الكتاب: كتاب القضاء
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار القرآن الكريم - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤)

كتاب القضاء
تقرير أبحاث
فقيه العصر سماحة آية الله العظمى
السيد محمد رضا الگلپايگاني
دام ظله الوارف
بقلم
السيد علي الحسيني الميلاني
(الجزء الثاني)
1

من منشورات
دار القرآن الكريم
(قم إيران)
ص - ب - 24 - هاتف - 22240
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم، وأفضل صلواته
وأزكى تحياته على أشرف أنبيائه وخاتم رسله وخير خلقه محمد سيد
العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه البررة أولى الفضل والكرم. وعلى
أعدائهم اللعن المؤبد الأتم، إلى أن يحيى الله العظام بعد الرمم
وبعد، فإن العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء
ومن أتي العلم فقد أوتي خيرا كثيرا. وقد فضل الله مداد العلماء
على دماء الشهداء، وجعلهم ورثة الأنبياء.
ثم ولدنا العلامة الحجة السيد علي الميلاني أيده الله تعالى
قد صرف عمره الشريف وزهرة شبابه في طلب العلم وكسب الفضيلة
وكتب محاضراتنا وأبحاثنا في الفقه من (كتاب القضاء) وعرض
علينا ما كتب، فاطلعنا عليه ووجدناه جامعا للمسائل، حاويا
للمطالب، محتويا على النكات والدقايق، وافيا بالمراد.
وقد استجازنا في طبعه ونشره، فأجزنا له ذلك، سائلين
المولى جل شأنه أن يوفقه لمراضيه، ويكثر في العلماء والمجدين
أمثاله، فلله تعالى دره، وعليه سبحانه أجره. والسلام عليه
وعلى سائر العلماء العاملين ورحمة الله وبركاته
قم المقدسة في 28 / شهر رمضان المبارك ه‍ / 1401
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيما
خليفة الله في الأرضين الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه
وبعد فإن هذا هو الجزء الثاني من (كتاب القضاء) الذي دونت فيه نتيجة ما تلقيته
من بحث سيدنا الأستاذ الأكبر، الفقيه العظيم، زعيم الحوزة العلية، المرجع الديني
وأستاذ المجتهدين، آية الله العظمى الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظله
الوارف، أقدمه إلى العلماء الأعلام والفضلاء الكرام، سائلا المولى عز وجل أن ينفع به
كما نفع بسابقة بمنه وكرمه، وأن يجعله ذخيرة لي يوم مال ولا بنون، إنه سميع
مجيب.
قم المقدسة 18 ربيع الأول 1403 علي الحسيني الميلاني
5

الكلام في:
كتاب قاض إلى قاض
7

اعلم أن حكم الحاكم موضوع لأحكام بالنسبة إلى الحكام الآخرين،
كوجوب الانفاذ في بعض الموارد، وعدم جوازه في بعض الموارد، ووجوب
التفحص عن دليله في موارد، وعدم جوازه في أخرى.
ثم الحكم الذي يصدره الحاكم، يمكن انهاؤه إلى الحكام الآخرين: بالقول،
وبالكتابة، بشهادة العدلين، وباقرار المحكوم عليه بذلك الحكم.
حكم انهاء الحكم بالكتابة:
وبالنسبة إلى انهائه بالكتابة قال المحقق: (أما الكتابة فلا عبرة بها).
أي: فلا تكون موضوعا لشئ من الأحكام، قال: (لامكان التشبيه). وهذا
التعليل يتوجه في عصرنا بالنسبة إلى الأحكام التي يصدرها الحكام، أو ينهونها
بواسطة الهاتف أيضا، لامكان التشبيه في الصوت بسهولة جدا.
وأضاف في الجواهر: (وعدم القصد إلى الحقيقة وعدم الدليل شرعا على
اعتبار دلالتها).
وقد ادعي الاجماع على عدم العبرة بالكتابة، وحكي عن بعضهم نفي
الخلاف فيه، وقيل: لا مخالف إلا أبو علي الإسكافي، والأردبيلي حيث اعتبرها في
9

صورة العلم بالكتابة، وكونه قاصدا لمعناها، قال: ولهذا جاز العمل بالمكاتبة في
الرواية، وأخذ المسألة والعلم، والحديث من الكتاب المصحح عند الشيخ المعتمد،
ولأنه قد يحصل منها ظن أقوى من الظن الحاصل من الشاهدين، بل يحصل منها
الظن المتاخم للعلم، بل العلم مع الأمن من التزوير، وأنه كتب قاصدا للمدلول،
وحينئذ يكون مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأن القاضي الفلاني
الذي حكمه مقبول حكم بكذا، فإنه يجب انفاذه واجراؤه من غير توقف، ويكون
ذلك مقصود ابن الجنيد، ويمكن أن لا ينازعه فيه أحد، بل يكون مقصود هم الصورة
التي لم يؤمن فيها التزوير، أو لم يعلم قصد الكاتب إرادة مدلول الرسم.
وأجاب عنه في الرياض بقوله: وفيه نظر، لأن ذلك فرع قيام دليل قاطع
على جواز العمل بالظن مطلقا، ولم نجده في نحو محل البحث، مما يتعلق
بموضوعات الأحكام التي لم تتوقف عليها مطلقا، ولو كان الظن للعلم متاخما،
ومجرد كون الظن بالكتابة أقوى من الظن الحاصل من شهادة الشاهدين لا يوجب
قطعيته، ولا حجيته إلا على تقدير أن تكون حجيتها من حيث إفادتها المظنة وهو
ممنوع، بل كلمة القائلين بحجيتها وسماعها هنا مطبقة على أنها من جهة الأدلة
الأربعة التي سيأتي ذكرها، وهي أدلة قاطعة أو ظنية ظنا مخصوصا مجمعا عليه،
ومثلها لم يقم على اعتبار ظن الكتابة، بعد امكان دفع الضرورة التي هي الأصل في
تلك الأدلة، بالشهادة على الحكم وإقامة البينة وانفاذ الحاكم الثاني الحكم بها.
وعلى الجملة، لو كان السبب لاعتبار شهادة الشاهدين هو إفادتها المظنة
أمكن ما ذكره، أما لو كان قضاء الضرورة وغيره مما هو كالدليل القاطع فلا وجه
له ولا لقياس الكتابة بالشهادة، ولا بالاكتفاء بالرواية المكاتبة، وأخذ المسألة،
ونحوهما مما ذكره، لأن مستند الاكتفاء بهذه الأمور المعدودة في نحو الأحكام
الشرعية إنما هو من حيث قضاء الضرورة، وانسداد باب العلم بها بالكلية، وعدم
امكان تحصيلها إلا بالمظنة، وإن عدم اعتبارها حينئذ يوجب إما الخروج عن
10

التكليف، أو التكليف بما لا يطاق، وهما ممتنعان قطعا، عقلا وشرعا، وهذا السبب
يختص بها دون ما نحن فيه مما لم ينسد فيه باب العلم.
وقال في الجواهر بعد كلام الأردبيلي المذكور: التحقيق: أن الكتابة من
حيث أنها كتابة لا دليل على حجيتها قطعا مطلقا سواء في اقرار وغيره، بل عن ابن
إدريس في نوادر القضاء التصريح بأنه لا يجوز للمستفتي أن يرجع إلا إلى قول
المفتي دون ما يجده بخطه إلى أن قال بغير خلاف ممن محصل ضابط لأصول
الفقه، وبنى على ذلك عدم حجية المكاتبة، قال: لأن الراوي للكتابة ما سمع
الإمام يقول، ولا شهد عنده شهوده أنه قال، وإن كان فيه ما ستعرف.
نعم إذا قامت القرائن الحالية وغيرها على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ
المستفاد من رسمها، فالظاهر جواز العمل بها، للسيرة المستمرة في الأعصار
والأمصار على ذلك، بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك، خصوصا مع ملاحظة
عمل العلماء في نسبتهم الخلاف والوفاق، ونقلهم الاجماع وغيره في كتبهم المعول
عليها بين العلماء. ولكن مقتضى ذلك أن تكون الكتابة فيما نحن فيه - بعد انتفاء احتمال التزوير وعدم القصد وغيرهما من الاحتمالات - بمنزلة اخباره بالحكم،
فإن قلنا بقبوله قبلت وإلا فلا.
وربما أشعر التعليل الأول في عبارة المصنف، والثاني في عبارة غيره بإرادة
غير هذا الفرد من الكتابة، كما أنه يمكن حمل كلام ابن الجنيد ومن وافقه على
ما ذكرنا فيعود النزاع لفظيا.
وتحمل الروايتان على العمل بالحكم بالكتابة، بمعنى ايجاد الحكم بها
باللفظ، لا على العمل بها من حيث إنها كتابة، إذ من المعلوم عدم دلالتها على كونها
منه، وأنه قصد بها معنى اللفظ المستفاد من رسمها.
قلت: والتحقيق هو النظر في الجهات الموجبة للشك بحجية الكتابة والمفرقة
بينها وبين القول، والذي يوجب الشك في الاعتبار ليس إلا احتمال الكذب،
11

أو احتمال السهو والنسيان، أو احتمال عدم القصد، أما الأول فالمفروض عدمه
للوثاقة، وأما غيره من الاحتمالات فكلها منتفية بالأصل.
والفرق بين القول والكتابة هو: مجئ احتمال التشبيه في الثاني دون الأول،
ولذا لم يذكر المحقق غير هذا الاحتمال لعدم العبرة بالكتابة، وإن كان احتمال
عدم القصد في الكتابة أقوى منه في القول، لكنه يندفع بالأصل كما تقدم، ويندفع
أيضا بالعلم بالكتابة وكونها خط فلان.
وأضاف في السرائر: احتمال التزوير، وهو كما في مجمع البحرين:
تزيين الكذب. ولكن هذا الاحتمال مشترك بين القول والكتابة.
وأما الاجماع المدعى فهو منقول، وتبقى الروايتان:
1 - عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام: (أنه كان لا يجيز كتاب قاض
إلى قاض، في حد ولا غيره حتى وليت بنوا أمية، فأجازوا بالبينات) (1).
2 - عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام مثلها (2).
وهما - بناء على اعتبار هما بعمل الأصحاب (3) - محمولتان على أن ذلك
كان منه عليه السلام في مورد عدم حصول الاطمينان بالكتابة، وقصد كاتبها لما كتبه.
فالعمدة في الاستدلال على عدم العبرة بالكتابة هو عدم الدليل النقلي على

(1) وسائل الشيعة 18 / 218، الباب: 28.
(2) وسائل الشيعة 18 / 218، الباب: 28.
(3) سند رواية السكوني: الشيخ باسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد عن أبيه عن
ابن المغيرة عن السكوني عن جعفر عليه السلام. قال المحقق الرشتي: سند رواية
السكوني إلى السكوني على ما أخبر به شيخنا دام ظله صحيح، والسكوني عامي إلا أن
رواياته معمول بها عند الأصحاب، فلا شين فيها من حيث السند).
قال في الوسائل بعد رواية السكوني: (وعنه عن محمد بن عيسى عن محمد بن
سنان عن طلحة بن زيد عن جعفر.) وفي (محمد بن سنان) و (طلحة بن زيد) بحث
كما لا يخفى.
وكيف كان ففي الجواهر عن المختلف وصف الخبرين بالمشهورين المستفيضين.
وسيأتي بعض الكلام حول (السكوني) و (طلحة بن زيد).
12

العبرة بها، إلا إنا نستدل بالسيرة العقلائية القائمة على الاعتبار في حال الوثوق
والاطمينان، ولا رادع عن هذه السيرة، والروايتان قد عرفت حملهما على مورد
خاص والحاصل: أن الاحتمالات مشتركة بين القول والكتابة، فحيث تنتفي عن
الكتابة قبلت كالقول بلا فرق.
حكم انهاء الحكم بالقول مشافهة:
قال المحقق (قده): (وأما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر: حكمت بكذا
أو أنفذت أو أمضيت، ففي القضاء به تردد، نص الشيخ في الخلاف: أنه لا يقبل).
أقول: المراد من (القضاء به) هو انفاذ الحاكم الثاني إياه، ووجه التردد
هو: أن هذا خبر واحد عن الموضوع، وفي اعتباره بحث وخلاف، ولعل
مذهب الأكثر هو العدم ولزوم قيام البينة، ولكن يشكل فيه من جهة أن خبر الواحد
عن الموضوع المحول إلى المخبر، والذي لا يعلم إلا من قبله يعتمد عليه، فلو
وكل أحدا في طلاق زوجته فأخبره باجراء الصيغة اعتمد على خبره، ولو أعطى
الثوب المتنجس لأن يغسله فأخبره عن تطهيره إياه اعتمد عليه، ولو أخبر الأجير
في الصلاة عن الميت عن أنه قد صلى كان خبره حجة (1). فالقضاء من هذا

(1) واستدل له بأدلة القضاء من جهة إنها كما تدل على نفوذ الزامات القاضي،
كذلك تدل على قبول اخباراته بالقضاء، فإنه عندما يخبر عن الزامه، يترتب عليه استمرار
ما كان منه من الفصل بين المتخاصمين، فيجب أن يقبل، للملازمة العرفية بين نفوذ الالزام
ونفوذ الاخبار بالالزام، فيكون الدليل على الثاني نفس الدليل على الأول.
وبعبارة أخرى: إن اخبار الحاكم الأول بالفصل بين المتخاصمين في القضية يعتبر
فضلا كذلك، فإما يستمر حكم الفصل الأول وذلك أن كان صادقا في اخباره، وإما يكون
فصلا جديدا من جهة أنه عند اخباره قد انقدح في ضميره عدم خصومة بين المتخاصمين
ولو بقاء، فكما أنه إذا رأى عدم الخصومة حدوثا نفذ رأيه كذلك إذا رأى عدمها بقاءا،
فيكون اخباره بعدم الفصل بمنزلة الزامه به من حيث الكشف عن تعلق رأيه بعدم الخصومة
ولكن الاشكال في دلالة أدلة القضاء على قبول اخبارات القاضي بالقضاء كما تدل
على نفوذ الزاماته، وأن الملازمة العرفية المذكورة فيها تأمل، فتأمل.
13

القبيل، فالأظهر هو القبول.
حكم انهاء الحكم بالشهادة:
قال المحقق (قده) (وأما الشهادة، فإن شهدت البينة بالحكم، وباشهاده
إياهما على حكمه تعين القبول).
قال في الجواهر: لعله لعموم ما دل على وجوب قبول حكمه الذي هو من
حكمهم عليهم السلام، ولذا كان الراد عليه رادا عليهم، وما دل على حجية البينة.
ثم إن المحقق (قده) ذكر أن تكون الشهادة على الحكم وعلى الاشهاد معا
احتياطا، وذلك لأن الحاضر في مجلس الحكم قد لا يلتفت إلى ما وقع مع
خصوصياته، لكن عندما يشهد على الأمر يصغى إليه ويلتفت التفاتا كاملا، فتكون
شهادته حينئذ أنم.
وقد ذكر المحقق لما ذهب إليه من تعين قبول الشهادة وجوها أربعة، فالأول
ما ذكره بقوله: (لأن ذلك مما تمس الحاجة إليه، إذ احتياج أرباب الحقوق إلى
اثباتها في البلاد المتباعدة غالب، وتكليف شهود الأصل التنقل متعذر أو متعسر،
فلا بد من وسيلة إلى استيفائها مع تباعد الغرماء، ولا وسيلة إلا رفع الأحكام إلى
الحكام، وأتم ذلك احتياطا ما حررناه.
لا يقال: يتوصل إلى ذلك بالشهادة على شهود الأصل.
لأنا نقول: قد لا يساعد شهود الفرع على التنقل والشهادة الثالثة لا تسمع).
أقول: وأيضا الشهادة على الشهادة لا تسمع مع امكان الشهادة على الأصل، ولذا
قال بعضهم بأنه مع امكان الشهادة على الأصل، يجوز الحكم طبق الشهادة
على الشهادة، كما يجوز على نفس الشهادة على الأصل، بخلاف الشهادة على الحكم
فإنها تسمع ولو مع امكان الشهادة على الأصل.
14

وأيضا: الشهادة على الشهادة لا تسمع في الحدود، بخلاف الشهادة على الحكم فإنها
حجة فيها أيضا.
ولا تقبل الشهادة على الشهادة إلا مرة واحدة، وأما انفاذ الحكم فيستمر باستمرار
الزمان، ففيما لا تكون الشهادة على الشهادة حجة لا محيص لرفع الحوائج وفصل
الخصومات إلا بانفاذ الحكم.
وإذ لا يشترط في الشهادة على حكم الحاكم عدم امكان الشهادة على الأصل،
فإن للحاكم الثاني استماع الشهود في القضية من جديد، وله أن يحكم استنادا إلى
الشهادة على حكم الأول، كما أن له اجراء الحد استنادا إلى الشهادة على الحكم،
لعدم اختصاصها بغير الحدود.
هذا توضيح ما قرره صاحب الجواهر في شرح عبارة المحقق في جواب لا يقال.
وصاحب المسالك قرره بنحو آخر وهو: أن في الشهادة على الشهادة قصورا
عن الشهادة على الحكم، لأنها لا تسمع إلا مرة واحدة، بخلاف الشهادة على الحكم،
فإنها تسمع في الثالثة. وتوضيح ذلك: إن الشهادة على الأصل هي المرتبة الأولى
لاثبات المدعى، والمرتبة الثانية هي الشهادة على الشهادة بعد تعذر الشهادة على الأصل،
وحجيتها مخصوصة بتلك المرتبة، وأما الشهادة على الحكم التي هي في المرتبة الثانية
عن شهادة الأصل فلا تختص حجيتها بتلك المرتبة، بل الشهادة على الشهادة على الحكم
حجة أيضا وهي المرتبة الثالثة. انتهى.
لكن هذا في الحكم الأول المستند إلى الشهادة على الأصل، وصاحب المسالك
لم يتعرض للشهادة على حكم الحاكم الثاني المستند إلى الشهادة على الشهادة، والمستند
إلى الشهادة على الحكم المستمر باستمرار الزمان. فظهر أن كلا التقريرين صحيح.
فالجواهر نبه على الفرق بين الشهادة على الحكم، والشهادة على الشهادة،
والمسالك نبه على قصور الشهادة على الشهادة عن الشهادة على الحكم بمرتبة، لكن
الأول مشتمل على فوائد أكثر.
15

قال في الجواهر: إن ما ذكره صاحب المسالك فرض نادر، قلت: وليكن
نادرا، فإن الشارع جعل طريقا لفصل الخصومة فيه أيضا من باب اللطف.
وظاهر هذا الوجه الأول هو التعليل لثبوت الحكم، وإذ ثبت ووصل إلى
الحاكم الثاني وجب القبول والانفاذ، لأن ملاك الثبوت والقبول هو ما ذكره من
التعليل المذكور.
والوجه الثاني ما ذكره بقوله: (ولأنه لو لم يشرع انهاء الأحكام بطلت
الحجج مع تطاول المدد).
أي: الحكم بالانفاذ موقوف على أمرين: أحدهما: قبوله الحكم. والثاني:
كون الحكم واصلا إليه بطريق مشروع، ولو لم يكن الوصول بالبينة مشروعا
لبطلت الحجج. قال في المسالك: لأن الحاكم يموت فيبطل حكمه. قلت: يعني
أن الحكم لا يبطل بالموت لأنه ليس كالوكالة مثلا، بل المراد أن الحكم يبقى بلا
أثر، إذ لا طريق إلى اثباته مع عدم اعتبار البينة. قال: فإن الشهود تصير طبقة ثانية
بعده، فإذا أنفذ حكمه بشهاداتهم طال زمان نفوذ الحجة والانتفاع، وهلم جرا بالنسبة
إلى الحاكم الثاني والثالث، فيستمر الانتفاع بالحجة. أقول: يحتمل أن يكون مراده
أن الشهادة على الانفاذ يستمر أثرها، ويحتمل أن يكون المراد هو الشهادة على الشهادة
فيكون في المرة الثالثة بلا أثر. والظاهر هو الأول.
هذا، ولا نص في مورد هذا الوجه الثاني، بل هو مقتضى عمومات أدلة
القضاء ونفوذ حكم الحاكم.
والوجه الثالث: ما ذكره بقوله: (ولأن المنع من ذلك يؤدي إلى استمرار
الخصومة في الواقعة الواحدة، بأن يرافعه المحكوم عليه إلى آخر، فإن لم ينفذ الثاني
ما حكم به الأول اتصلت المنازعة).
أقول: إن الغرض من جعل الحاكم هو الفصل بين الخصومات، فلو لم ينفذ
حكم الحاكم الأول من قبل الثاني لزم تفويت الغرض، ولكن تمامية هذا الوجه
16

تتوقف على ثبوت حكم الأول بطريق مشروع.
والوجه الرابع ما ذكره بقوله: (ولأن الغريمين لو تصادقا أن حاكما حكم
عليهما ألزمهما الحاكم ما حكم به الأول، فكذا لو قامت البينة، لأنها تثبت ما لو أقر به
الغريم ألزم به).
يعني: إن اقرار المحكوم موجب لثبوت الحكم، وحينئذ يجب عليه ترتيب
الأثر على الحكم، والبينة تثبت ما يثبته الاقرار.
أقول: إن الحاكم الثاني عندما يريد انفاذ حكم الأول لا بد له من ثبوت
الحكم عنده وثبوت وجوب الانفاذ عليه، وقد اشتملت هذه الوجوه الأربعة على
دليل الأمرين معا.
وقال صاحب الجواهر قدس سره: إن هذه الأدلة الأربعة يظهر من بعضها
أنها مساقة بثلاث الاكتفاء بالشهادة في اثبات حكم الحاكم، ومن آخر أنه مساق
لاثبات مشروعية حكم الحاكم الآخر بانفاذ ما حكم به الأول، إلا أن الأولى الاستناد
في اثبات الأول إلى عموم دليل حجية البينة والقضاء بها، وفي الثاني إلى عموم حكم
الحاكم، وأن الراد عليه راد علينا، وأن حكمه حكمهم، وما ندري أن النزاع في
أي المقامين، لأن كلامهم مشوش.
ويشكل عليه بأن مقتضى الدليل عدم جواز الرد، لا وجوب الانفاذ.
وفيه أن وجوب الانفاذ هو مقتضى عمومات وجوب القضاء لفصل الخصومة.
دليل المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض ورده:
قال المحقق قده: (لا يقال: فتوى الأصحاب أنه لا يجوز كتاب قاض إلى
قاض ولا العمل به، ورواية طلحة بن زيد والسكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن
عليا عليه السلام كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض لا في حد ولا غيره، حتى وليت بنو أمية،
فأجازوا بالبينات.
لأنا نجيب: عن الأول بمنع دعوى الاجماع على خلاف موضع النزاع،
17

لأن المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض ليس منعا من العمل بحكم الحاكم
مع ثبوته.
ونحن نقول: فلا عبرة عندنا بالكتاب مختوما كان أو مفتوحا، وإلى جواز
ما ذكرنا أومأ الشيخ أبو جعفر رحمه الله في الخلاف.
ونجيب عن الرواية: بالطعن في سندها، فإن طلحة بتري والسكوني عامي،
ومع تسليمها نقول بموجبها، فإنا لا نعمل بالكتاب أصلا، ولو شهد به فكأن
الكتاب ملغى).
أقول: هذا جواب المحقق عما يمكن الاستدلال به لمنع العمل بكتاب قاض
إلى قاض.
فالأول: الاجماع، وقد أجاب عنه بمنع قيامه على موضع النزاع، وتوضيح
الجواب هو: أن الاجماع إن كان فمعقده المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض
آخر، لا عدم العمل بحكم الحاكم الثابت بشهادة العدلين مثلا، لا سيما مع اشهاد
الحاكم إياهما حين اصداره الحكم.
وبالجملة فإن معقده هو المنع من العمل بالكتاب من حيث أنه كتاب، وأما
منع ثبوت الحكم عند الثاني فلا ريب في وجب انفاذه.
والثاني: الروايتان. وقد أجاب عنهما بالطعن في السند قال: فإن طلحة بتري
والسكوني عامي (1).

(1) أما طلحة بن زيد ففي تنقيح المقال 2 / 109: عده الشيخ رحمه الله تارة من أصحاب الباقر عليه السلام قائلا: (طلحة بن زيد بتري). وقال في الفهرست: (طلحة
ابن زيد له كتاب، وهو عامي المذهب إلا أن كتابه معتمد.) قال جدنا رحمه الله (قد
تفرد الشيخ رحمه الله بقوله: إن كتابه معتمد. ولم أقف على من نطق به غيره، وذلك
لا ينفع إلا فيما علم أنه من كتابه، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات. ونقل المولى الوحيد
رحمه الله عن خاله - يعني المجلسي الثاني - الحكم بكونه كالموثق. قال: ولعله لقول
الشيخ رحمه الله: كتابه معتمد. ويروي عنه صفوان بن يحيى).
وأما السكوني - وهو إسماعيل بن أبي زياد - فموجز ما ذكر بترجمته (تنقيح
المقال 1 / 137) إن الشيخ والنجاشي لم يتعرضا إلى مذهبه. لكن العلامة نص على
كونه عاميا بل نفي ابن إدريس الخلاف في ذلك، ونوقش بعدم وجود عاميته في كتب
الرجال، وما ادعاه ابن إدريس لا دليل عليه، وأنه لا يبعد كونه في تقية شديدة لاشتهاره بين
العامة، وكونه من قضاتهم، لا سيما وأنه مذموم عندهم كما لا يخفى على من راجع كتبهم
الرجالية. هذا بالنسبة إلى مذهبه.
وأما بالنسبة إلى رواياته فعن الشيخ دعوى اجماع الشيعة على العمل برواياته
وأنه ثقة، ونقل عن المحقق توثيقه، وهو من رجال كامل الزيارات، لكن عن ابن بابويه:
لا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته، وللمتأخرين حول الرجل كلمات وآراء فراجعها.
18

قال: ومع تسليمها من حيث السند نقول بموجبها، فإما لا نعمل بالكتاب
أصلا ولو شهدا به، فكان الكتاب ملغى، بل عملنا هو الحكم الذي قامت عليه
البينة.
ومما يمكن الاستدلال به للمنع هو: أن حكم الحاكم الثاني خروج عن
قانون القضاء، لأن أدلة القضاء جعلت الميزان الشرعي المقرر له في البينة واليمين،
فإذا حكم هذا الحاكم كان حكمه لا عن طريق البينة واليمين.
والجواب عنه: إن المراد من حكم الثاني ليس انشاء الحكم بأصل الدعوى،
كالحكم بملكية زيد للدار أو زوجية هند له، بل الغرض حكمه بوجوب اتباع حكم
الحاكم الأول، وهذا في الحقيقة اقرار واثبات لحكم الأول وانفاذ له، والظاهر
اتفاق الأصحاب على وجوب انفاذ حكم الفقيه الجامع لشرائط الفتوى على الفقهاء
الآخرين.
لا يعتبر الاشهاد في هذه الشهادة.
ثم هل يعتبر في هذه الشهادة أن تكون مع اشهاد الحاكم للشاهدين على
حكمه مطلقا، أو مع حضورهما مجلس الحكم وسماعهما لفظ الحاكم؟.
الظاهر عدم اعتبار شئ من ذلك، فإن مقتضى اطلاق أدلة حجية البينة سماع
19

هذه الشهادة، ولا يعتبر في قبولها الاشهاد، ولا حضور المجلس مطلقا.
على أنا لا نجد فرقا بين هذه الشهادة وغيرها، ودعوى عدم الخلاف في
اعتبار الاشهاد في هذا المقام كما عن صاحب الرياض (قده) كما تر. نعم ينبغي
قيام الحاكم بالاشهاد احتياطا كما ذكر المحقق (قده).
قصر العمل بالكتاب على حقوق الناس:
قال المحقق: (إذا عرفت هذا فالعمل بذلك مقصور على حقوق الناس دون
الحدود وغيرها من حقوق الله).
أقول: وعلى هذا فلو أراد الحاكم الثاني الحكم بالحد توقف على ثبوت
موجبه عنده، بحسب الموازين الشرعية المقررة للثبوت بالنسبة إلى كل موجب
للحد، ولا يكفي ثبوته عند الحاكم الأول لأن يحكم به، نعم له اجراء الحد بعنوان
تنفيذ حكم الأول، فإن للحاكم الأول اجراء الحد بنفسه أو يأمر غيره به مجتهدا
كان المأمور أو مقلدا.
ودليل هذا القصر هو الاجماع، وقوله عليه السلام: (الحدود تدرأ بالشبهات)
وقد أشكل على الاستدلال بالخبر المذكور بأنه لا شبهة مع قيام البينة المعتبرة فلا
يدرء الحد، ويمكن دفعه بأن البينة قامت عند الحاكم الأول، وقيامها تقتضي الغاءه
الشك والشبهة، وأما الحاكم الثاني فلم تقم عنده البينة، فالشبهة باقية بالنسبة إليه
فليس له الحكم.
ما ينهى إلى الحاكم:
قال المحقق قدس سره: (وما ينهى إلى الحاكم أمران: أحدهما: حكم
وقع بين المتخاصمين. والثاني: اثبات دعوى مدع على غائب.
أما الأول: فإن حضر شاهدا الانهاء خصومة الخصمين وسمعا ما حكم به
الحاكم وأشهد هما على حكمه، ثم شهدا بالحكم عند الآخر، ثبت بشهادتهما حكم
20

ذلك الحاكم وأنفذ ما ثبت عنده، لا أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر، إذ
لا علم له بذلك، بل الفائدة فيه قطع خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك
الواقعة.
وإن لم يحضرا الخصومة فحكى لهما الواقعة وصورة الحكم، سمى
المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما وأشهدهما على الحكم ففيه تردد، والقبول
أولى، لأن حكمه كما كان ماضيا كان أخباره ماضيا).
أقول: إن الذي ينهيه الحاكم الأول بالكتاب إلى الحاكم الثاني أمران:
أحدهما: الحكم الذي حكم به بين المتخاصمين: فإن حضر شاهدا الانهاء مجلس
التخاصم وسمعا ما حكم به الحاكم في الواقعة بل وأشهد هما على حكمه ثم جاءا
فشهدا بحكم الحاكم الأول عند الثاني فإنه يثبت بذلك حكم ذلك الحاكم، وعلى
الثاني انفاذه وفصل الخصومة المتجددة بين الخصمين في نفس تلك الواقعة، وليس
له الحكم بصحة حكم الأول في الواقع لأنه لا علم له بذلك، وقد نهى الشارع عن
القول بلا علم.
وإن لم يحضر شاهدا الانهاء مجلس التخاصم، بل حكى الحاكم الأول لهما
الواقعة شارحا صورة النزاع وحضور المتنازعين عنده وصورة حكمه، وذكر
المتحاكمين بأسمائهما وأسماء آبائهما وصفاتهما المشخصة وأشهد الشاهدين على
حكمه ففي ثبوت الحكم بشهادتهما عند الحاكم الثاني تردد عند المحقق قده لكن
قال (والقبول أولى) قال في الجواهر: (وفاقا للأكثر، بل لم أجد فيه خلافا سوى ما
يحكى عن الشيخ في الخلاف، بل قيل: إنه ظاهره دعوى الاجماع عليه، إلا أني
لم أجد من وافقه عليه سوى بعض متأخري المتأخرين، بناء منهم على أن الأصل يقتضي
عدم جواز الانفاذ في غير صورة القطع لأنه قول بغير علم، خرج ما خرج وبقي
ما بقي)
وقد رجح المحقق هنا القبول بعد التردد بخلاف مسألة الانهاء بالقول مشافهة
21

حيث تردد فيها بلا ترجيح، حيث قال: (وأما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر: حكمت
بكذا أو أنفذت أو أمضيت، ففي القضاء به تردد، نص الشيخ في الخلاف أنه لا يقبل) وهو
كذلك، لما ذكرنا سابقا من حجية قوله فيما هو مرجوع إليه ومحول عليه ولا يعرف
إلا من قبله، فإذا أخبر بأني قد حكمت بكذا وأشهد الشاهدين على ذلك كان اخباره
حجة كما لو سمعا بأنفسهما الحكم منه، وكما يلغى احتمال عدم قصده للحكم بالنسبة
إلى الانشاء المسموع منه فكذلك يلغى احتمال الخلاف بالنسبة إلى اخباره عن ثبوت
حكمه، وبذلك ينقطع الأصل الذي تمسك به المانعون.
قال المحقق: (وأما الثاني وهو اثبات دعوى المدعي فإن حضر الشاهدان
الدعوى وإقامة الشهادة والحكم بما شهدا به وأشهدهما على نفسه بالحكم وشهدا
بذلك عند الآخر، قبلها وأنفذ الحكم، ولو لم يحضرا الواقعة وأشهدهما بما صورته:
إن فلان ابن فلان الفلاني. ادعى على فلان ابن فلان الفلاني كذا، وشهد له بدعواه
فلان وفلان، ويذكر عدالتهما أو تزكيتهما، فحكمت أو أمضيت، ففي الحكم به تردد
مع أن القبول أرجح، خصوصا مع احضار الكتاب المتضمن للدعوى وشهادة
الشهود).
أقول: هذا هو الأمر الثاني، وهو أيضا على قسمين، فالأول: أن يحضر
الشاهدان مجلس الحكم على الغائب ويشهد هما الحاكم عليه، فإذا شهدا بذلك عند
الحاكم الثاني ثبت الحكم وكان على الثاني انفاذه.
والثاني: أن لا يحضر الشاهدان الدعوى بل يخبرهما الحاكم الأول بها
وبحكمه في الواقعة مع ذكر اسم المدعي والمدعى عليه وتعريفهما، كأن يخبرهما
ويشهد هما بما صورته إن فلان بن فلان الفلاني ادعى على فلان بن فلان الفلاني كذا
وشهد له بدعواه شاهدان عادلان وهما فلان وفلان فحكمت وأمضيت، فهل يقبل
الحاكم الثاني هذه الشهادة ويحكم بذلك؟ تردد فيه المحقق ثم رجح القبول على
نحو ما عرفته في المسألة السابقة، خصوصا مع احضار الكتاب المتضمن للدعوى
22

وشهادة الشهود. لكن لما كان الغائب على حجته إذا قدم فإنه ينبغي ضبط أسماء
الشهود ليتمكن من الجرح ونحوه، وكذا غير ذلك مما له مدخلية في بقاء الخصم
الغائب على حجته.
هذا كله في الحكم.
حكم انفاذ الثبوت لو أخبر الأول به:
قال المحقق قده: (أما لو أخبر حاكما آخر بأنه ثبت عنده كذا لم يحكم به
الثاني، وليس كذلك لو قال (حكمت) فإن فيه ترددا).
أقول: وأما لو أخبر الحاكم الأول الثاني بثبوت الدعوى عنده، أو قال بعد
سماع الدعوى وشهادة الشاهدين (ثبت عندي كذا) فلا يجوز للثاني أن يحكم به أو
يقول (ثبت عندي كذا)، لعدم الثبوت عنده، ولا أن يقول: (أنفذت حكمه) لأن
الثبوت ليس حكما كي يندرج في أدلة الانفاذ.
وبالجملة فإن موضوع وجوب الانفاذ هو (الحكم) لا (الثبوت).
قال عليه السلام: (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد
والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله).
اللهم إلا إذا حصل الاطمينان بثبوت الأمر عند الحاكم أو الحكام الآخرين
وسائر الناس، ولذا كان عيد الفطر يثبت في أيام شيخنا الأستاذ بقوله (ثبت
عندي). وكان رحمه الله لا يحكم لأنه لم يكن يرى تبعا لبعض مشايخه ولاية
للحاكم في مثل ذلك.
ثم إنه قد ذهب بعض الأصحاب على ما حكاه في المسالك إلى اختصاص
الحكم بما إذا كان بين الحاكمين وساطة وهم الشهود على حكم الأول، فلو كان
الحاكمان مجتمعين وأشهد أحدهما الآخر على ذلك لم يصح انفاذه، لأن هذا

(1) وسائل الشيعة 18 / 98 الباب: 11 من أبواب صفات القاضي.
(2) آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس سره مؤسس الحوزة العلمية.
23

ليس من محل الضرورة المسوغة للانفاذ المخالف للأصل.
وأجاب عنه في الجواهر بأن ذلك ليس قولا لأحد من أصحابنا ولم نعرف
أحدا حكاه غيره، وبأن الضرورة المذكورة في الدليل إنما هي حكمة أصل المشروعية
للانفاذ لا أنها علة يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، وبأن الضرورة قد تتحقق
فيه لقطع الخصومة مع عدم الكون في البلاد المتباعدة من الحاكم الأول.
حقيقة الانفاذ
هذا وليس (الانفاذ) ارشادا إلى العمل بحكم الحاكم الأول فقط، كما هو
الشأن في عمل نقلة فتاوى الفقهاء وارشاد هم العوام إلى العمل بفتاوى مقلديهم، بل
إن المراد من الانفاذ حكم الثاني بوجوب إطاعة حكم الأول ولزوم تطبيقه حتى
ينقطع النزاع، بغض النظر عن صحته وسقمه، فله أن يقول: يجب امتثال الحكم
بكون المال لزيد وإن كنت لا أعلم بصحة هذا الحكم. هذا ما تفيده ظواهر
كلمات القوم.
والدليل عليه قوله عليه السلام: (فإذا حكم.) وليس من باب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ولذا يكون فاصلا للخصومة، ولو كان من ذلك الباب لما كان كذلك.
لكن يمكن أن يقال بأن للحاكم الثاني أن يجعل حكم الأول حجة في الحكم
كما يحكم استنادا إلى البينة مثلا، فله أن يحكم في أصل القضية حكما من عنده
استنادا إلى نظر الأول في الواقعة وحكمه فيها، ولا ينافيه ظاهر الحصر في قوله صلى الله عليه وآله
(إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان) لجواز حمله على الحصر الإضافي، وقد أجاز
ذلك المحقق النراقي ومنعه المشهور مستدلين بأن هذا الحكم قول بغير علم، إذ
المفروض عدم علمه بكون المال لزيد مثلا، وبأن المفروض جهله بملاك حكم الأول
فمن الجائز أنه لو علم به لخالفه، وعلى هذا فليس له الحكم به، كما لا يجوز له
الحكم بصحته أو موافقته للواقع.
واستدل النراقي بأن حكم الحاكم الأول حكم الله في الواقعة، لأدلة حجية
24

حكم الحاكم، فهو حجة، وحينئذ فكما يجوز للحاكم الثاني الاستناد إلى البينة
واليمين ونحوهما من الحجج، كذلك له أن يستند إلى هذه الحجة، فيحكم على
طبق حكم الأول حكما مستقلا كما له أن ينفذه.
والأقوى ما ذهب إليه إلا أن يكون اجماع على خلافه، لكن الأحوط في المقام
هو انفاذ حكم الأول وعدم الحكم بنفسه في الواقعة.
صورة الانهاء:
قال المحقق قدس سره: (وصورة الانهاء: أن يقص الشاهدان ما شاهداه
من الواقعة، وما سمعاه من لفظ الحاكم، ويقولا: وأشهدنا على نفسه أنه حكم
بذلك وأمضاه، ولو أحالا على الكتاب بعد قراءته وقالا: أشهدنا الحاكم فلان
على نفسه أنه حكم بذلك جاز).
أقول: أي أن تحقق الانهاء يكون بشرح الشاهدين كل ما شاهداه من الواقعة
في مجلس الحكم من حضور المتخاصمين ودعوى المدعي وانكار المدعى عليه
ثم إقامة الأول البينة على دعواه، ثم بحكاية لفظ الحكم الذي أصدره الحاكم
والتصريح باشهاد. إياهما على حكمه.
ويقوم مقام هذا كله إحالتهما الحاكم الثاني على الكتاب الذي كتبه الحاكم
الأول بالواقعة بعد قراءته وأن يقولا: أشهدنا الحاكم أنه حكم بذلك.
قال المحقق: (ولا بد من ضبط الشئ المشهود به بما يرفع الجهالة عنه،
ولو أشتبه على الثاني أوقف الحكم حتى يوضحه المدعي).
أقول: هذا من شرائط الانهاء بالشهادة، فلا بد من أن يكون الأمر الذي يشهدان
به مضبوطا من الشاهدين معينا بجميع جهاته وشؤونه بحيث ترتفع الجهالة عنه،
فلو كان مورد الدعوى غصب مال مثلا وأرادا الشهادة بذلك لزم أن يكونا عالمين
بخصوصيات الواقعة من زمان الغصب ومكانه وغير ذلك بحيث ترتفع الجهالة وإلا
25

لم يسمع الثاني شهادتهما بل يجب عليه ايقاف الحكم إلى أن يتضح الأمر و يرتفع
الاشتباه.
ولا خصوصية لتوضيح المدعي وإن قال المحقق: (حتى يوضحه المدعي)
بل يكفي وضوحه من أينما كان. نعم بما أن المدعي هو الذي يدعي شيئا ويطلب
من الحاكم النظر في دعواه فهو المخاطب باثبات ما يدعيه بطريق شرعي كشهادة
غير الأولين على تفصيله أو تذكرهما أو نحو ذلك.
وهل يعتبر في الانهاء كونه إلى قاض معين أو يكفي توجه الكتاب إلى مطلق
القضاة؟ حكي الأول عن بعض العامة، وفيه أنه لا وجه لهذا التقييد، بل إن البينة
حجة وإن لم يكن معها كتاب مطلقا، فلا يختص الانفاذ بالمكتوب إليه.
حكم ما لو تغير حال الحاكم الأول:
قال المحقق: (ولو تغير حال الأول بموت أو عزل لم يقدح ذلك في العمل
بحكمه، وإن تغير بفسق لم يعمل بحكمه، ويقر ما سبق انفاذه على زمان فسقه).
أقول: لا ريب في نفوذ حكم الحاكم الجامع للشرائط والصفات المذكورة
في أول كتاب القضاء، ويعتبر كونه على تلك الصفات في حين اصداره الحكم،
فلو تغير حال الحاكم بموت أو عزل عن القضاء أو جنون أو عمى بناءا على
اشتراط البصر أو غير ذلك لم يقدح ذلك في العمل بحكمه ووجوب انفاذه على
الحاكم الثاني، وقد استثنى المحقق تبعا للمشهور من ذلك الاسلام والعدالة،
وأنه يشترط بقاؤه على ذلك بعد الحكم كذلك، فلو تغير حاله بكفر أو فسق لم يعمل
بحكمه وليس الأمر كذلك في سائر الأمور المشروطة بالعدالة كإمامة الجماعة
والشهادة بالطلاق ونحوهما وكذا لو تغير حاله بعد الحكم وقبل العمل.
أما إذا تغير حاله بعد العمل بحكمه فلا ريب في عدم بطلان الحكم بذلك.
وهذا الذي ذكره جار في مورد فتوى المجتهد أيضا، فلو أفتى بفتوى فمات
لم يقدح ذلك في العمل بفتواه، نعم في الجواهر: (الظاهر الاجماع على عدم
26

جواز العمل ابتداءا بفتاوى الأموات) وأما إذا كان قد قلده ثم مات المجتهد فقد
أفتوا بجواز البقاء على تقليده.
وهذا بخلاف ما إذا تغير حاله بفسق أو جنون، نعم العمل الذي أتى به على
طبق فتواه قبل التغير صحيح بلا كلام، ويقر ما وقع بحسب فتواه من بيع أو نكاح
أو ما شابه ذلك على ما كان عليه.
وقد استدل لما ذكره المحقق قده بأمرين، أحدهما: أن ظهور الفسق
يشعر بالخبث الباطني وقيام الفسق يوم الحكم. والثاني: أنه يصح أن يقال بعد
فسقه بأنه حكم فاسق فعلا، فلا يجوز العمل به وانفاذه.
لكن كلا الأمرين واضح الضعف، ولا يقاومان اطلاقات الأدلة، ومن هنا
ذهب جماعة كالأردبيلي والنراقي إلى عدم الفرق بين الفسق والموت، أخذا باطلاقات
أدلة حجية حكم الحاكم، إلا أن ذهاب المشهور إلى ما ذكره المحقق، بل دعوى
بعضهم عدم الخلاف فيه يمنعنا من الجزم بعدم الغرق.
وربما يؤيد المشهور بما ذهب إليه بعض الأصحاب من الفرق بين الفسق وغيره من
الموانع في بعض الموارد، فمن ذلك ما لو تغير حال الشاهدين بعد أداء الشهادة وقبل
الحكم طبق شهادتهما بموت أو جنون مثلا، لم يقدح ذلك في قبول الشهادة وترتب
الأثر عليها، بخلاف ما لو تغير بفسق فلا تعتبر. ومن ذلك أيضا: ما لو تغير حال شاهدي
الأصل قبل الحكم بشهادة شاهدي الفرع، فإنه يمنع عن الحكم إن كان التغير بفسق
ولا يمنع إن كان بغيره.
ويؤيده أيضا جواز البقاء على تقليد المجتهد الميت دون الفاسق.
ولو وصلت النوبة إلى الأصل فالأصل هو عدم جواز العمل والانفاذ.
هذا كله بالنسبة إلى تغير حال الحاكم الأول الكاتب للكتاب.
لا أثر لتغير حال المكتوب إليه:
قال المحقق: (ولا أثر لتغير حال المكتوب إليه في الكتاب بل كل من قامت
27

عنده البينة بأن الأول حكم به وأشهدهم على ذلك عمل بها، إذا اللازم لكل حاكم
انفاذ ما حكم به غيره من الحكام).
أقول: إن أنفذ الحاكم الثاني الحكم ثم تغير حاله بموت أو جنون أو غيرهما
لم يقدح ذلك في إنفاذه، وإن تغير بفسق لم يعمل بحكمه بالانفاذ على المشهور.
ومن المعلوم أن ذلك لا يقدح في حكم الحاكم الأول بل كل من قامت عنده البينة من
الحكام بأن الحاكم الأول قد حكم به وأشهدهم على ذلك عمل بها لعموم دليل
حجيتها، إذ اللازم لكل حاكم انفاذ ما حكم به غيره من الحكام لأن حكمه حكم
الأئمة عليهم السلام.
وهكذا يجب على الناس العمل بذلك الحكم، وإن كان المخاطب بالكتاب
حاكما معينا بمفرده.
28

مسائل ثلاث
المسألة الأولى
(حكم ما لو أقر المحكوم عليه أو أنكر)
قال المحقق: (إذا أقر المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه ألزم، ولو أنكر
وكانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق غالبا فالقول قوله مع يمينه ما لم يقم المدعي
بينة، وإن كان الوصف مما يتعذر اتفاقه إلا نادرا لم يلتفت إلى إنكاره لأنه خلاف
الظاهر).
أقول: لما قامت الشهادة فإما يقر المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه، فيلزمه
الحاكم بأداء ما عليه بلا اشكال، وبلا خلاف كما في الجواهر.
وإما ينكر، وحينئذ فإن كانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق عليه وعلى
غيره كما لو جاء في الشهادة على الحكم بأن محمد بن أحمد مدين لفلان كذا،
فإنه يحتمل الاتفاق على هذا الشخص وعلى غيره بكثرة. سمع قوله مع يمينه،
إلا إذا أقام المدعي بينة على أن هذا هو المقصود.
وعن بعضهم بطلان أصل الحكم على عنوان مشترك كما في المثال المذكور.
وإن كانت الشهادة بوصف يتعذر اتفاقه إلا نادرا كما إذا قالت بأن فلان
ابن فلان صاحب الصفة الكذائية والمهنة الفلانية لم يلتفت إلى إنكاره الحكم عليه
بلا خلاف بين من تعرض لذلك كما في الجواهر، وذلك لأنه خلاف الظاهر.
29

هذا وفي المسألة تفصيل، لأنه إذا أنكر كونه المحكوم عليه فتارة يدعي
المدعي كونه هو على التعيين، وحينئذ ليس للحاكم الثاني انفاذ حكم الأول في
حق هذا الشخص، بل تجري أحكام المدعي والمنكر. وأخرى يتردد المدعي بين
هذا وشخص آخر يشترك معه في الاسم والوصف، فإن كان هذا التردد من المدعي
من أول الأمر كان المورد من فروع مسألة الدعوى على المردد، كدعوى ولي المقتول
بأن أحد هذين قاتل أبي، وفي صحة هذه الدعوى بحث وخلاف. وبناء على صحتها
يطالب المدعي بالبينة، ومع عدمها يحلف الرجلان إن كانا حاضرين أو الحاضر
منهما، ومع الامتناع ترد اليمين على المدعي.
ولو شهد الشاهدان على معين وحكم الحاكم عليه بأداء الحق ثم اشتبه
فلا ريب في صحة الحكم، فإن وقع الاشتباه من عدم ذكر الحاكم الأول للأوصاف
والمشخصات بالتفصيل، جاء ما ذكره المحقق من أنه إن كانت الشهادة بوصف
يحتمل الاتفاق. بخلاف ما لو كان الوصف مما يتعذر اتفاقه إلا نادرا وقد ذكره
الحاكم الأول بالتفصيل، فإنه لا يلتفت إلى إنكاره لأنه خلاف الظاهر، وإن كان سماع
دعواه انطباق الاسم والوصف فعلا على غيره غير بعيد.
قال المحقق: (ولو ادعى أن في البلد مساويا له في الاسم والنسب كلف إبانته
في اثباته، فإن كان المساوي حيا سئل، فإن اعترف أنه الغريم ألزم وأطلق الأول،
وإن أنكر وقف الحكم حتى يتبين).
أقول: وقوف الحكم بمجرد دعوى أن المحكوم عليه شخص آخر غيره
مع إنكار ذلك الشخص في غاية الاشكال، اللهم إلا أن يقال بأن الدعوى كانت
على كلي المسمى بهذا الاسم وقد صدر الحكم عليه كذلك، ثم اشتبه المصداق
الحقيقي بغيره. لكن صحة الدعوى على الكلي المردد محل خلاف.
هذا كله مع كونه حيا.
قال المحقق: (وإن كان المساوي ميتا وهناك تشهد بالبراءة، إما لأن
30

الغريم لم يعاصر، وإما لأن تاريخ الحق متأخر عن موته ألزم الأول وإن احتمل وقف
الحكم حتى يتبين).
أقول: وهذا أيضا مشكل بعد كون المدعي قد خص الشخص في الدعوى
وأقيمت عليه الشهادة وصدر الحكم.
وقد فصل بعضهم بين ما إذا ذكر الاسم والوصف وكان الوصف محتملا للاتفاق
فيه مع غيره من أول الأمر، وبين ما إذا كان متعذرا اتفاقه من أول الأمر ثم اتفق بعد
ذلك. فحكم بالبطلان في الأول دون الثاني.
المسألة الثانية
(حكم امتناع المشهود عليه من التسليم حتى يشهد القابض)
قال المحقق: (للمشهود عليه أن يمتنع من التسليم حتى يشهد القابض، ولو
لم يكن عليه بالحق شاهد قيل: لا يلزم الاشهاد. ولو قيل: يلزم كان حسنا.)
أقول: هذا لئلا يطالبه ذو الحق به مرة أخرى، والدليل على هذا الحكم قاعدة
لا ضرر ولا ضرار، هذا إذا كان مع صاحب الحق ما يثبت حقه، وأما مع عدمه
وعلم المحكوم عليه بالحق فيما بينه وبين الله فلا كلام في وجوب أداء الحق بالمطالبة،
إذ ليس مع ذي الحق ما يخاف مراجعته به مرة أخرى، ولو قيل: يلزم الاشهاد كان
حسنا حسما لمادة المنازعة أو كراهة لتوجه اليمين.
هذا ولكن في الحكم بجواز الامتناع من التسليم إلا مع الاشهاد نظر، لأن
أداء حق الناس واجب، والمماطلة غير جايزة، غاية الأمر أنه لو حدث نزاع بعد
ذلك ترافعا إلى الحاكم وارتفع بالموازين الشرعية، فمجرد احتمال حدوث النزاع
مرة أخرى لا يجوز تأخير أداء حق الناس، ففيما ذكروه تردد.
31

المسألة الثالثة
(عدم وجوب دفع الحجة على المدعي)
قال المحقق: (لا يجب على المدعي دفع الحجة مع الوفاء. وكذا القول
في البائع.)
أقول: دليل عدم الوجوب كون الحجة ملكا له. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الناس
مسلطون على أموالهم) ولأنها حجة له لو خرج المقبوض أو المبيع مستحقا.
32

الكلام في:
بعض أحكام القسمة
33

(القسمة) معاملة مستقلة لها أحكامها الخاصة، وقد تعرض الأصحاب قدست
أسرارهم لها في كتاب الشركة، وذكروا بعضها في كتاب القضاء من جهة استحباب أن
يكون للحاكم قاسم يقسم الأموال المشتركة بين الشركاء، لتوقف فصل الخصومة
على القسمة في كثير من الأحيان.
مشروعية القسمة:
ومشروعية القسمة بأن تكون معاملة كالمعاملات الأخرى ثابتة بالكتاب
والسنة، ففي القرآن الكريم: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين
فارزقوهم منه) (1) إذ المستفاد من هذه الآية المباركة امكان تمييز السهام بعضها عن
بعض بالقسمة، من دون حاجة إلى أن يبيع بعض الشركاء سهمه من بعض لتحقق
الفرز وتعيين الحصص في المال، فالآية ظاهرة في تشريع القسمة لأن تكون طريقا
للوصول إلى هذا الغرض وإلا قال مثلا: وإذا حضر البيع أو الصلح.
وذكروا أيضا قوله عز وجل: (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) (2) ولكن في

(1) سورة النساء: 8.
(2) سورة القمر: 28.
35

دلالتها على تشريع القسمة نظر، لأن الماء كان لهم خاصة لم يكن مشتركا، وقد
أمر سبحانه بجعل قسم من الماء للناقة.
ومن السنة: ما روي من (أن عبد الله بن يحيى) كان قساما لأمير المؤمنين (1)
وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر على ثمانية عشر سهما. وقال صلى الله عليه وآله: (الشفعة فيما
لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرق فلا شفعة) (2). قال في الجواهر: (وغير
ذلك من النصوص، واجماعا بقسميه، بل ضرورة).
ثم إن القسمة تارة تكون بافراز الحصص بعضها عن بعض، وأخرى تكون
قسمة مهاياة، بمعنى تقسيم الانتفاع من الشئ المشترك بحسب الأزمنة، كالدابة
المشتركة بين اثنين يستعملها هذا يوما وذاك يوما.
حقيقة القسمة:
ثم إنه تارة يختلط مال اثنين بعضه ببعض، كأن يختلط شياه هذا بشياه ذاك
فهنا قولان:
أحدهما: أنهما يشتركان في المجموع بنحو الإشاعة، كما هو الحال فيما إذا
ورث الأخوان هذا المجموع معا. والثاني أن كلا منهما يملك حقه ومملوكه
الواقعي فقط. وإذ لا طريق إلى التمييز فلا بد من التراضي بينهما بالتقسيم، بأن تنتقل
عين مال كل واحد إلى الآخر في مقابل عين ماله فيكون في الواقع تبديلا.
وتارة أخرى يكون الاختلاط بين المالين موجبا لاشتراكهما بالإشاعة عند
العرف، كأن تختلط حنطة هذا بحنطة ذاك. فلا يصدق حينئذ التبديل، بل يقال هنا
بالتمييز والافراز والتعيين، والمراد جعل المال الذي يشترك الاثنان في تملكه
مفرزا إلى ملكين يختص كل واحد منهما بواحد.
قال المحقق قدس سره في كتاب الشركة: وهي تمييز الحق من غيره، وكذا
قال في المسالك والجواهر، بل نسب إلى المعروف بين الأصحاب، وعليه السيد صاحب

(1) سنذكر ترجمة هذا الرجل قريبا.
(2) سنن البيهقي 6 / 102.
36

الوسيلة، والأولى التعبير بالتعيين وفاقا للسيد صاحب العروة حيث قال: والأولى
التعبير بالتعيين، لأن الظاهر من التمييز أن يكون له واقع معين وليس كذلك (1).
نعم في مثال الشياة على الوجه الثاني يصح التعبير بالتمييز.
فالأولى التعبير هنا بالتعيين، لعدم تعين حق كل من الشريكين خارجا، إذ المفروض
أنهما يشتركان في كل جزء جزء من المال حتى يصل إلى الجزء الذي لا يتجزء فيقسم
هناك تقسيما عقليا. فالمراد من القسمة تعيين مصداق الكلي.
وأما احتمال أن تكون القسمة تعيين ما يملكه كل واحد من الشريكين خارجا،
بمعنى أن كل مال من الأموال المملوكة هو ملك لكليهما، فيكون أحدهما مالكا للنصف
الثاني من المال الذي بيده بإزاء تمليكه النصف الآخر من المال الذي بيد شريكه،
فتكون القسمة في الحقيقة بيعا، لأنها على هذا تبديل الأموال بعضها ببعض بحسب
السهام، لكن الشريكين ينشئان القسمة ولا نظر لهما إلى المبادلة والمعاوضة الواقعة.
فيضعفه: أنه إن كان المراد من النصف هو النصف المردد فإن المردد لا وجود
له في الخارج، وإن كان المراد منه النصف المعين فهذا خلف للفرض، ولو كان
كذلك لم يكن حاجة إلى التقسيم. فيرجع الأمر إلى الكلي ويكون من قبيل تعيين
الكلي في المصداق، نظير تمليك الكلي في المعين كالصاع من الصبرة إذ يتعين
كلي الصاع بالصاع الذي يدفعه، وإن كان بين الموردين فرق من جهة أخرى، وذلك
أنه مع تلف شئ من المال المشترك يكون التلف من كليهما، بخلاف ما لو تلف
من الصبرة مقدار فإنه من مالكه، حتى إذا بقي منها صاع واحد كان لمستحقه ولم يشاركه
صاحب الصبرة.
وأما احتمال أن يكون المملوك لكل واحد من الشريكين هو الأحد اللابعينه

(1) قال السيد الأستاذ دام ظله في حاشية الوسيلة: (فالمناسب في تعريفها أن يقال: القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة التي بيد شريكه بإزاء سهم شريكه في الحصة التي بيده).
37

بناءا على أن الملكية أمر اعتباري، فيجوز أن يباع الواحد المردد لأنه قابل للتمسلك
كما يقبل الكلي ذلك نظير بيع ثمرة الشجرة قبل وجودها. فيكون التقسيم في حقيقته
اخراج كل فرد من حال عدم التعين إلى التعيين ففيه ما تقدم من أن الواحد المردد
لا وجود له ولا حقيقة، والملكية وإن كانت أمرا اعتباريا لكن يشترط في متعلقها أن
يكون أمرا قابلا للوجود في الخارج.
والتحقيق هو النظر في حقيقة الشركة، وبذلك يتضح معنى القسمة، والحاصل:
إن التقسيم هو التعيين، لأن معنى الشركة هو تملك كل من الشريكين للنصف مثلا
من المال بنحو الإشاعة، وحيث يراد اخراج الملك عن الإشاعة وتعين حق كل
واحد من الشريكين، يقسم المال بحسب السهام، فيكون التقسيم تعيين كل من
النصفين لكل من الشريكين مثلا، فيتحصل أن معنى التقسيم اخراج المال عن حال
كونه مملوكا للشريكين بالإشاعة إلى حال تعيين ملك كل واحد منهما فيه، بتعيين
مصاديق كل الأجزاء لكل منهما، وهذا الوجه أحسن الوجوه في هذا المقام.
حكم نصب القاسم:
قال المحقق: (ويستحب للإمام أن ينصب قاسما كما كان (1) لعلي عليه السلام).
أقول: هذا الحكم لا ريب فيه كما في الجواهر، لأن نصب القاسم من المصالح
العامة، وعن القواعد الاجماع عليه.
وأن تعبيره ب‍ (النصب) يفيد أن ذلك منصب من المناصب، ولازم ذلك أن
يكون للقاسم ولاية على التقسيم كما للحاكم ولاية على الحكم، ويكون ما فعل نافذا
على الشريكين كما ينفذ حكم الحاكم على المتخاصمين، ولو لم يرض أحدهما

(1) واسمه عبد الله بن يحيى كما في المبسوط 8 / 133 وقيل إنه الخضرمي الذي
ذكره في تنقيح المقال 2 / 223: عبد الله بن يحيى الخضرمي وقال: قد عد الشيخ الرجل
من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وفي رجال البرقي أنه من أصحاب أمير المؤمنين (ع)
الذين كانوا شرطة الخميس، وأن أمير المؤمنين قال لعبد الله بن يحيى الخضرمي يوم
الجمل: أبشر يا ابن يحيى فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا.
38

بالتقسيم حكم الحاكم به من باب كونه وليا على الممتنع وكان التقسيم نافذا.
وإذ كانت القسمة منصبا وكان القاسم منصوبا من قبل الإمام عليه السلام أو الحاكم
لزم وجود الشرائط الآتية فيه. قال المحقق قدس سره:
صفات القاسم:
ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل والايمان العدالة)
أقول: لا شبهة ولا خلاف في اشتراط كونه بالغا عاقلا، إذ لا عبرة بأفعال
الفاقد للبلوغ والعقل، كما لا ريب ولا خلاف في اعتبار الايمان والعدالة فيه، لأن
صاحب هذا المنصب ذو ولاية، وقد قال الله عز وجل: (لا ينال عهدي الظالمين) (1)
قال: والمعرفة بالحساب).
أقول: وكذا نحوه مما تحتاج إليه القسمة غالبا.
قال: (ولا يشترط الحرية).
أقول: ظاهر الجواهر الاجماع على عدم اشتراط الحرية في القاسم، فيجوز
أن يتولى ذلك العبد الجامع للشرائط المعتبرة بإذن المولى.
قالوا: ويشترط فيه القصد بأن يقسم المال ويفرز الحقوق مع القصد والانشاء
كما يصدر الحاكم الحكم كذلك.
قال: (ولو تراضى الخصمان بقاسم لم يشترط فيه العدالة)
أقول: أما بناءا على عدم كون القسمة منصبا من المناصب، فإنه حيث يريد
القاسم القسمة الاجبارية فإن القدر المتيقن من القسمة النافذة قسمة المؤمن العدل،
ولا يوجد عندنا اطلاق لنتمسك به لأجل نفوذ قسمة مطلق القاسم، وأما قاسم
الإمام عليه السلام ففي الخبر أنه كان من شرطة الخميس وكان مبشرا بالجنة.
وأما إذا كان القاسم معينا من قبل الشريكين فلا حاجة إلى العدالة والايمان،
إذ المفروض رضا هما بما يفعله كما لهما أن يقتسما المال بأنفسهما نعم لا بد

(1) سورة البقرة: 124.
39

من كون القاسم الذي يتراضيان بتقسيمه مكلفا، لأن عمل الصغير لم يمضه الشارع
في مورد. وقيل: لا مانع من أن يتصدى الصغير عملا من باب المقدمة، للتقسيم، كأن
يكون أداة ووسيلة لذلك، وفيه: أنه لا يتحقق الافراز إلا بالتقسيم والقرعة، فالذي
يفرز المشاع هو نفس التقسيم، وبالقرعة يتعين حق كل واحد من الشريكين،
فالتقسيم إذا عمل يترتب عليه أثر فلا يجوز أن يقوم به الصغير، ولا يتصور عمل
آخر غير التقسيم والقرعة ليكون مقدمة يجوز قيام الصغير به.
إذن لا بد من كونه مكلفا بالبلوغ والعقل، ولكن لا يشترط فيه الايمان والعدالة
قال المحقق: (وفي التراضي بقسمة الكافر نظر، أقربه الجواز كما لو تراضيا بأنفسهما
من غير قاسم).
أقول: وما قربه هو الأقوى، فإنه لا مانع من أن يتصدى الكافر ذلك في
صورة كونه معينا منهما، وليس للقاسم سلطنة حتى يمنع عملا بقوله تعالى: (ولن
يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (1).
نعم فيما قيل إنه منصب من المناصب الشرعية كالقضاء مثلا وقيل إن له
ولاية على المقتسمين، فلا بد له من الايمان والعدالة ويكون نصبه من قبل الإمام عليه السلام
أو نائبه الخاص أو العام أدام الله وجود نوابه في الأنام.
هل يشترط الرضا بعد القرعة؟
قال المحقق قدس سره (والمنصوب من قبل الإمام تمضي قسمته بنفس القرعة
ولا يشترط رضاهما بعده).
أقول: لا خلاف ولا اشكال في ذلك، لما تقدم من تحقق الولاية له من
جهة كونه منصبا، فيكون تقسيمه نافذا مطلقا كما ينفذ حكم الحاكم في حق
المتخاصمين.
قال: (وفي غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة. وفي هذا اشكال من

(1) سورة النساء: 141.
40

حيث أن القرعة وسيلة إلى تعيين الحق وقد قارنها الرضا)
أقول: إنما الكلام في القاسم الذي رضيا بتقسيمه، ففي اشتراط رضاهما بعد
القرعة قولان، ودليل الاشتراط هو: أن كلا منهما يريد التصرف في السهم الذي
وقع له، فلا بد من رضاهما معا بالتقسيم والقرعة بعدها حتى يجوز لهما التصرف،
لأن ذلك هو القدر المتيقن ولا يوجد اطلاق يؤخذ به في المقام. ودليل العدم هو:
إن المفروض رضاهما بالقرعة وهذا الرضا يكفي لجواز التصرف، لأن (الناس مسلطون
على أموالهم وأنفسهم).
أقول: إن كان دليل السلطنة: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) مشرعا
جاز التمسك به لعدم الاشتراط، وإن لم يكن مشرعا بل كان مفاده سلطنة المالك
على ملكه وجواز تصرفه فيه بانحاء التصرف في حدود الشرع والمعينة من قبل
الشارع فلا، لأن القدر المتيقن من الأدلة الشرعية لجواز التصرف حينئذ صورة
الرضا بعد التقسيم والقرعة.
هذا ولكن بناءا على ما تقرر من كون القسمة من الأمور التي بها يفرز المال
المشاع وتزال الشركة، فإنه يلزم رضى الشريكين ويشترط كون القرعة بطيب
النفس، وحيث كانت كذلك فلا لزوم للرضا بعد تحقق القرعة، فيكون القسمة
كسائر المعاملات من هذه الجهة، ففي البيع مثلا يشترط شروط، وحيث أجريت
صيغة البيع بشروطها لا يشترط أن يقول كل من المتبايعين بعدها: رضيت، إذ لا دليل
عليه، فالاشكال الذي ذكره المحقق قدس سره وارد، والأقوى هو القول بعدم اشتراط
الرضا بالقرعة بعدها.
وهل يشترط القرعة؟
هذا وعن جماعة القول بأن الأمر يتحقق بالقسمة عن تراض، وهي كافية لتعين
الحقوق من دون حاجة إلى القرعة، لا سيما وأنه لا تعرض إلى القرعة في الأخبار،
وأن القرعة لكل أمر مشكل، وأنه ليس في نصوص الشركة إشارة إلى أن زوالها
41

يكون بالقرعة، بل لقد قال بعضهم بأن الأخذ بالقرعة هنا متابعة للعامة، وفي
المسالك: (بل ينبغي أن يتعين بتراضيهما على القرعة وتخصيص كل واحد من
الشركاء بحصته وإن لم يحصل القرعة كما يصح المعاطاة في البيع، إلا أن
المعاطاة يتوقف لزومها على التصرف من حيث أن ملك كل واحد من العوضين
كان للآخر، فيستصحب ملكه إلى أن يتصرف أحدهما بإذن الآخر، فيكون رضا
منه بكون ما في يده عوضا عن الآخر. أما القسمة فإنها مجرد تمييز أحد النصيبين
عن الآخر، وما يصل إلى كل منهما هو عين ملكه ولا يكون عوضا عن ملك الآخر،
فيكفي تراضيهما عليها مطلقا، ومن جعلها بيعا مطلقا أو على بعض الوجوه يناسبه توقف
اللزوم على التصرف كالبيع معاطاة. واشترط في الدروس تراضيهما بعد القرعة في
غير قسمة منصوب الإمام عليه السلام مع اشتمالها على الرد خاصة وهو حسن، وفي اللمعة:
اكتفي بتراضيهما عليها من غير قرعة مطلقا. وهو أجود، واختاره العلامة في القواعد.
وقد أشكل على ما ذكر بأن قياس القسمة على المعاطاة مع الفارق، لأن المعاطاة
بناء على إفادتها الملك وجواز الرجوع فيها ما دامت العينان باقيتين بيع عند
العرف، وقد أمضى الشارع ذلك، وأما القسمة فعنوان آخر، ولا يوجد في نصوصها
اطلاق يفيد نفوذها ولزومها حتى يقال بأن القسمة تتحقق بالدليل ولا حاجة إلى
القرعة، وقوله تعالى: (وإذا حضر القسمة.) لا اطلاق فيه ولا يبين كيفية
القسمة، وحينئذ فإن تحققت القسمة مع القرعة كانت المعاملة متحققة بالاجماع وبها يتم
النقل والملك لكل واحد من الشريكين، وليس هنا تصرف في مال الغير حتى
يقال بجوازه بالرضا لقوله: (لا يحل.)) لأنه يريد أخذ ماله وتعيين حقه (1).

