الكتاب: تقريرات الحدود والتعزيرات
المؤلف: تقرير بحث الگلپايگاني ، لمقدس
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤) / نسخة مخطوطة (حجرية)

المجلد الأول من كتاب
الحدود والتعزيرات
من تقريرات بحث السيد الأستاذ
آية الله الحاج السيد محمد رضا
الموسوي الگلپايگاني رضوان
الله تعالى عليه
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ثم الصلاة و
السلام على أشرف الكائنات وسيد الموجودات
وخير البريات أبي القاسم محمد وآله وعترته أشرف
العترات سيما خاتمهم وقائمهم عليه وعليهم أفضل
الصلاة والسلام والتحيات.
أما بعد فيقول أقل الناس عملا وأكثرهم زللا
المحتاج إلى الله التدا الحفى محمد هادي المقدس النجفي بن الغفور
له الحاج الشيخ على المقدس النجفي موطنا ومدفنا الرشتي
أصلا ومولدا أعلى الله في الجنان درجته: هذا ما تلقيناه
من أبحاث سيدنا الأعظم الأستاذ الأفخم
الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
أدام الله أيام إفاداته بجاه محمد وآله من مباحث كتاب
الحدود والتعزيرات، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتمامه
بمحمد وآله، وهذا المجلد حاو على بيان حد الزنا واللواط والقواد والساحر
والقاذف ومن سب النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة (ع) وغير ذلك
المؤلف محمد هادي المقدس النجفي
2

(كتاب الحدود والتعزيرات)
وهما جمع الحد والتعزير ومعناهما المنع، والتأديب كما عن
المسالك وغيرها وقد يطلق الحد ويراد به الحكم كما في قوله
تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها (1) وقوله تعالى:
تلك حدود الله فلا تقربوها (2) وقوله عز من قائل: ومن
يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (3).
وقد يطلق الحد ويراد به الانتهاء كما يقال: إلى هنا حد
هذه الدار أي انتهاها والظاهر أن المراد بالحد في باب
الحدود وهو المعنى الأول أي المنع لمنعه للناس عن تكرار
الاجرام والمعاصي الموجبة للحد.
وأما التعزير فقد عرفت أن معناه التأديب وهو ما
دون الحد وهو ما يراه الحاكم بالنسبة إلى المجرم الذي ارتكب
شيئا من المعاصي التي لم توجب الحد كاللمس والتقبيل
للأجنبية نعم ربما يطلق على ضربه مثلا عشرين سوطا إلى
تسعة وتسعين سوطا أي نقصانه عن الحد الشرعي
ولو بسوط واحد وهذا كله يطلق عليه التعزير نعم في التعزير
الذي ورد بالخصوص في النصوص تحديده بعدد معين

(1) سورة البقرة الآية 229 (2) البقرة الآية 187 (3) البقرة الآية 229.
3

كتعزير من جامع أهله في نهار شهر رمضان بخمسة و
وعشرين سوطا (1) وتعزير من تزوج أمة على حرة و
دخل قبل الإذن فإنه يضرب اثنا عشر سوط ونصف
سوط ثمن حد الزاني كما في الروايات (2) وكتعزير
المجتمعين تحت إزار واحد مجردين فإنه مقدر بثلاثين إلى
تسعة وتسعين سوطا (3) وكتعزير من افتض بكرا
بإصبعه (4) وتعزير الرجل والمرأة إذا وجد مجردين
تحت إزار واحد فإنهما يعزران من عشرة أسواط
إلى تسعة وتسعين (5) - يطلق عليه التعزير أيضا إلا
أنه تعزير مقدر بحسب الأخبار الواردة في هذه المواضع
المذكورة، وكيف كان فقد ورد في إقامة الحدود وفوائدها
وأهميتها في الاسلام روايات متظافرة كرواية سدير
عن أبي جعفر عليه السلام قال: حد يقام في الأرض أزكى

(1) الوسائل باب 12 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب حد الزنا
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 21 و 18
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 3 و 18.
4

فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها (1) ورواية عبد الرحمان
بن الحجاج عن موسى بن جعفر عليهما السلام في قول الله عز وجل
يحيى الأرض بعد موتها (2) قال: ليس يحييها ولكن يبعث
الله رجلا فيحيون العدل فتحيى الأرض لاحياء العدل، ولإقامة
حد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا (3).
ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ساعة إمام عادل أفضل
من عبادة سبعين سنة، وحد يقام لله في الأرض
أفضل من مطر أربعين صباحا (4) إلى غير ذلك من
الروايات الكثيرة.
وهل يطلق الحد على ما لا مقدر له شرعا وهل يترتب
عليه أحكام الحد كدرء الحد بالشبهة وعدم اليمين في الحد و
عدم قبول الكفالة فيه، وكذا للإمام العفو عن الحد الثابت
بالاقرار دون البينة وعدم قبول الشفاعة في الحد؟ فيه وجهان
أما وجه الاندراج فلا طلاق الحد على مطلق العقوبة في بعض
الأخبار، مثل قول عليه السلام: إن الله جعل لكل شئ

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود والحديث 2 و 3 لكن في الأول عن حنان بن سدير.
(2) سورة الروم الآية 19
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود والحديث 2 و 3 لكن في الأول عن حنان بن سدير.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود والحديث 4.
5

حدا ولمن جاوز الحد حدا (1). وأما وجه الاندراج فلظهور
لفظ الحد في الشئ المحدود والمقدر فما لا تقدير له لا يسمى
بحسب العرف حدا مضافا إلى ظهور بعض الأخبار في
أن التعزير ليس بحد، منها رواية حماد بن عثمان قال: قلت له:
كم التعزير؟ فقال: دون الحد، قلت له: دون ثمانين، قال
لا، ولكن دون أربعين، فإنها حد المملوك، قلت: وكم
ذاك، فقال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و
قوة بدنه (2).
ومنها رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الامرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال: يضربان
قلت: حدا؟ فقال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب
واحد، قال: يضربان، قلت: الحد؟ قال: لا (3) وغير ذلك
مما ظاهره مغايرة الحد للتعزير بحسب المفهوم، وربما يطلق
الحد ويراد به التعزير وهو كثير في الروايات إلا أنه في مورد
الشك بأن المراد به الحد أو التعزير لا بد أن يحمل على
الحد بالمعنى الأخص
(الباب الأول في حد الزنا)

(1) الوسائل الباب 2 و 3 من أبواب مقدمات الحدود
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ح 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 16.
6

قال في الشرايع: والنظر في الموجب والحد واللواحق
(أما الموجب)
فهو ايلاج الانسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير
عقد ولا شبهة ولا ملك انتهى موضع الحاجة
قال في المسالك هذا تعريف لمطلق الزنا الموجب
للحد في الجملة ويدخل في الانسان الصغير والكبير والعاقل
والمجنون، فلو زاد فيه المكلف كان أجود، ويمكن تكلف
اخراجهما بقوله: في فرج امرأة محرمة فإنه لا تحريم في
حقهما، وكذا يدخل فيه المختار والمكره، ويجب اخراج المكره
إلا أن يخرج بما يخرج به الأولان، وكذا يدخل الذكر والخنثى
لكن يمكن اخراج الخنثى بقوله: ذكره فإن ذكر الخنثى ليس
بحقيقي لعدم مبادرة المعنى عند اطلاقه إليه وجواز سلبه
عنه ومن جعله ذكرا حقيقيا زاد بعد قوله: ذكره: الأصلي
بيقين انتهى موضع الحاجة.
وقال في الجواهر: فما في المسالك... في غير محله
لأنها على التقدير المزبور شرائط في الحد لا في تحقق حقيقة
الزنا انتهى، لكن يرد عليه أن تحقق الزنا بالنسبة إلى
ايلاج الصبي والمجنون وكذا المكره والظان بأنها زوجته
مشكل بل غير ممكن فإن مطلق ايلاج الذكر في فرج الأجنبية
7

وإن كان على نحو السهو أو الغفلة أو الشبهة لا يعد زناءا
ولذا لا يجوز أن يخاطب الذي واقع امرأة أجنبية بشبهة
بقوله: أيها الزاني.
هذا. وعن الرياض: " أما الزناء الموجب للحد فهو
ايلاج الانسان وادخاله فرجه وذكره الأصلي في فرج
امرأة محرمة على أصالة من غير عقد نكاح ولو متعة بينهما
ولا ملك من الفاعل القابل ولا شبهة ورائه وضابطها
ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده ولعله المفهوم
منه عرفا ولغة، واطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف إلا
أنه خارج مما ذكرناه من قيد التحريم، مع احتمال أن يقال:
إن التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزناء لا أنه جزء
من مفهومه، فلا يحتاج إلى ازدياد التحريم من هذا الوجه
وإن احتيج إليه لتحقيق معنى الزناء لعدم تحققه عرفا ولغة
إلا به وإلا فدخول المجنون بامرأة مثلا لا يعد فيهما زناء
ما لم تكن المدخول بها محرمة عليه أصالة انتهى
وقال في الجواهر: وفيه أن ذلك لا يوجب الزيادة
المزبورة: ضرورة تحقق الايلاج بامرأة بلا عقد
ولا ملك ولا شبهة وإن لم يكن في ذلك حرمة عليه
لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في تحقق معنى
8

الزنا الذي هو على التقدير المزبور وطؤ الأجنبية التي هي
غير الزوجة والمملوكة عينا أو منفعة، ومقتضاه أن وطؤ
الشبهة زناء لغة وعرفا لكنه لا يوجب الحد وهو مناف
لمقابلته به في النكاح المقتضية لكونه وطؤ الأجنبية على أنها
أجنبية، وربما يظهر بذلك ثمرة في غير الحد من الأحكام
المعلقة على الزنا كالعرف ونحوه اه
إلا أن فيما ذكراه ما لا يخفى فإن الزنا لا يصدق
على مطلق المماس مع الأجنبية من غير عقد ولا ملك
يمين ولا شبهة فإن مماس الصغير أو الجاهل بالحكم
مع الأجنبية لا يصدق عليه الزنا فضلا عن ثبوت الحد
عليهما، نعم لا بأس بايكال معنى الزنا إلى العرف كما يظهر
من رواية الماعز الذي اعترف بالزنا أربعا أنه قال له رسول
الله صلى الله عليه وآله: أتعرف الزناء؟ فقال: هو أن يأتي
الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا (1).
وكيف كان فيتحقق الزنا بغيبوبة الحشفة قبلا
أو دبرا كما قاله في الشرائع قال في الجواهر: كما نص
عليه غير واحد بل هو المشهور كما عن المختلف بل لم
أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض، نعم في الوسيلة

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 237 على ما حكي عنه.
9

في الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما أن يكون
زناء وهو إلا ثبت، والثاني أن يكون لواطا ولعله
أراد ما في المقنعة " الزنا الموجب للحد وطء من حرم
الله تعالى وطأه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان
الوطء في الفرج خاصة دون ما سواه "
وفي النهاية " الزناء الموجب للحد وهو وطء من
حرمه الله من غير عقد ولا شبهة عقد ويكون في الفرج
خاصة " وفيه أن الظاهر منه الأعم كما عن ابن إدريس
التصريح به، ككل ذلك مضافا إلى الاطلاق فتوى
ورواية ففي الصحيح (1) وغيره (2) إذا أدخله فقد وجب
الغسل والمهر والرجم انتهى ما في الجواهر.
والظاهر أنه الحق، وقال أيضا: وقد صرح غير واحد
باعتبار غيبوبة قدر الحشفة من مقطوعها، وقد يحتمل اعتبار
دخوله أجمع، بل في كشف اللثام أنه أحد الوجهين، لكن
فيه أن العرف على خلافه، ضرورة صدق اسم الادخال
اللهم إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام) في الصحيح:
" إذا أدخله " ظاهر في الجميع لكن خرجنا في ذي الحشفة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة من كتاب الطهارة
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب المهور.
10

لما ورد (1) من ترتب الحكم على التقاء الختانين، فيبقى
غيره، وفيه أن الظاهر كون التحديد الشرعي بالتقائهما
لبيان التحقق في العرف بدخول المقدار المزبور من غير
فرق بين الحشفة وغيرها منه انتهى.
وعلى أي حال فقال في الشرائع: ويشترط في تعلق
الحد العلم بالتحريم والاختيار والبلوغ، وفي تعلق الرجم
مضافا إلى ذلك الاحصان، ولو تزوج امرأة محرمة
كالأم والمرضعة والمحصنة وزوجة الولد والأب فوطأ
مع الجهل بالتحريم فلا حد انتهى.
أما مع الجهل بالتحريم سواء أكان جهلا بالحكم أم
بالموضوع فلا حد عليه للشبهة الدارئة للحد وكذا إذا قامت
البينة بأن هذه المرأة قد طلقها زوجها فعقد عليها وباشرها
ثم تبين له أنها لم تكن مطلقة أو لم تخرج بعد من العدة
وكذا إذا عقد على أمه أو مرضعته أو المزوجة أو زوجة الولد
أو زوجة الأب ثم وطأ مع الجهل بالتحريم فلا حد عليه
وقال في المسالك: - على ما حكي عنه -: وضابطها توهم
الفاعل أو المفعول أن ذلك الفعل سائغ له وعن
الرياض ما سمعته فيما تقدم من أن الشبهة ما أوجبت ظن

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
11

الإباحة " فبناء على قول المسالك يكفي توهم أن ذلك
الفعل كان سائغا أي ما إذا كان احتمال الجواز
مرجوحا واحتمال المنع راجحا - في درء الحد عنه وأما على
قول صاحب الرياض فيعتبر الظن بالجواز في درء الحد
عنه، والظاهر أن الحق من صاحب المسالك فإنه و
إن حرم عليه - مع وهم الجواز - ارتكاب ذلك الفعل
إلا أنه لا يثبت عليه الحد الشرعي.
وعن السيد العلامة بحر العلوم قدس سره أنه قال
في المصابيح في باب النكاح في وطء الشبهة: بأنه
الوطؤ الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد
فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في
الشرع أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرم، والمراد
بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق ويكون النكاح
مع ذلك جائزا كما لو اشتبه عليه ما يحل من النساء
بما يحرم منهن مع عدم الحصر أو على شهادة العدلين
بطلاق الزوج أو موته إلى غير ذلك من الصور التي لا
يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا وإن كان
12

قريبا أو مظنونا وبارتفاع - إلى آخره - الجنون والنوم ونحوهما
دون ما كان بسبب محرم كشرب الخمر المسكر فإنه بحكم
الزاني في تعلق الحد وغيره انتهى.
ومقتضى هذا الكلام - كما صرح به - هو عدم ترتب
الشبهة على الظن غير شرعا لا في الموضوع ولا في
الحكم إلا أن يعتقد الإباحة به جهلا وإلا كان زانيا.
إلا أن هذا خلاف ما يستفاد من الأخبار فلنذكر
بعضها بعون الملك الغفار
فمنها صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن امرأة تزوجت رجلا ولها زوج قال: فقال:
إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر الذي هي فيه
تصل إليه ويصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصين
(الزانية المحصنة) - الرجم، وإن كان زوجها الأول
غائبا عنها أو كان مقيما معها في المصر لا يصل إليها ولا
تصل إليه فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة ولا لعان
بينهما، إلى أن قال: قلت: فإن كانت جاهلة بما صنعت
قال: فقال: أليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى،
قال: ما امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم
أن المرأة المسلمة لها أن تتزوج زوجين، قال: ولو أن
13

المرأة إذا فجرت قالت: لم أدر أو جهلت إن الذي
فعلت حرام ولم يقم عليها الحد إذا لتعطلت الحدود (1).
وهذه الرواية تدل على أن الحد يجرى على المرأة إذا زنت
في صورة علمها بالحرمة دون ما إذا كانت جاهلة بها و
دعوى الجهل بالحرمة غير كافية إذا كانت القرائن
شاهدة على كذبها مثل ما إذا تزوجت بزوجين فإن
دعوى الجهل بحرمة هذا الأمر الواضح الذي تعلمه نساء
المسلمين جمعاء غير مسموعة.
ومنها حسنة يزيد الكناسي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها؟ فقال: إن كانت
تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها
الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها
الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن، وإن كانت تزوجت
في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر
والعشرة أيام فلا رجم عليها، وعليها ضرب مأة جلدة.
قلت: أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال:
فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي
تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت، ولقد كن نساء

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الزنا الحديث 1.
14

الجاهلية يعرفن ذلك، قلت: فإن كانت تعلم أن
عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت
أن عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم (1).
وهذه الرواية أيضا دالة على أن الحد مترتب على
من تكون عالمة بالحرمة ولو بالعلم الاجمالي بأن تعلم
اجمالا بأن عليها العدة وإن تعلم عدد أيامها فإنه كان
عليها الاحتياط لوجود استصحاب الحرمة فالحجة
قد تمت عليها ولزمتها فمن خالف الحجة القائمة عليه
الحرمة - كما إذا شهد عدلان على أن هذه المرأة
مزوجة فخالفهما وتزوجها باعتذار أني لم أعلم صدقهما
- فهو زان وإن لم يحصل له العلم بالحرمة لأن
الحجة بمنزلة العلم وهكذا هنا فإن استصحاب عدم
انقضاء العدة بمنزلة العلم بأنها في العدة ومع هذا
الاستصحاب لا يجوز لها أن تتزوج.
نعم يستفاد من الرواية بالمفهوم على أنها إذا
كانت جاهلة بالحرمة ولم تقم عليها الحجة على الحرمة
أو كانت غير ملتفتة إلى الحرمة بالكل فليس عليها
الحد

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الزنا الحديث 3.
15

سواء كانت جاهلة بالحكم الوضعي أو التكليفي و
سواء كانت جاهلة بالجهل المركب كما إذا كانت
عالمة بالحلية أو بالجهل البسيط بأن كانت شاكة بالحرمة
ولم تقم الحجة عليها.
ومنها موثقة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سئل عن امرأة كان لها زوج غائبا عنها فتزوجت زوجا
زوجا آخر؟ قال: إن رفعت إلى الإمام شهد عليها
شهود أن لها زوجا غائبا وأن مادته وخبره يأتيها منه و
أنها تزوجت زوجا آخر كان على الإمام أن يحدها
ويفرق بينها وبين الذي تزوجها، قلت: فالمهر الذي
أخذت منه كيف يصنع به؟ قال: إن أصاب منه
شيئا فليأخذه، وإن لم يصب منه شيئا فإن كل
ما أخذت منه حرام عليها مثل أجر الفاجرة (1).
ومنها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته
عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا قال: عليه
الجلد، وعليها الرجم لأنه تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم
وكفارته أن يقدم إلى الإمام أن يتصدق بخمسة أصيع دقيقا (2)

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 6 و 5.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 6 و 5.
16

ويستفاد من هذه الرواية وكذا التي قبلها أن الحد الشرعي
يجرى عليها مع علمها بالحرمة دون ما إذا كانت جاهلة
بها. وكيف كان فينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط
الحد، ولو استأجرها للوطء لم يسقط بمجرده، ولو توهم
الحل به سقط، وكذا يسقط في كل موضع يتوهم الحل
كمن وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته، ولو تشبهت
له فعليها الحد دونه، وفي رواية يقام عليها لحد جهرا وعليه
سرا، وهي متروكة، وكذا يسقط لو أباحته نفسها فتوهم
الحل، ويسقط الحد مع الاكراه وهو يتحقق في طرف
المرأة قطعا، وفي تحققه في طرف الرجل تردد، والأشبه
إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع قاله أيضا في
الشرائع.
أقول: أما عدم نهوض العقد في تحقق الشبهة لسقوط
الحد فلأن العقد لا تحقق به الشبهة بعد العلم بالحرمة
كالأم والمرضعة وزوجة الأب أو الابن وكذا لو استأجرها
للوطء لم يسقط عنه الحد فإن الاستيجار غير موجب
للحلية نعم إذا توهم أن العقد أو الاستئجار موجب
للحلية سقط عنه الحد لتحقق الشبهة بذلك وكذا
17

لو توهم الحل في مورد كما إذا وجد على فراشه امرأة فتوهم
أنها زوجته فواقعها ثم تبين بعد ذلك أنها كانت أجنبية
وكذا لو تشبهت الأجنبية بزوجتها ثم بعد الوقاع تبين
له أنها كانت أجنبية فإن عليها الحد لكونها زانية، وليس
عليه الحد للشبهة.
لكن في أبى روح أن امرأة تشبهت بأمة لرجل
وذلك ليلا فواقعها وهو يرى أنها جاريته فرفع إلى
عمر فأرسل إلى علي عليه السلام فقال: اضرب الرجل حدا
في السر واضرب المرأة حدا في العلانية (1).
إلا أن الرواية بظاهرها مخالفة لسائر القواعد الفقهية
فإن الرجل لا وجه لحده بعد ما توهم أنها جاريته فإن
الشبهة دارئة للحد إلا أن تحمل الرواية على أمر سياسي
بأن يكون المراد من ضربه سرا عدم ضربه للحد بحسب الواقع
إلا أنه أمر بضربه سرا في أنظار الناس لئلا يتخذ الناس
هذا الطريق اعتذارا بأن يزنون متعمدا ثم يعتذرون بأني
وهمت أن هذه جاريتي والله العالم، ويحتمل أن يكون
الضرب السري على حقيقته أي يضربونه الحد حقيقة

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
18

لكن لأجل الأمر السياسي الذي أشرنا إليه آنفا
وهذا البيان الذي ذكرناه في هذه الرواية لم يذكره الأستاذ
دام ظله.
وكذا يسقط الحد لو أباحته نفسها فتوهم الحل بذلك
فواقعها، للشبهة أيضا، وكذا في صورة الاكراه أما اكراه
الرجل للمرأة فهو ممكن التحقق ويسقط بذلك الحد عن
المرأة المكرة دون الرجل، وأما الرجل فربما يقال بعدم امكان
تحقق الاكراه فيه فإنه إذا كان الرجل غير متمائل للزنا
وأكرهه الغير عليه فإنه غير ممكن التحقق لعدم انتشار العضو
بواسطة عدم التمائيل.
وفيه أن التمايل بحسب الطبع البشري موجود إلا
أنه صده عن ذلك الخوف من الله تعالى فحينئذ يمكن
تحقق الانتشار في صورة الاكراه، ثم إن الاكراه
على أقسام، منها ما إذا سلب منه الاختيار وحمله
على الفعل بالقوة والعنف وهذا القسم يمكن أن يدعى
فيه عدم تحقق الانتشار على اشكال فيه أيضا، ومنها
ما إذا هدده بالقتل أو الضرب الشديد غير قابل للتحمل
عادة ففعل الفعل باختياره خوفا من القتل أو الضرب
19

وهذا يمكن فيه انتشار العضو ويسقط الحد عنه للاكراه
ومنها ما لو أكرهه بالتهديد بأن يعطى مالا جزيلا إن
لم يفعل فإن كان إعطاء هذا المقدار من المال مضرا
بحاله وكان فوق طاقته يسقط عنه الحد أيضا للاكراه
وأما إذا لم يكن كذلك وإن كان المال كثيرا لكن اعطائه
لم يكن مضرا بحاله لتمكنه من ذلك فإنه لا يجوز له
أن يزني بل يدفع المال ويحفظ نفسه عن ارتكاب
الزنا فإن فعل فعليه الحد.
وكيف كان فإن أكره المرأة على الزنا يثبت
للمكرهة على الوطئ مثل مهر نساءها على الأظهر كما
ذكره في الشرائع، وذكر في المسالك - على ما حكي
عنه - أن مهر المثل عوض البضع إذا كان محترما خاليا
عن المهر كقيمة المتلف، والبضع وإن لم يضمن بالفوات
لكن يضمن بالتفويت والاستيفاء " إلا أن هذا
الكلام لا يرجع إلى حاصل يعتد به كما في الجواهر والأولى
التمسك لذلك برواية طلحة عن علي عليه السلام - المنجبر
ضعفها بعمل الأصحاب أنه قال: إذا اغتصب الرجل
أمة فافتضها فعليه عشر ثمنها فإذا كانت حرة فعليه
20

الصداق (1)، ويؤيده مفهوم قوله صلى الله عليه وآله:
لا مهر لبغي (2) فإنه من المعلوم أنها أي المستكرهة
لم تكن بغيا فلها المهر.
هذا كله إذا كان هو المكره للمرأة على الزنا وأما إذا
كان غيره فهل يكون المهر عليه أو على ذلك الغير وجهان
مقتضى ما ذكروه في كتاب الغصب أن الضمان على
المكره إذا كان أقوى من المباشر إلا أنه يمكن أن يقال
إن الضمان على المكره بالفتح فإنه هو المباشر ومغتصب
الفرج وإن كان مكرها وهذا نظير ما إذا أكرهه على اتلاف
مال الغير أو ذكر له أن هذا الخبر لي فكله فأكله ثم تبين له
أنه كان كاذبا وأنه كان لغيره فإن الضمان على المكره
بالفتح إلا أنه يمكنه الرجوع على المكره بالكسر فإنه هو الذي
أكرهه أو غره على اتلاف مال الغير.
وأما الأولاد: فهم ملحقون بأشرف الأبوين
فإن الأشرف ها المستكرهة لأن للزاني الحجر
ويمكن أن يستشهد لذلك برواية يحيى بن (أبي ظ) العلاء

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل ب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7 لكن
لا بهذا اللفظ بل بقوله: ثمن الخمر ومهر البغي... من السحت.
21

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في رجل تزوج
امرأة فمكثت معه سنة ثم غابت عنه فتزوجت زوجا
آخر فمكثت معه سنة ثم غابت عنه ثم تزوجت آخر
ثم إن الثالث أولدها؟ قال: ترجم لأن الأول أحصنها
قلت: فما ترى في ولدها؟ قال: ينسب إلى أبيه، قلت
فإن مات الأب يرثه الغلام؟ قال: نعم (1).
ثم قال في الشرائع: ولا يثبت الاحصان
الذي يجب معه الرجم حتى يكون الواطئ بالغا حرا و
يطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق متمكن منه يغدو
عليه ويروح، وفي رواية مهجورة دون مسافة التقصير وفي
اعتبار كمال العقل خلاف، فلو وطئ المجنون عاقلة وجب
عليه الحد رجما أو جلدا، هذا اختيار الشيخين وفيه تردد انتهى
وقد ذكر قدس الله روحه في اشتراط تحقق الاحصان
أمورا: الأول البلوغ فلو زنى الصبي فلا حد عليه لرفع القلم
عنه بل وكذا لو زنى بعد البلوغ وكانت له زوجة قد وطأها
قبل البلوغ فإن الوطئ قبل البلوغ لا يتحقق به الاحصان
نعم عليه الجلد، فلا بد أن يطأها بعد البلوغ في تحقق
الاحصان بذلك، قال في الجواهر - في عدم وجوب

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الزنا الحديث 12.
22

الرجم في صورة الوقاع بامرأته قبل البلوغ - قال: للأصل
والاستصحاب، وقصور فعله عن أن يناط به حكم
شرعي، وقصور اللذة وعدم انسياق نحوه من الدخول
وشبهه، وعن المبسوط أن تراعى الشروط حين الزنا ولا
اعتبار بما قبل ذلك انتهى كلام صاحب الجواهر.
أقول: يرد عليه أن الأصل والاستصحاب
موردهما عدم وجود الدليل والدليل هنا موجود كما سنشير
إليه وأما قوله: وقصور فعله عن أن يناط به حكم شرعي
فمنتقض بالجنابة والضمان فإن غير المكلف إذا صار
جنبا وإن كان قبل التكليف لا يجب عليه شئ
إلا أنه بعد التكليف يجب عليه الغسل من الجنابة
التي حصلت قبل التكليف وكذا إذا أتلف مال
الغير قبل التكليف فإن عليه الضمان بعده،
هذا كله في البلوغ والثاني الحرية بلا خلاف في اعتبارها
لتحقق الاحصان بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر
والدليل على ذلك بعد الاجماع صحيحة أبي بصير عن الصادق
عليه السلام: في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة
فقال: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعدما يعتق قلت
23

فللحرة عليه خيار إذا أعتق؟ قال: لا رضيت به وهو
مملوك فهو على نكاحه الأول (1).
فحينئذ لو وطأ العبد زوجته الحرة أو أمته قبل أن يعتق
ثم أعتق وزنا بعد العتق قل أن يطأها فلا رجم عليه
نعم عليه حد الزنا، وكذا المملوكة إذا زنت وكان لها
زوج يغدو عليها ويروح فإن عليها نصف الحد أي
خمسون جلدة دون الرجم.
وفي صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
لا يحصن الحر المملوكة ولا المملوك الحرة (2).
وفي صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل الحر أيحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن
الحر المملوكة ولا يحصن المملوك الحرة واليهودي يحصن
النصرانية والنصراني يحصن اليهودية (3)
قوله: ولا يحصن المملوك الحرة بنصب كلمة المملوك
ورفع الحرة لا تصير الحرة المملوك محصنا ولو كان عندها
يغدو عليها فلو زنا المملوك فليس عليه إلا نصف
حد الحر أي خمسون جلدة كما تقدم في المملوكة،

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 7 - 8.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 7 - 8.
24

هذا بناء على ما في الجواهر من قوله: ولا يحصن المملوك
الحرة وأما على ما في الوسائل من قوله: ولا يحصن
المملوكة الحر فلا يكاد يظهر منه معنى صحيح والظاهر أنه مصحف
اللهم إلا أن تكون هذه الرواية من الروايات الدالة
على عدم تحقق الاحصان بالمملوكة لكن تعارضها روايات
كثيرة أخرى دالة على تحقق الاحصان بالمملوكة وسنوردها
إن شاء الله تعالى.
وكيف كان فالرواية الأولى من هذه الروايات
قد دلت على أن الوطئ - أي وطئ الأمة أو الزوجة -
غير كاف في تحقق الاحصان إذا كان قبل عتقه
بل لا بد من الوطؤ بعد العتق أيضا وهذه الرواية -
بعد الاطمينان باتحاد الملاك - يستفاد منها أن
الوطئ قبل البلوغ أيضا غير كاف في تحقق الاحصان
بل لا بد من أن يطأ زوجته بعد البلوغ فعندئذ إذا زنا
يصير محصنا ويجب رجمه، وكذا العبد كما تقدم على ما هو
وخالف الصدوق في الفقيه والمقنع والعلل و
ابنا الجنيد وأبي عقيل فلم يروا الاحصان بالأمة و
يعطيه كلام سلار للأصل والاحتياط وقول الباقر
25

عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: وكما لا تحصنه الأمة
واليهودية والنصرانية إن زنا بحرة كذلك لا يكون عليه
حد المحصن إن زنا بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة (1)
وحمله الشيخ على كونهن عنده على جهة المتعة، وهو بعيد
وصحيح آخر أنه سأله عليه السلام عن الرجل يزني ولم
يدخل بأهله أمحصن؟ قال: لا ولا بالأمة (2) انتهى ما في
كشف اللثام
لكن هذا القول - أي كون الأمة لا تحصن الحر -
مخالف للمشهور بل مخالف لكثير من الأخبار
منها موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والأمة
تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم إنما ذلك
لأن عنده ما يغنيه، قلت: فإن كانت عنده أمة زعم
أنه لا يطأها؟ فقال: لا يصدق الحديث (3).
وفي هذه الرواية اطلاق في قوله: لأن عنده ما
يغنيه، شامل لما إذا كانت الأمة عنده وإن لم يطأها

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 9
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب حد الزنا الحديث 9
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
26

لقوله: لأن عنده ما يغنيه فإن التي تكون عنده وإن
لم يطأها يصدق عليها أنها عنده.
وكذا رواية حريز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المحصن، قال: فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه (1)
إلا أنه يمكن أن يقال: إن المراد من قوله: عنده
هو كناية عن الوطئ بقرينة قوله: ما يغنيه فإن صرف
وجودها عنده لا يغنيه ما لم يطأها مضافا إلى دلالة
ذيل رواية عمار المتقدمة على ذلك، فإن قال: فإن
كانت عنده أمة زعم أنه لا يطأها؟ فقال: لا يصدق،
فإن انكاره للوطء لدفع الرجم عنه فقال: لا يصدق
قوله، يعني بل يرجم لأن ظاهر كونها عنده أنه قد وطأها
وإلا كان ينبغي أن يقول: وإن لم يطأها فإنها
عنده فقوله: لأن عنده ما يغنيه كناية عن الوطئ
ومضافا إلى أن صدور رواية عمار قد دل على اعتبار
الوطئ حيث قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن
الرجل إذا هو زنا وعنده السرية والأمة يطأها تحصنه
الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم لأن عنده ما يغنيه عن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
27

الزنا (1)
ثم هل يكفي وجود المتعة في تحقق الاحصان؟
الظاهر لا قال في الجواهر نقلا عن كشف اللثام
على الظاهر: للأصل والاحتياط والاعتبار و
الأخبار انتهى، وعمده المستند هو الأخبار
منها موثقة إسحاق بن عما المتقدمة عن موسى
بن جعفر عليهما السلام إلى أن قال: قلت: فإن كانت
عنده امرأة متعة تحصنه؟ قال: لا، إنما هي على
الشئ الدائم عنده (2).
ومنها موثقته الأخرى قال: قلت لأبي إبراهيم
عليه السلام: الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال:
فقال: نعم إنما هو على وجه الاستغناء، قال: قلت:
والمرأة المتعة؟ قال: فقال: لا، إنما ذلك على
الشئ الدائم، قال: قلت: فإن زعم أنه لم يكن
يطأها؟ قال: فقال: لا يصدق، وإنما أوجب ذلك
عليه لأنه يملكها (3)، ومنها رواية هشام وحفص البختري
عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل يتزوج المتعة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 5.
28

أتحصنه؟ قال: لا إنما ذلك على الشئ الدائم عنده (1)
وهذه الروايات قد عمل بها الفقهاء وأفتوا بمضمونها
بل ادعى في هذه المسألة الاجماع إلا ما يحكى عن
الانتصار من قوله على الأصح المشعر بوجود الخلاف
الثالث من الشرائط التي ذكرها في الشرائع
لتحقق الاحصان اعتبار التمكن من الفرج بحيث يغدو
عليه ويروح أي يكون الفرج باختياره بحيث كلما أراد
من ليل أو نهار في أي ساعة منهما يكون باختياره من
دون دخل لخصوص الغدو أو الرواح في ذلك فالغائب
عن أهله الذي لا يتمكن من الجماع وكذا المسجون إذا
زنا لم يكن محصنا، وعن تبيان الشيخ الطوسي وفقه القرآن
للراوندي اعتبار كون الغيبة شهرا، إلا أنه ليس لهذا الشرط
في الأخبار عين ولا أثر، وكيف كان فيدل على اعتبار
هذا الشرط روايات.
فمنها صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له
فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (2)، ومنها حسنة محمد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 3
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
29

بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم إلا أن يكون الرجل
مع المرأة والمرأة مع الرجل (1).
ومنها صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له
امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم ويضرب
حد الزاني، قال: وقضى في رجل محبوس في السجن
وله امرأة حرة في بيته في المبصر وهو لا يصل إليها فزنى في
السجن قال: عليه الحد (يجلد الحد) ويدرء عنه الرجم (2).
ومنها رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
قال: لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملك الذي
لم يبن بأهله ولأصحاب المتعة (3).
ومنها رواية الأصم عن الحارث قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له امرأة فأصاب فجورا و
هو في الحجاز؟ فقال: يضرب حد الزاني مأة جلدة
ولا يرجم، قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة وهو
محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها ولا تدخل
هي عليه أرأيت إن زنى في السجن؟ قال: هو

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد الزنا ح 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد الزنا ح 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد الزنا ح 1 - 2 - 3.
30

بمنزلة الغائب عن أهله يجلد مأة جلدة (1)
وهل يكون الحيض بمنزلة الغيبة أم لا؟ عن السيد
قدس سره أن الأصحاب فرقوا بين الغيبة والحيض
بأن الحيض لا يمتد، وربما امتدت الغيبة وبأنه يتمتع من
الحائض بما دون موضع الحيض بخلاف الغيبة "
أقول: إن كان إجماع بأن الحيض غير مانع عن
الاحصان فهو وإلا فللمناقشة فيه مجال فإن الحيض
وإن كان مانعا شرعيا للمباشرة إلا أنه ليس بأكثر
جرما من الزنا فإنه لا حد فيه بخلاف الزنا، فترك المباشرة
مع الحائض والاقبال إلى الزنا إثمه أكبر من نفعه.
ثم إن الغيبة قد حددت في بعض الأخبار بما يوجب
قصر الصلاة، ففي رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: أخبرني عن الغائب عن أهله يزني، هل
يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم
الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ولا
صاحب المتعة، قلت: ففي أي حد سفره لا يكون محصنا؟
قال: إذا قصر وأفطر فليس بمحصن (2) وفي مرفوعة محمد

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 4
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
31

بن الحسين قال: الحد في السفر، الذي إن زنى
لم يرجم إن كان محصن؟ قال: إذا قصر وأفطر (1).
قوله عليه السلام في الرواية الأولى: الذي لم يبن بأهله:
المراد منه الذي لم يدخل بأهله.
لكن الروايتين كما قيل: مهجورتان لا يمكن الاعتماد
عليهما والأولى ايكال معنى الغائب إلى العرف
فإن الغائب الذي ذهب إلى ثلاثة فراسخ ولم يتمكن
فعلا من الرجوع إلى أهله يصدق عليه الغائب، وأما
الغائب الذين تكون عنده الوسيلة بأن كانت السيارة
باختياره ويتمكن من الرجوع بسهولة متى شاء ربما لا
يصدق عليه الغائب بنظر العرف وإن كانت
المسافة بينه وبين أهله أكثر من مسافة قصر الصلاة
قال في الشرائع: وفي اعتبار كمال العقل خلاف،
فلو وطئ المجنون عاقلا وجب عليه الحد رجما وجلدا، هذا
اختيار الشيخين، وفيه تردد انتهى.
أما ما اختاره الشيخان بل والصدوق والقاضي وابن
سعيد - على ما حكي عنهم - فمستندهم رواية أبان بن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
32

تغلب عن الصادق عليه السلام قال: إذا زنى المجنون
أو المجنونة جلد الحدود وإن كان محصنا رجم، قلت:
وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال:
المرأة إنما تؤتى، إنما يأتي، فإنما يأتي إذا عقل
كيف تأتي اللذة، وإن المرأة إنما تستكره الفعل بها
وهي لا تعقل لما يفعل بها (1).
إلا أنه قال في الشرائع: وفيه تردد اه، ووجه التردد
أنه لا وجه لجلد المجنون أو المجنونة أو رجمهما ضرورة أن الجنون
مانع من اجراء الحدود الشرعية عليه لاشتراط التكليف
بالعقل مضافا إلى روايات كثيرة.
منها ما عن ارشاد الشيخ المفيد قدس سره قال: روت
العامة والخاصة أن مجنونة فجر بها رجل وقامت البينة عليها
فأمر عمر بجلدها الحد فمر بها على أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إن رجلا فجر بها
فهرب وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها، فقال لهم:
ردوها إليه وقولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة وأن النبي
صلى الله عليه وآله قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
33

وأنها مغلوبة على عقلها ونفسها، فردها إليه فدرأ عنها
الحد (1)
ومنها صحيحة حماد بن عيسى عن الصادق عن أبيه
عن علي عليهم السلام أنه قال لا حد على مجنون حتى يفيق ولا
على صبي حتى يدرك ولا على النائم حتى يستيقظ (2)
ومنها ما عن الأصبغ بن نباتة قال: أتي عمر بخمسة
نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد، و
كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا، فقال: يا عمر ليس هذا
حكمهم، قال: فأقم أنت الحد عليهم، فقدم واحدا منهم
فضرب عنقه، وقدم الآخر فرجمه، وقدم الثالث فضربه
الحد، وقدم الرابع فضربه نصف الحد، وقدم الخامس
فعزره فتحير عمر، وتعجب الناس من فعله.
فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضية واحدة
أقمت عليهم خمسة حدود ليس شئ منها يشبه الآخر
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما الأول فكان ذميا
فخرج عن ذمته لم يكن له حد إلا السيف، وأما الثاني
فرجل محصن كان حده الرجم، وأما الثالث فغير محصن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود ح 2 - 1.
34

حده الجلد وأما الرابع فعبد ضربناه نصف الحد، وأما
الخامس فمجنون مغلوب على عقله (كذا عن التهذيب
والكافي)
وعن تفسير علي بن إبراهيم أنه قال: ستة نفر
ثم قال: وأما الخامس فكان ذلك عنه بالشبهة
فعزرناه وأدبناه، وأما السادس فمجنون مغلوب
على عقله سقط عنه التكليف (1)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في امرأة
مجنونة زنت؟ قال: إنها لا تملك أمرها، ليس عليها شئ (2)
ومنها رواية أو موثقة فضيل بن يسار قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا حد لمن لا حد عليه
: يعني لو أن مجنونا قذف
رجلا لم أرد عليه شيئا ولو قذفه رجل فقال: يا زان
لم يكن عليه حد (3). إلى غير ذلك من الأخبار، فحينئذ
فرواية أبان بن تغلب المتقدمة الدالة على وجوب
جلد المجنون أو المجنونة لا بد من ردها أو حملها على بعض

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 16 - 17
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب حد الزنا الحديث 1
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب مقدمات الزنا الحديث 1.
35

المحامل بأن تحمل على من يعرضه الجنون إذا زنى بعد عقله
ثم إن التعليل المذكور في الرواية - أعني قوله عليه السلام:
فإنما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة - لم يعلم ما المراد منه
فإن وجد أن اللذة لا فرق فيه بين المجنون والمجنونة
فإن المجنونة أيضا تجد اللذة وكلاهما في فقدان العقل
وعدم ادراك الحرمة سواء فلا بد من إرجاع معنى
الرواية إلى أهله مضافا إلى أن قوله عليه السلام: وأن المرأة
إنما تستكره الفعل بها وهي لا تعقل لما يفعل بها - غير
مفهوم المراد فإن الكلام في المجنونة لا المستكرهة
والمجنونة أيضا لها إرادة في أفعالها وليس يصدر منها
فعل إلا عن الإرادة إلا أنها لا تشعر بأن هذا المورد
مما يجوز فيه هذا الفعل أولا.
وكيف كان فيسقط الحد بادعاء الزوجية، ولا
يكلف المدعي بينة ولا يمينا وكذا بدعوى ما يصلح شبهة
بالنظر إلى المدعي قاله في الشرائع، ووجه سقوط الحد
بادعاء الزوجية وإن لم يقم البينة ولم يأت باليمين أن
الزوجية إذا لم يكن لها معارض وكذا الملكية ونحوهما
من الأمور التي لم تعلم إلا عن قبله كالحيضية والنفاسية
36

فصرف دعوى ذلك مقبول من ناحية المدعي وإلا يلزم
اختلال نظام الاجتماع كما هو واضح لا يخفى، مضافا
إلى دلالة صحيحة أبي جعفر عليه السلام على ذلك قال:
إن عليا عليه السلام أتي بامرأة مع رجل فجر بها فقالت:
استكرهني والله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد
ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدق وقد
والله فعله أمير المؤمنين عليه السلام (1).
وقد دلت الرواية أن دعوى استكراهها مقبولة
وإن كانت من غير شاهدا ويمين ما لم يعلم كذبها
ثم قال في الشرائع: والاحصان في المرأة
كالاحصان في الرجل لكن يراعى فيها كمال العقل
اجماعا: ولا حد على مجنونة في حال الزناء ولو كانت
محصنة، ولو زنى بها ا لعاقل، ولا تخرج المطلقة
رجعية عن الاحصان، ولو تزوجت عالمة كان
عليها الحد تاما وكذا الزوج إن علم بالتحريم والعدة، ولو
جهل فلا حد، ولو كان أحدهما عالما حد حدا تاما
دون الجاهل، ولو ادعى أحدهما الجهالة قبل إذا كان

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
37

ممكنا في حقه، وتخرج بالطلاق البائن عن الاحصان، و
لو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم إلا بعد الوطء، وكذا المملوك
لو أعتق، والمكاتب إذا تحرر، ويجب الحد على الأعمى
فإن ادعى الشبهة قيل: لا تقبل، والأشبه القبول
مع الاحتمال انتهى.
فلنبحث عن كل واحدة من هذه المسائل
أما المسألة الأولى
أعني أن إحصان المرأة كاحصان الرجل فقال
في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل عن الغنية الاجماع
عليه لاشتراك معنى الاحصان فيهما نصا (1) و
فتوى فيشترط حينئذ فيها جميع ما عرفته على النحو الذي
سمعته إلى أن قال: لكن المراد من تمكنها من الزوج
إرادته الفعل على الوجه المزبور لا إرادتها متى شاءت
ضرورة عدم كون ذلك حقا لها انتهى.
إلا أن في صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن امرأة تزوجت برجل ولها زوج؟
فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المصر الذي هي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا.
38

فيه تصل إليه ويصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن
الرجم، وإن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في
المصر الذي هي فيه لا يصل إليها ولا تصل إليه فإن عليها
ما على الزانية غير المحصنة (1) تنافي بحسب ظاهرها
ما ذكره قدس سره فإن قوله عليه السلام: تصل إليه و
يصل إليها الظاهر من الوصول هو التمكن من
الوطؤ لا مجرد الوصول وإن لم يتحقق الوطؤ فكما أن
التمكن من الوطؤ في الرجل معتبر في تحقق الاحصان
فكذا في ناحية المرأة.
اللهم إلا أن يقال: أنه يكفي في إحصان المرأة
الوطؤ بمقدار الواجب على الرجل معها وهو في كل أربعة
أشهر مرة واحدة ولعله يدل على ذلك رواية
الصدوق قال: سئل الصادق عليه السلام عن قول
الله عز وجل: " والمحصنات من النساء " قال: هن
ذوات الأزواج، قلت: " والمحصنات من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم " قال: هن العفائف (2).

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب حد الزنا ح 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد الزنا ح 10.
39

فيظهر منها أن صدق كونها ذوات الأزواج كاف
في تحقق الاحصان
(وأما المسألة الثانية:)
وهي اعتبار كمال العقل فيدل عليه بعد دعوى الاجماع
ارتفاع القلم عن المجنونة بل عن المجنون كما قدمنا البحث
في ذلك تفصيلا
(وأما المسألة الثالثة:)
أعني أن المطلقة الرجعية لا تخرج في العدة عن الاحصان
فلأن الرجعية في العدة بمنزلة الزوجة فلذا يجوز للزوج
الرجوع إليها ووطؤها في كل وقت يريد ذلك ولذا
أيضا لا يجوز أن يتزوج بأختها ما دامت هي في العدة
فحينئذ لو تزوجت فإن كانت عالمة بالحرمة كان عليها
الحد التام وهو الرجم، وكذا الزوج الثاني إن كان عالما
بالعدة والحرمة كان عليه الرجم، وأما إذا كان جاهلا
إما بالتحريم أو بالعدة وأمكن الجهل في حقه يدرأ عنه
الحد.
ففي صحيحة يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها؟ قال: إن كانت
40

تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها
الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها
عليها الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن (1).
وعلى ذلك تحمل موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد
الله عليه السلام عن رجل كانت له امرأة فطلقها أو ماتت
فزنى؟ قال: عليه الرجم، وعن امرأة كان لها زوج
فطلقها أو ماتت ثم زنت عليها الرجم؟ قال: نعم (2)
حيث حملها الشيخ قدس سره على كون الطلاق
رجعيا وعلى وجود زوجة أخرى وكذا حمل حكم المرأة
على كون الطلاق رجعيا، وحمل حكم الوفاة على الوهم من
الراوي.
وكيف كان فطلاق البائن ليس حكمه كذلك
أي إذا تزوجت في عدة طلاق البائن فليس حكمها
إلا المجلد وليس عليها الرجم وكذا إذا تزوجت في عدة
الوفاة فإن بالطلاق تخرجان عن الاحصان.
(وأما المسألة الرابعة).
وهي ما إذا راجع المخالع بعد ما راجعت المخلوعة إلى مهرها

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 8.
41

ثم زنى بعد الرجوع لم يرجم ما لم يتحقق الوطء منه بعد
الرجوع، فإن بمجرد وقوع الطلاق الخلعي منه خرج عن
الاحصان لأن هذا الطلاق من أقسام طلاق
البائن لا يمكنه الرجوع إلا بعد رجوع المخلوعة إلى مهرها
وبعد رجوعها يتمكن من الرجوع، فرجوعه بمنزلة العقد الجديد
على الزوجة فيحتاج إلى وطء جديد في تحقق الاحصان
وكذلك العبد إذا أعتق والمكاتب إذا تحرر والصبي
إذا احتلم والمجنون إذا أفاق فإنهم يحتاجون في تحقق
الاحصان بعد العتق والاحتلام والإفاقة إلى وطء
جديد فلا يكفي الوطء السابق.
ثم قال: في الشرائع: ويجب الحد على الأعمى
فإن ادعى الشبهة قيل: لا تقبل، والأشبه القبول
مع الاحتمال انتهى والمراد بالاحتمال احتمال أن
ما فعله إنما كان بشبهة بأن كانت المرأة في فراشه
فواقعها وادعى أني ظننتها أهلي، وأما مع عدم الاحتمال
بأن ذهب إلى فراش غيره، وواقع المرأة التي كانت
هناك ثم ادعى الشبهة فلا تقبل هذه الدعوى منه، وكيف
كان فمستند أن الأعمى كالبصير في وجوب الحد
42

عليه أنه لا مانع من شمول الاطلاقات له، فما ذكره
بعض من الأمور الاستحسانية لعدم وجوب الحد عليه
لا عبرة به بعد دخول الأعمى في سائر المكلفين، نعم
يمكن تحقق الشبهة بالنسبة إليه أكثر من الشبهة التي
تتحقق بالنسبة إلى سائر المكلفين فإذا تحققت الشبهة
يدرأ عنه الحد
ثم قال في الشرائع: ويثبت الزناء بالاقرار أو
البينة، أما الاقرار فيشترط فيه بلوغ المقر وكماله والاختيار
والحرية، وتكرار الاقرار أربعا في أربعة مجالس، ولو
أقر دون الأربع لم يجب الحد ووجب التعزير، و
لو أقر أربعا في مجلس واحد قال في الخلاف والمبسوط
لا يثبت، وفيه تردد، ويستوي في ذلك الرجل و
المرأة، وتقوم الإشارة المفهمة للاقرار في الأخرس
مقام النطق انتهى.
أما اعتبار البلوغ وكمال العقل فلارتفاع القلم عن
الصبي والمجنون فلا يترتب على عبارتهما شئ لأنهما
مسلوبا العبارة، وأما اعتبار الاختيار فلأن الاكراه
لا يترتب عليه شئ، قال أمير المؤمنين صلوات الله
43

عليه - في حسنة أبي البختري: من أقر عند تجريد أو
حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد عليه (1)
وكذا لا اعتبار باقرار السكران والنائم والساهي
والغافل.
وأما اعتبار الحرية فلأن العبد إذا أقر بالزنا فاقراره
يكون في مال الغير وهو المولى، نعم إذا صدقه المولى في اقراره
قبل حينئذ اقراره، وقال بعضهم: إن العبد يتبع باقراره
بعد عتقه " ويرد عليه أنه أقر حين لا عبرة باقراره فهو
كالصبي في كونه مسلوب العبارة إلا أن يقال: إنه
فرق بينه وبين الصبي فلذا لو أقر العبد بدين عليه يتبع
به بعد عتقه.
وأما الاقرار أربعا في الزنا فقال في الجواهر: بلا
خلاف معتد به أجده عندنا، نعم عن أكثر العامة الاكتفاء بالمرة
ونسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل منها ولا ريب في
ضعفه لتطابق النصوص من الطرفين على خلافه انتهى.
فمن روايات العامة ما روي أن ما عز بن مالك
جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله

(1) الوسائل الباب 4 من كتاب الاقرار.
44

إني زنيت فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الأيمن فقال
يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاءه
فقال: إني قد زنيت، ثم جاءه فقال: إني قد زنيت
قال: ذلك أربع مرات فقال: أبك جنون؟ قال
لا يا رسول الله قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اذهبوا به فارجموه
(1)
وروي أنه قال: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت
قال: لا يا رسول الله قال: أنكتها لا تكنى؟ قال: نعم
كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر فقال: فهل
تدري ما الزناء؟ قال: نعم أتيت منها حراما كما يأتي
الرجل من امرأته حلالا، فقال: ما تريد بهذا القول؟
قال: أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم (2)
وفي رواية أخرى أنه لما اعترف ثلاثا قال له:
إن اعترفت الرابعة رجمتك، فاعترف الرابعة (3)
هذه الروايات التي وردت من طرق العامة وظاهرها

(1) سنن البيهقي - على ما حكي عنه ج 8 ص 225 و 226
(2) سنن البيهقي - على ما حكي عنه ج 8 ص 225 و 226
(3) كنز العمال على ما حكي عنه ج 5 ص 226 طبع عام 1374.
45

اعتبار كون الاقرار أربعا واعتبار أن يكون في أربعة
مجالس، وأما روايات الخاصة فكثيرة.
منها رواية جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام
في رجل أقر على نفسه بالزنا أربع مرات وهو محصن -
رجم إلى أن يموت أو يكذب نفسه قبل أن يرجم
فيقول: لم أفعل فإن قال ذلك ترك ولم يرحم الحديث (1)
ومنها رواية أبي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن
ميثم عن أبيه قال: أتت امرأة بحج أمير المؤمنين عليه السلام
فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني طهرك
الله فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الله الذي لا
ينقطع.
فقال لها: مما أطهرك؟ فقالت: إني زنيت
فقال لها: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟
أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل، فقال لها:
أفحاضرا كان بعلك، إذ فعلت ما فعلت أم غائبا كان
عنك؟ قالت: بل حاضرا، فقال لها: انطلقي

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 5.
46

فضعي ما في بطنك، ثم ائتيني أطهرك، فلما ولت
عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم
إنها شهادة فلم تلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت
فطهرني، قال: فتجاهل عليها، فقال: أطهرك يا أمة
الله مماذا؟ قالت: إني زنيت فطهرني، قال: وذات
بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال:
فكان زوجك حاضرا أم غائبا؟
قالت: بل حاضرا.
قال: فانطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك
الله، قال: فانصرفت المرة، فلما صارت منه حيث لا
تسمع كلامه قال: اللهم إنهما شهادتان، قال: فلما
مضى الحولان أتت المرأة، فقالت: قد أرضعته حولين
فطهرني يا أمير المؤمنين فتجاهل عليها وقال: أطهرك
مماذا؟ فقالت: إني زنيت فطهرني، فقال: وذات
بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: نعم، قال:
وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت، فقالت
بل حاضر، قال: فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن
يأكل ويشرب ولا يتروى من سطح ولا يتهور
47

في بئر، قال: فانصرفت وهي تبكي، فلما ولت وصارت
حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات
قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال لها:
ما يبكيك يا أمة الله؟ وقد رأيتك تختلفين إلى علي
تسألينه أن يطهرك.
فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين فسألته أن يطهرني
فقال: اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل ويشرب
ولا يتروى من سطح ولا يتهور في بئر وقد خضت أن يأتي
على الموت ولم يطهرني، فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي
إليه فأنا أكفله فرجعت، فأخبرت أمير المؤمنين عليه اسلام
بقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام و
هو متجاهل عليها: ولم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا
أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني.
فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟
قالت: نعم، قال: أفغائبا كان بعلك إذ فعلت ما
فعلت؟ قالت: بل حاضرا، فرفع رأسه إلى السماء
فقال: اللهم إنه قد ثبت عليها أربع شهادات إلى أن قال:
فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه فلما
48

رآى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إني إنما أردت
أن أكفله إذ ظننت أنك تجب ذلك، فأما إذ كرهته
فإني لست أفعل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبعد
أربع شهادات بالله لتكفلنه وأنت صاغر الحديث و
ذكر أنه رجمها (1).
ومنها مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين
زنيت فطهرني، قال: ممن أنت؟ قال: من مزننة
قال: أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: بلى، قال: فأقرأ
فقرأ فأجاد، فقال: أبك جنة؟ قال: لا، قال:
فاذهب عني حتى نسأل عنك فذهب الرجل
ثم رجع إليه بعد فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني
قال: ألك زوجة؟ قال: بلى قال: فمقيمة معك
في البلد؟ قال: نعم فأمره أمير المؤمنين عليه السلام فذهب
وقال: حتى نسأل عنك فبعث إلى قومه فسأل
عن خبره فقالوا: يا أمير المؤمنين صحيح العقل، فرجع
إليه الثالثة، فقال: مثل مقالته، فقال: اذهب

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
49

اذهب حتى نسأل عنك، فرجع إليه الرابعة فلما
أقر قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب
ثم قال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض لذة الفواحش
فيفضح نفسه على رؤوس الملأ أفلا تاب في بيته؟ فوالله
لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد،
ثم أخرجه ونادى في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا
ليقام على هذا الرجل الحد ولا يعرفن أحدكم صاحبه فأخرجه
إلى الجبان.
فقال: يا أمير المؤمنين أنظرني أصلي ركعتين ثم وضعه
في حفرته واستقبل الناس بوجهه فقال: يا معاشر
المسلمين إن هذا حق من حقوق الله عز وجل، فمن
كان لله في عنقه حق فلينصرف ولا يقيم حدود الله من
في عنقه لله حد، فانصرف الناس وبقي هو والحسن
والحسين عليهم السلام فأخذ حجرا حجرا فكبر ثلاث تكبيرات
ثم رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه
الحسن عليه السلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام ثم
رماه الحسين عليه السلام فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين
عليه السلام فأمر فحفر له وصلى عليه ودفنه، فقيل: يا أمير
50

المؤمنين ألا تغسله؟ فقال: قد اغتسل بما هو ظاهر
إلى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم (1).
ومنها رواية جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ولا يرجم
الزاني حتى يقرأ أربع مرات (2).
ومنها رواية يونس بن يعقوب عن أبي مريم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين
عليه السلام فقالت: إني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها
فتحولت حتى استقبلت وجهه فقالت: إني قد فجرت
فأعرض عنها، ثم استقبلته، فقالت: إني فجرت،
فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت
ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها
ثوبا جديدا، وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين
وأغلق باب الرحبة ورماها بحجر، وقال: بسم الله
اللهم على تصديق كتابك وسنة نبيك ثم أمر قنبر
فرماها بحجر، ثم دخل منزله ثم قال: يا قنبر ائذن لأصحاب

(1) الكافي المجلد 7 ص 188 ورواها في الوسائل في ب 16 من
أبواب حد الزنا
الحديث 2 باختصار.
51

محمد (صلى الله عليه وآله) فدخلوا فرموها بحجر حجر ثم قاموا
لا يدرون أيعيدون حجارتهم أو يرمون بحجارة غيرها
وبها رمق؟ فقالوا: يا قنبر إنا قد رمينا بحجارتنا وبها رمق
كيف نصنع؟ فقال: عودوا في حجارتكم فعادوا حتى
قضت الحديث (1).
ويستفاد من هذه الروايات اعتبار تعدد مجالس
الاقرار فلا يكفي الأقارير الأربعة في محبس واحد كما
يظهر من أمره عليه السلام بالرجوع بعد ما أقر أو أقرت
والمراد من تعدد المجالس هو تغير المجلس الأول
بتغيير ما وإن كان ذلك التغيير إدارة وجهه إلى جهة
أخرى وليس المراد من التعدد تغيير موضع الجلوس إلى
موضع آخر بل المراد تغيير وضع المجلس بأن غير وجهه
إلى جهة أخرى فقد قال في الخلاف والمبسوط - على
ما حكي عنهما -: لا يثبت (أي الاقرار أربعا في مجلس
واحد) ولكن قال في الشرائع: وفيه مردد وانتهى وممكن
أن يكون وجه التردد وهو الاطلاقات الرافعة لهذا الاعتبار
إلا أن يقال: إن الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
52

وآله وفعل علي عليه السلام ذلك كما يظهر من رواية ما عز
المتقدمة وكذا روايتا صالح بن ميثم وأحمد بن خالد وكذا
رواية أبي مريم المتقدمات كما أشرنا إلى ذلك آنفا.
ثم قال في الشرايع: وتقوم الإشارة المفيدة
للاقرار في الأخرس مقام النطق، ولو قال: زنيت
بفلانة لم يثبت الزناء في طرفه حتى يكرره أربعا، وهل
يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد، ولو أقر سجد ولم يبينه
لم يكلف البيان وضرب حتى ينهى عن نفسه
وقيل: لا يتجاوز به المأة ولا ينقص عن ثمانين، وربما
كان صوابا في طرف الكثرة ولكن ليس بصواب في طرف
النقصان لجواز أن يريد بالحد التعزير انتهى
أما قيام الإشارة مقام النطق في الأخرس
إذا كانت مفيدة للمقصود فلا طلاق الأدلة الدالة
على أن الأخرس كسائر المكلفين خلافا لأبي حنيفة
ويكفي في بيان إشارته مترجمان ولا يكفي الواحد
لأن الظاهر أن الترجمة شهادة لا رواية.
وأما إذا قال: زنيت بفلانة فلا يثبت الزنا
لا في حقه ولا في حقها إلا إذا أقر أربعا فإنه يثبت
حينئذ في حقه فقط وأما في حقها فلا لاحتمال الاستكراه
53

أو الشبهة.
وأما القذف فهل يتحقق بذلك؟ من أنه قذف
عرفا وهتك لحرمتها فلا بد من أن يحد حد القاذف
فلا يمكن درء الحد بالشبهة بعد كون ظاهره قذفا وربما يؤيد
بخبر السكوني عن الصادق عن أبيه عن علي عليه السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسألوا الفاجرة
من فجر بك فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي
البرئ المسلم (1).
وبهذا الاسناد عن علي عليه السلام قال: إذا سألت
الفاجرة من فجر بك؟ فقالت: فلان جلدتها حدين:
حدا للفجور وحدا لفريتها على الرجل المسلم (2).
فيظهر من الروايتين أن الرجل إذا قال: زنيت بفلانة
يتحقق بذلك قذف المرأة - ومن أن نسبة الزنا إلى
نفسه لا يستلزم زناء المرأة لاحتمال الشبهة أو الاكراه
فلا يكون اقراره بالزنا معها قذفا لها
وربما يظهر من صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال:
في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك قال:

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2.
54

عليه حد القذف لقذفه إياها، وأما قوله: أنا زنيت
بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع مرات
بالزنا عند الإمام (1) - أنه يحصل بذلك القذف لها إلا أن
يقال: إن القذف يتحقق بقوله لها: يا زانية
لا بقوله: أنا زنيت بك، ولذا قال في الجواهر: وربما
كان في صحيح محمد بن مسلم... نوع ايماء إلى عدم
القذف بالقول المزبور "
وكيف كان فهذه الصحيحة دالة على ثبوت الحد للزنا
بالاقرار أربعا وإن كان الحد جلدا إلا أن الأستاذ
دام ظله قال في المبحث المتقدم: إني لم أظفر برواية
تدل على اعتبار الاقرار أربعا في الزنا في غير الرجم
فإن الروايات الدالة على اعتبار الأقارير الأربعة
كلها وارد في مورد الرجم ثم إنه دام ظله ظفر بعد ذلك
بهذه الرواية واعترف بمضمونها، وعلى أي حال فإذا
قال أنا زنيت بفلانة فإنه وإن لم يستوجب الحد لكنه
مستوجب للتعزير لايذائه لها وهتكه لعرضها عرفا
لكن قال في المسالك: إذا أقر بالزنا ونسبه إلى المرأة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
55

معينة، كقوله: زنيت بفلانة فلا اشكال في احتياج ثبوت
الزنا في حقه إلى اقراره أربع مرات، أما ثبوت قذف المرأة
ففيه تردد منشأه من أن ظاهره القذف لأنه رمى المحصنة
أي غير المشهورة بالزنا فيكون قاذفا بأول مرة كما لو رماها
بغيره، ومن أنه نسب الزنا إلى نفسه وزناه ليس مستلزما
لزناها لجواز الاشتباه عليها أو الاكراه والعام لا يستلزم
الخاص ولأن اقراره على نفسه بالزنا ليس اقرار على المرأة
بالزنا إذ ليس موضوعا له ولا جزءا من مسماه ولا لازما
له فانتفت الدلالات الثلاث عنه فلا قذف للمرأة
مع الاطلاق لأنه ظاهر فيه والأصل عدم الشبهة والاكراه
ولو فسره بأحدهما قبل واندفع عنه الحد ووجب التعزير
انتهى.
وهذا عجيب منه قدس سره فإنه بعد اعترافه بعدم
دلالة قوله: أنا زنيت بفلانة - على زناها بالمطابقة
ولا بالتضمن ولا بالالتزام وقبول تفسير كلامه بأحدهما
أي بالشبهة أو الاكراه كيف أمكنه القول بظهور كلام
القاذف في قذف المرأة والأصل أي أصالة عدم
56

الشبهة أو الاكراه معارض بأصالة عدم كونها بالاختيار
أو أن أصل عدم الشبهة والاكراه غير مثبت المطاوعة
لعدم حجية الأصل المثبت فلا يثبت القذف بذلك والحاصل
أنه لا يمكن الالتزام بوجوب حد القذف
عليه للشبهة الدارئة للحد ولذا يمكن له أن يفسر كلامه
بأحد أمرين أي الشبهة أو الاكراه.
وأما إذا أقر سجد ولم يبينه فقد قال في الشرائع:
لم يكلف البيان وضرب حتى ينهي عن نفسه،
ومستند هذا الحكم عدم نقل الخلاف في
ذلك كما عن الرياض وأصالة عدم وجوب البيان
وخصوص رواية محمد بن قيس التي صححها صاحب الجواهر
عن الباقر عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر على رجل
أقر على نفسه بحد ولم يسم أن يضرب حتى ينهي عن
نفسه (1).
فهذه الرواية قد بينت حكم من أجمل ما عليه من الحد
بأنه يضرب حتى ينهي عن نفسه وإن كان قد جلد
مرة واحدة لاحتمال أن يريد من الحد الذي أجمله

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
57

هو التعزير فإن الحد قد يطلق على التعزير
وقد ناقش في المسالك أولا في سند هذه الرواية
الحد على الرجم وعلى القتل بالسيف والاحراق بالنار و
رمي الجدار عليه وغير ذلك مما ستقف عليه وعلى الجلد
المختلف كيفية وكما فهي مجملة وثالثا بأنه على تقدير حمل الرواية
على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالبا ونظر الحاكم يتوقف
على معرفة المعصية ليترتب عليها ما يناسبها إلا بمجرد التشهي
ومن التعزير ما هو مقدر فجاز أن يكون أحدها فيشكل تجاوزها
أو بعضها بدون العلم بالحال.
ورابعا أنه يشكل الخبر أيضا باستلزامه أنه لو نهى عن
نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه، وليس هذا حكم الحد
ولا التعزير وخامسا بأن من الحدود ما يتوقف على الاقرار
أربع مرات وخامسا بأن من الحدود ما يتوقف على الاقرار
أربع مرات ومنها ما يتوقف على الاقرار مرتين ومنها ما يثبت
بمرة فلا يتم اطلاق القول بجواز بلوغ المأة مع الاقرار دون
الأربع وبلوغ الثمانين بدون الاقرار مرتين إلى آخر كلامه قده
أقول: أما الاشكال الأول فأجاب في الجواهر عنه
بقوله: مدفوع بإرادة الثقة منه هنا بالقرائن المفيدة لذلك
58

كرواية عاصم بن حميد عنه وغيرها "
وأما الاشكالات الأربعة فهي كالاجتهاد في قبال
النص فعلى أن الرواية صحيحة السند أو معمول بها لا مانع
من أن يقال: إن الشارع في هذا المورد أي الذي لم يبين
المكلف، عليه من الحد تعيين المقدار الذي عليه من اتحد
بيد المكلف من أن سائر الحدود والتعزيرات تعيينها
بيد الإمام عليه السلام أو الحاكم المنصوب من قبله.
وأما ما رواه في المسالك عن أنس بن مالك
قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاءه رجل فقال:
يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليه ولم يسمه فحضرت
الصلاة فصلى النبي (صلى الله عليه وآله) الصلاة فقام إليه
الرجل، فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم
في حد الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم قال
فإن الله قد غفر لك ذنبك وحدك (1) - فهو ليس مرويا
من طرقنا بل من الروايات العامية فحينئذ العمل على رواية
محمد بن قيس فعلى هذا يضرب حتى ينهي عن نفسه
وإن جاوز المأة لاحتمال أن يكون مراده من الحد

(1) صحيح البخاري ج 8 ص 207 - على ما حكي عنه.
59

هو حد الزنا الواقع في مكان شريف أو زمان شريف
فإنه لا بد من أن يجلد أكثر من مأة جلدة فما عن ابن
إدريس أنه لا يتجاوز به المأة ولا ينقض عن الثمانين
لا يخفى ما فيه، إذ فيه أولا أن الحد أقل من الثمانين
أيضا موجود وهو حد القيادة فإنه خمسة وسبعون
جلدا ومراده قده من الحد ثمانين جلدة هو حد شرب
الخمر.
وثانيا يمكن أن يكون مراد المكلف من الحد هو
التعزير فيمكن أن ينهي عن نفسه بعد جلده عشرين
سوطا أو عشرة أسواط وهذا الذي ذكرناه وهو معنى
قول صاحب الشرائع: وربما كان صوابا في طرف
الكثرة، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان لجواز
أن يريد بالحد التعزير انتهى ولكن ربما كان في طرف
الكثرة أي المأة جلدة أيضا ليس بصواب لجواز أن
يكون الزنا الواقع منه واقعا في مكان شريف أو زمان
شريف فإنه مستوجب لجلده أكثر من مأة جلدة كما
ذكرنا.
وقال في الشرائع أيضا: وفي التقبيل والمضاجعة في
60

إزار واحد والمعانقة روايتان: إحداهما مأة جلدة
والأخرى دون الحد وهي أشهر انتهى
أما الطائفة الأولى فهي كثيرة منها صحيحة الحلبي
عن الصادق عليه السلام وحسنة أبان بن سنان عنه عليه السلام
أيضا أنه قال: حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد (1).
ومنها رواية عبد الرحمان عنه عليه السلام قال: إذا وجد
الرجل والمرأة في لحاف واحد قامت عليهما البينة بذلك
ولم يطلع منها على ما سوى ذلك جلد كل واحد منهما
مأة جلدة (2)
ومنها رواية أبي بصير عنه عليه السلام أنه سأله عن امرأة
وجدت مع رجل في ثوب واحد، فقال: يجلدان
مأة جلدة، ولا يجب الرجم حتى تقوم البينة بأنه قد روى
يجامعها (3) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي
قدر فيها حد الجلد أي حد الزنا وهو مأة جلدة
وأما الطائفة الثانية أي مأة سوط إلا سوطا واحدا
فهي أيضا كثيرة منها صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال:
إن عليا عليه السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف واحد فجلد

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 5 - 9.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 5 - 9.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 5 - 9.
61

