الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٥
المطبعة: باقري
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-٢٣-٠
ملاحظات: ويليها الملحق الأصولي

الموسوعة الفقهية الميسرة
1

مجمع الفكر الإسلامي 19
الموسوعة الفقهية الميسرة
ويليها
الملحق الأصولي
الجزء الأول
تأليف:
الشيخ محمد علي الأنصاري
3

مجمع الفكر الإسلامي
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت. 737117
الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
الطبعة: الأولى / 1415
تنضيد الحروف: مؤسسة الهادي
المطبعة: باقري
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة لمجمع الفكر الإسلامي
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
وبعد:
من الواضح أن الثروة الثقافية التي قدمها الإسلام للمجتمع الانساني،
تمتاز بالعمق والأصالة، وقد سيطرت هذه الثقافة على قطاعات كبيرة من
الثقافات البشرية في فترة طويلة من الزمن، وإن حالت دون اشعاعاتها - في
فترة أخرى - غيوم من الجهل والجحود البشري، ولكن سرعان ما تبددت
هذه الغيوم بفضل ما امتازت به هذه الثقافة من العمق والأصالة، ونحن اليوم
أمام طلبات متزايدة لعرض الفكر الإسلامي وخاصة مذهب أهل البيت (ع)
بجميع نواحيه، وخاصة الجانب الفقهي الذي يعتر حلا للمشكلة البشرية في
الحياة، ولكن لما كانت الثرة الثقافية الضخمة التي تضمها الكتب الفقهية
لا يسهل التوصل إليها إلا لمن مارسها كغيرها من الكتب الاختصاصية،
فلذلك كانت بحاجة إلى عرض يسهل على الطالبين غير الأخصائيين
التوصل إلى ما يرومونه من هذا العلم، ومما كان يؤكد هذا الأمر عدم تمركز
7

بعض البحوث الفقهية وانتشارها هنا وهناك، ولذلك فإن من أحسن الطرق
التي يمكن عرض الفقه به بشكل ميسور وجمع شتاته في كل موضوع هو
الطريقة الموسوعية، الطريق التي اتخذت في جميع العلوم البشرية منهجا
لعرض ما تحتويه من معارف.
وقد اطلعت إدارة مجمع الفكر الإسلامي على جهد موفق بذله أحد
أعضائه، وهو سماحة العلامة الجليل الشيخ محمد علي الأنصاري، تمهيدا،
لإعداد موسوعة فقهية ميسرة تتناول عرض الفكر الفقهي بطريقة جديدة
وفق الترتيب الهجائي للموضوعات الفقهية، وقد زاد في فائدة الموسوعة ضم
الموضوعات الخاصة بعلم الأصول أيضا على شكل ملحق خاص، فطلبت، إلى
سماحته بمواصلة العمل، ووفرت له مستلزماته حتى أنجز - ولله الحمد -
قسما كبيرا من ذلك وما زال يواصل العمل لإكمال الموسوعة بكل أجزائها.
وقد رأت إدارة المجمع أن تقدم للمكتبة الفقهية ما أنجز من هذه
الموسوعة سائلة الله سبحانه أن يتقبل من سماحة المؤلف جهده القيم
وأن يوفقه لإكمال المشروع، إنه سميع مجيب.
20 رجب 1415
مجمع الفكر الإسلامي
8

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي
حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن.
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الذي أرسله (بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (1)، وعلى أهل بيته الذين أذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (2).
الحاجة إلى التشريع:
أما بعد: فإن المجتمعات الإنسانية - مهما كانت، ومتى كانت، وأينما كانت -
لا تخلو من قواعد تبني عليها نظمها الاجتماعية، وذلك لما أودع في ذات الإنسان من
الرغبة نحو الحياة الاجتماعية حتى قيل: " إن الإنسان مدني بالطبع "، فهذه الرغبة

(1) الفتح: 28.
(2) لقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
الأحزاب / 33.
9

جعلته يفكر في تنظيم حياته الاجتماعية منذ البداية.
ولم يترك الله سبحانه الإنسان وحده في خضم الحياة، بل شملته هدايته
التكوينية والتشريعية، فوهب له العقل والفطرة، وأرسل إليه الأنبياء والرسل، ففازت
بعض المجتمعات بالهدايتين، وأهملت الأخرى ما جاء به الأنبياء.
ولولا تعاليم الأنبياء التي أثرت في المجتمعات بصورة مباشرة أو غير مباشرة
لأصبحت الحياة الإنسانية ظلمات في ظلمات، إذ لا قدرة للعقل وحده في تسيير
الحياة، وترسيم الخطط السليمة، بعد ضعفه عن مقاومة الشهوات والرغبات التي قد
تؤثر في تشخيصه وتشريعه، وهذا ما نشاهده اليوم في المجتمعات التي رفضت
التعاليم الإلهية، حيث أخذت تحس وتواجه ما ولدته هذه المتاركة من ويلات
ومشاكل.
التشريع الإسلامي:
ولما كانت الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع الإلهية وكان رسول الله صلى الله عليه
وآله خاتم النبيين كما قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله
وخاتم النبيين) (1)، فإن ذلك يقتضي - بطبيعة الحال - أن تتسم بالكمال، وهذا
ما نشاهده بالوجدان، فإن الشريعة الإسلامية امتازت على غيرها من الشرائع الإلهية والنظم الوضعة بالأمور التالية:
أولا - الاستيعاب والشمول:
ونقصد بالشمول شمولها:
1 - لجميع أفراد الإنسان.
2 - لجميع أحوال الإنسان.

(1) الأحزاب: 40.
10

أما شمولها لجميع أفراد الإنسان، فلأنها لم تختص بزمان دون زمان، ولا بأمة دون أمة، ولا بشعب دون شعب، ولا بقوم دون قوم، ولا بطبقة دون طبقة، بل هي
شريعة أنزلها الله لجميع أفراد الإنسان: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) (1)، وهي
خاتمة الشرائع، ومن لوازم الخاتمية أن لا تختص بزمان معين ولا بطبقة معينة.
وأما شمولها لجميع أحوال الإنسان، فلأنها لم تترك جانبا من جوانب حياته
إلا واستوعبته كمال الاستيعاب، لأن الإنسان - طبقا لفلسفة التكوين - له جانبان:
1 - جانب فكري، وهو معتقداته.
2 - جانب عملي، وهو سلوكه العملي.
ولذلك يحتاج الإنسان إلى شريعة تستوعب الجانبين: الفكري والعملي معا،
والشريعة الإسلامية هي الشريعة القادرة على استيعاب هذين الجانبين بصورة كاملة وصحيحة.
أما في البعد الفكري، فإن العقيدة تكون قسما كبيرا من الإسلام، كالاعتقاد
بالمبدأ والمعاد وحاجة الإنسان إلى الهداية وسد تلك الحاجة عن طريق بعث الأنبياء،
وما يتعلق بذلك من أبحاث ومعتقدات.
وأما في البعد العملي والسلوكي، فلم تدع الشريعة تصرفا من تصرفات
الإنسان إلا وأصدرت فيه حكما إلزاميا أو غير إلزامي، سواء في حقل الأخلاق
أو في حقول أخرى.
وأما الأديان والمدارس الوضعية الأخرى، فإنها إما أن اعتمدت على
الأخلاق وتركت المجتمع هو الذي يبتكر لنفسه نظاما اجتماعيا، وإما أن عكست
الأمر فتركت الأخلاق رأسا.
ولكن الإسلام جمع بين الثلاثة: العقيدة والأخلاق والنظام، وأوجد منها كتلة

(1) سبأ: 28.
11

واحدة، فلم ينفك النظام الاقتصادي الإسلامي أو العقابي أو العبادي أو غير ذلك،
من الارتباط بالعقيدة من جانب، والأخلاق من جانب آخر، فلذلك لا ينبغي توقع
الاستثمار من النظام الاقتصادي الإسلامي من دون تطعيمه بالأخلاق الإسلامية من
جانب، وبالعقيدة الإسلامية من جانب آخر.
وهذا الأمر قد غفل عنه الكثيرون في دراساتهم واستنتاجاتهم.
ثانيا - موافقة الشريعة للفطرة:
حينما نلاحظ الأحكام الإسلامية نراها توافق فطرة الإنسان، فالإسلام يحرم
القتل والزنى واللواط والسحق والقذف وشرب الخمر والسرقة والعدوان، ويأمر
بالعدل والإحسان والتقوى وعون الضعفاء، ويحترم كيان الإنسان وشخصيته،
فيعترف بحقوقه الإنسانية كحق الملكية إلى الحد المعقول، وحرية العمل ما لم يوجب
الفساد أو الضرر على النفس أو المجتمع، وأمثال ذلك. فأي حكم من هذه الأحكام
مخالف للفطرة الإنسانية!؟
هذا مع غض النظر عن تطابق المعتقدات الإسلامية مع الفطرة، ولعله إلى ذلك
كله أشار الذكر الحكيم بقوله: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (1).
ثالثا: عمق الثقافة الإسلامية:
ومن أبرز خصائص الإسلام في جميع مجالاته هو عمق الثقافة فيه، وسموها
بشكل عام، بمعنى أن فيها من الأسس ما يمكنها من أن تحتفظ بهذه الخصوصية دائما.
وإثبات ذلك يحتاج إلى دراسة ومقارنة بين الإسلام وغيره ليس هذا محلها.
رابعا - الدوام والاستمرار:
ومما امتازت به الشريعة الإسلامية - في جانب التشريع - خصوصية الدوام

(1) الروم: 30.
12

والاستمرار، فإن أحكامها مستمرة مهما طالت الأزمنة، والسر في ذلك يرجع إلى
أمرين أساسيين وهما:
أ - موافقة الشريعة للفطرة:
وقد تقدم البحث عن ذلك، وقلنا: إن من مميزات الشريعة الإسلامية موافقة
قوانينها للفطرة. وبما أن الفطرة غضة في جميع الأزمنة، فالقوانين الشرعية الموافقة لها
تكون كذلك، فلا تندرس بمرور الزمان.
ب - كيفية تركيب قوانين الشريعة:
فإن كيفية تركيب القوانين الشرعية وتنوعها منحتها مرونة تساير الحضارات
المختلفة في أمكنة متعددة، وأزمنة مختلفة. وفيما يلي نشير - بإيجاز - إلى ذلك فنقول:
إن القوانين - في الشريعة - يمكن تقسيمها - باعتبارات مختلفة - إلى أقسام
متعددة بحسب اختلاف الإطار الذي ننظر منه إليها.
أولا - انقسامها إلى قوانين ثابتة ومتغيرة:
إذا لاحظنا القوانين الإسلامية - من زاوية التشريع - نرى أنها تنقسم إلى:
1 - قوانين ثابتة.
2 - وقوانين متغيرة.
فالقوانين الثابتة هي التي لا يطرأ عليها بالذات أي تغير، بمعنى أنه لا يمكن
رفعها أو تحديدها، وذلك مثل وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة واستحقاق
الإرث على ما رسمته الشريعة، وحرمة الربا وشرب الخمر والزنى والقتل وأمثال
ذلك.
فهذه أحكام ثابتة لا يطرأ عليها أي تغيير، بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن ينسب
إلى الشريعة القول بتساوي الذكر والأنثى في الإرث، أو عدم تحريم شرب الخمر،
أو عدم وجوب الزكاة.
وأما القوانين المتغيرة فهي التي تتغير بحسب المصالح الزمانية والمكانية، وخير
13

مثال لذلك ما نقله الشريف الرضي قدس سره في نهج البلاغة: أنه سئل علي عليه السلام
عن قول الرسول صلى الله عليه وآله: " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود "، فقال عليه السلام:
" إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قل، وأما الآن وقد اتسع نطاقه، وضرب بجرانه،
فامرؤ وما اختار " (1).
فإن المصلحة كانت تقتضي أن يخضب المسلمون لحالهم على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم كي لا يبين عليهم الشيب فيستهين بهم العدو وهم آنذاك قل، أو لكي لا يشتبهون باليهود، وأما في زمنه عليه السلام حيث كثر المسلمون ولم يكن مورد لتلك
المحاذير فلا ضرورة في ذلك، فامرؤ وما اختار من الخضاب أو عدمه.
ومن هذا القبيل المعاهدات والقرارات التي تنعقد بين ولي أمر المسلمين وغيره،
فإن قرارا قد يكون في صالح المسلمين في زمان بينما يكون في ضررهم في زمان
آخر.
وقد تدخل هذه الموارد في " منطقة الفراغ " التي يكون للاجتهاد فيها دور هام
جدا.
ولا يتوهم أن تحليل مثل الميتة والخمر للمضطر من هذا القبيل، فتكون حرمة
الميتة - مثلا - من القوانين المتغيرة.
لا، ليس الأمر كذلك، لأنه ما من حرام إلا ويحلله الاضطرار، فيكون
الاضطرار من القوانين الحاكمة على كل القوانين مثل قاعدتي " لا ضرر " و " لا
حرج "، فهي تغير القوانين الثابتة أيضا في ظروف خاصه كما سيأتي بيانه.
ثانيا: انقسامها إلى منصوصة وغير منصوصة:
إن الأحكام الشرعية قد تكون ورد فيها نص خاص وقد لا تكون كذلك،
والنص الوارد تارة يشمل المورد بخصوصه بمعنى أن النص وارد في خصوص ذلك

(1) نهج البلاغة: 471، الحكمة 17.
14

المورد، مثل ما دل على وجوب الصيام في رمضان، وهذه الموارد كثيرة:
وتارة يشمله بعمومه أو بإطلاقه مثل قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (1)، الذي يدل على حلية كل تجارة
تكون عن تراض بين الطرفين - سواء كانت بيعا أو غيره - إلا ما خرج بالدليل
كالتجارة الربوية التي دل على تحريمها قوله تعالى: (أحل الله البيع وحرم الربا) (2).
وأم ما لم يرد فيه نص خاص، ولم يدخل في عموم أو إطلاق نص آخر
- كالمستحدثات سواء كانت من قبيل المأكولات، أو الملبوسات أو غير ذلك،
كاستعمال التبغ (أي السجائر)، واستخدام الوسائل الحديثة كالطائرات والراديو
والتلفزيون، أو الطبابة الحديثة كنقل عضو من إنسان إلى إنسان آخر، أو التلقيح
الصناعي، أو ما شابه ذلك، وهي كثيرة - فقد وضعت لها قوانين يمكن درج كثير من
هذه الموارد فيها، وفيما يلي نشير إلى أهم نماذجها:
1 - أصالة الإباحة (الحلية):
وهي تدل على حلية وإباحة كل ما لم نعلم حكمه من حيث الحلية والحرمة،
فتدل - مثلا - على حلية استعمال الوسائل الحديثة ما لم تدخل في عنوان آخر كأن
توجب الفساد مثلا، وحلية الطبابة الحديثة ما لم يطرأ عليها عنوان محرم، وهكذا.
والمصدر الشرعي للقاعدة من الكتاب قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في
الأرض جميعا) (3)، وقوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا
طيبا) (4)، وقوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن

(1) النساء: 29.
(2) البقرة: 275.
(3) البقرة: 29.
(4) البقرة: 168.
15

يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) (1).
ومن السنة: مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام: " كل شئ مطلق حتى يرد
فيه نهي " (2).
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل شئ فيه
حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه " (3).
وموثقة مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام قال: " كل شئ هو لك حلال
حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك " (4).
وغير ذلك من النصوص.
2 - أصالة البراءة: وهي تدل على براءة ذمة المكلف من التكليف إذا شك في وجوده، كما إذا شك
في وجوب شئ أو حرمته عليه.
والمصدر الشرعي لها عدة نصوص أهمها ما روي عن أبي عبد الله الصادق
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان،
وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد،
والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة " (5)، ويعبر عنه ب‍ " حديث
الرفع ".
فإن قوله صلى الله عليه وآله: " ما لا يعلمون " دال على معذورية الجاهل بالحكم
أو الموضوع، وفيه بحث مشبع يرجع فيه إلى أصول الفقه.

(1) الأنعام: 145.
(2) الفقيه 1: 317، الحديث 927.
(3) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(4) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.
(5) الخصال: 417، باب التسعة، الحديث 9، وراجع الوسائل 11: 295.
16

3 - أصالة الطهارة:
وهي تدل على طهارة ما شك في نجاسته - سواء كان الشك في الحكم أو الموضوع - كما إذا شك المكلف في طهارة العقاقير المستوردة من الخارج، أو في
نجاسة حيوان لم يكن معروفا من قبل، أو متولد من حيوانين أحدهما طاهر والآخر
نجس العين كالشاة والكلب.
والمصدر الشرعي لها: الروايات الدالة على طهارة ما لم يعلم نجاسته، مثل:
" كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس
عليك " (1)، وغيرها.
وهناك قوانين وقواعد أخرى تذكر في علي الأصول مثل " الاستصحاب "
و " الاشتغال " وغيرهما، وقواعد أخرى، تذكر في مطاوي الفقه يطلق عليها " القواعد
الفقهية "، وربما يبحث عن بعضها في الأصول أيضا مثل قاعدة " اليد " و " أصالة
الصحة " و " سوق المسلمين ".
فالأول يدل على استمرار الحالة السابقة - سواء كانت حكما أو حالة وصفة
لموضوع حكم - في صورة الشك في بقائها.
والثاني - على لزوم الاحتياط وفراغ الذمة من التكليف بعد اشتغالها به، كما إذا
علم بنجاسة أحد الماءين، فعليه أن يريقهما ويتوضأ بغيرهما.
والثالث - على كون اليد علامة لكون صاحبها هو المالك أو ذا الحق، فالذي
يسكن دارا ويدعيها هو أحق بها ما لم يثبت بدليل أقوى بطلان مدعاه.
والرابع - على أن فعل المسلم محمول على الصحيح، أي إذا صدر من مسلم
عمل ما كمعاملة وشككنا في صحتها فالأصل يقتضي صحتها وترتيب آثار الصحيح
عليها.

(1) الوسائل 1: 1054، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4.
17

والخامس - على أن سوق المسلمين علامة لكون الموجود فيه حلالا وطاهرا،
فلو شككنا في حلية لحم وطهارته ولكن وجدناه يباع في سوق المسلمين فهو محكوم
بالطهارة والحلية، لهذه القاعدة.
وغيرها من القواعد التي يعتمد عليها الفقيه في إصدار الفتوى.
ثالثا - انقسامها إلى حاكمة ومحكومة:
وإذا نظرنا إلى القوانين الشرعية من بعد آخر نراها تنقسم إلى قوانين حاكمة،
وقوانين محكومة.
ونقصد بالحاكمة التي يكون لها حق النقض والرد على القوانين الأخرى، ولكن
بشكل محدود ومؤقت لا دائما، وسيتضح ذلك من خلال التطرق لأهم النماذج من
هذا القبيل من القوانين:
أ - قاعدة " لا ضرر ":
ومفاد هذه القاعدة: أنه متى ما كان القانون الشرعي مضرا بحال الفرد
أو المجتمع فهو يرتفع ما دام الضرر موجودا لا دائما، فالصوم الواجب يرتفع وجوبه
لو كان مضرا ما دام كذلك، فإذا ارتفع الضرر عاد الوجوب.
والمصدر الشرعي للقاعدة هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا ضرر
ولا ضرار على مؤمن " (1) في قضية سمرة بن جندب مع رجل من الأنصار.
ب - قاعدة " لا حرج ".
ومفادها: أن كل قانون وحكم يكون حرجيا على الإنسان - بمعنى أن يكون
تحمله شاقا عليه لسبب ما بحيث لا يتحمل مثله - يرتفع عن المكلف ما دام فيه حرج
ومشقة، فيرتفع وجوب الصوم ما دام فيه مشقة، فإذا ارتفعت رجع الوجوب. وكذا
في غيره من الواجبات.

(1) الكافي 5: 294، الحديث 8.
18

والمصدر الشرعي للقاعدة هو قوله تعالى: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في
الدين من حرج) (1)، وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (2)،
ونصوص أخرى من الروايات.
ج - قاعدة " التقية ":
ومفادها: أن الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدو
أو ظالم فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه، كما إذا أجبره
العدو أن يظهر كلمة الكفر، أو يفعل بعض المنكرات كشر الخمر - مثلا - وهدده بالقتل أو الضرب الشديد إن لم يفعل، فالقاعدة تجوز له أن يرتكب ذلك ليدرأ الخطر عن نفسه وعياله والمؤمنين:
والمصدر الشرعي للقاعدة عدة آيات وروايات، ونكتفي بذكر الآيتين الدالتين
على الموضوع، وهما: أولا - قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن
يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة...) (3).
فقد نهت الآية عن اظهار الموالاة والمحبة للكافرين إلا في صورة التقية كما إذا
كان الكفار غالبين على المؤمنين مثلا.
قال العلامة الطبرسي - بعد نقل الآية -: "... وفي هذه الآية دلالة على أن
التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس... " (4).
وقال الإمام الرازي - بعد نقل الآية -: " واعلم أن نظير هذه الآية قوله تعالى:
(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان)، ثم قال: المسألة الرابعة: اعلم أن للتقية

(1) الحج: 78.
(2) البقرة: 185.
(3) آل عمران: 28.
(4) مجمع البحرين: 1: 430.
19

أحكاما كثيرة، ونحن نذكر بعضها:
الحكم الأول - أن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، ويخاف منهم
على نفسه وماله فيداريهم باللسان... إلى أن قال:
الحكم السادس - قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتا في أول الإسلام لأجل
ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا!! وروى عوف عن الحسن: أنه
قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى، لأن دفع الضرر عن
النفس واجب بقدر الإمكان " (1).
الثاني: قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) (2).
والآية نزلت - كما هو المعروف - في عمار ووالديه وجماعة من المؤمنين حيث
عذبوا حتى قتل والد عمار، لكنه أظهر - من شدة التعذيب - كلمة الكفر وقلبه مطمئن
بالإيمان، فأتى - عمار - رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
يمسح عينيه ويقول: " ما لك؟ إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " (3).
قال الرازي بعد ذكر الواقعة:
المسألة الرابعة: يجب ها هنا بيان الإكراه الذي عنده يجوز التلفظ بكلمة الكفر،
وهو أن يعذبه بعذاب لا طاقة له به، مثل التخويف بالقتل، ومثل الضرب الشديد
والإيلامات القوية " (4).
هذا وقد بحث الفقهاء حول القاعدة، وحدودها، والخوف المجوز لذلك،
وما يستثنى منها كالدماء ونحوها: فقالوا - مثلا -: " لا تقية في الدماء " بمعنى أن التقية

(1) التفسير الكبير 8: 13.
(2) النحل: 106.
((3) التفسير الكبير 20: 121. ومجمع البيان 3: 388.
(4) التفسير الكبير 20: 121.
20

لا تبرر إراقة دم المسلم، وذلك لما ورد: "... إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا
بلغت التقية الدم فلا تقية " (1).
والنصوص الواردة في التقية عن طريق أهل البيت عليهم السلام كثيرة.
د - قاعدة " رفع الحكم بالاضطرار ":
ومن القوانين الحاكمة قانون " رفع الحكم بالاضطرار "، فمثلا نعلم أن أكل مال الغير
من دون رضاه محرم، ولكن لو اضطر إليه الإنسان كما إذا كان بحاجة لسد رمقه
إلى ماء أو طعام وانحصر عند شخص فحبسه عنه مع دفع المضطر الثمن، فللمضطر أن
يأخذ الطعام منه ولو بالقتال على بعض الآراء (2).
والمصدر الشرعي للقاعدة قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه) (3)، أو (فإن الله غفور رحيم) (4).
هذا مضافا إلى حديث الرفع المتقدم (5) الدال بقوله: "... وما اضطروا
إليه... " على رفع المؤاخذة عن المضطر.
رابعا - انقسامها إلى أولية وثانوية:
ويمكن تقسيم الأحكام الشرعية - بلحاظ آخر - إلى أولية وثانوية:
فالأولية هي الثابتة للأشياء بما هي هي، كالوجوب أو الاستحباب للصلاة
والصوم والطهارات والحج والزكاة و... والجواز للبيع والإجارة والوكالة والنيابة
والمزارعة و... والحرمة للخمر والكذب والغيبة و...
ولكن قد يطرأ على هذه الموضوعات ما يغير الحكم فيها كما إذا كان الصوم

(1) الوسائل 11: 483، الباب 31 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 2.
(2) راجع الجوهر 36: 438.
(3) التوبة: 173.
(4) النحل: 115.
(5) في الصفحة: 14.
21

مضرا بالمكلف فيحرم، أو كان البيع أو الإيجاز في سبيل الباطل، كبيع الدار
أو إيجارها ليصنع فيها الخمر، أو إيجار واسطة النقل لينقل فيها الخمر - مثلا - فالبيع
والإجارة يكونان محرمين بسبب طرو عنوان جديد وهو الإعانة على الإثم - على
تفصيل في مدى حرمته، مذكور في محله - أو كتبدل عنوان الواجب الكفائي إلى
الواجب العيني فيما لو انحصر الفرد القادر على إتيانه، كالطبابة ونحوها مما يضطر إليه
النظام الإنساني.
فهذه الأحكام الطارئة يطلق عليها " الأحكام الثانوية ".
والتغير يكون - غالبا - بسبب حصول " الضرر " أو " الحرج " أو " الإكراه "
أو " الاضطرار " أو " التزاحم " بين الأهم والمهم وتقديم الأهم، كتقديم وجوب إنقاذ
النفس المحترمة من الهلاك على حرمة التصرف في مال الغير إذا تزاحما، بأن رأى
شخصا قد أحاطته النار ولا يمكن تخليصه إلا بالتصرف في ملك الغير.
خامسا - انقسامها إلى مولوية وإرشادية:
فالمولوية هي الصادرة من الشارع بما أن له الولاية على العباد كأمره
بالطهارات الثلاث والصلاة والصيام والحج و... ونهيه عن أكل الميتة والدم ولحم
الخنزير.
والإرشادية هي الصادرة منه للإرشاد إلى حكم العقل مثل رفع حرمة الميتة
عن المضطر، وتحريم الظلم والكذب.
سادسا - انقسامها إلى تأسيسية وتقريرية:
فالقوانين التأسيسية هي التي أسستها الشريعة، ولم تكن - بمادتها وهيئتها
الفعلية - موجودة قبل الشريعة، كأحكام الطهارات الثلاث والصلاة والصيام والإرث
وبعض المعاملات كحرمة الربا، وأحكام العقوبات كالقطع بالسرقة وأمثال ذلك.
والتقريرية هي التي كانت ثابتة قبل الشريعة ثم أقرتها على حالها أو مع تغيير،
مثل قانون " الملكية الفردية " وقانون " السلطنة " الذي يدل على سلطنة الإنسان على
22

ماله ونفسه، وكالاعتراف بالبيع كوسيلة لنقل الثروة، لكنها جعلت له شروطا لم تكن
موجودة عند العرف كأن يكون المبيع مملوكا ومعلوما، والبائعان عاقلين مختارين،
وأمثال ذلك.
وينبغي أن نلفت النظر إلى أن العرف ليس مصدرا للتشريع - كما يتوهمه
البعض - بل التشريع لله تعالى، ولمن ارتضاه، أحيانا. نعم الشريعة قد تقرر ما هو
الموجود عند العرف، وهذا ليس بمعنى جعل العرف مصدرا للتشريع، بل إرجاع إليه
في تشخيص موضوعات الأحكام من ناحية مفهومية أو مصداقية، مثل معرفة الغناء
من الناحيتين المفهومية والمصداقية، أو تغير الماء أو تشخيص الضرر الذي يرتفع به
الحكم الأولي، وأمثال ذلك.
كانت هذه الملامح العامة للقواعد التي جعلت الشريعة مرنة يمكن ادعاه قدرتها
على حل مشاكل الإنسان، والتفصيل موكول إلى مجال آخر.
والذي تجدر إليه الإشارة هو: أن حدود هذه الانقسامات أمر دقيق جدا،
وربما التبس على بعضهم فأخذ يتخبط تخبطا عشوائيا حتى أوقعه ذلك في بعض
الشبهات، فادعى: أن غالب الأحكام الشرعية متغيرة ولم يوجد من الأحكام الثابتة
إلا القليل، فاشتبه الأمر عليه بين الأحكام الثابتة والمتغيرة، وبين الأحكام الأولية
وثانوية، فحرمة الخمر من الأحكام الثابتة، ولا يجرأ أحد أن يدعي - يوما ما -
حليتها شرعا، ولكن هذه الخمر قد تصير حلالا بسبب الاضطرار أو الإكراه أو غير
ذلك من العوامل التي تغير الحكم من الحكم الأولي إلى الثانوي، وقس على ذلك
غيرها.
وقد توهم بعضهم إمكان تغيير الحكم الأولي إلى الثانوي بمجرد الاستحسانات
الواهية، وهذا فيه من الخطورة ما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالشريعة المقدسة،
والاعتراف بمثل هذه الرؤية لا يبقى حجرا على حجر.
23

والأخطر من ذلك كله دعوى بعض المتسللين إلى حريم الشريعة: أن وظيفة
الدين هو بيان ما يرتبط بالجانب الروحي، وأما غير ذلك فلا قدرة له على التشريع
فيه، بل لا بد من الرجوع إلى العرف الذي يشرع - هو - ما يحتاجه بحسب ظروفه
الزمانية والمكانية!!!
أجل، ما أخطر هذه التصريحات ممن يرون أنفسهم أنهم عاشوا في أحضان
الثقافة الإسلامية، لكنهم لم يستوعبوا عمق هذه الثقافة، فقالوا ما قالوا إما من دون
إحساس بالمسؤولية الإسلامية، أو مع إحساس بمسؤولية أخرى.
ومن هنا تعظم مسؤولية العلماء بصورة عامة، والفقهاء بصورة خاصة للقيام
بدراسة موضوعية لهذه الشبهات وأمثالها، وإثبات قدرة الشريعة في خوض هذا
الصراع، والخروج منه بالفوز والنجاح، كما أثبت التجارب ذلك وليس العهد ببعيد،
والله هو الموفق للصواب، وهو القائل: (إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (1)
(فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) (2).

(1) الحجر: 9.
(2) يوسف: 64.
24

مذهب أهل البيت عليهم السلام:
انتهينا في أبحاثنا السابقة إلى أمرين:
الأول - أن البشرية بحاجة إلى شريعة إلهية، ولا تكفي التشريعات البشرية.
الثاني - أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة المتفوقة على غيرها من الشرائع.
وفي بحثنا - هذا نريد أن نضيف أن مذهب أهل البيت عليهم السلام هو المذهب
الأفضل والأولى بالاتباع من بين سائر المذاهب الإسلامية، وذلك لتوفر عناصر
مهمة فيه لم تتوفر في غيره من المذاهب، نشير - فميا يلي - إلى أهم تلك العناصر:
أولا - نشأة المذهب في أحضان الرسالة:
لسنا مبدعين أو مبالغين إذا قلنا: إن مذهب أهل البيت عليهم السلام قد نشأ في
عهد الرسالة، بل وعلى لسان الذكر الحكيم بعد أن قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1)، وعلى لسان سيد المرسلين صلى الله عليه وآله
بعد أن صرح كرارا - كما سيأتي - بأنه تارك في أمته ثقلين: كتاب الله وعترته أهل

(1) الأحزاب: 33.
25

بيته، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وأن المسلمين لن يضلوا لو تمسكوا
بهما من بعده... وأن مثل أهل بيته كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها
غرق، إلى غير ذلك من الروايات، فإنها دالة على وجود هوية مستقلة تحت عنوان
" أهل البيت " لها خصائص كإذهاب الرجس عنها، وتطهيرها، وكونها عدلا
للكتاب، وأن التمسك بها موجب للنجاة من الهلاك كسفينة نوح، وترك التمسك بها
موجب للضلال والغرق.
ثانيا - ضرورة اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام:
يكفي في ضرورة اتباع مذهبهم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله متواترا
من وجوب التمسك بالثقلين: كتاب الله وعترته أهل بيته، فمن ذلك ما رواه مسلم في
صحيحه باسناده عن زيد بن أرقم، قال:
" قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى " خما " (1) بين مكة
والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:
" أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا
تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى "... ورغب فيه، ثم قال: " وأهل
بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل
بيتي... " (2).
وقد رواه أكثر من مئتي عالم عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية.
ومما يضطر المؤمن إلى الانقطاع في الدين إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام
قوله صلى الله عليه وآله فيهم: " ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا،

(1) خم: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فقال:
غدير خم. (هامش صحيح مسلم).
(2) صحيح مسلم، كتاب 4: 1873، فضائل الصحابة، باب فضائل علي، الحديث 36،
التسلسل العام: 2408، وانظر الصواعق المحرقة: 228، باب وصية النبي صلى الله عليه وآله بهم.
26

ومن تخلف عنها غرق ".
وورد هذا الحديث بعدة طرق وبألفاظ متقاربة (1).
والهدف من تشبيههم بسفينة نوح هو: أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه
وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن آوى
- يوم الطوفان - إلى جبل ليعصمه من أمر الله، فيكون نصيبه الهلاك مثله.
والمراد ب‍ " أهل البيت " هم: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، كما ذكر
ذلك الكثير من المفسرين والحفاظ وأئمة الحديث (2)، لما دلت عليه الروايات، فقد

(1) تجدها في الصواعق المحرقة: 236، باب الأمان ببقائهم.
(2) راجع على سبيل المثال الدر المنثور للسيوطي، فإنه ذكر في ذيل الآية الشريفة ما يقارب
اثنتين وعشرين رواية.
أربع منها تدل أن الآية مختصة بأزواج النبي صلى الله عليه وآله.
وعشر مها تدل على ما سيأتي عن مسلم، وهو قضية جمع النبي صلى الله عليه وآله فاطمة
وعليا والحسنين تحت الكساء والدعاء لهم ثم نزول الآية، وفي بعضها أن أم سلمة أرادت
الدخول معهم فلم يأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إنك على خير.
وأربع منها تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان - بعد نزول الآية - يمر بباب فاطمة إذا
خرج إلى الصلاة الفجر ويقول: الصلاة يا أهل البيت، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
ورواية واحدة تدل على أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك بعد زواج علي بفاطمة عليهما
السلام.
ورواية واحدة عن زيد بن أرقم يفسر فيها عنوان أهل البيت الوارد في حديث الثقلين
بعنوان عام يشمل الخمسة ونساء النبي صلى الله عليه وآله.
وروايتان تدلان على بيان فضل بيت النبي (ص) وأهله من دون تفسير وتطبيق.
أما الروايات الأربع التي تقول: إن المراد إنما هو النساء النبي خاصة فالراوي لثلاث منها
عكرمة، لكن روى اثنتين منهما عن ابن عباس، وبين في الثالثة رأيه الشخصي من دون إسناد
إلى ابن عباس، فهو يقول فيها: " ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي " صلى الله عليه وآله.
وأما الرابعة فقد رواها عروة من دون إسناد إلى النبي صلى الله عليه وآله وإنما أخبر بأن الآية
نزلت في بيت عائشة.
وكل هذه لا قدرة لها للمعارضة مع الروايات المتقدمة، لأن عكرمة معروف بعدائه لأهل
البيت، فإنه خارجي حروري، وكان يكذب على ابن عباس حتى ضربه، هذا بالنسبة إلى ما
رواه ابن عباس، وأما بين فيه رأيه الشخصي من دون إسناد إلى أحد، فهو للتأييد
أقرب، لأن الرواية تدل على وجود جو عام يذهب إلى أن الآية نازة في غير نساء النبي صلى الله
عليه وآله، فكان يحاول ردع هذا الجو بكلامه هذا وأمثاله.
وأما ما رواه عروة فهو معارض بما روته عائشة نفسها - كما في المتن - من أن الآية نزلت في
الخمسة.
وأين هذه من تلك الروايات الكثيرة المصرحة بالمطلوب، والحاكية لفعل الرسول صلى الله عليه
وآله؟!.
أنظر الدر المنثور (5: 198) ذيل قوله تعالى: " إنما يريد الله... ".
27

روى مسلم - في صحيحه - عن عائشة أنها قالت:
" خرج النبي صلى الله عليه وآله غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء
الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم
جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) (1).
والأحاديث في ذلك كثيرة لا يسعنا التعرض لها فعلا، وإنما كان ذلك إشارة إلى
أن اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام مبرئ للذمة يقينا، وأما غيره فغير مبرئ
للذمة يقينا، وانشغال الذمة بالتكليف يقينا يستدعي البراءة اليقينية منه.
ثالثا - إحاطة رؤساء المذهب بالدين أكثر من غيرهم:
ومما يرجح مذهب أهل البيت عليهم السلام على غيره من المذاهب إحاطة رؤساء
المذهب بالدين أكثر من غيرهم في جميع المجالات: من الكلام والتفسير والفقه وغير
ذلك، وقد ورد عنهم من المعارف الإسلامية - رغم كل المحاولات للضغط عليهم: من

(1) صحيح مسلم 4: 1883، كتاب الفضائل، باب فضائل أهل البيت، الحديث 61، التسلسل لعام: 2424.
28

التشريد والحبس والقتل ومنع الناس من الاتصال بهم - ما جعل مذهبهم أكثر غناء
من غيره من المذاهب، وهذا ما يجده الناظر به بموضوعية ومن دون تعصب،
وسنشير إلى بعض النماذج التي تدل على ذلك:
1 - من ذلك ما شرحته سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها (1)
المشهورة من فلسفة التشريع، فقالت - فيما بينته من المعارف الإلهية في التوحيد
وشرح حال الناس حين بعثة النبي صلى الله عليه وآله، وبيان عظمة النبي صلى الله عليه وآله
وغير ذلك -:
"... فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن
الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج
تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من
الفرقة، والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام
منسأة في العمر، ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا
للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها
عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية.
فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به

(1) ذكر الخطبة: أحمد بن أبي طاهر البغدادي المتوفى عام (280 ه‍) في بلاغات النساء (ص 14،
مطبعة النجف الحيدرية)، والأستاذ عمر رضا كحالة في أعلام النساء (3: 1208، طبعة
دمشق). وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة 16: 210، ذيل كتابه عليه السلام إلى واليه
عثمان بن حنيف - الرسالة 45)، وصرح بأنه لم ينقله من كتب الشيعة ورجالهم، بل عن أهل
الحديث. فذكره من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب " السقيفة وفدك ".
وذكرها الطبرسي في " الاحتجاج ".
29

ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء ".
فهل كان في المسلمين آنذاك من له القدرة على بيان فلسفة التشريع بهذه
المثابة، وهل ورد عن غير أهل البيت مثل ذلك؟!.
هذا مع غض النظر عما في الخطبة من المعارف الإلهية الأخرى الرفيعة
المستوى.
2 - ومن ذلك ما ورد في علم علي عليه السلام:
ورد في ذلك كثير نقتصر فيه على حديث واحد، ف‍ (إن في ذلك لذكرى لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (1).
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" أنا مدينة العلم وعلي بابها "، وفي بعضها زيادة: " فمن أراد المدينة فليأت
الباب " (2).
ألا يعني هذا الحديث: أن العلم النبوي قد أودع في صدر علي عليه السلام، فمن
أراد الوصول إلى منبع الفيض الإلهي فعليه أن يأخذه منه؟
وألا يدل على أن علم علي عليه السلام مأخوذ من النبي صلى الله عليه وآله فيكون
أصوب الطرق للوصول إلى الحكم الشرعي؟
ويؤيد ذلك ما ورد عن علي عليه السلام أنه قال عن نفسه: " علمني رسول الله
ألف باب من العلم ".
وممن نقل هذا الحديث، الرازي في تفسيره، فقد ذكره عن بعضهم ذيل قوله

(1) سورة ق: 37.
(2) نقل الحديث جمع كثير من أئمة السنة وحفاظ حديثهم في الصحاح والمسانيد بطرق عديدة،
وقد أرسلوه إرسال المسلمات، وعدهم المحقق الأميني في موسوعته القيمة " الغدير " فزادوا على
مائة وأربعين شخصا، منهم الحاكم في مستدركه، والإمام أحمد في مناقبه والخطيب البغدادي في تاريخه - في مواضع عديدة - وغير هؤلاء من الشخصيات الكثيرة.
30

تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (1)، عند
ذكره مميزات الأنبياء فقال:
" ومنها - قوة الذكاء - قال علي: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم
واستنبطت من كل باب ألف باب)، فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي
صلى الله عليه وآله " (2).
وقال هو عليه السلام عن نفسه:
" والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين نزلت، إن ربي وهب لي
قلبا عقولا، ولسانا سؤولا " (3).
وقال عليه السلام:
" سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أو بنهار،
في سهل أم في جبل " (4).
ولم تقتصر التصريحات في هذا الحد، بل شملت حتى أحفاده الميامين رغم كل
الظروف الصعبة التي كانوا يعيشونها من قبل السلطات المعاصرة لهم.
فهذان الإمامان الصادقان: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب وابنه جعفر الصادق عليهم السلام، اللذان اعتمد الفقه الشيعي على آرائهما
لما سنحته الظروف المعاصرة لهما من فسح المجال لبث آرائهما - إلى حد ما - قد صرح
الكثير بعلمهما وفضلهما وورعهما وتقواهما.

(1) آل عمران: 33.
(2) التفسير الكبير 8: 21.
(3) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 67 (ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام)، وذكره المتقي في
كنز العمال 6: 396، وابن سعد في الطبقات 2 (القسم الثاني): 101، وفيه: لسانا طلقا.
(4) ذكره ابن حجر في الإصابة 2: 509 (في ترجمة علي عليه السلام - حرف العين - القسم الأول)،
ورواه في تهذيب التهذيب 7: 337، وابن عبد البر في الاستيعاب 2: 463.
31

أما الإمام الباقر عليه السلام فقد صار مضربا للمثل في التوسع في العلم حتى ذكر
في كتب اللغة:
فقال صاحب القاموس: " والباقر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم لتبحره
في العلم " (1).
وقال محمد بن المكرم: " التبقر التوسع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن
علي بن الحسين بن علي: الباقر رضوان الله عليهم، لأنه بقر العلم أي شقه ودخل فيه
مدخلا عظيما " (2).
وقال الدميري - في حياة الحيوان -: "... ومنه قيل لمحمد بن علي بن الحسين بن
علي: الباقر، لأنه بقر العلم أي شقه ودخل فيه مدخلا عظيما " (3).
والمعروف أن جده الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي لقبه بهذا اللقب.
وقد صرح بعلمه وفضله كثير من العلماء:
فقال عنه عبد الله بن عطاء: " ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند
أبي جعفر " (4).
وقال الذهبي: " أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي
العلوي... وكان سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر في زمانه بالباقر، من قولهم: بقر
العلم: أي شقه فصلم أصله وخفيه، وعده النسائي وغيره في فقهاء المدينة " (5).
وقال أبو الفداء: " أبو جعفر الباقر هو محمد بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي
طالب القرشي أبو جعفر الباقر، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي، وهو

(1) القاموس المحيط: " بقر ".
(2) لسان العرب: " بقر ".
(3) حياة الحيوان: 1: 147.
(4) حلية الأولياء 3: 186، ترجمة الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام.
(5) تذكرة الحفاظ 1: 117.
32

تابعي جليل القدر، أحد أعلام هذه الأمة علما وعملا وسيادة وشرفا... وسمي
بالباقر، لبقره العلوم واستنباطه الحكم.
كان ذاكرا خاشعا صابرا وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب عالي الحسب،
وكان عارفا بالخطرات، وكثير البكاء والعبرات، معرضا عن الجدال
والخصومات " (1).
وقال عنه ابن خلكان: "... كان الباقر عالما سيدا كبيرا، وإنما قيل له
الباقر لأنه تبقر في العلم، أي توسع، والتبقر: التوسع، وفيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجبل " (2)
إلى غير ذلك من التصريحات الكثيرة التي لا يسعنا التعرض لها فعلا.
وأما ولده أبو عبد الله الصادق عليه السلام، فقد ورد في حقه من الثناء ما يدل
على سعة علمه، وعظمته:
فقال عنه المنصور: " إن جعفرا كان ممن قال الله فيه: (ثم أورثنا الكتاب
الذين اصطفينا من عبادنا)، وكان ممن اصطفاه الله وكان من السابقين في
الخيرات " (3).
وقال عنه مالك: " جعفر بن محمد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على
إحدى ثلاث خصال، إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا
سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علما وعبادة
وورعا " (4).

(1) البداية والنهاية 9: 309.
(2) وفيات الأعيان 4: 174.
(3) تاريخ يعقوبي 2: 177.
(4) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 53 نقلا عن: التهذيب 2: 104، والتوسل والوسيلة
(لابن تيمية): 52 (الطبعة الثانية)، والمجالس السنية: 5.
33

وقال عنه أبو حنيفة: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور
بعث إلي، فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من
المسائل الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة، فأتيته
فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة
لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه وأومأ إلي فجلست،
ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هو أبو حنيفة.
قال جعفر: نعم، ثم أتبعها: قد أتانا - كأنه كره ما يقول فيه قوم: إنه إذا رأى
الرجل عرفه - ثم التفت المنصور إلي فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من
مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون
كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين
مسألة ".
ثم قال أبو حنيفة: " ألسنا قد روينا: أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف
الناس " (1).
وقال أيضا: " لولا السنتان لهلك النعمان " (2).
وقال عنه أبو بحر الجاحظ: " جعفر بن محمد، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه
ويقال: إن أبا حنيفة من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا
الباب " (3).
وقال عنه ابن حجر الهيثمي: " جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم
ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر، كيحيى

(1) المصدر السابق، نقلا عن: مناقب أبي حنيفة (للموفق) 1: 173، وجامع أسانيد أبي حنيفة 1:
222، وتذكرة الحفاظ (للذهبي) 1: 157.
(2) نفس المصدر، عن التحفة الاثني عشرية، للآلوسي: 8.
(3) نفس المصدر، عن الرسائل الجاحظ (للسندوبي): 106.
34

ابن سعيد، وابن جريح، ومالك، والسفيانين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب
السجستاني " (1).
وقال الشهرستاني: " جعفر بن محمد الصادق هو ذو علم غزير وأدب كامل في
الحكمة وزهد في الدنيا وورع تام عن الشهوات... " (2).
وقال محمد بن طلحة الشافعي: " جعفر بن محمد هو م علماء أهل البيت
وساداتهم، ذو علوم جمة، وعبادة موفورة - ثم أخذ يعد صفاته الحميدة ثم قال: -
نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأمة وأعلامهم - ثم عد
أسماءهم ثم قال: - وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها " (3).
و " عندما يفرغ الباحث لدراسة شخصية الإمام جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب دراسة صحيحة على ضوء الضمير النقي، والواقع
العقلي، والتجرد العلمي، متبعا الأصول الحديثة، مبتعدا عن العاطفة ومرض التعصب،
وأثر الجنسية، فلا يستطيع إلا الإقرار بأنها مجموعة فلسفية قائمة بذاتها، تزخر
بالحيوية النابضة، والروحية المتجسدة، والعقلية المبدعة التي استنبطت العلوم،
وأبدعت الأفكار، وابتكرت السنن، وأوجدت النظم والأحكام " (4).
كان هذا نزر قليل مما قيل في هذا البيت الرفيع بالعلم والتقوى.
هذا مع شدة الظروف التي كانوا يعيشونها والضغط الشديد الذي كانت تمارسه
السلطات الحاكمة معهم، حتى كان الناس يخشون التحدث برواياتهم، وكان أصحابهم
يذكرونهم أحيانا بألقاب وكنى لا يعرفها غيرهم مثل: العبد الصالح، العالم ونحو ذلك.

(1) الصواعق المحرقة 201 (الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت).
(2) الملل والنحل 1: 165.
(3) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، نقلا عن مطالب السؤل 2: 55.
(4) المصدر السابق 1: 63، عن مقدمة كتاب (الهفت والأظلة: 15 و 16، معهد البحوث
الشرقية، عارف ثامر، والأب أ. عبده خليفة اليسوعي).
35

بل وربما اضطروا أن يفتوا بما يخالف رأيهم ويوافق المذاهب السائدة خوفا
على شيعتهم.
رابعا - فتح باب الاجتهاد:
ومن مميزات مذهب أهل البيت عليهم السلام انفتاح باب الاجتهاد - بمعناه
الصحيح - عندهم.
والمقصود من الاجتهاد الصحيح هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من
الكتاب والسنة بمعونة القواعد الأصولية المستدل على صحتها وفقا للأسس الموضوعة
للمذهب، ولذلك لا يدخل القياس، ولا الاستحسان، ولا الاعتماد على الرأي
الشخصي في عملية الاستنباط، لبطلانها وخروجها بصورة موضوعية عن ذلك بعد
تأكيد أئمة أهل البيت عليهم السلام على بطلانها، وللبرهنة على ذلك مجال آخر.
ومما جعل الاجتهاد - في مذهب أهل البيت عليهم السلام - يمتاز عن غيره، هو
صدور القواعد الأصولية والفقهية الكثيرة التي يعتمد عليها الاجتهاد من
الأئمة عليهم السلام، وخاصة الإمامين: محمد بن علي بن الحسين الباقر وابنه جعفر بن
محمد الصادق عليهم السلام، فإن الروايات الدالة على الاستصحاب، والبراءة الشرعية،
وقاعدة اليد، والسوق، وأصالة الصحة (أي حمل فعل المسلم على الصحيح)، وأصالة
الطهارة، وأصالة الحل (الإباحة)، وقاعدتي لا ضرر ولا حرج، وكيفية ترجيح
الروايات المتعارضة، وعشرات القواعد الأخر كلها دالة على إحاطة الأئمة عليهم السلام
بهذه القواعد، وتعليمهم الفقهاء لها وإن كانت العناوين والتسميات قد ظهرت بعد
ذلك، فالاستصحاب تدل رواياته على واقع الاستصحاب، وهو جر الحالة السابقة
(من حيث الحكم أو الموضوع) وإن لم يطلق عليه عنوان الاستصحاب آنذاك.
وكان الأئمة عليهم السلام يربون تلاميذهم كلا في فرعه الخاص به، فكانوا يعلمون
الكلاميين منهم كيفية المناظرة، والفقهاء كيفية الاستنباط، فقد سأل الإمام
الصادق عليه السلام سائل عن المسح على مرارة وضعها على ظفره المقطوع فقال عليه السلام:
36

يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: (ما جعل
عليكم في الدين من حرج) (1) امسح عليه (2).
وقد ورد عن الرضا عليه السلام قوله: " علينا إلقاء الأصول، وعليكم التفريع " (3).
وأما ما ورد عنهم عليهم السلام من رفض الاجتهاد، فالمقصود منه رفض ما كان
متعارفا عند غيرهم آنذاك من الأخذ بالرأي، والعمل بالقياس والاستحسان،
لا الاجتهاد بالمعنى المتقدم.
وللأئمة عليهم السلام - خاصة أبي عبد الله الصادق عليه السلام - مناظرات في إبطال
القياس، منها مناظرته مع أبي حنيفة (4).
كانت هذه مميزات مذهب أهل البيت عليهم السلام التي تضطر الإنسان للالتزام به.
حاصل الأبحاث السابقة:
والذي نستنتجه من الأبحاث السابقة هو:
1 - أن الإنسان بحاجة إلى نظام اجتماعي، وأن فطرته هي التي تهديه إلى هذه
الضرورة والحاجة.
2 - وأن الإنسان غير قادر تشريع أسس الحياة الاجتماعية لقصور فيه،
فاللازم عليه أن يخضع للتشريع الإلهي.
3 - وأن الشريعة الإسلامية هي أكمل الشرائع الإلهية لأسباب:

(1) الحج: 78.
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(3) الوسائل 18: 41 الباب 6 من أبواب صفات القاضي الحديث 52.
(4) نقلها أبو نعيم في حلية الأولياء 3: 196، ونقل ابن حزم قضية أخرى في كتاب إبطال
القياس: 71. وراجع مقدمتنا لكتاب " تاريخ حصر الاجتهاد " للعلامة الطهراني، وراجع عنوان
" الاجتهاد " في القسم الأصولي من هذا المجلد.
37

أ - لاستيعابها وشمولها لجميع أفراد الإنسان وجميع أحواله الفكرية
والعلمية.
ب - لموافقتها للفطرة.
ج - لعمق الثقافة وسموها فيها.
د - لقابليتها للدوام والاستمرار.
4 - وأن مذهب أهل البيت عليهم السلام أولى بالاتباع من غيره من المذاهب
الإسلامية وذلك لأجل:
أ - نشأة المذهب في أحضان الرسالة.
ب - ورود ما يلزم - من النصوص - باتباع المذهب.
ج - تفوق رؤساء المذهب وشخصياته على غيرهم من حيث العلم.
د - فتح باب الاجتهاد بالمعنى الصحيح عند التابعين للمذهب.
وهكذا ننتهي إلى ضرورة التعريف بالمذهب إتماما للحجة.
38

لمحة خاطفة عن تاريخ الفقه والأصول عند الإمامية
من المناسب أن نشير - إشارة إجمالية وسريعة - إلى تاريخ الفقه والأصول عند
الإمامية، ولنبدأ بالفقه أولا:
تاريخ الفقه في مذهب الإمامية:
حينما نريد أن نبحث عن الفقه تاريخيا، تارة ننظر إليه بما هو أمر متحقق في
الخارج، وتارة ننظر إليه بما هو مدون في الكتب.
أما الأول فلا إشكال في أن تاريخ فقه أهل البيت عليهم السلام يساير تاريخ
نشوئه، وقد سبق أن المذهب ترعرع في أحضان الرسالة، وأخذ ينمو على أيدي
الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
فهذا علي بن أبي طالب وهو أفقه الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، له آراؤه
الفقهية: سواء أفتى بها في مقام الاستفتاء عنه، أو عمل بها هو وأمر غيره بها أيام
خلافته حيث بسطت يداه إلى حد ما، بل كان له رأيه الفقهي حتى في زمن الرسول
صلى الله عليه وآله، وذلك حينما بعثه إلى اليمن ليتولى شؤون المسلمين فيها، وكان من جملتها
القضاء بين الناس.
وهكذا الأئمة من بعده على ما تقدمت الإشارة إليه.
وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني - أي تاريخ بدء تدوين الفقه - فأول ما دون
عندهم عليهم السلام - هو " الجامعة "، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها حتى أرش
" الخدش "، أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبها علي، وهي عند أهل بيته
39

يتوارثونه (1).
وأما بالنسبة إلى أصحابهم، فأول من صنف في علم الفقه ودونه هو أبو رافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وآله (2). قال النجاشي عنه:
" ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا، أخبرنا محمد بن جعفر النحوي
قال: حدثنا... - وذكر إسناده - عن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه كان إذا صلى قال في أول الصلاة...، وذكر الكتاب إلى آخره بابا بابا: الصلاة
والصيام والحج والزكاة والقضايا " (3).
ومن بعده ابنه علي بن رافع، قال عنه النجاشي:
" علي بن أبي رافع: تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من أمير
المؤمنين عليه السلام، وكان كاتبا له، وحفظ كثيرا، وجمع كتابا في فنون من الفقه: الوضوء
والصلاة، وسائر الأبواب.
ثم ذكر سنده إليه، وفيه: أنه - أي أمير المؤمنين عليه السلام - كان يقول: إذا
توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده... ثم ذكر
الكتاب " (4).

(1) وقد أصبح أمرها من الواضحات لدى المسلمين، فقد روى وجودها الكثير من الفريقين،
فراجع على سبيل المثال الكافي (1: 238 باب فيه ذكر الصحيفة..) وصحيح البخاري،
كتاب العلم، باب كتابة العلم، الحديث الأول، وكتاب الجهاد، باب فكاك الأسير. لكن للبحث
مجال في أن الجامعة هل هي الصحيفة نفسها أو هما شيئان؟ ربما نضطر إلى البحث حول ذلك
وحول الجفر ومصحف فاطمة عليها السلام في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
(2) قال النجاشي: " أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، واسمه " أسلم " كان للعباس بن عبد
المطلب رحمة الله عليه، فوهبه للنبي صلى الله عليه وآله، فلما بشر النبي بإسلام العباس أعتقه. (رجال
النجاشي: 4).
(3) راجع رجال النجاشي: 4، الترجمة رقم 1.
(4) رجال النجاشي: 6، الترجمة رقم 2.
40

وهكذا كان أصحاب الأئمة عليهم السلام يكتبون عنهم الفقه، وقد كثر ذلك أيام
الإمامين: الباقر والصادق عليهما السلام. قال المحقق الحلي في مقدمة كتابه المعتبر: "...
كذا كل واحد من الأئمة حتى أن محمد بن علي عليه السلام لاتساع علمه وانتشاره سمي
باقر العلم: ولم ينكر تسميته أحد، بل شهدوا أنه وقع موقعه وحل محله، وكذا الحال
في جعفر بن محمد عليه السلام، فإنه انتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول...
وروى عنه من الرجا ما يقارب أربعة آلاف رجل، وبرز بتعليمه من الفقهاء
الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين و... "، ثم عد كثيرا من أصحابهما الفقهاء ثم
قال: " وكتب من أجوبة مسائلة أربعمائة مصنف سموها أصولا... وكذا كل واحد
منهم صلوات الله عليهم " (1).
وهذه الأصول هي المعبر عنها ب‍ " الأصول الأربعمائة " المعتمدة عند
الأصحاب في الرواية، وهي وإن لم تكن موجودة بنفسها، لكنها موجودة في
الموسوعات الروائية مثل: " الكافي " للمحدث الكليني، المتوفى (328 أو 329) و " من
لا يحضره الفقيه " للمحدث محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق) المتوفى (381)
و " التهذيب " و " الاستبصار " لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي المتوفى (460).
وقد برز من بين هؤلاء جماعة كان الاعتماد عليهم في الفقه لدى الشيعة.
قال الكشي في رجاله تحت عنوان " تسمية أصحاب أبي جعفر وأبي عبد
الله عليهما السلام ".
" أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام
وأبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة،
ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن
مسلم الطائفي.

(1) المعتبر: 4 و 5، الطبعة الحجرية.
41

قالوا: وأفقه الستة: زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير
المرادي، وهو ليث البختري " (1).
وقال تحت عنوان: " تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ":
" أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه، من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم، ستة نفر:
جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى،
وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن
ميمون - أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج. وهم أحدث أصحاب أبي عبد الله
عليه السلام " 2 ".
وقال أيضا تحت عنوان: " تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن
الرضا عليهما السلام ".
" أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم، وأقروا لهم بالفقه
والعلم، وهم ستة نفر أخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد
الله عليه السلام، منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد
ابن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي
نصر. قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن
أيوب. وقال بعضهم مكان ابن فضال: عثمان بن عيسى. وأفقه هؤلاء: يونس بن
عبد الرحمن وصفوان بن يحيى " (3).
وهؤلاء الثمانية عشر هم المعبر عنهم ب‍ " أصحاب الإجماع ".

(1) رجال الكشي: 238، الترجمة رقم 431.
(2) رجال الكشي: 375، الترجمة رقم 705.
(3) رجال الكشي: 556، الترجمة رقم: 1050.
42

كيفية تدوين الفقه: وكان تدوين الفقه - غالبا - على نحو كتابة الحديث، فكانت الأحاديث تبوب
طبقا لكيفية تبويب الفقه، وتذكر مع أسنادها.
نعم يظهر من بعضها أنها كانت على نحو المتون الفقهية كالكتابين المنقولين عن
أبي رافع وابنه علي إلا أنا لم نطمئن إلى ذلك بعد.
وكذلك من المحتمل أن تكون بعض كتب الفضل بن شاذان ويونس بن عبد
الرحمان - وهما من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام - قد كانت مدونة كالكتب الفقهية،
ويشهد لذلك أن الكليني قدس سره ذكر آراءهما في مواطن عديدة في الكافي، منها في
الطلاق وغير الميراث - في أيوب متعددة - والزكاة وموارد أخرى، كما أن الصدوق نقل
في المقنع في كيفية استحقاق الزوجة ميراث الزوج قولا عن الفضل بن شاذان من
دون نسبة إلى الرواية، وهذا يشعر بأنه كان له متن فقهي ليس على غرار كتب
الروايات.
نعم بدأ تجريد الفقه عن الشكل الروائي بصورة رسمية وعامة بيد المحدث
الجليل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب بالصدوق المتوفى (381)
حيث ألف كتابيه " المقنع " و " الهداية " على هذا المنوال.
وقد كان لوالده علي بن الحسين بن بابويه المتوفى (328) الفضل في ذلك حيث
كتب رسالته المعروفة إلى ولده الصدوق، وهي رسالة فقهية، وهذه الرسالة وإن
لم تصل إلينا، لكن قد نقل عنها الفقهاء، وهذا مما يدل على الاهتمام بشأنها.
ومما كتب على هذا النحو:
1 - كتا الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام، ولكن النسبة غير ثابتة،
بل قيل: إنما من تأليفات علي بن بابويه أيضا.
2 - كتاب المقنعة للشيخ الأجل زعيم الطائفة محمد بن محمد بن النعمان
العكبري البغدادي الملقب بالمفيد المتوفى (413).
43

3 - كتاب النهاية لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى
(460).
وكانت هذه الكتب - عدا المقنعة - مؤلفة من متون الروايات أو مضامينها.
وعاصر هذا التغيير آخر أكثر أهمية، وهو: تكثير الفروع وتفريعها،
وذكر الأقوال فيها ثم الاستدلال عليها، أو مناقشتها، وهكذا.
ويبدو أن بدء هذا التغيير كان على يد العالم الجليل: " الحسن بن علي بن أبي
عقيل العماني " - وهو من أعلام القرن الرابع - الذي قال عنه النجاشي:
" الحسن بن علي بن أبي عقيل أبو محمد العماني الحذاء، فقيه، متكلم، ثقة، له
كتب في الفقه والكلام، منها كتاب " المتمسك بحبل آل الرسول " كتاب مشهور في
الطائفة، وقيل: ما ورد الحاج من خراسان إلا طلب واشتري منه نسخ... " (1).
وأثنى عليه كل من ذكره من الفقهاء وأصحاب الترجمة كالشيخين: المفيد
والطوسي، وابن إدريس والمحقق والعلامة الحليين وغيرهم (2).
وممن ذكره وترجم له: العلامة بحر العلوم في فوائده الرجالية، حيث قال بعد
ذكر أقوال العلماء فيه:
" قلت: حال هذا الشيخ الجليل في الثقة والعلم والفضل والكمال والفقه أظهر
من أن يحتاج إلى بيان، وللأصحاب مزيد اعتناء بنقل أقواله وضبط فتاواه، خصوصا
الفاضلين، ومن تأخر عنهما، وهو أول من هذب الفقه واستعمل النظر، وفتق البحث
عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى، وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد،
وهما من كبار الطبقة السابقة، وابن أبي عقيل أعلى طبقة منه، فإن ابن الجنيد من
مشايخ المفيد، وهذا الشيخ من مشايخ شيخه جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله " (3).

(1) النجاشي: 48، رقم الترجمة: 100.
(2) راجع الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم) 2: 211 - 220.
(3) نفس المصدر: 220.
44

ولم يصل - مع الأسف الشديد - كتاب هذا العالم الجليل إلينا، ولكن نقل فتاواه
ابن إدريس والمحقق والعلامة الحليين وأخذ منهم من تأخر.
قال ابن إدريس بعد الثناء عليه: "... وكتابه كتاب حسن كبير، وهو
عندي " (1).
ومم شيد أركان هذه الطريقة العالم الجليل أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد
الإسكافي الذي كان - من أعلام القرن الرابع أيضا - قال عنه النجاشي:
" محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي، وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر صنف فأكثر... ".
ثم ذكر كتبه، ومنها: كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة، وكتاب الأحمدي
للفقه المحمدي، الذي اختصره من الأول.
ثم قال في آخر كلامه: " وسمعت شيوخنا الثقاة يقولون عنه، إنه كان يقول
بالقياس " (2).
وهكذا أطروا عليه، لكنهم أخذوا عليه عمله بالقياس، والمتقدمون وإن تركوا
قوله - كما قيل - لكن المتأخرين عن الشيخ قدس سره كابن إدريس والمحقق والعلامة
وغيرهم اعتمدوا على أقواله فنقلوها في كتبهم، وفي ذلك بحث ليس هذا محله (3).
وأما كتاباه فلم يصلا إلينا، نعم وصل الثاني منهما - أي كتاب الأحمدي - إلى
العلامة، حيث قال:
" وقع إلي من كتب هذا الشيخ المعظم الشأن: كتاب الأحمدي في الفقه
المحمدي، وهو كتاب جيد يدل على فضل هذا الرجل وكماله، وبلوغه الغاية القصوى
في الفقه، وجودة نظره - قال -: وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب مختلف الشيعة في

(1) السرائر 385: 429.
(2) النجاشي: 385، الترجمة رقم: 1047.
(3) راجع الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم) 3: 205 - 224 لعلك تجد ما يغنيك.
45

أحكام الشريعة " (1).
وقال عن كتابه الآخر - تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة -:
" وجدت بخط السيد السعيد صفي الدين محمد بن معد، ما صورته: وقع إلى
من هذا الكتاب مجلد واحد وقد ذهب من أوله أوراق، وهو كتاب النكاح، فتصفحته ولمحت مضمونه، فلم أر لأحد، من هذه الطائفة كتابا أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن
عبارة، ولا أدق معنى، وقد استوفى فيه الفروع والأصول، وذكر الخلاف في المسائل،
وتحدث على ذلك واستدل بطرق الإمامية وطرق مخالفيهم.
وهذا الكتاب إذا أمعن النظر فيه، وحصلت معانيه، وأديم الإطالة فيه، علم
قدره موقعه، وحصل نفع كثير لا يحصل من غيره، وكتب محمد بن معد
الموسوي " (2).
وممن اقتفى أثرهما الشيخ المفيد، فإنه وإن كان كتابه " المقنعة " يقرب - في
طريقة التأليف - إلى طريقة الاكتفاء بنقل الروايات مع تجريد الأسانيد وتغيير يسير
تستلزمه كيفية التبويب إلا أن طريقته في دراسة القضايا وكيفية تفكيره تحكي عن
اهتمامه بالطريقة الاستدلالية، ولذلك قد تربى على يديه من حصل الانقلاب في كيفية
تدوين الفقه على يديه كالسيد المرتضى علم الهدى المتوفى (436)، شيخ الطائفة
الطوسي المتوفى (460)، فألف الأول على هذه الطريقة كتابيه: الناصريات
والانتصار، والثاني كتابيه: المبسوط والخلاف.
وقد بين - الشيخ الطوسي قدس سره - في مقدمة المبسوط كيفية اندفاعه نحو هذا
العمل الجبار فقال:
" أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم

(1) إيضاح الاشتباه: 291 و 292، الترجمة رقم: 673.
(2) نفس المصدر.
46

الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية، ويستنزرونه، وينسبونهم إلى قلة الفروع
وقلة المسائل، ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقضة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد
لا طريق له إلى كثرة المسائل، ولا التفريع على الأصول، لأن جل ذلك وجمهوره
مأخوذ من هذين الطريقين.
وهذا جهل منهم بمذاهبنا، وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا
لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن
أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله، إما خصوصا
أو عموما أو تصريحا أو تلويحا ".
ثم استمر في بيان الفارق بين ما كتبه الشيعة وما كتبه غيرهم، وأنه كان مهتما
بتأليف كتاب فقهي، ثم ذكر خصائص الكتاب الغنية، ثم قال:
"... وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون، وأقول ما عندي على ما
تقتضيه مذاهبنا، وتوجبه أصولنا بعد أن أذكر جميع المسائل، وإذا كانت المسألة
أو الفرع ظاهرا أقنع فيه بمجرد الفتيا، وإن كانت المسألة أو الفرع غريبا أو مشكلا
أومئ إلى تعليلها ووجه دليلها، ليكون الناظر فيها غير مقلد ولا مبحث، وإذا كانت
المسألة أو الفرع مما فيه أقوال العلماء ذكرتها وبينت عللها والصحيح منها، والأقوى،
وأنبه على جهة دليلها لا على وجه القياس، وإذا شبهت شيئا بشئ فعلى جهة المثال
لا على وجه حمل إحداها على الأخرى، أو على وجه الحكاية عن المخالفين دون
الاعتبار الصحيح، ولا أذكر أسماء المخالفين في المسألة لئلا يطول به الكتاب، وقد
ذكرت ذلك في مسائل الخلاف مستوفا... " - إلى أن قال: -
" وهذا الكتاب إذا سهل الله تعالى إتمامه يكون كتابا لا نظير له لا في كتب
أصحابنا ولا في كتب المخالفين، لأني ما عرفت لأحد من الفقهاء كتابا واحدا
يشتمل على الأصول والفروع مستوفيا مذهبنا بل كتبهم وإن كانت كثيرة فليس
يشتمل عليهما كتاب واحد.
47

وأما أصحابنا فليس لهم في هذا المعنى ما يشار إليه، بل لهم مختصرات، وأوفى
ما عمل في هذا المعنى كتابنا النهاية... " (1).
ولكن - مع الأسف - لم يدم هذا التحرك حيث حصلت فترة بعد وفاة الشيخ
قدس سره فكان الغالب من الفقهاء يعتمدون الاختصار في كتبهم الفقهية، وكانت
مؤلفاتهم تشبه المقنع والهداية والمقنعة والنهاية، نعم امتازت الكتب المتأخرة بعدم
الالتزام بنفس المتن الروائي بل توسعت في ذلك نوعا ما، ولكن كان الطابع العام فيها
ما ذكرناه.
ومن امتيازات بعض هذه الكتب أنها ذكرت في مقدمتها بحثا كلاميا حول
أصول الدين، أو بحثا أصوليا حول أصول الفقه كالكافي للحلبي والغنية لابن زهرة.
وأهم الكتب المدونة على هذا النحو هي:
1 - الكافي في الفقه: لأبي الصلاح الحلبي، المتوفى (446).
2 - المراسم: لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز المعروف ب‍ " سلار "،
المتوفى (462).
(3) المهذب: للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، المتوفى (481).
4 - جواهر الفقه: له أيضا.
5 - إشارة السبق: للشيخ علاء الدين علي بن الحسن الحلبي.
6 - الوسيلة: لابن حمزة محمد بن علي، المتوفى (570).
7 - غنية النزوع: لأبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة، المتوفى (585).
وغير هؤلاء ممن يطول ذكرهم.
وبعد ذلك كله جاء دور الفقيه الجرئ أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن
إدريس الحلي، المتوفى (598).

(1) مقدمة كتاب المبسوط.
48

فقد قام - هذا الفقيه - على ساقيه، مشمرا عن ساعديه، ومتمثلا بقول
علي عليه السلام: " أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال "، ويقول الجاحظ: " ما على
الناس شر أشر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا " (1)، وبكلام آخرين مما يهيج
بعزيمة الإنسان نحو التحقيق، فقال: إن طريق الحق عنده: " إما كتاب الله سبحانه
أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله المتواترة المتفق عليها، أو الإجماع، أو العقل، فإذا فقدت
الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة:
التمسك بدليل العقل فيها، فإنها مبقاة عليه، وموكولة إليه... " (2). ثم قال في نهاية
المطاف:
" فعلى الأدلة المتقدمة أعمل، وبها آخذ وأفتي وأدين الله تعالى، ولا ألتفت إلى
سواد مسطور، وقول بعيد عن الحق مهجور، ولا أقلد إلا الدليل الواضح، والبرهان
اللائح، ولا أعرج إلى أخبار الآحاد... " (3).
وابن إدريس وإن أعطى زخما جديدا للحركة الاجتهادية، لكنه لم تدم
طريقته، لأنه كان يرفض العمل بالخبر الواحد غير المحفوف بالقرينة كما كان يرفضه
الشيخ المفيد والسيد المرتضى قدس سرهما من قبله، وسديد الدين الحمصي وابن
زهرة قدس سرهما من معاصريه، فهؤلاء كلهم ما تمكنوا من تثبيت طريقتهم وفي الفقه، بل
كان النجاح للطريقة المعاكسة التي اتبعها الشيخ الطوسي قدس سره ومن تبعه، وهي الاعتماد
على خبر الواحد المعتبر وإن لم يكن محفوفا بالقرينة، ولا زالت هذه الطريقة هي
المتبعة إلى اليوم.
ومهما يكن فقد جاء بعد ابن إدريس الحلي قدس سره دور المحقق الحلي قدس سره
المتوفى (676) فكان له الدور الكبير في إحياء الاجتهاد على طريقة الشيخ، والاعتماد

(1) السرائر 1: 45.
(2) السرائر 1: 46.
(3) السرائر 1: 51.
49

على الخبر الواحد.
ومن أهم ما قام به المحقق هو ترتيب الفقه وتهذيب أبوابه، فهو الذي ابتكر
تقسيم الفقه إلى: عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام، وإن سبقه سلار بشكل ناقص
فألف كتابه الشرائع الذي لا زال من أحسن الفقهية من حيث الدقة وسلاسة
العبارة وعدم الحشو والزيادة.
وجاء من بعده تلميذه العلامة الحلي المتوفى (726) ليؤكد على طريقة أستاذه،
وكان من خصائصه أنه أخذ في توسيع الفقه - وخاصة في قسم المعاملات - والاستناد
إلى القواعد الأصولية أكثر ممن سبقه، فألف كتبا فقهية كثيرة فيها المطولات
والمتوسطات والمختصرات، وكتب أصولية كذلك.
وهكذا استمرت الحركة الاجتهادية على يد الفقهاء الكبار أمثال:
1 - فخر الدين (ولد العلامة الحلي) المتوفى (771).
2 - الشهيد الأول المتوفى (876).
3 - الفاضل المقداد المتوفى (826).
4 - ابن فهد الحلي المتوفى (841).
5 - الشهيد الثاني المتوفى (966).
وغيرهم ممن كانوا في هذه العصور.
وفي أواخر هذه الفترة حدث في الفقه تطور آخر، وهو تدليل الفتاوى الفقهية
بأدلة أكثر صلابة وقوة مما كانت عليه من ذي قبل، وذلك على يد المحقق الكركي
(المحقق الثاني) المتوفى (940)، كما يظهر للمتأمل في كتابه جامع المقاصد.
كما وظهر تطور آخر، وهو أن الفقه أخذ طابعا عمليا أكثر من ذي قبل على
أثر دعوة الملوك الصفويين العلماء وخاصة المحقق الكركي للإشراف على النظام،
وقد استرعى هذا الأمر انتباه الفقهاء نحو بعض المسائل الخاصة، أمثال البحث عن
ولاية الفقيه وحدودها، والخراج والمقاسمة، وصلاة الجمعة ونحوها.
50

ومن فقهاء هذه الفترة:
1 - الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي المتوفى (984)، وولده.
2 - الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي - الشيخ البهائي -
المتوفى (1030).
3 - محمد باقر مير داماد المتوفى (1040).
4 - الحسين بن جمال الدين الخوانساري المتوفى (1098).
5 - جمال الدين بن محمد حسين الخوانساري المتوفى (1125).
6 - محمد بن الحسن الإصفهاني - الفاضل الهندي - المتوفى (1137).
وغيرهم.
هذا وعاصر هؤلاء طبقة أخرى من الفقهاء امتازوا عنهم بأنهم اعتمدوا على
آرائهم وأفكارهم الاجتهادية أكثر من أن يعتمدوا على آراء من سبقهم، فأكثروا
التدقيق، بل وحتى التشكيك في بعض ما قاله المتقدمون، فكان لهم وجه شبه بابن
إدريس من هذه الجهة، بل ومن جهة قبول الخبر الواحد، فإن هؤلاء وإن لم يرفضوا
العمل به كليا، إلا أنهم ما كانوا يقلبون إلا ما كان صحيحا.
وكان رائد هؤلاء المحقق (المقدس) الأردبيلي المتوفى (993) وتبعه تلامذته
الثلاثة: 1 - محمد بن علي الموسوي العاملي - صاحب المدارك - المتوفى (1009).
2 - الحسن بن زين الدين العاملي - صاحب المعالم - المتوفى (1011).
3 - عبد الله بن الحسين التستري المتوفى (1021)
وتبعهم فقهاء آخرون، منهم:
محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري - المحقق السبزواري -
المتوفى (1090).
وفي هذه الفترة اشتدت الحركة الأخبارية على يد " محمد أمين الاسترآبادي "
51

المتوفى (1033) - كما سيأتي توضيحه في تاريخ الأصول - فحصل توقف ما في الفقه
الاجتهادي، وراج الفقه الأخباري فألفت الموسوعات الروائية - كما سيأتي بيانه - كالوا في للمولى محسن الفيض الكاشاني، المتوفى (1091) والوسائل للمحدث محمد بن
الحسن الحر العاملي، المتوفى (1104)، والبحار للمولى محمد باقر المجلسي،
المتوفى (1111)، كما ألفت الموسوعات الفقهية الحديثية - أي المبتنية على الحديث -
كالمفاتيح للفيض الكاشاني، والحدائق للمحدث الشيخ يوسف البحراني،
المتوفى (1186).
ولكن سرعان ما نهض لها المولى محمد باقر الملقب ب‍ " الوحيد البهبهاني "،
المتوفى (1208) والذي كان معاصرا للمحدث البحراني، وأعاد الاجتهاد والفقه
الاجتهادي إلى مسيره السابق، وألفت كتب كثيرة على هذا المنوال بيد علماء كبار
أمثال:
العلامة السيد مهدي بحر العلوم، المتوفى (1212).
2 - والشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفى (1128).
3 - والسيد علي الطباطبائي - صاحب الرياض - المتوفى (1231).
4 - وولده السيد محمد بن علي الطباطبائي - صاحب المناهل -، المتوفى (1241).
5 - والشيخ أحمد بن محمد النراقي، المتوفى (1244).
6 - والشيخ محمد حسن النجفي المعروف ب‍ " صاحب الجواهر " المتوفى (1266)
والذي ألف أكبر كتاب فقهي سعة وعمقا: يبلغ ثلاثة وأربعين مجلدا.
7 - والشيخ مرتضى الأنصاري، المتوفى (1281) الذي كان له دور كبير في
إكمال ما قام به الوحيد البهبهاني من ترسيخ الفقه الاجتهادي، وتشييد أركان
الأصول الحديثة.
8 - وجاء تلامذة هؤلاء وتلامذة تلامذتهم إلى يومنا هذا وكل يأتي بباقة
52

جديدة من حصيلة أفكاره واجتهاداته المبتنية على الأسس القويمة.
وهكذا أصبح الفقه الإمامي أغنى المذاهب الفقهية الإسلامية، وأوسعها رغم كل
المعارضات والعراقيل التي أوجدها المخالفون.
ولا بد من أن نشير إلى أن الفقهاء الذين ألفوا وكتبوا في الفقه هم أكثر بكثير
ممن ذكرناهم وإنما اكتفينا بهؤلاء مخافة التطويل.
53

الفقه المقارن:
ولم يكتف الفقهاء في تدوين الكتب الفقهية المتداولة فقط، بل ألفوا في
ما اختلف فيه الفقهاء، وهي على نحوين:
الأول - ما اختلف فيه فقهاء المسلمين:
وقد تضمنت هذه الكتب اختلاف فقهاء المسلمين في مسألة ما.
وأول من ألف في ذلك - فيما وصلنا - هو ما كتبه الشيخ المفيد - قدس سره في رسالته
" الإعلام فيما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام مما اتفقت العامة على خلافهم ".
وألف بعده تلميذه السيد المرتضى، قدس سره كتابه " الانتصار " في مجلد واحد.
ثم ألف تلميذه الثاني الشيخ الطوسي قدس سره كتابه " الخلاف " وهو يبلغ عدة
غيرهم.
وطريقة الثاني ذكر ما اتفقت عليه الإمامية وذكر خلاف غيرهم وإن لم يتفقوا
عليه.
وطريقة الثالث ذكر كل مسألة والأقوال المختلفة فيها، والقول المقبول في
المذهب الإمامي ثم الاستدلال عليه.
وهناك كتب أخرى تعرضت لمذاهب الجمهور وأقوال فقهائهم مثل:
1 - " المعتبر في شحر المختصر " للمحقق الحلي المتوفى (676)، فقد تعرض في
بعض المسائل إلى مذاهب الجمهور وخلافهم مع الإمامية.
54

2 - " منتهى المطلب في تحقيق المذهب " للعلامة الحلي المتوفى (726)، قال عنه
هو في كتابه " الخلاصة ":
" لم يعمل مثله، ذكرنا فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه، ورجحنا ما نعتقده
بعد إبطال حجج من خالفنا فيه، يتم إن شاء الله، عملنا إلى هذا التاريخ - وهو شهر
ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وستمائة - سبع مجلدات " (1).
3 - " تذكرة الفقهاء " له أيضا: وتعرض فيها المؤلف إلى خلاف الفقهاء، وكتبه
بالتماس ولده فخر المحققين، كما قال في مقدمته، ويبدو أن كتابه المنتهى أكثر استيعابا
لبيان الخلاف (2).
الثاني - ما اختلف فيه فقهاء الشيعة:
إن غالب الكتب الفقهية المبسطة تتعرض لأقوال الفقهاء الآخرين
ولكن هناك بعض الكتب قد ألفت لغرض بيان اختلاف الفقهاء ونقل
أقوالهم فمن ذلك:
1 - " مختلف الشيعة " للعلامة الحلي قدس سره والظاهر أنه أول ما ألف في هذا
المجال، وقد يتجاوز عشرة مجلدات لو طبع بالطباعة الحديثة.
2 - " مفتاح الكرامة " للسيد محمد جواد الحسيني العاملي قدس سره، المتوفى حدود
(1326) قد يصل إلى خمسين مجلدا لو طبع بالطباعة الحديثة، وهو الآن في عشرة
مجلدات من القطع الكبير.
وهناك كتب أخرى مؤلفة في هذا المجال لا يسعنا التعرض لها الآن.

(1) رجال العلامة الحلي (الخلاصة): 45، ترجمة العلامة نفسه، رقم 52.
(2) راجع مقدمة كتاب التذكرة.
55

تاريخ أصول الفقه:
ونقصد بأصول الفقه، القواعد العامة التي يستعين بها الفقيه في استنباط
الأحكام الشرعية، والتي لم يبحث عنها في علوم أخرى كالمنطق واللغة ونحوهما.
وهنا - كما في الفقه - تارة ننظر إلى الأصول كواقع خارجي، وتارة ننظر إليه
بما هو علم مدون كسائر العلوم والفنون.
أما إذا لاحظناه بما هو أمر له واقع خارجي وأردنا أن نعرف بدء حدوثه فنقول:
إن علم الأصول بدأ على يد الأئمة عليهم السلام وخاصة الإمامين: الباقر
والصادق عليهما السلام، فإنهما بثا من القواعد الأصولية ما شاء الله، وقد نقلت عنهما
بشكل روايات، وهذه الروايات صارت منشأ لكثير من المباحث الأصولية فيما بعد
بحيث ألف بعض العلماء كتبا أصولية على غرار الكتب الأصولية المتداولة ولكن
مستندة إلى الروايات المأخوذة عن الأئمة عليهم السلام، أمثال:
1 - الأصول الأصيلة: المستفادة من الكتاب والسنة للمحدث محمد بن
مرتضى المدعو بمحسن والملقب بالفيض الكاشاني المتوفى (1091) (1).
2 - الأصول المهمة في أصول الأئمة: للمحدث الجليل محمد بن الحسن الحر
العاملي المتوفى (1104) مشتمل على القواعد الكلية المنصوصة في الأصولين - أي
أصول الفقه وأصول الدين - والفقه والطب والنوادر (2).
3 - الأصول الأصلية والقواعد المستنبطة من الآيات والأخبار المروية: للسيد
عبد الله بن محمد رضا شبر المتوفى (1242) جمع فيه المهمات من المسائل الأصولية

(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 178.
(2) نفس المصدر 16: 245.
56

المنصوصة في الآيات والرويات (1).
4 - أصول آل الرسول صلى الله عليه وآله: وهو في استخراج أبواب أصول الفقه من
روايات أهل البيت عليهم السلام، للسيد ميرزا محمد هاشم الخوانساري المتوفى
(1318) (2).
وعند ملاحظة هذه الكتب يجد القارئ أن كثيرا من القواعد الأصولية قد ورد
فيها نصوص من أئمة أهل البيت عليهم السلام، كالاستصحاب، والبراءة الشرعية، وقاعدة
الطهارة، وقاعدة الحل، وقاعدة اليد، وقاعدة سوق المسلمين، وعلاج الخبرين
المتعارضين وغير ذلك.
وقد كان الأئمة عليهم السلام يدربون أصحابهم على الاستنباط كما تقدم بيانه عند
البحث عن فتح باب الاجتهاد في مذهب أهل البيت عليهم السلام.
وأما إذا أردنا أن نلاحظ الأصول بما هو علم مدون وأردنا معرفة تاريخ
حدوثه فنقول:
إن بعض أصحاب الأئمة كانت لهم تأليفات مختصرة حول بعض المسائل
الأصولية مثل هشام بن الحكم - وهو تلميذ الإمام الصادق عليه السلام - فكان له كتاب
الألفاظ ومباحثها (3)، وهو من أهم مباحث هذا العلم، ومثل إسماعيل بن أبي سهل
النوبختي، وهو من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، وله كتاب " الخصوص
والعموم " وكتاب في نقض الاجتهاد بالرأي (4)، ومثل الحسن بن موسى النوبختي، الذي
كان له كتاب في خبر الواحد والعمل به، وكتاب " الخصوص والعموم " (5).

(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 2: 178.
(2) نفس المصدر 2: 177.
(3) رجال النجاشي: 432، الترجمة رقم 1164، وراجع: الشيعة وفنون الإسلام: 95.
(4) نفس المصدر: 31 الترجمة رقم الترجمة (148)، وراجع: الشيعة وفنون الإسلام: 95.
(5) نفس المصدر: 63 الترجمة رقم (148)، وراجع: الشيعة وفنون الإسلام: 95.
57

وكان لبعضهم استدلالات فقهية مبتنية على مسائل أصولية كالفضل بن
شاذان (1).
هذا ولكن المعروف أن أول من دون هذا العلم على طريق الإمامية هو زعيم
الطائفة الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، فقد كتب رسالة جامعة مختصرة في
الأصول، سماها " التذكرة بأصول الفقه " نقل مختصرها تلميذه الشيخ محمد بن علي بن
عثمان الكراجكي الطرابلسي في كتابه " كنز الفوائد "، وطبعت بصورة مستقلة أيضا.
وقد سبق أن بينا أن للعالمين الجليلين الحسن بن أبي عقيل العماني، ومحمد بن
أحمد بن الجنيد الإسكافي المتقدمين على الشيخ المفيد دورا هاما جدا في تحرير الفقه
الاستدلالي وهو غير منفك عن استخدام الأصول في جميع مجالاته.
ومهما يكن فطريقة الشيخ المفيد العقلية ربت - كما تقدم - شخصيات خامرها
العقل الأصول أكثر ممن تقدمهم ك‍ " علم الهدى الشريف المرتضى " المتوفى (436)
و " شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي " المتوفى (460)، والفقيه سلار بن عبد العزيز
الديلمي المتوفى (463).
فألف الأول " الذريعة في أصول الشيعة "، وكتاب " مسائل الخلاف في
الأصول " - ويظهر منه أنه كان في الأصول المقارن - وعدة رسائل أخرى، قال
العلامة بحر العلوم في رجاله:
"... ومن مصنفاته في أصول الفقه:
1 - كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة، وهو أول (2) كتاب صنف في هذا
الباب، ولم يكن للأصحاب قبله إلا رسائل مختصرة.
2 - كتاب مسائل الخلاف في الأصول، أثبته الشيخ والنجاشي....

(1) أنظر الكافي 6: 93، حيث تجد استدلاله في فرع من فروعات العدة في الطلاق بمسألة أن
الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده.
(2) لم يثبت تقدمها على " العدة " كما يظهر من مقدمتها.
58

3 - رسالة في طريقة الاستدلال موجودة عندنا...
4 - كتاب المنع عن العمل بأخبار الآحاد، تعرف بالمسائل التبانية...
5 - رسالة أخرى - عندنا - في المنع من العمل بخبر الواحد... " (1).
وألف الثاني كتاب " عدة الأصول " الذي قال العلامة بحر العلوم في شأنه:
" وهو أحسن كتاب صنف في الأصول " (2).
وألف الثالث كتاب " التقريب في أصول الفقه " (3).
ولكن سرعان ما حصل توقف في هذه النهضة - كما أومأنا إليه في تاريخ الفقه -
إلى أن جاء دور الفقيه النقاد محمد بن أحمد بن إدريس الذي أوجد الحركة
الاجتهادية من جديد، وقد ذكرنا كلامه في قسم الفقه.
نعم حصل التحرك الجديد، وسار على منواله آخرون، وأعطوا زخما آخر
للحركة الأصولية، وأهم هؤلاء:
1 - المحقق الحلي المتوفى (602)، حيث ألف كتابيه " نهج الوصول إلى معرفة
الأصول " و " معارج الأصول ".
2 - العلامة الحلي المتوفى (726)، وقد ألف كتبا عديدة في هذا العلم ذكرها
هو في ترجمة نفسه في كتابه " الخلاصة " وهي:
1 - تهذيب الوصول إلى العلم الأصول.
2 - مبادئ الوصول إلى علم الأصول.
3 - النكت البديعة في تحرير الذريعة.
4 - غاية الوصول، وإيضاح السبل في شرح مختصر منتهى السؤل والأمل.
5 - منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول.

(1) رجال السيد بحر العلوم 3: 144.
(2) نفس المصدر 3: 231.
(3) الخلاصة للعلامة الحلي: 86.
59

6 - نهاية الوصول في علم الأصول.
7 - نهج الوصول إلى علم الأصول.
وقد أقبل العلماء وطلبة العلم على هذه الكتب فصارت مدارا للتدريس
والتعليق وخاصة كتابه " نهج الوصول " حيث تصدى جماعة من العلماء لشرحه
والتعليق عليه.
3 - محمد بن جمال الدين بن مكي العاملي (الشهيد الأول) المتوفى (786) حيث
كتب مقدمة أصولية في كتابه الذكرى، وألف " القواعد والفوائد " المشتمل على بعض
القواعد الأصولية والفقهية.
4 - زين الدين بن علي الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) المتوفى (996) فقد كتب
كتابا في قواعد الاستنباط سماه ب‍ " تمهيد القواعد " وهو في قسمين: الأول في تحقيق
القواعد الأصولية وتفريع ما يلزمها من الأحكام الفرعية، والثاني في تقرير المطالب
العربية وترتيب ما يناسبها من الفروع.
5 - الحسن بن زيد الدين العاملي (نجل الشهيد الثاني) المتوفى (1011)، حيث
ألف كتابه " معالم الدين " الذي لا زال يدرس في المستويات البدائية في الحوزات
العلمية بعد أن كان يدرس في المستويات العالية فيها.
وبعد هذا حصلت فترة في تقدم علم الأصول، وركد التقدم الأصولي، وذلك
بسبب التيار الذي أوجده الميرزا محمد أمين الاسترآبادي المتوفى (1033) ضد الحركة
الأصولية، وكانت لهذه الحركة جذورها قبل الاسترآبادي ولكنها اشتدت على يديه،
فألف كتابه " الفوائد المدنية " الذي شنع فيه على الأصوليين.
وممن نهج منهج الأخبارية:
1 - المولى محمد محسن الفيض الكاشاني المتوفى (1091).
2 - الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى (1104).
3 - المولى محمد باقر المجلسي المتوفى (1111).
60

4 - السيد نعمة الله الجزائري المتوفى (1112).
5 - الشيخ يوسف البحراني المتوفى (1186).
وكل هؤلاء من علماء الإمامية ورجالهم، لكنهم اختاروا الطريقة الأخبارية.
وفي هذه الفترة ألفت الكتب الأصولية المستندة إلى الآيات والروايات، وراج
التأليف في الحديث كما سبق بيانهما.
ولم يمنع ذلك كله من ظهور علماء وكتب في أصول الفقه، فقد ظهر علماء ذوي
أفكار أصولية فائقة أمثال:
1 - الفاضل التوني " المولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني "
المتوفى (1071) الذي ألف كتابه " الوافية " في أصول الفقه الذي صار محطا للأنظار
إلى فترة من الزمن، وكتبت عليه حواش وشروح عديدة، قال صاحب الروضات
حول الكتاب:
"... ونسخه متداولة بين الطلاب، ويظهر منه أنه كان على مشرب
الأخبارية... - إلى أن قال -:
وله أيضا في الاستصحاب ومباحث التعادل والتراجيح تفريعات وفوائد
نادرة، وتصرفات كثيرة، لم يسبقه إليها أحد من الأصوليين " (1). ولكن لا يمكن الاطمئنان إلى نسبه الأخبارية إليه بعد صدور مثل هذا الكتاب
منه، والذي يقول فيه - في بحث الاجتهاد -:
" قد بالغ مولانا المدقق محمد أمين الاسترآبادي في إنكار الاجتهاد.. " (2).
2 - المحقق الخوانساري " الآقا حسين بن جمال الدين محمد بن الحسين "
المتوفى (1099) الذي أعطى للأصول لونا فلسفيا، فهو وإن لم يكن له كتاب أصولي

(1) روضات الجنات 4: 144.
(2) الوافية: 290.
61

إلا أن أبحاثه الأصولية في كتابه الفقهي " مشارق الشموس في شرح الدروس " تحكي
عن عمق دقته الأصولية (1).
3 - ولده الآقا جمال الدين الخوانساري المتوفى (1125) الذي له حاشية على
شرح المختصر للعضدي تبلغ عدة مجلدات مشحونة بالتحقيقات الأصولية (2).
4 - السيد صدر الدين القمي الذي كتب شرحا على الوافية وكان تلميذا لآقا
جمال الدين الخوانساري (3).
5 - المحقق الكاظمي " السيد محمد الأعرجي " المتوفى (1227) الذي كان له
حاشية وشرحان على الوافية، وهما: " الوافي " و " المحصول " (4).
ومهما يكن، كاد أن يعصف هذا التيار بالأصول والاجتهاد لولا أن وقف أمامه
الوحيد البهبهاني المتوفى (1208) كما أشرنا إلى ذلك في قسم الفقه.
وبعد ذلك اشتدت الحركة الأصولية أكثر مما كانت عليه، فألفت الكتب
الأصولية الموسعة والعميقة أمثال:
1 - قوانين الأصول: للمحقق الميرزا أبي القاسم القمي المتوفى (1231).
2 - هداية المسترشدين: وهو حاشية على " المعالم " للمحقق الشيخ محمد تقي
المتوفى (1248).
3 - الفصول: للشيخ محمد حسين - شقيق صاحب الهداية - وتلميذه
المتوفى (1261).
4 - مفاتيح الأصول: للسيد محمد الطباطبائي (نجل صاحب الرياض) المعروف
بالمجاهد المتوفى (1242).
وهناك عشرات الكتب الأصولية الأخرى التي كتبت بصورة مستقلة،

(1) روضات الجنات 2: 351 - 352.
(2) نفس المصدر: 215.
(3) أنظر الذريعة 6: 230، 14: 166، 20: 151، 25: 14.
(4) أنظر الذريعة 6: 230، 14: 166، 20: 151، 25: 14.
62

أو كشرح لكتاب أصولي، أو كتعليق عليه، أو كمقدمة لكتاب فقهي كما في كشف
الغطاء للفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى (1228).
وهنا حصل انقلاب آخر في علم الأصول على يد الشيخ الأعظم الشيخ
مرتضى الأنصاري المتوفى (1281). وهذا الانقلاب وإن كانت جذوره موجودة من
زمن الوحيد البهبهاني، بل ومن قبله أيضا لكنها نمت وترعرعت على يدي هذا العالم
الكبير، فمن هذا الحين تولد الأصول الحديث، ووضعه أسسه، فحصل تطور في
منهجة الأبحاث الأصولية وموادها.
وعلى هذا الأساس ألف كتابه " فرائد الأصول " - الرسائل - وهو مجموعة
رسائل في القطع وحجية والظن والخبر الواحد، وفي الأصول العملية - البراءة،
والتخيير، والاحتياط، والاستصحاب - والبحث عن تعارض الأخبار وأمثال ذلك،
وهو اليوم محط أنظار العلماء في أبحاثهم الأصولية.
وكتب تلامذته تقريرات أبحاثه، فمما كتب، تقرير بحثه " مطارح الأنظار " الذي
كتبه بيد تلميذه الشيخ أبي القاسم الكلانتري.
وعلى منواله مشى من تأخر عنه، بل للمتأخرين - أيضا - ابتكارات في هذا
العلم، ولذلك فقد أخذ يتسع ويتطور إلى زماننا هذا بحيث اشتكي من شدة تضخمه.
ومن المقطوع به أنه لم يكن الآن في مذهب من المذاهب الإسلامية أصول عميق
ومتطور كما هو موجود - فعلا في المذهب الإمامي.
وعلى أي فالذين ألفوا واشتهروا في الأصول من بعد الشيخ الأنصاري قدس سره
هم:
1 - تلميذه الشيخ محمد حسن الآشتياني المتوفى (1319)، وله كتاب " بحر
الفوائد " وهو شرح للرسائل.
2 - وتلميذه الآخر الميرزا حبيب الله الرشتي المتوفى (1312) صاحب كتاب
" بدائع الأصول ".
63

3 - وتلميذه الثالث المحقق المولى محمد كاظم الخراساني المتوفى (1329) الذي ألف كتاب " كفاية الأصول " في مجلدين، وهما في غاية الدق والعمق، ويدرسان
اليوم في المستويات العالية وعليهما مدار بحث العلماء في الأصول.
ثم تلا المحقق صاحب الكفاية تلامذته، وأهمهم:
1 - الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي المتوفى (1355) مشيد أركان الحوزة
العلمية في قم المقدسة في العصر الحاضر، ومن كتبه الأصولية " درر الأصول " ويقال
له " درر الفوائد " أيضا. 2 - الشيخ محمد حسين الغروي النائيني المتوفى (1355)، وهو صاحب مدرسة
في الأصول، قررت دروسه وطبعت تحت عنوان " فوائد الأصول " و " أجود
التقريرات "، قرر الأول وكتبه الشيخ محمد علي الكاظمي، وقرر الثاني السيد
أبو القاسم الخوئي.
3 - الشيخ أغا ضياء الدين العراقي المتوفى (1361)، وهو صاحب مدرسة
أصولية أيضا، ألف كتابه " مقالات الأصول "، وكتبت محاضراته الدراسية وطبعت
باسم " نهاية الأفكار "، وقد قررها وكتبها الشيخ محمد تقي البروجردي.
4 - الشيخ محمد حسين الغروي الإصفهاني المتوفى (1361)، وهو صاحب
مدرسة أصولية - أيضا - طغت عليها الصبغة الفلسفية، ولذلك لم تنجح كثيرا بخلاف
مدرسة النائيني، وكانت مدرسة العراقي بينهما كيفية وانتشارا.
5 - السيد آغا حسين البروجردي المتوفى (1380)، وكان من تلامذة
المحقق صاحب الكفاية، نزل قم المقدسة بطلب من علمائها، وصار زعيما للشيعة
في زمانه.
ثم تلا هؤلاء تلامذتهم، وأهمهم:
1 - السيد محسن الحكيم المتوفى (1390)، وكان من تلامذة المحقق العراقي
والمختصين به، وله " حقائق الأصول " في شرح الكفاية.
64

2 - الإمام الخميني المتوفى (1409)، وكان من تلامذة الشيخ عبد الكريم
الحائري، وقد قررت محاضراته الأصولية، وهي مطبوعة فعلا باسم " تهذيب
الأصول ".
3 - السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي المتوفى (1413)، وكان من المختصين
بالمحقق النائيني، فلذلك يحسب من مدرسته وإن استفاد من المحققين الآخرين:
العراقي والإصفهاني. وقد قررت محاضراته الأصولية وطبعت في عدة مجلدات،
واشتهر بتخصصه الفائق في هذا الفن.
وأخيرا جاء دور الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كان يفكر - دوما - في
تطوير الحوزات العلمية بشتى مجالاته وخاصة في الفقه والأصول، فمن جملة ما قام به
هو تأليف دورة أصولية متناسبة لمختلف مراحل دورة السطوح سميت ب‍ " دروس في
علم الأصول "، كما وكتبت تقريرات أبحاثه الأصولية وطبعت في عدة مجلدات، ولكن
لم يمهل لينفذ طموحاته التطويرية الأخرى.
وهنا لا بد من أن ننبه على أن هناك الكثير ممن كان لهم دور في الفقه
والأصول وكان بعضهم من المراجع الكبار لدى الشيعة، ولكن لم نتعرض لأسمائهم
مخافة التطويل، تغمدهم الله - جميعا برحمته الواسعة، وجزاهم عن الإسلام
والمسلمين خيرا، لما
لم يمهل لينفذ طموحاته التطويرية الأخرى.
وهنا لا بد من أن ننبه على أن هناك الكثير ممن كان لهم دور في الفقه
والأصول وكان بعضهم من المراجع الكبار لدى الشيعة، ولكن لم نتعرض لأسمائهم
مخافة التطويل، تغمدهم الله - جميعا - برحمته الواسعة، وجزاهم عن الإسلام
والمسلمين خيرا، لما بذلوه من جهد كثير لا يدركه إلا من عاش معهم، وذاق مما
طعموه من مر الحياة، ولكن لم يمنعهم ذلك من درك حلاوة العلم والايمان، فبسعيهم
المشكور وصل هذا العلم إلى ذروته، فلم يدانهم فيه أحد، وها هي الحوزات العلمية
مفتوحة بمصراعيها أمام المحققين - من كافة المذاهب الإسلامية - لتؤدي خدمتها
للإسلام وللأمة الإسلامية كلها، والله المستعان.
65

التعريف بالعمل الموسوعي
هناك طريق عديدة للتعريف بفكرة، أو عقيدة، أو نظام، أو علم، أو فن، لسنا
الآن بصدد بيانها، ولكن الذي نريد أن طريقة العمل الموسوعي من
الطرق التي أثبت نجاحها في العصر الحاضر للتعريف بالعلوم، أو العقائد، أو... لأن
هذه الطريقة تقوم على أساس عرض الفكرة، أو النظام بصورة خالية من التعقيد
الذي قد يمنع الكثير من فهم تلك الفكرة أو النظام أو غير ذلك.
ولذلك تقوم الطريقة الموسوعية على أسس أهمها:
أولا - عرض المطالب:
من خواص العمل الموسوعي هو عرض ما هو موجود - فعلا - من المطالب،
من دون إراءة الكاتب نظرياته الشخصية واجتهاداته في الموضوع، ولذلك يختلف
المقال الذي يكتبه الكاتب ليكتب في الموسوعة عن المقال الذي يكتبه ليبدي نظرته
الشخصية، ففي الأول ينبغي أن يجتنب الكاتب عن إبداء آرائه الشخصية، ولكن
لا مانع من ذلك في الثاني.
ثانيا - تبسيط المطالب:
ومن مميزات العمل الموسوعي هو إراءة المطالب بصورة مبسطة وخالية عن
التعقيد، ولكن قد يختلف ذلك باختلاف الهدف الذي تكتب له الموسوعة، فإن كان
الهدف كتابتها لعامة الناس فينبغي الحرص والتأكيد على الاجتناب عن الاستدلالات
وكل ما يمنع عن فهم تلك الطبقة.
وإن كان الهدف كتابتها للطبقة المثقفة، فلا بد من رفع مستوى المطالب، ومع
ذلك ينبغي الحفاظ على خلو الكتابة عن الاستدلالات المعقدة، نعم لا بأس بالإشارة
إلى بعض الاستدلالات أو المطالب التي لا تحتاج إلى تخصص في الموضوع.
66

وإن كان الهدف كتابتها للأخصائيين فلا بأس في استعراض الاستدلالات
والمطالب الدقيقة ولكن إلى حد لا يخرج الموضوع عن الحالة الموسوعية وإدراجه في
الكتب المتداولة في ذلك العلم أو الفن.
ثالثا - تجميع المتفرقات وتفريق المجتمعات:
والعمل المهم في الموسوعات هو تفريق المطالب المجتمعة في مكان واحد والتي
يستدعي العمل الموسوعي تفريقها، وجمع ما هو متفرق منها في مواضع مختلفة،
فعنوان الصلاة - في الفقه مثلا - يحتوي على عشرات العناوين الأخر مثل: صلاة
الجمعة، صلاة الميت، صلاة الجماعة، صلاة العيد، وصلاة الليل، فكل هذه
الموضوعات لا يمكن درجها تحت عنوان الصلاة في الموسوعة، بل ينبغي تقسيمها
وتفريقها بحسب ترتيب فني في مواضع عديدة، ومثل ذلك عنوان الطهارة المشتمل
على عناوين كثيرة، كالغسل - بأنواعه - والوضوء والتيمم والمطهرات و...
والعملية المعاكسة هي: جميع المتفرقات، فإن بعض العناوين قد تم البحث عنها
في مواضع عديدة، فاللازم جمع تلك الأبحاث ودرجها في مكان واحد، مثل عنوان
" الارتداد " الذي بحث الفقهاء فيه في مواضع عديدة مثل: الطهارة، والبيع والنكاح
والإرث والحدود، وغير ذلك، فينبغي جمع تلك الأبحاث ودرجها بصورة فنية تحت
عنوان ال " ارتداد ".
رابعا - ترتيب المطالب والعناوين:
ونقصد بالترتيب، الترتيب من ناحيتين:
الأولى - ترتيب العناوين والمصطلحات (ألف بائيا) بأن يبدأ بالألف ثم الباء
وهكذا بالنسبة إلى الحرف الثاني والثالث من كل كلمة. وهذا يمكن تصوره على
نحوين:
الأول - أن يكون الترتيب طبقا لمادة الكلمة، فكلمة " الارتداد " - مثلا - تجعل
بحسب مادتها " ردد " في حرف " الراء "، و " الاستصحاب " في " ص "، لأن مادتها
67

" صحب ".
الثاني - أن يكون الترتيب طبقا لهيئة الكلمة، فيلاحظ كيفية قراءتها فتجعل
الكلمتان المتقدمتان في حرف الألف لابتدائهما به، ويقدم الارتداد على الاستصحاب.
ولما كانت الطريقة الثانية أسهل من الأولى بحيث لا يحتاج الفحص عن محل
المصطلح المنظور إلى جهد فكري بخلاف الطريقة الأولى، إذ ينبغي رد الكلمة إلى
أصلها ثم الفحص عن محل الأصل، فلذلك اخترنا هاهنا.
الثانية - ترتيب المادة والمطالب المذكورة تحت عنوان واحد بحسب طريقة فنية
من حيث تقسيم الموضوع إلى أقسام، وكل قسم إلى أقسام، وهكذا...
وهذا الترتيب يستدعي تقديما وتأخيرا من حيث الترتيب عما هو موجود في
الكتب الفقهية أو الأصولية، وخاصة إذا كانت المطالب متفرقة في أبواب متفرقة
كالابراء والإباحة ونحوهما.
السبب في تأليف الموسوعة:
والسبب الذي دعاني للإقدام على تأليف الموسوعة هو: أن فقه أهل
البيت عليهم السلام مع ما له من الأهمية كان بحاجة - كغيره من المذاهب والعلوم - إلى
عرض للمستوى الثقافي العام في الأمة الإسلامية، ولم تؤد هذه المسؤولية لحد الآن،
رغم تأليف موسوعتين في الفقه الإسلامي، وهما الموسوعة الفقهية المسماة بموسوعة
جمال عبد الناصر، والموسوعة الفقهية الكويتية.
أما الأولى فإنها وإن ذكرت فقه الإمامية ضمن المذاهب الفقهية التي
استعرضتها - وهي مشكورة لذلك - لكنها لم تكن كما هو المطلوب في عرض الفقه
الإمامي مع ما له من العمق والشمول.
وأما الثانية، فإنها قد أهملت فقه أهل البيت - وهو الفقه الإمامي - بالكلية،
وكأنه لم يكن هناك مذهب بهذا الاسم ينتمي إليه مئات الملايين من المسلمين،
68

ولا يسمح لها الاعتذار بترك المذهبين الآخرين: الزيدي والأباضي، للفرق الكبير
بين هذين المذهبين والمذهب الإمامي، كما هو واضح للمتأمل.
ولا أدري ما الذي دعاهم إلى هذا الاعراض والتجاهل السافر؟!! والله
أعلم بالسرائر.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: أن الطالب الذين يمارسون العلوم الدينية
هم بحاجة إلى مثل هذه الموسوعة أكثر من غيرهم، لأنه قد تمر عليهم أثناء
مطالعتهم، أو تدريسهم أو تحقيقهم بعض العناوين وهم بحاجة إلى معرفتها بعجالة،
وقد لا يعرفون موطنها في الكتب الفقهية المتداولة لتسهل المراجعة، ففي مثل هذه
الحالات يمكنهم المراجعة للموسوعة وأخذ ضالتهم منها.
فهذا وذاك وأمور أخرى دعتني للقيام بهذه المسؤولية العظيمة بانفرادي ومع
قلة الامكانات من كل النواحي.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن نضع بعين الاعتبار: أن هذا العمل حصيلة مجهود
فردي مع عدم الامكانات، فلا يقاس بغيره من الأعمال التي تسندها الامكانيات
المالية والبشرية.
ومع ذلك فقد أطرى على الكتاب، العلماء والفضلاء عند إرائتي لهم بعض
النماذج، مما كان يدفعني نحو العمل، ويجعل في زخما مضاعفا نحوه، وكانوا يطالبونني
بإنجاز العمل وإصدار جزء منه على الأقل، ولكن كثرة الاشتغالات الأخر كانت
تمنعني - مع الأسف - عن صرف الوقت الكثير لذلك.
وربما تدعو الحاجة - في المستقبل - إلى الاستعانة بأفراد آخرين في إنجاز هذا
العمل، وهذا ما سوف تقرره بعد، ونعلن عنه في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله.
وأملنا أن تقوم دائرة المعارف الفقهية التي أصدر ولي أمر المسلمين سماحة آية
الله السيد علي الخامنئي دام ظله الوارف على رؤوس المسلمين الأمر بتأسيسها عام
(1411) بما يسد الخلا الموجود من فقدان الموسوعة الفقهية المناسبة لفقه أهل البيت
69

عليهم السلام، وسوف يكون علمنا هذا مقدمة لذلك العمل الكبير إن شاء الله تعالى.
تاريخ البدء بالعمل:
كنت أفكر منذ سنوات بعيدة في ضرورة كتابة موسوعة تشتمل على غالب
العلوم الإسلامية، وخاصة العلوم المتداولة في الحوزات والجامعات وأمثالهما، كعلم
الفقه والأصول والرجال والفلسفة والكلام ونحوها.
وكلما كنت أفكر في العمل كان يمنعني عن التعمق فيه سعته وعظمته، فكنت
أشغل بالي بغيره، لأن كل قسم من هذا العمل، مما لا يقوم به الفرد الواحد، بل يحتاج
إلى إمكانيات ضخمة جدا، ولكن كثرة الرغبة إلى العمل، والاحساس بضرورته
دفعاني للتورط فيه شيئا فشيئا، فبدأت بالأصول حوالي سنة (1405) وكتبت قسما
منه على حسب ترتيب مادة الكلمة، فكانت كلمة (الاستصحاب) تأتي في حرف
" ص " أي " صحب " لا في الألف، ثم رجحت الكتابة على ترتيب الهيئة - بإشارة
بعض السادة - فبدأت من جديد حتى كتبت ما يقارب الخمسمائة صفحة ووصلت إلى
كلمة " إجمال " أي (ألف - جيم)، وكانت الكتابة حينئذ أكثر كمالا وجودة من حيث
الكيفية والكمية.
وفي كل هذه المراحل كنت أقدم الأطروحة أو النماذج المكتوبة للسادة العلماء
والمحققين، والذين لهم الخبرة بهذا العمل وضرورته، فكانوا يشجعونني على
الاستمرار فيه، ويؤكدون على ضرورته.
وفي هذه الأثناء بدا لي أن أكتب في الفقه أيضا، فجمعت - في البداية - حوالي
خمسة آلاف من المصطلحات الفقهية، ثم بدأت بالكتابة بصورة مختصرة، وكانت
المصطلحات تزداد في أثناء الكتابة - حتى تم حرفا الألف والباء في مجلد واحد طبع في
أعداد يسيرة كنموذج قدمته للسادة العلماء والأساتذة، وما رأيت منهم إلا التشجيع
والترغيب نحو العمل، والملاحظات التي كانت تسبب كمال العمل ونضجه.
70

وفي غضون هذه المرحلة - أي في تاريخ 11 شعبان 1409 ق - كان قد تم القرار
بيني وبين مجمع الفكر الإسلامي على تقديم أطروحة الموسوعة للمجمع، ويكون العمل
- فيما بعد - طبقا لقرار المجمع.
وعندئذ رجحت الكتابة من جديد فبدأت بالكتابة في ربيع الأول
عام (1411) في الحقلين الأصولي والفقهي وانتهيت من كتابة المجلد الأول في ربيع
الأول عام (1414).
ويبدأ الفقه من كلمة " آباء " وينتهي في " إذن " والأصول من " آية " وينتهي في
" أخباريون ".
وقد طبع المجموع في مجلد واحد، ورأينا من المناسب أن نفرز الأصول عن
الفقه، فكل مجلد يحتوي على الأصول بالمقدار الذي يحتوي عليه من الفقه من الناحية
الأبجدية، وإن لم يكن بمقداره من ناحية الكمية كما هو مقتضى الحال.
والذي تجدر الإشارة إليه أن ما كتبناه أخيرا هو أكثر كمالا من حيث الكيفية
والكمية، وهذه هي سنة الحياة.
ولله الحمد على توفيقه.
خصوصيات الموسوعة:
وأما خصوصيات الموسوعة التي بين أيدينا فهي:
أولا - أنها موسوعة ميسرة، بمعنى أنها لم تكن موسعة جدا كالموسوعتين
المتقدمتين (الفقهية والكويتية) بل إنها كانت بالأهم فالأهم من المصطلحات التي
تكثر الحاجة إليها، والتي تكون موجودة - كما هي - في كتب الفقه من دون اشتقاق
أو اختراع مصطلحات جديدة.
ثانيا - إنها اكتفت - في الفقه - بذكر الأقوال في كل مسألة: المشهور ثم غيره
وهكذا، وتجنب عن ذكر الاستدلالات، نعم ربما أشارت إلى بعض الملامح من
71

الاستدلالات الدارجة في الفقه.
وأما في الأصول فكانت مضطرة إلى ذكر بعض الاستدلالات المختصرة حيث
إنه لم يكن بالامكان التعريف بالمطالب الأصولية إلا مع التعرض لبعض
الاستدلالات، ولذلك نرى أن القسم الأصولي أعلى مستوى من القسم الفقهي من
هذه الجهة.
ثالثا - أنها تعرضت لأقوال ثلاثة من كبار الفقهاء المعاصرين - لأسباب
معلومة - وهم: آية الله العظمى السيد محسن الحكيم، وآية الله العظمى السيد روح الله
(الإمام) الخميني، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس الله أسرارهم، وفي
أثناء العمل فجعنا بوفاة الإمام الراحل قدس سره (في 1409) وبوفاة آية الله العظمى
الخوئي قدس سره (في صفر 1413 ه‍) وخسر العالم وخاصة المجالات العلمية وجودهما
المبارك فقدس الله أسرارهما.
رابعا - لما كان علم الأصول قد طوى مراحله في طول تاريخه، واستقر على
أسسه الحديثة بيد الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره وتلميذه الآخوند
الخراساني وتلامذة الأخير، أي الأعلام الثلاثة: المحقق النائيني والمحقق العراقي
والمحقق الأصفهاني، فلذلك اكتفينا بذكر آراء هؤلاء الأعلام وبعض ما تأخر عنهم.
ونحن نعتقد أن آراء مثل هؤلاء يمثل الرأي الأصولي للمذهب الإمامي، ولذلك
لم نر حاجة إلى التعرض لآراء من تقدمهم إلا إذ اقتضت الضرورة.
خامسا - ذكرنا القواعد الفقهية في قسم الفقه مع الإشارة إلى كونها قاعدة
فقهية، ولم نفرز لها محلا خاصا.
سادسا - ذكرنا ملحقا في كل مجلد للأعلام ترجمنا فيه الفقهاء والأصوليين
الذين ورد ذكرهم في نفس المجلد، ليكون القارئ على بصيرة بما سيمر عليه من
أسماء الفقهاء أو الأصوليين.
وختاما أرجو أن ينظر العلماء والمحققون إلى الكتاب بعين الرضى، وأن يتحفونا
72

بإرشاداتهم ونظرياتهم.
هذا ونسأل الله تعالى أن يرضى عنا ويوفقنا لخدمة دينه وخاصة فقه أهل
بيت نبيه صلى الله عليه وآله إنه قريب مجيب.
محمد علي الأنصاري
20 / ربيع الثاني / 1414.
73

مجمع الفكر الإسلامي
الموسوعة الفقهية الميسرة
ويليها
الملحق الأصولي
الجزء الأول
تأليف:
الشيخ محمد علي الأنصاري
75

آباء
لغة:
جمع " أب " وهو: الوالد الذكر، وقد
يطلق على الأجداد والأعمام مجازا (1)، ومنه
قوله تعالى: (قالوا نعبد إلهك وإله
آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) (2).
اصطلاحا:
الأصول الذكور - الأب والجد -
الشرعيون وإن علوا، ولكن تارة يراد منه
خصوص الأب والجد من قبل الأب فقط،
كما في باب الولاية - خاصة في النكاح -
وتارة يراد منه الأب والجد من
الطرفين - الأب والأم - كما في باب
التحريم في النكاح (1)، ومنه قوله تعالى:
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) (2).
الأحكام:
هناك أحكام تترتب على عنوان
" آباء " سوف يأتي التعرض لها في
مظانها إن شاء الله ولكن نشير - هنا - إلى
أبرزها إشارة إجمالية وهي:
أولا - تحرم البنت على الآباء كما

(1) المصباح المنير: " أب "، مجمع البحرين،
ومفردات الراغب: " أبا ".
(2) البقرة: 133.
(1) كنز العرفان 2: 179، التبيان 3: 160.
(2) النساء: 22.
77

يحرم الآباء عليها في النكاح، لقوله تعالى:
(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم وعماتكم...) (1).
ثانيا - تحرم منكوحة الآباء وإن
علوا - من طرف الأب كانوا أو الأم - على
الأبناء، كما تحرم منكوحة الأبناء على
الآباء أيضا، وكذا تحرم لو تجرد العقد
عن الدخول، فتحرم معقودة الآباء على
الأبناء كما تحرم معقودة الأبناء على الآباء،
قال صاحب الجواهر: " يحرم على الموطوءة
أب الواطئ وإن علا لأب أو أم، وأولاده
وإن سفلوا لابن أو بنت تحريما مؤبدا، نصا
وإجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين،
بل ربما أدرجا في آية حلائل الأبناء،
وآية (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) (2)...
ولو تجرد العقد عن الوطء ء حرمت
الزوجة على أبيه وإن علا وولده وإن
سفل... " (3).
راجع: أب، أسباب التحريم.
ثالثا - للآباء - الأب والجد من قبله
وإن علا - الولاية على الصغار والمجانين
المتصل جنونهم بصغرهم، ولا ولاية للجد
من قبل الأم عليهم، قال الشيخ الطوسي
في المبسوط: "... ومن يلي أمر الصغير
والمجنون خمسة: الأب والجد للأب ووصي
الأب والجد والحاكم ومن يأمره... " (1).
راجع: أب، ولاية.
رابعا - يجوز الأكل من بيوت الآباء
من دون إذن لقوله تعالى: (ليس على
الأعمى حرج... ولا على أنفسكم أن تأكلوا
من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت
أمهاتكم...) (2).
والمراد بالآباء والأمهات ما يشمل
الأجداد والجدات (3).

(1) النساء: 23.
(2) النساء: 22.
(3) الجواهر 29: 350.
(1) المبسوط 2: 200، وراجع المكاسب:
152.
(2) النور: 61.
(3) الجواهر 36: 413.
78

آبار
جمع بئر.
راجع: بئر.
آبق
لغة:
بالمد وكسر الباء، اسم فاعل من
أبق - بكسر الباء وفتحها - إباقا إذا هرب
فهو آبق. والعبد إذا هرب من سيده فهو
آبق، وقيده في العين بما إذا هرب من غير
خوف ولا كد عمل (1).
اصطلاحا:
لا يكاد يختلف عن معناه اللغوي،
إلا أن الصدوق قال: " والمملوك إذا هرب
ولم يخرج من مصره لم يكن آبقا " (1) وهو
مفاد رواية مرفوعة عن أبي عبد الله عليه
السلام (2).
الأحكام:
ألف - حكم الإباق تكليفا:
يحرم إباق العبد من مولاه (3)،
ووردت بذلك روايات مستفيضة، منها
ما ورد في وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام: " يا علي ثمانية لا يقبل الله لهم
صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى
مولاه... " (4).
ب - حكم الإباق وضعا:
تترتب على الإباق أحكام وضعية
أهمها:
أولا - عدم جواز بيعه منفردا:
المشهور بين الفقهاء هو عدم جواز

(1) المصباح المنير، الصحاح، مجمع البحرين،
العين: " أبق ".
(1) المقنع: 162.
(2) الوسائل 16: 51، الباب 46 من أبواب
العتق، الحديث 3 و 5.
(3) بداية الهداية ولب الوسائل 2: 288.
(4) الوسائل 16: 51، الباب 46 من أبواب
العتق، الحديث 5.
79

بيع العبد الآبق منفردا، وقد ادعي عدم
الخلاف في ذلك، بل نقل عليه الإجماع (1)،
وبذلك وردت النصوص (2).
نعم حكي عن الإسكافي أنه قال:
" لا يشترى الآبق وحده إلا إذا كان بحيث
يقدر عليه المشتري، أو يضمنه البائع " (3)
ولكن فسر كلامه بما يرفع الخلاف معه (4).
جواز بيعه في بعض الموارد:
استثني من عدم جواز بيع الآبق
بعض الموارد أهمها:
1 - بيعه مع الضميمة: المعروف بين
الفقهاء هو جواز بيع الآبق لو ضم إليه
ما يصح بيعه منفردا، كعبد آخر أو حيوان
أو غير ذلك، ونقل عليه الإجماع
مستفيضا (5)، ودلت عليه النصوص (6).
2 - إذا كان العبد في يد المشتري:
ذهب إليه العلامة في القواعد (1)،
والتذكرة (2)، واختاره بعض من تأخر عنه
كالشهيد الأول في الدروس (3) وغيره.
3 - إذا كان المشتري قادرا على
تسلمه: وهو مختار السيد المرتضى في
الانتصار (4)، والعلامة في التذكرة (5)،
والشهيدين في اللمعة وشرحها (6).
ثانيا - الإباق عيب:
لو اشترى عبدا وظهر أنه كان قد
أبق عند مولاه - والمفروض أنه لا زال
تحت يده فعلا - فذلك عيب يترتب عليه
خيار العيب.
واشترط البعض تكرر الإباق منه،
كما اشترط بعض آخر ما إذا لم يظهر منه
بعد الإباق التوبة الصادقة، وملكة
الطاعة (7).

(1) الجواهر 22: 393.
(2) الوسائل 12: 262، الباب 11 من أبواب
عقد البيع.
(3) الجواهر 22: 395.
(4) الجواهر 22: 395.
(5) الجواهر 22: 397.
(6) الوسائل 12: 262، الباب 11 من أبواب
عقد البيع.
(1) القواعد 1: 126.
(2) التذكرة 1: 466.
(3) الدروس 3: 200.
(4) الإنتصار: 206.
(5) التذكرة 1: 466.
(6) اللمعة وشرحها 3: 250.
(7) الجواهر 23: 280.
80

ثالثا - عتق الآبق:
يجوز عتق الآبق كفارة إذا لم يعلم
موته، واشترط الشيخ الطوسي في الخلاف
العلم بالحياة (1)، كما خص الصدوق جواز
ذلك في خصوص الظهار (2).
رابعا - تدبير الآبق:
تارة يحصل الإباق بعد التدبير،
وتارة يحصل التدبير بعد الإباق.
ألف - الإباق بعد التدبير: إذا أبق
العبد بعد تدبيره بطل تدبيره ورجع رقا،
وقد ادعى عليه الإجماع في الجواهر (3).
وأما بالنسبة إلى ولده، فقد فصلوا
بينهم بين من ولدوا قبل الإباق فهم على
تدبيرهم، ومن ولدوا بعده فهم أرقاء (4).
وقالوا: لو جعل سيده خدمته لغيره
مدة حياة المخدوم ثم هو حر بعد موت
ذلك الغير، لم يبطل تدبيره بإباقه (5).
ب - التدبير بعد الإباق: يصح
تدبير العبد بعد إباقه (1) والظاهر أنه
المشهور.
خامسا - رد الآبق:
إذا رد الإنسان عبدا آبقا كان له
على ذلك جعل، فإن كان وجده في المصر
فدينار، وإن وجده في غيره فأربعة
دنانير، كذا قال الشيخ المفيد (2) استنادا إلى
رواية، وتبعه جماعة، وفي الجواهر: أن
العمل بذلك هو المشهور (3).
هذا كله إذا لم يتوافقا على جعل
معين.
مظان البحث:
1 - البيع:
ألف - اشتراط القدرة على التسليم.
ب - الخيارات.
2 - الكفارات.
3 - العتق.
4 - التدبير.
5 - اللقطة.
6 - الجعالة.

(1) الجواهر 33: 210.
(2) المقنع: 160.
(3) الجواهر 34: 235 - 236.
(4) الجواهر 34: 235 - 236.
(5) الجواهر 35: 245.
(1) الجواهر 35: 245.
(2) المقنعة: 649.
(3) الجواهر 35: 206.
81

آجام
لغة:
جمع الجمع، واحده أجمة، وجمعه:
أجم مثل قصبة وقصب. له معان عديدة،
والذي يلائم الفقه منها هو: الشجر (أو
القصب) الكثير الملتف (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي، إلا أن
الظاهر من البعض: أن المراد من الآجام
هو الأرض ذات الأجمة لا نفس
الأشجار (2).
الأحكام:
1 - الآجام من الأنفال:
عد الفقهاء الآجام من الأنفال،
وعلى هذا يشملها حكمها، وهو كونها
للإمام عليه السلام.
والظاهر من إطلاق كلمات الفقهاء
هو: أن الآجام من الأنفال سواء كانت في
الأرض المختصة بالإمام أو لا، ولكن ابن
إدريس خص ذلك بالأراضي المختصة به،
قال عند عد الأنفال: " والآجام التي
ليست في أملاك المسلمين، بل التي كانت
مستأجمة قبل فتح الأرض " (1).
راجع: أنفال.
2 - بيع سمك الآجام:
اختلفوا في جواز بيع سمك الآجام
مع ضميمة القصب أو غيره، فمنعه بعض
للجهالة، وفصل آخرون بين ما إذا كان
المقصود بالبيع هو الضميمة فيصح، وإلا
فلا (2).
ومحل الخلاف إنما هو السمك
المملوك المقدور قبضه، غير معلوم العدد،
ولا المشاهد، مع الضميمة (3).
مظان البحث:
1 - الأنفال
2 - البيع: اشتراط معلومية الثمن
والمثمن، بيع المجهول منفردا ومع الضميمة.

(1) المصباح المنير، الصحاح: " أجم ".
(2) المستمسك 9: 609.
(1) السرائر 1: 497.
(2) الجواهر 22: 440، الحدائق 18: 487.
(3) نفس المصدر.
82

آجر
لغة:
بمد الهمزة، وتشديد الراء - وهو
أشهر من التخفيف - واحده آجرة، فارسي
معرب، وهو اللبن إذا طبخ (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي.
الأحكام:
أولا - الاستنجاء:
المعروف صحة الاستنجاء بالآجر
إلا أن المنقول عن ابن الجنيد عدم اختياره
حيث قال: " إني لا أختار الاستنجاء
بالآجر والخرق إلا أن يلابسه طين أو
تراب يابس " (2).
ومن المحتمل أن يكون سلار كذلك
فقد قال: " لا يجزي إلا ما كان أصله
الأرض في الاستجمار " (1) بناء على عدم
صدق الأرض على الآجر.
ثانيا - التيمم:
اختلفوا في جواز التيمم بالآجر
وعدمه، فذهب بعضهم إلى جوازه
وآخرون إلى عدمه، ومنشأ الخلاف
خروج الآجر بالشوي عن صدق الأرض
وعدمه (2).
راجع: تيمم / ما يصح به التيمم.
ثالثا - السجود:
ألف - صحة السجود عليه:
اختلف الفقهاء في صحة السجود
على الآجر وعدمه، فقد اختار الشيخ
الطوسي في المبسوط (3) والنهاية (4) جواز
السجود عليه، ونسبه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة (5) إلى الأكثر، ويظهر ذلك
من كل من قال بجوازه على الخزف، وقد
ادعي عدم الخلاف في جواز السجود

(1) المصباح المنير، لسان العرب، الصحاح:
" أجر ".
(2) الجواهر 2: 40.
(1) الجواهر 2: 40.
(2) المستمسك 4: 379.
(3) المبسوط 1: 89.
(4) النهاية: 102.
(5) مفتاح الكرامة 2: 248.
83

عليه (1).
وفصل السيد اليزدي في العروة
فقال بالجواز عند الضرورة فحسب (2).
وسبب الاختلاف هو خروج الآجر
بالشوي عن صدق الأرض وعدمه، لأن
السجود لا بد وأن يكون على الأرض أو
ما أنبتت.
ب - تحديد ارتفاع موضع السجود
بالآجر:
حدد موضع السجود في بعض
الروايات بألا يكون أعلى أو أخفض من
آجرة، كما في موثقة عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " سألته عن المريض أيحل له
أن يقوم على فراشه ويسجد على
الأرض؟ قال: فقال عليه السلام: إذا كان
الفراش غليظا قدر آجرة، أو أقل، استقام
له أن يقوم عليه، ويسجد على الأرض،
وإن كان أكثر من ذلك فلا " (3).
وحددوا سمكها بأربع أصابع، قال
في الحدائق: " والمراد بها (أي اللبنة)
ما كانت معتادة في زمن الأئمة، وقدرها
الأصحاب بأربع أصابع تقريبا، ويؤيده
اللبن الموجود الآن في أبنية بني العباس في
سر من رأى، فإن الآجر الذي في أبنيتها
بهذا المقدار تقريبا " (1).
رابعا - الدفن:
يجوز وضع الآجر على قبر الميت
بدل اللبن، فعن أبان بن تغلب قال:
" سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: جعل
علي عليه السلام على قبر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لبنا، فقلت: أرأيت إن جعل الرجل
عليه آجرا، هل يضر الميت؟ قال:
لا " (2).
مظان البحث:
1 - الاستنجاء.
2 - التيمم: ما يصح التيمم به.
3 - السجود: ما يصح السجود عليه،
تساوي مواضع السجود.
4 - الدفن: آداب الدفن وملحقاته.

(1) المستمسك 5: 491.
(2) العروة: فصل مسجد الجبهة من مكان
المصلي، المسألة 1.
(3) الوسائل 4: 964 الباب 11 من أبواب
السجود، الحديث 2.
84

آجر
لغة:
أكرى، آجرت الدار: أكريتها
اصطلاحا:
نفس المعنى
راجع: إجارة.
آجر
لغة:
أثاب
اصطلاحا:
تستعمل لطلب الأجر والثواب من
الله تعالى للمصاب عند حدوث المصيبة،
فيقال له عند إرادة تعزيته: آجرك الله.
راجع: دفن - تعزية.
آداب
لغة:
جمع " أدب "، وهو محاسن الأخلاق
ومحامدها.
اصطلاحا:
مجموعة أفعال وتروك ندبت إليها
الشريعة مقدمة لبعض الأفعال، فتضاف
كلمة " الآداب " إلى عنوان ذلك الفعل،
مثل: آداب الوضوء، وآداب التخلي...
وأمثال ذلك.
وأهم ما ورد بهذا العنوان في كتب
الفقه هو:
1 - آداب الاحتضار، وربما عبروا
عنه ب‍ " آداب المحتضر ".
2 - آداب الإحرام
3 - آداب البيع
4 - آداب التخلي، أو آداب الخلاء
5 - آداب التكفين
6 - آداب الجماعة
85

7 - آداب الجمعة
8 - آداب الحرب
9 - آداب الحمام
10 - آداب الخلوة بالمرأة، أو آداب
الزفاف
11 - آداب دخول الحرم
12 - آداب دخول مكة والمسجد
الحرام
13 - آداب الدفن
14 - آداب الذبح والنحر
15 - آداب الذبح والنحر بمنى
16 - آداب رمي الجمار
17 - آداب السعي
18 - آداب السفر
19 - آداب الصلاة على الميت
20 - آداب الطعام
21 - آداب الطواف
22 - آداب عقد النكاح
23 - آداب عمال الصدقات
24 - آداب العيدين
25 - آداب غسل الجنابة
26 - آداب غسل الميت
27 - آداب القاضي
28 - آداب المائدة
29 - آداب المريض
30 - آداب المساجد
31 - آداب المسير إلى المشعر
32 - آداب الوضوء
33 - آداب الوقوف بالمشعر
34 - آداب الوقوف بعرفة.
راجع كل عنوان في محله.
آفاق
لغة:
جمع أفق وهو: " الناحية من
الأرض، ومن السماء، والنسبة إليه أفقي
لا آفاقي " (1).
اصطلاحا:
للأفق في مصطلح أهل الهيئة
معنيان:
الأول - الأفق الحقيقي: وهو محيط
الدائرة العظيمة التي تنصف كرة الأرض

(1) المصباح المنير: " أفق ".
86

بنصفين متساويين بحيث يمر الخط القائم
المار على رؤوس أهل كل ناحية على
مركز هذه الدائرة (1).
الثاني - الأفق المحلي: وهو أكبر
دائرة صغيرة على سطح الأرض يراها
أهل كل ناحية موازية للدائرة العظيمة (2).
وتوضيح ذلك: أن من يقف على
سطح الأرض - في صحراء - يرى من
الجهات الأربع اتصال السماء بالأرض،
فهذا المقدار من السماء الذي يراه الرائي
متصلا بالأرض هو المعبر عنه ب‍ " الأفق
المحلي ".
وأما عند الفقهاء فليس له - على
الظاهر - مصطلح جديد، بل هو مستعمل
في المعنى الثاني، أي الأفق المحلي.
الأحكام:
أهم حكم يترتب على عنوان الأفق
هو: أنه لو رئي الهلال في أفق ما فهل
يحكم برؤيته في الآفاق الأخرى أو لا؟
وتترتب على ذلك ثمرات مهمة
تظهر في الصوم إمساكا وإفطارا، وفي
الحج، وأمثال ذلك.
والمسألة وإن كانت مطروحة عند
المتقدمين لكنها خالية عن عنوان الأفق
والآفاق، بل كان عنوان المسألة هو: أنه
لو رئي الهلال في بلد ما فهل يحكم برؤيته
في البلدان الأخرى وإن كانت متباعدة أو
لا؟
نعم ورد هذا العنوان في كلمات
فقهاء القرن الأخير فقالوا:
هل يكفي ثبوت الهلال في بلد ما
لثبوته في البلدان الأخرى وإن كانت
مختلفة الآفاق أو يشترط في ذلك وحدة
الأفق؟ أو ما يقارب هذا المعنى.
وعلى أي فالموضوع بحاجة إلى
دراسة من ناحيتين: من الناحية الهيئوية،
ومن الناحية الفقهية.
أولا - من الناحية الهيئوية:
ولأجل أن يتضح الموضوع لا بد من
بيان عدة أمور:
الأول - إن علماء الهيئة فرضوا
للكرة الأرضية (360) خطا وهميا بين
القطبين: الشمالي والجنوبي، وسموا هذه
الخطوط ب‍ " خطوط الطول "، وفرضوا لها
(180) خطا وهميا آخر تدور حول الكرة

(1) رسالة حول رؤية الهلال: 22 و 23.
(2) نفس المصدر.
87

أكبرها خط الاستواء الذي يمر بوسطها،
وأصغرها الخطان اللذان يحيطان بالقطبين
الشمالي والجنوبي، وسموا هذه الخطوط
ب‍ " خطوط العرض ".
الثاني - إن البلدان الواقعة على خط
طولي واحد، وخطوط عرضية متقاربة
يكون مشرقها ومغربها واحدا بينما تكون
مشارق ومغارب البلدان الواقعة على
خطوط طولية وعرضية متباعدة، مختلفة.
والتفسير الفني لذلك هو: أن
الأرض لما كانت كروية، وتدور حول
نفسها في كل (24 ساعة) مرة وتدور مع
ذلك حول الشمس في كل سنة مرة
- فتكون مواجهة المدن الواقعة على خط
طولي واحد للشمس في زمان واحد، بينما
تكون مواجهة المدن الواقعة على خطوط
طولية مختلفة، مختلفة أيضا، فإنه كلما
ازدادت الفاصلة بين المدينتين من ناحية
الطول، كانت الفاصلة بين شروق الشمس
وغروبها فيهما أكثر.
هذا من ناحية خطوط الطول، وأما
بالنسبة إلى خطوط العرض، فإنها لو كانت
متقاربة تقاربت مشارقها ومغاربها، وإذا
كانت متباعدة تباعدت، لأن المدينة كلما
قربت من خط الاستواء طال النهار فيها،
وكلما بعدت قصر، كما أن البلدان الواقعة
في النصف الشمالي تختلف عن الواقعة في
النصف الجنوبي من الكرة في طول النهار
وقصره، فإذا كان طويلا في أحدهما كان
قصيرا في الآخر.
وعلى هذا الأساس عرفوا البلدان
المتحدة في الأفق بأنها: البلدان المتفقة في
مشارقها ومغاربها، أو متقاربة فيها (أي
فيما إذا وقعت على خطوط طولية متقاربة
لا على خط واحد).
وعرفوا البلدان المختلفة في الأفق:
بأنها البلدان المختلفة في مشارقها
ومغاربها اختلافا كثيرا.
الثالث - إن كيفية تكون الشهر
القمري بدوا وانتهاء يتوقف على معرفة
وضع القمر بالنسبة إلى الأرض، فنقول:
إن القمر كرة صغيرة تابعة للأرض
يبعد عنها (382 / 384 كم) ويبلغ
حجمه 50 1 حجم الأرض، يكتسب نوره
من الشمس، يدور حول نفسه في كل شهر
مرة، كما يدور في هذه الفترة حول
الأرض أيضا مرة واحدة لا يرى أهل
الأرض إلا طرفا واحدا منه بسبب اقتران
88

الدورتين معا.
وللقمر - بالنسبة لأهل الأرض -
حالات مختلفة بسبب كيفية اقترانه مع
الشمس وهي:
أولا - حالة المحاق: وهي الحالة
التي يكون القمر فيها بين الشمس
والأرض، وبعبارة أخرى تكون الكرات
الثلاثة على خط واحد، ولذلك يكون
النصف المظلم للقمر مواجها للأرض
والنصف الآخر مواجها للشمس، فيكون
مستنيرا لكنه غير قابل للرؤية لأهل
الأرض، ولذلك لا يرى أهل الأرض - في
هذه الحالة - شيئا من القمر.
ثانيا - حالة الهلال: وبعد أن يتحرك
القمر ويخرج عن حالة التوسط بين
الشمس والأرض يرى منه حافة القسم
المستنير الذي يسمى " الهلال ".
ثالثا - ثم يأخذ - القسم المستنير -
بالتزايد حتى يصل إلى نصف النصف (أي
يرى نصف البدر) وذلك في الليلة السابعة
من الشهر القمري، ويعبر عنه ب‍ " التربيع
الأول ".
رابعا - وهكذا يتزايد الجزء المستنير
حتى يرى نصف القمر تماما - وذلك في
الليلة الرابعة عشرة - وتسمى هذه الحالة
ب‍ " البدر ".
وفي هذه الحالة تتوسط الأرض بين
الشمس والقمر، ولذلك يكون طلوع البدر
مقارنا لغروب الشمس.
خامسا - ثم يقل السطح المستنير
للقمر حتى يرى ربعه وذلك في الليلة
الحادية والعشرين، فيقال لتلك الحالة
" التربيع الثاني ".
ويكون طلوع القمر في هذه الحالة
في منتصف الليل.
سادسا - ثم يستمر في النقصان حتى
لا يرى منه إلا الهلال، وكلما قل السطح
القابل للرؤية من القمر تأخر طلوعه حتى
إذا صار هلالا كان طلوعه قبل طلوع
الشمس بقليل.
سابعا - وبعد ذلك يدخل في حالة
المحاق ولا يرى منه شئ.
ثم إذا خرج من هذه الحالة ورئي
منه بمقدار الهلال يكون قد تم شهر هلالي
وبدأ شهر هلالي جديد.
الرابع - هناك بعض العوامل تكون
مؤثرة في إمكان رؤية الهلال في بعض
المناطق دون بعض وهي:
89

أولا - اختلاف البلدان في الطول،
فإذا فرضنا خروج القمر من المحاق مقارنا
للغروب في مدينة ما، بحيث لا يكون
الهلال قابلا للرؤية فيها لضالته، لكن
سوف يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية،
لازدياد الجزء المستنير من القمر كلما بعد
عن المحاق، فإذا غربت الشمس في بلد
يقع غرب تلك المدينة - بعد ساعات -
فيكون الهلال قابلا للرؤية فيها، وتزداد
هذه القابلية كلما ازدادت فاصلة المدينة
الثانية طولا مثل مدينتي طهران ولندن،
ف‍ " طهران " تقع في خط طولي يبلغ (5 / 51
درجة) ولندن تقع بقرب كرينويج
التي هي مبدأ محاسبة خطوط الطول، ولذلك
تغرب الشمس في طهران قبل لندن بما
يقارب ثلاث ساعات وربع الساعة، فإذا
كان خروج القمر من المحاق مقارنا
للغروب في طهران بحيث لا يمكن رؤية
الهلال لضالته، لكنه سوف يكون قابلا
للرؤية عند غروب الشمس في لندن، لأنه
سوف يتضخم المقدار المستنير من القمر في
هذه الساعات لابتعاده فيها عن المحاق كما
تقدم.
ثانيا - اختلاف البلدان في العرض،
فمثلا إن مدينة طهران التي يكون عرضها
الشمالي (35 درجة و 41 دقيقة و 59 ثانية)
يكون أطول أيام السنة فيها ما يقرب أربع
عشرة ساعة ونصف الساعة، بينما يكون
النهار في النقطة المقابلة لها الواقعة في
النصف الجنوبي من الكرة - المتحدة معها في
الطول، ويكون عرضها الجنوبي (35 درجة
و 41 دقيقة و 59 ثانية) - تسع ساعات
ونصف ساعة تقريبا (1)، فيكون الاختلاف
بينهما خمس ساعات، فتطلع الشمس في
طهران قبل تلك النقطة بساعتين ونصف
الساعة وتغرب فيه قبلها بساعتين ونصف
الساعة أيضا، فإذا فرضنا أن خروج القمر
من المحاق في تلك النقطة يكون مقارنا
لغروب الشمس بحيث لا يرى الهلال فيها،
فسوف يكون قابلا للرؤية في طهران عند
غروب الشمس فيها، لأن الهلال - في هاتين
الساعتين ونصف الساعة - يأخذ في التضخم
ويكون قابلا للرؤية.
ثالثا - البعد والقرب من خط
الاستواء، وذلك لأن مسير القمر لما كان
حول خط الاستواء - تقريبا - فيكون

(1) وذلك بسبب ميلان الكرة بمقدار (23)
درجة تقريبا.
90

الهلال في المناطق الاستوائية (القريبة من
خط الاستواء) مرتفعا عند ظهوره، بينما
يكون في البلدان البعيدة عن خط الاستواء
منبطحا غير مرتفع، ولذلك تكون الغبارات
المجتمعة المانعة من رؤية الهلال في هذه
المناطق أكثر من المناطق الاستوائية، فربما
يكون بلدان متحدان في الطول، ولكن لبعد
أحدهما عن خط الاستواء، وقرب الآخر
له، يرى الهلال في القريب دون البعيد.
وهناك عوامل أخرى ربما تكون
مؤثرة في رؤية الهلال وعدمها، كالغيوم
وكون المنطقة جبلية وأمثال ذلك لكنها
لا تؤثر في البحث، وإنما المهم من العوامل
هو الثلاثة المتقدمة.
استنتاج:
والذي يمكن أن نستنتجه من
الأبحاث السابقة هو:
1 - أن اختلاف مشارق البلدان
ومغاربها إنما يكون بسبب اختلاف خطوط
الطول والعرض الواقعة عليها تلك
البلدان.
2 - يطلق على البلدان التي تتفق
مشارقها ومغاربها، أو تكون متقاربة:
" البلدان المتحدة في الأفق "، ويطلق على
البلدان التي تختلف مشارقها ومغاربها:
" البلدان المختلفة في الأفق ".
3 - أن بداية الشهر القمري إنما
تكون بخروج القمر من المحاق، وانتهاءه
يكون بانتهاء حالة المحاق ثانية، بخروج
القمر من المحاق.
4 - أن خروج القمر من المحاق وإن
كان حالة واحدة لجميع أهل الأرض،
ولكن هناك عوامل مؤثرة في إمكان رؤية
الهلال في بعض المناطق دون بعض
كاختلاف خطوط الطول والعرض،
والاقتراب من خط الاستواء وعدمه.
ثانيا - من الناحية الفقهية:
وقع البحث - عند الفقهاء - في أن
رؤية الهلال في بلد ما هل تكفي لإثبات
الشهر في سائر البلدان أو لا؟
وفي المسألة ثلاثة أقوال:
الأول - لزوم اتحاد الآفاق في الحكم
بالهلال، بمعنى أنه لو شوهد الهلال في بلد
ما يترتب الحكم على أهالي ذلك البلد
والبلدان المتقاربة معه في الأفق، ولا يصح
ترتيب آثار رؤية الهلال في البلدان
المتباعدة في الآفاق.
91

الثاني - عدم لزوم ذلك، بل يثبت
الهلال في جميع أقطار العالم، ويترتب عليه
أحكام رؤية الهلال بمجرد رؤيته في قطر
واحد.
الثالث - التفصيل بين البلدان الواقعة
في شرق البلد الذي رئي الهلال فيه فلا
يثبت الهلال فيها، وبين البلدان الواقعة في
غربه فيثبت، وقد مر التفسير الفني لذلك.
ذهب إلى القول الأول الشيخ
الطوسي في المبسوط حيث قال: " ومتى
لم ير الهلال في البلد، ورئي خارج البلد
- على ما بيناه - وجب العمل به إذا كان
البلدان التي رئي فيها متقاربة، بحيث
لو كانت السماء مضحية والموانع مرتفعة
لرئي في ذلك البلد أيضا، لاتفاق عروضها
وتقاربها مثل: بغداد وواسط والكوفة،
وتكريت، والموصل، فأما إذا بعدت البلاد
مثل: بغداد وخراسان، وبغداد ومصر،
فإن لكل بلد حكم نفسه (1) ".
واختار ذلك فقهاء آخرون كالمحقق
في الشرائع (2)، والعلامة في التذكرة (3)،
وصاحب المدارك (1)، والسيد اليزدي في
العروة (2) والإمام الخميني في تحرير
الوسيلة (3)، بل قيل: إنه المعروف بين
الفقهاء المتأخرين.
وأما القول الثاني فقد اختاره
العلامة في المنتهى أولا، لكنه شكك فيه
أخيرا، حيث قال: " إذا رأى الهلال أهل
بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء
تباعدت البلاد أو تقاربت، وبه قال أحمد
والليث بن سعد، وبعض أصحاب
الشافعي... ".
ثم قال في آخر بحثه: "...
وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الصفايح،
وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه
لكروية الأرض لم يتساو حكماهما، أما
بدون ذلك فالتساوي هو الحق " (4)
وهذا يعني أنه يلتزم بالقول الأول
- كما التزم به في التذكرة - فيكون عده من

(1) المبسوط 1: 268.
(2) الشرائع 1: 200.
(3) التذكرة 1: 269.
(1) المدارك 6: 171.
(2) العروة الوثقى: طرق ثبوت الهلال
مسألة (4).
(3) تحرير الوسيلة 1: 254 طرق ثبوت
الهلال، مسألة (5).
(4) المنتهى 2: 592 - 593.
92

أصحاب القول الثاني غير صحيح.
ومن الذين اختاروا هذا القول:
صاحب الحدائق (1)، وصاحب الجواهر (2)،
والفاضل النراقي - الذي كان له يد طولى
في علم الهيئة - حيث قال: " ثم الحق الذي
لا محيص عنه عند الخبير، كفاية الرؤية في
أحد البلدين للبلد الآخر مطلقا سواء كان
البلدان متقاربين أو متباعدين " (3).
وممن بحث في هذا الموضوع بحثا
مستوعبا أيضا واختار هذا القول، كل من
السيد الخوئي في مستند العروة (4) والسيد
الصدر في الفتاوى الواضحة (5)، ولكن
السيد الخوئي قيد الحكم بالمناطق المشتركة
في الليلية، وأما المناطق المختلفة فيها - بأن
كان الزمان في أحدهما ليلا وفي الآخر
نهارا - فلا يحكم باتحادهما في الحكم.
وأما القول الثالث فقد مال إليه
الشهيد الأول في الدروس حيث قال:
" ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية
برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت،
للقطع بالرؤية عند عدم المانع " (1).
وكذلك الشهيد الثاني في المسالك (2)
والسيد الحكيم في المستمسك (3).
ملاحظة:
إن التخريجات الفقهية لهذه المسألة
تختلف بحسب الأمور التالية:
أولا - لما كانت رؤية الهلال تختلف
بحسب اختلاف طول البلدان وعرضها
فيحكم بعض الفقهاء باختلاف الآفاق.
ثانيا - يرى كل من الفاضل النراقي،
والسيد الخوئي: أن حالة خروج القمر من
المحاق (أي حالة الهلالية) حالة مشتركة
لأهل الأرض جميعا، وإن شوهد في بعض
المناطق دون بعض بحسب اختلاف
الآفاق، وبناء على ذلك ينبغي اشتراك
الجميع في الحكم وهو ثبوت الهلال.
ثالثا - ومع غض النظر عن ذلك كله
والرجوع إلى الروايات، فقد يستفيد بعض
الفقهاء منها: أن رؤية الهلال في قطر ما

(1) الحدائق 13: 263.
(2) الجواهر 16: 361.
(3) المستند 1: 133.
(4) مستند العروة: 2: 116.
(5) الفتاوى الواضحة: 620.
(1) الدروس 1: 285.
(2) المسالك 2: 76.
(3) المستمسك 8: 470.
93

كاف لإثباته في غيره، وقد يستفيد البعض
الآخر منهم خلاف ذلك، وأنه لا بد من
رؤية الهلال في كل قطر حتى يحكم بثبوت
الهلال فيه.
مظان البحث:
كتاب الصوم: ثبوت رؤية الهلال.
آفاقي
لغة:
راجع: آفاق
اصطلاحا:
الحاج الذي يقدم مكة من خارج
المواقيت المعينة.
راجع: حج.
آل
لغة:
مقلوب عن الأهل ويصغر على
" أهيل " إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام
الناطقين دون النكرات، ودون الأزمنة
والأمكنة، يقال: آل فلان، ولا يقال: آل
رجل، ولا آل زمان كذا، أو موضع كذا،
ولا يقال: آل الخياط، بل يضاف إلى
الأشرف الأفضل، يقال: آل الله، وآل
السلطان. والأهل يضاف إلى الكل،
يقال: أهل زمن كذا وبلد كذا...
ويستعمل فيمن يختص بالإنسان
اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو
بموالاة... (1).

