الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رمضان المبارك ١٤٢٠
المطبعة: شريعت - قم
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-٢٣-٠
ملاحظات: ويليها الملحق الأصولي

مجمع الفكر الإسلامي
الموسوعة الفقهية الميسرة
ويليها
الملحق الأصولي
الجزء الثالث
تأليف
الشيخ محمد علي الأنصاري
1

أنصاري، محمد علي، 1330 -
الموسوعة الفقهية الميسرة. ويليها الملحق الأصولي، ملحق تراجم الفقهاء
والأصوليين / تأليف محمد علي الأنصاري. - قم: مجمع الفكر الإسلامي،
1415 ق = 1373 -
ج - (مجمع الفكر الإسلامي، 19
فهرستنويسي بر أساس اطلاعات فيپا.
عربي.
ج. 3 (چاپ أول 1420 ق = 1378).
(ج 3) 0 - 23 - 5662 - ISBN 964
1 - فقه - دائرة المعارفها. 2 أصول فقه - دائرة المعارفها. 3. فقيهان - سرگذشتنامه وكتابشناسي. ألف. عنوان. ب. عنوان الملحق الأصولي. ج.
عنوان تراجم الفقهاء والأصوليين. 8 م 8 ألف / 2 / BP 147 - 303 / 297
كتابخانه ملي إيران - 8245 - 75 م
مجمع الفكر الإسلامي
قم - صندوق بريد 3654 - 37185 - رقم الهاتف: 744810
الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة / ج 3
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري (خليفة شوشتري)
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
الطبعة: الأولى / 1420 ه‍ ق
تنضيد الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: شريعت - قم
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة لمجمع الفكر الإسلامي
لا يجوز الاقتباس من الموسوعة الفقهية الميسرة إلا مع الإشارة إليها،
كما لا يجوز القيام بترجمتها وتلخيصها إلا بإذن خاص
2

الموسوعة الفقهية الميسرة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أضام
في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك.
اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي، وأول وديعة
ترتجعها من ودائع نعمك عندي.
اللهم إنا نعوذ بك نذهب عن قولك، أو أن نفتتن عن دينك، أو
تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى جاء من عندك.
من دعاء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
وكان يدعوا به كثيرا
نهج البلاغة: قسم الخطب، رقم 215
5

بسم الله الرحمن الرحيم
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على صفوة خلقه الرسول الأمين وأهل بيته
المنتجبين.
يسرنا أن نقدم إلى السادة العلماء وأصحاب الفضيلة الجزء الثالث من الموسوعة
الفقهية الميسرة في فاصلة زمنية قصيرة نسبيا بحسب نوع العمل وسعته، مع قلة العدة
والعدة، وليس ذلك إلا بفضل من الله وعنايته، فنسأله تعالى أن يمن علينا بمزيد من التوفيق
لإنجاز هذا المشروع الكبير والشاق، بحوله وقوته.
ورعاية لحقوق من ساعدنا من الإخوة، سوف نقوم بذكر أسمائهم مع ما قدموه،
وفقا للسير الطبيعي للعمل.
وختاما نشكر إدارة مجمع الفكر الإسلامي الموقرة لما بذلته من جهود محمودة،
سائلين الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير والصواب.
محمد علي الأنصاري
9

المساعدون في الجزء الثالث
1 - السيد هادي عظيمي: تهيئة بطاقات الفقه والأصول من الكومبيوتر.
2 - صلاح العبيدي: تهيئة بطاقات اللغة من مصادرها، والمراجعات اللغوية المستجدة.
3 - محمد الخازن: صف الحروف.
4 - صلاح العبيدي ورعد المظفر: المقابلة الأولى والثانية والثالثة.
5 - الشيخ محمد باقر حسن پور: مراجعة المصادر والاستخراجات، بعد صف الحروف.
6 - الشيخ صادق الكاشاني: المراجعة العامة قبل الفلم والزنك.
10

استغاثة
لغة:
طلب الغوث، أي النصرة. يقال: استغاث به
فأغاثه. والإغاثة: الإعانة والنصرة (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
لعنوان الاستغاثة وأمثالها جانب كلامي
وجانب فقهي، والأول يرتبط بعلم الكلام، والثاني
بعلم الفقه. ونحن نبحث هنا عن الجانب الفقهي، وإن
كانت فيه إشارة إلى الجانب الكلامي أيضا.
الحكم التكليفي للاستغاثة:
تنقسم الاستغاثة بحسب الحكم التكليفي إلى
أقسام خمسة:
1 - الاستغاثة الواجبة: وهي التي يتوقف
عليها حفظ النفس أو المال المحترم ونحوهما. فمن
تعرض لهجوم العدو وكان بإمكانه صده بالاستغاثة
بالآخرين، وجب عليه ذلك، دفاعا عن النفس
والمال، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
2 - الاستغاثة المحرمة: وهي الاستغاثة بغير
الله تعالى على أنه هو المغيث واقعا - كما سيأتي
توضيحه - والاستغاثة بالباطل، كاستغاثة قاتل
النفس المحترمة بالآخرين، وكاحتواء الاستغاثة
على محرم، مثل أن يستغيث المصاب بالله تعالى
بنحو يتضمن اعتراضا عليه.
3 - الاستغاثة المندوبة: وهي الاستغاثة بالله
واستمداده في جميع الأمور المشروعة، والاستغاثة

(1) المصباح المنير: " غوث ".
11

بمن ترجع استغاثته إلى استغاثة الله تعالى.
4 - الاستغاثة المكروهة: وهي الاستغاثة
المرجوحة، ولعل منها الاستغاثة بالغير لقضاء
الحاجة مع تمكن المستغيث من قضائها بنفسه، لأن
طلب الحوائج من الناس أمر مرغوب عنه في
الشريعة.
5 - الاستغاثة المباحة: وهي سوى ما
تقدم.
أقسام الاستغاثة بحسب المستغاث به وأحكامها:
المستغاث به إما أن يكون هو الله تعالى، أو
أنبياءه وأولياءه، أو غيرهم:
أولا - الاستغاثة بالله تعالى:
لا إشكال في جواز الاستغاثة بالله تعالى، بل
الأصل الأولي في الاستغاثة هو أن تكون بالله
تعالى، فإنه هو المحيي والمميت، وهو المجيب لمن
دعاه، وهو الكاشف كرب المكروبين، وهو غياث
المستغيثين.
وما أكثر الأدعية المأثورة عن النبي وآله
- صلوات الله عليهم أجمعين - التي تشتمل على
استغاثات بالله تعالى، فقد ورد في سبب نزول قوله
تعالى: * (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم
بألف من الملائكة مردفين) * (1): أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما
نظر إلى كثرة المشركين وقلة المسلمين استقبل القبلة
وقال: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك
هذه العصابة لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف ربه
مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه، فنزلت
الآية (1).
ولسبطه الإمام الحسين (عليه السلام) استغاثات
عديدة يوم عاشوراء حينما حاصره أعداء الله. وقد
جاء في بعضها:
" اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في
كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم
من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل
فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته
إليك، رغبة مني عمن سواك، ففرجته وكشفته،
فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى
كل رغبة " (2).
وقد تضمنت الصحيفة السجادية خالص
الأدعية، وهي من إنشاء الإمام علي بن الحسين
زين العابدين (عليه السلام). ومما جاء فيها قوله (عليه السلام):
" اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون، ويا من إلى
ذكر إحسانه يفزع المضطرون، ويا من لخيفته
ينتحب الخاطئون، يا أنس كل مستوحش غريب،

(1) الأنفال: 9.
(1) أنظر مجمع البيان (3 - 4): 525.
(2) أنظر: مقتل الحسين (عليه السلام) (لأبي مخنف لوط بن يحيى،
المطبوع باسم " وقعة الطف " بتحقيق الشيخ محمد هادي
اليوسفي الغروي): 205، والإرشاد (للشيخ المفيد) 2:
96.
12

ويا فرج كل مكروب كئيب، ويا غوث كل مخذول
فريد... " (1).
ثانيا - الاستغاثة بالأنبياء والأولياء
المقربين:
الاستغاثة بالأنبياء والأولياء تكون على
أنحاء:
1 - أن يستغاث بهم على أنهم قادرون على
تنفيذ ما سئلوا بنحو الاستقلال عن إرادة الله تعالى،
بأن تكون إرادتهم وقدرتهم مستقلة وفي عرض
إرادة الله وقدرته (2).
وهذا النوع من الاستغاثة حرام، لاستلزامه
الشرك، نعوذ بالله تعالى منه.
2 - أن يستغاث بهم على أن تكون إرادتهم
مؤثرة مع إرادة الله تعالى، بحيث يكون المستغاث به
هو الله تعالى والأنبياء والأولياء في عرض واحد،
ويكون التأثير مستندا إليهم على نحو الاشتراك.
وهذا كسابقه.
3 - أن يستغاث بالله تعالى ويجعل هؤلاء
وسيلة إليه لقبول الاستغاثة.
وهذه الاستغاثة صحيحة وجائزة بلا ريب
ولا إشكال. وما أكثر الأدعية الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بهذا النحو. فقد جاء في بعض
أدعية الصحيفة السجادية: " اللهم يا منتهى مطلب
الحاجات، ويا من عنده نيل الطلبات - إلى أن
يقول: - وصل على محمد وآله صلاة دائمة نامية
لا انقطاع لأبدها، ولا منتهى لأمدها، واجعل ذلك
عونا لي وسببا لنجاح طلبتي إنك واسع كريم - إلى
أن يقول: - فأسألك بك وبمحمد وآله صلواتك
عليهم أن لا تردني خائبا " (1).
وأورد ابن ماجة والترمذي عن عثمان بن
حنيف - وصححاه -: " أن رجلا ضرير البصر أتى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت
دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال:
فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه
ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك
بنبيك نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في

(1) الصحيفة السجادية: دعاؤه (عليه السلام) في الاستقالة، الدعاء
رقم 16.
(2) أنظر هذا الموضوع في المصدرين التاليين:
أ - منهج الرشاد لمن أراد السداد: 58 و 106
و 158، للفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره)
(1154 - 1228 ه‍. ق)، وقد كتبه جوابا لما أرسله إليه
عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي كان هو ووالده من
الدعاة إلى محمد بن عبد الوهاب.
وقد وقع الكتاب بيدي بعد كتابة المقال، ويمتاز بأنه
صدر من يراعة فقيه كبير.
ب - كشف الارتياب (للسيد محسن الأمين): 227
- 251.
(1) الصحيفة السجادية: دعاؤه (عليه السلام) في طلب الحاجات،
الدعاء رقم 13.
13

حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في " (1).
4 - أن يستغاث بهؤلاء أنفسهم ليسألوا الله
أن يغيث المستغيث ويقضي حوائجه.
وهذا النوع صحيح أيضا، لأن المسؤول
الواقعي هو الله تعالى. قال كاشف الغطاء: " إن
نداء النبي وآله (عليهم السلام) وسائر أولياء الله (عليهم السلام)
وترجيهم والاستغاثة بهم والالتجاء إليهم والاعتماد
عليهم والتعويل عليهم ونحوها، مرجعها إلى الله
تعالى " (2).
وقال أيضا: " إن خطاب النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام) بصورة الدعاء والاستغاثة والاستجارة
والالتجاء من العارفين ذكرهم، مرجعه إلى خطاب
رب العالمين " (1).
ويدل على صحة هذا المعنى وما قبله قوله
تعالى: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا
الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا
رحيما) * (2).
وما ورد في الزيارات المأثورة، منها زيارة
النبي (صلى الله عليه وآله): " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... اللهم إنك
قلت: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا
الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) *
وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، وإني
أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله)، يا محمد إني
أتوجه إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي " (3).
وجاء في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب،
قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يأتي عليكم
أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من
قرن. كان به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم. له
والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن

(1) أنظر: سنن الترمذي 5: 569، كتاب الدعوات، الباب
119، الحديث 3578، وسنن ابن ماجة 1: 441، كتاب
إقامة الصلاة، باب صلاة الحاجة، الحديث 1385،
وانظر البحار 91: 5، كتاب الذكر، باب الاستشفاع
بمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)، الحديث 6. ونماذج هذا الباب
كثيرة حتى من طرق الجمهور، فقد أورد البخاري: " أن
عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد
المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا،
وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون ".
وأخرج فيه عن ابن عمر: أنه كان يتمثل بشعر أبي طالب
عندما كانوا يسقون باستسقاء النبي (صلى الله عليه وآله) فيقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أنظر صحيح البخاري 1: 178 - 179، كتاب
الجمعة، أبواب الاستسقاء.
(2) كشف الغطاء: 312.
(1) كشف الغطاء: 312.
(2) النساء: 64.
(3) كامل الزيارات: الباب الثالث، زيارة قبر رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، وانظر: الكافي 4: 550، باب زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)،
الحديث الأول، والوسائل 14: 341، باب زيارة النبي
(صلى الله عليه وآله)، الحديث الأول.
14

استطعت أن يستغفر لك فافعل " (1).
ولم يخالف جواز الاستغاثة بالمعنيين المتقدمين
أحد من المسلمين سوى ابن تيمية ومن سار على
نهجه من المتأخرين (2).
وأهم ما تمسكوا به هو:
1 - قوله تعالى: * (والذين تدعون من دونه ما
يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم
ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون
بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) * (3).
لكن رد الاستدلال: بأن المراد من " الدعاء "
في الآية هو العبادة (4)، وواضح أن عبادة غير الله
تعالى شرك بأي نحو كانت. لكن ليس كل دعاء
عبادة، فما أكثر من دعا الرسول (صلى الله عليه وآله) في حياته بمرأى
ومسمع منه.
فالآية فيها توبيخ للذين يعبدون غير الله
تعالى من الأشخاص والأوثان والأصنام.
والاستغاثة بمعناها الصحيح لا تتضمن عبادة
المستغاث به حتى تشملها الآية.
2 - قوله تعالى: * (ومن أضل ممن يدعوا من
دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن
دعائهم غافلون) * (1).

(1) صحيح مسلم 4: 1968، كتاب فضائل الصحابة، باب
فضل أويس القرني، الحديث 225.
(2) أنظر الموسوعة الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف
الكويتية) 4: 26، عنوان " استغاثة ".
(3) فاطر: 13 - 14.
(4) قال السيد الأمين: "... إن الدعاء في اللغة مطلق النداء،
قال الله تعالى: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء
بعضكم بعضا) * [النور: 63]، ويطلق الدعاء على
سؤال الله تعالى والرغبة إليه وطلب حوائج الدنيا
والآخرة منه باعتقاد أنه مالك أمر الدنيا والآخرة...
وإطلاق الدعاء على ذلك إما لأنه أحد أفراد المعنى
اللغوي، أو لصيرورته حقيقة عرفية في ذلك، أو مجازا
مشهورا. وقد ورد في الشرع الحث على دعاء الله تعالى
وطلب حوائج الدنيا والآخرة منه وسمي عبادة. قال الله
تعالى: * (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون
عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * [غافر: 60].
وقال زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) في دعائه بعد
ذكر الآية: " فسميت دعاءك عبادة وتركه استكبارا
وتوعدت عليه دخول جهنم داخرين "، حتى ورد: أن
الدعاء مخ العبادة...
ولا شك أن مطلق الدعاء والمناداة وطلب الحاجة من
غير الله لا يكون عبادة ولا ممنوعا منه... فقوله تعالى:
* (فلا تدعوا مع الله أحدا) * [الجن: 18] لا يراد به
مطلق الدعاء قطعا، بل دعاء خاص، وهو الدعاء
المساوي لدعاء الله تعالى باعتقاد أن المدعو قادر مختار
مساو لله في ذلك...
إذا عرفت ذلك ظهر لك: أن من دعا نبيا واستغاث به
فذلك لا يدخل في الدعاء المنهي عنه في الآية، لأن هذا
الدعاء والاستغاثة لا يخرج عن طلبه منه أن يدعو الله له
أو يشفع له عنده... ".
كشف الارتياب: 236 - 237.
(1) الأحقاف: 5.
15

وأجيب عن الاستدلال بهذه الآية أيضا بما
تقدم، فإن الدعاء هنا بمعنى العبادة، والمستغيث
لا يعبد المستغاث به (1).
3 - وما رواه الطبراني عن عبادة بن
الصامت: أنه قال أبو بكر: " قوموا بنا نستغيث
برسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذا المنافق، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله
تعالى " (2).
وأجيب عنه:
أولا - أن المراد من الرواية - على فرض
قبولها - هو: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن ينبههم على أن
المستغاث به الواقعي هو الله تعالى، فيكون مثل
قوله تعالى: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى) * (3)، فلا يعارض ذلك ما دل على جواز
الاستغاثة ووقوعها (4).
ثانيا - أن الذي يمنعه مانعو الاستغاثة هو
الاستغاثة بالحي في ما لا يقدر عليه، ودفع شر
المنافق كان مقدورا للنبي (صلى الله عليه وآله) كما دفع شر من هو
أعظم منه بقدرة الله تعالى (1).
ثالثا - لو كان شركا لنبه النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر
عليه وأمره بالتوبة، ونهاه عن إعادته (2).
رابعا - كل ذلك مع فرض صحة سند الرواية،
لكن لم تثبت، بل الثابت عدمها، لأن في السند " ابن
لهيعة " وقد ضعفوه (3).
خامسا - جاء كلام النبي (صلى الله عليه وآله) في مسند أحمد
بلفظ آخر، وهو: " لا يقام لي، إنما يقام لله تبارك
وتعالى " (4) وهو لا ربط له بموضوع الاستغاثة.
جواز الاستغاثة في حياة المستغاث به وبعد
مماته:
لا فرق في جواز الاستغاثة بين حياة
المستغاث به ومماته، لكن فرق ابن تيمية والسائرون
على نهجه في ذلك، فمنعوا الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وآله) بعد
مماته، متمسكين بقوله تعالى: * (وما أنت بمسمع
من في القبور) * (5) وقوله تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى
ولا تسمع الصم الدعاء) * (6).