كلا منها مأة سوط إلا سوطا (1).
ومنها رواية الشحام عنه عليه السلام في الرجل والمرأة
يوجدان في لحاف واحد، فقال: يجلدان مأة إلا سوطا
(2)، ومنها صحيحة الحلبي قال: كنت عند أبي عبد الله
عليه السلام فدخل عليه عباد البصري ومعه أناس من أصحابه
فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف
واحد، فقال له: كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين
في لحاف واحد ضربهما الحد، فقال عباد: إنك قلت
لي: غير سوط فأعاد عليه ذكر الحد حتى أعاد عليه
ذلك مرارا، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور
عند ذلك الحديث (3)
ويستفاد من كلام صاحب الجواهر أن ذكر المأة
في هذا الحديث الشريف للتقية إلا أن الذي يظهر من
هذه الصحيحة أن الأمر بعكس ما ذكره صاحب الجواهر
فإن الظاهر منها أن ذكر المأة غير سوط للتقية لأن
الظاهر من فتاوى العامة أن حد من وجد هو والمرأة
الأجنبية في لحاف واحد هو مأة سوط إلا سوطا
62

والجمع بين هذه الروايات وروايات المأة مشكل
وأشكل منه حمل روايات المأة على المأة إلا سوط
فإنه قد صرح في بعض تلك الروايات بحد الزاني
ومن المعلوم أن حد الزاني هو مأة سوط فلاحظ تلك
الروايات فحينئذ لا بد من حمل روايات المأة إما على علم
الإمام بتحقق الزناء أو على من عزره الإمام عليه السلام دفعتين
إن قلنا به أو غير ذلك فيتعين التعزير حينئذ بالمأة إلا
سوطا إلا أني لم أجد بذلك قائلا كذا في الجواهر.
ومراده قده أني لم أر من قال: بوجوب جلد من وجد
مع امرأة في إزار واحد تسع وتسعين جلدة فإن من
تعرض لهذه المسألة لم يذكر فيها إلا التعزير ولم يذكر مقداره
بتسع وتسعين.
وقال في الجواهر أيضا: كما أني لم أجد في النصوص
تقديره بدون الحد الذي على الاطلاق في مفروض المسألة وإن
قال في الرياض: إنه كذلك في الصحيح نعم قد ورد ما يقرب
من ذلك في اجتماع المرأتين في لحاف واحد وكذا الرجلين
كما أنه ورد في الأخيرين التقدير بالثلاثين سوطا انتهى
ومراده قدس سره بقوله: قد ورد ما يقرب الخ هو موثقة
63

معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المرأتان
تنامان في ثوب واحد، فقال: تضربان فقلت: حدا؟
قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد
قال: يضربان، قال: قلت: الحد؟ قال: لا (1).
وأما رواية ثلاثين سوطا التي أشار إليها في الجواهر
فهي رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا
أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك الرجل ينام
مع الرجل في لحاف واحد، فقال: ذوا محرم؟ فقال: لا
قال: من ضرورة؟ قال: لا قال: يضربان ثلاثين سوطا
ثلاثين سوطا إلى أن قال: قلت: فامرأة نامت
مع امرأة في لحاف واحد فقال: ذواتا محرم؟ قلت: لا
قال: من غير ضرورة؟ قلت: لا قال: فشق ذلك
عليه فقال: أف أف أف ثلاثا وقال: الحد (2).
ويمكن أن يكون المراد بالحد في ذيل الرواية التعزير
وكيف كان فيمكن أن يجمع بين هذه الروايات المختلفة
التي دل على بعضها على مأة جلدة لمن اجتمع مع الغير في لحاف
واحد وبعضها على تسعة وتسعين وبعضها على مطلق

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 16 - 21.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 16 - 21.
64

الحد وبعضها على حدهما ثلاثين سوطا - بأن تحمل
روايات المأة على وقوع الجماع وروايات تسع وتسعين
جلدة على منتهى التعزير وروايات الثلاثين أو رواية
مطلق الجلد على أوسط التعزير أو أقل التعزير، والحاصل
أن روايات المأة لم يعمل بها في مورد اجتماع الرجلين أو
المرأتين أو رجل وامرأة تحت إزار أو لحاف واحد، وكذا
لم يعمل الأصحاب بخصوص روايات التسع والتسعين
فإن الذي أفتى الأصحاب به في هذه المسألة هو التعزير
وهو يزيد وينقص بحسب نظر الحاكم، فأقله يمكن أن يكون
عشرة أقل وأكثره تسع وتسعين جلدة، فلا بد من حمل
روايات التسع والتسعين على أكثر التعزير، وروايات
المأة على تحقق الزنا بينهما والله العالم
ثم قال في الشرائع: ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر
سقط الرجم، ولو أقر سجد غير الرجم لم يسقط بالانكار،
ولو أقر سجد ثم تاب كان الإمام مخيرا في إقامته رجما كان
أو جلدا انتهى وهذه المسألة تشتمل على ثلاث مسائل
(المسألة الأولى)
ما إذا أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر فإنه موجب لسقوط الرجم
قال في الجواهر: بلا خلاف أجده كما عن الفخر الاعتراف
65

به، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه انتهى.
والدليل عليه - مضافا إلى دعوى الاجماع - الروايات
المعتبرة، منها حسنة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام
قال: من أقر على نفسه أقمته عليه إلا الرجم، فإنه إذا أقر على
نفسه ثم جحد لم يرجم (1).
ومنها حسنة الحلبي عنه عليه السلام في رجل أقر على نفسه
بحد ثم جحد بعد، فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق
ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه وإن أقر على نفسه أنه
شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت:
فإن أقر على نفسه بحد يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟
فقال: لا ولكن كنت ضاربه الحد (2).
ومنها حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا أقر الرجل
على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد، قلت: أرأيت أن أقر
على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم أكنت ترجمه؟ قال: لا ولكن
كنت ضاربه (3).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته عنه عليه السلام قال:
رجل أقر على نفسه بالزنا أربع مرات وهو محصن رجم إلى

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود 3 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود 3 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود 3 - 1 - 2.
66

أن يموت أو يكذب نفسه قبل أن يرجم فيقول: لم أفعل
فإن قال ذلك ترك ولم يرجم الحديث (1)
(المسألة الثانية)
فيما إذا أقر بحد غير الرجم فإنه لا يسقط بالانكار ويدل على
هذا الحكم - بعد دعوى الشهرة على ذلك بين الأصحاب
شهرة عظيمة يمكن معها دعوى الاجماع عليه - روايات
أيضا منها رواية الحلبي أو حسنة المتقدمة في رجل أقر
على نفسه بحد ثم جحد بعد، فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام
أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه، وإن أقر
على نفسه أنه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلده
الحديث (2).
ومنها حسنته الأخرى المتقدمة أيضا عنه عليه السلام
قال: إذا أقر الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد عليه الحديث (3)
ومنها حسنة محمد بن مسلم المتقدمة: من أقر على نفسه
بحد أقمته عليه إلا الرجم الحديث (4).
ومنها رواية جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال في ذيلها: لا يقطع السارق حتى يقر

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 1 - 2 و 3.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 1 - 2 و 3.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 1 - 2 و 3.
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 1 - 2 و 3.
67

بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن
شهود الحديث (1).
(المسألة الثالثة:)
ما إذا أقر بحد ثم تاب فإن الإمام مخير في إقامته عليه سواء
كان رجما أو جلدا قال في الجواهر: بلا خلاف أجده في الأول
بل في محكى السرائر الاجماع عليه، بل لعله كذلك في الثاني
أيضا وإن خالف هو فيه للأصل الذي يدفعه أولوية غير
الرجم منه بذلك انتهى، ومراده قدس سره أن الرجم إذا كان
بعد التوبة فالإمام عليه السلام مخير في إقامته عليه فالجلد الذي هو
أخف منه أولى بذلك، ولكن يرد عليه أن الأمر بالعكس
فإن الرجم الذي ينتهي إلى قتل النفس أولى بالعفو من
الجلد الذي لا يكون بهذه المثابة من العقوبة.
وكيف كان فمستند هذا الحكم - مضافا إلى دعوى
الشهرة العظيمة بل الاجماع - غير واحد من الأخبار التي منها
رواية أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين
عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر
بالسرقة، فقال له: أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم
سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
68

قال: فقال الأشعث: أتعطل حدا من حدود الله؟
فقال: وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام
أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام
إن شاء عفى وإن شاء قطع (1).
ومنها رواية تحف العقول عن أبي الحسن الثالث
عليه السلام أنه قال في حديث: وأما الرجل الذي اعترف باللواط
فإنه لم يقم عليه البينة، وإنما تطوع بالاقرار من نفسه، وإذا كان
للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن
عن الله، أما سمعت قول الله: هذا عطاؤنا فامنن أو
أمسك بغير حساب (2).
وقد استدل صاحب الجواهر بهاتين الروايتين للمسألة
أي ما إذا تاب من عليه الحد فإنه يجوز للإمام عليه السلام أن يعفو
عنه إلا أن الروايتين لا دلالة لهما على ذلك كما لا يخفى
على من تدبر فيهما اللهم إلا أن يقال: بدلالتهما على ذلك
بانضمام الاجماع وفتوى الأصحاب والله العالم أو يقال:
إن كل مقر بما يوجب الحد لازمه التوبة والندامة ولذا جاء
ليطهره الإمام أو الحاكم عن ذنبه، لكن الظاهر أن هذا الحكم

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود 3 - 4.
69

أعني العفو - مخصوص بالإمام عليه السلا كما يظهر من لسان
الروايتين فشموله لغيره فيه تأمل واشكال.
وقال في الشرائع: ولو حملت ولا بعل لم تحد
إلا أن تقر بالزنا أربعا انتهى ووجه عدم الحد أن الحمل ليس
لازمه الزناء فإنه كما يمكن أن يكون من الزناء يمكن أن يكون
بالاكراه أو الشبهة، بل لا يلزم السؤال عنها بل لا يجوز
إذا كان موجبا لايذاءها أو اتهامها فما عن ظاهر المبسوط
من اللزوم لا وجه له، نعم لا بأس بالسؤال إذا كانت
متهمة بالزنا.
هذا. وعن القواعد أنه يشترط في الاقرار أن يذكر حقيقة
الفعل لتزول الشبهة، إذ قد يعبر بالزناء عما لا يوجب الحد، و
لهذا قال (صلى الله عليه وآله) لماعز: لعلك قبلت أو
غمزت أو نظرت، قال: لا، قال: أفنكتها؟ لا تكنى
فقال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك
منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قال:
نعم فعند ذلك أمر برجمه (1).
وفيه - كما في الجواهر - مع كونه ليس من طرقنا - قضية

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 227 على ما حكي عنه.
70

في واقعة وإلا فالظاهر الاكتفاء بظاهر اللفظ لعموم ما
دل على حجيته، ولذا لم يستقص في جملة من النصوص
كما هو واضح، ولو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته حد دونها و
إن صرح بأنها طاوعته على الزناء إذ لا يؤخذ أحد بإقرار
غيره، ولو أقر من يعتوره الجنون حال إفاقته بالزناء وأضافه
إلى حال إفاقته حد، ولو أطلق ففي القواعد لم يحد لاحتمال
وقوعه حال جنونه، وفيه نظر خصوصا إذا قلنا باعتبار العقل
في مفهوم الزناء انتهى.
ومراده قدس سره أن الظاهر من إقراره بالزناء في حال
إفاقته أن الزناء قد صدر منه في حال الإفاقة فلا بد من اجراء
حد الزناء عليه إلا أن في نظره نظر لأنه من موارد الشبهة لاحتمال
وقوع الزنا منه في حال الجنون والاحتمال دافع للحد عنه كما
لا يخفى.
ثم قال في الجواهر: ولو أقر العاقل بوطؤ امرأة وادعى
أنها امرأته فأنكرت الزوجية والوطء فلا حد عليه وإن أقر
أربعا لأنه لم يعترف ولا مهر لها عليه لانكارها
الوطء، ولو اعترفت بالوطء وأنه زنى بها مطاوعة فلا مهر
ولا حد عليه لما عرفت ولا عليها إلا أن تقر أربعا، وإن
71

ادعت أنه أكرهها عليه أو اشتبه عليها فلا حد على أحد
منهما وعليه المهر كما هو واضح انتهى، هذا تمام الكلام في
الاقرار.
وأما البينة فلا يكفي أقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين
ولا تقبل شهادة النساء منفردات، ولا شهادة رجل
وست نساء، وتقبل شهادة الرجلين وأربع نساء، و
يثبت به الجلد لا الرجم، ولو شهد ما دون الأربع لم يجب
وحد كل منهم للفرية، ولا بد من شهادتهم من ذكر المشاهدة
للولوج كالميل في المكحلة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة
ويكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سببا للتحليل، ولو لم يشهدوا
بالمعاينة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود، ولا بد من تواردهم
على الفعل الواحد والزمان الواحد والمكان الواحد فلو شهد
بعض بالمعاينة وبعض لا بها أو شهد بعض بالزناء في
زاوية بيت وبعض في زاوية أخرى أو شهد بعض في
يوم الجمعة وبعض في يوم السبت فلا حد ويحد الشهود
للقذف قال أيضا في الشرايع فها هنا مسائل يلزم البحث
فيها.
(الأولى)
أن الزنا أي خصوص ما فيه الرجم لا يكفي في اثباته إلا
72

أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتان، ومستند هذا الحكم أولا
هو الاجماع كما ادعاه بعضهم وثانيا قوله تعالى: والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا عليه بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة الآية (1).
دلت بانضمام بعض الأخبار الآتية على ثبوت
الجلد على من شهد عليه أربعة شهداء بالزناء وكذا الرجم
وثالثا الأخبار الكثيرة المعتبرة التي منها صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: حد الرجم أن يشهد أربع أنهم
رأوه يدخل ويخرج (2). ومنها رواية محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يرجم
رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الايلاج
والاخراج (3).
ومنها صحيحة الحلبي أو موثقته عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال
وامرأتان وجب عليه الرجم، وإن شهد عليه رجلان و
أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب
حد الزاني (4) خلافا للمحكى عن الصدوقين والقاضي والحلبي

(1) سورة النور الآية 4
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا ح 1 - 2
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا ح 1 - 2
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
73

والفاضل في المختلف فإنهم قالوا: لا تجوز شهادة النساء
ولو منضمة إلى الرجال في الرجم لصحيحة محمد بن الفضيل قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام قلت له: تجوز شهادة النساء
في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا
يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل إلى أن
قال: وتجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال و
امرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا و
الرجم، ولا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم (1).
وقد ظهر منها عدم قبول شهادتهن في الزنا مؤيدا ذلك
بعموم الرواية الدالة على عدم قبول شهادتهن في الحد كرواية
غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه علي عليه السلام
قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القود (2).
لكن يمكن الجواب عن صحيحة محمد بن الفضيل المتقدمة
أولا بأن صدرها مناف لذيلها فإن صدرها قد دل على
جواز شهادة النساء في حد الزنا إذا كانت امرأتين وثلاثة
رجال، وذيلها على عدم جواز شهادة أربع نسوة في الزنا
إذا كان معهن رجلان في الزنا وثانيا يمكن أن تحمل كلتا

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 7
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 29.
74

العبارتين على الرجم فحينئذ يكون المراد أن الزنا الموجب
للرجم لا يثبت إلا بثلاثة رجال وامرأتين، فلا يثبت
برجلين وأربع نسوة فبذلك يرتفع التنافي بين الصدر
والذيل، فعلى هذا يكون المراد من الزنا في ذيل الرواية
الزنا الموجب للرجم فالرجم المعطوف على الزنا عطف
تفسير له، والله العالم، وحاصل الكلام في الزناء أن الرجم
لا يثبت إلا بأربعة شهداء أو ثلاثة رجال وامرأتين
وأما الجدل فيثبت برجلين وأربع نسوة للروايتين المتقدمتين
أعني صحيحة الحلبي (1) وصحيحة محمد بن الفضيل (2)
وعلى أي حال فلو شهد ما دون الأربعة، وما في حكمه
لم يجب الرجم ولا الجلد ويحد الشهود لقذفهم له بالزنا
وإن احتمل أن يكونوا صادقين في نسبتهم لأن الله تعالى
سماهم كاذبين، لقوله تعالى: لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء
فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (3).
(المسألة الثانية)
أنه لا بد في شهادة الشهود من ذكر مشاهدتهم للزنا
كالميل في المكحلة والرشا في البئر وأنه كان بغير عقد ولا

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب حد الزنا الحديث 1
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 7
(3) سورة النور الآية 11.
75

نكاح ولا شبهة قال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده
فيه بينهم ولعله للاحتياط في الحدود المبنية على التخفيف
ولذا تسقط بالشبهة انتهى.
مضافا إلى صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال:
حد الرجم أن يشهد عليه أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج (1).
وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: لا يرجم الرجل
والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة على الجماع والايلاج
والادخال كالميل في المكحلة (2).
وقد سمعت قصة ماعز وأنه قال النبي صلى الله
عليه وآله له - بعدما أقر بالزنا -: لعلك قبلت أو غمزت
أو نظرت، قال: لا يا رسول الله قال: أنكتها؟ لا تكنى
قال: نعم كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر
قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما
كما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال: ما تريد بهذا القول؟
قال: أريد أن تطهرني فأمر به فرجم (3).
وعن الرياض أنه قال: إنما تسمع إذا عوين أو سمع

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا ح 1 - 4
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا ح 1 - 4
(3) سنن البيهقي ج 8 ص 227 على ما حكي عنه.
76

ولا معنى للزنا حقيقة إلا ذلك فلا تسمع الشهادة
به إلا إذا عوين كذلك، وربما أطلق على غيره من التفخيذ و
غيره، فلو لم يصرح الشهود به لم تكن الشهادة نصا في الموجب
للحد انتهى.
ولم يعلم ما المراد من قوله: ولا معنى للزناء حقيقة إلا
ذلك فإن الزناء حقيقة هو نفس الفعل لا معاينته
ومشاهدته وأما اطلاقه على التفخيذ وغيره كالمضاجعة
والتقبيل فهو اطلاق مجازي لا يحمل عليه لفظ الزناء
إلا مع القرينة فحيث أطلق الزنا فظاهره هو نفس
الفعل المعهود فلا يحتاج إلى ذكر المعاينة مع أن المعاينة
- كما ذكرنا - ليست نفس الزنا بل رؤيته.
وقال في الجواهر: قد عرفت في كتاب الشهادات
أنه يكفي فيها (أي المشاهدة) العلم وخصوصا اليقين منه
الذي أحد طرقه المشاهدة، فيمكن إرادة ذلك [مما دل] على اعتبارها
مع أنه ليس في خبر أبي بصير إلا اعتبار الشهادة على ذلك
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك خاص في حد الزناء ونحوه
مما يطلب فيه التخفيف فيكون اعتبار المعاينة شرطا فيه
ولو للنص الدال عليه الذي يحكم ما دل على كفاية مطلق
77

العلم فيها مؤيدا بكلام الأصحاب، إلا أن يدعي أن
بناءه على اعتبار الابصار في المبصرات لا التعبد به
في خصوص المقام إلى أن قال: كما أنك قد سمعت
ما ذكرناه في الاقرار من عدم دليل معتبر على اعتبار الخصوصية
فيه بل ولا الشهادة، فيكفي فيهما اللفظ الدال على ذلك
وضعا أو عرفا ولا يحتاج إلى زيادة على ذلك بحيث
يعلم منه إرادة الأمر المخصوص ولو من قرائن الأحوال،
نعم لا يكفي ما لا دلالة فيه على ذلك وضعا أو عرفا انتهى
موضع الحاجة
أقول: إن قلنا بصحة رواية الحلبي وعمل الأصحاب
بها فلا بد من الالتزام بمضمونها فلا يكفي أن يكون اللفظ
ظاهر فيه وضعا أو عرفا، نعم يمكن أن يكون المراد من الشهادة
بالرؤية هو الكناية بتحقق الفعل لا أن خصوص الرؤية
معتبر في الشهادة بالزنا ويؤيد ذلك ما في الموثق عن أبي
جعفر عليه السلام قال: إذا شهد الشهود على الزاني أنه قد جلس
مها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد (1). ومن المعلوم
أن جلوسه من المرأة مجلس الرجل من امرأته ليس صريحا في

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
78

الزناء بل هو كناية عنه إلا أنه قال في الجواهر: لكنه قاصر
عن مقاومة غيره سند أو عددا بل وعملا إذ لم يحك
عن أحد العمل به وإن حكي عن الشيخ احتماله بعد تخصيصه
الحد بالجلد دون الرجم انتهى.
وكيف كان فإن كان هنا اجماع باعتبار الشهادة
بالرؤية فبها وإلا فلا يبعد القول بكفاية الشهادة على نفس
الفعل كساير موارد الشهادة إلا أن الاستناد دام
ظله قد رجح قول صاحب الجواهر ثم إنه قال في الشرائع
" ويكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبب للتحليل " انتهى
لكنه مشكل فإن عدم العلم بوجود سبب التحليل ليس
شهادة على الزنا بل العلم بعدم وجود سبب التحليل بينهما كذلك
لاحتمال الشبهة أو الاكراه.
وعلى أي حال فلو لم يشهدوا بالمعاينة لم يحد المشهود
عليه وحد الشهود كما في الشرائع ووجهه بناء على اعتبار الرؤية
في الشهادة بالزنا أنهم نسبوه إلى الزنا ولم تثبت النسبة
بعدم ذكرهم للمشاهدة فيحدون إلا أنك قد عرفت آنفا
المناقشة في ذلك (المسألة الثالثة)
قال في الشرائع: ولا بد من تواردهم على الفعل الواحد
79

والزمان الواحد والمكان الواحد، فلو شهد بعض بالمعاينة
وبعض لا بها أو شهد بعض بالزناء في زاوية بيت وبعض
في زاوية أخرى، أو شهد بعض في يوم الجمعة وبعض في
يوم السب فلا حد، ويحد الشهود للقذف انتهى.
فإن كان مراده قدس الله روحه أنه لا بد في الشهادة
على الزناء من ذكر الواحد والزمان الواحد والمكان
الواحد فلا دليل على هذا الاشتراط وليس له في الروايات
عين ولا أثر، وأما إذا كان مراده أنه إذا ذكروا أحد هذه الأمور
فلا بد من أن يكون تواردهم على الشئ الواحد فإنه إذا قال
أحدهم: أنه زنى في هذا المكان والآخر أنه شهد بأنه زنا
في ذلك المكان أو شهد أحدهم بأنه زنا في يوم جمعة و
الآخر بأنه زنا في يوم السبت لم تقبل شهادتهم لتحقق
الاختلاف بينهم الموجب لتحقق الشبهة فلا بد من حدهم
للقذف.
ولذا قال في المسالك: لما كان الزنا قد يطلق
على ما دون الجماع فيقال: زنت العين وزنت الأذن
وزنى الفرج، يطلق على غير الوطئ لغة وكان الأمر في
الحدود سيما الرجم مبنيا على الاحتياط التام ويدرء بالشبهة
80

فلا بد من قبول الشهادة به من التصريح بالمشاهدة لوقوع
الفعل على وجه لا ريب فيه بأن يشهدوا بمعاينة الايلاج
إلى أن قال: لا ريب في عدم قبول شهادتهم على تقدير
الاختلاف في الفعل بالزمان أو المكان أو الصفة
لأن كل واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل
الآخر، ولم يقم على الفعل الواحد أربعة شهداء وإنما الكلام
في اشتراط تعرضهم لهذه القيود وظاهر المصنف والعلامة
اشتراط ذلك، فلا يكفي اطلاقهم الشهادة على الزنا على
الوجه السابق إلا مع تصريحهم باتحاد الزمان والمكان حتى
لو أطلق بعضهم وقيد آخرون حدوا.
والنصوص خالية من اشتراط ذلك ودالة على الاكتفاء
بالاطلاق، وهذا هو الظاهر من كلام المتقدمين فقال الشيخ
في النهاية: فالبينة بالزنا وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على
رجل بأنه وطئ امرأة وليس بينه وبينها عقد ولا شبه عقد
وشاهدوه وطيها في الفرج فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم
وحكم عليهم بالزنا وكان عليهم ما على فاعله مما ينبه " وهذا صريح
في عدم اعتبار التقييد بالزمان، وقال ابن الجنيد: وليس
يصح الشهادة بالزنا حتى يكونوا أربعة عدول وليس فيهم خصم
81

لأحد المشهود عليهما ويقول (ويقولون ظ): إنا رأيناه
يولج ذلك منه في ذلك منها ويخرجه كالمرود في المكحلة
ويكون الشهادة في مجلس واحد، فإذا شهدوا بذلك
ولم يدع المشهود عليهما عليه ظ شبهة وجب الحد " وهذا صريح
في ذلك، وكلام غيرهما من المتقدمين قريب من ذلك
وهذا هو المعتمد، ويمكن تنزيل كلام المصنف وما أشبهه "
على ذلك بحمل عدم القبول على تقدير التعرض على ذلك
والاختلاف فيه انتهى.
ولو شهد بعض أنه أكرهها وبعض بالمطاوعة ففي ثبوت
الحد على الزاني وجهان أحدهما يثبت للاتفاق على
الزنا الموجب للحد على كلا التقدين، والآخر لا يثبت
لأن الزناء بقيد الاكراه غيره بقيد المطاوعة فكأنه شهادة
على فعلين قاله أيضا في الشرائع.
أما وجه الثبوت فلاتفاق الشهود على أنه تحقق
منه الزناء على أي حال وإنما اختلافهم كان في مطاوعة
المرأة له في الزناء أو إكراهه لها فالزناء في جانب الرجل معلوم
التحقق على أي تقدير فلا بد من جلده أو رجمه، وأما وجه عدم
الثبوت فبأن يقال: إنهم اختلفوا في صفة الزناء الصادر
82

منه فإن اثنين منهم قد شهدوا مثلا بأن الزنا الصادر منه
موصوف بمطاوعة المرأة له واثنين منهم قد شهدوا بأنه أكرهها
ومع الاختلاف في القيد لا يثبت الزنا والأوجه هو
الثاني، ثم إن أوجبنا الحد عليه لم يحد الشهود وإلا حدوا
للفرية، وعن القواعد أنه قال: ويحتمل أن يحد شهود المطاوعة
لأنهما قذفاها فلم تكمل شهادتهم عليها دون شاهدي الاكراه
لأنهما لم يقذفاها وقد كملت شهادتهم عليه، وإنما انتفى عنه
الحد للشبهة (أي لا لعدم الثبوت) "
وفيه أن المطاوعة أعم من القذف لاحتمال الشبهة
فيها بأن تخيلت أنه زوجها أو مالكها
وقال أيضا في محكى القواعد: أنه لو شهد اثنان بأنه زنا
وعليه قميص أبيض واثنان به وعليه قميص أسود ففي القبول
نظر " وأورد عليه في الجواهر بأنه لا مانع من اجتماع الخصوصتين
فلا تعدد للفعل، ودعوى ظهور الكلام في التنافي واضحة
المنع انتهى.
ثم قال في الشرائع: ولو أقام الشهادة بعض في
وقت حدوا للقذف ولم يرتقب اتمام البينة لأنه لا
تأخير في حد انتهى، قال في الجواهر: بلا خلاف محقق أجده
83

فيه إلا ما يحكى عن جامع ابن سعيد وهو شاذ انتهى
مضافا إلى دلالة خبرين على ذلك أحدهما رواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام في ثلاثة
شهدوا على رجل بالزنا، فقال علي عليه السلام: أين الرابع؟
قالوا: الآن سيجيئ، فقال علي عليه السلام: حدوهم فليس
في الحدود نظر ساعة (1).
وثانيهما رواية عباد البصري قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وقالوا: الآن
نأتي بالرابع، قال: يجلدون حد القاذف ثمانين جلدة
كل رجل منهم (2).
وقال في محكى الخلاف: إذا تكاملت شهود الزنا
فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد
أو مجالس وشهادتهم متفرقين أحوط " وقال العلامة
في المختلف - على ما حكي عنه - بعد تنزيل على تفرقهم بعد اجتماعهم
نظرا إلى أن ذلك هو المذهب عندنا " هو مشعر بالاجماع
وعن المسالك: مذهب الأصحاب اشتراط
ايقاع الشهادة في مجلس واحد " وعن السرائر أنه قال:

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 8 - 9.
84

ولا تقبل شهادة الشهود على الزناء إلا إذا حضروا
في وقت واحد، فإن شهد بعضهم وقال: الآن
يجيئ الباقون حد حد المفتري، لأنه ليس في ذلك
تأخير انتهى.
بل بالغ العلامة في القواعد وولده في شرح القواعد
فاعتبرا حضور الشهود قبل الشهادة فلو تفرقوا في الحضور
حدوا قال - على ما حكي عنه -: ولو تفرقوا في الحضور ثم اجتمعوا
في مجلس الحكم للإقامة فالأقرب حدهم للفرية انتهى
لكن لا دليل عليه إذ ليس في الروايتين المتقدمتين (1)
إلا الحد مع عدم حضور باقي الشهود حين إقامة
الشهادة وإن اجتمعوا على وجه التفرق إلا أن الأحوط
أن يفرقوا حين أداء الشهادة حذرا من تواطؤهم على أمر
باطل.
وقال في الجواهر: ولو شهد بعض وأبى الآخر بعد الحضور
لها حد الشاهد للقذف كما صرح به غير واحد نافيا للخلاف
فيه، بل عن الخلاف الاجماع عليه لفحوى الخبرين السابقين (2)

(1) الوسائل الباب 112 من أبواب حد الزنا الحديث 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 112 من أبواب حد الزنا الحديث 8 - 9.
85

وللمعتبرة التي منها الصحيح قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
لا أكون أول الشهود الأربعة على الزناء، أخشى أن
ينكل بعضهم فأحد (1) انتهى كلام صاحب الجواهر.
وربما يقال: إن هذا - أي حد الشهود - مع نكول
بعضهم عن الشهادة يستلزم عدم اقدام أحد بالشهادة
فيتعطل الحدود بذلك إذ كل من أراد أن يشهد بشئ
أو على شخص بشئ يحتمل نكول باقي الشهود بذلك
فلا يتجاسر بالشهادة حذرا من حد الفرية، وهذا الاشكال قوي
اللهم إلا أن يقال: هذا الوجه استحساني لا يمكن
الاستدلال به مع الأدلة العامة الدالة على وجوب
إقامة الشهادة كقوله تعالى: وأقيموا الشهادة لله و
قوله تعالى: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم
قلبه وغير ذلك من الآيات والروايات الدالة على
وجوب إقامة الشهادة وحرمة كتمانها
ولو شهدوا كانوا فساقا كلهم أو بعضهم حدوا
حد الفرية، وعن الخلاف والمبسوط والسرائر والجامع
والتحرير وجوب الحد كان رد الشهادة لمعنى ظاهر

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد القذف ح 2.
86

كالعمى والفسق، والعدم إن كان لمعنى خفي، وحينئذ
يختص الحد بالمردود الشهادة كالأعمى والفاسق
دون الآخرين لعدم تفريطهم.
ولو كانوا مستورين ولم تثبت عدالتهم ولا فسقهم
فعن القواعد " أنه لا حد للشبهة " إلا أنه في رواية أبي
بصير عن الصادق عليه السلام في أربعة شهدوا على
رجل بالزنا فلم يعدلوا، قال: يضربون الحد (1) لكن يمكن
حمل الرواية على ظهور فسقهم.
وقال في الجواهر: ولو رجعوا عن الشهادة كلا أو بعضا
قبل الحكم فعليهم أجمع الحد إلا أن يعفو المقذوف، ولا
يختص الراجع بالحد ولا بالعفو، وأما إذا ارجعوا بعد الحكم
فيختص الراجع بالحد أخذا باقراره انتهى
أما في صورة رجوع كلهم قبل الحكم فهو واضح لقذفهم له
بالزنا باقرارهم فإنه قد أقروا برجوعهم أنهم رموه بالزنا بلا جهة
شرعية، وأما في صورة رجوع البعض فلجهة عدم اكمال
الشهادة لرجوع بعضهم عنها لكنه مشكل مع عدم رجوع
باقي الشهداء عنها فإنه إذا قلنا بحدهم مع عدم رجوعهم

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد القذف الحديث 4.
87

عن الشهادة يلزم تعطيل الحدود بواسطة عدم جرأة
أحد على الشهادة خوفا من حد الفرية، وأما إذا رجعوا بعد
الحكم فإنه لم ينقض الحكم بذلك إلا أن الحد مختص بالراجع
فإنه الذي أقر ببطلان شهادته فيحد للقذف.
وقال أيضا في الشرائع: ولا يقدح تقادم الزناء في
الشهادة، وفي بعض الأخبار إن زاد عن ستة أشهر
لم يسمع وهو مطرح، وتقبل شهادة الأربع على الاثنين
فما زاد، ومن الاحتياط تفريق الشهود في الإقامة بعد
الاجتماع، وليس بلازم، ولا تسقط الشهادة بتصديق
المشهود عليه ولا بتكذيبه، ومن تاب قبل قيام البينة
سقط عنه الحد، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط حدا كان
أو رجما انتهى كلامه قدس سره
فها هنا مسائل ينبغي لنا أن نبحث عنها
(المسألة الأولى)
أن تقادم الزنا أي قدمته غير مانع من الشهادة، وما ذكره
من بعض الأخبار بأنه إن زاد عن ستة أشهر لم تسمع
- لم نعثر عليه نعم في مرسل ابن أبي عمير عن جميل عن
أحدهما عليهما السلام أنه قال ابن أبي عمير: قلت: فإن كان
88

امرءا غريبا لم تقم؟ قال: لو كان خمسة أشهرا أو أقل وقد
ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود (1)
إلا أن هذه الرواية مضافا إلى ارسالها - لم يعمل
أحد من الأصحاب بها فيمكن حملها على ما إذا تاب قبل
قيام الشهود عليه بالزنا.
(المسألة الثانية)
أنه تقبل شهادة الأربعة على الاثنين وما زاد لعموم الأدلة
الدالة على قبول شهادة العدول فإنها لم تقيد بالواحد وبأكثر
(المسألة الثالثة)
أن الأحوط تفريق الشهود بعد اجتماعهم لإقامة
الشهادة حذرا من تواطئهم على الكذب وإن كان هذا
الاحتياط غير لازم المراعاة لاطلاق الأدلة
(المسألة الرابعة)
أنه لا تسقط شهادة الشهود بتصديق المشهود عليه
ولا بتكذيبه خلافا لأبي حنيفة على ما حكي عنه فإنه حكم
بسقوط الشهادة مع تصديق المشهود عليه واقراره بذلك
فبناء على قوله لو أقر بما شهد عليه الشهود كالزنا لم يحد إلا

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
89

أن يشهد على نفسه بالزنا أربع مرات، وبناء على قولنا
بعدم تأثير تصديقه ولا تكذيبه في سقوط شهادة الشهداء
لا اعتبار باقراره أقر مرة أو أربع مرات.
(المسألة الخامسة)
أنه من تاب قبل قيام البينة يسقط عنه الحد، قال
في الجواهر: بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام
الاتفاق عليه للشبهة انتهى مضافا إلى مرسلة جميل
عن أحدهما عليهما السلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو
زنى فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب، وصلح،
قال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد (1).
هذا كله إذا تاب قبل قيام البينة عليه.
وأما إذا تاب بعد قيامها فلم يسقط عنه الحد أي حد
كان سواء كان حدا أو رجما لا صالة بقاء الحد بعد التوبة
وهذا هو قول المشهور ويدل عليه مرسلة أبي بصير عن الصادق
عليه السلام في رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثم هرب
قبل أن يضرب، قال: إن تاب فما عليه شئ، وإن
وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، وإن علم مكانه بعث إليه (2)

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 4.
90

بناء على أن المراد من قوله عليه السلام: إن تاب الخ أنه تاب
قبل أن تقام عليه البينة، وأما قوله: وإن وقع في يد الإمام
الخ أنه وقع بعد إقامة البينة عليه فإنه لا بد من اجراء الحد عليه
خلافا للمحكى عن الحلبيين والشيخ المفيد فخيروا الإمام عليه السلام
بين إقامة الحد عليه وعدمها لأصالة البراءة
إلا أن الأصل مقطوع بما عرفت من الشهرة و
الرواية المتقدمة المعمول بها بين الأصحاب
(المبحث الثاني:)
في كيفية حد الزنا وبيان أقسامه، قال في الشرائع في
بيان أقسامه: وهي قتل أو رجم أو جلد وجز وتغريب
أما القتل فيجب على من زنى بذات محرم كالأم والبنت
وشبههما والذمي إذا زنى بمسلمة، ومن زنى بامرأة مكرها
كل حال شيخا كان أو شابا ويتساوى فيه الحر والعبد و
المسلم والكافر، وكذا قيل في الزناء بامرأة أبيه، وهل يقتصر
على قتله بالسيف، قيل: نعم، وقيل: بل يجلد ثم يقتل
إن لم يكن محصنا، ويجلد ثم يرجم إن كان محصنا عملا بمقتضى
الدليلين، والأول أظهر انتهى موضع الحاجة
أما القتل على من زنى بذات المحرم فقال في الجواهر:
91

بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل الاجماع
بقسميه عليه بل المحكى منهما مستفيض انتهى
وعمدة المستند هو الأخبار الكثيرة الدالة على ذلك
فمها حسنة أبي أيوب التي هي كالصحيحة عند الأصحاب
قال: سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن أحدهما
عليهما السلام قال: من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب
ضربة أخذت منه ما أخذت، وإن كانت تابعة
ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل
له: فمن يضربهما وليس لهما خصم؟ قال: ذاك على الإمام
إذا رفعا إليه (1)
ومنها مرسلة جميل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يأتي ذات محرم أين يضرب بالسيف؟ قال:
رقبته (2).
ومنها روايته الأخرى قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟
أين هذه الضربة؟ قال: تضرب عنقه أو قال: تضرب رقبته (3)
ومنها رواية محمد بن عبد الله بن مهران عمن ذكره عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل وقع على أخته

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
92

قال: يضرب ضربة بالسيف، قلت: فإنه يخلص
قال: يحبس أبدا حتى يموت (1).
ومنها موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه قال: قال: أبو عبد
الله عليه السلام: من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف
أخذت منه ما أخذت (2).
ومنها رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليهما السلام
في الرجل يقع على أخته، قال: يضرب ضربة بالسيف
بلغت منه ما بلغت فإن عاش خلد في السجن حتى يموت (3)
ويستفاد من هذه الرواية وكذا رواية محمد بن عبد الله
بن مهران المتقدمة أنه يضرب ضربة واحدة بالسيف
سواء قتل بها أولا، فإن قتل وإلا خلد في السجن حتى يموت
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (4).
وقد جمع الشيخ قدس سره بين هذه الروايات بتخيير
الإمام عليه السلام بين الضرب بالسيف والرجم، قال - على
ما حكي عنه -: لأنه إذا كان الغرض بالضربة قتله وفي ما
يجب على الزاني الرجم وهو يأتي على النفس فالإمام مخير

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا ح 4 - 5 - 10 - 8.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا ح 4 - 5 - 10 - 8.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا ح 4 - 5 - 10 - 8.
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا ح 4 - 5 - 10 - 8.
93

بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه انتهى.
إلا أنه لا يخفى ما في هذا الجمع فإن العمل على رواية
أبي بصير غير ممكن فإنه أولا غير معمول بين الأصحاب
وثانيا أن كون الزنا بذات محرم أعظم ذنبا ليس
لازمه الرجم بعد التصريح في الرواية بأن حده حد الزاني
فإن الذي لم يكن محصنا وزنى مثلا في الحرم أو في يوم
أو شهر شريف حده أيضا حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا
ولم يكن حده الرجم فيمكن أن يجلد بواسطة أعظمية ذنبه
أكثر من مأة جلدة
وأما روايتا الحبس والتخليد في السجن إلى أن يموت
إن لم يمت بالضرب الواحد فلم يعمل الأصحاب رضوان
الله عليهم بهما مع كون الروايتين بمرأى منهم فالعمل حينئذ
بروايات القتل المستفادة من ضرب العنق أو الرقبة
فإن الظاهر من ضرب العنق هو كناية عن قتله لأن
ضرب العنق لازمه القتل غالبا كما فهمه الأصحاب
مؤيدا بالنبوي (ص) قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه (1)
وهذه الرواية وإن لم تكن منقولة من طرقنا إلا أن الأصحاب

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 237 على ما حكي عنه.
94

قد أفتوا بمضمونها، وهل يختص ذات محرم بالنبي أو
يشمل السببي بل الرضاعي أيضا؟ قال في الرياض -
على ما حكي عنه -: وأما غيرهن من المحارم بالمصاهرة كبنت
الزوجة وأمها فكغيرهن من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى
والنصوص خالية من تخصيص النبي، بل الحكم فيها
معلق على ذات محرم مطلقا،
لكن سند أكثرها ضعيف، والحسن منها قاصر عن
الصحة، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على
التهجم على النفوس المحترمة، سيما مع عدم الصراحة في الدلالة
لو لم نقل بكونها ضعيفة بناء على عدم انصراف ذات محرم بحكم
التبادر إلى السببيات، بل المتبادر منها النسبيات خاصة
ومن هنا يظهر ضعف الحاق المحرم للرضاع بالنبي مع عدم
ظهور قائل به عدا الشيخ في المبسوط والخلاف وابن عم الماتن
وهما شاذان، ولذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخرين
عدا شيخنا في الروضة مع ظنه عدم القائل به فقد جعله وجها
قال: مأخذه الحاقه به في كثير من الأحكام للخبر، وذلك
لأن غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنة ضعيفة
لا يجسر بها على التهجم على ما عرفته انتهى كلامه قدس سره
95

أقول: لا أعلم سببا للتبادر أي تبادر ذات محرم -
إلى النسبيات دون السببيات فإنه كما يطلق
ذات محرم بكثرة على ذات محرم النبي فكذا يطلق
بكثرة على السببي فليس السببي قليلا ونادرا حتى يقال:
بانصراف ذات محرم عنه إلى النبي، نعم بالنسبة
إلى ذات محرم الرضاعي يمكن دعوى التبادر فإن المتيقن من الرضاع أنه
يتحقق به حرمة النكاح فلذا لم يترتب على الرضاع المواريث
والولايات فتأمل.
وأما القتل للذمي إذا زنى بمسلمة فإنه ادعى اللاخلاف
بل الاجماع عليه لموثقة حنان بن سدير عن الصادق
عليه السلام أنه سئل عن يهودي فجر بمسلمة، فقال:
يقتل (1).
ورواية جعفر بن رزق الله قال: قدم: إلى المتوكل
رجل نصراني فجر بمسلمة، وأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم
فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم
يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا
فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
96

وسؤاله عن ذلك، فلما قدم الكتاب، كتب أبو الحسن
عليه السلام: يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر
فقهاء العسكر ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا
فإنه شئ لم ينطق به كتاب، ولم تجئ به السنة، فكتب
أن فقهاء المسلمين قد أنكر هذا، وقالوا: لم تجئ به سنة
ولم ينطق به كتاب فبين لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى
يموت؟
فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم فلما رأوا
بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين
فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي
قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (1) قال:
فأمر به المتوكل فضرب حتى مات (2).
لكن حكي عن الشيخ المفيد قدس سره أنه قال: إن أسلم
في ما بينه وبين الله عز وجل فيعوضه الله على قتله بأكثر
مما ناله من الألم به ويدخل الجنة، وإن كان إنما أراد دفع
الحد عنه باظهار خلاف ما يبطن به من الكفر لم ينفعه ذلك
وأقيم حد الله عليه ورغم أنفه وبطلت حيلته في دفع العذاب

(1) سورة غافر الآية 84 - 85
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
97

فقد قال الشيخ والحلبي وابن زهرة وابن إدريس وابن حمزة
وابن براج وابن سعيد - على ما حكي عنهم - أنه يقتل أيضا
بل نسبه بعض إلى كثير وآخر إلى الشهرة كما في الجواهر بل عن
الغنية دعوى الاجماع عليه
مضافا إلى رواية السكوني عن الباقر عليه السلام قال:
رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام: رجل وقع على امرأة أبيه، فرجمه
وكان غير محصن (1). وضعفها منجبر بعمل المشهور.
وعن ابن إدريس الحاق امرأة الابن بامرأة الأب
ولعله بادراج ذلك في المحارم فإنا إذا قلنا بشمول
المحارم لمطلق المحارم السببي - كما قويناه - يشمل ذلك
امرأة الابن أيضا.
ثم قال في الشرائع: وأما الرحم فيجب على المحصن
إذا زنى ببالغة عاقلة، فإن كان شيخا أو شيخة جلد، ثم
رجم، وإن كان شابا ففيه روايتان، إحداهما يرجم لا
غير، والأخرى يجمع له بين الحدين، ولو زنى البالغ المحصن
بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم، وكذا المرأة لو
زنى بها الطفل، ولو زنى المجنون فعليا الحد تاما، وفي

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد الزنا الحديث 9.
98

ثبوته في طرف المجنون تردد، والمروى أنه يثبت انتهى
(فهنا مسائل:)
(المسألة الأولى:)
أنه يجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة
وادعي اللاخلاف بل الاجماع على ذلك مضافا إلى
النصوص المستفيضة التي منها صحيحة أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: الرجم حد الله الأكبر، والجلد حد الله
الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد (1).
وذيل الرواية لدفع قول من يقول: إنه يجب عليه كلا
الأمرين أي الجلد والرجم
ومنها موثقة سماعة عنه عليه السلام قال: الحر والحرة إذا زنيا
جلد كل واحد منهما مأة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم (2)
وأما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المحصن
والمحصنة جلد مأة، ثم الرجم (3).
وصحيحة زرارة عنه عليه السلام في المحصن والمحصنة جلد مأة
ثم الرجم (4) والظاهر أنهما رواية واحدة نقلها تارة محمد
بن مسلم عنه عليه السلام وأخرى زرارة لا تحاد لفظ الرواية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 1 - 3 - 8 -.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 1 - 3 - 8 -.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 1 - 3 - 8 -.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 1 - 3 - 8 -.
99

والمروى عنه - فهي محمولة على الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا
محصنين كما يظهر من الروايات التي سنوردها في المسألة الثانية
(المسألة الثانية)
أن الشيخ والشيخة إذا زنيا وكان محصنين يجلدا ولا كل واحد
منهما مأة جلدة ثم يرجم، قال في الجواهر: بلا خلاف محقق
معتد به أجده فيه أيضا بل الاجماع بقسميه عليه انتهى.
مضافا إلى دلالة جملة من النصوص على ذلك
منها رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مأة،
وقضى للمحصن الرجم الحديث (1).
بناء على أن المراد أنهما إذا كانا محصنين يجلدان أولا
ثم يرجمان، إلا أن الرواية لا ظهور لها في ذلك.
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في
الشيخ والشيخة جلد مأة والرجم (2).
ومنها رواية عبد الرحمان عنه عليه السلام قال: كان علي
عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة مأة ويرجمهما ويرجم المحصن
والمحصنة ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة (3).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
100

ومنها رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، و
إذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان
قد أحصن، وإذا زنى الشاب الحدث السن جلد
ونفي سنة من مصره (1).
والظاهر أن مفروض المسألة في هذه الفروض الثلاثة
المذكورة في هذه الرواية هو المحصن والمحصنة بقرينة
قوله عليه السلام في خلال الرواية: إذا كان قد أحصن والمراد من قوله ع
وإذا زنى النصف من الرجال من كان عمره بين الشاب
والشيخ أي كان متوسط العمر.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قضى علي عليه السلام في امرأة زنت فجعلت فقتلت
ولدها سرا فأمر بها فجلدها مأة جلدة، ثم رجمت وكانت أول من رجمها (2).
فهذه المسألة لا اشكال فيها، واطلاق العماني
الرجم في مطلق المحصن لا ينافي في ذلك
أن يريد من المحصن غير الشيخ والشيخة مع أن مخالفة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 11 - 13.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 11 - 13.
101

العماني غير ضائر لأن له فتاوى شاذة، لكن هذه الرواية
الأخيرة قد دلت على أن الجلد والرجم ثابتان للمرأة
الشابة أيضا فإن التي تلد، لا تكون عجوزة
فهذه الرواية معارضة للروايات المتقدمة الدالة على
أن الحكم الجلد والرجم مخصوص بالشيخ والشيخة.
وبعض الروايات قد دل على أن الشيخ والشيخة
عليهما الجلد كرواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا
مأة، وقضى للمحصن الرجم الحديث (1).
إلا أنه يمكن حمل هذه الرواية على غير المحصن منهما
بقرينة قوله: وقضى للمحصن الرجم الشامل باطلاقه
للشيخ والشيخة
وبعض الروايات يدل على أن المحصن عليه الرجم
الشامل للشيخ والشيخة بل بعض الروايات قد صرح
بأن على الشيخ والشيخة الرجم، كرواية سليمان بن خالد
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في القرآن رجم؟
قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة فارجموهما

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
102

البتة فإنهما قضيا الشهوة (1) وقريب من هذا المضمون
رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
إلا أن روايات الجلد والرجم أكثر عددا وأصح سندا
وأشهر عملا بين الأصحاب فيمكن حمل هاتين الروايتين
على أن المراد عدم الانحصار في الرجم فيمكن وجوب الجلد
عليهما أيضا والله العالم.
وكذا يمكن حمل رواية محمد بن قيس المشتملة على الجلد
فقط في الشيخ والشيخة إما على غير المحصن منها أو على أن المراد
أن عليهما الجلد من غير تعرض لوجوب الرجم أيضا عليهما كما أن
الآية المباركة في أوائل سورة النور أعني قوله تعالى: الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة الآية - لم تتعرض
لوجوب الرجم على الزاني المحصن بل ذكر الجلد فقط على مطلق
الزاني ونستفيد وجوب رجم المحصن من سائر الأدلة
إن وجوب جلد الزاني المحصن قد استفيد من الآية و
رواية محمد بن قيس المتقدمة، ووجوب رجمه يستفاد من
ساير الأخبار الدالة باطلاقها على وجوب رجم المحصن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 18 - 4.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 18 - 4.
103

الشامل للشيخ والشيخة، فالشيخ والشيخة بحسب الجمع
بين الأدلة يستوجبان الجلد والرجم معا إذا كانا محصنين
وقد عرفت دعوى صاحب الجواهر الاجماع المنقول والمحصل
على هذا الحكم
وأما إذا كانا شابين محصنين وزنيا ففيه روايتان
إحديهما أنهما يرجمان لا غير وهي رواية عبد الله بن طلحة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا
ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم
يجلدا إذا كان قد أحصن، وإذا زنى الشاب الحدث السن
جلد ونفي سنة من مصره (1).
وقد دلت الرواية على وجوب الرجم دون الجلد على المحصن
الذي هو متوسط السن الشامل للشاب أيضا، وأما
وجوب الجلد فقط على الشاب الحدث السن فهو محمول على
الزاني غير المحصن
وكذا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم
حد الله الأكبر والجلد حد الله الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن
رجم ولم يجلد (2)، واطلاق هذه الرواية شامل للشاب

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 11 - 1.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 11 - 1.
104

الحدث السن إذا كان محصنا
وأما الروايات الأخر فهي روايات أيضا
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
في المحصن والمحصنة جلد مأة ثم الرجم (1)
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في المحصن و
المحصنة جلد مأة، ثم الرجم (2 9.
ومنها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: قضى علي عليه السلام
في امرأة زنت فحبلت، فقتلت ولدها سرا، فأمر بها فجلدها
مأة جلدة ثم رجمت، وكان (نت خ ل) أول من رجمها (3)
وهذه الرواية صريحة بأن المرأة كانت شابة لأنها
كانت تلد.
ومنها صحيحة الفضيل عن الصادق عليه السلام قال: من
أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله مرة واحدة
حرا كان أو عبدا حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم
الحد على الذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني
المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا
شهدوا ضربه الحد مأة جلدة ثم يرجمه (4) وفي المرسل

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 8 - 14 - 7
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 8 - 14 - 7
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 8 - 14 - 7
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
105

عن علي (عليه السلام) أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس
ورجمها يوم الجمعة، وقال: حددتها بكتاب الله ورجمتها
بسنة رسول الله (1).
ومع قطع النظر عن هذه الروايات الدالة على
وجوب الجلد والرجم على المحصن الشاب الذي زنى
يمكن أن يقال: إن وجوب جلده يثبت بكتاب الله أعني
قوله تعالى في أوائل سورة النور: الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة، ووجوب رجمه
يثبت بالأخبار الدالة على وجوب رجم الزاني المحصن
كالروايات المتقدمة وهذا هو الذي أشار إليه علي
عليه السلام في المرسل المتقدم بقوله (ع) حددتها
بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله (ص).
وأما نفي الجلد عن المحصن في رواية أبي بصير المتقدمة
بقوله عليه السلام: فإذا زنى المحصن رجم ولم يجلد (2) فهو
معارض بهذه الروايات الكثيرة المعتبرة المتقدمة ولذا قال
في الشرائع: وهو (أي القول بالرجم والجلد) أشبه اه

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 8 ص 220 على ما حكي عنه
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
106

وهذا هو الذي اختاره الأستاذ دام ظله.
ولكن يمكن الخدشة في ذلك - إن لم يقم الاجماع
على ذلك - بأن لازم ذلك أنه لم يبق فرق بين الشيخ
والشيخة والشاب والشابة في وجوب كلا الأمرين
عليهما ولم يبق مصداق لوجوب الرجم فقط فإن الزاني المحصن
إما أن يكون شابا أو شيخا اللهم إلا أن يقال باختصاص
حكم الرجم بالكهل وهو ما فوق الشاب وما دون الشيخ
وهو أيضا بعيد، فعلى ما ذكرنا يمكن حمل روايات الجلد والرجم
في المحصن على الشيخ والشيخة وحمل الروايات الدالة على الرجم
فقط على ما عدا الشيخ والشيخة والله العالم.
وقال في الشرائع أيضا: ولو زنى البالغ المحصن بغير
البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم، وكذا المرأة لو زنى بها طفل
ولو زنى بها المجنون فعليها الحد تاما، وفي ثبوته في طرف المجنون
تردد، والمروى أنه يثبت انتهى.
أما الفرع الأول - أي ما إذا زنى في البالغ المحصن بغير
البالغة أو بالمجنونة فإن كون الجلد عليه - أي على البالغ المحصن
دون الرجم هو المحكى عن الشيخ في النهاية ويحيى بن سعيد
في جامعه، بل عن الشهيد في الروضة دعوى الشهوة على
107

ذلك فيما إذا زنى بالمجنونة واستدل لذلك أولا
بالأصل أي الأصل عدم الرجم عليه وثانيا بنقص الحرمة
بالنسبة إلى الكاملة أي إن الحرمة في ناحية المجنونة ضعيفة
ولذا لا يحد قاذفها وثالثا نقص اللذة في الزنا مع الصغيرة
ورابعا بفحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي غير
مدرك.
ولكن في جميع هذه الوجوه ما لا يخفى فإن نقصان
الحرمة من ناحية المجنونة لا يستلزم نقصانها في ناحية
الزاني العاقل المحصن ونمنع أولا نقص اللذة في الزنا
مع الصغيرة وثانيا بأن نقص اللذة لا يستلزم نقص
الحكم أو تغيره فإنه ليس لذلك دليل ولذا لا فرق في الحكم
بالزنا مع المرأة الشابة أو العجوزة مع أن الزنا مع العجوزة أنقص
لذة، وأما مقايسة زنا العاقل مع الصغيرة بزناء الصغير مع
العاقلة فهي ضعيفة، أما أولا فلأن القياس باطل عندنا و
ثانيا أنه مع الفارق ضرورة أن زنا الكبير مع الصغيرة ليس نقص
في لذته بخلاف زنا الصغير مع الكبيرة وثالثا وجود دليل
خاص في الثاني كما ستعرف بخلاف الأول وربما
يقال بوجود دليل في الأول أيضا وهو موثق ابن بكير عن أبي عبد
108

الله عليه السلام في غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة
ما يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحد ويقام على
المرأة الحد، قلت جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها،
قال: تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل الحد (1)
وكذا رواية أبي العباس عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا يحد الصبي إذا وقع على المرأة
ويحد الرجل إذا وقع على الصبية (2).
وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: سألته عن رجل
وقع على صبية ما عليه؟ قال: الحد (3).
بتقريب أن المراد بالحد الذي يقام على الرجل الجلد
بقرينة الجلد الذي يقام على المرأة إذا فجر بها غلام غلام لم يبلغ
الحلم كما يظهر من هذه الروايات بل هو صريح رواية أبي بصير
الآتية فيما إذا فجر الغلام غير المدرك بالمرأة المحصنة
إلا أنه يمكن أن يكون المراد بالحد الذي يقام على الرجل
المحصن أو غيره هو الحد المعهود أي الرجم فيما إذا كان محصنا وفجر
بصغيرة والجلد إذا كان غير محصن فالألف واللام في الحد

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4.
109

للعهد أي الحد الذي يصير واجبا فإن لم يكن محصنا فعليه
الجلد وإلا فعليه الرجم.
وأما التمسك بالأصل فلا يخفى ما فيه فلأن الأصل
دليل حيث لا دليل والدليل هنا موجود وهو اطلاق
أدلة الزنا الشامل لما نحن فيه كقوله عليه السلام: ومن كان
محصنا فعليه الرجم ونحو ذلك والمفروض أن هذا - أي الذي
زنا بالصغيرة أو المجنونة كان محصنا فيشمله الاطلاق ونشك
من خروجه عن الاطلاق والأصل يقتضي عدم خروجه.
وأما الفرع ا لثاني - وهو ما إذا زنى بالبالغة المحصنة
صبي لم يدرك - فالظاهر أنه ليس عليها الرجم بل عليها
الجلد فقط لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام في غلام
صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال: يجلد
الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملا، قيل له: فإن
كانت محصنة، قال: لا ترجم، لأن الذي نكحها ليس بمدرك
فلو كان مدركا رجمت (1).
وهذه الرواية تصلح لأن تكون مبنية للحد الذي ذكره
عليه السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة حيث قال: في غلام لم يبلغ

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
110

الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة ما يصنع بهما؟ قال: يضرب
الغلام دون الحد ويقام على المرأة الحد الحديث (1)
فإن الحد يحمل على الجلد بقرينة هذه الرواية وإن كانت محصنة
(وفي الشرائع أنه قال:)
وأما إذا زنى بها المجنون فعليها الحد التام أي إن كانت
محصنة فعليها الرجم، وإذا كانت غير محصنة فعليها الجلد، وفي
ثبوت الحد في طرف المجنون تردد، والمروى أنه يثبت
انتهى والرواية التي أشار إليها هي رواية أبان بن تغلب
عن الصادق عليه السلام قال: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد
الحد، وإن كان محصنا رجم، قلت: فما الفرق بين المجنون
والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل
يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة وإنما المرأة
تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها (1).
ولكن هذه الرواية - مضافا إلى ضعف سندها -
لا يمكن الأخذ بمضمونها فإن ظاهرها وهو جلد المجنون
أو المعتوه أو رجمه إذا كان محصنا مخالف للأدلة القطعية
الدالة على رفع القلم عن المجنون حتى يفيق فلا بد من حمل
الرواية على المجنون الأدواري ووقع الزنا منه في حال الإفاقة

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا الحديث 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
111

وقد بسطنا الكلام حول هذه الرواية في بعض مباحثنا السابقة
في هذا المبحث أي مبحث الزنا فليراجع
وأما الجلد والتعزيب فقال أيضا في الشرائع: يجبان
على الذكر غير المحصن، يجلد مأة ويجز رأسه ويغرب عن مصره
عاما مملكا أو غير مملك، وقيل: يخص التغريب، بمن أملك
ولم يدخل وهو مبني على أن البكر ما هو؟ والأشبه أنه عبارة
عن غير المحصن وإن لم يكن مملكا، وأما المرأة فعليها الجلد مأة
ولا تغريب عليها ولا جز انتهى.
هذا الحكم الذي ذكره قدس سره في الرجل من جلدة مأة و
جز رأسه وتغريبه هو موافق لظاهر المحكى عن العماني والإسكافي
والحلبي ولصريح المحكى عن المبسوط والسرائر، بل
حكي عن المسالك أنه نسبه إلى أكثر المتأخرين وعن غير المسالك
أنه نسبه إلى الشهرة.
وفي رواية عامية عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و
آله وسلم جلد وغرب، وأن أبا بكر جلد وغرب وروي عن
علي (عليه السلام) وعثمان أنهما فعلا ذلك (1).
وفي رواية أخرى عامية عن علي (عليه السلام) أنه قال:

(1) السنن الكبرى للبيهقي جلد 8 ص 224 على ما حكي عنه.
112

التغريب فتنة (1) ووجه ذلك أن عمر نفى شارب الخمر
فلحق بالروم فلذا روي عن عمر أنه قال بعد ذلك: والله لا
غربت بعدها أبدا (2).
وفي عامية أخرى عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: البكر بالبكر جلد مأة وتغريب عام والثيب
بالثيب جلد مأة ثم الرجم (3).
ويستفاد من هذه الرواية أن البكر أعم ممن أملك
أو لم يملك بقرينة مقابلته للثيب
وأما روايات الخاصة فمنها رواية عبد الله بن طلحة عن
الصادق عليه السلام قال: إذا زنى الشاب الحدث السن
جلد ونفي سنة من مصره (1).
وهذه الرواية أيضا فيها عموم يشمل من أملك وغيره
ومنها رواية السكوني أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير
المؤمنين عليه السلام يسأله عن الرجل يزني بالمرأة اليهودية
والنصرانية فكتب إليه إن كان محصنا فارجمه وإن كان بكرا
فاجلده مأة ثم انفه، وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها

(1) كنز العمال ج 5 ص 268 على ما حكي عنه
(2) كنز العمال ج 5 ص 268 على ما حكي عنه
(3) سنن البيهقي ج 8 ص 222 على ما حكي عنه
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 11.
113

فيقضوا ما أحبوا (1).
ومنها رواية سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا
زنى الرجل فجلد ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي
جلد فيها إلى غيرها، وإنما على الإمام أن يخرجه من المصر الذي
جلد فيه (2)، ولكن في الفقيه - على ما حكي عنه: ليس ينبغي
فهذه الروايات لم يقيد الرجل غير المحصن بمن أملك و
لم يدخل بها.
ولكن يعارض هذه الروايات روايات آخر قد قيده بذلك
منها رواية محمد بن قيس أو حسنة عن أبي جعفر عليه السلام
أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في البكر والبكرة إذا زنيا
جلد مأة ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد أملكا ولم
يدخل بهما (3)، بناء على أن قوله وهما اللذان قد أملكا من كلام
الإمام عليه السلام لا من تفسير الراوي لكلامه عليه السلام.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المحصن
يرجم، والذي قد أملك ولم يدخل بها فجلد مأة ونفي سنة (4)
لكن في روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: الذي لم يحصن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب حد الزنا الحديث 5
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 7.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 7.
114

يجلد مأة جلدة ولا ينفى، والذي قد أملك ولم يدخل بها
يجلد مأة وينفى (1)، إلا أن في التهذيب والوافي - على
ما حكي عنهما - رواية " ينفى " بدلا لا ينفى في الموضعين
وكيف كان فيمكن تقييد تلك الروايات الدالة باطلاقها
على أن غير المحصن مطلقا يجب عليه الجلد والتغريب
بأن يقال: إن هذا الحكم مخصوص بمن صار مالكا للمرأة
ولم يدخل بها بقرينة هذه الروايات.
لكن يمكن أن يقال: إنه لا منافاة بين مفاد هذه
الروايات والروايات المتقدمة ببيان أنهما مثبتين
وليس بلازم تقييد إحدى الطائفتين من الروايات بالأخرى
بل يقال: إنه يمكن الالتزام بمفاد كلتا الروايتين بأن يقال
كما أن هذا الحكم أي الجلد والتغريب ثابت لمن أملك
ولم يدخل بها ثم زنى فكذا هو ثابت لمن لم يملك امرأة
أصلا فلذا قد قابل عليه السلام البكرة والبكر بالمحصن فالمراد
بالبكر والبكرة مطلق غير المحصن سواء صار مالكا للمرأة ولم
يدخل أو لم يصر مالكا وبهذا يجمع بين الروايات، هذا
تمام الكلام في الجلد والتغريب، وأما الجز فليس في الروايات
المتقدمة له عين ولا أثر، نعم في رواية علي بن جعفر أنه سأل
أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل تزوج امرأة و

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
115

امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحد ويحلق
رأسه ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة (1)
وكذا رواية حنان بن سدير عن الصادق عليه السلام
في من تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال: يضرب مأة
ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرق بينه وبين أهله (1)
وضعف الروايتين منجبر بعمل الأصحاب، والمراد
بالجز في الرواية الثانية هو الحلق أيضا كما فهمه الأصحاب
ومورد الروايتين فيما إذا أملك لكن عن المسالك الاتفاق
على وجوب الثلاثة (أي جلد مأة والتغريب والجز) على
البكر " وقد عرفت أن المراد بالبكر مطلق غير المحصن سواء
تزوج ولم يدخل بها أو لم يتزوج أصلا.
وهل المراد من التغريب، التغريب من مصره الذي
يسكن فيه أو من بلد الزنا أو بلد الجلد؟ وجوه ففي رواية
حنان المتقدمة آنفا: وينفى من المصر حولا (3) وكذا في
رواية عبد الله بن طلة قال: إذا زنى الشاب الحدث السن
جلد ونفي سنة من مصره (4)، نعم في رواية أبي بصير قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الزاني إذا زنى ينفى؟ قال: نعم من الأرض

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد الزنا ح 8 - 7 - 7
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب حد الزنا ح 8 - 7 - 7
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب حد الزنا ح 8 - 7 - 7
(4) الوسائل الباب 1 - من أبواب حد الزنا الحديث 11.
116

التي جلد فيها إلى غيرها (1).
ويستفاد من هذه الرواية أنه ينفى من بلد الجلد
وعن الشيخ في المبسوط من المصر الذي زنى فيه
ولعله لظاهر رواية مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الزاني إذا جلد الحد قال: ينفى من الأرض إلى
بلدة يكون فيها سنة (2)
وهل يكون بين هذه الروايات تعارض أم لا؟
يمكن أن يقال: إنه لا تعارض بينها بأنها كما يجب أن ينفى
من مصره كذلك يجب أن ينفى من بلد الجلد أو بلد الزنا
بمعنى أنه يجب عليه النفي سواء كان من بلده أو بلد
الزنا أو بلد الجلد، بل قال في الجواهر: فيكفي فيه حينئذ التغريب
من بلد الجلد بناء على القول به إلى بلد الزنا انتهى لكنه بعيد
ثم قال قده: والظاهر أن القرية كالمصر فينفي منها
وعن المبسوط التصريح به، أما لو زنى في فلاة ففي كشف
اللثام " لم يكن عليه نفي إلا أن يكون من منازل أهل
البدو فيكون كالمصر " قلت: قد يقال: إن الظاهر كون
المصلحة في التغريب الإهانة والعقوبة فلا يختلف الحال وربما

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 2 - 4.
117

احتمل كونها التبعيد من المزني بها ومكان الفتنة وهو بعيد
انتهى، ثم قال: ولو كان الإمام في سفر معه جماعة فجلد رجلا
منهم لزنائه وهو بكر احتمل وجوب نفيه من القافلة، وفيه أنه
خلاف ظاهر النصوص المزبورة انتهى ومراده قدس سره
أن الظاهر من النصوص المزبورة نفيه من بلد إلى بلد آخر وهو
غير شامل لنفيه من القافلة ولا أقل من الشك في شموله
لذلك، هذا تمام الكلام في الرجل.
وأما المرأة فعليها الجلد مأة، ولا تغريب عليها ولا جز
قال في الشرائع، وقال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده
وقد قيل في وجه عدم تغربها - بعد دعوى الاجماع أو اللاخلاف
- وجهان أحدهما أنها لو غربت فإما مع محرم أو زوج
والحال أنه لا تزر وازرة وزر أخرى أو لا يجوز مسافرتها
بغير محرم لقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل لامرأة أن يسافر
من غير محرم (1)
الثاني أن الشهوة غالبة فيهن والغالب أن انزجارهن
عن الزنا لاستحيائهن من الأقارب والمعارف ووجود
الحفاظ لهن من الرجال [وبالتغريب تخرج
من أيدي الحفاظ
لهن من الرجال]
ويقل حياءهن لبعدهن من أقاربهن

(1) كنز العمال ج 5 ص 179 ط عام 1374 - على ما حكي عنه.
118

ومعارفهن وربما اشتد فقرهن فيصير مجموع ذلك سببا
لانفتاح هذه الفاحشة العظيمة عليهن
لكن الوجهين مجرد استحسان لا يصلحان لأن
يكونان دليلين في قبال الروايات المعتبرة التي -
منها حسنة محمد بن قيس بن أبي جعفر عليه السلام قال:
إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في البكر والبكرة إذا زنيا
جلد مأة ونفي سنة في غير مصرهما (1).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
في الشيخ والشيخة جلد مأة والرجم، والبكر والبكرة جلد
مأة ونفي سنة (2)
ومنها صحيحة عبد الرحمن عنه عليه السلام قال: كان علي
عليه السلام يضرب الشيخ والشيخة مأة ويرجمهما ويرجم المحصن
والمحصنة، ويجلد البكر والبكرة، وينفيهما سنة (3).
إلا أن هذه الروايات مع كونها صحيحة أو معتبرة
وكونها بمرأى من الأصحاب لم يعملوا بها بالنسبة
إلى نفي المرأة الزانية فاعراض الأصحاب عنها
موجب لوهنها فالأقوى ما عليه الأصحاب من عدم

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 - 9 - 12.
119

وجوب النفي على المرأة الزانية.
ثم قال في الشرائع: والمملوك يجلد خمسين محصنا
كان أو غير محصن ذكرا كان أو أنثى، ولا جز على أحدهما و
لا تغريب انتهى، وأضاف إلى ذلك في الجواهر
بقوله: شيخا أو شابا بكرا أو غير بكر بلا خلاف أجده فيه
بل الظاهر الاجماع عليه للآية انتهى موضع الحاجة
ومراده قده من الآية قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم
طولا أن ينكح المحصنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات إلى أن قال: فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف
ما على المحصنات من العذاب الآية (1).
مضافا إلى دلالة الأخبار على ذلك أيضا.
منها حسنة محمد بن قيس أبي جعفر عليه السلام قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في العبيد والإماء إذا زنى
أحدهم أن يجلد خمسين جلدة إن كان مسلما أو كافرا
نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى (2).
ومنها رواية بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام في
الأمة تزني، قال: تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن

(1) سورة النساء الآية 25
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب حد الزنا الحديث 2.
120