(1) مفردات الراغب (آل).
94

آل البيت
وهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم
راجع: أهل البيت.
آلات
لغة:
جمع آلة وهي: الأداة (1).
اصطلاحا:
لم يتغير معناها اللغوي، وإنما
استعملت في موارد عديدة، يظهر معناها
مما أضيفت إليه، مثل: آلات الذبح،
وآلات الصيد، وآلات القصاص، وآلات
القمار وآلات اللهو... وأمثال ذلك.
وسوف نبحث عن كل مورد على حدة
فيما يلي:
آلات الذبح
لغة:
راجع: آلات.
اصطلاحا:
الأدوات، والوسائل التي يتحقق بها
الذبح الشرعي.
الأحكام:
بحث الفقهاء عن الأدوات التي يصح
الذبح الشرعي بها، وحاصل كلامهم - في
هذا المجال - كما يلي:
أولا - في حالة الاختيار: لا يصح
الذبح، ولا تقع التذكية إلا بالحديد، وقد
ادعي عدم خلاف الطائفة في ذلك.
ثانيا - في حالة الاضطرار: يصح
الذبح بما يفري أعضاء الذبيحة، ولو كانت

(1) الصحاح: " أول ".
95

ليطة (القشر الظاهر من القصبة)، أو مروة
حادة (حجر حاد يقدح منه النار)، أو
زجاجة، وقد ادعي عدم الخلاف في ذلك
أيضا.
ثالثا - اختلفوا في جواز الذبح بالظفر
والسن، فالمنقول عن جماعة كالإسكافي
والشيخ، وابن زهرة، والشهيد - في غاية
المراد -: عدم الجواز حتى في حال
الضرورة. والمعروف بين المتأخرين هو
الجواز عند الضرورة خاصة (1).
راجع: تذكية، ذبح.
مظان البحث:
الصيد والذباحة.
آلات الصيد
لغة:
راجع: آلات.
اصطلاحا:
الأدوات والوسائل التي يتحقق بها
الصيد بمعناه الحدثي أي الاصطياد.
والاصطياد يقع على معنيين:
الأول - إثبات اليد على الحيوان
الوحشي بالأصالة المحلل، بآلة ما، حيث
يبقى حيا، ولو بمقدار يمكن تذكيته فيه على
الوجه الشرعي.
والصيد بهذا المعنى جائز إجماعا
بكل آلة يتوصل إليه بها سواء كان حيوانا
أو غير حيوان، وسواء كان الحيوان كلبا
أو غيره، لأن المفروض أن الصائد سوف
يدركه حيا، ويقوم بتذكيته.
الثاني - عقر الحيوان المزهق لروحه
بآلة الصيد على وجه يحل أكله بحيث يكون
صيده كذلك تذكية له.
وأما الصيد بهذا المعنى فلا يصح
إلا ببعض الآلات التي اعتبرت الشريعة
نفس الاصطياد بها تذكية للحيوان.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن
الصيد تارة يكون صيد البر، وتارة صيد
البحر، وفيما يلي نشير إلى كل منهما بصورة
مستقلة:

(1) راجع كل ذلك: الجواهر 36: 99 - 105.
96

أولا - صيد البر:
إن صيد الحيوانات البرية بالمعنى
المتقدم: (أي عقرها المزهق لروحها بآلة
الصيد على وجه يحل أكلها) إنما يتحقق
بآلات خاصة في نظر الشريعة، وهذه
الآلات إما أن تكون حيوانا أو غيره.
ألف - إذا كانت الآلة حيوانا:
المعروف بين فقهاء الإمامية: أنه
لا يصح الصيد بالحيوان إلا بالكلاب
المعلمة، بل ادعى السيد المرتضى في
الانتصار (1)، وابن إدريس في السرائر (2):
الإجماع على ذلك، كما نقل عن غيرهما
أيضا (3).
وعلى هذا، فما أخذه الكلب المعلم
وجرحه، وأدركه صاحبه ميتا، أو في
حالة حركة المذبوح يحل أكله، ويقوم
إرسال الصائد وجرح الكلب - في أي
موضع كان - مقام الذبح في المقدور عليه.
والكلب إنما يكون معلما إذا توفرت
فيه شروط ثلاثة وهي:
1 - أن يسترسل إذا أرسله صاحبه،
بمعنى أنه متى أغراه بالصيد هاج عليه إذا
لم يكن له مانع.
2 - أن ينزجر بزجره، أي يتوقف
عن الاسترسال إذا زجر عنه، ولكن قيده
جماعة بما إذا لم يكن ذلك بعد إرساله على
الصيد، فلا يقدح عدم انزجاره بعده، لأنه
من الفروض النادرة.
3 - أن لا يأكل ما يمسكه على وجه
الغلبة والاعتياد، فإن أكل نادرا لم يقدح في
إباحة ما يقتله (1).
ب - إذا كانت الآلة غير الحيوان،
وهي على أقسام:
الأول - ما اشتمل على نصل: مثل
السيف، والرمح، والسهم، وأمثال ذلك.
والمعروف بين الفقهاء تحقق الصيد
به، وإذا مات الصيد بالآلة قبل إدراكه
حيا فيحل أكله.
ولكن نقل خلاف ذلك عن سلار في
المراسم، حيث التزم بعدم حلية الصيد إذا
مات بذلك ولم يذك (2).
الثاني - ما خلا عن النصل لكنه كان
محددا صالحا لأن يخرق الصيد، مثل

(1) الانتصار: 182.
(2) السرائر 3: 82.
(3) الجواهر 36: 8.
(1) الجواهر 36: 19.
(2) الجواهر 36: 11، وانظر المراسم: 208.
97

المعراض (1) ونحوه من السهام المحددة التي
لا نصل فيها.
والمعروف بين الفقهاء - أيضا - حلية
الصيد - إذا صيد بذلك - بشرط أن تخرق
الآلة لحم الصيد، فلو قتلته بعرضها - ومن
دون خرق - لم يحل (2).
الثالث - الآلة التي تقتل بثقلها:
كالحجر والبندق، (3) والخشبة غير المحددة
وأمثال ذلك.
وهذه لا يحل الصيد بها كما هو
المعروف - أيضا -، بمعنى أنه لو صيد بها
ومات الصيد قبل تذكيته - سواء أدركه
الصائد، أو لم يدركه - فلا يحل أكله (4).
الرابع - الآلات النارية المستحدثة:
وأول من تعرض لحكمها - فيما يبدو - هو
المحقق السبزواري - المتوفى عام (1090) -
في الكفاية حيث قال: "... وفي مثل الآلة
المسماة ب‍ " التفنك " [ويقصد بذلك البندقية]
المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردد،
ولو قيل بالحل لم يكن بعيدا، لعموم أدلة
الحل، ودخوله تحت عموم قول أبي جعفر
عليه السلام: من قتل صيدا بسلاح... " (1).
ولكن ناقشه صاحب الجواهر،
وادعى انصراف السلاح إلى السلاح
المعهود آنذاك كالسيف والسهم الذي يقتل
بحده، ولذلك لا بأس بما يتجدد من هذا
النوع من السلاح.
ومفهوم كلامه - وإن لم يصرح به -
هو: أن القذيفة لو كانت محددة تقطع
بحدها مثل السهم فيحل الصيد بها، أما
لو لم تكن كذلك وقتلت بثقلها فلا.
وذهب إلى هذا التفصيل كل من
الإمام الخميني والسيد الخوئي، قال الإمام
الخميني في تحرير الوسيلة: " لا يبعد حلية
ما قتل بالآلة المعروفة المسماة بالبندقية مع
اجتماع الشرائط بشرط أن تكون البندقة
محددة، نافذة " (2).
وقال السيد الخوئي في منهاج
الصالحين: " لا يبعد حل الصيد بالبنادق

(1) المعراض بالكسر: سهم يرمى به بلا ريش،
ولا نصل، يمضي عرضا فيصيب بعرض العود لا
بحده. " لسان العرب "
(2) الجواهر 36: 17.
(3) البندق: ما يعمل من الطين ويرمى به،
الواحدة منها: بندقة، وجمع الجمع: البنادق.
" المصباح المنير ".
(4) المسالك 2: 218 والجواهر 36: 15.
(1) كفاية الأحكام: 245.
(2) تحرير الوسيلة 2: 139.
98

المتعارفة في هذه الأزمنة إذا كانت محددة
مخروطة... " (1).
ثانيا - صيد البحر:
وأما صيد البحر فيحل بكل آلة،
لأن الملاك في تذكية الأسماك هو: أخذها
وإخراجها من الماء حية على أي وجه
كان، أو هو: وضع اليد عليها حال كونها
خارجة عن الماء حية، بأي وسيلة كان
خروجها منه.
راجع: صيد.
مظان البحث:
كتاب الصيد والذباحة.
آلات القمار
لغة:
راجع: آلات، قمار.
اصطلاحا:
كل ما أعد للقمار والمقامرة، مثل:
النرد، والشطرنج، والأربعة عشر، وأمثال
ذلك (1).
الأحكام:
ألف - الحكم التكليفي:
يحرم اللعب بآلات القمار إجمالا،
وسوف يأتي تفصيله في البحث عن عنوان
" القمار ".
ب - الحكم الوضعي:
إن الآلة تارة تكون ممحضة في
الانتفاع بها في الحرام، أو يكون ذلك
غالبيا، وتارة لا. ولكل منهما أحكامه
الخاصة به.
أولا - إذا كانت الآلة ممحضة في الحرام:
والأحكام المترتبة عليها في هذه
الصورة هي:
حرمة صناعتها:
وقد ادعى جماعة عدم الخلاف في
حرمة صناعتها كالعلامة في المنتهى (2)،

(1) منهاج الصالحين 2: 357.
(1) صرح بذلك أكثر الفقهاء.
(2) المنتهى 2: 1011.
99

وصاحب الحدائق (1) وكاشف الغطاء (2).
حرمة بيعها وشرائها:
يحرم بيع آلات القمار وشراؤها، بل
وجميع التصرفات فيها المؤدية بشكل
ما إلى الحرام كإجارتها، والصلح
عليها، وأمثال ذلك، وقد نقل
الإجماع على ذلك كل من المحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة (3)، وصاحب
الحدائق (4)، وكاشف الغطاء (5)، وصاحب
الرياض (6)، والشيخ الأعظم (7) وغيرهم.
موارد قيل بجواز بيعها فيها:
ذكر بعض الفقهاء موارد يمكن أن
يقال بجواز بيع آلات القمار فيها وهي:
ألف - إذا كان لمكسورها ثمن عرفا
وباعها بشرط كسرها ممن يوثق بكلامه
وديانته، فذكر الشهيد - في المسالك -
وجهين للمسألة، ونقل عن التذكرة تقوية
الجواز مع زوال الصفة، واستحسنه، ثم
قال: " والأكثر أطلقوا المنع " (1).
ب - إذا كان لها - على حالتها - فائدة
واشتراها لتلك الفائدة: ففي هذه الصورة
احتمل الجواز في المسالك أيضا لكنه قال:
" إلا أن هذا الفرض نادر، فالظاهر إن ذلك
الموضوع المخصوص لا ينتفع به إلا في
الحرام غالبا، والنادر لا يقدح، ومن ثم
أطلقوا المنع من بيعها " (2).
واقتفى أثر الشهيد - في جواز البيع
في هاتين الصورتين لو فرض تحققهما - كل
من المحقق الثاني (3)، والمحقق الأردبيلي (4)،
وصاحب الكفاية المحقق السبزواري، (5)
وصاحب الحدائق (6)، وصاحب الرياض (7)،
والشيخ الأنصاري (8)، وبعض من تأخر
عنهم.
ج - بيعها بعد كسرها وخروجها عن

(1) الحدائق 18: 200.
(2) الجواهر 22: 25.
(3) مجمع الفائدة 8: 41.
(4) الحدائق 18: 200.
(5) الجواهر 22: 25.
(6) الرياض 1: 499.
(7) المكاسب: 15.
(1) المسالك 1: 165.
(2) المسالك 1: 165.
(3) جامع المقاصد 4: 15.
(4) مجمع الفائدة 8: 42.
(5) الكفاية: 85.
(6) الحدائق 18: 201.
(7) الرياض 1: 499.
(8) المكاسب:: 15.
100

صورتها: والظاهر لا إشكال في جواز
بيعها كما صرح بذلك في الحدائق (1)
والمكاسب (2).
وجوب إتلافها:
يظهر من كلمات عدة من الفقهاء
أنه يجب على المكلفين إتلاف آلات القمار
سواء كانت لهم أو لغيرهم، ولو من باب
النهي عن المنكر وحسم مادة الفساد،
وممن صرح بذلك الفاضل المقداد حيث
قال في تفسير قوله تعالى: (إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه) (3): " كما يحرم استعمال
هذه الأمور الأربعة كذا يحرم اقتناء
آلاتها، بل يجب إتلافها وإخراجها عن
صورها " (4).
وقال صاحب مفتاح الكرامة:
" ظاهر الأمر بكسرها... وعدم ضمان
المتلف لها قيمتها، عدم ملكها... " (5).
وقال صاحب الجواهر: "...
وأوجب [أي الشارع] على المكلفين
إتلافها بلا ضمان، حتى لو استلزم إتلاف
المادة، ويرتفع ضمانهما معا " (1).
صور عدم ضمان إتلافها:
إن إتلاف آلات القمار يتصور على
أنحاء:
أولا - إتلاف صورتها فحسب: وفي
هذه الصورة لا يضمن المتلف شيئا، لأن
الشارع لم يجعل لصورها مالية ولم يدخلها
في الملك، وهذا رأي عديد من الفقهاء،
كالعلامة والمحقق الأردبيلي، والمحقق
الثاني (الكركي)، والمحقق السبزواري
وغيرهم، كما يظهر من العبارات المتقدمة (2).
والمراد من إتلاف صورتها هو
إخراجها عن هيئتها المعدة للمقامرة، من
دون إتلاف المواد التي صنعت
منها، واختلفوا في حد ذلك (3).
وبناء على هذا لو تجاوز المتلف الحد
المجاز ضمن أرش المقدار الزائد.
ثانيا - إتلاف صورتها مع مادتها في
صورة استلزام إتلاف الهيئة لذلك، كما إذا

(1) الحدائق 18: 201.
(2) المكاسب: 15.
(3) المائدة: 90.
(4) كنز العرفان 2: 29.
(5) مفتاح الكرامة 4: 32.
(1) الجواهر 22: 27.
(2) تقدمت المصادر.
(3) التذكرة 1: 465.
101

لم يمكن إخراج الآلة عن كيفيتها المعدة
للقمار إلا في صورة إحراقها مثلا، أو
ما شابه ذلك مما يؤدي إلى انعدامها رأسا.
وممن ذهب إلى عدم الضمان في هذه
الصورة صاحب الجواهر - كما يظهر من
عبارته المتقدمة (1) - وصاحب مفتاح
الكرامة (2) أيضا.
ثالثا - إتلاف الصورة والمادة مع
عدم الاستلزام: وفي هذه الصورة يضمن
المتلف المادة فقط، لأنه تجاوز عن الحد
المشروع، نعم قال صاحب الجواهر:
"... بل قيل بجواز إتلافهما معا بلا ضمان
من دون استلزام، وإن كان لا يخلو من
إشكال، أو منع... " (3)
ملكية صاحبها لها:
إن متعلق الملكية إما أن يكون
المادة والصورة، أو الصورة فقط، أو المادة
فقط.
أما بالنسبة إلى الصورة فقط فيظهر
من بعض العبائر أنه لا يملكها، وإن كان
يبدو أنهم متفقون على عدم ماليتها.
وأما بالنسبة إلى المادة فقط،
فالظاهر من كلمات بعض الفقهاء ملكيته
لها، كالمحقق الكركي حيث قال في تعليل
ضمان ما يبقى بعد الكسر: " لأن الرضاض
- وهو ما يبقى بعد الكسر - محترم " (1)،
ومعنى كونها محترمة هو: قابليتها للتملك
شرعا، بل صرح في الجواهر بالملكية
حيث قال: " أما إذا أتلف الصورة وبقيت
المادة فلا إشكال في بقائها على الملك،
وحرمة إتلافها، وضمان المتلف لها " (2).
لكن يظهر من آخرين عدم الملكية
مثل صاحب مفتاح الكرامة حيث صرح
بذلك في عبارته المتقدمة.
وأما حكم ملكية الصورة والمادة
معا فيظهر مما تقدم، بل لا تعد هذه الصورة
صورة مستقلة في مقابل الصورتين
المتقدمتين.
ثانيا - إذا كانت الآلة غير ممحضة في
الحرام، ولم يمكن الانتفاع منها في الحرام
غالبا: ففي هذه الصورة، تارة يقصد
المتعاملان خصوص المنفعة المحرمة، وتارة

(1) الجواهر 22: 27.
(2) مفتاح الكرامة 4: 31.
(3) الجواهر 22: 27.
(1) جامع المقاصد 6: 345.
(2) الجواهر 22: 27.
102

المحللة والمحرمة معا، وتارة خصوص
المحللة.
فإذا قصدا خصوص المنفعة المحرمة
فالظاهر أنها ملحقة بما إذا كانت الآلة
ممحضة في الحرام فيحكم بحرمتها.
وإذا قصدا المحللة والمحرمة،
فالظاهر من بعض الفقهاء الحرمة أيضا،
قال صاحب الجواهر: " ولو فرض أن
للشئ منفعتين مقصودتين: إحداهما
محللة، والأخرى محرمة دار الحكم مدار
القصد " (1).
ويشمل كلامه ما لو قصدا المنفعتين
معا أيضا، فتكون المعاملة محرمة من جهة
اشتمالها على قصد الحرام.
وقال الشيخ الأنصاري في بحث:
" ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة "
- بعد تقسيمه المعاملة إلى ثلاثة أقسام،
وأن الثاني منها ما إذا كان الحلال مقصودا
مع الحرام بحيث يكون بذل المال بإزائهما -:
" ويحرم المعاوضة على الجارية المغنية،
وكل عين مشتملة على صفة يقصد منها
الحرام إذا قصد منها ذلك، وقصد اعتبارها
في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة
الثمن كالعبد الماهر في القمار أو اللهو
أو السرقة إذا لوحظ فيه هذه الصفة وبذل
بإزائها شئ من الثمن لا ما كان على وجه
الداعي " (1).
وأما إذا قصد خصوص الصفة
المحللة ولم تكن نادرة فلا إشكال
- ظاهرا - في جواز ذلك، كما إذا
استخدمت بعض الأشياء في القمار، وكان
لها منافع عقلائية أخرى محللة ووقع البيع
على ذلك الشئ بقصد المنفعة المحللة.
مظان البحث:
1 - التجارة: المكاسب المحرمة.
2 - الغصب: إتلاف الآلات المحرمة.
آلات اللهو
لغة:
راجع: آلات، لهو.

(1) الجواهر 22: 26.
(1) المكاسب:: 16.
103

اصطلاحا:
ما أعد للهو وكان وسيلة له،
ومعرفة ذلك يتوقف على معرفة اللهو
(راجع: لهو) إلا أن المتيقن منه ما كان من
جنس المزامير وآلات الأغاني، ومن
جنس الطبول.
الأحكام:
يجري في آلات اللهو كل ما ذكر في
آلات القمار فراجع.
آلات القصاص
لغة:
راجع: آلات، قصاص.
اصطلاحا:
الوسيلة التي يقتص بها.
الأحكام:
ذكروا للآلة التي يصح القصاص بها
أحكاما وهي:
أولا - تحديد نوع الآلة:
المعروف بين الفقهاء هو أنه ينبغي
أن تكون الآلة التي يقتص بها سيفا
لا غير، وإن كانت الجناية متحققة بغيره
كالخنق والحرق وإشراب السم والضرب
بالحجارة وأمثال ذلك.
قال المحقق الحلي: " ولا يقتص إلا
بالسيف، ولا يجوز التمثيل به، بل يقتصر
على ضرب عنقه ولو كانت الجناية
بالتغريق، أو التحريق، أو بالمثقل، أو
بالرضخ... " (1).
وقال الشهيد في المسالك: " ويتعين
الاستيفاء بضرب العنق بالسيف سواء
كانت جنايته به أو بغيره... عند أكثر
الأصحاب " (2).
نعم، ذهب بعض الفقهاء المعاصرين
كالإمام الخميني إلى جواز الاستيفاء
بالبندقية وما شابهها إذا كان أسهل من
الاستيفاء بالسيف، كإطلاق الرصاصة على
مخه مثلا (3).
هذا كله إذا لم نشترط المماثلة في

(1) شرائع الإسلام 4: 229.
(2) المسالك 2: 478.
(3) تحرير الوسيلة 2: 481.
104

القصاص - من ناحية كيفية القتل - كما هو
المشهور بين الفقهاء، وأما إذا التزمنا
بوجوب المماثلة - كما نسب ذلك إلى ابن
الجنيد (1) - فينبغي أن يكون الاستيفاء بمثل
الآلة التي تحققت بها الجناية، فإذا كانت
هي الحجارة فتكون آلة القصاص
الحجارة، وإن كانت نارا فالنار وهكذا...
نعم، استثنى الشهيد في المسالك (2)
- بناء على المماثلة - ثلاث صور فقال بعدم
وجوب المماثلة فيها، وهي:
1 - إذا قتله بالسحر.
2 - إذا قتله باللواط، وكان مما يقتل
غالبا، أو قصده.
3 - إذا أوجره خمرا حتى مات،
وكان ذلك على وجه يوجب القصاص.
ففي هذه الصور الثلاث يكون
الاستيفاء بالسيف، وتسقط المماثلة (3).
والظاهر: عدم انحصار الاستثناء في
الثلاثة بعد تنقيح المناط وهو: عدم
الاستيفاء بما هو محرم في حد ذاته.
هذا كله بالنسبة إلى قصاص
النفس، وأما بالنسبة إلى قصاص الطرف
فالمشهور: أنه لا يشترط كون الآلة
سيفا، نعم يشترط أن تكون من حديد،
بل أضاف في الجواهر، بأنه ينبغي أن
تكون الآلة مناسبة للجناية، فلو كانت
جرحا صغيرا - مثلا - فلا يقتص بالسيف،
بل بالسكين، قال: " ولا يقتص إلا بحديدة
حادة غير مسمومة، ولا كالة، مناسبة
لاقتصاص مثله كالسكين ونحوها،
لا بالسيف والكال ونحوهما " (1).
وذهب السيد الخوئي في تكملة
المنهاج إلى عدم اشتراط كونها حديدا
فقال: " المشهور اعتبار كون آلة القصاص
من الحديد، ودليله غير ظاهر، فالظاهر
عدم الاعتبار " (2).
ثانيا - اعتبار الآلة:
والمقصود من اعتبار الآلة هو
اختبارها لئلا تكون مسمومة أو كالة.
ليست هناك صراحة في كلمات
الفقهاء حول لزوم اختبار الآلة، نعم قال
المحقق الحلي: " ينبغي للإمام أن يحضر

(1) المسالك 2: 478.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر.
(1) الجواهر 42: 361.
(2) تكملة المنهاج: 90، مسألة 172
(القصاص).
105

عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياطا...
ويعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة... " (1).
ومثله قال العلامة - في القواعد - إلا
أنه قال: " بحيث لا تكون مسمومة أو
كالة... " (2).
ويبدو من العبارتين وشروحهما أن
ذلك على وجه الاستحباب، لا الوجوب
كما صرح بذلك صاحب الجواهر حيث
قال: " ولا ريب في عدم وجوب
الاعتبار " (3).
ثالثا - الاستيفاء بالآلة المسمومة:
يأتي البحث عن هذا بعد البحث
عن لزوم الاختبار، فبعد فرض العلم
بكون الآلة مسمومة يأتي البحث عن
جواز الاستيفاء بها وعدمه. ولما كان
القصاص تارة قصاصا في النفس، وتارة
دون النفس فلا بد من بيان الحكم في
الموردين:
ألف - إذا كان القصاص في النفس:
ذهب عدة من الفقهاء إلى عدم
جواز الاستيفاء بالآلة المسمومة وإن كان
قصاصا في النفس، لأنه يستلزم تقطع
الميت وهتكه، منهم الشيخ الطوسي في
المبسوط حيث قال: "... وليس له أن
يضرب رقبته إلا بسيف غير مسموم، لما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
" إن الله كتب عليكم الإحسان، فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته،
وليرح ذبيحته " فإذا أمر بذلك في البهائم
ففي الآدميين أولى " (1).
وصرح بذلك أيضا في موضع آخر
من المبسوط (2).
كما وصرح به الشهيد في المسالك
أيضا حيث قال: " ولا يجوز الاستيفاء
بالآلة المسمومة... " (3).
ويظهر من العلامة وآخرين
كصاحب كشف اللثام (4) اختيار ذلك، وإن
لم يصرحوا به، بل عبروا عن الفاعل
بأنه: " أساء ".
وجعل صاحب الجواهر (5) تركه

(1) شرائع الإسلام 4: 229.
(2) القواعد 2: 301.
(3) الجواهر 42: 294.
(1) المبسوط 7: 56.
(2) المبسوط 7: 102.
(3) المسالك 2: 478.
(4) كشف اللثام 2: 468.
(5) الجواهر 42: 295.
106

أولى، بينما خص - في تحرير الوسيلة (1) -
الحرمة في قصاص المؤمن إذا استلزم
هتكه، وأما إذا لم يكن مؤمنا، أو كان
ولم يستلزم هتكه كأن دفن بعد قصاصه
مباشرة فلا حرمة فيه.
ثم على فرض الحرمة فهل يترتب
على فعله شئ من العقوبة أو لا؟
صرح الشيخ الطوسي باستحقاق
الفاعل التعزير، إذ قال: " وإن استوفاه
بصارم مسموم فقد استوفى حقه، وعليه
التعزير " (2).
وتابعه صاحب كشف اللثام إلا أنه
احتمل عدمه في نهاية كلامه.
ب - إذا كان القصاص فيما دون
النفس:
ويقع البحث حول ذلك من
ناحيتين:
أولا - من ناحية الحكم التكليفي:
ادعى صاحب الجواهر (3) عدم
الخلاف في حرمة الاستيفاء بالآلة
المسمومة إذا كان القصاص فيما دون
النفس، وقال الشهيد في المسالك:
" لا إشكال في تحريمه " (1).
ويبدو أنه المشهور بين الفقهاء.
ثانيا - من ناحية الحكم الوضعي:
إذا خالف المقتص واقتص بالآلة
المسمومة فسرت الجناية إلى نفسه أو
دونها، فالمعروف بين الفقهاء هو الضمان،
وتفصيل ذلك هو أنه إذا أدى قصاص
الطرف إلى تلف نفس المقتص منه، ففيه
صور:
1 - أن يكون المباشر في القصاص
هو الولي ويكون عالما بمسمومية الآلة، فقد
صرح الشهيد في المسالك (2): " أنه يقتص
منه بعد رد فاضل الدية عليه "، واختار
ذلك الإمام الخميني أيضا في تحرير
الوسيلة (3).
ولكن خير العلامة - في القواعد -
الولي بين ذلك، وبين دفع نصف الدية لولي
المقتص منه، حيث قال: " ويضمن لو
اقتص بالآلة المسمومة إذا مات المقتص
منه في الطرف نصف الدية، أو يقتل بعد

(1) تحرير الوسيلة 2: 480.
(2) المبسوط 7: 107.
(3) الجواهر 42: 295.
(1) المسالك 2: 478.
(2) المسالك 2: 478.
(3) تحرير الوسيلة 2: 480.
107

رد نصف الدية عليه " (1).
ووافقه على ذلك صاحب الجواهر
فقال: " وحينئذ فلو كانت الآلة مسمومة
فحصلت منها جناية بسبب السم ضمنه
الولي المباشر مع العلم، بلا خلاف ولا
إشكال، فيدفع نصف الدية إليه، لأن موته
كان من أمرين: أحدهما مضمون والآخر
غير مضمون، أو يقتل بعد رد نصف الدية
إليه " (2).
2 - نفس الصورة ولكن إذا لم يكن
عالما بمسمومية الآلة، فقد اختار العلامة (3)
- في هذا الفرض - لزوم تضمينه نصف
الدية، لأن على الولي الفحص عن الآلة
كي لا تكون مسمومة، وبتركه الفحص
يكون مفرطا.
ويبدو من صاحبي كشف اللثام
والجواهر ارتضاؤهما ذلك.
3 - أن يكون المباشر غير الولي،
ولكن الولي هو الذي دفع إليه الآلة
المسمومة وكانا يعلمان كلاهما بمسمومية
الآلة.
فقد صرح الشهيد - في المسالك -
بأنهما يشتركان في الضمان (1)، ويظهر ذلك
من الجواهر (2) أيضا.
4 - نفس الصورة ولكن فيما إذا لم
يكن المباشر عالما، فقد صرح العلامة (3)
وصاحب الجواهر (4): بأن الضمان على
الولي.
5 - أن يكون الولي هو الذي أمر
المباشر بالاقتصاص من دون أن يدفع إليه
آلة، فاستخدم آلة مسمومة، فهنا إن كان
عالما بمسموميتها فعليه الضمان، وإن لم يعلم
بها ولكن استخدمها من دون فحص،
فيرى صاحب كشف اللثام (5) أن المباشر
هو الضامن، ولعله لوجوب الفحص عليه،
ولكن استشكل عليه في الجواهر (6).
هذا كله إذا أوجب التلف في
النفس، وأما إذا كان التلف فيما دونه
فيظهر حكمه مما سبق أيضا، لعدم اختلاف

(1) القواعد 2: 301.
(2) الجواهر 42: 295.
(3) القواعد 2: 301.
(1) المسالك 2: 478.
(2) الجواهر 42: 295.
(3) القواعد 2: 301.
(4) الجواهر 42: 295.
(5) كشف اللثام 2: 468.
(6) الجواهر 42: 295.
108

موارد الضمان، وموارد صدق العمد
وعدمه.
رابعا - كون الآلة غير كالة:
ظاهر عبارة عديد من الفقهاء
وجوب كون الآلة التي يقتص بها غير
كالة - والكال هو غير القاطع - لئلا يتعذب
المقتص منه، قال المحقق في الشرائع:
"... ويمنع من الاستيفاء بالآلة الكالة
تجنبا للتعذيب " (1)، وقال العلامة في
القواعد: " ولا يمكن من القصاص بالكالة
لئلا يتعذب المقتص منه " (2)، ومثلهما قال
في المسالك (3)، وادعى في الجواهر (4) عدم
الخلاف في ذلك.
وفي عبارات الفقهاء: أنه لو فعل
فقد أساء، ولكن لا شئ عليه، أي
لا شئ عليه من ناحية الضمان وإلا فقد
صرح بعض هؤلاء باستحقاقه التعزير،
كالشهيد في المسالك (5)، والفاضل الهندي في
كشف اللثام (1)، وصاحب الجواهر (2).
مظان البحث:
كتاب القصاص: كيفية الاستيفاء.
آلات الجناية
لغة:
راجع: آلات، جناية.
اصطلاحا:
الآلات التي تتحقق بها الجناية من
جرح، أو قتل.
الأحكام:
يختلف تحديد الجناية - من جهة
العمد والخطأ - باختلاف الآلة المستخدمة
في الجناية، وتوضيح ذلك - على نحو
الاختصار - كما يلي:
أولا - إذا كانت الآلة المستخدمة في
الجناية مما تقتل غالبا: كالسيف والسكين،

(1) شرائع الإسلام 4: 229.
(2) القواعد 2: 301.
(3) المسالك 2: 478.
(4) الجواهر 42: 296.
(5) المسالك 2: 478.
(1) كشف اللثام 2: 468.
(2) الجواهر 42: 296.
109

والقذائف النارية بأنواعها وأمثال ذلك
كالسموم القاتلة غالبا فالمعروف - عند
عديد من الفقهاء - تحقق العمد بذلك،
ويكون المستخدم لمثل هذه الآلة عامدا في
جنايته وإن لم يقصد تحقق الجناية بفعله،
فالذي يرمي شخصا بالبندقية يكون عامدا
وإن لم يقصد قتله، أو جرحه.
ومن الفقهاء الذين اختاروا هذا
الرأي: الشيخ الطوسي في المبسوط (1)،
والمحقق الحلي في المختصر النافع (2)،
والشهيد الثاني في المسالك (3)، والفاضل
الهندي في كشف اللثام (4)، والطباطبائي في
الرياض، (5) وصاحب الجواهر في
الجواهر (6)، والإمام الخميني في تحرير
الوسيلة (7)، والسيد الخوئي في تكملة
المنهاج (8)، ويظهر ذلك من كلام الفاضل
المقداد في التنقيح (1) أيضا.
ثانيا - إذا لم تكن الآلة مما تقتل
غالبا ولم يقصد القتل بها، ولكن اتفق
الموت بها.
يظهر من كلام الشيخ الطوسي كون
هذا المورد عمدا أيضا، ومثل له بما إذا
كانت الآلة محددة الرأس، ومفهومه عدم
تحقق العمد لو لم تكن كذلك، ولكن
المعروف بين المتأخرين عنه هو عدم كونه
عمدا، بل شبيها به (2).
ومن أمثلة هذا المورد:
1 - إذا كان الضرب بسوط خفيف،
أو حصاة.
2 - علاج الطبيب إذا اتفق منه القتل
مع مباشرته العلاج.
3 - الختان إذا تجاوز الحد.
ويمكن أن يستنتج من هذه الأمثلة
أن الآلة وإن كانت في حد ذاتها قاتلة
لو استخدمت في جرح مقاتل الإنسان
- أي المواضع الحساسة - مع القصد، لكنها
لو استخدمت في غير العدوان كالعلاج
واتفق القتل بها لم يتحقق به العمد، كما في

(1) المبسوط 7: 16.
(2) المختصر النافع: 392.
(3) المسالك 2: 361.
(4) كشف اللثام 2: 439.
(5) الرياض 2: 501.
(6) الجواهر 42: 12.
(7) تحرير الوسيلة 2: 457 و 497.
(8) تكملة منهاج الصالحين: 59.
(1) التنقيح 4: 405.
(2) راجع المصادر السابقة.
110

الختان.
ثالثا - إذا تكرر الضرب بما لا يقتل
غالبا - كالعصا - فأدى ذلك إلى وفاته فهو
عمد عند كثير من الفقهاء - كالشيخ ومن
دونه ممن تقدم ذكره - ولكنهم قيدوه بما إذا
كان المضروب لا يتحمل مثل ذلك عادة،
أما إذا كان يتحمله فلم يكن عمدا، ولذلك
جعل للزمان والمكان والشخص المضروب
- من حيث القوة والضعف - دخل في تحقق
العمد وعدمه في هذه الصورة.
هذا كله بالنسبة إلى جناية القتل،
وأما ما دونه فيظهر حكمه مما تقدم أيضا
لوحدة الملاك.
راجع: القتل: أقسامه.
مظان البحث:
1 - القصاص.
2 - الديات.
آلي
راجع: الملحق الأصولي.
آمة
لغة:
اسم فاعل من " أمه " أي شجه،
وبعض العرب يقول: مأمومة، لأن فيها
معنى المفعولية في الأصل... وعلى أي
حال فهي الشجة التي تصل أم الدماغ،
وهي: الخريطة التي تجمع الدماغ (1).
اصطلاحا:
ليس فيها معنى محدث.
الأحكام:
أولا - لا قصاص فيها في صورة
العمد، لتعذر الاستيفاء، وللزوم التغرير بأن
يزاد عن المقدار اللازم.
ثانيا - يجب على الجاني دفع الدية
مطلقا عمدا كان أو شبهه أو خطأ محضا،
غاية الأمر تكون الدية مغلظة في العمد

(1) المصباح المنير، الصحاح، مفردات
الراغب: " أمم ".
111

خاصة.
ثالثا - اختلفوا في مقدار الدية، ولعل
ذلك من جهة اختلاف التعبيرات في
الروايات، فقد ورد في بعضها التعبير
ب‍ " ثلث الدية "، وفي بعضها الآخر
ب‍ " ثلاث وثلاثون من الإبل ". وعلى أي
فهناك قولان في المسألة:
1 - ثلث الدية الكاملة إذا دفعت من
غير الإبل، أي البقر والغنم والحلل
والنقدين، أو ثلاثة وثلاثون بعيرا إذا
دفعها من الإبل، وعندئذ يغض النظر عن
ثلث البعير.
وهذا القول هو مختار المفيد (1)
والمرتضى والشيخ - في النهاية (2) - وابن
إدريس (3). وقد عللوه بإمكان تحديد
الثلث فيما سوى الإبل، وعدمه فيها.
2 - دفع ثلث الدية الكاملة حتى في
الإبل، بحمل ما دل على العدد على ما دل
على الثلث من دون ذكر العدد.
وهذا القول هو مختار العلامة (4)
والشهيد الثاني (1) وغيرهما، كما يلوح ذلك
من عبارة الشيخ في المبسوط (2) أيضا.
مظان البحث:
كتاب الديات: ديات الشجاج.
آمين
لغة:
اختلف اللغويون في معناها فقيل:
إنها بمعنى كذلك فليكن، أو كذلك يكون،
أو اللهم استجب لي، أو غير ذلك (3).
اصطلاحا:
لم يختلف عن المعنى اللغوي، نعم
يقال لقول " آمين " بعد الحمد في الصلاة:
" التأمين ".

(1) المقنعة: 766.
(2) النهاية: 775.
(3) السرائر 3: 407.
(4) القواعد 2: 333.
(1) المسالك 2: 559.
(2) المبسوط 7: 122.
(3) النهاية، المصباح المنير، مختار الصحاح،
مجمع البحرين: " أمن ".
112

الأحكام:
اختلف فقهاء الإمامية في جواز
التأمين (قول آمين بعد الحمد في الصلاة)
على أقوال وهي:
1 - القول بالجواز على وجه مطلق،
وهو المنقول عن ابن الجنيد (1).
2 - القول بالكراهة، وهو الظاهر من
كلمات المحقق الحلي في المعتبر، فإنه بعد
الجمع بين روايتي المنع والجواز صرح
بالكراهة، لكنه قال في نهاية كلامه:
" والمشايخ الثلاثة منا يدعون الإجماع على
تحريمها، وإبطال الصلاة بها، ولست أتحقق
ما ادعوه، والأولى أن يقال: لم يثبت
شرعيتها، فالأولى الامتناع من النطق
بها " (2). ووافقه على الكراهة الفيض
الكاشاني في المفاتيح (3).
3 - التوقف في الحرمة مع التصريح
بعدم البطلان، صرح بذلك المحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة، حيث قال بعد
بحث مستوعب: "... ولكن الاحتياط
والشهرة يقتضي الترك، وعدم الفتوى
بالتحريم أيضا، وعلى تقدير التحريم
لا يثبت البطلان " (1).
4 - الالتزام بالحرمة دون الإبطال،
وهو مختار صاحب المدارك، لكنه احتمل
القول بالكراهة أيضا، قال: "... وقد
ظهر من ذلك كله: أن الأجود التحريم
دون الإبطال، وإن كان القول بالكراهة
محتملا " (2).
5 - الالتزام بالإبطال دون التحريم،
ولم نعثر على من صرح بذلك، نعم يظهر
ذلك من عبارات السيد المرتضى والشيخ،
قال السيد في الانتصار: " ومما انفردت به
الإمامية إيثار ترك لفظ " آمين " بعد قراءة
الفاتحة، لأن باقي الفقهاء يذهبون إلى أنها
سنة، دليلنا على ما ذهبنا إليه: إجماع
الطائفة على أن هذه اللفظة بدعة، وقاطعة
للصلاة... " (3).
وقال في جواب المسائل
الموصليات: " قول " آمين " في الصلاة
يقطعها... لأن من لم يتلفظ بهذه اللفظة
لا خلاف في أنه غير مبتدع ولا قاطع

(1) راجع الدروس 1: 174.
(2) المعتبر 2: 186.
(3) المفاتيح 1: 129.
(1) مجمع الفائدة 2: 235.
(2) المدارك 3: 374.
(3) الانتصار: 42.
113

للصلاة، وإنما الخلاف في من تلفظ بها " (1).
نعم، يمكن استظهار التزامه بالحرمة
من كلمة " البدعة " التي وردت في
العبارتين.
وأما الشيخ، فقد قال في المبسوط:
" قول آمين يقطع الصلاة سواء كان في
خلال الحمد، أو بعده... " (2).
وقال في الخلاف: " قول آمين يقطع
الصلاة سواء... " (3).
6 - الالتزام بالتحريم والإبطال معا،
وهو المنسوب إلى المشهور، كما صرح
بذلك عديد من الفقهاء كالشهيد الأول في
الذكرى حيث قال: " المشهور بين
الأصحاب تحريم قول آمين عقيب الحمد،
حتى أنه تبطل بعده الصلاة لغير تقية " (4)،
والمحقق الثاني (5)، والمحقق الأردبيلي (6)
- وإن خالفهم هو - والشهيد الثاني (7)
وصاحبي الحدائق (1) والجواهر (2) والسيد
الحكيم (3) وغيرهم ممن صرحوا بشهرة
الحكم بالتحريم والإبطال.
قول آمين ناسيا أو تقية:
لا تبطل الصلاة بقول آمين - بناء
على المانعية - نسيانا للحكم أو الموضوع،
أو لأجل التقية كما لا يحرم التلفظ بها
كذلك، كل ذلك لأدلة النسيان والتقية (4).
مظان البحث:
الصلاة: القراءة، مبطلات الصلاة.
آنية
لغة:
أهمل أكثر اللغويين تفسير الآنية،
نعم قال في المصباح: الإناء والآنية:
الوعاء والأوعية وزنا ومعنى، والأواني

(1) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة
الأولى): 219.
(2) المبسوط 1: 106.
(3) الخلاف 1: 332.
(4) الذكرى: 193.
(5) جامع المقاصد 2: 248.
(6) مجمع الفائدة 2: 234.
(7) روض الجنان: 267.
(1) الحدائق 8: 196.
(2) الجواهر 10: 2.
(3) المستمسك 6: 589.
(4) المستمسك 6: 593.
114

جمع الجمع (1).
اصطلاحا:
لقد أثر اختلاف اللغويين - بل
وسكوتهم عن تفسير الآنية - في كلمات
الفقهاء، فقد أحال صاحب الجواهر معرفته
إلى العرف حيث قال: " والمرجع في الإناء
والآنية والأواني إلى العرف... " (2).
بينما قال في المستمسك: "... من
الواضح أن لفظ الإناء مما لا استعمال له في
عرفنا اليوم - ولو نادرا - وكتب اللغة
لا تجدي في معرفة معناه، إذ هي ما بين
ما أهمل ذكره، وما بين ما تضمن أنه
معروف - كالصحاح والقاموس ومجمع
البحرين - وما بين ما يتضمن تفسيره
بالوعاء - كالمصباح - الذي لا ينبغي التأمل
في كونه تفسيرا بالأعم، لعدم صدق الإناء
على " الخرج " و " القربة "، ونحوها، وصدق
الوعاء عليها... " (3).
واشترط الشيخ جعفر كاشف الغطاء
في تحديدها أمورا ثلاثة وهي:
1 - الظرفية.
2 - أن يكون المظروف معرضا للرفع
والوضع.
3 - أن تكون موضوعة على صورة
متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله
من أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو
نحوها، وعليه يخرج مثل المكحلة، وقراب
السيف، وبيت السهام، والصندوق عن
كونه آنية.
4 - أن يكون لها أسفل يمسك
ما يوضع فيها وحواشي كذلك، فلو خليت
عن ذلك كالقناديل والمشبكات،
والمخرمات لم تكن إناء (1).
وقال في منهاج الصالحين: " الظاهر
توقف صدق الآنية على انفصال المظروف
عن الظرف وكونها معدة لأن يحرز فيها
المأكول أو المشروب، أو نحوها،... " (2)،
ثم ذكر ما ذكره كاشف الغطاء مما ليس
بإناء مثل قراب السيف و...
بينما جعل صاحب الجواهر هذه
الموارد داخلة في الإناء ولو حكما.
وفي الموارد المشكوكة التزم فيها

(1) المصباح المنير: " إني ".
(2) الجواهر 6: 334.
(3) المستمسك 2: 173.
(1) كشف الغطاء: 183.
(2) منهاج الصالحين 1: 128.
115

السيد الحكيم - في المستمسك (1) - بالإباحة
إذا كانت الشبهة موضوعية، والرجوع إلى
المجتهد إذا كانت مفهومية ليعلم الحال، بينما
التزم صاحب الجواهر (2) بالاحتياط.
الأحكام:
تختلف أحكام الأواني باختلاف
أقسامها، ويمكن تقسيمها إلى ثمانية أقسام
وهي:
1 - آنية الذهب والفضة.
2 - الآنية المذهبة أو المفضضة.
3 - الآنية الملبسة بالذهب أو الفضة.
4 - الآنية المتخذة من غير النقدين
من الجواهر والمعادن.
5 - الآنية المتخذة من العظام.
6 - الآنية المتخذة من الجلود.
7 - آنية المشركين وأهل الكتاب.
8 - آنية الخمر.
أولا - آنية الذهب والفضة:
والأحكام المترتبة عليها كما يلي:
1 - الأكل والشرب منها:
ذهب فقهاء الإمامية إلى حرمة
الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة،
ويظهر من عديد منهم أن ذلك إجماعي
عندهم، منهم العلامة الحلي في التذكرة (1)،
والشهيد الأول في الذكرى (2).
نعم، قال الشيخ الطوسي في
الخلاف: " يكره استعمال أواني الذهب
والفضة... " (3)، ولكنه قال في بحث الزكاة:
" أواني الذهب والفضة محرم اتخاذها
واستعمالها... " (4)، وقال في المبسوط:
" أواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في
الأكل والشرب وغير ذلك... " (5)، ولذلك
حمل بعض الفقهاء الكراهة في كلامه على
التحريم (6).
هذا، ولكن المحقق الأردبيلي شكك
في التحريم ومال إلى الكراهة - وإن
لم يصرح بها - ومع ذلك يظهر منه أن
القول بالتحريم إجماعي، لأنه نسبه إلى

(1) المستمسك 2: 174 و 185.
(2) الجواهر 6: 334.
(1) التذكرة 1: 67.
(2) الذكرى: 18.
(3) الخلاف 1: 69.
(4) الخلاف 2: 90.
(5) المبسوط 1: 13.
(6) المعتبر 1: 454، وكذا المختلف 1: 63.
116

فتوى الأصحاب (1).
2 - حكم سائر استعمالاتها:
وأما بالنسبة إلى سائر استعمالاتها،
فالظاهر من المشهور هو حرمتها أيضا،
وقد صرح بالتحريم الشيخ في المبسوط (2)،
والمحقق في المعتبر (3)، والعلامة في
التذكرة (4) والقواعد (5)، كما يظهر من
الشهيد الأول في الذكرى (6)، والمحقق
الثاني (7)، وصاحب المدارك (8)، وصاحب
الحدائق (9)، وصاحب الجواهر (10)، والسيد
اليزدي (11)، والسيد الحكيم (12)، والإمام
الخميني (13)، والسيد الخوئي (14) على نحو
الاحتياط.
3 - حكم اقتنائها:
المعروف بين فقهاء الإمامية هو
حرمة اقتنائها من دون استعمال أيضا، نعم
يظهر من العلامة في المختلف (1) التشكيك
في ذلك، والميل إلى الجواز، ووافقه المحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة (2)، وبعض
المعاصرين كالسيد الحكيم (3) والإمام
الخميني (4)، والسيد الخوئي (5).
4 - حكم التطهر منها:
اختلف الفقهاء في صحة التطهر من
آنية الذهب والفضة على أقوال:
الأول - صحة الطهارة (الوضوء
والغسل):
ذهب إليه الشيخ في المبسوط (6)،
والمحقق في المعتبر (7) والعلامة في القواعد (8)،

(1) مجمع الفائدة 1: 362.
(2) المبسوط 1: 13.
(3) المعتبر 1: 454.
(4) التذكرة 1: 67.
(5) القواعد 1: 9.
(6) الذكرى: 18.
(7) جامع المقاصد 1: 187.
(8) مدارك الأحكام 2: 379.
(9) الحدائق 5: 504.
(10) الجواهر 6: 330.
(11) العروة، المطهرات فصل (حكم الأواني).
(12) المستمسك 2: 166.
(13) تحرير الوسيلة 1: 114.
(14) منهاج الصالحين 1: 128.
(1) المختلف 1: 63.
(2) مجمع الفائدة 1: 363.
(3) المستمسك 2: 167.
(4) تحرير الوسيلة 1: 114.
(5) منهاج الصالحين 1: 128.
(6) المبسوط 1: 13.
(7) المعتبر 1: 456.
(8) القواعد 1: 9.
117

والشهيد في البيان (1)، والفاضل الهندي في
كشف اللثام (2).
الثاني - بطلان الطهارة:
اختاره العلامة في المنتهى (3)،
واستجوده صاحب المدارك (4)، وحكم به
العلامتان: بحر العلوم وكاشف الغطاء،
حسبما نقله عنهما صاحب الجواهر ومال
هو إلى ذلك (5).
الثالث - التفصيل بين أنحاء كيفية
الاستعمال بحيث تصح الطهارة في بعضها
دون بعض وهذه التفصيلات على أنحاء:
أولا - إذا انحصر الماء في إناء الذهب
أو الفضة وأمكن تفريغه في إناء آخر
ليتوضأ منه وجب، وصح الوضوء، وإلا
سقطت الطهارة المائية، فلو تطهر الإنسان
والحال هذه بطلت طهارته.
وإن كان له ماء آخر، أو أمكن
التفريغ ومع ذلك تطهر منها فالأقوى
البطلان أيضا.
ذهب إلى هذا التفصيل السيد
اليزدي في العروة (1).
ثانيا - إن الطهارة لو كانت بنحو
الرمس في الآنية مطلقا - سواء كان الإناء
منحصرا أو لا - أو كانت بنحو الاغتراف
مع الانحصار فتكون الطهارة باطلة وإلا
فلا.
اختار ذلك الإمام الخميني في
التحرير (2).
ثالثا - الصحة في صورتي الاغتراف
والصب، والإشكال في صورة الارتماس.
وهو مختار السيد الخوئي في المنهاج (3).
5 - حكم زكاتها:
المعروف بين فقهاء الإمامية هو:
عدم وجوب الزكاة في أواني الذهب
والفضة، قال الشيخ الطوسي: " أواني
الذهب والفضة محرم اتخاذها واستعمالها
غير أنه لا تجب فيها الزكاة " (4).
وقال المحقق: " أواني الذهب

(1) البيان: 43.
(2) كشف اللثام 1: 62.
(3) المنتهى 1: 186.
(4) مدارك الأحكام 2: 381.
(5) الجواهر 6: 332.
(1) العروة، المطهرات فصل (أحكام الأواني)،
المسألة 13.
(2) تحرير الوسيلة 1: 115.
(3) منهاج الصالحين 1: 35.
(4) الخلاف 2: 90.
118

والفضة محرمة ولا زكاة فيها " (1).
وقال في الشرائع: " لا تجب الزكاة
في الحلي محللا كان... أو محرما...
كالأواني المتخذة من الذهب والفضة... "،
وعلق عليه صاحب الجواهر قائلا:
" بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا
إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع
بقسميه عليه... " (2).
وقال السيد في العروة: " لا تجب
الزكاة في الحلي ولا في أواني الذهب
والفضة وإن بلغت ما بلغت " (3).
نعم، نقل المحقق النراقي في المستند (4)
عن جماعة القول بوجوب الزكاة إذا قصد
الفرار منه، بينما اختار المحقق الأردبيلي
الاستحباب في هذه الصورة (5).
وذهب الشيخ الطوسي في رسالة
" الجمل والعقود " إلى الاستحباب حتى مع
عدم قصد الفرار وأما معه فاختار
الوجوب حيث قال: " وخامسها [أي
ما يستحب فيه الزكاة] الحلي المحرم لبسه
مثل حلي النساء للرجال، وحلي الرجال
للنساء ما لم يفر به من الزكاة، فإن قصد
الفرار به من الزكاة، وجبت فيه
الزكاة " (1).
وذهب إلى الوجوب في فرض
الفرار السيد المرتضى (2) والقاضي ابن
البراج (3) أيضا، ولعل هؤلاء هم المراد من
الجماعة التي ذكر المحقق النراقي عنهم
القول بالوجوب.
6 - حكم التكسب بها:
يمكن فرض عدة حالات بالنسبة
إلى التكسب بآنية الذهب والفضة وهي:
أولا - إذا فرضنا حرمة جميع
التصرفات حتى الاقتناء والتزيين بها،
فالظاهر حرمة المعاملة في هذه الصورة،
كما يظهر من المسالك (4)، والحدائق (5)،

(1) المعتبر 2: 530.
(2) الجواهر 15: 183.
(3) العروة، زكاة النقدين، المسألة 1.
(4) المستند 2: 27.
(5) مجمع الفائدة 4: 97.
(1) الجمل والعقود، " الرسائل العشر ": 205.
(2) جمل العلم والعمل، " رسائل الشريف
المرتضى " 3: 75.
(3) المهذب 1: 159.
(4) المسالك 1: 165.
(5) الحدائق 18: 201.
119

والجواهر (1)، والمكاسب (2) وغيرها.
ثانيا - وإذا فرضنا حلية بعض
التصرفات فيها كالاقتناء والتزيين،
فالظاهر صحة المعاملة فيهما، كما يظهر ممن
تقدم.
ثالثا - إذا باع رضاضهما - بحيث لا
يمكن عودهما - فالظاهر صحة البيع
والمعاملة، لعدم ما يمنع عنه، كما يظهر من
العلامة (3) وبعض من تأخر عنه في مسألة
بيع آلات اللهو.
رابعا - إذا باعها بشرط كسرها ممن
يوثق بدينه فيبدو من الشهيد - في
المسالك (4) - وبعض آخرين في مسألة بيع
آلات اللهو صحة المعاملة.
7 - حكم إتلافها:
إذا قلنا: إن جميع التصرفات فيها
محرمة، فلا حرمة لصورتها، بل يجب
إتلافها - كما قيل (5) - ولا ضمان على
المتلف.
وإذا تعدى فأتلف المادة أيضا
فيضمن الزائد، نعم إذا استلزم إتلاف
الصورة إتلاف المادة ففي الجواهر (1) وغيره
عدم الضمان أيضا.
وأما إذا قلنا: إن بعض التصرفات
فيها محللة كاقتنائها، والتزيين بها فلا يجوز
إتلافها، ويضمن المتلف لها.
راجع: آلات القمار / صور عدم
ضمان إتلافها.
ثانيا - الآنية المفضضة والمذهبة:
وهي الأواني المرصعة بالذهب
والفضة، وقد اختلف الفقهاء في حكم
استعمالها على أقوال:
الأول - الحرمة: وهو الظاهر من
كلام الشيخ في الخلاف - بناء على تفسير
الكراهة فيه بالحرمة - حيث قال: " يكره
استعمال أواني الذهب والفضة، وكذلك
المفضض " (2).
الثاني - الجواز: وهو الظاهر
من كلام الشيخ - أيضا - في
المبسوط حيث قال: " والمفضض
لا يجوز أن يشرب أو يؤكل من

(1) الجواهر 22: 27.
(2) المكاسب: 15.
(3) التذكرة 1: 464.
(4) المسالك 1: 165.
(5) الجواهر 22: 26.
(1) الجواهر 37: 110.
(2) الخلاف 1: 69.
120

الموضع المفضض، ويستعمل
غير ذلك الموضع " (1).
ويظهر من المحقق اختيار ذلك في
المعتبر (2).
الثالث - الكراهة: يبدو أن ذلك قول
أكثر الفقهاء - قديما وحديثا - وقال في
الحدائق: " عليه عامة المتأخرين
ومتأخريهم ".
الرابع - التفصيل بين المفضض
والمذهب، والالتزام بالكراهة في الأول
دون الثاني، لأن الرواية ذكرت المفضض
ولم تتعرض للمذهب، وإلحاقه بذلك يحتاج
إلى معرفة الملاكات وذلك غير ممكن،
ذهب إلى هذا القول السيد الخوئي في
التنقيح (3).
ثم على تقدير الجواز أو الكراهة
فهل يجب عزل الفم عن موضع الذهب
أو الفضة؟
ذهب جمع من الفقهاء إلى وجوب
العزل كالشيخ في المبسوط (4)، والعلامة في
المنتهى (1)، والشهيد في الذكرى (2)،
وصاحبي الحدائق (3) والجواهر (4).
بينما اختار المحقق - في المعتبر (5) -
الاستحباب، ونقل اختياره عن العلامة
الطباطبائي (6)، واستحسنه صاحب
المدارك (7) والمحقق السبزواري في
الذخيرة (8).
ثالثا - الآنية المموهة، والملبسة بالذهب
والفضة:
المعروف ممن تعرض لهذه المسألة أن
الإناء المموه بأحدهما لا بأس به، نعم نقل
صاحب الذخيرة عن العلامة - في التذكرة -
أنه قال: " والمموه إن كان يحصل منه
شئ بالعرض على النار حرم... "، ثم علق
عليه قائلا: " وقد سبق في روايتين نفي
البأس في المموه، لكن مورده غير

(1) المبسوط 1: 13.
(2) المعتبر 1: 457.
(3) التنقيح 3: 322.
(4) المبسوط 1: 13.
(1) المنتهى 1: 187.
(2) الذكرى: 18.
(3) الحدائق 5: 513.
(4) الجواهر 6: 341.
(5) المعتبر 1: 457.
(6) الجواهر 6: 341.
(7) المدارك 2: 383.
(8) الذخيرة: 174.
121

الإناء " (1).
وأما بالنسبة إلى الملبس بأحدهما
فكذلك، إلا أنه قيده بعضهم بما إذا لم
يكن إناء مستقلا إذا انفصل عن الإناء
الذي تلبس به. قال السيد اليزدي في
العروة: " الصفر أو غيره الملبس بأحدهما
يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل
كان إناء مستقلا، وأما إذا لم يكن كذلك
فلا يحرم " (2).
وقال الإمام الخميني في تحرير
الوسيلة: " والأحوط حرمة استعمال
الملبس بأحدهما إن كان على وجه
لو انفصل كان إناء مستقلا دون ما إذا
لم يكن كذلك، ودون المفضض، والمموه
بأحدهما " (3).
وربما يحمل على هذا القيد كلام من
كان كلامه مطلقا كالشيخ الكبير كاشف
الغطاء حيث قال: " والمذهب والمفضض
تمويها وتلبيسا وتنبيتا لا بأس به على
كراهة، ويجب اجتناب وضع الفم حال
الشرب على موضع التحلية " (1).
ويشهد لذلك كلام السيد الطباطبائي
في أرجوزته:
" فإن كساها كلها فلا تحل * فإنما الكاسي إناء مستقل " (2)
رابعا - الآنية المتخذة من غير النقدين
من الجواهر:
المشهور بين الفقهاء هو عدم حرمة
استعمال واتخاذ الآنية المصوغة من غير
النقدين (الذهب والفضة) وإن غلا ثمنها،
قال صاحب الحدائق: " قد صرح جملة من
الأصحاب - من غير خلاف يعرف - بأنه
يجوز استعمال الأواني من غير هذين
المعدنين من سائر الجواهر وإن غلا ثمنه،
وهو جيد، للأصل وعدم ما يوجب
الخروج عنه " (3).
وقال في الجواهر مازجا لكلام
المحقق: " ولا يحرم استعمال غير الذهب
والفضة من أنواع المعادن والجواهر
ولو تضاعف أثمانها بلا خلاف أجده، بل
في كشف اللثام: الاتفاق عليه، للأصل

(1) الذخيرة: 174.
(2) العروة الوثقى، المطهرات، فصل أحكام
الأواني، المسألة 16.
(3) تحرير الوسيلة 1: 114.
(1) كشف الغطاء: 184.
(2) الدرة النجفية: 62.
(3) الحدائق 5: 515.
122

المعتضد بالسيرة... " (1).
وقال السيد اليزدي في العروة:
" الأواني من غير الجنسين لا مانع منها
وإن كانت أعلى وأغلى حتى إذا كانت من
الجواهر الغالية، كالياقوت والفيروزج " (2).
خامسا - الآنية المتخذة من العظام:
لا خلاف - ظاهرا - في جواز
استعمال الأواني المتخذة من العظام، نعم
يشترط الفقهاء طهارة الحيوان المأخوذ منه
العظم بأن لا يكون نجس العين كالكلب
والخنزير، وأما التذكية فلا.
ومع ذلك فقد نقل عن السيد
المرتضى عدم اشتراط طهارة الحيوان
أيضا (3).
سادسا - الآنية المتخذة من الجلود:
وهي على أقسام:
ألف - الأواني المتخذة من جلود
ما لا نفس سائلة لها مثل جلود الأسماك
والحيتان والحيات - إن قلنا بأنها ليست
لها نفس سائلة - وأمثال ذلك، والظاهر
عدم الخلاف في جواز استعمالها، سواء
وقعت عليه التذكية كإخراج السمك من
الماء حيا، أو لا، لأن ميتة ما لا نفس له،
طاهرة، فلا حاجة - في طهارة مثل هذه
الجلود - إلى التذكية.
ب - الأواني المتخذة من جلود
ما كان لها نفس سائلة، وهي على أقسام:
أولا - إذا اتخذت من جلود
الحيوانات الطاهرة (أي غير الكلب
والخنزير) المذكاة مع كونها مدبوغة.
والظاهر عدم الخلاف في جواز
استعمالها مطلقا سواء في الجامدات أو
المائعات.
ثانيا - الفرض السابق مع فرض
عدم كونها مدبوغة.
والمعروف بين الفقهاء هو جواز
الاستعمال، ولكن بعضهم قيد جواز
الاستعمال - في خصوص غير المأكول -
بالدبغ، منهم الشيخ الطوسي في
المبسوط (1)، والخلاف (2)، والسيد المرتضى
- حسب ما حكي عنه (3) - والشهيد الأول

(1) الجواهر 6: 343.
(2) العروة الوثقى، المطهرات، فصل أحكام
الأواني، المسألة 16.
(3) مفتاح الكرامة 1: 194.
(1) المبسوط 1: 15.
(2) الخلاف 1: 64.
(3) المعتبر 1: 466.
123

في البيان (1).
واعتبر المحقق استعماله من دون
دباغ مكروها (2)، بينما جعل العلامة الدباغ
مستحبا (3)، وعده المحقق الأردبيلي (4)
أجود.
ثالثا - إذا اتخذت من جلود
الحيوانات الطاهرة غير المذكاة - أي
الميتة -، وهذا فيه صورتان:
الأولى - أن لا تكون الجلود
مدبوغة، والظاهر عدم الخلاف في عدم
جواز استعمالها فيما كانت الطهارة شرطا
فيه، مع فرض الرطوبة.
وأما في صورة كونها يابسة فقد
تردد العلامة - في التذكرة - فقال: " وفي
جواز الانتفاع بها في اليابس إشكال،
الأقرب عدمه، لعموم النهي " (5).
وكلامه مطلق يشمل صورتي ما
كانت الطهارة شرطا فيه وما لم تكن.
وأما ما لم تكن الطهارة شرطا فيه
فقد حكي في الجواهر (1) عن جمهور
الأصحاب حرمة الانتفاع مطلقا، الشامل
لمثل هذه الصورة أيضا.
نعم، قال المحقق الأردبيلي: " وأظن
جواز الانتفاع باليابس من الميتة في
ما لا يشترط فيه الطهارة على الظاهر،
للأصل و... " (2).
ويظهر من بعض المعاصرين (3) قبول
ذلك.
الثانية - أن يكون الجلد مدبوغا -
والمعروف بين الفقهاء هو عدم الجواز
- أيضا - إلا أن المنقول عن ابن الجنيد (4)
هو الجواز في هذه الصورة، ويظهر من
صاحب المدارك (5) وصاحب المفاتيح (6)
(أي الكاشاني) ارتضاؤهما ذلك.
سابعا - آنية أهل الكتاب والمشركين:
المعروف بين الفقهاء هو طهارة

(1) البيان: 43.
(2) المعتبر 1: 466.
(3) القواعد 1: 9.
(4) مجمع الفائدة 1: 374.
(5) التذكرة 1: 68.
(1) الجواهر 5: 304، 6: 345.
(2) مجمع الفائدة 1: 373.
(3) المستمسك 1: 340، منهاج الصالحين 1:
114، وراجع التنقيح.
(4) المدارك 2: 386.
(5) المدارك 2: 386.
(6) المفاتيح 1: 68.
124

أواني المشركين وأهل الكتاب ما لم يعلم
نجاستها بمباشرتهم، أو ملاقاة نجاسة أخرى
معها.
وادعى في الجواهر عدم الخلاف في
ذلك، بل نقل عن كشف اللثام الإجماع
عليه (1).
نعم، قال الشيخ في الخلاف: " لا
يجوز استعمال أواني المشركين من أهل
الذمة وغيرهم " (2).
وقال صاحب الحدائق - معلقا
عليه -: " إنه لم يقل بذلك غيره فيما
أعلم " (3).
ويشهد لعدم الخلاف - من غير
الشيخ - أيضا عدم مناقشة المحقق
الأردبيلي، وصاحب المدارك لذلك، مع أن
دأبهما ذلك.
نعم، قال المحقق الأردبيلي - تبعا
للعلامة في المنتهى -: " لا يبعد استحباب
التجنب وكراهة الاستعمال للاحتياط " (4).
ثامنا - آنية الخمر:
وهي الأواني التي كانت ظرفا
لأنواع الخمور، والمعروف جواز استعمالها
بعد تطهيرها بالكيفية الخاصة.
قال في الحدائق: " المفهوم من كلام
الأصحاب أن أواني الخمر كلها قابلة
للتطهير سواء في ذلك الصلب الذي
لا يشتف، كالصفر والرصاص، والحجر،
والمغضور وغير الصلب كالقرع والخشب
والخزف غير المغضور إلا أنه يكره استعمال
غير الصلب، ونسب الفاضلان في المعتبر
والمنتهى إلى ابن الجنيد القول بعدم طهارة
غير الصلب بأنواعه المذكورة... " (1).
ثم نقل عن المختلف نسبة عدم
الجواز إلى ابن البراج أيضا.
وقال المحقق اليزدي في العروة:
" يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها
وإن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف
غير المطلي بالقير أو نحوه، ولا يضر نجاسة
باطنها بعد تطهير ظاهرها داخلا وخارجا
بل داخلا فقط، نعم يكره استعمال ما نفذ
الخمر إلى باطنه إلا إذا غسل على وجه

(1) الجواهر 6: 344.
(2) الخلاف 1: 70.
(3) الحدائق 5: 504.
(4) مجمع الفائدة 1: 365.
(1) الحدائق 5: 499.
125

يطهر باطنه أيضا " (1).
وعلق عليه صاحب المستمسك
قائلا: " على المشهور شهرة
عظيمة... " (2).
تطهير الآنية:
يتم تطهير الآنية على النحو التالي:
أولا - تطهير الإناء الذي ولغ فيه
الكلب:
والتطهير تارة يكون بالماء القليل
وتارة بالماء الكثير (العاصم).
ألف - التطهير بالماء القليل:
وفي كيفية تطهير الإناء الذي ولغ
فيه الكلب بالماء القليل عدة أقوال وهي:
1 - وجوب الغسل سبع مرات
أولاهن بالتراب، وهو المنسوب إلى ابن
الجنيد (3).
2 - الغسل ثلاث مرات إحداهن
بالتراب، ذهب إليه السيد المرتضى في
الانتصار (1)، والشيخ في الخلاف (2).
3 - الغسل ثلاث مرات وسطاهن
بالتراب ثم تجفيف الإناء، ذهب إليه الشيخ
المفيد في المقنعة (3).
4 - الغسل ثلاث مرات أولاهن
بالتراب وهو المشهور بين الفقهاء (4).
ب - التطهير بالماء الكثير:
وفي ذلك عدة أقوال أيضا وهي:
1 - الاكتفاء بالغسل مرة ومن دون
حاجة إلى التعفير، يظهر ذلك من العلامة
في المختلف (5).
2 - الاكتفاء بالغسل مرة مع تقديم
التعفير، نسبه في الحدائق إلى المشهور (6)
3 - لزوم التعدد مع سبق التعفير،
يظهر ذلك من الشيخ الطوسي (7) وصاحب
الجواهر (8).
4 - لزوم التعدد مع سبق التعفير في

(1) العروة الوثقى: فصل في حكم الأواني،
المسألة 2.
(2) المستمسك 2: 162.
(3) المعتبر 1: 458.
(1) الإنتصار: 9.
(2) الخلاف 1: 175.
(3) المقنعة: 65.
(4) الحدائق 5: 474، الجواهر 6: 361.
(5) المختلف 1: 64.
(6) الحدائق 5: 474.
(7) المبسوط 1: 14.
(8) الجواهر 6: 367.
126

الراكد الكثير، ولزوم تعاقب الجريات مع
سبق التعفير في الجاري، وهو الظاهر من
كلام المحقق الحلي (1).
ثانيا - الإناء الذي ولغ فيه الخنزير:
وفي كيفية تطهيره بالماء القليل ثلاثة
أقوال:
1 - وجوب غسله ثلاثا كالكلب،
ذهب إليه الشيخ في كتابيه: المبسوط (2)
والخلاف (3)، وبعض من تأخر عنه.
2 - وجوب غسله ثلاثا واستحبابه
سبعا: وهو مختار المحقق في المعتبر (4).
3 - وجوب غسله سبع مرات من
دون تعفير: وهو مختار أغلب الفقهاء
من العلامة وما دون، فقد اختاره العلامة
في أكثر كتبه - كما صرح بذلك في
المختلف (5) - والشهيدان كما صرح به ثانيهما
في الروضة (6) وصاحب المدارك (7)،
وصاحب الجواهر (1)، وصاحب العروة (2)
وبعض الشارحين لها (3).
ثالثا - الإناء الذي كان فيه الخمر:
وفي تطهيره بالماء القليل قولان:
1 - وجوب الغسل سبع مرات،
ذهب إليه الشيخان: المفيد (4) والطوسي (5)،
واستقربه الشهيد في الذكرى (6)
2 - وجوب الغسل ثلاثا واستحباب
السبع وأفضليته، ذهب إليه المحقق في
الشرائع (7)، وصاحب الجواهر (8)، والسيد
اليزدي في العروة (9)، وصاحبا
المستمسك (10) والتنقيح (11)، وهو مختار تحرير
الوسيلة (12) أيضا.

(1) المعتبر 1: 460.
(2) المبسوط 1: 13.
(3) الخلاف 1: 186.
(4) المعتبر 2: 460.
(5) المختلف 1: 64.
(6) الروضة 1: 309.
(7) المدارك 2: 394.
(1) الجواهر 6: 358.
(2) العروة الوثقى: فصل المطهرات، المسألة 6.
(3) المستمسك 2: 28، التنقيح 3: 58.
(4) المقنعة: 73.
(5) المبسوط 1: 15، النهاية: 6.
(6) الذكرى: 15.
(7) الشرائع 1: 56.
(8) الجواهر 6: 371.
(9) العروة الوثقى: فصل المطهرات، المسألة 5.
(10) المستمسك 2: 21 و 29.
(11) التنقيح 3: 49 و 57.
(12) تحرير الوسيلة: 1: 110، فصل المطهرات،
المسألة 2.
127

3 - كفاية المرة بعد إزالة النجاسة،
ذهب إليه المحقق في المعتبر (1) في نهاية
كلامه وإن اختار وجوب الثلاث أولا.
واختاره كل من العلامة في
المختلف (2) ونهاية الإحكام (3)، والشهيدين
في البيان (4) وروض الجنان (5)، وصاحب
المدارك في مداركه (6).
رابعا - الإناء الذي مات فيه الجرذ:
والأقوال فيه ثلاثة أيضا:
1 - وجوب الغسل سبعا وهو مختار
الشيخ في النهاية (7) والشهيد في الذكرى (8)
والسيد اليزدي في العروة (9) وهو
الظاهر من المستمسك (10) والتنقيح (11)،
بل نسبه في المستمسك إلى المشهور (1).
2 - وجوب الغسل ثلاثا وهو مختار
المحقق في الشرائع (2)، وصاحب
الجواهر (3).
3 - كفاية المرة الواحدة بعد إزالة
العين وهو مختار المحقق في المعتبر (4) في
نهاية كلامه، والعلامة في المختلف (5) ونهاية
الإحكام (6)، وصاحب المدارك (7).
ملاحظة (1):
ألحق بعض الفقهاء الفأرة بالجرذ في
هذه المسألة.
ملاحظة (2):
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى تطهير
الإناء - في صورة تحقق أحد هذه الأسباب
عدا الولوغ - بالقليل وأما تطهيره بالكثير،

(1) المعتبر 1: 462.
(2) المختلف 1: 64.
(3) نهاية الإحكام 1: 295 و 296.
(4) البيان: 40.
(5) روض الجنان: 172.
(6) المدارك 2: 396.
(7) النهاية: 5.
(8) الذكرى: 15.
(9) العروة: فصل المطهرات، الأول، المسألة
6.
(10) المستمسك 2: 28.
(11) التنقيح 3: 57.
(1) المستمسك 2: 28.
(2) الشرائع 1: 56.
(3) الجواهر 6: 371.
(4) المعتبر 1: 461.
(5) المختلف 1: 64.
(6) نهاية الإحكام 1: 295 و 296.
(7) المدارك 2: 396.
128

فالظاهر من بعضهم هو سقوط التعدد
كالمحقق (1)، والعلامة (2) والشهيدين (3) (4)،
والمحقق الثاني (5)، والسيد اليزدي (6)،
بل نسبه في الحدائق (7) إلى المشهور
واستجوده.
وذهب بعض آخرون إلى لزوم
التعدد كالشيخ (8) والسيد الحكيم (9) والسيد
الخوئي (10)، والإمام الخميني (11).
خامسا - غسل الإناء من سائر
النجاسات:
والأقوال في كيفية تطهيره بالماء
القليل بتنجسه بسائر النجاسات ثلاثة:
1 - لزوم الغسل ثلاثا، ذهب إليه
الشيخ (1) والشهيد الأول في الذكرى (2)
والدروس (3) والمحقق الثاني (4)، وقواه
صاحب الجواهر (5)، واختاره السيد
اليزدي (6) والسيد الحكيم في المستمسك (7)
والسيد الخوئي في التنقيح (8)، والإمام
الخميني في تحرير الوسيلة (9).
2 - كفاية المرة بعد إزالة العين وهو
مختار المحقق في المعتبر (10)، والعلامة، (11)
والشهيدين في البيان (12) والروض (13)،
وصاحب المدارك (14).
3 - لزوم المرتين، نقله في

(1) المعتبر 1: 460 و 462.
(2) المختلف 1: 64، نهاية الإحكام 1: 296.
(3) الذكرى: 15.
(4) الروضة 1: 308.
(5) جامع المقاصد 1: 190.
(6) العروة، المطهرات، الماء، المسألة 13.
(7) الحدائق 5: 489.
(8) المبسوط 1: 14.
(9) المستمسك 2: 32.
(10) التنقيح 3: 63.
(11) تحرير الوسيلة 1: 108.
(1) المبسوط 1: 14.
(2) الذكرى: 15.
(3) الدروس 1: 125.
(4) جامع المقاصد 1: 192.
(5) الجواهر 6: 373.
(6) العروة، المطهرات، الماء، المسألة 5.
(7) المستمسك 2: 21.
(8) التنقيح 3: 49.
(9) تحرير الوسيلة 1: 110.
(10) المعتبر 1: 461.
(11) المختلف 1: 64، نهاية الأحكام 1: 295 و 296.
(12) البيان: 40.
(13) روض الجنان: 172.
(14) المدارك 2: 396.
129

المستمسك (1) عن اللمعة والألفية.
هذا كله بالنسبة إلى التطهير بالقليل
وأما التطهير بالكثير، فالمعروف فيه كفاية
المرة الواحدة، بل يظهر من الشهيد في
الذكرى (2) أن المسألة متسالم عليها، ولكن
يظهر من المستمسك (3) ومنهاج الصالحين (4)
وتحرير الوسيلة (5) الإشكال في ذلك والميل
إلى لزوم التعدد إلا في ماء المطر.
مظان البحث:
1 - آخر بحث النجاسات.
2 - الزكاة: زكاة النقدين.
3 - التجارة: المكاسب المحرمة.
آيات
لغة:
جمع آية وهي العلامة، وتأتي بمعنى
الجماعة ومن ذلك قولهم: خرج القوم
بآيتهم أي بجماعتهم لم يدعوا وراءهم
شيئا (1).
اصطلاحا:
تطلق الآية على:
1 - مجموعة من الكلمات من القرآن
الكريم متصلة بعضها ببعض إلى محل معين.
2 - المعجزة: وقد تكرر إرادة
المعجزة من الآية في القرآن الكريم.
3 - التغيرات التكوينية كالخسوف
والكسوف والزلزلة...
ولعل إطلاق الآية عليها لأجل
كونها علامات على أهوال الساعة
وأخاويفها (2).

(1) المستمسك 2: 22.
(2) الذكرى: 15.
(3) المستمسك 2: 32.
(4) منهاج الصالحين 1: 120، المسألة: 461.
(5) تحرير الوسيلة 1: 110.
(1) النهاية، الصحاح: " أيا ".
(2) الروضة البهية 1: 311.
130

الأحكام:
راجع: آيات الأحكام، آيات
السجدة، صلاة الآيات.
آيات الأحكام
لغة:
راجع: آيات.
اصطلاحا:
الآيات القرآنية التي ورد فيها حكم
فقهي.
ويتسلسل البحث في ذلك كالآتي:
أولا - المعروف أن آيات الأحكام
نحو خمسمئة آية، ولكن مع المتكررات
والمتداخلات، قال الفاضل المقداد:
" اشتهر بين القوم أن الآيات
المبحوث عنها نحو من خمسمئة آية، وذلك
إنما هو بالمتكرر والمتداخل، وإلا فهي
لا تبلغ ذلك " (1).
ثانيا - انقساماتها:
ذكروا لآيات الأحكام عدة
انقسامات من قبيل انقسامها إلى:
1 - ما كان زمان نزولها ومكانه
والمناسبة التي من أجلها نزلت الآية
معلوما، وما لم يكن كذلك.
2 - ما كان منها نازلا في جواب
سؤال، وما لم يكن كذلك بل نزل ابتداء.
3 - ما كان منها على نحو الأمر
والنهي، وما لم يكن كذلك، بل على نحو
الجملة الخبرية.
4 - ما كان منها صريحا في بيان
حكم ما، وما لم يكن كذلك.
5 - ما كان منها مبينا لحكم كلي
وقاعدة عامة تجري في جميع أبواب الفقه،
وما كان منها مختصا بباب وعنوان خاص.
فالأول مثل قوله تعالى: (وجاهدوا
في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل
عليكم في الدين من حرج...) (2).
حيث استفيد منها - ومن مثلها -

(1) كنز العرفان 1: 5، (الفائدة الثالثة من
المقدمة).
(2) الحج: 78.
131

قاعدة نفي الحرج.
وكذا قوله تعالى: (يريد الله بكم
اليسر ولا يريد بكم العسر) (1).
الذي يستفاد منه قاعدة نفي العسر
أيضا، وربما أدغمت القاعدتان وسميتا
بقاعدة " نفي العسر والحرج ".
ومثل قوله تعالى: (لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها) (2) وأمثالها التي ربما
استفيد منها البراءة.
والقسم الثاني أكثر الآيات التي ورد
فيها ذكر حكم ما على نحو الخصوص مثل
آيات الإرث، وآيات القصاص وما شابه
ذلك، وهذه وإن كان مفادها كليا أيضا إلا
أن الفرق بينها وبين القسم الأول هو: أن
القاعدة المستفادة من القسم الأول تكون
سارية في جميع أبواب الفقه، وبعبارة
أخرى تكون ناظرة إلى سائر الأحكام
بخلاف الثاني فالآيات فيه ناظرة إلى باب
خاص من الفقه كما تقدم (3).
ثالثا - أول من ألف في هذا المجال:
وأول من ألف في ذلك - على ما
قيل - هو محمد بن السائب الكلبي، قال
العلامة الطهراني في الذريعة: " آيات
الأحكام الموسوم بكتاب أحكام القرآن
لأبي النضر محمد بن السائب بن بشر
الكلبي من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي
عبد الله الصادق عليهما السلام، والمتوفى 146،
وهو والد هشام الكلبي النسابة الشهير
وصاحب التفسير الكبير الذي هو أبسط
التفاسير كما أذعن به العلامة السيوطي في
" الإتقان "، قال ابن النديم في الفهرست
عند ذكره للكتب المؤلفة في علم أحكام
القرآن ما لفظه: " كتاب أحكام القرآن
للكلبي رواه عن ابن عباس " ".
ثم استمر العلامة الطهراني فقال:
" أقول: هو أول من صنف في هذا الفن كما
يظهر من تاريخه لا الإمام الشافعي محمد
بن إدريس المتوفى سنة 204، كما ذكره
العلامة السيوطي، وكذا صرح به في كشف
الظنون في عنوان أحكام القرآن، لأنه ولد
الإمام الشافعي بعد وفاة الكلبي بتسع
سنين، لأنه ولد سنة 155، ولا القاسم بن
أصبغ بن محمد بن يوسف البياني القرطبي
الأندلسي الأخباري اللغوي المتوفى سنة

(1) البقرة: 185.
(2) البقرة: 286
(3) أدوار فقه 2: 4 - 6، (فارسي للأستاذ
محمود الشهابي).
132

340، والمولود بعد وفاة الإمام الشافعي
بثلاث وأربعين سنة، لأنه ولد سنة 247،
كما ذكره العلامة السيوطي في بغية
الوعاة " (1).
رابعا - الكتب المؤلفة في هذا الفن:
ألفت كتب عديدة في هذا الموضوع
- وفقا لفقه أهل البيت عليهم السلام - ولكن
أهمها كالآتي:
1 - فقه القرآن: للفقيه قطب الدين
الراوندي المتوفى عام 573.
2 - كنز العرفان في فقه القرآن:
للشيخ الإمام أبي عبد الله مقداد بن
جلال الدين عبد الله السيوري
الحلي، تلميذ الشهيد الأول، المتوفى
عام 826.
3 - زبدة البيان في أحكام القرآن:
للمولى أحمد بن محمد المعروف بالمقدس
الأردبيلي المتوفى عام 993.
4 - مسالك الأفهام إلى آيات
الأحكام: للعلامة الجواد الكاظمي المتوفى
أواسط القرن الحادي عشر، وقد فرغ من
تأليفه عام 1043.
خامسا - طريقة التأليف:
المعروف عند المؤلفين في آيات
الأحكام هو اتخاذ أحد طريقين:
الأول - أن يتبع ترتيب الكتب
الفقهية فيقدم كتاب الطهارة ثم الصلاة، ثم
الصوم وهكذا...
وهذه الطريقة هي أكثر تداولا
وأعم فائدة، وجميع الكتب المتقدمة اتخذت
هذه الطريقة.
الثاني - أن يتبع ترتيب سور القرآن
فيبدأ بالآيات المذكورة في البقرة مثلا
الأول منها فالأول وهكذا إلى آخر القرآن
وهذه الطريقة هي أقل تداولا من الأولى.

(1) الذريعة 1: 40، وراجع: الشيعة وفنون
الإسلام: 53، والفهرست لابن النديم: 57.
133

آيات السجدة
لغة:
راجع: آية، سجدة.
اصطلاحا:
الآيات التي ينبغي السجدة عند
تلاوتها، وجوبا أو استحبابا.
الأحكام:
المعروف بين الإمامية هو: أن
الآيات التي ينبغي السجود عند تلاوتها
إنما هي خمس عشرة آية، يجب عند أربع
منها، ويستحب عند إحدى عشرة.
أولا - الآيات التي يجب السجود عند
تلاوتها:
1 - قوله تعالى: (إنما يؤمن بآياتنا
الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا
بحمد ربهم وهم لا يستكبرون)
السجدة / 15.
2 - قوله تعالى: (ومن آياته الليل
والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا
للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن
إن كنتم إياه تعبدون) فصلت / 37.
3 - قوله تعالى: (فاسجدوا لله
واعبدوا) النجم / 62.
4 - قوله تعالى: (كلا لا تطعه
واسجد واقترب) العلق / 19.
ثانيا - الآيات التي يستحب السجود عند
تلاوتها:
1 - قوله تعالى: (إن الذين عند
ربك لا يستكبرون عن عبادته
ويسبحونه وله يسجدون)
الأعراف / 206.
2 - قوله تعالى: (ولله يسجد من
في السماوات والأرض طوعا وكرها
وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد / 15.
3 - قوله تعالى: (ولله يسجد ما في
السماوات وما في الأرض من دابة
والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم
من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)
النحل / 49 - 50.
4 - قوله تعالى: (ويخرون للأذقان
يبكون ويزيدهم خشوعا) بني
إسرائيل / 109.
134

5 - قوله تعالى: (... إذا تتلى
عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
مريم / 58.
6 - قوله تعالى: (ألم تر أن الله
يسجد له من في السماوات ومن في
الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير
حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من
مكرم إن الله يفعل ما يشاء) الحج / 18.
7 - قوله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج / 77.
8 - قوله تعالى: (وإذا قيل لهم
اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد
لما تأمرنا وزادهم نفورا) الفرقان / 60.
9 - قوله تعالى: (ألا يسجدوا لله
الذي يخرج الخب ء في السماوات والأرض
ويعلم ما تخفون وما تعلنون) النمل / 26.
10 - قوله تعالى: (... وظن داود
أ نما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب)
ص / 24.
11 - قوله تعالى: (وإذا قرئ عليهم
القرآن لا يسجدون) الانشقاق / 21.
كانت هذه مجموعة الآيات التي
ينبغي السجود عند تلاوتها وجوبا أو
ندبا، وهناك عدة ملاحظات ينبغي
الالتفات إليها:
أولا - المعروف بين الفقهاء هو: أن
محل السجدة في الآيات الأربع (العزائم)
هو نهايتها، ولكن المحقق رجح - في
المعتبر (1) - أن يكون موضعها في آية فصلت
عند قوله: (واسجدوا لله...) ونقل
ذلك عن الشيخ في الخلاف، ومال إليه
صاحب الحدائق لكنه تركه لمخالفته
للمشهور.
قال في الحدائق: " قد صرح جملة
من الأصحاب بأن الظاهر أن موضع
السجود في هذه الأربعة (العزائم) بعد
الفراغ من الآية، وذهب المحقق في المعتبر
إلى أن موضعه في " حم السجدة " عند قوله
تعالى: (واسجدوا لله) ونقله عن الشيخ
في الخلاف... " إلى أن قال: " لا يخفى أن
ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود
عند ذكر السجدة... إلا أن ظاهر
الأصحاب الاتفاق على أن محل السجود
بعد تمام الآية كما عرفت " (2).

(1) المعتبر 2: 273.
(2) الحدائق 8: 334 و 335.
135

ثانيا - إن السجدة واجبة - في
العزائم - على القارئ والمستمع (أي
المنصت) بلا خلاف ظاهرا كما ادعاه أكثر
من واحد، بل في المدارك: " بإجماع
العلماء " (1). وإنما الخلاف في وجوبها على
السامع غير المنصت حيث نقل فيه أقوال:
1 - عدم الوجوب مطلقا وهو منقول
عن الشيخ في الخلاف (2)، واختاره المحقق
في الشرائع (3)، والعلامة في المنتهى (4)
وصاحب الجواهر (5).
2 - الوجوب مطلقا وهو رأي كثير
من الفقهاء منهم ابن إدريس (6)
والشهيدان (7) والمحقق الثاني (8) وصاحب
المدارك (9) وصاحب الحدائق (10)، والسيد
اليزدي (1) وغيرهم...
3 - التفصيل بين السماع أثناء الصلاة
فلا تجب، والسماع في غيرها فتجب، وهو
المحكي عن الشيخ في المبسوط (2).
ثالثا - إن وجوب السجدة - في
العزائم - فوري - على الظاهر - فلا يجوز
تأخيرها بناء على ذلك، قال في الحدائق:
" الظاهر أنه لا خلاف في فوريتها
وقد نقلوا الإجماع على ذلك، ولو أخل بها
حتى فاتت الفورية فهل تكون أداء أو
قضاء؟ قال في الذكرى: يجب قضاء
العزيمة مع الفوات، ويستحب قضاء
غيرها، ذكره الشيخ في المبسوط
والخلاف... " (3).
وقال السيد في العروة: " وجوب
السجدة فوري فلا يجوز التأخير، نعم
لو نسيها أتى بها إذا تذكر، بل وكذلك
لو تركها عصيانا " (4).

(1) المدارك 3: 419.
(2) الخلاف 1: 431.
(3) الشرائع 1: 87.
(4) المنتهى 1: 304.
(5) الجواهر 10: 223.
(6) السرائر 1: 226.
(7) الذكرى: 214، المسالك 1: 24.
(8) جامع المقاصد 2: 311 و 312.
(9) المدارك 3: 419.
(10) الحدائق 8: 332.
(1) العروة، فصل سائر أقسام السجود،
المسألة 2.
(2) أنظر الجواهر 10: 222، والمبسوط 1:
114.
(3) الحدائق 8: 339.
(4) العروة، فصل أقسام السجود، المسألة 5.
136

ونقل الإجماع - على ذلك - عديد
من الفقهاء مثل المحقق الكركي (1)
وصاحب المدارك (2).
رابعا - المعروف بين الفقهاء هو:
عدم حاجة هذه السجدة إلى التكبير
والتشهد والتسليم والطهارة من الحدث
والخبث - وإن نقل عن الشيخ وابن الجنيد
الالتزام بها - كما لا يشترط فيها الاستقبال
ولا ستر العورة، وفي اعتبار ما يصح
السجود عليه وعدمه قولان (3).
ثم إن هناك أبحاثا مهمة مثل قراءتها
(أي العزائم) أثناء الصلاة، وقراءة
ترجمتها، وتكرر القراءة، وسماعها من مثل
النائم، والمذياع والمسجلات وأمثال ذلك،
سوف يأتي البحث عنها.
راجع: عزائم.
مواطن البحث:
1 - بحث القراءة عند البحث عن
جواز قراءة العزائم في الصلاة وعدمه.
2 - بحث السجود، فيبحث - كتكملة -
عن سائر أقسام السجود ومنها سجود
التلاوة، وتتمركز أكثر الأبحاث في هذا
الموطن.
آيسة
لغة:
مؤنث الآيس من أيس الرجل،
مقلوب اليأس، وهو القنوط وقطع الأمل،
وهو ضد الرجاء (1).
اصطلاحا:
المرأة التي لا ترى حيضا فلا ترجو
ولدا بسبب كبر سنها (2).
الأحكام:
أولا - اختلفوا في حد اليأس (أي
السن الذي يحصل به اليأس) على أقوال:

(1) جامع المقاصد 2: 313.
(2) المدارك 3: 421.
(3) جامع المقاصد 2: 312 و 313، المدارك
3: 420 و 421، العروة: فصل أقسام السجود،
المسألة 16.
(1) القاموس: " يأس ".
(2) المعروف بين الفقهاء ذلك، راجع الجواهر
3: 162.
137

1 - أنه الخمسون مطلقا سواء كانت
المرأة قرشية أو لا.
ذهب إليه الشيخ في طلاق
النهاية (1)، والمحقق في طلاق الشرائع (2).
2 - أنه الستون مطلقا، نسبه صاحب
الحدائق (3) إلى العلامة في بعض كتبه،
واختاره المحقق في حيض الشرائع (4).
3 - التفصيل بين القرشية وغيرها
ففيها يحصل اليأس ببلوغ الستين، وفي
غيرها ببلوغ الخمسين، وقد ألحق
بعضهم النبطية بالقرشية أيضا.
وهذا هو المعروف بين الفقهاء،
حيث اختاره الصدوق (5) والشيخ (6)
والمحقق في المعتبر (7) والعلامة في
التذكرة (8) والقواعد (9) والنهاية (10)
والإرشاد (1)، والشهيد في الذكرى (2)
والدروس (3) والبيان (4)، وكذا غيرهم ممن
تأخر عنهم (5).
والمراد من القرشية هي المنتسبة إلى
النضر بن كنانة - أو فهر بن مالك - إلا
أنه لا يعلم في مثل هذا الزمان المنتسبون
إليه إلا عن طريق الانتساب إلى هاشم،
بل لا يعرف من هؤلاء أيضا إلا المنتسبون
إلى أبي طالب والعباس رضي الله عنهما.
وأما في صورة الشك في القرشية
وعدمها فقد وقع الخلاف - بين المتأخرين -
في جريان أصالة عدم القرشية وإلحاقها
بغيرها، وبين عدم جريانها، فحينئذ لا بد
من ذريعة أخرى لبيان حكمها.
وهذا الأصل - أي أصالة عدم
القرشية - المعبر عنه ب‍ " أصالة العدم الأزلي "
هو من معارك الآراء بين العلماء في
مباحث الأصول والفقه، ولا بد من
الرجوع إلى مظانه وقد بحث عنه بشكل

(1) النهاية: 516.
(2) الشرائع 3: 35.
(3) الحدائق 3: 171.
(4) الشرائع 1: 29.
(5) من لا يحضره الفقيه 1: 92.
(6) المبسوط 1: 42.
(7) المعتبر 1: 199 و 200.
(8) التذكرة 1: 26.
(9) قواعد الأحكام 1: 14.
(10) نهاية الإحكام 1: 117.
(1) الإرشاد 1: 226.
(2) الذكرى: 28.
(3) الدروس 1: 97.
(4) البيان: 16.
(5) الجواهر 3: 163.
138

إجمالي في المستمسك (1) فراجع، وراجع
الملحق الأصولي أيضا.
ثانيا - لا حيض مع سن اليأس:
وقد ادعى الإجماع على ذلك كل
من المحقق الحلي (2) والمحقق الأردبيلي في
المجمع (3) وصاحب المدارك (4) وغيرهم.
وبدعوى هؤلاء الثلاثة كفاية.
ثالثا - سقوط شرط الاستبراء في
الطلاق:
وهذا مما لا خلاف فيه أيضا، فإن
اليائسة يجوز تطليقها في طهر واقعها
زوجها فيه بخلاف غيرها الذي يجب
استبراؤها بعدم مباشرتها في المقدار المقدر
شرعا.
وقد ادعى عدم الخلاف كل من
صاحبي الحدائق (5) والجواهر (6) وغيرهما.
رابعا - سقوط العدة في الطلاق:
المعروف بين الفقهاء هو: سقوط
العدة عن اليائسة في الطلاق، ونقل عن
السيد المرتضى عدم سقوطها بل تعتد
بثلاثة أشهر، لكن المعروف - كما تقدم - هو
الأول (1).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: الحيض.
2 - كتاب الطلاق:
ألف - شرائط المطلقة.
ب - العدد: عدة ذات الشهور.

(1) المستمسك 3: 156.
(2) المعتبر 1: 198.
(3) مجمع الفائدة 1: 143.
(4) المدارك 1: 323.
(5) الحدائق 25: 178.
(6) الجواهر 32: 41.
(1) الحدائق 25: 431، الجواهر 32: 231
و 232.
139

أ
أب
لغة:
الوالد الذكر المتولد من نطفته
شخص آخر.
وقيل: " يسمى كل من كان سببا في
إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره " أبا "
ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا
المؤمنين... وروي أنه صلى الله عليه وآله قال
لعلي عليه السلام: أنا وأنت أبوا هذه الأمة.
ويسمى العم مع الأب أبوين، وكذلك
الأم مع الأب، والجد مع الأب... " (1).
راجع: آباء.
اصطلاحا:
الذكر الذي تولد منه مولود
منتسب إليه شرعا. وعليه فلو زنى
وتولد من مائه مولود لم تصدق الأبوة
شرعا وإن صدقت لغة. قال المحقق:
" النسب يثبت مع النكاح الصحيح ومع
الشبهة، ولا يثبت مع الزنى، فلو زنى
فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينتسب
إليه شرعا " (1).
ومراده من النكاح الصحيح هو
الوطء ء الصحيح، وهو أعم مما كان
بعقد دائم أو منقطع، أو بملك يمين.

(1) مفردات الراغب: " أبا ".
(1) الشرائع 2: 281.
141

وربما يتوسع في الإطلاق فيطلق
على الأصول الذكور كالأب والجد وإن
علوا من طرف الأب كانوا أو الأم،
كما قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم) (1) ولذا تحرم منكوحة الجد وإن
علا من جهة الأب كان أو الأم. ويعرف
ذلك بالقرائن.
الأحكام:
هناك أحكام عديدة تترتب على
هذا العنوان وأهمها كالآتي:
أولا - بماذا تتحقق الأبوة؟
تتحقق الأبوة - كما تقدم - بتولد
الولد من ماء الأب بالنكاح الصحيح أو
الشبهة، وسوف يأتي تفصيل ذلك في
أحكام الأولاد.
راجع: أولاد.
ثانيا - لزوم مراعاة حقوق الأب:
ينبغي للأولاد مراعاة حقوق الأب
وأهمها إطاعته ما لم يلزم منه معصية الله
عز وجل. قال تعالى: (ووصينا الإنسان
بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله
في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي
المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي
ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما
في الدنيا معروفا...) (1).
وقال علي عليه السلام في نهج البلاغة:
" إن للولد على الوالد حقا، وإن للوالد
على الولد حقا، فحق الوالد على الولد
أن يطيعه في كل شئ إلا في معصية الله
سبحانه، وحق الولد على الوالد
أن يحسن اسمه ويحسن أدبه، ويعلمه
القرآن " (2).
وعلى هذا الأساس أفتى الفقهاء
بوجوب طاعة الأب إلا أن تستلزم فعل
الحرام أو ترك الواجب، ولذلك لو نهى
عن الحج الواجب أو الصوم الواجب
لا تجب طاعته، وهذا مما لا خلاف فيه،
ولكن اختلفوا في اشتراط إذنه في بعض
العبادات المندوبة كالحج المندوب والصوم
المندوب وأمثالهما، فذهب بعضهم إلى

(1) النساء: 22.
(1) لقمان: 14 و 15.
(2) نهج البلاغة: 546 (الكلمة: 399 من
الكلمات القصار).
142

لزومه وذهب آخرون إلى عدمه (1).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في أحكام الأولاد.
راجع: أولاد.
ثالثا - تحريم النكاح بالأبوة:
هناك عدة أحكام ترتبط بالأب في
خصوص النكاح أهمها:
1 - يحرم على الأب نكاح البنت
للصلب وبناتها وإن نزلن، وبنات الابن
وإن نزلن. وبعبارة أخرى: تحرم عليه كل
أنثى ينتهي نسبها إليه بواسطة أو بغيرها،
وذلك بنص الكتاب حيث قال:
(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم...) (2).
وهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين
أيضا (3).
2 - تحرم زوجة كل من الأب
والابن علي الآخر فصاعدا في الأول،
ونازلا في الثاني نسبا أو رضاعا، دواما أو
متعة بمجرد العقد وإن لم يكن دخل،
ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين
الحر والمملوك (1).
وهذا إجماعي أيضا، وربما أدرجا في
قوله تعالى: (حرمت عليكم... وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم) (2)
وقوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء...) (3).
والتقييد في الآية الأولى بالأصلاب
لإخراج من لم يكن كذلك كالمتبنى (4).
3 - لا تحرم مملوكة الأب على الابن
بمجرد الملك، ولا مملوكة الابن علي الأب،
ولو وطأ أحدهما مملوكته حرمت على
الآخر إجماعا ونصا (5).
4 - لا يجوز لكل من الأب والابن
وطء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل
وإن لم تكن مدخولة له، وإلا كان زانيا (6).

(1) راجع المستمسك 10: 17. ومستند العروة
(الحج) 1: 28 و 29.
(2) النساء: 23.
(3) الجواهر 29: 238.
(1) العروة، فصل المحرمات بالمصاهرة:
المسألة 1.
(2) النساء: 23.
(3) النساء: 22.
(4) الجواهر 29: 350.
(5) الجواهر 29: 354، المستمسك 14:
179.
(6) الجواهر 29: 354، العروة: فصل
المحرمات بالمصاهرة، المسألة 5.
143

رابعا - ولاية الأب:
للأب والجد الولاية على الطفل في
جميع شؤونه: من بيع وشراء ونكاح وغير
ذلك إلى أن يصير بالغا ورشيدا.
وهذا الحكم - بهذا المقدار - إجماعي
وإنما هناك موارد للبحث نشير إليها فيما
يأتي:
1 - المراد من الجد - هنا - هو الجد
للأب وإن علا لا الجد للأم، فلا ولاية
للجد من طرف الأم وإن كان جدا للأب
من طرف الأم.
قال صاحب الجواهر في كتاب
النكاح: "... والمراد من الجد للأب ما
هو منساق منه عن أب الأب وهكذا
فلا يندرج فيه أب أم الأب، للأصل
وغيره... " (1).
ثم ذكر وجها عن التذكرة لثبوت
الولاية لجد الأب من طرف الأم في صورة
انفراده، لكنه تنظر فيه.
وقريب منه عبارة السيد اليزدي في
العروة في فصل " أولياء العقد " (2) من كتاب
النكاح.
نعم، نقل في المستمسك عن ابن
الجنيد ثبوت الولاية للأم وآبائها إلا أنه
قال: " لكن لا مجال لذلك بعد دعوى
الإجماع على خلافه " (1).
2 - هل تعتبر العدالة في ولاية الأب
والجد؟
المعروف بين الفقهاء هو: عدم
اعتبار العدالة في الأب والجد لإثبات
ولايتهما، نعم حكي عن ابن حمزة وفخر
المحققين لزومها (2).
وقيد بعض الفقهاء ثبوت الولاية لهما
مع الفسق بصورة عدم ظهور الضرر منهما
عليه وإلا عزلهما الحاكم، ومنعهما من
التصرف حسبة.
ومن الذين التزموا بهذا القيد:
المحقق الثاني (3) وصاحب الجواهر (4)
والإمام الخميني (5).
3 - هل يجب عليهما مراعاة
المصلحة؟

(1) الجواهر 29: 172.
(2) العروة الوثقى: فصل أولياء العقد.
(1) المستمسك 14: 436.
(2) المكاسب: 152.
(3) المكاسب: 152.
(4) الجواهر 26: 102.
(5) تحرير الوسيلة: 443.
144

ويقع البحث - هنا - في جهتين:
الأولى - لزوم اعتبار المصلحة في
سائر التصرفات - غير النكاح - وعدمه:
والمعروف هو لزوم اعتبار المصلحة
كما يظهر من الشيخ وغيره، قال في
المبسوط بعد أن ذكر الأولياء على الطفل:
" فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا
على وجه الاحتياط والحظ للصغير المولى
عليه... " (1).
ومثله قال العلامة في التذكرة:
" الضابط في تصرف المتولي لأموال
اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة، وكون
التصرف على وجه النظر والمصلحة...
إلى أن قال: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما
روي عن الحسن البصري " (2).
وقد نسب (3) هذا الرأي إلى ابن
إدريس الحلي، والمحقق الحلي، والشهيدين
والمحقق الكركي وغيرهم، بل يظهر من
عبارة التذكرة نفي الخلاف في ذلك حتى
زمانه.
وهناك رأي آخر ظهر في القرون
المتأخرة وحاصله: أن مقتضى الأدلة هو
النهي عن الفساد لا أكثر فلا دلالة فيها
على لزوم اعتبار المصلحة فتبقى عمومات
الولاية على حالها، ونتيجة ذلك هو عدم
لزوم مراعاة المصلحة، نعم ينبغي أن
لا يترتب على التصرف مفسدة.
وقد رجح الشيخ الأنصاري هذا
الرأي ونسبه إلى أكثر من واحد من
الأساطين الذين عاصرهم (1)، واختاره
عديد من المتأخرين عنه، منهم الإمام
الخميني في تحرير الوسيلة (2) والسيد الخوئي
في منهاج الصالحين (3).
الثانية - لزوم مراعاة المصلحة في
خصوص النكاح وعدمه:
تأتي الأبحاث المتقدمة في الجهة
الأولى هنا أيضا، فيعم القولان السابقان
هذا المورد، إلا أنه ربما يلتزم بعض
الذين اختاروا الرأي الثاني هناك الرأي
الأول في هذا المورد بالخصوص من باب

(1) المبسوط 2: 200.
(2) التذكرة 2: 80.
(3) المكاسب: 152.
(1) المكاسب: 152.
(2) تحرير الوسيلة 1: 443، شرائط
المتعاقدين، المسألة 18.
(3) منهاج الصالحين 2: 21، كتاب التجارة،
المسألة 80 في شرائط المتعاقدين.
145

الاحتياط، فقد جاء في تحرير الوسيلة:
" يشترط في صحة تزويج الأب والجد
ونفوذه عدم المفسدة وإلا يكون العقد
فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على
إجازة الصغير بعد البلوغ بل الأحوط
مراعاة المصلحة " (1).
4 - ثبوت ولاية الجد مع حياة الأب
وموته:
المعروف أنه لا يشترط في ولاية
الجد حياة الأب ولا موته، نعم نقل
العلامة في المختلف (2) عن ابن الجنيد وأبي
الصلاح وابن البراج والصدوق - في الفقيه -
القول باشتراط حياة الأب، كما اختار
ذلك الشيخ في النهاية في ولاية الجد على
البكر البالغة والصغيرة حيث قال بعد بيان
تقديم الجد على الأب عند التعارض:
" هذا إذا كانت البكر أبوها الأدنى حيا،
فإن لم يكن أبوها حيا لم يجز للجد أن
يعقد عليها إلا برضاها " (3).
5 - ثبوت الخيار للصغير - في
النكاح - إذا بلغ:
قال صاحب الحدائق: " ظاهر
الأصحاب الاتفاق على أنه لا خيار
للصبية بعد البلوغ إذا عقد عليها الأب أو
الجد، وإنما الخلاف في الصبي فإن المشهور
أنه كذلك ليس له الخيار.
وقيل: إن له الخيار بعد البلوغ
ذهب إليه الشيخ في النهاية، ونقله في
المختلف أيضا عن ابن إدريس وابن
البراج وابن حمزة، والخلاف هنا ناش من
اختلاف الأخبار في المسألة " (1).
ولكن جاء في منهاج الصالحين:
"... إذا زوج الأبوان الصغيرين ولاية
فالعقد وإن كان صحيحا إلا أن في لزومه
عليهما بعد بلوغهما إشكالا، فالاحتياط
لا يترك " (2).
6 - حدود ولاية الأب والجد على
البنت في خصوص النكاح:
إذا كانت البنت صغيرة فيأتي
بالنسبة إليها كل ما سبق، وأما إذا صارت
بالغة فإن كانت رشيدة ثيبا فلا ولاية لهما

(1) تحرير الوسيلة 2: 231 (أولياء العقد،
المسألة 4).
(2) المختلف: 535.
(3) النهاية: 466.
(1) الحدائق 23: 204.
(2) منهاج الصالحين 2: 261، المسألة 1236،
الفصل الثاني الأولياء.
146

عليها، وأما إذا فقد أحد القيدين فإن كان
الرشد فالولاية تكون ثابتة لهما عليها، وإن
كان الثيبوبة، بمعنى أنها كانت بكرا
ورشيدة، فقد اختلف الفقهاء في بقاء
الولاية عليها وعدمه في خصوص النكاح
على أقوال:
الأول - استقلال الولي في الولاية،
وقد حكي هذا القول عن الشيخ في أكثر
كتبه، وعن الصدوق وابن أبي عقيل
والقاضي وكاشف اللثام والكاشاني
وغيرهم (1).
الثاني - استقلالها في الولاية وعدم
ولاية الأب عليها، وقد نسب ذلك إلى
المشهور بين القدماء والمتأخرين (2).
الثالث - التفصيل بين الدوام
والانقطاع باستقلالها في الأول دون الثاني،
وقد حكاه في الشرائع قولا ولم يعرف
قائله (3).
الرابع - عكس الثالث (4).
الخامس - التشريك بمعنى اعتبار
إذنهما معا فلا ينفذ عقدها إلا بإذن الأب
أو الجد وإذنها معا (1).
هذا وقد اختار القول الخامس
عديد من الفقهاء المتأخرين ولكن على
وجه الاحتياط كما في العروة وتحرير
الوسيلة والمنهاج.
قال في العروة بعد بيان الأقوال:
" والمسألة مشكلة فلا يترك مراعاة
الاحتياط بالاستئذان منهما " (2).
وقال في تحرير الوسيلة: " والأحوط
الاستئذان منهما " (3).
وقال في المنهاج: " الأحوط لزوما
في تزويجها اعتبار إذن أحدهما وإذنها
معا " (4).
السادس - وهناك رأي سادس تفرد
به في المستمسك وحاصله:
نفوذ عقد الأب بدون إذن البنت،

(1) المستمسك 14: 440.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر.
(4) نفس المصدر.
(1) المستمسك 14: 440.
(2) العروة، النكاح، فصل أولياء العقد،
المسألة 1.
(3) تحرير الوسيلة 2: 230، فصل أولياء
العقد.
(4) منهاج الصالحين 2: 260، أولياء العقد،
المسألة 1236.
147

ونفوذ عقد البنت بدون إذن الأب.
ومع ذلك فالأفضل أن يكون
بإذنهما معا.
ويجوز للأب نقض العقد إذا لم يكن
بإذنه مع كونه صحيحا.
أما الجد فلا ولاية له على البكر
لا منضما ولا مستقلا (1).
7 - استقلال الأب والجد في الولاية:
المعروف والمشهور هو: أن كلا من
الأب والجد مستقل في الولاية، فلا يلزم
الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر، فأيهما
سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق
محل للآخر.
والجد مقدم في صورة التشاح،
أو تقارن إيقاعهما لعقدين مختلفين (2).
8 - الولاية على المجنون:
المجنون إن كان جنونه متصلا
بما قبل البلوغ فالولاية عليه لأبيه وجده،
وإن لم يتصل ففيه خلاف، يظهر ثبوت
الولاية من المحقق في الشرائع (1) والعلامة
في التذكرة (2) والتحرير (3) وقواه في
الجواهر (4) والعروة (5) واختاره في
المستند (6) ولكن استشكل فيه فقهاء
آخرون كما في المستمسك (7) وتحرير
الوسيلة (8)، فاحتاط الأخير بالجمع بين
ولاية الأب والجد والحاكم.
خامسا - الإرث:
يقع الأب في الطبقة الأولى من
طبقات الإرث فترث معه الأم والأولاد
والزوجة أو الزوج على تفصيل يأتي في
عنوان " إرث ".

(1) المستمسك 14: 447 و 448.
(2) الجواهر 29: 208، العروة: فصل أولياء
العقد، المسألة 9، المستمسك 14: 461، مستند
العروة، النكاح 2: 488.
(1) الشرائع 2: 277.
(2) التذكرة 2: 610، الفصل التاسع، المولى
عليه - النكاح.
(3) التحرير 2: 8، آخر الفصل الثاني في
أولياء العقد.
(4) الجواهر 29: 186.
(5) العروة، النكاح، فصل أولياء العقد، المسألة
1.
(6) مستند العروة (النكاح) 2: 248.
(7) المستمسك 14: 438.
(8) تحرير الوسيلة 2: 15، المسألة: 14،
كتاب الحجر.
148

سادسا - الشهادة:
اتفق الفقهاء على أن النسب لا يمنع
من الشهادة بأي نحو كانت إلا في صورة
شهادة الولد على الوالد، فقد اختلفوا في
قبولها وعدمه على قولين:
الأول - عدم القبول: ذهب إليه
الشيخ وجماعة، قال في المبسوط: " شهادة
الوالد لولده وولد ولده وإن نزلوا، عندنا
تقبل،... وكذلك شهادة الولد لوالده
وجده وجداته وإن علوا، تقبل عندنا...
فأما إن شهد الولد على والده فعندنا لا
تقبل بحال... " (1).
وتبعه على ذلك كل من:
ابن إدريس (2) وسلار (3)، واستظهره
المحقق (4)، وقواه العلامة في القواعد (5)
وجعله الأشهر في التحرير (6)، ووافقهم
صاحب الجواهر (7).
الثاني - القبول: اختاره السيد
المرتضى وجماعة. قال السيد في الانتصار:
" ومما انفردت به الإمامية في هذه الأعصار
- وإن روي لهم وفاق قديم - القول بجواز
شهادات ذوي الأرحام والقرابات بعضهم
لبعض إذا كانوا عدولا من غير استثناء
لأحد إلا ما يذهب إليه بعض أصحابنا
معتمدا على خبر يرويه: من أنه لا يجوز
شهادة الولد على الوالد وإن جازت
شهادته له... " (1).
ويظهر من العلامة في التحرير (2) أنه
مشهور وقواه الشهيد في الدروس (3)
وعديد ممن تأخر عنه كالفاضل المقداد (4)
والمحقق الأردبيلي (5) والشهيد الثاني (6)
والفاضل الهندي (7)، والسيد الطباطبائي (8)
وغيرهم من المعاصرين كما في المنهاج (9).

(1) المبسوط 8: 219.
(2) السرائر 3: 134.
(3) المراسم: 232.
(4) الشرائع 4: 130.
(5) القواعد 2: 237.
(6) التحرير 2: 209.
(7) الجواهر 41: 78.
(1) الانتصار: 244.
(2) التحرير 2: 209.
(3) الدروس 2: 132.
(4) التنقيح الرائع 4: 295.
(5) مجمع الفائدة 12: 403.
(6) المسالك 2: 405.
(7) كشف اللثام 2: 375.
(8) الرياض 2: 432.
(9) منهاج الصالحين 2: التكملة 24.
149

وتردد فيه في تحرير الوسيلة (1).
سابعا - الحدود:
ألف - القذف:
اشترط عدة من الفقهاء في جريان
حد القذف على القاذف أن لا يكون
القاذف أبا، ومن هؤلاء المحقق (2)
والعلامة (3) والشهيد الثاني (4)، وصاحب
كشف اللثام (5)، وصاحب الرياض (6)
وصاحب الجواهر (7) والإمام الخميني (8)
والسيد الخوئي (9) وغيرهم، بل ادعى في
الرياض عدم الخلاف في ذلك.
نعم، صرح هؤلاء بلزوم تعزيره
لانتهاكه محرما.
وكذلك لا يحد لو قذف زوجته
الميتة ولا وارث لها إلا ولده، نعم لو كان
لها ولد من غيره كان لهم الحد تاما.
وأما لو قذف الابن أباه فلا يسقط
عنه الحد.
وهل يكون الجد كالأب أو لا؟
صرح بعض من تقدم بكونه كذلك، ولم
يصرح به غيرهم.
ب - السرقة:
يشترط في إجراء حد السرقة على
السارق ألا يكون أبا للمسروق منه،
ويبدو أن المسألة متفق عليها، وقد ادعى
الإجماع عدة من الفقهاء، منهم: الشهيد في
المسالك (1) والفاضل في كشف اللثام (2)
وصاحب الجواهر (3) وغيرهم. قال الأخير
عند عد شروط إجراء حد السرقة:
" السابع: أن لا يكون والدا من
ولده بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع
بقسميه عليه... " (4).
وهل يشمل هذا الحكم الجد وإن
علا أو لا؟

(1) تحرير الوسيلة 2: 402، الشهادات.
(2) الشرائع 4: 165.
(3) القواعد 2: 260.
(4) المسالك 2: 347.
(5) كشف اللثام 2: 413.
(6) الرياض 2: 480.
(7) الجواهر 41: 419.
(8) تحرير الوسيلة 2: 428 (القول في القاذف،
المسألة 5).
(9) منهاج الصالحين 2: (التكملة) 42.
(1) المسالك 2: 351.
(2) كشف اللثام 2: 422.
(3) الجواهر 41: 487.
(4) نفس المصدر.
150

قال في كشف اللثام: " ولا يقطع
الأب ولا الجد له بالسرقة من مال الولد
إجماعا كما في الخلاف وغيره، ولكن لم
ينصوا على الجد " (1).
والظاهر انحصار هذا الحكم بالنسبة
إلى الأب فلا يشمل ما لو سرق الابن من
الأب أو الأم، ولا الأم لو سرقت من
الابن وإن حكى الشهيد (2) عن أبي
الصلاح إلحاقها بالأب وحكى عن العلامة
نفي البأس عن ذلك في المختلف.
ثامنا - القصاص:
من شرائط الاقتصاص أن لا يكون
القاتل أبا للمقتول، ويبدو أن المسألة
كسابقتها إجماعية، وقد ادعاه جماعة
منهم: الشهيد وصاحب الجواهر. قال
الأول: " لا قصاص على الوالد بقتل الولد
ذكرا أو أنثى إجماعا منا ومن أكثر
العامة... " (3).
وقال الثاني عند ذكر شرائط
القصاص: " الثالث: أن لا يكون القاتل
أبا، فلو قتل والد ولده لم يقتل به بلا
خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى النصوص من
الطرفين... " (1).
ويبدو أن الحكم جار حتى بالنسبة
إلى الجد وإن علا من طرف الأب، قال
صاحب الجواهر: " وكذا لو قتله أب الأب
وإن علا كما صرح به غير واحد، بل عن
ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه،
بل لم أجد فيه خلافا. نعم، تردد فيه
المصنف [أي المحقق الحلي] في النافع
وبعض الناس... " (2).
أما غير هذين (أي الأب والجد
وإن علا) فلا يشملهما هذا الحكم، ولذلك
يقتل الابن بالأب وكذا الأم بولدها... (3).
عدم ارتفاع الأحكام الأخرى:
ثم إن ارتفاع حكم القصاص
بالخصوص في هذا المورد لا يعني رفع
سائر الأحكام المترتبة على مثل هذا القتل
من قبيل:
1 - الكفارة
2 - الدية

(1) كشف اللثام 2: 422.
(2) المسالك 2: 351.
(3) المسالك 2: 370.
(1) الجواهر 42: 169.
(2) الجواهر 42: 170.
(3) الجواهر 42: 169.
151

3 - التعزير بما يراه الحاكم.
قال صاحب الجواهر بعد بيان نفي
القصاص:
"... ولكن عليه الكفارة لعموم
الأدلة، بل كفارة الجمع والدية لمن يرثه
والتعزير بما يراه الحاكم " (1).
ملاحظة:
هناك أحكام أخرى ترتبط بالأب
سوف نتعرض لها في مظانها من قبيل:
الإقرار بالأبوة أو البنوة حيث يأتي
البحث عنها في عنوان:
أولاد، إقرار / إقرار بالنسب.
مظان البحث:
1 - النكاح: فصل أولياء العقد، وفصل
المحرمات (أسباب التحريم).
2 - المكاسب (المتاجر): شرائط
المتعاقدين، شرط القبول.
3 - الحجر (الفلس): من يتولى أمور
الطفل والمجنون.
4 - الإقرار: الإقرار بالنسب.
5 - الإرث: إرث الطبقة الأولى.
6 - الشهادات: شرائط الشاهد.
7 - الحدود: حد السرقة، وحد القذف.
8 - القصاص: شرائط الاقتصاص.
أب رضاعي
لغة:
راجع: أب، رضاع.
اصطلاحا:
صاحب اللبن الذي ارتضع منه
الطفل الذي لم يتولد من مائه.
راجع: أسباب التحريم، رضاع.
إباحة
راجع: الملحق الأصولي.

(1) الجواهر 42: 169.
152

إبراء
لغة:
من برئ أي تنزه وتباعد وتخلص،
فيكون الإبراء هو التخليص (1) سواء كان
من الدين أو غيره من الحقوق.
اصطلاحا:
يتوقف بيان تعريف الإبراء
اصطلاحا على بيان أنه هل هو إسقاط لما
في ذمة الغير أو تمليك له؟ والمعروف بين
فقهاء الإمامية أنه إسقاط لا تمليك، وقد
جاء التعبير بالإسقاط في عبارات كثير
من الفقهاء كالشيخ (2) والمحقق الحلي (3)
والعلامة الحلي (4) وولده (5) والمحقق
الثاني (1) والشهيد الثاني (2) والمحقق
السبزواري (3) وصاحب الحدائق (4)
وصاحب مفتاح الكرامة (5)، وصاحب
الجواهر (6) وبعض من تأخر عنه.
ومن التعاريف المذكورة للإبراء هو
تعريف الشهيد له بأنه: " إسقاط ما في
ذمة الغير من الحق " (7).
ويشهد بكون الإبراء إسقاطا قوله
تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده
عقدة النكاح..) (8) حيث عبر عن
الإبراء بالعفو.
ماهية الإبراء:
هل الإبراء عقد أو إيقاع؟
المشهور بين فقهاء الإمامية هو: أن

(1) لسان العرب: " برئ ".
(2) المبسوط 2: 403.
(3) الشرائع 2: 188.
(4) القواعد 1: 274.
(5) إيضاح القواعد 2: 411.
(1) جامع المقاصد 5: 412.
(2) الروضة البهية 3: 193.
(3) الكفاية: 84.
(4) الحدائق 22: 309.
(5) مفتاح الكرامة 5: 381.
(6) الجواهر 28: 163.
(7) الروضة البهية 3: 193.
(8) البقرة: 237.
153

الإبراء إيقاع لا يحتاج إلى قبول، ولكن
يظهر من كلمات بعضهم احتياجه إليه، أو
الترديد فيه على الأقل، فالأقوال - إذن -
ثلاثة:
الأول - أنه عقد فيحتاج إلى القبول
وهذا رأي ابن زهرة وابن إدريس
والكيدري، ومستندهم - في ذلك - هو: أن
في الإبراء منة على المبرأ، فلا بد من قبوله
لذلك.
قال الأول: " وإذا وهب ما يستحقه
في الذمة كان ذلك إبراء بلفظ الهبة، ويعتبر
قبول من عليه الحق، لأنه في إبرائه منة
عليه ولا يجبر على قبول المنة " (1).
وقال الثاني: " وهل من شروط
صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا؟ قال قوم
من شرط صحته قبوله فلا يصح حتى
يقبل، وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله، وهو
الذي نختاره ونقول به... " (2). ثم ذكر
مسألة المنة.
وقال الثالث في إصباح الشيعة:
" إذا كان له في ذمة رجل مال فوهبه له
كان ذلك إبراء بلفظ الهبة، ومن شرط
صحته قبول الموهوب له فإن لم يقبل لم
يصح " (1).
الثاني - أنه إيقاع: وهذا هو الرأي
المشهور وقد نسبه في مفتاح الكرامة إلى
كثيرين، فقال: " وأما إنه لا يشترط في
الإبراء القبول فهو خيرة الجامع والشرائع
والتذكرة والتحرير والإرشاد والمختلف
والإيضاح واللمعة وجامع المقاصد
والروض والمسالك والروضة والمفاتيح،
وفي المسالك: أنه مذهب الأكثر، وفيه
- أيضا - وفي الكفاية: أنه الأشهر " (2).
وقال في الجواهر: " ولا يشترط في
الإبراء القبول وفاقا للأكثر بل المشهور
خلافا للمحكي عن الغنية
والسرائر... " (3).
الثالث - الترديد فيه: ويظهر ذلك
من الشيخ في المبسوط والراوندي في فقه
القرآن.
قال الأول: " وهل من شروط
صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا؟ قال قوم:
من شرط صحته قبوله، ولا يصح حتى

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 603.
(2) السرائر 3: 176.
(1) الينابيع الفقهية 12: 204.
(2) مفتاح الكرامة 9: 158.
(3) الجواهر 28: 163.
154

يقبل، وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله، وهو
الذي يقوى في نفسي، لأن في إبرائه إياه
من الحق الذي له عليه منة عليه ولا يجبر
على قبول المنة... " إلى أن قال: " وقال
قوم: إنه يصح شاء من عليه الحق أو أبى،
لقوله تعالى: (فنظرة إلى ميسرة وأن
تصدقوا خير لكم) (1) فاعتبر مجرد الصدقة
ولم يعتبر القبول، وقال تعالى: (... أو
دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) (2)
فأسقط الدية بمجرد التصدق ولم يعتبر
القبول، والتصدق في هذا الموضع الإبراء،
وهذا قوي " (3).
وقال الثاني: " إذا كان للإنسان في
ذمة رجل مال فوهبه له كان ذلك إبراء
بلفظ الهبة، وقال قوم: من شرط صحته
قبوله وهذا حسن... " ثم ذكر مسألة
المنة ثم قال: " وقال آخرون: إنه يصح
شاء من عليه الحق أو أبى... " إلى أن
قال: " وهذا أيضا قول قوي " (4) ولم يرجح
أحد الطرفين كصاحبه.
الأحكام:
الأحكام المترتبة على الإبراء كثيرة
وأهمها كالآتي:
أولا - الحكم التكليفي:
الأصل في الإبراء - من الناحية
التكليفية - هو الجواز بمعناه الخاص أي
الإباحة، فالإبراء بما هو، جائز إلا أن
يطرأ عليه ما يغير حكمه إلى الاستحباب
أو الكراهة أو الحرمة أو الوجوب، فمثلا
أن إبراء المدين العاجز عن الدفع
مستحب، لعمومات الإعانة على البر
وإنظار المعسر مضافا إلى الأولوية، كما
لا يبعد أن يكون إبراء الفقير للموسر الملي
مع عدم المرجح ولزوم المشقة - غير المنتهية
إلى الحرج - على عياله مرجوحا، كما أن
إبراء من يصرف ماله في الحرام مع قصد
المبرئ ذلك واشتراطه عليه حرام،
والإبراء ممن التزم به في ضمن عقد لازم أو
نذر يكون واجبا.
ثانيا - الحكم الوضعي:
وأما الأحكام الوضعية بالنسبة إلى
الإبراء فسوف تتضح عند بيان أركان
الإبراء ولواحقها على النحو التالي:

(1) البقرة: 280.
(2) النساء: 92.
(3) المبسوط 3: 314.
(4) فقه القرآن 2: 295.
155

أركان الإبراء
يتقوم الإبراء بأمور أربعة وهي:
المبرئ والمبرأ والمبرأ منه والصيغة، ولا بد
من الكلام حول كل واحد منها بصورة
مستقلة:
الركن الأول - المبرئ:
هو ذو الحق الذي يبرئ ذمة غيره
منه ويشترط فيه:
أولا - الأهلية العامة، وهي: البلوغ
والعقل، وعدم المحجورية بالسفه والفلس
إذا استلزم الإبراء تصرفا ماليا، وأما إذا لم
يستلزم ذلك فالظاهر عدم مانعيتهما له.
ثانيا - المالكية أو المأذونية: فلا
يصح إبراء غير المالك وغير المأذون من
قبله، قال الشيخ: " وإذا وكل رجلا في بيع
ماله فباعه كان للوكيل والموكل المطالبة
بالثمن... فأما الإبراء منه فليس للوكيل
ذلك، وإذا أبرأ الوكيل بغير إذن الموكل لم
يصح لأن الثمن لا يملكه الوكيل فلا يصح
منه الإبراء... " (1).
وقال ابن إدريس في السرائر: " ولا
يصح إبراء الوكيل من دون إذن الموكل
من الثمن الذي على المشتري " (1).
الفضولية في الإبراء:
يبدو من العبارتين السابقتين
وعبارات أخرى للشيخ والعلامة
وغيرهما: أن الفضولية غير جارية في
الإبراء. قال الشيخ: " إذا قال له أبو
امرأته طلقها وأنت برئ من صداقها،
فطلقها، طلقت ولم يبرأ من صداقها، لأنها
إن كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في
مالها بغير إذنها، وإن كان يلي عليها لصغر
أو سفه أو جنون لم يصح، لأنه إنما يملك
التصرف فيما فيه نظر لها... " (2).
وقال العلامة: " إذا قال أبوها طلقها
وأنت برئ من صداقها أو بعضه، بمعنى
أنه بذل له ما لها في ذمته لم يلزمها
الإبراء ولا يضمنه الأب الذي هو أجنبي
بالنسبة إلى ذلك مع بلوغ البنت ورشدها،
والفرض عدم وكالته، فلا ضمان عليه
للزوج ولا للبنت بعد عدم حصول الخلع
والبراءة، نعم لو أجازت هي ذلك وقلنا
بصحة الفضولي في ذلك صح البذل وكان

(1) المبسوط 2: 395.
(1) السرائر 2: 98.
(2) المبسوط 4: 360.
156

خلعا " (1).
وقريب منه ما في التحرير (2).
إبراء المريض في مرض الموت:
المعروف عند الإمامية هو: أن
الإبراء في مرض الموت إسقاط لا وصية،
والمنقول عن غيرهم: أنه وصية،
لإخراجه من الثلث.
ومهما يكن فقد اختلف فقهاء
الإمامية - بعد ذهابهم إلى أنه إسقاط - في
أنه يخرج من الثلث أو من الأصل؟
يظهر من الشيخ والفاضل الهندي التوقف
فيه، ويظهر من الأكثر أنه من الثلث، بينما
نسب إلى بعض الفقهاء أنه من الأصل.
قال الشيخ حول إبراء المجني عليه
الجاني: " وأما إن كان [أي قول المجني
عليه] بلفظ العفو والإبراء، فهل الإبراء
والعفو من المريض وصية أم لا؟ قال
قوم: هو وصية، لأنه يعتبر من الثلث،
وقال آخرون: هو إسقاط وإبراء وليس
بوصية، لأن الوصية نقل ملك فيما يأتي،
والإبراء والعفو إسقاط في الحال، فلهذا لم
يكن العفو كالوصية، وعندنا أنه ليس
بوصية، وهل يعتبر من الثلث؟ لأصحابنا
فيه روايتان... " (1).
وقال مثله في كشف اللثام:
"... وعندنا ليس بوصية، وهل يعتبر من
الثلث؟ لأصحابنا فيه روايتان... " (2).
ويظهر من ابن إدريس والمحقق
الحلي والعلامة الحلي وصاحب الجواهر
وغيرهم: أنه من الثلث، قال المحقق:
" إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من
مال الكتابة، فإن برئ فقد لزم العتق
والإبراء، وإن مات خرج من ثلثه، وفيه
قول آخر أنه من أصل التركة... " (3).
وقال العلامة: " التبرعات المنجزة
كالعتق و... والإبراء من الدين... إذا
وقعت في حال الصحة فهي من رأس المال
إجماعا وإن كانت في مرض الموت فهي
من الثلث على أقوى القولين عندنا وعند
جمهور العلماء، خلافا لبعض علمائنا حيث

(1) القواعد 2: 82، المطلب الخامس من
الخلع.
(2) التحرير 2: 351 - 352، الخلع،
المسألة 11.
(1) المبسوط 7: 110.
(2) كشف اللثام 2: 475.
(3) الشرائع 3: 136.
157

قال: إنها تمضى من الأصل " (1).
وقال صاحب الجواهر: " إذا أعتق
مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة
فإن برئ فقد لزم العتق والإبراء بلا
خلاف ولا إشكال، وإن مات خرج من
ثلثه على ما هو الأصح من أن منجزات
المريض منه، وفيه قول آخر: أنه من
أصل التركة، قد عرفت الحال فيه في
محله " (2).
ومن هذه العبارات يظهر أن هناك
قائلا بخروجه من أصل التركة.
الركن الثاني - المبرأ:
يشترط في المبرأ استقرار الحق في
ذمته وبناء على ذلك يلزم:
أولا - أن تكون له ذمة، فما لم تكن
له ذمة فلا يتصور في حقه الإبراء، ولذلك
ينبغي أن يكون شخصا أو شخصية
حقوقية كالشركات والمؤسسات، على
القول بوجود ذمة واحدة لها.
ثانيا - أن يكون هناك حق ثابت في
الذمة، وعلى ذلك فلو أبرأ من لم يكن
الحق ثابتا في ذمته عن حق ثابت في ذمة
الغير فلا براءة كما لو أبرأ المجني عليه ذمة
الجاني خطأ محضا، لأن المجني عليه وإن
كان له حق ثابت، لكنه لم يثبت على ذمة
الجاني، وإنما هو ثابت على ذمة العاقلة،
ولذلك قال الشهيد: " لما كان الإبراء
إسقاط ما في الذمة، اشترط في صحته
تعلقه بمن يكون الحق في ذمته، ولما كان
أرش الجناية في الخطأ المحض متعلقا
بالعاقلة، وفي شبيه الخطأ متعلقا بالقاتل لزم
منه صحة الإبراء إن تعلق في الأول
بالعاقلة، وفي الثاني بالقاتل دون العكس
فيهما... " (1).
وقال الشيخ حول ما إذا جنى عبد
على حر جناية يتعلق أرشها برقبته: " ثم
إن المجني عليه... إن أبرأ العبد فقال:
أبرأتك أيها العبد عنها لم يصح، لأنه إبراء
من لا حق له عليه، وإن أبرأ السيد برئ
وسقط عن رقبة العبد، لأنها وإن كانت
متعلقة برقبة العبد فالعبد يعود على
السيد... " (2)
وللفقهاء في خصوص المثال كلام،

(1) التذكرة 2: 488.
(2) الجواهر 34: 368.
(1) المسالك 2: 489.
(2) المبسوط 7: 111.
158

راجع المسالك (1) والجواهر (2).
وقال في المسالك حول إبراء
المضمون عنه: " فإن الضمان إذا كان ناقلا
موجبا لبراءة المضمون عنه عن حق
المضمون له فبراءته لا تفيد شيئا، لعدم
اشتغال ذمته حينئذ عندنا " (3).
الركن الثالث - المبرأ منه:
الظاهر من كلمات الفقهاء أنه لا بد
من أن يكون المبرأ منه حقا - كما تقدم في
البحث عن المبرأ وعن تعريف الإبراء -
وصرح بعضهم بذلك، منهم: المحقق
الأول والمحقق الثاني والسيد العاملي
وصاحب الجواهر وغيرهم.
قال المحقق الأول: "... لأن الإبراء
لا يتناول إلا ما هو في الذمم... " (4).
وقال المحقق الثاني والسيد العاملي:
"... الإبراء إنما يسقط به الحق الثابت في
الذمة " (5).
وقال صاحب الجواهر: " إن محل
الإبراء الحقوق التي في الذمم " (1).
وبناء على ذلك:
1 - يصح الإبراء من كل ما يصدق
عليه الحق مثل: الكفالة، والضمان وأمثال
ذلك من الحقوق المتعلقة بالذمم، وفي
تعلقها بمثل القصاص إشكال من جهة
الشك في صدق الحق عليه، بل هو حكم،
نعم يشمله العفو (2).
2 - لا يصح الإبراء من الأعيان،
لعدم كون ظرفها الذمة، وقد صرح بذلك
جماعة منهم:
الحلي في السرائر حيث قال:
"... وإن كان عينا صح بلفظ الهبة
إجماعا، ويفتقر إلى القبول ولا يصح بلفظ
الإبراء إجماعا " (3).
والعلامة كما قال: " لو كان المهر
عينا لم يزل الملك بلفظ العفو
والإبراء " (4).
ومنهم الشهيد، قال: "... وكذا لو

(1) المسالك 2: 488.
(2) الجواهر 43: 430.
(3) المسالك 1: 253.
(4) الشرائع 2: 188.
(5) جامع المقاصد 5: 100، مفتاح الكرامة
5: 149.
(1) الجواهر 42: 341.
(2) الجواهر 43: 432، المسالك 2: 488.
(3) السرائر 2: 238.
(4) القواعد 2: 42.
159

أسقطه حقه من عين مملوكة لم يخرج بذلك
عن ملكه بخلاف الدين فإنه قابل
لذلك " (1).
وصاحب الحدائق، قال: " ومن
الظاهر أن الإبراء لا يتعلق بالأعيان " (2)
وغيرهم من الفقهاء، مثل فخر المحققين (3)
والفاضل الهندي (4) والمحقق السبزواري (5).
الإبراء عما لم يجب:
يجب أن يكون المبرأ منه حقا ثابتا
في ذمة المبرأ وهذا معنى وجوبه، فما لم
يجب - أي لم يثبت - لم يصح الإبراء منه،
ويبدو أن هذه القاعدة الكلية متسالم
عليها، وقد استدل الفقهاء بها على عدم
صحة الإبراء في بعض الموارد، منه ما قال
الشيخ في مورد من القصاص: "... ولأنه
إبراء عما لم يجب، والإبراء عما لم يجب
لا يصح... " (6) ومثله العلامة (7) والمحقق
الثاني (1) والفاضل الهندي (2) وصاحب
الجواهر (3) وغيرهم في موارد عديدة.
الإبراء من المجهول:
المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء
من المجهول، لأنه إسقاط لما في الذمة لا
معاوضة حتى يعتبر فيه ما يعتبر فيها من
الشرائط كالمعلومية، ولكن ذهب الشيخ
- في المبسوط - إلى بطلان ذلك، فقد قال
حول إبراء الزوجة الزوج من مهر المثل:
"... وإن أبرأته من مهر المثل الواجب
بالعقد نظرت فإن كانت تعرف قدره
ومبلغه فالبراءة صحيحة، لأنها براءة عن
أمر واجب معلوم، وإن كانت جاهلة بقدر
المثل فالبراءة باطلة... - إلى أن قال -:
والبراءة عن المجهول باطلة " (4).
وأما غيره من الفقهاء فالمعروف
بينهم - كما تقدم - هو صحته، قال المحقق:
" لو تزوجها على مال مشار إليه غير
معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه
صح، وكذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر

(1) المسالك 1: 369.
(2) الحدائق 22: 309.
(3) الإيضاح 3: 225.
(4) كشف اللثام 2: 88.
(5) كفاية الأحكام: 183.
(6) المبسوط 7: 111.
(7) قواعد الأحكام 1: 161.
(1) جامع المقاصد 5: 99.
(2) كشف اللثام 2: 91 و 475.
(3) الجواهر 27: 146.
(4) المبسوط 4: 314.
160

لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح
ولو لم تعلم كميته، لأنه إسقاط للحق فلم
يقدح فيه الجهالة " (1).
وصرح العلامة في موارد عديدة
بذلك، منها قوله في القواعد: " ويصح
الإبراء من المجهول " (2).
وقال الشهيد الثاني: " المشهور بين
أصحابنا جواز الابراء من المجهول، لأنه
إسقاط لما في الذمة لا معاوضة... " (3).
وممن صرح بذلك - أيضا - الفاضل
الهندي (4) والمحقق السبزواري (5).
نعم، ناقش بعضهم فيما لو كان من
عليه الحق يعلم المقدار دون من له الحق،
وكان - من عليه الحق - يعلم بأنه لو علم
من له الحق المقدار لما أبرأه، فاستثناه من
الحكم بالجواز، قال في المسالك: " فلو كان
من عليه الحق عالما بقدره والمستحق غير
عالم بحيث لو علم منه ما يعلمه المديون لما
أقدم على براءته، لم يصح... " (1).
وقال مثله المحقق السبزواري في
الكفاية (2).
الركن الرابع - الصيغة:
الظاهر عدم وجود صيغة خاصة
للإبراء وإنما يتحقق بكل ما دل عليه،
كالإبراء والعفو والإسقاط والترك والهبة
والتمليك، لاشتراك الجميع في الأثر، وهو:
إفراغ الذمة، قال صاحب الحدائق حول
الإبراء من المهر: " وظاهر الأصحاب أنه
لا ينحصر في لفظ، بل كل ما أدى هذا
المعنى من لفظ الإبراء أو العفو أو الهبة
أو الإسقاط أو نحو ذلك، فإنه يحصل به
البراءة وفراغ الذمة، وقد أطلق عليه
لفظ العفو في قوله عز وجل (إلا أن
يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح) " (3).
وقال نحوه غيره من الفقهاء (4).

(1) الشرائع 2: 332.
(2) القواعد 1: 178.
(3) المسالك 1: 556 (إبراء الزوجة الزوج من
المهر).
(4) كشف اللثام 2: 91.
(5) كفاية الأحكام: 184.
(1) المسالك 1: 556 (إبراء الزوجة الزوج من
المهر).
(2) كفاية الأحكام: 184.
(3) الحدائق 22: 308. والآية في سورة
البقرة: 237.
(4) المسالك 1: 554.
161

الرجوع في الإبراء وعدمه:
يبدو أن الإبراء لازم لا رجوع فيه،
- على المشهور - وممن صرح بذلك الفاضل
المقداد وصاحب الحدائق، قال الأول:
" إن الإبراء لا رجوع فيه كالصدقة " (1)،
وقال الثاني: "... والإبراء لازم لا
رجوع فيه اتفاقا " (2).
وقد ذكر عديد من الفقهاء ذلك في
مطاوي كلماتهم كالشهيد في المسالك،
حيث قال حول إبراء الزوجة الزوج من
الصداق: " إذا أبرأته من الصداق قبل
الدخول ثم طلقها قبله، فالمشهور بين
الأصحاب - وهو الذي قطع به المصنف -
أنه يرجع عليها بنصف المهر، لتصرفها
فيه قبل الطلاق تصرفا ناقلا له عن ملكها
بوجه لازم " (3).
والمراد من النقل بوجه لازم هو
الإبراء.
خيار الشرط في الإبراء:
المعروف بين فقهاء الإمامية أن
خيار الشرط لا يثبت في الإبراء، ومعنى
ثبوته فيه هو أن يشترط المبرئ الخيار
لنفسه أو لغيره، فيحق له الرجوع في
الإبراء إذا اشترطه. وعلى أي فالمعروف
- كما تقدم - هو عدم ثبوته، قال المحقق:
"... وخيار الشرط يثبت في كل عقد
عدا النكاح والوقف، وكذا الإبراء
والطلاق والعتق إلا على رواية شاذة " (1).
وعلق عليه في المسالك قائلا: "...
وأما استثناء ما ذكر، فلأن النكاح لا
يقصد فيه المعاوضة، والوقف إزالة ملك
على وجه القربة، ومثله العتق وقريب منه
الإبراء، وهذه المواضع محل وفاق، وهو
الحجة - إلى أن قال -: واعلم أن استثناء
المصنف الطلاق والعتق من العقود إما
منقطع... أو محمول على إطلاق العقد على
ما يعم الإيقاع تجوزا، وكذا القول في
الإبراء وإن لم يشترط فيه القبول " (2).
وقال العلامة: " يثبت خيار الشرط
في كل عقد سوى الوقف... ولا يثبت في
الطلاق ولا العتق ولا الإبراء... " (3).
وقال المحقق الثاني: "... وكذا لا

(1) كنز العرفان 2: 57.
(2) الحدائق 22: 307 و 308.
(3) المسالك 1: 554.
(1) الشرائع 2: 23.
(2) المسالك 1: 181.
(3) القواعد 1: 143.
162

يثبت [أي الخيار] في الإبراء، لأنه
إسقاط " (1).
وقال الشيخ في المكاسب: " أما
الإيقاعات فالظاهر عدم الخلاف في عدم
دخول الخيار فيها كما يرشد إليه استدلال
الحلي في السرائر على عدم دخوله في
الطلاق بخروجه عن العقود، قيل: لأن
المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما
ينبه عليه جملة من الأخبار، والإيقاع إنما
يقوم بواحد... - إلى أن قال -: وإجماع
المسالك على عدم دخوله في العتق
والإبراء... - إلى أن قال -: ومما ذكرناه في
الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما
تضمن الإيقاع ولو كان عقدا كالصلح
المفيد فائدة الإبراء... " (2).
وجاء في تحرير الوسيلة: " ولا
إشكال في عدم جريانه [أي خيار
الشرط] في الإيقاعات كالطلاق والعتق
والإبراء ونحوها " (3)، وجاء في منهاج
الصالحين: " لا يجوز اشتراط الخيار في
الإيقاعات كالطلاق والعتق " (1) وإطلاقه
يشمل الإبراء أيضا.
الإبراء وهبة الدين:
قد سبق أن الإبراء - على ما هو
المعروف - إيقاع لا يعتبر فيه القبول،
بينما الهبة من العقود فتحتاج إليه،
ولكن مع ذلك كله فقد يتحقق
الإبراء بصيغة الهبة فلا يحتاج إلى
القبول حينئذ، كما لو قال الدائن للمدين:
" وهبتك ما كان لي في ذمتك " وقد صرح
بذلك عديد من الفقهاء كالشيخ الطوسي
حيث قال: " إذا كان له في ذمة رجل
مال فوهبه له ذلك، كان ذلك إبراء
بلفظ الهبة " (2) ومثله أو قريب منه عبارات
فقهاء آخرين كابن زهرة (3) وابن
إدريس (4) والمحقق (5) ويحيى بن سعيد (6)
الحليين والراوندي (7) والعلامة (8) والشهيد

(1) جامع المقاصد 4: 304.
(2) المكاسب: 233.
(3) تحرير الوسيلة 1: 520، البيع.
(1) منهاج الصالحين 2: 30، الخيارات.
(2) المبسوط 3: 314.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 603.
(4) السرائر 2: 238، 3: 176.
(5) الشرائع 2: 229.
(6) الجامع للشرائع: 365.
(7) فقه القرآن 2: 295.
(8) القواعد 1: 274، التذكرة 2: 417.
163

الثاني (1) والمحقق السبزواري (2) وصاحب
الجواهر (3) والسيد الخوئي (4) وغيرهم...
نعم، استشكل بعض الفقهاء - كالإمام
الخميني (5) - في ذلك، لأن الهبة تمليك وهو
يحتاج إلى قبول، بينما الإبراء إسقاط
لا يحتاج إليه.
الإبراء والصلح:
هناك مبنيان في الصلح:
أحدهما: أن الصلح فرع ما يفيده، فإذا
أفاد فائدة البيع فهو بيع، وإذا أفاد فائدة
الإبراء فهو إبراء وهكذا... وهذا مسلك
الشيخ، قال: " الصلح ليس بأصل في نفسه
وإنما هو فرع لغيره، وهو على خمسة
أضرب: أحدها في البيع، وثانيها في
الإبراء... " (6).
ثانيهما: أن الصلح عقد قائم بنفسه لم يتبع
غيره، وهذا هو مذهب المشهور، بل قال
العلامة: " الصلح عند علمائنا أجمع عقد
قائم بنفسه ليس فرعا على غيره... " (1).
فعلى المبنى الأول يصح إيقاع
الابراء على وجه الصلح كأن يصالحه على
إبراء ما في ذمته في مقابل شئ ما،
فيكون ذلك إبراء.
وعلى المبنى الثاني لا يقع الإبراء
بصورة الصلح وإن أفاد فائدته، بل يكون
صلحا، فالمثال الثاني يكون من الصلح لا
الإبراء.
نعم، هناك نوع من الصلح يمكن أن
يصدق عليه الإبراء وهو المسمى ب‍ " صلح
الحطيطة " وهو: أن يصالحه على بعض
الدين، فإذا كان يطلب ألفا وقال:
صالحتك هذه الألف بخمسمئة جاز وكان
إبراء لذمة المديون عن الخمسمئة.
قال العلامة: " القسم الثاني: صلح
الحطيطة وهو الجاري على بعض الدين
المدعى وهو إبراء عن بعض الدين.
ثم لا يخلو إما أن يأتي بلفظ الإبراء
وما يشبهه مثل أن يقول: أبرأتك عن
خمسمئة من الألف الذي لي عليك
وصالحتك على الباقي، فإنه يصح قطعا

(1) المسالك 1: 554.
(2) الكفاية: 143.
(3) الجواهر 28: 165.
(4) منهاج الصالحين 2: 204.
(5) تحرير الوسيلة 2: 56.
(6) المبسوط 2: 288.
(1) التذكرة 2: 177.
164

ويكون إبراء وتبرأ ذمة المديون عما أبرأه
منه، وهل يشترط القبول؟ الأقرب عندي
عدم الاشتراط...
وإما ألا يأتي بلفظ الإبراء، ويقتصر
على لفظ الصلح فيقول: صالحتك عن
الألف التي في ذمتك على خمسمئة صح
عندنا أيضا... وهل يشترط القبول؟
إشكال ينشأ من كونه عقدا مستقلا، ومن
كونه في معنى الإبراء... " (1).
ولعله إلى هذا التفصيل يشير ما
جاء في تحرير الوسيلة من أن " الصلح عقد
يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا حتى فيما
أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى،
فإبراء الدين وإسقاط الحق وإن لم يتوقف
على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح
توقفا عليه " (2).
وقال في مكان آخر: " نعم، لو صالح
عن الدين ببعضه كما إذا كان له عليه
دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالا
فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط
الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص
كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه
المصالحة لا المعاوضة بين الزائد
والناقص " (1).
الإبراء والحوالة:
بحث الفقهاء في أنه إذا أحال
الإنسان ما في ذمته لشخص آخر إلى
شخص ثالث هل تبرأ ذمة المحيل بمجرد
الحوالة فلا يحق للمحال له الرجوع إلى
المحيل حتى لو لم يبرئ ذمته، أو
لا تتحقق البراءة إلا بعد إبراء المحال له
المحيل؟
ذهب الشيخ إلى الثاني كما يظهر من
عبارة المفيد - أيضا - ونسب إلى جماعة
آخرين كابن الجنيد وأبي الصلاح
والقاضي ابن البراج، والفاضل المقداد.
قال الشيخ: " من كان له على غيره
مال فأحال به على غيره وكان المحال
عليه مليا به في الحال، وقبل الحوالة وأبرأه
منه لم يكن له رجوع عليه... ومتى لم
يبرئ المحال له بالمال المحيل في حال ما
يحيله كان له - أيضا - الرجوع عليه أي
وقت شاء " (2).
وقال الشيخ المفيد: " وإذا كان

(1) التذكرة 2: 178.
(2) تحرير الوسيلة 1: 561.
(1) تحرير الوسيلة 1: 564.
(2) النهاية: 316.
165

للإنسان على غيره مال فأحال به على
رجل ملي به فقبل الحوالة وأبرأه منه لم
يكن له رجوع عليه... " (1).
بينما ذهب ابن إدريس إلى الأول
وصار الرأي المشهور من بعده، قال معلقا
على كلام الشيخ الطوسي المتقدم: " قوله
رضي الله عنه في آخر الكلام والباب: " ومتى لم
يبرئ المحال له بالمال المحيل... " لا وجه
له، لأن الحوالة عقد قائم بنفسه عند
أصحابنا، وهي من العقود اللازمة
للمتعاقدين، وينتقل المال من ذمة المحيل
إلى ذمة المحال عليه مع رضى المحال له
وهي مشتقة من تحويل الحق فإذا كان
كذلك فقد انعقد العقد وتحول الحق، فسواء
أبرأه منه بعد الحوالة أو لم يبرئه، لأن
الذمة قد برئت بعد عقد الحوالة " (2).
وقال العلامة: " إذا حصلت الحوالة
مستجمعة الشرائط تنقل المال إلى
ذمة المحال عليه وبرئ المحيل سواء
أبرأه المحتال أو لا، وهو قول عامة
الفقهاء... " (3) ثم ذكر خلاف الشيخ.
وقال الشهيد: " إن المحيل برئ
من حق المحتال بمجرد الحوالة سواء أبرأه
المحتال أم لا؟ لدلالة التحويل عليه،
وهو المشهور، وخالف فيه الشيخ
وجماعة... " (1).
وجاء نحو ذلك في جامع
المقاصد (2) والكفاية (3) والحدائق (4)
والجواهر (5) والعروة (6) وتحرير
الوسيلة (7).
الإبراء والضمان:
إذا قلنا في الضمان بأنه نقل ذمة إلى
ذمة - كما هو المعروف - لا ضم ذمة إلى
أخرى، فمعناه انتقال الحق من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وبناء على
هذا إذا أبرأ المضمون له ذمة المضمون عنه
فقط فلا أثر لهذا الإبراء لعدم محل له، إذ
محله - كما تقدم في البحث عن المبرأ - هو

(1) المقنعة: 814.
(2) السرائر 2: 80.
(3) التذكرة 2: 106.
(1) المسالك 1: 205.
(2) جامع المقاصد 5: 360.
(3) كفاية الأحكام: 115.
(4) الحدائق 21: 50.
(5) الجواهر 26: 163.
(6) العروة، كتاب الحوالة.
(7) تحرير الوسيلة 2: 33.
166

الحق الثابت في الذمة، وهنا لم يكن حق
ثابت في ذمة المضمون عنه، لأن الحق قد
انتقل - بسبب الضمان - إلى ذمة الضامن
ولذلك يكون إبراؤه لغوا بخلاف ما إذا أبرأ
الضامن فإن ذمته تبرأ، وببراءة ذمة
الضامن لا يبقى شئ لا في ذمة الضامن،
لحصول البراءة، ولا في ذمة المضمون عنه،
لانتقال الحق إلى ذمة الضامن، وهذا هو
القول المشهور، بل ادعي عليه الإجماع.
قال المحقق: " ولو أبرأ المضمون له
المضمون عنه لم يبرأ الضامن على قول
مشهور لنا " (1).
وقال صاحب الرياض: " ولو وهبه
- أي الضامن المضمون له - أو أبرأه عن
المضمون لم يرجع الضامن على المضمون
عنه بشئ، ولو كان الضمان بإذنه.
وكذا لم يرجع المضمون له عليه
[أي المضمون عنه] به عندنا بناء على
انتقال الحق من ذمة إلى أخرى خلافا
للعامة " (2).
وقال صاحب الجواهر: "... فلو
أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ
الضامن من هذه الحيثية على قول مشهور
لنا، بل مجمع بيننا، ضرورة عدم المحل
للبراءة المزبورة بعد ما عرفت من براءة
ذمته بالضمان عندنا، وإنما محلها حينئذ ذمة
الضامن فإذا أبرأه برئا معا " (1).
وجاء مثل ذلك في المسالك (2)
والكفاية (3) والعروة (4) والمستمسك (5) وتحرير
الوسيلة (6) ومنهاج الصالحين (7).
الإبراء والكفالة:
لما كان مفاد الكفالة هو إحضار
الكفيل المكفول عند المكفول له حين
المطالبة، ولا يتضمن انتقال ذمة المكفول
إلى ذمة الكفيل، بل تبقى ذمته (الكفيل)
مشغولة، فلذلك تكون قابلة للإبراء،
بخلاف الضمان الذي لم تبق ذمة المضمون
له مشغولة بعده، وبناء على ذلك يصح
للمكفول له إبراء المكفول، وحينئذ تبرأ

(1) الشرائع 2: 108.
(2) الرياض 1: 595.
(1) الجواهر 26: 127.
(2) المسالك 1: 201.
(3) الكفاية: 114.
(4) العروة، الضمان، الأمر العاشر، المسألة 3.
(5) المستمسك 13: 276.
(6) تحرير الوسيلة 2: 26.
(7) منهاج الصالحين 2: 182.
167

ذمة الكفيل أيضا، لعدم بقاء مورد الكفالة،
بخلاف ما لو أبرأ ذمة الكفيل فلا تبرأ ذمة
المكفول، لبقاء ذمته مشغولة فتكون الكفالة
عكسا للضمان.
قال العلامة: " وإذا أبرأ المكفول له
الكفيل من الكفالة أو اعترف بذلك بأن
يقول: أبرأته، أو برئ إلي، أو رد إلي
المكفول به، برئ من الكفالة وإذا برئ
الكفيل لم يبرأ المكفول به من الدين
بخلاف الضمان، ولو أبرأ المكفول به من
الحق الذي كفل الكفيل عليه برئ الكفيل
أيضا " (1).
وجاء في مفتاح الكرامة: " إذا أبرأ
المكفول له الكفيل من الكفالة كأن يقول:
أبرأته، برئ... وإذا أبرأ المكفول به من
الحق الذي كفله الكفيل برئ الكفيل أيضا
كما في المبسوط والتذكرة، لسقوط الحق
المقتضي لبطلان الكفالة " (2).
وإذا ترامت الكفالات بأن كفل
شخص ثان الكفيل الأول وثالث الثاني
وهكذا... فإن أبرأ المكفول له الكفيل
الأول، برئت ذمته وذمة من كفله، وهكذا
جميع الكفلاء، وكذا لو أحضر الكفيل
المكفول به، وأما لو أبرأ الكفيل الثاني
خاصة فيبرأ هو والثالث والرابع وهكذا،
ولا يبرأ الكفيل الأول لبقاء موردها دون
الثالث ومن بعده، لعدم مورد لها حينئذ.
قال في مفتاح الكرامة معلقا على
قول العلامة: " لو ترامت الكفالات صح،
فإن أبرأ الأصيل برئوا جميعا ": " ومعناه:
أن المكفول له لو أبرأ الكفيل الأصيل
- أعني الأول - برئوا جميعا لزوال الكفالة
بسقوط الحق، ويبرأون جميعا لو أحضر
الأصيل مكفوله لأنهم فروعه... " (1).
ومثله قال في الحدائق (2) وتحرير
الوسيلة (3).
مظان البحث:
قد تعرض الفقهاء للإبراء في موارد كثيرة
على نحو استطرادي أهمها:
1 - في كتب آيات الأحكام عند تفسير
قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم

(1) التذكرة 2: 103.
(2) مفتاح الكرامة 5: 434.
(1) مفتاح الكرامة 5: 444.
(2) الحدائق 21: 80.
(3) تحرير الوسيلة 2: 37 و 38.
168

تعلمون) (1) وقوله تعالى: (... إلا أن يعفون
أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (2).
2 - الإجارة: إبراء المريض الطبيب.
3 - البيع: خيار الشرط
4 - الصلح
5 - الدين
6 - الهبة
7 - الكفالة
8 - الضمان
9 - الحوالة
10 - النكاح: العفو عن المهر
11 - منجزات المريض
12 - الديات: إبراء المجني عليه
وغير ذلك...
إبضاع
لغة:
من البضاعة بمعنى السلعة أو القطعة
من المال الذي يتجر فيه، وأصلها من
البضع وهو القطع (1).
اصطلاحا:
هناك اختلاف في بيان حقيقة
الإبضاع اصطلاحا حيث فسر بعدة
تفاسير، منها:
1 - أنه: " دفع مال إلى أحد يتجر
له مجانا " كما في زبدة البيان للمحقق
الأردبيلي (2).
2 - أو أنه: " أن يدفع الإنسان إلى
غيره مالا يبتاع له به متاعا ولا حصة له
في ربحه " كما في كنز العرفان للفاضل
المقداد (3).

(1) البقرة: 280.
(2) البقرة: 237.
(1) المصباح المنير، لسان العرب: " بضع ".
(2) زبدة البيان: 465.
(3) كنز العرفان 2: 75.
169

3 - أو أنه: " دفع مال إلى أحد
ليتجر به مجانا من غير حصة في ربحه،
لكن إن تبرع به فلا أجرة له وإلا فله
أجرة مثله " كما في مسالك الأفهام للفاضل
الجواد (1).
ويتركز الاختلاف في أنه: هل
تكون المجانية دخيلة في تحقق عنوان
الإبضاع أو لا؟ بمعنى أنه هل يجب أن
يقوم العامل بالعمل مجانا ومن دون أن
يشترك في الربح أو يستحق أجرة المثل؟
أو هناك تفصيل بين أن يتبرع بالعمل فلا
ربح ولا أجرة له، أو يطلق فله أجرة مثل
عمله؟
وأما إذا عين أجرة مضبوطة في
مقابل عمل مضبوط فهو إجارة، أو غير
مضبوط فهو جعالة.
يظهر من بعض الفقهاء: أن المجانية
دخيلة في حقيقته كالشهيد في المسالك
حيث قال - فيما إذا قال المالك: " خذه
قراضا والربح لي... ": " وهل يكون بهذه
الصيغة بضاعة بمعنى أن العامل لا يستحق
على عمله أجرة، أم يكون قراضا
فاسدا؟ " (1).
وقال في الكفاية: " ولو قال: خذه
قراضا والربح لي لم يكن مضاربة
صحيحة، وهل يكون بضاعة بمعنى أن
العامل لا يستحق على عمله أجرة أم
يكون قراضا فاسدا؟ " (2).
ويظهر من فقهاء آخرين أن المجانية
غير دخيلة في حقيقتها، كالعلامة - على
ما نسب إليه - والفاضل المقداد والشهيد
الثاني في بعض عبارات المسالك والرياض
والجواهر وغيرها.
قال الفاضل المقداد: " إذا دفع
الإنسان إلى غيره مالا ليعمل فيه
بالاسترباح: فإما أن يشترط الربح فيه
للمدفوع إليه فذلك قرض في المعنى
ويكون المال مضمونا على القابض، أو
يشترط الربح لنفسه خاصة دون العامل
فذلك بضاعة، فإن قال: بع ذلك ولا أجرة
لك، فهو توكيل في الاسترباح من غير
رجوع عليه بأجرة، وإن قال: ولك أجرة
كذا، فإن عين عملا مضبوطا بالمدة أو
العمل فذاك إجارة، وإن لم يعين فجعالة،

(1) مسالك الأفهام 3: 94.
(1) المسالك 1: 226.
(2) الكفاية: 120.
170

وإن سكت، فإن تبرع العامل بالعمل فلا
أجرة له وإن لم يتبرع وكان ذلك الفعل له
أجرة عرفا، فله أجرة مثله، أو يشترط
الربح مشتركا... " (1).
وقال - أيضا - في كنز العرفان:
"... إن عامل البضاعة حيث لا حصة له
في الربح، فإن تبرع بالعمل فلا أجرة له
أيضا وإلا كان له أجرة مثل عمله في تلك
البضاعة " (2).
وقال الشهيد في المسالك: " واعلم
أن من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا
يخلو إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو
لأحدهما أو لا يشترطا شيئا، فإن
اشترطاه بينهما فهو قراض، وإن اشترطاه
للعامل فهو قرض، وإن اشترطاه للمالك
فهو بضاعة، وإن لم يشترطا شيئا فكذلك
[أي بضاعة] إلا أن للعامل أجرة
المثل " (3).
ونقل مثل ذلك عن العلامة في
التذكرة، وقال في الرياض: " وظاهر
عبارتهما (التذكرة والمسالك) كباقي
الأصحاب عدم لزومه للعامل في البضاعة،
وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من
عرف أو عادة بلزومه [أي الأجرة عند
الاطلاق] وإلا فالمتجه لزومه، ولذا فصل
الفاضل المقداد... " ثم نقل عبارته الأولى
المتقدمة ثم قال: " ولنعم ما فصل، وينبغي
تنزيل كلمات الأصحاب عليه " (1).
واستشكل صاحب الجواهر على
كلام العلامة والشهيد حيث فصلا بين ما
إذا اشترطا الربح للمالك، فقالا بكونه
بضاعة ولا أجرة مثل له، وبين ما إذا لم
يشترطا شيئا فيكون بضاعة إلا أن العامل
يستحق أجرة المثل فقال: " لا يخفى عليك
عدم وضوح الفرق بينهما، إذ التصريح في
الأول منهما بكون الربح بأجمعه للمالك أعم
من التبرع بالعمل وعدم إرادة الأجر
عليه، فالتحقيق حينئذ عدم الفرق بينهما،
وأن العامل يستحق الأجر فيهما... ".
إلى أن قال: " ولعله إلى ذلك أشار
الفاضل المقداد في شرح النافع... " (2) ثم
نقل عبارته الأولى المتقدمة...
وعكس المحقق الأردبيلي الإشكال

(1) التنقيح الرائع 2: 213.
(2) كنز العرفان 2: 75.
(3) المسالك 1: 281.
(1) الرياض 1: 605.
(2) الجواهر 26: 336 - 338.
171

عليهما، فقال بعد نقل عبارة العلامة: " فإن
لم يشترطا فالربح بأجمعه لصاحب المال،
وعليه أجرة المثل للعامل ": " محل التأمل،
إذ الأصل عدم لزوم الأجرة... " (1).
وقال صاحب الحدائق معلقا عليه:
" وحاصله يرجع إلى قيام احتمال التبرع،
فالحكم بالأجرة مع الإطلاق يحتاج إلى
دليل، وليس فليس، وهو جيد " (2).
هذا كله بالنسبة إلى حقيقة الإبضاع
وأما الأحكام:
لم يتطرق الفقهاء إلى بيان أحكام
الإبضاع، بل إنما اقتصروا على ما ذكرناه
بصورة استطرادية في بحث المضاربة
(القراض).
نعم، يستفاد من مطاوي كلامهم:
أنه عقد جائز وضعا ومباح تكليفا.
مظان البحث:
1 - أول البحث عن المضاربة بالمناسبة
2 - في كتب آيات الأحكام عند تفسير
قوله تعالى: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في
رحالهم) (1).
إبط
لغة:
ما تحت الجناح وجمعه آباط مثل
حمل وأحمال.
اصطلاحا:
نفس المعنى.
الأحكام:
يستحب إزالة شعر الإبط للرجل
والمرأة كما ويستحب اختيار طليه على
حلقه، وحلقه على نتفه، ويكره اختيار
نتفه (2).