(1) أنظر هذا الاستدلال وما قبله والجواب عنه في كشف
الارتياب: 232، وقد ذكر العلامة الأميني عدة مصادر
من العامة قامت بالرد على هذه الاستدلالات، أنظر
موسوعة الغدير 5: 145، عند الكلام عن التوسل
والاستشفاع بقبره الشريف (صلى الله عليه وآله).
(2) أنظر الموسوعة الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف
الكويتية) 4: 26، عنوان " استغاثة ".
(3) الأنفال: 17.
(4) كشف الارتياب: 251.
(1) كشف الارتياب: 251.
(2) الإغاثة بأدلة الاستغاثة (للسقاف): 30.
(3) أنظر المصدرين المتقدمين، ومجمع الزوائد 8: 40.
(4) مسند أحمد 5: 373، مسند الأنصار، حديث
عبادة بن الصامت، رقم 22772.
(5) فاطر: 22.
(6) النمل: 80.
16

وأجيب عنه: بأن المراد من الآيتين وأمثالهما
هو: أن الكفار المصرين على الباطل لن ينتفعوا
بالتذكير والموعظة، كما أن الأموات الذين صاروا
إلى قبورهم لن ينتفعوا بالتذكير والموعظة بعد أن
خرجوا من الدنيا على كفرهم (1).
هذا وقد استفاضت الروايات من الطرفين
- الشيعة والسنة - بأن الأموات يسمعون كلام
الأحياء ويأنسون بهم، فقد روى الكليني في الكافي
بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في زيارة القبور،
قال: " إنهم يأنسون بكم، فإذا غبتم عنهم
استوحشوا " (2).
وروى عنه (عليه السلام) بسند صحيح أيضا، قال:
" إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه
ما يكره، وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره
ويستر عنه ما يحب، قال: ومنهم من يزور كل
جمعة، ومنهم من يزور على قدر عمله " (1).
وروى أيضا في كيفية زيارة قبور المؤمنين
عن عبد الله بن سنان، قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال: نعم،
تقول: السلام على أهل الديار من المسلمين
والمؤمنين، أنتم لنا فرط، ونحن إن شاء الله بكم
لاحقون " (2).
وقد ورد في صحيح مسلم عن عائشة: أنها
قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم - كلما
كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم -
يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام
عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا
مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر
لأهل بقيع الغرقد " (3).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما - واللفظ
للثاني -: " أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ترك
قتلى بدر ثلاثا، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال:
يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن

(1) أنظر الإغاثة بأدلة الاستغاثة (للسقاف): 6، ونقل ذلك
عن مختصر تفسير ابن كثير (للصابوني) أيضا.
وبعبارة أخرى: أن المراد من الإسماع في الآية هو
التذكير المؤثر في القلب لا الإسماع الحسي، وإلا فإن
الكفار كانوا يسمعون كلام الله وكلام النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن
كان بعضهم يتأثر بكلامه ولا يتأثر بعضهم الآخر، فالذي
تأثر فكأنما سمع كلام النبي (صلى الله عليه وآله) والذي لم يتأثر لم يسمع.
فالتشبيه بين هذا القسم من الكفار وبين الأموات من
حيث عدم تأثير التذكير والموعظة لا من حيث عدم
إمكان الإسماع، فإنه يمكن أن يتحقق في الأحياء الكفار
بإسماع حسي وفي الأموات - مسلمين كانوا أو كفارا -
بإسماع برزخي كما دلت عليه الروايات المشار إليها في
المتن.
(2) الكافي 3: 228، باب زيارة القبور، الحديث الأول.
(1) الكافي 3: 230، باب أن الميت يزور أهله، الحديث
الأول.
(2) الكافي 3: 228، باب زيارة القبور، الحديث 5.
(3) صحيح مسلم 2: 669، كتاب الجنائز، باب ما يقال
عند دخول القبور، الحديث 974.
17

ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد
ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا.
فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال:
يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد
جيفوا؟! قال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما
أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر
بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر " (1).
وروى البخاري أيضا عن أنس بن مالك،
قال: " إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: إن
العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه - وإنه
ليسمع قرع نعالهم - أتاه ملكان فيقعدانه... " (2).
والخلاصة: أن الروايات - من الطرفين -
متظافرة على أن الأموات يسمعون كلام الأحياء
ويأنسون بهم.
نعم، سماعهم ليس سماعا حسيا بآلة السمع،
بل هو سماع برزخي. وتوضيحه يتكفله علم
الكلام (3).
لا فرق بين ما يكون المستغاث به قادرا عليه
وبين غيره:
فرق ابن تيمية وأصحابه بين ما يكون
المستغاث فيه مقدورا للمستغاث به وبين ما
لا يكون كذلك، فجوزوا الاستغاثة في الأول دون
الثاني، لكن المعروف عند سائر المسلمين عدم

(1) رواه البخاري في صحيحه (1: 238، كتاب الجنائز،
باب ما جاء في عذاب القبر) عن عبد الله بن عمر،
ورواه مسلم في صحيحه (4: 2203، كتاب الجنة، باب
إثبات عذاب القبر، الحديث 2874) عن أنس بن مالك.
(2) صحيح البخاري 1: 238، كتاب الجنائز، باب ما جاء
في عذاب القبر.
(3) العوالم التي يمر بها الإنسان أربعة:
أ - العالم الجنيني.
ب - العالم الدنيوي.
ج - العالم البرزخي.
د - العالم الأخروي.
فالأولان عشناهما، والآخران أخبرتنا بهما
الشريعة. وقد دل كثير من الآيات والروايات على العالم
البرزخي. فمن جملة الآيات:
1 - قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله
أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) *. البقرة: 154.
ومثلها الآية 169 من سورة آل عمران.
2 - قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال
رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها
كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) *.
المؤمنون: 99 - 100.
3 - قوله تعالى: * (وحاق بآل فرعون سوء العذاب
* النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) *. غافر: 45 - 46.
فإن الآخرة ليس فيها غدو وعشي، بل إنما ذلك في
البرزخ وقبل يوم القيامة كما هو صريح الآية.
وأما السنة فقد ورد فيها مستفيضا ما يدل على الحياة
البرزخية كما أشرنا إلى بعضها في المتن، وانظر هذا
الموضوع في كتاب الميزان في تفسير القرآن (للعلامة
الطباطبائي) 2: 347.
18

الفرق، فيجوز طلب الرزق والعافية وطول العمر
ونحوها مما لا يقدر عليه العبد من مثل النبي (صلى الله عليه وآله)
والولي، لكن على نحو ما مر، بأن يكون المستغاث به
وسيلة إلى الله تعالى، أو يستغاث بالله ويجعل
المستغاث به شفيعا إليه تعالى، ونحو ذلك مما مر.
وهذا لا يستلزم شركا ولا حرمة، فقد أسند الله
تعالى الإحياء وشفاء المرضى إلى عيسى (عليه السلام)،
فقال: * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ
فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني
وإذ تخرج الموتى بإذني) * (1) ونحوها آية أخرى (2).
فإن الخالق والمبري والمحيي الحقيقي هو الله
تعالى، لكن جعله - لمصلحة ما - على يد عيسى (عليه السلام)
وأسنده إليه مجازا، فيكون من قبيل: " جرى
الميزاب " و * (واسأل القرية) * (3) فإن الجاري هو
الماء لكن أسند إلى الميزاب مجازا، كما أن المسؤول
هو أهل القرية لكن أسند إلى القرية مجازا.
وبعبارة أخرى: كل شئ يكون مقدورا
للعبد بإذن الله تعالى، فإذا كان العبد مقربا إليه
تعالى، وسأله حاجة وأذن بقضائها، فيكون ذلك
الشئ مقدورا لذلك الشخص، بمعنى سؤاله قضاءها
منه تعالى (4).
وأما الفرق بين الحياة والممات فقد تقدم
الجواب عنه.
صيغ الاستغاثة بالله تعالى والأنبياء
والأولياء:
أما الاستغاثة بالله تعالى فصيغتها واضحة،
وهي أن يقول: إلهي أغثني، أو أستغيث بك يا الله،
أو يا الله ارحمني، أو ارزقني، أو تب علي... وهكذا
فكل ذلك لا إشكال فيه.
وأما الاستغاثة بالأنبياء والأولياء فيمكن أن
تكون على أحد أنحاء ثلاثة:
1 - أن يقول: يا رسول الله - أو يا ولي الله -
ادع الله أن يرزقني، ويشفي مريضي، و... وهذا
لا إشكال فيه، كما تقدم.
2 - أن يقول: أسألك يا الله بحق رسولك
ونبيك، أو وليك أن ترزقني، أو تشفي مريضي...
وهذا لا إشكال فيه أيضا على ما تقدم.

(1) المائدة: 110.
(2) آل عمران: 49.
(3) يوسف: 82.
(4) أنظر كشف الارتياب: 248. وروي في الوسائل عن
الكراجكي: " أن أبا حنيفة أكل مع أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام)، فلما رفع الصادق (عليه السلام) يده من أكله، قال:
الحمد لله رب العالمين، اللهم هذا منك ومن رسولك (صلى الله عليه وآله)،
فقال أبو حنيفة: يا أبا عبد الله! أجعلت مع الله
شريكا؟ فقال له: ويلك، إن الله يقول في كتابه: * (وما
نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) *، ويقول
في موضع آخر: * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله
ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله
ورسوله) *، فقال أبو حنيفة: والله لكأني ما قرأتهما
قط ". الوسائل 24: 351، الباب 56 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 9، والآيتان 74 و 59 من سورة التوبة.
19

3 - أن يقول: يا رسول الله - أو يا ولي الله -
أسألك الرزق والشفاء و...
وهذا صحيح أيضا إذا كان يعتقد أن الرازق
والشافي و... هو الله تعالى لا غير، أو كان غير
ملتفت إلى هذا المعنى أصلا، لكن لو التفت إليه
لالتزم به، كما هو عليه عامة الناس.
أما إذا كان معتقدا بأن النبي أو الولي هو
الرازق والشافي واقعا دون الله تعالى، فغير صحيح
وغير جائز، بل هو شرك، كما تقدم.
نعم، ينبغي إرشاد الناس وتعليمهم كيفية
الاستغاثة بغير الله تعالى لتكون أبعد عن الشبهة.
ثالثا - الاستغاثة بغير الأنبياء والأوصياء
والأولياء (عليهم السلام):
تجوز الاستغاثة بغير الأنبياء والأوصياء
والأولياء إذا لم تستلزم عنوانا ثانويا محرما،
كالاعتقاد برازقية المستغاث به أو قدرته المطلقة
على شفاء المريض، ونحو ذلك مما يستلزم الاعتقاد
بقدرة المستغاث به استقلالا أو اشتراكا مع الله،
تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
فإذا استلزمت الاستغاثة هذا المعنى مع
التفات المستغيث صارت محرمة.
ومن موارد الاستغاثة المحرمة استغاثة الظالم
بغيره في ظلمه، وتحرم إغاثته أيضا.
وإذا لم تستلزم الاستغاثة بالمخلوقين
المحذورين المتقدمين ونحوهما فهي جائزة، فيجوز
أن يستغيث إنسان بإنسان آخر لدفع الظالم عن
نفسه أو غيره، بل قد تجب في ظروف خاصة،
وسيأتي بيان ذلك. وقد ورد الحث على إغاثة
المستغيثين والملهوفين، كما سنشير إليه.
ولا يشترط في جواز الاستغاثة أن يكون
المستغاث به مسلما إذا دعت الضرورة إليها، فتجوز
الاستغاثة بالكافر، كما إذا دهم المسلمين عدو
لا يقدرون على دفعه إلا بالاستغاثة بالكافرين،
ولا يشترط في وجوب الإغاثة أن يكون المستغيث
مسلما، فتجب إغاثة الكافر إذا استغاث بالمسلم ولم
يكن هناك عنوان طارئ يجعل إغاثته محرمة (1).
وقد تقدم ما يتصل بالموضوع في عنوان
" استعانة " فراجع.
رابعا - الاستغاثة بالملائكة:
حكم الاستغاثة بالملائكة حكم الاستغاثة
بالأنبياء والأولياء، فما يجوز هناك يجوز هنا، وما
لا يجوز هناك لا يجوز هنا. ومن موارد عدم الجواز،

(1) قال الشهيد في المسالك بالنسبة إلى من اضطر إلى
الطعام: "... وإن لم يكن المالك مضطرا إليه فعليه إطعام
المضطر مسلما كان أم ذميا أم مستأمنا... ". المسالك
12: 118. أنظر عنوان: " اضطرار ".
هذا بالنسبة إلى وجوب الإغاثة وأما جوازها فدائرته
أوسع من ذلك، إذ ربما شملت غير هؤلاء من أقسام
الكفار.
20

استغاثة الساحر واستعانته بهم في سحره، إن قلنا
بإمكانه (1).
خامسا - الاستغاثة بالجن:
المستفاد من الآيات والروايات وكلمات
الفقهاء - في موضوع السحر ونحوه -: أن الاستغاثة
بالجن والاستعانة بهم غير جائزة (2)، قال تعالى:
* (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن
فزادوهم رهقا) * (3).
حكم إغاثة المستغيث:
حثت الشريعة على إغاثة المستغيثين
والملهوفين بصورة عامة، وندبت إليها كثيرا. ومن
جملة ما ورد في ذلك:
1 - ما رواه زيد الشحام، قال: " سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: من أغاث أخاه المؤمن اللهفان
اللهثان عند جهده، فنفس كربته وأعانه على نجاح
حاجته كتب الله عز وجل له بذلك ثنتين وسبعين
رحمة من الله... " (4).
2 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل معروف صدقة،
والدال على الخير كفاعله، والله عز وجل يحب
إغاثة اللهفان " (1).
3 - وجاء في رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) إلى
النجاشي حينما ولي من قبل السلطة على الأهواز:
"... وحدثني أبي عن آبائه، عن علي، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا
ظل إلا ظله، وآمنه يوم الفزع الأكبر، وآمنه من
سوء المنقلب " (2).
4 - وجاء في آثار الذنوب، المروية عن
الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام): "... والذنوب التي
تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة
المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر... " (3).
5 - وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " من كفارات
الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن
المكروب " (4).
6 - وعنه أيضا: " زكاة السلطان إغاثة
اللهفان " (5).

(1) أنظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 257 - 273.
(2) أنظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 257 - 273.
(3) الجن: 6.
(4) الكافي 2: 199، باب تفريج كرب المؤمن، الحديث
الأول.
(1) الكافي 4: 27، باب فضل المعروف، الحديث 4.
(2) الوسائل 17: 207، الباب 49 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول.
(3) الوسائل 16: 281، الباب 40 من أبواب الأمر
بالمعروف، الحديث 8.
(4) نهج البلاغة: 472، قسم الحكم، الحكمة 24.
(5) مستدرك الوسائل 7: 46، الباب 16 من كتاب
الزكاة، الحديث 6.
21

هذا كله بالنسبة إلى الإغاثة بصورة عامة،
وقد تجب أو تحرم أو تصير مندوبة أو مكروهة
لعوارض خارجية.
ومن موارد وجوبها ما إذا توقف عليها إنقاذ
النفس المحترمة من الهلاك، أو إنقاذ عرض أو مال
محترم، ومن ذلك أيضا إغاثة الحاكم الشرعي لمن
استغاثه واستدعاه على خصمه.
ومن موارد حرمتها ما إذا كان المستغيث
استغاث في باطل، كما إذا كان ظالما واستغاث في
ظلمه، ونحو ذلك.
الإغاثة من فروض الكفايات:
كلما وجبت الإغاثة فهي غالبا على نحو
الواجب الكفائي (1)، ما لم تصر واجبا عينيا لظروف
طارئة.
حكم ترك الإغاثة:
إذا كان المستغاث به غير قادر على الإغاثة
عقلا أو شرعا، فلا كلام، وإن كان قادرا عليها
وتركها، فإن لم يترتب على ذلك تلف نفس أو مال
أو نحوهما، فليس عليه إلا الحرمة التكليفية، لأنه
ترك واجبا، وهو إغاثة المستغيث على فرض
وجوبها.
وإن ترتب عليها شئ من ذلك، فهل يضمن
شيئا أو لا؟
قال الشهيد الثاني ما حاصله: أنه لو منع
مالك الطعام - إذا لم يكن هو مضطرا إليه - الشخص
المضطر من طعامه، فمات جوعا، ففي ضمانه وعدمه
وجهان:
من أنه لم يحدث فيه فعلا مهلكا.
ومن أن الضرورة أثبتت للمضطر في ماله
حقا، فكأنه منع المضطر من طعامه.
لكن ضعف صاحب الجواهر الوجه الثاني (1).
العلاقة بين الاستغاثة والدفاع:
يظهر من بعض الفقهاء: أن أدنى مراتب
الدفاع هو الاستغاثة، فلو هجم العدو على أهل دار،
فالواجب دفعه أولا بالصياح والاستغاثة إن كان
بحيث يلحقه الغوث، ولا ينتقل إلى المرتبة الأعلى
وهي الدفاع باليد وما فوقها إلا مع عدم ترتب أثر
على الاستغاثة. قال الشيخ الطوسي:
" إذا قصد رجل دم رجل أو ماله أو حريمه
فله أن يدفعه بأيسر ما يمكن دفعه به، فإن كان في
موضع يلحقه الغوث إذا صاح، دفعه عن نفسه
بالصياح، وإن كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه
باليد، فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، وإن لم يندفع
بالعصا دفعه بالسلاح... " (2).

(1) أنظر: القواعد 1: 100، وكفاية الأحكام: 73.
(1) أنظر: المسالك 12: 118، والجواهر 36: 434.
(2) المبسوط 8: 75.
22

وقال العلامة: "... فلو كفاه الصياح والاستغاثة
في موضع يلحقه المنجد، اقتصر عليه... " (1).
وهكذا قال آخرون.
ومثل ذلك ما لو اطلع شخص على أهل
المنزل وأرادوا دفعه، فيبدأون بالأدنى فالأدنى
مثل: رمي شئ خفيف، والصياح، والاستغاثة، ثم
اليد والعصا... (2).
لكن لم يلتزم بعضهم بهذا التدرج في
الموردين (3).
وتفصيل ذلك في عنوان " دفاع " إن شاء الله
تعالى.
العلاقة بين الاستغاثة والحكم:
لما كان الغرض الأصلي من الحكم
والقضاء بين الناس هو إحقاق الحقوق وإغاثة
المستغيثين، فلذلك لو استعدى شخص الحاكم
واستغاث به ليأخذ بحقه من خصمه فيجب عليه أن
يعديه ويغيثه فيحضر خصمه ويأخذ حقه منه (4).
ولهم كلام في كيفية الإحضار، يأتي تفصيله في
عنوان " قضاء " وما يناسبه إن شاء الله تعالى.
العلاقة بين الاستغاثة والإكراه:
عد بعضهم من شروط الإكراه عدم إمكان
دفع ما توعد به المكره بالاستغاثة ونحوها، فلو
أمكن ذلك لم يصدق الإكراه (1).
صلاة الاستغاثة:
ذكروا في كتب الأدعية والزيارات أنواع
الاستغاثات بشكل أدعية وصلوات، منها ما ذكره
الطبرسي، وحاصله: أنه يتهيأ - بعد مقدمات -
لصلاة ركعتين في آخر الليل، يقول في الركوع:
" يا غياث المستغيثين " خمسا وعشرين مرة، ثم
يرفع رأسه فيقول مثل ذلك، ثم يسجد ويقول مثل
ذلك، ثم يجلس ويقوله، ويسجد ويقوله، ويجلس
ويقوله، ثم ينهض إلى الركعة الثانية فيفعل كالركعة
الأولى، ثم يسلم وقد أكمل ثلاثمئة مرة، ثم يرفع
رأسه إلى السماء ويقول ثلاثين مرة: " من العبد
الذليل إلى المولى الجليل " ثم يذكر حاجته، فإن
الإجابة تسرع بإذن الله (2).
مظان البحث:
قلما تطرق الفقهاء إلى هذا الموضوع وبهذا

(1) القواعد 2: 273، وانظر كشف اللثام (الحجرية) 2: 433.
(2) أنظر: المبسوط 8: 77، والقواعد 2: 273، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 433.
(3) أنظر: الجواهر 41: 651 و 662، وتكملة منهاج
الصالحين 1: 348 و 350، المسألة 269 و 299.
(4) أنظر: المبسوط 8: 257، والقواعد 2: 19 و 207،
وجامع المقاصد 12: 399، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 45 و 334، والجواهر 40: 134، والقضاء (للشيخ
الأنصاري): 161.
(1) أنظر: الحدائق 25: 159، والجواهر 32: 11.
(2) مكارم الأخلاق: 330.
23

العنوان، نعم تعرض إليه المتأخرون الذين كتبوا في
علم الكلام وما يناسبه.
ويظهر مما تقدم أن مواطن البحث عن
الاستغاثة في الفقه بصورة إجمالية، هي: الأطعمة
والأشربة بمناسبة الاضطرار إلى أكل مال الغير،
والقضاء بمناسبة وجوب إحضار الخصم إذا استدعاه
خصمه، وتعرض لها بعضهم بهذه المناسبة في كتاب
النكاح أيضا، بمناسبة تخاصم أهل الذمة عندنا في
النكاح. وفي كتابي البيع والطلاق بمناسبة الإكراه.
وفي كتاب الحدود بمناسبة البحث عن الدفاع.
استغراق
لغة:
الاستيعاب (1).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي، وكلما ذكره الفقهاء
والأصوليون أرادوا به الاستيعاب، فقولهم: العموم
الاستغراقي، أي العموم المستوعب لجميع الأفراد.
واستغراق العضو - في الوضوء - أي استيعابه
بالغسل بالماء. واستغراق الدين، أي استيعاب
الدين لجميع تركة الميت، فيقال للدين: الدين
المستغرق. واستغراق الوقت، أي استيعابه.
واستغراق أرش الجناية، أي استيعاب مقدار أرش
الجناية في عضو مقدار دية ذلك العضو، ونحو ذلك.
راجع: إرث، أرش، تركة، وضوء. وانظر
الملحق الأصولي: عموم.
استغفار
لغة:
طلب الغفر، وهو الستر (1). قال الراغب
الأصفهاني: " الغفر: إلباس ما يصونه عن الدنس.
ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء، واصبغ ثوبك،
فإنه أغفر للوسخ " (2).
اصطلاحا:
طلب المغفرة من الله تعالى، وهو: إما بمعنى
" أن يصون العبد من أن يمسه العذاب " (3)، أو بمعنى
" أن يستره عن الأغيار، كي لا يعلمه أحد،