(1) والحاصل في المقام ثلاثة أقوال:
أحدها: اعتبار القرعة في حصول القسمة سواء رضيا بها أو لا. واستدل عليه
بجريان أدلة القرعة في هذا المقام. وإن ظاهر تلك الأدلة هو اللزوم. فراجعها في وسائل
الشيعة 18 الباب الثالث من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
والثاني: حصول القسمة بمجرد التراضي من دون حاجة إلى القرعة. واستدل عليه
بعموم (الناس مسلطون على أموالهم) وقوله: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه).
والثالث: حصولها بالقرعة المتعقبة بالرضا. واستد عليه باستصحاب بقاء
الشركة وأصالة عدم ترتب أثر القسمة على مجرد القرعة، فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو
القرعة المتعقبة بالرضا. هذا، وظاهر السيد الأستاذ قده هو قول الأول، وتماميته يتوقف على اطلاق أدلة
القرعة أو شمولها لصورة عدم التخاصم، إلا أن لدعوى اختصاصها بصورة التخاصم وعدم
جريانها في المقام حيث يتراضى الطرفان بقسمة القاسم مجالا.
42

هل تتحقق القسمة بالصلح؟
وهل تتحقق القسمة بالمصالحة؟ توقف فيه بعضهم، لكن الظاهر أن المصالحة
تبديل ومعاوضة بين السهمين، ونتيجتها كون كل واحد من الشريكين مالكا للعين
التي بيده مثلا، كما يتحقق ذلك بالبيع والشراء بينهما.
نعم قد يستشكل في هذا البيع أو الصلح بناءا على لزوم كون العوضين معينين
في الخارج في البيع والصلح، فلا يصح بيع أحد العبدين أو ايقاع الصلح عليه
لفقدان الشرط المذكور في المعاملة.. وحينئذ لا يمكن التوصل إلى نتيجة
القسمة وهو افراز السهمين وتعيين الحق لكل من الشريكين عن طريق البيع
والصلح بينهما.
وهل يؤثر رضا المالك لو قسم ماله فضول واقترع عليه؟ فيه اشكال، وحينئذ
تستصحب الشركة.
وبناءا على لزوم الرضا بعد القرعة يشترط رضاهما حتى لو كان القاسم
الإمام أو المنصوب من قبله، وحيث يكون التقسيم عن اجبار يلزم رضا الحاكم
لأنه ولي الممتنع.
عدم الفرق بين قسمة الرد وغيره:
ثم إن القسمة تارة تشتمل على رد وذلك عندما يخرج لأحد الشريكين
النصيب الأوفر من الآخر، فيؤخذ شئ من صاحب الزيادة في مقابلها ويدفع
إلى الآخر لعدم امكان تقسيم المال المشترك إلى سهمين متساويين، فيحصل التعديل
43

بين الحقين وأخرى لا تشتمل عليه، فبناء على عدم اشتراط الرضا بعد القرعة لا يفرق
بين الموردين، وفصل بعضهم فاشترطه في الصورة الأولى، لأنه في تلك الصورة
توجد معاوضة أخرى، وهي المعاوضة بين ما يؤخذ من صاحب النصيب الأوفر
وما يأخذه من سهم الآخر، فلا بد فيها من رضا الطرفين.
والجواب كما في الجواهر أن قسمة الرد قسم من القسمة المفروض افرازها
بالقرعة، وإن استتبعت وجوب الرد على من خرج له النصيب الأوفر بها فهو استحقاق
آخر يتبع القسمة المزبورة، وليس هو معاوضة مستقلة خارجة عن القسمة كي
يعتبر فيها التراضي، وسيأتي تفصيل الكلام على هذه المسألة حيث يعنونها المحقق
قدس سره.
في أجزاء القاسم الواحد وعدمه:
قال المحقق قده: (ويجزئ القاسم الواحد إذا لم يكن في القسمة رد، ولا بد
من اثنين في قسمة الرد لأنها تتضمن تقويما، فلا ينفرد الواحد به، ويسقط اعتبار الثاني
مع رضا الشريك).
أقول: أما في صورة عدم اشتمال القسمة على رد فلا خلاف في كفاية القاسم
الواحد، لتحقق القسمة به كما يتحقق البيع بالواحد، سواء كان القاسم منصوبا
من قبل الحاكم أو كان منصوبا من قبل الشريكين بأن يوكلاه في ذلك وأما
صورة اشتمالها على رد، فقد ذكر المحقق أنه (لا بد من اثنين) وفي المسالك:
القسمة إن اشتملت على رد فلا اشكال في اعتبار التعدد في القاسم حيث لا يتراضى
الشريكان بالواحد، لأن التعدد يشترط في المقوم مطلقا من حيث إنها شهادة.
وقد أشكل في الجواهر على ذلك بوجوه: (الأول) ما سمعته من نصب علي عليه السلام
قاسما واحدا و (الثاني) أن التقويم غير منحصر في قسمة الرد، فإن كثيرا من
الأموال المشتركة المختلفة كالحيوانات ونحوها لا تقسم إلا بالتقويم وإن لم يكن
فيها رد و (الثالث) أن التقويم لا مدخلية له في القسمة وإنما هو من مقدماتها.
44

قلت: إن اطمأن الشريكان بأنه قد قسم مع العدالة من جميع الجهات كفى
القاسم الواحد، ولا حاجة إلى التقويم، سواء كانت القسمة عقدا أو ايقاعا أو حكما
على اختلاف الوجوه والأقوال وإن كان الظاهر كونها بالعقد أشبه، ولعله من
هذه الجهة لم ينقل احتياج قاسم أمير المؤمنين عليه السلام إلى المقوم، ولذا لو قسم أحدهما
برضا الآخر كفى. نظير ما ذهب إليه بعضهم من جواز تولي الواحد لاجراء عقد
النكاح وكالة عن الزوجين، فإن قسم القاسم وشك في كونه بالعدل وذكر أنه قد
قسم بالعدل كان قوله متضمنا للشهادة فلا بد من شاهد آخر معه، ولعل ذهاب
المحقق والجماعة إلى لزوم التعدد في صورة الاشتمال على الرد هو من جهة أن
الغالب في مثل ذلك وقوع الاحتياج إلى التقويم، ومع عدمه أجزأ القاسم الواحد.
الكلام في أجرة القاسم:
قال المحقق قده: (وأجرة القسام من بيت المال، فإن لم يكن إمام أو كان
ولا سعة في بيت المال كانت أجرته على المتقاسمين).
أقول: هذا بالنسبة إلى القاسم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام، فإن أجرته تكون
على بيت المال لأنه معد للمصالح، لكن ذلك يختص بصورة اجبار الإمام المتقاسمين
على التقسيم، وأما وجوبها على بيت المال في المورد الذي لم يأمر فيه الإمام بالقسمة
فبعيد، فكان الأولى التقييد بما ذكرناه، وحيث طلبا من الإمام عليه السلام ارسال القاسم
لأجل التقسيم كانت الأجرة عليهما، لأن عمله محترم وهما قد طلباه، فعليهما الأجرة
لا على بيت المال وإن كان فيه سعة.
وأما إذا طلب أحدهما دون الآخر فأمر الإمام بالتقسيم فهل عليه دفع ما يجب
على الراضي منهما أيضا من بيت المال؟ الظاهر هو العدم.
والمشهور بل ادعى الاجماع على أخذ الأجرة من كليهما وإن كان أحدهما
ممتنعا وكان التقسيم بأمر الحاكم و اجباره، وكذا لو لم يمتنع أحدهما بل رضى بكلا
الأمرين بقاء الشركة والتقسيم على السواء فأمر الحاكم بالتقسيم، قالوا لأن التقسيم له
45

أثر ونفع بالنسبة إليه أيضا.
وفيه: أن توجه النفع الذي لم يطلبه لا يوجب دفع شئ عليه، وتحقق
الاجماع في هذا المقام بعيد. وكذا لو رضى بالتقسيم من غير أن يطلبه، أو رضى
الحاكم به من قبله، فإنه لا يجب عليه شئ إلا عدم الامتناع عن التقسيم، وكذلك
الحاكم إن رضى من قبله بالولاية. فالأقوى في جميع هذه الموارد توجه كل
الأجرة على من طلب التقسيم. هذا، ومقتضى القواعد كفاية رفع اليد عن المال وعدم
وجوب تسليمه.
قال المحقق قدس سره: (فإن استأجره كل واحد بأجرة معينة فلا بحث).
أقول: إن استأجر كلا الشريكين القاسم بعقد واحد لأجل التقسيم بأجرة
معينة وجب عليهما معا دفع الأجرة، وإن استأجره كل واحد بالاستقلال وبأجرة معنية
قال المحقق: فلا بحث، وهو صريح في الجواز، وقد أشكل عليه من جهة أن العمل
واحد وينتفع منه كلاهما، فإذا استأجره أحدهما لهذا العمل لم يصح استيجار الثاني
إياه له، لأن هذا العمل مملوك الأول، فكيف يأخذ مالا بإزاء هذا العمل نفسه من
الشريك الثاني؟ وبعبارة أخرى: أنه يتحصل من افراز سهم المؤجر كون سهم
الآخر مفروزا كذلك، فيكف يجعل نفسه أجيرا لتحصيل ما حصل؟.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يصير الشخص الواحد وكيلا من طرف البائع
للايجاب ومن طرف المشتري للقبول في معاملة واحدة؟.
قلنا: إنه قياس مع الفارق كما هو واضح.
وقد أشكل عليه أيضا بأن فرز مال أحدهما مقدمة لفرز مال الآخر، فإذا أوجر
من قبل أحدهما كانت إجارة الثاني باطلة، لأنها تكون على عمل وجب عليه اتيانه
بإجارة الأول من باب المقدمة.
لكن فيه: إن العمل واحد غير أن الذي يتحصل منه أمران، وليس باثنين حتى
يكون أحدهما مقدمة للآخر.
46

وقد ذكر في المسالك الاشكال الأول وقال: (وأجيب بأن السؤال مبني على
أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستيجار القسام لافراز نصيبه ولا سبيل إليه، لأن
افراز نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخرين ترددا وتقديرا، ولا سبيل إليه
إلا برضاهم، نعم يجوز أن ينفرد واحد منهم برضا الباقين فيكون أصلا ووكيلا ولا
حاجة إلى عقد الباقين، وحينئذ إن فعل ما على كل واحد منهم بالتراضي فذاك، وإن
أطلق عاد الكلام في كيفية التوزيع).
وقد أشكل على هذا الجواب بأن الإجارة للتقسيم المستلزم للتصرف في مال
الشريك بدون إذنه غير صحيحة، وأما إذا كانت الإجارة في مورد لا يستلزم التقسيم
فيه التصرف، كأن يكون القاسم عالما بوزن المال أو مساحة الأرض مثلا عاد الاشكال.
أقول: هذا كله بالنسبة إلى التصرف الخارجي، لكن الافراز في حد ذاته
تصرف فلا يجوز القيام به ولا يتحقق إلا مع إذن الشريك، وحينئذ تكون إجارة الأول
باطلة.
وكما يمكن أن يكون القاسم عالما بخصوصيات المال بحيث لا يحتاج إلى
التصرف في نصيب الشريك الآخر، كذلك يمكن تحصيل رضا الشريك بهذا المقدار
من التصرف اللازم لمعرفة خصوصيات المال، فيكون نظير ما إذا وكله في شراء دار
مثلا، فإن معناه أنه إن رضى مالكه أو باعها فاشترها منه، وأما إذا لم يرض لغت الوكالة،
فيكون كبيع الفضولي مع عدم إجازة المالك، فلو باع شخص مال غيره فضولة،
أي أنشأ تمليكه الغير بدون رضى المالك فإن هذا فعل لغو وليس حراما لأن المفروض
عدم وقوع التصرف فيه.
وهنا إن للتقسيم كان في الحقيقة إجارة مشروطة بإجازة الشريك، فقيل بعدم
الصحة أيضا، وقال في الجواهر: إذا كان انشاء الإجارة مشروطا بإجازة الآخر فإن
إجارة الأول باطلة للتعليق، وإن كان انشاء مراعى بإجازة الآخر مثل بيع الفضولي
فإن انشاء منجز لكنه مراعى شرعا، فإن رضى الثاني بالإجارة تمت وأثرت الإجازة.
47

فهذا معنى قول صاحب الجواهر: اللهم إلا أن يراد أن الأولى وقعت مراعى صحتها
بوقوع الثانية، ولكن فيه: إن المراعى في بيع الفضولي إن المالك يجيز نفس عمل
الفضول، وهنا إن أجاز الثاني نفس عمل الأول كان عمله ممضى بهذه الإجارة ولا
يكون شريكا معه في الإجارة، وإن كانت إجازة الثاني بمعنى انشائه الإجارة عاد
الاشكال، ولذا قال هو: والتحقيق عدم صحة الثانية حيث تصح الأولى من دون مراعاة
للثانية مع كون المستأجر عليه شيئا واحد.
هذا ولو وكل أحد الشريكين الآخر في التقسيم فآجر الشريك أصالة عن
نفسه ووكالة عن شريكه من يقسم المال وجب عليهما معا دفع الأجرة.
قال المحقق قده: (وإن استأجروه في عقد واحد ولم يعينوا نصيب كل واحد
من الأجرة لزمتهم الأجرة بالحصص وكذا لو لم يقدروا أجرة كان له أجرة المثل عليهم
بالحصص لا بالسوية).
أقول: ادعى في الجواهر اجماع الطائفة على مراعاة الأجرة بالحصص،
واستدل له الشيخ قدس سره بأنا راعيناها على قدر الرؤوس ربما أفضى إلى
ذهاب المال، كأن يكون بينهما لأحدهما عشر العشر سهم من مأة سهم والباقي للآخر
ويحتاج إلى أجرة عشرة دنانير على قسمتها، فيلزم من له الأقل نصف العشرة، وربما
لا يساوي سهمه دينارا واحد، فيذهب جميع المال وهذا ضرر، والقسمة وضعت
لإزالة الضرر فلا يزال بضرر أعظم منه.
واستدل له كاشف اللثام بقوله: ولأن الأجرة تزيد بزيادة العمل، والعمل
يزيد بزيادة المعمول، فكل من كانت حصته أزيد فالعمل له أزيد، كمن يسقي
جريبين من الأرض فعمله أزيد من يسقي جريبا، وإن تحمل المشقة أكثر، وكمن
رد عبدا قيمته مائة فعمله أزيد ممن رد عبدا قيمته خمسون، والغموض في قلة النصيب
إنما جاء من كثرة نصيب الآخر.
وفي الواعد وغيرها احتمال التساوي للتساوي في العمل، فإنه ليس إلا افرازا
48

أو حسابا أو مساحة. والكل مشترك بينهما، بل قد يكون الحساب في الأقل أغمض
وقلة النصيب توجب كثرة العمل لوقوع القسمة بحسب أقل الأنصباء، فإن لم يجب
على الأقل نصيبا من الأجرة أزيد فلا أقل من التساوي.
قال في الجواهر: ولكن لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، بل عن الشافعي
وأبي حنفية ومالك موافقتنا على ذلك، نعم هو محكي عن أحمد بن حنبل، ونقض
عليه الفاضل في القواعد بالحفظ للمال المشترك، فإن له الأجرة بالحصص مع
التساوي في العمل..
قلت: ومثله حمل المال المشترك من مكان إلى آخر، فإن له الأجرة بالحصص،
لكن التحقيق اختلاف الموارد وأنه لا تدور الأجرة مدار نتيجة العمل في كل مورد،
مثلا: لا يفرق في الأجرة بين حمل الحنطة وحمل الرز من مكان إلى آخر مع
وحدة المسافة واتحادهما في الوزن وإن كان الرز أغلى من الحنطة، وصاحب
المطبعة يطبع كل ملزمة من الكتاب بأجرة معينة، فهو يأخذ أجرته في مقابل عمله من
غير فرق بين أن يكون الكتاب من الكتب العلمية النفسية ماديا ومعنويا، أو يكون كتابا
رضيعا كذلك، ففي هذه الموارد يلحظ العمل نفسه، وأما في حمل المال المشترك أو
تقسيمه فالسيرة العقلائية هي النظر إلى نتيجة العمل بالنسبة إلى كل واحد من الشركاء
فإذا آجروه كلهم للحمل أو القسمة قسمت الأجرة عليهم بالحصص، لأن حرمان
صاحب التسعة أعشار من الاستفادة من المال لأجل الشركة تسعة أضعاف حرمان
صاحب العشر، فتكون استفادته من المال بالتقسيم تسعة أعشار استفادته فعليه تسعة
أعشار الأجرة. فالحق هو الاستدلال بالاجماع و بقاعدة نفي الضرر كما عن الشيخ
قدس سره في الخلاف.
النظر في المقسوم:
قال المحقق قدس سره: (وهو إما متساوي الأجزاء كذوات الأمثال مثل
الحبوب والأدهان، أو متفاوتها كالأشجار والعقار، فالأول يجبر الممتنع مع مطالبة
49

الشريك بالقسمة لأن الانسان له ولاية الانتفاع بماله والانفراد أكمل نفعا).
أقول: قسم المحقق قدس سره المقسوم إلى قسمين، أي إلى المتساوية
أجزاؤه من حيث الوصف والقيمة كذوات الأمثال مثل الحبوب والأدهان، وإلى
المتفاوتة أجزاؤه كالأشجار والعقار، وقد حكم في القسم الأول بجواز اجبار الممتنع
مع مطالبة الشريك بالقسمة، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به
بعضهم، بل الظاهر الاتفاق عليه، ولعله العمدة بعد قاعدة وجوب ايصال الحق إلى
مستحقه مع عدم الضرر والضرار في القسمة المفروض شرعيتها، وأما الثاني ففيه
تفصيل كما سيأتي.
قال المحقق: (ويقسم كيلا ووزنا متساويا ومتفاضلا ربويا كان وغيره لأن
القسمة تمييز حق لا بيع).
أقول: وحيث يراد التقسيم، فإنه يقسم المكيل والموزون وغيرهما كيلا
ووزنا وغير ذلك متساويا ومفاضلا، ربويا كان المقسوم وغيره، وذلك لأن القسمة
كما سبق في أول البحث معاملة مستقل يقصد بها تمييز حق أو تعيين حق، لا بيع
فلا يشترط فيها ما يشترط في البيع من القبض في المجلس في النقدين والعلم
بالوزن والوصف وعدم الاشتمال على الربا، وحينئذ فإذا قسم بالتساوي بحسب
العين أو بحسب القيمة جاز وإن كان مع الجهل بالوزن أو الوصف،. وكذا
لا يثبت في القسمة الخيار لأحد المتقاسمين.
قال ثاني الشهيدين: لو ترك قوله متساويا ومتفاضلا كان أولى، وإليك نص
كلامه:
(وأما قوله متساويا ومتفاضلا فالأصل في القسمة أن يكون بنسبة الاستحقاق،
فإذا كان المشترك بينهما نصفين كان افرازه نصفين، وإن كان بينهما أثلاثا كان
افرازه كذلك، والتفاضل في الثاني بحسب الصورة وإلا فهو متساو حقيقة، لأن
مستحق الثلث له فيما في يد صاحب الثلثين ثلث ولصاحب الثلثين فيما في يد
50

صاحب الثلث ثلثاه، فالقسمة على هذا الوجه موجبة للتسوية بينهما بالنظر إلى أصل
الحق، وإن أراد بالتفاضل ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة على حقه فليس ذلك
بداخل في حقيقة القسمة بل هو هبة محضة للزائد، فلو ترك قوله متساويا ومتفاضلا
كان أولى).
قال في الجواهر: وفيه أن معنى كلام المحقق هنا أنه لو فرض كون الاشتراك
في جيد الحنطة ورديئها بحيث كان المنان من الردئ يساوي المن الواحد
من الجيد جاز ولا يلزم
الربا، لأنه تقسيم أي تعيين لحق كل واحد وليس بيعا، وإن كان التقسيم في
حقيقته معاوضة.
قلت: لكن ظاهر العبارة لا يساعد هذا المعنى، فإنه يقول: المقسوم إما متساوي
الأجزاء كذوات الأمثال أو متفاوتها فالأول يجبر الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة
فلو فرض كونهما شريكين في الجيد والردئ فإن أخذ المنين من الردئ في مقابل
المن من الجيد ليس تقسيما اجباريا بل من التقسيم المشتمل على الرد.
قال المحقق: (والثاني إما أن يستضر الكل أو البعض أو لا يستضر أحدهم،
وفي الأول لا يجبر الممتنع كالجواهر والعضائد الضيقة، وفي الثاني: إن التمس
المستضر أجبر من لا يتضرر، وإن امتنع المتضرر لم يجبر.)
أقول: هذا حكم المقسوم المتفاوتة أجزاؤه، وتفصيله أنه إما أن يستضر كل
الشركاء بقسمته أو بعضهم أو لا يستضر أحدهم.
أما الثالث فالحكم فيه واضح، فإنه يقسم بلا كلام، وأما إذا كان المال
مما يوجب تقسيمه الضرر على كل الشركاء فلا يقسم إلا برضاهم جميعا، ولا يجبر
الممتنع، منهم بل لا يجوز التقسيم الموجب للتلف حتى مع رضاهم، فلا بد من التقسيم
بطريق آخر من بيع أو صلح أو مهاياة، وإن كان الضرر متوجها إلى بعضهم
فإن امتنع المتضرر لم يجبر لقاعدة نفي الضرر، وإن كان الملتمس للقسمة وهو المستضر
51

أجبر من لا يتضرر، وعلى كل حال فلا بد من أن لا يكون الضرر فاحشا أو موجبا
للسقوط عن المالية، وإلا قسم بنحو آخر.
وإن استلزم بقاء المال على الشركة ضررا أكثر من الضرر اللازم بالتقسيم
قسم.
وأما إذا توقف التقسيم على الرد قسم المال كذلك بلا اجبار كما سيأتي.
ولو كان الأقل ثمنا أكثر مرغوبية فهل يراعى في القسمة جهة المرغوبية أو
يراعى جهة المالية؟ وجهان مبنيان على حد دلالة قاعدة لا ضرر ولا ضرار، فإن كانت
رافعة لخصوص الضرر المالي فالمفروض عدمه هنا لأجل التعديل بالقيمة، وإن قلنا
بأنها ترفع الضرر الغرضي أيضا منعت التقسيم المضر بالعرض وإن لم يلزم
الضرر المالي.
أقسام القسمة:
فظهر أن القسمة على قسمين: قسمة اجبار وقسمة تراض، وقد ذكر المحقق
هذا بقوله: (ثم المقسوم إن لم يكن فيه رد ولا ضرر أجبر الممتنع، وتسمى قسمة
اجبار، وإن تضمنت أحدهما لم يجبر وتسمى قسمة تراض).
فإن لم يكن في البين رد ولا ضرر أجبر الممتنع عن التقسيم، لا الانسان له
ولاية الانتفاع بماله والانفراد أكمل نفعا، والمفروض عدم المانع من اعمال هذه
الولاية، وهذه قسمة الاجبار، وإن كان هناك رد أو ضرر فلا يجوز اجبار الممتنع
عن التقسيم، بل يقسم بأي نحو تحقق به رضا جميع الأطراف وهذه قسمة التراضي.
وعلى هذا الأساس قال المحقق: ((ويقسم الثوب الذي لا تنقص قيمته بالقطع
كما تقسم الأرض) أي المتساوية الأجزاء قسمة اجبار، لأن المفروض عدم الضرر
وعدم الرد فيها، (وإن كان ينقص بالقطع لم يقسم لحصول الضرر بالقسمة) قال:
(وتقسم الثياب والعبيد بعد التعديل بالقيمة قسمة اجبار) لأن التعديل رافع للضرر
المانع من الاجبار.
52

لكن في المسالك: (ومنهم من قسمها ثلاثة أقسام: قسمة الافراز وهي أن
يكون الشئ قابلا للقسمة إلى أجزاء متساوية الصفات كذوات الأمثال وكالثوب
الواحد والعرصة الواحدة المتساوية، ولا اشكال في كون هذا القسم اجباريا مع
بقاء الحصص بعد القسمة منتفعا بها أو حافظة للقيمة كما مر.
والثاني: قسمة التعديل، وهي ما تعدل سهامها بالقيمة، وهي تنقسم إلى
ما يعد شيئا واحدا وإلى ما يعد شيئين فصاعدا، فالأول ما يعد شيئا واحدا كالأرض
التي تختلف قيمة أجزائها. ومقتضى عبارة المصنف قسمة هذه اجبارا الحاقا
للتساوي في القيمة بالتساوي في الأجزاء، ويحتمل عدم الاخبار هنا لاختلاف
الأغراض والمنافع، والوجهان جاريان فيما إذا كان الاختلاف لاختلاف الجنس
كالبستان الواحد المختلف الأشجار، والدار الواحدة المختلفة البناء. والأشهر
الاجبار في الجميع.
والثاني ما يعد شيئين فصاعدا، وهو ينقسم إلى عقار وغيره:
فالأول كما إذا اشتركا في دارين أو حانوتين متساويتي القيمة، وطلب أحدهما
القسمة بأن يجعل لهذا دارا، ولهذا دارا. ولا يجبر الممتنع هنا سواء تجاور
الداران والحانوتان أم تباعدا، لشدة اختلاف الأغراض باختلاف المحال والأبنية
فيلحقان بالجنسين المختلفين. ولو كان بينهما دكاكين متلاصقة لا يحتمل آحادها
القسمة وتسمى العضائد فطلب أحدهما أن يقسم أعيانها ففي اجبار الممتنع
وجهان أظهر هما العدم وسيأتي.
وأما غير العقار، فإذا اشتركا في عبيد ودواب أو أشجار أو ثياب، فإما أن
يكون من نوع واحد أو من متعدد، فإن كانت من نوع واحد وأمكن التسوية بين
الشريكين عددا وقيمة كعبدين متساويي القيمة بين اثنين وثلاث دواب متساوية
القيمة بين ثلاثة، فالذي اختاره المصنف والأكثر أنه يجبر على قسمتها أعيانا ويكتفى
بالتساوي في القيمة، بخلاف الدور لشدة اختلاف الأغراض فيها. وفي القواعد
53

استشكل الحكم في العبيد. ونقل في المبسوط عن بعضهم عدم الاجبار هنا، والمذهب
هو الأول. ولو لم يمكن التسوية في العدد كثلاثة أعبد بين اثنين على السوية أحدهما
يساوي الآخرين في القيمة، فإن قلنا بالاجبار عند امكان التسوية فهنا وجهان، ينظر
أحدهما إلى تعادل القيمة، والثاني إلى اختلاف العدد وتفاوت الأغراض. ولو
كانت الشركة لا ترتفع إلا عن بعض الأعيان كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما مائة
وقيمة الآخر مائتان فطلب أخذهما القسمة ليخص من خرجت له القرعة بالخسيس
وربع النفيس ففي اجبار الآخر وجهان مبنيان على المسألة السابقة، فإن قلنا: لا اجبار
هناك فهنا أولى، وإن قلنا بالاجبار هناك فهنا وجهان أصحهما المنع، لأن الشركة
لا ترتفع بالكلية، ولو كانت الأعيان من أنواع مختلفة كالعبد التركي مع الهندي
والثوب الإبريسم مع الكتان مع تساويهما في القيمة ففي اجبار الممتنع وجهان
مرتبان وأولى بالمنع هنا لو قيل به في السابق. وكذا القول لو اختلف قيمتهما وأمكن
التعديل، ويظهر من المصنف وجماعة عدم اعتبار اختلاف النوع مع اتفاق القيمة،
فأما الأجناس المختلفة كالعبد والثوب والحنطة والشعير والدابة والدار فلا اجبار
في قسمة أعيانها بعضها في بعض وإن تساوت قيمتهما.
والثالث: قسمة الرد بأن يكون بينهما عبدان قيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر
ستمائة، فإذا رد آخذ النفيس مائتين استويا. ولا خلاف في كون هذا القسم مشروطا
بالتراضي، وسيأتي الكلام فيه، انتهى.
أقول: وحاصله أنه مع اختلاف الغرض لا يجوز الاجبار، وإن أمكن التعديل
في القيمة بلا رد، قال في الجواهر: وهو كما ترى لا نعرف له مدركا ينطبق على
أصولنا إلا دعوى حصول الضرر في بعض دون آخر، وهي مجرد اقتراح، وإنما
صدر من العامة على أصولهم الفاسدة.
ثم قال في الجواهر: اللهم إلا أن يكون في مختلف جهة الشركة فيه، بمعنى
عدم الشركة في مجموع آحاده وإن تحققت في أفراده بأسباب مستقلة، فإنه لا جبر
54

في قسمة بعض في بعض قطعا، بل الظاهر عدم مشروعية القسمة فيه بالمعنى المصطلح وإن
جازت بنوع من الصلح ونحوه، لكون القسمة حينئذ قسمة معاوضة لا افراز، وذلك
لأنه معها يكون له النصف من كل منهما مثلا، ولا يجب عليه معارضة ما يستحقه في
أحدهما بما لصاحبه في الآخر، إذ ليست هي افراز حينئذ بخلاف ما لو كانت الشركة
في مجموعه، فإن له حينئذ نصفا منه وهو يمكن انطباقه على أحدهما.
ومن ذلك يظهر لك اعتبار الإشاعة في مجموع الأعيان المشتركة التي يراد
قسمتها بعض في بعض، بل لا موضوع للقسمة في غيره مما آحاده مشتركة بأسباب
مستقلة من دون شركة بمجموعه، وليس المراد في الأول اعتبار نصف المجموع
مثلا كي يرد حينئذ عدم جواز قسمة بعض المال المشترك دون بعض أو قسمة بعضه
بالافراز والآخر بالتعديل، والمعلوم خلافه نصا وسيرة، وإنما المراد زيادة مصاديق
النصفية بملاحظة الشركة في المجموع على وجه يصح قسمته بعض في بعض بحيث
يكون النصف أحد المالين مثلا، فتأمل فإنه دقيق نافع. إلى آخر ما ذكره.
وملخصه: عدم امكان القسمة بالقيمة في صورة اختلاف سبب الشركة، فلو اشترك أخوان
في مال بالإرث وفي آخر بالشراء، كان النصف المشاع من كل واحد لكل واحد
من الأخوين، وحينئذ لا يقسم هذان المالان بأن يجعل بعضه في مقابل بعض بالقيمة،
وظاهر كلامه يعم المثلي والقيمي معا.
ولم يتضح لنا وجه هذا التفصيل، لأن كل مال مشترك بالإشاعة يكون
نصف كل جزء لهذا والنصف الآخر منه للآخر، حتى يصل إلى الجزء الذي لا يتجزء
من دون فرق بين اتحاد سبب الشركة وتعدده، وعلى هذا فإنه تجعل المصاديق
الخارجية لكلي النصف ثم تعين لكل واحد بالقرعة، نعم إن النصف الكلي لما
ورثاه لا يكون مصداقا لكلي النصف من المال الذي اشترياه، ولكن إذا قسمت الأموال
من حيث المجموع بلحاظ القمية إلى قسمين مع غض النظر عن سبب الملكية تحقق
المصداق للمملوك، وبالقرعة يتعين المالك لكل نصف.
وعلى الجملة إن اختلاف سبب الملك لا يوجب اختلاف الملك والسيرة قائمة
55

على التقسيم من دون نظر إلى أسباب التملك، فإن ما تركه الميت لوارثه بالإشاعة،
ويقسم بينهم من دون نظر إلى أفراد التركة من حيث أسباب تملك الميت إياها.
قال المحقق قدس سره: (وإذا سألا القسمة ولهما بينة بالملك قسم، وإن
كان يدهما عليه ولا منازع قال الشيخ في المبسوط: لا يقسم وقال في الخلاف: يقسم
وهو الأشبه لأن التصرف دلالة الملك).
أقول: إذا سأل الشريكان الحاكم القسمة فتارة يعلم الحاكم بكون المال
ملكا لهما بالاشتراك، وأخرى: تقوم البينة على ذلك عنده، وثالثة: لا علم ولا بينة
بل لهما يد على المال. فعلى الأولين: لا اشكال ولا خلاف في تصرف الحاكم
بتقسيم المال. وعلى الثالث فعن المبسوط: لا يسمع قولهما بل يطالبان بالبينة على
كون المال لهما، وعن الخلاف أنه يقسم وعليه المشهور، واختاره المحقق بقوله: هو
الأشبه، وفي الجواهر: بل لعله لا خلاف فيه بيننا، بل قد يظهر من بعضهم الاجماع عليه.
وجه المنع: احتمال كون التقسيم حكما والحكم يتوقف على البينة.
ووجه الجواز: إن اليد والتصرف دلالة الملك. وهذا هو المختار،
والاحتياط الذي ذكره صاحب الجواهر (قده)) ليس بلازم.
كيفية القسمة:
إن الحصص لا تخلو من أربع حالات، فتكون القسمة المحتاجة إلى التعديل
على أربعة أقسام:
الأول: أن تتساوى الحصص قدرا وقيمة.
الثاني: أن تتساوى الحصص قدرا لا قيمة.
الثالث: أن تتساوى الحصص قيمة لا قدرا.
الرابع: أن تختلف الحصص قدرا وقيمة.
قال المحقق: (الحصص إن تساوت قدرا وقيمة فالقسمة بتعديلها على السهام، لأنه
يتضمن القيمة كالدار تكون بين اثنين وقيمتها متساوية) فيتحقق التعديل بقسمتها نصفين.
56

وهذا هو القسم الأول، وحيث يتحقق التعديل كما ذكر تصل النوبة إلى القرعة لأجل
تعيين حصة كل واحد من الشريكين، وسيأتي بيان كيفية القرعة.
قال: (وإن تساوت قدرا لا قيمة عدل السهام قيمة وألغى القدر، حتى لو كان
الثلثان بقيمته مساويا للثلث جعل الثلث محاذيا للثلثين) وهذا هو القسم الثاني.
وأما كيفية القرعة ((فهو أن يكتب كل نصف) من النصفين المتساويين قدرا
وقيمة كما في القسم الأول أو قدرا فقط كما في القسم الثاني (في رقعة ويصف كل واحد
بما تميزه عن الآخر ويجعل ذلك مصونا في ساتر كالشمع أو الطين ويأمر من
لم يطلع على الصورة باخراج أحدهما على اسم أحد المتقاسمين فما خرج فله).
أو أن (يكتب كل اسم)) من اسمي الشريكين (في رقعة ويصونهما ويخرج
على سهم من السهمين، فمن خرج اسمه فله ذلك السهم).
قال في الجواهر: والظاهر عدم وجوب خصوص كتابة الرقاع وعدم الصون
في ساتر، بل وعدم وجوب كون المأمور مكلفا، بل وغير ذلك من القيود المزبورة،
إذ المراد حصول التعيين من غير اختيار هما أو وكيلهما، بل يفوضان أمره إلى الله
تعالى ويفعلان ما يفيده، وإن كان الأولى الاقتصار على المأثور والمعهود.
قلت: ومن ذلك عدم وجوب كتابة رقعتين، بل يكفي أن يكتب رقعة واحدة
عليها اسم واحد منهما، فيضع المأمور تلك الرقعة على إحدى الحصتين فيكون ما
خرج لصاحب الاسم، والحصة الثانية للآخر.
قال المحقق: (وإن تساوت الحصص قيمة لا قدرا مثل أن يكون للواحد النصف
وللآخر الثلث وللآخر السدس، وقيمة أجزاء الملك متساوية سويت السهام على أقلهم
نصيبا فجعلت أسداسا) ويعطى لكل واحد سهمه، وتكون العبرة بالتعديل من حيث
القيمة، بأن يعطى لصاحب السدس ما يساوي سدس المجموع قيمة، ولا يكفي بالتعديل
من حيث العدد أو الوزن أو المساحة مثلا.
57

مسائل ثلاث
المسألة الأولى
(في الدار التي لها علو وسفل)
قال المحقق قده: (لو كان لدار علو وسفل فطلب أحد الشريكين قسمتها
بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب من العلو والسفل بموجب التعديل جاز) بلا
خلاف ولا اشكال في الجواهر.
قال: (وأجبر الممتنع مع انتفاء الضرر) أي لما تقدم من أن المانع من الاجبار
هو الضرر، فمع فرض انتفائه يجبر الممتنع عن التقسيم.
قال: (ولو طلب انفراده بالسفل أو العلو لم يجبر الممتنع).
أقول: قال في القواعد: (بل أخذ كل منهما نصيبه من العلو والسفل بالتعديل)
أي كما في الوجه الأول المتقدم، وعلله كاشف اللثام بقوله: (لأن البناء تابع للأرض
والعلو للسفل فإنما يجبر على قسمة تأتي على الأرض، ولأن من ملك شيئا من الأرض
ملك قراره إلى الأرض السابعة وهواه إلى السماء، فلو جعلنا لأحدهما العلو قطعنا
السفل عن الهواء والعلو عن القرار (. قلت: مضافا إلى أنه قد تحدث حادثة توقع النزاع
بينهما كما إذا انهدم سقف السفل فإنه يقع النزاع بين مالك السفل ومالك العلو في
تعميره.
وهناك وجه ثالث من التقسيم لا يجبر الممتنع فيه كالثاني، وقد ذكره المحقق
58

بقوله: (وكذا لو طلب قسمة كل واحد منهما منفردا) أو طلب قسمة أحدهما وبقاء
الثاني على الشركة فامتنع الآخر عن ذلك.
وعلى لجملة أن صور التقسيم مختلفة، والملاك العام ما ذكره المحقق قدس سره
سابقا من أنه متى لزم الضرر أو الرد لم يجبر، ومتى لم يلزم أجبر.
المسألة الثانية
(في قسمة الأرض التي فيه زرع)
قال المحقق قدس سره: (لو كان بينهما أرض وزرع فطلب قسمة الأرض
حسب، أجبر الممتنع).
أقول: وقد نقل هذا عن الشيخ بل الظاهر أنه رأي المشهور، وفيه تأمل، لأنه
إذا طلب أحدهما قسمة الأرض حسب فقال الآخر: لا بل يقسم الكل أي الأرض وما
عليها، فلماذا يجبر هذا ولا يجبر ذاك؟ هذا غير واضح عندنا.
قال المحقق: (لأن الزرع كالمتاع في الدار).
أقول: يعني فرق بين الأرض والبناء وبين الأرض والزرع، فإن البناء
تابع للأرض التي بني عليها، بخلاف الزرع فإنه لا يتبع الأرض بل هو كالمتاع
في الدار، فيجوز بيع الأرض مجردا عن الزرع لعدم التبعية كما تباع الدار، ولا
يباع معها المتاع الموجود فيها، ومن هنا فإذا أراد أحدهما تقسيم الأرض وحدها
أجبر الممتنع، ولازم هذا أنه إذا طلب الآخر تقسيم الزرع أيضا أجبر الآخر على
ذلك لفرض الاستقلال.
قال: فلو طلب قسمة الزرع قال الشيخ: لم يجبر الأرض، لأن تعديل ذلك
بالسهام غير ممكن، وفيه اشكال من حيث امكان التعديل بالتقويم إذا لم يكن فيه جهالة).
أقول: مفاد هذا الكلام هو الاختلاف في امكان التعديل وعدمه، لكن الزار عين
وهم أهل الخبرة بالتقسيم في جميع الحالات إذا توقفوا في كيفية التقسيم يبيعون
الزرع ويقسمون ثمنه.
59

قال:) (أما لو كان بذار لم يظهر لم تصح القسمة لتحقق الجهالة).
أقول: لا خلاف في هذه المسألة، لأن البذر الذي يظهر من الأرض
لا يمكن تقسيمه لعدم المساواة بين الحب الموجود في هذا الجريب من هذه الأرض
وبين الموجود في الجريب الآخر، وإن كان القدر المتعارف بين الزارعين لكل جريب معلوما، ولأنه لا يعلم الفاسد من غيره في البذر الموجود في هذه الأرض،
فما ذهبوا إليه من عدم صحة القسمة حينئذ هو الصحيح بل لا عرفية للقسمة في هذه
الصورة.
قال: (ولو كان سنبلا قال أيضا: لا يصح. وهو مشكل لجواز بيع الزرع
عندنا).
أقول: قال الشيخ في المبسوط: (فإن كان بينهما أرض فيها زرع فطلب
أحدهما القسمة فإما أن يطلب قسمة الأرض أو الزرع أو قسمتهما معا، فإن طلب
قسمة الأرض دون غيرها أجبرنا الآخر عليها، على أي صفة كان الزرع، حبا أو قصيلا (1)
أو سنبلا قد اشتد، لأن الزرع في الأرض كالمتاع في الدار لا يمنع القسمة فالزرع مثله، وأما إن طلب قسمة الزرع وحده لم يجبر الآخر عليه، لأن تعديل الزرع بالسهام لا يمكن. وأما إن طلب قسمتها مع زرعها لم يخل الزرع من ثلاثة أحوال:
إما أن يكون بذرا أو حبا مستترا أو قصيلا، فإن كان حبا مدفونا لم تجز القسمة، لأنا إن
قلنا القسمة افراز حق فهو قسمة مجهول أو معدوم فلا تصح، وإن قلنا بيع لم يجز
لمثل هذا. وإن كان الزرع قد اشتد سنبله وقوى حبه فالحكم فيه كما لو كان بذرا
وقد ذكرناه، وإن كان قصيلا أجبرنا الممتنع عليها، لأن القصيل فيها كالشجر
فيها، ولو كان فيها شجر قسمت بشجرها كذلك هنا).
أقول: لم يتضح لنا وجه تفصيل الشيخ جيدا، وإن حاول صاحب الجواهر
قده بيانه فلاحظ وتأمل.

(1) القصيل ما قطع من الزرع أخضر.
60

المسألة الثالثة
(في قسمة القرحان المتعددة)
قال المحقق: (ولو كان بينهما قرحان متعددة وطلب واحد قسمتها بعضا في
بعض لم يجبر الممتنع).
أقول: لو كان بين الشريكين أملاك متعددة مستقل بعضها عن بعض بحيث
يرى أهل العرف التعدد فيها والاستقلال (بخلاف ما إذا تعددت الغرف في دار
فإن العرف يرى الملك واحدا) فالمشهور عدم جواز الاجبار على تقسيم بعضها
ببعض، بأن تجعل قطعة من العقار في مقابل قطعة، بخلاف ما إذا كان الملك واحدا
فلا مانع من جعل غرفة في مقابل غرفة.
وهذا يكون في الدور المتعددة، والأراضي المتعددة، والدكاكين المتعددة،
والحبوب المختلفة كالحنطة والشعير، أما في الثياب مثلا فيجوز مع التعديل في
القيمة.
وكلمات الأصحاب في عدم الاجبار هنا مطلقة، أي سواء أمكن تقسيم كل
واحد على حدة أو لا، وسواء كانت متجاورة أو لا، وعن ابن البراج أنه قال: إذا
استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضها في بعض. قال: وكذا لو تضرر
بعضهم بقسمة كل على حدة جمع حقه في ناحية.
وفي الجواهر التأمل في تحقق هذه الشهرة، لكن الظاهر تحققها كما في
المسالك ولم ينقل الخلاف في المختلف ومفتاح الكرامة إلا عن ابن البراج
قدس سره، نعم نقل موافقته عن بعض متأخري المتأخرين كصاحب المدارك.
وأشكل في الجواهر فيه بأن ميزان التقسيم الذي يجبر عليه هو قاعدة ايصال الحق
إلى صاحبه، فإن أمكن التقسيم لكل على حدة بلا ضرر فالمتعين تقسيم كل واحد، ولا
يجبر على تقسيم بعض ببعض، وإن لزم من ذلك ضرر أو لم يمكن أجبر الممتنع،
61

خلافا للمشهور حيث منعوا عنه، وكان منعهم بيع المال وتقسيم ثمنه كالجواهر
الضيقة.
لكن وجه ما ذهب إليه المشهور هو: أن التقسيم عبارة عن تمييز حق كل من
الشريكين عن حق الآخر بعد أن كان لكل منهما كلي النصف، فإن كان الملك واحدا
أمكن تقسيمه بالتناصف، وأما إذا كانا شريكين في مالين مختلفين عرفا كالغنم والإبل
مثلا فإن قلنا لأحدهما: اعط حقك من الغنم في مقابل حقك في الإبل كانت معاوضة
ومبادلة عند العرف وليس تمييز حق عن حق.
وبعبارة أخرى: أن أدلة القسمة منصرفة عما إذا كان الجزء المشاع متميزا
في الخارج عند العرف، وأن موردها هو المال المتحد وإن كان له أجزاء متعددة
كالدار المحتوية للبيوت المتعددة.
فهذا وجه ما ذهب إليه المشهور، وما ذهبوا إليه هو الأظهر.
قال المحقق: (ولو طلب قسمة كل واحد بانفراده أجبر الآخر، وكذا لو كان
بينهما حبوب مختلفة).
أقول: هذا لا خلاف فيه كما في الجواهر ولا اشكال، لما تقدم من أنه في كل
مورد أمكن التقسيم بلا ضرر أجبر الممتنع عنه على ذلك.
قال: (ويقسم القراح الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه كالدار الواسعة إذا
اختلفت أبنيتها).
أقول: أي لأن الأصل هو الأرض، والأشجار توابع كالأبنية كما عرفت سابقا.
وعن الشيخ: ويفارق هذا إذا كانت الأقرحة متجاورة، ولكل قراح طريق ينفرد به
لأنها أملاك متميزة، بدليل أنه إذا بيع سهم من قراح لم تجب الشفعة فيه بالقراح
المجاور له، وليس كذلك إذا كان القراح واحدا وله طريق واحدة، لأنه ملك مجتمع
بدليل أنه لو بيع بعضه وجب الشفعة فيه مما بقي، وأصل هذا وجوازه على الشفعة
فكل ما بيع بعضه فوجب فيه الشفعة فهو الملك المجتمع، وكل ما إذا بيع بعضه لم
62

تجب فيه الشفعة لمجاوره كانت أملاكا متفرقة).
قلت: إن الشيخ قدس سره يعطي ملاك الوحدة والتعدد في هذا المقام بهذا
الكلام، وأما من حيث الفتوى فيوافق المشهور.
ولم يفرق المشهور في الملك بين المتحد سببا والمختلف كالشراء والإرث
وهو الصحيح خلافا لصاحب الجواهر حيث فرق بينهما كما عرفت سابقا.
قال المحقق: (ولا تقسم الدكاكين المتجاورة بعضها في بعض قسمة اجباره
لأنها أملاك متعددة يقصد كل واحد منها بالسكنى على انفراده فهي كالأقرحة المتباعدة.
أقول: وعن العلامة في الارشاد الحكم بأن الدكاكين المتجاورة يقسم
بعضها في بعض دون الدور والأقرحة، وظاهر الجواهر موافقته على ذلك قال: إنها
واحدة لأن الأصل الأرض والبناء تابع، فالدكاكين كبيوت الدار، ولعله لذا حكم
في الارشاد بالجبر، وهو كذلك مع فرض عدم امكان قسمة كل واحد منها بانفراده.
وفيه: أن الأرض التي عليها الشجر تكون أرضا واحدة عند العرف وإن كان
شجرها مختلفا، لأن الأشجار توابع للأرض، فيجوز تقسيم البعض منها ببعض،
وكذا الأمر في الدار، لكن نظر العرف في الدكاكين إلى البناء والأرض تابع له،
ولذا يقولون: باع زيد الدكان، أما في الأرض المشجرة فيقولون: باع زيد الأرض.
مضافا إلى أن المتحقق عند العرف في مورد الدكاكين هو المعاوضة والمبادلة،
بخلاف الأمر بالنسبة إلى بيوت الدار، فهذا المورد مصداق للافراز عندهم دون ذاك.
63

النظر في اللواحق
الأولى: لو ادعى بعد القسمة الغلط وهي ثلاث،
قال المحقق. (إذا ادعى بعد القسمة الغلط لم تسمع دعواه، فإن أقام بينة
سمعت وحكم ببطلان القسمة، لأنه فائدتها تمييز الحق ولم يحصل، ولو عدمها
فالتمس اليمين كان له إن ادعى شريكه العلم بالغلط).
أقول: لا فرق بين أن نأخذ (الغلط) بمعنى الاشتباه أو بمعنى عدم صحة
التقسيم وإن كن عن عمد. وقوله (لم تسمع دعواه) أي مع عدم البينة، ومن
المدعى عليه الغلط؟ أنه القاسم، وقال ثاني الشهيدين: (لا فرق في عدم سماع دعوى
الغلط في القسمة بمجردها بين كون القاسم منصوب الإمام ومن تراضيا به وأنفسهما،
لأصالة صحة القسمة إلى أن يثبت المزيل، ولأن منصوب الإمام كالقاضي لا يسمع
الدعوى عليه بالظلم).
قال المحقق الآشتياني قده: (وقد تنظر فيه الأستاذ العلامة بأن مرجع دعوى
الغلط في القسمة إلى إنكار أصل القسمة، فليس هناك قسمة مسلم الوقوع بين
الشريكين قد وقع النزاع في صحتها وفسادها حتى يحكم بصحتها، ولا يتوهم جريان
هذا الاشكال في ساير المقامات أيضا، بأن يقال إن مرجع نزاع المتبايعين في صحة
البيع وفساده انكار أصل البيع، فإن البيع العرفي هناك متحقق مسلم الوقوع
بينهما، وإنما يدعي أحدهما فساده من جهة عدم مراعاة بعض ما اعتبر فيه شرعا، وهذا
64

بخلاف المقام، فإن مرجع النزاع فيه إلى إنكار أصل القسمة العرفية، ضرورة أن
القسمة من دون التعديل لا تسمى قسمة عرفا أيضا، والحاصل أن القسمة عبارة في
العرف عن التمييز والافراز حسبما عرفت سابقا، فإن سلم وقوعها فلا معنى لدعوى
غلط أحد الشريكين فيها، وإلا فمرجع النزاع إلى أصل وقوعها).
قلت: حاصل كلامه عدم انقسام القسمة إلى الصحيحة والفاسدة، بل أمرها
يدور بين الوجود والعدم، وليس الأمر كما ذكره بل في القرآن الكريم: (تلك
إذا قسمة ضيزى) (1).
قال الآشتياني: (ثم أجاب دام ظله عن الاشكال المذكور بوجهين أحدهما،
أن يكون المراد بالقسمة هي صورتها لا القسمة الحقيقة فيقال: إن الأصل صحة ما
وقع من صورة القسمة المسلمة بينهم).
قلت: ولم يتضح لنا معنى هذا الكلام.
قال: ((ثانيهما: أن يكون المراد منها سبب القسمة، أي فعل القاسم الذي
هو سبب لتحقق التميز، فإنه قد يقع ولا يترتب عليه التميز والانعزال، وقد يقع ويترتب
عليه، وقد يقع ويشك في ترتبه عليه، فالأصل الترتب نظرا إلى أصالة الصحة في
الفعل الواقع من المسلم).
وكيف كان: (فإن أقام بينة سمعت وحكم ببطلان القسمة) وذلك كما قال
المحقق (لأن فائدتها تمييز الحق ولم يحصل) التمييز لبقاء مقدار من حق أحدهما في
سهم الآخر، وطريق إقامة البينة كما في المسالك أن يحضرا قاسمين حاذقين
لينظر أو يمسحا ويعرفا الحال ويشهدا، فإن شهد القاسم وآخر معه بصحة القسمة
قال العلامة إن كان عمله بأجرة فهو متهم وإن كان مجانا اعتبرت الشهادة ووقع
التعارض بين البينتين، لكنه مشكل كما في الجواهر لأن شهادة الانسان في
حق نفسه غير مسموعة بل لا تقبل في عمل الغير الذي يرجع إليه، نفعه، نعم يكون قوله

(1) سورة النجم 22.
65

حجة في صورة شك أحد الشريكين والسؤال منه من دون مرافعة.
وكيفية إقامة الدعوى عند الحاكم على القاسم أن يقول للحاكم: لقد قامت
البينة عندي على وقوع الخطأ في القسمة فيقول له: أحضرها، كذا في مفتاح الكرامة،
وقيل: لا تسمع الدعوى على قاسم الحاكم حتى مع البينة، وهذا مشكل.
فظهر أن الدعوى لا تسمع مع عدم البينة، فإن كان له بينة وأقامها سمعت
وترتب الأثر على ذلك.
ولو عدم المدعي البينة فهل له التماس اليمين؟ قال المحقق: كان له.
فمن يكون الحالف حينئذ القاسم أو الشريك؟ قال المحقق: الشريك. وهل يحلفه
مطلقا؟ قال المحقق لا بل إن ادعى على الشريك العلم بالغلط.
وتوضيح ما ذهب إليه المحقق هو: أنه إن ادعى على الشريك علمه بالغلط
بأن يقول له علمت بالغلط قبل انتهائه أو يدعيه عليه بعد العمل فإن أقر الشريك
فلا كلام وإن أنكر أحلفه الحاكم، فإن حلف على نفي العلم سقطت الدعوى، وإن
نكل ثبتت الدعوى بناء على ثبوتها بالنكول، وأما على القول بعدم كفاية النكول
رد اليمين على المدعي فإن حلف ثبتت وإلا سقطت.
أما القاسم فلا يحلف، لأنه إن حلف بعدم الغلط كانت النتيجة للغير وهو المدعى
عليه، وإن أقر لا يعتبر اقراره لأن نفعه يعود إلى المدعي والمفروض أن الشريك
لا يصدقه.
فإن كان القاسم منصوبا من قبل الحاكم فلا يحلف بالأولوية.
وقال جماعة بجواز حلف الشريك على نفي الواقع، بل قيل إنه المشهور
بين الأصحاب خلافا للمحقق.
ولو أنهما قسما المال بأنفسهما فادعى أحدهما وقوع الغلط وأنكر الآخر
فلا يحلف المنكر مع عدم البينة إلا على نفي العلم بالغلط والاشتباه.
هذا كلام المحقق، وقد وافقه في الجواهر خلافا للآخرين.
66

أقول: والحق ما ذهب إليه المحقق، لأن القاسم لا يحلف، لأن يمينه في حق
الغير ولا يحلف الشريك على نفي الواقع، لأنه في فعل الغير، فتبقى اليمين على نفي
العلم، وكذا الأمر فيما إذا قسما بأنفسهما، فإنه لا يمكن احلاف الشريك على نفي
الواقع، مع أن المدعي قد شاركه في هذا التقسيم حسب الفرض.
وقال المحقق الكني ما حاصله: إن الغلط يكون تارة بمعنى المصدر المبني
للفاعل، وعليه فلا يمكن احلاف الشريك على نفي الغلط من القاسم، وأخرى يكون
بمعنى المصدر المبني للمفعول، فهنا يجوز احلافه وله الحلف على نفي وقوع الغلط
إن كان عالما، فمن قال بعدم الجواز فقد أخذ الغلط بذاك المعنى، ومن قال بالجواز
أخذه بهذا المعنى. وبذلك يجمع بين القولين.
أقول: وبناء على كون (الغلط) بمعنى المصدر المبني للمفعول يمكن أن يكون
المدعى عليه هو الشريك، كما إذا كان بنفسه دخيلا في القسمة أو ناظرا لها، وحينئذ
يكون حلفه في فعل نفسه، وكذا لو ادعى عليه وجود شئ من حقه فيما بيده من
المال، فله أن يحلف على القطع والبت إن كان عالما وإلا رد.
ولعل هذا هو مراد من نص على جواز احلاف الشريك وإن لم يدع عليه العلم.
الثانية: إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقا:
قال المحقق قدس سره: (إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقا، فإن كان معينا
مع أحدهما بطلت القسمة ولو كان فيهما بالسوية لم تبطل. ولو كان فيهما لا بالسوية
بطلت.) أقول: قال الشيخ قدس سره في المبسوط: (إذا كانت يدهما على ضيعة
ثلاثين جريبا فاقتسماها نصفين فبان ثلثها مستحقا فإن المستحق يتسلم حقه، وأما
القسمة فلا يخلو المستحق من أحد أمرين، إما أن يكون معينا أو مشاعا، فإن كان
معينا نظرت فإن حصل في سهم أحدهما بطلت القسمة، لأن الإشاعة عادت إلى حق
شريكه، وذلك أن القسمة تراد لافراز حقه عن حق شريكه، فإذا كان بعض ما حصل
67

له مستحقا كان حقه باقيا في حق شريكه، فأما إن وقع المستحق في نصيبهما معا
نظرت، فإن وقع منه مع أحدهما أكثر مما وقع مع الآخر بطلت القسمة أيضا لما
مضى، وإن كان فيهما سواء من غير فضل أخذ المستحق حقه وينصرف وكانت القسمة
في قدر الملك الصحيح صحيحة، لأن القسمة افراز الحق وقد أفرز كل واحد
منهما حقه عن حق شريكه هذا إذا كان المستحق معينا وأما إن كان مشاعا.)
فنقول: إذا اقتسم المتقاسمان المال بينهما، ثم ظهر كون بعض المال مستحقا
لغيرهما، فتارة يكون المال المستحق للثالث معينا، وأخرى يكون مشاعا، فإن كان
معينا فهنا صور:
الأولى: أن يكون المال المستحق مع أحدهما دون الآخر. فهنا تبطل القسمة
بلا اشكال ولا خلاف، لبقاء الشركة حينئذ في النصيب الآخر، لعدم تحقق التعديل
بين النصيبين.
والثانية: أن يكون المال المستحق في مال المتقاسمين كليهما بالسوية،
وهنا لا تبطل القسمة بلا خلاف ولا اشكال، لأن الغرض من القسمة وهو افراز
كل واحد من الحقين عن الآخر حاصل، فالقدر المسلم به زوال الشركة الكائنة
بينهما بهذه القسمة، وأما كون الثالث شريكا مع كل واحد فهذا فيه بحث سيأتي.
وما عن بعض العامة من احتمال بطلان القسمة هنا لتبعض الصفقة ضعيف،
لأنه مبني على أن القسمة بيع، وقد تقدم أنها معاملة مستقلة وليست ببيع.
والثالثة: أن يكون المال المستحق فيهما لا بالسوية، ففي هذه الصورة تبطل
القسمة لعدم تحقق الشرط في القسمة وهو التعديل بعد اخراج سهم الثالث.
وحيث يتحقق التعديل فيحكم بصحة القسمة. كما في الصورة الثانية. فلا حاجة
إلى تقييد ذلك بما إذا لم يحدث نقص في حصة أحدهما بأخذ المال المستحق
ولم يظهر به تفاوت بين الحصتين، مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه لوضوح
بطلان القسمة حينئذ لعدم تحقق التعديل.
68

وكذا الأمر لو ظهر في نصيب أحدهما عيب، وقيل هنا بعدم البطلان بل هو
مخير بين أخذ الأرش والفسخ بالإقالة. وفيه، أن أدلة الإقالة لا تأتي في القسمة
لأنها ليست ببيع كما تقدم (1).
وكذا لا يأتي في القسمة خيار الغبن لما ذكرنا.
ولما ذكرنا أيضا لا حرمة لما يحدثه أحدهما فيما بيده من بناء ونحوه لو ظهر
الاستحقاق بخلاف البيع، فإن ذلك له حرمة لو أرادا الفسخ فيكون نظير ما إذا
بنى دارا على أرض ظانا بأنها ملكه فبانت لغيره، فلا يستحق شيئا على صاحب
الأرض إلا إذا كان مغرورا فإنه يرجع على من غره. نعم له نقل الأعيان التي
تكون له مع الامكان، وكذا لو استعار كتابا ثم صححه ظانا بأن ملكه، فليس له
مطالبة أجرة في مقابل عمله من مالكه.
نعم لو كان الحاكم سبب الضرر أمكن القول بكون الضرر على بيت المال.
هذا كله إن كان المستحق معينا.
قال المحقق قده: (وإن كان المستحق مشاعا معهما فللشيخ قولان (2)
أحدهما: لا تبطل فيما زاد عن المستحق، والثاني تبطل لأنها وقعت من دون إذن
الشريك وهو الأشبه).
أقول: لو ظهر كون ثلث الأرض مستحقا لغيرهما، فإن كان مع سهم كلا

(1) اللهم إلا أن يقال بجريان عمومات الإقالة في كل معاهدة سواء كانت حاصلة
بالعقد أو غيره، لأن الإقالة هي بمعنى إزالة الأثر. فتأمل
(2) قال الشيخ: (وأما إن كان مشاعا في الكل بطلت في قدر المستحق ولم تبطل
فيما بقي، وقال قوم تبطل فيما بقي أيضا، والأول مذهبنا، والثاني أيضا قوي، لأن
القسمة تميز حق كل واحد منهما عن صاحبه وقد بان أنه على الإشاعة. والعلة الجيدة في
ذلك أنهما اقتسماها نصفين وثلثه الثالث غائب، ومن قسم ما هو بينه وبين غيره بغير
حضوره كانت القسمة باطلة، ويفارق هذا البيع، لأن لكل واحد من الشريكين أن يبيع
نصيبه بغير إذن شريكه).
69

الطرفين شارك كلا منهما فيما وصل إليه بالإشاعة، فالقسمة بين المقتسمين متحققة
وليس الكل شركاء في الكل، لكن شركة الثالث معهما يتوقف على الإذن، وحينئذ
فهل يؤثر رضاه بعد تلك القسمة التي أدت إلى هذه الشركة فضولة؟ الظاهر ذلك،
كما إذا كان أخوان شريكين في مال فمات أحدهما، فقسم المال بين الباقي منهما
وابن الميت، ثم ظهر للولد أخ، فإنه يشترك مع أخيه في النصف مشاعا، ويستقل
عمهما بالنصف الآخر، فإذا حضر الأخ وأجاز القسمة هذه صحت، وفيما نحن
فيه إذا أجاز المستحق كان شريكا معهما، بمعنى انحلال الشركة الأولى وحدوث
شركة ثانية، فيكون نظير ما إذا قسم المال المشترك بين أربعة إلى قسمين يشترك
كل اثنين منهما في قسم.
وكما لو كان عبدان مشتركين بين اثنين بالتناصف وكان أحدهما يسوى
عشرين دينارا، والآخر يسوى عشرة دنانير، فلو طالب أحدهما الاستقلال في تملك
الرخيص منهما جاز، فيكون الرخيص مع ربع النفيس لهذا، وتبقى ثلاثة أرباع
النفيس للآخر، فقد تبدلت شركتهما بهذه القسمة إلى نحو آخر من الشركة،
ولما ذكرنا قال في الجواهر: ربما ظهر من تعليل المصنف وغيره الصحة مع الإذن،
على أن تكون حصته مشاعة معهما، وحينئذ فلحوقها كاف.
وبالجملة: إذا أمضى يكون شريكا مع كل واحد فيما بيده بالنصف مشاعا
في الفرض المذكور أولا، وهذا كله فيما إذا كان التقسيم بالتعديل وإلا بطلت
القسمة.
ولو كان في سهم أحدهما حيوان مثلا فتلف، فإن كانت القسمة صحيحة فهو
في ملكه، وإن كانت باطلة ثبت الضمان، سواء كان التلف بسببه أو بسبب غيره،
لأن المأخوذ بالقسمة الباطلة حكمه حكم المأخوذ بالعقد الفاسد.
الثالثة: لو قسم تركة الميت ثم ظهر عليه دين
قال المحقق قده: (لو قسم الورثة تركة ثم ظهر على الميت دين، فإن قام
70