(1) مجمع الفائدة والبرهان 10: 226.
(2) الحدائق 21: 200.
(1) يوسف: 62.
(2) بداية الهداية 1: 19 والذكرى: 19.
172

إبطال
لغة:
من أبطل أي جاء بالباطل وهو ضد
الحق، والفاسد (1).
اصطلاحا:
إتيان العمل فاسدا إما بزيادة أو
نقيصة ما يوجب زيادته أو نقصانه
البطلان من جزء أو شرط أو غيرهما.
ما يتحقق به الإبطال:
يتحقق الإبطال بأحد الأمور
التالية:
الأول - الإخلال عمدا بجزء أو شرط
زيادة أو نقصانا:
وهذا هو المصداق الأتم للإبطال،
ولا يختص بعمل دون عمل بل يشمل
العباديات والتوصليات.
وأما الإخلال نسيانا فهو موجب
للبطلان في بعض الصور.
الثاني - نية قطع العمل:
بحث الفقهاء حول قطع العمل
العبادي وبطلانه بمجرد نية قطعه من دون
إتيان القاطع، ويأتي البحث عنه في محله.
راجع: نية.
ولا بد من التنبيه على أن قاطعية نية
القطع - على فرضها - مختصة بالأعمال
العبادية ولا تشمل غيرها.
الثالث - الرياء:
المشهور بين الفقهاء هو بطلان العمل
العبادي بالرياء، قال السيد اليزدي:
" يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات
الخلوص عن الرياء، فلو نوى بها الرياء
بطلت، بل هو من المعاصي الكبيرة، لأنه
شرك بالله تعالى... " (1).
وقال السيد الحكيم معلقا عليه:
" على المشهور المعروف شهرة عظيمة
كادت تكون إجماعا، بل عن غير واحد
دعوى الاتفاق عليه إلا من المرتضى في
الانتصار فذهب إلى عدم بطلان العبادة
بالرياء، بل هي مجزئة مسقطة للأمر وإن لم

(1) لسان العرب، المصباح المنير: " بطل ".
(1) العروة، الصلاة، فصل النية، المسألة 8.
173

يترتب عليها الثواب... " (1).
وبحث المؤلفون في آيات الأحكام
حول ذلك عند البحث عن النية في ذيل
قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك
له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (2) ".
راجع: رياء، نية.
الرابع - المن والأذى:
من الأمور المبطلة لبعض العبادات
مثل العطايا والصدقات هو المن والأذى.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله
رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر
فمثله كمثل صفوان...) (3).
قال الفاضل المقداد بعد ذكر الآية:
" المن هو أن يقول له ألم أعطك كذا؟...
والأذى أن يقول: أراحني الله منك، أو
يعبس في وجهه... وإنما كانا مبطلين
للصدقة، لأن صدورهما يكشف عن كون
الفعل لم يقع خالصا لله تعالى، وهو معنى
بطلانه...
ثم إنه تعالى جعل المان بصدقته
والمؤذي لمن يتصدق عليه كالمرائي بنفقته،
وكالمنفق الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم
الآخر، فإن قوله (كالذي ينفق ماله)
صفة لمصدر محذوف أي إبطالا كإبطال
الذي ينفق ماله، فإن كل واحد من الرياء
والكفر سبب تام لعدم فائدة
الإنفاق... " (1).
هذا ولكن ينبغي حمل كلام الفاضل
على ما إذا كان المن والأذى مقارنا للعمل
(دفع الزكاة مثلا) بحيث يكونان كاشفين
عن عدم خلوص النية لا على ما إذا تحققا
بعده، إذ الإبطال بهذا المعنى متوقف على
الالتزام بالإحباط، وهذا ما لا يقول به
الإمامية كما قال الشيخ بعد تفسير الآية بما
يقرب مما تقدم: " وليس فيها ما يدل على
أن الثواب المستقر يزول بالمن فيما بعد، ولا
بالرياء الذي يحصل فيما يتجدد، فليس في
الآية ما يدل على ما قالوه " (2) أي
الإحباط. وهكذا قال الطبرسي أيضا في
مجمع البيان.

(1) المستمسك 6: 20.
(2) الأنعام: 162 و 163، راجع كنز العرفان
1: 157.
(3) البقرة: 264.
(1) كنز العرفان 1: 246.
(2) التبيان 2: 336.
174

راجع: إحباط.
قاعدة
" حرمة إبطال الأعمال العبادية "
من القواعد الفقهية المشهورة قاعدة
حرمة إبطال الأعمال العبادية، وربما عبر
عنها بعضهم بوجوب إتمام الأعمال العبادية
الواجبة كما فعل الشهيد الأول (1).
مفاد القاعدة:
المراد من القاعدة هو: أن العمل
العبادي المركب التدريجي الوجود لا يجوز
إبطاله في الأثناء بمعنى رفع اليد عن إتيانه
تماما أو إتيان ما لا يصح معه الإتمام،
لخروجه عن قابلية التحاق الأجزاء
اللاحقة بسابقتها كي يتم العمل ويتحقق
صحيحا. ومثال ذلك رفع اليد عن إتمام
الصلاة - في أثنائها - أو إتيان أحد
قواطعها (2).
حدود القاعدة:
بحث الفقهاء حول حدود القاعدة
هل أنها تشمل جميع الأعمال العبادية أو
تختص ببعضها كالصلاة - مثلا -؟ وأما
الأعمال غير العبادية فمن المعلوم عدم
شمول القاعدة لها إلا مع طروء عناوين
أخرى.
الموارد الخارجة عن القاعدة:
هناك موارد خارجة عن القاعدة
ولكن خروجها تارة يكون على نحو
التخصص، وتارة على نحو التخصيص.
أولا - الموارد الخارجة تخصصا:
كل مورد كان الواجب فيه مضيقا
يحرم إبطاله، لأنه يؤدي إلى عدم
امتثاله، ولعله لا تنحصر حرمة الإبطال
- في هذه الصورة - بالواجبات العبادية بل
تشمل غيرها أيضا.
ثانيا - الموارد الخارجة تخصيصا:
قام الدليل على خروج بعض
الموارد عن القاعدة منها:
1 - إذا توقف حفظ نفس محترمة
على قطع العبادة فيجب لوجوب مقدمة
الواجب، كما إذا كان في الصلاة وشاهد
إنسانا يغرق فيجب عليه قطع الصلاة
لإنقاذ الغريق من الهلاك.
2 - إذا توقف حفظ مال محترم على

(1) القواعد والفوائد 1: 97.
(2) القواعد الفقهية 5: 214.
175

قطع العبادة فيجوز القطع إلا إذا كان حفظ
المال واجبا - كما إذا كان أمانة - فيجب
القطع من باب مقدمة الواجب أيضا.
وموارد حفظ المال التي يجب قطع الصلاة
فيها عديدة يجمعها الوجوب من باب
المقدمة.
3 - إذا تزاحمت العبادة مع ما هو
أهم منها حتى ولو كانت الأهمية من جهة
كونه مضيقا، كإزالة النجاسة عن المسجد
- على تفصيل فيه - فيجب قطع الصلاة
لإزالة النجاسة (1).
مظان البحث:
1 - الصلاة: النية، تكبيرة الإحرام.
2 - الصوم: النية.
3 - الزكاة: النية.
أبطح
لغة:
من بطحه أي ألقاه على وجهه
فانبطح، والأبطح مسيل واسع فيه دقاق
الحصى... والبطحاء مثل الأبطح ومنه
بطحاء مكة... وقيل: بطحاء الوادي
تراب لين مما جرته السيول (1).
اصطلاحا:
هو مسيل مكة الذي هو مسيل
واسع فيه دقاق الحصى، أوله عند منقطع
الشعب بين وادي منى، وآخره متصل
بالمقبرة التي تسمى ب‍ " المعلى " عند أهل
مكة.
ويطلق عليه " المحصب " أيضا (2).

(1) راجع كل ذلك القواعد الفقهية 5: 219
و 220 وراجع عناوين الأصول للمراغي، عنوان
24.
(1) الصحاح، لسان العرب، معجم البلدان،
مجمع البحرين، المصباح المنير: " بطح ".
(2) نفس المصادر.
176

الأحكام:
هناك حكمان مترتبان على هذا
العنوان وهما:
أولا - استحباب رفع الصوت بالتلبية
لمن أشرف على الأبطح إذا أحرم من
داخل مكة.
قال صاحب المدارك معلقا على
قول المحقق: " وإذا أحرم بالحج من مكة
رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على
الأبطح... " (1).
المستند في ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن عمار (2) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان يوم
التروية - إن شاء الله - فاغتسل ثم البس
ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك
السكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم عليه السلام أو في الحجر ثم اقعد حتى
تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر
صلاتك كما قلت حين أحرمت من
الشجرة، فاحرم بالحج، ثم إمض وعليك
السكينة والوقار فإذا انتهيت إلى الرقطاء
دون الردم فلب، فإذا انتهيت إلى الردم
وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك
بالتلبية حتى تأتي منى... " (1).
ثم إن هناك بحثا حول التلبية قبل
الإشراف على الأبطح: فالمعروف
استحباب قولها سرا سواء كان راكبا أو
ماشيا، وعن الشيخ التفصيل بين الراكب
والماشي، فالأول يقولها سرا من حيث
صلى، والثاني يقولها كذلك من عند شعب
الدب، وكلاهما لا يجهران إلا عند
الإشراف على الأبطح (2).
ثانيا - استحباب التحصيب: وهو
نزول الحاج - في النفر الأخير الذي يرجع
فيه إلى مكة - في المحصب وهو ما بين
العقبة وبين مكة، أو ما بين الجبل الذي
عنده مقابر مكة والجبل الذي يقابله،
مصعدا في الشق الأيمن للقاصد مكة،
وليست المقبرة منه.
واشتقاق المحصب من الحصباء
وهي الحصى المحمولة بالسيل (3).

(1) الشرائع 1: 248.
(2) الوسائل 10: 2، الباب 1، من أبواب
الإحرام، الحديث 1.
(1) المدارك 7: 302، وراجع الجواهر 18:
282.
(2) نفس المصادر.
(3) المدارك 8: 262.
177

وعن الشيخ: أن التحصيب هو
النزول في مسجد الحصبة (1).
ولكن في السرائر: " ليس لهذا
المسجد المذكور في الكتب أثر اليوم، وإنما
المستحب التحصيب، وهو نزول الموضع
والاستراحة فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه
وآله وسلم " (2).
ويدل على الاستحباب مضافا إلى
التأسي ما رواه الشيخ عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا
نفرت وانتهيت إلى الحصبة - وهي
البطحاء - فشئت أن تنزل بها قليلا فإن أبا
عبد الله عليه السلام قال: كان أبي ينزلها، ثم
يحمل فيدخل مكة من غير أن ينام
بها " (3). وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن
الحصبة فقال: " كان أبي ينزل الأبطح
قليلا ثم يجئ فيدخل البيوت من غير أن
ينام بالأبطح... " (4).
مظان البحث:
1 - مندوبات الإحرام.
2 - أحكام العود إلى مكة:
المندوبات.
إبل
لغة:
لا واحد له من جنسه، وهو الحيوان
المعروف أحد الأنعام الثلاثة.
الأحكام:
أولا - طهارتها وطهارة سؤرها:
الإبل من الحيوانات الطاهرة العين
كما أن
سؤرها طاهر أيضا بلا خلاف في
شئ من ذلك.
هذا إذا كانت حية، وأما إذا كانت
ميتة فهي نجسة، لنجاسة ميتة كل
ذي نفس سائلة.
ثانيا - طهارة أبوالها:
لا خلاف - ظاهرا - في طهارة أبوال

(1) المدارك 8: 262.
(2) السرائر 1: 613.
(3) الوسائل 10: 229، الباب 15، العود إلى
منى، الحديث 1.
(4) نفس المصدر، الحديث 2.
178

الإبل، وقد نقل (1) الإجماع من الخلاف
والناصريات والغنية والتذكرة والبيان على
طهارة فضلة مأكول اللحم، مضافا إلى
دلالة جملة من النصوص على ذلك مثل
موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: " كل
ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه " (2).
ثالثا - حلية لحومها:
لا خلاف - كما في الجواهر (3) - في
حلية لحوم الأنعام الثلاثة التي منها الإبل،
نعم حكي - في الدروس (4) - عن الحلبي
القول بكراهة لحم الإبل.
رابعا - جواز شرب أبوالها:
المعروف أنه يجوز شرب أبوال
الإبل، وقد أجازه حتى من قال بحرمة
شرب أبوال الحيوانات المأكولة اللحم
كالشيخ (5) وابن حمزة (6) والمحقق (7)
والعلامة (1) والشهيدين (2) وغيرهم ممن حرم
شرب سائر الأبوال، ولكن قيدوه بكونه
للاستشفاء، لما ورد أنها تفيد لمعالجة
" الربو " وهو ضيق النفس الشديد، فقد
ورد عن المفضل بن عمر أنه قال:
شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام الربو
الشديد، فقال: " اشرب له أبوال اللقاح "
فشربت ذلك فمسح الله دائي (3)، وعن
موسى بن عبد الله بن الحسن، قال: سمعت
أشياخنا يقولون: " ألبان اللقاح شفاء من
كل داء وعاهة، ولصاحب الربو أبوالها " (4).
واللقاح الإبل. وفي دعائم الإسلام: " قدم
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم من
بني ضبة مرضى فأخرجهم إلى إبل الصدقة
وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها
يتداوون بذلك... " (5).
خامسا - جواز التكسب بأبوالها:
المعروف جواز التكسب بأبوال

(1) المستمسك 1: 282، وراجع الجواهر 5:
287.
(2) الوسائل 2: 1011، باب 9 من أبواب
النجاسات، الحديث 12.
(3) الجواهر 36: 264.
(4) الدروس 3: 5.
(5) النهاية: 59.
(6) الوسيلة: 364.
(7) الشرائع 3: 227.
(1) القواعد 2: 158.
(2) اللمعة وشرحها 7: 324.
(3) الوسائل 17: 87، الباب 59 من أبواب
الأطعمة المباحة، الحديث 8.
(4) نفس المصدر، الحديث 4.
(5) دعائم الإسلام 2: 476 الحديث 1711.
179

الإبل، والتزم به حتى من قال بحرمة
التكسب بأبوال الحيوانات المأكولة اللحم
كالمفيد حيث قال: "... وبيع العذرة
والأبوال كلها حرام إلا أبوال الإبل
خاصة، فإنه لا بأس ببيعها والانتفاع بها
واستعمالها لضرب من الأمراض " (1) وسلار
حيث قال: "... والتصرف في الميتة ولحم
الخنزير وشحمه والدم والعذرة والأبوال
ببيع وغيره حرام، إلا بيع بول الإبل
خاصة... " (2).
سادسا - الصلاة في معاطنها:
المعاطن جمع معطن، وهو محل نزول
الإبل حول الماء لتشرب علا بعد نهل
- والنهل: الشرب الأول، والعل: الشرب
الثاني - هكذا جاء في تعبير أكثر الفقهاء،
ولكن ورد في كلمات آخرين التعبير
ب‍ " المبارك " جمع مبرك، وهو مطلق محل
نزول الإبل للاستراحة سواء كان حول
الماء أو لا، ويبدو أن موضوع الحكم
الشرعي - الذي سنبينه - هو مطلق المبرك
سواء كان حول الماء أو لا، وإن عبر عنه
البعض ب‍ " المعطن " كما صرح بذلك في
جامع المقاصد والجواهر، قال الأول معلقا
على قول العلامة: " وتكره معاطن الإبل ":
" هي منازلها حول الماء لتشرب علا بعد
نهل، قال صاحب الصحاح: والعل:
الشرب الثاني، والنهل: الشرب الأول،
والفقهاء جعلوه أعم من ذلك وهي مبارك
الإبل مطلقا التي يأوي إليها، وكذا قال في
المنتهى... " (1).
وقال صاحب الجواهر - بعد بحث
مفصل حول ذلك -: " فالمعاطن أو
الأعطان أو نحوهما حينئذ في... - ثم ذكر
بعض الروايات والكلمات التي ورد فيها
هذا التعبير - إن لم يكن معناها مطلق
المبارك فمراد منها ذلك ولو بقرينة ما
عرفت... " (2).
وعلى أي حال فالمعروف بين
الفقهاء هو كراهة الصلاة في معاطن الإبل
ولكن نقل عن الحلبي القول بالتحريم.
والظاهر خفة الكراهة بالكنس
والرش (3).

(1) المقنعة: 587.
(2) المراسم: 170.
(1) جامع المقاصد 2: 133.
(2) الجواهر 8: 342 و 343.
(3) نفس المصدر.
180

سابعا - تعلق الزكاة بها:
الإبل من الأمور التسعة التي يتعلق
بها الزكاة، ونصبه على المشهور - بل ادعي
عليه الإجماع - إثنا عشر نصابا وهي:
1 - خمس وفيها شاة.
2 - عشرة وفيها شاتان.
3 - خمس عشرة وفيها ثلاث شياه.
4 - عشرون وفيها أربع شياه.
5 - خمس وعشرون وفيها خمس
شياه.
6 - ست وعشرون وفيها بنت
مخاض.
7 - ست وثلاثون وفيها بنت لبون.
8 - ست وأربعون وفيها حقة، وهي
التي دخلت في الرابعة.
9 - إحدى وستون وفيها جذعة، وهي
التي دخلت في الخامسة.
10 - ست وسبعون وفيها بنتا لبون.
11 - إحدى وتسعون وفيها حقتان.
12 - مئة وإحدى وعشرون، وفيها
كل أربعين بنت لبون، وكل خمسين حقة.
ومحل الخلاف فيما يلي:
1 - أسقط ابن أبي عقيل وابن الجنيد
النصاب السادس، قال العلامة في
المختلف: " المشهور أن في خمس وعشرين
من الإبل خمس شياه فإذا زادت واحدة
وجب بنت مخاض أو ابن لبون ذكر، ذهب
إليه الشيخان والسيد المرتضى وابن
إدريس وابنا بابويه وسلار وأبو الصلاح
وابن البراج وباقي علمائنا إلا ابن أبي عقيل
وابن الجنيد فإنهما أوجبا في خمس
وعشرين بنت مخاض، قال ابن أبي عقيل:
" فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت
مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت
واحدة ففيها بنت لبون ".
وقال ابن الجنيد: " ثم ليس في
زيادتها شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين
فإذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم
يكن في الإبل فابن لبون ذكر، فإن لم يكن
فخمس شياه، فإذا زاد على الخمس
والعشرين واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم
يوجد فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين،
فإن زادت واحدة على خمس وثلاثين
ففيها ابنة لبون " (1).
وبعد التأمل في كلام ابن الجنيد نرى
أنه يوافق المشهور - في الحقيقة - وإنما

(1) المختلف: 175.
181

الخلاف بينه وبينهم هو إبدال الخمس شياه
- في الخمس والعشرين - ببنت مخاض لا
غير (1).
2 - نسب - في المختلف - إلى
الصدوقين (علي بن بابويه وابنه محمد)
أنهما أسقطا نصاب ست وسبعين وأبدلاه
بواحد وثمانين وجاء في كلامهما "... إلى
أن تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها
جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها
ثني " ثم علق العلامة على ذلك قائلا: " ولم
يوجب باقي علمائنا في إحدى وثمانين شيئا
أصلا عدا نصاب ست وسبعين " (2).
3 - وقع الاختلاف في أن التخيير
في النصاب الأخير (121) وما بعده بين
العد بالأربعين أو الخمسين هل هو مطلق
أو مقيد بصورة ما إذا لم يؤثر العد
بأحدهما دون الآخر مثل المئتين، فإنه
لا فرق بين العد بالخمسين أو الأربعين،
بمعنى أنه ليس فيه عفو، أما في مثل المئة
والواحد والعشرين فإن العد إن كان
بالخمسين يبقى واحد وعشرون، وإن كان
بالأربعين يبقى واحد. فقد نسب إلى
الشهيد في المسالك القول بلزوم مراعاة
حق الفقراء مهما أمكن، فلا يعد بما يوجب
سقوط الزائد، بمعنى أنه يلزم العد
بالأربعين في المئة والواحد والعشرين،
وبكليهما في المئة والسبعين، ويتخير في
المئتين (1).
ثامنا - الإبل والهدي:
يجوز ذبح الإبل في الهدي ولا
يجزي إلا الثني بلا خلاف - كما في
الجواهر - والمراد منه هو الذي له خمس
ودخل في السادسة (2).
وأفضلها الإناث.
ويستحب أن تنحر وهي قائمة قد
ربطت بين الخف والركبة يطعنها من
الجانب الأيمن (3). قال أبو خديجة: رأيت
أبا عبد الله عليه السلام وهو ينحر بدنة معقولة
يدها اليسرى ثم يقوم به من جانب يدها
اليمنى ويقول: " بسم الله والله أكبر، اللهم
هذا منك ولك، اللهم تقبل مني " ثم يطعن
في لبتها، ثم يخرج السكين بيده، فإذا

(1) راجع الحدائق 12: 43.
(2) المختلف: 176.
(1) المسالك 1: 52.
(2) الجواهر 19: 136.
(3) نفس المصدر: 155 و 156.
182

وجبت قطع موضع الذبح بيده (1).
تاسعا - نحر الإبل:
المعروف بين الفقهاء - بل ادعي عليه
عدم الخلاف والإجماع - أن تذكية الإبل
تنحصر بالنحر، فلا تذكى لو ذبحت،
ولكن توقف فيه المحققان: الأردبيلي
والسبزواري - تبعا لما ينقل عن ثاني
الشهيدين في بعض الحواشي - بدعوى عدم
الاطلاع على رواية تدل على المطلوب.
ومع ذلك فقد ادعي الإجماع على
اختصاص الإبل بالنحر، كما نقل عن
الغنية والخلاف: أن النحر في الإبل،
والذبح في ما عداها هو السنة الشريفة بلا
خلاف - إلى أن قالا -: " ولا يجوز في
الإبل الذبح وفي ما عداها النحر، فإن فعل
ذلك لم يحل الأكل بدليل إجماع الطائفة ".
وكيفية النحر هو: الضرب بما يصلح
به التذكية في لبة الإبل (2).
ويستحب أن تربط أخفافها إلى
آباطها وتطلق رجلاها، أي يجمع خفا
يديها ويربطان مما بين الخفين إلى الإبطين
وتطلق رجلاها (1).
عاشرا - لقطة الإبل:
إذا وجد البعير في كلأ وماء سواء
كان صحيحا أو لا، أو وجد في غيره
وكان صحيحا فلا يجوز أخذه، لقوله
صلى الله عليه وآله وسلم: حذاؤه خفه، وسقاؤه
كرشه فلا تهجه (2).
وعلى هذا فلو أخذه في هذه
الصورة ضمنه فلا يبرأ بإرساله، بل لا بد
من تسليمه إلى صاحبه أو الحاكم.
هذا كله مما لا خلاف فيه - كما يظهر
من مفتاح الكرامة (3) والجواهر (4) - ومفهوم
ذلك: أنه لو وجده سقيما في ماء وكلأ
فيجوز أخذه.
الحادي عشر - الإبل في الدية:
إذا كانت الدية دية عمد ففيها مئة

(1) الوسائل 10: 135، الباب 35 من
أبواب الذبح الحديث 3.
(2) راجع كل ذلك في الجواهر 36: 116 -
120، والخلاف: كتاب الصيد والذباحة المسألة
رقم (24)، والغنية (الجوامع الفقهية): 556
وكفاية الأحكام: 247.
(1) الجواهر 36: 132.
(2) الوسائل 17: 363، الباب 13 من أبواب
اللقطة، الحديث 1.
(3) مفتاح الكرامة 6: 127.
(4) الجواهر 38: 218 - 223.
183

بعير من مسان الإبل.
وقد ادعى العديد من الفقهاء
الإجماع على ذلك.
وتسمى هذه الدية ب‍ " الدية
المغلظة ".
وأما إذا كانت دية شبه العمد أو
الخطأ، ففيها:
1 - ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث
وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية،
كلها طروقة الفحل.
2 - أو ثلاثون بنت مخاض،
وثلاثون بنت لبون، وأربعون خلفة.
3 - أو ثلاثون بنت لبون، وثلاثون
حقة، وأربعون خلفة.
على اختلاف الأقوال والروايات (1).
وتسمى هذه الدية ب‍ " الدية
المخففة ".
راجع: دية.
الثاني عشر - أسنان الإبل:
أسنان الإبل من أول يوم تطرحه
أمه إلى تمام السنة حوار (2) فإذا دخل في
الثانية سمي ابن مخاض [والأنثى بنت
مخاض] لأن أمه قد حملت، فإذا دخلت
في السنة الثالثة يسمى ابن لبون [وأنثاه
بنت لبون] وذلك لأن أمه قد وضعت
وصار لها لبن، فإذا دخل في السنة الرابعة
يسمى الذكر حقا والأنثى حقة، لأنه قد
استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في
السنة الخامسة يسمى جذعا [وأنثاه
جذعة] فإذا دخل في السادسة يسمى ثنيا
[وأنثاه ثنية] لأنه قد ألقى ثنيته، فإذا
دخل في السابعة ألقى رباعيته ويسمى
رباعيا، فإذا دخل في الثامنة ألقى السن
الذي بعد الرباعية وسمي سديسا، فإذا
دخل في التاسعة وطرح نابه سمي بازلا،
فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف وليس له
بعد هذا اسم (1).
وقيل: إنه إذا دخل في العاشرة
فيسمى بازل عام، وفي الحادي عشر بازل
عامين وهكذا (2)...
وهناك اصطلاح آخر وهو اصطلاح

(1) راجع كل ذلك في الجواهر 43: 4 - 20.
(2) الحوار بالكسر والضم: ولد الناقة ولا يزال
حوارا حتى يفصل فإذا فصل عن أمه فهو فصيل.
(1) الكافي 3: 533، الفقيه 2: 25، معاني
الأخبار: 328، الجواهر 15: 123.
(2) الجواهر 43: 5 نقلا عن المهذب البارع
وغيره.
184

" المسنة " ويبدو أن المراد منها هي التي
دخلت في السادسة (أي الثنية) إلى بازل
عامها (1)...
الإبل الجلالة وأحكامها
ألف - تعريفها:
وهي الإبل التي تتغذى عذرة
الإنسان محضا إلى أن ينبت لحمها ويشتد
عظمها عرفا (2).
ب - حكمها من حيث النجاسة والطهارة:
يبدو أن المشهور بين الفقهاء هو
طهارة الإبل الجلالة عينا، قال في
الجواهر: " ثم لا يخفى عليك أن الجلل إنما
يفيد تحريم الأكل للحيوان دون النجاسة،
للأصل وغيره، والأمر بالغسل للعرق أعم
من نجاسة الحيوان، بل ومن العرق نفسه،
خصوصا بعد الشهرة على الطهارة، إذ
يمكن كون المراد به للصلاة باعتبار
صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه المانعة
من الصلاة وإن كانت طاهرة، فما في
طهارة كشف اللثام - من أن الظاهر
النجاسة وحكاه عن الفاضل في المنتهى -
واضح الضعف " (1).
وقال في المستمسك حول عرق
الإبل الجلالة: "... والمحكي عن
المتأخرين الكراهة لما دل على طهارتها
وطهارة سؤرها الملازم لطهارة
عرقها... " (2).
ج - نجاسة أبوالها وأرواثها:
المعروف - ظاهرا - نجاسة أبوال
وأرواث الإبل الجلالة، وقد نقل في
الجواهر (3) - بعد أن ادعى عدم الخلاف في
ذلك - الإجماع عليه، ولم ينقل مخالفا في
ذلك، وذلك لشمول إطلاقات نجاسة أبوال
ما لا يؤكل لحمه للإبل الجلالة، لحرمة أكل
لحمها حتى على القول بعدم نجاستها عينا..
د - طهارة سؤرها:
المعروف طهارة سؤر الإبل الجلالة
لطهارة عينها، ونسب إلى السيد المرتضى
والشيخ وابن الجنيد المنع من سؤرها (4).

(1) الجواهر 43: 5.
(2) الروضة البهية 7: 290، الجواهر 1: 371
و 36: 272.
(1) الجواهر 36: 275.
(2) المستمسك 1: 438.
(3) الجواهر 5: 283، المستمسك 1: 279.
(4) الجواهر 1: 371، المستمسك 1: 271.
185

ه‍ - نجاسة عرقها:
اختلفوا في نجاسة عرق الإبل
الجلالة وعدمها على قولين:
1 - القول بالنجاسة وهو المنسوب
إلى الشيخين والصدوقين والقاضي ابن
البراج والعلامة في المنتهى والمحقق
الأردبيلي في المجمع، وتلميذه في المدارك،
وتلميذه السبزواري في الذخيرة وصاحبي
كشف اللثام والحدائق (1).
2 - القول بعدم النجاسة، والالتزام
بالاستكراه: وهو المنقول عن المراسم
والنافع وكشف الرموز والمختلف والذكرى
والبيان والدروس والتحرير والمهذب
والتنقيح بل وعامة المتأخرين (2).
و - حرمة لحومها:
المشهور بين الفقهاء هو حرمة لحوم
الحيوانات الجلالة - ومنها الإبل - حتى
تستبرأ، ولكن المنسوب إلى الشيخ
والإسكافي هو القول بالكراهة. ومما يهون
الخطب أن الجلال عند الشيخ - الذي حكم
بكراهته - هو الذي يكون أكثر علفه
العذرة، بينما المحكوم عليه بالحرمة عند
الأصحاب هو الذي ينحصر علفه
بالعذرة، وأما ما كان أغلب علفه العذرة
يعني يتغذى بالعذرة وغيرها أيضا، فهم
يحكمون بكراهته أيضا، فينحصر الخلاف
في محل البحث - إذن - في الإسكافي
خاصة، بل عن بعض حمل كلامه على ما
يرجع إلى المشهور أيضا (1).
ز - استبراء الإبل الجلالة:
والمقصود من استبرائها هو منعها
من الاغتذاء بالعذرة، واغتذاؤها بالعلف
الطاهر حتى يزول عنها الجلل.
واختلفوا في المدة التي يتحقق فيها
الاستبراء، فذهب بعضهم إلى الالتزام
بالمدة المذكورة في النصوص، وهي أربعون
يوما، مثل صاحب الجواهر (2)، ونسبه في
المستمسك إلى المشهور (3)، وقال بعض
هؤلاء: إن الحلية والحرمة تدوران مدار
انقضاء هذه المدة وعدمها فتحرم قبل
انقضائها وإن انتفى عنوان الجلل عنها، كما

(1) راجع الجواهر 6: 77، 36: 275
والمستمسك 2: 281، 1: 438.
(2) نفس المصادر.
(1) الروضة البهية 7: 290 والجواهر 36:
272.
(2) الجواهر 36: 276.
(3) المستمسك 2: 134.
186

أنه يرتفع التحريم بعد الانقضاء وإن بقي
العنوان.
ولكن ناقش صاحب الجواهر هذا
الرأي (1)، وذهب آخرون إلى دوران
الحرمة مدار زوال العنوان وعدمه وهو
ظاهر العروة (2).
واختار الشهيد الثاني لزوم مراعاة
أكثر الأمرين من المدة المقررة وزوال
العنوان (3)، وتبعه بعضهم.
مظان البحث:
1 - الطهارة:
ألف - الأعيان النجسة: البول، الإبل
الجلالة.
ب - الأسئار: سؤر الجلال.
2 - الصلاة: الصلاة في معاطن الإبل.
3 - الزكاة: زكاة الإبل.
4 - الحج: الهدي.
5 - المكاسب: المكاسب المحرمة -
التكسب بالأعيان النجسة.
6 - الذباحة: نحر الإبل.
7 - الأطعمة والأشربة: الحيوانات المحللة
الأكل.
8 - اللقطة: لقطة الإبل.
9 - الدية: أقسام الدية.
أبوال
لغة واصطلاحا:
جمع بول وهو أحد فضلتي الإنسان
والحيوان، وثانيهما الغائط.
الأحكام:
إن البول تارة يكون ل‍ " ما يؤكل
لحمه " وتارة ل‍ " ما لا يؤكل لحمه "
ويختلف حكم كل منهما.
أولا - أبوال ما يؤكل لحمه:
والبحث حول ذلك يقع في الموارد
التالية:
1 - طهارتها ونجاستها:
نقل دعوى الإجماع (1) من العديد

(1) الجواهر 36: 276.
(2) العروة، فصل المطهرات، المطهر الحادي
عشر.
(3) المسالك 2: 239.
(1) المستمسك 1: 281.
187

من الفقهاء - كالشيخ والسيد المرتضى وابن
زهرة والعلامة والشهيد وغيرهم - على
طهارة فضلة مأكول اللحم، وقد ورد:
" كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج
منه " (1).
نعم هناك موردان للاختلاف:
ألف - ذرق الدجاج، وقد حكي عن
الصدوق والمفيد والشيخ القول بالاجتناب
عنه، مع أنه نقل عن الشيخ نفسه الحكم
بطهارته في الاستبصار كما نقل عنه دعوى
الإجماع على القاعدة الكلية: " كل ما أكل
لحمه فإن روثه وبوله طاهر " (2).
ب - أبوال وأرواث الحمار والبغل
والخيل، فقد نقل في المستمسك عن ابن
الجنيد والشيخ في بعض كتبه والمحقق
الأردبيلي وبعض تلامذته وصاحب
الحدائق، القول بنجاستها (3).
بينما ذهب المشهور في الموردين إلى
الطهارة، خاصة الأول (4) ومع ذلك قال
الشهيد في الذكرى: " وفي بول الدابة
والحمار والبغل قولان، الأقرب
الكراهية " (1).
2 - جواز شربها:
اختلفوا في جواز شرب أبوال ما
يؤكل لحمه وعدمه على قولين:
الأول - القول بالحلية تبعا لحلية
لحمها وطهارتها. ذهب إليه جماعة كالسيد
المرتضى وابني الجنيد وإدريس على ما نقل
عنهم (2)، ومال إليه الشهيد في الروضة (3)
مقيدا لذلك بما إذا كان له نفع، واختاره
صاحب الجواهر (4)، وقواه في
تحرير الوسيلة (5).
الثاني - القول بالحرمة، ويختلف
مستند هؤلاء، فقد ذهب بعضهم إلى القول
بالحرمة من باب أنها نجسة مثل سائر
الأبوال مما لا يؤكل، كالشيخ في النهاية (6)

(1) الوسائل 2: 1011، الباب 9 من أبواب
النجاسات، الحديث 12.
(2) الجواهر 5: 287.
(3) المستمسك 1: 283.
(4) التنقيح 1: 455.
(1) الذكرى: 13.
(2) المسالك 2: 247.
(3) الروضة 7: 324.
(4) الجواهر 36: 391.
(5) تحرير الوسيلة 2: المسألة 32، كتاب
الأطعمة.
(6) النهاية: 364.
188

وظاهر ابن حمزة (1).
وذهب آخرون إلى الحرمة من باب
أنها من الخبائث وإن كانت طاهرة في حد
ذاتها، كما يظهر ذلك من المحقق (2)
والعلامة في بعض كتبه (3) وصاحب
الرياض (4) والسيد الخوئي في المنهاج (5).
هذا كله في غير الإبل، أما فيها فقد
تقدم الكلام فيه مشبعا في عنوان " إبل "
وأنه جائز شربه وجميع التصرفات فيه.
3 - جواز بيعها:
في جواز بيع أبوال ما يؤكل لحمه
- عدا بول الإبل - قولان:
ألف - تحريم بيع الأبوال مطلقا مما
يؤكل وما لا يؤكل إلا بول الإبل خاصة،
وهو مختار المفيد (6) وسلار (7)، ويظهر من
الشيخ في النهاية (8) والعلامة في التذكرة (9)
والقواعد (1).
ب - جواز بيع أبوال ما يؤكل لحمه
مطلقا، قال صاحب الجواهر: "... لكن
يقوى في النظر جواز التكسب بها أيضا
وفاقا للحلي والفاضل في المختلف
والتحرير والآبي والشهيدين والكركي
وغيرهم... " (2).
وقال الشيخ الأنصاري في
المكاسب: " ما عدا بول الإبل من أبوال ما
يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور
إن قلنا بجواز شربها اختيارا كما عليه
جماعة من القدماء والمتأخرين، بل عن
المرتضى دعوى الإجماع عليه، فالظاهر
جواز بيعها، وإن قلنا بحرمة شربها كما هو
مذهب جماعة أخرى لاستخباثها ففي
جواز بيعها قولان... " (3).
أي بناء على القول بحرمة شربها
للاستخباث ففي الجواز وعدمه قولان.
فالقول بعدم الجواز مبني على عدم
وجود منفعة محللة مقصودة، والنادرة لا
تبرر الجواز وإلا لجاز بيع كل شئ.

(1) الوسيلة: 364.
(2) الشرائع 3: 227.
(3) القواعد 1: 158.
(4) الرياض 2: 289.
(5) منهاج الصالحين 2: 379، المسألة 1698.
(6) المقنعة: 587.
(7) المراسم: 170.
(8) النهاية: 364.
(9) التذكرة 1: 583.
(1) القواعد 1: 121.
(2) الجواهر 22: 21.
(3) المكاسب: 3.
189

والقول بالجواز مبني على أن المنفعة
الظاهرة - ولو عند الضرورة - للشرب
كافية في الجواز.
ويبدو أن القول بالجواز وعدمه
يدور مدار وجود منفعة محللة مقصودة
وعدمه، فعلى القول بوجودها يلتزم بجواز
البيع وإلا فلا.
ويظهر من تحرير الوسيلة (1)
والمنهاج (2) وجود مثل هذه المنفعة في
الأبوال.
ثانيا - أبوال ما لا يؤكل لحمه:
والبحث حول ذلك يقع في الموارد
التالية أيضا:
1 - نجاستها:
لا خلاف - ظاهرا في الجملة - في
نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه، بل نقل
دعوى إجماعات كثيرة على ذلك (3)، وربما
ادعي كونه ضروريا (4).
ولا فرق في ما لا يؤكل بين كونه
كذلك بالأصالة أو بالعرض كالحلال
الجلال. نعم، هناك اختلاف في أبوال
الطيور المحرمة، وفيها أقوال ثلاثة:
ألف - نجاسة بولها وخرئها مطلقا كما
هو المشهور.
ب - طهارتهما مطلقا كما ذهب إليه
العماني والجعفي والصدوق والعلامة
وصاحب الحدائق.
ج - التفصيل بالحكم بطهارة خرئها
والتردد في نجاسة بولها، كما ذهب إليه
المجلسي وصاحب المدارك.
ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف
الأخبار (1)...
2 - عدم جواز شربها:
المعروف - بين الفقهاء - هو الحكم
بعدم جواز شربها، بل ربما ادعي عليه
الإجماع، قال صاحب الجواهر: "...
الرابع: الأعيان النجسة كالبول مما لا
يؤكل لحمه نجسا كان الحيوان كالكلب
والخنزير أو طاهرا كالأسد والنمر، فإنه لا
يجوز شربها اختيارا إجماعا أو

(1) تحرير الوسيلة 1: 494، كتاب المكاسب،
المسألة 4.
(2) منهاج الصالحين 2: 4، المسألة 6.
(3) المستمسك 1: 273.
(4) التنقيح 1: 445.
(1) التنقيح 1: 448.
190

ضرورة " (1).
3 - حكم الاكتساب بها:
يحرم الاكتساب ببول غير مأكول
اللحم على ما هو المعروف، قال الشيخ
الأنصاري في المكاسب: " يحرم المعاوضة
على بول غير مأكول اللحم بلا خلاف
ظاهر، لحرمته ونجاسته وعدم الانتفاع به
منفعة محللة مقصودة فيما عدا بعض أفراده
ك‍ " بول الإبل الجلالة أو الموطوءة " (2)،
ونقل في الجواهر (3) الإجماع من غير واحد
على ذلك.
هذا ولكن يبدو من السيد الخوئي
جواز المعاوضة عليهما لو كان لها منافع
مقصودة، كما تجوز المعاوضة على حق
الاختصاص الثابت لمن وضع يده
عليها (4).
4 - كيفية تطهير ما أصابه:
تختلف كيفية تطهير ما أصابه البول
باختلاف الأبوال وما يصيبها، فإن كان
البول بول غير الآدمي مما يكون نجسا،
فيكون تطهيره كتطهير غيره من
النجاسات كالدم والمني ونحوهما، يكتفى
بغسل ما أصابه مرة بعد زوال النجاسة.
وإن كان بول آدمي ففيه تفصيل بين
بول الرضيع وغيره:
ألف - بول الرضيع:
والرضيع هو الذي لم يأكل الطعام
أكلا مستندا إلى شهوته وإرادته أي
متغذيا به، فلا عبرة بالأكل نادرا (1)، ومع
ذلك فقد قال ابن إدريس: "... وبول
الصبي الرضيع، وحده من لم يبلغ
سنتين... " (2).
ومهما يكن فيكفي في تطهير ما
أصابه بول الرضيع صب الماء عليه من
غير حاجة إلى العصر، وقد نقل في
الجواهر (3) عدم الخلاف في ذلك عن عدة
من الفقهاء.
ب - بول غير الرضيع:
وما أصابه بول غير الرضيع تارة
يغسل بالقليل وتارة بالكثير.

(1) الجواهر 36: 390.
(2) المكاسب: 3.
(3) الجواهر 22: 17.
(4) منهاج الصالحين 2: 3 (مقدمة كتاب
التجارة)، مصباح الفقاهة 1: 32.
(1) الجواهر 6: 167.
(2) السرائر 1: 187.
(3) الجواهر 6: 160.
191

أولا - الغسل بالماء القليل:
قال صاحب الحدائق: " المشهور بين
الأصحاب رضي الله عنهم وجوب المرتين في
إزالة نجاسة البول عن الثوب والبدن في
غير بول الرضيع، بل ظاهر المحقق في
المعتبر أنه إجماع حيث قال بعد ذكر
الحكم المذكور: " هذا مذهب علمائنا " إلا
أن الشهيد - في الذكرى - بعد أن اختار
التثنية عزا إلى الشيخ في المبسوط عدم
مراعاة العدد في غير الولوغ، وهو ظاهر
في المخالفة، وما عزاه إلى الشيخ قد جزم
به في البيان، فقال: ولا يجب التعدد إلا في
إناء الولوغ، ونقل في المعالم عن العلامة
أنه اكتفى فيه بالمرة صريحا إذا كان جافا،
وأنه يظهر من فحوى كلامه من جملة من
كتبه، الاكتفاء بها مطلقا حيث قال: إن
الواجب هو الغسل المزيل للعين، قال:
ومن البين أن زوال العين معتبر على كل
حال وأن مسمى الغسل يصدق بالمرة " (1).
واختار صاحب المعالم - حسبما نقل
عنه (2) - وصاحب المدارك (3) التعدد في
خصوص الثوب، والاقتصار بالمرة في
البدن وغيره.
هذا كله بالنسبة إلى الثوب والبدن،
وأما في غيرهما فيرى بعضهم عدم لزوم
التعدد، لكن المعروف عدم الفرق، ومجرد
ذكر هذين في الروايات وبعض المتون إنما
هو لمجرد التمثيل لا الحصر، قال في
الجواهر: " نعم، قد يدعى القطع من إجماع
أو غيره بعدم الفرق بين الثوب والبدن
وغيرهما مما تنجس بالبول وأمكن تطهيره
بالقليل في الحكم المذكور وإن اقتصر في
المتن وغيره من عبارات الأصحاب
كالنصوص عليهما إلا أن الظاهر إرادة
التمثيل... فاحتمال القول بالاتحاد في
غيرهما وإن قلنا بالتعدد فيهما كما في المعالم
والذخيرة بل اختاره في اللوامع... في
غاية الضعف " (1).
وقال في المستمسك: " ثم إنه قد
اقتصر في النصوص وكثير من فتاوى
الأصحاب على الثوب والبدن، فالتعدي
إلى غيرهما محتاج إلى دعوى إلغاء
خصوصيتهما عرفا كما هو الظاهر، وقد

(1) الحدائق 5: 356.
(2) الحدائق 5: 358.
(3) المدارك 2: 336 و 337.
(1) الجواهر 6: 190.
192

قيل: إن التوقف فيه من
الخرافات... " (1).
بينما يرى السيد الخوئي أنه لا بد من
اختصاص التعدد بالثوب والبدن طبقا
للنصوص (2).
ثانيا - الغسل بالكثير:
الكثير تارة يكون جاريا وتارة
راكدا.
ألف - الكثير الجاري:
إذا كان الماء جاريا فتكفي المرة
الواحدة في التطهير به بناء على الرأي
المشهور، بل نسبه في الجواهر إلى اتفاق
الأصحاب (3).
نعم يظهر من المحقق (4) والعلامة في
المنتهى (5) اعتبار التعدد، لأن الأول اكتفى
في إناء الولوغ بتعاقب الجري عليه لتحقق
التعدد كما اعتبر العلامة وضع الجسم في
الماء الراكد ومرور الماء على أجزائه غسلة
واحدة، وإذا خضخضه في الماء سوف
يكون غسلة ثانية كما لو مرت عليه
جريات من الماء الجاري.
ب - الكثير الراكد:
وأما إذا كان الكثير راكدا فللفقهاء
فيه قولان:
1 - أنه كالجاري لا يحتاج إلى
التعدد، نسبه في الجواهر (1) إلى العلامة
والشهيدين والمحقق الثاني، وقال: بل هو
المشهور نقلا وتحصيلا، وقال في مفتاح
الكرامة: " قالوا: ولا قائل بالفرق بين
الكثير والجاري " (2)، واحتمل صاحب
الحدائق (3) أن يكون ذكر الجاري على
سبيل التمثيل، وذهب إلى هذا الرأي السيد
الحكيم (4) والإمام الخميني (5) أيضا.
2 - أنه بحاجة إلى التعدد خلافا
للجاري نسبه في الجواهر (6) إلى الصدوق
ويحيى بن سعيد الحلي وصاحب الرياض،

(1) المستمسك 2: 14.
(2) التنقيح 3: 33.
(3) الجواهر 6: 196.
(4) المعتبر: 128: وراجع " ص " و 12.
(5) المنتهى 1: 191.
(1) الجواهر 6: 196.
(2) مفتاح الكرامة 1: 170.
(3) الحدائق 5: 362.
(4) المستمسك 2: 14.
(5) تحرير الوسيلة 1: 126، فصل المطهرات.
(6) الجواهر 6: 196.
193

وذهب إليه السيد الخوئي (1) أيضا.
مظان البحث:
1 - الطهارة:
ألف - الأعيان النجسة - البول.
ب - أحكام النجاسات - كيفية التطهير.
2 - المكاسب: المكاسب المحرمة - التكسب
بالأعيان النجسة.
3 - الأطعمة والأشربة: الأشربة المحرمة.
ابن
لغة:
" أصله بنو... سمي بذلك لكونه بناء
للأب، فإن الأب هو الذي بناه، وجعله
الله بناء في إيجاده، ويقال لكل ما يحصل
من جهة شئ أو من تربيته أو بتفقده أو
كثرة خدمته له أو قيامه بأمره: هو ابنه،
نحو: فلان ابن حرب، وابن السبيل
للمسافر، وابن الليل، وابن العلم...
وفلان ابن بطنه وابن فرجه، إذا كان همه
مصروفا إليهما، وابن يومه إذا لم يتفكر في
غده...
ويقال في مؤنث ابن: ابنة وبنت،
والجمع بنات... " (1).
اصطلاحا:
وأما عند الفقهاء، فبالنسبة إلى
الأب هو: الذكر المنتسب إليه شرعا بوطء
صحيح أو شبهه.
والمراد من الوطء ء الصحيح هو
الأعم مما كان بعقد أو بملك يمين، فيشمل
المولود بعقد أو بملك يمين أو تحليل، لصدق
الوطء ء صحيحا ويشمل المولود بوطء
شبهة لفساد العقد أو لغيره من أسباب
الشبهة.
وبناء على ذلك فلا يكون المتولد
من الزنى ابنا - بالنسبة للأب - وإن علم
تكونه من مائه.
قال المحقق: " النسب يثبت مع
النكاح الصحيح ومع الشبهة ولا يثبت مع
الزنى، فلو زنى فانخلق من مائه ولد على
الجزم لم ينتسب إليه شرعا " (2).
194

وأما بالنسبة إلى الأم: فكل ذكر
ولدته امرأة فهو ابن لها سواء كان بوطء
صحيح أو شبهة أو زنى.
الأحكام:
هناك أحكام كثيرة تتعلق ب‍ " الابن "
تقدم بعضها في عنوان " الأب "، وسيأتي
بعضها الآخر في عناوين: " الأولاد "
و " الحبوة " و " القضاء ".
ابن رضاعي
راجع: رضاع.
ابن الزنى
لغة:
الابن المتولد من الزنى.
اصطلاحا:
هو المتولد من وطء غير شرعي
ولا شبهة، ويطلق عليه ولد الزنى أيضا.
الأحكام:
وردت أحكام متعددة تتعلق بهذا
العنوان، أهمها كما يلي:
أولا - إسلامه وطهارته:
المشهور بين الفقهاء القول بطهارة
ولد الزنى والحكم بإسلامه، قال صاحب
الحدائق:
" المشهور بين الأصحاب سيما
المتأخرين القول بطهارة ولد الزنى والحكم
بإسلامه ودخوله الجنة، وعن ابن إدريس
القول بكفره ونجاسته، ونقل العلامة في
المختلف القول بالكفر عن المرتضى وابن
إدريس، ونقل جملة منهم عن الصدوق
أيضا القول بالنجاسة والكفر، قال في
المختلف في باب السؤر: قال الشيخ أبو
جعفر بن بابويه: لا يجوز الوضوء بسؤر
اليهودي والنصراني وولد الزنى والمشرك،
وجعل ولد الزنى كالكافر وهو المنقول عن
المرتضى وابن إدريس، وباقي علمائنا
حكموا بإسلامه، وهو الحق وسيأتي بيان
ذلك.
وقال المحقق في المعتبر: وربما تعلل
المانع - يعني من سؤر ولد الزنى - بأنه
كافر، ونحن نمنع ذلك، ونطالبه بدليل
195

دعواه، ولو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض
الأصحاب كانت المطالبة باقية، فإنا لا
نعلم ما أفاده.
قال في المعالم - بعد نقل الأقوال
المذكورة -: إذا عرفت ذلك فاعلم أن
المعتمد عندي هو القول بالطهارة لكونها
مقتضى الأصل، والمخرج عنه غير معلوم.
وقال في الذخيرة: ويدل على
الطهارة: الأصل، وكونه محكوما بالإسلام
ظاهرا، وأن سؤره طاهر لما أشرنا إليه من
العمومات، فيلزم العموم، لعدم القائل
بالفصل... " (1).
وقال السيد الحكيم في المستمسك
- معلقا على قول صاحب العروة: الأقوى
طهارة ولد الزنى من المسلمين سواء كان
من طرف أو طرفين، بل وإن كان أحد
الأبوين مسلما -: " كما هو المشهور شهرة
عظيمة بل لم يعرف الخلاف فيها إلا من
الصدوق والسيد والحلي - بناء منهم على
كفره - بل عن الأخير نفي الخلاف فيه،
وكأنه للنصوص المتضمنة للنهي عن
الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء
الحمام: بأنه يسيل منها ما يغتسل به
الجنب وولد الزنى والناصب لنا أهل البيت
وهو شرهم - ثم ذكر الروايات ثم قال: -
لكن الجميع قاصر عن إثبات النجاسة
فضلا عن الكفر... " (1).
ثانيا - تقليده:
المعروف بين المتأخرين الذين
تبلورت مباحث الاجتهاد والتقليد عندهم
هو اشتراط طهارة المولد في المفتي. ولكن
لم تتبلور في كلمات المتقدمين، قال السيد
المجاهد الطباطبائي:
" هل يشترط في المفتي طهارة المولد
والذكورة كما يشترط في القاضي، فلو كان
ولد الزنى أو أنثى أو خنثى فلا يصح
تقليده أو لا؟ فيه إشكال من عدم إشارة
أحد من علماء الأصول إلى كون ذلك
شرطا فيه، والعمومات الدالة على صحة
التقليد: من قوله تعالى (هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (2)...
ومن الأصل والعمومات المانعة عن العمل
بغير العلم الراجحة على العمومات السابقة

(1) الحدائق 5: 190.
(1) المستمسك 1: 385.
(2) الزمر: 9.
196

المعارضة لها تعارض العمومين من وجه،
وفحوى ما دل على اشتراط القضاء
بذلك... " (1).
وقال السيد الحكيم في المستمسك:
" وأما طهارة المولد فهي داخلة في الإيمان
بناء على كفر المتولد من الزنى، أما بناء
على خلافه فلا دليل على اعتبارها غير
الأصل المحكوم ببناء العقلاء، نعم عن
الروضة دعوى الإجماع عليه، وعليه فهو
المعتمد " (2).
وعلى هذا فالدليل منحصر عنده
بالإجماع المنقول، ولكن يبدو من غيره أن
الدليل تنفر الطباع عن ذلك، وعدم لياقة
مثله لتحمل مسؤولية الإفتاء.
قال السيد الخوئي في التنقيح عند
عده شرائط المقلد: " وألا يكون متولدا
من الزنى، وهذا لا للإجماع المدعى في
المقام، لأنه على تقدير ثبوته ليس من
الإجماع التعبدي، ولا لدوران الأمر بين
التعيين والتخيير في الحجية، لأن المتولد
من الزنى كغيره مشمول للأدلة اللفظية،
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بينهما كما لا
يخفى، وكذلك الحال بالنسبة إلى السيرة
العقلائية، بل لأن كون المجتهد متولدا من
الزنى منقصة، وقد تقدم أن الشارع لا
يرضى بزعامة من له منقصة بوجه، كيف
ولم يرض بإمامة مثله للجماعة فما ظنك
بتصديه للزعامة الكبرى للمسلمين، لأن
منصب الفتوى من أعظم المناصب الإلهية
بعد الولاية، وإن لم يكن المتولد من الزنى
مقصرا في ذاته كما إذا كان عادلا بل في
غاية التقى والورع إلا أن نقصه من تلك
الناحية موجب لحرمانه من التصدي
للزعامة العظمى كما عرفت " (1).
ثالثا - إمامته في الصلاة:
المعروف بين فقهاء الإمامية - لو لم
يكن متفقا عليه - هو اشتراط طهارة
المولد في الإمام. قال في الجواهر: " وكذا
يعتبر في الإمام من غير خلاف أجده فيه
بيننا، بل عليه الإجماع منقولا إن لم يكن
محصلا طهارة المولد، فلا يجوز الإئتمام
حينئذ بولد الزنى، لقول أمير المؤمنين
عليه السلام في خبر ابن نباتة: " ستة لا ينبغي

(1) مفاتيح الأصول: 612.
(2) المستمسك 1: 45.
(1) التنقيح 1: 235.
197

أن يؤموا الناس - وعد منهم - ولد
الزنى "... " (1).
وقال في المستمسك - معلقا على
قول السيد في العروة: " وأن لا يكون ابن
زنى " -: " إجماعا صريحا أو ظاهرا حكاه
جماعة منهم: السيدان والشيخ والفاضلان
والشهيد، لعده فيمن لا يؤم الناس في
جملة من النصوص، كصحيح زرارة
و... " (2).
رابعا - قضاؤه:
المعروف من زمن المحقق وما دون:
أن من شرائط القاضي ألا يكون ولد زنى
ولم يذكر لذلك وجه إلا الأولوية من عدم
جواز إمامته وشهادته، والإجماع الذي
ادعاه الشهيد في الروضة كما تقدمت
الإشارة إليه في البحث عن تقليده.
قال المحقق في الشرائع: " ولا ينعقد
القضاء لولد الزنى مع تحقق حاله كما لا
تصح إمامته ولا شهادته في الأشياء
الجليلة " (3).
وذكر العلامة في الإرشاد ضمن
شروط القاضي " طهارة المولد " (1).
وقال الشهيد - معلقا على الكلام
السابق للمحقق -: " وأما طهارة المولد
فلقصور ولد الزنى عن تولي هذه المرتبة
حتى أن إمامته وشهادته ممنوعتان
فالقضاء أولى... " (2).
وقال في الجواهر - مازجا لكلام
المحقق، السابق -: " وكذا لا ينعقد القضاء
لولد الزنى مع تحقق حاله كما لا تصح
إمامته ولا شهادته في الأشياء الجليلة
وغيرها كما هو واضح - بناء على كفره -
أما على غيره فالعمدة الإجماع المحكي
وفحوى ما دل على المنع من إمامته
وشهادته إن كان وقلنا به، مؤيدا بنفر
طباع الناس منه وإلا فمقتضى العمومات
دخوله " (3).
وقال السيد الخوئي بعد عده طهارة
المولد من شرائط القاضي:
" بلا خلاف ولا إشكال، ويدل
عليه: أن ولد الزنى ليس له أن يؤم الناس

(1) الجواهر 13: 324.
(2) المستمسك 7: 319.
(3) الشرائع 4: 67.
(1) الإرشاد 2: 138.
(2) المسالك 2: 283.
(3) الجواهر 40: 13.
198

في الصلاة ولا تقبل شهادته كما يأتي
فليس له أن يتصدى للقضاء بين الناس
بطريق أولى... " (1).
وقال الإمام الخميني:
" ويشترط في القاضي البلوغ والعقل
والإيمان والعدالة والاجتهاد المطلق
والذكورة وطهارة المولد والأعلمية ممن في
البلد... " (2).
خامسا - شهادته:
الأقوال في قبول شهادة ولد الزنى
وعدمه ثلاثة:
1 - القبول مطلقا بشرط أن يكون
عدلا كغيره من الشهود. ذهب إلى هذا
الرأي الشيخ في المبسوط (3) وتبعه الشهيد
في المسالك (4). قال الشيخ: " شهادة ولد
الزنى - إذا كان عدلا - مقبولة عند قوم في
الزنى وفي غيره، وهو قوي، لكن أخبار
أصحابنا تدل على أنه لا تقبل
شهادته... - إلى أن قال -: والأول
مذهبنا " (1).
2 - القبول في الشئ اليسير فقط،
ذهب إليه الشيخ في النهاية ونسب إلى
ابن حمزة (2) أيضا. قال الشيخ: " لا يجوز
شهادة ولد الزنى، فإن عرفت منه عدالة
قبلت شهادته في الشئ الدون " (3).
3 - عدم القبول مطلقا وهو المشهور
والمعروف بين فقهاء الإمامية - عدا من
ذكر - قال صاحب الجواهر: " الوصف
السادس: طهارة المولد، فلا تقبل شهادة
ولد الزنى أصلا على المشهور بين
الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون
إجماعا بل هي كذلك في محكي الانتصار
والخلاف والغنية والسرائر، لا للحكم
بكفره شرعا وإن وصف بالإسلام وصار
من عدوله، لعدم الدليل على ذلك... بل
للنصوص المعتبرة المستفيضة... " (4).
وقال السيد الخوئي في تكملة
المنهاج: " لا تقبل شهادة ولد الزنى مطلقا

(1) مباني تكملة المنهاج 1: 11.
(2) تحرير الوسيلة 2: 367، صفات القاضي،
المسألة الأولى.
(3) المبسوط 8: 228.
(4) المسالك 2: 409.
(1) المبسوط 8: 228.
(2) الجواهر 41: 120.
(3) النهاية: 326.
(4) الجواهر 41: 117.
199

إلا في الشئ اليسير على إشكال... " (1).
ثم علق على ذلك - في مبانيه -
قائلا: " على المشهور بين الأصحاب شهرة
عظيمة، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات
غير واحد، خلافا للشيخ في
المبسوط... " (2).
ثم بين وجه الإشكال في التفصيل
وحاصله: أن عنواني اليسير والكثير
عنوانان إضافيان لا يمكن جعل حد
واضح لهما، ولذلك لا تبقى فائدة
للتفصيل (3).
سادسا - هل الشرط هو طهارة المولد
أو عدم كونه ابن زنى؟
هناك موضوع تعرض له بعض
الفقهاء في بحث إمامة الجماعة - يمكن
إسراؤه إلى جميع ما اعتبر فيه هذا
الشرط - وهو:
أن الشرط هل هو طهارة المولد أو
عدم كونه ولد زنى؟ فإن كان الشرط هو
طهارة المولد فلا بد من إحرازه، ولذلك لا
يصح الاعتماد على من شك في طهارة
مولده، لأنه عنوان وجودي وعند الشك
في تحققه يجري أصل العدم، فكل من شك
في طهارة مولده فالأصل يقتضي عدم
طهارته، بخلاف ما لو كان " عدم كونه ابن
زنى "، لأنه يجري فيه - عند الشك في
تحققه - أصالة العدم أيضا، فكل من شك
في كونه ابن زنى فالأصل يقتضي عدم
كونه ابن زنى، وعندئذ يكون الأثر
المترتب على كل منهما معاكسا للآخر.
والموجود في النصوص هو الثاني
بينما الذي يعبر عنه الأصحاب - غالبا - هو
الأول - أي طهارة المولد - ولكن يمكن
توجيه ذلك بأنهم يريدون من طهارة
المولد عدم كونه ابن زنى، وإذا ثبت ذلك
فيرتفع الإشكال، قال في المستمسك:
" والمعروف: التعبير عن هذا الشرط
بطهارة المولد ومقتضاه: عدم جواز الإئتمام
مع الشك، لأصالة عدم الطهارة، بخلاف
التعبير بما في النصوص فيجوز الإئتمام معه
لأصالة عدم كونه عن زنى، بناء على
جريان الأصل في العدم الأزلي، ولأجل
ذلك يكون اللازم هو التعبير بما في
النصوص، إلا أن يكون بناؤهم على عدم

(1) مباني تكملة المنهاج 1: 109 و 110.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر.
200

الفرق، لأصالة طهارة المولد وكونه عن
نكاح صحيح، فإنها معول عليها عند
العقلاء والمتشرعة... " (1).
وقد سبقه بهذه النكتة صاحب
الجواهر حيث إنه بعد أن استشهد
بروايات ثلاثة على عدم صلاحية إمامة
" ابن الزنى "، قال: "... لكنها كما ترى لا
دلالة في شئ منها على ما عبر به
الأصحاب من " طهارة المولد " بل أقصاها
المنع عن ابن الزنى، ولعله لأن كل من لم
يعلم أنه ابن زنى محكوم عندهم عليه
بطهارة مولده شرعا حتى من كان ولد
على غير الإسلام ثم استبصر، أو التقط في
دار الحرب أو الإسلام ممن لا يعرف له
أب وإن كان هو لا يخلو من إشكال،
فالأولى التعبير بأن لا يكون " ابن زنى "
بدله، كما هو مضمون الأخبار، فيكفي
حينئذ في صحة الائتمام عدم العلم بكونه
ابن زنى، لإطلاق الأدلة أو
عمومها... " (2).
تبقى نقطتان ينبغي الإشارة إليهما
وهما:
1 - قد صرح الفقهاء بأن ولد الشبهة
لا ريب في طهارته وإن تناولته الألسن،
ومن ذلك ما صرح به صاحب الجواهر
قائلا: " وأما ولد الشبهة فلا ريب في
طهارة مولده شرعا كالمولود على الفراش
وإن تناولته الألسن، إلا أنه لم يثبت
شرعا كما هو واضح " (1).
هذا ولكن جاء في تحرير الوسيلة
- في بحث الشهادة -: "... وأما لو جهلت
حاله فإن كان ملحقا بفراش، تقبل
شهادته وإن نالته الألسن، وإن جهلت
مطلقا ولم يعلم له فراش ففي قبولها
إشكال " (2).
2 - هل يكون من " ابن الزنى " من
ولد على غير نكاح والديه ثم استبصر
وأسلم؟ فيكون ولد اليهوديين على غير
نكاحهما ابن زنى وإن أسلم، أو لا؟
يظهر من صاحب الجواهر أنه
يجري عليه أحكام " ابن الزنى " قال:
" نعم، لا يبعد أن يكون من ابن
الزنى من ثبت أنه تكون على غير نكاح

(1) المستمسك 7: 320.
(2) الجواهر 13: 324.
(1) الجواهر 13: 325.
(2) تحرير الوسيلة 2: 443 كتاب الشهادات،
صفات الشهود، الشرط 5.
201

والديه، فولد اليهوديين على غير نكاحهما
" ابن زنى " وإن استبصر إلا أن يدعى
شمول قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الإسلام
يجب ما قبله " لمثله وإن كان فيه تأمل أو
منع... " (1)
ولكن يظهر من بعض آخرين
خلافه.
سابعا - هل يثبت الحد بقول " ابن الزنى "؟
لو قيلت هذه الكلمة لشخص - كأن
يقول: يا ابن الزنى - فهل يثبت حد
القذف على القائل؟ وجهان:
الأول - عدم ثبوت الحد، لأن ذلك
ليس إثباتا للزنى بالنسبة للمخاطب، ولا
لخصوص الأب، ولا لخصوص الأم، وعند
الشبهة يدرأ الحد.
قال صاحب الجواهر مازجا
لكلام المحقق: " ولو قال: ولدت من
الزنى، ففي وجوب الحد لأمه تردد،
لاحتمال انفراد الأب بالزنى والأم مكرهة
أو مشتبهة، فإنه تصدق الولادة من الزنى،
ويحتمل انفراد الأم والأب مكره أو
مشتبه، ولا يثبت الحد مع الاحتمال، لا
للمواجه، لعدم نسبة شئ إليه، ولا للأم
لاحتمال الأب، ولا للأب لاحتمال الأم،
فإنه إذا تعدد الاحتمال في اللفظ بالنسبة
إلى كل منهما لم يعلم كونه قذفا لأحدهما
بخصوصه ولا المستحق، فتحصل الشبهة
الدارئة له... " (1).
الثاني - ثبوته لتصريحه بتولده من
الزنى فيكون قذفا صريحا يثبت به الحد
لكن لا ينفذ إلا مع مطالبة الأب والأم
معا.
ذكر الشهيد - في المسالك - ذلك
بعنوان الاحتمال ثم استجوده (2).
مظان البحث:
1 - الاجتهاد والتقليد: شرائط المقلد
2 - الطهارة: الأعيان النجسة - ابن
الزنى
3 - الطهارة: المطهرات - الإسلام
4 - الصلاة: الجماعة - شرائط الإمام
5 - الشهادة: شرائط الشاهد
6 - القضاء: شرائط القاضي

(1) الجواهر 13: 325.
(1) الجواهر 41: 405.
(2) المسالك 2: 435.
202

7 - الحدود: حد القذف.
ابن السبيل
لغة:
قال ابن الأثير: " وأما ابن السبيل
فهو المسافر الكثير السفر سمي ابنا لها
لملازمته إياها " (1) ونقل ابن منظور عن ابن
سيده أن: " ابن السبيل: ابن الطريق،
وتأويله: الذي قطع عليه الطريق " ونقل
عن ابن بري: أن " ابن السبيل الغريب
الذي أتي به الطريق... " (2).
اصطلاحا:
القدر المتيقن من ابن السبيل عند
الفقهاء هو المنقطع به - بفتح الطاء - في
الأسفار ويكون محتاجا في الحال وإن كان
له يسار في بلده وموطنه (3).
وهناك بعض الموارد اختلفوا في
دخولها في عنوان " ابن السبيل " وعدمه
وهي:
أولا - المسافر الذي قصد عشرة أيام
فما فوق مع عدم قصد الاستيطان، فالغالب
على أنه يعد من ابن السبيل لو انقطع به
السفر. قال في الجواهر:
" أما المقيم عشرا فصاعدا أو المتردد
ثلاثين يوما أو نحو ذلك مما يوجب التمام
فغير خارج عن صدق ابن السبيل عرفا
وإن انقطع سفره شرعا بالنسبة للقصر
والإتمام والإفطار والصيام، ضرورة عدم
التنافي بينهما... " (1). ثم نقل خلاف الشيخ
في المبسوط والعلامة في التذكرة وابن فهد
في المحرر.
وكلام الشيخ (2) ظاهر في ذلك، لأنه
حصر ما يستحق بعنوان ابن السبيل في
المجتاز بغير بلده، وقريب منه كلام
العلامة (3) ولم يكونا صريحين في ذلك، نعم
هما ناظران إلى المسألة التالية أكثر.
ثانيا - المنشئ للسفر من بلده:
ذهب أغلب الفقهاء إلى أن عنوان " ابن

(1) النهاية لابن الأثير: " سبل ".
(2) لسان العرب: " سبل ".
(3) السرائر 1: 458.
(1) الجواهر 15: 372.
(2) المبسوط 1: 252.
(3) التذكرة 1: 234.
203

السبيل " لم يصدق على المنشئ للسفر
المحتاج إليه، ولم يكن له ما يمكنه من ذلك،
فلا يعطى من سهم ابن السبيل، نعم قد
يعطى من سهم الفقراء إن كان فقيرا، أو
من سهم سبيل الله، ومع ذلك فقد نسب
إلى الإسكافي ويظهر من الشهيدين في
الدروس والروضة: أنه يصدق عليه ابن
السبيل.
قال الأول: " وقيل: منشئ السفر
كذلك وهو حسن مع فقره إلى السفر ولا
مال يبلغه وإن كان له كفاية في
الحضر " (1).
وقال الثاني: " ومنشئ السفر مع
حاجته إليه ولا يقدر على مال يبلغه، ابن
سبيل على الأقوى " (2).
وهل المراد ب‍ " منشئ السفر " هو
الذي يريده من دون تلبس به، أو الذي
تلبس به وإن كان لم يبلغ المسافة بعد؟
الظاهر من الكلمات هو الأول، بينما
احتمل صاحب الجواهر أن يكون الشهيد
- الأول - أراد الثاني، ولذلك استحسن
صدق العنوان عليه.
وقال السيد اليزدي في العروة:
"... وأما لو كان في وطنه وأراد إنشاء
السفر المحتاج إليه ولا قدرة له عليه
فليس من ابن السبيل، نعم لو تلبس
بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز
إعطاؤه من هذا السهم، وإن لم يتجدد نفاذ
نفقته بل كان أصل ماله قاصرا فلا يعطى
من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم
ابن السبيل، نعم لو كان فقيرا يعطى من
سهم الفقراء " (1).
ثالثا - الضيف المحتاج إلى الضيافة:
اختلف الفقهاء في أن مثل هذا هل هو فرد
آخر من ابن السبيل مقابل المسافر المنقطع
به، أوليس لابن السبيل إلا مصداق واحد
وهو المسافر المنقطع به، والضيف المحتاج
إلى الضيافة فرد منه، أو أنه ملحق به
حكما؟
قال صاحب الجواهر - مازجا لكلام
المحقق -: " " وكذا " الكلام في " الضيف "
الذي هو محتاج للضيافة، فإنه لا يخرج بها
عن كونه ابن سبيل ضرورة تحقق الصدق
عليه... وكأن الداعي إلى نص المصنف

(1) الدروس 1: 242.
(2) الروضة 2: 50.
(1) العروة: أصناف المستحقين للزكاة.
204

عليه بيان أنه لا يخرج بالضيافة عن كونه
ابن سبيل، ودفع توهم فرد آخر لابن
السبيل أو أنه يلحق به... " (1).
ثم نقل عبارات بعض الفقهاء وأولها
عبارة المفيد في المقنعة التي قد يستظهر
منها انحصار ابن السبيل في الضيف، أو
كونه فردا آخر منه مقابل المنقطع به، أو
ملحقا به حكما، أو أنه فرد للمنقطع به.
الأحكام:
ابن السبيل من ذوي الأسهم الثمانية
في الزكاة وهم: الفقراء والمساكين والرقاب
(العبيد) وسبيل الله وابن السبيل
والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم. ومن
ذوي الأسهم الستة في الخمس وهم: الله
ورسوله وذوو القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل.
فإذا تحقق العنوان أعطي من أحد
الموردين، فإن كان من بني هاشم فمن
الخمس وإن كان من غيرهم فمن الزكاة.
وأما المقدار الذي يدفع إليه فهو ما
يكفيه من الملبوس والمأكول والمركوب
اللائق بحاله أو ثمنها أو أجرتها، قال السيد
اليزدي في العروة:
" الثامن: ابن السبيل وهو المسافر
الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث
لا يقدر معه على الذهاب وإن كان غنيا
في وطنه، بشرط عدم تمكنه من الاستدانة
أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك، وبشرط أن
لا يكون سفره في معصية، فيدفع إليه قدر
الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول
والمركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل
إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره، أو
يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة
والبيع أو نحوهما. ولو فضل مما أعطي
شئ - ولو بالتضييق على نفسه - أعاده
على الأقوى من غير فرق بين النقد
والدابة والثياب ونحوها، فيدفعه إلى
الحاكم، ويعلمه بأنه من الزكاة... " (1).
ويظهر من هذا النص وغيره أن
هناك شرطين لاستحقاق ابن السبيل
الزكاة، وهما:
أولا - أن يكون سفره مباحا:
وقد اختلفوا في التعبير عن هذا

(1) الجواهر 15: 374.
(1) العروة: فصل أصناف المستحقين.
205

الشرط، فقد قيل: يجب أن يكون سفره
طاعة، كما هو مضمون رواية مرسلة،
والمنسوب إلى ابن الجنيد، وقيل: ألا
يكون سفره في معصية، كما في العروة
وغيرها، والمعروف التعبير عن ذلك بأن
يكون مباحا.
وقد ادعي (1) عدم الخلاف في هذا
الشرط.
ثانيا - ألا يتمكن من الاستدانة أو بيع
ما يملكه أو نحو ذلك:
قال في الجواهر: " يعطى ابن السبيل
هذا السهم وإن كان غنيا في بلده إذا لم
يمكنه الاعتياض عنه ببيع أو اقتراض أو
غيرهما وإلا لم يعط، لعدم صدق الانقطاع
به " (2).
وقد تقدمت عبارة العروة الدالة
على هذا الشرط، ونسب في المستمسك
هذا الشرط إلى المشهور.
مظان البحث:
الزكاة والخمس: أصناف المستحقين.
ابن لبون
لغة:
" ولد الناقة يدخل في السنة الثالثة،
والأنثى بنت لبون، سمي بذلك لأن أمه
ولدت غيره فصار لها لبن، وجمع الذكور
والإناث: بنات لبون " (1).
الأحكام:
يجب دفعه في الزكاة ومورده:
النصاب السادس من أنصبة الإبل على
البدل، أي يجب في هذا النصاب وهو ست
وعشرون إلى خمس وثلاثين: " بنت
مخاض " فإن لم يكن ف‍ " ابن لبون " بناء
على المعروف (2).
وأما بنت لبون فقد ذكرت في عدة
مواضع من أنصبة " الإبل " كالسابع
والعاشر والثاني عشر.
راجع: إبل: زكاة الإبل - أسنان

(1) المستمسك 9: 269 والجواهر 15: 376.
(2) الجواهر 15: 373.
(1) المصباح المنير: " لبن ".
(2) الحدائق 12: 45 والمستمسك 9: 62.
206

الإبل.
ابن مخاض
لغة:
" ولد الناقة يأخذ في السنة الثانية،
والأنثى بنت مخاض، والجمع فيها بنات
مخاض، وقد يقال: ابن المخاض بزيادة
اللام، ولا يزال ابن مخاض حتى يستكمل
السنة الثانية، فإذا دخل في الثالثة فهو ابن
لبون... " (1).
الأحكام:
لم يذكر لابن مخاض مورد في
الزكاة، وأما بنت مخاض فقد ذكر لها مورد
في النصاب السادس في الإبل وهو ما إذا
بلغ (26 - 35) إبلا، فإن لم يجد ف‍ " ابن
لبون " على المشهور.
راجع: إبل: زكاة الإبل - أسنان
الإبل.
ابن الملاعنة
لغة:
راجع: ابن.
اصطلاحا:
هو الابن الذي لاعن الزوج زوجته
في سبيل نفيه عنه.
وعنوان " ولد الملاعنة " أعم من ابن
الملاعنة لشموله الابن والبنت.
الأحكام:
قال صاحب الجواهر: " ومن المعلوم
أيضا أن الولد بعد اللعان لا يدعى لأبيه
ولكن لا يرمى بأنه ابن زنى، وفي حديث
ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما
لاعن بين هلال وامرأته فرق بينهما،
وقضى: لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى
ولدها، ومتى رماها أو رمى ولدها فعليه

(1) المصباح المنير: " مخض ".
207

الحد... " (1).
وقال - أيضا -: " ولو أكذب نفسه
بعد اللعان لحق به الولد بلا خلاف فيه
نصا وفتوى لكن فيما عليه لا فيما له،
لإقراره أولا بالانتفاء منه، ولذا يرثه الولد
ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به، وترثه
الأم ومن يتقرب بها " (2).
راجع: لعان.
إتلاف
لغة:
من التلف وهو الهلاك والعطب في
كل شئ... وأتلف فلان ماله إتلافا إذا
أفناه إسرافا (3).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي.
حكم الإتلاف:
إن الحكم الأولي للإتلاف هو
الحرمة - تكليفا - والضمان - وضعا - إلا ما
خرج بالدليل، فقد يكون حراما ولا ضمان
فيه مثل إتلاف الصيد والأشجار في الحرم،
فإنه حرام ولا ضمان فيه، نعم فيه
الكفارة.
وقد يكون حلالا وفيه الضمان، مثل
أكل مال الغير عند الاضطرار إليه، فإنه
حلال ولكن يضمن الآكل ثمنه لصاحبه.
وقد يكون حلالا ولا ضمان فيه كما
في إتلاف صورة آلات القمار والملاهي،
وكما في إتلاف المكره عليه، فإنه إتلاف
حلال ويكون الضمان على المكره.
قاعدة الإتلاف
من جملة القواعد الفقهية المشهورة
التي تمسك بها الفقهاء في موارد الضمان هي
قاعدة " من أتلف " التي يعبر عنها بقاعدة
" الإتلاف " أيضا، ومفادها: " أن من أتلف
مال غيره فهو له ضامن ".
وهي قاعدة كلية مصطادة من
الموارد الخاصة التي ذكرت في الروايات
الواردة في بعض الأبواب مثل: الغصب
والرهن والعارية والمضاربة والإجارة
والوديعة وغيرها، وهي روايات كثيرة

(1) الجواهر 34: 66.
(2) الجواهر 34: 67، والمسالك 2: 119.
(3) لسان العرب: " تلف ".
208

دلت على أن إتلاف مال الغير موجب
للضمان (1).
وهذه القاعدة مما اتفق عليها الكل،
بل يمكن أن يقال: إنها مسلمة بين جميع
فرق المسلمين، وربما يقال: إنها من
ضروريات الدين (2)، ولذلك لا تحتاج إلى
ذكر الأدلة، وكفى ما دل من الضرورة
والإجماع والنصوص الكثيرة على كون
مال المسلم وعمله وعرضه ودمه محترما
مصونا لا يجوز الاقتحام عليه والاضرار
فيه، دليلا على ذلك، مضافا إلى عموم أدلة
نفي الضرر ونحو ذلك، ولذا استدل بها
الأصحاب في إتلاف الحقوق المالية المجعولة
من الشرع كالزكوات والأخماس (3)...
ومع ذلك فقد استدل عليها الشيخ
وابن إدريس (4) بقوله تعالى: (فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) (5).
عمومية القاعدة:
ولا تختص قاعدة الإتلاف بالأعيان
بل تجري في المنافع أيضا، فإن إتلاف
منافع الأبدان والأعيان المملوكة بتفويت
أو باستيفاء داخل في باب الإتلاف، وكذا
تفويت منافع البضع (1).
الشروط العامة للضمان في القاعدة:
هناك شروط عامة لا بد من توفرها
حتى يتحقق الضمان بسبب الإتلاف وهي:
أولا - أن يكون المتلف مالا.
إذا لم يكن المتلف مالا فلا ضمان
بحسب القاعدة، وإن أمكن ثبوته
بغيرها.
ثم إن عدم مالية الشئ إنما يكون
لأحد سببين:
الأول - عدم اعتراف العرف بماليته،
وهذا يكون على أنحاء أيضا:
1 - أن يكون العرف قد ألغى ماليته
لخسته كالديدان والحشرات إذا لم يكن لها
منفعة معتد بها.
2 - أن يكون العرف قد ألغى ماليته
لقلته وإن كان لكثيره مالية مثل الحبة من

(1) مصباح الفقاهة 2: 131.
(2) القواعد الفقهية 2: 17 و 28.
(3) عناوين الأصول: 293.
(4) القواعد الفقهية 2: 17.
(5) البقرة: 194.
(1) عناوين الأصول: 294.
209

الحنطة أو السكر، وأمثال ذلك، فإن هذه
وأمثالها لو كانت كثيرة كان لها مالية.
3 - أن يكون إلغاء العرف لماليته من
جهة كثرته، مثل التراب والماء عند الأنهار
الكبيرة إذا لم يكن لهما خصوصية أخرى.
4 - أن يكون إلغاؤه لها لغير ذلك،
مثل إلغاء مالية الإنسان الحر، فإنه لا مالية
له عرفا بخلاف ما لو كان عبدا. وقد جاء
التصريح بعدم ضمان الحر بالغصب في
عبارات كثير من الفقهاء (1)، وعللوه بعدم
ماليته، وممن صرح بذلك صاحب الجواهر
حيث قال: " والحر لا يضمن بالغصب ولو
كان صغيرا لا عينا ولا منفعة بلا خلاف
محقق أجده... ضرورة عدم كونه مالا
حتى يتحقق فيه الضمان... " (2).
ومنهم صاحب العناوين فقد قال:
" والحر لا يضمن بالغصب لا عينا ولا
منفعة لأنه ليس مالا فلا يدخل تحت
اليد " (3).
الثاني - عدم اعتراف الشارع بماليته
وإن كان العرف معترفا بها، مثل الخمر
والخنزير والهيئة التركيبية لآلات القمار
والملاهي وآنية الذهب والفضة والدراهم
والدنانير المغشوشة - دون موادها - فهذه
وأمثالها مما ألغى الشارع ماليته.
وعلى أي حال فالقاعدة لا تشمل
جميع هذه الموارد، لعدم صدق المال عرفا
في بعضها وشرعا في بعضها الآخر، ولكن
هذا لا يمنع من ثبوت الضمان في بعض
الموارد بدليل آخر، كما في الصور الثلاث
الأول مما قد ألغى العرف ماليته لخسته أو
لقلته أو كثرته، فإن هذه الأشياء وإن
لم تكن لها مالية عرفا إلا أنها قابلة
للملك ولو بالدرجة الضعيفة المعبر عنها
ب‍ " حق الاختصاص " فغصبها مثلا قد
يوجب ضمانها من جهة قيام السيرة
العقلائية على ذلك (1)، فعلى الغاصب رد
العين أو المثل أو القيمة، ولكن ذلك لا
يعني شمول القاعدة لها، لأن موضوعها
المال وهذه لا تعد مالا عرفا، كما تقدم.
ثانيا - أن يكون مملوكا:
ومن الشروط العامة للقاعدة

(1) راجع: الشرائع 3: 236، والقواعد 1:
202 وغيرهما.
(2) الجواهر 37: 36.
(3) عناوين الأصول: 295.
(1) مصباح الفقاهة 1: 196.
210

هو كون المتلف مملوكا، فإذا لم
يكن مملوكا فلا ضمان، ولذلك لا
تشمل القاعدة من أتلف المباحات
العامة كالغابات والحيوانات غير
المملوكة.
ومما ألغى الشارع ملكية المسلم له
هو الخمر والخنزير، فلذلك لا يضمن
من أتلفهما، قال في الجواهر: " ولا
يضمن الخمر مع تلفها إذا غصبت من
مسلم وكان الغاصب مسلما - إلى أن
قال بعد نقل الشهرة والإجماع على
ذلك -: لأنها على كل حال غير مملوكة
للمسلم وإن سبق ملكه قبل الخمرية،
فلا وجه لضمانها... " ثم قال: " نعم،
تضمن إذا غصبت من الذمي متسترا
ولو كان الذي غصبها منه المسلم،
بإجماع الفرقة وأخبارها... أما
المتظاهر فلا ضمان وإن كان الغاصب
كافرا قولا واحدا.
وكذا الكلام في الخنزير بالنسبة إلى
ضمانه وعدمه في المسلم والمتستر
والمتظاهر " (1).
ثالثا - أن يكون المتلف أهلا
للتضمين:
لا بد أن يكون المتلف أهلا للتضمين
حتى يتحقق الضمان، وهناك موارد لا
يكون المتلف فيها أهلا للتضمين، وهي:
ألف - تسليط المالك غيره على
الإتلاف مجانا:
كل مورد سلط فيه المالك غيره على
الإتلاف مجانا فلا ضمان فيه ولا تشمله
القاعدة، وذلك مثل:
1 - وضع الطعام أمام الآخرين من
دون أمارة على الضمان.
2 - وضع المتاع في الطريق العام مع
العلم بتلفه بسبب استطراق العابرين.
3 - ومن ذلك دفع العين المستأجرة
إلى المستأجر مع العلم بفساد الإجارة على
رأي بعض الفقهاء، قال في الجواهر: " لا
يخفى عليك أن الذي عثرنا عليه من كلام
الأصحاب في المقام صريح في عدم ضمان
العين المستأجرة في العقد الفاسد... " (1).
وقد علل الحكم في العروة بأنه
" بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة

(1) الجواهر 37: 44 و 45.
(1) الجواهر 27: 252.
211

ماله " (1).
ولكن ناقشه في المستند بعدم إقدام
المؤجر على إلغاء الاحترام (2).
ومثل ذلك، الكلام في إتلاف العين
المستعارة أو المستودعة مع العلم ببطلان
العقد أو مع كون المستعير أو الودعي طفلا
غير مميز، على كلام في ذلك كله.
ولكن لم يلتزموا كلهم بعدم ضمان
المبيع في البيع الفاسد حتى مع العلم
بالفساد (3).
ومهما يكن فإن الاختلاف في
المصداق لا يضر بالكبرى المتقدمة وهي:
كلما تحقق تسليط الغير - من قبل المالك -
على إتلاف ماله مجانا فلا ضمان على
المتلف.
ب - الإكراه على الإتلاف:
ومن موارد عدم الأهلية للتضمين
هو الإكراه على الإتلاف، فإذا أكره
الشخص على إتلاف مال غيره فلا ضمان
عليه، ومن المعلوم أن ذلك لا يشمل
النفس، لما ورد ما مضمونه: من أنه " لا
تقية في الدماء " (1)، وهذا المقدار مما لا
خلاف فيه حسبما حكاه في الجواهر حيث
قال: " ولا يضمن المكره المال وإن باشر
الإتلاف، والضمان على من أكرهه، بلا
خلاف أجده في شئ من ذلك " (2).
وأما ما هو الإكراه وما هو الحد
الذي يرتفع به الضمان فيرجع فيه إلى
عنوان " إكراه ".
وربما يلحق بذلك موارد الغرور.
ج - ترجيح السبب أو المباشر عند
اجتماعهما:
ومن موارد عدم الأهلية للتضمين
هو ترجيح السبب أو المباشر - عند
اجتماعهما - على الآخر لكونه أقوى،
فيكون الآخر غير أهل للتضمين كما إذا
أجج شخص نارا مع عدم ودفع الآخر
شخصا ثالثا أو متاعه فيه، فهنا يكون
المباشر للإتلاف - وهو الدافع - أقوى من
السبب وهو المؤجج، فيكون الضمان عليه
دونه.

(1) مستند العروة (الإجارة): 213.
(2) مستند العروة (الإجارة): 213.
(3) الجواهر 37: 71 و 175، 22: 413،
المكاسب: 101.
(1) الوسائل 6: 384، الباب 31 من أبواب
الأمر والنهي.
(2) الجواهر 37: 57.
212

هذا، وقد ينطبق هذا العنوان على
بعض مصاديق العنوانين السابقين.
د - إتلاف الحيوانات:
إن الحيوان إذا كان مملوكا وكان
صاحبه مفرطا في حفظه ومقصرا فيه
يضمن ما يتلفه، لانتساب الإتلاف إليه
عرفا.
وأما إذا لم يكن مقصرا في ذلك فلا
ضمان عليه، لعدم انتساب الإتلاف إليه
عرفا.
قال صاحب الجواهر مازجا لكلام
المحقق: " يجب حفظ دابته الصائلة كالبعير
المغتلم والكلب العقور الذي اقتناه والفرس
العضوض والبغل الرامح ونحو ذلك، بلا
خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال، لقاعدة
الضرر وغيرها، بل لو أهمل ضمن
جنايتها بلا خلاف ولا إشكال " (1).
وقال السيد الخوئي في تكملة
المنهاج: " يجب على صاحب الدابة حفظ
دابته الصائلة، كالبعير المغتلم، والكلب
العقور، فلو أهملهما وجنيا على شخص
ضمن جنايتهما.
نعم، لو جهل المالك بالحال أو علم
ولكنه لم يفرط فلا ضمان عليه ".
ثم علق على العقد الأول من كلامه
بقوله: " من دون خلاف ولا إشكال بين
الأصحاب، وتدل على ذلك عدة
نصوص... " ثم ذكر بعض النصوص
الدالة على الضمان في صورة الإهمال.
وعلق على العقد الثاني من كلامه
قائلا: " بلا خلاف ظاهر لانصراف إطلاق
الروايات المتقدمة [الدالة على الضمان]
عن الصورة التي لا تقصير للمالك فيها
أصلا، وتدل على ذلك معتبرة السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: " البئر جبار،
والعجماء جبار، والمعدن جبار... " ثم ذكر
روايات أخرى بهذا المضمون (1).
ويؤيد ما تقدم، ما ذكره الفقهاء:
من أنه لو هجمت دابة على أخرى،
فجنت الداخلة ضمن صاحبها جنايتها إذا
فرط في حفظها وإلا فلا، ولو جنت
المدخول عليها كانت هدرا (2).

(1) الجواهر 43: 129.
(1) مباني تكملة المنهاج 2: 247.
(2) الجواهر 43: 132 ومباني تكملة المنهاج
2: 250 (موجبات الضمان المسألة 260).
213

رابعا - صحة نسبة الإتلاف إلى
الفاعل:
والشئ المهم الذي ينبغي تحققه
للحكم بالضمان هو صحة نسبة الإتلاف
إلى الفاعل، فإن النسبة إنما تصح لو
تصدى للإتلاف مباشرة أو فعل ما يؤدي
إليه عادة، ولو لم يقصد الإتلاف، ولذلك
لو حفر بئرا في داره، فتردى فيها شخص
من خارج البيت مع فرض ما يمنع من
الدخول كالباب ونحوها لا يضمن، لعدم
صحة نسبة الإتلاف إليه، بخلاف ما لو
حفرها في طريق عام مع عدم وضع ما
يمنع من التردي فيها
وبكلمة واحدة: ينبغي أن يكون
الفاعل بحيث ينتسب إليه الفعل عادة حتى
يصدق الإتلاف.
وعلى هذا الأساس كلما تحقق التلف
بيد من اعتبره الشارع أمينا من دون تعد
أو تفريط وتقصير منه فلا ضمان عليه،
لعدم صحة نسبة الإتلاف إليه.
نعم، لو كانت اليد عادية - كيد
الغاصب - وتلفت العين فيها فيتحقق
الضمان وإن لم يباشر صاحب اليد الإتلاف
أو يقصد فعل ما يؤدي إليه، لأن مجرد وضع
يده على العين مع عدم كونه مسموحا له
بذلك من قبل الشارع أو المالك يوجب
ضمانه حتى ولو حصل التلف بآفة سماوية.
وفيما يلي نشير إلى أهم الموارد التي
تكون اليد فيها يدا أمينة:
1 - الودعي: ويده أمينة، فلا يضمن
الوديعة إلا بتعد أو تفريط في حفظها (1).
2 - المستعير: ويده أمينة أيضا، فلا
يضمن العارية إلا بتعد أو تفريط (2).
3 - الشريك: فكل من الشريكين لا
يضمن مال الشركة مع القيدين، لأن
يدهما أمينة (3).
4 - المرتهن: لا يضمن العين
المرهونة بالقيدين (4).
5 - المضارب: لا يضمن مال
المضاربة إلا بتعد أو تفريط (5).
6 - المستأجر: لا يضمن مال
الإجارة إلا بتعد أو تفريط (6).

(1) الجواهر 27: 102.
(2) الجواهر 27: 162.
(3) الجواهر 26: 308.
(4) الجواهر 25: 258.
(5) الجواهر 26: 378.
(6) الجواهر 27: 215.
214

وأمثال ذلك.
هذا، مضافا إلى موارد الأمانة
الشرعية وهي: كل ما كان وضع اليد عليه
من غير إذن المالك مع الإذن فيه شرعا
مثل (1):
1 - العقود السابقة إذا كانت باطلة،
فإن المال يكون أمانة في يد الطرف الآخر
شرعا.
2 - اللقطة في يد الملتقط.
3 - ما لو انتزع شخص المغصوب
من يد الغاصب حسبة.
4 - ما لو أخذ الوديعة من صبي أو
مجنون عند خوف تلفها.
5 - ما لو أطارت الريح شيئا إلى
داره.
أقسام الإتلاف:
يتحقق الإتلاف بالأنحاء التالية:
الأول - المباشرة:
وهي: أن يباشر الإنسان الإتلاف
بنفسه بحيث لم يستند إلى غيره، والمباشرة
موجبة للضمان بلا خلاف بين المسلمين إن
لم يكن ضروريا - كما في الجواهر - سواء
كان المتلف عينا كالحيوان أو منفعة
ك‍ " سكنى الدار ".
الثاني - التسبيب:
اختلفوا في تعريفه، فقد نقل في
الجواهر عدة تعاريف منها:
1 - " أنه كل فعل يحصل التلف
بسببه كحفر البئر في غير الملك، وكطرح
المعاثر في المسالك ".
نقل ذلك عن غصب " الشرائع ".
2 - " أنه ما لولاه لما حصل التلف
عنده، لكن علة التلف غيره... ".
نقله عن ديات " الشرائع " أيضا.
3 - أنه " إيجاد ما يحصل التلف
عنده إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك
العلة كالحافر وفاتح رأس الظرف ".
نقله عن غصب " القواعد ".
4 - أنه " كل ما يحصل التلف عنده
بعلة غيره إلا أنه لولاه لما حصل من العلة
تأثير كالحفر مع التردي ".
نقله عن ديات " القواعد ".
5 - أنه " إيجاد ملزوم العلة قاصدا
لتوقع تلك العلة ".
نقله عن " غاية المراد " للشهيد.
ثم نقل تعاريف أخرى، ثم قال في

(1) راجع: كنز العرفان 2: 76 والحدائق 21:
413 والجواهر 27: 107.
215

نهاية المطاف:
" بل لا يبعد كون المراد لهم ضبط ما
استفادوا الضمان به من النصوص المزبورة
لا أن المراد كون المدار على صدق اسم
السبب خصوصا بعد أن لم يكن له معنى
منقح عرفا، بل ربما أطلق اسمه على المعلوم
عدم الضمان به، وليس في شئ من
النصوص ما يقتضي جعل مفهومه عنوانا،
بل السبب المذكور هنا غير موافق لمعنى
السبب بمعنى العلة التامة، ولا السبب
الاصطلاحي الذي هو ما يلزم من وجوده
الوجود ومن عدمه العدم لذاته، بل ليس
هو إلا من الشرائط كما سمعت الاعتراف
به من الفاضل.
فالتحقيق - حينئذ - كون المدار على
المستفاد من النصوص المزبورة وغيرها مما
صرح فيها بالضمان به، والتعدية منه إلى
مشابهه في ذلك بالإجماع أو بفهم عرفي
ينتقل منه إلى كون المذكور مثالا لما كان
من سنخه... " (1).
بعض نماذج التسبيب:
ولأجل توضيح التسبيب نذكر
بعض نماذجه:
1 - قال الشيخ في المبسوط: " إذا
فتح قفصا أو حل دابة وهيج كل واحد
منهما ونفره حتى ذهب، فعليه الضمان بلا
خلاف، لأنه سبب ملجئ يتعلق الضمان
به، كما لو حفر بئرا ثم دفع فيها بهيمة أو
إنسانا كان عليه الضمان لأنه ألجأه... " (1).
ومثله قال القاضي في جواهر
الفقه (2).
وقال في السرائر: " ومن حل دابة
فشردت أو فتح قفصا فذهب ما فيه لزمه
الضمان سواء كان ذلك عقيب الحل أو
الفتح أو بعد أن وقفا، لأن ذلك كالسبب
في الذهاب... " (3).
وجاء قريب من ذلك في
الشرائع (4).
وعلق عليه في الجواهر بأنه: لم يجد
فيه خلافا، بل عن الكفاية: أنه المعروف
من مذهب الأصحاب (5).

(1) راجع كل ذلك في الجواهر 37: 46 - 51،
و 42: 21، و 43: 95.
(1) المبسوط 3: 89.
(2) جواهر الفقه: 113، المسألة 413.
(3) السرائر 2: 85.
(4) الشرائع 3: 238.
(5) الجواهر 37: 66.
216

2 - ومن نماذج التسبيب المعروفة
حفر البئر في ملك الغير أو الطريق، فإنه لو
وقع فيه شخص فعطب يكون ضامنا،
ومثله جعل المعاثر في الطريق العام.
وقد ذكر هذان كمثالين للتسبيب في
عبارات كثير من الفقهاء.
الثالث - اجتماع السبب والمباشر:
والنحو الثالث لتحقق الإتلاف هو:
اجتماع السبب والمباشر، فإنه ربما يجتمع
سبب للإتلاف ومباشر له كما إذا حفر
شخص بئرا ودفع آخر ثالثا فيه فتلف،
فيكون السبب للإتلاف هو الحافر للبئر
والمباشر له هو الدافع.
والمتحصل من مجموع كلمات الفقهاء
هو: أن الجناية والتلف تنسب إلى الأقوى
من حيث انتساب الفعل إليه، وهو المباشر
غالبا إلا إذا كان ضعيفا - كما سيأتي - قال
المحقق:
" إذا اجتمع السبب والمباشر، قدم
المباشر في الضمان على ذي السبب، كمن
حفر بئرا في ملك غيره عدوانا، فدفع
غيره فيها إنسانا، فضمان ما يجنيه الدفع
على الدافع ".
وعلق عليه في الجواهر قائلا: " لما
عرفته من تقديم المباشرة على التسبيب
الذي لم أجد فيه خلافا بينهم، بل أرسلوه
إرسال المسلمات في المقام وفي القصاص
والديات، بل عن كشف اللثام: الإجماع
عليه، بل في مجمع البرهان: " أن من
المعلوم عقلا ونقلا اسناد الفعل إلى القريب
دون البعيد الذي هو سبب السبب وله
مدخلية ما في ذلك الشئ وهو ظاهر،
وكأنه مجمع عليه " (1).
هذا وقد ذكر في القواعد الفقهية
ضابطة أخرى لتقديم المباشر على السبب
ويمكن أن تكون ضابطة للضابطة المتقدمة،
قال: " إن المباشر إذا كان فاعلا مختارا
عاقلا وكان ملتفتا إلى أن فعله هذا يترتب
عليه التلف فلا شك في اختصاصه بكونه
ضامنا في هذه الصورة وليس على ذي
السبب ضمان أصلا، وأما لو لم يكن
المباشر ذا إرادة وشعور فالضمان على ذي
السبب، وذلك كمن أجج نارا في غير
ملكه، والريح نشرت النار فأصابت مال
غيره... " (2).
ثم رتب الضمان على المباشر حتى

(1) الجواهر 37: 54.
(2) القواعد الفقهية 2: 25.
217

مع عدم علمه بحصول التلف بسببه أيضا
إذا كان عاقلا غير مكره، لأن الضمان لا
يدور مدار العلم والجهل.
موارد تقديم السبب على المباشر:
تقدم أن المباشر يقدم على السبب في
مورد اجتماعهما، لأنه أقوى من حيث
انتساب الفعل إليه، وأشرنا إلى أن السبب
قد يتقدم على المباشر لو كان أقوى منه،
وهذه قاعدة كلية، ولكن استثنى الفقهاء
مورد الإكراه، وبعضهم استثنى مورد
الغرور أيضا، ولكن يبدو أن ذلك على
سبيل المثال لا الحصر، قال صاحب
الجواهر:
" وكيف كان فقد استثنى غير واحد
من الأصحاب من قاعدة تقديم المباشر ما
إذا ضعف المباشر، وفي الدروس واللمعة
الاقتصار على استثناء الغرور والإكراه، بل
في القواعد الاقتصار على الثاني منهما، كما
في الإرشاد الاقتصار على الأول منهما، إلا
أن الظاهر إرادة المثال، ضرورة ضعف
الريح والشمس والنار والسبع وغيرها مما
لا عقل له ولا اختيار... " (1).
ونحن نقتصر - هنا - على بيان مورد
الإكراه:
الإكراه على الإتلاف:
إذا أكره شخص على الإتلاف فلا
ضمان عليه، بل الضمان على المكره - إلا في
النفس - والسر في ذلك هو: أن السبب
وهو المكره أقوى من المباشر وهو المكره،
ولذلك ينسب الفعل إليه عرفا.
قال المحقق: " ولا يضمن المكره
المال وإن باشر الإتلاف، والضمان على من
أكرهه، لأن المباشرة ضعفت مع الإكراه،
فكان ذو السبب هنا أقوى " (1).
وعلق عليه في الجواهر بقوله: " بلا
خلاف أجده في شئ من ذلك " (2).
وقال في العناوين: "... قالوا: إن
المباشر والسبب لو اجتمعا فالضمان على
المباشر إلا في صورة الإكراه... " (3).
وقال في القواعد الفقهية: "... أما
إذا أكره على إتلاف مال الغير فالضمان
على المكره (بالكسر) لا على المتلف الذي
هو مكره (بالفتح)، لأن السبب هنا أقوى

(1) الجواهر 37: 56.
(1) الشرائع 3: 237.
(2) الجواهر 37: 57.
(3) عناوين الأصول: 294.
218

من المباشر، لأن المباشر وإن كان فاعلا
ولكن ليس بمختار " (1).
وفي ذلك بحث مستوعب يراجع فيه
عنوان " إكراه ".
الرابع - اجتماع سببين فصاعدا:
إذا اجتمع سببان فصاعدا في إتلاف
شئ كما إذا حفر واحد بئرا ووضع آخر
عنده حجرا وعثر به إنسان فوقع فيه،
فلا بد من تطبيق الضابطة السابقة، وهي
تضمين من ينسب إليه الإتلاف عرفا، قال
في العناوين:
" الذي ينبغي أن يقال: إنه لا عبرة
بكون المتلف مباشرا أو سببا أو نحو
ذلك فإنهما لا يختصان بمرتبة بل قد يكون
سببا وسبب سبب، وقد تترامى السلسلة
وتتباعد، ولما كان منشأ الضمان إنما هو
الإتلاف على ما يظهر من النص والفتوى
فالمدار على صدق المتلف عرفا،
وتحديدهم بالمباشر والسبب ونحو ذلك إنما
هو لضبط ما يصدق عليه العرف وإلا لم
يدل دليل على المباشرة والتسبيب، وتقدم
أحدهما على الآخر عند الاجتماع، فينبغي
أن يجعل المعيار الصدق العرفي، فربما
يصدق على المباشر دون السبب، وقس
على ذلك ترامي مسألة الأسباب
والمباشرين " (1).
وما قاله هو صفوة القول في هذا
المورد وإن كان اختلاف فهو في التطبيق،
قال في الجواهر:
" وأما اجتماع السببين بأن يحفر
واحد بئرا ويضع آخر عنده حجرا فيعثر
به إنسان فيقع في البئر ففي المسالك: " إن
اتفقا في وقت واحد اشتركا في الضمان،
لعدم الترجيح، وإن تعاقبا فالضمان على
المتقدم في التأثير، لاستقلاله بالضمان أولا،
فكان أولى، وهو سبب السبب فيجب
وجود المسبب عنده ".
وكأنه أراد ما في التذكرة قال:
" ولو تعدد السبب فالضمان على المتقدم
منهما إن ترتبا، كما لو حفر شخص بئرا في
محل عدوانا ووضع آخر حجرا فيه فعثر
إنسان بالحجر فوقع في البئر، فالضمان على
واضع الحجر، لأنه السبب المؤدي إلى
سبب الإتلاف فكان أولى بالضمان، لأن

(1) القواعد الفقهية 2: 26.
(1) عناوين الأصول: 296.
219

المسبب يجب مع حصول سببه فيه، فوضع
الحجر يوجب التردي، أما لو انتفى الترتب
فالضمان عليهما، كما لو حفر ووضع الحجر
فإن الضمان عليهما ".
قلت: لا يخلو كلامهما من خفاء في
الجملة، والذي ذكره غيرهما أنه يقدم
الأول في الجناية وإن تأخر حدوثه عن
الآخر، وربما احتمل ترجيح الأقوى، كما
لو نصب سكينا في البئر المذكور، وقد
يحتمل قويا تساوي السببين لاشتراكهما في
التلف الحاصل خارجا، وأنه لولا الحجر
لم يحصل التردي في البئر، كما أنه لولا
البئر لم يؤثر العثور بالحجر تلفا، بل لو
فرض كون كل من السببين متلفا لو استقل
إلا أنهما اشتركا فيما تحقق في الخارج من
التلف يتجه أيضا فيه الاشتراك في
الضمان... " (1).
كان هذا كلام صاحب الجواهر:
نقلناه بطوله لاشتماله على فوائد جمة
منها التوصل إلى ما نقلناه من الضابطة
عن صاحب العناوين، وهي: أن الضمان
يكون على من ينسب إليه الإتلاف عرفا
سواء كان السبب أو المباشر أو السببان
معا.
كانت هذه هي الأمور العامة
المرتبطة بقاعدة الإتلاف، وهناك بعض
الموارد الخاصة يأتي البحث عنها في موارد
أخر مثل البحث عن ضمان الطبيب
والأجير، والصانع فيما يتلفه بتفريط أو
غير تفريط، فسوف يأتي البحث عنه في
عنوان " الإجارة " كما أن البحث عن
إتلاف الصيد يأتي في عنوان " الإحرام " أو
" الصيد " وهكذا... كما أن البحث عن
إتلاف الهيئات المحرمة كآلات القمار
والملاهي وأمثالها قد تقدم في عنوان آلات
القمار وآلات الملاهي والآنية.
وسوف نتعرض لأهم أبحاث الضمان
في عنوان " الضمان ".
مظان البحث:
أهم ما يبحث فيه عن الإتلاف هو:
1 - الغصب - الديات
ويبحث بصورة جزئية عن ذلك في موارد
متفرقة مثل:
1 - المكاسب المحرمة: بيع آلات الملاهي
والقمار والأصنام وآنية الذهب والفضة عند

(1) الجواهر 37: 55.
220

البحث عن عدم مالية صور هذه الأشياء.
2 - المكاسب المحرمة: الإكراه على قبول
الولاية من قبل الجائر.
3 - البيع والإجارة وغيرهما من العقود:
تلف المقبوض بالعقد الفاسد.
4 - البيع: شرائط العوضين - أن يكونا
لهما مالية ويكونا مملوكين.
5 - وغير ذلك.
إتيان
لغة:
اسم من أتى يأتي أتيا بمعنى جاء.
وأتى الرجل زوجته إتيانا كناية عن
الجماع، والمأتى: موضع الإتيان (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن المعنى الكنائي
اللغوي، أي الجماع.
هذا وقد ورد الإتيان بمعنى الجماع
والوطء في موارد عديدة من القرآن
الكريم مثل قوله تعالى:
(إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون
النساء) (1)، وقوله تعالى: (أتأتون الذكران
من العالمين) (2) وقوله تعالى: (...
فأتوهن من حيث أمركم الله) (3) وقوله
تعالى: (... فأتوا حرثكم أنى شئتم) (4).
قال الطبرسي ذيل قوله تعالى
(فأتوهن): " فجامعوهن، وهو إباحة
وإن كان صورته صورة الأمر... " (5)
وقال ذيل قوله تعالى: (فاتوا حرثكم):
" واستدل مالك بقوله (أنى شئتم) على
جواز إتيان المرأة في دبرها. ورواه عن
نافع عن ابن عمر، وحكاه زيد بن أسلم
عن محمد بن المنكدر، وبه قال كثير من
أصحابنا " (6).
وأما استعماله في السنة بمعنى الوطء
والجماع فكثير.

(1) المصباح المنير: " أتى ".
(1) الأعراف: 81.
(2) الشعراء: 165.
(3) البقرة: 223.
(4) البقرة: 223.
(5) مجمع البيان 2: 319.
(6) مجمع البيان 2: 321.
221

إتيان البهيمة
لغة:
راجع: إتيان.
والبهيمة هي: " ذات الأربع من
حيوان البر والبحر " أو " ذات الروح التي
لا تميز " (1).
فعلى الأول تخرج الأسماك والطيور
عن صدق العنوان عليها بخلاف الثاني.
اصطلاحا:
وطء البهيمة.
الأحكام:
قال المحقق في الشرائع:
" إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة
مأكولة اللحم كالشاة والبقر، تعلق بوطئها
أحكام:
1 - تعزير الواطئ.
2 - وإغرامه ثمنها إن لم تكن له.
3 - وتحريم الموطوءة.
4 - ووجوب ذبحها وإحراقها.
أما التعزير: فتعزيره إلى الإمام،
وفي رواية يضرب خمسة وعشرين
سوطا، وفي أخرى يقتل، والمشهور الأول.
أما التحريم: فيتناول لحمها ولبنها
ونسلها تبعا لتحريمها.
والذبح إما تلقيا (1)، أو لما لا يؤمن
من شياع نسلها، وتعذر اجتنابه.
وإحراقها لئلا تشتبه - بعد ذبحها -
بالمحللة.
وإن كان الأمر الأهم فيها ظهورها
لا لحمها - كالخيل والبغال والحمير - لم
تذبح واغرم الواطئ ثمنها لصاحبها،
وأخرجت من بلدة الواقعة، وبيعت في
غيره إما عبادة (2) لا لعلة مفهومة لنا، أو
لئلا يعير بها صاحبها.
وما الذي يصنع في ثمنها؟ قال بعض
الأصحاب (3): يتصدق به، ولم أعرف

(1) المصباح المنير: " بهيمة ".
(1) أي تلقيا من الشارع وتعبدا.
(2) أي تعبدا.
(3) أي المفيد وابن حمزة.
222

المستند، وقال آخرون (1): يعاد على
المغترم، وإن كان الواطئ هو المالك دفع
إليه، وهو أشبه.
ويثبت هذا بشهادة رجلين
عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء انفردن أو
انضممن، وبالإقرار ولو مرة إن كانت
الدابة له، وإلا ثبت التعزير حسب، وإن
تكرر الإقرار، قيل: لا يثبت إلا بالإقرار
مرتين وهو غلط.
ولو تكرر مع تخلل التعزير ثلاثا
قتل في الرابعة " (2).
ولا يخفى أن قيد البلوغ والعقل إنما
جئ به لإثبات الحكم بتعزير الواطئ،
أما سائر الأحكام المذكورة فلا تتوقف
على كون الواطئ بالغا وعاقلا كما صرح
به في الجواهر (3)، والأحكام المتقدمة
المذكورة ذكرها صاحب الجواهر في
كتاب الأطعمة، وادعى عدم الخلاف
فيها (4).
مظان البحث:
1 - الأطعمة والأشربة: الأطعمة
المحرمة.
2 - الحدود: وطء البهيمة.
إجارة
لغة:
من الأجر وهو الثواب، والجزاء
على العمل، والإجارة ما أعطيت من أجر
في عمل.
اصطلاحا:
ذكروا للإجارة تعاريف عديدة
منها:
1 - أنها: " تمليك منفعة معلومة بعوض
معلوم " (1).
2 - أنها: " العقد على تملك المنفعة بعوض
معلوم " (2).
3 - أنها: " ما شرعت لنقل المنفعة بعوض

(1) الشيخ وابن إدريس.
(2) الشرائع 4: 187.
(3) الجواهر 41: 637.
(4) الجواهر 36: 284 - 288.
(1) المختصر النافع: 152.
(2) الروضة 4: 327.
223

من آخر ولو حكما " (1).
الأحكام:
للإجارة أحكام كثيرة أهمها
كالآتي:
لزوم عقد الإجارة:
يبدو أنه لا خلاف في كون
الإجارة من العقود اللازمة، قال في
الجواهر: " وكيف كان فالإجارة عقد لازم
بلا خلاف ولا إشكال لأصالته المستفادة
من الآية وغيرها... " (2). وقال في مفتاح
الكرامة معلقا على قول العلامة: " وهو
(أي عقد الإجارة) لازم من الطرفين ":
" بلا خلاف أجده في كتب الأصحاب من
المقنع إلى الرياض، بل هي بين مصرح فيه
بذلك بجعله مسألة مستقلة كالكتاب - أي
القواعد - وبين مصرح فيه بذلك في
مطاوي الباب، وقد حكي عليه الإجماع
في جامع المقاصد والمسالك ومجمع
البرهان... " (3).
ولزومه من الطرفين كما صرح بذلك
عدة من الفقهاء كالعلامة - كما تقدم -
والشهيد في القواعد والفوائد (1) وغيرهما.
ضابط ما يصح إجارته:
إن الضابطة الكلية التي اعتمد عليها
الفقهاء في تشخيص ما يصح إجارته هي:
" أن كل ما يصح إعارته يصح إجارته،
وما يصح إعارته يصح إجارته، وما يصح
إعارته هو ما يصح الانتفاع به مع بقاء
عينه، قال في الجواهر: " ضابط مورد
الإجارة: أن كلما صح إعارته من حيث
كونه عينا ينتفع به مع بقائه صح إجارته
بلا خلاف أجده فيه نقلا وتحصيلا بل
إجماعا كذلك " (2).
نعم هناك موارد خرجت من هذه
الكلية مثل عارية المنحة (الشاة للحلب)
فهي جائزة كما هو المعروف، بينما لا تجوز
إجارتها على ما هو المشهور (3) والمعروف
وإن ناقش صاحب الجواهر في صدق
العارية على إعطاء المنحة للغير، بل اعتبر
ذلك إباحة كغيره من إباحات إتلاف
الأعيان.

(1) الجواهر 27: 204.
(2) الجواهر 27: 206.
(3) مفتاح الكرامة 7: 75.
(1) القواعد والفوائد 2: 243، القاعدة 243.
(2) الجواهر 27: 213.
(3) المستمسك 12: 132.
224

ومثلها استئجار الحر، فإنه جائز
دون إعارته (1).
أركان الإجارة:
أركان الإجارة ثلاثة: العقد،
المتعاقدان، العوضان.
الركن الأول - العقد:
يحتاج عقد الإجارة - كسائر
العقود - إلى إيجاب وقبول.
واللفظ الصريح الدال على ذلك هو:
آجرتك وأكريتك (2)، فيقول: آجرتك هذه
الدار أو أكريتك هذه الدابة وأمثال ذلك،
فيقول القابل: قبلت أو استكريت أو
استأجرت.
ولا ينحصر لفظ الإيجاب والقبول
في ذلك بل يكفي كل ما دل عليه، نعم
يشترط أن يكون دالا على مفهوم
الإجارة أما مثل " ملكتك " فلا يقع به
الإجارة، لأنه يفيد نقل العين بينما تفيد
الإجارة نقل المنفعة، فإذن لا يصح قصد
الإجارة بمثل " ملكتك هذه الدار " نعم
يصح لو قال: " ملكتك سكنى هذه الدار
سنة " مثلا لإفادته نقل المنفعة (1). ومع ذلك
فقد احتمل في الجواهر انعقاد الإجارة
بذلك ونقله عن التحرير (2).
المعاطاة في الإجارة:
بحث الفقهاء حول جريان المعاطاة
في الإجارة وعدمه، ويرجع البحث في
ذلك إلى البحث عن جريان المعاطاة في
البيع وعدمه، قال في مستند العروة معلقا
على كلام السيد اليزدي: " ويجري فيها
المعاطاة كسائر العقود ": " الكلام في
جريان المعاطاة في الإجارة هو الكلام في
جريانها في البيع، إذ لا خصوصية فيه،
فإن البحث المذكور هناك سار في كافة
المعاملات من العقود والإيقاعات بمناط
واحد، وملخصه:
أنه إن ثبت في مورد بدليل خاص
اعتبار اللفظ أو اللفظ الخاص في تحقق
الإنشاء كما في الطلاق حيث يعتبر فيه لفظ
" طالق " بعد ذكر المرأة اسما أو وضعا، وكما
في النذر وشبهه واليمين حيث يعتبر فيها
ذكر لفظ الجلالة، وكما في الزواج الذي
تسالم الفقهاء على اعتبار لفظ ما وإلا

(1) الجواهر 27: 214.
(2) الجواهر 27: 204.
(1) الجواهر 27: 205.
(2) نفس المصدر.
225

خرج عن النكاح إلى السفاح فهو المتبع
ولا سبيل معه إلى جريان المعاطاة فيه
بوجه، وأما ما لم يثبت فيه ذلك فمقتضى
الإطلاقات العامة كوجوب الوفاء بالعقود
وكذا إطلاقات نفوذ البيع مثل قوله تعالى:
(أحل الله البيع) وغيره من أدلة العقود
من الإجارة وغيرها هو الحكم بالصحة
وإن لم يتحقق العقد باللفظ بل بالفعل المعبر
عنه بالمعاطاة " (1).
وقال في المستمسك معلقا على كلام
السيد السابق: " كما صرح به غير واحد
بل قيل: لم يعرف متأمل في ذلك،
ويقتضيه عموم أدلتها، لعدم الفرق فيها بين
البيع والإجارة وغيرهما " (2).
نعم المنقول عن المحقق النائيني هو
الاقتصار على إجارة الأموال فلا تجري
المعاطاة في إجارة الأعمال إذا كان الأجير
حرا كالخياطة والبناء و.. (3).
الركن الثاني - المتعاقدان:
يعتبر في المتعاقدين توفر الشروط
العامة للأهلية وهي:
1 - البلوغ: لا إشكال في اشتراط
البلوغ لو كان العاقد عاقدا لنفسه، إذ عقده
تصرف في ماله وغير البالغ ممنوع عن
التصرف في ماله على نحو الاستقلال بحيث
يكون هو المؤجر (1).
وأما لو كان مجريا للصيغة فقط
سواء كان في ماله أو في مال غيره وكالة
فقد وقع البحث في صحته وعدمه، فقد
نسب إلى المشهور عدم الجواز لرفع القلم
عن الصبي بينما اختار في مستند العروة
جوازه.
وكذا لو استقل الصبي في البيع
والإجارة ولكن وكالة عن الغير،
فالمشهور عدم جوازه بينما اختار في مستند
العروة الجواز والصحة أيضا (2).
2 - العقل: لا ينبغي الشك في
اشتراط العقل مقابل الجنون المانع من
تحقق القصد، لتقوم العقد به ومع فقده لا
يتحقق العقد.
وأما إذا كان الجنون في حد لم يمنع
من تحقق القصد فقد جعل في المستمسك

(1) مستند العروة، الإجارة: 16.
(2) المستمسك 12: 5.
(3) مستند العروة (الإجارة): 19، المستمسك
12: 5.
(1) المستمسك 12: 6، مستند العروة: 27.
(2) مستند العروة: 28.
226

الكلام فيه كالكلام في عقد الصبي (1).
3 - الاختيار: وهو من شرائط
الأهلية العامة أيضا فلا يصح عقد المكره
ولا إيقاعه.
هذا إذا كان عاقدا لنفسه، أما لو
كان أكره على العقد لغيره ولم يكن - ذلك
الغير - مكرها على مضمون العقد، ففي
مستند العروة: لا وجه للبطلان (2).
4 - عدم الحجر: وهو من شرائط
الأهلية العامة - أيضا - فلا تصح إجارة
المحجور سواء كان سببه الفلس أو السفه
أو الرقية.
هذا إذا كان عاقدا لنفسه، وأما إذا
كان عاقدا للغير وكالة فلا وجه للبطلان
- كما في مستند العروة (3) - إذ الأدلة إنما
قامت على منع هؤلاء المحجورين في
أموالهم لا في تصرفاتهم اللفظية التي لا
يترتب عليها تصرف مالي في أموالهم.
الركن الثالث - العوضان:
ويشترط فيهما ما يلي:
1 - ملكية العوضين:
ينبغي أن يكون المؤجر مالكا
للمنفعة التي يؤجرها إما تبعا لملك العين أو
استقلالا كالمالك لمنفعة الدار بالإجارة، أو
يكون المؤجر مأذونا من قبل المالك
- كالوكيل - أو وليا عنه أو فضوليا يأذن
المالك له بعد ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة
إلى الأجرة.
2 - معلومية العوضين:
ينبغي أن يكون العوضان - في
الإجارة - معلومين، وقد ادعي الإجماع
على ذلك، وعليه فلا يجوز الإجارة على
المنفعة المجهولة فضلا عن المبهمة (1).
ومعلومية كل شئ بحسبه (2).
وتتحقق معلومية المنفعة إما بتقدير
المدة كسكنى الدار شهرا والخياطة
يوما... وإما بتقدير العمل كخياطة الثوب
المعلوم خصوصياته، وإما بتقدير العدد
مثل استئجار الفحل للضراب المرة
والمرتين وأمثال ذلك (3).
وعلى أي حال فالمعلومية المطلوبة

(1) المستمسك 12: 6.
(2) مستند العروة: 27.
(3) مستند العروة: 26.
(1) الجواهر 27: 261.
(2) العروة: الإجارة، فصل 1.
(3) نفس المصدر.
227

هي الرافعة للجهالة لا الأكثر (1) فينبغي
تعيين المنفعة بحيث ترتفع الجهالة ولذلك
ينبغي تعيين العين المستأجرة وتشخيصها
فلا يصح إجارة أحد الدارين أو الدور
مثلا، وينبغي ذكر مشخصاتها إن كانت
كلية أو غائبة على وجه يرتفع الغرر، كما
يجب تعيين كيفية الانتفاع إذا كان مؤثرا
في الأجرة كإجارة الدابة للحمل أو
للحرث أو للسقي وكإجارة البيت للسكنى
أو العمل وغير ذلك.
وعلى أي حال يجب تشخيص كل
ما يلزم من عدم تشخيصه غرر أو ضرر
على المؤجر أو المستأجر (2).
3 - القدرة على التسليم:
يشترط في صحة الإجارة قدرة
المتعاقدين على تسليم العوضين فلا يجوز
إجارة ما لم يقدر على تسليمه كالمال
المغصوب، وكفاية الضميمة محل تأمل حتى
لو قيل به في باب البيع، لقيام الدليل فيه
دونه وعدم إمكان التعدية.
ومما يتفرع على ذلك هو أنه: لو
استأجر دارا فمنعه ظالم - قبل قبضها - عن
الانتفاع بها كان بالخيار بين الفسخ وبين
الالتزام والرجوع على الظالم بأجرة المثل
عوضا عما استوفاه، لأن العقد قد تم مع
تحقق الشرط وهو القدرة على التسليم وإنما
حدث المانع بعده (1).
واحتمل في المستند (2) التفصيل بين
ما كان منع الظالم متوجها إلى خصوص
المستأجر فليس له الخيار وإنما له مطالبة
الظالم أجرة المثل، وبين ما إذا توجه إليه
وإلى غيره، فله أن يفسخ أو يرجع إلى
الظالم.
هذا إذا منعه قبل القبض، وأما لو
منعه بعده فيبقى العقد على لزومه، لعدم
وجود ما يوجب الفسخ من قبل المالك بل
له الرجوع على الظالم بأجرة المثل فقط (3).
4 - إباحة المنفعة:
المعروف بين الفقهاء لزوم إباحة
المنفعة في صحة الإجارة فلا يجوز إجارة
البيت أو الحانوت ليعمل فيه الخمر، أو
الدابة والسيارة لتحمل عليها، وأمثال ذلك

(1) مستند العروة: 32.
(2) الجواهر 27: 279 - 283.
(1) الجواهر 27: 309.
(2) مستند العروة: 189.
(3) الجواهر 27: 310، المستمسك 12: 56
ومستند العروة: 190.
228

كاستئجار المغنية للغناء.
ولكن نسب إلى البعض حرمة ذلك
تكليفا وصحته وضعا (1).
5 - بقاء العين مع استيفاء المنفعة:
ومن شرائط صحة الإجارة أن
تكون العين بحيث تبقى مع استيفاء المنفعة
وقد تقدم في بيان ضابط ما يصح إجارته:
أن كل ما يصح إعارته يصح إجارته،
ومن المعلوم أن الإعارة لا تصح إلا فيما
تبقى فيه العين مع استيفاء المنفعة منها،
ولذلك فلا يصح إعارة الخبز كما لا تصح
إجارته أيضا، وكذا إجارة الحطب
للإشعال، والشمع للإحراق و...
ويعد هذا - في الواقع - من مقومات
الإجارة لا من شرائطها (2).
6 - إمكان استيفاء المنفعة من العين:
وهذا الشرط له طرفان:
الأول - إمكان استيفاء المستأجر
المنفعة من العين المستأجرة، فإذا لم يتمكن
المستأجر من ذلك فلا تصح الإجارة، كما
في استئجار المرأة الحائض لكنس
المسجد (1).
الثاني - أن تكون العين مما يمكن
استيفاء المنفعة المقصودة بها، فلا تصح
إجارة الأرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال
الماء إليها، لعدم إمكان الزراعة، وهي
المنفعة المقصودة من مثل تلك الأرض
حسب الفرض (2).
موارد بطلان الإجارة وفسخها:
ونقصد بذلك بطلانها بعد انعقادها
لا عدم انعقادها رأسا، لأن من الواضح
أن عدم انعقادها إنما يكون في صورة عدم
توفر أحد الشروط اللازمة في انعقادها،
وأما بطلانها بعد انعقادها فإنما يتم في
الموارد التالية:
ألف - التقايل: فإذا استقال أحد
الطرفين صاحبه فأقاله تنفسخ الإجارة كما
في سائر العقود.
راجع: إقالة.
ب - جريان أحد الخيارات الجارية
في الإجارة كما سيتضح.

(1) الجواهر 27: 307.
(2) مستند العروة: 43.
(1) العروة: الإجارة، فصل 1، المسألة 1،
والمستمسك 12: 10، ومستند العروة (الإجارة):
48، تحرير الوسيلة: الإجارة، المسألة 2.
(2) المصادر السابقة.
229

ج - الموت: اختلف الفقهاء في بطلان
الإجارة بالموت على أقوال:
أولا - بطلان الإجارة بموت كل من
المؤجر والمستأجر، وهو منسوب إلى
القدماء، قال الشيخ في الخلاف: " الموت
يبطل الإجارة سواء كان موت المؤجر أو
المستأجر... " (1).
ونسبه في الشرائع (2) إلى المشهور
بين الأصحاب.
ثانيا - التفصيل بين المستأجر فتبطل
بموته والمؤجر فلا تبطل، وهو منسوب
للشيخ أيضا لكن الذي قاله في المبسوط
هو: أن " الموت يفسخ الإجارة سواء كان
الميت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا،
والأظهر عندهم أن موت المستأجر يبطلها
وموت المؤجر لا يبطلها، وفيه خلاف " (3).
ولم يظهر منه اختياره.
ثالثا - عدم البطلان مطلقا وهو
المعروف بين المتأخرين، قال في الجواهر:
" وقال آخرون: لا تبطل بموت أحدهما
وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده،
وأشهر بين المتأخرين، بل هو المشهور
بينهم، بل في المسالك نسبته إليهم أجمع،
ولعله كذلك إلا ما سمعته من ابن سعيد،
وما يظهر من تذكرة الفاضل من الميل إلى
الأول مع أن خيرته في باقي كتبه: الأخير،
كابن إدريس والمصنف والفخر
والشهيدين... " (1).
ثم ذكر باقي الفقهاء الذين اختاروا
عدم البطلان.
موارد تبطل الإجارة فيها بالموت
وهي:
1 - إذا كانت العين موقوفة على
المؤجر: فإذا مات المؤجر - في هذه
الصورة - بطلت الإجارة، لأن ملكية كل
بطن للعين الموقوفة محدودة بحياته كملكية
منافعها إلا إذا أجاز البطن اللاحق فتصح
الإجارة حينئذ.
هذا إذا كان المؤجر هو الموقوف
عليه، أما لو كان الناظر وكانت الإجارة
لمصلحة الموقوف عليه لم تبطل (2).

(1) الخلاف 3: 491، كتاب الإجارة،
المسألة 7.
(2) الشرائع 2: 179.
(3) المبسوط 3: 224.
(1) الجواهر 27: 207.
(2) الحدائق 21: 542، الجواهر 27: 212،
والعروة الإجارة، فصل 2، المسألة 3، مستند
العروة: 132.
230

2 - إذا كانت العين موصى بها
للمؤجر ما دام حيا فتكون هذه الصورة
كسابقتها إلا أن بقاء الإجارة بعد موته
موقوف على إجازة من بيده الإجازة (1).
3 - إذا كان الأجير أجيرا خاصا
فمات كما إذا استأجر شخصا معينا لعمل ما
فمات، فتنفسخ الإجارة.
د - إذا اشترط على المستأجر
استيفاء المنفعة بنفسه كما إذا استأجر سيارة
واشترط المؤجر عليه استيفاء المنفعة
بنفسه، فطرأ عذر عن الانتفاع بها. والعذر
تارة عام وتارة خاص.
الأول - إذا كان العذر عاما: كما إذا
منع الطريق للعموم لسبب ما، ففي العروة
والمستمسك (2) والمستند (3) اختيار البطلان،
ونقل في المستمسك عن القواعد وجامع
المقاصد القول بتخيير المستأجر بين الفسخ
والإبقاء.
ثانيا - إذا كان العذر خاصا: فهنا
تارة يشترط المباشرة وتارة لا يشترط:
ألف - إذا لم يشترط المباشرة: فلا
تبطل الإجارة قطعا، والصورة خارجة عن
مورد البحث.
ب - إذا اشترط المباشرة: وهنا تارة
يكون الشرط على نحو القيدية بحيث يكون
من باب وحدة المطلوب لا تعدده، ففي
هذه الصورة استظهر في العروة البطلان
وارتضاه في المستمسك (1) ثم احتمل
- صاحب العروة - الصحة واستظهرها في
المستند (2) أيضا، لأن المصحح للإجارة هو
الحيثية القائمة بالعين، وهي أن تكون قابلة
للانتفاع، لا الحيثية القائمة بالمستأجر وهي
قدرته على الانتفاع، والمفروض حصول
الحيثية الأولى.
وتارة لم يكن على نحو القيدية،
ويظهر من مفهوم كلام صاحب العروة
عدم البطلان، ولكن بناه في المستند (3) على
أن الشرط الفاسد مفسد للعقد أو لا؟
فعلى الأول يكون العقد باطلا دون الثاني
واختار هو عدم البطلان.

(1) مستند العروة: 133، تحرير الوسيلة:
الإجارة، المسألة 11.
(2) المستمسك 12: 58.
(3) مستند العروة (الإجارة): 192.
(1) المستمسك 12: 58.
(2) مستند العروة: 192.
(3) نفس المصدر.
231

ه‍ - تلف العين المستأجرة:
إن تلف العين المستأجرة يتصور
على أنحاء، تبطل الإجارة في بعضها،
وهي:
1 - تلف العين قبل القبض، والظاهر
لا إشكال في بطلان الإجارة إذا كانت
العين المستأجرة شخصية، قال في العروة:
" إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض
المستأجر بطلت الإجارة... " (1). وعلق
عليه في المستمسك قائلا: " بلا خلاف
نعلمه، كما في محكي التذكرة، ونحوه في
الجواهر... " (2). وعلق عليه في المستند
قائلا: " ما ذكره (قده) من البطلان في
التلف قبل القبض... هو المعروف
والمشهور... " (3).
وأما إذا كانت العين المستأجرة كلية
فيظهر منهم عدم بطلان الإجارة، بل
ينفسخ الوفاء، فعلى المؤجر أن يدفع فردا
آخر، قال في العروة: " إذا آجر دابة كلية،
ودفع فردا منها فتلف، لا تنفسخ الإجارة،
بل ينفسخ الوفاء، فعليه أن يدفع فردا
آخر " (1) لتبين أن المدفوع ليس فردا
لموضوع الإجارة، (2) أو لأن التلف لم يقع
على ما وقعت عليه الإجارة، وهو المنفعة
الكلية القائمة بالعين الكلية (3).
2 - أن تتلف بعد القبض وقبل
استيفاء شئ من المنافع، ففي هذه الصورة
تبطل الإجارة أيضا ولكن بشرط أن
يكون التلف بعد القبض بلا فصل، وأما إذا
انقضت بعض المدة ثم حصل التلف وإن لم
يستوف شيئا من منافعها صحت الإجارة
فيما مضى وبطلت في الباقي (4)، وستأتي
الإشارة إلى كيفية التوزيع.
3 - أن يكون بعد القبض واستيفاء
بعض المنفعة، والحكم في هذه الصورة هو
صحة الإجارة فيما مضى وبطلانها في
الباقي، وأما كيفية توزيع الأجرة، ففيه

(1) العروة: الإجارة، فصل 3، المسألة 4 و 8.
(2) المستمسك 12: 50 و 53.
(3) مستند العروة: 175 و 184، وراجع كل
ذلك الجواهر 27: 277 - 279، ومفتاح الكرامة
7: 91 - 93.
(1) العروة: الإجارة، فصل 3، المسألة 4 و 8.
(2) المستمسك 12: 53.
(3) مستند العروة: 175 و 184، وراجع كل
ذلك الجواهر 27: 277 - 279، ومفتاح الكرامة
7: 91 - 93.
(4) المصادر السابقة.
232

نظران:
الأول - أن يسترجع من المسمى ما
قابل المنفعة غير المستوفاة إن نصفا
فنصف، وإن ثلثا فثلث، وإن ربعا فربع،
وهذا هو المعروف.
الثاني - استرجاع جميع المسمى
ودفع أجرة مثل ما قابل المنفعة المستوفاة،
وهذا ما قواه صاحب العروة، لأن مقتضى
فسخ العقد ذلك (1).
هذا إذا كانت الأجزاء متساوية
بحسب الزمان أو غير ذلك، وإلا لزم
مراعاة ما هو المؤثر في القيمة في كيفية
التقسيط.
4 - أن يتلف بعض العين بعد استيفاء
بعض المنفعة كما إذا استأجر دارا فتلف
بعض بيوتاتها، فهنا تصح الإجارة فيما
مضى وتصح فيما بقي بالنسبة مع ثبوت
خيار تبعض الصفقة للمستأجر، قال في
العروة: " إذا تلف بعض العين المستأجرة
تبطل بنسبته ويجئ خيار تبعض
الصفقة " (2).
5 - لو لم تتلف العين بل نقصت
المنفعة كما إذا نقص ماء الأرض المعدة
للزراعة أو الرحى، أو مرض الأجير
أو... فقال في الحدائق: يثبت الفسخ
للمستأجر كما هو المشهور (1)، ومثله قال في
الجواهر أيضا (2).
6 - ما لو عرض على العين ما
يوجب زوال المنفعة كما لو استأجر أرضا
للزراعة لكنه استولى عليها الماء وخرجت
عن الانتفاع ففي الحدائق: لا إشكال في
بطلان الإجارة، لأن من شروط الإجارة
أن يكون للعين نفع يترتب عليها (3)، ومثله
في الجواهر (4).
7 - إذا حدث للمستأجر عذر في
الاستيفاء كما لو استأجر دابة لتحمله إلى
بلد فمرض المستأجر ولم يقدر على السفر،
أو حدث عذر عام كمنع الطريق مثلا،
وقد تقدم البحث في ذلك في المورد الرابع.