(1) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، وغيرهما:
" غرق ".
(1) أنظر: معجم مقاييس اللغة، والنهاية (لابن الأثير)،
والقاموس المحيط: " غفر ".
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الأصفهاني):
" غفر ".
(3) المصدر نفسه.
24

ولا يكون عليه شاهد " (1).
والمقصود هنا طلب المغفرة بالقول، وأما
طلبها بالعمل - كفعل بعض الطاعات وأفعال الخير
الموجبة لمغفرة الذنوب - فذلك باب واسع لسنا الآن
بصدده.
الفرق بين الاستغفار والتوبة:
أما من الناحية اللغوية، فقد فرق بينهما
ب‍: " أن الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء والتوبة، أو
غيرهما من الطاعة. والتوبة الندم على الخطيئة مع
العزم على ترك المعاودة " (2).
وأما من الناحية الفقهية، فقد قال الشهيد
الثاني - بمناسبة الكلام عن وجوب الاستغفار على
من لا يقدر على الكفارة في الظهار -:
" واعلم أن المراد بالاستغفار في هذا الباب
ونظائره أن يقول: " أستغفر الله "، مقترنا بالتوبة
التي هي الندم على فعل الذنب، والعزم على ترك
المعاودة إلى الذنب أبدا، وإنما جعله الشارع كاشفا
عما في القلب، كما جعل الإسلام باللفظ كاشفا عن
القلب " (3).
لكن علق عليه صاحب الجواهر بقوله:
"... قد يقال: إن الاستغفار هو طلب المغفرة
من الله تعالى، وليست التوبة من مقوماته، نعم
ظاهر الموثق المزبور اعتبارها معه، لكن الفتاوى
مطلقة... " (1).
ثم ناقشه في كاشفية الاستغفار عن التوبة.
وقال الشيخ الأنصاري في رسالة العدالة،
عند الكلام عن التوبة: "... ثم إن ظاهر بعض
الآيات والروايات مغايرة التوبة للاستغفار... "، ثم
استشهد بقوله تعالى: * (واستغفروا ربكم ثم توبوا
إليه) * (2)، وبالصيغة المعروفة للاستغفار: " أستغفر
الله ربي وأتوب إليه "، وبالنصوص الأخرى التي
قابلت بين الاستغفار والتوبة، ثم قال:
" ومما يظهر منه الاتحاد: الجمع بين ما دل
على أن " دواء الذنوب الاستغفار " و " أن التائب من
الذنب يغفر له، وأنه كمن لا ذنب له "، ويؤيده غير
ذلك من الأخبار التي تظهر للمتتبع "، ثم قال:
" ويمكن حمل التوبة المعطوفة على الاستغفار

(1) مرآة العقول 11: 306.
(2) الفروق اللغوية: الفرق بين الاستغفار والتوبة. لكن
اعتبار ذلك فرقا لغويا فيه نوع من التسامح، بل هو
مستفاد من المعنيين: اللغوي والاصطلاحي.
(3) المسالك 9: 535.
(1) الجواهر 33: 163، ومقصوده من الموثق، هو موثق
إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) الذي جاء فيه
- بالنسبة إلى من ظاهر ولم يجد ما يكفر به -: "... وإلا
يجد ذلك فليستغفر ربه، وينوي أن لا يعود، فحسبه
بذلك - والله - كفارة ". أنظر الوسائل 22: 368، الباب
6 من أبواب الكفارات، الحديث 4.
(2) هود: 90.
25

في الآيات والأخبار على الإنابة، أعني التوجه إلى
الله بعد طلب العفو عما سلف، وهذا متأخر من
التوجه إليه لطلب العفو، الذي هو متأخر عن الندم،
الذي هو توجه أيضا إلى الله، لكونه رجوعا من
طريق البطلان، وعودة إلى سلوك الطريق المستقيم
الموصل إلى جناب الحق، فهي كلها توجهات
وإقبالات إلى الحق يمكن إطلاق " التوبة " التي هي لغة
" الرجوع " على كل منها.
وقد يطلق على المجموع اسم " الاستغفار " كما
في الخبر المروي في نهج البلاغة في تفسير
الاستغفار... " (1).
وسنذكر هذا الخبر في آداب الاستغفار،
وسوف نبحث عن التوبة وحقيقتها وما يستتبعها في
عنوان " توبة " إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
قبل بيان أحكام الاستغفار نشير إلى بعض ما
يرتبط به بصورة عامة:
حكمة تشريع الاستغفار:
بنيت الشريعة على أسس وقواعد قويمة، منها
قواعد نفسية، مثل: الحب والبغض والخوف
والرجاء.
وللأخير دور مهم في إبقاء الحيوية المعنوية في
الفرد المسلم، فالشريعة لم تقطع رجاءه على أثر
ارتكابه بعض الذنوب، بل فتحت مصراعيها
للمذنبين ليعودوا، وجعلت لذلك طرقا، منها:
الشفاعة والتوبة والاستغفار. قال تعالى:
* (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * (1).
وقال تعالى أيضا: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو
ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر
الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون *
أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) * (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " العبد المؤمن
إذا أذنب ذنبا أجله الله سبع ساعات، فإن استغفر
الله لم يكتب عليه شئ، وإن مضت الساعات ولم
يستغفر كتبت عليه سيئة، وإن المؤمن ليذكر ذنبه
بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإن
الكافر لينساه من ساعته " (3).
الترغيب في الاستغفار:
رغبت الشريعة المؤمنين في الاستغفار،

(1) رسائل فقهية، (للشيخ الأنصاري): 56 - 57، رسالة
العدالة.
(1) النساء: 64.
(2) آل عمران: 135 - 136.
(3) أصول الكافي 2: 437، باب الاستغفار من الذنب،
الحديث 3.
26

والنصوص الواردة في ذلك مستفيضة جدا، كتابا
وسنة، قولا وعملا، حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من
ذريته يكثرون من الاستغفار، وقد روي: أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله في كل يوم سبعين
مرة من غير ذنب (1).
وما أكثر الأدعية المروية عن أهل البيت
(عليهم السلام) والمتضمنة لأنواع الاستغفار، منها دعاء
الإمام علي (عليه السلام) الذي علمه كميل بن زياد، وقد
جاء فيه: " اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم،
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي
الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي
تحبس الدعاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل
البلاء، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته... " (2).
آثار الاستغفار:
يستفاد من مجموع الآيات والروايات
الواردة في الاستغفار أن للاستغفار آثارا مهمة،
نشير فيما يلي إلى بعضها:
أولا - أن هناك ارتباطا بين الاستغفار وبين
صلاح المجتمع ونزول البركات والحياة الطيبة (3).
قال تعالى حكاية عن نوح (عليه السلام) وهو يخاطب قومه:
* (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء
عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم
جنات ويجعل لكم أنهارا) * (1). وقال تعالى حكاية
عن هود (عليه السلام): * (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه
يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم
ولا تتولوا مجرمين) * (2). ويؤيد ذلك قوله تعالى:
* (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات
من السماء والأرض) * (3).
وعن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام)، قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أنعم الله عز وجل عليه
نعمة فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق فليستغفر
الله، ومن حزنه أمر فليقل: لا حول ولا قوة إلا
بالله " (4). وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: " الاستغفار
يزيد في الرزق " (5).
ثانيا - ومن آثار الاستغفار رفع العذاب عن
هذه الأمة. قال تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت

(1) البحار 90: 282، كتاب الذكر والدعاء، الباب 15،
الحديث 25.
(2) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي): 844، وانظر
الصحيفة السجادية، فإنها مليئة بالاستغفار وطلب
التوبة.
(3) أنظر الجواهر 12: 132.
(1) نوح: 10 - 12.
(2) هود: 52، ومثله قوله تعالى: * (وأن استغفروا ربكم
ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) *.
هود: 3.
(3) الأعراف: 96.
(4) البحار 90: 277، كتاب الذكر والدعاء، الباب 15،
الحديث 2.
(5) البحار 90: 277، كتاب الذكر والدعاء، الباب 15،
الحديث 4.
27

فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والاستغفار لكم حصنين حصينين من العذاب،
فمضى أكبر الحصنين وبقي الاستغفار، فأكثروا منه،
فإنه ممحاة للذنوب... " (2) ثم تلا الآية المتقدمة.
وعنه عن علي (عليهما السلام)، قال: " كان في الأرض
أمانان من عذاب الله سبحانه، وقد رفع أحدهما،
فدونكم الآخر فتمسكوا به، أما الأمان الذي رفع
فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأما الأمان الباقي فالاستغفار،
قال الله عز من قائل: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت
فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * " (3).
آداب الاستغفار:
وردت في بعض النصوص أمور تلزم مراعاة
بعضها في الاستغفار، وتحسن مراعاة بعضها الآخر،
وقد جمعت في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال:
"... الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع
على ستة معان: أولها: الندم على ما مضى، والثاني:
العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث: أن تؤدي
إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس
عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك
ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى
اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان،
حتى تلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد،
والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة، كما أذقته
حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله " (1).
أما الأولان، فلأن المستغفر لو لم يندم على ما
صدر منه، ولم يعزم على ترك العود إليه، فهو
كالمستهزئ بالله، فقد ورد: " المستغفر من ذنب
ويفعله كالمستهزئ بربه " (2).
وقد تقدم ما يرتبط بالموضوع في بيان المعنى
الاصطلاحي للاستغفار.
وأما الثالث، فلأن الذنب لو كان سببه انتهاك
حقوق المخلوقين فيبقى ما دام الحق منتهكا، ولا أثر
للاستغفار من دون أداء الحق.
وأما الرابع، فلأن الذنب لو كان لأجل
تفويت فريضة، وكانت مما يجب قضاؤه، كالصلاة
والصوم ونحوهما، فيجب قضاؤها. وإن لم يجب
قضاؤها وكان القضاء مندوبا فيندب القضاء، وإن لم

(1) الأنفال: 33.
(2) البحار 90: 279، كتاب الذكر والدعاء، الباب 15،
الحديث 13.
(3) البحار 90: 284، كتاب الذكر والدعاء، الباب 15،
الحديث 31.
(1) نهج البلاغة (قسم الحكم): الحكمة 417، وانظر
البحار 6: 27، كتاب العدل، باب التوبة، الحديث 27،
و 90: 285، كتاب الذكر والدعاء، باب الاستغفار،
الحديث 33.
(2) الكافي 2: 504، كتاب الدعاء، باب الاستغفار،
الحديث 3.
28

تكن قابلة للقضاء فلا موضوع للقضاء.
ويحتمل إرادة معان أخر، كإعادة ما أتي به
غير مستوف لشرائط الكمال وإن كان مستكملا
لشرائط الامتثال والإجزاء، ونحو ذلك.
وأما الخامس والسادس، فهما من الكمالات
في تحقق الاستغفار.
استغفار المعصومين (عليهم السلام):
ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر كثيرا، فعن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب
إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة، فقلت:
أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال: لا،
ولكن كان يقول: أتوب إلى الله (1). قلت: إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب ولا يعود، ونحن نتوب ونعود؟!
فقال: الله المستعان " (2).
وما أكثر الأدعية المروية عن الأئمة (عليهم السلام)
والمتضمنة للاعتراف بالذنب وطلب المغفرة من الله
تعالى.
وهنا إشكال نذكره مع جوابه:
قال الإربلي في كشف الغمة - على ما نقله عنه
المجلسي في البحار -: " كنت أرى الدعاء الذي كان
يقوله أبو الحسن (عليه السلام) في سجدة الشكر، وهو: " رب
عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني،
وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني (1)،
وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني،
وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني (2)،
وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لأعقمتني،
وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني،
وعصيتك بجوارحي التي أنعمت بها علي ولم يكن
هذا جزاك مني... ".
فكنت أفكر في معناه وأقول: كيف يتنزل
على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة؟ ".
ثم نقل كلاما عن لقائه مع السيد رضي
الدين بن طاووس وبحثه الموضوع معه، إلى أن قال
في الجواب:
" وتقريره: أن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) تكون
أوقاتهم مشغولة بالله تعالى، وقلوبهم مملوءة به،
وخواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى، وهم أبدا في
المراقبة، كما قال (عليه السلام): " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم
تكن تراه فإنه يراك "، فهم أبدا متوجهون إليه
ومقبلون بكلهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك الرتبة

(1) أي كان يقول (صلى الله عليه وآله): " أستغفر الله، وأتوب إلى الله "،
كما فسر ذلك في حديث آخر، وإن كان يظهر منه أنه كان
يقول: " أستغفر الله " سبعين مرة، و " أتوب إلى الله "
سبعين مرة أيضا.
(2) الكافي 2: 438، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستغفار
من الذنب، الحديث 4، وانظر 2: 504، كتاب الدعاء،
باب الاستغفار، الحديث 5.
(1) الأكمه: الذي يولد أعمى. مجمع البحرين: " كمه ".
(2) الأكنع: من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت دواجيه،
وهي مفاصل أصول الأصابع. مجمع البحرين: " كنع ".
29

العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل
والمشرب والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات
عدوه ذنبا واعتقدوه خطيئة، واستغفروا منه... " (1).
وذكر المجلسي أيضا وجوها لدفع الإشكال،
ربما يرجع بعضها أو أكثرها إلى ما قاله الإربلي (2).
استغفار الملائكة لجملة من الناس:
ورد في الأحاديث أن الملائكة تستغفر لجملة
من الناس، منهم: من يسرج في المسجد (3)، ومن
مشى إلى المسجد يطلب فيه الجماعة (4)، وطالب
العلم (5).
صيغ الاستغفار:
وردت صيغ عديدة للاستغفار، منها:
" اللهم اغفر لي " و " أستغفر الله " و " أستغفر
الله وأتوب إليه " و " أستغفر الله ربي وأتوب إليه "
و " أستغفرك اللهم ".
وقد تقدم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول:
" أستغفر الله " و " أتوب إلى الله ". ولكن هل كان
يقول ذلك متواليا كالاستغفار المعهود - أي يقول:
" أستغفر الله وأتوب إلى الله " - أو يقول كلا منهما
بانفراد؟ يحتمل الأمران.
وهناك نصوص تضمنت زيادات على الصيغ
المتقدمة، منها على سبيل المثال:
ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " تعلموا سيد الاستغفار: اللهم
أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على
عهدك، وأبوء بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " (1).
ومن جملة ذلك ما روي عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، وهو أن يقول المستغفر: " أستغفر الله الذي
لا إله إلا هو الحي القيوم، بديع السماوات والأرض،
ذا الجلال والإكرام، وأسأله أن يتوب علي... " (2).
الحكم التكليفي للاستغفار:
الأصل في الاستغفار أن يكون مندوبا، لكن
قد يجب أو يحرم أو يكره لعارض، كما سيأتي
توضيح ذلك.

(1) كشف الغمة 2: 252 - 253، وعنه في البحار 25:
203، كتاب الإمامة، باب عصمتهم (عليهم السلام)، الحديث 16.
(2) البحار 25: 209، كتاب الإمامة، باب عصمتهم،
تذنيب. وانظر هذا وما قبله في سفينة البحار، مادة
" عصم ".
(3) الوسائل 5: 241، الباب 34 من أبواب أحكام
المساجد، الحديث الأول.
(4) الوسائل 8: 287، الباب الأول من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 7.
(5) الكافي 1: 34، باب ثواب العالم والمتعلم، الحديث
الأول.
(1) معاني الأخبار: 140.
(2) الخصال: 540، أبواب الأربعين، الحديث 12.
30

أقسام الاستغفار من حيث الحكم التكليفي:
ينقسم الاستغفار بحسب الحكم التكليفي - كما
تقدم - إلى المندوب والواجب والحرام والمكروه:
أولا - الاستغفار المندوب:
يستحب الاستغفار في حد ذاته وفي جميع
الحالات، وقد وردت في ذلك روايات عديدة، من
جملتها ما رواه أبو عبد الله (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: " خير الدعاء الاستغفار " (1)، وروي عنه (صلى الله عليه وآله)
قوله: " الاستغفار، وقول " لا إله إلا الله " خير
العبادة " (2)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا قال: " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وإن خف
حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة " (3).
هذا، وقد ورد التصريح باستحبابه
بالخصوص في الموارد التالية:
1 - الاستغفار في الصلاة:
يستحب الاستغفار في الصلاة المفروضة
وغيرها. وهو تارة يكون بعنوان الذكر المطلق،
وأخرى بعنوان الذكر الخاص. أما الأول فيجوز (4)
في جميع الحالات، وأما الثاني فيستحب في الموارد
التالية:
أ - الاستغفار بين السجدتين:
ذكر الفقهاء من جملة مستحبات السجود: أنه
يستحب أن يستغفر المصلي بعد رفع رأسه من
السجدة الأولى واستقراره. قال السيد اليزدي عند
عده لمستحبات السجود:
" السادس عشر: أن يقول في الجلوس بين
السجدتين: أستغفر الله ربي وأتوب إليه " (1).
وقال أيضا: " الخامس والعشرون: أن يقول
بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني
وادفع عني، فإني لما أنزلت إلي من خير فقير،
تبارك الله رب العالمين " (2).