لها زوج (1)، ومنها رواية زرارة عن الحسن بن السري عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان
فليس عليهما الرجم إنما عليهما الضرب خمسين، نصف الحد (2)
ومنها رواية عاصم بن حميد عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مملوك طلق امرأته
تطليقتين ثم جامعها بعد فأمر رجلا يضربهما ويفرق بينهما يجلد
كل واحد منهما خمسين جلدة (3).
ولا بد من حمل الرواية إما على الطلاق البائن كطلاق
الخلع الذي ليس له الرجوع إلا إذا رجعت المرأة إلى مهرها الذي
بذلته له ليخلعها وإما أن لا يكون قصده من مجامعتها الرجوع إليها
وإما أن يكون الجماع بعد العدة.
ومنها رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال - في حديث -: قيل له: فإن زنى وهو مكاتب
ولم يؤد شيئا من كتابته؟ قال: هو حق الله يطرح عنه من الحد
خمسين جلدة ويضرب خمسين (4).
وقد ورد أن الله عز وجل رحمها أن يجمع عليها (أي على
الأمة) ربق الرق وحد الحر (5)، وكيف كان فلا جز على

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4 - 1
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4 - 1
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4 - 1
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب حد الزنا ح 2 - 3 - 4 - 1
(5) الوسائل الباب 32 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
121

أحدهما أي على العبد والأمة ولا تغريب وإن كانا مزوجين
نعم عن الشافعي في أحد قوليه التغريب سنة أو نصفها قولان
له أيضا وهو ضعيف.
وقال في الجواهر: ويحه المبعض حد الأحرار بنسبة ما
عتق وحد المماليك بنسبة الرقية، فيحد من انعتق نصفه خمسة
وسبعين انتهى.
ومستند هذا الحكم، روايات، منها رواية محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة
زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي ربع فجلدت ثلاثة
أرباع الحد حساب الحرة على مأة، فذلك خمسة وسبعون
جلدة، وربعها على حساب الخمسين من الأمة اثنا عشر
سوطا ونصف فذلك سبعة وثمانون جلدة ونصف (1)
ومنها رواية عباد بن كثير البصري عن الصادق عليه السلام
في المكاتبين إذا فجرا يضربان من الحد بقدر ما أديا من مكاتبتهما
حد الحر ويضربان الباقي حد المملوك (2).
ومنها ما عن ارشاد الشيخ المفيد قده قال: روت العامة
والخاصة أن مكاتبة زنت على عهد عثمان قد عتق منها ثلاثة

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 7.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 7.
122

أرباع فسأل عثمان أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يجلد منها
بحساب الحرية ويجلد منها بحساب الرق، وسأل
زيد بن ثابت فقال: يجلد منها بحساب الرق، فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: كيف يجلد بحساب الرق وقد أعتق
ثلاثة أرباعها؟ وهلا جلدتها بحساب الحرية فإنها أكثر؟
فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب
الحرية، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل ذلك واجب
فأفحم زيد وخالف عثمان أمير المؤمنين عليه السلام (1).
ثم قال في الشرائع: ولو تكرر من الحر الزنا فأقيم عليه
الحد مرتين قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة، وهو أولى
أما المملوك فإذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة، وقيل:
في التاسعة وهو أولى انتهى.
أما مستند الفرع الأول أي قتله في الثالثة فمضافا
إلى دعوى الاجماع المنقولة عن السرائر، صحيحة يونس عن الكاظم
عليه السلام قال: إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة (2)
الشامل باطلاقه للزنا أيضا
وأما مستند قتله في الرابعة فهو موثق أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة (3)

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب حد الزنا الرواية 8
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب حد الزنا ح 3 - 1.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب حد الزنا ح 3 - 1.
123

ورواية محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه:
وعلة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني والزانية
لاستحقاقهما وقلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنه مطلق لهما
ذلك، وعلة أخرى أن المستخف بالله وبالحد كافر فوجب
عليه القتل له خوله في الكفر (1).
ويمكن أن تخصص صحيحة يونس المتقدمة الدالة على
وجوب القتل في الثالثة في مطلق الكبائر - بهاتين
الروايتين فإن بين هاتين الروايتين وتلك الرواية عموما
وخصوصا مطلقا فتخصص بهاتين وعلى هذا يكون القتل
في الرابعة في الزنا إلزاميا لا أنه أولى لكونه أوفق بالاحتياط
ويؤيد ذلك أيضا ما نذكره في المملوك من وجوب قتله في الثامنة
إذا جلد سبع مرات فإن حده نصف حد الحر هذا كله في الحر
وأما المملوك فيقتل في الثامنة إذا جلد سبع مرات وقيل
في التاسعة أما القول الأول فقد نسب إلى المشهور بل
عن الانتصار والغنية الاجماع عليه.
لصحيحة بريد العجلي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا زنى العبد
جلد خمسين، فإن عاد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين
إلى ثمان مرات، فإن زنى ثماني مرات قتل، وأدى

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
124

الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال (1).
وأما مستند القول الثاني - وهو المحكى عن النهاية و
عن القاضي ابن البراج وابن سعيد في الجامع والعلامة
في المختلف وولده في الايضاح - فهو رواية عبيد بن
زرارة أو بريد العجلي قال: لأبي عبد الله عليه السلام:
أمة زنت قال: تجلد خمسين جلدة، قلت فإنها عادت
قال: تجلد خمسين، قلت: فيجب عليها الرجم في شئ
من الحالات؟
قال: إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم قلت
كيف صار في ثماني مرات؟ لأن الحر إذا زنى أربع
مرات وأقيم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرات
رجمت في التاسعة، قلت: وما العلة في ذلك؟ قال:
لأن الله عز وجل رحمها أن يجمع عليها ربق الرق وحد الحر
قال: ثم قال: وعلى إمام المسلمين أن يدفع إلى مواليه
من سهم الرقاب (2).
لكن يجب العمل بالرواية الأولى ولا يمكن الاعتماد
على هذه الرواية الأخيرة فإنها أولا ضعيفة السند وثانيا
أنها مختلة المتن فإن مقتضى التعليل الواقع فيها أعني

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب حد الزنا الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب حد الزنا الحديث 2 - 1.
125

كون حدها نصف حد الحر أنها تقتل في الثامنة لا في التاسعة
وثالثا أن هذه الرواية قد ذكرت للأمة الرجم إذا زنت
ثمان مرات مع أنه لم يقل به أحد اللهم إلا أن يكون المراد
بالرجم أحد أقسام القتل لا خصوص تعيين الرجم عليها لكن
جواز رجمها لا يخلو عن اشكال، ومع ذلك كله فقد قال في
الشرائع: وهو أولى - أي القتل في التاسعة إلا أنه قال
في الجواهر: ولا يخفى عليك ما فيه إن أراد بحسب الفتوى
بل وكذا إن أراد بحسب العمل فإن الاحتياط هنا غير ممكن بعد
حرمة تعطيل الحد.
نعم في الرياض: اللهم إلا أن يقال: إذا دار الأمر
بين محظورين كان الاحتياط باجتناب أكثرهما ضررا، و
لا ريب أن ضرر قتل النفس المحترمة أشد من ضرر تعطيل
حدود الله تعالى ".
وفيه أن ذلك لا يتم بعد فرض حصول الظن الاجتهادي
القائم مقام العلم بوجوب القتل في الثامنة إذ لا معنى للاحتياط
حينئذ معه، ومن ذلك يعلم ما في المسالك في الأول
من أن مختار المصنف وجوب القتل في الثالثة وإن جعله
أولى في الرابعة من حيث الاحتياط في الدماء لا من حيث
الفتوى انتهى كلام صاحب الجواهر، وهو كلام متين.
126

ثم قال في الشرائع: وفي الزناء المكرر حد واحد وإن كثر، و
في رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) إن زنى بامرأة مرارا
فعليه حد، وإن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حد وهي مطرحة
انتهى.
أما وجه عدم تكرر الحد بتكرر الزناء وإن كان بنساء فبأن
يقال: إن الحكم أعني قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مأة جلدة الآية مترتب على نفس الطبيعة
أي من صدر منه طبيعة الزنا من دون ملاحظة العدد فالزاني
هو الذي صدر منه الزناء مطلقا وإن كان متكررا ولم يصدر منه
إلا مرة واحدة فإنه يصدق على كل منهما أنه زان كما أن وجوب
الغسل من الجنابة يكون على المجنب سواء تحققت الجنابة منه
مرة واحدة أو مرات، وكذا وجوب الوضوء على المحدث بالحدث
الأصغر فإنه لا يجب عليه إلا وضوء واحد وإن تكرر منه الحدث
وأما وجه تكرار الحد بتكرار الزنا خصوصا إذا كان بنساء
فبأن يقال: إن الأصل الأولى يقتضي تعدد المسببات
بتعدد الأسباب، والوضوء والغسل قد خرجا بالدليل، ولذا
قال في الرياض - على ما حكي عنه -: والتداخل خلاف الأصل
إلى أن قال: لكن مقتضى هذا لزوم التعدد مطلقا ولو كان المزني
127

بها مكررا واحدة، ولم يقل به أحد من الطائفة حتى الإسكافي
والصدوق اللذين حكى عنهما الخلاف في المسألة فإنهما قالا
بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة وأوجبا التعدد
إن وقع بالمتعدد، وحينئذ فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية
لتعدد المسببات لمخالفة عمومها الاجماع هنا فلا بد من المصير
إلى أحد القولين إما التفصيل المتقدم أو المنع عن التعدد
مطلقا، والأول غير ممكن لعدم دليل عليه غير خبر واحد (1)
قاصر السند ضعيف شاذ مطروح، فتعين الثاني انتهى.
إلا أنه يرد عليه أنه إذا كان من باب تعدد الأسباب
المقتضى بحسب الأصل الأولى تعدد المسببات فلا مانع
من تكرر الحد بتكرره نعم بالنسبة إلى امرأة واحدة لا يتكرر الحد و
إن تكرر منه الزناء بالنسبة إليها للاجماع على كفاية الحد الواحد في
الزنا المكرر بامرأة واحدة ويبقى الباقي تحت القاعدة أي قاعدة
تكرر المسببات بتكرر الأسباب.
مؤيدا ذلك بخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرات كثيرة، فقال:
إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة فإنما عليه حد واحد وإن
هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة فإن

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
128

عليه في كل امرأة فجر بها حدا (1).
ولا مانع من ضعفها بعد كونها موافقة لتعدد الأسباب
الموجبة لتعدد المسببات وبعد أن عمل كثير من الأصحاب
بهما في خصوص ما إذا زنى بنساء شتى.
قال في الجواهر: وينبغي تقييد عدم التعدد بما إذا اقتضى
الزناء المتكرر نوعا واحدا من الحد جلدا أو رجما أو نحوهما، أما لو
اقتضى حدودا مختلفة كأن زنى بكرا ثم زنى محصنا توجه عليه
الحدان معا، ولا ينافيه اطلاق العبارة ونحوها لعدم انصرافها
بحكم التبادر إلى الصورة الأخيرة مع تصريحهم - كما سيأتي إن شاء
الله - بأنه إذا اجتمع عليه الجلد والرجم أولا وهو صريح في ما
ذكرنا انتهى وهو جيد جدا
ثم قال في الشرائع: ولو زنى الذمي بذمية دفعه الإمام
إلى أهل نحلته ليقيموا الحد على معتقدهم، وإن شاء أقام
الحد بموجب شرع الاسلام انتهى.
إذا زنى الذمي فإما أن يزني بمسلمة أو بذمية، فإن زنى
بمسلمة وجب قتله، وإن زنى بذمية ففيه وجهان أو قولان
أحدهما أنه يقام عليه الحد على وفق شرع الاسلام كما يظهر

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
129

من قوله: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا
لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما
أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا (1).
فإن ظاهره وجوب الحكم بما أنزل الله عليه وهو حكم
الاسلام بقرينة قوله تعالى في نفس الآية: ولا تتبع
أهوائهم.
والقول الثاني أنه مخير بين أن يحكم بينهم بشرع الاسلام
وأن يدفعهم إلى أهل ملتهم يحكمون فيهم بما شرع في
ملتهم لقوله تعالى: فإن جاؤوك فاحكم بينهم و
أعرض عنهم (2) بناء على أن المراد بالاعراض عنهم ارجاعهم
إلى أهل ملتهم يحكمون فيهم بما يرونه في ملتهم ودينهم ولم يثبت
نسخ هذه الآية لتلك الآية، فحينئذ يثبت التخيير بين
الأمرين أعني الحكم بينهم بشرع الاسلام أو الارجاع
إلى مذهبهم بهذه الآية، وتلك الآية قد تعرضت لأحد
الفردين المخيرين من دون نفي الآخر
وفي رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه

(1) سورة المائدة الآية 48 - 42.
(2) سورة المائدة الآية 48 - 42.
130

عليهم السلام أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي عليه السلام في الرجل
زنى بالمرأة اليهودية والنصرانية، فكتب عليه السلام إن كان
محصنا فارجمه، وإن كان بكرا فاجلده مأة جلدة ثم انفه
وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما
أحبوا (1).
لكن عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن يهودي أو نصراني أو
مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه
حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين
أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكام المسلمين (2)
إلا أنه يمكن دفع المعارضة بين هذه الرواية والرواية
المتقدمة بأنه ذكر عليه السلام في هذه الرواية أحد فردي الواجب
المخير ولم يذكر الفرد الآخر.
ولكن مع ذلك كله يشكل هذا الحكم أي دفعه إليهم ليقضي
فيه حاكمهم بأن دفعه إليهم أمر بالمنكر فإن حكمهم بالنسبة إليه
منكر بالنظر إلى الحاكم الاسلامي ولذا فسر الآية في كشف
اللثام - على ما حكي عنه - بالاعراض عنهم حتى يحكم فيه حاكمهم

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب حد الزنا الحديث 5
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
131

بما يرى، قال: فإن الدفع ليقيم عليه من الحد ما يراه، أمر
بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا، نعم يجوز إذا وافقه
انتهى.
إلا أن هذا الاعتراض كالاجتهاد في مقابلة النص
والفتوى وقد عرفت أن رواية قرب الإسناد غير منافية
لرواية محمد بن أبي بكر الدالة على ارجاعهم إلى حاكمهم
ثم إنه لا يقام الحد على الحامل حتى تضع وتخرج من
نفاسها، وترضع الولد إن لم يتفق له مرضعة، ولو وجد له
كافل جاز إقامة الحد، قاله في الشرائع أيضا
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده نصا وفتوى
بل ولا اشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت
لعدم السبيل عليه إذ لا تزر وازرة وزر أخرى كما صرح به
في الخبر المروى عن إرشاد المفيد انتهى
ويدل على ذلك أيضا روايات منها ما أشار إليه من
الخبر المروى عن الارشاد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لعمر
وقد أتي بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له علي عليه السلام: هب
لك سبيل عليها، أي سبيل لك على ما في بطنها والله
يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى؟ فقال عمر: لا عشت لمعضلة
لا يكون لها أبو الحسن ثم قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن؟
132

قال: احتفظ عليها حتى تلد، فإذا ولدت وجدت لولدها
من يكفله فأقم الحد عليها (1).
ومنها موثقة عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن محصنة زنت وهي حبلى قال: تقر حتى تضع
ما في بطنها وترضع ولدها ثم ترجم (2).
ومنها رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني قد فجرت، فأعرض
بوجهه عنها، فتحولت حتى استقبلت وجهه، فقالت: إني
قد فجرت، فأعرض عنها، ثم استقبلته فقالت: إني قد فجرت
فأعرض عنها، ثم استقبلته فقالت: إني قد فجرت، فأمر
بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت
ثم أمر بها بعد ذلك، فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها
ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين
وأغلق باب الرحبة ورماها بحجر (3) الحديث.
ومنها رواية ميثم قال: أتت امرأة مجح أمير المؤمنين
عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني
طهرك الله فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة
الذي لا ينقطع، فقال لها: مما أطهرك؟ فقال إني

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا ح 7 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا ح 7 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا ح 7 - 4 - 5.
133

زنيت، فقال لها: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت
أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضرا
كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائبا كان عنك؟
قالت: بل حاضرا، فقال لها: انطلقي فضعي ما في بطنك
ثم ائتيني أطهرك فلما ولت عنه المرأة فصارت حيث
لا تسمع كلامه قال: اللهم إنها شهادة، فلم تلبث أن أتته
فقالت: قد وضعت فطهرني.
قال: فتجاهل عليها فقال: أطهرك يا أمة الله مماذا
قالت: إني زنيت فطهرني، قال: وذات بعل أنت
إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: فكان زوجك
حاضرا أم غائبا؟ قالت: بل حاضرا.
قال: فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك
الله، قال: فانصرفت المرأة فلما صارت منه حيث لا تسمع
كلامه قال: اللهم إنهما شهادتان، قال: فلما مضى الحولان
أتت المرأة، فقالت: قد أرضعته حولين فطهرني يا أمير
المؤمنين، فتجاهل عليها وقال: أطهرك مماذا؟ فقالت
إني زنيت فطهرني فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت
ما فعلت؟ فقالت: نعم قال: وبعلك غائب عنك
إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: بل حاضر، قال: فانطلقي
134

فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح
ولا يتهور في بئر، قال: فانصرفت وهي تبكي، فلما ولت
وصارت حيث لا تسمع كلامه قال اللهم هذه ثلاث
شهادات، قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي
فقال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟ وقد رأيتك تختلفين إلى
علي تسألينه أن يطهرك فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين
عليه السلام فسألته أن يطهرني فقال: أكفلي ولدك حتى
يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور
في بئر وقد خفت أن يأتي على الموت ولم يطهرني، فقال
لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله فرجعت فأخبرت
أمير المؤمنين عليه السلام وهو متجاهل عليها: ولم يكفل عمرو ولدك
فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، فقال: وذات
بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟
قالت: نعم قال: أفغائبا كان بعلك إذ فعلت ما
فعلت؟ قالت: بل حاضرا، قال: فرفع رأسه إلى السماء
فقال: اللهم إنه قد ثبت عليها أربع شهادات إلى أن قال:
فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه، فلما
رأى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إني إنما أردت
أن أكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك فأما إذ كرهته
135

فإني لست أفعل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام أبعد أربع
شهادات بالله؟ لتكفلنه وأنت صاغر الحديث (1).
ولعل غضبه عليه السلام من عمرو بن حريث كان
لأجل تكفله لولد المرأة وعمل عمرو وإن كان حسنا من
أجل التكفل إلا أن تكفله صار سببا لاعتراف المرأة
الاعترافة الرابعة بالزنا الموجبة لحدها، والحد بنائه على التخفيف
ولذا كان عليه السلام يتجاهل عليها في كل واحد من اقرارها
لأن لا تعترف بما يوجب الحد عليها وهذا الاحتمال لم
يذكره الأستاذ دام ظله.
ثم قال في الشرائع: ويرجم المريض والمستحاضة
ولا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله ولا رجمه توقيا من
السراية ويتوقع بهما البراء وإن اقتضت المصلحة التعجيل
ضرب بالضغث المشتمل على العدد انتهى.
المريض والمستحاضة إذا زنيا بما يوجب القتل أو الرجم
عليهما كما إذا زنيا بذات محرم أو زنيا الزنا المحصن لم يتربص
بهما البرء بل يقتلان أو يرجمان فورا لأن التربص إلى حصول
البرء لأجل الخوف على المريض أو المستحاضة من القتل
والمفروض أنهما أتيا ما يوجب القتل عليهما والمفروض أنه

(1) الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
136

ليس في الحد نظرة ساعة كما في غير واحد من الروايات
وأما إذا كان الزنا الصادر منهما مما يوجب الجلد فيتربص
بهما البرء لأن جلدهما مع حالة المرض مظنة لهلاكهما
روى السكوني عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام أنه أتي
إليه برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة فقال عليه السلام
أخروه حتى يبرء لا تنكثوها فتقتلوه (1).
وروى السكوني أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها (2).
وروى مسمع بن عبد الملك عنه عليه السلام أن أمير
المؤمنين عليه السلام أتي برجل أصاب حدا وبه قروح ومرض
وأشباه ذلك فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أخروه حتى
تبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت ولكن إذا برأ حددناه (3).
وأما إذا اقتضت المصلحة تعجيل الحد عليه بأن كان مرضه
بطئ البرء أو غير قابل للعلاج كالسرطان والزمانة وضعف
الخلقة بحيث لا يحتمل البرء فلا بد من أن يضرب بالضغث
المشتمل على عدد المأة ففي رواية سماعة عن الصادق عليه السلام
عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنه أتي النبي صلى الله عليه وآله برجل

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح 3 - 4 و 6.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح 3 - 4 و 6.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح 3 - 4 و 6.
137

كبير البطن قد أصاب محرما فدعا بعرجون فيه مأة شمراخ
فضربه مرة فكان الحد (1).
وفي رواية حنان عن يحيى بن عباد الملكي قال: قال
لي سفيان الثوري: أرى لك من أبي عبد الله منزلة
فاسأله عن رجل زنى بامرأة وهو مريض إذا أقيم عليه
الحد مات، ما تقول فيه؟ فسألته، فقال: إن هذه المسألة
من تلقاء نفسك أو قال لك انسان أن تسألني عنها؟
فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها،
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتي برجل كبير البطن
قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة
مريضة فأمر بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه ضربة واحدة
وضربها به ضربة واحدة وخلى سبيلهما ثم تلا هذه الآية:
وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث (2) إلى آخره (3)
وفي رواية أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا
قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله برجل دميم قصير
قد استسقى بطنه وقد بدت عروق بطنه وقد فجر بامرأة
فقالت الامرأة: ما علمت إلا وقد دخل علي، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: أزنيت؟ قال: نعم ولم يكن محصنا

(1) سورة ص الآية 44
(2) الوسائل الباب 13 مقدمات الحدود الحديث 6 - 7.
(3) الوسائل الباب 13 مقدمات الحدود الحديث 6 - 7.
138

فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله ببصره وخفضه ثم دعا
بعذق عقده مأة ثم ضربه بشماريخه (1).
ولعله اعترف قبل ذلك ثلاث مرات بالزنا
كان هذا الاعتراف هو الرابع، أو علم، صلى الله عليه
وآله بذلك بناء على جواز أن يعمل الإمام بعلمه أو علم
ذلك منه بالبينة أو الشياع المفيد للعلم وإلا فالاعتراف
الواحد غير مثبت للزناء والله العالم إلى غير ذلك من الأخبار
ثم إنه لا يشترط أن يصل كل شمراخ إلى جسده
لاطلاق الأدلة وتعذر ذلك عاد فيكفي التأثير بالاجتماع
وفي الجواهر: ولو اشتمل الضغث على خمسين ضرب
به دفعتين وهكذا بل لعله أولى من الضربة به دفعة نعم لا
بد من حصول مسمى الضرب بل لا بد من أن تمه الشماريخ
أو ينكبس بعضها على بعض حتى يناله الألم ولا يجب
بل في كشف اللثام: لا يجوز تفريق السياط على الأيام
وإن احتمله بأن يضرب كل يوم بعضا منها حتى يستوفي
لاطلاق الأدلة المزبورة انتهى.
أقول: ضربه بالعرجون المشتمل على الشماريخ ضربة
واحدة لأجل تخفيف العذاب على المريض، فضربه

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.
139

مكررا تشديد للعذاب على خصوصا إذا وصل إلى عشر
إذا كان العرجون مشتملا على عشرة شمراخ وهو مناف للتخفيف
الملحوظ بالنسبة إلى حال المريض نعم لا بأس بتكرار الضرب
مرتين إذا كان العرجون مشتملا على خمسين شمراخ
لأن هذا المقدار من العذاب لا يعد بنظر العرف
من تثقيل العذاب
وأما ما ذكره من احتمال تفريق السياط ففيه ما
لا يخفى لأن الظاهر من قوله تعالى: الزانية و
الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة هو التتابع
فالتفريق يحتاج إلى الدليل، وقد عرفت أن المستحاضة
من المريضة فيؤخر حدها إلى البرء.
وأما الحائض فلا يؤخر حدها لأن الحيض ليس بمرض
فإنه يدل على سلامة مزاجها
ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد
قال أيضا في الشرائع للأصل نعم لو كان الحد جلدا فعن
المسالك احتمال الانتظار بالمجنون الإفاقة أي إذا
كان جنونه أدوار لأنه أقوى في الردع " لكن الأقوى خلافه
لصحيحة أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام في رجل وجب
عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال: إن كان أوجب
140

على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقله أقيم عليه
الحد كائنا ما كان (1).
واطلاق هذه الرواية يرد الاحتمال الذي ذكره صاحب
المسالك كما لا يخفى.
ولا يقام الحد في شدة البرد ولا شدة الحر ويتوخى
به في الشتاء وسط النهار وفي الصيف طرفاه، ولا في
أرض العدو مخافة الالتحاق، ولا في المحرم على من التجأ إليه
بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج ويقام على من
أحدث موجب الحد فيه قاله أيضا في الشرائع.
أما مستند الفرع الأول فهو روايات
منها مرسلة داود قال: مررت مع أبي عبد الله عليه السلام
بالمدينة في يوم بارد وإذا رجل يضرب بالسياط فقال أبو
عبد الله عليه السلام: سبحان الله في مثل هذا الوقت يضرب؟
قلت له: وللضرب حد؟ قال: نعم إذا كان في البرد ضرب
في حر النار، وإذا كان في الحر ضرب في برد النهار (2).
ومنها خبر هشام بن أحمر عن السيد الصالح عليه السلام
قال: كان جالسا في المسجد وأنا معه فسمع صوت رجل

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الحدود ح 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
141

يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد، فقال: ما هذا؟
قالوا: رجل يضرب، قال: سبحان الله في هذه الساعة؟
إنه لا يضرب أحد في شئ من الحدود في الشتاء إلا
في أحر ساعة من النهار ولا في الصيف إلا في أبرد ما
يكون من النهار (1).
ومنها مرسلة سعدان بن مسلم عن بعض أصحابنا
قال: خرج أبو الحسن عليه السلام في بعض حوائجه فمر برجل
يحد في الشتاء فقال: سبحان الله ما ينبغي هذا، فقلت:
ولهذا حد؟ قال: نعم، ينبغي لمن يحد في الشتاء أن يحد
في حر النهار، ولمن حد في الصيف أن يحد في برد النهار (2)
وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة السند إلا
أن عمل المشهور بها قد أجبر ضعفها، وظاهره هذه الروايات
أن الضرب بعنوان الحد الشرعي يجب أن يكون في
الشتاء في حر النهار بأن كان في وسط النهار وفي الصيف
في برد النهار، فمن خالف ذلك فهل يكون حده باطلا
يجب إعادته لأنه خالف ما هو الواجب عليه أو لا يكون
باطلا غاية الأمر أنه عصى بترك واجب من واجباته؟
فيه وجهان فعلى الوجه الأول يجب أن يقاص من

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود ح 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود ح 3 - 1.
142

خالف كيفية إجراء الحد عليه ولكن الظاهر هو الوجه الثاني
لعدم وجوب تكرار الحد، ثم إن هذا الحكم - أعني وجوب
تحديد من عليه الحد - في الهواء المعتدل - إنما هو في الجلد
دون القتل والرجم وهو ظاهر وإن كانت عبارة الشرائع
والروايات مطلقة.
وأما مستند الفرع الثاني أي عدم إجراء الحد في أرض
العدو فهو رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي
عليهم السلام أنه قال: لا أقيم على رجل حدا بأرض العدو حتى
يخرج منها مخافة أن تحمله الحمية فيلحق بالعدو (1).
ورواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير
المؤمنين عليه السلام: لا يقام على أحد حد بأرض العدو (2)
وهل يختص هذا الحكم بما إذا خاف الالتحاق بالعدو؟ وجهان أما
الوجه الأول فلتقييده في رواية غياث بن إبراهيم بخوف
الالتحاق وأما وجه الثاني فبأن يقال: إن التقييد بالمخافة
من باب الحكمة لا العلة، فإن كان من باب الحكمة فلا يلزم
جريانها في جميع المواضع فمع عدم خوف الالتحاق بالعدو، يكون

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات الحدود ح 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات الحدود ح 2 - 1.
143

الحكم أيضا كذلك لك وهذا نظير الاسكار الموجود في الخمر
فإنه حكمة لحرمتها فإن القليل منها وإن لم يكن مسكرا إلا أن
الاسكار الذي هو حكمة لحرمة الخمر قد حرم القليل منها
أيضا، ثم إن هذا الحكم أي عدم حده في بلاد العدو، مختص
بالجلد دون القتل والرجم للانتفاء الموضوع فيهما بإجراء الحد
على المحدود كما لا يخفى.
وأما مستند الفرع الثالث فللاحترام - كما في
الجواهر - ولقوله تعالى: من دخله كان آمنا (1) ولصحيحة
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجني
في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحد، ولا
يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع فإنه إذا فعل به ذلك
يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإن جنى في الحرم جناية
أقيم عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة (2).
والظاهر أن المراد من قوله: ولا يطعم ولا يسقى
أنه لا يطعم ولا يسقى مطلقا فإنه الموت الذي نفته الآية
المتقدمة: ومن دخله كان آمنا، اهلاكه بالجوع والعطش

(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
144

مخالف لكونه آمنا في الحرم، نعم إذا جنى جناية في الحرم بأن
زنى أو شرب الخمر في الحرم يجرى عليه الحد فيه لأنه لم ير
للحرم حرمة كما نصت عليه الرواية المتقدمة، لكن في مرسلة
الفقيه: ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة
وضربت عنقه (1).
قال في الجواهر: ولعله الأحوط والأولى " لكن يرد
عليه أنه لا وجه للاحتياط هنا بعد كون المرسلة لا تكافئ
الصحيحة وقد عرفت تصريح الصحيحة بأنه إن جنى في الحرم
يجرى عليه الحد في الحرم.
ثم إن الاحترام الموجود في كلام صاحب الجواهر
إن كان دليلا مستقلا لعدم جواز حده في الحرم فما ذكره
بعد ذلك من قوله " والمراد من الحرم ما هو المتبادر من
المعهود بمكة، وعن النهاية والتهذيب إلحاق حرم النبي صلى
الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وعن الوسيلة الاقتصار
على الأولى ولا دليل على شئ منهما انتهى - لا يخفى
ما فيه ضرورة أن الاحترام الذي ذكره إذا كان دليلا
مستقلا جار هنا، وأي مؤمن بالله وبرسوله والأئمة عليهم

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب مقدمات الطواف ح 3.
145

السلام يتجزء بأن يقول: من التجأ إلى حرم رسول الله
صلى الله عليه وآله أو حرم أمير المؤمنين أو الحسين أو الرضا
عليهم السلام يخرج عنفا ويقام عليه الحد؟ وهل هو إلا
انتهاك لحرمة صاحب هذه القبور عليهم السلام فإن
من التجأ إلى شيخ من شيوخ الأعراب أو إلى رئيس
من رؤساء القبائل من الانسان العادي لا يفعل
به ذلك ويعد ذلك انتهاكا لحرمة الشيخ أو الرئيس
فيكف بمن التجأ بهؤلاء سادات أهل الدنيا والآخرة؟
(الثاني مما يبحث في الحد)
(في كيفية ايقاعه:)
قال في الشرائع: إذا اجتمع الجلد والرجم جلد أولا
وكذا إذا اجتمعت حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر
وهل يتوقع برء جلده؟ قيل: نعم تأكيدا في الزجر، وقيل
لا، لأن القصد الاتلاف انتهى.
ومستند الفرع الأول - مضافا إلى دعوى لا
خلاف كما في الجواهر وإلى أن ذلك مقتضى الجمع
بين السببين - روايات مستفيضة
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما
146

رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي
دون القتل ثم يقتل بعد ذلك (1).
ومنها حسنة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
في الرجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل قال: كان علي
عليه السلام يقيم عليه الحد ثم يقتله ولا تخالف عليا عليه السلام (2)
ومثله رواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام (1).
ومنها حسنة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يكون عليه الحدود منها القتل قال: تقام عليه الحدود ثم
يقتل (4).
ومنها حسنة عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عنه عليه السلام
في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، قال: يبدأ بالحدود
التي هي دون القتل، ثم يقتل (5).
ومنها رواية سماعة عنه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في من قتل وشرب خمرا وسرق فأقام عليه الحد
فجلد لشربه الخمر وقطع يده في سرقته وقتله (6).
فما حكي عن بعض العامة من الاكتفاء بالقتل لأنه يأتي
على الجميع فيه ما لا يخفى فإنه موجب لطرح هذه الروايات

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
(6) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 2 - 4 - 5 - 7.
147

المعتبرة ثم إنه يتخير في البدأة بكل واحد من الحدود لو لم
يفت معه الآخر كما إذا زنا الزناء غير المحصن وسرق و
شرب الخمر فإنه مخير في أن يبتدأ بأي واحد من الحدود
لكن قال في الجواهر - بعد تصديق ذلك - قد يقال فيه و
في ما لو كان موجب الأمرين الفوات مع كون أحدهما
حق آدمي وطالب به قدم على حق الله تعالى، نعم لو كانا معا
حق الله تخير الإمام والله العالم انتهى.
ومستند الفرع الثاني أي توقع برء جلده - هو
التأكيد في الزجر، لأن المقصود من الحد ذلك وقيل: لا
يجب بل هو مستحب لأن القصد من الحد الاتلاف فلا
فائدة في التأخير مع أنه ورد أنه لا نظرة في الحد ولو ساعة
كما في الرواية (1)، فعلى هذا البيان لا يجوز تأخير الحد لا أنه
يجوز التأخير أو يستحب، وعن أبي على أنه يجلد قبل الرجم
بيوم لما روي من أن أمير المؤمنين عليه السلام جلد سراحة
يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة (1) "
إلا أن في الرياض - على ما حكي عنه - أنه شاذ كالمنع
من التأخير بل لعله إحداث قول ثالث لاتفاق الفتاوى
على الظاهر على جوازه وإن اختلفوا في وجوبه وعدمه

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
148

وعلى هذا فالتأخير لعله أحوط وإن لم يظهر للوجوب مستند
عليه يعتمد، نعم نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب انتهى
وفيه ما لا يخفى فإنه يرد عليه أولا بأنه لا اجماع فإنه كما عرفت
موضع للخلاف وثانيا بأن مستند عدم جواز التأخير موجود
وهو عدم جواز التأخير في الحد ولو ساعة كما تقدم، وقد عرفت
سابقا برجم المريض وعدم الانتظار إلى البرء فكيف بمن
حصل له المرض بالجلد.
ثم إنه يدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة إلى صدرها
فإن فرا عيد إن ثبت زناه بالبينة، ولو ثبت بالاقرار
لم يعد، وقيل: إن فر قبل إصابته بالحجارة أعيد، قاله أيضا
في الشرايع.
ومدرك التفصيل بين الرجل والمرأة في الدفن
هو موثق سماعة عن الصادق عليه السلام قال: تدفن المرأة
إلى وسطها ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار
ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى حقويه (1).
وحسنة أبي بصير عنه عليه السلام قال: تدفن المرأة
إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها ويرمي الإمام ثم
يرمي الناس بعد بأحجار صغار (2).

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 1.
149

وفي رواية أبي مريم عن الباقر عليه السلام أنه أتت امرأة
أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قال: فحفر لها حفيرة في الرحبة
وخاط عليها ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع
الثديين وأغلق باب الرحبة ورماها بحجر الحديث (1)
كذا في الوسائل نقل عن الفقيه، ولكن في الجواهر: وأدخلها
الحفرة إلى الحقو دون موضع الثديين الحديث
وعلى فرض عدم وجود كلمة دون في الرواية يمكن أن
يكون معنى الجملة أيضا هو ما إذا كان لفظ دون موجودا فيها
بأن يكون المراد من الحقو فوق الحقو وهو القريب من موضع
الثديين فيكون المراد بالوسط الوارد في المرأة هو فوق
الحقو دون الثديين حتى يكون فرق بين المرأة والرجل
الذي يكون موضع دفنه الحقوين.
ولكن عن المقنع: والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما
يقوم فيها فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم، وعن المقنعة والغنية
التسوية بين الرجل والمرأة بأنها إلى الصدر وعن المراسم الحفر
له إلى صدره وفي الجميع ما لا يخفى فإن دفنه إلى عنقه مستلزم
لرجم رأسه وهو خلاف ما عليه الحد والرجم من أنه يتقى
وجهه ورأسه، والتسوية بينهما على خلاف الأخبار

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
150

المفصلة بين الرجل والمرأة، وأما ما عن المراسم من الحفر
للرجل إلى صدره فهو أيضا مخالف للأخبار الدالة على الحفر
إلى حقويه.
وحاصل الكلام في الحفر للزاني المحصن أن الحفر له واجب
وربما يقال: أنه مستحب لما روي من أن النبي صلى الله عليه
وآله حفر للعامرية ولم يحفر للجهنية (1) وعن أبي سعيد الخدري
في قصة ماعز " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله برجمه فانطلقنا
به إلى بقيع الفرقة فما أوثقناه ولا حفرنا له حفيرة ورميناه بالعظام
والمدر والخزف ثم اشتد واشتددنا له حتى أتى الحرة فانتصب
له فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت (2).
لكن الروايتين من الروايات العامية وليست منقولة
من طرقنا مضافا إلى ما روي عن الحسين بن خالد أبي الحسن
عليه السلام أن ماعزا إنما فر من الحفيرة (3) وكذا الروايات المتقدمة
فإن سندها أو أكثرها وإن كان ضعيفا إلا أن عمل الأصحاب
قد أجبر ضعفها فهي كافية لاثبات الوجوب، وأقل ما يؤدى
به الوجوب أن يدفن إلى حقويه وأكثره أن يدفن إلى صدره
وأما إذا فر من الحفيرة فإن ثبت زناه بالبينة رد إليها و

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 221 على ما حكي عنه
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 221 على ما حكي عنه
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
151

وأما إذا كان إثبات زناه بالاقرار ففر من الحفيرة بعد
ما أصابه به شئ من الحجارة فلا يرد إليها كما نسب ذلك إلى
الشهرة ومستنده ثلاث روايات
الأولى مرسلة الفقيه قال: سئل الصادق عليه السلام
عن المرجوم يفر من الحفيرة قال: إن كان أقر على نفسه
فلا يرد وإن كان شهد عليه الشهود يرد (1).
والثانية رواية أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب؟ قال:
لا، ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب
فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه ألم
العذاب (2).
والثالثة رواية حسين بن خالد قال: قلت لأبي
الحسن عليه السلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من
الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد ولا يرد
فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: إن كان هو المقر على نفسه
ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شئ من الحجارة لم يرد،
وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب
رد وهو صاغر حتى يقام عليه الحد وذلك أن ماعز

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 4 - 3.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 4 - 3.
152

بن مالك أقر عند رسول الله صلى الله عليه وآله بالزنا، فأمر به
أن يرجم فهرب من الحفيرة، فرماه الزبير بن العوام بساق
بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه، ثم أخبروا رسول
الله صلى الله عليه وآله بذلك، فقال لهم: فهلا تركتموه إذا
هرب يذهب، فإنما هو الذي أقر على نفسه وقال لهم: أما
لو كان على حاضرا معكم لما ضللتم، قال: ووداه رسول الله
صلى الله عليه وآله من بيت مال المسلمين (1).
والروايتان الأوليان وإن كانتا مطلقتين فإن الرواية
الأولى - أعني رواية الصدوق - تشمل ما إذا أقر ولم تصبه
الحجارة والرواية الثانية تشمل ما إذا ثبت بالبينة أيضا إذا
أصابته الحجارة إلا أنه لا بد من تقييدهما بهذه الرواية فإنه ذكر فيها
كلا القيدين أعني الاقرار بالزنا وإصابة الحجارة له
لكن قال في الجواهر: بل قد يناقش في الأول - أي
إن الفرار بمنزلة الرجوع من الاقرار) بمنع كون الهرب
بمنزلة الرجوع في ذلك، واحتمال اختصاص المرسل
بصورة الفرار بعد الإصابة كما هو الظاهر في فرار من أقر
على نفسه، والتعليل في قصة ماعز وارد في صورة الإصابة

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
153

فلا يشمل غيرهما، وإن كان العبرة بالعموم دون المورد بناء
على أن صدر الرواية المعللة ظاهر في اعتبار الإصابة في
عدم الإعادة إلى الحفيرة، فمفهومه في ذيله معار بمفهوم
الشرط أو القيد في صدره فيتساقطان لو لم يكن الأول
صارفا للثاني ومخصصا له بمورده فلا حجة فيهما، والذب
عن مفهوم الشرط وإن كان ممكنا بدعوى ورد القيد
مورد الغالب كما عرفته إلا أن بعض النصوص
ما يدل على اعتبار مفهومه هنا، كالمرسل في الفقيه
بغير واحد المحتمل للصحة عند بعض " إن كان أصابه
ألم الحجارة فلا يرد وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة رد (1).
وفيه أن ضعف الخبرين المزبورين مع عدم الجابر
يمنع من العمل بهما في تقييد المرسل السابق المنجبر بهما
ودعوى اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة لأنه
الظاهر - واضحة المنع -
كدعوى أن مقتضى الأصل بقاء الحد، فينبغي الاقتصار
في إسقاطه على القدر المتيقن سقوطه منه بالنص والاجماع
وهو الزائد عن ألم الحجارة ويمكن أن يجبر به قصور السند

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
154

ضرورة انقطاع الأصل بالمرسل المنجبر بالعمل الذي
لا أقل من أن يكون موجبا للتردد كما هو ظاهر السرائر
والتحرير الصيمري، ومقتضاه عدم الإعادة درءا للحد
بالشبهة إن لم نقل بعدم فائدتها بعد الأصل انتهى.
وفيه مواقع للنظر أما أولا فلأن صدر رواية حسين
بن خالد كالصريح في اعتبار كلا القيدين - أعني ثبوت
زناه بالاقرار وذوقه ألم الحجارة - في درء الحد عنه إذا هرب
من الحفيرة فلا يمكن التمسك باطلاق ذيل الرواية المشتمل
على قصة ماعز بل لا بد من حمل الذيل على ما صرح به في
صدرها لئلا يقع التعارض بين الصدر والذيل في رواية واحدة
وثانيا أن ضعف الروايتين - أي رواية أبي بصير (1)
ورواية حسين بن خالد (2) منجبر بعمل المشهور بهما
فلا مانع من تخصيص أو تقييد المرسل بعد رواية الحسين
بن خالد المشتملة على كلا القيدين، وضعفها منجبر بعمل الأصحاب
كما عرفت ولا وجه للتمسك بالأصل هنا بعد وجود
الدليل على سقوط الحد عن الهارب إذا اشتمل

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا ح 3 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا ح 3 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب حد الزنا ح 3 - 1 - 4.
155

على القيدين، هذا كله في المرجوم
وأما الجلد فلا يسقط بالفرار ولو كان زناه بالاقرار
بلا خلاف في ذلك لأصالة عدم السقوط ولصريح
رواية محمد بن عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض
الحد أيجب عليه أن يخلى عنه ولا يرد كما يجب للمحصن إذا
رجم؟ قال: لا، ولكن يرد حتى يضرب الحد كاملا؟ قلت:
فما فرق بينه وبين المحصن وهو د من حدود الله؟ قال:
المحصن هرب من القتل ولم يهرب إلا إلى التوبة لأنه
عاين الموت بعينه، وهذا إنما يجلد فلا بد من أن يوفى الحد
لأنه لا يقتل (1)
ثم قال في الشرائع: ويبدأ الشهود برجمه وجوبا
ولو كان مقرا بدأ الإمام انتهى قال في الجواهر: كما صرح
به بعض، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر
وأن في الخلاف والمبسوط الاجماع انتهى.
ومستند هذا الحكم - مضافا إلى ما ذكر - مرسلة
صفوان - المنجبرة بما عرفت - عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
156

إذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام
ثم الناس (1).
ومرسلة عبد الله بن مغيرة عنه عليه السلام قال: إذا أقر
الزان المحصن كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس، فإذا
قامت البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام ثم الناس (2)
والرواية الأولى قد دلت على أن البينة إذا قامت على
زناءه فأول من يرجمه البينة ثم الإمام ثم الناس والرواية
الثانية قد فصلت بين ما إذا ثبت زناءه بالبينة أو ما إذا ثبت
بالاقرار فأول من يرجمه، الإمام عليه السلام ثم الناس وهو
التفصيل الذي ذكره في الشرائع وظاهر ما يستفاد
من الخبرين هو الوجوب كما في الشرائع، وربما يقال
بالاستحباب لضعف المستند لكن الروايتين قد
أجبر ضعفهما بعمل المشهور بل عن الخلاف وظاهر المبسوط
هو الاجماع.
وربما استشهد لعدم وجوب هذا الحكم بقصة ماعز
المستفيضة من طرق العامة والخاصة فإنه لم يحضر رجمه

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 2 والفقيه ج 4 ص 260 على ما حكي عنه.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 2 والفقيه ج 4 ص 260 على ما حكي عنه.
157

النبي صلى الله عليه وآله كما يظهر من قوله (ص) لما قتلوه:
فهلا تركتموه إذا هو هرب يذهب؟
إلا أنه يمكن أن يقال: إن عدم حضوره (ع) لعله
كان لمانع.
ثم قال في الشرائع: وينبغي أن يعلم الناس ليتوفروا
على حضوره، ويستحب أن يحضروا إقامة الحد طائفة، وقيل
يجب تمسكا بالآية، وأقلها واحد وقيل: عشرة وخرج
متأخر: ثلاثة انتهى.
والدليل على إعلام الناس للحضور روايات مستفيضة
منها مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد إلى أمير المؤمنين عليه السلام
قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني، وذكر أنه أقر أربع مرات إلى أن قال: ثم
نادى في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام
على هذا الرجل الحد ولا يعرفن أحدكم صاحبه فأخرجه إلى
الجبان الحديث (1) وسيأتي تتمته
ومنها رواية الأصبغ بن نباتة في حديث قال: إن
رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده بالزنا ثلاث مرات
فقال له: اذهب حتى نسأل عنك إلى أن قال:

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
158

ثم عاد إليه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني، فقال: إنك لو لم تأتنا لم نطلبك، ولسنا
بتاركيك إذ لزمك حكم الله عز وجل ثم قال: أيها
الناس إنه يجزي من حضر منكم رجمه عمن غاب
فنشدت الله رجلا منكم يحضر غدا لما تلثم بعمامته حتى
لا يعرف بعضكم بعضا، وائتوني بغلس حتى لا يبصر بعضكم
بعضا فإنا لا ننظر في وجه رجل ونحن نرجم بالحجارة
قال: فغد الناس كما أمرهم قبل إسفار الصبح فأقبل
علي عليه السلام ثم قال: نشدت الله رجلا منكم لله
عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به فإنه لا يأخذ لله بحق
من يطلبه الله بمثله، قال: فانصرف والله قوما ما يدرى
من هم حتى الساعة، ثم رماه بأربعة أحجار، ورماه
الناس (1)
ومنها ما عن الصادق عليه السلام إن رجلا جاء إلى
عيسى بن مريم عليه السلام فقال يا روح الله إني زنيت
فطهرني، فأمر عيسى عليه السلام أن ينادى في الناس
ألا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان، فلما اجتمع الناس

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
159

وصار الرجل في الحفيرة، نادى الرجل: لا يحدني في
لله في جنبه فانصرف الناس كلهم إلا يحيى
وعيسى عليهما السلام (1).
والظاهر أن حضور طائفة لإقامة الحد وجوبي كما
يظهر من هذه الروايات وأقل الطائفة التي يجب
أن تحضروا واحد وقيل ثلاثة وقيل: عشرة وقيل:
ثلاثين.
ومستند القول الأول أعني الواحد مرسلة
غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين
عليهم السلام في قول الله عز وجل: ولا تأخذكم بهما رأفة
في دين الله قال: في إقامة الحدود وفي قوله تعالى:
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قال: الطائفة
واحد الحديث (2)
وهذه الرواية ضعيفة السند فإن أجبر ضعفها
عمل الأصحاب بها فهو وإلا فلا يمكن الالتزام بمضمونها
بل هذا المعنى الذي ذكره في الرواية مخالف للعرف واللغة

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 5
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 5.
160

فإن لفظ الطائفة بمنزلة لفظ الجماعة الذي لا يطلق على
الواحد، ولأن الطائفة من الطوف وهو الاحتفاف
والإحاطة فهي بمعنى جماعة تحف بالشئ وتحيط
به كالحلقة فلذا قيل: إن أقلها ثلاثون، والحاصل أن
الرواية ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها وهي غير
منجبرة بعمل الأصحاب فالأحوط لو لم يكن أقوى أن أقلها
ثلاثة وأحوط من ذلك أن أقلها عشرة.
وينبغي أن تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف
وقيل: لا يرجمه من لله قبله حد وهو على كراهية قاله أيضا في
الشرائع
أما رميه بالحجارة الصغيرة فلرواية أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن
يرجموها، ويرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار
صغار (1).
وكذا رواية سماعة عنه عليه السلام قال: تدفن المرأة إلى
وسطها، ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار ولا
يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى حقويه (2).
وأما أنه لا يرجمه من لله قبله حد فإنه قال في الجواهر:

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 3.
161

وإن كنا لم نحققه انتهى.
وكيف كان فيدل على هذا الحكم روايات مستفيضة
منها حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتي أمير المؤمنين
عليه السلام برجل قد أقر على نفسه بالفجور فقال أمير المؤمنين عليه السلام
لأصحابه: اغدوا غدا علي متلثمين فقال لهم: من فعل مثل
فعله فلا يرجمه ولينصرف، قال: فانصرف بعضهم وبقي
بعضهم، فرجمه من بقي منهم (1).
ومنها رواية أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين
عليه السلام قال: أتاه رجل بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت
فطهرني، وذكر أنه أقر أربع مرات إلى أن قال: ثم نادى في
الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل
أمير المؤمنين أنظرني أصلي ركعتين، ثم وضعه في حفرته
واستقبل الناس بوجهه، ثم قال: معاشر المسلمين
إن هذه حقوق الله من في عنقه حد، فانصرف الناس و
بقي هو والحسن والحسين عليهم السلام فرماه كل واحد ثلاثة
أحجار فمات الرجل الحديث (2)، ومنها رواية أصبغ بن نباتة

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2 - 3.
162

أنه قال في حديث: إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده
بالزنا ثلاث مرات، فقال له: اذهب حتى نسأل عنك
إلى أن قال: ثم عاد إليه فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إني
زنيت فطهرني، فقال: إنك لو لم تأتنا لم نطلبك ولسنا
بتاركيك إذ لزمك حكم الله عز وجل، ثم قال: أيها الناس
إنه يجزي من حضر منكم رجمه عمن غاب، فنشدت الله
رجلا منكم يحضر غدا لما تلثم بعمامته حتى لا يعرف بعضكم بعضا
وأتوني بغلس حتى لا يبصر بعضكم بعضا فإنا لا ننظر
في وجه رجل ونحن نرجم بالحجارة.
قال: فغد الناس كما أمرهم قبل إسفار الصبح فأقبل
علي عليه السلام ثم قال: نشدت الله رجلا منكم لله عليه
مثل هذا الحق أن يأخذ لله به فإنه لا يأخذ لله بحق من يطلبه
الله بمثله، قال: فانصرف والله قوم ما يدرى من هم حتى
الساعة، ثم رماه بأربعة أحجار ورماه الناس (1).
ومنها ما عن الفقيه عن الصادق عليه السلام قال: إن
رجلا جاء إلى عيسى بن مريم عليه السلام فقال: يا روح الله
إن زنيت فطهرني، فأمر عيسى عليه السلام أن ينادى
في الناس أن لا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان، فلما

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4.
163

اجتمع الناس وصار الرجل في الحفيرة، نادى الرجل
لا يحدني من لله في جنبه حد فانصرف الناس كلهم
إلا يحيى وعيسى عليهما السلام الحديث (1).
وظاهر هذه الروايات هو التحريم أي تحريم رجم
من كان عليه رجم إلا أن صاحب الشرائع قال:
وهو على كراهية " وعن القواعد الاشكال " وحمل في
الجواهر النهي على الكراهة وقال: يقوى عدم الوجوب
للأصل انتهى،
لكن حمل هذه الروايات الكثيرة على الكراهة مع هذه
التأكيدات الموجودة فيها خصوصا قول علي عليه السلام:
نشدت الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا الحق أن يأخذ
لله به فإنه لا يأخذ لله بحق من يطلبه الله بمثله (2) - بعيد
في الغاية فالأحوط لو لم يكن أقوى هو التحريم إن لم ينعقد
الاجماع على خلافه، والظاهر أن الحد الثابت في رقبة
من يريد رجم المرجوم لا يلزم أن يكون من سنخ الحد الذي
يستحقه المرجوم، إلا أن في مرسلة ابن أبي عمير " ومن فعل
مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف، وكذا في خبر الأصبغ نشدت

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 5 - 4.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 5 - 4.
164

الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به فإنه لا يأخذ
لله بحق من يطلبه الله بمثله - ما يدل على أنه لا بد من أن
يكون مثل الحق الذي يكون عليه.
لكن في رواية علي بن إبراهيم " لا يقيم حدود الله تعالى
من في عنقه حد (1) " وفي مرسلة الصدوق أنه قال الرجل
لا يحدني من لله في جنبه حد (2).
فيمكن دفع التنافي بين الطائفتين من الروايات
بأنه كما أن الحد الذي مثل الحد الذي عليه مانع من اجراء الحد
على المرجوم فكذا مطلق الحد عليه، والظاهر سقوط الحد بالتوبة
إلا أن في حسنة صالح بن ميثم أو عمران بن ميثم عن أبيه أنه
لما نادى أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس إن الله عهد إلى
نبيه صلى الله عليه وآله عهده محمد صلى الله عليه وآله إلى بأنه لا
يقيم الحد من لله عليه حد - انصرف الناس يومئذ كلهم
ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام الحديث (3)
ومن المستبعد جدا عدم توبة أحد منهم اللهم إلا أن يقال:
بعدم علمهم بأن التوبة موجبة لسقوط الحد أو عدم علمهم بقبول
توبتهم.
ويدفن إذا فرغ من رجمه، ولا يجوز إهماله على حاله قاله أيضا

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 3 - 1.
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 4 - 3 - 1.
165

في الشرائع، ومستند هذا الحكم بعد دعوى اللاخلاف عليه أن يكون
مسلما فيترتب عليه جميع أحكام المسلمين الموتى من الصلاة
عليه وتكفينه ودفنه،
وفي النبوي (ص) في المرجومة " لقد تابت توبة لو قسمت
بين سبعين من أهل المدينة لو سعتهم، وهل وجدت توبة
أفضل من أن جادت بنفسها لله؟ (1)
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله " لقد تابت
توبة لو تابها صاحب ميسر لغفر الله له، ثم أمر بها فصلى عليها
ودفنت (2).
وفي رواية مرفوعة إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه أتاه رجل
بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني (إلى أن
أقر أربع مرات) إلى أن قال: فأخرجه إلى الجنان، فقال:
يا أمير المؤمنين أنظرني أصلي ركعتين، ثم وضعه في حفرته
إلى أن قال: فأخذ حجرا فكبر أربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة
أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السلام
ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام ثم رماه الحسين عليه السلام
فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السلام فأمر له فحفر
له وصلى عليه ودفنه، فقيل: يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 325 و 221 على ما حكي عنه.
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 325 و 221 على ما حكي عنه.
166

فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة لقد صبر
على أمر عظيم (1)
وفي رواية أخرى عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: إني
قد فجرت فأعرض بوجهه عنها (إلى أن أقرت أربع مرات)
فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت
ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها
ثوبا جديدا وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين و
أغلق باب الرحبة ورماها بحجر إلى أن قال: ثم قال:
يا قنبر ائذن لأصحاب محمد، فدخلوا فرموها بحجر حجر ثم
قاموا لا يدرون أيعيدون أحجارهم؟ أو يرمون بحجارة
غيرها وبها رمق، فقالوا: يا قنبر إنا قد رمينا بحجارتنا وبها
رمق كيف نصنع؟ فقال: عودوا في حجارتكم فعادوا حتى
قضت، فقالوا له: قد ماتت فكيف نصع بها؟ قال:
فادفعوها إلى أوليائها ومروهم أن يصنعوا بها كما
يصنعون بموتاهم (2).
وظاهر هذه الرواية وجوب تغسيل المرجومة
والصلاة عليها وتكفينها ودفنها لكن ظاهر الروايات

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا ح 4 والباب 16 الحديث 5.
167

المتقدمة خصوصا رواية كردويه المتقدمة (1) - هو أن الغسل
لا بد من أن يقنع منه قبل رجمه، ويسقط بذلك تغسيله
بعد الرجم، وهل يكون هذا الغسل هو غسل الميت
قد تقدم على موته تعبدا أو يكون واجبا آخر قائما مقام
غسل الميت؟ فيه وجهان فإن قلنا بالأول كما هو
ظاهر الروايات فيعتبر فيه ما يعتبر في غسل الميت
من كونه ثلاثة أغسال أحدها بماء السدر وثانيها بماء
الكافور وثالثها بماء القراح.
إلا أن اطلاق رواية كردويه يدفع ذلك، قال:
" المرجوم والمرجومة يغتسلان ويحنطان ويلبسان الكفن
قبل ذلك ويصلى عليهما والمقتص منه بمنزلة ذلك
يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه (2)
ولم يذكر في هذه الرواية تثليث الأغسال فيدفع
التثليث باطلاق هذه الرواية وعلى فرض هذا الغسل
بدلا من غسل الميت لا يلزم أن يترتب عليه جميع
أحكام المبدل منه، وإن قلنا بالثاني أي يكون واجبا
قام مقام غسل الميت فعدم وجوب التثليث يصير
أوضح، ثم أنه هل يلحق بالمرجوم والمقتص منه، الذي يجب

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب غسل الميت ح 1 عن مسمع كردين.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب غسل الميت ح 1 عن مسمع كردين.
168

قتله كالزاني بمحارمه؟ فيه اشكال فإن رواية كردويه أو كردين
المتقدمة ضعيفة السند جدا كما في طهارة الجواهر إلا أن عمل
الأصحاب بها في موردهما - وهو المرجوم والمرجومة والمقتص
منه قد أجبر ضعفها فلا يمكن التعدي عن مورد الرواية
هذا كله فيما إذا اغتسل قبل رجمه، وأما إذا لم يغتسل
فإنه يجب تغسيله بعد الرجم بثلاثة أغسال كسائر الأموات
ثم قال في الشرائع: ويجلد الزاني مجردا، وقيل: على
الحال التي وجد عليها قائما أشد الضرب، وروى
متوسطا، ويفرق على جسده ويتقى وجهه ورأسه و
فرجه،
والمرأة تضرب جالسة وتربط عليها ثيابها انتهى
أما مستند كون الزاني مجردا حين الجلد فيدل عليه
مضافا إلى دعوى الشهرة رواية إسحاق بن عمار
عن أبي الحسن عليه السلام أنه سئل عن الزاني كيف
يجلد؟ قال: أشد الجلد، قال: من فوق الثياب؟ قال
لا، بل يجرد (1).
وأما مستند القول الثاني - أي يجلد على الحالة
التي وجد عليها إن كان مجردا فيجلد مجردا وإن كان كاسيا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 3.
169

فيجلد كاسيا وهذا القول هو المشهور بين الأصحاب بل
عن ظاهر الغنية هو الاجماع ولا بد في الكسوة من عدم كونها
مانعة من ألم الضرب كالفروة والجنة والمحشوة وكيف
كان فمستند هذا القول رواية طلحة ابن زيد عن الباقر
عليه السلام أنه قال: لا يجرد في حد ولا يشخ يعني يمد، و
قال: ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها، إن
وجد عريانا ضرب عريانا وإن وجد وعليه ثيابه ضرب
وعليه ثيابه (1).
وذيل هذه الرواية غير معارضة لصدرها من قوله 6 لا
يجرد في حد لامكان الجمع بينهما بالاطلاق، والتقييد بأن
يحمل الصدر على مطلق الحدود وقد قيد هذا المطلق بالزنا
فإن فيه التفصيل المذكور في الذيل، وأما الجمع بين هذه
الرواية ورواية إسحاق بن عمار فمشكل جدا فقول صاحب
الجواهر: فيخص به ما سمعت " غير مفهوم المراد فإن
المفروض في رواية إسحاق أيضا هو الزاني والمفروض
فيها أيضا كون الزاني كاسيا حيث قال: من فوق
الثياب؟ قال: لا، بل يجرد، فالمختار هو العمل برواية طلحة
بن زيد من التفصيل المذكور فيها من أنه إذا كان كاسيا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 7.
170

في حال الزنا أو في حال أخذه والمجيئ به إلى الحاكم - كما في بعض
النسخ من قوله: أخذ عليها بدل وجد - يحد كاسيا
وإن وجدوا عليه ثيابه يحد وعليه ثيابه وعن المقنع " ويجلدان
في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا وإن وجدا مجردين
ضربا مجردين انتهى.
وفيه ما لا يخفى فإن هذا الحكم مختص بالرجل فلا تشمل
المرأة لأن بدن المرأة جميعه عورة.
وأما أنه يحد قائما فلأن الحد يقام على الشهرة والقيام
أبلغ فيها كما في الجواهر ولرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: يضرب الرجل الحد قائما (1).
وأما أنه يضرب أشد الضرب فلما عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: ويجلد الزاني أشد
الجلد (2) وفي رواية سماعة عن الصادق عليه السلام قال:
حد الزاني كأشد ما يكون الحدود (3).
وفيما كتب الرضا عليه السلام لمحمد بن سنان " وعلة ضرب
الزاني على جسده بأشد الضرب، لمباشرته الزناء
واستلذاذ الجسد كله به، فجعل الضرب عقوبة له وعبرة
لغيره (4) ولكن في رواية حريز عن الباقر عليه السلام أنه قال:

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 8
(2) قرب الإسناد ص 111.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 8
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 4 - 8
171

ويضرب بين الضربتين (1)
إلا أن هذه الرواية ضعيفة السند ولم ينجبر ضعفها بعمل
الأصحاب
وأما تفريق الضرب على جسده سوى وجهه و
رأسه وفرجه فلأنه استلذ بجميع أعضائه كما في
رواية العلل المتقدمة (2) ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام
قال: ويضرب على كل عضو ويترك الوجه والمذاكير (3)
وعن الكافي " ويترك الرأس والمذاكير (4)
وفي مرسلة حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام
قال: يفرق الحد على الجسد كله ويتقى الفرج والوجه (5)
وفي رواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام قال: الذي
يجب عليه الرجم يرجم من ورائه ولا يرجم من وجهه
لأن الرجم والضرب لا يصيبان الوجه الحديث (6).
وأما المرأة فتضرب جالسة وتربط عليها ثيابها
لقول الإمام الباقر عليه السلام في رواية زرارة قال:
يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة (7).
ولأنه أستر لها كما في الجواهر قال: ولذا ذكر المصنف

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 8 - 1 - 1 - 1 -
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 8 - 1 - 1 - 1 -
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 8 - 1 - 1 - 1 -
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 8 - 1 - 1 - 1 -
(7) الوسائل الباب 11 من أبواب حد الزنا الحديث 6 - 8 - 1 - 1 - 1 -
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
172

وغيره ربط الثياب الذي يدل عليه في الجملة ما ورد عن أمير المؤمنين
عليه السلام في المرجومة التي خاط عليها ثوبا جديدا، وأنه أمر
فشد على الجهنية ثيابها ثم رجمت، وقد سمعت سابقا
ما عن المقنع بل ربما نسب إلى الشيخ وجماعة وإن كنا
لم نتحققه ولكن على كل حال هو واضح الضعف كما عرفت
انتهى.
(هنا مسائل:)
(المسألة الأولى)
قال في الشرائع: إذا شهد أربعة (عدول) على امرأة
بالزناء قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع نساء بذلك فلا
حد وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم، وقال
في المبسوط: لا حد لاحتمال الشبهة في المشاهدة، والأول
أشبه ".
ومستند الحكم الأول - أعني سقوط الحد عن المرأة -
مضافا إلى دعوى اللاخلاف بل دعوى الاجماع كما عن
التنقيح للشبهة الدارئة للحد، هو رواية السكوني عن أبي
عبد الله عن أبيه عليهما السلام أنه أتي أمير المؤمنين بامرأة
بكر زعموا أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها، فقلن: هي
عذراء فقال عليه السلام: ما كنت لأضرب من عليها من
173

خاتم الله تعالى شأنه (1).
ورواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أربعة شهدوا
على امرأة بالزناء فادعت البكارة فنظر إليها النساء فشهدن
بوجودها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء (2).
مضافا إلى تعارض البينتين، وبعد تساقطهما، بالتعارض
تبقى المرأة مشكوكة الزناء فيدرأ الحد عنها بالشبهة، نعم لو
شهدوا بالوطي دبرا ثبت عليها الحد لعدم المنافاة
وأما وجه حد الشهود فلتحقق رميهم لها بالزناء والمفروض
أن شهادتهم عليها بالزنا قد تعارضت بشهادة آخرين بالبكارة
فيتحقق مصداق قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة (1).
وأما وجه قول الشيخ في المبسوط بأنه لا حد عليهم
فلأنه بعد تعارض البينتين وتساقطهما تحقق الشبهة
الموجبة لدرأ الحد عنهم فإن شهادتهم عليها بالزناء وإن تعارضت
بالشهادة لها بأنها بكر إلا أن شهادتهم موجبة للشبهة لاحتمال
عود البكارة أو كون الزناء في الدبر فتتحقق الشبهة الدارئة
للحد، والأوجه أن هذا الوجه هو الأوفق بأصول المذهب
وقواعده، وإن قال في الشرائع: والأول أشبه اه

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - والباب 24 من كتاب الشهادات الحديث 44
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - والباب 24 من كتاب الشهادات الحديث 44
(3) سورة النور الآية 4.
174

(المسألة الثانية:)
لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد، بل يقام وإن
ماتوا أو غابوا لا فرارا لثبوت السبب الموجب قاله أيضا
في الشرائع وجهه أن السبب الموجب للحد قد تحقق
وهو إقامة الشهود على أنه زنى فسواء حضروا لإقامة الحد
أو لم يحضروا بل غابوا أو ماتوا فإنه يجب عليه إقامة الحد
وإن كان يجب البدأة منهم إلا أنه إذا لم يتحقق الابتداء
منهم لغيابه أو موتهم لا يسقط الحد الشرعي بذلك
نعم إذا فروا عند إقامة الحد سقط الحد لتحقق الشبهة
بفرارهم، وكذا لا يتأخر الحد إلى وقت حضروهم إذ لا نظرة
في الحدود ولو ساعة.
ويشهد على أن فرار الشاهدين موجب لسقوط الحد
رواية محمد بن قيس بن أبي جعفر عليه السلام في رجل أتي به
إلى أمير المؤمنين عليه السلام فشهد رجلان بالسرقة فأمرهما
بأن يمسك أحدهما يده ويقطعها الآخر ففرا، فقال
المشهود عليه: يا أمير المؤمنين شهد على الرجلان ظلما
فلما ضرب الناس واختلطوا أرسلاني وفرا ولو كانا
صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من يدلني
على هذين أنكلهما (1).