الورثة بالدين لم تبطل القسمة، وإن امتنعوا نقضت وقضى منها الدين).
أقول: مذهب المحقق قدس سره هو أن التركة تبقى على حكم مال الميت
فإن أدى الورثة الدين كان لهم المال، وإلا كان للديان أخذ التركة في مقابل حقهم،
وبعبارة أخرى: أنه يتعلق بالتركة حق الورثة بأن تكون لهم بعد أداء دين مورثهم
ويتعلق بها حق الديان، بأن يأخذوها في مقابل الدين إن امتنع الورثة عن أدائه،
فتكون التركة موردا لتعلق حقين طوليين كالمال المرهون.
وقال العلامة في القواعد: (ولو قسم الورثة التركة وظهر دين فإن أدوه من
مالهم وإلا بطلت القسمة، ولو امتنع بعضهم من الأداء بيع من نصيبه خاصة بقدر
ما يخصه من الدين، ولو اقتسموا البعض وكان في الباقي وفاء أخرج من الدين،
فإن تلفت قبل أدائه كان الدين في المقسوم إن لم تؤد الورثة) وحاصل العبارة:
إن الورثة يملكون التركة ملكية متزلزلة، فإن أدوا الدين استقرت وإلا أخذ
الديان التركة.
وكيف كان، فإن قسم الورثة التركة وظهر الدين، فتارة يكون الدين مستوعبا
لها وأخرى لا يكون كذلك، فبناءا على مختار القواعد وبعضهم قد قسموا مالا هو
لهم فالقسمة صحيحة، وحينئذ يتعلق حق الديان المتعلق سابقا بكلي التركة
بالسهام المتشخصة بالتقسيم والمتحققة خارجا بيد كل واحد من الورثة، فإن أدوا
جميعهم الدين فقد استقر ملكهم، وإن أدى بعضهم دون بعض فقد استقرت مالكية
من أدى دون من امتنع.
قد يقال: إن هذه التركة تكون كالمال المرهون الذي ليس لصاحبه، ولا يجوز
للمرتهن التصرف فيه إلا مع إذن الآخر، فكيف تكون قسمة الذي للتركة
صحيحة بدون إذن الديان حتى يتشخص بهذه القسمة متعلق حقهم بعد أن كان
كليا؟
لكن يمكن الجواب عنه بأنه لا مانع من التصرف غير المنافي لحق الديان،
71

فإن أدلة الإرث والقسمة تقتضي جواز التقسيم، ولا يعارض ذلك مقتضى أدلة وجوب
أداء الدين، غير أن متعلق حق الديان أصبح شخصيا بعد أن كان كليا وهذا لا مانع
منه، لأنه يكون نظير ما إذا أدوا نصف الدين قبل التقسيم وبقي النصف الآخر،
نعم لو كان الشأن بحيث إذا لم يؤد جميع الدين كان جميع التركة كالمال المرهون
من حيث عدم جواز التصرف فيه إلا مع الإذن بطلت القسمة وإن لم يمتنع بعض
الورثة عن أداء ما عليهم.
وعليه فإن مات المورث وعليه الخمس، واقتسم الورثة التركة فأدى بعضهم
ما عليهم وامتنع البعض الآخر، فعلى التقدير الأول: يكون من أدى ما عليه بالنسبة
من المال الواجب أداؤه من جهة الخمس الذي كان على الميت مالكا لما بيده،
ومن امتنع لم يجز له التصرف فيما بيده، وعلى التقدير الثاني: لا يجوز لأحد منهم
التصرف فيما بيده حتى يدفع الخمس كله. لكن في هذا المورد بالخصوص نص يقتضي الوجه الأول (1).
إذن يصح التقسيم بناءا على الملكية المتزلزلة إلا في الصورة المذكورة،
وإن هذا المقدار من التصرف بدون إذن الديان لا مانع منه لعدم منافاته لحقهم،
فيكون نظير ما إذا اشتريا مالا مع خيار الفسخ للبائع مدة معينة، فلا مانع من أن
يقسما المال بينهما، فإن أخذ البائع بالخيار في المدة استرجع ما في يد كليهما
ولا اشكال فيه.
وأما على مبنى المحقق فيشكل بأنه كيف تصح القسمة في مال الغير؟ وكيف
يباع سهم الممتنع عليه مع أنه للغير؟ وأجيب بأن المال وإن لم يكن للورثة إلا

(1) عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل
بدين. قال: يلزمه ذلك في حصته) وسائل الشيعة 16 / 111
وعن البختري وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (ع) قال: (قضى علي (ع) في
رجل مات وترك ورثة، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه. أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر
ما ورث ولا يكون ذلك عليه من ماله كله.) التهذيب 9 / 327.
72

أنه متعلق لحق شرعي لهم، فيحث أدوا الدين تنتقل التركة إليهم وتكون ملكا لهم،
فهم في الحقيقة قد قسموا مالا متعلقا لحقهم، ويملك كل واحد منهم ما وقع إليه بأداء
المقدار المتعلق من الدين به، ويكون الحاصل: صحة القسمة بالنسبة إلى من
أدى وبطلانها بالنسبة إلى من امتنع، بمعنى عدم جواز تصرفه فيما وقع إليه لا بمعنى
بطلان القسمة.
ولو ظهرت وصية تمليكية بعد القسمة فإن كانت بانشاء تمليك مال بعد الموت
فتماميتها تتوقف على قبول الموصى له، فإن قبل كان المال ملكا له، وإن كانت
وصية بتمليك مال إليه، فإن ملكه الوصي كان ملكه، وإلا كان في حكم مال الميت
فلا يتصرف فيه أحد ولا يقسم بين الورثة.
ومحل الكلام فيما إذا قسم المال ثم ظهر كونه موردا للوصية التمليكية،
ففي الدروس والمسالك أنه إن كانت الوصية وصية مال من غير إضافة لها إلى مال
معين كانت كالدين، وإن كانت مضافة كأن يوصي بدفع عشر ماله مثلا كانت كالمال
المستحق في الحكم المذكور سابقا.
أقول: جعلهم الوصية في الصورة الأولى كالدين فيه تأمل، لأنه في الدين
ذمة الميت مشغولة، وأما إذا قال ادفعوا من مالي مأة أو ادفعوا هذه المائة كان المال
للموصى له مع قبوله بعد موت الموصى، لا باقيا في حكم مال الميت حتى يكون
كالدين، ولا للوارث كما اختار صاحب الجواهر في الدين. ولا يصح أن نعتبر الآن
اشتغال ذمته بعد الموت، إذ لا عرفية لذلك.
ولو أرسل وقال: ادفعوا مائة، فإنه لا مناص من أن يجعل من المال بمقدار المائة
للموصى له، فلو عادلت المائة عشر المال كان العشر له بالإشاعة، ويمكن أن يكون
كالصاع من الصبرة، وحينئذ يكون لهم التصرف في المال حتى إذا بقي المقدار
الموصى به وانحصر الكلي في الفرد منعوا من التصرف فيه، لأنه ملك للموصى له.
بخلاف ما إذا كان بنحو الإشاعة فلا يجوز التصرف في شئ من المال إلا
بإذن الموصى له، لأن المفروض أنه يشاركهم في كل جزء جزء من المال. وكيف
73

كان فليس هذا كالدين.
وبناءا على ما ذكرنا يكون حكم قسمة هذا المال حكم قسمة المال الموجود
فيه مال مستحق لغير الوارث، وقد تقدم الكلام عليه، ولا يبعد أن تكون القسمة
صحيحة حتى لو كان مع التصرف المحرم لعدم الإذن نظير ما إذا غصب مالا
وباعه لنفسه معاطاة فضولة فأجاز المالك، فالبيع صحيح إن كانت تصرفاته محرمة،
لجواز اجتماع الحكم التكليفي وهو حرمة التصرف مع الحكم الوضعي وهو الصحة.
ولو كان مورد القسمة أرضا فقسموها، فوقع مجرى ماء أحد السهمين في السهم
الآخر لم يجز لصاحب هذا منع الماء، ولو قسموا دارا كبيرة لها بابان فكان لكل
من السهمين باب فلا يجوز لأحدهما الدخول من باب الآخر إلا مع إذنه وإن
كان هذا الباب أوسع أو أقرب، بخلاف ما إذا كان الدار باب واحد ولا يمكن
احداث باب آخر فلا يجوز لهذا منعه.
هذا وهل لولي الطفل أو المجنون المطالبة بالقسمة؟ إن كان في القسمة مفسدة
للمولى عليه فلا ريب في العدم، وهل يكفي عدم المفسدة أو يشترط وجود المصلحة
له؟ قولان، ومع تساوي الأمرين الشركة وعدمها من حيث المصلحة فهل
يجوز له أن يطالب بالقسمة؟ قولان. وقيل في هذه الصورة تكون أجرة القسام على
الولي نفسه.
أقول: والأحوط أن لا يطالب الولي بالقسمة إلا في صورة وجود المصلحة
للمولى عليه، لأن الأجرة تكون على المولى عليه لا على الولي.
وحيث يطلب الشريك القسمة ولا مفسدة للمولى عليه، فهل يجبر الولي؟ الظاهر
ذلك، وكذا العكس لكن عليه الأجرة.
74

الكلام في:
أحكام الدعاوي
75

تعريف المدعي:
اختلفت كلمات الأصحاب في تعريف (المدعي) الذي استفاض ذكره في
نصوص كتاب القضاء، فعرفوه بتعاريف:
قال المحقق: (وهو الذي يترك لو ترك الخصومة) أي: هو الذي يخلي
سبيله ويسكت عنه لو سكت عن الخصومة. وهذا التعريف للمحقق وجماعة بل
قيل إنه المشهور.
(وقيل هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا) أي: منافيا للظاهر الشرعي
قال في الجواهر (وعن بعضهم حكاية التفسير بالمعطوف خاصة عن بعض، وبالمعطوف
عليه خاصة عن آخر. وحينئذ تكون الأقوال أربعة).
وقد نوقش الأول بعدم الانعكاس أو عدم الاطراد، فقد يترك المدعي الدعوى
أو المدعى عليه وتبقى الخصومة، فلو أودع مالا عند شخص فادعى رده عليه فأنكر
صاحب المال لم يترك المدعي لو ترك دعوى الرد بل يطالب بالرد، وأجاب في
الجواهر بأن مطالبة المدعي باليمين والمنكر بالبينة لا يخرج المدعي عن كونه
مدعيا، بل ذلك مقتضى الدليل الشرعي في بعض الموارد بنحو التخصيص، وفي
العروة: إن هنا دعويين إحداهما الايداع عنده والثانية دعواه الرد، فلو ترك هذا
دعوى الرد انتفت الخصومة الثانية ولكن الأولى باقية.
والمراد من (الأصل) في التعريف الثاني هو القاعدة الكلية، أعم من الأصل
77

والأمارات كاليد والاستصحاب، فالأصل في اليد دلالتها على الملكية، فمن ادعى
على خلاف مقتضاها قيل له أنت تدعي خلاف الأصل.
وقد يراد من (الظاهر) معنى غير (الأصل) كما لو أرخى الزوجان الستر
ثم اختلفا في الدخول فادعته الزوجة وادعى الزوج العدم كانت دعوى الزوج
مخالفة للظاهر.
ولو أسلم الزوجان فادعت الزوجة التقارن فالنكاح باق وأنكر الزوج فهو
باطل، فإن مقتضى الأصل هو عدم الاسلام المقارن، وأصالة عدم المقارنة مثبتة.
هذا ولكن الأولى وفاقا للجواهر هو الرجوع إلى العرف في تشخيص
المدعي من المنكر، وفي مورد التداعي حيث يصدق (المدعي) على كليهما
يطالبان معا بالبينة، وحيث يشك يعين المدعي من المنكر بالقرعة.
وفي العرف: المدعي هو من يريد اثبات حق له على غيره فيطالب به عند
الحاكم، أو يريد التخلص من حق لغيره عليه، كأن يدعي ارجاع الأمانة وتسليم
الوديعة وأداء الدين، فيكون الحاصل وجوب إقامة البينة على من كان عند العرف
مدعيا واليمين على من كان عندهم منكرا، لأن الخطابات الشرعية مثل (البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه) أو (على من أنكر) ونحوها ملقاه إلى العرف
وليس للشارع جعل خاص لموضوعات الأحكام في هذه الموارد وإن قيل بذلك
في خصوص المدعي فتشخيص الموضوع بيد العرف، نعم قد يخطأ العرف
في تشخيص موضوع من موضوعات الأحكام وحينئذ لا يوكل الشرع الأمر إلى
العرف في ذاك المورد بل يعين موضوع حكمه بنفسه، وهذا لا ينافي كون خطاباته
ملقاه إلى العرف.
فالتحقيق في المقام ما ذكرناه، ومن عرف المدعي بنحو من الأنحاء المذكورة
فقد لحظ المعنى الأكثر انطباقا في الموارد في نظره وجعله عنوانا كليا وإلا
فلا دليل في الكتاب والسنة ولا قرينة على تعيين أحد تلك التعاريف.
78

وحيث عين العرف المدعي ولم يخطئه الشارع توجه إليه الوظيفة
الشرعية في إقامة الدعوى، سواء ترك المخاصمة لو ترك أو لا، وسواء كانت دعواه
مخالفة للأصل أو الظاهر أو موافقة.
ثم إنه قد يختلف الأمر باختلاف مصب الدعوى، ففي الإجارة مثلا قد يدعي
المستأجر وقوع الإجارة بمائة ويدعي المؤجر وقوعها بمأتين، فهنا كل منهما
يدعي شيئا وينكر ما يدعيه الآخر فيكون التداعي وعليهما البينة، وقد يكون مصب
الدعوى المأة المختلف فيها، وحينئذ يكون القائل بالمأتين، وهو المؤجر مدعيا وعليه
إقامة البينة والمستأجر منكرا وعليه اليمين، فإن أقام المؤجر البينة ثبتت المأة على
المستأجر وإلا حلف وسقطت دعوى المؤجر.
وفي الدين: إن طالب الدائن بالمال وأنكر المدين كان الأول هو المدعي
وإن قال المدين: قد أديت الدين انقلب مدعيا وكان عليه إقامة البينة على الأداء.
في البيع كأن يقول بعت بعشرين ويقول المشتري: بل بعشرة، أو يقول: بعتك بعشرين
دينارا من ذهب، فيقول المشتري: بل من فضة، أو يقول: بعتك هذا الشئ، فيقول
بل وهبتني إياه، وتظهر الثمرة في الفرض الأخير عند تلف العين مع الفساد، فإن
كان الواقع بيعا فاسدا ضمن الآخذ وإن كان هبة فاسدة لم يضمن.
ولو كان مورد المخاصمة هو الضمان فهذا يدعي اشتغال ذمة الآخر وذاك
ينكر، وحينئذ يكون الملاحظ نتيجة النزاع، ولا يلتفت إلى النزاع حول كون المعاملة
هبة أو بيعا، أما إذا كان مورد النزاع هذه الناحية فإنه يقع التعارض بين الدعويين
لجريان أصالة العدم في كلا الطرفين.
ومع الجهل بمصب الدعوى ومورد المخاصمة يعين بالقرعة.
وكيف كان فإن الملاحظ هو نظر العرف في تعيين المدعي والمنكر ويؤخذ
بنظر الاعتبار مصب الدعوى، إذ الأمر يختلف باختلافه كما مثلنا.
79

الشروط المعتبرة في المدعي: (البلوغ)
وكيف كان فقد ذكر المحقق قدس سره الشروط المعتبرة في المدعي بقوله:
(ويشترط فيه: البلوغ، والعقل، وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه،
وما يصح منه تملكه، فهذه قيود أربعة، فلا تسمع دعوى الصغير).
أقول: الشرط الأول الذي ذكره هو (البلوغ) ثم قال: (فلا تسمع دعوى
الصغير) ولنا في اعتبار هذا الشرط بنحو الاطلاق بحث إلا أن يكون اجماع، لأن دعوى
انصراف أدلة القضاء عن دعوى غير البالغ ضعيفة، لأن الغرض من نصب القاضي
حفظ الحقوق والنظام، وأن الله عز وجل لا يرضى بضياع حقوق غير البالغين،
ومثلها دعوى أن المتبادر من أدلة القضاء وسماع الدعوى هو كون المدعي بالغا
فإن في تلك الأدلة عمومات واطلاقات تشمل الصغير قطعا مثل قوله تعالى: (فاحكم
بين الناس بالحق)، ومع هذه الأدلة لا وجه للتمسك بالأصل كما في المستند.
وأما قوله في توجيه عدم سماع دعوى الصغير بأنه قد يحتاج إلى أمور
يشترط فيها البلوغ مثل إقامة البينة. ففيه: أنه لا دليل على اشتراط البلوغ في
إقامة البينة، فإذا أقامها الصغير على طبق الموازين الشرعية فلا وجه لعدم قبولها،
والأدلة الرافعة لآثار قول الصبي منصرفة عن كون مورد دعواه ظلم أحد له كالضرب
ونحوه، نعم الاعتبارات المحتاجة إلى الانشاء غير مسموعة منه، كما أنه إذا وصل
الأمر في المخاصمة إلى اليمين فلا يحلف ولا يحلف.
وبعبارة أخرى: البلوغ ليس شرطا في أصل الدعوى، فإن دعوى الصغير
تسمع لكن الأمور المترتبة وأحكام فصل الخصومة وموازين القضاء يشترط في
بعضها البلوغ كالحلف والاقرار فلا يحلف ولا يحلف ولا يترتب الأثر على اقراره،
وحينئذ يقوم وليه مقامه في هذه الأمور، وبعضها لا يشترط فيه البلوغ كإقامة البينة،
وحينئذ يترتب الأثر لعموم الأدلة، وانصراف (عمد الصبي خطأ) ونحوه عن مثل ذلك
80

بل قال المحقق الكنى قده: إن الأصحاب لم يعملوا بهذه الأدلة واعتبروا قول
الصبي في موارد، كقبول قوله في إنبات الشعر بالعلاج، وكما لو أوقع معاملة فقال
البائع ببطلانها لكونه صغيرا فادعى البلوغ سمعت دعواه وحكم بصحة المعاملة.
نعم إن كان متعلق دعواه مالا فلا تسمع، لأجل الصغر لأنه لا سلطنة له على مال
فلا سلطنة له على دعوى متعلقة بالمال، فعدم سماع دعواه حينئذ يكون من هذا الحيث
لا من جهة أن الصبي مسلوب العبارة، لكن الدعوى ليست من شؤون المطالبة بالمال،
فإنه إذا أثبت المال بالبينة أمكن أن يباشر المطالبة وليه أو الحاكم نفسه، وليس
اثبات تملك المال تصرفا فيه حتى يقال بعدم السلطنة له على المال، ولذا يجوز
للأجنبي أن يثبت مالا لغيره، فيكون ذلك في الحقيقة كالكشف لأمر مخفي.
اشتراط العقل:
قال المحقق: (ولا المجنون)
أقول: الشرط الثاني الذي ذكره المحقق وغيره هو (العقل) ويدل على
اعتباره ما دل على اعتباره البلوغ، لكن مقتضى عمومات أدلة القضاء سماع دعواه
في غير التصرفات الممنوعة كما إذا ادعى على شخص أنه جنى عليه، فإن الشاعر لا يرضى
بالجناية على المجنون ولا يترك الجاني عليه من غير مؤاخذة وعقوبة.
وعن المحقق الأردبيلي قده وجماعة اشتراط كونه رشيدا، فلا تسمع الدعوى
من السفيه، بل عن المعتمد دعوى الاجماع عليه، لكن الأدلة القائمة على وجوب
إحقاق الحق وحفظ الأموال والنظام تقتضي وجوب سماع دعواه. نعم لا تسمع
في الدعاوي المتعلقة بالمال، بل إن دعواه فيها تسمع أيضا لأن الدعوى واثبات
الحق غير التصرف. وأما دعوى الاجماع على هذا الشرط ففيها منع واضح.
أن لا يدعي ما لغيره:
قال: (ولا دعواه مالا لغيره إلا أن يكون وكيلا أو وصيا أو وليا أو حاكما
81

أو أمينا لحاكم).
أقول: ادعى في الجواهر عدم الخلاف فيه، لكنهم يحكمون بسماعها في
بعض الموارد من غير أحد ممن ذكر، فلو غصب مال من يد المرتهن أو المستعير
سمعت دعواه عند الحاكم وقيل في الرهن بجواز الدعوى بعنوان حق نفسه.
قلت: وبعض النظر عن حكمهم بالسماع في هذه الموارد فإنه لا مانع من أن يدعي
الانسان حقا لغيره ما لم يستلزم التصرف فيه، ودعوى انصراف (فاحكم بين الناس
بالحق) عنه غير مسموعة، اللهم إلا أن تكون الدعوى نفسها تصرفا فيشكل الدعوى
أخذا بشاهد الحال واعتمادا على إذن الفحوى من المالك، لأن الفحوى وشاهد الحال
لا يشملان هكذا تصرف اعتباري، بل يتوقف سماعها منه على الإذن الصريح.
لكن لو كان المدعي من أقرباء المالك وذويه فالظاهر الاستماع في ما لا يسلتزم
تصرفا في ماله من غير ولاية ولا وكالة لانصراف أدلة المنع حينئذ، والقدر المتيقن
من الاجماع غيره.
ثم إن المشهور قيام الوكيل والوصي والولي مقام صاحب المال في جميع
مراحل الدعوى، واستثنى بعضهم احلاف المدعى عليه، إلا أن مقتضى عمومات
أدلة الولاية والوكالة والوصاية.. هو جواز الاحلاف أيضا كما عليه المشهور.
أن لا يدعي ما لا يجوز تملكه:
قال المحقق: (ولا تسمع دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا).
أقول: ويشترط في الدعوى أن يكون موردها أمرا جائزا شرعا وعقلا
فلا تسمع دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا ونحوهما مما لا يصح تملكه له، ولا تسمع
دعوه زوجية إحدى محارمه، وقيل: له دعوى الأولوية بالخمر مثلا لأجل فائدة
محللة، كأن يبقى الخمر حتى تنقلب خلا، أو يأخذ العذرة للتسميد، كما لا بأس
بدعوى استحقاق ثمنها حال عدم الاسلام، أو يدعي ثمنها على مستحلها بناءا على
جواز بيعها ممن يستحلها، والدليل على الجواز عمومات أدلة القضاء بعد عدم تمامية
82

دعوى انصرافها عن مثل ذلك.
اشتراط كون الدعوى صحيحة لازمة:
قال المحقق قدس سره: (ولا بد من كون الدعوى صحيحة لازمة، فلو ادعى
هبة لم تسمع حتى يدعي الاقباض، وكذا لو ادعى رهنا).
أقول: مثل بالهبة قبل الاقباض وبالرهن قبله للدعوى غير الصحيحة اللازمة
لأن الموهوب ما لم يقبض لم يملك، وفي الرهن قال المحقق: (وهل يشترط في
الرهن القبض؟ قيل: لا، وقيل: نعم وهو الأصح).
أما اشتراط كون الدعوى صحيحة فدليله واضح، فلو ادعى الهبة وأقر
المدعى عليه لم يلزم بشئ، بل لا بد من أن يدعي هبة صحيحة كأن يقول له:
وهبتني ذلك وأقبضتني إياه.
وأما اشتراط كونها لازمة فإن الهبة إذا لم تكن إلى ذي رحم وكانت العين
باقية جاز للواهب الرجوع حتى مع الاقباض، ولذا قيل بسقوط الدعوى فيما
لو ادعى عليه الهبة فأنكر، إذ يكون الانكار رجوعا نظير ما إذا أنكر الزوج الطلاق
فإن انكاره رجوع.
وبالجملة فاشتراط الصحة لا ريب فيه، ولذا لو قال: هذه ثمرة نخلي لم تسمع
إذ يمكن أن لا تكون ملكه إلا إذا صرح في دعواه بكونها ملكا له كما سيأتي، لكن
عن المحقق الأردبيلي الاشكال في اشتراط اللزوم فقد قال (ره): (ما المانع من
أن يدعي الصحة أو لا فيثبتها ويدعي اللزوم؟ ثم إنه يرد عليهم مثله فيما إذا ضم إليها
دعوى القبض، إذ لعل الموهوب له أجنبي. على أنه يرد مثله في دعوى البيع،
إذ على هذا لا بد من دعوى انقضاء المجلس أو الأيام الثلاثة في الحيوان ولا قائل به).
وأورد عليه في الجواهر بقول: (وفيه أن الصحة بدون القبض ليس حقا
لازما للمدعى عليه، ضرورة رجوع ذلك إلى التهيؤ للصحة مع تمام ما يعتبر فيها، وهبة
83

الأجنبي مع القبض صحيحة ويترتب عليها الأثر وإن جاز له الفسخ، فإن المراد
باللازمة المقتضية للاستحقاق على المدعى عليه، لا كون المدعى به أمرا لازما على
وجه لا يكون به خيار للمدعى عليه.).
قلت: والصحيح أنه ليس الانكار فيما نحن فيه رجوعا كالطلاق، فإن
الحكم المذكور يختص بالطلاق، ولذا لا يكون انكار البيع فسخا له، والقول
بعدم اشتراط اللزوم غير بعيد إلا أن يكون هناك اجماع.
هل تسمع دعوى المنكر فسق الحاكم أو الشهود؟
قال: (ولو ادعى المنكر فسق الحاكم أو الشهود ولا بينة فادعى علم الشهود
له ففي توجه اليمين على نفي العلم تردد، أشبهه عدم التوجه، لأنه ليس حقا لازما
ولا يثبت بالنكول ولا باليمين المردودة، ولأنه يثير فسادا).
أقول: لو لم يكن مورد الدعوى مالا كقوله لي عليك كذا من المال ولا سببا
كالبيع كقوله: هذا المال الذي بيدك قد بعتني إياه، بل ادعى أمر له فيه نفع
من حيث اثبات حق له أو اسقاط حق عليه، كأن يدعي المنكر فسق الحاكم الذي
حكم عليه أو فسق الشهود الذين استند إليهم المدعي وحكم الحاكم طبق شهادتهم،
أما لو ادعى فسق الشاهدين فله طرح دعواه عند نفس الحاكم، كما أن طرحها
عند حاكم آخر، فإن كان له بينة أقامها وبذلك يزول الحكم الذي أصدره الحاكم
حسب شهادتهما، وكذا لو تمكن من اثبات كذب الشاهدين أي كذبهما في قولهما بأن
هذا المال لزيد المدعي. لكن لا يسقط حق المدعي بثبوت فسقهما أو كذبهما في
هذه الشهادة.
وإن لم يكن عنده بينة فهل يؤثر علم المدعي بفسقها في زوال الحكم كذلك؟
إن أقر بذلك فلا اشكال في أنه يؤخذ باقراره، ولا يجوز له الاستناد إلى الحكم في
أخذ ما يدعيه على المنكر، وإن لم يقر فالحكم باق على حاله وله أثره من ثبوت الحق
وفصل الخصومة، نعم مع علم المدعي بفسق الشاهدين لا يجوز له ترتيب الأثر مع
84

تردده في كون مورد الدعوى له واقعا، وأما مع علمه له كذلك فحيث يحكم
الحاكم له وهو لا يقر بفسق شهوده يجوز له التصرف. وحينئذ فلو ادعى المنكر
عليه العلم بفسق الشاهدين لم تسمع هذه الدعوى، ولم يتوجه على المدعي اليمين
بنفي العلم، كما لا يثبت ذلك بنكوله عن اليمين ولا باليمين المردودة على المنكر
لأن توجه اليمين على المدعي المشهود له ليس حقا لازما للمنكر، ولأنه يوجب التزلزل
في الأحكام الصادرة من الحكام ويؤدي إلى التسلسل.
وقيل: تسمع هذه الدعوى، فله أن يحلفه لأنها دعوى فتشملها عمومات (البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه) ولأن لها أثرا بالنسبة إليه.
وفيه: أنه إذا لم يلازم علمه بفسق شاهديه زوال الحكم الصادر لم يكن للمدعى
عليه أثر في دعوى علم المشهود له بفسق الشاهدين فلا تسمع هذه الدعوى.
وأما لو ادعى فسق الحاكم وكان له بينة فله أن يطرحها عند حاكم آخر قيل:
ويشترط أن يصرح في طرحه الدعوى على فسق الحاكم الأول بوجود البينة، كأن
يقول له. عندي شهود على فسق فلان الحاكم.
وأما مع عدم وجود البينة فلا تسمع دعواه مطلقا، ولا أثر لها مطلقا وفاقا للمحقق
قدس سره، فإنه لا يبطل الحكم بحال، نعم في دعوى الزوجية لو أقام البينة وحكم
له ثم ادعت عليه المرأة قبل الحكم أو بعده العلم بفسق الشاهدين فأقر لم يجز له
الأخذ بهذا الحكم وأما لو كان متيقنا بأنها زوجته وجبت عليه النفقة مع المطالبة
أخذا باقراره وإن لم يجز لها الزامه، لفرض بطلان الحكم بفسق الشاهدين.
هل يجب إجابة المنكر لو التمس اليمين من المدعي؟
قال المحقق قدس سره: (وكذا لو التمس المنكر يمين المدعي منضمة
إلى الشهادة لم يجب إجابته، لنهوض البينة بثبوت الحق).
أقول: إن للمنكر أن يرضى بيمين المدعي، فإن حلف فهو وإن اختار إقامة
البينة كان له ذلك، ومع إقامتها لا يسمع طلب المنكر يمينه معها، نعم في الدعوى
85

على الميت يحلف مع البينة، وكذا مع الشاهد الواحد في الدعوى المالية.
لكن عن القواعد مع ذكر الحكم المذكور: (ولو التمس المنكر بعد إقامة
البينة عليه احلاف المدعي على الاستحقاق أجيب إليه. ولو التمس المنكر يمين
المدعي مع الشهادة لم يلزم إجابته).
وتوجيه الفرع الأول هو ما لو ادعى المدين البراءة أو الابراء، فكأن البينة أثبتت
أصل الدين واليمين تثبت اشتغال ذمة المدين الآن، ففي الحقيقة يدعي المدين
الابراء أو الأداء والدائن ينكر ذلك فيحلف. وكذلك لو شهد الشاهدان بأن زيدا قد
اشترى هذا المال فيكون ملكه، ثم يدعي عمرو البائع الفسخ فيحلف زيد المدعي
على العدم.
وتوجيه الفرع الثاني هو في العين الموجودة، فإذا شهدت البينة بكونها
لزيد لم تسمع مطالبة عمرو منه اليمين، نعم لا مانع من الحلف بل يستحب في رضاه
بها لقوله عليه السلام لشريح: (ورد اليمين على المدعي مع بينته، فإن ذلك أجلى للعمى
وأثبت في القضاء) (1).
وقال الشيخ في المبسوط: (وكيف يحلف؟ قال قوم: يحلف ما اقتضاه ولا
شيئا منه، ولا اقتضى له ولا شئ منه، ولا أجال به ولا بشئ منه، ولا أبرأه ولا عن شئ
منه، وإن حقه لثابت، ولا اقتضى له مقتض بغير أمره فأوصل إليه. قال: فإن ادعى
أنه قد أبرأه منه أو قد أجال به لم يحلف المدعى عليه على أكثر من الذي ادعاه عليه
وإن كانت الدعوى مبهمة فقال: ما له قبلي حق أو قد برئت ذمتي من حقه احتاج
إلى هذه الألفاظ كلها حتى يأتي بجميع جهات البراءة.
ومن الناس من قال: أي شئ ادعى، فإن المدعى عليه يحلف ما برئت
ذمتك من ديني، فإذا قال هذا أجزأه، لأنها لفظة تأتي على كل الجهات، فإن الذمة
إذا كانت مشغولة بالدين أجزأه أن يقول: ما برأت ذمتك من حقي.

(1) وسائل الشيعة 18 / 155 الباب الأول من أبواب آداب القاضي.
86

وهذا القدر عندنا جائز كاف. والأول أحوط وآكد. فأما قوله: وإن حقي
لثابت فلا خلاف أنه ليس بشرط).
هل يلزم بالجواب عن دعوى الاقرار؟
قال المحقق: (وفي الالزام بالجواب عن دعوى الاقرار تردد منشؤه إن
الاقرار لا يثبت حقا في نفس الأمر، بل إذا ثبت قضى به ظاهرا).
أقول: لو ادعى زيد على عمرو الاقرار له بشئ كأن يقول له: قد أقررت بكون
هذه الدار لي، أو يقول: لقد أقررت بأني غير مدين لك، فهل يلزم الحاكم عمرا
بالجواب عن هذه الدعوى؟ وجهان بل قولان، تردد المحقق قدس سره بينهما،
وجه عدم الالزام هو: أن الاقرار لا يثبت حقا واقعيا للمقر له، لأن الاقرار وإن ألزم
الشارع المقر بما أقر على نفسه ليس طريقا لاثبات الحق بحيث يرفع شك المقر
له في تملك المقر فيه، فلو أقر له بكون الثوب له وكان المقر له جاهلا أو شاكا في
ذلك لم يرتفع معه الجهل أو الشك، لأن أثر هذا الاقرار هو الحكم الظاهري فقط
بجواز تصرفه في الثوب. فإذا لم تكن الدعوى مثبتة لحق لازم ولم يكن الاقرار موجبا
لحق واقعي فإنه مع عدم البينة للمدعي على الاقرار - لا تسمع الدعوى، ولا يحلف
المدعى عليه على إنكاره، ولا يكون نكوله عن اليمين مثبتا للدعوى.
ووجه الالزام هو: أن المراد من الحق اللازم كون الدعوى ذات نفع للمدعي
والمفروض جواز تصرفه في المدعى به ظاهرا مع ثبوت الاقرار بأحد المثبتات،
ولا يلزم أن يكون مورد الدعوى مالا أو سببا لانتقال مال، بل إن ترتب الأثر المذكور
وهو الحكم بجواز التصرف ظاهرا على الاقرار كاف لصحة الدعوى عند
الحاكم كي يلزمه بالجواب.
وظاهر المحقق في المقام هو التوقف، بخلاف الفرع السابق حيث قال
(أشبهه عدم التوجه) واستقرب الشهيد الثاني في المسالك تبعا لجماعة الوجه الثاني
واختار المحقق العراقي الأول فقال: إن الوجهين (مبنيان على أن الأحكام الظاهرية هل
87

فعليتها فرع وصولها إلى المكلف بحيث لولاه لا تكون فعلية بعثية بخلاف الأحكام
الواقعية من الوضعيات والتكليفيات، إذ فعليتها الواقعية ليست تابعة لوصولها غاية
الأمر لا تنجز لها.
وحيث قد حققنا في محله عدم تبعية فعليتها للوصول فلا بأس بسماع مثلها.).
وفي الجواهر وجه الوجه الثاني بقوله: (لأن المدار على ثبوت الحق ظاهرا
فنكوله عن ذلك يثبت عليه الحق أو مع يمين المدعي الذي يجوز له الحلف عليه
والأخذ به، وإن لم يعلم استحقاقه من غير جهة اقراره الذي له الأخذ به ما لم يعلم كذبه،
لجواز استناده إلى سبب لا يعلم به، ولأنه إذا سمعت دعواه بالبينة توجه له اليمين
على عدمها، لعموم قوله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه).
ثم قال: (نعم قد يقال بعدم الزامه باليمين على نفي ذلك بخصوصه
إذا بذل اليمين على براءة ذمته الذي يأتي على ذلك كله، نحو ما تسمعه في عدم الزامه
بجواب دعوى أنه أقرضه أو باعه بثمن في ذمته أو نحو ذلك، معللين له بامكان أدائه له
والعجز عن اثباته، فيكفي جوابه ببراءة ذمته مما يدعيه عليه، فإنه يأتي على ذلك
كله، ومثله آت هنا.
اللهم إلا أن يفرق بأن الدعوى في الأول الشغل بسبب في الواقع، فيكفي في
جوابه نفي الواقع بخلاف الثاني، فإن الدعوى فيه بصدور سبب من المدعى
عليه يؤخذ به وإن لم يعلم الواقع.
وفيه: أن الاقرار كما يؤخذ بظاهره وإن لم يعلم صحته وقد ادعاه على
خصمه، كذلك البيع عليه مثلا، له الأخذ بظاهره أيضا ما لم يعلم فساده وقد ادعاه
على خصمه، فكما لا يلزم هناك الجواب بنفي البيع ويكفيه الجواب ببراءة الذمة
كذلك هنا، فتأمل).

(1) ظاهر كلامه ترجيح الوجه الثاني، إلا أنه متأمل في كفاية اليمين على براءة الذمة
عن اليمين على نفي الاقرار بالدين مثلا.
88

أقول: والأقرب هو الوجه الأول، إذ ليس كل دعوى يلزم الحاكم بسماعها
والنظر فيها، بل الدعاوي المتعلقة بأموال الناس ونفوسهم وأعراضهم، فيلزم أن
يكون مورد الدعوى شيئا يزعم المدعي تعلقه به. وبعبارة أخرى: لا بد أن تكون
نتيجة الدعوى والمرافعة اثبات حق يدعيه المدعي وجلب نفع إلى نفسه أو دفع
ضرر عن نفسه، وكل دعوى تكون كذلك يجب على الحاكم سماعها، وأما في المورد
الذي يتحقق النفع ويثبت للمدعي بنفس الحكم الصادر من الحاكم وأما قبله
فلا يوجد شئ فيلزم الدور، لأن نظر الحاكم في ذلك المورد ثم حكمه يتوقف
على تحقق الحق من قبل، وتحقق الحق يتوقف على الحكم نفسه.
هل تفتقر صحة الدعوى إلى الكشف؟
قال المحقق: (ولا تفتقر صحة الدعوى إلى الكشف في النكاح ولا في غيره).
أقول: إن صحة الدعوى التي اشترطناها لا تحتاج إلى الكشف والتحقيق عن
الأسباب، سواء كانت الدعوى في الأملاك من الأعيان والديون، أو في العقود من
النكاح وغيره. وقد نبه بذكر النكاح على خلاف بعض العامة فيه. ودليلنا على عدم
الحاجة هو الاجماع.
قال: (وربما افتقرت إلى ذلك في دعوى القتل، لأن فائته لا يستدرك).
أقول: لأن للقتل أقساما وأسبابا مختلفة من العمد والخطأ وشبه العمد، ومن
أن القتل مستند إليه بالمباشرة أو بالتسبيب، وأنه هل وقع منه منفردا أو شاركه
فيه غيره. فلكل واحد من هذه الأقسام والحالات حكم، فلو أجمل في الدعوى
لم يترتب حكم واحد منها، فلا بد من الكشف وذكر التفصيل وإلا لم تصح
دعوى القتل ولا تسمع.
وفي الجواهر كما عن جماعة الاشكال في ذلك، وقد يستفاد من تعبير المحقق
ب‍ (ربما) وذلك لأنه قد يترتب على الاجمال أثر كلي، بل قيل: إنه يملك بحكم
الأصل تشخيص أنه خطأ، بل ربما ظهر من المحقق الأردبيلي سماع دعوى الكلي
89

وإن لم يترتب عليه حكم ولكنه مقدمة لاثبات الخصوصية فيما بعد.
قلت: إن تعيين كونه خطأ بالأصل مشكل جدا، فلو أردنا اجراء هذا الأصل
لجرى في الجميع، لكن لو كان لبعض الخصوصيات أثر وقلنا بكفاية احتمال
ترتب الأثر لوجوب السماع فإنه يجب سماع الدعوى، هذا بعد ثبوت أصل الواقعة،
وبالجملة: الأصح هو سماع الدعوى حيث يثبت أصل القضية ثم تثبت خصوصياتها
بالموازين الشرعية من البينة واليمين، فيكون الحكم بعد المرحلتين وفاقا للأردبيلي،
وذلك لمقتضى الاحتياط الشديد الموجود في الدماء.
وعلى الجملة: لا فرق بين القتل وغيره في ذلك، فإنه مع فرض عدم ترتب حكم
على الكلي في غيره لم تسمع الدعوى به أيضا وإلا سمعت إن لم يثبت الاجماع
على خلافه لشمول أدلة وجوب القضاء له، ولما جاء في بعض الأخبار من حكم
الإمام عليه السلام في مقامات مع عدم ذكر المدعي السبب.
فهذه هي القاعدة الكلية وعلى ضوئها يظهر الأمر في الموارد والأمثلة المختلفة،
فإن كان للكلي أثر ادعاه وإن كان للخصوصية أثر ادعاها، وفي المتباينين تسمع الدعوى
إن كان العلم الاجمالي منجزا، ومع دوران الأمر بين الأقل والأكثر كان الأقل
هو المتيقن.
قال المحقق: (ولو اقتصرت على قولها: هذا زوجي كفى في دعوى النكاح
ولا يفتقر ذلك إلى دعوى شئ من حقوق الزوجية، لأن ذلك يتضمن دعوى لوازم
الزوجية. ولو أنكر النكاح لزمه اليمين، ولو نكل قضى عليه على القول بالنكول،
وعلى القول الآخر ترد اليمين عليها، فإذا حلفت ثبتت الزوجية، وكذا السياق لو كان
هو المدعي).
أقول: إن الأثر الذي ذكرناه لا يلزم التصريح به لدى الدعوى، بل يكفي
دعوى ملازمه، فلو اقتصرت المرأة على قولها: هذا زوجي كفى في دعوى النكاح
وترتب آثاره من حقوق الزوجية ولوازمها كالمهر والنفقة وغيرهما.
ويترتب على سماع هذه الدعوى أيضا أنه لو أنكر الزوج النكاح لزمته
90

اليمين، ولو نكل عنها قضى عليه على القول بالقضاء بمجرد النكول، وبرد اليمين
على المرأة، على القول الآخر فإن امتنعت سقطت دعواها، وإن حلف ثبتت
الزوجية. وعن التحرير (وفي تمكين الزوج منها اشكال من اقراره على نفسه بتحريمها،
ومن حكم الحاكم بالزوجية).
وكذا الكلام لو كان الرجل هو المدعي للزوجية. إذ يترتب على ذلك الآثار
الشرعية وحقوق الزوجية، والاشكال المذكور موجود، من إنكار المرأة للزوجية
فلا يجوز لها تمكينه من نفسها ومن حكم الحاكم بالزوجية.
أقول: أما بالنسبة إلى الحاكم نفسه فهل ينهى لا زوج المقر بحرمتها على
نفسه عن وطئ المرأة مع الزامه بدفع النفقة مثلا أخذا باقراره، أو لا ينهاه عن
ذلك ترتيبا لجميع آثار الزوجية التي قد حكم بها؟ وجهان. اللهم إلا أن نلغي
اعتبار الاقرار في هذه الحالة فيقدم الثاني، لكن لا يفتي بذلك أحد. نعم لا يبعد
الالغاء فيما إذ كان الاقرار عن نسيان مثلا ثم تذكر ورجع عنه بعد قيام البينة.
فالصحيح أن الاقرار بالنسبة إلى ما كان على الزوج مقدم على الحكم، إذ لا
يقول أحد بالغاء الاقرار في هذه الحالة.
وأما وظيفة الزوج المنكر للزوجية، فإن كان عالما بعدم الزوجية فإن مقتضى
قول النبي صلى الله عليه وآله: (فأيما امرء قطعت له.) (1) هو عدم جواز ترتيب آثار
الحكم مثل الوطئ، وأما دفع النفقة فليس محرما عليه بل يجب عليه امتثالا وتنفيذا
للحكم، بل يحرم على المرأة أخذها، وهل يجوز لها الأخذ في مقابل بقائها
في دار الرجل؟ فيه اشكال، وأما إذا كان انكاره لها من جهة الشك مثلا فإن جميع
الآثار مترتبة بالحكم.
وأما إذا كان المدعي للزوجية هو الرجل والمرأة تنكر، فإن كانت تعلم بعدم
الزوجية كان عليها الامتناع عن التمكين، ولا يجوز لها المطابقة بالنفقة، وإن كانت

(1) وسائل الشيعة 18 / 169.
91

تنكر كاذبة أو شاكة وجب عليها ترتيب الأثر على الحكم.
وأما المهر فإن الرجل إن ألزمها بالتمكين ووطئها عملا بحكم الحاكم فقد
وجب عليه دفع مهر المثل لأنه عوض البضع.
هل تسمع دعواه إن هذه بنت أمته أو ثمرة نخله؟
قال المحقق: (ولو ادعى إن هذه بنت أمته لم تسمع دعواه لاحتمال أن تلد
في ملك غيره ثم تصير له، وكذا لو قال: ولدتها في ملكي، لاحتمال أن تكون حرة
أو ملكا لغيره).
أقول: ومن فروع اشتراط كون مورد الدعوى حقا لازما يدعيه المدعي
بصراحة ووضوح أنه إذا قال: هذه بنت أمتي فهل تسمع هذه الدعوى أو لا؟
وهذه الدعوى تتصور بوجهين: أن تكون هي بيد زيد وهو يريد أخذها منه
بهذه الدعوى، وأن تكون بيده فيدعيها زيد فيقول هذه بنت أمتي بمعنى أنه إذا
لم يدع ذلك تثبت دعوى زيد.
وكيف كان فإن هذه الدعوى أعم من أن يكون موردها حقا لازما، وحيث إنها
ليست صريحة في ذلك فلا تسمع.
وكذا لو ضم إلى تلك الدعوى قوله: ولدتها في ملكي، أو ادعى هذه
الجهة دعوى مستقلة كأن يقول: هذه ولدتها أمتي في ملكي.
قال المحقق قد سره: (وكذا لا تسمع البينة بذلك ما لم يصرح بأن البنت
ملكه، وكذا البينة).
أقول: وكما لا تسمع الدعوى الصريحة كذلك لا تسمع البينة غير الصريحة
فإن قالت بأن هذه مملوكة فلان سمعت، ولو قالت: ولدتها أمها حال كونها في
ملكه فلا تسمع، لأنه يمكن أن تكون الأم مملوكة ولا تكون بنتها مملوكة له كأن
يكون قد حررها مثلا.
قوله: (وكذا البينة) ليس تكرارا، بل المراد أنه ما لم يصرح المدعي في
92

الدعوى فلا تسئل البينة التي يقيمها، ثم البينة لا تسمع شهادتها ما لم تشهد بصراحة،
وحيث شهدت بالملك فلا تسئل عن السبب، فيحتمل أن يكون قوله: (وكذا
البينة) معطوفا على (لا يفتقر) المتقدم عليه.
قال: (ومثله: لو قال: هذه ثمرة نخلي).
أي: فلا تتسمع هذه الدعوى لكونها أعم، إلا أن يقول هذه ثمرة نخلي وهي
ملك لي.
قال: (وكذا لو أقر له من الثمرة في يده أو بنت المملوكة لم يحكم عليه
بالاقرار لو فسره بما ينافي الملك).
أقول: ولو قال هذه الثمرة من نخل من هي بيده فهل له أن يدعي بعد ذلك
كونها ملكا له: نعم، لأن قوله السابق ليس اقرارا بعدم ملكيته وملكية صاحب
اليد حتى يكون قوله المتأخر انكارا بعد اقرارا، فتسمع هذه الدعوى منه ويطالب
بالبينة، بخلاف ما لو أقر بالملكية فليس له أن يقول بعد ذلك: لكن هي ملكي.
وهذا معنى عبارة المحقق.
وفي المسالك: ظاهر عبارة المحقق والعلامة أنه إذا لم يفسر بالخلاف فهو اقرار.
وأشكل عليه في الجواهر بعدم ظهور عبارتيهما في ما ذكره، فليس (لو فسر) قيدا
حتى يكون اقرارا. قلت: وما ذكره صاحب الجواهر هو الظاهر.
ثم إن صاحب المسالك بعد ما استظهر من العبارة ما ذكر أشكل على المحقق
الفرق بين الاقرار والدعوى فقال: (والفرق بين الدعوى والاقرار لا يخلو من اشكال،
لأن الاحتمال قائم على تقدير الاقرار والدعوى، والعمل بالظاهر في الاقرار دون
الدعوى لا دليل عليه، والفرق باشتراط التصريح فيها دونه رجوع إلى نفس الدعوى،
وفي الارشاد أطلق عدم سماع الدعوى والاقرار معا، ولم يعتبر التقييد في الاقرار
بتفسيره بما ينافي الملك وهذا هو الظاهر).
أقول: إن اشكاله وارد بناءا على ما فهمه من العبارة، لأن الصراحة شرط في
93

كلا الأمرين، إلا أن يقال بأن ظهور الدعوى غير كاف وظهور الاقرار كاف، لكنه
مشكل.
هذا وفي الجواهر بشرح: (وكذا لا تسمع البينة.) ما لفظه: (لكن عن
لقطة المبسوط والتذكرة سماع الدعوى والبينة في الثاني، بل عن الأخير الاجماع
عليه، ولعله لأصالة تبعية النماء للمال حتى يعلم خلافه، وهو كذلك حيث لا يكون
لآخر يد تقضى بالملكية لها وإلا انقطع بها الأصل المزبور، كما أنقطع بها ما هو
أقوى من ذلك، وكلام الأصحاب هنا في الدعوى على آخر).
قلت: إن محل البحث هو أن تكون بنت أمة زيد بيد عمرو فيراجعه استنادا
إلى كون الأم عنده، فالارتكاز يتبع ما إذا لم يقم في مقابله دليل كاليد، والأردبيلي
أمر بالتأمل في المقام بعد أن ذكر عدم السماع، ولعل وجهه: امكان القول بالسماع،
لأن من ملك النخلة فقد ملك تمرها عند العرف إلا أن يقوم دليل، ولذا تسمع هذه
الدعوى في الملك القديم السابق على اليد فيلزم صاحب اليد بإقامة البينة على
انتقاله إليه بالبيع مثلا.
لكن هذه المطالب ليست تعبدية بمعنى قيام اجماع أو دلالة نص عليه، بل
الذي يريدون اثباته كون الدعوى صريحة، فإن كانت الملازمة العرفية و التبعية بين
الثمرة والنخلة أو بين الأمة والبنت تامة فهو وإلا لزم البيان و الكشف عن سبب
الملك. والظاهر تمامية هذه الملازمة ما لم يكن الفرع بيد غيره، لأن اليد دلالتها
على الملكية أقوى من الملازمة المذكورة.
قال المحقق: (ولا كذلك لو قال: هذا الغزل من قطن فلان أو هذا الدقيق
من حنطته).
أقول: يعني إن مثل هذه الدعوى ظاهر في الملكية ولا حاجة إلى التصريح،
للفرق بين الثمرة والنخل وبين الغزل والقطن، فهناك المغايرة حقيقية وهنا هي في
الصورة فقط، فالدعوى تسمع وعليه اثباتها كسائر الدعاوي.
94

الكلام في:
التوصل إلى الحق
95

1 - إن كان الحق عقوبة:
الحق إما عقوبة وإما مال، فإن كان الحق عقوبة كالقصاص فالأقوى وفاقا
للمسالك وغيرها بل عن الكفاية: لا أعرف فيه خلافا وجوب رفع الدعوى
إلى الحاكم، فإن ثبت دعواه وأصدر الحاكم الحكم جاز له أن يباشر القصاص
على قول، وقيل: بل الأمر بيد الحاكم فله أن يباشر بنفسه القصاص أو يأذن فيه
لصاحب الحق أو يأمر به شخصا آخر.
وأما إذا لم يتوفر الحاكم أو تعذر الوصول إليه فيجوز له أن يستوفي حقه،
وهذه الصورة هي القدر المتيقن من اطلاق قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا
لوليه سلطانا) (1).
فيكون الحاصل عدم جواز مباشرة القصاص مع التمكن من الرفع إلى الحاكم
خلافا لصاحب الجواهر قدس سره حيث استند إلى الآية المزبورة قائلا بالجواز مطلقا.
نعم لا ريب في عدم مؤاخذة الحاكم لصاحب الحق وإن باشر الأمر من دون
إذنه، إذ لا اشكال في ثبوت هذا الحق له، لكن لما كان أمر الدماء خطيرا ولا بد فيه من
الاحتياط الشديد نقول تبعا للأصحاب بلزوم رفع القضية إلى الحاكم واجراء الحكم
بإذنه حتى لا يلزم الفساد في المجتمع الاسلامي والهرج والمرج في البلاد ويتأكد

(1) سورة الإسراء: 33.
97

ما ذكرناه فيما إذا علم بترتب المفسدة العظيمة كوقوع المقاتلة بين طائفتين وارقة
الدماء المحترمة
ومن جواز مباشرة الحاكم يظهر أنه لا يجب عليه أن يأذن لصاحب الحق
بذلك إن راجعه في القضية، وإن كان ذلك حقا ثابتا له خلافا لصاحب الجواهر
حيث قال بأن اطلاق السلطان للولي يقتضي مباشرته لا خصوص الحاكم.
ومن ذلك كله يظهر أن الحكم بوجوب الرجوع إلى الحاكم والاستيذان منه
في اجراء القصاص حكمة يقصد منها دفع الفساد واختلال النظام في المجتمع
الاسلامي، وعليه فلو أمكن لولي المقتول أن يقتل القاتل بحيث لا يترتب على فعله
مفسدة جاز كما هو الحال بالنسبة إلى الحقوق المالية كما سيأتي.
2 - إن كان الحق مالا:
وإن كان الحق مالا فتارة يكون عينا وأخرى يكون دينا، فإن كان عينا فقد
قال المحقق قده: (من كانت دعواه عينا في يد انسان فله انتزاعها ولو قهرا ما لم
تثر فتنة، ولا يفتقر إلى إذن الحاكم).
أقول: فالمحقق يقول بجواز انتزاع العين ولو قهرا لكن قيده بما لم تثر
فتنة، وفي الجواهر فسر قوله: ((ولو قهرا): (بمساعدة ظالم أو بنفسه) وإن استلزم
ضررا بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك) لكن ينبغي تقييد مساعدة الظالم
بصورة انحصار طريق استنقاذ العين بذلك، بأن لا يمكنه الاستنقاذ بنفسه أو بمساعدة
من ليس بظالم، بل يجوز ذلك في صورة الاختيار أيضا بل يمكن القول بجواز
اتيان الأمر المباح بمساعدة ظالم، وأما إعانته فقد قلنا في محله باختصاص حرمة
إعانة الظالم بأن تكون الإعانة في ظلمه.
ولا يخفى أن المراد من (الظالم) في هذا المقام هو غير (الطاغوت) الذي
نهى الرجوع والتحاكم إليه في الكتاب والأخبار، وقد تقدم البحث عن حكم
الرجوع إليه في إحقاق الحق.
98

ثم قال في الجواهر: (وإن استلزم ضررا بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو
نحو ذلك).
وعن الارشاد جواز الانتزاع (ولو قهرا مع انتفاء الضرر) وعن مجمع
الفائدة: (ما لم يحصل معه أمر غير مشروع).
قلت: لا ريب في عدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه، فلا يجوز
الدخول في دار إلا بإذن صاحبها، فإن كانت العين في الدار فدفعها إليه صاحب
الدار من دون حاجة إلى الدخول فهو، ولو توقف أخذها على الدخول وجب
الاستيذان منه فإن امتنع فمن الحاكم لأنه ولي الممتنع، وحيث يمكنه ذلك مع
الإذن فلا دليل على الجواز بلا إذن.
ولا اطلاق لدليل سلطنة الناس على أموالهم ليشمل مفروض الكلام ونحوه
فإن لم يتمكن من تحصيل الإذن من الحاكم رفعت قاعدة نفي الضرر حرمة الدخول
بلا إذن.
وأما إذا استلزم انتزاع العين ضررا على من هي بيده ففيه قولان، ولكن الحق
هو الجواز مع التوقف، فيجوز له انتزاعها حتى مع كسر القفل والصندوق ونحو
ذلك، بل قيل إن له أن يطالب بحقه ويحاول انتزاعه ممن وضع يده عليه وهو يعلم
بكونه لمن يدعيه مهما بلغ الأمر، إذ لا فرق بين هذه المسألة ومسألة دفع اللص
عن المال حيث يجوز للانسان أن يدافع عن ماله ويحفظه من اللص حتى لو انتهى
إلى قتل اللص، ولو قتل هو كان شهيدا كما في الروايات (1)، لكن في الجواهر:
(ما لم تصل إلى حد وجوب الكف عن الحق له لترتب تلف الأنفس والأموال

(1) عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من
قتل دون عقال عياله فهو شهيد) وعن أبي جعفر عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله: (من قتل
دون ماله فهو شهيد) وكذا عن الرضا عليه السلام. راجع الباب: 46 من أبواب جهاد
العدو من وسائل الشيعة 11 / 91 93.
99

وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما
يترتب عليه ذلك وإن كان مباحا في نفسه أو مستحبا بل أو واجبا.).
وكيف كان فالقدر المتيقن من الجواز صورة عدم لزوم الخسارات الكثيرة
مثل تمزيق الثوب وكسر الباب أو القفل أو الصندوق ونحو ذلك، لأن قاعدة نفي
الضرر جعلت للامتنان ولا مورد لها في هذا المقام.
هذا كله في صورة علم من بيده العين بكونها للشخص الذي يدعيها، وأما
إذا كان جاهلا فإن طالبه واقتنع بقوله ودفع المال فهو، وإن لم يصدقه جاز له أن
ينتزعه منه قهرا فإن عجز فلا مناص من الرفع إلى الحاكم، ولو استلزم الانتزاع
ضررا فقد يقال بالجواز لقوله صلى الله عليه وآله: (لي الواجد بالدين يحل عقوبته وعرضه) (1)
وفيه تأمل، لأنه ظاهر في العالم دون الجاهل (2).
ولو كان من بيده العين معذورا عن دفعها إلى صاحبها لحبس أو مرض فهل
يجوز له أن يدخل الدار مثلا ليأخذ ماله؟ لا بد هنا من إذن الحاكم، لأن المفروض
عدم انكاره للحق وكونه قاصرا عن اعطائه، فيلزم أن يستأذن الحاكم ويدخل الدار مع
إذنه، ولو استلزم ضررا يسيرا جاز كذلك.
وحيث يراجع الحاكم ويقيم البينة على دعواه ويثبت حقه فهل له المبادرة إلى
أخذ الحق قبل صدور حكم الحاكم؟ قيل نعم بناء على حجية البينة للمدعي.
هذا كله في العين وقد ذكر المحقق حكم ما إذا كان الحق دينا بقوله:
صور كون الحق دينا:
(نعم لو كان الحق دينا وكان الغريم مقرا باذلا لم يستقل المدعي بانتزاعه
من دون الحاكم، لأن للغريم تخييرا في جهات القضاء، فلا يتعين الحق في شئ من

(1) وسائل الشيعة 13 / 90.
(2) أقول: على أن الاستدلال به يتوقف على اسقاط خصوصية (الدين) وهذا أيضا
لا يخلو عن تأمل.
100

دون تعيينه أو تعيين الحاكم مع امتناعه).
أقول: ولو كان الحق الذي يدعيه الشخص دينا فلا يخلو الغريم عن حالات:
الأولى - أن يكون مقرا بالحق وباذلاله:
والحكم في هذه الحالة عدم استقلال صاحب الحق بانتزاع حقه لأن للغريم تخييرا
في جهات القضاء، فلا يتعين الحق الكلي الثابت في ذمته من دون تعيينه قال في الجواهر:
بلا خلاف بل ولا اشكال.
هذا وقد أشكل على موضعين من عبارة المحقق هذه، أحدهما قوله: (من دون
الحاكم) من جهة أن إذن الحاكم لا دخل له في هذا الفرض مع أن المستفاد من العبارة
جواز أخذه بإذن الحاكم، والثاني قوله: (أو تعيين الحاكم مع امتناعه) من جهة
أن المفروض كونه مقرا باذلا فما ذكره لا وجه له لأنه خلاف الفرض. وقد أرجع
صاحب الجواهر الضمير في (امتناعه) إلى التعيين فقال: (أي امتناع تعيينه لحبس أو
مرض أو نحوهما لأن له الولاية العامة في ذلك) قيل: ولا بد أن يجعل المراد من
الباذل حينئذ هو الباذل الشأني وإلا فلا يستقيم ما ذكره. قلت: ولكنه خلاف الظاهر
والأولى ما في القواعد: (إن كان باذلا فليس للمدعي الاستيفاء بدون إذنه وإن كان
ممتنعا فليس له بدون إذن الحاكم).
الثانية - أن يكون مقرا ممتنعا من البذل:
والحكم في هذه الحالة كسابقتها، فلا يجوز التقاص إلا بإذن الحاكم لأنه ولي
الممتنع، سواء كان معذورا أو بلا عذر، لأن الحق الثابت في ذمته كلي وتعينه لا يكون
بدون إذن المدين أو وليه في حال امتناعه وإن لم يستلزم التقاص ضررا أو فتنة، بل
لا يجوز التقاص خفية كذلك، هذا بحسب مقتضى القواعد.
لكن مقتضى اطلاق بعض الأدلة الآتية في الصورة الثالثة هو الجواز.
101

الثالثة - أن يكون المدين جاحدا للحق:
وفي هذه الحالة خلاف بين الأصحاب، قال المحقق قده: (ولو كان
المدين جاحدا وللغريم بينة تثبت عند الحاكم والوصول إليه ممكن، ففي جواز
الأخذ تردد أشبهه الجواز، وهو الذي ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط، وعليه
دل عموم الإذن في الاقتصاص).
فذهب المحقق قدس سره هنا والأكثر كما في المسالك وغيره إلى الجواز
والثاني لا، وهو خيرة المحقق في النافع. وقد أشار هنا إلى دليل الجواز بقوله:
(وعليه دل عموم الإذن في الاقتصاص) من الآيات والروايات، فمن الكتاب قوله
تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (1) وقوله تعالى:
(والحرمات قصاص) (2) وقوله تعالى: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (3).
إلا أن في انعقاد اطلاق هذه الآيات بحيث يمكن الاستناد إليه في قبال القواعد
تأملا.
ومن السنة أخبار:
1) ما عن ابن رزين قال: (قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إني أخالط
السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيأخذونها، ثم يقع لهم
عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه) (4).
وهو ظاهر في كون كلام الإمام عليه السلام جوابا عن السؤال عن الحكم في المسألة
لا إذنا له في الأخذ، فيكون الحاصل جواز الاقتصاص من أموالهم الشخصية،
ويبقى الكلام في أنه هل تتحقق حينئذ مبادلة قهرية بين المالين أو يكون المال المأخوذ

(1) سورة البقرة: 194
(2) سورة البقرة: 194
(3) سورة النحل: 126
(4) وسائل الشيعة 12 / 201 الباب 83 من أبواب ما يكتسب به والسند صحيح.
102

مباحا له التصرف فيه وما أخذه عامل السلطان مغصوبا أو يكون بدل الحيلولة؟.
وأما الأخذ من بين المال في مقابل تصرفات عمال السلطان فلا يجوز حتى
ولو كانت تصرفاتهم بعنوان السلطنة والحكومة، فيكون نظير ما إذا غصب المتولي
لموقوفة مالا وصرفه في شؤونها فإنه يضمن في ماله الشخصي ولا يؤخذ من أموال
الموقوفة.
2) ما عن أبي العباس البقباق: " أن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم
واستودعه بعد ذلك ألف درهم قال أبو العباس فقلت له خذها مكان الألف التي
أخذ منك فأبى شهاب. قال: فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك. فقال:
أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف) (1).
3) ما عن أبي بكر قال: (قلت له: رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف
عليها، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟ قال: فقال نعم
ولكن لهذا كلام. قلت وما هو؟ قال تقول: اللهم إني لا آخذه ظلما ولا خيانة،
وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم ازدد عليه شيئا) (2).
قال الشيخ الحر: (هذا محمول على من حلف من غير أن يستحلف) وفي
الجواهر: (أو عند غير الحاكم أو نحو ذلك، حتى لا ينافي غيره من النصوص،
ولا ريب في استحباب القول المزبور وإن أطنب بعض الناس (3) بدعوى الوجوب
الذي يمكن تحصيل الاجماع على خلافها).
4) ما عن جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له
على الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم

(1) وسائل الشيعة 12 / 202. الباب 83 من أبواب ما يكتسب به والسند صحيح
(2) وسائل الشيعة 12 / 203 عن الشيخ قده وقد قال الشيخ بعده: الحسن
ابن محبوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الخضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه
التهذيب 6 / 348
(3) نسبه في المستند إلى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب.
103

الجاحد بذلك؟ قال: نعم) (1).
5) ما عن إسحاق بن إبراهيم: (إن موسى بن عبد الملك كتب (إلى أبي جعفر عليه السلام
يسأله عن الرجل دفع إليه رجل مالا ليصرفه في بعض وجوه البر فلم يمكنه صرف
المال في الوجه الذي أمره به وقد كان له عليه مال بقدر هذا المال فسأل هل يجوز لي
أن أقبض مالي أو أرده عليه؟ فكتب اقبض مالك مما في يدك) (2).
لكن هذه الرواية مجملة، لأنه لما لم يمكنه صرف المال في الوجه الذي أمره
به فما هو وجه الأخذ من المال الذي كان له عليه؟ لأنه إن كان المال موجودا فتحصل
بين المالين المعاوضة القهرية بلا موجب، وإن لم يكن موجودا فلا ضمان مع
عدم التفريط، ولعل الرواية كانت تشتمل على قرائن وخصوصيات لم تصل إلينا، وإلا
فلم نجد في الأخبار على مورد أذن فيه الإمام عليه السلام بالتصرف في مال الغير بلا دليل
شرعي يقتضي جوازه.
فقد دلت هذه الأخبار باطلاقها على جواز الأخذ من مال المقر الممتنع والمدين
الجاحد، سواء تمكن من الاستيذان من الحاكم أولا، وسواء كان ماله الذي بيد
الغاصب عينا موجودة أو غير موجودة.
ولو رفع الأمر مع ذلك إلى الحاكم، فإن كان عالما بصدقه إذن له وإلا
لم يجز له الإذن حتى مقيدا بكون المدعي عالما كأن يقول له: قد أذنت لك في الأخذ
إن كنت عالما بحقك، بل لا بد من إقامة البينة المثبتة لحقه عند الحاكم.
هذا واقد استدل للقول بعدم الجواز بأن التسلط على مال الغير على خلاف
الأصل فيقتصر منه على موضع الضرورة وهي هنا منتفية، ولأن الممتنع من وفاء
الدين يتولى القضاء عنه الحاكم ويعين من ماله ما يشاء ولا ولاية لغيره. وأجاب في

(1) وسائل الشيعة 12 / 205 فيه " علي بن حديد " فعن الشيخ: ضعيف جدا،
وقد ضعفه غيره أيضا.
(2) وسائل الشيعة 12 / 204 والظاهر اعتبار سنده ولكنه في مورد الوديعة كما
استدل به في المستند.
104

المسالك بأن كون التسلط على مال الغير بغير إذنه خلاف الأصل مسلم لكن العدول
عن الأصل لدليل جايز وهو هنا موجود.
وفي الجواهر: (بل يمكن معارضته بأصل عدم وجوب الرفع إلى الحاكم).
قلت: ليس المورد من قبل الشك السببي المسببي بأن يكون الشك في
جواز الأخذ مسببا عن الشك في توقفه على إذن الحاكم حتى يكون جريان الأصل
في السبب بأن يقال الأصل عدم وجوب الرجوع إلى الحاكم وعدم توقف الأخذ
على إذنه مزيلا لموضوعه في المسبب فيجوز الأخذ، بل إن هنا علما اجماليا بجواز
الأخذ إما بالاستقلال وإما مع إذن الحاكم وانتفاء كل واحد منهما بالأصل يلازم
ثبوت الآخر عقلا لا شرعا.
وبناء على تحقق التعارض بين هذين الأصلين فإنهما يتساقطان ويكون المرجع
قاعدة نفي الضرر والضرار في الاسلام.
وكيف كان فإن ما ذهب إليه المشهور هو الأقوى، لأن النصوص الدالة على
الجواز تخصص عمومات (لا يحل مال امرئ) وبها ينقطع الأصل المزبور، وإن
الاستدلال بأن الممتنع من وفاء الدين يتولى القضاء عند الحاكم ويقوم مقامه
كالاجتهاد في مقابلة تلك النصوص.
وهذا الخلاف هو في صورة وجود البينة والتمكن من الوصول إلى الحاكم،
قال المحقق:
(ولو لم تكن له بينة أو تعذر الوصول إلى الحاكم ووجد الغريم من جنس
ماله اقتص مستقلا بالاستيفاء) قال في الجواهر: بلا خلاف فيه عندنا بل الاجماع
بقسميه عليه، لاطلاق الأدلة المزبورة وغيرها.
حكم الاقتصاص من الوديعة:
قال المحقق: (نعم لو كان المال وديعة عنده ففي جواز الاقتصاص تردد أشبهه
الكراهة).
105

أقول: اختلف الأصحاب في جواز الاقتصاص من الوديعة، فذهب الشيخ في
الاستبصار والمحقق وأكثر المتأخرين كما في المسالك والجواهر إلى الجواز
على كراهة، وذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى التحريم، ومنشأ الخلاف هو اختلاف
الروايات بظاهرها في هذه المسألة.
فمما يدل على الجواز عموم الأدلة السابقة في المسألة المتقدمة، وخصوص
خبر أبي العباس البقباق: (إن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه
بعد ذلك ألف درهم. قال أبو العباس فقلت له: خذها فكان الألف التي أخذ منك
فأبى شهاب. قال: فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه السلام فذكر ذلك له. فقال: أما أنا
فأحب أن تأخذ وتحلف) (1) دل هذا الخبر على الجواز من غير كراهة.
(2) وخبر علي بن سليمان قال: (كتبت إليه: رجل غصب مالا أو جارية
ثم وقع عنده مال لسبب وديعة أو قرض مثل خيانة أو غصب (مثل ما خانه أو غصبه)
أيحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب: نعم يحل له ذلك أن كان بقدر حقه، وإن كان أكثر
فيأخذ منه ما كان عليه ويسلم الباقي إليه إن شاء الله) (2).
ومما احتج به القائل بالتحريم بعد عمومات النهي عن التصرف في مطلق
الأمانة، الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه:
(1) ما عن سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع لي
عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه (فآخذه) لمكان مالي الذي
أخذه وأجحد وأحلف عليه كما صنع؟ قال: إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته
عليه) (3).
(2) ما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: الرجل يكون

(1) وسائل الشيعة 12 / 202. صحيح.
(2) وسائل الشيعة 12 / 204. ضعيف بعلي بن سليمان فإنه مجهول.
(3) وسائل الشيعة 12 / 204. صحيح.
106

لي عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالا إلى أن آخذ مالي عنده؟ قال: لا، هذه
الخيانة) (1).
(3) ما عن ابن أخ الفضيل بن يسار قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ودخلت
امرأة وكنت أقرب القوم إليها، فقالت لي: أسأله، فقلت: عماذا؟ فقالت: إن ابني
مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه. ثم أفاد أخي مالا فأودعنيه، فلي أن آخذ منه
بقدر ما أتلف من شئ فأخبرته بذلك فقال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أد الأمانة إلى
من ائتمنك ولا تخن من خانك) (2).
قال في المسالك: وفي هذا الحديث دلالة من ثلاثة مواضع.
قلت: والوجه هو الجمع بين الطرفين بالحكم بالجواز على كراهة فيحمل
خبر أبي العباس الظاهر في عدم الكراهة على بعض الوجوه، كأن يكون رجوعه
إلى الحاكم وحلفه عنده أحب إلى الإمام عليه السلام دفعا لتوهم الخيانة، أو أن يكون
المراد أن أخذه يوجب فراغ ذمة الرجل وخلاصه من العقاب الأخروي من هذه
الناحية وهذا الأمر أحب إليه عليه السلام، ومن هنا كانت الفتوى بالنسبة إلى من كان مدينا
لشخص فمات الدائن وقد استقر عليه الحج أن لا يسلم المال إلى وارثه في حال
علمه بأنه لا يستأجر من يحج عن الميت بل عليه أن يستأجر بذاك المال من يحج عنه.
ويحمل خبر ابن أخ الفضيل أيضا الدال على المنع من وجوه على بعض
الوجوه كما في المسالك.
ومع امكان هذا الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى الترجيح أو التساقط.
لو كان من غير جنس الموجود:
قال المحقق: (ولو كان المال من غير جنس الموجود جاز أخذه بالقيمة العدل
ويسقط اعتبار رضا المالك بالطاطه كما يسقط اعتبار رضاه في الجنس).