(1) الكافي 2: 504، كتاب الدعاء، باب الاستغفار،
الحديث الأول.
(2) الكافي 2: 505، كتاب الدعاء، باب الاستغفار،
الحديث 6.
(3) الكافي 2: 504، كتاب الدعاء، باب الاستغفار،
الحديث 4.
(4) الجواز هنا بمعناه العام الذي يجتمع مع الاستحباب.
(1) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في مستحبات
السجود، وانظر: منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1:
247، كتاب الصلاة، الفصل السادس في السجود،
المسألة 8، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 176،
كتاب الصلاة، الفصل السادس في السجود، المسألة
653، وتحرير الوسيلة 1: 159، كتاب الصلاة، القول
في السجود، المسألة 9.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في مستحبات
السجود، وانظر: منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1:
247، كتاب الصلاة، الفصل السادس في السجود،
المسألة 8، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 176،
كتاب الصلاة، الفصل السادس في السجود، المسألة
653، وتحرير الوسيلة 1: 159، كتاب الصلاة، القول
في السجود، المسألة 9.
31

ب - الاستغفار بعد التسبيحات الأربع:
يستحب الاستغفار بعد التسبيحات الأربع في
الركعتين الثالثة والرابعة، ولو بأن يقول: اللهم اغفر
لي (1).
ولهم كلام في دفع توهم وجوبه (2)، سوف
نتعرض له في موطنه المناسب إن شاء الله تعالى.
ج - الاستغفار في قنوت الوتر:
من الأدعية التي رغب فيها عند القنوت
بصورة عامة، وفي قنوت الوتر بصورة خاصة هو
الاستغفار. قال تعالى مادحا المتقين: * (كانوا قليلا
من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون) * (3)
قال الطبرسي في تفسيرها: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرة في
السحر " (4).
ولذلك صرح الفقهاء: بأنه يستحب
الاستغفار في قنوت الوتر (1). وروي: أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يستغفر الله في الوتر سبعين مرة، وروي
ذلك عن الأئمة (عليهم السلام) أيضا (2).
وأما صيغة الاستغفار في الوتر، فقد وردت
مختلفة، ومن جملة ذلك أن يقول: " أستغفر الله ربي
وأتوب إليه " سبعين مرة، ثم يقول: " أستغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام،
لجميع ظلمي وجرمي، وإسرافي على نفسي وأتوب
إليه " سبع مرات (3).
وذكروا: أنه يستحب الاستغفار لأربعين
مؤمنا، أحياء وأمواتا (4).
ومن جملة ما ورد من أدعية أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) المشتملة على الاستغفار ما كان يدعو به
الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في الوتر، حيث كان
يقول: " هذا مقام من حسناته نعمة منك، وشكره
ضعيف، وذنبه عظيم، وليس لذلك إلا رفقك

(1) أنظر: العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في الركعات
الأخيرة، ومنهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 234،
كتاب الصلاة، المبحث الثاني، الفصل الرابع في القراءة،
المسألة 56، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1:
167، كتاب الصلاة، المبحث الثاني، الفصل الرابع في
القراءة، المسألة 625، وتحرير الوسيلة 1: 152، كتاب
الصلاة، القول في القراءة، المسألة 17.
(2) أنظر: المستمسك 6: 260، ومستند العروة الوثقى
3: 507.
(3) الذاريات: 17 - 18.
(4) مجمع البيان (9 - 10): 155.
(1) أنظر على سبيل المثال: الذكرى: 115، والجواهر 7:
196 - 197، ومنهاج الصالحين (للسيد الحكيم)
و (السيد الخوئي) كما سيأتي.
(2) أنظر الوسائل 6: 279، الباب 10 من أبواب القنوت.
(3) أنظر منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 256،
كتاب الصلاة، المبحث الثاني، الفصل الحادي عشر في
القنوت، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 183،
كتاب الصلاة، المبحث الثاني، الفصل الحادي عشر في
القنوت.
(4) المصدران المتقدمان.
32

ورحمتك، فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك
المرسل (صلى الله عليه وآله): * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون *
وبالأسحار هم يستغفرون) * (1) طال والله هجوعي،
وقل قيامي، وهذا السحر، وأنا أستغفرك لذنوبي
استغفار من لا يملك لنفسه ضرا، ولا نفعا، ولا موتا،
ولا حياة، ولا نشورا " (2).
د - اشتملت بعض خطب الجمعة المروية عن
الإمام علي (عليه السلام) على الاستغفار للمؤمنين (3)، وورد
عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا في توصيف
الخطبة: " ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات " (4)، لكن
اختلفوا في أنه واجب أو مستحب، فقد استظهر
الشهيد في الذكرى عن السيد المرتضى الوجوب (5)،
وهو الظاهر من المحقق الحلي في المعتبر أيضا (6)، ولم
ينقل عن أحد التصريح بوجوبه، ولذلك لم يذكروه
في واجبات خطبة الجمعة، بل نفاه بعضهم صريحا،
وإن جعل الإتيان به أولى (7).
2 - الاستغفار للميت:
يستحب الاستغفار للميت في المواطن
التالية:
أ - عند تشييعه: فقد ورد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أنه قال: " ينبغي لأولياء الميت منكم أن
يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته،
ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكتب لهم الأجر
ويكتب للميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر
فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار " (1).
ب - عند الصلاة عليه: الصلاة على الميت
خمس تكبيرات: يقرأ المصلي بعد الأولى
الشهادتين، ويصلي على النبي وآله بعد الثانية،
ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة، ثم يستغفر
للميت بعد الرابعة، ثم ينصرف بعد الخامسة.
هذا إذا كان مؤمنا، وإذا كان غير مؤمن أو
منافقا فلا يستغفر له. وأما إذا كان مستضعفا فيدعو
له بدعائه الخاص (2).
راجع: صلاة الميت.
ج - حين دفنه: يستحب الدعاء للميت
بالمأثور عند وضعه في القبر، وهو يتضمن الاستغفار
له، فقد جاء في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام): " إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه،

(1) الذاريات: 17 - 18.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 256، ومنهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 183.
(3) أنظر كشف اللثام 4: 251.
(4) الوسائل 7: 342، الباب 25 من أبواب صلاة الجمعة
وآدابها، الحديث 2.
(5) الذكرى 4: 138.
(6) المعتبر: 203، لأنه قال: " والذي اعتمده ما رواه
سماعة... ".
(7) أنظر: المسالك 1: 238، والمدارك 4: 33، ومستند
الشيعة 6: 66، والجواهر 11: 215.
(1) الوسائل 3: 59، الباب الأول من أبواب صلاة
الجنازة، الحديث الأول، وانظر الجواهر 4: 279.
(2) أنظر الجواهر 12: 88.
33

فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي، وقل: " بسم
الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم
افسح له في قبره وألحقه بنبيه " وقل - كما قلت في
الصلاة عليه - مرة واحدة من عند " اللهم إن كان
محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فاغفر له
وارحمه وتجاوز عنه " واستغفر له ما استطعت... " (1).
د - عند زيارة قبره: تستحب زيارة قبور
المؤمنين والشهداء والاستغفار والدعاء لهم، فقد
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أن فاطمة (عليها السلام) كانت
تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت، فتأتي قبر
حمزة وتترحم عليه وتستغفر له " (2).
ه‍ - الاستغفار للميت مطلقا:
يستحب الاستغفار للأموات في كل وقت،
لقوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * (3)،
وعن الصادق (عليه السلام): " إن الميت يفرح بالترحم
عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى
إليه " (4).
3 - الاستغفار في صلاة الاستسقاء:
تقدم بيان أهمية الاستغفار في صلاة
الاستسقاء، وأن الأذكار في قنوتاتها هو الاستغفار.
راجع: استسقاء.
4 - الاستغفار ردا على المسمت (1):
يستحب للعاطس إذا سمته أحد أن يقول له:
" يغفر الله لكم "، فقد ورد عن الإمام علي بن أبي
طالب (عليه السلام) أنه قال: " إذا عطس أحدكم فسمتوه،
فإن قال: يرحمكم الله، فقولوا: يغفر الله لكم
ويرحمكم، فإن الله قال: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا
بأحسن منها أو ردوها) * " (2).
ومعنى الحديث: إذا قال المسمت للعاطس:
يرحمكم الله، فليقل العاطس للمسمت: يغفر الله
لكم ويرحمكم.
5 - الاستغفار في شهر رمضان:
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الحث على
الاستغفار في شهر رمضان، فعن الإمام علي (عليه السلام)،
قال: " عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار
والدعاء، فأما الدعاء فيدفع البلاء عنكم، وأما
الاستغفار فتمحى به ذنوبكم " (3).

(1) الوسائل 3: 177، الباب 21 من أبواب الدفن، الحديث
الأول، وانظر الجواهر 4: 289 و 307 - 308.
(2) الوسائل 3: 224، الباب 55 من أبواب الدفن، الحديث
2، وانظر الذكرى 1: 62 - 63، والجواهر 4: 323.
(3) الحشر: 10.
(4) من لا يحضره الفقيه 1: 183، أحكام الأموات، باب
التعزية، الحديث 554، وانظر: الذكرى 2: 66،
والتذكرة 2: 121.
(1) التسميت - أو التشميت - هو الدعاء، وتسميت
العاطس: الدعاء له.
(2) البحار 73: 51، الباب 103 من أبواب العشرة،
الحديث الأول، والآية 86 من سورة النساء.
(3) الوسائل 10: 304، الباب 18 من أبواب أحكام شهر
رمضان، الحديثان 4 و 11، وغيرهما.
34

6 - الاستغفار كفارة:
يستحب الاستغفار كفارة عن ترك بعض
الآداب وارتكاب بعض التخلفات الأدبية، وهي
كثيرة، لا مجال لذكرها هنا.
ثانيا - الاستغفار الواجب:
1 - إذا أخذنا التوبة من المعاصي والندم
عليها مما يشترط تحققه في الاستغفار، فيكون
الاستغفار من الذنوب - بمعنى التوبة منها - واجبا في
جميع الأحوال، لوجوب التوبة من الذنوب (1)، وإن
فرقنا بين الاستغفار والتوبة وقلنا بعدم دخل التوبة
في الاستغفار - كما يراه بعض الفقهاء (2) - فلا يجب
الاستغفار من الذنوب بصورة عامة إلا في الموارد
الخاصة المصرح بها.
وقد تقدم في المعنى الاصطلاحي للاستغفار ما
يرتبط بالموضوع.
2 - يجب الاستغفار إذا وقع كفارة واجبة، أو
بدلا من كفارة واجبة، فالأول مثل الاستغفار كفارة
عن جدال المحرم للمرة الأولى إذا كان صادقا في
جداله - بناء على بعض الآراء (3) - والثاني مثل
الاستغفار كفارة عن الإفطار العمدي إذا لم يتمكن
من الإتيان بالكفارة الأصلية - وهي الخصال
الثلاث: الصوم ستين يوما، أو إطعام ستين مسكينا،
أو عتق رقبة (1) - أو بدلها، وهي: الصوم ثمانية عشر
يوما أو التصدق بما يطيق، أو بالممكن منهما مع
العجز عنهما.
وقد ورد: " إن الاستغفار توبة وكفارة لكل
من لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارة " (2).
وسوف يأتي البحث عن ذلك إن شاء الله
تعالى في عنوان " كفارة ".
3 - اختلف الفقهاء في وجوب الاستغفار في
الغيبة على أقوال ذكرها السيد الخوئي، نشير إليها
إجمالا ونحيل التفصيل على موضعه المناسب:
أ - وجوب الاستحلال من المغتاب وعدم
وجوب الاستغفار له.
ب - وجوب الاستغفار له فقط وعدم
وجوب الاستحلال.
ج - وجوب كلا الأمرين.
د - وجوب أحدهما على سبيل التخيير.
ه‍ - التفصيل بين وصول الغيبة إلى المغتاب،
فكفارتها الاستحلال منه، وبين عدم وصولها إليه،

(1) أنظر: كشف المراد: 282، المسألة 11 في وجوب
التوبة، والذخيرة: 302، وفيها: " الظاهر أن التوبة من
الذنب واجبة اتفاقا من غير فرق بين الصغيرة
والكبيرة ".
(2) أنظر الجواهر 33: 160 - 163.
(3) الجواهر 20: 424.
(1) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في ما يوجب
الكفارة، المسألة 19، وانظر: المستمسك 8: 366 -
369، ومستند العروة (الصوم) 1: 350 - 354.
(2) الوسائل 22: 368، الباب 6 من أبواب الكفارات،
الحديث 3.
35

فكفارتها الاستغفار له فقط.
و - التفصيل بين إمكان الاستحلال منه، وبين
عدمه لموت أو بعد مكان، أو كون الاعتذار موجبا
لإثارة الفتنة والإهانة، فعلى الأول يجب الاستحلال
منه، وعلى الثاني يجب الاستغفار له.
ز - عدم وجوب شئ منهما في جميع الصور،
بل الواجب على المغتاب الاستغفار لنفسه والتوبة
من ذنبه.
واختار هو القول السابع، ونسب الخامس
إلى العلامة والشهيد الثاني والمجلسي، والسادس إلى
الشهيد الثاني أيضا (1).
والذي يظهر من صاحب الجواهر والشيخ
الأنصاري اختيار القول السابع ابتداء إلا أنهما
رجحا الاستغفار للمغتاب أيضا احتياطا. قال
صاحب الجواهر بعد مناقشة أدلة وجوب
الاستحلال من المغتاب والاستغفار له: " إلا أنه مع
ذلك، الاحتياط لا ينبغي تركه " (2)، وقال الشيخ
الأنصاري: " والأحوط الاستحلال إن تيسر، وإلا
فالاستغفار " (3).
راجع: غيبة، كفارة.
ثالثا - الاستغفار المحرم:
يحرم الاستغفار للمشركين بنص الكتاب
العزيز، قال تعالى: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن
يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين
لهم أنهم أصحاب الجحيم) * (1).
فالآية صريحة في نفي الجواز وإن كان بلسان
نفي الحق، فإنها نفت أن يكون للنبي والمشركين حق
الاستغفار للمشركين، وهو يعطي معنى نفي جوازه
أيضا.
والظاهر أن سائر الكفار بحكم المشركين من
هذه الجهة.
فقد روى علي بن جعفر عن أخيه الإمام
موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: " سألته عن رجل
مسلم وأبواه كافران، هل يصلح له أن يستغفر لهما في
الصلاة؟ قال: إن كان فارقهما صغيرا لا يدري أسلما
أم لا؟ فلا بأس، وإن عرف كفرهما فلا يستغفر لهما،
وإن لم يعرف فليدع لهما " (2).
وأما المنافقون، فالمستفاد من كيفية صلاة
الأموات عليهم: أن الاستغفار لهم غير جائز،
لأن الفقهاء أسقطوا الدعاء للميت والاستغفار له
من الصلاة على المنافق، بل أوجب بعضهم لعنه
فيها (3).
راجع العنوانين: " صلاة الميت "، و " ميت ".

(1) مصباح الفقاهة 1: 331 - 336.
(2) الجواهر 22: 72.
(3) المكاسب 1: 341.
(1) التوبة: 113.
(2) الوسائل 7: 181، الباب 28 من أبواب الذكر، وفيه
حديث واحد.
(3) أنظر الجواهر 12: 47.
36

رابعا - الاستغفار المكروه:
لم أعثر على مثال للاستغفار المكروه
مصرح به في كلمات الفقهاء، إلا أنهم قالوا: يكره
أن ينادى خلف الجنازة: " استغفروا له " أي
للميت، ولعله لأجل ما فيه من التعريض به،
والإشعار بكونه مذنبا، وهو مناف لحرمة المؤمن
وهتك لها (1).
والكراهة هنا ليست لنفس الاستغفار، بل
لقول القائل: " استغفروا له ".
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب الصلاة:
أ - القراءة: تسميت العاطس، والقراءة في
الركعتين الأخيرتين.
ب - السجود: آداب السجود.
ج - القنوت: قنوت الوتر.
د - صلاة الوتر.
ه‍ - صلاة الاستسقاء.
2 - كتاب الطهارة: أحكام الأموات:
أ - تشييع الميت.
ب - الصلاة عليه.
ج - دفنه.
3 - كتاب الصوم: كفارة الافطار العمدي.
4 - كتاب الحج: كفارات الإحرام.
وبقية الكفارات في كتاب الكفارات.
ثانيا - الحديث:
1 - كتاب الإيمان والكفر: أبواب التوبة
والاستغفار.
2 - كتاب الذكر والدعاء: باب الاستغفار.
ثالثا - التفسير:
في تفسير الآيات الواردة في الاستغفار،
خاصة ما ورد ذكرها في الموسوعة.
استفاضة
لغة:
مصدر استفاض، من فاض، يقال: فاض
- أو أفاض - السيل، بمعنى كثر حتى سال من ضفة
الوادي. واستفاض الخبر: ذاع وانتشر، وحديث
مستفيض، ذائع ومنتشر (1).
اصطلاحا:
اختلف الأصوليون والفقهاء في معنى
الاستفاضة المصطلحة عند كل منهما.
فالاستفاضة عند الأصوليين وأهل الحديث

(1) أنظر الجواهر 4: 270 - 271.
(1) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس
المحيط، ومجمع البحرين: " فيض ".
37

والدراية هي: نقل الخبر بطرق تزيد على الثلاثة، أو
تبلغ ثلاثة فما فوقها، لأنهم عرفوا المستفيض بأنه:
" ما زادت رواته عن ثلاثة في كل مرتبة، أو زادت
عن اثنين عند بعضهم " (1).
واشترط بعضهم: أن يقصر عدد المخبرين
عما يحصل به التواتر (2).
وأما الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم في تعريفها،
ولعل منشأ ذلك، الخلط بين ما يحقق الاستفاضة
وبين ما هو حجة منها. وعلى أي حال، فما قيل في
تعريفها هو:
1 - أن يكثر السماع من جماعة حتى يبلغ حد
العلم بالمخبر عنه.
نسبه الشهيد الثاني إلى بعض (3).
2 - محصل العلم. أي ما يحصل به العلم.
نسبه الشهيد الأول إلى بعض الأصحاب (4).
ولعل المعنيين متحدان.
3 - ما يتاخم العلم، أي ما يقاربه.
ونسبه الشهيد الأول في القواعد إلى كثير من
الأصحاب، واختاره في الدروس (5)، وصرح
الآشتياني: بأن مراد الأصحاب من الاستفاضة
ذلك (1).
4 - كثرة السماع من جماعة حتى يبلغ ما
يوجب الظن الغالب المقارب للعلم.
نسبه الشهيد الثاني إلى بعض (2)، واختاره في
الروضة، حيث قال: " والمراد بها هنا: شياع الخبر
إلى حد يفيد السامع الظن [الغالب] المقارب
للعلم "، ثم قال: " ولا تنحصر في عدد، بل يختلف
باختلاف المخبرين. نعم يعتبر أن يزيدوا عن عدد
الشهود المعدلين، ليحصل الفرق بين خبر العدل
وغيره " (3).
والظاهر أن هذين المعنيين متحدان أيضا.
5 - واستظهر المحقق الرشتي - عند استعراض
تعاريف الاستفاضة - عن بعض مشايخه: أن خبر
جماعة من المسلمين بنفسه حجة تعبدا وإن لم يفد
ظنا (4).
6 - معنى عام يشمل ما يفيد العلم أو الظن
المتاخم له، أو مطلق الظن، وإنما الاختلاف في
حجية بعض مراتبها.
وهذا ما نستظهره من جماعة، منهم: الشيخ
الطوسي، والعلامة، وصاحب الجواهر، والشيخ

(1) الرعاية في علم الدراية: 69 - 70، وانظر: مقباس
الهداية 1: 128، والقضاء (للآشتياني): 41.
(2) القضاء (للرشتي): 94.
(3) المسالك 14: 229.
(4) القواعد والفوائد 1: 221، القاعدة 65.
(5) القواعد والفوائد 1: 221، القاعدة 65، والدروس 2:
134.
(1) القضاء (للآشتياني): 42.
(2) المسالك 14: 229 - 230.
(3) الروضة البهية 3: 135.
(4) القضاء (للرشتي): 94.
38

الأنصاري:
قال الشيخ الطوسي في ثبوت ولاية القاضي
بالشياع: " إن الاستفاضة إن بلغت إلى حد يوجب
العلم، فإنه يثبت الولاية بها، وإن لم تبلغ ذلك لم
يثبت ". ثم قال بالنسبة إلى النكاح، والوقف،
والعتق: " ويقوى في نفسي في هذه المسائل أنها
تثبت بالاستفاضة وعليه تدل أخبارنا " (1).
ومقصوده عدم لزوم حصول العلم في هذه المسائل.
وقال العلامة بالنسبة إلى مستند علم
الشاهد: "... ما يثبت بالاستفاضة، وهو النسب
والموت... ويشترط فيه توالي الأخبار عن جماعة
يغلب على الظن صدقهم أو يشتهر اشتهارا يتاخم
العلم " (2).
وقال صاحب الجواهر: " نعم، قد يقال: إن
الشياع المسمى بالتسامع مرة وبالاستفاضة أخرى،
معنى وحداني وإن تعددت أفراده بالنسبة إلى
حصول العلم بمقتضاه، والظن المتاخم له، ومطلق
الظن، إلا أن الكل شياع وتسامع واستفاضة... " (3).
وقال الشيخ الأنصاري: "... وتثبت أيضا
بالاستفاضة، وهو شياع الأخبار عن طائفة يمتنع
عادة تواطؤهم على الكذب، ولا إشكال في
ذلك، لأن حصول العلم منتهى دلالة كل دليل ". ثم
قال:
" ولو أفادت الظن ففي حجيتها وعدمها
وجوه، بل أقوال، ثالثها: الحجية إن بلغ الظن إلى
حد يقرب العلم بحيث تثق به النفس وتطمئن... ".
إلى أن قال:
"... ومن هنا يقوى ثبوت النسب والوقف
والنكاح بالاستفاضة، كما تقدم من الشيخ " (1).
الفرق بين الاستفاضة والشياع والشهرة:
الظاهر من عبارات الفقهاء واستعمالاتهم
اتحاد الاستفاضة والشياع في المعنى (2).
وأما الاستفاضة والشهرة، فربما يقال
باتحادهما، وربما يفرق بينهما. قال الشهيد الثاني
- بعد تعريفه الاستفاضة -:
" ويقال له: المشهور أيضا، حين تزيد رواته
عن ثلاثة أو اثنين، سمي بذلك لوضوحه.
وقد يغاير بينهما - أي المستفيض والمشهور -
بأن يجعل المستفيض ما اتصف بذلك في ابتدائه
وانتهائه على السواء، والمشهور أعم من ذلك.

