. ولكن أنظر الذي أضمرت عليه فأعطه منه.
وروي في تفسير قول الله عز وجل: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا. إن علمتم لهم.
مالا وروي في تفسيرها أن إذا رأيتموهم يحبون آل محمد ص فارفعوهم درجة.
والمكاتب يجوز عليه جميع ما شرطت عليه. ولو أن رجلا كاتب مملوكا واشترط عليه أن لا يبرح إلا باذنه حتى يؤدى مكاتبته، لما جاز له
أن يبرح إلا باذنه.
وإن مات مكاتب وقد أدى بعض مكاتبته. وله ابن من جارية وترك مالا. فإن ابنه
يؤدى عنه ما بقي من مكاتبة أبيه ويعتق ويرث ما بقي.
وإن كاتب رجل عبدا على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق
الأمة وتزوجها، فإنه لا يصلح أن يحدث في ماله إلا الأكل من الطعام ونكاحه فاسد مردود.
وإن كان سيده علم بنكاحه وصمت ولم يقل شيئا فقد أقر. فإن عتق المكاتب قد مضى على
النكاح الأول.
واعلم أن الرجل لا يملك أبويه ولا ولده ولا أخته ولا ابنة أخته ولا عمته ولا
خالته. ويملك ابن أخيه وعمه وخاله. ويملك أخاه من الرضاعة. ولا يملك أمه من الرضاعة.
وما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع. ولا يملك من النساء ذات محرم ويملك الذكور ما
خلا الوالد والولد. وقال أبو عبد الله ع في امرأة أرضعت ابن جاريتها: إنها
تعتقه. وروي في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها أنه يحل بيعها.
وإذا أجذم العبد فلا رق عليه. وإذا أقر حر أنه عبد أخذ بما أقر به.
وإذا باع رجل مملوكا وله مال، فإن كان علم مولاه الذي باعه أن له مالا فالمال
للمشتري، وإن لم يعلم البائع فالمال له.
وسئل موسى بن جعفر ع عن بيع الولاء فقال: لا يحل ذلك.
268

ومن أعتق مملوكا لا حيلة له. فإن عليه أن يعوله حتى يستغني. وإن كان للرجل
مملوك نصراني وعليه الجزية أدى مولاه الجزية فيه.
وسئل أبو عبد الله ع عن السائبة، فقال: هو الرجل يعتق غلامه ثم يقول
له: اذهب حيث شئت ليس لي في ميراثك شئ ولا علي من جريرتك شئ. ويشهد على
ذلك شاهدين. وقال محمد بن علي ع في رجل أعتق بعض غلامه: أنه حر كله.
ليس لله شريك.
وسئل أبو جعفر ع عن المكاتب يشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق،
فعجز قبل أن يؤدى شيئا. قال: لا يرده في الرق حتى يمضى له ثلاث سنين، ويعتق منه مقدار
ما أدى، فإذا أدى صدرا فليس له أن يرد في الرق.
وقضى أمير المؤمنين ع في من نكل بمملوكه: أنه حر لا سبيل له عليه،
سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب. فإذا ضمن حدثه فهو يرثه. والمرأة إذا قطعت ثدي
وليدتها فهي حرة لا سبيل لمولاتها عليها.
قال أبو عبد الله ع في رجل توفي وترك جارية له أعتق ثلثها. فتزوجها
الوصي قبل أن يقسم شيئا من الميراث: أنها تقوم وتستسعي هي وزوجها في بقية ثمنها
بعد ما تقوم. فما أصاب المرأة من رق أو عتق جرى على ولدها. وقال في مملوكة بين
شريكين أعتق أحدهما نصيبه ولم يعتق الثاني: إنها تخدم الثاني يوما وتخدم نفسها يوما.
فإن ماتت وتركت مالا فنصفه للذي أعتق ونصفه للذي أمسك.
ولا يجوز للمسلم أن يعتق مشركا. وأفضل النسمة أن يعتق شيخا كبيرا أو شابا
أجرد.
وسئل الرضا ع عن رجل دبر مملوكا له تاجرا موسرا، فاشترى المدبر
جارية بأمر مولاه فولدت منه أولادا. ثم إن المدبر مات قبل سيده. فقال: أرى أن جميع ما
ترك المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبر. وأرى أن أم ولده رق للذي دبره. وأرى أن
ولدها مدبرون كهيئة أبيهم. فإذا مات الذي دبر أباهم فهم أحرار.
وسأل عمر بن يزيد أبا عبد الله ع عن رجل أراد أن يعتق عبده، وكان
269

يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة. ورضي المملوك والمولى بذلك. فأصاب المملوك في
تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة. قال: إذا أدى إلى سيده الذي فرض
عليه، فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. أ ليس الله تبارك وتعالى قد فرض على
الناس فرائض، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سوى ذلك؟ وقال له: فللمملوك أن يتصدق
مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي يؤديها إلى سيده؟ قال: نعم، وأجر ذلك له. قال: فإن
أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال: يذهب فيتولى إلى
من أحب، فإن ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه. فقال عمر بن يزيد: أ ليس رسول الله
ص قال: الولاء لمن أعتق؟ فقال: هذا سائبة، لا يكون الولاء للعبد. قال:
فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه يلزمه ذلك ويكون مولاه و يرثه؟ فقال لا يجوز
ذلك. لا يرث عبد حرا.
وقال علي بن أبي طالب ع: لا يجوز في العتاق الأعمى والأعور والمقعد.
ويجوز الأشل والأعرج.
وإذا أصاب الرجل عبدا آبقا فأخذه فأفلت العبد منه فليس عليه شئ. فإن أصاب
دابة قد سرقت من جار له فأخذها ليأتيه فنفقت فليس عليه شئ.
واعلم أن كل مسلم ابن مسلم إذا ارتد عن الاسلام وجحد محمدا
ص نبوته وكذبه، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه،
ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله إن
أتوا به ولا يستتيبه.
والمملوك إذا هرب ولم يخرج من مصره لم يكن آبقا.
وسئل أبو جعفر ع عن جارية مدبرة أبقت من سيدها سنين، ثم إنها
جاءت بعد ما مات سيدها بأولاد ومتاع كثير وشهد لها شاهدان أن سيدها قد كان دبرها في
حياته من قبل أن تأبق. فقال: أرى أنها وجميع ما معها للورثة. قيل: فلا تعتق من بيت
سيدها؟ قال: لا، إنما أبقت عاصية لله ولسيدها. فأبطل الإباق التدبير. وإذا أبق المملوك
وأحب صاحبه أن يعتقه في كفارة الظهار فلا بأس.
270

وقال الصادق ع: اكتب للآبق في ورقة أو قرطاس: بسم الله الرحمن
الرحيم. يد فلان مغلولة إلى عنقه، فإذا أخرجها. لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا
فما له من نور. ثم لفها واجعلها بين عمودين، ثم أدخلها في كوة في بيت مظلم في الموضع
الذي كان يأوي فيه.
وروي أن المرتد لا تؤكل ذبيحته وتعزل عنه امرأته كما ذكرناه. ويستتاب ثلاثا فإن
تاب، وإلا قتل يوم الرابع إن كان صحيح العقل.
271

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
273

باب العتق والتدبير والمكاتبة:
ومن كان له مملوك من عبد أو أمة فأراد عتقه فليكن ذلك لوجه الله عز وجل وليقصد به
القربة إليه، ولا يعتق عبدا كافرا فاجرا يتسلط بالحرية على أهل الدين، ويقوى بذلك على
معاصي الله عز وجل وليكن عتقه لأهل الإيمان والمستضعفين. ولا يقع العتق بيمين ولا على
غضب شديد ولا على إضرار وإفساد، ومن أعتق عبدا مؤمنا لوجه الله عز وجل أعتق الله
تعالى بعدد كل عضو من العبد عضوا من معتقه من النار.
وإذا أراد أن يكتب كتاب عتق فليكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لفلان بن
عبد الله أو فلانة بنت عبد الله - الزنجية أو الرومية أو الفلانية مثلا وينسبها إلى جيلها -
كتبه لها أو له فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره وانشراح صدره، إنني قد
أعتقتك لوجه الله عز وجل وابتغاء مرضاته ليعتق رقبتي من النار وأنت حر لوجه الله
عز وجل لا رق لي عليك بعد هذا العتق ولا سبيل إلا سبيل الولاء الواجب في شريعة الاسلام
فتصرف كيف شئت فيما أباحك الله تعالى إياه من وجوه التصرف فأنت أملك بنفسك مني
ومن كل أحد في معيشتك وتصرفك وأشهد الله جل اسمه على ذلك، ومن ثبت اسمه في
هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا.
275

وإن أعتق عبده في كفارة ظهار أو إفطار يوم من شهر رمضان أو قتل خطأ فهو سائبة
لا سبيل له عليه ولا ولاء، ويقول في كتابه: إنني قد أعتقتك في كفارة وجبت علي فأنت حر
لوجه الله تعالى لا ولاء لي عليك إلا أن تتوالاني مختارا لذلك فتولني أو من شئت من الناس
لا اعتراض لي عليك في ذلك، وإذا أعتق عبدا في نذر وجب عليه به عتقه فهو سائبة لا ولاء
عليه إلا أن يتوالاه مختارا لذلك، وإنما الولاء للسيد على من أعتقه تبرعا في غير كفارة ولا
نذر واجب.
ومن أعتق أمته وجعل عتقها مهرها وتزوجها على ذلك جاز عتقه وثبت نكاحه وكان
مهرها عتقها، وإن كان الأفضل في هذا أن يجعل مع العتق شيئا من ماله لها قل أم كثر، ويقول
عند عتقها على هذا الوجه: قد أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك، ويكتب لها في
كتاب هذا العتق: أقر فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمره أنه قد أعتق أمته فلانة بنت
فلان الفلانية وتزوجها وجعل عتقها صداقها فهي زوجته على ذلك ومولاته وله ولعصبته
من بعده ولاؤها وولاء عقبها.
ومن كان له عبد فأعتق نصفه أو ثلثه كان العبد بأسره حرا، وإذا كان العبد بين
شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد الشركاء حصته من العبد انعتق ملكه خاصة وألزم
ابتياع حصص الشركاء فإذا ابتاعها انعتق العبد بذلك ولم يبق فيه رق، وإن كان معسرا
استسعى العبد في باقي قيمته فإذا أداه إلى أصحابه انعتق، والمعنى في ذلك أنه يؤمر
بالتكسب حسب ما يتمكن منه فيؤدي إلى باقي الشركاء ما لهم من قيمته أو بعضها مما
يوافقونه عليه ثم يعتق بعد ذلك، فإن لم تكن له صناعة يتكسب بها مالا خدم ملاكه
بحساب رقه ويتصرف في نفسه بحساب ما أعتق منها إن شاء الله.
التدبير:
والتدبير هو أن يقول الرجل لعبده أو أمته: أنت رق في حياتي وحر أو حرة بعد وفاتي
فذلك جار مجرى الوصية له أن يرجع فيه إن رأى استرقاقه خيرا له، وإن لم يرجع فيه كان
العبد رقا في حياة السيد فإذا مات صار حرا بذلك القول المتقدم، ولمالك العبد أن يبيعه بعد
276

التدبير له غير أنه متى مات البائع صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه.
وأما المكاتبة:
فهو أن يكون العبد ذا صناعة أو تجارة أو مكسب فينجم عليه سيده مالا من مكسبه
على أنه إذا أداه فقد انعتق ويكتب بذلك كتابا عليه، فإن اشترط في الكتاب: إنك إن
عجزت عن الأداء أو ألططت به رجعت عبدا، فعجز عن الأداء بعد حلول الأجل أو ألط به
وقد حل الأجل كان عبدا على حاله قبل المكاتبة ولم يكن له الرجوع على سيده بشئ مما
قبضه منه، وإن لم يشترط عليه ذلك عتق منه بحساب ما أدى ورق بحساب ما بقي عليه من
الأداء، فلو زنى هذا المكاتب يجلد بحساب الحرية منه والرق، ولو قتل لأخذ منه بحساب
الحرية الدية ولزم مولاه الباقي منها، وإن مات وله مال وولد ورثوا منه بحساب الحرية فيه،
وكذلك إن مات وله قرابة حر ورث منه بحساب الحرية فيه.
وإن قال العبد لسيده: كاتبني كذا وكذا درهما، عليه كان كابتدائه إياه بالمكاتبة
من غير مسألة، ويستحب للمولى أن يهب له من مال مكاتبته شيئا يعينه به على فكاك رقبته
من الرق. قال الله عز وجل: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي
آتاكم، وإذا عجز المكاتب عن الأداء كان له سهم من الصدقات يستعين به على أداء ما عليه.
قال الله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب، يعني العتق والكتابة.
وإذا كاتب الرجل أمته فأدت من مكاتبتها شيئا حرم عليه وطؤها لأنه يعتق منها
بحساب ما أدت فلا يجوز استباحة فرجها حينئذ بملك اليمين وبعضها حر، ولا يصح
عليها عقد النكاح وبعضها رق له.
مختصر كتاب عتق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره طائعا غير مكره
277

لا يولي على مثله لمولاه فلان بن عبد الله الفلاني أو فلانة بنت عبد الله الفلانية، وهي أو هو
يومئذ في ملكه ويده: إنني أعتقتك لوجه الله عز وجل ورجاء رضاه وطلب ثوابه والدار الآخر
عتقا بتلا لا رجعة فيه ولا استثناء، فأنت حر لوجه الله لا سبيل لي ولا لأحد عليك في رق
ولا غيره إلا سبيل الولاء، فإن ولاءك وولاء عقبك لي ولعصبتي من بعدي وذلك في شهر
كذا من سنة كذا.
شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على فلان بن فلان بجميع ما تضمنه من العتق
وشروطه في التاريخ الفلاني.
فصل:
وإن كان العتق في كفارة لم يشترط فيه الولاء على ما قدمناه في باب العتق وكان
الكتاب مجردا منه إن شاء الله.
مختصر كتاب تدبير:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره طائعا غير مكره
ولا يولي على مثله لمولاه فلان بن عبد الله الفلاني أو مولاته فلانة بنت عبد الله الفلانية: إني
دبرتك فأنت مملوك أو مملوكة في حياتي وحر أو حرة لوجه الله بعد وفاتي لا سبيل لأحد عليك
إلا سبيل الولاء، فإن ولاءك وولاء عقبك لي ولعصبتي من بعدي.
شهد على إقرار فلان بن فلان من ثبت اسمه في هذا الكتاب وذلك في شهر كذا من
سنة كذا.
مختصر كتاب مكاتب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمر لمملوكه فلان بن عبد الله
278

الفلاني الذي صفته كذا وكذا: إنك سألتني أن أكاتبك على كذا وكذا دينارا مثاقيل وازنة
جيادا تؤديها إلى منجمة في كذا وكذا سنة كلما مضت سنة أذيت لي منها كذا وكذا دينارا،
أول نجومك التي تحل عليك وقت كذا وكذا وآخرها وقت كذا وكذا، فإذا أديت جميع
ما كاتبتك عليه وهو كذا وكذا فأنت حر لوجه الله عز وجل لا سبيل لي ولا لأحد عليك ولي
ولاؤك وولاء عقبك من بعدك، فإن عجزت عن نجم من هذا النجوم فلي فسخ مكاتبتك.
شهد على إقرار فلان بن فلان وفلان بن عبد الله الفلاني بذلك من ثبت اسمه في هذا
الكتاب وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
فصل:
وإن شاء المكاتب أو يجعل لكل شهر قسطا من الأداء فعل وذكره مفصلا وعينه إن شاء
الله، وإن لم يشترط فسخ المكاتبة بالعجز جاز والأمر في ذلك إليه.
279

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
281

كتاب العتق والتدبير والكتابة
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن العتق لا يقع إلا بقصد إليه وتلفظ به ولا يقع مع الغضب
الشديد الذي لا يملك معه الاختيار ولا مع الإكراه ولا في السكر ولا على جهة اليمين،
وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا بعد الاجماع من الطائفة كل شئ دللنا به على أن الطلاق لا يقع مع هذه الوجوه
التي ذكرناها، وقد تقدم وإن شئت أن تقول: كل من قال من الأمة بأن الطلاق لا يقع على
هذه الوجوه قال بمثله في العتق والتفرقة بين المسألتين خلاف الاجماع.
فإن قيل: فأنتم تجيزون أن يقع العتق مشروطا مثل أن تقول: إن شفاني الله من مرض
فعبدي حر، والتدبير والمكاتبة عتق مشروط أيضا؟ قلنا: إنما أنكرنا أن يقع على جهة
اليمين، مثل أن يقول: إن دخلت الدار أو فعلت كذا فعبدي حر، وما أنكرنا أن يقع مشروطا
في النذر والقربات.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن الولاء للمعتق إنما يثبت في العتق الذي ليس بواجب بل
على سبيل التبرع، فأما إذا كان العتق في أمر واجب ككفارة الظهار أو قتل أو إفطار في
283

شهر رمضان أو نذر أو ما أشبه ذلك من جهات الواجب فإن الولاء يرتفع فيه والمعتق سائبة
لا ولاء للمعتق عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا بعد الاجماع الذي يتردد أن الولاء حكم شرعي، والأصل انتفاء الأحكام الشرعية
وإنما تثبت بالأدلة القاهرة، وقد علمنا ثبوت الولاء في عتق المتبرع، ولم يقم دليل على ثبوته في
العتق الواجب فيجب أن يكون على الأصل في انتفائه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: أن المولى إذا علق العتق بعضو من أعضاء عبده أي
عضو كان لم يقع عتقه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فذهب أبو حنيفة إلى أنه إن علق
العتق بعضو يعبر به عن الجملة كالرأس والفرج وقع العتق وإلا لم يقع. وذهب الشافعي إلى
أن العتق يقع إذا علق بكل عضو من يد أو رجل وغير ذلك.
دليلنا الاجماع المتردد وأيضا فإن وقوع العتق حكم شرعي ولا يجوز إثباته إلا بدليل
قاطع وقد علمنا أن حكم العتق يثبت إذا علق بالجملة ولم يقم دليل على ثبوته إذا علق
بالأعضاء فيجب أن ينفيه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن العتق لا يقع إلا إذا كان لوجه الله والقربة إليه ولم يقصد به
غير ذلك من الوجوه مثل الإضرار أو ما يخالف القربة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك،
والدلالة على صحة مذهبنا بعد إجماع الطائفة المحقة أن العتاق حكم شرعي لا يثبت إلا
بدليل شرعي، ولا دليل على وقوعه مع نفي القربة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن من أعتق عبدا كافرا لا يقع عتقه، وخالف باقي الفقهاء في
ذلك:
والدليل على صحة مذهبنا ما مضى في المسألتين المتقدمتين، وأيضا فإن في جعل
الكافر حرا تسليطا له على مكاره أهل الدين والإيمان وذلك لا يجوز.
284

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن العبد إذا كان بين شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد
الشركاء نصيبه انعتق ملكه من العبد خاصة فإن كان هذا المعتق موسرا طولب بابتياع
حصص شركائه، فإذا ابتاعها انعتق جميع العبد وإن كان المعتق معسرا وجب أن يستسعي
العبد في باقي ثمنه فإذا أداه عتق جميعه، فات عجز العبد عن التكسب والسعاية كان
بعضه عتيقا وبعضه رقيقا وخدم ملاكه بحساب رقه وتصرف في نفسه بحساب ما انعتق
منه وخالف باقي الفقهاء في هذه الجملة.
فقال أبو حنيفة: إذا أعتق أحد الشريكين عتق نصيبه ولشريكه ثلاث خيارات إن
كان موسرا: إن شاء أعتق وإن شاء استسعى وإن شاء ضمن، وإن كان معسرا سعى العبد
ولم يرجع على المعتق. وقال ابن أبي ليلى: يعتق كله، - وهو قول أبي يوسف ومحمد - وإن كان
موسرا ضمن، وإن كان معسرا سعى العبد، وهو قول الثوري والحسن بن صالح بن حي.
وحكى أبو يوسف عن ربيعة في عبد بين رجلين أعتق أحدهما: لم يجز عتقه، فإن أعتقه
الآخر فقد تم عتقهما.
وقال مالك والشافعي: إذا أعتقه أحدهما وهو موسر فقد عتق كله وضمن فإن كان معسرا
كان نصيبه رقيقا يتصرف فيه. وقال عثمان البستي: لا شئ على المعتق إلا أن تكون
جارية رائعة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على صاحبه من الضرر، وحكى الطحاوي عن
قوم أنهم قالوا: يعتق العبد كله ويضمن المعتق من شركائه موسرا كان أو معسرا.
ومن تأمل هذه الأقاويل المختلفة وجد قول الإمامية كثرهم الله على ترتيبه منفردا
عنها، والدلالة على صحة مذهبنا الاجماع الذي يتكرر، ثم إن القول بنفوذ العتق في نصيب
المعتق لا بد منه لأنه يتصرف في ملكه وتعديه إلى ملك غيره لا يجوز لأن من لا يملك شيئا
لا يجوز تصرفه فيه وتبعيض العتق الذي هو بنيت هذه المسألة عليه لا بد منه.
وأما الشافعي فقد صرح به في ما حكاه عنه، وكذلك أبو حنيفة أيضا في إثبات
الخيارات للشريك إلا أنا إذا قلنا لأبي حنيفة: أ رأيت إذا كان المعتق معسرا وعجز العبد عن
السعاية والتكسب كيف يكون الحال؟ فلا بد له عند ذلك من القول بمثل ما قلناه.
285

وأما الشافعي فيلزمه أن يقال له إنما يجوز أن يكون بعضه رقيقا وبعضه حرا إذا فقدت
الحيلة في حريته إما بتضمين المعتق إن كان موسرا أو سعاية العبد إن كان المعتق معسرا لا سيما
وأنتم كلكم تروون عن النبي ع أنه قال: من أعتق شقصا من مملوك فعليه
خلاصه كله من ملكه فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه.
وتروون أيضا عن النبي ص أنه قال: من أعتق شركا له في عبد فهو حر
كله، فظاهر هذا الخبر يقتضي ما حكيناه عن أبي يوسف ومحمد وذلك باطل عندنا وعند
الشافعي فثبت أنه عليه استحقاق التوصل إلى الحرية بكل سبب.
فإن استدل الشافعي بما يروى عن النبي ص من قوله: من أعتق
شقصا له في عبده وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطي شركاؤه
حصتهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق ورق عليه مارق.
فالجواب: إن هذا خبر واحد وإن كنا لا نعرفه ولا ندري عدالة راوية وقد بينا في غير
موضع أن أخبار الآحاد العدول لا تقبل في أحكام الشريعة وإنما يصلح أن يحتج بهذا الخبر
الشافعي على أبي حنيفة لأنهما مشتركان في قبول أخبار الآحاد، وأبو حنيفة يجيب عن هذا
الخبر بأن يقول: إن العبد رقيق إلى أن يؤدى بالسعاية ما عليه، كما أنه كذلك إلى أن يعتقه
صاحبه وأما على ما نذهب إليه أن نتأول ذلك على من عجز عن السعاية من العبيد، فإنه
يبقى بعضه رقيقا لا محالة، وهذا التأويل أولى من تأويل أبي حنيفة لأنه لو انطلق عليه إلى
أن يبقى اسم الرق لجاز بيعه وهبته وعنده لا يجوز ذلك.
مسائل في التدبير
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن التدبير لا يقع إلا مع قصد إليه واختيار له ولا يقع على
غضب ولا إكراه ولا سكر ولا على جهة اليمين وتكون القربة إلى الله تعالى هي المقصودة
به دون سائر الأغراض، وخالف باقي الفقهاء في هذه المسائل، والدلالة على صحة مذهبنا
فيها كلها ما قدمنا في باب العتاق وشروطه، وأنه لا يقع على هذه الوجوه التي قلنا أنه لا يقع
286

عليها، والطريقة في الأمرين واحدة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية أن قسموا بيع المدبر فقالوا: إن كان ذلك التدبير تطوعا وتبرعا
جاز له بيعه على كل حال في دين وغير دين، كما يجوز له الرجوع في وصيته وإن كان تدبيره
عن وجوب لم يجز بيعه، ومعنى ذلك أن يكون قد نذر مثلا إن برئ من مرضه أو قدم
غائبه أن يدبر عبده ففعل ذلك واجبا لا تبرعا، وما وجدنا أحدا من الفقهاء فصل هذا
التفصيل أو أطلقوا إما جواز البيع على كل حال أو المنع منه على كل حال.
فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز بيعه وهو قول ابن أبي ليلى وسائر أهل الكوفة
والحسن بن صالح بن حي، وقال مالك: لا يجوز بيع المدبر فإن باع مدبرة فأعتقها المشتري
فالعتق جائز وينتقض التدبير والولاء للمعتق، وكذلك إن وطئها فحملت منه صارت أم ولد
وبطل التدبير.
وقال الأوزاعي: لا يباع المدبر إلا من نفسه أو من رجل يجعل عتقه وولاءه لمن اشتراه
ما دام الأول حيا فإذا مات الأول رجع الولاء إلى ورثته، وقال الليث: أكره بيع المدبر، فإن
باعه وأعتقه المشتري جاز بيعه وولاءه لمن أعتقه.
وقال عثمان البستي والشافعي: يجوز بيع المدبر من حاجة ومن غير حاجة، فما في
الجماعة من قسم تقسيم الإمامية فصارت المسألة انفرادا.
دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الاجماع الذي يتردد أن التدبير إذا كان على سبيل النذر
فهو واجب عليه لازم له فلا يجوز الرجوع فيه ولا الفسخ له وليس كذلك التبرع لأنه لا
سبب له يقتضيه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن تدبير الكافر لا يجوز وقد مضى الكلام في نظير هذه المسألة
لما دللنا على أن عتق الكافر لا يجوز فإن التدبير ضرب من العتق.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من دبر نصيبه من عبد ثم مات انعتق نصيبه. والقول في
287

نصيب شريكه كالقول في من أعتق عتقا منجزا حقه من عبد، وتلك القسمة التي ذكرناه في
عتق الشقص هي ثابتة هاهنا، والدلالة على المسألتين واحدة.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به أنهم قسموا التدبير وقالوا: إن كان عن وجوب فهو من رأس
المال وإن كان عن تطوع فهو من الثلث. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك وما وجدنا لهم هذه
القسمة لأن أبا حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي
قالوا بالإطلاق: إن المدبر يكون من الثلث، وقال زفر والليث بن سعد: المدبر من جميع المال، وهو قول مسروق وإبراهيم النخعي.
وروي عن الشعبي أن شريحا كان يقول: المدبر من الثلث، فبان بحكاية هذه الأقوال
انفراد قول الإمامية إذا قسموا، والدلالة على صحة قولهم بعد إجماع الطائفة أنه إذا كان
واجبا جرى مجرى الديون في خروجه من أصل المال وإذا كان تبرعا وتطوعا فهو كالوصية
بما يتبرع به الموصي والقسمة واجبة.
فإن استدلوا بالخبر الذي يرويه نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله
ص: المدبر من الثلث.
فالجواب عنه: إن هذا خبر واحد لا نعرفه وأنتم تنفردون به، ونعارضه بأخبار لنا كثيرة
موجودة في الكتب، ولو قلنا به على ما فيه لحملناه على تدبير التطوع والتبرع دون
الوجوب.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن التدبير متى علق بعضو من الأعضاء لم يكن تدبيرا ولا كان له
حكم. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والشافعي إذا ذهب إلى أن العتق إذا تعلق بأي عضو
كان من الأعضاء وقع يجب أن يذهب في التدبير إلى مثله، وأبو حنيفة إذا ذهب إلى أن العتق
يقع متى تعلق بعضو يعبر به عن الجملة مثل الرأس والفرج يجب أن يقول في التدبير مثل
ذلك والذي دللنا به في مسائل العتق من أن العتق لا يقع متى علق بعضو من الأعضاء هو
بعينه دليل في التدبير في هذه المسألة.
288

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أنه لا يجوز أن يكاتب العبد الكافر وأجاز باقي الفقهاء في
ذلك. وقد دللنا على نظير هذه المسألة في مسائل العتق والتدبير، وما دللنا به هناك هو دليل
في هذا الموضع.
ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بقوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، فلا
يخلو المراد بالخير أن يكون المال أو الصناعة وحسن التكسب على ما قاله الفقهاء أو
المراد به الخير الذي هو الدين والإيمان، ولا يجوز أن يراد بذلك المال ولا التكسب لأنه
لا يسمى الكافر والمرتد إذا كانا مثريين أو متكسبين خيرين، ولا أن فيهما خيرا ويسمى ذو
الإيمان والدين خيرا وإن لم يكن موسرا ولا متكسبا، فالحمل على ما ذكرناه أولى، ولو تساوت
المعاني في الاحتمال لوجب الحمل على الجميع.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن المكاتب إذا شرط على مكاتبه: أنك متى بقي عليك من مال
مكاتبتي شئ رجعت رقا، كان هذا الشرط صحيحا ماضيا، وإن اشترط عليه أنه متى أدى بعضا وبقي
بعضا عتق منه بقدر ما أدى وبقي رقيقا بقدر ما بقي عليه كان ذلك أيضا جائزا
وإن لم يشترطه شيئا من ذلك وأطلق الكتابة وأدى المكاتب البعض وبقي البعض كان رقيقا
بقدر ما بقي عليه وحرا بقدر أدائه.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وابن شبرمة
والبستي ومالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
لا يعتق إلا بجميع الكتابة، وروي عن الثوري أنه قال: إذا أدى المكاتب النصف أو الثلث
من مكاتبته فأحب إلى ألا يرد إلى الرق.
وروي عن الشعبي أنه قال: كان عبد الله وشريح يقولان في المكاتب إذا أدى الثلث فهو
غريم.
وروي عن عبد الله بن مسعود أيضا أنه إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم. والذي
289

يدل على صحة مذهبنا إجماع الطائفة، وإن شئت أن تقول كل من قال إن عتق الكافر
لا يصح ولا يقع يقول بما ذكرناه في هذه المسألة، فالتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع الأمة.
وقد دللنا على أن عتق الكافر لا يصح ولا يقع، ويمكن أن يعتمد أيضا على أن الكتابة
عقد يتعلق بالشرط الذي يرتضيان به فيجب أن يكون بحسب ما يشترطان ويتراضيان
عليه، وإذا أطلق الكتابة وجعل الرقبة بإزاء المال فكل ما نقص عن المال يجب نقصانه من
الرقبة.
مسألة: في بيع أمهات الأولاد:
ومما انفردت به الإمامية القول: بجواز بيع أمهات الأولاد بعد وفاة أولا دهن ولا يجوز
بيع أم الولد وولدها حي. وهذا هو موضع الانفراد، فإن من يوافق الإمامية في جواز بيع أمهات
الأولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه.
وقد روت العامة وحكى أصحاب الخلاف القول بجواز بيع أم الولد عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ص وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد
الخدري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير والوليد بن عقبة وسويد بن غفلة وعمر بن
عبد العزيز ومحمد بن سيرين وابن الزبير وعبد الملك ابن يعلى وهو قول أهل الظاهر، وخالف
باقي الفقهاء في ذلك ومنعوا من بيعهن.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة عليه قوله تعالى: وأحل الله
البيع وحرم الربا وهذا عام في أمهات الأولاد وغيرهن.
فإن قيل: قد أجمعنا على أن قوله تعالى: وأحل الله البيع، مشروط بالملك فإن بيع ما
لا يملكه لا يجوز.
قلنا: الملك باق في أم الولد بلا خلاف، لأن وطأها مباح له ولا وجه لإباحته إلا ملك
اليمين.
ويدل أيضا على ذلك أنه لا خلاف في جواز عتقها بعد الولد ولو لم يكن الملك باقيا لما
جاز العتق، وكذلك يجوز مكاتبتها وأن يأخذ سيدها ما كاتبها عليه عوضا عن رقبتها، وهذا
290

يدل على بقاء الملك. وكذلك أجمعوا على أن قاتلها لا تجب عليه الدية وإنما تجب عليه
قيمتها.
فإن قالوا: بقاء الملك لا يدل على جواز البيع بل لا يمتنع أن يبقى الملك وهو ناقص
كملك الشئ المرهون هو باق للراهن وإن لم يجز بيعه؟
قلنا: إذا سلمتم بقاء الملك فبقاؤه يقتضي استمرار أحكامه، وإذا ادعيتم فيه النقصان
طولبتم بالدلالة ولن تجدوها، على أنا لو سلمنا نقصان الملك تبرعا لجاز أن نحمله على أنه
لا يجوز بيعها مع بقاء ولدها، وهذا ضرب من النقصان في الملك.
ويدل أيضا على ذلك قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما
ملكت أيمانهم، وقد علمنا أن للمولى أن يطأ أم ولده وإنما يطأها بملك اليمين لأنه لا عقد
هاهنا، وإذا جاز أن يطأها بالملك جاز له أن يبيعها كما جاز مثل ذلك في سائر جواريه. ومما يشهد
لما ذكرناه أن بيع أمهات الأولاد كان مستعملا في حياة النبي ص متعارفا
وطول أيام أبي بكر حتى نهى عمر عن ذلك فامتنع منه اتباعا له، وإنما نهى عن ذلك
لمصلحة زعم أنه رآها، كنهيه عن متعة الحج وإلزامه المطلق ثلاثا بلفظ واحد تحريم زوجته
عليه وإغرامه أنس بن مالك وديعة هلكت من ماله إلى مسائل كثيرة خالف فيها جميع الأمة،
وما الخلاف عليه في بيع أمها الأولاد إلا كالخلاف عليه في سائر المسائل التي ذكرنا بعضها.
ومما يقوى أن نهي عمر عن بيع أمهات الأولاد كان لرأي اختاره هو ما روي عن
عبد الله بن أبي الهذيل قال: جاء شاب إلى عمر فقال: إن أمي اشتراها عمي فهو يعقلها
وينظرها وأنا ضاربه ضربة أدخل منها النار، قال عمر: هذا فساد، فرأى يومئذ أن يعتقن فلو لم
يكن بيع أم الولد جائزا لكان عمر يفسخ شراء عم الغلام للجارية ويردها إلى أبي الغلام.
ومما يمكن إيراده على سبيل المعارضة فإنه وارد من طريق الآحاد التي لا يجوز
الاحتجاج بها فيما طريقه العلم، وإنما يصح لأصحابنا أن يعارضوا بها لأن خصومنا يرون
العمل بأخبار الآحاد ما رواه أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني قال: حدثنا عبد الله
بن محمد النوفلي، قال: حدثنا محمد بن سلم عن محمد بن إسحاق عن خطاب ابن صالح
مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت معقل قالت: قدم بي عمي في الجاهلية فباعني من
291

الحباب بن عمرو فولدت له عبد الرحمن ثم هلك فقالت امرأته: الآن تباعين في دينه، فأتيت
رسول الله ص فأخبرته فقال ع لأخيه أبي البسر كعب بن عمرو:
أعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قدم على فأتوني أعوضكم منها، وعوضهم مني غلاما فلو
عتقت أم الولد بموت سيدها لما أمر النبي ص الوارث بعتقها ولما ضمن له
العوض عنها، ولقال له: قد عتقت بموت سيدها وليس لكم بيعها.
ومما يمكن ذكره أيضا على سبيل المعارضة ما رواه عطاء وأبو الزبير وابن أبي نجيح
كلهم عن جابر بن عبد الله قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله ص
وأبي بكر، فلما كان أيام عمر نهاها.
وعن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نبيع أمهات
الأولاد على عهد رسول الله ص، وعن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت ابن
علقمة يقول: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد عمر إلى أن نهى عنه، وعن عبيدة السلماني
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص قال: كان من رأيي ورأي عمر
ألا تباع أمهات الأولاد وقد رأيت أن يبعن. وعن محمد بن سيرين عن عمرو بن مالك
الهمداني عن عمر قال: إن أسلمت وعفت عتقت، وإن كفرت وفجرت رقت.
وفي هذا الخبر دليل على أن نهيه عن بيعها كان على سبيل الاستحباب لأنها لو عتقت
بموت السيد لما منع فجورها من عتقها.
وروى الأجلح عن زيد بن وهب قال: أصاب ابن عم لنا جارية فولدت منه بنتا
وماتت البنت فأتينا عمر فقصصنا عليه القصة فقال: هي جاريتك فإن شئت فبعها،
وعن الحكم عن زيد بن وهب عن عمر نحوه.
وأما اعتراض من يعترض على ما ذكرناه في الرواية عن جابر وأبي سعيد الخدري من
أننا كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي ص فينا حي لا يرى بذلك بأسا، بأن
يقول: ليس في ذلك دليل على أن النبي ص كان عالما بذلك ولم ينكره وقد
يجوز أن يكون في حياته ع ما لا يعرفه، فليس بشئ مرضي لأن احتجاج الرجلين
بأن بيع أمهات الأولاد كان في حياة النبي ص خرج مخرج الإخبار بأنه كان
292

عالما بذلك وإلا فلا فائدة في أن يجري في أيامه مالا يعرفه ولو ساع هذا التأويل لقيل لهما هذا
التخريج الذي خرجه الخصوم، فلما لم يقل ذلك دل على أنهما إنما خبرا بأن ذلك جرى وهو
ع يعرفه ويبلغه فلا ينكره، وقد تعلق من امتنع من بيع أمهات الأولاد بأشياء منها:
إن ولد هذه الأمة حر لا محالة وهو كالجزء منها فحريته متعدية إليها، ومنها ما رواه عكرمة عن
ابن عباس قال: قال رسول الله ص: أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة
عن دبر منه.
وعن ابن عمر عن النبي ص نحوه. وعن سعيد بن المسيب قال: أمر
النبي ص بعتق أمهات الأولاد، وأن لا يبعن ولا يستسعين. وبما روي عنه
ع في مارية حين ولدت منه أنه قال: أعتقها ولدها. وادعوا أيضا إجماع الصحابة على
عتقها في أيام عمر بن الخطاب، والإجماع حجة.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: لم زعمتم أن حرية الولد تتعدى إلى الأم ومن مذهبكم
أن الأم لا تتبع الولد في الأحكام وإنما يتبعها الولد، فإذا عتقت الأمة عتق ما في بطنها، وليس
إذا عتق ما في بطنها عتقت؟
وأيضا: فلو كان الولد هو الموجب لحريتها لعتقت في الحال ولم يتأخر ذلك إلى موت
السيد، على أن أصحاب الشافعي لا يصح أن يتعلقوا بهذه الطريقة لأن الشافعي يذهب إلى
أن من اشترى امرأته وهي أمة وقد كانت حملت منه ووضعت عنده ولدا عتق ولده منها، ولم
تسر الحرية من الولد إليها بل تكون أمة حتى تحمل منه وهي في ملكه.
فأما ما روي عن عكرمة عن ابن عباس فإن حفاظ الحديث ونقاده قطعوا على أنه
كذب لا أصل له.
وكذلك الخبر الذي روي عن سعيد بن المسيب، ويوضح ذلك ما رواه أشعث عن سالم
عن أبي عروة القرشي عن ابن عباس أنه كان يجعل أمهات الأولاد من أنصباء أولادهن،
فلو كان عند ابن عباس في ذلك أثر عن رسول ص يتضمن العتق
والحرية لما جعلهن من أنصباء أولادهن.
293

وقد رووا عن ابن عباس أنه قال في أم الولد إنما هي كبعيرك أو فرسك، وعن سعيد بن
مسروق عن عكرمة في أم الولد قال: قال عمر: تعتق، فلو كان عكرمة على ما ذكر في الخبر
الأول روي عن ابن عباس عتقها عن النبي ع لما أسنده إلى عمر بل كان
ينسبه إلى النبي ص.
وعن نافع قال: قال رجلان لابن عمر: تركنا عبد الله بن الزبير يبيع أمهات الأولاد؟
فقال ابن عمر: ولكن أبي عمر كان يقول: أيما أمة ولدت من سيدها فهي معتقة له وهي
حرة إذا مات.
وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحوه، فلو كان ابن عمر روي عن النبي
ص أنها تعتق بموته لجعل عتقها منسوبا إلى النبي ع ولم يجعله إلى عمر.
وروي عن زيد بن وهب الجهني قال: مات رجل عن أم عن أم ولد فأمر الوليد بن عقبة
ببيعها، فقال ابن مسعود: إن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوها من نصيب ابنها تعتق، فلو كان في
ذلك أثر عن النبي ص لما خفي على ابن مسعود ولا على الوليد بن عقبة وهو
أمير الكوفة من قبل عثمان بن عفان حتى يقضي ببيعها بمحضر من الصحابة، ولما قال
أمير المؤمنين ع: قد كان من رأيي ورأي عمر أن لا يبعن وقد رأيت الآن أن يبعن،
ولكان عبد الله بن الزبير لا يبيعهن طول ولايته على الحرمين والعراق من غير أن ينكره
أصحابه عليه.
وعن القسم بن الفضل بن معدان عن محمد بن زياد قال: كانت جدتي أم ولد لعثمان
بن مظعون وأراد ابن عثمان بيعها بعد موت أبيه فاتت عائشة فقالت: إن ابن عثمان يريد
بيعي فلو كلمتيه فوضعني موضعا صالحا وقد كنت ولدت من أبيه، فقالت لها: اذهبي إلى
عمر فإنه يعتقك، فاتت عمر فأرسل إلى ابن عثمان بن مظعون فقال: أردت بيع هذه؟
فقال: نعم، قال: ليس لك ذلك وهي حرة.
وفي هذا دليل على أن عائشة وابن عثمان بن مظعون كانا يريان بيعها وأنه لم يكن
عندهما في ذلك أثر عن النبي ص وكذلك أجاز بيعها أمير المؤمنين
ع وجابر وابن عباس وابن الزبير وأبو سعيد الخدري والوليد بن عقبة وغيرهم، على أن
294

هذه الأخبار التي تعلقوا بها وما أشبهها أخبار آحاد لا توجب علما ولا يقينا، وأكثر ما توجه
مع السلامة التامة الظن ولا يجوز الرجوع عن الأدلة التي قدمناها مما يوجب العلم اليقين
وهي معارضة بما ذكرنا بعضه وأغفلنا معظمه من رواياتهم المتضمنة لجواز بيع أمهات الأولاد.
فأما ما تختص به الشيعة الإمامية في هذا الباب من الأخبار فهو أكثر من أن يحصى، وإنما
عارضناهم بما يروونه وينقلونه وهو موجود في كتب أخبارهم، على أنه يمكن إذا سلمنا صحة
الخبر الأول والثاني أن يكون المعنى فيه إنما تعتق إذا كان مولاها قد علق عتقها بوفاته وهذا
مما لا شبهة فيه.
وأما ما رووه عن النبي ص في أم إبراهيم ولده ع أنه قال:
أعتقها ولدها فهو أيضا من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم وهم يروونه عن أبي بكر ابن
أبي سبرة وهو عند نقاد أصحاب الحديث من الكذابين، ويرويه ابن أبي سبرة عن الحسين
بن عبيد الله بن عبد الله بن عباس وهو عندهم من الضعفاء المطعون في روايتهم، وهو
معارض بكل ما تقدم ولا بد من ترك ظاهره لأن ولدها لو كان أعتقها لعتقت في الحال، وقد
أجمعنا على خلاف ذلك، ويحتمل أن يكون النبي ع علق عتقها بولادتها فلما
حصلت الولادة التي هي السبب في العتق قال ع: أعتقها ولدها، وهذا التأويل
أولى من تأويلهم لأنهم يجعلون المسبب الذي هو العتق متأخرا عن السبب الذي هو
الولادة، وتأويلنا يقتضي أن يكون المسبب بعد السبب بلا فصل.
وقد تأول هذا الخبر أيضا قوم على أن المراد به أن ولدها يدعو إلى عتقها، وما دعا إلى
غيره جاز أن يجعل كأنه واقع عنده، فأما ما ادعوه من الاجماع فقد بينا أن الخلاف في هذه
المسألة متقدم ومتأخر، وأن بيع أمهات الأولاد كان في أيام النبي ع وأبي بكر إلى
أن نهى عمر، فكيف يدعي الاجماع في هذه المسألة والخلاف فيها أظهر من الشمس؟
وقد رووا عن الأجلح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي في رجل مات وعليه
دين وليس له إلا أم ولد قال: تستسعي في الدين، وعن ابن مسعود قال: تعتق من نصيب
ولدها. وعن الشعبي وإبراهيم النخعي: قال: يجزئ عتق أم الولد عن الرقبة الواجبة.
وعن حماد بن زيد عن أيوب وابن عون: إن ذا قرابة لمحمد بن سيرين توفي وترك أم
295

ولد له حبلى فأرسل محمد بن سيرين إلى عبد الملك بن يعلى وهو قاضي البصرة فأمره عبد الملك
أن يجعل نصفها من نصيب ولدها، وفي ذلك كله دليل على أن الخلاف ما زال في الأعصار
المتقدمة والمتأخرة إلى وقتنا.
296

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
297

فصل فيما يقتضي فسخ الرق:
ينفسخ الرق ويتحرر المرقوق بعتق أو مكاتبة أو تدبير.
فأما العتق فتفتقر صحته إلى لفظ مخصوص، وقصد إليه مطلق من الشروط ممن
يصح ذلك منه، لوجهه متقربا إلى الله تعالى به، فاللفظ قوله: أنت أو فلان أو فلانة حر لوجه
الله تعالى، عن إيثار من عاقل لا يولي على مثله، ولا يصح من محجور عليه ولا مكره
ولا سكران ولا ساه ولا غالط ولا حالف ولا مشترط ولا لغير الله ولا له تعالى مع الجهل
بالوجه، أو مع معرفته وإيقاعه لغيره.
وينقسم إلى واجب في حق التكفير ومبتدئ للترغيب، ومعتوق القسم الأول سائبة
لا ولاء عليه لمعتقه إلا أن يتولاه، والثاني ولاؤه لمن أعتقه ولعصبته من بعده.
ويجوز عتق الأمة مطلقا، ويصح أن يجعل عتقها صداقها، وصفته مع تكامل الشروط
أن يقول سيدها: قد أعتقتك وزوجتك وجعلت عتقك صداقك لوجه الله تعالى، وإذا كان
مالك العبد أو الأمة واحدا فأعتق ربعه أو ربعها أو ما زاد على ذلك أو نقص عنه عتق الجميع،
وإن كان مشتركا فعتق أحد الشركاء لوجه الله تعالى تحرر منه بمقدار حصته واستسعى في
الباقي.
299

ومن السنة أن يشهد على العتق، وما دعا إليه من تكفير أو ترغيب وإن كتب بذلك
وأشهد كان أولى، وإذا أعتق عبدا أو أمة وله مال يعلم به فهو للمعتق يملكه بإباحته، وإن لم
يعلم به أو علم به فاشترطه فهو له دون المعتق، وإذا عجز المرقوق عن الخدمة لعمي
أو زمانة أو مرض سقط عنه فرضها.
ولا يجوز عتق الكافر، ولا يعتق في الكفارة الأعمى ولا الأعرج ولا الأشل ولا المجذوم.
وأم الولد رق حيا كان أم ميتا ويجوز بيعها بعد موته على كل حال ومع بقائه إذا كان
ثمنها دينا خاصة، ويجوز عتقها في الكفارة، وإذا مات سيدها وولدها حي جعلت في سهمه
وعتقت عليه، والولاء لمن أعتق دون البائع وإن اشترطه، وميراث ولد المعتق لولي نعمته
سواء كانوا (كذا) قبل العتق أو بعده.
وأما المكاتبة فهي بيع المرقوق منه، وصفتها أن يشترط المالك على عبده أو أمته تأدية
شئ معلوم يعتق بالخروج منه إليه وهي على ضربين: أحدهما أن يشترط عليه أنه إن عجز
إلى مدة معلومة عن جملة الأداء أو بعضه رجع رقا وسقط أداؤه، والثاني أن يكاتبه ولا يشترط.
وعلى الوجه الأول متى عجز عن الأداء أو بعضه رجع رقا، وعلى الوجه الثاني يتحرر منه
بحسب ما أدى من مكاتبته، ويستحب أن يسمح له بشئ من مال المكاتبة ويعينه على
الأداء من مال الزكاة، ويجوز ذلك لغير مكاتبه.
وأما التدبير فعتق تفتقر صحته إلى شروط العتق، ويفارقه من حيث كان العتق منجزا
والتدبير بعد الوفاة، وصفته أن يقول المالك لعبده أو أمته: أنت حر بعد وفاتي ويشهد بذلك
فيكون رقا في حياته، فإذا مات صار حرا وله الرجوع في تدبيره لأنه جار مجرى الوصية.
وليس للورثة خيار على المدبر وإن لم يكن لمدبره مال غيره، ويجوز بيعه في حال تدبيره،
فإذا مات مدبره تحرر على مبتاعه، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه وإلى أن مات مدبره
فلا شئ له، وإن لم يكن يعلم رجع على التركة بما نقد فيه، وإن كان بيعه بعد ما رجع في
تدبيره لم يتحرر بموت مدبره.
300

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
301

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
باب من يصح ملكه ومن لا يصح ومن إذا ملك انعتق إما في الحال أو
فيما بعده من غير أن يعتقه صاحبه
كل من أقر على نفسه بالعبودية وكان بالغا أو قامت البينة على عبوديته وإن لم يكن
بلغ جاز تملكه والتصرف بالبيع والشراء والهبة وما أشبهها، وكل من خالف الاسلام من
سائر أصناف الكفار يصح استرقاقهم ثم هم ينقسمون قسمين:
قسم منهم تقبل منهم الجزية، ويقرون على دينهم وأحكامهم ويعفون من الاسترقاق
وهم أهل الكتاب: اليهود والنصارى، والمجوس حكمهم حكم أهل الكتاب، فإن امتنعوا
من قبول الجزية قتلوا وسبي ذراريهم واسترقوا، ومن عدا أهل الكتاب لا يقبل منهم إلا
الاسلام فإن امتنعوا كان الحكم فيهم القتل واسترقاق الذراري.
ولا بأس باسترقاق جميع أصناف الكفار وإن سباهم أهل الفسق والضلال، وكذلك
لا بأس أن يشترى الانسان مما يسبي بعض الكفار من بعض، ولا بأس أيضا أن يشترى من
الكافر بعض أولاده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه ويكون ذلك حلالا له ويسوع له
التصرف فيه بالبيع والهبة والوطء وغير ذلك.
وإذا كان العبد مما يباع في أسواق المسلمين فلا بأس بشرائه فإن ادعى أنه حر لم يقبل
قوله إلا ببينة عادلة، ومتى ملك الانسان أحد والديه أو ولده ذكرا كان أو أنثى أو أخته أو
عمته أو خالته أو واحدة من المحرمات عليه في النكاح من ذوي أرحامه انعتقوا في الحال
303

ولم يثبت لهم معه استرقاق على حال، ولا بأس أن يملك أخاه أو ابن أخيه أو ابن أخته أو
عمه أو خاله وغيرهم من الرجال إلا أنه يستحب له إذا ملك واحدا من ذوي أرحامه أن يعتقهم.
وكل من ذكرناه من المحرمات من جهة النسب وأنه لا يثبت استرقاقهم، فإنه لا يثبت
استرقاقهم إذا كانوا من جهة الرضاع وهم الأبوان والولد والأخت والعمة والخالة، ومن
عدا هؤلاء فلا بأس باسترقاقهم على جميع الوجوه.
والمملوك إذا عمي أو جذم أو أقعد أو نكل به صاحبه أو مثل به انعتق في الحال
ولا سبيل لصاحبه عليه، وإذا كان المملوك مؤمنا وأتى عليه بعد ملكه سبع سنين استحب
عتقه وأن لا يملك أكثر من ذلك.
باب العتق وأحكامه
العتق فيه فضل كثير وثواب جزيل، ويستحب عتق المؤمن المستبصر ويكره عتق
المخالف للحق، ولا بأس بعتق المستضعف، ولا تصح أن يعتق الانسان مالا يملكه، فإن قال:
كل عبد أملكه في المستقبل فهو حر لا يقع به عتق وإن ملك في المستقبل إلا أن يجعل ذلك
نذرا على نفسه، ولا عتق أيضا إلا ما أريد به وجه الله، وإذا أعتق الرجل وهو سكران أو
مكره أو يكون معتوها ذاهب العقل أو على غضب أو فساد أو يحلف بالعتق لم يجز عتقه، فإن
قال: عبدي حر ولم ينو بذلك العتق لم يقع بذلك عتق على حال.
ولا يقع العتق إلا أن ينطق بلسانه فأما إذا كتب بيده فلا يقع بذلك عتق، ومتى لم يمكنه
التلفظ بالعتق لمرض أو خرس فكتب أو أشار إلى العتق و علم من قصده ذلك كان العتق
جائزا، ويستحب ألا يعتق الانسان إلا من أغنى نفسه ويقدر على اكتساب ما يحتاج إليه،
ومتى أعتق صبيا أو من يعجز عن النهوض بما يحتاج إليه فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به
على معيشته وليس ذلك بفرض، ولا بأس أن يعتق ولد الزنى.
وإذا كان العبد بين شريكين وأعتق أحدهما نصيبه مضارة لشريكه الآخر ألزم أن
يشترى ما بقي ويعتقه إذا كان موسرا، وإن لم يكن موسرا ولا يملك غير ما أعتقه كان العتق
304

باطلا، وإذا لم يقصد بذلك مضارته بل قصد به وجه الله تعالى لم يلزم شراء الباقي وعتقه بل
يستحب له ذلك، فإن لم يفعل استسعى العبد في الباقي ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه
ما بقي استخدامه ولا له عليه ضريبة بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه، فإن امتنع العبد
من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه قدر ما بقي، وإذا كان لإنسان
مملوك فأعتق بعضه، نصفه أو أكثر من ذلك أو أقل انعتق الكل ولم يكن له عليه سبيل.
وإذا أعتق مملوكه وشرط عليه شرطا وجب عليه الوفاء به ولم يكن له خلافه، فإن شرط
عليه أنه متى خالف في فعل من الأفعال كان ردا في الرق فخالفه كان له رده في الرق فإن
شرط عليه أنه متى خالفه كان له عليه شئ معلوم من ذهب أو فضة فخالفه لزمه ما شرط
عليه وإن شرط عليه خدمته سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك لزمه ذلك، فإن مات المعتق كانت
خدمته لورثته فإن أبق العبد ولم يوجد إلا بعد انقضاء المدة التي شرط عليه المعتق لم يكن
للورثة عليه سبيل، وإذا كان العبد معه مال فأعتقه صاحبه فإن كان عالما بأن له مالا كان
المال للعبد وإن لم يكن عالما بأن له مالا كان ماله دون العبد.
فإن علم أن له مالا وأراد أن يستثنيه كان له إلا أنه لا يبدأ بالحرية أولا بل يبدأ
فيقول: لي مالك وأنت حر فإن قال: أنت حر ولي مالك، لم يكن له على المال سبيل، وإذا باع
العبد وعلم أن له مالا كان ماله لمن ابتاعه وإن لم يكن عالما بذلك كان المال له دون المبتاع.
والعبد والمملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا فإن ملكه مولاه شيئا ملك التصرف
فيه بجميع ما يريده، وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها إليه وما يفضل بعد ذلك يكون له
جاز ذلك فإن أدى إلى مولاه ضريبته كان له التصرف فيما بقي من المال، وكذلك إذا أصيب
العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك وحل له التصرف فيه وليس له رقبة المال
على وجه من الوجوه فإن تزوج من هذا المال أو تسرى كان ذلك جائزا، وكذلك إن اشترى
مملوكا فأعتقه كان العتق ماضيا إلا أنه يكون سائبة لا يكون ولاؤه له ولا يجوز له أن يتوالى
إليه لأنه عبد لا يملك جريرة غيره.
وإذا نذر الانسان أن يعتق أول مملوك يملكه فملك جماعة من العبيد في حالة واحدة
305

أقرع بينهم فمن خرج اسمه أعتقه، وقد روي: أنه مخير في عتق أيهم شاء والأول أحوط،
وإذا أعتق ثلاثة من عبيده وكان له أكثر من ذلك فقيل له: أعتقت مماليك؟ فقال: نعم، لم
يمض العتق إلا في من كان أجاز فيهم العتق أولا، وإن أجابهم حيث سألوه بلفظ العموم
بقوله: نعم. وإذا كان للرجل جارية، فنذر: أنه متى وطئها، كانت معتقة، فإن وطئها قبل أن
يخرجها من ملكه، انعتقت، وإن أخرجها، ثم اشتراها بعد ذلك، ووطئها، لم يقع بها عتق.
ولا يصح بيع اللقيط وشراؤه بل حكمه حكم الأحرار، فإن اختار أن يوالي الذي
التقطه والاه وأن أحب أن يوالي غيره والاه، فإن طلب الذي رباه نفقته وكان موسرا رد
عليه ما أنفقه عليه، وإن لم يكن موسرا صار ما أنفقه صدقة.
وإذا نذر الانسان أن يعتق مملوكا بعينه لم يجز له أن يعتق غيره وإن كان لولا النذر ما كان
يجوز له عتقه أو كان يكون مكروها مثل أن يكون كافرا أو مخالفا له في الاعتقاد، وإذا زوج
الرجل جاريته وشرط أن أول ما تلده يكون حرا فولدت توأما كان جميعا معتقين، وإذا قال
الرجل: كل عبد لي قديم فهو حر فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم وصار
حرا.
ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من مملوك لغيره مالا ليشتريه به من غير علم مولاه، وإذا
اشترى رجل جارية ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها ثم مات بعد ذلك ولم يخلف غيرها فإن
عتقه ونكاحه باطل وترد في الرق لمولاها الأول، فإن كانت قد حملت كان أولادها رقا
كهيئتها، وإن خلف ما يحيط بثمن رقبتها فعلى الورثة أن يؤدوا ثمنها لمولاها وقد مضى العتق
والتزويج ولا سبيل لأحد عليها، وإذا عتق الرجل مملوكه عند موته وعليه دين، فإن كان
ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين مضى العتق واستسعى العبد في قضاء دين مولاه وإن
كان ثمنه أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا.
وإذا أعتق الرجل ثلث عبيده وله عبيد جماعة استخرج منهم ثلثهم بالقرعة فمن
خرج اسمه كان معتقا، وإذا خلف الرجل مملوكا وشهد بعض الورثة أنه أعتقه فإن كان
مرضيا جائز الشهادة وكانا اثنين عتق المملوك وإن لم يكن مرضيا مضى العتق في حصته
واستسعى العبد في الباقي، وإذا أوصى الرجل بعتق رقبة جاز أن يعتق نسمة ذكرا كان
306