(1) المصادر السابقة والجواهر 27: 310.
(2) العروة: الإجارة، فصل 3 المسألة 6
والجواهر 27: 310.
(1) الحدائق 21: 585.
(2) الجواهر 27: 206، وراجع مفتاح الكرامة
7: 92.
(3) الحدائق 21: 586.
(4) الجواهر 27: 206، وراجع مفتاح الكرامة
7: 92.
233

8 - إذا انتفى موضوع الإجارة كما
إذا استأجر عاملا لهدم حائط معين فانهدم
بنفسه، أو استأجر طبيبا ليعالج مريضا
فبرئ بنفسه أو استأجر امرأة للإرضاع
فمات الطفل وهكذا... (1).
هل يرتفع الفسخ بالتعمير؟
إذا بادر المؤجر بتعمير ما تلف فهل
للمستأجر الفسخ أو لا؟ المنقول عن
المحقق والشهيد الثانيين (2): أنه إذا لم
تنهدم الدار بحيث ينتفي أصل الانتفاع ثم
بادر المؤجر بتعميرها فللمستأجر خيار
الفسخ، لأنه ثبت بالانهدام فيستصحب
بعد تعميرها - بخلاف ما لو انتفى أصل
الانتفاع فتبطل الإجارة ولا يثبت خيار
حتى يستصحب - ولكن يظهر من
الجواهر (3) أنه ليس للمستأجر الفسخ في
هذه الصورة، واستقواه في العروة (4)، وقيد
في المستمسك والمستند عدم الخيار بما إذا
كان التعمير بحيث لا يمنع ولا يزاحم
الانتفاع المطلوب من العين كما إذا عمرها
ليلا وكان الانتفاع بها في النهار كما في
الحانوت (1).
الرجوع إلى أجرة المثل في موارد بطلان
الإجارة:
إذا بطلت الإجارة بأي سبب كان
فالذي عليه الفقهاء هو بطلان أجرة
المسمى ببطلان الإجارة والرجوع إلى
أجرة المثل، قال في الجواهر مازجا لكلام
المحقق:
" كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة
يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو
بعضها سواء زادت عن المسمى أو نقصت
عنه بلا خلاف أجده فيه في شئ من
ذلك، بل قد يظهر من إرسالهم ذلك
إرسال المسلمات أنه من القطعيات " (2).
ومع ذلك فقد فصل في العروة بين
ما إذا كان المؤجر عالما بالبطلان أو لا؟
فإن كان جاهلا فالأمر فيه كما تقدم عن
المشهور، وأما إن كان عالما فاستشكل في
ضمان المستأجر خاصة إذا كان - أي

(1) الجواهر 27: 229.
(2) الجواهر 27: 310.
(3) نفس المصدر.
(4) العروة: الإجارة، فصل 3، المسألة 9.
(1) المستمسك 12: 55 ومستند العروة
(الإجارة): 185.
(2) الجواهر 27: 246.
234

المستأجر - جاهلا بالبطلان (1).
بيع العين المستأجرة:
يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام
مدة الإجارة، ولا تنفسخ الإجارة به،
لاختلاف متعلق البيع والإجارة فإن
متعلق البيع هو العين، ومتعلق الإجارة هو
المنفعة، وملكية العين وملكية المنفعة
ملكيتان مستقلتان عرضيتان قابلتان
للتفكيك، فلذلك يملك المستأجر المنفعة
دون العين، وعليه يجوز للمالك تمليك العين
لفرد آخر غاية الأمر يملكه العين مسلوبة
المنفعة طول مدة الإجارة، نعم يتخير
المشتري - لو كان جاهلا بكون العين
مستأجرة - بين الصبر حتى انتهاء مدة
الإجارة وبين الفسخ، قال صاحب
الجواهر: " ولا تبطل [أي الإجارة] بالبيع
للعين المستأجرة، لعدم المنافاة بعد
اختلاف متعلقهما، نعم يتخير المشتري مع
جهله بين الصبر إلى انتهاء مدة الإجارة
وبين الفسخ باعتبار اقتضاء إطلاق العقد
تعجيل التسليم للانتفاع كما هو الغالب،
بخلاف العالم بذلك فإنه لا خيار له... " (2)
وقال مثله في العروة (1)، وعلق عليه في
المستمسك قائلا: " بلا خلاف ولا إشكال،
ويشهد له جملة من النصوص " (2).
إجارة العين المستأجرة:
المعروف بين الفقهاء هو: جواز
إجارة العين المستأجرة بأقل مما استأجرها
به وبالمساوي سواء أحدث فيها شيئا أو
لا؟ وكذا يجوز أن يؤجرها بالأكثر إذا
كان أحدث فيها ما يوجب كمالا فيها،
وقد ادعى في الحدائق (3) عدم الخلاف في
ذلك كله، وإنما الخلاف فيما إذا آجرها
بأكثر مما استأجرها ولم يحدث فيها شيئا
فالأقوال فيه كما يلي:
1 - عدم الجواز: اختاره القدماء
كالشيخين والمرتضى وابن الجنيد والصدوق
والحلبي والقاضي - على ما حكي
عنهم (4) -. قال الشيخ المفيد: " ولا بأس أن
يستأجر الإنسان دارا أو حانوتا
ويؤاجرهما بأكثر مما استأجرهما به إذا كان
قد أحدث فيهما مصلحة، فإن لم يكن

(1) العروة: الإجارة، فصل 3، المسألة 16.
(2) الجواهر 27: 206.
(1) العروة: الإجارة، فصل 2، المسألة 1.
(2) المستمسك 12: 29.
(3) الحدائق 21: 292.
(4) نفس المصدر.
235

أحدث فيه عملا لم يجز له إجارتهما بأكثر
مما استأجرهما " (1).
وقال الشيخ الطوسي: " إذا استأجر
دارا أو غيرها من الأشياء وأراد أن
يؤجرها بأقل مما استأجرها أو أكثر منه
أو مثله، جاز ذلك إذا أحدث فيها حدثا،
كيفما أراد، وسواء أجرها من المؤجر أو
من غيره، كل ذلك جائز... " (2).
2 - جواز الإجارة إذا اختلف جنس
الأجرتين كما إذا كانت إحداهما ذهبا
وفضة والأخرى حنطة مثلا. نسب ذلك في
المستمسك (3) إلى جماعة كثيرة.
3 - الجواز مطلقا سواء كان أحدث
في العين شيئا أو لا، وسواء اتحد الجنسان
أو لا، ولكن في غير البيت والدار والدكان
والأجير حيث ورد فيها النص بالخصوص
فلا يجوز فيها إلا مع الشرطين السابقين أي
الإحداث وتعدد الأجرة. قال المحقق:
" ولا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان
ولا الأجير بأكثر مما استأجره إلا أن
يؤجر بغير جنس الأجرة أو يحدث فيه ما
يقابل التفاوت " (1).
ويظهر من الجواهر (2)
والعروة (3) والمستمسك (4) والمستند (5)
وتحرير الوسيلة (6) اختياره أيضا.
هذا كله في غير الأراضي، أما فيها
فيظهر من عديد من الفقهاء الجواز حتى
مع عدم الشرطين، منهم: صاحب
الجواهر (7)، وصاحب العروة (8)، وصاحب
المستمسك (9)، وصاحب المستند (10) بل في
الأخير: أنه المشهور.
قال صاحب الجواهر:
"... وبذلك كله ظهر لك قوة القول
بالتفصيل المزبور، وهو الحرمة في البيت
والدار والحانوت والأجير، لتصريح
النصوص السابقة بالفرق بين الأرض

(1) المقنعة: 640.
(2) الخلاف 3: 494.
(3) المستمسك 12: 92.
(1) الشرائع 2: 180.
(2) الجواهر 27: 222.
(3) العروة: الإجارة، فصل 5، المسألة 1.
(4) المستمسك 12: 92.
(5) مستند العروة: 282.
(6) تحرير الوسيلة: الإجارة، المسألة 25.
(7) الجواهر 27: 224.
(8) العروة: الإجارة، فصل 5، المسألة 1.
(9) المستمسك 12: 94.
(10) مستند العروة (الإجارة): 288 - 289.
236

وبينها... " (1).
هل يحتاج المستأجر الأول إلى الإذن
من المالك لتسليم العين إلى المستأجر
الثاني أو لا؟
قد تقدم الكلام - في العنوان
السابق - عن جواز إجارة العين المستأجرة
للغير في بعض الموارد وعدمه، فإذا قلنا
بجواز ذلك يأتي البحث عن أنه هل يجوز
للمستأجر الأول تسليم العين إلى المستأجر
الثاني أو لا يجوز إلا بإذنه؟ والواقع إن
هناك صورا في المسألة وهي:
أولا - إذا كانت الإجارة الأولى
مطلقة أي لم يقيد المؤجر فيها أن يكون
المستأجر الأول هو المباشر في الاستفادة،
فالظاهر لا كلام في جواز الإجارة في هذه
الصورة، وإنما الإشكال في جواز تسليم
العين للمستأجر الثاني من دون إذن المالك
وعدمه، وفيه أقوال:
الأول - جواز التسليم من دون
إذن المالك، وهو المنسوب إلى المختلف
وغاية المراد ومجمع البرهان
والمفاتيح والرياض (2)، كما يظهر من
المستمسك (1) ذلك أيضا.
الثاني - عدم الجواز إلا مع إذن
المالك وهو المنسوب إلى النهاية والسرائر
والقواعد وجامع المقاصد، ومال إليه
صاحب الجواهر (2) والسيد اليزدي في
العروة (3).
الثالث - جواز التسليم إلى الأمين،
وعدم جوازه للخائن الظالم، وهو مختار
ابن الجنيد (4) وصاحب مستند العروة (5).
ومن الظاهر أن المستأجر يضمن لو
سلم العين إلى المستأجر في موارد عدم
جواز التسليم ولا يضمن في موارد
الجواز، أي على القول الأول لا يضمن،
وعلى الثاني يضمن، وعلى الثالث يضمن
لو سلمها إلى الخائن.
ثانيا - إذا كانت الإجارة الأولى
مقيدة كما إذا استأجر الدابة لركوب نفسه
أو اشترط المؤجر استيفاء المنفعة بنفسه
لنفسه، أو اشترط عدم إجارة العين

(1) الجواهر 27: 224.
(2) راجع الجواهر 27: 257.
(1) المستمسك 12: 88.
(2) راجع الجواهر 27: 257.
(3) العروة: الإجارة، الفصل 5.
(4) الجواهر 27: 258.
(5) مستند العروة (الإجارة): 274.
237

المستأجرة.
فعلى القول ببطلان الإجارة في هذه
الصور لا كلام لانتفاء الموضوع، وعلى
القول بصحتها - كما احتمله في العروة (1)
والمستمسك (2) بالنسبة إلى الصورتين
الأخيرتين حيث احتمل فيهما احتمالين:
البطلان، والصحة مع القول بالحرمة
وثبوت خيار تخلف الشرط - يأتي البحث
عن جواز تسليم العين وعدمه، ولم يظهر
من كلامهم في خصوص هذا المورد شئ.
ومن المحتمل اشتراط الإذن لأن صحة
الإجارة إنما جاءت من قبل قاعدة " أن
التصرف المخالف للشرط مبطل أو لا " أي
بناء على عدم كونه موجبا للبطلان، ولكن
الشرط من جهة استيفاء المنفعة بنفسه
لنفسه أو عدم إجارة العين المستأجرة باق
على حاله من حيث المنع من دفع العين
إلى الغير فيحتاج الجواز إلى الإذن.
جريان أنواع الخيارات في الإجارة:
تجري أنواع الخيارات - الجارية في
البيع - في الإجارة عدا ما كان خاصا
بالبيع كخيار المجلس والحيوان، وخيار
التأخير ثلاثة أيام على احتمال. قال في
الجواهر بعد أن ذكر أن أقسام الخيارات
جارية في الإجارة: "... وأما خيار
الحيوان فلا يجري فيها وكذا خيار التأخير
ثلاثة أيام، مع احتمال جريان الأخير،
وبالجملة كل خيار في البيع كان دليله أو
من أدلته خبر الضرار ونحوه يتجه جريانه
بخلاف ما اختص بدليل خاص لا يجوز
التعدي عنه... " (1).
ومثله قال في العروة (2) ولم يخالفه
صاحبا المستمسك (3) والمستند، بل قال
الأخير بعد بحث مشبع: " والضابط في
المقام: أن في كل مورد ثبت الخيار بدليل
عام ك‍ " دليل نفي الضرر " أو " دليل نفوذ
الشرط " جرى في البيع وغيره، وفي كل
مورد ثبت بالتعبد اقتصر على مورده " (4).
ضمان المستأجر والأجير وعدمه:
المعروف بين الفقهاء بل ادعي عليه
الإجماع (5) هو: أنه لا يضمن المستأجر

(1) العروة: الإجارة، الفصل 5.
(2) المستمسك 12: 90.
(1) الجواهر 27: 218.
(2) العروة: الإجارة، فصل 2: المسألة 11.
(3) المستمسك 12: 44.
(4) مستند العروة (الإجارة): 160.
(5) المستمسك 12: 69، مستند العروة (الإجارة): 222.
238

العين المستأجرة لو تلفت في يده من دون
تفريط، وكذا الأجير كالخياط لو تلف
الثوب - مثلا - في يده، وذلك لقاعدة عدم
ضمان المؤتمن (الأمين) مضافا إلى النصوص
الخاصة.
نعم لو تعدى أو فرط فيكون
ضامنا.
ثم إذا اشترط صاحب العين على
المستأجر أو الأجير الضمان لو تلفت أو
تعيبت ففي صحته وعدمه قولان:
الأول - عدم الضمان، وهو المعروف.
الثاني - الضمان، وهو المنسوب إلى
السيد المرتضى والمحققين: الأردبيلي
والسبزواري وصاحب الرياض وصاحب
العروة (1).
هذا ويمكن أن يشترط الشرط على
نحو آخر وهو: أن يشترط عليه أنه لو
تلفت العين في يده فعليه أن يدفع مقدارا
من المال، ولكن لا بعنوان شرط النتيجة،
بل بعنوان شرط الفعل، بمعنى أنه حينئذ
يجب عليه تكليفا أن يدفع مقدارا من
المال من دون أن تنشغل ذمته بشئ،
بخلاف الصورة الأولى حيث تنشغل ذمته
بدفع عوض ما تلفه من باب الضمان (1).
ضمان الأجير والصانع إذا أفسدا عملهما:
يبدو أنه لا خلاف في أن الأجير
والصانع ضامنان لما يفسداه في عملهما،
وقد نقل عدم الخلاف والإجماع في ذلك
عن عديدين. قال الشيخ المفيد:
" والقصار والخياط والصباغ وأشباههم من
الصناع ضامنون لما جنته أيديهم على
السلع... " (2).
وقال السيد المرتضى: " ومما
انفردت به الإمامية بأن الصناع كالقصار
والخياط ومن أشبههما ضامنون للمتاع
الذي يسلم إليهم... وهم أيضا ضامنون
لما جنته أيديهم على المتاع بتعد وغير
تعد " (3).
وقال العلامة في القواعد: " ويضمن
الصانع ما يجنيه وإن كان حاذقا كالقصار
يخرق الثوب... " (4) وعلق عليه المحقق

(1) مستند العروة (الإجارة): 225.
(1) العروة: الإجارة، فصل 4، مستند العروة
(الإجارة): 231، المستمسك 12: 73.
(2) المقنعة: 643.
(3) الانتصار: 225.
(4) جامع المقاصد 7: 267.
239

الثاني قائلا: " للنص والإجماع في ذلك كله
سواء قصر أم لا، لأن إتلاف مال الغير
بغير حق ولا إذن لا يسقط وجوب ضمانه
عدم التقصير في حفظه " (1).
وهكذا جرى عليه الفقهاء حتى
عصرنا هذا حيث قال السيد اليزدي في
العروة:
" إذا أفسد الأجير للخياطة أو
القصارة أو التفصيل للثوب ضمن... وكل
من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا
أفسده يكون ضامنا إذا تجاوز عن الحد
المأذون فيه وإن كان بغير قصده، لعموم
" من أتلف... " وللصحيح عن أبي عبد
الله عليه السلام: " في الرجل يعطى الثوب
ليصبغه [فيفسده] (2) فقال عليه السلام: كل
عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد
فهو ضامن " (3)، بل ظاهر المشهور ضمانه
وإن لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه ولكنه
مشكل... " (4).
هذا وعلق في المستمسك على كلامه
الأخير قائلا: " بل في محكي التحرير: نفي
الضمان، وعن الكفاية: أنه غير بعيد،
ومال إليه في الجواهر، وجزم به بعض
المحققين، للإذن الرافعة للضمان وإن صدق
الإتلاف... " (1).
هذا وقد فصل في مستند العروة بين
ما إذا كان الإفساد مستندا إلى المجيز
عرفا بسبب إذنه وإجازته كما لو قال له:
فصل الثوب كذا وكذا ففصله فتبين أنه
اشتباه، فلا ضمان على الأجير، وبين ما لم
يكن كذلك فعليه الضمان، لكن هذا كله في
غير الدم، أما فيه فالظاهر حينئذ هو
الضمان (2).
ضمان الطبيب:
إذا باشر الطبيب المريض فأتلف
فحاله حال سائر الأجراء والصناع في
أصل الضمان مع تفصيل في الموضوع
وحاصله:
إن الطبيب إما أن يكون قد أخذ
البراءة من المريض أو وليه أو لا؟ ولكل
من القسمين حكمه الخاص:

(1) جامع المقاصد 7: 267.
(2) الوسائل 13: 275، باب 29 من أبواب
الإجارة، الحديث 19 والزيادة من الوسائل.
(3) نفس المصدر.
(4) العروة: الإجارة، فصل 4، المسألة 4.
(1) المستمسك 12: 79.
(2) مستند العروة (الإجارة): 246.
240

أولا - إذا لم يأخذ البراءة من
المريض أو وليه فهنا:
1 - تارة يكون الطبيب هو المباشر
في العلاج بأن شربه الدواء، أو أجرى
عليه عملية جراحية، فالظاهر أن المعروف
هو الضمان (1) ولا فرق بين أن يكون
المريض بالغا وعاقلا أو لا؟
2 - وتارة يكون آمرا بشرب الدواء
بأن يقول للمريض: اشرب الدواء الفلاني،
فشرب، فاستشكل في العروة (2) في ذلك إلا
أن يكون سببا أقوى بحيث ينتسب التلف
إليه لا إلى المباشر وهو شارب الدواء،
وتبعه على ذلك صاحبا المستمسك (3)
والمستند (4)، ولكن اختار في مفتاح
الكرامة (5) الضمان.
3 - وثالثة أن يكون واصفا للدواء
كأن يقول: إن دواءك كذا وكذا، فقد مال
في العروة (6) إلى عدم الضمان أيضا، ووافقه
صاحبا المستمسك (1) والمستند (2)، بينما اختار
في مفتاح الكرامة الضمان. قال: " وكذلك
- أي يضمن - إذا شرب بوصفه، كما إذا
قال له: مرضك كذا ودواؤه النافع له كذا،
كما هو المتعارف من أحوال الأطباء
يشخص المرض ويصف له الدواء... " (3).
وقال الإمام الخميني في تحرير
الوسيلة - بعد نفي الضمان في صورة
توصيف الدواء فقط -: " نعم لا يبعد
الضمان في التطبب على النحو المتعارف " (4)
أي المتداول حاليا.
وهناك تفصيل آخر رتبوا عليه
الحكم وحاصله:
إن الطبيب:
1 - إذا كان قاصرا أي غير عالم
بالفن.
2 - أو كان مقصرا في العلاج مع
علمه في فنه.
3 - أو كان قد عالج من دون إذن

(1) المستمسك 12: 79.
(2) العروة: الإجارة، فصل 4، المسألة 5.
(3) المستمسك 12: 80.
(4) مستند العروة (الإجارة): 249.
(5) مفتاح الكرامة 7: 264.
(6) العروة: الإجارة، فصل 4، المسألة 5.
(1) المستمسك 12: 80.
(2) مستند العروة (الإجارة): 249.
(3) مفتاح الكرامة 7: 264.
(4) تحرير الوسيلة 2: 560، الديات - موجبات
الضمان - المباشرة، المسألة 4.
241

المريض أو وليه، مع علمه وعدم تقصيره،
فأدى علاجه إلى التلف فهو يضمن في هذه
الصور الثلاث، وقد نقل عدم الخلاف في
ذلك عاملي في مفتاح الكرامة (1).
4 - وأما إذا كان الطبيب ماهرا ولم
يكن قد قصر في علاجه، وأخذ الإذن من
المريض في علاجه، فقد وقع الخلاف بين
ابن إدريس وغيره من الفقهاء، فالمنقول
عن ابن إدريس هو عدم الضمان،
والمعروف من سائر الفقهاء قديما وحديثا
- إلا من تردد على أثر كلام ابن إدريس -
هو الضمان. وعبارته في السرائر هي:
" ومن تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من
ولي من يطببه، أو صاحب الدابة وإلا فهو
ضامن إذا هلك بفعله شئ من ذلك.
هذا إذا كان الذي جنى عليه
الطبيب غير بالغ، أو مجنونا، فأما إذا كان
عاقلا مكلفا فأمر الطبيب بفعل شئ ففعله
على ما أمره به، فلا يضمن الطبيب سواء
أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذ، والدليل
عليه ما قلناه: إن الأصل براءة الذمة
والولي لا يكون إلا لغير المكلف. فأما إذا
جنى على شئ لم يؤمر بقطعه ولا بفعله،
فهو ضامن سواء أخذ البراءة من الولي أو
لم يأخذ " (1).
ولا بد من الإشارة إلى أن كلمة
" الإذن " قد خلت عنه كثير من العبارات،
ولكن ظاهرهم ذلك، قال صاحب مفتاح
الكرامة:
" وليعلم: أن التقييد بكون العلاج
بإذنه قد خلت عنه عبارات القدماء
صريحا، لكنه ظاهرهم - كما في غاية
المراد - وهو الذي فهمه ابن إدريس منهم.
والمحقق ومن تأخر عنه جعلوا النزاع بين
ابن إدريس والجماعة مع الإذن، وقد قلنا:
إن الظاهر أن ابن إدريس حمل كلام
المتقدمين على صورة عدم الإذن وجعلهم
موافقين له... " (2).
ثم ذكر الكتب المصرحة بالضمان مع
عدم التقييد بالإذن، والكتب المصرحة
بالضمان معه.
ثانيا - إذا باشر مع أخذ البراءة من
المريض أو وليه:
بحث الفقهاء حول صحة أخذ

(1) مفتاح الكرامة 7: 264.
(1) السرائر 3: 373.
(2) مفتاح الكرامة 7: 264.
242

الطبيب البراءة من المريض أو وليه، وفي
المسألة قولان:
الأول - صحة الاستبراء، فإذا أخذ
الطبيب البراءة قبل العلاج وعالج فاتفق
التلف فلا ضمان عليه لما في رواية السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام " من تطبب أو تبيطر
فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو
ضامن " (1).
ونسب هذا الرأي إلى كثير من
أساطين الفقهاء كالشيخين وأتباعهما وأبي
الصلاح وابن البراج والآبي وفخر
المحققين والشهيد وأبي العباس والمقداد
والمحقق الأردبيلي وصاحب الرياض (2)
واختاره صاحب الجواهر (3) والسيد
اليزدي (4) والسيد الحكيم (5) والإمام
الخميني (6) والسيد الخوئي (7) وغيرهم.
الثاني - عدم صحته لأنه إبراء عما
لم يجب وإسقاط حق قبل ثبوته، وقيل: إن
أول من قال به هو ابن إدريس، ولكن لم
تثبت هذه النسبة وعبارته في السرائر
خالية عن ذلك، كما تقدم. نعم يظهر من
الجواهر: أن أول من نسب ذلك إلى القول
هو المحقق حيث قال:
" وهل يبرأ بالإبراء قبل العلاج؟
قيل: نعم... وقيل: لا يبرأ... " (1) وعلق
عليه في الجواهر قائلا: " ولكن لم نتحقق
القائل قبل المصنف وإن حكي عن ابن
إدريس... نعم يظهر من الفاضل التردد
فيه كالمصنف هنا حيث اقتصر على نقل
القولين... " (2).
وهناك بعض المحاولات للتخلص
من المشكلة منها:
1 - ما ذكره في مستند العروة (3)
وحاصله: أن هذا الحكم (أي الإبراء قبل
العلاج والتلف) وإن كان مخالفا للقواعد
العامة التي منها: عدم صحة الإبراء عما لم
يثبت بعد، ولكن لما ورد النص الخاص في

(1) الوسائل 18: 195، باب 24 من أبواب
موجبات الضمان، الحديث 1.
(2) حكى ذلك عنهم في الجواهر 42: 46.
(3) نفس المصدر.
(4) العروة: الإجارة، فصل 4، المسألة 6.
(5) المستمسك 12: 81.
(6) تحرير الوسيلة 2: 56.
(7) مستند العروة (الإجارة): 250.
(1) الجواهر 42: 47.
(2) نفس المصدر.
(3) مستند العروة (الإجارة): 250.
243

هذا المورد الخاص فينبغي التعبد به وإن
خالف القاعدة.
2 - إن الاشتراط - هنا - إنما هو
بمنزلة شرط السقوط في العقد مثل شرط
سقوط الخيار في العقد، وهو وإن كان من
قبيل شرط النتيجة، ولكن لا بأس به إذا
كان المقصود منه إنشاء النتيجة أي
(السقوط) في ضمن العقد (1).
هذا إذا كان الشرط على نحو شرط
النتيجة، وأما إذا كان على نحو شرط الفعل
بأن يشترط الطبيب في ضمن العقد أن
يبرئه الولي أو المريض - في صورة عدم
الوفاة - عن الجناية الحاصلة بسبب علاجه
فالظاهر لا إشكال فيه لمطابقته للقواعد،
وإن لم أعثر على من صرح به.
من هو المبرئ؟
اختلفت كلمات الفقهاء حول
المبرئ للطبيب أهو المريض أو الولي أو
كلاهما؟ هذا فيما إذا كان المريض بالغا
وعاقلا وكاملا، وأما إذا كان صبيا أو
مجنونا (أي مولى عليه) فلا خلاف في أن
المبرئ لا بد وأن يكون الولي لا المريض.
ومهما يكن فقد قال السيد العاملي
في مفتاح الكرامة - بعد نقل عدم الضمان في
صورة الاستبراء عن جماعة -: "... وهذا
منهم على اختلاف كلامهم في المبرئ أهو
الولي أم المريض أم هما...؟ " (1).
وممن صرح بلزوم إذن المريض
صاحب الجواهر حيث قال: " والظاهر
اعتبار إذن المريض في ذلك مع فرض
كونه كامل العقل، ولا يكفي إذن الولي، إذ
لا ولي له في هذا الحال، وإنما هو أولى
بنفسه، وكون الولي هو المطالب بعد ذلك
لا يرفع سلطنته الآن على نفسه، وما في
الخبر المزبور محمول على إرادة الولي في
ذلك، الشامل للمريض ورب المال. وقول
الشهيد في غاية المراد وغيره باعتبار إذن
الولي أو المريض، محمول على التفصيل
الذي ذكرناه، لا أن المراد الاكتفاء بإذن
الولي مع كمال عقل المريض... " (2).
ومع ذلك فقد قال السيد اليزدي في
العروة: " إذا تبرأ الطبيب من الضمان وقبل
المريض أو وليه ولم يقصر في الاجتهاد

(1) المستمسك 12: 81، الجواهر 42: 47.
(1) مفتاح الكرامة 10: 272.
(2) الجواهر 42: 48.
244

والاحتياط برئ على الأقوى... " (1).
ولم يعلق صاحب المستمسك ولا
صاحب المستند على هذا الترديد، فلا بد
من حمل ذلك إما على ما قاله صاحب
الجواهر، أو على التخيير.
وللإمام الخميني - في تحرير الوسيلة -
تفصيل آخر قال:
" الظاهر براءة الطبيب ونحوه من
البيطار والختان بالإبراء قبل العلاج،
والظاهر اعتبار ابراء المريض إذا كان بالغا
عاقلا فيما لا ينتهي إلى القتل، والولي فيما
ينتهي إليه، وصاحب المال في البيطار،
والولي في القاصر، ولا يبعد كفاية إبراء
المريض الكامل العقل حتى فيما ينتهي إلى
القتل، والأحوط الاستبراء منهما " (2).
الإجارة على الواجبات:
بحث الفقهاء في صحة الإجارة على
الواجبات وعدمها، ولأجل أن يتضح
الموضوع جيدا لا بد من تحديد محل
الخلاف بينهم فنقول:
إن البحث عن صحة الإجارة على
الواجبات يمكن فرضه في موردين:
الأول - أن يستأجر الشخص لإتيان
واجبات نفسه كأن يستأجره ليصلي أو
يصوم أو يحج عن نفسه أو يزيل النجاسة
عن المسجد أو يقضي أو يفتي ليسقط
الواجب الكفائي عن نفسه.
وهذا هو القسم المهم في بحث
الإجارة على الواجبات، لابتلائه
بالإشكالات العديدة.
الثاني - أن يستأجر الشخص لإتيان
واجبات شخص آخر، كأن يستأجر ليحج
عن الغير أو يصلي أو يصوم أو يزيل
النجاسة أو غير ذلك.
وهذا القسم وإن كان مهما أيضا في
حد نفسه، لكن لم يكن موردا للمناقشة
- كثيرا - كالقسم الأول، بل يندرج تحت
عنوان النيابة التي يمكن دفع كثير من
الإشكالات بها.
أما:
القسم الأول - وهو استئجار الشخص
لإتيان واجباته:
فلا بد من الإشارة إلى أن البحث
- هنا - إنما يتم ويصح مع ملاحظة بعض
الأمور، وهي:

(1) العروة: الإجارة، فصل 4 المسألة 6.
(2) تحرير الوسيلة 2: 560 الديات، موجبات
الضمان، المباشرة المسألة 6.
245

1 - ينبغي أن لا يكون الفعل
الواجب مطلوبا على نحو المجانية كالأذان
والقضاء والإفتاء وأمثال ذلك - كما قيل -
فإنه إذا كان كذلك فلا يكون موردا
للإجارة (1).
2 - ينبغي ألا يكون حقا للغير على
المكلفين ك‍ " تجهيز الميت " - على ما قيل -
فإن المستفاد من الأدلة - حسبما يقال - هو
أن للميت حقا على الأحياء، وهو تجهيزه
بما فيه من التغسيل والتكفين والتدفين (2).
3 - يرى بعض الفقهاء أنه يلزم أن
يكون العمل المستأجر عليه ذا منفعة عائدة
إلى المستأجر بنحو ما، فلا يصح إجارة
الشخص لإتيان الصلاة الواجبة عليه من
دون فرض منفعة عائدة إلى المستأجر (3).
بينما لا يرى السيد الخوئي ذلك (4).
4 - إن مورد البحث هو أخذ الأجرة
على طبيعي الواجب لا الخصوصية، فإنه
- لا إشكال ظاهرا - في جواز الأجرة
عليها، فلو أخذ الشخص الأجرة ليصلي
صلاة صبحه في المسجد فلا بأس به (1)
الآن وبعد أن اتضحت هذه الأمور
نرى ما هي الأقوال في المسألة.
اختلفت الأقوال في المسألة اختلافا
شديدا وعمدتها هي:
1 - عدم الجواز مطلقا: وقد نسب
ذلك إلى المشهور (2).
2 - التفصيل بين التعبدي فلا يجوز،
والتوصلي فيجوز، وهو منسوب إلى فخر
المحققين (3).
3 - التفصيل بين الكفائي التوصلي
فيجوز وبين غيره فلا يجوز، وقد حكاه
الشيخ عن فخر المحققين في الإيضاح
أيضا (4).
4 - التفصيل بين ما يجب على
الأجير عينا أو كفاية وجوبا ذاتيا فلا
يجوز، وبين الواجبات الكفائية التوصلية

(1) مصباح الفقاهة 1: 461.
(2) المكاسب: 63، القضاء للمحقق الرشتي 1:
86.
(3) المكاسب: 61.
(4) مصباح الفقاهة 1: 461.
(1) مصباح الفقاهة 1: 468.
(2) الجواهر 22: 116، والمكاسب: 61
(الخامس مما يحرم التكسب به)، والمستمسك 6:
227.
(3) مصباح الفقاهة 1: 459، والمكاسب: 63.
(4) نفس المصدر.
246

فيجوز كالصناعات الواجبة لانتظام
المعاش، وهذا القول محكي عن صاحب
الرياض في رياضه (المتاجر) ويبدو من
الإمام الخميني اختياره (1).
5 - التفصيل بين ما كان الغرض
الأهم منه الآخرة فلا يجوز وما كان
الغرض الأهم منه الدنيا فيجوز، فجعل من
أمثلة القسم الأول: الفقاهة والأمر
بالمعروف وتجهيز الموتى والطبابة وإغاثة
المستغيثين، ومن أمثلة الثاني: الحياكة
والصناعة والتجارة... ذهب إليه صاحب
مفتاح الكرامة (2).
6 - عدم الجواز في التعبدي مطلقا،
والتفصيل في التوصلي بين الكفائي فيجوز
مطلقا والعيني فيجوز فيما كان وجوبه
للضرورة، ولا يجوز فيما كان لحفظ النظام.
وهذا القول منسوب إلى صاحب
المصابيح (3).
7 - عدم الجواز في العيني التعييني
والكفائي التعبدي. والجواز في الكفائي
التوصلي والتخييري. والتردد في التخييري
التعبدي.
وهو مختار الشيخ الأعظم في
المكاسب (1).
8 - عدم الجواز في الواجبات
العبادية إذا كان الفاعل يفعلها عن نفسه
(كصلاة الظهر) وجواز ذلك في العبادات
التي يفعلها لغيره (كإزالة النجاسة عن
المسجد) بشرط قبولها للنيابة، وجواز ذلك
أيضا في غير العبادات.
وهو مختار السيد الحكيم في
المستمسك (2).
9 - جواز أخذ الأجرة مطلقا، ذهب
إليه السيد الخوئي (3).
المؤاخذات على القول بالجواز:
أهم المؤاخذات على القول بالجواز
هي:
الأولى - منافاة أخذ الأجرة على
العبادات مع توقفها على قصد الأمر، فإن

(1) الرياض 1: 505، تحرير الوسيلة:
المكاسب المحرمة، المسألة: 18، والإجارة،
المسألة: 34.
(2) مفتاح الكرامة 4: 92، 7: 196.
(3) مصباح الفقاهة 1: 460.
(1) المكاسب: 62 - 64، مصباح الفقاهة 1:
460.
(2) المستمسك 6: 229.
(3) مصباح الفقاهة 1: 460.
247

الواجب العبادي يحتاج إلى قصد القربة في
حين أن عقد الإجارة يوجب انقلاب
داعي قصد القربة إلى داعي أخذ الأجرة،
وهو مستلزم لفساد العبادة، فصحة
الإجارة - إذن - تستلزم فساد العبادة.
وأجيب عن ذلك:
1 - باختصاص هذا التعليل
بالواجبات العبادية فلا يشمل التوصلية،
لعدم اشتراط قصد القربة فيها.
2 - اطراد الإشكال في المستحبات
العبادية مع أن الكثير منهم يلتزم بصحة
الإجارة فيها.
3 - منع المنافاة - عند كثير منهم - إذا
كانت الأجرة ملحوظة بنحو الداعي إلى
الداعي (1).
4 - أن قصد القربة الخالصة المحضة
قد لا تحصل إلا في المعصومين عليهم السلام
وأما بالنسبة إلى غيرهم فقد يكون لجلب
منفعة دنيوية كقضاء حاجة، أو دفع ضرر
دنيوي كدفع البلاء، أو جلب منفعة أو دفع
ضرر أخرويين كطلب الجنة والبعد عن
النار، ومن المعلوم أن ذلك لا يضر بعبادية
العبادة، فمن يصلي طلبا لحاجة دنيوية
(كالمال مثلا) لا تكون صلاته باطلة، ولعله
إلى هذا أشار بقوله تعالى: (وادعوه خوفا
وطمعا) (1) و (يدعوننا رغبا ورهبا) (2).
إذن فالغرض من العبادة - غالبا -
هو انتفاع العبد، ولا يضر ذلك بعبادية
العبادة (3).
الثانية - والمؤاخذة الثانية المهمة
هي: أن الفعل الواجب يكون بوجوبه
مستحقا لله تعالى وملكا له، وما كان للغير
لا يجوز تمليكه لله تعالى.
وقد سجلت هذه المؤاخذة من
الشيخ كاشف الغطاء في شرحه على
القواعد.
ولكن نوقشت: بأن ملكية الله
تعالى للواجبات لا تخلو من صور، وهي:
1 - أن تكون ملكية حقيقية
وتكوينية وهي المعبر عنها بالملكية
الاشراقية، وفي هذه الصورة لا تختص
الواجبات بذلك، بل كل ما في الوجود
ومنها أفعال الإنسان المتصفة بالأحكام

(1) المستمسك 6: 228.
(1) الأعراف: 56.
(2) الأنبياء: 90.
(3) مصباح الفقاهة 1: 463.
248

الخمسة (الواجب والحرام والمباح...)
تكون ملكا له، وهذه الملكية لا تنافي
ملكية الإنسان أيضا لأنهما طوليتان،
فملكية الإنسان في طول ملكية الله.
2 - أو ملكية اعتبارية، فهي واضحة
الفساد، فليس لله تعالى ملكية اعتبارية
للأشياء.
3 - أو بمعنى أن له إلزام المكلف بإتيان
الواجبات واستحقاق العقاب على المخالفة،
فهذا لا يمنع من إمكان تمليك العمل
الواجب للغير ودعوى المنافاة مصادرة (1).
القسم الثاني - الاستئجار على إتيان
الواجب عن الغير:
ولا بد من الالتفات - هنا - إلى نقطة
هامة وهي: أن إتيان العبادات الواجبة
وجوبا عينيا عن الغير لا يصح فرضه إلا
إذا كان الغير ميتا، أو في بعض صور الحج
كمن ثبت الوجوب عليه ولم يحج وهو
عاجز فعلا عن السفر، أو كمن أفسد
طوافه ورجع إلى بلاده، وأمثال ذلك من
الموارد المعدودة.
وأما غير العبادية (التوصلية) سواء
كانت كفائية أو عينية فيمكن فرض
إتيانهما عن الغير مطلقا، وذلك مثل
الاستئجار للجهاد من قبل الغير (المستأجر
أو غيره) أو إزالة النجاسة كذلك، فيمكن
فرض الاستئجار فيه عن الحي أيضا.
وبعد اتضاح هذه النقطة نقول:
إن البحث عن الإجارة لإتيان
الواجب عن الغير يدخل في عنوان
" النيابة " وسوف يأتي البحث عنه مستوفى
إن شاء الله (راجع: النيابة)، ولكن نشير
هنا إلى ذلك إجمالا فنقول:
1 - أما بالنسبة إلى الواجبات
العبادية فأهم إشكال يتوجه على مسألة
النيابة هو مسألة قصد القربة، فالذين
يستشكلون في النيابة يقولون: كيف يجتمع
قصد النائب الإتيان بالفعل قربة إلى الله
مع قصده لإتيانه بداعي الأجرة؟ ولذلك
قالوا بصحة تبرع الصلاة والصوم وغيرها
من العباديات عن الميت، وعدم صحة
الاستئجار عليها (1).
والحل المعروف للإشكال هو: أن

(1) مستند العروة (الإجارة): 375 ومصباح
الفقاهة 1: 471 والمكاسب: 62 والمستمسك 6:
228.
(1) القضاء (للمحقق الرشتي) 1: 73 و 80.
249

الإجارة إنما تقع على أن يجعل الأجير
نفسه نائبا عن المنوب عنه وفي محله، وهذا
العمل لا يحتاج في تحققه إلى قصد القربة،
بل بمجرد أن ينوي الشخص أن يصير
نائبا عن الشخص الآخر تتحقق النيابة،
نعم إن متعلق النيابة - وهو الفعل العبادي
حسب الفرض - يحتاج إلى قصد القربة فهو
بعد فراغه عن جعل نفسه نائبا ولو بداعي
الأجرة ينوي إتيان الفعل بداعي القربة،
ولا منافاة بينهما (1).
وبتوجيه آخر: إن عمل النيابة
يمكن أن يقع مع قصد القربة - امتثالا
للأوامر الواردة في النيابة عن الأموات بل
الأحياء في بعض الأحيان - كما يمكن أن
يقع من دون ذلك إما غفلة عن تلك
الأوامر، أو لعدم الاعتناء بها، فيصبح
الشخص نائبا عن غيره مع عدم قصد
القربة في أصل النيابة. ومن جهة أخرى
قد تجب النيابة بسبب الإجارة، أي إن
هذا الأمر التبرعي قد يجب بسبب
الإجارة، وعندئذ لا يخرج النائب عن
عهدته إلا بامتثال متعلق الإجارة وهو
إتيان الأمر العبادي بقصد القربة، ولا
منافاة بين ذلك وبين أخذ الأجرة (1).
وهناك تقريبات وتوجيهات أخر
لسنا بصدد التعرض لها فعلا.
2 - وأما بالنسبة إلى الواجبات
التوصلية، فنقول: إن الواجب التوصلي
تارة يكون عينيا وتارة كفائيا.
فإذا كان توصليا عينيا فلا إشكال
ظاهرا في أخذ الأجرة عليه، كما إذا وجب
إزالة النجاسة عن الثوب مقدمة للصلاة
فيجوز استئجار شخص آخر لذلك.
ويشهد لذلك السيرة المتصلة بزمن
المعصومين عليهم السلام.
وأما إذا كان الواجب توصليا
كفائيا، فإما أن يجب ذلك على الأجير
أيضا أو لا؟ فإذا فرضنا عدم وجوبه
كفاية على الأجير فلا إشكال في استئجاره
عليه أيضا كما إذا وجب الجهاد على
القادرين - الواجدين للشرائط كالمركوب
والعتاد وأمثال ذلك - كفاية، فكان الواجد
راغبا عن الذهاب فاستأجر من لا عتاد
ولا مركب له، ودفع له ما يحتاج إليه، فلا

(1) المكاسب: 65، القضاء 1: 80.
(1) مصباح الفقاهة 1: 475 نقلا عن المحقق
النائيني.
250

إشكال ظاهرا في صحة الاستئجار في هذه
الصورة أيضا (1).
وأما إذا كان واجبا على المستأجر
والأجير - معا - كفاية، فإن كان المستأجر
استأجره لإتيان الواجب من قبل نفس
الأجير فيدخل في القسم الأول، وإن
استأجره لإتيان الواجب من قبله أي
المستأجر، فيأتي فيه البحث، وذلك كمن
استأجر شخصا آخر لإزالة النجاسة عن
المسجد في حين أنه كان واجبا كفائيا
بالنسبة إليهما معا، أو كمن استؤجر للأمر
بالمعروف من قبل المستأجر في حين أنه
كان واجبا على الأجير أيضا.
والظاهر أنه لا إشكال في هذه
الصورة إلا الإشكال المتقدم في القسم
الأول وهو: أن الواجب بوجوبه يكون
ملكا لله تعالى، وما كان كذلك فلا يمكن
تمليكه للغير، وقد تقدم الجواب عنه
فراجع.
الإجارة على المحرمات:
إن الإجارة على العمل المحرم إنما
تتصور على أنحاء:
الأول - أن يؤجر نفسه للعمل الحرام
فيكون متعلق الإجارة نفس العمل المحرم،
كالمرأة تؤجر نفسها للبغاء وسقي الخمور
والقيادة، أو كإيجار المساكن والدكاكين
محلا لإحراز المحرمات أو بيعها.
وهذا لا خلاف (1) في حرمته تكليفا
وفساده وضعا.
الثاني - أن تقع الإجارة على العين
ومن دون أن يكون أصل الاستئجار
للحرام ولكن يشترط المؤجر على
المستأجر أن ينتفع بالعين بالانتفاعات
المحرمة، كأن يؤجره دارا ويشترط عليه
أن يجعله محلا للدعارة.
وقد ادعى صاحب الجواهر (2)
والشيخ (3) الأنصاري عدم الخلاف في
حرمة ذلك كالصورة الأولى.
ومع ذلك فقد استظهر في مصباح
الفقاهة (4) - مع اعترافه بعدم الخلاف في
الحكم - عدم البطلان لابتناء المسألة على

(1) راجع الجواهر 21: 31.
(1) مصباح الفقاهة 1: 164، مستند العروة
(الإجارة): 43. وراجع الجواهر 22: 30.
(2) الجواهر 22: 30.
(3) المكاسب: 16.
(4) مصباح الفقاهة 1: 164.
251

مفسدية الشرط للعقد، وهو غير تام.
الثالث - أن يكون ترتب الحرام
داعيا لا شرطا مصرحا به في العقد.
والمعروف بين الفقهاء هو القول
بحرمته، ونسبه في الجواهر (1) إلى ظاهر
الأصحاب، وادعى الشيخ (2) عدم الخلاف
في حرمته.
وظاهر كلامهم وقوع العقد فاسدا
أيضا.
الرابع - أن يكون المؤجر عالما
بترتب الحرام ولم يكن مشروطا ولا داعيا
للانتفاع المحرم، كمن آجر داره ممن يعلم
بأنه سيجعله محلا للفسق والفجور، أو
آجر دابته ويعلم أن المستأجر يحمل عليه
الخمر.
والمعروف بين الفقهاء هو عدم
الحرمة، فقد نسب في الجواهر (3) إلى
المشهور القول بالكراهة، ونسب في
المكاسب (4) عدم التحريم إلى الأكثر.
نعم حكى في الجواهر (1) عن ظاهر
كلام الشيخ في التهذيب، والعلامة في
المختلف، والشهيد في حواشيه والمسالك
والروضة، ونهاية الشيخ - في خصوص
المسكن والحمولات - القول بالحرمة مع
العلم مطلقا.
أخذ الأجرة على المستحبات:
وهنا تارة يستأجر الشخص لإتيان
المستحب من قبل نفسه، وتارة من قبل
المستأجر.
أولا - إذا استأجر من يأتي
بالمستحب من قبل نفسه، وهنا لا بد من
فرض منفعة عائدة إلى المستأجر كما لو
فرضنا أنه استأجر شخصا ليعيد صلاته
ليقتدي به الأجير مثلا، وأما إذا لم تعد
منفعة إليه فهي غير صحيحة كما لو
استأجره ليصلي صلاته الاستحبابية
(النوافل).
وعلى أي حال، فالإشكال المتقدم
في أخذ الأجرة على الواجبات - وهو
منافاة قصد القربة مع داعي أخذ الأجرة -
يأتي هنا أيضا، فإن حصول النفع - وهو

(1) الجواهر 22: 30.
(2) المكاسب: 16.
(3) الجواهر 22: 31.
(4) المكاسب: 16.
(1) الجواهر 22: 33.
252

صحة الاقتداء به - يتوقف على قصد القربة
وهو مناف لأخذ الأجرة عليه، فمن تخلص
عنه هناك يتخلص عنه هنا أيضا.
ثانيا - إذا استأجر من يأتي
بالمستحب من قبل المستأجر (أي نيابة).
وهذا تارة يتوقف إتيانه على قصد القربة
وتارة لا يتوقف.
أما غير المتوقف فلا إشكال فيه
كمن استأجر من يبني مسجدا، فإن نفس
بناء المسجد لا يتوقف تحققه على قصد
القربة، نعم استحبابه وحصول الثواب
عليه يتوقف عليه، فالبناء وهو الأجير
يأخذ الأجرة على البناء ويتحقق
- بالفعل - بناء المسجد، والمستأجر يحصل
على ثواب بناء المسجد لقصده بذلك
التقرب إلى الله تعالى، ومثل ذلك من
استأجر من يمشي في قضاء حوائج الناس.
وأما المتوقف مثل العبادات القابلة
للنيابة كالحج والزيارة ونحوها فيصح
أيضا، لأن النيابة في حد ذاتها لا تحتاج
إلى قصد القربة، نعم الفعل المنوب فيه
يحتاج فيه إلى ذلك، وبذلك يحصل
المستأجر (المنوب عنه) على الثواب (1)،
وقد تقدم توجيه ذلك فيما سبق.
راجع: الاستئجار على إتيان
الواجب عن الغير.
مظان البحث:
1 - الإجارة.
2 - المكاسب المحرمة: أنواع ما يحرم المعاملة
عليه، أخذ الأجرة على الواجبات.
3 - القضاء: أخذ الأجرة على القضاء.
4 - الديات: موجبات الضمان.
إجازة
لغة:
بمعنى الإنفاذ، فمعنى: " أجزت العقد "
أي جعلته جائزا نافذا (2).
اصطلاحا:
هو إبراز الرضى ممن يعتبر الشارع

(1) راجع المكاسب: 64، مصباح الفقاهة 1:
476.
(2) المصباح المنير: " جوز ".
253

رضاءه شرطا في تأثير عقد أو إيقاع بعد
وقوعهما.
والفرق بينه وبين الإذن هو: أن
الإجازة اظهار للرضي بعد الوقوع والإذن
اظهار له قبله.
الأحكام:
أهم مورد للبحث في هذا المصطلح
هو البحث عن إجازة المالك أو من بحكمه
في العقد الفضولي - سواء كان بيعا أو
غيره - حيث بحثوا فيه عن أنواع الإجازة
ومدى تأثيرها وشرائط المجيز وبعض
الأحكام المترتبة على الإجازة، ولذلك
يكون بحثنا عن ذلك على النحو التالي:
أقسام الإجازة:
تنقسم الإجازة إلى: ناقلة وكاشفة.
ألف - الإجازة الناقلة:
بعد وقوع العقد - أي عقد كان -
فضوليا - أي من دون إذن من يعتبر إذنه
في العقد - لم يؤثر العقد أصلا حتى يجيز
من له حق الإجازة، أي إن الأثر المترتب
على العقد - وهو النقل والانتقال بمعناه
الواسع - إنما يتحقق بعد الإجازة، فإذا
أجاز - من له الحق - العقد فسوف تترتب
آثاره من حين الإجازة، ولذلك تكون
هذه الإجازة ناقلة من حين الإجازة.
ب - الإجازة الكاشفة:
والمعنى الجامع لأقسام الكشف
المذكورة في كلمات الفقهاء هو: أنها
تكشف عن صحة العقد من حين وقوعه.
قال الشيخ الأنصاري في توضيح
معنى الكشف والنقل:
" اختلف القائلون بصحة الفضولي
بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة في
كونها كاشفة بمعنى أنه يحكم بعد الإجازة
بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتى
كأن الإجازة وقعت مقارنة للعقد، أو ناقلة
بمعنى ترتب آثار العقد من حينها حتى
كأن العقد وقع حال الإجازة؟ على
قولين... " (1).
أقسام الكشف:
قسموا الكشف إلى قسمين: حقيقي
وحكمي، وكلا منهما إلى أقسام:
أولا - الكشف الحقيقي:
ومعناه كشف الإجازة عن صحة
العقد من حين وقوعه حقيقة، ولكن

(1) المكاسب: 132.
254

اختلفوا في بيان كيفية هذا الكشف على
أقوال:
1 - الكشف الحقيقي الصرف بمعنى
عدم مدخلية للإجازة في التأثير أصلا بل
هي مجرد كاشف عن صحة العقد.
وهناك تصورات ثلاثة لهذا النوع
من الكشف وهي:
ألف - أن يكون العقد مشروطا بالرضا
المقارن الأعم من الفعلي والتقديري بمعنى
كون المالك راضيا على فرض التفاته إليه
وإلى ما فيه من المصلحة وإن لم يكن
بالفعل راضيا.
ب - أن يكون العقد مشروطا بأمر واقعي
لا نعرفه، ويكون ذلك الأمر ملازما
للإجازة الاستقبالية، فتكون كاشفة عن
حصول ذلك الشرط من غير أن يكون لها
دخل في التأثير، وذلك الأمر المكشوف
عنه مقارن للعقد.
ج - أن لا يكون هناك شرط - من ناحية
الرضا - أصلا وإنما رتب الشارع الأثر
- من أول الأمر - على العقد الذي يتعقبه
الرضا في علم الله لا على غيره.
2 - الكشف الحقيقي بمعنى إرجاع
الشرط إلى التعقب والحكم بكون العقد
مشروطا بأمر اعتباري مقارن وهو تعقب
الرضا.
3 - الكشف الحقيقي بمعنى كون نفس
الإجازة المتأخرة شرطا فيكون الشرط
وجودها في المستقبل وهذا ظاهر المشهور.
4 - الكشف الحقيقي بالمعنى المتقدم
ولكن مع ادعاء كون الشرط هو الوجود
الدهري للإجازة بمعنى أنه وإن كان
بحسب الزمان متأخرا ولكن بحسب وعائه
الدهري مقارن، ويمكن إرجاعه إلى
السابق.
ثانيا - الكشف الحكمي:
وقد فسر بتفسيرين:
الأول - الكشف الحكمي بمعنى كون
الإجازة شرطا ومؤثرة من حين وجودها
إلا أن تأثيرها إنما هو في السابق بمعنى
أنها تقلب العقد مؤثرا من الأول، ولعل
ذلك مراد من قال: إنها ناقلة إلا أنه
يجري عليها جميع أحكام الكشف.
الثاني - الكشف الحكمي بمعنى
ترتيب آثار الكشف بقدر الإمكان لا بمعنى
القلب، ولا بمعنى ترتيب جميع الآثار (1).

(1) راجع - هذا وما تقدمه - كلا من المكاسب:
132 - 133، وحاشية السيد اليزدي على المكاسب: 152.
255

الأقوال في المسألة:
اختلفت الأقوال في الإجازة هل
أنها ناقلة أو كاشفة، وإذا كانت كاشفة
فمن أي نوع وبأي تفسير، ونحن نشير إلى
ما توصلنا إليه من الأقوال فيما يلي:
1 - ما ذهب إليه المشهور (1) وهو
الكشف بمعنى أن الشرط في صحة العقد هو
الرضا الأعم من الحاصل فعلا أو ما
يحصل في المستقبل، فيكون الشرط في
صحة العقد الفضولي حصول الرضا في
المستقبل الذي يحصل بالإجازة.
وقال صاحب الجواهر: "...
الثالث وهو التحقيق أن يكون الشرط
حصول الرضا ولو في المستقبل الذي يعلم
بوقوعه من المالك مثلا... " (2).
2 - ما ذهب إليه صاحب الفصول
وأخوه صاحب الحاشية وجماعة، وهو
الكشف بمعنى أن الشرط في صحة العقد هو
تعقبه بالرضا (3).
3 - ما اختاره الشيخ الأنصاري و
هو النقل ثم الكشف الحكمي، قال:
" وقد تبين من تضاعيف كلماتنا أن
الأنسب بالقواعد والعمومات هو النقل ثم
بعده الكشف الحكمي، وأما الكشف الحقيقي
مع كون نفس الإجازة من الشروط
فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال " (1).
4 - واختار المحقق الرشتي - كما
نسب إليه - الكشف بمعنى أن المعتبر هو
الرضا الأعم من التقديري والإجازة
كاشفة عنها، أي تكشف عن رضا المالك
لو التفت إلى العقد (2).
5 - واختار السيد اليزدي النقل ثم
الكشف الحقيقي، قال: " ثم إن التحقيق
عندي هو القول بالنقل بحسب القواعد...
وأما بحسب الأخبار فالكشف الحقيقي إن
تعدينا عن باب النكاح من أجل الإجماع
المركب أو تنقيح أو ثم دلالة صحيحة ابن
قيس على الكشف كما لا يبعد،... " (3).
6 - ويظهر من صاحب الكفاية
اختيار الكشف الحكمي بأحد شقيه، قال:

(1) حاشية السيد على المكاسب: 152.
(2) الجواهر 22: 289.
(3) حاشية السيد على المكاسب: 152.
(1) المكاسب: 133.
(2) منية الطالب 1: 234.
(3) حاشية السيد على المكاسب: 152.
256

" لا يخفى أن قضية قاعدة وجوب
الوفاء بالعقود بعد التقييد بطيب المالك
ورضاء من له الاختيار، وهو تحقق
مضمونها بعد تحقق العقد والرضا... فلا
وجه للقول بالكشف بمعنى تحقق المضمون
قبل ذلك لأجل تحققها فيما بعد، نعم بمعنى
الإجازة بتحقق مضمونه حقيقة مما لا
محيص عنه بحسب القواعد، فلو أجاز
المالك مثل الإجارة الفضولية بعد انقضاء
بعض مدتها أو الزوج أو الزوجة عقد التمتع
كذلك أي بعد انقضاء بعض المدة فيصح
اعتبار الملكية حقيقة للمستأجر، والزوجية
لهما في تمام المدة التي قد انقضى بعضها بل
ولو انقضى تمامها لتحقق منشأ انتزاعها...
وأما كشف الإجازة عن سبق العلة
التامة كما يظهر من المحقق الثاني، وكذا
كشفها عن سبق الأثر مع دخلها في
التأثير، وكذا النقل والكشف الحكمي كما
أفاده (قده) [أي الشيخ الأنصاري (قده)]
فعلى خلاف ما تقتضيه القواعد... " (1).
7 - ويظهر من المحقق النائيني
اختيار الكشف الحكمي أيضا حيث قال:
" ولكن أقوى الوجوه هو الواسطة بين
الكشف الحقيقي والنقل التي يعبر عنها
بالكشف الحكمي، ولكن لا من باب التعبد
الصرف بأن يكون مقتضى القاعدة هو
النقل وإنما ثبت الكشف بالتعبد بل لأنه
هو مقتضى القاعدة... " (1).
8 - والمستفاد من مجموع كلمات
الإمام الخميني هو القول بالنقل حيث قال
- بعد البحث عن الإجازة من حيث
القواعد -:
" فتحصل من جميع ما تقدم أن
النقل من زمان الإجازة لا مانع منه عقلا
ولا عرفا ولا شرعا، فإن العقد المسببي
باق عرفا إلى زمان الإجازة، ولحوقها به
موجب لإتمامه، ومضمونه ليس إلا
النقل... " (2).
نعم جعل تنفيذ ما بقي من العقد - في
مثل الإجارة التي مضى مقدار منها -
موكولا إلى العرف والشرع، فإن ساعدا
مع تحليل مفاد العقد بحسب الأزمان
فيحكم بصحة مفاده - فيما بقي - بعد
الإجازة وإلا فلا. ثم قال بعد ذكر

(1) حاشية السيد على المكاسب: 34 - 35.
(1) منية الطالب 1: 241.
(2) البيع 2: 176.
257

الروايات ومناقشتها:
" فتحصل من جميع ذلك أنه لا
دليل على الكشف كما أن الشهرة على
فرضها حصلت من الاجتهاد في
الروايات، ومثل هذه غير حجة
والاحتياط مطلوب " (1).
9 - ويظهر من كلام السيد الخوئي
القول بالكشف الحقيقي بمعنى أن البائع
والمشتري يملك كل منهما ماله إلى ما قبل
الإجازة فالبائع يملك المثمن مثلا والمشتري
يملك الثمن، ولكن بعد الإجازة يصير البائع
مالكا للثمن الآن من حين انعقاد العقد كما
أن المشتري يصير مالكا للمثمن كذلك
وهذا أمر عرضي.
وعلى فرض عدم تمامية ذلك فلا بد
من الالتزام بالكشف الحكمي الذي قاله
الشيخ أي إجراء أحكام الكشف بقدر
الإمكان (2).
الثمرة بين القول بالكشف والنقل:
ذكروا ثمرات عديدة تترتب على
القول بالكشف والنقل منها:
أولا - جواز تصرف كل من الطرفين
فيما انتقل إليه واقعا تكليفا ووضعا، بناء
على الكشف الحقيقي، لأن الإجازة تكشف
عن انتقال العوضين إلى الطرفين واقعا من
حين العقد (1).
وأما ظاهرا فإن علم الأصيل بأن
المالك سوف يجيز العقد الفضولي فيجوز له
التصرف تكليفا ووضعا ظاهرا أيضا وإلا
فلا.
وعلى هذا فلو أخذ الأصيل المال
الذي اشتراه من الفضولي، خفية من
المالك ثم أجاز المالك البيع فلا يعد
سارقا، ولا تقطع يده لا من باب درأ
الحدود بالشبهات، بل من جهة عدم
صدق السارق عليه، لأنه أخذ ماله وإن
كان فعل حراما ظاهرا مع عدم علمه
بالإجازه.
وأما بناء على الكشف الحكمي بمعنى
ترتيب آثار الملكية من حين العقد مهما
أمكن فحيث يصير كل من الطرفين مالكا
لما انتقل إليه بعد الإجازة ولكن آثار
الملكية تترتب من حين العقد زمانا، فلم
يجز للطرفين أن يتصرفا فيما انتقل إليهما

(1) البيع 2: 185.
(2) مصباح الفقاهة 4: 145 - 152.
(1) وللمحقق النائيني إشكال في ذلك بناء على
تفسير الإجازة - في الكشف - بالشرط المتأخر.
258

قبل الإجازة لا واقعا ولا ظاهرا، لا
تكليفا ولا وضعا، لعدم تحقق الملكية
أصلا.
وكذا بناء على النقل أيضا فلا يجوز
التصرف فيما انتقل إليهما بعد العقد وقبل
الإجازة، لعدم الملكية لا واقعا ولا
ظاهرا.
وعلى هذا يصدق السارق على
الآخذ ما اشتراه فضولة من المالك خفية
كما يصدق الزاني على من وطأ الجارية
التي اشتراها فضولة قبل الإجازة بناء على
النقل والكشف الحكمي بمعناه المتقدم.
نعم يشكل الأمر بناء على الكشف
بمعنى قلب الواقع.
ثانيا - إن النماء المنفصل يكون لمن
انتقل إليه ذو النماء بناء على الكشف بقول
مطلق، ولمن انتقل عنه بناء على النقل.
وعلى هذا فلو ولدت الشاة بين
العقد والإجازة فيكون الولد للمشتري
بناء على الكشف، وللمالك المجيز بناء على
النقل.
ثالثا - إن فسخ الأصيل لإنشائه قبل
إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل،
لأنه يكون من قبيل فسخ الموجب قبل
قبول الطرف الآخر دون الكشف الحقيقي،
لأنه - بناء عليه - يكون العقد تاما بعد
إتمامه.
والكشف الحكمي يكون كالنقل في
هذه الثمرة.
ولكن نوقشت هذه الثمرة بالنسبة
إلى خصوص الفسخ بأن الفسخ إذا كان
بمعنى حل العقد وهدمه فلا فرق بين
الكشف الحقيقي وغيره، فإن الأصيل لو
فسخ العقد فسوف يترتب عليه آثار
الفسخ من حين العقد سواء قلنا بالكشف
الحقيقي أو بالنقل.
هذا وقد قالوا بظهور الثمرة في تعلق
الخيارات، وحق الشفعة، واحتساب مبدأ
الخيارات، ومعرفة مجلس الصرف والسلم،
والأيمان والنذور المتعلقة بمال البائع أو
المشتري، والعقود المترتبة على الثمن أو
المثمن وأمثال ذلك أعرضنا عنها مخافة
التطويل (1).
أحكام الإجازة:
للإجازة أحكام نشير إلى أهمها فيما

(1) راجع كل ما تقدم: الجواهر 22: 289،
المكاسب: 133، منية الطالب 1: 241 والبيع
2: 186 - 191.
259

يلي:
أولا - فورية الإجازة وعدمها:
بحث الفقهاء عن فورية الإجازة
وعدمها، والمعروف - ظاهرا - عدم فوريتها
أما قبل علم المالك بالبيع فضولة فواضح
فلو لم يعلم المالك بالتصرف الفضولي في
ماله إلا بعد انقضاء مدة لم ترتفع أهلية
ذلك العقد عن الإجازة.
وأما لو علم المالك بالبيع فضولة فلا
دليل على فورية الإجازة سوى توهم
قياس ما نحن فيه على فورية القبول بعد
الإيجاب وهو قياس مع الفارق.
أما إذا استلزم الضرر - من جهة
عدم إجازة المالك - على الأصيل فيمكن
تداركه بالخيار أو إجبار المالك على أحد
الأمرين: الرد أو القبول (1).
ثانيا - اشتراط عدم سبق الإجازة
بالرد وعدمه:
اشترط بعض الفقهاء عدم مسبوقية
الإجازة بالرد، فلو رد المالك أولا ثم
أجاز فلا أثر لهذه الإجازة حينئذ، منهم
الشيخ في المكاسب حيث استدل لذلك
بالإجماع، وبقياسه على الإيجاب والقبول
حيث يكون الرد بينهما مبطلا للعقد،
وبقاعدة السلطنة لأن للمالك السلطنة على
إبطال العقد بالرد فإذا رد بطل العقد وانتفى
موضوع الإجازة.
ولكن ناقشه بعض آخرون - منهم
المحقق النائيني (1) والإمام الخميني (2)
والسيد الخوئي (3) - بعدم تحقق الإجماع،
وبكون قياس الرد قبل الإجازة على الرد
قبل القبول قياسا مع الفارق، وبأن غاية
ما تفيده قاعدة السلطنة هو سلطنة
الإنسان على أمواله وما ينتسب إليه، وأما
سلطنته على غير ذلك فلا، وعقد الفضولي
هو فعل الفضولي ومنتسب إليه فلا سلطنة
للمالك على هدمه، فالعقد باق على
عقديته، نعم له أن يجيز أو لا يجيز ذلك
العقد، فعلى هذا يكون أثر العقد باقيا وإن
رده المالك.
وتظهر الثمرة فيما لو أجاز بعد الرد،
فعلى قول الشيخ لا ثمرة لإجازته ثانيا
وعلى القول الآخر تكون مثمرة.

(1) راجع: المكاسب: 136، منية الطالب 1:
258، البيع 2: 226.
(1) منية الطالب: 254.
(2) البيع 2: 213.
(3) مصباح الفقاهة 4: 213.
260

ثالثا - لزوم مطابقة الإجازة مع
العقد وعدمه:
ومن المواضيع التي تطرق لها الفقهاء
هو لزوم مطابقة الإجازة مع العقد عموما
وخصوصا بمعنى أنه لو باع أرضا فضولة
ثم أجاز المالك نصفها فهل يصح البيع في
النصف المجاز أو لا؟
يظهر من الشيخ الأعظم التفصيل
بين الجزء والشرط، فقال بعدم لزوم
المطابقة في الجزء كالمثال المتقدم، وعليه
فيصح البيع فيما يجيزه المالك نصفا كان أو
غيره، وأما بالنسبة إلى الشرط فقد التزم
بلزوم المطابقة كما إذا باع الفضولي الدار
بشرط أن يعمره المالك فأجاز المالك بيع
الدار ولم يجز اشتراط تعميره، فهنا لا ثمرة
لهذه الإجازة، لعدم مطابقتها لتمام العقد،
والشرط غير قابل للتجزئة بحيث يجعل
جزء من الثمن بإزائه بخلاف الجزء (1).
وأما السيد اليزدي فقد اختار عدم
جواز التبعيض بالنسبة إلى الشرط مطلقا
كما اختاره الشيخ وجوازه بالنسبة إلى
الجزء فيما إذا التزم العرف بالتبعيض فيه،
ثم ذكر معيارا لرضى العرف وهو:
إما تعدد المالكين كأن يبيع كتاب
زيد وكتاب عمرو معا بصفقة واحدة
فضولة، فيصح أن يجيز البيع أحدهما ولا
يجيزه الآخر.
وإما تعدد الثمن كما إذا باع أرضا
واحدة نصفها بثمن معين والنصف الآخر
بثمن معين آخر (1).
واختار المحقق النائيني جواز
المخالفة سواء كانت بالجزء والكل، أو
بالشرط وعدمه، وسواء كان الشرط
ضمن العقد أو خارجه، وسواء كان
الشرط بنفع الأصيل أو المالك (2) فقال
بصحة العقد في كل منهما غاية الأمر يثبت
الخيار للأصيل إذا كان الشرط له على
المالك فأجاز من دون شرط.
وأما الإمام الخميني فقد أحال
جواز التبعيض وعدمه إلى العرف مطلقا
سواء في الجزء أو الشرط، فإذا جعل
العرف الثمن مقسطا على الأجزاء كما إذا
باع فرسين بعشرة دنانير، فيجوز التبعيض
وإلا فلا، كما إذا باع كتابا بدينارين،

(1) المكاسب: 136.
(1) الحاشية على المكاسب: 160.
(2) منية الطالب 1: 259 - 260.
261

وكذلك بالنسبة إلى الشرط، فلو باع الدار
التي قيمتها ألف ومئة بألف، وشرط عليه
عملا يساوي مئة، كان في اللب قد باعها
بألف ومئة، فيكون بإزاء الشرط قسط من
الثمن، ففي مثله يجوز التبعيض (1).
ويظهر من السيد الخوئي عدم لزوم
المطابقة في الجزء والكل فتصح إجازة البيع
في جزء المبيع خاصة، وأما بالنسبة إلى
الشرط فتصح - مع عدم المطابقة - فيما إذا
كان الشرط بنفع المالك، وأما إذا كان بنفع
الأصيل ولم يجزه المالك فالإجازة تكون
باطلة (2).
رابعا - هل الإجازة قابلة للإرث:
يظهر من أغلب الفقهاء من زمن
الشيخ الأنصاري وما دون - حيث
تطورت في عهدهم هذه الأبحاث - أن
الإجازة حكم من أحكام العقد، وليست
حقا من حقوق المالك، وبناء على ذلك فلا
تكون قابلة للإرث - كالخيار القابل له
لكونه حقا - نعم إن الوارث يرث المال
المعقود عليه فضولة، وبعد ذلك يكون هو
بالخيار بين رد ذلك العقد أو إجازته بناء
على عدم لزوم اتحاد المالك والمجيز حال
العقد كمن باع مال أبيه ثم تبين كونه
ميتا (1).
وأما الفرق بين إرث الإجازة،
وإرث المال المعقود عليه فظاهر، لأنه
على الأول يرث الإجازة كل وارث حتى
من لا يرث المال كالزوجة - في بعض
الصور على بعض المباني - وعلى الثاني إنما
تكون الإجازة حقا لمن انتقل إليه المال
وليس لمن لم ينتقل إليه المال حق التنفيذ
أو الرد (2).
وربما يظهر الفرق في كيفية الإجازة،
فإنه بناء على إرث المال يكون لكل من
الوارث حق الإجازة والرد بمقدار سهمه
من الإرث من المال المعقود عليه، وأما
بناء على إرث الإجازة فيأتي فيه البحث
عن كيفية إرث الخيار وإعماله، لاشتراكهما
في ذلك (3).

(1) البيع 2: 229 - 234.
(2) مصباح الفقاهة 4: 229 - 242.
(1) راجع كل ذلك: المكاسب: 136، حاشية
السيد على المكاسب: 160، منية الطالب 1:
256، البيع 2: 219 ومصباح الفقاهة 4: 220.
(2) المصادر السابقة.
(3) مصباح الفقاهة 4: 221.
262

أحكام المجيز:
بحث الفقهاء عن أحكام المجيز على
النحو التالي:
أولا - هل يشترط في المجيز أن
يكون جايز التصرف حال الإجازة أو
لا؟
المعروف بين الفقهاء هو لزوم كون
المجيز جايز التصرف، وبعبارة أخرى
ينبغي أن تتوفر فيه شروط الأهلية العامة
حال الإجازة، وهذا الأمر من القضايا
التي قياساتها معها (1)، وعليه فلو كان
المجيز محجورا عليه أو غير مالك حال
الإجازة أو... فلا تصح إجازته (2).
ثانيا - هل يشترط وجود مجيز جايز
الإجازة حال العقد أو لا؟
ومثال ذلك ما لو باع الفضولي مال
اليتيم لغير مصلحة فأجاز اليتيم ذلك بعد
البلوغ، فهنا وإن كان ذات المجيز وهو
اليتيم موجودا حال العقد، لكنه لم يكن
جائز الإجازة، لكونه محجورا عليه ليتمه
وصغره، فهل تصح إجازته بعد البلوغ، أو
لا؟
استقرب العلامة في القواعد اشتراط
كونه جايز التصرف حيث قال:
" والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في
الحال، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم
ينعقد على إشكال، وكذا لو باع مال غيره
ثم ملكه وأجاز... ".
وعلق المحقق الثاني على القسم
الأول من كلامه قائلا: "... والظاهر
عدم الاشتراط، لعموم الدليل الدال على
صحة الفضولي من غير فرق، فإن عموم
" أوفوا بالعقود " يتناوله " (1).
واختار الشيخ الأعظم عدم
الاشتراط ونسبه إلى الشهيد أيضا، وقال:
" بل لم يرجح القول باللزوم غير
العلامة " (2) وكذلك من تأخر عن الشيخ،
فإن العديد منهم لم يشترطوا ذلك كالمحقق
النائيني (3) والإمام الخميني (4) والسيد
الخوئي (5).

(1) منية الطالب 1: 260.
(2) المكاسب: 137.
(1) جامع المقاصد 4: 73.
(2) المكاسب: 137.
(3) منية الطالب 1: 261.
(4) البيع 2: 238.
(5) مصباح الفقاهة 4: 245.
263

مظان البحث:
البيع: شرائط المتعاقدين، البيع
الفضولي، وبالمناسبة في سائر العقود حينما يبحث
عن شرائط المتعاقدين.
إجازة الرواية
من مصطلحات علم الدراية، نشير
إليه بصورة إجمالية:
تعارف عند العلماء المتقدمين أن
يجيزوا لغيرهم ممن يرون فيهم الأهلية أن
يرووا عنهم ما كتبوه وما صنفوه وما
رووه. وكانت فائدة ذلك صيانة ما كتبوه
من الدس والتزوير فيه، قال العلامة
" الطهراني " في الذريعة حول الإجازة:
" هو الكلام الصادر عن المجيز
المشتمل على إنشائه الإذن في رواية
الحديث عنه بعد إخباره إجمالا بمروياته،
ويطلق شائعا على كتابة هذا الإذن
المشتمل على ذكر الكتب والمصنفات التي
صدر الإذن في روايتها عن المجيز إجمالا
أو تفصيلا، وعلى ذكر المشايخ الذين صدر
للمجيز الإذن في الرواية عنهم، وكذلك
ذكر مشايخ كل واحد من هؤلاء المشايخ
طبقة بعد طبقة إلى أن تنتهي الأسانيد إلى
المعصومين عليهم السلام وهذه الكتابة التي
تطلق عليها الإجازة تتفاوت في البسط
والاختصار والتوسط، فالكبيرة المبسوطة
منها تعد كتابا مستقلا... والمتوسطة منها
المقتصرة على ذكر بعض الطرق والمشايخ
تعد رسالة مختصرة أو متوسطة، ويعبر
عنها ب‍ " رسالة الإجازة " (1).
وأول من ألف في الإجازة بمعنى
أنه جمع إجازات عديدة في كتاب واحد
- على ما قيل - هو السيد رضي الدين علي بن طاوس (م 664) قال العلامة المذكور:
" اعلم أن كثيرا من العلماء الأعلام
أولهم على ما أعلم، السيد الأجل رضي
الدين علي بن طاوس المتوفى (سنة 786) ثم الشهيد
الثاني ثم جمع من العلماء المتأخرين قد
أفرد كل واحد منهم في الإجازات تأليفا
مستقلا جمعوا فيه ما اطلعوا عليه
منها... " (2).

(1) الذريعة 1: 131.
(2) الذريعة 1: 123.
264

ثم ذكر كتب ورسائل عديدة
مشتملة على الإجازات.
اجتهاد
راجع: الملحق الأصولي.
أجرة
لغة:
الكراء والجمع أجر مثل غرفة
وغرف، وربما جمعت أجرات بضم الجيم
وفتحها (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي،
فالأجرة هي العوض الذي يدفعه
المستأجر في مقابل استيفاء المنفعة سواء
كان ذلك في إجارة الأعمال أو الأعيان أو
الحيوان.
أقسام الأجرة:
تنقسم الأجرة إلى: أجرة المسمى
وأجرة المثل.
أولا - أجرة المسمى: وهي الأجرة
التي عقد عليها العقد، أو كانت منظورة
للطرفين حين المعاطاة، بناء على تحققها في
الإجارة.
ثانيا - أجرة المثل: وهي الأجرة
المتعارفة على عمل أو عين أو حيوان ما
من دون تعيين من المتعاقدين أو
المتعاطيين، فلو استأجر الإنسان شخصا
للبناء مثلا، ولم يعين له الأجرة فسوف
يستحق - هذا العامل - أجرة المثل بعد
تحقق العمل، بمعنى أنه يقدر عمله عند
العرف، فما عينوه من الأجرة على عمله فهو
أجرة المثل، ويجب على المستأجر دفعه إليه.
الأحكام:
تقدمت الإشارة إلى بعض أحكام
الأجرة في الإجارة ونضيف هنا:
أنه ذكر الفقهاء قاعدة كلية مطردة

(1) المصباح المنير: " أجر ".
265

وهي: " كلما بطلت الإجارة انتقلت الأجرة
إلى أجرة المثل "، قال صاحب الجواهر
مازجا لكلام المحقق:
" وكل موضع يبطل فيه عقد
الإجارة يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء
المنفعة أو بعضها سواء زادت عن المسمى
أو نقصت عنه بلا خلاف أجده فيه، في
شئ من ذلك، بل قد يظهر من إرسالهم
ذلك إرسال المسلمات أنه من
القطعيات " (1).
هذا ولكن فصل في العروة بين علم
المؤجر بالفساد وعدمه، فقال:
" إذا تبين بطلان الإجارة رجعت
الأجرة إلى المستأجر واستحق المؤجر
أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من
المنفعة أو فاتت تحت يده، إذا كان جاهلا
بالبطلان خصوصا مع علم المستأجر، وأما
إذا كان عالما فيشكل ضمان المستأجر
خصوصا إذا كان جاهلا، لأنه بتسليمه
العين قد هتك حرمة ماله " (2).
لكنه لم يذكر هذا التفصيل عندما
يتطرق لموارد بطلان الإجارة بسبب
جهالة العمل - أي الاستئجار للخياطة
المرددة بين نوعين - حيث يقول: "...
وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير
العمل يستحق أجرة المثل " (1).
وعكس السيد الخوئي فاستشكل
عليه بالنسبة إلى التفصيل المتقدم، لعدم
صدق إقدامه على هتك حرمة ماله وإن
كان أقدم على الإجارة مع علمه
بالفساد (2). واستشكل عليه - في مورد
بطلان الإجارة بسبب الترديد - بأنه لا
وجه للرجوع إلى أجرة المثل دائما، بل إلى
أقل الأمرين من المسمى ومن المثل، فلو
كانت الأجرة المسماة - في العقد الفاسد -
أقل من أجرة المثل فالمستأجر المتصرف
في العين أو المستفيد من الأجير يضمن
المسمى لا المثل، لأنه مع إقدام المؤجر
على الإجارة بأقل من المثل ألغى حرمة
ماله (3).
مظان البحث:
الإجارة، شرائط العوضين، معلومية
الأجرة، وموارد متفرقة.

(1) الجواهر 27: 246.
(2) العروة: الإجارة، فصل 3، المسألة 16.
(1) العروة: الإجارة، فصل 1، المسألة 11.
(2) مستند العروة (الإجارة): 211.
(3) مستند العروة (الإجارة): 87.
266

أجل
لغة:
المدة - أي القطعة من الزمان -،
وأجل الشئ مدته ووقته الذي يحل فيه،
وجمعه آجال (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي،
فالأجل في كل مورد هو المدة المنظورة
فيه.
تقيدت بعض الأحكام أو متعلقاتها
بالزمان، ولكن عبر في بعضها ب‍ " الأجل "
مثل بيع السلم، والقرض وأمثال ذلك، بينما
لم يعبر في بعضها الآخر بذلك، مثل البلوغ
والصوم والحمل - أقله وأقصاه - ومدة
التربص في اللعان والزمان الذي تجب فيه
المضاجعة، والوطء و... التي يعبر عن
هذه غالبا ب‍ " المدة " والزمان. ونحن نشير
- هنا - إشارة سريعة إلى ما ورد فيه التعبير
عن الزمان ب‍ " الأجل " خاصة ونحيل
التفصيل إلى نفس العناوين.
أهم ما ورد فيه بالأجل التعبير هو:
أولا - بيع السلف (السلم) وهو
ما كان الثمن فيه حالا والمثمن
مؤجلا.
ويجب فيه تعيين الأجل، فإنه لو
ذكر المتعاقدان أجلا مجهولا، أو أجلا
يحتمل الزيادة والنقصان معا يؤدي إلى
الجهالة كان باطلا (1).
ثانيا - بيع النسيئة: وهو ما كان فيه
الثمن مؤجلا والمثمن حالا عكس السلف.
ويجب - هنا أيضا - تعيين الأجل
مفهوما ومصداقا، فلو لم يعين كذلك بطل
بلا خلاف ظاهرا (2).
ثالثا - عقد المتعة: ويجب فيه ذكر
الأجل وتحديده إجماعا، فلو لم يذكره لم
يكن عقد متعة، وانعقد دائما على المشهور
لما روي عن الصادق عليه السلام: " إن سمى
الأجل فهو متعة وإن لم يسم فهو نكاح

(1) المصباح المنير (أجل).
(1) الجواهر 24: 299.
(2) المكاسب: 303.
267

ثابت " (1).
وذهب بعض إلى بطلانه (2).
رابعا - عقد القرض: ولا يشترط
فيه الأجل ولو شرط فيه لم يلزم، قال
صاحب الجواهر:
" لو شرط التأجيل للقرض في عقد
القرض لم يلزم على المشهور بين
الأصحاب شهرة عظيمة... " (3).
ومعنى ذلك: أنه لا يلزم الوفاء
بشرط الأجل في عقد القرض، فتجوز
المطالبة من قبل المقرض، أو الدفع من
قبل المستقرض قبل الأجل.
هذا وقد ورد ذكر الأجل - في
مسألة الدين - في قوله تعالى:
(إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه) (4).
خامسا - في عقد الكفالة: فإن الكفالة
تارة تكون مطلقة أي غير مقيدة بشئ،
وتارة تكون معجلة أي مقيدة بالتعجيل
- وهي التي يعبر عنها ب‍ " الحالة " -، وتارة
تكون مؤجلة أي مقيدة بأجل ك‍ " شهر "
مثلا، فمع الإطلاق والتعجيل، للمكفول له
مطالبة الكفيل بالمكفول عنه، ومع التأجيل
لا يحق له المطالبة إلا بعد انقضاء الأجل،
وإذا سلمه بعد انقضائه تاما فقد برئ،
وإلا فله حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما
عليه.
وعلى أي، فلا بد من معلومية
الأجل بما ترتفع معه الجهالة.
قال في الجواهر:
" وكيف كان فتصح حالة ومؤجلة
على الأظهر، بل لا خلاف في الثاني...
وحينئذ مع الإطلاق تكون صحيحة
معجلة، وإذا اشترط الأجل فلا بد أن
يكون معلوما على وجه لا يختلف زيادة
ونقصا بلا خلاف نجده فيه بيننا...
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف
في أن للمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول
عنه عاجلا إن كانت الكفالة مطلقة أو
معجلة.
وبعد الأجل إن كانت مؤجلة، فإن
سلمه تسليما تاما بحيث يتمكن المستحق
منه فقد برئ مما عليه...

(1) الجواهر 30: 172.
(2) منهاج الصالحين، كتاب النكاح، فصل
" عقد المتعة "، المسألة 1.
(3) الجواهر 25: 30.
(4) البقرة: 282.
268

وإن امتنع الكفيل عن ذلك كان له
حبسه... حتى يحضره أو يؤدي ما
عليه... " (1).
سادسا - في عقد الضمان: فإن الضمان
كالكفالة قد يكون مؤجلا أيضا، بل ربما
يظهر من بعض العبارات أن الضمان لا
يكون إلا مؤجلا، أي لا بد أن يكون
متعلقه وهو المضمون مؤجلا، ولذلك قال
في الشرائع:
" والضمان المؤجل جائز إجماعا وفي
الحال تردد أظهره الجواز " (2).
ولكن حاول صاحب الجواهر رفع
الخلاف حيث نقل عن السرائر قوله:
" وقد يوجد في بعض الكتب لأصحابنا:
ولا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل،
والمراد بذلك إذا اتفقا على التأخير
والأجل فلا بد من ذلك، ولا يصح إلا
بأجل محروس، فأما إذا اتفقا على التعجيل
فيصح الضمان من دون أجل، وكذا إذا
أطلقا العقد، وإلى هذا القول ذهب شيخنا
في مبسوطه وهو حق اليقين، لأنه لا يمنع
منه مانع، ومن ادعى خلافه يحتاج إلى
دليل ولم نجده " (1).
ثم قال - صاحب الجواهر -:
ومقتضى ذلك خروج المسألة عن الخلاف،
إذ هو منحصر فيما سمعت من العبارات
المحتمل فيها ذلك، مؤيدا بعدم العثور على
دليل يدل على اعتبار الأجل فيه... " (2).
وعلى أي حال لم يطالب الضامن
إلا بعد الأجل (3).
سابعا - عقد الإجارة: وقد جاء ذكر
الأجل في عقد الإجارة في القرآن أيضا
- في قضية استئجار شعيب موسى عليهما السلام -
وهو قوله تعالى: (... أيما الأجلين
قضيت فلا عدوان علي...) (4) وقوله
تعالى: (فلما قضى موسى الأجل...) (5).
إن الأجرة قد تكون مطلقة - في
عقد الإجارة - بمعنى أنه لا يقدر زمان
معين لدفعها، وقد تكون معجلة - أي
يشترط فيها التعجيل - وقد تكون مؤجلة،
فمع الإطلاق أو التعجيل يجب دفعها عند

(1) الجواهر 26: 188 - 189.
(2) الشرائع 2: 108.
(1) السرائر 2: 70.
(2) الجواهر 26: 130.
(3) الشرائع 2: 108.
(4) القصص: 28.
(5) القصص: 29.
269

تمام العمل، وإذا كانت مؤجلة فبعد
انقضائه، قال صاحب الجواهر:
"... يجب تعجيلها أي الأجرة مع
الإطلاق ومع اشتراط التعجيل الذي هو
كالشرط المؤكد دفعها في أول أوقات
الوجوب، وهو وقت تمام العمل، وتسليم
العين المؤجرة...
كما أنه لو شرط المستأجر مثلا
التأجيل في الأجرة، صح لعموم
" المؤمنون " بشرط أن يكون الأجل
معلوما مضبوطا بما لا يحتمل الزيادة
والنقصان كغيره من الآجال... " (1).
ثامنا - المكاتبة: بحث الفقهاء حول
اشتراط الأجل في صحة المكاتبة وعدمها،
فنسب إلى الأشهر الاشتراط، ونسب إلى
جماعة عدمه، قال صاحب الجواهر:
" وكيف كان، فلا تصح من دون
الأجل على الأشهر الأشبه بأصول المذهب
وقواعده التي منها أصالة بقاء العبد على
الرقية التي لا يعارضها إطلاق الكتابة في
الكتاب والسنة بعد دعوى دخول الأجل
في مفهومها أو احتماله احتمالا مساويا
لعدمه، أو انسياق المؤجل منها، خصوصا
بعد ملاحظة النصوص التي تعرضت
لأحكامها... - إلى أن قال -:
فما عن الشيخ في الخلاف وابن
إدريس ويحيى بن سعيد من عدم اعتبار
الأجل للإطلاق لا يخلو من نظر وإن
اختاره الفاضل في القواعد وثاني
الشهيدين في المسالك، بل الأولى اعتبار
أجل يتمكن فيه من أداء المال عادة فلا
يكفي غيره على الأحوط " (1).
تاسعا - عدة الطلاق في الحبلى: فإن
عدة الحبلى في الطلاق - بناء على المشهور -
هو وضع الحمل، وبناء على رأي الصدوق
وابن حمزة ومن تبعهما أقرب الأجلين،
وهما: العدة المتعارفة، ووضع الحمل (2)،
وربما أيدته بعض الروايات مثل خبر أبي
الصباح عن الصادق عليه السلام: " طلاق
الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين " (3).
عاشرا - عدة الوفاة في الحبلى: وهي
أبعد الأجلين من وضع الحمل والعدة

(1) الجواهر 27: 221.
(1) الجواهر 34: 260 - 261.
(2) الجواهر 32: 252.
(3) الوسائل، الباب 9 من أبواب العدد،
الحديث 3.
270

المتعارفة، قال في الجواهر مازجا لكلام
صاحب الشرائع: " ولو كانت حاملا
اعتدت بأبعد الأجلين من وضع الحمل
ومضي الأربعة أشهر وعشر، وحينئذ فإن
وضعت قبل استكمال الأربعة الأشهر
والعشرة أيام صبرت إلى انقضائها، وكذا
العكس بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل
الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص
المستفيضة أو المتواترة، بل قيل: إنه
مقتضى الجمع بين آيتي الأحمال والوفاة،
لدخول الحامل حينئذ تحت عامين،
فامتثالها الأمر فيهما يحصل باعتدادها بأبعد
الأجلين... ".
ثم استشكل على هذا الجمع لكنه
تخلص منه، ثم قال: " ولعل هذا هو السر
في اعتدادها بأبعد الأجلين الذي
استفاضت به نصوصنا وانعقد عليه إجماعنا
خلافا للعامة، فأبانوها بالوضع ولو لحظة
بعد وفاته، وهو كما ترى " (1).
الأحكام العامة للأجل:
هناك أحكام عامة لجميع الموارد
التي ذكر فيها الأجل أو لمعظمها، وهي:
أولا - لزوم معلومية الأجل:
يجب أن يكون الأجل معلوما في
الموارد التي لم تحدد من قبل الشارع، مثل
الإجارة والضمان والكفالة وعقد المتعة،
وبيع السلف والنسيئة والمكاتبة، فيجب في
جميع هذه الموارد تعيين الأجل وضبطه
بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان.
وأما ما كان محددا من قبل الشارع
مثل العدة فلا يأتي فيه هذا البحث.
ثانيا - لزوم مراعاة الأجل:
يجب مراعاة الأجل في جميع الموارد
المتقدمة سواء كان محددا من قبل الشارع
أو المكلفين، عدا القرض فإنه لا يلزم
الوفاء به وإن اشترط في العقد (1). نعم، لو
اشترط في عقد لازم آخر غير عقد
القرض كأن باع المستقرض شيئا واشترط
عليه أن يكون الأجل الذي سيذكره في
عقد القرض لازما فقد التزم بعض
بلزومه. قال صاحب الجواهر:
" وكيف كان، فقد بان لك أنه لا
محيص عما عليه الأصحاب من اللزوم في
الشرط بعقد لازم، وعدم اللزوم في

(1) الجواهر 32: 275 - 276.
(1) الجواهر 25: 30.
271

عقد القرض وإن قلنا بكونه من العقود
اللازمة... " (1).
هذا، وقد ذكر عن بعض لزوم
الوفاء بالأجل إن اشترط في عقد القرض
نفسه (2).
ثالثا - مسقطات الأجل:
يسقط التحديد بالأجل بعدة أمور
أهمها:
1 - انتهاء الأجل المقرر شرعا أو
بتحديد المكلفين كانتهاء العدة، وانتهاء مدة
الإجارة أو النكاح المنقطع، أو الكفالة أو
غيرها...
2 - التوافق على الإسقاط، وهو
يتحقق فيما كان التحديد والتأجيل فيه بيد
المكلفين لا بيد الشارع، فلا يمكن إسقاط
الأجل في العدة، ولكن يمكن اسقاطه في
عقد المتعة، فإذا أسقط الزوج حقه بأن
وهب زوجته ما بقي من الأجل صح
وينتهي أمد الزوجية، ومثله تعجيل
القرض المؤجل بإسقاط بعض الأجل (3).
3 - الأسباب القهرية للسقوط: من
قبيل موت المؤجر أو المستأجر أو كليهما
على الاختلاف المبحوث عنه في عنوان
الإجارة (1).
ومن ذلك موت المديون، قال
صاحب الحدائق: " الظاهر أنه لا خلاف
بين الأصحاب في أنه بموت المديون تحل
ديونه المؤجلة، وإنما الخلاف في الحل بموت
الغريم، فذهب جماعة منهم الشيخ في
النهاية وأبو الصلاح وابن البراج
والطبرسي إلى ذلك.
والمشهور - وهو قول الشيخ في
الخلاف والمبسوط - خلافه " (2).
ومثله في الكفالة والضمان والعقد
المنقطع وأمثالها، فإن الموضوع قد ينتفي
فيها بالموت.
مظان البحث:
المواطن التي تقدم ذكرها خلال البحث.

(1) الجواهر 25: 33.
(2) الجواهر 25: 30.
(3) الجواهر 25: 33.
(1) الجواهر 27: 207.
(2) الحدائق 20: 164.
272

أجير
لغة:
هو المستأجر - بالفتح (1) -
واستأجرت العبد: اتخذته أجيرا.
اصطلاحا:
الإنسان الذي يؤجر نفسه أو
يؤجره غيره للانتفاع من عمله، وعلى هذا
يختص الأجير ب‍ " إجارة الأعمال ".
أقسام الأجير:
ينقسم الأجير إلى الخاص والمشترك:
أولا - الأجير الخاص، وقد يطلق
عليه " الأجير المقيد " (2) أو " الأجير
المنفرد " (3). وذكروا له تحديدات عديدة
نشير إلى أهمها فيما يلي:
1 - " هو الذي يستأجر مدة معينة
للعمل بنفسه أو يستأجر عملا معينا مع
تعيين أول زمانه، بحيث لا يتوانى في فعله
حتى يفرغ منه " (1).
2 - " هو الذي يستأجر مدة معينة
شخصية على وجه الاستغراق والتقييد
للعمل لا الشرطية " (2).
3 - " هو من آجر نفسه على وجه
يكون جميع منافعه للمستأجر في مدة
معينة، أو على وجه تكون منفعته الخاصة
كالخياطة مثلا له، أو آجر نفسه لعمل
مباشرة مدة معينة أو كان اعتبار المباشرة
أو كونها في تلك المدة أو كليهما على وجه
الشرطية لا القيدية... ومثل تعيين المدة
تعيين أول زمان العمل، بحيث لا يتوانى
فيه إلى الفراغ... " (3).
فالأول من صاحب الحدائق،
والثاني من صاحب الجواهر، والثالث من
صاحب العروة السيد اليزدي.
والأخير أعم - كما هو ظاهر - فإنه
جعل ما لو كان وقوع الفعل في زمان

(1) المصباح المنير، الصحاح، مجمع
البحرين...: " أجر ".
(2) الحدائق 21: 558.
(3) الجواهر 27: 263.
(1) الحدائق 21: 558.
(2) الجواهر 27: 263.
(3) العروة: الإجارة، فصل 5، المسألة 4.
273

خاص شرطا، من مورد الأجير الخاص
بينما أخرجه صاحب الجواهر من ذلك
وحصره فيما لو كان على نحو القيدية.
ثانيا - الأجير المشترك، وقد يطلق
عليه " الأجير المطلق " أيضا، وهو:
" الأجير الذي يستأجر لعمل مجردا
عن المباشرة - مع تعيين المدة - أو عن المدة
مع تعيين المباشرة، أو مجردا عنهما " (1).
الأحكام:
" لا ريب في أن من آجر نفسه
لعمل ساغ له أن يأتي بعمل آخر لنفسه أو
لغيره بإجارة أو تبرع فيما إذا لم يكن
العمل الثاني منافيا للعمل المستأجر عليه،
فلو آجر نفسه للخياطة جاز له أن
يؤجرها لقراءة القرآن في نفس الزمان
لعدم التنافي، أو لخياطة أخرى ليلا فيما إذا
لم تكن موجبة للضعف المانع عن الوفاء
بالأولى المفروض وقوعها في النهار.
وأما إذا كان منافيا فلا يجوز ذلك
بلا إشكال للزوم الوفاء بالعقد المستتبع
لوجوب تسليم العمل إلى المستأجر، فلا
يجوز تفويت حق الغير وارتكاب أي
عمل مناف له سواء أكان لنفسه أو لغيره
بتبرع أم إجارة أم جعالة، وهذا
واضح " (1).
إنما الكلام فيما إذا خالف وعمل
لغيره فقد ذكروا له صورا ووجوها أربعة،
لا يسعنا التعرض لها (2).
هذا كله مع فرض كون الأجير
خاصا أما لو كان مطلقا فيجوز له أن
يعمل لغير من استأجره مطلقا (3).
مظان البحث:
الإجارة - أقسام الإجارة
إحباط
لغة:
من " الحبط " وهو من باب تعب

(1) الحدائق 21: 558، الجواهر 27: 268،
المستمسك 12: 105.
(1) مستند العروة (الإجارة): 298.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر: 309، والعروة: الإجارة،
فصل 5، المسألة 5، والحدائق 21: 558،
والجواهر 7: 268 كما تقدم.
274

- ويأتي شاذا من باب ضرب - بمعنى
الفساد والهدر، فيقال: حبط العمل حبطا،
وحبط دم فلان (1).
اصطلاحا:
الإحباط مصطلح كلامي دخيل في
الفقه يبحث عنه في بحث العدالة ومعناه:
" الموازنة بين الأعمال الصالحة
والمعاصي، فكل ذنب يحبط بالطاعة فهو
صغيرة، وكل ذنب يحبط الطاعة هو
كبيرة " (2).
والمعروف بين الإمامية هو بطلان
القول بالإحباط، بل الذنوب باقية على
حالها حتى يجئ ما يزيلها مثل التوبة،
أما الطاعات الأخر فلا مدخلية لها في
زوالها، كما أن الذنوب لا مدخلية لها في
إزالة الطاعات.
نعم، ربما يتوهم أن تقسيم الذنوب
إلى الصغائر والكبائر - كما هو المعروف -
ناش من القول بالإحباط، فكل ذنب
تزيله الطاعات فهو صغيرة، وكل ذنب
يزيل الطاعات فهو كبيرة.
لكنه توهم فاسد، فإنه يمكن
الالتزام بهذا التقسيم مع عدم الالتزام
بالقول بالإحباط، إذ مراد الفقهاء من هذا
التقسيم هو عد بعض الذنوب صغائر
مقابل بعض الذنوب الأخرى المعدودة من
الكبائر سواء قلنا بأن الذنوب كلها كبائر
واقعا أو هي منقسمة كذلك.
قال صاحب الجواهر في رد التوهم
المذكور: " وهذا بالإعراض عنه حقيق
ضرورة أن المعروف بين الإمامية عدم
القول بالإحباط، كما أن المعروف بينهم
تقسيم الذنب إلى كبير وصغير، فلا مدخلية
للقول المزبور بذلك قطعا فإن إطلاقها أي
الصغائر عند الفقهاء بالنسبة إلى غيرها من
الكبائر سواء قلنا بكون كل معصية كبيرة
أو معاص مخصوصة وهو واضح " (1).
مظان البحث:
البحث عن العدالة في صلاة الجماعة
والشهادات.

(1) راجع المصباح المنير " حبط ".
(2) الجواهر 41: 29.
(1) الجواهر 41: 29.
275

احتشاء
لغة:
من " الحشو " وهو: ما حشوت به
فراشا أو غيره، ومنه الحائض تحتشي
بالكرسف (1).
اصطلاحا:
إدخال المرأة الكرسف (القطن) في
فرجها لاختبار مقدار استحاضتها، أو لمنع
سيلان الدم على بدنها وأثوابها في الصلاة
وغيرها.
الأحكام:
إذا علمت المرأة بالاستحاضة ولم
تدر ما مقداره، فعليها أن تحتشي
بالكرسف وهو " القطن "، فإن لم تنغمس
القطنة بالدم فالاستحاضة صغرى، وإن
انغمست ولم يسل عنها الدم فهي وسطى،
وإن انغمست وسال عنها الدم فهي كبرى.
وينبغي أن يكون الاحتشاء بالقطن
أو ما يشابهه مما يمكن انغماسه في الدم.
وبعد انكشاف حالها، لها أن تحتشي بغيره،
كما لها أن تحتشي من أول الأمر به، ولكن
تقدر أنه لو كان المحتشى به قطنا، لثقبه
الدم أو لا؟
وأما مقدار زمان الاحتشاء
فلا تقدير له، بل تبقى محتشية حتى تنتقل
من حالة إلى أخرى - إن كانت - أو تغيرها
عند كل صلاة، على القول بوجوبه.
وأما مقدار القطنة التي تحتشي بها
فهو موكول إلى العرف (1).
هذا، وقد تكررت هذه الكلمة في
روايات الاستحاضة، منها ما ورد عن
الصادق عليه السلام: " المستحاضة إذا مضت
أيام أقرائها اغتسلت واحتشت كرسفا
وتنظر، فإن ظهر على الكرسف زادت
كرسفا وتوضأت وصلت " (2).
مظان البحث:
الطهارة: الحيض.

(1) الصحاح، المصباح المنير، مجمع البحرين
" حشا ".
(1) الجواهر 3: 312 - 314.
(2) الوسائل 2: 608 الباب 1 من أبواب
الاستحاضة، الحديث 13.
276

احتشاش
لغة:
جمع الحشيش وهو اليابس من
النبات أو العشب أو الكلأ، وقالوا: لا
يقال للرطب حشيش (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي في
أصله وإنما ينبغي تقييده بجمعها من
المباحات العامة. كما أنه لا يختص بكونه
يابسا، بل يشمل جمع الحشيش الرطب
أيضا.
الأحكام:
أولا - الحكم التكليفي:
إن عملية الاحتشاش في حد ذاتها
عملية مباحة وإنما يتغير حكمها بطروء
عناوين أخرى عليها كسائر المكاسب،
فيصير الاحتشاش حراما إذا استلزم أمرا
محرما وهكذا...
ثانيا - الحكم الوضعي:
والحكم الوضعي المترتب على
الاحتشاش هو إفادته الملكية، ولكنه يفيد
الملكية مع توفر شرطين وهما:
1 - نية التملك بمعنى أن يجمعه لغرض
التملك لا لغرض آخر كتسطيح الأرض أو
اللعب.
2 - المباشرة في العمل بأن يقوم
ناوي التملك بفعل الاحتشاش مباشرة.
فإذا توفر هذان الشرطان فتحصل
الملكية، وأما إذا لم يتوفرا كما إذا جمع
لا بنية التملك، أو بنية تملك غيره
- كالمستأجر إذا كان الجامع أجيرا، أو
الموكل إذا كان وكيلا، أو الشريك في
الآلة إذا كان شريكا أو صاحب الآلة
إذا كان مضاربا - ففي تحقق الملكية
للمستأجر أو الأجير أو الشريك أو
المضارب خلاف.
وينشأ الاختلاف من اشتراط
هذين العنصرين في صحة حيازة

(1) المصباح المنير ومجمع البحرين: " حشش ".
277

المباحات وعدمه (1).
راجع: إحياء الموات، حيازة
المباحات.
مظان البحث:
الوكالة - الإجارة ونحوها عند البحث عما
يجوز فيه النيابة والتوكيل، وإحياء الموات.
احتضار
لغة:
افتعال من الحضور بمعنى الشهود
ويطلق مجازا على من حضره الموت أي
أشرف عليه، وهي حالة النزع والسوق (2).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي، وإنما
سميت الحالة بذلك أو الشخص محتضرا
لحضور الميت الموت أو حضور الملائكة أو
المؤمنين عنده ليشيعوه أو لاستحضار
عقله، أو لجميع ذلك (1).
الأحكام:
الأحكام المترتبة على الاحتضار إما
واجبة أو مندوبة أو مكروهة، وقد يطلق
على مجموعها " آداب الاحتضار ".
أولا - ما يجب عند الاحتضار:
الشئ الوحيد الذي بحثوا عن
وجوبه حالة الاحتضار هو: توجيه الميت
نحو القبلة المعبر عنه ب‍ " استقبال الميت نحو
القبلة ".
والمشهور - كما ادعاه الشهيد (2)
وصاحب المدارك (3) - أو الأشهر كما في
الذكرى (4) - هو الوجوب.
وفي مقابل المشهور القول
بالاستحباب وقد اختاره كل من: الشيخ
في الخلاف (5) والمحقق في المعتبر (6) والمحقق

(1) راجع الجواهر 26: 290، 320، 334،
358 و 27: 380، الحدائق 21: 190،
واقتصادنا: 674.
(2) أساس البلاغة، المصباح المنير: " حضر ".
(1) المدارك 2: 52، الجواهر 4: 5.
(2) الروضة 1: 118.
(3) المدارك 2: 53.
(4) الذكرى: 37.
(5) الخلاف 1.: 279.
(6) المعتبر: 69.
278

الأردبيلي في مجمع الفائدة (1) والعاملي في
المدارك (2). ولكن بعض هؤلاء جعل
الاستقبال (التوجيه) أحوط.
نوع الوجوب:
وهذا الوجوب على فرض ثبوته
كفائي بالنسبة إلى العالم بالحال المتمكن من
الامتثال، فيسقط بقيام الغير به (3).
وقيل بوجوبه على المحتضر نفسه
مع تمكنه والتفاته (4).
كيفية التوجيه:
وكيفية التوجيه هي أن يلقى على
ظهره ويجعل باطن قدميه ووجهه إلى
القبلة بحيث لو جلس لكان مستقبلا (5)،
وادعى في الجواهر عدم الخلاف فيه، بل
نقل الإجماع عن جماعة على ذلك (6).
زمان التوجيه:
يظهر من كلمات الفقهاء أن زمان
التوجيه هو قبيل الموت، أي عند
الإشراف عليه - وهو ما يصدق عليه
الاحتضار - وهذا الوجوب مستمر إلى
تحقق الوفاة، أما بعدها حتى زمان
الاغتسال فقد اختلفوا في وجوب
الاستقبال فيه، فذهب جماعة إلى عدمه،
منهم: الشهيد الأول (1) وصاحب
الحدائق (2)، وصاحب الجواهر (3)، وصاحب
المستمسك (4).
ويظهر من بعض آخر ترجيح إبقائه
كذلك حتى يغتسل وأولويته، مثل
المحققين: الأردبيلي (5) والعاملي (6)
واليزدي (7).
الميت الذي يجب توجيهه:
لا فرق في الميت الذي يجب توجيهه
بين الصغير والكبير والحر والعبد بعد
فرض الإسلام أو حكمه، نعم يحتمل عدم
وجوبه بالنسبة إلى الميت المخالف لعدم

(1) مجمع الفائدة 1: 173.
(2) المدارك 2: 53.
(3) المدارك 2: 54، الجواهر 4: 13.
(4) الجواهر 4: 14، المستمسك 4: 19.
(5) المدارك 2: 53.
(6) الجواهر 4: 12.
(1) الذكرى: 37.
(2) الحدائق 3: 357.
(3) الجواهر 4: 11.
(4) المستمسك 4: 22.
(5) مجمع الفائدة 1: 173.
(6) المدارك 2: 54.
(7) العروة: الطهارة، فصل ما يتعلق بالمحتضر /
الثاني.
279

التزامه به في مذهبه (1).
سقوط وجوب التوجيه:
يسقط وجوب الاستقبال بالتعذر،
ويحتمل القول بوجوب ما تمكن منه: من
الاستقبال جالسا أو مضطجعا (2)، ويظهر
من العروة وجوب ذلك (3).
ويسقط أيضا باشتباه القبلة، لعدم
إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى
الجهات المختلفة (4). ولكن احتمل في
الذكرى (5) الوجوب.
ثانيا - ما يستحب عند الاحتضار:
ذكر الفقهاء أمورا يستحب مراعاتها
حالة الاحتضار وهي:
1 - التلقين:
يستحب تلقين المحتضر وهو: تفهيم
أحد الحاضرين المحتضر الشهادتين والإقرار
بالأئمة عليهم السلام، وادعى في الجواهر
عدم وجدان الخلاف في ذلك، بل نقل
الاتفاق عليه من كشف اللثام (1) كما وردت
بذلك أخبار مستفيضة، منها خبر الحلبي
عن الصادق عليه السلام: " إذا حضرت قبل أن
يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم
عبده ورسوله " (2).
قال صاحب الحدائق - بعد أن ذكر
روايات الاحتضار -: " ظاهر الأخبار
المذكورة متابعة المريض للملقن فيما يقول
وهو الغرض المترتب على التلقين، ولو
كان المريض قد اعتقل لسانه عن النطق
فالظاهر بقاء الاستحباب، لأنه وإن لم
يتيسر له النطق إلا أنه يفهم الكلام
فيجريه على باله... " (3).
ويظهر من بعض الفقهاء استحباب
تكرار التلقين حتى تحقق الوفاة (4).
ومما يستحب تلقينه به كلمات الفرج
وهي " لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله
إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب

(1) الجواهر 4: 12.
(2) الجواهر 4: 12.
(3) العروة: الطهارة، فصل ما يتعلق بالمحتضر /
الأول.
(4) المدارك 2: 54، الجواهر 4: 12.
(5) الذكرى: 37.
(1) الجواهر 4: 14.
(2) الوسائل 2: 662، الباب 36 من أبواب
الاحتضار، الحديث 1.
(3) الحدائق 3: 366.
(4) الجواهر 4: 15.
280

السماوات السبع، ورب الأرضين السبع،
وما فيهن وما بينهن، ورب العرش العظيم
والحمد لله رب العالمين ".
وفي رواية الحلبي: أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لقنها لرجل من بني هاشم
فلما قالها الرجل قال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: الحمد لله الذي استنقذه من النار " (1).
2 - نقله إلى مصلاه:
يستحب نقل المحتضر إلى مصلاه،
وظاهر أكثر الفقهاء أن المراد منه هو
المكان الذي كان يصلي فيه، ويظهر من
ابن حمزة الجمع بين المكان والفراش الذي
كان يصلي عليه، أي يحمل إلى مكان
صلاته ويفرش تحته ما كان يصلي عليه (2).
ويظهر من الفقهاء أن ذلك مختص
بصورة شدة النزع وتعسر خروج الروح،
لكن يظهر من بعضهم كالمحقق أن ذلك
مستحب مطلقا (3).
3 - الإسراج عنده:
ذكر الشيخان - وتابعهما عدة من
الفقهاء -: أنه يسرج عند الميت مصباح
إلى الصباح إن مات ليلا (1).
4 - قراءة القرآن عنده:
قالوا (2): يستحب أن يكون عنده
من يقرأ القرآن ولا يترك وحده، وقيده
بعضهم (3) بسورة يس والصافات، وبعض
آخر (4) بالصافات فقط.
5 - تغميض عينيه وإطباق فيه:
كذا عدوهما من آداب الاحتضار،
وأضافوا إليه مد يديه إلى جنبيه وتغطيته
بثوب (5).
6 - تعجيل تجهيزه:
صرح الفقهاء باستحباب تعجيل
تجهيز الميت وادعي عليه الاتفاق (6) بل
الإجماع كما نقل ذلك مستفيضا (7) أيضا إلا
إذا اشتبه الموت فإنه لا يستحب حينئذ بل
يحرم، لأنه إعانة على قتله لو لم يكن

(1) الحدائق 3: 363، الجواهر 4: 16.
(2) الحدائق 3: 368، الجواهر 4: 19.
(3) الجواهر 4: 19.
(1) المقنعة: 74، النهاية: 30.
(2) المقنعة: 74، النهاية: 30، الشرائع 1:
36.
(3) الحدائق 3: 369، الجواهر 4: 21،
العروة: فصل فيما يتعلق بالمحتضر / الثالث.
(4) المصادر السابقة.
(5) المصادر السابقة.
(6) الحدائق 3: 374.
(7) الجواهر 4: 23.
281

ميتا، وقد وردت في أصل الحكم
والاستثناء روايات، منها ما رواه جابر
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا معشر الناس لا
ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به
الصبح، ولا رجلا مات له ميت نهارا
فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع
الشمس ولا غروبها عجلوا بهم إلى
مضاجعهم يرحمكم الله تعالى، قال
الناس: وأنت يا رسول الله يرحمك
الله " (1).
هذا بالنسبة إلى أصل الحكم، وأما
الاستثناء فقد روى هشام عن أبي الحسن
عليه السلام أنه قال في المصعوق والغريق:
" ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل
ذلك " (2).
وظاهر الأخبار أن مدة الانتظار
ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك، وأما
الفقهاء فقد جعلوا غاية التأخير حصول
العلم بالأمارات (1) وأما الثلاثة أيام - في
الروايات - فهي محمولة على حصول الموت
بمضيها (2).
ثالثا - ما يكره عند الاحتضار:
ذكروا أمرين في هذا المورد، وهما:
1 - أن يطرح على بطنه الحديد:
نسب في الجواهر (3) كراهة ذلك إلى
المشهور - استنادا إلى المختلف والروضة -
ولكن قال المحقق في المعتبر: " وقيل: لا
يترك على بطنه حديد، إنما قلنا: قيل،
لأنه لم يثبت عن أهل البيت به نقل، بل
ذكر ذلك الشيخان وجماعة من
الأصحاب، وقال الشيخ في التهذيب:
سمعنا ذلك مذاكرة، وقال ابن الجنيد: يضع
على بطنه شيئا يمنع من ربوها " (4).
2 - أن يحضره جنب أو حائض:
وقد وردت في ذلك بعض الروايات
معللة بأن الملائكة تتأذى من حضورهما.
ويظهر من الجواهر أن الحكم

(1) الوسائل 2: 674، الباب 47 من أبواب
الاحتضار، الحديث الأول.
(2) الوسائل 2: 676، الباب 48 من أبواب
الاحتضار، الحديث الأول.
(1) المدارك 2: 58، الحدائق 3: 374،
الجواهر 4: 26.
(2) الجواهر 4: 25.
(3) الجواهر 4: 27.
(4) المعتبر: 70 - 71.
282

مشهور (1)، ولكن قال في المعتبر:
" وبكراهة ذلك قال أهل العلم " (2) فإنه
يستفاد منه أكثر من الشهرة.
هذا وقد وردت في تضاعيف
عبارات الفقهاء الإشارة إلى كراهة بعض
أمور أخرى من قبيل: " تركه وحده " (3)
وقد أشرنا إليه فيما سبق، وعلل في بعض
الروايات بأن الشيطان يعبث في جوفه،
ومن قبيل: " كراهة مسه " (4).
مظان البحث:
الطهارة: غسل الميت، الصلاة - صلاة
الأموات.
احتطاب
لغة:
من الحطب - وهو معروف - بمعنى
جمعه.
اصطلاحا:
جمع الحطب من المباحات العامة.
الأحكام:
وهو كالاحتشاش فيجري فيه كل
ما جرى هناك.
راجع: احتشاش.
احتكار
لغة:
من الحكر بمعنى الجمع
والإمساك (1)، واحتكار الطعام: حبسه
إرادة الغلاء (2)، أو جمعه وحبسه يتربص به
الغلاء (3)، أو اشتراؤه وحبسه ليقل
فيغلو (4).
فبناء على الأول يشمل الاحتكار
كل حبس للطعام يراد به الغلاء سواء

(1) الجواهر 4: 28.
(2) المعتبر: 70 - 71.
(3) الحدائق 3: 371 والجواهر 4: 371.
(4) الحدائق 3: 369.
(1) النهاية، لابن الأثير: " حكر ".
(2) المصباح المنير: " حكر ".
(3) الصحاح: " حكر ".
(4) النهاية، لابن الأثير: " حكر ".
283

جمعه أو اشتراه لذلك أو حبسه مما زرعه
هو.
وأما بناء على الأخيرين فلا يدخل
فيه ذلك، لأن الاحتكار هو شراء ما في
السوق من الطعام أو جمعه لأجل أن يغلو
سعره فيبيعه بسعر غال.
ومهما يكن فلا تشمل التعاريف
المذكورة ما لو جمع الطعام لا بقصد الغلاء
بل بقصد آخر كإحراز قوت من يعوله.
اصطلاحا:
لم نعثر في كلمات الفقهاء على أكثر
مما ذكره أهل اللغة في تعريف الاحتكار،
نعم هناك نقطتان ينبغي إلفات النظر إليهما
وهما:
أولا - بحث الفقهاء حول لزوم كون
الطعام الذي حبسه المحتكر من الشراء أو
لا؟ فإذا كان الشراء دخيلا في صدق
الاحتكار أو حكمه فلا يكون ما جمعه من
زرعه احتكارا أو محكوما بحكمه.
وسوف يأتي التعرض لذلك فيما
يأتي.
ثانيا - قال الشيخ المفيد في المقنعة:
" الحكرة احتباس الأطعمة مع حاجة أهل
البلد إليها وضيق الأمر عليهم فيها " (1).
وما أفاده في بيان الاحتكار أعم
من تربص الغلاء وعدمه، وعليه فيشمل
كل جمع للطعام وإن لم يقصد به الغلاء.
الأحكام:
الحكم التكليفي للاحتكار:
اختلف الفقهاء في حكم الاحتكار
من الناحية التكليفية على قولين:
الأول - الكراهة: ذهب إليه كل من
المشايخ: المفيد (2) والطوسي (3) والحلبي (4)
والمحقق الحلي (5) والعلامة - في
المختلف (6) والإرشاد (7) - ويظهر من المحقق
الأردبيلي (8) والسيد العاملي (9) وصاحب
الجواهر (10).

(1) المقنعة: 616.
(2) المقنعة: 616.
(3) المبسوط 2: 195.
(4) الكافي في الفقه: 283.
(5) الشرائع 2: 21.
(6) المختلف: 345.
(7) الإرشاد 1: 365.
(8) مجمع الفائدة 8: 23.
(9) مفتاح الكرامة 4: 107.
(10) الجواهر 22: 481.
284

الثاني - الحرمة: ذهب إليه كل من
المشايخ: الصدوق (1) والطوسي - في
الاستبصار (2) - وابن إدريس (3) والعلامة
- في التحرير (4)، القواعد (5) - والشهيدين
في الدروس (6) والمسالك (7) والروضة (8)،
والمحقق الكركي (9) وصاحب الحدائق (10)
والشيخ الأعظم (11) ومن المعاصرين الإمام
الخميني (12) والسيد الخوئي (13).
إمكان الجمع بين القولين:
إن أغلب الفقهاء الذين قالوا بتحريم
الاحتكار قيدوه بقيود من قبيل: لزوم
الضرر والحرج والضيق على عامة الناس
بحيث ينافي ذلك سياسة الناس وإدارتهم
ونظام معيشتهم، ولكن الذين قالوا
بكراهته لم يقيدوه بشئ من ذلك، ولعل
هذا يكون مبررا للجمع بين القولين بأن
يقال: إن الاحتكار إذا استلزم محذورا من
المحاذير التي ذكرها الفقهاء أمثال: لزوم
الإضرار أو الضرر والحرج بحيث ينافي
النظام العام للمجتمع فهو حرام، وإن لم
يستلزم شيئا من ذلك فلا، ولذلك فلو
اشترى شخص كل ما هو موجود في البلد
من الزبيب واحتكره على أن يصدره
للخارج مثلا ولم يستلزم من ذلك أي
محذور من المحاذير السابقة فهل يحكم عليه
بالحرمة؟!
ويحمل على هذا الجمع أقوال بعض
الفقهاء أمثال:
1 - المحقق الأردبيلي حيث قال:
" إن الخلاف مع عدم الضرورة مثل
المخمصة، وإلا فيحرم بالإجماع ظاهرا " (1)
وإن كان يظهر منه جمع آخر وهو الحرمة
حال الضرورة قولا واحدا والاختلاف في
حرمته أو كراهته في غيرها.

(1) المقنع: 125 (المطبعة الإسلامية - 1377)
والفقيه 3: 265.
(2) الاستبصار 3: 115.
(3) السرائر 2: 238.
(4) التحرير 1: 160.
(5) القواعد 1: 122.
(6) الدروس 3: 180.
(7) المسالك 1: 177.
(8) الروضة 3: 298.
(9) جامع المقاصد 4: 40.
(10) الحدائق 18: 58.
(11) المكاسب: 212.
(12) البيع 3: 410.
(13) مصباح الفقاهة 5: 494.
(1) مجمع الفائدة 8: 23.
285

2 - صاحب الجواهر إذ قال:
"... وموضوع البحث حبس الطعام
انتظارا لغلو السعر على حسب غيره من
أجناس التجارة من حيث كونه كذلك لا
مع قصد الإضرار بالمسلمين... والإضرار
على وجه ينافي سياسة الناس... أو لغير
ذلك من المقاصد التي لا مدخلية لها فيما
نحن فيه مما هو معلوم الحرمة لأمر
خارجي آخر، بل هو كذلك في كل حبس
لكل ما تحتاجه النفوس المحترمة،
ويضطرون إليه ولا مندوحة لهم عنه من
مأكول أو مشروب أو ملبوس أو غيرها
من غير تقييد بزمان دون زمان ولا أعيان
دون أعيان... ويمكن تنزيل القول
بالتحريم على بعض ذلك كما عساه يومئ
إليه بعض كلماتهم فيرتفع الخلاف في
المسألة.
وإنما الكلام في حبس الطعام انتظارا
به غلو السعر على حسب غيره من
أجناس التجارة مع حاجة الناس وعدم
وصولهم إلى حد الاضطرار... " (1).
هل الاحتكار مقيد بالشراء؟
بحث الفقهاء حول تقييد الاحتكار
(مفهوما أو حكما) بكون الطعام المحتكر
مشترى بمعنى أن الاحتكار إنما يصدق
مفهوما أو إنما يكون محرما أو مكروها إذا
كان الطعام المحتكر قد اشتراه المحتكر من
السوق، وأما إذ لم يكن كذلك بأن حصله
من زرعه فلا يصدق عليه الاحتكار أو لا
يشمله حكمه.
ويبدو أن أول من تعرض لذلك هو
العلامة، فقد حكي عنه ذلك ولم يحك عمن
قبله، قال في الحدائق: "... هل يشترط
في الاحتكار شراء الغلة بمعنى أن يشتريها
ويحبسها لذلك، أو يشمل ما كان من
غلته؟ نقل في ذلك عن العلامة،
الأول... " (1).
وقال السيد العاملي في مفتاح
الكرامة: " وزاد في نهاية الإحكام أن
يكون قد اشتراه، فلو جلب أو ادخر من
غلته فلا بأس وهو المحكي عن ظاهر
المنتهى " (2).

(1) الجواهر 22: 481.
(1) الحدائق 18: 63.
(2) مفتاح الكرامة 4: 108، وراجع: نهاية
الإحكام 2: 514.
286

ويظهر من المحقق الكركي موافقته
للعلامة، لأنه قال: " ظاهر المصنف في
المنتهى: " أن الاحتكار إنما يتحقق إذا
اشترى الطعام وحبسه "، وحسنة الحلبي
عن الصادق عليه السلام حيث قال: " الحكرة:
أن يشتري الطعام ليس في المصر غيره
فيحتكره " تدل عليه " (1).
هذا، ولكن أغلب الفقهاء الذين
تعرضوا للمسألة عمموا التحريم لوجود
ملاكها وهو " ترك الناس ليس لهم طعام "
في صورتي شراء الطعام أو تحصيله له
بالزراعة أو عن طريق آخر كالإرث
والهبة وغيرها، بل وحتى لو كان قد
اشتراه لحاجته فانقضت حاجته فحبسه
متربصا للغلاء كما صرح بذلك كله الشيخ
الأعظم في المكاسب (2).
هل حكم الاحتكار مقيد بعدم الباذل؟
قيد عديد من الفقهاء - حتى بعض
القائلين بكراهة الاحتكار - حكم
الاحتكار بقيد زائد وهو: أن لا يكون
باذل للطعام غير المحتكر، وإلا فلا يكره
أو فلا يحرم. قال الشيخ المفيد - وهو من
القائلين بالكراهة -: " فإن كانت الغلات
واسعة وهي موجودة في البلد على كفاية
أهله لم يكره احتباس الغلات " (1) وقال
الشيخ الطوسي: " وإنما يكون الاحتكار
إذا كان بالناس حاجة شديدة إلى شئ
منها ولا يوجد في البلد غيره... " (2) وقال
ابن إدريس - وهو من القائلين بالحرمة -:
" وإنما يكون الاحتكار منهيا عنه إذا كان
بالناس حاجة شديدة إلى شئ منها ولا
يوجد في البلد غيره " (3)، وقال في الشرائع
- بعد بيان حكم الاحتكار وهو الكراهة
عنده -: " بشرط أن يستبقيها للزيادة في
الثمن ولا يوجد بائع ولا باذل " (4) وقال
العلامة في المنتهى: " إنما يتحقق الاحتكار
المحرم أو المكروه على اختلاف الرأيين
عند احتياج الناس إلى طعام وعدم الباذل
والبائع " (5).
وهكذا غيرهم من الفقهاء كالمحقق

(1) جامع المقاصد 4: 41، والمنتهى 2:
1007.
(2) المكاسب: 213.
(1) المقنعة: 616.
(2) النهاية: 374.
(3) السرائر: 238.
(4) الشرائع 2: 21.
(5) المنتهى 2: 1007.
287

الثاني (1) والشهيد الثاني (2) وصاحب
الحدائق (3) وصاحب الجواهر (4) والشيخ
الأعظم (5) ومن المعاصرين الإمام
الخميني (6) والسيد الخوئي (7).
التحديد الزمني لتحقق الاحتكار:
حدد الشيخ الطوسي مدة حبس
الطعام التي يتحقق فيها الاحتكار بثلاثة
أيام في الغلاء وقلة الأطعمة، وأربعين يوما
في الرخص وتوفرها، قال: " وحد
الاحتكار في الغلاء وقلة الأطعمة ثلاثة
أيام، وفي الرخص وحال السعة أربعون
يوما " (8).
وقد تبعه القاضي وابن حمزة - حسبما
حكي عنهما (9) - ولكن استقر رأي أكثر
الفقهاء - تبعا للشيخ المفيد (10) حسبما يظهر
من عبارته - على أن المدار هو الحاجة
فمتى تحققت حاجة الناس إلى الطعام ولم
يوجد فيتحقق الاحتكار من دون تقييد
بزمان معين، قال صاحب الحدائق: " حد
الشيخ الحكرة في الرخص بأربعين يوما
وفي الغلاء والشدة بثلاثة أيام عملا برواية
السكوني... والأشهر العدم، لإطلاق
الأخبار " (1).
وقد حاول الشهيد الجمع بين
الرأيين بحمل التحديد المذكور على
الإشارة إلى أن الحاجة تظهر في هذا
المقدار من الزمن في الحالتين وإلا فالمعيار
هو الحاجة، قال: " والأظهر تحريمه مع
حاجة الناس إليه، ومظنتها الزيادة على
ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في
الرخص... " (2) واستحسن الشيخ الأعظم
هذا الجمع فقال:
"... وأما تحديده بحاجة الناس
فهو حسن كما عن المقنعة وغيرها، ويظهر
من الأخبار المتقدمة، وأما ما ذكره من
حمل رواية السكوني على بيان مظنة
الحاجة فهو جيد، ومنه يظهر عدم دلالتها

(1) جامع المقاصد 4: 41.
(2) الروضة 3: 299.
(3) الحدائق 18: 65.
(4) الجواهر 22: 483.
(5) المكاسب: 212.
(6) البيع 3: 410.
(7) مصباح الفقاهة 5: 494.
(8) النهاية: 374.
(9) مفتاح الكرامة 4: 109.
(10) المقنعة: 616.
(1) الحدائق 18: 62.
(2) الدروس 3: 180.
288

على التحديد بالعددين تعبدا " (1).
ولكن قال المحقق الكركي ردا على
التحديد: " ولعل رواية السكوني بني فيها
الأمر على مقتضى ذلك الزمان وإلا فقد
تدعو الحاجة إلى الطعام قبل الثلاثة
والأربعين إذا لم يوجد بائع أصلا " (2).
ما يتحقق فيه الاحتكار:
أهم شئ يبحث حوله في الاحتكار
هو البحث عما يتحقق فيه الاحتكار، ففيه
ما هو متفق عليه، وفيه ما هو مختلف فيه.
أما المتفق عليه فهو: الحنطة
والشعير والتمر والزبيب والسمن، وقد
وردت بذلك النصوص ويظهر من بعضها
انحصاره فيها مثل رواية غياث بن إبراهيم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ليس
الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب " (3) وفي روايات أخرى (4) زيادة
" السمن ".
ومهما يكن فإن هذه الخمسة مما
اتفق على تحقق الاحتكار فيها كما صرح
بذلك المحقق الأردبيلي (1) وغيره.
وألحق جماعة " الزيت " بالخمسة
المذكورة استنادا إلى رواية السكوني عن
جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال: " الحكرة في ستة
أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والسمن والزيت " (2). ومن هؤلاء:
الصدوق (3) والعلامة في التحرير (4)
والشهيدان (5) والمحقق الثاني (6)...
وزاد جماعة آخرون - على ما تقدم -
" الملح "، منهم الشيخ (7) وابن حمزة (8)
والعلامة (9) والشهيدان (10)، ولعله للتعليل
الوارد في بعض الأخبار الواردة في
الأجناس الخمسة المتقدمة: من حاجة
الناس إليه.

(1) المكاسب: 213.
(2) جامع المقاصد 4: 42.
(3) الوسائل 12: 312، الحديث 7.
(4) نفس المصدر، صفحة 314، الحديث 10.
(1) مجمع الفائدة 8: 26.
(2) الوسائل 12: 314، الحديث 10.
(3) نسبه إليه في المختلف: 346.
(4) تحرير الأحكام 1: 299.
(5) الروضة البهية 3: 299.
(6) جامع المقاصد 4: 40.
(7) المبسوط 2: 195.
(8) الوسيلة: 260.
(9) التذكرة 1: 585.
(10) الدروس 3: 180.
289

وفصل المحقق الأردبيلي بين القول
بالكراهة والقول بالتحريم، فعلى الأول
يتحقق الاحتكار في الخمسة المذكورة
وغيرها، وعلى الثاني يختص بما اتفق عليه
أو قام عليه الدليل المعتبر أي الخمسة
المتقدمة، فقد قال في هذا المجال:
" وبالجملة لا يبعد التعميم في المشترى
وغيره والخمسة المذكورة وغيرها بناء على
ظهور العلة في الكل إن قلنا بالكراهة، وإن
قلنا بالتحريم فينبغي الاقتصار على ما هو
المجمع عليه وما عليه الدليل من الخبر
المعتبر، فلا يتعدى في المشترى ولا إلى
الملح وغيره مما لا دليل عليه " (1).
هذا، وقد ذهب السيد الخوئي إلى أن
مورد الاحتكار هو الطعام ولا ينحصر في
شئ بل يختلف بحسب اختلاف البلدان،
بل ربما يشمل معدات الطعام أيضا، فقد
جاء في مصباح الفقاهة:
"... والذي يستفاد من المطلقات
المتقدمة: أن موضوع الاحتكار هو الطعام
فكل ما يصدق عليه الطعام عرفا بحيث
كان في عرف البلد قوام الناس وحياتهم
نوعا بهذا الطعام فمنعه عن الناس احتكار،
وهذا يختلف باختلاف البلدان
والعادات... فكل ما يصدق عليه الطعام
فاحتكاره مع عدم وجوده في السوق
حرام وإلا فلا وجه للحرمة كما إذ احتكر
أحد الزبيب في النجف أو التمر في بعض
نقاط إيران فلا يقال إنه فعل حراما... "
ثم أجاب عن الروايات الحاصرة
بأنها ضعيفة السند، ثم أكد من جديد على
أن مورد الاحتكار هو الطعام ثم قال:
"... ومن الواضح أن هذا ليس
مجرد الحنطة والشعير والأرز، فإنها ليست
بنفسها مما يطعم به في الخارج، بل إنما قوام
طعاميتها بالمقارنات من السمن والزيت
واللحم والملح والمقدمات من النار
ونحوها، وعلى هذا فلا يبعد أن يكون منع
النفط عن الناس واحتكاره عنهم
حراما... "
إلى أن قال:
" وبالجملة فكل ما يكون دخيلا في
قوام البشر بحسب عادة نوع الناس بحيث
يلزم من منعه الضيق [ووقوع] النوع
[الإنساني] في الحرج والمشقة والضرر
والعسرة فيكون احتكاره حراما، وقد قلنا

(1) مجمع الفائدة 8: 27.
290

ليس لأحد السلطنة على حبس طعام
الناس واحتكاره وإن كان مالا لنفسه، كما
قلنا ليس لأحد حبس الأرض ومنعها عن
العمارة... " (1).
ويبدو أن ما قاله لم ينفرد به إذا
تأملنا في كلمات بعض الفقهاء، من ذلك ما
تقدم من صاحب الجواهر حول الجمع بين
القول بالكراهة والقول بالحرمة، وأنه في
صورة الاضطرار لا يختص التحريم
بالخمسة المذكورة بل يشمل كل ما يضطر
إليه الناس ويحتاجون إليه من مأكول أو
مشروب أو ملبوس (2).
وقال صاحب مفتاح الكرامة:
" ولولا ما في النهاية والسرائر وغيرهما
من نفي الحكرة فيما عدا الخمسة لأمكن
تنزيل النص والفتوى على المثال لا
التقييد " (3).
إجبار المحتكر على بذل الطعام:
يظهر من كلمات الفقهاء أن ولي
المسلمين يجبر المحتكر على بذل طعامه
للناس بمعنى جعله في عرضة الشراء بحيث
يتمكن الناس من شرائه، ويبدو أنه لا
خلاف فيه، قال في الحدائق: " لا خلاف
بين الأصحاب في أن الإمام يجبر
المحتكرين على البيع وعليه تدل جملة من
الأخبار... " (1)، وقال الشيخ الأعظم:
" الظاهر عدم الخلاف - كما قيل - في إجبار
المحتكر على البيع حتى على القول
بالكراهة " (2) ثم نقل الإجماع - عن المهذب
البارع والتنقيح - على ذلك.
ومن هنا يظهر أن القول بالإلزام لا
يخص القائلين بالتحريم، بل يشمل حتى
القائلين بالكراهة، قال في الجواهر - مازجا
لكلام صاحب الشرائع، وهما من القائلين
بالكراهة -: " وكيف كان، فقد قيل: لا
خلاف بين الأصحاب في أن الإمام ومن
يقوم مقامه ولو عدول المسلمين يجبر
المحتكر على البيع بل عن جماعة الإجماع
عليه على القولين " (3).
ومن هنا يظهر أنه يلزم على
القائلين بالكراهة تخصيص قاعدة " عدم
الإجبار على غير الواجب " بهذا الإجماع

(1) مصباح الفقاهة 5: 497 - 499.
(2) في الصفحة: 144.
(3) مفتاح الكرامة 4: 108.
(1) الحدائق 18: 64.
(2) المكاسب: 213.
(3) الجواهر 22: 485.
291

دون القائلين بالتحريم، إذ لا يلزم على
قولهم تخصيص للقاعدة.
من له حق الإجبار:
لا إشكال في أن الإمام الأصل عليه
السلام أو نائبه الخاص له أن يجبر المحتكر
على بذل الطعام وبيعه، وأما بالنسبة إلى
غيره فالذي يظهر من كلماتهم أن النائب
العام - أيضا - له أن يجبر المحتكر إذا كان
له سلطان مطلقا أو على ذلك، قال الشيخ
المفيد في المقنعة: " وللسلطان أن يكره
المحتكر على إخراج غلته وبيعها... " (1)،
وقال الشيخ الطوسي: "... فمتى احتكر
والحال على ما وصفناه أجبره الحاكم على
البيع " (2)، وقال ابن إدريس: "... كان
على السلطان والحكام من قبله أن يجبره
على بيعه " (3).
ووسع في الجواهر هذه الولاية
فأدخل فيهم عدول المسلمين أيضا فضلا
عن عدول المؤمنين - إن لم يرد من أولئك
هؤلاء - فقال: " وكيف كان، فقد قيل: لا
خلاف بين الأصحاب في أن الإمام ومن
يقوم مقامه ولو عدول المسلمين يجبر
المحتكر على البيع... " (1).
ويظهر من كلامه أن حق الإلزام
يدور مدار الولاية بمراتبها المشتملة حتى
على ولاية عدول المسلمين، ولذلك قال في
آخر بحثه عن الاحتكار: " ولو كان
المحتكر مجتهدا أجبره المجتهد الآخر وإن
كان مفضولا، فإن لم يكن فعدول مقلديه
فضلا عن مقلدي غيره... " (2).
ويظهر ذلك من السيد العاملي في
مفتاح الكرامة أيضا حيث قال: " وهل
يختص الإجبار والتسعير أو الأمر بالنزول
بالإمام أو نائبه أم يجوز لعدول المسلمين؟
الظاهر الثاني عند عدم التمكن من الوصول
إلى الحاكم " (3).
هذا، وقد ذهب المحقق الأردبيلي إلى
أكثر من ذلك فالتزم بأن الإلزام حق
للجميع، فالكل لهم حق إلزام المحتكر على
البيع، ولكن بناء على التحريم، قال: "...
والظاهر أن الأمر بالبيع على تقدير

(1) المقنعة: 616.
(2) المبسوط 2: 195.
(3) السرائر 2: 239، هذا إذا لم يريدوا به
خصوص المعصوم.
(1) الجواهر 22: 485.
(2) الجواهر 22: 487.
(3) مفتاح الكرامة 4: 109.
292

التحريم للكل مع ثبوته عندهم، فتأمل " (1)
وقال قبل ذلك بالنسبة إلى التسعير:
" وعلى تقديره هل التسعير مخصوص
بالإمام، أو بالحاكم مطلقا؟ محتمل،
ويحتمل للمسلمين أيضا، خصوصا مع
الضرورة " (2).
ولعل التزامه بالتعميم من جهة كون
المورد داخلا في باب " الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ".
جواز التسعير:
اختلف الفقهاء - بعد اتفاقهم على
إجبار المحتكر على بذل الطعام وبيعه - في
جواز التسعير عليه وعدمه على أقوال:
الأول - عدم جواز التسعير من دون
تقييد بشئ، بل يجبر على البذل فقط،
ذهب إلى ذلك الشيخ الطوسي (3) وابن
إدريس (4) والمحقق (5) والعلامة في
التذكرة (6).
الثاني - الجواز مطلقا ويظهر ذلك
من المفيد حيث قال: " وله [أي السلطان]
أن يسعرها على ما يراه من المصلحة ولا
يسعرها بما يخسر أربابها " (1).
الثالث - جواز التسعير إن أجحف
في سعره وإلا فلا، ذهب إليه عديد
من الفقهاء بل أكثرهم كابن
حمزة (2) والعلامة في المختلف (3)
وابنه في الإيضاح (4) والشهيد
الأول (5) والحلي في المقتصر (6)، والفاضل
المقداد (7) والمحقق الكركي (8) وصاحب
الحدائق (9) وصاحب الجواهر (10) والسيد
الخوئي (11).
ولعل القائلين بعدم جواز التسعير

(1) مجمع الفائدة 8: 24.
(2) نفس المصدر.
(3) المبسوط 2: 195.
(4) السرائر 2: 239.
(5) الشرائع 2: 21.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 585.
(1) المقنعة: 616.
(2) الوسيلة: 260.
(3) المختلف: 346.
(4) إيضاح الفوائد 1: 409.
(5) اللمعة الدمشقية: 117.
(6) المقتصر: 168.
(7) التنقيح 2: 43.
(8) جامع المقاصد 4: 42.
(9) الحدائق 18: 65.
(10) الجواهر 22: 486.
(11) مصباح الفقاهة 5: 500.
293

من دون تقييد بشئ يوافقون هذا القيد
كما قال في الجواهر: " نعم، لا يبعد رده مع
الإجحاف كما عن ابن حمزة والفاضل في
المختلف وثاني الشهيدين وغيرهم، لنفي
الضرر والضرار، ولأنه لولا ذلك لانتفت
فائدة الإجبار، إذ يجوز أن يطلب في ماله
ما لا يقدر على بذله، ويضر بحال الناس
والغرض رفع الضرر، وليس ذلك من
التسعير، ولذا تركه الأكثر فما عن بعضهم
من عدم جواز ذلك... واضح الضعف
ضرورة تقييد الإطلاق بما عرفت " (1).
الرابع - الأمر بتنزيل السعر إن
أجحف به حتى يصل إلى المتعارف من
دون تعيين سعر خاص، ذهب إليه الشهيد
الثاني في الروضة (2)، ويظهر منه في
المسالك (3)، ونقل عن الميسي (4) أيضا.
الخامس - عدم جواز التسعير ابتداء،
نعم لو أجحف ألزم بالتنزل، وإلا ألزمه
الحاكم بسعر البلد أو بما يراه مصلحة، لأن
ما دل على عدم التسعير منصرف عن مثل
هذا الوجه، فإن عدم التسعير عليه قد
ينتهي إلى بقاء الاحتكار كما لو سعر فرارا
من البيع بقيمة لا يتمكن أحد من الإشتراء
بها، فلا إشكال في أن أمثال هؤلاء أمرهم
إلى الولي، والأخبار لا تشملهم (1).
ذهب إلى هذا الرأي الإمام
الخميني، فعلى هذا يكون التسعير في بعض
الموارد الاستثنائية داخلا في باب الولاية.
مظان البحث:
المكاسب.
احتلام
لغة:
من احتلم أي رأى في منامه
رؤيا (2)، وحلم الصبي واحتلم أي أدرك
وبلغ مبالغ الرجال فهو حالم ومحتلم (3).
وقيل - أيضا - إن الاحتلام هو:

(1) الجواهر 22: 486.
(2) الروضة 3: 299.
(3) المسالك 1: 177.
(4) المكاسب: 213.
(1) البيع 3: 416.
(2) ومنه قوله تعالى: قالوا أضغاث أحلام
(يوسف / 44).
(3) المصباح المنير: " حلم ".
294

رؤية اللذة في النوم أنزل أم لم ينزل،
ومنه: احتلمت المرأة أي رأت في النوم
أنها تجامع (1).
اصطلاحا:
يطلق الاحتلام في لسان الفقهاء
على موردين:
الأول - رؤية اللذة في النوم مع
الإنزال كما جاء في لسانهم: الاحتلام في
نهار رمضان لا يضر بالصوم، كما سيأتي.
الثاني - خروج المني مطلقا سواء
كان من ذكر الرجل أو قبل المرأة في النوم
أو اليقظة... قال العلامة عند ذكر
علامات البلوغ - في بحث الحجر -:
" الحلم خروج المني من الذكر أو
قبل المرأة مطلقا سواء كان بشهوة أو بغير
شهوة، وسواء كان بجماع أو غير جماع
وسواء كان في نوم أو يقظة، ولا يختص
بالأحلام، بل هو منوط بمطلق الخروج مع
إمكانه " (2). وقال قبل ذلك بقليل أيضا:
" الاحتلام هو خروج المني وهو
الماء الدافق الذي يخرج منه الولد " (1).
وعلق صاحب الحدائق على عبارته
الأولى قائلا: " كأنه يريد أن ذلك المعنى
المقصود منه شرعا، وإلا فإن المذكور في
كلام أهل اللغة إنما هو التخصيص بالنوم
كما يظهر من القاموس " (2).
وجاء في الروضة (3) ما يشبه العبارة
الأولى للعلامة.
الاحتلام علامة البلوغ:
من علامات البلوغ المسلم بها هو
الاحتلام، وقد أشير إليه في الكتاب العزيز
والسنة الشريفة، أما الكتاب فقوله تعالى:
(ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث
مرات...) (4)، وقوله تعالى: (وإذا بلغ
الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن
الذين من قبلهم...) (5).
وأما السنة فلما ورد: " أن القلم رفع
عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم وعن

(1) مجمع البحرين: " حلم ".
(2) التذكرة 2: 74.
(1) نفس المصدر.
(2) الحدائق 2: 345.
(3) الروضة البهية 2: 144.
(4) النور: 58.
(5) النور: 59.
295

المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى
يستيقظ " (1).
والأخبار في ذلك كثيرة.
راجع: بلوغ.
عدم اختصاص الاحتلام بالرجال:
إن الاحتلام بمعنى رؤية اللذة في
النوم مقرونة بالإنزال لا يختص بالرجال،
بل يتحقق بالنسبة إلى النساء أيضا، وإن
نسب إلى الصدوق عدم تحققه، ولكن لم
ينسب إلى غيره.
قال صاحب الحدائق: " لا ريب
أنه كما يجب على الرجل والمرأة الغسل
بالجماع على الوجه المتقدم كذا يجب عليهما
بإنزال الماء الأكبر يقظة ونوما على
المعروف من مذهب الأصحاب بل لم ينقل
فيه خلاف إلا أنه يظهر من كلام
الصدوق في المقنع الخلاف في المرأة إذا
أنزلت بالاحتلام حيث قال: " وإن
احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل،
وروي أن عليها الغسل " " (2).
وقال السيد اليزدي: " المرأة تحتلم
كالرجل ولو خرج منها المني حينئذ وجب
عليها الغسل، والقول بعدم احتلامهن
ضعيف " (1).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة ترى
في المنام ما يرى الرجل، قال: إن أنزلت
فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها
الغسل " (2)، ورواية أديم بن الحر: قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة ترى
في منامها ما يرى الرجل، عليها غسل؟
قال: نعم، ولا تحدثوهن فيتخذنه علة " (3)
أي طريقا للزنى.
السن الذي يتحقق فيه الاحتلام:
قال صاحب الجواهر: "...
يشترط في خروج المني كونه في الوقت
المحتمل للبلوغ، فلا عبرة بما ينفصل
بصفته قبل ذلك، كما صرح به بعض
الأساطين، بل في التذكرة: " البلوغ منوط
بخروج المني مع إمكانه باستكمال تسع
سنين مطلقا عند الشافعي، وعندنا في
المرأة خاصة، وأما في جانب الذكر فما

(1) الخصال: 93 و 175.
(2) الحدائق 3: 14.
(1) العروة: فصل غسل الجنابة، المسألة 6.
(2) الوسائل 1: 472 باب 7 من أبواب
الجنابة، الحديث 5.
(3) نفس المصدر، الحديث 12.
296

وقفت على حد لأصحابنا "، وفي المسالك:
" وحد الإمكان عندنا في جانب القلة في
الأنثى تسع سنين، وأما في الذكر فما وقفت
له على حد يعتد به - إلى أن قال: - ولا
يبعد أن يكون ما بعد العشرة محتملا "
ومقتضى كلامه الامتناع فيما دون العشر،
وهو كذلك تمسكا بمقتضى العادة، وأما ما
تجاوز العشر فالظاهر فيه الإمكان،
فيحكم بالبلوغ مع تحقق الاحتلام فيه
عملا بعموم الأدلة فيما لم يثبت امتناعه،
بل فيما دل على تحديد السن في الذكور
بعشر سنين ينبه عليه، وكذا ما دل
على التفريق بينهم في المضاجع
بعشر "، ثم قال: " وقال بعض الأفاضل
" ينبغي القطع بالإمكان في الثلاثة عشر
فما فوقها، لقضاء العادة بالاحتلام في
ذلك غالبا "، ولما رواه المشايخ عن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة
ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما
وجب على المحتلمين، احتلم أو لم
يحتلم " (1).
احتلام الصائم في النهار:
قال السيد اليزدي في العروة: "...
لا يبطل مطلق الصوم - واجبا كان أو
مندوبا، معينا أو غيره - بالاحتلام في
النهار " (1).
وعلق عليه في المستمسك قائلا:
" بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه - كما
في الجواهر - بل لعله ضروري، ويدل
عليه النصوص المستفيضة كصحيح عبد
الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام:
" ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ، والاحتلام
والحجامة "، وصحيح العيص: أنه سأل أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل ينام في شهر
رمضان فيحتلم، ثم يستيقظ، ثم ينام قبل
أن يغتسل قال عليه السلام: " لا بأس " " (2).
وعلق عليه في المستند - أيضا -
بقوله: " بلا خلاف ولا إشكال كما تدل
عليه جملة من النصوص... " (3) ثم ذكر
الروايتين المتقدمتين...
لزوم استئذان المحتلمين عند
الدخول على الوالدين:

(1) الجواهر 26: 13.
(1) العروة، الصوم: فصل المفطرات / الثاني.
(2) المستمسك 8: 281.
(3) مستند العروة، الصوم: 1: 183.
297

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا
ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم
يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل
صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من
الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث
عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح
بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض
كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم
حكيم) (1) (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم
كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم
حكيم) (2).
أمر سبحانه وتعالى باستئذان
الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إذا أرادوا
الدخول على والديهم في أوقات ثلاثة:
وهي قبل صلاة الفجر، وعند الظهيرة حين
يضعان ثيابهما، وبعد صلاة العشاء، وذلك
لأن هذه الأوقات الثلاثة إنما هي مظنة
لكشف العورة.
وهذا الأمر تمريني وتأديبي بالنسبة
إلى الأطفال غير البالغين، وأما إذا بلغوا
الاحتلام فيظهر من الآية الثانية كون
الأمر بالاستئذان تكليفا (1).
احتياط
لغة:
من التحويط، أي جعل الحائط من
التراب أو غيره حول شئ كبستان
ونحوه. والاحتياط افتعال منه بمعنى الأخذ
بأوثق الوجوه (2).
اصطلاحا:
العمل بما يوجب القطع بأداء
التكليف الواقعي الموجب للأمن من
العقاب، أو من حصول ما ينافي الشكر.
للبحث عن الاحتياط جانبان:
جانب فقهي، وجانب أصولي، ينحصر
البحث هنا في الجانب الفقهي، أما الجانب
الأصولي فسوف يأتي البحث عنه في
الملحق الأصولي.

(1) النور: 58.
(2) النور: 59.
(1) كنز العرفان 2: 242 - 243.
(2) مصباح المنير: " حوط ".
298

الأحكام:
المقصود من حكم الاحتياط هو
بيان مشروعيته وجوازه أولا، ثم بيان
وجوبه بعد فرض مشروعيته ثانيا.
أولا - مشروعية الاحتياط:
إن الاحتياط تارة يكون في
المعاملات بالمعنى الأعم أي غير العبادات
الشامل لمثل الطهارة والنجاسة ونحوهما،
وتارة في المعاملات بالمعنى الأخص
الشامل لخصوص العقود والإيقاعات،
وتارة في العبادات، والأخير تارة يستلزم
التكرار، وتارة لا يستلزم ذلك.
ألف - الاحتياط في المعاملات
بالمعنى الأعم:
لم يستشكل أحد في جواز
الاحتياط في المعاملات بالمعنى الأعم
ومشروعيته، فإذا احتاط في تطهير
المتنجس فغسله مرتين لشكه في أنه يطهر
بالغسل مرة واحدة أو يعتبر فيه التعدد؟
فلا بأس فيه ويحصل المطلوب وهو طهارة
الثوب.
ب - الاحتياط في المعاملات بالمعنى
الأخص:
استشكل بعض في مشروعية
الاحتياط في العقود والإيقاعات، وذلك
لمنافاته للجزم المعتبر في الإنشاء، فلو شك
في صحة الطلاق بصيغة فعلية ك‍ " طلقتك "
فأتى بصيغة اسمية ك‍ " أنت طالق " أيضا،
فإن ذلك وإن كان موجبا لإتيان كل ما
يتحقق به الطلاق، لكنه مناف للجزم
المعتبر في العقود والإيقاعات.
ولكن أجيب بأن ذلك ليس من
الترديد في نفس العقد أو الإيقاع بل في
المبرز لهما، فإن المتكلم قد قصد إبراز ما
اعتبره في نفسه من طلاق زوجته وهو
جازم في ذلك (1).
ج - الاحتياط في العبادات مع عدم
استلزام التكرار:
وذلك كما إذا شككنا في وجوب
الصلاة عند رؤية الهلال أو استحبابها
فالاحتياط يستدعي إتيان المشكوك من
دون استلزام لتكرار العمل.
والمعروف صحة الاحتياط في هذا
المورد إلا أن الشيخ الأنصاري استشكل
فيه من جهة أن العبادة بحاجة إلى قصد
الأمر تفصيلا أو إجمالا (كما في الشبهة

(1) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 67.
299

المقرونة بالعلم الإجمالي) ولم يتحقق ذلك
في موارد الشبهة البدوية كما في المثال
المتقدم.
ولكن ناقشه المحقق النائيني بأن
الامتثال له مراتب أربع:
امتثال تفصيلي، وامتثال إجمالي
وامتثال ظني، وامتثال احتمالي، والامتثال
الاحتياطي في موارد الشبهة البدوية يكون
من قبيل الامتثال الاحتمالي ولا بأس
به (1).
وهناك إشكال آخر وهو: أن
الاحتياط مناف لقصد الوجه والتمييز، إذ
لا يمكن - عند الشك في أصل الحكم أو
نوعه - أن يميز العبادة بأنها واجبة أو
مستحبة، ويقصد وجهها.
وهذا الإشكال سار في جميع
العبادات لكنه مندفع، لعدم التزام الفقهاء
بلزوم قصد الوجه والتمييز في العبادة (2).
د - الاحتياط في العبادات مع
استلزام التكرار:
كما إذا تردد الواجب بين القصر
والتمام أو الظهر والعصر، فهل يجوز
الاحتياط بتكرار الفعل مع إمكان الامتثال
التفصيلي بتحصيل العلم بالواجب (اجتهادا
أو تقليدا) أو لا يجوز؟
ذهب جماعة ومنهم المحقق النائيني
إلى عدم جواز الاحتياط - هنا - وذلك:
1 - لأنه مستلزم لفوات نية الأمر،
لأن الفعل حينئذ يكون بداعي احتمال
الأمر لا بداعي نفس الأمر.
2 - ولأنه لعب أو عبث بأمر
المولى.
ولكن أجيب عن ذلك:
أولا - بأن إتيان كل واحد من
الأطراف ناش عن داعي الأمر بفعل
الواجب، وبعبارة أخرى: إن المكلف إنما
ينبعث إلى الإتيان بالواجب المردد بين
الفعلين عن الأمر الجزمي المتعلق به، غاية
الأمر أنه لا يتمكن من تطبيق الواجب
على المأتي به، لا أنه ينبعث نحو الفعل
عن احتمال الأمر.
ثانيا - وبأنه قد يكون في الفحص
وتحصيل العلم بالحكم الشرعي اجتهادا أو
تقليدا من العناء والمشقة ما لا يكون في
الاحتياط، فلا يكون عبثا، مع أنه لو
سلم كونه عبثا في مورد ما بأن استلزم

(1) فوائد الأصول 3: 400.
(2) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 68.
300

إعادة الفعل مرات كثيرة فإن ذلك لم يمنع
من الحكم بصحة العبادة، لأنها قد أتي بها
في ضمن الأفراد المتكررة، نعم قد يحصل
العبث في كيفية الإطاعة والامتثال لا في
أصله، ولا يقدح ذلك في تحققه (1).
ثانيا - وجوب الاحتياط:
وبعد أن ثبتت مشروعية الاحتياط
إجمالا لا بد من ملاحظة حكمه هل هو
واجب أو جائز ليس إلا من دون اتصافه
بالوجوب؟
يرى المتأخرون أنه واجب ولكن
تخييرا، إذ المكلف يجب عليه إما أن يكون
مجتهدا في تحصيل العلم بالأحكام الشرعية
أو مقلدا أو محتاطا وليس هناك طريق
ثالث. قال السيد اليزدي في العروة:
" يجب على كل مكلف في عباداته
ومعاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو
محتاطا " (2).
وهل مصدر هذا الوجوب هو
الفطرة لما يدركه الإنسان بفطرته من
" لزوم دفع الضرر المحتمل "؟ أو العقل
بملاك ما يستقل به العقل من لزوم شكر
المنعم المتحقق - هنا - بامتثال أوامر
الشرع؟ أو الشرع لما ورد من الحث على
السؤال عن أهل الذكر والعلماء فيكون
واجبا شرعيا نفسيا، أو بملاك وجوب
التعلم مقدمة لامتثال التكاليف فيكون
واجبا شرعيا غيريا؟ وجوه بل أقوال.
راجع: الملحق الأصولي: اجتهاد /
حكم الاجتهاد / أولا - الحكم التكليفي.
ثالثا - لزوم الاجتهاد أو التقليد في جواز
الاحتياط:
قال السيد اليزدي في العروة: " في
مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون
مجتهدا أو مقلدا، لأن المسألة خلافية " (1).
ووافقه السيد الخوئي في أصل الحكم
وتعليله (2) ولكن خالفهما السيد الحكيم في
التعليل فقال: " لا ريب أن الاكتفاء
بالاحتياط في نظر العقل إنما هو لكونه
موجبا للعلم بأداء الواقع المؤدي إلى
الأمن من تبعة مخالفته، فإذا أدرك عقل
المكلف ذلك كان مجتهدا في مسألة جواز
الاحتياط حينئذ ولزم الاكتفاء به وإلا

(1) المستمسك 1: 8، والتنقيح (الاجتهاد
والتقليد): 74.
(2) العروة (الاجتهاد والتقليد)، المسألة 1.
(1) العروة (الاجتهاد والتقليد)، المسألة 5.
(2) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 75.
301

امتنع الاكتفاء به إلا أن يدرك عقله حجية
رأي الغير فيفتي له بجواز الاحتياط
فيكتفي به أيضا، وكون المسألة وفاقية أو
خلافية لا يصلح علة للاكتفاء به
وعدمه " (1).
أقسام الاحتياط من حيث المورد:
قد يكون الاحتياط في الفعل كما إذا
احتمل كون الفعل واجبا وكان قاطعا بعدم
حرمته كما في الدعاء عند رؤية الهلال،
لاحتمال وجوبه مع القطع بعدم حرمته.
وقد يكون في الترك كما إذا احتمل
حرمة فعل وكان قاطعا بعدم وجوبه كما
في التدخين (استعمال السيجائر) إذ يحتمل
حرمته مع القطع بعدم وجوبه.
وقد يكون في الجمع بين أمرين مع
التكرار، كما إذا لم يعلم أن وظيفته القصر
أو التمام، أو أن وظيفته الظهر أو
الجمعة...
وما تقدم قد يكون في عملين
مستقلين - كالأمثلة المتقدمة - وقد يكون
في عمل واحد كما إذا دار الأمر بين
وجوب الجهر والإخفات في صلاة الظهر
يوم الجمعة، للأمر بالإجهار بها في جملة
من الأخبار. ومقتضى الاحتياط حينئذ
أن يكرر القراءة مرتين جهرا وإخفاتا،
إحداهما بنية القراءة المأمور بها،
والأخرى بنية القراءة القرآنية لأنها تجوز
في الصلاة.
ومن موارد الاحتياط، الاحتياط
في الجمع في الترك، كما إذا علم بحرمة أحد
فعلين، فإن الاحتياط يقتضي تركهما معا.
وقد يكون في الجمع بين الإتيان
بأحد الفعلين وترك الآخر كما إذا علم
إجمالا بوجوب الأول أو حرمة الثاني (1).
أقسام الاحتياط من حيث الإلزام:
ينقسم الاحتياط من حيث الإلزام
وعدمه إلى:
1 - الاحتياط الوجوبي: وهو
الاحتياط الذي يلزم مراعاته، وهذا على
نحوين:
ألف - الاحتياط في الفتوى:
ويكون ذلك في الموارد التي لم يصل الفقيه
فيها إلى دليل قطعي في المسألة، إما
لتعارض الأدلة، أو عدم الدليل أصلا، مع
302

كون مبناه في ذلك الرجوع إلى
الاحتياط.
ب - الفتوى بالاحتياط: ويتحقق
ذلك فيما إذا استفاد الفقيه لزوم الاحتياط
من الأدلة كموارد الشبهة المحصورة مثلا.
والفرق بينهما هو إمكان الرجوع إلى
مجتهد آخر في الأول دون الثاني، لأنه
إفتاء في الواقع.
2 - الاحتياط الاستحبابي: وهو
الاحتياط الذي لا يلزم مراعاته.
ويمكن التمييز بين الأنواع المتقدمة في
التعبير، فإن الاحتياط الوجوبي يعبر عنه
غالبا بتعابير أمثال: يجب كذا على
الأحوط أو احتياطا ونحو ذلك، ويعبر عن
الفتوى بالاحتياط بأمثال: يجب الاحتياط
في كذا (الثوبين المشتبهين مثلا).
وأما الاحتياط الاستحبابي فيكون
مسبوقا أو ملحوقا - غالبا - بالفتوى. وقد
يعبر عن الاستحبابي بمثل: يجوز على
إشكال، أو على تأمل. كما أنه قد يعبر
عن الوجوبي بمثل: يجب على إشكال، أو
على تأمل.
مظان البحث:
1 - أول الفقه: الاجتهاد والتقليد.
2 - آخر الأصول: الاجتهاد والتقليد.
3 - القطع: الامتثال الإجمالي.
4 - الأصول العملية: أصالة الاشتغال (أصالة
الاحتياط).
أحداث السنة
لغة:
الأحداث جمع حدث، وهو: ما
يحدث ويتحقق.
اصطلاحا:
عيوب خاصة تحدث في المبيع
توجب خيار فسخه لو حدثت فيما بين
البيع وبين سنة، والقدر المتيقن منها:
الجنون والجذام والبرص.
الأحكام:
قد وردت روايات عديدة تخير
المشتري - فيما لو حدثت بعض العيوب في
المبيع بعد تحقق البيع إلى سنة - بين فسخ
البيع وإمضائه، منها صحيحة أبي همام عن
303

الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: " يرد
المملوك من أحداث السنة: من الجنون،
والجذام، والبرص، فقلت: فكيف يرد من
أحداث السنة؟ قال: هذا أول السنة فإذا
اشتريت مملوكا به شئ من هذه الخصال
بينك وبين ذي الحجة فرده على صاحبه "،
ومثله روايات أخر.
والمستفاد من مجموع الروايات
وكلمات الفقهاء هو:
1 - أن ذلك مختص بالمماليك كما
يظهر من الأمثلة المذكورة للعيوب، فلا
يشمل سائر المبيعات وإن كانت من
الحيوانات.
2 - أن هذه العيوب لو كانت حادثة
قبل البيع لكان المشتري مخيرا بين الفسخ
والإمضاء كسائر العيوب ولا اختصاص
بها، إذن فالمراد هو حدوثها بعد البيع،
فإذا حدثت بعد البيع إلى مدة سنة
فالمشتري يكون بالخيار، وإن كان ظاهر
الصحيحة المتقدمة هو حدوثها قبل البيع
كما يظهر من المحقق الأردبيلي أيضا.
3 - أن القدر المتيقن من العيوب
التي تسبب الخيار - إلى سنة - هو الثلاثة
المتقدمة: الجنون والجذام، والبرص، إلا أن
في بعض الروايات زيادة " القرن " وفي
بعضها الآخر زيادة " الحدبة "، والأول
نتوء زائد في الفرج، والثاني نتوء في
الصدر يسبب خروجه وظهوره، وفسر
بعضهم القرن بالحدبة.
هذا وقد توقف الأردبيلي (1) في
البرص، لما ورد: من أن العهدة فيه ثلاثة
أيام، وكذا استشكل في القرن، كما
استشكل الشهيد الثاني - في المسالك (2) - في
الجذام، لأن ظهوره أيام السنة إن كان
مستلزما لوجوده قبل البيع - لأنه يكون
مستبطنا سنة ثم يظهر - فيكون موجبا
لانعتاقه على صاحبه الأول، وبذلك يبطل
البيع، وإن لم يكن مستلزما لوجوده قبل
البيع فيلزم أن ينعتق على المشتري قبل
اختياره الفسخ.
وأما القرن فقد ألحقه الشهيد الأول
في الدروس ويحيى بن سعيد في الجامع
والإسكافي حسبما نقل عنهم، بل نسبه في
المسالك إلى الشهرة، ولكن نفى صاحب
الجواهر (3) ثبوتها.

(1) مجمع الفائدة 8: 449 - 450.
(2) المسالك 1: 197.
(3) الجواهر 23: 300.
304

سقوط الخيار بالتصرف:
يظهر من الفقهاء سقوط الخيار
بالتصرف كما في العيوب الأخرى التي
يسقط الخيار فيها بالتصرف، وقد نقل في
الجواهر عن العلامة والشهيدين: التصريح
بذلك بالنسبة إلى الجنون الذي هو أهم من
الجذام والبرص، مع أنه يمكن ترك
ذكرهما اعتمادا على أحكام العيوب بصورة
عامة، وقد صرح ابن إدريس (1) بسقوط
الخيار بالتصرف.
ولكن استشكل صاحب الجواهر (2)
في ذلك من جهة استبعاد الحكم بثبوت
الخيار طوال السنة مع كون التصرف
موجبا لسقوط الخيار، ودفع ذلك بأن
المسقط إنما هو التصرف بعد حصول سبب
الخيار لا قبله، والنصوص لو سلم ظهورها
فهو في الثاني لا الأول.
إحرام
لغة:
مصدر أحرم الرجل يحرم إحراما
إذا أدخل نفسه في شئ حرم عليه بسببه
ما كان حلالا له (1)... والأصل فيه المنع،
فكأن المحرم يمنع نفسه من عدة أشياء.
اصطلاحا:
يأتي بمعنى الدخول في الصلاة، أو
في الحج أو العمرة.
وينحصر البحث هنا في إحرام
الحج.
حقيقة الإحرام:
اختلفوا في حقيقة الإحرام على
أقوال:
الأول - أن الإحرام ماهية مركبة من
النية والتلبية ولبس الثوبين، ومقتضاه أنه
ينعدم بانعدام أحد أجزائه.

(1) السرائر 2: 301.
(2) الجواهر 23: 301.
(1) راجع المصباح المنير ولسان العرب:
" حرم ":
305

ذهب إلى ذلك العلامة في
المختلف (1).
الثاني - أنه النية والتلبية، ولا
مدخل للتجرد ولبس الثوبين منه.
قاله ابن إدريس (2).
الثالث - أنه أمر بسيط وهو النية
فقط.
اختاره الشيخ في المبسوط (3).
الرابع - أنه توطين النفس على ترك
المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك،
والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها
إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة.
قال ذلك الشهيد في المسالك (4).
الخامس - أنه إيقاع التلبية المقارنة
لنية الحج أو العمرة.
السادس - أنه لبس الثوبين وإيقاع
التلبية المقارنين لنية الحج أو العمرة.
ذكرهما في الجواهر (5).
السابع - إنه صفة اعتبارية تحصل
بأحد السببين: إما الالتزام بترك
المحرمات، أو نية ترك المحرمات، لا أنه
نفس ترك المحرمات، ولا أنه نفس نية
ترك المحرمات، فإن الأول خلاف
الإجماع، والثاني غير معقول.
قال ذلك السيد الحكيم في
المستمسك (1).
الثامن - أن الإحرام عبارة عن
التلبية الموجبة للإحرام والدخول في الحرمة
أو عما يترتب على التلبية، فالإحرام اسم
للسبب أو للمسبب، فهو نظير الأفعال
التوليدية المترتبة على عناوين خاصة
كالطهارة المترتبة على الوضوء أو الغسل،
ولذا قد يؤمر بالغسل، وقد يؤمر
بالطهارة... وهكذا المقام، فإنه قد أمر في
الروايات تارة بالإحرام، وأخرى بالتلبية
فهما في الحقيقة شئ واحد.
ذهب إلى ذلك السيد الخوئي في
المعتمد (2).
الأحكام:
يتم البحث عن الإحرام في مراحل

(1) المختلف: 263.
(2) السرائر 1: 527.
(3) المبسوط 1: 316.
(4) المسالك 1: 105.
(5) الجواهر 18: 197 - 199.
(1) المستمسك 11: 359 - 360.
(2) المعتمد 3: 332.
306

أربع:
أولا - مقدمات الإحرام
والمقصود بها الأمور المندوبة التي
يستحب الإتيان بها قبيل الإحرام وهي
على النحو التالي:
ألف - توفير الشعر:
المشهور (1) بين الأصحاب استحباب
توفير شعر الرأس - إذا أراد التمتع - من
أول ذي القعدة، ويتأكد عند هلال ذي
الحجة، ولكن قال الشيخ في النهاية: " فإذا
أراد الإنسان أن يحج متمتعا فعليه أن
يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي
القعدة، وهو لا يمس شيئا منها " (2)،
وظاهره الوجوب، ونحوه قال في
الاستبصار (3). وقال الشيخ المفيد في
المقنعة: " إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه
في مستهل ذي القعدة، فإن حلقه كان
عليه دم يهريقه " (4).
وهناك روايات تنهى عن أخذ
الشعر في ذي القعدة، والأمر بإعفائه،
حملها المشهور على استحباب التوفير لا
وجوبه (1).
ب - تنظيف الجسد:
يستحب تنظيف الجسد وقص
الأظفار والأخذ من الشارب وطلي الجسد
والإبطين.
ولا خلاف في استحباب ذلك نصا
وفتوى، كما قيل (2).
ج - الغسل للإحرام:
والقول باستحبابه مشهور (3) بل قال
في المنتهى: " لا نعرف فيه خلافا " (4)،
ووردت في ذلك روايات مستفيضة أو
متواترة، ومع ذلك فقد نقل في
المختلف (5) عن ابن أبي عقيل القول
بوجوبه.
ولو أحرم بغير غسل أو صلاة
تدارك ما تركه وأعاد الإحرام استحبابا
على المشهور (6).

(1) الجواهر 18: 170.
(2) النهاية: 206.
(3) الاستبصار 2: 160.
(4) المقنعة: 391.
(1) الحدائق 15: 1.
(2) الحدائق 15: 9، الجواهر 18: 175.
(3) الحدائق 15: 9، الجواهر 18: 178.
(4) المنتهى 2: 972.
(5) المختلف: 264.
(6) الحدائق 15: 18، الجواهر 18: 185.
307

د - أن يحرم عقيب فريضة:
ويستحب أن يحرم عقيب فريضة
الظهر أو فريضة أخرى، وإن لم يتفق صلى
للإحرام ست ركعات، وأوسطه أربع،
وأقله ركعتان (1).
ثانيا - كيفية الإحرام
وهي تشتمل على واجبات
ومندوبات:
ألف - واجبات الإحرام:
وهي ثلاثة: النية، ولبس ثوبي
الإحرام، والتلبية.
أولا - النية:
لا خلاف في أصل وجوبها فلا
ينعقد الإحرام بدونها، وهذا هو رأي
جمهور الفقهاء، لأن الإحرام عبادة ولا
تصح بدونها.
ويرى بعض الفقهاء: أنه لا بد من
أن ينوي ما يحرم به من حج أو عمرة
متقربا، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد،
وصفته من وجوب أو ندب، وما يحرم له
من حجة الإسلام أو غيرها، وكذا سائر
الخصوصيات، ككونها استئجارية أو لا
ومنذورة أو لا، وغير ذلك من
الخصوصيات (1).
ولكن يرى فقهاء آخرون عدم
لزوم ذلك، منهم صاحب المدارك حيث
قال: " قد تقدم الكلام في النية مرارا وأن
المعتبر فيها قصد المنوي طاعة لله عز
وجل، وما عدا ذلك فلا دليل على
اعتباره وإن كان القصد إلى هذه الأمور
الأربعة أولى وأحوط " (2).
وقال مثله كل من صاحب
الحدائق (3) وصاحب الجواهر، قال
الأخير: "... لكن قد عرفت في كتاب
الطهارة والصلاة حقيقة النية، وأنها
الداعي، وأنه لا يجب فيها أزيد من قصد
القربة بمعنى امتثال الأمر، والتعيين مع
التعدد في المأمور به " (4).

(1) الحدائق 15: 190، الجواهر 18: 190.
(1) راجع: الشرائع 1: 245، الحدائق 15:
28، الجواهر 18: 200، العروة: فصل كيفية
الإحرام.
(2) المدارك 7: 257.
(3) الحدائق 15: 28.
(4) الجواهر 18: 200.
308

ثانيا - لبس ثوبي الإحرام:
وهو واجب على الرجال خاصة.
والمراد ب‍ " ثوبي الإحرام " هو الإزار
والرداء، ويعتبر في الإزار ستر ما بين
السرة والركبة، وفي الرداء كونه مما يستر
المنكبين، ويمكن الرجوع فيه إلى العرف.
والحكم بوجوبه مقطوع به في كلام
الأصحاب (1)، بل قال في المنتهى:
" لبس ثوبي الإحرام واجب وقد
أجمع العلماء كافة على تحريم لبس
المخيط... " (2).
ولا يعتبر في وصفه كيفية مخصوصة،
نعم يعتبر فيه ألا يكون مخيطا - كما سيأتي
في تروك الإحرام - وأن يكون مما يصلى
فيه، بأن لا يكون حريرا، أو من غير
المأكول، أو ما يحكي العورة، أو متنجسا
بنجاسة غير معفوة في الصلاة (3)...
ثالثا - التلبيات الأربع:
فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد
إلا بها أو بالإشارة مع عقد قلبه بها مع
عدم التمكن من النطق بها كما في
الأخرس.
والحكم بوجوبها متفق عليه (1).
وهل تجب مقارنة التلبية للنية أو
لا؟ ذهب ابن إدريس (2) والشهيد (3)
وغيرهما إلى لزوم المقارنة كمقارنة
التحريمة لنية الصلاة، بينما صرح كثير من
الفقهاء بعدمها (4).
وأما القارن فبالخيار إن شاء عقد
إحرامه بها، وإن شاء قلد أو أشعر (5).
صورة التلبيات: اختلف الفقهاء في
صورة التلبيات الأربع - بعد اتفاقهم على
أصل وجوبها - فذهب المحقق إلى أن
الواجب هو: " لبيك اللهم، لبيك، لبيك لا
شريك لك، لبيك " (6)، وأضاف المفيد (7)
وابنا بابويه (8) وابن أبي عقيل (9) وابن

(1) المدارك 7: 274، الحدائق 15: 75.
(2) المنتهى 2: 681.
(3) المصادر السابقة.
(1) المنتهى 2: 676.
(2) السرائر: 536.
(3) اللمعة: 69.
(4) المدارك 7: 263.
(5) المدارك 7: 266.
(6) شرائع الإسلام 1: 246.
(7) المقنعة: 397.
(8) الصدوق في المقنع: 69 والهداية: 55،
وحكاه عن والده في المختلف: 265.
(9) نقله عنه في المختلف: 265.
309

الجنيد (1) وسلار (2) إلى ذلك: " إن الحمد
والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وقال
الشيخ في المبسوط: " والتلبيات الأربع
فريضة، وهي: لبيك اللهم، لبيك، لبيك إن
الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك
لبيك " (3) وبه قال أبو الصلاح (4) وابن
البراج (5) وابن حمزة (6) وابن إدريس (7)
وأكثر المتأخرين (8).
ب - مندوبات الإحرام:
ذكر الفقهاء للإحرام مندوبات نشير
إليها فيما يلي:
الأول - التلبية للرجال وتكرارها
عند نوم المحرم واستيقاظه، وعند علو
الآكام، ونزول الأهضام، وبعد كل صلاة،
وملاقاة راكب.
ويقطع التلبية عند الزوال يوم عرفة
إذا كان حاجا، وإن كان معتمرا بمتعة إذا
شاهد موضع بيوت مكة القديمة، وحدها
لمن جاء عن طريق المدينة: عقبة المدنيين.
وإن كان معتمرا مفردا، فقيل: عند
دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم،
وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من
مكة لإحرامها، وقيل: كان مخيرا بين فعلها
عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة (1).
وهل القطع واجب أو مستحب؟
قال السيد اليزدي: " وظاهرهم أن القطع
في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب،
وهو الأحوط، وقد يقال بكونه مستحبا " (2).
ويظهر من السيد الحكيم أن وجوب
القطع - هنا - بمعنى عدم مشروعية التلبية
لا الوجوب التكليفي، لأن النهي بعد الأمر
وإن كان ظاهرا في الرخصة، لكن ذلك في
غير العبادة، أما فيها فظاهر في عدم
المشروعية (3).
الثاني - رفع الصوت بالتلبية - للحج
على طريق المدينة - إذا علت راحلته

(1) نفس المصدر.
(2) المراسم: 108، ولكن حذف من القسم
الأول: " لبيك لا شريك لك لبيك ".
(3) المبسوط 1: 316.
(4) الكافي في الفقه: 193.
(5) المهذب 1: 215.
(6) الوسيلة (الجوامع الفقهية): 687.
(7) السرائر 1: 536.
(8) المدارك 7: 268.
(1) المدارك 7: 293 - 296، الجواهر 18:
273.
(2) العروة: فصل كيفية الإحرام، المسألة 21.
(3) المستمسك 11: 422.
310

البيداء، وإن كان راجلا فحيث يحرم (1).
الثالث - التلفظ بما يعزم عليه من
حج مفرد أو تمتع أو عمرة مفردة أو متمتع
بها، ويقول: لبيك بعمرة أو بحج أو بعمرة
إلى الحج أو بحج متعة أو عمرة متعة أو
بحج وعمرة، للأمر به في النصوص (2).
الرابع - اشتراط أن يحله الله حيث
حبسه سواء أحرم بعمرة مفردة أو تمتع أو
غيرهما، ويقول في خصوص الحج: إن لم
تكن حجة فعمرة، بلا خلاف نصا
وفتوى، كما قيل.
وظاهر النصوص كون الشرط في
خلال النية على وجه يكون انعقاد
الإحرام على ذلك، ويمكن الاكتفاء بذكره
في التلبيات (3).
وعن المحقق الثاني: أن محله قبيل
النية، لأنه منقول في الدعاء الذي
يستحب عند إرادة الإحرام (4).
ولا تكفي فيه النية، لورود النص
بالقول (1).
راجع: اشتراط / اشتراط التحلل.
الخامس - الإحرام في الثياب القطن،
وأفضله البيض (2).
السادس - إذا أحرم بالحج من مكة
رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على
الأبطح (3).
ثالثا - تروك الإحرام:
وهي محرمات ومكروهات.
ألف - محرمات الإحرام:
وهي أمور يحرم على المحرم فعلها
نشير فيما يلي إليها:
أولا - صيد البر:
يحرم على المحرم صيد البر وأكله
- وإن صاده المحل - والإشارة إليه ليصاد،
والدلالة عليه، وغلق الباب عليه حتى
يموت، وذبحه.
وهذا الحكم مجمع عليه بين
الأصحاب، كما قيل (4).

(1) الجواهر 18: 278.
(2) نفس المصدر.
(3) الجواهر 18: 280.
(4) جامع المقاصد 3: 170.
(1) المدارك 7: 301.
(2) المصادر السابقة.
(3) المصادر السابقة.
(4) المدارك 7: 304، الجواهر 18: 286.
311

ولو ذبح المحرم الصيد حرم عليه،
وهل يحرم على المحل أو لا؟ فيه قولان:
1 - المشهور شهرة عظيمة هو الحرمة
مطلقا على المحل والمحرم.
2 - المنسوب إلى ابن الجنيد
والصدوق والمفيد والسيد المرتضى
اختصاص الحرمة بالمحرم فيحل للمحل أكل
ما ذبحه المحرم من الصيد (1)، واختاره
صاحب المدارك (2).
وكذا يحرم فرخ صيد البر وبيضه (3).
ولا بأس بصيد البحر وبذبح
الحيوانات الأهلية (4).
ثانيا - النساء:
والذي يحرم منهن هو:
ألف - الوطء ء والعقد لنفسه أو لغيره:
والحكم مجمع عليه بين الأصحاب،
كما ادعي (5).
ب - الشهادة على العقد:
ويحرم تحملها على المشهور، بل في
الجواهر: لا خلاف فيه (1).
وعلى فرض تحملها فلا يبطل العقد.
وأما إقامتها فالمنسوب إلى المشهور
حرمتها أيضا، ولكن نسب إلى الشيخ
تقييد الحرمة بما إذا تحملها وهو محرم، أما
إذا تحملها وهو محل وأقامها وهو محرم فلا
بأس به، ومال إليه: صاحب المدارك (2)
وصاحب الجواهر (3) والسيد الخوئي (4).
ج - التقبيل:
يحرم على المحرم تقبيل من كان
يحل له تقبيله من النساء قبل الإحرام.
ولكن قيد المحقق السبزواري الحرمة بما
إذا كان التقبيل عن شهوة، وتبعه في
الرياض (5) حاكيا ذلك عن جماعة،
وناقشهم في الجواهر (6) لكنه مال إليه
أخيرا فاستثنى ما إذا كان التقبيل عن
رحمة مثلا.