(1) الكافي ج 7 ص 294 على ما حكي عنه.
175

(المسألة الثالثة:)
قال في الشرائع أيضا: قال الشيخ: لا يجب على الشهود
حضور موضع الرجم ولعل الأشبه الوجوب لوجوب
بدأتهم بالرجم انتهى وقد ذكرنا سابقا هذه المسألة و
ذكرنا الروايات الدالة على وجوب البدأة للرجم من الشهود
فلاحظها.
(المسألة الرابعة:)
إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان، ووجه الجمع سقوط
الحد إن اختل بعض شروط الشهادة مثل أن يسبق
الزوج بالقذف فيحد الزوج أو يدرأ باللعان فيحد الباقون
وثبوت الحد إن لم يسبق بالقذف ولم يختل بعض
الشرائط، قاله أيضا في الشرائع.
أما الرواية الأولى فهي الدالة على قبول شهادة الزوج
وهو مختار أكثر الأصحاب، وهي رواية إبراهيم بن نعيم
عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن أربعة شهدوا
على امرأة بالزناء، أحدهم زوجها، قال: تجوز شهادتهم (1)
وأما الرواية الأخرى الدالة على عدم جواز شهادة الزوج
فهي رواية زرارة عن أحدهما عليه السلام في أربعة شهدوا على

(1) الوسائل الباب 12 من كتاب اللعان الحديث 1.
176

امرأة بالزناء أحدهم زوجها، قال: يلاعن ويجلد الآخرون (1)
وقد جمع صاحب الشرائع بين الروايتين بحمل الثانية
على ما إذا اختل بعض شروط الشهادة بأن قذفها الزوج
أولا ثم أقام عليها الشهادة بالزناء ثانيا فإنه يصير
بقذفها فاسقا فلا تقبل شهادته فيحد الزوج بالفرية أو
يدرأ الحد عنه باللعان ويحد الباقون لعدم اجتماع شرائط
الشهادة فيهم.
لكن يمكن أن يقال: إن هذا الجمع جمع تبرعي لا شاهد
عليه والرواية الثانية وإن عمل بها جماعة إلا أنها ضعيفة جدا
كما في الجواهر ومخالفة للعمومات الدالة بعمومها على قبول
شهادة كل عادل ولم يستثن من هذا العموم الزوج
فالعمل على الرواية الأولى هو المتعين والله العالم.
(المسألة الخامسة)
يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزناء،
أما حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان
أو تعزيرا قاله أيضا في الشرائع.
ومستند الحكم هو رواية الحسين بن خالد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: الواجب على الإمام
إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد
177

ولا يحتاج إلى البينة نظره لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر
إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه
قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب
على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس (1).
وفي الصحيح " إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه
فهذا من حقوق الله تعالى، وإذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا
حده، فهذا من قوق الله تعالى، وإن أقر على نفسه بالزناء وهو غير
محصن فهذا من حقوق الله تعالى، وأما حقوق المسلمين فإذا أقر
على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضرها حب الفرية أو
وليه (2).
وفي صحيحة أخرى " من أقر على نفسه عند الإمام بحق
أحد من المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي
أقر به عنده حتى يحضر صاحب الحد أو وليه ويطلب بحقه (3).
وقد بسطنا الكلام في هذا المبحث في كتاب القضاء فراجع
(المسألة السادسة)
إذا شهد بعض وردت شهادة الباقين قال في الخلاف
والمبسوط: إن ردت بأمر ظاهر حد الجميع وإن ردت بأمر
خفي فعلى المردود الحد دون الباقين، وفيه اشكال من

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1 - 2.
178

حيث تحقق القذف العاري عن بينة، ولو رجع واحد بعد
شهادة الأربع حد الراجع دون غيره قاله أيضا في الشرائع.
أما إذا كان رد شهادتهم بأمر ظاهر كالفسق الجلي والعمى
فلأن شهادة الباقين العالمين بعدم وجود شرائط الشهادة
في واحد منهم أو اثنين منهم كانت غير جائزة فتحصل الفرية
الموجبة لحد القذف، وأما إذا كانت رد شهادة الباقين
بأمر خفي فلا يحد حد القذف إلا المردود الشهادة فلا وجه
لجلد سائر الشهود الذين لم يعلموا بفسق مردود الشهادة إلا
أنه قال في الشرائع 6 وفيه اشكال من حيث تحقق القذف
العاري عن بينة انتهى.
وحاصل الاشكال أن المفروض أن قذف المحصنة
قد تحقق بدون إقامة البينة على زناها فإن قوله تعالى: والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة (1)، شامل لهذا المورد أيضا فإنهم رموها
بالزنا ولم يأتوا بحسب الواقع بأربعة شهداء
لكن فيه لا يخفى فإن الفرض أنهم حين رميها بالزنا
كانوا أربعة شهداء عدول بحسب الظاهر ولا يعتبر العلم بوجود
العدالة الواقعية بل العدالة الظاهرية كافية في جواز الشهادة والحكم

(1) سورة النور الآية 4.
179

على وفقها ولا يلزم احراز العدالة الواقعية لعدم امكان احرازها
عادة، فإذا كل الشهداء الأربعة وحضروا في المجلس لإقامة
الشهادة يجوز أن يشهد كل واحد منهم بالزناء الذي رآها
بعينه مثلا، فإذا توقفت الشهادة على إحراز العدالة الواقعية
فلازمه أنه لا يجوز لأي منهم أن يشهد بما رآى لاحتمال أن
يكون الباقي من الشهود فاسقا بحسب الواقع فيخيل حينئذ
أمر الشهادة ولم يتجرأ أحد أن يشهد بما رآه لاحتماله أن يكون
أحد الشهود بحسب الواقع فاسقا، فحينئذ الأقوى ما ذكره الشيخ
في الخلاف والمبسوط من أنه إذا كان رد شهادته بأمر خفي،
لا يحد إلا مردود الشهادة.
وقال في الجواهر: نعم لو كانوا مستورين ولم يثبت
عدالتهم ولا فسقهم فلا حد عليهم للشبهة مع أن في خبر أبي
بصير عن الصادق عليه السلام في أربعة شهدوا على رجل
بالزناء فيوقف الحكم إلى أن يظهر حالهم، فأما أن يحدهم أو
المشهود عليه، وقبل ذلك يدرأ الحد عنه وعنهم انتهى.
وفيه لا يخفى ضرورة عدم قبول شهادة من لم يحرز

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب حد القذف الحديث 4.
180

عدالته وإن لم يحرز فسقه فإنه لا بد في قبول الشهادة ودرأ الحد
عن الشاهد من إحراز عدالته ولا يكفي في درأ حد القذف
عنه عدم احراز فسقه، فحينئذ لا داعي لتضعيف رواية أبي بصير
بعد كونها دالة على ما ذكرنا الذي هو موافق للقواعد الفقهية
وأما في صورة رجوع واحد منهم عن شهادته فإنه يحد
الراجع منهم دون غيره سواء كان رجوعه قبل الحكم أو بعده
لكنه يشكل بأن الرجوع قبل الحكم بمنزلة عدم الشهادة، بل
يمكن أن يقال: إذا أقبلت شهادة الأربعة قبل رجوع أحدهم
عن الشهادة وعدم تأثير الرجوع عن قبولها فلا فرق بين
قبل الحكم وبعده، وإن أثر رجوع أحدهم في قبول الشهادة
بأن لم تقبل شهادتهم بعد رجوع أحدهم فلا فرق أيضا
بين قبل الحكم وبعده غاية الأمر أن الثلاثة إذا علموا
برجوع الرابع عن شهادته حدوا أيضا كالرابع، وإن لم يعلموا
يدرأ عنهم الحد لدرأ الحد بالشبهة.
(المسألة السابعة)
إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلها ولا إثم، وفي
الظاهر عليه القود إلا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه
الولي قاله أيضا في الشرائع، أما جواز قتلهما وعدم الإثم
عليه فهو منقول عن الشيخ وجماعة لكن عن ابن إدريس أنه
181

قيده باحصانهما إلا أن اطلاق كلام صاحب الشرائع و
غيره هو الاطلاق أي سواء كانا محصنين أو غير محصنين
وسواء كان الزوجان حرين أو عبدين أم مختلفين وسواء
كان الزوج قد دخل بها أو لا وسواء كان العقد عقدا
دائما ومنقطعا لاطلاق الرخصة في إهدار دم من اطلع
على قوم ينظر إلى عوراتهم أو من دخل دار قوم للتلصص
أو لارتكاب الفاحشة.
ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول في رجل أراد امرأة على نفسها حراما
فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا، قال: ليس عليها شئ فيما
بينها وبين الله عز وجل، وإن قدمت إلى إمام عادل أهدر دمه (1)
وفي رواية عبد الله بن طلحة عنه عليه السلام قال: سألته
عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها
فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها
(فترك ابنها فقام فقتله بفاس كان معه) فلما فرغ حمل
الثياب وذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته
فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد، فقال أبو عبد الله عليه السلام
اقض على هذا كما وصفت لك فقال: يضمن مواليه

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب القصاص في النفس ح 1.
182

الذين طلبوا بدمه دية الغلام ويضمن السارق فيما ترك أربعة
آلاف درهم بمكابرتها على فرجها إنه زان في ماله غريمه
وليس عليها في قتله إياه شئ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود (1)
وأوضح من الروايتين من حيث الدلالة رواه سعيد
بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري
أن ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله فاسأل
لي عليا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليا (عليه السلام)
فسألته إلى أن قال: فقال: أنا أبو الحسن، إن جاء بأربعة
يشهدون على ما شهد، وإلا دفع برمته (2).
ويظهر من هذه الرواية أنه إذا أثبت زناه بشهادة
الأربعة يندفع عنه القصاص وإلا فيدفع إلى أولياء المقتول
فيقتلونه قصاصا فيستفاد منها ومن الرواية التي تليها أن
جواز قتله إذا رآه في حال الزنا مفروغ عنه إلا أنه إذا
أثبت زناه بشهادة الأربعة سقط عنه القصاص و
إلا فعليه القصاص.
وفي رواية أبي مخلد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت

(1) الفروع من الكافي ج 7 ص 293 ورواها في الوسائل في الباب
23 من أبواب القصاص في النفس ح 2 مع اختلاف ما
(2) الوسائل الباب 69 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
183

عند داود بن علي فأتي برجل قد قتل رجلا، فقال له داود
بن علي: ما تقول قتلت هذا الرجل؟ قال: نعم أنا قتلته
فقال له داود: ولم قتلته؟ فقال: إنه كان يدخل منزلي
بغير إذني فاستعديت عليه الولاة الذين كانوا قبلك
فأمروني إن هو دخل بغير إذن أن أقتله فقتلته.
فالتفت إلى داود بن علي فقال: يا أبا عبد الله ما
تقول في هذا؟.
فقلت: أرى أنه أقر بقتل رجل مسلم فاقتله
فأمر به فقتل، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إن ناسا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان فيهم سعد
بن عبادة، فقالوا: يا سعد ما تقول لو ذهبت إلى منزلك
فوجدت فيه رجلا على بطن امرأتك ما كنت صانعا به؟
فقال سعد: كنت والله أضرب رقبته بالسيف، قال
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهم في هذا الكلام فقال: يا
سعد من هذا الذي قلت: أضرب عنقه بالسيف؟
فأخبره الذي قالوا، وما قال سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا سعد فأين الشهود الأربعة الذين قال الله عز وجل؟
فقال سعد: يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أنه قد
فعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إي والله يا سعد بعد رأي
184

عينك وعلم الله، إن الله قد جعل لكل شئ حدا و
جعل على من تعدى حدود الله حدا وجعل ما دون
الشهود الأربعة مستورا على المسلمين (1).
وفي رواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألني داود بن علي عن رجل كان يأتي بيت رجل
فنهاه أن يأتي بيته فأبى أن يفعل، فذهب إلى السلطان
فقال السلطان: إن فعل فاقتله، قال: فقتله فما ترى فيه؟
فقلت: أرى أن لا يقتله، إنه إن استقام هذا ثم شاء
أن يقول كل إنسان لعدوه: دخل بيتي فقتلته (2).
ويستفاد من ظواهر هذه الأخبار أولا وبالذات
عدم جواز قتل من رآه الزوج أنه يزني بامرأته فإنه إذا انفتح
هذا الباب فقد يقتل الرجل عدوه ثم يدعي أنه دخل بيتي
وزنى بامرأتي فيكثر القتل بين اجتماع المسلمين بهذه
الدعوى ويتحقق بذلك الهرج والمرج كما يظهر ذلك من هذه
الرواية الأخيرة
إلا إذا أقام بينة على دعواه بأنه رآه يزني بها فإذا قتلهما
بدون البينة فعلى فرض جوازه كما يظهر من صحيحة عبد الله
بن سنان المتقدمة فلا بد من أن يقيم بينة على دعواه

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب القصاص في النفس ح 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 69 من أبواب القصاص في النفس ح 1 - 3.
185

فإن لم يقم بينة فعليه القصاص وإن كان بحسب الواقع
يجوز له قتلهما ولم يكن مؤاخذا عند الله أو يصدقه ولي المقتولين
بأنهما قد ارتكبا الزنا فإنه يرتفع عنه القود حينئذ.
ثم إنه على فرض استفادة جواز قتلهما معا من الروايات
المتقدمة لا فرق بين ما إذا كان الحد عليهما هو الرجم أو الجلد
فإنه يجوز له قتلهما مطلقا لاطلاق الروايات
(المسألة الثامنة)
من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها ولو كانت أمة لزمه
عشر قيمتها، وقيل: يلزمه الأرش، والأول مروى قاله أيضا
في الشرائع
أما بالنسبة إلى البكر الحرة فادعى عليه في الجواهر اللاخلاف
سواء كان المفتض رجلا أو امرأة.
والدليل على ذلك - بعد دعوى اللاخلاف هو
صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في امرأة
افتضت جارية بيدها، قال عليها المهر وتضرب الحد (1).
قال الصدوق: وفي خبر آخر: تضرب ثمانين (2).
وفي صحيحة ابن سنان أيضا عنه عليه السلام قال: إن
أمير المؤمنين عليه السلام قضى بذلك وقال: تجلد ثمانين (3)

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 - 3.
186

وفي روايته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا في امرأة
افتضت جارية بيدها، قال: قال: عليها مهرها وتجلد ثمانين (1)
وأما إذا كانت الجارية أمة فافتضها بإصبعه فإن عليه
عشر قيمتها لرواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي
عليهم السلام قال: إذا اغتصب أمة فافتضها فعليه عشر
قيمتها، وإن كان حرة فعليه الصداق (2).
فها هنا بحثان المبحث الأول في حد المفتض للجارية
والمشهور أن عليه التعزير الحد الشرعي الكامل فلذا
يحكى عن المفيد والديلمي أن الثمانين أكثره (أي أكثر ما عليه
من التعزيز) قالا: فيجلد حينئذ من ثلاثين إليها (أي إلى
الثمانين) وعن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين
وعن ابن إدريس " إلى تسعة وتسعين تنزيلا على
قضية المصلحة أولا تقدير فيه قلة ولا كثرة فيفوض إلى رأي
الحاكم كما عن الأكثر، قال في الجواهر: ولعله الأقوى لاطلاق
ما دل على ذلك فيه انتهى موضع الحاجة
لكن يرد عليه أن صحيح ابن سنان قد صرح بأنها تضرب
الحد وفي روايتيه الأخريين قد بين أن الحد الذي يضرب
من افتض الجارية بإصبعه هو ثمانون جلدة فلا داعي لحمل

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 4 و 5.
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب حد الزنا الحديث 4 و 5.
187

الثمانين الوارد في الرواية، على التعزير فإن الجلد بالثمانين
قد ورد في القذف أي قذف المحصنة بالزنا وكذا في شرب
الخمر فليكن هنا أيضا من هذا القبيل وهذا الاحتمال لم يذكره
الأستاذ دام ظله، إلا أنه يظهر من كلام صاحب الجواهر
أنه لا قائل بتعيين خصوص الثمانين أصلا فيطرح خبر
الثمانين أو يكون المراد بيان أحد أفراده.
ولو كان المفتض بالإصبع الزوج فعل حراما قال بعضهم
وعزر واستقر المسمى قاله في الجواهر
(المسألة التاسعة)
قال في الشرائع: من تزوج أمة على حرة مسلمة
فوطئها قبل الإذن كان عليه ثمن حد الزاني انتهى.
ومستند الحكم هو رواية حذيفة بن منصور قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها
قال: يفرق بينهما، قلت: عليه أدب؟ قال: نعم اثنا عشر
سوطا ونصف - ثمن حد الزاني - وهو صاغر (1).
ورواية منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: سألته عن
رجل تزوج ذمية على مسلمة ولم يستأمرها قال: يفرق
بينهما قال: قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم اثنا عشر سوطا

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
188

ونصنف - ثمن حد الزاني - وهو صاغر، قلت: فإن
رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعدما كان فعل
قال: لا يضرب ولا يفرق بينهما يبقيان على النكاح
الأول (1). قال في الوسائل: ورواه الشيخ باسناده عن
علي بن إبراهيم إلا أنه ذكر موضع الذمية الأمة "
ويظهر من قوله في الروايتين: يفرق بينهما أن النكاح
بدون إذن الحرة يكون باطلا إلا أن حده ثمن حد الزاني
يستكشف منه أن النكاح صحيح غاية الأمر أنه فعل
محرما بعدم استجازته من الحرة كما يشهد على ذلك أيضا
ذيل الرواية الثانية حيث إن المرأة إذا رضيت بفعلهما
يبقيان على النكاح الأول فلو كان النكاح باطلا من أول
الأمر فكيف يصير صحيحا برضاها بفعلهما؟
لكن يظهر من روايات كثيرة أن نكاح الذمية والأمة
على الحرة من دون إذنها باطل.
فمن الروايات صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد
الله عليه السلام في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال: يفرق
بينهما ويضرب ثمن حد الزاني - اثنا عشر سوطا ونصف

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
189

فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما، قلت:
كيف يضرب النصف؟ قال: يؤخذ السوط بالنصف
فيضرب به (1).
هذا إلا أن الأقوى أنه لا يجوز تزويج النصرانية والأمة
على الحرة المسلمة إلا بإذنها، فإن تزوجها بغير إذنها فالنكاح
باطل ويدل عليه روايات متظافرة
منها رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام هل للرجل أن يتزوج النصرانية على
المسلمة والأمة على الحرة؟ فقال: لا تزوج واحدة منهما
على المسلمة وتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية الخ (2)
ومنها موثقة سماعة قال: سألته عن اليهودية و
النصرانية أيتزوجها الرجل على المسلمة؟ قال: لا الخ (3)
ومنها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ومن تزوج
أمة على حرة فنكاحه باطل (4).
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن نكاح الأمة، فقال: تتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
190

الأمة على الحرة، ونكاح الأمة على الحرة باطل (1) الحديث
ومنها رواية محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال:
لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ويجوز نكاح الحرة على الأمة الخ (2)
ومنها رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ولا النصرانية
ولا اليهودية على المسلمة، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل (3)
إلى غير ذلك من الأخبار، والجمع بين هذه الروايات والروايات
المتقدمة بحمل هذه الروايات على ما إذا لم تأذن الحرة نكاح
الأمة أصلا وحمل تلك الروايات على ما إذا أجازت -
مشكل جدا فإن تلك الروايات قد دلت بظاهرها على صحة
أصل النكاح غاية الأمر أنه فعل محرما بدون الاستجازة من
الحرة فلذا يضرب ثمن الحد إذا نكح الأمة بدون الاستجازة منها
مع أنه إذا كان باطلا كان عليه الحد الكامل
مضافا إلى أن هذه الروايات لسانها آب عن التقييد
أو التخصيص اللهم إلا أن يقال بقيام الاجماع على صحة هذا العقد
لكن الاجماع غير محقق التحقق، ثم أن التقييد بالوطؤ في كلام
صاحب الشرائع وغيره لا دليل عليه فإن الروايات المتقدمة
لم تقيد المسألة بوطء الأمة بعد تزويجها إلا أن يقال: بأنه المتبادر

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2 - 4 - 5.
191

من التزويج، وقال في الجواهر: ومن زوج أمته من غيره ولو
كان عبده ثم وطئها عالما بالتحريم فعليه الحد كملا جلدا أو رجما
بلا خلاف ولا اشكال لاطلاق الأدلة وخصوص الصحيح
" في رجل زوج أمته رجلا ثم وقع عليها قال: يضرب الحد (1) انتهى
(المسألة العاشرة)
من زنى في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب
زيادة على الحد لانتهاكه الحرمة، وكذا لو كان في مكان شريف
أو زمان شريف قاله أيضا في الشرائع.
ومستند الحكم - مضافا إلى دعوى اللاخلاف - هو
المرسل أنه أتي أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر
وقد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة
ثم دعا به من الغد فضربه عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين
ضربتني ثمانين في شرب الخمر، فهذه العشرون ما هي؟
فقال: هذه لجرأتك في شهر رمضان (2).
ويمكن أن يستنبط من هذه الرواية أن كل موضع
يتحقق به هتك المقدسات الدينية كليلة القدر أو المشاهد
المشرفة أو الأماكن المقدسة كالمسجد الحرام ونحو ذلك
يكون حكمه كذلك أي يجب تعزيره زيادة على الحد الشرعي

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب حد الزنا الحديث 2
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
192

(الباب الثاني)
في اللواط والسحق والقيادة، قال في الشرائع: أما اللواط
فهو وطؤ الذكران بايقاب وغيره، وكلاهما لا يثبتان إلا بالاقرار
أربع مرات أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة، ويشترط في
المقر البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار فاعلا كان أو مفعولا
ولو أقر دون أربع لم يحد وعزر ولو شهد بذلك دون الأربعة
لم يثبت وكان عليهم حد الفرية انتهى.
وخرج بقوله وطؤ الذكران وطي النساء أو الخنثى المشكل
دبرا فإنه لا يصدق عليه اللواط وإن كان حراما وقوله بايقاب
وغيره يظهر منه أن اللواط صادق وإن لم يوقب أي وإن
لم يدخل ذكره في دبر غيره.
ويشهد لذلك رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اللواط ما دون الدبر، والدبر
هو الكفر (1).
إلا أنه يمكن أن يكون المراد بالرواية عظم ذنب اللواط وأنه
عظيم وإن لم يتحقق الايقاب، وإن تحقق الايقاب فهو بمنزلة
الكفر بالله العظيم لا أنه يتحقق اللواط حقيقة وإن لم يحصل
الايقاب، لكن يستفاد من بعض الروايات الآتية

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النكاح المحرم من كتاب الحديث 2.
193

أن ما دون الدبر عليه الحد وإن لم يوقب كما سيأتي
كرواية حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن اللواط، فقال: ما بين الفخذين، وسألته عن
الذي يوقب، فقال: ذلك الكفر بما (لما) أنزل الله
على نبيه صلى الله عليه وآله (1).
ورواية سليمان بن هلال " في الرجل يفعل بالرجل
قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد، وإن كان
ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف
منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك (2).
وكيف كان فيدل على عظم حرمة اللواط روايات
كثيرة.
منها حسنة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من جامع غلاما
جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا وغضب الله عليه
ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا ثم قال: إن الذكر
يركب الذكر فيهتز العرش لذلك (3) الحديث.
ومنها مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول: حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، وأن الله أهلك أمة

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النكاح المحرم الحديث 3 - 1
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب النكاح المحرم الحديث 3 - 1
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب النكاح المحرم من كتاب النكاح الحديث 1.
194

لحرمة الدبر ولم يهلك أحدا لحرمة الفرج (1).
ومنها رواية السكوني عنه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين مرتين لرجم اللوطي (2)
ومنها رواية حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن اللواط، فقال: ما بين الفخذين، وسألته عن
الذي يوقب، فقال: ذلك الكفر بما أنزل الله على نبيه صلى
الله عليه وآله (3).
والمراد بالايقاب - على ما عن المسالك - هو ادخال
الذكر ولو بعض الحشفة لأن الايقاب لغة الادخال
فيتحقق الحكم وإن لم يجب الغسل " لكن عن الروضة والرياض
هو إدخال شئ من الذكر في دبره ولو بمقدار الحشفة " قال
في الجواهر: وظاهرهم هنا الاتفاق على ذلك وإن اكتفوا
في تحريم أمه وأخته وبنته بادخال البعض " إلى أن قال:
وعلى كل حال فالظاهر أن اطلاق اللواط على غيره من
التفخيذ أو الفعل بين الأليتين من المجاز، وادراج المصنف
له في تعريفه تبعا للنصوص التي منها ما سمعته بل ربما كان
الظاهر من بعضها كونه المراد من اللواط انتهى.
والحاصل أن في اللواط مباحث ثلاثة الأول فيما يتحقق

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب النكاح المحرم ح 2 والباب 3 من أبواب حد اللواط ح 2
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب النكاح المحرم ح 2 والباب 3 من أبواب حد اللواط ح 2
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب النكاح المحرم الحديث 3.
195

به اللواط الموجب للحد سواء كان الحد القتل أو الجلد، وأما موجب
القتل فالظاهر أنه يعتبر فيه ادخال تمام الحشفة وأما بعضها
فيشكل ثبوت القتل عليه ولا أقل من الشبهة الدارئة للحد
الذي هو القتل هنا.
وأما الجلد فهو حد من أدخل بعض الحشفة أو أتى بالتفخيذ
ويدل عليه مرفوعة أبي يحيى الواسطي قال: سألته عن رجلين
يتفاخذان قال: حدهما حد الزاني (1) الحديث.
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول: إن في كتاب علي عليه السلام " إذا أخذ الرجل مع غلام
في لحاف مجردين ضرب الرجل وأدب الغلام وإن كان
ثقب وكان محصنا رجم (2).
لكن في صحيحة ابن أبي عمير عن عدة من أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام في الذي يوقب أن عليه الرجم إن كان محصنا
وعليه الجلد إن لم يكن محصنا (3).
وكذا رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل أتى رجلا قال: عليه إن كان محصنا القتل وإن لم يكن
محصنا فعليه الجلد، قال: قلت: فما على المؤتى به؟ قال: عليه القتل
على كل حال محصنا كان أو غير محصن (4)، وقد فصل في الروايتين

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 6 - 7
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 6 - 7
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 4 والباب 3 - الحديث 8.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 4 والباب 3 - الحديث 8.
196

بين المحصن وغيره فإن كان محصنا فعليه الرجم وإلا فعليه الجلد
هذا في الفاعل، وأما في المفعول به فعليه القتل على كل حال
إلا أن التفصيل بين المحصن وغيره لم يعمل به الأصحاب
ولم يفرقوا بين الفاعل والمفعول به من أنه إذا أوقب فعليه
القتل أو الرجم على أي تقدير.
ومستند هذا الاطلاق رواية سليمان بن هلال في الرجم
يفعل بالرجل، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد، و
إن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ
السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل، قال: هو ذاك (1)
ورواه في الوسائل عن سليمان بن هلال عن أبي عبد الله عليه السلام
وكذا رواية بنان بن محمد عن العباس غلام لأبي الحسن الرضا
عليه السلام يعرف بغلام ابن شراعة عن الحسن بن الربيع عن سيف
التمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي علي بن أبي طالب عليه السلام
برجل معه غلام يأتيه فقامت عليهما بذلك بينة، فقال: يا قنبر
النطع والسيف، ثم أمر بالرجل فوضع على وجهه ووضع
الغلام على وجهه، ثم أمر بهما فضربهما بالسيف حتى قدهما
بالسيف جميعا الحديث (1).
وظاهر الرواية أن الغلام كان بالغا وإلا فلا وجه لقده

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب اللواط الحديث 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب اللواط الحديث 2.
197

إذا لم يكن بالغا، وهذه الرواية أيضا مطلقة تشمل المحصن
وغيره خصوصا الغلام الذي هو كالنص في كونه غير محصن
وقد عرفت من بعض الروايات المتقدمة أن الملوط يقتل على كل
حال والفرق بين الفاعل والمفعول به بعيد في الغاية وهاتان
الروايتان الأخيرتان وإن كانتا مطلقتين يمكن تقييدهما
بتلك الروايات المفصلة بين المحصن وغيره إلا أن الأصحاب
لم يعملوا بتلك الروايات المفصلة، قال في الشرائع: وكيفية
إقامة هذا الحد، القتل إن كان ايقابا وفي رواية (1) إن كان
محصنا رجم وإن كان غير محصن جلد والأول أشهر انتهى وقال
في الجواهر - بعد قوله: والأول أشهر: رواية في العمل بل قد
عرفت عدم الخلاف فيه بيننا بل الاجماع بقسميه عليه انتهى
فحينئذ قول صاحب الشرائع: والأول أشهر لا وجه له
فإن ظاهر أن القول الثاني هو مشهور مع أن صاحب
الجواهر قد ادعى بأنه لا خلاف في القول بل الاجماع
بقسميه عليه
الثاني مما يبحث في اللواط وجوب الغسل بإدخال
بعض الحشفة أو عدم وجوبه، والظاهر عدم الوجوب بإدخال
البعض كما حقق ذلك في كتاب الطهارة، المبحث الثالث

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 4.
198

في حرمة بنت الملوط وأمه وأخته على اللاطي وأنه هل تتحقق
الحرمة بادخال بعض الحشفة أو لا بد من إدخال الكل؟ و
استقصاء هذا البحث موكول بباب النكاح.
وأما اعتبار الاقرار أربعا في إثبات اللواط فيدل عليه صحيحة
أو حسنة مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينما
أمير المؤمنين عليه السلام في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال
يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال له: يا
هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك، فلما كان من غد
عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني
فقال له: اذهب إلى منزلك لعل مرارا هاج بك حتى فعل
ذلك ثلاثا بعد مرته الأولى.
فلما كان في الرابعة قال له: يا هذا إن رسول الله صلى الله
عليه وآله حكم في مثلك بثلاثة أحكام، فاختر أيهن شئت
قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك
بالغة ما بلغت أو إهداب من جبل مشدود اليدين والرجلين
أو إحراق بالنار، قال: يا أمير المؤمنين أيهن أشد على؟ قال:
الاحراق بالنار، قال: فإني قد اخترتها يا أمير المؤمنين فقال
خذ لذلك أهبتك، فقال: نعم، قال: فصلى ركعتين ثم جلس
في تشهده، فقال: اللهم إني قد أتيت من الذنب ما قد علمته
199

وإني تخوفت من ذلك فأتيت إلى وصي رسولك
وابن عم نبيك فسألته أن يطهرني فخيرني ثلاثة
أصناف من العذاب، اللهم فإني اخترت أشدهن
اللهم فإني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي وأن
لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثم قام وهو باك حتى دخل
الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى النار
تتأجج حوله، فبكى أمير المؤمنين عليه السلام وبكى أصحابه جميعا فقال
له أمير المؤمنين عليه السلام: قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و
ملائكة الأرض، فإن الله قد تاب عليك ولا تعاودن شيئا
مما فعلت (1).
قوله: حكم في مثلك بثلاثة أحكام في مثلك
في ارتكاب اللواط، ولا يكون المراد من مثلك من كونك
محصنا أو غير محصن.
وبعض الأخبار يدل على الجمع بين القتل والاحراق
كرواية عبد الرحمان عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام
قال: أتي عمر برجل قد نكح في دبره، فهم أن يجلده فقال للشهود
رأيتموه يدخله كما يدخل الميل في المكحلة؟ قال: نعم فقال
لعلي عليه السلام: ما ترى في هذا؟ فطلب الفحل الذي نكح

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب اللواط الحديث 1.
200

فلم يجده، فقال علي عليه السلام: أرى فيه أن تضرب عنقه،
قال: فأمر فضربت عنقه، ثم قال: خذوه فقد بقيت له عليه ظ
عقوبة أخرى، قال: وما هي؟ قال: ادع بطن من حطب
فدعى بطن من حطب فلف فيه ثم أحرقه بالنار (1).
ورواية عبد الرحمان العرزمي قال: سمعت أبا عبد
الله عليه السلام ويقول: وجد رجل مع رجل في إمارة عمر، فهرب
أحدهما وأخذ الآخر فجيئ به إلى عمر، فقال للناس، ما ترون
في هذا؟ فقال هذا: اصنع كذا وقال هذا: اصنع كذا قال:
فما تقول: يا أبا الحسن؟ قال: اضرب عنقه، فضربت عنقه
قال: ثم أراد أن يحمله، فقال: مه إنه قد بقي من حدوده شئ
قال: أي شئ بقي؟ قال: ادع بحطب فدعى عمر بحطب
فأمر به أمير المؤمنين عليه السلام فأحرق به (2).
لكن صحيحة مالك بن عطية المتقدمة أو حسنة قد دلت
على أن عليه أحد الثلاثة أي ضرب عنقه أو إهداره من مكان
شاهق أو احراقه بالنار، وقد عمل بها الأصحاب ولم يعملوا
بهذين الخبرين، نعم قال في الشرائع: ويجوز أن يجمع بين
أحد هذه وبين تحريقه " وقال في الجواهر: كما صرح به غير واحد
بل لا أجد فيه خلافا انتهى فحينئذ تحمل الروايتان على الجواز

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب اللواط الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب اللواط الحديث 3 - 4.
201

دون الالزام والوجوب
وأما اشتراط كون المقر بالغا عاقلا حرا مختارا فلأن
هذه الشرائط عدا الحرية من الشرائط العامة للتكليف
فلا شئ على الصبي إلا التأديب ولذا قال في الشرائع:
ولو لاط البالغ بالصبي موقبا قتل البالغ وأدب الصبي
وكذا لو لاط بمجنون، ولو لاط بعبده حدا قتلا أو جلدا، ولو ادعى
العبد الاكراه سقط عنه دون المولى، ولو لاط مجنون بعاقل
حد العاقل، وفي ثبوته على المجنون قولان أشبههما السقوط
ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب، ولو لاط بمثله
كان الإمام مخيرا بين إقامة الحد عليه وبين دفعه إلى أهله
ليقيموا عليه حدهم انتهى
أما العبد فإنه كسائر المكلفين فإنه أيضا من المكلفين
فيجرى عليه حد الحر من القتل والجلد أي القتل مع الايقاب
والجلد بدونه، ولا يجرى عليه هنا أي في باب اللواط
ما كان يجرى عليه في باب الزنا من كون حده نصف
حد الحر فإنه كان هناك لوجود النص بذلك، ولا نص
هنا في خصوص العبد فلا بد من التمسك باطلاقات
أدلة اللواط، نعم يمكن التمسك باطلاق قوله. عليه السلام
إن حد اللواط مثل حد الزاني (1) إلا أنك قد عرفت
202

عدم عمل الأصحاب باطلاق تلك الرواية أو الروايات
ولو ادعى العبد إكراه المولى له على الفعل الشنيع
قبل منه للاحتمال الموجب للشبهة الدارئة للحد، وأما إذا
ادعى المولى ذلك لم يقبل منه لعدم وجود القرينة على
ذلك فإن المولى مسيطر على العبد يمكنه إكراه العبد على
ذلك دون العبد للمولى.
ولو لاط مجنون بعاقل حد العاقل، وأما المجنون
فالأقوى سقوط الحد عنه، نعم عليه الأدب خلافا
للشيخين فإنهما قاسياه بباب الزنا الذي على المجنون
فيه الحد إلا أنك قد عرفت في باب الزنا أنه ليس
عليه الحد أيضا كهاهنا.
وقال في الجواهر: ولو لاط الصبي ببالغ قتل البالغ
وأدب الصبي كما في القواعد وشرحها لعموم الأدلة، و
ليس هو كزناء الصبي بالمرأة المحصنة الذي وجد فيه النص
(1) على أنها لا ترجم، وقد يقال بمثله هنا لاطلاق ما دل
على أن حد الواطي (اللوطي) مثل حد الزاني (2) انتهى
وقد عرفت أن الأصحاب لم يعملوا باطلاق هذه الرواية

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد الزنا الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 3.
203

وأما إذا لاط الذمي بمسلم فإنه يقتل الذمي وإن لم
يوقب وادعي اللاخلاف على ذلك فإنه هتك
حرمة الاسلام فهو أشد من الزنا بالمحصنة وقد عرفت
أن زنا الذمي بالمحصنة حده القتل وإن لم يكن محصنا
إلا أنه يمكن المناقشة في ذلك بأن القتل أمر
عظيم في الاسلام لا يصار إليه إلا مع دليل قطعي
وكونه - أي لواط الذمي بالمسلم - هتك لحرمة الاسلام
أو كونه أشد من الزنا بالمسلمة مجرد دليل استحساني
لا يمكن الاعتماد عليه في أمر القتل إلا إذا قام الاجماع
الكاشف عن رأي المعصوم على ذلك وإلا فمجرد دعوى
اللاخلاف غير كاف، وإذا حكمنا بوجوب قتل الذمي
اللاطي بالمسلم الحربي أولى بذلك.
أما إذا لاط الذمي بالذمي فإنه يكون الإمام عليه السلام
مخيرا بين إقامة الحد المقرر في الاسلام عليه وبين أن
يدفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه الحد الذي عندهم كما
عرفت نظير ذلك في الزناء
ثم قال في الشرائع: ثم الإمام مخير في قتله بين ضربه
بالسيف أو تحريقه أو رجمه أو إلقائه من شاهق أو القاء
جدار فعليه ويجوز أن يجمع بين أحد هذه وبين تحريقه، وإن
204

لم يكن ايقابا كالتفخيذ بين الأليتين فجلده مأة جلدة، وقال
في النهاية: يرجم إن كان محصنا ويجلد إن لم يكن، و
الأول أشبه، ويستوي فيه الحر والعبد والمسلم
والكافر والمحصن وغيره انتهى.
أما حد اللوطي بالقائه من شاهق أو قتله بالسيف
أو تحريقه فقد دلت على ذلك صحيحة أو حسنة مالك
بن عطية الطويلة التي نقلناها سابقا (1).
ويدل على خصوص التحريق رواية القداح عن أبي عبد
الله عليه السلام أنه كتب خالد إلى أبي بكر أنه أتى برجل
يؤتى في دبره فاستشار أمير المؤمنين عليه السلام فقال
أحرقه بالنار فإن العرب لا ترى القتل شيئا (2).
وأما الرجم فتدل عليه رواية السكوني عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو كان ينبغي
لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي (3).
وروايته الأخرى عنه عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: إذا كان الرجل كلامه كلام النساء
ومشيته مشية النساء ويمكن من نفسه ينكح كما تنكح
المرأة فارجموه ولا تستحيوه (4)، وصحيحة ابن أبي عمير عن عدة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 1 - 9 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 1 - 9 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 1 - 9 - 2 - 5.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 1 - 9 - 2 - 5.
205

من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يوقب
أن عليه الرجم إن كان محصنا، وعليه الجلد إن لم يكن
محصنا (1)
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه رجم بالكوفة رجلا
كان يؤتى في دبره (2).
وعنه عليه السلام أيضا أنه قال في اللواط: هو ذنب
لم يعص الله به إلا أمة من الأمم فصنع بها ما ذكره في
كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعل الله عز وجل
بهم (3).
وأما إلقاء الجدار عليه فلم نقف فيه على مستند، نعم عن
كتاب فقه الرضا " في اللواطة الكبرى ضربة بالسيف
أو هدمة أو طرح الجدار، وهي الايقاب الحديث (4).
إلا أن كتاب فقه الرضا غير معلوم الاستناد إلى مولانا
الرضا عليه السلام كما ذكرنا ذلك كرارا في مطاوي أبحاثنا
السابقة اللهم إلا أن يقال: إن الرواية وإن كانت ضعيفة
إلا أن عمل بعض الأصحاب بمضمونها قد أجبر ضعفها
هذا تمام الكلام فيما إذا أوقب، وأما التفخيذ واللعب
بين الأليتين فحده مأة جلدة كما هو المشهور كما عن المسالك

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 8
(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 6
(3) المستدرك الباب 15 من أبواب النكاح المحرم الحديث 2
(4) المستدرك الباب - 1 - من أبواب حد اللواط الحديث 5.
206

بل عن صريح الانتصار وظاهر الغنية الاجماع عليه، قال
في الجواهر: للأصل والاحتياط انتهى
ولم يعلم ما مراده بالأصل هنا فإن كان مراده قدس
سره بالأصل هو أصل البراءة من القتل فتعارضه أصالة
البراءة من الجلد أيضا والمفروض أن عليه أحد الحدين
قطعا ولم يعلم أيهما عليه؟ فهذا المورد الذي قد تنجز التكليف
فيه على الانسان من موارد الجمع بين التكليفين لا
مورد أصل البراءة وكذا لا مورد للاحتياط هنا فإن الاحتياط
هو الجمع أيضا
فالعمدة في المستند هو رواية سليمان بن هلال عن
الصادق عليه السلام في الرجل يفعل بالرجل، فقال: إن كان
دون الثقب فالحد، وإن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب
بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو
القتل؟ قال: هو ذلك (1).
وكذا مرفوعة أبي يحيى الواسطي قال: سألته عن رجلين
يتفاخذان، قال: حدهما حد الزاني، فإن أدعم أحدهما على صاحبه
ضرب الداعم ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت و
تركت ما تركت يريد بها مقتله، والداعم عليه يحرق بالنار (2).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 6.
207

وأما مستند قول الشيخ في النهاية فهو روايات كثيرة
فمنها صحيحة حسين بن سعيد قال: قرأت بخط رجل
أعرفه إلى أبي الحسن عليه السلام وقرأت جواب أبي الحسن
عليه السلام بخطه: هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حد؟
فإن بعض الصحابة روى أنه لا بأس بلعب الرجل بالغلام
بين فخذيه، فكتب: لعنة الله على من فعل ذلك، وكتب
أيضا هذا الرجل ولم أر الجواب: ما حد رجلين نكح أحدهما
الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته؟ فكتب القتل، وما حد رجلين
وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب: مأة سوط (1)
ومنها رواية العلاء بن فضيل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
حد اللوطي مثل حد الزاني، وقال: إن كان قد أحصن رجم و
إلا جلد (2).
ومنها رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: رجل أتى رجلا، قال: عليه إن كان محصنا القتل
وإن لم يكن محصنا فعليه الجلد الحديث (3).
ومنها رواية الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن علي عليهم السلام أنه كان يقول في اللوطي: إن كان محصنا
رجم، وإن لم يكن محصنا جلد الحد (4).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط ح 5 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط ح 5 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط ح 5 - 3 - 4
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 6.
208

ومنها رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن علي
بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: حد اللوطي مثل حد الزاني
إن كان محصنا رجم وإن كان عزبا جلد مأة الحديث (1).
وهذه الروايات المفصلة بين المحصن وغيره وأن المحصن
يرجم وغير المحصن يجلد، مطلقة بالنسبة إلى الايقاب وغيره
فهي باطلاقها شاملة لغير الموقب أيضا.
لكن يمكن تقييد هذه الأخبار بالروايتين المتقدمتين أعني
رواية سليمان بن هلال (2) ورواية أبي يحيى الواسطي (3)
وربما يشعر بهذا التفصيل أي الفرق بين الموقب وغيره و
أن على الموقب القتل أو الرجم وعلى غيره الجلد رواية أبي بصير أو
صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن في كتاب
علي عليه السلام: إذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين
ضرب الرجل وأدب الغلام، وإن كان ثقب وكان
محصنا رجم " (4)، وهذه الرواية تصلح لأن تكون مستندا
لحكم ما إذا وجد مجردين في لحاف واحد فهذه أيضا قد فصلت
بين الايقاب وغيره، فالأقوى ما عليه المشهور من أنه إذا أوقب
فإن عليه القتل أو الرجم وإن لم يوقب فإن عليه الجلد أي الجلد مأة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 7 - 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 7 - 2
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 6 - 7.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب حد اللواط الحديث 6 - 7.
209

فتحمل تلك الروايات المفصلة بين المحصن وغيره،
على الايقاب ورواية سليمان بن هلال وغيرها على غيره
ثم قال في الشرائع: ولو تكرر منه الفعل وتخلله الحد مرتين
قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة وهو أشبه، والمجتمعات تحت
إزار واحد مجردين وليس بينهما رحم يعزران من ثلاثين سوطا
إلى تسعة وتسعين سوطا انتهى وقال في الجواهر: كما عن الشيخ
وابن إدريس وأكثر المتأخرين اه
ومستند الحكم هو رواية سليمان بن هلال قال: سأل
بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك
الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال: أذو رحم؟
فقال: لا، فقال: أمن ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين
سوطا (1).
ورواية ابن سنان عنه عليه السلام في رجلين يوجدان
في لحاف واحد، فقال: يجلدان حدا غير سوط (2)
وفي كثير من الأخبار المعتبرة عدم التقييد بالمحرم.
ففي صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال: حد الجلد أن يوجدا في
لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد
الحد، والمرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحد (3).
وفي صحيحة ابن مسكان مثله (4)، وفي حسنة ابن عبد الرحمان

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18 - 21 - 1 - 23.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18 - 21 - 1 - 23.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18 - 21 - 1 - 23.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18 - 21 - 1 - 23.
210

بن الحجاج قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه
عباد البصري ومعه أناس من أصحابه، فقال له: حدثني
عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد فقال له: كان علي
عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد
فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر
الحديث (الحد) حتى أعاد ذلك مرارا فقال: غير سوط
فكتب القوم الحضور الحديث (1).
وفي صحيحة الحسين بن سعيد المتقدمة قال: قرأت بخط
رجل أعرفه إلى أبي الحسن عليه السلام إلى أن قال: وما حد
رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب: مأة سوط (2)
ويمكن الجمع بين هذه الروايات والروايتين المتقدمتين
بحمل هذه الروايات على ما إذا وجدا مجردين تحت إزار
أو لحاف واحد والروايتين المتقدمتين على ما إذا كانا
غير مجردين فيكون المراد بالحد في رواية ابن سنان المتقدمة
هو التعزير، ويؤيد هذا الجمع حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: كان علي عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف
واحد مجردين جلدهما حد الزاني مأة جلدة كل واحد منهما
وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد اللواط الحديث 5.
211

كل واحدة منهما مأة جلدة (1).
وحاصل الكلام في هذه المسألة إن في كل من
حد المجتمعين تحت لحاف واحد أو تعزيرهما قد وردت
روايات كثيرة أما روايات الحد فهي كثيرة قد ذكرنا بعضها
وهي مشتملة على روايات صحيحة وحسنة، وأما روايات
التعزير فهي مضافا إلى الروايتين المتقدمتين كثيرة
أيضا كرواية زيد الشحام (2)، ورواية معاوية بن عمار (3)، و
رواية أبان بن عثمان (4) وصحيحة حريز (5)، فالجمع بين
هاتين الطائفتين من الروايات مشكل جدا، ويمكن
أن يجمع بينهما بأحد أمور الأول ما قدمناه من حمل روايات
التعزير على غير المجردين وروايات الحد على المجردين
الثاني طرح روايات الحد والعمل على وفق روايات
التعزير كما في الجواهر - بعد ما نقل كلام صاحب الشرائع
بأن المجردين يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة و
تسعين سوطا، قال: كما عن الشيخ وابن إدريس
وأكثر المتأخرين "
لكن الكثرة بين المتأخرين غير مرجحة فإنما المرجح هو
الكثرة بين القدماء، الثالث ترجيح روايات التعزير على

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 15 و 3 16 و 19 و 20.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 15 و 3 16 و 19 و 20.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 15 و 3 16 و 19 و 20.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 15 و 3 16 و 19 و 20.
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا ح 15 و 3 16 و 19 و 20.
212

روايات الحد بأن يقال: إن روايات الحد موافقة
للعامة وروايات التعزير مخالفة لهم إلا أنه يظهر من
صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عكس ذلك.
فإنه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه
عباد البصري ومعه أناس من أصحابه فقال له: حدثني
عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد، فقال له: كان
علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما
الحد، فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد
عليه ذكر الحديث (الحد) حتى أعاد ذلك عليه مرارا
فقال: غير سوط فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث (1).
فيظهر من هذه الرواية أن مأة سوط مخالف للعامة
وتسعة وتسعين موافقة لهم حيث إنه عليه السلام قال في
أول الرواية أن عليا عليه السلام ضربهما الحد وحيث إن
عباد كان من علماء العامة وكان مذهبه إلا سوط
قد أعاد عليه هذا الكلام مرارا حتى ألجأه إلى أن أفتى
تقية على وفق مذهبه وقال: غير سوط.
قال في الخلاف: روى أصحابنا في الرجل إذا وجد
مع امرأة أجنبية يقبلها ويعانقها في فراش واحد أن عليهما

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الزنا الحديث 2.
213

مأة جلدة، وروي ذلك عن علي عليه الصلاة والسلام
وقد روي أن عليهما أقل من الحد، وقال جميع الفقهاء:
عليه التعزير انتهى.
ومراده بالفقهاء فقهاء أهل الخلاف فيظهر من هذا
الكلام أن التعزير هو قول أبناء العامة فلا بد من حمل
روايات التسعة والتسعين أو رواية الثلاثين على التقية
فيصير الفتوى، على طبق روايات مأة جلدة إلا أنه قيل
لا قائل لهذا القول وأن المشهور بين فقهائنا رضوان
الله عليهم هو القول بتسعة وتسعين جلدة أو القول بمطلق
التعزير من ثلاثين إلى تسعة وتسعين، بل عن الشيخ المفيد
قدس سره من عشرة إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب
ما يراه الحاكم من مثلهما في الحال وبحسب التهمة لهما والظن
بهما السيئات ونحوه عن ابن زهرة.
الرابع من وجوه الجمع أن تحمل روايات المأة على ما
إذا علم بتحقق الفعل بينهما وحمل روايات التعزير على ما إذا
لم يعلم إلا أنه يرد على هذا الحمل في صورة العلم بتحقق
الفعل يجب عليهما القتل إذا كانا رجلين فإن اللواط
حده القتل دون الجلد، نعم يتصور ذلك فيما إذا كان
أحدهما رجلا والآخر امرأة وكانا غير محصنين، الخامس
214

معاملة العام والخاص بين الطائفتين من الروايات
بأن يحمل العام أعني مأة جلدة على الخاص أعني
تسعة وتسعين جلدة، وحمل العام على الخاص
ليس بقليل في الآيات والروايات، وهذا الحمل
هو الذي ارتضاه الأستاذ دام ظله.
لكن يرد عليه أنه حينئذ يلزم من ذلك حمل العام على
الخاص في جميع الموارد بحيث لا يبقى للعام مصداق
واحد، والعام بهذه المثابة لا يوجد في العالم أصلا، و
حينئذ الأولى الحمل على أحد الوجوه المتقدمة.
بقي الكلام في القيدين المذكورين في رواية سليمان
بن هلال المتقدمة (1) أعني أن لا يكون المجتمعان تحت
إزار واحد ذوا رحم ولم يكن اجتماعهما من ضرورة مع
أن هذين القيدين غير موجودين في سائر الروايات
إلا أن صاحب الشرائع قد ذكر أحد القيدين أعني
وليس بينهما رحم في كلامه، وربما يقال: إن ذكر القيدين
مستدرك فإن الاجتماع تحت إزار واحد إذا كان
لارتكاب السيئة فلا فرق بين الرحم وغيره بل الذنب في الرحم
أشد، وإن لم يكن لارتكاب السيئة بل كانا مؤتمنين
فلا فرق أيضا بين الرحم وغيره في عدم الحرمة وعدم التعزير

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 18.
215

فحينئذ لم يظهر فرق بين المحرم وغيره نعم في صورة
الضرورة بالاجتماع كالبرد ونحوه ترتفع الحرمة فإن
الضرورات تبيح المحذورات إلا أنه لا حاجة إلى التقييد
بالضرورة أيضا فإن مفروض كلامنا هو الاجتماع المحرم
الذي يوجب الحد أو التعزير ففي صورة الضرورة لا حرمة
لكن يمكن أن يقال: إن التقييد بعدم المحرمية لا يكون
مستدركا فإن مناط الحد أو التعزير هو ما إذا كان الاجتماع
محرما كما أشرنا إليه آنفا، واجتماع المحرمين ليس كذلك
بحسب الغالب فإن الاجتماع الذي يكون موردا
للريبة والتهمة محرم لا مطلق اجتماع شخصين وإن كانا
مأمونين فإنه ليس بمحرم، واجتماع المحرمين ليس من مواضع
التهمة والريبة فلا يكون محرما، اللهم إلا أن يقال: إن المفروض
كما ذكرنا هو الاجتماع المحرم وهو الموجب للحد أو التعزير
فاجتماع المحرمين خارج عن ذلك فلا يحتاج إلى التقييد
بغير المحرم فلذا خلى عن ذلك أكثر النصوص إلا أن يقال
إن القيد توضيحي ولا بأس به.
ثم قال في الشرائع: ولو تكرر ذلك منهما وتخلله التعزير
حدا في الثالثة، وكذا يعزر من قبل غلاما ليس له بمجرم شهوة
انتهى، ومستند الفرع الأول رواية أبي خديجة عن الصادق
216

عليه السلام الواردة في المرأتين قال: ليس لهما أن تناما
في لحاف واحد، إلا أن يكون بينهما حاجز فإن فعلتا
نهيتا عن ذلك، فإن وجدتا مع النهي جلدت كل واحدة
حدا، فإن وجدتا أيضا في لحاف واحد حدتا، فإن وجدتا
الثالثة حدتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا (1)
والظاهر أن المراد من النهي في الأول النهي
عن إرادة الاجتماع تحت لحاف واحد من دون تحقق
ذلك منهما بعد لا أن المراد تحقق الاجتماع ولذا ذكر
عليه السلام مرتين: فإن وجدتا جلدت كل واحدة حدا ثم
قال فإن وجدتا الثالثة حدتا فيعلم من ذلك أن المفروض
في صدر الرواية هو إرادة الاجتماع لا تحققه، وكيف كان
فالظاهر أن المراد بالحد هنا هو التعزير بقرينة الروايات السابقة
وأما مستند الفرع الثاني فبأن يقال: إنه كسائر
المحرمات غير الكبائر فإنها موجبة للتعزير.
ففي رواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قبل غلاما من شهوة
ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار (2)
وفي رواية أخرى: من قبل غلاما بشهوة لعنته ملائكة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 25.
217

السماء وملائكة الأرض وملائكة الرحمة وملائكة العذاب (1).
والتقييد بالغلام الذي ليس له بمحرم - مع أن تقبيل
الغلام الذي له محرم ذنبه أشد - إنما هو لأجل أن
المتعارف أن الغلام الذي يكون له محرما لا يتحقق تقبيله
بشهوة إلا نادرا.
وعن إسحاق بن عمار أنه سأل الصادق عليه السلام
عن محرم قبل غلاما بشهوة، قال: يضرب مأة (2).
ولعل الزائد عن التعزير إنما هو لأجل التغليظ
للاحرام بأن يكون الخمسين مثلا تعزيرا للتقبيل والخمسين
الآخر للتغليظ للاحرام لا أنه يجب عليه الحد الكامل
لأجل التقبيل في حال الاحرام.
ثم إنه تاب اللائط قبل قيام البينة سقط
الحد، ولو تاب بعده لم يسقط، ولو كان مقرا كان
الإمام مخيرا في العفو والاستيفاء كما قاله في الشرائع
(البحث في حد السحق)
قال في الشرائع: والحد في السحق مأة جلدة حرة
كانت أو أمة مسلمة كانت أو كافرة محصنة أو غير محصنة
للفاعلة والمفعولة، وقال (الشيخ) في النهاية: ترجم مع الاحصان
وتحد مع عدمه، والأول أولى انتهى ومستند القول

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب النكاح المحرم الحديث 3
(2) مستدرك الوسائل الباب 18 من أبواب النكاح المحرم ح 3.
218

الأول موثقة زرارة عن الباقر عليه السلام قال: المساحقة
تجلد (1).
والمرسل عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال: السحق في النساء كاللواط في الرجال
ولكن فيه جلد مأة لأنه ليس فيه ايلاج (2).
وكذا ظاهر ما ورد عنه عليه السلام أيضا من جلد المجتمعين
في لحاف واحد أو ضربهما الحد (3) وبما أرسله في الروضة
من أن فيه أخبارا صحيحة، وإن كان فيه ما فيه، وبذلك يخرج
عما يقتضي التنصيف في الأمة إذا التعارض من وجه
والترجيح لما هنا لما عرفت، كما أن ظاهرهم هنا عدم الفرق
بين المسلمة والكافرة فاعلة أو مفعولة، قاله في الجواهر.
ومراده بقوله عما يقتضي التنصيف في الأمة هو قوله
تعالى: فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب " فاطلاق الآية شامل
للمساحقة، والروايات المتقدمة قد دلت باطلاقها على
وجوب جلدهما - أي الأمة مأة جلدة فيقع التعارض
بين الآية الدالة على وجوب جلد الأمة نصف ما على الحرة
وبين هذه الروايات الدالة على وجوب جلدهما مأة، و

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 2
(2) المستدرك الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 4
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا.
219

قال في الجواهر: وبذلك (أي بما أورده من الروايات
المطلقة من باب المساحقة) يخرج عما يقتضي التنصيف
في الأمة إذ التعارض من وجه والترجيح لما هنا لما عرفت
انتهى ومراده بقوله: لما عرفت ما ذكره في هذه المسألة
أي مسألة المساحقة من قوله: وفاقا للأكثر (أي أنها
تجلد مأة جلدة حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة) كما في كشف
اللثام بل المشهور كما في الرياض، بل في المسالك نسبته
إلى المفيد والمرتضى وأبي الصلاح وابن إدريس وسائر
المتأخرين بل عن السرائر نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالاجماع
عليه انتهى.
فإن كان هنا اجماع وإلا فللنظر في هذه المسألة بالنسبة
إلى الأمة مجال فإن الآية المتقدمة مطلقة تشمل المساحقة
بل يستفاد من بعض الروايات الآتية (1) أن المراد
بالفاحشة السحق، وكيف كان فلا فرق في المساحقة بين
المسلمة والكافرة والمحصنة وغير المحصنة والفاعلة والمفعولة
إلا أن الشيخ قال في النهاية: ترجم مع الاحصان وتحد
مع عدمه ونحوه عن القاضي وابن حمزة بل مال إليه في محكى
المسالك ومستندهم حسنة محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد من كتاب الطلاق الحديث 3.
220

عن الصادق عليه السلام أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة
منهن عن السحق، فقال: حدها حد الزاني، فقالت المرأة:
ما ذكر الله ذلك في القرآن، فقال: بلى: قالت: وأين؟
فقال: هن أصحاب الرس (1).
ولكن في خبر الاحتجاج عن مولانا القائم عجل الله فرجه
أنه سئل عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها
أن يخرجها من بيته في أيام عدتها، فقال: تلك الفاحشة
السحق وليست في الزنا لأنها إذا زنت يقام عليها الحد
وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد
الذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، و
الرجم هو الخزي، ومن أمر الله برجمها ليس لأحد أن يقربها (2)
وكذا ما ورد أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بامرأتين
يتساحقان فدعا بالنطع فأمر بهما فأحرقتا بالنار (3).
إلا أن الروايتين قاصرتان عن المعارضة لتلك الروايات
ولذا قال في الشرائع: والأول أولى " وقال في الجواهر: وأحوط
خصوصا بعد درء الحد بالشبهة انتهى.
إلا أنه لا يخفى ما فيه فإن المحصنة يجب عليها أحد الحدين

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 1
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد من كتاب الطلاق الحديث 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 4.
221

إما الحد أو الرجم فأمرها دائر بين المتبائنين لا الأقل والأكثر
حتى يقال: إن الأقل متيقن والأكثر وهو الرجم مشكوك فيه
فينفي بالأصل أو يدرأ بالشبهة فالاحتياط يقتضي الاتيان
بكليهما حتى يعلم تحقق الامتثال إلا أن يقال: إنه يعلم بعدم وجوب
كلا الأمرين والروايات وإن كان مضمونها أن حد المساحقة
حد الزاني ولازم ذلك هو التفصيل بين المحصنة وغيرها بوجوب
الرجم على المحصنة والجلد على غيرها إلا أن الأكثر قد اتفقوا على
وجوب الجلد على المحصنة وغيرها بل ادعى عليه الاجماع كما عرفت
ذلك، فللازم هو العمل على قولهم وطرح روايات الرجم فإنه
لا يقول به إلا القليل.
وقال في الشرائع أيضا: وإذا تكررت المساحقة مع إقامة
الحد ثلاثا قتلت في الرابعة انتهى، قال في الجواهر: أو الثالثة
على القولين السابقين لكن في اللمعة هنا القتل في الرابعة
وفي الزناء واللواط القتل في الثالثة، بل في الروضة: وظاهرهم
هنا عدم الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة،
كما في عبارة المصنف، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه خصوصا
بعد ظهور كلام غير واحد بل صريح آخر حتى هو في المسالك -
أن المسألة في المقام على الكلام السابق في نظائرها ضرورة
عدم خصوصية لها بل لولا قوة الظن بمساواتها للزناء الملحق به
222

اللواط لاتجه القتل في الثالثة بناء على رواية قتل أهل الكبائر
فيها والله العالم انتهى وهو كلام حسن جدا
ثم قال في الشرائع: ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة
ولا يسقط بعدها، ومع الاقرار والتوبة يكون الإمام
مخيرا انتهى أي مع اقرارها بالمساحقة وتوبتها يكون مخيرا بين
إقامة الحد عليها والعفو عنها كما في الزنا واللواط خلافا للمحكى
عن ابن إدريس فلم يجوز العفو، وقال: إنما له العفو عن
القتل.
ثم إن المساحقة كالزنا واللواط في ثبوتهما بالاقرار
أربعا وبشهادة أربعة رجال، وقال في الجواهر: بل كاللواط
في عدم الثبوت إلا بشهادة الرجل خاصة للأصل وغيره
خلافا لمن عرفت كما تقدم في كتاب الشهادات ومن الغريب
هنا ما في مجمع البرهان من دعوى ثبوت السحق بالاقرار مرتين
وشهادة العدلين مفسرا به عبارة الارشاد مع أنه في
القواعد نص على اعتبار الأربع في الشهادة والاقرار بل في
كشف اللثام الاجماع عليه قال: ويدل على الأول قوله
تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا
عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت
حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (1))

(1) سورة النساء الآية 15.
223

وقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة الآية (1) وبالجملة فالمسألة
مفروغ منها انتهى وهو حسن
والأجنبيتان إذا وجدتا في إزار مجردتين عزرت كل واحدة
دون الحد قاله أيضا في الشرائع ومستند هذا الحكم ما ذكرناه فيما
إذا وجد الرجلان أو رجل وامرأة مجردين تحت إزار واحد
خصوصا رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا
أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك، الرجل ينام مع
الرجل في لحاف واحد، فقال: ذوا محرم؟ فقال: لا قال:
من ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا ثلاثين
سوطا إلى أن قال: قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحاف
فقال: ذوا محرم؟ قلت: لا، قال: من ضرورة؟ قلت: لا،
قال: تضربان ثلاثين سوطا قلت: فإنها
فعلت، قال: فشق ذلك عليه فقال: أف أف أف
ثلاثا وقال: الحد (2).
فيظهر من هذه الرواية أن تعزيرهما أي تعزير كل واحد منهما
- إذا لم تحقق منهما المساحقة - ثلاثون سوطا، ولكن عن أشربة

(1) سورة النور الآية 4
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 21.
224

الخلاف " لا يبلغ بالتعزير الحد الكامل بل يكون دونه، وأدنى
الحدود في الأحرار ثمانون والتعزير فيهم تسعة وتسعين سوطا،
وأدنى الحدود في المماليك أربعون، وأدنى التعزير فيهم تسعة
وثلاثون " وعن ابن إدريس تنزيله على أنه إذا كان الموجب
للتعزير مما يناسب الزناء ونحوه مما يوجب مأة جلدة فالتعزير
فيه دون المأة، وإن كان مما يناسب شرب الخمر أو القذف
فالتعزير فيه دون الثمانين انتهى.
أقول: قد بينا هذه المسألة - أي مسألة اجتماع الرجلين
مجردين أو المرأتين أو رجل وامرأة تحت إزار واحد وتكلمنا
فيها مستقصى هناك فلا نعيد ذلك فراجعها هناك
قال في الشرائع أيضا: وإن تكرر الفعل والتعزير مرتين
أقيم عليها الحد في الثالثة، وإن عادتا قال في النهاية: قتلتا،
والأولى الاقتصار على التعزير احتياطا في التهجم على الدم "
وقال في الجواهر - بعد قوله: أقيم عليها الحد في الثالثة -: بلا خلاف
أجده إلا ما يحكى عن ظاهر الحلي من القتل فيها لأنها كبيرة، و
كل كبيرة يقتل فاعلها في الثالثة بعد تخلل الحد أو التعزير، وفيه أنه
بعد تسليمه مخصص بخبر أبي خديجة السابق المنجبر في الفرض
بالشهرة العظيمة التي هي اجماع أو كالاجماع انتهى ومراده بخبر
أبي خديجة هو ما رواه في الوسائل عنه قال: لا ينبغي لامرأتين
225

تنامان في لحاف واحد إلا وبينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا
عن ذلك، فإن وجدتا بعد النهي في لحاف واحد جلدتا
كل واحد منهما حدا حدا، فإن وجدتا الثالثة في لحاف حدتا
فإنه وجدتا الرابعة قتلتا (1).
فإنه يظهر من هذا الخبر أنهما يحدان في الثالثة ويقتلان
في الرابعة ويعضده ما روي من قتل أصحاب الكبائر في
الرابعة (2)، مضافا إلى الاحتياط في التهجم على الدماء كما أشار
إليه في الشرائع.
(مسألتان)
(الأولى:)
لا كفالة في حد ولا تأخير فيه ولا شفاعة في إسقاطه
قاله في الشرائع ومستند الحكم الأول - مضافا إلى دعوى
اللاخلاف كما في الجواهر نقلا عن الرياض - الحسن أو الصحيح
عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا كفالة في حد (3)، ومستند الحكم الثاني رواية مثنى الحناط
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لأسامة بن زيد: لا يشفع في حد (4).