(1) المبسوط 8: 86.
(2) القواعد 2: 240، وانظر إرشاد الأذهان 2: 160،
ولعله يمكن استظهار ذلك من المحقق، أنظر شرائع الإسلام
4: 133.
(3) الجواهر 41: 134.
(1) القضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 73 - 74.
(2) أنظر: الجواهر 40: 55، و 41: 131 وما بعدها،
والقضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 73،
والرواشح السماوية (للمحقق الداماد): 122.
39

فحديث " إنما الأعمال بالنيات " (1) مشهور غير
مستفيض، لأن الشهرة إنما طرأت له في وسطه...
وقد يطلق المشهور على ما اشتهر على
الألسنة، وإن اختص بإسناد واحد، بل ما لا يوجد
له إسناد أصلا " (2).
والظاهر أن الاختلاف بين الشهرة
والاستفاضة إنما هو في الحديث، وأما في الفقه
- حيث تكون الاستفاضة من طرق الإثبات -
فلا فرق بينهما ظاهرا.
الأحكام:
حجية الاستفاضة:
أما الاستفاضة بمعناها الأصولي فحجيتها
تدور مدار حجية خبر الواحد، لأن المستفيض قسم
منه (3)، فإن قلنا بحجية خبر الواحد - كما هو
المشهور - نقول بحجية المستفيض أيضا وإلا فلا.
وأما الاستفاضة بمعناها الفقهي فقد اختلفوا
في حجيتها:
1 - فإن أفادت علما، فهي حجة قطعا، لأن
العلم والقطع حجيتهما ذاتية، ولا تنحصر بمورد دون
مورد.
لكن يرى بعضهم: أن مثل ذلك خارج عن
حد الاستفاضة وإلا لما خصوا حجيتها بموارد
معدودة كما سيأتي (1).
2 - وإن أفادت ظنا، ففيها أقوال - على ما
قاله الشيخ الأنصاري -: الحجية مطلقا، وعدمها
مطلقا، والتفصيل بين ما أفادت ظنا يقارب العلم،
بحيث تثق النفس وتطمئن به، فتكون حجة، وبين ما
لم يفد، فلا تكون حجة فيه (2).
المناط في حجية الاستفاضة:
تختلف وجهات النظر في مناط حجية
الاستفاضة، فيرى بعضهم: أن المناط هو إفادتها
العلم، والعلم حجيته ذاتية، وهذا يظهر من الذين
اشترطوا في الاستفاضة حصول العلم.
ويرى بعضهم: أن المناط هو عسر حصول
العلم أو ما يقوم مقامه شرعا كالبينة. فكل مورد
يعسر فيه حصول العلم أو ما يقوم مقامه شرعا
يثبت بالاستفاضة، مثل: النسب، والملك المطلق،
والوقف، والنكاح، لأن الشهود قد يموتون أو

(1) حديث " إنما الأعمال بالنيات " مرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله)،
أنظر: الهداية (للصدوق): 12، باب النية، والتهذيب
1: 83، باب صفة الوضوء، الحديث 67، و 4: 186،
باب نية الصيام، الحديث 2، وغيرهما.
(2) الرعاية في علم الدراية: 70، وانظر مقباس الهداية 1:
129 - 130.
(3) الرعاية في علم الدراية: 69، وانظر مقباس الهداية 1:
131.
(1) أنظر: القضاء (للآشتياني): 42، والقضاء (للرشتي):
94.
(2) القضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 73.
40

لا يمكن الوصول إليهم، فلا يمكن الإثبات إلا
بالشياع والاستفاضة، ولو لم تكن الاستفاضة حجة
للزم تضييع الحقوق.
وقد صرح بهذا التعليل بعض الفقهاء، ويمكن
أن يستنبط من كلام آخرين. فممن صرح بذلك:
الشهيد الثاني (1)، والشيخ الأنصاري (2).
ويرى بعض آخر: أن المناط قيام الدليل، فما
قام الدليل على حجية الاستفاضة فيه من نص أو
إجماع أو سيرة ونحوها، فيكون حجة فيه، سواء
أفاد علما أو ظنا متاخما له أو ظنا دون ذلك.
صرح بذلك صاحب الجواهر (3).
ما يثبت بالاستفاضة:
ذكر الفقهاء جملة من الموارد التي تثبت
بالاستفاضة - على فرض حجيتها - لكن اختلفوا في
عددها، فهم بين من حصرها في ثلاثة - وهي
النسب والموت والملك المطلق - وبين من زاد حتى
بلغت اثنين وعشرين. ومن جملة ما زيد: الرضاع
والنكاح، والوقف، والإسلام، والكفر، والدين
والإعسار، والولاية، والعزل، وتضرر الزوجة،
ونحوها (4).
هذا بناء على عدم اشتراط العلم فيها، وأما
إذا اشترطناه فيثبت بها غير ما ذكروه أيضا.
ومما صرحوا بثبوته بالشياع والاستفاضة
ولم يدرجوه في جملة المذكورات " الهلال "، لكن
اشترط بعضهم فيه حصول العلم -: كصاحب
الجواهر (1) والسيد اليزدي (2) والسيدين الحكيم (3)
والخوئي (4) والإمام الخميني (5) - وصرح العلامة
بكفاية حصول الظن الغالب، وعلله بأن الظن
الحاصل من البينة (الشاهدين العادلين) حاصل من
الشياع أيضا (6)، وأطلق بعض آخر ولم يقيده بشئ،
كالشهيد الأول (7).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " هلال " إن
شاء الله تعالى.
ولصاحب الجواهر تفصيل في ما يثبت
بالاستفاضة يبدو أنه تفرد به - حسبما يظهر من
عبارته - وحاصله:
أن العمل بالاستفاضة على أنحاء ثلاثة:

(1) الروضة البهية 3: 135.
(2) القضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 74.
(3) الجواهر 40: 55، و 41: 134.
(4) أنظر: الجواهر 41: 132، والقواعد والفوائد 1: 221،
القاعدة 65.
(1) الجواهر 16: 353.
(2) أنظر: المستمسك 8: 452، ومستند
العروة (الصوم) 2: 64، وبمتنهما العروة الوثقى: فصل في
طرق ثبوت هلال رمضان وشوال.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تحرير الوسيلة 1: 270، كتاب الصوم، القول في طرق
ثبوت هلال شهر رمضان وشوال.
(6) التذكرة 6: 136.
(7) الدروس 1: 284.
41

الأول - العمل على طبق الشائع المستفيض
بين الناس وإجراء الأحكام الظاهرية عليه.
وفي هذا النحو، قامت السيرة على العمل
بمقتضى الاستفاضة في موارد أكثر مما ذكره الفقهاء،
فإن الناس ما زالوا يأخذون الفتوى بشياع
الاجتهاد، ويصلون بشياع العدالة، ويجتنبون بشياع
الفسق، وغير ذلك مما هو في أيدي الناس.
الثاني - القضاء طبقا لما هو الشائع
والمستفيض بين الناس. ففي هذه الحالة: إن أفادت
الاستفاضة علما فيجوز القضاء طبقه، وإن لم تفد
فالأولى الاقتصار على السبعة، وهي: النسب،
والموت، والملك المطلق، والنكاح، والوقف، والعتق
والولاء، بل الخمسة الأول من السبعة، بل الثلاثة
الأول منها، بل الأول خاصة، وهو النسب، لأنه
المتفق عليه بين الأصحاب.
الثالث - الشهادة طبقا لما هو مستفيض بين
الناس، فإن أفادت الاستفاضة هنا علما، جازت
الشهادة طبقها، وإن لم تفد فلا تجوز (1).
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب الصوم: ثبوت الهلال.
2 - كتاب القضاء: ثبوت ولاية القاضي.
3 - كتاب الشهادات: جواز الشهادة استنادا
إلى الاستفاضة.
ثانيا - الأصول:
حجية خبر الواحد.
ثالثا - الدراية وعلم الحديث:
أقسام خبر الواحد.
استفتاء
راجع: إفتاء، فتوى.
استفتاح
راجع: افتتاح.
استفصال
راجع: الملحق الأصولي.
استقالة
لغة:
طلب الإقالة.
راجع: إقالة.

(1) الجواهر 41: 135.
42

استقبال
لغة:
من استقبل الشئ، أي: جعله تلقاء
وجهه (1)، أو حاذاه بوجهه (2). قال ابن فارس:
" القاف والباء واللام أصل واحد صحيح، تدل كلمه
على مواجهة الشئ للشئ... " (3).
اصطلاحا:
لكلمة " الاستقبال " عدة إطلاقات في الفقه،
لعل جميعها يرجع إلى معنى المواجهة، مثل:
1 - استقبال القبلة، أي جعل نفسه مواجها
للقبلة (الكعبة)، كما في الصلاة ونحوها.
2 - استقبال الشمس والقمر، أي مواجهتهما
بعورته عند التخلي، وهو مكروه، كما سيتضح في
محله.
3 - استقبال الحيض، أي مواجهة الحيض
بالدخول فيه - أي أوائله - ويتكلم عنه في موضوع
جماع الحائض وثبوت الكفارة فيه.
4 - استقبال الشهر أو السنة، أي مواجهة
السنة الجديدة أو الشهر الجديد، بمعنى الدخول فيه.
ويرد ذلك في الصوم والزكاة والحج.
5 - استقبال الصلاة، أي مواجهتها بإعادتها
من جديد. ويرد ذلك في أحكام الخلل في الصلاة.
6 - وموارد أخرى مشابهة يعثر عليها المتتبع
في كتب الفقه.
الأحكام:
الكلام عن أحكام هذه الموارد كلها سوف
يكون في مواطنها المناسبة إن شاء الله تعالى، لكن
لما كان الاستقبال بمعنى جعل القبلة تلقاء الوجه
أكثرها أهمية بحيث صار " الاستقبال " كالعلم فيه
تقريبا، فلذلك أفردنا البحث عنه هنا بالمقدار الذي
يناسب الاستقبال نفسه - أي عملية مواجهة القبلة -
وأما ما يرتبط بالقبلة نفسها مثل بيان حقيقتها هل
هي الكعبة لمن في المسجد، ثم المسجد لمن كان
خارجا عنه، ثم الحرم للخارج عنه، أم هي الكعبة
للقريب، وجهتها للبعيد؟ وما هو معنى الجهة؟
وكيف يمكن معرفة القبلة؟ وما هو حكم غير
المتمكن من معرفتها؟ ونحو ذلك، فيأتي البحث عنه
في عنوان " قبلة " إن شاء الله تعالى.
وبناء على ذلك يقتصر بحثنا هنا على حكم
الاستقبال إجمالا، فنقول:
إن حكم الاستقبال يختلف باختلاف ما
يستقبل لأجله، فتارة يكون واجبا، وأخرى يكون
محرما، وثالثة مستحبا، ورابعة مكروها. ولم يذكروا

(1) المصباح المنير: " قبل ".
(2) لسان العرب: " قبل ".
(3) معجم مقاييس اللغة: " قبل ".
43

للاستقبال المباح موردا، بل نفاه صريحا بعضهم،
كالشهيد الأول، وصاحب المدارك، فقال الأول:
" ولا تكاد الإباحة بالمعنى الأخص تتحقق هنا " (1)،
وقال الثاني: " ولا تكاد تتحقق فيه الإباحة بالمعنى
الأخص " (2).
ولعل وجهه: أن الاستقبال إن تحقق مع
القصد، فإن لم يدخل في الواجب والحرام والمكروه
فهو داخل في المستحب، وإن تحقق من دون قصد،
فلا يكون موضوعا لحكم الاستقبال (3).
ومع ذلك فقد قسم ابن فهد الاستقبال بحسب
الأحكام الخمسة، وقال بعد ذكر الموارد الأربعة
- أي ما عدا المباح -: "... والمباح، وهو ما عدا ما
ذكرناه " (4).
وفيما يلي نذكر الاستقبال بحسب الأحكام
الأربعة - الوجوب والحرمة والاستحباب
والكراهة -:
أولا - الاستقبال الواجب:
يجب الاستقبال في الموارد التالية:
المورد الأول - الصلوات الواجبة:
يجب الاستقبال مع التمكن في الصلوات
المفروضة كتابا، وسنة، وإجماعا.
أما الكتاب، فقوله تعالى: * (فول وجهك شطر
المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * (1).
وأما السنة، فهي كثيرة، منها: ما رواه زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) حيث قال: " لا صلاة إلا إلى
القبلة " (2)، وما رواه زرارة أيضا عنه (عليه السلام) أنه قال:
" لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت،
والقبلة، والركوع والسجود " (3).
وأما الإجماع، فقد ادعي مستفيضا (4)، بل
ادعي كونه ضروريا بين المسلمين (5).
وصرح بعض الفقهاء: بأن الحكم مطلق
يشمل اليومية وغيرها، والأداء والقضاء، والحضر
والسفر، بل حتى صلاة الاحتياط والأجزاء المنسية
من الصلاة اليومية، وسجدتي السهو أيضا، وإن كان

(1) الذكرى 3: 188.
(2) مدارك الأحكام 3: 146.
(3) لكن يمكن فرضه في الاستقبال التعليمي والتمريني، أو
الاستقبال لغرض غير عبادي، كالأغراض الطبية
ونحوها، فإن القصد فيه حاصل، غير أنه ليس قصدا
عباديا، فيكون استقبالا مباحا.
(4) المهذب البارع 1: 306.
(1) البقرة: 144.
(2) الوسائل 4: 300، الباب 2 من أبواب القبلة،
الحديث 92.
(3) الوسائل 4: 312، الباب 9 من أبواب القبلة،
الحديث الأول.
(4) أنظر: التذكرة 3: 15، وجامع المقاصد 2: 59،
ومستند الشيعة 4: 202، ومفتاح الكرامة 2: 98،
والجواهر 8: 2، والمستمسك 5: 213، وغيرها.
(5) أنظر: مستند الشيعة 4: 202، والجواهر 8: 2،
والمستمسك 5: 213.
44

لبعضهم كلام في الأخير (1).
ولو تبدل عنوان الصلاة الواجبة وصارت
مندوبة، فإن كانت من قبيل الصلاة المعادة استحبابا
احتياطا، أو المعادة جماعة - بعد إتيانها فرادى -
فقد صرح بعض الفقهاء بوجوب الاستقبال فيها
أيضا. وإن كانت من قبيل غيرهما فيشملها حكم
النوافل (2)، كما سيأتي.
حكم النوافل:
أما النوافل فقد اختلفت فيها الأقوال،
وإجمالها هو:
أن النافلة تارة تصلى حالة الاستقرار، وتارة
حالة المشي أو الركوب. والحالة الثانية تارة تكون
في السفر، وتارة تكون في الحضر:
الحالة الأولى - حالة الاستقرار: للفقهاء في
وجوب الاستقبال عند الاستقرار قولان:
1 - عدم الوجوب: ذهب إليه بعض الفقهاء،
منهم: ابن حمزة (3)، والمحقق في الشرائع (4)، والعلامة
في الإرشاد (5)، وابن فهد (6)، والأردبيلي (7)،
والنراقي (1).
2 - الوجوب: قيل: إنه المشهور (2)، بل قيل:
إنه المصرح به في كتب الأصحاب إلا ما قل (3).
ويدل عليه: ارتكاز المتشرعة، فإنهم يقطعون
ببطلان صلاة من يستدبر القبلة في صلاته حالة
الاستقرار (4).
الحالة الثانية - حالة المشي والركوب:
قلنا: لهذه الحالة صورتان:
1 - إتيان النافلة حالة المشي أو الركوب في
السفر: صرح كثير من الفقهاء بعدم وجوب
الاستقبال فيهما إجمالا، بل ادعي عدم وجود خلاف
ظاهر بين الأصحاب فيه (5).
2 - إتيان النافلة حالة المشي أو الركوب في
الحضر: قيل: المشهور عدم وجوب الاستقبال فيهما
أيضا (6) إلا أن هناك قولين آخرين، هما:
أ - وجوب الاستقبال: ذهب إليه ابن أبي
عقيل، لأنه قائل بوجوب الاستقبال مطلقا إلا في
موضعين: حال الحرب، والمسافر يصلي على
راحلته، على ما نقل عنه (7). وهو الظاهر من ابن

(1) أنظر: الجواهر 8: 2، والمستمسك 5: 213 - 215،
وبمتنه العروة الوثقى.
(2) أنظر المصدرين المتقدمين.
(3) الوسيلة: 86.
(4) شرائع الإسلام 1: 67.
(5) إرشاد الأذهان 1: 244.
(6) المهذب البارع 1: 305.
(7) مجمع الفائدة 2: 60 - 62.
(1) مستند الشيعة 4: 204.
(2) كشف اللثام 3: 150.
(3) مفتاح الكرامة 2: 98.
(4) المستمسك 5: 215.
(5) أنظر المستمسك 5: 219.
(6) المستمسك 5: 220.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف 2: 73.
45

إدريس، لأنه أوجب الاستقبال حال الاختيار إلا
النافلة في السفر فيصليها على الراحلة أينما توجهت
بعد أن يكبر مستقبلا (1).
ب - وجوب الاستقبال في خصوص تكبيرة
الإحرام: ذهب إليه يحيى بن سعيد الحلي (2).
كيفية الاستقبال في الصلاة:
تختلف كيفية الاستقبال في الصلاة باختلاف
حال المصلي، فإن كان قائما، فيتحقق الاستقبال بأن
يكون وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة، وإن كان
جالسا، فبأن يكون وجهه وصدره وبطنه ورأس
ركبتيه إلى القبلة، وإن كان مضطجعا، فالاستقبال
فيه كهيئة المدفون، وإن كان مستلقيا فكهيئة
المحتضر (3).
وسوف يأتي بيان كيفية استقبال المحتضر
والمدفون.
حكم الإخلال بالاستقبال:
الإخلال بالاستقبال أثناء الصلاة فيه
حالات مختلفة نشير فيما يلي إليها إجمالا:
الأولى - الإخلال عمدا:
إذا أخل المصلي بالاستقبال عمدا بطلت
صلاته مطلقا، والمسألة إجماعية - كما قيل (4) -
لفوات المشروط بفوات شرطه.
الثانية - الإخلال خطأ:
لو أخل المصلي بالاستقبال خطأ، بأن تحرى
القبلة واجتهد في معرفتها لكنه أخطأ، فإما أن يتبين
له الخطأ، أو لا. فإن لم يتبين فلا تكليف عليه. وإن
تبين، فإما أن يكون في أثناء الصلاة، أو بعدها.
وعلى الثاني، فإما أن يتبين داخل الوقت أو
خارجه.
وفي جميع الحالات، إما أن يكون الانحراف
عن القبلة قليلا، بحيث لا يصل إلى المشرق أو
المغرب - أي يمين المصلي أو يساره سواء كان اليمين
هو المشرق أو المغرب باختلاف الجهات - أو يصل
إليهما، أو يتجاوزهما إلى أن يتحقق الاستدبار، بأن
يجعل القبلة في دبره، أي خلفه.
وفيما يأتي نشير إلى هذه الحالات إجمالا:
1 - إذا تبين الانحراف أثناء الصلاة وكان
قليلا:
إذا تبين الخطأ أثناء الصلاة وكان الانحراف
قليلا بحيث لا يصل إلى حد المشرق أو المغرب،
فالمعروف بين الفقهاء صحة الصلاة، فيجب على
المصلي تعديل جهة قبلته والاستمرار في صلاته.
وقد ادعي على ذلك الاجماع (1).