(1) المعتمد 3: 363.
(2) المدارك 7: 306.
(3) المدارك 7: 308، الجواهر 18: 293.
(4) المصادر السابقة.
(5) المدارك 7: 310، الجواهر 18: 298.
(1) الجواهر 18: 301.
(2) المدارك 7: 312.
(3) الجواهر 18: 301 - 302.
(4) المعتمد 4: 116.
(5) الرياض 1: 374.
(6) الجواهر 18: 304.
312

د - النظر إليهن بشهوة:
وصرح به كثير من الفقهاء، ومن
ترك ذكره فلعله تركه لاندراجه في عنوان
" الالتذاذ بالنساء ".
ولا فرق بين الزوجة وغيرها (1).
ه‍ - الاستمناء:
وهو استدعاء المني، وقد ادعى في
الجواهر عدم الخلاف في تحريمه، ولا فرق
بين أسبابه من الملاعبة، والتخيل
والخضخضة وغير ذلك (2).
هذا إذا كان عن اختيار، وإلا فلا
حرمة كما إذا نظر لا عن شهوة فأمنى.
ثالثا - الطيب:
وهو يحرم على الرجل والمرأة - معا -
أكلا وشما وإطلاء، وادعي عليه الإجماع.
ولكن اختلف الفقهاء في المراد منه،
وأنه هل يحرم مطلق الطيب أو نوع
خاص منه؟
فقد عرف الشهيد الثاني الطيب
بأنه: الجسم ذو الريح الطيبة المتخذ للشم
غالبا غير الرياحين، كالمسك والعنبر
والزعفران وماء الورد.
وخص الشيخ - في التهذيب -
التحريم بالأربعة: المسك والعنبر
والزعفران والورس، وأضاف في النهاية
والخلاف: العود والكافور.
والمعروف بين الفقهاء هو التحريم
مطلقا (1).
ولكن يرى السيد الخوئي - كالشيخ -
اختصاصه بالخمسة، وهي الزعفران
والمسك، والعنبر والورس والعود (2).
استثناء خلوق الكعبة:
يستثنى من الطيب خلوق الكعبة،
وهو طيب يخص الكعبة، مؤلف من عدة
أشياء منها الزعفران وماء الورد (3).
رابعا - الاكتحال بما فيه طيب:
والقول بحرمته مشهور، بل هو
داخل في استعمال الطيب، ولكن نقل في
الجواهر عن الإسكافي والشيخ - في الجمل -
والقاضي القول بالكراهة (4).

(1) المدارك 7: 312 - 313، الجواهر 18:
305 - 307.
(2) نفس المصادر.
(1) راجع كل ذلك: المدارك 7: 319.
(2) المعتمد 4: 119.
(3) المدارك 7: 324، الجواهر 18: 321.
(4) الجواهر 18: 347.
313

خامسا - الاكتحال بالسواد:
وفي حرمته وعدمه أقوال:
1 - الحرمة: وهو قول للمفيد
والشيخ وسلار وابن حمزة وابن إدريس
وابن سعيد الحلي وآخرين، بل قيل: إنه
المشهور.
2 - الكراهة: وهو قول للشيخ في
الخلاف، والاقتصاد والجمل، وابن زهرة
في الغنية، والمحقق في النافع (1).
3 - الحرمة ولكن لا مطلقا بل إذا
اكتحل للزينة، ذهب إليه السيد الخوئي في
المعتمد (2)، وهو الظاهر من كلام الصدوق
في المقنع والسبزواري في الذخيرة (3).
ومهما يكن فالاكتحال بغيره لا
بأس به، كما أن الرجل والمرأة مشتركان
في الحكم.
سادسا - النظر في المرآة:
المشهور بين الفقهاء هو حرمة نظر
المحرم - سواء كان رجلا أو امرأة - في
المرآة، ولكن نقل عن الشيخ في الجمل
وابن حمزة والقاضي وابن زهرة والمحقق
- في النافع - القول بالكراهة.
وقيد السبزواري الحكم في الذخيرة
بالزينة، فلا يحرم لو كان النظر لغرض غير
الزينة (1).
سابعا - لبس المرأة الحلي للزينة:
نسب حرمة لبس المرأة الحلي للزينة
إلى المشهور (2)، ونفى في المدارك الإشكال
فيه (3).
ولا فرق في ذلك بين أن يكون
معتادا أو لا.
وأما إذا لم يكن بقصد الزينة فإن
كان معتادا فلا إشكال فيه، وأما إذا لم
يكن كذلك، فقال جماعة: إنه مكروه،
كالشيخ وابن سعيد والعلامة وغيرهم.
بينما عد المحقق ذلك من المحرمات.
وفصل في الجواهر بين ما إذا كان
زينة في حد نفسه فهو حرام وإن لم
تقصده، وبين ما لم يكن كذلك فلا يحرم
إلا إذا قصدت به الزينة.
ومهما يكن ففي صورة جواز اللبس
لهن ينبغي أن لا يظهرن ذلك لأزواجهن،

(1) راجع هذا وما قبله الجواهر 18: 346.
(2) المعتمد 4: 148.
(3) نقله عنهم صاحب المدارك 7: 335.
(1) الجواهر 18: 348.
(2) الجواهر 18: 372.
(3) المدارك 7: 346.
314

وهذا لا ينافي حرمة إظهارها لغيرهم قبل
الإحرام أيضا (1).
ثامنا - لبس الرجال الخاتم للزينة:
وتحريمه مشهور بين الأصحاب،
ويجوز لبسه للسنة (2).
تاسعا - استعمال الدهن:
الدهن تارة فيه طيب وتارة ليس
فيه ذلك. أما الذي فيه طيب فيحرم
استعماله بعد الإحرام، وادعى العلامة - في
المنتهى (3) - الإجماع عليه، نقل ذلك عنه
في المدارك (4) والجواهر (5) من دون رد، بل
أقره في الجواهر.
وأما قبل الإحرام فيحرم إذا كان
أثره يبقى بعد الإحرام عند الأكثر، كما قال
صاحب المدارك (6).
وأما إذا لم يكن فيه طيب ففيه
قولان:
الأول - المنع، وهو رأي الشيخ في
النهاية (1) والمبسوط (2)، ونسبه صاحب
الجواهر (3) إلى المشهور.
الثاني - الجواز، وهو رأي المفيد (4)
وسلار (5) وابن أبي عقيل (6) وأبو
الصلاح (7)...
عاشرا - لبس المخيط للرجال:
المعروف بين الفقهاء حرمة لبس
الثياب المخيطة، على الرجال، بل ادعي
عليه الإجماع (8).
ولكن هل المحرم هو مطلق المخيط
أو ثياب خاصة؟ ظاهر الأصحاب هو
مطلق المخيط، ولكن قال السيد الخوئي في
المعتمد: " إن الممنوع هو لبس القميص
والقباء والسروال والثوب المزرور
والدرع، حتى ولو لم يكن مخيطا كالملبد،
أما غير هذه الأشياء فلا بأس بأن يلبسه

(1) راجع كل ذلك: المدارك 7: 346 - 347
والجواهر 18: 371 - 374 والمعتمد: 186.
(2) المدارك 7: 345، الجواهر 18: 370.
(3) المنتهى 2: 787.
(4) المدارك 7: 348.
(5) الجواهر 18: 374.
(6) المدارك 7: 348.
(1) النهاية: 220.
(2) المبسوط 1: 321.
(3) الجواهر 18: 375.
(4) المقنعة: 432.
(5) المراسم: 106.
(6) نقله عنه في المختلف: 269.
(7) الكافي في الفقه: 203.
(8) المدارك 7: 328 والجواهر 18: 335.
315

وإن كان مخيطا، نعم يكون المنع عن
المخيط - مطلقا - مبنيا على الاحتياط " (1).
ثم نسب إلى الشهيد في الدروس القول
بعدم وجدان الدليل على المنع مطلقا.
هذا بالنسبة إلى الرجال، وأما
النساء فالمشهور شهرة عظيمة جواز ذلك،
نعم خالف فيه الشيخ في النهاية، التي
اقتصر فيها على ذكر متون الروايات (2).
الحادي عشر - لبس الخفين
والجورب للرجال:
نسب تحريمه في المدارك (3) إلى قطع
الأصحاب، وأما ستر ظاهر القدم بما لا
يسمى لبسا فقد صرح الشهيدان (4)
وصاحب المدارك (5) بعدم تحريمه.
هذا في غير الضرورة، أما فيها فقد
ذهب الشيخ (6) وجماعة (7) إلى جواز
لبسهما، ولكن يشق ظهرهما، بينما ذهب
ابن إدريس (1) والمحقق (2) وجماعة
آخرون (3) إلى عدم وجوبه.
الثاني عشر - لبس القفازين للنساء:
والقفازان مثنى " القفاز " كرمان،
شئ يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما
المرأة للبرد، وقيل: إن لهما أزرارا تزر
على الساعدين وقد تلبسهما للزينة (4).
نقل في الجواهر (5) الإجماع على
حرمة لبس القفازين للنساء، وقال في
المعتمد: "... إن الروايات والأصحاب
أطبقوا على جواز لبس أنواع الثياب عدا
القفازين " (6).
الثالث عشر - الفسوق:
أجمع العلماء على تحريمه، لنص
الكتاب: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج) (7).
واختلف كلام الأصحاب في

(1) المعتمد 4: 132 - 135.
(2) الجواهر 18: 340.
(3) المدارك 7: 337.
(4) الدروس 1: 377، المسالك 1: 110.
(5) المدارك 7: 337.
(6) المبسوط 1: 320.
(7) ذكرهم في الجواهر 18: 352.
(1) السرائر 1: 543.
(2) الشرائع 1: 250.
(3) نفس المصدر.
(4) الجواهر 18: 341، المعتمد 4: 142.
(5) المصدر السابق.
(6) نفس المصدر.
(7) البقرة: 197.
316

تفسيره: فقال الشيخ وابنا بابويه والمحقق
وجماعة: إنه الكذب، وخصه ابن البراج
بالكذب على الله تعالى وعلى رسوله
والأئمة عليهم السلام، وقال السيد المرتضى
وابن الجنيد وجمع من الأصحاب: إنه
الكذب والسباب، وقال ابن أبي عقيل:
إنه كل لفظ قبيح.
وقد وقع التصريح في صحيحة
معاوية بأن الفسوق: الكذب والسباب،
وفي صحيحة علي بن جعفر، بأنه:
الكذب والمفاخرة (1)...
الرابع عشر - الجدال:
وهذا كسابقه في الحكم.
وفسروه: بقول لا والله وبلى والله،
ففي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام أنه قال: " والجدال قول
الرجل: لا والله، وبلى والله " (2). وفي
صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام: " إنما الجدال قول الرجل
لا والله، وبلى والله " (1).
ومهما يكن فقد قال في المدارك:
" ولو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي
باطل فالأقرب جوازه ولا كفارة " (2).
وجاء في متن المعتمد: يستثنى من
حرمة الجدال أمران:
الأول - أن يكون ذلك لضرورة
تقتضيه من إحقاق حق أو إبطال باطل.
الثاني - أن لا يقصد بذلك الحلف، بل
يقصد به أمرا آخر كإظهار المحبة والتعظيم،
كقول القائل: لا والله لا تفعل ذلك (3).
الخامس عشر - تغطية الرأس:
وهو محرم للرجال خاصة، وادعى
في الجواهر الإجماع عليه، ونسب إلى
العلامة في التذكرة والمنتهى دعواه أيضا (4).
ولا فرق بين أنواع التغطية سواء
كان بالثوب أو الطين أو الحناء أو حمل
متاع أو طبق أو نحو ذلك، ولكن قال في
المدارك: " وهو [أي التعميم] غير

(1) راجع كل ذلك: المدارك 7: 340، الجواهر
18: 355 - 359.
(2) الوسائل 9: 109، الباب 32 من أبواب
تروك الإحرام الحديث 4.
(1) الوسائل 9: 109، الباب 32 من أبواب
تروك الإحرام، الحديث 3.
(2) المدارك 7: 242.
(3) المعتمد 4: 169.
(4) الجواهر 18: 382.
317

واضح " (1).
والمراد بالرأس - هنا - منابت الشعر
خاصة حقيقة وعينا، وظاهرهم خروج
الأذنين، وصرح به في المسالك (2)،
واستوجه العلامة (3) وصاحب المدارك (4)
سترهما.
وفي معنى التغطية الارتماس فيشمله
حكمه.
ولو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء
وجوبا وجدد التلبية استحبابا (5).
هذا بالنسبة إلى الرجل، أما المرأة
فيجوز لها ذلك.
السادس عشر - لبس المرأة النقاب:
قال في المدارك: " القول بتحريم
النقاب للمرأة مذهب الأصحاب لا نعلم
فيه مخالفا " (6). وقال أيضا: " أجمع
الأصحاب على أن إحرام المرأة في
وجهها، فلا يجوز لها تغطيته، بل قال في
المنتهى: " إنه قول علماء الأمصار،
والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
" إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في
وجهها " " (1).
ومع ذلك كله فقد ذكره المحقق في
المكروهات لكن مع التردد (2).
السابع عشر - التظليل سائرا:
اشتهر بين الفقهاء القول بحرمة
تظليل الرجل المحرم على نفسه حال
السير، بأن يجلس في محمل أو سيارة أو
ما شابه ذلك، نعم نقل عن الإسكافي أنه
جعل ترك التظليل مستحبا (3).
هذا في حالة السير أما عند النزول
فلا بأس بالاستظلال بالخباء أو البيت
ونحو ذلك (4).
وترتفع الحرمة بالضرورة أو المشقة
الحاصلتين من تركه (5).
الثامن عشر - إزالة الشعر:
وهو حرام لقوله تعالى: (ولا

(1) المدارك 7: 354.
(2) المسالك 1: 111.
(3) التحرير: 114.
(4) المدارك 7: 355.
(5) المدارك 7: 359، الجواهر 18: 389.
(6) المدارك 7: 378.
(1) المدارك 7: 359.
(2) الشرائع 1: 251.
(3) المدارك 7: 362، الجواهر 18: 394.
(4) المدارك 7: 363، الجواهر 18: 394.
(5) المدارك 7: 365، الجواهر 18: 398.
318

تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (1).
ولا فرق بين أنواع الإزالة، كما لا
إثم مع الضرورة (2).
التاسع عشر - إخراج الدم:
قال صاحب الحدائق: " وقد اختلف
الأصحاب في ذلك، ويجب أن يعلم
- أولا - أن أصل الخلاف في المسألة بين
المتقدمين إنما هو في الحجامة، كما نقل
العلامة في المختلف حيث قال: للشيخ في
الحجامة قولان:
أحدهما - التحريم إلا مع الحاجة،
وبه قال شيخنا المفيد والسيد المرتضى
وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن
إدريس، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه
وابن الجنيد.
الثاني - أنه مكروه، ذكره في
الخلاف وبه قال ابن حمزة، ثم قال - أي
العلامة -: والأقرب الأول.
وجملة من المتأخرين - والكلام
لصاحب الحدائق - قد أجروا الخلاف أيضا
في إخراج الدم ولو بحك جلده أو بالسواك
أو نحو ذلك... - إلى أن قال: -.
" ثم إن ممن اختار القول بالكراهة
أيضا المحقق في الشرائع، والسيد السند في
المدارك " (1).
العشرون - تقليم الأظفار:
ادعى جماعة الإجماع على تحريمه
كالعلامة (2) وصاحب الجواهر (3) والسيد
الخوئي (4) وغيرهم.
والقلم أعم من القص، فيشمل
القطع أيضا.
ولو انكسر ظفره وتأذى ببقائه فقال
في التذكرة: " إن له إزالته بلا خلاف وإن
وجبت الفدية " (5).
الحادي والعشرون - قطع الشجر
والحشيش:
وحرمته إجماعية - في الجملة - كما
ادعاه في المنتهى (6) والمدارك (7)
والجواهر (8).

(1) البقرة: 196.
(2) المدارك 7: 350 والجواهر 18: 377.
(1) الحدائق 15: 523.
(2) التذكرة 1: 339.
(3) الجواهر 18: 411.
(4) المعتمد 4: 252.
(5) التذكرة 1: 339.
(6) المنتهى 2: 797.
(7) المدارك 7: 369.
(8) الجواهر 18: 419.
319

والمراد بالشجر والحشيش: هما
النابتان في الحرم.
ويستثنى من ذلك:
1 - ما ينبت في ملك الإنسان.
2 - شجر الفواكه.
3 - شجر الإذخر.
4 - عودا المحالة: وهما العودان
اللذان يجعل عليهما المحالة ليستقى بها،
والمحالة: البكرة العظيمة.
وقال في المدارك: لا بأس بقطع
اليابس من الشجر والحشيش، للأصل
ولأنه ميت لم يبق له حرمة (1).
ويجوز - أيضا - أن يترك إبله لترعى
الحشيش وإن حرم عليه قطعه.
وحرمة القطع عامة للمحرم
والمحل.
الثاني والعشرون - قتل هوام الجسد:
والمقصود من ذلك مثل القمل
والبراغيث وأمثالهما. وحرمة قتلهما
مشهور بين الأصحاب، ولكن المنقول عن
الشيخ في المبسوط وابن حمزة أنهما جوزا
قتلها على البدن (2).
ويجوز نقلها من مكان إلى مكان
آخر.
ويجوز - أيضا - إلقاء القراد والحلم
- وهو القراد العظيم - عن نفسه بلا خلاف
كما قال صاحب الجواهر (1).
الثالث والعشرون - لبس السلاح لغير
ضرورة:
القول بتحريمه مذهب الأكثر (2)، لكن
اختار بعضهم الكراهة، كالمحقق في
الشرائع (3) والعلامة في بعض كتبه (4)
وصاحب المدارك (5) وغيرهم.
هذا في غير الضرورة، أما فيها
فالجواز قول للجميع.
الرابع والعشرون - تغسيل المحرم لو
مات بالكافور:
لأن الكافور طيب، وكذا لا يجوز
تحنيطه به، وقد وردت بذلك روايات
كثيرة (6). وادعى صاحب الجواهر عدم

(1) المدارك 7: 371.
(2) المدارك 7: 343.
(1) الجواهر 18: 369.
(2) المدارك 7: 373.
(3) الشرائع 1: 251.
(4) نقله عنه في الجواهر 18: 422.
(5) المدارك 7: 373.
(6) المدارك 7: 372.
320

الخلاف في ذلك (1).
ب - مكروهات الإحرام:
وهي كما يلي:
الأول - الإحرام في الثياب
المصبوغة:
ولا فرق في ذلك بين المصبوغة
بالسواد والعصفر، - وهو نوع من اللون
المركب، من أجزائه الزعفران - وغير
ذلك.
ولكن استشكل صاحب المدارك في
كراهة المعصفر، كما أنه استثنى الثوب
الأخضر (2).
هذا إذا لم يكن فيه طيب وإلا
فيحرم.
الثاني - الإحرام في الثياب الوسخة
حتى ولو كانت طاهرة.
وقالوا: لو عرض له الوسخ في أثناء
الإحرام أخر غسله إلى أن يحل (3).
الثالث - لبس الثياب المعلمة:
والثوب المعلم: المشتمل على علم،
وهو لون يخالف لونه ليعرف به (1)، سواء
أضيف اللون الآخر حال الحياكة أو
بعدها (2).
نقل في المدارك عن جماعة من
الأصحاب القول بالكراهة ولكنه استشكل
هو فيها (3).
الرابع - استعمال الحناء للزينة:
قال في المدارك: " اختلف
الأصحاب في استعمال الحناء للزينة في
حال الإحرام، فذهب الأكثر إلى كراهته،
واستوجه العلامة في المختلف التحريم،
واختاره الشارح [أي الشهيد] وهو جيد،
لأن مقتضى قوله عليه السلام في صحيحة
حريز: " لا تنظر في المرآة وأنت محرم،
لأنه من الزينة، ولا تكتحل المرأة
بالسواد، إن السواد زينة " تحريم كل ما
يتحقق به الزينة " (4).
الخامس والسادس - دخول الحمام
وتدليك الجسد فيه.
نقل في المدارك إجماع العلماء على

(1) الجواهر 18: 421.
(2) المدارك 7: 375.
(3) المدارك 7: 376، الجواهر 18: 428.
(1) المدارك 7: 376.
(2) الجواهر 18: 428.
(3) المدارك 7: 376.
(4) المدارك 7: 377.
321

نفي التحريم (1).
السابع - تلبية من يناديه:
بأن يقول له: لبيك، لأنه في مقام
التلبية لله فلا يشرك غيره فيها (2).
الثامن - استعمال الرياحين:
اختلفوا في استعمال الرياحين هل
هو محرم أو مكروه؟ فقد عده الشيخ (3)
وجماعة - منهم المحقق (4) وصاحب
الجواهر (5) - من المكروهات، وكذا كل من
خص المحرم من الطيب بالأربعة أو
الخمسة المحصورة في الروايات (6).
بينما اختار جماعة آخرون حرمته،
منهم صاحب المدارك (7) وصاحب
الحدائق (8).
كما أن
الفقهاء - تبعا للغويين -
اختلفوا في المراد منه، قال في الجواهر:
" والمراد بالرياحين ما هو المتعارف
منها، وعن العين: الريحان اسم جامع
للرياحين الطيبة الريح، قال: " والريحان
أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليه
أوائل النور "، وعن ابن الأثير: " هو كل
نبت طيب الريح من أنواع المشموم "، وعن
كتابي المطرزي: " عند الفقهاء الريحان ما
لساقه رائحة طيبة كما لورده، والورد ما
لورقه رائحة طيبة كالياسمين "، وفي
القاموس: " نبت معروف طيب الرائحة أو
كل نبت كذلك، أو أطرافه أو ورقه وأصله
ذو الرائحة، وخص بذي الرائحة الطيبة، ثم
بالنبت الطيب الرائحة ثم بما عدا الفواكه
والأبازير، ثم بما عداها ونبات الصحراء،
ومن الأبازير الزعفران، وهو المراد هنا،
ثم بالمعروف " (1).
كانت هذه أهم المكروهات، وأضاف
الشهيد - في الدروس - إلى ذلك: غسل
الرأس بالسدر والخطمي، وخطبة النساء،
والمبالغة في السواك، ودلك الوجه والرأس
في الطهارة، والهذر من الكلام،
والاغتسال للتبرد، والاحتباء في المسجد
الحرام والمصارعة (2)...

(1) المدارك: 379.
(2) المدارك 7: 380، الجواهر 18: 432.
(3) المبسوط 1: 319.
(4) الشرائع 1: 252.
(5) الجواهر 18: 433.
(6) المعتمد 4: 124.
(7) المدارك 7: 380.
(8) الحدائق 15: 419.
(1) الجواهر 18: 435.
(2) الدروس 1: 388.
322

إحسان
لغة:
من أحسن أي فعل الحسن، فكل
من جاء بفعل حسن فقد أحسن،
والحسن ضد القبيح، وهو أمر اعتباري،
فرب عمل يكون فيه ضرر من جهة لكنه
إحسان من جهة أخرى كالضرب
للتأديب (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي.
الأحكام:
ندبت الشريعة إلى الإحسان، فقال
تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) (2)،
وقد جاء في تفسيرها عن علي عليه السلام:
" العدل الإنصاف، والإحسان التفضل " (1)،
وورد: " ثلاث من الذنوب تعجل عقوباتها
ولا تؤخر إلى الآخرة: عقوق الوالدين،
والبغي على الناس، وكفر الإحسان " (2)،
وورد عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير
قوله تعالى: (إنا نراك من المحسنين) (3):
أنه - أي يوسف - " كان يوسع المجلس،
ويستقرض للمحتاج، ويعين الضعيف " (4)
قاعدة الإحسان
وهي قاعدة فقهية مقتبسة من
الآيات والروايات، ويتم البحث حولها في
المراحل التالية:
أولا - مفاد القاعدة:
مفاد القاعدة هو: سلب مسؤولية
المكلف - تكليفا ووضعا - عما يعمله بقصد
الإحسان إلى الغير لو ترتب عليه ضرر

(1) راجع: المصباح المنير، والصحاح، والفروق
اللغوية: مادة " حسن ".
(2) النحل: 90.
(1) الوسائل 8: 319، الباب 49 من أبواب
آداب السفر الحديث 5.
(2) الوسائل 11: 541، الباب 8 من أبواب
فعل المعروف الحديث 10.
(3) يوسف: 36.
(4) الوسائل 8: 405، الباب 4 من أبواب
آداب العشرة الحديث الأول.
323

يرجع إلى المحسن إليه.
ومثال ذلك: ما إذا نقل الودعي
الوديعة عن محلها المأذون في حفظها فيه
إلى مكان آخر إذا خاف عليها، فأصابها
- بسبب النقل - ضرر، فلا يكون الودعي
مسؤولا، لأنه محسن. قال صاحب
الحدائق في مورد المثال: "... والظاهر
أنه لا ضمان عليه في الصورة المذكورة
حيث أنه مأذون فيه وهو محسن في ذلك
فلا سبيل عليه " (1).
ثانيا - مستند القاعدة:
أهم مستند للقاعدة هو قوله تعالى:
(ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا
على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا
نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من
سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين
إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم
عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا
ألا يجدوا ما ينفقون) (2).
والآيتان نزلتا فيمن تخلف عن
الجهاد في غزوة تبوك لعذر مرض أو فقر.
قال الشيخ الطبرسي في تفسيرهما:
" أي ليس على من فعل الحسن
الجميل في التخلف عن الجهاد طريق
للتقريع في الدنيا والعذاب في الآخرة،
وقيل: هو عام في كل محسن، والإحسان
هو: إيصال النفع إلى الغير لينتفع به مع
تعريه من وجوه القبح، ويصح أن يحسن
الإنسان إلى نفسه ويحمد على ذلك وهو
إذا فعل الأفعال الجميلة التي يستحق بها
المدح والثواب... " (1).
والمقطع الذي استدل به على
القاعدة هو قوله تعالى: (ما على
المحسنين من سبيل) فإنه بعد رفع اليد
عن خصوصية المورد تكون الآية عامة،
لأن " المحسنين " جمع محلى بالألف واللام
فيفيد العموم، وكذا " السبيل "، فإنه نكرة
واقعة في سياق النفي فتفيد العموم أيضا
فيكون مدلول الآية عاما (2).
والإحسان - كما قال الطبرسي -:
إيصال النفع إلى الغير لينتفع به مع تعريه
عن وجوه القبح.
وأما السبيل فهو الطريق والسبب،

(1) الحدائق 21: 42.
(2) التوبة: 92 - 93.
(1) مجمع البيان 5: 60.
(2) عناوين الأصول: 303 والقواعد الفقهية
4: 8.
324

ونفي السبيل هو نفي الطريق والسبب
للتقريع في الدنيا والعذاب في الآخرة.
وعلى هذا فمفاد الآية هو: أنه لو
كان الإنسان محسنا في فعله يريد إيصال
النفع إلى الغير فلا طريق إلى لومه وعذابه
لو أدى فعله إلى ضرر.
جاء في القواعد الفقهية: "...
فالآية بظاهرها تدل على نفي كل ما
يصدق عليه أنه سبيل عن كل من هو
محسن، فهذه كبرى ثابتة من الآية الشريفة
تكون دليلا وحجة لجميع مواردها في
الفقه، ولا يزال الفقهاء يستدلون بها على
نفي الضمان في موارد الإحسان " (1).
ويستفاد من بعضهم: أن الآية
ترشد إلى حكم عقلي، وهو عدم تضمين
المحسن، قال صاحب العناوين: "... مع
أن هذه الآية الكريمة قد سيقت مساق
حكم العقل، فإنه قاض بعدم السبيل على
المحسن، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله
تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا
الإحسان) (2) فإن ظاهره امتناع السبيل
على ضرر المحسن، بل ينبغي أن يكون
جزاء عمله الإحسان إليه... " (1).
هذا كله مع غض النظر عن الإجماع
المدعى في هذا المورد، قال في العناوين:
" الظاهر من تتبع كلمات الأصحاب أيضا
إجماعهم على أن المحسن لا يضمن كما هو
مدلول الآية، وقد أشرنا أن العقل يدل
على ذلك أيضا " (2).
ثالثا - حدود القاعدة:
هل تشمل القاعدة جلب النفع ودفع
الضرر أو تختص بأحدهما دون الآخر؟
قال المراغي: " يخطر بالبال أن الشيخ
الوحيد (3) الأستاذ - في أثناء الدرس -
صرح في أثناء الكلام: أن قاعدة
الإحسان تختص بصورة دفع المضرة ولا
تشمل صورة طلب المنفعة " (4).
لكنه انتقد هذه الفكرة واستنتج
التعميم من القاعدة.
وجاء في القواعد الفقهية: " ثم إنه لا
فرق في صدق الإحسان بين أن يكون
فعل المحسن لجلب المنفعة لذلك الذي

(1) القواعد الفقهية 4: 11.
(2) الرحمن: 60.
(1) عناوين الأصول: 303.
(2) نفس المصدر: 304.
(3) أي الوحيد البهبهاني قدس سره.
(4) المصدر السابق.
325

يريد الإحسان إليه أو يكون لدفع المضرة
عنه، فكلاهما إحسان... وربما يكون
صدق الإحسان على دفع الضرر في بعض
المصاديق والموارد أولى بنظر العرف من
صدقه على جلب المنفعة... " (1).
ويؤيد التعميم تطبيق الفقهاء القاعدة
على الموردين، كما ستأتي الإشارة إليه.
رابعا - هل المعتبر هو الإحسان الواقعي؟
من الأمور المبحوث عنها في
القاعدة هو أن الملاك في القاعدة هل هو
الإحسان واقعا، أو الإحسان في نظر
الفاعل وإن لم يكن إحسانا واقعا، أو
كلاهما، بمعنى أن يكون إحسانا واقعا وفي
نظر الفاعل معا؟
يظهر من صاحب العناوين أن
المعتبر هو كون الفعل إحسانا واقعا وفي
اعتقاد الفاعل معا (2). بينما يظهر من
القواعد الفقهية أن المعتبر هو الإحسان
الواقعي ولا دخل لاعتقاد الفاعل (3)، ومن
الممكن إرجاع كلامه إلى كلام صاحب
العناوين أيضا. وهو الذي يظهر من
الآخرين أيضا.
خامسا - النكتة الأساسية في القاعدة:
في القاعدة نكتة أساسية ينبغي
الالتفات إليها، وبها يمكن تشخيص موارد
تطبيقها بدقة، وهي: أنه ينبغي أن يكون
تصرف الفاعل في مصلحة الغير - أي
المالك أو من هو بمنزلته - سواء كان
التصرف على نحو جلب المنفعة أو دفع
الضرر، ولذلك فرقوا بين الودعي وغيره
كالمستأجر، والعامل في المضاربة،
والمستعير، فإن الودعي إنما قبض الوديعة
لمصلحة المالك، فلو اختلف الودعي
والمالك في الرد وعدمه، فقد التزم الفقهاء
بالرد وترجيح قول الودعي (مدعي الرد)
خلافا لقاعدة " البينة على المدعي واليمين
على من أنكر ". وذلك من أجل كونه
محسنا، فإنه قد قبل الوديعة لمصلحة
المالك، بخلاف المضارب أو المستأجر أو
المستعير، فإنهم أقدموا على قبض المال أو
العين لمصلحة أنفسهم.
قال الشهيد الثاني في الروضة:
" ويقبل قوله [أي الودعي] بيمينه في الرد
وإن كان مدعيا بكل وجه على المشهور،
لأنه محسن وقابض لمصلحة

(1) القواعد الفقهية 4: 13.
(2) عناوين الأصول: 304.
(3) القواعد الفقهية 4: 12.
326

المالك... " (1).
وقال صاحب الحدائق بالنسبة إلى
المستأجر: "... وبهذا فرقوا بينه وبين
الودعي حيث إن المشهور في الودعي: أن
القول قوله في الرد مع مخالفة الأصل
وعللوه: بأنه قبضه لمصلحة المالك فهو
محسن محض (وما على المحسنين من
سبيل)... " (2).
وقال في مفتاح الكرامة: "... وقد
قال الأكثر في باب المضاربة في جواب من
يدعي قبول قول العامل بالرد قياسا على
المستودع: بأنه مع الفارق، لكونه قبض
لمصلحة المالك فهو إحسان محض، والعامل
قبض لمصلحته " (3).
وقال في الجواهر - ضمن الاستدلال
على قبول قول الودعي -: "... ولأنه
أمين محسن قابض لمصلحة المالك... " (4).
وقال في المستمسك للتفرقة بين
المستأجر والودعي: " وقبول دعوى
الودعي الرد بالإجماع - لو تم - لا يقتضي
قياس المقام عليه، لاختلافهما في أن
القبض في المقام لمصلحة القابض بخلاف
الودعي فإنه لمصلحة المالك " (1).
إذن فالنكتة الأساسية في القاعدة
هي: أن يكون التصرف لمصلحة الغير،
المالك أو من في حكمه.
سادسا - نماذج من موارد تطبيق
القاعدة:
الأول - قال صاحب الجواهر بالنسبة
إلى من مات وله صغار ولم يجعل عليهم
وصيا: "... كان للحاكم النظر في
تركته... ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن
يتولاه من المؤمنين من يوثق به على ما
هو المشهور بين الأصحاب من ثبوت
الولاية لهم على مثل ذلك، للمعتبرة
المستفيضة المؤيدة بما دل على الحسبة
وحسن الإحسان، وولاية المؤمنين بعضهم
على بعض... " (2)
فجعل القاعدة من مؤيدات ولاية
عدول المؤمنين.
الثاني - قال صاحب الحدائق
بالنسبة إلى وديعة الطفل والمجنون - بمعنى

(1) الروضة 4: 250.
(2) الحدائق 21: 637.
(3) مفتاح الكرامة 6: 47.
(4) الجواهر 27: 147.
(1) المستمسك 12: 167.
(2) الجواهر 28: 430.
327

إيداعهما أو قبول وديعتهما -: " ظاهر جملة
من الأصحاب إطلاق الضمان هنا كما
ذكرناه، والأقرب - كما قواه في المسالك -
أيضا أنه لو كان قبضه للوديعة بعنوان
استنقاذها من يديهما، وخوف هلاكها
عندهما بنية الحسبة في الحفظ، فإنه لا
ضمان عليه، لأنه محسن وما على المحسنين
من سبيل " (1).
الثالث - قال المراغي: " ويندرج
تحت هذه القاعدة ارتفاع الضمان عن حكم
الشرع وعن عدول المؤمنين وعن سائر
الأولياء والأمناء، لأنهم محسنون مع قطع
النظر عن الإذن لهم في ذلك " (2).
مظان البحث:
1 - كتب القواعد الفقهية.
2 - موارد متفرقة كالوديعة والوصايا.
إحصار
لغة:
" قال ابن السكيت وثعلب: حصره
العدو في منزله: حبسه، وأحصره المرض
- بالألف -: منعه من السفر. وقال الفراء:
هذا هو كلام العرب وعليه أهل اللغة،
وقال ابن القوطية وأبو عمرو الشيباني:
حصره العدو والمرض وأحصره، كلاهما
بمعنى حبسه " (1).
ويسمى الشخص محصورا أو
محصرا.
اصطلاحا:
منع المرض الحاج عن الوصول إلى
مكة أو عن الموقفين (2). ولا يطلق ذلك
على منع العدو، بل يطلق عليه الصد.
قال العلامة: " الحصر عندنا هو
المنع من تتمة أفعال الحج بالمرض خاصة،

(1) الحدائق 1: 421.
(2) عناوين الأصول: 304.
(1) المصباح المنير: " حصر ".
(2) الشرائع 1: 282.
328

والصد بالعدو " (1).
راجع: " صد ".
الأحكام:
الذي ينبغي أن نبحث عنه - هنا - هو:
أولا - بماذا يتحقق الحصر؟
يختلف ما يتحقق به الحصر
باختلاف ما باشره الحاج من حج أو
عمرة. ومن اللازم أن نشير إلى أن الفقهاء
ذكروا ما يتحقق به " الصد " ثم عطفوا ما
يتحقق به الحصر عليه.
ألف - ما يتحقق به الحصر في الحج:
يتحقق الحصر في الحج بالمنع عن
الموقفين، أو من أحدهما إذا كان مما يفوت
بفواته الحج.
وأما إذا أدرك الموقفين ثم حصر
فإن كان الحصر عن نزول منى خاصة
استناب في الرمي والذبح، ثم حلق وتحلل
وأتم باقي أعماله (2).
وإن لم يمكنه الاستنابة ففيه قولان:
1 - جواز التحلل مكانه لصدق
الحصر، ذهب إليه بعض، منهم: العلامة (1)
وصاحب الجواهر (2).
2 - البقاء على الإحرام، احتمله في
المدارك (3) وحكاه في الجواهر (4) عن بعض.
ولو كان المنع عن مكة خاصة بعد
التحلل بمنى ففيه قولان:
الأول - عدم تحقق الحصر فيبقى على
إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء
والصيد، فإن أتى بالطواف والسعي في ذي
الحجة ولو بالاستنابة صح، وإلا بقي على
إحرامه، نقل ذلك في الجواهر عن جماعة
منهم: الشيخ وابن إدريس والعلامة
والشهيد الأول (5).
الثاني - ذهب آخرون إلى جواز
التحلل، لصدق الحصر، منهم: صاحب
المدارك (6) وصاحب الحدائق (7)، وصاحب
الجواهر (8).

(1) المنتهى 2: 846.
(2) المدارك 8: 292 والجواهر 20:
125 - 127.
(1) التذكرة 1: 396.
(2) الجواهر 20: 126.
(3) المدارك 8: 293.
(4) الجواهر 20: 126.
(5) الجواهر 20: 127.
(6) المدارك 8: 293.
(7) الحدائق 16: 25.
(8) الجواهر 20: 128.
329

ولو كان المنع عن العود إلى منى
لرمي الجمار والنوم فيها فلا يتحقق الحصر
بذلك، بل حجه صحيح وعليه أن يستنيب
للرمي إن أمكن وإلا قضاه في القابل (1).
ب - ما يتحقق به الحصر في العمرة:
قال في المدارك: " ولا ريب في تحققه
بالمنع من الدخول إلى مكة، وكذا بالمنع
من الإتيان بأفعالها بعد الدخول.
ولو منع من الطواف خاصة استناب
فيه مع الإمكان، ومع التعذر، قيل: يبقى
على إحرامه إلى أن يقدر عليه، أو على
الاستنابة، ويحتمل قويا جواز التحلل مع
خوف الفوات، للعموم، ونفي الحرج اللازم
من بقائه على الإحرام، وكذا الكلام في
السعي وطواف النساء في المفردة " (2).
ثانيا - وظيفة المحصور:
يتحلل المحصور من إحرامه بالهدي
(ذبح واحد من النعم) والتقصير، فإذا فعل
ذلك حل له ما حرم عليه إلا النساء حتى
يحج في القابل إن كان واجبا، أو يطاف
عنه طواف النساء إن كان تطوعا (3)،
واستشكل في المدارك في النيابة (1)، ومع
ذلك فقد ادعى عدم الخلاف في أصل
الحكم (2)، ولكن هناك موارد للبحث
وهي:
1 - هل يذبح أو ينحر الهدي في محل
الحصر أو يبعثه ليذبح في منى إن كان
حاجا، وفي مكة إن كان معتمرا؟
قال صاحب المدارك: "... قد أجمع
العلماء كافة على أن المحصر يتحلل
بالهدي، ثم اختلفوا، فذهب أكثر علمائنا
إلى أنه يجب عليه بعثه إلى منى إن كان
حاجا، وإلى مكة إن كان معتمرا، ولا يحل
حتى يبلغ الهدي محله، ونقل عن ابن
الجنيد: أنه خير المحصر بين البعث وبين
الذبح حيث أحصر، وعن الجعفي أنه
قال: يذبح مكان الإحصار ما لم يكن
ساق، وعن سلار: أن المتطوع ينحر
مكانه ويتحلل حتى من النساء،
والمفترض يبعث ولا يتحلل من
النساء " (3).
2 - هل يجب نية التحلل عند ذبح

(1) المصادر السابقة.
(2) المدارك 8: 293.
(3) الجواهر 20: 148.
(1) المدارك 8: 305.
(2) الجواهر 20: 148.
(3) المدارك 8: 301.
330

الهدي؟
قال في المدارك: " وهذا الحكم
- أعني توقف التحلل على ذبح الهدي
ناويا به التحلل - مذهب الأكثر " (1). لكنه
شكك - هو - فيه ثم رجحه لاستصحاب
حكم الإحرام حتى يحرز التحلل منه،
ومثله قال صاحب الجواهر ولكن
احتياطا (2).
3 - هل يجب عليه هدي آخر لو
كان قد ساق؟
ولو كان الحاج قد ساق معه هديا
فهل يجب عليه هدي آخر للتحلل أو
يكفيه ما ساقه؟
المنقول عن جماعة - منهم الصدوقان
والمحقق في النافع والعلامة في القواعد
والشهيد الثاني (3) -: القول بالوجوب،
لاختلاف السبب في وجوب ذبح الهدي
والذي كان ساقه.
والأكثر قائلون بعدم الوجوب،
لكفاية ما ساقه (1).
4 - لو بعث هديه ثم زال العارض
لحق بأصحابه، فإن أدرك أحد الموقفين في
وقته على وجه يصح حجه فقد أدرك
الحج، وإلا تحلل بعمرة وعليه في القابل
قضاء الواجب، ويستحب قضاء الندب (2).
إحصان
لغة:
من " الحصن " أي المكان المرتفع
الذي لا يقدر عليه لارتفاعه، وحصن
- بالضم - حصانة فهو حصين أي منيع،
ويتعدى بالهمزة والتضعيف، فيقال:
أحصنته وحصنته...
وأحصنت المرأة فرجها إذا عفت
فهي محصنة بالفتح (3).

(1) المدارك 8: 289 وراجع الجواهر 20:
118.
(2) الجواهر 20: 119.
(3) نقل عنهم ذلك في الجواهر 20: 121.
(1) الجواهر 20: 121، المدارك 8: 291.
(2) المدارك 8: 307.
(3) المصباح المنير: " حصن ".
331

اصطلاحا:
ورد هذا المصطلح ومشتقاته في
القرآن الكريم في عدة موارد، قال الشهيد
الثاني: " الإحصان والتحصين في اللغة المنع
قال تعالى: (لتحصنكم من بأسكم) (1)،
وقال: (في قرى محصنة) (2)، وورد في
الشرع:
1 و 2 - بمعنى الإسلام، وبمعنى البلوغ
والعقل، وكل منهما قد قيل في تفسير قوله
تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة...) (3).
3 - وبمعنى الحرية، ومنه قوله تعالى:
(فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب) (4) يعني الحرائر.
4 - وبمعنى التزويج، ومنه قوله
تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما
ملكت أيمانكم) (5) يعني المنكوحات.
5 - وبمعنى العفة عن الزنى، ومنه
قوله تعالى: (والذين يرمون
المحصنات) (1) أي العفيفات.
6 - وبمعنى الإصابة في النكاح، ومنه
قوله تعالى: (محصنين غير مسافحين) (2)
ثم قال: ويقال: أحصنت المرأة
عفت... " (3).
هذا في القرآن، وأما في لسان
الفقهاء فيطلق على موردين:
الأول - الإحصان في باب حد
الزنى:
وفسروه بأنه: " إصابة البالغ العاقل
الحر فرجا - أي قبلا - مملوكا له بالعقد
الدائم، أو الرق متمكنا بعد ذلك منه بحيث
يغدو عليه ويروح، أي يتمكن منه أول
النهار وآخره إصابة معلومة بحيث غابت
الحشفة أو قدرها في القبل ".
هذا بالنسبة إلى الرجل، وأما
بالنسبة إلى المرأة فهو:
" إصابة الحرة البالغة العاقلة من
زوج بالغ دائم في القبل بما يوجب الغسل
إصابة معلومة ".

(1) الأنبياء: 80.
(2) الحشر: 14.
(3) النساء: 25.
(4) النساء: 25.
(5) النساء: 24.
(1) النور: 4.
(2) النساء: 24.
(3) المسالك 2: 424، وراجع: الروضة البهية
9: 178.
332

وأما التمكن من الوطء غدوا
ورواحا فهو معتبر في حق الرجل
خاصة (1).
الثاني - الإحصان في باب القذف:
وفسر بأنه: " اجتماع البلوغ،
والعقل، والحرية، والإسلام، والعفة في
شخص " فمن اجتمعت فيه هذه الخمسة
صار محصنا رجلا كان أو امرأة، واستحق
قاذفه الحد.
هذا، ولكن قال في الشرائع: " كمال
العقل " بدلا عن العقل (2).
وسيأتي تفصيل ذلك في عنواني:
" الزنى " و " القذف ".
إحياء
لغة:
من الحياة ضد الممات، أي جعل
الميت حيا، أو بمعنى الاستبقاء، ومنه قوله
تعالى حكاية عن نمرود: (أنا أحيي
وأميت) (1) أي أخلي من وجب عليه
القتل، وأميت بالقتل.
اصطلاحا:
يأتي في موردين:
1 - إحياء الليل
2 - إحياء الموات.
إحياء الليل
اصطلاحا:
قال في مجمع البحرين: "... شد
مئزره وأحيا ليله، أي ترك نومه الذي هو
أخ الموت واشتغل بالعبادة... " (2).
وكأن مراده: أن النوم موت، ولما
كان الإحياء مقابل الإماتة فإحياء الليل
عدم النوم فيه.
ويبدو أنه لا دخل للاشتغال
بالعبادة في تحقق مفهوم الإحياء، ولذلك
يقال: إن الإحياء في الليالي التي يستحب

(1) راجع: الروضة 9: 72 - 80 والشرائع 4:
150.
(2) راجع: الروضة 9: 179، الجواهر 41:
417، المسالك 2: 436، الشرائع 4: 165.
(1) البقرة: 258.
(2) مجمع البحرين: " حيا ".
333

فيها إنما يستحب لنفسه مع غض النظر عن
الاشتغال بالعبادة.
الأحكام:
يستحب الإحياء في بعض الليالي،
منها:
1 - ليالي العشر الأواخر من
رمضان: فقد روى أبو بصير قال: " قال
أبو عبد الله عليه السلام: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأواخر
شد المئزر، واجتنب النساء، وأحيى الليل
وتفرغ للعبادة " (1).
2 - ليالي القدر: اشتهر بين الإمامية
استحباب الإحياء في ليالي القدر، فقد ورد
عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال:
" من اغتسل ليلة القدر وأحياها إلى طلوع
الفجر خرج من ذنوبه " (2).
3 - ليالي أخرى: روى الشيخ في
المصباح عن وهب بن وهب، عن أبي عبد
الله، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال:
" كان يعجبه أن يفرغ نفسه أربع ليالي في
السنة، وهي: أول ليلة من رجب، وليلة
النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة
النحر " (1).
وروى المحدث القمي في المفاتيح
عن السيد ابن طاووس استحباب إحياء
ليلة عاشوراء (2).
إحياء الموات
اصطلاحا:
إخراج الأرض الميتة - بسبب
انقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء الماء عليها،
أو لاستئجامها، أو غير ذلك من موانع
الانتفاع - من موتانها وجعلها قابلة
للانتفاع بعد أن لم تكن كذلك.
ويلحق بالأرض كل ما يقبل ذلك
مثل: الآبار والأنهار والمعادن.
الأحكام:
ولا بد من بحث الموضوع من
النواحي التالية:

(1) الوسائل 7: 257، الباب 31، من أبواب
أحكام شهر رمضان الحديث 5.
(2) الوسائل 7: 262، الباب 32، من أبواب
أحكام شهر رمضان الحديث 11.
(1) مصباح المتهجد: 592، 735.
(2) مفاتيح الجنان: أعمال ليلة عاشوراء.
334

أولا - ما يقبل الإحياء.
ثانيا - شروط الإحياء.
ثالثا - كيفية الإحياء.
رابعا - حكم الإحياء.
أولا - ما يقبل الإحياء
إن ما يقبل الإحياء إنما هو:
ألف - الأراضي
ب - الأنهار والآبار
ج - المعادن
ألف - الأراضي
للأرض أقسام عديدة، ولكل قسم
حكمه الخاص، وسيأتي استيعاب البحث
في عنوان " أرض "، ولكن لا بد من
الإشارة إلى جانب منها كي يتضح حكمها
من حيث الإحياء:
أقسام الأرض وحكمها من حيث
الإحياء:
1 - الأرض العامرة وقت الفتح:
وهي الأرض العامرة عند فتحها
عنوة (أي بالقهر والغلبة) كأغلب البلدان
المفتوحة عنوة في صدر الإسلام كالعراق
والشام وإيران وغيرها...
وهذه الأرض هي للمسلمين قاطبة
سواء الذين كانوا موجودين حال الفتح أو
جاءوا بعدهم.
ولو ماتت هذه الأرض فلا تخرج
عن وصفها ملكا عاما، ولا يجوز تملكها
عن طريق الإحياء، وإعادة عمرانها من
جديد (1).
2 - الأرض الميتة بالأصالة:
وهي الأرض التي لم يسبق فيها
العمران سواء كانت في الأرض المفتوحة
عنوة أو غيرها.
وهذه الأرض هي ملك للإمام عليه
السلام (منصب الإمامة)، ويجوز إحياؤها مع
الشرائط، سواء كانت في أرض المسلمين
أو أرض الكفار (2).
3 - الأرض الميتة بالعرض:
وهي على قسمين:
ألف - الميتة المسبوقة بالعمارة
الأصلية:
وهذه ملك للإمام عليه السلام أيضا،
فيجوز إحياؤها.
ب - الميتة المسبوقة بالعمارة
البشرية:

(1) الجواهر 38: 17 - 18 واقتصادنا 2:
410.
(2) الجواهر 38: 18.
335

وهذه على أقسام:
الأول - ما لا يكون له مالك وذلك
كالأراضي الدارسة المتروكة والقرى أو
البلاد الخربة والقنوات الطامسة التي لم يبق
من أصحابها أحد. وهذا القسم حاله حال
الموات بالأصل (1).
الثاني - أن يكون مالكها معروفا،
ففي ذلك صورتان:
1 - إذا كان ملك الأرض بالشراء
ونحوه من الإرث والهبة ونحو ذلك ففي هذه
الصورة تكون الأرض لمالكها ولا تخرج
من يده أو يد ورثته وإن عرض له الموات
بعد ذلك، وقد ادعى عليه الإجماع أكثر من
واحد (2).
2 - إذا كان ملك الأرض بالإحياء،
فهي - عندئذ - له ولورثته ما دامت محياة،
وأما إذا ماتت فهل تبقى في ملكه أيضا أو
لا؟ فيه قولان:
الأول: أنها تبقى في ملك المالك
الأول، ذهب إليه جماعة، منهم: الشيخ (3)
وابن إدريس (1) وابن سعيد (2) الحليين،
والشهيد الأول (3) والمحقق الثاني (4) وصاحب
الجواهر (5) وغيرهم.
الثاني: أنها تصير ملكا لمن أحياها
ثانيا، إذ تصبح بموتها من المباحات
الأصلية، كما كانت أولا فيملكها من
يحييها، اختار ذلك بعض الفقهاء منهم
العلامة (6) والشهيد الثاني (7) والمحقق
السبزواري (8) والفيض الكاشاني (9).
ثم على فرض عدم خروج الأرض
عن ملك الأول، فهل يجوز للغير إحياء
الأرض أو لا؟ فيه قولان:
الأول - أن الثاني يصير بالإحياء
أحق بالأرض من الأول، فلا يملكها،
ولكن عليه أن يؤدي طسقها إلى الأول أو
وارثه.

(1) الروضة 7: 137، والجواهر 38: 27.
(2) الروضة 7: 138 - 139، الجواهر 38:
20 - 21.
(3) المبسوط 3: 269.
(1) السرائر 2: 375.
(2) الجامع للشرائع: 374.
(3) الدروس 3: 56.
(4) جامع المقاصد 7: 18.
(5) الجواهر 38: 23.
(6) التذكرة 1: 401
(7) المسالك 2: 288.
(8) الكفاية: 239.
(9) المفاتيح 3: 23.
336

الثاني - أنه يجب على الثاني
استئذان الأول، فإن امتنع فيستأذن الحاكم
الشرعي، فإن تعذر أحياها وعليه طسقها،
أي أجرتها.
وهذان القولان يجريان حتى فيما إذا
كان الأول ملك الأرض بالشراء أو الهبة
والإرث ونحوه (1).
الثالث - أن يكون المالك الأول
للأرض مجهولا:
اختلفت كلمات الفقهاء في هذا المورد
فقد قال المحقق: "... إن لم يكن لها مالك
معروف معين فهي للإمام عليه السلام ولا يجوز
إحياؤها إلا بإذنه، فلو بادر مبادر فأحياها
من دون إذنه لم تملك، وإن كان الإمام عليه
السلام غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما
بعمارتها، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها
غيره ملكها، ومع ظهور الإمام عليه السلام
يكون له رفع يده عنها... " (2).
وفسروا قوله " ملكها " بمعنى أنه
أحق بها، لئلا تقع المنافاة بين ذلك وبين
قوله قبل ذلك: " كان المحيي أحق بها "،
فيدل كلامه على أن الإحياء - عنده في
هذه الصورة - مفيد للأولوية لا الملكية.
ولكن لم يرتض ذلك صاحب
الجواهر، فقال بالنسبة إلى حال الغيبة:
"... وعلى كل حال فالمتجه بناء
على ما ذكرناه سابقا ملك المحيي لها أولا،
وبقاؤها على ملكه وإن تركها وبادت
آثارها ما لم تكن على جهة الإعراض
عنها بحيث يملكها غيره إن قلنا به... " (1).
ب - الأنهار والآبار:
من حفر بئرا أو أجرى نهرا - مع
الشرائط - يكن له على وجه الملكية، أو
الحقية على اختلاف الموارد والمباني،
وسيأتي مزيد توضيح.
ج - المعادن:
ومما يقبل الإحياء المعادن، ولكن لا
مطلق المعادن بل خصوص الباطنة وهي
التي يحتاج الوصول إليها إلى عمل كحفر
الأرض والتوصل إلى المعدن وإخراجه،
أما المعادن الظاهرة، وهي التي لا يحتاج
التوصل إليها إلى عمل وجهد بل يمكن
الوصول إليها بسهولة كالملح، فهي لا تقبل
الإحياء بل إنما تملك بالحيازة.

(1) راجع المصادر السابقة.
(2) الشرائع 3: 272.
(1) الجواهر 38: 28.
337

وسيأتي مزيد توضيح.
ثانيا - شروط الإحياء:
يشترط في الإحياء بصورة عامة
الأمور التالية:
أولا - الإذن:
قال في الجواهر: " وأما أن إذنه
شرط في تملك المحيا فظاهر التذكرة
الإجماع، بل عن الخلاف دعواه صريحا،
بل في جامع المقاصد: لا يجوز لأحد
الإحياء من دون إذن الإمام عليه السلام وأنه
إجماعي عندنا، وفي التنقيح: الإجماع على
أنها تملك إذا كان الإحياء بإذن الإمام عليه
السلام، وفي المسالك: لا شبهة في اشتراط
إذنه في إحياء الموات، فلا يملك بدونه
اتفاقا " (1).
ولا يختص ذلك بالأرض بل يشمل
إحياء مثل المعدن والآبار التي في ما يملكه
الإمام عليه السلام أيضا.
نعم، قد حصل الإذن العام من الأئمة
عليهم السلام بالإحياء حال الغيبة، فقد ورد:
" من أحيا أرضا مواتا فهي له " (2).
ثانيا - أن لا يكون عليها يد لمسلم:
من شرائط الإحياء عدم كون المحيا
تحت يد معروفة لمسلم أو مسالم، ويظهر
من الجواهر أنه لا خلاف فيه بين من
تعرض له، لأن اليد أمارة الملكية أو
الحق، ومع وجودهما لا يصح الإحياء،
اللهم إلا أن يعلم فساد اليد - بأن كانت
عدوانية مثلا - فلا اعتبار بها عندئذ (1).
ثالثا - أن لا يكون المحيا حريما
لعامر:
والمراد بالعامر مثل الدار والقرية
والبلد والمزرعة وغير ذلك كالطريق
والشرب والبئر والحائط.
والمراد بالحريم ما يتوقف الانتفاع
بالعامر عليه.
والعلة في ذلك هو أن مالك العامر
استحق حريمه، لأنه من مرافقه ومما
يتوقف كمال انتفاعه عليه، فلا يحق للغير
التصرف فيه (2).

(1) الجواهر 38: 11.
(2) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب
إحياء الموات، الحديث 5.
(1) الجواهر 38: 33 والروضة البهية 7:
156.
(2) الجواهر 38: 34، والروضة البهية 7:
156.
338

رابعا - أن لا يكون مشعرا للعبادة:
مثل عرفة، ومنى، والمشعر، وغيرها
من الأماكن المشرفة التي جعلها الله تعالى
شأنه مناسك للعبادة، فهي ليست في
الحقيقة من الموات الذي هو بمعنى المعطل
عن الانتفاع، بل هي أعظم من الوقف
الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم
بجريان الصيغة من الواقف، فإن الشارع
الذي هو المالك الحقيقي قد دل على
اختصاصها موطنا للعبادة من دون إجراء
صيغة.
ومن هذا القبيل ما جعله الله
مسجدا كالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة ومراقد الأئمة
عليهم السلام، فالتعرض لتملكها مناف لذلك، لما
فيه من تفويت المصلحة المقصودة منها (1).
ومع ذلك فقد قال المحقق: " أما لو
عمر فيه ما لا يضر ولا يؤدي إلى ضيقها
عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع
منه " (2).
لكنه قول نادر (1).
خامسا - أن لا يكون مما أقطعه إمام
الأصل:
والإقطاع هو ما يدفعه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أو الإمام لشخص، وهو يفيد
الملكية أو الاختصاص (باختلاف المباني)،
ولذلك لا يصح للغير المبادرة إلى التصرف
فيه بإحياء وغيره (2).
راجع: " إقطاع ".
سادسا - أن لا يكون محجرا:
والتحجير هو تحديد مكان بوضع
حجر أو بناء حائط أو حفر مرز، لفصله
عن غيره مقدمة للقيام بإحيائه، وهو يفيد
حق الأولوية للمحجر - على المشهور - فلا
يجوز للغير التصرف فيه.
نعم، لو أهمل العمارة أجبره الإمام
على أحد أمرين: إما الإحياء، وإما
التخلية بينها وبين غيره (بأن يحييها
غيره)، ولو امتنع أخرجها من يده لئلا

(1) الجواهر 38: 54 والروضة البهية 7:
156.
(2) الشرائع 3: 274.
(1) الجواهر 38: 54 والروضة البهية 7:
157.
(2) الجواهر 38: 54، والروضة البهية 7:
159.
339

يعطلها (1).
راجع: " تحجير ".
سابعا - أن لا يكون حمى:
والحمى هو المكان الذي يخصص
للانتفاع به على وجه مخصوص أو لأفراد
مخصوصين، حسب التعيين، فلا يحق للغير
التصرف فيه.
وقد بحث الفقهاء في جوازه وعدمه
بالنسبة إلى غير النبي والإمام، وهم لا
يختلفون في جوازه بالنسبة إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وإمام الأصل، كما حمى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم " النقيع " لخيل
المجاهدين وإبل الصدقة ونعم الجزية. نعم
لم يحم صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه وإنما حمى
للمسلمين (2).
راجع: " حمى ".
ثامنا - أن يكون المحيي مسلما:
اختلف الفقهاء في هذا الشرط على
قولين:
الأول - إن الإسلام شرط في تملك
المحيي لما أحياه، فلا يملك الكافر ما أحياه
وإن كان بإذن الإمام عليه السلام.
ذهب إليه بعض الفقهاء منهم
العلامة، قال في التذكرة:
" إذا أذن الإمام عليه السلام لشخص في
إحياء الأرض ملكها المحيي إذا كان
مسلما، ولا يملكها الكافر بالإحياء ولا
بإذن الإمام عليه السلام له في الإحياء، فإن
أذن له الإمام عليه السلام فأحياها لم يملك عند
علمائنا " (1).
وقال مثله في جامع المقاصد (2)،
وارتضاه في الجواهر حيث قال: " ولا
مانع عقلا ولا شرعا في عدم ترتب الملك
على الإحياء للكافر وإن أذن في الإحياء
الإمام عليه السلام، إذ الإذن في أصل إيجاده
غير الإذن في تملكه به " (3).
الثاني - إن الإمام لو أذن بالتملك
بالإحياء ملك الكافر ما أحياه وإلا فلا،
وهذا واضح، وإنما الكلام في أن الإمام
هل يصح أن يأذن للكافر بالتملك بالإحياء
أو لا؟
هكذا غير الشهيد الأول صورة

(1) الجواهر 38: 56 - 59، والروضة البهية
7: 160.
(2) الجواهر 38: 61.
(1) التذكرة 2: 400.
(2) جامع المقاصد 7: 10.
(3) الجواهر 38: 13.
340

المسألة، قال في الدروس:
" ثانيها: أن يكون المحيي مسلما،
فلو أحياها الذمي بإذن الإمام عليه السلام ففي
تملكه نظر، من توهم اختصاص ذلك
بالمسلمين، والنظر في الحقيقة في صحة إذن
الإمام عليه السلام له في الإحياء للتملك، إذ
لو أذن لذلك لم يكن بد من القول بملكه،
وإليه ذهب الشيخ نجم الدين " (1).
وتبعه في ذلك المحقق الثاني في
جامع المقاصد، والشهيد الثاني في الروضة
والمسالك (2)، قال المحقق الثاني: " يشترط
كون المحيي مسلما، فلو أحياه الكافر لم
يملك عند علمائنا وإن كان الإحياء بإذن
الإمام عليه السلام - إلى أن قال: -
والحق: أن الإمام عليه السلام لو أذن له
بالتملك قطعنا بحصول الملك له، وإنما
البحث في أن الإمام عليه السلام هل يفعل
ذلك نظرا إلى أن الكافر أهل أم لا؟
والذي يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب
العدم " (3).
وقال الشهيد الثاني في الروضة:
" وفي ملك الكافر مع الإذن قولان، ولا
إشكال فيه لو حصل، إنما الإشكال في
جواز إذنه عليه السلام نظرا إلى أن الكافر هل
له أهلية ذلك أم لا؟ " (1)
هذا كله إذا كانت الأرض في بلاد
الإسلام، وأما إذا كانت في أرض الكفر
فيجوز للكافر إحياؤها بلا إشكال كما
يجوز للمسلم إحياؤها أيضا لو تمكن.
تاسعا - نية التملك:
اختلف الفقهاء في اشتراط نية التملك
- في التملك بسبب الإحياء - على أقوال:
الأول - اشتراط نية التملك:
وهو الظاهر من الشيخ في المبسوط
حيث قال بالنسبة إلى تملك الآبار بعد أن
قسمها إلى ثلاثة:
" وأما الضرب الثالث من الآبار،
وهو إذا نزل قوم موضعا من الموات
فحفروا فيه بئرا ليشربوا منها ويسقوا
بهائمهم ومواشيهم منها مدة مقامهم، ولم
يقصدوا التملك بالإحياء فإنهم لا يملكونها،
لأن المحيي لا يملك بالإحياء إلا إذا قصد
تملكه به، فإذا ثبت أنه لا يملكه فإنه

(1) الدروس 3: 55.
(2) المسالك 2: 287.
(3) جامع المقاصد 7: 10.
(1) الروضة 7: 135.
341

يكون أحق به مدة مقامه، فإذا رحل فكل
من سبق إليه فهو أحق به " (1).
وصرح بذلك الشهيد في الدروس
فقال - عند عد شرائط الإحياء -:
" تاسعها - قصد التملك، ولو فعل أسباب
الملك لغير قصد التملك فالظاهر أنه لا
يملك، وكذا لو خلا عن قصد، وكذا سائر
المباحات كالاصطياد والاحتطاب
والاحتشاش، فلو أتبع ظبيا يمتحن قوته
فأثبت يده عليه لا بقصد التملك لم يملك،
وإن اكتفينا بإثبات اليد ملك... " (2).
وصرح به صاحب مفتاح الكرامة
أيضا في باب الشركة (3).
الثاني - أنه لا يشترط مطلقا:
وهو الظاهر من صاحب الجواهر (4)
في بحث إحياء الموات، والشركة، ويظهر
منه في الشركة أن الإحياء سبب قهري
للملك، لكنه حاول فرض النزاع في
المسألة لفظيا (5).
الثالث - إنه يشترط أن لا ينو
ضده:
وهو مختار المحقق الكركي في كتاب
الشركة حيث قال:
" ولم لا يجوز أن يقال: إنه يملك
بالحيازة إن نوى التملك، أو لم ينو شيئا،
وإن نوى الضد انتفى الملك؟ وهذا
أصح " (1).
الرابع - التوقف في ذلك:
وهو الظاهر من صاحب الحدائق (2)
في بحث الشركة - في مسألة ما لو حاش أو
اصطاد له ولغيره... - ونسب التوقف إلى
جملة من المحققين كالمحقق في الشرائع
والعلامة في جملة من كتبه.
الخامس - اشتراط قصد الحيازة لا
قصد التملك:
بمعنى أنه يشترط في حيازة
المباحات - ومنها إحياء الموات - نية
الحيازة ولا يشترط قصد التملك، وعليه
يحمل ما ورد في النص والفتوى: " من أن
من اشترى سمكة فأخرج من جوفها درة
فهي للمشتري دون البائع "، لأن الصائد لم

(1) المبسوط 3: 281.
(2) الدروس 3: 61.
(3) مفتاح الكرامة 7: 420.
(4) الجواهر 38: 32.
(5) الجواهر 26: 321 - 324.
(1) جامع المقاصد 8: 52.
(2) الحدائق 21: 190.
342

يقصد حيازة الدرة، لعدم العلم بها ولذلك
لم يملكها.
وهذا الرأي ذهب إليه السيد الخوئي
في المستند (1).
عاشرا - المباشرة في الإحياء:
اختلف الفقهاء في اشتراط المباشرة
في الإحياء وعدمه، ومنشأ الشك في ذلك
هو أن الإحياء هل هو قابل للنيابة أو لا،
فإن كان قابلا لها فلا تشترط المباشرة بل
يجوز للغير أن يقوم بالإحياء إما نيابة أو
وكالة أو إجارة أو غير ذلك، وإن لم يكن
قابلا لها فلا بد من المباشرة كما في الصلاة
اليومية، والحج - مع القدرة - وأمثالهما،
والملاك لتشخيص ذلك هو أن غرض
الشارع إن تعلق بصدور الفعل الخاص من
مكلف خاص فلا تصح فيه النيابة، وإن
تعلق بصدوره من أي شخص كان فهو
قابل للنيابة كما في البيع والإجارة،
ونحوهما، ولكن مع ذلك فقد وقع
الاختلاف في بعض الأشياء هل أنها قابلة
للنيابة أو لا؟ من قبيل حيازة المباحات
وإحياء الموات، وأمثالهما، والأقوال التي
عثرنا عليها هي:
أولا - قابليتها للنيابة والوكالة:
وهو الظاهر من الشيخ في المبسوط
حيث عده فيما يقبل التوكيل ولكنه قال في
آخر بحثه:
" وأما الإحياء فلا يصح التوكيل
فيه، لأنه يختص بفعله " (1). وقال في
مفتاح الكرامة: وفي بعض نسخ المبسوط في
آخر كلامه: " المنع من التوكيل في الإحياء
ولم أجد ذلك في النسخة الأخرى " (2).
وتبعه في ذلك بعض الفقهاء، منهم:
ابن إدريس (3) والمحقق الكركي في جامع
المقاصد (4) والشهيد في المسالك (5) وصاحب
الجواهر (6) وصاحب المستمسك (7)
ثانيا - عدم قابليتها لذلك:
صرح المحقق في الشرائع (8) بعدم
قابلية الاحتطاب والاحتشاش للوكالة،

(1) مستند العروة (الإجارة): 350 - 351.
(1) المبسوط 2: 363.
(2) مفتاح الكرامة 7: 560.
(3) السرائر 2: 83.
(4) جامع المقاصد 8: 218.
(5) المسالك 2: 346.
(6) الجواهر 27: 380.
(7) المستمسك 12: 126.
(8) الشرائع 2: 195.
343

وكذا يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع (1)،
بينما استشكل العلامة في ذلك في القواعد
حيث قال: " وفي التوكيل بإثبات اليد على
المباحات كالالتقاط، والاصطياد،
والاحتشاش، والاحتطاب نظر " (2).
ثالثا - التفصيل بين الإجارة وغيرها
من النيابة والوكالة:
وحاصل هذا التفصيل هو:
أن الإجارة على حيازة المباحات
وإحياء الموات صحيحة، لأن المستأجر
يملك عملية الحيازة والإحياء بالإجارة،
ويكون المباشر كالآلة فإذا كان كذلك فهو
يملك نتيجة العملية، أي الحيازة والإحياء،
وقد قامت السيرة على ذلك وهو أمر
متعارف بين الناس ولا سيما في مثل
الاستئجار لصيد الأسماك، فإن بناء العرف
والعقلاء قد استقر على اعتبار ملكية
المحاز لمالك الحيازة لا للحائز المباشر،
فيعتبرون المستأجر مالك السمكة دون
صائدها.
وأما الوكالة فإنها لما كانت تجري في
الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات
وما يلحق بها من القبض والإقباض دون
الأمور التكوينية كالنوم والأكل والشرب
ونحوها، فلا تجري في الحيازة وإحياء
الموات، لأنها، من الأمور التكوينية،
وبعبارة أخرى: لو باع الوكيل دار الموكل
يقال: باع فلان (الموكل) داره، ويكون
البيع مسندا إليه حقيقة لا إلى الوكيل،
بخلاف مثل الأكل والشرب وإحياء
الأرض، فإنه لا تسند هذه الأمور إلا إلى
فاعلها.
وأما النيابة فلما كان العمل فيها قائما
بالنائب، وأثره - من الثواب والإجزاء
ونحوهما - عائدا إلى المنوب عنه نظير أداء
دين الغير فيكون ذلك خلافا للقواعد لا
يلتجأ إليه إلا بدليل قوي، وهو مفقود في
مثل إحياء الموات والحيازة.
ذهب إلى هذا الرأي السيد الخوئي
في المستند (1)، وخالف في ذلك بعض
الفقهاء الذين قالوا بدوران جواز الإجارة
فيها مدار جواز التوكيل وعدمه، قال
المحقق الكركي: "... إذا عرفت ذلك
فاعلم أنا إذا جوزنا التوكيل في هذا

(1) الجامع للشرائع: 319.
(2) القواعد 1: 254.
(1) مستند العروة (الإجارة): 346 - 356.
344

جوزنا الإجارة عليه، وإن منعناه منعنا
الإجارة، وبه صرح في التذكرة " (1).
ثالثا - كيفية الإحياء:
لا خلاف بين الفقهاء في أن المرجع
في الإحياء هو العرف، لعدم التنصيص
شرعا على كيفية خاصة، فعلى هذا يكون
إحياء كل شئ بحسبه، ونحن نشير - هنا -
إلى ما هو المتعارف في إحياء كل قسم.
ألف - إحياء الأراضي:
إن الأرض المحياة إما أن يقصد من
إحيائها السكنى أو الزراعة أو جعلها
حظيرة أو نحو ذلك.
فإذا قصد احياءها للسكن فيكفي في
ذلك إحاطة جميع أجزاء الدار بشئ
كالقصب أو الخشب أو الحجر أو ببناء من
أنواع أخر من مواد البناء، كما يكفي
تسقيف بعض أجزاء الأرض مما يمكن
سكناه.
أما نصب الأبواب وبناء المرافق
كاملة فلا يشترط في صدق الإحياء.
ولو قصد الحظيرة للغنم أو لتجفيف
الثمار أو لجمع الحطب ونحوه، فيكفي الحائط
ولو بقصب أو خشب أو نحوهما من دون
تسقيف.
ولو قصد من الأرض الزراعة
احتاج في صدق إحيائها إلى إزالة الموانع
من الانتفاع منها مثل قطع المياه الغالبة،
وعضد الأشجار الكثيرة، كما يحتاج إلى
سوق الماء إليها بساقية أو حفر بئر وأمثال
ذلك حيث يحتاج إلى الماء. وأما الحرث
والزرع فلا يحتاج إليه في صدق الإحياء
وإن تحقق بهما لو تحققا.
وربما أضاف بعضهم إلى ذلك:
إفراز الأرض عن غيرها وتحديدها بجعل
مسناة أو مرز أو ما شابههما، وهو الذي
يطلق عليه التحجير.
هل يكفي التحجير في صدق الإحياء
أو لا؟
اختلف الفقهاء في كفاية التحجير
وحده لصدق الإحياء؟
فالمشهور بين الفقهاء: أن التحجير
وحده ليس إحياء بل هو شروع فيه،
ولذلك فهو لا يفيد الملكية عندهم بل يفيد
الأولوية. نعم، نقل عن ابن نما (1) القول

(1) جامع المقاصد 8: 218.
(1) الجواهر 38: 74.
345

بإفادته الملكية، لأنه إحياء. وقال في
المسالك: " وحيث كان المحكم في الإحياء
العرف فإن وافق التحجير في بعض الموارد
كفى وإلا فلا " (1) كما إذا كانت الأرض مهيأة
للزراعة من جميع الجهات وكانت محتاجة
إلى تحديدها فقط للعمل فيها.
راجع: " تحجير ".
ب - إحياء الأنهار والآبار:
يتم إحياء الأنهار بحفرها في
الأراضي المباحة وإيصالها إلى مشرع الماء
بحيث يمكن جريانه فيه بسهولة سواء
أجرى أم لا، لأن حصول المنفعة بالفعل (2)
غير شرط في الإحياء، وإنما المعتبر تهيئة
النهر للانتفاع.
وأما الآبار فيتحقق إحياؤها بحفرها
وإعدادها لجمع الماء فيها وسحبه منها وإن
لم يجتمع فيها فعلا.
ج - إحياء المعادن:
المعادن على قسمين:
الأول - المعادن الظاهرة:
وهي التي يبدو جواهرها من غير
عمل، وإنما السعي والعمل لتحصيلها، نعم
قد يسهل تحصيلها وقد يلحقه التعب،
وهذه لا تملك بالإحياء والعمارة، ولا
يختص بها التحجير، لأن التحجير شروع
في الإحياء وهو منتف هنا (1).
الثاني - المعادن الباطنة:
وهي التي لا يظهر جوهرها إلا
بالعمل والمعالجة كالذهب والفضة
والفيروزج والياقوت...
وهذه تملك بالإحياء ويتحقق
إحياؤها بالحفر والعمل في المعدن إلى أن
يبلغ نيله، وقبل ظهوره يكون العمل
تحجيرا (2).
راجع: " معادن ".
رابعا - حكم الإحياء:
إن حكم الإحياء إجمالا هو أنه إما
يفيد الملك أو الحق، حسب اختلاف
الموارد والمباني، والآن لا بد من توضيح
ذلك:
أولا - الأراضي:
ألف - كلما كانت الأرض الميتة ملكا
346

للإمام عليه السلام فيجوز إحياؤها بالشرائط
ويكون المحيي لها مالكا لها. والأراضي
الميتة التي يملكها الإمام عليه السلام هي الميتة
بالأصالة أو الميتة المسبوقة بالعمارة
الأصلية.
ب - إذا كانت الأرض الميتة مسبوقة
بالعمارة البشرية وكان صاحبها ملكها
بالشراء ونحوه وكان معروفا ولكن ترك
عمارتها فإنها تبقى على ملك مالكها الأول
بالإجماع.
ج - إذا كانت كذلك ولكن كان
الأول قد ملكها بالإحياء، ففي هذه
الصورة قولان:
1 - أنها تبقى على ملك مالكها
الأول.
2 - أنها تصير ملكا لمن أحياها
ثانيا.
د - إذا ملكها الأول بالشراء أو
بالإحياء وقلنا بعدم خروجها عن ملكه
وأصر على ترك عمرانها، ففيه قولان:
1 - أنه يجوز للغير إحياؤها ويصير
أحق بها، ولكن لا يملكها بل عليه أن
يؤدي إلى الأول طسقها (أي أجرتها).
2 - أنه يجب على الثاني استئذان
الأول فإن امتنع فيستأذن الحاكم
الشرعي، فإن تعذر أحياها وعليه طسقها.
وعلى هذا يكون الثاني أحق بها
أيضا وإذا كان المالك الأول مجهولا ففيه
تفصيل قد تقدم.
ثانيا - الأنهار:
لا إشكال في أنه من حفر نهرا في
أرض مباحة فهو يملك النهر، وكذا لو حفر
بئرا، وإنما المهم بيان حكم الماء الجاري في
النهر، والماء الموجود في البئر هل يملكه
المحيي أو لا؟ بل له حق الأولوية فقط؟
ولأجل أن يتضح ذلك لا بد من
بيان حكم المياه بشكل إجمالي فنقول: إن
مصادر المياه الطبيعية على قسمين:
أحدهما - المصادر المكشوفة التي
أعدها الله للإنسان على سطح الأرض،
كالبحار والأنهار والعيون الطبيعية.
وهذا القسم - من المياه - يعتبر من
المشتركات العامة بين الناس، والمشتركات
هي الثروات الطبيعية التي لا يأذن
الإسلام لفرد خاص أن يتملكها، وإنما
يسمح للأفراد جميعا أن يستفيدوا منها مع
احتفاظ أصل المال ورقبته بصفة الاشتراك
347

والعموم، فالبحر أو النهر الطبيعي من الماء
لا يملكه أحد ملكية خاصة، ويباح
للجميع الانتفاع به، وإذا حاز الشخص
منها كمية في أي ظرف، مهما كان نوعه
ملك الكمية التي حازها، فلو اغترف من
النهر بإناء أو سحب منه بآلة أو حفر
حفيرة بشكل مشروع وأوصلها بالنهر
أصبح الماء الذي غرفه الإناء أو سحبته
الآلة أو اجتذبته الحفيرة ملكا له بالحيازة،
وبدون العمل والحيازة لا يملك من الماء
شيئا.
ثانيهما - المصادر المكنوزة في أعماق
الطبيعة:
وهي التي يتوقف وصول الإنسان
إليها على جهد وعمل، كمياه الآبار التي
يحفرها الإنسان ليصل إلى ينابيع الماء.
وهذا القسم من المياه لا يختص به
أحد ما لم يعمل للوصول إليه والحفر
لأجل اكتشافه، فإذا اكتشفه إنسان بالعمل
والحفر أصبح له حق في العين المكتشفة
يجيز له الاستفادة منها، ويمنع الآخرين من
مزاحمته، لأنه أحق بالعين من غيره،
ويملك ما يتجدد من مائها، لأنه لون من
ألوان الحيازة.
إذن يملك المحيي ماء النهر والبئر بعد
حيازته لهما وجريان الماء في النهر أو
اجتماعه في البئر.
هذا هو الرأي المشهور لدى
الإمامية، وهناك رأي للشيخ الطوسي
مفاده: أن إحراز الماء في نهر أو بئر أو ما
شابه ذلك يفيد حق الأولوية، فإنه قال:
" الآبار على ثلاثة أضرب، ضرب
يحفره في ملكه، وضرب يحفره في الموات
ليملكها وضرب يحفره في الموات لا
للتملك... - ثم بين أن حافر البئر يكون
مالكا لها في القسمين الأولين، ثم قال
بالنسبة إلى الماء الموجود فيهما -:
فإذا ثبت هذا، فالماء الذي يحصل
في هذين الضربين هل يملك أم لا؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما أنه يملكه وهو
الصحيح، والثاني أنه لا يملكه... - ثم بين
بعض أحكام القسمين الأولين وأن الحافر
في القسم الثالث لا يملك البئر - ثم قال:
فكل موضع قلنا إنه يملك البئر فإنه
أحق من مائها بقدر حاجته لشربه وشرب
ماشيته وسقي زروعه فإذا فضل بعد ذلك
شئ وجب عليه بذله بلا عوض لمن
احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من
348

السابلة وغيرهم، وليس له منع الماء
الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره
من رعي الكلاء الذي يقرب ذلك الماء
وإنما يجب عليه ذلك لشرب المحتاج إليه
وشرب ماشيته فأما لسقي زرعه فلا يجب
عليه ذلك، لكنه يستحب " (1).
وقال - قريبا من ذلك - بالنسبة إلى
مياه الأنهار، فإنه بعد أن قسمها قال
بالنسبة إلى النهر المحيا:
" وأما الماء الذي في نهر مملوك فهو
أن يحفروا في الموات نهرا صغيرا ليحيوا
على مائه أرضا، فإذا بدأوا بالحفر فقد
تحجروا إلى أن يصل الحفر إلى النهر الكبير
الذي يأخذون منه الماء، فإذا وصلوا إليه
[أي الماء] ملكوه [أي النهر]. - إلى أن
قال -:
فإذا تقرر هذا فالماء إذا جرى فيه
لم يملكوه... لكن يكون أهل النهر أولى
به، لأن يدهم عليه... " (2).
هذا واشترط ابن الجنيد الإسكافي
في تملك ماء النهر أن يكون هناك ما يسد
ويفتح به ماء النهر، ولعله لتوقف صدق
الحيازة التي هي فعل من أفعال المكلف
المقدور له فعلا وتركا على ذلك (1).
ثالثا - المعادن:
تقدم أن المعادن التي يتحقق فيها
الإحياء إنما هي المعادن الباطنة، وهذه
تملك بالإحياء، وادعي عدم الخلاف
فيه (2).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان
" معدن ".
مظان البحث:
1 - إحياء الموات
2 - الجهاد: الغنائم
3 - المكاسب المحرمة: أحكام الأراضي
4 - الوكالة: ما يصح التوكيل فيه
5 - الإجارة: الإجارة على الاحتطاب وإحياء
الموات و...
6 - الشركة والمضاربة ونحوها عند البحث عن
تحققها في مثل الاحتطاب والاحتشاش وإحياء
الموات.

(1) المبسوط 3: 281، 284.
(2) نفس المصدر.
(1) الجواهر 38: 126.
(2) الجواهر 38: 110.
349

أخ
لغة:
المشارك آخر في الولادة من
الطرفين، أو من أحدهما، أو من الرضاع،
ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو
في الدين... (1)
اصطلاحا:
لا يفرق عن معناه لغة إلا أنه
ينصرف إلى المشارك في الولادة عند
الإطلاق، ويقيد إذا كان من الرضاع به.
الأحكام:
أهم الأحكام المترتبة على الأخ
هي:
أولا - النكاح:
تحرم الأخت وإن نزلت على الأخ
فلا يجوز له نكاحها.
راجع: " أخت ".
ثانيا - الإرث:
يقع الأخ في الطبقة الثانية من
الميراث، أي يكون مع الأجداد، وعلى
ذلك:
1 - فإن كان الأخ أخا للميت من
الأبوين فهو يرث المال كله بالقرابة - إن لم
يكن له وارث من الطبقة الأولى (الأولاد
والأبوين) - وإن كانوا متعددين فلهم المال
بالسوية (1).
2 - وإن اجتمعوا مع الأخوات
- للأبوين - فللذكر منهم مثل حظ
الأنثيين (2).
3 - وإن اجتمعوا مع الأجداد
والجدات فهم كالأجداد، والأخوات
كالجدات، فللمتقرب من قبل الأب الثلثان
للذكر مثل حظ الأنثيين، وللمتقرب بالأم
الثلث يقسم بينهم بالسوية (3).
4 - ولا يرث الأخ أو الأخت من

(1) مفردات ألفاظ القرآن للراغب: " أخ ".
(1) الجواهر 39: 148.
(2) الجواهر 39: 148.
(3) الجواهر 39: 155 - 157.
350

الأب مع وجود الأخ أو الأخت من
الأبوين. نعم، يقومان مقامهما مع
فقدهما (1).
5 - ولو اجتمع الأخ من الأم مع
الأخ من الأبوين، كان للمتقرب بالأم
السدس إن كان واحدا أو الثلث إن كانوا
أكثر، يقسم بينهم بالسوية، والباقي لمن
يتقرب بالأبوين (2).
6 - ولو انفرد الأخ من الأم (ولا
وارث غيره) كان له السدس فرضا والباقي
ردا، وإن كان أكثر من واحد فلهم الثلثان
فرضا والباقي ردا، يقسم بينهم بالسوية (3).
7 - وأولاد الأخوة يقومون مقام
آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد
والجدات (4).
8 - ولو كان أحد الزوجين موجودا
فله نصيبه الأعلى، والباقي لمن كان ممن
تقدم ذكره (5).
أخ رضاعي
اصطلاحا:
هو المشترك مع إنسان غيره في
الرضاع بما ينشر معه الحرمة، من غير
اشتراك في الولادة.
راجع: " رضاع ".
إخبار
راجع: الملحق الأصولي: " أخبار "،
" إخبار "، " خبر "، " إنشاء ".
أخت
لغة:
مؤنث الأخ.

(1) الجواهر 39: 149.
(2) الجواهر 39: 150.
(3) الجواهر 39: 149 - 150.
(4) الجواهر 39: 167.
(5) الجواهر 39: 158.
351

اصطلاحا:
المراد بالأخت وبنتها هي: كل
امرأة ولدها الأبوان أو أحدهما. وبعبارة
أخرى: هي كل امرأة ولدها الأبوان أو
أحدهما، أو انتهى نسبهما إليهما أو أحدهما
بالتولد " (1).
الأحكام:
أولا - النكاح:
يحرم على الإنسان أن ينكح أخته
وبنتها وإن نزلت، بنص الكتاب: (حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات
الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة...) (2).
راجع: " أسباب التحريم ".
ثانيا - الإرث:
الأخت كالإخوة في الطبقة الثانية
من الإرث، وعليه:
1 - فإن كانت واحدة من قبل
الأبوين فلها نصف المال فرضا، لقوله
تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها
ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما
ترك...) (1) ويرد عليها الباقي، لقوله
تعالى: (وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله) (2).
2 - وإن كانتا أختين فصاعدا كان
لهما أو لهن الثلثان فرضا في كتاب الله،
والباقي ردا، للآيتين السابقتين.
3 - وإن اجتمعت الأخوات مع
الإخوة للأبوين فللذكر مثل حظ الأنثيين.
4 - وإن كانت أختا واحدة من قبل
الأم كان لها السدس فرضا، والباقي يرد
عليها لأجل القرابة.
5 - وإن كن أخوات أو إخوة
وأخوات من قبل الأم كان لهن أو لهم
الثلث بالسوية فرضا، والباقي يرد عليهم
للقرابة.
6 - إذا كان الورثة متفرقين بعضهم
للأب وبعضهم للأبوين كان لمن يتقرب
بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن
كانوا أكثر، يقسم بينهم بالسوية سواء كانوا

(1) الحدائق 23: 308.
(2) النساء: 23.
(1) النساء: 176.
(2) الأحزاب: 6.
352

إخوة أو أخوات أو مختلفين، ثم يقسم
الباقي (الثلثان) بين من يتقرب بالأبوين
على حسب الفروض المعينة، فإن كانت
أختا فلها النصف، وإن كن أخوات فلهن
الثلثان بالتساوي، وكذا لو كانوا إخوة
وإن اختلفوا فللذكر مثل حظ الأنثيين ولو
زادت الفريضة فترد على المتقربين
بالأبوين.
7 - ولو كان أحد الزوجين موجودا
فله نصيبه الأعلى، والباقي لمن كان ممن
تقدم ذكره.
8 - أولاد الأخوات يقومون مقام
أمهاتهم مع فقدهن (1).
أختان
لغة:
مثنى الأخت.
الأحكام:
أولا - النكاح:
لا يجوز الجمع بين الأختين في
النكاح دواما أو متعة سواء كانتا نسبيتين
أو رضاعيتين (1)، وذلك بنص الكتاب لقوله
تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم و... وأن تجمعوا بين
الأختين...) (2).
راجع: أسباب التحريم.
ثانيا - الإرث:
سهم الأختين فصاعدا في الإرث
الثلثان (إن لم يكن معهما إخوة)، ذلك
بنص الكتاب في قوله تعالى: (إن امرؤ
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما
ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن
كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) (3).
راجع: أخت / ثانيا الإرث / 2.

(1) الجواهر 39: 147 - 167.
(1) العروة: فصل المحرمات بالمصاهرة، المسألة
39.
(2) النساء: 23.
(3) النساء: 176.
353

أخت الرضاعية
وهي شريكة الإنسان في الرضاع.
راجع: رضاع.
أخت الزوجة
وهي شريكة الزوجة في الولادة أو
الرضاع الموجب لنشر الحرمة.
راجع: أختان أسباب التحريم،
رضاع،
اختصاص
لغة:
معروف.
اصطلاحا:
راجع: اختصاصات النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، وأسباب الاختصاص، وحق
الاختصاص.
اختصاصات النبي (ص)
كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحكام
يختص بها ولم يكن يشاركه فيها غيره،
وقد جرت عادة الفقهاء بذكرها في كتاب
النكاح، لأنها بالنسبة إليه أكثر، وقد ذكر
المحقق في الشرائع منها خمسة عشر، ستة
في النكاح وتسعة في غيره، وذكر العلامة
في التذكرة ما يزيد على سبعين، وأفرد
بعضهم لها كتابا ضخما، لكثرتها وزيادتها
على ما ذكر، وفيما يلي نذكر أهمها:
أولا - جواز العقد زيادة على أربع:
من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم جواز
الزيادة على أربع نسوة في النكاح الدائم،
وهذا ما لا خلاف فيه، فقد قبض عن تسع
354

نسوة، هن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة
المخزومية، وأم حبيبة بنت أبي سفيان،
وميمونة بنت الحرث الهلالية، وجويرية
بنت الحرث الخزاعية، وسودة بنت زمعة،
وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية،
وزينب بنت جحش. وكان له سواهن:
التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وخديجة بنت خويلد أم ولده، وزينب بنت
أبي الجون التي خدعت، والكندية.
وجميع من تزوج بهن خمس عشرة،
وجمع بين إحدى عشرة، ودخل بثلاث
عشرة، وفارق امرأتين في حياته (1).
ثانيا - العقد بلفظ الهبة:
ومن خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم
جواز استنكاح امرأة بلفظ الهبة، لقوله
تعالى: (... وامرأة مؤمنة إن وهبت
نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين...) (2)
إشارة إلى المرأة الأنصارية التي وهبت
نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما يجوز وقوع الإيجاب منها بلفظ
" الهبة " - كما هو مقتضى الآية - يجوز وقوع
القبول منه كذلك، لأن موردهما واحد.
ولا يلزم بذلك مهر ابتداء ولا
بالدخول (1).
ثالثا - وجوب تخييره النساء:
ومنها: وجوب تخييره النساء بين
إرادته ومفارقته، لقوله عز وجل (يا أيها
النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة
الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن
سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله
والدار الآخرة فإن الله أعد للمحصنات
منكن أجرا عظيما) (2).
وكان السبب في نزولها ما قيل: من
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حصل على
الغنائم من خيبر قالت له نساؤه: أعطنا
من هذه الغنيمة، قال: قسمتها بين
المسلمين بأمر الله، فغضبن وقلن لعلك
تظن إن طلقتنا لم نجد زوجا من قومنا
غيرك، فأمر الله باعتزالهن والجلوس في
مشربة أم إبراهيم حتى حضن وطهرن، ثم
أنزل الله هذه الآية.. (3).

(1) الحدائق 23: 94 والجواهر 29: 119.
(2) الأحزاب: 50.
(1) كنز العرفان 2: 242، الحدائق 23: 98
والجواهر 29: 121.
(2) الأحزاب: 28.
(3) كنز العرفان 2: 238.
355

وبعد أن خيرهن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بين المقام عنده وبين اختيار أنفسهن
قامت أم سلمة - وهي أول من قامت -
وقالت: قد اخترت الله ورسوله فقمن
كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك (1).
المفهوم من مجموع الأخبار: أن
وجوب هذا التخيير وما يترتب عليه من
وجوب الطلاق لو اخترن أنفسهن
وحصول البينونة بهذا الطلاق من دون
جواز رجعته لو وقع، مما خص به رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لغيره من
الناس (2). وإن كان يظهر من بعض
الأخبار أن ذلك لعموم الناس لكنها
محمولة على التقية (3).
هل يحتاج الطلاق إلى صيغة؟
والأمر المهم الذي ينبغي توضيحه
هو: أنه لو اخترن أنفسهن فهل تحصل
البينونة بمجرد الاختيار أو لا بد من
الطلاق؟ فيه قولان:
الأول - أن ذلك كناية عن الطلاق
فلا يقع به الطلاق، بل لا بد من التطليق
صريحا، لأن التخيير ليس له حكم بنفسه،
بل ظاهر الآية أن من اختارت الحياة
الدنيا وزينتها يطلقها، لقوله تعالى: (وإن
كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين
أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) (1).
وهذا رأي أغلب فقهاء الإمامية،
بل ادعي عليه الإجماع في المسالك (2)
والحدائق (3).
الثاني - أن هذا التخيير وإن كان
كناية عن الطلاق لكنه يقع به، لأنه من
خواصه صلى الله عليه وآله وسلم فلا يحتاج إلى
الصيغة، نقل ذلك عن الشيخ في المبسوط
والعلامة في القواعد، والتحرير (4). وصرح
به الفاضل المقداد في كنز العرفان، فقال:
" والتخيير هنا كناية عن الطلاق، فمن
اختارت الدنيا انفسخ نكاحها وهو من
خواصه " (5).
وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل
بوقوعه طلاقا مع نيته واختيارها نفسها

(1) الحدائق 23: 100 نقله عن تفسير القمي.
(2) المصدر السابق.
(3) نفس المصدر: 101 والجواهر 29: 124.
(1) الأحزاب: 28.
(2) المسالك 1: 440.
(3) الحدائق 23: 101.
(4) راجع الجواهر 29: 123.
(5) كنز العرفان 2: 238.
356

على الفور، فلو تأخر اختيارها لحظة لم
يكن شيئا (1).
رابعا - تحريم نكاح الإماء عليه
بالعقد:
ومن خواصه صلى الله عليه وآله وسلم تحريم
نكاح الإماء بالعقد بأن يعقد على أمة
غيره ويتزوجها، نعم لا بأس بأن ينكح
الإماء بملك اليمين، كما قال تعالى: (وما
ملكت يمينك) (2) ووقع بالفعل، فإنه
صلى الله عليه وآله وسلم ملك مارية القبطية وكانت
مسلمة، وملك صفية وهي مشركة، فكانت
عنده إلى أن أسلمت، فأعتقها وتزوجها.
وهذا الحكم وإن كان معروفا بين
الفقهاء ولكن يبدو أنه ليس هناك من
النصوص ما يدل عليه، فقد قال صاحب
الحدائق: "... ونصوصنا خالية منه " (3).
وقال صاحب الجواهر - بعد رد التعليلات
المذكورة لتوجيه الحكم -: " فالعمدة
الإجماع إن تم " (4).
خامسا وسادسا - حرمة الاستبدال
بنسائه والزيادة عليهن:
قيل: حرم على النبي صلى الله عليه وآله
وسلم الاستبدال بنسائه والزيادة عليهن حين
نزول قوله تعالى: (لا يحل لك النساء
من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو
أعجبك حسنهن) (1). مكافأة لهن على
حسن صنيعهن معه، حيث أمر بتخييرهن
في فراقه، والإقامة معه على الضيق
الدنيوي، فاخترن الله ورسوله والدار
الآخرة، واستمر ذلك إلى أن نسخ بقوله
تعالى: (إنا أحللنا لك أزواجك...) (2)
هذا، ولكن صرح في الحدائق
والجواهر بعدم التحريم أصلا حتى يبحث
عن نسخه وعدمه.
قال في الحدائق: " إن ما ذكر من
التحريم في الموضعين المذكورين هو ظاهر
سياق الآيات إلا أن أخبارنا قد شددت
في إنكاره " (3)
وقال في الجواهر: " قد سمعت ما
تقدم من النصوص الدالة على عدم وقوع
هذا التحريم أصلا، وأنه ليس من

(1) نفس المصدر: 239.
(2) الأحزاب: 52.
(3) الحدائق 23: 101.
(4) الجواهر 29: 125.
(1) الأحزاب: 53.
(2) الأحزاب: 50.
(3) الحدائق 23: 102.
357

خواصه في وقت من الأوقات كصحيح
الحلبي وغيره " (1).
ومقصوده من صحيح الحلبي ما
رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " سألته عن قول الله عز وجل: (يا
أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) قلت:
كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء، من
شاء، قلت: (لا يحل لك النساء من بعد
ولا أن تبدل بهن من أزواج) فقال:
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما
شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات
خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي
هاجرن معه، وأحل له أن ينكح من
غيرهن المؤمنة بغير مهر، وهي الهبة، ولا
تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم... - إلى أن قال: -
قلت: قوله تعالى: (لا يحل لك النساء من
بعد)، قال: إنما عنى به النساء اللاتي حرم
عليه في هذه الآية (حرمت عليكم
أمهاتكم...) إلى آخرها، ولو كان الأمر
كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له،
إن أحدكم يستبدل كلما أراده، ولكن ليس
الأمر كما يقولون، إن الله عز وجل أحل
لنبيه ما أراد من النساء إلا ما حرم عليه
في هذه الآية التي في سورة النساء (1).
سابعا - تحريم زوجاته على غيره:
ومن خصوصياته تحريم زوجاته
على غيره كما نص عليه الكتاب في قوله
تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله
ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) (2).
والمسألة اتفاقية بالنسبة إلى
المدخول بها، أما التي فارقها قبل الدخول
بها كالعامرية والكندية فالمشهور فيه
التحريم أيضا وإن قيل أنها لا تحرم
مطلقا، لعدم صدق كونها زوجة للرسول
أيام حياته ومفارقته لها.
ولا يخفى أن تحريم أزواجه إنما هو
للنهي الصريح عنه في الكتاب لا لتسميتهن
ب‍ " أمهات المؤمنين " (3)، وتسميته صلى الله عليه
وآله وسلم والدا، لأن هذه التسمية إنما وقعت
على وجه المجاز لا الحقيقة (4).

(1) الجواهر 29: 125.
(1) الكافي 5: 387 و 388.
(2) الأحزاب: 53.
(3) في قوله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم)
الأحزاب: 6.
(4) الحدائق 23: 103 - 105 والجواهر 29: 129 - 130.
358

ثامنا - عدم وجوب القسمة بين
الأزواج:
قال بعض الفقهاء: إنه لم تكن
القسمة بين الأزواج واجبة على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، لقوله تعالى: (ترجي من
تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن
ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك
أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما
آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان
الله عليما حكيما) (1).
فالإرجاء هو التأخير.
ذكر الفاضل المقداد احتمالات أربعة
في تفسير الآية، وقال في ثالثها:
" ترجي من تشاء فلا تقسم لهن،
وتؤوي إليك من تشاء، فتقسم لهن " ثم
قال:
" فأرجأ سودة، وجويرية، وصفية،
وميمونة، وأم حبيبة، وكان يقسم بينهن ما
شاء، وآوى عائشة، وحفصة، وأم سلمة،
وزينب، فكان يقسم بينهن، فاستدل به
من قال بعدم وجوب القسمة عليه، وأن
ذلك من خواصه، وأن ما كان يفعله من
القسمة تفضلا منه، وطلبا للعدل، وأن لا
ينسب إليه الجور " ثم قال: " وهذا هو
المشهور عند أصحابنا " (1).
ومع ذلك فقد قال المحقق:
" من الفقهاء من زعم أنه لا يجب
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمة بين
أزواجه، لقوله تعالى: ترجي من تشاء
منهن وتؤوي إليك من تشاء " ثم قال:
" وهو ضعيف " (2).
تاسعا - وجوب إجابة المرأة إذا رغب
فيها رسول الله (ص):
استفاد بعض الفقهاء من قضية
زينب وزيد - بالأولوية - أنه إذا رغب
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة وجب
عليها الإجابة لو كانت خلية (3). لكن
الظاهر أنه لم يتحقق له مورد.
عاشرا - وجوب السواك عليه.
الحادي عشر - وجوب الوتر عليه.
الثاني عشر - وجوب الأضحية عليه.
الثالث عشر - قيام الليل والتهجد
فيه:

(1) الأحزاب: 51.
(1) كنز العرفان 2: 243.
(2) شرائع الإسلام 2: 272.
(3) التذكرة 2: 567.
359

لقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به
نافلة لك) (1).
وبين هذا وبين وجوب الوتر عموم
وخصوص مطلق (2).
الرابع عشر - تحريم الصدقة الواجبة
عليه:
وهي الزكاة الواجبة، للنصوص
المتواترة التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة " (3).
وفرقه مع غيره من بني هاشم هو:
أن الزكاة تحرم عليه مطلقا سواء
كان من غير الهاشمي أو من الهاشمي، وأما
بالنسبة إلى بني هاشم فالمحرم عليهم هو
الصدقة الواجبة من غير بني هاشم أما
منهم فلا، قيل: إن هذه الخصوصية
يشترك فيها معه الأئمة عليهم السلام (4).
الخامس عشر - تحريم خائنة الأعين
عليه:
وهي الغمز بها بمعنى الإيماء بها إلى
مباح من ضرب وقتل على خلاف ما
تشعر به الحال، وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله
وسلم: " ما كان لنبي أن تكون له خائنة
الأعين " (1).
أما بالنسبة إلى غيره فيحرم إذا كان
في محرم خاصة، كضرب أو قتل محرم (2).
السادس عشر - إباحة صوم الوصال
له:
وهو عبارة عن الجمع بين الليل
والنهار في الإمساك بالنية عن تروك
الصوم، أو تأخير عشائه إلى سحوره
بالنية.
وهذا الصوم محرم على أمته صلى الله عليه
وآله وسلم لكنه أبيح له (3).
السابع عشر - وجوب إنكار المنكر
إذا رآه.
الثامن عشر - وجوب مشاورة
أصحابه في الأمر:
لقوله تعالى: (وشاورهم في

(1) الإسراء: 79.
(2) الجواهر 29: 126.
(3) الوسائل 6: 1187 الباب 29 من أبواب
المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(4) الجواهر 29: 126.
(1) سنن أبي داود 2: 41، (الباب 92 من
الجهاد).
(2) الجواهر 29: 127، الحدائق 23: 106.
(3) الجواهر 29: 128، الحدائق 23: 107.
360

الأمر) (1).
التاسع عشر - تحريم الخط والشعر
عليه:
وإن اختلف في أنه كان يحسنهما أو
لا؟
العشرون - تحريم نزع لامة الحرب
إذا لبسها حتى يلقى عدوه ويقاتل.
الحادي والعشرون - تحريم أن يمد
عينيه إلى ما متع الله به الناس:
لقوله تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى
ما متعنا به أزواجا...) (2).
الثاني والعشرون - تفضيل زوجاته
على غيرهن:
فقد جعل ثوابهن وعقابهن ضعفين
في قوله تعالى: (يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب
ضعفين...) (3).
الثالث والعشرون - جعل زوجاته
أمهات المؤمنين:
وذلك في قوله تعالى: (وأزواجه
أمهاتهم) (1).
الرابع والعشرون - تحريم أن يسألهن
غيرهن شيئا إلا من وراء حجاب:
وذلك لقوله تعالى: (... وإذا
سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء
حجاب) (2).
الخامس والعشرون - تحريم رفع
صوت غيره عليه ومناداته من وراء
الحجرات:
لقوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي) (3)، وقوله تعالى: (إن
الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم
لا يعقلون) (4).
السادس والعشرون - وجوب الصلاة
عليه في الصلاة.
السابع والعشرون - أبيح له دخول
مكة بغير إحرام خلافا لأمته.
كانت هذه أهم مختصات النبي
صلى الله عليه وآله وسلم التي يترتب عليها أثر
فقهي، وهناك مختصات أخرى لا يترتب

(1) آل عمران: 159.
(2) الحجر: 88.
(3) الأحزاب: 30.
(1) الأحزاب: 33.
(2) الأحزاب: 53.
(3) الحجرات: 2.
(4) الحجرات: 4.
361

عليها ذلك مثل:
أنه كان يبصر وراءه كما يبصر
أمامه بمعنى التحفظ والإحساس في
الحالتين، وأنه كان تنام عينه ولا ينام
قلبه، وأن شريعته نسخت سائر الشرائع،
وأنه خاتم النبيين وأمثال ذلك (1).
مظان البحث:
كتاب النكاح: مقدمات النكاح،
خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
اختلاج
لغة:
الاضطراب، اختلج العضو:
اضطرب (2).
اصطلاحا:
حركة أعضاء الحيوان بعد الذبح
حركة خفيفة.
الأحكام:
المعروف أنه يشترط حركة الحيوان
بعد الذبح أو النحر فلا يكفي الاختلاج،
لأنه قد يحصل في اللحم المسلوخ
أيضا (1).
راجع: " ذباحة ".
اختلاس
لغة:
الاختطاف بسرعة على غفلة (2)
وقيل: هو الاستلاب (3)، وبين المعنيين فرق
واضح، فإن الاستلاب لا يشترط فيه
السرعة ولا الغفلة بل يتحقق بالأخذ علنا
ومكابرة.
اصطلاحا:
اختلفت كلمات الفقهاء تبعا

(1) راجع هذا وما قبله: الجواهر 29: 126 -
131، الحدائق 23: 105 - 107.
(2) المصباح المنير: " خلج ".
(1) الروضة البهية 7: 223.
(2) المصباح المنير: " خلس ".
(3) راجع مجمع البحرين، والصحاح: " خلس ".
362

لاختلاف كلمات اللغويين في ذلك فقال
الشيخ في النهاية: " والمختلس هو الذي
يستلب الشئ ظاهرا من الطرقات
والشوارع " (1) وقال ابن إدريس:
" والمختلس هو الذي يسلب الشئ ظاهرا
لا قاهرا من الطرقات والشوارع، من غير
شهر لسلاح ولا قهرا، بل استلابا
واختلاسا " (2) وقال الشهيد في المسالك:
" المستلب هو الذي يأخذ المال جهرا
ويهرب مع كونه غير محارب. والمختلس
هو الذي يأخذ خفية كذلك " (3).
وقال في الجواهر بعد ذكر ذلك:
" ولعل المنساق منه أخذ المال من صاحبه
عند صدور غفلة منه " (4).
الأحكام:
وحكم الاختلاس هو: استعادة
المال من المختلس، وتعزيره بما يراه
الحاكم، ولا يشمله حد السرقة وهو القطع،
ولا حد المحارب وهو أحد الأربعة
المعروفة (1)، وذلك لما ورد عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال: " لا أقطع في الدغارة
المعلنة - وهي الخلسة - ولكن أعزره " (2)،
وما ورد أيضا: أنه قضى أمير المؤمنين عليه
السلام في رجل اختلس ثوبا من السوق،
فقالوا: قد سرق هذا الرجل، فقال: " لا
أقطع في الدغارة المعلنة ولكن أقطع من
يأخذ ثم يخفي ".
مظان البحث:
الحدود: حد السرقة.
اختيار
لغة:
هو الاصطفاء (3)، أو طلب خير
الأمرين (4) أو الأمور.

(1) النهاية: 722.
(2) السرائر 3: 512.
(3) المسالك 2: 450.
(4) الجواهر 41: 597.
(1) الجواهر 41: 597.
(2) الوسائل 18: 503، الباب 12 من أبواب
حد السرقة الحديث 1 و 2.
(3) لسان العرب، الصحاح: " خير ".
(4) النهاية: " خير ".
363

اصطلاحا:
يرد مصطلح الاختيار في الفقه في
موردين: التكليف، النكاح.
أولا - الاختيار في باب التكليف
أن الاختيار تارة يطلق ويراد به ما
يقابل الجبر، وتارة يطلق ويراد به ما
يقابل الإكراه، وتوضيح ذلك هو:
إن الأفعال الاختيارية الصادرة من
المختار إنما تستند إلى مقدمات موجودة
في أفق النفس مثل: تصور الشئ،
والتصديق بفائدته، والرغبة إليه ثم الشوق
المؤكد إليه المعبر عنه بالإرادة، وهي تأثير
النفس في حركة العضلات.
وكلما فقدت بعض المقدمات مثل
الرغبة والإرادة فسوف لا يصدر الفعل
من الإنسان المختار إلا أن يصل إلى حد
الإلجاء والإجبار كما إذا أوثق وصب في
فيه المسكر.
والاختيار المفقود في هذا الفرض
هو الاختيار المقابل للإجبار.
وأما إذا تحققت المقدمات بأسرها
ولكن بصورة غير طبيعية، كما إذا ألزم
شخص بشرب الخمر وأنذر بأنه إذا لم
يشرب سيصيبه ضرر معتد به، فتناول
الإناء بيده وشرب الخمر.
ففي هذه الصورة توفرت المقدمات
بأسرها إلا أنها توفرت بصورة غير
طبيعية.
والاختيار المفقود - هنا - هو
الاختيار المقابل للإكراه.
الأحكام:
هناك أحكام تترتب على عنوان
الاختيار نشير إلى أبرزها هنا بنحو
الإجمال - وسوف يأتي تفصيل البحث عنها
في عنوان ال " إكراه " - وهي:
أولا - دوران التكليف مدار
الاختيار:
يدور التكليف مدار الاختيار بكلا
معنييه:
أما الاختيار المقابل للجبر فلحكم
العقل بقبح التكليف بما لا يطاق، إذ
المجبور على شرب الخمر، أو الإفطار في
شهر رمضان لا يطيق التكليف
بالاجتناب، بل يكون - أحيانا - من
364

التكليف بالمحال بل قد يكون توجه
التكليف نحوه محالا.
وأما الاختيار المقابل للإكراه فهو
مشترط في التكاليف كلها، بلا خلاف،
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " رفع عن أمتي
تسع:... وما أكرهوا عليه... " فالتكليف
مرتفع عن المكره إلا في قتل النفس.
ثانيا - توقف صحة أفعال المكلف
على الاختيار:
وأما بالنسبة إلى صحة أفعال
المكلف سواء كانت عبادة أو عقدا أو
إيقاعا أو غيرها، فلما كان صحة انتساب
الفعل إلى المكلف متوقفة على قصده
وإرادته، فلذلك يكون القصد والإرادة
مقومين لأفعال المكلف، ولا يمكن نسبة
صلاة، أو بيع، أو طلاق إلى المكلف إلا مع
قصده إليها، ولهذا السبب يكون الاختيار
المقابل للجبر مقوما لأفعال المكلفين، لا
شرطا في صحتها.
نعم، الاختيار المقابل للإكراه شرط
في صحة أفعال المكلف، فلا يصح عقد
المكره ولا إيقاعه، ولذلك جعلوا من
شرائط صحة العقود والإيقاعات الاختيار
بمعنى عدم الإكراه (1).
راجع: " إكراه ".
مظان البحث:
1 - البيع: شرائط صحة العقد
2 - الطلاق: شرائط صحة الطلاق.
ثانيا - الاختيار في باب النكاح
وهو يعني اختيار الزوج الذي أسلم
وله أكثر من أربع زوجات، أربعا منهن،
وإطلاق سراح الباقيات، أو اختيار من
يصح نكاحها لو اجتمعت مع من لا يصح
الجمع بينهما، كالأختين أو العمة وبنت
أخيها والخالة وبنت أختها.
الأحكام:
حكم الاختيار تكليفا:
لما كان إبقاء ما زاد على الأربع من
النسوة في حبالة النكاح غير جائز شرعا
فيجب مفارقة ما زاد على الأربع من باب
المقدمة، وقد ورد: أن النبي صلى الله عليه وآله

(1) راجع: عناوين الأصول: 361، مصباح
الفقاهة 3: 281.
365

وسلم قال لغيلان: " أمسك أربعا وفارق
سائرهن " (1) وفي رواية أخرى: قال له:
" اختر أربعا... " (2) حيث إنه أسلم وعنده
ثمان نسوة.
ومثله ما لو جمع بين أختين، فإذا
أسلم يجب اختيار إحداهن ومفارقة
الأخرى، لحرمة الجمع بينهما كما أمر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فيروز الديلمي - حينما
أسلم عن أختين - أن يختار ويمسك
إحداهما ويفارق الأخرى (3).
شروط الاختيار:
لا بد من توفر بعض الشروط كي
يتحقق الاختيار، وهي:
ألف - لزوم الزيادة على الأربع:
إنما يتم الاختيار إذا كانت النسوة
أكثر من أربع، وإلا فلا مورد للاختيار
وهذا واضح.
ب - يشترط أن تكون الزوجات
مسلمات بمعنى أن يكن أسلمن مع
زوجهن، أو كتابيات حتى يصح بقاؤهن
على عقدهن السابق بناء على جواز نكاح
الكتابيات استدامة كما هو المعروف، وأما
إذا كن مشركات فلا يبقين على النكاح
السابق، بل ينفسخ العقد مع عدم الدخول،
ومع الدخول أنتظر إسلامهن في العدة (1).
ج - يجب أن يكن ممن يجوز
نكاحهن في دين الإسلام، بأن لا يكن من
المحارم للزوج نسبا أو رضاعا (2) وإلا
انفسخ نكاح التي لا يجوز نكاحها.
كيفية الاختيار:
يتحقق الاختيار إما باللفظ أو
بالفعل، أما اللفظ فصريحه مثل: اخترتك،
أو أمسكتك أو ثبتك، أو اخترت
نكاحك، أو اخترت عقدك أو ما جرى
هذا المجرى (3).
والفعل فكالوطء، فلو وطأ أربعا
ثبت عقدهن واندفع البواقي، لاقتضاء
ظاهر الحال ذلك، لأنه لا يطأ إلا من
يختار نكاحها، ولأن ظاهر حال المسلم
صيانته عن الزنى (4).

(1) عوالي اللآلي 1: 228، الحديث 123.
(2) سنن البيهقي 7: 182.
(3) سنن البيهقي 7: 184.
(1) الجواهر 30: 57.
(2) الحدائق 24: 40.
(3) جامع المقاصد 12: 455 والجواهر 30:
60.
(4) جامع المقاصد 12: 463 والجواهر 30: 60
366

وهل التقبيل واللمس بشهوة
اختيار؟ ذكر في جامع المقاصد وجهين في
ذلك واستقرب كونه اختيارا (1). وتوقف
فيه في الجواهر (2).
فورية الاختيار:
قال في الجواهر: " وكيف كان،
فيجب الفور في الاختيار على وجه لا
يستلزم الضرر والتعطيل على الأزواج،
فإن امتنع مع ذلك ألزمه الحاكم به، فإن
أصر على الامتناع، قيل: إنه يعزر حتى
يختار، ولا يختار عنه الحاكم لأنه منوط
بالشهوة، قلت: يمكن دعوى تولي الحاكم
مع ذلك، لعموم ولايته على مثله " (3).
اختصاص الاختيار بالأزواج:
من المتفق عليه: أن الاختيار مختص
بالأزواج فالزوج يختار من الزوجات ما
يصح نكاحها في الإسلام، وأما لو انعكس
الأمر بأن تزوجت المرأة بزوجين قبل
الإسلام فلا حق لها في اختيار أيهما، وأما
ما هو حكمها عندئذ؟ قال المحقق الكركي
- معلقا على كلام العلامة: " وليس للمرأة
اختيار أحد الزوجين بل يبطلان مع
الاقتران، والثاني مع الترتيب " -:
" لما اتفقت الملل على حفظ الفروج
وصيانتها عن اختلاط الأنساب، امتنع
نكاح المرأة الواحدة رجلين، فمتى وقع
ذلك في الكفر، فإن تقدم عقد أحدهما كان
الثاني محكوما ببطلانه عينا، وإلا كان كل
منهما باطلا " (1).
بعض فروعات الاختيار:
الفرع الأول - إذا أسلم وكان قد
تزوج بامرأة وبنتها ففيه أربع صور:
الأولى - أن يكون قد دخل بهما،
فيحرمان معا ولا اختيار، أما البنت
فلدخوله بالأم، وأما الأم فلأنه عقد على
البنت ودخل بهما، وهما سببان في التحريم،
لقوله تعالى: (... وأمهات
نسائكم...) ولكل منهما المسمى من المهر
إن كانت التسمية صحيحة وإلا فمهر المثل.
الثانية - أن يكون قد دخل بالأم
خاصة، فيحرمان أيضا ولا اختيار هنا
أيضا، لنفس السبب، ولا مهر للبنت ولكن

(1) جامع المقاصد 12: 461.
(2) الجواهر 30: 61.
(3) الجواهر 30: 66.
(1) جامع المقاصد 12: 425.
367

للأم المهر المسمى.
الثالثة - أن يدخل بالبنت خاصة،
فتحرم الأم قطعا، للعقد على البنت
والدخول بها، ولا تحرم البنت، لأن العقد
على الأم من دون الدخول بها لا يوجب
تحريم البنت، فلا اختيار هنا أيضا.
الرابعة - أن لا يدخل بواحدة منهما،
وفيه قولان:
أحدهما - أن له اختيار أيتهما شاء،
لأن العقد في حال الشرك لا يحكم بصحته
إلا بانضمام الاختيار في حال الإسلام، فإن
اختار نكاح البنت استقر نكاحها وحرمت
الأم على التأبيد، بخلاف ما إذا اختار
نكاح الأم فإن نكاح البنت وإن كان
ينفسخ بذلك لكنها لا تحرم مؤبدا، لأن
مجرد العقد على الأم من غير دخول لا
يوجب تحريم البنت تحريما مؤبدا إلا إذا
دخل بالأم.
وهذا الرأي منسوب إلى الشيخ
قدس سره.
ثانيهما - أنه يلزمه نكاح البنت، لأن
نكاحها صحيح، فهي ربيبة لم يدخل بأمها
فيجوز تزوجها.
وعلى هذا فلا اختيار أيضا (1).
الفرع الثاني - لو أسلم عن أختين
تخير وإن وطأهما، لأن فيروز الديلمي
أسلم عن أختين فخيره النبي صلى الله عليه وآله
وسلم في إمساك أيتهما شاء، وحكم على غير
المختارة حكم الزائد على العدد (2).
الفرع الثالث - لو أسلم عن العمة مع
بنت الأخ، أو الخالة مع بنت الأخت، فإن
اختارت العمة أو الخالة البقاء على الجمع
مع بنت الأخ أو بنت الأخت صح
النكاحان، بل ربما اكتفى بعض الفقهاء
برضائهما بالجمع حال الكفر أيضا، وأما إذا
لم يختارا الجمع فيتخير الزوج أيهما شاء (3).
وهناك فروعات عديده أخرى لا
يمكن التعرض لها فعلا.
مظان البحث:
النكاح: أسباب التحريم - الكفر.

(1) راجع كل ذلك: جامع المقاصد 12: 426،
الجواهر 30: 67.
(2) جامع المقاصد 12: 427 والجواهر 30:
70.
(3) جامع المقاصد 12: 428 والجواهر 30:
70.
368

أداء
لغة:
من أدى الأمانة إلى أهلها تأدية إذا
أوصلها والاسم " الأداء " (1).
اصطلاحا:
يطلق الأداء في لسان الفقهاء في
الموارد التالية.
1 - أداء الدين:
ويعني ذلك دفع دينه لصاحب
الدين.
وهو من الواجبات الفورية يقدم
على غيره مع مزاحمته إذا لم يكن أهم منه.
راجع تفصيله في عنوان ال " دين ".
2 - أداء الشهادة:
وهو الإدلاء بها عند المطالبة بها.
لا خلاف في أصل وجوبها، بل
الإجماع بقسميه عليه، ويدل عليه قبل
الإجماع قوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه
آثم قلبه) (1).
نعم، وقع الخلاف في أمرين:
الأول - هل أن وجوبه على نحو
الكفاية أو العين؟ ذهب المشهور إلى
الأول، ومع ذلك فقد التزموا بأنه لو
انحصر كان واجبا عينيا شأنه شأن سائر
الواجبات الكفائية لو انحصرت.
الثاني - هل أن وجوبه منحصر في
صورة دعوة المشهود له الشاهد لتحمل
الشهادة فيجب عليه أداؤها عندما يطالب
بها؟ أو لا، فيشمل صورتي الاستدعاء
وعدمها؟
ظاهر أكثر الفقهاء عدم الفرق في
ذلك خلافا لما حكي عن الشيخ وجماعة
حيث لم يوجبوا الأداء مع عدم
الاستدعاء.
ولا يخفى أن وجوب الأداء مشروط
بعدم لحوق ضرر به أو بأحد المؤمنين،
فإذا ترتب الضرر على الأداء سقط
الوجوب (2).

(1) المصباح المنير: " أدى ".
(1) البقرة: 283.
(2) راجع: الشرائع 4: 138، والمسالك 2:
415، والجواهر 41: 183.
369

راجع تفصيل ذلك في عنوان
ال " شهادة ".
3 - الأداء مقابل القضاء:
قد يطلق الأداء ويراد به ما يقابل
القضاء، فالأداء على هذا هو: " إيقاع
الفعل في وقته المحدود له شرعا ". وفي
مقابله القضاء، وهو: " إيقاع الفعل خارج
وقته المحدود له شرعا " (1).
وعلى هذا فالصلاة إذا أوقعت في
وقتها المعين تكون أداء، وإذا أتي بها
خارج وقتها تصير قضاء، ومثل ذلك
الصوم وصلاة الآيات في خصوص
الكسوفين.
وأما الواجبات والمندوبات غير
الموقتة فلا يصدق عليها الأداء والقضاء
كالخمس والزكاة والنوافل المبتدأة وصلاة
الآيات في غير الكسوفين كالزلزال وكل
مخوف سماوي.
وأما ما هي حدود الأداء والقضاء
فيراجع فيها الموارد الخاصة.
وراجع: " قضاء ".
4 - الأداء بمعنى مطلق الإتيان:
وقد يطلق الأداء ويراد به مطلق
الإتيان مثل قولهم: أداء الزكاة، وأداء
الخمس، وأداء الصلاة، وأداء الحج، وأداء
المستحبات ونحو ذلك.
أدب
راجع: " آداب ".
أدنون
لغة:
من الدنئ، وهو: الساقط
الضعيف (1).

(1) القواعد والفوائد 2: 100، القاعدة 181.
(1) لسان العرب: " دنا ".
370

اصطلاحا:
هم الذين يحاسبون على الشئ
الأدون، أو هم الذين لا يسرهم
الإحسان، ولا تسوؤهم الإساءة، أو
الذين لا يبالون بما قالوا، ولا ما قيل
فيهم (1).
الأحكام:
ذكروا في آداب المعاملة: أنه تكره
معاملة الأدنين (2).
أدواري
لغة:
نسبة إلى أدوار جمع " دور "، وهو
عود الشئ إلى ما كان عليه.
اصطلاحا:
وهو الذي يصيبه الجنون زمانا
ويفيق من جنونه زمانا آخر.
ويقابله الإطباقي وهو الذي يستمر
في جنونه.
راجع: " جنون ".
أدون
لغة:
أفعل التفضيل من " الدون " الذي
من معانيه: الأقل والأنقص (1).
اصطلاحا:
إذا كان لشخص نصيبان في الإرث
أحدهما أكثر من الآخر فيسمى الأكثر
ب‍ " النصيب الأعلى " والأقل ب‍ " النصيب
الأدون "، مثال ذلك: الزوج والزوجة،
فالنصيب الأعلى للزوج هو النصف (إذا لم
يكن له ولد)، والأدون هو الربع (إذا كان
معه ولد).
والنصيب الأعلى للزوجة هو الربع

(1) الروضة البهية 3: 293.
(2) نفس المصدر.
(1) لسان العرب: " دون ".
371

(إذا لم يكن لها ولد)، والأدون هو الثمن
(إذا كان لها ولد).
أذان
لغة:
قال في الصحاح: " الأذان:
الإعلام " (1) وقال في النهاية: " الأذان وهو
الإعلام بالشئ، يقال: آذن يؤذن إيذانا،
وأذن يؤذن تأذينا، والمشدد مخصوص في
الاستعمال بإعلام وقت الصلاة " (2).
وقال الفاضل المقداد: "... وهو
[أي الأذان] لغة إما من الإذن بمعنى
العلم، أو من الإذن بمعنى الإجازة، وعلى
التقديرين الأذان أصله: الإيذان كالأمان
بمعنى الإيمان و... وقيل: إنه فعال
بمعنى التفعيل كالسلام بمعنى التسليم...
فأذان المؤذن حينئذ بمعنى التأذين وهو
أقرب " (3).
وأما الإقامة فهي تأتي على معان
والمناسب منها هو " الإدامة "، قال في
الصحاح: " أقام الشئ: أدامه، ومنه قوله
تعالى (ويقيمون الصلاة) " (1).
وقال في المدارك: الإقامة مصدر
أقام بالمكان، والتاء عوض عن عين
الفعل، لأن أصله إقوام، أو مصدر أقام
الشئ بمعنى أدامه، ومنه (يقيمون
الصلاة) " (2). ومثله قال في الحدائق
والجواهر.
وقال في المصباح: " أقام الرجل
الشرع أظهره، وأقام الصلاة أدام فعلها،
وأقام لها إقامة نادى لها " (3).
اصطلاحا:
الأذان: أذكار مخصوصة للإعلام
بدخول أوقات الصلاة (4).
والإقامة: الأذكار المعهودة عند

(1) الصحاح: " أذن ".
(2) النهاية: " أذن ".
(3) كنز العرفان 1: 112.
(1) الصحاح: " قوم ".
(2) المدارك 3: 254.
(3) المصباح المنير: " قوم ".
(4) جامع المقاصد 2: 167، وراجع المدارك
3: 254، والتذكرة 1: 104، والحدائق 7:
328، ومفتاح الكرامة 2: 255.
372

القيام إلى الصلاة (1).
وقيل: إطلاق الأذان على ما قبل
الصبح مجاز (2).
كيفية تشريعهما:
اختلف العامة والخاصة في كيفية
تشريع الأذان والإقامة، فالمعروف بين
العامة هو: أن تشريعهما كان نتيجة رؤيا
رآها أحد الصحابة، بينما يرى الخاصة: أن
ذلك كان نتيجة الوحي من الله تعالى.
قال ابن هشام في سيرته: رأى عبد
الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه النداء،
فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له:
يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة
طائف، مر بي رجل عليه ثوبان أخضران
يحمل ناقوسا في يده، فقلت له: يا عبد
الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع
به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة،
قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال:
قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبر...
ثم ذكر الأذان ثم قال - أي ابن
هشام -:
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال: " إنها لرؤيا حق إن شاء الله،
فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها، فإنه
أندى صوتا منك ".
فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن
الخطاب وهو في بيته، فخرج إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجر رداءه وهو
يقول: يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد
رأيت مثل الذي رأي، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: " فلله الحمد " (1).
وفي هذا المعنى وردت روايات من
طرق العامة، ولكن لم يرو الشيخان
- البخاري ومسلم - هذه الرؤيا بل قد
أهملاها بالمرة فلم يخرجاها في صحيحيهما
أصلا، لا عن ابن زيد، ولا عن ابن
الخطاب، ولا عن غيرهما. وما ذاك إلا
لعدم ثبوتها عندهما، نعم أخرجا في باب
بدء الأذان من صحيحهما عن ابن عمر،
قال: " كان المسلمون حين قدموا المدينة
يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي
بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال
بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس
النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل

(1) المدارك 3: 254.
(2) المصادر السابقة.
(1) سيرة ابن هشام 2: 128.
373

بوق اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلا
ينادي للصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يا بلال قم فناد: الصلاة، فنادى
بالصلاة... " (1).
وقال الحاكم في المستدرك: وإنما
ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في
الأذان والرؤيا لتقدم موت عبد الله (2).
وعلى أي فقد رفض أئمة أهل البيت
استناد تشريع الأذان إلى الرؤيا، وقالوا:
إنه وحي من الله تعالى على لسان
جبرائيل، وفي بعض الروايات: أنه تلقاه
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج، ولا
منافاة بينهما (3).
وبذلك اتفقت كلمة الفقهاء.
وهناك ما يؤيد ذلك من طرق
العامة أيضا، فمنه ما رواه ابن هشام أيضا
- بعد نقل ما تقدم - حيث قال:
" وذكر ابن جريح قال: قال لي
عطاء: سمعت عبيد ابن عمر الليثي يقول:
ائتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه
بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن
الخطاب يريد أن يشتري خشبتين
للناقوس إذ رأي عمر بن الخطاب في
المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا
للصلاة، فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يخبره بالذي رأى وقد جاء النبي
صلى الله عليه وآله وسلم الوحي بذلك، فما راع عمر
إلا بلال يؤذن، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم حين أخبره بذلك: قد سبقك بذلك
الوحي " (1).
وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي:
"... وقيل: شرع الأذان ليلة المعراج
نادى به ملك خرج من سرادقات
الحجب، وقيل: علمه جبرئيل ليلة
الإسراء كمواقيت الصلاة " (2).
فضل الأذان والإقامة:
قال الشيخ المفيد في " المقنعة ": " وفي
الأذان والإقامة فضل كثير وأجر عظيم،

(1) صحيح البخاري 1: 157، باب بدء
الأذان، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب بدء
الأذان.
(2) مستدرك الصحيحين 4: 348 باب رد
الصدقة ميراثا.
(3) راجع الوسائل 2: 612، الباب 1 من
أبواب الأذان، الحديث 2، والصفحة: 644،
الباب 19 من أبواب الأذان، الحديث 28.
(1) سيرة ابن هشام 2: 129.
(2) موسوعة الفقه الإسلامي (موسوعة جمال
عبد الناصر) 4: 188 مادة (أذان).
374

روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم
قالوا: " من أذن وأقام، صلى خلفه صفان
من الملائكة، ومن أقام بغير أذان صلى
خلفه صف واحد من الملائكة ".
وقالوا - عليهم السلام -: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يغفر للمؤذن مد
صوته وبصره، ويصدقه كل رطب
ويابس، وله بكل من يصلي بأذانه
حسنة " " (1).
حكم الأذان والإقامة:
لا خلاف في أصل مشروعيتهما،
قال الفاضل المقداد - في تفسير قوله
تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها
هزوا ولعبا) (2) -: " اتفق المفسرون على أن
المراد بالنداء - هنا - الأذان، فيستدل بذلك
على مشروعيته... " (3).
وقال صاحب المدارك: " أجمع
العلماء كافة على مشروعية الأذان
والإقامة في الصلوات الخمس... " (4).
نعم، وقع الاختلاف في حكمهما من
جهة كونهما واجبين أو مندوبين، وفي
المسألة - بشكل عام - قولان:
الأول - القول بالاستحباب، وهو
مختار الأكثر من المحقق الحلي فما دون،
واختاره بعض من تقدم عليه كالشيخ في
الخلاف (1) والسيد المرتضى في
الناصريات (2)، وسلار في المراسم (3) وابن
إدريس في السرائر (4).
الثاني - الوجوب، وهو مختار
المتقدمين من الفقهاء، وقد اختلف كلامهم
في بيانه.
قال العلامة في المختلف - مشيرا إلى
القولين -:
" أوجب الشيخان - رحمهما الله
تعالى - الأذان والإقامة في صلاة
الجماعة (5)، واختاره ابن البراج، وابن
حمزة، وأوجبهما السيد المرتضى - رحمه

(1) المقنعة: 97.
(2) المائدة: 61.
(3) كنز العرفان 1: 112.
(4) المدارك 3: 256.
(1) الخلاف 1: 284.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 227 المسألة
65.
(3) المراسم: 67.
(4) السرائر 1: 208.
(5) أما في غيرها فالظاهر من المقنعة والنهاية
وصريح المبسوط عدم الوجوب، راجع: المقنعة:
97، والنهاية: 64، والمبسوط 1: 95.
375

الله - في الجمل على الرجال دون النساء
في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر،
وأوجبهما عليهم في سفر وحضر في الفجر
والمغرب، وصلاة الجمعة، وأوجب الإقامة
خاصة على الرجال في كل فريضة.
وقال ابن الجنيد: الأذان والإقامة
واجب على الرجال للجمع والإفراد،
والسفر والحضر، في الفجر والمغرب،
والجمعة يوم الجمعة، والإقامة في باقي
الصلوات المكتوبات التي تحتاج إلى التنبيه
على أوقاتها، وجعلهما أبو الصلاح شرطا
في الجماعة.
وللشيخ " ره " قول آخر - ذهب إليه
في الخلاف -: إنهما مستحبان ليسا بواجبين
في جميع الصلوات، جماعة صليت أو
فرادى، وهو الذي اختاره السيد في
المسائل الناصرية، قال السيد: اختلف
قول أصحابنا في الأذان والإقامة، فقال
قوم: إنهما من السنن المؤكدة في جميع
الصلوات وليسا بواجبين وإن كانا في
صلاة الجماعة في الفجر والمغرب وصلاة
الجمعة أشد تأكيدا.
وهذا الذي أختاره وأذهب
إليه... "
إلى أن قال:
" والحق عندي: اختيار الشيخ في
الخلاف والمرتضى في المسائل الناصرية،
وهو مذهب ابن إدريس وسلار " (1).
وقد تقدم أن اختيار هؤلاء هو
الاستحباب.
فصول الأذان والإقامة:
فصول الأذان على ما هو المعروف
عند الإمامية ثمانية عشر فصلا:
" التكبير أربع، والشهادة بالتوحيد،
ثم بالرسالة، ثم يقول: حي على الصلاة،
ثم حي على الفلاح، ثم حي على خير
العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل، كل
فصل مرتان ".
قال صاحب المدارك - بعد نقل
ذلك -:
هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه
مخالفا، والمستند فيه ما رواه ابن بابويه،
والشيخ - رضي الله عنهما - عن أبي بكر
الحضرمي، وكليب الأسدي، عن أبي عبد
الله عليه السلام: إنه حكى لهما الأذان فقال:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،

(1) المختلف 2: 120 ط مؤسسة النشر
الإسلامي.
376

أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله
إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد
أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي
على الفلاح، حي على خير العمل، حي
على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا
إله إلا الله، لا إله إلا الله... " (1).
وأما الإقامة ففصولها سبعة عشر:
فهي كالأذان إلا أنه يسقط من أولها
تكبيرتان ويزاد بين حي على خير العمل
والتكبير " قد قامت الصلاة " مرتين،
وتسقط تهليلة واحدة من آخرها (2).
والذي تجدر إليه الإشارة هو أن
فصل " حي على خير العمل " يختص به
الإمامية، قال المحقق الحلي: " وقول حي
على خير العمل في الأذان والإقامة سنة لا
يصح الأذان مع تركها، وأطبق الجمهور
على إنكاره، لنا ما رواه الأصحاب عن
أهل البيت... " (3).
ثم نقل الروايات الدالة على ذلك
من طريق أهل البيت.
ونقل العلامة شرف الدين عن
القوشجي - في أواخر مبحث الإمامة من
شرح التجريد - عن عمر قوله: " ثلاث كن
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا
أنهى عنهن، وأحرمهن وأعاقب عليهن:
متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير
العمل ".
ونقل عن مقاتل الطالبيين لأبي
الفرج الأصفهاني: " إن الحسين بن علي بن
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
عليه السلام صاحب ثورة " فخ " لما ظهر على
المدينة أيام المهدي العباسي أمر المؤذن أن
ينادي بها [أي حي على خير العمل]
ففعل ".
ونقل عن سيرة الحلبي: " أن الإمام
زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام،
وعبد الله بن عمر بن الخطاب كانا يقولان
في الأذان - بعد حي على الفلاح -: حي
على خير العمل " (1).
موارد التخفيف في فصول الأذان:
ذكر الفقهاء بعض الموارد يخفف فيها

(1) المدارك 3: 279، والرواية في الوسائل 4:
642، الباب 19 من أبواب الأذان، الحديث 1.
(2) المدارك 3: 282 والجواهر 9: 82.
(3) المعتبر: 164.
(1) راجع: النص والاجتهاد: 203، المورد
24، والفصول المهمة: 96.
377

الأذان والإقامة أهمها:
أولا - حال السفر:
قال في الجواهر: " وقد رخص في
السفر الاقتصار فيهما [أي الأذان
والإقامة] معا على كل فصل مرة، قال
الصادق عليه السلام في خبر نعمان الرازي:
" يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر "
وقال الباقر عليه السلام - في خبر العجلي -:
" الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،
الأذان واحدا واحدا والإقامة
واحدة "... " (1).
ثانيا - حال الاستعجال:
قال في الجواهر - أيضا -: " وكذا
يقصر الأذان حال الاستعجال، ففي خبر
الحذاء رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبر
واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم
تكبر واحدة واحدة؟ فقال: لا بأس به
إذا كنت مستعجلا "، لكن قد يظهر من
مرسل يزيد - مولى الحكم - أفضلية الإقامة
مثنى مثنى على الإقامة واحدا، قال:
" سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لأن
أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن
وأقيم واحدا واحدا " أما الأذان تاما
وحده فلا يقوم مقامهما مقصرين لشدة
تأكد الإقامة، ولعله إليه أشار الطباطبائي
بقوله:
وجاز تقصيرهما حال السفر * وعند الاستعجال حتى في الحضر
وذاك خير من تمام الأول * دون الأخير، فله فضل جلي " (1)
ثالثا - التخفيف على النساء:
قال السيد اليزدي في العروة:
" ويجوز للمرأة الاجتزاء عن الأذان
بالتكبير والشهادتين، بل بالشهادتين،
وعن الإقامة بالتكبيرة وشهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " (2).
ما يؤذن له:
إنما شرع الأذان والإقامة للصلوات
اليومية فحسب، فلم يشرعا لغيرها من
الصلوات الواجبة أو المندوبة بإجماع
العلماء (3).
قال صاحب المدارك: " أما إنه لا

(1) الجواهر 9: 87 - 88، وراجع المستمسك
5: 547.
(1) نفس المصدر، وانظر الدرة النجفية: 108.
(2) العروة: فصل الأذان.
(3) راجع: جامع المقاصد 2: 167، مفتاح
الكرامة 2: 255.
378

يؤذن لغير الخمس، فقال في المعتبر: إنه
مذهب علماء الإسلام، ويدل عليه: أن
الأذان وظيفة شرعية فتتوقف كيفيته ومحله
على توقيف الشارع، والمنقول عنه فعله في
الصلوات الخمس، فيكون منفيا في
غيرها " (1).
نعم، يقول المؤذن - كما هو المعروف -
فيما سواها من الفرائض " الصلاة " ثلاثا،
بالنصب على حذف العامل، أو الرفع على
حذف المبتدأ أو الخبر (2).
واستشكل صاحب المدارك في
التعميم، لأن النص ورد في صلاة العيدين
ولعله مختص به (3)، ولكن حاول صاحب
الجواهر إثبات التعميم من جهة كون ذلك
من المستحبات فيكون موردا لقاعدة
التسامح في أدلة السنن (4).
وأما في غير الصلوات فقد ذكروا
عدة موارد يستحب فيها الأذان، قال
الشهيد في الذكرى: " يستحب الأذان
والإقامة في غير الصلاة في مواضع:
1 - منها في الفلوات الموحشة: روى
ابن بابويه عن الصادق عليه السلام: " إذا
تغولت بكم الغول فأذنوا "، وفي الجعفريات
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا تغولت بكم
الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة " ورواه العامة،
وفسره الهروي: بأن العرب تقول: إن
الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول
تغولا أي تلون تلونا فتضلهم عن الطريق
وتهلكهم، وروي في الحديث " لا غول... "
وفيه إبطال كلام العرب، فيمكن أن يكون
الأذان لدفع الخيالات التي تحصل في
الفلوات وإن لم يكن لها حقيقة.
2 - ومنها: الأذان في أذن المولود
اليمنى والإقامة في اليسرى، نص عليه
الصادق عليه السلام.
3 - ومنها: من ساء خلقه يؤذن في
أذنه، فعن الصادق عليه السلام: " من لم يكن
يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه، ومن
ساء خلقه فأذنوا في أذنه ".
4 - وفي مضمر سليمان الجعفري:
سمعته يقول: أذن في بيتك فإنه يطرد
الشيطان... " (1).

(1) المدارك 3: 261.
(2) الجواهر 9: 24 - 25.
(3) المدارك 3: 262.
(4) الجواهر 9: 24 - 25.
(1) الذكرى: 175.
379

موارد سقوط الأذان:
يسقط الأذان في الموارد التالية:
1 - قاضي الصلوات الخمس: فيؤذن
ويقيم للأولى، ثم يقيم للبواقي، وقيل:
الأفضل الاتيان بالأذان لكل صلاة،
واستشكل عليه بالمنافاة بين سقوط الأذان
وبقائه على الاستحباب (1).
والسقوط - هنا - على نحو الرخصة
كما هو واضح.
2 - من صلى يوم الجمعة الظهر بأذان
وإقامة: فيسقط الأذان عن العصر، لو جمع
بينهما.
راجع تفصيله: " الأذان الثالث ".
3 - من صلى الظهر بأذان وإقامة في
عرفات: فيسقط الأذان عن العصر (2)، لو
جمع بينهما.
ويظهر من بعض الفقهاء كون
السقوط على وجه العزيمة، ولكن اختار
الشهيد الأول (3) والمحقق الثاني (4) القول
بالكراهة.
4 - وكذا من صلى المغرب بأذان
وإقامة ليلة المزدلفة يسقط عنه الأذان
للعشاء لو جمع بينهما (1).
راجع: " الأذان الثالث ".
5 - وجاء في العروة (2) زيادة على ما
تقدم:
ألف - الأذان للعصر والعشاء
للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر
والمغرب.
ب - المسلوس ونحوه من بعض
الأحوال التي يجمع فيها بين الصلاتين.
موارد سقوط الأذان والإقامة:
يسقط الأذان والإقامة في موارد:
1 - الذي يشترك في جماعة قد أذنوا
لها وأقاموا (3).
2 - لو صلى الإمام جماعة وجاء
آخرون، لم يؤذنوا ولم يقيموا ما دامت
الأولى لم تتفرق، فإن تفرقت صفوفهم،

(1) راجع: الدروس 1: 165، المدارك 3:
262 والجواهر 9: 26.
(2) المدارك 3: 266 والجواهر 9: 30.
(3) الدروس 1: 165 والذكرى: 174.
(4) جامع المقاصد 2: 170.
(1) المستمسك 5: 555.
(2) العروة: فصل في الأذان والإقامة،
المسألة الأولى والثالثة، وراجع المستمسك 5:
555 و 556 و 562 و 564 و 571 و 574.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
380

أذن الآخرون وأقاموا (1).
واستشكل صاحب المدارك في أصل
الحكم، لضعف مستنده عنده.
هذا، وقال في الشرائع: " ولو صلى
جماعة وجاء آخرون،... لم يؤذنوا ولم
يقيموا على كراهية،... " (2).
3 - إذا سمع الشخص أذان غيره
وإقامته (3).
4 - إذا حكى أذان الغير وإقامته (4).
ما يشترط في الأذان والإقامة:
1 - النية ابتداء واستدامة على نحو
سائر العبادات إذا كان للصلاة لا الإعلام.
2 - الترتيب بين الأذان والإقامة
بتقديم الأول على الثاني، وكذا بين فصول
كل منهما.
3 - الموالاة بين الفصول من كل منهما
على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب
عرف المتشرعة.
4 - الإتيان بهما على الوجه الصحيح
بالعربية.
5 - دخول الوقت، فلو أتى بهما قبله
ولو عن غير عمد لم يجتزأ بهما، وإن دخل
الوقت في الأثناء، نعم لا يبعد جواز تقديم
الأذان قبل الفجر (1).
ما يشترط في المؤذن:
لا بد من توفر عدة أمور في المؤذن
للإعلام أو الجماعة كي يمكن الاعتداد
بقوله وهي:
1 و 2 - الإسلام والعقل:
واشتراط هذين متفق عليه - على
الظاهر - قال المحقق الكركي: " يشترط في
المؤذن الإسلام والعقل إجماعا " (2)، وقال
صاحب المدارك حول اشتراطهما: " هذا
مذهب العلماء كافة " (3)، وادعى صاحب
الجواهر (4) استفاضة نقل الإجماع عليه أو
تواتره.
3 - الذكورة:
اشترط غالب الفقهاء الذكورة في

(1) راجع: المدارك 3: 266 والجواهر 9: 41.
(2) الشرائع 1: 74.
(3) العروة: فصل في الأذان والإقامة، المسألة الثالثة، وراجع المستمسك 5: 571
و 574.
(4) العروة: فصل في الأذان والإقامة، المسألة الثالثة، وراجع المستمسك 5: 571
و 574.
(1) راجع كل ذلك: العروة: (فصل شرائط
الأذان) والمستمسك 5: 581 - 593.
(2) جامع المقاصد 2: 174.
(3) المدارك 3: 269.
(4) الجواهر 9: 50.
381

المؤذن إذا كان مؤذنا للرجال فلم يعتدوا
بأذان المرأة للأجانب، نعم قالوا بصحة
أذانها للنساء والمحارم بل يظهر منهم
الإجماع عليه (1). ولكن المعروف عن
الشيخ القول باعتداد الرجال بأذانها، قال
في المبسوط: " وإن أذنت المرأة للرجال
جاز لهم أن يعتدوا به ويقيموا، لأنه لا
مانع منه " (2).
وقد وجه ذلك الشهيد في الذكرى
بكونه مستثنى من حرمة إسماع الأجنبية
صوتها، قال - بعد مناقشة كلام الشيخ -:
" إلا أن يقال: ما كان من قبيل الأذكار
وتلاوة القرآن مستثنى كما استثني
الاستفتاء من الرجال وتعلمهن منهم
والمحاورات الضرورية " (3).
4 - التمييز:
لا يشترط في الاعتداد بالأذان في
الصلاة، وقيام الشعار به في البلد صدوره
من بالغ، بل يكفي كونه مميزا، وقد ادعي
عليه الإجماع (1)، ونقل في الجواهر تواتر
نقله (2).
وأما غير المميز فلا عبرة بأذانه كما
هو المعروف (3).
5 - الطهارة:
وربما اشترط بعض الفقهاء وجوب
الطهارة في خصوص الإقامة (4).
ما يستحب في الأذان:
يستحب في الأذان والإقامة مراعاة
أمور، ولا يختص ذلك بالأذان للإعلام بل
يشمل أذان المنفرد أيضا، وتلك الأمور
هي:
1 - أن يكون المؤذن مستقبل القبلة.
2 - أن يقف على أواخر الفصول،
ويتأنى في الأذان، ويحدر في الإقامة،
والحدر الإسراع، والمراد به تقصير الوقف
لا تركه أصلا.
3 - أن يفصل بينهما (الأذان

(1) الذكرى: 172 وجامع المقاصد 2: 168
والمدارك 3: 260 نقلا عن المعتبر.
(2) المبسوط 1: 97.
(3) الذكرى: 172.
(1) جامع المقاصد 2: 175 والمدارك 3:
270.
(2) الجواهر 9: 54.
(3) المصادر السابقة.
(4) المدارك 3: 272، العروة: فصل شرائط
الأذان.
382

والإقامة) بركعتين أو سجدة أو خطوة أو
سكتة، وربما خص الأخيران بالمغرب.
4 - أن يرفع الصوت إذا كان
ذكرا (1).
ما يستحب في المؤذن:
ذكر الفقهاء أمورا يستحب توفرها
في المؤذن للإعلام وهي:
1 - أن يكون عادلا، ليحصل
الوثوق بكلامه.
2 - أن يكون مبصرا، ليتمكن من
معرفة الأوقات.
3 - أن يكون بصيرا بالأوقات، أي
عارفا بها.
4 - أن يكون صيتا ليعم النفع به.
5 - أن يكون متطهرا من الحدثين
الأكبر والأصغر.
6 - أن يكون على مرتفع، لأنه أبلغ
في رفع الصوت (2).
حكاية الأذان:
يستحب حكاية الأذان، قال في
المدارك: " هذا مذهب العلماء كافة، حكاه
في المنتهى " (1)، ونقل في مفتاح الكرامة (2)
الإجماع على ذلك من فقهاء عديدين.
وأما الإقامة فقد نقل (3) عن بعض
الفقهاء القول بعدم الدليل على استحباب
الحكاية فيها.
والمراد بالحكاية: أن يقول مثل ما
قال المؤذن عند السماع، من غير فصل
معتد به (4).
ما ينبغي تركه في الأذان:
ذكر الفقهاء أمورا يكره تحققها في
الأذان والإقامة وهي:
أولا - التكلم خلال الأذان
والإقامة:
المشهور - كما قال في الجواهر (5) -
كراهة الكلام خلال الأذان والإقامة
للمؤذن.
وتتأكد الكراهة بالنسبة للإقامة

(1) راجع: المدارك 3: 283 - 288.
(2) راجع: جامع المقاصد 2: 176، المدارك
3: 270 - 273، الجواهر 9: 55 - 64.
(1) المدارك 3: 293.
(2) مفتاح الكرامة 3: 291، وراجع المستمسك
5: 575 - 576.
(3) نفس المصدر.
(4) العروة الوثقى: فصل الأذان والإقامة،
المسألة 4.
(5) الجواهر 9: 97.
383

وتشتد بعد قول المقيم: " قد قامت
الصلاة ".
ولكن يظهر من الشيخين - المفيد (1)
والطوسي (2) - القول بتحريم الكلام حال
الإقامة مع الاختيار مطلقا.
ثانيا - الترجيع في الأذان:
اختلف الفقهاء في تعريف الترجيع
وفي حكمه.
فقد قيل: إنه تكرير الشهادتين
مرتين أخريين.
وقيل: إنه تكرير الشهادتين مع
التكبير.
وقيل: إنه تكرير فصل من الأذان
- مهما كان - عما هو معين.
وفي البيان: أنه تكرير الشهادتين
برفع الصوت بعد فعلهما مرتين بخفض
الصوت أو برفعين أو بخفضين.
وعن جماعة من أهل اللغة: أنه
تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفائهما،
وعن بعض العامة: أنه الجهر في كلمات
الأذان مرة والإخفات أخرى من دون
زيادة.. (1).
وفي موسوعة الفقه الإسلامي (جمال
عبد الناصر): " الترجيع هو أن يخفض
المؤذن صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه
بهما " (2).
وأما حكمه فقد اختلفوا فيه، قال في
المدارك:
" واختلف الأصحاب - أيضا - في
حكم الترجيع، فقال الشيخ في المبسوط
والخلاف: " إنه غير مسنون " وقال ابن
إدريس وابن حمزة: " إنه محرم "، وهو
ظاهر اختيار الشيخ في النهاية، وذهب
آخرون إلى كراهته، والمعتمد التحريم،
لأن الأذان سنة متلقاة من الشارع كسائر
العبادات فتكون الزيادة فيه تشريعا محرما
كما تحرم زيادة: أن محمدا وآله خير
البرية، فإن ذلك وإن كان من أحكام
الإيمان إلا أنه ليس من فصول
الأذان " (3).

(1) المقنعة: 98.
(2) التهذيب 2: 55.
(1) الجواهر 9: 110.
(2) موسوعة الفقه الإسلامي (جمال عبد
الناصر): 4 (أذان).
(3) المدارك 3: 289.
384

وقال صاحب الجواهر (1) بالتحريم
مع قصد المشروعية، واستشكل حتى في
الكراهة مع عدمها.
والظاهر: أن الحكم بالتحريم ناظر
إلى تفسير الترجيع بالزيادة سواء كان
زيادة خصوص الشهادتين أو هما مع
التكبير، وأما إذا فسر بالجهر مرة
والإخفات أخرى من دون زيادة فلا
وجه للتحريم، لعدم تحقق التشريع، وإنما
يكون الترجيع كيفية خاصة في التأذين
من بين سائر الكيفيات.
ومهما يكن فلو فسرنا الترجيع
بالزيادة وقلنا بحرمته أو كراهته، فيرتفع
الحكم لو دعت الحاجة إليه كما نص الفقهاء
على ذلك (2).
ثالثا - التثويب في الأذان:
التثويب هو: قول " الصلاة خير من
النوم " بعد الحيعلتين، من " ثاب " إذا
رجع، فإن المؤذن يرجع إلى الدعاء إلى
الصلاة به بعد الدعاء بالحيعلتين. وقد
استحبه جمع من العامة في أذان الصبح
خاصة.
وفسر بعض العامة التثويب بأن
يقول بين الأذان والإقامة: " حي على
الصلاة، حي على الفلاح مرتين " وفيه
معنى الرجوع إلى الدعاء بالحيعلتين (1).
وأما بالنسبة إلى حكمه ففيه أقوال:
الأول - القول بالتحريم: وهو مختار
الشيخ في النهاية (2) وابن حمزة (3) وابن
إدريس (4) والعلامة في القواعد (5)
والمختلف (6) والمحقق الثاني (7) وصاحب
المدارك (8) وغيرهم.
الثاني - القول بالكراهة: وهو مختار
السيد المرتضى (9) والشيخ الطوسي (10)
والمحقق الحلي (11) والشهيد الأول (12).