أو أنثى وإذا أعتق الرجل مملوك ابنه كان العتق ماضيا، وإذا أعتق الرجل جارية حبلى من
غيره صار ما في بطنها حرا كهيئتها وإن استثناه من الحرية لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية في أمه،
ومن نذر أن يعتق رقبة مؤمنة جاز له أن يعتق صبيا لم يبلغ الحلم.
وإذا أسلم أحد الأبوين كان حكم أولاده حكمه في إجزاء حكم الاسلام عليهم، فإن
بلغوا، واختاروا الشرك لم يمكنوا منه وقهروا على الاسلام فإن أبوا كان عليهم القتل، وإذا
كان للرجل مملوك وهو يحسن إليه ويقوم بما يحتاج إليه فاستباعه العبد لم يلزمه بيعه وكان
مخيرا في ذلك، ويكره أن يفرق بين الولد وبين أمه وينبغي أن يباعا معا وليس ذلك بمحظور،
وإذا أبق المملوك جاز لمولاه أن يعتقه في الكفارة الواجبة عليه ما لم يعرف منه موتا، وإذا
أعتق العبد وعليه دين فإن كان استدانة بأمر مولاه لزم المولى قضاؤه وإن كان من غير إذنه
كان ثابتا في ذمته، وإذا أتى على الغلام عشر سنين جاز عتقه وصدقته إذا كان على جهة
المعروف، وإذا أعتق الرجل عبده عن دبر وكان عليه عتق رقبة لم يجزئ ذلك عنه.
باب أمهات الأولاد:
أم الولد هي التي تلد من مولاها سواء كان ما ولدته تاما أو غير تام، وإن أسقطت
نطفة فهي أيضا من جملة أمهات الأولاد ويجري عليها جميع أحكام المماليك لا يخالف حكمها
حكمهن من الوطء بالملك والعتق والتزويج وغير ذلك ويجوز أيضا بيعها إلا أنه يكون ذلك
بشروط، فإذا كانت حاملا لم يجز بيعها حتى تضع ما في بطنها فإذا ولدت ومات ولدها جاز
بيعها على جميع الأحوال، وإذا كان ولدها حيا، لم يجز بيعها إلا في ثمن رقبتها إذا كان ذلك
دينا على مولاها.
وإذا مات مولاها وولدها حي جعلت في نصيب ولدها وقد انعتقت، فإن لم يخلف
غيرها كان نصيب ولدها منها حرا واستسعيت في الباقي لمن عدا ولدها من الورثة، فإن لم
يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها ويترك إلى أن يبلغ، فإذا بلغ
أجبر على ثمنها فإن مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضي به الدين.
307

باب الولاء:
الولاء على ضربين: فضرب منه سببه العتاق والآخر سببه تضمن الجريرة.
فالذي سببه العتق فهو كل من أعتق مملوكا لوجه الله تطوعا فإن ولاءه وجريرته عليه
إلا أن يتبرأ من جريرته في حال العتق ويشهد شاهدين على ذلك ويجعله سائبة فإنه لا يكون
له ولاءه حينئذ ولا عليه ضمان جريرته، وولاء ولد المعتق أيضا وإن نزلوا للذي أعتق أباهم
إذا كانوا أحرارا في الأصل فإن كانوا معتقين كان ولاؤهم لمن أعتقهم دون من أعتق أباهم.
وإذا مات المعتق ورث ولاء مواليه أولاده الذكور منهم دون الإناث، فإن لم يكن له ولد
ذكور وكانت له بنات كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم لأنهم الذين يضمنون جريرته،
وإذا كان المعتق امرأة ولها موال ولها ولد ذكور وإناث ولها عصبة فإذا ماتت كان ولاء
مواليها لعصبتها دون أولادها، وإذا كان للمعتق أخ لأبيه ولأمه أو لأبيه كان ميراثه له دون
العصبة، وكذلك إن كان له والدان فولاء مواليه لهما دون العصبة وإنما تأخذ العصبة
الميراث إذا لم يكن غيرهم أو يكون الذين تركهم الميت إناثا، ولا يصح بيع الولاء ولا هبته.
والضرب الآخر من الولاء وهو الذي يكون بتضمن الجريرة، إذا أعتق الرجل مملوكا
وتبرأ من ضمان جريرته كان سائبة، وكذلك إن نكل به فصار حرا على ما قدمناه كان أيضا
سائبة لا ولاء له عليه، وكذلك إذا أعتق نسمة واجبة عليه في كفارة ظهار أو قتل أو يمين أو
إفطار يوم من شهر رمضان وغيره من الواجبات فإنه يكون المعتق سائبة لا ولاء لمن أعتقه
عليه ولا لأحد بسببه.
فإن توالى هذا المعتق إليه وضمن جريرته كان ولاؤه له وإن توالى إلى غيره من الرجال
كان ولاؤه له وضمان جريرته عليه فإن مات ولم يتوال أحدا كان ميراثه لبيت المال، وإذا كان
انسان لا وارث له ولا أحد يضمن جريرته فإن توالى إلى انسان يضمن جريرته كان ولاؤه له
وضمان جريرته عليه وإن لم يفعل كان ما يتركه لبيت المال.
باب المكاتبة:
الكتابة هو أن يكاتب الانسان عبده أو أمته على مال معلوم يؤديه إليه في نجوم معلومة
308

فإنه يستحب له أن يكاتبه على ذلك إذا علم أن له قدرة على أداء ثمنه وفك رقبته بأن
يكون ذا صناعة أو حرفة أو غير ذلك، وإن طلب العبد الكتابة استحب له أيضا أن يكاتبه
وإن لم يعلم من حاله ما ذكرناه ولا يمتنع من مكاتبته بسبب أنه ليس له حرفة ولا صناعة،
ومتى كاتبه فليعنه على فك رقبته بشئ من ماله من سهم الرقاب، وللإنسان أن يكاتب
مملوكه على أي ثمن شاء قليلا كان أو كثيرا غير أنه يستحب ألا يغلو بثمنه ولا يتجاوز به
القدر الذي هو ثمن له.
والمكاتبة على ضربين: مطلق ومشروط.
فإذا كانت مشروطة وهو أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء ثمنك
فأنت رد في الرق ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك وحد العجز هو أن يؤخر
نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته وأداء ثمنه فإنه يرجع رقا، وإن
كان قد أدى شيئا كان لمولاه فإن كان عجزه إنما هو لتأخير نجم إلى نجم، فيستحب لمولاه
أن يصبر عليه حتى يوفيه فإن لم يفعل ورده في الرق كان له ذلك.
فإن مات هذا المكاتب وخلف مالا وأولادا كان ما ترك لمولاه دون غيره وكان أولاده
مماليك له، ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق
ما دام قد بقي عليه شئ وإنما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا أذن له سيده،
ومتى حصل عليه دين كان مولاه ضامنا له إذا كان مأذونا له في ذلك لأنه عبده.
والضرب الآخر من الكتابة هو أن يكاتبه على شئ معلوم ونجوم معلومة ولا يشرط
عليه أنه إن عجز فهو رد في الرق. فمتى أدى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولم
يكن لمولاه عليه سبيل.
فإن مات المكاتب فترك مالا وترك أولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية وكان
الباقي لولده إذا كانوا أحرارا، فإن كان المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له كان
حكم ولده حكمه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان قد
بقي على أبيه صار حرا لا سبيل لمولاه عليه، وإن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي
على أبيه فمتى أداه صار حرا.
309

وهذا المكاتب إذا أدى بعض مكاتبته يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع الميراث
بقدر ما بقي من الرق، وكذلك إن وصى له كانت الوصية ماضية له بقدر ما عتق ويحرم بقدر
ما بقي من رقه، وإذا أتى المكاتب ما يجب عليه فيه الحد أقيم عليه بقدر ما انعتق حد الحرية
وما بقي منه رقا حد العبودية، وإذا أدت المكاتبة بعض مكاتبتها لم يجز لمولاها وطؤها بملك
اليمين لأنه صار بعضها حرا ولا يجوز له العقد عليها لأن بعضها ملك له، فإن وطئها بعد أن
أدت من مكاتبتها شيئا أقيم عليه الحد بقدر ما عتق منها وادرئ عنه بحساب ما بقي ويجب
عليها هي مثل ذلك ما لم يستكرهها، فإن استكرهها، لم يكن عليها شئ وكان عليه الحد
حسب ما قدمناه.
وكل شرط يشرطه المولى على مكاتبه فإنه يكون ماضيا ما لم يكن شرطا يخالف الكتاب
والسنة كما أن له جميع ما يشرط عليه إذا أعتقه فإن شرط عليه أن يكون ولاؤه له كان له
الولاء دون غيره، ومتى تزوجت المكاتبة بغير إذن مولاها كان نكاحها باطلا، وإن كان
نكاحها بإذن مولاها وقد أدت بعض مكاتبتها ورزقت أولادا كان حكم ولدها حكمها
يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق بحساب ما انعتق منها إذا كان تزويجها بعبد
مملوك، فإن كان تزويجها بحر كان الولد أحرارا.
وإذا قال المكاتب لمولاه: خذ مني جميع ما كاتبتني عليه دفعة واحدة كان مخيرا بين أخذه
منه في موضع وبين الامتناع منه وألا يقبل منه إلا على ما وافقه عليه من النجوم، وإذا كان
المكاتب غير مشروط عليه وعجز عن توفية ثمنه كان على الإمام أن يفك رقبته من سهم
الرقاب، والمكاتب إذا كان غير مشروط عليه لم يكن على مولاه فطرته وإن كان مشروطا
وجب عليه ذلك.
باب التدبير:
التدبير هو أن يقول الرجل لمملوكه: أنت رق في حياتي وحر بعد وفاتي فإذا قال ذلك
ثبت له التدبير وهو بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما دام فيه الروح، فإن نقضه جاز له بعد
ذلك بيعه وهبته والتصرف فيه بجميع أنواع التصرف بالإطلاق، ومتى لم ينقض التدبير
310

وأمضاه على حاله ثم مات المدبر كان المدبر من الثلث فإن نقض عنه انعتق وإن زاد عليه
استسعى في الباقي، ومتى أراد المدبر بيعه من غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن يعلم
المبتاع أنه يبيعه خدمته وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه.
وإذا دبر الرجل جارية وهي حبلى فإن علم بذلك كان ما في بطنها بمنزلتها يكون مدبرا
فإن لم يعلم بحبلها كان الولد رقا ويكون التدبير ماضيا في الجارية، فإن حملت بعد التدبير
وولدت أولادا كان أولادها بمنزلتها يكونون مدبرين، فمتى مات الذي دبر أمهم صاروا
أحرارا من الثلث، فإن زاد ثمنهم على الثلث استسعوا في الباقي فإذا أدوا، انعتقوا، وليس
للمولى أن ينقض تدبير الأولاد وإنما له نقض تدبير الأم فحسب.
وإذا أذن الرجل للمدبر أن يتسرى ويشترى جواري جاز له ذلك، فإن اشترى أمة
ورزق منها أولادا كانوا بمنزلة أبيهم مدبرين فإذا مات المولى انعتقوا كهيئة أبيهم، وإن مات
المدبر قبل موت مولاه وترك مالا كان ماله لمولاه دون أولاده وبقي أولاده على ما كانوا عليه
من التدبير إلى أن يموت من دبر أباهم فيصيروا أحرارا بعد موته، وإذا دبر الانسان عبده
وعليه دين فرارا به من الدين ثم مات كان التدبير باطلا وبيع العبد في الدين، وإن دبر العبد
في حال السلامة ثم حصل عليه دين ومات لم يكن للديان على المدبر سبيل.
والمدبر متى حصل معه مال جاز لمولاه التصرف فيه كما يتصرف في ماله وإن باعه
جاز له أن يأخذ ماله، وإذا أبق المدبر بطل تدبيره فإن رزق في حال إباقه مالا وأولادا ثم
مات، ومات الذي دبره كانوا رقا لورثته وجميع ما خلفه من المال والولد لورثته الذي دبره،
وإذا جعل الانسان خدمة عبده لغيره وقال: متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا
كان ذلك صحيحا، فمتى مات المجعول له ذلك صار حرا، فإن أبق العبد ولم يرجع إلا بعد
موت من جعل له خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل وصار حرا.
والمدبر لا يجوز أن يعتق في كفارة ظهار ولا في شئ من الواجبات التي على الانسان فيها
العتق ما لم ينقض تدبيره، فإن نقض تدبيره ورده إلى محض الرق جاز له بعد ذلك عتقه فيما
وجب عليه.
311

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
313

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
العتق إنما يكون لوجه الله تعالى، ولا يعتق إلا عبد ظاهره الاسلام، ولا يسلط بالعتق الكافر
على أذية أهل الدين ومعاصي الله عز وجل. ومن أعتق في كفارة أو واجب فهو سائبة لا ولاء
عليه وإنما الولاء في المتبرع بعتقه. ويجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها في التزويج، ومن أعتق
بعض عبد وهو مالكه وحده سرى العتق فيه كله، وإن كان له فيه شريك عتق سهمه ثم
أجبر على ابتياع الباقي فيعتق عليه، وإن لم يكن له مال استسعى العبد في باقي ثمنه.
فأما التدبير: فهو أيضا لا يصح إلا في القرب، وهو أن يقول لعبده: أنت حر بعد وفاتي.
وله أن يرجع في ذلك في حال حياته لأنه كالوصية. فإن مات مولاه - ولم يكن رجع في تدبيره -
عتق.
وأما المكاتبة: فإن يوافق عبده على مال يكسبه ويؤديه إليه ويكتب به كتابا. وهو على
ضربين: مشروط وغير مشروط. فالمشروط أن يشترط عليه أنه متى عجز عاد في الرق والآخر
أن لا يشترط العود في الرق مع العجز بل يعتق منه بقدر ما أدى، فإن وهب له ما يبقى عليه -
وقد عجز - فله ثواب جزيل وإلا أخذ من بيت المال. ويجلد في الزنى بحسب ما تحرر منه جلد
الحر والباقي جلد العبد، ويورث إن مات ولده بحسب ما تحرر منه أيضا.
315

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
317

باب مسائل يتعلق بالعتق والمكاتبة:
مسألة: إذا أوصى انسان إلى غيره فقال ضع عن مكاتبي أكثر ما بقي عليه
من مال المكاتبة، فكم يجب وضعه عنه من هذا المال؟
الجواب: إذا أوصى بذلك وجب أن يضع عنه نصف ما عليه من مال
المكاتبة وزيادة على ذلك، لأن أكثر الشئ نصفه وزيادة عليه.
مسألة: المسألة بعينها. إن قال ضع عنه أكثر ما بقي عليه ومثل نصفه، كم
يجب أن يضع عنه؟
الجواب: الذي يجب وضعه عنه نصف، وربع ما بقي وزيادة، ونصف ذلك
هو الربع وزيادة.
مسألة: المسألة إذا أوصى فقال ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه ومثله. كيف
يكون الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أوصى بزيادة كان قد أوصى بزيادة على مال المكاتبة فيجب أن
يسقط عنه جميع الباقي، لأن الباقي هو النصف وزيادة. وتبطل وصيته بالزائد على
ذلك لأنه قد أوصى بما لا يملك وذلك لا يجوز.
مسألة: إذا قال: أسقطوا عن مكاتبي ما شاء، فشاء اسقاط الكل هل يجوز له
319

ذلك أم لا؟
الجواب: إذا شاء اسقاط الكل لم يصح. وله أن يسقط منها ما دام يبقى منها
شئ كائنا ما كان. وأما اسقاط الكل لا يصح لأن لفظة من، تقتضي التبعيض، فلا
يصح مع ذلك إلا ما ذكرناه.
مسألة: إذا قال: أسقطوا عنه أوسط نجومه. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: قوله أوسط يقع على الأوسط في العدد. والأوسط في القدر، والأوسط في
الأجل والأوسط في العدد أن يكون النجم ثلاثة فيكون الثاني هو الأوسط، والأوسط في القدر
هو أن يكاتبه على نجم إلى مائة ونجم إلى مائتين، ونجم إلى ثلاثمائة، فيكون الثاني الذي
هو المائتان الأوسط. والأوسط في الأجل أن يكاتبه على نجم إلى شهر
ونجم إلى شهرين ونجم إلى ثلاثة أشهر، فيكون النجم الذي إلى شهرين الأوسط، فالعمل إذا كان القول على
ما يتعلق بالعدد أو القدر أو الأجل على ما ذكرناه.
مسألة: المسألة. إن اجتمع في ذلك أوسط في العدد وفي القدر وفي الأجل، فعلى أي
ذلك يكون العمل، إن لم يحصل فيه تعيين؟
الجواب: إذا فرض ذلك كان العمل بالقرعة فما خرج حكم له به.
مسألة: إذا اتفق أن يكون في العدد ما يكون زوجا، مثل أن يكون أربعة أو ستة. ما يكون الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اتفق ذلك كان الثاني والثالث هو الأوسط، وإن كان ستة، كان والثالث
والرابع هو الأوسط.
مسألة: إذا قال لمملوكه إن قتلت فأنت حر لوجه الله وهلك. ثم اختلف المملوك
والوارث فادعى المملوك أن سيده هلك مقتولا، وأحضر بينة شهدت له بذلك وادعى
الوارث أنه مات حتف أنفه وأحضر بينة وشهدت بذلك، كيف الحكم بينهما في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن يستعمل القرعة فمن خرج اسمه حكم ببينته.
مسألة: إذا قال لمملوكه إن مت في شهر رمضان فأنت حر. وقال لآخر إن مت في
شوال فأنت حر، ومات السيد واختلف المملوكان، فأثبت صاحب شهر رمضان بينة بأن
320

سيده مات في ذلك، وأثبت صاحب شوال بينة بأن السيد مات في شهره. كيف الحكم في
ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن يقرع بينهما. فمن خرج اسمه حكم ببينته.
321

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ - ق
323

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
وما يتعلق بذلك
قال الله تعالى: فلا اقتحم العقبة. وما أدريك ما العقبة. فك رقبة الآية، وعن النبي
ص قال: من أعتق رقبة مؤمنة أو مسلمة في الله أعتق الله بكل عضو منها
عضوا منه من النار، وعن زين العابدين ع قال: ما من مؤمن يعتق نسمة مؤمنة
إلا أعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا من النار حتى الفرج بالفرج، وعن الصادق
ع: أربع من أراد الله بواحدة منهن وجبت له الجنة: من سقى هامة صادئة أو
أطعم كبدا جائعة أو كسا جلدا عاريا أو أعتق رقبة مؤمنة.
وإذا كان العتق لا يصح إلا فيما يملك فينبغي أن يذكر ما يصح تملكه وما لا يصح.
باب ذكر من يصح تملكه ومن لا يصح:
إذا كان الانسان بالغا كامل العقل وأقر على نفسه بالعبودية كان رقا، وكذلك إن لم
يكن بالغا فيثبت عليه بينة بذلك كان رقا كذلك، وإذا ثبت رق من ذكرناه صح
التصرف فيه بالعتق وغيره من هبة أو بيع أو ما أشبهه وذلك مما يجوز في شرع الاسلام،
ومن لا يثبت عليه ما ذكرناه من الإقرار أو البينة فإنه لا يجوز استرقاقه.
والكفار على ضربين: أحدهما يسترق والآخر لا يسترق، والذي يسترق هو جميع من
خالف اليهود والنصارى والمجوس من الكفار وكل يهودي ونصراني ومجوسي امتنع من
إعطاء الجزية، وأما الذي لا يسترق منهم فهو كل من أعطى الجزية من يهودي أو نصراني
325

أو مجوسي، وهؤلاء إذا أعطوا الجزية لم يسترقوا وأقروا على أديانهم وأحكامهم، وكل من
عداهم من الكفار لا يجوز أخذ الجزية منهم كما قدمناه بل يعرض الاسلام عليهم فإن
أسلموا وإلا قوتلوا وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم مفصلا.
ويجوز استرقاق الكفار وإن سباهم أهل الضلال والفسق، ويجوز أن يبتاع الانسان
ما يسبيه بعض الكفار من بعض ما لم يكن المسبي مسلما، وإذا كان للكافر أولاد وزوجة
أو غير ذلك من أقاربه فأراد بيع شئ منهم، جاز ابتياعه منه واسترقاقه، ويصح التصرف
فيه بالبيع وما جرى مجراه من وجوه التصرف، وإذا كان المملوك من أهل الإيمان فإنه
يستحب لسيده عتقه، وإذا بقي في ملكه سبع سنين فلا يسترقه أكثر من ذلك.
وإذا ملك انسان أحد أبويه أو بعض من يحرم عليه نكاحه من أقاربه انعتق عليه
في الحال الذي يملكه فيه ولا يثبت له استرقاق، وكذلك إن ملك مثل المحرمات عليه من
الرضاع فإنه ينعتق عليه أيضا في الحال، ويجوز للإنسان أن يملك من عدا أبويه من ذوي
أرحامه، والأفضل لمن ملك ذلك أن لا يسترقه بل يعتقه.
وإذا عمي المملوك أو أجذم أو أقعد أو مثل به سيده أو نكل به انعتق في الحال، وإذا
كان العبد يباع في السوق المسلمين جاز ابتياعه، وإن ادعى الحرية لم يقبل قوله إلا ببينة
عادلة، فإن ثبت له ذلك خلي سبيله فإن لم يثبت ذلك فهو عبد يصح بيعه كما قدمناه.
باب العتق وأحكامه:
صحة العتق تفتقر إلى شروط: وهي أن يكون المعتق كامل العقل وينوي العتق
ويقصد إليه دون غيره ويكون مالكا لما يعتقه ويتلفظ فيه بالحرية، وهو أن يقول: فلان
عبدي أو فلانة أمتي، أو يشير إلى ذلك فيقول: أنت أو هذه حر أو حرة لوجه الله تعالى،
ويكون متقربا بذلك إليه تعالى.
فإذا أعتق عبدا وهو غير كامل العقل أو لا يتلفظ باللفظ الذي قدمنا ذكره أو لا يتقرب
بالعتق إليه تعالى، لم يقع عتقه وكان باطلا، ويستحب عتق من كان من أهل الحق ويجوز عتق
326

المستضعف ويكره عتق من خالف الحق، وإذا قال: كل عبد أملكه في المستقبل فهو حر،
لم يقع العتق وإن ملك في المستقبل عبدا أو عبيدا إلا أن يكون نذر ذلك فيلزمه العتق
لأجل النذر دون غيره.
وإذا أعتق مملوكا لغير الله أو لم يرد به وجه الله تعالى أو أعتقه وهو مكره أو ناقص العقل
أو سكران أو ساه أو غضبان أو حلف بالعتق، لم يقع العتق، وإذا كان المعتق أخرس
فكتب العتق بيده أو أشار إليه وفهم من قصده ذلك كان عتقه ماضيا.
ومن أعتق مملوكا لا يقدر على الاكتساب أو يكون فيه ما يغني نفسه، كان جائزا إلا
أن الأفضل أن لا يعتق إلا من يكون قادرا على اكتساب ما يحتاج إليه أو يغني نفسه، ومن
أعتق من هذه صفته أو كان صبيا أو عاجزا عن النهضة فيما يحتاج إليه ويقوم بأوده
فالأفضل أن يجعل له شيئا من ماله يستعين به على معيشته.
وإذا كان عبد بين شريكين وأعتق أحدهما نصيبه إضرارا بشريكه الآخر وكان موسرا
كان عليه أن يبتاع ما بقي من العبد ويعتقه، وإن كان معسرا لا يملك إلا ما أعتقه كان
العتق باطلا، وإن لم يكن قصده بما أعتقه من نصيبه الإضرار بشريكه وإنما قصد بذلك
وجه الله لم يجب عليه ابتياع نصيب شريكه ولا عتقه بل يستحب له ذلك، فإن لم يفعله
استسعى العبد في الباقي من ثمنه ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ولا عليه ضرر به بل له أن
يستسعيه في الباقي من ثمنه، فإن امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه
قدر ما أعتق ولمولاه الباقي.
وإذا كان لإنسان مملوك فأعتق منه بعضه، نصفه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر
انعتق جميعه عليه، وإذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه أنه متى خالفه في فعل من
الأفعال كان ردا في الرق أو كان عليه مال معلوم كان الشرط صحيحا، وكذلك إن شرط
عليه خدمته سنة أو أكثر من ذلك كان الشرط أيضا صحيحا ولزمه ذلك، فإن مات المعتق كانت
خدمته لورثته، وإن أبق المملوك ولم يؤخذ حتى انقضت المدة المضروبة لخدمته لم
يكن للوارث عليه سبيل.
327

وإذا كان له عبد فأعتقه وكان مع العبد مال وكان سيده عالما به كان ذلك المال
للعبد المعتق دون سيده، وإن لم يكن السيد عالما به كان المال للسيد دون العبد، وإذا كان
للعبد مال وأراد سيده عتقه واستثنى المال جاز له ذلك إلا أنه لا يبتدئ بتحريره أولا بل
يبتدئ فيقول: ما لك لي وأنت حر لوجه الله تعالى، فإن بدأ بالحرية فقال: أنت حر
لوجه الله ولي مالك، مضى العتق ولم يكن لسيده سبيل على المال.
المملوك لا يملك من الأموال شيئا ما دام مملوكا، فإن ملكه سيده شيئا من ذلك ملك
التصرف فيه وكذلك إذا جعل عليه ضريبة يؤديها إليه، وما يبقى بعد ذلك يكون له فإنه إذا
أدى الضريبة إلى سيده كان له التصرف فيه وليس له أن يملك رقبة المال، فإن تزوج أو
تسرى أو ابتاع مملوكا من هذا المال وأعتق المملوك كان جميع ذلك جائزا إلا أن هذا
المملوك الذي يعتقه كان سائبة لا ولاء لأحد عليه، ولا يجوز له أن يتوالى إلى العبد الذي
أعتقه لأن العبد لا يملك جريرة غيره فإن توالى إلى غيره كان جائزا.
وإذا كان لإنسان من العبد أكثر من ثلاثة فأعتق منهم ثلاثة، وقيل له: أعتقت
مماليكك، فقال: نعم، لم ينعتق منهم إلا الثلاثة الذين كان أعتقهم، وإن كان قد أجابهم
بلفظ العموم بقوله: نعم، وكذلك لو أعتق أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك.
وإذا نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة من المماليك في حال واحدة أقرع بينهم
فمن خرج اسمه انعتق، وإذا كانت له مملوكة فنذر أنه إن وطئها كانت معتقة فوطئها قبل
خروجها من ملكه انعتقت، وإن أخرجها من ملكه ثم اشتراها ووطئها بعد ذلك لم ينعتق
بما كان نذره أولا، وإذا نذر عتق مملوك معين كان عليه عتقه بعينه دون غيره، فإن أعتق
غيره لم يكن ذلك مجزئا له، وإذا قال: كل مملوك لي قديم فهو حر، انعتق من مماليكه كل
من كان له في ملكه ستة أشهر، وإذا زوج مملوكة له وشرط عتق أول ولد تلده فولدت توأما
كانا جميعا معتقين.
وإذا ابتاع مملوكة ولم يسلم ثمنها إلى البائع ثم أعتقها وتزوجها ومات عنها ولم يترك
موروثا من المال غيرها ردت في الرق لبائعها، فإن كانت قد حملت كان الحمل رقا له
328

وكان عتقه ونكاحه كلاهما باطلا، وإن كان قد ترك موروثا يحيط بثمن رقبتها كان على
الوارث دفع ثمنها إلى بائعها وكان عتقه ونكاحه صحيحين ولم يكن لأحد عليها سبيل،
فإن كانت حاملا كان الحمل حرا لا سبيل لأحد عليه.
وإذا أعتق عبده عند موته وعليه دين وكان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين كان
عتقه ماضيا، وإذا استسعى العبد في قضاء ما على سيده من الدين وإن كان ثمن العبد
أقل من ضعفي الدين، كان العتق باطلا، وإذا كان له من المماليك جماعة فأعتق منهم
الثلث ولم يعين ذلك استخرج بالقرعة، فمن خرج اسمه كان حرا، وإذا أعتق مملوكة له
حاملا من غيره كان حملها معتقا، فإن استثناه من الحرية لم يثبت له رق مع مضى الحرية
في أمه.
وإذا مات وترك مملوكا وشهد بعض الوراث أن سيده الميت أعتقه، نظر فإن كان
مرضيا وشهد معه غيره بما شهد به انعتق المملوك ولم يكن لأحد عليه سبيل، وأن لم يكن
مرضيا مضى العتق في حصة منه واستسعى المملوك فيما بقي منه، وإذا نذر عتق رقبة مؤمنة
ثم أراد عتق صبي غير بالغ كان ذلك جائزا.
وإذا أبق المملوك وأراد سيده عتقه في الكفارة كان جائزا إذا لم يعلم بموته، وإذا مات
العبد وعليه دين نظر، فإن كان سيده أذن له في الاستدانة كان عليه قضاؤه وإن لم يكن
أذن له في ذلك لم يجب عليه القضاء، وإذا أعتق عبده عن دين وكان عليه عتق رقبة واجبة
لم يكن مجزئا عنه، وإذا بلغ الغلام عشر سنين جاز عتقه وصدقته إذا كان على وجه
المعروف، وإذا كان له مملوك وكان يقوم بأحواله ويحسن إليه فأراد البيع كان سيده مخيرا
في ذلك ولم يجب عليه بيعه.
وإذا أوصى بعتق رقبة غير معينة جاز له أن يعتق رقبة ذكرا كان أو أنثى، وإذا كان
عبد بين ثلاثة لواحد منهم نصفه والآخر سدسه، فأعتق صاحب النصف وصاحب
السدس ملكيهما معا في وقت واحد اشتريا نصيب الثالث وكان عليهما قيمة الثلث بينهما،
لقول النبي ص: من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد
329

قوم العبد قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد، فعلق الضمان بأن أعتق
شركا له من عبد وقد اشتركا في هذا المعنى فكانا سواء في الضمان.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن من ملك أحد أبويه أو من لا يجوز عليه نكاحه من أقاربه
انعتق عليه في الحال ولم يلحق بذلك ما يتعلق به لأن ذلك الموضع اقتضى إيراده على
الجملة التي ذكرناها، ونحن نذكر الآن ما يتعلق بذلك، ومن إذا ملك مما ذكرناه وانعتق
عليه فلا يخلو من أن يملك جميعه أو بعضه، فإذا كان ملك جميعه ينعتق عليه وكذلك إذا
ملك بعضه انعتق بعضه لأن الذي يقتضي عتق الجميع يقتضي عتق البعض، فإذا ملك
بعضه عتق عليه ذلك البعض.
فإذا صح عتقه نظر فإن كان معسرا لم يقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان موسرا
وكان قد ملكه باختياره قوم عليه ذلك لأنه يملكه مع العلم بأنه يعتق عليه، وإن ملكه بغير
اختياره مثل أن ورث ذلك البعض فإنه لا يقوم عليه الباقي لأن القدر الذي عتق عليه لم
يقصد به إدخال الضرر على شريكه، وإذا أعتق بعضه بغير قصد مالكه إلى الضرر لم يقوم
عليه كما لو أوصى بعتق نصف مملوك فإنه ينعتق بعضه بعد وفاته ولا يقوم على الوارث
الباقي من الرق، لأنه لا صنع له في عتق الذي انعتق منه.
وإذا أوصى لصبي أو مجنون لكل واحد منهما بمن يعتق عليه مثل أن أوصى لأحدهما
بأحد آبائه وللآخر بأحد أبنائه، فهل يجب على وليه القبول لذلك أم لا يجب ذلك عليه؟
فإنه ينظر فيه فإن كان في الموضع الذي لا يقوم عليه قبل الولي له ذلك، وإن كان في
الموضع الذي يقوم عليه لم يقبل ذلك له.
باب الولاء:
إنما يثبت الولاء لسبب، والسبب ضربان: أحدهما العتق والآخر تضمن الجريرة.
فأما ما سببه العتق فهو ولاء كل من أعتق تطوعا لوجه الله، فمن أعتق لذلك كان
ولاؤه لمن أعتقه وجريرته عليه، فإن كان سيده في حال عتقه قد تبرأ من جريرته وأشهد
330

على ذلك شاهدين وجعلها سائبة، فإنه لا يكون ولاؤه له ولا ضمان جريرته عليه.
وولاء أولاد المعتق وإن سفلوا لمن أعتق آبائهم إذا كانوا أحرارا في الأصل، فإن كانوا
معتقين كان ولاؤهم لمن أعتقهم دون الذي أعتق آبائهم، وإذا مات المعتق ورث ولاء
مواليه أولاده الذكور دون الإناث، فإن لم يكن له أولاد ذكور وكان له بنات كان ولاء
مواليه لعصبته دون غيرهم لأنهم هم الضامنون لجريرته.
وإذا كان المعتق امرأة ولها أموال وعصبة وأولاد ذكور وإناث كان ولاء مواليها
لعصبتها دون أولادها، وإذا كان للمعتق أخ لأبيه أو لأبيه وأمه وعصبة، كان ميراثه
لأخيه، وكذلك إن كان له أبوان فإن ولاء مواليه لأبويه دون عصبته لأن العصبة إنما
يأخذ الميراث إذا لم يكن غيرهم أو يكون الذي خلفهم الميت إناثا.
وأما ما سببه تضمن الجريرة فهو ولاء كل معتق كان سائبة وتوالى إلى غيره تضمن
جريرته، والمعتق إنما يكون سائبة بأن يعتق في شئ من الكفارات الواجبة أو يتبرأ معتقه
من جريرته، فإذا كان كذلك كان سائبة لا ولاء لأحد عليه إلا أن يتوالى هو إلى من
يضمن جريرته فيكون ولاؤه له، فإن لم يتوال إلى انسان حتى مات وخلف موروثا كان
لبيت المال، ولا يصح هبة الولاء على وجه من الوجوه وكذلك بيعه لا يصح على حال من
الأحوال.
باب التدبير:
الشروط التي يصح التدبير معها هي شروط العتق وقد تقدم ذكرها، وأما صفته فهو
أن يقول الانسان لمملوكه: أنت رق في حياتي وحر لوجه الله بعد وفاتي، فإذا قال كذلك
صح التدبير سواء كان هذا القول في صحة أو مرض، وكذلك لو قال: أنت حر لوجه الله
إذا مت أو إن مت أو إن حدث بي حدث الموت أو أنت محرر أو أنت عتيق بعد موتى أو
أنت مدبر، ويريد بذلك عتقه ذكرناه بعد موته أو ما أشبه ذلك من الألفاظ، كان جاريا مجرى
الأول.
331

وإذا دبر مملوكه على ما ذكرناه فهو مملوك ما دام السيد حيا وللسيد الرجوع في تدبيره
وبيعه وهبته وغير ذلك أو يجعله صداقا، والتدبير جار مجرى الوصية فإن بدا له تغييرها قبل
موته بطل منها ما رجع فيه، وإن تركها حتى مات كانت ماضية من الثلث، فإن مات
السيد ولم يرجع عن التدبير كان من الثلث، فإن زاد عليه استسعى المدبر في ما يبقى، فإن
نقص عن ذلك كان معتقا.
ويستحب لمن دبر مملوكه أن يشهد على تدبيره له وكذلك إن رجع في تدبيره وليس
ذلك بواجب عليه، ويجوز لسيد المدبر أن يبيع خدمته، وإذا ثبت على تدبيره ولم يرجع عنه
فيشتري المشتري كذلك، فيخدمه أيام حياته الذي دبره، فإذا مات عتق من الثلث.
وإذا كان له جارية مدبرة جاز له وطؤها، وولد المدبرة الذي تأتي به في حال كونها
مدبرة كهيئتها ويجرون مجراها يعتقون بعتقها، ويكونون رقا برقها ما تمادى السيد في
التدبير، وله أن يرجع عن تدبيرها دونهم، ولا يجوز له نقض تدبير الأولاد وإنما له نقض
تدبير الأم دونهم، وإذا اشترى المدبر جارية بإذن سيده فولدت منه أولادا ثم مات المدبر
قبل سيده كان ما خلفه من مال ومتاع وأم ولده لسيده، فإذا مات السيد انعتق الأولاد
بعد ذلك.
وإذا دبر ما في بطن أمته دون الأم ثم مات كان الولد مدبرا إذا وضعته قبل أن يمضى
ستة أشهر من وقت التدبير، فإذا وضعته بعد أن يمضى ستة أشهر لم يجبر الورثة على عتقه،
ويستحب لهم أن لا يبطلوا العتق عما وضعته الأمة إلا إذا جاوز تسعة أشهر، وإذا باع
السيد أمته التي دبر ما في بطنها من غير أن يستثني ولدها كان بيعه لها رجوعا عن تدبير
ما في بطنها.
وإذا دبر أمته وهو لا يعلم أنها حامل ولم يذكر في تدبيره ما في بطنها كان التدبير لهما،
وكذلك إن حدث الحمل بعد التدبير كانا جميعا مدبرين ويعتقان معا من الثلث، فإن
كان قيمتهما أكثر من الثلث ولم يجز الورثة ذلك سعيا في الزيادة، ويجوز له تدبير حصته من
مملوكه، فإن مات الذي دبر حصته في مملوك كان بمنزلة الذي يعتق الحصة في العبد.
332

وإذا قال لمملوكه: أنت حر إن حدث بي موت في مرضي هذا أو في سفري هذا، لم
يكن ذلك تدبيرا إذا صح أو قدم، وكذلك إن قال له: أنت حر بعد موت زيد، فإن مات
السيد قبل موت زيد كان للوارث بيع المملوك، وإذا قال: كل مملوك لي حر بعد وفاتي،
كان جميع ما في ملكه في حال هذا القول منه مدبرا وما يملكه بعد ذلك لا يدخل في
التدبير.
وإذا قال له: أنت حر إذا جاءت سنة كذا أو شهر كذا أو يوم كذا، فحضر الوقت
الذي ذكره وهو في ملكه كان حرا وله أن يرجع في ذلك كله بأن يخرجه من ملكه ببيع أو
هبة أو غير ذلك كما له الرجوع في تدبيره، وإذا قال له: متى ما قدم زيد فأنت حر، ومتى
ما صح عمرو من مرضه فأنت حر، كان له بيعه قبل قدوم زيد أو أن يبرأ عمرو، فإن قدم
هذا أو برأ هذا من مرضه وهو في ملكه عتق عليه.
وإذا قال: كل عبد لي حر بعد وفاتي، وكان له شقص في عبد لم يدخل الشقص في
التدبير إلا أن يكون أراده فإن أراده دخل في ذلك، وإن قال العبد المدبر لسيده: عجل لي
العتق ولك ألف درهم فقال: نعم، وأعتقه كان ذلك عتقا على مال وهو حر وعليه
الألف وبطل التدبير، وإذا كان على سيد المدبر دين يحيط بجميع ماله جاز بيع المدبر في
ذلك إلا أنه لا يباع فيه إلا بعد أن لا يوجد له قضاء إلا ببيعه، أو يقول السيد: أبطلت التدبير.
وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم عاد إلى سيده بالملك الأول فتاب كان تدبيره
ثابتا، ولو أخذ أسيرا فأخذه سيده قبل القسم أو بعده كان على تدبيره، فإن ارتد سيده
ولحق بدار الحرب وعاد تائبا قبل أن يحكم الحاكم بقسمة ماله كان على تدبيره لأن ذلك
جار مجرى موته، وإذا دبر أمته ووطئها وولدت كانت أم ولد وتنعتق بموته.
وإذا قال لعبده المدبر: إذا أديت إلى ألف درهم إلى سنة فأنت حر، لم يبطل التدبير
بذلك، فإن أدى المال في الأجل عتق وإن مات السيد قبل أن يؤديه عتق بالتدبير، وإذا
دبر عبده ثم خرس فلم يتكلم حتى مات كان على تدبيره فإن أشار بإشارة يفهم منها
333

رجوعه عن تدبيره في حال الغلبة على عقله لم يصح رجوعه، وكان المملوك باقيا على
تدبيره، وإذا دبره وهو مغلوب على عقله ثم آب إليه عقله ولم يجدد له تدبيرا كان تدبيره
باطلا.
وإذا أثبت المملوك على سيده شاهدين بأنه دبره والسيد ينكر ذلك، قيل له: إن
أردت فارجع عن تدبيره، كان عليهم البينة بما ادعوه ولا يجوز في ذلك شاهد واحد، ويمين
المدعي للوارث ولا للملوك، فإن أنكر الورثة التدبير ولم يكن للمملوك بينة حلف الورثة
ما عملوا أن أباهم دبره، فإذا حلفوا كان رقيقا فإن نكلوا عن اليمين عتق من الثلث ولهم
استحلافه إن أرادوا منه ذلك، فإن حلف بعض الورثة ونكل بعض عتق منه نصيب من
نكل عن اليمين ولم يعتق نصيب من حلف.
وإذا كاتب السيد مدبره لم يبطل التدبير بالمكاتبة، فإن أدى الكتابة قبل موت سيده
عتق وبطل التدبير، وإن مات سيده قبل وكان يخرج من الثلث عتق وبطلت منه
السعاية، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه ما خرج منه ويبطل عنه من مال الكتابة بقدر
ما عتق منه ويسعى ما بقي، وإن مات السيد وليس له من المال غيره ولم يكن أدى من
الكتابة شيئا عتق منه الثلث وسعى في ثلثي القيمة إن شاء أو ثلثي الكتابة، وإذا دبر
مكاتبه كان المكاتب مخيرا بين نقض الكتابة ويبقى مدبرا وبين المضي على الكتابة، فإن
مات وليس له مال غيره سعى في الأقل من ثلثي المكاتبة.
وإذا كان له عبدان فكاتبهما مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما كفيل
عن صاحبه ثم دبر أحدهما ومات السيد عتق المدبر ورفعت حصته من المكاتبة وأخذ
الوارث بحصة الآخر أيهما شاء، فإن أخذ بها المدبر رجع بها على صاحبه، وإذا كان العبد
بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه كان نصيبه مدبرا وليس عليه لشريكه قيمة، فإن مات
فعتق نصف العبد كانت بقية القيمة من الثلث، فإن لم يكن في الثلث فضل كان مخيرا
بين أن يعتق وبين أن يستسعي، وليس للمدبر ولا لأم الولد مال، وما يكون معهم من
ذلك فهو لساداتهم حتى يعتقوا.
334

وإذا دبر ذمي مملوكه فأسلم المملوك قيل له: إن أردت الرجوع في التدبير بعناه عليك،
وإن لم ترده حيل بينك وبينه وأدى خراجه إليك حتى تموت فيعتق أو تستسعيه إن اتفق
معك على ذلك أو ترجع فنبيعه.
والحربي إذا دخل دار الاسلام بأمان فدبر عبدا له كان جائزا، فإن أراد الرجوع إلى
دار الحرب لم يمنعا من ذلك، فإن أسلم المدبر قيل للحربي: إن رجعت في التدبير بيع
عليك ولم يمنع من ذلك، وإن لم ترجع خارجناه لك ومنعناك خدمته، فإن أردت العودة
إلى بلدك وكلت بخراجه إن شئت من يقبضه، فإذا مت كان حرا وإن اتفقت معه على
السعاية سعى لك في قيمته، فإن كان التدبير حصل في دار الحرب وخرج مستأمنا والعبد
معه فأسلم العبد بيع عليه على كل حال.
وإذا دبر المرتد مملوكه وتاب قبل أن يحكم الحاكم في ماله جاز تدبيره، وإن لحق بدار
الحرب أو قتل أو قسم ماله كان تدبيره باطلا.
وإذا مات سيد المدبر وفي يده مال أفاده قبل موت سيده كان ميراثا لورثة سيده، فإن
قال: أفدته بعد موت سيدي، كان القول قوله مع يمينه وعلى الوارث البينة بأنه أفاد ذلك
المال قبل موت سيده، فإن قامت البينة على المال أو بعضه أخذ، وأما ما قامت البينة عليه
فإن قال المدبر: كان في يدي في حياة سيدي لغيري وإنما ملكته بعد وفاة سيدي، كان
القول قوله مع يمينه إلا أن تثبت البينة بأنه كان في يده في حياة سيده، يملك سيده.
وإذا كان المملوك بين شريكين فيه قد أعتق أحدهما نصيبه ودبر الآخر بعده نصيبه،
فإن كان المعتق موسرا ضمن الذي دبر قيمة حصته والعبد حر وولاؤه له، وإن كان معسرا
كان الذي دبر نصيبه مخيرا بين أن يعتق أو يستسعي العبد في قيمة حصته.
وإذا مات السيد وخلف أمة مدبرة ومعها ولد، فقال الوارث: ولدته قبل التدبير،
وقالت هي: ولدته بعد التدبير، فالقول قول الوارث لأنها تدعي اخراج شئ من ملكهم،
فإن أقامت المدبرة البينة بأن الولد ولدته بعد التدبير كان حرا.
وإذا دبر انسان في حال صحته رقيقا بعضهم قبل بعض وفي مرضه آخرين كذلك
335

وأوصى بعتق آخرين بأعيانهم، ابتدأ بالوصية الأولى إلى أن يستغرق الثلث، فإن اشتبه
عليه الأمر في ذلك استعمل القرعة.
وإذا دبر أمة فولدت أولادا بعد التدبير ثم مات فعجز الثلث عن قيمتهم عتق من كل
واحد ما يحتمله الثلث من جميعهم، ويستسعي في قسطه من الزيادة لأنهم كلهم بمنزلة
عتقه واحدا من جملة الثلث ولا يجرون مجرى الذين ذكروا في باب القرعة، وإذا دبر ما في
بطن جاريته من الحمل كان جائزا، فإذا كانت الأمة بين شريكين فدبر أحدهما ما في
بطنها فإن ولدته لأكثر من ستة أشهر لم يحكم بتدبيره، وإن ولدته لأقل من ستة أشهر
حكم بذلك.
وإذا قال أحدهما: ما في بطنك حر بعد وفاتي، وقال الآخر للأمة: أنت حرة بعد
وفاتي، فولدت لأقل من ستة أشهر كان الولد مدبرا بينهما وحصة الذي دبر الأم مدبرة مع
الأم والولد، فإن ثبت على ذلك ومات رجع شريكه بقيمة نصف الأم في ثلثه إن كان فيه
فضل أو ما كان فيه واستسعى الأم في باقي نصف قيمتها، فإن ماتا جميعا ثابتين على
تدبيرهما لم يكن لأحد من الورثتين رجوع على الآخرين في نصف قيمة الأم إن كان في
ثلثه فضل لذلك ولا استسعوا الأم في نصف قيمتها.
ولا يجوز عتق المدبر في شئ من الكفارات الواجب فيها العتق إلا بعد أن ينقض
تدبيره، وإذا أبق المدبر بطل تدبيره فإن رزق ولدا في حال إباقه أو مالا ثم مات سيده
كان جميع ما خلفه من مال وولد لوارث المدبر له، وإذا حصل للمدبر مال كان ذلك
لسيده يفعل فيه ما شاء، فإن باعه كان له أخذ ما معه من ذلك.
وإذا جعل السيد خدمة عبده لغيره وشرط أنه إذا مات المستخدم له كان حرا كان
جائزا، فإن مات المستخدم له كان حرا فإن أبق هذا المملوك ولم يعد إلا بعد موت من
جعلت خدمته له لم يكن لأحد عليه سبيل، فإن جعل سيده خدمته لنفسه مدة من الزمان
ثم يكون حرا بعد ذلك كان جائزا، فإن أبق المملوك قبل انقضاء العدة انتقض التدبير،
فإن وجده ذلك كان مملوكا له يفعل به ما يشاء.
336

باب جناية المدبر وعليه:
إذا جنى المدبر كان كالعبد إن شاء سيده تطوع عنه باخراج أرش الجناية، فإن فعل
بعد ذلك لم ينقض التدبير فإن لم يفعل كان عليه تسليمه وذلك رجوع عن تدبيره، فإن
كانت الجناية تستغرق رقبته بيع فيها ويدفع إلى المجني عليه أرش جنايته، فإن نقص ثمنه
عن الجناية لم يلزم سيده إتمام ذلك، فإن كانت الجناية قليلة وثمن المدبر كثيرا قيل
لسيده: إن أردت أن يباع جميعه فيدفع إلى المجني عليه أرش الجناية ويدفع إليك الباقي من
الثمن فعلنا لأنه قد كان له بعه من غير جناية منه، وإن أردت افتديته بما وجب في عتقه
من الجناية وإن أردت بيع منه بقدر أرش الجناية، وكان ما بقي مدبرا بمنزلة العبد ما دام
سيده حيا.
وإذا جنى على المدبر بتلفه أو بتلف بعضه فأخذ سيده قيمته أو أرش ما أصيب منه
كان مالا من ماله إن اختار جعله في مثله وإن اختار فعل فيه ما شاء، فإن كان الذي جنى
عليه عبدا يسلم إليه والمدبر حي فهو على تدبيره، والقول في العبد المسلم في جرح المدبر إلى
سيد المدبر كالقول فيما أخذ من أرش الجناية عليه من عين أو ورق، فإن شاء جعله مدبرا
معه وإن شاء باعه أو فعل به ما أراد، وإذا جنى المدبر أو الجارية المدبرة جنايات يبلغ أرشها
مائة من الإبل ولم يكن قيمة الجاني خمسا من الإبل، وللمدبر مال وولد فماله لسيده وليس
للمجني عليه فيه حق.
وإذا ضرب انسان بطن امرأة مدبرة فألقت جنينها ميتا وماتت، كان في الجنين عشر
قيمة أمه يوم جنى عليها وفي الأم قيمتها وكان جميع ذلك للسيد يفعل فيه ما أراد، فإن ألقت
جنينا حيا ثم ماتت ومات كان فيها قيمتها وفي الجنين قيمته لأنه إذا كان حيا فحكمه
حكم نفسه، وإذا كان ميتا فحكمه حكم أمه.
باب المكاتبة:
المكاتبة جائزة في شرع الاسلام بدليل قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا،
337

وعن النبي ص أنه قال: من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته أظله
الله يوم لا ظل إلا ظله، فإذا كانت المكاتبة جائزة كما ذكرناه فكاتب انسان مملوكه ذكرا
كان أو أنثى على مبلغ معين من المال يؤديه إليه في نجوم معلومة كان جائزا، وهي ضربان:
أحدهما مطلق والآخر مشروط، فأما المطلق فهو أن يكاتب عبده أو أمته على مال معين في
نجوم معلومة ولا يشرط عليه أنه متى عجز كان ردا في الرق، والمشروط هو أن يشرط على
عبده أو أمته في حال المكاتبة أنه إن عجز عن أداء ذلك كان ردا في الرق وله جميع ما أخذ
منه.
فإذا كاتب انسان مملوكه مكاتبة مطلقة على ما بيناه وأدى شيئا من مكاتبته انعتق
منه بحساب ذلك ولم يكن لسيده عليه سبيل، فإن مات المكاتب وترك مالا وولدا ورث
سيده منه بمقدار ما بقي له من العبودية وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا، فإن كان
المكاتب قد رزق ولدا بعد المكاتبة من مملوكة له كان حكم ولده كحكمه في أنه يسترق
مولى أبيه منه بقدر ما بقي على الأب، فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن
لسيده عليه سبيل، فإن لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه مما بقي على الأب فإذا أدى
ذلك صار حرا، وإذا أدى هذا المكاتب بعض مكاتبته كان ممن يرث ويورث بحساب
ما عتق منه ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرق، وكذلك إذا أوصى له كانت الوصية
ماضية بقدر ما تحرر منه ويمنع بقدر ما بقي من رقه.
وإذا كان المكاتب عليه مشروطا على ما تقدم ذكره وعجز عن أداء ثمنه، وحد عجزه
أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته كان ردا في الرق، وإن
كان قد أدى شيئا من مكاتبته كان لسيده، ويستحب لسيده إذا عجز بتأخيره نجما إلى
نجم أن لا يرده إلى الرق بل يصبر حتى يوفيه.
وإذا مات هذا المكاتب وخلف مالا وولدا كان ما خلفه لسيده وكان ولده مملوكا له،
وليس يجوز لهذا المكاتب التصرف في نفسه بتزويج ولا هبة مال ولا بعتق ما دام يبقى عليه
شئ من مكاتبته، وإنما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا أذن له سيده في
338

ذلك، وإذا كان مأذونا له في الاستدانة وحصل عليه دين كان على سيده ضمان ذلك.
وإذا كان المكاتب مملوكة وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا حرم على مولاها وطؤها
بملك اليمين لأن بعضها قد تحرر ولا يجوز له العقد عليها لأن بعضها ملك له، فإن وطئها بعد
أن أدت من مكاتبتها شيئا أقيم الحد عليه بقدر ما عتق منها ودرأ عنه بحساب ما بقي ويجب
عليها مثل ذلك إن كانت طاوعته في ذلك، فإن أكرهها على ذلك لم يكن عليها شئ.
فإذا فعل المكاتب ما يجب عليه الحد به أقيم ذلك عليه بقدر ما انعتق منه حد الحرية
وبقدر ما بقي منه رقا حد العبودية، وكل شرط يشرطه سيد المكاتب عليه فإنه يكون
صحيحا إلا أن يكون شرطا يخالف الكتاب والسنة فإنه يكون باطلا، كما أن جميع
ما يشرطه عليه إذا أعتقه، فإذا شرط أن ولاءه له كان له ذلك دون غيره من سائر الناس،
وإذا أحضر المكاتب إلى مولاه جميع ما كاتبه وقال له: خذ مني جميع ذلك في دفعة واحدة،
كان مخيرا إن شاء أخذه وإن شاء تركه، وإذا لم يكن المكاتب مشروطا عليه ثم عجز عن
الوفاء كان على الإمام أن يفك رقبته من سهم الرقاب.
وإذا كان المكاتب أمة وتزوجت بغير إذن سيدها كان نكاحها باطلا، وإن كان باذنه
وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا وجاءت بولد كان حكم ولدها كحكمها يعتق منه
بحساب ما عتق منها ويسترق منه بحساب ما بقي من مكاتبتها إذا كان تزويجها بمملوك،
وإذا كان بحر كان ولدها حرا.
ويستحب للإنسان أن يكاتب مملوكه إذا علم أن له قدرة على أداء ثمنه إما من
صناعة في يده أو غير ذلك، فإن طلب المملوك المكاتبة يستحب لسيده أيضا أن يعينه على
فك رقبته بشئ من ماله من سهم الرقاب، وإذا كاتب عبده فيستحب له أن لا يزيد في
مكاتبته على القدر الذي هو ثمن له، ومهما فعله معه من المعونة على فك رقبته كان له فيه
ثواب جزيل.
وإذا تزوج وكاتب بمعتقة لقوم وأولدها كان الولد تبعا لأمه وعليه الولاء لمولى أمه لأن
عليها الولاء، فإن أدى المكاتب وعتق جر الولاء الذي على ولده لمولى أمه إلى مولى نفسه،
339

وإن عجز ورق استقر لمولى أمه.
فإن مات المكاتب واختلف سيده وسيد الأم فقال: سيد المكاتب قد أدى وعتق وجر
الولاء الذي على ولده، وقال سيد الأم: بل مات عبدا فلم يجر شيئا، كان القول قول سيد
الأم والأصل بقاء الولاء والأصل بقاء المكاتبة والأصل أنه لا عتق في المكاتب فلهذا كان
القول قول سيد الأم، فأما قبل وفاة المكاتب فإن اعترف السيد بعتق المكاتب والأداء
فيجر الولاء ويزول الاختلاف.
وإذا كان لإنسان مكاتبان كاتبهما بعقد واحد أو بعقدين كل واحد منهما على ألف،
فأدى أحدهما ألفا وعتق ثم أشكل عليه عتق المؤدى منهما لزمه أن يكرر ألفا لعله يذكر
ذلك طول حياته، وليس له فرض القبض في أحدهما بل عليه التذكر فقط، فإن قال: قد
ذكرت أن هذا هو المؤدى منهما، حكم بعتقه وبقي الآخر على الكتابة، فإن صدقه الآخر
صح ذلك وإن ادعى عليه أنه هو الذي أدى إليه كان القول قول السيد لأن الأصل أن
لا قبض، وعليه اليمين لأنه يمكن صدق المدعي فيما يدعيه ويمينه على الثبات لأنها على فعل
نفسه، وإن كانت على النفي فإنه لم يبين حتى مات قبل الثبات أقرع بينهما.
وإن كاتب السيد عبده على مال ثم إن السيد باع المال الذي في ذمة المكاتب، لم
يصح البيع لأن النهي ورد عن بيع ما لم يقبض وهذا بيع لما لم يقبض فلم يصح، وإذا
اشترى المكاتب من يعتق عليه بحق القرابة كالآباء والأمهات أو غيرهم بإذن سيده صح
ذلك، وإن كان بغير إذن سيده كان الشراء باطلا لأن في ابتياع من ذكرناه إتلافا للمال
لأنه يخرج من يده شيئا ينتفع به ويمكنه التصرف فيه ويستبدل به ما لا ينتفع به ولا يمكنه
التصرف فيه، وما كان كذلك كان إتلافا في الحقيقة.
ويجوز كتابة الذمي للذمي، فإن كاتب نصراني نصرانيا كانت كتابته صحيحة
جائزة بما يجوز به كتابة المسلم للمسلم ويرد على الوجه الذي يرد عليه كتابة المسلم، فإذا
كاتب من ذكرناه عبدا وترافعا إلى حاكم المسلمين حكم بينهما بحكم الاسلام، فإن
كانت الكتابة تجوز بين المسلمين أمضاها وإن كانت لا يجوز ردها لأن الحاكم إنما يجوز له ل
340

أن يحكم بما يجوز له في دينه، فإذا حكم بينهما وكانت الكتابة صحيحة أقرهما عليها
وأمضاها، وإن كانت فاسدة بأن يكونا عقداها على خمر أو خنزير أو شرط فاسد وكانا قد
عقدا ذلك في حال كفرهما وتقابضا العوض وأسلما وترافعا إلى حاكم المسلمين فإنه يقرهما
على ذلك لا بمعنى أنه يحكم بصحته لكن لا يتعرض له، ويجري مجرى المتزوجة على مهر فاسد
وتقابضا العوض في حال كفرهما وأسلما.
فإن عقدا الكتابة على خمر أو خنزير في حال الشرك ثم أسلما وتقابضا العوض بعد
الاسلام فالحاكم يبطل ذلك ويرده لأن قبض الخمر والخنزير لا يجوز في حال الاسلام
ويلزم في ذلك قيمة ما وقع عليه العقد عند مستحليه، فإن كان عقد الكتابة في حال
الكفر ثم أسلما وترافعا قبل التقابض أو بعد قبض البعض كان القول في ذلك ما قلناه في
المسألة المتقدمة، وإذا كان للكافر عقد مكاتبة ثم أسلم لم يقع عليه لأن العقد رفع سلطانه
عنه وقد حصل، فأما أن يسلم ثم كاتبه لم يصح ذلك.
وإذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم دخلا دار الاسلام بأمان أو مستأمنين ثم
كاتبه فما داما لا يترافعان إلى الحاكم ويتحاكمان إليه فلا ينبغي أن يعرض لهما بل يقرهما
على ما فعلاه، فإن ترافعا إليه حكم بينهما بحكم الاسلام ونظر في الكتابة، فإن كانت
صحيحة في الشرع أعلمهما صحتها وأقرهما عليها وإن كانت فاسدة أعلمهما فسادها وأنه
لا يجوز الإقرار عليها.
فإن قهر العبد سيده على نفسه في دار الحرب ودخل دار الاسلام بأمان والسيد معه
فقد ملك السيد وانفسخت الكتابة فيه وملك سيده بقهره إياه ويقر على ذلك لأن دار
الحرب دار قهر وغلبة من غلب وقهر فيها على شئ ملكه، فأما إذا دخلا دار الاسلام ثم
قهر سيده على نفسه فإنه لا يقر على ذلك لأن دار الاسلام دار إنصاف وحق وليست دار
قهر وغلبة.
وإذا كان للمسلم عبد فارتد العبد ثم كاتبه السيد جاز ذلك لأنه عقد معاوضة
ويصح ذلك من المرتد، فإن أدى المال إلى سيده عتق وصار حرا مرتدا ويجب أن يستتاب
341