(1) وسائل الشيعة 12 / 205. وهو معتبر سندا.
(2) وسائل الشيعة 12 / 202. وهو صحيح.
107

أقول: لا خلاف في شئ من ذلك بيننا كما في الجواهر، فالحكم في متحد
الجنس ومختلفه سواء، وهو مقتضى اطلاق الأدلة السابقة وخصوص خبر ابن رزين
في الجارية والدابة الفارهة. وهذا في صورة تلف المال الذي في ذمة الغاصب واضح:
وأما مع وجوده فالكلام في أنه هل يكون الذي بيده ملكا له بهذا التقاص بأن تتحقق
المبادلة القهرية بين المالين، أو يكون ما يأخذه صاحب الحق بدل الحيلولة، بمعنى
تجويز الشارع له أخذ مال الغاصب بدل حيلولته بينه وبين تصرفاته في ملكه، نظير
ما لو كسر شخص إناء انسان فإنه يجب عليه دفع ثمنه ثم يكون هذا المكسر ملكا
لصاحب الإناء، بمعنى أن المال الذي دفعه كان في مقابل الاتلاف ولكن لا يخرج
المكسر عن ملك صاحب الإناء وتظهر الثمرة في الصلاة فيه مثلا؟
ولا يبعد أن يكون الوجه الثاني هو الأظهر إن كان الأمر نظير كسر الإناء دون
ما إذا كان نظير القائه في الخبر مثلا حيث المالية غير منتفية.
جواز تولي بيع الوديعة:
قال المحقق: (ويجوز أن يتولى بيعها وقبض دينه من ثمنها دفعا لمشقة
التربص بها).
أقول: إن كان التربص واجبا رفع وجوبه بدليل نفي الحرج، لكن له أن
يتملكها ثم يبيعها ولا حرج في هذه الصورة، نعم بناءا على اعتبار المماثلة بين الوديعة
والمال الذي في ذمة الغاصب يتم ما ذكره. كما أن ما ذكره صاحب الجواهر من
أنه يجوز له بيع ثمنها إلى أن ينتهي إلى ما يساوي حقه في الجنس ثم يأخذه مقاصة
لا يمكن المساعدة عليه.
والعمدة واطلاق الأدلة فإن مقتضاه عدم اعتبار المماثلة مطلقا، أي سواء
أمكن الاقتصار في المقاصة على الأخذ من جنس حقه أو لم يمكن.
لو تلفت الوديعة قبل البيع فهل يضمن؟
قال المحقق: (ولو تلفت قبل البيع، قال الشيخ: الأليق بمذهبنا أنه لا يضمنها
108

والوجه الضمان لأنه قبض لم يأذن فيه المالك، ويتقاصان بقيمتها مع التلف).
أقول: قد وقع الخلاف في الضمان بالتلف قبل البيع للاقتصاص، فإن
هذا يريد حقه من المدين وذاك يريد ثمن ماله الذي تلف بيد هذا، فإن كان المثمن
والثمن متساويين من حيث القيمة فيقع التهاتر أو التقاص من الطرفين، وإن كان
هذا أكثر فحقه باق بمقداره، فإذا لم يضمن كان له التقاص مرة أخرى وهل يضمن؟
قال الشيخ: لا. وقال المحقق: (الوجه الضمان) وجه الأول: إن تسلطه على المال
كان بإذن من الشارع، وحينئذ لا ضمان منع كون اليد مأذونة، ووجه الثاني: هو
إن مجرد الإذن الشرعي لا يقتضي عدم الضمان.
أقول: إن كان المستفاد من النصوص جواز الاقتصاص مع خلوها عن الإذن
في التصرفات الأخرى وحتى عن الامساك زمانا ثم التقاص والمفروض أنه لم
يكن عنده وديعة فالضمان متحقق بلا كلام، وإن تلف في حال التقاص المأذون
فيه فهذا محل الكلام.
قال في الجواهر: أنه لا منافاة بين إذن الشارع وبين الضمان بعد أن لم يكن
في شئ من النصوص الحكم بكونه قبض أمانة فيندرج في ما دل على عدم ضمانها
كما أنه ليس في شئ من الأدلة الشرعية عنوان للأمانة الشرعية على وجه يكون المقام
منها موضوعا وحكما، إذ ليس إلا الإذن في القبض لاستيفاء حقه، وهو أعم من
الائتمان الذي لا يستعقب الضمان كالالتقاط ونحوه، وليس كل ما أذن الشارع في
قبضه يكون أمانة خصوصا القبض لمصلحة القابض التي هي استيفاء حقه منها، بل
ذلك من المالك لا يقتضي الائتمان المزبور، وحينئذ فتبقى قاعدة ضمان مال المسلم
المستفادة من عموم على اليد وغيره بحالها، ويتقاصان بقيمتها مع التلف.
قلت: لكن الاستدلال بالحديث يتوقف على عمومه للمقام، لكن قاعدة
اليد جعلت حكما مغيى بوجوب الأداء، وفيما نحن فيه يبنى الأخذ على عدم الرد
ويريد التقاص، بل إن هذه القاعدة منصرفة عن اليد غير العدوانية، وإذا سقطت
القاعدة ولا دليل غيره فالأصل عدم الضمان.
109

ثم قال في الجواهر: (مضافا إلى أن القبض للمقاصة هو قبض ضمان لا قبض
مجان، بل هو أولى من قبض السوم).
وفيه أنه فرق بين الموردين، ففي قبض السوم أقدم القابض على القبض بانيا
على دفع العوض، وقد أذن المالك بالقبض إذنا مقيدا بالعوض، وإذن الشارع في
القبض هناك تابع لأذن المالك.
وفيما نحن فيه قد عرفت عدم شمول قاعدة اليد للمقام أو انصراف دليلها عنه،
فبين المقامين فرق واضح.
وبناء على شمول القاعدة للمقام يقع البحث في أنه هل إذن الشارع ملازم
لعدم الضمان أو الإذن أعم؟ أما مع الشك في ثبوت الضمان وعدمه فهل المرجع هو
عموم على اليد أو يستصحب حكم المخصص وهو (ليس على الأمين إلا اليمين)؟.
لقد تقرر في محله إن الحق استصحاب حكم المخصص، فيكون الحكم
في المقام عدم الضمان مثل ما إذا قلنا بعدم شمول القاعدة من أول الأمر.
وقال العراقي: (يمكن أن يقال بأن الشك فيه مسبب عن الشك في صيرورته
وليا على التصرف، فأصالة عدمها حاكمة على الأصل المزبور بعد الجزم بأن ولايته
السابقة على حفظه انعدمت، واستصحاب مطلق ولايته غير جار لأنه من باب استصحاب
الكلي من القسم الثالث).
قلنا: هنا مطالب، الأول: الولاية هنا ليست غير إذن الشارع في التصرف
فإنه بمجرد الإذن الشرعي يكون الأمر موكولا إليه ولا نعني بالولاية إلا ذلك.
الثاني: لو سلمنا إن الولاية أمر زائد على الإذن فإن اختلاف الموجب
للولاية لا يوجب الاختلاف والتعدد في الولاية نفسها، فإذا كان لشخص ولاية في
التصرف في المال من جهة الائتمان في اليوم الماضي، وثبت له الولاية اليوم من
جهة التقاص لم يتحقق له فردان من الولاية.
والثالث: إن عدم ثبوت الضمان بالتصرف أمس كان من جهة إذن المالك
واليوم من جهة إذن الشارع. فعدم ثبوته واحد ومع الشك يستصحب بلا مانع.
110

مسألتان
الأولى: من ادعى ما لا يد لأحد عليه قضي له
قال المحقق قدس سره: (من ادعى ما لا يد لأحد عليه قضي له)
أقول: هذه قاعدة كلية تنطبق على المصاديق المختلفة، فمن ادعى ما لا يد
لأحد عليه سواء كان درهما أو دينارا أو حيوانا أو كتابا أو غير ذلك، وسواء كان
بين جماعة أو لا، قضي له من غير بينة ويمين، كما يقبل قوله عند جميع العقلاء،
وللحاكم أن يعتمد على هذه السيرة فيجعلها طريقا إلى الواقع ومدركا لحكمه،
إذ لا يشترط في حكم الحاكم أن يكون في مورد المرافعة دائما.
فالملاك عند العقلاء أن يدعي المدعي الشئ الذي لا يد لأحد عليه ولا يكون
معارض لهذا المدعي، ولذا أضاف في القواعد قيد عدم منازعة أحد له، وهو
ظاهر المسالك حيث قيل بعد ذكر الرواية الآتية: (ولأنه لا منازع له حتى يطلب
منه البينة).
والمراد من (اليد) في قوله (ما لا يد لأحد عليه) هي اليد الفعلية، بأن
لا يكون لأحد يد على الشئ حين الدعوى، والمراد من (قضي له) أن يحكم
الحاكم إن رجع إليه في القضية بكون الشئ ملكا للمدعي، فكأنه يطبق في تلك
القضية الشخصية الفتوى الكلية بأن من ادعى شيئا ولا معارض له فهو له، نظير ما إذا
أفتى فتوى كلية بكون الحبوة للولد الأكبر، ثم إذا سئل عن مالك هذا السيف الموجود
111

ضمن تركة هذا الميت وهو يعلم بأن زيدا هو الولد الأكبر حكم بكونه لزيد من
جهة أنه من الحبوة، تطبيقا لتلك الفتوى الكلية على هذه القضية الشخصية فيكون
بحكم الحاكم بمنزلة ذي اليد.
وقد استظهر من المسالك أن المراد من (قضي له) عدم التعرض له وعدم
منعه من التصرف في العين، وهو بعيد.
فالدليل على هذا الحكم هو السيرة العقلائية، وعلى طبقها حكم الإمام عليه السلام
فيما رواه منصور بن حازم في قضية هي من مصاديق تلك القاعدة الكلية التي ذكرناها،
ومن هنا قال المحقق قده:
(ومن بابه أن يكون كيس بين جماعة فيسألون هل هو لكم؟ فيقولون: لا
ويقول واحد: هو لي، فإنه يقضى به لمن ادعاه).
أي: كما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت: عشرة
كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟
فقالوا كلهم: لا وقال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه) (1).
ومن الأصحاب من استدل بهذه الرواية على الحكم في المسألة، قلت:
ولو كان الدليل منحصرا بها يشكل التعدي عن موردها، فلا بد من الأخذ بالقدر
المتيقن من مدلولها، وأما اشكال المحقق الأردبيلي بعدم احراز كون (يونس)
الراوي عن منصور (يونس بن عبد الرحمن الثقة) فقد أجاب عنه في مفتاح الكرامة
بأن الشيخ وإن لم يذكر اسم أبيه في التهذيب لكن المذكور في النهاية: يونس
ابن عبد الرحمن (2).
واستدل في الجواهر للحكم المذكور بأصالة صحة قول المسلم وفعله بل كل
* (هامش) (1) وسائل الشيعة: 18 / 200 الباب 17 من أبواب كيفية الحكم.
(2) سند الخبر صحيح: وما ذكرناه عن مفتاح الكرامة هو صريح الشيخ الحر
في وسائل الشيعة، وتجده في النهاية: 350 ط لبنان. (*)
112

مدع ولا معارض له، وأشكل عليه: (بأن من المحقق في محله عدم قيام دليل على
وجوب حمل قول المسلم على الصحة بمعنى الصدق، فيكون الأصل في قول المسلم
الحجية إلا ما خرج بالدليل بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم الصحة بمعنى عدم اللغوية
أو المشروعية قام الدليل على وجوب حمله عليها، لكن الصحة بهذا المعنى لا ربط
لها بالمقام ولا تنفع المستدل أصلا كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى ما أفاده الأستاذ العلامة من أنه لو كان الأصل في قول المسلم
الحجية والصدق لكان واردا على اليد أيضا لو كان في مقابله يد نظير البينة فلا يحتاج
إلى إقامة البينة، وهذا مما لا يذهب إليه أحد) (1).
أقول: إن المراد من أصالة حكم قول المسلم وفعله على الصحة هو حمل
أفعاله المتعلقة بنفسه، وسماع كلامه في كل أمر يتعلق به على الصحة، فلو ادعى
كون الشئ له ولم يكن له معارض سمع قوله من جهة أنه أبصر بأموره وبمعرفة
ما يملكه وما يتعلق له به حق ويعود إليه من غيره، وبهذا التقريب يندفع الاشكال
المذكور، والنقض بعدم سماع قوله بالنسبة إلى ما في يد غيره غير وارد، لوضوح
أنها دعوى بالنسبة إلى أمر راجع إلى غيره، وقد ذكرنا أن مجرى الأصل المزبور
هو الأمور المتعلقة بنفسه، ومن هنا يقبل قوله إذا قال بالنسبة إلى شئ في يده:
إنه ليس لي، وإن كان له يد عليه، وليس قبول قوله هذا من جهة كونه اقرارا.
وقد استظهر صاحب الجواهر من الخبر المذكور قبول دعوى المدعي ولو
بعد قوله ليس لي، قال: بل قد يقال بظهور الصحيح المزبور في قبول دعوى
المدعي ولو بعد قوله: ليس لي بناءا على إرادة الحقيقة من قوله كلهم.
قال: ويمكن أن يكون على القواعد أيضا لأصالة صحة قوليه معا باحتمال
التذكر وغيره لعدم المعارض.
قلت: ما ذكره يتوقف على أن يكون القائل هو لي من جملة القائلين: لا

(1) كتاب القضاء للمحقق الآشتياني.
113

وليس في الخبر ظهور في ذلك، فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن وهو أن لا يكون منهم.
وقال ابن إدريس بعد الرواية: (فقه هذا الحديث صحيح، وليس هذا مما
أخذه بمجرد دعواه وإنما لم يثبت صاحب سواه، واليد على ضربين يد مشاهدة
ويد حكمية فهذا يده عليه يد حكمية، لأن كل واحد منهم نفس يده عنه وبقي يد
من ادعاه عليه حكمية، ولو قال كل واحد من الجماعة في دفعة واحدة أو متفرقا
هو لي لكان الحكم فيه غير ذلك، وكذلك لو قبضه واحد من الجماعة ثم ادعاه
غيره لم يقبل دعواه بغير بينة، لأن اليد المشاهدة عليه لغير من ادعاه، والخبر الوارد
في الجمالة أنهم نفوه عن أنفسهم ولم يثبتوا لهم عليه يدا لا من طريق الحكم ولا
من طريق المشاهدة، ومن ادعاه له عليه يد من طريق الحكم فقبلنا دعواه فيه من
غير بينة، ففقهه ما حررناه، وأيضا إنما قال ادعاه من حيث اللغة، لأن الدعوى
الشرعية من ادعى في يد غيره عينا أو دينا).
وما ذكره قدس سره مشكل جدا، ولو كان هنا يد وكانت العين في الحقيقة
للغير وقد تلفت بتلف سماوي لزم أن يكونوا ضامنين له، وهذا لا يقول به أحد.
الثانية: لو انكسرت سفينة في البحر فما هو حكم ما خرج منه؟
قال المحقق قده: (لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله
وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه، وبه رواية في سندها ضعف).
أقول: لقد نسب هذا الحكم إلى الأشهر عن الأصحاب، والأصل فيه رواية
قال المحقق: في سندها ضعف، قلت: عمل المشهور بها يجبر ضعف سندها،
والرواية هي خبر الشعيري. قال: (سألت الصادق عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر
فأخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق منها. فقال: أما ما أخرجه البحر
فهو لأهله، الله تعالى أخرجه لهم، وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به).
إنما الكلام في حكم المسألة بحسب القواعد مع غض النظر عن الرواية
114

بناءا على انجبارها أو عدمه لعدم الموافقة على الكبرى أو عدم تحقق عمل المشهور
على طبقها.
فقيل: إن الوقوع في البحر في حكم التلف وإلا فليس الاخراج بالغوص
من الأمور الموجبة لانتقال الملك، وحيث يكون في حكم التلف خرج عن ملك
مالكه، فمن أخرجه ملكه كما تملك المباحات بالحيازة انتهى وهو مشكل جدا.
نعم هذا يتم في صورة اعراض المالك بناءا على كون مجرد الاعراض
مخرجا عن الملك، وقد استشكل في الجواهر في ذلك بأن زوال الملك يتوقف
على سبب شرعي كتوقف حصول الملك عليه، لكن الظاهر أن العقلاء يعتبرون
الاعراض مخرجا، فمن أعرض عن شئ له خرج عن ملكه عندهم، ولأن (الناس
مسلطون على أموالهم وأنفسهم) لكن الكلام في الصغرى، فإن كان الوقوع في
البحر مصداقا للتلف الذي يزول معه اعتبار الملكية أو مقرونا بالاعراض المخرج
عن الملكية كان ما أخرجه الغائص ملكا له.
وكيف كان فالحكم في المسألة ما ذكروه للخبر المذكور لانجبار ضعف
سنده بعمل المشهور (1) خلافا للجواهر، واحتمال إرادة كون الجميع لأهله كما

(1) أقول: هذا سند الخبر: محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى
عن أبي عبد الله عن منصور بن العباس عن الحسن بن علي بن يقطين عن أمية بن عمرو
عن الشعيري وفيه ضعف من جهات وانجبار ضعفه بالعمل بناءا على القول به يكون
فيما إذا علم بأنه الذي استند إليه الأصحاب وأفتوا على طبقه. لكن في المقام خبر آخر
وهو: (محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي
عبد الله (ع) في حديث عن أمير المؤمنين (ع) قال: وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه
الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحق به وما غاص عليه الناس وتركه
صاحبه فهو لهم) وسائل الشيعة 17 / 361 الباب 11 من أبواب اللقطة، وهو في الكافي
5 / 242، وسنده معتبر على ما تقدم منا في بعض تعليقات الكتاب.
والخبر الأول وإن ذكره الشيخ في النهاية وبعض الفقهاء في الكتب الفقهية غير
مذكور في التهذيب على ما ذكر مصحح الوسائل حيث قال (ما وجدت غير الحديث الذي
رواه الكليني في ج 5 ص 242. ورواه الشيخ في التهذيب سندا ومتنا) انظر: التهذيب
7 / 219.
وفي هذا الخبر الثاني زيادة على الأول، وهي جملة: (وتركه صاحبه) وفيها إشارة إلى
قضية أن الاعراض مخرج عن الملك، ومن هنا يتم حمل الحكم في الأول على هذه القاعدة
ولا حاجة إلى الحمل على اليأس كما في السرائر، وبهذا يظهر ما في كلام المحقق الرشتي
من منع كون الاعراض سببا لخروج المال عن ملك المعرض حتى يتملكه القابض بالحيازة
قائلا: (إذ لا دليل على ذلك)، كما يظهر بذلك كون المقام صغرى للقاعدة بلا كلام.
115

في الجواهر وعن عضهم الجزم به خلاف الظاهر انصافا.
116

الكلام في:
الاختلاف في دعوى الأملاك
وفيه مسائل:
117

(المسألة الأولى):
وفيها صور:
الصورة الأولى: لو تنازعا عينا في يدهما ولا بينة
قال المحقق: (لو تنازعا عينا في يدهما ولا بينة قضي بينهما نصفين وقيل:
يحلف كل منهما لصاحبه).
أقول: لو تنازعا عينا ولا بينة لأحدهما، فتارة تكون العين في يدهما معا،
وأخرى تكون في يد أحدهما خاصة، وثالثة تكون في يد ثالث.
ففي الصورة الأولى لا خلاف في أنه يقضي بينهما نصفين، بأن تكون نصف
العين لهذا ونصفها الآخر لذاك، إلا أن الخلاف في توقف ذلك الحكم على أن
يحلف كل من المدعيين لصاحبه وعدمه، فظاهر المحقق قدس سره هنا وجماعة
الثاني، واختار في النافع كما قيل الأول وعليه جماعة بل قيل إنه المشهور،
وتظهر الثمرة في صورة نكول أحدهما بناءا على التوقف، فإنه يحكم بكون
كلها للآخر.
واستدل للقول الأول بأن هذه الصورة من مصاديق قولهم عليهم السلام: (البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه) (1) وقوله صلى الله عليه وآله: (إنما أقضي بينكم
بالبينات والأيمان) (2) بتقريب أن كل واحد من المدعيين قد وقعت يده في الحقيقة

(1) وسائل الشيعة 18 / 170
(2) وسائل الشيعة 18 / 169.
119

على نصف العين المتنازع فيها، لأن يده على النصف الآخر معارضة بيد الآخر،
فيكون كل واحد منهما ذا يد على نصف العين ومالكا له بمقتضى يده ومدعيا
لملكية النصف الآخر الذي هو في يد صاحبه، والآخر ينكر دعواه، فكل منهما
مدع ومدعى عليه، وحيث إنه لا بينة لأحد الطرفين وجب على كليهما اليمين باعتبار
أنهما منكران، فإذا حلفا حكم بالتنصيف.
واستدل للثاني بأن كل واحد منهما يدعي ملكية كل العين ولا ريب في مخالفة
دعوى أحدهما للواقع، وحينئذ فلا كاشفية ليد أحدهما بالنسبة إلى ملكية الكل لوجود
المعارض، بل يتساقطان فلا مدعي ولا مدعى عليه، ويكون الحكم هو التنصيف،
وقد ادعى عليه الاجماع، وهو ظاهر المرسل المنجبر ضعفه بما ذكر، حيث روي
(إن رجلين تنازعا دابة ليس لأحدهما بينة فجعلها النبي صلى الله عليه وآله بينهما) (1) فيكون
المورد نظير العين التي يدعيها اثنان ولا يد لأحدهما عليها، فالحكم هو التنصيف
لا القرعة، للنص والاجماع، وليس موردا للحلف.
ويحتمل هنا الحكم بالتحاليف بأن يحلف كل واحد على ما يدعيه ونفي ما يدعيه
الآخر، ثم يقع البحث في كيفية الحلف.
ولو فرض أن كل واحد جاء ببينة على ما يدعيه، فإن البينتين تتعارضان،
فإن حلف أحدهما طبق بينته حكم له، وإن لم يحلفا أو حلف كلاهما حكم بالتنصيف.
وربما يجمع بين القولين الأولين في المسألة بأن القول بالحلف هو في صورة
مطالبة الخصم، والقول بعدم لزومه هو في صورة عدمها. وهذا الجمع يخالف
ظاهر كلمات القوم.
وصاحب الجواهر ينكر شمول قاعدة ((البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه) لهذه الصورة بتقريبين:
ففي الأول بسقوط اليد بالمعارضة فلا مدعى عليه فيحكم بالتنصيف عملا

(1) سنن البيهقي 10 / 255.
120

بالنص أو من جهة أنه طريق عقلائي، إذ متى لم يمكن العمل بمقتضى كلا اليدين
معا فيحكم العقلاء بذلك.
وفي الثاني أنه لا مدعي في هذا المقام، من جهة أن كليهما له يد فكل منهما
مدعى عليه، لذا لو ادعى ثالث هذه العين طالباه بالبينة على ما يدعيه، ثم قال:
اللهم إلا أن يقال إن اليمين هنا لترجيح أحد السببين كالترجيح بها لإحدى البينتين.
قلت: ولكن لا دليل على كون اليمين مرجحة فيما نحن فيه.
قال: أو يقال: إن لكل منهما احلاف صاحبه، بمعنى أن التحالف أمر راجع
إليهما لا يجبر الحاكم عليه ولا يتوقف عليه القضاء بالنصف، بل كل منهما ميزان
القضاء. وكأن هذا هو الذي فهمه الأصبهاني في كشف عن المصنف في النافع.
ثم إن صاحب الجواهر تنظر فيما ذكره كاشف اللثام.
وحاصل كلام الجواهر هو اختيار القول الأول، لكن الانصاف أن القول
الثاني عن بعيد من جهة أن العرف يرون لكل واحد منهما يدا على النصف فتحقق
صغرى قاعدة (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه).
أما حق الدعوى ففي سقوطه باسقاط صاحبه تأمل، وعلى فرضه فإنه لا يحكم
الحاكم بكون مورد الدعوى للمدعى عليه.
وحيث رضى المدعي بيمين صاحبه وحلف فقد ذهبت اليمين بحقه، وعلى
هذا يمكن حمل القول الثاني، أي أنه مع رضا الخصم بيمين خصمه فلا تداعي
بينهما حتى يحلف كلاهما، بل إن حلف الخصم أخذ الكل فلا تنصيف، فالقول
بالحلف هو في صورة تحقق التداعي بينهما، لكن يبقى الكلام في كفاية الرضا
باليمين هنا مع أن المورد ليس موردا حقيقيا لقاعدة المدعي والمنكر، إلا أن يقال
بعموم نصوص (ذهبت اليمين بحقه) لهذا المورد.
ولو لم يكن بينهما تداع وقد ماتا والعين في أيديهما فهي على النصف بينهما
لعدم التداعي، وعلى تقديره من الورثة، فإن حلف أحدهما دون الآخر برضاه
121

أخذ العين كلها وإن تداعيا فالقولان.
وإن ادعى أحد الشريكين في تركة على الآخر العلم باستحقاق جميع تلك
العين بهبة المورث مثلا فهنا يحلف الآخر على نفي العلم، ولو ادعى الآخر هذه
الدعوى كذلك وقع التداعي فيحلفان على نفي العلم.
وعلى القول الثاني فيمن الذي يحلف أولا؟ المتجه وفاتا للجواهر تقديم
الأسبق منهما، ومع الاقتران قال: يقدم من كان على يمين صاحبه. ويحتمل القرعة
أو جعل الأمر بيد الحاكم نفسه.
الصورة الثانية: لو كانت يد أحدهما عليها
قال المحقق قدس سره: (ولو كانت يد أحدهما عليها قضي بها للمتشبث
مع يمينه إن التمسه الخصم).
أقول: والصورة الثانية أن تكون يد أحد المتنازعين على العين، وهذه
الصورة هي المصداق المتيقن لأدلة: (البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه) فصاحب اليد هو المدعى عليه والآخر المدعي، والمفروض عدم البينة،
فيحلف من هي بيده، فإن حلف قضي بكونها له، وإن نكل عن اليمين فالقولان
من القضاء بالنكول أو مع رد اليمين.
الصورة الثالثة: لو كانت يدهما خارجة وفيها صور:
قال: (ولو كانت يدهما خارجة، فإن صدق من هي في يده أحدهما أحلف
وقضي له).
1 - أن يصدق من هي بيده أحدهما
أقول: والصورة الثالثة أن تكون العين في يد ثالث ويدهما معا خارجة عنها،
فهنا صور ذكر المحقق الأولى بقوله: (فإن صدق من هي في يده أحدهما أحلف
وقضي له) ووجه ذلك: أن العين تكون باقرار الثالث ملكا لزيد مثلا، فيكون
122

زيد صاحب اليد على العين والمدعى عليه وعمر والآخر المدعي، وحيث أنه
لا بينة في المقام فإنه يحلف زيد ويقضى له، كذي اليد في قيام الشاهد الواحد فعلا
على ملكه.
لكن هنا بحث من جهة أن ذا اليد في هذه الصورة هو الثالث، وقد كانت
العين في يده من أول الأمر، فإن صدق زيدا في دعواه كون العين له فإن القدر
المسلم به من تأثير هذا الاقرار خروج العين عن ملك الثالث لأن (اقرار العقلاء
على أنفسهم جائز) وأما حجية هذا الاقرار فيما زاد عن ذلك وهو كون العين لزيد
المقر له فإنها مبنية على القول بحجية الاقرار بالنسبة إلى الغير، وهذا أمر مختلف
فيه كما تقدم في محله، فإنه بناءا على القول بعدم ترتب الأثر على الاقرار بالنسبة
إلى الغير تخرج العين هنا عن ملك الثالث ولا يكون زيد ذا يد عليها حتى لو سلمها
الثالث إليه بعد الدعوى، بل تكون عينا لا يد لأحد عليها وتجري حينئذ أحكام
تلك الصورة.
وبالجملة فقول الأكثر بكون زيد المقر له ذا يد يتوقف على أن يكون اقرار
الثالث حجة شرعية بالنسبة إلى زيد فيكون ذا يد على العين ومدعى عليه، وإلا
فلا دليل على ذلك، نعم ذكر في المستند دليلين:
أحدهما: بناء العقلاء على جعل زيد في مفروض المسألة ذا اليد على العين
ويعاملونه معاملة المالك للمال، وهذا نص كلامه: (ويدل على كونه للمصدق له:
إنه حينئذ يكون ذا اليد، فإن ظاهر العرف أن من أسباب صدق اليد كون الشئ
تحت تصرف من ثبت أنه مباشرة كالوكيل والأمين والمستودع والمستأجر والمستعير،
أو أقر بذلك.)
والثاني: الروايات حيث قال: (ويدل عليه أيضا أنه أقر الثالث بكونه له،
ومن أقر شيئا في يده لأحد فهو له. للمستفيضة الدالة على من أقر بعين لأحد
فهو له: كمرسلة جميل: في رجل أقر أنه غصب رجلا على جاريته وقد ولدت
123

الجارية من الغاصب، قال: ترد الجارية وولدها على المغصوب إذا أقر بذلك أو
كانت له بينة). وصحيحة سعد بن سعد: (عن رجل مسافر حضره الموت فدفع
مالا إلى رجل من التجار، فقال: إن هذا المال لفلان ابن فلان ليس له فيه قليل
ولا كثير، فادفعه إليه يصرفه حيث شاء، فمات ولم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له
ما مر ولا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك، وكيف يصنع؟ قال: يضعه حيث
شاء) ومثلها صحيحة إسماعيل الأحوص.
وصحيحة أبي بصير (عن رجل معه مال مضاربة فمات وعليه دين، فأوصى
أن هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أيجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كان مصدقا، أي
لم يكن متهما). ويؤيده أيضا رواية المهدي: (إن أخي مات فتزوجت امرأته،
فجاء عمي وادعى أنه تزوجها سرا، فسألتها عن ذلك، فأنكرت أشد الانكار
وقالت: ما كان بيني وبينه شئ قط. فقال: يلزمك اقرارها ويلزمه انكارها) (1).
ثم إن الحكم لزيد المقر له يتوقف على يمينه، أما الثالث فلا يمين عليه وإن
كان ظاهر عبارة القواعد وجوبها عليه حيث قال: (ولو كانت في يد ثالث حكم
لمن يصدقه بعد اليمين منهما). نعم يتوجه عليه اليمين إن طالب عمرو بها، وهل
يحلف على نفي العلم بكونها له أو على البت؟ قال جماعة بالأول، وفي الجواهر:
الظاهر توجه اليمين عليه على البت لأنه مدعى عليه. قلت: ومنشأ الخلاف هو
الاختلاف فيمن هو المدعى عليه في هذه الصورة. وقد أشرنا إلى ذلك.
وكيف كان فإن نكل زيد حكم بكونها لعمرو إما بمجرد النكول وإما مع
اليمين المردودة على القولين، وإن نكلا جميعا فالحكم هو التنصيف.
ثم إن لعمرو أن يدعي على الثالث دعوى جديدة بعنوان كونه السبب في
تلف ماله بتصديقه دعوى زيد دونه، ثم حكم الحاكم بكون العين لزيد على أثر تصديقه
له، فيكون الثالث حينئذ مدعى عليه وعليه اليمين، فإن نكل عنها لزمه الغرم إما

(1) المستند 2 / 580.
124

بمجرده وإما بعد اليمين المردودة، والوجه في صحة هذه الدعوى على الثالث كونه
السبب في تلف المال من عمرو وإن كان تملك زيد له بحكم الحاكم لأن السبب
أقوى من المباشر، وقد يستدل لذلك بعموم التعليل الوارد في خبر عمر بن حنظلة:
(في رجل قال لآخر: اخطب لي فلانة فما فعلت من شئ مما قاولت من صداق
أو ضمنت من شئ فذلك رضى لي وهو لازم لي ولم يشهد على ذلك. فذهب
فخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه، فلما رجع إليه أنكر
له ذلك كله. قال: يغرم لها نصف الصداق عنه، وذلك أنه هو الذي ضيع حقها.
الحديث) (1).
وكيفما كان معنى الرواية، فإن محل الاستدلال قوله عليه السلام: (وذلك أنه هو
الذي ضيع حقها) فإن هذا التعليل يشمل ما نحن فيه، وحيث إن دعوى عمرو على
الثالث هي بعنوان كونه المضيع لحقه، فإنه يلزم الثالث الغرم.
وهل الغرم بمقدار ثمن العين أو نصف ثمنه؟ الظاهر هو الأول، فيكون نظير
ما إذا أقر بكون العين لزيد فدفعها إليه بحكم الحاكم ثم أقر بكونها لعمرو فإنه يلزم
بدفع ثمن العين كله.
ولو أراد الثالث أن يحلف فهل يحلف على البت أو على نفي العلم بكون العين ملكا
لعمرو المدعي؟ قيل بالأول، وأشكل عليه بأن الدعوى قد انصرفت عنه باقراره
وحكم الحاكم، فلو أراد الحلف على البت كان في مال الغير، بل عليه أن يحلف
على نفي العلم بكونها له.
أقول: إنه بناءا على ما ذكرنا في كيفية طرح دعوى عمرو على الثالث يتعين
اليمين على البت، لأن الاتلاف فعل نفسه.
على أن الاتلاف لا يدور مدار العلم، فمن أتلف مال غيره ضمن سواء كان
عالما أو جاهلا أو ناسيا، إذ الموضوع للضمان هو الاتلاف وهو هنا متحقق حسب

(1) أنظر المستند 2 / 581.
125

دعوى المدعي.
هذا وفي القواعد: (ولو كانت في يد ثالث حكم لمن يصدقه بعد اليمين منهما)
ومرجع الضمير في (منهما) هو المصدق أي الثالث والمصدق المقر له، وأشكل
عليه في الجواهر بأنه لا أثر ليمين الثالث في حكم الحاكم بكون العين للمصدق،
قال: ويمكن تعلق (منهما) بقوله: يصدقه)، فيكون المراد بعد اليمين من المقر
له، وحينئذ تكون كعبارة المصنف، لكنه خلاف الظاهر.
2 - أن يصدق من هي بيده كليهما
والصورة الثانية أن يصدق كليهما قال المحقق (وإن قال: هي لهما قضي بها
بينهما نصفين، وأحلف كل منهما لصاحبه).
أقول: في هذه الصورة تخرج العين من يد الثالث، وتكون كالصورة
التي هي في يد المتنازعين، فيحكم بالتنصيف مع التحالف أو بدونه على القولين.
وحينئذ يجوز لكل منهما الرجوع على الثالث فيدعى عليه تضييع نصف
المال عليه، فإن حلف بتا على نفي العلم على القولين فهو وإلا وجب عليه
دفع ثمن النصف لكل واحد منهما.
ويترتب على القول بالتحالف أنه إن حلفا فالتنصيف وإن نكلا فكذلك،
وإن حلف أحدهما دون الآخر كانت العين كلها للحالف، وكان للناكل منهما
الرجوع على الثالث، فإن حلف فهو وإلا وجب عليه الغرم وهو النصف، لأن
المفروض أنه قد ضيع عليه النصف باقراره بكون العين لهما معا.
3 - أن يكذب من هي بيده كليهما
والصورة الثالثة: أن يكذب كليهما فيقول ليست لكما قال المحقق قده
(ولو دفعهما أقرت في يده).
أقول: إن كذب الثالث كليهما كانا مدعيين وهو المدعى عليه، وحيث لا بينة
لهما يجب على الثالث اليمين على نفي كون العين لهما، وهل يشترط تعيين
126

المالك أو يكفي انكار كونها لهما؟ قالوا بالثاني، فإذا حلف أقرت العين في يده
وارتفع النزاع.
وعن المحقق الأردبيلي أنه يحلف على نفي العلم بكونها لهما لا على البت، ولعل
الوجه فيما ذكره هو: أن اليمين على نفي كونها لهما يمين في ملك غير الحالف
ولا فائدة لليمين في ملك الغير سواء كان نفيا أو اثباتا، ووجه ما ذكره القوم من كون
اليمين على البت هو: أنه يكفي لتوجه اليمين إليه كون مورد اليمين في يده، فيقولان
له: إن الذي في يدك لنا، فيحلف على نفي كونه لهما.
وكيف كان فإذا حلف سقطت دعواهما، وإن نكل، فإن كان نكوله بالنسبة
إلى كليهما معا كانت العين كالعين التي هي في يد المتنازعين فيتحالفان على القول المشهور
ويحكم بالتنصيف، وعلى قول المحقق قدس سره يحكم به من دون تحالف، وإن
نكل عن اليمين لأحدهما دفعت العين للذي حلف له بناء على كفاية النكول، وبعد
الرد واليمين على القول الآخر، ولا يغرم الثالث النصف الآخر، لبطلان الآخر، لبطلان قوله (ليست
لكما) بنكوله. ثم للآخر أن يدعي على ذي اليد فتكون صغرى (البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه) فإن نكل المدعى عليه، عن اليمين فالقولان.
4 - أن يقر من هي بيده لأحدهما غير المعين.
والصورة الرابعة: أن يقر بكون العين لأحدهما لا على التعيين. وفي هذه
الصورة تكون العين كالعين التي هي تحت يدهما، فيحكم بالتنصيف على ما تقدم
في تلك الصورة، لكن عن القواعد: (قرع بينهما، لتساويهما في الدعوى وعدم البينة)
وعن التحرير: (فمن خرجت باسمه حلف وكانت له، فإن نكل حلف الآخر،
وإن نكلا قسمت بينهما) وعن التذكرة التحالف، فإن حلفا أو نكل كانت بينهما،
وإلا فللحالف.
وفي المستند: (قيل: يحتمل القرعة، فيحلف من خرجت له، فإن نكل
حلف الآخر، وإن نكلا قسمت بينهما. ويحتمل القضاء بينهما نصفين ابتداءا بعد
127

حلفهما أو نكولهما كما لو كانت بيدهما.
أقول: بل الأوجه الثاني لرواية السكوني: قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل
أقر عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم ثم مات على تلك. فقال:
أيهما أقام البينة فله المال، فإن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان.
لكن الظاهر من الرواية التنصيف بدون الاحلاف، بل هو مقتضى اطلاقها
فالقول به كما فيما إذا كان في أيديهما معا أوجه.
وحكم الفاضل في القواعد بالقرعة بينهما من غير ذكر حلف. كان حسنا
لولا الرواية المذكورة).
أقول: قد عرفت وجه القول بالتنصيف.
وأما القول بالقرعة فوجهه ما ذكره العلامة في القواعد إذ مع تساويهما في
الأمرين يكون صاحب المال أو ذو اليد مجهولا لتردده بين الشخصين، والأمر
المجهول يعرف بالقرعة.
فقيل: يحلفان مع ذلك بالقرعة يعين ذو اليد، فيكون المدعى عليه
ويكون الآخر المدعي، فإن لم يحلف المدعى عليه وردت اليمين على المدعي لزمته.
وقيل بعدم لزوم اليمين مع القرعة، لأنها قد عينت صاحب المال فلا حاجة
إلى اليمين حينئذ.
لكن الصحيح عدم الحاجة إلى القرعة مطلقا بعد وضوح الحكم بظهور
الأدلة في التنصيف.
5 - أن يقول من هي بيده ليست لي ولا أدري لمن
والصورة الخامسة: أن يقول الثالث: ليست العين لي ولكن لا أدري لمن
هي. أو يقول: لا أدري أنها لي أو لهما أو لغيرهما.
والحكم في هذه الصورة هو الحكم في العين التي لا يد لأحد عليها وإن
كان بين القولين المذكورين فرق من جهة سنذكره وقد ادعاها اثنان،
128

وقد ذكر في العروة فيها وجوها:
الأول: اجراء حكم المدعي والمنكر، لكون كل منهما مدعيا ومنكرا، فمع
حلفها أو نكولهما تقسم بينهما، ومع أحدهما ونكول الآخر تكون للحالف
لقوله صلى الله عليه وآله: البينة للمدعي. الخ. والرواية إسحاق بن عمار وفيها: (فلو لم يكن
في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ قال: أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها
للحالف) (1).
قال السيد رحمه الله: (وفيه منع صدق المدعي والمنكر، بل كل منهما
مدع فيكون من التداعي. وأما الرواية فمختصة بصورة البينة فلا تشمل المقام)
والثاني: التحالف للتداعي، فإذا حلفا قضي بالتنصيف بينهما.
والثالث: القرعة من جهة أنه أمر مجهول والقرعة لكل أمر مجهول.
والمختار هو الوجه الثاني تبعا للسيد في العروة، وقد نسب الأول تبعا
للمستند إلى المحقق الأردبيلي، لكن كلامه يفيد اختياره للوجه الثاني لا الأول،
ويشهد بذلك عدم ظهور رواية إسحاق فيما نسب إليه. أما الثالث فقد اختاره المحقق
النراقي فقال ردا على القول الأول: (الحلف أمر شرعي يتوقف على التوقيف
ولا أرى دليلا على حلفهما هنا والحكم بنكولهما أو نكول الناكل. والرواية مخصوصة
بصورة إقامتهما البينة، والتعدي يحتاج إلى الدليل.
والقرعة لكل أمر مجهول فالرجوع إليها أظهر، كما حكم به علي عليه السلام في
روايتي أبي بصير وابن عمار [الأولى]: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن
فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله أتاني قوم قد
تبايعوا جارية فوطئوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما فاختلفوا فيه كلهم يدعيه،
فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم. الحديث (2). [والأخرى]:

(1) وسائل الشيعة 18 / 182
(2) وسائل الشيعة 18 / 188.
129

إذا وطأ
رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت، فادعوه جميعا، أقرع
الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد له، يرد قيمة الولد على صاحب الجارية
الحديث (1).
وعمل بها الأصحاب طرا في مورده من غير احلاف)
وأجاب السيد في العروة عن الاستدلال المذكور بأنه: (لا واقع مجهول
في المقام حتى يعين بالقرعة، لعدم كون العين في يدهما واحتمال كونها لثالث
غيرهما. والروايتان مخصوصتان بموردهما).
قلت: كأن النراقي يريد الغاء خصوصية (الولد) المتنازع فيه الذي لا يمكن
القضاء بتنصيفه، ولا طريق إلى معرفة من هوله لا باليمين ولا بالبينة، حتى يتمكن من
التعدي منه إلى المال. لكن الانصاف أن الغاء هذه الخصوصية في الروايتين أصعب
من الغاء الخصوصية في رواية إسحاق.
وبما ذكرنا يظهر عدم قابلية الروايتين للمعارضة مع عمومات البينة على
المدعي واليمين على المنكر، وجعل مدلول العمومات: إن كل بينة على المدعي
وكل يمين على المنكر، لا أن كل مدع ومنكر عليه البينة واليمين يخالف ظاهر تلك
الأخبار، ولو تم ذلك لسقطت عن الاستدلال حتى في موارد وجود المدعي والمدعى
عليه، ومن هنا لم يوافق عليه النراقي نفسه.
فالحاصل: إن الذي يدعي كون الشئ ملكا له في مقابل دعوى غيره لذلك
أيضا يصدق عليه (المنكر) عرفا فتشمله العمومات كالرواية الواردة في قضية فدك،
ورواية ابن أبي يعفور (2) وغيرهما.

(1) وسائل الشيعة 18 / 190
(2) عن أبي عبد الله (ع) في حديث فدك: إن أمير المؤمنين (ع) قال لأبي بكر:
أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين
شئ يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه.
على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شئ فادعى فيه المسلمون تسألني على ما في
يدي وقد ملكته في حيا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوا على
كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم إلى أن قال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (البينة
على من ادعى واليمين على من أنكر) وسائل الشيعة 18 / 215
وعن ابن أبي عبد الله (ع) قال: إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر
لحقه فاستحلفه أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له. قلت له: وإن كانت عليه بينة
عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له. وكانت اليمين
قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه) 18 / 178.
130

إذن يوجد عندنا دليل على الحلف في المورد، وأن دعوى التعارض الذي
ذكرها رحمه الله في غير محلها.
فتلخص أن الصحيح هو الوجه الثاني.
ثم هل الرجوع إلى القرعة يختص بمورد الأموال فقط أو يمكن تعيين الحجة
الشرعية بها كذلك؟ لا ريب في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى بالقرعة، وفي
بعض الأخبار يتعين ذو اليد في بعض الموارد عند التردد بين شخصين، فللقائل
بالقرعة في مسألتنا أن يقول بحلف ذي اليد للمدعي، فلا يرد اشكال الجواهر.
وأما الفرق بين قول الثالث: (ليست لي ولا أدري أنها لمن) وقوله: (لا أدري
أنها لي أولهما أو لغيرهما) فهو: أنه في الأول ينفي كون العين له فيخرج باقراره
عن أطراف الشبهة، بخلاف الثاني، ولذا احتمل في الثاني القضاء بكون العين
له لكون يده عليها وأن جهله لا ينفي ملكيته للعين، وحينئذ يمكن احلافه على نفي
العلم، فإن حلف أبقيت العين في يده، وإن نكل أخذت منه وسلمت إلى المدعيين
ويقضى بينهما بأحد الوجوه المذكورة.
131

المسألة الثانية
(في تعارض البينات)
قال المحقق قدس سره: (يتحقق التعارض في الشهادة مع تحقق التضاد،
مثل أن يشهد شاهدان بحق لزيد، ويشهد آخران أن ذلك الحق بعينه لعمرو أو
يشهدا أنه باع ثوبا مخصوصا لعمرو غدوة، ويشهد آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك
الوقت، ومهما أمكن التوفيق بين الشهادتين وفق).
أقول: كان موضوع البحث في المسألة الأولى تنازع الشخصين في ملكية
عين خارجية ولا بينة لأحدهما على دعواه، وقد تقدمت صورها وأحكامها.
وموضوع هذه المسألة حصول التنازع بين الشخصين في ملكية العين مع
فرض وجود البينة، فإن كان لأحدهما بينة دون الآخر وكانت بينة جامعة للشرائط
قضي له بها ولا تصل النوبة إلى احلاف الآخر كما هو واضح، وإن كان لكل منهما
بينة فهنا صور.
متى يحصل التعارض؟
وقد ذكر المحقق قبل بيان الصور وأحكامها كيفية تحقق التعارض في الشهادة
والمراد منه، بأن ذلك يتحقق (مع تحقق التضاد) بين البينتين بأن لا يمكن التوفيق
بينهما بنحو من الأنحاء، (مثل أن يشهد شاهدان بحق لزيد ويشهد آخران أن
ذلك الحق بعينه لعمرو، أو يشهدا أنه باع ثوبا مخصوصا لعمرو غدوة، ويشهد
132

آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك الوقت) ما إذا لم يكن كذلك. كما
إذا شهد شاهدان بملك أحدهما للثوب أمس ويشهد آخران بملك الآخر له اليوم،
فإنه حينئذ يعمل بالبينة الثانية لامكان صدقهما معا.
وقد يتحقق التكاذب بين البينتين، وهو تارة يكون بتكذيب إحدى البينتين
للأخرى مع غض النظر عن الواقع مطلقا، كأن تشهد هذه بأن زيدا أوصى قبل
وفاته بكذا وأنهما كانا حاضرين عند حينذاك، فيقول الآخران بأنهما لم يكونا
عند زيد في الزمان المذكور، فهما يكذبانها من غير تعرض منهما لواقع القضية وأنه
هل أوصى زيد بكذا أولا.
وأخرى يكون التكذيب بالنسبة إلى الواقع فيقولان: لم يوص زيد بكذا
وإن ما شهدت به البينة الأولى مخالف للواقع، إلا أنهما قد لا يكذبان تلك البينة لاحتمال
اشتباههما وعدم تعمدهما للكذب.
هذا وقد وقع البحث بين الأصحاب في الفرق بين التعارض والتكاذب
موضوعا وحكما، فعن العلامة في محكى القواعد التصريح بكون التكاذب غير
التعارض والجزم بكون الحكم فيه هو التساقط مطلقا بخلاف التعارض، وعن
الشيخ اجراء حكم التعارض عليه إن كان من قبيل الصورة الثانية. والأول أولى.
صور تعارض البينات.
وحيث يتحقق التعارض بين البينتين على وجه يقتضي صدق كل منهما تكذيب
الأخرى ففي المسألة صور:
أحدها: أن تكون العين في يد المتنازعين كليهما، وقد ذكر المحقق قدس
سره حكم هذه الصورة ودليله بقوله:
الصورة الأولى: كون العين بيد المتداعيين:
(يقضى بينهما نصفين، لأن يد كل واحد على النصف، وقد أقام الآخر بينة
133

فيقضى له بما في يد غريمه).
فالحكم في هذه الصورة هو جعل العين بينهما نصفين (نظير صورة النزاع
حول العين مع عدم البينة واليد لأحدهما عليها) بلا اشكال كما في المسالك،
وفي الجواهر بلا خلاف أجده بين من تأخر عن القديمين الحسن وأبي علي.
إذن لا اختلاف في الحكم بالتنصيف، ولكن اختلف في وجه هذا الحكم
وسببه فقيل: لتساقط البينتين بسبب التساوي، فيبقى الحكم كما لو لم تكن بينة،
وقيل: لأن مع كل منهم مرجحا باليد على نصفهما فقدمت بينته على ما في يده،
وقيل كما في المتن: لأن يد كل واحد على النصف. وقد أقام الآخر بينة عليه،
فيقضى له بما في يد غريمه، قال في المسالك بناءا على تقديم بينة الخارج على الداخل
قال: وهذا هو الأشهر.
فالوجوه المذكورة في سبب الحكم في المسألة ثلاثة، وتظهر فائدة هذا
الخلاف في اليمين على من قضى له، فعلى القول بالتساقط يلزم لكل من المتنازعين
يمين، وهذا هو مذهب المشهور في المسألة السابقة خلافا للمحقق، فإن حلفا
فالتنصيف وإلا قضي بها للحالف دون الناكل، وإن نكلا جميعا فالحكم هو التنصيف
أيضا، وعلى القولين الأخيرين تقديم بينة الداخل، وتقديم بينة الخارج
لا يمين، لترجيح كل من البينتين باليد على القول الأول منهما فيعمل بالراجح،
ولأن البينة ناهضة باثبات الحق على القول الثاني منهما فلا يمين معها.
قال في الجواهر: لكن في التحرير بعد أن ذكر تعليل المصنف بما سمعت
مصرحا بكونه من تقديم بينة الخارج قال: وقال يحلف كل واحد على النصف
المحكوم له به أو يكون له من غير يمين؟ الأقوى عندي الأول مع احتمال الثاني.
وفي التنقيح بعد أن ذكر التنصيف وجعل منشأه دائرا بين الأخيرين، وأنه على
أولهما يقضى لكل منهما بما في يده، وعلى ثانيهما يقضى له بما في يد غريمه
قال: يكون لكل منهما اليمين على صاحبه، فإن حلفا أو نكلا فالحكم كما تقدم،
134

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي بها للحالف.
وعن مهذب أبي العباس التصريح باليمين بناءا على كون المنشأ دخولهما.
أقول: هذه عبارة التنقيح في هذه المسألة: (هذا هو القسم الثاني وهو
أن يكون في يدهما، فإن قلنا يقضى للداخل قضى لكل بما في يده، وإن قلنا يقضى
للخارج قضى لكل بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين على التقديرين، سواء
أقاما بينة أو لم يقيما ويكون لكل منهما اليمين على صاحبه، فإن حلفا أو نكلا فالحكم
كما تقدم وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى بها للحالف) هذا نص عبارته،
ومن المحتمل أن يكون قوله (ويكون لكل منهما اليمين على صاحبه) مرتبطا
بقوله (أو لم يقيما) وقد يقويه قوله قبل ذلك (قضى) في كلتا حالتي تقديم بينة
الداخل وتقديم بينة الخارج. فيكون الحاصل أنه قد ذكر ثلاثة وجوه، فالأول
القضاء له بما في يده بناءا على تقديم بينة الداخل، والثاني القضاء له بما في يد
غريمه بناءا على تقديم بينة الخارج، والثالث التحالف فيما إذا لم يقيما بينة.
ثم إن صاحب الجواهر وجه كلام أبي العباس ابن فهد الحلي الذي نقله عن
المهذب البارع بقوله: (ولعل ذلك منه خلافا في أصل المسألة، وهو أن تقديم
بينة الداخل بمعنى اسقاط بينة الخارج لا أنها حجة، فيرجع الحاصل كما لو لم
تكن بينة على المنكر منهما اليمين، وهو الذي قواه في المختلف بعد أن حكى
القولين في ذلك، بل هو قوي في نفسه لاشتمال دليل تقديم بينة الداخل على اليمين
كما ستعرف).
ووجه كلام العلامة في التحرير والمقداد في التنقيح بقوله: كما أن القول
باليمين مع القول بكون المنشأ تقديم بينة الخارج لعله لخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما
وأقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما علي عليه السلام، فحلف أحدهما
وأبى الآخر أن يحلف فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما
135

وأقاما البينة، فقال: أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا
جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا البينة.
قال: اقضي بها للحالف الذي هو في يده) (1).
قال: بل ربما كان هو دليل التحالف على القول الأول وإن لم نقل به في غيره.
إلا أنه خبر واحد وفي سنده ما فيه، والمشهور نقلا وتحصيلا على خلافه فلا
يصلح مقيدا لما دل تسمعه من النصوص وغيره على التنصيف بدونه.).
أقول: قال المجلسي قدس سره في مرآة العقول في رواية إسحاق المذكورة:
(حسن أو موثق). على أنك قد عرفت عمل المشهور بها في المسألة السابقة وذلك
يجبر ضعفها إن كان، وحينئذ تصلح هذه الرواية لتقييد أدله البينة على المدعي واليمين
على من ادعى عليه فلا مانع من القول بالتحالف في هذه الصورة جمعا بين الأدلة.
وبعبارة أخرى: إن يد كل واحد هي في الحقيقة عند أهل العرف على نصف
العين، فكل منهما يقيم البينة لأنه يدعي النصف الآخر الذي بيد غريمه ويحلف على
إنكار كون هذا النصف الذي بيده لغريمه، ودليل هذا التحالف هو رواية إسحاق
المزبورة وقد عرفت اعتبارها.
ولا يعارضها ما عن أبي جعفر عليه السلام قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا إلى اليمن،
فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك فقال يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا
جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه كلهم يدعيه،
فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس
من قوم تنازعوا ثم فرضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق) (2) لأنها في غير ما
نحن فيه، لأن ذا اليد فيها واحد منهم وهو آخر هم، ولأن الولد حر فليس مالا وكلامنا
في دعوى الأملاك.

(1) وسائل الشيعة 18 / 182 الباب 12 من أبواب كيفية الحكم
(2) وسائل الشيعة 18 / 188، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم.
136

ومثلها رواية تميم بن طرفة: (إن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة
فجعله أمير المؤمنين عليه السلام بينهما) (1) إذ لا ظهور فيها لكون يدهما عليه، بل جاءت
في نسخه (عرفا بعيرا) وحينئذ تكون ظاهرة في غير المقام.
فالحاصل: أنه لا مانع من الحكم بمفاد رواية إسحاق بن عمار، وقد أفتى
جماعة بذلك وإن لم يستند إليها بعضهم صريحا، وصاحب الجواهر لم يناقش في دلالتها
وإنما ضعفها سندا وقد عرفت جوابه.
وقيل: إنه لما كان يدعي كل واحد منهما كل العين فإن يده لا تكون على
النصف بل على الكل فتتعارضان، وإذا تعارضتا تساقطتا، فيكون الحكم في المقام
حكم صورة عدم تحقق يد من أحدهما على العين وهو التنصيف كما تقدم.
لكن المشهور هو التنصيف بعد التحالف.
ثم إن صاحب الجواهر قدس سره بعد أن خدش في رواية إسحاق بما سمعت
استوجه أن يكون سبب حكم المحقق قدس سره بالتنصيف كون هذا الحكم هو
مقتضى العدل وأنه ميزان من موازين القضاء من غير حاجة إلى تحالف، لا أنه مبني
على تقديم بينة الخارج على بينة الداخل، لأن يد كل منهما على الكل لا النصف، ولأن
المشهود به كون الجميع له لا نصفه، ثم استدل على ذلك بخبر الدرهمين (2) وبقاعدة
توارد السببين الممكن اعمالهما معا على مسبب واحد نحو المتسابقين على حيازة
مباح، وباطلاق قوله عليه السلام: (لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين وباطلاق

(1) وسائل الشيعة 18 / 183
(2) وسائل الشيعة 12 / 149 الباب 9 من أبواب أحكام الصلح (عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر:
هما بيني وبينك. فقال: أما الذي هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له وأنه
لصاحبه، ويقسم الآخر بينهما).
(3) وسائل الشيعة 13 / 182.
137

النبوي: (إن رجلين تنازعا دابة ليس لأحدهما بينة فجعلها النبي صلى الله عليه وآله بينهما) (1)،
وبالمرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام: (في البينتين تختلفان في الشئ الواحد
يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بينة كل واحد منهما وليس في أيديهما
فأما إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان، وإن كان في يد أحدهما فالبينة فيه
على المدعي واليمين على المدعى عليه) (2).
هذا وعن ابن أبي عقيل اعتبار القرعة التي هو لكل أمر مشكل في خصوص
ما نحن فيه، لأن التنصيف تكذيب للبينتين. وأشكل عليه في الجواهر بقوله: كأنه
اجتهاد في مقابلة النص. وفيه أنه ليس اجتهادا في مقابلة النص، بل لعله يخدش في
ظواهر هذه النصوص.
قلت لكن مقتضى النصوص توجه اليمين على من خرج اسمه لا أنه يقضى لمن
خرج اسمه، فإن حلف قضي له وإلا أحلف الآخر وقضي له بحلفه.
وعن ابن الجنيد: التحالف مع تساوي البينتين، فإن حلف أحدهما استحق
الجميع، وإن حلفا اقتسماها، ومع اختلاف البينتين يقرع، فمن أخرجته القرعة
حلف وأخذ العين. قال في الجواهر: لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة السابقة خلافه.
ثم نقل في الجواهر عن الرياض أنه بعد أن نسب المختار الذي هو
التنصيف تساوت البينتان عددا وعدالة واطلاقا وتقييدا أو اختلفت إلى الأشهر بل
عامة من تأخر إلا نادرا. قال: (خلافا للمهذب وبه قال جماعة من القدماء، فخصوا
ذلك بما إذا تساويا في الأمور المتقدمة كلها وحكموا مع الاختلاف فيها لأرجحها،
واختلفوا في بيان المرجح لها، فعن المفيد اعتبار الأعدلية خاصة هنا وإن اعتبر
الأكثرية في غيرها، وعن الإسكافي اعتبار الأكثرية خاصة، وفي المهذب اعتبارهما

(1) سنن البيهقي 10 / 255
(2) أقول: إن هذه الأدلة بعضها مرسل وبعضها مطلق يقيده خبر إسحاق بن عمار فيكون
الوجه ما ذهب إليه السيد الأستاذ دام بقاه، إلا إذا قيل بعدم تمامية سند الخبر المذكور
من جهة عدم ثبوت المشهور به أو من عدم جهة الموافقة على جبر الشهرة لضعف الخبر.
138

مرتبا بينهما الأعدلية فالأكثرية، وعن ابن حمزة في اعتباره التقييد أيضا مرددا بين
الثلاثة غير مرتب بينها، وعن الديلمي اعتبار المرجح مطلقا غير مبين له أصلا)
قال في الجواهر: ولم أعرف نقل هذه الأقوال على الوجه المزبور فيما نحن
فيه لغيره. وعلى كل حال لا أعرف دليلا يعتد به على شئ منها على وجه يصلح
لمعارضة ما عرفت.
هذا كله في الصورة الأولى.
الصورة الثانية: كون العين بيد أحدهما فهل يقدم الداخل والخارج؟
والصورة الثانية: أن تكون العين في يد أحد المتنازعين، قال المحقق قدس
سره: (يقضى بها للخارج دون المتشبث إن شهدتا لهما بالملك المطلق).
أقول: نسبه في الجواهر إلى المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة قال:
بل عن الخلاف والغنية والسرائر وظاهر المبسوط الاجماع عليه، بل عن الخلاف
والأخير نسبته إلى أخبار الفرقة.
قلت: والصريح منها في الدلالة المرسلة عن أمير المؤمنين عليه السلام: (في
البينتين تختلفان في الشئ الواحد يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت
بينة كل واحد منهما وليس في أيديهما، فأما إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما
نصفان، وإن كان في يد أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى
عليه) (1) وضعفها منجبر بما عرفت.
وقد استدل له بالتعليل الوارد في خبر منصور قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل في يده شاة، فجاء رجل فادعاها فأقام البينة العدول أنها ولدت عنده ولم يهب
ولم يبع، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: حقها للمدعي ولا أقبل من الذي في يده بينة، لأن الله عز وجل
إنما أمر أن تطلب البينة من المدعي، فإن كانت له بينة وإلا فيمين الذي هو في

(1) مستدرك الوسائل الباب 10 من أبواب كيفية الحكم.
139

يده. هكذا أمر الله عز وجل) (1)، دل على أن البينة المسموعة هي بينة المدعي
وأن عليها أن يترتب الأثر حتى في صورة وجود البينة للمدعى عليه.
أقول: وهذا الخبر يوضح المراد بالخبر المستفيض وهو قولهم عليهم السلام (البينة
على المدعي واليمين على من ادعى عليه) فيكون ظاهرا في عدم قبول بينة المنكر
وأن الميزان في مقام المرافعة سماع بينة المدعي فإن كانت له بينة وإلا فيمين المدعى
عليه، فهكذا أمر الله عز وجل.
واختار السيد في العروة القول بسماع البينة من المنكر في صورة التعارض
بل مطلقا ولو مع عدمه، قال: إن الأقوى سماع البينة من المنكر في صورة التعارض
بل مطلقا ولو مع عدمه، فيجوز للمنكر مع عدم البينة للمدعي أن يقيم البينة فرارا
من اليمين، وإن ادعى صاحب الرياض الاجماع على عدم قبولها منه.
قال: ويدل على ما ذكرنا بعد منع الاجماع مضافا إلى عموم ما دل على
حجية البينة وإلى عموم مثل قوله صلى الله عليه وآله إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان خصوص
اخبار المقام.).
قلت: إن تمسكه بهذه العمومات لسماع البينة من المنكر في غاية الاشكال
كجوابه عن الاستدلال بالخبر المشهور (البينة على المدعي واليمين على من
أنكر) للقول الأول بأن المراد منه بيان الوظيفة الأولية للمدعي والمنكر، وإلا فلا
مانع من سماع البينة للمنكر أيضا قال: (وأيضا يمكن أن يقال: القدر المعلوم
من الخبر أنه لا يلزم المنكر بالبينة وإنما يلزم باليمين لا أنه لا تقبل منه البينة) فإنه
وإن سبقه إلى ذلك صاحب الجواهر حيث تنظر في دلالته على القول الأول مع
قطع النظر عن خبر منصور قائلا: (ضرورة عدم دلالته على أزيد من استحقاق
المدعي على المنكر اليمين دون البينة بخلاف المنكر فإن له على المدعي البينة.)