(1) السرائر 1: 208.
(2) الجامع للشرائع: 64.
(3) أنظر المستمسك 5: 224 - 225.
(4) أنظر: مستند الشيعة 4: 206، والمستمسك 5: 227.
(1) المدارك 3: 154، وانظر: الحدائق 6: 430،
والرياض 3: 142، ومستند الشيعة 4: 213 - 214،
والمستمسك 5: 231.
46

2 - إذا تبين وكان كثيرا:
إذا تبين الخطأ أثناء الصلاة وكان كثيرا، بأن
كان إلى المشرق أو المغرب أو إلى الخلف، فتجب
إعادة الصلاة. وقد ادعي عدم الخلاف في ذلك
أيضا (1).
3 - إذا تبين الانحراف بعد الصلاة داخل الوقت
وكان قليلا:
إذا تبين الخطأ بعد الصلاة داخل الوقت وكان
قليلا - أي ما بين اليمين واليسار - صحت صلاته
ولا إعادة عليه، وقد ادعي عليه الاجماع أيضا (2).
إلا أن بعضهم (3) استظهر وجوب الإعادة من كلام
المتقدمين، كالشيخ المفيد (4)، والسيد المرتضى (5)،
والشيخ الطوسي (6)، وسلار (7)، وابن حمزة (8)، وابن
زهرة (1)، وابن إدريس (2)، لأنهم قالوا بوجوب
إعادة الصلاة على من تبين خطأه في الوقت، ولم
يفصلوا بين كون الخلاف كثيرا أو قليلا، أي واصلا
إلى المشرق أو المغرب أو لا.
4 - الصورة نفسها لكن مع كون الانحراف إلى
اليمين أو اليسار:
والمعروف لزوم إعادة الصلاة في هذه
الصورة، بل ادعي عليه الإجماع (3).
5 - الصورة نفسها مع تبين الانحراف خارج
الوقت:
والمعروف عدم وجوب الإعادة، بل ادعي
عليه الإجماع أيضا (4).
6 - إذا تبين الانحراف داخل الوقت وكان إلى حد
الاستدبار:
وفي هذه الصورة تجب الإعادة إجماعا (5)، بل
هي القدر المتيقن من أدلة وجوب الإعادة عند تبين
الخلاف.
7 - الصورة نفسها ولكن مع كون التبين خارج
الوقت:
وفي المسألة قولان:

(1) أنظر: مستند الشيعة 4: 213 - 215، والمستمسك 3:
231، وغيرهما مما سبق.
ولا بد أن يعلم أن عبارات الفقهاء بالنسبة إلى
المشرق والمغرب أنفسهما - أو اليمين واليسار - مختلفة،
فيظهر من بعضها أن حكمهما حكم ما بين المشرق
والمغرب، ويظهر من بعضها الآخر أن حكمهما حكم
الاستدبار.
(2) أنظر: المدارك 3: 151، والحدائق 6: 434، وغيرهما.
(3) أنظر: مستند الشيعة 4: 207، والمستمسك 5: 228.
(4) المقنعة: 97.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.
(6) المبسوط 1: 80.
(7) المراسم: 61.
(8) الوسيلة: 99.
(1) الغنية: 69.
(2) السرائر 1: 205.
(3) أنظر: المدارك 3: 151، والرياض 3: 138، ومستند
الشيعة 4: 209، حيث نقل فيه الإجماع عن جماعة.
(4) أنظر المصادر المتقدمة.
(5) أنظر الرياض 3: 138.
47

أ - وجوب القضاء: نسب (1) ذلك إلى:
المفيد (2) والطوسي (3)، والحلبي (4)، وسلار (5)،
والقاضي (6)، وابن حمزة (7)، وابن زهرة (8)، والعلامة
في الإرشاد (9) والقواعد (10)، والشهيد في اللمعة (11)،
والمحقق الثاني في جامع المقاصد (12)، بل نسبه في
الروضة إلى المشهور (13).
لكن الموجود في كلام المفيد هو: " من أخطأ
القبلة أو سها عنها، ثم عرف ذلك والوقت باق أعاد
الصلاة، وإن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن عليه
إعادة فيما مضى، اللهم إلا أن يكون قد صلى
مستدبر القبلة، فيجب عليه حينئذ إعادة الصلاة،
كان الوقت باقيا، أو متقضيا، وعلى كل حال ".
وكذا قال غيره ممن ذكرنا.
نعم، إذا قلنا: إن حكم من صلى إلى نقطتي
المشرق والمغرب - اليمين واليسار - حكم من صلى
مستدبرا، صحت النسبة المتقدمة، وإلا فلا تصح.
ب - عدم وجوب القضاء: وهذا القول هو
المعروف بين غير من تقدم ذكره، ونسب إلى معظم
المتأخرين (1)، بل ادعي عليه الاجماع (2)، وهو يتم
مع التفسير المتقدم لكلام من ذكرناهم آنفا.
الثالثة - الإخلال نسيانا:
ألحق جماعة من الفقهاء الناسي للقبلة بالظان
بها إذا كان ظنه طبق الأمارة المعتبرة وتبين الخلاف،
من حيث وجوب الإعادة والقضاء وعدمهما، من
قبيل: الشيخ المفيد (3)، والشيخ الطوسي (4)، والمحقق
الحلي في المختصر (5)، والعلامة الحلي في التبصرة (6)،
والشهيد الأول في الذكرى (7) والدروس (8)، والمحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة (9)، والسيد اليزدي (10) - في

(1) أنظر مستند الشيعة 4: 211.
(2) المقنعة: 97.
(3) المبسوط 1: 80.
(4) الكافي في الفقه: 139.
(5) المراسم: 61.
(6) المهذب 1: 87.
(7) الوسيلة: 98.
(8) الغنية: 69.
(9) الإرشاد 1: 245.
(10) القواعد 1: 27.
(11) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 1: 202.
(12) جامع المقاصد 2: 74 - 75.
(13) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 1: 202.
(1) مستند الشيعة 4: 211.
(2) أنظر: الحدائق 6: 435، والرياض 3: 138.
(3) المقنعة: 97.
(4) النهاية: 64.
(5) المختصر النافع: 24.
(6) تبصرة المتعلمين: 39.
(7) الذكرى 3: 181.
(8) الدروس 1: 160.
(9) مجمع الفائدة 2: 76.
(10) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، أحكام الخلل في
الاستقبال، المسألة الأولى.
48

بعض الصور - وكذا السيدان الحكيم (1) والخوئي (2)،
لكن الأول منهما ألحق خصوص ناسي الموضوع
دون الحكم، حيث أوجب عليه الإعادة في الوقت
والقضاء خارجه.
واستشكلت جماعة أخرى في الإلحاق، من
قبيل: المحقق في المعتبر (3)، والعلامة في المنتهى (4)
والتحرير (5) والتذكرة (6)، والشهيد الأول في
البيان (7)، وصاحب الحدائق (8).
وقال آخرون بعدم الإلحاق - إما تصريحا أو
ظهورا - مثل: العلامة في المختلف (9) ونهاية
الإحكام (10)، وصاحب المدارك (11)، والفاضل
الإصفهاني (12)، وصاحب الجواهر (13).
وسكت بعض آخر عن حكم الإلحاق ولم
يذكره، منهم الإمام الخميني في تحرير الوسيلة (1).
الرابعة - الإخلال جهلا:
لم يتعرض كثير من الفقهاء لحكم الإخلال
بالقبلة جهلا، نعم تعرض له بعضهم. قال الشهيد
الأول في الذكرى - بعد بيان ترجيح إلحاق الناسي
بالظان: أي المجتهد المخطئ -: "... أما جاهل الحكم،
فالأقرب أنه يعيد مطلقا إلا ما كان بين المغرب
والمشرق، لأنه ضم جهلا إلى تقصير، ووجه
المساواة: " الناس في سعة ما لم يعلموا " " (2).
وقال صاحب المدارك بعد ذكر " الناسي ":
" وكذا الكلام في جاهل الحكم، والأقرب الإعادة
في الوقت خاصة، لإخلاله بشرط الواجب، دون
القضاء، لأنه فرض مستأنف " (3).
وقال صاحب الجواهر - بعد بيان عدم إلحاق
الناسي بالظان -: " وأضعف منه إلحاق الجاهل
بالحكم، كما وقع من بعضهم... " (4).
ويمكن نسبة القول بعدم الإلحاق
- بالأولوية - إلى كل من استشكل في إلحاق الناسي
بالظان.

(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم): كتاب الصلاة، المقصد
الثاني في القبلة، المسألة 2، وانظر المستمسك 5: 227.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي): كتاب الصلاة،
المقصد الثاني في القبلة، المسألة 516.
(3) المعتبر: 146.
(4) المنتهى (الحجرية) 1: 224.
(5) التحرير 1: 29.
(6) التذكرة 3: 33.
(7) البيان: 118.
(8) الحدائق 6: 440.
(9) المختلف 2: 72 - 73.
(10) نهاية الإحكام 1: 406.
(11) المدارك 3: 153.
(12) كشف اللثام 3: 182.
(13) الجواهر 8: 35 - 36.
(1) تحرير الوسيلة 1: 127، كتاب الصلاة، فصل في
مقدمات الصلاة، المقدمة الثانية في القبلة.
(2) الذكرى 3: 181.
(3) المدارك 3: 153.
(4) الجواهر 8: 36.
49

وممن صرح بالإلحاق المحقق الأردبيلي (1).
وفصل السيد اليزدي بين ما إذا كان
الانحراف إلى ما بين المشرق والمغرب، فألحق
الجاهل بالظان، وبين ما إذا كان أكثر من ذلك،
فحكم بوجوب الإعادة والقضاء على الجاهل، لكن
حكم بوجوب الإعادة في الوقت فقط على من صلى
إلى المشرق أو المغرب أو صلى مستدبرا للقبلة مخطئا
وإن احتاط في الأخير فأوجب القضاء فيه أيضا (2).
وفصل السيدان الحكيم (3) والخوئي (4) بين
الجهل بالحكم والجهل بالموضوع، فألحقا الثاني
بالظان دون الأول حيث حكما عليه بالإعادة في
الوقت والقضاء خارجه.
المورد الثاني مما يجب فيه الاستقبال - حال
الاحتضار:
يجب على المكلفين - وجوبا كفائيا - توجيه
المحتضر المسلم نحو القبلة، بأن يجعل على قفاه وتمد
رجلاه نحو القبلة بحيث لو جلس لكان متوجها
نحوها (1). هذا على المشهور، وفيه قول
بالاستحباب.
وقد مر تفصيل ذلك في عنوان " احتضار "،
فراجع.
المورد الثالث - عند الصلاة على الميت:
يجب أن يجعل الميت المسلم نحو القبلة عند
الصلاة عليه، بأن يكون مستلقيا، ورأسه إلى يمين
المصلي حينما يستقبل القبلة ورجلاه إلى يساره،
وبعبارة أخرى يكون رأس الميت نحو المغرب،
ورجلاه نحو المشرق إذا كانت القبلة في ذلك المكان
في طرف الجنوب، وأما إذا كانت في طرف الشمال
- كما في الأماكن الواقعة جنوب مكة - فيكون رأس
الميت نحو المشرق، ورجلاه نحو المغرب (2)، وهكذا.
راجع: صلاة الميت.
المورد الرابع - وضع الميت حال الدفن:
المعروف بين الفقهاء وجوب جعل الميت
المسلم في القبر مستقبل القبلة (3)، بأن يكون
مضطجعا على جانبه الأيمن، رأسه إلى المغرب،

(1) مجمع الفائدة 2: 76.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في أحكام الخلل في
القبلة، المسألة الأولى.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 187، كتاب
الصلاة، المقصد الثاني في القبلة، المسألة 2.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 135، كتاب
الصلاة، المقصد الثاني في القبلة، المسألة 516.
(1) أنظر: المستمسك 5: 225، و 4: 16، والجواهر 4:
6 - 12 و 8: 3.
(2) أنظر: المستمسك 5: 225، و 4: 242، والجواهر
12: 52 و 56.
(3) أنظر الجواهر 8: 3، و 4: 296.
50

ورجلاه إلى المشرق، ووجهه وبطنه ومقاديم بدنه
إلى القبلة.
هذا بالنسبة إلى من كانت قبلته نحو الجنوب،
وأما لو كانت نحو الشمال، فيكون رأسه نحو المشرق
ورجلاه إلى المغرب، ووجهه ومقاديم بدنه نحو
القبلة، ولو كانت نحو المشرق، فيكون رأسه نحو
الجنوب...، ولو كانت نحو المغرب، فيكون رأسه نحو
الشمال ورجلاه إلى الجنوب ومقاديم بدنه نحو القبلة،
وهكذا (1).
ويظهر من ابن حمزة عدم وجوب الاستقبال
حال الدفن، لأنه اقتصر في واجبات الدفن على
ذكر الدفن خاصة، وأما الكيفية المتقدمة فذكرها في
المندوبات (2).
واستظهر صاحب الجواهر ذلك من بعض
آخرين أيضا (3).
ولو حملت الكافرة من مسلم فماتت، دفنت
في مقابر المسلمين لأجل ولدها، ويستدبر بها القبلة
مضجعة على جانبها الأيسر، ليستقبل ولدها
القبلة (4).
راجع: استدبار، دفن.
المورد الخامس - حال الذبح والنحر:
يجب الاستقبال بالمذبوح والمنحور حال
الذبح، وقد ادعي عليه الإجماع محصلا ومنقولا (1).
وعن جماعة وجوب استقبال الذابح أيضا (2).
ويتحقق الاستقبال بأن يكون مذبح الحيوان
أو منحره - أي موضع ذبحه أو نحره - ومقاديم بدنه
إلى القبلة مع الإمكان.
وسوف يأتي تفصيل ذلك وبيان أحكام
الخلل الواقع في الاستقبال عند الذبح في عنوان
" ذباحة " إن شاء الله تعالى.
سقوط وجوب الاستقبال مع عدم التمكن
منه:
قال المحقق: " ويسقط فرض الاستقبال في
كل موضع لا يتمكن منه، كصلاة المطاردة، وعند
ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها
إلى القبلة " (3).
وعلق عليه صاحب المدارك بقوله: " هذا
الحكم ثابت بإجماع العلماء، والأخبار به
مستفيضة " (4).
والظاهر أن المذكورات إنما هي على سبيل

(1) أنظر: المستمسك 4: 251، و 5: 225، والتنقيح
(الصلاة) 9: 164.
(2) الوسيلة: 67 - 68.
(3) الجواهر 4: 296.
(4) الجواهر 4: 297.
(1) أنظر: الجواهر 36: 110، والمستمسك 5: 225.
(2) المستمسك 5: 226.
(3) شرائع الإسلام 1: 67.
(4) المدارك 3: 149.
51

المثال لا الحصر، ولذلك يشمل الحكم المسافر إذا لم
يتمكن من النزول من الدابة ونحوها مما يركبه،
للخوف أو لأي سبب آخر. قال المحقق أيضا:
" والمسافر يجب عليه استقبال القبلة،
ولا يجوز له أن يصلي شيئا من الفرائض على
الراحلة إلا عند الضرورة، ويستقبل القبلة، فإن لم
يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته، وينحرف
إلى القبلة كلما انحرفت الدابة، فإن لم يتمكن استقبل
بتكبيرة الإحرام، ولو لم يتمكن من ذلك، أجزأته
الصلاة وإن لم يكن مستقبلا، وكذا المضطر إلى
الصلاة ماشيا مع ضيق الوقت... " (1).
هذا هو المعروف بين فقهائنا، بل ادعي عليه
الإجماع إجمالا (2)، لكن قال العلامة: " إذا لم يتمكن
من الاستقبال جعل صوب الطريق بدلا عن
القبلة... " (3)، واستحسنه صاحب المدارك، وقال:
" وهو حسن إلا أن وجهه لا يبلغ حد الوجوب " (4).
ثانيا - الاستقبال المحرم:
يحرم الاستقبال حال التخلي للبول أو
الغائط، على المشهور. وأما الاستقبال حال
الاستبراء والاستنجاء فالمعروف عدم حرمته، وإن
كان الأحوط عند بعضهم تركه (1).
راجع: استبراء، استنجاء، تخلي.
ثالثا - الاستقبال المستحب:
قال السيد اليزدي: " يستحب الاستقبال في
مواضع: حال الدعاء، وحال قراءة القرآن، وحال
الذكر، وحال التعقيب، وحال المرافعة عند الحاكم،
وحال سجدة الشكر وسجدة التلاوة، بل حال
الجلوس مطلقا " (2).
رابعا - الاستقبال المكروه:
وقال السيد اليزدي أيضا: " يكره الاستقبال
حال الجماع، وحال لبس السراويل، بل كل حالة
تنافي التعظيم " (3).
ويبدو عدم انحصار موارد المستحب
والمكروه من الاستقبال في ما ذكر، كما يظهر
للمتتبع.
وأما الاستقبال المباح فقد تقدم الكلام عن
أصل وجوده في مقدمة البحث عن أحكام
الاستقبال، فراجع.

(1) شرائع الإسلام 1: 66.
(2) أنظر: المعتبر: 147، وكشف اللثام 3: 159، والجواهر
7: 424 - 425 و 427.
(3) نهاية الإحكام 1: 405.
(4) المدارك 3: 141.
(1) أنظر: الجواهر 2: 7 و 11، والعروة الوثقى: كتاب
الصلاة، فصل فيما يستقبل له، المسألة 2، والمستمسك 2:
194 - 197.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل فيما يستقبل له،
المسألة 3.
(3) المصدر نفسه: المسألة 4.
52

مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - أحكام التخلي.
ب - أحكام الأموات: الاحتضار،
الصلاة على الميت، الدفن.
2 - كتاب الصلاة: الاستقبال في الصلاة.
3 - كتاب النكاح: آداب الجماع.
4 - كتاب الصيد والذباحة: واجبات الذبح
أو النحر.
استقراء
راجع الملحق الأصولي: استقراء.
استقرار
لغة:
التمكن (1)، والسكون والثبات (2).
اصطلاحا:
أضيفت كلمة " استقرار " في كتب الفقه إلى
أمور كثيرة، وأريد منها المعنى اللغوي، وفيما يلي
نشير إلى أهمها:
1 - استقرار الشريعة: وهو ثباتها وعدم
تغيرها بنسخ وشبهه.
2 - استقرار سيرة العقلاء والمتشرعة
وبنائهم: وهو ثبات سيرتهم وبنائهم وعدم تغيرهما
بحسب الظروف، ومثل هذه السيرة هي التي تطمئن
إليها النفس بخلاف السيرة المتغيرة.
3 - استقرار الدين: وهو ثبوته في ذمة
المدين.
4 - استقرار الوجوب: وهو ثبوته في
ذمة المكلف بعد توفر شروطه، مثل الاستطاعة
بالنسبة إلى الحج، وبهذا المعنى قولهم: استقرار
الحج.
5 - استقرار المهر: يعني ثبوته في ذمة الزوج،
وهو يحصل بدخول الزوج بالزوجة (1)، أو بموت
أحد الزوجين قبل الدخول على المشهور (2).
6 - استقرار الجناية: يعني ثباتها وعدم
توسعها وسرايتها.
7 - استقرار البيع: وهو ثباته وعدم تغيره،

(1) المصباح المنير: " قرر ".
(2) أنظر: مجمع البحرين، والقاموس المحيط: " قرر ".
(1) أنظر: الجواهر 29: 325، و 30: 76، وعن بعض
القدماء: استقراره بمجرد الخلوة، أنظر: جامع المقاصد
13: 364، والجواهر 31: 77 و 142.
(2) أنظر: جامع المقاصد 13: 364 و 370، والجواهر
39: 326 و 330.
53