فإن تاب وإلا قتل، فإن عجز نفسه استرقه سيده ورده إلى ملكه، فإن أسلم وإلا قتل
ويكون ماله لسيده، وإن قتل على الردة قبل أن يؤدى وقبل أن يعجز انفسخت الكتابة
بقتله ويكون المال الذي في يده لسيده لأنه لما انفسخت الكتابة عاد إلى ملكه.
باب مكاتبة العبدين:
إذا كان لإنسان مملوكان فكاتبهما مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما
كفيل عن صاحبه كان جائزا، فإن أدى أحدهما جميع المال عتقا جميعا ورجع بحصته على
صاحبه، فإن كانت قيمتهما سواء فأدى أحدهما شيئا عاد بنصفه على الآخر وإن كانت
قيمتهما مختلفة عاد على صاحبه بقسط ما أدى من قيمته، وإذا كاتب العبد سيده على نفسه
وعلى عبد للسيد غائب بألف درهم كان جائزا، فإن أدى المال عتقا ولا يرجع على
الغائب بشئ لأنه لم يأمره بذلك وإنما تطوع بفعل ذلك، ولو أراد السيد بيع الغائب لم
يكن له ذلك.
وإذا كان لاثنين مملوكان فكاتباهما معا بمائة دينار فكل واحد منهما مكاتب بحصته
لصاحبه، وإذا كاتب عبدين مكاتبة واحدة فعجز أحدهما فقدمه إلى الحاكم فرده الحاكم
في الرق والحاكم غير العالم بمكاتبه الآخر معه ثم إن الآخر أدى جميع المكاتبة في أوقات
لا يعجز فيها فإن العبدين يعتقان، لأن عجز الأول كان باطلا ولا يكون إلا عجزهما معا
لأن المكاتبة واحدة.
وإذا كاتب انسان حر على عبد لغيره فأدى المكاتبة ولم يأمره العبد بذلك فهو متطوع
وليس له رجوع بالمال على سيد العبد ولا على العبد، وإذا كاتب اثنان عبدا لهما مكاتبة
واحدة وغاب أحدهما وقدم الآخر العبد إلى الحاكم وقد عجز لم يرده في الرق حتى يجتمع
السيدان.
وإذا كاتب انسان عبدين كتابة واحدة فمات أحدهما قيل للثاني: إما أن تختار أن
تؤدي باقي الكتابة عنك وعن صاحبك وإما أن تكاتب عن نفسك كتابة جديدة، فأيهما
342

اختار كان له ذلك، وإن كان المتروك مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيد من
الكتابة وكان على الثاني ما بقي من قسطه منها، وكذلك إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب
فحكم بلحاقه أو قتل على ردته، وإن كان ما ترك الميت فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد
يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا وترجع ورثته على الحي بحصته وبقية ذلك
ميراث لهم، فإن كسب مالا في دار الحرب وظهر المسلمون عليه لم يرجع المؤدى في ذلك
بشئ لأنه فئ.
وإذا كاتب الشريكان في العبد - عبدهما - ثم أعتق أحدهما نصيبه ومات وليس له
وارث من ذوي أرحامه كان المال بينهما نصفين، وإن كاتباه ولم يشترطا عليه أن يكون
أداء الكتابة لهما جميعا جاز له أن يدفع جزء كل واحد منهما إلى صاحبه على الانفراد، وكان
لكل واحد منهما ما أخذ منه ولا يشركه فيه غيره، فإن عجز عن نجومه وقد كاتبه كل واحد
منهما مكاتبة على حدة في حصته فأراد أحد الشريكين تعجيزه ورده في الرق وقد شرط عليه
ذلك وأراد الآخر إنظاره كان كل واحد منهما محكما في حقه.
وإذا كاتب العبد سيده عن نفسه وعن أولاد له صغار وقد شرط السيد عليه أنه إن
عجز رد في الرق فعجز قبل بلوغ الأولاد أو بعد رد في الرق وكان ذلك ردا للولد، فإن قالوا
بعد ذلك: نحن نسعى في المكاتبة، كان ذلك إلى سيدهم إن أراد إجابتهم إلى ذلك
أجابهم وإن لم يرد إجابتهم كان ذلك إليه.
باب مكاتبة المريض:
إذا كاتب مريض عبده في حال مرضه مكاتبة مثله وأقر باستيفائه في حال المرض لم
يصدق فيما جاوز الثلث، ولو كان عليه دين يحيط بماله لم يصدق في شئ إلا أن العبد
يعتق ويؤخذ بالكتابة، فإن ثبت للعبد بينة بأنه قد وفاه الكتابة في مرضه عتق، وكذلك
إذا أقر المريض في حال مرضه أنه قد كان كاتبه في صحته واستوفاها منه لم يصدق فيما
جاوز الثلث بعد الدين إلا أن يثبت للعبد بينة على ذلك، فإن كاتبه في صحته وعلم ذلك
343

ثم أقر في مرضه بالاستئفاء صدق.
وإذا أوصى فقال: كاتبوا على عبدي على كذا، مبلغ عينه إلى أجل كذا إن أنا مت
وذلك كتابة مثله جاز إن خرج من الثلث، فإن لم يكن له مال غيره قيل له: إن شئت
تعجل الثلثين وتؤخر الثلث فذاك، وكذلك إن حط عنه من المكاتبة شيئا يكون أكثر من
الثلث، وإذا لم يعجل ثلثي الكتابة وليس للميت مال غيره بطلت الكتابة عن الثلثين
وصحت في الثلث بالقسط في النجوم.
فإن كانت الكتابة على دون القيمة مما يتجاوز قدر الثلث شيئا وفي خمس مائة مائة
فكاتبه على مائتين، فإن أدى ثلثي قيمته معجلة عتق وإلا عتق ثلثه واسترق ثلثاه، وإذا
أوصى بأن يوضع كتابة عبده الذي كاتبه فهي كوصية بعتقه، يعتق إن كان الثلث
يحتملها أو ما احتمل منها ويسعى فيما بقي عليه.
وإذا كاتب عبده وقد حضره الموت وكان الثلث يحتمله وأوصى بوصايا وليس في
الثلث فضل عن قيمة العبد بدئ بالكتابة ثم جعلت في الوصايا بالقسط إلا أن يختار
الورثة أن يؤدوا الوصايا ويكون مال الكتابة لهم، فإن اختاروا تسليم العبد بالوصايا كان
ذلك لهم، فإن مات العبد لم يكن لأصحاب الوصايا رجوع على الوارث بشئ.
وإذا أوصى للعبد بنجم من نجومه غير معين كان للورثة أن يختاروا أي نجم شاؤوا
ويعتق منه بقدره إن لم يكن اشترط رقه، فإن جعل الاختيار في ذلك إلى العبد كان له أن
يختار أي نجم شاء، وإذا أوصى فقال: ضعوا عنه ثلث كتابته وضع عنه ثلث الأصل
لا ثلث الباقي، فإن امتنع العبد من قبول الوصية بذلك لم يجز لأنه بمنزلة العتق له أو لبعضه
الذي ليس للعبد فيه اختيار على سيده.
وإذا أوصى بمكاتبه الذي يأخذ من نجومه شيئا لرجل وحصل الثلث قدره صار رقا
للموصى له به إن كان الرجوع مشروطا عليه في الرق، فإن كانت الوصية بمال الكتابة
دون رقبته فعجز كان رقه للوارث دون الموصى له به، فإن قال: كتابته لزيد فإن عجز
فرقبته لعمرو، جاز ذلك.
344

وإذا مات السيد لم يبطل موته الكتابة ما كان المكاتب ساعيا في نجومه وأدى ذلك
إلى الورثة ويعتق بالوفاء، وإذا مات السيد وابنته تحت النكاح الذي شرط عليه الرق عند
عجزه فإنه يمنع من وطئها، فإن أدى كانا على النكاح، وإذا كان على الميت دين يحيط
بالكتابة فأخذ المكاتب مال الكتابة وقسمه على الغرماء ودفع إلى كل ذي حق حقه منه
كان جائزا، وإذا كان له عبد فكاتبه في حال صحته ثم أعتقه في المرض وليس له مال
سواه سعى إن شاء في ثلثي قيمته وإن شاء في ثلثي ما عليه.
باب المكاتبة الفاسدة:
إذا كان لإنسان مملوك فكاتبه على ثوب لم يعين جنسه أو دار غير معلومة أو على قيمته
دون غيرها كانت المكاتبة فاسدة، فإن أدى إلى سيده ثوبا ما لم يعتق وكذلك في الدار،
وإن أدى قيمته فقد ذكر أنه يعتق لأن ذلك معين وإن كانت المكاتبة في الأصل غير
جائزة وليس يجري ذلك مجرى الثوب وما جرى مجراه، وإذا كاتب جاريته على ألف درهم
وشرط عليها أن يطأها ما دامت في كتابته كانت المكاتبة جائزة والشرط باطلا.
وإذا كاتبها على أن كل ولد تلده فهو له أو على أن تخدمه بعد العتق كان ذلك فاسدا،
وإذا كاتبها على ألف وهي قيمتها على أنها إذا أدت عتقت كان عليها ألف آخر كان
جائزا، وإذا كاتبها على عبد لرجل لم يجز ذلك وكذلك كل ما عينه من مال غيره من عرض
أو حيوان أو موزون أو مكيل أو ما أشبه ذلك.
وإذا كاتبها وهي حامل واستثنى ما في بطنها لم يجز ذلك، فإن كاتبته عما في بطنها
دونها لم يجز أيضا، وإذا كاتب عبده وشرط عليه أنه إن أدى مال الكتابة ومات ورثه هو
وولده، أو شرط عليه شرطا يزيل عنه بعض أحكام الأحرار ويلحق به أحكام العبيد كان
ذلك باطلا، وإذا كاتبه على نجوم معلومة وشرط عليه أنه إذا أداها كان حرا بعد موت
سيده كان ذلك باطلا.
345

" باب أحكام الجنايات "
" الواقعة من المكاتب بغيره أو من غيره به "
إذا جنى المكاتب على غيره فلا يخلو الغير من أن يكون هو سيده أو غير سيده، فإن كان
هو سيده فلا يخلو من أن يكون الجناية على طرفه أو على نفسه، فإن كانت على طرفه
فخصمه في ذلك السيد، فإن كانت عمدا كان له أن يقتص وإن كانت خطأ كان له
أخذ الدية.
فإن كانت على نفسه الوارث وإن كانت عمدا كان له المطالبة بالقصاص وإن
كانت خطأ كان له الدية، وإن كانت عمدا واختار القصاص واقتص إما في الطرف أو
النفس فقد استوفى حقه، وإن كانت خطأ أو عمدا فعفا عن القود منها وجب الأرش
ويتعلق برقبته، وإذا تعلق الأرش برقبته فللمكاتب أن يفدي نفسه لأن ذلك يتعلق
بمصلحته، وإذا أراد أن يفدي نفسه فداها بأقل الأمرين من الأرض أو القيمة.
فإن كان في يده مال كان له أن يدفع ذلك منه لأنه من مصلحته وله صرف المال
الذي في يده فيما يتعلق بمصلحته، فإذا قبض السيد أو وليه منه أرش الجناية وبقي معه
ما يؤديه من مال المكاتبة أداه في ذلك وعتق، وإن لم يبق معه شئ كان له أن يعجزه،
فإن لم يكن معه مال فقد اجتمع عليه حقان مال الكتابة وأرش الجناية، فإن كان في يده
ما يتم لهما دفعه وعتق، وإن لم يكن في يده ما يتم لهما كان للسيد تعجيزه، فإذا عجزه
انفسخت الكتابة ورجع إلى مالكه وسقط الحقان معه لأنه لا يثبت للسيد على مملوكه مال.
وإذا كانت الجناية على غير سيده وكانت عمدا وجب القصاص، فإن عفا وجبت
الدية فإن جنى خطأ وجب الأرش، فإن اختار القصاص كان له ذلك وإن عفا تعلق
برقبته، والحكم في ذلك وفي جناياته خطأ واحد، وله أن يفدي نفسه من الجناية بأقل
الأمرين على ما قدمناه بغير زيادة على ذلك، فإن لم يكن معه ما يدفعه إليه كان للمجني
عليه أن يعجزه ويتبعه في الجناية لأنه قد تعلق برقبته حق وكان له بيع الرقبة في الجناية إلا
أن يريد السيد أن يفديه ويقره على الكتابة فيكون له ذلك، فأما ما يفديه به فقد تقدم
346

ذكره.
وإذا جنى العبد المشاع للتجارة على أجنبي حرا وعبد وكانت الجناية عمدا كان عليه
القصاص فإن عفا عنه فعليه الدية، فإن كانت خطاءا فالأرش فإن اختار السيد أن يفديه
كان له ذلك.
وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية وما أشبه
ذلك وكان في يده مال، فإما أن لا يكون محجورا عليه أو يكون قد حجر عليه، فإن لم يكن
حجر عليه وكانت الحقوق كلها حالة كان له أن يقدم ما شاء منها لأنه مطلق التصرف وله
أن يفعل ذلك، وإن كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا فأرش الجناية لا يكون إلا حالا.
وقد يكون مال الكتابة حالا ويكون مؤجلا، فإن أراد الابتداء بقضاء الدين الحال جاز
ويبقى المؤجل عليه، وإن أراد تعجيل المؤجل لم يكن له ذلك، فإن أراد تعجيل مال الكتابة
جاز لأن ذلك يكون هو من سيده.
فإن كان قد حجر على المكاتب وكان المال الذي في يده يعجز عن ديونه فاجتمع
غرماؤه وسألوا الحاكم أن يحكم بالحجر عليه، فإن تصرفه بذلك ينقطع ويكون الأمر إلى
الحاكم ويقسط ماله على قدر ما عليه من الحقوق، فإن لم يرضوا بذلك وتشاحوا قدم
صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد لأن حقه يختص بالمال الذي في يده، فإذا لم
يدفع حقه إليه منه لم يرجع منه إليه شئ آخر، والسيد والمجني عليه يرجعان من حقهما إلى
الرقبة، فإذا دفع إلى صاحب الدين حقه وبقي معه شئ دفع إلى المجني عليه وقدم على
السيد لأنه يأخذ دينه بحق الجناية والسيد يأخذ حقه بالملك وحق الجناية مقدم على الملك،
فإذا دفع حق المجني عليه وبقي شئ دفعه إلى السيد فإن لم يبق شئ كان له تعجيزه
واسترقاقه.
فإن لم يبق بعد قضاء الدين مع المكاتب بشئ كان للسيد والمجني عليه تعجيزه لأن
حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة وقد تعذر ذلك، فإن اختار التعجيز انفسخت الكتابة
وبرئ المكاتب مما عليه من المال وبقي حق المجني عليه متعلقا برقبته ويكون له بيعه في
347

الجناية إلا أن يختار سيده أن يفديه فيكون ذلك له.
وإذا مات المكاتب ومعه من المال ما لا يفي بما عليه من الحقوق انفسخت الكتابة بموته
وسقط حق السيد من المال ويعود رقبته إلى ملكه، ويسقط أيضا حق المجني عليه من
الأرش لأنه كان متعلقا رقبته وقد فاتت وبقي الدين للمقر، وأما البائع فيدفع ذلك المال
الذي كان في يده فإن بقي منه شئ كان للسيد لأنه كسب عبده، فإن لم يكن في يده مال
وأنظره أصحاب الحقوق بحقوقهم حتى يكتسب ويدفع إليهم كان جائزا، وليس ذلك
بواجب عليهم ولهم الرجوع فيه متى أرادوا.
فإن لم ينظروه وطالبوه بحقوقهم لم يكن لصاحب الدين تعجيزه لأن حقه قبل التعجيز
وبعده ثابت في ذمته فإذن لم يكن له في تعجيزه فائدة، فأما السيد والمجني عليه فلهما تعجيزه
لأنهما يستفيدان بذلك فائدة وهي أن المجني عليه يبيع الرقبة في حقه والسيد يستردها إلى
ملكه، فإن عجزاه انفسخت الكتابة ويباع في الجناية ويقدم حق المجني عليه على حق
السيد كما قدمناه.
وإذا وجب على المكاتب أروش عدة من جناياته على جماعة وكان في يده مال يفي
بذلك دفع الأرش منه وبقي الحكم بينه وبين السيد إن أدى إليه مال الكتابة أعتق وإن لم
يؤد ذلك إليه كان له استرقاقه، وإن لم يكن في يده مال كان للمجني عليهم أن يعجزوه
ويفسخوا المكاتبة ليعود إلى الرق وبيع في حقوقهم، فإن كان ثمنه يفي بحقوقهم دفع إلى
كل واحد منهم قدر ما يصيبه منه ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد جنى على جميعهم دفعة
واحدة أو على واحد منهم بعد آخر وبعضهم قبل التعجيز وبعضهم بعده لأن محل هذه أجمع
الرقبة.
وإذا قطع المكاتب يد سيده عمدا وجب له القصاص فإن اختار ذلك كان له
استيفاؤه في الحال، وإن عفا على أرش وكانت الجناية خطأ يوجب بها الأرش لم يكن له
المطالبة به إلى حال اندمال الجرح، وإذا كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض،
فإن كانت الجناية موجبة للمال بأن يكون خطاءا أو شبيه عمد فإنها تهدر، وإن كانت
348

موجبة للقصاص كان له أن يقتص من الجاني لأن في ذلك مصلحة لملكه وذلك بأن يؤثر
بعض عبيده على بعض، فإن اقتص جاز وإن عفا سقط القصاص إلا أنه لا يجب له مال
لأن السيد لا يستحق مالا على عبيده.
وإذا كاتب عبدا وجنى المكاتب جناية خطأ أو جناية عمد وعفا عن القصاص فيها
كان الأرش متعلقا برقبته لأنه بمنزلة العبد القن في حكم الجناية، وإذا كان في يده مال
جاز أن يدفع منه الأرش الذي عليه ويفدي نفسه لأن ذلك من مصلحته، فإن أعتقه
السيد مضى عتقه وكان على السيد ضمان أرش الجناية لأنه أتلف محل الأرش ومنعه من
بيعه في الجناية فكان ضمان الأرش لازما، فإن أدى العبد مال الكتابة وعتق كان عليه
ضمان الأرش لأنه أوقع العتق باختياره وقد كان يتمكن من تعجيز نفسه والامتناع من
الأداء وعليه أقل الأمرين من أرش الجناية أو القيمة.
وإذا جنى المكاتب جنايات تعلق أرشها برقبته فأعتقه سيده فلزمه ضمان الجنايات أو
أدى المكاتب المال فعتق فلزم ضمانها كان اللازم له من ذلك الأقل من أروش الجنايات
كلها أو القيمة لأن الأروش كلها تعلقت برقبته فلما أعتقه سيده منع من بيعه في
الجنايات كلها للذي وجد منه، وكذلك الإعتاق حصل دفعة واحدة يلزمه الأقل من
أروش الجنايات كلها أو القيمة، وإذا جنى المكاتب جنايات عدة وعجزه سيده وأعاده إلى
الرق كان بمنزلة العبد القن وسيده مخير بين تسليمه ليباع في الجنايات أو يفديه، فإن اختار
الفداء فداه بالأقل من قيمته أو أروش الجناية.
وإذا ابتاع المكاتب عبدا للتجارة فجنى هذا العبد على المكاتب جناية خطاء أو عمد
وعفا عن القصاص كانت الجناية هدرا ولا يجب له الأرش على العبد لأن العبد ملكه،
والسيد لا يستحق على رقبة مملوكه مالا على وجه من الوجوه ويجري مجرى الحر، وإذا كان له
عبد فأتلف عليه مالا فإن ضمانه لا يثبت في ذمته.
وإذا جنى على المكاتب وكانت الجناية على نفسه انفسخت الكتابة سواء كانت من
سيده أو من غيره، فإن كان القائل له غير سيده كان عليه القيمة لسيده والكفارة لله
349

تعالى، فإن كان القاتل السيد لم يكن عليه قيمة لأنه قد عاد إلى ملكه بفسخ الكتابة
والكفارة واجبة عليه وما يكون في يده من مال فهو لسيده، إذا قتله السيد أو غير السيد لأنه
ملكه وكان له ماله بحق الملك لا بالإرث.
فإن كانت الجناية على طرفه وكان حرا لم يجب عليه القصاص لأن الحر لا يقتل بالعبد
وإن كان عبدا كان عليه القصاص، فإذا وجب الأرش في جناية الخطأ أو في جناية العمد
إذا عفا عن القصاص فيها فإن الأرش للمكاتب لأنه من جملة الكسب وليس له المطالبة
بالأرش إلا بعد اندمال الجرح، فإن سرت الجناية إلى نفسه انفسخت الكتابة وعاد إلى
ملك سيده وما يكون في يده من مال فهو للسيد.
مسائل في المكاتبة:
إذا كان للمريض عبد فكاتبه في حال مرضه كانت المكاتبة صحيحة لأنه ملكه،
فإن برأ من المرض لزمته الكتابة في جميع العبد لأن الكتابة تصرف منجز، وإذا تصرف فيه
المريض وبرأ من مرضه لزمته، وإن مات اعتبر ذلك من الثلث فإن احتمل ثلثه قيمة جميع
العبد نفذ جميع المكاتبة في جميعه، فإن أدى المال إلى الورثة عتق وإن لم يحتمل الثلث
جميعه، فإن لم يخلف الميت غيره فإن الكتابة تلزم في ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفا على إجازة
الورثة، فإن أجازوه نفذت الكتابة في جميعه وإن لم يجيزوه بطلت في ثلثيه وبقيت في
الثلث، فإذا أدى إليهم ثلث المال عتق، وإذا كان له عبد فكاتبه في صحته ثم مرض وأقر
أنه قبض مال الكتابة صح إقراره وعتق العبد لأن المريض يملك القبض ويملك الإقرار به
مثل الصحيح.
وإذا كان له عبد فكاتبه على دراهم ثم أبرأه عن دنانير، أو كاتبه على دنانير ثم أبرأه
عن دراهم كان ذلك باطلا لأن الذي يستحق عليه الدراهم فإذا أبرأه عن دنانير فقد أبرأه
عما لا يستحقه، فصار كما لو كان له على زيد حق فأبرأ عمروا منه، فإن أبرأه عن ألف
درهم وله عليه دنانير وقال: أردت به دنانير قيمتها ألف درهم إلا قفيز حنطة ثم قال:
350

أردت إلا دراهم بقفيز حنطة، فإنه يقبل فيكون قد استثنى قيمة القفيز من الألف، فإن
أبرأه عن الدراهم وله عليه دنانير ثم اختلفا فقال سيده: أردت به الدراهم على الإطلاق،
فقال المكاتب: بل أردت عن قيمة الدراهم من الدنانير، كان القول قول السيد لأنه
اختلاف في نيته وإرادته وهو أعلم بذلك من غيره.
فإن مات السيد واختلف المكاتب وورثته فيما ذكرناه كان القول قول الورثة لأنهم
يقومون مقامه، وإذا قال السيد: استوفيت آخر كتابة هذا العبد، لم يبرأ العبد بهذا اللفظ
من الإقرار على الإطلاق لأنه يحتمل استوفيت آخر ما بقي من مال الكتابة ويحتمل آخر
ما حل عليه ويحتمل آخر نجومه، فأما إذا كان محتملا لم يقع البراءة بالشك لكن يرجع إلى
السيد فيستفسر عما أراده فبأي شئ فسره قبل منه.
فإن اختلف المكاتب وسيده فقال سيده: أردت أنني استوفيت آخر ما حل عليك،
فقال المكاتب: بل آخر مال الكتابة، كان القول قول السيد لأنه أعلم بما نواه، وكذلك إن
مات السيد واختلف المكاتب وورثته كان القول قول الورثة كمثل ما قدمناه، فإن قال
استوفيت آخر كتابتك إن شاء زيد لم يكن ذلك إقرارا ولا يتعلق به حكم لأنه علقه بصفة
والإقرار لا يتعلق بالصفات، كما لو قال: لزيد على مائة درهم إن شاء زيد فإنه لا يتعلق به
حكم.
وإذا كان له عبد فأوصى بكتابته كانت الوصية صحيحة لأنها تتضمن القربة وهي
العتق ويعتبر قيمة العبد الموصى بكتابته من الثلث، فإن كان لم يوص إلا بالكتابة فقط
كان الثلث مصروفا إليها، وإن كان أوصى بالكتابة وبغيرها من هبة ووصية بمال ومحاباة
وعتق قدم العتق على غيره، وإن أوصى بكتابة وغيرها من دون عتق قدمت الكتابة على
غيرها.
وإذا كانت الكتابة مقدمة على غيرها فإن الثلث يتوفر عليها وإن احتمل قيمة العبد
كوتب وألزم الورثة بذلك، فإن لم يجز العبد الكتابة لم يجبر عليها، فإن رجع بعد ذلك وطلبها
لم يجب إليها لأن حقه قد سقط بامتناعه، وإن اختارها وطلبها وكان الموصي أطلق الوصية
351

ولم يقدر ما يكاتب عليه فإنه يكاتب على ما جرت العادة به في كتابة مثله، وإن كان قدر
ما يكاتب عليه فإنه يكاتب على ذلك القدر من غير زيادة عليه، فإذا كوتب وأدى مال
الكتابة كان المال غير محسوب من جملة التركة بل يكون حقا خالصا للوارث هذا إذا كان
قيمته يخرج من الثلث، فإن لم يخرج فإنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث.
وإذا كان له عدة من العبيد فأوصى بأن قال: كاتبوا عبدا من عبيدي، كان للوارث
أن يكاتب أي عبد أراده ولا يجوز أن يكاتب أمة لأن اسم العبد لا يجري عليها، فإذا قال:
كاتب أمة من إمائي، كان له أن يكاتب أي أمة أراد، ولا يجوز أن يكاتب عبدا لأن اسم
الأمة لا يجري عليه، وإذا قال: كاتب عبدا من عبيدي، وقد كان له خنثى قد حكم عليه
بأنه رجل جاز أن يكاتبه، فإن كان له خنثى قد حكم فيها بأنها أنثى فقال كاتب: أمة من
إمائي، جاز أن يكاتبها وإذا قال: كاتب واحدا من رقيقي، جاز أن يكاتب عبدا أو أمة لأن
اسم الرقيق يجري عليهما، فإن كان له خنثى مشكل لم يكاتبها حتى يبين أمرها.
وإذا كان له عبد فكاتبه ومات السيد لم ينفسخ الكتابة بموته لأنها لازمة من جهته،
فإن كان مال الكتابة ينصرف إلى ورثته وكانوا رشيدين بالغين عقلا، والمال لهم وكانوا
واحدا أسلم المكاتب إليه المال، وإن كانوا جماعة دفع إلى كل واحد منهم حقه فإن دفع
البعض إلى بعض منهم لم يعتق، فإن سلم المال إلى الوصي لم يعتق لأن الورثة لا يولي
عليهم لأنهم من أهل الرشد والوصية لا تصح في حقوقهم.
وإن كانوا غير رشيدين أو كانوا أطفالا أو مجانين وكان لهم جد كان هو الناظر في
أمورهم فلا تصح معه الوصية، فإذا دفع المال إليه عتق وإن لم يكن جد ووصى أبوهم إلى
من ينظر في أمورهم صح ذلك، ويجب على المكاتب أن يدفع ذلك إلى الوصي إن كان
واحدا، وإن كانا اثنين وقد أوصى إليهما وإلى كل واحد منهما على الانفراد كان للمكاتب
أن يدفع ذلك إليهما وإلى كل واحد منهما، وإن كان أوصى إليهما ولم يوص إلى كل واحد
منهما على الانفراد لم يجز أن يدفع إلى أحدهما ولكن يدفع إليهما، فإن دفع إلى أحدهما لم
يعتق لأن الموصي إنما أوصى باجتهادهما ولم يوص باجتهاد واحد منهما وحده، فإن كان
352

الورثة بعضهم صغارا وبعضهم كبارا قبض الكبار حقوقهم، وأما الصغار فإن الحاكم
ينصب لهم أمينا فيدفع المكاتب إليه ذلك.
وإذا كان مال الكتابة ينصرف إلى موصى له به وكان هذا الواحد معينا كان الحق
له، وإن كان أوصى به لأقوام غير معينين مثل الفقراء والمساكين لم يجز للمكاتب أن
يوصل المال إليهم بنفسه، وعليه أن يسلمه إلى الوصي لأن الميت لم يرض باجتهاد المكاتب
وإنما يرضى باجتهاد الوصي، فإن كان مال الكتابة ينصرف إلى غرماء وقضاء ديون،
وكان السيد قد أوصى بأن يقضي من مال الكتابة جاز للمكاتب تسليمه إلى أصحاب
الديون ويجوز أن يسلمه إلى الوصي وليس للوارث حق هاهنا فيه، وإن لم يكن قد وصى كان الحق
للوارث والوصي معا فلا يجوز للمكاتب أن يدفعه إلا بحضرتهما ورضاهما لأن
للورثة حقا فيه وهو أخذهم المال ويقضوا الدين من عندهم.
وإذا كان له عبد فكاتبه على مال وكان مشروطا عليه وأراد سيده فسخ الكتابة ولم
يكن قد حل على المكاتب نجم لم يجز له الفسخ، وكذلك إن كان قد حل عليه نجم ومعه
ما يؤدى ولم يمتنع من الأداء، فإن كان قد حل عليه المال ولم يكن معه ما يؤدى أو كان
ذلك معه وامتنع من أدائه كان لسيده فسخ الكتابة، فإن كان العبد حاضرا كان للسيد
فسخ ذلك بنفسه من غير حاجة إلى الحاكم، فإن كان غائبا لم يكن لسيده فسخها بنفسه
بل يرفع ذلك إلى الحاكم ويثبت عنده أن له مالا على المكاتب وقد تعذر الأداء إليه،
فإذا فعل ذلك استحلفه الحاكم مع بينته وحكم له بالفسخ.
وإذا كاتب عبدا وحل عليه نجم فأظهر أنه عاجز عن أدائه فأنظره سيده بذلك صح
الإنظار ولا يجبر على اختيار الفسخ، فإن رجع بعد ذلك إلى المطالبة بالمال كان له ذلك ولم
يجب عليه الفاضل الذي بذله، وإذا ادعى المكاتب على سيده أنه أدى إليه مال الكتابة
وأنكر السيد ذلك فشهد للمكاتب شاهد واحد فإنه يحلف ويحكم له بأدائه المال لأن
الذي يثبت بهذه الشهادة قضاء المال ودفعه وذلك يثبت بشاهد ويمين.
وإذا كاتب عبده على عوض صح ذلك لأن العوض يصح أن يكون في الذمة عن سلم
353

فصح أن يكون ثمنا، فإن أدى العوض على الصفة التي شرطت عليه وقع العتق في الظاهر،
فإن استحق العوض السيد استقر العتق للعبد وإن خرج العوض مستحقا سلم إلى صاحبه
ويرتفع العتق لأن الكتابة عقد معاوضة، فإذا دفع عوضا مستحقا كان ذلك الدفع لا تأثير
له ووجوده كعدمه.
فإن قال لعبده: إذا أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا فأنت حر، فدفع إليه ثوبا
على هذه الصفة وكان مستحقا فإنه لا يعتق لأن تقرير قوله إن أعطيتني ثوبا من صفته كذا
وكذا يعني أملكه وانتفع به والمستحق لا يملكه ولا ينتفع به، وهكذا لو قال له: إن أعطيتني
هذا الثوب فأنت حر، فغصبه وأعطاه فإنه لا يعتق بمثل ذلك.
وإذا أوصى بما في ذمة مكاتبه لإنسان ولآخر برقبته إذا عجز كانت الوصيتان
صحيحتين، فإن أدى مال الكتابة عتق ويكون ذلك المال للموصى له به فيبطل وصيته
لآخر، فإن عجز نفسه واسترق سلمت الرقبة إلى الموصى له بها وبطلت الأخرى بالمال،
وإذا كاتب عبده كتابة فاسدة ثم أوصى بما في ذمته بطلت الوصية لأنه لا يملك شيئا في
ذمته، فإن قال: إذا قبضت مال الكتابة فقد أوصيت لك به، كانت الوصية صحيحة لأنه
إذا قبض المال ملكه وما يأخذه من ذلك يملكه لأنه كسب عبده.
وإذا أوصى لإنسان فقال: أوصيت لك بما يعجله مكاتبي من مال الكتابة، كانت
الوصية صحيحة، فإن عجل مما عليه شيئا دفع ذلك إلى الموصى له، وإن لم يعجل شيئا
بل أدى المال كرها بطلت الوصية، وإذا كان له عبد فكاتبه كتابة فاسدة ثم أوصى
برقبته كانت الوصية صحيحة لأن ملكه لم يزل عن رقبته بالكتابة الفاسدة.
وإذا أوصى انسان فقال: ضعوا عن مكاتبي أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة، كان
قد أوصى بوضع نصف ما عليه وزيادة لأن أكثر الشئ ما زاد على نصفه، فيلزم الوارث
أن يضع عنه نصف مال الكتابة وزيادة على ذلك ما أراد من غير تحديد ومقدار، فإن
أوصى فقال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة، وقبل نصفها كان أوصى بأن
يوضع عنه ثلاثة أرباع مال الكتابة وزيادة على ذلك لأن أكثر ما بقي عليه هو النصف
354

وزيادة عليه فنصف ذلك الربع وزيادة عليه، وإذا أوصى فقال: ضعوا عن مكاتبي
ما شاء، لم يجز إن شاء جميع ما عليه بل يبقى منه جزء وإن قل.
وإذا أوصى فقال: ضعوا عنه الأوسط من نجومه، فإن الأوسط يقع على الأوسط في
العدد والأوسط في الأجل والأوسط في القدر، فالأوسط في العدد أن يكون النجم ثلاثة
فيكون الثاني أوسطها، وفي الأجل أن يكاتبه على نجم إلى شهر ونجم إلى شهرين ونجم إلى
ثلاثة أشهر فيكون أوسطها هو الذي إلى شهرين، والأوسط في القدر أن يكاتبه على نجم
إلى مائة ونجم إلى مائتين ونجم إلى ثلاث مائة فالذي إلى مائتين أوسطها، فإذا كان كذلك
وكان في نجومه أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد استعملت القرعة في
ذلك.
وإذا كاتب عبده على نجوم مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا أدى شيئا من النجوم
أعتق بحسابه ولم يجز رده في الرق، فإن عجز فيما بعد عن مال الكتابة كان على الإمام
ع أن يؤدى عنه ما بقي عليه من سهم الرقاب، فإذا مات هذا المكاتب وخلف
أولادا ومالا ورثه سيده بقدر ما بقي له من العبودية وكان الباقي لولده إن كانوا أحرارا.
وإن كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من أمة له كان حكم ولده حكمه في أنه
يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم
يكن للسيد سبيل عليه، فإن لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه فيما بقي على أبيه فإذا أداه
صار حرا، وهذا المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع الميراث ويحرم
بقدر ما بقي من الرق، وإذا فعل المكاتب ما يجب عليه الحد أقيم عليه بقدر ما عتق حد الحرية وما بقي منه رقا حد العبودية.
وإذا جنى على غيره جناية عمد وكان المجني عليه حرا اقتص منه، وإن كان عبدا لم
يقتص منه لأن بعضه حر ولا قصاص بين الحر والعبد، وإن كان مكاتبا مثله فإن كان
تحرر منه مثل ما تحرر من الآخر أو أكثر جاز أن يقتص منه وإن كان تحرر أقل مما تحرر من
الآخر لم يقتص منه، وإن كانت الجناية خطأ فإنه يتعلق الأرش بمقدار ما تحرر منه بذمته
355

إن كان المجني عليه حرا أو عبدا، وبمقدار ما بقي منه رقا يتعلق برقبته ولسيده أن يفديه على
ما تقدم ذكره.
وإذا جنى على هذا المكاتب وكانت الجناية عمدا والجاني حرا لم يقتص منه لأن بعضه
رق ولا يقتص لعبد من حر وإن كان الجاني عبدا اقتص منه، فإن كان مكاتبا مثله وكان
قد تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو دونه اقتص منه، وإن كان قد تحرر من الجاني أكثر منه
لم يقتص منه كما تقدم ذكره، فإن كانت الجناية خطأ كان فيها الأرش بمقدار ما تحرر منه
من دية الحر وبمقدار ما بقي رقا دية العبد.
وإذا كان الجاني حرا لزمه ذلك أو عاقلته وإن كان عبدا تعلق ذلك برقبته ولسيده أن
يفديه، فإن كان مكاتبا قد تحرر منه البعض تعلق بذمته مقدار ما تحرر منه وبمقدار ما بقي
رقا برقبته، وكل مكان ذكرنا أنه يتعلق بذمته فإن كان في جناية عمد فإنه يكون في ذمته
يطالب به من كسبه الذي يصيبه، وإن كان عن جناية خطأ كان ذلك على الإمام لأنه
عاقلته، فإن كان سيده شرط عليه أن يكون له ولاؤه كان على السيد ما يتعلق بذمته.
وإذا أوصى هذا المكاتب كانت وصيته ماضية بمقدار ما تحرر منه في ثلثه وباقي ذلك
لورثته ومردودة بمقدار ما بقي منه رقا، وإذا ركبه دين تعلق بذمته بمقدار ما تحرر منه يطالب
به إذا أعتق أو من الذي يكسبه في اليوم الذي يختص به أو بمقدار ما تحرر منه، فأما بمقدار
ما بقي منه رقا فإن استدانه بإذن مولاه فعلى مولاه قضاؤه عنه وله أن يقضي ذلك من كسبه
الذي يصيبه بمقدار الرق، وإن كان استدانه بغير إذن مولاه تعلق بكسبه جميعه ويقضي منه
دين الغرماء ويكون ما يبقى بينه وبين سيده على حساب الحرية والرق.
وإذا كاتب مملوكة وتحرر بعضها منها لم يجز له وطؤها، فإن وطئها كان عليه الحد بمقدار
ما تحرر منها ودرئ عنه بمقدار ما بقي وعليها مثل ذلك، فإن أكرهها لم يكن عليها شئ
وهذه المكاتبة لا يجوز لها أن تتزوج إلا بإذن سيدها، فإن تزوجت بغير إذنه كان النكاح
باطلا، فإن تزوجت باذنه وأدت شيئا من مكاتبتها ورزقت أولادا كان حكم ولدها
حكمها يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق بحساب ما انعتق وهذا المكاتب لا يجوز
على سيده زكاة الفطرة عنه، فإن كان مشروطا عليه لزمه ذلك.
356

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى
573 ه‍ ق
357

كتاب العتق وأنواعه
قال الله تعالى: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " هذه الآية نزلت في زيد
بن حارثة وكان النبي ص أعتقه، وإنعام الله عليه الذي ذكره الله في الآية
هو الاسلام وقد وفقه له، وإنعام النبي ع عتقه.
خاطب الله محمدا ع فقال: اذكر حين تقول للذي أنعم الله عليه بالهداية إلى
الإيمان وأنعمت عليه بالعتق " أمسك عليك زوجك " أي احبسها ولا تطلقها، لأن زيدا جاء
إلى النبي ع مخاصما زوجته زينب بنت جحش على أن يطلقها، فوعظه النبي
وقال له: لا تطلقها واتق الله في مفارقتها، " وتخفي في نفسك ما الله مبديه " فالذي أخفى في
نفسه أنه إن طلقها زيد تزوجها وخشي من إظهار هذا للناس وكان الله أمره بتزوجها إذا
طلقها زيد.
" فلما قضى زيد منها وطرا " أي لما طلق زيد امرأته أذن الله لنبيه ع في تزويجها
وأراد بذلك نسخ ما كان عليه الجاهلية من تحريم زوجة الدعي، وهو قوله تعالى
" لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم "، فهذه الآية تدل على أن في العتق
فضلا كثيرا وثوابا جزيلا، ألا ترى أنه تعالى كنى عنه بقوله " أنعمت عليه "؟
ويستحب عتق المؤمن المستبصر فإن الإنعام عليه أحسن، ولا عتق إلا ما أريد به وجه
الله، والعتق لا يصح ولا يقع بغير نية، وكل آية تنطق بتحرير الرقبة في الكفارات فإنها
تدل على جواز العتق بل على فضله وأنه من أكرم الإحسان وأفضل الإنعام، ولا خلاف في
359

جوازه والفضل فيه بين الأمة.
والعتق على ضربين: واجب وندب، ويدخل كلا وجهيه تحت قول تعالى: " إن الله
يأمر بالعدل والإحسان "، فالأمر بالعدل على وجه الإيجاب وبالإحسان على وجه الندب
والإحسان.
فإن قال " كل عبد أملكه فهو حر " لا يقع به عتق وإن ملك في المستقبل إلا أن يجعل
ذلك نذرا على نفسه، وإذا قال " كل عبد لي قديم فهو حر " فمن كان أتى له ستة أشهر من
مماليكه صار حرا، قضى به أمير المؤمنين ع وتلا قوله تعالى " والقمر قدرناه منازل
حتى عاد كالعرجون القديم "، وقد ثبت أن العرجون إنما ينتهي إلى الشبه بالهلال في تقويه
وضؤولته بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة منه.
باب من إذا ملك انعتق في الحال:
قال الله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وأخواتكم وعماتكم... الآية، يستدل بذلك بعد
الاجماع والسنة على أنه متى ملك الانسان أحد والديه أو ولده ذكرا كان أو أنثى أو أخته أو
عمته أو خالته أو واحدة من المحرمات عليه في النكاح من ذوي أرحامه انعتقوا في الحال،
ولم يثبت لهم معه استرقاق على حال.
وكل من ذكرناه من المحرمات من جهة النسب فإن استرقاقهم لا يثبت، فإنهم إذا
كانوا من جهة الرضاع لا يثبت استرقاقهم أيضا، لأن التحريم عام لقوله ع: يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب، على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع.
وقوله: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، يدل فحوى هذه الآية
على تحريم البنات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت من الرضاع على ما تقدم في
كتاب النكاح، وقوله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا إلى قوله: وما ينبغي للرحمن أن يتخذ
ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، فيه دلالة على أن البنوة
والعبودية لا تجتمعان، وأنه إذا ملك الانسان ابنه عتق عليه.
ويستحب للإنسان إذا ملك من سواهم من ذوي أرحامه أن يعتقهم فإن ملك أخاه أو
360

ابن أخيه أو ابن أخته أو عمه أو خاله وغيرهم من الرجال فلا بأس، والأولى عتقه.
باب من يصح ملكه ومن لا يصح:
قال الله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، يدل بعمومه على أن
الكافر إذا اشترى عبدا مسلما فالبيع باطل، وكذلك إن أسلم مملوك لذمي لا يقر عنده بل
يباع من مسلم ويعطي ثمنه الذمي.
ولا بأس أن يشترى الانسان ما يسبيه الظالمون إذا كانوا مستحقين للسبي، ولا بأس أن
يشتري من أهل الحرب أولادهم، ويجوز وطء من هذه صفتها، وإن كان فيه الخمس
لمستحقيه لم يصل إليهم لأنهم جعلوا شيعتهم من ذلك في حل وسعة.
وكل من قامت البينة على عبوديته سواء كان بالغا أو لم يكن جاز تملكه وكذا من أقر
على نفسه بالعبودية وكان بالغا، والدليل على جميع ذلك كل آية تدل على صحة الإقرار
والبينة، والله تعالى بين وجه حكمته في إباحة الاسترقاق بقوله " أنظر كيف فضلنا بعضهم
على بعض "، بأن جعلنا بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء وبعضهم موالي وبعضهم عبيدا
وإماءا، وبعضهم أصحاء وبعضهم مرضى بحسب ما علمنا من مصالحهم.
" وللآخرة أكبر درجات " فذلك أولى أن يرغب فيه، فقد يكون كثير من المماليك خيرا
من ساداتهم وإن كانوا جميعا مسلمين، وكذا الفقير والغني فجميعه نوع من التكليف.
باب بيع أمهات الأولاد:
أم الولد هي التي تلد من مولاها، سواء ما وضعته تاما أو غير تام وإن أسقطت نطفة،
ويجوز بيعها بعد وفاة أولادها، والدليل عليه قول الله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا،
وهذا عام في أمهات الأولاد وغيرهن.
فإن قيل يملكه لا يجوز.
قلنا: الملك باق في أم الولد بلا خلاف لأن وطأها مباح له، ولا وجه لإباحته إلا بملك
اليمين، ويدل عليه أيضا أنه لا خلاف في جواز عتقها بعد الولد ولو لم يكن الملك لما جاز
361

العتق وكذلك أجمعوا على أن قاتلها لا يجب عليه الدية وإنما يجب عليه قيمتها إذا كانت دون
دية الحرة أو مثلها، وكذلك يجوز مكاتبتها وأن يأخذ سيدها ما كاتبها عليه عوضا عن
رقبتها، وهذا كله يدل على بقاء الملك.
وحمل ذلك على الرهن وأن ملك الشئ المرهون هو باق للراهن وإن لم يجز بيعه فذلك
قياس ونحن لا نقول به، على أنهم إذا سلموا بقاء الملك في أمهات الأولاد فبقاؤه يقتضي
استمرار أحكامه، وإذا ادعوا فيه النقصان طولبوا بالدلالة ولم يجدوها، على أنا لو سلمنا
نقصان الملك تبرعا لجاز أن نحمله على أنه لا يجوز بيعها مع ولدها، وهذا ضرب من
النقصان، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وقد علمنا أن للمولى أن يطأ أم ولده وإنما يطأها بملك اليمين
لأنه لا عقد هاهنا، وإذا جاز أن يطأها بالملك جاز أن يبيعها بعد وفاة ولدها كما جاز ذلك في
سائر جواريه.
باب الولاء:
قال الله تعالى: فإخوانكم في الدين ومواليكم، والمراد بمواليكم مماليككم الذين أنتم
بهم أولى، وهذا المعنى فيهم على العموم فيكون الولاء للمعتق الذي أنعم عليه بأن أعتقه
تبرعا لا في واجب كما قال تعالى في حق زيد.
ولهذا نقول: الولاء إنما يثبت في العتق الذي ليس بواجب بل يكون على سبيل التبرع،
فأما إذا كان العتق في أمر واجب ككفارة ظهار أو كفارة قتل أو إفطار في شهر رمضان أو نذر
أو يمين أو ما أشبه ذلك من جهات الواجب، فإن الولاء يرتفع منه والمعتق سائبة
لا ولاء للمعتق عليه ولا يدخل تحت الآية، لأن العتق على سبيل التبرع هو الإنعام والإحسان
عليه وإليه، وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله: وأنعمت عليه، ولولا النصوص من أئمة
الهدي ع في هذا المعنى لما كان لأحد أن يتكلم في مثله من القرآن.
وولاء المعتق في واجب لمن تضمن جريرته خاصة، وميراثه له إذا لم يكن له ذو رحم
مسلم حر، سواء كان المتضمن لحدثه معتقه أو سوا، فقوله: والذين عقدت أيمانكم فأتوهم
362

نصيبهم، منسوخ في من لا قرابة له دون من ليس له أحد منهم، فإن لم يتضمن جريرته أحد
فولاؤه للإمام وحدثه الخطأ المحض بالشهادة عليه، وليس للولاء قسم آخر سوى هذه
الثلاثة، فإن توفي هذا المعتق وله زوجة فلها الربع والباقي لسيده الذي أعتقه تطوعا أو يرد
إلى ضامن جريرته أو إلى الإمام إذا أعتق في واجب ولم يضمن جريرته أحد.
باب إن المملوك لا يملك شيئا:
قال الله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، في هذه الآية دلالة على
أن المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، لأن قوله: مملوكا لا يقدر على شئ، ليس المراد
به نفي القدرة لأنه قادر وإنما المراد أنه لا يملك التصرف في الأموال وذلك عام في جميع ما يملك
ويتصرف فيه، فإن ملكه مولاه التصرف فيه بجميع ما أباح له سيده وأراده، فإن أصيب
العبد وفي نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك وحل له التصرف فيه وليس له رقبة المال
على وجه.
باب المكاتبة:
قال الله تعالى " والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا، ومعناه أن للإنسان إذا كان له أمة أو عبد يطلب المكاتبة، وهي أن يقوم على نفسه
وينجم عليه ليؤدي قيمة نفسه إليه، فإنه يستحب لسيده أن يجيبه إلى ذلك ويساعده عليه،
لدلالة قوله: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، وهذا أمر ترغيب عند الفقهاء، وأما عند
الطبري وعمر بن دينار وعطاء هو واجب عليه إذا طلب.
والمكاتبة على ضربين: مشروط ومطلق، فصورة الكتابة المطلقة أن يقول الانسان لعبده
أو أمته: قد كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا دينارا أو درهما في نجوم معلومة على أنك إذا
أديت ذلك فأنت حر، فيرضى العبد ويكاتبه عليه ويشهد بذلك على نفسه، فمتى أدى مال
الكتابة في النجوم التي سماها صار حرا، فإن عجز عن أداء ذلك ينعتق بحساب ما أدى
ويبقى مملوكا بحساب ما بقي عليه.
363

وإن كانت الكتابة مشروطة وهي أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء
قيمتك فأنت رد في الرق ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك وحد العجز هو أن
يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه، فإنه يرجع رقا وجاز
لمولاه رده إلى الرق.
وقوله تعالى: إن علمتم فيهم خيرا، الخير الذي يعلم منه هو القوة على التكسب
بحيث يحصل به مال الكتابة، وقال الحسن: معناه إن علمتم مهم صدقا، وقال ابن عباس
وعطاء: إن علمتم لهم مالا، وقال ابن عمر: إن علمتم فيهم قدرة على التكسب، قال لأنه إذا لم
يقدر على ذلك أطعمني أوساخ أيدي الناس.
فصل:
ولا يجوز للسيد أن يكاتب عبده حتى يكون عاقلا فإن كان مجنونا لم يجز مكاتبته، لقوله
تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، والخير الكسب والأمانة ولأنه تعالى قال: والذين
يبتغون الكتاب، والمجنون لا ابتغاء له.
والمكاتبة مشتقة من الكتب وهو الضم والجمع، لأنه ضم أجل إلى أجل في عقد المعاوضة
على ذلك، ودليل جوازها قوله تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم،
فأمر بالكتابة، فإذا ثبت هذا فمتى دعا العبد سيده إلى مكاتبته والحال ما ذكرناه في الآية
فالمستحب له أن يجيبه إلى ذلك وليس بواجب، سواء دعاه إلى ذلك بقيمة مثله أو أقل أو
أكثر.
واختلفوا في الأمر بالكتابة مع طلب المملوك لذلك وعلم مولاه أن فيه خيرا: فقال
عطاء: هو فرض، وقال مالك والثوري وابن زيد: هو على الندب، وهو مذهبنا.
وقوله تعالى: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، أمر من الله أن يعطي السيد مكاتبه من
ماله الذي أنعم الله عليه بأن يحط عنه شيئا منه، وروى أبو عبد الرحمن السلمي عن
أمير المؤمنين ع أنه قال: يحط عنه ربع مال الكتابة، وقال سفيان: أحب أن يعطيه
الربع أو أقل وليس بواجب، وقال ابن عباس: أمره بأن يضع عنه من مال الكتابة شيئا،
364

وقال الحسن: حثه الله على معونته. وقال قوم: المعنى آتوهم سهمهم يا أرباب الأموال من
الصدقة التي ذكرها في قوله: وفي الرقاب، ويكون السيد داخلا تحت عموم الخطاب أيضا،
وهو مذهبنا.
فصل:
والمسلم إذا كان له عبد كافر فكاتبه لا تصح الكتابة. لقوله تعالى: إن علمتم فيهم
خيرا، وهذا لا خير فيه، ولقوله: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، وهذا ليس من أهلها لأن
ذلك من الصدقة وليس الكافر من أهلها، وروي أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك
يقال له الصبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فنزلت الآية.
ولا تنعقد عندنا إلا بأجل، ومتى كانت بغير أجل معلوم كانت باطلة. وكذلك لا بد أن
يكون العوض معلوما، فإن لم يعين كانت باطلة، وأقل ما يجزئ فيه أجل واحد عندنا وعند
بعضهم أجلان.
فإن قيل: يجب أن تكون الكتابة جائزة بمال معجل ومؤجل كما يجوز البيع بمال معجل
ومؤجل، إذ لم يذكر الله تعالى في واحد منهما أجلا؟ قلنا: لفظ الكتابة يدل على التأجيل في
ذلك، إذ لو كانت معجلة لم تكتب ففارقت البيع، على أن الكتابة في الآية مجملة لا بد لها من
بيان وقد بينها رسول الله ص على ما ذكرنا، لقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين
للناس ما نزل إليهم.
باب التدبير:
والقرآن يدل عليه على سبيل العموم من آية العتق لأنه جنس من أجناس العتق مع
أنه نوع من الوصية، والتدبير هو أن يقول الرجل لمملوكه، عبده أو أمته: أنت رق في حياتي
وحر بعد وفاتي، فإذا نوى وقال ذلك ثبت له التدبير. وهو بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما
دام فيه الروح، فمتى لم ينقضه ومات كان المدبر من الثلث.
والتدبير ليس بعتق مشروط لأن العتق بالشرط لا يصح على ما قدمنا، وإنما هو وصية
365

بالعتق منصوص عليه وهو ضربان: مطلق ومقيد، فالمطلق أن يعلقه بموت مطلق فيقول:
إذا مت فأنت حر، والمقيد أن يقيد الموت بشئ يخرج به عن إطلاق فيقول: إن مت من
مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر.
وأي تدبير كان فإذا مات السيد نظرت فإذا احتمله الثلث عتق كله، وإن لم يكن له
سواه عتق ثلثه إذا لم يكن عليه دين ودبره فرارا من الدين، فإن دبره وعليه دين فرارا منه لم
يصح تدبيره، فإن دبره ثم استدان بعد ذلك صح التدبير على ما ذكرنا، وصريح التدبير أن
يقول: إذا مت فأنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق غير أنه لا بد فيه من النية لوجه الله تعالى.
وسمي مدبرا عن العتق عن دبر حياة سيده يقال: دبر عبده تدبيرا إذا علق عتقه بوفاته.
باب الزيادات:
أما قول الله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه، فمعناه أنعم تعالى عليه بالإسلام
الذي هو أعظم النعم وبتوفيقك لعتقه ومحبته " وأنعمت عليه " بما وفقك الله فيه، فهو منقلب
في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة، وفي هذا إشارة إلى أن المستحب أن لا يعتق
الانسان إلا من أغنى نفسه ويقدر على اكتساب ما يحتاج إليه.
ومن أعتق صبيا فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به على معيشته وينعم به عليه لأن
النعمة إذا أتمت فهي نعمة، ومن نذر أن يعتق رقبة مؤمنة غير معينة جاز له أن يعتق صبيا لم
يبلغ الحلم مولودا بين مؤمنين أو بحكمه.
مسألة:
وقوله تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم، الذين مبتدأ فيكون محله رفعا
أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره " فكاتبوهم "، كقولك زيدا فاضربه، ودخلت الفاء في
ذلك لتضمنه معنى الشرط، والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة، وهو أن يقول الانسان
لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم فإذا أداها عتق على ما ذكرناه، ومعناه كتبت لك على نفسي
أن تعتق مني إذا وفيت بالمال ووفيته في أجله وكتبت على نفسك أن تفي لي بذلك، أو كتبت
366

عليك الوفاء بالمال وكتبت علي العتق.
ويجوز عقد الكتابة على خدمته في مدة معلومة وعلى عمل معلوم مؤقت مثل حفر بئر في
مكان بعينه معلومة الطول والعرض، كما يجوز على مال، لعموم قوله تعالى: فكاتبوهم إن
علمتم فإنه يتناول جميع ذلك إذ لم يخصص سبحانه مقدار الذي يكاتب عليه ولا جنسه.
367

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
369

فصل: العتق والتدبير والمكاتبة:
لا يصح العتق إلا من كامل العقل غير مولى على مثله مختار له قاصد إليه متلفظ
بصريحه مطلق له من الشروط - إلا في النذر - موجه به إلى مسلم أو من هو في حكمه
متقرب به إلى الله تعالى.
فلا يقع العتق من طفل ولا مجنون ولا سكران ولا محجور عليه ولا مكره ولا ساه
ولا حالف ولا بالكتابة أو الإشارة مع القدرة على النطق باللسان ولا بكنايات العتق كقوله:
أنت سائبة، أو: لا سبيل لي عليك، ولا بقوله: إن فعلت كذا فعبدي حر، ولا بكافر
ولا للأغراض الدنيوية من نفع أو دفع ضرر أو إضرار بالغير، ويدل على وجوب اعتبار هذه
الشروط إجماع الطائفة، وأيضا فلا خلاف في صحة العتق مع تكاملها ولم يقم بصحته مع
اختلال بعضها دليل.
وإذا أعتق مالك العبد نصفه أو ربعه أو ما زاد على ذلك أو نقص منه عتق الجميع، وإن
كان العبد مشتركا فأعتق أحد الشريكين نصيبه انعتق ملكه خاصة إلا أنه إن كان موسرا
طولب بابتياع الباقي، فإذا ابتاعه انعتق الجميع، وإن كان معسرا استسعى العبد في قيمة
باقيه، فإذا أداها عتق جميعه، فإن عجز عن ذلك كان بعضه عتيقا وبعضه رقيقا بدليل
371

الاجماع المشار إليه.
والعتق في مرض الموت من أصل التركة إن كان واجبا، وإن كان متبرعا به فهو من
الثلث، فإن كان المتبرع به لجماعة عبيده ولا مال له غيرهم استخرج ثلثهم بالقرعة، وإن
كان لواحد ولا مال له غيره عتق ثلثه واستسعى في باقيه، وإن كان على الميت دين، فإن كان
ثمن العبد مثل الدين مرتين صح العتق واستسعى العبد في قضائه، وإن كان أقل من ذلك لم
يصح العتق.
ولا يجوز أن يعتق في الكفارة الأعمى ولا الأعرج ولا الأشل ولا المجذوم.
وإذا أعتق مملوكا وله مال يعلم به فهو للمعتق، وإن لم يعلم به أو علم فاشترطه
لنفسه فهو له، وينبغي أن يقول: ما لك لي وأنت حر، فإن قال: أنت حر ومالك لي، لم يكن له
على المال سبيل كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
والتدبير عتق بعد الوفاة، ويفتقر صحته إلى شروط العتق المنجز في الحياة، وقد بينا في
باب البيع الموضع الذي يجوز بيعه فيه فلا نطول بإعادته.
وأما المكاتبة فهي أن يشترط المالك على عبده أو أمته تأدية شئ معلوم يعتق بالخروج
منه إليه وهي بيع العبد من نفسه، وقد بينا في باب البيع أيضا أنها على ضربين: مشروطة
وغير مشروطة، ويدل على ذلك إجماع الطائفة، ولأن الكتابة عقد يتعلق بالشرط الذي
يتراضيانه فيجب أن يكون بحسب ذلك الشرط، وقوله ع: المؤمنون عند
شروطهم، يدل على ذلك.
وإذا أدى المكاتب من غير شرط شيئا من مال الكتابة عتق منه بحسابه بدليل الاجماع
المشار إليه ولأن الرقبة قد جعلت بإزاء المال فيجب أن يتحرر من الرقبة بمقدار ما يؤدى من
المال.
ولا يجوز للرجل وطء أمته المكاتبة سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة بلا خلاف،
فإن وطئها وكانت مشروطا عليها لم يحد لأن هناك شبهه يسقط بها الحد، وإن كانت غير
مشروط عليها وقد أدت من مال الكتابة شيئا كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها بدليل إجماع
الطائفة.
372