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 25
(2) لم أظفر بها في مظانها إلا أن صاحب الجواهر قد أشار إليها
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
226

وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان
لأم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) مولاة فسرقت من قوم
فأتي بها النبي صلى الله عليه وآله فكلمته أم سلمة فيها فقال النبي صلى
الله عليه وآله: هذا حد من حدود الله لا يضيع فقطعها رسول الله
صلى الله عليه وآله (1).
وفي الحسن أو الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام فإنه
لا يملكه واشفع فيما لا يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، واشفع
عند الإمام في غير الحد مع الرضا من المشفوع له ولا تشفع في
حق امرء مسلم ولا غيره إلا بإذنه (2)، إلى غير ذلك من الروايات
(المسألة الثانية:)
لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت قال في النهاية: على
المرأة الرجم، وعلى الصبية جلد مأة بعد الوضع، ويلحق الولد بالرجل
ويلزم المرأة المهر، أما الرجم فعلى ما مضى من التردد والأشبه
الاقتصار على الجلد، وأما جلد الصبية فموجبه ثابت وهو المساحقة
وأما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان وقد انخلق منه الولد فيلحق به، و
أما المهر فلأنها سبب في اذهاب العذرة، ودينها مهر نسائها
وليست كالزانية في سقوط دية العذرة لأن الزانية أذنت

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 4.
227

في الافتضاض، وليست هذه كذلك، وأنكر بعض المتأخرين
ذلك، وظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة
وسقوط النسب قاله أيضا في الشرائع.
فلنوضح بعض ما ذكره قدس سره أما الرجم على المساحقة
التي ساحقت بكرا فلأن المساحقة كالزانية فكما أن الزانية
إذا كانت بكرا يجب عليها الجلد وإذا كانت محصنة يجب
عليها الرجم كما تقدم في الحسن أو الصحيح عن الصادق عليه السلام
أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال
حدها حد الزاني (1)، فالمرأة المزبورة كانت محصنة.
ومن المعلوم أن الزاني حده الجلد إن لم يكن محصنا و
الرجم إن كان محصنا لكن قد عرفت هناك إنا قد رجحنا روايات
الجلد مطلقا كموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المساحقة
تجلد (2)، فليس على هذه المرأة وإن كانت محصنة إلا الجلد
وأما جلد الجارية البكر فلأنها كانت مساحقة فحدها
الجلد لأن المفروض أنها قد مكنت نفسها لأن تساحق
المرأة معها، وأما الولد فهو ملحق بالرجل لأنه من مائه ولم يكن مائه
ماء الزاني، فيكون مائه كماء الواطئ بالشبهة الذي يلحق به الولد
وأما المهر فلأن المرأة صارت سببا في ذهاب بكارة الجارية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 1 - 2 ولكن فيه الساحقة تجلد.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد السحق الحديث 1 - 2 ولكن فيه الساحقة تجلد.
228

فإنها قد أذنت لها بالمساحقة ولم يأذن لها بذهاب عذرتها
فإذا ذهاب عذرتها بالحمل للولد ووضعه مستند إلى المرأة إلا
أن بعض المتأخرين قد توهم أن المساحقة كالزانية في سقوط
دية العذرة وسقوط النسب "
وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
وأبا عبد الله (ع) يقولان: بينا الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس
أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير
المؤمنين قال: وما حاجتكم؟ قالوا: أرنا أن نسأله عن مسألة
قال: وما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام
عنها قامت فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطفة
فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن عليه السلام: معضلة و
أبو الحسن لها، وأقول، فإن أصبت فمن الله ثم من أمير المؤمنين
وإن أخطأت فمن نفسي وأرجو أن لا أخطأ فيه، إنه يعمد إلى
المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة لأن الولد لا
يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها ثم ترجم المرأة لأنها محصنة
وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها، ويرد إلى أبيه صاحب
النطفة، ثم تجلد الحد، فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام
فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فأخبروه فقال: لو أني المسؤول ما
كان عندي فيها أكثر عما قال ابني (1)

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السحق الحديث 1.
229

ولكن أورد ابن إدريس على هذه المسألة - على ما حكي عنه
- بوجوه أحدها أن أصحابنا لا يرجمون المساحقة فلا يجترئ
على رجمها بخبر واحد لا يعضده كتاب أو سنة متواترة، الثاني
أن الولد غير مولود على فراش الرجل فكيف يلتحق به؟ والثالث
إلزام المهر على الفاعلة مع أنها لم تكره المفعولة ولذا تجلد، ولا مهر
لبغي انتهى.
وأورد أيضا صاحب الجواهر على هذه المسألة بقوله: وقد
يناقش - مع قطع النظر عن النص المزبور الجامع لشرائط العمل
ولا يقدح عدم العمل به في الأول (أي رجم المساحقة) للمعارض
في العمل به في الأخيرين - بأن ذلك لا يكفي في لحوق الولد
شرعا، ضرورة كون الثابت من النسب فيه الوطؤ الصحيح ولو
شبهة، وليس هذا منه، وليس مطلق التولد من الماء موجبا للنسب
شرعا، ضرورة عدم كون العنوان فيه لخلق من مائه، والصدق
اللغوي - بعد معلومية الفرق بين الانسان وغيره من الحيوان
- بمشروعية النكاح فيه دونه، بل المراد منه تحقق النسب
ومن ذلك يظهر الاشكال في لحوق ولد المكرهة بها، إذا لم
يثبت كون ذلك من الشبهة شرعا، كما أن من ذلك يظهر
لك أن المتجه عدم لحوقه بالصبية وإن لم تكن زانية كما في المسالك
بل في القواعد أنه الأقرب بعد الاشكال فيه، وكأن وجهه
مما عرفت، ومن صدق عدم الزناء مع الولادة ولا دليل على
230

كونه بحكمه في ذلك أيضا كما هو واضح، نعم لا اشكال في عدم لحوقه
بالكبيرة لعدم الولادة ومما ذكرنا لك يظهر لك النظر في ما في
الرياض من اختيار الالحاق بالبكر فلاحظ وتأمل
وبأنها بعد الإذن بوضع النطفة فيها مع فرض علمها بوطئ
الزوج أو احتمالها لا تستحق المهر ضرورة كونها أقوى منها في ذلك
فالعمدة حينئذ العمل بالنص المزبور الذي لا يوافق أصول ابن
إدريس بل قد يشكل ما فيه أيضا من تعجيل المهر بأنه غرامة قبل تحقق
السبب المحتمل للعدم بالموت والتزويج ونحوه، ويمكن إرادة
بيان أصل الاستحقاق مع فرض التحقق لا تعجيل الأداء، و
الله العالم انتهى.
وفيه ما لا يخفى فإنه كالاجتهاد في قبال النص إذ
بعد الاعتراف بوجود النص الجامع لشرائط العمل لا وجه
لهذه المناقشات إلا بالنسبة إلى رجم لمساحقة فإن المشهور
كما قدمناه هو جلدها مطلقا أي وإن كانت محصنة فالعمل
حينئذ على روايات الجلد فإنا قد قدمناها على روايات الرجم،
وعدم امكان العمل بجملة واحدة من الرواية لأجل معارضتها
بروايات أو دليل أقوى منها لا يستلزم طرح الرواية رأسا
غاية الأمر أنه لا يعمل بخصوص تلك الجملة الموجودة في الرواية
ونعمل بباقي الرواية وقد أفتى بمضمون هذه الرواية المتقدمة
أعاظم العلماء، ومخالفة مثل ابن إدريس غير ضائرة بعد
231

معلومية طريقته من أنه لا يعمل بالخبر الواحد وإن كان في أعلى
درجة الصحة.
ثم قال في الشرائع: وأما القيادة فهي الجمع بين الرجال
والنساء للزناء أو بين الرجال والرجال للواط، ويثبت بالاقرار
مرتين مع بلوغ المقر وكماله وحريته واختياره وبشهادة شاهدين
ومع ثبوته يجب على القواد خمس وخمسون جلدة وقيل:
يحلق رأسه ويشهر، ويستوي فيه الحر والعبد والمسلم والكافر
وهل ينفى بأول مرة؟ قال (الشيخ) في النهاية: نعم، وقال
المفيد ينفى في الثانية، والأول مروى، وأما المرأة فتجلد
وليس عليها جز ولا شهرة ولا نفي انتهى.
بل عن الغنية وجامع ابن سعيد والاصباح زيادة
" أو بين النساء والنساء للسحق " ولفظ بعض الروايات
في تفسير القيادة وإن كان بين الرجل والمرأة إلا أن
هذا اللفظ من باب المثال ولذا قد ألحق أكثر العلماء بالزناء
اللواط فلا يبعد أن تكون القيادة لأجل المساحقة أيضا
كذلك.
وأما ثبوتها بالاقرار مرتين فادعى عليه اللاخلاف في
الجواهر وقال: وكأنه لفحوى اعتبار الأربع في ما تثبته شهادة
الأربع انتهى ومراده أن الزناء كما يعتبر في اثباته شهادة
232

ولذا يعتبر في اثباته بالاقرار أربع مرات فكذا يعتبر في القيادة
أيضا الاقرار مرتين لأن إثباتها بشهادة شاهدين.
إلا أن هذا الوجه يشبه بالاستحسان والقياس
مضافا إلى أن اطلاق قوله (ع): اقرار العقلاء على أنفسهم جائز
يدفع اعتبار التكرار في الاقرار إلا إذا دل الاجماع على
اعتباره مرتين وإلا فلا بد أن يقال بكفاية مرة واحدة في
ثبوت القيادة، وأما اعتبار بلوغ المقر وكماله فلأن غير البالغ
وغير العاقل مسلوبا العبارة أي لا اعتبار بالعبارة التي تصدر
منهما، فلا اعتداد باقرارهما،
وأما اعتبار حريته إقراره اقرار في حق الغير وهو
مولاه فإنه يكون ملكا له، والاقرار في حق الغير غير مقبول، نعم
إذا لم يستلزم اقراره الضرر على مولاه كما إذا أقر للغير بمال
في ذمته فإنه يقبل اقراره ويتبع بعد عتقه.
وأما اعتبار الاختيار فإن كان المراد منه أنه صار قوادا
بالاختيار لا بالاكراه فأقر بذلك فلا بأس به، وإذا كان
المراد أن اقراره بالقيادة كان بالاختيار لا بالاكراه فهو أيضا
حسن، وكيف كان فكما أن القيادة تثبت بالاقرار مرتين
أو مرة كما قويناه تثبت بشاهدين ومع ثبوتها فالقواد يجلد
خمسة وسبعين جلدة سواء فيه الرجل والمرأة وادعى عليه
233

الاجماع مضافا إلى رواية عبد الله بن سنان قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن القواد ما حده؟ قال:
لا حد على القواد، أليس إنما يعطى الأجر على أن يقود؟
قلت: جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر والأنثى حراما،
قال: ذلك المؤلف بين الذكر والأنثى حراما قلت: هو
ذاك جعلت فداك، قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني
خمسة وسبعين سوطا وينفى من المصر الذي هو فيه (1).
وأما ما قيل من أنه يلحق رأسه ويشهر ففي الجواهر " هو
مشهور بين الأصحاب الذين منهم ابن إدريس الذي لا يعمل
بأخبار الآحاد بل عن الانتصار والغنية الاجماع عليه، ولعل ذلك
كاف في ثبوت مثله، مضافا إلى إشعار النفي المراد منه
شهرته بذلك، خصوصا بعد وروده في مثله، كما عرفت، فما
عساه يظهر من المصنف من التردد في ذلك بل عن ابن
الجنيد الاقتصار على مضمون الخبر المزبور بل مال إليه في المسالك
في غير محله انتهى.
إلا أن الخبر المزبور لا يستفاد منه أكثر من نفيه عن مصره
فلا يستفاد منه حلق رأسه أو تشهيره فإن كان هنا اجماع
وإلا فللنظر فيه مجال، وكيف كان فيستوي في هذا الحكم

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السحق الحديث 1.
234

الحر والعبد والمسلم والكافر لاطلاق الرواية المتقدمة إلا أنه
يمكن الخدشة في اطلاقها بالنسبة إلى العبد لقوله تعالى: فعليهن
نصف ما على المحصنات من العذاب " فاطلاق هذه الآية
معارض لاطلاق الرواية المتقدمة وقد أوردنا نظير هذه الخدشة
في مبحث المساحقة فراجع.
وهل ينفى عن مصره بأول مرة من القيادة؟ قال الشيخ
في النهاية: نعم وقال الشيخ المفيد: ينفى في الثانية، ومستند قول
الشيخ هو الخبر السابق (1) حيث إن ظاهره هو تحقق
مطلق القيادة منه وهو يصدق على صدورها منه بأول مرة
ومستند قول المفيد هو الاحتياط في الحدود بل عن الغنية
دعوى الاجماع عليه، إلا أن الاحتياط ليس له مورد هنا
بعد دلالة الخبر المزبور على وجوب جلده خمسة وسبعين
سوطا بمجرد صدور القيادة منه، والاجماع غير معلوم التحقق
وكيف كان فليس في الخبر المزبور (2) تحديد لمدة النفي
وهل تكون سنة أو حدها تحقق التوبة منه؟ فعن الرياض
" وفي الرضوي وغيره أن المراد به الحبس أو يتوب، والرواية
مرسلة فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة " وعن كشف اللثام
" في بعض الأخبار النفي هو الحبس سنة، وقال ابن زهرة: و
روى أنه إن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة عرضت عليه التوبة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السحق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السحق الحديث 1.
235

فإن أبى قتل، وإن أجاب قبلت توبته وجلد، فإن عاد
خامسة بعد التوبة من غير أنه يستتاب، وأفتى به
الحلبي، وفي المختلف - على ما حكي عنه - ونحن في ذلك
من المتوفقين " قال في الجواهر: بل ينبغي العمل بما دل على
قتل أصحاب الكبائر في الثالثة أو الرابعة بعد تخلل الحد
انتهى.
وكيف كان فحمل النفي عن مصره على الحبس بعيد في
الغاية والرواية الدالة على ذلك مرسلة غير معتمد عليها، وتحديد
النفي بالسنة أيضا بعيد نعم لا يبعد تحديده بالتوبة لصدق
اسم القواد عليه قبلها، وإن كان هذا الوجه لا يخلو عن المناقشة
فإنه يمكن اطلاق القواد عليه حتى بعد التوبة بناء على أن المشتق
لا يكون حقيقة في خصوص المتلبس، هذا كله في الرجل.
وأما المرأة فتجلد فقط، وليس عليها الخبر ولا الشهرة ولا النفي
قال في الجواهر: اتفاقا على الظاهر منهم كما اعترف به في كشف
اللثام، بل عن الانتصار والغنية الاجماع عليه مضافا إلى الأصل
بل في الرياض " واختصاص الفتوى والرواية بحكم التبادر
بالرجل دون المرأة، مع منافاة النفي والشهرة لما يجب
مراعاته (في المرأة) " وإن كان فيه أنه لا دليل حينئذ على
جلدها، اللهم إلا أن يكون مستنده الاجماع على هذا التقدير
236

انتهى، وفيه أن الرواية - أعني رواية عبد الله بن سنان (1)
المتقدمة وإن كان ظاهرها كون القواد هو الرجل إلا أن
لفظ الرجل يذكر من باب المثال كقوله عليه السلام: رجل شك
بين الثلاث والأربع " ومن المعلوم أن حكم الشك بين
الثلاث والأربع ليس مختصا بالرجل، فهنا أيضا نقول: إن
حكم القيادة لا اختصاص له بالرجل فلولا دعوى الاجماع على
عدم النفي على المرأة لقلنا به أيضا إلا أن ضربها للحد تشمله
الرواية بلا اشكال.
(الباب الثالث)
في حد القذف، والنظر في أمور أربعة، الأول في الموجب
وهو الرمي بالزناء أو اللواط كقوله: زنيت أو لطت أو ليط
بك أو أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره وما يؤدي هذا
المعنى صريحا مع معرفة القائل بموضوع اللفظ بأي لغة اتفق
قاله في الشرائع، وأصل القذف الرمي كأن القاذف
يرمي المقذوف بالكلمة القبيحة يؤذيه أو يهينه بها، وحده
مذكور في الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة (2)، وأما السنة فهي كثيرة نذكر بعضها إن شاء

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السحق الحديث 1 (2) سورة النور: 4.
237

الله تعالى، وأما الحاق القذف بالسحق فعن القواعد
الاشكال فيه، ولعل الأولى الالحاق للآية المتقدمة فإنها
باطلاقها تشمل الرمي بالسحق أيضا.
وأما القذف فيتحقق بقوله: زنيت أو لطت بفتح اللام
أو ليط بك أو أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره وما يفيد
هذا المعنى مع معرفة القائل بمفاد اللفظ فإنه بدون المعرفة
بمعنى اللفظ لا يتحقق القذف وإن كان معناه صريحا
بحسب الفهم العرفي عند غيره إذا لم يعرف معناه هو،
ويتحقق القذف بهذه الألفاظ ونحوها بأي لغة كانت
وفي حسنة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن الفرية ثلاث
يعني ثلاثة وجوه: رمي الرجل بالزناء، وإذا قال: إن أمه
زانية وإذا ادعى لغير أبيه، فذلك فيه حد ثمانون (1)
وليس المراد من هذه الرواية حصر القذف في هذه الثلاثة
بالنسبة إلى الزنا فضلا عن غيره، كما يظهر من سائر روايات
باب القذف كما في رواية عباد بن صهيب عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: إذا قال الرجل
للرجل: يا معفوجا ومنكوحا في دبره فإن عليه الحد حد القاذف (2)
وفي رواية وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد القذف الحديث 2.
238

عليهما السلام أن عليا عليه السلام لم يكن يحد في التعريض حتى
يأتي بالفرية المصرحة، مثل يا زاني يا بن الزانية ولست
لأبيك (1).
والظاهر أن المراد بالفرية المصرحة ما يشمل الظاهر
أي يكون ظاهر اللفظ هو نسبة الزنا إلى أبيه أو أمه أو إليه و
ليس المراد بالتصريح ما لا يحتمل الخلاف أصلا لصدق الرمي
بذلك عرفا
ثم قال في الشرائع: ولو قال لولده الذي أقر به: لست
ولدي وجب عليه الحد، وكذا لو قال لغيره: لست لأبيك
ولو قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية فهو قذف للأم
وكذا لو قال: زنى بك أبوك أو يا بن الزاني فهو قذف
لأبيه، ولو قال: يا بن الزانيين فهو قذف لهما ويثبت به الحد
ولو كان المواجه كافرا لأن المقذوف ممن يجب له الحد،
ولو قال: ولدت من الزنا ففي وجوب الحد لأمه تردد
لاحتمال انفراد الأب بالزناء، ولا يثبت الحد مع الاحتمال
انتهى، أما في الفرض الأول - أي لو قال لولده الذي أقر
بأنه ولده: لست ولدي ففيه احتمالان أحدهما أن يكون
المراد نسبة الزناء إلى أمه فهذا موجب للحد للفرية على أمه

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد القذف الحديث 9.
239

وثانيهما أن يكون مراده أن ليس فيك من صفات أبيك
من الشجاعة والسماحة والعلم والأدب شئ فليس عليه
حينئذ شئ، فإن كان كلامه ظاهرا في الاحتمال الأول
في عرفه يضرب به الحد، وأما إذا كان ظاهرا في الاحتمال
الثاني أو كان مراده مشتبها فليس عليه الحد لدرئه بالشبهة، و
كذا لو قال لغيره: لست لأبيك.
وأما إذا قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية فهو
قذف لأمه، وكذا إذا قال: يا زوج الزانية أو يا أخا الزانية
فهو قذف لزوجته أو أخته، وأما إذا قال: زنا بك أبوك
أو يا بن الزاني فهو قذف لأبيه وهذا كله واضح وكذا إذا قال:
يا بن الزانيين فهو قذف لأبيه وأمه، ولو كان المواجه بذلك
كافرا فإن المقذوف الذي قذفه بالزناء ممن يجب له الحد
فإنه لا يجوز أن يقذفه بالزناء وإن كان كافرا فإنه يكون
لكل قوم نكاح فكل من يجب له الحد يحد من رماه بالزناء
ويجب أيضا - مضافا إلى حده للفرية - تعزيره لأجل مخاطبته
بشئ قد آذاه بذلك.
وأما إذا قال: ولدت من الزنا ففي وجوب حده لأمه
تردد فإنه كما يحتمل أن يكون نسب إلى أمه الزنا يحتمل
أن يكون نسب إلى أبيه فإن التولد يتحقق من الطرفين
240

أي الأب والأم فإذا قال: ولدت من الزناء لم يعلم من
الذي نسبه إلى الزنا الأب فتكون الأم مكرهة أو مشتبهة
أم الأم فيكون الأب مكرها أو مشتبها؟ أو كليهما؟ ومن
المعلوم أن نسبة الزنا إلى شخص مجهول - كما إذا قال: قد
زنى واحد من الناس - غير موجب للحد.
ولكن في المسالك " يمكن الفرق بانحصار الحق
في المتنازع في الأبوين، فإذا اجتمعا على المطالبة تحتم الحد
بمطالبة المستحق قطعا وإن لم يعلم عينه، ولعل هذا أجود،
نعم لو أنفرد أحدهما بالمطالبة تحقق الاشتباه واتجه عدم
الثبوت لعدم العلم بمطالبة المستحق انتهى.
إلا أنه يرد عليه أن مع اجتماعهما أيضا لا يعلم المستحق
بالمطالبة وإن كان الحق لا يعد وهما لكن لا يعلم خصوص
من نسب إليه الزنا، فإن اجتماعهما لا يعين أن المنسوب
إليه من هو؟ فلم يرتفع الجهل بواسطة اجتماعهما، ومع الجهل
لا يجوز حده مضافا إلى درء الحد بالشبهة، ومن
ذلك يعلم الحال في ما لو قال: أحدهما زان لا على التعيين
الذي استشكل فيه في القواعد - على ما حكي عنه - من ثبوت
حق في ذمته وقد أبهمه فلنا المطالبة بالقصد، ومن أن في ذلك
إشاعة بالفاحشة وزيادة في الايذاء والتعيير، فليس إلا
ايجاب حد لهما لا يقام إلا عند اجتماعهما لانحصار
241

الحد فيهما " وفي كشف اللثام - على ما حكي عنه - وهو الأقوى
لكن يرد عليه أيضا ما أوردة على صاحب المسالك من أن
نسبة الزنا إلى شخص مجهول غير موجب للحد، والمطالبة
منه بالقصد حرام وإشاعة للفاحشة كما أشار هو رحمه الله
بذلك،
أما لو قال: ولدتك أمك من الزنا فهو قذف للأم
وهذا الاحتمال أضعف، ولعل الأشبه عندي التوقف
لتطرق الاحتمال وإن ضعف قاله أيضا في الشرائع
والأشبه هو الذي اختاره أخيرا فإن قوله: ولدتك
أمك من الزنا ليس صريحا في قذف الأم ولا ظاهرا فيه
فإنه كما يحتمل أن يكون الزناء من الأم يحتمل أن يكون من
الأب فيصدق على ما إذا زنى الأب أنها ولدته من الزنا
وإن لم تكن الأم زانية بل مشتبهة أو مكرهة فلم يوجب
ذلك حد القذف، وإن كان ظهوره في قذف الأم أزيد
ولو قال: يا زوج الزانية فالحد للزوجة، وكذا لو قال: يا
أبا الزانية أو يا أخا الزانية فالحد لمن نسب إليها الزناء دون
المواجه، ولو قال: زنيت بفلانة أو لطت بفلان فالقذف
للموجه ثابت، وفي ثبوته للمنسوب إليه تردد، قال في
النهاية والمبسوط: يثبت حدان لأنه فعل واحد متى
كذب في أحدهما كذب في الآخر، ونحن لا نعلم أنه
242

فعل واحد، لأن موجب الحد في الفاعل غير الموجب في
المفعول، وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه،
قاله أيضا في الشرايع.
أما قوله: ولو قال: زنيت بفلانة أو لطت بفلان
فالقذف للمواجه ثابت الخ فوجهه ظاهر فإنه تصريح بقذفه
بالزناء أو اللواط، وأما نسبة الزنا، أو اللواط إلى المنسوب
إليه ففيه تردد لاحتمال كونه مكرها إلا أن الشيخ في النهاية
والمبسوط قال: إن عليه حدان فإن الزنا أو اللواط فعل
واحد قائم بالطرفين فمتى صدق في أحدهما صدق في
الآخر ومتى كذب في أحد الطرفين كذب في الطرف الآخر،
إلا أنه يمكن أن يقال: إنا لا نسلم أنه فعل واحد
فإن نسبته إلى أحدهما بالفاعلية وإلى الآخر بالمفعولية
فيمكن أن يكون صدوره من أحدهما بالاختيار ومن الآخر
بالاكراه والاضطرار.
ولعله يدل عليه الصحيح الوارد في نظير هذا البحث
وهو صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل
قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه الحد واحد
لقذفه إياها، وأما قوله: أنا زنيت بك فلا حد فيه إلا أن
يشهد على نفسه أربع شهادات بالزناء عند الإمام (1)

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب حد القذف الحديث 1.
243

فإن قوله لامرأته: يا زانية قذف لها وأما قوله: أنا زنيت
بك لم يثبت زناه بها إلا إذا أقر أربع مرات بالزناء
ثم قال في الشرائع: ولو قال لابن الملاعنة: يا بن الزانية
فعليه الحد، ولو قال لابن المحدودة قبل التوبة لم يجب به الحد، و
بعد التوبة يثبت الحد، ولو قال لامرأته: زنيت بك فلها
حد على التردد المذكور، ولا يثبت في طرفه حد الزناء حتى يقر
أربعا انتهى
أما إذا قال لابن الملاعنة: يا بن الزانية فإنه نسب
إلى أمه الزناء مع أنه ارتفع عنها نسبة الزناء بواسطة اللعان
فحينئذ عليه حد القذف، وأما إذا نسب الزناء إلى المحدودة
أي التي وجب عليها حد الزنا فإن كان قبل توبتها أي
إجراء الحد عليها فليس عليه شئ لأن المفروض ثبوت الزنا
عليها، وأما إذا كان بعد إجراء الحد عليها فعليه الحد لأن اجراء
الحد عليها قد طهرها فلا يجوز نسبة الزنا إليها بعده.
قال الهاشمي: سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما
السلام عن امرأة زنت فأتت بولد وأقرت عند إمام
المسلمين أنها زنت وأن ولدها من الزنا فأقيم عليها الحد و
أن ذلك الولد نشأ حتى صار رجلا فافترى عليه رجل هل
يجلد؟ فقال لا ظ: يجلد ولا يجلد، فقلت: كيف يجلد ولا يجلد؟
فقال: من قال له: يا ولد الزنا لم يجلد وإنما يعزر وهو دون الحد
244

ومن قال له: يا بن الزانية جلد الحد تاما، فقلت: وكيف صار
هذا هكذا؟ فقال: إنه إذا قال: يا ولد الزناء كان قد صدق
فيه وعزر على تعيير أمه ثانية وقد أقيم عليها الحد، وإذا قال له:
يا بن الزانية جلد الحد تاما لفريته عليها بعد اظهارها التوبة وإقامة
الإمام الحد عليها (1).
وأما لو قال لامرأته: زنيت بك فإن عليه الحد على
تردد لفريته عليها بالزناء، ووجه التردد أن قوله: زنيت بك
اقرار منه بصدور الزنا منه، وأما أن الزنا هل صدر منها اختيارا
أو اكراها أو شبهة فلا دلالة على شئ من ذلك، والأصل
عدم وجوب الحد عليه مضافا إلى درء الحد بالشبهة، وأما اقراره
بالزنا فإنه لا يثبت عليه شئ إلا إذا أقر بذلك أربع مرات
ثم قال في الشرائع: ولو قال: يا ديوث أو يا كشخان
أو يا قرنان أو غير ذلك من الألفاظ فإن أفادت القذف
في عرف القائل لزمه الحد، وإن لم يعرف فائدتها أو كانت
مفيدة لغيره فلا حد، ويعزر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه انتهى
أما الديوث فهو الذي يقيد الرجال إلى زوجته، وأما الكشخان
- فهو - كما عن بعض أهل اللغة - الذي يقيد الرجال إلى
أمه، وأما القرنان فهو الذي يقيدهم إلى أخته، فهذه الألفاظ
إن أفادت في عرف القائل هذه المعاني التي ذكرناها
وأراد نسبتها إلى مواجهه حقيقة ولم يرد سبه بذلك فعليه حد

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد القذف الحديث 1.
245

القذف، وأما إذا أراد سبه بهذه الألفاظ فيعزر، وإذا
لم يعرف معاني هذه الألفاظ فلم يكن عليه حد ولا تعزير
إلا إذا علم بكراهة المخاطب لذلك فإنه حينئذ يعزر، وكذا
يعزر إذا قال لغيره: يا فاسق.
قال في الشرائع: وكل تعريض بما يكرهه المواجه و
لم يوضع للقذف لغة ولا عرفا يثبت به التعزير لا الحد، كقوله:
أنت ولد حرام أو حملت بك أمك في حيضها أو يقول
لزوجته: لم أجدك عذراء، أو يقول: يا فاسق أو يا شارب
الخمر ونحو ذلك وهو متظاهر بالستر، أو يا خنزير أو يا كلب
أو يا حقير أو يا وضيع، ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف
فلا حد ولا تعزير انتهى.
أما قوله: أنت ولد حرام فهو ليس صريحا في كونه ولد
الزناء لاحتمال الحمل في حال الحيض أو الصوم أو الاحرام
فإن لم يكن صريحا في عرفه أنه ولد الزناء فليس عليه إلا التعزير
وإذا كان صريحا في كونه ولد الزنا فإنه يضرب الحد
وأما إذا قال: ولدتك أمك في حيضها فهو إيذاء له
بهذا الكلام وكذا إذا قال لامرأته: لم أجدك عذراء إذا
كان كلامه تعريضا بأنها قد زنت فإنه موجب لايذائها بهذا
الكلام فيوجب التعزير عليه لأن قوله: لم أجدك عذراء
ليس صريحا في الزناء، لاحتمال أن ذهاب عذرتها بواسطة
246

الوثبة أو العثرة أو السقطة، لكن حيث إن هذا الكلام تعريض
لزناءها فهو موجب لأذاها وجب عليه التعزير.
وكذا كل كلام موجب لأذى مخاطبه سواء كان سبا
له كقوله: يا فاسق أو يا كلب أو يا خنزير أو يا وضيع أو يا حقير
أو يا حمار أو إهانة له كقوله: يا جاهل يا غافل يا نائم يا من ليس
له علمأوليس له معرفة ونحو ذلك، وأما مطلق ما يوجب أذاه
مثل ما إذا لم يعتن به في الطريق أو لم يسلم عليه أو لم يقم له حين
وروده في المجلس أو لم يجب دعوته إذا دعاه إلى وليمة أو غيرها
أو لم يقرضه إذا استقرض منه أو لم يعنه على عدوه ونحو ذلك
فهو غير موجب للتعزير.
روى الجراح المدائني عن الصادق عليه السلام أنه قال: إذا
قال الرجل: أنت خبيث أو خنزير فليس فيه حد، ولكن فيه
موعظة وبعض العقوبة (1)
ويستفاد من ذيل الرواية أن عليه التعزير.
وكذا رواية أبي مخلد السراج عنه عليه السلام أنه قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في رجل دعى آخر بابن المجنون فقال الآخر
أنت ابن المجنون، فأمر أن يجلد الأول صاحبه عشرين جلدة
وقال له: اعلم أنك ستعقب مثلها عشرين فلما جلدا غطى
المجلود السوط فجلده نكالا ينكل بهما (2).

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد القذف الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب حد القذف الحديث 2 - 3.
247

نعم إذا كان المقول له مستحقا للاستخفاف فلا حد ولا
تعزير، قال في الجواهر: بلا خلاف، بل عن الغنية الاجماع عليه
بل ولا اشكال، بل يترتب له الأجر على ذلك فقد ورد
أن من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب وورد أيضا: زينوا
مجالسكم بغيبة الفاسقين انتهى
وعن الصادق عليه السلام قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه
فلا حرمة له ولا غيبة (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا رأيتم أهل
الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من
سبهم والقول فيهم والوقيعة وأهينوهم (وباهتوهم خ ل) لئلا يطمعوا
في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا
من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به
الدرجات في الآخرة (2).
بل يعزر من رمى وقذف من كان على غير الاسلام
ففي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه نهى عن
قذف من كان على غير الاسلام إلا أن تكون اطلعت
على ذلك منه (3)، وفي صحيحة الأخرى عنه عليه السلام قال:

(1) الوسائل الباب 154 من أبواب أحكام العشرة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الأمر والنهي الحديث 6
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد القذف الحديث 1.
248

بعد ذلك: وأيسر ما يكون أن يكون قد كذب (1).
وكذا يعزر بكل ما يوجب أذى أخيه المؤمن وإن لم يكن
سبا كقوله: يا أجذم أو يا أقرع أو يا أبرص أو يا أعور.
(الثاني)
في القاذف، ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل فلو قذف
الصبي لم يحد، وكذا المجنون، وهل يشترط في وجوب الحد
الكامل الحرية؟ قيل: نعم، وقيل: لا يشترط فعلى الأول
يثبت نصف الحد، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا وهو
ثمانون، ولو ادعى المقذوف الحرية وأنكر القاذف فإن
ثبت أحدهما عمل عليه، وإن جهل ففيه تردد، أظهره أن القول
قول القاذف لتطرق الاحتمال، قاله أيضا في الشرائع.
أما اعتبار البلوغ فلرفع القلم عن الصبي حتى يحتلم - كما
في الرواية - وفي صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا حد لمن لا عليه حد، يعني لو أن مجنونا قذف
رجلا لم أر عليه شيئا، ولو قذفه رجل فقال له: يا زاني لم يكن
عليه حد (2)، وفي خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام أنه
سأله عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يحد؟ قال: لا
وذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد (3).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد القذف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد القذف الحديث 1.
249

وأما المجنون فلصحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة، حيث
قال: يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا الحديث
مضافا إلى حديث رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، نعم لو كان
جنونه أدوارا وقذف في دور الصحة ففي الجواهر " حد ولو حال
الجنون مع احتمال تأخره إلى دور العقل انتهى.
ولكن احتمال حده في حال الجنون ضعيف جدا فإن
الحد لأجل كفه عن فعله القبيح، والمجنون لا يدرك ذلك، نعم
على فرض إدراكه ذلك يمكن احتمال ذلك.
وكذا قال في الجواهر: وكذا يعتبر فيه أيضا القصد ضرورة
عدم شئ على غير القاصد كالساهي والغافل والنائم وعلى كل
حال فلا حد ولا تعزير على غير القاصد، نعم في السكران اشكال
أقواه ترتب الحد عليه كالصاحي،
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في علة حد شارب الخمر
ثمانين أنه إذا سكر قذف هذا وآذى هذا وافترى، و
حد المفتري ثمانون (1)، ويعتبر فيه الاختيار فلا حد على المكره
قطعا انتهى، إلا أنه استشكل الأستاذ في دلالة الرواية بأن حد
الثمانين هو حد شرب الخمر لا حد القذف " لكن يرد عليه
بأن ذيل الرواية صريح في أنه حد القذف حيث قال:

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر الحديث 4 لكن فيه " إذا سكر هذى
وإذا هذى
افترى فاجلد.
250

وحد المفتري ثمانون " وكذا ما نقلناه في الهامش عن الوسائل
أنه قال في آخر الرواية: " فاجلدوه حد المفتري "
وأما اعتبار الحرية في الحد الكامل فربما يستدل بقوله
تعالى: فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات
من العذاب (1)، وبرواية قاسم بن سليمان أنه سأل
الصادق عليه السلام عن العبد يفتري على الحر كم يجلد؟ قال:
أربعين (2).
لكن المشهور بل ادعى عليه الاجماع بأن العبد هنا
كالحر لعموم الآية أعني قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة (3)
ولدلالة روايات كثيرة على ذلك نذكر بعضها.
فمن الروايات حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين، وقال: هذا من حقوق
الناس (4).
ومنها رواية سماعة عنه عليه السلام قال في الرجل إذا قذف
المحصنة يجلد ثمانين حرا كان أو مملوكا (5).
ومنها رواية أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام قال:
سألته عن عبد أفترى على حر، قال: يجلد ثمانين (6).
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في مملوك

(1) سورة النساء الآية 25.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 4 - 1 - 7 - 8.
(3) سورة النور 4.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 4 - 1 - 7 - 8.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 4 - 1 - 7 - 8.
(6) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 4 - 1 - 7 - 8.
251

ومنها رواية سليمان بن خالد عنه عليه السلام أنه سئل عن المكاتب
افترى على رجل مسلم، قال: يضرب حد الحر ثمانين إن كان
أدى من مكاتبته شيئا أو لم يؤد الحديث (1).
ومنها صحيحة بكير عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: من افترى
على مسلم ضرب ثمانين يهوديا أو نصرانيا أو عبدا (2).
ومنها رواية ابن بكير عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن عبد مملوك قذف حرا، قال: يجلد
ثمانين، هذا من حقوق الناس، فأما ما كان من حقوق
الله فإنه يضرب نصف الحد، قلت: الذي من حقوق الله
ما هو؟ قال: إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي
يضرب فيها نصف الحد (3).
إلى غير ذلك من الأخبار التي تبلغ اثنا عشر أو ثلاث
عشر رواية، وهذه الروايات أكثر عددا وأصح سندا وقد
عمل بها أكثر العلماء الأعاظم، فالعمل بها متعين، وأما قوله تعالى
فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب فقد يقال: بأن المراد من الفاحشة الزناء بل فسروها
بذلك، وأما رواية قاسم بن سليمان فهي محمولة على التقية
مضافا إلى عدم مكافئتها لهذه الروايات الكثيرة المعمول بها

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 9 - 13 - 14.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 9 - 13 - 14.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 9 - 13 - 14.
252

بين الأصحاب،
وأما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام العبد
يفتري على الحر، فقال: يجلد حدا إلا سوطا أو سوطين (1)
ورواية سماعة قال: سألته عن المملوك يفتري على
الحر، فقال عليه خمسون جلدة (1) ففي الجواهر " لم أجد عاملا
بهما فلا بأس بحملهما - كما عن الشيخ - على الافتراء بغير القذف
الموجب للتعزير انتهى، ويحتمل أن يكون المراد بهما التعزير
إلا أن القول بالتعزير في العبد المفتري على الحر لا قائل به.
وأما صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه:
قال: أرى أن يفرى جلده، قال: وقال في رجل دعى لغير أبيه
أقم بينتك أمكنك منه، فلما أتى بالبينة، قال: أمه كانت أمة
قال: ليس عليه حد سبة كما سبك أو اعف عنه إن شئت (3)
إلا أن هذه الرواية قد ضعفها في محكى التهذيب، ولا يمكن
الأخذ بظاهرها أما أولا فلأن قوله: أرى أن تفري جلده
إن كان بالفاء فمعناه أن تشق جلده مع أنه لا وجه لشق
جلده فإنه إما عليه الحد أو التعزير، وإما أن يكون بالعين وهو
المحكى عن الاستبصار، وأوله باحتمال أن يعرى جلده ليقام

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 19 - 20 - 16.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 19 - 20 - 16.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 19 - 20 - 16.
253

عليه الحد " إلا أن هذا التأويل ضعيف لأنه لا يعتبر في حد
القاذف تعريته عن الثياب
وعلى أي حال فعلى القول الأول يثبت على العبد
نصف الحد، وعلى الثاني يثبت الحد الكامل والمختار عندنا
هو الثاني كما قدمناه، ولو ادعى المقذوف على القاذف
الحرية - بناء على أن حد العبد نصف حد الحر - وأنكر القاذف
فإن ثبت أحدهما عمل عليه، وإن جهل ففيه تردد، قال
في الجواهر: من أصلى الحرية والبراءة، وقال في الشرائع
أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال انتهى
أما قول صاحب الجواهر ففيه أن الأصلين لا يتكافئان
فإن أصل الحرية مقدم على أصل البراءة فإن أصل الحرية
بمنزلة القاعدة لأن القاعدة الأولية تقتضي أن يكون
الانسان حرا من بدء خلقته، والعبودية شئ طار على
الحرية، ومع الشك يحكم بالحرية فلا يبقى مجال لأصالة
البراءة، لتعارض أصالة الحرية،
وأما كلام صاحب الشرائع فيرد عليه ما أوردناه على
كلام صاحب الجواهر من أنه بعد إجراء أصالة الحرية لا يبقى
احتمال حتى يدرأ به الحد إلا أنه مع ذلك لا يبعد أن يقال
بما قال صاحب الشرائع من سقوط الحد بالشبهة
الثالث من مباحث حد القذف في المقذوف ويشترط
254

فيه الاحصان، وهو هنا عبارة عن البلوغ وكمال العقل و
الحرية والاسلام والعفة، فمن استكملها وجب بقذفه
الحد، ومن فقدها أو بعضها فلا حد، وفيه التعزير، كمن قذف
صبيا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزناء قاله في الشرائع.
أما اعتبار كون المقذوف بالغا في وجوب الحد على القاذف
فمستنده صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا حد لمن لا عليه حد يعني لو أن مجنونا قذف رجلا
لم أر عليه شيئا، ولو قذفه رجل فقال له: يا زاني لم يكن عليه
حد (1).
وفي رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام أنه سأله
عن الغلام لم يحتلم بقذف الرجل هل يحد؟ قال: لا، و
ذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد (2).
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
يقذف الصبية يجلد؟ قال: لا حتى تبلغ (3).
وأما المملوك فلرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من أفترى على مملوك عزر لحرمة الاسلام (4).
ورواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم منه إلا خيرا

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد القذف الحديث 1 و 4
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد القذف الحديث 1 و 4
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 2.
255

لضربته الحد، حد الحر إلا سوطا (1).
ويستفاد من قوله: إلا سوطا أن المراد بالحد هو التعزير
وأما الكافر فلرواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب
هل يجلد المسلم الحد في الافتراء عليهم؟ قال: لا، ولكن
يعزر (2)
وفي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه نهى عن
قذف من كان على غير الاسلام إلا أن يكون اطلعت
على ذلك منه (3) وفي ذيل صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال
وأيسر ما يكون أن يكون كاذبا (4).
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الناهية عن قذف
الكافر حتى المشرك والمجوسي.
نعم لا حد في قذفهم إذا كان القاذف مسلما بل يكون
عليه التعزير فقط كما عرفت.
وأما المتظاهر بالزنا أو اللواط فإنه ليس في قذفه حد بل و
لا تعزير فإنه قد هتك حرمته بتظاهره بالزناء أو اللواط، وإن
كان ظاهر عبارة الشرائع أن عليه التعزير إلا أن الأصل
هو عدم التعزير أيضا، نعم، إذا لم يكن متجاهرا بالزناء وكان متجاهرا

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب حد القذف الحديث 4.
256

بسائر المعاصي فإنه يجب في قذفه بالزنا، الحد الكامل لدلالة
العمومات على ذلك.
وعلى أي حال ففي مرسل يونس " كل بالغ ذكر أو أنثى
افترى على صغير أو كبير ذكر أو أنثى أو مسلم أو كافر أو حر أو عبد
فعليه حد الفرية، وعلى غير البالغ حد الأدب " إلا أن في الجواهر
" وهو مطرح لفقده شرائط الحجية فضلا عن صلاحية المعارضة
لما عرفت أو محمول على ما عن الشيخ من الافتراء على أحد
أبوي الصغير أو المملوك أو الكافر مع اسلامه وحريته أو
على إرادة التعزير من الحد فيه انتهى.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه وجوب الحد على
المستكمل لشرائط الحد سواء كان القاذف مسلما أو كافرا
حرا أو عبدا، ولو قال للمسلم: يا بن الزانية أو أمك زانية
وكانت أمه كافرة أو أمة قال في النهاية عليه الحد تاما لحرمة
ولدها، والأشبه التعزير، قاله في الشرائع
أما مستند قول الشيخ في النهاية فلرواية عبد الرحمان
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن اليهودية
والنصرانية تحت المسلم فيقذف ابنها، قال: يضرب القاذف
لأنه المسلم قد حصنها (1)، إلا أن الرواية ضعيف السند

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب حد القذف الحديث 6.
257

والدلالة فإن ظاهر السؤال أن القاذف يقذف ابنها و
ظاهر الجواب أن القذف كان لأم الابن فإنه قال: يضرب
القاذف لأن المسلم قد حصنها مضافا إلى أن الرواية ليست
صريحة في الحد فيحتمل أن يراد بالضرب التعزير ولذا قال في
الشرائع: والأشبه التعزير، بل عن الرياض حكايته عن الحلي
وعامة المتأخرين لاطلاق الأدلة "
ولو قذف الأب ولده لم يحد وعزر، وكذا لو قذف
زوجته الميتة، ولا وارث لها إلا ولده، نعم لو كان لها ولد من غيره
كان لهم الحد تاما، ويحد الولد لو قذف أباه والأم لو قذفت
ولدها وكذا الأقارب، قاله أيضا في الشرائع.
ومستند المسألة حسنة أو صحيحة محمد بن مسلم قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قذف ابنه بالزناء،
قال: لو قتله ما قتل به وإن قذفه لم يجلد له، قلت: فإن قذف
أبوه أمه، قال: إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا، ولم يلزم
ذلك الولد الذي انتفى منه وفرق بينهما، ولم تحل له أبدا،
قال: وإن كان قال لابنه وأمه حية: يا بن الزانية ولم ينتف
من ولدها جلد الحد ولم يفرق بينهما، قال: وإن كان قال
لابنه: يا بن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه
إلا ولدها فإنه لا يقام عليه الحد، لأن حق الحد قد صار لولده
258

منها، وإن كان لها ولد من غيره فهو ولها يجلد له، وإن لم يكن
لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحد جلد لهم (1)
وهل يلحق الجد الأبي بالأب فلا يجلد إذا قذف ابن
ابنه أم لا؟ لا يبعد الالحاق فإنه بمنزلة الأب في كونه
وليا على الابن إلا أن قال: إن الجد لا يطلق عليه الأب
عرفا وإن أطلق الابن أو الولد على ابن الابن كثيرا شايعا
بل على ابن البنت أيضا فقال للأئمة عليهم السلام أنهم أولاد
رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن هذا الاطلاق لم يكن
شايعا في الجد سواء كان الجد للأب أو للأم، فلم تكن الرواية
ظاهرة في الجد للأب ولا في الجد لأم بل الجد للأم أولى بعدم
الالحاق بالأب فإن بنته التي هي أم الولد إذا قذفت
ولدها تحد لذلك كما عرفت من كلام صاحب الشرايع
فأبوها أولى بذلك، فالرواية المتقدمة مختصة أو ظاهرة في
خصوص الأب دون الجد مطلقا،
(الرابع في الأحكام وفيه مسائل)
(الأولى:)
إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد فلكل واحد حد، ولو
قذفهم بلفظ واحد وجاؤوا به مجتمعين فللكل حد واحد، وإن
افترقوا في المطالبة فلكل واجد حد، وهل الحكم في التعزير كذلك

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد القذف الحديث 1.
259

قال جماعة: نعم، ولا معنى للاختلاف هنا، وكذا (الكلام)
لو قال: يا بن الزانيين فإن الحد لهما، يحد حدا واحدا
مع الاجتماع على المطالبة وحدين مع التعاقب، قاله
في الشرايع.
أما مستند الفرض الأول - أي ما إذا قذف جماعة
واحدا بعد واحد - فإن عليه لكل واحد حد فمضافا إلى
دعوى الاجماع عليه كما عن الغنية والسرائر قد دل عليه
روايتان أحدهما رواية بريد عن أبي جعفر عليه السلام في
الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة فإذا لم يسمهم
فإنما عليه حد واحد، وإن سمى فعليه لكل واحد حد (1)
وثانيهما رواية الحسن العطار أنه قال للصادق عليه السلام
" رجل قذف قوما جميعا، فقال: بكلمة واحدة؟ قال:
نعم، قال: يضرب حدا واحدا، وإن فرق بينهم في القذف
ضرب لكل واحد منهم حدا (2).
ويستفاد من الروايتين حكم الفرض الثاني أيضا
أي ما إذا قذفهم بكلمة واحدة مثل ما إذا قال: هؤلاء كلهم
زناة أو شرابين للخمور فإنه لا يضرب بقذفه لهم إلا حدا
واحدا فإنه لم يقذفهم إلا بكلمة واحدة، إلا أنه يستفاد

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد القذف الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد القذف الحديث 5 - 2.
260

الرواية الآتية أنه إذا جاؤوا به (أي إلى الحاكم) مجتمعين
يضرب حدا واحدا، وإن جاؤوا به متفرقين يضرب
لكل واحد حدا، وهي صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل افترى على قوم جماعة، فقال: إن أتوا به مجتمعين
ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل
واحد حدا (1).
لكن عن الإسكافي أنه قال: باتحاد الحد مع اتحاد
اللفظ مطلقا، والتفصيل بين ما إذا جاؤوا به مجتمعين أو
متفرقين مع تعدد القذف، إلا أن هذا التفصيل الذي
ذكره لا يستفاد من شئ من الروايات المتقدمة فإن
الروايتين الأولتين قد فصلتا بين ما إذا قذف الجماعة بلفظ
واحد فعليه حد واحد وبين ما إذا قذف واحدا بعد واحد
فإن عليه لكل واحد حد، وصحيحة جميل قد فصلت بين ما
إذا جاءت الجماعة به مجتمعين فعليه حد واحد وبين ما إذا جاءت
به متفرقين فعليه لكل واحد حد من غير تفصيل بين قذفه
لهم بكلمة واحدة أو متعددا، فالنسبة بين صحيحة جميل وبين
الروايتين المتقدمتين بالعموم والخصوص من وجه الاجتماع
جميع الروايات فيما إذا قذف متعددا وجاؤوا به متفرقين

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد القذف الحديث 1.
261

فإن جميع الروايات قد أطبق على أن عليه لكل واحد حد، و
أما إذا جاؤوا به مجتمعين وكان قد قذف الجماعة واحدا بعد
واحد فإنه مادة افتراق صحيحة جميل عن الروايتين فإن
الروايتين قد دلتا على وجوب حده لكل واحد حدا على حده
وإطلاق صحيحة جميل يقتضي بكفاية حدا واحد لو أتوا به مجتمعين
وأما مادة افتراق الروايتين عن صحيحة جميل فهي ما إذا أتوا
به متفرقين وقد قذف الجماعة بلفظ واحد فإن الروايتين
قد دلتا على وجوب حده حدا واحدا واطلاق الصحيحة
يقتضي أن عليه لكل واحد حدا.
ولذا قال في محكى كشف اللثام: بناء على أن المراد من
الوحدة في الخبرين الأولين الوحدة بالعدد فيكون مفادهما أنه
إذا قال: أنته أو هؤلاء زناة لم يحد إلا واحدا أتوا به جميعا أو
أشتاتا، فإن سماهم فقال: فلان وفلان وفلان زناة
مثلا حد لكل واحد حدا يعني إذا أتوا به متفرقين بدليل الصحيح
وغيره انتهى.
ولكن الترجيح مع الروايتين المتقدمتين لشهرة الافتاء
بهما فتخصص أو تقيد بهما صحيحة جميل المتقدمة فتصير النتيجة
ما ذكره صاب الشرائع بل المشهور من أنه إذا قذف جماعة
بلفظ واحد ضرب حدا واحدا سواء جاؤوا به مجتمعين
أو متفرقين، وإذا قذفهم واحدا بعد واحد يضرب الحد
262

لكل واحد حدا علي حده، وهل الحكم في التعزير كذلك أي إذا
سب جماعة بلفظ واحد يعزر تعزيرا واحدا وأما إذا سبهم
واحدا بعد واحد فيعزر لكل واحد تعزيرا؟ قال جماعة: نعم
بل عن المسالك نسبته إلى المشهور للأولوية (بمعنى أن
الأقوى أي الحد إذا كان كذلك فليكن الأضعف أي
التعزير كذلك) خلافا للمحكى عن ابن إدريس من العدم لكونه
من القياس الممنوع " والظاهر أن الحق مع ابن إدريس لأن
الأولوية موردها ما إذا تعلق الحكم بالأضعف فالأقوى لا بد
أن يكون حكمه كذلك فإن أف في قوله تعالى: فلا تقل لهما
أف " إذا كان قوله للوالدين محرما فضربهما وشتمها بطريق
أولى، وأما ما نحن فيه فللأمر بعكس ذلك فإن الحكم قد
تعلق بالحد الذي هو أقوى فلا يمكن تعديته إلى الأضعف
وهو التعزير.
ولذا قال في الشرائع: ولا معنى للاختلاف هنا " وقال
في الجواهر: وذلك لأن التعزير منوط بنظر الحاكم وليس له
بالنسبة إلى كل واحد حد محدود فهو يؤدب بسباب الجماعة
بغير القذف بما يراه انتهى، وكلام صاحب الجواهر وإن كان
لا بأس به إلا أن نظر صاحب الشرائع على الظاهر إلى
ما أشرنا إليه آنفا من أن الأضعف لا يقاس بالأقوى
263

وأما إذا قال: يا بن الزانيين فإن الحد إنما يكون لهما أي
للوالدين فيحد حدا واحدا لأنه قذفهما بلفظ واحد إلا أنه
قال في الشرائع: ويحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة
وحدين مع التعاقب انتهى ولا وجه لكلامه قدس سره هنا
إلا إذا عملنا بصحيحة جميل المتقدمة (1) وقد عرفت وجه الجمع بينها
وبين الروايتين المتقدمتين فلا نعيد ذلك هنا
(المسألة الثانية:)
قال في الشرائع أيضا: حد القذف موروث يرثه من يرث
المال من الذكور والإناث عدا الزوج والزوجة انتهى.
ومستند هذا الحكم - مضافا إلى دعوى اللاخلاف بل
دعوى الاجماع عليه - روايات، منها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في ضمنها: وإن قال لابنه: يا ابن
الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه
فإنه لا يقام عليه الحد لأن حق الحد قد صار لولده منها، فإن كان
لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان
لها قرابة يقومون بأخذ الحد جلد لهم (1).
ومنها موثقة عمار بن موسى الساباطي عن الصادق عليه السلام
قال: إن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال والعقار، ولكن
من قام به من الورثة وطلبه فهو وليه، ومن تركه ولم يطلبه فلا حق

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
264

له، وذلك مثل رجل قذف رجلا والمقذوف أخوان فإن
عفا أحدهما عنه كان للآخر أن يطالبه بحقه لأنها أمهما جميعا
والعفو إليهما جميعا (1).
وكون الحد موروثا ليس بمنزلة موروثية المال بأن يلاحظ فيه
طبقات الإرث أو كون الذكر مثل حظ الأنثيين ونحو ذلك
بل المراد هنا من كون الحد موروثا أن المورث إذا لم يستوف
حقه من القاذف قبل موته فلوليه استيفاء حقه منه بعد
موته وإن كان أخاه، ومن المعلوم أن الأخ ليس وارثا
للميت ما دام الطبقة الأولى من الوراث موجودة إلا أن
الأخ هنا يمكن أن يصير وليا للميت في استيفاء حق الميت
من قاذفه كما يظهر من الموثقة المتقدمة.
وعليه يمكن حمل رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الحد لا يورث (2)، بأن يكون المراد أن الحد ليس
كالمال والدية والعقار في أن يلاحظ طبقات الإرث أو
يلاحظ فيه السهام، وأما استثناء الزوج والزوجة من أن يرثا
الحد فلأن الظاهر من الورثة هم الوارث بالنسب دون السبب
نعم يستثنى من الوارث السببي خصوص الإمام عليه السلام
فإنه من فقدان الوارث النسبي يجوز له أن يجري الحد على
القاذف، وأما العفو عنه فقد قيل: أنه ليس له " إلا أنه لا دليل

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 و 2.
265

على ذلك بل الإمام ولي من لا ولي له فيجوز له استيفاء
حقه ويجوز له العفو عن حقه والله العالم.
(المسألة الثالثة:)
قال في الشرائع: أيضا لو قال: ابنك زان أو لائط
أو بنتك زانية فالحد لهما لا للمواجه، فإن سبقا بالاستيفاء
أو العفو فلا بحث، وإن سبق الأب قال في النهاية:
له المطالبة والعفو، وفيه اشكال، لأن المستحق موجود و
له ولاية المطالبة، فلا يتسلط كما في غيره من الحقوق
انتهى.
ووجه أن الأب له المطالبة بحق الولد أن الأب له
الولاية على الولد مضافا إلى أن نسبة الزناء إلى ولده يكون
عارا عليه، ووجه عدم جواز المطالبة أو العفو أن المستحق
موجود فله مطالبة حقه أو العفو عنه فلا تصل النوبة إلى الأب
نعم للأب المطالبة أو العفو إذا كان الولد قاصرا بأن كان
صغيرا أو مجنونا بل قال في الجواهر: لا يبعد أن له العفو أيضا
مع عدم المفسدة للا طلاق انتهى إلا أنه يرد عليه أنه لا اطلاق
هنا حتى يتمسك به إلا أن يقال: إن المراد بالاطلاق
اطلاق ولاية الأب على الصغير أو المجنون.
(المسألة الرابعة:)
إذا ورث الحد جماعة لم يسقط بعفو البعض فللباقين المطالبة
266

بالحد تاما ولو بقي واحد، أما لو عفى الجماعة أو كان المستحق واحدا
فعفى فقد سقط الحد، ولمستحق الحد أن يعفو قبل ثبوت حقه
وبعده، وليس للحاكم الاعتراض عليه، ولا يقام بعد مطالبة المستحق
قاله في الشرائع.
أما مستند الفرع الأول - فمضافا إلى دعوى اللاخلاف
بل دعوى الاجماع عليه يدل عليه موثق عمار المتقدم حيث قال
في ضمنه: وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان
فإن عفى أحدهما عنه كان للآخر أن يطالبه بحقه لأنها أمهما
جميعا والعفو إليهما جميعا (1).
وأما مستند الفرع الثاني فهو - أي حق القذف - حق
الآدميين القابل للعفو أو الاسقاط، ولا فرق في ذلك بين
حق الزوجة وغيرها ولا بين العفو قبل المرافعة إلى الحاكم وغيرها و
لرواية ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يعفى عن الحدود
التي بيد الإمام، فأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس
أن يعفى عنه دون الإمام (2).
نعم ليس له بعد العفو المطالبة بحقه لرواية سماعة قال:
سألته عن الرجل يفتري على الرجل ثم يعفو عنه ثم يريد أن يجلده
الحد بعد العفو، قال: ليس له ذلك بعد العفو (3).

(1) الوسائل الباب 23 والباب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 1
(2) الوسائل الباب 23 والباب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 1
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب حد القذف الحديث 1.
267

وروايته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال: سألته
عن الرجل يقذف الرجل بالزنا فيعفو عنه ويجعله من ذلك
في حل، ثم إنه بعد يبدو له في أن يقدمه حتى يجلده، فقال
ليس له حد بعد العفو (1) (الحديث).
خلافا لما عن الشيخ في كتابي الأخبار وكذا عن يحيى
بن سعيد من عدم العفو للزوجة بعد المرافعة لصحيحة محمد بن
مسلم قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال: يجلد
قلت: إن عفت عنه قال: لا، ولا كرامة (2).
وربما تحمل الرواية على ما إذا عفت عنه بعد المرافعة
إلى الحاكم جمعا بينها وبين إطلاق الأدلة الدالة على جواز العفو
قال في الجواهر: ولا شاهد له بل المتجه على تقدير العمل به (أي
بصحيح محمد بن مسلم) تخصيصه أو تقييده إطلاق ما دل على
العفو، ولذا كان المحكى عن الصدوق العمل به مطلقا، إلا
أنه - مع شذوذه وإضماره واحتمال إرادة لا كرامة لها في
العفو بمعنى أنه لا ينبغي صدوره منها واعراض المشهور عنه -
يقصر عن ذلك، وإن أمكن تأييده بقول الصادق
(عليه السلام) في خبر سماعة: المسروق إن يهب السارق
لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه وإنما الهبة قبل أن

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب حد القذف الحديث 3 و 4.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب حد القذف الحديث 3 و 4.
268

يرفع إلى الإمام، وذلك قوله تعالى: والحافظون لحدود
الله، فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه (1).
وخبر حمزة بن حمران سأل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل
أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزناء، فقال: أرى عليه خمسين
جلدة، ويستغفر الله تعالى، قال: أرأيت إن جعلته في
حل وعفت عنه، قال: لا ضرب عليه إذا عفت عنه
من قبل أن ترفعه (2)، إلا أنه مع كون الثاني منهما بالمفهوم
غير جامعين لشرائط الحجية، فالمتجه أن له العفو مطلقا انتهى
كلام صاحب الجواهر، لكن يمكن المناقشة في بعض ما ذكره
قدس سره، فإن قوله عليه السلام: لا، ولا كرامة ظاهر في
عدم جواز العفو عنه، ولا مجال للاحتمال الذي ذكره قدس سره
فيه، وعدم جواز العفو بعد المرافعة إلى الإمام يظهر من الروايتين
أيضا فلا يبعد القول بعدم جواز العفو للزوجة بعد مرافعتها
للدعوى إلى الإمام.
وأما الفرض الثالث - أعني أن يعفو المستحق الحد
قبل ثبوت حقه وبعده فلأن الحق حقه يجوز له أن يستوفيه
ويجوز أن يعفو عنه ولا مجال لاعتراض الحاكم عليه إذا
عفى عنه، فإن الحق كان حقه فكان باختياره ولذا لا يقام

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب حد القذف الحديث 3.
269

عليه الحد إلا بعد مطالبة المستحق فإن الحق حقه لا حق الحاكم.
(المسألة الخامسة:)
إذا بتكرر الحد بتكرر القذف مرتين قتل في الثالثة، وقيل:
في الرابعة، وهو أولى، ولو قذف فحد، فقال: الذي قلت
كان صحيحا وجب بالثاني التعزير لأنه ليس بصريح، والقذف
المتكرر يوجب حدا واحدا لا أكثر، قاله في الشرائع.
أما مستند من قال: يقتل في الثالثة فهو صحيح أو موثق
يونس عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: أصحاب
الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة (1).
ويستثنى من هذه الكلية الزنا فإن الزاني يقتل
في الرابعة كما تقدم بحث ذلك في باب الزناء فيبقى
الباقي حتى حد القذف تحت هذه الكلية.
ومستند من قال بقتله في الرابعة هو احتمال الحاقه
بالزنا فإنه دون الزنا في العقاب فإذا كان الزاني الذي
هو أشد عقابا من القاذف يقتل في الرابعة فليكن القاذف
أيضا كذلك ولا أقل من تحقق الشبهة الدارئة للقتل في
الثالثة، وهذا الوجه وإن كان غير خال عن الوجه إلا أنه لا
يبعد أن يقال بوجوب قتله في الثالثة لدلالة عموم الصحيح
المذكور على ذلك، وكيف كان فلو قال بعد اجراء الحد عليه

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
270

إن الذي قتله فهو صحيح وجب عليه بالكلام الثاني التعزير
لأن هذا الكلام ليس بالقذف الصريح بل هو من باب
التعريض مضافا إلى صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف، فقال:
إن قال له: إن الذي قلت لك حق لم يجلد، وإن قذفه
بالزنا بعد ما جلد فعليه الحد، وإن قذفه قبل ما يجلد بعشر
قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد (1).
ومن ذيل الرواية يعلم أن القذف المتكرر - ما لم يتخلله
الحد لا يوجب عليه إلا حدا واحدا وإن قذفه عشر قذفات
نعم لو تعدد المقذوف بأن قذف زيد بالزناء ثم قذفات
عمرا ثم قذف بكرا تعدد الحد عليه بأن كان لكل واحد منهم
حد، وأما إذا تكرر المقذوف به وإن كان المقذوف واحدا
بأن رمى زيدا أولا بالزنا ثم قذفه باللواط ثم رماه بأنه ملوط
به فعن كشف اللثام " عليه لكل قذف حد وإن لم
يتخلل الحد، لأن الجماع والنصوص دلت على ايجاب
الرمي بالزنا الحد ثمانين اتحد أو تكرر، وكذا الرمي باللواط و
كذا بأنه ملوط به ولا دليل على تداخلها انتهى، لكن يمكن أن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد القذف الحديث 1.
271

أن يقال: إن اطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1)
شامل للمقذوف به المتعدد وإن كان جنى المقذوف
به مختلفا والله العالم.
(المسألة السادسة:)
قال في الشرائع: لا يسقط الحد عن القاذف إلا
بالبينة المصدقة أو تصديق مستحق الحد أو العفو، ولو قذف
زوجته سقط الحد بذلك وباللعان انتهى، وحاصله أن
الحد إذا ثبت على القاذف فلا يسقطه إلا أحد أمور ثلاثة
الأول البينة التي تصدق القاذف في نسبة الزنا مثلا
إلى المقذوف، الثاني اعتراف المقذوف بما نسبه
إليه، الثالث عفو المقذوف للقاذف عما نسبه إليه،
هذا إذا كان المقذوف غير الزوجة، وأما الزوجة فيسقط
الحد عن القاذف بأحد هذه الثلاثة ويسقط أيضا
باللعان الذي يتحقق بينهما.
وقال في الجواهر: وهل عليه التعزير إذا سقط الحد
بأحد هذه الأمور؟ وجهان كما في كشف اللثام من
أن الثابت عليه إنما كان الحد وقد سقط، ولا دليل على
ثبوت التعزير، ومن أن ثبوت المقذوف به بالاقرار

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد القذف الحديث 1.
272

أو البينة لا يجوز القذف وإن جوز اظهاره عند الحاكم لإقامة
الحد عليه، والعفو واللعان أيضا لا يكشفان عن إباحته
ولا يسقطان إلا الحد، والتعزير ثابت في كل كبيرة " و
لعل الأول لا يخلو من قوة انتهى، والظاهر أن الحق مع
صاحب الجواهر من عدم التعزير عليه.
(المسألة السابعة:)
وقال أيضا في الشرائع: الحد ثمانون جلدة حرا كان أو
عبدا، ويجلد بثيابه ولا يجرد، ويقتصر على الضرب المتوسط
ولا يبلغ به الضرب في الزناء، ويشهر القاذف لتجتنب
شهادته، ويثبت القذف بشهادة العدلين إذ الاقرار مرتين
ويشترط في المقر التكليف والحرية والاختيار انتهى.
أما حد القذف ثمانين جلدة فيدل عليه مضافا إلى دعوى
الاجماع عليه - روايات كثيرة منها رواية أبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام في امرأة قذفت رجلا، قال: تجلد ثمانين جلدة (1).
ومنها صحيحة أو حسنة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن الفرية
ثلاث يعني ثلاثة وجوه: إذا رمى الرجل الرجل بالزنا، وإذا
قال: إن أمه زانية، وإذا ادعى لغير أبيه، فذلك فيه حد
ثمانون (2).
ومنها صحيحة حرير عن الصادق عليه السلام قال: القاذف

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2.
273

يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة
أو يكذب نفسه (1) إلى غير ذلك من الأخبار
وأما أنه لا فرق في القاذف بين كونه حرا أو عبدا فهو
على الأصح لاطلاق الأدلة كما مر
وأما أنه يجلد بثيابه ولا يعرى - فمضافا إلى دعوى
الاتفاق عليه ودلالة الأصل على عدم وجوب تعريته -
يدل عليه خبر الشعيري عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" لا ينزع من ثياب القاذف إلا الرداء (2).
وفي رواية إسحاق عن الصادق عليه السلام قال: يضرب
جسده كله فوق ثيابه (3)
وأما صحيحة أو موثقة محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام أنه
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في المملوك يدعو
الرجل لغير أبيه، قال: أرى أن يعرى جلده (4) فقد
أجبنا عن هذه الرواية في صدر مبحث القذف، قال
في الجواهر: مع احتمال كونها قضية في واقعة وأنه تعزير
منوط بنظر الحاكم لأن الدعوة لغير الأب ليست قذفا، وكونه
من عراه يعروره إذا أتاه وجلده بفتح الجيم أي أرى أن
يحضر الناس جلده حدا أو دونه انتهى إلا أنه لا حاجة
إلى هذه التكلفات بعد عمل المشهور بتلك الروايات

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 4 و 2
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 4 و 2
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 16.
274

أي الروايات الدالة على أنه يجلد فوق ثيابه.
وكيف كان فيقتصر في ضرب القاذف على الضرب
المتوسط، كما دلت عليه روايات.
منها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يفتري كيف ينبغي للإمام أن يضربه؟ قال: جلد
بين الجلدين (1).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
قال: يضرب المفتري ضربا بين الضربتين يضرب جسده كله (2)
ومنها رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الزاني
أشد ضربا من شارب الخمر، وشارب الخمر أشد ضربا
من القاذف، والقاذف أشد ضربا من التعزير (3)
ومنها رواية وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يجلد الزاني أشد الحدين، قلت: فوق
ثيابه؟ قال: لا، ولكن يخلع ثيابه، قلت: فالمفتري، قال:
ضرب بين الضربين فوق الثياب يضرب جسده كله (4)
وأما إشهاره بين الناس بكونه قاذفا فلأن تجتنب شهادته
ويعلم الناس حاله كما يشهر شاهد الزور لأن لا يعتمد
الناس على شهادته، ثم أنه يثبت القذف بشهادة عدلين

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 5 - 6.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 5 - 6.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 5 - 6.
275

كسائر الموضوعات الشرعية وبالاقرار مرتين قال في
الجواهر: كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافا وإن
لم نظفر بنص خاص فيه، وعموم اقرار العقلاء (1)
يقتضي الاجتزاء به مرة، اللهم إلا أن يكون ذلك
يقتضي الاجتزاء به مرة، اللهم إلا أن يكون ذلك
من جهة بناء الحدود على التخفيف فينزل إقراره منزلة
الشهادة على نفسه فيعتبر فيها التعدد انتهى.
ثم إنه يشترط في المقر بالقذف التكليف والحرمة
والاختيار لرفع القلم عن غير المكلف كالصبي والمجنون
وأما العبد فإن اقراره يكون بضرر المولى فلا يقبل، وأما الاكراه
فإنه أيضا مرفوع أي الاقرار الاكراهي لا تأثير فيه.
(المسألة الثامنة:)
إذا تقاذف اثنان سقط الحد وعزرا قاله في الشرائع.
ومدرك الحكم - بعد دعوى اللاخلاف - صحيح عبد الله
بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين
افترى كل منهما على صاحبه، فقال: يدرأ عنهما الحد ويعزران (2)
وصحيح أبي ولاد الحناط قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلين قذف
كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال: فدرأ عنهما
الحد وعزرهما (3)، وأما تعزيرها فإن التعزير واجب لكل كبيرة

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2.
276

(المسألة التاسعة)
قيل: لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض
إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يراه، قاله
في الشرائع، وقال في المسالك: التنابز بالألقاب التداعي
بها إذا كانت مشتملة على ذم، والقول بعدم تعزيرهم على
ذلك - مع أن المسلم يستحق التعزير به - هو المشهور بين
الأصحاب، بل لم يذكر كثير منهم فيه خلافا وكأن وجهه تكافؤ
السب والهجاء من الجانبين كما يسقط الحد عن المسلمين
بالتقاذف ولذلك يجوز الاعراض عنهم في الحدود والأحكام
فهنا أولى انتهى موضع الحاجة.
وقال في الجواهر: ولعله (أي عدم تعزير الكفار) لاستحقاقهم
الاستخفاف انتهى، وهذا الوجه يقتضي عدم اختصاص
سقوط التعزير بتحقق التنابز من الطرفين بل إذا تحقق
ولو من واحد لا يجب تعزيره لاستحقاق الطرف
الآخر للاستخفاف، كما أن كلام المسالك من قوله:
ولجواز الاعراض عنهم في الحدود والأحكام يقتضي جواز
تعزيرهم بالتنابز بالألقاب، وكيف كان فاسناد
صاحب الشرائع هذا القول إلى القيل مشعر بتمريضه
ولعل وجهه أن التنابز فعل محرم وقع من أي شخص، وكل
277

فعل محرم موجب للتعزير في المسلم ففي الكافر بطريق
أولى، إلا أنه يمكن منع الحرمة في الكافر، هذا كله إذا
لم يخش وقوع فتنة عظيمة بواسطة التنابز بالألقاب
بين الكفار بل بينهم وبين المسلمين أيضا وإلا فيجب
على الإمام أن يحسم مادة الفتنة بضرب بعضهم و
نفي بعض آخر من بلده إلى بلد آخر ونحو ذلك.
(ويلحق بذلك مسائل)
(الأولى)
من سب النبي (صلى الله عليه وآله) جاز لسامعه قتله
ما لم يخف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الايمان
وكذا من سب أحد الأئمة (عليهم السلام)، قاله في
الشرائع، أما ساب النبي صلى الله عليه وآله فالاجماع
على جواز بل وجوب قتله كما في الجواهر.
ففي رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام
أنه سئل عن شتم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام (1).
وفي رواية الحسين بن علي الوشا قال: سمعت
أبا الحسن عليه السلام يقول: شتم رجل على عهد جعفر بن محمد
عليهما السلام رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى به عامل المدينة

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 1.
278

فجمع الناس، فدخل عليه أبو عبد الله عليه السلام وهو قريب
العهد بالعلة وعليه رداء مورد فأجلسه في صدر المجلس
واستأذنه في الاتكاء، وقال لهم: ما ترون؟ فقال له
عبد الله بن الحسن والحسن بن زيد وغيرهما، نرى أن
يقطع لسانه، فالتفت العامل إلى ربيعة الرأي وأصحابه
فقال: ما ترون؟ قال (قالوا ظ): يؤدب، فقال أبو
عبد الله عليه السلام: سبحان الله فليس بين رسول
الله صلى الله عليه وآله بين أصحابه فرق؟ (1).
وأوضح من هذه الرواية دلالة رواية علي بن جعفر قال
أخبرني أخي موسى عليه السلام قال: كنت واقفا على رأس
أبي حين أتاه رسول زياد بن عبيد الله الحارثي عامل المدينة
فقال: يقول لك الأمير: انهض إلي فاعتل بعلة فعاد
إليه الرسول فقال: قد أمرت أن يفتح لك باب المقصورة
فهو أقرب لخطوك
قال: فنهض أبي واعتمد علي ودخل على الوالي، وقد
جمع فقهاء المدينة كلهم وبين يديه كتاب فيه شهادة على رجل
من أهل القرى قد ذكر النبي صلى الله عليه وآله فنال منه،
فقال له الوالي: يا أبا عبد الله أنظر في الكتاب، قال: حتى
أنظر ما قالوا؟ فالتفت إليهم فقال: ما قلتم؟ قالوا: قلنا: يؤدب

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 1.
279

ويضرب ويعزر ويحبس، قال: فقال لهم: أرأيتم لو ذكر رجلا
من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ما كان الحكم فيهم؟
قالوا: مثل هذا، قال: فليس بين النبي وبين رجل
من أصحابه فرق؟ فقال الوالي: دع هؤلاء يا أبا عبد
الله، لو أردنا هؤلاء لم نرسل إليك، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: أخبرني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: الناس في أسوة سواء، من سمع أحدا يذكرني
فالواجب عليه أن يقتل على السلطان إذا رفع إليه
أن يقتل من نال نمى، فقال زياد بن عبيد الله: أخرجوا
الرجل واقتلوه بحكم أبي عبد الله (1).
وفي حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إن رجلا من هذيل سب رسول الله صلى الله عليه وآله
فبلغ ذلك النبي، فقال: من لهذا؟ فقال رجلان من
الأنصار: نحن يا رسول الله، فانطلقا حتى أتيا عربه
فسألا عنه، فإذا هو يتلقى غنمه، فقال: من أنما؟ ما
اسمكما؟ فقالا له: أنت فلان بن فلان؟ فقال: نعم
فنزلا فضربا عنقه، قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 2.
280

عليه السلام: أرأيت لو أن رجلا سب النبي صلى الله عليه
أيقتل؟ قال: إن لم تخف على نفسك فاقتله (1).
إلى غير ذلك من الأخبار. وأما إذا سب أحد الأئمة
عليهم السلام فإنه يقتل أيضا وادعي اللاخلاف بل الاجماع
على ذلك مضافا إلى دلالة الروايات عليه
منها صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السلام؟ قال:
فقال: حلال الدم والله لولا أن يعم بريئا قلت: فما تقول
في رجل مؤذ لنا؟ قال: في ماذا؟ قلت: فيك، يذكرك
فقال لي: له في علي عليه السلام نصيب؟ قلت: إنه ليقول
ذلك ولا يظهره، قال: لا تعرض له " (2).
ولعل النهي عن التعرض له كان للتقية أي الخوف على هشام
ومنها رواية العامري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أي شئ تقول في رجل سمعته يشتم عليا عليه السلام ويبرأ
منه؟ فقال لي: والله هو خلال الدم (3) الحديث.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قعد في
مجلس يسب فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف فلم
يفعل ألبسه الله عز وجل الذل في الدنيا وعذبه في الآخرة (4) الخ

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 1 - 2 - 3.
281

ومنها رواية علي بن حديد قال: سمعت من يسأل
أبا الحسن الأول عليه السلام فقال: إني سمعت محمد بن بشير
يقول: إنك لست موسى بن جعفر الذي هو إمامنا
وحجتنا بيننا وبين الله تعالى.
فقال: لعنه الله - ثلاثا - أذاقه الله حر الحديد قتله الله
أخبث ما يكون من قتلة، فقلت له: إذا سمعت ذلك
منه أو ليس حلال لي دمه؟ مباح كما أبيح دم سباب
لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم، حل والله حل
والله دمه وأباحه لك ولمن سمع ذلك مه، قلت:
أو ليس ذلك بسباب لك؟ قال: هذا سباب لله
وسباب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسباب لآبائي
وسبابي، وأي سب لي وأي سباب يقصر عن هذا
ولا يفوقه هذا القول، قلت: أرأيت إن أنا لم أخف أن
أغمز بذلك بريئا ثم لم أفعل ولم أقاله ما على من الوزر؟
فقال: يكون عليك وزره أضعافا مضاعفة من غير أن ينقص
من وزره شئ، أما علمت أن أفضل الشهداء درجة يوم
القيامة من نصر الله ورسوله بظهر الغيب ورد عن الله وعن
رسوله صلى الله عليه وآله (1).
ومنها رواية داود بن فرقد قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام
ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم ولكن أتقي

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 6.
282

عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في
ماء لكي لا يشهد عليك فافعل (1) الحديث. إلى غير ذلك
وهل يلحق سائر الأنبياء (ع) بالنبي صلى الله عليه وآله
أم لا؟ قال في المسالك: وفي الحاق باقي الأنبياء بذلك
قوة لأن كمالهم وتعظيمهم على من دين الاسلام ضرورة
فسبهم ارتداد ظاهر انتهى إلا أن ما ذكره قدس سره يستلزم
كون الساب للأنبياء مرتدا لا وجوب قتله على كل حال
فيترتب عليه أحكام المرتد الملي والفطري والتفصيل الذي
يكون بينهما.
وعن التحرير الحاق أم النبي صلى الله عليه وآله وبنته
به من غير تخصيص بفاطمة الزهراء عليها السلام مراعاة لقدره
صلى الله عليه وآله، وعن الرياض حكايته أيضا عن غير التحرير
لكن قال: وقيل: يمكن اختصاص الحكم بفاطمة عليها السلام
للاجماع على طهارتها بآية التطهير (2) انتهى، وعن الروضة
أنه قال: وألحق في التحرير بالنبي صلى الله عليه وآله أمه وبنته
من غير تخصيص بفاطمة، ويمكن اختصاص الحكم بها للاجماع
على طهارتها بآية التطهير " إلا أنه يمكن أن يقال بعدم اختصاص
الحكم بفاطمة عليها السلام إذا كان سب بنت النبي صلى الله

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب حد القذف الحديث 5
(2) سورة الأحزاب الآية 33.
283