(1) الجواهر 9: 111.
(2) المدارك 3: 290.
(1) جامع المقاصد 2: 189.
(2) النهاية: 67.
(3) الوسيلة: 92.
(4) السرائر 1: 212.
(5) القواعد 1: 266.
(6) المختلف 2: 131.
(7) جامع المقاصد 2: 190.
(8) المدارك 3: 291.
(9) الانتصار: 39.
(10) المبسوط 1: 95.
(11) الشرائع 1: 76.
(12) الذكرى: 175.
385

الثالث - التعبير عنه بأنه بدعة من
دون تعرض لحرمته أو كراهته: فعل ذلك
العلامة في عديد من كتبه والشهيد الثاني
في روض الجنان والسبزواري في الذخيرة
والكاشاني في الوافي حسبما نقله عنهم في
الجواهر (1).
الرابع - القول بإباحته: وهو المنقول
عن ابن الجنيد (2) والجعفي (3).
أخذ الأجرة على الأذان:
اختلف الفقهاء في أخذ الأجرة على
الأذان على أقوال:
الأول - إنه حرام: وهذا هو الرأي
الأشهر بل المشهور بين الفقهاء (4).
الثاني - إنه مكروه: وهو منسوب
إلى السيد المرتضى والشهيد الأول
والمجلسي الثاني والمحقق الأردبيلي
وصاحب المدارك (5).
الثالث - الإشكال والتردد فيه، كما
فعل العلامة في المنتهى والتحرير (1).
الرابع - جواز أخذ الأجرة من بيت
المال فقط، أما من غيره فلا، وهو رأي
القاضي ابن البراج (2).
ويمكن أن يكون مراده من ذلك
الارتزاق من بيت المال فيكون واحدا من
المشهور.
هذا كله إذا كان ما يأخذه المؤذن
على نحو الأجرة، وأما إذا كان على نحو
الارتزاق من بيت المال، فقد اتفق الفقهاء
- على ما صرح به جماعة - على عدم
حرمته أو كراهته، لأن بيت المال معد
لمصالح المسلمين، والأذان منها (3).
والفرق بين الإجارة والارتزاق هو
احتياج الأولى إلى ضبط المقدار والمدة
ونحوهما مما يعتبر في الإجارة، بخلاف
الارتزاق المنوط بنظر الحاكم (4).
وهل أن مورد البحث هو خصوص
الأذان الإعلامي فقط؟ أو يشمل الأذان

(1) الجواهر 9: 116.
(2) الدروس 1: 162.
(3) نفس المصدر.
(4) راجع كل ذلك: مفتاح الكرامة 2: 275
والجواهر 9: 71 - 75. والمستمسك 5: 613.
(5) راجع: مفتاح الكرامة 2: 275، والجواهر
9: 71 - 75.
(1) المنتهى 1: 263، والتحرير: 36.
(2) المهذب 1: 90 - 91.
(3) المصدران السابقان.
(4) الجواهر 9: 76.
386

الصلاتي - أي للدخول في الصلاة - أيضا؟
لم يتنقح الموضوع في كلمات الأصحاب
جيدا.
يظهر من بعضهم أن البحث منحصر
بالأذان الإعلامي مثل صاحب الحدائق (1)
وصاحب مفتاح الكرامة، قال الأخير:
" وتنقيح البحث أن يقال: إن مورد
الأخبار إنما هو الأذان الإعلامي، لأن
الأمر لم يتعلق بشخص بعينه، وإنما هو من
قبيل المستحبات الكفائية، وأما أذان
الصلاة وإقامتها فالخطاب بهما إنما توجه
إلى المصلي نفسه، والاكتفاء بفعل غيره عنه
يحتاج إلى دليل، نعم قام الدليل بالنسبة
إلى الإمام بأنه يجوز أن يؤذن له
ويقام... " (2).
وفي كلامه الأخير إشارة إلى المعيار
المذكور لصحة الإجارة على الواجبات،
فإنه إذا كان الفعل مطلوبا من المكلف على
نحو المباشرة، وأنه يكون للفاعل لا لغيره
كالصلوات اليومية فلا يجوز أخذ الأجرة
عليها، وإن لم تكن كذلك كإزالة النجاسة
عن المسجد فيجوز.
ولعله يريد أن يقول - كصاحب
الحدائق -: إنه لا مورد للبحث في جواز
أخذ الأجرة على الأذان الصلاتي وعدمه.
مظان البحث:
كتاب الصلاة - الأذان - صلاة الجمعة
وكذا ما سيأتي.
أذان الإعلام
تكلم الفقهاء حول ما وضع له
الأذان هل هو أمر واحد أو أمران؟
واختلفوا في ذلك على أقوال:
الأول - إن الموضوع له هو أمران،
وهما: الإعلام بدخول الوقت، والذكر
المقدم للدخول في الصلاة.
ذهب إلى هذا الرأي بعض الفقهاء
مثل:
1 - الشهيد الأول حيث قال بالنسبة
إلى عدم سقوط الأذان للصلاة الثانية - فيما
لو اتفق الجمع بين الصلاتين مع فرض عدم

(1) الحدائق 7: 351.
(2) مفتاح الكرامة 2: 275.
387

استحبابه كما في عرفة - " فإنه يسقط أذان
الإعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام " (1).
2 - العلامة الطباطبائي حيث قال في
منظومته:
وما له الأذان في الأصل وسم * شيئان: إعلام وفرض قد علم (2)
3 - صاحب الجواهر فقد استجود
كلام العلامة الطباطبائي المتقدم (3).
4 - السيد اليزدي، لأنه قال: " إن
الأذان قسمان: أذان الإعلام، وأذان
الصلاة... " (4).
5 - السيد الحكيم (5).
الثاني - إن الأذان وضع للإعلام
بدخول الوقت فحسب ولا غير.
ذهب إليه المحقق الثاني، قال معلقا
على كلام الذكرى المتقدم:
" وما ذكره غير ظاهر، لأن الأذان
واحد، وأصل شرعيته لغرض الإعلام
بدخول الوقت... وشرعيته في القضاء
لورود النص... " (1).
الثالث - إن الأذان موضوع لأمر
واحد ولا تعدد فيه، قال في المدارك ردا
على كلام الشهيد الذي احتمل كون
الساقط عن الصلاة الثانية في صورة الجمع
بين الصلاتين هو الأذان الإعلامي دون
الذكري: " وهو احتمال بعيد، لأن الأذان
عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار
وغيرها، ولا ينحصر مشروعيته في
الإعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير من
الروايات أن من فوائده دعاء الملائكة إلى
الصلاة، وكيف كان فهو وظيفة شرعية
فيتوقف على النقل، ومتى انتفى سقط
التوظيف مطلقا، وأما الفرق بين الأذان
الذكري وغيره فلا أعرف له وجها " (2).
وهذا الرأي يظهر من بعض
تعليقات العروة أيضا (3).
ثم إن هناك بعض الفوارق بين
الأذانين - الإعلامي والذكري - على فرض

(1) الذكرى: 174.
(2) الدرة النجفية: شرائط الأذان، وراجع
الجواهر 9: 4.
(3) نفس المصدر.
(4) العروة، فصل " الأذان "، وكذا يظهر ممن لم
يعلق على كلامه ومنهم السيد الخوئي.
(5) المستمسك 5: 538.
(1) جامع المقاصد 2: 171.
(2) المدارك 3: 263.
(3) العروة: فصل " الأذان ".
388

التعدد من قبيل:
1 - أنه يشترط في الأذان الذكري
قصد القربة بخلاف الإعلامي.
2 - وأنه يعتبر أن يكون الأذان
الإعلامي أول الوقت، وأما أذان الصلاة
فمتصل بها وإن كان في آخر الوقت.
قال السيد اليزدي في العروة مشيرا
إلى ما تقدم: " ويشترط في أذان الصلاة
كالإقامة قصد القربة، بخلاف أذان
الإعلام، فإنه لا يعتبر فيه، ويعتبر أن
يكون أول الوقت، وأما أذان الصلاة
فمتصل بها وإن كان في آخر الوقت " (1).
وزاد العلامة بحر العلوم في
منظومته: جواز أخذ الأجرة على الأذان
الإعلامي - على إشكال فيه - دون
الصلاتي (2).
الأذان الثالث
ورد في ألسنة الفقهاء التعبير
ب‍ " الأذان الثالث " كما ورد التعبير
ب‍ " الأذان الثاني " أيضا، وقد اختلفوا في
المراد منهما، وهل أنهما بمعنى واحد أو
لا؟ وما هو حكمهما؟
فلذلك ينبغي أن نعرف ماهية
الأذانين أولا، ثم حكمهما ثانيا:
أولا - ماهية الأذانين:
والأقوال المعروفة في هذا المجال
اثنان:
الأول - إن الأذان الثالث يختلف عن
الأذان الثاني، لأن المراد من الأذان الثالث
هو الأذان لصلاة العصر من يوم الجمعة إذا
جمع المصلي بين الصلاتين، الجمعة والعصر،
أو الظهر والعصر.
وكونه ثالثا إما باعتبار أذاني الصبح
والزوال، أو باعتبار أذان الزوال،
والإقامة للظهر أو الجمعة.
والمراد بالأذان الثاني هو ما أبدعه
عثمان كما سيأتي بيانه.
الثاني - إن الأذان الثالث هو نفس
الأذان الثاني فهما أمر واحد، وهو ما
أحدثه عثمان أو معاوية بالنسبة إلى صلاة
الجمعة، وقد صرح علماء الجمهور بإبداع
عثمان أذانا آخر يوم الجمعة، فمن ذلك ما
رواه البخاري عن السائب بن يزيد، فقد

(1) العروة: " فصل الأذان ".
(2) الدرة النجفية: شرائط الأذان.
389

نقل عنه بإسناده:
" إن الذي زاد التأذين الثالث يوم
الجمعة عثمان بن عفان... حين يجلس
الإمام، يعني على المنبر " (1).
وروى عنه - أيضا -: " إن الأذان
يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام
يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان
في خلافة عثمان وكثروا، أمر عثمان يوم
الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على
الزوراء، فثبت الأمر على ذلك... " (2).
ونقل مثله أمين الإسلام الطبرسي
في مجمع البيان، وقال فيه: "... فأمر
بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق
يقال له: " الزوراء " وكان يؤذن له عليها
فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه، فإذا
نزل أقام للصلاة، فلم يعب ذلك عليه " (3).
وقال المحقق في المعتبر: " الأذان
الثاني بدعة، وبعض أصحابنا يسميه
الثالث، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرع
للصلاة أذانا وإقامة، فالزيادة ثالث على
ترتيب الاتفاق، وسميناه ثانيا لأنه يقع
عقيب الأذان الأول، وما بعده يكون
إقامة " (1).
ويظهر من عبارته وجه تسمية
الأذانين، فالثاني باعتباره ثانيا لأذان
الزوال، والثالث باعتباره ثالثا لأذان
الزوال، وإقامة الجمعة - باعتبار الجعل وإن
كان متقدما على الإقامة باعتبار زمان
الإيقاع - وأما إطلاق الأذان على الإقامة
فأمر معروف كما في الجواهر (2).
هذا، وقد اختلفوا في أن الذي أبدعه
عثمان أي الأذانين، هل هو الأذان الذي
كان يؤذن له قبل مجيئه إلى المسجد فيكون
أولا باعتبار الزمان، أو ما كان يفعل له
حينما كان يجلس على المنبر، فيكون ثاني
الأذانين باعتبار الزمان؟
ظاهر الروايتين المنقولتين عن
البخاري: أن المبتدع هو أول الأذانين
زمانا، ولكن قال في الحدائق:
" الثاني - في تفسير الأذان الثاني
فقيل: هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان

(1) صحيح البخاري 2: 10 كتاب الجمعة،
باب المؤذن الواحد يوم الجمعة.
(2) صحيح البخاري 2: 11.
(3) مجمع البيان 5: 288.
(1) المعتبر: 206.
(2) الجواهر 11: 301.
390

آخر واقع في الوقت من مؤذن واحد، أو
قاصد كونه ثانيا سواء كان بين يدي
الخطيب أو على المنارة، أو غيرهما.
وقيل: ما وقع ثانيا بالزمان
والقصد، لأن الواقع أولا هو المأمور به،
والمحكوم بصحته فيكون التحريم متوجها
إلى الثاني.
وقيل: إنه ما لم يكن بين يدي
الخطيب لأنه الثاني باعتبار الإحداث
سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان " (1).
وقال المحقق الثاني:
" إذا تقرر هذا فالمراد بالأذان
الثاني: ما يقع ثانيا بالزمان بعد أذان
آخر، لأن الواقع أولا هو المأمور به، لأن
به تتأدى وظيفة الوقت.
ويحتمل أن يحرم ما لم يكن بين
يدي الخطيب، لأنه الثاني باعتبار
الإحداث سواء وقع أولا، أو ثانيا باعتبار
الزمان " (2).
ثانيا - حكم الأذانين:
إذا قلنا: إن الأذان الثالث والأذان
الثاني شئ واحد، وهو ما أحدثه عثمان
فيكون حكمهما واحدا. والأقوال المهمة في
حكم الأذان الثاني أو الثالث يوم الجمعة
اثنان:
الأول - القول بالكراهة: وهو
المنسوب إلى الشيخ في المبسوط والمحقق
في المعتبر، ويظهر من الشهيد في الذكرى.
الثاني - القول بالتحريم: وهو
المنسوب إلى الأكثر.
قال في جامع المقاصد:
" اختلف الأصحاب في الأذان الثاني
يوم الجمعة، فقال الشيخ في المبسوط: إنه
مكروه، وتبعه في المعتبر، وقال ابن
إدريس: يحرم، وهو ظاهر اختيار المصنف
هنا وفي المختلف والنهاية، واختاره
الشهيد في الدروس.
والتحريم أقوى، لأن الاتفاق واقع
على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله،
وأن الأذان كان على عهده صلى الله عليه وآله
وسلم واحدا، روي عن الباقر عليه السلام أنه
صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على
المنبر حتى يفرغ المؤذنون، ومن ثم كان
هذا هو الأفضل خلافا لأبي الصلاح حيث
استحب الصعود بعد الأذان... والتأسي به
واجب، ولأن العبادات إنما تستفاد بتوقيف

(1) الحدائق 10: 181.
(2) جامع المقاصد 2: 425.
391

الشارع، وإلا كانت بدعة...
وقد روي أن أول من أحدث ذلك
عثمان، قال الشافعي: ما فعله النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر أحب
إلي، وقال عطاء: أول من فعل ذلك
معاوية... " (1).
وأما إذا قلنا: إن الأذان الثالث
يختلف عن الأذان الثاني، والمراد من
الثاني هو ما أبدعه عثمان، ومن الثالث ما
كان لصلاة العصر عندما يجمع المصلي بين
الجمعة والعصر، أو الظهر والعصر - في
موارد جواز الجمع - فيكون حكم الأذان
الثاني ما سبق بيانه، ويبقى حكم الأذان
الثالث بهذا المعنى، فنقول:
أولا - ادعي الإجماع على سقوط
الأذان لصلاة العصر إذا جمعت مع صلاة
الجمعة (2).
ثانيا - نقل عن كثير من الفقهاء
سقوط الأذان للعصر إذا جمع المصلي بينها
وبين صلاة الظهر (3).
ثالثا - يظهر من بعضهم عدم
السقوط عن العصر لو لم يجمع بينهما
كالمحقق الأردبيلي (1) وصاحب المدارك (2)
وصاحب الجواهر (3).
رابعا - اختلفت آراء الفقهاء في
الحكم التكليفي للأذان في فرض سقوطه كما
يلي:
1 - حرمة الأذان للعصر لو صلى
جمعة، نقل ذلك عن النهاية، والبيان
وكشف اللثام.
2 - إنه بدعة - من دون بيان أنه
حرام أو مكروه -، نقل ذلك عن العلامة في
التحرير، والشهيد الثاني، ولعله يستفاد منه
التحريم أيضا.
3 - إنه مكروه، نقل عن الشيخ،
والعلامة في بعض كتبه، والشهيد في
الذكرى والمحقق الثاني.
4 - إنه رخصة لا مكروه ولا حرام،
نقل عن الدروس (4).

(1) جامع المقاصد 2: 424 وراجع المدارك 4:
74.
(2) مفتاح الكرامة 2: 261.
(3) مفتاح الكرامة 2: 261.
(1) مجمع الفائدة 2: 165.
(2) المدارك 3: 264.
(3) الجواهر 9: 32.
(4) مفتاح الكرامة 2: 261.
392

إذخر
لغة:
حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها
البيوت فوق الخشب، وهمزتها زائدة (1).
الأحكام:
من مستثنيات ما يحرم قطعه من
الأشجار في الحرم هو " الإذخر " (2)، وذلك
بسبب التماس العباس من النبي صلى الله عليه
وآله وسلم استثناء تحريمه، فقد روى الكليني
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مكة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة... - ثم
نقل الحديث إلى أن قال حكاية عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: - ألا إن الله قد حرم مكة
يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام
بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها،
ولا يعضد شجرها، ولا يختلي خلاها، ولا
تحل لقطتها إلا لمنشد، فقال العباس: يا
رسول الله إلا الإذخر، فإنه للقبر والبيوت،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إلا
الإذخر " (1).
إذن (2)
لغة:
ذكروا له معاني منها: الإباحة (3)،
والإطلاق في الفعل (4)، والإعلام بالإجازة
والرخصة (5).
اصطلاحا:
لم يتجاوز معناه الاصطلاحي عن
معناه اللغوي، ومع ذلك فقد عرف بأنه:
" رخصة المالك أو من بحكمه في

(1) النهاية لابن الأثير 1: 33.
(2) الحدائق 15: 534.
(1) الكافي 4: 225.
(2) استفدنا في هذا المقال من ملاحظات بعض
أستاذتنا.
(3) لسان العرب، القاموس: " إذن ".
(4) المصباح المنير: " إذن ".
(5) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني.
393

التصرف وإثبات اليد " (1).
والمقصود من المالك هو الأعم من
الحقيقي - وهو الله تعالى - والاعتباري
- وهم سائر الملاك - كما أن المقصود من
" من كان بحكمه " هو النائب عن المالك،
كالوكيل والوصي وذي الحق، كالأب
والزوج وأمثالهما، فللأول حق الأبوة،
وللثاني حق الزوجية.
الفرق بين الإذن وما يشابهه:
يوجد تشابه بين الإذن وألفاظ
أخرى كالإجازة والرضى والرخصة
والإباحة والوكالة، ولكن ربما كان فرق
بين الإذن وبين بعضها نشير إليه فيما يلي
باختصار:
ألف - الإذن والإجازة:
الفرق بين الإذن والإجازة إنما هو
في زمان صدور الرخصة، فإن كان ذلك
قبل وقوع التصرف أو صدور الفعل فهو
إذن، وإن كان بعد وقوعهما فهو إجازة،
ولذلك قد يعبر عن الإجازة بالإمضاء
أيضا.
ب - الإذن والرضى:
الرضى أمر باطني يمكن التعبير عنه
ب‍ " طيب النفس " (1) فإذا أبرز صار إذنا أو
إجازة بحسب اختلاف زمان إبرازه.
ج - الإذن والإباحة:
الإذن من الأحكام الوضعية
كالرخصة، بينما الإباحة من الأحكام
التكليفية، نعم ربما استفيدت الإباحة من
الإذن، كما إذا أذن المالك لغيره بالتصرف
في ماله، ويجوز العكس أيضا، إذ يمكن
استفادة الإذن من الإباحة، كاستفادة
الإذن من الإباحة الشرعية.
د - الإذن والوكالة:
الإذن من الإيقاعات بينما الوكالة
من العقود، فتحتاج إلى إيجاب وقبول،
قال في الجواهر: " إن الإذن إن أديت
بصورة العقد أو معاطاته كانت وكالة، وإلا
فهي إذن، فإذا اتفق عروض ما يفسد
العقد من تعليق أو لحن أو عزل أو نحو
ذلك تبقى [الإذن]، لعدم كونه [أي العقد]
مشخصا ذاتيا لها، وإنما هو مقارن لها سميت
بسببها وكالة، ولحقها أحكام رتبها الشارع

(1) عناوين الأصول: 310 العنوان 69.
(1) عناوين الأصول: 311 العنوان 69.
394

عليها " (1).
ما يشترط في صحة الإذن:
تشترط في نفوذ الإذن وصحته
شروط في الآذن، والمأذون، والمأذون فيه.
أولا - شروط الآذن:
يشترط في الآذن ما يلي:
1 - أن يكون مالكا أو من في
حكمه:
ينبغي أن يكون الآذن مالكا - سواء
كان مالكا حقيقيا كالله تعالى أو اعتباريا
كسائر الملاك - أو بمنزلة المالك كسائر
ذوي الحقوق، مثل: الأب والجد والزوج
ومن ينوب عنهم، كالوكيل والوصي والقيم
والناظر، وعلى هذا فلا أثر لإذن الغاصب.
2 - أن تكون فيه أهلية التصرف:
بأن يتوفر فيه العقل والبلوغ
والرشد والحرية، فلا صلاحية لغير البالغ
والمجنون للإذن، لسلب عباراتهما
وقصدهما، كما لا صلاحية للسفيه، لعدم
نفوذ تصرف فاقد الرشد، لقوله تعالى:
(فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم) (2).
ويختلف سن الرشد باختلاف
الموارد كالبيع والشراء والنكاح وأمثال
ذلك...
وأما المملوك فلا أهلية له للإذن،
لقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ) (1).
3 - أن لا يكون محجورا عليه:
كالمفلس، فإنه - بعد الحكم بتفلسه
من قبل الحاكم - لا يجوز له التصرف في
أمواله التي يتعلق بها حق الديان، وأما
التصرفات الخارجة عن نطاق الحجر فلا
بأس فيها، كالإذن للغير بأن يكون ضيفا
عنده إذا لم يناف حق الديان، وإذنه
لزوجته بالخروج من البيت وأمثال ذلك.
4 - أن يصدر منه الإذن بالاختيار:
لا بد من أن يكون صدور الإذن
عن الاختيار وطيب النفس، وذلك إما
لعدم صدق الإذن على إذن المكره باعتبار
فقدان الرضى وطيب النفس الذي هو
شرط في تحقق الإذن.
وإما لحديث الرفع - لو قلنا بصدق
الإذن مع الإكراه - فإن قوله صلى الله عليه وآله:

(1) الجواهر 27: 357.
(2) النساء: 6.
(1) النحل: 75.
395

" رفع عن أمتي تسع: - إلى أن عد منها -
ما أكرهوا عليه... " (1) يرفع الإذن لو
تحقق في صورة الإكراه.
وهذا بخلاف المضطر، فإنه لو اضطر
إلى الإذن صح إذنه - كما لو اضطر إلى
دواء فاشترط عليه البائع أن يبيعه بشرط
أن يأذن له في مطالعة كتاب يكون عنده،
فأذن له - ولا يشمله حديث الرفع، لأنه
وارد مورد الامتنان، فشموله للمورد
مخالف له، لاستلزامه البطلان.
5 - أن يكون الإذن في حدود
صلاحيات صاحب الحق:
ينبغي أن يكون الإذن متناسبا مع
صلاحيات صاحب الحق، فمتولي الوقف له
أن يأذن بالاستفادة من الوقف في حدود
مؤدى الوقف من جهة تحديد الموقوف
عليهم وكيفية الاستفادة منه، فلو أذن لغير
الموقوف عليهم بالانتفاع من الوقف لم
يصح، وكذا لو أذن بالاستفادة منها بكيفية
غير منظورة في الوقف، ومثله ما لو أذن
الوصي أو القيم بالتصرف في أموال
الصغار مع عدم مراعاة غبطتهم...
وهكذا الأب والجد بالنسبة إلى الأولاد.
ثانيا - شروط المأذون:
يشترط في المأذون صحة صدور
الفعل المأذون فيه منه شرعا، وهذا يختلف
باختلاف الموارد، لأن تصرف المأذون قد
يكون من قبيل الإتلاف بالأكل والشرب
ونحوهما، وقد يكون غير ذلك
كالتصرفات العقدية مثل البيع والشراء،
فالقسم الأول من التصرفات لا يحتاج
الإذن فيها - بما هو إذن - إلى شرط، فيصح
الإذن حتى للصبي غير المميز والمجنون
بأكل الطعام مثلا، فإن أثره رفع الضمان
وإن لم يؤثر في رفع الحكم التكليفي
(الحرمة)، لعدم وجودها من أول الأمر.
وأما القسم الثاني منها فيشترط فيه
صلاحية صدور الفعل المأذون فيه من
المأذون شرعا كاشتراط البلوغ في صحة
الإذن بالبيع - بناء على اشتراطه فيه -
وكاشتراط الإسلام في المشتري في صحة
الإذن ببيع المصحف والعبد المسلم - بناء
على عدم صحة بيعهما من الكافر -
وهكذا...
ثالثا - شروط المأذون فيه:
وأما شرائط المأذون فيه، فهي:

(1) الخصال: 417، باب التسعة، الحديث 9.
396

1 - ينبغي أن يكون المأذون فيه مما
يسوغ صدوره شرعا، فلا عبرة بالإذن بما
يكون صدوره مخالفا للشرع كإذن المالك
بصنع عنبه خمرا، فإن إذنه هذا لا يرفع
حرمة صنع الخمر وإن كان يرفع الضمان،
ومثله الإذن ببيع المصحف والعبد المسلم
للكافر، فإن مثل هذا الإذن غير مؤثر
ما دام بيع المصحف والعبد المسلم للكافر
غير صحيح.
2 - ألا يكون المأذون فيه متعلقا
لحق الغير كالعين المرهونة، والتركة مع
وجود الدين للميت، فلا يصح إذن المالك
للعين المرهونة بالتصرف فيها، وكذا إذن
الورثة بالتصرف بالتركة مع وجود الدين.
من له حق الإذن:
الذين لهم حق الإذن هم على النحو
التالي:
أولا - الشارع:
لما كان التشريع والأمر والنهي بيد
الشارع، فيكون بيده الإذن أيضا. ويمكن
تحديد الإذن الصادر من الشارع كالتالي:
ألف - موارد الإباحة والتحليل
أصالة:
مثل أكل الطيبات كما في قوله تعالى
(أحل لكم الطيبات) (1)، وقوله تعالى:
(كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) (2)
ومثل ذلك، الإذن بالنكاح كقوله تعالى:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (3)، أو
الإذن بالأكل من محل ما أمسكته الكلاب
المعلمة، كقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن
عليكم) (4).
وبعض ذلك يكون من موارد الأمر
بعد الحظر أو توهمه الذي يفيد الإباحة
على ما هو المعروف.
ب - موارد التحليل والإباحة
بالعرض:
والمقصود منها الموارد المستثناة من
التحريم بالأصالة لسبب ما كالحرج
والضرر والاضطرار ونحو ذلك، مثل:
1 - قوله تعالى: (هو اجتباكم وما
جعل عليكم في الدين من حرج) (5).

(1) المائدة: 4.
(2) المؤمنون: 51.
(3) النساء: 3.
(4) المائدة: 4.
(5) الحج: 78.
397

2 - قوله تعالى: (يريد الله بكم
اليسر ولا يريد بكم العسر) (1).
3 - قوله تعالى: (فمن اضطر غير
باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (2).
4 - قوله تعالى: (فمن اضطر في
مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور
رحيم) (3).
5 - قوله صلى الله عليه وآله: " لا ضرر
ولا ضرار " (4).
فإن هذه النصوص كلها تدل على
الإذن في موارد الاضطرار والضرر
والحرج.
ج - موارد الإباحة الظاهرية:
والمقصود منها الموارد التي حكم
الشارع فيها بالإباحة عند الشك في الحكم
الواقعي، مثل ما ورد عنهم عليهم السلام: " كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا
حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه " (5)
و " كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه
حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك... " (1)
و " كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي " (2).
د - موارد تحليل خاصة:
وهناك موارد خاصة صدر فيها
الإذن من الشارع، من قبيل الإذن بالأكل
- من بيوت - من سمتهم الآية في قوله تعالى:
(ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج
حرج ولا على المريض حرج ولا على
أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت
آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم
أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو
بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت
خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم
ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو
أشتاتا) (3).
ه‍ - موارد الإباحة المترتبة على إذن المالك:
إذا صدر الإذن من المالك أو من في
حكمه، فإن ذلك يصير سببا لصدور الإذن

(1) البقرة: 185.
(2) البقرة: 173.
(3) المائدة: 3.
(4) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب
إحياء الموات، الحديث 3.
(5) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(1) نفس المصدر، الحديث 4.
(2) الوسائل 18: 127، الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 60.
(3) النور: 61.
398

من الشارع أيضا.
ثانيا - ولي الأمر:
لولي الأمر الولاية العامة، فلذلك
تتوقف كثير من التصرفات على إذنه،
وخاصة إذا كانت من الشؤون العامة
كالصلح والحرب والمعاهدات الهامة،
ونصب القضاة أو من ينصبونه وأئمة
الجمعة، ونصب المسؤولين الكبار في الدولة
الإسلامية.
وقد تطرق الفقهاء للموارد الخاصة
في مظانها، فمثلا تطرقوا لإقامة الجمعة من
دون إذن الإمام وحكم ذلك في صلاة
الجمعة، قال الشيخ الطوسي في الخلاف:
" من شرط انعقاد الجمعة، الإمام، أو من
يأمره الإمام بذلك من قاض أو أمير ونحو
ذلك، ومتى أقيمت بغير أمره لم تصح - إلى
أن قال: - قيل: أليس قد رويتم فيما مضى
وفي كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا
والسواد والمؤمنين إذا اجتمع العدد الذين
تنعقد بهم أن يصلوا الجمعة؟
قلنا: ذلك مأذون فيه مرغوب فيه،
فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام من
يصلي بهم " (1).
ثالثا - القاضي:
للقاضي الولاية على أمور خاصة،
ولذلك يتوقف التصرف فيها على إذنه
وهذه الأمور كثيرة نشير إلى بعضها فيما
يلي:
1 - اختلف الفقهاء في جواز المبادرة
بالقصاص من دون إذن القاضي، فقد
اشترط بعضهم إذنه وحكموا بتعزير المبادر
من دون إذنه، خاصة إذا كان قصاصا في
الأطراف (2).
2 - اشترط الفقهاء في إجراء الحدود
والتعزيرات إذن القاضي، فلا يجوز أن
تجرى من دون إذنه (3).
3 - لا تصح القسامة لإثبات القتل
إلا بإذن الحاكم (4).
4 - اختلف الفقهاء في الاقتصاص
- إذا كان الحق ماليا - من دون إذن
القاضي، فقد اشترطه بعضهم في بعض
399

صورة كما إذا كان مقرا بالحق وغير مدافع
عنه (1).
5 - اشترط عديد من الفقهاء توقف
جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إذا استلزم جرحا على إذن الإمام أو من
نصبه (2).
6 - يتوقف إعلان الحجر على
المفلس وفكه على إذن القاضي على بعض
الآراء (3).
7 - تتوقف صحة تصرفات غير
الرشيد على ثبوت الرشد عند القاضي على
بعض الآراء، فيأذن بالتصرف بعد ثبوت
الرشد عنده، لأنه مما يثبت بالبينة ولا بد
من إقامتها عند القاضي (4).
8 - تتوقف صحة تصرفات الذين لا
ولاية لغير القاضي عليهم على إذنه
كالصغار الذين لا ولي لهم غيره (5).
9 - لو أمر الحاكم المنفق عليه
بالاستدانة على ذمة المنفق لغيبته أو
مدافعته أو نحو ذلك، فاستدان وجب عليه
- أي المنفق - القضاء تنزيلا لأمر الحاكم
منزلة أمره لكونه وليا بالنسبة إلى ذلك،
ولو استدان حينئذ من غير إذن الحاكم مع
إمكانه لم يجب عليه (1).
10 - يتوقف اعتداد المرأة المفقود
زوجها على أمر القاضي وإذنه بعد الفحص
واليأس عنه - على المشهور - ولا أثر
لاعتدادها من دون أمره (2).
وغير ذلك من الموارد العديدة التي
تذكر في مظانها.
رابعا - سائر الأولياء:
كالأب والجد للأب والقيم والناظر
والزوج وأمثالهم، فهؤلاء لهم حق الإذن،
لأن لهم نوع ولاية على التصرف.
ولذلك تتوقف تصرفات غير البالغ
- سواء كانت مالية أو غيرها - على إذن
أبيه أو جده لأبيه، كما تتوقف تصرفات
الغير بالنسبة إليه - كاستئجاره مثلا - على
إذنهما، ومثلهما القيم على الصغار.
وكذا الناظر على الوقف، فكل
400

تصرف في العين الموقوفة لا بد وأن يكون
بحسب نظر الناظر عليه.
وأما الزوج فتتوقف تصرفات
الزوجة - المتوقفة على إذن الزوج - على
إذنه، مثل خروجها عن البيت وصيامها
وحجها وتصدقها تطوعا.
خامسا - المالك:
وممن له حق الإذن، المالك، فتتوقف
صحة التصرفات وضعا وجوازها تكليفا
في ملك ما على إذن مالكه أو الشارع
- وإن لم يأذن المالك في خصوص بعض
الموارد كالمجاعة والمخمصة - أو النائب عن
المالك، كالوكيل.
أقسام الإذن:
للإذن انقسامات عديدة، ولكنا
نشير - فيما يلي - إلى أهمها:
أولا - انقسامه باعتبار شخصية
الآذن:
قد يكون الآذن هو الشارع، وقد
يكون غيره، فإن كان الشارع فيطلق على
الإذن - عندئذ -: " الإذن الشرعي " وقد
مرت أمثلته.
وإن كان غيره، مثل من له الحق أو
المالك، فيطلق عليه " الإذن المالكي ".
ثانيا - انقسامه باعتبار المأذون
والمأذون فيه:
ينقسم الإذن بهذا الاعتبار إلى
الإذن العام والإذن الخاص:
ألف - الإذن العام:
وهو تارة يكون بلحاظ المأذون،
وتارة بلحاظ المأذون فيه:
1 - الإذن العام بلحاظ المأذون:
وهو ما إذا كانت صيغة الإذن فيه
عامة من جهة شمولها لجميع الأفراد، كما في
الولائم العامة حيث تشمل الدعوة - سواء
كانت صريحة أو بشاهد الحال - جميع
المدعوين إلى المأدبة.
2 - الإذن العام بلحاظ المأذون فيه:
كما إذا كانت صيغة الإذن عامة من
حيث شمولها للمأذون فيه سواء كان
المأذون عاما أو خاصا، كما إذا أذن
شخص لآخر أن يتصرف في جميع أمواله.
3 - الإذن العام باعتبار المأذون
والمأذون فيه:
وهو ما إذا كانت الصيغة واضحة
الشمول من الجهتين مثل أغلب موارد
التشريع كما ورد: " من أحيا أرضا ميتة
401

فهي له " (1).
ب - الإذن الخاص:
وهو ما إذا كانت الصيغة متوجهة
نحو شخص خاص وفي مورد خاص، أي
كان خاصا من الجهتين - المأذون والمأذون
فيه - مثل أن يقول لشخص: أنت مأذون
في قراءة كتابي هذا.
ثالثا - انقسامه باعتبار كيفية تحققه:
ينقسم الإذن باعتبار كيفية تحققه
إلى أقسام ثلاثة: إذن صريح، وإذن
فحوى، وإذن شاهد الحال.
ألف - الإذن الصريح:
وهو الإذن المستفاد من مدلول
اللفظ أو الكتابة بالمطابقة أو التضمن،
فالأول مثل: أذنت لك، أو افعل كذا...
والثاني مثل قول صاحب الدار للضيف:
" كل الطعام " مريدا بذلك الطعام الموجود
على المائدة، فيدل على كل صنف منه
بالتضمن.
وليس المقصود من الصراحة هو
صراحة الكلام في الدلالة، لأن دلالة
الالتزام أيضا قد تكون صريحة، بل المراد
منها أن يكون المدلول مستفادا من اللفظ
بمقتضى أوضاع مفرداته فيشمل المطابقة
والتضمن (1).
ب - الإذن بالفحوى:
وهو الإذن المستفاد من اللفظ
بدلالة الالتزام العقلي أو العرفي أو العادي
بحيث يفهم المأذون الرخصة من ذلك،
ومثلوا له بالضيافة فإنها تدل على
الرخصة في الصلاة في بيت المضيف
بالالتزام.
ويرى صاحب المدارك أن الفحوى
هو مفهوم الأولوية فلا بد من أن يستفاد
الإذن في اللازم من الإذن في الملزوم
بطريق أولى (2).
ورده صاحب الجواهر: بأن ذلك
مناقشة لفظية، والمراد واضح، فالفحوى
عند متشرعة العصر ليست إلا حصول
القطع بالرضى بسبب صدور فعل أو قول
أو غيرهما من المالك، بحيث لم يكن
المقصود منه بيان الرضى بهذا القول أو
الفعل (3).

(1) الوسائل 17: 328، الباب 2 من أبواب
إحياء الموات، الحديث الأول.
(1) عناوين الأصول: 310.
(2) المدارك 3: 310.
(3) الجواهر 8: 280.
402

والذي ينفيه صاحب الجواهر هو
الأولوية لا أصل الملازمة، فإنها مفروضة
في كلامه.
ومهما كان فالملازمة - كما تقدمت -
قد تكون عقلية، وقد تكون عرفية، أو
عادية.
فالعقلية مثل الإذن في أكل الطعام
المستلزم عقلا للإذن في إتلافه لكن على
وجه خاص - وهو الأكل - ومثل الإذن
بالصلاة في مكان ما، المستلزم للكون فيه
عقلا بمقدار أداء الصلاة.
والعرفية مثل الإذن في الاشتراك في
مجلس ما - بدعوة ونحوها - الملازم عرفا
للتدخين - أي استعمال السيجائر - فيه، أو
مثل الإذن بالاشتراك في المجالس العامة
- كالمجالس الحسينية - بدعوة عامة الملازم
للإذن باصطحاب الأطفال إلى المجلس
أيضا.
والعادية مثل إذن الأب لابنه
بتحصيل العلم الملازم - غالبا - للهجرة
والسفر إلى المحل المناسب له، أو كالإذن
بأكل الثمر من البستان الملازم - عادة -
لاقتطافه من الشجر (1).
ج - الإذن بشاهد الحال:
ومما يدل على الإذن " شاهد الحال "
والمراد به: " القرينة الحالية الدالة على
الرضى بالتصرف كالصداقة والقرابة
ونظائرها، وبعبارة أخرى: شاهد الحال
رابطة توجب ملاحظتها الاطلاع على
رضى المالك [بالتصرف] وعدم منعه
عنه " (2). وبعبارة ثالثة: " المراد بشاهد
الحال ما هو منصوب للدلالة على الإذن،
لا أن المراد به الكناية عن حصول الظن
مطلقا وإن لم يكن بسبب فعل يعتاد
التعويل عليه " (3).
وأمثلة ذلك كثيرة مثل: فتح أبواب
المضايف والمشاهد والموقوفات العامة.
طرق إثبات الإذن والكاشف عنه:
يثبت الإذن بطرق عديدة نشير
إليها فيما يلي:

(1) هذه الأمثلة مبنية على عدم لزوم الأولوية
في الإذن بالفحوى.
(2) عناوين الأصول: 310.
(3) الجواهر 8: 281 و 282.
403

أولا - اللفظ:
وهو يكشف عن الإذن الصريح
والإذن بالفحوى، وتكون كاشفيته عن
الصريح بالمطابقة تارة وبالتضمن أخرى،
وأمثلته كالآتي:
1 - الصريح بالمطابقة مثل: كل هذا
الطعام.
2 - الصريح بالتضمن مثل: أنت
مأذون بمطالعة ما عندي من الكتب، الذي
يدل على الإذن بمطالعة كل كتاب بانفراده
بالتضمن.
3 - الإذن بالفحوى مثل: أنت
مأذون في سكنى داري سنة، فيدل على
الإذن بالصلاة فيه بالالتزام.
ولما كان اللفظ من الأمارات فيكون
كشفه عن الإذن حجة ومعتبرا سواء أفاد
علما أو ظنا.
ثانيا - الكتابة:
وهي تقوم مقام اللفظ وتدل على ما
يدل عليه، فإن كانت الدلالة بأصل
المدلول والمنطوق فتدخل في الصريح وإلا
ففي الفحوى.
وحجيتها كحجيته، ولكن يرى
بعضهم: أن الكاشف عن الإذن الصريح
والفحوى هو اللفظ فقط فلا يكشف عنهما
شئ آخر كالكتابة والإشارة ونحوهما (1).
ثالثا - الإشارة:
وهي كالكتابة تدل على الإذن
الصريح والفحوى.
ولكن هل هي معتبرة مطلقا أو إذا
لم يتمكن من اللفظ أو الكتابة؟
ربما قيده بعضهم بذلك.
رابعا - القرينة:
وهي قد تكون حالية وقد تكون قولية:
أما القولية فتدخل في اللفظ.
وأما الحالية مثل رابطة الصداقة
والقرابة كالأبوة والبنوة والأخوة ونحوها،
ومثل فتح باب المضائف والمرابط العامة،
وفتح أبواب المشاهد المشرفة والموقوفات
العامة، فهذه ونحوها قرائن حالية تدل
على الإذن، فرابطة الأبوة قرينة حالية
تدل على إذن الأب بأكل الابن من
طعامه، وكذا العكس، وفتح باب المضيف
أو المشهد يكشف عن الإذن باقتحامه
وهكذا...
ومن هنا تكون القرينة الحالية

(1) عناوين الأصول: 310.
404

كاشفة عن الإذن بشاهد الحال (1).
ثم إن القرينة هل تكون كاشفة عن
الإذن مطلقا سواء أفادت علما أو ظنا، أو
لا بد من العلم؟
يظهر من كثير منهم لزوم حصول
العلم والقطع بالرضى، بل صرح بذلك
بعضهم كصاحب المدارك (2) وصاحب
العروة (3)، وعلله في المستمسك: بأن دلالة
الأفعال ليست كدلالة الألفاظ، لأن دلالة
الألفاظ من جهة جعلها لمعانيها، أما دلالة
الأفعال فمن جهة المقارنة الغالبية بين الفعل
والمدلول، وهذه المقارنة غير كافية ما لم
يحصل منها العلم، نعم لو كانت بعض
الأفعال مجعولة طريقا إلى شئ كجعل
الألفاظ لأمكن الاعتماد عليها وإن لم
يحصل العلم بالرضى منها، مثل فتح أبواب
المسابل والمضائف (4).
ومع ذلك فقد يظهر من
جماعة كالشهيدين (1) والمحقق
السبزواري (2): عدم اعتبار العلم بالرضى
فيها. قال صاحب الجواهر: "... بل بنى
بعضهم جواز الصلاة في الأراضي المتسعة
على قيام شاهد الحال مصرحا بعدم
اعتبار العلم فيه " (3).
خامسا - السكوت:
السكوت كاشف عن الإذن في
مورد واحد وهو استئذان البكر في
نكاحها، وقد وردت في ذلك بعض
النصوص، منها صحيح البزنطي، قال: قال
أبو الحسن عليه السلام - في المرأة البكر -:
" إذنها صماتها، والثيب أمرها إليها " (4)،
وصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد
الله عليه السلام: في رجل يريد أن يزوج
أخته؟ قال عليه السلام: " يؤامرها، فإن
سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم

(1) عناوين الأصول: 310.
(2) مدارك الأحكام 3: 185 و 216.
(3) العروة: فصل مكان المصلي، المسألة 16.
وراجع بحث تجهيز الميت.
(4) المستمسك 5: 441.
(1) راجع الدروس 1: 152، والبيان: 129،
والمسالك 1: 18، وروض الجنان: 219.
(2) راجع الذخيرة: 238، وكفاية الأحكام:
16.
(3) الجواهر 8: 282.
(4) الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب
عقد النكاح، الحديث الأول.
405

يزوجها " (1).
وقد ادعي عدم الخلاف في ذلك إلا
من ابن إدريس طرحا منه للأخبار،
لأنها آحاد (2).
هذا، ولكن الفقهاء اختلفوا في
حدود كاشفية السكوت عن الإذن
وحجيته على أقوال:
الأول - أنه حجة إذا كان سكوتها
دالا على الرضى جزما أو اطمئنانا أو كان
مقرونا بقرائن ظنية دالة على الرضى، بل
وحتى إذا لم تكن قرينة دالة على الرضى
أصلا ولكن بشرط عدم وجود قرينة دالة
على عدم الرضى، فيكون السكوت بما هو
سكوت كاشفا عن الإذن.
أما إذا كانت قرائن دالة على عدم
الرضى سواء كانت مفيدة للعلم به أو
الاطمئنان أو الظن، بل وحتى لو كانت
قرائن دالة على الرضى وقرائن أخرى
دالة على عدمه فلا يكون حجة.
ذهب إلى هذا القول صاحب
الجواهر (1).
الثاني - أنه حجة إذا كان دالا على
الرضى قطعا أو مقرونا بقرائن ظنية دالة
عليه.
ذهب إليه السيد اليزدي في العروة (2)
والسيد الحكيم في المستمسك، وعلله: بأن
السكوت من الأمارات العرفية، فيتعين
حمل الحجية فيه على أن تكون إمضاء لما
عند العرف - لا تأسيسا لأمارة مستقلة
جديدة - وهو يختص بالصورتين
الأولتين (3).
الثالث - أنه حجة مطلقا إلا إذا كان
مقرونا بما يدل على عدم الرضى.
ذهب إليه السيد الخوئي واختاره
السيد الحكيم في فرض التنزل عن مختاره
الأول ورفع اليد عنه، وجعله صاحب
الجواهر ضعيفا.
وعلله السيد الخوئي - في التنقيح -
بأن السكوت إنما هو منزل منزلة الإذن
الذي هو أمارة وكاشف عن الرضى

(1) الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب
عقد النكاح، الحديث الثاني.
(2) المستمسك 14: 480.
(1) الجواهر 29: 204.
(2) العروة: النكاح، فصل أولياء العقد، المسألة
16.
(3) المستمسك 14: 480.
406

الباطني فتكون حجيته على حد حجية
الإذن الصريح، وحيث إنه حجة ما لم يعلم
عدم الرضى يكون الأمر في السكوت
كذلك أيضا (1).
سادسا - التقرير:
وهو سكوت من يعتبر إذنه وعدم
ردعه عن فعل أو قول صادر عن الغير،
كما إذا شاهد الأب ولده يأخذ من ماله
فلم يمنعه منه.
وقد يراد منه: إمضاء الفعل الصادر
عن الغير بلفظ أو كتابة أو إشارة.
ويحتمل اندراجه - أي التقرير - على
الفرض الأول في السكوت، وعلى الثاني
في اللفظ أو الكتابة أو الإشارة.
ولكن في صورة اندراجه في
السكوت يقع الإشكال في حجيته،
لانحصارها في سكوت البكر، وفي صورة
اندراجه في الكتابة أو اللفظ أو الإشارة
يصير إمضاء، لأن الإمضاء بعد الفعل
إجازة لا إذن.
سابعا - الفعل:
كما إذا صدر ممن يعتبر إذنه، فعل
ما يدل على جواز صدوره من غيره، كما
إذا شرب النبي صلى الله عليه وآله الماء واقفا،
فإنه يدل على إباحته والإذن في فعله بلا
إشكال.
ما يترتب على الإذن:
تترتب على الإذن آثار مختلفة
- باختلاف الجهات - نشير إلى أهمها فيما
يلي:
أولا - من جهة الحكم التكليفي:
لا شك في أنه يحرم التصرف في
مال الغير إلا برضاه وطيبة نفسه، فإذا
تحقق الرضى وكشف عنه الإذن ارتفعت
الحرمة، وكذا لو توقف جواز تصرف غير
مالي على إذن شخص كتوقف جواز
خروج المرأة من المنزل على إذن زوجها،
فيكون الخروج حراما ما لم يأذن به
الزوج، ولذلك يكون ارتفاع حرمة
التصرف في مال الغير من آثار الإذن.
ثانيا - من ناحية الحكم الوضعي:
ويمكن البحث حول ذلك من عدة
جوانب ولكن نشير إلى أهمها:
ألف - من حيث الضمان:
وهنا تارة يكون في الجنايات وتارة
في غيرها:

(1) التنقيح (النكاح) 2: 306، وراجع المصادر
السابقة.
407

أولا - الضمان في غير الجنايات:
إن الإذن الصادر إما مقيد بالضمان
أو بعدمه، أو غير مقيد بأحدهما، والأخير
تارة يستفاد منه الضمان - ولو بحسب
القرائن والارتكازات العرفية - وتارة
يستفاد منه عدمه، وتارة لا يستفاد منه لا
هذا ولا ذاك بل يكون مجملا.
أما إذا كان مقيدا بالضمان كما إذا
أذن صاحب البستان للغير أن يتنزه فيه
وقيده بدفع شئ من المال، فهذا لا
إشكال فيه، فإن التصرف - في مثله -
يستتبع الضمان.
وكذا إذا كان مقيدا بعدمه - كما لو
دعاه إلى طعام وصرح بأنه لا يطلب
عليه شيئا - فالأمر فيه واضح.
وأما إذا كان مطلقا غير مقيد
بالضمان ولا بعدمه، ولكن استفيد من
القرائن - سواء كانت حالية أو مقالية - أو
الارتكازات العرفية تقيد الإذن بالضمان
فلا إشكال فيه أيضا، كالإذن في الاستفادة
من الأمكنة العامة المملوكة كالحمامات
والرباطات ومواقف السيارات وأمثالها.
وكذا لا إشكال في عدم الضمان لو
استفيد ذلك بالقرائن والارتكازات العامة،
كالدعوات في الولائم العامة، أو الماء
السبيل الموجود في الطرق، والطعام
المبذول في المضائف.
إنما الإشكال فيما إذا لم يكن مقيدا
بالضمان ولا بعدمه وكان مجملا، فمقتضى
أدلة الضمان ثبوته، لأن الخارج من ذلك
هو القدر المتيقن وهو ما قام الدليل عليه،
أي ما صرح فيه بعدم الضمان أو استفيد
ذلك من القرائن والارتكازات العرفية،
وما سواه يبقي في عموم أدلة الضمان (1).
ثانيا - الضمان في الجنايات:
يختلف الحال في الجنايات لو تحققت
بعد الإذن في سببها فقد يوجب الإذن
الضمان وقد يوجب عدمه.
1 - الإذن الموجب للضمان:
وذلك كما إذا دخل شخص دار قوم
بإذنهم فعقره كلبهم، فقد صرح الفقهاء (2)
بضمان صاحب الدار لأن الدخول كان
بإذنه، فعليه أن يحافظ على الداخل من
الحيوان، بخلاف ما إذا لم يؤذن له، فإنه
متعد، وقد نقل السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: " قضى أمير المؤمنين

(1) عناوين الأصول: 312، العنوان 69.
(2) الجواهر 42: 134.
408

عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم
فعقره كلبهم، فقال: لا ضمان عليهم، فإن
دخل بإذنهم ضمنوا " (1)، وفي ذلك أخبار
أخر.
وأمثلة ذلك كثيرة.
2 - الإذن الموجب لعدم الضمان:
وذلك كما لو أذن الشريك في
الطريق المرفوع (المسدود) لشريكه بنصب
ميزاب أو روشن أو جناح، فوقع وأتلف،
فلم يكن موجبا للضمان، لأن فعله تصرف
مباح ومأذون فيه.
وأما إذا كان الطريق نافذا (أي
مفتوحا) فقد اختلفوا فيه على قولين:
الأول - الضمان: ونسبه في الجواهر
إلى جماعة، منهم: الشيخ، وابن زهرة،
والقاضي ابن البراج، ويحيى بن سعيد،
وابن حمزة، والعلامة في بعض كتبه،
وعللوه: بأن نصبها مشروط بالسلامة.
الثاني - عدم الضمان: ونسبه - في
الجواهر أيضا - إلى المفيد، وسلار، والحلي،
والمحقق، والعلامة في بعض كتبه،
والشهيدين، والمقداد، والأردبيلي...
قال صاحب الجواهر بعد نقل
القولين: " ولا ريب في أن الأول [ويقصد
به الثاني عندنا أي عدم الضمان] أشبه
بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل
البراءة بعد الإذن شرعا في النصب، فهو
كمن بنى في دار الغير بإذنه ثم ترتب عليه
ضرر، إذ قد عرفت مكررا أن الإذن
الشرعية أقوى من الإذن المالكية بالنسبة
إلى ذلك، وليس ذا من الإباحة الشرعية
الصرفة، بل هو ذلك مع الإذن من الولي
العام فيما للمسلمين فيه حق، كما أنك قد
عرفت مكررا عدم الضمان بالشرائط إلا ما
استفيد من النصوص، والمتيقن منها إن لم
يكن المنساق غير المفروض، كما سمعته
سابقا في الحفر ووضع الحجر ونحوهما...
- إلى أن قال: - وحينئذ فضابطه - أي
الضمان - في ذلك ونحوه: أن كل ما للإنسان
إحداثه في الطريق لا يضمن ما يتلفه
بسببه، لا لعدم استتباع الجواز الضمان،
ضرورة عدم المنافاة عقلا ولا شرعا، بل
للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به
مطلقا حتى مع الإذن من المالك الحقيقي،
وذلك لظهور ما عرفت من النص والفتوى
في أنه يضمن ما ليس له إحداثه كوضع

(1) الوسائل 19: 190، الباب 17 من أبواب
موجبات الضمان، الحديث 2.
409

الحجر وحفر البئر ونحو ذلك مما هو متأهل
للضرر في الطريق على وجه لا يجوز له
فعله فيه " (1).
ويلحق بذلك إذن الولي للطبيب بالعلاج
ولو انتهى إلى الإتلاف.
راجع: إجارة / ضمان الطبيب.
ب - من حيث حدود ما يفيده الإذن:
إن الإذن - في الأمور المالية - إما
يفيد الملكية أو الحق، والأول إما أن يكون
عينا أو منفعة أو انتفاعا، وأمثلته كالآتي.
أما ملكية العين فمثل الإذن بتملك
ما ينثر في الأعراس والحفلات.
وملكية المنفعة مثل إذن المالك لغيره
بتملك منفعة داره بحيث يتمكن من
السكنى فيه أو إيجاره لغيره.
وملكية الانتفاع - التي قد يعبر عنها
ب‍ " حق الانتفاع " أيضا - فمثل إذن المعير
للمستعير أن يستفيد وينتفع من العين
المستعارة، لكنه لا يجوز له المعاوضة على
المنفعة، لعدم تملكه لها.
وأما الحق - أو حق الاختصاص -
فمثل إذن الشارع بالتحجير الذي يفيد حق
الاختصاص.
الرجوع عن الإذن:
للآذن الرجوع عن إذنه - هذا أولا
وبالذات - لكن هناك حالات ربما لم يصح
الرجوع فيها مثل رجوع الشخص عن
الإذن في دفن ميت في ملكه، فإنه لا أثر
لرجوعه هذا، لحرمة نبش قبر الميت
المدفون بوجه مشروع إجماعا.
نعم، لو اتفق جواز نبشه لسبب ما
فإن إعادته حينئذ تحتاج إلى إذن
جديدة (1).
ومهما يكن: فإن المأذون فيه تارة
يكون صلاة وتارة غيرها.
أولا - إذا كان المأذون فيه صلاة:
وهنا تارة يرجع الآذن عن إذنه
قبل الصلاة، وتارة أثناءها.
ألف - الرجوع قبل الصلاة:
لو أذن المالك بالصلاة في ملكه ثم
أمر المصلي بالخروج قبل الشروع فيها
وجب عليه الخروج، وحينئذ فإن كان
الوقت متسعا صلى خارج المكان، وإن

(1) الجواهر 42: 117 - 121.
(1) الجواهر 27: 178 - 179.
410

كان ضيقا فالمشهور وجوب الصلاة حال
الخروج مع الإيماء إلى الركوع والسجود،
ويراعي باقي الشرائط من الاستقبال
ونحوه مع الإمكان، ولكن يظهر من
صاحب الجواهر: أنه يرى أن يصلي
صلاة المختار أي مستقرا لا حال الخروج،
لكنه يكتفي بالواجبات.
ب - الرجوع أثناء الصلاة:
والأقوال فيه ثلاثة:
1 - لزوم الإتمام مستقرا،
للاستصحاب، وإن الصلاة على ما افتتحت،
والمانع الشرعي كالعقلي، مع أن المالك إن
علم بتلبسه بها فهو آمر بالمنكر فلا ينفذ
أمره، لأن المصلي دخله بوجه شرعي.
ذهب إلى هذا القول الشهيد الأول (1)،
وكاشف الغطاء (2)، وصاحب الجواهر (3).
2 - وجوب القطع والصلاة في
خارج المكان: وهو مختار جماعة منهم:
المحقق (4)، والشهيد (5) الثانيين، والمحقق
الأردبيلي (1)، وصاحب المدارك (2).
هذا في حال سعة الوقت، وأما في
صورة الضيق التزموا بلزوم الصلاة حال
الخروج.
3 - الصلاة حال الخروج: قال في
الجواهر: " إنه لم يعرف قائلا لهذا القول
غير العلامة في الإرشاد " (3).
ولكن نسبه الشهيد في روض الجنان
إلى جماعة (4).
الرجوع عن الإذن في صلاة الميت:
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى
الرجوع عن الإذن في الصلاة في مكان ما،
وأما إذا أذن الولي لشخص في الصلاة على
الميت ثم رجع عن إذنه، فهنا - أيضا - تارة
يكون رجوعه قبل الشروع في الصلاة،

(1) الذكرى: 150.
(2) كشف الغطاء: 205.
(3) الجواهر 8: 296 - 298.
(4) جامع المقاصد 2: 117.
(5) روض الجنان: 220، وله فيه تفصيل قال:
" رابعها: الفرق بين ما لو كان الإذن في الصلاة أو
في الكون المطلق أو بشاهد الحال أو الفحوى،
فيتمها في الأول مطلقا ويخرج في الباقي مصليا مع
الضيق، ويقطعها مع السعة، وهذا هو الأجود ".
(1) مجمع الفائدة 2: 113 (واحتمل الإتمام لو
كان الإذن صريحا).
(2) المدارك 3: 220.
(3) الجواهر 8: 297، وراجع الإرشاد 1:
248.
(4) روض الجنان: 220.
411

وتارة بعدها. لا إشكال في صحة رجوعه
إذا كان قبل الشروع، وأما بعده فقد
استشكل فيه في الذكرى، قال: " للولي
الرجوع عن الإذن ما لم يشرع فيها، لأنه
وكالة في المعنى أما بعده فالأقرب المنع، لما
فيه من إخلال نظم الصلاة، ووجه الجواز:
أنها صلاة عن إذنه الذي هو جائز في
الأصل فيستصحب، وحينئذ يصلون
فرادى... " (1).
ويظهر من كاشف الغطاء اختيار
عدم تأثير المنع، فيستمر المصلي في الصلاة
حتى ولو رجع عن إذنه، قال: ".. ولو
حضر الولي أو تجددت له الولاية في أثناء
العمل وقف عن العمل ولزم الاستئذان إلا
في الصلاة، وكذا لو منعه في الأثناء بعد
الإذن، وليس فيها عزل على الأقوى
.. " (2).
واستشكل في الجواهر (3) في البطلان
وقوى جواز الرجوع، ويظهر من السيد
اليزدي - في العروة - ذلك أيضا حيث قال
بالنسبة إلى تجهيز الميت: " وإذا رجع الولي
عن إذنه في أثناء العمل لا يجوز للمأذون
الإتمام " (1)، وقال في بحث الصلاة على
الميت: ".. ويجوز قطعها أيضا اختيارا " (2)
ويظهر من المستمسك (3) ارتضاؤه أيضا.
ثانيا - إذا كان المأذون فيه غير
الصلاة:
وهنا - أيضا - تارة يكون قبل
الشروع فيه، وتارة بعده، وتارة يستلزم
ضررا على المأذون له، وتارة لا يستلزم.
ألف - إذا كان قبل الشروع:
إذا رجع الآذن عن إذنه قبل
تصرف المأذون له فلا إشكال في صحة
رجوعه إلا إذا استلزم ضررا على المأذون
فيلزم جبره كما سيأتي توضيحه.
ب - إذا كان بعد الشروع:
فإن لم يستلزم ضررا فلا إشكال في
صحة الرجوع أيضا.
وأما إذا استلزم ضررا كما إذا أذن
لغيره بالزرع أو الغرس أو البناء في أرضه

(1) الذكرى: 57.
(2) كشف الغطاء: 154.
(3) الجواهر 12: 17.
(1) العروة الوثقى، فصل مراتب الأولياء،
المسألة 8.
(2) العروة الوثقى، فصل الصلاة على الميت،
المسألة 18.
(3) المستمسك 4: 62 و 229.
412

ثم رجع عن إذنه، فالمعروف أنه يجب أن
يدفع - الآذن - الأرش للمأذون له، وليس
له أن يزيل الشجر أو البناء من دون دفع
الأرش (1).
وكيفية معرفة الأرش هو: أن يقوم
الشجر أو البناء مغروسا أو مبنيا في
الأرض ثم يقوم مطروحا عليها
ويستخرج الفاضل منهما.
تعارض الإذنين:
والمراد من التعارض هو المنافاة بين
دلالة إذنين، أو الإذن والنهي في مقام
الثبوت (أي الواقع) ويقابله المنافاة بينهما
في مقام الإثبات أي مرحلة الامتثال
والعمل.
مثال الأول: لو قال الآذن: كل
عالم مأذون في دخول داري، وقال أيضا:
كل عدو لي غير مأذون بالدخول علي،
فيقع التعارض - في مرحلة الدلالة - بين
النصين بالنسبة إلى من كان عالما وعدوا
له، فلا يعلم هل أنه يندرج تحت النص
الآذن، أو النص المانع؟
ومثال الثاني: لو أذن الأب في
زواج بنته مع شخص معين، وأذن الجد في
زواجها مع شخص معين آخر، فيقع
المنافاة بين إذن الأب وإذن الجد في
مرحلة العمل، وإلا فالدلالة واضحة.
وبعد اتضاح الفرق بين الموردين
نقدم - فعلا - البحث عن المورد الأول وهو
المنافاة في مرحلة الدلالة فنقول:
إن الإذن تارة يعارض إذنا، وتارة
يعارض نهيا، ولكل بحث خاص.
أولا - تعارض الإذن مع مثله:
وذلك كما إذا أذن - من له حق
الإذن - بفعل ثم أذن بما ينافيه، كالإذن
بالصلاة نحو بيت المقدس ثم الإذن بها نحو
البيت الحرام، بناء على صحة إطلاق الإذن
على الأمر أو المستفاد منه.
والذي يترتب على الإذنين
- أولا وبالذات - هو التخيير بين المأذون
فيهما، ولكن قد يكون الثاني ناسخا
للأول، وهذا يستفاد مما يكتنف بالكلام
من القرائن.
ثانيا - تعارض الإذن مع النهي:
وفيه عدة صور نذكر أهمها:
الأولى - تعارض الصريح مع مثله:
وفيه عدة فروض:

(1) الجواهر 27: 174.
413

ألف - إذا كان الإذن والنهي
متساويين:
كما إذا قال: ادخل داري ثم قال:
لا تدخل داري، فيكون المتأخر ناسخا،
والإذن الأول كالعدم من حين صدور
الثاني وبلوغه.
ب - إذا كان المتأخر هو النهي وكان
أخص من المتقدم، كما إذا قال: كل عالم
يدخل داري، ثم قال زيد - العالم - لا
يدخل داري، فينبغي فرض عدم الإذن
للخاص، لأن النهي المتأخر إما مخصص
للإذن العام المتقدم أو ناسخ له، وعلى
التقديرين لم يكن زيد مأذونا.
ج - إذا كان المتأخر (الإذن) أخص
من المتقدم (النهي): كما إذا قال: لا يأكل
أحد من طعامي، ثم قال لزيد: كل من
طعامي، فإنه يدل على الإذن الخاص،
لأنه إما مخصص للنهي المتقدم أو ناسخ
له.
د - إذا كان بين الإذن والنهي عموم
من وجه مثل: كل عالم يدخل داري،
وكل عدو لي لا يدخل داري، فتقع
المنافاة في زيد العالم إذا كان عدوا، ولا بد
من ملاحظة المباني في موارد تعارض
العموم من وجه، والمعروف أنه إذا كان
لأحد الطرفين ما يرجحه على الآخر فيقدم
وإلا فيتعارضان ويتساقطان، ولا بد من
الرجوع إلى الأصول العامة كالبراءة ونحوها
باختلاف الموارد.
الثانية - تعارض الصريح والفحوى:
وذلك مثل قوله لجماعة: كونوا
ضيوفا عندي، وقوله: لا يصل في داري
من كان عدوي، وكان في الجماعة من هو
عدو له، فالأول يكون دالا على جواز
الصلاة بالفحوى، والثاني دالا على عدمه
بالصراحة.
ويأتي فيه كل ما تقدم من الصور
وأحكامها، فيكون المتأخر - في المثال -
ناسخا للأول.
الثالثة - تعارض الصريح مع شاهد
الحال:
كما لو أذن لزيد بالدخول، وكان في
الواقع من ألد أعدائه لكنه لا يعلم ذلك،
أو منع جماعة من دخول داره وكان فيهم
صديق له، فإن شاهد الحال يدل في الأول
على المنع، وفي الثاني على الجواز.
وهناك صور عديدة أخرى أعرضنا
414

عنها مخافة التطويل (1).
تنافي الإذن في مرحلة العمل:
إن المنافاة في مرحلة العمل قد
تكون بين الإذنين، وقد تكون بين الإذن
والمنع، كما لو صدر من الأب إذن يخالف
الإذن الصادر من الجد، أو صدر من
الأب ما يخالف الإذن الصادر من
الشارع.
والآذن أو المانع قد يكون أحدهما
الشارع والآخر غيره، وقد يكونان غير
الشارع.
أولا - إذا كان أحد الطرفين هو
الشارع:
وهنا تارة يكون مورد الإذن أو
النهي الصادر من الشارع حكما إلزاميا
- من وجوب أو حرمة - وتارة غيره.
فإن كان الصادر من الشارع حكما
إلزاميا - سواء كان في قالب الإذن أو
المنع - فيقدم على الإذن الصادر من سائر
من له حق الإذن أو منعه.
وأمثلة ذلك كثيرة منها تقديم أمر
الشارع بالحج الواجب على نهي الزوج
عنه، لعدم طاعة للمخلوق في معصية
الخالق، ولما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام قال: سألته عن امرأة لها زوج وهي
صرورة لا يأذن لها في الحج، قال: " تحج
وإن لم يأذن لها " (1) وفي رواية أخرى:
" تحج وإن رغم أنفه " (2)، وفي ثالثة: " لا
طاعة له عليها في حجة الإسلام ولا
كرامة، تحج إن شاءت " (3).
وكذا الولد لو نهاه أبوه عن الحج
الواجب المضيق فلا أثر لنهيه بعد أمر
الشارع به.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى النذر
واليمين، فلو نذر الولد أو المملوك أو
الزوجة من دون إذن الوالد أو المولى أو
الزوج أو مع نهيه فإما لا ينعقد أو ينفسخ
بعد الانعقاد على اختلاف الحالات
والمباني، " فقد ذهب جماعة إلى أنه

(1) راجع كل ذلك عناوين الأصول، العنوان
69.
(1) الوسائل 8: 111، الباب 59 من أبواب
وجوب الحج، الحديث 4.
(2) الوسائل 8: 111، الباب 59 من أبواب
وجوب الحج، الحديث 5.
(3) الوسائل 8: 111، الباب 59 من أبواب
وجوب الحج، الحديث 3. وراجع الجواهر 7:
334.
415

يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن
المولى، وفي انعقاده من الزوجة إذن
الزوج، وفي انعقاده من الولد إذن الوالد،
لقوله عليه السلام: " لا يمين لولد مع والده،
ولا للزوجة مع زوجها، ولا للملوك مع
مولاه " فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن
لم ينعقد، وظاهرهم الإذن السابق،
فلا تكفي الإجازة بعده...
وذهب جماعة إلى أنه لا يشترط
الإذن في الانعقاد، لكن للمذكورين حل
يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو
إذن، بدعوى: أن المنساق من الخبر
المذكور يمين مع معارضة المولى أو الأب،
والزوج، ولازمه: جواز حلهم له...
وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد، ومع
الإذن يلزم، ومع عدمهما ينعقد، ولهم
حله... " (1).
ومثل ذلك حكم الفقهاء بجواز - أو
وجوب - أكل المضطر من طعام الغير
بمقدار ما يسد به رمقه مع بذل عوضه إن
كان المالك ممتنعا من البذل (1).
وإن كان متعلق الإذن الصادر من
الشارع غير إلزامي، فيقدم الصادر عن
غيره من الأولياء إن كان فيه إلزام وإلا
فقد يترجح وقد لا يترجح.
ومن هذا الباب حكم الفقهاء بتقديم
أمر الأب أو الزوج أو المولى بترك الصوم
الندبي أو نهيه عنه بعد أمر الشارع إياه،
على تفصيل مذكور في محله (2).
ثانيا - إذا كان الطرفان غير
الشارع:
وهنا يختلف الحكم باختلاف
الطرفين، فالمعروف في مثل الأب والجد
تقديم الجد على الأب في باب النكاح،
ولعله كذلك في غيره، قال السيد اليزدي:
"... ولو تشاح الأب والجد
فاختار كل منهما واحدا قدم اختيار
الجد... " (3).
وعلق عليه في المستمسك قائلا:
" كما في الشرائع والقواعد وغيرهما،
416

وفي كشف اللثام حكاية الإجماع عليه عن
الانتصار، والخلاف، والمبسوط،
والسرائر، ويشهد له النصوص.. " (1).
وفي الأب والزوج يقدم الزوج.
ولذلك أمثلة كثيرة أخرى أعرضنا
عن ذكرها كمخالفة المولى مع الزوج في
الأمة المزوجة وغير ذلك...
انتهاء أمد الإذن:
إن الإذن تارة يكون محدودا - من
أول الأمر - بزمان وقد لا يكون، فإن كان
محدودا فلا إشكال في انتهاء أمده بانتهاء
زمانه، كما إذا أذن المالك لغيره بالبقاء في
داره مدة شهر مثلا، وبعد انتهاء المدة
ينتهي الإذن فيحتاج البقاء إلى إذن
جديد.
وقد لا يكون محدودا من الناحية
الزمنية ولكن هناك عوامل طارئة تجعله
محدودا، وأهم هذه العوامل هي:
أولا - الموت:
أما موت المأذون فهو موجب
لبطلان الإذن قطعا ولا يتعداه إلى غيره
من الورثة إلا إذا كان عاما في حد ذاته
من أول الأمر، كما إذا أذن له ولأولاده أن
يسكنوا الدار مثلا.
وأما موت الآذن فالظاهر بطلان
الإذن بسببه أيضا، ولذلك علل في الجواهر
بطلان الوكالة بموت الموكل بقوله: " ولعله
لاعتبار استدامة الإذن في صحة الوكالة
وبالموت يخرج عن الأهلية " (1).
ثانيا - الجنون والإغماء من كل
واحد منهما:
قال في الجواهر في تعليل بطلان
الوكالة: " نعم ربما احتمل بقاء جواز
التصرف للوكيل بعد زوال المانع بالإذن
العام وإن بطلت الوكالة، بناء على مثل
ذلك فيما تقدم من المسائل، وقد يفرق بين
المقام وبينها بأن المبطل هنا راجع إلى
الإذن نفسها، لا إلى خصوص عقد
الوكالة، وإنما حاصله: خروج المأذون عن
قابلية إذن النيابة فتأمل " (2).
ثالثا - طروء الحجر على الآذن:
إذا كان متعلق الإذن داخلا في ما
تعلق به الحجر لا ما إذا كان خارجه
كإذنه بزواج بنته مثلا.
417

رابعا - انتفاء موضوع الإذن
ومتعلقه:
كما إذا إذن للغير أن يسكن داره
فانهدمت وذلك واضح، ويترتب عليه
أنه ليس له أن يتصرف في بقاياه بمجرد
الإذن الأول بسكناه.
خامسا - انتهاء الصفة التي علق
الإذن عليها:
فإذا كان الشريك مأذونا بالتصرف
من قبل شريكه بما هو شريك فسوف
ينتفي هذا الإذن بانتفاء الشركة، وكذا
بالنسبة إلى العبد لو أذن له بالتصرف بما
هو عبد مستخدم ثم أعتق.
ملاحظة:
إن الموارد التي يتعرض فيها الفقهاء
للإذن بعنوان كونه شرطا في صحة شئ
أو جوازه تكليفا كثيرة جدا، ولا يسعنا
التعرض لها جميعا، ولكنا سنشير إلى
مواطن البحث عن جملة منها فيما يلي:
1 - الطهارة:
ألف - اشتراط إباحة الماء في
الطهارة.
ب - ما يرتبط بالميت من الاحتضار
والتغسيل والتدفين.
2 - الصلاة:
ألف - اشتراط إباحة مكان المصلي
(وعمدة الأبحاث العامة للإذن تكون في
هذا الموطن).
ب - اشتراط إباحة لباس المصلي.
ج - الصلاة على الميت.
د - إقامة الجمعة من دون إذن
الإمام.
3 - الزكاة:
عدم جواز تفريق الساعي الزكاة
على المستحقين إلا بإذن الإمام عليه السلام.
4 - الخمس:
البحث عن تحليل الخمس للشيعة
ومفاده، والبحث عن المتولي لمصرف
الخمس.
5 - الصوم:
نهي الزوج والسيد والوالد عن
الصوم المندوب، ويكون هذا البحث
- عادة - في البحث عن " الصوم
المحظور ".
6 - الحج:
ألف - عدم صحة حج المرأة تطوعا
إلا بإذن زوجها.
ب - توقف صحة نذر الحج على إذن
418

الزوج والسيد والأب.
7 - الجهاد:
ألف - منع الأبوين الابن من الجهاد
في البحث عن من يجب الجهاد عليه.
ب - كراهة المبارزة أو حرمتها من
دون إذن الإمام.
ج - ثبوت الرضخ للنساء والعبيد
والكفار إن قاتلوا بإذن الإمام.
د - عدم جواز الجرح أو القتل في
النهي عن المنكر إلا بإذن الإمام عليه السلام.
ه‍ - عدم جواز إقامة الحدود لأحد
في زمن الحضور إلا الإمام أو من نصبه.
و - جواز إقامة الحدود في زمن
الغيبة للفقهاء العارفين كما لهم الحكم بين
الناس مع الأمن، ويجب على الناس
مساعدتهم.
8 - التجارات:
ألف - العقد الفضولي.
ب - إذن الأب والجد في معاملات
الصبي أو غيره له.
ج - عدم صحة بيع الرهن إلا مع
إذن المالك.
د - عدم صحة بيع العبد إلا مع إذن
سيده.
ه‍ - عدم جواز التصرف في العين
الموقوفة إلا مع إذن المتولي.
و - عدم جواز التصرف في الأرض
المفتوحة عنوة إلا مع إذن الإمام.
9 - القرض:
إذن السيد للعبد في التجارة وما
يرتبط بذلك.
10 - الرهن:
ألف - عدم جواز التصرف في العين
المرهونة إلا بإذن المالك.
ب - الرجوع عن الإذن في
التصرف.
ج - الاختلاف في كون الإذن قبل
التصرف أو بعده.
11 - الحجر:
مواضع عديدة، منها توقف إعلان
الحجر وفكه على إذن القاضي.
12 - الصلح:
أحكام النزاع، منها النزاع في
الطرق المرفوعة، وفي الأمور المشتركة
كالجدران ونحوها.
13 - الشركة:
ألف - عدم جواز تصرف الشريك
بدون إذن سائر الشركاء.
419

ب - رجوع الشريك في الإذن
للشريك الآخر بالتصرف.
ج - بطلان الإذن بالجنون والموت.
14 - المضاربة:
ألف - الإذن للمضارب بالتصرف
مطلقا.
ب - تصرفات العامل من دون إذن
المالك.
وموارد أخرى.
15 - المزارعة والمساقاة:
موارد متعددة، منها: عدم التعدي
عن المقدار المأذون فيه.
16 - الوديعة والعارية:
ألف - الاختلاف في إذن المالك لدفع
الوديعة لغيره (المالك) وعدمه.
ب - رجوع المعير أرضه للبناء أو
الغرس عن إذنه.
ج - إعارة الأرض لدفن الميت.
د - توقف إعارة العين المستعارة على
إذن المعير.
ه‍ - لو أذن في الغرس في أرضه ثم
زال الغرس فهل يحتاج إلى إذن جديد؟
17 - الإجارة:
ألف - هل تتوقف إجارة العين
المستأجرة على إذن المالك؟
ب - توقف إجارة الأجير الخاص
نفسه على إذن المستأجر.
ج - اختلاف الخياط والمالك في
الإذن بقطع القماش ثوبا.
18 - الوكالة:
ألف - بقاء الإذن مع بطلان الوكالة
وعدمه.
ب - اختلاف الوكيل والموكل.
ج - اقتصار الوكيل في التصرف على
الإذن المستفاد من عقد الوكالة.
د - إطلاق الوكالة يقتضي إطلاق
الإذن أو لا؟
ه‍ - إذن العبد بالتصرف ثم عتقه.
و - جواز توكيل العبد مع إذن
سيده.
ز - ليس للوكيل أن يوكل عن
الموكل إلا بإذن منه.
19 - الوقف:
توقف التصرفات في العين الموقوفة
على إذن الناظر على الوقف. (ويبحث عن
ذلك غالبا في بحث التجارة).
20 - الوصايا:
ألف - إذن الموصي للوصي
420

بالإيصاء.
ب - إذن الورثة في الوصية، أي
إجازتهم لها إن كانت أكثر من الثلث.
21 - النكاح:
ألف - توقف صحة نكاح البكر على
إذن الأب والجد.
ب - توقف صحة نكاح العبد والأمة
على إذن السيد.
ج - توقف صحة نكاح الأمة على
الحرة على إذن الحرة.
د - توقف صحة نكاح بنت أخت
الزوجة أو أخيها على إذنها، أي الزوجة.
ه‍ - توقف صحة فسخ النكاح على
إذن الحاكم.
22 - الطلاق والخلع:
ألف - توقف خروج المطلقة رجعيا
- في أمر مندوب - عن البيت على إذن
الزوج.
ب - صحة بذل الفداء - في الخلع -
ممن يضمنه بإذنها.
23 - النذور والأيمان:
البحث عن توقف صحة نذر
الزوجة على إذن زوجها، وكذا نذر الولد
والعبد، ويبحث عن ذلك استطرادا في
الحج المنذور أيضا.
24 - الحجر:
البحث عن توقف الحجر وفكه على
إذن الحاكم.
25 - الأطعمة والأشربة:
جواز الأكل من مال الغير بقدر سد
الرمق من دون إذنه عند الاضطرار إليه.
وجواز الأكل ممن سمتهم الآية.
26 - الغصب:
عدم تأثير إذن الغاصب في رفع
حرمة التصرف في المال المغصوب والضمان
فيه وارتفاعهما في صورة إذن المالك
الأصلي.
27 - الشفعة:
سقوط حق الشفعة إذا كان البيع
بإذن الشريك وعدمه.
28 - إحياء الموات:
ألف - اشتراط إذن الإمام في التملك
بالإحياء.
ب - اشتراط إذن المالك السابق في
إحياء الأراضي البائرة وعدمه.
29 - اللقطة:
ألف - صحة لقطة العبد إذا كان بإذن
مولاه.
421

ب - اعتبار الإذن من الحاكم في
الانفاق على اللقيط من ماله.
ج - هل يجوز للعبد الالتقاط بدون
إذن مولاه؟
30 - الإرث:
إن ما تأخذه سرية بغير إذن الإمام
فله خاصة: يبحث عن ذلك استطرادا عند
البحث عن أن الإمام وارث من لا وارث
له.
31 - القضاء:
ألف - شرطية إذن الإمام في ثبوت
ولاية الحاكم.
ب - توقف بعض أنواع التقاص على
إذن الحاكم.
ج - جواز استخلاف القاضي وعدمه
تابع لإذن الإمام عليه السلام.
د - الدعوى في حصول الإذن
وعدمه.
32 - القصاص:
ألف - توقف القصاص على إذن
الإمام.
33 - الديات:
يبحث في موجبات الضمان عن:
ألف - إذن المريض للطبيب بالعلاج
ثم حصول التلف بسببه.
ب - عدم الضمان عند سقوط
الميازيب والرواشن والإتلاف بسببها إذا
كانت مأذونا في نصبها، والضمان عند عدم
الإذن.
422

الملحق الأصولي
423

آ
آية
لغة:
العلامة، وتأتي بمعنى الجماعة، ومن
ذلك قولهم: خرج القوم بآيتهم أي
بجماعتهم لم يدعوا وراءهم شيئا (1).
اصطلاحا:
تطلق على عدة معان، والمناسب
منها هو: مجموعة من الكلمات أو الحروف
من القرآن الكريم متصلة بعضها ببعض
إلى محل معين.
راجع: آية، في المصطلحات الفقهية.
آية الأذن
وهي قوله تعالى: (ومنهم الذين
يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير
لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) (1).
استدل بها على حجية الخبر الواحد
بتقريب: أن الله سبحانه وتعالى مدح نبيه
صلى الله عليه وآله وسلم بتصديقه للمؤمنين، ولو
لم يكن تصديقهم أمرا حسنا لما مدحه.
ونوقش: بأنه لا ملازمة بين
تصديق المخبر والعلم بإخباره وترتيب
الأثر عليه، إذ قد يراد من تصديقه عدم

(1) النهاية ل‍ " ابن الأثير ": " آية ".
(1) التوبة: 61.
425

المبادرة إلى تكذيبه، وعدم نسبة الكذب
إليه بالمواجهة، وهذا أمر أخلاقي دلت
عليه بعض الروايات (1).
راجع: خبر.
آية الإنذار
راجع: آية النفر.
آية الذكر
وهي قوله تعالى: (وما أرسلنا من
قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل
الذكر إن كنتم لا تعلمون) (2) ويطلق عليها
آية السؤال أيضا.
واستدل بها - في الأصول - على
حجية خبر الواحد أيضا، بتقريب: أن
وجوب السؤال يدل على وجوب القبول
بالملازمة وإلا لزم كون وجوب السؤال
لغوا، مضافا إلى عدم تفصيل الآية بين
صورتي حصول العلم من الجواب وعدمه.
ونوقش: بأن تعليق وجوب السؤال
على عدم العلم ظاهر في أن الغرض منه
هو حصول العلم لا التعبد بالجواب،
فيكون الخبر حجة فيما إذا أفاد العلم،
وحجيته حينئذ ذاتية.
مضافا إلى أن الآية واردة في مقام
رد منكري نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، والمأمورون بالسؤال هم عوام اليهود،
ولا ينافي ذلك ما في الأخبار من أن المراد
من أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام لأن أهل
الذكر عنوان عام يشمل الجميع، ويختلف
باختلاف الموارد، ففي مقام إثبات النبوة
الخاصة بما وصف الله نبيه في الكتب
السماوية المتقدمة كالتوراة والإنجيل يكون
المراد من أهل الذكر علماء اليهود
والنصارى، ولا يصح أن يراد في هذا
المقام الأئمة عليهم السلام، لأن الإمامة فرع
النبوة، فكيف يمكن إثبات النبوة بالسؤال
عن الذي تثبت إمامته بنص من النبي

(1) مصباح الأصول 2: 190.
(2) النحل: 43.
426

صلى الله عليه وآله وسلم (1).
راجع: خبر.
آية السؤال
راجع: آية الذكر.
آية الكتمان
وهي قوله تعالى: (إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من
بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (2).
واستدل بها على حجية خبر الواحد
- أيضا - بتقريب: أن حرمة الكتمان
ووجوب الإظهار مستلزم لوجوب القبول
وإلا كان حرمة الكتمان لغوا، وبالإطلاق
يستفاد وجوب القبول حتى مع عدم
حصول العلم من قول المتكلم.
ونوقش: بأنه لا ملازمة بين حرمة
الكتمان ووجوب القبول تعبدا حتى مع
عدم حصول العلم، بل المراد: أنه على
جميع أهل العلم أن يظهروا علمهم، ولعله
يحصل من مجموع ما أخبروا به العلم
بالواقع، فيكون قبول مجموع قولهم من
باب قبول العلم، كما يحصل مع آحاد
الأخبار القطع، بسبب التواتر (1).
راجع: خبر.
آية النبأ
وهي قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (2).
وقد استدل بها - أيضا - على حجية

(1) مصباح الأصول 2: 189.
(2) البقرة: 159.
(1) مصباح الأصول 2: 189.
(2) الحجرات: 6.
427

خبر الواحد بعدة تقاريب منها:
1 - الاستدلال بمفهوم الوصف
باعتبار أنه تعالى أوجب التبين عن خبر
الفاسق، ومن الواضح أن التبين ليس
واجبا نفسيا، بل هو شرط لجواز العمل به،
ويشهد له التعليل في الآية وهو قوله
تعالى: (أن تصيبوا...) فيكون مفاد
الآية هو: وجوب التبين عن خبر الفاسق
عند إرادة العمل طبقه، ويكون مفهومه
عدم وجوب التبين عن خبر غير الفاسق
في مقام العمل به.
2 - الاستدلال بمفهوم الشرط
بتقريب أن وجوب التبين عن الخبر قد
علق على مجئ الفاسق به فينتفي عند
انتفائه فلا يجب التبين عن الخبر عند مجئ
غير الفاسق به.
وقد أورد على هذين الاستدلالين
وغيرهما من الوجوه إيرادات عديدة (1).
راجع: خبر.
آية النفر
وهي قوله تعالى: (فلولا نفر من
كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون) (1) ويطلق عليها آية الإنذار
أيضا.
وقد استدل بها - أيضا - على حجية
خبر الواحد، فجعلت مدرسة المحقق
النائيني هذه الآية أوضح الآيات دلالة،
في مقابل من شدد على عدم دلالتها.
وقربت دلالتها بوجوه عديدة بينها
جامع مشترك، وهو: أنها تدل على
وجوب التحذر مطلقا حتى في صورة عدم
حصول العلم من إخبار المنذر، وهو يلازم
الحجية، واختلفت الكلمات في كيفية
استفادة وجوب التحذر، ومما قيل في ذلك
هو:

(1) راجع كل ذلك، مصباح الأصول 2: 152 -
156.
(1) التوبة: 122.
428

إن التحذر جعل في الآية غاية
للإنذار الواجب، وغاية الواجب واجبة،
وبمقتضى التمسك بإطلاق الغاية والمغيى
نثبت وجوبه حتى مع عدم حصول العلم
من إخبار المنذر (1).
راجع: خبر.

(1) بحوث في علم الأصول 4: 374، وراجع
مصباح الأصول 2: 183 وفيه تقريب آخر.
429

أ
إباحة
لغة:
مأخوذة من المباح، وهو خلاف
المحظور، من باحة الدار وسعتها، فكونه
مباحا معناه موسع فيه غير مضيق، ومن
المحتمل أن يكون بمعنى الإطلاق، ف‍ " أباح
الشئ " أي أطلقه بمعنى جعله مطلقا غير
مقيد بشئ (1).
اصطلاحا:
إنشاء كون شئ ما مباحا ممن له
أهلية الإنشاء.
والمستفاد من كلمات الأصحاب
(رض)، أن المباح هو: ما لم يكن في فعله
مدح ولا في تركه ذم، قال السيد
المرتضى: " اعلم أن حد المباح يتضمن
إثباتا ونفيا وتعلقا بالغير، فالإثبات هو
حسنه، والنفي هو أن لا مدح فيه ولا ذم
ولا ضرر، والتعليق هو أن يعلم المكلف أو
يدل على ذلك من حاله... " (1)، وقال
المحقق الحلي: " المباح: ما استوى طرفا
فعله وتركه في عدم استحقاق المدح
والذم " (2).

(1) لسان العرب، الصحاح، تاج العروس، مجمع
البحرين، معجم مقاييس اللغة: " بوح ".
(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 805.
(2) معارج الأصول: 48.
431

لفظ الإباحة في الروايات:
لم تكن لفظة الإباحة متداولة في
معناها المصطلح في عهد الأئمة عليهم السلام،
نعم وردت في بعض الروايات، منها ما
رواه في الوسائل عن أبي عبد الله عليه السلام
في باب إباحة الخمر والخنزير عند
الضرورة حيث جاء فيها: "... ولكنه
خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما
يصلحهم، فأحله لهم وأباحه تفضلا منه
عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم
فنهاهم عنه وحرم عليهم ثم أباحه
للمضطر وأحله في الوقت الذي لا يقوم
بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر
البلعة... " (1).
من له حق الإباحة:
الذين لهم حق الإباحة هم:
أولا - الشارع المقدس: لما كان
الأمر كله لله تبارك وتعالى تكوينا
وتشريعا فحق الإباحة له أولا وبالذات،
ثم للذين منحهم حق التشريع كالرسول
صلى الله عليه وآله وسلم - بناء على أن له ذلك إلى
حد ما - كما هو المعروف، ويدل عليه ما
رواه في الوسائل - في باب خلل الصلاة -
عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه
السلام: " كان الذي فرض الله على العباد
عشر ركعات، وفيهن القراءة وليس فيهن
وهم - يعني سهوا - فزاد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم سبعا وفيهن الوهم وليس
فيهن قراءة، فمن شك في الأولتين أعاد
حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في
الأخيرتين عمل بالوهم " (1).
وأما الأئمة عليهم السلام فقد اختلفوا في
أنه هل لهم حق التشريع كما كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لا؟ ذهب
بعضهم إلى وجود مثل ذلك الحق لهم، بينما
ذهب البعض الآخر إلى عدمه. وهناك
موارد يظهر منها أنه كان لهم ذلك الحق
مثل ما روي عنهم عليهم السلام من إباحتهم
حقهم لشيعتهم - على اختلاف التفاسير
للمراد من حقهم - ومن ذلك ما رواه محمد
بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: " هلك
الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم

(1) الوسائل 16: 309 الباب 1 من أبواب
الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(1) الوسائل 5: 299 الباب 1 من أبواب
الخلل، الحديث 1.
432

لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك
وآباءهم في حل " (1).
وقال صاحب الجواهر حول أموال
الإمام عليه السلام في زمن الغيبة:
"... وكيف كان فسبر هذه
الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون
متواترة المشتملة على التعليل العجيب
والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع
بإباحتهم عليهم السلام شيعتهم زمن الغيبة - بل
والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد
وعدم بسطها - سائر حقوقهم عليهم السلام في
الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم
وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين
المسلمين، ثم صار في أيدي غيرهم... " (2).
وللبحث عن حدود هذه الإباحة
وتحديد مصاديقها وما اختلف فيه موضع
آخر.
وعلى أي حال فمن المحتمل أن
تكون إباحتهم حقهم لشيعتهم من باب
الإخبار عن الحكم الإلهي، وهو الإباحة في
هذا المورد، أو من باب الإباحة المالكية
أي بما أنهم مالكون لهذا الحق فلهم أن
يبيحوه لمن شاءوا كسائر الملاك، لا من
باب التشريع وأن لهم حق ذلك، كما يحتمل
أن يكون لهم ذلك، والله العالم.
ثانيا - المالك أو من في حكمه: كل
مالك يحق له أن يبيح للآخرين التصرف
في ملكه مثل إباحة صاحب الدار للضيف
أن يتصرف فيما يقدم له من طعام ونحوه.
والإباحة المستندة إلى المالك تسمى
" إباحة مالكية ".
والمقصود من الذين في حكمه هم:
الأولياء، والأوصياء، والوكلاء وأمثالهم.
ثالثا - العقل: وممن تستند إليه
الإباحة، العقل، فيقال: العقل يحكم
بالإباحة في كذا وكذا... مثل حكمه
بالإباحة في الأشياء قبل الشرع أو حكمه
بها في موارد اللاحرجية العقلية.
ولكن يمكن أن يقال: إن العقل
كاشف عن حكم الشارع لا أنه حاكم
بنفسه، إذ العقل مدرك لا حاكم.
ومهما يكن فالإباحة المستندة إلى
العقل تسمى " الإباحة العقلية ".

(1) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب
الأنفال، الحديث 1.
(2) الجواهر 16: 141.
433

أسباب الإباحة:
ونقصد بذلك الأمور التي تستتبع
الإباحة سواء كان المبيح هو الشارع، أو
المالك، أو العقل... وهي:
أولا - إذن الشارع: فكل مورد أذن
الشارع في فعله أو التصرف فيه يصير
مباحا، مثل إذنه في حيازة المباحات
العامة، وأكل وشرب بعض الأطعمة
والأشربة.
والمقصود من الإذن هنا، هو الإذن
بالفعل أو التصرف بما هو هو، لا بما هو
مضطر إليه.
ثانيا - الاضطرار: والاضطرار
موجب لإباحة الشئ المضطر إليه عقلا
وشرعا، أما عقلا - بناء على أن يكون
حاكما بالإباحة لا كاشفا عنها - فواضح (1)،
وأما شرعا فلقوله تعالى: (... فمن
اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (2)
وقوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير
متجانف لإثم...) (1)، وقوله صلى الله عليه وآله
وسلم: " رفع عن أمتي تسع... وما اضطروا
إليه... " (2)، فكل حرام يصير حلالا
بالاضطرار، قال الشهيد في المسالك:
" المضطر إذا لم يجد الحلال يباح له أكل
المحرمات: من الميتة وغيرها كالدم ولحم
الخنزير وما في معناها على ما قال تعالى:
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه) وغيره من الآيات ".
وقال - أيضا -: " لا خلاف في أن
المضطر يستبيح سد الرمق وهو بقية الحياة
بمعنى أنه يأكل ما يحفظه من الهلاك،
وليس له أن يزيد على الشبع
إجماعا... " (3).
ولا ينحصر ذلك في الأكل
والشرب، بل يشمل جميع الأفعال، فكل
فعل حرام يضطر إليه المكلف يصير مباحا
بالاضطرار إلا الدم، وفيه تفصيل.
راجع: اضطرار.
ثالثا - أسباب التمليك: فكل ما
يوجب التمليك يوجب الإباحة تبعا، سواء

(1) أي إن العقل ينتهي إلى إباحة الشئ المضطر
إليه إما من جهة حكمه بذلك - لو قلنا إنه
يحكم - أو من جهة دركه وكشفه عن حكم
الشارع في ذلك.
(2) البقرة: 173.
(1) المائدة: 3.
(2) الخصال: 417 باب التسعة.
(3) المسالك 2: 200 - 201.
434

كان تمليكا للعين أو المنفعة أو الانتفاع،
كالهبة والصدقة والوقف والإجارة
والعارية.
رابعا - إذن المالك لغيره في التصرف
في ملكه: فإذا أذن المالك في التصرف في
ملكه صار ذلك سببا للإباحة في التصرف
فيه.
ما يدل على الإباحة:
ما يدل على الإباحة إما قول أو
فعل أو تقرير:
أولا - القول: يدل على الإباحة من
القول - إذا صدر ممن له أهلية الإباحة - ما
يلي:
1 - أبحت وما يشابهها من مشتقات
الإباحة.
2 - أحللت وما يشابهها من
مشتقات الحلية إذا لم تكن مقرونة بقرينة
دالة على أن المراد منها الحلية مقابل الحرمة
الشاملة للاستحباب والكراهة والوجوب
والإباحة.
3 - لا بأس: سواء قيلت ابتداء أو
في جواب سؤال، ولكن إنما تدل على
الإباحة لو كان المتكلم بصدد بيان الحكم
التكليفي لا الوضعي وإلا كانت دالة على
الصحة. مثال الأول ما ورد من أنه سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن الشرب في القدح
فيه ضبة من فضة، قال: " لا بأس... " (1)،
وقوله عليه السلام: " لا بأس أن يشرب
الرجل في القدح المفضض... " (2).
ومثال الثاني قوله عليه السلام: "...
وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا
بأس أن يتيمم منه " (3).
فالمستفاد من الأولين الإباحة ومن
الأخير الصحة.
4 - نفي التحريم مثل قوله تعالى،
(قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده) (4) فإن نفي التحريم عن شئ - وإن
جاء بصورة الاستفهام الإنكاري - دال
على إباحته.
5 - الاستثناء من التحريم مثل قوله
تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا

(1) الوسائل 2: 1086، الباب 66 من أبواب
النجاسات، الحديث 4.
(2) نفس المصدر، الحديث 5.
(3) الوسائل 2: 972، الباب 9 من أبواب
التيمم، الحديث 4.
(4) الأعراف: 32.
435

ما اضطررتم إليه) (1).
6 - الأمر بعد الحظر أو توهمه إذا
كان الحكم قبل الحظر هو الإباحة، أو
مطلقا، بناء على القولين، وأما بناء على
عدم دلالته إلا مع القرينة، فلا يدل من
دونها على شئ، ومثال ذلك قوله تعالى:
(إذا حللتم فاصطادوا) (2)، ومثل (نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) (3).
ثانيا - الفعل: إذا فعل المعصوم (النبي
أو الإمام) شيئا فإن دلالته على الجواز
بالمعنى الأعم المقابل للحرام واضحة، لأنه
لا يفعل الحرام، وأما دلالته على خصوص
كونه واجبا أو مستحبا أو مباحا أو
مكروها - بناء على ارتكابه للمكروه ولو
لبيان نفي حرمته - فغير واضحة، ولذلك
يقال: إن فعل المعصوم أعم من كونه مباحا
أو مستحبا أو مكروها أو واجبا، نعم لو
كانت هناك قرينة على الإباحة فلا كلام،
وإلا فلا دلالة فيه عليه.
ثالثا - التقرير: إذا أقر المعصوم
أحدا على ما فعل بأن لم يردعه عنه فهو
دال على عدم حرمته وأما دلالته على
خصوص كونه مباحا فيحتاج إلى قرينة
كما مر في الفعل.
الإباحة والحظر:
اختلفوا في أن الأصل في الأشياء
- قبل التشريع - هل هو الحظر أو
الإباحة؟
ولا بد من الإشارة إلى أن الإباحة
- هنا - إباحة عقلية سواء قلنا بأن العقل
مدرك أو حاكم وليست حكما شرعيا وإن
يظهر من بعض العبارات الخلط بين
الإباحتين حيث استدل على الإباحة بما
يستند إلى الشرع كالآيات والروايات.
ومهما يكن فقد ذهب الأشاعرة (1)
إلى أنه لا حكم قبل ورود الشرع
- استنادا إلى نفي الحسن والقبح العقليين -
واختلف المعتزلة فيما لم يستقل العقل بقبحه
أو حسنه هل الأصل فيه الحظر (أي المنع)
أو الإباحة (أي الترخيص)؟ وأما ما
استقل العقل بقبحه أو حسنه فلا نزاع فيه،
فإنه يحكم بحظره في الأول وبإباحته في

(1) الأنعام: 119.
(2) المائدة: 2.
(3) البقرة: 223.
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1: 130.
436

الثاني، وذلك مثل حظر الظلم، وإباحة
العدل (والإباحة - هنا - بمعنى رفع الحظر)،
وما لا يستقل العقل بقبحه أو حسنه مثل
حيازة المباحات فبحثوا عن أن الأصل في
مثل ذلك هل هو الحظر أو الإباحة؟ أو
الوقف؟ ذهب إلى كل جماعة منهم، وكذا
فقهاؤنا فخصوا النزاع في غير المستقلات
العقلية، وذهب إلى كل من الأقوال
الثلاثة، جماعة منهم. ويؤيد ذلك كلمات
الفقهاء كالشيخ الطوسي في العدة، والمحقق
الحلي في المعارج، والشيخ الأنصاري في
الفرائد، قال المحقق:
" اتفق أهل العدل على قبح التصرف
فيما فيه مضرة خالية من نفع، وكذا ما لا
منفعة فيه، وكذا ما علم وجه قبحه
كالظلم، واختلفوا فيما عدا ذلك مما ينتفع به
ولا يعلم كونه واجبا ولا مندوبا... " (1).
وقال الشيخ: "... ولذا خصوا
النزاع في الحظر والإباحة في غير
المستقلات العقلية بما كان مشتملا على
منفعة وخاليا عن أمارة المفسدة، فإن هذا
التقييد يكشف عن أن ما فيه أمارة
المضرة لا نزاع في قبحه " (1)، وهكذا...
ويمكن تفسير " القبلية " على نحوين:
1 - القبلية الزمانية: بمعنى أنه هل
يحكم العقل - قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم - بقبح تصرفات العباد ما لم يستقل
العقل بحسنها أو لا؟
2 - القبلية الرتبية: بمعنى أن العقل
هل يحكم - مع غض النظر عن التشريع
ولو في زماننا هذا - بقبح تصرفات العباد
ما لم يستقل العقل بحسنها أو لا؟
وبناء على ذلك فما ثبت فيه حكم
شرعي - من الوجوب أو الحرمة أو... -
يخرج من هذا الأصل، وما لم يثبت يبقى
تحته سواء قلنا بالحظر أو الإباحة.
يرى المحقق النائيني أن القبلية - هنا -
قبلية رتبية - وسوف يأتي بيانه في
موضوع: الفرق بين الإباحة والبراءة -
ولكن كثيرا من العبارات قد خلطت بين
الأمرين، ويبدو أن الأرجح هو ما ذهب
إليه المحقق النائيني.

(1) معارج الأصول: 202.
(1) فرائد الأصول: 175 (حجية مطلق الظن).
437

الأقوال في المسألة:
والأقوال في المسألة ثلاثة:
1 - القول بالحظر: نسبه الشيخ في
العدة والمحقق في المعارج إلى بعض أصحابنا
ولكن لم يسمياه.
2 - القول بالتوقف وهو مختار
الشيخين المفيد والطوسي والمحدثين من
فقهائنا. قال الشيخ المفيد:
" الأشياء في أحكام العقول على
ضربين:
أحدهما - معلوم حظره بالعقل، وهو
ما قبحه العقل وزجر عنه وبعد عنه كالظلم
والسفه والعبث.
والضرب الآخر موقوف في العقل لا
يقضي على حظر ولا إباحة إلا بالسمع
وهو ما جاز أن يكون للخلق بفعله مفسدة
تارة ومصلحة أخرى، وهذا الضرب
مختص بالعادات من الشرائع التي يتطرق
إليها النسخ والتبديل، فأما بعد استقرار
الشرائع فالحكم: إن كل شئ لا نص في
حظره، فإنه على الإطلاق، لأن الشرائع
ثبتت الحدود وميزت المحظور على
حظره، فوجب أن يكون ما عداه بخلاف
حكمه " (1).
وقال الشيخ الطوسي - بعد أن نفى
الخلاف فيما كان معلوم الحسن أو القبح
كالعدل والظلم وما كان معلوم الندب
كالإحسان -:
"... واختلفوا في الأشياء التي ينتفع
بها هل هي على الحظر أو الإباحة أو على
الوقف، فذهب كثير من البغداديين وطائفة
من أصحابنا الإمامية إلى أنها على الحظر،
ووافقهم على ذلك جماعة من الفقهاء،
وذهب أكثر المتكلمين من البصريين - وهو
المحكي عن أبي الحسن وكثير من الفقهاء -
إلى أنها على الإباحة، وهو الذي يختاره
سيدنا المرتضى.
وذهب كثير من الناس إلى أنها
على الوقف، ويجوز كل واحد من الأمرين
فيه، وينتظر ورود السمع بواحد منهما،
وهذا المذهب كان ينصره شيخنا أبو عبد
الله وهو الذي يقوى في نفسي... " (2).
وقال المحدث البحراني - وهو من
كبار المحدثين - بعد نسبة القول بالإباحة
إلى معظم فقهائنا الأصوليين:

(1) تصحيح الاعتقاد: 69.
(2) العدة 2: 117 - 118، طبع 1312.
438

"... وجملة علمائنا المحدثين وجمع
من أصحابنا الأصوليين على عدم ذلك، بل
أوجبوا التوقف والاحتياط، وربما قيل
أيضا: بأن الأصل التحريم إلى أن يثبت
الإباحة وهو ضعيف... " (1).
وقد سبقه في ذلك صاحب الوسائل
حيث بحث حول الموضوع بحثا مستوعبا
في كتابه " الفوائد الطوسية " في الفائدة 96
وأصر على الوقف.
3 - القول بالإباحة: وهو مختار
الصدوق - وهو من قدماء المحدثين - والسيد
المرتضى وابن إدريس والمحقق الحلي
وأغلب الفقهاء الأصوليين إلى زماننا هذا،
فيكون هذا القول هو القول المشهور بين
فقهاء الإمامية وأصولييهم. قال السيد
المرتضى في ذلك:
"... وقد اختلف الناس فيما يصح
الانتفاع به ولا ضرر على أحد فيه، فمنهم
من ذهب إلى أن ذلك على الحظر ومنهم
من ذهب إلى أنه مباح، ومنهم من وقف
بين الأمرين... ".
ثم بين انقسام القائلين بالحظر إلى
أقسام، ثم قال: " والصحيح قول من ذهب
فيما ذكرنا صفته من القول إلى أنه في العقل
على الإباحة... " (1).
وقال ابن إدريس في أول كتاب
الأطعمة والأشربة: "... لأن الأشياء على
الأظهر عند محققي أصول الفقه على الإباحة
... " (2).
كما يظهر ذلك من المحقق الحلي (3)
أيضا حيث نقل أدلة القائلين بالإباحة
ولم يردهم.
وقال المحقق الإصفهاني ما
مضمونه: إن تكاليف الشارع منبعثة عن
المصالح والمفاسد، وعليهما يبتني منعه
وترخيصه، فلو فرض أن فعلا ما خلا عن
المنع أو الترخيص - بمعنى أنه لم يصل إلينا
ذلك وإن لم يخل عنه واقعا - لا يكون
ارتكابه مخالفا لحق العبودية وعلى هذا
الأساس فالأصل في الأشياء الإباحة، ما
لم يصل إلينا فيه منع (4).

(1) الحدائق 1: 44، والدرر النجفية: 25.
(1) الذريعة 2: 324.
(2) السرائر 3: 118.
(3) معارج الأصول: 202.
(4) نهاية الدراية 2: 205.
439

أصالة الإباحة:
المعروف بين الفقهاء هو التمسك
بأصالة الإباحة في موارد الشك بين الحرمة
والحلية، ولكن هناك تشويش بين الإباحة
الشرعية والعقلية، فقد يقال: " الأصل
إباحة الأشياء " ويراد بها الإباحة العقلية
- أي حكم العقل بالإباحة مع غض النظر
عن الشرع - وقد تقدم البحث عنها في
الموضوع السابق (الإباحة والحظر) وقلنا:
إن المعروف هو القول بالإباحة.
وقد يقال: " الأصل إباحة الأشياء "
ويراد بذلك إباحتها شرعا - أي بعد ورود
الأوامر والنواهي شرعا - وهذه الإباحة
تسمى " إباحة شرعية ".
وقد ثبت من الشريعة نفسها: أن
الأشياء على الإباحة حتى يرد فيها أمر أو
نهي، أو كل ما لم يرد فيه أمر أو نهي فهو
على الإباحة.
وبعد ثبوت الإباحة الشرعية ينتفي
موضوع الإباحة العقلية - المبحوث عنها في
العنوان السابق: (الإباحة والحظر) - وهو
الشك في الحكم العقلي قبل ورود البيان
الشرعي.
وعلى أي حال فقد استدلوا على
الإباحة الشرعية بالكتاب والسنة، أما
الكتاب: فبمثل قوله تعالى: (هو الذي
خلق لكم ما في الأرض جميعا) (1)، وقوله
تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض
حلالا طيبا) (2)، وقوله تعالى: (قل لا أجد
في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه
إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزير) (3).
وأما السنة: فبمثل مرسلة الصدوق
عن الصادق عليه السلام: " كل شئ مطلق
حتى يرد فيه نهي " (4)، وقد استدل بها
الصدوق (5) على جواز القنوت بالفارسية،
لعدم ورود النهي عن ذلك.
وبمثل صحيحة عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل شئ فيه
حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى
تعرف الحرام منه " (6).

(1) البقرة: 29.
(2) البقرة: 168.
(3) الأنعام: 145.
(4) الفقيه 1: 317، الحديث 937.
(5) نفس المصدر.
(6) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما
يكتسب به، الحديث 1.
440

ومثل موثقة مسعدة بن صدقة عن
الصادق عليه السلام قال: " كل شئ هو لك
حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه
من قبل نفسك " (1)، وغير ذلك.
هذا، وادعى بعض الفقهاء - مثل
كاشف الغطاء - قيام السيرة على ذلك
حيث قال: " إن أصالة الإباحة والخلو عن
الأحكام الأربعة فضلا عن مطلق الجواز
فيما لم يترتب عليه ضرر ولم يشتمل عليه
تصرف في حق بشر مما دلت عليه
الأخبار، وظهر ظهور الشمس في رابعة
النهار، وعده الصدوق من دين
الإمامية... وفي جري سيرة المسلمين بل
جميع المليين على عدم التوقف في هيئات
قيامهم وقعودهم... " (2).
بل وادعى في الجواهر تطابق العقل
والشرع على ذلك، حيث قال: " ومن
المعلوم المقرر في الأصول أن العقل
والشرع تطابقا على أصالة الإباحة والحل
في تناول كل ما لم يعلم حرمته من
الشرع... " (1).
ثم استدل بالآيات والروايات
السابقة على ذلك. وهكذا كثير من
الفقهاء، وخاصة من كتب منهم في آيات
الأحكام، كالفاضل المقداد (2) والمحقق
الأردبيلي (3) والفاضل الجواد (4) وغيرهم.
وكثيرا ما يبحث عن الموضوع في أول
كتاب الأطعمة والأشربة.
موقف المحدثين من أصالة الإباحة:
الذي يظهر من كلماتهم هو: أنهم يقبلون
حجية أصالة الإباحة الشرعية ولكن في
حدود الشبهات الموضوعية فقط لا
الحكمية، لأن مستند هذا الأصل ودليله هو
الروايات المتقدمة وما يماثلها، وهي كلها
واردة في الشبهات الموضوعية، قال المحدث
البحراني - بعد سرد الروايات -:
" وظاهر هذه الأخبار بل صريح
جملة منها اختصاص الحكم المذكور بما فيه
أفراد، بعضها معلوم الحل وبعضها معلوم

(1) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما
يكتسب به، الحديث 4.
(2) كشف الغطاء: 34.
(1) الجواهر 36: 236.
(2) كنز العرفان 2: 298.
(3) زبدة البيان: 363، 365، 616.
(4) مسالك الأفهام 4: 126.
441

الحرمة، ولم يميز الشارع بينها بعلامة،
واشتبه بعضها ببعض مع كونها غير
محصورة، فالجميع حلال حتى يعرف الحرام
بعينه على الخصوص، فمورد الحكم حينئذ
هو موضوع الحكم الشرعي دون الحكم
الشرعي نفسه، وبهذا التخصيص جزم
المحدث الاسترآبادي.
وظاهر جمع ممن قدمنا نقل الخلاف
عنهم في القاعدة المتقدمة (1) إجراء ذلك
أيضا في نفس الحكم الشرعي، ومقتضى
ذلك أنه لو وجد حيوان مجهول مغاير
للأنواع المعلوم حلها وحرمتها من
الحيوانات، فإنه يحكم بحله بناء على عموم
القاعدة المتقدمة... " (2).
ثم اختار هو التوقف، كما تقتضيه
طريقته.
ولا يخفى أن بعض فقهائنا
الأصوليين يرون أن الإباحة المستفادة من
الروايات خاصة بالشبهات الموضوعية - كما
ذهب إليه السيد الخوئي في مصباح
الأصول (3) - إلا أنه لا تلازم بين ذلك
وبين اختصاص أصالة الإباحة
بالموضوعات لاستفادة التعميم من غير
الروايات.
الفرق بين الإباحة والبراءة:
قد يتوهم اتحاد مسألتي الإباحة
والبراءة، ولكن قد أكد عديد من الفقهاء
والأصوليين على التفرقة بينهما، منهم المحقق
النائيني حيث فرق بين المسألتين بما يلي:
1 - إن البحث عن الحظر والإباحة
ناظر إلى حكم الأشياء من حيث عناوينها
الأولية بحسب ما يستفاد من الأدلة
الاجتهادية، والبحث عن البراءة
والاشتغال ناظر إلى حكم الشك في
الأحكام الواقعية المترتبة على الأشياء
بعناوينها الأولية، فللقائل بالإباحة في تلك
المسألة أن يختار الاشتغال (الاحتياط) في
هذه المسألة وبالعكس.
2 - إن البحث عن الحظر والإباحة
راجع إلى جواز الانتفاع بالأعيان
الخارجية من حيث كونه تصرفا في ملك
الله تعالى وسلطانه، والبحث عن البراءة
والاشتغال راجع إلى المنع والترخيص في

(1) يقصد قاعدة الطهارة.
(2) الحدائق 1: 141.
(3) مصباح الأصول 2: 273.
442

فعل المكلف من حيث إنه فعله وإن لم يكن
له تعلق بالأعيان الخارجية.
ثم نقل فرقا آخر وهو:
أن مسألة البحث عن الإباحة ناظرة
إلى حكم الأشياء قبل ورود البيان من
الشارع والبحث عن البراءة بعد وروده.
لكنه فسر القبلية بالقبلية الرتبية لا
الزمانية أي ملاحظة الشئ مع غض النظر
عن ورود البيان الشرعي، لا بمعنى
ملاحظة الأشياء قبل التشريع (أي قبل
البعثة).
وأما إذا أريد منها القبلية الزمانية
فيكون الفرق بظاهره فاسدا.
ثم قال: نعم، من قال في مسألة
الحظر والإباحة بالحظر، عليه إقامة الدليل
على البراءة، ومن قال في تلك المسألة
بالإباحة فهو في فسحة عن إقامة الدليل
على الاشتغال (1).
ومنهم المحقق الأصفهاني حيث فرق
بين المسألتين بما يلي:
1 - إن الموضوع في الحظر والإباحة
هو الفعل في حد ذاته مع قطع النظر عن
ورود الحكم الشرعي فيه، والموضوع في
البراءة هو: قبح العقاب بلا بيان، وفي
الاحتياط: لزوم دفع الضرر المحتمل.
وبعبارة أخرى: إن ملاك البراءة هو
عدم تنجز التكليف بعدم وصوله، وملاك
الإباحة هو: أن الفعل من حيث إنه لم يمنع
عنه المولى لا من حيث الشارعية، ولا من
حيث المالكية، لا يكون ارتكابه خروجا
عن زي العبودية.
وملاك الاحتياط هو: تنجز
التكليف باحتماله، وملاك الحظر هو: إن
فعل ما لم يأذن به المالك إذنا مالكيا
خروج عن زي الرقية، فيكون قبيحا
مذموما، وليس الملاك فيه احتمال تنجز
التكليف، لأن المفروض عدمه.
2 - إن أثر الحظر من حيث كونه
خروجا عن زي العبودية لعدم الإذن
المالكي، هو استلزام العقاب بخلاف
الاحتياط فإنه مستلزم للعقاب عند
استلزامه مخالفة الواقع لا غير (1).
ومع ذلك فقد يظهر من بعضهم
الخلط بين الموردين (الإباحة والبراءة)

(1) فوائد الأصول 3: 328.
(1) نهاية الدراية 2: 205.
443

منهم المحدث البحراني (صاحب الحدائق)
حيث قال: " اعلم أن البراءة الأصلية على
قسمين: أحدهما: إنها عبارة عن نفي
الوجوب في فعل وجودي إلى أن يثبت
دليله بمعنى أن الأصل عدم الوجوب حتى
يقوم عليه دليل، هذا القسم مما لا خلاف
في صحة الاستدلال به والعمل عليه.
وثانيهما: إنها عبارة عن نفي التحريم
في فعل وجودي إلى أن يثبت دليله، بمعنى
أن الأصل الإباحة وعدم التحريم إلى أن
يقوم دليله، وهذه هي البراءة الأصلية
التي وقع النزاع فيها نفيا وإثباتا، جميع
العامة وأكثر الأصوليين من أصحابنا على
القول بها... إلى أن قال:
وجملة علمائنا المحدثين وجمع من
أصحابنا الأصوليين على عدم ذلك، بل
أوجبوا التوقف والاحتياط، وربما قيل
- أيضا -: بأن الأصل التحريم إلى أن يثبت
الإباحة وهو ضعيف، وممن صرح بالتوقف
واختاره الشيخ في العدة ونقله أيضا عن
شيخه المفيد... " (1).
ثم نقل كلام الشيخ في الحظر
والإباحة.
أقسام الإباحة:
للإباحة انقسامات عديدة نشير إليها
فيما يلي:
أولا - انقسامها من حيث المبيح:
تنقسم الإباحة من حيث المبيح إلى
الأقسام التالية:
1 - الإباحة الشرعية: وهي ما إذا
كان المبيح هو الشارع، كما في إباحته
لحيازة المباحات وإحياء الموات، فقد ورد
عن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " من غرس
شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه
أحد، أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من
الله ورسوله " (1).
ومثل إباحته لأكل مال الغير في
الموارد التي تضمنته الآية وهي قوله
تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على
الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا
على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت
آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم

(1) الدرر النجفية: 25، الحدائق 1: 44.
(1) الوسائل 17: 328، الباب 2 من أبواب
إحياء الموات.
444

أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو
بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت
خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم
ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو
أشتاتا) (1).
ومثل إباحة طعام الغير في حال
الاضطرار مع الضمان، وإباحة الأكل للمارة
من ثمار الأشجار، وأكل الطعام الذي
وجده الإنسان في مفازة مع رد ثمنه إذا
جاء صاحبه وطالبه، ومثل إباحة الخمس
في بعض الصور، وأمثال ذلك.
فهذه كلها إباحات شرعية، وهي في
الواقع أحكام شرعية.
2 - الإباحة العقلية: وهي الإباحة
المستندة إلى العقل مثل حكمه بإباحة
شرب الماء مع غض النظر عن ورود
الإباحة الشرعية، أو حكمه بإباحة أكل
مال الغير للمضطر - بمقدار رفع الاضطرار
ومع ضمان القيمة - مع قطع النظر عن
الحكم الشرعي وأمثال ذلك، وقد تقدم
الكلام حوله في " الإباحة والحظر "
فراجع.
3 - الإباحة المالكية: وهي الإباحة
المستندة إلى إذن المالك (1)، مثل إباحة أكل
الطعام للضيف، وتناول ما ينثر في
الأعراس للحاضرين، وإباحة التصرف في
العارية، وإباحة التصرف في العوضين في
المعاطاة، على القول بإفادتها لذلك،
لا للملك، كما قال الشيخ: " مع أن التأمل
في كلامهم [أي في المعاطاة] يعطي إرادة
الإباحة المالكية لا الشرعية " (2).
فهذه وأمثالها إباحات مالكية يدور
وجودها وعدمها مدار إذن المالك ورضاه.
هذا، وقد يراد معنى آخر من
الإباحة المالكية، وهو استناد الإباحة إلى
الملكية بمعنى أن كل مالك يباح له التصرف
في ملكه بأنواع التصرفات، فهذا الجواز
للتصرف مستند إلى ملكية المالك، فيطلق
عليه (الإباحة المالكية).
ثانيا - انقسامها من حيث العوض:
تنقسم الإباحة من حيث العوض
إلى إباحة مجانية وإباحة معوضة:
1 - الإباحة المجانية: وهي الإباحة

(1) النور: 61.
(1) مصباح الفقاهة 2: 224 - 225.
(2) المكاسب: 82.
445

التي لا يكون في مقابلها عوض، مثل
أغلب الإباحات الشرعية، كإباحة حيازة
المباحات، والأكل من بيوت من سمتهم
الآية (1)، وأكل الثمار للمارة وأمثال ذلك،
ومثل بعض الإباحات المالكية كإباحة ما
ينثر في الأعراس وإباحة أكل الطعام
للضيف وأمثال ذلك.
2 - الإباحة المعوضة: وهي الإباحة
التي يشترط في قبالها إباحة أخرى، كما إذا
أباح شخص للآخر الانتفاع من أرضه
بشرط أن يبيح له الانتفاع من داره مثلا.
وقد وقع الكلام في صحة هذه الإباحة
وعدمها، وناقشها الشيخ الأنصاري في
المكاسب (2)، وحرر السيد الخوئي النقاش
في مصباح الفقاهة فقال:
" محصل كلامه [أي الشيخ]: أن
البحث عن الإباحة المعوضة يقع في
ناحيتين: الأولى في صحتها: فقد نوقش
في صحة الإباحة بالعوض من جهة أنها
خارجة عن المعاوضات المعهودة شرعا،
وأن في صدق عنوان التجارة فضلا عن
البيع عليها تأملا.
ولكن يمكن توجيه صحتها بشمول
عموم " الناس مسلطون على أموالهم "
وعموم " المؤمنون عند شروطهم " لها،
وباندراجها في عنوان الصلح.
الثانية في لزومها: إذا قلنا إن
الإباحة المعوضة معاملة مستقلة، فهل
يحكم بلزومها مطلقا، أو لزومها من طرف
المباح له، أم بجوازها مطلقا؟ وجوه،
أقواها الأول ثم الأوسط ".
ثم علق هو - أي السيد الخوئي - على
ذلك وقال ما حاصله:
إن الإباحة المعوضة تتصور على
أنحاء:
1 - أن تجعل نفس الإباحة عوضا في
المعاملة بأن يقول أحد لصاحبه: بعتك هذا
الكتاب بإزاء أن تبيحني كتابك الآخر،
وهذا لا شبهة في صحته ولزومه، للعمومات
الدالة على صحة العقود ولزومها.
2 - أن تكون الإباحة مشروطة
بالتمليك، بأن يبيح ماله لزيد على أن يملكه
زيد ماله.
ففي هذه الصورة، إن كان الشرط
فيه على نحو شرط النتيجة فينتقل المال إلى
المبيح بمجرد قبول المباح له، وإن كان على

(1) النور: 61.
(2) المكاسب: 90.
446

نحو شرط الفعل فيجب عليه التمليك
لوجوب الوفاء بالشرط.
3 - أن تكون الإباحة معلقة على
التمليك بأن يبيح ماله لزيد إذا ملكه زيد
ماله.
فتكون الإباحة - في هذه الصورة -
حكما، وما علقت عليه موضوعا، فإذا
تحقق الموضوع - وهو تمليك زيد ماله -
تثبت الإباحة.
4 - أن يكون التمليك عنوانا
للموضوع بأن يقول: أبحت مالي هذا لمن
يملكني عشرة دنانير.
وهذه الصورة كسابقتها.
5 - أن يبيح ماله لزيد بداعي أن
يملك زيد ماله إياه.
وهذه الصورة خارجة عن حريم
الإباحة إذ الداعي لا يعتبر عوضا ولا
يضر تخلفه في المعاوضات وغيرها (1).
ثالثا - انقسامها من حيث المتعلق:
يمكن تقسيم الإباحة باعتبار المتعلق
على نحوين:
الأول - تقسيمها إلى إباحة التملك
وإباحة التصرف، فيكون متعلق الإباحة في
الأول نفس التملك، وفي الثاني التصرف.
الثاني - تقسيمها إلى إباحة العين،
وإباحة المنفعة، وإباحة الانتفاع، باعتبار
أن متعلق الإباحة في الأول العين، وفي
الثاني المنفعة، وفي الثالث الانتفاع.
وفيما يلي نشير إلى توضيح كل
واحد منها على حده:
1 - إباحة التملك: والمقصود منها
الإذن في تملك شئ ما ممن له أهلية ذلك
ككثير من الإباحات الشرعية الصادرة
عن الشارع، من قبيل: إباحة حيازة
المباحات، وإحياء الأراضي الموات
والمعادن والكنوز، واللقطة مع التعريف في
بعضها، وبدونه في بعضها الآخر مثل ما
يجده الإنسان في جوف سمكة، أو حيوان
لم يسبق لأحد يد عليه، أو ما يجده
الإنسان في المفاوز والخرابات التي باد
أهلها.
ومنه، ما يبيح إنسان لإنسان آخر
أن يتملكه، كإباحة ما ينثر في الأعراس،
أو ما يعطى في الولائم، أو ما يعطى - هذا
اليوم - للمسافرين في مثل الطائرات
447

وغيرها، فيبيحون لهم أكل المأكول وتملك
إنائه وما شابهه، فهذه كلها إباحة للتملك.
2 - إباحة التصرف: ومفادها الإذن
في التصرف في شئ ما ممن له أهلية ذلك،
مثل إذن الشارع في التصرف في
المشتركات العامة من قبيل الطرق
والمساجد والمشاهد والموقوفات العامة
كالمدارس والمقابر مع مراعاة الشرائط
اللازمة في كل منها في مورده.
ومن هذا القبيل إذن الملاك في
التصرف في أملاكهم بما لا ينافي ملكيتهم
كدخول بستان والاستظلال بأشجاره، أو
دخول دار والاستفادة منه، أو إذن
المالكين في التصرفات غير المترتبة على
الملك في العوضين في المعاطاة بناء على
عدم إفادتها للملك.
وأكثر الإباحات المالكية (أي
المستندة إلى إذن الملاك) تكون من هذا
القبيل.
3 - إباحة العين: وهي الإباحة
المتعلقة بالأعيان مقابل تعلقها بالمنافع
والانتفاعات، فالعين بما هي هي تتعلق بها
الإباحة كإباحة صاحب الدار الطعام
للضيف، فيجوز التصرف فيه حتى
التصرفات المنتهية إلى انتفاء العين، كالمثال
المتقدم، أو حتى التصرفات المتوقفة على
الملك كالإباحة الحاصلة بالمعاطاة بناء على
عدم حصول الملك بها، وبناء على جواز
التصرفات المتوقفة على الملك في العوضين
في المعاطاة كما هو رأي صاحب
الجواهر (1)، لا الشيخ ومن تابعه.
4 - إباحة المنفعة: وهي الإباحة
المتعلقة بالمنافع وهي تشكل طائفة كبيرة
من أنواع إباحات التصرف، مثل إذن
الشارع بتملك منفعة بعض المباحات ك‍ -:
تملك القوة الحاصلة من مياه الشلالات أو
حرارة الشمس وتبديلها إلى قوة كهربائية
وغير ذلك.
ومثل إذن الملاك في تملك منفعة
أملاكهم، كما إذا أباح شخص لآخر منفعة
داره فله أن يسكنه أو يؤجره لغيره
ويمتلك منفعته، ومثل إباحة منافع العوضين
في المعاطاة - بناء على عدم إفادتها للملك -
فله أن يبيع السمن الحاصل من لبن الشاة
التي اشتراها بالمعاطاة مثلا، بخلاف إباحة
الانتفاع كما سيأتي.
448

5 - إباحة الانتفاع: وهي الإباحة
المتعلقة بنفس الانتفاع، فالمباح له يملك
نفس الانتفاع لا المنفعة، كإباحة الشارع
الجلوس في المسجد أو الوقف أو أمثال
ذلك، ومثل إباحة المالك لشخص آخر
الجلوس على فراشه أو دابته أو الاستظلال
بأشجاره وأمثال ذلك. فالمباح له في هذه
الأمثلة يحق له أن ينتفع بذلك المباح
شخصيا ولا يحق له أن يركب شخصا آخر
على الدابة مثلا ويأخذ الأجرة لنفسه.
إذن فالفرق بين إباحة المنفعة وإباحة
الانتفاع هو: أن المباح له يملك المنفعة في
إباحة المنفعة، فله أن يعاوض عليها، لكنه
لا يملكها في إباحة الانتفاع، فلا يصح له
المعاوضة عليها.
مظان البحث:
ألف - الفقه:
1 - الأطعمة والأشربة
2 - الخمس والأنفال
3 - المشتركات وإحياء الموات
4 - المعاطاة في البحث عن أنها تفيد
ملكا أو إباحة.
ب - الأصول:
1 - الأدلة العقلية على البراءة (الحظر
والإباحة)
2 - حجية مطلق الظن لمناسبة
3 - عنوان الحظر والإباحة في كتب
المتقدمين الأصولية كالذريعة والعدة والمعارج
4 - الفرق بين الإباحة والبراءة.
اجتماع الأمر والنهي
لغة:
راجع المفردات في مظانها.
اصطلاحا:
توجه الأمر بعنوان كلي والنهي
بعنوان كلي آخر وانطباق العنوانين على
مورد واحد، كعنواني الصلاة والغصب
بالنسبة إلى الصلاة في الدار المغصوبة.
ويتم البحث حول ذلك في مراحل:
أولا - تحرير محل النزاع:
إن عنوان المسألة يوهم كون النزاع
في تضاد الأحكام، وأن الوجوب والحرمة
449

الحاصلين من الأمر والنهي هل يجتمعان أو
لا؟ فمن قال بعدم التضاد يقول بالاجتماع،
ومن قال بالتضاد يقول بالامتناع! في حين
أنه لا يشك أحد في استحالة اجتماع الأمر
والنهي، لاستحالة اجتماع المحبوبية
والمبغوضية في شئ واحد.
إذن فالمراد من العنوان أمر آخر
وهو: أنه إذا توجه الأمر إلى طبيعة
الصلاة وتوجه النهي إلى طبيعة الغصب
مثلا، ثم اتفق انطباق العنوانين على مورد
واحد في الخارج كالصلاة في الدار
المغصوبة، فعندئذ يبحث عن أنه هل
يسري النهي المتعلق بطبيعة الغصب إلى
التصرف الذي ينطبق عليه الصلاة خارجا
أو لا؟ فمن يقول بالسراية يقول بالاجتماع
باعتبار كون مجمع العنوانين موجودا
بوجود واحد، ومن يقول بعدم السراية
يقول بعدم الاجتماع باعتبار كون المجمع
موجودا بوجودين، فمرجع النزاع إلى كون
المجمع عنوانا واحدا أو عنوانين (1).
وبعبارة أخرى: ليس النزاع في
إمكان الاجتماع وعدمه، لعدم إمكانه قطعا
وإنما النزاع في لزومه في مورد البحث
وعدمه (1). ولأجل أن يتضح الموضوع لا بد
من شرح بعض العناوين الرئيسية.
ألف - الاجتماع:
إن اجتماع شيئين يكون على أحد
نحوين:
الأول - أن يكون متعلق الأمر شيئا
ومتعلق النهي شيئا آخر، ولكل واحد منهما
وجود مستقل، ولكن تقارن وجودهما
زمانا، مثل: النظر إلى الأجنبية والصلاة،
إذا اجتمعا في زمان واحد، بأن نظر إلى
الأجنبية أثناء الصلاة.
وهذا ما يسمى ب‍ " الاجتماع
الموردي " وهو خارج عن موضوع
البحث، لأنه لا إشكال في جواز الأمر
إلى الصلاة والنهي عن النظر إلى الأجنبية
في نفس الوقت.
الثاني - أن يكون متعلق الأمر شيئا
ومتعلق النهي شيئا آخر، ولكن أمكن
اتحادهما وجودا بأن يكون شئ واحد
مصداقا للمأمور به، وللمنهي عنه، معا، مثل
الصلاة في الدار المغصوبة حيث تكون

(1) المحاضرات 4: 164.
(1) فوائد الأصول 1: 396.
450

مصداقا للمأمور به لتعلق الأمر بالصلاة
الكلية وهذه مصداق لها، ومصداق للمنهي
عنه لتعلق النهي بالغصب الكلي وهذا
الغصب الخاص - المتحد خارجا مع
الصلاة - مصداق له.
وهذا القسم هو الذي وقع البحث
حوله ويسمى ب‍ " الاجتماع الحقيقي ".
ب - الواحد:
يمكن تفسير الواحد على أنحاء:
الأول - تفسيره بمعنى الواحد
الشخصي كالصلاة الشخصية المعينة في
الدار المغصوبة المعينة بحيث يمكن الإشارة
إليهما بإشارة واحدة فيقال: هذه صلاة،
وهذا غصب.
الثاني - تفسيره بعنوان كلي
جامع بين عنوانين كليين كعنوان
" الصلاة في الدار المغصوبة " الذي هو
جامع بين عنواني " الصلاة " و " الغصب "
الكليين.
الثالث - أن يكون المراد منه عنوانا
كليا جامعا بمفهومه بين حصص متبائنة
كالسجود، فإنه مفهوم كلي لكنه جامع بين
حصص متبائنة من السجود، كالسجود لله
والسجود للصنم، ولا يصح تعلق الأمر
والنهي بحصة واحدة منها، بل يتعلق الأمر
بحصة وهي السجود لله، والنهي بحصة
أخرى وهي السجود للصنم.
والمراد من الواحد - هنا - هو الأعم
من الواحد بالمعنى الأول وهو الواحد
الشخصي، والثاني وهو الواحد الكلي الذي
لم يشتمل على حصص متبائنة، مثل عنوان
" الصلاة في الدار المغصوبة ". أما الثالث
وهو الكلي الجامع بين حصص متبائنة فهو
خارج عن محل البحث، لعدم اجتماع
عنواني الحصتين المتباينتين في مورد
واحد، كالسجود لله تعالى والسجود
لغيره، إذ لا يمكن فرض سجود واحد
يكون لله ولغيره حتى يكون مأمورا به
ومنهيا عنه (1).
هذا، ويظهر من المحقق العراقي أن
الذي يدخل في النزاع هو خصوص
الثاني، أما الأول فلا يدخل أيضا، لأن
البحث عن اجتماع الأمر والنهي في الصلاة
المشخصة في الدار المغصوبة المعينة بحث
جزئي لا ربط له بأصول الفقه الذي يبحث
عن الكبريات والكليات (2).

(1) الكفاية: 150.
(2) نهاية الأفكار 1: 408.
451

ج - الجواز:
والمقصود منه الجواز العقلي، أي
الإمكان المقابل للامتناع، ويصح أن يراد
منه الجواز العقلي المقابل للقبح العقلي، وهو
قد يرجع إلى الأول باعتبار أن القبيح
ممتنع على الله تعالى.
وللجواز معان أخر كالجواز المقابل
للوجوب والحرمة الشرعيين، والجواز بمعنى
الاحتمال، وكلها غير مرادة قطعا (1).
ثانيا - هل مسألة الاجتماع أصولية؟
ذكرت وجوه خمسة في بيان نوع
المسألة، وهي:
1 - إنها من المسائل الكلامية، لأن
البحث إنما هو عن إمكان الاجتماع
واستحالته عقلا.
ورد بأن صرف كون المسألة عقلية
لا يصيرها كلامية، لأن معيار المسألة
الكلامية هو كون البحث فيها عن المبدأ
والمعاد.
نعم، يمكن أن تقع كلامية باعتبار
حسن توجه الأمر والنهي نحو شئ
وقبحه، ولا تدخل بذلك في مهمة
الأصولي.
2 - إنها من المسائل الفقهية، لأن
البحث فيها عن عوارض فعل المكلف
وهي صحة العبادة في المكان المغصوب
وفسادها.
ورد بأن البحث إنما هو ابتداء عن
سراية النهي عن متعلقه إلى متعلق الأمر
وعدمه، ثم على فرض السراية يبحث عن
صحة العبادة وفسادها.
3 - إنها من المبادئ الأحكامية،
والمراد بها ما يكون البحث فيه عن حال
الحكم كالبحث عن أن وجوب شئ
يستلزم ترك ضده أو لا؟ لأن البحث في
مسألة الاجتماع عن حال الحكم وهو
اجتماع حكمين وعدمه.
ونوقش: بأن المبادئ إما تصورية
أو تصديقية، فالتصورية هي تصور
الموضوع والمحمول في كل قضية،
والتصديقية هي الصغرى والكبرى في كل
قياس استدلالي حيث يكون التصديق بها
مستلزما للتصديق بالنتيجة ولا ثالث
للمبادئ.
4 - إنها من المبادئ التصديقية لعلم

(1) أصول الفقه 1: 281.
452

الأصول، لأن المسألة بعد إحراز أحد
طرفيها (الإمكان أو الامتناع) تقع مقدمة
(صغرى) لقياس استدلالي أصولي، فعلى
فرض التصديق بامتناع الاجتماع مثلا لا بد
من ضم كبرى أصولية أخرى، وهي
النتيجة الحاصلة من باب التعارض بين
الأدلة، لوقوع التعارض بين أدلة الأمر
بالعبادة وأدلة النهي عنها باعتبار النهي
عن الغصب.
وأما بناء على القول بالاجتماع فلا بد
من ضم نتيجة باب التزاحم، لوقوع
التزاحم بين الوجوب والحرمة.
ذهب إلى هذا الرأي المحقق النائيني:
5 - إنها من المسائل الأصولية
العقلية:
وهذا رأي عامة المحققين من
الأصوليين المتأخرين كصاحب الكفاية
والعراقي والإصفهاني ومن تأخر عنهم،
وذلك:
1 - لأن الحاكم بإمكان الاجتماع
واستحالته هو العقل، وأن المسألة من غير
المستقلات العقلية، وهي القياسات التي
يكون كبرى القياس فيها عقليا.
2 - ولأن ضابط المسألة الأصولية
منطبق على هذه المسألة، وهو: أن تقع
نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي
الكلي من باب التوسيط لا التطبيق - كما في
القواعد الفقهية - وأن يكون ذلك بدون
حاجة إلى ضم كبرى أصولية أخرى فعلى
القول بالجواز يمكن أن يقال:
قد توجه الأمر والنهي إلى الصلاة
في الدار المغصوبة، واجتماع الأمر والنهي في
الشئ الواحد جائز، فتوجه الأمر والنهي
- في الفرض - جائز.
وبعد ثبوت توجه الأمر إلى الصلاة
يثبت صحتها وإجزاء الإتيان بها (1).
ثالثا - اعتبار قيد المندوحة وعدمه:
المراد من المندوحة هو: إمكان
اتيان المأمور به في غير مورد النهي كإتيان
الصلاة في غير الدار المغصوبة.
يوجد اتجاهان في اعتبار قيد
المندوحة وعدمه:

(1) راجع كل ذلك: الكفاية 1: 152، نهاية
الأفكار 1: 407، نهاية الدراية 1: 263،
المحاضرات 4: 176 - 182، وبحوث في علم
الأصول 3: 51 - 52.
453

الأول - تقييد البحث بوجود
المندوحة، لأنه مع فرض وجودها
وإمكان إتيان متعلق الأمر (الصلاة مثلا)
في غير مورد النهي (الدار المغصوبة) من
المعقول أن يتوجه الأمر بطبيعي المأمور به
(طبيعي الصلاة) وعندئذ يصح البحث عن
أن المكلف لو أتى بهذا الكلي (الطبيعة) في
ضمن الفرد المتحقق في مورد النهي (الدار
المغصوبة) فهل تصح هذه الصلاة أو لا؟
وأما إذا لم تكن مندوحة، أي
لم يمكن إتيان متعلق الأمر (الصلاة) في غير
مورد متعلق النهي (الدار المغصوبة)، بل إذا
أراد المكلف إتيان المأمور به، فلا بد له من
إتيانه في ضمن الفرد المنهي عنه، وكان
ذلك لا بسوء اختياره، فلا يأتي البحث
عن جواز اجتماع الأمر والنهي (صحة
الصلاة وعدمها)، لأن الموجود إما هو
الأمر، أو النهي، لاستحالة توجه الأمر
والنهي نحو الشئ الواحد.
الثاني - عدم لزوم اعتبار قيد
المندوحة: ذهب إليه صاحب الكفاية،
ووجهه: بأن الامتناع يتصور من جهتين:
1 - من جهة المكلف نفسه حيث
لم يمكنه امتثال الأمر والنهي معا فيكون
التكليف بهما تكليفا بالمحال، فمن هذه الجهة
يكون قيد المندوحة معتبرا.
2 - من جهة نفس صدور الأمر
والنهي من شخص واحد نحو شئ واحد،
لتضاد الأحكام فيما بينها، فيكون توجه
الأمر والنهي بشئ واحد في نفسه محالا،
فهنا لا يؤثر قيد المندوحة، إذ تحقق
الإرادة والكراهة معا نحو شئ واحد
مستحيل.
والمندوحة إنما تعتبر في جواز
الاجتماع من الجهة الأولى، إذ مع المندوحة
يقدر المكلف على امتثالهما معا، لكنها
ليست محلا للكلام، ولذا قيل بالامتناع
حتى مع وجود المندوحة (1).
وعلق عليه في المحاضرات: بأنه
على القول بالامتناع يقع التعارض بين
دليل الوجوب والحرمة في مورد الاجتماع
سواء كانت مندوحة أو لا.
وعلى القول بالجواز تقع المزاحمة مع
عدم وجود المندوحة، فلا بد من إعمال
قواعد باب التزاحم، وأما مع وجود
المندوحة فلا بد من امتثال التكليفين لعدم

(1) حقائق الأصول 1: 356.
454

التزاحم.
إذن إن عدم المندوحة يوجب
التزاحم بين التكليفين على القول بالجواز
لا أنه يوجب عدم صحة النزاع (1).
رابعا - ملاك القول بالجواز والامتناع:
يستفاد من كلمات الأصوليين أن
هناك ملاكات ثلاثة للقول بجواز الاجتماع
أو امتناعه، وهي:
الأول - إن الأمر إذا كان متعلقا
بصرف وجود الطبيعة في الخارج فيجوز
الاجتماع سواء تعلق النهي بالطبيعة أو
الفرد، لعدم المنافاة بين تعلق الطلب
بطبيعي الصلاة والنهي عن فرد خاص من
أفراده، وأما إذا كان الأمر متعلقا بالفرد
فلا بد من القول بالامتناع، إذ لا يمكن
تعلق الأمر بعين ما تعلق به النهي (2).
الثاني - إن تعدد العنوان لو كان
مستلزما لتعدد المعنون فلا بد من القول
بالجواز، وإن لم يكن كذلك فلا بد من القول
بالامتناع. وتوضيح ذلك:
إن المقصود من العنوان هو الصورة
الذهنية للشئ، ومن المعنون هو وجود
ذلك الشئ خارجا، فالصلاة عنوانها هو
الصورة الذهنية لها الحاصلة في الذهن،
ومعنونها هو الصلاة المتحققة خارجا،
وكذلك الغصب.
ولما كان محط الأمر والنهي هو
العنوان، فإذا تعلق الأمر بعنوان كالصلاة،
وتعلق النهي بعنوان آخر كالغصب
واجتمعا في مورد واحد وقلنا بأن تعدد
العنوان يوجب تعدد المعنون، أي تكون
الصلاة في الدار المغصوبة صلاة وغصبا،
فلا بد من القول بجواز الاجتماع، وإن قلنا:
بأن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون
فالمتحقق خارجا إنما هو شئ واحد، أي
صلاة أو غصب، لأن تعدد عنوانهما لا
يوجب تعدد معنونهما - أي ما هو متحقق
خارجا - فعلى هذا لا بد من القول
بالامتناع (1).
الثالث - إن القول بالامتناع يرتكز
على أحد أمرين:
أولا - أن يكون المجمع لمتعلقي الأمر
والنهي في مورد الاجتماع واحدا حقيقة

(1) المحاضرات 4: 190.
(2) بحوث في علم الأصول 3: 30 - 38.
(1) المصدر السابق، الكفاية 1: 159.
455

بمعنى أن تكون الصلاة في الدار المغصوبة
شيئا واحدا حقيقة فتكون مصداقا للصلاة
والغصب، بمعنى أن يكون التركيب بينهما
اتحاديا.
فعلى هذا الفرض سوف يسري
النهي من متعلقه (وهو الغصب) إلى ما
ينطبق عليه المأمور به في الخارج، فيلزم
انطباق المأمور به على المنهي عنه فعلا،
وهذا محال، لأنه يستلزم التعارض بين
دليلي الأمر والنهي فيتكاذبان في مرحلة
الجعل والتشريع.
ثانيا - أن يلتزم بسراية الحكم من
أحد المتلازمين بحسب الوجود إلى الملازم
الآخر، بمعنى أننا حتى وإن التزمنا بتعدد
المجمع ولكن قلنا بالسراية فلا بد من القول
بالامتناع، لأنه يلزم سراية النهي من
المنهي عنه إلى المأمور به الملازم معه في
الوجود، فيقع التعارض بين دليل الأمر
ودليل النهي فيتكاذبان في مرحلة الجعل
والتشريع أيضا.
وأما القول بالجواز فيبتني على
أمرين معا وهما:
1 - أن يكون المجمع لمتعلقي الأمر
والنهي متعددا حقيقة.
2 - أن يلتزم بعدم سراية الحكم من
أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر، أي
يلتزم بعدم سراية النهي من متعلقه إلى
متعلق الأمر (1).
خامسا - الأقوال في المسألة:
والأقوال المذكورة في المسألة أربعة
وهي:
1 - الامتناع: وهو رأي أكثر
أصحابنا كما صرح بذلك صاحب المعالم (2)
والمحقق القمي (3) ونسبه صاحب الكفاية إلى
المشهور (4).
2 - الجواز: وهو المنسوب إلى
الفضل بن شاذان من المتقدمين، وإلى بعض
المتأخرين كالمحقق القمي، وبعض آخرين
ممن تقدمه (5).
3 - التفصيل بين العقل والعرف:
ومفاده الحكم بالجواز عقلا وعدمه عرفا،
وهو المنسوب إلى السيد الطباطبائي (بحر

(1) المحاضرات 4: 186.
(2) المعالم: 97.
(3) قوانين الأصول 1: 140.
(4) الكفاية: 158.
(5) قوانين الأصول 1: 140:
456

العلوم) وسلطان العلماء والمحقق القمي في
بعض كلماته والمحقق الأردبيلي (1).
4 - التفصيل بين الأوامر النفسية
فالامتناع والأوامر الغيرية فالجواز.
ولم نعرف قائله إلا أن المحقق النائيني
ذكره قولا (2).
سادسا - أدلة الطرفين:
نقتصر - هنا - في بيان أدلة المجوزين
والمانعين فقط.
أولا - أدلة المانعين:
خير ما استدل به المانعون هو
استدلال صاحب الكفاية على مختاره
(الامتناع)، وهو يتكون من أربع مقدمات
وحاصلها:
1 - إن الأحكام الخمسة التي منها
الوجوب والحرمة متضادة فيما بينها في مقام
فعليتها وإن لم تكن كذلك في مرحلة
الاقتضاء والإنشاء، لعدم إمكان البعث
والزجر نحو شئ واحد في زمان واحد.
2 - إن متعلق الأحكام هو فعل
المكلف وما يصدر منه في الخارج، لا اسمه
وعنوانه الانتزاعي الذي ينتزعه الذهن
ولا مطابق له في الخارج.
3 - إن تعدد العنوان لا يوجب تعدد
المعنون وأصدق مثال له هو تعدد العناوين
المنطبقة على البسيط من جميع الجهات
كالواجب تعالى.
4 - ليس للموجود بوجود واحد إلا
ماهية واحدة، فلا يوجب تعدد العنوان في
الموجود الواحد تعدد ماهيته، فالمجمع بين
العنوانين يكون حقيقة ذا ماهية واحدة وإن
صدق عليه عنوانان.
إذن فالمجمع للصلاة والغصب مثلا
واحد وله ماهية واحدة يشار إليها بحكم
المقدمة الرابعة، وإن هذا الموجود بما هو
موجود متعلق للتكليف (الأمر والنهي)
بحكم المقدمة الثانية، وإن البعث والزجر
نحو شئ واحد ممتنع بحكم المقدمة الأولى
فيمتنع توجه الأمر والنهي نحو هذا الفعل
الخارجي الذي ينطبق عليه عنوان الصلاة
وعنوان الغصب ولا يوجب تعدد العنوان
تعدد المعنون بحكم المقدمة الثالثة.
إذن يمتنع اجتماع الأمر والنهي في
شئ واحد.
وبعد الإمعان في الدليل نرى كيف

(1) حقائق الأصول 1: 387.
(2) فوائد الأصول 1: 418.
457

ابتنى على وحدة المجمع ماهية وحقيقة.
ثانيا - أدلة المجوزين:
استدل لجواز الاجتماع بأدلة عديدة
أهمها ما يلي:
ألف - ما ذهب إليه المحقق القمي
ومفاده:
أن متعلقات الأوامر والنواهي هي
الطبائع، والفرد إنما يكون مقدمة
لوجودها، فالفرد من الصلاة الموجود في
الدار الغصبية إنما يكون مقدمة لوجود
طبيعة الصلاة المأمور بها، ومقدمة الواجب
ليست واجبة، فلم يجتمع الوجوب
والحرمة، وعلى فرض وجوب المقدمة
فوجوبها يكون غيريا تبعيا، ولا مانع من
اجتماع الوجوب الغيري مع النهي النفسي،
وإنما المانع هو اجتماع الوجوب النفسي مع
النهي النفسي (1).
ب - ما ذهب إليه المحقق النائيني
وحاصله:
1 - أن المقولات غير مركبة من مادة
وصورة بحيث يكون ما به الاشتراك (أي
ما يشتركان بسببه) هو عين ما به الامتياز
(أي ما يتمايزان بسببه) فالسواد مثلا يمتاز
بذاته عن البياض، مع أنهما يشتركان في
كون كل منهما لونا، وما يمتازان به هو نفس
كون كل منهما لونا، فليس اللون جنسا
يفصل بينهما بفصل، وكذا الحال في سائر
المقولات النسبية: من الفعل والانفعال
والإضافة وغيرها، وحينئذ فلا يعقل
التركيب الاتحادي بينها، لأن التركيب
الاتحادي يستدعي أن يكون ما به الامتياز
غير ما به الاشتراك حتى يتحدا في
الموضوع في مادة الاجتماع، كما في العالم
الفاسق الذي هو مجمع للعالم والفاسق.
وعندئذ نقول: إن أي مقولتين
فرض اجتماعهما فلا محالة أنهما يكونان في
عين اجتماعهما ممتازين، وما بحذاء أحدهما
في الخارج غير ما بحذاء الآخر فيه.
2 - إن أي مقولتين فرض اجتماعهما
فلا محالة أنهما تكونان في عين اجتماعهما
متمايزتين ويكون ما بحذاء إحداهما في
الخارج غير ما بحذاء الأخرى، وهذه
المغايرة تكون بسبب هويتهما وذاتهما، فكل
ما تستحق الصلاة من الحقيقة والهوية
محفوظة في صورة اجتماعها مع الغصب، وفي
صورة افتراقها عنه، وكذا الحال في الغصب

(1) فوائد الأصول 2: 419.
458

من دون أن تكون الصلاة المجامعة مع
الغصب مغايرة مع الصلاة المفترقة عنه
بجنس أو فصل، وإنما المغايرة تكون
بالخصوصيات الفردية، حيث إنها في صورة
الاجتماع متشخصة بالغصب، وفي صورة
الافتراق بأمر آخر من كونها في المسجد أو
الدار، والخصوصيات الفردية الشخصية لا
ربط لها بالحقيقة، وليست مما يتعلق بها
الطلب لا أصالة ولا تبعا، لأن الأحكام
متعلقة بالطبائع بلا سراية إلى
الخصوصيات.
3 - إن الحركة في كل مقولة عين تلك
المقولة، وليست هي بمنزلة الجنس
للمقولات حتى يلزم التركيب فيها،
فالحركة في الصلاة - من أي مقولة
اعتبرناها - غير الحركة في الغصب - من أي
مقولة كانت - وإن اتحدا بالعدد، لأنه لو
كانت الحركة حركة واحدة حقيقة وهوية
لاستلزم عينية الصلاة للغصب وهو غير
معقول (1).
وبعد هذه المقدمات يتضح أن
التركيب بين الغصب والصلاة تركيب
انضمامي لا اتحادي:
وبعبارة أخرى: إن كان متعلق الأمر
والنهي هو نفس المبادئ مثل الصلاة
والغصب - وهي في حد ذاتها متباينة -
فالتركيب بينها يكون انضماميا لا اتحاديا،
وإن كان متعلقهما هو العناوين الاشتقاقية
مثل: المصلي، والغاصب فهي قابلة للحمل
على الذات وغيرها، فيكون التركيب بينهما
اتحاديا، إذ يمكن حمل المصلي على
الغاصب، وإذا ثبت التركيب الانضمامي بين
مقولتي الصلاة والغصب - مثلا - فلا مانع
من تعلق الأمر بالصلاة والنهي بالغصب
حتى في مورد الاجتماع أيضا (1).
ج - ما استدل به البعض على جواز
الاجتماع وحاصله: أنه لو لم يجز اجتماع
الأمر والنهي لما وقع نظيره، وقد وقع كما
في العبادات المكروهة كالصلاة في مواضع
التهمة وفي الحمام، والصيام في السفر وفي
بعض الأيام، فإنه لو لم يكن تعدد الجهة
مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع
حكمين مع تعددهما.