ولا يجوز مكاتبة الكافر للإجماع المشار إليه، وأيضا قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم
فيهم خيرا، وحمل ذلك على الإيمان والدين أولى من حمله على المال والتكسب لأنه لا يقال للكافر -
وإن كان موسرا أو مكتسبا - أن فيه خيرا ولا أنه خيرا ولا يقال ذلك لمن كان فيه إيمان
ودين وإن لم يكن مكتسبا ولا ذا مال، ولو تساوى ذلك في الاحتمال لوجب الحمل على
الجميع.
373

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
375

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
فصل في بيان العتق وأحكامه:
العتق: انفكاك الرق عن المملوك ويجوز سبي جميع نساء أصناف الكفار وذراريهم إلا
من عقد لهم عقد الذمة من اليهود والنصارى والمجوس، أو عقد الأمان لهم منهم ومن
غيرهم، ويجوز تملك من سبي ومن سرق ومن اشترى من آبائهم وقراباتهم وأزواجهم ومن
سباهم وإن كان كافرا، وإذا ملك مملوكا لم يخل من ستة أوجه: إما يعتق عليه في الحال أو يجب
عليه عتقه أو يستحب له أو يكره أو يحظر، أو يجوز.
فالأول: تسعة: الوالدان وإن علوا والولد وإن نزلوا وجميع المحرمات عليه نسبا
ورضاعا، ومن نكل به أو برص أو عمي أو جذم أو أقعد، ومن شرط في النذر عتقه إن ملكه.
والثاني اثنان: من نذر أن يعتقه إذا ملكه ومن اشتراه وشرط عليه البائع أن يعتقه.
والثالث ثلاثة: من يكون من ذوي أرحامه غير من ذكرنا وهو مؤمن ومن ملكه سبع
سنين وهو مؤمن ومن ملكه وهو مؤمن مستبصر.
والرابع أربعة: المخالف إلا إذا نذر عتقه والصبي والعاجز عن الاكتساب، ومن
لا يقدر على القيام بنفقته إلا إذا جعل له ما يعينه على المعيشة.
والخامس واحد: وهو الكافر.
377

والسادس اثنان: ولد الزنى والمستضعف.
ولا يصح العتق من ثمانية: الصبي إلا إذا كان مراهقا رشيدا وأعتق بالمعروف،
والمكره والسكران والغضبان والمجنون والمعتوه والمحجور عليه وغير المالك.
وأنما يصح من العاقل بأربعة شروط: التلفظ بالعتق إذا قدر أو ما ينوب مناب اللفظ
إذا عجز ونية العتق وأن يقصد به وجه الله تعالى وأن لا يعلق بشرط، وإذا أعتق لم يخل من
ثلاثة أوجه: إما أعتق مملوكا له أو بعضا من واحد أو واحدا من جماعة مماليك.
فالأول لم يخل من أربعة أوجه: إما أعتق في حق واجب عليه ولا يكون له عليه ولاء إذا
أعتقه تطوعا وتبرأ من جريرته ويكون سائبة لا ولاء له عليه، أو لم يتبرأ من جريرته وله عليه
ولاء، أو أعتقه وشرط عليه خدمة مدة معينة ويلزم العبد الوفاء به، فإن أبق ولم يرجع إلى
انقضاء المدة وسقطت عنه أو إلى انقضاء بعض المدة ولزمه الخدمة فيما بقي من المدة،
أو شرط عليه أن يعطيه شيئا من الدراهم والدنانير ويلزمه على كل حال أو أعتقه وقد ملكه
شيئا أو جعل له فاضل ضريبته أو استحق الأرش بما أصيب في بدنه أو أعتقه وقد علم بما معه من
المال كان المال له إلا إذا شرط لنفسه قبل التلفظ بالعتق، وإن لم يكن عالما بما معه من المال كان
المال لسيده وإن شرط عليه شيئا من المال ورده إلى العتق إن لم يرد لزم.
والثاني لم يخل: إما يكون الباقي له أو لغيره، فإن دان له عتق عليه الباقي وإن دان
لغيره لم يخل: إما أراد به الإضرار أو لم يرد، فإن أراد وكان موسرا قوم عليه الباقي وألزم قيمته
عليه وإن كان معسرا لم ينفذ عتقه.
يبتع أو لم يبع منه شريكه لزمه أن يستسعيه في ثمنه ولم يسع له وضع ضريبة عليه، وإلا
استخدامه فإن لم يسع العبد ملك نفسه بمقدار ما تحرر منه وكسبه وفطرته وقدر المحتاج إليه
من النفقة بينهما بالحساب، وإن كان كسبه مهاياة بينهما كان ما كسب في يومه له من النادر
والمعتاد، وما كسب في يوم سيده لسيده على ما قلنا إلا الميراث فإنه له.
والثالث: يقرع بينهم فمن خرجت قرعته عتق وكذلك الحكم إن أوصى بعتق أحد
مماليكه، وإن أعتق مريض عبدا وعليه دين فإن كان قيمة العبد ضعفي الدين نفذ العتق ولزم
العبد السعي في دين سيده وإن كان قيمته أقل من ذلك بطل العتق، وإن أعتق أمة ذات ولد
378

وقد بان منها لم يسر العتق إلى الولد وإن كانت حاملا سرى إليه وإن استثنى، وإذا استباع
العبد وكان سيده يعامله بالمعروف لم يجب إليه وإن لم يعامله بالمعروف أمر به، فإن فعل وإلا
ألزم بيعه فإن امتنع بيع عليه.
فصل في بيان أحكام أمهات الأولاد:
كل وطء يحصل منه ولد يلتحق بالواطئ صارت الأمة له أم ولد إلا في ثلاثة مواضع
ذكرناها في أحكام السراري وملك الأيمان سواء كان الولد حرا أو مملوكا، وذلك في خمسة
مواضع: وطء بملك يمين وبعقد على جارية غيره وبتحليل الأمة وبشبهة عقد أو نكاح.
وسواء ولدت الولد حيا أو ميتا أو سقط منها تاما أو غير تام ظهر فيه تخطيط أو لم يظهر،
فإذا صارت أم ولد وهي في ملكه، أو في ملك غيره ثم ملكها لم يخل: إما بقي ولدها أو مات،
فإن بقي لم يخل: إما بقي ثمن رقبتها في ذمة سيدها أو لم يبق، فإن بقي لم يخل: إما مات
سيدها أو كان حيا.
فإن بقي ثمنها في ذمة سيدها ولم يكن له مال سواها لزمه بيعها في ثمن رقبتها، وإن
كان له مال سواها قضى الدين منه ولم يجز له بيعها ما دام ولدها حيا، وإن مات سيدها ولم
يكن له مال سواها وكان ثمنها في ذمة سيدها عادت بولدها رقا.
وإن كان له مال سواها قضي الدين من المال سواها وجعلت في نصيب ولدها وعتقت
عليه، وإن قصرت التركة عن ذلك عتق منها نصيب الولد عليه واستسعيت لباقي الورثة
في نصيبه، وإن كان عليه دين في غير ثمن رقبتها قومت على ولدها فإذا بلغ ألزم أداؤها
فإن لم يكن له مال استسعى فيه، فإن مات قبل البلوغ بيعت في الدين وإن مات ولدها صح
بيعها على كل حال.
فصل في بيان أحكام الولاء:
الولاء ثلاثة أضرب: ولاء الإمامة وولاء ضمان الجريرة وسنذكرهما في كتاب المواريث
إن شاء الله، وولاء العتق، ويثبت ذلك على ثمانية نفر: من أعتقه مولاه تطوعا لوجه الله
379

تعالى أو نذرا ولم يجعله سائبة، أو أعتقه عن غيره بغير إذنه حال حياة ذلك الغير، أو بعد
وفاته، ومن عتق عليه إذا ملكه، ومن شرط عليه الولاء إذا كاتبه أو باعه منه، والمدبر وأم
الولد، وعتيق المعتق إذا مات المعتق، فإذا ثبت له الولاء ضمن الجريرة وميراثه لمن له ولاؤه
على ما سنذكره في كتاب المواريث.
والولاء للمعتق ما دام حيا رجلا كان أو امرأة، فإذا مات وكان رجلا كان ذلك لولده
الذكور دون الإناث والأب يقاسمه على رواية، وولد الولد يقوم مقام أبيه في مقاسمته، والأم
لا ترث الولاء على الصحيح والأخ من قبل الأب والأم أو الأب وحده يرث دون الأخ من قبل
الأم على ترتيب سائر المواريث، وإن كان المعتق المرأة وماتت كان ولاء عتيقها لعصبتها
دون ولدها.
فصل في بيان الكتابة:
الكتابة: من عقد شخص على مملوك له على مال مقدر يؤديه إليه في نجوم مخصوصة
أو نجم مخصوص ليعتق بأداء المال إليه، والكتابة إذا التمسها أحدهما أو كلاهما مستحبة
بخمسة شروط، وهي: إذا كان العبد مكتسبا ذا أمانة غير طفل ولا مجنون ولم يغل بثمنه،
وهي تشبه البيع من وجهين: تعيين الأجل والعوض. ويفارقها البيع من وجه وهو شرط
الخيار،
وهي تخالف البيع من وجهين: امتداد خيار العبد واحتياجها إلى الأجل، وتصح
بأربعة شروط: بالنية وتعيين الأجل واحدا كان أو أكثر ووصف العوض ثمنا كان أو عروضا
وبيان مقدار ما يؤدي في كل نجم.
والمكاتب حر من وجه وهو صحة تصرفه في خمسة أشياء: البيع والشراء
والاستسلاف وطلب الشفعة والهبة من سيده، وعبد من وجه وهو حجر التصرف عليه في
ثلاثة عشر شيئا: الهبة من غير سيده والإقراض وبذل العوض على الاختلاع إن كان
المكاتب أمة، والتزوج والمحاباة في المشارات والعتق والكتابة وابتياع من يعتق عليه
والتكفير بغير الصوم وبيع الشئ نسيئة والإسلاف والقراض والرهن بثمن ما ابتاعه مؤجلا.
380

وهي ضربان: مشروطة ومطلقة، فالمشروطة: أن يشرط في العقد رده إلى الرق إن عجز
عن أداء الثمن، والمطلق: أن لا يشرط ذلك، فإذا عجز كان له رده إلى الرق سواء عجز عن
أداء الجميع أو عن أداء بعضه، فإذا رده إلى الرق كان له ما أخذ.
وهي عقد جائز من الطرفين، والمطلقة عقد لازم من جهة السيد جائز من جهة
المكاتب، فإذا أدى شيئا من مال الكتابة عتق بقدر ذلك، فإن شرطا في العقد أن المكاتب إذا
وفي من ثمنه ما يخص نجما أو نجمين عتق، فإذا وفي عتق وكان الباقي دينا في ذمته وإن
عجل جعل عتقه على أن يؤدي كل نجم عند محله صح.
ويرث هذا المكاتب ويستحق ما أوصى به له والحد بحساب ما تحرر منه، ولم يرث ولم
يستحق ما أوصى به له بحساب الرق، الحد يستحقه بحساب ما تحرر منه حد الحر
وبحساب ما رق حد العبيد، وإن عجز نفسه وعاد إلى الرق وكان له ولد من أمة له كان
عبدا لسيده، ويستحب للسيد الإيتاء وهو أن يعطيه شيئا من سهم الرقاب ليعينه على فك
رقبته.
فصل في بيان التدبير:
التدبير: عتق معلق بموت المعتق أو بموت من جعل سيده خدمته له مدة حياته، وشروط
صحته شروط صحة العتق وله شبه بالوصية من وجهين: جواز الرجوع فيه واعتبار خروجه
من ثلث المال، وصورته أن يقول: أنت حر بعد وفاتي، أو ما يعيد فائدته وهو ضربان: مطلق
ومقيد.
فالمطلق ما ذكرناه، والمقيد أن يقول: إن مت في سنتي هذه أو في سفري هذا أو ما أشبه
ذلك فأنت حر، والرجوع فيه يكون بالقول إذا أمكنه وبالنية معا، وليس التصرف فيه
بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك رجوعا، فإذا أراد ذلك رجع ثم باع أو يفعل ما شاء.
وإذا دبر مملوكا فرارا من دين عليه لم يصح وإن لم يكن فرارا صح، وإذا مات المدبر
وخرج المدبر من ثلث المال عتق وإن لم يخرج عتق بقدر الثلث واستسعى في بقية الثمن.
وإذا ابتاع المدبر جارية بإذن مولاه فأولدها ورجع في التدبير صح في المدبر دون ولده
381

وكان الولد أيضا مدبرا لسراية التدبير من أبيه إليه، فإن أبق المدبر بطل التدبير فإن رزق
بعد الإباق مالا وأولادا كان الجميع لمولاه، فإن مات المولى كان الجميع لورثته وإن دبره
وجعل خدمته مدة حياة نفسه لغيره وأبق المدبر ولم يرجع إلا بعد وفاة سيده لم يكن عليه
سبيل لأحد.
وإن دبر أمة حاملا وعرف ذلك كان الولد مدبرا أيضا وإن لم يعرف لم يكن الولد مدبرا
ويصح تدبير أحدهما دون الآخر، وإن دبر جماعة دفعة ولم يخرجوا من الثلث قدم الأول
فالأول، فإن اشتبه أخرج الثلث بالقرعة.
382

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
383

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
لا يصح العتق إلا من كامل العقل مالك لما يعتقه غير مولى على مثله مختار له
قاصدا إليه متلفظ بصريحه مطلق له من الشروط - إلا في النذر - موجه به إلى مسلم أو من
هو في حكمه متقرب إلى الله تعالى، فلا يصح العتق من طفل ولا مجنون ولا سكران و
لا محجور عليه ولا مكره ولا ساه ولا حالف، ولا بالكتابة أو الإشارة مع القدرة على النطق
باللسان ولا بالكنايات للعتق كقوله: أنت سائبة، و: لا سبيل عليك، ولا بقوله: إن فعلت
كذا فعبدي حر، ولا بكافر ولا للأغراض الدنيوية من نفع أو دفع ضرر أو إضرار.
يكره عتق المخالف للحق.
المؤمن إذا بقي في العبودية سبع سنين استحب عتقه وإن لم يملك أكثر منه،
ويستحب أن لا يعتق إلا من قدر على اكتساب ما يقوم بأوده، وإن فعل أعطاه ما بعينه على
معيشته ولا يجوز التفرقة بين والدة وولدها إلا أن يستغني عنها.
ومن ملك أحد أبويه أو أجداده أو جداته وإن علوا وأولاده وأن نزلوا أو بعض
المحرمات عليه من نسب أو رضاع انعتقوا في الحال، وإن ملك من عداهم من القرابات
كالعم والخال وأولادهما وأولاد الخال والخالة الذكور والإناث والأخ وأولاده الذكور وكذا
385

أولاد الأخت الذكور خاصة لم ينعتقوا عليه بل يستحب له أن يعتقهم.
والمملوك إذا عمي أو جذم أو أقعد أو نكل به صاحبه أو مثل به انعتق في الحال و
لا ينعتق العبد المسلم بإعتاق الكافر لأنه لم يملكه بخلاف العبد الكافر، وإذا اشترى الكافر
أباه المسلم لم ينعتق عليه لأنه لم يملكه.
إذا قال: كل عبد أملكه في المستقبل حر، لا يقع به عتق وإن ملكه فيما بعد إلا أن يجعله نذرا
على نفسه.
إذا أعتق أحد الشريكين في العبد نصيبه منه مضارا للآخر ألزم شرى نصيب
الآخر وإعتاقه إن أمكن وإن لم يملك غير ما أعتقه بطل العتق، وإن طلب بالعتق وجه الله
تعالى لا المضارة يشترى الباقي ويعتق ندبا لا وجوبا وإلا استسعى العبد في الباقي، و
لا يستخدم بالباقي إلا إذا امتنع من السعي.
من أعتق بعض مملوكه انعتق الكل.
إذا أعتق مملوكه وشرط عليه أنه متى خالفه في كذا رده في الرق أو كان له عليه مال
معلوم لزم الشرط بلا خلاف، وإن شرط عليه خدمة مدة معلومة أو غير ذلك من الشروط لزمه،
فإن مات المعتق كان خدمته لورثته وإن أبق إلى انقضاء المدة فلا سبيل للورثة عليه.
إذا أعتق عبدا معه مال عالما به السيد فالمال للعبد فإن كان غير عالم فللسيد، فإن
أراد أن يعتقه ويستثني ماله قال: لي مالك وأنت حر، وإن بدأ بالحرية لم يكن له المال.
والعبد لا يملك إلا ما ملكه مولاه وإن أصيب بجناية في نفسه فله أرش ذلك، فإن اشترى من
ذلك المال مملوكا وأعتقه مضى العتق ويكون سائبة ليس له أن يتوالى معتقه لأنه عبد لا يملك
جريرة.
إذا نذر أن يعتق أول مملوك يملكه فملك جماعة من العبيد في حال واحدة أقرع
بينهم فمن خرج اسمه أعتقه، وروي أنه مخير في عتق أيهم شاء، والأول أحوط.
إذا كانت له جارية فنذر أنه متى وطأها كانت معتقة فوطئها في ملكه انعتقت، فإن
أخرجها من ملكه ثم اشتراها أو ورثها لم تنعتق بذلك.
إذا نذر أن يعتق مملوكا بعينه لم يجز أن يعتق غيره وإن كان كافرا أو مخالفا.
386

إذا زوج جاريته واشترط أن يكون أول ما تلده حرا فولدت توأمين كانا جميعا
معتقين.
إذا قال: كل عبد لي قديم فهو حر، انعتق ما كان في ملكه ستة أشهر.
إذا اشترى جارية نسيئة وأعتقها وتزوجها ثم مات ولم يخلف غيرها بطل العتق
والنكاح وترد في رق البائع، وإن حملت فالولد رق له كالأم وإن خلف ما يحيط بثمنها فعلى
الورثة أداؤه إلى مولاها ومضى العتق والنكاح ولا سبيل لأحد عليها وعلى ولدها.
إذا أعتق عند موته عبدا وعليه دين وكان ثمن العبد ضعفيه مضى العتق
واستسعى العبد في قضاء الدين وإن كان ثمنه أقل من ذلك بطل العتق.
إذا أعتق ثلث عبيده استخرج ثلثهم بالقرعة.
إذا خلف مملوكا وشهد بعض الورثة بعتقه وكان عدلا ومعه آخر وكانا اثنين من
الورثة عتق المملوك، وإن فقد العدالة مضى العتق في حصة الشاهد الوارث واستسعى
العبد في الباقي.
العتق في المرض المخوف من أصل المال، وقيل: من الثلث، فإن أعتق المريض
شقصا من عبد وكان وفق الثلث نفذ فيه وحده ولم يقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان
الشقص أقل من الثلث قوم عليه تمام الثلث هذا على القول الثاني، وعلى الأول
فكالصحيح.
إذا أوصى بعتق شقص من عبد ثم مات عتق ذلك الشقص ولم يقوم عليه نصيب
شريكه لزوال ملكه عن ماله بالموت.
من أعتق مملوك ابنه مضى العتق.
من أعتق جارية حبلى من غيره تحرر حملها وإن استثناه لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية
في أمه، ومن نذر أن يعتق رقبة مؤمنة جاز أن يعتق صبيا لم يبلغ الحلم، ويجوز أن يعتق في
الكفارة الواجبة عليه مملوكه الذي أبق ولم يعرف موته.
يجوز من بن عشر سنين عتقه وصدقته إذا كان على جهة المعروف.
الاعتبار بقيمة من أعتق في حال المرض يكون وقت الإعتاق، وبقيمة من أوصى
387

بعتقه يكون وقت الوفاة لأنه وقت استحقاق العتق، فمن أعتق عبدا معينا في حال مرضه و
أوصى بعتق آخر ولم يخرج من الثلث إلا أحدهما أعتق من أعتقه في مرضه دون من أوصى
بعتقه لأنها عطية منجزة وهذه مؤخرة، فإن كان من أعتقه أقل من الثلث عتق معه من
العبد الأخير بقية الثلث، وإن كان أكثر من الثلث بقي الزائد منه على الثلث رقا.
إن لم يعين العبد عتق من يعتق بالقرعة.
إذا أعتق في مرضه ثلاثة مماليك ولا مال له غيرهم ثم مات أحدهم قبل موت المعتق
أقرع بين الميت والحيين فإن خرجت القرعة بحرية الميت حكمنا بأنه مات حرا لأن
القصد تحصيل الثواب بعتقه وقد حصل واعتبرناه من الثلث، وإن خرجت قرعة
الحرية على أحد الحيين حكمنا بأن الميت مات رقيقا وأنه هلك من التركة، فإن كان قيمة من
عينه القرعة وفق الثلث عتق وحده، وإن كان أقل من الثلث عتق معه من الآخر تمام
الثلث، وإن كان أكثر من الثلث بقي الزائد عليه رقا، وكذلك إن مات العبد بعد وفاة المعتق
وقبل قبض الوارث، وإن مات بعد وفاته وبعد قبض الوارث وخرجت قرعة الحرية على
الميت فقد مات حرا من الثلث واعتبر من التركة ويعتبر قيمته حين العتق.
فصل:
من خلف جارية لها ولد منه جعلت في نصيب ولدها وتنعتق عليه، فإن لم يخلف
غيرها انعتق منها نصيب ولدها واستسعيت في الباقي لباقي الورثة، وإن كان ثمنها دينا
على مولاها والحال هذه قومت على ولدها وأدى من ماله إن كان له مال، وهكذا فيما
لباقي الورثة منها، وإذا لم يكن ثمنها دينا على مولاها ولم يخلف غيرها وللولد مال قضى
الباقي منه ولا تستسعي الأم.
لو وطأ أمة غيره بشبهة فاتت بولد لم تصر أم ولده فإن ملكها بعد صارت أم ولده،
وكذا إن تزوج بأمة فأحبلها ثم ملكها ولا يثبت للأم حكم الحرية لا في الحال ولا فيما بعد.
إذا أسلمت أم ولد لذمي لا تعتق عليه وإنما تباع عليه.
إذا أعتق زيد عبدا عن عمرو مثلا في حال حياته باذنه وقع العتق على الآذن
388

والولاء له، وإن أعتقه بغير إذنه وقع العتق عن المعتق دون المعتق عنه، وإن أعتق بعد
وفاته باذنه وقع عن الآذن وإن كان لغير إذنه فكان تطوعا وقع عن المعتق، وإن كان
عن كفارة يكون سائبة لا ولاء لأحد عليه.
فصل:
المكاتبة أن يشترط المالك على عبده أو أمته باذنه أداء شئ معلوم يعتق بالخروج منه
إليه، وهي بيع العبد من نفسه.
وإذا رغب المملوك في الكتابة أجابه السيد ندبا إذا علم تمكنه من أداء ثمنه بحرفة
أو غيرها، ولا يجوز أن يكاتب إلا مؤمنا عاقلا بالغا، ولا ينعقد إلا بأجل معين حسب
ما يتفقان عليه، ولا بد أن يكون البدل معلوما معينا بالصفة.
إذا أطلق البدل من جنس الأثمان ولم يضبطه ولم يكن للبلد غالب فقد بطل
العقد، ولا بد من النية ولا يعتق بغيرها وكذا لا يعتق إلا بالأداء
إذا كاتبه على خدمة مدة ولم يتصل المدة بالعقد فيقول: من وقتي هذا، لم يصح.
كل شرط يشترطه المولى على مكاتبه يمضى ما لم يخالف الكتاب والسنة، ويستحب
أن لا يشترط على مكاتبه بأكثر من ثمنه وأن يعينه على ذلك من سهم الرقاب.
إذا امتنع من الأداء مع قدرته عليه فللسيد فسخ الكتابة والمكاتبة قد تكون مشروطة
وهي أن يقول لعبده في حال مكاتبته متى عجزت عن أداء مالي فأنت رد في الرق ولي جميع
ما أخذت، فمتى عجز عاد رقا،
علامة عجزه أن يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه أو يؤخر نجما إلى
نجم فإن مات هو وخلف مالا وأولادا كان الكل لمولاه ملكا ومماليك، ولا يجوز لهذا النوع
من المكاتب أن يتزوج أو يعتق أو يهب المال ما بقي عليه شئ وإنما له البيع والشرى، ومن
اجتمع عليه مع مال الكتابة دين لم يكن مأذونا فيه ولم يف المال بهما قدم الدين لأنه يجبر على
قضائه ويصح ضمانه بخلاف مال الكتابة المشروطة ولا ترجيح في المطلقة إذا أدى شيئا
وغير المشروطة عليه.
389

لو أدى المطلق شيئا من ماله انعتق بحسابه، فإن مات وترك أموالا وأولادا ورثه
مولاه بقدر عبوديته والباقي لأحرار ورثته دون مولاه، فإن ولد للمكاتب بعد الكتابة ولد من
أمة له يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي له على أبيه، فإن أدى الابن ذلك الباقي تحرر،
وإن لم يكن له مال استسعى فيه.
إذا أدت المكاتبة بعض المال لم يجز لمولاها وطؤها بملك اليمين لأن بعضها تحرر
ولا العقد عليها لأن بعضها ملك، فإن وطأها حد بقدر ما عتق منها لا غير وحدت هي أيضا
إن طاوعته.
إذا وطأ مكاتبة مشروطا عليها لم يحد لأن هناك شبهة يسقط بها الحد.
إذا تزوجت المكاتبة بغير إذن مولاها بطل نكاحها، وإن كان باذنه وقد أدت بعض
مكاتبتها ورزقت أولادا فحكمهم حكمها يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق
بحساب ما انعتق منها هذا إن تزوجت بمملوك، فإن تزوجت بحر فالولد حر.
إذا عجز المكاتب غير المشروط عليه عن توفية ثمنه فعلى الإمام أن يفك رقبته من
سهم الرقاب.
إذا كاتب عبده ثم جن وأدى المال مجنونا عتق لأنه وإن لم يكن من أهل الإقباض
فإن سيده من أهل القبض.
إذا اشترى المكاتب من ينعتق عليه بحق القرابة بغير إذن سيده بطل الشرى و
باذنه صح وكذا إن أعتق المكاتب عبدا أو كاتبه.
فصل:
التدبير عتق بعد الوفاة. ويفتقر صحته إلى شروط العتق المنجز في الحياة ويخرج من
الثلث، فإن كان قيمة المدبر زائدة على الثلث استسعى في الباقي، وإن لم يكن للمولى مال
سواه وكان عليه دين يزيد على قيمة العبد أو مثله بيع في الدين وبطل التدبير. ويجوز للمدبر
نقض التدبير والرجوع عنه ما دام حيا ونقضه كعقده في اعتبار النية.
إذا ارتد المدبر فالتدبير بحاله وإن لحق بدار الحرب بطل التدبير لما روي أن إباق
390

المدبر يبطل تدبيره.
من دبر جاريته حبلى عالما بحبلها كان حملها مدبرا، وإن لم يعلم يعلم بذلك كان
الولد رقا، فإن حملت بعد التدبير بأولاد كانوا مدبرين، فإن مات المدبر صاروا أحرارا من
الثلث، فإن زاد ثمنهم على الثلث استسعوا في الباقي وله أن ينقض تدبير الأم دون الأولاد.
ومن أذن لمدبره فاشترى أمة ووطأها فاتت بولد منه كان كأبيه مدبرا، فإن مات
المدبر قبل مولاه فماله لمولاه دون ولده والولد على التدبير إلى أن يموت المولى.
من كان عليه دين فدبر عبده فرارا من الدين ثم مات بطل التدبير وبيع العبد في
الدين وللمولى التصرف في مال المدبر.
إن أبق المدبر ورزق في حال إباقه مالا وولدا ثم مات هو ومولاه فما له لورثة مولاه
وولده رق لهم.
إذا كان عبد بين شريكين فقال كل منهما: إذا متنا فأنت حر، صح وكان كل منهما دبر
نصيبه، فإن مات أحدهما عتق نصيبه من ثلثه وبقي النصف الآخر مدبرا إلى موت
الثاني، وما يكتسبه بعد موت الأول يكون نصفه له ونصفه للثاني.
من جعل خدمة عبده لغيره وقال له: متى مات من تخدمه كنت حرا، صح، فإن أبق
إلى موت ذلك الغير تحرر.
من دبر في صحته عبيدا وفي مرضه آخرين وأوصى بعتق آخرين بأعيانهم حكم
بصحة الوصية الأولى أن يستوفى الثلث، فإن نسي أو اشتبه الأمر فيه استخرج بالقرعة.
تدبير ابن عشر سنين صحيح كعتقه ودونه لا يصح وكذا تدبيره إذا كان غير مميز
لا يصح.
يجوز تدبير المشرك دون المرتد ذميا كان السيد أو حربيا كتابيا أو وثنيا، وله الرجوع
كالمسلم.
كل ما اكتسبه المدبر قبل وفاة سيده فهو ملك لسيده ولورثته بعد وفاته من أي وجه
اكتسبه، ولا يجوز إعتاق المدبر في كفارة واجبة إلا بعد النقض لتدبيره ورده إلى محض الرق.
391

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
393

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
العتق فيه فضل كثير وثواب جزيل بغير خلاف بين الأمة، ولا يصح العتق إلا بعد
الملك كما لا يصح الطلاق قبل النكاح لقوله ص: لا عتق قبل ملك ولا
طلاق قبل نكاح، ولا يصح العتق أيضا إلا من كامل العقل غير مولى عليه مختار له قاصد
إليه متلفظ بصريحه وهو قوله: أنت حر، مطلق له من الشروط إلا في النذر خاصة، موجه
به إلى مسلم أو من هو في حكمه، لأن عتق الكافر لا يقع على الصحيح من أقوال المحصلين
من أصحابنا وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا لأن العتق قربة إلى الله تعالى ولا يتقرب إليه
بالمعاصي متقرب به إلى الله تعالى.
ولا يقع العتق من طفل ولا مجنون ولا سكران ولا محجور عليه ولا مكره ولا مجبر و
لا ساه ولا حالف به، ولا يقع بالكتابة والإشارة مع القدرة على النطق باللسان العربي، ولا
يقع بكنايات العتق كقوله: أنت سائبة ولا سبيل لي عليك، ولا بقوله: إن فعلت كذا
وكذا فعبدي حر، ولا بكافر على ما قدمناه، ولا للأغراض الدنياوية من نفع أو دفع ضرر
أو إضرار بالغير.
والدليل على وجوب اعتبار هذه الشروط إجماع الأمة لأنه لا خلاف في صحة العتق مع
تكاملها وليس على صحته مع اختلال بعضها دليل، وأيضا الأصل أن لا عتق والملك فمعلوم
ثبوته وخروجه عن يد مالكه يحتاج إلى دليل لأن العتق حكم شرعي يحتاج في ثبوته
إلى دليل شرعي.
395

وإذا أعتق مالك العبد عضوا من أعضائه لم يكن لذلك حكم ولم يقع به عتق، فإن
أعتق بعضا منه مشاعا نصفه مثلا أو ثلثه أو ربعه أو ما زاد على ذلك أو نقص عتق
الجميع، فإن كان العبد مشتركا فأعتق أحد الشركاء نصيبه لا للإضرار بالشركاء انعتق
ملكه خاصة، إلا أنه إن كان موسرا انعتق الباقي وأجبر على قيمته لشريكه، وإن كان
معسرا استسعى العبد في قيمة باقيه فإذا أداها عتق جميعه، فإن عجز عن ذلك فكه سلطان
الاسلام من سهم الرقاب من الزكاة وإلا خدم مولاه بما فيه من العبودية.
والعتق في مرض الموت من أصل التركة سواء كان واجبا أو متبرعا به،
على الصحيح من المذهب لأن بعض أصحابنا يجعله من الثلث وهو مذهب جميع من خالفنا
وبعض أصحابنا وهم المحصلون يجعله من أصل المال لأنها عطية منجزة وللإنسان أن يتصرف
في ماله جميعه في حال حياته وينفق في مرضه ما شاء من أمواله بغير خلاف.
فأما إن أوصى بعتق عبده أو عبيده بعد موته فإنه من الثلث لأن هذه عطية مؤخرة
وهذه حقيقة الوصية، فإن أوصى بعتق عبده فإن كان قيمته وفق الثلث عتق جميعه ولا
شئ له ولا عليه، وإن كان القيمة تنقص عن الثلث عتق أيضا ولا شئ له ولا عليه،
وإن كانت القيمة تزيد على الثلث فالصحيح من أقوال أصحابنا أنه ينعتق منه بقدر
الثلث ويستسعي فيما زاد على الثلث سواء كانت الزيادة ضعفي الثلث أو أقل أو أكثر وعلى
كل حال.
وهو مذهب ابن بابويه في رسالته وشيخنا أبي جعفر في مبسوطه، وهو الذي يقتضيه أصول
مذهبنا وقال بعض أصحابنا: إن كانت القيمة على الضعف من الثلث بطلت الوصية ولم ينفذ
عتق شئ منه وقد أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا لأنا قد بينا أنه رجع
عن ذلك في مبسوطه.
فإن أوصى لعبده بثلث ما له، فإن كانت قيمته وفق الثلث عتق ولا شئ له ولا
عليه، وإن كانت أقل من الثلث عتق وأعطي تمام الثلث، وإن كانت أكثر من الثلث
عتق منه بمقدار الثلث واستسعى في الزيادة على الثلث، فإذا أداها عتق جميعه.
396

وإذا أوصى بعتق ثلث عبيده استخرج ثلثهم بالقرعة وعتقوا.
ولا يجوز أن يعتق في الكفارة الأعمى والمجذوم والمقعد لأن هؤلاء خرجوا من الملك
بهذه الآفات والعتق لا يكون إلا بعد ملك.
وإذا أعتق مملوكا وله مال فماله لمولاه سواء علم مولاه بالمال في حال إعتاقه أو لم يعلم
لأن العبد عندنا لا يملك شيئا.
وذهب بعض أصحابنا إلى: أنه إن علم أن له مالا في حال إعتاقه فالمال للعبد المعتق وإن لم به
أو علم فاشترطه لنفسه فهو لمولاه دونه وينبغي عند هذا القائل أن يقول: مالك لي وأنت حر،
فإن قال: أنت حر ومالك لي، لم يكن له على المال سبيل. وقد بينا فساد هذا المذهب بما دللنا
عليه من أن العبد لا يملك شيئا لقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، وإنما ذلك
المذهب على رأي من يملكه من أصحابنا فواضل الضرائب وأروش الجنايات عليه في نفسه،
وذلك باطل للآية التي تلوناها.
وكل من أقر على نفسه بالعبودية وكان بالغا مجهول النسب بالحرية عاقلا أو قامت
البينة على عبوديته وإن لم يكن بلغ أو عقل جاز تملكه والتصرف فيه بالبيع والشراء
والهبة وغير ذلك.
وكل من خالف الاسلام من سائر أنواع الكفار يصح استرقاقهم ثم هم ينقسمون
قسمين: قسم منهم يقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم وأحكامهم ويعفون من
الاسترقاق، وهم أهل الكتاب اليهود والنصارى ومن حكمه حكمهم وهم المجوس، فإن
امتنعوا من قبول الجزية وإجراء أحكامنا عليهم قتلوا وسبي ذراريهم واسترقوا. ومن عدا
أهل الكتاب لا يقبل منهم إلا الاسلام فإن امتنعوا كان الحكم فيهم القتل واسترقاق
الذراري.
ولا بأس باسترقاق جميع أصناف الكفار وإن سباهم أهل الفسق والضلال، وكذلك
لا بأس أن يشتري الانسان مما يسبي بعض الكفار، ولا بأس أيضا أن يشتري من الكافر
بعض أولاده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه ويكون ذلك حلالا له ويسوع له التصرف فيه
397

كيف شاء إذا كانوا مستحقين للسبي على ما حررناه.
وإذا كان العبد يباع في أسواق المسلمين ويد المالك عليه فلا بأس بشرائه، فإن ادعى
الحرية لم يقبل قوله إلا ببينة عادلة.
ومتى ملك الانسان أحد قراباته فلا يخلو: إما أن يكونوا من ذوي الأنساب أو ذوي
الأسباب، فإن كانوا من ذوي الأنساب فهم ينقسمون إلى قسمين:
العمودان: الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا، فهؤلاء ينعتقون بنفس الملك بغير
اختيار المالك، وقد قيل في أنه متى يكون العتق أقوال الأصح من ذلك أنه مع تمام البيع
معا معا لأن الانسان لا يملك من ذكرناه وسواء كانوا ذكورا أو إناثا.
والقسم الآخر: وهم من عدا العمودين، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين: ذكور
وإناث. فالذكور يملكون ولا ينعتقون إلا يتبرع المالك بالعتق، والإناث ينقسمون إلى
قسمين: من لا يحل للمالك نكاحها أبدا مثل العمات والخالات وبنات الأخ وبنات
الأخت، فهذا القسم ملحق بالعمودين بلا خلاف وحكمه حكمهما حرفا فحرفا، ومن
عداهن لا ينعتقن بالملك له إلا أن يتبرع مالكهن بإعتاقهن.
فأما ذوي الأسباب فهو الرضاع والزوجية.
فقد اختلف قول أصحابنا في أحكام الرضاع في العتق فذهب فريق منهم: إلى أن حكم
الرضاع في العتق حكم العمودين ومن عدا العمودين من الإناث حكمهن حكم من عدا
العمودين من الإناث من الأنساب. وقال الباقي من أصحابنا المحصلين: يسترق المرضعات
وليس حكمهن في الاسترقاق حكم الأنساب وكذلك من عداهن من الإناث، والأول اختيار
شيخنا أبي جعفر، والثاني اختيار شيخنا المفيد وهو الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأنه لا دليل
على عتقهن من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد والأصل بقاء الملك والعبودية فمن
أخرج ذلك من الملك يحتاج إلى دليل، وتمسك الذاهب إلى خلاف ما اخترناه بقوله
ع: يحرم من الرضاع من يحرم من النسب، فإنه مفهوم من فحوى هذا القول النكاح
دون غيره، وإن ورد في ذلك أخبار فهي آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأن أخبار
398

الآحاد لا توجب علما ولا عملا على ما كررنا القول فيه وقدمناه.
فأما الزوجية فمتى ملك أحد الزوجين الآخر انفسخت الزوجية بينهما وملكه.
والمملوك إذا عمي من قبل الله تعالى أو جذم أو أقعد بزمانة من قبل الله تعالى انعتق
بغير اختيار مالكه ولا يكون له ولاؤه بل يتوالى من شاء، فإن لم يتوال أحدا ومات كان
ميراثه لإمام المسلمين.
وقد روي: إنه إذا نكل به صاحبه أو مثل به انعتق في الحال ولا سبيل لصاحبه عليه،
أورد هذه الرواية شيخنا في نهايته إيرادا.
وروي في بعض الأخبار: أنه إذا كان المملوك مؤمنا وأتى عليه بعد ملكه سبع سنين
استحب عتقه وأن لا يملك أكثر من ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويستحب عتق المؤمن المستبصر ويكره عتق المخالف للحق
وقد قلنا في ما مضى أنه لا يجوز عتق الكافر، ومقصود شيخنا بقوله: ويكره عتق المخالف للحق
المظهر للشهادتين، غير المحق. ثم قال: ولا بأس بعتق المستضعف، ثم قال: ولا عتق إلا ما
أريد به وجه الله تعالى.
وقد روي: إنه يستحب أن لا يعتق الانسان إلا من أغنى نفسه ويقدر على اكتساب
ما يحتاج إليه ومتى أعتق صبيا أو من يعجز عن النهوض بما يحتاج إليه فالأفضل أن يجعل
له شيئا يعينه به على معيشته وليس ذلك بفرض.
وقال شيخنا في نهايته: ولا بأس أن يعتق ولد الزنى، وتحرير هذا القول على رأي شيخنا
أبي جعفر من كونه يذهب إلى أن عتق الكافر جائز في الكفارات وخصوصا من كان مظهرا
للشهادتين وإن كان مخالفا للحق، فإنه يرى إعتاقه في غير الكفارة فعلى هذا القول أنه إذا
كان مظهرا للشهادتين فإنه يجوز إعتاقه على كراهية في ذلك، على ما قدمناه عنه في إعتاق من
خالف الحق وإن كان ما هو عليه يقتضي تكفيره إلا أنه له تحرم بالإسلام وأحكامه فتجري
عليه، وإن كان غير مظهر للشهادتين فلا يجوز إعتاقه على ما قدمناه والأظهر بين الطائفة أن
عتق الكافر لا يجوز وولد الزنى كافر بلا خلاف بينهم.
399

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كان العبد بين شريكين وأعتق أحدهما نصيبه مضارة
لشريكه الآخر ألزم أن يشترى ما بقي ويعتقه إذا كان موسرا، وإن لم يكن موسرا ولا يملك
غير ما أعتقه كان العتق باطلا، وإذا لم يقصد بذلك مضارته بل قصد بذلك وجه الله تعالى لم
يلزم شراء الباقي وعتقه بل يستحب له ذلك، فإن لم يفعل استسعى العبد في الباقي ولم يكن
لصاحبه الذي يملك ما بقي منه استخدامه ولا له عليه ضريبة بل له أن يستسعيه فيما بقي من
ثمنه، فإن امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه قدر
ما بقي، هذا آخر كلام شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: قوله رحمه الله هذا عجيب فإنه قال في الباب الذي ذكر هذا
الكلام فيه: ولا عتق أيضا إلا ما أريد به وجه الله تعالى، ثم قال: وإذا كان العبد بين
شريكين وأعتق أحدهما نصيبه مضارة لشريكه الآخر ألزم أن يشترى ما بقي ويعتقه إذا كان
موسرا، وهذا متناقض مخالف لأصول المذهب ولما أصله من أنه لا عتق إلا ما أريد به وجه الله
تعالى، وإنما أورد هذه الرواية إن كانت وردت ورويت إيرادا لا اعتقادا كما أورد نظائرها مما
لا يعمل عليه ولا يعتقد صحته.
والدليل على ما قلناه عنه أنه رجع في مبسوطه عن هذا فقال: فإذا أعتق شركا له من عبد لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يكون موسرا أو معسرا، فإن كان معسرا عتق نصفه واستقر الرق في
نصف شريكه وروى أصحابنا أنه إن قصد بذلك الإضرار بشريكه أنه يبطل عتقه، هذا آخر
كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطه. ثم قال في نهايته: وإن لم يقصد بذلك مضارته بل قصد
بذلك وجه الله تعالى لم يلزم شراء الباقي وعتقه بل يستحب له ذلك. وهذا غير واضح ولا
مستقيم لأنا قد بينا أنه إن كان موسرا ألزم شراء الباقي وأجبره السلطان على ذلك، وإن كان
معسرا استسعى العبد في الباقي.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا أعتق مملوكه وشرط عليه شرطا وجب عليه الوفاء به ولم يكن له
خلافه، فإن شرط عليه أنه متى خالفه في فعل من الأفعال كان ردا في الرق فخالفه كان له رده
في الرق.
400

وهذا غير واضح لأن الحر لا يجوز أن يعود رقا والشرط إذا كان مخالفا للكتاب والسنة كان
باطلا وهذا شرط يخالف السنة، فأما إن كان الشرط لا يخالف كتاب ولا سنة فهو شرط
صحيح.
فإن شرط عليه خدمته سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك لزمه، فإن مات المعتق كان خدمته
لورثته، فإن أبق العبد ولم يوجد إلا بعد انقضاء المدة التي شرط عليه المعتق فيها الخدمة لم يكن
للورثة عليه سبيل في الخدمة.
والأولى أن يكون لهم الرجوع بمثل أجرة تلك المدة لأنها مستحقة عليه وقد فاتت أوقاتها
فيرجع عليه بأجرة مثلها، فأما الخدمة فليس لهم عليه سبيل فيها فلأجل هذا قال شيخنا
أبو جعفر في نهايته: لم يكن للورثة عليه سبيل، يعني في الخدمة.
وإذا باع العبد وعلم أن له مالا كان ما له لبائعه دون مشتريه وإن لم يعلم أن له مالا
كان ما له لبائعه بغير خلاف.
وذكر شيخنا في نهايته: إنه إذا باع العبد وعلم أن له مالا كان ماله لمن ابتاعه، وإن لم يكن
عالما بذلك كان المال له دون المبتاع، وهذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا لأنا قد بينا أن
العبد لا يملك شيئا عند المحصلين من أصحابنا لقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ،
فنفى قدرته على شئ والمال من جملة الأشياء.
والدليل على صحة ما اعتذرنا لشيخنا قوله أيضا في نهايته بعد القول الذي حكيناه عنه
بلا فصل: والعبد والمملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فإن ملكه مولاه شيئا ملك
التصرف فيه وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه.
وقد روي: أنه إذا نذر الانسان أن يعتق أول مملوك يملكه فملك جماعة من العبيد في
حالة واحدة أقرع بينهم فمن خرج اسمه أعتقه، وقد روي: أنه مخير في عتق أيهم شاء،
والأول أحوط، هكذا أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والأولى عندي أنه لا يعتق شئ من العبيد لأن شرط النذر
ما وجد، لأنه نذر عتق أول مملوك يملكه وليس لمن ملك في حالة واحدة من المماليك أول فما
401

وجد شرط النذر، وأيضا الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل ولا يرجع عن
الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، وما أورده شيخنا فإنها رواية شاذة.
وأورد شيخنا في نهايته: أنه إذا أعتق ثلاثة من عبيده وكان له أكثر من ذلك فقيل له: أعتقت
مماليك؟ فقال: نعم، لم يمض العتق إلا في من كان أجاز فيهم العتق أولا وإن أجابهم حين
سألوه بلفظ العموم بقوله: نعم. وفقه ذلك أن العتق يحتاج إلى نية القربة فلا يصح ولا ينعتق
إلا من نوى عتقه دون من لم ينو لأنه أعرف بنيته.
وقد روي: أنه إذا كان للرجل جارية فنذر أنه متى وطئها كانت معتقة، فإن وطئها
قبل أن يخرجها من ملكه انعتقت وإن أخرجها ثم اشتراها بعد ذلك ووطئها لم يقع بذلك
عتق.
وفقه هذه الرواية إن صحت أنه إذا أخرجها من ملكه انحل نذره لأنه نذر وهي في ملكه فإذا
زال ملكه عنها انحل نذره ولا يصح في ملكه الغير فيحتاج إذا عادت إلى ملكه إلى دليل على
عتقها.
وإذا نذر الانسان أن يعتق مملوكا بعينه لم يجز له أن يعتق غيره وإن كان لولا النذر
ما كان يجوز عتقه أو كان يكون مكروها مثل أن يكون كافرا أو مخالفا في الاعتقاد.
هكذا أورده شيخنا في نهايته هذا على رأيه رحمه الله ومذهبه في أن عتق الكافر يصح في
الكفارات والنذور إذا عينه فيه، وقد قلنا ما عندنا في ذلك فلا وجه لإعادته، وأما قوله: لولا
النذر لم يجز ذلك، يعني ما كان يجوز عتق الكافر الغير مظهر للشهادتين ابتداء من غير نذر
يعينه، وكذا قوله: أو كان يكون مكروها، يعني الكافر الذي يظهر الشهادتين كان لولا النذر
يكون عتقه مكروها إذا كان ابتداء لا عن نذر، فهذا معنى قوله رحمه الله.
وأورد في النهاية أيضا أنه إذا زوج الرجل جاريته وشرط أن أول ما تلده يكون حرا
فولدت توأما كانا جميعا معتقين.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إن أراد بالشرط المذكور أول حمل كان على ما ذكر، وإن أراد
بذلك أول ولد تلده كان الأول حرا والذي يخرج ثانيا مملوكا إذا شرطه.
402

وإذا قال الرجل: كل عبد لي قديم فهو حر فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو
قديم وصار حرا، وكذلك إذا كان في ملكه وقد أتى عليه أكثر من ستة أشهر وإنما أقله ستة
لقوله تعالى: حتى عاد كالعرجون القديم، والعرجون في ستة أشهر يكون كذلك من جهة
عرف الشرع بالآية لا من جهة عرف اللغة.
ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من مملوك الغير مالا ليشتريه من غير علم مولاه.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا اشترى الانسان جارية ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها
ثم مات بعد ذلك ولم يخلف غيرها فإن عتقه ونكاحه باطل وترد في الرق لمولاها الأول، وإن
كانت قد حملت كان أولادها رقا كهيئتها، فإن خلف ما يحيط بثمن رقبتها فعلى الورثة أن
يؤدوا ثمنها لمولاها وقد مضى العتق والتزويج ولا سبيل لأحد عليها.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي يقتضيه أصول مذهب أصحابنا أن العتق المذكور
صحيح، لأنه أعتق ملكه بغير خلاف والحر لا يعود رقا والنكاح صحيح، والولد حر والحر
لا يصير عبدا لأنه انعقد حرا سواء خلف غيرها من الأموال أو لم يخلف والثمن في ذمته، وما
ذكره رحمه الله من بطلان العتق والتزويج وصيرورة أولادها إن حملت كهيئتها رقا غير مستقيم
ولا واضح، لأنه مخالف للأدلة القاهرة ومضاد للكتاب والإجماع والسنة المتواترة لأنه لا إجماع
عليه ولا كتاب ولا سنة، وما أورده شيخنا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا أورده إيرادا لا
اعتقادا على ما بيناه كما أورد أمثاله في هذا الكتاب - أعني النهاية - مما لا يعمل عليه ولا
يفتي به.
وقال أيضا في نهايته: وإذا أعتق الرجل مملوكه عند موته وعليه دين، فإن كان ثمن العبد ضعفي
ما عليه من الدين مضى العتق واستسعى العبد في قضاء دين مولاه، وإن كان ثمنه أقل من
ضعفي الدين كان العتق باطلا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إن أراد بقوله: عند موته، أنه أنجز عتقه قبل موته فإن العتق
صحيح ماض ولا سبيل للديان عليه، لأنه تصرف في ملك الانسان قبل الحجر عليه وللإنسان
أن يتصرف في ملكه كيف شاء لأن الناس مسلطون على أملاكهم يتصرفون فيها بالبيع
403

والهبة والصدقة والعتق وغير ذلك. وإن أخر عتقه إلى بعد موته فهذا تدبير ووصية، لأن التدبير
عنه أصحابنا بمنزلة الوصية والوصية لا تصح إلا بعد قضاء جميع الديون، وإنما الذي أورده
شيخنا في نهايته خبر واحد على قول من قال من أصحابنا: إن العطايا المنجزة في مرضة الموت
لا تخرج من أصل المال وإنما تخرج من الثلث، لأن أصحابنا لهم في ذلك مذهبان: فبعض
يرى أنها من أصل المال وبعض يرى أنها من الثلث، والأول هو الأظهر لأنه الذي يقتضيه
أصول المذهب لأن للإنسان أن ينفق جميع ماله على مرضه بغير خلاف، وإنما وردت بالثاني
أخبار آحاد لا يعول عليها ولا يلتفت إليها وهي موافقة لمذهب مخالفينا.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب العتق: العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض
أصحابنا من الأصل وعند الباقين من الثلث وهو مذهب المخالفين. ثم قال: فإذا ثبت ذلك
وأعتق شقصا من عبد نظرت، فإن كان وفق الثلث نفذ فيه وحده ولم يقوم عليه نصيب
شريكه، وإن كان الشقص أقله من الثلث قوم عليه تمام الثلث وإن استغرق جميع ثلثه، فأما
إذا اعتبرناه من أصل المال فحكمه حكمه لو كان صحيحا وقد مضى. ثم قال: إذا أوصى بعتق
شقص له من عبد ثم مات أعتق عنه ذلك الشقص ولم يقوم عليه نصيب شريكه وإن كان
غنيا لأن ملكه زال عن ماله بالموت إلا القدر الذي استثنيناه، هذا آخر كلام شيخنا في
مبسوطه أوردناه ليعلم إنما أورده في نهايته على أحد القولين اللذين لأصحابنا الذي هو غير
معمول عليه لما أشرنا إليه من الأدلة.
إذا كان العبد بين ثلاثة لواحد النصف وللآخر السدس فأعتق صاحب النصف
وصاحب السدس ملكهما معا في زمان واحد أو وكلا وكيلا فأعتق ملكهما معا سرى إلى
نصيب شريكهما ويكون عليهما قيمة الثلث بينهما نصفين وإن اختلف ملك المعتقين.
لما روي عن النبي ص أنه قال: من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ
ثمن العبد قوم العبد قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم وعتق العبد، فعلق الضمان بأن
أعتق شركا له من عبد وقد اشتركا في هذا المعنى فكانا سواء في الضمان.
وتكون القيمة حين العتق سواء قيل بنفس اللفظ أو بشرطين أو مراعى لأن بين
404

الفقهاء في ذلك اختلافا، فبعض يقول: يعتق حصة شريكه بنفس اللفظ، وهو الأظهر.
وبعض يقول: بشرطين بالتلفظ وقبض القيمة. وبعض يقول: مراعى.
وإذا أعتق الرجل ثلث عبيده وله عبيد جماعة استخرج منهم ثلثهم بالقرعة فمن خرج
اسمه كان معتقا.
وقال المخالف: يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعي كل واحد في ثلثي قيمته ليؤدي ويعتق.
وجملة الإقراع بينهم وكيفيته: فإذا كانوا على صفة يمكن تعديلهم أثلاثا بالقيمة
والعدد معا وهو إذا كانوا ستة قيمة كل واحد ألف فيكون كل عبدين ثلث ما له فإنا
نجزؤهم ثلاثة أجزاء كل عبدين جزء، ونقرع بينهم بأن نكتب الرقاع ونساهم على
ما بيناه في غير موضع، ويمكن اخراج الأسماء على الرق والحرية وإخراج الرق والحرية على
الأسماء، فإذا أردت أن تخرج الأسماء على الرق والحرية كتبت في كل رقعة اسم اثنين
فيكون ثلاث رقاع وتقول: أخرج رقعة على الحرية، فإذا أخرجها فضت فيعتق من اسمه
فيها ويرق الباقون وقد اكتفيت باخراج الرقعة دفعة واحدة، وإن قلت: أخرج رقعة على
الرق، فإذا أخرجها فضت ورق من اسمه فيها، ولا بد من اخراج أخرى فيقول: أخرج
أخرى على الرق، فإذا خرج رق من فيها وعتق الآخران.
فمتى أخرج القرعة على الحرية أجزأه دفعة واحدة، ومتى أخرجها على الرق فلا بد من
دفعتين، فإن لم يتفق ذلك وهو إذا لم يمكن التعديل بالعدد دون القيمة أو بالقيمة دون
العدد، مثل أن كانوا ستة قيمة عبد ألف وقيمة عبدين ألف وقيمة ثلاثة أعبد ألف، فإذا
اعتبرت القيمة كانت التركة أثلاثا لكن العدد مختلف، ومتى اعتبرت العدد وجعلت
كل عبدين سهما صح لكن اختلفت القيمة فما الذي يصنع به؟
قال قوم: تعتبر القيمة ويترك العدد كما أن قسمة الدار إذا لم تمكن بالمساحة والأجزاء عدلت
بالقيمة. وقال آخرون: يعتبر بالعدد وتترك القيمة، والأول هو الذي يقتضيه مذهبنا.
وإذا خلف الرجل مملوكا وشهد بعض الورثة أنه أعتقه مورثهم، فإن كان الشاهد
مرضيا جائز الشهادة وكانا اثنين عتق المملوك، وإن لم يكن مرضيا أو كان غير أن الآخر
405

غير مرضي مضى العتق في حصته واستسعى العبد في الباقي.
وإذا أوصى الانسان بعتق رقبة جاز أن يعتق عنه نسمة ذكرا كان أو أنثى إذا كانت
النسمة ممن يجوز إعتاقها.
وقد روي: أنه إذا أعتق الرجل مملوك ابنه كان العتق ماضيا.
وهذه الرواية لا يصح العمل بها إلا أن يكون الابن صغيرا أو يكون الأب قد قوم العبد على
نفسه وإلا فلا يصح ذلك، وشيخنا أبو جعفر أورد ذلك في نهايته وأطلق ولم يقيده بالابن
الصغير وتحرير الفتيا ما قلناه.
وقد روي: أنه إذا أعتق الرجل جارية حبلى بمملوك صار ما في بطنها حرا كهيئتها،
فإن استثناه من الحرية لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية في أمه.
وهذه الرواية أوردها شيخنا في نهايته ولا دليل على صحتها من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا
إجماع، والأصل أن لا عتق وثبوت العبودية في حملها فمن حرره يحتاج إلى دليل ولا دليل له على
ما بيناه، وأخبار الآحاد غير معمول عليها عند أصحابنا وإنما هذا يصح على مذهب الشافعي
لأنه يجري الحمل مجرى بعض أعضائها ولهذا يقول: أنه إذا باعها واستثنى الحمل لا يصح
استثناؤه، ونحمل نحن الرواية على أنها وردت مورد التقية لأنه مذهب مخالفينا.
وإذا أسلم أحد الأبوين كان حكم أولاده حكمه في إجراء حكم الاسلام عليهم،
فإن بلغوا واختاروا الشرك لم يمكنوا من ذلك وقهروا على الاسلام، فإن أبوا ذلك كان
عليهم القتل.
وإذا كان للرجل مملوك وهو يحسن إليه ويقوم بما يحتاج إليه فاستباعه العبد لم يلزمه
بيعه وكان مخيرا في ذلك.
ويكره أن يفرق بين الولد الصغير وبين أمه وينبغي أن يباعا معا وليس ذلك
بمحظور.
على الأظهر من قول المحصلين من أصحابنا وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في كتاب العتق في
نهايته.
406

وإذا أبق العبد جاز لمولاه أن يعتقه في الكفارة الواجبة عليه ما لم يعرف منه موتا على
ما بيناه في كتاب الظهار، وإذا عتق العبد وعليه دين فإن كان استدانه بإذن مولاه وأمره
لزم المولى قضاؤه، وإن كان عن غير إذنه كان ثابتا في ذمته يتبع به ولا يلزم المولى منه
شئ.
وقد روي أنه: إذا أتى على الغلام عشر سنين كان عتقه وصدقته جائزا إذا كان على
جهة المعروف.
أوردها في نهايته شيخنا إيرادا لا اعتقادا لأنه لا دليل على صحة العمل بها لأنها مخالفة
لأصول المذهب لكونها لا دليل عليها من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد،
والأصل نفي الأحكام الشرعية وثبوتها يحتاج إلى أدلة شرعية وقول الرسول ع المجمع
عليه يؤيد ما قلناه وهو: رفع القلم عن ثلاث، وذكر الصبي من جملة الثلاث.
وإذا أعتق الرجل عبده عن دبر.
بالدال غير المعجمة المضمومة والباء المسكنة المنقطة من تحتها بنقطة واحدة والراء، المراد بذلك
التأخير لأن الدبر المؤخر والتدبير تفعيل من الدبر وهو العتق المؤخر إلى بعد الموت.
وكان عليه عتق رقبة واجبة لم يجز ذلك عنه، لأن المدبر يخرج من الثلث والرقبة
الواجبة من أصل المال والمدبر غير ما يعتق في الكفارات فلهذا لا يجزئه ولأن أسبابهما
مختلفة.
فهذا معنى قول شيخنا أبي جعفر في نهايته: وإذا أعتق الرجل عبده عن دبر وكان عليه رقبة
واجبة لم يجز ذلك عنه. وأيضا التدبير على ضربين: واجب وندب. فالواجب ما أوجبه
الانسان على نفسه بالنذر أو العهد فإن كان هذا الضرب فلا يجزئه عن الكفارة لأن الفرضين
لا يتداخلان، وإن الضرب الآخر من التدبير فلا يجزئه عن الكفارة الواجبة عليه لأنه يحتاج إلى
نية الإعتاق وإلى كيفية النية وجنس العتق والقصد إليه، وهذا الضرب أيضا يخرج من الثلث
والكفارة من أصل المال فليلحظ جميع هذه الأقسام.
وحد اليسار الذي يقوم العبد إذا كان مشتركا بينه وبين غيره وأعتق نصيبه منه أن
407