وهو يحصل بعد تمام العقد إذا لم يكن لأحد الطرفين
خيار وإلا فالاستقرار يحصل بعد انتهاء مدة الخيار
أو بعد إسقاطه.
8 - استقرار الملك: وهو ثباته بعد تمام العقد
إذا لم يكن خيار لأحد الطرفين، وإلا فبعد انتهاء
مدة الخيار أو إسقاطه. ويقابله تزلزل الملك، فيقال:
ملك مستقر، وملك متزلزل.
9 - استقرار العادة: ويأتي على معنيين:
أ - ثبات عادة الناس - أو طبقة خاصة
منهم - على شئ، وبهذا يكون قريبا من السيرة من
حيث المعنى.
ب - ثبات عادة المرأة في زمان الحيض
والطهر عددا ووقتا، أو أحدهما. ويقال لمثل هذه
المرأة: " ذات عادة مستقرة "، وتقابلها من لا ثبات
لعادتها، وهي المضطربة. ومحل البحث عن هذا
الموضوع عنوان " حيض ".
10 - استقرار الحياة: أي ثبات حياة
الإنسان أو الحيوان إجمالا، وهو يحصل:
بإمكان بقاء الحيوان يوما، أو يومين، أو يوما
ونصفه (1).
أو بإمكان بقاء النطق والحركة الاختياريين
في الإنسان (2).
أو بإمكان بقاء الإدراك والنطق والحركة
الاختياريين فيه (1).
وهناك عبارات أخرى متقاربة في
المضمون.
ويقابل ذلك ما لا حياة مستقرة له، فلا إدراك
له، ولا نطق ولا حركة اختياريين، ولا يبقى يوما أو
أياما.
وقد جرى البحث عن ذلك في الموارد
التالية:
أ - الذباحة والنحر: حيث اشترط بعضهم في
صحتهما استقرار الحياة في الحيوان، فإذا كان الحيوان
مشرفا على الهلاك فلا يصح ذبحه أو نحره (2) على
تفصيل يأتي في عنوان " ذباحة ".
ب - الوصية: حيث يبحث الفقهاء عن صحة
وصية من لم تستقر حياته، ويستشكل فيها، كما
يستشكل في صحة إسلام الكافر وتوبة الفاسق،
وتصرفات من لم تكن له حياة مستقرة، كالبيع
ونحوه (3).
ويأتي تفصيله في عنوان " وصية ".
ج - الإرث: ذكر الفقهاء استقرار الحياة فيه
في موردين:
أحدهما - أسباب المنع من الميراث: حيث
بحث عن اشتراط حرمان القاتل من إرث المقتول

(1) أنظر الجواهر 36: 141.
(2) أنظر الجواهر 39: 41.
(1) أنظر الجواهر 42: 58.
(2) أنظر الجواهر 36: 141.
(3) أنظر الجواهر 28: 465 - 466.
54

باستقرار حياة المقتول عند وقوع الجناية عليه. فمن
قال باشتراط الحياة المستقرة في صدق عنوان
" القتل " لم يمنع الجاني من الإرث لو وقعت جنايته
على من لم تستقر حياته، لعدم صدق " القتل "، ومن
لم يشترط ذلك، قال بحرمان الجاني من الإرث،
لصدق " القتل ". وربما يؤثر تفسير الحياة المستقرة
في استنتاج الحكم المترتب عليها (1).
والآخر - لواحق أسباب المنع: حيث تكلموا
في اشتراط استحقاق الحمل للإرث - إضافة إلى
انفصاله حيا - استقرار حياته أيضا (2).
د - القصاص والديات: بحث الفقهاء فيهما
عن صدق عنوان " القاتل " على من أوقع ما يؤدي
إلى قتل من لم تكن له حياة مستقرة، كما في المثال
المتقدم (3).
11 - استقرار المصلي: ويراد به سكون
المصلي وثباته. وعبر عنه الفقهاء ب‍ " الطمأنينة "
أيضا، وتكلموا عن وجوبه في التكبير والقراءة
والركوع والسجود، والقيام المتصل بالركوع، بل في
سائر أفعال الصلاة حتى المندوب منها (4). وسوف
يأتي تفصيله تحت عنوان " طمأنينة " إن شاء الله
تعالى.
مظان البحث:
يعلم مما تقدم.
استقراض
لغة:
طلب القرض، والقرض: القطع، يقال:
قرضت الشئ بالمقراض، والقرض أيضا: " ما
تعطيه الإنسان من مالك لتقضاه (1)، وكأنه شئ قد
قطعته من مالك " (2).
اصطلاحا:
أخذ القرض سواء كان بطلب أو بغيره.
والقرض في الاصطلاح: هو إعطاء شئ ليستعاد
عوضه وقتا آخر (3).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " قرض ".

(1) أنظر الجواهر 39: 41.
(2) أنظر الجواهر 39: 70.
(3) أنظر الجواهر 42: 58.
(4) أنظر: الجواهر 9: 260، و 10: 82 و 166،
والمستمسك 6: 62 و 102 و 143، ومستند العروة
(الصلاة) 3: 127 و 203.
(1) أي تسترجعه.
(2) معجم مقاييس اللغة: " قرض ".
(3) كنز العرفان 2: 58، وانظر مجمع البحرين: " قرض ".
55

استقسام
لغة:
طلب القسم الذي قسم له وإفرازه. والقسم:
النصيب والحظ (1).
اصطلاحا:
لا يختلف معناه عن المعنى اللغوي، لكن لما
ورد " الاستقسام " في قوله تعالى: * (وأن تستقسموا
بالأزلام) * (2)، اختلفوا في المراد من الآية، وذكروا له
وجهين:
الأول - أن " الأزلام " جمع " زلم " - بفتح
الزاي وضمها، كجمل وصرد - وهي قداح - أي
سهام - لا ريش بها ولا نصل، كانوا يتفاءلون بها
لاستعلام الخير والشر في أسفارهم وأفعالهم،
مكتوب على بعضها: " أمرني ربي "، وعلى بعضها:
" نهاني ربي "، وبعضها غفل لم يكتب عليها شئ.
فإذا أرادوا أمرا أجالوا تلك القداح ثم أخرجوا منها
واحدا، فإن خرج الذي عليه: " أمرني ربي " مضى
الرجل لحاجته، وإن خرج الذي فيه النهي لم يمض،
وإن خرج ما ليس عليه شئ أعادوها. فهذا هو
الاستقسام بالأزلام (1).
وقيل: إن السهام كانت عند سادن الكعبة،
وكان هو الذي يتولى ذلك (2).
الثاني - أن الاستقسام بالأزلام نوع من
القمار والميسر، فكان يجتمع عشرة ويشترون
جزورا، ثم يجعلون عشرة قداح - وهي الأزلام -
سبعة لها أنصباء، وثلاثة غفل لا أنصباء لها، ثم تعطى
السهام لرجل آخر ليستخرج باسم كل واحد من
العشرة سهما، فإن خرج بماله نصيب فيكون له من
الجزور بذلك النصيب، وإن خرج غفلا، فلا سهم له.
وقيمة الجزور على من خرج سهمه غفلا، وهم
ثلاثة.
وأما أسماء السهام فكانت هكذا: الفذ،
والتوأم، والمسبل، والنافس، والحلس، والرقيب،
والمعلى. فالأول له سهم واحد، والثاني سهمان،
والثالث ثلاثة أسهم، والرابع أربعة أسهم،
والخامس خمسة، والسادس ستة، والسابع سبعة.
والثلاثة الباقية هي: السفيح، والمنيح، والوغد.

(1) أنظر: معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، ولسان العرب، وغيرهما: " قسم ".
(2) المائدة: 3.
(1) أنظر: لسان العرب، ومجمع البحرين: " قسم "،
وتفسير التبيان 3: 433، وتفسير مجمع البيان 3 - 4:
158، وتفسير البيضاوي 1: 255، وكنز العرفان 2:
18، وغيرها من كتب التفسير وآيات الأحكام العامة
والخاصة.
(2) أنظر لسان العرب: " زلم ".
56

وهي لا سهم لها (1).
وقد ذكروا ترتيبا آخر لأسمائها (2).
والمعروف بين فقهاء العامة - حسب ما نقل
عنهم (3) - هو المعنى الأول، أما الإمامية فالظاهر من
مجمع البحرين أن المشهور بينهم هو المعنى الثاني (4)،
وقد جاءت به بعض النصوص، بل أصر العلامة
الطباطبائي في تفسيره على أن المتعين إرادة المعنى
الثاني وإن كان المعنى الأول متداولا بينهم أيضا،
وذلك:
لأن الآية في مقام عد محرمات الأطعمة،
وهي: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير
الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة،
وما أكل السبع، وما ذبح على النصب، والاستقسام
بالأزلام. فكيف يشك بعد هذا السياق الواضح
والقرائن المتوالية في تعين حمل اللفظ على استقسام
اللحم قمارا؟ وهل يرتاب عارف بالكلام
في ذلك؟ (1)
الأحكام:
لا إشكال في حرمة الاستقسام بالأزلام،
وذلك لنص الكتاب المجيد، وهو قوله تعالى:
* (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل
لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية
والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على
النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق...) * (2).
والحرمة واضحة بناء على المعنى الثاني
- وهو الاستقسام بالأزلام لتقسيم لحم الجزور
وجعل قيمته على من لا سهم له - لأنه نوع من
القمار.
وأما على المعنى الأول، فلأنه ضرب من
التفؤل والتكهن من غير إذن من الله فيه (3).
وأما الاستخارة والقرعة، فمشروعيتهما
ثابتة (4)، وقد تقدم الكلام عن الأول في عنوان

(1) تفسير القمي 1: 169.
(2) أنظر كنز العرفان 2: 19 - 20، والهامش أيضا.
(3) أنظر الموسوعة الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف
الكويتية) 4: 80، " استقسام ".
(4) قال الطريحي - في مجمع البحرين مادة " زلم " - بعد
نقل المعنى الأول: " والمراد بها في المشهور ودلالة
الرواية... " ثم ذكر المعنى الثاني، لكن لم يتطرق الشيخ
الطوسي في التبيان 3: 433 إلى المعنى الثاني، وذكر
الطبرسي في مجمع البيان (3 - 4): 158 المعنيين، وكذا
الفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 18.
(1) الميزان في تفسير القرآن 6: 166، ولنعم ما قال،
ويؤيده قوله تعالى في آخر السورة نفسها: * (يا أيها
الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) *.
المائدة: 90، فإن التعبير بالرجس يلائم المعنى الثاني
لا الأول. أنظر تفسير الميزان 7: 118.
(2) المائدة: 3، وانظر الآية 90 من السورة نفسها.
(3) أنظر كنز العرفان 2: 20 - 29.
(4) أنظر المصدر نفسه.
57

" استخارة "، وسوف يأتي الكلام عن الثاني في
عنوان " قرعة " إن شاء الله تعالى، فراجع.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
قلما تعرض الفقهاء إلى ذلك، ومن تناوله
منهم فإما في البحث عن نجاسة الخمر
- كالشيخ البهائي في الحبل المتين - وإما في
البحث عن آلات اللهو في المكاسب
المحرمة، وهو الموطن المناسب، وإما في
البحث عن الأطعمة المحرمة، مثل يحيى بن
سعيد الحلي.
ثانيا - التفسير وآيات الأحكام:
تعرض المفسرون ومؤلفو آيات الأحكام
للموضوع عند الكلام عن الآيتين: 3
و 90 من سورة المائدة.
استقلال
لغة:
من معانيه: الارتفاع والاستبداد بالشئ،
بمعنى الانفراد به، ويرادفه: الإقلال (1).
اصطلاحا:
عدم اعتماد المصلي واتكائه على شئ عند
القيام في الصلاة. وقيد بعضهم الاعتماد المنهي عنه:
بما إذا كان بحيث يسقط المصلي إذا أزيل عنه
العماد (1).
وقد استعمل الفقهاء الاستقلال والإقلال
بمعنى واحد.
واستعملوا أيضا الاستقلال في معنييهما
اللغويين أيضا.
الأحكام:
المشهور بين الفقهاء - كما قيل (2) - هو وجوب
الاستقلال في الصلاة وعدم الاعتماد على شئ
والاستناد إليه حال الاختيار. وخالفهم في ذلك
أبو الصلاح الحلبي (3) ووافقه جماعة، منهم: صاحب
المدارك (4)، والمحدث الكاشاني (5)، وصاحب
الذخيرة (6)، والمحدث البحراني (7)، والسيد

(1) أنظر: لسان العرب، ومجمع البحرين، والمعجم الوسيط:
" قلل ".
(1) أنظر: المدارك 3: 327، والجواهر 9: 246.
(2) أنظر: الحدائق 8: 62، والمستمسك 6: 103،
وغيرهما.
(3) الكافي في الفقه: 125.
(4) المدارك 3: 328.
(5) مفاتيح الشرائع 1: 121.
(6) ذخيرة المعاد: 261.
(7) الحدائق 8: 62.
58

الخوئي (1).
وقال هؤلاء بكراهة الاعتماد، جمعا بين
الروايات الناهية عن الاعتماد والروايات المجوزة له،
لكن احتاط بعضهم - كالمحدث الكاشاني وصاحب
الذخيرة - في المسألة خوفا من مخالفة المشهور.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " قيام "
إن شاء الله تعالى.
استلام
لغة:
مأخوذ إما من السلام بمعنى التحية، وإما من
السلام بمعنى الحجر.
قال ابن الأثير: " وفي حديث الطواف: " أنه
أتى الحجر فاستلمه " هو افتعل من السلام: التحية،
وأهل اليمن يسمون الركن الأسود " المحيا " أي
أن الناس يحيونه بالسلام، وقيل: هو افتعل من
السلام، وهي الحجارة، واحدتها سلمة بكسر اللام،
يقال: استلم الحجر: إذا لمسه وتناوله " (2).
وقال الجوهري: " استلم الحجر: لمسه إما
بالقبلة أو اليد. ولا يهمز، لأنه مأخوذ من السلام،
وهو الحجر " (1).
اصطلاحا:
ورد الاستلام عند الفقهاء بمعنى التقبيل
واللمس باليد وسائر أجزاء البدن، لكن لا مطلقا بل
في خصوص الكعبة والحجر الأسود.
وورد بمعنى القبض أيضا، والموجود في اللغة
بهذا المعنى هو " تسلم ".
الأحكام:
نذكر هنا أحكام الاستلام بالمعنى الأول،
ونحيل أحكامه بالمعنى الثاني على محله.
قلنا: تطرق الفقهاء إلى الاستلام بالمعنى الأول
في موردين: استلام الحجر الأسود، واستلام الكعبة.
أولا - استلام الحجر الأسود:
صرح الفقهاء باستحباب استلام الحجر
الأسود في موردين:
1 - عند الطواف:
قال المحقق الحلي عند عد مندوبات الطواف:
" والندب خمسة عشر: الوقوف عند الحجر،
وحمد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي وآله
(عليهم السلام)، ورفع اليدين بالدعاء، واستلام الحجر - على

(1) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 3: 204، وانظر منهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 160، المسألة 591.
(2) النهاية (لابن الأثير): " سلم ".
(1) الصحاح: " سلم "، وانظر: لسان العرب، ومجمع
البحرين: المادة نفسها.
59

الأصح - وتقبيله، فإن لم يقدر فبيده، ولو كانت
مقطوعة استلم بموضع القطع، ولو لم يكن له يد
اقتصر على الإشارة... " (1).
ونبه بقوله: " على الأصح " إلى خلاف سلار،
حيث نسب إليه القول بوجوب الاستلام (2).
وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أنه قال: " إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع
يديك، واحمد الله، وأثن عليه، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله)
واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبله،
فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع
أن تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل: اللهم أمانتي
أديتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة، اللهم
تصديقا بكتابك، وعلى سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله،
آمنت بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللات
والعزى وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يدعى من
دون الله " (3).
2 - قبل السعي:
قال المحقق الحلي عند ذكر مقدمات السعي:
" ومقدماته عشرة كلها مندوبة: الطهارة،
واستلام الحجر والشرب من زمزم... " (1).
وفي رواية معاوية بن عمار: " إذا فرغت
من الركعتين فأت الحجر الأسود فقبله أو استلمه أو
أشر إليه... " (2).
ومقصوده من الركعتين ركعتا الطواف.
ثانيا - استلام الأركان:
قال صاحب المدارك: " اختلف الأصحاب
في استلام الأركان، فذهب الأكثر إلى استحباب
استلام الأركان كلها وإن تأكد استحباب استلام
العراقي واليماني، وأسنده العلامة - في المنتهى - إلى
علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، وأوجب سلار
استلام اليماني، ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي،
والمعتمد: الأول " (3).
ثم نقل ما رواه الشيخ عن جميل بن صالح،
قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يستلم الأركان
كلها " (4).

(1) شرائع الإسلام 1: 268، وانظر: المدارك 8: 158،
والجواهر 19: 340.
(2) أنظر المراسم: 110.
(3) الوسائل 13: 313 - 314، الباب 12 من أبواب
الطواف، الحديث الأول.
(1) شرائع الإسلام 1: 272، وانظر: المدارك 8: 202،
والجواهر 19: 411.
(2) الوسائل 13: 473، الباب 2 من أبواب السعي،
الحديث الأول.
(3) المدارك 8: 165.
(4) الوسائل 13: 337، الباب 22 من أبواب الطواف،
ذيل الحديث الأول.
60

ثم قال: " وإنما تأكد استلام العراقي واليماني
لمواظبة النبي (صلى الله عليه وآله) على استلامهما " (1).
ثالثا - استلام المستجار:
والمستجار - كما قيل - جزء من حائط الكعبة
بحذاء الباب، دون الركن اليماني بقليل، ويسمى:
" الملتزم " أيضا.
وقد وردت روايات كثيرة تؤكد استحباب
التزامه واستلامه في الشوط السابع والدعاء عنده (2).
مظان البحث:
اتضح مما تقدم أن موطن البحث لهذا
المصطلح هو كتاب الحج في بحث الطواف والسعي.
استلحاق
لغة:
من استلحقه، أي ادعاه، والملحق: الدعي
الملصق (3).
اصطلاحا:
ادعاء شخص لحوق شخص آخر به نسبا.
فهو مرادف للإقرار بالنسب (1).
الأحكام:
أكثر ما تطرق الفقهاء إلى هذا العنوان في
موضوع الإقرار بالنسب وفي موضوع اللقطة عند
البحث عن اللقيط. ولذلك نحيل البحث التفصيلي
عن هذا العنوان على العناوين: " إقرار "،
و " لقيط "، و " نسب "، ونشير هنا إجمالا إلى
شروط ثبوت النسب بالاستلحاق.
ذكر الفقهاء لثبوت النسب بالإقرار
(الاستلحاق) شروطا، وهي - إضافة إلى الشروط
العامة في الإقرار -:
1 - إمكان ذلك النسب المدعى، كالبنوة
والأخوة ونحوهما.
2 - عدم ادعاء شخص آخر لتلك العلقة
النسبية.
3 - جهل نسب المقر به، فلو كان معلوم
النسب لا يصح أن يدعيه شخص آخر.
4 - تصديق المقر به (المستلحق).
هذا في غير الإقرار بالبنوة، وأما فيه: فإن
كان المدعى إلحاقه صغيرا، فلا يعتبر تصديقه، وإن

(1) المدارك 8: 165، وانظر الجواهر 19: 357 - 360.
(2) أنظر المدارك 8: 163، والجواهر 19: 353 - 355،
والوسائل 13: 344، الباب 26 من أبواب الطواف.
(3) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس
المحيط: " لحق ".
(1) أنظر: المسالك 11: 125 - 126، و 12: 483،
والجواهر 35: 156.
61

كان كبيرا ففي اعتبار تصديقه، أو عدم تكذيبه
قولان.
ويبدو أن المشهور هو الأول، والثاني يظهر
من صدر كلام العلامة في القواعد وإن كان ذيله
يوافق المشهور (1).
استماع
لغة:
الإصغاء (2)، وقيل: الإنصات (3). والإصغاء
هو: الإمالة. تقول: " أصغيت إلى فلان، إذا ملت
بسمعك نحوه " (4). والإنصات هو: " السكوت
لاستماع شئ " (5).
والفرق بين الاستماع والسمع - على ما يستفاد
من كلمات اللغويين - هو: أن الاستماع لا يكون إلا
مع القصد، أما السمع، فيكون مع القصد وبدونه (1).
اصطلاحا:
لا يريد منه الفقهاء غير معناه اللغوي، نعم
اختلفوا في أن " السكوت " هل هو دخيل في مفهوم
الاستماع أو لا؟
وتترتب على ذلك حرمة التكلم في صورة
وجوب الاستماع لو قلنا بكونه دخيلا، وإلا فلا يحرم
إلا بدليل آخر (2).
الأحكام:
ترتبت أحكام كثيرة على الاستماع (3)، لكثرة
متعلقه، نشير فيما يلي إلى أهم موارده:
أولا - استماع القرآن:
استماع القرآن الكريم قد يكون خارج
الصلاة، وقد يكون فيها.