(1) وسائل الشيعة 18 / 186 الباب 12 من أبواب كيفية الحكم. وفيه (محمد
ابن حفص) ولم أجد توثيقا له. انظر: تنقيح المقال 3 / 108.
140

خلاف ظاهر الخبر لا سيما مع النظر إلى خبر منصور، ولأن التفصيل قاطع
للشركة فلا تكون البينة حجة من كليهما ولا اليمين، ولكن الأولى هو النظر في
نصوص هذه الأخبار، فلا بأس بنقل بعضها:
1 - عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في كتاب علي عليه السلام
أن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه فقال: يا رب كيف أقضي لم أر ولم أشهد؟
قال: فأوحى الله إليه: أحكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلفهم [تحلفهم]
به وقال: هذا لمن لم تقم له بينة) (1).
2 - عن أبان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في كتاب علي عليه السلام أن نبيا من الأنبياء.) (2).
3 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام: (أن نبيا من الأنبياء شكا إلى
ربه.) (3).
4 - عن ضمرة بن أبي ضمرة عن أبيه عن جده قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة ماضية من أئمة
الهدى) (4).
5 - عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجته
من بعض.) (5).
6 - عن جميل وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

(1) وسائل الشيعة 18 / 167 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم.
(2) وسائل الشيعة 18 / 167 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم.
(3) وسائل الشيعة 18 / 168.
(4) وسائل الشيعة 18 / 168.
(5) وسائل الشيعة 18 / 169.
141

البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه) (1).
7 - عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام: قال (سألته عن القسامة.
فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في الدم
خاصة. الحديث) (2).
8 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله حكم في دمائكم بغير
ما حكم به في أموالكم. حكم في أموالكم إن البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه، حكم في دمائكم إن البينة على من ادعى عليه واليمين على من
ادعى، لئلا يطل دم امرئ مسلم) (3).
أقول: والانصاف ظهور الأخبار الأربعة الثانية في أن ميزان القضاء في مقام
المرافعة كون البينة على المدعي وكون اليمين على من أنكر وأنه لم تجعل البينة
على المدعى عليه في الشرع في مورد إلا لحكمة مخصوصة بذلك المورد (4).
واستدل صاحب الجواهر لسماع بينة المدعى عليه بعموم ما دل على حجية

(1) وسائل الشيعة 18 / 170
(2) وسائل الشيعة 18 / 170.
(3) وسائل الشيعة 17 / 171.
(4) أقول وخبر دليل على القول الأول خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال:
(قلت للشيخ عليه السلام: خبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بما
له. قال: فيمين المدعى عليه، فإن حلف فلا حق له، وإن رد اليمين على المدعي فلم
يحلف فلا حق له [وإن لم يحلف فعليه] وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه
البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه، فإن حلف
وإلا فلا حق له، لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو غير بينة قبل الموت،
فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة، فإن ادعى بلا بينة فلا حق له، لأن المدعى عليه
ليس بحي، ولو كان حيا للزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه، فمن ثم لم يثبت
الحق) وسائل الشيعة 18 / 173. وهو خبر قد اعتمد عليه صاحب الجواهر نفسه في المباحث
السابقة.
142

شهادة العدلين كتابة وسنة.
قلت: وأيضا يمكن الاستدلال له بالسيرة فإنها قائمة على قبول خبر العدل
الواحد فضلا عن العدلين لكن ردع الشارع عن قبول خبر العدل الواحد في
الموضوعات.
لكن المرسلة المنجبرة وخبر منصور يخصصان العام ويصلحان للردع في
هذا المقام.
واستدل السيد في العروة بأخبار خاصة وبخبر فدك حيث قال: (واشعار
خبر فدك. فإن أمير المؤمنين عليه السلام أنكر على أبي بكر في طلبه البينة منه في الدعوى
عليه مع أنه لا يطلب من غيره إذا ادعى هو على ذلك الغير، فحاصل انكاره عليه السلام أنه
لم فرق بينه عليه السلام وبين الناس في طلب البينة، ولو كان لا يقبل من المدعى عليه
البينة لكان أولى بالانكار عليه في مقام المجادلة).
قلت: أما بعض الأخبار الخاصة التي أشار إليها فيكفي في وهنها اعراض
المشهور عنها، وأما دعواه اشعار خبر فدك بما ذهب إليه ففيها إن التمسك به لعدم
حجية بينة المدعى عليه أولى لأن دلالته على ذلك أوضح مما قاله: فقد ورد في
ذلك الخبر: (إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله
في المسلمين؟ قال: لا. قال فإن كمان في يد المسلمين شئ يملكونه أدعيت أنا
فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كمت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين. قال:
إذا كان في يدي شئ فادعى به المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكت
في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوا على كما
سألتني البينة على ما ادعيت عليهم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البينة على من
ادعى واليمين على من أنكر) وهو ظاهر بل صريح في أنه لا يطلب البينة من ذي اليد
ولا يحكم على طبقها إذا أقامها.
على أنه لم يعهد أن يسأل الحاكم بعد إقامة المدعي بينته المدعى عليه
143

هل عنده بينة على الانكار أو لا. وأيضا فقد تقدم في المباحث السابقة الخبر (1)
الدال على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرسل من يسأل عن حال الشاهدين إذا لم يعرفهما
ويوقف الحكم في القضية حتى يرجع رسوله فإذا رجع وظهر عدالة الشاهدين حكم.
ولم يتضمن هذا الخبر سؤاله صلى الله عليه وآله من المدعى عليه في هذه الأثناء أو بعد رجوع
الرسول عن وجود البينة عنده على جرح الشاهدين أو انكار دعوى المدعي.
ومن هنا كان القضاء للمدعي بعد إقامة البينة الجامعة للشرائط أمرا مسلما بين المسلمين.
وكيف كان فقد قال المحقق في هذا القسم: (وفيه قول آخر ذكره في
الخلاف بعيد).
وهذا القول هو تقديم بينة الداخل على بينة الخارج. قال: المحقق وهو بعيد
وفي الجواهر: بل لم نتحققه قولا له.
وفي المسألة أقوال أخرى: فقد فصل بعضهم فقال بعدم حجية بينة المنكر
مع أقول بصلاحيتها للمعارضة مع بينة المدعي. وبعبارة أخرى المستفاد من أدلة
القضاء هو عدم القضاء ببينة المدعى عليه ولكن لا تدل على عدم صلاحيتها للمعارضة
مع بينة المدعي واسقاطها عن الحجية، فإذا سقطتا يقضى بالعين للحالف.
أقول: وحاصل هذا القول عدم القضاء ببينة المدعي مع وجود بينة المدعي
على أو احتمال وجودها، لكن يرده أنه إذا كان كذلك فلماذا كان ديدن المسلمين
على خلاف ذلك وهو القضاء للمدعي بمجرد إقامة البينة من غير سؤال من المدعى
عليه عن وجود البينة عنده وعدم وجودها، كما هو شأن الفقيه في مقام الافتاء حيث يفتي
على طبق الخبر بعد الفصح واليأس عما يعارضه.
وأما القول بتقديم البينة المشتملة على ذكر السبب منهما فلا دليل عليه في
الأخبار، كالقول بالتقديم بالأعدلية، وأما تقديم الأكثر عددا منهما فقد يدل بعض الأخبار عليه.

(1) وسائل الشيعة 18 / 174 عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام.
144

لكن المختار هو القول الأول وهو الأخذ ببينة الخارج تبعا للمشهور والله العالم
هذا كله شهدتا بالملك المطلق.
صور الشهادة المشتملة على السبب
وأما لو اشتملت الشهادة على ذكر السبب فهنا ثلاث صور.
فالأولى: شهادتهما معا بالسبب، قال المحقق قدس سره:
(ولو شهدتا بالسبب قيل: يقضى لصاحب اليد لقضاء علي عليه السلام وقيل: يقضى
للخارج لأنه لا بينة على ذي اليد كما لا يمين على المدعي، عملا بقوله صلى الله عليه وآله: واليمين
على من أنكر، والتفصيل قاطع للشركة وهو أولى).
1 - شهادتهما معا بالسبب:
أقول: ففي هذه الصورة قولان، نسب أولهما إلى الشيخ والثاني إلى المشهور،
وقد أشار المحقق قدس سره إلى دليل منهما.
فدليل القول الأول:
ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت
عنده، فأحلفهما علي عليه السلام، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها
للحالف، فقيل: فلو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة قال: أحلفهما فأيهما
حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل:
فإن كنت في يد أحدهما وأقاما جميعا بينة. قال أقضي بها للحالف الذي هي في
يده) (1).
ومحل الاستدلال: (فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا بينة.)
وهل معنى ذلك أن بينة ذي اليد مقدمة على بينة الخارج أو أنه حينئذ يكون
في الحقيقة من تكاذب البينتين فيتساقطان ويقضى لصاحب اليد بعد حلفه لأنه مدعى

(1) وسائل الشيعة 18 / 182.
145

عليه ولا يمين على المدعي؟ وجهان مبنيان على شمول أدلة حجية البينة لصورة
التكاذب وعدمه.
والأظهر هو الوجه الثاني من جهة ايجاب الإمام عليه السلام الحلف أيضا، فإنه لو
كانت بينة ذي اليد حجة متقدمة على بينة المدعي فلا حاجة إلى الحلف، فلزوم
الحلف كاشف عن عدم حجية بينة المدعى عليه أو حجيتها بمقدار صلاحيتها للمعارضة
مع بينة المدعي فيتساقطان، فإذا تساقطتا كانت مثل صورة عدم البينة، وعلى ذي
اليد اليمين فإذا حلف قضي له.
وهذا كله بناءا على اعتبار الخبر كما تقدم.
ومثله ما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أمير المؤمنين
عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي
هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين) (1) وهذا أيضا ظاهر
في التساقط كسابقه.
ودليل القول الثاني: ما رواه منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت
له: رجل في يده شاة، فجاء رجل فادعاها وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده لم
يبع ولم يهب، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم
يهب، قال أبو عبد الله عليه السلام: حقها للمدعي ولا أقبل من الذي هي في يده بينة، لأن الله
عز وجل أمر أن تطلب البينة من المدعي، فإن كانت له بينة وإلا فيمين الذي هو
في يده، هكذا أمر الله عز وجل) (2).
وهذا الخبر يعارض خبر إسحاق بناءا على الوجه الأول وبقطع النظر عن
السند في كليهما، وحينئذ يرجع إلى العام كما هو القاعدة في كل مورد تعارض
فيه دليلان خاصان، والعام هنا هو قوله صلى الله عليه وآله (البينة على المدعي واليمين على من

(1) وسائل الشيعة 18 / 182
(2) وسائل الشيعة 18 / 182.
146

أنكر) فإنه يدل على أنه لا تسمع بينة ذي اليد، لاشتماله على التفصيل القاطع للشركة
وهو يعم صورة ذكر السبب وعدمه مطلقا.
فإذن يحكم في هذه الصورة بتقديم بينة الخارج، ومن هنا قال المحقق قده:
(وهو أولى) وهو المختار.
2 - أن تشهد للخارج بالسبب وللداخل بالملك المطلق:
الصورة الثانية: أن تشهد للخارج بالسبب وللداخل بالملك المطلق، وهذه
الصورة لم يذكرها المحقق قدس سره اعتمادا على ظهور حكمها بالأولوية القطعية
بناءا على ما ذهب إليه في الصورة الأولى، لأنه إذا دلت الأدلة على تقديم بينة
الخارج في صورة شهادة كلتا البينتين بالسبب فإنها تدل على تقديمها في صورة عدم
شهادة بينة الداخل بالسبب بالأولوية القطعية، كما هو واضح.
قال في الجواهر: (وعلى كل حال فما عن المجلس من حمله النصوص
المزبورة على التقية لشهرته بين العامة فتوى ورواية، يدفعه ما سمعت من موافقة
خبر بينة الخارج لأحمد بن حنبل أيضا، بل ملاحظة كلام العامة يقضى باضطراب
أقوالهم في ذلك على وجه لا تقية في اظهار الحق فيما بينها، خصوصا مع نسبته
إلى علي عليه السلام.
على أن المحكى عن الشيخ نسبته إلى مذهبنا وأنه الذي تدل عليه أخبارنا،
فكيف يحمل مثله على التقية).
3 - أن تشهد للداخل بالسبب وللخارج بالملك المطلق:
والصورة الثالثة: أن تشهد لذي اليد بالسبب وللخارج بالملك المطلق قال
المحقق قدس سره: (أما لو شهدت للمتشبث بالسبب وللخارج بالملك المطلق
فإنه يقضى لصاحب اليد، سواء كان السبب مما لا يتكرر كالنتاج ونساجة الثوب
الكتان أو يتكرر كالبيع والصياغة. وقيل: بل يقضى للخارج وإن شهدت بينته بالملك
147

المطلق عملا بالخبر والأول أشبه).
أقول: ذكر في هذه الصورة قولين، أحدهما: تقديم بينة الداخل وإليه
ذهب الأكثر وهو الأشبه عند المحقق، والثاني: تقديم بينة الخارج، وإليه
ذهب جماعة.
وقد استدل للقول الأول بخبر عبد الله بن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إن رجلين اختصما في دابة إلى علي عليه السلام فزعم كل واحد منهما أنها نتجت
عنده على مذوده، وأقام كل واحد منهما البينة سواء في العدد، فأقرع بينهما
سهمين، فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة.
فخرج اسم أحدهما فقضي له بها.
وكان أيضا إذا اختصم إليه الخصمان في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها
وزعم الآخر أنه أنتجها، فكانا إذا أقاما البينة جميعا قضي بها للذي أنتجت
عنده) (1).
قلت: لكن ليس في الخبر لا في السؤال ولا في الجواب تعرض إلى اليد،
وأنه بيد من كانت الجارية، إلا أن يقال بأنه عليه السلام قضى للذي أنتجت عنده من
جهة كونه ذا يد، وإلا لقضى لمن ادعى اشترائها، فإن ذلك مقتضى التوفيق بين الشهادتين
كما تقدم، ولكنه مع ذلك لا يخلو من الاجمال، إلا أن المشهور أفتوا على طبقه
ولعلهم فهموا منه ما لم يتضح لنا.
وأما دليل القول الثاني فقد أشار إليه المحقق بقوله (عملا بالخبر) وهو
(البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) أي أنه لا اعتبار لبينة المدعى
عليه أصلا.
واستدل للأول أيضا بعمومات حجية الشهادة، فتكون كلتا البينتين حجة،

(1) وسائل الشيعة 18 / 186.
148

لكن تقدم بينة الداخل إما من جهة اعتضادها باليد وإما من جهة تأيدها بخبر ابن
سنان المزبور.
لكن القول الثاني يقول بتخصيص عمومات (البينة على من ادعى واليمين
على من أنكر) لعمومات حجية شهادة العدلين، أي أنه في مورد المرافعة لا
تسمع بينة المنكر.
فإذا كان مقتضى (البينة على من ادعى.) عدم سماع بينة المدعى عليه
كما تقدم، فإنه لا معنى لتقدم بينة المنكر من جهة تأيدها بما ذكر، فلو أردنا أن
نقول بالقول الأول فأما يكون من جهة التعبد بخبر ابن سنان. وقد عرفت ما فيه،
وأما من جهة التساقط ثم القضاء لذي اليد. لكن يتوجه على المحقق حينئذ أنه إذا
كان هذا هو المبنى فماذا قال في غير هذه الصورة بتقدم بينة الخارج؟ (1)
الصورة الثالثة: كون العين بيد ثالث وفيها الرجوع إلى المرجحات
الصورة الثالثة من صور تعارض البينتين أن تكون العين في يد ثالث قال المحقق
قده: (ولو كانت في يد ثالث قضي بأرجح البينتين عدالة، فإن تساويا قضي لأكثرهما
شهودا، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف
وقضي له، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له، وإن نكلا قضي به بينهما
بالسوية).
أقول: نسب هذا القول إلى الأشهر بل المشهور بل ادعى الاجماع عليه، ولكن
بالتتبع لكلماتهم يظهر عدم امكان الوثوق بما ذكر، فقد قال بعضهم: بالقرعة،

(1) أقول: ولعله من هنا قال صاحب الجواهر: ولعل الأولى الاستدلال له باطلاق
قول أمير المؤمنين المتقدم يعني: رواية إسحاق بن عمار التي جاء فيها: (فإن كان في
يد أحدهما وأقاما جميعا بينة، قال، أقضي بها للحالف الذي هي في يده) وقد عرفت
اعتبارها عند السيد الأستاذ بالانجبار.
149

وقيل بالترجيح بأحد الأمرين، وقيل الأمرين، قيل بكليهما، فمنهم قال بالترتيب ومنهم من قال
بدونه. فنقول:
أما أدلة (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) فلا يمكن الرجوع
إليها في هذه الصورة، لأن كليهما ذو بينة وليس لأحدهما يد على العين، نعم أثر
البينتين نفي الثالث، لأن العين هي في الواقع لأحدهما لكنه مجهول، ولذا قيل
هنا بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل عملا ببعض الأخبار، لكن أخبار القرعة هنا
تشتمل على اليمين أيضا. وكيف كان فالأولى ذكر نصوص المسألة مع التأمل
في مداليلها:
(1) عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل.
وذكر أن عليا عليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة لهؤلاء أنهم
أنتجوها على مذودهم ولم يبيعوا ولم يهبوا (وقامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك) فقضى
عليه السلام بها لأكثر هم بينة واستحلفهم.) (1)
(2) عن داود بن سرحان (عن أبي عبد الله عليه السلام: في شاهدين شهدا على أمر
واحد وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه (شهد الأولان) واختلفوا.
قال: يقرع بينهم فأيهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالقضاء) (2).
(3) عن الحلبي قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجلين شهدا على أمر، وجاء
آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا. قال: يقرع بينهم فأيهم قرع فعليه اليمين
وهو أولى بالحق) (3).
(4) عن سماعة قال: (إن رجلين اختصما إلى علي عليه السلام في دابة فزعم كل
واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فأقرع

(1) وسائل الشيعة 18 / 181
(2) وسائل الشيعة 18 / 183
(3) وسائل الشيعة 18 / 185.
150

بينها سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة ثم قال: اللهم رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم. أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها، فأسألك أن يقرع ويخرج
سهمه. فخرج سهم أحدهما فقضى له بها) (1).
(5) عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن أمير المؤمنين عليه السلام
اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها فقضى بها للذي في يده
وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين) (2).
(6) عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت
عنده، فأحلفهما عليه السلام فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها
للحالف.
فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ فقال: أحلفهما فأيهما
حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلف جميعا جعلتها بينهما نصفين.
قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا البينة؟ قال: أقضي بها للحالف
الذي هي في يده) (3).
(7) عن داود بن أبي يزيد العطار عن بعص رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام (في
رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود أن هذه المرأة امرأة فلان وجاء آخران
فشهدا أنها امرأة فلان، فاعتدل الشهود وعدلوا. فقال يقرع بينهم فمن خرج سهمه
فهو المحق وهو أولى بها).

(1) وسائل الشيعة 16 / 185
(2) وسائل الشيعة 18 / 182
(3) وسائل الشيعة 18 / 182
(4) وسائل الشيعة 18 / 174.
151

(8) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان (يختصمان) بشهود عدلهم سواء وعددهم. أقرع بينهم على
أيهما تصير اليمين وكأن يقول: اللهم رب السماوات السبع (ورب الأرضين
السبع) أيهم كان له الحق فأده إليه. ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا
حلف) (1).
(9) عن عبد الله بن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلين
اختصما في دابة إلى علي عليه السلام فزعم كل واحد منهما أنها نتجت عنده على مذوده
وأقام كل واحد منهما البينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين
كل واحد منهما بعلامة ثم قال: اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع
ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أيهما كان صاحب الدابة
وهو أولى بها فأسألك أن يقرع ويخرج اسمه. فخرج اسم أحدهم فقضى له
بها) (2).
هذه هي نصوص المسألة، وهي مختلفة، ولقد اختلفت بتبعها أقوال الأصحاب
فيها (فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصة كالمفيد، ومن اقتصر على اعتبار
الأكثرية كذلك كالإسكافي والصدوقين، نعم ذكرا قبل اعتبارها أن أحق المدعيين
من عدل شاهداه، فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهودا وهو ليس نصا
في اعتبار الأعدلية.
وبين من اقتصر على اعتبارهما خاصة ولم يذكر الترتيب بينهما ولا القرعة
بعدهما كالشيخ في موضع من الخلاف قائلا إنه الظاهر من مذهب الأصحاب،
وبين من اقتصر على ذكر المرجح مطلقا من دون بيان له ولا ذكر قرعة كالديلمي
والشيخ في موضع من الخلاف، لكنه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدعيا
عليه اجماع الإمامية، وبين من فصل بعين ما في العبارة لكن مقدما للأكثرية على

(1) وسائل الشيعة 18 / 183
(2) وسائل الشيعة 18 / 186.
152

الأعدلية كالحلي في السرائر وعزاه إلى ظاهر الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع
عليه وبين من اقتصر على القرعة خاصة كالعماني).
النظر في أخبار الترجيح وطريق الجمع بينها:
فنقول: إن هذه النصوص على طوائف:
الأولى: ما يدل على التنصيف، كخبر غياث بن إبراهيم، والحكم بالتنصيف
قد يكون من جهة تساقط البينتين، فتكون مثل صورة دعوى المدعيين بلا بينة،
والدليل، على التنصيف هو ما ذكر هناك.
لا يقال: التنصيف يوجب العلم بالخلاف.
لأنا نقول: فرق بين الوصول إلى الواقع والعثور عليه، وبين الحكم الفاصل
للخصومة، والحكم بالتنصيف هو طريق لفصل الخصومة.
وقد يكون من جهة العلم بكلتا البينتين بعنوان فصل الخصومة، فإنه وإن
شهدت كل واحدة بكل المال، إلا أنه يؤخذ بنصف مدلول كل واحدة منهما، ويجمع
بينهما ويحكم بالتنصيف لفصل الخصومة، نظير الجمع بين الروايات.
الطائفة الثانية:
ما يدل على التنصيف بعد اليمين، كخبر إسحاق بن عمار، وعلى هذه
تحمل الطائفة الأولى الساكتة عن لزوم الحلف، فيكون وجه الجمع التنصيف
بعد الحلف.
الطائفة الثالثة:
ما يدل على القرعة فمن خرج اسمه كان الحق له.
كخبر داود بن أبي يزيد العطار، فإنه يدل على أن طريق الحكم هو القرعة
بلا تحليف فيما إذا كانت المرأة بيد ثالث بالأولوية. وكخبر سماعة وخبر
عبد الله بن سنان.
153

وهذه الأخبار وإن كانت ظاهرة في تمامية الحكم بالقرعة وبلا يمين إلا أنها
قضية في واقعة ويمكن أن تحمل على الطائفة الدالة على أن الاقتراع، هو لتعيين من عليه
الحلف وهي:
الطائفة الرابعة:
كخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري، وخبر الحلبي، فيكون طريق
الجمع بين هاتين الطائفتين هو القرعة لتعيين من عليه الحلف، وحينئذ يكون الحكم
باليمين عملا بقوله صلى الله عليه وآله: (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان).
ويتحصل مما ذكرنا أن قاعدة فصل الخصومة هو الأمور الثلاثة الآتية: البينة
واليمين، ثم التنصيف وذلك في صورة فقدانهما لبينة أو وجدانهما لها ثم حلف
كليهما أو نكولهما معا، يكون التنصيف فيما إذا كان مورد النزاع قابلا له، وإلا
فلا سبيل إلا القرعة.
وأما القول بالترجيح لإحدى البينتين على الأخرى بالأكثرية عدالة أو عددا
مع الالتزام بالترتيب أو عدمه فلم نجد له دليلا في الأخبار، إلا خبر أبي بصير الذي
قضى فيه لأكثرهم بينة واستحلفهم، وكيف كان فلا مناص من أن يحمل الترجيح
على توجه اليمين على من كانت بينته راجحة على بينة الآخر لهذه الجهة أو تلك،
فالفاصل للخصومة هو اليمين تحكيما للقاعدة الكلية في باب القضاء، لأنا علمنا من
خبر أبي بصير إن معنى مرجحية الأكثرية هو توجه اليمين على صاحب تلك البينة،
فكذلك الكلام في صاحب البينة الأكثر عدالة.
وقد يستأنس لذلك بتقديم الإمام عليه السلام الأكثر عددا، أي سواء كانت الأخرى
أعدل أو لا.
ولو وقع التعارض في مورد بين التنصيف والقرعة تقدمت أدلة القرعة، فمن
خرج اسمه حلف وقضي له.
هذا هو طريق الجمع بين هذه الأخبار في هذه الصورة.
154

قال المحقق قدس سره:
(وقال في المبسوط يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق، ويقسم بينهما
إن شهدتا بالملك المقيد، وإن اختصت إحداهما بالتقييد قضي بها دون الأخرى
والأول أنسب بالمنقول).
وقد ضعف في الجواهر ما عن المبسوط قال: وإن قيل في توجيهه: إنه جمع
بين ما دل على القرعة، وخبري تميم بن طرفة وغياث المتقدمين سابقا بالتفصيل المزبور
لكن فيه أن المفروض في خبري سماعة وابن سنان من أخبار القرعة المقيدتين
كما أن فيها المطلق أيضا، وفي أخبار التنصيف المقيدتين كخبر غياث والمطلقتين
كخبر تميم بن طرفة. فليس في ما ذكره جمع بين النصوص، بل في خبر إسحاق
ما هو خارج عن الجميع وهو وتحليفهما معا فأيهما حلف ونكل الآخر كانت للحالف
فإن حلفا جميعا كانت بينهما نصفين، ولم أعرف من عمل به عدا ما تسمعه من ظاهر
أبي علي.
حكم ما لو أقر الثالث لأحدهما:
قال العلامة قدس سره في القواعد: (ولو أقر الثالث بالعين لأحدهما فالوجه
أنه كاليد) قال كاشف اللثام: (تقدم على قيام البينتين أو تأخر، لقيام المعنى القائم
في اليد فيه، وجزم به في المقصد السابع.
ويحتمل العدم بعد إقامة البينتين، لكشفهما عن أن يد المقر مستحقة للإزالة
فاقراره كاقرار الأجنبي) وفي الجواهر: (بل قد يشكل إن لم يكن اجماع
اندراج ذلك قبل إقامة البينتين فضلا عما بعده فيما دل على حكم ذي اليد بالنسبة
إلى الدخول والخروج، ولعله لذا أطلق بعضهم الحكم من غير فرق بين اقرار
الثالث وعدمه فتأمل جيدا).
قلت: إنما يتجه احتمال العدم فيما إذا لم يكن الثالث وكيلا للمقر له، لأن
البينة قامت على عدم كونه مالكا للعين، ولم تنف وكالته ولم تسقط يده عن
155

الاعتبار، فلو أقر بكونها له وادعى وكالته عنه كانت يده يد المقر له وترتب الأثر
على اقراره.
الصورة الرابعة: كون العين لا في يد أحد
الصورة الرابعة: أن لا تكون العين في يد أحد، والظاهر أن حكم هذه الصورة
حكم ما إذا كانت في يد ثالث، فما ذكرناه هناك آت هنا.
مورد تحقق التعارض
قال المحقق قدس سره: (ويتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين)
أقول: لا خلاف ولا اشكال في ذلك، لأن المرأتين تقومان مقام الرجل
الواحد في الشهادة فتصدق البينة على الشاهد والمرأتين كما تصدق على الشاهدين.
قال: (ولا يتحقق بين الشاهدين وشاهد ويمين، وربما قال الشيخ نادرا يتعارضان
ويقرع بينهما).
أقول: علل في الجواهر ما ذهب إليه المشهور بعدم صدق اسم البينة على
الشاهد واليمين، وفي المسالك بأن الشاهد لا يستقل بالحجية، واليمين معه وإن
أوجبت ثبوت المال إلا أنه حجة ضعيفة ومن ثم اختلف في ثبوته بها، وبأن الذي
يحلف مع شاهد يصدق نفسه والذي يقيم شاهدين يصدقه غيره فهو أقوى جانبا
وأبعد عن التهمة، وبهذا صرح الشيخ في المبسوط في فصل الدعاوي والبينات، وفي
الخلاف أيضا.
وقد ذكر المحقق الآشتياني وجوها لكنها استحسانية.
قلت: وربما يشكل على تعليل المسالك بأنه مع الحجية لا يبقى أثر للضعف
والقوة بل يتحقق التعارض.
والتحقيق أن يقال: إنه إن صدق اسم البينة على الشاهد واليمين فلا كلام
في قدرته على المقاومة مع الشاهدين وتحقق التعارض، لكن المراد من (البينة) في
156

نصوص كتاب القضاء هو اصطلاح خاص، ومقتضى التقابل بين البينة واليمين
في قوله صلى الله عليه وآله: (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان) مغايرة البينة لليمين وإن كانت
مع شاهد، فالحق عدم صدق اسم البينة وعدم تحقق التعارض بينهما.
فإن قيل: التعارض هو بين الحجتين لا بين البينتين حتى يقال ليس الشاهد
واليمين بينة
قلنا: مقتضى النظر في النصوص الواردة في علاج تعارض البينتين هو أن
المراد البينة بما هي لا بما هي حجة، فلا وجه للتعدي عن موردها.
وبما ذكرنا يظهر الجواب عما استدل به الشيخ قدس سره في فصل الرجوع
عن الشهادة من المبسوط على ما نسب إليه المحقق من القول بالتعارض والقرعة،
وإنما قال (وربما) لعدم صراحة كلام الشيخ، ولذا اختلف العلماء في فهم عبارته
فعن الشهيد حكاية ذلك عنه في الدروس صريحا، وعن فخر المحققين نسبة التردد
إليه، وقد رجح صاحب المسالك فهم الفخر بعد نقل عبارة الشيخ (1).

(1) نص عبارة الشيخ: (إذا شهد شاهدان أنه أوصى لزيد بثلث ماله وشهد شاهد
واحد أنه أوصى بثلث ماله لعمرو، وقال عمرو: أحلف مع شاهدي ليكون الثلث بيننا،
فهل يزاحم الشاهدين بشاهد ويمين أم لا؟ قال قوم: يحلف ويزاحم ويساويه، لأن الشاهد
واليمين في الأموال بمنزلة الشاهدين.
وقال آخرون: لا يساويه، لأن الشاهد واليمين أضعف من شاهدين، لأن الشاهد
وحده لا يقوم بنفسه حتى يضم إليه غيره، والشاهدان قائمان بأنفسهما فلا يعارضهما به. فمن
قال لا يعارضهما حكم بالثلث لزيد وحده، ومن قال يعارضهما حكم بالثلث لزيد وحده، ومن
قال يعارضهما حلف عمرو مع شاهده، وكان الثلث بينهما نصفين، وعلى مذهبنا يقرع
بينهما إذا عدم التاريخ، فإن خرج اسم صاحب الشاهدين أعطي الثلث، وإن خرج اسم
صاحب الشاهد الواحد حلف معه وأخذ الثلث) المبسوط 8 / 253 - 254.
فالمحقق نسب إليه القول بالتعارض والقرعة لكن مع كلمة (ربما) لأن كلامه
ليس صريحا، والشهيد نسب إليه القول بذلك صريحا، وقد فهم هذا من قوله (وعلى
مذهبنا يقرع.) والمحكى عن فخر المحققين نسبة التردد إليه لاقتصاره على نقل قولي
العامة في ذلك، واستحسنه الشهيد الثاني في المسالك قائلا: " والذي يظهر أن هذا ليس
حكما بالتعارض، لأن القولين اللذين حكاهما عن المخالفين كما هي عادته، ومذهبهم إن الوصية المعينة كالثلث مثلا لاثنين متعارضين يوجب قسمته بينهما على سبيل العول.
ومذهبنا إن الثاني يكون رجوعا عن الأول إن علم الترتيب، وإن اشتبه أقرع، وهذا
المذكور على اطلاقه من مواضع الاشتباه، فلما ذكر حكم الوصية على القولين على مذهب
المخالف وكان مذهبنا يخالف القول الأول على تقدير تقديم الشاهدين ذكر ما يوافق
مذهبنا على تقدير التعارض لئلا يوهم أن مذهبنا على تقدير التعارض، لئلا يوهم أن مذهبنا
على تقديره يوجب اشتراكهما في الموصى به، وهذا ليس حكما بترجيح القول بالتعارض
بل هو باق على تردده حيث اقتصر على مجرد نقلهما، وإنما فرع ما يناسب القول الثاني
من مذهبنا، فنقل الشيخ فخر الدين عنه التردد أقعد.
وقول المصنف: وربما قال الشيخ. يدل على احتماله للأمرين وكذلك فعل العلامة
في القواعد نقلا عن الشيخ.
قلت: إن الشيخ قدس سره قد وضع المبسوط للدلالة على كثرة الفروع في فقهنا
وإنه ما من فرع ذكره العلامة إلا وهو موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تصريحا أو تلويحا
من أئمتنا، فالقول بأن عادته الحكاية عن المخالفين كما في المسالك، أو أنه اقتصر هنا
على نقل قولي العامة كما في الجواهر عن الفخر يخالف الغرض الذي وضع لأجله المبسوط
فليتأمل.
157

وكيف كان فلا ريب في ضعفه.
قال المحقق قدس سره: (ولا بين شاهد وامرأتين وشاهد ويمين، بل يقضى
بالشاهدين والشاهد والمرأتين دون الشاهد واليمين).
أقول: فالحاصل عدم صدق (البينة) على الشاهد الواحد مع اليمين وحينئذ
لا يقع التعارض بينه وبين البينة مطلقا، وبل يقضى بما قامت عليه البينة ولا يلتفت
إلى الشاهد واليمين.
158

الحكم بالقسمة يختص بمورد امكانه
قال المحقق: (وكل موضع قضينا فيه بالقسمة فإنما هو في موضع يمكن
فرضها دون ما يمتنع كما إذا تداعى رجلان زوجة).
أقول: قد ذكرنا سابقا أن فصل الخصومة بالتنصيف يكون في كل مورد
أمكن فيه ذلك، قال في المسالك إن العبارة توهم اختصاص الحكم بما يقبل القسمة
لكنه تجوز بها في امكان الشركة، ولو عبر بها كان أولى) ومن هنا قال في الجواهر
مازجا بالمتن: في موضع يمكن فرضها بامكان الاشتراك فيه وإن لم يقسم فعلا كالعبد
والأمة دون ما يمتنع لامتناع الشركة فيه.
وكيف كان فقد ذكرنا سابقا أنه في كل موضع لم يمكن التنصيف كما
إذا كان مورد التداعي هو الزوجة فالحكم هو القرعة، ويدل عليه مرسل داود بن
أبي يزيد العطار عن الصادق عليه السلام: (في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود
فشهدوا أن هذه المرأة فلان وجاء آخرون فشهدوا أنها امرأة فلان فاعتدل الشهود
وعدلوا قال: يقرع بين الشهود فمن خرج اسمه فهو المحق وهو أولى بها) (1) وعمل
الأصحاب به جابر لضعفه، ولم يذكر الإمام عليه السلام فيه اليمين، فيقيد كما تقدم
بما دل على أن من خرج اسمه بالقرعة فعليه اليمين، مثل خبر الحلبي الذي يعم
الأموال وغيرها، لكن في المسالك أنه لا فائدة في الاحلاف بعد القرعة، لأن فائدته
القضاء للآخر مع نكوله وهو منفي هنا، وأجاب في الجواهر بقوله: (وفيه: أنه لا
مانع منه، وإنما المنفي التنصيف بينهما على تقدير النكول منهما، بل يتجه فيه
انتفاؤها عنهما، نعم لا تعرض في الخبر لليمين، ولا ينافي اطلاق ثبوتها في غيره،
خصوصا بعد ما عرفت إن القرعة لاثبات الرجحان الذي اليمين على حسب الترجيح
بالأعدلية والأكثرية،.)

(1) وسائل الشيعة 18 / 184.
159

قلت: وما ذكره تام إلا قوله: (بل يتجه فيه انتفاؤها عنهما) الظاهر في أنه
مع نكولهما عن اليمين يتجه نفي كونها زوجها لهما. فإنا نقول بأن مقتضى البينتين
تحقق العلم الاجمالي بكونها لأحدهما وإن لم يحصل العلم الاجمالي بكونها بينهما
فلا ريب في إفادتهما نفي كونها لثالث، فلا يجوز تزويجها من ثالث، فلا مناص حينئذ
أي في صورة نكولهما عن القرعة مرة ثانية، فيكون من خرج اسمه أولى بها
بلا يمين.
قال في الجواهر: (ومما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام الفاضل حيث قال:
(فصل في أسباب الترجيح لحجة على أخرى، وهي ثلاثة: الأول قوة الحجة كالشاهدين
والشاهد والمرأتين على الشاهد واليمين، ولو اقترنت اليد بالحجة الضعيفة احتمل
تقديمها والتعادل)
ووجه النظر هو ما عرفت من عدم اندراج الشاهد واليمين تحت النصوص
فلا يتحقق التعارض، والترجيح فرع التعارض كما هو واضح.
هل اليد من المرجحات؟
ثم ذكر العلامة السبب الثاني من أسباب ترجيح إحدى البينتين على الأخرى
بقوله: (الثاني اليد، فتقدم بينة الداخل على الخارج على رأي، والأقوى العكس)
أي: فتكون اليد سببا لتقدم بينة الداخل على بينة الخارج على رأي بعض
الأصحاب القائلين بحجية بينة ذي اليد، واختار قده العكس وهو تقديم بينة الخارج
فلا تكون اليد مرجحة، لما تقدم من عدم حجية بينة ذي اليد لقوله صلى الله عليه وآله (البينة على
المدعي واليمين على أنكر) فلا تسمع بينة حتى تكون يده مرجحة لها.
ثم ذكر قدس سره هنا فروعا، فقال:
(إلا أن يقيمها بعد بينة الخارج على اشكال، فلو ادعى عينا في يد غيره فأقام
بينة فأخذها منه ثم أقام الذي كانت في يده أنها له نقض الحكم وأعيدت إليه على اشكال)
قال كاشف اللثام: (من انقلاب الداخل خارجا والعكس بإقامة الخارج البينة
160

بالحكم فيها، وهو اختيار الشيخ ولكن بناء على تقديم بينة الداخل لانكشاف بينته
لذي اليد. ومن اتحاد الدعوى فلا يختلف الحال بتأخير إقامة البينة وتقديمها، واليد
الطارية لإقامة البينة لا دلالة لها على شئ وهو الأقوى) وتبعه صاحب الجواهر حيث
قال: (وفيه أيضا ما لا يخفى، ضرورة اقتضاء ذلك التسلسل المنافي لحكمة القضاء
الذي هو الفصل بين المتخاصمين، والفرض أنها دعوى واحدة، فالمتجه عدم سماعها
مطلقا). لكن في كشف اللثام (نعم لو رافع إلى حاكم لا يعلم بالحال فلا اشكال في
الإعادة إليه)
ثم قال العلامة: (ولو أراد ذو اليد إقامة البينة قبل ادعاء من ينازعه للتسجيل
فالأقرب الجواز).
وجه القول بالجواز هو: أن التسجيل أي اثبات ملكيته وثبته في سجل الدعاوي
لدى الحاكم غرض مقصود، فربما احتاج إلى الاثبات في المستقبل ولا يمكنه لعدم
حضور الشاهدين أو موتهما أو غير ذلك.
وذكر شراح القواعد للعدم وجهين أحدهما: أنه لا بينة إلا على خصم، والآخر:
إن الملك ثابت له بدون البينة بمجرد اليد والتصرف مع انتفاء المنازع، فلا فائدة
للبينة، وتحصيل الحاصل محال.
وقد أجابوا عن الوجهين بأن التسجيل فائدة عقلائية، ولا مانع من إقامة البينة
مع عدم الخصومة الفعلية حيث يحتمل تحققها في المستقبل وعدم تمكنه من اثبات
دعواه حينذاك بسبب من الأسباب.
قلت: والأقرب هو الجواز، والفرع يبتنى على القول بحجية بينة الداخل
كما لا يخفى.
ثم قال العلامة: (ولو أقام بعد الدعوى لاسقاط اليمين جاز).
أقول: وهذا أيضا مبني على حجية بينة ذي اليد كما ذكرنا.
ثم قال: (ولو أقام بعد إزالة يده بينة الخارج وادعى ملكا سابقا ففي التقديم
161

بسبب يده التي سبق القضاء بإزالتها اشكال).
في كشف اللثام: (من سبق يده وأنه الداخل والبينة تشهد له بالملك المستند
إلى ذلك الزمان. ومن كون تلك اليد قد اتصل القضاء بزوالها، أما لو أقام البينة بعد
القضاء للخارج قبل إزالة اليد فهي بينة الداخل).
وفيه كما في الجواهر ما لا يخفى من أنه ليس من الداخل على التقديرين، بل قد
عرفت عدم سماع دعواه لانقطاعها بالقضاء للخارج. نعم إذا كانت بينة الداخل حجة
وتقدم على بينة الخارج فالظاهر التقديم، لأن بينته حينئذ تشهد بأن العين قد أخذت
منه وأزيلت يده عنها ظلما.
ثم قال العلامة: (وإذا قدمنا بينة الداخل فالأقرب أنه يحتاج إلى اليمين).
قال في الجواهر: كأنه مناف لما ذكره سابقا من اسقاطها اليمين، اللهم إلا
أن يفرق بين معارضة البينة وبين معارضة مجرد الدعوى، فتسقط على الأولى، فيبقى
استحقاق اليمين بحاله بخلاف الثاني.
قلت: لكن لا يبقى حينئذ أثر لليد.
ثم قال العلامة بشرح الفاضل الهندي: (وإذا قامت البينة على الداخل
أو أقر فادعى الشراء من المدعي أو ثبت الدين عليه ببينة أو اقرار فادعى الابراء، فإن
كانت البينة بدعواه حاضرة سمعت قبل إزالة اليد وتوفية الدين. وإن كانت غائبة
طولب في الوقت بالتسليم، لثبوت الاستحقاق شرعا من غير ظهور معارض، وليس له
المطالبة بكفيل للأصل.
ثم إذا أقام البينة استرد. وربما احتمل العدم والتأجيل ثلاثة أيام كما هو
حكم مدعي جرح الشهود) ولكنه واضح الضعف.
قال: (ولو طلب الاحلاف أنه لم يبعه منه أو لم يبرء قدم على الاستيفاء لكونه
كحضور البينة) فإن حلف ذاك استوفى العين وإن نكل أبقيت في يد هذا.
ثم قال العلامة: (ولو اعترف لغيره بملك لم تسمع بعده دعواه) لكونها انكارا
162

بعد الاقرار، فإن ادعى بعد ذلك شرائها مثلا منه سمعت هذه الدعوى لعدم منافاتها
لاقراره السابق، فإن أقام البينة حكم له وإلا حلف الطرف الآخر وأبقيت في يده.
أما لو ثبت كون العين لغيره لا باعترافه بل ببينة ذاك أو حلفه سمعت دعواه كونها
ملكا له، للفرق بين ثبوت الملك للآخر بالاقرار والثبوت بالحجة.
هل الشهادة بقدم الملك أولى؟
قال المحقق قدس سره: (والشهادة بقدم الملك من الشهادة بالحادث
مثل أن تشهد إحداهما بالملك في الحال والأخرى بقديمه، أو إحداهما بالقديم
والأخرى بالأقدم، فالترجيح لجانب الأقدم).
أقول: إذا تعارضت البينتان في الملك اختصت إحداهما بزيادة
التاريخ، بأن قالت إحداهما بأن هذه العين لزيد في الحال وقالت الأخرى هي لعمرو
منذ سنة، أو قالت تلك هي لزيد منذ سنة وقالت هذه هي لعمرو منذ سنتين، فهل زيادة
التاريخ والشهادة بقدم الملك يوجب الأولوية والترجيح لبينة عمرو أو لا؟
ذهب المحقق إلى الأول، وجعل العلامة في القواعد اشتمال إحدى البينتين
على زيادة كزيادة التاريخ من أسباب ترجيح البينة، وفي الجواهر نسبة هذا القول
إلى الشيخ وابني إدريس وحمزة، بل في المسالك نسبته إلى المشهور.
ووجه تقديم متقدمة التاريخ هو أن تلك البينة تثبت الملك لعمرو في وقت
لا تعارضها البينة الأخرى فيه وهو السنة الأولى في المثال وإنما تعرضها فيها بعدها
فتتساقطان في محل التعارض ويثبت الملك لعمرو في السنة الأولى بلا معارض ولهذا
كان له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان والأصل في الثابت دوامه.
قال في الجواهر: ولم أجد في شئ من النصوص إشارة إليه إلا ما في
صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام عن علي عليه السلام: (وكان إذا اختصم إليه الخصمان
في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها فكانا إذا أقاما البينة
163

جميعا قضى بها للذي أنتجت عنده) (1).
أقول: (كان) ظاهر في الاستمرار، لكن من البعيد تكرر هذه الواقعة بحيث
يصح التعبير بهذا اللفظ إلا أن يكون الحكم متكررا ويقصد التمثيل بقضية الجارية.
وقوله: (قضى للذي أنتجت عنده) له ظهور في كونه ذا يد، فتكون الصحيحة في
غير ما نحن فيه، لأن المسألة مفروضة فيما إذا كان المدعى في يد ثالث. وكيف
كان فالاستناد إليها في هذا المقام محل تأمل.
فهذا هو الذي ذهب إليه المشهور.
وعن غير واحد من الأصحاب احتمال التساوي بين البينتين وعدم تقدم المتقدمة
التاريخ، بل احتملوا تقدم المتأخرة، لأنها تشهد بانتقالها من زيد إلى عمرو، وتلك
تشهد بكونها لزيد منذ سنتين ولا تنفي انتقالها عنه، وإذا لم تقدم لامكان استناد شهادتها
إلى اليد وهي تحتمل الملك وغيره فلا أقل من التساوي.
وأما إذا شهدت المتأخرة التاريخ بسبب الملك كما لو شهدت بأن عمرا
اشتراها من زيد قدمت على الأخرى قطعا خلافا للعلامة في التحرير، لأنها لما
صرحت بالشراء علم أنها اطلعت على ما لم تطلع عليه الأخرى، فإن تلك وإن شهدت
بأنها ملك زيد من ابتداء سنتين مثلا إلى الآن لكن غايته أنهما علما بكونها ملكه ولم
يعلما بمزيله في المدة.
أقول: ومقتضى قاعدة تقديم الاثبات هو تقديم البينة المتأخرة التاريخ مطلقا
أي سواء أطلقت أو ذكرت السبب خلافا للمشهور في الأول وللتحرير في الثاني.
وأما ما ذكره في الجواهر تبعا لكاشف اللثام من (أن هذه البينة لما لم تتعرض
لسبب الملك أمكن استناد شهادتها إلى اليد وهي تحتمل الملك وغيره، ويمكن أن
تكون الأخرى أيضا تعلم اليد وأنها لغير الملك فلذا حكمنا بالتساوي) فخروج

(1) وسائل الشيعة 18 / 186.
164

عن فرض المسألة، لأنها مفروضة فيما إذا كان المدعى في يد ثالث، وسيصرح
بذلك صاحب الجواهر نفسه بقوله: (هذا كله مع كون المشهود عليه ليس في يد
أحدهما).
وكيف كان فلا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه المشهور، فإن لم تقدم
المتأخرة التاريخ تتعارضان وتتساقطان، ويكون المرجع هو الأصل، ومقتضاه كون
العين لزيد.
ولو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى قيل: تساوتا لاحتمال الاطلاق هذا
التاريخ وغيره زائدا أو ناقصا فلا زيادة في إحداهما على الأخرى إلا بالتعرض للتاريخ،
وهو مما لا يؤكد الملك ليتسبب الترجيح.
وفيه أن المتجه تقديم المطلقة مع العلم باستناد المؤرخة إلى الاستصحاب
الذي قد عرفت عدم معارضته للبينة التي تقتضي انقطاعه. أما إذا لم يعلم فالمتجه
العمل بالاستصحاب أيضا، اقتصارا في تساقطهما على ما علم تعارضهما فيه وهو الملك
في الحل فيبقى غيره مستصحبا.
ولو شهدت إحداهما بسبب الملك كالشراء مثلا فقيل: تقدم على المطلقة
قال في الجواهر: وقد مر في خبر أبي بصير ما يؤيده في الجملة.
وفيه كما في الجواهر أيضا أنه كما يحتمل أن يكون حكم الإمام عليه السلام فيه
من جهة تقديم البينة المقيدة على المطلقة، كذلك يحتمل أن تكون بينة المدعي
متقدمة تاريخا فمن هذه الجهة حكم الإمام بكونها للذي ادعى الدار وأقام البينة
عليها. ولعله من هنا قال: يؤيده في الجملة.
هذا كله إذا لم تكن العين في يد أحد المتداعيين.
وأما إذا كانت في يد أحدهما، فإن كانت بينة الداخل أسبق تاريخا قال في
المسالك فهو المقدم لا محالة، وعن الخلاف نفي الخلاف فيه، و ذلك لاجتماع
مرجحين فيه وهما اليد وزيادة التاريخ.
165

لكن في القواعد: ولو شهدت لذي اليد بالقدم تعارض رجحان التقدم إن
قلنا به وكون الآخر خارجا، قال في كشف اللثام: فيحتمل التساوي لاشتمال كل
على مرجح، وتقديم الخارج لعموم دليله وهو الأقوى، والعكس كما في المبسوط
والخلاف ونفى فيه الخلاف، لاجتماع مرجحين فيه ولعموم دليله.
ويضعف بأن دليله إن تم نزلت بينة الخارج منزلة العدم ولا عبرة ببينة الداخل
إذا لم يكن للخارج بينة، وبأنه على القول بترجيح بينة الخارج لا عبرة ببينة الداخل
أصلا، لأنها ليست من شأنه، وإذا لم تعتبر لم يكن لترجيحها بالقدمة وغيرها معنى.
وفي الجواهر: الظاهر بناء الأول على القول بأن للداخل بينة مسموعة وحينئذ
يتوجه ترجيحها بالأمرين، وتنزيل بينة الخارج منزلة العدم إنما هو لمعارضة بينة
الداخل، فلا وجه للقول بأنه لا عبرة ببينة الداخل إذا لم يكن للخارج بينة.
أقول: إنه في صورة وجود البينة للخارج دون الداخل فلا ريب في أنه
يحكم له كما هو واضح، وإن لم يكن له بينة حلف ذو اليد، وإن كان لكليهما بينة
والمفروض حجية بينة ذي اليد أخذا بعموم دليل حجية البينة فلا وجه للقول
بالتساقط، بل تقدم بينة ذي اليد لوجود المرجحين المذكورين، فما ذكره صاحب
الجواهر هو الظاهر، لكن المختار عندنا أن بينة الداخل غير مسموعة مطلقا كما
تقدم ويأتي.
وإن كانت بينة الخارج أسبق تاريخا ففي الجواهر عن الخلاف الجزم بتقديم
بينة الداخل كذلك مدعيا عليه الاجماع والأخبار، ولعله لأن البينة بقدم الملك
لم تسقط بها اليد، كرجل ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة بأنها كانت له أمس
لم تزل بها فكذلك هنا، لكن في كشف اللثام: يقوى تقديم الخارج كما في المبسوط،
لأن بينته في الزمان المختص بها غير معارضة.
وفي المسالك ذكر ثلاثة أوجه أحدها: ترجيح اليد، لأن البينتين متساويتان في
اثبات الملك في الحال فتتساقطان فيه ويبقى من أحد الطرفين اليد ومن الآخر اثبات
166

الملك السابق، واليد أقوى من الشهادة على الملك السابق ولهذا لا يزال بها.
والثاني: ترجيح السبق، لأن مع إحداهما ترجيحا من جهة البينة ومع الأخرى
ترجيحا من جهة اليد، والبينة تتقدم على اليد، فكذلك الترجيح من جهتها مقدم على
الترجيح من جهة اليد.
والثالث: أنهما متساويان لتعارض البينتين.
أقول: إن كان للداخل بينة وهي مسموعة فعلى هذا المبنى تتقدم بينته في
هذه الصورة كالصورة السابقة، وأما على المختار من أنه لا بينة للداخل لتخصيص
قوله صلى الله عليه وآله: ((البينة على المدعي و اليمين على من أنكر) لعموم أدلة الشهادة فلا
ريب في تقدم بينة الخارج، لأن بينة ذي اليد غير مسموعة ويده لا تصلح لمعارضة
بينة الخارج.
هذا وفي المسالك: اعلم أن اطلاق عبارة المصنف يقتضي عدم اشتراط إضافة
البينة بالملك القديم والتعرض لذلك في الحال، وهو أحد الوجهين في المسألة،
لأن الملك إذا ثبت سابقا فالأصل فيه الدوام والاستمرار، فلا يفتقر إلى التصريح
باستمراره.
والثاني وهو المشهور: إن الشهادة بالملك القديم لا تسمع حتى يقول: وهو
في ملكه في الحال. ولا أعلم له مزيلا. حتى لو قال: لا أدري زال أم لا. لم يقبل،
لأن ثبوت الملك سابقا إن اقتضى بقاه فيد المدعى عليه وتصرفه يدل على الانتقال
إليه، فلا يحصل ظن الملك في الحال، ولأن دعوى الملك السابق لا تسمع، فكذلك
البينة عليه. وعللوا عدم قبول الشهادة مع قوله لا أدري زال أم لا مع أن مؤداها
قريب من قوله لا علم له مزيلا: بأن الأولى تقتضي ترددا وريبة، فهي بعيدة عن أداء
الشهادة.
وفيه نظر: لأن الجزم الواقع في الشهادة بالصيغتين الأوليين إنما استند إلى استصحاب
الملك وظن الاستمرار مع عدم ظهور المنافي، وإلا فالتعبير بالاستمرار لا يتفق،
167

لأن الأسباب الموجبة لانتقال الملك عن المشهود له لا يمكن القطع بعدمها وإن
صحبه الشاهد ليلا ونهارا، فإن منها ما يمكن وقوعه سرا بنفسه مع نفسه، والاستناد
إلى الاستصحاب وظن الاستمرار يتأدى بقوله: لا أدري زال أم لا كما يتأدى بقوله:
وهو ملكه في الحال، لأنه إذا لم يدر هل زال أم لا جاز له استصحاب البقاء والحكم
به في الحال، وكون الصيغة بعيدة عن أداء الشهادة في حيز المنع.
ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم اشتراط الضميمة، مع أن الشهادة بالملك
السابق لا ينافي العلم بتجدد انتقاله عنه، فمع إضافته ما ينافي العلم بالانتقال أولى.
والحق: إن اطلاق الشهادة بالملك القديم لا يسمع لعدم التنافي بين كونه ملكا له
بالأمس مع تجدد انتقاله عنه اليوم وإن كان الشاهد يعلم بذلك، بل لا بد من إضافة
ما يفيد عدم علمه بتجدد الانتقال وذلك يتحقق بهذه الصيغ وإن كان الاقتصار على
ما لا يشتمل على التردد أولى.)
حكم الاستناد إلى الاستصحاب في الحكم والشهادة:
أقول: هنا فروع متعددة، فمنها أنه: هل للحاكم أن يحكم بالاستناد إلى
الاستصحاب، كما إذا علم بكون العين لزيد سابقا ثم لما ادعاها عمر يشك فيستصحب
بقائها على ملك زيد؟ إن قلنا بجواز حكم الحاكم بعلمه جاز حكمه باستصحابه،
لأن استصحابه يقوم مقام علمه.
ومنها: أنه هل للشاهد أن يشهد مستندا إلى الاستصحاب؟ وإذا جاز ذلك فهل
للحاكم الحكم مع علمه بأن لا مدرك لشهادته إلا الاستصحاب، أو مع تصريح
الشاهد باستناده إلى الاستصحاب، أو تصريحه بالجهل بالأمر في الحال؟ وهل يعتبر
ذلك شهادة؟
ومنها: أنه لو قال أشهد بكونها ملكا لزيد أمس. ثم سكت بالنسبة إلى
الحال فهل للحاكم أن يحكم بكونها لزيد في الحال أخذا بالاستصحاب؟
قال في الجواهر: لا مدرك للمسألة بحسب الظاهر الأصدق اسم الشهادة عرفا
168

فلا حكم للمشكوك فيها فضلا عن غيرها، ولا ريب في عدم صدق الشهادة بالملك
في الحال بمجرد الشهادة على قدم الملك، بل قد يشك في صدقها مع التصريح
بالاستصحاب بل ومع قوله: لا أعلم له مزيلا فضلا عن قول: لا أدري زال أم لا.
وجواز الشهادة بالاستصحاب لا يقتضي تحقق اسمها مع التصريح به أو بما يساويه،
وإنما المعلوم كونها شهادة عرفا، قوله هو ملكه في الحال، ولعله لذا اقتصر عليه
بعضهم كما عن آخر التصريح بإرادة تحقق الملك الحال من قوله لا أعلم له مزيلا
نحو القول إن هذا الأمر قطعي لا أعلم فيه مخالفا. ففي الحقيقة هو شهادة على
عدوان اليد المارضة.
قلت: قد يقال: صحيح إن الحاكم لا يحكم في هذه الحالة بالملكية الفعلية
للمشهود له استنادا إلى هذه الشهادة، إلا أنه لما شهد الشاهد بالملكية السابقة فقد
ثبت ملك أمس عند الحاكم بالشهادة فإذا شك الحاكم نفسه في زوال تلك الملكية
بادعاء عمرو استصحب بقائها حتى الحال فيحكم بكون العين لزيد المشهود له، لكن
هذا في صورة عدم كونها في يد عمرو، لأن يده حينئذ مقدمة على الاستصحاب المذكور
ولذا قيل إن للحاكم الحكم استنادا إلى الاستصحاب في صورة عدم وجود يد معارضة له.
قلت: لكن نفس الادلاء بالشهادة له بالملكية له ظهور عرفي في الشهادة على
الملكية الفعلية وإن لم يضم إليه ضميمة، وإلا فما الداعي للشاهد على الشهادة على
الملكية السابقة مع أن النزاع حول الملكية في الحال؟ فإذا كان الملاك الصدق
العرفي فالظاهر تحققه، ولعل هذا وجه اطلاق المحقق قدس سره.
وهنا فرع آخر تعرض له المصنف في المسألة الخامسة.
قال في الجواهر: وما عساه يظهر من بعض الناس من الاجماع على كون
الشهادة المزبورة كالشهادة على الملك في الحال في الانتزاع بها، بل مرجع
الأخيرة إلى الأولى عند التحليل، ضرورة عدم الإحاطة بأسباب الانتقال التي منها
ما يقع بين المالك وبين نفسه من دون اطلاع أحد، وحينئذ فما دل على الأخذ
169

بشهادة العدلين من قوله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي شامل للصورتين، بل محل البحث
منهما هي الغالبة، لندرة البينة المطلعة على العدم لم أتحققه.
فإن تم كان هو الحجة وإلا فالمسألة محل نظر، والظاهر عدم تماميته حيث
يراد قيامها على مال في يد مسلم.
نعم ربما يقال بتماميته حيث لا تكون يد، كما في خبر حمران (1) المشتمل
على دعوى ملكية جارية بنت سبع سنين فلاحظ.
هذا كله في الشهادة بالملك.
الشهادة بالاقرار
وأما لو شهد بأنه أقر له بالأمس ففي القواعد: (ثبت الاقرار واستصحب
موجبه وإن لم يتعرض الشاهد للملك الحالي). وفي كشف اللثام: (كما إذا
سمعنا نحن منه الاقرار حكمنا بالملك للمقر له إلى ظهور المزيل، والفرق بين ثبوت
الملك بالاقرار وثبوته بالبينة ظاهر).