يكون للمعتق غير هذا النصيب قدر قيمة نصيب شريكه في الفاضل عن قوت يومه وليلته،
لما روي عن النبي ص قال: من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمنه
قوم عليه.
فإن لم يكن إلا قدر نصيبه منه أو لم يكن تمام قيمة نصيب شريكه فليس له مال إلا
ثمن العبد، فإن كان معه وفق قيمة نصيب شريكه قوم كل نصيب شريكه عليه، وإن
كان معه أقل من ذلك قوم عليه بقدر ما يملك من الفاضل عن قوت يومه وليلته.
فأما إن كان معسرا فأعتق نصيبه منه عتق ورق الباقي عندنا.
وقال بعض المخالفين: يعتق كله ويكون قيمة نصيب شريكه في ذمته يتبع به إذا أيسر. وقال
بعضهم: شريكه بالخيار بين أن يعتق نصيبه وبين أن يستسعيه في قيمته ليؤدي فيعتق، وقد
روي في أخبارنا ذلك.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا ورث شقصا من أبيه أو أمه قوم عليه ما بقي
إذا كان موسرا، وقال الشافعي: لا يقوم عليه لأنه بغير اختياره، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم،
هذا آخر المسألة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لا يقوم عليه ما بقي، لأنه
لا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع و الأصل براءة الذمة، وما ذكره
رحمه الله من قوله: دليلنا إجماع الفرقة، فعلى أي شئ أجمعت؟ إنما أجمعت على أنه من أعتق
شركا له في عبد وكان موسرا قوم عليه حصة شريكه، وكذلك الأخبار التي ادعاها إنما وردت
بما أجمعوا عليه، وما وردت ولا أجمع أصحابه على أن من ورث شقصا له من عبد يعتق
عليه يقوم عليه ما بقي إذا كان موسرا، إلا أن شيخنا رجع عما ذكره في مبسوطه وقال: لا يقوم عليه، وهو
الحق اليقين.
وقال في مسائل الخلاف: إذا أعتق كافر مسلما ثبت له عليه الولاء، وهذا لا يتقدر على
ما قررناه أن العتق لا يقع منه إلا أن يقصد به وجه الله تعالى، والكافر لا يعرف الله تعالى ولا
يقع منه نية القربة.
408

عندنا أن العتق لا يقع بشرط ولا يمين وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
إذا قال: كل عبد أملكه فهو حر وقال: إن ملكت هذا فهو حر، ولم يجعل ذلك نذرا
ثم ملك لم يعتق.
قال شيخنا في مسائل الخلاف مسألة: إذا أعتق عن غيره عبدا باذنه وقع العتق عن الآذن.
والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن العتق لا يقع إلا عن المالك للعبد دون الآذن الذي ليس
بمالك، لأنه لا خلاف في قوله ع: لا عتق قبل ملك ولا طلاق قبل نكاح، والآذن لم
يملك العبد وإنما هو على ملك المباشر للعتق إلى حين إعتاقه، وإنما هذا الذي ذكره شيخنا
رحمه الله قول المخالفين دون أن يكون ورد في أخبارنا أو أجمع أصحابنا عليه لأنه لو أجمع عليه
أصحابنا أو وردت به أخبارنا لما قال في استدلاله على صحة ما اختاره: دليلنا أن الآذن في
الحقيقة هو المعتق لأنه لو لم يأمره بذلك لم يعتقه كما لو أمره ببيع شئ منه أو شرائه، ولكان
يقول: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم.
باب أمهات الأولاد:
إذا وطئ الرجل أمته فاتت منه بولد فإن الولد يكون حرا لأنها علقت به في ملكه بغير
خلاف، وتسري حرية الولد إلى الأم عند المخالف وعندنا لا تسري، وهي أم ولد فما دامت
حاملا فلا يجوز بيعها عندنا، وإن ولدت فما دام ولدها باقيا لا يجوز بيعها إلا في ثمنها إذا
كان دينا على مولاها ولم يكن له غيرها.
وقال السيد المرتضى: لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا لا في الثمن ولا في غيره، والأظهر
الأول.
فإذا مات الولد جاز بيعها وهبتها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف.
وقال المخالف: لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا التصرف في رقبتها بشئ من أنواع التصرف لكن
يجوز التصرف في منافعها بالوطئ والاستخدام.
فإذا مات السيد عتقت من أصل المال عندهم وعندنا يجعل من نصيب ولدها وتنعتق
409

عليه، فإن لم يكن هناك غيرها انعتق نصيب ولدها واستسعيت في الباقي.
وروي: أنه إن كان لولدها مال أدى بقية ثمنها منه، ولا دليل على هذه الرواية.
فإن لم يكن ولدها باقيا جاز للورثة بيعها.
أم الولد إذا جنت جناية وجب لها أرش فإن الأرش يتعلق برقبتها بلا خلاف، والمولى
بالخيار بين أن يفديها أو يسلمها للبيع عندنا، وعند المخالف على السيد أن يفديها
ويخلصها من الجناية، قالوا: لأنه منع من بيعها بإحباله ولم يبلغ بها حالة يتعلق الأرش
بذمتها فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه ضمان الجناية كما لو كان له عبد فجنى فقتله،
وتفارق إذا كان له عبد فأعتقه ثم جنى جناية لم يلزمه جناية ذلك، لأن هناك بلغ به حالة
يتعلق الأرش بذمته.
إذا كان لذمي أم ولد منه فأسلمت فإنها لا تعتق عليه وتباع عليه عندنا لأنها مملوكة،
ولا خلاف بين أصحابنا أن الذمي إذا كانت عنده جارية ذمية فأسلمت فإنها تباع عليه
بغير اختياره ويعطي ثمنها لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
وهذا مذهب شيخنا في مبسوطه، واختار في مسائل خلافه قول بعض المخالفين وهو: أنه لا تباع
ولا تستعار لكن يحال بينها وبين المولى الذمي وتجعل في يد امرأة ثقة تنفق عليها من كسبها
فإن فضل شئ من كسبها كان لسيدها وإن عجز ذلك عن نفقتها كان على السيد تمام
النفقة، وما ذكره في مبسوطه هو الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وقال شيخنا في نهايته في باب أمهات الأولاد: فإن لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على
مولاها قومت على ولدها وتترك إلى أن يبلغ فإذا بلغ أجبر على ثمنها فإن مات قبل البلوغ
بيعت في ثمنها وقضي به الدين، وهذا الذي ذكره غير واضح لأنا نبيعها في ثمن رقبتها في
حياة مولاها فكيف بعد موته؟ ولأي شئ يجبر الولد بعد بلوغه على ثمنها؟ ولأي شئ يؤخر
الدين؟ إلا أن شيخنا قد رجع عن هذا في عدة مواضع ولا شك أن هذا خبر واحد أورده هاهنا
إيرادا لا اعتقادا.
410

باب الولاء:
الولاء على ثلاثة أقسام:
ولاء النعمة: وهو كل من أنعم عليه مولاه وأعتقه متبرعا بإعتاقه متقربا بذلك إلى الله
تعالى لا في واجب عليه ولا مجبر عليه بأن يرث من يعتق عليه أو يبتاع من يعتق عليه.
وولاء تضمن الجريرة: وهو أن يتعاقد اثنان مجهولا النسب أو أحدهما أو لا وارث من
جهة النسب لهما أو لأحدهما على أن يعقل عنه ويضمن جريرته وخطأه ويكون له ميراثه.
وولاء الإمامة: وهو كل من مات ولا وارث له من نسب ولا مولى منعم ولا ضامن من
جريرة.
فالقسم الأول: إذا كان المباشر للعتق رجلا فولاء مولاه له وضمان جريرته عليه إلا
أن يتبرأ من ضمان جريرته في حال عتقه ويشهد على ذلك، فإذا مات المنعم فولاء مولاه
يجري مجرى النسب ويرثه من يرث من ذوي الأنساب على حد واحد إلا الإخوة
والأخوات من الأم أو من يتقرب بها من الجد والجدة والخال والخالة وأولادهما.
وفي أصحابنا من قال: إنه لا يرث النساء من الولاء شيئا وإنما يرثه الذكور من الأولاد
والعصبة، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وإيجازه، والأول مذهبه في استبصاره فإنه
قال: إن البنت ترث من ميراث المولى كما يرث الابن، قال: وهو الأظهر من مذهب
أصحابنا، وهو مذهبه في مسائل خلافه، واستدل على صحته بأن قال: دليلنا إجماع الفرقة
وأيضا قوله ع: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأن هذا الخبر مجمع عليه
متلقى بالقبول عند الخاصة والعامة فلا معدل عنه ولا إجماع منعقد لأصحابنا على المسألة
فيخصص العموم به.
فأما إذا كان المنعم بالعتق امرأة فإنها ترث ولاء مواليها ما دامت حية فإذا ماتت
ورث ولاء مواليها عصبتها من الرجال دون أولادها سواء كان الأولاد ذكورا أو إناثا.
لأن إجماع أصحابنا منعقد على ذلك فهو المخصص لعموم الخبر المقدم ذكره، إلا ما ذهب إليه
411

شيخنا المفيد في مقنعته فإنه قال: يرث الولاء أولادها الذكور دون الإناث. وابن أبي عقيل
ذهب إلى: أن الولاء يرثه أولاد المرأة سواء كانوا ذكورا أو إناثا وهو يجري مجرى النسب على
حد واحد إلا الإخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب بها، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في
مسائل خلافه، وهذا أقوى يجب أن يعتمد عليه للخبر المقدم ذكره. وما قلناه من تخصيصه
بالإجماع فراجعنا النظر في أقوال أصحابنا وتصانيفهم فرأيناها مختلفة غير متفقة فالأولى
التمسك بالعموم إلى أن يقوم دليل الخصوص.
فأما القسم الثاني: فلا يتعدى الضامن فإذا مات الضامن بطل التعاقد بينهما ولا يرثه
ورثته بغير خلاف.
فأما القسم الثالث: فإن ميراثه لإمام المسلمين مع فقدان جميع الأنساب والموالي وهذا
هو ميراث من لا وارث له وهو الضامن لجريرته وحدثه، فإذا مات الإمام انتقل إلى الإمام
الذي يقوم مقامه دون ورثته الذين يرثون تركته ومن يتقرب إليه.
ولا يصح بيع الولاء ولا هبته، وإذا أعتق الرجل مملوكا وتبرأ من ضمان جريرته كان
سائبة لا ولاء له عليه على ما قدمناه، وكذلك الذين يعتقهم في النذور والكفارات
والواجبات فلا ولاء لمن أعتقه عليه ولا لأحد بسببه، فإن توالى هذا المعتق إليه وضمن
جريرته كان ولاؤه له، فإن توالى إلى غيره كان ولاؤه له وضمان جريرته عليه، فإن مات
ولم يتوال أحدا كان ميراثه لإمام المسلمين على ما قدمناه.
قال شيخنا في مبسوطه: إذا ملك من يعتق عليه بعوض أو بغير عوض عتق عليه وكان ولاؤه له
لعموم الخبر، وهذا غير واضح ولا مستقيم لأنا قد بينا أنه لا خلاف بين أصحابنا في أن الولاء
يستحقه المتبرع بالعتق دون غيره، وأيضا فقول الرسول ع المجمع عليه: إن الولاء لمن
أعتق، وهذا ما أعتق بغير خلاف لأنه انعتق عليه بغير اختياره، فإن أراد شيخنا بقوله: لعموم
الخبر، هذا الخبر الذي ذكرناه فهو بالضد من مراده واستشهاده.
ثم قال رحمه الله: فأما المكاتب إذا أعتق بالأداء أو اشترى العبد نفسه من مولاه وعتق لم يثبت
له عليه الولاء عندنا إلا أن يشرط عليه وعندهم يثبت، وأما المدبر فإنه يثبت عليه الولاء
412

بلا خلاف وكذلك أم الولد.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: قوله رحمه الله في المكاتب والمدبر صحيح واضح لا خلاف عندنا
فيهما وأما أم الولد فلا ولاء عليها لأحد من جهة مولاها لما قدمناه من الأدلة وبيناه.
باب المكاتبة:
المكاتبة مشتقة من الكتب وهو الضم والجمع يقال: كتبت البغلة، إذا ضممت أحد
شفريها بحلقة أو سير. ومنه قيل للجيش والناس المجتمعين كتيبة، فكذلك المكاتبة
اشتقاقها من هذا لأنه ضم أجل إلى أجل وعقد المعاوضة على ذلك، فدليل جوازها قوله
تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا،
فأمر بالكتابة.
فإذا ثبت ذلك فهي أن يشرط المالك على عبده أو أمته تأدية شئ معلوم يعتق
بالخروج منه إليه وهي بيع العبد من نفسه، وصورتها أن يقول الانسان لعبده أو أمته: قد
كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا دينارا أو درهما في نجوم معلومة على أنك إذا أديت ذلك
فأنت حر، فيرضى العبد بذلك ويكاتبه عليه ويشهد بذلك على نفسه، فمتى أدى مال
الكتابة في النجوم التي سماها صار حرا.
وهي على ضربين: مشروطة ومطلقة غير مشروطة، فإذا أدى المكاتب من غير شرط
شيئا من مال الكتابة عتق منه بحسابه، والمشروط عبد ما بقي عليه درهم، ولا يجوز
للإنسان وطء أمته المكاتبة سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة بلا خلاف، فإن وطئها
وكانت مشروطا عليها لم يحد لأن هناك شبهة يسقط بها الحد، وإن كانت غير مشروطة
عليها وقد أدت من مال الكتابة شيئا كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها إذا لم يشتبه الحكم
عليه.
والكتابة المشروطة هو أن يقول للعبد في حال الكتابة: متى عجزت عن أداء ثمنك
فأنت رد في الرق ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك.
413

وحد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم والأولى أن نقول: أن يؤخر النجم بعد محله، فأما تأخر
النجم إلى النجم الآخر فعلى جهة الاستحباب الصبر عليه إلى ذلك الوقت.
أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته وأداء ثمنه فإنه عند ذلك يرجع رقا إذا
فسخ ذلك مولاه، فإن لم يفسخ الكتابة مولاه بقي على ما هو عليه من الكتابة، وليس بمجرد
عجزه رقا بل يكون سيده بالخيار بين فسخ الكتابة أو المقام عليها والصبر عليه.
فإن مات هذا المكاتب وخلف مالا وأولادا كان ما ترك لمولاه دون غيره وكان
أولاده مماليك له. إذا كان أولاده من مملوكة اشتراها، فأما إن كانوا من حرة فلا يكونون
مماليك لسيده، ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا
بالعتق ما دام قد بقي عليه شئ من مال الكتابة وإنما يجوز له التصرف في تنمية المال،
ومتى حصل عليه دين كان مولاه ضامنا له إذا كان قد أذن له في الاستدانة لأنه عبده.
والضرب الآخر من المكاتبة: هو أن يكاتبه على شئ معلوم ونجوم معلومة ولا يشرط
عليه أنه إن عجز فهو رد في الرق على ما بيناه، فمتى أدى شيئا من مكاتبته انعتق منه
بحساب على ما تقدم بيانه ولم يكن لمولاه عليه سبيل.
فإن مات هذا المكاتب وترك مالا وترك أولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية
وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا في الأصل بعد اخراج ما بقي من مال الكتابة قبل ذلك
أجمع لأنه دين، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا على ما بيناه.
والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول: يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية وابنه أو وارثه
بقدر ما تحرر منه، ويؤخذ بقية مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه، لأن
الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث الآخر للأجزاء الحرية دون جميع ما خلفه
وتركه الميت، لأن الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئا لأنه مال سيده دونه وإنما الدين
يتعلق بما فيه من الحرية ونصيبها دون جميع التركة، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في استبصاره
وهو الصحيح دون ما أوردناه أولا.
فإن كان هذا المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له كان حكم ولده حكمه في
414

أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان قد بقي على أبيه صار
حرا لا سبيل لمولاه عليه، فإن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه فمتى أداه
صار حرا، وهذا المكاتب إذا أدى بعض مكاتبته يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع
الميراث بقدر ما بقي من الرق وكذلك إن وصى له كانت الوصية ماضية له بقدر ما عتق
ويحرم بقدر ما بقي من رقه.
وكل شرط يشترطه المولى على مكاتبه فإنه يكون ماضيا ما لم يكن شرطا يخالف
الكتاب والسنة كما أن له جميع ما يشترط عليه إذا أعتقه، فإن شرط عليه أن يكون ولاؤه له
كان له الولاء دون غيره ولا يكون له الولاء بمجرد الكتابة إلا بالشرط.
ومتى تزوجت المكاتبة بغير إذن مولاها كان نكاحها باطلا، وإن كان ذلك بإذن
مولاها وقد أدت بعض مكاتبتها ورزقت أولادا كان حكم ولدها حكمها يسترق منهم
بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق بحساب ما أعتق إذا كان تزويجها بعبد مملوك، فإن كان
تزويجها بحر كان الولد أحرارا.
وإذا قال المكاتب لمولاه: خذ مني جميع ما كاتبتني عليه دفعة واحدة، كان مخيرا بين
أخذه منه في موضع والامتناع منه ولا يقبل منه إلا على ما وافقه من النجوم.
وإذا كان المكاتب غير مشروط عليه وعجز عن توفية ثمنه، فإن كان مولاه ممن كان
عليه زكاة واجبة فإنه يجب عليه أن يعطيه شيئا من ذلك قل أم كثر لقوله تعالى: وآتوهم
من مال الله الذي آتاكم، وإن لم يكن ممن تجب عليه زكاة فلا يجب عليه الإيتاء المذكور
في الآية، لأنه لا مال لله تعالى واجب عليه، وكان على الإمام أن يفك رقبته من سهم
الرقاب.
والمكاتب إذا كان غير مشروط عليه لم يكن على مولاه فطرته، وإن كان مشروطا عليه
وجب على مولاه فطرته، ولا يجوز مكاتبة الكافر لقوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا، وحمل ذلك على الإيمان والدين أولى من حمله على المال والتكسب لأنه لا يقال للكافر
وإن كان موسرا أو مكتسبا: أن فيه خيرا ولا أنه خير، ويقال ذلك لمن كان فيه إيمان
415

ودين وإن لم يكن مكتسبا ولا ذا مال، ولو تساوى ذلك في الاحتمال لوجب الحمل على
الجميع.
الكتابة المشروطة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة العبد ولسنا نريد بقولنا: جائزة
من جهته، أن له الفسخ كالعامل في القراض بل نريد أن يكون له الامتناع عن أداء
ما يجب عليه مع القدرة عليه، فإذا امتنع منه كان سيده بالخيار بين البقاء على العقد وبين
الفسخ، فإن كانت الكتابة مطلقة فهي لازمة من الطرفين وليس لأحدهما فسخ.
إذا وجبت على المكاتب كفارة في قتل أو ظهار أو جماع ففرضه الصوم بلا خلاف، فإن
كفر بالمال بغير إذن سيده لم يصح لأنه مستغن عن التكفير بالمال لأنه يمكنه التكفير
بالصوم، فإن أذن له السيد في ذلك فإن أراد أن يكفر بالعتق لم يجز بلا خلاف عندنا لأنه
فعل ما لم يجب عليه وعند المخالف لأن العتق يتضمن ثبوت الولاء وليس المكاتب من أهل
الولاء، وأما إن أراد أن يكفر بالإطعام أو الكسوة فعندنا لا يجزئه فعل ما لم يجب عليه.
الكتابة تصح حالة ومؤجلة وليس الأجل شرطا في صحتها.
يجوز عتق المكاتب المشروط عليه في الكفارة الواجبة لأنه عند أصحابنا جميعا عبد
ما بقي عليه درهم وأحكامه أحكام العبد القن بلا خلاف بينهم، فأما المكاتب المطلق إن لم
يكن أدى من مكاتبته شيئا فيجوز عتقه في الكفارة وإن كان أدى منها شيئا فلا يجوز عتقه
في الكفارة.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: لا يجوز عتق المكاتب في الكفارة سواء كانت المكاتبة مطلقة أو
مشروطة، وما حررناه هو الذي تقتضيه أصول مذهبنا وإليه ذهب في نهايته.
باب التدبير:
التدبير هو أن يعلق عتق عبده بوفاته فيقول: متى مت أو إذا مت فأنت حر أو محرر أو
عتيق أو معتق وسمي مدبرا لأن العتق عن دبر حياة سيده يقال: دابر الرجل يدابر
مدابرة، إذا مات. ودبر عبده يدبره تدبيرا إذا علق عتقه بوفاته.
416

والتدبير لا يقع إلا مع قصد إليه واختيار له، ولا يقع على غضب ولا إكراه ولا سكر
ولا على جهة اليمين، وتكون القربة إلى الله تعالى هي المقصودة به دون سائر الأغراض،
فعلى هذا تدبير الكافر غير جائز.
وهو على ضربين: ضرب يجوز الرجوع فيه، وهو إذا كان ذلك التدبير تطوعا وتبرعا فهو
بمنزلة الوصية يجوز بيعه في دين وغير دين وإخراجه عن ملكه والتصرف فيه بسائر جميع
التصرفات كما يجوز له الرجوع في وصيته.
والضرب الآخر لا يجوز بيعه، وهو أنه إذا كان تدبيره عن واجب، ومعنى ذلك أن
يكون مثلا قد نذر إن برئ مريضه أو قدم غائبه أن يدبر عبده ففعل ذلك واجبا لا تبرعا،
فهذا الضرب لا يجوز بيعه، فإذا كان التدبير عن وجوب فهو من رأس المال، وإن كان عن
تطوع فهو من الثلث.
وكيفية ذلك أن يقول الانسان لمملوكه: أنت حر بعد وفاتي.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: التدبير هو أن يقول الرجل لمملوكه: أنت رق في حياتي حر بعد
وفاتي.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: لا حاجة بنا أن نقول: أنت رق في حياتي، لأنه لو لم يقل ذلك
وقال: أنت حر بعد وفاتي، كان ذلك كافيا.
ومتى مات المدبر كان المدبر من الثلث إذا كان متبرعا بالتدبير على ما قدمناه، فإن
نقص عن الثلث انعتق ولا له شئ ولا عليه شئ، وإن زاد عليه استسعى سواء كانت
الزيادة ضعفي الثلث أو أقل أو أكثر.
وقال شيخنا في نهايته: ومتى أراد بيعه من غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن يعلم المبتاع أنه
يبيعه خدمته وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه، إلا أن شيخنا رجع في مسائل خلافه
بأن قال في آخر المسألة الرابعة من كتاب التدبير قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، ثم قال:
فأما بيعه وهبته ووقفه فلا خلاف في ذلك أنه ينتقض بذلك التدبير، ثم قال رحمه الله مسألة:
إذا دبره ثم وهبه كان هبته رجوعا في التدبير، ثم قال مسألة: إذا دبره ثم أوصى به لرجل كان
417

ذلك رجوعا وقد قلنا ما عندنا في ذلك فأما قوله رضي الله عنه: أنه يبيعه خدمته، فغير واضح
لأن حقيقة البيع في عرف الشرع يقتضي بيع الرقبة فحمله على بيع المنافع عدول باللفظ عن
حقيقته بلا دلالة، بل شروعه في بيعه يقتضي الرجوع عن التدبير الذي هو عندنا بمنزلة الوصية
بغير خلاف بيننا، كمن أوصى بداره لرجل ثم باعها قبل موته اقتضى ذلك الرجوع عن
الوصية من غير أن يحتاج إلى نقض الوصية قبل بيع الدار، فليلحظ ذلك فهذا الذي يقتضيه
أصول مذهبنا وهو مقالة السيد المرتضى ذكره في الناصريات.
فأما إن كان التدبير عن واجب فيمكن بيعه على جهة الصلح فيكون الصلح على
منافعه مدة حياة من دبره، ولا يمتنع أن يسمى هذا الصلح على المنافع في هذا الموضع بيعا
فليلحظ ذلك.
وإذا دبر الانسان جاريته وهي حبلى وهو عالم بذلك، فقد روي أنه يكون ما في بطنها
كهيئتها وبمنزلتها يكون مدبرا.
والذي يقتضيه مذهبنا أن ما في بطنها لا يكون مدبرا مثلها لأنه ما دبره، والتدبير حكم شرعي
يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا يرجع في مثل هذا إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما
ولا عملا وإن كان أورد ذلك شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله.
فإن لم يعلم بحبلها كان الولد رقا ويكون التدبير ماضيا في الجارية، فإن حملت بعد
التدبير وولدت أولادا كان أولادها بمنزلتها مدبرين على ما روي، فمتى مات الذي دبر
أمهم صاروا أحرارا من الثلث فإن زاد ثمنهم على الثلث استسعوا في الباقي فإذا أدوا
انعتقوا.
وقد روي: أنه ليس للمولى أن ينقض تدبير الأولاد وإنما له نقض تدبير الأم حسب.
والذي يقتضيه مذهبنا خلاف ذلك لأن إجماع أصحابنا منعقد على أن التدبير بمنزلة الوصية بل
هو وصية، ولا خلاف بينهم في أن للإنسان أن يرجع في وصيته ما دام حيا ثابت العقل ولا
خلاف بينهم في أن الأولاد مدبرون فكيف لا يرجع فيهم؟
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا دبر عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثم مات كان
418

التدبير باطلا وبيع العبد في الدين، وإن دبر العبد في حال السلامة ثم حصل عليه دين ومات لم
يكن للديان على المدبر سبيل.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا غير واضح لأنه لا خلاف بيننا أن التدبير بمنزلة الوصية
يخرج من الثلث ولا يصح إلا بعد قضاء الديون، فعلى هذا التحرير والتقرير يباع العبد في
الدين ويبطل التدبير على كل حال سواء دبره في حال السلامة أو فرارا من الدين، وإنما هذا
خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا.
والمدبر متى حصل معه مال جاز لمولاه التصرف فيه كما يتصرف في ماله فإن باعه جاز
له أن يأخذ ماله.
وإذا أبق المدبر بطل تدبيره فإن رزق في حال إباقه - بكسر الألف - مالا وأولادا ثم
مات ومات الذي دبره كانوا رقا لورثته وجميع ما خلفه من المال والولد لورثة الذي دبره.
وقد روي أنه إذا جعل الانسان خدمة عبده لغيره وقال: متى مات من جعل له تلك
الخدمة يكون حرا، كان ذلك صحيحا، فمتى مات المجعول له ذلك صار حرا، وإن أبق
العبد ولم يرجع إلا بعد موت من جعل له خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل وصار حرا.
ولا دليل على هذه الرواية وصحتها لأنها مخالفة لأصول مذهبنا، لأن التدبير في عرف الشريعة
عتق العبد بعد موت مولاه، والمجعول له الخدمة غير مولاه، وأيضا لو كان التدبير صحيحا لكان
إذا أبق أبطل التدبير لأن عندنا إباق المدبر يبطل التدبير، وفي هذه الرواية أنه إن أبق العبد ولم
يرجع إلا بعد موت من جعل له خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل وصار حرا، وهذا مخالف
لحقيقة التدبير وأيضا فهذا حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك إلا
هذه الرواية الشاذة.
وقال شيخنا في نهايته: والمدبر لا يجوز أن يعتق في كفارة ظهار ولا في شئ من الواجبات التي
على الانسان فيها العتق ما لم ينقض تدبيره، فإن نقض تدبيره ورده إلى محض الرق جاز له بعد
ذلك عتقه فيما وجب عليه.
وقد قلنا ما عندنا في ذلك من أن التصرف فيه وإخراجه عن ملكه رجوع عن التدبير ولا يحتاج
419

إلى قول فإنه قد نقض تدبيره. وإلى هذا ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه فإنه قال
مسألة: إذا دبره ثم وهبه كان هبته رجوعا في التدبير سواء قبضه أو لم يقبضه، وقال الشافعي:
إن أقبضه، فمثل ما قلناه، وإن لم يقبضه فعلى ضربين: منهم من قال: يكون رجوعا قولا واحدا
ومنهم من قال: على قولين، دليلنا أن الهبة إزالة الملك وإذا زال ملكه عنه فقد نقض التدبير كما
لو باعه، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله.
إذا كان عبد بين شريكين فدبر أحدهما نصيبه لم يقوم عليه نصيب شريكه.
وقال السيد المرتضى: حكم التدبير بين الشريكين حكم العتق سواء من التقويم والسعاية،
والأول اختيار شيخنا أبي جعفر وهو الذي يقوى في نفسي لأنه لا دليل على التقويم وإلحاقه
بحكم العتق يحتاج إلى دليل وهو ضرب من القياس ونحن لا نقول به والأصل براءة الذمة.
التدبير بشرط لا يصح عندنا.
420

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
421

كتاب العتق
وفضله متفق عليه حتى روي: من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا له من
النار، ويختص الرق بأهل الحرب دون اليهود والنصارى والمجوس القائمين بشرائط
الذمة ولو أخلوا دخلوا في قسم أهل الحرب، وكل من أقر على نفسه بالرق مع جهالة حريته
حكم برقيته وكذا الملتقط في دار الحرب، ولو اشترى انسان من حربي ولده أو زوجته أو
إحدى ذوي أرحامه كان جائزا وملكه إذ هم فئ في الحقيقة، ويستوي سبي المؤمنين
والضلال في استباحة الرق.
وإزالة الرق يكون بأسباب أربعة: المباشرة والسراية والملك والعوارض.
في المباشرة:
أما المباشرة: فالعتق والكتابة والتدبير.
أما العتق: فعبارته الصريحة التحرير وفي الإعتاق تردد، ولا يصح بما عدا التحرير
صريحا كان أو كناية ولو قصد به العتق كقوله: فككت رقبتك أو أنت سائبة، ولو قال لأمته: يا
حرة، وقصد العتق ففي تحريرها تردد، والأشبه عدم التحرير لبعده عن شبه الانشاء، ولو كان
اسمها حرة فقال: أنت حرة، فإن قصد الإخبار لم تنعتق وإن قصد الانشاء صح، ولو جهل
منه الأمران ولم يمكن الاستعلام لم يحكم بالحرية لعدم اليقين بالقصد، وفيه تردد منشأه
التوقف بين العمل بحقيقة اللفظ والتمسك بالاحتمال، ولا بد من التلفظ بالصريح ولا
423

يكفي الإشارة مع القدرة على النطق ولا الكتابة، ولا بد من تجرده عن الشرط فلو علقه على
شرط مترقب أو صفة لم يصح، وكذا لو قال: يدك حرة أو رجلك أو وجهك أو رأسك، أما لو
قال: بدنك أو جسدك، فالأشبه وقوع العتق لأنه هو المعنى بقوله: أنت حر.
وهل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر لا، فلو قال: أحد عبيدي حر، صح ويرجع إلى
تعيينه فلو عين ثم عدل لم يقبل، ولو مات قبل التعيين قيل: يعين الوارث، وقيل: يقرع، وهو
أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده، أما لو أعتق معينا ثم اشتبه أرجى حتى يذكر، فإن
ذكر عمل بقوله ولو عدل بعد ذلك لم يقبل، فإن لم يذكر لم يقرع ما دام حيا لاحتمال التذكر،
فإن مات وادعى الوارث العلم رجع إليه، وإن جهل يقرع بين عبيده لتحقق الإشكال
واليأس من زواله، ولو ادعى أحد مماليكه أنه هو المراد بالعتق فأنكر فالقول قوله مع يمينه،
وكذا حكم الوارث ولو نكل قضي عليه.
والمعتبر في المعتق البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد إلى العتق والتقرب إلى الله
وكونه غير محجور عليه، وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد، ومستند الجواز
رواية زرارة عن أبي جعفر ع، ولا يصح عتق السكران. ويبطل باشتراط نية
القربة عتق الكافر لتعذرها في حقه، وقال الشيخ في الخلاف يصح، ويعتبر في المعتق
الاسلام والملك فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه، وقيل: يصح مطلقا وقيل: يصح مع
النذر، ويصح عتق ولد الزنى، وقيل: لا يصح بناء على كفره، ولم يثبت.
ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه ولو أجازه المالك، ولو قال: إن ملكتك فأنت حر، لم
ينعتق مع الملك إلا أن يجعله نذرا، ولو جعل العتق يمينا لم يقع كما لو قال: أنت حر إن فعلت،
أو إن فعلت، ولو أعتق مملوك ولده الصغير بعد التقويم صح، ولو أعتقه ولم يقومه على
نفسه أو كان الولد بالغا رشيدا لم يصح.
ولو شرط على المعتق شرطا في نفيس العتق ألزمه الوفاء به، ولو اشترط إعادته في الرق
إن خالف أعيد مع المخالفة عملا بالشرط، وقيل: يبطل العتق لأنه اشتراط لاسترقاق من
ثبت حريته، ولو شرط خدمة زمان معين صح، ولو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق، وهل للورثة
مطالبته بأجرة مثل الخدمة؟ قيل لا، والوجه اللزوم، ومن وجب عليه عتق في كفارة لم يجزه
424

التدبير، وإذا أتى على المؤمن سبع سنين استحب عتقه ويستحب عتق المؤمن مطلقا، ويكره
عتق المسلم المخالف وعتق من لا يقدر على الاكتساب ولا بأس بعتق المستضعف، ومن
أعتق من يعجز عن الاكتساب استحب إعانته.
ويلحق بهذا الفصل مسائل:
الأولى: لو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة قيل: يعتق أحدهم بالقرعة، وقيل:
يتميز ويعتق، وقيل: لا يعتق شيئا لأنه لم يتحقق شرط النذر، والأول مروي.
الثانية: لو نذر تحرير أول ما تلده فولدت توأمين كانا معتقين.
الثالثة: لو كان له مماليك فأعتق بعضهم ثم قيل له: هل أعتقت مماليكك؟ فقال:
نعم، انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصة.
الرابعة: لو نذر عتق أمته إن وطأها صح، فإن أخرجها من ملكه انحلت اليمين ولو
أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين.
الخامسة: إذا نذر عتق كل عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر
فصاعدا.
السادسة: من أعتق عبده وله مال فماله لمولاه، وقيل: إن لم يعلم به المولى فهو له
وإن علمه فهو للمعتق إلا أن يستثنيه المولى، والأول أشهر.
السابعة: إذا أعتق ثلث عبيده وهم ستة استخرج الثلث بالقرعة، وصورتها أن
يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في كل رقعة ثم يخرج على الحرية أو الرقية، فإن أخرج على
الحرية كفت الواحدة، وإن أخرج على الرقية افتقر إلى اخراج اثنين، فإن تساووا عددا
وقيمة أو اختلفت القيمة مع إمكان التعديل أثلاثا فلا بحث، وإن اختلفت القيمة ولم يمكن
التعديل أخرج ثلثهم قيمة وطرح اعتبار العدد، وفيه تردد، وإن تعذر التعديل عددا وقيمة
أخرجنا على الحرية حتى يستوفي يستوفى قيمة، ولو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث ولو
بجزء من آخر.
الثامنة: من اشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها ومات ولم يخلف
425

سواها بطل عتقه ونكاحه وردت إلى البائع رقا ولو حملت كان ولدها رقا، وهي رواية هشام
بن سالم، وقيل: لا يبطل العتق ولا يرق الولد، وهو أشبه.
التاسعة: إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع أعتقه
الحاكم ويحكم بحريته حين الإعتاق لا حين الوفاة، وما اكتسبه قبل الإعتاق وبعد الوفاة
يكون له لاستقرار سبب العتق بالوفاة، ولو قيل: يكون للوارث لتحقق الرق عند
الاكتساب، كان حسنا.
العاشرة: إذا أعتق مملوكه عن غيره باذنه وقع العتق عن الآمر وينتقل إلى الآمر عند
الأمر بالعتق ليتحقق العتق في الملك، وفي الانتقال تردد.
الحادية عشرة: العتق في مرض الموت يمضي من الثلث، وقيل من الأصل والأول
مروي.
تفريعان:
الأول: إذا أعتق ثلث إمائه في مرض الموت ولا مال له سواهن أخرجت واحدة منهن
بالقرعة، فإن كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا، وإن كان سابقا على الإعتاق قيل:
هو حر أيضا، وفيه تردد. الثاني: إذا أعتق ثلاثة في مرض الموت لا يملك غيرهم ثم مات أحدهم أقرع بين الميت
والأحياء، ولو خرجت الحرية لمن مات حكم له بالحرية، ولو خرجت على أحد الحيين حكم
على الميت بكونه مات رقا لكن لا يحتسب من التركة، ويقرع بين الحيين ويتحرر منهما ما
يحتمله الثلث من التركة الباقية، ولو عجز أحدهما عن الثلث أكمل الثلث عن الآخر ولو
فضل منه كان فاضله رقا.
في السراية:
وأما السراية فمن أعتق شقصا من عبده سرى العتق فيه كله إذا كان المعتق
صحيحا جائز التصرف، وإن كان له فيه شريك قوم عليه إن كان موسرا وسعى العبد في
فك ما بقي منه إن كان المعتق معسرا، وقيل: إن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا وبطل
426

عتقه إن كان معسرا، وإن قصد القربة عتقت حصته وسعى العبد في حصة الشريك، ولم
يجب على المعتق فكه فإن عجز العبد أو امتنع من السعي كان له من نفسه ما أعتق
وللشريك ما بقي، وكان كسبه بينه وبين الشريك ونفقته وفطرته عليهما، ولو هايأه شريكه في
نفسه صح وتناولت المهاياة المعتاد والنادر كالصيد والالتقاط، ولو كان المملوك بين ثلاثة
فأعتق اثنان قومت حصة الثالث عليهما بالسوية تساوت حصصهما فيه أو اختلفت.
وتعتبر القيمة وقت العتق لأنه وقت الحيلولة، وينعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا
بالإعتاق وقال الشيخ: هو مراعى. ولو هرب المعتق صبر عليه حتى يعود، وإن أعسر أنظر
إلى الإيسار. ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق، وقيل: القول قول الشريك لأنه ينتزع
نصيبه من يده، ولو ادعى المعتق فيه عيبا فالقول قول الشريك.
واليسار المعتبر هو أن يكون مالكا بقدر قيمة نصيب الشريك فاضلا عن قوت يومه
وليلته، ولو ورث شقصا ممن ينعتق عليه قال في الخلاف: يقوم عليه، وهو بعيد، ولو أوصى
بعتق بعض عبده أو بعتقه وليس له غيره لم يقوم على الورثة باقيه، وكذا لو أعتقه عند موته
أعتق من الثلث ولم يقوم عليه، والاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة وبالمنجز عند الإعتاق،
والاعتبار في قيمة التركة بأقل الأمرين من الوفاة إلى حين القبض لأن التالف بعد الوفاة غير
معتبر والزيادة مملوكة للوارث، ولو أعتق الحامل تحرر الحمل وإن استثنى رقه على رواية
السكوني عن أبي جعفر ع، وفيه إشكال منشأه عدم القصد إلى عتقه.
تفريع: إذا ادعى كل واحد من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه كان على كل واحد
منهما اليمين على صاحبه ثم يستقر رق نصيبهما، وإذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه هل
ينعتق عند الدفع أو بعده؟ فيه تردد والأشبه أنه بعد الدفع ليقع العتق عن ملك، ولو قيل
بالاقتران كان حسنا. وإذا شهد بعض الورثة بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه، فإن
شهد آخر وكانا مرضيين نفذ العتق فيه كله وإلا مضى في نصيبهما ولا يكلف أحدهما شراء
الباقي.
وأما الملك: فإذا ملك الرجل أو المرأة أحد الأبوين وإن علوا أو أحد الأولاد ذكرانا
وإناثا وإن نزلوا انعتق في الحال، وكذا لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا، ولا
427

ينعتق على المرأة سوى العمودين. ولو ملك الرجل من جهة الرضاع من ينعتق عليه
بالنسب هل ينعتق عليه؟ فيه روايتان أشهرهما العتق، ويثبت العتق حين يتحقق الملك،
ومن ينعتق كله بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض. وإذا ملك شقصا ممن ينعتق عليه لم
يقوم عليه إن كان معسرا وكذا لو ملكه بغير اختياره، ولو ملكه اختيارا وكان موسرا قال
الشيخ: يقوم عليه، وفيه تردد.
فرعان:
الأول: إذا أوصى لصبي أو مجنون بمن ينعتق عليه فللولي أن يقبل إن لم يتوجه به
ضرر على المولى عليه، فإن كان فيه ضرر لم يجز القبول لأنه لا غبطة كالوصية بالمريض الفقير
تقصيا من وجوب نفقته.
الثاني: لو أوصي له ببعض من لا ينعتق عليه وكان معسرا جاز القبول، ولو كان المولى
عليه موسرا قيل: لا يقبل لأنه يلزمه افتكاكه، والوجه القبول إذ الأشبه أنه لا يقوم عليه.
وأما العوارض: فهي العمى والجذام والإقعاد وإسلام المملوك في دار الحرب سابقا
على مولاه ودفع قيمة الوارث، وفي عتق من مثل به مولاه تردد والمروي أنه ينعتق، وقد
يكون الاستيلاد سببا للعتق، فلنذكر الفصول الثلاثة في كتاب واحد لأن ثمرتها إزالة
الرق.
428

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد
التدبير هو عتق العبد بعد وفاة المولى، وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج
المملوكة ووفاة من يجعل له خدمته تردد وأظهره الجواز ومستنده النقل.
والعلم به يستدعي بيان ثلاثة مقاصد:
الأول: في العبارة وما يحصل به التدبير:
والصريح: أنت حر بعد وفاتي، أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق، ولا عبرة
باختلاف أدوات الشرط، وكذا لا عبرة باختلاف الألفاظ التي يعبر بها عن المدبر كقوله:
هذا أو هذه أو أنت أو فلان، وكذا لو قال: متى مت، أو أي وقت أو أي حين، وهو ينقسم
إلى مطلق كقوله: إذا مت، وإلى مقيد كقوله: إذا مت في سفري هذا، أو من مرضي هذا أو
في سنتي هذه أو في شهري أو في شهر كذا، ولو قال: أنت مدبر واقتصر، لم ينعقد، أما لو
قال: فإذا مت فأنت حر، صح وكان الاعتبار بالصيغة لا بما تقدمها.
ولو كان المملوك لشريكين فقالا: إذا متنا فأنت حر، انصرف قول كل واحد منهما
إلى نصيبه وصح التدبير ولم يكن معلقا على شرط، وينعتق بموتهما إن خرج نصيب كل
واحد منهما من ثلثه، ولو خرج نصيب أحدهما تحرر وبقي نصيب الآخر أو بعضه رقا،
ولو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه وبقي نصيب الآخر رقا حتى يموت.
429

ويشترط في الصيغة المذكورة شرطان:
الأول: النية، فلا حكم لعبارة الساهي ولا الغالط ولا السكران ولا المكره الذي لا
قصد له، وفي اشتراط نية القربة تردد والوجه أنه غير مشترط.
الشرط الثاني:
تجريدها عن الشرط والصفة، في قول مشهور بين الأصحاب فلو قال:
إن قدم المسافر فأنت حر بعد وفاتي، أو إذا أهل شهر رمضان - مثلا - لم ينعقد، وكذا لو
قال: بعد وفاتي بسنة أو شهر، وكذا لو قال: إن أديت إلى أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد
وفاتي، لم يكن تدبيرا ولا كتابة.
والمدبرة رق له وطؤها والتصرف فيها فإن حملت منه لم يبطل التدبير، ولو مات
مولاها عتقت بوفاته من الثلث، وإن عجز الثلث عتق ما بقي منها من نصيب الولد، ولو
حملت بمملوك سواء كان عن عقد أو زنى أو شبهة كان مدبرا كأمه، ولو رجع المولى في
تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها، وقيل: له الرجوع، والأول مروي، وكذا المدبر
إذا أتى بولد مملوك فهو مدبر كأبيه، ولو دبرها ثم رجع في تدبيرها فاتت بولد لستة أشهر
فصاعدا من حين رجوعه لم يكن مدبرا لاحتمال تجدده، ولو كان لدون ستة أشهر كان مدبرا
لتحقق الحمل بعد التدبير، ولو دبرها حاملا قيل: إن علم بالحمل فهو مدبر وإلا فهو رق،
وهي رواية الوشاء، وقيل: لا يكون مدبرا لأنه لم يقصد بالتدبير، وهو أشبه.
الثاني: في المباشر:
ولا يصح التدبير إلا من بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف، فلو دبر الصبي
لم يقع تدبيره، وروي: أنه إذا كان مميزا له عشر سنين صح تدبيره. ولا يصح تدبير
المجنون ولا المكره ولا السكران ولا الساهي، وهل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه
نعم حربيا كان أو ذميا. ولو دبر المسلم ثم ارتد لم يبطل تدبيره، ولو مات في حال ردته
عتق المدبر هذا إذا كان ارتداده لا عن فطرة، ولو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة
430

المولى لخروج ملكه عنه وفيه تردد، ولو ارتد لا عن فطرة ثم دبر صح على تردد ولو كان
عن فطرة لم يصح، وأطلق الشيخ الجواز وفيه إشكال ينشأ من زوال ملك المرتد عن
فطرة، ولو دبر الكافر كافرا فأسلم بيع عليه سواء رجع في تدبيره أم لم يرجع، ولو مات
قبل بيعه وقيل الرجوع في التدبير تحرر من ثلثه، ولو عجز الثلث تحرر ما يحتمله وكان
الباقي للوارث فلو كان مسلما استقر ملكه وإن كان كافرا بيع عليه، ويصح تدبير
الأخرس بالإشارة وكذا رجوعه، ولو دبر صحيحا ثم خرس ورجع بالإشارة المعلومة صح.
الثالث: في الأحكام: وهي مسائل:
الأولى: التدبير بصفة الوصية يجوز الرجوع فيه قولا كقوله: رجعت في هذا
التدبير، وفعلا كأن يهب أو يعتق أو يقف أو يوصي سواء كان مطلقا أو مقيدا وكذا لو باعه
بطل تدبيره، وقيل: إن رجع في تدبيره ثم باع صح بيع رقبته وكذا إن قصد ببيعه
الرجوع، وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقبته وتحرر بموت مولاه، ولو أنكر
المولى تدبيره لم يكن رجوعا، ولو ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فحلف لم يبطل
التدبير في نفس الأمر.
الثانية: المدبر ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى، فإن خرج منه وإلا تحرر
من المدبر بقدر الثلث، ولو لم يكن له سواه عتق ثلثه، ولو دبر جماعة فإن خرجوا من
الثلث وإلا عتق من يحتمله الثلث وبدئ بالأول فالأول، ولو جهل الترتيب استخرجوا
بالقرعة، ولو كان على الميت دين يستوعب التركة بطل التدبير وبيع المدبرون فيه، وإلا
بيع منهم بقدر الدين وتحرر ثلث من بقي سواء كان الدين سابقا على التدبير أو لاحقا
على الأصح، وكما يصح الرجوع في المدبر يصح الرجوع في بعضه.
الثالثة: إذا دبر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي، ولو كان له شريك لم يكلف شراء
حصته، وكذا لو دبره بأجمعه ورجع في بعضه، وكذا لو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما لم
يقوم عليه حصة الآخر، ولو قيل يقوم كان وجها، ولو دبر أحدهما ثم أعتق وجب عليه
فك حصة الآخر، ولو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة
431

على تردد.
الرابعة: إذا أبق المدبر بطل تدبيره وكان هو ومن يولد له بعد الإباق رقا إن ولد له
من أمة وأولاده قبل الإباق على التدبير، ولا يبطل تدبير المملوك لو ارتد، فإن التحق بدار
الحرب بطل لأنه إباق، ولو مات مولاه قبل فراره تحرر.
الخامسة: ما يكتسبه المدبر لمولاه لأنه رق، ولو اختلف المدبر والوارث فيما في
يده بعد موت المولى فقال المدبر اكتسبته بعد الوفاة فالقول قوله مع يمينه، ولو أقام كل
منهما بينة فالبينة بينة الوارث.
السادسة: إذا جنى على المدبر بما دون النفس كان الأرش للمولى ولا يبطل
التدبير، وإن قتل بطل التدبير وكانت قيمته للمولى يقوم مدبرا.
السابعة: إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته ولسيده فكه بأرش الجناية وله
بيعه فيها، فإن فكه فهو على تدبيره وإن باعه وكانت الجناية تستغرقه فالقيمة لمستحق
الأرش، وإن لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية والباقي على التدبير، ولمولاه أن يبيع
خدمته وله أن يرجع في تدبيره ثم يبيعه، وعلى ما قلناه لو باع رقبته ابتداء صح وكان ذلك
نقضا للتدبير، وعلى رواية: إذا لم يقصد نقض التدبير كان التدبير باقيا وينعتق بموت
المولى ولا سبيل عليه، ولو مات المولى قبل افتكاكه انعتق ولا يثبت أرش الجناية في
تركة المولى.
الثامنة: إذا أبق المدبر بطل التدبير، ولو جعل خدمته لغيره مدة حياة المخدوم ثم
هو حر بعد موت ذلك الغير لم يبطل تدبيره بإباقه.
فروع أربعة:
الأول: إذا استفاد المدبر مالا بعد موت مولاه، فإن خرج المدبر من الثلث فالكل
له وإلا كان له من الكسب بقدر ما تحرر منه والباقي للورثة.
الثاني: إذا كان له مال غائب عنه بقدر قيمته مرتين تحرر ثلثه، وكلما حصل من
المال شئ تحرر من المدبر بنسبته وإن تلف استقر العتق في ثلثه.
432

الثالث: إذا كوتب ثم دبر صح، فإن أدى مال الكتابة عتق بالكتابة، وإن أخر حتى
مات المولى عتق بالتدبير إن خرج من الثلث، وإلا عتق منه الثلث وسقط من مال الكتابة
بنسبته وكان الباقي مكاتبا، أما لو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير وفيه إشكال، أما لو دبره
ثم قاطعه على مال ليعجل له العتق لم يكن إبطالا للتدبير قطعا.
الرابع: إذا دبر حملا صح ولا يسري إلى أمه، ولو رجع في تدبيره صح، فإن أتت به
لأقل من ستة أشهر من حين التدبير صح التدبير فيه لتحققه وقت التدبير، وإن كان لأكثر لم
يحكم بتدبيره لاحتمال تجدده وتوهم الحمل.
وأما المكاتبة فتستدعي بيان أركانها وأحكامها ولواحقها
أما الأركان: فالصيغة والموجب والمملوك والعوض.
والكتابة مستحبة ابتداء مع الأمانة والاكتساب وتتأكد بسؤال المملوك، ولو عدم
الأمران كانت مباحة وكذا لو عدم أحدهما، وليست عتقا بصفة ولا بيعا للعبد من نفسه بل
هي معاملة مستقلة بعيدة عن شبه البيع، فلو باعه نفسه بثمن مؤجل لم يصح، ولا يثبت مع
الكتابة خيار المجلس ولا يصح من دون الأجل على الأشبه، ويفتقر ثبوت حكمها إلى
الإيجاب والقبول، ويكفي في المكاتبة أن يقول: كاتبتك، مع تعيين الأجل والعوض، وهل يفتقر
إلى قوله: فإذا أديت فأنت حر، مع نية ذلك؟ قيل نعم وقيل لا، بل يكتفي بالنية مع العقد،
فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة أو أغفلها، وهو أشبه.
والكتابة قسمان: مشروطة ومطلقة.
فالمطلقة أن يقتصر على العقد وذكر الأجل والعوض والنية.
والمشروطة أن يقول مع ذلك: فإن عجزت فأنت رد في الرق، فمتى عجز كان للمولى
رده رقا ولا يعيد عليه ما أخذه، وحد العجز أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله العجز
عن فك نفسه، وقيل: أن يؤخر نجما عن محله، وهو مروي، ويستحب للمولى مع العجز
الصبر عليه.
والكتابة عقد لازم مطلقة كانت أو مشروطة، وقيل: إن كانت مشروطة فهي جائزة من
جهة العبد لأن له أن يعجز نفسه، والأول أشبه، ولا نسلم أن للعبد أن يعجز نفسه بل يجب
433

عليه السعي ولو امتنع يجبر، وقال الشيخ رحمه الله: لا يجبر، وفيه إشكال من حيث اقتضاء
عقد المكاتبة وجوب السعي، فكان الأشبه الإجبار لكن لو عجز كان للمولى الفسخ، ولو
اتفقا على التقايل صح وكذا لو أبرأه من مال الكتابة، وينعتق بالإبراء ولا تبطل بموت المولى،
وللوارث المطالبة بالمال وينعتق بالأداء إلى الوارث.
ويعتبر في الموجب: البلوغ وكمال العقل والاختيار وجواز التصرف، وهل يعتبر
الاسلام؟ فيه تردد والأشبه عدم الاشتراط، فلو كاتب مملوكه الذمي على خمر أو خنزير
وتقابضا حكم عليهما بالتزام ذلك ولو أسلما لم تبطل، وإن لم يتقابضا كان عليه القيمة، ويجوز
لولي اليتيم أن يكاتب مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه وفيه قول بالمنع، ولو ارتد ثم
كاتب لم يصح إما لزوال ملكه عنه أو لأنه لا يقر المسلم في ملكه.
ويعتبر في المملوك: البلوغ وكمال العقل لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول، وفي كتابة
الكافر تردد أظهره المنع لقوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، وأما الأجل ففي
اشتراطه خلاف، فمن الأصحاب من أجاز الكتابة حالة ومؤجلة ومنهم من اشترط الأجل،
وهو الأشبه لأن ما في يد المملوك لسيده فلا يصح المعاملة عليه، وما ليس في ملكه يتوقع
حصوله فيتعين ضرب الأجل، ويكفي أجل واحد ولا حد في الكثرة إذا كانت معلومة.
ولا بد أن يكون وقت الأداء معلوم، فلو قال: كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا في سنة،
بمعنى أنها ظرف الأداء لم يصح، ويجوز أن تتساوى النجوم وأن تختلف، وفي اعتبار اتصال
الأجل بالعقد، تردد، ولو قال: كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر، صح إذا كان
الدينار معلوم الجنس ولا يلزم تأخير الدينار إلى أجل آخر، ولو مرض العبد شهر الخدمة
بطلت الكتابة لتعذر العوض، ولو قال: علي خدمة شهر بعد هذا الشهر، قيل: يبطل على
القول باشتراط اتصال المدة بالعقد، وفيه تردد، ولو كاتبه ثم حبسه مدة قيل: يجب أن
يؤجله مثل تلك المدة، وقيل: لا يجب بل يلزمه أجرته لمدة احتباسه، وهو أشبه.
وأما العوض: فيعتبر فيه أن يكون دينا منجما معلوم القدر والوصف مما يصح تملكه
للمولى، فلا يصح الكتابة على عين ولا مع جهالة العوض بل يذكر في وصفه كلما يتفاوت
الثمن لأجله بحيث ترتفع الجهالة، فإن كان من الأثمان وصفه كما يصفه في النسيئة وإن
434

كان عوضا وصفه كصفته في السلم، ويجوز أن يكاتبه بأي ثمن شاء ويكره أن يتجاوز قيمته.
ويجوز المكاتبة على منفعة كالخدمة والخياطة والبناء بعد وصفه بما يرفع الجهالة، وإذا
جمع بين كتابة وبيع وإجارة، أو غير ذلك من عقود المعاوضات في عقد واحد صح ويكون
مكاتبته بحصة ثمنه من البذل، وكذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبدا سواء اتفقت
حصصهما أو اختلفت تساوى العوضان أو اختلفا، ولا يجوز أن يدفع إلى أحد الشريكين
دون صاحبه ولو دفع شيئا كان لهما، ولو أذن أحدهما لصاحبه جاز.
ولو كاتب ثلاثة في عقد واحد صح وكان كل واحد منهم مكاتبا بحصة ثمنه من
المسمى، ويعتبر القيمة وقت العقد وأيهم أدى حصته عتق، ولا يتوقف على أداء حصة
غيره وأيهم عجز رق دون غيره. ولو اشترط كفالة كل واحد منهم صاحبه وضمان ما عليه
كان الشرط والكتابة صحيحين، ولو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل كان الخيار لمولاه في
القبض والتأخير، ولو عجز المكاتب المطلق كان على الإمام أن يفكه من سهم الرقاب،
والمكاتبة الفاسدة لا يتعلق بها حكم بل تقع لاغية.
وأما الأحكام: فتشتمل على مسائل:
الأولى: إذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت الكتابة وكان ما تركه لمولاه وأولاده
رق، وإن لم يكن مشروطا تحرر منه بقدر ما أداه وكان الباقي رقا، ولمولاه من تركته بقدر ما
فيه من رق ولورثته بقدر ما فيه من حرية، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من
مال الكتابة، وإن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم ومع الأداء ينعتق الأولاد،
وهل للمولى إجبارهم على الأداء؟ فيه تردد، وفيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلف من
أصل التركة ويتحرر الأولاد وما يبقى فلهم والأول أشهر، ولو أوصي له بوصية صح له منها
بقدر ما فيه من حرية وبطل فيما زاد، ولو وجب عليه حد أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة
الحرية وبنسبة الرقية من حد العبيد، ولو زنى المولى بمكاتبته سقط عنه من الحد بقدر ماله
فيها من الرقية وحد بالباقي.
الثانية: ليس للمكاتب التصرف في ماله ببيع ولا هبة ولا عتق ولا إقراض إلا بإذن
مولاه، ولا يجوز للمولى التصرف في مال الكتابة إلا بما يتعلق بالاستيفاء، ولا يجوز له وطء
435