عليه وآله سبا أو إهانة له (ص) وكذا قذف فاطمة عليها السلام
وكذا أم النبي صلى الله عليه وآله.
وأما سب فاطمة عليها السلام فقال في الجواهر: لعله من
جهة العلم بكونها في الاحترام كأولادها (سلام الله عليهم)
انتهى وهو حسن، وعن اللمعة أنه قال: وقاذف أم النبي
صلى الله عليه وآله مرتد، ولو تاب لم تقبل توبته إذا كان
ارتداده عن فطرة " وعن الروضة في شرحها " وهذا بخلاف
ساب النبي (صلى الله عليه وآله) فإن ظاهر النص و
الفتوى وجوب قتله وإن تاب، ومن ثم قيده خاصة
وظاهرهم أن سباب الإمام كذلك "
وعن حاشية الكركي على الشرائع " ولو قذف النبي
صلى الله عليه وآله فه مرتد ووجوب قتله، ولا تقبل توبته
إذا كان مولودا على الفطرة، وكذا لو قذف أم النبي صلى
الله عليه وآله أو بنته وكذا أم الإمام عليه السلام أو بنته انتهى.
إلا أن ما ذكروه قدس الله أسرارهم مبني على عدم قبول
توبة المرتد الفطري، وأما بناء على ما اخترناه من قبول
توبته فلا وقد حققنا ذلك في كتاب الطهارة المطبوع
أخيرا فراجع، ثم إن الظاهر عدم توقف وجوب قتل ساب
النبي صلى الله عليه وآله على إذن الإمام لدلالة رواية هشام
بن سالم (1) وكذا ظاهر روايته أو صحيحته الأخرى (2) الواردة

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 1.
284

في سب علي عليه السلام وكذا حسنة محمد بن مسلم (1) المتقدمة
حيث سأل في آخرها عن أبي جعفر عليه السلام: أرأيت
لو أن رجلا سب النبي صلى الله عليه وآله أيقتل؟ قال:
إن لم تخف على نفسك فاقتله " وكذا رواية داود بن فرقد
المتقدمة (2) الواردة في الناصب حيث قال: فإن قدرت
أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك
فافعل " مضافا إلى دعوى الشهرة بل الاجماع على ذلك
خلافا للمحكى عن المفيد والعلامة في المختلف فلم يجوزاه بدون
إذن الإمام عليه السلام.
ولعله لظاهر خبر عمار السجستاني أن أبا عبد الله بن
النجاشي سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: إني قتلت
ثلاثة عشر رجلا من الخوارج كلهم سمعتهم يبرأ من علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، فقال: لو كنت قتلتهم بأمر الإمام
لم يكن عليك في قتلهم شئ، ولكنك سبقت الإمام،
فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتصدق بلحمها
لسبقك الإمام وليس عليك غير ذلك (3).
إلا أن هذه الرواية على خلاف مطلوبهم أدل فإن من
المعلوم أن كفارة قتل النفس أو ديته ليس شاة فأمره عليه السلام

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب حد القذف الحديث 5
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب ديات النفس الحديث 2.
285

بذبح الشاة بمنى والتصدق بلحمها لأجل ترك المستحب
الصادر منه وهو سبقته على الإمام في قتل الخوارج، و
كان ينبغي له أن يستأذن الإمام في ذلك.
ثم إنه لا فرق في الساب للنبي صلى الله عليه
وآله بين المسلم والكافر في وجوب قتله
فإنه روى عن علي عليه السلام أن يهودية كانت تشتم
النبي صلى الله عليه وآله وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت
فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله دمها (1).
نعم إذا سب النبي صلى الله عليه وآله ثم أسلم ففي
وجوب قتله تأمل فإن الاسلام يجب ما قبله.
(المسألة الثانية:)
قال أيضا في الشرائع: من ادعى النبوة وجب قتله
وكذا من قال: لا أدري محمد بن عبد الله الصادق أو لا؟
انتهى، أما مدعي النبوة فإنه موجب لكفره فإنه منكر لضرورة
من الدين التي هي أن لا نبي عد نبينا محمد صلى الله عليه
وآله - مضافا إلى دعوى اللاخلاف في هذه المسألة
وولاته الأخبار عليها، منها رواية ابن أبي يعفور قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إن بزيعا يزعم أنه نبي، فقال:
إن سمعته يقول ذلك فاقتله، قال: فجلست إلى جنبه

(1) الكافي ج 7 ص 376 - على ما حكي عنه.
286

غير مرة، فلم يمكنني ذلك (1)
ومنها رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال
في حديث: قال النبي صلى الله على وآله: أيها الناس
إنه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعى ذلك
فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه (2).
ومنها رواية العيون عن ابن فضال عن أبيه عن الرضا
عليه السلام أنه قال في حديث: شريعة محمد صلى الله عليه وآله
لا تنتهي إلى يوم القيامة، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة،
فمن ادعى بعده نبيا أوتي بكتاب بعده فدمه مباح لكل من
سمع منه (3).
وأما إذا قال: لا أدري محمد بن عبد الله صادق أو لا
فإنه إذا كان على ظاهر الاسلام فإنه يصير أيضا دمه مباحا بلا
خلاف أجده فيه - كما في الجواهر - ففي صحيحة ابن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من شك في الله وفي
رسوله فهو كافر (4) الحديث. وفي رواية الحارث بن مغيرة
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لو أن رجلا أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: والله ما أدري أنبي أنت أم لا؟
كان يقبل منه؟ قال: لا، ولكن كان يقتله، إنه لو قبل ذلك

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 2 - 3 - 4
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 22.
287

منه ما أسلم منافق (1).
وإنما قيدنا الحكم بكون الشاك على ظاهر الاسلام
لأن الكافر إذا قال ذلك لا يقتل إلا إذا كان محاربا
وقد يلحق مدعي الإمام بمدعي النبوة وكذا من شك
فيها أي في الإمامة وهو على ظاهر الاسلام، أما مدعي
الإمامة فإن كان مراده من دعوى الإمامة لنفسه
أنه إمام من جانب الله تعالى ومفترض الطاعة وخليفة
للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فهو بذلك يصير
كافرا لادعائه شيئا على خلاف ضرورة الاسلام،
وأما إذا أنكر إمامة الأئمة الاثني عشر فإن كان من
أبناء العامة فهو غير موجب لكفره وكذا إذا شك في إمامتهم
عليهم السلام فإن أبناء العامة محكومون بالاسلام مع أنهم لا
يعتقدون إمامة الأئمة الطاهرين (ع) نعم إذا كان من
النواصب أي يسبون الأئمة (ع) أو يتجاسرون عليهم
يحكم حينئذ بكفرهم، وأما إذا كان شيعيا ومعتقدا لإمامتهم
عليهم السلام، ومع ذلك أنكر إمامتهم أو شك فيها فإنه يصير
بذلك كافرا لانكاره لضروري من ضروريات الشيعة
وكذا من الشيعة إذا أنكر إمامة أحد الأئمة (ع) أو شك فيها فإنه
يصير كافرا
(المسألة الثالثة:)
من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما ويؤدب إن كان

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المرتد الحديث 4.
288

كافرا، قاله في الشرائع، ومستند الحكم بعد دعوى اللاخلاف
عليه روايات.
منها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ساحر المسلمين
يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله
لم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال: لأن الكفر أعظم من
السحر، ولأن السحر والشرك مقرونان (1).
ومنها رواية زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام
قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الساحر
فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل
دمه (2).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما
السلام: إن عليا عليه السلام كان يقول: من تعلم شيئا
من السحر كان آخر عهده بربه، وحده القتل إلا أن يتوب (3)
ومنها رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه (4)
ثم إنه ربما يقال: ينحصر ثبوت السحر بالاقرار، لأن
الشاهد لا يعرف قصده ولا يشاهد التأثير، لكن ترد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 3
289

ذلك رواية زيد بن علي المتقدمة (1) حيث قال: إذا جاء
رجلان عدلان فشهد بذلك فقد حل دمه "
مضافا إلى أن من الممكن أن يعلما بسحره من طرق
عديده أو يتوجها بتأثير سحره من تلك الطرق كأن أظهرا
عنده بأنهما أيضا ساحران فيظهر بعض أسراره
عندهما أو نحو ذلك.
كما أنه يظهر من رواية إسحاق المتقدمة (2) على وجوب
قتل معلم السحر إلا أن عبارة صاحب الشرائع وكذا ما
يحكى عن جماعة ظاهر في من عمل بالسحر فإن الأصل
يقتضي نفي وجوب قتل من يتعلم السحر من دون أن
يعمل به خصوصا إذا كان تعلمه لابطال سحر السحرة.
ثم إنه مقتضى إطلاق الروايات المتقدمة عدم الفرق
بين المستحل للسحر وغيره فما عن بعض المتأخرين
من اختصاصه بالمستحل لا وجه له ولا شاهد عليه.
(المسألة الرابعة:)
قال في الشرائع: أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة
أسواط وكذا المملوك، وقيل: إن ضرب عبده في غير
حد حدا لزمه إعتاقه وهو على الاستحباب انتهى
وقال في الجواهر: لكن لم أجد دليلا واضحا عليه انتهى
ونحن نورد الروايات الواردة في تأديب الصبي و

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2.
290

والمملوك.
منها رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
في أدب الصبي والمملوك، فقال: خمسة أو ستة
وارفق (1).
ومنها رواية السكوني عنه عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين
عليه السلام ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخير
بينهم، فقال: أما إنها حكومة، والجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا
معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب
اقتص منه (2).
ومنها رواية زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما ترى في ضرب المملوك؟ قال: ما أتى منه
على بدنه فلا شئ عليه، وأما ما عصاك فيه فلا بأس،
قلت: كم أضربه؟ قال: ثلاثة أربعة خمسة (3).
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: ربما ضربت الغلام في بعض ما يحرم فقال:
وكم تضربه؟ فقال: ربما ضربته مأة، فقال: مأة مأة؟ فأعاد
ذلك مرتين، ثم قال: توق حد الزاني، اتق الله، فقال:
جعلت فداك، فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحد،
فقال: والله لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب بقية الحدود الحديث 1 - 2 - 3.
291

إلا أفسده، فقال: فاثنتين، فقال: جعلت فداك
هذا هلاكي، إذا، قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ خمسا
ثم غضب، فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حد
ما أجرم فأقم الحد فيه، ولا تتعد حدود الله (1).
ومنها مرسلة الفقيه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: لا يحل لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن
يجلد أكثر من عشرة أسواط إلا في حد، وأذن في
المملوك من ثلاثة إلى خمسة (2).
وهذه الرواية تصلح أن تكون في الجملة مستندا لقول
صاحب الشرائع من كراهة أن يزاد في تأديب الصبي
وكذا المملوك على عشرة أسواط إلا أن الرواية أولا
مرسلة وثانيا ظاهرها حرمة ما زاد على العشرة وثالثا
أنها قدرت الضرب في خصوص المملوك من ثلاثة إلى
خمسة، وحاصل الكلام في هذه المسألة أنه لم يعلم وجه
جواز التأديب إلى العشرة ووجه كراهة ما زاد عنها، فإن
كان مستندهم هذه الروايات فقد عرفت أنها لا تجوز
أكثر من ثلاثة إلى الخمسة، وإن كان مستندهم أن
التأديب إذا تحقق بالعشرة فما زاد عنها مكروه فإذا
لا بد من أن يقال بحرمة ما زاد على العشرة لا كراهته

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الحدود الحديث 2.
292

لحرمة الظلم بالصبي والمملوك كغيرهما، وإن كان العشرة
فما زاد من باب التعزير فلا وجه لكراهة ما زاد على العشرة
فإن التعزير جائز إلى أن ينتهي إلى أقل الحدود، مثلا
يجوز تعزير من ارتكب بعض مقدمات الزناء كالتفخيذ
والتقبيل من واحد إلى تسعة وتسعين سوطا وكذا
التفخيذ وتقبيل الغلام بشهوة ونحو ذلك، فالتعزير بقدر ما
يراه الحاكم من ذنب الرجل وقوة بدنه أو ضعفه.
كما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحد، قال: قلت: دون
ثمانين؟ قال: لا، ولكن دون أربعين فإنها حد المملوك
قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب
الرجل وقوة بدنه (1).
وفي رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطا
ما بين العشرة إلى العشرين (2).
فحينئذ ليس لنا مستند في جواز التأديب إلى العشرة
وكراهة ما زاد عنها، فالتحقيق أن يقال بما نطقت به الروايات
المتقدمة من جواز تأديب الصبي من ثلاثة أسواط إلى
خمسة، فإن تحقق التأديب بذلك فيها وإلا فيجوز
تأديبه إلى عشرة أسواط فإن تحقق التأديب بذلك

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1.
293

فبها وإلا فيجوز أيضا تأديبه بما زاد على العشرة إلى أن يتحقق
التأديب وليس حينئذ فيما زاد على العشرة كراهة.
وأما إذا كان ضرب الصبي أو المملوك لأجل الفعل
القبيح الصادر منه كالزنا واللواط وشرب المسكرات، أما
المملوك فيجب عليه نصف حد الحر كما عرفت ذلك في
ما سبق.
وأما الصبي فيجب تعزيره بما يراه الحاكم من واحد إلى
تسعة وتسعين سوطا في الزناء مثلا ولا تحديد له بالعشرة
وكراهة ما زاد عنها كما سمعت ذلك من الروايتين
المتقدمتين (1)، فلم نظفر بمورد يجب فيه التأديب إلى
العشرة وكراهة ما زاد عنها
وأما إذا ضرب عبده في غير الحد فعن الشيخ في النهاية
لزوم اعتقاه، إلا أن لفظ ما نقل عن النهاية هكذا: " من
ضرب عبده فوق الحد كان كفارته أن يعتقه " ومستند هذا
الحكم هو صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: من
ضرب مملوكا حدا من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن
لضاربه كفارة إلا عتقه (2)، قال في الجواهر: إلا أنه كما ترى
لم يعتبر فوق الحد الذي ذكره الشيخ، فلا دليل له حينئذ على
ما ذكره، كما لا عامل بالصحيح المزبور فيتجه حمله حينئذ على

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الحدود الحديث 3 - 1
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب بقية الحدود الحديث 1.
294

الندب، بل في النافع الاستحباب المزبور لمن زاد في
تأديبه على العشرة وإن لم أجد له شاهدا بل ولا موافقا
والظاهر أن الاستحباب المزبور للمولى، وربما احتمل استحبابه
أيضا لغيره بأن يشتريه ويعتقه لكنه ليس بشئ انتهى
ومراده قدس سره أن الغير إذا ضرب عبده بغير الحد
الذي أوجبه على نفسه أي بغير الوجه الشرعي يستحب له أن
يشتريه من مولاه ويعتقه، والدليل على استحبابه للغير أيضا
هو نكرة كلمة " مملوكا " الشاملة لمملوك الغير أيضا في هذه الصحيحة
المتقدمة، والله العالم.
(المسألة الخامسة:)
قال في الشرائع: كل ما فيه التعزير من حقوق الله
سبحانه وتعالى يثبت بشاهدين أو الاقرار مرتين على
قول، ومن قذف عبده أو أمته عزر كالأجنبي انتهى.
أما ثبوته بشاهدين فللعمومات الدالة على ثبوت كل
شئ بشاهدين إلا الزنا فإنه لا يثبت إلا بأربعة شهداء
على ما مر تفصيله في باب الزناء، وأما الاقرار مرتين فقد نسبه
في الشرائع إلى قول مشعرا بالتردد فيه، فإن قوله (ع): اقرار
العقلاء على أنفسهم جائز يشمل ما إذا أقر مرة واحدة إلا أن
الأحوط مرتين لدرء الحد بل التعزير أيضا بالشبهة، وكيف كان

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كتاب الاقرار الحديث 2.
295

فلو قذف عبده أو أمته (أي نسب إليهما مما لا يوجب حد
القذف) عزر كالأجنبي لحرمته ولرواية أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من افترى على مملوك عزر، لحرمة
الاسلام (1).
ورواية غياث عنه عليه السلام قال: إن امرأة جاءت إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني قلت
لأمتي: يا زانية، فقال: هل رأيت عليها زنا؟ فقالت: لا،
فقال: أما إنها ستقاد منك يوم القيامة، فرجعت إلى أمتها
فأعطتها سوطا، ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة، فأعتقتها
ثم أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال: عيسى
أن يكون هذا بهذا (2)، ويحتمل أن يكون عتقها صار كفارة لذنبها لكن
الشارح قال في الجواهر: ولعل ترك النبي (ص) تعزيرها لعدم
اقرارها مرتين والله العالم.
(المسألة السادسة:)
كل من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره بما لا يبلغ
الحد، وتقديره إلى الإمام ولا يبلغ به حد الحر في الحر ولا
حد العبد في العبد، قاله أيضا في الشرائع، وحاصله أن كل من
فعل محرما من المحرمات سواء كان كبيرة كالكذب وغيبة المؤمن
والافتراء عليه وكأكل الربا والرشا وكان من المعاصي التي

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 12 والباب 1 ح 4.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد القذف الحديث 12 والباب 1 ح 4.
296

لا توجب الحد الشرعي فللإمام أن يعزره بما لا يبلغ الحد
وتقديره إلى الإمام إلا أنه يلزم أنه لا يبلغ إلى حد الحر في
الحر ولا حد العبد في العبد مثلا إذا تحقق التفخيذ منه بالنسبة
إلى المرأة الأجنبية فإن كان حرا يجب تعزيره إلى تسعة
وتسعين سوطا، وإن كان عبدا يجب تعزيره من الواحد
إلى تسعة وأربعين سوطا أي أقل من خمسين
سوطا الذي هو حد العبد، بل قيل: إنه يجب أن لا يبلغ
به أقل الحد الذي هو خمسة وسبعون سوطا وهو حد القيادة
ففي الحر لا يبلغ خمسة وسبعين وفي العبد لا يبلغ الأربعين
وقيل: إنه في ما ناسب الزنا يجب أن لا يبلغ حد الزناء
وفي ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حد القذف
كما إذا سبه أو افترى عليه بغير ما يوجب حد القذف، وفي ما
لا مناسب له كترك الصلاة يجب أن لا يبلغ أقل الحدود
إلا أن ذلك في ما لا يكون له مقدر في الأخبار وإلا فيجب
أن يعزر بما قدر له.
هذا، وعن كشف اللثام أنه قال: إن وجوب التعزير
على ذلك إن لم ينته بالنهي والتوبيخ ونحوهما، وأما إذ انتهى
بدون الضرب فلا دليل عليه إلا في مواضع مخصوصة ورد
النص فيها بالتأديب والتعزير، ويمكن تعميم التعزير في كلامه
(أي كلام صاحب القواعد) وكلام غيره لما دون الضرب
297

من مراتب الانكار انتهى وكأن مراده قدس سره بيان
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه ينهاه أولا
باللسان الطيب فإن انتهى بذلك فلا تصل التوبة
إلى سائر مراتب الانكار، وإن لم ينته فباللسان الخشن
وإن لم ينته فبالسب والشتم وإن لم ينته فبضربه إلى أن
تصل النوبة في بعض المواضع إلى قتله وذلك أي قتله
موكول إلى الإمام.
لكن يرد عليه أن كلامنا في التعزير وليس في مراتب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مضافا إلى أن إعمال
هذه المراتب بعد وقوع المنكر منه أو قبله؟ فإن كان قبله
فالمفروض أنه لم يتحقق منه منكر حتى يردعه عنه باللسان
الطيب أو الخبيث، وإن كان بعد ما توجه عليه التعزير
بارتكابه للقبيح مع أن ردعه باللسان هل يكون للفعل
القبيح الذي صدر منه أو للأفعال القبيحة التي تصدر منه فيما بعد؟
فإن كان الأول فالمفروض أنه صار عليه التعزير بحسب النصوص
وإن كان الثاني فالمفروض أنه لم يصدر منه ما يوجب الملامة
عليه، والحاصل أن ما ذكره - رحمة الله عليه - لا يعلم وجهه و
لا ينطبق إلا على باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وهو غير مرتبط بهذا الباب الذي هو باب التعزير
298

(الباب الرابع)
في حد المسكر، ومباحثه ثلاثة، الأول في الموجب
وهو تناول المسكر أو الفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم إذا كان
المتناول كاملا، فهذه قيود أربعة، شرطنا التناول ليعم الشرب
والاصطباغ وأخذه ممزوجا بالأغذية والأدوية، ونعني بالمسكر
ما من شأنه أن يسكر، فإن الحكم يتعلق بتناول القطرة منه،
قاله في الشرائع.
والحاصل أن في هذا الباب - أي باب حد المسكر - مباحث
ثلاثة الأول من موجب الحد وهو تناول المسكر بأي نحو
اتفق سواء كان بشربه أو الاصطباغ أي ضرب الخبز
فيه وأكل ذلك الخبز الممزوج بالخمر أو مزجه بالأغذية والمرق و
الطبيخ أو مزجه بالأدوية أو ادخاله بالإبرة وتزريق الإبرة في
عرق المريض لأجل التداوي أو ادخال المسكر في طريق
الأنف إلى الجوف، نعم لا يحرم الاحتقان به وكذا التضميد
والاطلاء به وكذا السعوط إذا لم يدخل في الحلق على اشكال
في الأخير للنهي عن الاكتحال به والاسعاط أقرب وصولا
إلى الجوف منه، وقد عبر كثير من الفقهاء في موجب الحد بالتناول
إلى معناه مطلق الاستعمال مع أنه ليس في الأخبار
إلا الشرب فلعل هنا اجماع نعم في بعض الأخبار التعبير
بالخمر في وجوب الحد، ففي رواية إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن
299

أحدهما عليهما السلام قال: كان علي عليه السلام يضرب في الخمر
والنبيذ ثمانين (1).
وكذا ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا سكر
من النبيذ المسكر والخمر جلد ثمانين (2).
وكيف كان فالتعبير بالتناول قد وقع من كثير من العلماء
فلا اشكال من حيث الفتوى والأخبار فيه.
ثم أنه يشترط في حد شارب الخمر أمور أربعة، الأول
العلم بتحريمه، فمع الشك في التحريم لا حد عليه إذا كان الشك
بالتحريم في حقه ممكنا بأن كان قريب العهد بدخوله في الاسلام
روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أن رجلا دخل
في الاسلام وأقر به ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين
له شئ من الحلال والحرام لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلا
إلا أن تقوم عليه البينة أنه قرأ (عليه) السورة التي فيها الزنا و
الخمر وأكل الربا، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته، فإن ركبه بعد
ذلك جلدته وأقمت عليه الحد (3).
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل
دعونا إلى جملة الاسلام فأقر به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل
الربا ولم يتبين له شئ من الحلال والحرام أقيم عليه الحد إذا جهله؟

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 2 - 8
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 2 - 8
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
300

قال: لا، إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد كان أقر بتحريمها (1).
وروى أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال:
لو وجدت رجلا كان من العجم أقر بجملة الاسلام لم يأته
شئ من النفر زنى أو سرق أو شرب خمرا لم أقم
عليه الحد إذا جهله إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد أقر بذلك و
عرفه (2).
وروى جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام
في رجل دخل في الاسلام شرب خمرا وهو جاهل، قال:
لم أكن أقيم عليه الحد إذا كان جاهلا، ولكن أخبره بذلك
وأعلمه، فإن عاد أقمت عليه الحد (3).
وروى ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شرب
رجل الخمر على عهد أبي بكر، فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت
خمرا؟ قال: نعم، قال: ولم وهي محرمة؟ قال: فقال له الرجل:
إني أسلمت وحسن إسلامي، ومنزلي بين ظهراني قوم
يشربون الخمر ويستحلون، ولو علمت أنها حرام اجتنبتها
فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال
عمر: معضلة وليس لها إلا أبو الحسن، فقال أبو بكر: ادع لنا
عليا، فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته، فقام والرجل معهما ومن
حضرهما من الناس حتى أتوا أمير المؤمنين عليه السلام فأخبراه

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحدس 2 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحدس 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحدس 2 - 3 - 4.
301

بقصة الرجل وقص الرجل قصته، فقال: ابعثوا معه من
يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا
عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به، فلم يشهد عليه
أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم، فخلى سبيله، فقال له:
إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد (1).
الشرط الثاني من شرائط حد المسكر أن يكون
الشارب مختارا والمضطر أو المجبور لشرب الخمر لا يجب بل
لا يجوز عليه إقامة الحد،
الثالث أن يكون بالغا الرابع أن يكون عاقلا
لرفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق
نعم يعزر لذلك.
وكيف كان فيشمل التناول ما إذا تناول المسكر
من طريق الأنف أو من طريق العين إذا وصل إلى
الحلق، فعن القواعد " ولو تسعط به حد " وعن كشف
اللثام أنه علله بأنه يصل إلى باطنه من حلقه، وبالنهي
عن الاكتحال به، والاسعاط أقرب منه وصولا إلى
الجوف " وقال في الجواهر: ولو فرض عدم وصوله أو عدم
العلم بالوصول لم يحد للأصل وغيره انتهى ولعل المراد بغير
الأصل هو أن الحد مترتب على احراز موضوع شرب الخمر

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد شارب الخمر الحديث 1.
302

فمع عدم إحراز الموضوع لا يحد الشارب
ثم قال في الشرائع: ونعني بالمسكر ما من شأنه أن
يسكر فإن الحكم يتعلق بتناول القطرة مه، ويستوي في ذلك
الخمر وجميع المسكرات التمرية والزبيبية والعسلية والمزر المعمول
من الشعير أو الحنطة أو الذرة، وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد
انتهى موضع الحاجة.
ومستند هذا الحكم - أعني تناول قطرة من المسكر الموجب
للحد - روايات مستفيضة، منها رواية عبد الله بن سنان
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الحد في الخمر أن يشرب منها
قليلا أو كثيرا (1). ومنها رواية محمد بن الحنفية عن أبيه عليه السلام قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله ضرب في الخمر ثمانين (2)
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل شرب حسوة خمر، قال: يجلد ثمانين جلدة، قليلها
وكثيرها حرام (3)، إلى غير ذلك من الروايات الدالة بصراحتها أو
اطلاقها بأن تناول قطرة من الخمر موجب للحد أيضا.
إلا أنه عن الصدوق في المقنع " إذا شرب حسوة من
خمر جلد ثمانين، وإن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر لم يجلد حتى يرى
سكرانا انتهى وظاهره الفرق بين شرب القليل والخمر وقيل

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 3
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر الحديث 8 - 7.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر الحديث 8 - 7.
303

النبيذ وأنه ليس في شرب قليل النبيذ حد إلا إذا أسكر
ولعل مستنده هو صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد
الله عليه السلام أنه قال في حديث: قلت: أرأيت إن أخذ شارب
النبيذ ولم يسكر أيجلد؟ قال: لا (1)
وصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه اسلام قلت
أرأيت إن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر أيجلد ثمانين؟
قال: لا، وكل مسكر حرام (2).
إلا أنه تعارض الصحيحتين رواية إسحاق بن عمار
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شرب حسوة
خمر قال: يجلد ثمانين جلدة، قليلها وكثيرها حرام (3).
وحسنة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: إن في كتاب علي عليه السلام: يضرب شارب
الخمر ثمانين وشارب النبيذ ثمانين (4).
ورواية إسحاق بن عمار عن أبي بصير أحدهما عليهما
السلام قال: كان علي عليه السلام يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين (5)
وهذه الروايات باطلاقها شاملة الخمر وكثيرها وقليل
النبيذ وكثيرها فلا بد من حمل الصحيحتين المتقدمتين على بعض المحامل
كالتقية ونحوها مضافا إلى إعراض الأصحاب عنهما أو حمل النبيذ

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 5
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 5
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر الحديث 7
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المسكر الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب 5 من أبواب حد المسكر الحديث 1 - 2.
304

فهما على ماء التمر من قبل غليانه أو نشيشه، ويؤيده أنه قال
عليه السلام في صحيحة الحلبي - بعد حكمه بعدم الحد عليه إذا لم يسكر -
قال: وكل مسكر حرام (1) يعني أن الحرمة والحد المترتب عليها
إنما هي في ما إذا كان النبيذ مسكرا دون النبيذ غير المسكر.
وكيف كان ففي تناول جميع أفراد المسكر يجب الحد
سواء كان نبيذا وهو الشرب المتخذ من التمر أو نقيعا وهو الشراب
المتخذ من الزبيب أو بتعا وهو الشراب المتخذ من العسل
أو مزرا وهو الشراب المأخوذ من الشعير أو الحنطة أو الذرة
لأنه يستفاد من الأخبار المتواترة أن ملاك الحرمة هو الاسكار
بل إذا كان مأخوذا من شيئين من الأشياء المذكورة أو
ثلاثة أشياء أو أكثر بل كان مأخوذا من غير هذه الأشياء
وكان مسكرا فهو حرام أيضا ويحد شاربه.
وعن كشف اللثام - بعد ذكر الحكم بالحد عندنا بتناول القطرة
من المسكر أو مزجها بالغذاء أو الدواء - قال: وإن لم يتناوله ما
في النصوص من لفظ الشرب فكأنه إجماعي " وسبقه
إلى ذلك الأردبيلي فإن أشكل امتزاج قطرة من خمر مثلا
بحب من ماء بعدم صدق اسم شربها، ولذا لم يشرب
من حلف أن لا يشرب الخل أو يأكل الدهن أو التمر بشرب
الكباح (2) وأكل الطبيخ الذي فيه ده غير متميز وأكل الحلوى

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد المسكر الحديث 5
(2) الكباح لعله شئ مائع حامض يتقاطر فيه قليل من الخل.
305

التي فيها التمر " إلا أنه قال في الجواهر: وفيه أن المحرم ذاتا لا من
حيث الاسم لا يتفاوت الحال بين قليله وكثيره، بخلاف
متعلق اليمين الذي مدار الحكم فيه على صدق الفعل انتهى.
أقول: يرد عليه أن المحرم وإن كان ذات شرب الخمر
وهو وإن لم يصدق على الشرب من الحب الذي تقاطر فيه
قطرة من الخمر إلا ذات الخمر التي قد ترتبت عليه الحرمة، لكن
الحرمة لا تلازم وجوب الحد بعد استهلاك القطرة من الخمر
الواقعة في الحب الملئ من الماء واضمحلالها، فيمكن أن نقول
بحرمة الشرب من الحب الذي وقع قطرة من الخمر فيه ونجاسة
ذلك الماء فإن ميلا من الخمر ينجس حبا من الماء كما في الرواية
إلا أن الالتزام بوجوب حد شارب ذلك الماء مشكل
جدا.
وقال أيضا في الشرائع: ويتعلق الحكم بالعصير إذا غلا و
إن لم يقذف بالزبد إلا أن يذهب بالغليان ثلثاه أو ينقلب
خلا وبما عداه إذا حصلت فيه الشدة المسكرة، وأما التمر إذا غلا
ولم يبلغ حتى يبلغ، وكذا البحث في الزبيب إذا نقع في الماء فغلى
من نفسه أو بالنار، فالأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة
المسكرة انتهى، ونحن بعون الله نذكر أولا الروايات الواردة
في العصير العنبي ثم نتبعها بالروايات الواردة في العصير الزبيبي
306

فنقول: روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (1)
والمراد بإصابته للنار غليانه بها ولا أقل من نشيشه بها
لا مطلق الإصابة وإن لم يتحقق بها الغليان أو النشيش على
اشكال في الثاني، وظاهر الرواية التي هي صحيحة أو حسنة بإبراهيم
بن هاشم أن ذهاب الثلثين لا بد أن يكون أيضا بالنار
فلا يكفي ذهابهما من قبل نفسه أو بالهواء.
وروى أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل
عن الطلا (2) فقال: إن طبخ حتى يذهب منه اثنان ويبقى
واحد فهو حلال، وما كان دون ذلك فلا خير فيه (3).
وروى محمد بن الهيثم عن رجل عنه عليه السلام قال: سألته
عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه؟
فقال: إذا تغير عن حاله وغلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه
ويبقى ثلثاه (4).
وروى ابن أبي يعفور - في الصحيح - عنه عليه السلام قال:
إذا زاد الطلا على الثلث فهو حرام (5).
وعن حماد بن عثمان عنه عليه السلام قال: سألته عن شرب
العصير قال: تشرب ما لم يغل، فإذا غلى فلا تشربه، قلت

(1) الطلا: العصير
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 - 6 - 7 - 8.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 - 6 - 7 - 8.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 - 6 - 7 - 8.
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 - 6 - 7 - 8.
307

أي شئ الغليان؟ قال: القلب (1).
ولكن يستفاد من رواية أن النشيش أيضا موجب
لحرمة العصير وهي رواية ذريح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إذا نش العصير أو غلا حرم (2).
وكيف كان فليس لنا دليل على نجاسة العصير العنبي
مضافا إلى حرمته، فالمقدر المسلم هو حرمته.
نعم في الموثق المروى عن التهذيب - كما في الجواهر -
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة
بالحق يأتيني بالبختج (3) ويقول: قد طبخ على الثلث وأنا أعلم
أنه يشربه على النصف، فقال: خمر لا تشربه (4) إلى آخره، قال
في الجواهر أيضا: والمناقشة فيه بعدم لفظ الخمر فيه في الكافي
ضعيفة، لأولوية احتمال السقوط من الزيادة، وإن كان الكليني
أضبط، كالمناقشة فيه باحتمال إرادة الحرمة من التشبيه لا النجاسة
انتهى موضع الحاجة.
لكن يمكن أن يقال: إن المناقشة باحتمال إرادة الحرمة
من قوله عليه السلام " خمر " قوية لأن هذه الكلمة ليست موجودة
في الكافي بل هي منقولة عن التهذيب أولا، وعدم صراحة
قوله: " خمر " على النجاسة وقصاراه دلالته على الحرمة ثانيا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - 4
(3) معرب بخته.
(4) الجواهر ج 6 - كتاب الطهارة - ص 14
308

وعدم وجود قوله (خمر) في سائر روايات العصير العنبي ثالثا،
وقد بينا حكم العصير العنبي في كتاب الطهارة المطبوع أخيرا
من تقريرات بحث سيدنا الأستاذ آية الله الحاج السيد
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني أدام الله أيام إفاضاته أكثر من
هنا فراجعه فلا نطيل الكلام فيه هنا.
وأما العصير الزبيبي فنذكر فيه بعض الروايات الواردة
منها رواية عمار بن موسى الساباطي قال: وصف لي
أبو عبد الله عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال
لي: تأخذ ربعا من زبيب وتنقيه، ثم تصب عليه اثني عشر رطلا
من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن
ينش جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينش، ثم تنزع الماء منه
كله إذا أصبحت، ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثم تغلبه
حتى تذهب حلاوته، ثم تنزع ماءه الآخر فتصبه على الماء الأول
ثم تكيله كله فتنظر كم الماء؟ ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي
تريد أن تغليه وتقدره وتجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها على قدر
منتهى الماء، ثم تغلي الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي، ثم
تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث الحديث (1)
ومنها رواية عمار أيضا عنه عليه السلام قال: سئل عن الزبيب
كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا؟ قال: تأخذ ربعا من زبيب

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2.
309

فتنفيه، ثم تطرح عليه اثني عشر رطلا من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا
كان من غد نزعت سلافته، ثم تصب عليه من الماء بقدر
ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية، ثم تنزع ماءه فتصبه على الأول، ثم
تطرحه في إناء واحد، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه
ويبقى ثلثه وتحته النار، ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية
وتنزع رغوته، ثم تطرحه على المطبوخ، ثم اضربه حتى يختلط به، و
اطرح فيه إن شئت زعفرانا وطيبة إن شئت بزنجبيل
قليل،
قال: فإن أردت أن تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشئ واحد
حتى تعلم كم هو، ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغلبه فيه
ثم تضع فيه مقدارا وحده حتى يبلغ الماء، ثم اطرح الثلث الآخر وحده
حيث يبلغ الماء، ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (1)
ومنها رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: شكوت
إلى أبي عبد الله عليه السلام قراقر تصيبني في معدتي وقلة استمرائي
الطعام، فقال لي: لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن وهو يمرئ الطعام
ويذهب بالقراقر والرياح من البطن؟ قال: فقلت
له: صفه لي جعلت فداك، قال: تأخذ صاعا من زبيب
فتنقيه من حبه وما فيه ثم تغسل بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3.
310

في مثله من الماء أو ما يغمره، ثم تتركه في الشتاء ثلاثة أيام
بلياليها وفي الصيف يوما وليلة، فإذا أتى عليه ذلك القدر
صفيته وأخذت صفوته وجعلته في إناء وأخذت مقداره
بعود، ثم طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم
تجعل عليه نصف رطل عسل وتأخذ مقدار العسل، ثم
تطبخه حتى تذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا وخولنجان ودارصيني
وزعفران وقرنفلا ومصطكي وتدقه وتجعله في خرقة رقيقة
وتطرحه فيه وتغليه معه غلية، ثم تنزله، فإذا برد صفيت وأخذت
منه على غذائك وعشائك، قال: ففعلت، فذهب عني
ما كنت أجده وهو شراب طيب لا يتغير إذا بقي
إن شاء الله (1)
ويستشعر من هذه الروايات استشعارا ما أن العصير
الزبيبي إذا غلا يحرم إلى أن يذهب ثلثاه إلا أن هذا
الاستشعار استشعار ضعيف لا يمكن استظهار
الحرمة منه، ولعل الأمر بذهاب ثلثيه لأجل كيفية طبخه
لأن يصلح للاستفادة منه لا لأجل تحقق حليته
ولذا قال في الشرائع: أما التمر إذا غلا ولم يبلغ حد الاسكار
ففي تحريمه تردد، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ
وكذا البحث في الزبيب إذا نقع في الماء فغلى من نفسه
أو بالنار فالأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكر انتهى

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4.
311

ومفروض كلا المسألتين - أعني مسألة العصير العنبي
ومسألة العصير الزبيبي أي ماء الزبيب - هو شئ واحد
وهو ما إذا لم يسكر وأما مع فرض الاسكار فلا شبهة في كونه
محرما ونجسا وموجبا شربه للحد لقوله عليه الصلاة والسلام
في غير واحد من الروايات: كل مسكر حرام
وأما عصير التمر أي مائة ففي موثقة عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى
يحل؟ قال: خذ ماء التمر فأغسله (فأغله كذا في الجواهر وهو الصحيح) حتى يذهب ثلثا
ماء التمر (1).
وموثقته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن النضوح قال:
يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يتمشطن (2).
وقد بسطنا الكلام في ماء الزبيب والتمر في كتاب
الطهارة في باب النجاسات فلا نطيل الكلام في ذلك هنا
وأما الفقاع فقد دلت روايات كثيرة بحرمة أو
أنه خمر مجهول أو خمر بعينها أو خمرا استصغره الناس أو
أن فيه حد شارب الخمر نذكر بعضها.
منها رواية الوشا قال: كتبت إليه - يعني الرضا عليه السلام
أسأله عن الفقاع، قال: فكتب: حرام وهو خمر (3).
ومنها موثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 والباب 37 ح 1
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 والباب 37 ح 1
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1.
312

فقال: هو خمر (1).
ومنها رواية الحسن بن علي الوشا عن الرضا عليه السلام
قال: كل مسكر حرام وكل مخمر حرام، والفقاع حرام (2).
ومنها رواية القلانسي قال: كتبت إلى أبي الحسن
الماضي عليه السلام أسأله عن الفقاع، فقال: لا تقربه
فإنه من الخمر (3).
ومنها رواية محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن الفقاع، فقال: هي الخمر بعينها (4).
ومنها رواية عمر بن سعيد عن الحسن بن جهم وابن فضال
قالا: سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر مجهول
وفيه حد شارب الخمر (5).
ومنها رواية الوشا قال: كتبت إليه - يعني الرضا عليه السلام
أسأله عن الفقاع فكتب: حرام، ومن شربه كان بمنزلة
شارب الخمر، قال: وقال أبو الحسن عليه السلام: لو أن الدار
داري لقتلت بايعه ولجلدت شاربه، قال: وقال أبو
الحسن الأخير عليه اسلام: حده حد شارب الخمر، وقال
عليه السلام: هي خمرة استصغرها الناس (6).
وظاهر هذه الروايات أن الفقاع نفس الخمر وأنه من أقسام
الخمر لا أنه شئ آخر حكمه حكم الخمر - وقد بحثنا في مسألة الفقاع

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 3 و 6 و 7 و 11
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 3 و 6 و 7 و 11
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 3 و 6 و 7 و 11
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 3 و 6 و 7 و 11
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 3 و 6 و 7 و 11
(6) الوسائل الباب 28 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1.
313

وأنه أي شئ هو من أي شئ يؤخذ، في كتاب
الطهارة في باب النجاسات فلا نعيده هنا.
الرابع من شرائط وجوب حد شارب المسكر
أن لا يكون مكرها في شربه فالمكره لا يجب عليه الحد
قال في الجواهر: بلا خلاف ولا اشكال بل الاجماع بقسميه
عليه سواء كان بايجار في حلقه أو بتخويف على وجه يدخل
به في المكره، والأخبار الواردة في نفي التقية فيه يراد بها عدم
التقية في بيان حكمه إلا التقية بمعنى فعله للاكراه عليه كما هو
واضح بل وكذا المضطر إليه لحفظ نفسه مثلا انتهى موضع الحاجة
لكن يرد عليه أولا بأن الايجار في حلقه ليس من فعله
حتى يصير مكرها بالشرب بل من فعل الذي آجر المسكر
في حلقه.
وثانيا أن روايات التقية ليست ظاهرة في التقية
لبيان حكمه بل هي ظاهرة في شرب المسكر للتقية فلنذكر
بعضها، فمنها حسنة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
في المسح على الخفين تقية؟ فقال: ثلاث لا أتقى فيهن
أحدا، شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج (1).
ومنها رواية سعيد بن يسار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام
ليس في شرب النبيذ تقية (2).
ومنها رواية حنان قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1 - 2.
314

عليه السلام: ما تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه ويزعم
أنك أمرته بشربه؟ فقال: معاذ الله أن أكون أمرته
بشرب مسكر، والله إنه لشئ ما اتقيت فيه سلطانا
ولا غيره، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر
حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام (1).
نعم هذه الرواية ظاهرة في الافتاء بحليته أو حرمته
وأنه عليه السلام قد أفتى أبا مريم بحرمته وأنه لم يتق في الافتاء
بحرمته سلطانا ولا غيره.
وكذا رواية عمرو بن مروان قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن هؤلاء ربما حضرت معهم العشاء، فيجيئون بالنبيذ
بعد ذلك، فإن لم أشربه خفت أن يقولوا: فلأني
فكيف أصنع؟ فقال: اكسره بالماء، قلت: فإن أنا كسرته
بالماء أشربه؟ قال: لا (2)، فإنها ظاهرة في الاستفتاء
من حرمته أو حليته إلا أن قوله: اكسره بالماء لم يعلم ما المراد
منه؟ فإن كان المراد: اكسره بالماء واشربه فالمفروض
أنه نهى عنه في آخر الرواية فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام
اكسره بالماء حتى يتوهموا أنك صببت فيه الماء وتريد
أن تشربه فينصرف بذلك توهمهم بأنك رافضي، والله
العالم، والحاصل أن روايات التقية في شرب الخمر
ليس كلها في عدم الافتاء بحليته في حال التقية بل بعضها

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - و 4.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3 - و 4.
315

ظاهر أو صريح في عدم التقية لنفس الشرب،
قال في الشرائع: وكما يسقط الحد عن المكره يسقط
عن جهل التحريم أو جهل المشروب، ويثبت بشهادة
عدلين مسلمين، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات
ولا منضمات، وبالاقرار دفعتين ولا تكفي المرة، ويشترط
في المقر البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار انتهى.
أما من جهل التحريم - أي حرمة شرب الخمر - فقد
عرفت الكلام فيه مما سبق منا، وأما من جهل المشروب
أي جهل بأنه خمر فظن مثلا أنه ماء أو خل وشربه فإنه
لا يجب عليه الحد لاشتراطه بالعلم بتحقق موضوع شرب
الخمر، نعم إذا علم أنه من جنس المسكر لكن جهل بأن قليله هل
يسكر أم لا فإنه لا يبعد أن يكون عليه الحد لعلمه بالتحريم إلا
أن يكون من الجهل بالتحريم بالنسبة إلى قليل المسكر فإنه
يدرأ عنه الحد بالشبهة.
وأما ثبوت شرب الخمر بشاهدين فلاطلاق الأدلة
وفي ثبوته بشاهد واحد تأمل واشكال والأظهر العدم
ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا منضمات
مع الرجال لقوله عليه السلام في صحيحة غياث بن إبراهيم: لا
تجوز شهادة النساء في الحدود والقود (1)، نعم تجوز شهادتين
في الزنا أو القتل على اشكال فيه أو فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه،

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 29.
316

وقد حققنا هذه المسألة في كتاب الشهادات فراجع.
ثم إني يكفي في الشهادة أن يقول الشاهد: شرب
مسكرا وإن لم يعين جنس ما شربه وأنه كان خمرا أو
نبيذ أو فقاعا، نعم إن ادعى الشارب الاكراه أو الجهل
واحتمل ذلك في حقه در أعنه الحد وكذا لو شهد عليه أحدهما
بأنه شرب يوم الخميس والآخر بأنه شربه يوم الجمعة
أو شهد أحدهما بأنه شرب اختيارا والآخر بأنه شرب
مكرها أو جاهلا فلا حد عليه.
وأما الاقرار فيعتبر أن يكون مرتين ولا يكفي مرة واحدة
كما هو المشهور بين العلماء مع أن مقتضى قوله عليه السلام: اقرار
العقلاء على أنفسهم جائز (1) هو جواز الاكتفاء بالاقرار
مرة واحدة، ولعل وجه التعدد وهو وجود دليل عند القدماء
لم يصل إلينا، وكيف كان فلو أقر مرة واحدة يدرأ عنه الحد
لدرءه بالشبهة، ثم إنه يعتبر في المقر أمور الأول البلوغ
الثاني العقل فلا اعتداد باقرار الصبي والمجنون لرفع قلم
التكليف عنهما الثالث الحرية فلا اعتداد باقرار العبد أو الأمة بشرب
الخمر فإنه اقرار في حق الغير وهو المولى فلا يقبل اقراره، الرابع
الاختيار والقصد، فلو شرب الخمر بلا اختيار ولا قصد لشربه
فلا حد عليه، وفي المرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من
أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف فلا حد عليه (2)، قال الشيخ

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب حد السرقة الحديث 2.
317

المفيد قدس سره في المقنعة: والشهادة بقيئها توجب الحد
كما توجبه الشهادة بشربها (إلى أن قال): وسكره بينة عليه
بشرب المحظور ولا يرتقب بذلك اقراره منه في حال
صحوه به ولا شهادة من غيره عليه "
وأورد عليه في الجواهر: بقوله: ولا يخلو من نظر مع
احتمال الاكراه أو التداوي وغيرهما، ومن هنا لا تكفي في
ثبوته الرائحة والنكهة لاحتمال الاكراه أو الجهل وغيرهما
خلافا للمحكى عن أبي حنيفة من الاكتفاء بالرائحة، وهو
واضح الضعف انتهى.
لكن يرد عليه أن احتمال الاكراه أو الجهل التداوي
بعينه جار فيما إذا شهد عليه الشاهدان بشربه للخمر مع
أن الاجماع قائم على أن هذا الاحتمال لا يعبأ به ويجلد
بشهادتهما ثمانين جلدة إلا في صورة ادعاءه للجهل فإنه
يدرء عنه الحد إذا كان الجهل في حقه ممكنا بل قد عرفت
سابقا أن دعوى الجهل منه أيضا غير مقبولة إلا إذا داروا
به على مجالس المهاجرين والأنصار وقالوا: إنهم لم يتلوا
عليه آية الخمر كما في رواية أبي بكير المتقدمة (1) مضافا إلى رواية
الحسين بن زيد الدالة على أن الشهادة على قيئ الخمر موجبة للحد
فإنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه قال: أتى عمر بن
الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر فشهد عليه رجلان

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
318

أحدهما خصي وهو عمرو التميمي والآخر المعلى بن الجارود
فشهد أحدهما أنه رآه يشرب وشهد الآخر أنه رآه
يقيئ الخمر، فأرسل عمر إلى أناس من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم أمير المؤمنين عليه السلام
فقال لأمير المؤمنين عليه السلام: ما تقول: يا أبا الحسن؟
فإنك الذي قال فيك رسول الله: أنت أعلم هذه
الأمة وأقضاها بالحق، فإن هذين قد اختلفا في
شهادتهما، قال: ما اختلفا في شهادتهما وما قاءها
حتى شربها، فقال: هل تجوز شهادة الخصي؟ قال:
ما ذهاب لحيته خصيتيه إلا كذهاب بعض أعضاءه (1)
ويستفاد من هذه الرواية أن الشهادة على
قيئ الخمر كالشهادة على شربها فلتكن الشهادة على
السكر أيضا كذلك فإنه لم يسكر إلا بشرب الخمر
وأما الشهادة على الرائحة - أي رائحة الخمر -
فلا تقول بوجوب الحد لاحتمال أن تكون الرائحة
لأجل فساد مزاجه أو لأجل فساد الطعام في
معدته لا لأجل شرب الخمر بخلاف قيئ الخمر
أو السكر فإن من المعلوم أنه تحقق من شرب
الخمر، ولا معنى لاحتمال أن فساد معدته صار سببا
لقيئه للخمر أو لسكره كما هو واضح جدا

(1) الكافي ج 7 ص 401 باب النوادر من كتاب الشهادات.
319

(الثاني في كيفية الحد:)
وهو ثمانون جلدة رجلا كان الشارب أو المرأة
حرا كان أو عبدا، وفي رواية: يحد العبد أربعين، و
هي متروكة، أما الكافر فإن تظاهر به حد، وإن استتر
لم يحد، ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه
ويتقى وجهه وفرجه، ولا يقام عليه الحد حتى يفيق،
وإذا حد مرتين قتل في الثالثة، وهو المروى، وقال
في الخلاف يقتل في الرابعة، ولو شرب مرارا
كفى حد واحد، قال أيضا في الشرائع.
أما وجوب حد الشارب سواء كان رجلا أو امرأة
حرا أو عبدا فتدل عليه روايات ففي صحيحة الحلبي أو حسنته
أنه سأل الصادق عليه السلام أرأيت النبي صلى الله
عليه وآله كيف يضرب بالخمر؟ قال: كان يضرب
بالنعال ويزيد إذا أتى بالشارب، ثم لم يزل الناس
يزيدون حتى وقف ذلك على ثمانين، أشار بذلك
علي عليه السلام على عمر فرضي بها (1).
وفي رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: الزنا شرا وشرب الخمر؟ وكيف صار
في الخمر ثمانون وفي الزنا مأة؟ فقال: يا إسحاق الحد واحد ولكن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر الحديث 3.
320

زيد في هذا التضييعة النطفة ولوضعه إياها في غير موضعها
التي أمر الله به (1).
وفي رواية محمد بن الحنفية عن أبيه عليه السلام أن رسول
الله صلى الله عليه وآله ضرب في الخمر ثمانين (2).
وفي حسنة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: إن في كتاب علي عليه السلام: يضرب
شارب الخمر ثمانين وشارب النبيذ ثمانين (3).
هذه هي الروايات المطلقة الشاملة للرجل والمرأة وللحر
والعبد، وأما الروايات المصرحة بكون العبد كالحر فكثيرة
منها موثقة أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: كان
علي عليه السلام يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر و
العبد واليهودي والنصراني، قلت: وما شأن اليهودي
والنصراني؟ قال: ليس لهم أن يظهروا شربه، يكون
ذلك في بيوتهم (4).
ومنها موثقته الأخرى قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام
يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ
ثمانين، قلت: ما بال اليهودي والنصراني؟ فقال:
إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار لأنهم ليس لهم
أن يظهروا بشربها (5).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر ح 6 - 8 والباب 4 الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر ح 6 - 8 والباب 4 الحديث 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المسكر ح 6 - 8 والباب 4 الحديث 1
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 1 و 2.
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 1 و 2.
321

ومنها روايته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال:
كان علي عليه السلام يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني
في الخمر ثمانين (1).
ولكن تعارض هذه الروايات روايات أخرى دالة
على أن حد العبد إذا شرب الخمر أربعون.
منها رواية أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن عبد مملوك قذف حرا قال: يجلد ثمانين
هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق
الله فإنه يضرب نصف الحد، قلت: الذي من حقوق
الله ما هو؟ قال: إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق
التي يضرب فيها نصف الحد (2).
ومنها رواية أبي خالد القماط عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام قال: يجلد اليهودي
والنصراني في الخمر ومسكر النبيذ ثمانين جلدة إذا
أظهروا شربه في مصر من الأمصار، وإن هم شربوه
في كنائسهم وبيعهم لم يتعرض لهم حتى يصيروا بين المسلمين (3) [أقول: هذه
الرواية غير مرتبطة
بهذه المسألة
التي هي مسألة
شرب العبد
منه]
ومنها صحيحة يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان أبي يقول: حد المملوك نصف
حد الحر (4).
وهل يرجح روايات الثمانين على هذه الروايات

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 7 - 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 7 - 8 - 9.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 7 - 8 - 9.
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب حد المسكر الحديث 4 - 7 - 8 - 9.
322

أو يترجح روايات الأربعين على روايات الثمانين؟
قال في الجواهر - بعد ذكر رواية الأربعين: مؤيد بالأصل
وبقاعدة التنصيف وباشتماله على التعليل، وبما مر
من خبر حماد بن عثمان عنه عليه السلام في التعزير: أنه
دون الأربعين فإنها حد المملوك، وببناء الحد على
التخفيف، ولا أقل من أن يكون ذلك من الشبهة،
ومن هنا مال الشهيدان والفاضل في المختلف إلى
ذلك، إلا أن ذلك كله كما ترى ضرورة عدم المكافئة
لما سمعته من وجوه، منها موافقة العامة ومخالفة الشهرة
المزبورة كما أنه لا تحديد بتحديد التعزير في الثاني بذلك
فلا ريب في أن الأصح الثمانون مطلقا انتهى.
ومراده قدس سره بالأصل هو أصالة البراءة
عن الزائد عن الأربعين، ومراده بقاعدة التنصيف
هي كون حد العبد نصف حد الحر بحسب القاعدة
والغالب فليكن هنا - أي في باب شرب الخمر -
كذلك،
ومراده من خبر حماد هو رواية حماد بن عثمان
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: التعزير كم هو؟
قال: دون الحد، قلت: دون ثمانين؟ قال: لا،
ولكن دون أربعين، فإنها حد المملوك، قال: قلت
وكم ذاك؟ قال: قال علي عليه السلام: على قدر ما
323

يرى الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه (1).
إلا أن هذه الرواية لا صراحة بل لا ظهور فيها في
أن العبد إذا شرب الخمر فحده أربعون، ولعل التحديد
بالأربعين في حد العبد القذف، دون
ما نحن فيه، وعلى فرض وجود الاطلاق فيها الشامل
لحد شرب الخمر فلا بد من تقييدها بتلك الروايات
المصرحة بأن حد العبد أيضا ثمانون جلدة كالحر، وأما
أصالة البراءة فلا موضع لجريانها هنا مع وجود تلك
الروايات الواردة بأن حد العبد في شرب الخمر
كحد الحر، وأما قاعدة التنصيف فهي أيضا لا تقاوم تلك
الروايات.
وأما أن ذلك من الشبهة الدارئة للحد فهي أيضا
ليست بشئ فإنه لا شبهة مع كثرة الروايات الدالة
على أن حده كحد الحر فالأقوى رفع اليد عن روايات
الأربعين فإنها موافقة للعامة والعمل بروايات الثمانين
المعمول بها بين أكثر الأصحاب.
وأما الكافر فإن تظاهر بشرب الخمر حد أيضا
وأما إذا استتر به فليس عليه شئ وقد تقدمت الروايات
في ذلك آنفا فراجعها إلا أنه حكى عن القواعد وكشف
اللثام أنهما قالا: ولا حد على الحربي وإن تظاهر بشربها
لأن الكفر أعظمي منه، نعم إن أفسد بذلك أدب
324

بما يراه الحاكم انتهى، لكن يرد عليهما أولا بأن هذا الوجه
الذي ذكراه من أن الكفر أعظم من شرب الخمر جار
بعينه في الكافر الذمي أيضا وثانيا بأن الروايات الواردة
في اليهودي والنصراني بأنهما إذا شربا الخمر جهارا حدا
ثمانين جلدة، مطلقة تشمل الكافر الحربي أيضا، مضافا
إلى أن الكفار مكلفون بالفروع أيضا كتكليفهم بالأصول
غاية الأمر سقوط الحد عنهم إذا استتروا بالشرب
بواسطة عقد الذمة لا لعدم الحد عليهم أصلا.
ثم إنه يضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه
ويتقى وجهه وفرجه ومقاتله - أي الموضع التي يكون الضرب
عليها موجبا لقتله.
نعم عن المبسوط " لا يجرد عن ثيابه لأن النبي
صلى الله عليه وآله أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد "
إلا أن هذا الكلام ضعيف فإنه مردود بصحيحة أو حسنة
أبي بصير أنه قال في حديث: سألته عن السكران
والزاني قال: يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين
فأما الحد في القذف فيجلد على ثيابه جواهر ما به ضربا بين الضربين (1).
ثم إنه ينبغي أن يفرق الضرب على سائر بدنه ليذوق
العقوبة - كما روي عن علي عليه السلام من أنه قال للجلاد:
أعط كل عضو حقه (2).

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
325

وقال في الجواهر: وكذا لا خلاف في أنه لا يقام عليه الحد
حتى يفيق لتحصل فائدة الحد التي هي الانزجار عنه ثانيا
أما المرأة فتحد جالسة مربوطة عليها ثيابها كما سمعته في الزناء
انتهى، فإن كان في هذه المسألة - أي اشتراط كون اجراء
الحد عليه في حال الإفاقة إجماع أولا خلاف فهو وإلا
فللنظر فيها مجال بل اطلاق الأدلة يدفع ذلك، وكون
فائدة الحد وهي تحقق الانزجار تحصل بذلك، مجرد استحسان
لا تصير مدركا شرعيا له.
ثم إنه إذا حد مرتين ثم شرب الخمر أيضا قتل
في الثالثة، وعن الخلاف " يقتل في الرابعة " أما مستند
القول الأول فهو الشهرة العظيمة بل ادعي عليه الاجماع بل
هو مختار الشيخ في محكى المبسوط قال للصحاح ومراده بالصحاح
هو صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر فاجلدوه
فإن عاد الثالثة فاقتلوه (1).
وصحيحة أبي عبيدة عنه عليه السلام قال: من شرب
الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه (2).
وصحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا أتي بشارب الخمر ضربه، ثم إن أتي
به ثانيه ضربه، ثم إن أتي به ثالثة ضرب عنقه (3).

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 1 - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 1 - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 1 - 2 - 4.
326

وموثقته الأحرى عن أحدهما عليهما السلام قال: من شرب
الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه (1).
وصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في
شارب الخمر: إذا شرب ضرب، فإن عاد ضرب
فإن عاد قتل في الثالثة (2).
وصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في
حديث: سمعته يقول: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن
عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه في الثالثة (3).
والصحيحتان الأخيرتان قد صرحتا بوجوب قتله في
الثالثة، والروايات المتقدمة كالصريحة في ذلك أيضا
مضافا إلى اطلاق الرواية الدالة على قتل أصحاب الكبائر
في الثالثة الشامل لشارب الخمر وهي صحيحة صفوان عن
يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السالم قال: أصحاب
الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحدود مرتين قتلوا في الثالثة (4)
وأما مستند أنه - أي شارب الخمر - يقتل في
الرابعة فاستدل له في محكى الخلاف بالنبوي قال:
صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب
فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه (5)
مؤيدا ذلك بما عن بعض المتأخرين من كون الزاني أعظم

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 5 - 6 - 8 - 3
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 5 - 6 - 8 - 3
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 5 - 6 - 8 - 3
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 5 - 6 - 8 - 3
(5) سنن البيهقي ج 8 ص 314 على ما حكي عنه.
327

منه، ولذا يجلد مأة جلدة مع أنه يقتل في الرابعة، و
بالاحتياط في الدماء، ومن ذلك مال العلامة وولده
والشهيد إليه "
إلا أنه لا يخفى ما فيه كله إذ الرواية ليست منقولة
من طرقنا فهي لا تكافئ تلك الروايات الصحيحة المعمول
بها، والزنا له دليل خاص بأنه يقتل في الرابعة كما تقدم
في باب الزنا، وأما الاحتياط في الدماء فإنه ليس
هنا مورد للاحتياط بعد ورود تلك الأخبار الكثيرة و
غيرها بأن يقتل في الثالثة مضافا إلى أنه لا يمكن الاحتياط
هنا فإنه بعد جلده مرتين وشربه في الثالثة يدور الأمر
بين وجوب قتله أو وجوب جلده، ومقتضى الاحتياط
هو الجميع بينهما بأن يجلد أولا ثم يقتل، والجمع بينهما ظلم
عليه فإنه لا يستحق إلا أحدهما.
ثم إنه لو شرب مرارا فلا يجب عليه إلا حد
واحد، وما يقال من أن تعدد السبب موجب لتعدد
المسبب لا يخفى ما فيه فإن سبب وجوب الحد
هو طبيعة الشرب لا الشرب مرة أو مرتين، وطبيعة
الشرب تتحقق بالمرة والمرتين بل عشر مرات أو أكثر
نعم إذا شرب وجلد وبعد ذلك فشربه الثاني موجب
لحده ثانيا بحسب الأخبار، فالشرب المتكرر إنما يوجب
328

الحد إذا تخلل بينه الحد لا مطلقا.
(مسائل:)
(الأولى:)
لو شهد واحد بشربها وآخر بقيئها وجب الحد
ويلزم على ذلك وجوب الحد لو شهد بقيئها نظرا إلى التعليل
المروى، وفيه تردد لاحتمال الاكراه على بعد، ولعل هذا
الاحتمال يندفع بأنه لو كان لدفع به عن نفسه، أما لو ادعاه
فلا حد، قاله في الشرائع.
وقد تكلمنا في هذه المسألة في الفرع السابق
في الجملة وأشرنا إلى التعليل الوارد في رواية الحسين بن
زيد - أي قوله عليه السلام - بعد ما ذكر له عمر: فإن هذين
قد اختلفا في شهادتهما - قال (ع): ما اختلفا في شهادتهما
وما قاءها حتى شربها (1)، وأما احتمال الاكراه الذي
تتحقق به الشبهة الدارئة فيندفع بما ذكرناه في الشرائع
من أنه لو كان لدفع به عن نفسه انتهى مضافا إلى أن
مجرد الاحتمال لو كان دافعا للحد فالاحتمال موجود في شربه
للخمر أيضا فإنه يحتمل من أن يكون شربها بتوهم أنه ماء
أو كان شربها لها لأجل الضرورة كدفع المرض ونحو ذلك
وهذا الاحتمال لا يوجب سقوط الحد عنه ولا يلزم تعطيل
الحدود وبصرف الاحتمال، وهذا مما لم يلتزم به أحد

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
329

(المسألة الثانية:)
من شرب الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب
أقيم عليه الحد، امتنع قتل، وقيل: يكون حكمه حكم
المرتد، وهو قوي، وأما سائر المسكرات فلا يقتل
مستحلها، لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها، ويقام
الحد مع شربها مستحلا ومحرما، قاله في الشرائع.
أما الفرع الأول فإنه قيل: لا فرق فيه بين المرتد الفطري
وغيره في وجوب قتله إن لم يتب من استحلاله للخمر "
فإن المستحل لها قد أنكر ضروريا من ضروريات الاسلام
وقيل: إن حكمه حكم المرتد، فحينئذ يفرق بين المرتد
الفطري والملي وبين الرجل والمرأة لاحتمال عروض
الشبهة له، والحدود تدرأ بالشبهات.
إلا أن الأقوى هو القول الأول لما عن ارشاد
الشيخ المفيد قال: روت العامة والخاصة أن قدامة
بن مظعون شرب الخمر، فأراد عمر أن يحده، فقال:
لا يجب على الحد، إن الله يقول: ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح في ما طعموا وآمنوا (1)
فدرأ عمر عنه الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فمشى
إلى عمر، فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا

(1) سورة المائدة الآية 93.
330

من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، إن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراما، فاردد
قدامة فاستتبه مما قال، فإن تاب فأقم عليه الحد، وإن
لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملة، فاستيقظ عمر
لذلك، وعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة والاقلاع
فدرأ عنه الحد (1) الحديث.
وأما سائر المسكرات فإنه لا يقتل مستحلها
فإن فيها أي في بعضها اختلاف بيننا وبينهم أي بين
أبناء العامة في حرمتها كالفقاع والنبيذ ولكن يقام
عليه الحد مع شربه لها سواء كان مستحلا لها أو محرما قولا واحدا
كما عن الرياض قال في محكى المسالك: فالحنفي المعتقد
إباحتها يحد على شربها ولا يكفر لأن الكفر مختص بما وقع
عليه الاجماع وثبت حكمه ضرورة من دين الاسلام
وهو منتف في غير الخمر، وتبعه على ذلك في الرياض
ونحوه ما عن القواعد وشرحه كشف اللثام، قالا - على
ما حكي عنهما -: ويحد الحنفي إذا شرب النبيذ وإن قل
وإن استحله فإن الحد لله، والنصوص أطلقت بحد
الشارب، والفرق بينه وبين الحربي أنه يجرى عليه حكم
الاسلام وإن لم يكن مسلما عندنا حقيقة انتهى

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المسكر الحديث 1.
331

أقول: من المستبعد جدا أن نقول بوجوب حد
من شرب النبيذ أو الفقاع مع أنه يعتقد حليته بحسب
اجتهاده أو اجتهاد مجتهده كالحنفي الذي يعتقد مثلا حيلة
النبيذ على وفق فتوى أبي حنيفة فإنه لا معنى لحده ولا
معنى للتمسك باطلاق الروايات في وجوب حد
مطلق من شرب المسكرات، فإن هذا الاطلاق
منصرف إلى من يعتقد حرمتها فشربها دون من شربها
معتقدا لحليتها، بل يمكن أن يقال هذا الكلام في من
شرب الخمر أيضا معتقدا لحليتها إذا تصور في حقه الجهل
بحرمتها بأن كان ساكنا في القرى إذا تصور في حقه الجهل
بحرمتها بأن كان ساكنا في القرى والبوادي أو ساكنا
في بلاد الكفر، وادعى أنه لم يسمع من أحد آية حرمة الخمر
فإنه إذا شرب الخمر مستحلا لها فلا وجه لقتله أو حده
إذا احتمل الجهل في حقه كما ذكرنا ذلك في المسألة
السابقة.
(المسألة الثالثة:)
من باع الخمر مستحلا يستتاب، فإن تاب وإلا
قتل، وإن لم يكن مستحلا عزر، وما سواه لا يقتل وإن
لم يتب بل يؤدب قاله في الشرائع، وعن المسالك
أنه قال: " بيع الخمر ليس حكمه كشربه فإن الشرب هو
المعلوم بتحريمه من دين الاسلام كما ذكر، وأما مجرد البيع
فليس تحريمه معلوما ضرورة، وقد يقع فيه الشبهة من حيث
332

إنه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات كما سلف
فيعزر فاعله ويستتاب إن فعله مستحلا، فإن تاب
قبل منه، وإن أصر على استحلاله قتل حدا، وكأنه موضع
وفاق، وما وقفت على نص يقتضيه، وأما بيع غيره
من الأشربة فلا إشكال في عدم استحقاق فاعله
القتل مطلقا لقيام الشبهة، نعم يعزر لفعل المحرم كغيره
من المحرمات.
وقال في القواعد وشرحها للأصبهاني - على ما
حكي عنهما -: ولو باع الخمر مستحلا لبيعه استتيب،
فإن حرمته ليست من الضروريات، فإن تاب
وإلا قتل لارتداده انتهى موضع الحاجة
والتحقيق ما ذكرناه في المسألة قبلها من أنه
إذا استحل بيع الخمر وسائر المسكرات مع اعترافه
بحرمته ولم يتب من استحلاله لذلك قتل، نعم
إذا تاب من استحلاله للخمر لم يقتل، ويعزر لأجل
بيعه للخمر، وأما إذا ادعى جهله لحرمة بيع الخمر لم يقتل
بل في تعزيره أيضا تأمل لأن المفروض أنه جاهل
بحرمة بيع الخمر فلا وجه لتعزيره لعدم ارتكابه للمحرم
بزعمه، ففي قتله بعنوان الحد أو تعزيره تأمل بل منع
(المسألة الرابعة:)
إذا تاب قبل قيام البينة سقط الحد، وإن تاب
333

بعدها لم يسقط، ولو كان ثبوت الحد باقراره كان
الإمام مخيرا بين العفو والاستيفاء، ومنهم من منع
التخيير وحتم الاستيفاء هنا، وهو الأظهر، قاله أيضا
في الشرائع.
أما التوبة قبل قيام البينة ففي سقوط الحد بها اتفاق
على ما عن كشف اللثام فإنه بالتوبة لم يبق عليه شئ
وإن قامت البينة بعدها على ارتكابه للذنب الموجب
للحد فإن التوبة قد أسقطت الحد عنه، وإنما الكلام في ما
إذا ثبت الحد باقراره عند الحاكم وبعد الاقرار تاب
من شرب الخمر فإن المشهور - كما عن المسالك
- أن الإمام عليه السلام مخير بين الحد والاستيفاء
لأن الإمام (ع) أيضا مخير في الزنا واللواط الذين
هما أعظم من شرب الخمر ففيه أولى، وأما من
منع التخيير وحتم باستيفاء الحد عليه - كابن إدريس
على ما حكي عنه - فهو مبتن على أنه لا خيار هناك
أي في باب الزنا واللواط إلا في الرجم، والاستصحاب
- أي استصحاب بقاء الحد عليه - بعد التوبة
مستلزم للبقاء، والقياس على الاقرار بما يوجب
القتل أو الرجم أولا باطل لبطلان القياس عندنا
وثانيا أنه مع الفارق فإن الأخف الذي هو هنا
حد شرب الخمر لا يقاس بالأشد الذي هو
334

القتل أو الرجم فإن الأشد إذا قلنا بأن الإمام عليه السلام
مخير - بعد التوبة - بين العفو والحد فيه فهو احتياط في الدماء
وهو لا يستلزم أن نقول به في حد شرب الخمر
الذي لا يتحقق به القتل والله العالم.
ثم قال في الشرائع: (تتمة تشتمل على مسائل:)
(الأولى:)
من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة
والدم والربا ولحم الخنزير ممن ولد على الفطرة يقتل، ولو
ارتكب ذلك لا مستحلا عزر انتهى.
أقول: الكلام هنا كالكلام في المسألة السابقة
من أنه إذا علم بأن الميتة والدم ولحم الخنزير من الأمور
المعلوم تحريمها ضرورة أو اجماعا في الاسلام ثم أنكر
تحريمها مع العلم والعمد فهو واجب القتل، وأما إذا
ادعى الجهل بالتحريم وأمكن ذلك في حقه فلا وجه حينئذ
لوجوب قتله، هذا إذا استحل المحرمات عالما بتحريمها
أو جاهلا بالتحريم، وأما إذا ارتكبها من دون استحلالها
فيجب تعزيره فقط إذا لم تكن مما يوجب الحد.
(المسألة الثانية:)
من قتله الحد أو التعزير فلا دية له، وقيل: تجب على
بيت المال، والأول مروى قاله أيضا في الشرائع
أما وجه القول الأول فهو الشبهة ما عن الشيخ
335