(1) قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع
رجل وامرأة، ادعى الرجل أنها مملوكة له وادعت المرأة أنها ابنتها، فقال: قد قضى في
هذا علي عليه السلام، قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كان الناس كلهم أحرار إلا من
أقر على نفسه بالرق وهو مدرك، ومن أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع
إليه ويكون له رقا. قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادعى أنها مملوكة
له بينة على ما ادعى، فإن أحضر شهودا يشهدون أنها مملوكة لا يعلمونه باع ولا وهب
دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها
وتخرج من يد الرجل. قلت فإن لم يقم الرجل شهودا أنها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده
فإن أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها، فإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى
ولم تقم المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت) وسائل الشيعة 18 / 184.
170

وفيه نظر كما في الجواهر فلو أخذت العين من زيد باقراره أمس ثم
وجدت بيده اليوم أشكل رفع يده هذه بذاك الاقرار، لأن اليد الفعلية تعارض اقرار
الأمس وإن سقطت يده أمس بالاقرار اللاحق لها لكشفه عن كونها يد عدوان مثلا.
كما أن اليد الفعلية هذه لا تسقط بالبينة السابقة عليها التي رفعت يده بها
عن العين.
تقدم الشهادة بالملك على الشهادة باليد
قال المحقق قدس سره: (وكذا الشهادة بالملك أولى من الشهادة باليد لأنها
محتملة).
أقول: أي إن الشهادة باليد محتملة للملك وغيره، فتكون الشهادة بالملك
نصا في الملك والشهادة باليد ظاهرة في الملك، والنص متقدم على الظاهر عقلا ونقلا،
لا يقال: لا يوجد عندنا نص في خصوص تقدم النص على الظاهر، إذ ليس من المراد
ذلك، بل المراد أن قوله صلى الله عليه وآله (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان) و (البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه) صريحان في أن البينة حجة على الملكية سواء
وجدت يد أو لا.
تقدم الشهادة بسبب الملك على الشهادة بالتصرف
قال المحقق: (وكذا الشهادة بسبب الملك أولى من الشهادة بالتصرف)
أقول: أي لأن التصرف كما يكون عن ملك كذلك يكون عن وكالة ونحوها
وحينئذ تكون الشهادة بسبب الملك أولى من الشهادة بالتصرف
من باب تقدم النص على الظاهر، فإن ذلك قاعدة جارية في كلام الشخص الواحد
والشخصين اللذين هم بحكم الواحد.
هذا فيما إذا شهدتا بالنسبة إلى زمان واحد. وأما لو قامت الشهادة على اليد
الفعلية والشهادة على الملك السابق فسيأتي الكلام فيه.
هذا وفي المسالك: (ولا فرق على هذا التقدير بين تقديم تاريخ شهادة اليد
171

بأن شهدت أن يده على العين منذ سنة، وشهدت بينة الملك بتأريخ متأخر، أو بأنه
يملكه في الحال وتأخره، لاشتراك الجميع في المقتضى وهو احتمال اليد
بخلاف الملك. وفي هذه المسألة قول بتقديم اليد على الملك القديم، وسيأتي
الكلام فيه).
قال في الجواهر، وهو كما ترى، ضرورة أجنبية ذلك عما نحن فيه وهو ما
عرفت من إرادة بيان عدم تعارضهما بعد فرض تعلقهما بمورد واحد.
172

(المسألة الثالثة)
(إذا ادعى شيئا فقال المدعى عليه: هو لفلان) قال المحقق قدس سره: (إذا ادعى شيئا فقال المدعى عليه: هو لفلان،
اندفعت عنه المخاصمة حاضرا كان المقر له أو غائبا).
أقول: إذا كان شئ بيد شخص فادعى أحد كونه له، فتارة يقول المدعى عليه:
هو لي، وتارة يقر به لمعين فيقول: هو لفلان، وثالثة يقر به لمجهول فيقول: ليس
لي ولكن لا أسمي مالكه أو لا أعرفه.
ولو أقر به لمعين فتارة هو ممن يمكن المخاصمة معه وتارة لا يمكن المخاصمة
معه كأن يكون طفلا، وتارة يكون حاضرا وتارة يكون غائبا.
فإن أقر بالشئ لمالك معين بأن قال هو لفلان اندفعت عنه المخاصمة
وتوجهت إلى المالك سواء كان حاضرا أو غائبا، وليس له أن يحلف ذا اليد إذ
لا يحلف أحد على مال لغيره.
وهل أن قوله: هو لفلان يدخل الشئ في ملك فلان المقر له أو يخرجه عن ملك
ذي اليد فقط؟ وجهان، فعلى الثاني يكفي للمدعي اثبات كون المال له، وعلى الأول
يحكم الحاكم بكونه للمقر له، وعلى المدعي المرافعة معه فيكون المقر له هو المدعى
عليه، وهل للمدعي احلاف ذي اليد أنه لا يعلم أنها له أو لا؟ فيه قولان كما سيأتي.
ولكن إذا كانت في يد الشخص المقر بعد فما المانع من أن يقيم المدعي
173

البينة لدى الحاكم على كونها له لا للمقر له، فيأخذها الحاكم ويدفعها إليه؟ لأنه إن
كان المقر له حاضرا أو يمكن حضوره فالبينة مؤثرة كما هو واضح، وإن كان غائبا
حكم للمدعي ثم الغائب على حجته. نعم لا يمكن إقامة البينة بأن يكون ذو اليد
المدعى عليه، لأنه لا يمكن له اليمين في مال المقر له، إلا إذا كان مورد الدعوى
وجوب تسليم العين بأن يقيم البينة على الملكية المستتبعة لوجوب تسليمها فيحلف
ذو اليد على عدم وجوبه.
وأما إذا سلم المدعى عليه العين إلى المقر له فإما هي باقية بيد المقر له وإما هي
تالفة، وهل للمدعي أن يدعي عليه العلم بكون المال له فيحلف على نفي العلم فإن
لم يحلف غرم؟ قال المحقق: نعم، وهذه عبارته: (إن قال المدعي: احلفوه أنه
لا يعلم أنها لي توجهت اليمين، لأن فائدتها الغرم لو امتنع لا القضاء بالعين لو نكل
أورد) وعليه العلامة في القواعد، وقد نسب إلى الشيخ في أحد قوليه، وفي المسالك:
يجوز إن كانت تالفة، أي فإن كانت العين باقية أمر باسترداد ها.. وأما إذا لم يمتنع
وحلف على نفي العلم فلا شئ عليه.
قال المحقق: (وقال الشيخ: لا يحلف ولا يغرم لو نكل. والأقرب أنه يغرم،
لأنه حال بين المالك وبين ماله باقراره لغيره).
ووجه قول الشيخ هو أن الامتناع لا يستلزم العلم بكونها للمدعي، بل لا يضمن
حتى مع الاقرار بذلك، لأنه لا يصدق عليه عنوان التلف حينئذ فلا وجه للضمان.
قلت: والتحقيق هو أن الحكم بالغرم بالامتناع عن اليمين على نفي العلم
متوقف على توفر ثلاث مقدمات إحداها: أن يكون الاقرار لغيره بمنزلة الاتلاف
للمال. والثانية: أن يكون الامتناع عن هذه اليمين بمنزلة الاقرار للمدعي. والثالثة
أن يكون العلم بكون العين للمدعي جزءا لموضوع الضمان أو تمام الموضوع،
وأما إذا لم يكن للعلم دخل في الضمان كما هو الصحيح لأن اليد كافية في ثبوت
الضمان فلا أثر لليمين على نفي العلم.
174

هذا وفي المسالك: (إذا ادعى شيئا على إنسان فقال المدعى عليه: إنه ليس
لي فإما أن يقتصر عليه أو يضيفه إلى مجهول أو إلى معلوم. فإن اقتصر عليه أو أضافه
إلى مجهول بأن قال: هو لرجل لا أعرفه، أو لا أسميه ففي انصراف الخصومة عنه
وانتزاع المال من يده وجهان أصحهما وهو الذي لم يذكره المصنف أنها لا تنصرف
ولا ينتزع المال من يده، لأن الظاهر أن ما في يده ملكه وما صدر عنه ليس بمزيل،
ولم يظهر لغيره استحقاقا، وعلى هذا فإن أقر بعد ذلك لمعين قبل وانصرفت الخصومة
إلى ذلك المعين وإلا فيقيم المدعي البينة عليه أو يحلفه).
قلت: ولا يخفى ما فيه، لأن قوله: (ليس لي) يزيل ملكيته يقينا لأنه اقرار،
وهذا الاقرار يسقط يده عن كونها أمارة للملكية، نعم لا ملازمة بين إزالة الملكية
للمال وإزالة الملكية لليد، فتكون يده مثل يد الوكيل والأمين والمستعير والمستأجر،
لأن اقراره يزيل الملكية للعين ولا يفيد كون يده عدوانية، بل تبقى على حجيتها،
وعلى ما ذكرنا تنصرف الدعوى عنه، إذ لو أراد الحلف حينئذ كان في ملك غيره،
وأما بناءا على ما ذكره من عدم صدور ما يزيل الملكية منه فيجوز المرافعة معه،
وعلى ما ذكرنا من عدم الملازمة المذكورة يترتب الأثر على اقراره فيما لو أقر بعد
ذلك لشخص معين.
قال: (والوجه الثاني أنها تنصرف عنه بذلك ولأنها تبرء من المدعى عليه،
وينتزع الحاكم المال من يده، فإن أقام المدعي بينة على الاستحقاق فذاك وإلا حفظه
إلى أن يظهر مالكه).
قلت: وهذا صحيح في صورة تمامية الملازمة المذكورة مع احتمال كون
يده عليها مشروعة فيأخذها الحاكم بعنوان النهي عن المنكر.
فظهر أن الصحيح هو ابقاء العين في يد المدعى عليه، فإن قلنا بأن إقامة البينة
لا تتوقف على تمكن المدعى عليه من اليمين فتسمع ويعطاها وإلا أبقيت في يده.
وإن قال: (هي لقطة) فله أن يدفعها إلى الحاكم لأنه مال مجهول مالكه فيرجع إليه
175

وله أن يقوم فيها بما يجب عليه من أحكام اللقطة.
ثم ذكر في المسالك: أنه (أضافه إلى معلوم فالمضاف إليه ضربان
أحدهما أن يمتنع مخاصمته وتحليفه. والثاني من لا يمتنع مخاصمته ولا تحليفه
كما إذا أضافه إلى شخص معين، فهو إما حاضر وإما غائب، فإن كان حاضرا روجع
فإن صدق المدعي انصرفت الخصومة إليه وإن كذبه ففيه أوجه. وإن أضاف إلى
غائب انصرفت عنه الخصومة أيضا.) وسيأتي التعرض لكل ذلك. ثم قال:
(وحيث ينصرف الخصومة عنه وطلب المدعي احلافه أنه لا يعلم أن العين له
ففي إجابته قولان مبنيان على أنه لو أقر له بعد ما أقر لغيره هل يغرم القيمة؟ فيه قولان
مذكوران في محله. فإن قلنا: نعم وهو الأظهر فله احلافه، فلعله يقر فيغرمه القيمة.
وإن قلنا: لا وهو أحد قولي الشيخ، فإن قلنا: النكول ورد اليمين كالاقرار لم يحلفه،
لأنه وإن أقر ونكل وحلف المدعي لا يستفيد شيئا، وإن قلنا كالبينة فله التحليف، لأنه
قد ينكل فيحلف المدعي، فإذا حلف وكانت العين تالفة أخذ القيمة).
وأشكل عليه في الجواهر بقوله: (وفيه بعد الاغماض عما في تقييده بتلف
العين أن غاية ذلك كون اليمين المردودة كالبينة على اقراره مع علمه بكونه
للمدعي، والفرض عدم اقتضاء ذلك الغرم لو أقر به هو، وليس هو بينة على كون
المال له، ضرورة كون الدعوى علمه بالحال فيه تكون كالبينة على ذلك،
ولا تزيد على الاقرار المفروض عدم الغرم به كما هو واضح. ولذا حكي عن الشيخ
اطلاق عدم توجه اليمين على التقدير المزبور، فتأمل)
وجه التأمل هو احتمال كون اطلاق الشيخ من جهته أنه لا يرى كون النكول
ورد اليمين كاقرار بل كالبينة. وكيف كان فعلى القول بعدم التحليف لا يفرق
بين القول يكون النكول ورد اليمين بمنزلة الاقرار والقول بكونهما بمنزلة البينة.
حكم ما لو أنكر المقر له الملكية للشئ:
قال: المحقق قدس سره: (ولو أنكر المقر له حفظها الحاكم، لأنها خرجت
176

عن ملك المقر ولم تدخل في ملك المقر له، ولو أقام المدعي بينة قضي له).
أقول: وحاصل ذلك سقوط يد المدعى عليه المقر مطلقا، أي فلا تكون أمارة
على الملك ولا تكون كاليد الأمانية مثلا، فكأنها يد عدوانية فينتزعها الحاكم منه
ويحفظها. وهذا أحد الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشهيد الثاني في المسالك في
هذه المسألة.
والثاني: وهو المنقول عن التحرير: إنها تترك في يد المدعى عليه المقر،
إذ لا منازع له إلى قيام حجة، لأنه أقر للثالث وبطل اقراره فكأنه لم يقر. قال
في الجواهر: وفيه أن بطلانه بالنسبة إلى تملك المقر له لا بالنسبة إلى نفيها عنه كما
هو واضح.
والثالث: وهو المنقول عن القواعد: إنها تسلم إلى المدعي، لخروجها عن ملك
المقر له بانكاره ولا منازع فيها للمدعي، قلت: وهذا هو الأقرب، وأما قول صاحب
الجواهر: (وهو بعيد لكونها في يد) ففيه: أنه أي يد يريد، أما يد المقر فقد زالت
باقراره، وأما يد المقر له فمنتفية بانكاره، وأما يد الحاكم فهي لأجل حفظها حتى
يظهر صاحبها وقد ظهر، فيدفعها إلى المدعي ولا حاجة إلى البينة ولا اليمين كما في
القواعد.
وإن رجع المقر له عن انكاره وصدق المقر في كون الشئ له فعن التذكرة أن له
الأخذ عملا باقرار المقر السالم عن انكاره، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ
فتعارضا وبقي الاقرار سالما عن المعارض، لكن في الجواهر منع زوال حكم
الانكار بالتصديق، فلا أثر للتصديق الطارئ، وحينئذ يحكم بأحد الوجوه الثلاثة
المذكورة وقد عرفت المختار منها، قال: ومن هنا لو رجع ذو اليد فقال: غلطت
بل هو لي لم يقبل منه.
لو كان المقر له غائبا
هذا كله فيما إذا كان المقر له حاضرا. قال في الجواهر ثم الحكم في المقر له
177

الغائب كالحكم في الحاضر بالنسبة إلى تصديقه وتكذيبه، وللمدعي إقامة البينة
وأخذه قبل معرفة حاله، ولكن هو من الحكم على الغائب، فينبغي مراعاة شروطه
السابقة، كما له أيضا احلافه على عدم العلم، نحو ما سمعته في الحاضر، أي بناء على
أن للمدعي حق التحليف عليه كما عليه المشهور وأحد قولي الشيخ.
فإن نكل عن اليمين على نفي العلم، فإن لم يقر ولم يرد اليمين أحلف
المدعي، فإن حلف فهل ينتزع العين ويغرم؟ قال في القواعد: الأقرب الثاني.
فيكون نظير ما إذا أقر بكون العين لزيد ودفعت إليه ثم أقر بكونها لعمرو فيغرم له
بدل الحيلولة، ولا يبعد أن يكون الحكم كذلك أن أثبت المدعي الحق بالبينة،
ولو استرجع العين من الغائب ودفعها إلى المدعي وجب عليه أي على المدعي رد
المال الذي أخذه بدل الحيلولة.
وحيث يدعي كونها لغائب فإن ادعى استيجاره العين منه مثلا فالحكم قبول
قوله، نظير قول ذي اليد، فإن أثبت المدعي كون المال ملكه فقد ظهر بطلان الإجارة،
وإن لم يتمكن من ذلك أحلف المدعى عليه على الإجارة وأبقيت العين بيده.
ولو أقام البينة على الإجارة فبناء على سماعها منه هل تقدم بينته على بينة المدعي
باعتضادها باليد أو لا؟ في القواعد: اشكال. قلت: لا اشكال في أن بينة المدعي من
بينة الخارج، فيحتمل أن تكون بينة الآخر من بينة الخارج أيضا لكونه مقرا بعدم
كونها له فيتساقطان، ويحتمل أن يكون نفسه ذا يد لكونها بيده الآن فتكون من بينة
الداخل، فعلى القول بتقدم بينة الخارج فالأمر واضح، وعلى القول بتقدم بينة
ذي اليد لحجيتها وتأيدها باليد قدمت، وهذا وجه توقف العلامة، لكن في الجواهر
القرب أنهما معا خارجان، قلت: لكن جعل بينة من له الانتفاع بما في يده بينة
الخارج بعيد جدا.
وإن لم يكن مدعيا للإجارة مثلا فهل له إقامة البينة كذلك أو لا لكونه أجنبيا؟
قال العلامة: يمكن أن يكون طرفا للخصومة بدعوى المدعى عليه العلم بكونها له،
178

فيحلفه على نفي العلم، فله أن يقيم البينة حتى يدفع عن نفسه وجوب اليمين وإن
كانت البينة تشهد بكون ملك العين للمقر له. واختار في الجواهر عدم الجواز،
فإنه إذا ثبت بالبينة كون العين للمقر له فلا مجال لليمين على نفي العلم، وأيضا لما كان
ملك المقر له ثابتا بالبينة فلا أثر للاقرار في اثباته حتى يدعي عليه المدعي الاتلاف
بالاقرار.
قلت: لكن الصحيح ما ذهب إليه العلامة، لأنه بناء على حجية بينة الداخل
إن لم يكن عنده بينة كان عليه اليمين على نفي العلم، وإن كان له بينة جاز له إقامتها
على اثبات ملك المقر له لتؤثر في سقوط اليمين عنه اللهم إلا أن لا يكون هذا الأثر
مجوزا له لإقامة البينة على ملك المقر له، إذ لا معنى لأن يقيم أحد بينة على ملك غيره.
نعم يبقى الاشكال في أنه لا ملازمة بين ثبوت ملك الآخر وعدم علم المقر،
بل يجوز للمدعي دعوى العلم عليه حتى بعد قيام البينة واعطاء العين للمقر له فيحلفه
على نفي العلم ويكون أثره أنه إذا امتنع عن اليمين غرم.
لو كان المقر له ممن يمتنع مخاصمته
ولو أقر المدعى عليه بكون العين لمن يمتنع مخاصمته وتحليفه، كما إذا
قال هي وقف على مسجد كذا، أو هي ملك لطفل صغير، فهل يكون طرف
الخصومة ولي الصغير أو متولي الموقوفة؟ إن كان للمدعي بينة أقامها وحكم له
وإلا فلا يحلف الولي والمتولي إذ لا أثر ليمينهما، إذن لا يغني في هذا الفرع إلا البينة.
وأما اليمين على نفي العلم فالحكم كما تقدم، فإن حلف فهو وإلا غرم، وكيف
كان فإن الخصومة تند فع عن المدعى عليه، وفي المسالك: وإذا قضى له الحاكم
بالبينة وكان الاقرار لطفل كتب الحاكم صورة الحال في السجل ليكون الطفل
على حجته إذا بلغ، لكن في الجواهر: (قلت قد يقال: بعدم الحجة له لوجود
وليه القائم مقامه الذي هو أولى من الوكيل فتأمل) قلت: وجه التأمل: إن الوكيل
عمله عمل الموكل، أي إن الموكل يقيمه مقامه وينزل عمله منزلة عمل نفسه، فإذا
179

قضى على وكيله قبل، وليس عمل الولي عمل الصغير، بل قيام الولي بالأمور
المتعلقة بالصغير حكم إلهي. كما جعل الولاية للحاكم بالنسبة إلى الغائب حيث
يحكم عليه بعد تمامية مقدماته ويكون الغائب على حجته إذا حضر، فالصغير مثله
فهو على حجته إذا بلغ.
هنا كله إذا أقر بالعين لمعين بمختلف صورة.
لو كان المقر له مجهولا
قال المحقق: (أما لو أقر المدعى عليه بها لمجهول لم تندفع الخصومة وألزم
البيان).
أقول: لو أقر بها لمجهول أخذ الحاكم العين من المقر من باب الولاية، فإن
كان للمدعي بينة أعطاها إياه وإلا بقيت في يد الحاكم، وهل يلزم البيان؟ قال به
المحقق، وفي الجواهر: لا لأنه ينافي الاقرار الأول، قلت: إلا إذا عين المقر له في
المرة الثانية مدعيا النسيان في المرة الأولى.
ولو قال المدعي للعين: هي وقف على وأقر بها من هي في يده لآخر وصدقه
الآخر فقد عرفت انصراف الخصومة عمن هي في يده إلى المقر له، لكن هل للمدعي
احلاف من كانت بيده على نفي العلم؟ في المسالك وجهان. (من حيث إن المدعي
قد اعترف بالوقف والوقف لا يتعاض عنه، ومن أنه مضمون بالقيمة عند الاتلاف،
والحيلولة في الحال كالاتلاف، وهذا أقوى).
180

(المسألة الرابعة)
(لو وقع الاختلاف في العقد الواقع)
قال المحقق قدس سره: (إذا ادعى أنه آجره الدابة وادعى آخر أنه أودعه
إياها تحقق التعارض مع قيام البينتين بالدعويين وعمل بالقرعة مع تساوي البينتين
في عدم الترجيح).
أقول: إنه وإن كان النزاع بين الرجلين حول العقد في الظاهر فيدعي هذا
بأنه قد آجره الدابة ويدعي ذاك بأنه أودعه مثلا إياها، لكن النزاع في الحقيقة هو
في الملك، للثمرة الواضح ترتبها من هذه الناحية على دعوى كل واحد منهما، و
بالنظر إلى ذلك ذكر المحقق قدس سره هذه المسألة في مسائل الاختلاف في
الأملاك (1).
وما ذكره المحقق قدس سره هو أحد الصور الأربع المتصورة في هذه
المسألة.
والصورة الثانية: أن تكون العين بيد شخص وهو يقر بأنها ليست ملكا له،
غير أنه ينازع المالك فيقول قد آجرني إياها ويقول الملك: قد أودعته إياها.
أو يدعي المالك الإجارة وذو اليد العارية. فإن كانت مستأجرة ملك الشخص منفعتها

(1) فيه إشارة إلى جواب اعتراض صاحب المسالك قدس سره.
181

في المدة المعينة دون ما إذا كانت وديعة، لكن يترتب على كونها مستأجرة لزوم
دفع بدل الايجار إلى المالك. وهذه الصورة من الاختلاف في العقود وإن كان
لهذا النزاع ثمرة مالية.
والصورة الثالثة: أن يتنازع اثنان حول عين يقران بكونها لثالث فيقول
أحدهما: قد آجرني إياها ويقول الآخر: قد استودعني إياها.
والصورة الرابعة: أن يتنازعا فيقول أحدهما: إنها لزيد وقد آجرني إياها
ويقول الآخر: إنها لعمرو قد استودعني إياها.
فالحكم في الصورة الأولى التي ذكرها المحقق قدس سره هو ما ذكره من
أنه إن كان لأحدهما بينة حكم له، وإن أقاماها معا فإن ترجحت إحداهما على
الأخرى بسبب من أسباب الترجيح على ما تقدم من الكلام عليها حكم لها
وإلا فالقرعة، فمن خرج اسمه حلف وأخذ، وإن نكل حلف الآخر، فإن نكلا
فالحكم هر التنصيف للعين إن كانت قابلة له، وإلا فهما شريكان فيها على النصف.
وفي الصورة الثانية يتحقق التداعي بين المالك والمتصرف، فإن كان
لأحدهما بينة حكم له، وإن كانت لكليهما، فإن ترجحت إحداهما على الأخرى
فهو وإلا تعارضتا وتساقطتا، وحينئذ تقسم منفعة العين بينهما نصفين ويقسم مال الإجارة
بينهما كذلك.
وربما يجعل المالك في هذه الصورة ذا اليد وبينة المتصرف خارجا فيبتنى
الأمر على حجية بينة الداخل، فعلى القول بها تقدم بينة ذي اليد المالك و
على القول الآخر تقدم بينة المتصرف، فلا تكون الصورة من قبل التداعي حتى
ينتهي الأمر إلى القرعة، وقد يحتمل كون المتصرف ذا يد لكونها بيده الآن و
يبتنى الأمر على تقديم بينة الداخل والخارج كذلك.
وهكذا يكون طريق فصل الخصومة في الصورتين الباقيتين لأنهما من مصاديق
التداعي كذلك.
182

(المسألة الخامسة)
(حكم ما لو كان شئ في يد انسان وادعى أحد كونه له سابقا وأقام بينة)
قال المحقق قدس سره: (لو ادعى دارا في يد انسان وأقام بينة أنها كانت في
يده أمس أو منذ شهر، قيل: لا تسمع هذه البينة.
وكذا لو شهدت له بالملك أمس.
لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا تدفع بالمحتمل.
وفيه اشكال، ولعل الأقرب القبول).
أقول: لو ادعى دارا مثلا في يد انسان وأقام المدعي بينة أنها كانت في يده
أمس أو منذ شهر، أو كانت في ملكه أمس مثلا، فهل تسمع البينة؟
قولان، وقد استدل
للعدم بوجهين.
الأول: إن اليد أمارة على الملكية الفعلية لصاحبها، وبينة المدعي تشهد
باليد والملك السابقين، ولا ريب في تقدم الأمارة الفعلية على الأمارة القائمة على
الملكية السابقة، وبعبارة أخرى: اليد الفعلية المشاهدة بالعيان حيث نرى العين
في هذه اليد ظاهرة في الملكية الفعلية لصاحبها، ومقتضى اليد السابقة هو احتمال
الفعلية لصاحبها، ولا يدفع الظهور المذكور بالمحتمل.
وأجيب بأن اليد الفعلية وإن كانت دليل الملك الفعلي، لكن اليد السابقة
183

المستصحبة والملك السابق المستصحب أولى، لمشاركة تلك اليد لهذه في الدلالة
على الملكية الفعلية، وانفرادهما بالزمن السابق بلا معارض، فيكونان أرجح من هذه
اليد، إلا أن تقوم الحجة الشرعية على انتقال العين إليه بطريق شرعي، نظير ما إذا
أقر بكون الشئ الذي بيده ملكا لزيد أمس وادعى كونه له اليوم، فإنه يجب عليه
إقامة الحجة الشرعية على انتقاله إليه من زيد، بطريق شرعي صحيح، وكذا لو
أقر بكونه مدينا لزيد بكذا من المال ثم ادعى أداء الدين مثلا كان عليه إقامة الحجة
على الأداء.
وفي المقام يكون حكم بينة المدعي حكم اقرار المدعى عليه، فيجب على
ذي اليد المدعى عليه اثبات شرعية يده على العين، وإلا تقدمت بينة المدعي بضميمة
الاستصحاب على يده، فليس المورد به مقابلة المحتمل للمقطوع حتى يقال بأنه
لا يدفع المقطوع بالمحتمل.
والثاني: أنه إن كان مدعاه هو الملكية أو اليد أمس فلا تسمع، وإن كان
الملكية أو اليد اليوم فإن شهادة بينته غير مطابقة لدعواه، لأنها تشهد باليد والملك
أمس، والبينة غير المطابقة للمدعي غير مسموعة.
وأجيب بأن الحكم باستصحاب اليد والملك السابقين إلى اليوم يوجب
المطابقة بين الدعوى والشهادة، فإن هذه الشهادة بضميمة عدم العلم بالناقل الشرعي
شهادة بالملكية الفعلية وهي مسموعة.
وبالجملة: إن كانت الشهادة بملكية أمس شهادة بملكية اليوم فهو،
وإلا فإن الاستصحاب الموجود يفيد بقاء مدلول الشهادة، وحينئذ يقع
البحث في تقدم هذا الاستصحاب على اليد أو معارضته لها، لأنه أصل وهي أمارة،
وقد يخدش في اليقين السابق فيختل الاستصحاب، بأن يقال كما عن كشف اللثام
بأن البينة ليست كاشفة عن الواقع كالاقرار، فليس مفادها هنا الملكية الواقعية
حق تستصحب إلى اليوم، لكنه كما ترى، لأن البينة حجة شرعية إذا، أقيمت بشرائطها
184

ألغي احتمال الخلاف وأفادت ما يفيد اليقين، فالحالة السابقة للاستصحاب متحققة،
كما لا يلتفت إلى احتمال عدم كون اليد السابقة يد ملك لو شهدت البينة بكون العين
بيد المدعي أمس.
فظهر أن محط الكلام هو الخلاف في تقدم الاستصحاب على اليد وعدمه،
والمختار هو الأول، وبيان ذلك: أنه وإن كانت اليد مقدمة على الاستصحاب في
موارد كثيرة ولكن لا يوجد بأيدينا اطلاق يقتضي تقدمها عليه على كل حال، بل
إن اليد الفعلية المسبوقة بالأخرى المستصحبة أو المسبوقة بالملك المستصحب
يد ضعيفة عند العقلاء لا تصلح لمقاومة هذا الاستصحاب فضلا عن التقدم عليه، و
لذا يفرق العقلاء بين الدعوى على ذي اليد وبين الدعوى على يد مسبوقة بيد
أخرى، ففي الصورة الثانية يسقطون اليد عن الاعتبار ولا أقل من أنهم يطالبون
صاحبها بإقامة الحجة على انتقال العين إليه بطريق شرعي صحيح.
وبتقريب آخر: إن اللازم الشرعي للملكية السابقة التي أثبتها البينة بقاء تلك
الملكية حتى يعلم المزيل الشرعي له والناقل الشرعي للعين، فإذا شهدت البينة بملكية
أمس كان لازمها الملكية الفعلية لولا الانتقال، وقد عرفت أن الاستصحاب ينفي
الناقل، فتكون بينة المدعي مسموعة ومتقدمة على يد المتصرف.
هذا وفي المستند: (لو تعارضت اليد الحالية مع الملكية السابقة أو اليد
السابقة ففي تقدم الحالية أو السابقة قولان، كل منهما عن الشيخ في كل من المبسوط
والخلاف، وتبعه على الأول جماعة ولعلهم الأكثرون ومنهم من المتأخرين الكفاية
والمفاتيح وشرحه وبعض فضلائنا المعاصرين.
وعلى الثاني الشرائع ويظهر من الارشاد الميل إليه. ويظهر من التحرير وجه
ثالث وهو التساوي) ثم أورد أدلة الأقوال ثم قال: (والتحقيق إن اقتضاء اليد
للملكية يعارض استصحاب الملكية، فلا يبقى لشئ منهما حكم، ولكن أصل اليد
لا يعارضه شئ وهو باق بالمشاهدة والعيان، والأصل عدم التسلط على انتزاع العين
185

من يده ولا على منعه من التصرفات التي كان له فيها حتى بيعها وإجارتها، إذ غاية
الأمر عدم دليل لنا على ملكيته ولكن لا دليل على عدم ملكيته أيضا، وأصالة عدم
الملكية بالنسبة إليه وإلى غيره سواء مع ثبوت أصل الملكية، فلا يجري فيه ذلك
الأصل أيضا، مضافا إلى امكان حصول هذه التصرفات كلا أو بعضا بالتوكيل
والإجارة والولاية والإذن وغيرها، فيبقى أصالة عدم التسلط وأصالة جواز تصرفاته
خالية عن المعارض، وإلى هذا يشير كلام من قال إن احتمال كون اليد الثانية
بالعارية أو غيرها لا يلتفت إليه مع بقاء اليد على حالها، فإن المقصود الأصلي من
اعمال اليد هو ابقاء تسلطها على ما فيها وعدم جواز منعها من التصرفات كيف شاء
بسبب احتمال الغصب أو العارية أو غيرهما، فيحكم عليها بما يحكم على ملك
الملاك، وليس هذا معنى الحكم بأنه ملك انتهى كلامه رفع مقامه.
فإن قيل: كما أن الملكية أو اليد السابقة يقتضي استصحاب الملكية كذلك
يقتضي استصحاب تسلط المالك الأول والحاكم على منع ذي اليد عن التصرفات
أيضا وبه يندفع أصالة عدم التسلط.
قلنا: ليس تسلط الأول كالملكية التي إذا حدثت يحكم لها بالاستمرار حتى
يثبت المزيل، بل هو مما يمكن تقييده بقيد، والمعلوم من التسلط الأولى هو
تسلطه ما دام يحكم له بالملكية ويعلم له الملكية، فالمعلوم ثبوته أولا ليس إلا ذلك
المفيد، فبعد انتفاء الحكم بالملكية والعلم بها ينتفي القيد ويتغير الموضوع.
ثم إنه كما أن نفس اليد المشاهدة الحالية ومقتضياتها سوى الملكية لا معارض
لها فكذلك أيضا كون البينة على غير ذي اليد وكون من يدعيه مطالبا بالبينة وذي
اليد باليمين إذا لم يخرج خارج اليد عن صدق المدعي عرفا ولا صاحبها عن المنكر
كذلك، فيدل على كون وظيفة الأول البينة والثاني اليمين قولهم: البينة على المدعي
واليمين على من أنكر. ورواية فدك المتقدمة.
فيكون البينة على الملك السابق واليمين على ذي اليد ولا يمنع ذو اليد
186

من شئ من التصرفات، وليس المطلوب من ترجيح اليد الحالية غير ذلك أيضا.
مع أنه يمكن جعل هذين الأمرين دليلا برأسه على الملكية أيضا بالاجماع
المركب يسقط به الاستصحاب بالمرة لعدم صلاحيته لمعارضة الدليل مطلقا).
وقد أورد السيد في العروة محصل هذا الكلام واعترض عليه بوجوه:
الأول: أنه في بيان المعارضة عبر بقوله: إن اقتضاء اليد للملكية يعارض
استصحاب الملكية.
مع أن المعارضة بين نفس اليد والاستصحاب لكن من حيث حكمهما، لا بين
حكم اليد ونفس الاستصحاب، فلا وجه للتعبير المذكور.
والثاني: أنه إذا سقط حكم اليد فتكون كالعدم وحال ذيها وغيره سواء،
فلو أراد المدعي أن يتصرف فيها لا يجوز لذي اليد منعه، لأن الأصل عدم تسلطه
على ذلك.
قلت: فيكون الحاصل أنه ليس لكل منهما منع الآخر من التصرف، فتكون
العين كالمباحات التي من سبق إلى شئ منها كان له. نعم ليس لثالث أخذها، ولهما
منعه من ذلك.
والثالث: بعد عدم الحكم لليد وعدم كونها دليلا على الملكية كيف يجوز
للغير أن يشتري منه أو يستأجر أو يقبل منه ونحو ذلك من التصرفات الموقوفة على
الملك؟ مع أنه ليس وكيلا ولا وليا ولا مأذونا من قبل المالك، لأن المفروض أنه يدعي
الملكية لا الوكالة أو الولاية أو نحوهما، فلا ينفع جواز هذه التصرفات من هذه
الأشخاص في جوازها له ولمن يشترى منه مثلا.
والرابع ما ذكره من أن تسلط المالك السابق على منع الغير مقيد ببقاء اليد
ممنوع، بل هو كالملكية في عدم التقيد باستمرار اليد.
والخامس: لا نسلم صدق المنكر عليه بعد سقوط حكم يده.
قلت: ليس الشرط في صدق (المدعي) عدم المعارض عند العرف، فالمدعي
187

عندهم من لو ترك ترك، وهذا صادق على صاحب البينة هنا، و (المنكر) صادق
على ذي اليد.
وقال العلامة في القواعد في هذه المسألة: (ولو شهد أنه كان في يد المدعي
بالأمس قبل وجعل المدعي صاحب يد.
وقيل: لا يقبل لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا يدفع بالمحتمل) أي: إن
اليد لها ظهور في الملك الفعلي، لكن لا كل يد بل اليد غير المسبوقة بالعدوانية
مثلا، وذلك لأن حجية اليد كما ذكرنا مستندة إلى بناء العقلاء مع امضاء
الشارع، وتشهد بذلك رواية حفص بن غياث (1)، والعقلاء لا يعاملون اليد التي هذه
حالها معاملة المالك الفعلي، بل يقدمون استصحاب الحالة السابقة ويحكمونها
على هذه اليد إلى أن يثبت الناقل الشرعي.
فهذه عبارة القواعد في المسألة. وقد قال سابقا: (ولو شهدت البينة بأن
الملك له بالأمس ولم تتعرض للحال لم تسمع، إلا أن تقول: وهو ملكه في الحال
أو لا نعلم له مزيلا. ولو قال: أعتقد أنه ملكه بالاستصحاب ففي قبوله اشكال، أما
لو شهد بأنه أقر له بالأمس ثبت الاقرار واستصحب موجبه، وإن لم يتعرض الشاهد
للملك الحالي. ولو قال المدعى عليه: كان ملكك بالأمس انتزع من يده فيستصحب
بخلاف الشاهد فإنه عن تخمين، وكذا يسمع من الشاهد لو قال: هو ملكه بالأمس

(1) عن أبي عبد الله (ع) (قال له رجل: إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي
أن أشهد أنه له؟ قال: نعم. قال: الرجل أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره.
فقال أبو عبد الله (ع): أفيحل الشراء منه؟ قال نعم فقال أبو عبد الله (ع): فلعله لغيره،
فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه
ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله (ع)، لو لم يجز
هذا لم يقم للمسلمين سوق) وسائل الشيعة 18 / 215.
188

اشتراه من المدعى عليه، أو أقر له المدعى عليه بالأمس، لأنه استند إلى تحقيق)
قلت: الفرق المذكور بين البينة والاقرار لا ريب فيه، ولكن لا أثر له بالنسبة
إلى الملكية الفعلية، فإنه لا بد من اجراء الاستصحاب لاثباتها سواء كان اليقين السابق
حاصلا بالبينة التي هي عن تخمين أو بالاقرار الذي هو عن تحقيق، وإذا جرى
الاستصحاب لتمامية أركانه تقدم على اليد من دون فرق بين البينة والاقرار.
وكذا الأمر لو علم الحاكم بكونها للمدعي أمس، فاليقين السابق متحقق
فله اجراء الاستصحاب وأخذ العين من المدعى عليه حتى يثبت الناقل الشرعي.
ولعل السر في اختلاف كلمات الأصحاب في هذا المقام هو اختلافهم في
الاستظهار العرفي، لما تقدم من أن مبنى حجية اليد هو السيرة العقلائية وبناء
أهل العرف، والحق إن كاشفية اليد في هذه الحالة التي قام الاستصحاب في مقابلها
ضعيفة عرفا والاستصحاب هو المحكم فدعوى المدعي مسموعة.
وفي المسالك بعد أن ذكر القولين ومختار المحقق منهما ودليله قال: (وقد
تقدم البحث فيه، والفرق بين هذه والسابقة الموجب لإعادة البحث أن المعارضة
في هذه بين اليد المتحققة والسابقة الثابتة بالبينة والملك السابق كذلك، والسابقة
وقع فيها التعارض بين البينتين الدالة إحداهما على اليد في الحال مع عدم ظهورها
في غيره، والأخرى على الملك السابق، فلا تعرض فيها للمعارضة بين اليد
السابقة والحالية، وقد تأكد من اطلاقه الحكم هنا وفي السابقة تقديم الملك القديم
بغير تقييد بكونه إلى الآن أو عدم المزيل أن إضافة ذلك غير شرط، والأصح اشتراط
إضافة ما يعلم منه أن الشاهد لم يتجدد عنده علم الانتقال، لما بيناه من عدم المنافاة
بين علمه بالملك وشهادته به مع انتقاله عن المالك الآن).
قلت: ليس ما ذكره وجه الفرق بين المسألتين، فهناك يتعرض كلتا البينتين
للملكية الفعلية ويتعارضان فيتقاطان ويكون استصحاب الملكية السابقة جاريا بلا
معارض، وهنا اليد معارضة مع الاستصحاب. فحاصل الفرق عدم المعارض
189

للاستصحاب في تلك المسألة، وتحقق التعارض بين اليد والاستصحاب في هذه.
وأما الاقرار فلو أقر ذو اليد بكون العين للمدعي أمس فإنه يطالب باثبات
شرعية يده الفعلية عليها، وأما إذا أخذت العين منه باقراره ودفعت إلى المدعي
ثم وجدت في اليوم التالي مثلا بيده فلا يؤخذ باقراره السابق، نعم لو شك في صحة
يده الآن استصحب عدم الناقل الشرعي.
قال المحقق قدس سره: (أما لو شهدت بينة المدعي إن صاحب اليد غصب
أو استأجره حكم بها لأنها شهدت بالملك وسبب يد الثاني).
أقول: لو شهد الشاهدان على أن ذا اليد قد غصب العين أمس من زيد فإنه مع
الشك في تبدل يده اليوم إلى يد شرعية يستصحب كونها عدوانية فتسقط يده الفعلية
عن الاعتبار، لأن اليد التي لم يثبت شرعيتها ليست أمارة للملكية.
قال: (ولو قال: غصبني إياها وقال آخر بل أقر لي بها وأقاما البينة قضي
للمغصوب منه ولم يضمن المقر، لأن الحيلولة لم تحصل باقراره بل بالبينة) التي
أقامها الآخر وإن كانت بزعم هذا ظالمة، والحكم في هذا المسألة واضح، ولا خلاف
فيه على ما في الجواهر.
190

الكلام في:
الاختلاف في العقود
191

مقدمة:
تارة يكون الاختلاف في الأجرة، وهو تارة في أصل الأجرة كأن يقول
المؤجر: آجر تك الدار بمأة دينار فيقول المستأجر: بل بمأة درهم، وأخرى
في قدرها كأن يقول المؤجر: آجرتك بمأة دينار فيقول المستأجر: بل بخمسين
وعلى التقديرين: فإما أن يعد ما البينة أو يجداها أو يجدها أحدهما خاصة، فهذه
ست صور، وعلى جميع التقادير فالاختلاف إما أن يكون بعد استيفاء المستأجر
المدة أو في أثنائها أو ابتدائها فتكون الصور حينئذ ثمان عشرة صورة.
وأخرى يكون الاختلاف في العين المستأجرة، وهو تارة في ذات العين
كأن يقول المؤجر: آجرتك هذه الدار، فيقول المستأجر: بل تلك الدار، وأخرى
يكون في العين من حيث الزيادة والنقيصة، كأن يقول المؤجر: آجر تك هذه الدار
إلا هذا البيت منها، فيقول المستأجر: بل الدار كلها، وتنتهي الصور حينئذ إلى
العدد المذكور في الاختلاف في الأجرة.
وثالثة يكون الاختلاف في المدة، وهو تارة في زمانها زيادة ونقيصة، كأن
يقول المؤجر: آجرتك الدار شهرا، فيقول المستأجر: بل أربعين يوما، وأخرى
في ابتدائها كأن يقول المؤجر: آجرتك الدار من أول شهر شعبان فيقول المستأجر
بل من أول شهر رمضان.. وتنتهي الصور هنا أيضا إلى العدد المذكور. إذا عرفت هذا فنقول:
193

حكم الاختلاف في الأجرة ولا بينة:
إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهر معينا واختلفا في مقدار الأجرة وقد
عدما البينة، فالمشهور على أن القول قول المستأجر بيمينه سواء كان الاختلاف
بعد الاستيفاء أو في أثنائه أو في ابتدائه بل عن التذكرة، نسبة هذا القول
إلى علمائنا.
وعن الشيخ في المبسوط القول بالتحالف، وقد تبعه عليه بعض المتأخرين
كما في الجواهر والمسالك.
ووجه ما ذهب إليه المشهور هو: أن المستأجر منكر للزائد الذي يدعيه عليه
المؤجر مع اتفاقهما على ثبوت ما يدع المستأجر، وإذ تحقق عنوان المدعي على
المؤجر والمنكر على المستأجر دخلا في عموم الخبر (1) فإن حلف المستأجر
كان القول قوله وسقطت دعوى المؤجر، وإن نكل حكم للمؤجر على قول:
وردت اليمين على المؤجر فإن حلف أخذ وإن نكل كذلك سقطت الدعوى على
قول آخر.
ووجه ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط هو: إن المورد ليس من مصاديق
المدعي والمنكر، بل إن كلا منهما مدعي ومدعى عليه، لأن ذاك يدعي وقوع
العقد على المأة وينكر وقوعه على الخمسين وهذا يدعي وقوعه على الخمسين،
وينكر وقوعه على المأة والعقد المتشخص بالمأة غير العقد المتشخص بالخمسين،
فقول كليهما موافق للأصل، فتجب اليمين على كليهما، فإذا تحالفا أو امتنعا
عن اليمين انفسخ العقد، ورجع المؤجر بأجرة المثل (2) للمنفعة المستوفاة

(1) يعني قوله صلى الله عليه وآله: البينة على من ادعى واليمين على من
ادعى عليه)
(2) معنى الرجوع إلى أجرة المثل أنه إذا كانت أجرة المثل أكثر مما يدعيه المؤجر.
كان على المستأجر دفعه مع اقرار المؤجر بالأقل، وإذا كان أقل مما يدعيه
المستأجر لم
يجب عليه دفع المقدار الذي يقوله مع أنه يقر بأكثر مما جعل أجرة المثل، والالتزام
بذلك مشكل.
194

كلا إن كان الاختلاف بعد استيفاء المدة أو بعضا إن كان في أثنائها،
وإلا كما إذا كان في ابتدائها فلا شئ للمؤجر، وقيل بل يحكم بتنصيف الزيادة،
وإن حلف أحدهما وامتنع الآخر ثبتت دعواه وسقطت دعوى الآخر.
وكيف كان فإن مختار الشيخ في المبسوط هو التحالف، وقد ضعفه في
المسالك (بأن العقد لا نزاع بينهما فيه ولا في استحقاق العين المؤجرة للمستأجر ولا في
استحقاق المقدار الذي يعترف به المستأجر، وإنما النزاع في القدر الزائد فيرجع
فيه إلى عموم الخبر.
ولو كان ما ذكروه من التوجيه موجبا للتحالف لو رد في كل نزاع على
حق مختلف المقدار، كما لو قال: أقرضتك عشرة فقال: لا بل خمسة، فإن
عقد القرض المتضمن لأحد المقدارين غير العقد المتضمن للآخر، وكما لو قال
أبرأتني من عشرة من جملة الدين الذي على، فقال: بل من خمسة، فإن الصيغة
المشتملة على اسقاط أحدهما غير الأخرى، وهكذا القول في غيره، وهذا مما
لا يقول به أحد.
والحق أن التحالف إنما يرد حيث لا يتفق الخصمان على قدر ويختلفان
في الزائد عنه، كما لو قال المؤجر: آجر تك: الدار شهرا بدينار، فقال: بل
بثوب، أو قال: آجرتك هذه الدار بعشرة، فقال: بل تلك الدار، ونحو ذلك، أما
في المتنازع فالقول المشهور من تقديم قول المستأجر هو الأصح).
قلت: ومثل الابراء هو الأداء، فلو اختلفا في المقدار الذي أداه المدين إلى
الدائن زيادة ونقيصة كان النزاع في القدر الزائد فيرجع فيه إلى عموم الخبر كذلك،
فملاك الدخول تحت عموم الخبر المشار إليه هو أن يكون بين المتخاصمين اتفاق
195

على قدر ثم يختلفان في الزائد عن ذلك المقدار، وأما إذا لم يكون اتفاق منهما على
قدر فهناك التحالف.
لكن المتجه عند صاحب الجواهر هو النظر إلى مصب الدعوى، فإن كان
النزاع في تشخص العقد الذي هو سبب اشتغال الذمة فهناك التحالف إذ لا فرق
في مشخصات العقد بين زيادة الثمن ونقصانه وبين غير هذين الأمرين من المشخصات
وإن كان النزاع بينهما في طلب الزائد من أحدهما وانكاره من الآخر كان من
قبيل المدعي والمنكر.
وبعبارة أخرى: تارة يكون الاختلاف في كيفية وقوع العقد الموجب
لاشتغال الذمة، وأخرى يكون في المقدار الذي اشتغلت به الذمة، ففي الأول
كما لو قال المؤجر قد وقع العقد على المأة، وقال المستأجر على الخمسين
التحالف، وفي الثاني كما لو قال المؤجر: آجرتك الدار بمأة فقال المستأجر بل
بخمسين يكون المؤجر مدعيا والمستأجر منكرا.
ثم إنه فرق بين النزاع في مال الإجارة وبين النزاع في القرض والابراء
ونحوهما، ففي القرض مثلا: إن أقرض المأة فقد أقرض الخمسين التي في ضمن
المأة، لأن قوله: أقرضتك المأة ينحل إلى الدنانير بعددها، بخلاف الإجارة فلا
انحلال لصيغتها بعدد الدنانير المفروضة بدلا للايجار، نعم ينحل بنحو آخر فيكون
معنى آجرتك الدار بمأة: آجر تك نصف الدار بخمسين وربعها بخمسة وعشرين
دينارا. وهكذا. كما أن التحالف يتصور في القرض لو اختلفا في كيفية
وقوع صيغته، كما إذا قال أحدهما: وقع العقد على المأة وقال الآخر على الخمسين
لكن نتيجة الاختلاف هو الاختلاف في المقدار.
فإن كان مورد النظر في الدعوى العقد فالتداعي والتحالف وإن كان مورد
النظر المقدار الذي اشتغلت به الذمة فالمدعي والمنكر، وبذلك يمكن عود النزاع
لفظيا كما اعترف به صاحب الجواهر.
196

قلت: والأولى إن نجعل العرف المرجع في تشخيص الدعوى، والظاهر
كما ذكر في الجواهر في مسألة الاختلاف في قدر الثمن بقطع النظر عن النص
الخاص الوارد هناك إن نظر العرف في مورد الاختلاف من حيث الزيادة والنقيصة
سواء في مال الإجارة أو العين المستأجرة إلى الأثر المالي المترتب على النزاع
فهم يجعلون من يريد أخذ شئ من طرفه مدعيا والآخر مدعى عليه، وليس نظرهم
إلى كيفية صدور العقد ووقوعه، فيكون من قبيل المدعي والمنكر.
وبعبارة أخرى: إن أهل العرف يرجعون الدعاوي إلى المال وما يتعلق به،
فيجعلون من يريد جر المنفعة إلى نفسه مدعيا ومن يريد دفع الضرر عن نفسه منكرا
وأما النزاع في كيفية وقوع العقد فهو نزاع علمي وليس للعرف فيه مجال.
ولعل ما ذكرنا هو وجه التأمل في تأييده كون كل منهما مدعيا عند العرف
الذي أمر به صاحب الجواهر، وقد ذكرنا أنه رحمه الله قال بما ذكرنا في مسألة الاختلاف
في الثمن لولا النص الخاص فيه.
وعن الشيخ في المسألة قولان آخران:
أحدهما ما عن موضع من الخلاف وهو القول بالقرعة منع اليمين،
قال في الجواهر: ولعله لاشكال الحال عليه في أنه من التداعي أو من المدعي
والمنكر، لكن قد عرفت إن المرجع هو العرف والأمر عند أهل العرف فيه واضح.
قال: ولم يتعرض الشيخ لما إذا نكلا معا بعدها، فهل تقسم الزيادة بينهما أو يوقف
الحكم؟
وجه الأول هو أن ذلك مقتضى الحكم بالعدل كما ذكرنا سابقا في مسألة العين
التي وقع النزاع عليها وليس لأحدهما يد.
لكن فيه أن مورد نصوص التنصيف هو العين كما عرفت هناك، ولا وجه لاسراء
الحكم من العين إلى الدين وكون مقتضى الحكم بالعدل محل تأمل.
وأما توقيف الحكم فإن كان النزاع في ابتداء المدة فلا بأس وتكون النتيجة
197

انفساخ العقد، وأما مع استيفاء المدة بعضا أو كلا فلا يمكن القول به كما
هو واضح.
قال في الجواهر: وقد يقال مع الاستيفاء بوجوب دفع أقل الأمرين من
أجرة المثل المفروض كونها أقل مما يدعيه المؤجر ومن المسمى الذي يدعيه
المستأجر على الثاني.
قلت هذا غير واضح، لأنه قد يكون المسمى الذي يدعيه المستأجر أكثر
من أجرة المثل، فلا بد من أن يؤخذ بمقتضى اقراره.
قال: ويحتمل القرعة بلا يمين
أقول: وجهه ما عرفت من اشكال الحال وأما عدم اشتراط اليمين فلخلو
بعض أخبار القرعة عنه، لكن قد عرفت أنه لا اشكال في المقام بعد الرجوع إلى
العرف.
والثاني: ما عن موضع من المبسوط، حيث فرق بين وقوع النزاع قبل
انقضاء المدة وبعده، وحكم بالتحالف في الأول وتردد في الثاني بين القرعة وبين
تقديم قول المستأجر.
قلت: ولعل منشأ التردد في الصورة الثانية بين القرعة التي قال بها في الخلاف
والتي عرفت وجهها وبين تقديم قول المستأجر هو ما ذكرناه من نظر العرف،
لكن قد عرفت أنه مع ملاحظة نظر العرف لا يبقى اشكال في تقديم قول المستأجر
مطلقا.
ومما ذكرنا يظهر الحكم في كل اختلاف يرجع إلى الزيادة والنقيصة
وتحقق فيه نظر أهل العرف. هذا كله فيما إذا عدما البينة.
حكم الاختلاف في الأجرة مع البينة
قال المحقق قدس سره: (إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهرا معينا
واختلفا في الأجرة وأقام كل منهما بينة بما قدره، فإن تقدم تأريخ إحداهما
198

عمل به لأن الثاني يكون باطلا، وإن كان التاريخ واحدا تحقق التعارض، إذ لا يمكن
في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين، وحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج
اسمه مع يمينه.
هذا اختيار شيخنا في المبسوط.
وقال آخر: يقضى ببينة المؤجر، لأن القول قول المستأجر لو لم تكن
بينة، إذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر فيكون القول قوله، ومن كان القول
قوله (1) كانت البينة في طرف المدعي، وحينئذ نقول: هو مدع زيادة وقد أقام
البينة عليها فيجب أن تثبت.
وفي القولين تردد).
أقول: إذا كان لكل واحد من المؤجر والمستأجر بينة بما يدعيه فتارة يتقدم
تاريخ إحدى البينتين للعقد وأخرى يكون التاريخ واحدا.
فإن كان الأول كأن قالت إحداهما: قد وقع العقد في شهر رمضان وقالت
الأخرى: قد وقع في شهر شوال عمل بالمتقدم وبطل المتأخر لأنه يكون عقدا
على معقود عليه من المتعاقدين كما كان وهو باطل.
وإن كان الثاني وهو اتحاد تاريخهما أو كانت البينتان مطلقتين أو كانت
إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة وليس في إحداهما مرجح من المرجحات
المذكورة سابقا تحقق التعارض بين القولين، إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع
عقدين متنافيين، وفي هذه الصورة قولان.
فالأول: هو القول بالقرعة مع اليمين، وهو للشيخ في المبسوط، فمن
خرج اسمه يحكم له مع يمينه، سواء كان المؤجر أو المستأجر، للنصوص الصريحة
الدالة على ذلك (2)، فإن نكل الذي خرج اسمه عن اليمين أحلف الآخر فإن حلف

(1) في متن المسالك: (ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت.)
(2) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (ع) قال: كان علي (ع) إذا
أتاه رجلان (يختصمان) بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيهما تصير اليمين.
ثم يجعل الحق للذي تصير عليه اليمين إذا حلف).
وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء
آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه (شهد الأولان) واختلفوا قال: يقرع بينهم فأيهم
قرع عليه اليمين وهو أولى بالقضاء).
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له: رجل شهد له رجلان بأن له عند
رجل خمسين درهما، وجاء آخران فشهدا بأن له عنده مائة درهم كلهم شهدوا في موقف.
قال: أقرع بينهم ثم استحلف الذين أصابهم القرع بالله أنهم يحلفون بالحق)
وعن داود بن أبي يزيد العطار عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) في رجل كانت
له امرأة فجاء رجل بشهود أن هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخران فشهدوا أنها امرأة
فلان، فاعتدل الشهد وعدلوا. فقال: يقرع بينهم فمن خرج اسمه فهو المحق وهو
أولى بها)
وسائل الشيعة 18 / 183 - 184 الباب الثاني عشر من أبواب كيفية الحكم.
هذا وللشيخ قدس سره هنا فرع آخر هذا نصه: (ويفارق الألف والألفين، لأن من
شهد بألف لا يعارض من شهد بألفين لجواز الصدق فيهما، فلهذا لم يقع التعارض، فأثبتنا
الألف بأربعة والألف الزائد بشاهدين، وليس كذلك ههنا، لأن العقد على البيت مرتين
شهرا واحدا محال، فلهذا تعارضتا.) المبسوط 8 / 264.
199

حكم له، وإن نكل فالوجه المتقدمة من التنصيف أو وجوب دفع أقل الأمرين
أو توقيف الحكم مع ما عرفت من الكلام فيها.
والثاني: هو القضاء ببينة المؤجر هو لابن إدريس وأكثر المتأخرين لما
تقدم من أن قول المستأجر يتقدم في حال عدم البينة، وحيث أن البينة موجودة
فإنها تسمع من الطرف الآخر وهو المؤجر، والمؤجر يدعي أنه قد آجر الدار
بمأة وقد أقام البينة بها، فيجب أن يثبت الخمسين الزائدة، بناءا على حجية بينة
الخارج دون الداخل كما هو المختار.
وأما بناءا على حجية بينة الداخل والخارج معا فإنهما تتعارضان وتتساقطان
فتعود الصورة كما لو عدماها.
200

حكم الاختلاف في العين المستأجرة ولا بينة
قال المحقق قدس سره: (ولو ادعى استئجار دار فقال المؤجر: بل آجرتك
بيتا منها، قال الشيخ: يقرع بينهما، وقيل: القول قول المؤجر، والأول أشبه
لأن كل واحد منهما مدع.
أقول: هذه صورة الاختلاف في العين المستأجرة، فتارة يختلفان في ذاتها
كأن يقول المؤجر: آجر تك هذه الدار فيقول المستأجر: بل تلك، فلا اشكال
في أن كلا منهما مبدع والحكم فيه التحالف، وأخرى يختلفان فيها زيادة، ونقيصة،
كأن يدعي المستأجر استئجار الدار كلها فيقول المؤجر. بل آجرتك بيتا منها،
ففي هذه الصورة قولان أو ثلاثة، فعن الشيخ قدس سره: يقرع بينهما نحو ما
تقدم في المسألة السابقة أو يتحالفان على قوله الآخر، لكن المختار هو أن المؤجر
هو المنكر لأن قوله موافق للأصل فعليه اليمين، فإن حلف ثبت قوله وإلا جاء فيه
التفصيل المتقدم.
أما المحقق قده فقد اختار هنا القول الأول وهو القرعة مع تردده في المسألة
السابقة قال (لأن كل واحد منهما مدع) لكن تعليله يقتضي التحالف لا القرعة.
حكم الاختلاف في العين المستأجرة مع البينة
هذا كله مع عدم وجود البينة للمستأجر المدعي، فإن كان واجدا لها
وأقامها حكم له.
قال المحقق قدس سره: (ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق
التاريخ) أو اطلاقها أو اطلاق إحداهما، وإذا تحقق التعارض بينهما
بالتساوي عددا وعدالة والتأريخ واحد تساقطا وكان المرجع القرعة، هذا بناء
على حجية بينة الداخل كالخارج، وأما بناءا على المختار من عدم حجية بينة الداخل
فإن بينة المستأجر هي المسموعة ويحكم له على طبقها كما لو عدم المؤجر البينة.
وفي كشف اللثام: (ويحكم بالقرعة مع اليمين، فإن نكلا فالظاهر أن
201

البيت لما اتفقا على إجارته فهو في إجارته إلى أن تمضي المدة ويقتسمان الباقي
نصفين ويسقط من الأجرة بالنسبة. وكذا مع الاختلاف في الزمان.)
قلت: إن أراد كاشف اللثام تقسيم الباقي إلى نصفين مع دفع المستأجر
نضف مال الإجارة ففيه: إن كلا من المؤجر والمستأجر يدعي كون الباقي كله له،
لأن المستأجر يدعي أنه قد أعطى المأة مثلا في مقابل الدار كلها، والمؤجر يدعي
أنه قد آجر البيت فقط بمأة فيقر بعدم استحقاقه تجاه المستأجر شيئا، لكن نقول
بكون البيت للمستأجر مع نصف الباقي، فإن استوفى منفعة النصف الآخر من الباقي
كان عليه دفع ما يقابله، فإن أراد كاشف اللثام هذا المعنى لم يرد عليه ما أشكل عليه
في الجواهر بقوله: (إن المتجه في الأول ثبوت الأجرة مع قسمة ما فيه النزاع
بالنصف نعم يتجه أجرة المثل في الأخير، لوقوع التصرف فيه بلا أجرة ويمكن القول
هنا بالقرعة بلا يمين، لعدم تناول دليل التنصيف للفرض كما سمعته في المسألة الثانية
بل لعله هنا أولى).
وفي الدروس: (فإن اتحد التاريخ أعملتا أو سقطتا أو أقرع مع اليمين) الظاهر أن مراده من (أعملتا) إنا إن قلنا بحجية بينة الخارج فقط كانت بينة المستأجر هي
الحجة ولا تسمع بينة المؤجر لأنه الداخل، وإن قلنا بحجية بينة الداخل سمعت بينة
المؤجر، وإن قلنا بحجية كلتيهما فقد (سقطتا) بالتعارض فتعود كما لو عدماها،
ويأتي فيها الوجوه المذكورة هناك، ويحتمل وجه آخر وهو القرعة مع اليمين.
هذا كله مع اتحاد تاريخ البينتين.
قال المحقق: (ومع التفاوت يحكم للأقدم، لكن إن كان الأقدم بينة البيت
حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة)
أقول: إنه مع التفاوت في التاريخ فإن كان المتقدم تأريخ بينة الدار كلها بطلت
إجارة البيت لما تقدم سابقا، وإن كان المتقدم تاريخ بينة البيت حكم بإجارة البيت
202

بالأجرة المسماة وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة لبطلان ما قابل البيت المفروض
تقدم إجارته من تلك الدار وصحة البقية، فلو كان مال الإجارة المتفق عليه مأة دينار
غير أن المستأجر يدعي أن المأة أجرة كل الدار والمؤجر يدعي أنها أجرة البيت فقط
المفروض كونه مساويا لنصف أجرة الدار وكان المتقدم تاريخ بينة البيت يثبت
على المستأجر مأة وخمسون دينارا، المأة أجرة البيت ببينة المؤجر والخمسون
في مقابل بقية الدار ببينة المستأجر.
قال في الجواهر: ولا ينافي ذلك خروجه عن دعواها التي هي وقوع عقد
واحد منهما، وكون العوض فيه عشرة، وإنما الاختلاف فيما تضمنه في مقابلة
العشرة الدار أو البيت، لأن الثابت في الشرع حجية بينتهما لا دعواهما، وقد اقتضتا
ما عرفت، فينبغي العمل به، لاحتمال كونه الواقع وإن خرج عن دعواهما معا،
كما سمعته في تنصيف العين التي ادعى كل منهما أنها له وهي في أيديهما، وتسمعه
في غيره بل قد يقال بوجوب العمل بكل منهما وإن علم الحاكم بخروج الحاصل من
مقتضى الاجتهاد في أعمالهما عن الواقع فضلا عن دعواهما مع احتماله الواقع).
حكم ما لو ادعى اثنان شراء دار وهي في يد البائع
قال المحقق قده: (ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن
وهي في يد البائع قضى بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة وعددا وتأريخا وحكم لمن
يخرج اسمه مع يمينه)
أقول: إذا ادعى كل منهما شراء دار معينة من مالكها وإيفاء الثمن وهي بعد
في يد البائع فإن كانا واجدين للبينة فتارة يتقدم تأريخ إحدى البينتين، وحينئذ
يحكم لصاحبها ويدفع الثمن للآخر، قال كاشف اللثام: (وإن أمكن أن يكون
باعها من الأول ثم اشتراها ثم باعها من الثاني، لحصول الجمع بين البينتين ببيعها من
الثاني وإن لم يشترها لجواز بيع ملك الغير، لكن إذا لم يجزه انفسخ واستقر عليه الثمن)
وأخرى: يتفقان تأريخا فإن كان في إحداهما شئ من المرجحات فهو، وإن تساوتا
203

عدالة وعددا أقرع بينهما وحكم لمن خرج اسمه منع يمينه، فإن نكل أحلف الآخر
فإن نكل كذلك قسمت الدار بينهما ورجع كل منهما بنصف الثمن.
وإن عدما البينة فهنا صور: الأولى: أن يكذب المدعى عليه وهو صاحب
الدار كليهما، وحينئذ يحلف لكل منهما ويندفعان عنه، فإن نل فالقولان
السابقان من الحكم بالنكول أو الرد ثم الحلف والحكم. الثانية: أن يصدق أحدهما
ويكذب الآخر، فأما الذي صدقه فتسلم إليه الدار، وأما الذي كذبه فيحلف له على
الانكار، وإن نكل فالقولان، وحيث يحكم للمدعي يلزم صاحب الدار بدفع قيمة
الدار إليه، وكما هو الحكم فيما إذا صدق الثاني أيضا بعد تصديق الأول وتسليم الدار إليه
وهل أن تصديق المدعي الأول المستتبع لدفع الدار إليه اتلاف لمال المدعي
الثاني؟ إن كان الاقرار قبل القبض تلفا فإنه يكون في مال البائع، إذ كل تلف قبل
القبض فهو من مال البائع، وحينئذ لا يجب عليه الحلف للمدعي الثاني، بل بنفس
التلف ينفسخ العقد. لكن الاشكال في كون ذلك مصداقا للتلف، من جهة أن البائع
ينكر أصل البيع للثاني فكيف يكون اقراره للأول اتلافا؟
وأما ما في الجواهر (وحلف للآخر (1) إن لم نقل أن الاقرار بها قبل القبض
بمنزلة التلف لآفة سماوية. نعم لو قلنا إن الاقرار قبل القبض اتلاف كالآفة السماوية
لم يتوجه له اليمين حينئذ وإن كان هو كما ترى) ففيه: إن كل تلف قبل القبض فهو
من مال البائع يشمل اتلاف البائع نفسه بل يكون حينئذ من مال البائع بالأولوية.
وكيف كان فعلى القول بعدم انفساخ العقد الثاني توجهت اليمين وأما على
القول بشمول (كل مبيع.) لاتلاف البائع فالانفساخ متحقق.
لكن. الصحيح هو توجه اليمين على البائع في محل الكلام لما ذكرنا من عدم صدق الاتلاف بالاقرار مع إنكار أصل البيع.