المكاتبة بالملك ولا بالعقد ولو طاوعت حدت، ولا يجوز لو وطء أمة المكاتب ولو وطأ لشبهة
كان عليه المهر، وكل ما يكتسبه المكاتب قبل الأداء وبعد الأداء فهو له لأن تسلط المولى زال
عنه بالكتابة، ولا تتزوج المكاتبة إلا باذنه ولو بادرت كان عقدها موقوفا مشروطة كانت أو
مطلقة، وكذلك ليس للمكاتب وطء أمة يبتاعها إلا بإذن مولاه ولو كانت كتابته مطلقة.
الثالثة: كل ما يشترطه المولى على المكاتب في عقد المكاتبة يكون لازما ما لم يخالف
الكتاب والسنة.
الرابعة: لا يدخل الحمل في كتابة أمه لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة كان حكم
أولادها كحكمها ينعتق منهم بحسابها، ولو تزوجت بحر كان أولادها أحرارا، ولو حملت
من مولاها لم تبطل الكتابة فإن مات وعليها شئ من الكتابة تحررت من نصيب ولدها،
وإن لم يكن لها ولد سعت في مال الكتابة للوارث.
الخامسة: المشروط رق وفطرته على مولاه ولو كان مطلقا لم يكن عليه فطرته، وإذا
وجبت عليه كفارة كفر بالصوم، ولو كفر بالعتق لم يجز وكذا لو كفر بالإطعام، ولو كان المولى
أذن له قيل: لم يجز لأنه كفر بمال لم يجب عليه.
السادسة: إذا ملك المملوك نصف نفسه كان كسبه بينه وبين مولاه، ولو طلب
أحدهما المهاياة أجبر الممتنع، وقيل: لا يجبر، وهو أشبه.
السابعة: لو كاتب عبده ومات فأبرأه أحد الوراث من نصيبه من مال الكتابة أو
أعتق نصيبه صح ولا يقوم عليه الباقي.
الثامنة: من كاتب عبده وجب عليه أن يعينه من زكاته إن وجبت عليه ولا حد له،
قلة ولا كثرة، ويستحب التبرع بالعطية إن لم تجب.
التاسعة: لو كان له مكاتبان فأدى أحدهما واشتبه صبر عليه لرجاء التذكر، فإن
مات المولى استخرج بالقرعة، ولو ادعيا على المولى العلم كان القول قوله مع يمينه ثم يقرع
بينهما لاستخراج المكاتب.
العاشرة: يجوز بيع مال الكتابة، فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق، وإن كان
مشروطا فعجز وفسخ المولى صار رقا لمولاه، ويجوز بيع المشروط بعد عجزه مع الفسخ
436

ولا يجوز بيع المطلق.
الحادية عشرة: إذا زوج بنته من مكاتبه ثم مات فملكته انفسخ النكاح بينهما.
الثانية عشرة: إذا اختلف السيد والمكاتب في مال الكتابة أو في المدة أو في النجوم
فالقول قول السيد مع يمينه، ولو قيل: القول قول المنكر زيادة المال والمدة، كان حسنا.
الثالثة عشرة: إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته فبان العوض معيبا، فإن رضي
المولى فلا كلام. وإن رده بطل العتق المحكوم به لأنه مشروط بالعوض، ولو تجدد في العوض
عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش الحادث، وقال الشيخ: يمنع، وهو بعيد.
الرابعة عشرة: إذا اجتمع على المكاتب ديون مع مال الكتابة فإن كان ما في يده يقوم
بالجميع فلا بحث، فإن عجز وكان مطلقا تحاص فيه الديان والمولى، وإن كان مشروطا قدم
الدين لأن في تقديمه حفظا للحقين، ولو مات وكان مشروطا بطلت الكتابة ودفع ما في يده إلى
الديون خاصة، ولو قصر قسم بين الديان بالحصص ولا يضمنه المولى لأن الدين تعلق
بذلك المال فقط.
الخامسة عشرة: يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا أو رقا له ومنعه
الشيخ، ولو كان الباقي رقا لغيره فأذن صح، وإن لم يأذن بطلت الكتابة لأنها تتضمن ضرر
الشريك ولأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يتمكن من التصرف.
وأما اللواحق فتشتمل على مقاصد:
الأول: في لواحق تصرفاته:
وقد بينا أنه لا يجوز أن يتصرف بما ينافي الاكتساب من هبة أو محاباة أو إقراض أو
إعتاق إلا بإذن مولاه، وكما يصح أن يهب من الأجنبي بإذن المولى فكذا هبته لمولاه، ونريد
أن نلحق هنا مسائل:
الأولى: المراد من الكتابة تحصيل العتق وإنما يتم بإطلاق التصرف في وجوه
الاكتساب، فيصح أن يبيع من مولاه ومن غيره وأن يشترى منه ومن غيره ويتوخى ما فيه
الغبطة في معاوضاته، فيبيع بالحال لا بالمؤجل إلا أن يسمح المشتري بزيادة عن الثمن
437

فيعجل مقدار الثمن ويؤخر الزيادة، أما هو فلو ابتاع بالدين جاز وكذا إن استسلف،
وليس له أن يرهن لأنه لا حظ له وربما تلف منه وكذا ليس له أن يدفع قراضا.
الثانية: إذا كان للمكاتب على مولاه مال وحل نجم، فإن كان المالان متساويين
جنسا ووصفا تهاترا ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل، وإن كانا مختلفين لم يحصل
التقاص إلا برضاهما وهكذا حكم كل غريمين، وإذا تراضيا كفى ذلك ولو لم يقبض الذي له
ثم يعيده عوضا سواء كان المال أثمانا أو أعواضا، وفيه قول آخر بالتفصيل.
الثالثة: إذا اشترى أباه بغير إذن مولاه لم يصح ولو أذن له صح، وكذا لو أوصي له
به ولم يكن في قبوله ضرر بأن يكون مكتسبا يستغني بكسبه، وإذا قبله فإن أدى مال الكتابة
عتق المكاتب وعتق الآخر مع عتقه وإن عجز ففسخ المولى استرقهما وفي استرقاق الأب
تردد.
الرابعة: إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له أن يفكه بالأرش إلا أن يكون فيه الغبطة له،
ولو كان المملوك أبا المكاتب لم يكن له افتكاكه بالأرش ولو قصر عن قيمة الأب، لأنه
يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه ويستبقي ما لا ينتفع به لأنه لا يتصرف في أبيه وفي هذا
تردد.
المقصد الثاني: في جناية المكاتب والجناية عليه: وفيه قسمان:
الأول: في مسائل المشروط وهي سبع:
الأولى: إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا، فإن كانت نفسا فالقصاص للوارث، فإن
اقتص كان كما لو مات، وإن كانت طرفا فالقصاص للمولى، فإن اقتص فالكتابة بحالها،
وإن كانت الجناية خطأ فهي تتعلق برقبته وله أن يفدي نفسه بالأرش لأن ذلك يتعلق
بمصلحته، فإن كان ما بيده بقدر الحقين فمع الأداء ينعتق، وإن قصر دفع أرش الجناية،
فإن ظهر عجزه كان لمولاه فسخ الكتابة، وإن لم يكن له مال أصلا وعجز، فإن فسخ المولى
سقط الأرش لأنه لا يثبت للمولى في ذمة المملوك مال وسقط مال الكتابة بالفسخ.
الثانية: إذا جنى على أجنبي عمدا، فإن عفا فالكتابة بحالها، وإن كانت الجناية
438

نفسا واقتص الوارث كان كما لو مات، وإن كان خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية، ولو لم
يكن له مال فللأجنبي بيعه في أرش الجناية إلا أن يفديه السيد، فإن فداه فالكتابة بحالها.
الثالثة: لو جنى عبد المكاتب خطأ كان للمكاتب فكه بالأرش إن كان دون قيمة العبد،
وإن كان أكثر لم يكن له ذلك كما ليس له أن يبتاع بزيادة عن ثمن المثل.
الرابعة: إذا جنى على جماعة فإن كان عمدا كان لهم القصاص، وإن كان خطأ كان
لهم الأرش متعلقا برقبته، فإن كان ما في يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته، وإن لم يكن له
مال تساووا في قيمته بالحصص.
الخامسة: إذا كان للمكاتب أب وهو رقه فقتل عبدا له لم يكن له القصاص كما لا
يقتص منه في قتل الولد، ولو كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض جاز له
الاقتصاص حسما لمادة التوثب.
السادسة: إذا قتل المكاتب فهو كما لو مات، وإن جني على طرفه عمدا وكان
الجاني هو المولى فلا قصاص وعليه الأرش وكذا إن كان أجنبيا حرا، وإن كان مملوكا ثبت
القصاص، وكل موضع يثبت فيه الأرش فهو للمكاتب لأنه من كسبه.
السابعة: إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد القصاص فللمولى منعه، ولو
كان خطأ فأراد الأرش لم يملك منعه لأنه بمنزلة الاكتساب، فلو أراد الإبراء توقف على رضا
السيد.
وأما المطلق: فإذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه، فإن جنى هذا المكاتب
وقد تحرر منه شئ جناية عمدا على حر اقتص منه، ولو جنى على مملوك لم يقتص منه لما فيه
من الحرية ولزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية وتعلق برقبته منها بقدر رقيته، ولو
جنى على مكاتب مساو له اقتص منه، وإن كانت حرية الجاني أزيد لم يقتص، وإن كانت
أقل اقتص منه، ولو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية وبرقيته بقدر الرقية،
وللمولى أن يفدي نصيب الرقية بنصيبها من أرش الجناية سواء كانت الجناية على عبد
أو حر، ولو جنى عليه حر فلا قصاص وعليه الأرش، وإن كان رقا اقتص منه.
439

المقصد الثالث: في أحكام المكاتب في الوصايا: وفيه مسائل:
الأولى: لا تصح الوصية برقبة المكاتب كما لا يصح بيعه، نعم لو أضاف الوصية به
إلى عوده في الرق جاز كما لو قال: إن عجز وفسخت كتابته فقد أوصيت لك به، ويجوز
الوصية بمال الكتابة، ولو جمع بين الوصيتين لواحد أو لاثنين جاز.
الثانية: لو كاتبه مكاتبة فاسدة ثم أوصى به جاز، ولو أوصى بما في ذمته لم يصح، وإن
قال: فإن قبضت منه فقد أوصيت به لك، صح.
الثالثة: إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه أكثر ما بقي عليه فهو وصيته بالنصف و
زيادة وللورثة المشية في تعيين الزيادة، ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه ومثله، فهو
وصيته بما عليه وبطلت في الزائد، ولو قال: ضعوا عنه ما شاء، فإن شاء وأبقى
شيئا صح، وإن شاء الجميع قيل: لا يصح ويبقى منه شئ بقرينة حال اللفظ.
الرابعة: إذا قال: ضعوا عنه أوسط نجومه، فإن كان فيها أوسط عددا أو قدرا
انصرف إليه، وإن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاء، وقيل: تستعمل القرعة،
وهو حسن، وإن لم يكن أوسط لا قدرا ولا عددا أجمع بين نجمين ليتحقق الأوسط فيؤخذ من
الأربعة الثاني والثالث ومن الستة الثالث والرابع.
الخامسة: إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة، فإن برئ فقد لزم
العتق والإبراء وإن مات خرج من ثلثه، وفيه قول آخر: إنه من أصل التركة. فإن كان الثلث
بقدر الأكثر من قيمته ومال الكتابة عتق، وإن كان أحدهما أكثر اعتبر الأقل، فإن خرج الأقل
من الثلث عتق وألغى الأكثر، وإن قصر الثلث عن الأقل عتق منه ما يحتمله الثلث به
وبطلت الوصية في الزائد ويسعى في باقي الكتابة، وإن عجز كان للورثة أن يسترقوا منه
بقدر ما بقي عليه.
السادسة: إذا أوصى بعتق المكاتب فمات وليس له سواه ولم يحل مال الكتابة
يعتق ثلثه معجلا ولا ينتظر بعتق الثلث حلول الكتابة، لأنه إن أدى حصل للورثة المال وإن
عجز استرقوا ثلثيه ويبقى ثلثاه مكتبا يتحرر عند أداء ما عليه.
السابعة: إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث لأنه معاملة على ماله بماله فجرت
440

المكاتبة مجرى الهبة، وفيه قول آخر: أنه من أصل المال بناء على القول بأن المنجزات من
الأصل، فإن خرج من الثلث نفذت الكتابة فيه أجمع وينعتق عند أداء المال، وإن لم يكن
سواه صحت في ثلثه وبطلت في الباقي.
وأما الاستيلاد فيستدعي بيان أمرين:
الأول: في كيفية الاستيلاد:
وهو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه ولو أولد أمة غيره مملوكا ثم ملكها لم تصر أم ولده،
ولو أولدها حرا ثم ملكها قال الشيخ: تصير أم ولده، وفي رواية ابن مارد: لا تصير أم
ولده، ولو وطأ المرهولة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد وكذا لو وطأ الذمي أمته
فحملت منه، ولو أسلمت بيعت عليه، وقيل: يحال بينه وبينها وتجعل على يد امرأة ثقة،
والأول أشبه.
الثاني: في الأحكام المتعلقة بأم الولد: وفيه مسائل:
الأولى: أم الولد مملوكة لا تتحرر بموت المولى بل من نصيب ولدها، لكن لا يجوز
للمولى بيعها ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى ولا وجه لأدائه إلا
منها، ولو مات ولدها رجعت طلقا وجاز التصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات.
الثانية: إذا مات مولاها وولدها حي جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، ولو لم
يكن سواها عتق نصيب ولدها منها وسعت في الباقي، وفي رواية تقوم على ولدها إن كان
موسرا وهي مهجورة.
الثالثة: إذا أوصى لأم ولده قيل: تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية، وقيل:
تنعتق من الوصية فإن فضل منها شئ عتقت من نصيب ولدها، وهو أشبه.
الرابعة: إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها وللمولى فكها، وبكم
يفكها؟ قيل: بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمتها، وقيل: بأرش الجناية، وهو الأشبه،
وإن شاء دفعها إلى المجني عليه، وفي رواية مسمع عن أبي عبد الله ع: جنايتها في
441

حقوق الناس على سيدها. ولو جنت على جماعة فالخيار للمولى أيضا بين فديتها أو
تسليمها إلى المجني عليهم أو ورثتهم على قدر الجنايات.
الخامسة: روى محمد بن قيس عن أبي جعفر ع في وليدة نصرانية
أسلمت عند رجل وولدت منه غلاما ومات فأعتقت وتزوجت نصرانيا
وتنصرت وولدت، فقال ع: ولدها لابنها من سيدها وتحبس حتى تضع
فإذا ولدت فاقتلها، وفي النهاية: يفعل بها ما يفعل بالمرتدة، والرواية شاذة.
442

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
443

كتاب العتق:
والنظر في الرق وأسباب الإزالة:
أما الرق: فيختص بأهل الحرب دون أهل الذمة، ولو أخلوا بشرائطها جاز تملكهم.
ومن أقر على نفسه بالرقية مختارا في صحة من رأيه، حكم برقيته. وإذا بيع في الأسواق ثم
ادعى الحرية لم يقبل منه إلا ببينة.
ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، ولا الأولاد وإن سفلوا. وكذا لا يملك
الرجل ذوات الرحم من النساء المحرمات كالخالة والعمة وبنت الأخت وبنت الأخ، وينعتق
هؤلاء بالملك، ويملك غيرهم من الرجال والنساء على كراهية، ويتأكد في من يرثه.
وهل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب؟ فيه روايتان، أشهرهما: أنه ينعتق.
ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين. وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما
وثبت الملك.
أما إزالة الرق فأسبابها أربعة: الملك، والمباشرة، والسراية، والعوارض.
وقد سلف الملك.
445

أما المباشرة: فالعتق، والكتابة، والتدبير، والاستيلاد.
وأما العتق: فعبارته الصريحة التحرير. وفي لفظ العتق تردد، ولا اعتبار بغير ذلك من
الكنايات وإن قصد بها العتق، ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع القدرة على النطق،
ولا يصح جعله يمينا، ولا بد من تجريده عن شرط متوقع أو صفة، ويجوز أن يشترط مع العتق
شئ، ولو شرط إعادته في الرق إن خالف فقولان، المروي: اللزوم.
ويشترط في المعتق جواز التصرف، والاختيار، والقصد، والقربة. وفي عتق الصبي
إذا بلغ عشرا رواية بالجواز حسنة. ولا يصح عتق السكران وفي وقوعه من الكافر تردد،
ويعتبر في المعتق أن يكون مملوكا حال العتق مسلما، ولا يصح لو كان كافرا، ويكره لو كان
مخالفا. ولو نذر عتق أحدهما لزم. ولو شرط المولى على المعتق الخدمة زمانا معينا صح، ولو أبق
ومات المولى فوجد بعد المدة فهل للورثة استخدامه؟ المروي: لا. وإذا طلب المملوك البيع
لم تجب إجابته.
ويكره التفريق بين الولد وأمه. وقيل: يحرم. وإذا أتى على المملوك المؤمن سبع سنين
يستحب عتقه، وكذا لو ضرب مملوكه ما هو حد
مسائل سبع:
الأولى: لو نذر تحرير أول مملوك يملكه فملك جماعة تخير في أحدهم، وقيل: يقرع
بينهم، وقال ثالث: لا يلزمه عتق.
الثانية: لو نذر عتق أول ما تلده، فولدت توأمين عتقا.
الثالثة: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له: هل أعتقت مماليكك فقال: نعم، لم ينعتق
إلا من سبق عتقه.
الرابعة: لو نذر أمته إن وطأها صح فإن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين وإن عادت
بملك مستأنف.
الخامسة: لو نذر عتق كل عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر
فصاعدا.
446

السادسة: مال المعتق لمولاه وإن لم يشترط. وقيل: إن لم يعلم به فهو له، وإن علم ولم
يستثنه، فهو للعبد.
السابعة: إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة.
وأما السراية: فمن أعتق شقصا من عبده عتق كله، ولو كان له شريك قوم عليه
نصيبه أن كان موسرا، وسعى العبد في فك باقيه إن كان المعتق معسرا وقيل: إن قصد
الإضرار فكه إن كان موسرا وبطل العتق إن كان معسرا، وإن قصد القربة لم يلزمه فكه،
وسعى العبد في حصة الشريك، فإن امتنع العبد استقر ملك الشريك على حصته. وإذا
أعتق الحامل تحرر الحمل ولو استثنى رقه لرواية السكوني. وفيه مع ضعف السند إشكال
منشأه عدم القصد إلى عتقه.
وأما العوارض: فالعمى، والجذام، وتنكيل المولى بعبده. وألحق الأصحاب الإقعاد،
فمتى حصل أحد هذه الأسباب فيه انعتق، وكذا إذا أسلم العبد في دار الحرب سابقا على
مولاه، وكذا لو كان العبد وارثا ولا وارث غيره دفعت قيمته على مولاه.
447

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد:
أما التدبير: فلفظه الصريح: أنت حر بعد وفاتي. ولا بد فيه من النية ولا حكم
لعبارة الصبي، ولا المجنون. ولا السكران. ولا المحرج الذي لا قصد له. وفي اشتراط
القربة تردد. ولو حملت المدبرة من مولاها، لم يبطل تدبيرها وتنعتق بوفاته من الثلث.
ولو حملت من غيره بعد التدبير فالولد مدبر كهيئتها.، ولو رجع في تدبيرها لم يصح رجوعه
في تدبير الأولاد، وفيه قول آخر ضعيف. ولو أولد المدبر من مملوكة كان ولده مدبرا. ولو مات
الأب قبل المولى لم يبطل تدبير الأولاد وعتقوا بعد موت المولى من ثلثه، ولو قصر سعوا
فيما بقي منهم. ولو دبر الحبلى لم يسر إلى ولدها، وفي رواية إن علم بحبلها فما في بطنها
بمنزلتها.
ويعتبر في المدبر جواز التصرف والاختيار والقصد. وفي صحته من الكافر تردد.
أشبهه: الجواز.
والتدبير وصية يرجع فيه المولى متى شاء. فلو رجع قولا صح قطعا، أما لو باعه أو وهبه.
فقولان. أحدهما: يبطل به التدبير، وهو الأشبه. الآخر: لا يبطل ويمضى البيع في خدمته وكذا
الهبة. والمدبر رق، ويتحرر بموت المولى من ثلثه. والدين مقدم على التدبير سواء كان سابقا
على التدبير أو متأخرا. وفيه رواية بالتفصيل متروكة.
448

ويبطل التدبير بإباق المدبر. ولو أولد له في حال إباقه كان أولاده رقا، ولو جعل خدما
عبده لغيره ثم قال: هو حر بعد وفاة المخدوم صح على الرواية، ولو أبق لم يبطل تدبيره
فصار حرا بالوفاة ولا سبيل عليه.
وأما المكاتبة: فتستدعي بيان أركانها وأحكامها:
والأركان أربعة: العقد، والملك، والمكاتب، والعوض. والكتابة مستحبة مع الديانة
وإمكان الاكتساب. وتتأكد بسؤال المملوك، وتستحب مع التماسه ولو كان عاجزا.
وهي قسمان: فإن اقتصر على العقد فهي مطلقة، وإن اشترط عوده رقا مع العجز فهي
مشروطة. وفي الإطلاق يتحرر منه بقدر ما أدى. وفي المشروطة يرد رقا مع العجز، وحده أن
يؤخر النجم من محله. وفي رواية أن يؤخر نجما إلى نجم، وكذا لو علم منه العجز. ويستحب
للمولى الصبر لو عجز. وكل ما يشترطه المولى على المكاتب لازم ما لم يخالف المشروع.
ويعتبر في المالك جواز التصرف والاختيار والقصد، وفي اعتبار الاسلام تردد،
أشبهه: أنه لا يعتبر. ويعتبر في المملوك التكليف، وفي كتابة الكافر تردد، أظهره المنع.
ويعتبر في العوض كونه دينا مؤجلا معلوم القدر والوصف مما يصح تملكه للمولى،
ولا حد لأكثره لكن يكره أن يتجاوز قيمته، ولو دفع ما عليه قبل الأجل فالولي في قبضه
بالخيار. ولو عجز المطلق عن الأداء فكه الإمام من سهم الرقاب وجوبا.
وأما الأحكام فمسائل:
الأولى: إذا مات المشروط بطلت الكتابة وكان ماله وأولاده لمولاه وإن مات المطلق
وقد أدى شيئا تحرر منه بقدره وكان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقبته ولورثته بنسبة
الحرية إن كانوا أحرارا في الأصل وإلا تحرر منهم بقدر ما تحرر منه وألزموا بما بقي من مال
الكتابة فإذا أدوه تحرروا، ولو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم، وفي رواية يؤدون ما بقي من
مال الكتابة وما فضل لهم.
والمطلق إذا أوصى أو أوصي له، صح نصيب الحرية وبطل في الزائد. وكذا لو وجب
449

عليه حد أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة ما فيه من الحرية. ومن حد العبد بنسبة ما فيه من
الرقبة. ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحد بقدر نصيبه منها وحد بما تحرر.
الثانية: ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة ولا عتق ولا إقراض إلا بإذن المولى
وليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء. ولا يحل له وطء المكاتبة بالملك ولا بالعقد
ولو وطئها مكرها لزمه مهرها. ولا تتزوج إلا باذنه ولو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها
حكمها إذا لم يكونوا أحرارا.
الثالثة: يجب على المولى إعانته من الزكاة ولو لم يكن، استحب تبرعا.
وأما الاستيلاد: فهو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه وهي مملوكة. لكن لا يجوز بيعها
ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ولا جهة لقضائه غيرها،
ولو مات ولدها جاز بيعها. وتتحرر بموت المولى من نصيب ولدها ولو لم يخلف الميت سواها
عتق منها نصيب ولدها وسعت فيما بقي. وفي رواية تقوم على ولدها إن كان موسرا، وفي
رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع في وليدة نصرانية أسلمت وولدت من
مولاها غلاما ومات فأعتقت وتزوجت نصرانيا وتنصرت فقال: ولدها لابنها من سيدها
وتحبس حتى تضع وتقتل. وفي " النهاية " يفعل بها ما يفعل بالمرتدة. والرواية شاذة.
450

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
451

كتاب العتق:
الناس كلهم أحرار إلا من قامت البينة على عبوديته أو أقر بها بالغا عاقلا مختارا
ممكن العبودية، ولا يقبل دعوى العبد الحرية في السوق إلا ببينة، والعتق فيه ثواب جزيل
ومن أعتق عبدا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، ومن أعتق أمة أعتق الله بكل
عضوين منها عضوا منه من النار، وهو في أيام الجدب دون الصدقة وفي أيام الخصب أفضل
منها ويتأكد استحبابه يوم عرفة.
ويجوز سبي نساء أصناف الكافر وذريتهم إلا اليهود والنصارى والمجوس ذوي
الذمة، ومن عقد له أمان منهم ومن غيرهم، ويملك المسلم من يسرقه وما يسرقه من كفار
الحرب، ويشترى منهم أزواجهم وآباءهم وأمهاتهم وأولادهم وذا قرابتهم وممن سباهم وإن
كان كافرا، وإذا ملك الرجل أباه وأمهاته وإن علوا وأولاده وإن سفلوا والمحرمات عليه
نسبا ورضاعا عتقوا، ويعتق على المرأة العمودان والأولاد لا غير.
ويستحب إعتاق من ملكه ممن لا يعتق عليه من ذوي رحمه، وإذا نكل بمملوكه أو مثل به
أو قطع ثدي أمته أو عمي أو جذم أو أقعد عتق عليه وهو سائبة، ولا عتق قبل ملك فإن نذر
إعتاقه إذا ملكه أو اشتراه وشرط عليه إعتاقه وجب إعتاقهما، فإن نذر إعتاق أول عبد
يملكه فملك جماعة في وقت أقرع أو أعتق أيهم شاء، وإن نذر إعتاق كل عبد قديم في ملكه
أعتق كل من كان له في ملكه ستة أشهر، فإن نذر إعتاق رقبة معينة لم يجز غيرها، والعبد
المؤمن إذا أتى عليه سبع سنين في ملكه استحب له إعتاقه، وإذا أعتق من لا يغني نفسه
453

كالصبي والعاجز استحب له الانفاق عليه.
ويجوز إعتاق الكافر والطفل تطوعا وفي الكفارات إلا القتل فإنه لا يجوز إلا مقرة
بالإسلام بلغت الحنث، ويستحب إعتاق المؤمن المستبصر ويكره إعتاق المخالف ويجوز
إعتاق المستضعف وولد الزنا، ولا يصح إعتاق المكره والمعتوه والسكران والسفيه
والصبي إلا أن يبلغ عشر سنين رشيدا فيصح إعتاقه.
ولا يقع العتق إلا بصريحه وهو: أنت حر ومحرر وهذه حرة وعتيق ومعتق وأعتقك،
فإن عجز جاز بغيرها وبالكتابة وبالإيماء من الأخرس، ولو قيل لمسكت، أعتقت فلانا؟
فأشار برأسه أن نعم صح، وأن يفصله ويقصد به القربة إلى الله تعالى.
ولا يصح العتق بشرط ولا صفة ومن أعتق بعض عبده سرى العتق في باقيه، ومن
أعتق حصته في عبد وهو موسر ألزم قيمة حصة شريكه يوم العتق وعتق كله، وإن كان
معسرا سعى العبد في فك رقبته فإن لم يختر ذلك فبعضه حر وبعضه رق، والأولى أن يقال: إن
أعتق مضرة وهو موسر وجب تقويمه عليه، وإن ورث شقصا ممن يعتق عليه لم يقوم عليه
باقيه، وإن شراه أو استوهبه قوم عليه.
وإن أعتق عبده وزوجه أمته وشرط إن أغارها رده في الرق أو قال: أعتقك على أن
أزوجك بنتي فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فله شرطه، فإن أعتق خادمة
وشرط خدمتها مدة معلومة فأبقت ثم مات فليس لورثته استخدامها، فإن أعتق عبده وله
ماله فالمال لمولاه، ويستحب إذا لم يستثنه مع العلم به تركه، وروي: أن له فاضل الضريبة
وأرش الجناية على بدنه يتصدق منهما ويتسرى ويعتق ولا ولاء على معتقه ويتوالى من أحب،
ولو ضمن العبد جريرته لم يجز وليس على العبد زكاة ولا له.
وروي: أنه إذا أذن المولى لأمته في التزويج برجل على أن ولدها منه حر فمات ثم
تزوجت غيره لم يكن الشرط له، أقول: إن كان زوجها بحر فالولد حر وإن زوجها بعبد
فلا حر بينهما والشرط باطل، وروى ذرعة عن سماعة، قال سألته عن رجل قال: لثلاثة
مماليك له: أنتم أحرار، وله أربعة فقال له رجل: أعتقت مماليك فقال: نعم أ يجب أن يعتق الأربعة
حين أجملهم أو هو الثلاثة؟ فقال: إنما يجب العتق لمن أعتق، وإذا مر بعاشر معه عبيد فسأل
454

عنهم فقال: هم أحرار، أو حلف أنهم أحرار لم يعتقوا ولم يحنث، والمنبوذ حر لا ولاء لملتقطه
عليه ولا ولاء له على من أسلم على يده إلا أن يتواليا إليهما.
وإذا أعتق عبدا له أو جارية عند موته ولا يملك غيره عتق ثلثه وسعى في ثلثي قيمته،
ولو دبر جاريته ولا تركة له غيرها فزوجها الوصي سعت في بقية ثمنها بعد ما تقوم فما
أصابها من عتق أو رق جرى على ولدها، ومن وجب عليه عتق رقبة أجزأه الصغير
والكبير والذكر والأنثى والشيخ الكبير أفضل من شاب أجرد إذا أغنيا أنفسهما.
وإذا نذر أن يعتق جاريته متى وطأها فباعها ثم شراها ووطأها لم يعتق، وإذا زوجها
وشرط حرية أول ما تلد فولدت توأمين عتقا، ولا يجوز أن يأخذ من مملوك غيره مالا ليشتريه
به ويجب رده على مولاه، ومن اشترى جارية فأعتقها ولم ينقد ثمنها وتزوجها ثم مات ولا تركة
له بطل عتقه ونكاحه وولدها منه رق فهي لبائعها، فإن خلف ما يقضي به ثمنها فلا سبيل
عليها ولا على ولدها، وإذا أعتق مملوكه عند موته وعليه دين وقيمته ضعفاه صح العتق
وسعى العبد في الدين وحق الورثة فإن كانت أقل من ضعفيه بطل العتق.
وإذا أوصى لعبده بثلث ماله وقيمته تعدله أو أقل منه عتق وأخذ الباقي، وإن كانت
أكثر منه عتق بقدره منه وسعى للباقي ما لم يبلغ ضعف الثلث فيبطل، ومن أوصى بعتق ثلث
عبيده وهم جماعة أعتق ثلثهم بالقرعة، وإن أوصى بعتق عبد من عبيده أعتق الورثة واحدا
منهم، وإذا أقر بعض الورثة أن مورثه أعتق هذا العبد لزم في حصته وسعى العبد في ما يبقى
لباقي الورثة، فإن كانا اثنين عدلين عتق كله، والنسمة والرقبة يقع على الذكر والأنثى،
والحمل يدخل في عتق الحامل ولا يصح استثناؤه ولا ينعكس ويصح إعتاقه منفردا.
وإذا أسلم أحد الأبوين تبعه صغار ولده، فإن بلغوا وكفروا قهروا على الاسلام فإن
أبوا قتلوا، ولا يلزم المالك بيع عبد استباعه، فإن لم يعامله بالمعروف ألزم بيعه، ويعتق الآبق
في الواجب ما لم يعرف موته، ومن علق عتق عبيده بموته فمات وعليه رقبة واجبة لم
يجز عنه، وإذا أعتق رقيق ولده استحب للولد إمضاؤه، فإن أعتق مملوكه على أن عليه عمالة
كذا وكذا سنة يحرر وعليه العمالة، وإن شرط العبد لمولاه إن أعتقه أن يعطيه مالا فإن كان
وقت الشرط له مال أعطاه وإلا فلا، وروى شريح عن أمير المؤمنين ع في شخص
455

أذن لعبده في التجارة وركبه دين ثم باعه: أن الدين على البائع.
والولاء لحمة كلحمة النسب لا يصح بيعه ولا هبته، وهو واجب في العتق المتطوع به
إلا أن يبرأ معتقه من جريرته ويشهد، فأما الواجب بالنذر أو الكفارة أو ما أعتق للتنكيل أو
التمثيل والأحداث المقدمة فلا ولاء عليه، وإنما يرث المولى إذا لم يخلف المعتق ذا نسب وإن
بعد وبعد فرض الزوجين، فإن شرط البائع على مشتري الرقيق عتقه وولاه صح البيع
واشتراط العتق والولاء لمن أعتق.
وللكافر الولاء بإعتاق العبد المسلم والكافر إلا أنه لا يرث من المسلم حال كفره،
وللمسلم بإعتاق الكافر والمسلم ويرثهما، ويرث الرجل والمرأة معتقيهما ومعتق معتقيهما
وعلى هذا ومن انجر ولاءه إليهما، ولا يرث امرأة بالولاء بغير ذلك، فإن مات الرجل وله
أولاد فولاء عتقه لذكورهم خاصة، فإن لم يكن له ذكور فلعصبته فإن لم يكن له عصبة
فلمعتقه فإن لم يكن فعصبة معتقه وعلى هذا فإن لم يكن فلبيت المال، فإن ماتت المرأة
فولاء عتقها لعصبتها بكل حال، وعند بعض أصحابنا لأولادها الذكور كالرجل.
وإذا أمر غيره أن يعتق عنه رقبة في حياته أو بعد وفاته ففعل فالولاء للأمر إذا لم يكن
عن واجب، وإن كان عن واجب فهو سائبة يتولى من شاء، فإن لم يتول فإرثه لبيت المال،
وإن تبرع بالإعتاق عنه في غير واجب فالولاء للمعتق، وإذا ترك المعتق مالا ولم يخلف وارثا
سوى أخوين لمعتقه أحدهما لأبيه وأمه والآخر لأبيه ورثه دون الأخ لأبيه ويرث المعتق عتيقه
ولا ينعكس، ويثبت الولاء على المدبر، وأما المكاتب ومن اشترى نفسه من مولاه فلا ولاء
عليهما إلا بالشرط.
وإذا ترك المعتق موليين أحدهما أعتقه والآخر أعتق أباه أو أعتق من أعتقه ورثه من
أعتقه خاصة وجر الولاء صحيح، وإذا زوج أمته بعبد ثم أعتقها فجاءت بولد فهو حر
إجماعا وولاه لمولى الأم، فإن أعتق العبد جر الولاء إلى مولى نفسه وجرجره صحيح، وإذا
أعتق أبو الأب جر ولاء ولد ابنه من معتق أمه، فإن أعتق العبد بعد، انجر الولاء إلى مولى
العبد وعلى هذا، فإن باشر العتق شخص لم ينجر الولاء منه إلى غيره، ولا يجئ على
مذهبنا أن يجتمع مع النسب ولاء فلو أعتق شخص أباه لعتق وورثه ولده لحق النسب
456

لا الولاء ولو كان المعتق بنته.
وأما ولاء ضمان الجريرة فإن يتولى المعتق الذي لا ولاء عليه ومن نذكره في الميراث
إلى من يضمن جريرته إن شاء الله تعالى ويصير مولى له ولصغار ولده دون كبارهم، فإن
مات ضامن الجريرة لم يرث وارثه الولاء، وللذمي موالاة المسلم ولا يجوز العكس وإن
تقابلا الولاء جاز وللمولى إبطال الولاء ما لم يرد المولى عنه جناية وإنما يرثه الضامن إذا لم
يخلف ذا قربى، ويرث ما بقي بعد سهم الزوجين.
وإذا استولد أمة في ملكه أو أمة غيره بنكاح أو شبه نكاح أو شبهة وطء ثم ملكها فهي
أم ولده، والأولى أن لا يكون أم ولد إلا إذا كان استولدها في ملكه، وإن حملت نطفة ثم
أسقطتها فهي أم ولد، وفائدة ذلك أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا إذا كان زوجها المولى بعد
اسقاطها فمات الزوج عند من ذهب إلى أن الأمة تعتد لوفاة الزوج نصف العدة وهي رق
تستخدم وتؤجر، ويعتق في الكفارة وتوطأ بملك اليمين، ويجبر على النكاح، وإذا مات السيد
جعلت في نصيب ولدها وعتقت، فإن بقي منها شئ سعت فيه لباقي الورثة ولا يحل بيعها
ولا وقفها ولا هبتها ما دام ولدها باقيا، ويجوز بيعها في ثمن رقبتها إن كان دينا على مولاها
ولا يجد سواها في حياة السيد وبعد موته، فإن مات السيد وعليه دين في غير ثمن رقبتها
ولا تركة سواها والولد كبير قومت عليه، وإن كان صغيرا انتظر بلوغه فإذا بلغ أجبر على
أدائه وعتقت فإن مات قبل البلوغ بيعت فيه.
وإذا أسلم العبد الكافر وسيده كافر بيع عليه وأعطي ثمنه، فإن كانت أم ولد حيل
بينهما ولم تبع وأنفق عليها عند مسلمة، وقيل: تباع، وإذا مات الولد جاز للسيد بيعها،
وإخراجها كسائر الإماء، فإن جنى عليها في طرف أو نفس فلسيدها القيمة والأرش، وإن
جنت عمدا اقتص منها، وإن جنت خطأ فقد روى الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن نعيم
الأزدي عن مسمع عن أبي عبد الله ع، أم الولد جنايتها في حقوق الناس على
سيدها وما كان من حق الله عز وجل في بدنها.
457

باب التدبير: التدبير عتق علق بموت المالك أو موت غيره، وشروطه شروط العتق ولفظه: أنت حر أو
معتق أو محرر، أو أعتقتك بعد موتى، أو إن مت في سفري هذا أو سنتي هذه وشبه ذلك فأنت
حر، وينقسم إلى واجب وندب، فالواجب بالنذر ولا يجوز الرجوع فيه والندب يجوز
الرجوع فيه ويعتق من ثلث المال فإن لم يسعه عتق ما يسعه منه وسعى في الباقي.
وإذا دبر جماعة دفعة ولم يخرجوا من الثلث أعتق الثلث بالقرعة، وإن دبرهم واحدا
بعد واحد بدأ بالأول فالأول وسقط من تجاوز الثلث، فإن اشتبه أقرع بينهم إلى الثلث، وأولاد
المدبر والمدبرة الحادثون بعد التدبير مدبرون، والحمل لا يدخل في تدبير الحامل إذا
لم يعلمه فإن علمه دخل ويصح تدبير أحدهما دون الآخر، وله رجوع في تدبير الأصل دون
الحمل والولد. وعتق الكل من الثلث.
وإذا أبق المدبر بطل تدبيره، وإن رزق مالا وولدا حال الإباق فهما لمولاه فإن مات
فلورثته، وإن جعل خدمة عبده لغيره حياته فإذا مات فهو حر صح ذلك، فإن أبق ولم يرجع
إلا بعد موت المجعول له الخدمة فلا سبيل عليه وهو حر، والمدبر عبد يستخدم ويوجر،
والمدبرة يطأها مولاها ويحدان حد العبيد في الزنى، وإن مات المدبر وسيده حي وخلف مالا
فلسيده، وأولاده باقون على التدبير حتى يموت السيد.
وليس بيع المدبر رجوعا في تدبيره ولا هبة ولا جعله مهرا ما لم ينقض تدبيره بالقول، وإذا
أراد بيعه من دون نقض تدبيره أعلم المشتري أنه يبيعه خدمته وأنه إذا مات تحرر، فإن
باعه ولم يعلمه فله الرجوع بالثمن والرضا به، ولا يصح التدبير ممن لا يصح منه العتق
ويصح ممن يصح منه، ولا يقع بشرط ويعتبر فيه القصد والقربة، وإذا دبر أحد الشريكين
حصته قوم عليه نصيب شريكه، وإذا دبر بعض عبده سرى في باقيه، وإذا دبر أحدهما
وأعتق الآخر قوم عليه المدبر وعتق على خلاف في ذلك.
وإذا وطأ مدبرته فحملت صارت أم ولده والتدبير بحاله، فإذا مات عتقت من الثلث
فإن بقي منها شئ عتق من نصيب الولد، وإذا دبر عبده ثم كاتبه أو كاتبه ثم دبره فإن أدى
عتق بالأداء، وإذا مات سيده قبل الأداء وخرج من الثلث عتق أو خرج بعضه عتق البعض
458

والباقي مكاتب، فإن أدى ما عليه من الحصة عتق وإلا فلهم استرقاقه إن كان مشروطا
عليه.
وإذا ارتد المدبر لم يبطل تدبيره فإن قتل أو لحق بدار الحرب بطل، وكسب المدبر حياة
سيده لسيده وبعد وفاته إن خرج من الثلث فهو للمعتق وإن خرج بعضه فله منه بحسابه،
وإن قتل المدبر فقيمته لسيده ولا يلزمه أن يشترى بها عبدا يكون مدبرا وإن جنى على عضو
فلسيده، وإن جنى المدبر عمدا اقتص منه في العضو والتدبير بحاله فإن قتل بطل، فإن جنى
خطأ تعلق برقبته وللسيد أن يفديه بأرش الجناية فإن فعل فالتدبير بحاله، وإن سلمه فبيع
ثم مات السيد عتق وسعى في الدية، ولا يصح عتق المدبر في كفارة وغيرها ما لم ينقض
تدبيره.
وإن دبر عبده وعليه دين فرارا من الدين لم يصح تدبيره، وإن دبره في صحة منه
وسلامة فلا سبيل للغرماء عليه، وإن كان التدبير منذورا عتق من أصل المال، قاله المرتضى
رضي الله عنه، وإن دبر عبده ثم ارتد عن فطرة عتق في الحال من الثلث، فإن ارتد عن غير
فطرة انتظر به الوفاة فإن ارتد عن فطرة ثم دبر فلا تدبير له لانتقاله إلى الوارث، فإن ارتد
عن غير فطرة صح.
باب المكاتب:
المكاتبة عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وعوض معلوم من الأثمان أو عرض موصوف من
مطلق التصرف للرقيق العاقل البالغ، ويصح حالة ومؤجلة بأجل واحد وبأجلين
فصاعدا، فإن كان الأجل مجهولا أو العوض فسدت ولم يعتق بالأداء لأن العتق بصفة
لا يصح.
ويستحب كتابة ذي الكسب والأمانة ويصح من دونهما وتصح كتابة المسلم
والكافر، وإن شرط أداء العوض في شهر كذا لم يصح لجهالة الأجل، فإن قال: إلى شهر
كذا، صح ويستحب أن لا يتجاوز قيمة المكاتب وأن يؤتيه من مال الله شيئا قل أو كثر، وهو
أن يضع عنه أو يعطيه من الزكاة أو غيرها فإن أعطاه غيره منها إذا كان مسلما جاز، وينبغي
459

أن يضع عنه مما أضمره أخذه منه لا ما أضافه إلى ما أضمر أخذه منه، وليس فيها خيار
المجلس ويصح دخول الشرط فيها، فإن شرط أنه متى عجز رد في الرق فهو رق ما بقي
درهم، ويصح عتقه في واجب وتطوع وعتق المطلق قبل الأداء وتبطل الكتابة ولا يلزمهما
المال كما لو أبرأهما، ومتى أطلق العقد من ذلك عتق منه بحساب ما أدى وصحت الوصية له
والميراث بحسابه والحد في الزنى بحساب ما تحرر منه وما رق.
وهي لازمة من الطرفين إن أطلقها، وإن شرط فيها ما ذكرناه لزمت من جهة السيد
دون العبد فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع من الأداء وحينئذ للسيد فسخها وله ما أخذ منه،
ولا يجوز للمكاتب هبة المال من غير سيده ولا إبراء غريمه ولا الإقراض وبذل العوض على
الخلع والمحاباة للغير في البيع والشراء والعتق والكتابة والصدقة والتزويج إلا بإذن
السيد، وإن تزوج المكاتب وعلم السيد ولم يفسخه فهو إقرار له عليه، وإذا أعتق لم يحتج
إلى استئناف نكاح ولا يجوز له وطء جاريته إلا بإذن سيده، ولا زكاة على المكاتب فإن كان
مطلقا وبلغ حصة ما عتق منه نصابا زكاه.
ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر ولا حكم عليه في ذلك وله الأخذ بالشفعة،
وأولاد المكاتب من أمة والمكاتبة من عبد الحادثون بعد الكتابة بحكم الأب والأم وإذا أديا
عتق أولادهما، وإن أدى المكاتب بعض المال وكان مطلقا تحرر من ولده مثله والمشروط ليس
كذلك.
وإذا مات المكاتب المشروط عليه قبل أداء المبلغ أو بعد أداء بعضه فما له وولده
لسيده، وإن مات المطلق قبل الأداء فولده مكاتب يؤدى ما كان على أبيه أو أمه ويعتق وما
خلفه لسيده، وإن مات بعد أداء البعض عتق من ولده بحسبه وكان للسيد مما خلفه
بحساب رقه وللولد إن كانوا أحرارا الباقي ويؤدون باقي المال لأنه دين على المكاتب، فإن
فضل فضل فلهم وإن أعوز فلا عليهم، وإن كان أولاده من أمة ورثوا من الحرية وأدوا منه ما
بقي من الكتابة وعتقوا، فإن فضل فضل فلهم وإن أعوز فعليهم السعي فيه ويعتقون
بأدائه.
وإن كاتب أحد الشريكين حصته من العبد لم يقوم عليه الباقي وإن لم يأذن شريكه في
460

ذلك، وإن كاتباه بالسواء أو التفاضل جاز، وإن كان لأحدهما ثلثه وكاتبه على دينارين
ولآخر ثلثاه وكاتبه على دينار جاز، وموت السيد لا يبطل الكتابة وإن زوج السيد مكاتبه
بنته ثم مات السيد بطل النكاح إن كانت وارثه، ولا يصح بيع المكاتب فإن كان مشروطا
وعجز فرده في الرق جاز بيعه، وحد العجز المبيح للرد أن يعجز عن النجم وقد حل
والصبر عليه حتى يجئ النجم الآخر أفضل.
والمكاتب المطلق إذا أدى بعضها لم يصح عتقه في الواجب، وإن أعتق باقيه تطوعا
جاز ولم يلزمه أداء الباقي، ولا ولاء على المكاتب فإن شرطه السيد عليه كان له دون غيره،
وإن اختلف السيد والمكاتب في المال أو المدة قبل العتق تحالفا وفسخت الكتابة وبعد العتق
تحالفا وضمن المكاتب قيمة نفسه، وقيل: القول قول السيد مع يمينه، وإذا كاتب عبديه
بعوض فعلى كل منهما منه بحساب قيمته ولا يتعلق به حكم غيره، ويعتق بأداء حصته
وليس أحدهما كفيل صاحبه، وليس للمولى عتق رقيق المولى عليه ولا تدبيره ولا كتابته،
وقيل: يجوز كتابته إن رأى فيها الحظ له، والكتابة الفاسدة لا يعتق المكاتب بها وإن أدى
فكسبه لسيده عاش المكاتب أو مات.
وإذا كان نصف العبد قنا ونصفه مكاتبا فكسبه له ولمن لم يكاتبه، فإن طلب أحدهما
المهاياة أجبر الآخر عليه، فإن خلف سيد المكاتب ابنين وأبرأ أحدهما عتق نصيبه ولم يقوم
عليه نصيب شريكه.
وإذا أعطى انسان زوجة أبيه المكاتبة ما تستعين به على كتابتها بشرط أن لا تختار على
أبيه إذا أعتقت فلا خيار لها.
والفاضل من كسب المكاتب بعد أداء ما عليه له، فإن عين السيد نقدا في العقد وإلا
كان من نقد البلد وإن اختلف فمن غالبه فإن تساوى بطلت الكتابة، وإذا حنث في يمينه
كفر بالصوم ولا يجب عليه التكفير بالمال وإن فعله لم يجزئه، وإن أبرأ السيد مكاتبه من المال
برأ وعتق، والمرتد عن الفطرة لا يصح أن يكاتب عبدا لأنه انتقل إلى الوارث، وإن لم يكن
عن فطرة صحت كتابته فإن قتل بردته فكالموت.
وإذا جنى المكاتب عمدا على نفس سيده فلوارثه قتله، وإن جنى على طرفه اقتص
461

السيد منه والكتابة بحالها، فإن عفي على مال أو كانت خطأ تعلقت برقبته وله فداء نفسه
بالأرش ما بلغ، فإن وفي ما في يده بالأرش والكتابة وإلا فللمالك تعجيزه ويبطلان، فإن جنى
على أجنبي عمدا أو على طرفه قتل أو اقتص منه، فإن جنى عليه خطأ أو عمدا وعفي على
مال تعلق برقبته وله أن يفدي نفسه بأقل الأمرين لأنه يشترى نفسه فلا يشتريها بأكثر من
قيمتها.
وإن كاتب المسلم عبدا كافرا صح كالعتق وإن شرط عليه الولاء صح، وإذا كاتب
الكافر عبده الكافر على خمر أو خنزير ولم يتقابضا ثم أسلما فله قيمة ذلك عند مستحليه
ولا يعتق حتى يوفيه ولا تبطل الكتابة.
ولا يصح أن يشترى المكاتب من يعتق عليه إلا بإذن سيده، وإن جنى على المكاتب في
النفس قبل أداء المال والكتابة مطلقة أو بعد أداء بعضه والكتابة مشروطة فلسيده
القصاص في العمد، وإن اختار المال أو كان الجاني حرا أو الجناية خطأ فالمال لسيده، وإن
كان بعد أداء بعض المال والكتابة مطلقة شارك السيد وارثه الحر أو الولد الذي بعضه حر
وكان لسيده ما قابل رقه ولوارث المكاتب الباقي منه ويؤدى باقي الكتابة إلى السيد، وإن
جنى على طرفه عمدا اقتص بإذن سيده، فإن كان الجاني حرا أو كانت خطأ فالكتابة
بحالها والأرش للمكاتب وليس له العفو عن المال.
وإذا بذل المكاتب المال قبل حلول النجم لم يلزم مولاه قبوله فإن قبله جاز وعتق،
ولا يجوز للسيد وطء مكاتبته فإن فعل فلا حد عليهما، فإن كانت تحرر منها شئ حد بحسابه
إلا أن يستكرهها فلا تحد وعليه من مهر المثل بقدر الحرية ومن العقر بقدر الرق والكتابة
بحالها، وإذا أدت عتقت وإن عجزت فله ردها وهي أم ولده وإن أحبلها، وإن أوصى بكتابة
عبده جاز إذا خرج العبد من الثلث، فإن خرج بعضه كوتب البعض ويكاتب بما يعتاد لمثله،
فإن أدى إلى الوارث إن كان رشيدا كاملا عتق وإن عجز فله استرقاقه، ولا يدخل مال
كتابته في الميراث ويكون خالصا للوارث كمن أوصى بشجرة فأثمرت بعد موته.
462

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
463

كتاب العتق وتوابعه:
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: العتق: وفيه فصول:
الفصل الركن الأول: في أركانه: العتق فيه فضل كثير وثواب حسن بل قد روي: أن من
أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا له من النار. وأركانه ثلاثة:
الأول: المحل:
وهو كل مملوك مسلم لم يتعلق به حق لازم، فلا ينفذ عتق غير المملوك وإن
أجازه المالك، ولو قال: إن ملكتك فأنت حر، لم يكن شيئا ولا ينعتق مع ملكه،
نعم لو جعله نذرا وجب عليه عتقه عند ملكه.
ويختص الملك بأهل الحرب خاصة وبأهل الذمة - وهم اليهود والنصارى
والمجوس - إذا أخلوا بشرائط الذمة ثم يسري الرق في أعقابهم وإن أسلموا، ولا
فرق بين سبي المؤمنين والكفار، ويجوز شراء ولد الحربي وبنته وزوجته وأمه
وغيرهم منه إذ هم فئ في الحقيقة، وكل من جهلت حريته إذا أقر بالرق حكم
عليه مع بلوغه ورشده، وكذا الملتقط في دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم، ولا
يصح عتق الكافر مطلقا، وقيل: يجوز مع النذر، وقيل: مطلقا، ويصح عتق
465

ولد الزنى إذا كان مسلما على رأي، والمخالف دون الناصب، وهل يصح عتق
الجاني؟ الأقرب ذلك إن كانت خطأ وأدى المال أو ضمنه مع رضاه وإلا فلا.
ولا يشترط التعيين على رأي، ولو قال: أحد عبيدي حر، صح وعين من
شاء ولا يجوز العدول، والأقرب وجوب الانفاق على الجميع والمنع من استخدام
أحدهم أو بيعه قبله، فلو مات ولم يعين عين الوارث، وقيل: يقرع، ولو عين ثم
اشتبه أخر حتى يذكر ويعمل بقوله، فإن ادعى بعض المماليك أنه المقصود دون من
عينه فإن القول قول المالك مع اليمين، ولو عدل عن المعين لم يقبل في المنسي
وحكم بعتقهما، وإن لم يذكر لم يقرع إلا بعد موته لرجاء تذكره إلا أن يدعي
الوارث العلم فيعمل بقوله مع اليمين لو نازعه غيره، فإن نكل قضي عليه، ولو صدق
أحد الوارثين أحد المدعيين للتعيين والآخر الآخر حكم بعتق حصة كل منهما في من
صدقه.
الركن الثاني: في المعتق:
وشرطه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد ونية التقرب إلى الله سبحانه
وتعالى وجواز التصرف، فلا ينفذ عتق الصبي وإن بلغ عشرا على رأي، ولا عتق
المجنون المطبق ولا غيره إلا وقت إفاقته، ولا عتق المكره ولا الغافل والساهي
والنائم والسكران والمغمى عليه، ولا عتق الكافر على رأي لتعذر نية التقرب منه
وإن كان مرتدا، ولا عتق المحجور عليه لسفه أو فلس، ولا غير المالك ملكا تاما
كالموقوف عليه والراهن والمريض المستلزم نفوذ عتقه في جزء ما التصرف في أكثر
من الثلث على إشكال ينشأ من أنه كالإتلاف ونقص السوق وتفويت مال له،
فلا يبطل تصرفه في ثلثه ومن وجود المقتضي لبطلان العتق فيما زاد على الثلث فيه.
فلو كانت قيمته ثلثين ورجع بالتشقيص كل جزء إلى ثلث قيمته ثم كسب
ثلثين قبل الموت فعلى الثاني يصح العتق في شئ، وله من كسبه ثلاثة أشياء
466

وللورثة ستة أشياء لأن المعتق منه في تقدير ثلاثة أشياء من قيمته الأولى، لأن العبد
يحسب عليه نقصان الجزء لأنه لمنفعته وكان كالواصل إليه ولا يحسب على الورثة
نقصان جزئهم لعدم وصوله إليهم، فالعبد وكسبه في تقدير عشرة أشياء فالشئ
أربعة.
ويحتمل أن يقال عتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة ستة أشياء،
فالعبد وكسبه في تقدير ثمانية أشياء فالشئ خمسة لأنه يؤخذ من حصته من
الكسب ما فوت على الورثة من نصيبهم بالتشقيص وهو شيئان، وينبغي أن يكون
للورثة من بقيته، وضمان التفويت وكسبه مثلا ما انعتق خاصة وهو كذلك، هنا
لأنه قد انعتق منه خمسة وهي في تقدير خمسة عشر وفوت عليهم عشرة من نصيبهم
من رقبته فحصل لهم خمسة من نفسه وخمسة عشر من كسبه وعشرة مما فوت.
ويحتمل ضعيفا أن نجبر جميع النقص من كسبه لأنه بتفويته وبعضه عبد
والناقص عشرون فنجبرها من كسبه فيصير الكسب في تقدير عشرة هي ثلث القيمة
فنقول: عتق منه شئ وله من كسبه ثلث شئ وللورثة شيئان، فالعبد والكسب
في تقدير ثلاثة أشياء وثلث، فالشئ اثنا عشر فينعتق كله ويأخذ دينارين تتمة
الشئ الذي له من نفسه، وله من كسبه ثلث شئ هي أربعة فيبقي للورثة أربعة و
عشرون هي ضعف ما يعتق وتتمته، وعلى الأول يحتمل أن نجبر من كسبه ما فوته بالعتق
فيجئ ما سبق من الاحتمالات وعدمه فيكون بمنزلة عبد كسب ثلاثة أمثال قيمته، ولو
أجاز بعض الورثة مضى في حقه من الأصل وفي حق باقي الورثة من الثلث،
والنقصان كالتالف قطعا فيصح العتق - وإن لم يكن سواه - من الثلث في حق
غيره، ولو كان كسب أو له مال غيره لم يجبر النقص.
ويصح عتق مكاتبه ومدبره وأم ولده، وليس لولي الطفل العتق عنه إلا مع
المصلحة كما في الكبير العاجز مع عدم رغبة المشتري تفصيا من النفقة، ولو أعتق
مملوك ولده الصغير بعد التقويم صح ولا يصح قبله ولا مملوك الكبير بعده، ولو أعتق
467

مملوكه عن غيره باذنه وقع عن الآمر، وهل ينتقل إليه عند الأمر المقارن للفعل
ليتحقق العتق في الملك؟ الأقرب ذلك لأنه بأول جزء من الإيقاع ملكه إياه
كالمضغ وأتلفه بالعتق نيابة عنه، فلو كان المعتق أبا الآمر صح عنه في الكفارة على
إشكال.
الركن الثالث: اللفظ:
ويعتبر فيه لفظان: التحرير والإعتاق، دون ما عداهما من صريح مثل: فك
الرقبة وإزالة قيد الملك، أو كناية مثل: أنت سائبة أو لا سبيل لي عليك أو لا
سلطان أو اذهب حيث شئت أو خليتك أو لا رق لي عليك أو لا ملك وأنت لله
ولا ولاية لأحد عليك أو لي عليك أو لست عبدي ولا مملوكي أو يا سيدي أو يا
مولاي، أو قال لأمته: أنت طالق أو حرام، سواء نوى بذلك كله العتق أو لا.
ولا بد من الإتيان بصيغة الانشاء مثل: أنت حر أو عتيق أو معتق، ولو
قال: يا حر أو يا معتق، ففي التحرير إشكال ينشأ من عدم القطع بكونه إنشاء، ولو
كان اسمها حرة فقال: أنت حرة، فإن قصد الإخبار بالاسم لم تعتق وإن قصد
الانشاء للعتق صح، ولو جهل رجع إلى نيته فإن تعذر الاستعلام لم يحكم بالحرية،
ولا يكفي الإشارة مع القدرة ولا الكتابة ولا النطق بغير العربية معها.
ولا يقع إلا منجزا فلو علقه بشرط أو وقت لم يقع وإن وجد الشرط، ولو علقه
بالنقيضين فالأقرب الوقوع إن اتحد الكلام، ولو قال: أنت حر متى شئت لم يقع،
ولا بد من إسناد العتق إلى الذات أو أبعاضها المشاعة بأن يقول: أنت حر أو عبدي
أو هذا أو فلان، ويذكر ما يتميز به عن غيره، أو نصفك أو ثلثك أو ربعك، أما لو
قال: يدك حرة أو رجلك أو وجهك أو رأسك، لم يقع ولو قال: بدنك أو
جسدك، فالأقرب الوقوع، ولو جعل العتق يمينا لم يصح مثل إن فعلت فأنت حر.
468