(1) فوائد الأصول 2: 424 - 427.
(1) من محاضرات بعض مشايخنا تقريرا لما أفاده
المحقق النائيني، وراجع بحوث في علم الأصول
3: 42.
459

وهذا في الواقع إشكال لا بد من
التخلص منه سواء قلنا بالامتناع أو
بالجواز، أما الأول فواضح، وأما الثاني
فلأجل أن القائل بالجواز إنما يقول به فيما
إذا كان متعلق الأمر عنوانا ومتعلق النهي
عنوانا مستقلا ثم اجتمعا في مورد واحد
كالصلاة والغصب، وأما إذا تعلق النهي
بعين ما تعلق به الأمر فذلك أمر آخر
خارج عن مورد البحث.
هذا، وقد أجاب المحقق صاحب
الكفاية عن ذلك بجوابين: إجمالي ومفصل،
وخلاصة الجواب الإجمالي هو: أنه لا بد
من التخلص عن الإشكال بالتصرف
والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره
الاجتماع كصوم يوم عاشوراء، والنوافل
المبتدأة، والصلاة في الحمام، وفي مواضع
التهمة، وأمثال ذلك.
سابعا - الفرق بين هذه المسألة ومسألة
دلالة النهي على الفساد:
إن مسألة الاجتماع تصوغ الصغرى
لمسألة دلالة النهي على الفساد في فرض
القول بالامتناع وتقديم جانب النهي،
وذلك:
لأنا إذا قلنا بالامتناع وسراية
النهي من متعلقه إلى ما ينطبق عليه المأمور
به (العبادة) فعندئذ تكون العبادة منهيا
عنها، ويتحقق موضوع مسألة النهي عن
العبادات فيبحث حينئذ عن أن النهي عن
العبادات مستلزم لفسادها أو لا؟
إذن فالبحث هنا صغروي وهناك
كبروي.
ثامنا - ثمرة المسألة:
ذكر المشهور ثمرة النزاع في مسألة
الاجتماع وعدمه بما يلي:
أن الثمرة إنما تظهر فيما إذا كان
المأمور به عبادة فهنا:
1 - إن قلنا بالامتناع وقدمنا جانب
النهي فتقع العبادة فاسدة، وذلك لعدم
الأمر بها، بل ولتعلق النهي بها.
2 - إن قلنا بالامتناع وقدمنا جانب
الأمر فلا شبهة في وقوع العبادة صحيحة
حينئذ، لوجود الأمر بالعبادة وعدم النهي
عنها.
3 - إن قلنا بالجواز وكانت هناك
مندوحة للمكلف - بمعنى أنه كان بإمكانه
أن يأتي بمتعلق الأمر في غير مورد تعلق
460

النهي - فالمشهور قائلون بصحة العبادة
لوجود الأمر بها، وخالف المحقق النائيني
في ذلك حيث حكم ببطلان عبادة العالم
بالغصب، لأنه يلتزم باشتراط القدرة في
التكليف من ناحية نفس التكليف
- الخطاب الشرعي - لا من جهة حكم
العقل بقبح تكليف العاجز، فيكون متعلق
التكليف - دائما - هو الحصة المقدورة عقلا
وشرعا، وأما غير المقدورة كذلك فهي
خارجة عن التكليف.
وعلى هذا الأساس لا تكون الصلاة
في المكان المغصوب مصداقا للمأمور به
وفردا له، فإنها وإن لم تكن متحدة مع
الحرام في الخارج إلا أنها ملازمة له
خارجا فهي مشتملة على القبح الفاعلي،
وإن لم تشتمل على القبح الفعلي، فلأجل
ذلك لا تكون مقدورة شرعا وإن كانت
مقدورة عقلا، وإذا لم تكن مقدورة
لم يتعلق بها الخطاب لأنه يتعلق بالحصة
المقدورة وهي الصلاة خارج المكان
المغصوب (1).
4 - إن قلنا بالجواز ولم تكن مندوحة
للمكلف بأن كان مضطرا إلى الجمع بين
المأمور به والمنهي عنه كما إذا اضطر
لدخول الأرض المغصوبة لسبب ما ثم
ضاق وقت الصلاة فهنا:
ألف - تارة يكون الاضطرار لا
بسوء اختياره، فلا إشكال عند المشهور في
صحة العبادة، لأن الاضطرار يرفع الحرمة
واقعا، وبارتفاعها يرتفع الحكم الوضعي
وهو البطلان (1).
ب - وتارة يكون الاضطرار بسوء
اختياره كمن دخل الأرض المغصوبة
باختياره وحاول الخروج منها للتخلص
من الحرام، فقد وقع البحث حول ذلك من
جهتين:
الأولى - ما هو حكم هذا التصرف
(الخروج) هل هو الوجوب أو الحرمة؟ أو
غيرهما؟
الثانية - ما هو حكم العبادة
- كالصلاة مثلا - حال الخروج لو فرضنا
ضيق وقتها؟
أما بالنسبة إلى الجهة الأولى ففيها
أقوال أهمها:

(1) فوائد الأصول 2: 442 - 443، أجود
التقريرات 1: 373.
(1) فوائد الأصول 2: 444.
461

1 - القول بالوجوب شرعا، وهو
منسوب إلى الشيخ الأعظم واختاره
المحقق النائيني (1) واستدل لذلك: بأن
الخروج إما متصف بعنوان وجوب رد مال
الغير له أو بوجوب التخلص عن الحرام
فيكون واجبا نفسيا، وإما متصف
بالمقدمية، لأنه مقدمة للتخلص من الحرام
وهو الغصب الزائد فيكون واجبا مقدميا.
2 - القول بالحرمة، استدل القائلون
بالحرمة بأن الاضطرار كان بسوء اختياره
فهنا لا مانع من شمول خطاب الحكم
بالنسبة إلى مثل هذا الشخص فيشمله
خطاب حرمة التصرف في مال الغير.
3 - إنه واجب وحرام، وقد نقل
ذلك عن أبي هاشم، والمحقق القمي حيث
قال: " الثالث: إنه مأمور به ومنهي عنه
أيضا، ويحصل العصيان بالفعل وللترك
كليهما وهو مذهب أبي هاشم وأكثر
متأخرينا بل هو ظاهر الفقهاء وهو
الأقرب " (2)، وهذا القول مبني على دخول
مورد البحث في قاعدة عدم منافاة
الامتناع بالاختيار للاختيار خطابا
وعقابا.
4 - أنه مأمور به ولكنه عاص
بسبب النهي السابق، وهو المنسوب إلى
صاحب الفصول قال: " والحق أنه مأمور
بالخروج مطلقا أو بقصد التخلص وليس
منهيا عنه حال كونه مأمورا به لكنه
عاص بالنظر إلى النهي السابق " (1).
5 - أنه غير مأمور به ولا منهي
عنه بالنهي الفعلي، ويجري عليه حكم
المعصية مع إلزام العقل بالخروج لكونه أقل
محذورا، ذهب إليه المحقق الخراساني قال:
" والحق أنه منهي عنه بالنهي السابق
الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له
بسوء الاختيار، ولا يكاد يكون مأمورا
به " ويظهر اختياره من المحقق الحائري (2).
والقولان الأخيران مبنيان على
دخول المقام في قاعدة " إن الامتناع
بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا
خطابا ".
وأما الجهة الثانية فهي مبتنية على

(1) فوائد الأصول 2: 444 - 445.
(2) قوانين الأصول: 86، التنبيه الثاني.
(1) الفصول: 140.
(2) راجع الكفاية: 168 والدرر 1: 127
وأجود التقريرات 1: 273 وتهذيب الأصول
1: 321.
462

الجهة الأولى، فإن قلنا بوجوب الخروج
فتكون الصلاة حاله صحيحة لعدم وجود
نهي حينئذ ولكن بشرط أن لا يستلزم
تصرفا زائدا على نفس الخروج كالركوع
والسجود.
وإن قلنا بحرمة الخروج، فإن كان
الوقت متسعا فلا بد من تأخير العبادة حتى
يخرج من المكان المغصوب، وإن كان
الوقت ضيقا فيقع التزاحم بين وجوب
العبادة وحرمة الغصب وعندئذ لا بد من
إعمال مرجحات باب التزاحم التي أهمها
تقديم الأهم، فإن كانت العبادة هي الصلاة
فتقدم، لأنها لا تسقط بحال فتكون
صحيحة، ولا بد هنا من الاقتصار على
المقدار الذي لا يعد تصرفا زائدا على
التصرف الذي يستلزمه الخروج فيؤمي
إلى الركوع والسجود مثلا.
5 - إن قلنا بالامتناع وقدمنا جانب
الحرمة ولكن كان المكلف ناسيا للحكم أو
الموضوع عن قصور، فهنا يمكن فرضه على
نحوين أيضا:
أولا - أن يكون بسوء اختياره كما
إذا غصب دارا وصلى فيها نسيانا فهنا
تكون عبادته باطلة، لأن الحرمة وإن
ارتفعت بسبب النسيان إلا أن ملاكها
وهو مبغوضية هذا التصرف باق، لأنه
كان بسوء اختياره.
ثانيا - أن يكون لا بسوء اختياره،
فالمشهور حكموا بصحة العبادة، لأن
الحرمة قد ارتفعت بالنسيان ولم يبق
ملاكها، لأن المفروض عدم استناد النسيان
إلى سوء اختيار المكلف (1).
6 - نفس الصورة ولكن مع فرض
الجهل بالموضوع أو الحكم.
فالمنسوب إلى المشهور القول بصحة
الصلاة - في هذه الصورة - إذا كان الجهل
عن قصور، ولكن خالفهم في المحاضرات،
واحتمل أن يكون حكمهم بذلك من جهة
التزامهم بالجواز وتعدد عنوان المجمع (2).
اجتهاد
لغة:
مأخوذ من " الجهد " بالضم بمعنى

(1) المحاضرات 4: 239.
(2) نفس المصدر.
463

الطاقة، أو بالفتح بمعنى المشقة، ويأتي بمعنى
الطاقة أيضا. فالاجتهاد لغة هو: " بذل
الوسع والطاقة " (1).
اصطلاحا:
عرف بتعاريف عديدة منها: " بذل
الوسع لتحصيل الحجة على الواقع أو على
الوظيفة الفعلية الظاهرية " (2).
ولأجل معرفة هذا المصطلح جيدا
لا بد من بيان تأريخ المراحل التي مر بها،
فنقول:
إن الاجتهاد يطلق على معنيين:
عام وخاص (3).
المعنى الخاص للاجتهاد:
أما المعنى الخاص فهو المرادف
للقياس عند الشافعي، حيث يقول: " فما
القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان؟
قلت: هما اسمان بمعنى واحد " (1) ونفى أن
يكون الاستحسان من الاجتهاد (2). وقال
السيد المرتضى: " وفي الفقهاء من فصل
بين القياس والاجتهاد ما لم يتعين...
وفيهم من أدخل القياس في الاجتهاد
وجعل الاجتهاد أعم منه " (3).
وربما جعلوا الاجتهاد مرادفا
للاستحسان والرأي والاستنباط والقياس
بجعلها أسماء لمعنى واحد، يقول بعض
المتأخرين من العامة: " فالرأي الذي
نتحدث عنه هو الاعتماد على الفكر في
استنباط الأحكام الشرعية، وهو مرادنا
بالاجتهاد والقياس، وهو أيضا مرادف
للاستحسان والاستنباط " (4).
والذي يظهر من تتبع كلمات
الباحثين حول هذا الموضوع هو: أن
الاجتهاد بمعناه الخاص مرادف للرأي،
وأن القياس والاستحسان والمصالح

(1) راجع كلا من: لسان العرب، الصحاح،
النهاية، ومجمع البحرين وغيرها من كتب
اللغة: " جهد ".
(2) الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد: 9.
(3) قد عكس بعضهم في التسمية فجعل ما
جعلناه خاصا عاما وما هو عام خاصا ولا
ضير في التسمية بعد وحدة المراد.
(1) الرسالة للشافعي: 477 و 504.
(2) نفس المصدر.
(3) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 188.
(4) تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية: 138 كما
عن مقدمة النص والاجتهاد.
464

المرسلة ونظائرها إنما هي من قبيل
المصاديق لهذا المفهوم.
ومهما يكن من أمر فإن الاجتهاد
بهذا المعنى استمر من القرن الأول حتى
القرن الخامس - تقريبا - فحينما كان يطلق
" الاجتهاد " كان يراد منه هذا المعنى
الخاص. وفي حوالي القرن الخامس أخذ
الاجتهاد مفهوما أوسع من ذلك.
والذي لا بد أن نشير إليه هو: أن
أئمة الشيعة عليهم السلام كانوا يعارضون
الاجتهاد بهذا المعنى، وذلك لبطلان
القياس والاستحسان وأمثالهما عندهم،
وقد استمرت هذه المعارضة من عصر
الأئمة عليهم السلام حتى القرن السابع الهجري
حيث تغير مفهوم الاجتهاد الخاص إلى
مفهوم أوسع منه فتقبله الشيعة برحابة
صدر مع حذف ما يخالف مبادئهم الفقهية
- كالقياس والاستحسان وأمثالها - عنه،
ولكن قبل ذلك كانت المعارضة - كما
قدمنا - ضد الاجتهاد شديدة جدا حتى
صنف العلماء كتبا على رد الاجتهاد بهذا
المعنى، فقد صنف عبد الله بن عبد الرحمن
الزبيري كتابا سماه " الاستفادة في الطعون
على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد
والقياس " (1)، وصنف أبو القاسم علي بن
أحمد الكوفي كتابا سماه " الرد على أصحاب
الاجتهاد في الأحكام " (2).
وقد أخذت المعارضة تستمر حتى
أواخر القرن الرابع حيث ألف الشيخ
المفيد - الذي يعتبر من رواد الاجتهاد
بمعناه المقبول لدى الشيعة - كتابا سماه
" النقض على ابن الجنيد في اجتهاد
الرأي " (3). وقد كان ابن الجنيد متهما
بالعمل بالقياس والاجتهاد بالرأي.
ومما يدل على ذلك ما نقله صاحب
الجواهر - حول جواز قضاء الحاكم بعلمه -
عن السيد المرتضى في الانتصار بقوله:
" فإن قيل كيف تستجيزون ادعاء
الإجماع وأبو علي ابن الجنيد يصرح
بالخلاف ويذهب إلى أنه لا يجوز للحاكم
أن يحكم بعلمه في شئ من الحقوق
والحدود؟ قلنا: لا خلاف بين الإمامية في
هذه المسألة، وقد تقدم إجماعهم ابن الجنيد
وتأخره، وإنما عول ابن الجنيد على ضرب

(1) رجال النجاشي: 152 (ترجمة عبد الله بن
عبد الرحمن).
(2) نفس المصدر: 189 (ترجمة علي بن أحمد).
(3) نفس المصدر: 287 (ترجمة الشيخ المفيد).
465

من الرأي والاجتهاد، وخطأه
ظاهر... " (1).
هكذا نرى السيد المرتضى - أيضا -
يهجم على الاجتهاد بهذا المعنى وإن كان
يميل إلى قبوله في الموضوعات الخارجية
- لا الأحكام - مثل الاجتهاد في تعيين
القبلة وأمثالها (2).
وكذلك نرى الشيخ الطوسي في
أواسط القرن الخامس يقول عندما يذكر
صفات المفتي: " وقد عد من خالفنا في
هذه الأقسام أنه لا بد أن يكون عالما
بالقياس والاجتهاد... وقد بينا نحن
فساد ذلك وأنها ليست من أدلة
الشرع " (3).
وكذا نرى ابن إدريس - في أواخر
القرن السادس - يستعرض في مسألة
تعارض البينتين من كتابه " السرائر " عددا
من المرجحات لإحدى البينتين على
الأخرى ثم يعقب ذلك قائلا: " ولا
ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا، والقياس
والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا " (1).
وهكذا استمر هذا الرفض العنيف
للاجتهاد بمفهومه الخاص إلى أوائل القرن
السابع، لأنه كان يعطي مفهوم القياس
والرأي - أو كانا من مصاديقه الممقوتين
لدى أئمة الشيعة عليهم السلام وفقهائهم - حتى
تطور مفهومه الخاص إلى مفهوم أوسع
منه.
المعنى العام للاجتهاد:
وبعد أن كان الاجتهاد عند السنة
منحصرا في الرأي والقياس والاستحسان
- على اختلاف في قبول بعضها - تطور
مفهومه وأخذ يعطي معنى أوسع من معناه
الأول الخاص. فهذا الغزالي المتوفى سنة
(505) يعرف الاجتهاد بأنه: " عبارة عن
بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من
الأفعال... ولكن صار اللفظ في عرف
العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه في
طلب العلم بأحكام الشريعة " (2). وعرفه
الآمدي بأنه: " استفراغ الوسع في طلب
الظن بشئ من الأحكام على وجه يحس

(1) الجواهر 40: 89.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 308.
(3) عدة الأصول: 293.
(1) السرائر 2: 170.
(2) المستصفى 2: 350.
466

من النفس العجز عن المزيد فيه " (1).
وعرفه بعض المتأخرين منهم بأنه: " بذل
الجهد في استنباط الحكم الشرعي مما
اعتبره الشارع دليلا " (2).
ومن خلال هذه النصوص نرى
كيف تحول مفهوم الاجتهاد من معناه
الخاص إلى معنى أوسع منه، وعندما لبس
الاجتهاد ثوبه الجديد، وذلك حوالي
القرنين الخامس والسادس تقبله الشيعة.
وأقدم نص يدل على قبول
الاجتهاد بمفهومه الجديد لدى علماء الشيعة
هو النص الوارد عن المحقق الحلي المتوفى
عام (676) في كتابه (معارج الأصول)
حيث كتب تحت عنوان الاجتهاد يقول:
"... وهو في عرف الفقهاء بذل
الجهد في استخراج الأحكام الشرعية،
وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام
من أدلة الشرع اجتهادا، لأنها تبتني على
اعتبارات نظرية ليست مستفادة من
ظواهر النصوص في الأكثر، سواء كان
ذلك الدليل قياسا أو غيره، فيكون
القياس على هذا التقرير أحد أقسام
الاجتهاد، فإن قيل: يلزم - على هذا - أن
يكون الإمامية من أهل الاجتهاد، قلنا:
الأمر كذلك، لكن فيه إيهام من حيث أن
القياس من جملة الاجتهاد، فإذا استثني
القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل
الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها
القياس " (1).
ومن خلال هذا النص نلاحظ أن
كلمة " الاجتهاد " لم تزل مثقلة بتبعة
مفهومها الخاص، ولذلك يحاول المحقق أن
يفصل بين المفهومين بفصل القياس وأمثاله
من مفهوم الاجتهاد.
ولم يقف الاجتهاد - بمفهومه الجديد
لدى الشيعة عند هذا الحد، وهو استخراج
الأحكام الشرعية من غير ظواهر
النصوص، بل شمل عملية استنباط الحكم
من ظاهر النص أيضا، لأن عملية
استنباط الحكم لا تخلو من الجهد العلمي
في سبيل معرفة الظهور وتحديده وإثبات
حجيته وأمثال هذه الأمور.
ثم أخذ الاجتهاد يتطور أيضا،
فشمل كل عملية يمارسها الفقيه لتحديد

(1) الإحكام في أصول الأحكام 4: 141.
(2) تأريخ التشريع الإسلامي: 87.
(1) معارج الأصول: 179.
467

الموقف العملي تجاه الشريعة على طريق
إقامة الدليل على الحكم الشرعي، أو
تعيين الموقف العملي مباشرة، ولذلك عرف
بتعاريف أمثال:
1 - " إنه ملكة يقتدر بها على
استنباط الحكم الشرعي الفرعي من
الأصل فعلا أو قوة قريبة ".
نقله صاحب الكفاية عن البعض (1)
ومراده الشيخ البهائي في زبدة الأصول.
2 - " استفراغ الوسع في تحصيل
الحجة على الحكم الشرعي " (2).
وهو مختار صاحب الكفاية.
الآن وبعد أن اتضح لدينا مفهوم
الاجتهاد بمعنييه: العام والخاص، حان لنا
أن نؤكد على نقطة هامة جدا غفل عنها
الكثير ممن كتب حول هذا الموضوع،
وهي: أن الاجتهاد بمعناه الخاص وإن كان
مرفوضا لدى أئمة أهل البيت عليهم السلام إلا
أن الاجتهاد بمعناه العام لم يكن مقبولا
لدى الأئمة عليهم السلام فحسب، بل كانوا
يعلمون أصحابهم ويدربونهم على كيفية
ذلك، كما قال الإمام الصادق عليه السلام
لسائل سأله عن المسح على مرارة وضعها
على ظفره المقطوع: " يعرف هذا وأشباهه
من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى:
(ما جعل عليكم في الدين من حرج) (1)
إمسح عليه " (2). وقد وصل الأمر إلى
أنهم عليهم السلام كانوا يأمرون بعض
أصحابهم بإفتاء الناس، كما أمر الإمام
الباقر عليه السلام " أبان بن تغلب " أن يجلس
في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويفتي
الناس حيث قال له: " اجلس في مسجد
المدينة وافت الناس، فإني أحب أن يرى
في شيعتي مثلك " (3).
وعلى أي حال فلو غضضنا النظر
عن القياس والاستحسان وأمثالهما حيث
كان الأئمة عليهم السلام يرفضونهما رفضا باتا،
كانت عملية استنباط الأحكام الشرعية
من الكتاب والسنة أمرا رائجا بين الشيعة،
وخاصة الذين تربوا في مدرسة الإمامين
الصادقين عليهما السلام أمثال زرارة بن أعين
ومحمد بن مسلم وأبان بن تغلب وغيرهم

(1) الكفاية: 463 وراجع زبدة الأصول: 115.
(2) الكفاية: 463 وراجع زبدة الأصول: 115.
(1) الحج: 78.
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب
الوضوء، الحديث 327.
(3) رجال النجاشي: 7، ترجمة أبان بن تغلب.
468

من خريجي هذه المدرسة.
هذا كله بالنسبة إلى أصحاب الأئمة
عليهم السلام، وأما نفس الأئمة عليهم السلام فكانوا
في غنى عن الاجتهاد، لأن الأحكام كانت
مكشوفة لديهم وهم عالمون بها من دون
جهد، وهذا ما تقتضيه الإمامة، وكذا
بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو
أولى من غيره بعدم الاجتهاد، لاتضاح
الأمور كلها لديه وانكشافها عنده.
تطور الاجتهاد في عصر الغيبة:
وعند بدء الغيبة الكبرى وانقطاع
اليد عن الإمام عليه السلام وبدء زعامة
الفقهاء، بسبب إرجاع الإمام عليه السلام
الناس إليهم كما ورد "... وأما الحوادث
الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا
فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " (1)
أخذ الاجتهاد يتطور شيئا فشيئا حتى
وصل إلى ذروته في يومنا هذا.
وممن كان لهم الأثر الكبير في هذا
التطور هم:
1 - الحسن بن أبي عقيل المعروف
بالعماني، والمعاصر للكليني المتوفى
(328).
2 - محمد بن أحمد بن الجنيد، أبو
علي الإسكافي.
فكان لهما الدور الأساسي في ترسيخ
قواعد الاجتهاد حيث ألفا كتبا فقهية
مستندة إلى هذه الطريقة، فألف الأول
كتابة " المتمسك بحبل آل الرسول "، وألف
الثاني كتابيه: " تهذيب الشيعة لأحكام
الشريعة " و " الأحمدي في الفقه المحمدي ".
3 - ومنهم الشيخ محمد بن محمد بن
النعمان المفيد المتوفى سنة (413)، وتلميذه
الشريف السيد المرتضى علم الهدى المتوفى
سنة (436).
4 - وكان أكثرهم جهدا في هذه
العملية هو شيخ الطائفة محمد بن الحسن
الطوسي المتوفى عام (460) فقد ألف عدة
كتب فقهية وروائية وأصولية، منها:
الخلاف، والنهاية، والمبسوط في الفقه،
والتهذيب والاستبصار في الحديث، والعدة
في الأصول.
ويشير - هو - إلى هذا التطور العظيم
في الفقه في مقدمة كتابه المبسوط فيقول:
" أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر

(1) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 9.
469

مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم
الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية
ويستنزرونه، وينسبونهم إلى قلة الفروع
وقلة المسائل، ويقولون: إنهم أهل حشو
ومناقضة، وإن من ينفي القياس
والاجتهاد (1) لا طريق له إلى كثرة
المسائل، ولا التفريع على الأصول، لأن
جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين
الطريقين، وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة
تأمل لأصولنا ولو نظروا في أخبارنا
وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من
المسائل موجود في أخبارنا... ".
ثم يقول بعد ذلك: " وأما ما كثروا
به كتبهم من مسائل الفروع، فلا فرع من
ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على
مذاهبنا، لا على وجه القياس، بل على
طريقة توجب علما يجب العمل عليها
ويسوغ الوصول إليها، من البناء على
الأصل، وبراءة الذمة، وغير ذلك... ".
ثم يقول بعد ذلك: " وكنت على
قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى
عمل كتاب يشتمل على ذلك، تتوق إليه
نفسي، فتقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني
الشواغل، وتضعف نيتي أيضا فيه قلة
رغبة هذه الطائفة، وترك عنايتهم به،
لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح
الألفاظ، حتى أن مسألة لو غير لفظها
وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لديهم
لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها... " (1).
وكلامه الأخير إشارة إلى طريقة
بعض الطائفة الذين اتخذوا العمل بظاهر
الأخبار فحسب طريقا للاستنباط كما
سنشير إليه.
موقف الاجتهاد - في مذهب أهل البيت -
من العقل:
إن المدركات العقلية على نحوين:
الأول - المدركات العقلية الكاملة:
وهي التي لا تحتمل الخطأ، كحكمنا بأن
اجتماع النقيضين محال، أو أن المعدن يتمدد
بالحرارة وأمثال ذلك، سواء كانت هذه
المدركات بديهية أو ثابتة بالتجربة.
الثاني - المدركات العقلية الناقصة:
وهي التي يحتمل فيها الخطأ كحكمنا بأن

(1) مقصوده من الاجتهاد - هنا - هو معناه
الخاص الذي يرادف الرأي.
(1) المبسوط 1: 1.
470

الشئ الفلاني الذي يشبه ذلك الشئ
المحرم في بعض الخصائص حرام أيضا.
فهذا وأمثاله أحكام عقلية غير قطعية، بل
يحتمل فيها الخطأ.
إذا علمنا ذلك فنقول: إن مذهب
أهل البيت عليهم السلام لم يرفض الأحكام
العقلية كليا، بل يرفض الأحكام العقلية
الناقصة فقط التي لم يقم عليها دليل قطعي،
ولذلك أنكروا القياس والاستحسان،
والشاهد على ذلك: أنهم حينما خاضوا
المعركة التي أثيرت بين المعتزلة والأشاعرة
في التحسين والتقبيح العقليين صاروا في
جانب المعتزلة، وأكدوا على وجود الحسن
والقبح العقليين، وأن هناك حقائق يعتبرها
العقل حسنة، وحقائق أخرى يعتبرها
قبيحة (1).
الموجة الأخبارية:
وفي إبان القرن الحادي عشر
للهجرة ظهرت محاولة جديدة لمنع تدخل
العقل في استنباط الأحكام الشرعية،
وكان الداعي لهذه المحاولة الميرزا محمد
أمين الاسترآبادي (المتوفى عام 1033 في
مكة المكرمة)، وقد كان يعيش برهة من
الزمن في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،
فألف فيها كتابه " الفوائد المدنية " وفيها
حمل حملة شعواء على من استعمل العقل
في استنباط الأحكام الشرعية، فهو وإن
كان يصر على أن الوسيلة الوحيدة لفهم
الأحكام الشرعية هي السنة فقط، لأن
الكتاب الكريم لم يفهمه إلا من خوطب
به، وهم الأئمة عليهم السلام فلا مجال لأن ندرك
منه شيئا، والإجماع باطل لأنه من
مبتدعات العامة، لكنه بذل جهده في الحد
عن تدخل العقل في الاستنباط أكثر من
غيره.
وكانت نظريته تعتمد على أن الفقهاء
اتبعوا أهل القياس والاجتهاد والمتكلمين
والفلاسفة والمنطقيين في الاستناد على
العقل، فلو ثبت أن العقل يخطئ فيما عدا
المسائل التي تعتمد على الحس أو الشبيهة
بالحس كالرياضيات، لما اعتمد الفقهاء
على الاجتهاد والعقل بعد ذلك.
ومن العلماء الذين نهجوا هذا المنهج
تقريبا هم: المولى محمد محسن الفيض
الكاشاني (م 1091) والشيخ محمد بن

(1) المعالم الجديدة: 35.
471

الحسن الحر العاملي (م 1104) والمولى
محمد باقر المجلسي (م 1111) والسيد
نعمة الله الجزائري (م 1112) والشيخ
يوسف البحراني (م 1186) وهم من علماء
الشيعة المرموقين، وأصحاب موسوعات
في الفقه والحديث، كما أنهم كانوا مختلفين
في الانتصار لهذا المذهب شدة وضعفا،
ولكن كل هؤلاء امتازوا على الاسترآبادي
بحفظ حرمة من خالفهم في الطريقة بل
شنع بعضهم عليه كما فعل المحدث
البحراني حيث قال:
"... وهو [أي الاسترآبادي] أول
من فتح باب الطعن على المجتهدين
وتقسيم الفرقة الناجية إلى أخباري
ومجتهد، وأكثر في كتابه الفوائد المدنية من
التشنيع على المجتهدين، بل ربما نسبهم إلى
تخريب الدين، وما أحسن وما أجاد، ولا
وافق الصواب والسداد، لما قد ترتب على
ذلك من عظيم الفساد... " (1).
وعلى أي حال استمرت هذه
الفكرة حتى أواخر القرن الثاني عشر
فوصلت إلى ذروتها، ولكنها أخذت تنهار
بعد أن وقف أمامها العلماء الكبار أمثال
" المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني "
(م 1208) و " الشيخ مرتضى الأنصاري "
(م 1281) باني الأصول الحديثة.
وأما لماذا وجدت هذه الموجة،
فذلك أمر يحتاج إلى الدقة، فالذي يدعيه
هؤلاء هو: أن الروايات الواردة عن
الأئمة بكثرة بحيث يستغني معها الفقيه عن
العقل، كما كان الفقهاء يكتفون بها في إبان
الغيبة الكبرى.
ويرى بعض المفكرين (1) أن للموجة
الأخبارية ارتباطا مع الموجة الحسية التي
ظهرت في أروبا في ذلك الحين.
والذي يبدو لنا هو: أن كلمة
" الاجتهاد " لما كانت تحمل معنيين: معنى
خاصا ومعنى عاما، فالخاص هو العمل
بالقياس والرأي.
والعام هو مطلق عملية استنباط
الأحكام الشرعية ولم يتميز هذان المعنيان
إلى مدة من الزمن: كانت هذه الكلمة

(1) لؤلؤة البحرين: 117.
(1) وهو الشهيد مرتضى المطهري تبعا لأستاذه
آية الله السيد البروجردي، لكنا نقدنا هذه
الفكرة في مقدمتنا لكتاب " تأريخ حصر
الاجتهاد " للعلامة الطهراني قدس سره، فراجع.
472

تحمل في طياتها المعنى الخاص، ولذلك
اتهم الاسترآبادي الفقهاء بأنهم اتبعوا
أهل القياس والرأي، فدعا إلى رفضه
والعمل بالأحاديث، فكان يعتقد أن
سيرته امتداد لسيرة الفقهاء في زمن الغيبة
الصغرى وما قبلها حيث كان الفقهاء
يعتمدون على الأحاديث ويرفضون
الاجتهاد، ولكن بعض الفقهاء - حسب
زعمه - أمثال " ابن الجنيد " و " الشيخ المفيد "
و " الشيخ الطوسي " و " السيد المرتضى "
انحرفوا عن تلك الطريقة وابتدعوا طريقة
الاجتهاد.
فهذه الخواطر الذهنية - في رأينا -
أثرت في نفسية الاسترآبادي كي
يبدي نظريته، لا أنه تأثر بالموجة
الحسية، أو كان بين الموجتين ارتباط
طبيعي.
هذا كله مع غض النظر عن استبعاد
وجود تلاق بين الفكرتين لتقدم
الاسترآبادي وعدم انتشار الموجة الحسية
في مناطق مثل الشرق الأوسط آنذاك.
ومهما يكن من أمر لم يدم رفض
العقل كليا إلا في مدة قصيرة من الزمن،
وأما الذين نهجوا الأخبارية من بعد
الاسترآبادي فلم يرفضوا حكم العقل كما
رفضه الاسترآبادي، بل كانوا يعترفون به
إلى حد ما.
ومما تقدم تظهر لنا نكتة مهمة قد
غفل عنها أو اشتبه فيها العديد من
الباحثين وهي:
إن الأخباريين من أصحابنا
لم يرفضوا الاجتهاد بل لا يمكنهم رفضه.
نعم، لهم مناقشات - مع الأصوليين - في
بعض مبادئ الاجتهاد كما سيتضح،
ولذلك قال صاحب الكفاية: " قد انقدح
أنه لا وجه لتأبي الأخباري عن الاجتهاد
بهذا المعنى، فإنه لا محيص عنه كما لا يخفى،
غاية الأمر له أن ينازع في حجية بعض ما
يقول الأصولي باعتباره ويمنع عنها، وهو
غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد
بذاك المعنى، ضرورة أنه ربما يقع بين
الأخباريين كما وقع بين الأصوليين " (1).
بل يظهر من كلمات بعضهم القول
بوجوبه عندهم ولكن على طريقتهم (2).
راجع: أخباريون.

(1) الكفاية 2: 464.
(2) راجع هداية الأبرار (للشيخ حسين
الكركي): 203.
473

مقدمات الاجتهاد ومعداته:
الآن وبعد أن استعرضنا مختصرا من
تاريخ الاجتهاد وتطوره، فلننظر ما هي
المقدمات التي يتوقف عليها الاجتهاد؟
فنقول: إن الوصول إلى رتبة
الاجتهاد يحتاج إلى مقدمات أهمها هي:
أولا - معرفة مبادئ اللغة العربية
من النحو والصرف واللغة بالمقدار الذي
يتوقف عليه فهم المعنى من الكتاب
والسنة، وما زاد على ذلك فهو فضل.
ثانيا - معرفة المنطق بالمقدار الذي
يتمكن معه من الاستدلال والنقض
والإبرام.
ثالثا - معرفة علمي الرجال والدراية
بمقدار يمكن معه تشخيص السند الصحيح
- بمعناه العام - من الضعيف.
وهذا الشرط من الأمور التي
حذفها الأخباريون من مقدمات
الاجتهاد، لأنهم يعتمدون على المنقولات
في الكتب الحديثية من دون تقسيمها إلى
صحيح وموثق وحسن وضعيف و...
ويعتبرون هذه المصطلحات من مبتدعات
المجتهدين.
قال بعضهم: " إعلم أن هذا العلم:
[أي علم الدراية] عندنا قليل الجدوى
بعد ما ظهر لك ما بيناه من صحة أحاديثنا
وبطلان العمل بالاصطلاح الجديد فيها،
وأما غير ذلك من مقاصده فإنما هو كلام
مزخرف نسبته إلى المحدث الماهر كنسبة
العروض إلى الشاعر المستقيم الطبع في
عدم احتياجه إليه " (1).
رابعا - معرفة علم الأصول بالمقدار
الذي يتوقف عليه الاجتهاد.
وهذا الشرط كسابقه - أيضا - رفضه
الأخباريون إلى حد ما، قال الشخص
المتقدم:
" فاعلم أن علم الأصول ملفق من
علوم عدة، ومسائل متفرقة بعضها حق
وبعضها باطل، وضعه العامة لقلة السنن
الدالة على الأحكام عندهم وبنوا عليه
استنباط المسائل الشرعية النظرية، ولم يقع
في علم من العلوم ما وقع فيه من الخبط
والخلاف الذي أكثره أشبه شئ
بالهذيان... " (2).
وعلى أي حال فإنهم يشتركون مع

(1) هداية الأبرار: 101 (للشيخ حسين
الكركي م 1076).
(2) نفس المصدر: 234.
474

غيرهم في قبول قسم من علم الأصول،
ويفترقون عنهم في رفض قسم آخر منه.
وللمحدث البحراني مباحث مفيدة في هذا
المجال ذكرها في مقدمة موسوعته الفقهية
(الحدائق).
خامسا - معرفة آيات الأحكام
والإحاطة - نوعا ما - بالسنة الشريفة،
والمراد بها ما يصدر من المعصوم - النبي
صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام - سواء
كان قولا أو فعلا أو تقريرا، كما يلزم أن
تكون له القدرة على العثور على الروايات
في مظانها بحيث يكون له أنس بها.
سادسا - معرفة آراء الفقهاء في طول
تأريخ الفقه، فإن ذلك له تأثير كبير في
استنباط الأحكام.
سابعا - الذوق العرفي السليم البعيد
عن التعقيدات العقلية والفلسفية، لأن الفقه
مبني على المحاورات العرفية.
وبالتالي إلى توفيق من الله تعالى،
فإن العلم نور يقذفه الله في قلب من
يشاء من عباده (1).
أقسام الاجتهاد:
قسموا الاجتهاد إلى قسمين:
الأول - الاجتهاد المطلق: وهو " ما
يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية من
أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا
في الموارد التي يظفر فيها بها " (1).
الثاني - الاجتهاد المتجزئ: وهو:
" ما يقتدر به على استنباط بعض
الأحكام " (2).
وتوضيح القسمين هو: أن المجتهد
تارة يكون من حيث الاجتهاد والقدرة
على الاستنباط بحيث يمكنه أن يستنبط
حكم أي مسألة تعرض عليه ومن أي
باب كانت، وتارة لم يكن كذلك بل يمكنه
أن يستنبط مسائل بعض الأبواب خاصة
مثل مسائل الصلاة، أو الحج، أو
النكاح... وما شابه ذلك.
فالأول مجتهد مطلق والثاني
متجزئ.
إمكان القسمين ووقوعهما:
المعروف بين الأصوليين إمكان

(1) راجع كل ذلك: الروضة البهية 3: 62،
الكفاية: 468، الرسائل 2: 97 (للإمام
الخميني)، الرأي السديد: 11.
(1) الكفاية: 464.
(2) نفس المصدر.
475

الاجتهاد المطلق ووقوعه، إذ ليس المقصود
منه الاستنباط الفعلي حتى يقال: ليس
هناك من استنبط حكم جميع المسائل
فعلا، بل المراد منه الملكة والقدرة على
الاستنباط بالنسبة إلى كل المسائل وهي
ممكنة بل حاصلة عند كثير من فقهائنا
الذين استنبطوا أحكام أكثر المسائل.
وهذا لا كلام فيه، وإنما المهم هو
البحث في إمكان التجزئ ووقوعه ففيه
أقوال ثلاثة:
الأول - القول بامتناعه:
نقل ذلك عن بعض بدعوى أن
ملكة الاستنباط أمر بسيط فإما أن تحصل
أو لا؟ فإن حصلت فلا يمكن تجزئتها،
وبعبارة أخرى إنما يدور أمر الملكة بين
الوجود والعدم، ولا يعقل أن تتحقق
متبعضة.
وأجيب عن ذلك:
بأن بساطة الملكة وعدم قبولها
التجزئة لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى
بعض الأبواب بحيث يتمكن بها من
الإحاطة بمداركه (1). أو بأن التجزئة
ليست في أجزاء نفس الملكة حتى يقال
بأنها بسيطة بل في أفرادها، وبعبارة
أخرى: ليس المقصود من التجزئ في
الاجتهاد هو تجزئة الكيفية، بل المقصود
منه هو التجزئ في متعلقها سعة وضيقا
كملكة الشجاعة وغيرها، فإنها قد تتسع
وقد تتضيق باعتبار متعلقاتها، وأما نفس
الملكة فهي واحدة (1).
الثاني - لزوم التجزئ:
بمعنى أنه لا يمكن التوصل إلى
الاجتهاد المطلق إلا باجتياز مرحلة
التجزئ، فكل مجتهد مطلق لا بد وأن
يكون يوما مجتهدا متجزئا، كما ذهب إليه
صاحب الكفاية (2).
ويظهر من السيد الخوئي الرغبة إلى
ذلك حيث قال: " بل لا يبعد أن يقال: إن
المطلق من الاجتهاد مسبوق بالتجزئ
- دائما - وأن أي مجتهد مطلق كان متجزئا
في زمان ثم قوي وترقى شيئا فشيئا حتى
تمكن من استنباط أكثر الأحكام أو كلها،
وذلك لأن دعوى أن الرجل قد أصبح

(1) الكفاية: 467.
(1) الرأي السديد: 15 والأصول العامة للفقه
المقارن: 584.
(2) الكفاية: 466.
476

مجتهدا مطلقا من ساعته أو ليلته من غير
أن يكون مسبوقا بالتجزئ في زمان مما لا
شاهد له، بل هو أمر غير عادي ولا
نستعهد وقوعه بوجه، ولعله إلى ذلك أشار
صاحب الكفاية بقوله: " بل يستحيل
حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق
بالتجزئ " " (1).
الثالث - إمكان التجزئ:
وذهب إليه الأكثر بل نقل عن
المحقق الرشتي أنه نسب القول بعدمه إلى
الشذوذ (2).
وهناك محاولة للجمع بين الأقوال
ربما كانت قولا رابعا في المسألة وحاصلها:
أننا لو لاحظنا ملكة الاجتهاد في
مرحلة تكونها فيستحيل التجزئ، لأن
الملكة تتوقف على مقدمات ومعدات إن
حصلت حصلت الملكة وإلا فلا، ولا يعقل
حصول بعض مقدماتها، وإن لاحظناها في
مرحلة إعمالها فلا بد من القول بالتجزئ،
بل " التجزئ في مقام إعمال الملكة يكاد
يكون من الضروريات، بل لا يوجد في
هذا المقام اجتهاد مطلق أصلا (1).
حكم الاجتهاد
البحث عن حكم الاجتهاد تارة
يكون من الناحية التكليفية، وأخرى من
الناحية الوضعية:
أولا - الحكم التكليفي:
المعروف بين فقهاء الإمامية وجوب
الاجتهاد، ونسب إلى الأخباريين منهم
القول بتحريمه، ولكن لا يمكن التسليم لهذه
النسبة، لأن الأخباريين إنما يرفضون
الاجتهاد على طريقة الأصوليين، أما على
طريقتهم فلا، بل ربما قالوا بوجوبه أيضا،
قال الشيخ حسين الكركي:
" الفصل الرابع في أن الاجتهاد في
طلب الدين على النهج الذي قرره القدماء
واجب على كل مسلم:
إعلم: أن كل من سعى في تحصيل
مسألة مما كلف به وفهمها كما يجب،
وضبطها، فقد اجتهد في تحصيلها، والسعي
في تحصيل ما لا يعذر المكلف بجهله من

(1) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 34.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 583.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 585 - 586.
477

العبادات الواجبة والحقوق اللازمة فرض
عين لا يعذر أحد في تركه، وليس له حد
يقف عنده، بل كلما احتاج إلى حكم يجب
عليه السؤال عنه، وهذا معنى قول
أصحابنا الحلبيين: إن الاجتهاد واجب
عيني... " (1).
ومهما يكن فالجامع بين الرأيين هو
القول بوجوب الاجتهاد، ولكن مع
اختلاف في تفسير الاجتهاد لاختلاف
مبادئه، كما تقدمت الإشارة إليه. نعم،
اختلف الفقهاء والأصوليون بصورة عامة
في نوع الوجوب.
نوع وجوب الاجتهاد:
إن الجهة التي ننظر منها إلى
الاجتهاد قد تختلف، وبالنتيجة تختلف
نوعية الوجوب، فإن هناك لحاظين
وحيثيتين للاجتهاد.
ألف - لحاظ الحاجة إلى الاجتهاد
لإحراز فراغ الذمة من التكاليف الموجهة
إلى المكلف.
ب - لحاظ الحاجة إليه للفتيا أو
للحكم والقضاء في كل عصر.
أولا - وجوبه بلحاظ تفريغ الذمة:
اعتبره بعض الفقهاء بهذا اللحاظ
من قبيل الوجوب التخييري، يقول السيد
اليزدي:
" يجب على كل مكلف في عباداته
وفي معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو
محتاطا " (1).
وتوجيه ذلك: إن الطرق العادية
للحصول على الحكم الشرعي منحصرة في
ثلاثة وهي:
1 - الاحتياط: بأن يعمل بكل
محتملات التكليف بحيث يحرز الواقع.
2 - التقليد: بأن يقلد من كان له
علم بالتكليف (أي ما هي الوظيفة الفعلية).
3 - الاجتهاد: بأن يجتهد ويحصل هو
على العلم بالتكليف.
ثم إنهم اختلفوا في مصدر هذا
الوجوب على ثلاثة أقوال:
الأول - إن مصدره الفطرة:
وذلك لأن الإنسان يدرك بفطرته
" لزوم دفع الضرر المحتمل " فهو يبني
كثيرا من حساباته اليومية على ذلك.

(1) هداية الأبرار: 203.
(1) العروة (أحكام التقليد): المسألة 1.
478

وبما أن المكلف يعلم إجمالا بتوجه
التكليف إليه، وأنه سيستحق على تركه
العقاب يندفع بفطرته إلى دفع هذا الضرر
بامتثال التكليف، ولا يحرز ذلك إلا بأحد
هذه الأمور الثلاثة (1).
الثاني - إن مصدره العقل:
وذلك بملاك ما استقل به العقل من
لزوم شكر المنعم، وهو يتحقق فيما نحن فيه
بامتثال أوامر الشارع المقدس (2).
الثالث - إن مصدره الشرع:
وعلى هذا يكون وجوبا شرعيا،
ولكن تارة يفرض هذا الوجوب نفسيا،
وتارة غيريا.
1 - الوجوب الشرعي النفسي: وهذا
القول منقول عن المحقق الأردبيلي وبعض
من تأخر عنه بلحاظ وجوب تعلم
الأحكام وجوبا نفسيا، لقوله تعالى:
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3)،
وقوله (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين) (1)، وقوله صلى الله عليه وآله
وسلم: " طلب العلم فريضة على كل
مسلم " (2)، وغير ذلك.
ونوقش: بأنه لا دلالة في هذه على
كون وجوب التعلم نفسيا، بل هناك ما
يدل على خلافه كما ورد من أنه يؤتى
بالعبد يوم القيامة فيقال له: هلا عملت؟
فيقول: ما علمت، فيقال له: هلا تعلمت؟
إذ المستفاد منه أن المؤاخذة على
ترك التكليف لا ترك التعلم (3).
2 - الوجوب الشرعي الغيري:
ومعناه أن التعلم واجب مقدمة لامتثاله، إذ
الامتثال يتوقف على العلم بالتكليف ولا
يتم إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به
واجب.
ولكن نوقش:
1 - بإنكار المقدمية بين العلم
بالأحكام الواقعية وامتثالها، لجواز حصول
الامتثال من دون العلم بالتكليف، إذ ليس

(1) المستمسك 1: 6.
(2) المستمسك 1: 6، والتنقيح (الاجتهاد
والتقليد): 12.
(3) الأنبياء: 7.
(1) التوبة: 122.
(2) الوسائل 18: 16، الباب 4 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 28.
(3) الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد: 7 -
8.
479

تعلم وجوب رد السلام مقدمة وجودية
له، بل إذا كان جاهلا به يمكن أن يجيب
ويرد السلام.
نعم، يتوقف وجودها في بعض
الموارد - كالمركبات التي هي ذات أجزاء
مترتبة بعضها على بعض - على التعلم،
ولكن وجود هذه الموارد الجزئية لا يبرر
القول بكون وجوب الاجتهاد وجوبا
غيريا مولويا (1).
2 - بإنكار وجوب مقدمة الواجب
شرعا، بل وجوبها عقلي كما عليه المحققون
من المتأخرين (2).
وإذا انتفى الوجوب الشرعي بشقيه
يبقى الوجوب العقلي أو الفطري.
إذن يكون الاجتهاد واجبا فطريا
أو عقليا.
والظاهر أن هذا الوجوب تخييري
كما ذهب إليه السيد اليزدي في العروة
والمعلقون عليها.
ثانيا - وجوبه بلحاظ الفتيا:
الظاهر لا خلاف في وجوب
الاجتهاد بلحاظ لزوم وجود مجتهد في كل
عصر لغرض القضاء والإفتاء، ولا أقل في
كونه كسائر ما يتوقف عليه النظام
كالطبابة وغيرها من المهن والفنون
والحرف.
نعم اختلفوا في كون ذلك واجبا
عينا أو كفائيا على قولين:
أولا - الوجوب الكفائي: وهو الذي
يذهب إليه أكثر الإمامية، قال في
التنقيح:
" قد ظهر مما سردناه أن الاجتهاد
الذي هو عديل الاحتياط والتقليد واجب
عقلي، وأنه لا يتصف بالوجوب الشرعي
النفسي أو الغيري أو الطريقي...
وأما الاجتهاد في نفسه فهو واجب
نفسي كفائي لوجوب التحفظ على الأحكام
الشرعية وصيانتها عن الاندراس.
وإن شئت قلت: إن الاجتهاد بالنظر
إلى أعمال نفس المجتهد واجب عقلي،
والأمر به إرشادي لا محالة...
وأما بالنظر إلى رجوع الغير إليه
فهو واجب على المكلفين وجوبا نفسيا
كفائيا، لبداهة وجوب حفظ الشريعة
المقدسة عن الانطماس والاندراس، ومن
الظاهر أن إهمال الأحكام الشرعية وترك

(1) الرأي السديد: 6.
(2) الاجتهاد: 152.
480

التصدي لاستنباطها في كل عصر يؤدي
إلى انحلالها واضمحلالها... " (1).
ثم بين وجه ذلك، لانحصار الطريق
حينئذ في التقليد عن الأموات، وهو غير
جائز ابتداء، والاحتياط وهو غير ممكن
دائما.
ثانيا - الوجوب العيني: ذهب إليه
بعض المتقدمين - كالحلبيين - والأخباريون.
قال الشيخ حسين الكركي - وهو
من الأخباريين -: " اعلم: أن كل من
سعى في تحصيل مسألة مما كلف به وفهمها
كما يجب، وضبطها فقد اجتهد في تحصيلها،
والسعي في تحصيل ما لا يعذر المكلف
بجهله من العبادات الواجبة والحقوق
اللازمة فرض عين لا يعذر أحد في تركه
وليس له حد يقف عنده، بل كلما احتاج
إلى حكم يجب عليه السؤال عنه، وهذا
معنى قول أصحابنا الحلبيين: إن الاجتهاد
واجب عيني، وبهذا فسر مذهبهم شيخنا
البهائي، وذلك إنهم لم يكونوا يعملون إلا
بالحديث، كما صرح به ابن زهرة في
" الغنية "، فالعامي عندهم إذا سأل العالم
عن مسألة شرعية فأجابه عنها بلفظ
الحديث أو بمعناه، وفهمه العامي كما يجب
فقد تساويا في علم تلك المسألة، لأن
المسؤول ناقل لفتوى أهل البيت عليهم السلام
والسائل يرويها عنه... " (1).
ثانيا - الحكم الوضعي:
تترتب على الاجتهاد أحكام
وضعية متعددة أهمها:
أولا - حجية فتواه:
لا إشكال في حجية فتوى المجتهد
- إجمالا - وتتضح حدود هذه الحجية في
جواب الأسئلة التالية:
ألف - هل يجوز له الرجوع إلى الغير
أو لا؟
المعروف بين الإمامية حرمة رجوع
المجتهد إلى غيره في مقام الامتثال، ولا
فرق - في ذلك - بين المجتهد المطلق
والمتجزئ فيما اجتهد فيه، وذلك لأن
مستند جواز التقليد هو لزوم رجوع
الجاهل إلى العالم، ولم يصدق على المجتهد
عنوان الجاهل حتى يجوز له الرجوع إلى

(1) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 65.
(1) هداية الأبرار: 203.
481

الغير (1).
ونقل عن صاحب المعالم ووالده
وجده القول بوجوب رجوع المتجزئ إلى
المطلق (2).
ب - هل يجوز للغير الرجوع إليه؟
المعروف أيضا جواز رجوع الغير
إلى المجتهد وتقليده - مع تحقق سائر
شرائطه - لتحقق موضوعه وهو: " رجوع
الجاهل إلى العالم "، ولأن جواز الرجوع
إليه من لوازم حجية فتواه.
وهذا لا إشكال فيه بالنسبة إلى
المجتهد المطلق، وأما بالنسبة إلى المتجزئ
فقد استشكل بعضهم في رجوع الغير إليه،
كما في الكفاية (3) ومنع منه - صريحا - في
العروة (4)، ونقل في المستمسك الإجماع على
لزوم كون المقلد مجتهدا مطلقا، لكنه ناقش
في ذلك واستقرب جواز الرجوع إلى
المتجزئ أيضا، لعموم السيرة (5).
وأما في التنقيح فقد فصل بين من
استنبط مسألة أو مسألتين فلا يجوز
الرجوع إليه، وبين من استنبط مسائل
كثيرة فيجوز الرجوع إليه وإن لم يكن
مجتهدا مطلقا، لأن الموضوع للحكم بجواز
التقليد هو عنوان العالم والفقيه ونحوهما
وهو لا ينطبق على من استنبط مسألة أو
مسألتين.
هذا بحسب الأدلة اللفظية، وأما
بحسب السيرة العقلائية فهي تقتضي جواز
الرجوع إليه إذ لا فرق بين من استنبط
قليلا أو كثيرا في تحقق عنوان رجوع
الجاهل إلى العالم، عندما يرجع إليه فيما
اجتهد فيه (1).
ج - هل يصح قضاؤه؟
المعروف بين فقهاء الإمامية هو
جواز قضاء المجتهد المطلق ونفوذه، لأن
موضوع جواز القضاء في لسان الأدلة هو:
العارف، والعالم، والفقيه ونحوها المنطبق
على المطلق، بخلاف المتجزئ فاختلفوا في
جواز قضائه، فمنهم من منع منه، لعدم
صدق عنوان العارف والعالم... عليه وهم
الأكثر، ومنهم من أجازه في حدود ما

(1) التنقيح (الاجتهاد): 29.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 611.
(3) الكفاية 2: 428.
(4) العروة: الاجتهاد والتقليد، المسألة 22.
(5) المستمسك 1: 43 - 45.
(1) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 35 - 36.
482

اجتهد فيه مثل صاحب الجواهر (1) والمحقق
الرشتي (2)، بل يظهر من كل من جوز قضاء
المقلد كالمحقق القمي (3).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان
" قضاء ".
ثانيا - التخطئة والتصويب:
ومن الأحكام الوضعية المترتبة على
الاجتهاد هو الحكم بالتخطئة أو التصويب
في الاجتهاد بمعنى أن ما يحكم به المجتهد
بحسب اجتهاده هل يقع الخطأ فيه أو لا؟
بل كل ما أدى إليه اجتهاد المجتهد فهو
الحكم الشرعي الواقعي كما نسب إلى
بعض الأشاعرة والمعتزلة مع اختلاف
بينهما في تفسير ذلك؟ فالذي يراه عامة
الإمامية هو القول بالتخطئة، وأن هناك
أحكاما واقعية قد يصيب المجتهد في
الوصول إليها وقد يخطئ.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنواني
" تخطئة " و " تصويب ".
ثالثا - إجزاء الاجتهاد السابق عند
تبدله:
ومن الأحكام الوضعية هو الحكم
بإجزاء (كفاية) ما أتى به المجتهد أو مقلده
استنادا إلى فتواه بعد تبدل رأيه، فلا
حاجة إلى الإعادة وفقا للاجتهاد الجديد،
أو الحكم بعدمه، فعلى القول بالإجزاء
يكتفى بإتيان الأعمال السابقة وفقا
للاجتهاد السابق، وعلى القول بعدمه لا بد
من تجديدها وفقا للاجتهاد اللاحق.
وهذا البحث مترتب على القول
بالتخطئة، لأنه بناء على التصويب فلا بد
من الالتزام بالإجزاء، إذ كل ما يرتئيه
المجتهد فهو الحكم الواقعي فإذا تبدل تبدل
الحكم الواقعي أيضا فلا معنى - إذن -
للقول بعدم الإجزاء بخلاف القول
بالتخطئة، فإنه يأتي - بناء عليه - البحث
السابق، وفيه تفصيل يأتي في عنوان
" إجزاء "، وراجع أيضا عنوان " قضاء ".
طرق معرفة الاجتهاد (وسائل الإثبات):
يعرف اجتهاد المجتهد بالطرق
التالية:
ألف - العلم الوجداني: كما إذا علم

(1) الجواهر 40: 34.
(2) القضاء 1: 29.
(3) نفس المصدر.
483

شخص من أهل الخبرة باجتهاد شخص
آخر.
ب - البينة: أي شهادة عدلين من
أهل الخبرة إذا لم تكن - هذه الشهادة -
معارضة بشهادة عدلين آخرين من أهل
الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد.
راجع: بينة.
ج - الشياع المفيد للعلم:
ومن طرق إثبات اجتهاد شخص
هو شيوع ذلك بين المتشرعين.
راجع: شياع.
د - إخبار الثقة: أي إخبار شخص
واحد ثقة بالاجتهاد.
أما كفاية ذلك بناء على حجية قول
المخبر الواحد - إذا كان ثقة - مطلقا في
الأحكام والموضوعات فواضح، كما ذهب
إليه في التنقيح (1).
وأما بناء على عدم حجيته في
الموضوعات فيمكن القول بحجيته هنا
أيضا، لأن المدلول المطابقي للخبر وإن كان
هو الاجتهاد، وهو موضوع من
الموضوعات، إلا أن مدلوله الالتزامي هو
ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي
إليه نظر المجتهد (1).
وهناك أحكام أخر للاجتهاد يراجع
فيها عناوين:
تقليد، قضاء، ولاية (ولاية الفقيه).
مظان البحث:
ألف - الفقه:
1 - الاجتهاد والتقليد.
2 - القضاء.
3 - ولاية الفقيه.
ب - الأصول:
1 - الاجتهاد والتقليد.
2 - الإجزاء.
3 - التخطئة والتصويب.
إجزاء
لغة:
من قولهم: أجزأه الشئ أي كفاه
وأغناه (2)، فالإجزاء - إذن - هو الكفاية

(1) التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 211.
(1) المستمسك 1: 38.
(2) الصحاح، المصباح المنير: " جزأ ".
484

والإغناء.
اصطلاحا:
كفاية امتثال الأمر الاضطراري أو
الظاهري عن امتثال الأمر الواقعي بعد
رفع الاضطرار أو انكشاف الخلاف، كما
إذا تيمم امتثالا للأمر الاضطراري بدلا
عن الوضوء - المأمور به بالأمر الواقعي -
ثم ارتفع العذر والاضطرار، أو عمل طبقا
لخبر الثقة ثم انكشف خلافه، أو انكشف
عدم كونه ثقة.
مسألة الإجزاء مسألة أصولية عقلية:
أما كونها مسألة أصولية فلأنها تقع
كبرى للمسألة الفقهية، فإذا كانت النتيجة
هي الإجزاء فسوف يقول المجتهد:
إن الأمر بالتيمم أمر اضطراري
(وهذه صغرى) وإن امتثال الأمر
الاضطراري يجزي عن امتثال الأمر
الواقعي - وهو الأمر بالوضوء - (وهذه
كبرى).
إذن فالنتيجة هي: أن امتثال الأمر
بالتيمم يجزي عن امتثال الأمر الواقعي
أي الأمر بالوضوء.
وأما كونها عقلية، فلأننا نبحث عن
أن العقل هل يرى ملازمة بين إتيان
المأمور به بالأمر الاضطراري وامتثاله،
وبين الإجزاء عن الأمر الاختياري، أو
بين إتيان المأمور به بالأمر الظاهري
والإجزاء عن الأمر الواقعي، أو لا؟
ولما كان الحاكم في المسألة هو العقل
فتكون المسألة عقلية، ومن قسم غير
المستقلات العقلية التي يكون ملاكها
انضمام مقدمة عقلية إلى أخرى غير
عقلية (1) (فقهية مثلا) كما تقدم مثاله
آنفا.
إذن ليست المسألة من مباحث
الألفاظ كما توهم، وإن جرى درجها
فيها.
مراحل البحث:
للبحث مراحل ثلاث: وهي:
1 - إن إتيان المأمور به بكل أمر
يقتضي الإجزاء عن أمره عقلا سواء كان
ذلك الأمر واقعيا، أو اضطراريا، أو
ظاهريا.

(1) المحاضرات 2: 220 وأصول الفقه 1:
223.
485

2 - إن الإتيان بالمأمور به بالأمر
الاضطراري هل يوجب الإجزاء عن
الأمر الواقعي الاختياري أو لا؟
3 - إن الإتيان بالمأمور به بالأمر
الظاهري هل يوجب الإجزاء عن الواقعي
إعادة وقضاء، أو قضاء فحسب أو لا؟
المرحلة الأولى: البحث حول إجزاء إتيان
كل مأمور به عن أمره.
لا إشكال في أن المكلف لو أتى بما
هو مأمور به - سواء كان مأمورا بالأمر
الواقعي الاختياري، أو الاضطراري، أو
الظاهري - يسقط ذلك الأمر قطعا، فمن
كان مأمورا بالوضوء وأتى به، أو كان
مأمورا بالتيمم فأتى به، سقط الأمر
الاختياري الواقعي في الأول، والاضطراري
في الثاني، وهذا أمر عقلي، وعليه فلا يجب
إتيانه ثانيا، لأنه امتثال بعد امتثال وهو
محال لاستلزامه المعلول بلا علة، إذ
الامتثال معلول للأمر، وبعد الامتثال
الأول لا يبقى أمر كي يصدق الامتثال.
نعم، هناك موردان قد يتوهم كونهما
من الامتثال بعد الامتثال وهما:
1 - إعادة صلاة من صلى فرادى
جماعة وقد وردت في بعض الروايات.
2 - إعادة من صلى صلاة الآيات
ثانيا مع بقاء الآية، كما وردت في ذلك
بعض الروايات أيضا.
قد ذكرت بعض التوجيهات في ذلك
أبرزها حمل الأمر بالإعادة في الموردين
على الاستحباب (1).
هذا كله مما لا إشكال فيه، وإنما
الإشكال فيما إذا اختلف الأمران، كما إذا
كان أحدهما واقعيا اختياريا والآخر
اضطراريا، أو واقعيا والآخر ظاهريا، كما
سيتضح عن قريب.
المرحلة الثانية: البحث حول إجزاء إتيان
المأمور به بالأمر الاضطراري عن
الاختياري الواقعي:
لا يخفى أن الأمر الواقعي الاختياري
يرتفع بمجرد ارتفاع الاختيار والقدرة،
فالأمر بالوضوء يرتفع بمجرد طروء
الاضطرار - مهما كان سببه، عدم الماء، أو
عدم التمكن من استعماله - ولكن الشريعة
حرصا على حفظ مصالح بعض العبادات

(1) راجع في كل ذلك، المحاضرات 2: 225.
486

جعلت بديلا عن ذلك وهو التيمم، فيكون
التيمم مأمورا به بالأمر الاضطراري.
ثم إن هذا الأمر الاضطراري يمكن
تصويره وفرضه في عالم الثبوت والفرض
على أنحاء أربعة كما قال صاحب الكفاية.
الأول - أن يكون الأمر الاضطراري
مشتملا على تمام مصلحة الأمر
الاختياري، ولا إشكال في الإجزاء في هذا
الفرض لدرك جميع المصلحة المطلوب
تحققها (1).
نعم، تبقى مسألة جواز البدار
وعدمه، فالذي يظهر من صاحب الكفاية
والمحقق العراقي هو: أن ذلك يتبع الدليل
الفقهي للمسألة، فإن كان موضوع الأمر
الاضطراري هو مطلق الاضطرار - أي
وإن طرأ الاختيار بعده بقليل - فيجوز
البدار، وأما إذا كان مقيدا بما إذا لم يطرأ
الاختيار حتى آخر الوقت، أي كان مقيدا
بصورة بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فلا
يجوز البدار، لعدم تحقق الموضوع حينئذ
للفعل الاضطراري (1).
ولكن صرح في المحاضرات بجواز
البدار حقيقة وواقعا، لعدم الفرق حينئذ
بين الفرد الاضطراري والاختياري في
الوفاء بالملاك والغرض (2).
وأما النائيني فيظهر منه أن جواز
البدار مقيد باليأس عن ارتفاع
الاضطرار (3).
ويرى السيد الصدر: أن الدليل لو كان
مشروطا بعدم البدار لم يجز البدار وصفا
وإلا جاز في الفروض الثلاثة الأولى (4).
الثاني - أن يكون مشتملا على بعض
المصلحة مع عدم إمكان استيفاء وتدارك
المصلحة الباقية.
ولا إشكال في الإجزاء - هنا -
أيضا (5).
وأما بالنسبة إلى البدار فالمختار
عندهم هو عدم الجواز (6)، لأنه مستلزم

(1) الكفاية: 84، نهاية الأفكار 1: 227،
المحاضرات 2: 232، وبحوث في علم الأصول
2: 137.
(1) الكفاية: 84 ونهاية الأفكار 1: 227.
(2) المحاضرات 2: 232.
(3) فوائد الأصول 1: 246.
(4) بحوث في علم الأصول 2: 138.
(5) المصادر السابقة.
(6) المصادر السابقة.
487

لتفويت بعض المصلحة الواقعية، والمفروض
عدم إمكان تداركها.
نعم، قيد ذلك في الكفاية بما إذا
لم تكن هناك مصلحة مرجحة للبدار وإلا
جاز (1)، وقيده في نهاية الأفكار بما إذا علم
بارتفاع الاضطرار في الوقت، وأما إذا علم
ببقائه، بل وحتى إذا احتمل ذلك فيجوز له
البدار (2).
الثالث - الصورة السابقة مع إمكان
تدارك المصلحة الفائتة ولكنها لم تكن
بحيث يلزم استيفاؤها.
ولا إشكال في الإجزاء في هذه
الصورة أيضا، لعدم وجوب تدارك
المصلحة الفائتة.
وأما البدار فيظهر من كلماتهم أنه
جائز، وقد صرح بذلك صاحب
الكفاية (3).
ولكن المحقق العراقي بنى ذلك على
إطلاق الاضطرار وعدمه كما في النحو
السابق (4).
نعم، يستحب لمن بادر إلى العمل
الاضطراري أن يعيده بعد ارتفاع
الاضطرار لتدارك المصلحة الفائتة غير
الملزمة (1).
الرابع - النحو السابق مع فرض كون
المصلحة لازمة الاستيفاء.
وقد وقع البحث والكلام في هذا
الفرض، فالذي ذهب إليه صاحب الكفاية
والمحقق العراقي والسيد الصدر هو: أنه
يجوز له البدار غاية الأمر يجب عليه إتيان
العمل الاختياري بعد رفع الاضطرار وعلى
هذا يكون مخيرا بين الانتظار حتى يرتفع
الاضطرار، ويأتي بالعمل الاختياري - في
الوقت - وبين إتيان العمل الاضطراري
وإتيان الاختياري بعد رفع الاضطرار (2).
هذا، ولكن نوقش ذلك في
المحاضرات بأنه غير معقول، لأنه من
باب التخيير بين الأقل والأكثر
الاستقلاليين وهو غير معقول - على مبناه -
وبعبارة أخرى:
" بعد فرض أن الشارع لم يرفع اليد

(1) الكفاية: 84.
(2) نهاية الأفكار 1: 227.
(3) الكفاية: 85.
(4) نهاية الأفكار 1: 228.
(1) المصادر السابقة.
(2) الكفاية: 85، ونهاية الأفكار 1: 228،
وبحوث في علم الأصول 2: 138.
488

عن الواقع وأوجب على المكلف الإتيان به
على كل من تقديري الإتيان بالعمل
الاضطراري الناقص في أول الوقت وعدم
الإتيان به فعندئذ لا معنى لإيجابه الفرد
الناقص " (1).
كان ذلك كله في عالم الفرض
والثبوت.
أما عالم الإثبات:
فتارة يكون ارتفاع العذر في أثناء
الوقت وتارة في خارجه، ولكل منهما بحثه
الخاص:
أولا - ارتفاع العذر في أثناء الوقت:
ولذلك عدة فروض، وهي:
1 - أن يكون دليل الأمر
الاضطراري الواقعي قد أخذ في موضوعه
استمرار العذر إلى آخر الوقت. وهذا
الفرض خارج عن مورد البحث، لأنه بعد
ارتفاع الاضطرار ينكشف عدم استمرار
الاضطرار إلى آخر الوقت، فلا شك في
عدم الإجزاء عندئذ.
نعم، لو كان الدليل الدال على الأمر
الاضطراري ظاهريا وقد أخذ في موضوعه
استمرار العذر ثم انكشف بطلانه في الوقت
فهو داخل في المسألة الآتية (إجزاء الأمر
الظاهري عن الواقعي).
2 - أن لا يؤخذ في موضوعه
استمرار العذر إلى آخر الوقت، ولهذا
الفرض قسمان:
ألف - أن يكون للأمر الاختياري
إطلاق يشمل صورتي إتيان الأمر
الاختياري بعد ارتفاع الاضطرار في
الوقت وعدمه، أي يكون الاختياري
مطلوبا سواء أتي بالاضطراري أو لا،
وعندئذ:
فلو تمكنا من تقييد هذا الإطلاق
فسوف تكون النتيجة هي الإجزاء وإلا
فلا، وهناك محاولات عديدة للتقييد، منها:
1 - دعوى الدلالة الالتزامية العقلية
لدليل الأمر الاضطراري على الإجزاء
بتقريب: أنه قد مضى انحصار المحتملات
الثبوتية للواجب الاضطراري في أربعة
فروض، كلها كانت مقتضية للإجزاء وعدم
الإعادة إلا الفرض الرابع، وقد تقدم أيضا
أن لازمه التخيير العقلي بين الأقل والأكثر
الاستقلاليين وهو غير معقول، فإذا بطل

(1) المحاضرات 2: 333.
489

الفرض الرابع تبقى الفروض الثلاثة، وكلها
مقتضية للإجزاء كما تقدم، وهذا يتم على
مبنى بطلان التخيير بين الأقل والأكثر (1).
2 - إن دليل الأمر الاضطراري
ظاهر في التصدي لبيان تمام ما هو وظيفة
المكلف، فلو لم يكن الفعل الاضطراري
وحده كافيا في هذا المقام وكان لا بد عليه
أن يعيد العمل إذا ارتفع عذره بعد ذلك
لكان ينبغي أن يبينه، وهذا يشكل بحسب
الحقيقة إطلاقا مقاميا في دليل الأمر
الاضطراري يقتضي الإجزاء (2).
3 - إذا استفيد من لسان دليل الأمر
الاضطراري البدلية كان مقتضى إطلاقها
البدلية على الإطلاق وهو يقتضي الإجزاء
لا محالة (3).
وهناك محاولات أخرى لا يسعنا
التعرض لها.
ب - أن لا يكون للأمر الاختياري
إطلاق من هذه الجهة، وهذا قسمان أيضا:
1 - أن يكون للأمر الاختياري
إطلاق من جهة أخرى يقتضي الإجزاء كما
إذا كان منحلا إلى دليل يدل على أصل
الواجب - كالصلاة - بالإطلاق، ودليل آخر
يقيده بقيد زائد في الواجب كالقيام مثلا إلا
أنه كان منفصلا وليس له إطلاق يشمل
حال الاضطرار - كما هو الحال في الأدلة
اللبية - فإنه في هذه الحالة يتمسك بإطلاق
دليل الواجب لإثبات عدم تقيده بالقيد
المتعذر في حق هذا المكلف.
2 - أن لا يكون للأمر الاختياري
أي إطلاق بل كان مجملا لا يقتضي
الإجزاء ولا عدمه، فيصل الدور إلى
الأصل العملي (1).
ولا بد قبل بيان الأصل العملي من
ذكر ما اختاره كل من أعلام الأصول
المتأخرين في هذا القسم من البحث
فنقول:
أما صاحب الكفاية فقد اختار
الإجزاء، بتقريب: أن أدلة الاضطرار
(البدل) لها إطلاق يشمل صورتي رفع
الاضطرار في الوقت وعدمه، وهذا
الإطلاق إطلاق مقامي حاكم على إطلاق

(1) المحاضرات 2: 332 - 333.
(2) حقائق الأصول 1: 199 - 200، بحوث في
علم الأصول 2: 144 - 145.
(3) نفس المصدر.
(1) راجع كل ذلك: بحوث في علم الأصول:
140 - 150.
490

أدلة الحكم الاختياري (المبدل)، وهو
إطلاقه من حيث إتيان المأمور به بالأمر
الاضطراري وعدمه.
وبهذا الطريق يرفع اليد عن إطلاق
دليل المبدل، وهو إحدى الطرق التي سبق
أن أشرنا إليها لتقييد إطلاق دليل الحكم
الاختياري.
وهذا التقريب من حقائق الأصول.
كما وله تقريب آخر، وهو: إطلاق البدلية
الذي يقتضي البدلية على الإطلاق (1).
واختار القول بالإجزاء، المحقق
النائيني أيضا بتقريب: أننا لو قلنا بجواز
البدار وكان ذلك حكما واقعيا فلا معنى
لعدم الإجزاء حينئذ، لأن جواز البدار
- على هذا - يرجع إلى سقوط القيد المتعذر،
وعدم ركنيته للواجب، وعدم قوام المصلحة
به مطلقا.
نعم لو قلنا بعدم جواز البدار أصلا،
فسوف يخرج ذلك عما نحن فيه، إذ يكون
ما أتي به غير مأمور به، وعندئذ لا معنى
للقول بالإجزاء، وكذلك لو قلنا بجواز
البدار ولكن اعتبرناه حكما ظاهريا،
لانكشاف عدم كونه مأمورا به كما سيأتي
في المسألة الآتية (إجزاء الأمر الظاهري
عن الواقعي) (1).
وأما المحقق العراقي فقد يظهر من
كلامه التفصيل بين أوامر التيمم والتقية
وبين غيرها من موارد الاضطرار، ولكن
بحسب القاعدة الثانوية، وأما القاعدة
الأولية فهي تقتضي عدم الإجزاء في جميع
الموارد، لأن الموضوع في أدلة الاضطرار
هو الاضطرار إلى الطبيعة، وعندئذ فلا بد
من تحقق طبيعي الاضطرار وهو لا يتحقق
إلا باستمرار الاضطرار إلى آخر الوقت،
فلو ارتفع بمقدار يمكن إتيان العمل
الاختياري فيه - بشرائطه - فلا يصدق
الاضطرار حتى يبحث عن الإجزاء
وعدمه.
وبناء على ذلك فلو ارتفع العذر
والاضطرار في الوقت فلا بد من الإعادة،
نعم دلت الأدلة الثانوية على عدم وجوب
الإعادة - في صورة ارتفاع الاضطرار - في
خصوص التيمم وموارد التقية (2).
ويرى المحقق الإصفهاني: أنه لو

(1) حقائق الأصول 1: 199 - 200.
(1) فوائد الأصول 1: 245.
(2) نهاية الأفكار 1: 341 - 342.
491

كان في البدل إطلاق، مثل إطلاق قوله
عليه السلام " التراب أحد الطهورين "، فيكون
الإطلاق نافعا، لأنه يكون بلحاظ جميع
الآثار، فيكون التيمم بدلا عن الوضوء في
جميع الآثار، وذلك يستدعي الإجزاء.
وأما إذا كان مثل قوله تعالى: (فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا...) (1) ففيه
تفصيل:
فإن كان له إطلاق من جهتين: من
جهة ارتفاع العذر في الوقت، وعدم تقييد
الأمر بالتخيير، فيكون دليلا على عدم
وجوب الإعادة، ومن جهة اشتمال البدل
على مصلحة لا يبقى معها مجال للتدارك،
فلا يبقى مجال لوجوب القضاء.
وإن لم يكن له إطلاق - ولو من
إحدى الجهتين - فلا مجال للإجزاء من
حيث الإعادة والقضاء، لأن تجويز البدار
لا ينافي الأمر بما هو تكليف المختار في
الوقت على نحو التخيير (2).
وأما ما اختاره السيد الخوئي في
المحاضرات، فحاصله: أن الواجب هو
طبيعي الصلاة مثلا على نحو صرف
الوجود كما هو الحال في التكاليف
الإيجابية، وعليه فطروء الاضطرار على
فرد من الطبيعي لا يوجب ارتفاع الحكم،
وذلك لأن ما طرأ عليه الاضطرار وهو
الفرد لا حكم له على الفرض، وما هو
متعلق الحكم وهو الطبيعي الجامع لم يطرأ
عليه الاضطرار كما هو المفروض، فلا
مقتضي - إذن - لوجوب التيمم أصلا.
وعلى الجملة فما أتى به المكلف في
الخارج من الفعل الاضطراري لا أمر به،
وما كان متعلقا للأمر وهو الجامع لم يأت
به.
نعم يستثنى من ذلك ما ثبت فيه
جواز البدار واقعا وهو:
1 - موارد التقية حيث يجوز البدار
فيها وإن علم المكلف بارتفاع الاضطرار.
2 - لو تيمم آخر وقت الظهرين
فدخل وقت العشاءين فصلى بنفس التيمم،
فلا حاجة إلى الإعادة (1).
وأما الإمام الخميني فإن له مبنى
خاصا في الموضوع وحاصله:
أنه ليس هناك أمران يتعلق

(1) النساء: 43 أو المائدة: 6.
(2) نهاية الدراية 1: 151.
(1) المحاضرات 2: 235 - 236.
492

أحدهما بطبيعة الصلاة - مثلا - بلحاظ الفرد
الاختياري، والآخر بطبيعة أخرى للصلاة
- أيضا - بلحاظ الفرد الاضطراري كي يقع
البحث عن إجزاء الاضطراري عن
الاختياري، بل الموجود أمر واحد بطبيعة
الصلاة وجعل الشارع لها كيفية خاصة في
حال الاختيار وكيفية أخرى حال
الاضطرار، وإنما القيود - مثل وجدان الماء
أو عدمه - من المصاديق.
وعلى هذا يكون إجزاء المأتي به
الاضطراري في غاية الوضوح، إذ المكلف
يكون مخيرا بين البدار وإتيان المصداق
الاضطراري وبين الانتظار إلى آخر الوقت
والإتيان بالفرد الاختياري، وأيهما أتى به
يسقط به الأمر - والمفروض أنه واحد -
الذي تعلق بالصلاة مثلا (1).
وأما السيد الصدر فيرى: أن دليل
الأمر الاضطراري إذا استفيد من لسانه
اللفظي - كما في مثل " التراب أحد
الطهورين " - أو من مجموعة القرائن
المقامية واللفظية المتنوعة " البدلية "،
وتنزيل الوظيفة الاضطرارية منزلة الوظيفة
الاختيارية كان مقتضى إطلاق البدلية
حينئذ البدلية على الإطلاق، أي في كل
الجهات والمراتب وهو يقتضي الإجزاء لا
محالة (1).
مقتضى الأصل العملي:
إذا فرضنا عدم إمكان حل المشكلة
وتشخيص الوظيفة من خلال ما تقدم،
وما قيل في مرحلتي الثبوت والإثبات،
فيأتي دور الأصل العملي ليبين لنا ما هي
الوظيفة العملية. وهناك نظريتان مهمتان
متقابلتان في هذا المورد وهما:
أولا - نظرية الآخوند (صاحب
الكفاية):
وحاصلها: أن الإعادة تكليف زائد
على أصل التكليف بالفعل، وعند الشك في
تحققه تجري أصالة البراءة، لجريانها في كل
موارد الشك في التكليف، قال صاحب
الكفاية:
" وبالجملة فالمتبع هو الإطلاق وإلا
فالأصل، وهو يقتضي البراءة من إيجاب
الإعادة، لأنه شك في أصل التكليف " (2).

(1) تهذيب الأصول 1: 138، 142.
(1) بحوث في علم الأصول 2: 145.
(2) الكفاية 1: 85.
493

ثانيا - نظرية المحقق العراقي:
وحاصلها: أن الشك في إجزاء
العمل الاضطراري عن الاختياري الواقعي
له منشئان:
الأول - الشك في وفاء العمل
الاضطراري بتمام مصلحة العمل الاختياري
وعدمه.
والمرجع في مثله هو حكم العقل
بعدم الإجزاء ووجوب الاحتياط، لأن
مرجع ذلك إلى دوران الأمر بين التعيين
والتخيير، إذ الأمر يدور بين قيام المصلحة
بخصوص الاختياري أو الجامع بينه وبين
الاضطراري، وفي مثله يجب الاحتياط.
الثاني - الشك في تفويت العمل
الاضطراري لمصلحة العمل الاختياري - في
فرض إحراز عدم وفاء الاضطراري ببعض
مراتب الاختياري - فلا ينبغي الشك في
الاحتياط هنا - أيضا - لأن مرجعه إلى
الشك في القدرة على الامتثال وتحصيل
الغرض (المصلحة)، لأن المكلف بإتيانه
العمل الاضطراري يشك في تفويت
المصلحة (المخصوصة بالعمل الاختياري)
وبالنتيجة يشك في أنه قادر على تحصيل
الغرض الفائت بالإعادة مثلا أو لا؟ وهذا
هو المعبر عنه بالشك في القدرة على
الامتثال، وفي مثله يجب الاحتياط (1).
هذا كله بالنسبة إلى ارتفاع العذر
داخل الوقت.
ثانيا - ارتفاع العذر خارج الوقت:
وأما إذا ارتفع العذر خارج الوقت
فهل يلتزم بالإجزاء أو لا؟ هناك
نظريات:
فالذي يستفاد من كلام صاحب
الكفاية هو أنه لا فرق بين الإعادة
والقضاء من جهة ألسنة الأدلة والأصل
العملي (البراءة) المستفاد منهما الإجزاء
الملازم لعدم الإعادة في الوقت والقضاء
خارجه.
وأما المحقق النائيني فقد اختار
الإجزاء وعدم القضاء أيضا، لأن الأمر
بالمركب الفاقد للجزء أو الشرط في حالة
الاضطرار (كالأمر بالصلاة بالطهارة
الترابية مع عدم المائية) يكشف عن عدم
كون الطهارة المائية مقومة للمصلحة
الصلاتية، وإلا لما كان الشارع يأمر
بالصلاة الفاقدة لها، فإذا لم تكن مقوما

(1) نهاية الأفكار 1: 230.
494

فيعني ذلك أن المصلحة الصلاتية قد تحققت
مع إتيان الصلاة بالطهارة الترابية، ولازم
ذلك عدم صدق فوت المصلحة الصلاتية،
وإذا لم يصدق الفوت فلا يجب القضاء، لأن
موضوعه هو الفوت ولم يتحقق (1).
ولكن المحقق العراقي لم يتخلص من
هذه المرحلة لعدم تخلصه من الشك في
صدق الفوت (أي فوت المصلحة الصلاتية
مثلا) بفوت بعض الأجزاء أو الشرائط،
ولذلك التجأ إلى الأصل العملي وهو يقتضي
الاحتياط تارة والبراءة أخرى، لأننا لو
احتملنا قيام المصلحة المتبقية بالفرد
الاختياري الواقع في الوقت فمقتضى الأصل
هو البراءة عن وجوب القضاء في خارج
الوقت، لعدم إحراز بقاء مصلحة ملزمة
حينئذ في خارج الوقت كي يصدق الشك
في القدرة على استيفائها.
وأما مع احراز قيام المصلحة الفائتة
بالجامع بين الفرد الاختياري في الوقت
والفرد الاختياري في خارجه وتمحض
الشك في القدرة على استيفائها فمقتضى
الأصل هو الاحتياط لا غير (2).
وأما السيد الخوئي فقد التجأ في
المحاضرات إلى التمسك بإطلاق أدلة
الاضطرار المقامي، حيث إن الشارع لما
كان في مقام بيان تمام الوظيفة بأدلة
الاضطرار، ومع ذلك فقد سكت عن بيان
وجوب القضاء فيكشف ذلك عن عدم
وجوبه وإلا لكان ينبه عليه.
وأما مع عدم إحراز مثل هذا
الإطلاق فالمرجع هو الأصل العملي، وهو
البراءة عن وجوب القضاء، للشك فيه
وعدم الدليل عليه (1).
وأما الإمام الخميني فاختار - على
مبناه من وحدة الأمر - الإجزاء لتحقق
المصلحة بإتيان متعلق الأمر الاضطراري،
وعندئذ فلا يصدق الفوت ليجب القضاء.
وله تفصيل على مبنى تعدد الأمر
وحاصله: إن قام دليل من إجماع أو غيره
على عدم وجوب أكثر من صلاة واحدة
- مثلما - في الوقت المعين لها فيتعين القول
بالإجزاء، وإلا فإطلاق دليل المبدل - أي
الصلاة مثلما - يقتضي لزوم إتيانه بعد
ارتفاع الاضطرار ولو خارج الوقت (2).

(1) فوائد الأصول 1: 244.
(2) نهاية الأفكار 1: 241.
(1) المحاضرات 2: 240 - 241.
(2) تهذيب الأصول 1: 143 - 144.
495

ويرى السيد الصدر: أن موضوع
القضاء لو كان هو الفوت فلا فوت لمن
جاء بوظيفته الاضطرارية داخل الوقت،
ولو كان الموضوع فوت الفريضة الشأنية
الأولية أي لولا المانع فلا إشكال في
وجوب القضاء، وأما لو كان خسارة
الملاك الموجود في الفعل - الصلاة مثلا -
فيكون المقام شبهة مصداقية للدليل على
القضاء، ولا يجوز التمسك بالعام لإثبات
شموله لشبهته المصداقية، نعم يمكن إحراز
عدم حصول الملاك بلحاظ كونه مفهوما
عدميا بواسطة الاستصحاب.
وأما كشف أن دليل القضاء على أي
الأنحاء الثلاثة فهو في ذمة الفقه.
ومن جهة أخرى يمكن التمسك
بإطلاق دليل البدلية - وشموله لجميع
المراتب - لتقييد إطلاق دليل القضاء إن تم،
فيختص القضاء بغير ما ثبتت فيه البدلية
وأتى المكلف فيه بالبدل (1).
المرحلة الثالثة: البحث حول إجزاء
الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن
الواقعي وعدمه.
ومورد البحث في هذه المسألة هو:
ما لو ثبت حكم بأمر ظاهري - كالأمارات
والأصول - ثم انكشف الخلاف بالعلم
كالخبر المتواتر أو بغيره كالأمارات
والأصول... مثل ما إذا قام خبر الواحد
على عدم وجوب السورة في الصلاة فأفتى
المفتي على طبقه، وعمل هو ومقلدوه طبقا
له ثم عثر على خبر متواتر قطعي يدل
على وجوب السورة في الصلاة.
وقد اختلفت الأقوال في المسألة
حتى عد في المحاضرات ستة منها، وهي (1):
1 - الإجزاء مطلقا.
2 - عدم الإجزاء مطلقا.
3 - التفصيل بين ما إذا انكشف
الخلاف بعلم وجداني، وما إذا انكشف بعلم
تعبدي، فيجزي على الثاني دون الأول.
4 - التفصيل بين القول بالسببية
والقول بالطريقية، فعلى الأول لا مناص
من الإجزاء دون الثاني.
5 - التفصيل بين أقسام السببية
بالالتزام بالإجزاء في بعضها وبعدمه في
496

بعضها الآخر.
6 - التفصيل بين الأمارات والأصول
بالإجزاء في الأصول وبعدمه في الأمارات.
كانت هذه خلاصة الأقوال، وأما ما
اختاره أعلام الأصول المتأخرين فكما
يلي:
أولا - صاحب الكفاية:
فصل بين ما كان من قبيل قاعدتي
الطهارة والحل واستصحابهما، وبين غير
ذلك، فالتزم بالإجزاء في القسم الأول
دون الثاني، ووجهه هو:
أن قاعدة الطهارة - ومثلها قاعدة
الحل - تكون حاكمة على أدلة اشتراط
الطهارة في الصلاة - مثلا - بحيث تجعل ما
هو الشرط فيها هو الأعم من الطهارة
الواقعية والظاهرية، ولذلك فإذا أتى
المكلف بالصلاة مع الطهارة الظاهرية
يكون قد أتى بما هو التكليف واقعا ولا
يبقى مجال للسؤال عن الإجزاء وعدمه،
بل يحصل الإجزاء قطعا، لأن المكلف قد
أتى بالصلاة مع ما هو شرط فيها واقعا
وهو الطهارة سواء كانت واقعية أو
ظاهرية.
ولكن غير ذلك من الأمارات لما
كان لسانها الكشف عما هو شرط واقعا
ولكن تبين خطأها في الكشف فلا بد من
الإعادة والقضاء، وبعبارة أخرى: إن مثل
خبر الثقة لما يدل على عدم وجوب
السورة في الصلاة فهو إنما يدل على أنها
لم تكن شرطا فيها واقعا ومع انكشاف
الخلاف يتبين شرطيتها واقعا، فلذلك
ينبغي إعادة الصلاة لإحراز المصلحة
الواقعية التي لا تتحقق إلا بالصلاة مع
السورة.
ثانيا - المحقق النائيني:
ويظهر منه عدم الإجزاء مطلقا،
وقد استشكل فيما أفاده أستاذه صاحب
الكفاية من القول بالإجزاء في قاعدتي
الحل والطهارة بأمور أربعة، ثم تطرق إلى
تبدل اجتهاد المجتهد وبيان وظيفته
ووظيفة مقلديه، وأنه يجب الإعادة
والقضاء عند تبدل رأيه، ثم رد أدلة
القائلين بعدم وجوب ذلك للعسر والحرج
ونحو ذلك، ثم قال في نهاية المطاف:
" إن مقتضى القاعدة عدم الإجزاء
مطلقا في جميع موارد تبدل الاجتهاد،
وكذا الحال بالنسبة إلى المقلد إذا عدل من
تقليده لموجب من الموت، أو خروج المقلد
497

من أهلية التقليد أو غير ذلك من
موجبات العدول، فإن حال المقلد حال
المجتهد، غايته إن طريق المجتهد هو
الأدلة الاجتهادية والأصول العملية التي
يجريها في الشبهات الحكمية، وطريق المقلد
هو رأي المجتهد، وليس لرأي المجتهد
دخل وموضوعية حتى يتوهم الإجزاء،
بل إنما يكون طريقا صرفا كطريقية الأدلة
بالنسبة إلى المجتهد، كما لا يخفى " (1).
ثالثا - المحقق العراقي:
وله بحث مستوعب في هذا المجال
قال في نهايته:
" وحينئذ فصار متحصل الكلام في
الأمارات هو عدم الإجزاء ووجوب
الإعادة والقضاء على الطريقية مطلقا،
وعلى الموضوعية أيضا كذلك إلا في صورة
واحدة وهي صورة كون مفاد دليل
الأمارة بلسان تنزيل المؤدى مع اقتضائه
أيضا لتوسعة الأثر الذي هو موضوع
التكليف الواقعي حقيقة لا عناية وتعبدا.
هذا كله على الطريقية والموضوعية
بمعناها الممكن منه، وأما على الموضوعية
بمعناها المستحيل - كما يدعيه القائل
بالتصويب - فالإجزاء فيها واضح نظرا إلى
عدم تصور كشف الخلاف حينئذ " (1).
هذا بالنسبة إلى الأمارات، وأما
الأصول العملية فله فيها بحث طويل،
والذي اختاره في نهاية المطاف هو القول
بعدم الإجزاء سواء كان استصحابا أو
براءة أو قاعدة الطهارة أو الحل (2).
رابعا - المحقق الإصفهاني:
ويظهر منه التفصيل بين قاعدتي
الحل والطهارة واستصحابهما وبين غير
ذلك، فالتزم في الأولين بالإجزاء دون
غيرهما، لأن لسان قاعدتي الحل والطهارة
واستصحابهما هو التوسعة في شرطية
الطهارة، وأن الشرط هو الأعم من
الطهارة أو الحل الواقعيين أو الثابتين
بالقاعدة واستصحابهما (3).
خامسا - السيد الخوئي:
فصل - كغيره - بين مبنى الطريقية
والسببية، فاختار عدم الإجزاء مطلقا على
الطريقية إلا ما قام الدليل عليه بالخصوص

(1) فوائد الأصول 1: 259.
(1) نهاية الأفكار 1: 246.
(2) نهاية الأفكار 1: 246 - 254.
(3) نهاية الدراية 1: 152 - 153.
498

على الإجزاء - كما في الصلاة - والإجزاء
على السببية بجميع أنواعها إلا ما قام
الدليل عليه بالخصوص على عدم
الإجزاء (1). قال في ضمن استنتاجاته:
" إن مقتضى القاعدة عدم الاجزاء
في جميع موارد كشف الخلاف وعدم
مطابقة العمل المأتي به للواقع سواء أكانت
من موارد التبدل في الرأي، أو من موارد
الرجوع إلى مجتهد آخر، بلا فرق في ذلك
بين العبادات والمعاملات، والأحكام
التكليفية، والأحكام الوضعية، وموارد
الأصول والأمارات، وموارد كشف
الخلاف بالعلم الوجداني، وكشف الخلاف
بالعلم التعبدي إلا فيما قام دليل خاص
على الإجزاء كما في خصوص الصلاة
حيث دل حديث (لا تعاد) على عدم
وجوب الإعادة في غير الخمسة المذكورة
فيها " (2).
وقال - أيضا - بعد البحث عن أنواع
السببية: " إن الأمارات على القول
بالسببية بتمام أشكالها تفيد الإجزاء، وعدم
الإجزاء يحتاج إلى دليل " (1).
سادسا - الإمام الخميني:
اختار عدم الإجزاء في الأمارات
بناء على الطريقية - كما هو الحق - لأن بناء
العقلاء على اعتبار الأمارات لأجل كشفها
عن الواقع مع حفظ نفس الأمر على ما
هو عليه، فكيف يحكم بالإجزاء مع
انكشاف الخلاف؟
وأما الأصول فقد اختار فيها
الإجزاء سواء كانت محرزة أو لا؟
أما أصالتي الطهارة والحلية
والاستصحاب فلحكومة أدلتها على أدلة
الشرائط.
وأما البراءة الشرعية، فلأن حديث
الرفع وإن لم يرفع الحكم واقعا بل يرفعه
ظاهرا امتنانا، ولكن لما كان المكلف ذا
حجة في اختيار الفرد من الصلاة الفاقد
للشرط فلا معنى للإعادة حينئذ (2).
سابعا - السيد الصدر:
وهو يرى أن الإجزاء ملازم للقول
بالسببية في حجية الأمارات سواء كانت
سببية أشعرية أو معتزلية، أما بناء

(1) المحاضرات 2: 260.
(2) المحاضرات 2: 266.
(1) نفس المصدر: 276.
(2) تهذيب الأصول 1: 146 - 152.
499

على الطريقية أو السببية بمعنى المصلحة
السلوكية أو وجود مصلحة في جعل الحكم
الظاهري، أو افتراض مصلحة في مؤدى
الأمارة فكل ذلك لا يقتضي الإجزاء.
هذا إذا انكشف الخلاف باليقين.
أما إذا انكشف الخلاف بالتعبد،
فتارة يكون هذا الانكشاف بأمارة مثبتة
لجميع اللوازم، وأخرى يكون بأصل
عملي.
فإذا كان انكشاف الخلاف
بالأمارة، كما إذا أفتى بوجوب الجمعة
بالاستصحاب ثم عثر على رواية معتبرة
تدل على وجوب الظهر تعيينا، فالصحيح
عدم الإجزاء ولزوم الإعادة والقضاء لأن
ذلك مدلول التزامي للأمارة نفسها.
وإذا انكشف الخلاف بالأصل فهناك
صور عديدة منها:
1 - أن ينكشف الخلاف
بالاستصحاب فالقاعدة تقتضي عدم
الإجزاء سواء كانت الشبهة موضوعية أو
حكمية.
2 - أن ينكشف الخلاف بأصالة
الاشتغال فالقاعدة تقتضي عدم الإجزاء
أيضا.
والحاصل: أنه متى ما كان لدليل
الأمر الواقعي إطلاق فمقتضى القاعدة عدم
إجزاء الحكم الظاهري ولزوم الإعادة ما
لم يرد مخصص لمقتضى القاعدة - أي إطلاق
دليل الحكم الواقعي - كما ورد في الصلاة
حديث " لا تعاد " (1).
إجماع
لغة:
بمعنى الاتفاق، من قولهم: " أجمعوا
على الأمر " أي اتفقوا عليه (2).
اصطلاحا:
بمعنى اتفاق خاص، وهو: إما اتفاق
الفقهاء من المسلمين على الحكم الشرعي،
أو اتفاق أهل الحل والعقد من المسلمين
على الحكم، أو اتفاق أمة محمد صلى الله عليه
وآله وسلم على الحكم، على اختلاف
التعريفات عندهم.

(1) بحوث في علم الأصول 2: 162 - 171.
(2) المصباح المنير: " جمع ".
500

ومهما اختلفت هذه التعبيرات فإنها
- على ما يظهر - ترمي إلى معنى جامع
بينها، وهو: اتفاق جماعة لاتفاقهم شأن في
إثبات الحكم الشرعي (1).
تأريخ حدوثه:
إنما أثيرت مسألة الإجماع بعد
خلافة أبي بكر حيث كان اللازم أن يدل
دليل على مشروعيتها بعد أن لم يكن هناك
ما يدل عليها لا من الكتاب ولا من
السنة النبوية، فكان التوجيه المناسب لها
هو: أن المسلمين من أهل المدينة أو أهل
الحل والعقد منهم اتفقوا على خلافته،
وهذا الاتفاق دليل على مشروعيتها (2).
ثم استكشف الأصوليون من العامة
من هذا التوجيه أمرا وهو:
أنه بما أن الإمامة من الفروع
- عندهم - لا من الأصول، وقد ثبتت
باتفاق أهل الحل والعقد منهم، وإن هذا
الاتفاق إنما تم في مورد لم يكن فيه نص
على مشروعيته لا من الكتاب ولا من
السنة، إذن يكون الإجماع (أي اتفاق
أهل الحل والعقد أو اتفاق أهل المدينة
أو...) حجة في الفروع أيضا فيما إذا
لم يكن عليه دليل من الكتاب أو
السنة (1).
أما الإماميون فقد جعلوه أيضا أحد
الأدلة على الحكم الشرعي، ولكن من
ناحية شكلية فقط مجاراة للنهج الدراسي
في أصول الفقه عند العامة (2)، أو لأجل
التحفظ على ما جرت سيرة أهل الفن من
إرجاع كل دليل إلى أحد الأدلة المعروفة
بين الفريقين كالكتاب والسنة والإجماع
والعقل (3) كما سيتضح ذلك عن قريب.
ملاك حجيته:
اختلف الأصوليون في ملاك حجية
الإجماع هل هو حجة بما هو إجماع
واتفاق، أو بما هو كاشف عن مستند
شرعي للحكم؟
فالذي يظهر من بعض العامة أنه
حجة بما هو اتفاق، قال الخضري: "...

(1) أصول الفقه 2: 87.
(2) وللإمامية حجتهم في عدم قبول ذلك
والمناقشة فيه من ناحية الصغروية والكبروية.
(1) أصول الفقه للمظفر 2: 89.
(2) أصول الفقه للمظفر 2: 87.
(3) فرائد الأصول: 81.
501

وحكى الآمدي وغيره عن بعض
الأصوليين أنه لا يشترط المستند، بل
يجوز صدوره عن توفيق بأن يوفقهم الله
تعالى لاختيار الصواب " (1).
ويظهر من بعض آخر منهم أنه لا
يكون حجة إلا بما هو كاشف عن مستند
شرعي للحكم. قال الخضري: " لا ينعقد
الإجماع إلا عن مستند، لأن الفتوى بدون
المستند خطأ لكونه قولا في الدين بغير
علم، والأمة معصومة عن الخطأ... " (2).
وأما الشيعة الإمامية فإنهم
يشترطون المستند أيضا، ولكن هناك فرق
بين المستند الذي يشترطه العامة والمستند
الذي يشترطه الشيعة، إذ العامة يجوزون
أن يكون مستند الإجماع كل شئ يكون
دليلا على حكم شرعي عندهم حتى مثل
القياس، قال الخضري: " ثم إن هذا السند
إما أن يكون دليلا قطعيا، - وأغلب ما
علمناه من المسائل التي لم يعلم فيها
خلاف، أدلتها التي استند الإجماع إليها
قطعية - وإما أن يكون دليلا ظنيا وهو
خبر الواحد أو القياس " (1).
وأما الإمامية فإنهم يشترطون أن
يكون المستند رأي المعصوم عليه السلام فلو
حصل اتفاق على حكم شرعي، وكان
ذلك كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام في
ذلك لكان حجة، والحجية تكون عندئذ
للمنكشف لا الكاشف.
وعلى هذا فيكون الإجماع - عند
الشيعة - كاشفا عن السنة فقط.
وليس المقصود من السنة - هنا -
وجود رواية مروية بالتواتر أو الآحاد،
لأننا لو كشفنا أن اتفاق الفقهاء مستند إلى
رواية معينة سواء كانت منقولة بالتواتر أو
بالآحاد لم يكن قيمة لذلك الإجماع بما هو
إجماع عندئذ، بل لا بد من ملاحظة المستند
(وهو الرواية)، فإن قبلناه فهو وإلا فلا،
ويعبر عن مثل هذا الإجماع ب‍ " الإجماع
المدركي ".
بل المقصود هو كشف الإجماع عن
رضى المعصوم عليه السلام برأي المجمعين،
وأنه يرى هذا الرأي أيضا.

(1) أصول الفقه للخضري: 281 - 282.
(2) نفس المصدر.
(1) أصول الفقه للخضري: 282.
502

الدليل على حجية الإجماع:
ونحن حينما نستدل على الإجماع
فتارة نستدل عليه ونحن ننظر إليه بمنظار
العامة، وتارة بمنظار الخاصة.
أولا - الاستدلال على تفسير
الجمهور:
استدل جمهور العامة على حجية
الإجماع بالكتاب والسنة والعقل.
ألف - الكتاب:
استدلوا له بعدة آيات أهمها قوله
تعالى:
(ومن يشاقق الرسول من بعد ما
تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت
مصيرا) (1).
ووجه الاستدلال هو الجمع بين
مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين
في التحريم، فيلزم أن يكون اتباع غير
سبيل المؤمنين حراما، أي إذا اتخذ
المؤمنون طريقا واتفقوا عليه يحرم اتخاذ
طريق آخر يخالفه.
ونوقش هذا الاستدلال بأن تعدد
الشرط مع وحدة الجزاء ظاهر في
اشتراكهما في علة التحريم، فيكون لازمه
أن اتباع غير سبيل المؤمنين من دون
مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون
حراما.
ولعل المراد من الآية: أن من يتبع
غير سبيل المؤمنين من سبل الكفر - الذي
يلازم مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
دائما - يوليه الله يوم القيامة ما تولى، أي
يربط مصيره بمصير من تولاه. فيكون
مفاد الآية مفاد قوله تعالى: (يوم ندعوا
كل أناس بإمامهم) (1).
فالآية - إذن - أجنبية عن جعل
الحجية للإجماع (2).
وهناك آيات أخر استدلوا بها
أيضا، مثل قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم
أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (3)،
وقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت
للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن

(1) النساء: 115.
(1) الإسراء: 71.
(2) راجع الاستدلال والمناقشة الأصول العامة
للفقه المقارن: 257 - 259.
(3) البقرة: 143.
503

المنكر...) (1)، ولكن الاستدلال بها غير
تام.
ب - السنة:
ذكروا عدة روايات للاستدلال بها
ولكن الغالب منها أجنبي عن الموضوع
ويبقى منها ما كان مفاده أن الأمة لا تجتمع
على ضلالة، وقد وجدت بصيغتين:
1 - ما روي عن أنس قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن
أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم
اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم " (2).
2 - وما نقله شريح عن أبي مالك
الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: " إن الله أجاركم من ثلاث
خصال: أن لا يدعو عليكم نبيكم
فتهلكوا... وأن لا تجتمعوا على
ضلالة " (3).
ووجه الاستدلال بهما هو: أن الأمة
- طبقا لهاتين الروايتين - مصونة عن
الضلالة فإذا اتفقت على شئ فيعني أنه
الحق.
ولكن نوقشت الروايتان:
1 - بضعف السند، لوجود " أبي
خلف الأعمى " في طريق الأولى، وقد
شهدوا بضعفه، ووجود " قضمضم " في
الثانية، واختلفوا في وثاقته، مضافا إلى
التشكيك في إدراك شريح أبا مالك
الأشعري (1).
2 - ومن جهة الدلالة، لأن الموجود
في الروايتين هو كلمة الضلالة، وهي أخص
من الخطأ، فإنها تستبطن الإثم والانحراف
دون الخطأ، فإن خطأ المجمعين في مسألة
فرعية لا يعني ضلالتهم بالمعنى المفهوم من
الحديث (2).
وعلى فرض التسليم فإنهما تدلان
على أن الأمة معصومة، لأن عدم اجتماع
جميعها على الخطأ يلازم عصمتها، وأين
هذا من عصمة أهل الحل والعقد، أو
الفقهاء خاصة، أو فقهاء المدينة مثلا مما

(1) آل عمران: 110.
(2) سنن ابن ماجة 2: 1303. وجاء فيه: قال
في الزوائد: في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه
" حازم بن عطاء " وهو ضعيف، وقد جاء
الحديث بطرق في كلها نظر.
(3) سنن أبي داود 4: 98.
(1) بحوث في علم الأصول 4: 307 - 308.
(2) نفس المصدر: 308.
504

عرفوا به الإجماع؟! (1)
نعم إن مفادها يلائم مبنى الشيعة
القائلين بوجود المعصوم بين الأمة، فلعل
عصمة الأمة من قبل وجود المعصوم فيها.
ج - العقل:
ولهم فيه تقريبان:
الأول - ما قيل من " أن الجم الغفير
من أهل الفضل والذكاء مع استفراغ الوسع
في الاجتهاد وإمعان النظر في طلب الحكم،
يمتنع في العادة اتفاقهم على الخطأ " (2).
وقد استشكل على هذا الدليل
بالنقض بإجماع اليهود والنصارى وسائر
أهل الملل على ضلالتهم مع كثرتهم... (3)
وكم اتفق الفلاسفة على أمر برهاني ثم
انكشف خطأه بعد ذلك؟!
الثاني - ما ذكر من أن الإجماع
يكشف عن دليل معتبر عند المجمعين
بحيث لو وصل إلينا لكان معتبرا عندنا.
ونوقش ذلك بأن الدليل المعتبر إما
أن يكون كتابا أو سنة أو عقلا، أما الأول
فغير معقول لانحصار آياته ومعلوميتها،
وأما الثاني فإن كان متواترا فلا يمكن أن
لا نعرفه، وإن كان آحادا فلا يكون حجة
لنا، فكم فهم جماعة من الفقهاء من رواية
معنى ثم فهم المتأخرون خلافه، وأما
الثالث فلا يمكن أيضا، لانحصار الأدلة
العقلية، وهي لا تتوفر إلا إذا تطابق عليها
العقلاء والمفروض أننا منهم... (1)
إلا أن التوجيه الأول قابل للتعديل
على حساب الاحتمالات كما سيجئ.
ثانيا - الاستدلال على حجية
الإجماع على التفسير الإمامي:
قلنا: إن حجية الإجماع على تفسير
الإمامية هو من جهة كشفه عن السنة (أي
رأي المعصوم) فتكون حجيته نابعة من
حجية رأيه عليه السلام، وهذا مما لا خلاف
فيه - ظاهرا - بين الإمامية من الناحية
الكبروية، نعم اختلفوا من الناحية
الصغروية أي من ناحية تحقق هذا الكشف
أولا، ومن ناحية كيفيته، وقد ذكروا
طرقا للكشف نذكر أهمها فيما يلي:

(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 264.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن - نقلا عن
رسالة الطوفي -: 264.
(3) نفس المصدر.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 265 - 266.
505

ألف - اللطف: والإجماع الحاصل
بهذه الكيفية يسمى " إجماعا لطفيا " والرائد
لهذه الطريقة هو شيخ الطائفة الطوسي،
وحاصلها:
أن هناك ملازمة عقلية بين الإجماع
وقول المعصوم عليه السلام وتقريبه هو:
أن لطفه تعالى بعباده - وهو أرحم
الراحمين وأرأف بالإنسان من الأم
بولدها - يقتضي أن يأخذ بيد الإنسان
ويهيئ له سبل الهداية التي منها إعطاء
العقل وإرسال الأنبياء ونصب الأوصياء
وعصمتهم من الخطأ وإلا لما حصلت
الهداية، ومنها: أنه لو اتفقت الأمة أو
الفقهاء على خطأ أوجد ما يزيل هذا
الاتفاق، ويهديهم إلى الصواب، ولو بإلقاء
الخلاف من قبل الإمام عليه السلام، ولذلك
فلو رأينا هناك اتفاقا فبحكم هذه القاعدة
نستكشف أن ما اتفقوا عليه ليس خطأ
بل هو صواب وإلا لوقع الاختلاف
بينهم.
قلنا: إن الرائد لهذه الطريقة هو
شيخ الطائفة الطوسي، هذا وذكر الشيخ
الأعظم الأنصاري أن هذه الطريقة يمكن
نسبتها إلى كل من اشترط - في تحقق
الإجماع - عدم وجود مخالف من فقهاء
العصر، قال: " ثم إن الاستناد إلى هذا
الوجه ظاهر من كل من اشترط في تحقق
الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر
كفخر الدين والشهيد والمحقق الثاني "، ثم
استظهر من الشهيد الأول والمحقق الداماد
ذلك أيضا (1).
ولكن نوقشت هذه الطريقة:
أولا - بعدم وجوب اللطف عليه
تعالى بحيث يكون تركه قبيحا في حقه
تعالى عنه، بل كل ما يصدر عنه هو تفضل
ورحمة.
ثانيا - وعلى فرض تسليم الوجوب
فإنما هو على النحو المتعارف، وقد حصل
بإرسال الرسل ونصب الأوصياء، وأما
عدم وصول بعض الأحكام إلى المكلفين
فإنما هو من قبل المكلفين أنفسهم الذين
أوجدوا موانع ظهور الإمام عليه السلام بينهم.
ثالثا - إن كان المراد إلقاء الخلاف مع
معرفة أن الملقي هو الإمام عليه السلام فهو
مقطوع الانتفاء، وإن كان المراد إلقاؤه مع
عدم معرفة كونه إماما فلا فائدة فيه (2).

(1) فرائد الأصول: 85.
(2) مصباح الأصول 2: 138.
506

ثانيا - طريق الحدس: وهذا الطريق
هو الطريق المتداول عند المتأخرين في
دعواهم الإجماع وحاصله:
أن الإنسان ليحصل له القطع برأي
المعصوم عليه السلام حينما يرى اتفاق فقهاء
الإمامية منذ العصور المتقدمة وحتى الآن
حول موضوع ما، إذ لو كان غير ذلك
لبان الاختلاف.
وهناك توجيهات ثلاثة لبيان هذه
الملازمة:
التوجيه الأول: أن اتفاق جميع
الفقهاء يستلزم القطع بقول الإمام عليه السلام
عادة، لأنه يلزم الظن من قول فقيه
واحد ويتقوى هذا الظن كلما انضم إليه
فقيه آخر وهكذا حتى يحصل القطع كما هو
الحال في التواتر.
ونوقش: بأن هناك فرقا بين
الإخبار عن الحس والإخبار عن الحدس،
فإن الأول يتقوى بانضمام بعض الأخبار
إلى بعض حتى يحصل القطع كما في الخبر
المتواتر، وهذا بخلاف الإخبار عن الحدس
المبني على البرهان كما في المقام، فإن نسبة
الخطأ إلى الجميع كنسبته إلى الواحد، لأن
برهان الكل واحد، وذلك مثل اتفاق
الفلاسفة على أمر برهاني - كامتناع إعادة
المعدوم - فإن ذلك لا يوجب القطع بما
قالوه.
التوجيه الثاني: وجود الملازمة
العادية بين الإجماع وقول المعصوم عليه السلام
بدعوى أن العادة تحكم بأن اتفاق
المرؤوسين على أمر لا ينفك عن رأي
رئيسهم.
ونوقش: بأن ذلك إنما يتم في حالة
الحضور حيث يكون المرؤوسون ملازمين
للرئيس، وأنى ذلك في زمن الغيبة؟
التوجيه الثالث: وجود الملازمة
الاتفاقية بين اتفاق الفقهاء ورأي المعصوم
عليه السلام بمعنى: أن اتفاق الفقهاء يستكشف
منه قول الإمام أحيانا من باب الاتفاق،
أي قد يتفق أن يحصل للإنسان القطع
برأي المعصوم عليه السلام من اتفاق الفقهاء
بسبب بعض الملابسات.
ونوقش: بأن ذلك ممكن ولا سبيل
إلى إنكاره ولكن لا يثبت الملازمة على
نحو الإطلاق كما هو المطلوب (1).
وهناك توجيه آخر لتفسير الملازمة

(1) راجع كل ما تقدم مصباح الأصول 2:
139 - 141.
507

الاتفاقية ذهب إليه السيد الصدر يبتني
على حساب الاحتمالات وهو:
" أن احتمال الخطأ في فتوى كل فقيه
وإن كان واردا إلا أنه بملاحظة مجموع
الفقهاء المجمعين وإجراء حساب
الاحتمالات فيها عن طريق ضرب
احتمالات الخطأ بعضها بالبعض نصل إلى
مرتبة القطع أو الاطمئنان - على أقل
تقدير - بعدم خطئها جميعا وهو حجة على
كل حال " (1).
والتطبيق الصحيح لهذه الكاشفية
يتمثل في إجماع الفقهاء المعاصرين لعصر
الغيبة أو بعيدها، كالصدوق، والمفيد،
والمرتضى، والطوسي، فإذا استقر فتواهم
على شئ ولم يكن ما يدل عليه، بل كان
على خلاف القاعدة فنكشف عن أن
فتواهم مستند إلى ارتكاز كان بين الفقهاء
المتقدمين عليهم الذين كانوا حلقة الوصل
بينهم وبين الأئمة عليهم السلام لأنه لو كان
مستندهم في الفتوى رواية فلا بد من
وصولها إلينا، إذ من البعيد جدا أن
يستندوا جميعا في فتواهم إلى رواية
لم يذكروها في كتبهم التي ألفوها هم في
هذا الموضوع.
وهذا الارتكاز مهما كان منشأه
سواء كان فعل المعصوم عليه السلام، أو
تقريره، أو قوله، هو غير ما وصل إلينا،
فهو الحجة وعليه المعول (1).
ثالثا - طريق الحس: ومعنى ذلك:
أن يحصل العلم برأي المعصوم عليه السلام من
ضمن رأي المجمعين عن طريق الحس،
وذلك يتصور على أنحاء:
الأول - أن يتشرف شخص أو
أشخاص بخدمة الإمام عليه السلام فينقل عنه
الحكم الشرعي بلفظ الإجماع.
ولا إشكال في حجيته، وإنما
الإشكال في حصوله، ويظهر من المحقق
صاحب الكفاية: احتمال حصوله
للأوحدي من الفقهاء في زمن الغيبة (2).
ويسمى هذا النوع من الإجماع
" إجماعا تشرفيا ".
الثاني - أن يتفق العلماء أو جماعة
منهم على حكم شرعي بمرأى ومسمع من
الإمام عليه السلام فلم يردعهم، بل يقرهم

(1) بحوث في علم الأصول 4: 309.
(1) المصدر السابق: 311 - 313.
(2) الكفاية: 291.
508

على ما اتفقوا عليه، فهذا التقرير لهذا
الاتفاق كاشف عن أن الحق هو ما ذهب
إليه المتفقون، لأنهم لو كانوا مخطئين
لردعهم عن ذلك، لكنه لم يفعل.
ولا إشكال في حجية هذا الإجماع
بالنسبة إلى من حصل له ذلك، وإنما
الإشكال في تحققه خارجا في زمن الغيبة.
ويطلق على هذا الإجماع " الإجماع
التقريري ".
الثالث - أن يتفق الفقهاء بحيث نعلم
بدخول الإمام عليه السلام في ضمنهم، ولكن
لا نعرفه بشخصه.
ومن المعلوم أن مثل هذا الإجماع
- لو حصل - فهو حجة، لاحتوائه على
رأي المعصوم عليه السلام، ولكن الكلام في
تحققه في عصر الغيبة، نعم لا بأس بذلك
في عصر الحضور.
وما يقال: من أن فلانا لا تضر
مخالفته لأنه معلوم النسب، فهو ناظر إلى
هذا النوع من الإجماع.
ويطلق عليه " الإجماع الدخولي "
أيضا.
وهذا النوع من الإجماع هو الذي
ذهب إليه السيد المرتضى.
قال السيد: " قد بينا في كتاب
الشافي: أنه غير ممتنع أن يلتبس في بعض
الأحوال قول إمام الزمان، إما لغيبته أو
لغيرها، فلا نعرف قوله على التعيين فنفزع
في هذا الموضع إلى إجماع الأمة أو إجماع
علمائنا لنعلم دخول الإمام المعصوم فيه،
وإن كنا لا نعرف شخصه وعينه، ففي مثل
هذا الموضع نفتقر إلى معرفة الإجماع على
القول لنعلم دخول الحجة فيه إذا كان قول
الإمام هو الحجة ملتبسا أو مشتبها، وهذا
يجري مجرى قول المحصلين من مخالفينا:
إن الإجماع الذي هو الحجة هو إجماع
المؤمنين من الأمة دون غيرهم، لأن قول
المؤمنين لما لم يكن متميزا وجب اعتبار
إجماع الكل ليدخل ذلك فيه " (1).
د - طريق الكشف: وهو: أن يتفق
جماعة من الفقهاء على حكم شرعي بحيث
يكون هذا الاتفاق كاشفا عن دليل معتبر
لو وصل إلينا لكان معتبرا عندنا
أيضا.
ولكن نوقشت هذه الطريقة من قبل
المحقق الإصفهاني: بأنه لا يخلو الدليل

(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 624.
509

المعتبر إما أن يكون الكتاب، أو العقل، أو
السنة:
أما الكتاب فمن البعيد جدا أن
يستظهروا حكما من آية خفيت علينا جهة
الدلالة فيها، وعلى فرضه فإن فهمهم ليس
بحجة علينا.
وأما العقل، فلا يتصور أن يتوصل
أولئك إلى دليل عقلي يستكشف منه الحكم
الشرعي ولم نصل إليه.
وأما السنة فحيث لا مجال لدعوى
سماع قول المعصوم، أو رؤيته لفعله، أو
تقريره في عصر الغيبة، إذ لا يحتمل ذلك
إلا للنادر جدا، فنحصر الدليل في الخبر
الحاكي لقوله عليه السلام أو فعله، أو تقريره،
وهو لا يخلو من محذور من حيث السند
والدلالة.
أما السند فمن جهة أن المجمعين
- وهم الحاكون للخبر - إن كانوا مختلفين من
حيث مبناهم في حجية الخبر بحيث يرى
بعضهم حجية خصوص الخبر الصحيح،
والبعض الآخر الصحيح والموثق، وثالث
حجية ذلك والخبر الحسن، لدل اتفاقهم
على أن مستندهم القدر المتيقن، وهو الخبر
الذي يكون في غاية الصحة.
وإن كانوا متفقين في المبنى بأن كان
كلهم يرون حجية الموثق، فإن إجماعهم
إنما ينفع من كان مبناه ذلك أيضا، ولا
ينفع من كان مبناه حجية خصوص
الصحيح فضلا إذا كانوا يستندون إلى
حجية الخبر الحسن.
وأما من حيث الدلالة، فإن الخبر
المفروض إن كان نصا في مدلوله صح
الاستناد إليه منا أيضا إلا أنه نادر، وإن
كان ظاهرا فلا يجدي، إذ ظهور الخبر في
حكم عند المجمعين لا يستلزم الظهور
عندنا، بل إن استظهارهم لا يكون حجة
بالنسبة إلينا (1).
وقد تقدم تقرير هذه المناقشة فيما
تقدم أيضا.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه
الطريقة قد يطلق عليها طريق الحدس
أيضا كما يظهر من عبارات الشيخ
الأنصاري في الفرائد.

(1) نهاية الدراية 2: 67.
510

مختار علماء الأصول:
أولا - الشيخ الأنصاري:
فإنه بعد أن بحث مقدارا حول
الموضوع قال ما خلاصته: إن مستند
الإجماع لا يخلو عن أمور ثلاثة:
1 - السماع من الإمام مع عدم
معرفته.
2 - قاعدة اللطف.
3 - حصول العلم من الحدس.
والأول غير متحقق عادة لأحد من
علمائنا المدعين للإجماع، والثاني ليس
طريقا للعلم، فلا يسمع دعوى من اعتمد
عليها.
ثم بدأ في بيان إبطال الثالث أيضا
وبيان الفرق بين الإخبار عن الحس
والإخبار عن الحدس، ثم قال في خاتمة
بحثه ما خلاصته:
إن الإجماع المنقول في حد ذاته لا
يعتمد عليه، بل لا بد من تحصيل ما يفيد
انضمامه إلى الإجماع الاطمئنان بالحكم،
مثل أمارات أخر من أقوال باقي العلماء
وغيرها ليضيفها إلى ذلك فيحصل من
مجموع ما نقل إليه وما حصله من
الأمارات القطع في مرحلة الظاهر باللازم
وهو قول الإمام عليه السلام، أو وجود دليل
معتبر، وذلك مبني على ثبوت الملازمة
العادية بين اللازم وهو قول الإمام عليه
السلام أو الدليل المعتبر، وبين الملزوم وهو
مجموع الإجماع المنقول وما حصله الفقيه
من الأمارات المؤيدة للإجماع (1).
ثانيا - المحقق صاحب الكفاية:
وما أفاده قريب مما أفاده أستاذه
الشيخ الأنصاري، وحاصله:
أنه إذا كان ناقل الإجماع يعتمد
على قاعدة اللطف فلا اعتبار بكلامه، وإن
كان يعتمد على الإجماع الدخولي أو
التشرفي فقليل جدا في الإجماعات
المتداولة، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله
عليه السلام على نحو الإجمال في الجماعة في
زمان الغيبة وإن احتمل تشرف بعض
الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا.
وإن كان من باب الحدس برأيه من
فتوى جماعة فهو غير مسلم، إذ لم يحصل
الحدس برأيه من فتوى جماعة (2).

(1) الرسائل (فرائد الأصول): 83 - 87
و 102.
(2) الكفاية 2: 291.
511

ثالثا - المحقق العراقي:
وخلاصة ما أفاده هو أنه:
1 - إذا كان ناقل الإجماع ممن يعتمد
على قاعدة اللطف مثل الشيخ الطوسي فمن
المشكل الاعتماد عليه، لضعف المبنى.
2 - وأما إذا كان يعتمد على الحس
كالفقهاء المعاصرين للغيبة الصغرى وما
بعدها إلى فترة قصيرة أمثال الصدوقين،
والمفيد، والمرتضى فلا بأس بأخذ ما
ينقلونه، لأن إخبارهم عن السبب - وهو
الاتفاق - حسي، ولا مانع من أن يكون
إخبارهم عن المسبب - وهو رأي الإمام
عليه السلام - إخبارا عن الحس أيضا.
3 - وأما إذا كان ممن يعتمد على
الحدس بمعنى أنه يرى ملازمة بين رأي
المتفقين ورأي المعصوم عليه السلام، للملازمة
العادية بين اتفاق المرؤوسين مع رئيسهم
على رأي والكشف عن كون رأي
المرؤوس ذلك أيضا، فلا بأس به أيضا.
هذا كله إذا كان الناقل ناقلا
للمسبب وهو رأي المعصوم عليه السلام، وأما
إذا كان ناقلا للسبب وهو الاتفاق،
فيختلف الحال باختلاف الحاكي من جهة
مقدار اطلاعه وسعة باعه فيؤخذ بالمقدار
الذي يمكن في حقه، فإن كان المقدار من
الاتفاق الذي نقله - وكان ممكنا في حقه -
بالمقدار الذي يمكن استكشاف رأي
المعصوم منه فهو وإلا فلا (1).
رابعا - المحقق النائيني:
فإنه - بعد أن ذكر أقسام الإجماع
وناقشها - اختار مسلك " الإجماع الكشفي "
الذي أطلق عليه مسلك " تراكم الظنون "،
وقال:
" فالإنصاف: أن الذي يمكن أن
يدعى، هو أن يكون اتفاق العلماء كاشفا
عن وجود دليل معتبر عند المجمعين،
ولكن هذا إذا لم يكن في مورد الإجماع
أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما
اتفقوا عليه، فإنه مع وجود ذلك يحتمل أن
يكون مستند الاتفاق أحد هذه الأمور،
فلا يكشف اتفاقهم عن وجود دليل آخر
وراء ذلك. نعم لو كان الاتفاق مستمرا
من زمان الصحابة المعاصرين للأئمة عليهم
السلام كزرارة ومحمد بن مسلم إلى زمان
أرباب الفتوى إلى زمن المتأخرين فهو
يكشف كشفا قطعيا عن رضا المعصوم

(1) نهاية الأفكار 3: 96 - 98 وهامش فوائد
الأصول 3: 147.
512

بذلك ولا يلتفت إلى القاعدة أو الأصل
الموافق، إلا أن تحصيل مثل هذا الاتفاق
مما لا سبيل إليه، بل القدر الممكن هو
تحصيل الاتفاق من زمان أرباب الفتوى،
وهذا الاتفاق لا يكشف عن رضاه عليه
السلام بل أقصاه أنه يكشف عن وجود
دليل معتبر عند الكل إذا لم يكن في المورد
أصل أو قاعدة، فإنه لا يمكن الاتفاق في
الفتوى اقتراحا بلا مدرك... ".
هذا بالنسبة إلى المحصل من
الإجماع وأما بالنسبة إلى منقوله فقال ما
حاصله:
إن الحاكي للإجماع إنما ينقل السبب
وهو الاتفاق - عدا مسلك الدخول
والتشرف الذي ينقل فيه المسبب أيضا -
وهذا الإخبار إخبار عن حس، فيندرج
تحت حجية أخبار الآحاد، فيكون حجة
مثلها، فإن كانت الحكاية تحتوي على تمام
السبب بحيث يكون نقل الاتفاق سببا
للكشف عن رأي المعصوم عليه السلام أو
دليل معتبر فهو وإلا فلا بد من التتبع وضم
ما يفيد الاطمئنان بذلك. وهذا يختلف
باختلاف ناقلي الإجماع، فإن كان الحاكي
للإجماع من المتقدمين على المحقق والعلامة
والشهيد الأول فلا عبرة بحكايته، لأن
إجماعات أولئك معتمدة - غالبا - على
أصل أو قاعدة مطردة في نظرهم، وذلك
ليس بحجة، لعدم حجية تطبيق فقيه قاعدة
كلية على مورد خاص لفقيه آخر وإن
كانت القاعدة إجماعية، فلا بد من تطبيق
الفقيه القاعدة بنفسه.
وأما إذا كان الحاكي من قبيل من
ذكر فحكايتهم للإجماع معتبرة، لأنهم
يحكون نفس الفتاوى وبلسان الإجماع
الكاشف عن وجود دليل معتبر مع عدم
وجود أصل أو قاعدة أو دليل في البين (1).
خامسا - السيد الخوئي:
قال - بعد أن ذكر أنواع الطرق
وناقشها -:
" فتحصل مما ذكرناه في المقام: أنه
لا مستند لحجية الإجماع أصلا وإن
الإجماع لا يكون حجة، إلا أن مخالفة
الإجماع المحقق من أكابر الأصحاب
وأعاظم الفقهاء مما لا نجترئ عليه، فلا
مناص في موارد تحقق الإجماع من
الالتزام بالاحتياط اللازم كما التزمنا به في

(1) فوائد الأصول 3: 151 و 152.
513

بحث الفقه " (1).
سادسا - الإمام الخميني:
فإنه قال: " إن القوم ذكروا
لاستكشاف قول الإمام عليه السلام طرقا
أوجهها دعوى الملازمة العادية بين اتفاق
المرؤوسين على شئ ورضى الرئيس به،
وهذا أمر قريب جدا " (2).
سابعا - السيد الصدر:
وهو يرى حجية إجماع الفقهاء
المعاصرين لعصر الغيبة الصغرى أو بعيدها
إلى فترة كالصدوق والمفيد والمرتضى
والطوسي، فقد تقدم تفسيره للملازمة
الاتفاقية المبتنية على حساب الاحتمالات،
ونضيف - هنا - إلى أنه اشترط في حجية
مثل هذا الإجماع أمورا أربعة وهي:
1 - أن يكون مشتملا على فتوى
الأقدمين.
2 - أن لا يكون قد استندوا في
كلماتهم إلى مدرك شرعي موجود.
3 - أن لا تكون هناك قرائن تدل
على عدم وجود ارتكاز - موافق لمفاد
الإجماع - في طبقة أصحاب الأئمة وإلا
كانت معارضة مع كاشفية الإجماع.
4 - أن تكون المسألة مما لا يترقب
حلها إلا ببيان من الشارع مباشرة لا أن
تكون المسألة عقلية أو عقلائية أو تطبيقا
لقاعدة أولية واضحة (1).
أقسام الإجماع:
للإجماع أقسام نشير إليها فيما
يلي:
1 - الإجماع المحصل: وهو أن يحصل
الإنسان نفسه الإجماع من دون أن يخبره
به أحد، كما إذا فحص كتب الفقهاء جميعها
فرآهم اتفقوا على رأي فقهي.
ولا يخفى حجية هذا النوع من
الإجماع بالنسبة إلى هذا الشخص إن كان
الطريق - الذي حصل به الإجماع - حجة
عنده.
ويقابله:
2 - الإجماع المنقول: وهو الإجماع
الذي ينقله فقيه عن فقيه آخر.
وحجية هذا الإجماع متوقفة على
514

توفر عنصرين:
الأول - حجية الطريق الذي ثبت به
الإجماع عند المنقول له، كما إذا ادعى
الناقل الإجماع الحدسي وكان ذلك حجة
عند المنقول له، وأما إذا لم يكن حجة عنده
فلا أثر لهذا النقل، كما إذا كان الاجماع
المنقول إجماعا لطفيا ولا يرى المنقول له
حجيته.
الثاني - أن يثبت حجية خبر الثقة
عند المنقول له، فإذا لم يثبت فلا قيمة
للإجماع أيضا وإن كان طريق حصول
الإجماع حجة عنده.
ثم إذا عرفنا إن طريق المنقول عنه
متحد مع طريق المنقول إليه في نقل
الإجماع فلا إشكال في الحجية - على فرض
حجية خبر الثقة - وإذا ثبت عدمه فلا
إشكال في عدمها، وإنما الإشكال فيما إذا
لم نحرز وحدة الطريق، فماذا نصنع حينئذ؟
وللإجابة على ذلك لا بد من تمهيد
مقدمة وهي:
إن الإخبار عن شئ يمكن أن يقع
بأحد أنحاء ثلاثة:
1 - الإخبار عن حس، ومعناه: أن
المخبر قد أحس ما أخبر عنه ولابس
ظروفه كإخبار شخص بنزول المطر إذا
كان قد رأي نزوله، ومنه إخبار الراوي بما
سمعه من الإمام عليه السلام.
2 - الإخبار عن حدس، ومعناه: إن
المخبر يخبر استنادا إلى رأيه ومعتقده لا
عما أحسه بالمشاهدة أو السماع، كمن أخبر
بنزول المطر استنادا إلى قواعد وقوانين
الأنواء الجوية، ومثل ذلك إخبار الفقيه عن
الحكم الشرعي استنادا إلى أدلة شرعية أو
عقلية يراها.
3 - الإخبار عن حدس قريب من
الحس وهو أن لا يكون المخبر قد استند
في إخباره إلى ما أحس به، بل استند إلى
إحساس ما يلازمه، كمن أخبر عن نزول
المطر استنادا إلى سماع صوت الرعد
ورؤية ضوء البرق، وسماع صوت يشبه
نزول المطر.
ولا يخفى أن أدلة حجية الخبر
تشمل الأول (أي الإخبار عن حس)
قطعا ولا تشمل الثاني (أي الإخبار عن
حدس) قطعا، وفي شمولها للثالث (أي
الحدس القريب من الحس) خلاف.
فإن علمنا أن نقل الإجماع على أي
النحوين فهو وإلا فالمعروف أن مقتضى
515

الأصل هو الإخبار عن الحس، ولكن فيما
إذا احتملنا ذلك في حق الناقل.
وبناء على ذلك، فالذي يخبر عن
الإجماع التشرفي أو الدخولي أو التقريري
فهو يخبر في الواقع عن أمر محسوس،
فيكون إخباره إخبارا عن حس.
وأما الذي يخبر عن الإجماع اللطفي
أو الكشفي أو الحدسي فإن كان مخبرا عن
السبب وهو اتفاق الفقهاء في مسألة ما
فيكون إخباره إخبارا عن حس، لأن
نفس الاتفاق يكون أمرا محسوسا.
وأما إذا كان مخبرا عن المسبب وهو
رأي المعصوم عليه السلام فسوف يكون
إخبارا عن حدس، لأن نفس رأي
المعصوم عليه السلام لم يكن محسوسا وإنما
المحسوس هو اتفاق الفقهاء.
هذا كله لو علمنا بما أخبر به، وأما
إذا شككنا في ذلك كله وأجرينا أصالة
الحس، فإما أن يثبت أن الإجماع المدعى
تشرفي أو دخولي أو تقريري، فيكون
حجة مع الشرط المذكور، ولكن ثبوته في
عصر الغيبة مشكل كما صرح بذلك
العلماء.
وإما أن يثبت السبب في الثلاثة
الباقية: الكشفي والحدسي واللطفي وهو
اتفاق العلماء، ولكن مجرد إثبات ذلك لا
يكون مجديا إذا لم يكشف عن رأي
المعصوم عليه السلام، والمفروض أن الإخبار
عنه يكون إخبارا عن حدس فلا تشمله
أدلة حجية الخبر.
اللهم إلا أن نقول: أن هناك ملازمة
بين اتفاق الفقهاء ورأي المعصوم عليه السلام،
أو نثبت رأي المعصوم عليه السلام بهذا
الاتفاق عن طريق حساب الاحتمالات.
3 - الإجماع التعبدي: وهو الإجماع
الذي نعلم عدم استناد فتوى الفقهاء فيه
إلى دليل نعرفه، وهو الإجماع المصطلح
الذي وقع البحث حول حجيته، وقد تقدم
تفصيله.
وإنما اصطلح عليه التعبدي لعدم
معرفة مستنده ولذلك يقابله:
4 - الإجماع المدركي: وهو الاجماع
الذي نعرف المستند الذي استند إليه الفقهاء
في فتواهم، مثل إجماع المتقدمين على انفعال
ماء البئر الذي كان مستندهم فيه روايات
معينة فخالفهم المتأخرون لبطلان المستند
عندهم.
ومن هنا نستنتج عدم حجية
516

الإجماع المدركي.
5 - الإجماع البسيط: وهو الاتفاق
على قول واحد بالمطابقة، كالإجماع على
نجاسة فضلة ما لا يؤكل لحمه، فالمدلول
المطابقي له هو نجاسة الفضلة مما لا يؤكل
لحمه، وأكثر الإجماعات من هذا القبيل،
ويقابله:
6 - الإجماع المركب: وهو عبارة
عن الاستناد إلى رأي مجموع العلماء
المختلفين على قولين أو أكثر في نفي قول
آخر لم يقل به أحد منهم.
وهنا تارة يفرض أن كلا من
القولين ينفي قائله القول الآخر مع غض
النظر عن قوله، وأخرى يفرض أنه ينفيه
بلحاظ قوله، لأن قوله يستلزمه.
أما الأول فالإجماع حجة فيه
بالنسبة إلى نفي القول الآخر على جميع
المباني والتفاسير في الإجماع.
وأما الثاني فهو حجة بناء على
قاعدة اللطف، لأن نفي قول آخر بسبب
الاتفاق على قولين أو أكثر يكشف عن
عدم حجية ذلك القول بقاعدة اللطف،
لأنه لو كان حجة لهيأ الله من يقول به.
وكذا بناء على دخول الإمام عليه السلام
في المجمعين، فإنه يكون داخلا في أحد
الفريقين أو إحدى الفرق، وهو يعني عدم
قوله بالقول المنفي.
وأما بناء على حجية الإجماع من
جهة تراكم الاحتمالات وتكاثرها بسبب
اجتماع أقوال المجمعين فلا يكون حجة،
لضعف القيم الاحتمالية من جهتين:
1 - لأن الطائفة المصيبة - في الواقع -
هي واحدة، وأما غيرها فغير مصيبة
قطعا.
2 - إن القيمة الاحتمالية في كل
مجموعة تكون منفية بالقيمة الاحتمالية
للقول أو الأقوال الأخر.
وعلى أساس هذين العنصرين
تضعف القيم الاحتمالية الموجودة في مجموع
أقوال المجمعين (1).

(1) بحوث في علم الأصول 4: 317.
517

إجمال
لغة:
من أجملت الشئ إجمالا أي: جمعته
من غير تفصيل (1)، أو من أجملت الحساب
إذا رددته عن التفصيل إلى الجملة (2).
اصطلاحا:
لا يكاد يختلف معناه الاصطلاحي
عن اللغوي، فيراد منه عدم تفصيل الكلام
الذي ينتهي إلى غموضه وعدم وضوح
المراد منه.
أسباب الإجمال:
للإجمال في الكلام أسباب عديدة
أهمها:
1 - احتفاف الكلام - أثناء صدوره -
بقرينة قد فقدت عند وصولها إلى من يهمه
ذلك الكلام، سواء كانت القرينة حالية أو
مقالية.
2 - تقطيع الكلام: فإنه قد يكون
الكلام الواحد واضحا لا غموض فيه،
لكنه يصير مجملا بسبب تقطيعه إلى قسمين
أو أكثر، يكون كلاهما أو أحدهما غير
مبين وغير واضح، وقد وقع مثل ذلك في
الأحاديث.
3 - نقل الكلام بالمضمون وبوسائط
عديدة، فإن ذلك قد يؤدي إلى إجمال
الكلام الصادر أولا.
4 - تعدد القراءات مثل قراءة
" يطهرن " بالتشديد أي " يطهرن " وبدونه
أي " يطهرن " في قوله تعالى: (فاعتزلوا
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى
يطهرن) (1)، فعلى الأول يحرم الدخول بهن
حتى يغتسلن، وعلى الثاني حتى ينقين من
الحيض وإن لم يغتسلن.
5 - اختلاف النسخ الناشئ من
اختلاف النساخ في الكتابة أو ما شابه
ذلك، وهو غير عزيز في الأحاديث
والكتب الفقهية.
6 - اختلاف أهل اللغة في تفسير
518

الكلمة، كاختلافهم في تفسير " الغناء ".
7 - وضع الكلمة لمعان مشتركة
والشك في تشخيص المراد منها، مع فقد
القرينة مثل " الرطل " الموضوع عند أهل
المدينة لمقدار معين، وعند أهل مكة لمقدار
آخر، وعند أهل العراق لمقدار ثالث.
8 - عدم معرفة مرجع الضمير، مثل
قول القائل لما سئل عن أفضل أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله، فقال: " من بنته في بيته ".
9 - عدم إمكان ظهور الإعراب في
بعض الكلمات مثل: " قدم موسى عيسى ".
10 - اشتمال الكلام على مراتب من
دون تعيين المراد بالخصوص، كما في قوله
تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما) (1) حيث لم يعلم المراد من اليد
هل هي من أصل الأصابع، أو الزند، أو
المرفق، أو المنكب. ومثله الشك في
اختصاص حرمة الخمر بالمسكر أو شموله
لغيره أيضا، ومثلهما ما ورد من قبيل " لا
صلاة إلا بفاتحة الكتاب " و " لا صلاة إلا
بطهور " و " لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد "، إذ لا يعلم - لولا القرائن
الخارجية المنفصلة - أن المنفي هل هو صحة
الصلاة، أو كمالها الذي هو مرتبة أعلى من
الصحة.
وهناك عوامل أخرى للإجمال لا
يسعنا التعرض لها بهذه العجالة، والذي
ينبغي أن ننبه عليه هو: أن تحقق هذه
العوامل ليس اختياريا للمتكلم على
الغالب. نعم قد يكون المتكلم هو السبب
في الإجمال إما بسبب عدم تسلطه على
الكلام، وإما بتعمده لذلك، والأول غير
متصور فيمن صدرت منهم الأحكام
الشرعية، والثاني وإن كان ممكنا، إلا أنه
قد وقع البحث في تحققه خارجا بمعنى أنه
هل يتعمد الشارع - أو من ينوب عنه - في
بيان الأحكام بالإجمال أو لا؟
يرى بعضهم أنه لا مانع من ذلك
لو كان بصدد بيان تشريع أصل الحكم لا
بيان خصوصياته كما في قوله تعالى:
(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (1)، وقوله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
الصيام...) (2)، فإن الصلاة والزكاة
والصيام في هذه الآيات - مع غض النظر
519

عما ورد فيها من البيان القولي والعملي عن
النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام - فيها
إجمال من حيث الكيفية والمقدار.
حكم الإجمال:
يرى الأصوليون أن إجمال النص
سبب لسقوطه عن الحجية، ولذلك يعتبر
أحد الموارد التي يمهد الطريق لجريان
البراءة.
راجع: براءة.
الإجمال في حكم العقل
المعنى المتصور من ذلك هو: أن
يكون حكم العقل غير معلوم الحدود
والمشخصات فيكون مجملا.
ولكن قيل: إن العقل ليس له حكم
حتى يكون مجملا في حكمه، بل إنه مدرك
لا غير، ولا معنى للإجمال في الإدراك.
إجمال النص
وهو: أن يكون النص الوارد
المتضمن للحكم الشرعي مجملا في مفاده.
وقد جعل الشيخ الأنصاري أحد
الموارد التي تجري فيه البراءة مورد إجمال
النص كما سيأتي في عنوان " براءة ".
وأما أمثلته فقد مرت في عنوان
" إجمال " فراجع.
إجمالي
يقع صفة للعلم، فيقال: العلم
الإجمالي في مقابل العلم التفصيلي.
ويقع صفة للامتثال، فيقال:
الامتثال الاجمالي، في مقابل الامتثال
التفصيلي.
520

راجع: علم، امتثال، قطع.
احتياط
تقدم أن تكلمنا حول الاحتياط من
الجانب الفقهي، وأحلنا البحث عنه من
الجانب الأصولي إلى الملحق الأصولي
للموسوعة، ونزيد هنا إيضاحا بأن
الاحتياط إنما يبحث عنه في الفقه باعتباره
أحد الطرق الثلاثة - أي الاجتهاد والتقليد
والاحتياط - لامتثال التكليف، فيبحث
عن إمكانه، ثم عن جوازه مع فرض
التمكن من الاجتهاد أو التقليد، ثم عما
يترتب على ذلك من مباحث، وأما في
الأصول فباعتباره علما يبحث عن دليل
الحكم الشرعي فإنما يبحث عنه باعتباره
سببا لتنجز التكليف من دون نظر إلى نوع
المكلف هل هو مجتهد أو مقلد أو محتاط
- من المنظار الفقهي - فحينما يبحث في
الأصول عن وجوب الموافقة القطعية
والاجتناب عن جميع أطراف الشبهة
- وهو عبارة أخرى عن فرد من
الاحتياط الأصولي - فلا فرق في النتيجة
المأخوذة - أي وجوب الاحتياط - بين
كون المكلف مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا،
فعليهم جميعا الالتزام بهذه النتيجة.
نعم، قد يبحث حول الجانب الفقهي
في الأصول أيضا عند البحث عن
الاجتهاد والتقليد في الخاتمة، ولكن
المعروف أنه يبحث عنه في الفقه عند
البدء به.
ومهما يكن فالاحتياط المبحوث عنه
في الأصول إما أن يكون عقليا أو شرعيا،
ولكل منهما بحثه الخاص.
ولكن قبل ذلك ينبغي أن نذكر
المفهوم اللغوي والاصطلاحي للاحتياط.
الاحتياط لغة:
وهو الأخذ بأوثق الوجوه
وأحزمها (1).
الاحتياط اصطلاحا:
ورد تعريف الاحتياط في لسان

(1) المصباح المنير وغيره من كتب اللغة:
" حوط ".
521

الفقهاء والأصوليين بألسنة مختلفة، فقد
عرف بأنه: " العمل بما يوجب القطع بأداء
الواقع، الموجب للأمن من العقاب، أو من
حصول ما ينافي الشكر " (1) وسيأتي تعريف
الاحتياط العقلي والاحتياط الشرعي،
ولكن يجمعها عنوان جامع، وهو العمل بما
تفرغ معه الذمة من التكليف.
أولا - الاحتياط العقلي
" وهو: حكم العقل بلزوم الخروج
عن عهدة التكليف المنجز إذا كان ممكنا ".
والهدف من ذكر قيد " الامكان " هو
خروج ما لم يكن الاحتياط فيه ممكنا،
لعدم إمكان الجمع بين الأطراف، كموارد
دوران الأمر بين المحذورين كالحرمة
والوجوب (2).
ويدخل ضمن هذا التحديد موارد
ثلاثة:
1 - الشبهة البدوية قبل الفحص.
2 - العلم التفصيلي بتكليف ما،
والشك في الخروج عن عهدته بالامتثال،
لبعض الجهات (1).
3 - العلم الإجمالي بتكاليف إلزامية
إذا كان الاحتياط ممكنا ولو بالإتيان بجميع
المحتملات أو تركها.
المورد الأول - الشبهات البدوية قبل
الفحص.
سوف يأتي التعرض للموضوع في
عنوان ال " براءة " عند البحث عن شروط
جريانها، ولكن نشير - هنا - إلى ذلك
إجمالا فنقول:
ذهب الأصوليون إلى عدم جواز
جريان البراءة في الشبهات الحكمية
البدوية قبل الفحص، فإذا شك المكلف في
وجوب شئ فلا يجوز له التمسك بالبراءة
لإسقاط التكليف عن ذمته قبل أن يفحص
في الأدلة الشرعية، إذ لعله يكون فيها ما
يدل على الوجوب، فلا مجال للتمسك
بالبراءة عندئذ، لانتفاء موردها الذي هو
الشك في الحكم، فلا بد إذن من الاحتياط
حتى يتم الفحص، فإن تم ولم يكن ثمة ما
يثبت الحكم فيتوسل بالبراءة، واستدلوا

(1) كما يظهر ذلك من المستمسك 1: 6.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 521.
(1) المصدر السابق.
522

لذلك بوجوه:
1 - إن موضوع حكم العقل بقبح
العقاب بلا بيان - الذي هو مفاد البراءة -
إنما هو عدم البيان، فما لم يحرز ذلك
بالفحص لا يستقل العقل بقبح العقاب، إذ
ليس المراد من البيان إيصال التكليف إلى
العبد قهرا، بل المراد منه بيانه على الوجه
المتعارف، فلو كان التكليف مبينا من قبل
المولى ولم يفحص عنه العبد لصح العقاب
على مخالفته، ولا يكون عقابه عقابا بلا
بيان (1).
2 - إن كل من التفت إلى المبدأ
والشريعة يعلم إجمالا بثبوت أحكام فيها،
ومقتضى العلم الإجمالي هو الفحص عن
تلك الأدلة (2).
وعلى التقرير الثاني يدخل
الاحتياط في الشبهات البدوية قبل
الفحص في العلم الإجمالي الذي سيأتي
البحث عنه في القريب.
هذا، وقد جرت - هنا - بعض
المناقشات يرجع فيها إلى المطولات، كما
أن البحث عن حدود الفحص وما يترتب
عليه يرجع فيه إلى عنوان " براءة ".
المورد الثاني - العلم التفصيلي بالتكليف
والشك في الخروج عن عهدته.
وذلك كالمكلف بالصلاة إذا شك بعد
إتيانها بأنها كانت مقرونة بالطهارة أو
لا؟ فالعقل يحكم بلزوم إتيانها مرة ثانية
- مع الطهارة - ليحصل له العلم بالفراغ
اليقيني بعد اشتغال ذمته بالصلاة مع
الطهارة يقينا.
وهذا أظهر موارد الاحتياط،
والشبهة فيه من الشبهة الموضوعية لا
الحكمية، فإن الشك لم يكن في أصل
الحكم، وإنما هو في تحقق مصداقه في
الخارج، كما هو واضح.
المورد الثالث - العلم الإجمالي بالتكليف
الإلزامي.
المورد الثالث الذي يحكم العقل
بوجوب الاحتياط فيه هو العلم الإجمالي
بوجود تكليف إلزامي لا يمكن التخلص

(1) كفاية الأصول: 343 و 374، مصباح
الأصول 2: 489، وراجع نهاية الأفكار 3:
468 - 469.
(2) فوائد الأصول 4: 278، وراجع نهاية
الأفكار 3: 470.
523

وفراغ الذمة منه إلا بإتيان جميع محتملات
التكليف - إذا كان ممكنا - وذلك كما إذا
علم إجمالا بحرمة إحدى المرأتين، أو
بوجوب أحد الفعلين عليه، فالاحتياط في
الأول يقتضي ترك الزواج بالمرأتين معا،
وفي الثاني إتيان الفعلين معا.
ولا يدخل في هذا الإطار ما لو
علم إجمالا بوجوب فعل أو حرمته، فإنه
لا يمكن الاحتياط بإتيان محتملات
التكليف - أي الوجوب والحرمة - إذ
يستلزم إتيان الفعل وتركه معا وهو غير
ممكن، فلذلك يطلق على مثل هذا المورد
" دوران الأمر بين المحذورين " الذي هو
مورد أصالة التخيير حيث يتخير فيه
المكلف بين إتيان الفعل وتركه.
ومهما يكن فالبحث عن العلم
الإجمالي مفصل جدا، وإنما نشير إلى
خطوطه العريضة، وسوف نتعرض لبعض
أبحاثه في عناوين أخرى.
والمنهج الذي نتبعه في البحث عن
العلم الإجمالي يكون كالآتي:
أولا - قابلية العلم الإجمالي للتنجيز.
ثانيا - هل أن استلزام العلم الإجمالي
لحرمة المخالفة القطعية على نحو العلية أو
الاقتضاء.
ثالثا - هل أن استلزام العلم الإجمالي
لوجوب الموافقة القطعية على نحو العلية أو
الاقتضاء.
ويستتبع ذلك أبحاث أخرى كوقوع
الترخيص - في جميع الأطراف أو بعضها
بناء على القول بالاقتضاء - وعدمه.
رابعا - أركان العلم الإجمالي.
خامسا - فقد العلم الإجمالي للتنجيز.
سادسا - انحلال العلم الإجمالي.
أولا - قابلية العلم الإجمالي للتنجيز:
والمراد بالقابلية - هنا - هو صلاحيته
لأن يكون بيانا يتكل عليه الشارع في
إيصال تكاليفه - من دون حاجة إلى جعل
منه - وحاله حال العلم التفصيلي في تنجيز
متعلقه.
والذي يبدو أن القول بقابليته
- بمقدار حرمة المخالفة القطعية - موضع
اتفاق الجميع، وإن ذكرت بعض الوجوه
لنفي القابلية إلا أنه لا قائل بها (1).
نعم، قد نسب القول بعدم اقتضائه

(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 523.
524

لذلك إلى بعض، ووجه بأنه: لعله كان في
عصر لم يميز فيه بعد بين البراءة العقلية
وقبح العقاب بلا بيان، وبين البراءة
الشرعية والترخيص، فلعل مقصود القائل
هو إمكان جريان الترخيص الشرعي في
أطرافه (1).
وجاء في حقائق الأصول: أنه
" حكي الخلاف فيه عن المحقق القمي
والمحقق الخوانساري، والوجه في حكاية
ذلك عبارتهما المحكية في رسائل شيخنا
الأعظم في الشبهة الوجوبية، لكن في
استظهار ذلك منها تأمل " (2).
إذن فالعلم الإجمالي كالتفصيلي من
ناحية أصل التنجيز، فلا فرق بين العلم
التفصيلي بوجوب الجمعة، أو العلم
الإجمالي بوجوبه أو وجوب الظهر، فعلى
المكلف أن يفرغ ذمته من التكليف في
الحالتين، بإتيان الجمعة في الحالة الأولى،
وبإتيان الظهر والجمعة في الحالة الثانية.
ثانيا - استلزام العلم الإجمالي لحرمة المخالفة
القطعية:
تقدم أنه لا إشكال في أن العلم
الإجمالي يقتضي تنجيزه بمقدار حرمة
المخالفة القطعية، وأنه لا خلاف فيه بهذا
المقدار، ولكن هنا يأتي دور البحث عن
كيفية هذا الاستلزام هل هو على نحو
العلية؟ أو الاقتضاء؟
والمقصود من العلية هو: أن العلم
الإجمالي في حد ذاته علة لحرمة المخالفة
القطعية كالعلم التفصيلي، فكما إذا علمنا
بحرمة شئ تفصيلا يكون علمنا هذا علة
لحرمة المخالفة فكذا لو علمنا بحرمته
إجمالا، وبناء على ذلك لا يمكن - عقلا -
جعل الترخيص في ارتكاب ذلك المحرم من
دون فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي.
وبعبارة أخرى: إن العلم الإجمالي
كالتفصيلي في كشفه عن الواقع، فإراءته له
إراءة كاملة لا قصور فيها، بل هو في
الحقيقة علم تفصيلي بوجود التكليف، ولما
كان العلم التفصيلي علة تامة لتنجيز
متعلقه، كان العلم الإجمالي كذلك، ولا
فرق بينهما في هذه الجهة أصلا.
والتردد في مقام تطبيق الحكم على
كل من الأطراف لا يسري إلى التردد في
أصل الحكم، فأصل الحكم واصل على كل

(1) بحوث في علم الأصول 5: 170.
(2) حقائق الأصول 2: 47.
525

حال (1).
والمقصود من الاقتضاء هو: أن هذا
الترديد في مجال التطبيق يضعف تأثير
العلم الإجمالي، وينزل رتبته عن العلم
التفصيلي، فهو لا يزيد على أن يكون فيه
اقتضاء التأثير، وتأثير المقتضي فيه
موقوف على عدم وجود مانع، وهو
وجود المرخص من قبل الشارع في
ارتكاب الأطراف (2) فإذا لم يرخص
الشارع في ارتكاب أطراف الشبهة فتحرم
المخالفة القطعية أما إذا رخص في ذلك فلا
موجب للحرمة.
آراء الأصوليين في نوعية الاستلزام:
وبعد بيان المقصود من العلية
والاقتضاء نستعرض فيما يلي أهم الآراء
في هذا الخصوص:
أولا - الشيخ الأنصاري:
يظهر من بعض عباراته أنه قائل
بالعلية، ولكن يظهر من بعضها الآخر أنه
قائل بالاقتضاء، فمما يستظهر منه العلية قوله
- في أول بحث الدوران بين المتبائنين -:
" الظاهر حرمة المخالفة القطعية،
لأنها عند العقلاء معصية، فإنهم لا
يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا أو
إجمالا في حرمة مخالفته، وعدها
معصية " (1).
فإذا كانت المخالفة القطعية معصية
فالترخيص فيها ترخيص في المعصية ولا
إشكال في قبحها.
والعبارة لم تكن صريحة في العلية.
ومما يستظهر منه القول بالعلية، قوله
في الجواب عن التفرقة بين المخالفة القطعية
وموافقتها بعيد العبارة السابقة:
" العلم الإجمالي كالتفصيلي علة تامة
لتنجز التكليف بالمعلوم، إلا أن المعلوم
إجمالا يصلح لأن يجعل أحد محتمليه بدلا
عنه في الظاهر... " (2).
وقد استفاد المحقق العراقي من هذه
العبارة بالخصوص القول بالعلية " (3).
ومن الغريب أن بعضهم استفاد منها

(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 525.
(2) المصدر السابق.
(1) فرائد الأصول: 442 - 443 (المسألة
الأولى من مسائل دوران الأمر بين
المتبائنين).
(2) المصدر السابق.
(3) نهاية الأفكار 3: 310.
526

التزام الشيخ القول بالاقتضاء (1).
ومما يستظهر منه القول بالاقتضاء
ما قاله في تعارض الاستصحابين، وسيأتي
بيانه.
ثانيا - المحقق الخراساني:
وأما صاحب الكفاية فيظهر منه - في
مبحث القطع - القول بالاقتضاء حيث
قال:
"... نعم كان العلم الإجمالي
كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا العلية
التامة.. - إلى أن قال: -: وأما احتمال أنه
بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة
القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة
الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف
جدا " (2).
ولكن يظهر منه في مبحث الاشتغال
أنه علة تامة له كالعلم التفصيلي به، قال:
" لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما
مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - إن
كان فعليا من جميع الجهات، بأن يكون
واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر
الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال والتردد
والاحتمال، فلا محيص عن تنجزه وصحة
العقوبة على مخالفته، وحينئذ لا محالة
يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع
أو السعة أو الإباحة مما يعم أطراف العلم
مخصصا عقلا، لأجل مناقضتها معه.
وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان
بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح
العقاب على مخالفته - لم يكن مانع عقلا،
ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية
للأطراف " (1).
وحاصل ما أفاده - هنا - هو: أن
الحكم إذا وصل إلى مرحلة الفعلية - أي
مرتبة البعث والزجر - يمكن أن يتصور
على نحوين:
الأول - أن يكون الغرض الداعي
إلى جعله وأصلا إلى مرتبة من الأهمية
بحيث لا يرضى بفواته أصلا، بل يكون
مطلوبا له على كل حال سواء علم به
تفصيلا أو لم يعلم.
ففي هذه الصورة يجب ايصال
التكليف إلى العبد ورفع موانع تنجزه إما
برفع جهله بجعله عالما بالحكم تكوينا،

(1) منتهى الدراية 6: 27.
(2) الكفاية: 272 - 273 ط آل البيت (ع).
(1) الكفاية: 358 ط آل البيت (ع).
527

وإما بنصب طريق مصيب، وإما بإيجاب
الاحتياط عليه، لمنجزية نفس الاحتمال.
الثاني - أن لا يكون الغرض
كالأول، بل يكون مطلوبا على تقدير
وصول الخطاب تفصيلا، بحيث يكون العلم
التفصيلي به موجبا لتمامية فعليته أولا،
ولتنجزه ثانيا، ومن المعلوم أن إيصال
الحكم الناشئ من مثل هذا الغرض ليس
من وظيفة المولى، فكما لا يجب - على
الحاكم - رفع موانع تنجزه، فكذلك يجوز له
إيجاد المانع من وصوله إلى المكلف بنصب
طريق غير مصيب، أو أصل مرخص.
والخلاصة: أن التكليف المعلوم
بالإجمال إن كان من القسم الأول فهو
يتنجز بالعلم الإجمالي، لوصول البعث أو
الزجر إلى العبد الرافع لعذره من حيث
الجهل، فيستحق العقوبة على المخالفة.
وإن كان من الثاني فهو لا يتنجز
بالعلم الإجمالي - لا لقصور في العلم - بل
لخلل في المعلوم، وهو عدم تحقق شرط
تمامية فعليته أي العلم التفصيلي به (1).
ثالثا - المحقق النائيني:
وأما المحقق النائيني فيظهر من
كلماته في فوائد الأصول القول بالعلية،
لأن عدم جريان الأصول في أطراف العلم
الإجمالي عنده إنما هو لأحد أسباب ثلاثة:
1 - إما لارتفاع موضوع الأصل
- بسبب العلم الإجمالي - كما في أصالة
الإباحة عند دوران الأمر بين المحذورين.
فلو علم إجمالا بوجوب فعل شئ أو
تركه، فأصالة الإباحة في الفعل تقتضي
الرخصة في كل من الفعل والترك،
وأصالة الإباحة في الترك تقتضي ذلك
أيضا، وهذا ينافي العلم بوجوب الفعل أو
الترك، فإذن لا تجري أصالة الإباحة في
كل من طرفي الفعل والترك، لأن مفادها
يضاد المعلوم بالإجمال، فلا موضوع لها
إذن.
2 - وإما لأن المجعول في الأصل
معنى لا يعقل ثبوته في جميع الأطراف،
وذلك كما في الأصول التنزيلية المحرزة
كالاستصحاب، لأن المجعول فيها هو البناء
العملي، وفرض أحد طرفي الشك هو
الواقع، وإلغاء الطرف الآخر، وجعل الشك
فيه كالعدم، ولكن لا يمكن تطبيق ذلك في

(1) راجع منتهى الدراية 6: 10 - 12 ونهاية
الدراية 2: 240.
528

طرفي العلم الإجمالي، إذ لا يعقل فرض
هذا الطرف هو الواقع وإلغاء الطرف
الآخر، ثم جعل الطرف الثاني الواقع وإلغاء
هذا الطرف.
3 - وإما للزوم المخالفة القطعية كما
في الأصول غير التنزيلية كأصالة الطهارة،
والبراءة، والحل، ونحو ذلك، فلا مانع من
جريانها في أطراف العلم الإجمالي إلا
المخالفة القطعية العملية (1).
وقد صرح بعلية العلم الإجمالي
لحرمة المخالفة القطعية في بحثه عن الموافقة
القطعية كما سيأتي بيانه.
وأما في أجود التقريرات، فقد جاء
فيه - حسب التقرير -:
"... فتحصل أن المحذور في
جريان الأصول في تمام أطراف العلم أحد
أمرين:
الأول - لزوم التناقض من جريانها كما في
موارد الأصول التنزيلية مطلقا.
الثاني - لزوم الترخيص في المعصية كما في
موارد الأصول النافية للتكليف مطلقا.
وحيث إن هذين المحذورين
عقليان، فعدم جريان الأصول في أطراف
العلم الإجمالي يكون مستندا إلى مانع
ثبوتي مع قطع النظر عن مقام
الإثبات " (1).
رابعا - المحقق العراقي:
وهو من القائلين بالعلية التامة، بل
ليس كمثله من يؤكد على ذلك من دون
أن يكون في كلامه شائبة تردد، قال
- حسب التقريرات -:
" لا إشكال في أنه لا قصور في
منجزية العلم الإجمالي، لما تعلق به من
التكليف، وأنه بنظر العقل بالإضافة إلى
ما تعلق به كالعلم التفصيلي في حكمه
بوجوب الامتثال، إذ لا فرق بينهما إلا من
حيث إجمال المتعلق وتفصيله، وهو غير
فارق في المقام بعد كون مناط التحميل
بنظر العقل إحراز طبيعة أمر المولى بلا
دخل خصوصية فيه، فمع فرض انكشاف
ذلك لدى العقل يتحقق موضوع حكمه
فيحكم بالاشتغال ووجوب الامتثال.
بل التحقيق: أن حكمه بذلك يكون
على نحو التنجيز بحيث يأبى عن الردع عنه

(1) فوائد الأصول 4: 12 - 18.
(1) أجود التقريرات 2: 241.
529

بالترخيص على خلاف معلومه في تمام
الأطراف كإبائه عنه في العلم التفصيلي،
لكون ذلك بنظره ترخيصا من المولى في
معصيته وترك طاعته، ومثله مما لا يصدقه
وجدان العقل بعد تصديقه خلافه " (1).
خامسا - المحقق الإصفهاني:
وأما المحقق الإصفهاني فالمستفاد
من مجموع كلماته هو القول بالعلية، لأنه
يرى: أن ملاك استحقاق العقاب ليس هو
مخالفة التكليف بما هو، ولا ارتكاب
المبغوض بما هو، ولا تفويت الغرض
ونقضه بما هو، لوجود كل ذلك في صورة
المخالفة عن جهل، وإنما الملاك هو مخالفة
ما قامت عليه الحجة، فإنه هتك لحرمة
المولى وظلم فيكون حينئذ مذموما وقبيحا
عقلا ومعاقبا عليه، فبمجرد قيام الحجة
على التكليف ومخالفة المكلف له يتحقق
موضوع القبح العقلي، وعندئذ يترتب
عليه الحكم - وهو القبح - لاستحالة تخلف
الحكم عن موضوعه التام.
ولا فرق في ذلك بين العلم التفصيلي
والإجمالي، ففي الإجمالي تكون الحجة قائمة
أيضا، وبمخالفتها يتحقق موضوع القبح
العقلي (1).
سادسا - الإمام الخميني:
وحاصل ما أفاده هو: أن ترخيص
الشارع المكلف بترك ما علم بكونه مكلفا
به علما وجدانيا قبيح، بل مستحيل ذاتا
لاستلزامه تعلق إرادتين إحداهما بفعل
شئ والأخرى بتركه.
وأما ترخيصه لما قامت عليه الحجة
- لمصلحة ما - فليس قبيحا، لاحتمال
مصادفة الحجة للواقع، واحتمال عدمها،
فالترخيص ترخيص في مخالفة الحجة
(الأصل أو الأمارة) لا الواقع، وقد وقع
الخلط بين المقامين.
وعليه فلو ثبت شمول الأدلة
المرخصة لمثل أطراف العلم الإجمالي - من
الناحية الإثباتية - فلا مانع من العمل
بها (2).
وهكذا يظهر أنه من القائلين
- هنا - بالاقتضاء.
سابعا - السيد الخوئي:
استدل على حرمة المخالفة أولا

(1) نهاية الأفكار 3: 306.
(1) راجع نهاية الدراية 2: 242.
(2) تهذيب الأصول 2: 312.
530

بلزوم الترخيص في المعصية، وثانيا بلزوم
التناقض بين الحكم الظاهري الناظر إلى
الواقع مع العلم الوجداني. ثم قال ما
حاصله:
إنه لو قامت أمارة في كل من
الأطراف على خلاف المعلوم بالإجمال
- كما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين
وقامت البينة على طهارة أحدهما المعين،
وأخرى على طهارة الآخر - فلا ريب في
عدم حجية شئ من الأمارتين، لأن كلا
منهما يدل على طهارة الإناء الذي دل على
طهارته بالمنطوق، كما يدل على نجاسة
الإناء الآخر بالمفهوم، فينتهي ذلك إلى
تعارضهما ثم تساقطهما، كما هو الأصل في
باب التعارض.
هذا بالنسبة إلى الأمارات، وأما
بالنسبة إلى الأصول فملخص ما أفاده هو:
أنه لا مانع من جريانها لو لم يستلزم
مخالفة قطعية، وأما لو استلزم فلا، لقبحه
كما تقدم، والفارق بين الأمارات والأصول
هو: أن لوازم الأمارات حجة دون لوازم
الأصول، فلازم الأمارة القائمة على طهارة
أحد الإناءين نجاسة الآخر، وكذا العكس،
فيحصل التعارض، بخلاف الأصول فإن
لوازمها لا يعتنى بها، فلذلك لا يلزم من
جريانها تعارض، فيبقى المانع عن
جريانها هو لزوم المخالفة القطعية
وعدمه (1).
ثامنا - السيد الصدر:
يرى السيد الصدر أنه لا مانع
- من الناحية الثبوتية - من جريان
الأصول المرخصة في أطراف العلم
الإجمالي وذلك لعاملين:
الأول - أن حكم العقل بوجوب
الإطاعة وقبح المعصية حكم تعليقي
مشروط بعدم الترخيص الشرعي والإذن
من قبل المولى في المخالفة، لأن هذا الحكم
من أجل المولى وليس عليه.
الثاني - إن مرتبة الحكم الظاهري في
تمام الأطراف محفوظة بناء على تفسيره
للحكم الظاهري وكيفية الجمع بينه وبين
الحكم الواقعي، وبأنه إعمال الشارع
قوانين التزاحم بين أغراضه وتقديم الأهم
منها على غيرها في موارد الاشتباه والتردد
التي منها العلم الإجمالي، فإذا كان الغرض
الإلزامي المعلوم بالإجمال المشتبه بين