(1) في الجواهر المطبوع: وإن لم نقب لكن الواو زائدة. كذا أفاد اليد الأستاذ
دام ظله.
204

الثالثة: أن يصدق كليهما معا، فالحكم حينئذ هو تنصيف الدار مع يمينهما
إذ تكون كالعين الخارجية التي وقع النزاع عليها وهي في يد المتنازعين، لأنه مع
اقرار البائع لهما تكون يده بمنزلة يديهما، ثم إن صدقهما في أخذ الثمن منهما
استرجع لكل واحد نصف ما دفع إليه.
الرابعة أن يصدق كل واحد في النصف، فيحكم بالنصف لكل منهما مع
حلفه له انكار النصف الآخر فإن كان مقرا بأخذ كل الثمن من كل واحد وجب
ارجاع النصف وإلا أحلف على إنكار أخذ الكل، فإن نكل وحلف المدعي أخذ منه
الخامسة أن يقول: لا أعلم لمن هي منكما، فيكون اقرارا بأنها ليست له،
وحينئذ تكون كالعين التي تنازع عليها اثنان مثلا وليس لأحدهما عليها يد، وفيها
أقوال: أحدها: الحكم بالتنصيف، والثاني القرعة مع اليمين، والثالث: القرعة
بلا يمين لو امتنعا عنها أو حلفا معا.
وهل يقبل قول البائع لأحدهما؟
قال المحقق قدس سره: (ولا يقبل قول البائع لأحدهما ويلزمه إعادة الثمن
على الآخر، لأن قبض الثمنين ممكن، فتزدحم البينتان فيه)
أقول: وحيث تساوت البينتان وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه فهل يقبل قول
البائع لأحدهما أم لا إن كان بعد الحكم، لأنه حينئذ تزول يده وترتفع فلا اعتبار لاقراره
لكن في كشف اللثام: (ويحتمل القبول، فيكون المقر له ذا اليد فتقدم بينته
أو بينة الآخر على الخلاف) وفيه كما في الجواهر أن جزم المحقق قده وغيره
بعدم قبول قول البائع مبني على أن ذلك قد كان منه بعد الحكم بمقتضى القرعة وبعد
انتزاع الدار من البائع بالبينتين، فإنهما وإن اختلفتا في تعيين المالك لكنهما متوافقتان
على تحقق البيع لأحدهما وخروج الدار به عن ملك البائع، فلا وجه للاحتمال
المزبور.
وعلى كل حال يلزم البائع إعادة الثمن على المدعي الآخر الذي لم تكن له
205

الدار، لأن قبض البائع الثمنين من المدعيين ممكن فتزدحم أي تجتمع البينتان
فيه كما اجتمعتا في خروج الدار عن ملك البائع بخلاف عقد البيع حيث قامت كل
واحدة منهما على وقوعه مع كل واحد منهما دون الآخر
ولو نكل من خرج اسمه بالقرعة حلف الآخر كما تقدم
قال المحقق: (ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ويرجع كل منهما بنصف
الثمن).
أي: ولو نكل من أخرجته القرعة والطرف الآخر عن اليمين قسمت الدار
بينهما على النصف لما تقدم من أنه الحكم بالعدل، وعلى البائع ارجاع نصف كل
من الثمنين إلى كل من المدعيين، وليس له انكار الأخذ لاثبات البينتين ذلك
وقال كاشف اللثام: (إلا إذا اعترفا أو اعترف أحدهما أو شهدت بينتاهما
أو إحداهما بقبض المبيع، فمن قبضه من بائعه باعترافه أو بشهادة بينة لم يكن له
الرجوع عليه بشئ من الثمن، لثبوت استحقاقه له بالاقرار أو بالبينة، غاية الأمر
أنه اغتصب منه نصف العين بعد ذلك)
وقد سبقه إلى ذلك الشهيد الثاني في المسالك فإنه قال في المسألة الآتية:
(وحيث قلنا بثبوت الخيار على تقدير القسمة فذلك إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع
ولا اعترف به المدعي، وإلا فإذا جرى القبض استقر العقد وما يحدث بعده فليس على
البائع عهدته).
وسبقهما إليه العلامة في التحرير (1).
واعترضه في الجواهر بقوله: (وفيه أن الاعتراف بالقبض أو ثبوته بالبينة
لا ينافي الرجوع بالثمن بعد ثبوت استحقاق المبيع لغير البائع بالبينة كما هو واضح

(1) حيث قال: (ولو نكلا قسمت العين بينهما وليس لأحدهما الرجوع على
بايعه بشئ إن كانا قد اعترفا بقبض السلعة من البائع لاعترافه بسقوط الضمان عن
البائع) 2 / 198.
206

اللهم إلا أن يقال: إن عدم الرجوع بعد القبض لتركهما اليمين باختيارهما. ولكن
ذلك غير موافق لما سمعته من التعليل، بل لا يتم فيما سمعته من كشف اللثام أخيرا
على أن ترك اليمين إن كان مقتضيا لذلك فلا فرق فيها بين قبل القبض وبعده).
أقول: والأقرب هو الأول، فلو اشترى مالا من بائعه وقبضه وأقبض الثمن
ثم تركه أمانة عند البائع فأقام رجل البينة لدى الحاكم على أنه قد اشترى المال منه
وحكم الحاكم بدفع المال إليه لم يكن للمشتري الأول مطالبة البائع بالمال ولا بالثمن
لأنه مال قد تلف بعد القبض فهو من مالكه لا من مال البائع. نعم لو كانت العين
باقية عند البائع من دون إذن المشتري فهو لها ضامن لكن بدليل: (على اليد ما
أخذت حتى تؤدى) وهنا بحث آخر.
وقول صاحب الجواهر: (إن الاعتراف. لا ينافي الرجوع بالثمن بعد
ثبوت استحقاق المبيع لغير البائع بالبينة).
فيه أنه خروج عن فرض القوم وهو الاعتماد على اقرار المشتري ولم
ينكشف خلاف.
وقوله: (على أن ترك اليمين إن كان مقتضيا لذلك فلا فرق فيها بين قبل
القبض وبعده)،
فيه: أن كون التلف قبل القبض من البائع وبعده من المشتري أمر لا ريب
فيه، لكن كونه من مال البائع قبل القبض مشروط بعدم كون التلف حينئذ مستندا
إلى المشتري وإلا فيكون في ماله. إلا أن في صدق (الاتلاف) على النكول عن
اليمين) تأملا.
وهل لهما الفسخ؟
قال المحقق قده: وهل لهما أن يفسخا؟ الأقرب: نعم لتبعض المبيع قبل
قبضه).
أقول: وكيف كان فهل لهما مع تقسيم الدار بينهما أن يفسخا البيع الذي
207

ثبت لكل منهما بالبينة؟ قال المحقق: (نعم لتبعض المبيع قبل قبضه).
ووجه العدم: إن التبعض جاء من قبلهما.
قلت: لكن ليس المورد من تبعض الصفقة لأن ذلك يكون في العقد لا القبض
فإذا وقع العقد على شيئين بصورة الاجتماع انكشف عدم كون أحدهما ملكا
لبائع، فيبطل العقد بالنسبة إليه، ويجوز للمشتري أن يفسخ المعاملة بالنسبة
إلى الآخر، وهذا معنى تبعض الصفقة.
وأما إذا كان العقد صحيحا بالنسبة إلى كلا الجزئين، فسلم أحدهما دون
الآخر، فلا خيار، بل يلزم البائع بتسليم الآخر.
وهنا تكون إحدى المعاملتين باطلة في الواقع، لأن الذي وقع له البيع
يملك الكل ومن لم يقع له فلا شئ له. غير أنه لما كان الواقع مجهولا وقد حكم
الحاكم بالبينة بالتنصيف يكون لكل نصف، فيكون نظير درهم الودعي.
فالأصلح هو العدم وبناء على الفسخ فلو فسخا كانت العين للبائع ورجع كل واحد
منهما عليه بالثمن كله.
حكم ما لو فسخ أحدهما دون الآخر
قال المحقق: (ولو فسخ أحدهما كان الآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم
وفي لزوم ذلك عليه تردد أقربه اللزوم).
أقول: ولو فسخ أحدهما فهنا فرعان الأول أنه لو فسخ أحدهما فهل للآخر
أخذ جميع الدار أم لا؟ فيه قولان، ذهب المحقق قدس سره إلى الأول، واستدل
له بقول (لعدم المزاحم) أي: لأنه كان يدعي شراء جميع الدار من البائع وقد
أقام البينة على ذلك، لكن عارضه دعوى الآخر وبينته وحيث فسخ ذاك ما كان يدعيه
من العقد فقد بقي هذا بلا مزاحم فكان له أخذ الجميع الذي كان يدعيه.
وقد حكى الثاني عن الشيخ قدس سره، ووجهه هو: أن الحاكم قد قضى
له بنصف الدار دون النصف الآخر فلا يعود إليه.
208

وفيه: أن مقتضى البينة هو الجميع لكن منعه عن أخذه المدعي الآخر
الذي ادعى شراء الجميع كذلك، الأمر الذي سبب حكم الحاكم بالتنصيف
لكن مع فسخ الآخر يرتفع المانع فيؤثر المقتضى أثره.
وقد نسب الشهيد في الدروس إلى الشيخ القول بالفرق بين كون الآخذ
الأول أو الثاني حيث قال: (ولو فسخ أحدهما فللآخر الجميع وفيه أوجه ثالثها
وهو مختار الشيخ في المبسوط: الفرق بين كون الأخذ الأول أو الثاني، لأن
القضاء للأول بالنصف إذا لم يتعقبه فسخ يقرر ملكه عليه بحكم الحاكم
فليس له نقضه بأخذ الجميع، ونعني بالأول الذي فاتحه القاضي بتسليم النصف
فرضى بخلاف ما إذا فسخ المفاتح فإن الثاني يأخذ الجميع قطعا لايجاب بينة الجميع
ما لم ينازع.
(والأقرب أن لكل منهما الأخذ)
وقد ضعف صاحب الجواهر قدس سره هذا التفصيل كذلك. ثم قال: (وتوهم
أن مقتضى الفسخ الرجوع إلى البائع لا إليه بمقتضى الحكم الظاهري مدفوع
بأن التنصيف قد كان جمعا بين البينتين، ومع فرض الفسخ استقلت بينة الآخر
بكون الجميع له بلا معارض، بل المتجه صيرورة ذلك له قهرا عليه لأنه مقتضى
دعواه وبينته).
والثاني: أنه مع جواز أخذ الجميع هل هو واجب؟ وجهان من وجود
المقتضى وعدم المانع كما عرفت مع انتفاء المقتضى للخيار وهو تبعض الصفقة، ومن
استصحاب الخيار الثابت له قبل الفسخ، ومن هنا تردد المحقق قدس سره، لكن قال:
(أقربه اللزوم) واستدل له صاحب الجواهر بالأصل وهو أصالة اللزوم في العقود (وغيره)
من الأدلة القائمة على لزوم العقد، وكل ذلك يتقدم على الاستصحاب إن تم في المقام.
هذا ولكن الصحيح عدم جواز أخذ الجميع، لا لما ذكره الشيخ قده بل لأن
النصف الثاني يصير بعد الفسخ إلى ملك البائع لا أنه يعود إلى ملكه كما كان
209

حتى يقال بأنه مع فرض الفسخ تستقل بينة الآخر بكون الجميع له بلا معارض بل هو
ملك جديد يصير إلى البائع فليس للآخر أخذ هذا النصف وما ذكرنا نظير
ما ذا باع أحد الشريكين نصفه الواقع إليه بحكم إلى البائع، فإنه ملك
جديد للبائع بسبب جديد، فلا يجوز للآخر أن يدعي عليه هذا النصف أيضا.
فإن قيل: تحقق الملك الجديد للبائع بسبب البيع واضح وليس الفسخ
كذلك، بل أثره في محل الكلام كون المعاملة بالنسبة إلى هذا النصف الذي وقع
الفسخ فيه كالعدم، فللآخر المطالبة به بمقتضى بينته.
قلت: لا اشكال بل الظاهر أنه لا خلاف في أنه يتحقق الملك للبائع
بالفسخ من حينه ولذا يكون النماء الحاصل بين العقد والفسخ للمشتري فيكون
الشئ ملكه له مرة أخرى بعد بيعه إياه.
ومن هنا وقع الكلام في تأثير إجازة المالك لبيع الفضولي إن كان مالكا للمال
حين الإجازة لا حين العقد، والصحيح عدم كفاية هذا التملك في إنفاذ البيع بالإجازة.
على أن الفسخ من آثار التعارض فكيف يكون نافيا للتعارض؟
والحاصل أنه ليس للآخر أخذ الجميع لأن المزاحمة قد ارتفعت بالفسخ
من حينه والتي كانت من حين العقد لم ترتفع بهذا الفسخ.
هذا كله إذا كانت العين في يد البائع.
ولو كانت في يد أحدهما فتارة لا بينة وحينئذ يقضى بها له وعليه اليمين للآخر.
وأخرى يقيمان البينة وحينئذ يحكم للخارج على رأي وللداخل على آخر وقد تقدم.
حكم ما لو ادعى اثنان شراء ثالث المبيع من كل منهما
قال المحقق قدس سره: (ولو ادعى اثنان أن ثالثا اشترى من كل منهما هذا
المبيع وأقام كل منهما بينة، فإن اعترف لأحدهما قضي عليه بالثمن، وكذا إن
اعترف لهما قضي عليه بالثمنين، وإن أنكر وكان التاريخ مختلفا أو مطلقا قضي
بالثمنين جميعا لمكان الاحتمال).
210

أقول: هذه المسألة عكس المسألة السابقة، فلو ادعى اثنان أن ثالثا اشترى
من كل منهما مبيعا معينا، فإن اعترف المشتري بالشراء لأحدهما قضي عليه بالثمن،
وإن اعترف به لكل منهما قضي عليه بالثمنين، لأن اقرار العقلاء على أنفسهم حجة)
وشراؤه من كليهما أمر ممكن، كأن يكون قد اشترى العين من أحدهما ثم باعه
من الآخر ثم اشتراه، أو باعه لرابع فباعه الرابع من المدعي الآخر فاشتراه
المشتري منه.
وإن لم يعترف مطلقا وأقام كل واحد منهما بينة فأنكر هما فتارة يختلف تاريخ
البينتين أو تكونان مطلقتين وأخرى يكون التاريخ واحدا، فإن اختلف أو كانتا مطلقتين
قضي عليه بالثمنين، لما تقدم من امكان شرائه العين من أحدهما ثم بيعه من الآخر
أو من رابع فباعه من الآخر ثم شرائه منه ومهما أمكن الجمع بين البينتين وجب
بخلاف المسألة السابقة، لما قيل من أن الشراء لا يجوز لملك نفسه والبيع يجوز
لملك غيره ولو فضولا.
وفيه كما في الجواهر إن الاحتمال في الشراء لمال نفسه فضولا عن الغير ممكن
أيضا، كأن يشتري العين من أحدهما ثم يوكل زيدا في بيعه من الغير ثم اشترى
فضولا من الغير.
هذا مع أنه لا أثر لهذا الشراء عن الغير لأن المفروض عدم أخذه شيئا عن
الغير.
فالأولى في وجه الفرق ما ذكره في الجواهر من أنه اتحاد المدعى به في
المسألة السابقة وهو شراء المبيع من مالكه إلا أنه لم يعلم السابق منهما ليكون شراء
اللاحق في غير محله. بخلاف هذه المسألة فإن المدعى به استحقاق الثمن الذي
ثبت بثبوت سببه، فمع فرض قيام البينة به في وقتين مثلا وجب المسبب حتى
لو كان المدعي واحدا.
وبعبارة أخرى: العين الواحدة لا يمكن أن تكون بجميعها لاثنين، هذا في
211

تلك المسألة، أما في المقام فالمدعى به هو الثمنان من جهة تعدد العقد وإن كانت
العين واحدة، فإذا تكرر الثمن لامكان الشراء ثم البيع والشراء كما عرفت
أما المبيع فلا يتكرر بتكرر البيع. فظهر امكان الجمع بين البينتين هنا وعدم امكانه
هناك.
نعم لو كان الثمن شيئا معينا خاصا وكل منهما قد ادعاه بسبب كونه البائع
لثمنه وأقام كل واحد بينة تحقق التعارض ولو مع اطلاق البينتين هذا.
وفي المسالك: ويحتمل كونهما حينئذ كالمؤرختين بتاريخ واحد لأنهما
ربما شهدتا على البيع في وقت واحد والأصل براءة ذمة المشتري فلا يؤخذ إلا
باليقين (قال في الجواهر: ولعله لذا كان المحكى عن ظاهر الشيخ التردد).
لكن فيه كما في الجواهر أن البينة ظاهرة في تعدد البيع والأصل تعدد
المسبب بتعدد سببه.
قال المحقق: ولو كان التاريخ واحدا تحقق التعارض إذ لا يكون الملك
الواحد لاثنين، ولا يمكن ايقاع عقدين في الزمان الواحد، فيقرع بينهما، فمن
خرج اسمه أحلف وقضي له).
أقول: ودليل القرعة ما تقدم ذكره سابقا من النص والفتوى على أن القرعة
حكم البينتين المتعارضتين بعد فقد الترجيح بينهما بأحد المرجحات المذكورة
هناك، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له بالثمن الذي شهدت به البينة فإن امتنع
أحلف الآخر وقضي له كذلك.
قال: (ولو امتنعنا من اليمين قسم الثمن بينهما).
أي: لو امتنع من خرج اسمه بالقرعة، فردت على الآخر فامتنع كذلك،
قسم الثمن بينهما إن كان قابلا للتقسيم، وإلا فلكل واحد من المدعيين نصف
ما ادعاه من الثمن.
وقد تقدم في نظير المسألة احتمالات أخرى.
212

حكم ما لو ادعى شراء المبيع من زيد وادعى آخر شراءه من عمرو
قال المحقق قده: (ولو ادعى بشراء المبيع من زيد وقبض الثمن وادعى
آخر شراءه من عمرو وقبض الثمن وأقاما بينتين متساويتين في العدالة والعدد والتاريخ
فالتعارض متحقق).
أقول: في هذه المسألة لو صدق البائعان المشتريين أو صدق أحدهما من
يدعي الشراء منه وجب على المصدق تسليم العين أو ارجاع الثمن الذي أخذه.
ومع عدم التصديق فلو أقاما بينتين فإن كانت إحداهما أرجح أو كان تاريخها
أقدم من الأخرى حكم لصاحبها دون الآخر، فإن كانتا بينتين متساويتين في العدالة
والعدد والتاريخ فالتعارض متحقق.
(فحينئذ يقضى بالقرعة ويحلف من خرج اسمه ويقضى له) بالعين ويرجع
المشتري الآخر على بائعه بالثمن.
فإن نكل من خرج اسمه أحلف الآخر (ولو نكلا عن اليمين قسم المبيع
بينهما) على السوية. وقد عرفت وجود احتمالين آخرين وهما القسمة بلا قرعة،
والتساقط للبينتين والتنصيف كذلك وإذا قسم المبيع كذلك.
هذا إذا كانت العين في يد البائعين.
ولو كانت العين بيد المشتريين فلكل واحد منهما يد على النصف فتكون بينة
كل بالنسبة إلى النصف الذي بيده بينة الداخل وبالنسبة إلى النصف الآخر بينة
الخارج، وكيف كان فالحكم هو التنصيف.
ولو كانت بيد أحدهما بني على تقديم بينة الداخل أو الخارج، وحيث يقضى
لأحدهما يرجع الآخر بالثمن، كما يبتنى الحكم على ما ذكر فيما لو صدق أحد
البائعين مشتريه فإنه يوجب كونه ذا يد، ومع تصديق كليهما يكون كل واحد منهما
ذا يد والحكم حينئذ هو التنصيف كما لو عدما معا البينة.
وحيث يحكم بالتنصيف يرجع كل واحد بنصف الثمن كما قال المحقق قده
213

ورجع كل منهما على بائعه بنصف الثمن).
وهل لهما الفسخ؟
ثم قال: (ولها الفسخ والرجوع بالثمنين)
أقول: وجه الفسخ هو دعوى تبعض الصفقة، وقد عرفت ما فيها، وبناءا
على ما ذكر نا سابقا يكون النصف الآخر كالتالف وهو من مال بائعه وللمشتري المطالبة
بنصف الثمن.
وقد جوز كاشف اللثام الفسخ بشرط عدم الاعتراف بكون التلف بعد القبض.
وقد ذكرنا أنه إن كان التلف بعد القبض موجبا للتبعض بأن تكون البينة كاشفة عن
كون العين مستحقة الغير حين العقد كما يقول صاحب الجواهر كان له الفسخ
والرجوع، لكن قد عرفت إن ذلك غير تام.
والحاصل أنه لا يجوز الفسخ، وبناءا على جوازه لم يجز للآخر أخذ الجميع
كما نص عليه المحقق حيث قال: (ولو فسخ أحدهما جاز ولم يكن للآخر أخذ
الجميع، لأن النصف الآخر لم يرجع إلى بائعه) لأن المفروض كون النصف
الآخر للبائع الثاني.
وحيث يعترف المشتري بكون التلف بعد القبض لم يكن له خيار الفسخ، لأن
المال له والتلف في ماله. نعم له الفسخ بناءا على كونه من تبعض الصفقة.
هذا وفي الجواهر: أنه قد يتوهم من اقتصار المصنف في التعارض على
الصورة المزبورة عدمه في غيرها، مع أن الظاهر تحقق ذلك أيضا في صورة الاطلاق،
إذ هي كغيرها من صور الاطلاقات السابقة، بل وكذا لو أطلقت إحداهما وأرخت
الأخرى بناءا على عدم الحكم بتأخر مجهول التاريخ عن معلومه كما حرر في محله.
نعم لو كانا مؤرخين بتأريخين مختلفين ففيه البحث السابق في تقديم الملك السابق
وعدمه.
أقول: قد عرفت في المسألة السابقة قول المحقق قدس سره بالقضاء بالثمنين جميعا
214

في صورة اختلاف البينتين في التاريخ أو اطلاقهما قال: (لمكان الاحتمال وامكان
الجمع بين البينتين، وقد وافقه صاحب الجواهر قدس سره وأشكل على المسالك
القائل بالتعارض والحكم بالتنصيف أخذا بالقدر المتيقن وإن الأصل براءة المشتري
يعني: أنه إن كان الجمع ممكنا فهو أولى، لكنه يكون في صورة كون الشهادتين
مبنيتين، أما مع اجمالهما فلا (فيكون نظير ما إذا قامت البينة على أن أحد هذين
الشخصين هو المتلف لمال لزيد فإنه يجري في حق كل منهما أصالة البراءة فلا
يلزم أحدهما بشئ) وحيث يكون مجملا يؤخذ بالمتيقن ويجري الأصل في غيره.
فأشكل عليه في الجواهر بأن البينة ظاهرة في التعدد والأصل تعدد المسبب بتعدد
سببه. فقوله هنا بأن الظاهر تحقق ذلك أمضا في صورة الاطلاق ينافي ما
ذكره هناك، فما عبر عنه بالتوهم هو الصحيح.
ولو شهدت إحداهما بوقوع البيع يوم الخميس والأخرى بوقوعه يوم الجمعة
فالمتأخر باطل إن كان البيع واحدا، وإلا فإن أمكن الجمع فهو وإلا كان الثاني
باطلا.
ثم إنه يلزم أن تكون الشهادة على الملك، ولذا لا تسمع دعوى الشراء من
زيد حتى لو أقام البينة، بل يلزم أن تكون الدعوى والشهادة كلتاهما مشتملتين على
شراء العين منه وأنها ملك له، إذ يجوز في مفروض المسألة هنا أن يكون قد
اشترى أحدهما العين للآخر وأن يكون باعها أحد البائعين وكالة عن الآخر أو
فضولا، وهذا ما ذكره العلامة في القواعد والشهيد الثاني في المسالك قال: وسيأتي
اختيار المصنف إياه وكأنه تركه هنا اتكالا عليه. وبالجملة أنه يشترط أن يكون
المدعي والمشهود به هو الشراء من المالك، سواء ثبتت ملكية البائع باليد أو
بالبينة (1).

(1) هذا إشارة إلى عبارة المسالك التي أوردها صاحب الجواهر وقال بأنها تطويل
بلا طائل.
215

حكم ما لو ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر شراءه من المولى
قال المحقق قدس سره: (ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخران
مولاه باعه منه وأقاما البينة قضي لأسبق البينتين تأريخا، فإن اتفقتا قضي بالقرعة مع
اليمين).
أقول: لو ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى شخص آخر أن مولى العبد قد
باعه منه فهما مدعيان، والمولى هو المدعى عليه وذو اليد سواء كان العبد بيده أو
بيد المشتري أو غيرهما أو لا في يد. فإن لم تكن لأحدهما بينة وكذبهما المولى
حلف لهما بيمينين لأنه المدعى عليه، إن صدق أحدهما وكذب الآخر قضي لمن
صدقه وهل يحلف لمن كذبه أو لا؟ قولان ذهب العلامة إلى الأول والشهيد الثاني وكاشف
اللثام إلى الثاني تبعا للمبسوط، ومنشأ الاختلاف هو ترتب الأثر على هذه
اليمين وعدمه، فهو نزاع صغروي، لأنهم متفقون على أن اليمين على الانكار إنما
تكون فيما إذا كان للاقرار أثر في ذلك المورد، قال كاشف اللثام: (والحق ما في
المبسوط من أنه إن صدق المشتري لم يحلف للعبد، لأنه لو أمر بعد ذلك بالعتق لم
يقبل لكونه اقرارا في حق الغير ولم يلزمه غرم، وكذا إن صدق العبد لم يحلف
للمشتري، لأنه لو صدقه بعد ذلك فقد اعترف بالاتلاف قبل القبض وهو كالآفة
السماوية في انفساخ البيع به، نعم إن ادعى عليه قبض الثمن حلف له إن أنكره).
وقد وافق صاحب الجواهر العلامة وصور الثمرة في المسألة حيث قال:
(وفيه منع عدم توجه اليمين للمشتري، مع اقراره المستخرج باليمين يكون من
الحيلولة لا التلف فيغرم له القيمة، ولذا جزموا في المسألة السابقة وهي دعوى الاثنين
شراء العين من شخص هي في يده إن لو أقر لأحدهما كان اليمين عليه للآخر، بل
وله اليمين على المقر له، فلا يبعد حينئذ أنه يكون هنا أيضا له اليمين على السيد
والعبد، كما أنه قد يقال باليمين على السيد للعبد مع الاقرار للمشتري، لعموم قوله
216

صلى الله عليه وآله (البينة الخ). وفائدته ثبوت الحرية في حقه على وجه لو انتقل إليه بعد ذلك بإرث
وغيره يحكم بحريته إن لم نقل بوجوب شرائه فعلا عليه كما عن بعضهم التصريح
به، وإلا كانت الثمرة واضحة).
هذا كله مع عدم البينة ومع وجود البينة يقضى لمن أقامها، وإن أقاماها معا
فإن كانت إحداهما أرجح أو أقدم تاريخا قضي لها، وإن اتفقتا في العدد والعدالة
والتأريخ قضي بالقرعة فمن خرج اسمه حكم له بيمينه، فإن نكل حلف الآخر
وقضي له.
(ولو امتنعا من اليمين قيل يكون نصفه حرا ونصفه رقا لمدعي الابتياع، ويرجع
بنصف الثمن) لأدلة التنصيف المذكورة سابقا (1) وقد تأمل صاحب الجواهر في
شمول تلك الأدلة لمثل الفرض الذي أحد طرفيه الملك و الآخر الحرية، وحينئذ
يكون الحكم لمن أخرجته القرعة، أي يقترع على الملكية لمدعي الشراء والحرية
للعبد (2). وعلى الأول وهو قول الشيخ وجماعة يرجع المشتري بنصف الثمن
الذي أقبضه المولى.
وهل للمولى خيار الفسخ
وهل يكون للمولى خيار الفسخ؟ قالوا: نعم لتبعض الصفقة، وقد قلنا سابقا
بأن التبعض الموجب للخيار غير صادق هنا، لأنه كالتلف قبل القبض على أثر حكم
الحاكم.
وعلى ما ذكروا من ثبوت الخيار قال المحقق: (ولو فسخ عتق كله، وهل
يقوم على بائعه؟ الأقرب نعم، لشهادة البينة بمباشرة عتقه) فهنا فرعان، أحدهما
أنه لو فسخ مدعي الشراء يرجع على المولى بكل الثمن، وحينئذ ينعتق العبد
كله لزوال المزاحم البينة القائمة على أن المولى أعتقه والثاني: أنه لو لم يفسخ المشتري

(1) راجع الباب 12 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(2) لقد ذكرنا في محله أن التنصيف يكون في كل مورد يقبله.
217

فهل يقوم العبد على البائع إن كان موسرا أو لا؟ قال المحقق: الأقرب: نعم لشهادة
البينة بمباشرة عتقه) فيتم شرط السراية. وقد وافقه على ذلك المسالك والجواهر.
وفي المسالك عن الشهيد الاعتراض على ذلك (بأن الواقع في نفس الأمر إما العتق
أو الشراء أو ليس أحدهما، وأيما كان امتنع معه التقويم على المالك والسراية،
أما على تقدير العتق فلأن يكون للمجموع ومع عتق المجموع لا بعض موجود حتى
يقوم. وأما على تقدير الشراء فلأنه أيضا للجميع فلا سبب للتقويم، إذ السبب عتق
البعض وهو منتف، ومنهما يظهر انتفاؤه على تقدير انتفائهما).
أقول: وفي الدروس اشكال آخر أيضا حيث قال: (ولأنه عتق قهري فلا
يقوم عليه) أي أن شرط التقويم والسراية هو أن يكون عتقه للنصف بالاختيار بناء
على أن الموجب القهري كالإرث لا يوجب السراية وهنا الاختيار منتف لأن بينة
العبد شهدت بعتق الكل، وحرية بعضه كانت بحكم الحاكم لا باختيار المولى
فلا مورد للسراية.
لكن يمكن الجواب عنه بتحقق الاختيار هنا، لأنه مع شهادة بينة العبد بعتق
الكل فقد أعتق النصف، فإن مبنى تبعض الصفقة هو أن من باع الكل فقد باع البعض
وإلا لم يتحقق التبعض في مورد، فظهر أنه قد باع النصف بالاختيار لكن التبعض
تحقق بحكم الحاكم بمقتضى البينتين لأنه أمر انتزاعي منشأه هنا الحكم المذكور.
وأما اشكاله الآخر المبتنى على العلم الاجمالي في المقام فقد أجابوا عنه بأن
مخالفة العلم الاجمالي مخالفة احتمالية لا مانع منها، ولو غسل يده المتنجسة بماء
مشكوك الطهارة فإنه يستصحب طهارة الماء ونجاسة اليد معا ولا مخالفة قطعية للعلم
الاجمالي، وفيما نحن فيه وإن علمنا بأن العبد إما مملوك كله للمولى أو للمشتري
وأما حر كله والحكم بالتنصيف يخالف العلم المذكور، لكن لا يلزم من ذلك مخالفة
قطعية من المشتري والعبد. نعم الحاكم يعلم بأن حكمه مخالف للواقع، إلا إنا
ملزمون بمتابعة حكمه رعاية لمصلحة رفع الخصومة وفصل النزاع.
218

هذا ولو حصل لنا العلم بعدم وجوب شراء النصف من المشتري لأنه إما
كله ملك للمشتري وإما كله حر فيحصل العلم التفصيلي بعدم وجوب شراء المولى
النصف من المشتري ولا تقتضي ظواهر الأدلة ذلك، بل يتوقف القول به على قيام
دليل آخر. وهذا اشكال آخر.
ولو كان العبد في يد المشتري فإن قدمنا بينة الداخل حكم له وإن قدمنا بينة
الخارج حكم بالعتق لأن العبد خارج قاله في الجواهر تبعا للدروس لكن تقدم منا
القول بأن ذا اليد هو المولى وإن كان بيد المشتري.
لا يقال تقدم بينة العبد لأن له يدا على نفسه إن قدمنا الداخل وإلا قدمت بينة
الشراء لأنا نقول يصير له يد بالعتق وثبوت الحرية، وقد نسب في الجواهر القول
المذكور إلى بعض العامة.
219

(مسائل)
(الأولى: لو شهد للمدعي بملكية الدابة منذ مدة فكذبتها سنها)
قال المحقق قدس سره: (لو شهد للمدعي بأن الدابة ملكة منذ مدة فدلت سنها
على أقل من ذلك قطعا أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).
أقول: لو شهدت البينة لمدعي ملكية الدابة بأنها ملكه منذ خمس سنوات
مثلا فدلت سنها على كون عمرها أقل من تلك المدة دلالة قطعية، أو شهدت بأنها
نتجت عند المدعي منذ خمس سنوات فدلت سنها دلالة قطعية على أن عمرها أكثر
من تلك المدة سقطت البينة عن الحجية لتحقق كذبها.
أما لو كانت الدلالة على الأقلية أو الأكثرية ظنية لا قطعية ففي الجواهر: لا ينبغي
التأمل في عدم معارضة الظن للشهادة التعبدية. ولا أظنه قولا لأحد.
لكن عن بعض نسخ الشرائع (قطعا أو أكثريا) وهي التي شرحها في المسالك
فقال: (أما على تقدير كون الدلالة قطعية فواضح لأن الكذب حينئذ قطعي، وأما
على تقدير الأكثرية فالدلالة ظنية، ويشكل معارضتها للحاكم الظاهر من عدالة
الشاهد. وفي التحرير اقتصر في الحكم بسقوط البينة على الدلالة القطعية وهو
أولى) وكيف كان فالصحيح ما ذكره في الجواهر، إنما الكلام في بطلان البينة
مطلقا أو في خصوص ما كذبت؟ قال: الظاهر الثاني. قلت: بل الأول، إذ لا عرفية
لبينة يسقط بعض مدلولها بتكذيب السن له ويبقى البعض الآخر.
220

(المسألة الثانية)
(لو شهدت بالشراء ولم تشهد بالملكية أو التسليم)
قال المحقق: (إذا ادعى دابة في يد زيد وأقام بينة أنه اشتراها من عمرو،
فإن شهدت بالملكية مع ذلك للبائع أو للمشتري أو بالتسليم قضي للمدعي وإن
شهدت بالشراء لا غير قيل: لا يحكم، لأن ذلك قد يفعل فيما ليس بملك، فلا تدفع
اليد المعلومة بالمظنون وهو قوي وقيل: يقضى له، لأن الشراء دلالة على التصرف
السابق الدالة على الملكية).
أقول: لا كلام في ترتب الأثر على ما إذا شهدت البينة بالملكية مع الشراء
للبائع بأن قالت: نشهد بشراء زيد هذه الدابة من عمرو وقد كانت ملكه أو للمشتري
بأن قالت: نشهد بشراء زيد هذه الدابة من عمرو وهي الآن ملك لزيد، أو بالتسليم
من عمرو لزيد بأن قالت: نشهد بشراء زيد هذه الدابة من عمرو وتسليم عمرو
إياها لزيد.
إنما الكلام فيما إذا تجردت الشهادة عن ذلك، بأن شهدت بالشراء لا غير،
ففي المسألة قولان، وكلاهما للشيخ قدس سره، أو لهما وهو العدم قوله في
المبسوط واختاره المحقق والأكثر كما في المسالك والثاني وهو القبول قوله في
الخلاف ووافقه العلامة في المختلف.
توضيح دليل الأول هو: أن هذه الشهادة لا تدل على الملكية لا بالمطابقة ولا
221

بالالتزام، أما مع إضافة الملكية فالدلالة تامة بالالتزام، ومع إضافة التسليم توجد
دلالة التزامية على أمر هو أمارة على الملك، لأن التسليم أمارة على اليد التي هي
أمارة على الملكية.
وتوضيح دليل الثاني هو: أن الشراء يكشف عن التصرف السابق الدال على
الملكية كما أن اليد السابقة أمارة عليها، إذ كما أن الظاهر من اليد كونها أصالة
لا نيابة ولا عدوانا فكذا التصرف بالبيع والشراء وإن لم يكن المال في يده.
قلت: فرق بين (اليد) و (التصرف) فإن الأول أمارة على الملك شرعا وعقلا
بخلاف الثاني، فقد يكون قوله (بعت) في ملك غيره، وهذا القول وإن كان تصرفا
لو صدر من المالك لكنه بمجرده لا يترتب عليه أي أثر لا وضعي ولا تكليفي فهو لغو.
فظهر مما ذكرنا إن البحث هو في دلالة هذه الشهادة على الملكية وعدم
دلالتها، وليس البحث مبنيا على ما ذكره صاحب الجواهر، فلو قامت بينة على
شراء زيد المال من عمرو فهي ليست بحجة فلا ربط للبحث بالترجيح ومسألة الداخل
والخارج فتلك مسألة أخرى ولا وجه لبناء هذه المسألة على تلك.
222

(المسألة الثالثة)
(حكم دعوى رقية الصغير المجهول النسب)
قال المحقق قدس سره: (الصغير المجهول النسب إذا كان في يد واحد
وادعى رقيته قضي بذلك ظاهرا. وكذا لو كان في يد اثنين).
أقول: وجه الحكم برقية الصغير للمدعي هو: أن رقية هذا الصغير أمر ممكن
والمدعي لا معارض له في دعواه، وهو ذو يد عليه فيجب أن تسمع ويقضى له،
قال في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه).
إنما الكلام فيما إذا كبر هذا الصغير ونفي الرقية: فقد قيل: لا يسمع قوله
لعدم جواز نقض حكم الحاكم وقيل: يسمع ويحلف المدعي مع عدم البينة،
وقيل: بل يسمع قوله في حال الصغر أيضا لولا الاجماع وإن هذا المورد
يستثنى من قاعدة حجية قول المدعي الذي لا منازع له لنص خاص رواه الشيخ
الكليني قدس سره عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن علي بن إبراهيم عن
أبية جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة، ادعى الرجل أنها
مملوكة له وادعت المرأة أنها ابنتها فقال: قد قضى في هذا علي عليه السلام.
قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كأن يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على
223

نفسه بالرق وهو مدرك. ومن أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع
إليه ويكون له رقا قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادعى أنها مملوكة
له بينة على ما ادعى فإن أحضر شهودا يشهدون أنها مملوكة لا يعلمونه باغ ولا
وهب دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرة مثلها،
فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل.
قلت: فإن لم ينقسم الرجل شهودا أنها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده،
فإن أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها، فإن لم يقم الرجل البينة على
ما ادعى ولم تقم المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث
شاء) (1).
أقول: لا ريب في أن اليد أمارة الملكية وأن الناس يعاملون صاحب اليد
معاملة المالك لما في يده، كما لا ريب في قبول قول ذي اليد مع عدم المعارض
والمنازع.
أما ففي مورد دعوى الرقية فإن الأصل هو حرية الانسان وعدم سلطنة أحد
على أحد.
واليد إنما تكون أمارة على الملكية لما في اليد فيما إذا كان الشئ الذي
في اليد قابلا للملكية، ومن هنا يشكل الحكم بكون المائع الموجود في الإناء
المردد بين كونه مما يقبل الملكية ومما يقبل الملكية ومما لا يقبلها كالخل والخمر خلا استنادا
إلى اليد.
وفي حجية قول ذي اليد بالنسبة إلى الأعم من الملكية وغيرها من الخصوصيات
بحث وإن كان قول الأكثر ذلك، لكن حجية قوله من آثار حجية اليد، ومع
الشك في قابلية الشئ للملكية يشكل ترتيب الأثر على قول ذي اليد، ولذا وقع
الكلام في ملكية الكبير الساكت والمجنون، فقال بعضهم بعدم حجية قول ذي اليد.

(1) وسائل الشيعة 18 / 184.
224

وبما ذكرنا ظهر عدم تمامية تقديم اليد على أصالة الحرية من جهة تقديم
الأمارة على الأصل، فإن اليد أمارة وحجة على الملكية فيما يقبلها.
فبقي الاجماع. لكن يحتمل كون مدركه قاعدة اليد، فلا يمكن الاعتماد
عليه.
فظهر أن الصحيح هو سماع دعوى الصغير في حال صغره، لكن الاستدلال
عليه بالخبر المزبور ضعيف من جهة أخرى، فقد اشتملت على أنه إذا (لم تقم
المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت) والحال أنه
حيث أقرت المرأة بكون الجارية ابنتها فقد وجب عليها نفقة الجارية وإن لم
يثبت النسب من جهة عدم البينة، ولعل هذا وجه اعراض الأصحاب عن هذا الخبر.
وأما إذا كبر الصغير فأنكر فالحق سماع دعواه فإن أقام بينة على أنه ابن
فلان أو لقيط فهو وإلا حلف المدعي، وإنما تسمع دعواه لأن كل دعوى يمكن
أن تكون صحيحة تسمع.
لا يقال بأنه يستلزم النقض، لأنا نقول بأن النقض يتحقق بأن يطالب الرجل
باليمين بعد الكبر على دعواه السابقة التي حكم فيها الحاكم، وأما إقامة دعوى جديدة
فلا مانع منها ولا تكون نقضا.
هذا كله في الصغير.
حكم ما لو كان كبيرا.
قال المحقق: (أما لو كان كبيرا، وأنكر فالقول قوله، لأن الأصل
الحرية).
أقول: إنه إذا ادعى الرجل رقية كبير فإن أنكر كان على الرجل المدعي
إقامة البينة، وحيث لا بينة فالقول قول الكبير، لأن الأصل الحرية.
وإذا اعترف بالرقية وادعى تحرير الرجل إياه فلا تسمع هذه الدعوى
إلا ببينة، وهو غير دعوى الحرية من أول الأمر، وعلى هذا يحمل الأخبار الدالة على
225

جواز شراء المملوك من سوق المسلمين مع دعواه الحرية، فإنه مع عدم البينة
لا تسمع ويبنى على رقيته فيشترى.
وإن أقر ترتب الأثر على اقراره، ولا فرق بين الاقرار لواحد أو لاثنين فإنه
يكون ملكا لكليهما على الإشاعة.
قال المحقق قده: (ولو ادعى اثنان رقيته فاعترف لهما قضي عليه، وإن اعترف
لأحدهما كان مملوكا له دون الآخر) لعموم جواز اقرار العقلاء على أنفسهم، وربما
يستدل له باعتبار قول ذي اليد بناء على كونه ذا يد على نفسه.
قال في الجواهر بعد أن ذكر عدم وجدانه الخلاف في هذا الحكم (وحكي
عن الشيخ في مسألة دعوى العبد العتق والآخر الشراء في إنكار كون العبد ذا يد
على نفسه أنه قال: لأنه لو كان ذا يد لقبل اقراره بالملكية لأحد المتنازعين فيه)
ومقتضاه المفروغية من عدم قبول اقراره، إلا أنه كما ترى لا دليل عليه بل ظاهر
الأدلة خلافة.
وفي كشف اللثام: (وإذا أقاما بينتين متعارضتين فصدق أحدهما خاصة لم
تترجح به بينته، لأنه لا يد له على نفسه، فإنه إن كان حرا فلا يد له، وإن كان مملوكا
فلا يد عليه إلا لمالكه. وفيه: أنه مناف لقبول اقراره بالرقية مع عدم البينة الذي
اعترف به سابقا، بل ظاهره الاجماع عليه فتأمل).
أقول: يمكن أن يكون الشيخ وكاشف اللثام منكرين لعنوان كونه ذا يد
لا أنهما مخالفان في قبول هذا الاقرار، لأنهما قالا بما قالا في فرعين غير هذا
الفرع الذي نحن فيه، فالشيخ لا يوافق في تلك المسألة على تأثير ذاك الاقرار لكونه
بعنوان ذي اليد، وكاشف اللثام ينكر هناك أن يكون قول العبد مرجحا لإحدى
البينتين لأنه ليس ذا يد، والاقرار المجرد ليس من المرجحات، فالظاهر عدم ورود
اشكال الجواهر، وأنهما غير مخالفين في المقام.
226

(المسألة الرابعة)
(حكم ما لو ادعى اثنان كون الذبيحة له وفي يد كل بعضها)
قال المحقق قدس سره: (لو ادعى كل منهما أن الذبيحة له وفي يد كل
واحد بعضها وأقام كل منهما بينة قيل: قضي لكل منهما بما في يد الآخر وهو
الأليق بمذهبنا).
أقول: إن كانت الذبيحة واحدة وقد وضع كل منهما يده على طرف منها
وأقام بينة على أنها جميعا له فالحكم هو التنصيف. وإن كان ما في يد كل منهما
منفصلا عما في يد الآخر فعلى القول بتقدم بينة الخارج وهو الأليق بمذهبنا
يقضى لكل منهما بما في يد الآخر سواء كانا متساويين أو مختلفين في المقدار.
ولو لم يكن لهما يد فالحكم هو التنصيف
قال المحقق: (وكذا لو كان في يد كل واحد شاة وادعى كل منهما الجميع
وأقاما بينة قضي لكل منهما بما في يد الآخر).
أقول: وذلك لعدم الفرق بين هذا الفرع والفرع السابق عليه.
قال في الجواهر (ومما يتفرع على ذلك أنه لو كان المتخاصمان في بعض
الذبيحة المنفصلين كافرا ومسلما حكم بكون ما يقضى به للكافر ميتة وللمسلم
مذكى وإن كان كل واحد من الجزئين انتزعه من الآخر، عملا بظاهر اليد
المعتبرة شرعا، ولا يقدح في ذلك اليد السابقة، بل لعل الحكم كذلك في الجزئين
227

المنفصلين، ضرورة اتحاد الملاك فيهما كما تقدم الكلام في ذلك في قسم العبادات).
أقول: كيف يكون اللحم الواحد الذي يملكه المسلم والكافر على الإشاعة
بعضه نجسا وهو الذي كان في يد الكافر، والبعض الآخر طاهرا وهو الذي كان
في يد المسلم؟ إن هذه الذبيحة إما ميتة نجسة كلها وإما طاهرة كلها، فما ذكره
رحمه الله مشكل لا سيما في المشاع.
نعم يمكن معاملة الطاهر مع ما يجئ من خارج بلاد المسلمين من الجلود
فيما إذا احتملنا احراز البائع المسلم له بطهارته، أما في مسألتنا هذه فإن الذي بيد
المسلم مقطوع بكونه مأخوذا من الكافر وإن أصبح ملكا له الآن بعد المرافعة بحكم
الحاكم، وعلى ما ذكرنا فلو علمنا بكون اللحم الموجود الآن بيد الكافر مذبوحا
بيد المسلم حكمنا بطهارته.
فالحاصل: أنه على أثر حكم الحاكم يكون ما في يد المسلم مختصا له وهذا
هو القدر المتيقن، وأما ترتب أثر الطهارة أيضا على هذا الحكم واليد الحاصلة
بعده فمشكل جدا.
228

(المسألة الخامسة)
(لو تسلم شيئا بالبينة فأقام المحكوم عليه البينة على الملكية)
قال المحقق قده: (لو ادعى شاة في يد عمرو وأقام بينة فتسلمها ثم أقام الذي
كانت في يده بينة أنها له قال الشيخ: ينقض الحكم وتعاد. وهو بناء على القضاء
لصاحب اليد، والأولى أنه لا ينقض).
أقول: تارة يقول عمرو: اشتريتها من زيد بعد حكم الحاكم في المرافعة السابقة
فهذه دعوى مسموعة، لأنه يدعي ملكا جديدا، فإن أقام بينة تقدمت على بينة زيد
لأن عمرا هو الخارج
وأخرى يقول: إنه في الوقت الذي أقام زيد بينة لم تكن بينتي حاضرة
وهي الآن حاضرة، فبناء على سماع هذه الدعوى إن كان الميزان في الخارج
والداخل حال إقامة عمرو البينة فزيد الداخل، وإن كان الميزان حال دعوى زيد
فعمرو الداخل.
وقد يدعي كون الشاة له ويقيم البينة من غير تعرض للدعوى السابقة فإنه
تسمع بينته بناء على سماع البينة بعد فصل الخصومة بالحكم، وتحمل على دعوى
انتقال العين من زيد إلى عمرو فتقدم بينة عمرو بناء على تقديم بينة الخارج.
وكيف كان فإن لزم من سماع الدعوى نقض الحكم فلا تسمع، وفي أي
صورة لم يلزم النقض فتسمع.
229

(المسألة السادسة)
(لو ادعى دارا وادعى آخر نصفها وأقاما البينة)
قال المحقق قدس سره: (لو ادعى دارا في يد زيد وادعى عمرو ونصفها وأقاما
البينة قضي لمدعي الكل بالنصف لعدم المزاحم وتعارضت البينتان في النصف
الآخر، فيقرع بينهما ويقضى لمن يخرج اسمه مع يمينه، ولو امتنعا من اليمين
قضي بينهما بالسوية فيكون لمدعي الكل ثلاثة أرباع ولمدعي النصف الربع).
أقول: لو كانت دار في يد شخص فادعى زيد كل الدار ادعى عمرو نصفها
ولم يصدق من بيده الدار أحدهما، فمع وجود البينة بالتساوي عددا وعدالة لكليهما
يقضى لزيد بالنصف المشاع من الدار، لأن المفروض إن عمرا لا يدعي إلا نصف
الدار، فزيد في نصفها مدع بلا معارض فيكون له كما هو الحال في كل دعوى
بلا معارض، لكن البينتين تتعارضان في النصف الآخر والحكم في تعارض البينتين
هو القرعة، فمن خرج اسمه قضي له مع يمينه فإن امتنع حلف الآخر وأخذ، ولو
امتنعا معا من اليمين قضي في النصف المتنازع فيه بالسوية، فيكون نصفه لزيد
ونصفه الآخر لعمرو، فيكون لزيد الذي ادعى كل الدار ثلاثة أرباعها ولعمرو
الذي ادعى نصفها ربعها.
وكذلك الحكم لو كانت الدار في يد ثالث ولم يكن لأحدهما بينة فإنه
يقسم النصف المتنازع فيه بينهما على السوية.
230

حكم ما لو ادعيا ذلك ويدهما عليها مع البينة:
قال المحقق: (ولو كانت يدهما على الدار وادعى أحدهما الكل والآخر
النصف وأقام كل منهما بينة كانت لمدعي الكل ولم يكن لمدعي النصف شئ، لأن
بينة ذي اليد بما في يده غير مقبولة)
أقول: وهذا هو الفرع الثالث في المسألة، وذلك أن يدعي أحدهما كل
الدار والآخر النصف وهما واجدان للبينة وهي في يدهما لا في يد ثالث، فالمشهور
على أن الدار كلها لمدعي الكل وأن ليس لمدعي النصف شئ منها، وذلك
لأن المفروض خروج نصف الدار عن النزاع، فيكون النصف الذي بيد مدعي
الكل ملكا له لأنه مدع بلا معارض بالنسبة إليه، وحيث إنه يدعي النصف الآخر
بيد خصمه فهو بالنسبة إلى ذاك النصف خارج والخصم داخل، ومذهب المشهور
تقديم بينة الخارج وسقوط بينة الداخل، فيكون النصف الثاني له كالأول، فالدار
كلها له ولم يكن لمدعي النصف شئ.
نعم لو لم يكن لمدعي الكل بينة كان القول قول مدعي النصف مع يمينه،
فإذا حلف أبقى النصف في يده، فتكون الدار بينهما نصفين.
هذا هو المشهور.
وعن ابن الجنيد: أنه يقتسمان الدار مع البينة وعدمها على طريق (العول) (1)
فيجعل في مفروض المسألة لمدعي الكل الثلثان ولمدعي النصف الثلث، وقد فرض
رحمه الله المسألة في ما لو كانت العين في أيدي المتداعيين، لكن التأمل في كلامه

(1) (العول) تقسيم النقصان بالقدر المساوي على الشركاء وهو يذكر في موارد منها
تركة الميت، ومنها المال الذي تعلق به حق الديان، ومنها ما نحن فيه.
مثلا: إذا كان لأحد الشريكين في ال‍ / (36) 12 درهما وللآخر (24) فتلف من المجموع
/ 2 1 / درهم، فإنه يقسم هذا العدد التالف بينهما بالعدل، فيقال العدد يشكل ثلث المجموع
فينقض من كل من الشريكين ثلث ما كان له، فيعطى لصاحب ال‍ / 12 / ثمانية، ولصاحب
ال‍ / 4 2 / ستة عشر درهما.
231

المنقول في المختلف يفيد أنه لا يفرق بين الصور فراجعه.
وفي المسالك لأن المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها بل كل
واحد من أجزائها لا يخلو من دعوى كل منهما باعتبار الإشاعة، فلا يتم ما ذكروه
من خلوص النصف لمدعي الكل بغير منازع، بل كل جزء يدعي مدعي النصف
نصفه ومدعي الكل كله، ونسبة إحدى الدعويين إلى الأخرى بالثلث، فتقسم العين
أثلاثا، واحد لمدعي النصف واثنان لمدعي الكل، فيكون كضرب الديان في مال
المفلس والميت.
وفي المختلف وافق ابن الجنيد على ذلك مع زيادة المدعيين على اثنين.
وقال في الجواهر: (يمكن أن يكون مبنى كلام ابن الجنيد على دعوى ظهور
نصوص التنصيف بعد الاقراع وعدم اليمين منهما في العول، ضرورة أن بينة كل
منهما تقتضي الكل وهما متعذران فيحصل النقصان عليهما، ومن هنا اتجه التعدية
إلى التثليث لو كانوا ثلاثة والتربيع لو كانوا أربعة وهكذا، وليس إلا لما ذكرنا.
ومنه مفروض المسألة التي لا يمكن الجمع فيها بين بينة النصف مثلا وبين
بينة الكل، فنقول في النصف كما عالت في الأول، فيوزع عليهما أثلاثا، لأن نسبة
الكل إلى النصف كذلك، فالعول عنده نحو العول في الفرائض لولا نصوص أهل
العصمة (ع)، لقضاء كل بينة مثلا بمقتضاها نحو قوله للزوج النصف وللأختين من
الأب الثلثان ومن الأم الثلث، لا مثل العول في تزاحم الديون على التركة الذي
مرجعه عند التأمل أيضا إلى ذلك).
أقول: إن الخلاف بين المشهور وابن الجنيد يرجع إلى أن المشهور يقولون
بتقسيم مدلول البينتين ومورد النزاع بينهما، وابن الجنيد يقول بتقسيم مورد دعوى
المدعيين وهو الكل من أحدهما والنصف من الآخر والمفروض هو الإشاعة،
فيكون الحاصل عدم استثناء النصف بناء على الثاني واستثناؤه بناء على الأول،
فالدليل الأول لما ذهب إليه ابن الجنيد هو الإشاعة في الأجزاء، والثاني ما ذكره
232

صاحب الجواهر من دعوى ظهور نصوص التنصيف بعد الاقراع وعدم اليمين
منهما في العول.
قلت: أما الأول ففيه: أن تصرف أحد المالكين في الملك المشاع يكون على
نحوين، أحدهما غير جائز وهو التصرف الخارجي لتوقفه في كل جزء على إذن
الشريك، والآخر جائز بلا إذن منه مثل أن يبيع نصفه المشاع، وما نحن فيه وهو
اثبات الملكية بالبينة كالبيع المذكور فإنه ليس تصرفا في مال الشريك.
وبعبارة أخرى: العوارض الخارجية التي تعرض العين المملوكة على الإشاعة
يتوقف ايرادها على إذن الشريك، وأما العوارض التي تعرض الملكية كالبيع
فلا، وما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأول، فيكون النصف المشاع الذي لا معارض
لمدعي الكل بالنسبة إليه ملكا له، ويقع التعارض بين البينتين في النصف الآخر
فهو مورد النزاع، وطريق رفع هذا النزاع في صورة تساوي البينتين تقسيمه بينهما
بالتنصيف، كما إذا كان مورد النزاع عينا منحازة يدعيها كل واحد من المدعيين.
وأما الثاني ففيه كما في الجواهر إن محل النصوص حيث لا يسلم جزء من العين
لا نزاع في، أما في المفروض فلا دلالة فيها عليه، بل لعل ظاهر مرسل ابن المغيرة (1)
عن الصادق عليه السلام: (في رجلين كان بينهما درهمان، فقال أحدهما الدرهمان لي
وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الذي قال: هما بيني
وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شئ وأنه لصاحبه، وأما الآخر فبينهما)
خلاف ذلك (وكذا مرسل ابن أبي حمزة (2) عنه أيضا).

(1) وسائل الشيعة 13 / 169 الباب 9 من كتاب الصلح.
(في رجلين كان بينهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر:
هما بيني وبينك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد أقر أن الدرهمين ليس له فيه شئ
وأنه لصاحبه، وأما الاخر فبينهما) التهذيب 6 / 292.
233

هذا وقد فصل المحقق العراقي في المقام فقال: (لو ادعى دارا في يد زيد
بأجمعها وادعى عمرو نصفها فتارة تكون دعوى التمام بسبب غير قابل للتفكيك بين
النصفين وأخرى على نحو قابل للتفكيك بينهما من حيث الصدق والكذب، فعلى
الأول: تكون دعوى النصف مزاحمة لدعوى التمام دون الآخر، ولازمه حينئذ
تزاحم بينهما، وفي مثله لا مجال لتوهم الأخذ بالبينة بالنسبة إلى النصف بلا معارض
بل ولا مجال للأخذ بدعواه بملاك الدعوى بلا معارض، لما عرفت من أن دعوى
الملكية على النحو المزبور معارض بدعوى النصف من غيره.))
أي: إن قال أحدهما بأن هذه الدابة نتجت عندي، أي كلها لي، وقال
الآخر: هي بيننا أي على النصف من جهة الإرث، فإذا أقاما البينة على دعواهما
كانت البينتان متعارضتين وليس في البين قدر متفق عليه بين الطرفين، وحينئذ
يحكم بينهما على طريق العول. نعم إذ قال هذا هي كلها لي، فقال الآخر: قد بعتني
نصفها، فهنا لا نزاع في أحد النصفين.
هذا توضيح ما ذكره، لكن نقول: إن كانت حجية البينة في باب القضاء
من باب الطريقية إلى الواقع، فإن البينة القائمة على ملكية النصف بالإرث تسقط عن
الطريقية والكاشفية مع وجود المعارض، وهو البينة القائمة على ملكية الكل بالنتاج،
لكن البينة هنا جعلت حجة لأجل فصل الخصومة ورفع النزاع، فإذا أقامها أحدهما
على ملكية الكل والآخر على ملكية النصف فقد جعل الشارع الحكم بالتنصيف
لفصل الخصومة مع أن الحاكم يعلم علما اجماليا بكذب إحدى البينتين.
وبما ذكرنا أجاب المحقق الآشتياني عن توجيه صاحب الجواهر لمذهب
ابن الجنيد بأن الطرفين مالكان لجميع الأجزاء على الإشاعة فقال: بأن ما ذكره يتم
بناء على الطريقية، وأما بناء على السببية فلا، فإن دليل حجية البينة في باب القضاء
يقتضي سببية البينة فيحكم بحسبها حكما ظاهريا، وعلى هذا فالنصف الذي لا يدعيه
أحدهما يخرج عن محل النزاع وتكون بينة الآخر سببا لملكيته له، ويبقى النصف
234

الآخر ويتعارض السببان فيه فيقسم بينهما بالتنصيف فيتم رأي المشهور.
وأجاب عن الدليل الأول بأن مجرد وقوع النزاع على سبيل الإشاعة السارية
في جميع الأجزاء لا يقتضي عدم سلامة جزء لمدعي الكل، إذ كما يقال إن كل
جزء يفرض من العين يريد مدعي النصف نصفه، كذلك يقال إن كل جزء يريد مدعي
النصف من المجموع نصفه يبقى نصفه الآخر لمدعي الكل بلا منازع، ومدعي
الكل وإن كان مقصوده رفع يد مدعي النصف من كل جزء لكن بالنسبة إلى نصفه،
فهو إنما يقيم البينة على المجموع من حيث اشتماله على المدعي وهو النصف، لا
أن يكون المقصود هو اثبات الكل من البينة من حيث الكل كما قد يتوهم، فالتزاحم
إنما وقع حقيقة بالنسبة إلى نصف الكل، فلا بد من الحكم بتقسيم البينتين بالنسبة إليه
فتقسم العين أرباعا، ثلاثة أرباع لمدعي الكل وواحد لمدعي النصف.
حكم ما لو ادعى أحدهم نصف الدار والآخر الثلث والثالث السدس
ويدهم عليها:
قال المحقق قدس سره: (ولو ادعى أحدهم النصف والآخر الثلث والثالث
السدس وكانت يدهم عليها فيد كل واحد منهم على الثلث، لكن صاحب الثلث
لا يدعي زيادة على ما في يده، وصاحب السدس يفضل في يده ما لا يدعيه هو ولا مدعي
الثلث، فيكون لمدعي النصف، فيكمل له النصف).
أقول: الحكم في هذا الفرع واضح، ولا فرق في ذلك بين إقامتهم البينة
وعدمها، ومن هنا قال المحقق: (وكذا لو قامت لكل منهم بينة بدعواه).
قال في الجواهر: (وكأن المصنف نبه على حكمها لمكان خلاف بعض
العامة فيها، حيث جعل مع إقامتهم البينة لمدعي النصف ثلثا ونصف سدس، بناء
على أن السدس الزائد على ما في يده لا يدعيه على مدعي السدس خاصة، بل إنما
يدعيه شائعا في بقية الدار وهي في يد الآخرين جميعا، فنصفه على مدعي الثلث
وعارضت فيه بينته وترجحت باليد على تقدير إقامتهما البينة، وقدم قول ذي اليد
235

على تقدير عدمها، ونصفه على مدعي السدس فيحكم به لمدعي النصف ببينته،
لأن بينة مدعي السدس لا تعارضها، فيجعل لمدعي النصف ثلث ونصف سدس،
وللآخرين مدعاهما، ويبقى بيد مدعي السدس نصف سدس لا يدعيه أحد)).
وفيه أولا: أن هذا القول مبني على تقديم بينة الداخل وهو خلاف التحقيق.
وثانيا: أن الدعوى ليست على الآخرين، بل إنه يدعي كون نصف الدار له،
وحينئذ تكون يد ذي اليد كالعدم، فلا بيد حتى يقال بتقدم بينة ذي اليد.
وثالثا: أن صاحب السدس يقر بعدم ملكيته للقدر الزائد الذي في يده، فلما ذا
لا يؤخذ منه ذلك لمدعي النصف الذي يدعيه مع وجود البينة.
حكم ما لو ادعى أحدهم الكل والآخر النصف والثالث الثلث:
قال المحقق قدس سره: (ولو ادعى أحدهم الكل والآخر النصف والثالث
الثلث ولا بينة، قضي لكل واحد بالثلث، لأن يده عليه، وعلى الثاني والثالث
اليمين لمدعي الكل، وعليه وعلى مدعي الثلث اليمين لمدعي النصف).
أقول: في هذا الفرع خمس صور، ذكر المحقق قدس سره منها صورتين
وصاحب الجواهر قدس سره ثلاث صور:
فالصورة الأولى من الصورتين: أن لا تكون لأحدهم بينة، والحكم فيها ما
ذكره المحقق قدس سره من أنه يكون لكل واحد منهم منا في يده وهو الثلث، غير
أن مدعي النصف ومدعي الثلث يحلفان لمدعي الكل، لأن الخارج له مع عدم
البينة حق اليمين على الداخل، كما أن لمدعي النصف حق اليمين على مدعي
الثلث في مقابل نصف السدس وعلى مدعي الكل في مقابل النصف الآخر.
والصورة الثانية منهما: أن يكون لكل منهم بينة. قال المحقق: (وإن أقام
كل منهم بينة، فإن قضينا مع التعارض ببينة الداخل فالحكم كما لو لم تكن بينه،
لأن لكل واحد بينة ويدا على الثلث.
وإن قضينا ببينة الخارج وهو الأصح كان لمدعي الكل مما في يده ثلاثة من
236

اثني عشر بغير منازع، والأربعة التي في يد مدعي النصف لقيام البينة لقيام البينة لصاحب
الكل بها وسقوط بينة صاحب النصف بالنظر إليها إذ لا تقبل بينة ذي اليد، وثلاثة
مما في يد مدعي الثلث، ويبقى واحد مما في يد مدعي الكل لمدعي النصف،
وواحد مما في يد مدعي الثلث يدعيه كل واحد من مدعي النصف ومدعي الكل،
يقرع بينهما ويحلف من يخرج اسمه ويقضى له، فإن امتنعا قسم بينهما نصفين.
فيحصل لصاحب الكل عشرة ونصف، ولصاحب النصف واحد ونصف
وتسقط دعوى مدعي الثلث).
أي: أنه حيث يكون لكل منهم بينة مع اليد يحكم الحكم لكل بما في يده،
لكن بينة كل واحد منهم بالنسبة إلى ما يدعيه مما في يد الآخر بينة الخارج، فمدعي
النصف تتقدم بينته في نصف السدس في يد مدعي الكل فيأخذه، ثم إن مدعي الكل
يدعي على مدعي النصف فيأخذ منه الأربعة، ويدعي على مدعي الثلث كل ما في
يده، لكن مدعي النصف يطالب بنصف السدس فيقع التعارض فيه بين مدعي الكل
ومدعي النصف فيقترع، فمن خرج اسمه وحلف أخذ، فإن امتنع فالآخر، وحيث
يمتنعان عن اليمين فالتنصيف. فيكون لمدعي الكل من الاثني عشر 5 / 10 ولمدعي
النصف 5 / 1. ولا شئ لمدعي الثلث لسقوط دعواه من جهة كون بينته داخلة، وقد
ذكرنا أنها لا تؤثر مع وجود الخارج.
وأما الصور الثلاث التي ذكرها صاحب الجواهر:
فالأولى: أن يكون لمدعي الكل فقط بينته، وحينئذ فهو خارج بالنسبة إلى
ما في يد الآخرين، فيحكم له ببينة ويكون الكل له.
والثانية: أن يكون لمدعي الثلث فقط بينة. وحينئذ يأخذ ما في يده من غير
يمين إن قلنا بكفاية البينة عنه. وفي كشف اللثام: (أخذه أي الثلث الذي بيده
أو الذي بأيدي الباقين) والباقي يكون بين الآخرين، لمدعي الكل السدس من
الباقي بغير يمين لعدم المنازع له فيه، ويحلف على السدس الآخر الذي يدعيه الآن
237

مدعي النصف عليه، كما أن مدعي النصف يحلف على جميع ما يأخذه من السدسين
لمدعي الكل الذي يدعيهما عليه.
والثالثة أن يكون لمدعي النصف فقط بينة، فإنه يأخذ من كل من الآخرين
نصف سدس فيتم له مع ما في يده النصف الذي يدعيه. ثم إن النصف الباقي يقسم
بين الآخرين بالتساوي، فيكون لكل منهما سدس ونصف أي لكل 3 من 12 قاله في
الجواهر.
وفيه: أنه بعد ما أخذ مدعي النصف نصفه يكون السدس من النصف الباقي
خارجا عن النزاع فيكون لمدعي الكل، ويبقى النزاع في السدسين الباقيين وهي
الأربعة التي بيد مدعي الثلث فإن كلا من مدعي الكل ومدعي الثلث يدعيه وحيث
لا بينة يقسم بينهما بالتنصيف، فيتحصل من ذلك أنه يعطى لمدعي النصف 6 ولمدعي
الكل 4 ولمدعي الثلث 2، فما ذكره قدس سره لا يتم على مذهب المشهور ولا على
مذهب ابن الجنيد.
وقال كاشف اللثام أنه بناء على عدم سماع بينة الداخل يأخذ مدعي النصف
إن أقام البينة ثلاثة من مدعي الكل وثلاثة من مدعي الثلث ويرفع اليد عن الثلث
أي الأربعة الذي في يده لهما.
وكذا قال فيما لو أقام مدعي الثلث البينة وأسقطنا بينة الداخل.
لكن القدر المتيقن من تقدم الخارج على الداخل أن يكون الشئ المتنازع
فيه مفروزا غير مشاع، وأما فيما نحن فيه تكون الدعوى على الحق المشاع في
مورد الدار، قال في الجواهر: وقد يناقش فيه بأنه لا يتم ذلك في المشاع، بل
مناف لما تسمعه من إقامة كل منهم البينة المنزلة على ما في يده إلا ما زاد عليه، على
أن البينة لا تزيد على اثبات المشاع الذي كانت تقتضيه اليد، وكأن الذي أحوجه
إلى ذلك ذكر هم البينة هنا.
وظاهر هم عدم الاحتياج معها إلى يمين مع معروفية تقديم بينة الخارج عندهم،
238

كمعروفية عدم الاكتفاء بها عن اليمين في الداخل، ومع هذه المقدمات يقتضي
تنزيل مفاد البينة على الخارج بالتقرير الذي ذكره.
إلا أن ذلك كله كما ترى، بل كلام الأصحاب فيما لو أقام كل منهم البينة
كالصريح في خلافه، فلا محيص عن حمل كلامهم هنا على تقدير تقدم بينة الداخل
أو على الاكتفاء بها عن اليمين، أو التزام اليمين على ما في اليد فتأمل.
أقول: لعل وجهه إن وجود الفرق بين الأجزاء المشاعة والأجزاء المنحاز
بعضها عن بعض واضح، لأنه في المشاع لما يضع الثلاثة أيديهم يكون بيد كل ثلث
عرفا، إلا أنه لا يملك كل واحد ما كان تحت يده بل تعتبر السلطنة لكل على الثلث
المشاع، ويعرض كل ثلث ما يعرض المشاع كجواز بيع السهم المشاع في كل
الأجزاء. فمن قال بحجية بينة ذي اليد فدليله العمومات وهي هنا تتقدم بتأيدها باليد
ومن قال بتقدم بينة الخارج فدليله التفصيل في الحديث لكونه قاطعا للشركة.
لكن الملاك الموجود في الجزء المنحاز موجود في هذا المقام، فيكون
جواب الجواهر عن كلام كاشف اللثام فيه تأمل، أي يمكن أن يقول العلماء في
الثلث المشاع كقولهم في المنحاز لوحدة الملاك.
ولو كانت يدهم جميعا خارجة واعترف ذو اليد بأنه لا يملكها ولا بينة فللمستوعب
النصف، لعدم المنازع له فيه من كل من مدعي النصف والثلث، ويقرع في النصف
الآخر، فإن خرجت لمدعي الكل أو للثاني حلف وأخذ، وإن خرجت للثالث حلف
وأخذ الثلث، ثم يقرع بين الآخرين في السدس، فمن خرج حلف وأخذ.
ولو أقام أحدهم خاصة بينة، فإن كانت لمدعي الكل أخذ الجميع، وإن
أقامها مدعي النصف أخذه، ويبقى لمدعي الكل السدس بغير منازع، والثلث
يتنازع فيه مع مدعيه، والحكم فيه كما لو لم تكن بينة، ولو أقامها مدعي الثلث
أخذه ولمدعي الكل السدس أيضا بغير منازع، والنصف يقرع فيه بين مدعيه
ومدعي الكل.
239