الفصل الثاني: في أحكامه:
العتق مع الصحة لازم لا يصح الرجوع فيه سواء اختار العبد ذلك أو لا،
وعتق الحامل ليس عتقا للحمل وبالعكس، ولو شرط على العبد شرطا في نفس
العتق مثل: أنت حر وعليك ألف أو خدمة سنة، لزم الوفاء به، وهل يشترط
رضاء المملوك؟ إشكال أقربه العدم في الخدمة، ولو شرط إعادته في الرق إن خالف
أعيد مع المخالفة، وقيل لا، ولو أبق مدة الخدمة المشترطة لم يعد في الرق، وله
المطالبة بأجرة الخدمة وكذا لورثته على رأي.
ولا يجزئ التدبير عن العتق الواجب، ويستحب عتق من مضى عليه سبع
سنين والمؤمن مطلقا إلا أن يعجز عن الاكتساب فيعينه لو أعتقه، ويكره عتق
المخالف ويجوز المستضعف، ويصدق لو ادعى بقوله: أنت حرة العفيفة، وأنت حر
الكريم الأخلاق، فإن ادعى العبد قصد العتق حلف له فإن نكل حلف العبد
وعتق.
ولو نذر عتق أول مملوك يملكه أو أول داخل فملك جماعة دفعة أو دخلوا
كذلك، قيل بطل وقيل يتخير وقيل يقرع، ويحتمل حرية الجميع لأن الأولية
وجدت في الجميع كما لو قال: من سبق فله عشرة، وفيه ضعف لعدم العموم
هناك، أما لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين دفعة عتقا ولو ترتبا عتق الأول،
ولو اشتبه أقرع، ولو ولدت الأول ميتا احتمل بطلان العتق لأن شرط النذر وجد
في الميت وليس محلا للعتق والصحة في الحي لاستحالة تعلق العتق بالميت، وكذا
لو نذر عتق أول من يدخل فدخل جماعة دفعة عتقوا، أو أول من يملك فملك جماعة
دفعة.
ولو أعتق بعض مماليكه فقيل له: أعتقت عبيدك؟ فقال: نعم، عتق ذلك
البعض خاصة، وهل يشترط الكثرة؟ الأقرب ذلك، ولو قيل: أعتقت غانما؟ فقال
نعم، وقصد الانشاء ففي الوقوع نظر. ولو نذر عتق أمته إن وطئها صح، فإن أخرجها
469

من ملكه انحل النذر ولو عاد الملك لم يعد إلا أن يعممه، ولو نذر عتق كل عبد له
قديم أو أعتقه انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا، وهل
يستحب في الأمة أو الصدقة بكل ملك له قديم أو الإقرار؟ إشكال، ولو قصرت مدة
الجميع عن ستة أشهر فإن ترتبوا فالأقرب عتق الأول وإلا الجميع، ويحتمل قويا
العدم فيهما.
ولو علق نذر العتق بعدم الدخول مثلا ولم ينو وقتا معينا أو بآخرهم دخولا
عتق في آخر جزء من حياته، وهل له بيعه قبل ذلك؟ إشكال، ولو علقه على
الدخول ثم باعه ثم عاد إليه ففي عتقه مع الدخول نظر، ويقوى الإشكال لو دخل
قبل عوده إليه ثم عاد ودخل، من حيث إنه علق على شرط لا يقتضي التكرار فإذا
أوجد مرة انحلت اليمين، فإن شهد اثنان بالدخول ألزمه الحاكم الإعتاق، فإذا أعتقه
فظهر كذبهما بطل ويحتمل الصحة والتضمين، ولو رجعا ضمنا وتم العتق.
ولو نذر عتق المقيد إن حل قيده وعتقه إن نقص وزن القيد عن عشرة
أرطال، فشهدا عند الحاكم بالنقص فحكم بعتقه وأمر بحل قيده، فظهر كذبهما عتق
بحل القيد وظهر أنه لم يعتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به، وفي تضمينهما
إشكال ينشأ من أن الحكم لم يحصل بشهادتهما بل بحل قيده ولم يشهدا به، ولأنه لو
باشر الحل لم يضمن فعدم الضمان بشهادته أو لي، ومن أن شهادتهما الكاذبة سبب
سبب عتقه وإتلافه ولأن عتقه حصل بحكم الحاكم المبني على الشهادة الكاذبة،
ولو حله أجنبي لم يضمن عالما بالنذر كان أو جاهلا نهاه المالك أو لا، على إشكال.
ومال العبد لمولاه وإن علم به حالة العتق ولم يستثنه على رأي، أما مال
المكاتب فله وإن لم يعلم به المولى عند عتقه، وعتق المريض يمضى من الثلث إن
مات في المرض وكان متبرعا، ولو اشترى أمة نسيئة فأعتقها وتزوجها ومات قبل
الإيفاء ولا تركة قيل: بطل عتقه ونكاحه وترد على البائع رقا، فإن حملت كان
الولد رقا لرواية هشام بن سالم، والأقرب عدم بطلان العتق وعدم رق الولد، وتحمل
470

الرواية على المريض.
تتمة: إذا عمي العبد أو جذم أو أقعد أو نكل به مولاه عتق ولا ولاء أحد عليه،
وإذا أسلم المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه وخرج إلينا عتق، وإذا مات
انسان وله وارث رق ولا وارث له سواه دفعت قيمته من التركة وأعتق.
الفصل الثالث: في خواصه: وفيه مطالب:
المطلب الأول: السراية:
من أعتق شقصا مشاعا من عبد أو أمة له عتق عليه أجمع، وإن أعتق شقصا
له من عبد مشترك قوم عليه باقيه وسرى العتق فيه بشروط أربعة:
الأول: أن يكون المعتق موسرا بأن يكون مالكا قيمة نصيب الشريك فاضلا
عن قوت يومه وليلته له ولعياله ودست ثوب، وفي بيع مسكنه إشكال، ولو كان
معسرا عتق نصيبه خاصة وسعى العبد في فك باقية بجميع السعي، فليس لمولاه
بنصيب الرقية شئ على إشكال، ولو عجز العبد أو امتنع من السعي كان له من
نفسه بقدر ما عتق وللشريك ما بقي وكان الكسب بينهما والنفقة والفطرة عليهما،
فإن هايأه مولاه صح وتناولت المهاياة المعتاد والنادر كالصيد والالتقاط، ولو كان
موسرا ببعض الحصة قوم عليه بقدر ما يملكه وكان حكم الباقي حكم ما لو كان
معسرا.
والمديون بقدر ما له معسر والمريض معسر فيما زاد على الثلث والميت معسر
مطلقا، ولو أيسر بعد العتق لم يتغير الحكم، وقيل: إن قصد الإضرار فكه إن كان
موسرا وبطل عتقه إن كان معسرا، وإن قصد القربة لم يقوم عليه وإن كان موسرا
بل يستسعي العبد في قيمة الباقي، وقيل: مع إعساره يستقر الرق في الباقي.
الثاني: أن يعتق باختياره سواء كان ببيع أو اتهاب أو غيرهما، ولو ورث
471

شقصا من أبيه لم يقوم عليه على رأي ولو اتهب أو اشترى سرى، ولو قبل الولي هبة
أب الطفل عنه انعتق ولو قبل هبة البعض انعتق البعض، وفي التقويم إشكال ينشأ
من أن قبول الولي كقبوله كالوكيل ومن دخوله في ملكه بغير اختياره، فإن قلنا
بوجوب التقويم لم يكن للولي قبوله للضرر، وكذا لا يقبل الوصية ولا الهبة مع
الضرر كما لو أوصي له بأبيه الفقير العاجز، ولو كان الطفل أو المجنون معسرا جاز أن
يقبل الولي هبة الشقص.
الثالث: أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم كالوقف، والأقرب السراية في
الرهن والكتابة والاستيلاد والتدبير، ولو أعتقا دفعة لم يقوم حصة أحدهما على
الآخر، ولو ترتب فكذلك إن شرطنا الأداء أو كان الأول معسرا.
الرابع: تمكن العتق من نصيبه أولا فلو أعتق نصف شريكه كان باطلا ولو
أعتق نصف العبد انصرف إلى نصيبه ولزم التقويم ولو أعتق الجميع صح ولزمه
القيمة، و مع الشرائط هل يعتق أجمع باللفظ أو بالأداء أو يكون مراعى؟ فإن أدى
بأن العتق من وقت إيقاعه وإن لم يؤد بأن استقرار الملك في نصيب شريكه لمالكه؟
إشكال.
ويتفرع على ذلك مسائل:
أ: للشريك عتق حصته قبل الأداء إن شرطناه وإلا فلا، وليس له التصرف
فيه بغير العتق على القولين.
ب: يثبت الحرية في الجميع قبل الأداء إن لم نشترطه فيرثه ورثته، فإن فقدت
فالمعتق ولا شئ للشريك سوى القيمة، ويثبت أحكام الحرية من وجوب كمال
الحد وغيره.
ج: لو لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد أجمع وكانت القيمة في ذمته
يضرب بها الشريك مع الغرماء إن لم نشرط الأداء وإلا عتق النصيب خاصة.
472

د: لو أعتق حاملا فلم يؤد القيمة حتى وضعت فليس على المعتق إلا قيمتها
حين العتق، وإن شرطنا الأداء قوم الولد أيضا إن قلنا بالسراية في الحمل.
ه‍: لو مات العبد قبل الأداء مات حرا وعليه القيمة إن لم نشرط الأداء
وإلا لم يلزمه شئ.
و: لو ادعى أن شريكه أعتق نصيبه موسرا فأنكر حلف وكان نصيب المنكر
رقا ونصيب المدعي حرا مجانا، ولو شرطنا الأداء بقي رقا أيضا، ولو نكل استحق
المدعي باليمين المردودة قيمة نصيبه ولم يعتق نصيب المدعى عليه.
خاتمة: يعتبر القيمة يوم العتق ولو مات أخذت من تركته إن لم نشرط الأداء، ولو
هرب أو أفلس أخر حتى يرجع أو يوسر ويؤخذ القيمة، ولو اختلفا في القيمة قدم
قول المعتق مع يمينه، وقيل الشريك لأنه ينتزع منه، ولو ادعى صناعة تزيد قيمته
قدم قول المعتق قطعا إلا أن يكون العبد محسنا لها ولم يمض زمان يمكن تعلمه فيه
فيقدم قول الشريك، وإن مضى زمان احتمل قويا تقديم قول المعتق لأصالة البراءة
وقول الشريك لأصالة عدم التجدد، ولو اختلفا في عيب قدم قول الشريك مع
يمينه، ولو كان موجودا واختلفا في تجدده احتمل تقديم قول المعتق لأصالة البراءة
وعدم التجدد وقول الشريك لأصالة براءته من العيب حين الإعتاق.
ولو أعتق اثنان دفعة قومت حصة الثالث عليهما بالسوية اختلفت حصتهما أو
اتفقت، ولو كان أحدهما معسرا قوم على الموسر، ولو كان معسرا بالبعض قوم عليه
بقدر ما يملك وعلى الآخر بالباقي والولاء على قدر العتق، ولا فرق بين أن يكون
الشريكان مسلمين أو كافرين أو كان المعتق كافرا إن سوغنا عتق الكافر أو
بالتفريق.
ولو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه وليس له سواه لم يقوم على الورثة باقيه،
وكذا لو أعتقه عند موته أعتق من الثلث ولم يقوم عليه والاعتبار بقيمة الموصى به
473

بعد الوفاة وبالمنجز عند الإعتاق، والاعتبار في قيمة التركة بأقل الأمرين من حين
الوفاة إلى حين قبض الوارث لأن التالف بعد الوفاة غير معتبر والزيادة نمت على
ملك الوارث.
ولو ادعى كل من الشريكين الموسرين على صاحبه عتق نصيبه حلفا واستقر
الرق بينهما إن قلنا أنه ينعتق بالأداء وإن قلنا بالإعتاق عتق، ولو كانا معسرين
عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا أو يحلف مع أحدهما ويصير
نصفه حرا، ولو كان أحدهما عدلا كان له أن يحلف معه وعلى ما اخترناه من
الاستسعاء خرج نصيب كل منهما عن يده فيخرج العبد كله ويستسعي في قيمته
لاعتراف كل منهما بذلك في نصيبه.
وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق عليه ولم يسر إلى النصف الذي
كان له ولا يثبت له عليه ولاء، ولو أكذب نفسه في شهادته على شريكه ليسترق
ما اشتراه منه لم يقبل، أما الولاء فله لأن على العبد ولاء لا يدعيه سواه، وفيه
إشكال أقربه انتفاء الولاء عنه إذ ليس هو المعتق، نعم يثبت له المال لاعتراف
البائع له بالاستحقاق، فلو مات قبل العبد ورث العبد وارث المال لا الوفاء، فإن
أكذب البائع نفسه بعد إكذاب المشتري قدم قول البائع، ولو اشترى كل منهما
نصيب صاحبه عتق أجمع ولا ولاء لأحدهما عليه، فإن أعتق كل منهما ما اشتراه ثم
أكذب نفسه في شهادته يثبت الولاء، ولو أقر كل منهما بأنه كان قد أعتق وصدق
الآخر في شهادته بطل البيعان ولكل منهما الولاء على نصفه.
ولو كان أحدهما معسرا والآخر موسرا عتق نصيب المعسر وحده إن لم نشرط
الأداء ولا يقبل شهادة المعسر عليه، ويحلف الموسر ويبرأ من القيمة والعتق معا
ولا ولاء لأحدهما في نصيب المعسر، ولو أقام العبد شاهدا حلف معه وعتق نصيب
الموسر، ولو أعتق المعسر من الثلاثة نصيبه تحرر واستقر رق الآخرين إن لم نقل
بالاستسعاء، فإن أعتق الثاني نصيبه وكان موسرا سرى في حصة الثالث وكان ثلثا
474

الولاء للثاني، وإذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه عتق بعد الدفع ليقع العتق عن
ملك إن قلنا ينعتق بالأداء، وكذا إذا دفع قيمة باقي قريبه.
ولو استسعى العبد ثم أيسر المعتق فلا رجوع للعبد عليه، أما لو أيسر قبل الدفع
فإنه يضمن القيمة، وعلى ما اخترناه من السعاية الأقرب أنه قبلها مملوك في حصة
الشريك، ويحتمل أن يكون حرا والمال في ذمته فإذا مات أخذ مولاه بقية السعاية،
وعلى الأول يرث بقدر الرقية، والساعي كالمكاتب المطلق ينعتق منه بقدر
ما يؤدى، وإذا أثبتنا السعاية فإنه يستسعي حين أعتقه الأول، فإذا أعتقه الثاني لم
يصح إن قلنا بتحريره بالأول وإلا صح ولا سعاية عليه.
ولو أعتق المعسر حصته فهايأه الثاني أو قاسمه كسبه ثم مات العبد وفي يده
مال لم يكن للمالك فيه شئ لأنه حصل بجزئه الحر، ولو كان له نصف عبدين
متساويين لا يملك غيرها فأعتق أحدهما سرى إلى نصيب شريكه لأنه موسر بالنصف
من الآخر، فإن أعتق الآخر عتق لأن وجوب القيمة لا يمنع عتقه ولم يسر لأنه
معسر، ولو أعتق الثاني في مرضه لم يصح لأن عليه دينا.
المطلب الثاني: عتق القرابة:
فمن ملك أحد أبعاضه أعني أصوله وفروعه عتق عليه سواء دخل في ملكه باختياره أو بغير
اختياره وسواء كان المالك رجلا أو امرأة، وكذا لو ملك الرجل
إحدى المحرمات عليه نسبا أو رضاعا، ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين، ولو
ملك أحدهما من الرضاع من يعتق عليه لو كان نسبا عتق عليه ويثبت العتق حين
يتحقق الملك، ومن ينعتق عليه بالملك كله ينعتق بعضه لو ملك ذلك البعض، ولا
يقوم عليه لو كان معسرا ولا مع يساره لو ملكه بغير اختياره، ولو ملكه مختارا موسرا
فالأقرب التقويم، وهل يقوم اختيار الوكيل أو اختياره جاهلين مقام اختياره عالما؟
فيه نظر.
475

ولو أوصي له ببعض ولده فمات قبل القبول فقبله إخوة له سرى على الميت إن
خرج من الثلث فكأنه قبل في الحياة، ولو أوصي له ببعض ابن أخيه فمات فقبل
أخوه له لم يقوم على الأخ لأن الملك يحصل للميت ثم له فكأنه حصل له بغير
اختياره، ويحتمل التقويم، وكذا الاحتمال لو رجع إليه بعض قريبه برد عوضه
بالعيب، ولو اشترى هو وأجنبي صفقة قريبه عتق كله مع يساره وضمن قيمة
حصة شريكه.
ولو اشترى الزوج والولد أمه صفقة وهي حامل ببنت قومت حصة الزوج
على الابن وعتقت البنت عليهما معا لأنها بنت الزوج وأخت الابن وليس لأحدهما
على الآخر شئ، وكذا لو وهبت لهما فقبلاها دفعة، ولو قبلها الابن أولا عتقت
هي وحملها وغرم القيمة، وهل هي للزوج أو للواهب؟ إشكال، أقربه الثاني فله
نصف القيمتين وإلا فللزوج نصف قيمة الأم، ولو قبل الزوج أولا عتق عليه الولد
كله، ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها ويتقاصان على الأول ويرد كل منهما
الفضل إلى صاحبه، وكذا الوصية.
المطلب الثالث: القرعة:
ومحلها الكثرة إذا حصل العتق لبعضهم، فمن أعتق أحد عبيده ولم يعين ثم
مات قبله قيل: يعين الوارث، وقيل: القرعة، ومن أعتق في مرض الموت ثلاثة
أعبد لا مال سواهم دفعة أخرج واحد بالقرعة، ولو ترتب بدئ بعتق الأول فإن زاد
على الثلث نفذ بقدره ولو نقص أكمل من الثاني بقدره، وكذا لو أوصى على
ترتيب ولو اشتبه أو جمع أقرع، والتدبير كالوصية، ولو قال: الثلث من كل واحد
منكم حر، ففي إجزاء القرعة إشكال.
ولو مات أحدهم أقرع بين الميت والأحياء فإن خرجت على الميت حكم بموته
حرا وإلا رقا ولا يحتسب من التركة، ويقرع بين الحيين فيتحرر من يقع عليه
476

القرعة إن وفى بالثلث من التركة الباقية ولو عجز أكمل الثلث من الآخر، فإن
فضل منه شئ كان الفاضل رقا، ولو كان موته بعد قبض الورثة له حسب من
التركة، ولو دبرهم ومات أحدهم قبل المولى بطل تدبيره وأقرع بين الحيين فأعتق
من أحدهما ثلثهما.
ولو أعتق ثلاث إماء في مرض الموت لا يملك سواهن أخرجت واحدة بالقرعة،
فإن كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا، وإن كان سابقا فالأقرب
الرقية، ولو أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع أعتقه
الحاكم ويحكم بحريته من حين الإعتاق لا حين الوفاة فما اكتسبه بينهما للوارث
على رأي.
ولو أعتق المريض شقصا من عبد ثم مات معسرا فلا تقويم، فإن لم يكن غيره
عتق ثلثه، ولو خلف ضعف قيمة الشقص الباقي قوم عليه وعتق على إشكال ينشأ
من انتقال التركة إلى الورثة فلا يبقى شئ يقضي منه للشريك، أما لو أوصى
فالأقرب عدم التقويم وكذا التدبير، ولو ظهر دين مستغرق بعد الحكم بالحرية
لخروجهم من الثلث ظاهرا حكم ببطلان العتق، فإن قال الورثة: نحن نقضي الدين
ونمضي العتق، فالأقرب نفوذه لأن المانع الدين وقد سقط، ويحتمل عدمه لأن
الدين مانع فوقع باطلا ولا يصح بزوال المانع بعده.
ولو وقعت القرعة على واحد من الثلاثة فأعتق ثم ظهر دين يستغرق نصف
التركة احتمل بطلان القرعة لأن صاحب الدين شريك والصحة ويرجع نصف
العبد رقا، ولو ظهر له مال بقدر ضعفهم بعد رقية اثنين أعتقوا أجمع ويكون كسبهم
من حين الإعتاق لهم، وإن بيعوا بطل البيع وكذا لو زوجوهم بغير إذنهم، ولو
تزوج أحدهم بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحا، ولو ظهر له مال بقدر قيمتهم
عتق ثلثاهم فيقرع بين الاثنين الباقيين، ولو علق نذر العتق بشرط وجد في مرضه
أعتق من صلب المال.
477

ولو شهد بعض الورثة بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه، فإن شهد آخر
وكانا مرضيين نفذ العتق فيه أجمع وإلا مضى في نصيبهما ولا يكلف أحدهما شراء
الباقي، ولو شهد اثنان على رجل بعتق شقص قوم عليه الباقي، فإن رجعا غرما قيمة
العبد أجمع لأنهما فوتا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه.
ولو شهدا على المريض بعتق عبد هو ثلث تركته فحكم الحاكم بعتقه ثم شهد
آخران بعتق آخر هو ثلث ثم رجع الأولان، فإن سبق تاريخ شهادتهما ولم يكذب
الورثة رجوعهما عتق الأول ولم يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئا ويحتمل إلزامهما بشراء
الثاني وعتقه لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها، وإن صدقوهما في الرجوع
وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه عليهم
بشهادتهم المرجوع عنها، وإن تأخر بطل عتق المحكوم بعتقه ولم يغرما شيئا.
ولو كانتا مطلقين أو إحديهما أو اتفق التاريخان أقرع، فإن خرجت على الثاني
عتق وبطل الأول ولا غرم وإن خرجت على الأول عتق، ثم الورثة إن كذبوا
الأولين في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لتفويت رقه بغير
حق، وإن كذبوهما في رجوعهما لم يرجعوا بشئ.
خاتمة: في كيفية القرعة:
إذا أعتق ثلث عبيده أو أعتقهم أجمع مريضا ولا مال غيرهم فالفروض ستة:
أ: أن يكون لهم ثلث صحيح كثلاثة أو ستة أو تسعة قيمتهم واحدة ولا مال
سواهم فيقسمون ثلاثة أقسام: قسما للحرية وآخرين للرقية، يكتب ثلاث رقاع
واحدة " حرية " وفي آخرين رقية وتستر ثم يقال لرجل لم يحضر: أخرج على اسم
هذا القسم، فإن خرجت رقعة الحرية عتق وإن خرجت رقعة الرق رق، وأخرج
الأخرى على آخر، فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الثالث وإن خرجت رقعة
الرق عتق الثالث، أو يكتب اسم كل قسم في رقعة ثم يخرج رقعة على الحرية فيعتق
478

المسمون فيها ورق الباقيات، وإن أخرج على الرقية يرق المسمون فيها، ثم يخرج
أخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الثالث، وإن أخرج الثانية على الحرية
عتق المسمون فيها ورق الثالث.
ب: يمكن قسمهم أثلاثا وقيمتهم مختلفة يمكن التعديل فيها كستة، قيمة كل
واحد من اثنين ثلاثة آلاف وكل من آخرين ألفان وقيمة كل من الباقيين ألف،
فنجعل الأوسطين جزءا واحدا من الأولين وآخر من آخرين جزءا وكذا الثالث
ويعتمد القرعة كما تقدم.
ج: أن يكون عددهم متساويا وقيمتهم مختلفة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم
في العدد والقيمة معا بل بكل منهما منفردا كأن يكون قيمة أحدهم ألفا وقيمة
آخرين ألفا وقيمة ثلاثة ألفا، فالتعديل بالقيمة لا بالعدد، فنجعل الذي قيمته ألف جزءا
واللذين قيمتهما ألف جزءا والثلاثة الأخر جزءا ثم يقرع كما تقدم.
د: أن يكون تعديلهم بالقيمة دون العدد كسبعة قيمة أحدهم ألف وقيمة
اثنين ألف وقيمة أربعة ألف فيعدلون بالقيمة أيضا.
ه‍: أن يكون تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة قيمة اثنين ألف وقيمة اثنين
سبعمائة وقيمة اثنين خمسمائة فنقسمهم أثلاثا بالعدد، فنجعل كل اثنين قسما
فنجعل المتوسطين جزءا، وواحدا من الأقل مع واحد من الأرفع جزءا ويقرع، فإن
خرجت الحرية على جزء قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فيعتق من تخرجه
ومن الآخر تتمة الثلث، فإن خرجت على الأقل عتقا وأكمل الثلث من الباقيين
بالقرعة.
و: أن لا يمكن تعديلهم بالعدد ولا بالقيمة كخمسة قيمة واحد ألف واثنين
ألف واثنين ثلاثة آلاف فيحتمل تجزئتهم ثلاثة الأكثر جزء، وتضم إلى الثاني أقل
الباقيين قيمة ونجعلهما جزء والباقيين جزء، ثم يقرع بسهم حرية وسهمي رق
ويعدل الثلث بالقيمة كما تقدم، ويحتمل عدم التجزئة بل يخرج القرعة على واحد
479

واحد حتى يستوفى الثلث، فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ثم يخرج على الحرية، فإن
كان الخارج بقدر الثلث عتق وإن زاد استسعى في الباقي وإن نقص أكمل من
البواقي بقدر الثلث بالقرعة، والأقرب عندي استعمال الأخير في جميع الفروض.
ولو كان له مال ضعف قيمة العبد عتقوا وإن كان أقل عتق قدر ثلث المال
من العبيد، فإذا كان العبيد نصف المال عتق ثلثاهم وإن كانوا ثلثيه عتق نصفهم
وإن كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة اتساعهم، وطريقه أن نضرب قيمة العبيد في
ثلاثة ثم ينسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها، فلو كانت
قيمتهم ألف والباقي ألف ضربت قيمة العبيد في ثلاثة يكون ثلاثة آلاف، ثم
ينسب إليها الألفين فتكون ثلثيها فيعتق الثلثان، ولو كان قيمتهم ثلاثة آلاف
والباقي ألف ضربنا قيمتهم في ثلاثة يصير تسعة آلاف وننسب إليها التركة أجمع
يكون أربعة اتساعها فيعتق أربعة اتساعهم، ولو كانت قيمتهم أربعة آلاف والباقي
ألف عتق ربعهم وسدسهم.
ولو كان عليه دين بقدر نصفهم قسموا نصفين وكتب رقعتان رقعة للدين
ورقعة للتركة، فيباع من تخرج للدين ويبقى الباقي جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة،
ولا تجوز القرعة بما فيه خطر مثل: إن طار غراب ففلان يتعين للحرية.
المطلب الرابع: في الولاء: ومباحثه ثلاثة:
الأول: في سببه:
وسببه التبرع بالعتق إذا لم يتبرأ من ضمان الجريرة وإن كان بعد الموت
كالتدبير، فلو لم يتبرع بل أعتق في واجب كالنذر والكفارة والكتابة وشراء العبد
نفسه والاستيلاد على رأي، والعتق بعوض وعتق القرابة على رأي سقط، وكذا لو
تبرع بالعتق وشرط سقوط ضمان الجريرة، والأقرب أنه لا يشترط في سقوطه
الإشهاد بالبراءة، ولو نكل به فانعتق فلا ولاء، وحقيقة الولاء لحمة كلحمة النسب
480

فإن المعتق سبب لوجود الرقيق لنفسه كالأب.
والمولى إما المعتق أو معتق الأب وإن علا أو معتق الأم أو معتق المعتق
وهكذا، ثم يسري الولاء إلى أولاد المعتق إلا أن يكون فيهم من مسه الرق فلا ولاء
عليه أصلا إلا لمعتقه أو عصبات معتقه أو كان فيهم من أبوه حر أصلي ما مس الرق
أباه، وكذا لو كانت أمه حرة أصلية، ولو تزوج المملوك بمعتقة فأولدها فالولاء لمولى
الأم ما دام الأب رقا، فلو كان حرا في الأصل فلا ولاء.
ويثبت الولاء مع اختلاف دين السيد وعتيقه وللذكر على الأنثى وبالعكس،
ولو سوغنا عتق الكافر فأعتق حربي مثله ثبت الولاء، فإن جاء المعتق مسلما
فالولاء بحاله، فإن سبي السيد وأعتق فعليه الولاء لمعتقه وله الولاء على معتقه،
وهل يثبت لمولى السيد ولاء على معتقه؟ الأقرب ذلك لأنه مولى مولاه، ويحتمل
عدمه لأنه لم يحصل منه إنعام عليه ولا سبب لذلك، فإن كان الذي أعتقه مولاه
فكل مولى صاحبه، وإن أسره مولاه وأجنبي وأعتقاه فولاؤه بينهما نصفان، فإن
مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله لأنه مولى نصف مولاه على إشكال.
ولو سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني،
وكذا لو أعتق ذمي كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق، أما لو أعتق مسلم كافرا
وسوغناه فهرب إلى دار الحرب وسبي فالأقرب جواز استرقاقه، فإن أعتق احتمل
ثبوت الولاء للثاني لتأخره، وللأول لثبوته أولا وهو معصوم فلا يزول بالاستيلاء،
وبينهما لعدم الأولوية.
ولو اشترى عبدا بشرط العتق فلا ولاء لمعتقه لوجوبه على إشكال، ولا ولاء لو
أعتق في زكاة أو كفارة، ولو ملك ولده من الزنى فالأقرب عدم استقرار
الرق، وعلى الرق، فإن أعتقه تبرعا فله ولاؤه، ولو أعتق عبده في كفارة غيره من غير إذنه فلا
ولاء، فلو أعتقه تبرعا عنه باذنه فالولاء للآذن إن تبرع سواء كان بعوض أو لا، ولو
قال للسيد: أعتقه عنك والثمن علي، فالولاء للسيد على إشكال وعليه الثمن،
481

ولو أوصى بالعتق تبرعا فالولاء له، ولا يثبت الولاء بالالتقاط ولا بالإسلام على
يده.
البحث الثاني: في حكم الولاء:
وحكم الولاء العصوبة فيفيد الميراث وتحمل العقل، ولا يثبت الولاء لامرأة
على رأي إلا إذا باشرت العتق فلها الولاء عليه وعلى أحفاده وعتيقه وعتيق عتيقه
كالرجل، ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا اشتراطه في بيع وغيره، وهل ينتقل
عن المعتق بموته ويورث؟ إشكال ينشأ من قوله ع: الولاء لحمة كلحمة
النسب، والأقرب العدم، نعم يورث به إجماعا.
ولو كان المعتق جماعة فالولاء بينهم بالحصص رجالا كانوا أو نساء أو
بالتفريق. ولا يرث المنعم إلا مع فقد كل نسب للمعتق، فلو خلف العتيق وارثا
بعيدا ذا فرض أو غيره لم يكن للمنعم شئ، ويأخذ الزوج أو الزوجة نصيبهما الأعلى
والباقي للمنعم مع فقد كل نسب، ولو عدم المنعم قيل: يكون الولاء للأولاد ذكورا
كانوا أو إناثا، وقيل: إن كان رجلا، وقيل: للأولاد الذكور خاصة رجلا كان
المنعم أو امرأة، وقيل: إن كان رجلا فلأولاده الذكور خاصة وإن كان امرأة
فلعصبتها دون أولادها وإن كانوا ذكورا.
ويرث الولاء الأبوان والأولاد، فإن انفردوا لم يشركهم أحد من الأقارب،
ويقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به
كغيره، فإن عدم الأبوان والأولاد وأولادهم ورثه الإخوة، وهل يرث الأخوات؟
قيل: نعم لأنه لحمة كلحمة النسب، ويشترك الإخوة والأجداد والجدات، فإن
فقدوا أجمع فالأعمام والعمات وأولادهم، الأقرب يمنع الأبعد.
ولا يرث الولاء من يتقرب بالأم خاصة من الإخوة والأخوات والأجداد
والجدات والأخوال والخالات، فإن لم يكن للمنعم قرابة ورث الولاء مولى المولى،
482

فإن عدم فقرابة مولى المولى لأبيه دون أمه، وأب المنعم أولى من معتق الأب
وكذلك معتق معتق المعتق أولى من معتق أبي المعتق.
البحث الثالث: في جر الولاء: وشرطه أمور أربعة:
أ: أن يكون الأب عبدا حين الولادة، فإن كان حر الأصل وزوجته مولاة فلا
ولاء على ولده، وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه ابتداء ولا جر.
ب: أن تكون الأم مولاة فلو كانت حرة في الأصل فلا ولاء.
ج: أن يعتق الأب فلو مات على الرق لم ينجر الولاء بحال، فلو اختلف
السيدان فقال سيد العبد: مات حرا، قدم قول مولى الأم لأصالة بقاء الرق.
د: أن لا يباشر بالعتق فلو ولدت المعتقة عبدا فأعتقه مولاه أو أعتقوا حملا مع
أمهم فلا جر، ولو حملت بهم أحرارا بعد العتق من مملوك فولاؤهم لمولى أمهم، ولو
كان أبوهم حرا في الأصل فلا ولاء، ولو كان أبوهم معتقا فولاؤهم لمولى أبيهم، ولو
أعتق أبوهم بعد ولادتهم أو بعد الحمل بهم انجر الولاء من مولى أمهم إلى مولى أبيهم،
وهل يشترط في الجر التحاق النسب؟ إشكال. فإذا انجر الولاء إلى مولى الأب ثم
انقرضوا عاد الولاء إلى عصباتهم، فإن فقدوا فإلى موالي عصباتهم وهكذا، فإن فقدوا
فإلى ضامن الجريرة، فإن لم يكن رجع إلى بيت المال ولم يرجع إلى موالي الأم بحال.
ولو لم يعتق الأب لكن أعتق الجد انجر الولاء إلى معتقه، فإن أعتق الأب بعد
ذلك انجر الولاء إلى معتق الأب من معتق الجد وهذا جر جر الولاء، ولو كان الجد
بعيدا وأعتق انجر الولاء إليه، فإن أعتق القريب انجر من معتق البعيد إلى معتق
القريب، فإن أعتق الأب أنجز إلى معتقه وعلى هذا، ولو كان الجد حرا في الأصل
والأب مملوكا فتزوج بمولاة قوم فأولدها احتمل أن يكون الولاء لمولى الأم وسقوطه
لحرية الجد.
ولو كان الأبوان رقا فأعتقت الأم ثم وضعت لدون ستة أشهر، فإن قلنا
483

بالسراية إلى الحمل لم ينجر الولاء لأنهم عتقوا بالمباشرة، ولو أتت به لأكثر من ستة
أشهر مع بقاء الزوجية لم نحكم برقه وانجر ولاءه لاحتمال حدوثه بعد العتق فلا يمسه
الرق ولا يحكم برقه بالشك، ولو أنكر المعتق ولد زوجته المعتقة وتلاعنا فولاء
الولد لمولى الأم على إشكال، وكذا لو زنا بها الأب عالمة أو جاهلة مع قوة الإشكال
فيه، فإن اعترف به أبوه بعد اللعان لم يرثه الأب ولا المنعم على الأب لأن النسب
وإن عاد فإن الأب لا يرثه ولا من يتقرب به.
ولو أولد مملوك من معتقة ابنا فولاؤه وولاء إخوته منها لمولى أمه، فإن اشترى
الولد أباه عتق عليه وانجر ولاء أولاده كلهم إليه على إشكال، وهل ينجر ولاء
نفسه إليه فيبقي حرا لا ولاء عليه أو يبقى ولاؤه لمولى أمه؟ إشكال ينشأ من كون
الولاء ثابتا على أبويه دونه، مع أنه ولد وهما رقان في الأصل أو عليهما ولاء، ولو
كان المشتري لأبيه ولد الزنى وأعتقه - إن قلنا بعدم العتق في الزنى - ثبت له الولاء
قطعا وانجر ولاء الأولاد وولاؤه إليه.
أما لو اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه فاشترى العبد الأب فأعتقه دار الولاء،
وصار الولد مولى المشتري لمباشرته العتق، والمشتري مولى له لأنه أعتق أباه وانجر
ولاء الولد من مولى الأم إليه، وصار كل منهما مولى الآخر من فوق وأسفل ويرث
كل منهما الآخر بالولاء، فإن ماتا ولا مناسب لهما قيل: يرجع الولاء إلى مولى الأم،
وفيه نظر أقربه العدم وميراثه للإمام، وهل يرث الإمام الولاء؟ إشكال، فإن قلنا
به لم يرد على الزوجين لو قلنا به.
ولو تزوج ولد المعتقة معتقة فاشترى ولده منهما جده عتق عليه وله ولاؤه على
إشكال وينجر إليه ولاء أبيه وسائر أولاد جده - وهم عمومته وعماته - وولاء
جميع معتقيهم، ويبقى ولاء المشتري لمولى الأم أو يبقى حرا لا ولاء عليه على ما تقدم
من الاحتمال، ولو تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولدا فولاؤه لمعتق أمه، فإن تزوج الولد
بمعتقة آخر فأولدها ولدا، فالأقرب أن ولاء الولد الثاني لمولى أمه لأن الولاء الثابت
484

على أبيه من جهة أمه ومثله ثابت في حق نفسه، وما ثبت في حقه أولى مما ثبت
في حق أبيه، ويحتمل أن يكون لمولى أم الأب، لأن الولاء الثابت على الأب يمنع
ثبوت الولاء لمولى الأم، ولأن علة الانجرار الإنعام على الأب بالعتق والمنعم على
الأب هنا هو مولى أم الأب.
ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج الابن
ببنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه، فإن
تزوجت بنت المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له، فإن كان أبوها
ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي الأم على الوجه الثاني لأن مولى أم أبي الأم
ثبت له الولاء على أبي الأم فكان مقدما على أمها وثبت له الولاء عليها.
ولو تزوج عبد بمعتقة فأولدها بنتين فاشترتا أباهما عتق عليهما ولهما عليه الولاء
على إشكال والفائدة في العقل، فلو مات الأب كان الميراث لهما بالتسمية والرد لا
بالولاء لأنه لا يجتمع الميراث بالولاء مع النسب عندنا، ولو ماتتا أو إحديهما
والأب موجود فالميراث له، ولو لم يكن موجودا كان ميراث السابقة لأختها
بالتسمية والرد ولا ميراث بالولاء لوجود المناسب، ولو ماتت الأخرى ولا وارث
لها هل يرثها مولى أمها؟ فيه إشكال ينشأ من انجرار الولاء إليهما بعتق الأب أو لا،
والأقرب عدمه إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب والعتق، فإن قلنا بالجر فكل
واحدة منهما قد جرت نصف ولاء أختها لأنها أعتقت نصف الأب ولا ينجر الولاء
الذي عليها، فيبقي نصف ولاء كل واحدة منهما لمولى أمهما.
ولو أعتقت المرأة مملوكا فأعتق آخر فميراث الأول لمولاته والثاني للأول، فإن لم
يكن ولا مناسبوه فميراث الثاني لمولاة المولى. ولو اشترت أباها عتق عليها، فإن
اشترى مملوكا فأعتقه ومات الأب ثم مات المعتق ولا وارث له سواها ورثت
النصف بالتسمية والباقي بالرد لا بالتعصيب، إن قلنا يرث الولاء ولد المعتق وإن
كن إناثا، وإلا كان الميراث لها بالولاء إن قلنا بثبوت الولاء بالشراء.
485

ولو اشترى أحد الولدين مع أبيه مملوكا فأعتقاه ثم مات الأب ثم المعتق
فللمشتري ثلاثة أرباع تركته ولأخيه الربع، والمولود من حرين إذا كان أجداده
عبيدا ثبت الولاء عليه لمعتق أم الأم إذا أعتقها أولا، ثم ينجر منه إلى معتق أب الأم
ثم منه إلى معتق أم الأب ثم منه إلى معتق أب الأب ويستقر عليه إلا أن يكون
الأب رقيقا فينجر إلى معتقه، ولو اشترى ابن وبنت أباهما فانعتق فاشترى عبدا
فأعتقه ثم مات الأب ثم العتيق ورثه الابن خاصة لأنه العصبة، بل لو خلف
العتيق ابن عم المعتق والبنت كان الميراث لابن العم.
المقصد الثاني: في التدبير: وفيه فصول:
الأول: في حقيقته وصيغته:
التدبير عتق المملوك بعد وفاة مولاه، وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج
الأمة ومن يجعل له الخدمة نظر أقربه الجواز، وصيغته: أنت حر بعد وفاتي، أو: إذا
مت فأنت حر، أو عتيق، أو معتق، ولو قال: أنت مدبر، فالأقرب الوقوع، أما لو
قال عقيبه: فإذا مت فأنت حر، صح إجماعا، ولا عبرة باختلاف أدوات الشرط أو
ألفاظ المدبر مثل: إذا مت أو إن مت أو أي وقت أو أي حين، وسواء قال: أنت
حر أو هذا أو فلان، ولو أتى باللفظ الدال على العتق بالكناية لم يقع، وهو إما
مطلق كما تقدم أو مقيد مثل: إذا مت في سفري فأنت حر أو في سنتي أو في مرضي
هذا أو في بلدي أو شهري أو سنة كذا، على رأي.
ولا يقع إلا منجزا فلو علقه بشرط أو صفة بطل مثل: إن قدم المسافر فأنت
حر بعد وفاتي، أو: إن أهل شوال مثلا فأنت حر بعد وفاتي، أو: أنت حر بعد وفاتي
إن شئت، أو: إن دخلت الدار فأنت حر بعد وفاتي، سواء دخل أو لا، أو: إن
دخلت الدار بعد وفاتي فأنت حر، أو: أنت حر بعد وفاتي بسنة أو شهر، أو: إن
أديت إلي كذا أو إلى ابني فأنت حر.
486

ولو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حر، انصرف قول كل منهما إلى نصيبه
وصح التدبير ولم يكن معلقا على شرط، وينعتق بموتهما إن خرج نصيب كل من
ثلثه، ولو خرج نصيب أحدهما خاصة عتق وبقي نصيب الآخر، ولو مات أحدهما
أولا تحرر نصيبه من الثلث وبقي الباقي مدبرا ينعتق بموت مالكه، أما لو قصدا عتقه
بعد موتهما بطل التدبير وإنما يصح لو قصدا توزيع الأجزاء على الأجزاء.
الفصل الثاني: في المباشر:
وهو كل مالك بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف ناو، فلا يصح تدبير
الصبي وإن بلغ عشرا مميزا على رأي، ولا المجنون ولا السكران ولا الساهي ولا
المكره ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ولا غير الناوي للتقرب
على إشكال، فإن شرطنا نية التقرب لم يقع من الكافر وإن كان ذميا أو مرتدا وإن كان عن غير فطرة
على إشكال، ولو لم نشرط صح تدبير المرتد لا عن فطرة - فإن تاب نفذ وإلا فلا -
والكافر.
فإن أسلم العبد بيع عليه من مسلم سواء رجع في تدبيره أو لا، فإن مات المولى
قبل بيعه تحرر من ثلثه إن لم يكن قد رجع، فإن قصر الثلث تحرر بقدره وكان الباقي
للوارث، فإن كان مسلما استقر ملكه عليه وإلا قهر على بيعه من مسلم. ولو ارتد
السيد بعد التدبير لم يبطل تدبيره، فإن مات مرتدا عتق المدبر من الثلث إن لم يكن
عن فطرة، وإن كان عنها لم ينعتق بموته لخروج ملكه عنه بالردة ولا يصح تدبير
المرتد عن فطرة. ويصح تدبير الأخرس ورجوعه بالإشارة، ولو خرس بعد التدبير
فرجع صح مع العلم بإشارته.
الفصل الثالث: المحل:
وهو كل مملوك غير وقف، فلا ينفذ تدبير غير المملوك وإن علقه بالملك ولا
487

الوقف. ويصح تدبير الجاني وأم الولد والمكاتب، فإن أدى مال الكتابة عتق بها
وإلا عتق بموت المولى بالتدبير إن خرج من الثلث وإلا عتق بقدره ويسقط من
مال الكتابة بنسبته وكان الباقي مكاتبا، ولو دبره ثم كاتبه بطل التدبير، أما لو
قاطعه على مال ليعجل عتقه لم يبطل تدبيره قطعا، وهل يشترط إسلامه؟ الأقرب
ذلك إن شرطنا نية التقرب ومنعنا من عتق الكافر وإلا فلا.
ولا فرق بين أن يكون المدبر ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا أو حملا ولا
يسري إلى أمه، ويصح الرجوع فيه، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين
التدبير صح وإلا فلا لاحتمال تجدده بعده وتوهم الحمل، ولو ادعت تجددهم بعد
التدبير والورثة سبقهم قدم قولهم لأن الأصل بقاء الرقية، ويصح تدبير بعض الجملة
مشاعا كالنصف والثلث ولا ينعتق عليه الباقي ولا يسري التدبير إليه، وكذا لو
دبره أجمع صح أن يرجع في بعضه ولا يقوم عليه حصة شريكه.
ولو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما لم يقوم عليه حصة الآخر، والوجه التقويم،
ولو دبر أحدهما ثم أعتق وجب عليه فك حصة شريكه، ولو أعتق الشريك لم يفك
حصة التدبير على إشكال، ولو دبر بعضا معينا كيده أو رجله أو رأسه لم يصح، ولو
دبر أحد عبديه غير معين فالأقرب الصحة ويعين من شاء، فإن مات قبله فالأقرب
القرعة.
ويصح تدبير الآبق، ولو أبق بعد التدبير بطل تدبيره وكان هو ومن يولد له
بعد الإباق رقا إن ولد له من أمة، وأولاده قبل الإباق على التدبير، ولو ارتد
المملوك لم يبطل تدبيره إلا أن يلتحق بدار الحرب، ولو مات مولاه قبل التحاقه عتق،
ولو جعل خدمته لغيره مدة حياة الغير ثم هو حر بعد موت الغير لم يبطل تدبيره بإباقه
ويكون جعل الخدمة لازما لأنه رقبى، وينعتق من الأصل إن بقي المالك حيا وإن
مات قبله فإشكال.
ولو دبر أمته لم تخرج عن الرقية وله وطؤها ووطء ابنتها التابعة لها، فإن حملت
488

منه عتقت بعد موت مولاها من الثلث، فإن عجز عتق الباقي من نصيب الولد، ولو
حملت بمملوك من زنا أو عقد أو شبهة كان الولد مدبرا كأمه، فإن رجع المولى في
تدبير الأم، قيل: لم يكن له الرجوع في تدبير الولد وليس بمعتمد، ولو أتى المدبر بولد
بعد تدبيره فهو كأبيه مدبرا، ولو رجع في تدبيرها فاتت بولد لستة أشهر فصاعدا من
حين الرجوع لم يكن مدبرا لاحتمال تجدده، ولو كان لأقل من ستة أشهر فهو مدبر،
ولو دبر الحامل لم يكن تدبيرا للحمل وإن علم به على رأي.
الفصل الرابع: في الأحكام:
التدبير كالوصية يمضى من الثلث بعد موت المولى وإيفاء الديون، فإن قصر
الثلث عتق منه بقدره ولو لم يكن غيره عتق ثلثه، ولو كان المال غائبا عتق ثلثه ثم
كلما حصل من المال شئ عتق منه بنسبة ثلثه، ولو كان هناك دين مستوعب بطل
التدبير وبيع المدبر فيه، ولو زادت قيمته بيع مساويه وتحرر ثلث الباقي وكان ثلثاه
ميراثا سواء سبق التدبير الدين أو تأخر، ولو دبر جماعة فإن خرجوا من الثلث وإلا
عتق من يحتمله ويبدأ بالأول فالأول، فإن جهل أو لم يرتب فالقرعة، ولو حملت بعد
التدبير فإن خرجت هي والأولاد من الثلث عتقوا وإلا قسط عليهما فيعتق من كل
واحد بقدر ما يحتمله الثلث من جميعهم، وسعى في قسطه من الزيادة لأنهم جميعا
بمنزلة عبد واحد لم يحتمله الثلث.
ويجوز الرجوع في التدبير قولا أو فعلا، فلو وهب وإن لم يقبض أو أعتق أو
وقف أو أوصى به أو باعه على رأي أو رهنه بطل التدبير مطلقا أو مقيدا، ويصح
العقد وإن لم يرجع في التدبير وسواء قصد ببيعه الرجوع في التدبير أو لا، وهل
يبطل التدبير بالعقود الفاسدة؟ الأقرب ذلك إن لم يعلم فسادها أو قصد الرجوع،
وقيل: لا يبطل التدبير بالبيع إذا لم يرجع فيه بل يمضى البيع في خدمته دون رقبته،
بمعنى ملكية المشتري متزلزلا - كمشروط العتق بخلاف تغاير جنس المبيع على
489

إشكال - ويتحرر بموت مولاه، فحينئذ يثبت للمشتري الجاهل بالتدبير أو بالحكم
على إشكال، الخيار إن لم يتصرف، ومعه الأرش.
ولو أعتق بموت المولى، وهل له الرجوع؟ إشكال، فإن قلنا به فلو باعه أو
أمهره ثم رجع ففي العود إلى المشتري والزوجة على هذا القول إشكال، أقربه ذلك
إن قلنا بالانتقال المزلزل، ولو أعتقه المشتري قبل الرجوع نفذ وبطل حق البائع
منه، ولو دبره عتق بموت السابق منهما، فإن كان هو البائع عتق من الأصل لوصول
العوض إليه، والمشتري من الثلث.
ولو دبره البائع مريضا ثم باعه بقيمته مدبرا وقصر الثلث عن التفاوت كما
لو
كانت قيمته ثلاثين وباعه مدبرا بعشرة هي قيمته مدبرا وعادت قيمة الجزء بفسخ
التدبير فيه دخلها الدور عندنا وعند الشيخ، لوقوع الشراء بالقيمة فلا يمكن فسخ
البيع في جزئه مع بقاء ثمنه لاشتماله على غبن المشتري فطريقه ما مرا ولا يشكل
بتقسيط الثمن بالسوية هنا مع تفاوت قيمة الجزئين لأنه إذا بطل البيع في جزء
يبطل من الثمن ما لو صح البيع في ذلك الجزء لكان الباطل من الثمن ثمنا له،
وهو هنا كذلك فإن الزيادة حصلت هنا باعتبار بطلان البيع.
ولو لم تعد قيمة الجزء، فإن قلنا بصحة التدبير وإجرائه مجرى الإتلاف صح
التدبير والبيع في الجميع لعدم عود أزيد من العشرة وقد حصلت بالبيع، وإن قلنا
ببطلانه، فإن لم تعد القيمة مع التشقيص بالبيع بطلا معا، وإن عادت بتشقيص
البيع دون التدبير فالأقوى إجراؤه مجرى تدبير الشريك، ويحتمل بطلانهما معا إن قلنا
برد الملك إلى المشتري مع رجوع المالك في التدبير لانتقاله إلى المشتري مدبرا فيلزم
من صحة البيع صحة التدبير، فإن قلنا بعود الملك إلى البائع احتمل بطلان التدبير
وصحة البيع في خدمته من الثلث مع المحاباة فيها فيرجع إلى الورثة بعد الموت
لانصراف البيع إلى خدمته حال حياة المولى.
490

تنبيه:
الولاء على قول الشيخ للبائع، فإن أعتقه المشتري فالولاء له ولو دبره فالولاء
لمن انعتق بموته، ولو أنكر التدبير لم يكن رجوعا وإن حلفه العبد المدعي، وكذا
إنكار الوصية والوكالة والبيع الجائز بخلاف إنكار الطلاق، ولو ضمه المريض مع
العتق قدم العتق، وإن ضمه مع الوصية بالعتق احتمل تقديمه لتوقف العتق على
الإعتاق بعد الموت وحصول العتق فيه بالموت وتقديم السابق، ولو قال له المولى:
إذا أديت إلى ورثتي كذا فأنت حر، كان رجوعا، وليس الرجوع في تدبير الحمل
رجوعا في تدبير الحامل وبالعكس.
وإذا استفاد المدبر مالا في حياة مولاه فهو لسيده وإن كان بعده، فإن خرج
المدبر من ثلث التركة سوى الكسب فالكسب له وإلا كان له منه بقدر ما يتحرر
منه والباقي للورثة، ولو ادعى الوارث سبق الكسب على الموت والعبد تأخره قدم
قوله، فإن أقاما بينة قدمت بينة الوارث هذا إن خرج من الثلث، ولو لم يخلف سواه
وكان الكسب ستين ضعف قيمته قدم قول العبد أيضا ويحسب على الورثة ما يصل
إليهم من الكسب بإقرارهم.
وهل للعبد بالجزء الذي انعتق بإقرارهم مقابله من كسبه؟ إشكال ينشأ من
إجراء إقرار الورثة مجرى الإجازة أم لا، فعلى الأول يدخلها الدور فنقول: عتق منه
شئ وله من كسبه شيئان وللورثة شيئان من نفسه وكسبه فالعبد وكسبه في
تقدير خمسة أشياء، فالشئ ثمانية عشر فله من نفسه ثمانية عشر ومن كسبه ضعف
ذلك، وللورثة من نفسه وكسبه ستة وثلاثون، وعلى الثاني يعتق سبعة اتساعه وله
من كسبه عشرون، ومنه يستخرج حكم ما قصر الكسب فيه عن ضعفه أو خلف
شيئا معه.
وإذا جني على المدبر بما دون النفس فالأرش للمولى والتدبير باق، ولو قتل
بطل ويأخذ المولى قيمته مدبرا، ولو قتله عبد عمدا قتل به إن ساواه أو قصر عنه،
491

ولا يقتل الحر ولا من تحرر بعضه، ولو جنى المدبر تعلق أرش جنايته برقبته،
وللمولى فكه بأرش الجناية والأقرب بأقل الأمرين فيبقي على التدبير، ولو باعه فيها
أو سلمه إلى المجني عليه أو وليه أنقض تدبيره إن استغرقت قيمته وإلا بطل
ما خرج عن ملكه منه، قيل: ولمولاه أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية، فيبقي على
تدبيره، وله أن يرجع في تدبيره ويبيعه فيبطل التدبير، وكذا لو باعه ابتداء، ولو
مات المولى قبل افتكاكه وقبل تملك المجني عليه له انعتق وثبت أرش الجناية في
رقبته لا في تركة مولاه وإن كانت خطأ.
ولو دبر عبدين وله دين بقدر ضعفهما عتق ممن تخرجه القرعة قدر ثلثهما
وكان الباقي والآخر موقوفا، فإذا استوفى من الدين شئ كمل من عتق من
أخرجته القرعة قدر ثلثه وما فضل عتق من الآخر وهكذا حتى يعتقا معا أو مقدار
الثلث منهما، ولو تعذر استيفاؤه لم يزد العتق على قدر ثلثهما، ولو خرج من وقعت
القرعة له مستحقا بطل العتق فيه وعتق من الآخر ثلثه، ولو دبر عبدا وله دين
بقدره عتق ثلثه ورق ثلثه ووقف ثلثه.
ولو كان له ابنان على أحدهما ضعف قيمته عتق من المدبر ثلثاه لأن حصة
المديون من الدين كالمستوفى وسقط عنه من الدين نصفه لأنه قدر حصته من
الميراث، ويبقى للآخر النصف وكلما استوفى منها شيئا عتق قدر ثلثه، ولو كان
الضعف دينا عليهما بالسوية عتق ولو تفاوتا فيه فبالنسبة إلى كل منهما، ولو قتل
مولاه احتمل بطلان تدبيره مقابلة له بنقيض مقصوده كالوارث ولأنه أبلغ من
الإباق، وأما أم الولد فلا لأنها تعتق من نصيب ولدها.
تنبيه:
قيمة المدبر يعتبر من الثلث حين الوفاة سليما من التدبير فيحسب نقصان الجزء
الذي بطل التدبير فيه التشقيص لو فرض عليه على إشكال، فلو لم يملك سواه وكانت
492

قيمته سليما ثلاثين ومدبرا عشرة ولم يرجع قيمة الجزء، احتمل بطلان التدبير
لاستلزامه التصرف بالوصية في أكثر من الثلث - بل البطلان فيه أظهر من العتق -
والصحة فيفرض النقص كالإتلاف فيعتق ثلثه الآن، ومع البطلان لو أجاز بعض
الورثة نفذ في حقه من الأصل وفي حق باقي الورثة من الثلث، والنقص كالتالف
كما لو دبر أحد الشريكين وهو أقوى من ابتداء التدبير لنفوذه من الأصل بالنسبة
إليه إن كان صحيحا ولتأثيره في العتق معجلا، ويعتبر خروج قيمته مدبرا من
الثلث في حق غير المجيز لا سليما.
فلو كان للميت عشرون عتق كله بإجازة بعض الورثة، ولو كان مريضا
فإجازته كابتداء تصرفه فلو لم يكن سواه بطلت على تقدير البطلان، ولو كان له
ما يزيد على قدر التالف بسبب الإجازة بجزء ما صحت إجازته من الثلث ويعتبر
قيمته الأولى لكونها سبب البطلان على إشكال ينشأ من الدور إذ بإجازته ينفذ في
حصة الآخر من الثلث فيعتق جزء ما من حصة الآخر، فيسقط اعتبار القيمة الأولى
بالنسبة إلى غير المجيز وإليه أيضا ومن أن اعتبار الأولى أصل ترتب هذه الأحكام.
ويحتمل إذا لم يكن له مال على تقدير البطلان الصحة أو نفوذ إجازته في ثلث
حصته يستلزم نفوذ العتق في جزء ما من حصة الآخر المستلزم لعدم اعتبار القيمة
الأولى في حق المجيز على إشكال ينشأ من استلزامه توقف الشئ على نفسه، إذ
الصحة متوقفة على عدم اعتبار القيمة الأولى المتوقف على نفوذه في جزء من حصة
الآخر المتوقف على الصحة، أما لو أجاز الآخر صحت إجازة المريض من الثلث
بقيمته الآن قطعا.
المقصد الثالث: في الكتابة: وفيه فصول:
الفصل الأول: في ماهية الكتابة:
وهي معاملة مستقلة بنفسها ليست بيعا للعبد من نفسه ولا عتقا بصفة، فلو
493

باعه نفسه بثمن مؤجل ففي الصحة نظر، وهي عقد لازم من الطرفين إلا إذا كانت
مشروطة وعجز العبد، وقيل: إن كانت مشروطة كانت جائزة من جهة العبد لأن
له تعجيز نفسه، وليس بمعتمد إذ يجب عليه السعي ويجبر عليه، ولو اتفقا على
التقايل صح، ولو أبرأه من مال الكتابة برئ وانعتق بالإبراء، ولا يثبت فيها خيار
المجلس، وليست واجبة بل مستحبة مع الأمانة والاكتساب ويتأكد مع سؤال
المملوك، ولو فقد الأولان أو أحدهما صارت مباحة، ولا يصح من دون الأجل على
رأي، ولا بد من إيجاب وقبول وعوض.
وهي إما مطلقة أو مشروطة: والمطلقة أن يقتصر على العقد مثل: كاتبتك على أن تؤدي إلي
كذا في شهر كذا، فيقول: قبلت، فيقتصر على العقد والأجل والعوض والنية.
والمشروطة أن يضيف إلى ذلك قوله: فإن عجزت فأنت رد في الرق، وكل
ما يشترطه المولى على المكاتب في العقد لازم إذا لم يخالف المشروع.
الفصل الثاني: في الأركان: وهي أربعة:
الركن الأول: العقد:
وهو أن يقول: كاتبتك على ألف مثلا في نجم فصاعدا، فيقول: قبلت، وهل
يفتقر مع ذلك إلى قوله: فإن أديت فأنت حر؟ فيه نظر، ولا بد من نية ذلك إن لم
يضمه لفظا، فإذا أدى انعتق وإن لم يتلفظ بالضميمة على رأي، وإذا عجز
المشروط كان للمولى رده في الرق، وحد العجز أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من
حاله العجز عن فك نفسه، وقيل: أن يؤخر نجما عن محله، وإذا أعاده كان له
ما أخذه منه، ويستحب للمولى الصبر عليه.
494