(1) مصباح الأصول 2: 346 - 348.
531

الطرفين أهم - في مقام الحفظ - من الغرض
الترخيصي المحتمل والمعلوم بالإجمال
أيضا في أحد الطرفين جعل إيجاب
الاحتياط، وإلا جعل الترخيص
والتسهيل الظاهري في تمام الأطراف
تماما كما هو الحال في موارد الشبهة
البدوية (1).
وبملاحظة هذه الآراء ومقايسة
بعضها ببعض تتضح النسبة بينها.
والحاصل:
أن كل من قال بالعلية يقول بعدم
إمكان جعل الأصول والأمارات في جميع
الأطراف، وكل من قال بالاقتضاء يقول
بإمكان جعلها. هذا ما يعبر عنه بمقام
الثبوت.
شمول أدلة الأمارات والأصول لأطراف
العلم الإجمالي وعدمه.
ويبقى مقام الإثبات وهو أن نلاحظ
أدلة نفس الأمارات والأصول هل تشمل
جميع الأطراف أو لا؟
اختلفت وجهات نظر الأصوليين في
ذلك كالآتي:
أما الشيخ فقد تقدم: أنه يظهر من
بعض كلماته أن نفس الأدلة لا تشمل
الأطراف، لتعارض صدر أدلتها مع ذيلها
كما في: " لا تنقض اليقين بالشك ولكن
انقضه بيقين آخر " و " كل شئ لك حلال
حتى تعرف أنه حرام " قال في باب
تعارض الاستصحابين:
" إذا لم يكن مرجح [أي في صورة
التعارض بين الاستصحابين في أطراف
العلم الإجمالي] فالحق التساقط دون
التخيير... لأن العلم الإجمالي هنا
بانتقاض أحد الضدين يوجب خروجهما
عن مدلول: لا تنقض، لأن قوله: " لا
تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين
مثله " يدل على حرمة النقض بالشك
ووجوب النقض باليقين، فإذا فرض اليقين
بارتفاع الحالة السابقة في أحد
المستصحبين، فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت
عموم حرمة النقض بالشك، لأنه مستلزم
لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله، ولا إبقاء
أحدهما المعين، لاشتراك الآخر معه في
مناط الدخول من غير مرجح، وأما
أحدهما المخير فليس من أفراد العام، إذ
ليس فردا ثالثا غير الفردين المتشخصين

(1) بحوث في علم الأصول 5: 176.
532

في الخارج، فإذا خرجا لم يبق شئ.
وقد تقدم نظير ذلك في الشبهة
المحصورة، وأن قوله عليه السلام: " كل شئ
حلال حتى تعرف أنه حرام " لا يشمل
شيئا من المشتبهين " (1).
ولكن استشكلوا عليه بأن ذلك إن
دل فإنما يدل على أن المانع من إجراء
الأصول التي تحتوي أدلتها على صدر
وذيل هو المانع الإثباتي، وهو المنافاة بين
التمسك بصدرها والتمسك بذيلها، وذلك
مثل ما دل - من الروايات - على
الاستصحاب والإباحة، أما غيرها فلا.
وأما المحقق النائيني، فيظهر منه:
أنه لا مانع من جريان الأصول المرخصة
- بقسميها التنزيلية وغيرها - في أطراف
العلم الإجمالي، لشمول قوله عليه السلام: لا
تنقض اليقين بالشك، وقوله صلى الله عليه وآله:
رفع ما لا يعلمون، وكل شئ لك حلال
حتى تعرف الحرام منه بعينه، وكل شئ
لك طاهر حتى تعلم أنه قذر " (2).
فإذا لم يكن في مقام الثبوت مانع
عن الجعل، لم يكن في مقام الإثبات مانع
من ذلك.
وأما المحقق العراقي، فقد صرح في
المقالات بعدم وجود مانع عن جريان
الأصول في حد ذاتها، لشمول أدلتها
للأطراف، لولا مؤثرية العلم الإجمالي
ومنعه من ذلك، فيكون المانع - في نظره -
ثبوتيا لا إثباتيا أيضا (1).
ويرى السيد الخوئي: أنه لا مانع
من شمول أدلة الأصول لجميع الأطراف
لولا المانع الثبوتي، ولذا يلتزم بجريانها فيما
لم يلزم منه المخالفة القطعية (العملية)، كما
إذا كان مفاد الأصل حكما الزاميا،
والمعلوم بالإجمال حكما غير إلزامي.
وأما الأمارات فيستحيل شمول
أدلتها لجميع الأطراف بلا فرق بين أن
يكون مؤدى الأمارات حكما إلزاميا
والمعلوم بالإجمال حكما غير إلزامي، أو
بالعكس، وذلك للزوم تعارضهما
وتكاذبهما، كما سبق بيانه (2).
وأما الإمام الخميني والسيد الصدر
فحاصل مدعاهما: أنه لا مانع من شمول
الأدلة المرخصة - في حد ذاتها - لأطراف

(1) فرائد الأصول: 744.
(2) فوائد الأصول 4: 18.
(1) مقالات الأصول 2: 85.
(2) مصباح الأصول 2: 350 - 351.
533

العلم الإجمالي، ولكن يجب رفع اليد عن
ذلك بسبب ارتكاز العقلاء، وأما كيفية
تفسير هذا الارتكاز فيختلفان فيه.
فالإمام الخميني يرى: أن
الترخيص في أطراف العلم الإجمالي الذي
ثبت الحكم فيه بالحجة يعد عند ارتكاز
العقلاء ترخيصا في المعصية وتفويتا
للغرض، وهذا وإن كان ترخيصا في مخالفة
الأمارة لا في المعصية، لكن ذلك بحسب
الدقة العقلية، أما بالنظر العرفي العقلائي
ترخيص في المعصية أيضا، فهذا الارتكاز
- الذي لم يثبت الردع عنه - يوجب
انصراف الأخبار [المرخصة] عامة عن
العلم الإجمالي المنجز إلى غيره مما هو غير
منجز كالشبهات الإجمالية غير المحصورة
أو غيرها، مما لا يكون الإذن فيه إذنا في
ارتكاب الحرام (1).
وأما السيد الصدر فيرى: أن
الارتكاز العقلائي لا يساعد على جعل
الترخيص الظاهري في جميع الأطراف،
ويرى فيه نحو مناقضة مع التكليف
الواقعي المعلوم بالإجمال رغم كونه ممكنا
عقلا، لأن الأغراض الإلزامية في
التكاليف لا يرفع اليد عنها - بعد
إحرازها - لمجرد غرض ترخيص آخر
محتمل أو معلوم مشتبه معه، إذ الأغراض
الترخيصية - في ارتكاز العقلاء - لا يمكن
أن تبلغ درجة بحيث تتقدم على غرض
إلزامي معلوم، وهذا الارتكاز يكون بمثابة
قرينة لبية متصلة بالخطاب تمنع عن انعقاد
إطلاق في أدلة الأصول لأطراف العلم
الإجمالي معا (1).
ثالثا - استلزام العلم الإجمالي لوجوب
الموافقة القطعية:
وبعد أن تبين حرمة المخالفة القطعية
ومنع جريان الأصول والأمارات المرخصة
في أطراف العلم الإجمالي ثبوتا أو إثباتا،
يأتي دور البحث في الموافقة القطعية.
والمقصود من الموافقة القطعية هو: الإتيان
بجميع الأطراف إذا كان المطلوب فعلا،
وتركها إذا كان تركا ليحصل القطع بموافقة
التكليف.
والسؤال المطروح هو: أنه هل

(1) تهذيب الأصول 2: 316.
(1) بحوث في علم الأصول 5: 181.
534

تجب الموافقة القطعية أو لا تجب، بمعنى
أنه يجوز جعل الترخيص في بعض
الأطراف؟ ويرجع هذا السؤال - في
الواقع - إلى السؤال عن أن العلم الإجمالي
هل هو علة لوجوب الموافقة أو مقتض له
لا أكثر؟ فعلى الأول تجب الموافقة ولا
يجوز الترخيص في بعض الأطراف، وعلى
الثاني تجب أيضا ولكن يجوز الترخيص
فيها.
وهنا مسلكان ذهب إلى كل منهما
بعض:
الأول - مسلك العلية ووجوب
الموافقة القطعية:
وهو الذي ذهب إليه المحققان
صاحب الكفاية وتلميذه العراقي، قال
الأول: " وقد انقدح أنه لا وجه لاحتمال
عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة
مخالفتها، ضرورة أن التكليف المعلوم
إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا،
وإلا لم يحرم مخالفته كذلك أيضا " (1).
وقال الثاني: " وأما الجهة الثانية:
فالتحقيق فيها أيضا هو علية العلم
الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية على
وجه يمنع عن مجئ الترخيص على
الخلاف ولو في بعض الأطراف " (1).
الثاني - مسلك الاقتضاء وإمكان
جعل الترخيص:
وهو الذي ذهب إليه المحقق النائيني
والسيد الخوئي والإمام الخميني والسيد
الصدر.
قال المحقق النائيني: " وأما الجهة
الثانية - أعني وجوب الموافقة القطعية
فالأقوى وجوبها أيضا، لأنه يجب عقلا
الخروج عن عهدة التكليف المعلوم
بالإجمال، وهو لا يحصل إلا بالاجتناب
عن جميع الأطراف.
نعم للشارع الإذن في ارتكاب
البعض والاكتفاء عن الواقع بترك الآخر
كما سيأتي بيانه... " (2).
ثم بدأ في بيان مختاره إلى أن قال:
" والحاصل: أن الذي لا بد منه عقلا
هو القطع بالخروج عن عهدة التكليف
والعلم بحصول المؤمن من تبعات مخالفته،
وهذا كما يحصل بالموافقة القطعية الوجدانية

(1) كفاية الأصول: 359 ط آل البيت (ع).
(1) نهاية الأفكار 3: 307.
(2) فوائد الأصول 4: 24.
535

بترك الاقتحام في جميع الأطراف، كذلك
يحصل بالموافقة القطعية التعبدية بترك
الاقتحام في بعض الأطراف مع الإذن
الشرعي في ارتكاب البعض الآخر، ولو
بمثل أصالة الإباحة والبراءة إذا فرض
جريانهما في بعض الأطراف بالخصوص
ولم يجريا في الطرف الآخر، ليقع المعارضة
بينهما " (1).
وقال السيد الخوئي:
" فتحصل من جميع ما ذكرناه في
المقام [أي في مناقشة صاحب الكفاية]:
أنه لا مانع من جعل الحكم الظاهري في
بعض الأطراف بحسب مقام الثبوت " (2).
قال الإمام الخميني:
"... وعليه فلا مانع من أن يقال:
إن العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة
القطعية في نظر العقلاء، بحيث يرى العقلاء
الإذن في الأطراف ترخيصا في المعصية
لكنه مقتض لوجوب الموافقة أي يحكم
بلزومها مع عدم ورود رخصة من المولى،
ولا يستنكر ورودها، كما لا يستنكر
ورودها في بعض موارد الاشتغال مع العلم
التفصيلي، كالشك بعد الفراغ ومضي
الوقت " (1).
وقال السيد الصدر:
" فالصحيح عدم علية العلم الإجمالي
لوجوب الموافقة القطعية، لأن حكم العقل
بالتنجيز معلق على عدم ورود ترخيص
شرعي مهما كان لسانه والترخيص
الشرعي في بعض الأطراف - بل وفي كل
الأطراف على ما عرفت - له نفس
الحيثيات المصححة لجعله في سائر
الموارد " (2).
كل ما تقدم كان من الناحية
الثبوتية، أي نحن والواقع ومن دون
ملاحظة نفس الأدلة.
وأما من الناحية الإثباتية - أي
ملاحظة نفس الأدلة - فالمعروف عدم
إمكان شمول أدلة الأصول والأمارات
المرخصة لبعض الأطراف دون بعض، لأن
جريانها في بعض في ضمن جريانها في كل
الأطراف باطل لاستلزامه المخالفة
القطعية، وجريانها في البعض المعين دون
البعض الآخر ترجيح بلا مرجح، لتساوي

(1) فوائد الأصول 4: 35.
(2) مصباح الأصول 2: 350.
(1) تهذيب الأصول 2: 322.
(2) بحوث في علم الأصول 5: 186.
536

نسبة دليل الأصل إلى كل الأطراف،
وجريانها في البعض المردد أي أحدها
غير المعين غير معقول، إذ لا معنى للفرد
المردد، لأنه لا وجود له.
شبهة التخيير:
أورد المحقق صاحب الكفاية (1)
- وتبعه تلميذه المحقق العراقي (2) - شبهة
على القول بالاقتضاء في وجوب الموافقة
القطعية يستفاد منها التخيير ومفادها
- بحسب بيان المحقق العراقي -:
أنه لو كان العلم الإجمالي مقتضيا
للموافقة القطعية وليس علة له، بمعنى أن
تنجيزه - بالنسبة للموافقة القطعية - متوقف
على عدم ورود ترخيص في بعض
أطرافه، لكان إطلاق دليل الأصل وافيا
لإثبات مثل هذا الترخيص وموجبا لعدم
تنجيزه، لأن إطلاق " رفع ما لا يعلمون "
يثبت الترخيص في أحد الطرفين - الذي
أجري فيه الأصل - سواء أتى المكلف
بالطرف الآخر أو لا؟ وكذا إطلاقه في
الطرف الآخر يثبت الترخيص فيه سواء
أتى المكلف بالطرف الآخر أو لا وعندئذ
يقع التعارض بين الإطلاقين، فنرفع اليد
عن الإطلاق بمقدار ما يندفع به محذور
التعارض، فنقيد جريان " ما لا يعلمون "
في أحد الطرفين بقيد وهو عدم ارتكاب
الطرف الآخر، وهكذا بالنسبة إلى الطرف
الثاني، فينتج ذلك، الترخيص في ارتكاب
كل طرف بشرط عدم ارتكاب الطرف
الآخر، وهذا معنى التخيير، فلا بد للقائل
بالاقتضاء أن يلتزم بالتخيير، ولم يلتزم به
أحد.
وهناك محاولات للإجابة عن هذه
الشبهة منها:
ما ذكره المحقق النائيني: من أن
التخيير إما أن يكون لأجل اقتضاء الدليل
- الكاشف عن الحكم - لذلك، كما إذا ورد
عام كقوله: " أكرم العلماء " وعلم بخروج
زيد وعمرو عن العام، ولكن شك في أن
خروجهما هل هو على نحو الإطلاق، بحيث
لا يجب إكرام كل منهما في حال من
الأحوال؟ أو أن خروج كل منهما مقيد
بعدم خروج الآخر، بمعنى أن يكون عدم
وجوب إكرام كل منهما مقيدا بحال إكرام

(1) درر الفوائد: 235 ط وزارة الإرشاد. ذيل
قوله: " فلا يبقى مجال للإذن في أحدهما... ".
(2) نهاية الأفكار 3: 317.
537

الآخر؟
ولكن لما كان الثاني هو القدر
المتيقن فيلتزم به ويحكم بخروج كل منهما
مقيدا بعدم خروج الآخر.
وإما أن يكون لأجل اقتضاء
المدلول (أي المنكشف) كما في موارد
التزاحم بين الواجبين في مقام الامتثال
لعدم القدرة على الجمع بينهما، فإذا فرض
تساوي الصلاة المنذورة مع صلاة الآيات
ولم يسع الوقت لإتيانهما معا، فيحكم
العقل بالتخيير، أما دليل كل منهما - أي
دليل وجوب الآيات ودليل ووجوب
الصلاة المنذورة - مطلق غير مقيد بصورة
إتيان الآخر أو عدمه.
وما نحن فيه ليس من قبيل الأول،
لأن دليل اعتبار كل أصل من الأصول
العملية إنما يقتضي جريانه عينا سواء
عارضه أصل آخر أو لا.
ولا من قبيل الثاني، لأن المدلول
- وهو المنكشف والمجعول - في باب
الأصول ليس إلا الحكم بتطبيق العمل على
مؤدى الأصل بشرط الجهل بالواقع
وإمكان الحكم على مؤدى الأصل بأنه
الواقع، وعدم لزوم المخالفة العملية، ولكن
لما كان جريان الأصول في جميع الأطراف
مستلزما للمخالفة العملية (القطعية) فلا
يمكن جعل الأصول في جميع الأطراف
ليحصل التزاحم ثم يحكم بالتخيير على
أثره.
نعم يمكن أن يكون المجعول أحدها
تخييرا، إلا أنه لا دليل على ذلك لا من
ناحية أدلة الأصول، ولا من ناحية
المجعول فيها (1).
رابعا - أركان منجزية العلم الإجمالي:
لا بد من توفر عدة عناصر في العلم
الإجمالي كي يكون منجزا فتحرم مخالفته
وتجب موافقته القطعيتين، وتلك العناصر
هي:
أولا - العلم بجامع التكليف، إذ لولا
العلم بالجامع لكانت الشبهة في كل طرف
شبهة بدوية تجري فيها البراءة.
ولا فرق بين أن يكون العلم
- بالجامع - علما وجدانيا أو تعبديا.
ثانيا - عدم سراية العلم بالجامع إلى
أحد الفردين - مثلا - إذ لو كان الجامع

(1) فوائد الأصول 4: 28 - 31.
538

معلوما ضمن فرد خاص لكان علما
تفصيليا لا إجماليا، كما إذا علم بنجاسة
أحد الإناءين معينا، ثم حصل له العلم
إجمالا بنجاسة أحد الإناءين، فالعلم
الإجمالي ينحل إلى علم تفصيلي بنجاسة
الإناء المعين - المعلوم نجاسته سابقا - وشك
بدوي في نجاسة الإناء الآخر، فتجري فيه
أصالة الطهارة وأصالة الإباحة وما شابه
ذلك.
ثالثا - أن يكون كل طرف من
أطراف العلم الإجمالي مشمولا - في حد
ذاته - لدليل الأصل الترخيصي مع غض
النظر عن مسألة التعارض بين الأصول
الجارية في الأطراف، لأن منجزية العلم
الإجمالي إنما تكون بعد تساقط الأصول في
أطراف العلم، فلو كان أحد الأطراف غير
مشمول لدليل الأصل المؤمن - لسبب أو
لآخر - جرى الأصل في الطرف الآخر من
دون محذور.
هذا على مسلك الاقتضاء.
وأما على مسلك العلية فلا بد من
تغيير التعبير بأن يقال: أنه لا بد أن
يكون العلم الإجمالي صالحا للتنجيز على
جميع التقادير، فإذا لم يكن كذلك في أحد
الأطراف فلا يكون منجزا، لأنه لا
يصلح للتنجيز حينئذ إلا على بعض
التقادير، فيكون كالشبهة البدوية بالنسبة
إلى الطرف الآخر فتجري فيه الأصول
المرخصة فلا يكون منجزا بالنسبة إليه، كما
أنه لو كان الطرف الأول موردا للأصل
أو الأمارة الإلزامية لكان منجزا في حد
ذاته، ولا يمكن أن يتنجز بالعلم الإجمالي
ثانية.
رابعا - أن يكون جريان الأصول في
أطراف العلم مؤديا إلى الترخيص في
المخالفة القطعية بحيث يمكن تحققها في
الخارج إما بإذن من الشارع أو باختيار
من المكلف، وأما لو لم تكن المخالفة القطعية
ممكنة حتى مع الإذن فيها، لعدم قدرة
المكلف عليها كما في موارد الشبهة غير
المحصورة، وخروج بعض الأطراف عن
محل الابتلاء ونحو ذلك، فلا محذور من
إجراء البراءة (1).
خامسا - فقد العلم الإجمالي أثره التنجيزي:
هناك موارد يفقد العلم الإجمالي

(1) راجع: بحوث في علم الأصول 5: 202 -
203.
539

منجزيته فيها، نشير إليها فيما يلي
باختصار، ونحيل البحث التفصيلي إلى
مظانه، البحث عن العلم الإجمالي وموارد
أخرى مناسبة.
أولا - كثرة الأطراف:
لو كثرت أطراف العلم الإجمالي
بحيث لم يمكن المخالفة القطعية عادة - وإن
أمكن ذلك عقلا - فالمعروف أنه لا تجب
الموافقة القطعية كما إذا علمنا بحرمة شاة
من شياه البلد، فلا يجب الاجتناب من
جميع الشياه، نعم يكفي الاجتناب عن
بعضها.
ولكن لم يرتض صاحب الكفاية (1)
ذلك وإنما جعل المدار في عدم المنجزية
حصول العسر والحرج والضرر بلزوم
الاجتناب عن جميعها، فإذا كانت كثرة
الأطراف تستلزم ذلك فلا يكون العلم
الإجمالي فعليا وإلا فهو فعلي وإن كثرت
أطرافه.
ثانيا - الخروج عن القدرة أو عن
محل الابتلاء:
والمراد من الخروج عن محل الابتلاء
هو أن يكون الطرف غير مقدور عادة
للمكلف، أو منصرفا عنه بحيث لا يفكر
في ارتكابه، كما لو علم بحرمة أكل الطعام
الذي بيده أو الطعام الذي بيد الملك أو
الصعلوك الذي لا يرغب في الأكل منه ولا
129 - 130.
كر فيه يوما ما.
وقيل (1): إن الشيخ الأنصاري هو
أول من اعتبر هذا الشرط مضافا إلى
الشرائط العامة في كل تكليف - كالبلوغ
والعقل والقدرة و... - حيث قال:
" وجوب الاجتناب عن كلا
المشتبهين إنما هو مع تنجز التكليف بالحرام
الواقعي على كل تقدير... وكذا - يعني لا
يجب الاجتناب عن الآخر - لو كان
ارتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا، لكن
المكلف أجنبي عنه، وغير مبتلى به بحسب
حاله... " (2).
واختار المشهور عدم منجزية العلم
الإجمالي فيه، وخالفهم السيد الخوئي (3)
فقال: إن المعتبر كون جميع الأطراف

(1) الكفاية: 359، 362 ط آل البيت.
(1) منتهى الدراية 6: 77.
(2) فرائد الأصول 2: 420 التنبيه الثالث من
تنبيهات الشبهة المحصورة.
(3) مصباح الأصول 2: 396.
540

مقدورا للمكلف لا عدم كون بعضها
خارجا عن محل الابتلاء، وأن الغالب في
الأمثلة التي ذكروها لخروج بعض
الأطراف عن محل الابتلاء إنما هي أمثلة
لخروج بعض الأطراف عن القدرة.
ثالثا - الاضطرار إلى بعض الأطراف:
إذا اضطر المكلف إلى ارتكاب
بعض أطراف العلم الإجمالي، فلا إشكال
في رفع الحرمة عما اضطر إليه، ولكن هل
ترتفع بالنسبة إلى الطرف الآخر، أو يبقى
العلم الإجمالي على منجزيته ويوجب
حرمة الطرف الآخر؟
وللإجابة على هذا السؤال قسموا
الاضطرار - هنا - إلى قسمين: الاضطرار
إلى فرد معين من الطرفين، والاضطرار
إلى فرد غير معين، وكل منهما قد يكون
الاضطرار فيه حادثا بعد العلم بالتكليف،
وتارة قبل التكليف، وتارة بعد التكليف
وقبل العلم به. ولكن لا يفترق الحال
بالنسبة إلى ما كان فيه الاضطرار إلى فرد
غير معين، فتكون الحالات المبحوث عنها
أربعا نشير إليها فيما يلي:
1 - أن يكون الاضطرار إلى المعين
بعد العلم بالتكليف:
كما إذا علم إجمالا بوقوع نجاسة في
الإناء الذي فيه ماء، أو في الإناء الذي
فيه دواء، ثم اضطر إلى شرب الدواء،
فالمعروف - كما ذهب إليه الشيخ والمحققان
النائيني والعراقي ومن تأخر عنهما - هو أن
الاضطرار لا يمنع من منجزية العلم
الإجمالي بالنسبة إلى الطرف الآخر فيجب
الاجتناب عنه وإن اختلفت تعليلاتهم في
ذلك.
وأما صاحب الكفاية فقد خالفهم في
الكفاية (1) فالتزم بعدم منجزية العلم
الإجمالي بسبب الاضطرار، لكنه وافقهم في
حاشيته على الفرائد (2).
2 - أن يكون الاضطرار إلى المعين
قبل التكليف:
كما إذا اضطر إلى شرب الدواء ثم
علم إجمالا بوقوع نجاسة إما في الإناء
الذي فيه الدواء وإما في غيره، فالمعروف
بينهم عدم منجزية هذا العلم، لأنه لا
يوجب تكليفا جديدا بالنسبة إلى الإناء
الذي فيه الدواء إذ هو مباح بالاضطرار،
وأما الإناء الآخر فوقوع النجاسة فيه

(1) كفاية الأصول: 360.
(2)
541

مجرد احتمال بدوي تجري فيه البراءة.
3 - أن يكون الاضطرار حادثا بعد
التكليف وقبل العلم به في المعين:
كما إذا اضطر إلى شرب الدواء أولا
ثم علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحد
الإناءين قبل حصول الاضطرار.
والمعروف في هذه الصورة عدم
منجزية العلم الإجمالي أيضا إلا أن المحقق
النائيني كان قد اختار في دوراته السابقة
المنجزية، لأنه قد تعلق العلم بثبوت
التكليف قبل الاضطرار، فلو كان في
الطرف المضطر إليه فهو ساقط بسبب
الاضطرار، ولو كان في الطرف الآخر فهو
باق لعدم عروض المسقط له، لأن الشك
- هنا - شك في سقوط التكليف بعد ثبوته
وهو مورد لقاعدة الاشتغال.
لكنه رجع عنه في دورته الأخيرة،
وأقام وجوها على بطلانه منها:
إن هذا خلط بين الشك في تحقق
الاضطرار المسقط للتكليف الثابت، وبين
الشك في ثبوت التكليف، وسقوطه
بالاضطرار، وما نحن فيه من قبيل الثاني،
والذي هو مورد لقاعدة الاشتغال هو
الأول (1).
4 - الاضطرار إلى غير المعين:
كما إذا اضطر إلى شرب أحد
الإناءين بشكل غير معين، وهنا لا فرق
بين أن يكون الاضطرار قبل العلم أو
بعده، فللمكلف أن يشرب أحد الإناءين
للاضطرار، ولكن هل يحرم شرب الآخر
للعلم الإجمالي أو لا؟
المعروف هو وجوب الاحتياط،
وحرمة تناول الآخر، لأن الاضطرار إنما
تعلق بالجامع بين الفردين (الحلال
والحرام)، والمحرم - واقعا - هو أحدهما
المعين، فما هو المحرم غير مضطر إليه
لترتفع حرمته بالاضطرار وما هو مضطر
إليه (أي الجامع) غير محرم، وبعد شرب
أحد الإناءين يرتفع الاضطرار ويبقى
الطرف الآخر على حرمته.
ولكن خالف صاحب الكفاية
المشهور - في ذلك - فالتزم بعدم منجزية
العلم الإجمالي بسبب الاضطرار (2).

(1) أجود التقريرات 2: 265.
(2) الكفاية: 360 ط آل البيت.
542

سادسا - انحلال العلم الإجمالي:
وهو بمعنى تبدل العلم الإجمالي إلى
علم تفصيلي وشك بدوي بحيث يفقد العلم
الإجمالي خصائصه، كما إذا علم المكلف
بوقوع نجاسة في أحد الإناءين ثم قامت
بينة على أنها وقعت في أحدهما المعين،
فحينئذ يجب الاجتناب عن ذلك المعين
لحصول العلم - ولو علما تعبديا - بوقوع
النجاسة فيه، أما الآخر فلا، لأن الشك
بالنسبة إليه يكون ابتدائيا.
وأهم عوامل الانحلال هي:
1 - خروج بعض الأطراف عن
قدرة المكلف.
2 - خروج بعضها عن محل الابتلاء.
3 - الاضطرار إلى بعض الأطراف
على التفصيل المتقدم.
4 - حصول علم ثانوي تفصيلي
يوجب تعيين التكليف (الاجتناب) في
أحد الأطراف كالمثال السابق.
5 - وبعض فروض أخرى مختلف في
كونها سببا للانحلال.
ويأتي تفصيل ذلك في عنوان " العلم
الإجمالي ".
ثانيا - الاحتياط الشرعي
وهو حكم الشارع بلزوم الإتيان
بجميع محتملات التكاليف أو اجتنابها مع
الإمكان، عند الشك والعجز عن تحصيل
الواقع (1).
موارده:
من الواضح أن الاحتياط الشرعي
هو الذي يحكم به الشرع مع غض النظر
عن حكم العقل به أو بعدمه، نعم قد يحكم
الشرع بالاحتياط ولكن يكون ناظرا في
حكمه هذا إلى حكم العقل، فيكون حكمه
تنبيها وإرشادا إلى حكم العقل، ولذلك
يعبر عنه بالحكم الإرشادي، وعليه فإن
دل دليل شرعي - من كتاب أو سنة مثلا -
على لزوم الاحتياط في موارد العلم
الإجمالي، أو في الشك في الفراغ بعد العلم
بالتكليف تفصيلا، أو في الشبهات البدوية
قبل الفحص فيحمل - ذلك الدليل - على
الإرشاد إلى حكم العقل بالاحتياط في
ذلك المورد، كما ستأتي الإشارة إليه.
نعم يبقى مورد واحد يكون

(1) الأصول العامة: 495.
543

موضوعا للاحتياط الشرعي بالاتفاق،
ومورد واحد مختلف فيه بين الأصوليين
والأخباريين.
أما الأول فهو الاحتياط في الأمور
ذات الأهمية كالدماء، ولا فرق في ذلك
بين الشبهتين: الحكمية والموضوعية.
وأما الثاني فهو الاحتياط في
الشبهات البدوية الحكمية التحريمية بعد
الفحص. وسنشير إلى إجمال ذلك فيما
يلي:
أولا - الاحتياط في الأمور المهمة:
لا يشك من له أدنى معرفة بمذاق
الشريعة وأسلوبها ومعاملتها مع القضايا،
أنها رغبت في الاحتياط في الأمور ذات
الأهمية مثل الدماء، فلا يعذر من قتل
إنسانا من دون ترو وتأمل بمجرد احتمال
كونه مهدور الدم، فإنه يلام على ذلك.
وهذا الأمر وإن لم يبحثوا حوله في
الأصول إلا أنهم التزموا به عملا في
الفقه، وربما أشارت إلى ذلك بعض
الروايات.
ثانيا - الاحتياط في الشبهات
التحريمية:
اختلف الأصوليون والأخباريون
- كما تقدم - في لزوم الاحتياط في الشبهات
البدوية التحريمية بعد الفحص - بعد اتفاقهم
على لزومه قبله بحكم العقل - فذهب
الأخباريون إلى لزومه، ولكن اختار
الأصوليون عدمه، واستدل الأخباريون
بالكتاب والسنة على لزوم الاحتياط،
فلذلك يكون هذا الاحتياط - لو ثبت
بتلك الأدلة - احتياطا شرعيا، ولكن
الأصوليين ناقشوا تلك الأدلة وفندوها،
وإليك الأدلة ومناقشاتها باختصار:
الاستدلال بالكتاب:
أما الكتاب، فقد استدلوا بعدة
آيات منه كلها لا تنهض بالمطلوب وهي:
1 - قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس
لك به علم) (1).
بتقريب: أن القول بالبراءة في
الشبهة الحكمية التحريمية قول بغير علم.
ونوقش (2):
بأن حرمة القول بغير علم مما لا

(1) الإسراء: 36.
(2) هذه المناقشات عامة ذكرها غالبهم، وإنما
نشير إلى بعض المصادر لمزية في البيان أو
زيادة في الدليل.
544

خلاف فيه بين الأصولي والأخباري، وإنما
الخلاف في الواقع الخارجي، فإن الأصولي
يقول: إن الالتزام بالبراءة بعد الفحص
عن الدليل واليأس عنه ليس قولا بغير
علم، بل إنه مستند إلى دليل وهو ما يدل
على البراءة. كما أن الأخباري لا يرى
القول بالاحتياط قولا بغير علم، بل قولا
مستندا إلى ما يدل على الاحتياط (1).
2 - قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة) (2).
بتقريب: أن الاقتحام في الشبهة
يجعل الإنسان في معرض الهلاك. ولكن
رد ذلك:
أولا - من جهة أن الاحتمالات
المتصورة في الآية ثلاثة:
ألف - أن تكون الآية خطابا مستقلا
غير مرتبط بما تقدمه، فيكون مفادها ما
تقدم وتدل على المطلوب.
ب - أن تكون الآية مرتبطة بما
تقدمها من الآيات حيث دلت على
الترغيب إلى الإنفاق - كما جاء في
صدرها: (وانفقوا في سبيل الله ولا
تلقوا...) فتكون الآية شرطا للإنفاق
وتقييدا له، فيكون مفادها مفاد قوله
تعالى: (ولا تبسطها كل البسط) (1). أي
أنفقوا ولكن لا تنفقوا كل أموالكم بحيث
تلقون أنفسكم إلى الهلاك والفقر.
ج - أن تكون الآية تكرارا سلبيا لما
سبقها من الأمر بالإنفاق من قبيل: " صل
أرحامك ولا تشغل نفسك بخصومتهم... "
فيكون المقصود من الآية، إن ترك الإنفاق
في سبيله تعالى يؤدي إلى الهلاك.
كانت هذه هي الاحتمالات
المتصورة، وإنما يتم الاستدلال على
الاحتمال الأول فقط، ومع هذه الاحتمالات
وعدم تعيين الأول منها لم يتم الاستدلال.
ثانيا - وعلى فرض تعينه، فإنها
سوف تكون إرشادا إلى الحذر من الوقوع
فيما فيه الهلاك، ولا بد من تحقق عنوان
الهلاك أولا لتشمله الآية، وذلك إنما يتحقق
مع تنجز التكليف كما في موارد العلم
التفصيلي بالتكليف والشك في الفراغ،
وموارد العلم الإجمالي، أما في صورة
الشك في أصل التكليف - كما في الشبهات

(1) مصباح الأصول 2: 298.
(2) البقرة: 195.
(1) الإسراء: 29.
545

البدوية بعد الفحص - فلا تنجز كي يتحقق
الهلاك بمخالفته الذي هو موضوع الآية (1).
ثالثا - قوله تعالى: (اتقوا الله حق
تقاته) (2)، وقوله تعالى: (فاتقوا الله ما
استطعتم) (3).
ووجه الاستدلال بهما هو:
أن غاية التقوى تقتضي الاجتناب
في الشبهات، وعدم الاقتحام فيها أو عدم
المبالاة بها.
والجواب عن ذلك هو:
أن اقتحام الشبهة مع وجود المؤمن
الشرعي لا ينافي التقوى بحال، ومع قيام
أدلة البراءة، فالمؤمن حاصل من الشارع،
وأي محذور في اتباع رخص الشارع بعد
ثبوتها عنه؟
نعم حق التقوى هو إتيان المندوبات
وترك التعرض للمكروهات والمشتبهات،
وذلك مما لا إشكال في رجحانه عقلا
وشرعا، فيكون مفاد الآية مفاد قوله
تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (4)
حيث تدل على استحباب التقوى (1).
فاتضح إذن إن شيئا من الآيات لا
يدل على لزوم الاحتياط في الشبهات
البدوية، وإن دل فإنما يدل على الإرشاد
إلى حكم العقل بلزوم الاحتياط في الموارد
التي يكون التكليف فيها منجزا كموارد
العلم الإجمالي، أو على حسن الاحتياط
ورجحانه في ما لم يتنجز فيه التكليف
كالموارد المبحوث عنها، وهو مما لا شك
فيه، وذلك غير لزوم الاحتياط فيه.
الاستدلال بالسنة:
أما السنة فهناك أربع طوائف من
الروايات - كما ذكر الشيخ - استدل بها
على لزوم الاحتياط وهي كالآتي.
الطائفة الأولى:
وهي الأخبار الدالة على حرمة
القول بغير علم، كقوله عليه السلام في خبر
زرارة: قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام ما
حق الله على العباد؟
قال: أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا
عندما لا يعلمون " (2).

(1) بحوث في علم الأصول 5: 83.
(2) آل عمران: 102.
(3) التغابن: 16.
(4) الحجرات: 13.
(1) نهاية الأفكار 3: 242.
(2) الكافي 3: 42 كتاب فضل العلم باب النهي
عن القول بغير علم الحديث (7).
546

ويظهر الجواب عنها مما ذكر في
الجواب عن الآيات (1) إذ القول بالبراءة
استنادا إلى الدليل ليس قولا بغير علم.
الطائفة الثانية:
وهي الأخبار الدالة على وجوب
التوقف عند الشبهة مثل:
1 - ما جاء في ذيل مقبولة عمر بن
حنظلة: "... فإن الوقوف عند الشبهة
خير من الاقتحام في الهلكات " (2).
2 - خبر مسعدة بن زياد عن جعفر
الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: " لا تجامعوا في النكاح
على الشبهة، وقفوا عند الشبهة - إلى أن
قال: - فإن الوقوف عند الشبهة خير من
الاقتحام في الهلكة " (3).
3 - رواية أبي سعيد عن أبي جعفر
عليه السلام قال: " الوقوف عند الشبهة خير
من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثا
لم تروه خير من روايتك حديثا
لم تحصه " (1).
والجواب عنها:
أولا - إن الوقوف - في هذه
الروايات - قد جعل فيها مقابلا للاقتحام
الذي هو عبارة عن الإقدام بلا تريث وبلا
روية، فيكون النهي عن الاقتحام نهيا عن
الدخول بلا تريث ومبالاة ومدرك شرعي،
وإذا كان الدخول مع التأني والتريث
مستندا إلى دليل شرعي فلا يكون
اقتحاما، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأن
المقدم على البراءة يستند إلى حكم العقل
والنقل (2).
ثانيا - إن هذه الطائفة عللت التوقف
بأنه خير من الاقتحام في الهلكة ولا يصح
هذا التعليل إلا أن تكون الهلكة مفروضة
التحقق في ارتكاب الشبهة مع قطع النظر
عن هذه الأخبار الآمرة بالتوقف، فيختص
موردها بالشبهة البدوية قبل الفحص
والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، وبذلك
يتضح: أن الأمر فيها للإرشاد إلى حكم
العقل بلزوم الاحتياط في الموردين

(1) فرائد الأصول 1: 340.
(2) الوسائل 18: 114 الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 9.
(3) نفس المصدر، الحديث 15.
(1) نفس المصدر، الحديث 2.
(2) بحوث في علم الأصول 5: 91.
547

المذكورين (1).
الطائفة الثالثة:
أخبار التثليث، ومفاد هذه الأخبار
تقسيم الأمور إلى ثلاثة: معلوم الحرمة،
ومعلوم الحلية ومشكوك الحلية والحرمة.
والأمر باجتناب المشكوك، ومن هذه
الروايات:
1 - رواية جميل بن صالح عن أبي
عبد الله عليه السلام عن آبائه، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل:
" الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه،
وأمر تبين لك غيه فاجتنبه، وأمر اختلف
فيه، فرده إلى الله عز وجل " (2).
وأهم ما يرد عليها هو: أنه بعد
قيام أدلة البراءة عقلا وشرعا سوف
تكون الشبهة البدوية بعد الفحص داخلة
فيما هو بين رشده كما هو الحال في
الشبهات الموضوعية حيث تكون خارجة
عن هذه الروايات، لجريان أدلة البراءة
فيها، والملاك في الجميع ثبوت الترخيص
المانع عن صدق المشتبه على المشكوك فيه
حقيقة، وإن صح إطلاقه عليه بالعناية
باعتبار التردد في حكمه الواقعي (1).
2 - مقبولة عمر بن حنظلة، عن
أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: " وإنما
الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر
بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه
إلى الله ورسوله، قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: حلال بين، وحرام بين،
وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا
من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب
المحرمات، وهلك من حيث لا
يعلم... " (2).
ويرد على هذه الرواية من الإشكال
ما ورد على الأولى منها.
الطائفة الرابعة:
وهي الأخبار الآمرة بالاحتياط
كقوله عليه السلام: " أخوك دينك فاحتط
لدينك " (3) وقوله عليه السلام: " خذ بالاحتياط

(1) نهاية الأفكار 3: 243، ومصباح الأصول
2: 299.
(2) الوسائل 18: 118 الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 23.
(1) مصباح الأصول 2: 301.
(2) الوسائل 18: 114 الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 9.
(3) الوسائل 18: 123 الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 41.
548

في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا " (1).
والاستدلال بها واضح ولكن
ناقشوها:
أولا - بأن هذه الأخبار تشمل
- بإطلاقها - الشبهات الموضوعية والشبهات
الحكمية الوجوبية أيضا، مع أنه لا يجب
فيها الاحتياط باعتراف الأخباريين فلا بد
إما من تخصيصها بالشبهات التحريمية،
والحال أنها تأبى عن التخصيص، وإما من
حملها على الاستحباب أو على مطلق
رجحان الاحتياط الشامل للوجوب
والاستحباب.
ثانيا - إن حسن الاحتياط مما
استقل به العقل، وظاهر هذه الأخبار هو
الإرشاد إلى هذا الحكم العقلي، فيكون
تابعا لما يرشد إليه، وهو يختلف باختلاف
الموارد، ففي بعضها يكون الاحتياط
واجبا، كما في الشبهة قبل الفحص
والمقرونة بالعلم الإجمالي، وفي بعضها
يكون مستحبا كما في الشبهة البدوية بعد
الفحص (2).
إذن، أن أخبار الاحتياط لو تمت
دلالتها على اللزوم فإنما تدل على لزوم
الاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم
الإجمالي، والشبهات البدوية قبل الفحص،
ودلالتها على هذا المقدار يكون إرشادا
إلى حكم العقل بلزوم الفراغ، ولا تدل
على لزوم الاحتياط في الشبهات البدوية
بعد الفحص مطلقا سواء في الشبهات
الوجوبية أو التحريمية.
حسن الاحتياط شرعا:
بعد الفراغ عن عدم تمامية شئ مما
استدل به على لزوم الاحتياط في الشبهات
البدوية بعد الفحص، يقع البحث عن مجرد
حسنه واستحبابه، والكلام تارة يقع في
حكم الاحتياط في الشبهة البدوية عموما،
وتارة في خصوص العبادات.
أولا - حسن الاحتياط مطلقا:
ذهب المشهور إلى حسن الاحتياط
عقلا واستحبابه شرعا - في العبادات
والتوصليات مطلقا - تمسكا بالأخبار التي
استدل بها الأخباريون، فإنها لا إشكال
في دلالتها على أصل الرجحان
والاستحباب في نفسها أو بعد الجمع بينها

(1) الوسائل 18: 127 الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديث 54.
(2) مصباح الأصول 2: 301.
549

وبين أدلة البراءة.
نعم يظهر من الشيخ التردد بين
كونها كذلك - أي دالة على الاستحباب
الشرعي - أو كونها إرشادا إلى حكم العقل
بحسن الاحتياط، واختار المحقق النائيني
كونها إرشادا إلى حكم العقل. قال
الشيخ:
" لا إشكال في رجحان الاحتياط
عقلا ونقلا كما يستفاد من الأخبار
المذكورة وغيرها.
وهل الأوامر الشرعية للاستحباب
فيثاب عليهما وإن لم يحصل به الاجتناب
عن الحرام الواقعي، أو غيره، بمعنى كونه
مطلوبا لأجل التحرز عن الهلكة المحتملة
والاطمئنان بعدم وقوعه فيها، فيكون
الأمر به إرشاديا لا يترتب على موافقته
ومخالفته سوى الخاصية المترتبة على الفعل
أو الترك، نظير أوامر الطبيب، ونظير
الأمر بالإشهاد عند المعاملة لئلا يقع
التنازع؟ وجهان... ".
ثم ذكر تفصيل الوجهين ورجح
كون الأوامر بالاحتياط إرشادا إلى حكم
العقل بحسن الاحتياط. ثم قال بعد ذلك:
ولا يبعد التزام ترتب الثواب عليه،
من حيث إنه انقياد وإطاعة حكمية،
فيكون حينئذ حال الاحتياط والأمر به
حال نفس الإطاعة الحقيقية والأمر بها، في
كون الأمر لا يزيد فيه على ما ثبت فيه
من المدح أو الثواب لولا الأمر.
هذا، ولكن الظاهر من بعض الأخبار
المتقدمة مثل قوله عليه السلام: " من ارتكب
الشبهات نازعته نفسه إلى أن يقع في
المحرمات "... هو كون الأمر به للاستحباب،
وحكمته أن لا يهون عليه ارتكاب
المحرمات المعلومة، ولازم ذلك استحقاق
الثواب على إطاعة أوامر الاحتياط مضافا
إلى الخاصية المترتبة على نفسه " (1).
وقال المحقق النائيني قدس سره: " لا
إشكال في رجحان الاحتياط عقلا في
جميع أقسام الشبهة التحريمية والوجوبية
الحكمية والموضوعية.
وفي استحبابه الشرعي من جهة
أوامر الاحتياط إشكال، لاحتمال أن
تكون الأخبار الواردة في الباب - على
كثرتها - للإرشاد إلى ما يستقل به العقل
من حسن الاحتياط تحرزا عن الوقوع في

(1) فرائد الأصول: 359 - 360.
550

المفسدة الواقعية وفوات المصلحة النفس
الأمرية، وحكم العقل برجحان الاحتياط
وحسنه إنما يكون طريقا إلى ذلك، لا أنه
نشأ عن مصلحة في نفس ترك ما يحتمل
الحرمة وفعل ما يحتمل الوجوب، بحيث
يكون ترك المحتمل وفعله بما أنه محتمل
ذا مصلحة يحسن استيفاؤها عقلا " (1).
وأما عند غير هذين العلمين
فالمعروف هو القول بالاستحباب
الشرعي، قال صاحب الكفاية:
" الثاني - إنه لا شبهة في حسن
الاحتياط شرعا وعقلا في الشبهة الوجوبية
والتحريمية في العبادات وغيرها، كما لا
ينبغي الارتياب في استحقاق الثواب فيما
إذا احتاط وأتى أو ترك بداعي احتمال
الأمر أو النهي " (2).
وهكذا أو قريب منه قال غيره ممن
اختار القول باستحباب الاحتياط.
ثانيا - الاحتياط في العبادات:
بعد أن تبين حسن الاحتياط شرعا
- بصورة عامة - يأتي دور البحث عن
إمكان تحققه خارجا في العبادات، إذ
هناك إشكال أورده الشيخ على الاحتياط
في العبادات وحاصله:
إن العبادة لا بد فيها من نية التقرب
وهي متوقفة على العلم بأمر الشارع
تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات
الأربع عند اشتباه القبلة، فإذا لم يكن أمر
كذلك فلا يمكن قصد التقرب ولا يقع
الفعل المأتي به عبادة (1).
وقد أجيب عن الإشكال بأنحاء
مختلفة حتى قال المحقق النائيني - حسب
ما ورد في التقريرات -: " لكن الإنصاف:
أنه ما كان ينبغي أن يجري هذا الإشكال
على قلم الشيخ فضلا عن أن يختاره
ويقويه " (2).
والجامع بين الأجوبة هو:
إن العلم الجزمي بالأمر - سواء كان
تفصيلا أو إجمالا - وإتيان المأمور به
بداعي ذلك الأمر ليس شرطا في عبادية
العبادة، إذ يكفي في عبادية الشئ مجرد
إضافته إلى المولى، ومن الواضح أن

(1) فوائد الأصول 3: 398.
(2) كفاية الأصول: 350 ط آل البيت (ع).
(1) فرائد الأصول: 381 التنبيه الثاني من
المسألة الأولى من المطلب الثاني (دوران
الأمرين بين الوجوب وغير الحرمة).
(2) فوائد الأصول 3: 400.
551

الإتيان بالعمل برجاء المحبوبية واحتمال
أمر المولى من أحسن أنحاء الإضافة،
والحاكم بذلك هو العقل والعرف، بل هو
أعلى وأرقى من امتثال الأمر الجزمي، إذ
ربما يكون الانبعاث إليه لأجل الخوف من
العقاب، وهو غير محتمل في فرض عدم
وصول الأمر والإتيان بالعمل برجاء
المطلوبية.
هذا مضافا إلى أن اعتبار الجزم
بالأمر - على تقدير التسليم - مختص
بصورة التمكن.
راجع: الاحتياط في القسم الفقهي.
أحكام
لغة:
جمع حكم.
راجع: حكم.
أخبار
لغة:
جمع خبر، وهو: اسم لما ينقل
ويتحدث عنه (1).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي إلا أنه
يكون غالبا محتويا على بيان حكم شرعي
أو بيان موضوع لحكم شرعي.
وسيأتي البحث عنه مفصلا في
عنوان ال " خبر ".
أخبار من بلغ
وهي الأخبار الدالة على أن من
بلغه ثواب من الله سبحانه على عمل
فعمل ذلك العمل رجاء ذلك الثواب أوتيه
وإن لم يكن الحديث كما بلغه (2).

(1) المصباح المنير: " خبر ".
(2) الوسائل 1: 59 - 61، الباب 18 من
أبواب مقدمة العبادات.
552

وقد استفيد منها قاعدة " التسامح في
أدلة السنن ".
وسيأتي البحث عنها في عنوان
ال " تسامح ".
أخبار التخيير
وهي الأخبار الدالة على التخيير فيما
إذا لم يكن مرجح من المرجحات
المنصوصة في أحد الخبرين المتعارضين،
منها:
رواية سماعة عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: سألته عن الرجل اختلف
عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما
يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه
عنه كيف يصنع؟ قال: يرجئه حتى يلقى
من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه " (1).
فقوله عليه السلام " فهو في سعة حتى
يلقاه " دال على التخيير.
راجع: تعارض.
أخبار الترجيح
وهي الأخبار الدالة على الترجيح
على أساس بعض المرجحات المنصوصة
فيها، وهي على طوائف:
1 - ما يدل على الترجيح بموافقة
الكتاب ومخالفة العامة (1).
2 - ما يدل على الترجيح
بالشهرة (2).
3 - ما يدل على الترجيح
بالأحدثية (3).
4 - ما يدل على الترجيح بصفات
الراوي كالأعدلية والأوثقية (4).
راجع: تعارض.
أخبار التوقف والإرجاء
وهي الأخبار الدالة على التوقف في
موارد تعارض الخبرين، وعدم الأخذ
بشئ منهما، ورد علمه إلى الأئمة، منها ما
جاء في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة، حيث
553

ورد فيه بعد افتراض السائل تساوي
الخبرين المتعارضين في جميع المرجحات:
" إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك،
فإن الوقوف عند الشبهات خير من
الاقتحام في الهلكات " (1).
الأخبار التوقيفية
وهي الأخبار الدالة على لزوم
التوقف والاحتياط عند الشبهات وقد
مرت الإشارة إليها في عنوان
" الاحتياط ".
الأخبار العلاجية
وهي الأخبار الواردة لعلاج
تعارض الخبرين المتعارضين وهي على
طوائف. مرت الإشارة إليها.
راجع: تعارض.
إخبار
وهو نقل الخبر إلى الغير.
راجع: خبر.
ونشير - هنا - إجمالا إلى أن الإخبار
تارة يستند إلى الحس فيسمى إخبارا
حسيا أو إخبارا عن الحس، وتارة يستند
إلى الحدس والاجتهاد فيسمى إخبارا
حدسيا.
فالأول مثل إخبار الشخص الذي
شاهد نزول المطر بنفسه بذلك، والثاني
مثل إخبار من رأى مجرد البرق وسمع
الرعد، بنزول المطر في حين أنه لم يشاهد
ذلك بنفسه، والذي يمكن الاعتماد عليه
ويبحث عن حجيته هو الإخبار الحسي لا
الحدسي.
إخبار ذي اليد
أي إخبار صاحب اليد - وهو من
بيده شئ ما - بطهارته أو نجاسته وأمثال
554

ذلك.
والمعروف حجية إخباره فيؤخذ
بقوله ويرتب عليه آثار ما أخبر به من
الطهارة والنجاسة.
وسوف يأتي تفصيله في عنوان
" يد ".
أخباريون
وهم المعتمدون في استنباط
الأحكام على الأخبار فقط.
تمتد فكرة الاستناد إلى الأخبار في
استنباط الأحكام إلى عصر الأئمة عليهم السلام
فإن أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا يكتفون
- غالبا - بما يرد عليهم من النصوص عن
أئمتهم، فلم يكونوا بحاجة إلى بذل جهد
كبير في التوصل إلى الحكم الشرعي، ولكن
لم يمنع ذلك بعضهم ممن له أهلية الاستنباط
من الاجتهاد كالفضل بن شاذان ويونس
ابن عبد الرحمن وأضرابهم ممن نقلت
فتاواهم في الفقه.
وبعد انتهاء دور الحضور والابتعاد
عن عصر النصوص ظهر اتجاهان رئيسيان
في كيفية التوصل إلى الأحكام الشرعية،
كان الأول منهما امتدادا لما كان عليه غالب
أصحاب الأئمة (ع) من الاقتصار على
النصوص، وكان الرائد لهذا الاتجاه
شخصيات أمثال محمد بن يعقوب الكليني
قدس سره الشريف المتوفى (328) وعلي بن بابويه
القمي المتوفى (328) ومحمد بن علي بن
بابويه القمي المتوفى (381) المعبر عنهما
بالصدوقين قدس سرهما.
وكان الاتجاه الآخر داعيا إلى
الاجتهاد وتفريع الفروع على الأصول،
وإن كان يرفض كلمة " الاجتهاد " لما كانت
تحمله من معنى مرفوض لدى أئمة أهل
البيت (ع) وهو العمل بالرأي الشخصي
والقياس والاستحسان وما شابهها، وكان
الرائد لهذا الاتجاه القديمين: الحسن بن أبي
عقيل العماني، وابن الجنيد الإسكافي، وهما
من أعلام القرن الرابع. وقد تبعهما الشيخ
المفيد المتوفى (413) ثم تلميذاه، السيد
المرتضى المتوفى (436) والشيخ الطوسي
المتوفى (460) قدس سرهم. وكان دور الشيخ
الطوسي قدس سره أكثر من غيره في عملية
555

التطوير، كما أشبعنا الكلام في ذلك في
مقدمتنا للكتاب وعنوان (اجتهاد) فراجع.
هذا، وقد قدر بأن يستمر الاتجاه
الثاني ويتوقف الاتجاه الأول كطريق
للاستنباط، وإن كان له أنصار أحيانا هنا
وهناك.
ولكن بعد مرور عدة قرون، وفي
إبان القرن الحادي عشر وجد تحرك جديد
في هذا الاتجاه الفقهي، ووصل إلى ذروته
بيد المولى محمد أمين الاسترآبادي
المتوفى (1033 أو 1036).
وتلخصت نظريته في الأمور التالية:
1 - القول بتحريم الاجتهاد والتقليد
ولزوم الرجوع إلى الروايات، لأنها
متضمنة لقواعد قطعية ترتفع الحاجة معها
إلى علم الأصول والدراية والمعاني
والبيان. والروايات مشتملة على قرائن
حالية أو مقالية جعلتها قطعية - بخلاف
كتاب الله وسنة رسوله (ص)!! -. وعند
تعارض الروايات لا بد من الرجوع إلى
المرجحات المذكورة في روايات الترجيح
من الأعدلية والأوثقية ونحوهما، وعند
فقدها فاللازم هو التوقف والاحتياط. (1)
2 - رفض حجية الكتاب بما هو،
ولزوم الرجوع في الأخذ به إلى الروايات
مطلقا (2).
3 - رفض حجية الإجماع إلا مع
القطع بدخول المعصوم (ع) في المجمعين،
فلذلك لا حجية للإجماعات المنقولة في كتب
الفقهاء، لعدم القطع بدخول قول
المعصوم (ع) في أقوال المجمعين (3)، وأما
الإجماع بنحو آخر - كاتفاق مجتهدي عصر
واحد - فهو غير حجة أيضا (4).
4 - وأما العقل، فإن كلامه فيه
مضطرب، وربما يظهر من بعض عباراته
أن ما قطع به العقل فهو حجة، لكن لا
يحصل القطع إلا من العلوم المبتنية على
الإحساس، وتوضيح ذلك:
إن العلوم النظرية قسمان: قسم
ينتهي إلى مادة قريبة من الحس مثل علوم
الرياضيات والمنطق وما شابه ذلك، وقسم
ينتهي إلى مادة بعيدة عن الحس كالحكمة

(1) أنظر الفوائد المدنية: 40 و 47 و 55 و 237.
(2) نفس المصدر: 17 و 47.
(3) نفس المصدر: 17 و 133.
(4) نفس المصدر: 133.
556

(الفلسفة) وعلم الكلام وأصول الفقه
والمسائل الفقهية النظرية.
أما القسم الأول فلا يقع فيه
الاختلاف والخطأ، لأن مواد الأقيسة
قريبة من الحس فلا خطأ فيها، وصورها
- أي نوع الأقيسة من الحملي والاستثنائي
ونحوهما - يقينية يعرفها العلماء، فلذلك
لا يقع الاختلاف في نتائجها.
نعم، يقع الاختلاف في القسم
الثاني، لأن صور الأقيسة وإن كانت
يقينية ولا اختلاف فيها عند العلماء إلا أن
موادها لما كانت نظرية وبعيدة عن
الإحساس فلذلك يقع فيها الاختلاف،
وهو يسبب الاختلاف في النتيجة، ولا
عاصم من هذا الاختلاف إلا التمسك
بالأئمة المعصومين (ع). (1)
وعلى هذا الأساس رفض القواعد
الأصولية التي لم يرد فيها عنهم (ع) نص
خاص، لأنها لا تفيد إلا الظن وهو
لا يغني عن الحق شيئا، وما ورد فيه نص،
فيقتصر فيه على مورده، ولذلك كانت
نظريته تجاه الأصول المهمة كالآتي.
1 - أما أصالة البراءة فإنها لا مورد
لها بعد إكمال الدين ووجوب التوقف عند
عدم العلم بحكم الواقعة، (1) وكلامه صريح
في عدم حجيتها في الشبهتين الحكميتين
الوجوبية والتحريمية، بينما يرى الأصوليون
حجيتهما معا.
2 - وأما الاستصحاب فلا يكون
حجة إلا في موردين قام الدليل عليهما
هما:
ألف - استصحاب ما جاء به
النبي (ص) حتى يثبت الناسخ له.
ب - استصحاب موضوعات
الأحكام الشرعية، مثل كون الرجل مالكا
لأرض معينة، أو زوجا لامرأة معينة، أو
كونه على طهارة، أو عدالة ونحو ذلك، ثم
شك في بقائه فهو كذلك حتى يقطع بوجود
شئ جعله الشارع سببا لنقض تلك
الأمور (2).
3 - إن أصالة الطهارة تختص
بالشبهات الموضوعية كالدم لا نعلم أنه من
النوع الطاهر كدم البق أو النجس كدم
الشاة، أو كإناء نجس اختلط بأواني طاهرة

(1) الفوائد المدنية: 129 - 131.
(1) الفوائد المدنية: 138 - 139.
(2) الفوائد المدنية: 141 - 143.
557

أخرى، أما الشبهات الحكمية كالشك في
طهارة نطفة الشاة فلا تجرى فيها (1).
ويجمع كل ذلك عدم جواز الاعتماد
في استنباط الأحكام الشرعية على
الاستنباطات الظنية كالقياس
والاستحسان والاستصحاب وأصالة
البراءة، وغيرها من القواعد الظنية (2)، بل
إن ما ليس من ضروريات الدين من
المسائل الشرعية - أصلية كانت أو فرعية -
ينحصر مدركه في السماع من
الصادقين (ع) (3).
كانت هذه أهم العناصر التي تكون
نظرية الاسترآبادي، وقد تمكن من التأثير
على المراكز العلمية والثقافية الشيعية، فقد
تسربت أفكاره - في العقد الرابع من القرن
الحادي عشر - في النجف، ومنها إلى سائر
البلاد التي يقطنها الشيعة، وتمركزت في
البحرين.
وكان السائرون على خطه مختلفين
في الانتصار له شدة وضعفا، وكان من
أبرزهم:
1 - محمد تقي المجلسي
المتوفى (1070)، وكان شديد التأثر به.
2 - محمد باقر بن محمد تقي المجلسي
المتوفى (1111)، وكان معتدلا.
3 - محمد بن مرتضى المعروف بملا
محسن الكاشاني المتوفى (1091)، وكان في
أوله شديد التأثر به، وجمع بين الأخبارية
والحكمة.
4 - محمد بن الحسن الحر العاملي
المتوفى (1104).
5 - السيد نعمة الله الجزائري المتوفى
(1112).
6 - الشيخ يوسف البحراني المتوفى
(1186)، وكان من أهم رجال الفكر
الأخباري، وكان في غاية التقى والورع،
سليم النفس، معتدلا في الطريقة، منتقدا
للمتصلبين حتى الاسترآبادي نفسه، حيت
قال عنه: "... وهو أول من فتح باب
الطعن على المجتهدين وتقسيم الفرقة
الناجية إلى أخباري ومجتهد، وأكثر في
كتابه الفوائد المدنية من التشنيع على
المجتهدين، بل ربما نسبهم إلى تخريب
الدين، وما أحسن وما أجاد ولا وافق
الصواب والسداد لما قد ترتب على ذلك
558

من عظيم الفساد... " (1).
أسباب ظهور الأخبارية:
وأما الأمور التي سببت ظهور
الأخبارية ودفعت بالاسترآبادي لإظهار
عقيدته فهي على الإجمال كما يلي:
أولا - التوجه الكثير نحو علم
الأصول من قبل العلامة الحلي والشهيدين
قدس سرهم، ولذلك كان يجعل الاسترآبادي
اللائمة الكبيرة على هؤلاء بعد القديمين - ابن
أبي عقيل وابن الجنيد - والشيخ المفيد
وتلميذيه السيد المرتضى والشيخ الطوسي
وابن إدريس، واتهمهم بأنهم غيروا
الطريقة التي كان عليها أصحاب
الأئمة (ع) (2).
ثانيا - شياع الفقه التحليلي العقلي
على يدي المحقق الكركي والمحقق الأردبيلي
قدس سرهما، فإنهما اعتمدا على الاستدلالات
العقلية أكثر من الروايات.
ثالثا - اعتناء تلامذة المحقق
الأردبيلي - كالسيد عبد الله التستري،
وصاحبي المدارك والمعالم - بالروايات
الصحيحة، وحذف كثير من الروايات
الضعيفة، بل وحتى الموثقة، كما يظهر من
كتابي منتقى الجمان والمدارك، وهذا مما دعا
الاسترآبادي لانتقادهما (1).
رابعا - تأثر الاسترآبادي بأساتذته
- وهو الأهم -، فإنه قد تأثر بصاحب
المدارك في رفضة الإجماع من جهة، كما
وتأثر بأستاذه الآخر وهو الميرزا محمد
علي الاسترآبادي صاحب " الرجال "
حيث أمره بإحياء الطريقة الأخبارية ودفع
الشبهات عنها، وقال له: إنه كان بصدد
ذلك لكنه لم يوفق له، ورجا لتلميذه
- الاسترآبادي - التوفيق لذلك (2).
خامسا - ويمكن أن نعد من الأسباب
ترك الاسترآبادي للمراكز العلمية التي
كانت مشجعة للفقه العقلي والأصولي
كالنجف وإصفهان، واستيطانه مكة المكرمة
والمدينة المنورة، وهما بعيدتان عن أجواء
الفكر الأصولي الشيعي.
وذكروا عوامل أخرى كتشجيع
السلاطين الصفويين لوجود هذا الاختلاف
559

بعد أن كانت الشخصيات العلمية هي
المسيطرة على مراكز السلطة، لكنا لم نطمئن
إلى هذا الأمر بعد.
وفي نهاية القرن الثاني عشر بدأت
الحركة في الأفول بعد محاولات الأستاذ
الأكبر السيد محمد باقر المعروف بالوحيد
البهبهاني قدس سره في بهبهان وكربلاء
وخاصة في الأخيرة حيث تحقق الاصطدام
العلمي بين الاتجاهين الأخباري والأصوليين
قطبيهما الوحيد البهبهاني والمحدث
البحراني قدس سرهما، وكان الانتصار حليف
الوحيد، ومن هنا بدأت الأخبارية
بالانزواء، حتى صار تلامذة المحدث
البحراني قدس سره إلى جانب الوحيد
البهبهاني وتركوا طريقة الأخبارية في حين
أنهم صاروا من أعلام الفكر الأصولي
الشيعي كالسيد مهدي بحر العلوم، والشيخ
جعفر كاشف الغطاء والمحقق القمي، والمحقق
محمد مهدي النراقي قدس الله أسرارهم إلى أن
وصل الدور إلى الشيخ الأنصاري قدس سره
الذي بنى أسس علم الأصول الحديث على
قواعد رصينة أمكنت هذا العلم من السير
في طريقه من دون توقف.
أدلة
راجع: دليل.
560

ملحق:
تراجم الفقهاء والأصوليين
561

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد: فهذه ترجمة مختصرة للفقهاء والأصوليين الذين ذكرت آراؤهم في هذا الجزء من الموسوعة، وإذا ذكرنا آراء فقهاء آخرين في الأجزاء اللاحقة فسوف نقوم بترجمتهم أيضا.
562

1 - ابن أبي عقيل = العماني
الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء
قدس سره
أحد القديمين و من أعاظم فقهاء
الإمامية و متكلميهم في القرن الرابع، و من
مؤسسي الاجتهاد الصحيح.
اهتم بآرائه و خلافاته المتأخرون
عنه خاصة مثل ابن إدريس و المحقق
و العلامة الحليين و من تأخر عنهم، و عده
المحقق الحليي ممن اختار النقل عنه، و أنه
ممن اشتهر فضله، و عرف تقدمه في نقد
الأخبار وجودة الاعتبار.
و قال عنه السيد بحر العلوم: " هو
أول من هذب الفقه واستعمل النظر، و فتق
البحث عن الأصول والفروع... "
له كتاب " المتمسك بحبل آل
الرسول " في الفقه مشهور بين الفقهاء لكنه
مفقود - مع الأسف - إلا أن جماعة من
الفقهاء نقلوا آراءه عنه، كابن إدريس
و المحقق و العلامة والشهيد الأول قدس سرهم. (1)
2 - ابن إدريس = الحلي
محمد بن أحمد بن إدريس الحلي العجلي قدس سره
(543 - 598) (2)
جدد الحركة الاجتهادية بعد خمولها،
وناقش آراء الشيخ الطوسي قدس سره بعد أن
لم يتجرأ الفقهاء على ذلك، فألف كتابه
" السرائر " بأسلوب استدلالي مبسط، و له كتب و رسائل أخرى.
والمعروف عنه أنه لم يعمل بخبر
الآحاد.
دفن بالحلة، و مرقده معروف (3).

(1) راجع ترجمته:
1 - النجاشي: 48 الترجمة رقم (100)
2 - روضات الجنات 2: 259 الترجمة رقم
(193)
3 - الفوائد الرجالية 2: 211
4 - معجم رجال الحديث 5: 22 الترجمة رقم
(2933)
(2) في تاريخ ولادته و وفاته اختلاف.
(3) راجع ترجمته:
1 - روضات الجنات 6: 274، الترجمة رقم (584)
2 - لؤلؤة البحرين: 276، الترجمة رقم (97)
3 - معجم رجال الحديث 15: 62، الترجمة
رقم (10188)
563

3 - ابن بابويه
علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي قدس سره
(حدود 260 - 329)
كان شيخ القميين في عصره،
و متقدمهم، و فقيههم، و ثقتهم، قدم العراق
و اجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح
رحمه الله و له كتب كثيرة، ربما وصلت إلى
مئتي كتاب، لكن أصاب أكثرها الضياع (1).
قيل: هو أول من ابتكر طرح
لأسانيد من الأخبار و ألف متنا فقهيا بتكون من متون الروايات، وجمع بين
لنظائر، و أتى بالخبر مع قرينه في رسالته
إلى ابنه (1).
4 - ابن البراج
عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج
القاضي قدس سره، (400 - 481)
ولد و نشأ في مصر، و تتلمذ على السيد المرتضى و الشيخ الطوسي قدس سرهما،
و كان قاضيا في طرابلس الشام مدة
عشرين سنة، و هو المراد ب‍ " القاضي " عند
الإطلاق في كتب الفقهاء.
له كتب فقهية عديدة، منها:
المهذب، والمعتمد، و الكامل، و الجواهر، و المقرب، و شرح الجمل (جمل العلم و العمل
للسيد المرتضى)، و عماد المحتاج في مناسك
الحاج، و غيرها. (2)

(1) راجع ترجمته:
1 - رجال النجاشي: 261، الترجمة رقم
(684).
2 - الفهرست للشيخ الطوسي: 218، الترجمة
رقم (471)
3 - الفهرست لابن النديم: 277 و لؤلؤة
البحرين: 381، الترجمة رقم (122) و غيرها
من كتب التراجم.
(1) هامش لؤلؤة البحرين: 381 للسيد محمد
صادق بحر العلوم.
(2) راجع ترجمته:
1 - روضات الجنات 4: 202، الترجمة رقم
(379)
2 - لؤلؤة البحرين: 331، الترجمة رقم
(107)
3 - الفوائد الرجالية 3: 60
564

5 - ابن الجنيد
أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد البغدادي
الإسكافي قدس سره.
من أعلام القرن الرابع و ثاني
القديمين اللذين أرسيا قواعد الاجتهاد،
قال عنه النجاشي: "... وجه في أصحابنا
ثقة، جليل القدر، صنف فأكثر " ثم ذكر له
كتبا كثيرة ثم قال: "... و سمعت شيوخنا
الثقات يقولون عنه: إنه كان يقول
بالقياس ".
و انتقده لذلك الشيخان: المفيد
و الطوسي، قال الأخير: "... كان جيد التصنيف حسنه إلا أنه كان يرى القول
بالقياس، فتركت لذلك كتبه و لم يعول
عليها... "، و مع ذلك فقد ذكر أقواله ابن
إدريس والمحقق و العلامة و من تأخر عنهم،
قال السيد بحر العلوم بعد الإطراء الكثير
عليه: " و أما المتأخرون من أصحابنا
كالشهيدين و السيوري و ابن فهد
و الصميري و المحقق الكركي و غيرهم فقد
أطبقوا على اعتبار أقوال هذا الشيخ
والاستناد إليها في الخلاف و الوفاق ".
و من أهم كتبه:
1 - تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة و هو
كتاب كبير.
2 - المختصر الأحمدي في‌الفقه المحمدي،
و هو الذي وصل إلى المتأخرين كالعلامة،
و منه انتشرت آراؤه. (1)
6 - ابن حمزة
محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي قدس سره
(585)
كان من الفقهاء التابعين لطريقة
الشيخ الطوسي.
له كتب فقهية أهمها الوسيلة إلى نيل
الفضيلة. (2)

انظر ترجمته:
1 - رجال النجاشي: 35، الترجمة رقم 1 (1047)
2 - المسائل السروية: المسألة الثامنة
3 - الفهرست: 267، الترجمة رقم (592)
4 - الفوائد الرجالية 3: 212
5 - و انظر روضات الجنات 6: 145، الترجمة
رقم (575)
(2) راجع ترجمته في معجم رجال الحديث 16:
327، الترجمة رقم (11295)
565

7 - ابن زهرة
أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني
الحلبي قدس سره (511 - 585)
و بنو زهرة بيت رفيع في حلب
ينتهي نسبهم باثنتي عشرة واسطة إلى
الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام،
خرج منهم علماء كثيرون.
و المترجم من الشخصيات البارزة
في الفقه الإمامي بحيث يشار إلى خلافاته
في كلماتهم، و لا ينصرف عنوان " ابن
زهرة " في كلمات الفقهاء إلا إليه.
له كتب و رسائل عديدة أهمها
كتاب " غنية النزوع إلى علمي الأصول
والفروع " و هو يبحث عن العلمين: أصول
الفقه، و الفقه، كان يعتمد على الإجماع
و يدعيه كثيرا، و لا يرى حجية خبر
الواحد الخالي عن القرينة. (1)
8 - الأردبيلي = المحقق الأردبيلي = المقدس
الأردبيلي
أحمد بن محمد الأردبيلي قدس سره (- 993)
اشتهر بالتحقيق و القدسية فأطلق
عليه عنوان: المحقق تارة، و المقدس أخرى، قال عنه المحدث البحراني: " كان
المولى الأردبيلي عالما عاملا محققا مدققا
زاهدا عابدا ورعا، لم يسمع بمثله في‌الزهد
و الورع، له كرامات و مقامات... ".
أوجد مدرسة خاصة امتازت
بالتحقيق و التشكيك تخرج على يديه
صاحبا المدارك و المعالم، و المولى عبد الله
التستري.
كانت له حرمة و منزلة لدى
سلاطين الصفوية، لكنه لم يغدر النجف
رغم الطلب المتزايد منه للهجرة إلى إيران.
له تأليفات قيمة منها:
1 - مجمع الفائدة والبرهان: و هو شرح
لإرشاد الأذهان للعلامة الحلي لكنه غير
كامل، فطلب من تلميذه صاحب المدارك
أن يتمه لكنه امتنع احتراما لأستاذه،

(1) راجع ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 350، الترجمة
رقم (119)
2 - روضات الجنات 2: 374، الترجمة
رقم (225)
3 - معجم رجال الحديث 6: 273، الترجمة
رقم (4046)
566

فكتب " نهاية المرام " شرحا على المختصر
النافع من أول النكاح إلى آخر ما نقص
من مجمع الفائدة.
2 - زبدة البيان في شرح آيات الأحكام.
و له كتب كلامية وفلسفية و أصولية
وتأريخية أخرى. (1)
9 - الإصفهاني
الشيخ محمد حسين بن الحاج محمدحسن معين التجار
الإصفهاني الشهير بالكمپاني قدس سره.
(1296 - 1361)
من مشاهير الفقهاء و الأصوليين في
القرن الأخير، و صاحب مدرسة أصولية
اتسمت بالدقة الفلسفية، تخرج من مدرسة
المحقق الخراساني، و تخرج على يديه عديد
من العلماء. له كتب ورسائل في الفقه
و الأصول و غيرهما، من جملتها: حاشيته.
على المكاسب (للشيخ الأنصاري) في الفقه،
* (1) راجع ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 148، الترجمة رقم (61)
2 - روضات الجنات 1: 79، الترجمة
رقم (19)
3 - الذريعة 20: 35 (*) و حاشيته على الكفاية (للمحقق الخراساني)
في الاصول، و الأصول على النهج الحديث،
حيث حاول فيه إراءة الأبحاث الأصولية
على نسق حديث، لكنه لم يكمل. (1)
10 - الأنصاري
الشيخ مرتضى بن محمد أمين الدزفولي
الأنصاري قدس سره
(1214 - 1281)
من أعاظم فقهاء الإمامية
واصولييهم، أعطى رونقا جديدا للفقه من
حيث الدقة والعمق في الاستدلال، وخاصة
في‌قسم المعاملات، وأسس المدرسة
الأصولية الحديثة، و لذلك يعتبر الجميع
- حتى عصرنا الحاضر - عيالا عليه في
الفقه و الأصول.
قرأ على عمه في دزقول، ثم هاجر
مع والده إلى العتبات للزيارة فالتقى - في
كربلاء - مع السيد محمد المجاهد و شريف
العلماء، فآثر الأول بقاءه هناك، فبقي زهاء
أربع سنوات استفاد فيها منهما، ثم عاد إلى

(1) راجع ترجمته:
نقباء البشر 2: 560.
567

موطنه فبقي سنة، ثم هاجر إلى النجف
ثانية فحضر درس الشيخ موسى بن
الشيخ جعفر كاشف الغطاء حوالي سنتين،
ثم عزم على زيارة الإمام الرضا عليه السلام في
مشهد، و في طريقة إلى مشهد فاز بلقاء
أستاذه النراقي في كاشان، فطلب منه
الإقامة عنده، فبقي ثلاث سنوات لا يمل
أحدهما الآخر، و بعد زيارته للإمام عليه السلام
مر في رجوعه بإصفهان فالتقى حجة
الإسلام السيد محمد باقر الشفتي، فأصرعلى
بقائه هناك، لكنه امتنع واتجه نحو موطنه
" دزفول " فأقام فيها خمس سنوات
(1244 - 1249) ثم اتجه نحو النجف أيام
رئاسة الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف
الغطاء، و الشيخ حسن صاحب الجواهر،
فتردد على كاشف الغطاء شهورا، ثم
انتقلت إليه الرئاسة العامة بعد صاحب
الجواهر.
له مؤلفات كثيرة، منها:
1 - الطهارة: و هو: شرح مزجي لقسم من
الشرائع و قسم من الإرشاد، و هو كتاب
كبير.
2 - الصلاة: و هو متقطع غير متصل، و فيه
سقط كثير.
3 - المكاسب: و هو من أهم كتب الشيخ
في‌الفقه، يمتاز بقوة الاستدلال و الاستيعاب
في موضوعه، و لم يسبق له مثيل في الفقه
المعاملي.
4 - الرسائل: و هو ثاني كتاب له من
حيث الأهمية، إذ هو مجموعة رسائل
أصولية في القطع، و الظن، و الأصول
العملية -: البراءة و الاشتغال،
و الاستصحاب - والتعادل والتراجيح، و قد
تجلت فيه قدرته وابتكاراته الأصولية.
وهذان الكتابان لازالا يشكلان
المحور الأساسي للأبحاث الفقهية و الأصولية
على المستوى الدراسي العالي في الحوازت
العلمية، و شذ من لم يعلق عليهما من
مشاهير العلماء.
5 - الزكاة 6 - الخمس 7 - الصوم
8 - النكاح 9 - الوصايا 10 - القضاء
والشهادات ومجموعة رسائل فقهية
و أصولية اخرى.
وهذه الكتب كلها قيد التحقيق
والطبع. (1)

(1) راجع على سبيل المثال:
أعيان الشيعة 10: 117.
568

11 - البجنوردي
السيد حسن بن آغا بزرك البجنوردي قدس سره
(1316 - 1395)
من العلماء المعاصرين، و من
خريجي مدرستي العراقي والنائيني قدس سرهما
في النجف الأشرف.
له عدة مؤلفات، أهمها: " منتهى
الأصول إلى علم الأصول " و " القواعد
الفقهية " وهو في‌سبع مجلدات، بحث فيها
حول أهم القواعد الفقهية. (1)
12 - البحراني
الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن
عصفور... الدرازي البحراني‌قدس سره
(1107 - 1186)
من فقهاء الإمامية ووجهائهم،
و كان ورعا مخلصا سليم النفس، وعلى
طريقة الأخبار بين، لكنه رجع إلى الطريقة
الوسطى التي كان يقول: إنها كانت طريقة
العلامة المجلسي قدس سره صاحب البحار،
استفحل في زمانه الصراع بين الطريقتين:
الاجتهادية و الأخبارية، وكانت الطريقة
الأخبارية هي الغالبة آنذاك، لكن لماورد
العلامة الوحيد البهبهاني في الصراع داعيا
إلى الاجتهاد رجع أكثر تلاميذ المحدث
البحراني - وهم من كبار العلماء كالسيد
مهدي بحر العلوم، والسيد علي
الطباطبائي، و المحقق الميرزا أبو القاسم
القمي، وغيرهم - واختاروا الطريقة
الاجتهادية.
له مؤلفات كثيرة، أهمها موسوعته
الفقهية الكبيرة " الحدائق الناضرة في
أحكام العترة الطاهرة " تبلغ خمسة
وعشرين مجلدا، ذكر في أولها اثنتي عشرة
مقدمة تبين اتجاهاته الأصولية
والاختلافات بين الطريقتين الأخبارية
والاجتهادية.
وله " الدرر النجفية " وهو في
القواعد الأصولية المستخرجة من
الأحاديث.
وله - أيضا - " لؤلؤة البحرين " في
الإجازات وتراجم رجال الحديث. (1)

(1) راجع:
الكرام البررة 1: 385.
(1) راجع ترجمته:
569

13 - بحر العلوم
السيد مهدي بن السيد مرتضى بن السيد محمد
الطباطبائي قدس سره
(1155 - 1212)
من كبار فقهاء الإمامية، تجسدت
شخصيته في‌الرئاستين العلمية و الاجتماعية
العامة للشيعة، و حظي بالاحترام الوافر
بين كافة الطبقات، كان تلميذا للمحدث
الشيخ يوسف البحراني والوحيد محمد باقر
البهبهاني، و لذلك عاشر الصراع المرير بين
المدرستين: الأصولية والأخبارية،
فاختص بأستاذه الوحيد البهبهاني، و تخرج
على يديه العشرات من الشخصيات العلمية
البارزة، أهمهم: الشيخ أحمد النراقي
صاحب المستند، و الشيخ أسد الله
التستري صاحب المقابس، و الشيخ جعفر
كاشف الغطاء، والسيد العاملي صاحب
مفتاح الكرامة، والسيد علي الطباطبائي
صاحب الرياض، وولده السيد محمد
المجاهد صاحب المناهل وغيرهم.
جاور مكة المكرمة قرابة ثلاثة
أعوام، و كان يدرس فيها المذاهب الأربعة، يقال، إنه كان يدقق كثيرا في أمر
التصنيف، و لذا بقيت أغلب آثاره - و هي
كثيرة - بشكل مسودات، و أهمها:
1 - المصابيح في الفقه، و قيل: إنه من
تقريرات بعض تلامذته.
2 - الدرة النجفية، و هي أرجوزة في‌الفقه.
3 - الفوائد الرجالية، و هو كتاب في الرجال
في ثلاثة مجلدات و طبع الأخيران. (1)
14 - البروجردي
السيد حسين بن السيد علي... الطباطبائي
البروجردي قدس سره
(292 - 1380)
من مشاهير الفقهاء المعاصرين،
استقر في قم المقدسة، انتقلت إليه الزعامة
الدينية بعد وفاة السيد أبي الحسن
الإصفهاني، أعطى رونقا للحوزة العلمية في
قم، و ابتكر فكرة التقريب بين المذاهب

1 - لؤلؤة البحرين: 442 آخر من ترجم له
2 - روضات الجنات 8: 203، الترجمة
رقم (750)
(1) ترجم له الكثيرون و ما كتبناه اقتبسناه من
مقدمة كتابه الفوائد الرجالية، و من كتاب
روضات الجنات (7: 203، الترجمة (625)
570

الإسلامية، و في أيام زعامته أسست دار
التقريب في مصر، اهتم بعلم الرجال
و الحديث فسعى لإيجاد معجم حديثي
موحد، فأوجد مشروع كتاب " جامع
أحاديث الشيعة " الذي لا زال العمل عليه
مستمرا. و له مؤلفات في الأصول والفقه و الرجال. (1)
15 - البهائي
الشيخ بهاء الدين محمد بن الشيخ حسين بن
عبد الصمد الحارثي الجباعي قدس سره
(953 - 1030 أو 31)
كان جامعا لعلوم شتى، قلما وجد
مثله من هذه الجهة، فجمع بين الفقه
و الأصول و الدراية والحديث و التفسير
و اللغة و الرياضيات والهيئة و غير ذلك من
متفرقات العلوم، و كان شيخ الإسلام في
إصفهان أيام الشاه عباس الصفوي، له
مؤلفات كثيرة نشير إلى نماذج منها: الحبل
المتين، و مشرق الشمسين، و الجامع العباسي
في الفقه، و الزبدة في أصول الفقه،
و الوجيزة في الدراية، و الأربعين حديثا،
والعروة الوثقى في الحديث، وعين الحياة في
التفسير، و الصمدية في النحو، و خلاصة
الحساب، وبحر الحساب في الرياضيات،
ورسالة الأسطرلاب، و رسالة في أن أنوار
سائر الكواكب مستفادة من الشمس في
الهيئة، و كتب كثيرة أخرى في المواضيع
المتقدمة وغيرها، توفي في إصفهان، و نقل
جثمانه إلى المشهد الرضوي، فدفن عند
الإمام الرضا عليه السلام يزوره المؤمنون. (1)
16 - الحائري
الشيخ عبد الكريم ابن المولى محمد جعفر اليزودي
قدس سره (276 - 1355)
من العلماء الكبار، حضر أبحاث
المجدد الشيرازي، و السيد محمد الفشاركي الإصفهاني، و الميرزا محمد تقي الشيرازي

(1) راجع:
نقباء البشر 2: 609.
(1) راجع:
1 - لؤلؤة البحرين: 16، الترجمة رقم (5)
2 - روضات الجنات 7: 56، الترجمة
رقم (559)
3 - أعيان الشيعة 9: 234
و ترجم له آخرون، و أكثروا في ترجمته
571

في سامراء، و أبحاث صاحب الكفاية
الآخوند الخراساني) في النجف، ثم سكن
كربلاء، ثم هاجر إلى إيران عام (1333)
فسكن مدينة " أراك "، بطلب من
وجوهها، و اجتمع حوله الطلاب و أهل
العلم، ثم هبط مدينة " قم " في (1304)،
لتزايد الطلبات لإقامته فيها، فأجابهم و بقي
هناك مشتغلا بالتدريس، فأسس الحوزة
العلمية الموجودة فعلا، و قرر الامتحان
السنوي و الإشراف على تعليم الطلبة،
و رجع إليه عامة الناس، خصوصا بعد
وفاة الميرزا محمد تقي الشيرازي في سنة
(1328).
واشتهر أنه يدبر أمور الناس
بهدوء و حكمه و كياسة.
من مؤلفاته القيمة " درر الأصول "
وهو دورة أصولية (1)
(1)
17 - الحر العاملي = صاحب الوسائل
الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن
الحسين الحر العاملي المشغري قدس سره
(1033 - 1104)
كان على منهج الأخباريين
و المحدثين في الفقه و الحديث، هاجر من
لبنان إلى إيران، و أعطي منصب قاضي
القضاة و شيخ الإسلام من قبل الصفويين،
و توفي في مشهد الإمام الرضا عليه السلام.
له تأليفات كثيرة في مجالات شتى،
أهمها في الحديث: " كتاب وسائل الشيعة "
الذي جمع فيه أحاديث الكتب الأربعة
وغيرها، و حظي باستقبال وافر، وهو اليوم
أكثر استقبالا من غيره من الموسوعات
الحديثية.
وفي الرجال: كتاب " أمل الآمل "
الذي ترجم فيه علماء جبل عامل وغيرهم
بالتبع.
وفي الأصول: كتاب " الأصول
المهمة في أصول الأئمة " و قد حاول فيه
إسناد القواعد الأصولية
إلى الأحاديث

(1) انظر ترجمته:
1 - أعيان الشيعة 8: 42
2 - نقباء البشر 3: 1158
572

واستخراجها منها. (1)
18 - الحكيم
السيد محسن بن السيد مهدي الحكيم قدس سره
(1306 - 1390)
كان من تلامذة الآخوند محمد كاظم
الخراساني و تلميذيه: الشيخ ضياء الدين
العراقي، و الشيخ محمد حسين النائيني،
لكنه تأثر بمدرسة المحقق العراقي أكثر من
غيره.
و عند ما قاد السيد الحبوبي الجماهير
المسلمة ضد الاحتلال الإنجليزي شارك
معه السيد الحكيم فاستصفاه الحبوبي لنفسه
واختص به.
انقسمت المرجعية الشيعية بينه و بين
السيد حسين البروجردي بعد وفاة السيد
أبي الحسن الإصفهاني، لكنه استقل بها
بعد وفاة السيد البروجردي.
وأهم آثاره:
1 - مستمسك العروقة الوثقى: وهو شرح للعروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي،
و قيل: إنه أول شرح لها برز للأوساط العلمية، وقد طبع في أربعة عشر مجلدا.
2 - نهج الفقاهة، و هو تعليق على المكاسب
للشيخ الأنصاري قدس سره
3 - منهاج الصالحين: رسالة عملية لعمل
المقلدين، طبع في مجلدين.
4 - حقائق الأصول: و هو شرح على
كفاية الأصول للآخوند الخراساني طبع في
مجلدين. (1)
19 - الحكيم
السيد محمد تقي بن السيد سعيد الطباطبائي الحكيم
(1341 -)
و لد في النجف و نشأ بها، فوجهه
والده إلى دراسة العلوم العربية، فدرس
المقدمات على بعض الأفاضل و درس

(1) راجع ترجمته:
1 - أمل الآمل 1: 141
2 - لؤلؤة البحرين: 76، الترجمة رقم (28)
3 - روضات الجنات 7: 96، الترجمة
رقم (605)
4 - أعيان الشيعة 9: 167
(1) راجع:
1 - أعيان الشيعة 9: 56
2 - مقدمة الناشر لكتاب مستمسك العروة
573

الفقه و الأصول - في المستوى العالي
(الخارج) - على السيد محسن الحكيم
و الشيخ حسين الحلي، و أكثر من مطالعة
الكتب قديمها وحديثها، وألف كتبا
عديدة، ثم اتصل بجمعية " منتدى النشر "
التي أسسها الشيخ محمد رضا المظفر، ثم
صار عميدها بعد وفاة الأخير، و من
خلال تدريسه في كلية الفقه - بمنتدى
النشر - ألف كتابه الأصول العامة للفقه
المقارن. (1)
20 - الحلي
أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي قدس سره
(347 - 447)
كان من مشايخ الإمامية، أخذ العلم
عن السيد المرتضى و الشيخ الطوسي
قدس سرهما، و كان خليفة المرتضى في حلب،
و يذكر قوله مع أستاذيه غالبا، و لا يغفل
عنه.
ترجم له أغلب أصحاب التراجم
حتى أستاذه و شيخه الطوسي قدس سره،
بل و حتى غير الشيعة منهم.
له عدة تأليفات، منها: كتابه القيم
" الكافي في الفقه "، و هو يشتمل على
أصول الدين و فروعه. (1)
21 - الحلي (المحقق الحلي)
الشيخ جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن
سعيد الحلي الهذلي قدس سره (602 - 676)
قال عنه تلميذه العلامة: " كان
أفضل أهل عصره في الفقه "، و علق عليه
الشيخ حسن بن الشهيد الثاني صاحب
المعالم: " لو ترك التقييد بأهل زمانه كان
أصوب، إذ لا يرى في فقهائنا مثله ".
فهو من أكابر الفقهاء المشار إليهم
- في الفقه - بالبنان، كان له الأثر البالغ في
تطوير الفقه، فحاول إحياء طريقة الشيخ
الطوسي في الاستنباط بعد أن عارضها ابن
574

إدريس الحلي، و جميع بين الدقة
و الاستدلال، و بين الاختصار.
و هو أول من قسم الفقه إلى أربعة
أقسام: العبادات، العقود، الإيقاعات،
الأحكام، لو لم نعتبر سلار هو المتقدم في
ذلك، لأنه تطرق له بشكل ناقص.
و كانت الحلة في عصره معهد الثقافة
العالية للشيعة، و كان يحضرها علماء و فقهاء
كثيرون، فكان للمحقق آنذاك دور القطب
من الرحى، زارها الخواجة نصير الدين
الطوسي، فحضر حلقة درس المحقق.
تمتاز مؤلفاته بالدقة و المتانة و سلاسة
التعبير، فمن كتبه:
1 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال
و الحرام: قال عنه صاحب الذريعة:
" و كتابه هذا من أحسن المتون الفقهية
ترتيبا و أجمعها للفروع، و قد ولع به
الأصحاب من لدن عصرمؤلفه إلى الآن، ولا يزال من الكتب الدراسية في عواصم
العلم الشيعية، و قد اعتمد عليه الفقهاء
خلال هذه القرون العديدة فجعلوا أبحاثهم
و تدريساتهم فيه، وشروحهم و حواشيهم
عليه... ".
2 - المختصر النافع: و هو مختصر الشرائع
المتقدم، و قدصار مدار الشرح و التعليق بين الفقهاء كالشرائع، و طبع طبعات كثيرة،
منها في القاهرة، سنة 1376 حيث قررت
وزارة الأوقاف آنذاك تدريسه في جامع
الأزهر.
3 - المعتبر: و هو كتاب استدلالي مقارن
كتبه شرحا على المختصر النافع، ولكن
ليس شرحا مزجيا.
4 - نكت النهاية: و هو تعليق على كتاب
النهاية للشيخ الطوسي.
و عدة رسائل فقهية أخرى.
5 - معارج الأصول: و هو كتاب أصولي
وكان ذا أهمية بالغة في وقته.
6 - نهج الوصول إلى معرفة الأصول. (1)
(1)
575

22 - الحلي (العلامة الحلي)
أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن
المطهر الحلي قدس سره (647 - 726)
أطرى عليه كل من ذكره بعبارات
أمثال: " وحيد عصره و فريد دهره الذي
لم تكتمل حدقة الزمان له بمثل و لا نظير "
أو " شيخ الطائفة و علامة وقته، صاحب
التحقيق والتدقيق، كثير التصنيف، انتهت
إليه رئاسة الإمامية في المعقول والمنقول "
أو ما شابه ذلك.
سبق في فقه الشريعة، و ألف فيه
المؤلفات المتنوعة من مطولات ومتوسطات
ومختصرات، فألف من المطولات:
1 - المختلف: ذكر فيه خلافات فقهاء
الشيعة
2 - التذكرة: و ذكر فيه خلافات غير
الشيعة
3 - المنتهى: و ذكر فيه خلاف الشيعة
و غيرهم
ولذلك يكون من المبادرين إلى
كتابة الفقه المقارن بعد الشيخ الطوسي
و المحقق الحلي.
و من المتوسطات:
1 - القواعد: و هو مشتمل على فتاواه،
و صار محطا لأنظار الفقهاء إلى يومناهذا.
2 - التحرير: امتاز بكثرة الفروع، قال:
إنه ذكر فيه مالم يسبق إليه من الفروعات
الفقهية.
و من المختصرات:
1 - إرشاد الأذهان.
2 - إيضاح الأحكام.
3 - تبصرة المتعلمين.
وهى متدرجة في الاختصار، وقد
شرحهاو علق عليها أكثر الفقهاء.
و ألف في علم الأصول مطولات
ومتوسطات ومختصرات أيضا:
فمن المطولات: نهاية الوصول إلى
علم الأصول.
ومن المتوسطات:
1 - تهذيب الوصول إلى علم الأصول
2 - شرح مختصر ابن الحاجب، و قد
أعجب به الخاصة و العامة.
ومن المختصرات: مبادئ الوصول
إل علم الأصول.
وبرع في الحكمة العقلية حتى أنه
باحث الحكماء السابقين في مؤلفاته، و أورد
عليهم، و حاكم بين شراح الإشارات لابن
576

سينا، وناقش معاصره الخواجة نصير
الدين الطوسي، و الرئيس ابن سينا، و ألف
في علم أصول الدين، و فن المناظرة
والجدل، و علم الكلام، و المنطق، والنحو،
و الحديث، والدراية و غير ذلك مما شاء
الله.
ذكروا من تآليفه عشرات الكتب،
و قد أنهاها بعضهم إلى أكثر من مئة كتاب
و رسالة، و على يديه استشيع السلطان
محمد خدا بنده المغولي إثر قضية يطول
23 - الحلي (يحيى بن سعيد) قدس سره
الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن
الحسن بن سعيدالهذلي (601 - 689)
و هو ابن عم المحقق (نجم الدين)
الحلي، اشتهر نسبته إلى جده، فيقال: يحيى
ابن سعيد، كان من فقهاء الإمامية، قال
عنه العلامة الحلي: " كان زاهدا ورعا ".
من تأليفاته " الجامع للشرائع " في
الفقه، و " المدخل " في أصول الفقه (1).
24 - الخراساني = صاحب الكفاية =
الآخوند قدس سره
الشيخ محمد كاظم الهروي الخراساني
(- 1329)
من كبار العلماء الأصوليين صاحب
فكر و مدرسة أصولية، و يعد أعظم شخصية
أصولية بعد أستاذه الشيخ الأنصاري
قدس سره.
هاجر من خراسان إلى النجف
لإتمام دراسة العالية فوصلها (1278)
وأدرك الشيخ الأنصاري فيها، فحضر
دروسه فقها وأصولا، ثم اختص بالمجدد
الشيرازي بعد وفاة الشيخ الأنصاري
(1281)، و لما خرج السيد الشيرازي

(1) انظر ترجمته:
1 - الخلاصة: 45، الترجمة رقم (52)
رقم (210)
3 - روضات الجنات 2: 268، الترجمة
رقم (197)
4 - أعيان الشيعة 5: 396
و غير ذلك من كتب الترجمة.
(1) راجع ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 252، الترجمة رقم (88)
2 - أعيان الشيعة 10 287
577

و خرج معه أكثر الطلاب إلى سامراء بقي
هو في النجف و استقل بالتدريس فيه،
و عاصره في التدريس الميرزا حبيب‌الله
الرشتي، و بعد وفاته (1313) أصبح
المدرس الوحيد الذي يرحل إليه الطلاب
من الأقطار المختلفة، فتخرج على يديه
كثير من أصحاب الفكر الأصولي، أمثال
الشيخ ضياء الدين العراقي و الشيخ محمد
حسين الإصفهاني و غيرهم.
توفي فجأة فجر
الثلاثاء (20 ذي الحجة 1329) في النجف
عندما تهيأ للرحيل مع جماعة من العلماء
إلى إيران و إعلان الجهاد ضد الاحتلال
الروسي لإيران.
له كتب عديدة في الفقه و الأصول،
أهمها:
1 - كفاية الأصول - و هو مجلدان -: يحتوي
على دورة أصولية كاملة في غاية الإغلاق
و الاختصار، لازال يدرس في‌السطوح
العالية، و عليه مدار أبحاث مستوى الخارج
في الأصول.
2 - حاشية على مكاسب الشيخ
الأنصاري، و حاشية على فرائده (*).
25 - الخميني
السيد روح الله بن مصطفى الموسوي الخميني
قدس سره (1320 - 1409)
قائد الثورة الإسلامية في إيران،
و مؤسس الجمهورية الإسلامية فيها، تزعم
الحركة الإسلامية بعد ارتحال المرجع
الديني السيد حسين البروجردي، و أبعد
من قبل الشاه (محمد رضا البهلوي) إلى
تركيا و عنها إلى النجف الأشرف، وأقام
فيه مشتغلا بالتدريس، و مشرفا على
الحركة الإسلامية و تطوراتها إلى أن هيأ
الله أسباب الثورة فعاد إلى إيران - بعد
مكثه في ضواحي باريس مدة قصيرة من الزمن - إثر مغادرة الشام منها، وبعد
عشرة أيام انتصرت الثورة، فكان على
رأسها ومرشدا لها، وقد لا قى في سبيل الله
الكثير من المحن حتى بعد الانتصار إلى أن
توفي في 14 خرداد (2) عام (1409)، و قد

(1) انظر ترجمته:
أعيان الشيعة 9: 5
(2) و في أثناء كتابتي للترجمة التفت إلى أن
578

حضر تشييعه ما لم يشهد مثله التأريخ.
له مؤلفات عديدة في الفقه
والأصول والعرفان عدا ما كتب من
تقريرات أبحاثه، و من أهمها:
1 - البيع، وهو كتاب فقهي استدلالي،
محور أبحاثه كتاب المكاسب للشيخ الأعظم
الأنصاري.
2 - تحرير الوسيلة: و هو يحتوي على
فتاواه، يقع في مجلدين.
3 - و قد قررت أبحاثه الأصولية وطبعت
باسم تهذيب الأصول.
و له رسائل أصولية أخرى.
26 - الخوانساري
الآقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري
قدس سره (1016 - 1098)
قال عنه معاصره الحر العاملي: " إنه
فاضل عالم حكيم متكلم محقق مدقق ثقة
جليل القدر عظيم الشأن، له مؤلفات،
منها شرح الدروس، حسن لم يتم، وعدة
كتب في الكلام والحكمة وترجمة القرآن
الكريم، وترجمة الصحيفة، و غير ذلك. من
المعاصرين أطال الله بقاءه " (1).
ومقصوده من شرح الدروس كتابه
مشارق الشموس في شرح الدروس.
و كذا ترجم له غيره. (2)
27 - الخوئي
قدس سره (1317 - 1412)
كان من الفقهاء و الأصوليين المعاصرين و من مراجع التقليد.
تخرج على يديه عدد كبير من
العلماء وباتت آراؤه محطا لوجهات نظر
الفقهاء و الأصوليين و الرجاليين في نوادي
العلم و حلقات التدريس، وكتب كثير من
تلامذته تقريرات أبحاثه الأصولية
والفقية.
و من مؤلفاته:

كتابتي للترجمة قد صادفت الذكرى الخامسة
من يوم وفاته - فيا سبحان الله - وها أنا ذا
مشغول بالترجمة صبيحة يوم السبت
14 / خرداد / 1373 المصادف
23 / ذي الحجة / 1414 و هو يوم توفى فيه.
(1) و (2) انظرروضات الجنات 2: 349،
الترجمة رقم 219).
579

1 - أجود التقريرات: وهو تقرير لأبحاث
أستاذه الشيخ محمد حسين النائني في
الأصول يقع في مجلدين.
2 - معجم رجال الحديث: و هو محاولة
لجمع المجاميع الرجالية، يقع في ثلاثة
و عشرين مجلدا.
3 - البيان في تفسير القرآن: و هو محاولة
لتفسير القرآن، صدر منه الجزء الأول لكنه
توقف عنه لكثرة مشاغله.
4 - منهاج الصالحين و هو يمثل مجموعة
فتاواه لعمل المقلدين.
5 - مباني تكملة المنهاج: بين فيه
مستندات فتاواه في التكملة التي كتبها
للمنهاج، وهي في القضاء و الشهادات
و الحدود و الديات.
و أما تقريرات أبحاثه فكثيرة منها:
أولا - في الفقه
1 - تنقيح العروة الوثقى.
2 - مصباح الفقاهة.
3 - مستند العروة الوثقى.
4 - فقه الشيعة.
5 - محاضرات في فقه الشيعة.
ومجموع هذه التقريرات قد تصل
إلى أربعين مجلدا أو أكثر.
ثانيا - في الأصول:
1 - محاضرات في أصول الفقه في أربع مجلدات.
2 - مصباح الأصول في مجلدين.
و تقريرات أخرى.
28 الراوندي
أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن
الراوندي قدس سره (573)
قال عنه المحدث البحراني: " فقيه
عين ثقة، له تصانيف رائقة... " ثم عد
تصانيفه وهي كثيرة، منها: شرح نهاية
الشيخ الطوسي في‌عشر مجلدات سماه
" المغني " و كتاب فقه القرآن، و هوشرح
آيات الأحكام، وخلاصة التفاسير في
عشر مجلدات، ومناج البراعة في شرح
نهج البلاغة، و هو أول شرح للنهج - على
ما قيل - ينقل عنه ابن أبي الحديد كثيرا،
و تفسير القرآن في مجلدين، و حل المعقود
في الجمل و العقود للشيخ الطوسي
و عشرات الكتب و الرسائل الأخرى في
580

شتى المجالات. (1)
29 - الرشتي
الميرزا حبيب الله بن محمد علي خان الجيلاني
قدس سره (1234 - 1312)
كان فقيها أصوليا محققا، تخرج على
يده مئات من العلماء.
وكان والده من الملاكين الكبار في
گيلان، ومع ذلك كان معروفا بالصلاح
والصفاء، هاجر إلى النجف لتكميل
دراساته، فحضر على صاحب الجواهر
(محمد حسن النجفي) و على الشيخ مرتضى
الأنصاري، فوجد بغيته فيه فلازم درسه
إلى أن وافاه الأجل، فخلفه الميرزا محمد
حسن الشيرازي في الرئاسة العامة، و خلفه
حسن الشيرازي في الرئاسة العامة، و خلفه
الميرزا حبيب الله الرشتي في التدريس،
فصار وحيد عصره في أبكار الأفكار،
و مع ذلك فقد تجنب الرئاسة والزعامة،
لما كان عليه من الزهد والورع، و كان دائم
الصلاة، فقد قضى فرائض والديه ثلاث
مرات، مرة تقليدا و مرتين اجتهادا.
له مؤلفات كثيرة في الفقه و الأصول
منها:
1 - بدائع الأصول
2 - عدة رسائل أصولية في مقدسة الواجب
و المفهوم و المنطوق و الإجزاء و التعادل
و التراجيح و المشتق
4 - حاشية المكاسب
4 - شرح الشرائع: مبسوط خرج منه
مجلدات في الطهارة و الصلاة و الزكاة،
و بعض كتب أخرى غير تامة
5 - خلل الصلاة
6 - التجارة
7 - القضاء و الشهادات
8 - الغصب
9 - الوقف و الرهن و اللقطة
10 - تقريرات أبحاث أستاذه الشيخ
الأنصاري
و بعض هذه الكتب مطبوعة وبعضها

(1) انظر ترجمته في:
1 - لؤلؤة البحرين: 304، الترجمة
رقم (103)
2 - روضات الجنات 4: 5، الترجمة
رقم (314).
3 - أعيان الشيعة 7: 204
581

الآخر لا زال مخطوطا (1)
30 - السبزواري
محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري
قدس سره (1090)
قال عنه الخوانساري في الروضات:
" كان فاضلا عالما حكيما متكلما، فقيها
أصوليا، محدثا نبيلا... و قدورد العراق
بعد فوت والده، و سكن إصبهان إلى أن
اعتلى أمره عند السلطان الشاه عباس
الصفوي الثاني، ففاز بإمامة الجمعة
و الجماعة، و منصب شيخوخة الإسلام... ".
كان من مشايخه الشيخ البهائي،
و من تلامذته المحقق آقا حسين
الخونساري اللذي كان صهره على أخته.
و كان متأثرا بالمحقق الأردبيلي،
و محسوبا على طريقته.
و من أهم تآليفه في الفقه: " ذخيرة
المعاد في شرح الإرشاد " و هو إلى آخر
الحج، و " كفاية الأحكام " و هو إلى آخر
المواريث، و مشتمل على القضاء
و الشهادات، و له شرح على " زبدة
الأصول " للشيخ البهائي، و رسالة في الغناء
يفصل فيها بين موارده.
و كان معاصرا للمحدث الكاشاني،
و كانت بينهما الفة تامة، و لعل ذلك كان
مؤثرا في تماثل ما ذهبا إليه في بعض
المسائل كالغناء، توفي عام (1090) و نقل
جثمانه إلى مشهد الإمام الرضا عليه السلام. (1)
31 - سلار = سالار
الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
قدس سره (- 448 أو 463)
من الفقهاء المتقدمين، كان أصله من
(ديلم) و هي مقاطعة (رشت) الحالية في
إيران، هاجر إلى بغداد فالتقى بالمفيد
و السيد المرتضى و اختص بالأخير، و كان
موضع اعتماده، فربما نابه في التدريس،
و كان من وكلائه و نوابه في مدينة حلب،

(1) انظرترجمته:
1 - أعيان الشيعة 4: 559
2 - نقباء البشر 1: 357
3 - مقدمة كتاب القضاء للمحقق الرشتي
(1) انظر:
روضات الجنات 2: 68، الترجمة
رقم (141)
582

قال عنه العلامة في الخلاصة: " سلار بن
عبد العزيز الديلمي أبو يعلى قدس الله روحه
شيخنا المتقدم في الفقه و الأدب و غيرهما،
كان ثقة وجها، له: المقنع في المذهب،
و التقريب في أصول الفقه، و المراسم في
الفقه، والرد على أبي الحسن البصري في
" نقض الشافي "، و التذكرة في حقيقة
الجوهر، قرأ على المفيد رحمه الله و على
السيد المرتضى رحمه الله ".
و أكثر آرائه منقولة من كتابه
المراسم، و قيل: إنه أول من قال بحرمة
إقامة الجمعة في زمن الغيبة. (1)
32 - السيد
راجع: المرتضى، اليزدي.
33 - الشهيد الأول
محمد بن مكي بن محمد الجزيني العاملي قدس سره
(734 - 786)
من كبار فقهاء الإمامية، قال عنه
المحدث البحراني: "... فضله أشهر من أن
يذكر، و نبله أعظم من أن ينكر، كان عالما
ماهرا، فقهيا، مجتهدا، متبحرا في العقليات
و النقليات، زاهدا عابدا ورعا، فريد
دهرة... "
واعتبره في‌الروضات: أفقه جميع
فقهاء الآفاق بعد المحقق الحلي، و له أساتذة
كثيرون وشيوخ إجازة من العامة
و الخاصة، من أساتذته فخر المحققين ولد
العلامة الحلي.
قال عنه أستاذه فخر المحققين:
" الإمام الأعظم، أفضل علماء العالم،
و سيد فضلاء بني آدم، مولانا شمس الحق
والدين محمد بن مكي بن حامد أدام الله
أيامه... ".
و كذا أثنى عليه كل من ذكره.
له كتب ورسائل فقهية عديدة،
منها:
الذكرى والبيان و الدروس و غاية

(1) راجع ترجمته:
1 - الخلاصة: حرف السين باب الآحاد
رقم (10)
2 - لؤلؤة البحرين: 329، الترجمة
رقم (106)
3 - روضات الجنات 2: 370، الترجمة
رقم (224)
583

المراد، و الألفية، و النفلية، و اللمعة
الدمشقية، و قد ألفها بالتماس شمس الدين
محمد الآوي من أصحاب علي بن مؤيد
الذي كان من سلاطين " السربدارية "
الذين حكموا خراسان و ما والاها، و كانوا
من الشيعة.
و له القواعد والفوائد - في مجلدين -
و هومجموعة من القواعد الأصولية
و الفقيهة العامة.
استشهد بفتوى القاضي برهان
الدين المالكي و عباد بن جماعة الشافعي
فقتل بالسيف، ثم صلب، ثم رجم، ثم
أحرق بالنار ببلدة دمشق - رحمة الله
عليه - بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة
الشام، و قيل: إنه ألف اللمعة في سبعة
أيام عند ما كان محبوسا. (1)
34 - الشهيد الثاني
الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي
العاملي (911 - 966)
كان - كالشهيد الأول - من أعاظم
فقهاء الإمامية المشار إليهم بالبنان في
التحقيق و التدقيق.
كان يدرس المذاهب الخمسة، و قرأ
على جماعة من علماء العامة - في القاهرة
و مكة و المدينة و بيت المقدس و دمشق
و غيرها - الفقه و الحديث على مذاهبهم،
و سافر إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة.
له مؤلفات كثيرة و متنوعة تمتاز
بالدقة، أهمها:
1 - الروضة البهية في شرح اللمعة
الدمشقية، للشهيد الأول.
2 - المسالك، و هو شرح لشرائع الإسلام
للمحقق الحلي.
3 - روض الجنان، و هوشرح لإرشاد
الأذهان للعلامة الحلي.
4 - شرح الألفية، و هي للشهيد الأول.
5 - شرح النفلية، و هي للشهيد الأول
أيضا.
6 - حاشية على إرشاد الأذهان.

(1) ترجم له كثير من أهل التراجم، و راجع
على سبيل المثال:
1 - لؤلؤة البحرين: 28، الترجمة رقم (7)
2 - روضات الجنات 3: 352، الترجمة
رقم (352)
3 - تكملة أمل الآمل، القسم الأول: 212،
الترجمة رقم (183)
4 - مقدمة الروضة البهية.
584

7 - حاشية على شرائع الإسلام.
8 - حاشية على قواعد الأحكام للعلامة
الحلي.
9 - تمهيد القواعد الأصولية و العربية، و هو
كتاب بحث فيه عن أمهات القواعد
الأصولية و العربية.
10 - الرعاية في علم الدراية.
و كتب عديدة أخرى في الأخلاق
و الكلام و غيرهما.
كل ذا مع ما كان يقوم به من مرمة
معاشه بنفسه، و مع ما كان يعيشه من
الخوف و التستر اللذين لا يسع للإنسان
معهما أن يفكر في مسألة من الضروريات
فكيف في النظريات.
وهكذا عاش إلى أن استشهد - و هو
عائد من الحج - أيام السلطان سليمان
العثماني بمؤامرة حيكت ضده. (1)
35 - الشيخ
راجع: الأنصاري، الطوسي.
36 - صاحب الجواهر
راجع: النجفي.
37 - صاحب الحدائق
راجع: البحراني.
38 - صاحب الرياض
راجع: الطباطبائي.
39 - صاحب العروة
راجع: اليزدي.
40 - صاحب القوانين
راجع: القمي.
41 - صاحب كشف اللثام
راجع: الفاضل الهندي.
42 - صاحب الكفاية
راجع: الخراساني.

(1) ترجم له كثير من أهل التراجم، و راجع
على سبيل المثال:
1 - لؤلؤةالبحرين: 28، الترجمة رقم (7)
2 - روضات الجنات 3: 352، الترجمة
رقم (352)
3 - تكملة أمل الآمل، القسم الأول: 212،
الترجمة رقم (183)
4 - مقدمة الروضة البهية.
585

43 - صاحب مفتاح الكرامة
راجع: العاملي.
44 - صاحب المدارك
راجع: العاملي.
45 - صاحب المعالم
الشيح حسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني
كان الشيخ حسن صاحب المعالم،
و ابن أخته السيد محمد صاحب المدارك
متآخيين في الله بحيث إذا سبق أحدهما
المسجد و جاء الآخر اقتدى به، هاجرا إلى
النجف و اشتركا في الدرس على المقدس
الأردبيلي، و كانا سألاه أن يعلمهما ما هو
دخيل في‌الاجتهاد فحسب، فأجابهما إلى
ذلك.
تأثرا بمدرسة المحقق الأردبيلي التي
امتازت بالتدقيق و التحقيق، و لذلك نراهما
قليلي التأليف، لاهتمامها بالتدقيق فيما
كتباه، قال عنه حفيده الشيخ علي في الدر
المنثور:
" إن الشيخ حسن رحمه الله كان
فاضلا محققا متقنا مدققا زاهدا تقيا و عالما
راضيا... إلى أن قال:
كان لا يحوز قوت أكثر من أسبوع
أو شهر - الشك مني فيما نقلته عن الثقات -
لأجل القرب إلى مواساة الفقراء... إلى أن
قال:
كان ينكر كثرة التصنيف مع عدم
تحريره، و يبذل جهده في تحقيق ما ألفه
وتحبيره... ".
له تآليف قيمة على قلتها منها:
1 - عالم الدين وملاذ المجتهدين، و هو في
قسمين: الأصول و الفقه، و قد حظي قسم
الأصول منه مكانا مرموقا في الحوزات
العملية و لا زال يدرس فيها.
2 - حاشية على مختلف الشيعة للعلامة
الحلي.
3 - التحرير الطاوسي في‌الرجال.
و كتب و رسائل أخرى، منهاديوان
شعر. (1)
46 - صاحب المناهل
راجع: الطباطبائي.

(1) نقلنا ترجمته من تكملة أمل الآمل القسم
الأول: 138، الترجمة رقم (193).
586

47 - صاحب الوسائل
راجع: الحر العاملي.
48 - الصدر
السيد محمد باقر بن السيد حيدر بن السيد
إسماعيل الصدر قدس سره (1353 - 1400)
عرف بالنبوغ المبكر، و اتسم
بالأصالة والحرية الفكرية، و وصل إلى
مرتبة الأساتذة الكبار في سن لم يعهد مثله
عادة في الحوزات العلمية.
أسس مدرسة فكرية أسلامية أصيلة
اتسمت بالشمول، استقطب القدرات
و الطاقات العلمية الشابة، وأوجد فيها
حركة أسلامية قوية، قضت عليه السلطة
الحاكمة في العراق بعد ملاحقته عدة سنين،
فاستشهد في 24 جمادي الآجرة 1400.
حضر دروس الخارج عند خاله
الشيخ محمدرضا آل ياسين، و المرجع
الكبير السيد أبي القاسم الخوي.
له تأليفات قيمة، منها:
1 - معالم الأصول: محاولة لطرح الأصول
في منهج دراسي حديث، ثم تبدل إلى
كتاب دروس في علم الأصول في‌ثلاث
مراحل.
2 - الفتاوى الواضحة، وهو مجموعة
فتاواه، كتبه لمقلديه، لكنه لم يتعد
العبادات، وقد اتخذ فيه طريقة جديدة في
تقسيم الفقه، وكتب في‌مقدمته رسالته في
الاعتقادات طبعت مستقلة باسم:
" الرسول، المرسل، الرسالة ".
3 - اقتصادنا: قام فيه بمحاوله لمعالجة
المشكلة الاقتصادية من وجهة نظر الإسلام
وتفنيد الطريقة الماركسية و الرأسمالية.
4 فلسفتنا: ناقش فيه المدارس الإلحادية
وخاصة الماركسية من حيث
الايديولوجية.
5 - البنك الاربوي في الإسلام: و هو يمثل
طرحا للبنك الإسلامي الذي لم يعتمد على
الربا.
6 - الأسس المنطقية للاستقراء: دعم فيه
مباني المنطق الاستقرائي، أي المنطق المبتني
على الاستقراء.
7 - بحوث في العروة الوثقى: وهو في بحث
الطهارة، في ثلاث مجلدات.
هذا، و كتب تلامذته تقريراته
الأصولية طبع اثنان منها، أحدهما باسم:
بحوث في علم الأصول في ثماني
587

مجلدات للسيد محمود الهاشمي، و الآخر
باسم مباحث الأصول، طبع منه حتى الآن
ثلاث مجلدات للسيد كاظم الحائري.
49 - الصدوق
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن موسى بن
بابويه القمي قدس سره - 381)
قال عنه النجاشي: " شيخنا وفقيهنا
ووجه الطائفة بخراسان، و كان و رد بغداد
سنة خمس و خمسين وثلاثمئة و هو حدث
السن... ".
و قال عنه الشيخ الطوسي: " كان
جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال
ناقدا للأخبار، لم ير في القميين مثله في
حفظه و كثرة علمه، له نحو من ثلاثمئة
مصنف... ".
و هو من المبادرين إلى تأليف الفقه
من متون الروايات مجردة عن الأسانيد،
فألف كتابيه الفقهيين: المقنع، و الهداية،
وألف موسوعته الحديثية: " من لا يحضره
الفقيه " في بلاد الغربة - كما قال - أي في
قصبة " إيلاق " من أراضي " بلخ "، و ذلك
بطلب من الشريف أبو عبد الله المعروف
ب‍ " نعمة "، الذي كان من أحفاد الإمام
موسى بن جعفر عليه السلام. حيث طلب منه
أن يؤلف له كتابا في الحلال و الحرام على
غرار كتاب " من لا يحضره الطيب " لمحمد
أين زكريا الرازي.
و هذه الموسوعة تعد من الموسوعات
الحديثية الأربع، وهي: الكافي، و الفقيه،
والتهذيب، و الاستبصار.
و قيل: كانت له موسوعة حديثية
أخرى أكبر من " الفقيه "، و لكن لم يصل
إلينا منها شيء.
توفي في العقد الثامن من عمره في
سنة (381) بالري، و دفن فيها، و على
قبره قبة عالية يزار من قبل المؤمنين. (1)

(1) راجع ترجمته على سبيل المثال:
1 - رجال النجاشي: 389، الترجمة
رقم (1049)
2 - الفهرست للشيخ الطوسي: 304، الترجمة
رقم (661)
3 - لؤلؤةالبحرين: 372، الترجمة
رقم (121)
4 - روضات الجنات 6: 132، الترجمة
رقم (574)
5 - الفوائد الرجالية 3: 292
588

50 - الطباطبائي = صاحب الرياض قدس سره
السيد على بن محمد علي بن أبي المعالي الصغير ابن
أبي المعالي الكبير الطباطبائي (1161 - 1231)
كان من الفقهاء الكبار و ابن أخت
الوحيد البهبهاني قدس سره و صهره، و تلميذه،
تربى على يديه، فاشتهر في الأوساط
العلمية، و تخرج على يديه الفقهاء، أمثال:
ولده السيد محمد المجاهد " صاحب
المناهل "، و السيد العاملي " صاحب مفتاح
الكرامة "، و الشيخ أسد الله التستري
" صاحب المقابيس ".
و أما مؤلفاته فكثيرة منها:
1 - رياض المسائل و هوشرح كبير
للمختصر النافع للمحقق الحلي
2 - مختصر الرياض الموسوم بالشرح
الصغير.
و حوالي سبع عشرة رسالة وكتب
اخرى. (1)
51 - الطباطبائي = صاحب المناهل قدس سره
السيد محمد بن السيد علي بن السيد محمد علي
الطباطبائي (حدود 1180 - 1242
درس عند والده السيد علي
الطباطبائي (صاحب الرياض)، وعند
السيد مهدي بحر العلوم، هاجر - في حياة
والده - كربلاء إلى إصفهان و كان بها إلى
أن توفي والده فرجع إلى كربلاء، استدعاه
فتح علي شاه القاجاري ليواكب جيشه
لمحاربة الروس فقبل ذلك، و لذلك لقب
بالسيد محمد المجاهد. ولكن أصيب الجيش
بالفشل، لخيانة بعض قواده فاعتل عند
رجوعه، و بقي في قزوين أياما كذلك حتى
وافاه الأجل و نقل جثمانه إلى كربلاء.
حضر درسه الشيخ مرتضى
الأنصاري.
وله مؤلفات، منها:
1 - المناهل في فقه آل ياسين، و قدطبع
القسم الأخير وبقي القسم الأول منه
مخطوطا.
مفاتيح الأصول، وهو في علم
الأصول، مبسوط لكنه لم يحتو على جميع
مطالبه كاجتماع الأمر و النهي و مسألة الضد

(1) راجع:
1 - روضات الجنات 4: 399، الترجمة
رقم (422)
2 - أعيان الشيعة 8: 314
589

و مقدمة الواجب و نحوها. (1)
52 - الطوسي
أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن
الطوسي قدس سره (385 - 460)
قال عنه معاصره النجاشي: " أبو
جعفر جليل في أصحابنا، ثقة، عين، من
تلامذه شيخنا أبي عبد الله ".
و قال عنه العلامة الحلي: "... شيخ
القدر عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق،
عارف بالأخبار والرجال، والفقه،
والأصول، والكلام، والأدب، و جميع
الفضائل تنسب إليه، صنف في كل فنون
الإسلام، و هو المهذب للعقائد في الأصول،
و الفروع، و الجامع لكمالات النفس في العلم
و العمل ".
له الفضل الكبير على الطريقة
الاجتهادية في الاستنباط حيث ألف كتابه
المبسوط، و فرع فيه الفروع على الأصول،
وبذلك صار كتابه نقطة عطف في تأريخ
الفقه.
و ألف " الخلاف " في الفقه المقارن،
و " النهاية " في الفقه المعتمد على متون
الروايات، و لذلك قالوا: إنها أول مؤلفاته
الفقهية، كما أن المبسوط آخرها.
و ألف في الأصول كتاب " العدة "،
و في الرجال كتابي " الرجال " و " الفهرست "، و هذب كتاب الرجال
للكشي، و عرف ب‍ " اختيار معرفة
الرجال ".
و كتب موسوعيتن روائيتين من
الموسوعات الروائية الأربع، وهما:
التهذيب و الاستبصار.
وله كتب كثيرة أخرى، منها
" التبيان " في التفسير.
كانت له طريقة معتدلة في قبول
الخبر الواحد، فكان يعتمد على خبر الثقة
و لم يشترط احتفافه بالقرينة كالمفيد
و السيد المرتضى و ابن إدريس، وقد باتت
طريقته الطريقة المعتمدة حتى العصر
الحاضر.
و كان له كرسي للتدريس في دار
الخلافة بغداد، لكنه هاجر إلى النجف بعد
إثارة الفتن الطائفية و إجراق مكتبة

(1) راجع:
روضات الجنات 7: 145 الترجمة (214)
590

الضخمة، فجاور الإمام علي بن أبي طالب
عليه السلام و أسس حوزة النجف الأشرف
العلمية. (1)
53 - العامل = صاحب المدارك
السيد محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن
الموسوي قدس سره (946 - 1009)
كان سبط الشهيد الثاني و زميل
خاله صاحب المعالم في الدروس.
تخرجا من مدرسة المحقق الأردبيلي
و تأثرا بأفكاره، كان لهما طريقة خاصة في
قبول الأخبار، فلم يقبلا إلا الصحيح
و الحسن، ولذلك انتقد هما المحدث البحراني
حيث قال: " إنهما قد سلكا في الأخبار
مسلكا و عرا و نهجا منهجا عسرا... ".
و كان صاحب المدارك - كصاحب
المعالم - يكره كثرة التأليف من دون تحقيق،
قال المحدث البحراني: "... كان يكره كثرة
التصنيف مع عدم تحريره، و يبذل جهده في
تحقيق ما ألفه و تحبيره، و هو حقيق
بالاتباع... "
و من أهم مؤلفاته:
1 - مدارك الأحكام في شرح شرائع
الإسلام: ولكن لم يخرج منه إلا إلى الحج،
و هو كتاب يجمع بين الدقة و عدم التعقيد.
2 - نهاية المرام في شرح مختصر شرائع
الإسلام: وجد منه من أول النكاح إلى
آخر النذر، كتبه تتميما لنقائص كتاب
مجمع الفائدة والبرهان لأستاذه الأردبيلي.
3 - حاشية الاستبصار.
4 - حاشية التهذيب.
5 - حاشية على ألفية الشهيد. (1)

(1) انظر ترجمته على سبيل المثال:
1 - النجاشي: 403، الترجمة رقم (1068)
2 - الفهرست: 285، الترجمة رقم - (620)
3 - الخلاصة: القسم الأول باب (محمد)
رقم (46)
4 - لؤلؤة البحرين: 293، الترجمة
رقم (102).
5 - الفوائد الرجالية 3: 227
6 - روضات الجنات 6: 216، الترجمة
رقم (580)
(1) راجع ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 44، الترجمة
رقم (10 - 12)
2 - روضات الجنات: 45، الترجمة
رقم (598)
3 - أعيان الشيعة 10: 6
591

54 - العاملي = صاحب مفتاح الكرامة
السيد جواد بن محمد الحسيني العاملي قدس سره
(حدود 1164 (1226)
كان تلميذا للسيد مهدي بحر
العلوم، و الشيخ جعفر كاشف الغطاء
قدس سرهما، و ألف كتابه مفتاح الكرامة بطلب
من الأخير، كما قال في مقدمته: " و قد
امتثلت أمر سيدي وأستاذي و من عليه
بعد الله سبحانه وأوليائه صلى الله عليهم معولي
و اعتمادي، الإمام العلامة المعتبر المقدس..
الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله تعالى
فداه و أطال الله تعالى للمؤمنين بقاه... " ثم ذكر أنه طلب منه أن ينظر في كتاب
قواعد الأحكام للعلامة الحلي و يلاحظ كل
مسألة مسألة و يذكر مااتفق فيه وما
اختلف، وما ذكر من الاتسدلال
مما لم يذكره الآخرون و أن يذكر مذهب
العامة عند اختلاف الأخبار.
و الكتاب و إن لم يكتمل: لعدم شرح
بعض الكتب منه كالزكاة و الخمس و الأمر
بالمعروف و النكاح و توابعه ونحو ذلك،
لكنه كتاب عديم النظير في موضوعه
إلا كتاب المختلف للعلامة الحلي إلا أن
فروعات الختلف أقل بكثير، كما أن
الأخير امتاز بنقل أقوال المتأخرين عن
العلامة حتى العصور المقاربة لحياة المؤلف.
و كل من جاء بعده استفاد من كتابه في نقل
الأقوال، و خاصة تلميذه صاحب الجواهر
قدس سره، و للسيد العاملي مؤلفات اخر غير
مفتاح الكرامة. (1)
55 - العراقي
الشيخ ضياء الدين علي بن محمد العراقي
(1278 - 1361)
كان من أبرز تلامذة الآخوند
الشيخ محمد كاظم الخراساني - في الأصول -
و قد رقى منبرالتدريس مدة خمسين سنة
متواصلة، لكنه استقل بالتدريس على
مستوى الخارج بعد وفاة شيخه عام
(1329)، و أوجد مدرسته الأصولية

(1) انظر ترجمته:
1 - تكملة أمل الآمل: 126، الترجمة
رقم (80)
2 - أعيان الشيعة 4: 288
و راجع مقدمة مفتاح الكرامة.
592

الخاصة به التي اتسمت بالدقة العقلية
الوافرة من غير إفراط، وتخرج من
مدرسته كثير من مراجع، و مجتهدي العصر
الحاضر، وقيل: إنه كان يمثل الحرية
الفكرية في حلقة درسه، فكان يسمع كل
مناشقة ثم يجيب عنها بدقة.
و هو و إن لم يكن مكثرا في التأليف،
لكن له عدة كتب فقهية و أصولية، أهمها:
1 - المقالات الأصولية في علم الأصول
يقع في مجلدين.
2 - شرح التبصرة وهو شرح لكتاب التبصرة للعلامة الحلي يقع في عدة مجلدات
3 - و قد كتبت محاضراته الأصولية فطبعت
باسم " نهاية الأفكار ". (1)
56 - العلامة
راجع: الحلي.
57 - العماني
راجع: ابن أبي عقيل
58 - الفاضل الجواد
راجع: الكاظمي.
59 - الفاضل المقداد
بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد
السيوري الحلي (- 826)
كان عالما، فاضلا، متكلما، محققا، له كتب، منها:
1 - الشرائع، كتاب فقهي استدلالي يمتاز
بالاختصار والدقة، و هو شرح للمختصر
النافع للمحقق الحلي.
2 - كنز العرفان في فقه القرآن: و هو شرح
لآيات الأحكام.
3 - شرح " مبادئ الأصول ": للعلامة
الحلي.
4 - شرح " نهج المسترشدين ": للعلامة
الحلي في علم الكلام.
5 - شرح " الباب الحادي عشر ": و هو في الكلام أيضا. (1)

راجع.
نقباء البشر 3: 956
أعيان الشيعة 7: 392
(1) انظر ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 173، الترجمة رقم (69)
593

60 - الفاضل الهندي
محمد بن تاج الدين حسن بن محمد الإصفهاني
قدس سره (1062 - 1137)
نشأ في صغره بالهند ثم رجع إلى
إصفهان، و كانت حياته مقارنة لأواخر
دولة الصفويين.
و قيل: إنه صنف و درس من أوائل
دخول في العقد الثاني من عمره، له
تأليفات عديدة، منها:
1 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام:
وهو شرح كبيرلقواعد الأحكام للعلامة
الحلي، لكنه غير تام.
2 - المناهج السوية في شرح الروضة البهية
- للشهيد الثاني - و هو مخطوط بعد
و لم يطبع.
و الكتابان اعتمد عليهما الفقهاء
المتأخرون عنه كثيرا. (1)
61 - القاضي
راجع: ابن البراج.
62 - القمي = المحقق القمي
الشيخ الميرزا أبو القاسم بن المولى محمد حسن
الجيلاني القمي قدس سره (1151 - 1231)
من كبار الفقهاء و الأصوليين، كان
له باع طويل فيهما، كما كان له تبحر في
الحديث و الرجال و التأريخ والحكمة،
معروفا بالزهد والتقوى والاحتياط.
نزل كربلاء أيام رئاسة الأستاذ
الوحيد البهبهاني فأخذ عنه ومنحه إجازة
الاجتهاد، في إلى موطنه (ضواحي
رشت) في إيران و منه إلى إصفهان ثم إلى
شيراز أيام أمارة " كريم خان زند " ثم
عاد إلى إصفهان و منها إلى موطنه و منه إلى
قم فاستقر بها و عظم شأنه و لقب بالمحقق
القمي، و توجه الناس إليه.
تخرج على يديه جماعة من أقطاب
العلم و رجال الدين، أمثال: الشيخ محمد
إبراهيم الكلباسي، و الشيخ أسد الله
الدزفولي، و السيد محمد باقر حجة الإسلام
الإصفهاني، و السيد عبد الله شبر، و السيد

2 - روضات الجنات 7: 171، الترجمة
رقم (622)
(1) راجع:
روضات الجنات 7: 111، الترجمة
رقم (608)
594

محسن الأعرجي، والسيد جواد العاملي،
و غيرهم.
له مؤلفات كثيرة منها:
1 - قوانين الأصول: و هو من أمتن و أقوى
الكتب الأصولية كان يدرس في‌الحوزات
العملية حتى الآونة الأخيرة.
2 - الغنائم في الفقه.
2 - المناهج في الفقه.
4 - جامع الشتات: و هو مجموعة أجوبته
عن المسائل التي استفتيت منه، و هو كتاب
مفيد ونافع جدا، لأنه يعالج مشاكل
مطروحة.
و له كتب أخرى. (1)
63 - الكاشاني
محمد محسن بن مرتضى بن محمود الفيض
الكاشاني قدس سره (1007 - 1091)
جمع بين الطريقة الأخبارية،
والحكمة (الفلسفة)، فكان محدثا أخباريا
صلبا حتى انتقده المحدث البحراني ونسبه
إلى التفريط، و من جهة أخرى توغل في
الفلسفة و العرفان.
أخذ الحديث عن السيد ماجد
البحراني، و الحكمة عن صدر الدين محمد
ابن إبراهيم الشيرازي (ملا صدرا)،
و تزوج ابنته.
نقل المحدث البحراني عن تلميذه
السيد نعمة الله الجزائري: أنه كان له مما
يقارب مئتي كتاب و رسالة، منها:
1 - الوافي: و هو إحدى الموسوعات
الحديثية يشتمل على نحو خمسين ألف
حديث.
2 - مفاتيح الشرائع: و هو في ثلاث
مجلدات، بوب فيه الفقه بتبويب غير ما هو
المألوف، و قد شرحه و علق عليه جمع من
الفقهاء، منهم: الأستاذ الأكبر الوحيد
البهبهاني.
3 - الصافي في تفسير القرآن: و هو تفسير
روائي مختصر يقع في أربع مجلدات.
4 - المحجة البيضاء في إحياء الإحياء: و هو
تكييف لكتاب " الإحياء " للغزالي وفقا
لمذهبه.
و غير ذلك. (1)

(1) راجع ترجمته:
الكرام البررة 1: 52.
(1) انظر ترجمته:
595

64 - كاشف الغطاء
الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي الحلي
قدس سره (1154 - 1228)
من كبار الفقهاء المتأخرين المشار
إليهم بالبنان انتهت إليه الرئاسة العامة في
الدين و الدنيا.
تخرج على يديه جماعة من العلماء،
منهم: السيد جواد العاملي صاحب مفتاح
الكرامة، و السيد محمد باقر الشفتي صاحب
مطالع الأنوار، و الشيخ محمد حسن النجفي
صاحب الجواهر، و أصهاره الثلاثة: الشيخ
أسد الله التستري صاحب المقابيس،
و الشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم
و أسيد صدرالدرين العاملي، و أبناؤه
الثلاثة: الشيخ موسى و الشيخ علي و الشيخ
حسن.
و له تأليفات عديدة أهمهما:
1 - كشف الغطاء: و هو كتاب كبير يشتمل
على مقدمة في الأصولين: أصول العقائد،
و أصول الفقه.
2 - شرح القواعد للعلامة الحلي، و هو
شرح للبيع إلى أول الخيارات، لازال
مخطوطا، و هو كتاب عميق.
3 - كتاب كبير في الطهارة لم يفرغ منه كتبه
لجمع الأقوال والأحاديث.
4 - رسالة في رد الميرزا محمد الأخباري
الداعي إلى الأخبارية، وله معه موقف
شديد.
و له عدة رسائل وكتاب أخرى في
الاعتقادات و غيرها. (1)
65 - الكاظمي = الفاضل اللجواد
الشيخ جواد بن سعد الله بن جواد الكاظمي
قدس سره (- 1065)
قال عنه الخوانساري في الروضات:
" وهو من العلماء المعتمدين والفضلاء
المجتهدين صاحب تحقيقات أنيقة،
وتدقيقيات رشيقة في الفقه و الأصول
و المعقول و المنقول والرياضي والتفسير ".

1 - لؤلؤة البحرين: 121، الترجمة
رقم (46)
2 - روضات الجنات 6: 79، الترجمة
رقم (565)
(1) راجع ترجمته:
1 - روضات الجنات 2: 200
2 - أعيان الشيعة 4: 99
596

كان من تلامذة الشيخ البهائي
من مؤلفاته:
1 - شرح الدروس لم يتم
2 - غاية المأمول في شرح " زبدة
الأصول " لشيخه البهائي
3 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام،
وهو شرح لآيات الأحكام، وجاء في
أعيان الشيعة: أنه " من أكبر ما كتب في
بابه و أتمها فائدة ". (1)
66 - الكركي = المحقق الثاني
الشيخ علي بن الحسين بن علي بن محمد بن
عبد العالي الكركي العاملي‌قدس سره (- 940)
قال عنه معاصره الشهيد الثاني:
" الإمام المحقق نادرة الزمان، و يتيمة
الأوان... "، و قد أكثر الإطراء عليه
العلماء و أرباب التراجم. أخذ عن علماء
الشام ثم هاجر إلى مصر و أخذ عن
علمائها، ثم سكن الغري (النجف) فدرس
و صنف، ولما ظهرت دولة الصفويين توجه
إلى إيران و التحق بالشاه إسماعيل الأول
فأكرمه، و كانت له عنده المنزلة العظيمة،
فأجرى له الأموال الكثيرة لإدراة
المجتمعات العلمية، وبقي مدة فيها، لكنه
رجع إلى النجف، وبعد وفاة الشاة إسماعيل
قام مقامه الشاه طهماسب فكان محترما
و مقربا له كثيرا، وقد اشتهر أنه أصدر
قرارا بأن صاحب الملك حقيقة هو الشيخ
علي، لأنه نائب الإمام عليه السلام. فعلى
الجميع إطاعته، ولذلك كان له دور كبير في إزالة الفسق والفجور، و منع شرب
الخمور، و تنفذ الحدود و التعذيرات، و محو
القوانين المبدعة، و إقامة الفرائض
والواجبات، و المحافظة على إقامة الجمعة
والجماعات، و كان يرغب عامة الناس في
تعلم شرائع الدين، بل يلزمهم على ذلك
حتى لقب ب‍ " مروج المذهب ".
و تربى على يديه - في مدة يسيرة -
ما يزيد على أربعمئة مجتهد، كما قيل.
امتاز على من تقدمه بقوة
الاستدلال، و لذلك كان له على تطورالفقه
أثر لا يستهان به، و اعتنى ببعض المسائل
الفقهية التي كانت مهملة قبله، أمثال:

(1) راجع ترجمته:
1 - روضات الجنات 2: 215، الترجمة
رقم (178)
2 - أعيان الشيعة 4: 271
597

ولاية الفقيه، و القضاء، و إجراء الحدود،
والخراج، و صلاة الجمعة و ما شابه ذلك.
له كتب عديدة في‌الفقه، منها:
1 - جامع المقاصد: و هو شرح لقواعد
الأحكام للعلامة الحلي يمتاز عما سبقه بقوة
الاستدلال، و قد وصل إلى ثلاثة عشر
مجلدا بالطباعة الحديثة إلى اخر الوصايا
2 - حاشية على الشرائع للمحقق الأول
3 - حاشية على الإرشاد للعلامة الحلي
4 - شرح الألفية للشهيد الثاني
5 - رسالة الجعفرية، و عليها هوامش
عديدة
6 - رسالة في الرضاع
7 - رسالة في الخراج
8 - رسالة في أقسام الأرضين
9 - رسالة في صيغ العقود و الإيقاعات
وعدة كتب ورسائل أخرى (1)
67 - الكليني
أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني
(328 أو 329)
أشهر من أن يعرف، فقد عرفه العام
والخاص، قال عنه النجاشي: " شيخ
أصحابنا في وقته بالري ووجههم، كان
أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ".
و قال ابن الأثير في (جامع
الأصول) - كما جاء في‌الفوائد الرجالية -:
"... أبو جعفر بن محمد بن يعقوب الرازي
الفقيه الإمام على مذهب أهل البيت
عليهم السلام، عالم في مذهبهم كبير فاضل
عندهم مشهور ".
عاصر الغيبة الصغرى و ألف كتابه
الكافي في عشرين سنة، ومجموع أحاديث
ستة عشر ألف حديث ومئة وتسعة
وتسعين حديثا.
توفي في بغداد عام (328) أو
(329) وعلى قبره قبه عالية إلى اليوم،
يزوره المومنون. (1)

(1) راجع ترجمته:
1 - لؤلؤة البحرين: 151 * الترجمة رقم (62)
2 - روضات الجنات 4: 360، الترجمة
رقم (414)
3 - تكملة أمل الآمل: 291، الترجمة
رقم (270)
4 - أعيان الشيعة 8: 208
(1) انظر ترجمته:
1 - رجال النجاشي: 377، الترجمة
598

68 - المحقق
راجع: الحلي.
69 - المحقق الثاني
راجع: الكركي.
70 المحقق الحلي
راجع: الحلي.
71 - المحقق القمي
راجع: القمي
72 - المراغي
السيد المير عبد الفتاح المراغي قدس سره
(- 1246)
كان من علماء و فقهاء القرن الثالث
عشر، درس على ابني الشيخ جعفر كاشف
الغطاء (الشيخ موسى و الشيخ علي)، و له
تقريرات أبحاثهما في الفقه و الأصول.
و له أيضا كتاب " عناوين
الأصول "، يشتمل على أمهات القواعد
الفقهية، و هو كتاب جامع تظهر عليه آثار
الدقة و التحقيق، اعتمدنا عليه في أبحاثنا
خاصة في قسم القواعد الفقهية. (1)
73 - المرتضى = السيد المرتضى =
علم الهدى
على بن الحسين بن محمد بن موسى
بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
(355 - 236)
وهو أشهر من أن يعرف، قال عنه
تلميذه النجاشي: " حاز من العلوم ما
لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من
الحديث فأكثر، و كان متكلما، شاعرا،
أديبا، عظيم المنزلة في العلم والدين
و الدنيا... ".

رقم (1026)
2 - الفهرست: 326، الترجمة رقم (709)
3 - لؤلؤة البحرين: 386، الترجمة
رقم (123)
4 - الفوائد الرجالية 3: 325
5 - روضات الجنات 6: 108، الترجمة
رقم (568)
(1) راجع ترجمته:
1 - الكرام البررة 2: 755
2 - أعيان الشيعة 8 - 31
599

وقال تلميذه الآخر الشيخ الطوسي:
"... متوحد في علوم كثيرة، مجمع على
فضله، مقدم في العلوم مثل علم الكلام،
و الفقه، وأصول الفقه، و الأدب، والنحو،
والشعر، ومعاني الشعر، واللغة، و غير
ذلك، له ديوان شعر يزيد على عشرين
ألف بيت، و له من التصانيف ومسائل
البلدان شئ كثير... ".
كان هو و أخوه السيد الرضي
تلميذي الشيخ المفيد، فتأثر بأفكاره
الاجتهادية وسار على منهجه، وازدهرت
نوادي العلم أيامه حيث كان يجرى على
الطلبة الأموال الكثيرة، وكان قد أوقف
قرية على تأمين كاغذ الفقهاء، وتولى
النقابة و إمارة الحاج و المظالم بعد أخيه
الرضي، و كان ذلك منصب والدهما.
ومن مؤلفاته:
1 - الانتصار فيما اختلف فيه الإمامية
و غيرهم.
2 - الناصريات
3 - مجموعة رسائل فقهية طبعت باسم
رسائل السيد المرتضى
4 - الذريعة إلى أصول الشريعة، في أصول
الفقه. (1)
74 - المظفر
الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن الشيخ
عبد الله آل مظفر (1323 - 1383)
من العلماء و المفكرين الذين ساهموا
في الحركة الفكرية الحديثية - على صعيد
الحوزة العملية و غيرها - حضر دروس
الأعلام الثلاثة: النائيني و العراقي
و الإصفهاني قدس سرهم، و أضاف إلى دراسة
العلوم الدينية العلوم الرياضية العالية،
ومبادىء العلوم الطبيعية، كما برع في
الأدب و الشعر.
أسس جمعية منتدى النشر الثقافية
عام (1354) و هي مؤسسة ثقافية
إسلامية تشمل مختلف المراحل الدراسية

(1) راجع:
1 - رجال النجاشي: 270، الترجمة
رقم (708)
2 - الفهرست: 218، الترجمة رقم (472)
3 - روضات الجنات 4: 294، الترجمة
رقم (400)
و غيرها من كتب الترجمة.
600

من الابتدائية حتى مستوى الكلية. و كان
حصيلة تدريسه في الكلية كتابين كان لهما
دور مهم في تطوير الدراسات الحوزوية
(مرحلة السطح) و هما المنطق و أصول
الفقه، الذي اشتهر الأول ب‍ " منطق المظفر "،
و الثاني ب‍ " اصول الفقه للمظفر ".
و له تأليفات كلامية و فلسفية
أخرى، مثل:
1 - السقيفة
2 - عقائد الإمامية (الشيعة)
3 - فلسفة ابن سينا، في ترجمته و نقض
بعض آرائه. (1)
75 - المفيد
الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري
البغدادي (336 - 413)
قال عند تلميذه النجاشي: " فضله
أشهر من أن يوصف في الفقه و الكلام
والرواية و العلم ".
و قال عنه تلميذه الآخر الشيخ
الطوسي: "... من أجلة متكلمي الإمامية
انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه في
العلم، و كان مقدما في صناعة الكلام،
و كان فقيها متقدما فيه، حسن الخاطر،
دقيق الفطنة، حاضر الجواب... ".
و قال عنه ابن كثير - كما في
اللؤلؤة -:... بارع في الكلام و الجدل
و الفقه، و كان يناظر كل عقيدة بالجلالة
و العظمة في الدولة البويهية، و كان كثير
الصدقات، عظيم الخشوع، و كثير الصلاة
و الصوم، خشن اللباس، و كان عضد
الدولة ربما زار الشيخ المفيد... ".
كذا أطرى عليه كل من ترجم له
من الشيعة و غيرهم، وكيف‌لا يستحق
ذلك، و له الأيادي العظيمة على الفقه
و الكلام، فهو الذي أحكم قواعد الاجتهاد
بعد القديمين: ابن أبي عقيل العماني، وابن
الجنيد. و أول من دون الأصول في رسالة
مستقلة، و لعله أول من ألف في الفقه
المقارن حيث كتب كتابه الإعلام فيما اتفقت
عليه الإمامية و أجمع العلماء على خلافه.
و تربى على يديه أساطين الفقه
و الكلام، أمثال السيد المرتضى و الشيخ
الطوسي، و غيرهم.
و أما تصانيفه فقد أنهيت إلى حوالي

(1) راجع ترجمته:
نقباء البشر 2: 772
601

مئتي كتاب و رسالة، أهمها في الفقه كتابه
" المقنعة ".
توفي ليلة الجمعة لثلاث خلون من
رمضان سنة ثلاث عشرة و أربعمئة، و كان
يوم‌وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة
الناس للصلاة عليه، و كثرة البكاء من
المخالف و المؤالف، و نقل عن ابن كثير: أنه
حضر تشييعه ثمانون ألفا. (1)
76 - النائيني = المحقق النائيني
الشيخ محمد حسين ابن عبد الرحيم النائيني
(1277 - 1355) من العلماء الكبار، صاحب مدرسة
أصولية، درس على العلماء الكبار في
إصفهان ثم هاجر إلى العراق، فحضر
درس السيد إسماعيل الصدر، و السيد محمد
الفشاركي في سامراء، ثم حضر درس
المجدد الشيرازي ولازمه إلى أن توفي
(1312)، فلازم السيد الصدر و هاجر معه
إلى كربلاء (1314) و بقي معه ثم غادرها
متوجها إلى النجف، فاختص بالمحقق
الخراساني (الآخوند) الذي قد استقل
بالتدريس هناك، فصار من أعضاء مجلس
فتياه، و لم يحضر درسه العام، لاستغنائه
عنه، و نهض مع أستاذه الخراساني لمبارزة
الاستبداد في إيران، و استقل بالتدريس
بعدوفاة شيخه الخراساني، وغادر العراق
متوجها إلى إيران مع السيد أبي الحسن
الإصفهاني اعتراضا على إبعاد الشيخ
مهدي الخالصي إليها - في عهد الملك فيصل
الأول، و الملك أحمد شاه القاجاري -
فاحتفلت بقدومهما حوزة قم بقيادة

(1) ترجم له أغلب أرباب التراجم، فراجع
على سبيل المثال.
1 - رجال النجاشي: 399، الترجمة
رقم (1067)
2 - الفهرست: 314، الترجمة رقم - 685)
3 - الخلاصة: 147 - القسم الأول - حرف
الميم الترجمة رقم (45)
4 - لؤلؤة البحرين: 354، الترجمة
رقم (120)
5 - روضات الجنات 6، 153، الترجمة
رقم (576)
6 - أعيان الشيعة 9: 420، و نقل فيه ترجمته
من كتب غير الشيعة، فراجع.
602

مؤسسها الشيخ عبد الكريم الحائري، فبقيا
يدرسان فيها إلى أن رجعا إلى العراق،
و تزعما الرئاسةالعامة فيها.
كان لا يحضر درسه إلا أهل النظر،
لدقة آرائه، و قد تخرجت على يديه
شخصيات علمية معروفة، أمثال السيد
أبي القاسم الخوئي، و الشيخ حسين الحلي،
والسيد حسن البجنوردي، و الميرزا باقر
الزنجاني و نحوهم.
و قرر السيد الخوئي دورة كاملة
لأبحاثه الأصولية سميت ب‍ " أجود
التقريرات "، كما و قرر الشيخ محمد علي
الكاظمي دورة كاملة ثانية سميت
ب‍ " فوائد الأصول " وقرر الشيخ موسى
الزنجاني أبحاثه الفقهية التي كان محورها
أبحاث الشيخ الأنصاري في المكاسب،
و سماها ب‍ " منية الطالب ". (1)
77 - النجفي = صاحب الجواهر
الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ
عبد الرحيم النجفي (حدود 1202 - 1266)
من أركان الطائفة و أكابر فقهاء
الإمامية انتهت إليه الرئاسة العامة في
الدين و الدنيا، و انقادات له المجتمعات
الشيعية.
أخذ العلم عن الشيخ جعفر كاشف
الغطاء، و ولده الشيخ موسى، والسيد
العاملي (صاحب مفتاح الكرامة)،
و غيرهم من تلامذة الوحيد البهبهاني
و السيد محمد مهدي بحر العلوم.
له دور كبير في الفقه الحاضر، إذ هو
صاحب الموسوعة الفقهية العظيمة " جواهر
الكلام في شرح شرائع الإسلام " التي تبلغ
ثلاثة و أربعين مجلدا، وهي دورة فقهية
استدلالية كاملة، لم يكتب مثلها، لا قبله
و لا بعده، و عليه مدار رحى الفقه إلى يومنا
الحاضر، و قد اعتمدنا عليه في موسوعتنا
أكثر من غيره.
تخرج على يديه كثير من العلماء،

(1) انظر ترجمته:
1 - نقباء البشر 2: 593
2 - أعيان الشيعة 6: 54
603

وممن عاصره الشيخ مرتضى الأنصاري. (1)
78 - يحيى بن سعيد
راجع: الحلي.
79 - الوحيد البهبهاني = الأستاذ الأكبر
الشيخ الآغا محمد باقر ابن المولى محمد أكمل
الإصفهاني البهبهاني قدس سره
(1118 - 1205 وقيل غيرهما)
أستاذ الفقهاء و الأصوليين في القرن
الثالث عشر، تربى على يديه كبار علماء
الشيعة، أمثال: المولى مهدي النراقي،
و الميرزا أبي القاسم القمي، و الشيخ جعفر
كاشف الغطاء، و السيد مهدي بحر العلوم،
و الشيخ أسد الله الدزفولي، والسيد محمد
باقر حجة الإسلام الشفتي، وغيرهم.
نشأ بإصبهان ثم هاجر مع والده إلى
بهبهان، ثم منها إلى كربلاء، فاستقر بها،
و ثنيت له الوسادة - وسادة التدريس
و الرئاسة - و استفحلت في أيامه الحركة
الأخبارية، فقام لها عن قدم وساق، وشمر
لها عن ساعدية، و كان يعاصره من
الأخباريين في‌كربلاء المحدث البحراني،
فانتقل أكثر تلامذته إلى درس الوحيد،
و مع ذلك كان للبحراني موقف وزين تجاه
القضية، بل و كان لاتزانه دورهام في
انتصار الوحيد على الحركة.
و بكلمة واحدة هو أستاذ الكل،
و الأستاذ الأكبر لكل الفقهاء في القرنين
الثالث عشر و الرابع عشر بالواسطة أو
بدونها.
له تأليفات عديده أنهيت إلى حدود
ستن كتابا و رسالة، أهمها:
1 - شرح المفاتيح: و هو شرح كبير على
كتاب المفاتيح للفيض الكاشاني، من
الطهارة إلى الخمس.
2 - الفوائد الحائرية: و قد ألحق به فوائد
جديدة، فسمي الأول بالفوائد القديمة،
و الثاني بالفوائد الجديدة. (1)

(1) انظر ترجمته:
1 - روضات الجنات 2: 304، الترجمة
رقم (206)
2 - الكرام البررة 1: 310
3 - أعيان الشيعة 9: 149
(1) انظر ترجمته:
1 - روضات الجنات 2: 94
604

80 - اليزدي = السيد اليزدي
السيد محمد كاظم بن السيد عبد العظيم
الطباطبائي اليزدي قدس سره (1247 - 1337)
من كبار فقهاء الإمامية في العصور
المتأخرة، درس في يزد و إصبهان،
و غدرها متوجها إلى النجف، فوصلها بعد
وفاة الشيخ الأنصاري (1281) فأخذ عن
الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي
النجفي و الميرزا الشيرازي قبل هجرته إلى
سامراء، و كان لغويا متقنا فصيحا قيما
بالعربية والفارسية، جيد النقد قوي التمييز
- كما قيل - أقبلت إليه الزعامة بعد وفاة
الميرزا الشيرازي (1312) واختص بها
بعد وفاة قرينة الشيخ محمد كاظم
الخراساني (1329). و ظهرت في أيامه
فتنة المشروطة في إيران - أي الدعوة إلى
إقامة الحكم على طبق الدستور - فكان من
المخالفين لها بينما كان قرينة الخراساني من
المؤيدين لها.
له مؤلفات فقهية عديدة أهمها:
العروة الوثقى، و هو كتاب فقهي يحتوي
على فروعات كثيرة، لكنه لم يكن كاملا بل
اشتمل على الطهارة والصلاة والصوم
والزكاة والخمس والحج والوصايا
والإجارة والنكاح.
حظي بإقبال وافر، و أخذ يعلق
عليه كل من رأى لنفسه أهلية التقليد. (1)
ترجمة مختصره لأصحاب التراجم
إتماما للفائدة نذكر ترجمة المترجمين
الذين استفدنا من تراجمهم بصورة
مختصرة:
1 - رجال النجاشي:
لأحمد بن علي بن أحمد بن العباس
(373 - 450)، يصل نسبه إلى النجاشي
والي أهواز الذي كتب إليه الإمام الصادق
عليه السلام رسالته المعروفة، يأمره فيها بمراعاة
الإخوان.
كان تلميذا للشيخ محمد بن محمد بن
النعمان المفيد، و من طبقة السيد المرتضى،
والشيخ الطوسي، و هو من أقدم أصحاب
التراجم، وكتابه الرجال من أهم المصادر
605

الرجالية لدى الشيعة يحتوى على ألف
و مئتين وتسع ترجمة، و هو في مجلد
واحد.
2 - الفهرست:
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي، مرت، برقم (52).
3 - الخلاصة:
للعلامة أبي منصور الحسن بن
يوسف الحلي، مرت ترجمته برقم (22).
4 - لؤلؤة البحرين:
للمحدث الشيخ يوسف بن أحمد
البحراني، مرت ترجمته برقم (12)
5 - الفوائد الرجالية:
للفقيه السيد محمد مهدي بحر العلوم،
مرت ترجمته برقم (13)
6 - روضات الجنات:
للسيد محمد باقرالموسوي
الخوانساري (1226 - 1313)، درس في
إصفهان على السيد صدر الدين العاملي،
و الشيخ محمد تقي - صاحب الحاشية على
المعالم - و السيد محمد باقر الشفتي، و الحاج
محمد إبراهيم الكرباسي و غيرهم.
هاجر إلى النجف و حضر دروس
السيد إبراهيم القزويني - صاحب
الضوابط - و الشيخ حسن صاحب الجواهر.
ثم رجع إلى إيران.
7 - تكملة أمل الآمل:
للسيد حسن الصدر (1272 -
1354)، نشأ في بيت علمي في الكاظمية
- في العراق - ثم هاجر إلى النجف فبقي مدة
لأخذ العلم، ثم هاجر مع المجدد الشيرازي
إلى سامراء (1297) ثم سكن الكاظمية
(1314) بعد وفاة أستاذه الشيرازي.
له تأليفات كثيرة في فنون مختلفة
أنهيت إلى ثمانين مولفا، منها:
1 - تكملة أمل الآمل 2 - الشيعة و فنون
الإسلام 3 - تأسيس الشيعة الكرام لعلوم
الإسلام
8 - أعيان الشيعة:
للعلامة السيد محسن أمين العاملي
(1284 - 1371)، كان من الدعاة إلى
الإصلاح، هاجر إلى النجف من جبل
عامل عام (1308) ثم رجع إلى دمشق
بطلب من أهلها (1319) لإصلاح الأمور
فيها، سافر إلى مصر في طريقه إلى الحج
و بيت المقدس، و هاجر في (1352) إلى
العراق و إيران لزيارة الإمام الرضا
عليه السلام، و كان مشغولا في حينه في تأليف
606

أعيان الشيعة الذي بلغ عشر مجلدات من
القطع الكبير، ربما يصل إلى مئة مجلد لو
طبع بالطبعة الوزيرية. كما احتمله
المصنف.
9 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة:
للعلامة الشيخ محمد محسن الرازي
المعروف ب‍ " آغا بزرگ الطهراني "
(1293 - 1398) الذي كان نزيل سامراء
و أخذ العلم عن الزعيم المجاهد الميرزا محمد
تقي‌الشيرازي ثم عن المحقق الشيخ محمد
كاظم الخراساني، و صاحب العروة السيد
محمد كاظم اليزدي في النجف. قام مشمرا
عن ساعديه ليرد على القائلين " بأن
الشيعة ليس لها مؤلفات... " فبدأ بتأليف
كتاب " الذريعة " عام (1329) فألفه أولا
في مجلد واحد، ثم في ست مجلدات عرضه
على السيدالصدر فسماه بالاسم المتقدم
ثم أخذ يتوسع فيه حتى بلغ ما يقارب
ثمانية و عشرين مجلدا. و له أيضا كتاب
طبقات أعلام الشيعة، وهو حسب
القرون، لكل قرن اسم، و قدسمى القرن
الثالث بعد عشر باسم " الكرام البررة في القرن
الثالث بعد عشرة " والقرن الرابع عشر
ب‍ " نقباء البشر في القرن الرابع عشر ".
607