وإن أقام كل منهم بينة وتساوت فالنصف لمدعي الكل لعدم المنازع له
فيه، والسدس الزائد على الثلث يتنازعه مدعي الكل ومدعي النصف، وقد تعارضت
فيه بينتاهما، والثلث يدعيه الثلاثة وقد تعارضت فيه البينات الثلاث، فيقرع بين
المتنازعين فيما تنازعوا فيه، فمن خرج اسمه حلف وأخذ، وإن نكلوا اقتسموا
المتنازع فيه، فيقسم مدعي الكل ومدعي النصف السدس بينهما نصفين، لأنهما
يتنازعان فيه، دون مدعي الثلث، وأما الثلث فيقتسمونه أثلاثا بينهم، فيكون لمدعي
الكل النصف بلا منازع ونصف السدس وثلث الثلث ولمدعي النصف ثلث الثلث
ونصف السدس، ولمدعي الثلث ثلث الثلث خاصة وهو التسع.
وتصح في ستة وثلاثين، للمستوعب خمسة وعشرون: ثمانية عشر بلا نزاع،
وثلاثة نصف السدس الزائد، وأربعة ثلث الثلث.
ولمدعي النصف سبعة: ثلاثة نصف السدس، وأربعة ثلث الثلث.
ولمدعي الثلث أربعة، ثلث الثلث.
وأما على العول الذي ذهب إليه ابن الجنيد فتصح في أحد عشر: لمدعي
الكل ستة، ولمدعي النصف ثلاثة، ولمدعي الثلث ثلثان، لأن فريضتهم من ستة،
ويعال عليها نصفها وثلثها.
حكم ما لو كانت في يد أربعة.
قال المحقق قدس سره: (ولو كانت في يد أربعة، فادعى أحدهم الكل والآخر
الثلثين والثالث النصف والرابع الثلث ففي يد كل واحد ربعها. فإن لم تكن بينة
قضينا لكل واحد بما في يده، وأحلفنا كلا منهم لصاحبه).
أقول: أي أنه في صورة عدم البينة لما كان لكل واحد منهم يد على ربع
العين فإن اليد مع اليمين حجة، فحجة كل واحد منهم حينئذ معارضة بحجية الآخر
فلا شئ لأحدهم بلا منازع.
240

قال: (ولو كانت يدهم خارجة ولكل بينة خلص لصاحب الكل الثلث، إذ
لا مزاحم له).
أقول: قال في الجواهر: مع تداخل الدعاوي بعضها في بعض وإرادة
القضاء فيها أجمع، لا أن له ذلك على كل حال، حتى لو أراد رفع اليد عن الدعوى
أو كانت الدعاوي مترتبة وكان القضاء بين كل واحدة مع الأخرى مستقلا، إلا
مع اقرار المدعي بالثلث مثلا أن له ذلك في النصف المدعى به مثلا.
قال: (ويبقى التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين في السدس فيقرع
بينهما فيه).
أقول: قد عرفت مرارا إن القرعة تكون مع تساوي البينتين عددا وعدالة،
وحينئذ فمن خرج اسمه حلف وأخذ وإلا حلف الآخر، فإن امتنعا قسم بينهما نصفين.
قال: (ثم يقع التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين ومدعي النصف
في السدس أيضا، فيقرع بينهم فيه).
أي: على ما تقدم من اشتراط التساوي.
قال: (ثم يقع التعارض بين الأربعة في الثلث فيقرع بينهم، ويختص به من
تقع القرعة له، ولا يقضى لمن يخرج اسمه إلا مع اليمين).
فإن قيل: إذا كان المرجع هو القرعة، فإن من الممكن أن تخرج القرعة
لمدعي الكل في كل مرة.
فأجاب المحقق قده بقوله: (ولا يستعظم أن يحصل بالقرعة الكل لمدعي الكل، فإن ما حكم الله تعالى به غير مخطئ).
قال: (ولو نكل الجميع عن الأيمان قسمنا ما يقع التدافع فيه بين المتنازعين
في كل مرتبة بالسوية).
هذا هو الحكم في كيفية القسمة.
قال: (فتصح القسمة من ستة وثلاثين سهما:
241

(لمدعي الكل عشرون) اثنا عشر بلا نزاع، وثلاثة نصف السدس الذي
تنازع فيه مع مدعي الثلثين، واثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه معه أيضا ومع
مدعي النصف، وثلاثة ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.
(ولمدعي الثلثين ثمانية) ثلاثة نصف السدس الذي تنازع فيه مع مدعي
الكل، واثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه معه أيضا ومع مدعي النصف، وثلاثة ربع
الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.
(ولمدعي النصف خمسة) اثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه مدعي الجميع
ومدعي الثلثين، وثلاثة ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.
(ولمدعي النصف خمسة) اثنان ثلث السدس تنازع فيه مدعي الجميع ومدعي
الثلثين، وثلاثة ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.
(ولمدعي الثلث ثلاثة) ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.
هذا إن أقام كلهم بينة.
وإن أقام أحدهم فقط بينة حكم له.
هذا كله مع خروج المدعى به عن أيديهم.
قال المحقق: (ولو كان المدعى في يد الأربعة، ففي يد كل واحد ربعها. فإذا
أقام كل واحد منهم بينة بدعواه قال الشيخ: يقضى لكل واحد بالربع، لأن له
بينة ويدا).
أي: بناء من الشيخ على تقديم بينة الداخل على الخارج.
(والوجه القضاء ببينة الخارج على ما قررناه) فيما سبق.
وعلى المختار: ((فيسقط اعتبار بينة كل واحد بالنظر إلى ما في يده، ويكون
ثمرتها فيما يدعيه مما في يد غيره، فيجمع بين كل ثلاثة على ما في يد الرابع وينتزعه
لهم، ويقضى فيه بالقرعة واليمين، ومع الامتناع بالقسمة، فيجمع بين مدعي الكل
والنصف والثلث على ما في يد مدعي الثلثين، وذلك ربع اثنين وسبعين)
242

لأنا نريد عددا لربعه ثلث وتسع ولتسع ربعه نصف، والاثنان والسبعون كذلك
(وهو) أي الربع ثمانية عشر.
فمدعي الكل يدعيها أجمع، ومدعي النصف يدعي منها ستة، ومدعي الثلث
يدعي اثنين.
وعلى هذا: (فتكون عشرة منها لمدعي الكل لقيام البينة بالجميع الذي تدخل
فيه العشرة، ويبقى ما يدعيه صاحب النصف وهو ستة يقرع بينه وبين مدعي الكل
فيها ويحلف) أي من خرج اسمه ويأخذ، وإن امتنع حلف الآخر وأخذ (ومع
الامتناع يقسم بينهما) نصفين كما عرفت.
(وما يدعيه صاحب الثلث وهو اثنان يقرع عليه بين مدعي الكل وبينة،
فمن خرج اسمه أحلف وأعطى، ولو امتنعا قسم بينهما) نصفين كما عرفت.
(ثم يجمع دعوى الثلاثة على ما في يد مدعي النصف، فصاحب الثلثين
يدعي عليه عشرة) وذلك لأنه يدعي الثلثين وهو ثمانية وأربعون من الاثنين
والسبعين وبيده ثمانية عشر، فالباقي له ثلاثون، على كل من الثلاثة الآخرين عشرة.
(ومدعي الثلث يدعي اثنين. ويبقى في يده) أي في يد مدعي النصف وهو
الثمانية عشر (ستة لا يدعيها إلا مدعي الجميع، فتكون) أي الستة (له) أي لمدعي الكل لقيام البينة على الجميع الذي تدخل فيه (ويقارع الأخيرين) أي في العشرة
والاثنين (ثم يحلف) من يخرج اسمه ويأخذ وإلا فالآخر (وإن امتنعوا أخذ نصف
ما ادعياه) من كل واحد منهما، فيأخذ من العشرة خمسة ومن الاثنين واحدا.
(ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الثلث وهو ثمانية عشر، فمدعي
الثلثين يدعي منه عشرة، ومدعي النصف يدعي ستة، ويبقى اثنان لمدعي الكل.
ويقارع على ما أفرد للآخرين، فإن امتنعوا عن الأيمان قسم ذلك بين مدعي الكل
وبين كل واحد منهما بما ادعاه).
(ثم تجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الكل) وهو ثمانية عشر (فمدعي
243

الثلثين يدعي عشرة ومدعي النصف يدعي ستة ومدعي الثلث يدعي اثنين، فتخلص
يده عما كان فيها) لأن ذلك تمام ثمانية عشر.
(فيكمل لمدعي الكل ستة وثلاثون من أصل اثنين وسبعين) وذلك أربعة
عشر مما في يد مدعي الثلثين واثنا عشر مما في يد مدعي النصف وعشرة مما في
يد مدعي الثلث.
(ولمدعي الثلثين عشرون) وذلك خمسة مما في يد مدعي النصف وخمسة
أخرى مما في يد مدعي الثلث، وعشرة مما في يد مدعي الكل.
(ولمدعي النصف اثنا عشر) وذلك ثلاثة مما في يد مدعي الثلثين وثلاثة
أخرى مما في يد مدعي الثلث، وستة مما في يد مدعي الكل.
(ولمدعي الثلث أربعة). وذلك اثنان مما في يد مدعي الكل، واثنان مما
في أيدي الباقين.
(هذا إن امتنع صاحب القرعة عن اليمين ومنازعه) وإلا كان الحاصل غير ذلك.
هذا إن أقام كل منهم ببينة.
ولو أقام أحدهم خاصة بينة حكم له كما هو ظاهر.
244

(المسألة السابعة)
(حكم تداعي الزوجين متاع البيت)
قال المحقق قدس سره: (إذا تداعى الزوجان متاع البيت قضي لمن قامت
له البينة. وإن لم تكن بينة فيد كل واحد منهما على نصفه. قال في المبسوط:
يحلف كل منهما لصاحبه. وقال في الخلاف: ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح
للنساء للمرأة وما يصلح لهما يقسم بينهما وفي رواية أنه للمرأة. وما ذكره في
الخلاف أشهر في الروايات وأظهر في الأصحاب).
أقول: إذا تداعى الزوجان متاع البيت بأن ادعى كل منهما ملكية المتاع
الموجود في بيتهما، فإما تكون بينة وإما لا تكون، فإن كانت قضي بالمتاع لمن
قامت له البينة سواء كان الرجل أو المرأة بلا خلاف كما في الجواهر عن الرياض.
وإن لم تكن بينة فيد كل واحد من الزوجين تكون على نصف المتاع الذي
في يدهما، لكن كلا منهما يدعي النصف الآخر فما هو الحكم؟
في المسألة ثلاثة أقوال أو أربعة، ومنشأ تعدد الأقوال والخلاف بين الأصحاب
هو اختلاف أخبار المسألة، والأقوال ثلاثة منها للشيخ:
فالأول: أنه يحلف كل منهما للآخر، كغير المتاع من الأشياء حيث يتداعى
فيه اثنان أو أكثر مع كون الشئ في أيديهما (سواء كان مما يختص بالرجال
245

أو النساء أو يصلح لهما، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما، وسواء كانت
الزوجية باقية أو زائلة، ويستوى في ذلك تنازع الزوجين والوارث) وهذا ما قاله
الشيخ في المبسوط وتبعه العلامة في القواعد، وفخر المحققين في الايضاح كما في
الجواهر، وقد أشرنا إلى دليله.
والثاني: أن ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وما يصلح
لهما يقسم بينهما. وهذا ما قاله الشيخ في الخلاف وتبعه العلامة في التحرير،
والشهيد في الدروس، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، بل عن الخلاف والسرائر
الاجماع عليه.
ويدل عليه مع الاجماع المذكور عدة أخبار عمدتها صحيح النخاس
الآتي.
والثالث: أن المتاع كله للمرأة (لأنها تأتي بالمتاع من أهلها) وهذا ما
أفتى به الشيخ في الاستبصار كما في الجواهر، ويدل عليه صحيح عبد الرحمن بن
الحجاج الآتي.
فهذه ثلاثة أقوال، وقد اختار المحقق هنا وفي النافع القول الثاني منها،
ونسبه في نكت النهاية إلى المشهور، وعن العلامة في المختلف الرجوع في المسألة
إلى العرف والعادة حيث قال: (والمعتمد أن نقول إنه إن كان هناك قضاء عرفي
يرجع إليه ويحكم به بعد اليمين، وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي.
لنا: إن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرنا،
ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل، وبأن المتشبث أولى من
الخارج، لقضاء العادة بملكية ما في يد الانسان غالبا، وحكم بايجاب البينة على من
يدعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدعي الظاهر، وأما مع انتقاء العرف فلتصادم
الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها.
246

واعلم أن ما رواه الشيخ من الأحاديث يعطى ما فصلناه نحن أولا. ويدل عليه
حكمه عليه السلام بأن العادة قاضية بأن المرأة تأتي بالجهاز من بيتها فحكم لها به، وإن العادة
قاضية بأن ما يصلح للرجال خاصة فإنه يكون من مقتضياته دون مقتضيات المرأة،
وكذا ما يصلح للمرأة خاصة فإنه يكون من مقتضياتها دون مقتضيات الرجل، والمشترك
يكون للمرأة قضاءا لحق العادة الشائعة. ولو فرض خلاف هذه العادة في وقت
من الأوقات أو صقع من الأصقاع لم يحكم لها).
وهذا الذي ذكره العلامة جعله في المسالك قولا رابعا في المسألة، لكن
صاحب الجواهر أرجعه إلى القول الثاني، فقال بعد أن أورد عبارة المختلف: (إن
مبناه أولا وآخرا الرجحان الناشئ من العادة ولو لكون الشئ لا يصلح إلا لأحدهما
فإن العادة قاضية بذلك، فمرجع كلام المشهور حينئذ إلى ذلك، خصوصا بعد
تصريح ابن إدريس الذي قد عرفت دعواه الاجماع على ذلك فيما حكي عنه بذلك)
وفي الجواهر عن التنقيح إنه بعد أن اختار القول الأول قال: (لتكافؤ
الدعويين من غير ترجيح، ولأن الحكم بما يصلح له لو كان حقا لزم الحكم بمال
شخص معين لغيره لكونه صالحا لذلك الغير وهو باطل. بيان اللزوم: إنه جاز
أن يموت للمرأة أب أو أخ فترث منه عمائم وطيالسة ودروعا وسلاحا، وتموت
للرجل أم أو أخت فيرث منها حليا ومقانع وقمصا مطرزة بالذهب، ويكون ذلك
تحت أيديهما، فلو حكم لكل بما يصلح له لزم الحكم بمال الانسان لغيره.
لا يقال: قال النبي صلى الله عليه وآله: نحن نحكم بالظاهر والله أعلم بالسرائر. وما ذكرنا
هو الظاهر. لأنا نقول: نمنع إن ذلك هو الظاهر، لأن الظاهر راجح غير مانع
من النقيض، ومع ما ذكرنا من الاحتمال لا رجحان.
وأما ما ذكره العلامة من العرف فممنوع، لأنه لو كان قاعدة شرعية لزم
الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين رجل وامرأة في متاع هذا
شأنه، وهو باطل).
أقول: أما منعه كون الظاهر ذلك فممنوع، وكذا منعه ما ذكره العلامة،
247

والالتزام بما ذكره من اللازم غير بعيد.
وأما اشكال الجواهر على قول العلامة بأن (كلامه عند التأمل في غاية البعد،
إذ حاصله استفادة الحكم الشرعي من الحكم العادي، وهو واضح الفساد، ضرورة
عدم مدخلية للعادة في الأحكام الشرعية. وبالجملة: كلامه لا يرجع إلى حاصل
ينطبق على القواعد الشرعية الموافقة لأصول الإمامية وإن مال إليه جماعة ممن
تأخر عنه).
ففيه: أنه إن كان مراد العلامة كون السيرة العقلائية على ذلك وأنها حجة مع
عدم الردع، فيجوز الرجوع إليها والتعويل عليها فالاشكال غير وارد، بل قوله عليه السلام
(قد علم من بين لابتيها.) يقتضي الامضاء، فما المانع من أن يكون المتعارف
هنا حجة؟
وأما أخبار المسألة فقد عرفت أن عمدتها صحيح النخاس الدال على القول
الثاني، وهو عن الصادق عليه السلام أنه قال (إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما
يكون للنساء، وما يكون للرجال والنساء يقسم بينهما. قال: وإذا طلق الرجل
المرأة فادعت أن المتاع لها، وادعى الرجل أن المتاع له كان له، ما للرجل ولها ما
للنساء) (1).
وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج الدال على القول الثالث، قال: (سألني
أبو عبد الله عليه السلام كيف قضى ابن أبي ليلى؟ قلت: قد قضى في مسألة واحدة بأربعة
وجوه، في التي يتوفى عنها زوجها فيجئ أهله وأهلها في متاع البيت، فقضى فيه

(1) وعن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل يموت قبل
المرأة. قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو
بينهما ومن استولى على شئ منه فهو له) وعن زرعة عن سماعة قال: (سألته عن رجل
يموت، ماله متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح والرجل وثياب جلده) وسائل الشيعة
17 / 525.
248

بقول إبراهيم النخعي: ما كان من متاع الرجل فللرجل، وما كان من متاع النساء
فللمرأة وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة قسمه بينهما نصفين.
ثم ترك هذا القول فقال: المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو أن
رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلف البينة، وكذلك المرأة تكلف البينة،
وإلا فالمتاع للرجل. ورجع إلى قول آخر فقال: القضاء إن المتاع للمرأة إلا أن
يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته، ثم ترك هذا القول ورجع إلى قول
إبراهيم الأول.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: القضاء الأخير وإن كان رجع عنه، المتاع متاع
المرأة إلا أن يقيم الرجل البينة، قد علم من بين لابتيها يعني: بين جبلي منى
إن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع ونحن يومئذ بمنى) (1).
ووجه الجمع بينهما: إن دعوى الرجل ملكية ما يصلح للرجل تحتاج إلى
اثبات، لأن المتاع الذي تأتي المرأة به إما ملك لها وإما باق على ملك أبيها،
فلو ادعى التمليك له بهبة أو نحوها كان عليه الاثبات.
ولا يمكن تقييد ملكية المرأة أو أبيها بغير ما يصلح للرجل، لكن العكس
صحيح بأن نقول: كل ما يصلح للرجال فللرجل، إلا إذا كانت المرأة قد جاءت
به من بيت أهلها.
وأما قوله عليه السلام في ذيل خبر النخاس: (ومن استولى على شئ فهو له) فيمكن
أن يكون المراد منه نفس المراد من صدره، أو يراد منه أمر آخر، وهو أنه لو
كان بعض المتاع بيد أحدهما خاصة فهو له، فيكون حاصل الجمع: إن ما كان تحت
يد أحدهما الخاصة دون اليد البيتية فهو له، ثم يقضى في الباقي بكون ما يصلح
للرجال للرجل وما يصلح للمرأة فلها، والمشتركات تقسم والأقرب ظهوره في
هذا المعنى.
وهذا الذي ذكرناه في الجمع بين الخبرين هو مقتضى العرف والعادة.

(1) تهذيب الأحكام 6 / 298 وأنظر ما بعده.
249

وهذا هو الحكم سواء كان النزاع بين الزوجين أو بين ورثة أحدهما
مع الآخر.
حكم ما لو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض المتاع:
قال المحقق: (ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع
أو غيره، كلف البينة كغيره من الأسباب).
أي: لعمومات البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
قال: (وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة).
أقول: هي ضعيفة عند المحقق، وذلك على احتمال في الكافي والتهذيب،
وهي في الفقيه صحيحة جزما على ما قيل كما في الجواهر.
وهي رواية جعفر بن عيسى قال: (كتبت إلى أبي الحسن يعني: علي بن
محمد المرأة تموت فيدعي أبوها أنه كان أعارها بعض ما كان عنده من متاع
وخدم، أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا بينة؟ فكتب إليه عليه السلام: يجوز
بلا بينة.
قال: وكتبت إليه إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها
في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم، أيكون في
ذلك بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب: لا (1).

(1) وسائل الشيعة 18 / 213 عن الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي يعني الأسدي عن
محمد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى.
قال: ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب. ورواه الصدوق باسناده عن محمد بن
عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى. فأما احتمال الضعف في الكافي والتهذيب فالظاهر أنه من جهة (محمد بن إسماعيل وهو البرمكي) بناء على اعتبار جرح ابن الغضائري
لكن عن النجاشي: (ثقة مستقيم).
وأما الجزم بصحة طريق الفقيه فلأن اسناد الصدوق إلى محمد بن عيسى وهو ابن.
عبيد) صحيح، وأن هذا الرجل ثقة عند النجاشي، وقوله مقدم على قول الشيخ لدى التعارض،
إن لم يسقط تضعيف الشيخ هنا لابتنائه على ما ذكره شيخنا الجد المامقاني، وإن أخاه
(جعفر بن عيسى) ثقة.
250

وقد أطنب ابن إدريس في ردها بوجوه، فقال ما نصه كما في الجواهر: (و
لقد شاهدت جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكتاب يطلقون بذلك،
وأن أبا الميتة لو ادعى كل المتاع وجميع المال كان قوله مقبولا بغير بينة، وهذا
خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم، لأنهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد أخطأوا
من وجوه:
أحدها: أنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد عند محصلي أصحابنا على ما كررنا
القول فيه وأطلقناه.
والثاني أن من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلك ولا يعمل به إلا إذا سمعه
من الراوي من لشارع.
والثالث: أن الحديث ما فيه أنه ادعى أبوها جميع متاعها وخدمها، وإنما
قال لبعض ما عندها، ولم يقل لجميع ما كان عندها.
ثم إنه مخالف لأصول المذهب ولما عليه اجماع المسلمين أن المدعي لا
يعطى بمجرد دعواه. ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا، ومن أورده
في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر، وشيخنا المفيد وسيدنا المرتضى لم يتعرضا
له ولا أورداه في كتبهما، وكذلك غيرهما من محققي أصحابنا، وشيخنا أبو جعفر
ما أورده في كتبه بل في كتابين منها فحسب، ايرادا لا اعتقادا، كما أورد أمثاله من
غير اعتقاد لصحته.
ثم شيخنا أبو جعفر الطوسي رجع عنه وضعفه في جواب المسائل الحائريات
المشهورة عنه المعروفة.)
قلت: لكن هذه الوجوه بعضها مبني على مسلكه، وبعضها غير وارد، لأنه
خلاف الظاهر.
251

وكون الرواية مطابقة للقاعدة الشرعية غير بعيد، فإذا أعطى الأب شيئا إلى
ابنته في تجهيزها وغيره، فادعت تمليكه ذلك إياها، فأنكر الأب ذلك، كان القول
قوله، لأن الأصل عدم انتقال الملك.
نعم لو انتقل ما كان بيدها إلى ورثتها، ووقع النزاع بينهم وبين الأب،
فقالوا: هذا لا منا وهو لنا الآن بالإرث، فقال الأب: هو لي ولم أملكها المال، كان
الأب مدعيا وكان عليه إقامة البينة.
فعلى الوجه الأول تكون الرواية مطابقة للقاعدة، وعلى الثاني مخالفة،
والظاهر هو الأول، لأنهم يقرون باعطاء الأب المال لأمهم.
252

الكلام في:
دعوى المواريث
وفيه مسائل:
253

(المسألة الأولى)
لو مات المسلم عن ابنين فتصادقا على اسلام
أحدهما قبل الموت واختلفا في الآخر
قال المحقق قدس سره: (لو مات المسلم عن ابنين، فتصادقا على تقدم
اسلام أحدهما على موت الأب، وادعى الآخر مثله فأنكر أخوه: فالقول قول المتفق
على اسلامه مع يمينه أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه).
أقول: لو مات المسلم عن ابنين مثلا، فتصادق الابنان على اسلام أحدهما
في حال حياة الأب، وادعى الآخر نفس الدعوى لكي يشترك معه في الإرث فأنكر
أخوه ذلك، فالقول قول المتفق على اسلامه قبل موت الأب مع يمينه على عدم
العلم بالنسبة إلى اسلام أخيه قبل موت الأب. كذا ذكره من تعرض لهذه المسألة كما
في الجواهر.
وفي المسألة ثلاث صور: (1) الجهل بتاريخ موت الأب واسلام الابن
المختلف فيه معا. (2) أن يكون تأريخ موت الأب معلوما وتاريخ اسلام الابن
المختلف فيه مجهولا (3) أن يكون تأريخ اسلام الابن المختلف فيه معلوما وتاريخ
موت الأب مجهولا.
255

أما الصورة الأولى: فلا ريب في إرث المتفق عليه دون الآخر، لأن اسلامه مسبوق
بالكفر وتأريخه مجهول، فيستصحب عدمه حتى موت الأب، ويكون أثر هذا الاستصحاب
شرعا عدم استحقاق الولد الذي لم يثبت اسلامه عند موت الأب، والمفروض أن
لا وارث غيره إلا المتفق عليه فيستقل بالتركة بحسب أدلة الإرث.
ولا يعارضه استصحاب عدم الموت حتى زمان الاسلام، لأن هذا الاستصحاب
ليس بحجة، لأنه مثبت.
وأما في الصورة الثانية فكذلك، فإنه يجري الاستصحاب، ويترتب عليه الأثر
الشرعي المذكور.
وأشكل في الجواهر في الحكم المذكور المبتنى على الاستصحاب من
جهتين، إحداهما: إن ظاهر الكون في دار الاسلام هو اسلام الابن، وهذا الظاهر
مقدم على الأصل وهو الاستصحاب. والثانية: بأن الإرث تقتضيه القرابة حسب
الأدلة في كتاب الإرث، والكفر مانع عن الاستحقاق، فإذا وجد المقتضى وهو
هنا الولدية وشك في المانع وهو الكفر أثر المقتضى أثره، فيستحق المختلف فيه
الإرث كأخيه.
وفي كلتا الجهتين نظر، أما الأولى: فإن كون الاسلام ظاهر من في دار
الاسلام صحيح، لكنه يقتضي الحكم باسلام من كان فيها مع الجهل بحاله، وأما
من كان مسبوقا بالكفر يقينا كما في مفروض المسألة فلا يقتضي كونه في
دار الاسلام اسلامه، فلا ظاهر في مقابل الأصل في هذا المقام.
وأما الثانية: فإن قاعدة المقتضى والمانع بناء على تماميتها تجري في
صورة عدم جريان استصحاب المانع، مثلا: إذا تم استصحاب الفسق لا يتحقق
للأب ولاية عند الشك في ثبوتها، مع أن نفس الأبوة مقتضية للولاية.
على أن أدلة إرث الولد مخصصة بعدم كفره سواء كان الكفر مانعا أو
كان الاسلام شرطا ومع الشك في اسلام الولد في حال موت الأب يكون التمسك
256

بأدلة الإرث من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
فالحق ما ذهب إليه المشهور، وإن الاستصحاب يفيد الحكم بعدم الإرث،
أي إن نفس عدم الاسلام كاف لعدمه.
قال المحقق: (وكذا لو كانا مملوكين فأعتقا واتفقا على حرية أحدهما
واختلفا في الآخر).
أي إن ذلك نظير الصورتين المذكورتين، والحكم نفس الحكم لجريان
الاستصحاب كذلك.
و أما الصورة الثالثة فلا يجري فيها الاستصحاب المذكور في الصورتين
السابقتين، و سيذكرها المحقق مستقلة في المسألة الثانية.
حكم ما لو اتفقا على أن أحدهما لم يزل مسلما واختلفا في الآخر:
ولو اتفقا على أن أحدهما لم يزل مسلما واختلفا في الآخر، فقد جزم في
كشف اللثام بأن القول قول الآخر المختلف فيه، واحتمله الشهيد الثاني في المسالك،
لأن ظاهر الدار تشهد له، وليس مع صاحبه أصل يستصحب هنا، لعدم الحالة
السابقة، فالحكم هو اشتراكهما في الإرث، لظاهر دار الاسلام.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين هذا الفرع، وبين الصورتين اللتين قلنا بجريان
الاستصحاب فيهما، فقول صاحب الجواهر: (ومن هنا لو اتفقا) لم يظهر وجهه.
كما لا يجوز التمسك لاستحقاقه بأدلة الإرث، لأنه من التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية.
حكم ما لو ادعى كل منهما أنه لم يزل مسلما وأنكر الآخر:
ولو ادعى كل من الابنين أنه لم يزل مسلما وأنكر الآخر فقال: بل أسملت بعد
موت الأب، فالحكم هو اشتراكهما في الميراث، لأن ظاهر دار الاسلام يشهد لكل
واحد، وفي الاستدلال بعمومات الإرث هنا أيضا ما عرفت.
257

وفي كشف اللثام: (نعم إن كانت الدار دار كفر وكان اسلام المورث
مسبوقا بكفره، احتمل ترجيح الظاهر على الأصل، فلا يرث المختلف فيه ما لم يعلم
انتفاء المانع من إرثه بالبينة، ولو ادعى المختلف فيه علم الآخر بحاله كان له
احلافه على نفيه).
وقد أشكل فيه صاحب الجواهر مشيرا إلى ما ذكره سابقا من اقتضاء الولدية
للإرث، وقد عرفت الاشكال فيه.
كما أن ايراده على قول كاشف اللثام: (ولو اتفقا على كفر كل منهما أو
رقيته زمانا، وادعى كل منهما سبق اسلامه أو حريته على الموت وأنكر الآخر، ولم
تكن بينة، ولا ادعى أحدهما العلم على الآخر، أو ادعاه فحلف على العدم، لم يرث
أحد منهما، لأنه لا إرث ما لم يثبت انتفاء المانع، ولا مجال هنا للحلف، لأن كلا
منهما مدعي لزوال المانع عن نفسه، وأما انكاره ففي الحقيقة انكار لعلمه بزوال المانع
عن الآخر، ولا يفيد الحلف عليه، بل خصمهما في الحقيقة هو الوارث المسلم، فإن
كان غير الإمام عليه السلام حلف على عدم العلم بزوال المانع) غير وارد.
هذا كله مع عدم البينة.
ولو أقام أحد الابنين بينة في الفروع المذكورة قضي له بها.
ولو أقام كل واحد منهما بينة (في صورة اختلافهما بأنه لم يزل مسلما
وصاحبه أسلم بعد موت الأب) كانت بينة المتفق عليه خارجة وبينة الآخر داخلة،
فتقدم بينة المتفق عليه على القول بتقدم بينة الخارج وهو الأقوى كما عرفت سابقا،
وأما مع القول بحجية كلتا البينتين وتكافؤ هما، وعدم تقديم بينة مدعي تقدم الاسلام
لاشتمالها على التقدم الزماني، وهو نقله إلى الاسلام في الوقت السابق من جهة
تناقض البينتين، فالبينتان متعارضتان، والحكم هو القرعة كسائر موارد تعارض البينات.
وفي المسالك: ربما احتمل ضعيفا تقديم بينة المتأخر، بناء على أنه قد يغمى
عليه في التاريخ المتقدم فيظن الشاهدان وهو ضعيف لأنه قدح في الشاهد.
258

(المسألة الثانية)
(حكم ما لو اتفقا إن أحدهما أسلم في شعبان والآخر في أول رمضان)
(واختلفا في تاريخ موت الأب)
قال المحقق: (لو اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان والآخر في غرة رمضان
ثم قال المتقدم: مات الأب قبل شهر رمضان، وقال المتأخر: مات بعد دخول
رمضان. كان الأصل بقاء الحياة، والتركة بينهما نصفين).
أقول: هذه هي الصورة الثالثة من صور المسألة الأولى، وهي صورة العلم
بتاريخ الاسلام والجهل بتاريخ موت الأب، فالذي أسلم في شعبان يقول:
مات في شعبان، وأنت أسلمت في أول شهر رمضان، فلا تستحق للكفر، أو عدم
الاسلام حين الموت، والذي أسلم في شهر رمضان يقول: مات بعد دخول شهر
رمضان، فإنا شريكك في التركة لوجود الشرط وهو الاسلام أو عدم المانع عن
استحقاق الإرث وهو الكفر.
والحكم في هذه المسألة هو اشتراك الأخوين في التركة بالتنصيف، قال
في الجواهر: بلا خلاف ولا اشكال.
ودليل هذا الحكم عند المحقق هو الاستصحاب، حيث قال: (الأصل بقاء
259

الحياة).
وقد عرفت ما فيه فإنه، أصل مثبت.
وعند صاحب الجواهر هو عمومات الإرث بعد عدم ثبوت المانع فالمقتضى
حينئذ بحاله. وفيه ما عرفت من أنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأن
موضوع العمومات هو الولد المسلم في حال موت الأب.
فالدليل هو ظاهر دار الاسلام فتأمل (1).

(1) وجه هذا التأمل هو أن هذا الاسلام مسبوق بالكفر، وقد ذكرنا سابقا إن ظاهر دار
الاسلام يكون في حال عدم الكفر سابقا وأما معه فلا ظاهر.
ويبقى أن يكون الدليل اتفاق الأصحاب في هذه المسألة، لكن المحتمل - إن لم يكن
المقطوع به - كونه مدركيا.
260

(المسألة الثالثة)
(حكم ما لو كانت دار في يد انسان وادعى آخر أنها له ولأخيه إرثا)
قال المحقق قده: (دار في يد انسان وادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب
إرثا عن أبيهما وأقام بينة. فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث سواهما سلم إليه
النصف، وكان الباقي في يد من كانت الدار في يده. وفي الخلاف: وتجعل في
يد أمين حتى يعود، ولا يلزم القابض للنصف إقامة ضمين بما قبض).
أقول: في هذه المسألة فروع:
الأول: إن هذه الدعوى تسمع من هذا الشخص ويقضى له بالبينة الكاملة
أي الواجدة للشرائط على ما سيأتي التي أقامها ويسلم إليه نصف الدار.
وهذا الحكم لا اشكال فيه ولا خلاف كما في الجواهر.
الثاني: وحيث أريد التنصيف للدار فمن يكون القاسم؟
قال في الجواهر: والقاسم الحاكم أو أمينه أو من في يده الدار.
أقول: أما الحاكم فلا كلام في نفوذ تقسيمه لأنه ولي الغائب، وأما أمينه
فكذلك، لأنه يقوم مقام الحاكم بأمره، وأما من في يده الدار فالمفروض انكاره
لحق المدعي، وبذلك يسقط عن الأمانة في نظر المدعي في الأقل، والقاسم يشترط أن
يكون عادلا أمينا كما تقدم في محله، فكيف يكون هذا الانسان قاسما في هذا
المقام؟.
261

الثالث: وإذا سلم نصف الدار إلى المدعي فما هو حكم النصف الآخر
الذي يدعي كونه للأخ الغائب؟ فيه قولان:
أحدهما: أن يكون الباقي في يد من كانت الدار في يده حتى مجئ الغائب.
وهو رأي الشيخ في المبسوط وعليه الشهيد الثاني في المسالك.
والآخر: أن ينتزع الباقي منه ويجعل في يد أمين حتى حضور الغائب.
وهو رأي الشيخ في الخلاف وهو الأقوى عند صاحب الجواهر.
وجه الأول هو: أن البينة حجة بعد دعوى صاحب المال، حيث أن الغائب
غير موجود حتى يدعي، فبينة أخيه لا تثبت ملكية الغائب للنصف الآخر، فيبقى بيد من
كانت الدار في يده كما كان.
ووجه الثاني هو: أن البينة حجة، ولا يتوقف استيفاء الحق على أحكم الحاكم
المتوقف على حضور المدعي ودعواه، وعليه فترفع يد ذلك الانسان عن الباقي.
وقد قدمنا في محله بيان هذين القولين وإن الأقوى هو الثاني.
وقد يجعل منشأ الاختلاف صلاحية قيام أحد الوراث مقام الميت في اثبات
الحق أو الملك، وعدمها بل يكون حق الدعوى لمجموع الورثة، فلو ادعى أحدهم
وأقام البينة ثبت حقه دون غيره؟ فالعلامة في المختلف وكاشف اللثام على الأول،
والشهيد الثاني في المسالك على الثاني.
والظاهر هو الأول، لأن هذا الأخ الحاضر يدعي الإرث ويريد اثباته، فإذا
أقام بينة وأثبته فقد ثبت حقه وحق الغائب، والمفروض أن الغائب إذا حضر لا يطالب
بأكثر من الإرث الذي يستحقه.
الرابع: أنه لو أبقى النصف بيد من كانت الدار في يده فهل يضمن أو لا؟
قال المحقق: لا. للأصل وغيره بعد ثبوت الانحصار بالبينة، ولا يخفى أن
هذا مبني على صحة التضمين بالنسبة إلى الأعيان كالديون.
262

ما هو المراد من البينة الكاملة هنا؟
قال المحقق: (ونعني بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة).
أقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب في معنى البينة الكاملة ها هنا، ففي
المسالك) أن مقتضى عبارة المصنف والأكثر أن المراد بها ذات الخبرة والمعرفة
بأحوال الميت، سواء شهدت بأنها لا تعلم وارثا غيرهما أم لا، وحينئذ تنقسم إلى
ما يثبت بها حق المدعي بأن تشهد بنفي وارث غيره، وإلى غيره وهي التي لا
تشهد بذلك) وقد اختار صاحب المسالك هذا المعنى. وذكر أن الشهادة هي أن
يشهد العدلان بعدم وجود وارث آخر فيما يعلمان) قال: (ولا يجب القطع بل لا
يصح، ولا تبطل به شهادتهم).
وتبعه في ذلك كله كاشف اللثام في تفسير عبارة القواعد التي هي مثل
عبارة المتن.
وفي الجواهر: (الظاهر الاكتفاء في ثبوت الوصفين بشهادتهما بذلك بعد
ثبوت عدالتهما، بل الظاهر كون المراد بكمالها أنها تشهد بالنفي، وحينئذ فعدم
شهادتها بذلك هو عدم كمالها، فقول المصنف: [ولو لم تكن البينة كاملة وشهدت
أنها لا تعلم وارثا غيرهما] بمنزلة التفسير لها كقوله أولا: [وشهدت] إلى آخره).
واعترض على الشهيد الثاني وكاشف اللثام قائلا: (وما أدري ما الذي
دعاهما إلى ذلك؟! مع أن حمل العبارة على إرادة التفسير أولى كما هو صريح
الارشاد، قال: ولو ادعى ما في يد الغير أنه له ولأخيه الغائب بالإرث، وأقام بينة
كاملة، بأن شهدت بنفي وارث غيرهما سلم إليه النصف) ولا ينافي ذلك قوله في المتن
(ونعني) إلى آخره المحمول على إرادة بيان أن الشهادة بالنفي على وجه القطع
لا تكون غالبا إلا من ذي الخبرة الباطنة.
ودعوى المفروغية من الاجتزاء بشهادة ذي الخبرة بنفي العلم محل منع وإن
جزم به في الدروس. كدعوى المفروغية من عدم قبول شهادة غير ذي الخبرة
263

بالنفي على وجه القطع، بل هو في الحقيقة قدح في الشاهد العدل.
فالتحقيق حينئذ الاكتفاء بالشهادة بالنفي من العدل مطلقا، وعدم الاكتفاء بها
إذا كانت بنفي العلم كذلك، إلا إذا أريد من عدم العلم النفي فيما يعلم، فإنها شهادة
بالنفي حينئذ، كما هو ظاهر كلامهم خصوصا الدروس وبهذا المعنى يمكن الفرق
بين ذات الخبرة وغيرها. لكن قد يقال: إن الشهادة بالنفي المزبور أيضا لا تكون
إلا من ذي الخبرة أو شبهة).
أقول: إنه يعتبر في هذه الشهادة ثلاثة أمور أحدها: أن يشهدا بكون الدار
ملكا للميت، والثاني: أن يشهدا بكون الأخوين وارثين، والثالث: أن يشهدا بعدم
وجود وارث غيرهما.
لكن الأصحاب لم يتعرضوا إلى اعتبار الأمر الأول، واختلفوا في الثالث
وأنه هل يشترط أن تكون الشهادة بالنفي على وجه القطع أو لا؟ وظاهر عبارة
المحقق (قده) هو ما ذكره ثاني الشهيدين، وحملها على ما في الجواهر خلاف
ظاهرها.
نعم لا مانع من القول بالاكتفاء بالاستصحاب بالشهادة بالنفي، لخبر معاوية
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع
فيها عياله ثم يأتينا هلاكه، ونحن لا ندري ما أحدث في داره، ولا ندري ما أحدث
له من الولد، إلا إنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا ولا حدث له ولد ولا تقسم هذه
الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل إن هذه الدار دار
فلان بن فلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان أو نشهد على هذا؟ قال: نعم) (1)
حكم ما لو لم تكن البينة كاملة
قال المحقق: (ولو لم تكن البينة كاملة وشهدت أنها لا تعلم وارثا غيرهما
أرجئ التسليم حتى يبحث الحاكم عن الوارث مستقصيا بحيث لو كان وارث لظهر)

(1) وسائل الشيعة 18 / 346 الباب 17 من أبواب الشهادات.
264

أقول: إن كانت البينة كامله دفعت الدار إلى ذي الحق، ولو لم تكن كاملة
أرجئ تسليم الدار حتى يبحث الحاكم عن الوارث مستقصيا بحيث لو كان لبان،
ولا يرجع إلى أصالة عدم الوارث، لأن هذا الأصل لا يفيد انحصار الوارث بالحاضر
في الظاهر، قال في الجواهر: (على أن قاعدة الضرر الحاصل بضمان من في
يده المال لو ظهر بعد ذلك معارضة له، فأصل البراءة من وجوب الدفع إلى هذا الحاضر
الذي لم يعلم انحصار الوارث فيه بحاله).
قال المحقق: (وحينئذ يسلم إلى الحاضر نصيبه ويضمنه استظهارا).
أقول: إن الغرض من تضمين الحاضر هو الاستظهار والاطمينان ببقاء حق
الوارث المحتمل وامكان دفعه إليه لو ظهر، وعلى هذا فلا موضوعية للتضمين،
فلو كان الوارث الحاضر موثقا وكان مليا فلا حاجة إلى التضمين.
وليس المراد من ارجاء التسليم عدم جوازه، حتى يستشكل بأن الأصل عدم
الوارث، بل المراد عدم وجوبه لئلا يتضرر ذو اليد لو ظهر الوارث، وعلى هذا
فلو شاء أن يسلم إلى الحاضر كان له ذلك، نعم إذا كان الغرض حفظ حق الوارث
المحتمل لم يجز له الدفع إلا مع التضمين أو الوثوق.
وقد يناقش بأن المفروض سقوط ذي اليد عن الأمانة بانكاره دعوى الوارث
الحاضر، فلو لم تسلم الدار إلى الحاضر بالبينة والأصل وجب عليه تسليمها إلى
الحاكم، فلا وجه لابقائها في يده على كل حال.
على أن جواز تسليمه الدار إلى الحاضر - كما في الجواهر - يعني قيام الحجة
الشرعية على مالكيته، فسواء أريد من ابقائها دفع الضرر عن ذي اليد أو عن الوارث
المحتمل يجب انتزاع الدار من يده، وأما إذا لم تتجه للوارث الحاضر
فلا يجوز تسليم شئ إليه حتى مع التضمين.
هذا كله إذا لم يكن الوارث الحاضر ذا فرض. وأما إذا كان ذا فرض لا ينقص
عن فرضه على كل تقدير، كالزوجة مع الابن، فإن لها الثمن سواء كان للابن
265

المذكور أخ أو وارث آخر أو لا فلا اشكال في وجوب دفع نصيبه تاما إليه.
قال المحقق: (ولو كان ذا فرض أعطى مع اليقين بانتفاء الوارث نصيبه تاما،
وعلى التقدير الثاني يعطيه اليقين إن كان وارث، فيعطى الزوج الربع) أي: لاحتمال
وجود ولد منها (والزوجة ربع الثمن) أي: لاحتمال وجود زوجات له ثلاثة، ويكون
الاعطاء (معجلا من غير تضمين وبعد البحث يتم الحصة مع الضمين).
حكم ما لو كان الوارث ممن يحجبه غيره:
قال: (وإن كان الوارث ممن يحجبه غيره كالأخ، فإن أقام البينة الكاملة
أعطى المال. وإن أقام بينة غير كاملة أعطى بعد البحث والاستظهار بالضمين).
أقول: إن كان الوارث ممن يحجبه غيره عن الإرث كالأخ المحجوب
بالأبوين والأولاد فلا يعطى شيئا، لعدم العلم بكونه وارثا، فإن ادعى ذلك فإن
أقام البينة الكاملة أعطى المال كله. وإن أقام بينة ناقصة أعطى بعد البحث عن الحاجب
مع الاستظهار بالضمين.
هذا وفي المسالك تبعا للدروس: (ولو صدق المتشبث المدعي على عدم
وارث غيره فلا عبرة به إن كان المدعى به عينا، لأنه اقرار في حق الغير، وإن كان
دينا أمر بالتسليم، لأنه اقرار في حق نفسه، لأنه لا يتعين للغائب على تقدير ظهوره
إلا بقبضه أو قبض وكيله. وقد تقدم البحث في نظيره من دعوى وكالة الغائب في
الأمرين).
وقد وافقهما على ذلك كاشف اللثام قال: (وحكم الدين حكم العين في جميع
ذلك، إلا في وجوب انتزاع حصة الغائب فقد يقال بالعدم. والفرق بأن الأحوط هنا
العدم، لأنه لا يتلف ما لم ينتزع لتعلقه بالذمة، وبأن العين شئ واحد شهدت به البينة،
والدين حقوق متفرقة بعدد مستحقيه. ويفارقها أيضا في أنه لا يكفي في العين تصديق
صاحب اليد في الانحصار ويكفي في الدين، فإذا صدقه أعطى نصيبه كاملا من غير
بحث، أخذا باقراره).
266

قلت: قد ذكرنا سابقا في مسألة ما لو تنازع اثنان في عين بيد ثالث فصدق
الثالث أحدهما: أن المصدق يكون حينئذ ذا يد على العين ويكون الآخر مدعيا له،
والأمر فيما نحن فيه كذلك، بل هو أولى لكون الوارث الآخر محتمل الوجود
لا مقطوعة، فتسلم العين إلى هذا المصدق، فإن حضر الوارث المحتمل وأقام البينة
بحصته أخذ وإلا فلا.
وأما على ما ذكروا فإن الفرق المذكور بين العين والدين صحيح، واشكال
صاحب الجواهر غير وارد.
267

(المسألة الرابعة)
(حكم ما إذا ماتت امرأة وابنها وتنازع زوجها وأخوها في تاريخ موتهما)
قال المحقق قدس سره: (إذا ماتت امرأة وابنها، فقال أخوها: مات الولد
أولا ثم المرأة، فالميراث لي وللزوج نصفان، وقال الزوج: بل ماتت المرأة ثم
الولد فالمال لي، قضي لمن تشهد له البينة).
أقول: إذا ماتت امرأة وابنها ولم يعلم سبق أحدهما ولا الاقتران، ووقع النزاع
بين زوجها وأخيها، فقال أخوها: مات الولد أولا ثم ماتت المرأة، فالميراث
الحاصل من تركة المرأة بما في أرثها من الولد لي وللزوج، لكل نصف. وقال الزوج
بل ماتت امرأة أولا، فإرثها لي ولولدها ثم مات الولد من بعدها فالمال كله لي،
ففي المسألة صور:
الأولى: أن يكون لأحدهما خاصة بينة على ما يدعيه، ولا اشكال ولا خلاف
كما في الجواهر في أنه يقضى لصاحب البينة.
الثانية: أن يكون لكليهما بينة، وحينئذ إذا تكافئتا سقطتا بالتعارض، والحكم
هو الرجوع إلى إلى القرعة، فمن خرج اسمه حلف وأخذ وإلا أحلف الآخر، وإن
امتنعا قسما المدعى به بينهما نصفين.
أي: أنه إن كان الولد قبل أمه فيستحق الأخ نصف تركة المرأة، وإن
كان قد مات بعدها فلا يستحق شيئا، فمورد النزاع نصف تركة المرأة، فإذا وقعت
268

القرعة وامتنعا عن اليمين قسم النصف بينهما نصفين، فيكون للأخ الربع وللزوج
ثلاثة أرباع.
والثالثة: أن لا يكون لأحدهما بينة.
قال المحقق: (ومع عدمها لا يقضى بإحدى الدعويين، لأنه لا ميراث إلا مع
تحقق الحياة، فلا ترث الأم من الولد ولا الابن من أمه، ويكون تركة الابن لأبيه
وتركة الزوجة بين الأخ والزوج).
فظهر أن الحكم في هذه الصورة كون تركة الابن كلها لأبيه بعد يمين الأب
أنه ما مات قبل أمه، وتكون تركة الزوجة بين الأخ والزوج بعد يمين الأخ أنها
ما ماتت قبل ولدها لكل منهما نصف، إذ ليس هنا نصف مفروغ عنه للزوج كما
في الصورة الثانية حيث أقام كلاهما البينة، لأن اليمين تنفي وارثية الميت من قبل،
وليس لازم هذا النفي وهو الموت من بعد أثرا شرعيا، بخلاف البينة هناك
فإن لازمها حجة، وهذا هو سر الفرق بين الصورتين.
هذا كله مع الجهل بتأريخ موتهما.
ولو كان تاريخ موت أحدهما متفقا عليه بينهما كأن يكون موت الابن في يوم
الجمعة فيستصحب حياة الأم حتى يوم السبت فترث الابن وتموت، فهما في تركتها
شريكان بالتنصيف، وإن كان العكس يستصحب حياة الابن فيرث أمه، فإذا مات
كان جميع التركة للأب.
ولو علم اجمالا بتقدم تاريخ موت أحدهما على موت الآخر، فلا يحلفان حتى
ينفي التوارث، بل يقرع لأجل تعيين الوارث.
269

(المسألة الخامسة)
(حكم ما لو تنازع وارث الميت وزوجته حول شئ من التركة)
قال المحقق: (لو قال: هذه الأمة ميراث أبي، وقالت الزوجة: هذه
أصدقني إياها أبوك، ثم أقام كل منهما بينة قضي ببينة المرأة لأنها تشهد بما يمكن
خفاؤها على الأخرى).
أقول: لو وقع النزاع بين الوارث وزوجته في شئ من التركة، فقال الوارث
هذا ميراث أبي فهو لي، وقالت الزوجة: هذا اصدقني إياه أبوك ففي المسألة صور.
الأولى: أن لا يكون للزوجة المدعية بينة، فإن القول قول الوارث بيمينه لأن
الأصل عدم الاصداق.
والثانية: أن تقيم الزوجة بينة. فلا كلام في أنه يقضي لها.
والثالثة: أن يقيم كل منهما بينة فهنا أيضا يقضي للزوجة بتقديم بينتها، لأنها
تشهد بما يمكن خفاؤه على بينة الوارث.
وكذا لو كانت العين في يد أجنبي لا يدعيها.
ولو وقع التعارض بين البينتين كأن تدعي الزوجة الاصداق في يوم الجمعة
فتشهد بينتها بذلك ثم تشهد بينة الوارث بموت المورث في يوم الخميس، فقد يقال
بترجيح بينة الوارث، لكونه ذا اليد وكون مدعاه أسبق زمانا، ومع عدم المرجح
فالحكم هو القرعة أو التنصيف بدونها.
270

الكلام في:
الاختلاف في الولد
271

مقدمة:
لا ريب في عدم لحوق الولد بأبين فصاعدا عندنا وإن كانا قد واقعا في طهر
واحد، للأخبار والاجماع. خلافا للمحكى عن أبي حنيفة من الالحاق بهما مع
الاشتباه، بل عن بعضهم الالحاق بثلاثة، بل عن المتأخرين منهم جواز الالحاق
بألف أب على يقول أبي حنيفة، بل عنه أيضا الالحاق بأمين إذا تنازعتا واشتبه الأمر،
بل قد يأتي بناءا على ما تقدم ذكره عن متأخريهم جواز الحاق الولد بألف أم.
ولعل هؤلاء قالوا بذلك على أساس القياس عندهم، فقاسوا هذا المورد
بمسألة شركة الأبوين في الأولاد، فإن الولد يتكون من ماء الرجل والمرأة معا
حيث قال تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب) (1) ولذا يرث الولد أبويه،
فكما يكونان شريكين في الولد لتولده منهما كذلك يكون الولد ملحقا بالأبين
فصاعدا لتولده منهما.
لكنه مع ابتنائه على القياس الباطل فاسد من جهة أنه إذا انعقدت النطفة من
الرجل والمرأة فقد تم الأمر، وفي بعض الروايات دلالة على ذلك، فلو واقع هذا
الرجل أو غيره تلك المرأة لم يكن للماء الجديد أي علاقة بما كان من الماء الأول
ولكل موضع غير موضع الآخر.
ثم إن الرجوع إلى القائف واضح الفساد كذلك، فإنه لا عبرة بالقيافة عندنا،
ولا تكون ملاكا للالحاق، وإن تحققت المشابهة بين الولد وأحد الرجلين غالبا،

(1) سورة الطارق، 7.
273

فإن الشارع قد أسقط هذه الغلبة عن الاعتبار، على أنه قد لا يشبه الابن أباه الحقيقي
في الأوصاف.
وبعد هذا كله نقول: إن عمدة الأدلة في الاختلاف في الولد هو قوله صلى الله عليه وآله
(الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1) فقيل معناه: الولد لمالك الفراش، وفي
المصباح المنير: (وقوله عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش أي للزوج، فإن كل
واحد من الزوجين يسمى فراشا للآخر كما سمي كل واحد منهما لباسا للآخر).
وكيف كان فإن الحديث لا يعم النكاح الفاسد. وقال السيد في العروة بأن المراد
هو الفراش الفعلي سواء أمكن الحاقه بالفراش السابق أولا. وعن القواعد: أنه
لو كان زوجا في نكاح فاسد لم يظهر فساده للزوجين ففي انقطاع امكانه نظر، من
تحقق الفراش ظاهرا وانتفائه حقيقة.
صور الاختلاف في الولد
هذا وفي المسألة صور:
الصورة الأولى: إذا لم يكن في البين فراش أصلا، بل وطئ اثنان امرأة
عن سفاح لم يلحق الولد بأحدهما. وأثر ذلك عدم التوارث فقط، وأما الآثار
الأخرى كالنظر والنكاح إن كان الولد بنتا فإنه يجوز لكل منهما نكاحها، ويحرم
عليه النظر إليها للأصل. أما هي فلا يجوز لها ذلك مع أحدهما لعلمها اجمالا بكونها
لأحدهما.
وبالجملة إن وطئاها عن زنا لم يلحق الولد بأحدهما شرعا، نعم لا يبعد الرجوع
إلى القرعة لتعيين من هوله منهما لأجل ترتب الآثار من النفقة ونحوها، اللهم إلا
أن يقال بعدم ترتب شئ من الآثار مطلقا. لكن لا تعرض هنا ظاهرا في الأخبار
والفتاوى إلى القرعة.
والصورة الثانية: إن تحقق الوطئ من الرجلين بشبهة وفي طهر واحد كان

(1) وسائل الشيعة 14 / 565.
274

المرجع القرعة، لامكان كون الولد من كل منهما، فمن خرج اسمه ألحق به.
والصورة الثالثة: أن يعقد كل منهما عقدا فاسدا. والمرجع هنا أيضا القرعة.
والصورة الرابعة: أن يطأ اثنان امرأة وهي زوجة لأحدهما ومشبهة على
الآخر، والحكم عند الأصحاب هو الرجوع إلى القرعة.
وقد ذكر المحقق حكم الصور الثلاث الأخيرة بقوله:
(إذا وطئ اثنان امرأة وطئا يلحق به النسب إما بأن تكون زوجة لأحدهما
ومشبهة على الآخر، أو مشبهة عليهما، أو يعقد كل منهما عليها عقدا فاسدا ثم تأتي بولد
لستة أشهر فصاعدا ما لم يتجاوز أقصى الحمل فحينئذ يقرع بينهما).
فإن قيل: مقتضى الحديث الشريف: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) هو
الحاق الولد في الصورة الرابعة بالزوج، لأنه صاحب الفراش وإن كان (للعاهر
الحجر) لا ينطبق على الواطئ هنا، لعدم تحقق الموضوع وهو الزنا في هذه الصورة،
وبالجملة يجري هذا الحديث في صورة وجود فراش زوجا كان أو مولى سواء
كان الوطئ الآخر عن زنا أو شبهة، ولا يتحقق لأحد هذين فراش حتى يكون
وطؤه وطأ يلحق به النسب، حتى يقع التعارض ويشكل الأمر فيرجع إلى القرعة.
بل لقد تمسك الإمام عليه السلام بالحديث حيث لا يوجد فيه الزنا ولا شبهة، ففي
خبر الصيقل: (عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها. قال:
بئس ما صنع يستغفر الله ولا يعود.
قلت: فإن باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باع الثاني من رجل آخر
فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث. فقال أبو عبد الله عليه السلام
الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1).
إذن لا ينحصر مجرى الحديث بمورد وجود الزنا أو الوطي بشبهة فالرجوع

(1) ومثله: خبر سعيد الأعرج: (عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن
يكون الحمل؟ قال: للذي عنده الجارية لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش) وسائل الشيعة 14 / 568.
275

إلى القرعة لماذا؟
قلت: إن الواطئ بشبهة ليس بصاحب فراش خلافا لصاحب الجواهر
لكن دليل القول بالقرعة في هذه الصورة هو الاجماع.
قال المحقق: (سواء كان الواطئان مسلمين أو كافرين، أو عبدين أو حرين،
أو مختلفين في الاسلام والكفر والحرية والرق، أو أبا وابنه).
أقول: قال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده بيننا في ذلك بل الظاهر
الاجماع عليه، بل ادعاه بعض صريحا.
ويدل عليه صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: (إذا وقع المسلم واليهودي
والنصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم، فكان الولد للذي تصيبه القرعة) (1)
قال في الجواهر: نعم عن لقطة المبسوط أن المسلم والحر أولى، ولكن قد
استقر الاجماع على خلافه.
هذا مع عدم العلم بسبق أحدهما.
ولو علم سبق أحدهما على الآخر ففي الوطئ في الحاقه بالأخير أو القرعة
كذلك بحث.
هذا كله إذا كان الوطئ منهما في طهر واحد، فإن وطأ أحدهما فحاضت، ثم
وطئ الآخر، فهل يكون الالحاق بالقرعة أيضا؟ نعم، لامكان كونه من الأول، لأن
الحمل والحيض قد يجتمعان.
لكن في القواعد وكشف اللثام: (أنه إذا كان ذلك أنقطع الامكان عن الأول
لأن الحيض علامة براءة الرحم شرعا، إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح
لكون الولد للفراش، إلا أن يعلم الانتفاء، وتخلل الحيض لا يفيد العلم به هنا،
لقوة الفراش).
وأشكل عليه في الجواهر بقوله: إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه على كل

(1) وسائل الشيعة 17 / 571.
276

من تقديري مجامعة الحيض للحمل وعدمه، وقوة الفراش لو كانت تنفع لنفعت في
اجتماعهما في طهر واحد أيضا.
قالا: ولو كان زوجا في نكاح فاسد لم يظهر فساده للزوجين ففي امكانه
نظر، من تحقق الفراش ظاهرا وانتفائه حقيقة.
أقول: هذه صورة أخرى بالإضافة إلى الصور السابقة، وهو أن يكون الأمر
دائرا بين الوطئ بشبهة بمعنى كونه زوجا ظاهريا وبين الزنا أو الوطئ بشبهة
ممن ليس بزوج ظاهري، وتفيد هذه العبارة التوقف في امكان معارضة الوطئ
بشبهة لصاحب الفراش، من جهة التأمل في صدق الفراش على الفراش الظاهري،
وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقا كما لا يخفى، والحكم في هذه الصورة هو الالحاق
بالفراش الظاهري للحديث الشريف بناءا على صدق الفراش، وإلا فالقرعة.
قال المحقق: (هذا كله إذا لم يكن لأحدهم بينة).
أقول: يعني إن الرجوع إلى القرعة هو فيما إذا لم يكن لأحد الواطئين
بينة، أو كان لكل واحد منهم وتعارضتا لعدم المرجح، وإلا حكم بالبينة لمن كانت
له أو كانت بينته أرجح.
لكن البينة تفيد فيما إذا علم بتحقق وطئ واحد، ثم اشتبه الواطئ بين اثنين
فتشهد البينة أنه هذا لا ذاك لكونه معهما في سفر مثلا، وأما إذا وقع الوطئ من
اثنين فلا يمكن للبينة تعيين من يلحق به الولد منهما.
قال المحقق: (ويلحق النسب بالفراش المنفرد، والدعوى المنفردة، بالفراش
المشترك، والدعوى المشتركة، ويقضى فيه بالبينة ومع عدمها بالقرعة).
أقول: أما الفراش المنفرد فواضح، وأما الدعوى المنفردة فتكون بالنسبة
إلى صبي مجهول النسب، فلو ادعاه ولا معارض له في هذه الدعوى ألحق به،
ولا يسمع إنكاره بعد كبره، نعم في الكبير المجهول النسب خلاف سنشير إليه.
ولو اشترك اثنان أو أزيد في هذه الدعوى قضي بالبينة، ومع عدمها أو تعارضها
277

بالقرعة. وأما الفراش المشترك فقد عرفت الكلام فيه.
ولا فرق عندنا في الدعوى بين الرجل والمرأة، فلو استلحقت ولدا فإن لم
ينازعها أحد لحق بها، وإن نازعها كان الولد لذات البينة، ومع عدمها أو تعارضها
فالمرجع القرعة.
فروع ذكرها في الجواهر عن بعض الأصحاب:
وهنا فروع أوردها صاحب الجواهر عن بعض الأصحاب، ونحن نوردها
تبعا له:
(من أنفرد بدعوى مولود صغير في يده لحقه إلا أن يضر بغيره، كأن يكون
معتقا ولاؤه لمولاه، فإن بنوته تقتضي تقدمه على المولى في الإرث، فإن بلغ وانتفى
عنه لم يقبل نفيه إلا ببينة، استصحابا لما ثبت شرعا، وكذا لو أقر بالمجنون فأفاق
وأنكر، وليس لأحدهما احلاف الأب، لأنه لو جحد بعد الاقرار لم يسمع).
قال في الجواهر: (ولا يخفى عليك وجه البحث في ذلك).
(لو ادعى نسب بالغ عاقل فأنكر لم يلحقه إلا بالبينة. وإن سكت لم يكن
تصديقا) قلت: بل الأظهر كونه تصديقا، فإذا سكت كانت دعوى المدعي بلا معارض.
(لو ادعى نسب مولود على فراش غيره بأن ادعى وطئا لشبهة لم يقبل وإن
وافقه الزوجان، بل لا بد من البينة على الوطئ لحق الولد).
(لو تداعيا صبيا وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على اشكال
في أن اليد هل ترجح كما يرجح الملك) أي على ذاك إقامة البينة، ومع عدمها
لحق بصاحب اليد على اشكال في عموم أدلة حجية اليد للانسان الذي ليس مملوكا
بل حر منسوب، فقد يقال بعدم صدق اليد على الحر، وحينئذ فالملاك البينة وإلا
فالقرعة.
(لو استلحقه صاحب اليد ولو ملتقطا وحكم له شرعا لم يحكم للآخر إلا ببينة).
(لو استلحق ولدا وقال: إنه من زوجتي هذه فأنكرت الزوجة ولادته ففي
278

لحوقه بها بمجرد اقرار الأب نظر) أي: لأن هذه الدعوى ليست بلا معارض لأنها
عارضت، في الجواهر: بل منع لكونه اقرارا في حق الغير. أقول: ولكن أثر
وجوب النفقة ونحوه مترتب على هذا الاقرار.
(لو بلغ الصبي بعد أن تداعاه اثنان قبل القرعة فانتسب إلى أحدهما قبل،
وأشكله بعض بأنه اقرار في حق الغير مع عدم دليل على قيام تصديقه مقام البينة
أو القرعة) والظاهر ورود هذا الاشكال لعدم وجود نص يدل على اعتبار الاقرار
بالولدية، نعم لو أقر بالرقية لأحد قبل لأنه على نفسه، كما لا سيرة على القبول.
(ولا عبرة بميل الطبع عندنا) أي: إن هذا لا يكون دليلا شرعيا للانتساب وإن
كان وجود هذا الطبع حقيقة واقعية.
(وإن لم ينتسب إلى أحد منهما أقرع إن لم ينكرهما معا، وإلا لم تفد القرعة
بناءا على قبول تصديقه، ولا يقبل رجوعه بعد الانتساب، ولا اعتبار بانتساب الصغير
وإن كان مميزا، ونفقته قبل الثبوت شرعا عليهما، ثم يرجع من لم تلحقه القرعة
به على الآخر).
وأشكل عليه في الجواهر: (وفيه: أن دفعها قد كان لاقراره فلا وجه لرجوعه)
إلا أن يقال بأن لوازم البينة حجة فعلى مقيمها جميع النفقة، لكن قلنا سابقا بأن
الاقرار مقدم على جميع الأدلة. هذا، وقد ذكرنا سابقا احتمال قبول دعوى الصبي
فراجع).
(لو أقام كل من المدعيين بينة بالنسب وتعارضتا ولا ترجيح. حكم بالقرعة عندنا)
(لو أقام أحدهما بينة إن هذا ابنه وآخر بينة إن هذا بيته فظهر خنثى، فإن
حكم بالذكورية بالبول وغيره فهو لمدعي الابن، وإن حكم بالأنوثية فهو لمدعي
الأنثى، لأن كلا منهما لا يستحق إلا من ادعاه، وإن ظهر خنثى مشكلا أقرع).
279

خاتمة الكتاب:
أقول: هذا آخر كتاب القضاء. وقد كان الفراغ منه في اليوم الثامن عشر من
شهر ربيع الآخر من شهور السنة الثالثة بعد الأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبوية.
في الحوزة العلمية بمدينة قم المقدسة وسيتلوه إن شاء الله تعالى كتاب الشهادات.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين،
ولا سيما آخرهم بقية الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين
والآخرين.
على ابن حجة الاسلام والمسلمين السيد نور الدين نجل
آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني قده
280