وإن ضرب في غاية الحر والبرد، قال: وهو مذهبنا قال
في الجواهر: بل مقتضى اطلاقه وغيره عدم الفرق بين
الحد لله تعالى أو للناس كما عن ابن إدريس التصريح به
انتهى
وأما وجه القول الثاني فلقول الصادق عليه السلام
- في مرسلة الفقيه -: من ضربناه حدا من حدود
الله فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا من حدود
الناس فمات فإن ديته علينا (1).
وهذه الرواية قد فصلت بين حق الله تعالى و
حق الناس وأن حق الله - إن مات المحدود لاجراء
الحد عليه - لا دية له، وفي حق الناس إن قتل بذلك
فله الدية، وظاهر قوله عليه السلام: فإن ديته علينا أن الدية
تكون من مال الإمام أو من مال الحاكم لا من بيت المال
وهل التعزير يكون كالحد في عدم الدية إن قتل بذلك
أولا؟ فعن المبسوط أنه قال: " من مات بالتعزير
فديته على بيت المال لأنه ليس حدا، ولأنه ربما زاد
خطأ بخلاف الحد، وعن الخلاف أنه قطع بأنه كالحد
واحتمله أيضا في محكى المبسوط بناء على دخوله في عموم
الحد مع أصل البراءة وقاعدة الاحسان كما في الجواهر.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4.
336

ولكن القول الأول هو الأصح ففي الحسن أو الصحيح
عن الصادق عليه السلام أنه قال: أيما رجل قتله الحد أو
القصاص فلا دية له (1)
وفي رواية الشحام عنه عليه السلام قال: من قتله
الحد فلا دية له (2)، مضافا إلى أصل البراءة من الدية
وإلى قاعدة الاحسان فإن من يجرى عليه الحد
الشرعي أو يقتص منه لا يراد منه إلا تطهيره من ذنبه
وهو إحسان بالنسبة إليه، وما على المحسنين من
سبيل " قال في الجواهر: والظاهر إرادة ما يشمل
التعزير من الحد فيه، وعلى فرض العدم فالظاهر الاتحاد
في الحكم مع فرض عدم الخطأ، وقال قبل ذلك: و
لكن ينبغي تقييد ذلك (أي حده أو قصاصه) بما إذا
لم يحصل الخطأ لو كان من غير المعصوم بالتجاوز ونحوه
وإلا اتجه الضمان انتهى
وحاصل الكلام أن الحد أو القصاص إذا صدر
من أهله ووقع في محله إذا صار سببا لقتل المحدود
أو المقتص منه سواء كان من حدود الله تعالى أو من
حدود الناس فلا ضمان على المتعدي للحد أو القصاص
ما لم يتعد الحداد من الحد الذي كان عليه وإلا فهو ضامن
لذلك، فإن كان عمدا مثل ما إذا ضرب شارب الخمر
337

متعمدا تسعين جلدة فمات بسبب الزيادة فإنه
يقتص منه، وكذا إذا ضربه خطأ تسعين جلدة فإن
عليه ديته إذا كانت الزيادة سببا لقتله وأما إذا لم تتحقق
الزيادة بل مات بنفس الحد فلا شئ عليه سواء كان حق الله
أو حق الناس كحد القذف، إلا أن المحكى عن الاستبصار
أن دية القتل الخطأ تكون على بيت المال
استنادا إلى مرسلة الصدوق المتقدمة (1) إلا
أن تلك الرواية لا تكافئ الروايات المعتبرة الدالة
على أنه لا شئ عليه إذا لم يتجاوز الحداد عن الحد المقرر
شرعا عليه سواء كان الحد من حدود الله تعالى أو من
حدود الناس فإن اطلاق تلك الروايات شامل
لكلا الحدين، والمرسلة المتقدمة لا تصلح لأن تقيد
تلك المطلقات.
(المسألة الثالثة:)
قال في الشرائع أيضا: لو أقام الحاكم الحد بالقتل فبان
فسوق الشاهدين كانت الدية في بيت المال ولا
يضمنها الحاكم ولا عاقلته، ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة
حد فأجهضت (2) قال الشيخ: دية الجنين في بيت
المال، وقيل: تكون على عاقلة الإمام، وهي قضية
عمر مع علي (عليه السلام) ولو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة
338

عن الحد فمات فعليه نصف الدية في ماله إن لم يعلم
الحداد لأنه شبيه العمد، ولو كان سهوا فالنصف
على بيت المال، ولو أمر بالاقتصار على الحد، فزاد
الحداد عمدا فالنصف على الحداد في ماله، ولو زاد
سهوا فالدية على عاقلته، وفيه احتمال آخر انتهى.
أما إذا ظهر فسق الشاهدين فلأن خطأ الحاكم
يكون في بيت المال، المفروض أنه قتله خطأ فإن
قتله له كان بواسطة الشاهدين الذين شهدا عليه
مثلا بأنه زنى الزناء المحصنة، فاعتمد على شهادتهما بتوهم
أنهما من العدول فتبين فسقهما، فقد أخطأ في حكمه
بقتله فيكون الدية في بيت المال.
وأما إذا أرسل أحدا إلى امرأة حامل، ليحضرها
بواسطة كونها متهمة مثلا بالزنا، فخافت المرأة فأسقطت
الجنين فإن ديته في بيت المال أيضا على المشهور
بل الأكثر كما عن المسالك، لأنه أيضا خطأ في الحكم
وقيل - كما عن ابن إدريس - تكون الدية على عاقلة
الإمام - مكا نقل أن عمر أرسل خلف حامل ليقيم
عليها الحد، فأجهضت، فسأل الصحابة عن ذلك
فلم يوجبوا عليه شيئا، فقال: ما عندك في هذا يا أبا
الحسن فيتصل من الجواب، فعزم عليه، فقال: إن كان
القوم قد قاربوك فقد غشوك، وإن كانوا قد ارتابوا
339

فقد قصروا، الدية على عاقلتك، لأن قتل الصبي
خطأ تعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني من
بينهم، والله لا تخرج حتى تجري الدية على بني عدي
ففعل عليه السلام ذلك (1).
وقيل في الجواب عن هذه الرواية بأنه - أي القتل -
من قبيل شبيه العمد الذي تكون الدية فيه على العاقلة
وقال في الجواهر: فللأولى في الجواب أن عمر لم يكن
حاكم حق حتى يكون خطأه في بيت المال " والأولى
هو الجواب الأول، إلا أن في المسالك أنه قال: والقول
بكونه على عاقلة الإمام لابن إدريس محتجا بأنه خطأ محض
لأنه غير عامد في فعله ولا قصده لأنه لم يقصد الجنين وإنما
قصد أمه، فتكون الدية على عاقلته والكفارة في ماله ثم نقل
الرواية المتقدمة - إلى أن قال: وأجيب عن الرواية بأنه لم
يرسل إليها بعد ثبوت ذلك عليها، ولأنه لم يكن
حاكما عند علي عليه السلام، وفيه نظر لأن جواز الارسال
خلف الغريم لا يتوقف على ثبوت الحد عليه فإن مجرد
الدعوى عليه حق إلى أن قال: والأولى في ذلك
أن الرواية لم ترد بطريق يعتمد، والرجوع إلى الأصول
المقررة متعين انتهى، وقال في الجواهر: ودعوى أن ذلك
من شبيه العمد لا تدفع اندراجه في خطأ الحكام بعد

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب موجبات الضمان الحديث - 2.
340

فرض جواز الارسال إليها انتهى، ولا بأس بما ذكره قده
وأما إذا أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحد فإن كان
ذلك عمدا وغصبا عليه إلا أنه لم يقصد القتل بها ولم تكن ممن
يقتل عادة فمات بها فعليه نصف الدية في ماله فإن النصف
الآخر من الدية قد سقط بكونه - أي الضرب كان مشروعا
فإنه كان بعنوان الحد الشرعي، والنصف الآخر الذي هو
الزيادة فيه الدية لأنه مات بسببين أحدهما مشروع
وهو الحد والثاني غير مشروع وهو الزيادة ففيها الدية إن
لم يقصد بها القتل ولم يقتل بحسب المتعارف وإلا كان
عليه القصاص هذا إذا لم يعلم الحداد بذلك أي بكون هذا
زائدا عن الحد الشرعي وإلا فهو الضامن لأنه المباشر لذلك
وأما في الفرض الأول فالأمر كان فيه أقوى، فهذه الزيادة
كانت من قبيل شبه العمد الذي تكون الدية في ماله.
نعم إذا كانت الزيادة سهوا في الحد كأن غفل بأن
هذا الحد حد شارب الخمر فزعم أنه حد الزنا أو غلطا منه في
الحساب بأن توهم أنه وصل الحد إلى الثمانين مع أنه وصل
إلى التسعين فمات بذلك فالنصف أي نصف الدية
يكون في بيت المال لأنه كانت الزيادة من خطأ الحاكم.
ولو أمر الحاكم بالاقتصار على الحد فزاد الحد عمدا فعن
التحرير اطلاق القصاص منه إذا مات بذلك لأنه باشر
341

الاتلاف " لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان قاصدا
لقتله أو كان الضرب الزائد مما يقتل غالبا، وحينئذ أي
فيما إذا زاد الحداد فإن عليه نصف الدية، وإن زاد سهوا
فالدية على عاقلته، وأما الاحتمال الآخر الذي ذكره في الشرائع
في ختام هذه المسألة فهو احتمال تقسيط الدية على الأسواط
التي يتحقق بها الموت، فيسقط من الدية المقدار السائغ
من الضرب كالثمانين في دية شرب الخمر، والباقي
يكون على عاقلته، وفي الجواهر احتمال آخر لكلامه فراجع.
(الباب الخامس)
في حد السرقة، قال في الشرائع: والكلام في السارق
والمسروق والحجة والحد واللواحق، الأول في السارق
ويشترط في وجوب الحد عليه شروط، الأول البلوغ، فلو
سرق الطفل لم يحد ويؤدب، ولو تكررت سرقته، وفي
النهاية " يعفى عنه أولا فإن عاد أدب، فإن عاد حكت
أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد
قطع كما يقطع الرجل، وبهذا روايات انتهى.
أما مستند قول الشرائع فهو حديث رفع القلم عن
الصبي حتى يحتلم (1) المؤيد بسقوط الحد عنه في غير السرقة
كالزنا واللواط وشرب الخمر كما عرفت ذلك في المسائل

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
342

السابقة
وأما مستند قول الشيخ في النهاية فيدل على بعض ذلك
التفصيل روايات، منها صحيحة ابن سنان قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي يسرق قال: يعفى عنه مرة
أو مرتين، ويعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت أطراف
أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:
سألته عن الصبي يسرق، قال: إذا سرق مرة وهو صغير
عفى عنه، فإن عاد عفى، فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد
قطع أسفل من بنانه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (2)
ومنها حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: إذا
سرق الصبي عفى عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع
أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (3)
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام في الصبي
يسرق قال: يعفى عنه مرة، فإن عاد قطعت أنامله أو
حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد
قطع أسفل من ذلك (4).
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث.
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث.
343

الصبي يسرق، قال: يعفى عنه مرتين، فإن عاد الثالثة
قطعت أنامله، فإن عاد قطع المفصل الثاني فإن عاد
قطع المفصل الثالث، وتركت راحته وإبهامه (1).
وهذه الروايات - كما تراها - قد اختلف العفو فيها
بمرة أو مرتين ففي بعضها يعفى عنه مرة وفي بعضها
الآخر " يعفى عنه مرتين " وفيها اختلافات من جهات
أخرى ففي بعضها " فإن عاد قطع بنانه " وفي بعضها
" فإن عاد عزر فإن عاد قطع أطراف أصابعه " وفي بعضها
" فإن عاد قطعت أنامله أو حكت حتى تدمى " إلى غير
ذلك من الاختلافات الواقعة في هذه الروايات:
وفي صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: أتي علي عليه السلام بغلام قد سرق، فطرف
أصابعه، ثم قال: أما لئن عدمت لأقطعنها، ثم قال:
أما إنه ما عمله إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا (2)
والمراد بتطريف أصابعه - كما في الجواهر خضبها بادمائها
وفي رواية البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا سرق الصبي ولم يحتلم قطعت أطراف أصابعه
وقال علي عليه السلام: لم يصنعه إلا رسول الله صلى الله
عليه وآله وأنا (3)

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث 8 - 9.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث 8 - 9.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث 8 - 9.
344

وفي مضمرة سماعة قال: إذا سرق الصبي ولم يبلغ
الحلم قطعت أنامله، وقال أبو عبد الله عليه السلام أتي أمير
المؤمنين عليه السلام بغلام قد سرق ولم يبلغ الحلم فقطع
من لحم أطراف أصابعه ثم قال: فإن عدت قطعت
يدك (1).
وفي المرسل عن العلاء عن ابن مسلم قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الصبي يسرق، فقال: إن كان له
تسع سنين قطعت يده ولا يضيع حد من حدود الله (2)
وفي روايته الأخرى: قال سألته عن الصبي يسرق
فقال: إن كان له سبع سنين أو أقل دفع عنه، فإن
عاد بعد السبع سنين قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى
فإن عاد قطع أسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك
وقد بلغ تسع سنين قطع يده، ولا منه يضيع حد من
حدود الله تعالى (3).
وهذه الروايات الأخيرة لم يذكر فيها العفو عنه
أي عن الصبي السارق مرة أو مرتين، والروايتان
الأخيرتان قد اشتملتا على قطع يده إذا بلغ تسع سنين
والحال أنه لم يبلغ الحلم، ومع اضطراب هذه الروايات

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث - 8 -.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث - 8 -.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث - 8 -.
345

والاختلاف الشديد في مضامينها كيف يمكن القول
بالتفصيل الذي ذكره الشيخ قده في النهاية؟ مع أن التفصيل
المذكور لم يجتمع في أي واحدة من الروايات المتقدمة
نعم يمكن القول بقطع أصابعه من المفصل إذا تكرر
منه السرقة إلى الخامسة على اشكال فيه أيضا بناء
على ما عليه المشهور من أن التعزير مقداره بنظر الإمام
أو الحاكم المنصوب من ناحيته ما لم يبلغ الحد الشرعي،
وقطع أصابعه من المفصل هو الحد الشرعي المخصوص بالمكلف
والصبي لا يمكن أن يصل تعزيره إلى مقدار الحد الشرعي
وهذا الاشكال قد ذكره كثير من الفقهاء منهم الأستاذ
دام علاه
لكن يمكن أن يقال: إن قطع أصابعه من المفصل
في السرقة الخامسة لم يكن من الحد الشرعي المختص
بالمكلفين بل هو من باب تشديد التعزير عليه حسما
لمادة الفساد وحيث إن الروايات الكثيرة المعتبرة
قد وردت بذلك ولا وجه لاسقاط هذه الروايات
الكثيرة وعدم العمل بها لأجل الشبه المذكورة - بعد امكان
حملها - أي حمل الروايات - على التعزير المشدد، ومن المعلوم
أن الأحكام الشرعية ودين الله لا تقاس بالعقول
346

كما لا يخفى، فحينئذ لا يبعد أن يقال: بما نطقت الروايات
المستفيضة بذلك أي قطع مفصله إن تحققت منه السرقة
للمرة الخامسة، وأما المرة والمرتين فيعفى عنه كما نطقت
به الروايات المستفيضة المتقدمة، فإن تجاوزت السرقة
عن المرتين ففي المرة الثالثة تحك أنامله بالأرض حتى تدمى
أو تقطع من المفصل كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة
أو المعتبرة التي تقدم بعضها، وكذا لا يبعد أن يقال بوجوب قطع
المفصل الثاني إن تحققت السرقة منه للمرة الرابعة للروايات
المستفيضة المتقدمة الدالة على ذلك على اختلاف التعابير
الواردة فيها - وإن استشكل الأستاذ في بعض ما ذكرنا
إلا أن ما ذكرناه هو الموافق للروايات المستفيضة ولم يكن لها
معارض إلا ما يتوهم من أنه - أي الصبي - لم يبلغ الحلم فكيف
يجرى عليه ما يجرى على المكلفين، لكن التوهم مدفوع أولا بورود
النصوص الكثيرة الصحيحة على ذلك وثانيا بأن هذا - أي قطع
يده ليس حد شرعيا في هذا المورد بل هو تعزير، ولا مانع
من أن يصل التعزير إلى مقدار الحد إذا اقتضت المصالح الاجتماعية
ذلك، والمفروض ورود نصوص على ذلك.
ولذا قال في محكى الرياض: إنه ينبغي حمل هذه النصوص
على كون الواقع تأديبا منوطا بنظر الحاكم لا حدا، كما ذكره شيخنا
في المسالك، قال: ومقتضاه جواز بلوغ التعزير الحد هنا
347

ولو في بعض الصور، ولا بأس به لاتفاق أكثر النصوص في
الدلالة عليه، ولكن لا يلائم ما أطلقه المتأخرون بناء على ما قرروه
من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحد، وفي جريانه في محل البحث
نظر لما مر، لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع إلا في ما اتفقت
في الدلالة عليه وهو في الخامسة انتهى.
إلا أنك قد عرفت عدم البعد بالالتزام بالتفصيل المذكور
في الروايات المتقدمة من أنه يعفى عنه مرة أو مرتين ويحك
رؤس أنامله أو يقطع رؤسها للمرة الثالثة، ويقطع المفصل
الثاني إذا سرق للمرة الرابعة ويقطع كما يقطع المكلف
إذا سرق في الخامسة.
ثم قال في الشرائع في عداد شرائط السارق الذي عليه
القطع: الثاني: العقل، فلا يقطع المجنون، ويؤدب وإن تكررت
منه، الثالث: ارتفاع الشبهة، فلو توهم الملك فبان غير مالك
لم يقطع، وكذا لو كان الملك مشتركا فأخذ ما يظن أنه قدر نصيبه
الرابع: ارتفاع الشركة، فلو سرق من مال الغنيمة، فيه روايتان
إحداهما لا يقطع، والتفصيل حسن انتهى موضع الحاجة.
أما الشرط الثاني لحد السرقة الذي هو العقل فادعي عليه
اللاخلاف بل الاجماع لرفع القلم عن المجنون حتى يفيق، ولا
يتأتى ما ذكرناه في الصبي، هنا لأن هناك كان أخبارا
صحية أو معتبرة بخلاف المجنون فإن ههنا ليس لنا
348

دليل على بعض ما ذكروه في الصبي، نعم يؤدب المجنون
بما يراه الحاكم إن عقل ذلك أي فهم بأن تأديبه إنما هو لأجل
السرقة الصادرة منه وإلا فلا معنى لتأديبه أيضا إذا لا يشعر
بأن ضربه لماذا.
وأما الشرط الثالث - وهو ارتفاع الشبهة - بأن توهم
أن هذا الشئ ملكه فبان أنه ملك الغير فإنه إذا أخذه بهذا التوهم
لا يقطع، لتحقق الشبهة الدارئة للحد عنه، وكذا إذا كان الملك
مشتركا بينه وبين غيره فأخذ بمقدار ما ظن أنه بمقدار نصيبه
بتوهم أنه يجوز له ذلك بدون إذن شريكه فإنه أيضا شبهة
حتى أنه لو أخذ أكثر من نصيبه فإنه لا يقطع من دون فرق
بين كون المال مما يجري فيه الاجبار على القسمة كالحبوب
وغيره كالأواني والثياب فإنه من الشبهة الدارئة.
نعم إذا فرض بأنه عالم بعدم جواز استبداد الشريك
بالقسمة بدون إذن شريكه ومع ذلك قد سرق منه
بمقدار النصاب من حصة الشريك اتجه حينئذ عليه
القطع، لدخوله حينئذ في العمومات، كقوله تعالى: السارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما " لكن في صحيحة عبد الله بن سنان
أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام: رجل يسرق من المغنم أي
شئ يجب عليه؟ فقال: ينظر كم الذي يصيبه، فإن كان
الذي أخذه أقل من نصيبه عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ
349

مثل الذي له فلا شئ عليه، وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن
مجن، وهو ربع دينار قطع (1).
ورواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى
علي عليه السلام في رجل أخذ بيضة من المغنم، وقالوا: قد
سرق اقطعه، فقال: إني لم أقطع أحدا له في ما أخذ شرك (2)
وفي رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن عليا عليه السلام أتي برجل سرق من بيت المال
فقال: لا تقطعه فإن له فيه نصيبا (3).
إلا أن صحيحة عبد الله بن سنان لا عموم فيها بل هي مخصوصة
بما إذا لم يسرق أكثر من نصيبه، والروايتان الأخيرتان وإن
كان فيهما اطلاق شامل لما إذا أخذ أكثر من نصيبه بل وإن أخذ
بمقدار نصاب السرقة زائدا على نصيبه إلا أنه لا جابر لهما
فما في القواعد - على ما حكي عنه - أنه قال: ولو كان الشئ قابلا
للقسمة ولم يزد المأخوذ على مقدار حقه حمل أخذه على قسمة فاسدة
على اشكال، أقربه ذلك إن قصدها، وإلا قطع انتهى - لا يخلو
عن نظر، فإن القسمة سواء كانت فاسدة أو غير فاسدة
غير موجبة للقطع إذا لم يأخذ أكثر من نصيبه كما دل على ذلك
اطلاق الروايات المتقدمة.
وأما الشرط الرابع - أي ارتفاع الشركة - فإنه إذا سرق

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب حد السرقة الحديث 4 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب حد السرقة الحديث 4 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب حد السرقة الحديث 4 - 1 - 2.
350

من الغنيمة - مع أن له فيها نصيبا - ففيه طائفتان من الروايات
إحداهما أنه لا يقطع، وهي رواية محمد بن قيس المتقدمة أن
عليا عليه السلام قضى في رجل أخذ بيضة من المغنم وقالوا:
قد سرق، اقطعه، فقال: إني لم أقطع أحدا له في ما أخذ شرك (1)
ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس والغلول
ومن سرق من المغنم وسرقة الأجير (2).
والطائفة الثانية هي صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أنه سأل
الصادق عليه السلام: رجل يسرق من المغنم أي شئ يجب عليه؟
فقال: ينظركم الذي يصيبه، فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه
عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شئ عليه،
وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن وهو ربع دينار قطع (3).
والتفصيل المذكور في الرواية الأخيرة حسن كما في الشرائع
بل قال في محكى المسالك: والعمل على هذه الرواية أولى
لصحتها وموافقتها للقواعد الشرعية وعمل أكثر الأصحاب بمضمونها
وفيها دلالة على أن الغانم يملك نصيبه من الغنيمة بالحيازة
أو على أن القسمة كاشفة عن سبق ملكه بها الخ
إلا أن الوجه الثاني من الوجهين لا يخلو عن نظر، ولا
يبعد أن يقال بالوجه الأول على اشكال فيه أيضا.
ولا ينافي هذه الرواية صحيحة عبد الرحمان قال: سألت

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4.
351

أبا عبد الله عليه السلام عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السلام
قال: بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه (1)، لامكان
حمل الصحيحة على زيادة البيضة عن نصيبه بما يوجب القطع أو على
أن السارق لم يكن له نصيب من المغنم.
ثم قال في الشرائع: الخامس (أي من شرائط القطع
في السرقة) أن يهتك الحرز منفردا أو مشاركا، فلو هتك
غيره وأخرج هو لم يقطع، السادس أن يخرج المتاع بنفسه
أو مشاركا، ويتحقق الاخراج بالمباشرة أو بالتسبيب
مثل أن يشده بحبل ثم من خارج أو يضعه على دابة
أو على جناح طائر من شأنه العود إليه، ولو أمر صبيا غير مميز باخراجه
تعلق بالأمر القطع، لأن الصبي كالآلة.
السابع: أن لا يكون والدا من ولده، ويقطع الولد إن سرق
من الوالد، وكذا يقطع الأقارب، وكذا الأم لو سرقت من
الولد، الثامن: أن يأخذه سرا، فلو هتك قهرا ظاهرا
وأخذ لم يقطع، وكذا المستأمن لو خان، ويقطع الذمي
كالمسلم والمملوك مع قيام البينة، وحكم الأنثى في ذلك كله
حكم الذكر انتهى.
أما الشرط الخامس فادعي على اعتباره الاجماع، فلو لم
يكن محرزا فلا قطع عليه كما لا خلاف أجده أيضا في اعتبار
كون الآخذ منه هو الهاتك له بالانفراد والاشتراك كما،
352

في الجواهر، فلو هتك غيره وأخرج هو لم يقطع، لعدم صدق السرقة
على الأول أي الهاتك للحرز فإنه هتك ولم يأخذ، وعدم
الأخذ من الحرز على الثاني فإن المفروض أن الحرز هتكه الأول
فالثاني لم يأخذ من الحرز نعم على الأول أن يصلح ما أفسده وعلى
الثاني ضمان المال.
وفي الجواهر " ولو تعاونا على النقب وانفرد أحدهما بالاخراج
فالقطع على المخرج خاصة، لأنه السارق دون الآخر، ولو انعكس
فانفرد أحدهما بالهتك وشارك غيره في إخراج كل منهما نصابا
قطع، ولو أخرجا معا مقدار النصاب خاصة ففي المسالك " لا
قطع على أحدهما لأن كلا منهما لم يسرق نصابا، نعم لو أخرجا نصابين
بالاشتراك أو انفرد كل منهما بنصاب قطعا انتهى.
ولكن يرد على كلا العلمين أنهما كأنهما نسيا ما شرطا أولا
من أنه لا بد من أن يكون الهاتك للحرز هو المخرج منه، فقول
صاحب الجواهر: ولو تعاونا على النقب وانفرد أحدهما بالاخراج
فالقطع على المخرج خاصة، لا يخلو عن مناقشة، وكذا قول صاحب
المسالك: نعم لو أخرجا نصابين بالاشتراك أو انفرد كل منهما
بنصاب قطعا انتهى، لا يخلو أيضا عن مناقشة فإن الاخراج
والهتك بالمشاركة لا يوجب القطع على أي منهما وإن كان
نصيب كل واحد منهما يصل إلى النصاب.
وأما الشرط السادس أي يخرج المتاع بنفسه أو بمشاركة
353

الغير من الحرز فادعي عليه اللاخلاف بل الاجماع بقسميه
بل ادعي دلالة النصوص على ذلك، ثم أنه يتحقق الاخراج
بأن يخرج المتاع بنفسه أو بالتسبيب مثل أن يشده بحبل
ثم يجذبه من خارج أو يضعه على دابة ثم يسوقها أو يقودها أو
يسرحها فتخرج هي من الموضع أو يشد المتاع على جنا طائر
من شأنه العود إليه، بل لو أمر صبيا غير مميز كما إذا كان له خمس سنين
بأن يخرج المتاع من الموضع فأخرجه فالقطع على الآمر أيضا
وكذلك المجنون لأنهما حينئذ بمنزلة الآلة، وأما إذا أمر صبيا مميزا
باخراجه فأخرجه فعن كشف اللثام " لا قطع على الآمر لخروجه
بتمييزه عن الآلية ولا على المأمور لعدم تكليفه، ولكن لا يخلو
كلامه عن نظر.
وأما الشرط السابع أي بأن لا تكون السرقة من الوالد
عن ولده فادعي الاجماع بقسميه عليه، قال في الجواهر: مضافا
إلى فحوى عدم قتله به وقوله (ص): أنت ومالك لأبيك (1)
وغيرهما بل في معقد اجماع المسالك " الأب وإن علا انتهى
إلا أنه يرد عليه أن عدم قتل الأب لقتله لولده لا يصير دليلا
على أن عدم القطع في السرقة كذلك فإن القتل أعظم من
القطع فعدم إجراء القوى في حق الأب - وهو القتل - لا يكون
دليلا على عدم اجراء الضعيف، ولكن يدل على صحة كلام صاحب

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
354

الجواهر رواية أبي بصير بل حسنته قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء، فسرق بعضهم متاع بعض،
فقال: هذا خائن لا يقطع، ولكن يتبع بسرقته وخيانته، قيل:
له: فإن سرق عن أبيه، فقال: لا يقطع لأن ابن الرجل لا
يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه، هذا خائن، وكذلك إن
أخذ من منزل أخيه أو أخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن
الدخول (1).
فيستفاد من هذه الرواية أن الابن إذا لم يحجب عن منزل
أبيه إذا سرق من أبيه لا يقطع وكذلك الأخ إن سرق من
بيت أخيه أو أخته ولا يحجبانه عن الدخول فإنه لا يقطع أيضا
فيعلم من ذلك أن الأب أيضا كذلك فإنه غير محجوب
عن منزل ولده بحسب الغالب، لكن الحكم حينئذ مخصوص
بالأب غير المحجوب فلا يشمل الأب الذي يحجب عن
منزل ولده والحال أن معقد الاجماع هو مطلق الأب فإنه
إذا سرق من ولده لا يقطع، وأما الابن إذا سرق من
مال أبيه وكذا الأم إذا سرقت من مال ولدها فإنهما يقطعان
إذا كان يحجبان عن منزل الأب أو الولد، لاطلاق الآية
- أعني قوله تعالى: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
وربما يحكى عن بعض العامة الحاق كل من يجب نفقته على

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
355

الآخر كالأقارب الواجبي النفقة بل عن بعض " الحاق
مطلق الأقارب " لقوله تعالى: لا جناح عليكم أن تأكلوا من
بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو
بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت
أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم الآية (1).
إلا أن جواز الأكل ونفي الحرج عنه من بيوت من ذكر في
الآية المباركة وإن كان بدون الإذن، إنما هو في ما لم يحرز
عنهم بأن لا يحجبون عن الدخول في منازل المذكورين في الآية
وكذا الرواية المتقدمة - أي حسنة أبي بصير التي ذكرناها آنفا
وأما في صورة الحرز عنهم فلا، فحينئذ الأقوى هو الاقتصار
على الأب في عدم قطعه إذا سرق من ولده.
وأما الشرط الثامن - بأن يأخذه سرا فإنه مفهوم من لفظ
السرقة فإن لفظ السرقة موضوع للأخذ سرا، فلو أخذ شيئا
قهرا جهارا فهو غاصب لا سارق فلا يقطع، وكذا لا يقطع
المستأمن - أي الذي آمنته على مالك فأدخلته بيتك
كالبناء والنجار والحداد فسرق فإنه خائن وليس بسارق
وكذا الودعي أي الذي جعلت مالك بعنوان الوديعة عنده
فخان فإنه لا يقطع لأنك جعلته أمينا وسلمت إليه مالك و
لم تحرز مالك عنه فخانك فهو ضامن إذا سرق وليس عليه القطع

(1) سورة النور الآية 78.
356

وأما الذي إذا سرق فهو يقطع أيضا كالمسلم إذا سرق من
الذمي فإن الذمي محقوق المال والدم فلا يجوز السرقة منه، أما
الذمي إذا سرق سواء سرق من الذمي مثله أو من المسلم
فيدل على وجوب قطعه اطلاق الآية أي قوله تعالى: السارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما " وكذا المسلم إذا سرق من الذمي
فإن الاطلاق يشمله، ولا يقاس باب السرقة بباب القتل
أي إذا قتل المسلم الذمي فإن المسلم لا يقتل به، فإن
القتل يعتبر فيه المكافاة أي المساواة، والذمي لا يكافئ المسلم
مضافا إلى أن القصاص حق للمقتول فيستوفيه وارثه بخلاف
القطع في السرقة فإنه حق لله تعالى مع أن القتل أعظم من
القطع فلا يقاس به.
نعم إذا سرق المسلم مال حربي معاهد فعن القواعد " أنه
لا يقطع " ولعله لأن ماله غير محترم إلا أنه يعزر لخلعه لأمان الإمام
فإن الإمام قد آمنه، وهذا قد خلع أمان الإمام عليه السلام بسرقته
وأما المملوك والأنثى فإنهما يقطعان أيضا إذا قامت
البينة على أنهما سرقا لعموم الأدلة أو اطلاقها الشامل لهما
أيضا.
(مسائل:)
(الأولى:)
لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن، وإن استحق المرتهن
357

الامساك ولا المؤجر العين المستأجرة، وإن كان
ممنوعا من الاستعادة مع القول بملك المنفعة، لأنه لم
يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة
الاخراج، قاله في الشرائع
أما الفرض الأول - أي سرقة الرهن - فلأن الراهن
لم يسرق من مال المرتهن شيئا، بل سرق ماله الذي
كان للمرتهن إمساكه بعنوان الوثيقة عن دينه، وأما سرقة
العين المستأجرة فلأنه وإن كان ممنوعا من استعادتها من
المستأجر لأنه ملكه منافعها بثمن معلوم إلا أنه بسرقته لها
لم يتحقق إخراج نصاب السرقة من مال المسروق منه
فإنه حين الاخراج لم يسرق منه إلا منفعة ما لم يبلغ حد النصاب
وبعد الاخراج وإمساك العين المستأجرة عنده وإن
كان ربما تبلغ منفعتها النصاب أو ما فوق النصاب إلا
أنه لا بد من أن يصل المسروق حد النصاب حين
إخراجه من الحرز لا بعده مضافا إلى أنه يعتبر الملكية العينية
عند العرف في تحقق السرقة دون المنفعة.
(المسألة الثانية:)
وقال أيضا: لا يقطع عبد الانسان بسرقة ماله كذا
عبد الغنيمة بالسرقة منها لأن فيه زيادة إضرار، نعم يؤدب بما
يحسم المادة انتهى أما عدم قطع عبد الانسان إذا سرق
358

من ماله - فيدل عليه - مضافا إلى دعوى اللاخلاف بل الاجماع
عليه - روايات معتبرة منها صحيحة أو معتبرة محمد بن قيس قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا سرق عبدا وأجير من
مال صاحبه فليس عليه قطع (1).
ومنها خبره الآخر عنه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في عبد سرق وأختان من مال مولاه قال: ليس
عليه قطع (2).
ومنها رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: عبدي إذا سرقني لم أقطعه، وعبدي إذا
سرق غيري قطعته، وعبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه لأنه
فيئ (3).
وأما عبد الغنيمة - والمراد به العبد الذي هو أيضا من الغنيمة
المأخوذة من الكفار حين الحرب معهم - فإنه إذا سرق
من الغنيمة فإنه لا يقطع أيضا لأنه بقطعه زيادة إضرار
بالغنيمة مضافا إلى رواية السكوني عن الباقر عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين قد سرقا من
مال الله أحدهما عبد مال الله والآخر من عرض الناس فقال:
أما هذا فمن مال الله ليس عليه شئ، مال الله أكل بعضه بعضا،
وأما الآخر فقدمه وقطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برئت يده (4)

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 1 و 2 و 4.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 1 و 2 و 4.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 1 و 2 و 4.
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 1 و 2 و 4.
359

وكيف كان فيؤدب ولا يقطع والأدب لأجل حسم
مادة الجرأة عن السرقة.
(المسألة الثالثة:)
وقال أيضا في الشرائع: يقطع الأجير إذا أحرز المال من
دونه، وفي رواية لا يقطع، وهي محمولة على حال الاستئمان،
وكذا يقطع الزوج إذا سرق من زوجته، أو الزوجة إذا سرقت
من الزوج، وفي الضيف قولان، أحدهما لا يقطع مطلقا
وهو المروى، والآخر يقطع إذا أحرز من دونه وهو أشبه انتهى
أما الأجير إذا سرق من مال المستأجر فالمشهور بين الأصحاب
أنه يقطع للعمومات الدالة على ذلك كقوله تعالى في أوائل
سورة النور: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآية
وهو بإطلاقه شامل للأجير أيضا، وهذا في صورة حرز المال
عنه، وأما في صورة عدم حرزه فإنه لا يقطع وعليه تحمل رواية
سليمان عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل استأجر
أجيرا، فسرق من بيته هل تقطع يده؟ قال: هذا مؤتمن و
ليس بسارق (1).
وكذا حسنة الحلبي عنه عليه السلام في رجل استأجر أجيرا
فأقعده على متاعه فسرقه، فقال: هو مؤتمن (2).
ورواية سماعة قال: سألته عمن استأجر أجيرا فأخذ
الأجير متاعه، فسرق، فقال: هو مؤتمن، ثم قال: الأجير

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 1.
360

والضيف أمينان ليس يقع عليهما حد السرقة (1)
إلا أن التعبير عن الأجير بقوله: " مؤتمن " أو عن الأجير
والضيف بقوله: " أمينان " ظاهر في أنه استأمنه على ماله
أي جعل ماله تحت اختياره ولا يشمل ما إذا أحرز ماله عنه،
ففي صورة الاستئمان وصدور السرقة منه على خلاف ظنه
يصير خائنا فإنه قد يأتمن الخائن بظن أنه أمين فلا يقطع، وأما في
صورة حرز المال عنه فسرق من الحرز فإنه يقطع كسائر السراق
وكذا الزوجة إذا سرقت من الزوج أو الزوج إذا سرق
منها مما هو محرز عنها أو عنه فإنهما أيضا يقطعان، وأما إذا كان
الزوج شحيحا لا يعطى نفقة الزوجة بمقدار ما يكفيها ويكفي أولادها
فلا مانع من سرقة الزوجة من مال الزوج الذي أحرزه عنها بمقدار
نفقتها، لا زائدا عن النفقة كما يومئ إليه رواية هند حين قالت
للنبي صلى الله عليه وآله: إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا
يعطيني وولدي إلا ما آخذ منه سرا وهو لا يعلم فهل على فيه
شئ؟ فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (2).
وأما الضيف ففيه روايتان إحداهما أنه لا يقطع وهي المروية
صحيحا عن الباقر عليه السلام قال: الضيف إذا سرق لم يقطع، وإذا
أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف (3)

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 466 على ما حكي عنه
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب حد السرقة الحديث 4
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
361

بل عن السرائر: الاجماع على ذلك وأن الرواية متواترة
والقول الآخر أنه يقطع إذا سرق من الحرز قال
في الشرائع: وهو أشبه " وقال في الجواهر: بل لم نتحقق الخلاف
فيه إلا من الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، وقد رجع عنه
في المحكى عن مبسوطه وخلافه، إذ المحكى عن الإسكافي أنه
قال: وسرقة الأجير والضيف والزوجة في ما ائتمنوا عليه
خيانة لا قطع عليهم، فإن سرقوا مما لم يؤتمنوا عليه قطعوا "
وعن الصدوق في الفقيه والمقنع " ليس على الأجير ولا على
الضيف قطع لأنهما مؤتمنان "
وحاصل الكلام أن الضيف كالأجير والزوج والزوجة
في أنه لا يقطع في ما ائتمن عليه أي إذا سرق من الشئ
الذي جعله المضيف أمينا عليه بأن جعل الشئ تحت
تصرفه ولم يحرزه عنه فسرق منه، وأما إذا أحرزه عن الضيف
ولم يجعله تحت اختياره ولم يطلعه على المكان الذي أحرز
فيه المال فسرق من ذلك المكان المحرز فإنه يقطع، فالصحيحة
المتقدمة محمولة على ما إذا ائتمنه كما يظهر من قوله عليه السلام في موثقة
سماعة المتقدمة: الأجير والضيف أمينان (1) دون ما إذا
أحرز ماله فإنه لم يستأمنه على ذلك المال المحرز.
(المسألة الرابعة:)
لو أخرج متاعا، فقال صاحب المنزل: سرقته وقال المخرج
362

وهبتنيه أو أذنت في إخراجه سقط الحد، للشبهة، وكان
القول قول صاحب المنزل مع يمينه في المال وكذا لو قال:
المال لي وأنكر صاحب المنزل فالقول قوله مع يمينه، ويغرم
المخرج ولا يقطع لمكان الشبهة، قاله في الشرائع.
أما الفرض الأول بالنسبة إلى القطع فإن من المعلوم
أنه لا يقطع لأنه يحتمل أن يكون المخرج صادقا في قوله بأنه
- أي صاحب المنزل - وهبه له أو أذن له في إخراجه، وإن كان
احتمال كذب المخرج وصدق قول صاحب المنزل قويا بل و
إن شهدت القرائن على صدق قول صاحب المنزل إلا أن
احتمال صدق قول المخرج موجب للشبهة الدارئة للحد فلا يحد
بصرف احتمال صدق قول صاحب المنزل، نعم إن أثبت
صاحب المنزل بيمينه أن المال الذي أخرج المخرج إياه من منزله
هو ماله رد المال إليه، فبالنسبة إلى القطع لا قطع على المخرج
للشبهة الدارئة، وبالنسبة إلى المال لا بد أن يرد عليه ماله إن حلف
بأنه ماله، لكن حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته
عن رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب، فقال: صاحب
البيت أعطانيها، فقال: يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه
البينة، فإن قامت عليه البينة قطع (1) معارضة لما قلناه على الظاهر
إلا أن هذه الحسنة لا تعارض ما قلناه فإن قيام البينة
363

مثبت لسرقته فلا تبقى شبهة دارءة للحد، وأما اليمين فإنها وإن كانت
مثبتة للمال على المخرج إلا أنها لا تثبت سرقته للمال بل الشبهة
بالنسبة إلى السرقة باقية.
وأما الفرض المثاني أي في ما لو قال المخرج: إن المال لي
وأنكر صاحب المنزل فإن القول قوله مع يمينه فإنه يعزم المخرج
ذلك المال إذا حلف صاحب المنزل بأن المال ماله،
ولكن لا يقطع لاحتمال صدق دعواه بأن المال ماله فيتحقق
الشبهة الدارئة للحد.
(المبحث الثاني:)
من مباحث السرقة في المسروق.
قال في الشرائع: لا قطع في ما ينقص عن ربع دينار ويقطع
في ما يبلغه ذهبا خالصا مضروبا عليه السكة أو ما قيمته ربع دينار،
ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة أو غيره، سواء كان أصله الإباحة أو لم
يكن، وضابطه ما يملكه المسلم، وفي الطير حجارة الرخام رواية
بسقوط الحد ضعيفة انتهى موضع الحاجة وسيجيئ تتمة كلامه ره
أما مستند كون المسروق لا بد من أن يكون ربع دينار أو ما
يكون بقيمته - فمضافا إلى دعوى الاجماع عليه - روايات، منها
ما عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا قطع إلا في ربع دينار (1).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: قلت له:

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 8 ص 284؟؟؟.
364

في كم يقطع السارق؟ فقال: في ربع دينار، قال: قلت له: في
درهمين، فقال: في ربع الدينار بلغ الدينار ما بلغ، قال: فقلت
له: أرأيت من يسرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين
يسرق اسم السارق؟ وهل هو عند الله سارق في تلك
الحال؟ فقال: كل من سرق وهو عند الله سارق، ولكن لا يقطع
إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت يد السارق في ما هو أقل
من ربع الدينار لألفيت عامة الناس مقطعين (1).
ومنها صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام قال: لا يقطع يد السارق إلا
في شئ يبلغ قيمته مجنا وهو ربع دينار (2).
خلافا للصدوق من أنه يقطع في ما إذا سرق في ما قيمته
خمس دينار استنادا إلى روايات، منها صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام قال: أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس
دينار (3)،
ومنها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: يقطع السارق
في كل شئ بلغ قيمته خمس دينار (4)، ومنها رواية إسحاق بن عمار
عنه عليه السلام في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان، قال:
يقطع به (5)، ومنها صحيحة أو موثقة محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: أدنى ما تقطع فيه يد السارق؟؟؟
365

إلى غير ذلك من الروايات التي ذكر تحديد القطع في السرقة
بالدرهمين فإنها إما محمولة على التقية أو على اختلاف الدنانير أو
اختلاف أسعارها باختلاف الأمكنة أو الأزمنة فربما كان في
بعض الأمكنة أو الأزمنة، الدينار ثمانية دراهم، إلا أنه قال العلامة
المجلسي في مرآة العقول في ذيل رواية ابن مسلم المتقدمة الدالة على تحقق
السرقة الموجبة للقطع بخمس دينار ما هذا لفظه: وهذا الخبر الخبر الآتي
يدلان على ما ذهب إليه الصدوق وابن الجنيد ولعله أقوى دليلا
من المشهور لكون الأخبار الواردة فيه أقوى سندا وأبعد من موافقة
العامة إذ الأشهر بينهم هو ربع دينار ولم أر قائلا منهم بالخمس
ولو كان فيهم قائل به كان نادرا، فحمل أخبار الربع على التقية أولى
من حمل أخبار الخمس على التقية كما فعله الشيخ في التهذيب
مع أن السكوت في خبر سماعة وغيره يشعر بالتقية.
قال محيي السنة: روي عن عايشة أن رسول الله (ص) قال:
القطع في ربع دينار فصاعدا " ثم قال: هذا حديث متفق على صحته
وروى أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قطع سارقا
في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " ثم قال: اختلف أهل العلم في ما يقع
فيه يد السارق، فذهب أكثرهم إلى حديث عائشة، روى ذلك
عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) وعائشة وهو قول عمر بن
عبد العزيز الأوزاعي والشافعي، وقال مالك: نصابها ثلاثة
دراهم، وقال أحمد: إن سرق ذهبا فربع دينار، وإن سرق فضة
366

فثلاثة دراهم، وإن سرق متاعا فإذا بلغت قيمة ثلاثة دراهم أو ربع
دينار، وذهب قوم إلى أنه لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة
دراهم، روى ذلك عن ابن مسعود إليه ذهب الثوري وأصحاب
الرأي، وقال قوم: لا يقطع إلا في خمسة دراهم انتهى، فظهر أن خمس
الدينار أبعد الأقوال عما ذهبوا إليه انتهى كلام المجلسي قده
لكن لا يخفى عليك أن ضرب مخالفة العامة لا يصير
مرجحا، فإن مقبولة عمر بن حنظلة قد دلت على اعتبار الشهرة بين
الأصحاب في ما إذا اختلفوا فيما بينهم فقال: خذ بما اشتهر بين
أصحابك، وجعل عليه السلام الشهرة مقدمة على الرجحان بما
خالف العامة، ونقول هنا: إن القطع بالسرقة في ربع دينار
أو بخمس دينار، كلاهما قد وردت به روايات صحيحة أو معتبرة
إلا أن أكثر الأصحاب قد عملوا بالروايات الدالة على القطع بربع
دينار، فالترجيح لقولهم وإن كان موافقا للعامة، فإن موافقتنا
للعامة في الأصول والفروع ليست بقليلة، ومجرد الموافقة للعامة
لا يصير موجبا لطرح الروايات المعتبرة فالأقوى ما عليه المشهور من
القطع بربع دينار.
فلا بد من تأويل الروايات الدالة على القطع بخمس دينار أو
بدرهمين وحملها على بعض المحامل أورد علمها إلى أهلها، وكذا
صحيحة الثمالي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام في كم يقطع
السارق؟ فجمع كفه وقال: في عددها من الدراهم (1) فإنها
367

كما في الجواهر - موافقة لبعض العامة، وكذا رواية سماعة من أن
أدناه ثلث دينار (1) فإن صاحب الجواهر قال: لم نجد عاملا به
مع احتماله (أي الخبر المذكور) اختلاف الدنانير أو غير ذلك، وإلا
كان مطرحا في مقابلة ما سمعت انتهى
وأما قول صاحب الشرائع: ثوبا كان (أي المسروق) أو طعام
أو فاكهة أو غيره، سواء كان أصله الإباحة أو لم يكن، وضابطه ما
يملكه المسلم انتهى، فالدليل على ذلك عمومات الأدلة والروايات
المتقدمة أو اطلاقها كالآية المباركة " السارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما " والمراد بقوله: سواء كان أصله الإباحة، ما كان الناس
فيه شرع سواء كالماء والكلاء الموجودين في البر والبحر فإنه إذا
حاز أحد واحدا منهما فإنه يصير بحيازته ملكا له، فإذا سرقه الآخر
منه وكان بمقدار ربع دينار فيقطع بذلك أيضا.
نعم في الطير وحجارة الرخام رواية بسقوط الحد ضعيفة كما في
الشرائع، وهي رواية السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال
لا قطع على من سرق الحجارة يعني الرخام وأشباه ذلك (1)
وأما الطير ففي رواية غياث بن إبراهيم عنه عليه السلام قال
إن عليا عليه السلام أتى بالكوفة برجل سرق حماما، فلم يقطعه و
قال: لا أقطع في الطير (2).
وفي رواية السكوني عنه عليه السلام عن علي عليه السلام قال: لا قطع

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب حد السرقة الحديث؟.
368

في ريش يعني الطير كله (1).
ثم إنه لا فرق في القطع بالسرقة بين ما إذا كان المسروق
عين الذهب أو غيره بأن بلغ قيمته ربع دينار مسكوك، فلو
بلغ قيمة ربع دينار غير مسكوك ولم يبلغ قيمة المسكوك فلا قطع
عليه لأن الدينار حقيقة في المسكوك خلافا للمحكى عن الخلاف
والمبسوط من عدم اعتبار بلوغه إلى المسكوك وهو شاذ فإن
الدينار ظاهر في الدينار المسكوك فيحمل إطلاق الروايات
عليه. قال في الجواهر: ولو انعكس بأن كان سدس دينار مصوغا
قيمته ربع دينار مسكوكا قطع على الأقوى " ومراده قدس سره
إذا كان الذهب بحسب الوزن سدس دينار إلا أنه بواسطة
صياغته صار ثمينا قيما وبلغ قيمته بواسطة الصياغة ربع دينار مسكوك فإذا
سرق هذا الشئ الثمين يقطع بذلك، إلا أن فيه ما لا يخفى
فإنه كيف يمكن القول بقطع من سرق الشئ الذي يكون بحسب
الوزن سدس دينار مسكوك مع أنه لم يسرق النصاب
الشرعي وهو ربع الدينار وإن فرض أنه يبلغ بواسطة الصياغة
ربع دينار؟ فإنه خلاف المتفاهم من الروايات، فإن الروايات
المتقدمة وإن أثبتت أن كل ما كان قيمته تبلغ ربع دينار إذا سرقه
قطع إلا أن ذلك ظاهر في المتاع غير الذهب فلا يشمل
نفس الذهب فإن نفس الذهب لو سرقه فلا بد أن يكون
369

بمقدار ربع دينار لا غير، وكذا لا فرق في السرقة الموجبة للقطع
بين ما إذا علم بقيمة المسروق أولا، فلو ظن أن المسروق فلس
فظهر أنه دينار أو ظن أن الثوب لم يبلغ قيمة ربع دينار فبان
أن قيمته بمقدار النصاب قطع فلا اعتبار في القطع بالسرقة
بالقصد للسرقة بمقدار النصاب.
قال في الشرائع أيضا: ومن شرطه أن يكون محرزا بقفل
أو غلق، أو دفن، وقيل: كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلا
بإذنه، فما ليس بمحرز لا يقطع كالمأخوذ من الأرحية والحمامات
والمواضع المأذون في غشيانها كالمساجد، وقيل: إذا كان
المالك مراعيا له كان محرزا كما قطع النبي (صلى الله عليه وآله)
سارق مئزر صفوان في المسجد، وفيه تردد انتهى
ومستند اشتراط أن يكون محرزا رواية السكوني عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يقطع إلا
من نقب نقبا أو كسر قفلا، (1) وبهذا الاسناد عنه عليه السلام
قال: لا يقطع إلا من نقب بيتا أو كسر قفلا (2) وأما رواية
قصة صفوان فقد تقدمت (3) إلا أن الالتزام بمفادها مشكل
فإن السارق لم يسرق ردائه من الحرز، وإنما أخذه من تحت
رأسه أو سرقه والصفوان قد خرج يهريق الماء، والمفروض
أن المسجد لم يكن حرزا بل من المواضع التي يدخل فيه كل أحد

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2 - 3.
370

كالأرحية والحمامات ونحوهما، فما لم يكن حرزا لا يجب فيه القطع
وأما ما قيل من أن الحرز كل موضع ليس لغير مالكه
الدخول إليه إلا بإذنه فهو منقول عن المبسوط والتبيان والغنية
وكنز العرفان بل عن كنز العرفان دعوى الاجماع عليه.
لكن يرد عليهم بعدم صدق الحرز على الدار التي لا باب عليها
مع أنه لا يجوز لغير مالكها الدخول فيها إلا بإذنه.
نعم عن الرياض أنه قال في تأييد القول المزبور: ربما كان في
النصوص إيماء إلى القول المزبور منها الصحيح (1) المتقدم المشتمل
على تعليل عدم قطع الرجل بسرقة مال أبيه وأخته وأخيه بعدم حجبه عن
الدخول إلى منزلهم، فمفهوم التعليل حينئذ يقتضي القطع مع عدم
الإذن، وأظهر منه القوي بالسكوني وصاحبه " كل مدخل
يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه، قال: يعني
الحمام والأرحية (2) وقريب منهما النصوص المتقدمة (3) بعدم
قطع الضيف والأجير معللة بالاستئمان، وليس إلا من حيث
الإذن في الدخول انتهى.
قال في الجواهر: وفيه أن عدم القطع من هذه الجهة لا يقتضي
عدمه أيضا من جهة أخرى، وهو اعتبار كون المال في حرز، و
لا ريب في عدم صدقه (أي صدق الحرز) عرفا بمجرد المنع الشرعي

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 14 و 17 من أبواب حد السرقة.
371

عن الدخول كما هو واضح، ونحوه المحكى عن خلافه من أن كل
موضع حرز لشئ من الأشياء، بل عن الحلي والفاضل
في التحرير اختياره، إذ لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة اختلاف
الحرز عرفا باختلاف المحرز، فحرز الذهب والفضة غير حرز
الدابة والحطب والتبن ونحوها كما هو واضح انتهى
وعلى كل حال في المال الذي لم يكن محرزا ليس عليه القطع
كما إذا سرق من الأرحية والحمامات والمواضع المأذون
في إتيانها كالمدارس العامة الدخول والخروج وكذا المساجد
والخانات وضابط ذلك كل موضع لا يحتاج إلى الإذن
في الدخول.
وأما ما قيل من أن المالك إذا كان مراعيا له فهو حرز
فهو قول الشيخ قدس سره في المحكى عن مبسوطه وخلافه استنادا
إلى قطع النبي صلى الله عليه وآله سارق مئزر صفوان في المسجد
وهو ما رواه حماد عن الحلبي بسند صحيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه، فقال:
إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام، فوضع رداءه
وخرج يهريق الماء، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه، فقال:
من ذهب بردائي، فذهب يطلبه، فأخذ صاحبه، فرفعه إلى
النبي صلى الله عليه وآله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اقطعوا يده

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
372

فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم
قال: فأنا أهبه له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهلا كان هذا
قبل أن ترفعه إلى؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال:
نعم، قال: وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام، فقال:
حسن " (1).
إلا أن الالتزام بمفاد هذه الصحيحة مشكل كما ذكرنا، فلا بد
من حملها على بعض المحامل أو يقال: إنها قضية في واقعة، وإلا
فإن الرجل لم يسرق رداءه من حرز ولم يكسر قفلا ولا نقب
نقبا مع أن ذلك معتبر في القطع كما في الروايات بل لم تكن صفوان مراعيا لرداءه
فإنه خرج يهريق الماء كما هو نص الرواية فلم تكن الرواية دليلا على
أن المراعاة تكون حرزا فلا بد من أن يرد علم الرواية إلى أهله مضافا
إلى ما قيل من أن السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه
لتحقق المراعاة لم يحصل الشرط، وهو أخذه سرا وإنما يكون مستلبا
غاصبا وهو لا يقطع، وإن كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة "
فالأقوى أن المراعاة لا يتحقق بها الحرز كما عليه الأكثر.
وعن الرياض - بعد أن حكى التفسير للحرز بما سمعت قال:
وعليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقا للأكثر، فحرز الأثمان
والجواهر الصناديق المقفلة والأغلاق الوثيقة في العمران، وحرز
الثياب وما خف من المتاع وآلات النحاس الدكاكين
والبيوت المقفلة في العمران وخزائنها المقفلة وإن كانت هي
373

مفتوحة، والإسطبل حرز للدواب مع الغلق، وحرز الماشية
في المرعى عين الراعي على ما تقرر، ومثله متاع البائع في الأسواق
والطرقات " ومثله ما عن الروضة "
أقول: في تحقق الحرز في بعض ما ذكره نظر، فإن عين الراعي
على الماشية لا تعد حرزا عرفا وكذا عين البائع على متاعه بل وكذا
الثمرة على الشجرة وإن كان لها حارس وحافظ إذ الحرز هو الشئ
المعد لحفظ الشئ في نفسه، والمراقبة ونحوها إنما هي حراسة للشئ
لا حرز له عرفا كما ذكر ذلك في الجواهر، ولا أقل من الشك في تحقق
الحرز بذلك به يدرأ الحد عنه، لا يجدي إطلاق السارق عليه بعد
أن كانت السرقة مقيدة بكونها من الحرز.
وأما الدفن فيتحقق به الحرز وقيده بعضهم بكونه في العمران احترازا
عما إذا كان في الفلاة فإنه لا يعد حرزا وإن كان مقفلا لعدم قضاء
العرف بذلك مع عدم الخطر على سارقه، نعم إذا لم يعلم أحد
بموضع الدفن أي كان موضع الدفن مختفيا على الناس فأخرجه
السارق يقطع بذلك.
وقال في الشرائع: وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟
قال في المبسوط والخلاف: نعم، وفيه إشكال، ولا يقطع من
سرق من جيب انسان أو كمه الظاهرين ويقطع لو كانا
باطنين انتهى، أما الفرع الأول - أي في ما إذا سرق ستارة الكعبة
أي الستر الممدود على الكعبة فلاطلاق أدلة السرق ولما رواه أصحابنا
374

من أن القائم عليه السلام إذا قام قطع أيدي بني شيبة، وعلق أيديهم
على البيت، ونادى مناديه: هؤلاء سراق الله (1) بل عن الخلاف
أنه قال: لا يختلفون في ذلك يعني في الرواية.
إلا أن فيه اشكال أما أولا فبأن السرقة أي سرقة ستارة
الكعبة لم تكن من الحرز فإن المسجد الحرام من المواضع العامة التي لكل
أحد أن يدخل فيه من دون مانع فكيف تكون ستارة الكعبة في الحرز
مع أنها بمرأى من الناس؟ وثانيا أن الرواية المذكورة لا تكون دليلا
على هذه المسألة على فرض اعتبارها فإنها لا تدل على أن قطع أيدي
بني شيبة إنما هو لأجل سرقتهم لستر الكعبة فيمكن أن يكون القطع
لأجل فسادهم أو اختلاسهم من أموال الكعبة وهداياها وموقوفاتها،
والمراد بقوله: سراق الله " سراق أموال بيت الله " فحينئذ الأقوى
عدم القطع على من سرق ستار الكعبة.
وأما إذا سرق من جيب انسان أو كمه الظاهرين - والمراد
بالظاهرين القميص الفوقاني أي جيب الثوب الفوقاني فلا قطع
عليه وأما إذا سرق من جيب القميص التحتاني فإنه يقطع على
المشهور بين الأصحاب بل عن كشف اللثام أنهم قاطعون
بالتفصيل المزبور بل عن الشيخ وابن زهرة الاجماع عليه، ومستند
هذا الحكم أولا هو صدق الحرز على الجيب التحتاني وثانيا رواية
السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أتي أمير المؤمنين
عليه السلام بطرار قد طر دراهم من كم رجل، فقال: إن كان طر من قميصه
375

الأعلى لم أقطعه، وإن كان طرا من قميصه الداخل قطعته (1).
ورواية مسمع ابن سيار عنه عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام
قد أتي بطرار قد طر من رجل، فقال: إن كان طر من قميصه الأعلى
لم أقطعه، وإن كان طر من قميصه الأسفل قطعناه (2).
بعد انجبار ضعفهما بعمل المشهور
وعن المسالك أنه قال: مقتضاهما أن المراد بالظاهر ما في
الثوب الخارج سواء كان بابه في ظاهره أم باطنه وسواء كان الشد
على تقديره من داخله أو خارجه " وعن كشف اللثام أنه قال: و
يظهر منهما أن المراد بالظاهر ما على الثوب الأعلى وباطن ما على
تحته، ولا يختلف الحال فيهما بأن يكون المال مشدودا أولا كان
الشد من خارج أو داخل انتهى.
وقال في محكى الخلاف: وقال جميع الفقهاء: عليه القطع و
لم يعتبروا قميصا فوق قميص، إلا أن أبا حنيفة قال: إذا شده
فعليه القطع، ولم يفصل الشافعي " وعن المبسوط بعد التفصيل
بالظاهر والباطن قال: فإذا أدخل الطرا أريده في جيبه فأخذه أو بط
الجيب والطرة معا فأخذه فعليه في كل هذا القطع، والكتم مثله على ما
قلناه إن أدخل يده فأخذه أو خرق ا لكم أو بطه فأخذه أو بطه الخرقة
والكم فأخذه فعليه القطع، وأما إن شده في كمه كالصرة ففيه القطع
عند قوم سواء جعله في جوف كمه وشده كالصر من خارج الكم أو
شده من داخل حتى صارت الصرة في جوف كمه، وقال قوم

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب حد السرقة 2 - 2.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب حد السرقة 2 - 2.
376

إن جعلها في جوف الكم وشدها من خارج فعليه القطع، وإن
جعلها من خارج وشدها من داخل فلا قطع، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا انتهى
وقال في الجواهر: لعل من الباطن الجيب في باطن القميص
الأعلى، ومن هنا قال في الروضة: والمراد بالجيب الظاهر ما كان في
ظاهر الثوب الأعلى والباطن ما كان في باطنه أو ثوب داخل
مطلقا انتهى.
قلت: وهو حسن إلا أن الروايتين المطلقتين المتقدمتين
قد أطلقتا عدم القطع إذا طر أي سرق من قميصه الأعلى، والاطلاق
يشمل ما إذا طر من الجيب الفوقاني أو التحتاني.
وقال أيضا في الشرائع: ولا قطع في ثمرة على شجرها، ويقطع
لو سرق بعد إحرازها، ولا على من سرق مأكولا في عام مجاعة انتهى
أما الفرع الأول فمستنده روايات كثيرة نذكر بعضها منها رواية
السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا قطع في ثمر ولا كثر، والكثر: شحم النخل (1).
وفي رواية الصدوق: والكثر: الجمار، ومنها رواية الفضيل بن
يسار عن الصادق عليه السلام قال: إذا أخذ الرجل من النخل والزرع
قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع (2)
ومنها رواية الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يقطع

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 4.
377

من سرق شيئا من الفاكهة، وإذا مر بها فليأكل ولا يفسد (1)
ويمكن الجمع بين هذه الروايات المطلقة ورواية إسحاق بن عمار
عن الصادق عليه السلام في رجل سرق من بستان أرقم قيمته درهمان
قال: يقطع به (2)، بأن يكون المراد من أن قيمته درهمان ما يبلغ ربع دينار
مسكوك وإن السرقة قد تحققت بعد الاحراز بواسطة البستان
فحينئذ لا يقطع من سرق من ثمرة على شجرة إلا إذا صارت الثمرة
في حرز.
وأما من سرق مأكولا في عام المجاعة فإنه لا يقطع بلا خلاف
كما في الجواهر، ويدل على ذلك روايات منها رواية السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع السارق في عام مسنت
يعني عام مجاعة (2)، ومنها مرسلة عاصم بن حميد قال: كان أمير
المؤمنين عليه السلام لا يقطع السارق في أيام المجاعة (3).
ومنها مرسلة زياد القندي لا يقطع السارق سنة المحل في شئ
يؤكل مثل اللحم والخبز وأشباهه (4).
إلا أن المبسوط - على ما حكي عنه - قال: إن سرق في
عام المجاعة والقحط فإن كان الطعام موجودا والقوت مقدورا عليه
ولكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، وإن كان القوت متعذرا
لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه، وعن المسالك

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 7
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة الحديث 5 و 7
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1.
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1.
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1.
378

أنه قال: حملوا ما في اطلاق الروايتين من المسروق على المقيد على
الآخر، وهو المأكول انتهى، ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك كما ادعي
الاتفاق على ذلك وأظهر من الرواية المقيدة رواية أخرى مروية
عن الفقيه قال: لا يقطع السارق في عام مجدبة يعني في المأكول دون غيره (1)
إذا لم يكن التفسير - أعني قوله: يعني في المأكول من كلام الصدوق
قدس سره كما ليس ببعيد، فحينئذ - أي إذا لم نقيد الروايتين المتقدمتين
بالرواية الأخرى الحاوية على المأكول يمكن الحكم بالتعميم إذا ألجأه الاضطرار
إلى السرقة.
وربما يقال: إن مقتضى اطلاق المصنف (أي صاحب
الشرائع) وغيره بل والنصوص عدم الفرق بين المضطر وغيره، إلا أنه
قال في الجواهر: وإن كان قد يناقش بعدم انسياق الثاني منه
نعم يدخل فيه المشتبه حاله كعدم انسياق غير المأكول فعلا من الخبز
لو قلنا بالتقييد به كالحبوب ونحوها بدعوى كون المراد الصالح للأكل
قوة أو فعلا كما في المسالك وغيرها، بل ظاهر قوله (عليه السلام): كالخبز
واللحم وأشباهه " خلافه، والأصل في ذلك أن الحكم مخالف لاطلاق
الأدلة، فالمناسب الاقتصار فيه على المتيقن انتهى.
لكن الانصاف أنه لا فرق في المأكول بين ما هو مأكول فعلا
أو الصالح للأكل، فإن اللحم هو ما يكون صالحا للأكل وهو مذكور في مرسل
زياد القندي المتقدم بل في النفس المرسل ما يستفاد من قوله " وأشباهه "

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
379

أن الحبوب ونحوها مما يحتاج إلى الطبخ داخل أيضا في المأكول
ثم قال في الشرائع: ومن سرق صغيرا فإن كان مملوكا قطع
ولو كان حرا فباعه لم يقطع حدا، وقيل: يقطع دفعا لفساده انتهى.
أما إذا سرق الانسان الصغير غير المميز بحيث لا يعرف سيده
عن غيره كما إذا كان عمره سنتين وكان مملوكا فإنه يقطع بلا خلاف
ولا إشكال كما ادعاه في الجواهر إذا كان جامعا لشرائط تحقق السرقة
من كون قيمة ربع دينار وأن تكون السرقة من الحرز فإنه كغيره من الأموال
وأما إذا كان العبد كبيرا فإن عبارة صاحب الشرائع غير شاملة له، ولعل
عدم تعرضه لسرقته الكبير لأجل أن الكبير متحفظ بنفسه، فلأجل تحرزه لنفسه
لا تتحقق السرقة بالنسبة إليه، إلا أنه يمكن تحقق السرقة بالنسبة إليه
بأن يسرقه وهو نائم أو غافل أو لا يعرف سيده، فيقول له السارق:
هذا سيدك فيغتر بقوله ويذهب معه أو يغره بذكر بعض علامات
سيده ويقول له: بهذه العلامة يقول لك سيدك: تعال إلى موضع
كذا فيغتر بقوله ويذهب معه،
فحينئذ لا فرق في سرقة العبد الموجبة للقطع بين الصغير والكبير
ولا بين القن والمدبر وأم الولد والمبعض إذا كان بعضه الآخر
الذي لم يعتق بمقدار ربع دينار فإنه إذا سرقه قطع، وكذا المكاتب
إذا سرقه يقطع إلا أن العلامة في القواعد - على ما حكي عنه - قد استشكل
فيه، وقال في الجواهر: ولعله من عدم خروجه عن المالية ومن عدم تمامية
ملك السيد له لانقطاع تصرفه عنه، ولا يملك منافعه ولا استخدامه
ولا أرش الجناية عليه، وهو يملك ما يكتسبه، لكن يمكن منع الأخير
380

في التحرير القطع بكون المشروط كالقن مع أنه لا فرق بينه وبين المطلق
بالنسبة إلى الملكية، ومن الغريب قوله بلا فصل عما سمعت: ولو سرق
من مال المكاتب قطع إن لم يكن سيده، ولو سرق نفس المكاتب
فلا قطع عليه، لأن ملك سيده ليس بتام عليه فإنه لا يملك منافعه
ولا استخدامه ولا أخذ أرش الجناية عليه إذ هو على فرض إرادته المطلق
لا فرق بينه وبين المشروط في ذلك انتهى.
والحاصل أن السارق إذا سرق المكاتب المشروط يقطع
فإنه ما لم يؤد جميع مال الكتابة فإنه كالقن أي يكون ملكا لسيده وأما المكاتب
المطلق - أي كلما أدى شيئا من مال الكتابة فإنه يعتق بحسب
ما أداه من المال - فإنه إذا سرقه أي سرق ذلك العبد المكاتب
فلا يقطع بذلك فإنه لا يكون - بعد تأدية شئ من مال الكتابة - ملكا
تاما لسيده ولذا لا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أرش الجناية
التي أوقعوها عليه، وهو مالك لما يكتسبه من المال، فهو ليس بعبد
خالص حتى تكون سرقته موجبة للقطع " ألا أنه غير خال عن الاشكال
ولو كان (أي المسروق) حرا فباعه لم يقطع حدا، وقيل:
يقطع دفعا لفساده، قاله أيضا في الشرائع، أما أنه لم يقطع بعنوان الحد
فلأن الحر لم يكن مالا حتى يصدق عليه أنه سرق المال من الحرز أو
من غير الحرز، وأما أنه يقطع دفعا لفساده فلأن بيع الحر فساد عن الصادق
فلا بد من حسم مادة الفساد، مضافا إلى رواية السكوني عن الصادق
عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتي برجل قد باع حرا فقطع
381

يده (1)
ورواية السكوني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع
الرجل وهما حران يبيع هذا هذا وهذا هذا ويفران من بلد إلى بلد فيبيعان
أنفسهما ويفران بأموال الناس قال: تقطع أيديهما لأنهما سارقا
أنفسهما وأموال الناس (المسلمين خ ل) (2).
ورواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري قال: سألت
جعفر بن محمد عليهما السلام عن رجل سرق حرة فباعها، قال: فقال فيها
أربعة حدود، أما أولها فسارق تقطع يده، والثانية إن كان وطأها
جلد الحد، وعلى الذي اشترى إن كان وطأها إن كان محصنا رجم،
وإن كان غير محصن جلد الحد، وإن كان لم يعلم فلا شئ عليه، وعليها
هي إن كان استكرهها فلا شئ عليها، وإن كانت أطاعته جلدت الحد (2)
ورواية طريف بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أخبرني عن رجل باع امرأته، قال: على الرجل أن تقطع يده، وترجم
المرأة، وعلى الذي اشتراها إن وطأها إن كان محصنا أن يرجم،
إن علم، وإن لم يكن محصنا أن يجلد مأة جلدة، وترجم المرأة إن كان
الذي اشتراها وطأها (4) "
لكن يمكن أن يقال: إن التعبير بالسرقة في هذه الروايات
ووجوب القطع عليه إنما هو لأجل أخذه لأموال الناس بالخدعة
والحيلة وبيع ما لا يجوز بيعه لهم وأخذ ثمنه منهم بغير مشروع الذي حكمه

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3 - 1
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
382