الركن الثاني: العوض: وشروطه أربعة:
الأول: أن يكون دينا فلا يصح على عين لأنها ليست ملكا له إذ العبد لا
يملك شيئا وإن ملكه مولاه.
الثاني: أن يكون منجما على رأي الأقرب عندي جواز الحلول، ولو شرطناه لم
نوجب أزيد من نجم واحد ولا حد للكثرة، وإذا شرطناه وجب أن يكون معلوما،
فلو أبهما الأجل كقدوم الحاج وإدراك الغلات لم يصح، ولو قال: كاتبتك على أن
تؤدي كذا في شهر كذا، على أن يكون الشهر ظرفا للأداء لم يصح على إشكال إلا
أن يعين وقته، وإذا تعددت النجوم جاز تساويها واختلافها، وكذا يجوز اختلاف
المقادير فيها مختلفة ومتساوية، وفي اشتراط اتصال الأجل في العقد إشكال والأقرب
المنع.
فلو كاتبه على أداء دينار بعد خدمة شهر صح ولا يلزم تأخير الدينار إلى أجل
آخر، فإذا مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة لتعذر العوض، فلو قال: علي
خدمة شهر بعد هذه الشهر صح على الأقوى، ولو كاتبه ثم حبسه فعليه أجرة مدة
حبسه، وقيل: يجب تأجيل مثلها، ولو أعتقه على أن يخدمه شهرا عتق في الحال
وعليه الوفاء، فإن تعذر فالأقرب قيمة المنفعة لا قيمة الرقبة، ولو دفعه قبل النجم لم
يجب على السيد قبضه، وإذا دفعه بعد الحلول وجب عليه القبول أو الإبراء، فإن
امتنع من أحدهما قبضه الحاكم فإن تلف فمن السيد.
الثالث: أن يكون معلوم الوصف والقدر، فلو كان أحدهما مجهولا لم يصح،
ويجب أن يذكر في الوصف كل ما يثبت الجهالة بتركه، فإن كان من الأثمان
وصفه كما يصفه في النسيئة وإن كان من العروض وصفه بوصف السلم، ولا
يتعين قدره قلة وكثرة، نعم يكره تجاوز قيمته، ويجوز أن يكون عينا ومنفعة وهما
معا بعد وصف المنفعة بما يرفع الجهالة، ويتقدر إما بالعمل كخياطة هذا الثوب أو
بالمدة كالخدمة أو السكنى سنة.
495

ولو جمع بين الكتابة وغيرها من المعاوضات كالبيع أو الإجارة أو النكاح صح
وإن اتحد العوض ويقسط العوض عليهما، ولو كاتبه الموليان بعوض واحد صح
وبسط على حصصهما، ولو اختلف عوضاهما صح اختلف حصتهما أو اتفقت وليس
له الدفع إلى أحدهما دون الآخر، فإن فعل شاركه الآخر إلا أن يأذن أحدهما
لصاحبه، ولو كاتب عبدين له في عقد صح وبسط العوض على القيمتين يوم العقد
وأيهما أدى عتق من غير ارتقاب صاحبه وأيهما عجز رق خاصة، ولو شرط كفالة
كل منهما لصاحبه جاز، ولو شرط الضمان تحول على كل منهما على صاحبه وانعتقا.
الرابع: أن يكون مما يصح تملكه للمولى، فلا يصح على ما لا يصح تملكه
كالخمر والخنزير، ولو كاتب الذمي مثله عليه صح، فإن تقابضا قبل الاسلام عتق
وبرئ، ولو تقابضا البعض برئ منه خاصة، فإن أسلما أو أحدهما قبل التقابض أو
بعد تقابض البعض لم تبطل الكتابة وكان على العبد القيمة عند مستحليه.
فروع:
أ: لو ادعى المالك تحريم العوض أو غصبه وامتنع من قبضه، فإن أقام بينة لم
يلزمه قبوله، وإن لم يكن بينة حلف العبد وألزم المولى القبض أو الإبراء، فإن
قبض أمر بالتسليم إلى من عزاه إليه إن كان قد عينه أولا وإلا ترك في يده وفي
انتزاعه نظر، فإن امتنع من القبض قبضه الحاكم ويحكم بعتق العبد.
ب: لو شرطا عوضا معينا لم يلزمه قبول غيره إلا الأجود.
ج: لو قبض أحد السيدين كمال حقه بإذن الآخر عتق نصيب القابض ولا
يقوم عليه نصيب الآذن ولا يسري العتق، ويأخذ الآذن ما في يده بقدر ما دفع إلى
الآخر والباقي بين العبد وسيده الثاني، إن بطلت كتابة الثاني بموت أو عجز.
د: لو ظهر استحقاق المدفوع بطل العتق وقيل له: إن دفعت الآن وإلا
فسخت الكتابة، ولو مات بعد الأداء مات عبدا، ولو ظهر معيبا تخير بين الأرش
496

والرد فيبطل العتق على إشكال، ولو تجدد في العوض عيب عند السيد لم يمنع من
الرد بالعيب الأول مع أرش الحادث، وقال الشيخ: يمنع، ولو تلفت العين عند
السيد استقر الأرش، ولو قال له السيد عقيب دفع المستحق: أنت حر، لم يعتق
بذلك، فإن ادعى المكاتب قصد إنشاء العتق قدم قول السيد.
ه‍: لو أقام العبد شاهدا واحدا على الدفع حلف معه وإن منعنا من الشاهد
واليمين في العتق، ولو حلف السيد فسخت الكتابة مع التأخير، فإن ادعى العبد
غيبة الشهود أنظر إلى أن يحضرها، فإن لم يحضر حلف السيد، فإن حضر بعده
الشاهدان ثبت الحرية.
و: لو أبرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق، ولو أبرأه من البعض برئ
منه وكان على الكتابة في الباقي، ولو أقر بالقبض عتق وإن كان مريضا، فإن
كان غير متهم فكذلك وإلا نفذ من الثلث.
ز: يجوز بيع مال الكتابة والوصية به، فإن كان البيع فاسدا وأدى العبد المال
إلى المشتري، احتمل العتق لأنه يتضمن الإذن في القبض فأشبه قبض الوكيل
فيرجع السيد على المشتري إن كان من غير جنس الثمن وإلا تقاصا بقدر الأقل
ويرجع ذو الفضل، وعدمه لأنه لم يقبض بالنيابة ولم يستنبه وإنما قبض لنفسه
فكان القبض فاسدا كالبيع بخلاف الوكيل فإنه استنابه.
ولو صرح بالإذن فليس بمستنيب له في القبض وإنما إذنه بحكم المعاوضة فلا
فرق بين التصريح وعدمه فيبقي مال الكتابة بحاله في ذمة العبد، ويرجع على
المشتري بما أداه إليه ويرجع المشتري على البائع، فإن سلمه المشتري إلى البائع لم
يصح لأنه قبضه بغير إذن المكاتب فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه على إشكال
ينشأ من تعيين العبد إياه بمال الكتابة بالدفع ولا يحكم بعجزه مع الدفع الفاسد،
فإن أفلس المشتري لم يحكم بعجزه على إشكال.
ح: لو ادعى دفع مال الكتابة إلى سيديه فصدقه أحدهما عتق نصيبه ويقبل
497

شهادته على صاحبه إن اعترف المنكر بالإذن في الإقباض بالنسبة إلى براءة ذمة
العبد وشبهه وإلا فلا، فيحلف المنكر ويطالب الشريك بنصف ما اعترف بقبضه
وهو ربع مال الكتابة، فإن رجع على العبد بكمال نصيبه استقر قبض المصدق
لنفسه، وإن رجع على الشريك بنصف حقه رجع على العبد بالنصف الآخر ولا
يرجع العبد على المصدق ولا بالعكس.
فإن عجز العبد عن أداء الربع كان له استرقاق نصيبه في المشروط ويرجع على
الشريك بنصف ما قبضه، ولا سراية هنا على قول العامة بسراية المكاتب لأن
المصدق والعبد يعتقدان حرية الجميع وغصبيته المنكر، والمنكر يدعي رقية الجميع،
أما نصفه فظاهر لعدم قبضه وأما نصف شريكه فلأنه إن قبض شيئا فنصفه لي،
وقد قبضه بغير إذني فلا يعتق نصيبه بهذا القبض، فالسراية ممتنعة على القولين لأنها
إنما تثبت في من عتق بعضه وبقي بعضه رقا والجميع متفقون على خلاف ذلك.
ط: لو ادعى العبد دفع الجميع إلى أحدهما ليقبض حقه ويدفع الباقي إلى
شريكه فأنكر حلف وبرئ، ولو قال: دفعت إلي حقي وإلى شريكي حقه،
حلف الشريك ولا نزاع بين العبد والشريك، وللشريك مطالبة العبد بجميع حقه
بغير يمين، وبنصفه وبمطالبة المدعي بالباقي بعد اليمين أنه لم يقبض من المكاتب شيئا
ولا يرجع على العبد، فإن عجز العبد فللشريك استرقاق نصفه.
وإن صدقه القابض وادعى أنه دفع إلى شريكه النصف حلف الشريك
ورجع على من شاء، فإن رجع على المصدق بجميع حقه عتق المكاتب ولا يرجع
عليه بشئ، ولو رجع على العبد رجع العبد على القابض سواء صدقه في دفعها إلى
المنكر أو كذبه، فإن عجز العبد كان له أخذها من القابض ثم يسلمها، فإن تعذر
كان له تعجيزه واسترقاق نصيبه ومشاركة القابض في النصف الذي قبضه عوضا عن نصيبه.
ي: لو اختلفا في القدر فالقول قول السيد مع يمينه، ويحتمل تقديم قول العبد،
498

ولو اختلفا في الأداء قدم قول السيد مع اليمين، ولو اختلفا في المدة أو في النجوم
فكذلك.
يا: لو قبض من أحد مكاتبيه واشتبه صبر لرجاء التذكر، فإن مات استعملت
القرعة، فإن ادعى كل منهما علمه حلف على نفي العلم، ولو مات حلف الورثة على
نفي العلم أيضا، فلو أقام أحد العبدين بينة بالأداء قبلت سواء كان قبل القرعة أو
بعدها ويظهر فساد القرعة لأن البينة أقوى ويحتمل عتقهما معا.
يب: يجوز أن يعجل المكاتب بعض العوض قبل الأجل ليسقط المولى الباقي
ولا يجوز الزيادة عليه للتأخير، ويجوز أن يصالحه على ما في ذمته بأقل أو أكثر لا
بمؤجل لأنه يصير بيع دين بمثله على رأي.
الركن الثالث: السيد:
وشرطه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد وجواز التصرف، فلو كاتب
الطفل أو المجنون أو المكره أو السكران أو الغافل أو الساهي أو المحجور عليه لسفه أو
فلس لم يقع وكذا المميز وإن أذن له الولي، والأقرب عدم اشتراط الاسلام، فلو
كاتب الذمي عبده صح، ولو كان العبد مسلما ففي صحة كتابته نظر أقربه المنع بل
يقهر على بيعه من مسلم، أما لو أسلم بعد الكتابة فالأقرب اللزوم لكن لو عجز
فعجزه واسترقه بيع عليه، ويحتمل عدم التعجيز، ولو اشترى مسلما فكاتبه لم يصح
الشراء ولا الكتابة ولو أسلم فكاتبه بعد إسلامه لم يصح، ولو كاتب الحربي مثله
صح.
ولو جاء إلينا وقد قهر أحدهما صاحبه بطلت الكتابة فإن العبد إن كان هو
القاهر ملك سيده وإن كان السيد فقد قهره على إبطال الكتابة ورده رقيقا، وكذا
لو قهره السيد بعد عتقه، وإن دخلا من غير قهر فقهر أحدهما الآخر في دار الاسلام
لم يبطل الكتابة لأنها دار خطر لا يؤثر فيها القهر إلا بالحق، ولو دخلا مستأمنين لم
499

يمنعا من الرجوع، ولو أبي العبد لم يجبر على الرجوع مع مولاه، فإن أقام السيد
للاستيفاء عقد أمانا لنفسه، وله أن يوكل فيه وينعتق مع الأداء ثم يعقد أمانا إن
أقام وإلا رجع، فلو عجز استرقه ويرد إلى السيد.
ولو ارتد المولى لم يصح كتابته إن كان عن فطرة لزوال ملكه عنه، وإن كان
عن غيرها فكذلك إن كان العبد مسلما لوجوب بيعه عليه، ويحتمل وقوعها موقوفة،
فإن أسلم تبينا الصحة وإن قتل أو مات بطلت، فإن أدى حال الردة لم يحكم
بعتقه بل يكون موقوفا، فإن أسلم ظهر صحة الدفع وانعتق ولو ارتد بعد الكتابة
أدى العبد إلى الحاكم لا إليه ويعتق بالأداء، فإن دفع إليه كان موقوفا أو باطلا على
التردد، وفي اشتراط الحاكم في الحجر وفي تعجيزه إلى المرتد مع التلف إشكال، ولو
أسلم حسب عليه ما أخذه في الردة.
ويجوز لولي الطفل والمجنون الكتابة مع الغبطة على رأي، ويصح كتابة
المريض من الثلث لأنه معاملة على ماله بماله، فإن خرج من الثلث عتق أجمع عند
الأداء، وإن لم يكن غيره صحت في ثلثه وكان الباقي رقا على رأي.
الركن الرابع: العبد:
وله شرطان التكليف والإسلام، فلو كاتب الصبي أو المجنون لم ينعقد إذ
ليس لهما أهلية القبول، ولو كاتب المسلم كافرا فالأقرب البطلان، ولو كاتبه مثله
لم يصح على إشكال، ويجوز أن يكاتب بعض عبده على رأي وحصته من المشترك
ومن المعتق بعضه، ولو كاتب حصته بغير إذن شريكه صح وإن كره الشريك،
ولا تسري الكتابة إلى باقي حصته ولا إلى حصة شريكه نعم قيل: إذا أدى جميع
مال الكتابة عتق كله وقوم حصة شريكه عليه إن كان موسرا، ولو كان له سرى
العتق إلى باقيه.
وإذا أدى المشترك شيئا إلى مكاتبه وجب أن يؤدى مثله إلى شريكه سواء
500

أذن الشريك في كتابته أو لا، ولو أدى الكتابة من جميع كسبه لم يعتق، ولو أدى
بجزئه المكاتب مثل أن هايأه وكسب في نوبته أو أعطي من سهم الرقاب لم يكن
للآخر فيه شئ، ولو ورث بجزئه الحر ميراثا وبجزئه المكاتب أخذ من سهم الرقاب
كان له الدفع إلى مكاتبه ولا شئ للآخر لأنه لم يأخذ بسبب الرقية شيئا، ولو
كاتب السيدان جاز تساويا في العوض أو اختلفا وسواء تساويا في الملك أو اختلفا
وسواء اتحد العقد أو تعدد، وليس له أن يؤدى إلى أحدهما أكثر مما للآخر ولا
قبله.
الفصل الثالث: في الأحكام: وفيه مطالب:
المطلب الأول: ما يحصل به العتق:
وهو يحصل في الصحيحة بأداء جميع المال إن كان المكاتب مشروطا وبالإبراء
وبالاعتياض وبالضمان عنه، ولا يحصل بجزء من النجوم جزء من الحرية حتى يؤدى
الجميع، أما المطلق فكلما أدى شيئا انعتق بإزائه، ولو بقي على المشروط أقل ما يمكن لم
ينعتق، فإن عجز كان لمولاه استرقاقه والمقبوض له، والمشروط قبل الأداء رق
فطرته على مولاه.
ولو كاتبا عبدا لم ينعتق حصة أحدهما إلا بأداء الجميع إليهما أو يأذن الآخر في
الأداء، ولو خلف ابنين فأدى نصيب أحدهما عتق، ولا ينعتق المكاتب بملك مال
الكتابة بل بأدائه وإن كان قبل الأجل إن رضي المالك بقبضه حينئذ، ولو جن
السيد وقبض النجوم لم يعتق حتى يسلم إلى الولي، ولو تلف في يد السيد فلا
ضمان، أما لو أتلف السيد عليه مالا فإنه يقاص. ولو جن العبد وقبض منه السيد
عتق.
ولو ادعى الكتابة فصدقه أحد الوارثين وكذبه الآخر قبلت شهادة المصدق
عليه إن كان عدلا وإلا حلف وصار نصفه مكاتبا والآخر رقا، فإن أعتقه المصدق
501

سرى إلى الباقي وإن أبرأه لم يسر، وكذا إن أدى النجوم، وإذا عجز كان له رده
في الرق، ثم المنكر إن كان قد أخذ نصف كسبه فما في يده للمصدق، فإن ادعى
المنكر أن ما في يده متقدم على ادعاء الكتابة أو في حياة المورث قدم قول الآخر مع
يمينه.
ولو ظهر عيب في العوض فله رده وإبطال العتق وأخذ الأرش فيبقي على
العتق، ولو تعيب عنده كان له دفعه بالأرش، وقيل: لا، ولو رضي المالك
بالمعيب انعتق، وهل ينعتق من حين الرضا أو القبض؟ إشكال، ولو اطلع على
العيب بعد التلف كان له رد العتق إلى أن يسلم الأرش، فإن عجز كان له
الاسترقاق كالعجز عن بعض النجوم.
المطلب الثاني: في أحكام الأداء:
يجب القبول مع دفع النجم عند حلوله ولو كان غائبا قبضه الحاكم، ولو
قال: هو حرام، لم يقبل ويحتمل أن ينتزعه الحاكم فيحفظ في بيت المال إلى أن
يعين مالكه وأن يبقيه، فحينئذ الأقرب قبول تكذيب نفسه، أما لو عين لم يقبل
تكذيبه إلا أن يكذبه المقر له، ولو قبضه من مال الصدقة وجب قبوله، فإن عجز
فاسترق فالأقرب عدم زوال ملكه عنه.
ولا يجب الإنظار مع الحلول إلا بقدر ما يخرج المال من حرزه، ولو كان غائبا
فالأقرب أن له الفسخ، وكذا لو كان عروض لا تباع إلا بعد مهلة، ولو غاب بعد
الحلول بغير إذن السيد فله الفسخ من غير حاجة إلى القاضي، وإن كان باذنه
فليس له إلا أن يخبره بالندم على الإنظار فيقصر في الإياب، ولو منع مع القدرة فهل
للمولى الإجبار أو للحاكم أو لا؟ فيه نظر الأقرب ذلك، وإن منعناه كان له الفسخ
وكذا في إلزامه بالسعي.
ولو جن العبد لم ينفسخ الكتابة وكذا المولى وكذا لو جنا معا، نعم للمولى
502

الفسخ إذا لم يكن للمجنون مال، فإن كان له مال فللحاكم الأداء عنه ليعتق مع
المصلحة، وللسيد الاستقلال بأخذ النجوم، ولو مات المشروط بطلت الكتابة وإن
خلف وفاء لتعذر العتق، ولو استعمله شهرا وغرم الأجرة لم يلزمه الإنظار بعد
الأجل شهرا، وتركة المشروط لمولاه وإن بقي عليه درهم وأولاده رق للمولى.
أما المطلق فيتحرر منه بقدر ما أدى ويكون الباقي رقا لو مات فيأخذه من
تركته بقدره ولورثته بقدر الحرية، ويؤدى الوارث التابع له في الكتابة من نصيب
الحرية ما بقي من مال الكتابة، وإن لم يكن مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم
بالسوية وإن اختلفوا في الاستحقاق أو القيمة، ولو تعذر الاستيفاء من بعضهم
لغيبته أو غيرها أخذ من نصيب الباقي ما تخلف على الأب وعتق الجميع، ولو لم
يكن تركة سعى في الجميع وليس للمؤدي مطالبة الغائب بنصيبه، ومع الأداء
ينعتقون، والأقرب أن للمولى إجبارهم على الأداء، وفي رواية يؤدى الأولاد
المختلف من الأصل ولهم الباقي، ولو لم يؤد شيئا كان أولاده أرقاء والمال للمولى.
ولو كان الوارث حرا وقد عتق نصف المكاتب ورث بقدره والباقي للمولى
ولا أداء، ولو خلفهما فللمولى النصف والباقي بينهما على ما بقي، فيؤدي المكاتب
من نصيبه ما بقي على أبيه وينعتق ويرث هذا المطلق ويورث ويصح الوصية له كل
ذلك بقدر ما فيه من الحرية دون الرقية، ويحد حد الحر بقدر ما فيه من الحرية وحد
العبيد بالباقي، ويحد المولى لو زنا بها بقدر الحرية دون الرقية.
ويجب على السيد إعانة المكاتب من الزكاة إن وجب عليه وإلا استحبت
على رأي، ولا تتقدر قلة ولا كثرة، وتتضيق إذا بقي عليه أقل ما يسمى مالا، ولو
أخل حتى انعتق بالأداء قيل: وجب القضاء وتجوز المقاصة، قيل: ويجب على
المكاتب قبول الإيتاء إن دفع المالك من عين مال الكتابة أو من جنسه.
ولو كان لمولاه دين معاملة مع النجوم فله أن يأخذ ما في يده بالدين ويعجزه
إذا لم يملك إلا ما يفي بأحدهما، ولو أراد تعجيزه قبل إخلاء يده عن المال بأخذه
503

بالدين فيه إشكال، أما المطلق فليس له أن يأخذ منه إلا ما يختاره المكاتب من
الجهتين، ولو كان عليه دين معاملة لأجنبي وأرش جناية احتمل التوزيع والباقي
للمولى وتقديم الدين لأن للأرش متعلقا هو الرقية ثم الأرش يقدم على النجوم، هذا
مع الحجر عليه وقبله له تقديم من شاء، ولو عجز نفسه وعليه أرش ودين معاملة
سقطت النجوم ووزع ما في يده على الحقين، ويحتمل تقديم الدين لتعلق الأرش
بالرقبة والعكس لأن صاحب الدين رضي بذمته، ولمستحق الأرش تعجيزه حتى يبيع رقبته.
ولو أراد السيد فداءه ليبقي الكتابة جاز، وليس لصاحب دين المعاملة تعجيزه
إذ لا يتعلق حقه بالرقبة، ولو كان للسيد دين معاملة ضارب الغرماء به لا بالنجم،
ولو كان مطلقا ضارب بالنجم أيضا، ولو مات المشروط كان ما في يده للديان
خاصة فإن فضل شئ فللمولى، ولو كان عليه أرش جناية وديون ولم يف ما تركه
بالجميع، قال الشيخ: بدئ بالدين لتعلق الأرش بالرقبة.
ولو كان للمكاتب على سيده مال من جنس النجم وكانا حالين تقاصا، ولو
فضل لأحدهما شئ رجع صاحب الفضل به على الآخر، ولو اختلفا جنسا أو وصفا
لم يجز التقاص إلا برضاهما، ومعه يجوز سواء تقابضا أو قبض أحدهما ثم دفعه إلى
الآخر عوضا عما في ذمته، أو لم يتقابضا ولا أحدهما وسواء كان المالان أثمانا أو
عروضا أو بالتفريق، وهذا حكم عام في كل غريمين، ولو عجز المكاتب المطلق
وجب على الإمام فكه من سهم الرقاب.
المطلب الثالث: في التصرفات:
وهي إما من السيد أو العبد.
أما السيد فينقطع تصرفه في المكاتب بعقد الكتابة سواء كان مشروطا أو مطلقا
إلا مع عجز المشروط واسترقاقه، وليس له بيع رقبة المكاتب وإن كان مشروطا
504

قبل التعجيز، وله بيع النجوم إن قلنا بوجوب المال وإلا فلا لأنه دين غير لازم، فإن
قبض المشتري عتق المكاتب أما عندنا فظاهر أما على الفساد فلأنه كالوكيل،
وليس له التصرف في ماله إلا بما يتعلق بالاستيفاء، وله معاملة العبد بالبيع
والشراء وأخذ الشفعة منه وكذا يأخذ العبد منه، وليس له منع العبد من السفر
ولا من كل تصرف يستفيد به مالا، ولو شرط في العقد ترك السفر احتمل البطلان
لأنه كشرط ترك التكسب والصحة للفائدة، فإن سافر حينئذ ولم يمكنه الرد كان
له الفسخ.
وليس له وطء المكاتبة لا بالملك ولا بالعقد ولو شرط الوطء في العقد
فالأقوى بطلانه، ولا وطء أمتها ولا وطء أمة المكاتب، فإن وطء المكاتبة أو أمة
المكاتب للشبهة فعليه المهر، ولا يتكرر بتكرره إلا مع الأداء ولا حد ولا تعزير،
والولد حر وتصير أم ولد ولا يبطل كتابتها، ولو وطأ مع علمها بالتحريم عزرا،
وهل يثبت المهر مع المطاوعة؟ إشكال، ويثبت مع الإكراه، وإذا صارت أم ولد
عتقت بموته من نصيب ولدها وتقوم مكاتبة يسقط عنها ما بقي من كتابتها وما في
يدها لها، ولو أعتقها مولاها عتقت وسقطت كتابتها وما في يدها لها.
ولو كاتباها ثم وطأ أحدهما حد بنصيب الآخر وعليه المهر، فإن عجزت
فللآخر الرجوع على الواطئ بنصف المهر إن لم يكن دفعه، فإن حملت قومت بعد
عجزها وقيل في الحال، وعليه نصف قيمتها موسرا كان أو معسرا على إشكال
ونصف مهرها فتبطل الكتابة في حصة الشريك ويصير جميعها أم ولد ونصفها
مكاتبا للواطئ، فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه على قول
الشيخ، وإن عجزت ففسخ الكتابة كانت أم ولده، فإذا مات عتقت من نصيبه
والولد حر وعليه نصف قيمته يوم الولادة، فإن وطئاها معا للشبهة فعليهما مهران فإن
تساوت الحال تساويا، وإن وطأ أحدهما بكرا فعليه مهر بكر و على الآخر مهر ثيب.
وأما العبد فليس له أن يتصرف في ماله بما ينافي الاكتساب كالمحاباة والهبة
505

وما فيه خطر كالقرض والرهن والقراض، ولو أذن المولى في ذلك كله جاز، وله
التصرف في وجوه الاكتساب كالبيع من المولى وغيره وكذا الشراء، وبيع بالحال
لا بالمؤجل، فإن زاد الثمن عن ثمن المثل وقبض ثمن المثل وأخر الزيادة جاز، وله
أن يشترى بالدين وأن يستسلف، ولو أعتق بإذن المولى صح، ولو بادر احتمل
الوقف على الإجازة والبطلان، وفي الكتابة إشكال من حيث إنها معاوضة أو عتق،
فإن سوغناها فعجزا معا استرقهما المولى، وإن عجز الثاني استرقه الأول، وإن عجز
الأول واسترق عتق الثاني، ولو استرق الأول قبل أداء الثاني كان الأداء إلى
السيد.
وله أن ينفق مما في يده على نفسه وما يملكه بالمعروف، ولو باع محاباة بإذن
سيده صح وللمولى أخذه بالشفعة إذا كان شريكا، ويصح إقرار المكاتب بالبيع
والشراء والعين والدين لأنه يملكه فيملك الإقرار به.
وليس له أن يتزوج إلا بإذن مولاه فإن فعل وقف على الإجازة أو الأداء،
وليس له التسري من دون إذنه، ولا يطأ مملوكته إلا بإذن مولاه، فإن حملت فالولد
رق له ولا يعتق عليه، فإن أدى عتق وعتق الولد، وإن عجز رقا معا، وليس له
أن يزوج عبيده من إمائه إلا بإذن مولاه ولا يعير دابته ولا يهدي هدية ولا يحج،
وفي ثبوت الربا بينه وبين مولاه إشكال، ولا يرفع يده عن المبيع قبل قبض الثمن،
وليس للمكاتبة أن تتزوج إلا باذنه فإن بادرت وقف على الإجازة.
وهل له أن يشترى من ينعتق عليه؟ الأقرب ذلك مع الإذن لا بدونه، وله
قبول الوصية له به والهبة إذا لم يكن في القبول ضرر بأن يكون مكتسبا، وإذا اشتراه
الأب أو قبله في الوصية ملكه وليس له بيعه ولا هبته ولا اخراجه عن ملكه ولا
ينعتق عليه، فإن عجز ورد في الرق استرقهما المولى، وإن أدى عتقا معا وكسبه للمكاتب
لأنه ملكه ونفقته عليه لأنه ملكه لا من حيث القرابة، ولو أعتقه بغير إذن مولاه لم
يصح، ولو أعتقه سيده عتق وكان القريب معتقا أيضا كما لو أبرأه، ولو مات
506

مكاتبا صار قريبه رقا لمولاه.
وللمكاتب أن يشترى امرأته والمكاتبة زوجها وينفسخ النكاح، ولو زوج
ابنته من مكاتبه ثم مات وورثته أو بعضه انفسخ النكاح، وإذا أعتق بإذن مولاه
كان الولاء موقوفا، فإن مات رقيقا استقر للسيد وإن أعتق يوما فله، فإن مات
العتيق في مدة التوقف احتمل أن يكون للسيد وللمكاتب موقوفا، ولو اشترى من
يعتق على مولاه صح فإن عجز واسترقهما المولى عتق عليه وإلا فلا.
المطلب الرابع: في أحكام الجناية:
أما جنايته فإن كانت على مولاه عمدا، فإن كانت نفسا فللوارث القصاص
ويصير كالميت، وإن كانت طرفا فللمولى القصاص ولا يبطل الكتابة، وإن
كانت خطأ تعلقت برقبته، وله أن يفدي نفسه بالأرش أو بالأقل على الأقوى، فإن
كان ما في يده يفي بالحقين انعتق بالأداء، وإن قصر دفع الأرش أولا فإن عجز كان
للمولى استرقاقه، وإن لم يكن مال فإن فسخ المولى سقط الأرش لأنه عبده حينئذ
ولا يثبت له مال عليه ويسقط مال الكتابة بالفسخ، ولو أعتقه مولاه سقط مال
الكتابة دون الأرش على إشكال، ولو كان ما في يده يفي بأحدهما فاختار السيد
قبض مال الكتابة صح وعتق ولزمه الأرش أو الأقل على الخلاف قطعا.
وإن كانت على أجنبي عمدا فإن عفا فالكتابة باقية، وإن كانت نفسا
واقتص الوارث فهو كما لو مات، وإن كانت خطأ فله فك نفسه قبل الكتابة سواء
حل النجم أو لا بالأقل أو الأرش على الخلاف، فإن قصر ما في يده عن الفك باع
الحاكم منه بما بقي من الفك ويبقى المخلف منه مكاتبا، فإن فسخ المولى صار عبدا
مشتركا بينه وبين المشتري، فإن صبر فأدى عتق بالكتابة.
فإن كان العبد موسرا قوم حصة الشريك عليه بمعنى الاستسعاء وأخذ مما في
يده بقدر قيمة المشتري وعتق، وإن لم يكن في يده مال بقي حصة المشتري على
507

الرقية، ولو لم يكن في يده شئ أصلا ولم يف بالجناية إلا قيمته أجمع بيع كله
وبطلت الكتابة إلا أن يفديه السيد فيبقي الكتابة بحالها، ولو أدى إلى السيد أولا
فإن كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال ولي الجناية لم يصح الدفع وإلا صح وعتق
ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق وهو أقل الأمرين أو الأرش
على الخلاف، وإن أعتقه السيد كان عليه فداؤه بذلك لأنه أتلف محل الاستحقاق
كما لو قتله، وإن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو دفعه.
ولو جنى على جماعة فلهم القصاص في العمد والأرش في الخطأ، فإن كان
ما في يده يفي بالجميع فله الفك، وإن لم يكن معه مال تساووا في قيمته بالحصص
ويستوي الأول والأخير في الاستيفاء وكذا لو حصل بعضها بعد التعجيز، ولو كان
بعضها يوجب القصاص استوفى وبطل حق الآخرين، ولو عفا على مال شارك، ولو
أبرأه البعض استوفى الباقون، ولو جنى عبد المكاتب خطأ فللمكاتب فكه بالأقل،
ولو أجبنا الفك بالأرش وزاد هنا لم يكن له ذلك إلا بإذن مولاه، فإن ملك
المكاتب أباه فقتل عبدا للمكاتب لم يكن له الاقتصاص منه كما لا يقتص منه في قتل الولد،
ولو جنى على غيره فهل له فكه بالأقل؟ يبني على جواز شرائه ابتداء. ولو جنى بعض عبيده على بعض فله القصاص إن أوجبته حسما للجرأة وليس
له العفو على مال، وكذا إن كانت خطأ لم يثبت لها حكم إذ يجب للسيد على عبده
مال، ولو كانت الجناية عليه فإن كانت خطأ فهدر، وإن كانت عمدا فله
القصاص إلا أن يكون أباه، ولو جنى المكاتب عليه لم يقتص عنه لأن السيد لا
يقتص منه لعبده وإن كان أبا مع احتمال القصاص لأن حكم الأب معه حكم
الأحرار، ولا قصاص لمملوك على مالكه في غيره إجماعا، ولو جنى ابن المكاتب لا
يفديه إن منعنا شراءه، ولو جنى ابنه على عبده لم يكن له بيعه، ولو جنى على عبد
مولاه فللمولى القصاص أو الأرش. وأما الجناية عليه فإن كانت من حر فلا قصاص وإن كانت عمدا ويثبت
508

الأرش - وإن كان الجاني المولى - للمكاتب لا للسيد، ولو كانت نفسا بطلت
الكتابة وعلى الجاني قيمته لسيده، ولو كان جرحا فأدى وعتق ثم سرى وجبت
الدية لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون للورثة، ولو كان الجاني عبدا أو
مكاتبا فله القصاص في العمد وليس للمولى منعه منه، وإن عفا على مال ثبت له
الملك، وإن عفا مطلقا فالأقرب الجواز لأن موجب العمد القصاص. وليس للسيد
مطالبته باشتراط مال لأنه تكسب وليس للسيد إجباره عليه.
أما لو جنى عليه عبد المولى فأراد الاقتصاص كان للمولى منعه على إشكال،
ولو كان خطأ لم يكن له منعه من الأرش، ولو أبرأ الجاني من الأرش في الخطأ
توقف على إذن المولى، وإذا قتل المكاتب فهو كما لو مات. هذا حكم المشروط.
أما المطلق فإذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه، فإن جنى حينئذ على
حر أو مكاتب مثله أو من انعتق منه أكثر اقتص منه في العمد، وإن جنى على
مملوك أو من انعتق أقل منه فلا قصاص بل عليه من أرش الجناية بقدر ما فيه من
الحرية ويتعلق برقبته بقدر الرقية، ولو كانت خطأ تعلق بالعاقلة نصيب الحرية
وبالرقبة نصيب الرقية وللمولى أن يفدي نصيب الرقية بحصتها من الأرش سواء
كانت الجناية على عبد أو حر، ولو جنى عليه حر فلا قصاص وعليه الأرش، ولو
كان رقا أو أقل حرية أو مساويا اقتص منه في العمد.
المطلب الخامس: في الوصايا:
لا يصح الوصية لمكاتب الغير إلا أن يكون مطلقا انعتق بعضه فيصح بنسبة
ما عتق منه وتبطل في الباقي، ولو قصر الثلث عن المعين ففي توزيع الثلث إشكال
أقربه ذلك، والفرق بين الوصية والبيع أنه قد يعجز أو يموت رقا فيتمحض الوصية
لمملوك الغير وفي الشراء يكون للمولى لأنه بالكتابة أذن له، ولو أوصى لمكاتبه صح
وإن كان مشروطا وتقاص الورثة بمال الكتابة، ولو أعتقه في مرضه أو أبرأه من
509

مال الكتابة وبرأ لزم وإلا خرج من الثلث.
فإن كان الثلث بقدر الأكثر من قيمته ومال الكتابة عتق، وإن زاد أحدهما
اعتبر الأقل، فإن خرج من الثلث عتق وألغي الأكثر، وإن قصر الثلث عن الأقل
عتق منه ما يحتمله الثلث وبطلت في الزائد وسعى في باقي الكتابة لا في باقي
القيمة، فإن عجز عن باقي الكتابة لا عن قيمة الباقي احتمل السعي فيها إذ لا ينحط
عن مرتبة الرقيق، ويقوم قيمة عبد عتق نصفه مثلا ونصفه مكاتب إن لم يفسخ فيسعى
المكاتب، وإن فسخ يقوم نصفه رقا فيسعى سعي العبد، فإن عجز استرق الورثة
بقدر الباقي عليه، هذا لو أعتقه.
ولو أبرأه احتمل ذلك أيضا لمساواة الإبراء العتق والبطلان مع القصور
والعجز لبقاء شئ من مال الكتابة لأنه كالإبراء من البعض، ولا فرق بين
الإبراء والعتق في المطلق.
ولو أوصى بعتقه ثم مات ولا شئ غيره عتق ثلثه معجلا ولا ينتظر الحلول
ويبقى ثلثاه مكاتبا يتحرر عند الأداء، ولا يصح الوصية برقبته وإن كان مشروطا
كما لا يصح بيعه، ولو أوصى به لمن ينعتق عليه أو باعه عليه ففي الجواز إشكال،
ولو أضاف الوصية إلى عوده في الرق جاز كما لو قال: أوصيت لك به مع عجزه
وفسخ كتابته، ويجوز الوصية بمال الكتابة وجمعهما لواحد أو اثنين، ولا حكم
للمكاتبة الفاسدة بل يقع لاغية.
فلو أوصى برقبته صح ولو أوصى بما في ذمته لم تصح وتصح بالمقبوض منه،
ولو أوصى بمال الكتابة الصحيحة خرج من الثلث وللوارث تعجيزه وإن أنظره
الموصى له، ولو أوصى برقبته فللموصى له تعجيزه عند العجز وإن أنظره الوارث،
ولو قال: ضعوا عن المكاتب ما شاء، فشاء الكل فالأقرب الجواز لتناول اللفظ، أما
لو قال: ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة، فشاء الجميع لم يصح لأن " من "
للتبعيض، ولو أبقى شيئا صح وإن قل.
510

ولو أوصي له بأكثر ما بقي عليه فهي وصية بالنصف وأدنى زيادة وتعيينها
للورثة، ولو قال: ضعوا الأكثر ومثله، فهو وصية بما عليه وتبطل في الزائد لعدم
محله، ولو قال: أكثر ما عليه ومثل نصفه، فذلك ثلاثة أرباع وأدنى زيادة.
ولو قال: ضعوا أي نجم شاء، وضعوا ما يختاره ولو قال: ضعوا نجما، تخير
الوارث ولو قال: ضعوا أكبر نجومه وضعوا عنه أكثرها، ولو قال: ضعوا أكثر
نجومه، احتمل الزائد على النصف منها وواحد أكثرها قدرا، ولو تساوت قدرا
صرف إلى الأول، ولو قال: ضعوا أوسط نجومه، وكان فيها أوسط واحد تعين مثل
أن يتساوى قدرا وأجلا وعددها مفرد كالثلاثة والخمسة والسبعة فالثاني والثالث
والرابع أوساط.
ولو كانت أزواجا واختلف المقدار كالمائة والمائتين والثلاثمائة فالمائتان
وسط، ولو تساوى القدر واختلف الأجل مثل أن يكون اثنان كل واحد إلى شهر
وواحد إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة أشهر تعين ما هو إلى شهرين، ولو اتفقت
الثلاثة في واحد تعين، ولو كان لها وسط قدرا وأجلا وعددا مختلفة فيه فالاختيار
إلى الورثة في التعيين، ولو ادعى المكاتب إرادة شئ منها حلف الورثة على نفي
العلم وعينوا ما أرادوا، ومتى كان العدد وترا فأوسطه واحد، وإن كان شفعا
كأربعة أو ستة فأوسطه اثنان.
ويصح تدبير المكاتب، فإن عجز وفسخت الكتابة بقي التدبير وإن أدى عتق
وبطل التدبير، وإن مات السيد قبل أدائه وعجزه عتق بالتدبير إن حمله الثلث،
وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق منه،
وما في يده له، ولو أوصى بعتقه عند العجز فادعاه قبل حلول النجم لم يعتق لأنه لم
يجب عليه شئ يعجز عنه، فإن حل حلف - إذا لم يعلم في يده مال - إن ادعوه،
وإذا أعتق كان ما في يده له إن لم يكن كتابته فسخت لأن العجز لا يفسخ الكتابة
بل يستحق به.
511

وللورثة عتق المكاتب من غير وصية كمورثهم، وولاؤه لهم ولو أعتقه الموصى
له بمال الكتابة لم ينعتق ولو أبرأه من المال عتق، ولو عجز فاسترقه الوارث كان
ما قبضه الموصى له من المال له، والتعجيز إلى الورثة لأن الحق يثبت لهم بتعجيزهم
ويصير عبدا لهم، ويحتمل الموصى له لتسلطه على العتق بالإبراء ولأنه حق له فله
الصبر به.
ولو أوصى بالمال للمساكين ونصب قيما لقبضه فسلمه إليه عتق، وإن سلمه
إلى المساكين أو إلى الورثة لم يعتق ولم يبرأ لأن التعيين إلى الوصي، وإن وصى
بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه، أما لو كان قد أوصى بقضاء ديونه مطلقا
كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والقيم بالقضاء ويدفعه إليهم بحضرته لأن
المال للورثة، ولهم التخيير في جهات القضاء وللقيم بالقضاء حق فيه لأن له منعهم
من التصرف في التركة قبل القضاء.
المطلب السادس: في حكم الولد:
لا يدخل الحمل في كتابة أمه، ولو حملت بمملوك بعد الكتابة فحكمه حكمها
يعتق بعتقها مشروطة كانت أو مطلقة، ولو انعتق من المطلقة بعضها انعتق من الولد
بقدره ولا يكون مكاتبا وإن انعتق بعتقها لأن الكتابة عقد معاوضة، ولو تزوجت
بحر كان أولادها منه أحرارا، ولو حملت من مولاها تحررت من نصيب ولدها لو بقي
عليها شئ من مال الكتابة بعد موت المولى، فإن عجز سعت في الباقي، ولو لم يكن
ولد فالكتابة بحالها، وللمولى عتق ولد المكاتبة وفيه إشكال ينشأ من منعها من
الاستعانة بكسبه عند الإشراف على العجز.
وإذا أتت بولد من زنا أو مملوك فهو موقوف على ما بيناه، فإن قتل فعلى قاتله
قيمته لأمه تستعين به، أما كسبه وأرش جنايته فإنه موقوف، فإن عتق فله وإن
رق فلسيده، ولو أشرفت أمه على العجز وهم المولى بالفسخ كان لها الاستعانة به،
512

ولو مات الولد قبل عتق أمه واسترقاقها فماله لأمه ونفقته من كسبه، فإن قصر
فالكمال على المولى لأنه لو رق كان له، وفيه نظر، ولو كان الولد أنثى فليس للمولى
وطؤها، فإن وطء للشبهة فعليه المهر لأمه فإن حملت صارت أم ولد فإن عتقت الأم
عتقت وإلا جعلت من نصيب ولدها عند موت مولاها.
ولو أتت بولد وادعت تأخره عن الكتابة قدم قول السيد مع اليمين، ولو
اختلف السيد والمكاتب في ولده فقال كل منهما: أنه ملكه بأن تزوج المكاتب أمة
سيده ثم اشتراها، فيزول النكاح فما تأتي به حين الزوجية للسيد وبعدها له فيقدم
هنا قول المكاتب لثبوت يده عليه، والمكاتبة وإن كانت يدها على الولد إلا أنها لا
تدعي الملك بل الإيقاف واليد تقضي بالملك لا بالإيقاف، ولو استولد المكاتب
جاريته فولده كهيئته يعتق بعتقه ويرق برقه وللمولى عتقه على إشكال، والجارية أم ولد
للمكاتب ليس له بيعها.
مسائل:
أ: المشروط رق وفطرته على مولاه - بخلاف المطلق - ويكفر بالصوم، ولو
كفر بالعتق أو الإطعام لم يجزئه، ولو أذن المولى فالوجه الاجزاء.
ب: لو ملك المكاتب نصف نفسه فكسبه بينه وبين المولى، ولو طلب أحدهما
المهاياة لم يجب الإجبار على إشكال.
ج: لو أبرأه بعض الورثة من نصيبه من مال الكتابة عتق نصيبه ولم يقوم
عليه، وكذا لو أعتق نصيبه على إشكال.
د: إذا مات المولى فلورثته مال الكتابة بالحصص، فإن أدى إلى كل ذي حق
حقه عتق، ولو أدى إلى البعض كل حقه دون الباقين لم يعتق منه شئ، ولو كان
بعضهم غائبا دفع إلى وكيله، فإن فقد فالحاكم وينعتق بالأداء، وكذا المولى عليه.
513

المقصد الرابع: في الاستيلاد:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في تحققه:
وهو يثبت بوطئ أمته وحبلها منه في ملكه، ولو وطئ أمة غيره وولدت
مملوكا ثم ملكها لم تصر أم ولد سواء كان زنى أو بعقد صحيح شرط فيه الولد للمولى
وسواء ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها، ولو أولدها حرا بأن يطأ
أمة غيره بشبهة ثم ملكها قيل: تصير أم ولده، ولو تزوج أمة غيره فأحبلها ثم ملكها
لم تصر أم ولد وإن شرط الحرية، ولو اشتراها فاتت بولد يمكن تجدده بعد الشراء
وقبله قدمت إصالة عدم الحمل على عدم الاستيلاد، أما لو نفاه فإنه ينتفي الاستيلاد
قطعا، وفي افتقار نفي الولد إلى اللعان إشكال.
ولو وطئ جارية ولده الكبير أو الصغير قبل التقويم فحملت لم تصر أم ولد،
وإن قوم على الصغير صارت أم ولد وعليه قيمة الجارية دون المهر، وفي الكبير عليه
المهر دون القيمة. ولو زوج أمته ثم وطئها فعل محرما، فإن علقت منه فالولد حر
وثبت للأمة حكم الاستيلاد، ولو ملك أمه أو أخته أو بنته من الرضاع انعتقن على
الأصح، وقيل: لا يعتقن، فإن وطئ إحداهن فعل حراما وثبت لهن حكم
الاستيلاد، وكذا لو ملك وثنية فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها أو
وطئ أمته المرهونة أو رب المال أمة المضاربة، فإن حكم الاستيلاد ثابت في ذلك
كله.
وهل يثبت حكم الاستيلاد في المرهونة بالنسبة إلى المرتهن حتى يجب على
الراهن الواطئ أن يجعل مكانها رهنا أو يوفيه الدين أو لا؟ الأقرب المنع إن لم يكن
سواها وإلا ألزم، وأما أمة القراض فإنه يبطل القراض فيها، وإن كان فيها ربح
جعل الربح في مال المضاربة، وإذا وطئ الكافر أمته الكافرة وحملت فأسلمت،
514

قيل: تباع عليه، وقيل: يحال بينه وبينها وتجعل على يد امرأة ثقة.
وإنما ثبت حكم الاستيلاد بأمور ثلاثة:
أ: أن تعلق منه بحر، وإنما تعلق بمملوك من مولاها في موضعين: أن يكون
الواطئ عبدا قد ملكه مولاه الموطوءة وقلنا: أنه يملك بالتمليك، وأن يكون
الواطئ مكاتبا اشترى جارية للتجارة فإن الجارية مملوكته، ولا يثبت حكم
الاستيلاد في الأول، وأما الثاني، فإن عجز استرق المولى الجميع وإن عتق صارت
أم ولد، وليس للمكاتب بيعها قبل عجزه وعتقه.
ب: أن تعلق منه في ملكه أما بوطئ مباح أو محرم كالوطء في الحيض
والنفاس والصوم والإحرام والظهار والإيلاء، ولو علقت في غير ملكه لم يكن
أم ولد سواء علقت بمملوك كالزنا والعقد مع اشتراط الولد أو بحر كالمغرور
والمشتري إذا ظهر الاستحقاق.
ج: أن تضع ما يظهر أنه حمل ولو علقة، أما النطفة فالأقرب عدم الاعتداد
بها.
المطلب الثاني: في الأحكام:
أم الولد مملوكة لا ينعتق بموت المولى بل من نصيب ولدها، فإذا مات مولاها
جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها
وسعت في الباقي ولا يقوم على الولد، قال الشيخ: إن كان لولدها مال أدى بقية
ثمنها منه، وهي قبل موت مولاها مملوكة له يجوز له التصرف فيها بمهما شاء سوى
الخروج عن ملكه بغير العتق، فليس له بيعها ولا هبتها وله وطؤها واستخدامها
وعتقها في كفارة وغيرها وملك كسبها وتزويجها قهرا وكتابتها وتدبيرها.
فإن مات ولدها قبل مولاها رجعت طلقا يجوز بيعها وهبتها والتصرف فيها
كيف شاء، ولو كان ولد ولدها حيا احتمل إلحاقه بالولد إن كان وارثا ومطلقا
515

والعدم، وكذا يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها
ولا شئ له سواها، والأقرب عدم اشتراط موت المولى، وكذا يجوز بيعها لو كانت
رهنا، وهل يجوز رهنها؟ فيه نظر.
ولا فرق بين المسلمة والكافرة وكذا المولى، ولو ارتدت لم يبطل حكم
الاستيلاد، وفي رواية محمد بن قيس عن الباقر ع: أن وليدة نصرانية
أسلمت عند رجل وولدت منه غلاما ومات فأعتقت فتنصرت وتزوجت نصرانيا
وولدت فقال: ولدها لابنها من سيدها وتحبس حتى تضع فإذا ولدت فاقتلها،
وقيل: يفعل بها ما يفعل بالمرتدة.
ولا يسري حكم الاستيلاد إلى الأولاد فلو تزوجت بعبده أو بمن شرطت رقية
أولاده كان أولادها منه عبيدا يجوز بيعهم في حياة المولى وبعد وفاته، وما في يد
أم الولد لورثة سيدها، وتصح الوصية لأم الولد من مولاها خاصة فينعتق من الوصية،
فإن قصرت عن قيمتها عتق الفاضل من نصيب الولد، وقيل: تعتق من النصيب
وتعطى الوصية.
ولو جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها، ويتخير المولى بين دفعها إلى
المجني عليه أو ما قابل جنايتها منها وبين فدائها بأقل الأمرين من أرش الجناية
وقيمتها على رأي، ولا يجب على المولى الفداء عينا، ومع الدفع يملكها المجني عليه أو
ورثته ملكا مطلقا له بيعها والتصرف كيف شاء، ولو جنت على جماعة تخير المولى
أيضا بين الفداء والدفع إليهم على قدر الجنايات، هذا إن جنت قبل الفداء، ولو
جنت بعده تخير المولى بين الفداء ثانيا وبين التسليم إلى الثاني، ولو كانت الجناية
على مولاها أو على من يرثه مولاها لم تخرج عن حكم الاستيلاد، ولو ماتت قبل أن
يفديها السيد لم يجب على المولى شئ.
ولو نقصت قيمتها وأراد الفداء فداها بقيمتها يوم الفداء ولو زادت زاد
الفداء، وتجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد، ولو كسبت بعد جنايتها شيئا فهو
516

لمولاها دون المجني عليه، ولو كسبت بعد الدفع فهو للمجني عليه، فلو اختلفا قدم
قول المجني عليه، ولو أتلفها سيدها فعليه قيمتها وكذا لو عيبها فعليه الأرش، ولو
باعها مولاها لم يقع موقوفا بل باطلا، فلو مات الولد لم تنتقل إلى المشتري وإن كان
بعد البيع بلا فصل، ولا يبطل الاستيلاد بقتلها مولاها عمدا إذا عفا الورثة أولا،
وللمولى أرش الجناية عليها وعلى أولادها وضمان قيمتها على من غصبها.
ولو شهد اثنان على إقراره بالاستيلاد وحكم به ثم رجعا غرما له قيمة الولد
إن كذبهما في نسبه، ولا يغرمان في الحال قيمة الجارية - لأنهما إنما أزالا سلطنة
البيع ولا قيمة له، ويحتمل الأرش - بل ولا بعد الموت لأنها محسوبة على الولد،
وهل يرث هذا الولد؟ إشكال، فإن قلنا به فالأقرب أن للورثة تغريمهما حصته، ولو
لم يحصل من المولى اعتراف بالولد ولا تكذيب غرما قيمته وقيمة أمه، وحصته من
الميراث لباقي الورثة إن أثبتنا الميراث.
517

اللمعة الدمشقية
في فقه الإمامية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين
مكي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد المطلبي
العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
519

كتاب العتق
وفيه أجر عظيم وعبارته الصريحة التحرير مثل: أنت مثلا حر. وفي قوله: أنت عتيق
أو معتق، خلاف الأقرب وقوعه. ولا عبرة بغير ذلك من الألفاظ صريحا كان مثل:
أزلت عنك الرق أو فككت رقبتك، أو كناية مثل: أنت سائبة. وكذا لا عبرة بالنداء
مثل: يا حر، وإن قصد التحرير بذلك كله. وفي اعتبار التعيين نظر.
ويشترط بلوغ المولى واختياره ورشده وقصده والتقرب إلى الله تعالى وكونه غير محجور
عليه لفلس أو مرض فيما زاد على الثلث. والأقرب صحة مباشرة الكافر وكونه محلا
بالنذر لا غير.
ولا يقف العتق على إجازة بل يبطل عتق الفضولي، ولا يجوز تعلقه على شرط إلا في
التدبير يعلق بالموت لا بغيره نعم، لو نذر عتق عبده عند شرط انعقد ولو شرط عليه خدمة
صح ولو شرط عوده في الرق إن خالف فالأقرب بطلان العتق.
ويستحب عتق المؤمن إذا أتى عليه سبع سنين بل يستحب مطلقا. ويكره عتق
العاجز عن اكتساب إلا أن يعينه وعتق المخالف لا المستضعف. ومن خواص العتق
السراية فمن أعتق شقصا من عبده عتق كله إلا أن يكون مريضا ولم يبرأ ولم يخرج من
الثلث إلا مع الإجازة، ولو كان له فيه شريك قوم عليه نصيبه مع يساره وسعى العبد مع
إعساره، ولو عجز العبد فالمهاياة في كسبه ويتناول المعتاد والنادر، ولو اختلفا في القيمة
حلف الشريك لأنه ينتزع من يده.
وقد يحصل العتق بالعمى والجذام والإقعاد وإسلام المملوك في دار الحرب سابقا على
521

مولاه ودفع قيمة الوارث وتنكيل المولى بعبده وبالملك وقد سبق.
ويلحق بذلك مسائل:
لو قيل لمن أعتق بعض عبيده: أعتقتهم، فقال: نعم، لم يعتق سوى من أعتقه.
ولو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا، وكذا لو نذر عتق أول ما يملكه فملك
جماعة عتقوا.
ولو قال: أول مملوك أملكه، فملك جماعة أعتق أحدهم بالقرعة، وكذا لو قال أول
مولود تلده.
ولو نذر عتق أمته إن وطأها فأخرجها عن ملكه ثم أعادها لم تعد اليمين.
ولو نذر عتق كل مملوك قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر.
ولو اشترى أمة نسيئة وأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها أو تزوجها بمهر ثم مات
ولم يخلف شيئا نفذ العتق ولا تعود رقا ولا ولدها على ما تقتضيه الأصول. وفي رواية
هشام بن سالم الصحيحة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع: رقها ورق ولدها
لمولاها الأول.
وعتق الحامل لا يتناول الحمل إلا على رواية.
522

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول:
التدبير تعليق عتق عبده بوفاته أو تعليقه على وفاة زوج المملوكة أو مخدوم العبد على
قول مشهور. والوفاة قد تكون مطلقة وقد تكون مقيدة كما تقدم في الوصية، والصيغة أنت
حر أو عتيق أو معتق بعد وفاتي أو بعد وفاة فلان مع القصد إلى ذلك، ولا يشترط فيه
التقرب. وشرطها التنجيز وأن يعلق بعد الوفاة بلا فصل، فلو قال: أنت حر بعد وفاتي
سنة، بطل.
وشرط المباشرة الكمال والاختيار وجواز التصرف. ولا يشترط الاسلام فيصح مباشرة
الكافر وإن كان حربيا، فإن دبر مثله واسترق أحدهما أو كلاهما بطل التدبير،
ولو أسلم المدبر بيع على الكافر وبطل تدبيره، ولو حملت المدبرة من مملوك فولدها مدبر،
ولو حملت من سيدها صارت أم ولد فتعتق من الثلث، فإن فضلت فمن نصيب الولد، ولو
رجع في تدبيرها لم يكن رجوعا في تدبير ولدها، ولو صرح بالرجوع في تدبيره فقولان
المروي المنع. ودخول الحمل في التدبير للأم مروي كعتق الحامل ويتحرر المدبر من
الثلث، ولو جامع الوصايا قدم الأول فالأول، ولو كان على الميت دين قدم الدين فإن
فضل شئ عتق من المدبر ثلث ما بقي.
ويصح الرجوع في التدبير قولا مثل: رجعت في تدبيره. وفعلا كأن يهب أو يبيع أو
يوصي، وإنكاره ليس برجوع. ويبطل التدبير بالإباق فلو ولد له حال الإباق كانوا رقا
523

وقبله على التدبير. ولا يبطل بارتداد السيد ولا بارتداد العبد إلا أن يلحق بدار الحرب،
وكسب المدبر في الحياة للمولى لأنه رق ولو استفاده بعد الوفاة فله جميع كسبه إن خرج من
الثلث وإلا فبنسبة ما عتق منه والباقي للوارث.
النظر الثاني: في الكتابة:
وهي مستحبة مع الأمانة والتكسب ومتأكدة بالتماس العبد، ولو عدم الأمران فهي
مباحة وهي معاملة مستقلة وليست بيعا للعبد من نفسه ولا عتقا نصفه.
ويشترط في المتعاقدين الكمال وجواز تصرف المولى، ولا بد من العقد المشتمل على
الإيجاب مثل: كاتبتك على أن تؤدي إلى كذا في وقت كذا أو أوقات كذا فإذا أديت
فأنت حر والقبول مثل: قبلت، فإن قال: فإن عجزت فأنت رد في الرق، فهي مشروطة
وإلا فهي مطلقة والأقرب اشتراط الأجل. وحد العجز أن يؤخر نجما عن محله ويستحب
الصبر عليه، والأقرب لزوم الكتابة من الطرفين في المطلقة والمشروطة ويصح فيها التقايل،
ولا يشترط الاسلام في السيد ولا في العبد، ويجوز لولي اليتيم أن يكاتب رقيقه مع الغبطة
ويجوز تنجيمها بشرط العلم بالقدر والأجل، ولا يصح مع جهالة العوض ولا على عين،
ويستحب أن لا يتجاوز قيمة العبد.
ويجب الإيتاء من الزكاة إن وجبت على المولى وإلا استحب ولا حد له، ولو مات
المشروط قبل كمال الأداء بطلت، ولو مات المطلق ولم يؤد شيئا فكذلك، وإن أدى
تحرر منه بقدر المؤدى وكان ميراثه بين السيد ووارثه بالنسبة ويؤدى الوارث التابع له في
الكتابة باقي مال الكتابة وللمولى إجباره على الأداء كما له إجبار المورث.
وتصح الوصية للمكاتب المطلق بحساب ما تحرر منه، وكل ما يشترط في عقد
الكتابة مما لا يخالف المشروع لازم، وليس له التصرف في ماله ببيع ولا هبة ولا عتق ولا
إقراض إلا بإذن المولى، ولا يتصرف المولى في ماله أيضا إلا بما يتعلق بالاستيفاء، ويحرم
عليه وطء المكاتبة عقدا وملكا وله تزويجها بإذنها.
ويجوز بيع مال الكتابة فإذا أداه إلى المشتري عتق ولو اختلفا في قدر مال الكتابة أو
524

في النجوم قدم المنكر مع يمينه.
النظر الثالث: في الاستيلاد:
وهو يحصل بعلوق أمته منه في ملكه وهي مملوكة ولا تتحرر بموت المولى بل من نصيب
ولدها، فإن عجز النصيب سعت في المتخلف، ولا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا إلا فيما
استثني، وإذا جنت فكها بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجناية إن شاء وإلا سلمها أو
يسلم ما قابل الجناية.
525