بحسب هذه الأخبار أو المراد بالسرقة أن حكمه - أي حكم عمله حكم
السرقة، وإن لم يكن هو بحسب الاصطلاح سارقا، وذلك
من جهة أن عمله موجب للفساد في الأرض فيصير حينئذ من مصاديق
قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا
أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض الآية (1)
لكن إذا صار من مصاديق هذه الآية بيع الحر أو الحرة فلم لا يترتب
عليه سائر أحكام الآية من القتل أو الصلب أو النفي من الأرض؟
ويترتب عليه قطع اليد فقط؟ اللهم إلا أن يجاب عن هذا الاشكال
أن هذه الأخبار المتقدمة قد خصصت حكمه هنا بالقطع فقط دون سائر
الأحكام المذكورة في الآية، وهذا الاشكال وجوابه لم يذكرهما الأستاذ
دام بقائه.
ولو سرق الحر ولم يبعه أدب بما يراه الحاكم وذلك لاختصاص
الحكم المذكور - أي قطع يده - بالبيع الحر، ولو كان على الحر ثياب أو حلي
يبلغ النصاب فسرقه ولم يسرق ثيابه ولا حليه لم يقطع وإن كان
المسروق صغيرا، نعم في صورة سرقته للحلي أو الثياب قطع إذا بلغ
المسروق النصاب،
قال في الشرائع: ولو أعار بيتا فنقبه المعير فرق منه مالا للمستعير
قطع، وكذا لو آجر بيتا وسرق منه مالا للمستأجر، ويقطع من سرق
مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف عليه لأنه موقوف، ولا تصير الجمال

(1) سورة المائدة الآية 33.
383

محرزة بمراعاة صاحبها ولا الغنم باشراف الراعي عليها، وفيه قول
آخر للشيخ رحمه الله انتهى.
أما مستند الفرع الأول - أي ما إذا أعار بيتا ثم نقبه وسرق
مال المستعير فإنه لا خلاف في أنه يقطع بل ولا اشكال كما في الجواهر
فإن المستعير باستعارته للبيت من المعير قد صير البيت مأمنا و
حرزا لأمواله، فسرقة المعير لأمواله سرقة من الحرز إلا أن الأستاذ
دام ظله قد استشكل هنا بأن إعارة البيت غير موجبة لعدم جواز
دخوله في ملكه فإن المفروض أنه أعاره البيت ولم يملكه منافع البيت
بل أجاز له أن يستفيد من منافعه، فاستخراجه وسرقته لمال المستعير
لم تكن سرقة من الحرز حتى يجب قطع يده بذلك " لكن يمكن أن يجاب
عن هذا الاشكال بأن إعارته للبيت وإن لم توجب ممنوعيته للتصرف
في البيت إلا أن المستعير جعل البيت بعد استعارته منه مأمنا و
حرزا لأمواله، فحصل له الاطمينان بأن أمواله قد جعلت في حرز، فسرقته
لتلك الأموال سرقة من الحرز، مضافا إلى دعوى اللاخلاف على ذلك
كما عرفت، والحاصل أن المعير وإن كان مجازا في الدخول إلى بيته إلا
أنه لم يكن مأذونا للدخول على أموال المستعير، فأخذه وسرقته من مال
المستعير سرقة من الحرز.
وكذلك الكلام إذا آجر البيت ثم سرق من مال المستأجر
فإن هذه المسألة أوضح من سابقها في أنه يقطع فإنه باستئجاره
البيت قد ملك منافعها للمستأجر، فلا يجوز له التصرف في ملكه نعد
384

استئجاره للغير فإذا سرق من مال المستأجر قطع فإنه قد سرق من الحرز
وأما مستند الفرع الثاني - أي في ما إذا سرق من أموال الموقوفة
- فإنه أيضا كذلك فإن عمومات القطع بسرقة المال مطلقا شاملة
له بناء على أن المال الموقوف ملك للفقراء أو للطلاب أو ملك للمساجد
أو المدارس الدينية إذا أمكن اعتبار ملكية الجهة للمال فحينئذ إذا طالب
الموقوف عليه كالفقير، لقطعه أو طالب متولي المسجد أو المدرسة، لقطعه
قطع، وأما إذا قلنا بأن الوقف إخراج للملك عن مالكه أي اطلاق للملك
عن الملكية من دون أن ينتقل إلى غيره أو قلنا بأن المالك هو الله تعالى
فلا قطع بسرقته بل عن المسالك " أنه الأظهر " بعد أن احتمل القطع
لو طالب الحاكم به.
لكن قال في الجواهر: قد عرفت سابقا أن مقتضى العموم القطع
أيضا بل قد يؤيده خبر محمد بن قيس المتقدم المشتمل على قطع السارق من
مال الله تعالى " ومراده من الرواية المذكورة هي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين قد سرقا من مال
الله، أحدهما عبد الله والآخر من عرض الناس، فقال: أما هذا فمن مال
الله ليس عليه شئ، مال الله أكل بعضه بعضا، وأما الآخر فقدمه وقطع يده
ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برءت يده (1).
ولو كان السارق بعض الموقوف عليهم فإن سرق بمقدار نصيبه
من الموقوفة - إذا تعين لكل من الموقوف عليهم نصيب معين
فلا قطع عليه، وأما إذا سرق أكثر من نصيبه وكان الزائد بمقدار

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
385

النصاب أي ربع دينار قطع بذلك إلا أنه على فرض كون الفقراء
مصرفا للموقوفة لا أنهم ملاكا لها يشكل القطع في الزائد عن النصيب
لعدم النصيب له حينئذ، وكذا إذا لم يعين الواقف لكل واحد من
الفقراء نصيبا فإنه لا يقطع أيضا لعدم فرض نصيب له حتى يفرض
الزائد عن نصيبه.
وأما الفرع الثالث - أي إذا سرق الجمال مع مراعاة صاحبها
وكذا الغنم مع إشراف الراعي عليها فلا قطع عليه فإن مراعاة الصاحب
أو إشراف الراعي لا يصيرها محرزة، فالسرقة لم تتحقق من الحرز
إلا أنه حكي عن الشيخ في الخلاف والمبسوط أنه قال: إنها محرزة
بذلك قال في المبسوط: " الإبل إن كانت راتعة فحرزها أن ينظر
الراعي إليها مراعيا لها، وإن كان ينظر إلى جميعها مثل إن كان على تنشز (1)
أو مستو من الأرض فهي في حرز، لأن الناس هكذا يحرزون أموالهم
عند الراعي، وإن كان لا ينظر إليها أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست
في حرز، وإن كان النظر إلى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في
حرز والتي لا ينظر إليها في غير حرز، وإن كانت باركة ينظر إليها فهي في
حرز، وإن كان لا ينظر إليها فهي في حرز بشرطين، أن تكون معقولة
وأن يكون معها نائما أو غير نائم، لأن الإبل الباركة هكذا حرزها، وإن
كانت مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز، وإن كان
قائدا فإنما تكون في حرز بشرطين، أن تكون بحيث إذا التفت
إليها شاهدها كلها، وأن يكثر الالتفات إليها مراعيا لها، وكذا البغال
386

والخيل والحمير، والبقر والغنم، فإذا آوت إلى حظيرة كالمراح والدين والاصطبل
فإن كان في البر دون البلد، فما لم يكن صاحبها معها في المكان فليس
بحرز، وإن كان معها فيه فهو حرز، فإن كان الباب مفتوحا
فليس بحرز إلا أن يكون معها مراعيا لها غير نائم، وإن كان الباب
مغلقا فهو حرزنا نائما كان أو غير نائم، ولو كانت في جوف البلد
فالحرز أن يغلق الباب سواء كان معها صاحبها أو لا انتهى كلامه
رفع مقامه.
لكن قد عرفت أن المراعاة لم تكن حرزا، فالتفصيل الذي ذكره
قدس سره خال عن الفائدة، نعم إذا كانت الإبل والخيل والغنم
في بيت والبيت له باب مغلق فهي في حرز، وأما صرف المراعاة
سواء كان سائقا لها أو قائدا إياها وسواء كانت باركة أو مقطرة
أي على نحو القطا وسواء كان ناظرا إليها أو غير ناظر نائما أو منتبها
فليس هذا في حرز أصلا.
ثم قال في الشرائع: ولو سرق باب الحرز أو من أبنيته
قال في المبسوط: يقطع، لأنه محرز بالعادة، وكذا إذا كان الانسان
في داره وأبوابها مفتحة، ولو نام زال الحرز، وفيه تردد، ويقطع سارق
الكفن لأن القبر حرز له، وهل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل: نعم، و
قيل: يشترط في المرة الأولى دون الثانية والثالثة، والأولى أشبه انتهى
أما إذا سرق باب الحرز فوجه أن يقطع كونه محرزا باثباته في البناء فسرقته
سرقة من الحرز، وأما إذا كان الانسان في الدار وصاحبها فيها و
387

أبواب الدار مفتوحة فإن مراعاة صاحبها يجعلها في حرز على قول
المبسوط، نعم إذا كان صاحبها نائما والأبواب مفتحة لم تكن في حرز
وأما وجه التردد فلأن الحرز هل يكون الشئ الذي ليس لغير مالكه
الدخول فيه أو أنه ما كان السارق فيه على خطر وخوف من أن يطلع
عليه أحد؟ أو أنه عرفي، وقلنا بأن هذا محرز بنظر العرف؟ أو هو ما
يكون مغلقا أو مقفلا أو مدفونا، فلا يقطع بغير ذلك؟ وحيث عرفت
مما تقدم أن المختار هو القول الأخير فلا قطع على سائر الاحتمالات
المتقدمة، فحينئذ إذا كان باب الحرز محرزا بالقفل أو الغلق كما إذا كان
داخل الدار المقفلة فسرقه فعليه القطع، وأما إذا كان خارج الدار
فسرقه فلا قطع عليه فإنه لا يصدق عليه أنه محرز بالقفل أو الغلق
فإذا سرق مثلا باب الخزينة الذي هو محرز بواسطة الدار
المقفلة قطع، وأما إذا سرق الباب الذي في خارج الدار
الذي ليس عليه القفل أو الغلق فلا يقطع.
وأما سارق الكفن فإنه يقطع اجماعا كما حكي ذلك
عن الايضاح والكنز والتنقيح وظاهر الديلمي، ومستند هذا الحكم
أولا أن القبر حرز للكفن، فالسرقة منه سرقة من الحرز، وثانيا دلالة
الأخبار الكثيرة على ذلك، فمنها ما هي مطلقة مثل رواية حفص البختري
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: حد النباش حد السارق (1)
ورواية الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام وجاءه كتاب
هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها و

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
388

نكحها، فإن الناس قد اختلفوا علينا، طائفة قالوا: اقتلوه، وطائفة
قالوا: أحرقوه فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: إن حرمة الميت كحرمة
الحي، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، ويقام عليه الحد في الزناء
إن أحصن رجم، وإن لم يكن أحصن جلد مأة (1).
ورواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء (2)
ورواية زيد الشحام عن الصادق عليه السلام قال: أخذ نباش
في زمن معاوية، فقال لأصحابه: ما ترون؟ فقالوا: تعاقبه وتخلى سبيله
فقال رجل من القوم: ما هكذا فعل علي بن أبي طالب، فقال: وما فعل؟
قال: فقال: يقطع النباش، وقال: هو سارق هنا لك للموتى (3)
ورواية الفقيه المروية من قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قطع
نباش القبر، فقيل له: أتقطع في الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لأمواتنا
كما نقطع لاحيانا (4).
ومقتضى إطلاق هذه الروايات وجوب القطع على من
سرق الكفن وإن لم يبلغ قيمته ربع دينار، وأما وجه القول الثاني
أي أنه يعزر ولا يقطع في المرة الأولى فمستنده رواية علي بن
سعيد عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن النباش فقال
إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر (5) وروايته الأخرى عنه

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 5.
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 5.
389

عليه السلام قال: سألته عن رجل أخذ وهو ينبش، قال: لا أرى
عليه قطعا إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا فأقطعه (1).
ورواية الفضيل عنه أيضا عليه السلام في النباش إذا كان
معروفا بذلك قطع (2) بناء على أن المعروفية بذلك تتحقق
بحصول النبش منه مرارا.
ومرسلة ابن بكير عنه عليه السلام قال النباش إذا أخذ أول
مرة عزر، فإن عاد قطع (3)
فيستفاد من هذه الروايات عدم القطع إذا سرق الكفن
أول مرة ولم يتكرر منه النبش إلا أنه يمكن حمل هذه الروايات على
ما إذا تحقق منه النبش فقط من دون أخذ الكفن، نعم في صورة
تكرر النبش منه يقطع حينئذ من باب الافساد لا من باب
السرقة وإن لم تتحقق منه السرقة فيصير من مصاديق قوله تعالى
" ويسعون في الأرض فسادا " وعلى هذا - أي على النبش
دون سرقة الكفن - يحمل خبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام
عن الطرار والنباش والمختلس قال: لا يقطع (4)
وأما مستند القول الثالث - أي القطع للنباش مطلقا
فهو الروايات المطلقة كصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام
قال: يقطع النباش والطرار، ولا يقطع المختلس (5).
وكذا رواية عيسى بن صبيح عنه عليه السلام قال: سألته عن الطرار
والنباش والمختلس، فقال: يقطع الطرار والنباش ولا يقطع المختلس (6)

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
(5) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
(6) الوسائل الباب 23 من أبواب حد السرقة ح 11 - 15 - 16 - 6 - 7 - 10.
390

وكذا رواية أبي الجارود عن الباقر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء (1).
لكن يمكن حمل الروايات الدالة على لزوم التكرر على ما إذا نبش
ولم يأخذ الكفن فإن قطعه مشروط بتكرر النبش منه، وقطعه
حينئذ ليس لأجل السرقة بل لأجل الافساد في الأرض كما
قدمناه.
وأما هذه الروايات المطلقة فتحمل على ما إذا كان الكفن سرقة
بمقدار النصاب أي ربع دينار فإنه لم يعلم الفرق بين سرقة الذي
الكفن وسرقة سائر الأشياء، بل يمكن أن يقال: إن قوله
- أي الصادق عليه السلام -: حد النباش حد السارق ظاهر في
ما قلناه بأن يقال: معناه أن النباش كالسارق في أن حده
ومقدار الذي سرقه كحد السارق الذي سرق ربع دينار فالتشبيه
ليس باعتبار الحد فقط بل باعتبار الحد والمقدار المسروق معا، فحينئذ
الأقوى ما عليه المشهور من اعتبار بلوغ الكفن للنصاب فلذا قال
في الشرائع: والأول أشبه " ووجهه أولا درء الحد عنه بالشبهة
فإنه إذا سرق أقل من النصاب لم يعلم أنه هل وجب عليه الحد
أم لا؟ فيدرأ بالشبهة، وثانيا احترام دماء الناس ما لم يعلم أن هذا
الأمر الذي صدر منهم صار سببا لهدر دمائهم أولا؟ وثالثا أصالة عدم
وجوب القطع ورابعا إطلاق الأخبار بوجوب قطع السارق
إذا سرق بمقدار النصاب، ولم يعلم تقييد ذلك بسارق الكفن

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
391

فإن سرقة الكفن حكمه حكم سرقة سائر الأمتعة من اعتبار كونه بمقدار
ربع دينار حتى يقطع السارق بذلك.
قال في الجواهر: ولا يشكل بعدم ملك الميت له (أي الكفن)
لامكان كونه باقيا على حكم ماله أو لعدم توقف القطع على ذلك، بل
يكفي فيه القول بكونه ملكا للوارث، بل يمكن القطع مع عدم القول
بكونه ملكا لأحد، وإن كان المطالب به على الأولين الوارث و
الحاكم على الأخير أو غيره حسبة، ولو كان الميت عبدا فالكفن للسيد فيطالب
به، ولو قلنا بعدم ملكه لأحد كان المطالب به الحاكم، ولو مات ولم يخلف
شيئا وكفنه الإمام من بيت المال فعن المبسوط لا يقطع بلا
خلاف، ولكن لا يخلو من نظر، ولو كفنه أجنبي فالمطالب هو
وعن التحرير الوارث، وفيه منع انتهى.
وهو حسن جيد جدا إلا أنه لا يخلو بعض ذلك من نظر.
ثم قال في الشرائع: ولو نبش ولم يأخذ عزر، ولو تكرر منه الفعل
وفات السلطان كان له قتله للردع انتهى ويمكن أن يكون المستند
في ذلك مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا أنه قال:
أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل نباش فأخذ بشعره فضرب
به الأرض ثم أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطؤوه حتى مات (1)
وكذا مرسلة بي يحيى الواسطي عن الصادق عليه السلام قال: أتي أمير
المؤمنين عليه السلام بنباش فأخر عذابه إلى يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة ألقاه
تحت أقدام فما زالوا يتواطئونه بأرجلهم حتى مات (2).

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 17.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 17.
392

لكن الروايتين - مضافا إلى ضعفها بالارسال - لا دلالة فيهما
على فوت السارق عن السلطان أولا، وأن القضية التي
صدرت من أمير المؤمنين عليه السلام في حق السارق قضية
في واقعة ثانيا وأن قتله بالقاءه تحت أقدام الناس كان
لماذا؟ وأنه هل كان لأجل فساده في الأرض بسبب كثرة
نبشه لقبور المسلمين أو لأجل الزنا مع الميتة أو لغير ذلك من
ردع غيره عن هذا العمل القبيح؟ وحيث إنه لا يعلم وجه صدور
هذا الحكم منه عليه السلام لا يمكن الافتاء بظاهر هذه الرواية - مضافا
إلى أن من أفتى بمضمون الرواية قال بجواز ذلك دون الالزام
مع أن ظاهر الروايتين هو الالزام.
ثم إن القبر ليس حرزا لغير الكفن فلو جعل مع الميت الأشياء
الثمينة كالخاتم والذهب والجواهر فلا يقطع السارق إذا سرق
ذلك لأنه ليس في حرز، فإن المتعارف بين الناس لم يكن
إحراز أموالهم بواسطة الدفن بالدفن مع الأموات كما هو واضح
نعم العمامة من الكفن أيضا وإن كان من أجزاءه المستحبة فلو
سرقها يقطع بذلك إذا بلغت قيمتها نصابا
(الثالث (من مباحث السرقة) في ما تثبت به)
قال المحقق في الشرائع: وتثبت بشهادة عدلين وبالاقرار مرتين
ولا تكفي المرة، ويشترط في المقر البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار
فلو أقر العبد لم يقطع لما يتضمن من إتلاف مال الغير وكذا لو أقر مكرها
393

ولا يثبت به حد ولا غرم، ولو رد السرقة بعينها بعد الاقرار بالضرب
قال في النهاية: يقطع، وقال بعض الأصحاب: لا يقطع لتطرق
الاحتمال إلى الاقرار إذ من الممكن أن يكون المال في يده من غير
جهة السرقة، وهذا حسن انتهى موضع الحاجة.
أما ثبوت السرقة بشهادة عدلين فقد يقال بأنه لا خلاف و
لا اشكال فيه لاطلاق أدلة اعتبار شهادة الشاهدين في جميع
الأشياء إلا فيما استثني كالزنا واللواط، وأما اعتبار الاقرار
فلحجية أصل الاقرار في جميع الأشياء وأما اعتباره مرتين فلدلالة
روايات على ذلك هنا أي في السرقة
منها مرسلة جميل عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يقطع السارق
حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم
يكن شهود (1).
ومنها ما روي أن سارقا أقر عند أمير المؤمنين عليه السلام فانتهره
فأقر ثانيا، فقال أقررت به مرتين، فقطعه (2)، ومنها رواية أبان بن
عثمان عن الصادق عليه السلام قال: كنت عند عيسى بن موسى
فأتي بسارق وعنده رجل من آل عمر، فأقبل يسألني، فقلت: ما
تقول في السارق إذا أقر على نفسه أنه سرق؟ قال: يقطع،
قلت: فما تقولون في الزنا إذا أقر على نفسه أربع مرات؟ قال:
نرجمه، قلت: فما يمنعكم من السارق إذا أقر على نفسه مرتين أن
تقطعوه؟ فيكون بمنزلة الزاني (3) بناء على أن يكون مراده عليه السلام

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
394

لم لا تعتبرون تعدد الاقرار في السرقة كما تعتبرون التعدد في الاقرار
بالزناء؟ فحينئذ لا يكفي الاقرار مرة واحدة في وجوب القطع كما
هو المعروف بين الفقهاء بل ادعي اللاخلاف بل الاجماع على
ذلك إلا أنه حكى عن المقنع الاجتزاء بالمرة الواحدة لكن عن كشف
اللثام أنه قال: لم أره في ما حضرني من نسخة " نعم يثبت المال
عليه فقط إذا أقر بالسرقة مرة واحدة دون القطع كما يدل على ذلك
اطلاق قوله عليه السلام: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز "
لكن في صحيحة الفضيل عن الصادق عليه السلام قال: إذا أقر
على نفسه بالسرقة مرة واحدة قطع (1) معتضدا ذلك بالرواية
العامة المروية بسند صحيح عن الفضيل أيضا عنه عليه السلام قال: من
أقر على نفسه عند الإمام بحق من حقوق الله تعالى مرة واحدة حرا
كان أو عبدا حرة أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد على الذي أقر على نفسه
كائنا من كان إلا الزاني المحصن (2).
إلا أن الرواية الأولى لا يمكن الافتاء بها لا عراض المشهور عنها
ولموافقتها - كما قيل - لمذهب العامة وأما الصحيحة الثانية فإنها عامة
يمكن تقييدها بالروايات الدالة على اعتبار تعدد الاقرار في السرقة فكما
أن الزاني المحصن استثناه الإمام عليه السلام في نفس تلك الرواية
يمكن استثناء، السارق أيضا بروايات أخر إذا أقر بالسرقة مرة
واحدة كما يؤيد ذلك رواية أبان بن عثمان المتقدمة آنفا (3)

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 3 - 4
395

ويحتمل أن يكون الاقرار عند الإمام عليه السلام حكمه يختلف مع الاقرار
عند غيره بأن يكون الاقرار عنده عليه السلام يكفي فيه المرة لأن الانسان
يحترز عند الإمام ويتحفظ من الاقرار عنده خوفا من عقوبته - كما
احتمله العلامة في محكى المختلف وربما يؤيد هذا الاحتمال قوله عليه السلام
- في صحيحة فضيل المتقدمة آنفا -: من أقر على نفسه عند الإمام بحد
من حدود الله الخ "
لكن القول بالفرق بين الاقرار عند الإمام والاقرار عند غيره غريب
جدا، فالأولى في الجمع بين الروايات ما ذكرنا.
وكذا يعتبر الاختيار في المقر، فلو أقر مكرها أو غافلا أو ساهيا
أو مغمى عليه فلا اعتبار لاقراره فإنه مسلوب العبارة، وكذا يعتبر
في المقر أن يكون حرا فلا اعتداد لاقرار العبد فإنه إقرار في حق المولى
فحينئذ لو أقر المكره أو الغافل أو الساهي فلا يترتب على اقراره شئ
بعد أن صار متوجها، وأما العبد فعن النهاية أنه قال: ولو رد السرقة
بعينها بعد الاقرار - بالضرب - يقطع، وقال في السرائر - على ما
حكي عنه - وكذا قال غيره: إنه لا يقطع لتطرق الاحتمال إلى الاقرار
إذ من الممكن أن يكون المثال قد صار في يده من غير جهة السرقة، وهذا
القول حسن، نعم إذا أقر العبد أو الأمة بالسرق وصدقه المولى على اقراره
فربما يقال باعتبار هذا الاقرار لأن المانع من قبول اقرار العبد إنما
كان لمنافاته لحق المولى وبعد تصديق المولى لصحة اقراره يرتفع المانع
من قبول اقراره - مضافا إلى حسنة ضريس الكناسي عن أبي
جعفر عليه السلام قال: العبد إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق
396

قطعه وإذا أقرت الأمة عند الإمام بالسرقة قطعها (1) المحمولة على
تصديق المولى لاقراره، لكن يمكن الخدشة في ذلك - مع قطع
النظر عن الرواية بأن العبد إذا كان مسلوب العبارة وأن اقراره
كلا اقرار فكيف يصير تصديق المولى له معتبر العبارة إلا أنك قد
عرفت آنفا بأن المانع من قبول إقراره أن اقراره كان في حق
الغير وهو المولى، فإن الاقرار على أنفسهم جائز لا على أنفس الغير
وبعد تصديق المولى لاقراره يرتفع المانع من قبول اقراره فلا
مانع حينئذ من قبوله.
وقال في الجواهر: لكن هذا كله بالنسبة إلى القطع، وأما المال
فيثبت بالمرة، ويتبع به بعد العتق، وهل يقطع بعده لو كان أقر به
مرتين قبله؟ إشكال من الأصل وسبق درء الحد المستصحب
ومن عموم ما دل على حجيته بعد ارتفاع المانع، بل لعل الأخير لا يخلو
من قوة لانقطاع الأصل بالعموم المزبور المقتضي ثبوت الاقرار
على النفس حين صدوره وإن لم يجز القطع لحق المولى فلا درء
حينئذ حتى يستصحب كالاعتراف بما يوجب القصاص انتهى
وقال في الرياض: ثم إن عدم قبول اقراره إنما هو بالإضافة إلى قطعه خاصة
وبالإضافة إلى الغرامة فيقبل، ويتبع بالسرقة بعد الحرية بلا خلاف
أجده، وبه صرح بعض الأجلة للعموم مع انتفاء المعارض بالكلية،
وهل يقطع حينئذ؟ وجهان من ارتفاع المانع ومن اندراءه ابتداءا
فيستصحب، ولعل هذا أقرب للشبهة الدارئة انتهى، والظاهر

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 2.
397

أن الحق مع صاحب الرياض فإن المفروض أن العبد ما دام عبدا
قد درء الشارع عنه الحد، وبعد عتقه لم يعلم أن إقراره في حال العبودية
هل يثبت عليه الحد فعلا أم لا؟ فيستصحب درء الحد إلى ما
بعد عتقه، ولا يمكن التمسك باطلاق اعتبار الاقرار المقتضي
لثبوت الحد عليه بعد العتق لأن اقراره في حال العبودية لا اعتبار
به، فالا قرار غير المؤثر في موقعه كيف يصير مؤثرا، بعده، ولا أقل
من الشبهة، والشبهة دارئة للحد.
وكذا يعتبر في الاقرار الاختيار، فلو أقر مكرها لم يثبت عليه حد و
لا غرم بخلاف العبد فإنه يثبت عليه الغرم بالاقرار بالسرقة
دون الحد فيتبع به بعد عتقه، ولكن قال في محكى النهاية: لو رد السرقة
بعينها بعد الاقرار بالضرب يقطع " ولعل مستند هذا الحكم هو
حسنة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب فجاء بها بعينها، هل
يجب عليه القطع؟ قال: نعم، ولكن لو اعترف ولم يجئ
بالسرقة لم تقطع يده لأنه اعترف على العذاب (1).
إلا أن ظاهر هذه الرواية أنه لم يعترف بالسرقة بل الضرب
كان لأجل اعترافه بها أو لأجل اتيانه بالسرقة فكان ينكر السرقة
أشد الانكار، ثم جاء بها لأجل الضرب الواقع عليه، فالقطع
إنما هو لأجل العلم بصدور السرقة منه لا لأجل اقراره مكرها بالسرقة
فلم تكن الرواية مستندة لقول الشيخ قدس سره في النهاية

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
398

اللهم إلا أن يقال: إن الظاهر من الجملة الثانية التي هي عديل
الجملة الأولى - أعني قوله: وإذا اعترف ولم يأت بها أن
الجملة الأولى مفروضها هو الاعتراف بها ثم الاتيان بالسرقة
ولا ينافي ذلك قوله: فكابر عنها لأنه يمكن أن يكون المراد
أن أنكرها أولا أشد الانكار، ثم اعترف بها ثم أتى بها
فالقطع إنما هو للعلم بتحقق السرقة منه لا للاعتراف الذي
صدر منه مكرها، ولذا لا يقطع في الفرض الثاني أي ما إذا
اعترف ولم يأت بها.
وأما احتمال أن العين المسروقة قد وقعت في يده
من غير جهة السرقة كاحتمال أنها وقعت في يده من جهة الهبة
أو الشراء أو العارية فلا يعبأ به، فإن هذا الاحتمال يجري في
جميع أقسام السرقة، فلا يبعد الالتزام بما قاله الشيخ قدس سره
في النهاية فإنه إذا اعترف أولا بالسرقة ولو كان مكرها في اعترافه
ثم جاء بالعين المسروقة بعينها ولم يدع أنها اشتراها أو وهبها
الغير له يحصل للانسان العلم العادي بأنه هو الذي سرقها وعليه
تنزل الرواية المتقدمة أعني حسنة سليمان خالد.
وقال أيضا في الشرائع: ولو أقر مرتين ورجع لم يسقط الحد
وتحتمت الإقامة ولزه الغرم، ولو أقر مرة لم يجب الحد ووجب
الغرم انتهى، ومستند هذا الحكم - مضافا إلى نسبته إلى الأكثر
ومضافا إلى عموم حجية الاقرار - روايات منها صحيحتا الحلبي
399

ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: إذا أقر الرجل على نفسه
أنه سرق ثم جحد فأقطعه ورغم أنفه (1).
ومنها رواية سماعة المؤيدة للروايتين المتقدمتين عنه عليه السلام
قال: من أخذ سارقا فعفى عنه فذاك له، فإذا رفع إلى إمام
قطعه، فإن قال الذي سرق منه: ألا أهبه له؟ لم يدعه الإمام
حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، و
ذلك قول الله عزو جل " والحافظون لحدود الله " فإذا انتهى إلى
الإمام فليس لأحد أن يتركه (2).
كذا ذكر في الجواهر هذه الرواية مؤيدا بها للصحيحتين المتقدمتين
إلا أني ما أدري ما وجه تأييدها للروايتين فإن مفروض الروايتين
هو ما إذا أقر السارق بالسرقة ثم رجع عن اقراره، ورواية سماعة
لا ارتباط لها بهذه المسألة فإنه لم يذكر فيها رجوع المقر عن اقراره
ولكن عن النهاية والتهذيب والاستبصار والقاضي والتقي
وابن زهرة والعلامة في المختلف سقوط القطع بالرجوع عن الاقرار
بل ادعي أنه مشهور بين القدماء، بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه
ومستند هذا القول هو مرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما
عليهما السلام أنه قال في حديث: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة
مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود (2)
إلا أن هذه الرواية لا تكافئ الروايتين المتقدمتين لارسالها

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 والباب 7 الحديث 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 والباب 7 الحديث 3
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
400

وهذا هو القول الثاني في المسألة - أي أنه يعزم المال الذي أقر
بسرقته، ولكن لا يقطع إذا رجع عن اقراره.
والقول الثالث فهو منقول عن الخلاف وموضع من النهاية
وهو أنه يخير الإمام بين قطعه والعفو عن، ومستند هذا القول رواية
طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام قال: حدثني بعض أهلي أن
شابا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده بالسرقة، قال: فقال
له علي عليه السلام: إني أراك شابا لا بأس بهيئتك، فهل تقرأ
شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت
يدك لسورة البقرة، قال: وإنما منعه أن يقطعه لأنه لم يقم عليه
بينة (1).
ورواية أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين
عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة
فقال له: أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال:
قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أتعطل
حدا من حدود الله؟ فقال: وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة
فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام
إن شاء عفى، وإن شاء قطع (2).
إلا أن هاتين الروايتين ضعيفتان ولا جابر لهما ويحتمل
حملهما على ما لو أقر السارق بالسرقة مضافا إلى أنهما لم تتضمنا رجوعا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 5
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
401

عن الاقرار، فليس حينئذ إلا القولان الأولان، لكن القول
الأول لا يخلو عن قوة لاحتمال أن تكون مرسلة جميل المتقدمة
آنفا الرجوع بعد الاقرار بالسرقة مرة واحدة مضافا إلى ضعف
المرسلة وعدم تحقق نسبة هذا القول إلى الأشهر.
وأما إذا أقر بالسرقة مرة واحدة فقد عرفت عدم وجوب
القطع عليه إلا أنه يغرم المال لعموم أو اطلاق " اقرار العقلاء على
أنفسهم جائز "
(الرابع من مباحث السرقة:)
في وجوب الحد على السارق وكيفية قال في الشرائع: وهو
قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى ويترك الراحة والابهام،
ولو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك
له العقب يعتمد عليها، فإن سرق ثالثة حبس دائما، ولو سرق
بعد ذلك قتل انتهى.
أما السرقة الأولى فإن حدها قطع الأصابع الأربع أي
السبابة والوسطى والخنصر والبنصر من اليد ويترك الابهام
والكف، وادعي عليه اللاخلاف بل الاجماع عند علمائنا الإمامية
وليتمكن بهما من غسل وجهه والاعتماد عليهم في الصلاة، وقال
بعض العامة: يجب القطع من المرفق، وقال البعض الآخر
منهم: يجب القطع من الزند، أما مستند قول الإمامية فهو روايات
مستفيضة بل متواترة نذكر بعضها منها المرسل عن الحرث بن
402

الحظيرة قال: مررت بحبشي وهو يستقي بالمدينة، فإذا هو قطع
فقلت: من قطعك؟ قال: خير الناس، إنا أخذنا في سرقة
ونحن ثمانية نفر، فذهب بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام
فأقررنا بالسرقة، فقال لنا: أتعرفون أنها حرام؟ فقلنا: نعم،
فأمر بنا فقطعت أصابعنا من الراحة وخليت الابهام، ثم
أمر بنا فحبسنا في بيت، فجلسنا يطعمنا من السمن والعسل
حتى برئت أيدينا، ثم أمر بنا فأخرجنا وكسانا فأحسن كسوتنا
ثم قال لنا: إن تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم يلحقكم القد بأيديكم في الجنة،
وألا تفعلوا يلحقكم القد بأيديكم في النار (1).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: قال: أتي أمير
المؤمنين عليه السلام بقوم لصوص قد سرقوا، فقطع أيديهم من
نصف الكف، وترك الابهام ولم يقطعها، وأمرهم أن يدخلوا
إلى دار الضيافة وأمر بأيديهم أن تعالج، فأطعمهم السمن والعسل
واللحم حتى برؤوا، فدعاهم، فقال: يا هؤلاء إن أيديكم سبقتكم إلى
النار، فإن تبتم وعلم الله منكم صدق النية تاب عليكم وجررتم
أيديكم إلى الجنة، فإن لم تتوبوا ولم تقلعوا عما أنتم عليه جرتكم أيديكم إلى النار (2).
ومنها رواية حديفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
أتي أمير المؤمنين عليه السلام بقوم سراق قد قامت عليهما البينة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 2.
403

وأقروا، قال: فقطع أيديهم، ثم قال يا قنبر ضمهم إليك، فداو
كلومهم (1)، وأحسن القيام عليهم، فإذا برأوا فاعلمني، فلما برأوا
أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، القوم الذين أقمت عليهم الحدود
قد برأت جراحاتهم، فقال: اذهب فاكس كل رجل منهم
ثوبين وأتني بهم، قال: فكساهم ثوبين ثوبين وأتي بهم في
أحسن هيئة متردين مشتملين كأنهم قوم محرمون فمثلوا بين
يديه قياما، فأقبل على الأرض ينكتها بإصبعه مليا، ثم رفع رأسه
إليهم، فقال، اكشفوا أيديكم، ثم قال: ارفعوا رؤوسكم إلى السماء
فقولوا: اللهم إن عليا قطعنا، ففعلوا، فقال: إن تبتم سلمتم أيديكم
وإن لم تتوبوا ألحقتم بها، ثم قال: يا قنبر خل سبيلهم واعط كل
واحد منهم ما يكفيه إلى بلده (2).
إلى غير ذلك من الأخبار وسنورد بعضها في مواضعها
وقال في محكى المبسوط في كيفية إجراء هذا الحد: فإذا قدم
السارق للقطع اجلس، ولا يقطع قائما لأنه أمكن له و
أضبط حتى لا يتحرك فينحني على نفسه وتشد يده بحبل
وتمد حتى يبين المفصل، ويوضع على شئ لوح أو نحوه فإنه
أسهل وأعجل لقطعه ثم يوضع على المفصل سكين حادة
ويدق من فوقه دقة واحدة حتى ينقطع بأعجل ما يمكن قال:

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
404

وعندنا يفعل مثل ذلك بأصول الأصابع، أو يوضع على الموضع
شئ حاد ويمد مدة واحدة، ولا يكرر القطع فيعذبه لأن
الغرض إقامة الحد من غير تعذيب، فإن علم قطع أعجل من
هذا قطع به انتهى
وهذا حسن جدا إلا أن هذا التفصيل لم يستفد شئ
منه من الروايات
وهذا الذي ذكرناه من قطع يد السارق من مفصل الأصابع
الأربع مما أجمعت الإمامية رضوان الله تعالى عليهم على ذلك
وأما العامة فعن بعضهم إن القطع من مفصل الزند وعن بعض
آخر أنه من المرفق، وقد روى المجلسي قدس سره في البحار عن
تفسير العياشي رواية لطيفة في ذلك أجبت أن أوردها
هنا بألفاظها قال: رجع أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو
مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قدمت
منذ عشرين سنة، قال: قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا
الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين
قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقا أقر على
نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه؟ فجمع لذلك
الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع
في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع (1) قال:

(1) الكرسوع كعصفور: طرف الزند الذي يلي الخنصر النائي عند الرسخ ق.
405

وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف
إلى الكرسوع لقول القد في التيمم " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " (1)
واتفق معي على ذلك قوم، وقال آخرون: بل يجب القطع من
المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قال: لأن القد لما قال: و
أيديكم إلى المرافق " في الغسل، دل ذلك على أن حد اليد
هو المرفق.
قال: فالتفت إلى محمد بن علي عليه السلام فقال: ما تقول في
هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني
مما تكلموا به أي شئ عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير
المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك
فيه، فقال: أما إذا أقسمت على بالله إني أقول: إنهم أخطأوا السنة
فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك
الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود
على سبعة أعضاء، الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا
قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال
الله تبارك وتعالى: " إن المساجد لله " (2) يعني به هذه الأعضاء
السبعة التي يسجد عليها " فلا تدعوا مع الله أحدا " وما كان لله
فلا يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق
من مفصل الأصابع دون الكف الحديث (3)
وكيف كان 7 للسارق إصبع زائدة خارجة عن الأصابع الأربع

(1) المائدة: 5 (2) الجن الآية 18 (3) البحار المجلد 50 ص 5 إلى 7.
406

فإن كانت متميزة عن الأربع فلا يجوز قطعها بل يقتصر على قطع
الأربع، وأما إذا لم تكن متميزة بحيث اشتبهت بالأصلية بأن
لم يعلم أن أيهما أصلية وأيهما زائدة؟ فهل يجب قطع جميع الأربع
مع هذه الزائدة أو يجب قطع الثلاثة الأصلية مع واحدة من
المشتبهين بأن يكون له الخيار في قطع أي منهما أو يقتصر على قطع
الثلاث فقط من دون قطع أي من المشتبهتين؟ فيه وجوه
أما الوجه الأول فبأن يقال: إنه يجب عليه قطع الأصابع الأربع
ولا يهمل العلم بقطع الأربع إلا بقطع الزائدة معها، وأما وجه
الثاني فبأن يقال: إن وجوب قطع الثلاثة قطعي، وبالنسبة
إلى المشتبه يعلم أن أحداهما واجبة القطع ولم يعلم أن أيهما
يجب قطعه فيجب قطع أي واحدة منهما على سبيل التخيير
ليحصل القطع بامتثال التكليف.
وأما وجه الثالث فبأن يقال: إن وجوب قطع الثلاث
من الأصابع قطعي، وأما الإصبع الرابعة فصارت مشتبهة بين
وجوب القطع وحرمته، فإذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة
يرجح جانب الحرمة فلا يجوز قطعها، ولعل هذا الوجه هو الأقوى
نعم في صورة كون شيخ له أهمية عظيمة بنظر المولى مثل ما إذا كان
الغريق ولده وتوقف استنقاذه من الغرق على دخول للدار
بغير إذن صاحبها - بل وإن لم يكن ولد المولى - وكان استفاد
النفس المحترمة من الغرق متوقفا على التصرف في ملك الغير
407

فإن وجوب انقاذ ولده أو انقاذ النفس المحترمة من الغرق أعظم
من حرمة التصرف في مال الغير فيرجح الوجوب حينئذ أي في
مثل هذه الموارد على الحرمة، وهل يكون هذا الموارد أي قطع أصابع
السارق من هذا القبيل أي يكون الوجوب بحيث يجب
قطع الإصبع الزائدة من باب المقدمة حتى يتحقق الحد الشرعي
الواجب؟ أو لا يكون هذا المورد من تلك الموارد؟ الظاهر
أنه لا يكون هذا المورد فيجب الاقتصار على
القدر المتيقن من وجوب القطع وهو قطع ثلاث أصابع وأما
الزائد فيجري فيه أصالة عدم وجوب القطع ترجيحا لجانب حرمة
القطع على وجوبه.
ولو كانت له إصبع زائدة متصلة بإحدى الأربع ولم يمكن قطع
الأربع إلا معها فعن القواعد " قطع ثلاث " وفي الجواهر " ولعله
إبقاء للزائدة مقدمة لحرمة إتلافها، وإن أمكن قطع بعض الإصبع
الملتصقة اقتصر عليه، وربما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة، فيقطع
الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها ولكنه ضعيف انتهى.
أقول: وهذه المسألة حكمها كالمسألة قبلها التي قد قدمنا
الكلام فيها آنفا مشروحا، هذا كله فيما سرق لمرة الأولى.
وأما إذا سرق ثانيا فقطع رجله اليسرى من مفصل القدم
ويترك له العقب ليتمكن من أن يعتمد عليها ويمشي بها يقال
في الجواهر بلا خلاف أحده فيه نصا وفتوى بل الاجماع بقسميه
408

عليه انتهى، وكيف كان فمستند هذا الحكم - بعدد دعوى اللاخلاف
أو الاجماع - روايات، منها رواية أبي بصير عن الإمام الصادق
عليه السلام قال: القطع من وسط الكف، ولا يقطع الابهام، و
إذا قطعت الرجل ترك العقب ولم يقطع (1).
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام
يقطع من السارق أربع أصابع ويترك الابهام، وتقطع الرجل
من المفصل ويترك العقب يطأ عليه (3).
ومنها صحيحة زارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث السرقة
قال: وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، فإذا قطع الرجل
قطعها من الكعب، قال: وكان لا يرى أن يعفا عن شئ من
الحدود (4). ومنها موثقة سماعة قال: قال: إذا أخذ السارق قطعت يده
من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن
عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل (5).
وأما ما ذكر في عبارات الفقهاء فعن الصدوق في المقنع أنه
قال: إنما يقطع من وسط القدم " وعن الخلاف والمبسوط

(1) الوسائل الباب الرابع من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 7 - 8 - 3.
(2) الوسائل الباب الرابع من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 7 - 8 - 3.
(3) الوسائل الباب الرابع من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 7 - 8 - 3.
(4) الوسائل الباب الرابع من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 7 - 8 - 3.
(5) الوسائل الباب الرابع من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 4 - 7 - 8 - 3.
409

" يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم "
وعن السرائر " من مفصل المشط ما بين قبة القدم وأصل الساق
ويترك بعض القدم الذي هو الكف يعتمد عليها في الصلاة، وعن
الكافي والغنية والاصباح " أنه من معقد الشراك ويترك
له مؤخر القدم والعقب " وعن الانتصار " ويقطع من صدر
القدم ويبقى له العقب " وعن الجامع " أنه من الكعب وأنه يبقى
له عقيه " وفسر الكعب بقبة القدم إلى غير ذلك من العبارات.
وهل يكون الأمر دائرا بين الأقل والأكثر الارتباطيين
إذا دار الأمر بين القول بقطع مفصل الساق أو بقطع الموضع
الناتئ أي قبة القدم؟ قيل: نعم فحينئذ يمكن أن يقال: بعدم
وجوب القطع من المفصل فإن وجوب القطع من قبة
القدم قطعي، ووجوب قطع الزائد مشكوك، فالأصل
عدم الوجوب،
لكن الظاهر أن الوجوب بين القطع من قبة القدم والقطع
من المفصل من المتباينين، فإنه لا يعلم أن القطع من أي
الموضعين واجب أمن قبة القدم أو من المفصل؟ لا أن
القطع من قبة القدم مسلم والزائد على ذلك مشكوك كما لا
يخفى، وكيف كان فظاهر بعض الروايات المتقدمة كرواية
أبي بصير (1) ورواية إسحاق بن عمار (2) اللتان قد عبر فيهما بالعقب
وكذا رواية (3) معاوية بن عمار (3) التي عبر فيها بالمفصل هو وجوب

(1) الوسائل الباب 4 من أبو أب حد السرقة الحديث 3 - 4 - 7.
(2) الوسائل الباب 4 من أبو أب حد السرقة الحديث 3 - 4 - 7.
(3) الوسائل الباب 4 من أبو أب حد السرقة الحديث 3 - 4 - 7.
410

القطع من المفصل، إلا أن صريح صحيحة زرارة المتقدمة (1) وكذا ظاهر
بل صريح موثقة سماعة المتقدمة (2) هو القطع من وسط القدم
أو قبة القدم، فالجمع بين الطائفتين من الروايات يقتضي أن
تحمل روايات العقب أو المفصل على ما دلت عليه روايات
قبة القدم أو وسط القدم بأن نرفع اليد من ظاهر تلك الروايات
الدالة على العقب أو المفصل بواسطة صريح هذه
الروايات من أن عليا عليه السلام قال: إني لأستحي من الله أن
أتركه لا ينتفع بشئ (3) الحديث، فإن هذا الاعتبار الذي ذكره عليه السلام
وكذا ما ذكره قبل هذه الجملة من قوله (ع): وتركت رجله اليمنى يمشي
عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها الخ مناسب
لما ذكرناه لأنه إذا قلنا بوجوب القطع من المفصل لا يتمكن بعد
ذلك عادة أو يصعب عليه جدا الذهاب إلى الغائط ولم يتمكن
تمكنا تاما من القيام للصلاة أو غيرها، ولا ينتفع بشئ من عيشه
انتفاعا حسنا.
ثم أنه من الغريب ما نقل عن التبيان " فأما الرجل فعندنا
نقطع الأصابع من مشط القدم، ويترك الابهام والعقب "
فإنه قال في الجواهر: فإني لم أجده قولا لأحد من العامة والخاصة
فضلا عن أن يكون مجمعا عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته، وإن كان مناسبا

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب حد السرقة الحديث 8 - 3
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب حد السرقة الحديث 8 - 3
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب السرقة الحديث 1.
411

لكيفية قطع اليد وبقاء المسجد انتهى، وكيف كان فإن سرق
ثالثة حبس دائما حتى يموت أو يتوب - كما في الجواهر إلا
أن الظاهر أن التوبة لم تكن غاية لحبسه ولم يذكر ذلك في شئ
من روايات هذه المسألة فلنذكر بعض الروايات.
منها ما عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه، ثم إذا سرق
مرة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرة أخرى
سجنه وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى
يأكل بها ويستنجي بها، وقال عليه السلام: إني لأستحي من الله
أن أتركه لا ينتفع بشئ، ولكن اسجنه حتى يموت في السجن
وقال: ما قطع رسول الله صلى الله عليه وآله من سارق بعد يده و
رجله (1).
ومنها رواية النضر بن سويد عن القاسم عن الصادق عليه السلام
قال: سألته عن رجل سرق، فقال: سمعت أبي يقول:
أتي علي عليه في زمانه برجل قد سرق، فقطع يده، ثم أتي
به ثانية، فقطع رجله من خلاف، ثم أتي به ثالثة فخلده في السجن
وأنفق عليه من بيت مال المسلمين، وقال: هكذا صنع رسول
الله صلى الله عليه وآله لا أخالفه (2).
ومنها رواية أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: كان علي عليه السلام لا يزيد على قطع اليد والرجل، ويقول: إني

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 3.
412

لأستحي من ربي أن أدعه ليس له ما يستنجى به أو يتطهر به
قال: وسألته إن هو سرق بعد قطع اليد والرجل، قال: استودعه
السجن أبدا وأغنى (وأكفى ظ) الناس شره (1).
ومنها موثقة سماعة قال: قال: إذا أخذت السارق قطعت
يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم
فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل (2)
ومنها رواية حماد عن الصادق عليه السلام قال: لا يخلد في
السجن إلا ثلاثة، الذي يمثل، والمرأة ترتد عن الاسلام، و
السارق بعد قطع اليد والرجل (3).
ولعل المراد بقوله " الذي يمثل " الذي يمثل بالناس أي يقطع
أعضاءهم كآذانهم وأنوفهم أو المراد به من يصنع المثال أي المجسمة
ومنها صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: تقطع رجل السارق
بعد قطع اليد، ثم لا يقطع بعد، فإن عد حبس في السجن وأنفق
عليه من بيت مال المسلمين (4) ومثله صحيحة حماد عن الحلبي (5).
ومنها رواية محمد بن عبد الله بن هلال عن أبيه عنه عليه السلام قال:
قلت له: أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى و
لا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال: ما أحسن ما سألت،
إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر
ولم يقدر على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السارق 2 - 4 - 5 - 6 - 7.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السارق 2 - 4 - 5 - 6 - 7.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السارق 2 - 4 - 5 - 6 - 7.
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السارق 2 - 4 - 5 - 6 - 7.
(5) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السارق 2 - 4 - 5 - 6 - 7.
413

واستوى قائما، قلت له: جعلت فداك وكيف يقوم وقد قطعت
رجله؟ فقال: إن القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنما تقطع
الرجل من الكعب ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد
الله، قلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأربع أصابع ويترك
الابهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة، قلت:
فهذا القطع من أول من قطع؟ قال: من قطع؟ قد كان عثمان بن عفان حسن
ذلك لمعاوية (1).
وهذه الرواية - وإن كانت غير مرتبطة لما نحن بصدده من خلود
السارق في السجن إذا سرق للمرة الثالثة إلا أن الرواية قد فاتنا
في المسألتين السابقتين فأوردناها هنا.
وكيف كان فهذه الروايات الكثيرة المتظافرة لا تعرض فيها
لما إذا تاب السارق في السجن بل هي مطلقة تشمل ما
إذا تاب في السجن أيضا فإنه يخلد إلى أن يموت، فالذي ذكره
صاحب الجواهر من التوبة وإن ظاهر ذلك أنه إذا تاب نجى
من السجن لا مستند له واطلاق الروايات المتقدمة يدفعه مضافا
إلى أن السارق لا اعتماد على توبته سيما السارق الذي قد أجرى
بسبب تكرر السرقة منه الحد عليه مرتين ومع ذلك قد سرق
ثالثا فإنه كيف يمكن الاعتماد على توبته.
وأما إذا سرق في السجن أيضا فإنه يقتل، قال في الجواهر:
بلا خلاف فيه أيضا انتهى ومستند هذا الحكم مضافا إلى دعوى
اللاخلاف
414

السارق قطع يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله
من وسط القدم، فإن عاد استودع في السجن، فإن سرق من
السجن قتل (1).
وعن الفقيه أنه قال: روي أنه إن سرق في السجن
قتل (2).
وفي المستدرك عن دعائم الاسلام مرسلا عن أمير
عليه السلام أنه أتي بسارق فقطع يده اليمنى، ثم أتي به مرة ثانية
(أخرى خ) قد سرق، فقطع رجله اليسرى وقال: إني لأستحيي
من الله عز وجل أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي، وقال: لم يزد
رسول الله صلى الله عليه وآله على قطع يد ورجل وكان أمير المؤمنين
عليه السلام إذا أتي به في الثالثة بعد أن قطع يده ورجله في المرتين
خلده في السجن وأنفق عليه من فئ المسلمين، فإن سرق في
السجن قتله (3).
وقال في الشرائع أيضا: ولو تكررت السرقة فالحد الواحد
كاف، ولا تقطع اليار مع وجود اليمين ولو كانت شلاء، وكذا
التقديرين، ولو لم يكن له يسار قال في المبسوط قطعت يمينه،
وفي رواية عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام " لا تقطع "
والأول أشبه، أما لو كان له يمين حين القطع فذهبت لم تقطع

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 4 - 11
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 4 - 11
(3) مستدرك الوسائل ج 3 ص 236.
415

اليسار، لتعلق القطع بالذاهبة، ولو سرق ولا يمين له قال في
النهاية: قطعت يساره، وفي المبسوط: ينتقل إلى رجله، ولو
لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، ولو سرق ولا يد له و
لا رجل حبس، وفي الكل إشكال من حيث إنه تخط من
موضع القطع، فيقف على إذن الشرع، وهو مفقود انتهى.
أما البحث في الفرع الأول - أي ما إذا تكررت منه السرقة
ولم يتخلل بينها القطع - فإن الحد الواحد كاف للجميع سواء اتحد
المسروق منه أو اختلف قال في الجواهر: بلا خلاف أجده
فيه بين العامة والخاصة كما اعترف به غير واحد للأصل بعد اختصاص
نصوص تعدد القطع في غير الفرض انتهى.
وكيف كان فمستند هذا الحكم - بعد دعوى اللاخلاف
ودعوى تداخل الأسباب هو صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن
بكير بن أعين عن الإمام الباقر عليه السلام في رجل سرق فلم يقدر
عليه، ثم سرق مرة أخرى، ولم يقدر عليه، وسرق مرة أخرى
فأخذ، فجاءت البينة، فشهدوا عليه بالسرقة الأولى والسرقة
الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأولى ولا تقطع رجله
بالسرقة الأخيرة، فقيل له:. كيف ذاك؟ قال: لأن الشهود
شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة قبل أن
يقطع بالسرقة، ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم
أمسكوا حتى يقطع، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله
416

اليسرى (1)، أقول: وسيأتي تمام الكلام في هذه المسألة
في الفرع الثالث من اللواحق إن شاء الله تعالى.
وأما البحث في الفرع الثاني أي أنه لا تقطع اليسار مع وجود
اليمين فهو موافق للمشهور بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه
كما في الجواهر بل لا بد من قطع اليمنى وإن كانت شلاء بل وإن
كانتا شلاوين وكذا لو كانت اليار شلاء لاطلاق الأدلة
الدالة على وجوب قطع اليمنى الشامل لجميع هذه الفروض مضافا
إلى صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل
أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال: تقطع يده اليمنى
على كل حال " (2)
وفي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام وعن عبد الله بن سنان
عن الصادق عليه السلام أن الأشل إذا سرق قطعت يمينه
على كل حال شلاء كانت أو صحيحة (3)، نعم عن المبسوط و
الوسيلة " إن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت
بقيت أفواه العروق مفتحة كانت كالمعدومة، وإن قالوا:
تندمل قطعت، ونحو ذلك عن القاضي بل والفاضل في المختلف
مراعاة للاحتياط في الحدود حيث لا يراد منها القتل، قال في الجواهر:
واستحسنه في المسالك وهو كذلك تنزيلا لاطلاق النصوص
على غير الفرض، بل يمكن تنزيل اطلاق الفتوى ومعاقد الاجماعين عليه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب حد السرقة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4.
417

خصوصا الأول بقرينة كلامه المبسوط، فلا يكون حينئذ خلاف
في المسألة، نعم قد يقال: إنه مع عدم العلم بالحال له القطع وإن خيف
ذلك للاطلاق، ولأن سراية الحد غير مضمونة وإن أقيم في حر
أو برد، هذا.
وعن الإسكافي " عدم القطع على من كانت يساره شلاء
أو معدومة، بل يخلد في الحبس لأن القطع يؤدي إلى فقد اليدين
إذا الشلاء كالمعدومة، والمعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى اليدين
له انتهى كلام صاحب الجواهر، ويؤيد كلام الإسكافي قول أمير
المؤمنين عليه السلام فيما إذا سرق مرة أخرى: وتركت رجله اليمنى
يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها
وقال: إني لأستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشئ ولكن
أسجنه حتى يموت في السجن (1) الحديث
ويدل عليه أيضا مرسلة المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع
يمينه، ولا رجله (2) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأله عليه السلام
لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص، فسرق ما يصنع
به؟ فقال: لا يقطع، ولا يترك بغير ساق (3).
وحاصل ما يستفاد من هذه الروايات أن الشارع لم يرض
أن يترك السارق بلا يدين لا يتمكن من الذهاب إلى الغائط

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 2 - 3.
418

ولا أن يتمكن من الأكل ولا من الاستنجاء ولا أن يمشي إلى حوائجكم
فإذا قطعت يده اليمنى بالسرقة والمفروض أن يده اليسرى شلاء
أو مقطوعة بالقصاص أو بغيره يبقى بلا يدين فيختل حينئذ أمر
دينه ودنياه، وهو مما لا يرضى الشارع به.
ولكن هذا الوجه وإن كان وجها مستحسنا يؤيده المرسلة
والصحيحة المتقدمتان إلا أن المشهور بل كاد أن يكون اجماعا
إلا من الإسكافي هو العمل بمطلقات أدلة وجوب قطع
يد السارق اليمنى الشاملة باطلاقها لمن شلت يده اليسرى
أو قطعت بالقصاص مضافا إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
المصرحة بذلك (1) وكذا صحيحة زرارة المتقدمة فإنه قال: إن
الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو
صحيحة (2) فحينئذ العمل على المطلقات المعتضدة بهاتين الروايتين
الصحيحتين.
وأما قوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (3) ولا يترك
بلا ساق " ففي الجواهر بعد تضعيف الرواية أو حملها على بعض
الوجوه قال: وبعد اجمال ما فيه من قوله (عليه السلام): ولا يترك بغير ساق
وإن قيل: إن الساق في اللغة الأمر الشديد فلعل المراد بقوله (ع)
ولا يترك بغير ساق أنه لا يقطع ولا يترك من دون أمر
شديد مكان القطع، بل يفعل به ما يقوم مقام قطع اليد انتهى، ولكن
يمكن إن يقال:، أن المراد من الساق هنا ما يتمكن به من الاعتماد

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4 - 3.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4 - 3.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1 - 4 - 3.
419

عليه ويتمكن من الذهاب إلى الغائط ومن الذهاب إلى حوائجه
وليس المراد الساق الاصطلاحي وهذا الاحتمال لم يذكره الأستاذ
دام علاه.
وكذا الكلام إذا لم يتمكن له يسار بأن قطعت في القصاص
فإنه - كما في المبسوط - تقطع يمينه، قال في الجواهر: وتبعه الأكثر
بل المشهور بل لا أجد فيه خلافا إلا ما سمعته من المحكى عن أبي
علي، للعمومات انتهى.
وأما إذا كانت له يمين حين القطع فذهبت إما بالمرض أو بسائر
العوارض فإنه لم تقطع اليسار فإن المفروض أن وجوب القطع قد
تعلق بالذاهبة، وإذا سرق ولا يمين له فإنه قال في النهاية على ما
حكي عنه - قطعت يساره، وعن المبسوط " ينتقل إلى رجله، و
لو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، ولو سرق ولا يد له ولا
رجل حبس، قال في الجواهر: ولعله لثبوته عقوبة للسرقة في الجملة،
هذا، والموجود في ما حضرني من نسخة معتبرة للنهاية " وإن سرق
وليس له اليمنى فإن كانت قد قطعت في القصاص أو غير ذلك
وكانت له اليسرى قطعت يسراه، فإن لم تكن أيضا اليسرى
قطعت رجله، فإن لم تكن له رجل لم يكن له أكثر من الحبس من حيث
إلا أنه قال في الشرائع: وفي الكل اشكال من حيث
إنه تسخط من موضع القطع فيقف على إذن الشرع وهو مفقود
انتهى ومقصوده قد سره من التخطي عن موضعه القطع
أن المفروض أن وجوب القطع في ما إذا سرق ولا يمين له
420

قد تعلق باليمنى ومع فرض عدمها لقطع في قصاص أو عدمها من أول الأمر
بحسب الخلقة لا وجه لانتقال القطع إلى اليسرى، وإن قيل في
توجيه ذلك بأن اطلاق الآية أعني قوله تعالى: والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما، (7) فإن الاطلاق وإن قيد باليد اليمنى بحسب الروايات
إلا أن في صورة قطعها إطلاق اليد شامل لليسار، لكن لا يخفى ما
فيه، فإن الآية بعد تقييدها بحسب الأخبار باليمنى لا وجه للأخذ
باطلاق الآية بعد قطع اليمنى وانتقال القطع إلى اليسرى.
وهكذا الكلام في ما عن المبسوط من انتقال القطع - بعد فقد اليمنى -
إلى الرجل فإن موضوع وجوب القطع في السرقة هو اليد اليمنى، و
بعد فقدها لا وجه للانتقال إلى الرجل اليسرى مع أن وجوب قطع
الرجل اليسرى - للسرقة الأولى بعد فقد اليد اليمنى - خروج عن
موضوع الدليل الشرعي لأن الموضوع هو اليد اليمنى وقد ذهبت
فانتقال وجوب القطع إلى الرجل يحتاج إلى دليل وهو مفقود
مضافا إلى أن الرجل موضوعة لوجوب القطع للسرقة الثانية دون
السرقة الأولى
وكذا الكلام لو لم يكن له يمين ولا يسار فإنه لا وجه لانتقال القطع
إلى الرجل اليسرى بعد ما كان المفروض تعلق وجوب القطع في السرقة
الأولى باليد اليمنى، فذهاب موضوع الحكم لا يقتضي انتقال الحكم
إلى موضوع آخر، وأما القول بانتقال حكم السارق بعد ما لم تكن له
اليمنى إلى الحبس فإنه أيضا لا وجه له، فإن الحبس هو حكم من سرق
421

للمرة الثالثة بعد إجراء حد السرقة عليه مرتين، فلا دليل يدل على جعله
حدا للسرقة الأولى في مقطوع اليدين، ولذا كان المحكى عن ابن إدريس
التعزير في مقطوع اليدين، وعن المختلف نفي البأس عنه، وعن الجلبيات
للشيخ المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع وجب
أن نقول: الإمام مخير في تأديبه وتعزيره أي نوع أراد يفعل، لأنه
لا دليل على شئ بعينه، وإن قلنا: يجب أن يحبس أبدا لانتقاء
إمكان القطع، وغيره ليس بممكن، ولا يمكن اسقاط الحدود كان
قويا انتهى.
وقال في الجواهر: قلت: لا يخفى عليك ما في الأمر الأخير الذي
جعله قويا، فالمتجه حينئذ سقوط الحد بسقوط موضوعه الثابت من
الأدلة خصوصا بعد درئه بالشبهة، فيبقى التعزير المنوط بنظر الحاكم
في ذلك كله وفي من سرق ولا يدين له ولا رجل يسرى أو لا
يمنى إذ احتمال الانتقال إلى الثانية أو الحبس دائما قد عرفت فيه انتهى
ثم قال في الشرائع: ويسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته، ويتحتم لو تاب
بعد البينة، ولو تاب بعد الاقرار قيل: يتحتم القطع، وقيل: يتخير
الإمام في الإقامة والعفو على رواية فيها ضعف انتهى.
فهنا فروع ثلاثة، الأولى أن يتوب السارق قبل ثبوت الحد
عليه فإن سقوط الحد عنه اجماعي نقلا وتحصيلا كما ادعاه في الجواهر
ويدل عليه - بعد الاجماع - صحيح عبد التد بن سنان عن الإمام الصادق
عليه السلام قال: السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى الله عزو جل
422

ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه (1)
وفي مرسلة جميل عن أحدهما عليهما السلام في رجل سرق أو شرب
الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه، ولم يؤخذ حتى تاب وصلح فقال:
إذا صلح وأصلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد (2).
ويستفاد من الرواية الأولى أن التوبة بنفسها غير كافية في
سقوط الحد عنه ما لم يرد السرقة على صاحبها، ومن الرواية الثانية
أنه يعتبر - مضافا إلى توبته - صدور أمر جميل والأعمال الصالحة منه، و
بدون ذلك لا يكفي صرف التوبة مع أن الفقهاء لم يشترطوا زائدا
على التوبة شيئا في سقوط الحد عنه.
ولكن يمكن أن يقال في الصحيحة الأولى: أن رد السرقة لي صاحبها
من شرائط صحة توبته، فما لم يردها لم يعلم أن توبته توبة حقيقية أو صورية
بل يمكن أن يقال: بعدم صحة توبته ما لم يد السرقة - أي العين المسروقة
إلى صاحبها، وكذا القيد الموجود في الرواية الثانية، فإنه ما لم يظهر منه
بعض الأعمال الصالحة لم يعلم منه أنه تاب وصار صالحا.
الفرع الثاني ما إذا تاب بعد قيام البينة على تحقق السرقة منه
فإن توبته غير مسقطة للحد عنه بلا خلاف محقق أجده فيه كما في الجواهر
قال: وإن قيل: أطلق الحلبيان جواز عفو الإمام إذا تاب بعد الرفع
لكن على تقديره محجوج بالاستصحاب انتهى ومراده بالاستصحاب
هو استصحاب وجوب حد السرقة عليه، فإنه بعد ثبوت الحد
عليه بالبينة لا يعلم أن توبته بعد ذلك هل رفعت الحد عنه أم لا؟

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 - 3.
423

فالاستصحاب يقتضي بقائه، مضافا إلى ما عن أبي عبد الله البرقي
عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: جاء رجل
إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة، فقال له: أتقرأ شيئا
من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك
لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أتعطل حدا من حدود
الله؟ فقال: وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام
أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء
عفى، وإن شاء قطع (1).
الفرع الثالث: ما إذا تاب بعد الاقرار بالسرقة فإنه قيل يتحتم
عليه القطع للأصل أي استصحاب وجوب القطع فإن القطع
صار واجبا عليه باقراره مرتين بالسرقة، وبعد التوبة تشك في
ارتفاع وجوب القطع عنه، فالأصل يقتضي بقائه مضافا إلى
الصحيحين المتقدمتين في مسألة الرجوع عن الاقرار (2) الدالتين
على وجوب القطع إذا رجع عن اقراره، إلا أنه حكى عن النهاية
والجامع واطلاق الكافي والغنية أنه يتخير الإمام في الإقامة والعفو
والصحيحتان المتقدمتان (3) غير مرتبطتين بالتوبة بعد الاقرار
والرواية المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام المتقدمة آنفا يدل ذيلها
باطلاقه على جواز عفو الإمام للسارق أيضا بعد توبته، وأما ما يقال
من أن التوبة موجبة في الآخرة فالعفو عنه في الدنيا أولى

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
424

لأن عقاب الآخرة أشد - لا يخفى ما فيه إذ يرد عليه أولا أن
عقاب الدنيا لا يقاس بعقاب الآخرة، وثانيا أن لازم
المقايسة على عقاب الآخرة هو تحتم العفو لا التخير بين السقوط
والإقامة كما هو مفروض المسألة.
ثم قال في الشرائع: ولو قطع الحداد يساره مع العلم فعليه القصاص
ولا يسقط قطع اليمين بالسرقة، ولو ظنها اليمين فعلى الحداد الدية، و
هل يسقط قطع اليمين؟ قال في المبسوط: لا، لتعلق القطع بها قبل
ذهابها، وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام، أن عليا عليه
السلام قال: لا تقطع يمينه وقد قطعت شماله " انتهى
أما في صورة قطع الحداد شمالا عمدا بدل يمينه فوجوب القصاص
عليه واضح فإنه جنى عليه جناية عمدية وهي موجبة للقصاص، وأما في
صورة السهو أو النسيان أو مظنة أنها اليمنى فبان أنها اليسرى
فهي جناية خطئية موجبة للدية، وهل يسقط حينئذ قطع اليمنى
بالسرقة أم لا؟ فيه قولان الأول ما عن المبسوط من أنها تقطع
لأن القطع قد تعلق باليمنى فلا وجه لسقوطه بقطع اليسرى
فإن اليسرى لم يتعلق بها القطع أصلا فقطعها اشتباها أو تعمدا لا يوجب
سقوط القطع عن موضوعه، والثاني سقوط القطع عن اليمنى
بقطع اليسرى لرواية محمد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أمر به أن يقطع يمينه فقدموا
شماله، فقطعوها وحسبوها يمينه، فقالوا: إنما، قطعنا شماله، أتقطع
425

يمينه؟ فقال: لا تقطع يمينه وقد قطعت شماله (1) وعن الفقيه
والمختلف اختيار ذلك، ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك
لما عرفت سابقا من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل
الصادق عليه السلام: لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص
فسرق ما يصنع به؟ فقال: ولا يترك بغير ساق (2).
ويؤيد ذلك ما عن الباقر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه ثم إذا سرق
مرة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرة أخرى
سجن وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغايط ويده
اليسرى يأكل بها ويستنجي بها وقال (ع): إني لأستحي
من الله أن أتركه لا ينتفع بشئ ولكن أسجنه حتى يموت
في السجن (3)
إلا أنه ربما يستدل لقطع اليمنى بصحيحة عبد الله بن سنان
عن الصادق عليه السلام في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل
الشمال قال: تقطع يده اليمنى على كل حال (4)
لكن لا يبعد أن يقال بما اختاره في الفقيه والمخلف كما
ذكر نا آنفا لأن قطع يده اليمنى بعد قطع شماله يصيره عاجزا عن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السرقة الحديث
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 3
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 1
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
426

السعي في حوائجه الدنيوية والأخروية،
ثم إنه إذا قطع السارق استحب حسمه بالزيت المغلى
نظرا له كما في الشرائع قال: وليس بلا لازم انتهى ومستند هذا الحكم ما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أتي بسارق، فقال: اذهبوا
فاقطعوه ثم احسموه (1).
وفي خبر منصور " أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بسراق
فقطع أيديهم، ثم قال: يا قنبر ضمهم إليك فداو كلموهم وأحسن
القيام عليهم، فإذا برؤوا فاعلمني، فلما برؤوا أتاه، فقال: يا أمير
المؤمنين القوم الذين أقمت عليهم الحدود قد برئت جراحاتهم
قال: اذهب فاكس كل واحد ثوبين وآتني بهم، فكساهم
ثوبين ثوبين وأتى بهم في أحسن هيئة مشتملين، كأنهم
قوم محرمون، فمثلوا بين يديه قبالا، فأقبل على الأرض ينكتها
بإصبعه طيا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال: اكشفوا أيديكم، ثم
قال: ارفعوا إلى السماء، فقولوا: اللهم إن عليا قطعنا، ففعلوا
فقال: اللهم على كتابك وسنة نبيك، ثم قال: يا هؤلاء، إن
تبتم سلمت أيديكم وإن لم تتوبوا ألحقتم بها، يا قنبر خل سبيلهم
واعط كل واحد منهم ما يكفيه إلى بلده (2).
ثم أنه يستحب تعليق اليد المقطوعة للسارق في رقبته

(1) سنن البيهقي - على ما حكي عنه - ج 8 ص 271
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
427

لما فيه من الزجر له ولغيره ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه أتي بسارق فقطعت يده ثم علقت في رقبته (1).
(مسألة:)
سراية الحد ليست مضمونة وإن أقيم في حر أو برد، لأنه
استيفاء سائغ قاله في الشرائع ووجه عدم الضمان أنه
إحسان بالنسبة إلى السارق " وما على المحسنين من سبيل "
ختام المجلد الأول من كتاب الحدود والتعزيرات
من تقريرات بحث الأستاذ الاستناد آية الله الحاج
السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دامت بركاته، وقد
فرغت منه في ضحى يوم الاثنين من اليوم الثامن
من ربيع المولود يوم وفاة سيدنا الإمام الحسن بن علي
العسكري عليهما السلام من سنة 1410 هجرية
المطابق (17 / 7 / 68 شمسية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا
محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعاديهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي

(1) سنن البيهقي - على ما حكي عنه - ج 8 ص 275.
428