(1) أنظر: المبسوط 3: 38، والقواعد 1: 287، والمسالك
11: 125، و 12: 483، والجواهر 35: 154، و 38:
199.
(2) أنظر: ترتيب كتاب العين: " صغو "، والصحاح،
والقاموس المحيط: " سمع " و " صغا ".
(3) المصباح المنير: " نصت ".
(4) الصحاح، ولسان العرب: " صغا "، وانظر القاموس
المحيط: المادة نفسها.
(5) ترتيب كتاب العين: " نصت "، وانظر: الصحاح،
ولسان العرب: المادة نفسها.
(1) المصباح المنير: " سمع ". وقال مقداد السيوري في ذيل
قوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلكم ترحمون) *. الأعراف: 204: "... والذي يظهر
لي أن استمع بمعنى: سمع، والإنصات: توطين النفس على
الاستماع مع السكوت... ". كنز العرفان 1: 195.
(2) أنظر الجواهر 11: 292.
(3) رتب الفقهاء هذه الأحكام على " الاستماع " تارة وعلى
" الإصغاء " أو " الإنصات " أخرى.
62

1 - استماع القرآن خارج الصلاة:
المعروف بين الفقهاء عدم وجوب استماع
القرآن في غير الصلاة سواء كان القارئ في الصلاة
أو خارجها. نعم صرح بعضهم بمندوبية الاستماع،
لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلكم ترحمون) * (1).
قال الشيخ الطوسي في التبيان - بعد أن
اختار وجوب الاستماع على المأموم في الصلاة -:
"... فأما خارج الصلاة، فلا خلاف أنه لا يجب
الإنصات والاستماع. وعن أبي عبد الله (عليه السلام):
" أنه في حال الصلاة وغيرها "، وذلك على وجه
الاستحباب " (2).
ولعل مقصوده مما نقله عن أبي عبد الله (عليه السلام)
هو ما رواه زرارة، قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها،
وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات
والاستماع " (3).
لكن الرواية محمولة كغيرها على الاستحباب
كما قال الشيخ.
وقال مقداد السيوري - عند الكلام عن الآية
الشريفة -: "... وقال الصادق (عليه السلام): المراد
استحباب الاستماع في الصلاة وغيرها، وهو المختار،
لإطلاق اللفظ وأصالة البراءة من الوجوب " (1).
وقال كاشف الغطاء - عند عده أحكام
القرآن -: " السابع والثلاثون: أنه يستحب استماع
قراءته، فعن الصادق (عليه السلام): أنه من استمع حرفا منه
من غير قراءة كتب الله له حسنة ومحا عنه سيئة،
ورفع له درجة... " (2).
وقال البيضاوي - من العامة - في تفسير
الآية، وبيان حكم الاستماع والإنصات:
" وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ
القرآن مطلقا، وعامة العلماء على استحبابهما خارج
الصلاة... " (3).
ولم أعثر على من صرح بوجوب الإنصات
والاستماع إلى قراءة القرآن خارج الصلاة.
وسوف يأتي تفصيل الكلام عن ذلك وما
يستتبعه في عنوان " قرآن " إن شاء الله تعالى،
فراجع.

(1) الأعراف: 204.
(2) التبيان 5: 68، في تفسير الآية الكريمة، وانظر مجمع
البيان (3 - 4): 515.
(3) تفسير العياشي 2: 47، الحديث 132، وانظر
الوسائل 6: 215، الباب 26 من أبواب قراءة القرآن،
الحديث 6.
(1) كنز العرفان 1: 195. ولست أفهم ما هو مراده من
قوله: " قال الصادق (عليه السلام) "، وقد أشار المعلق في الهامش
إلى الرواية المتقدمة عن تفسير العياشي، لكن ليس فيها
لفظ " يستحب " بل فيها " يجب ".
(2) كشف الغطاء: 300.
(3) تفسير البيضاوي 1: 373.
63

2 - استماع القرآن في الصلاة:
تكلم الفقهاء في وجوب الإنصات على
المأموم واستماع ما يقرأه الإمام من الحمد والسورة،
إذا كان يسمع القراءة في أوليي الصلاة الجهرية.
ولهم في المسألة قولان:
الأول - لا يجب، بل يستحب، وهذا هو
الرأي المعروف، بل ادعي عليه الإجماع إلا من ابن
حمزة. قال الشهيد الأول - بعد أن حكى سقوط
القراءة خلف الإمام في أوليي الجهرية، عن الكل -:
"... فبعض أوجب الإنصات كابن حمزة،
والأكثرون سنوه " (1)، ومثله قال تلميذه المقداد في
التنقيح (2). وقال السيد الحكيم: " والإنصات
مندوب إجماعا إلا من ابن حمزة... " (3).
الثاني - يجب، واشتهرت نسبته إلى ابن
حمزة، لأنه عد من جملة واجبات الجماعة: الإنصات
لقراءة الإمام إذا سمعه (4).
لكن هناك من صرح بالوجوب أو يظهر منه
ذلك أيضا غير ابن حمزة، مثل المشايخ الثلاثة،
وصاحب الحدائق، وكاشف الغطاء، والسيد الخوئي.
قال الشيخ الصدوق: "... وروي: أن على
القوم في الركعتين الأولتين أن يستمعوا إلى قراءة
الإمام... وهذا أحب إلي " (1).
وقال الشيخ المفيد بالنسبة إلى صلاة الجمعة:
" ومن صلى خلف إمام بهذه الصفات وجب عليه
الإنصات عند قراءته " (2).
وقال الشيخ الطوسي: " وإذا صلى خلف من
يقتدى به لا يجوز أن يقرأ خلفه، سواء كانت الصلاة
يجهر فيها أو لا، بل يسمع وينصت إذا سمع
القراءة... " (3).
وقال في التبيان عند تفسير قوله تعالى: * (إذا
قرئ القرآن...) * بعد أن ذكر عدة أقوال، كان أولها
إنصات المأموم خلف الإمام: "... وأقوى الأقوال
الأول، لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة
القرآن إلا حال قراءة الإمام في الصلاة، فإنه على
المأموم الإنصات لذلك، والاستماع له... " (4).
وقال صاحب الحدائق - بعد ذكر رواية
زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): " إذا كنت خلف إمام
تأتم به، فأنصت وسبح في نفسك " (5) -: " أقول: دل
هذا الخبر على وجوب الإنصات في الصلاة الجهرية،

(1) غاية المراد 1: 211.
(2) التنقيح الرائع 1: 272.
(3) المستمسك 7: 254.
(4) الوسيلة: 106.
(1) المقنع: 36.
(2) المقنعة: 164.
(3) المبسوط 1: 158.
(4) التبيان 5: 68، والآية 204 من سورة الأعراف، وقد
تقدم شطر من العبارة في الصفحة 63.
(5) الوسائل 8: 357، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 6.
64

والأمر بالتسبيح سرا وإخفاتا محمول على
الاستحباب، وبذلك صرح أيضا جملة من
الأصحاب " (1).
وقال كاشف الغطاء في أحكام الجماعة:
" ومنها عدم جواز قراءة المأموم مع الإمام في
الجهرية مع سماع قراءة الإمام ولو للهمهمة، ويجب
الإنصات عليه " (2).
ومثله قال في أحكام قراءة القرآن من
الكتاب نفسه (3).
وقال السيد الخوئي ردا على القول
باستحباب الإنصات: " أقول: ظاهر الأمر
بالإنصات في الآية المباركة المفسرة بالفريضة خلف
الإمام في الصحيحة المتقدمة هو الوجوب. والإجماع
المدعى ليس إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم
(عليه السلام) البتة، فلا يصلح لرفع اليد به عن ظاهر
الأمر... " (4).
لكنه قال في منهاج الصالحين: "... بل
الأحوط الأولى الإنصات لقراءته... " (5)، وهو
ظاهر في الاستحباب.
ويظهر من السيد الحكيم القول باستحبابه في
المستمسك (1)، إلا أنه قال في منهاج الصالحين:
"... بل الأحوط وجوبا الإنصات لقراءته " (2).
هذا في صورة سماع القراءة ولو الهمهمة، وأما
إذا لم يسمعها، فقد ادعي عدم الخلاف في جواز
القراءة، ولكن هل تجب أو تستحب أو تباح؟
فيها أقوال، يأتي الكلام عنها في موضعه إن
شاء الله تعالى.
هذا كله بالنسبة إلى استماع المأموم قراءة
الإمام، وأما استماع الإمام قراءة غيره للقرآن، فلم
يتطرق إليه الفقهاء. نعم، ورد عن أبي عبد الله
(عليه السلام): " أن عليا (عليه السلام) كان في صلاة الصبح، فقرأ ابن
الكوا (3) وهو خلفه: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين
من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من
الخاسرين) * (4). فأنصت علي (عليه السلام) تعظيما للقرآن،
حتى فرغ من الآية، ثم عاد في قراءته، ثم أعاد ابن
الكوا الآية فأنصت علي (عليه السلام) أيضا، ثم قرأ، فأعاد

(1) الحدائق 11: 128، وانظر الصفحة 134 و 135.
(2) كشف الغطاء: 268.
(3) المصدر نفسه: 300.
(4) مستند العروة (كتاب الصلاة) 5 / القسم الثاني: 241،
وانظر الصفحة: 244.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 219، المسألة
812.
(1) المستمسك 7: 254.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 306، المقصد
التاسع من الجماعة، المسألة 41.
(3) هو عبد الله بن الكوا اليشكري، أحد رجال الخوارج،
وجه أسئلة كثيرة إلى الإمام علي (عليه السلام) بقصد التعجيز على
ما يبدو. أنظر: سفينة البحار: مادة " كوا "، وتأريخ
الطبري 4: 68.
(4) الزمر: 65.
65

ابن الكوا، فأنصت علي (عليه السلام) ثم قال: * (فاصبر إن
وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * (1) ثم
أتم السورة ثم ركع... " (2).
ثانيا - استماع آيات السجدة:
تقدم في عنوان " آيات " أن آيات السجدة
على نحوين: بعضها يجب السجود عند تلاوته،
وبعضها الآخر يستحب، وقلنا: لا إشكال في
اشتراك المستمع مع القارئ في الأحكام (3). وأما
السامع - وهو الذي يسمع القراءة من دون أن
ينصت لها - فقد اختلف فيه الفقهاء، هل يجب عليه
السجود إذا سمع العزائم أو لا؟
وقلنا: إن في المسألة أقوالا:
1 - القول بأنه لا يجب، بل يستحب، وهو
مذهب جماعة من الفقهاء، منهم: الشيخ الطوسي في
الخلاف (4)، والمحقق الحلي (5)، والعلامة الحلي (6)،
والشهيد الأول في البيان (7)، والفاضل
الإصفهاني (1)، والفاضل النراقي (2)، وصاحب
الجواهر (3)، والسيد الخوئي (4)، واستظهره الإمام
الخميني، إلا أنه قال: " ولكن لا ينبغي ترك
الاحتياط " (5).
2 - القول بالوجوب، وهو مذهب جماعة
أخرى، منهم: ابن إدريس الحلي (6)، والفاضل
مقداد السيوري (7)، والمحقق الثاني (8)، والشهيد
الثاني (9)، ومال إليه صاحب الحدائق (10)، واستظهره
السيد اليزدي (11).
3 - القول بالتفصيل بين الصلاة وغيرها، بأن
يجب خارج الصلاة، وأما إذا كان فيها، فليس عليه
شئ.
نسب هذا التفصيل إلى الشيخ الطوسي في

(1) الروم: 60.
(2) الوسائل 8: 367، الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 2.
(3) أنظر المصادر الآتية.
(4) الخلاف 1: 431، المسألة 179.
(5) شرائع الإسلام 1: 87.
(6) أنظر: المنتهى (الحجرية) 1: 304، والتذكرة 3:
213.
(7) البيان: 172.
(1) كشف اللثام 4: 111 - 112.
(2) مستند الشيعة 5: 315.
(3) الجواهر 10: 220 - 222.
(4) مستند العروة (الصلاة) 4: 208.
(5) تحرير الوسيلة 1: 160، كتاب الصلاة، القول في
سجدتي التلاوة والشكر، المسألة الأولى.
(6) السرائر 1: 226.
(7) كنز العرفان 1: 196.
(8) جامع المقاصد 2: 311 - 312.
(9) المسالك 1: 222.
(10) الحدائق 8: 332.
(11) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في سائر أقسام
السجود، المسألة 2.
66

المبسوط، لكن في النسبة تأمل، لأن عبارته هكذا:
"... ويجب سجدة العزائم على القارئ والمستمع،
ويستحب للسامع إذا لم يكن مصغيا، فإذا كان
خارج الصلاة وقرأ وسمع شيئا من العزائم وجب
عليه السجود... " (1).
وممن يظهر منه هذا التفصيل السيد الحكيم في
المنهاج، حيث قال: " وكذا يجب على المستمع، بل
السامع على الأحوط وجوبا إذا لم يكن في حال
الصلاة، فإن كان في حال الصلاة أومأ إذا كان
منتصبا، ولا شئ عليه " (2).
لكن قال في بحث القراءة: " إذا سمع آية
السجدة وهو في الصلاة أومأ برأسه وأتم صلاته،
والأحوط وجوبا السجود أيضا بعد الفراغ، وكذا
الحكم في الاستماع " (3).
4 - التردد في الحكم، نسب ذلك إلى
الشيخ (4)، ويظهر من الشهيد الأول في الذكرى (5)،
ونسب (1) إلى العلامة في المختلف (2) وصاحب
المدارك (3).

(1) المبسوط 1: 114.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 249، كتاب
الصلاة، الفصل السادس في السجود، المسألة 9، وانظر
المستمسك 6: 415.
(3) المصدر نفسه: 227، كتاب الصلاة، الفصل الرابع في
القراءة، المسألة 33، وانظر المستمسك 6: 171.
(4) نسبه إليه العلامة في المنتهى (الحجرية) 1: 304.
(5) الذكرى 3: 470، لأنه ذكر القولين: الوجوب
والاستحباب ولم يرجح أحدهما، نعم، قال:
" ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب ".
(1) نسبه صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 10: 222.
(2) المختلف 2: 168.
(3) لأنه قال: " أما الوجوب على القارئ والمستمع فثابت
بإجماع العلماء، وإنما الخلاف في السامع بغير إنصات،
فقيل: يجب السجود عليه أيضا، وبه قطع ابن إدريس
مدعيا عليه الاجماع. ويدل عليه إطلاق كثير من
الروايات... "، ثم ذكر بعض الروايات الدالة على ذلك
من دون أن يناقشها، ثم قال: " وقال الشيخ في الخلاف:
لا يجب عليه السجود، واستدل بإجماع الفرقة، وبما رواه
عن عبد الله بن سنان... "، ثم ذكر الرواية، ثم قال:
" وهذه الرواية واضحة الدلالة لكن في طريقها محمد بن
عيسى، عن يونس، وقد نقل الصدوق (رحمه الله) عن شيخه
ابن الوليد أنه قال: ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب
يونس وحديثه لا يعتمد عليه، قال: ورأيت أصحابنا
ينكرون هذا القول ويقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن
عيسى؟! وأنا في هذه المسألة من المتوقفين ". المدارك
3: 419 - 420.
فإن جعلنا قوله: " وأنا في هذه المسألة... " إشارة إلى
هذه المسألة الرجالية - أي عدم توثيق ما ينفرد به محمد
ابن عيسى عن كتب يونس - فلا يصدق أنه توقف في
الوجوب، لأنه لم يناقش أدلته، ولم يثبت عنده
المعارض، وإن قلنا: إن قوله ذلك إشارة إلى أصل
المسألة، فيكون من المتوقفين فيها.
ولا يخفى أن أصل الخلاف في هذه المسألة بين الفقهاء
ينشأ من هذا الأمر.
67

ما يشترط في وجوب السجود أو استحبابه:
هناك شروط - يمكن انتزاعها من كلمات
الفقهاء - لوجوب السجود، أو استحبابه على السامع
أو المستمع، أهمها:
أن تكون القراءة بقصد القرآنية، فلو تلفظ
شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب - أو
لا يستحب - السجود على السامع أو المستمع (1).
ويترتب عليه عدم السجود عند استماع آية
السجدة من النائم (2)، والصبي غير المميز،
والمجنون (3) - إذا لم يتحقق منهما القراءة بقصد
القرآنية - والمسجلات، ونحوها من الأجهزة (4).
وأما الإذاعات فقد صرح بعض الفقهاء بأنه:
إن كان البث مباشرا، بأن يكون الصوت الصادر
عنها هو الصوت الصادر عن القارئ نفسه، فيجب
السجود، وإلا فلا، لأن حكمه حينئذ حكم
المسجلات.
قال السيد الخوئي: " وأما حكم الإذاعات،
فإن كان المذيع شخصا يقرأ القرآن فعلا، فلا ينبغي
الشك في وجوب السجود عند سماع الآية كما في
السماع من حاضر، إذ لا فرق بين القريب والبعيد في
ذلك، فهو نظير السماع من شخص آخر بواسطة
التليفون الذي يجب السجود حينئذ بلا إشكال...
وأما إذا لم يكن في دار الإذاعة شخص
حاضر بالفعل، وإنما الموجود في محطتها مسجلة تلقي
الصوت، فحكمه حكم صندوق الصوت الذي
عرفت فيه عدم الوجوب... " (1).
وسوف تأتي تتمة الكلام في عنوان " سجدة
التلاوة " إن شاء الله تعالى.
ثالثا - استماع الخطبة في صلاة الجمعة:
اختلف الفقهاء في وجوب الإنصات
والاستماع إلى الخطيب في صلاة الجمعة، وتبع هذا
الاختلاف اختلاف آخر، وهو حرمة الكلام في
أثناء الخطبة، وسنشير هنا إلى الاختلاف الأول
ونترك الثاني إلى موطنه إن شاء الله تعالى.
وفي المسألة أقوال:
1 - القول بوجوب الإنصات: وهو المنسوب
إلى أكثر الفقهاء (2)، كالشيخ الطوسي في النهاية (3)،

(1) أنظر: العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في سائر
أقسام السجود، المسألة 13، وتحرير الوسيلة 1: 160،
كتاب الصلاة، القول في سجدتي التلاوة والشكر، المسألة
4، والمصدرين الآتيين: المستمسك والمستند.
(2) احتمل السيد الحكيم إمكان تحقق القصد منهما.
(3) احتمل السيد الحكيم إمكان تحقق القصد منهما.
(4) احتمل السيد الحكيم وجوب السجود بالسماع منها إذا
كان المسموع عين الصوت لا مثاله. أنظر هذا وما قبله في
المستمسك 6: 420.
(1) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 4: 231.
(2) نسبه إليهم الشهيد في الذكرى 4: 140، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد 2: 401، والسبزواري في
الكفاية: 21.
(3) النهاية: 105.
68

والحلبي (1)، وابن حمزة (2)، وابن إدريس (3)،
ويحيى بن سعيد (4)، والعلامة في نهاية الإحكام (5)
والمنتهى (6)، والشهيد الأول (7) وابن فهد الحلي (8)،
والمحقق الثاني (9)، والشهيد الثاني (10)، وصاحب
المدارك (11) - على ما يظهر منه - وصاحب
الحدائق (12)، والسيد الطباطبائي (13) - حيث جعل
الوجوب أظهر - وجعله صاحب الجواهر أحوط،
ثم قال: " إن وجوبه مقدمة للسماع، لا تعبدا لنفسه،
فلو فرض حصوله له بلا إصغاء لم يكن عليه
إثم " (14)، والسيد الخوئي، إلا أنه أضاف:
" والأحوط الإصغاء إليها لمن يفهم معناها " (15)،
والإمام الخميني حيث قال: " الأحوط، بل الأوجه
وجوب الإصغاء إلى الخطبة " (1).
وعللوه بما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي
صلاة حتى ينزل الإمام " (2) فتكون الخطبة بمنزلة
الصلاة في حرمة التكلم فيها، وبأن الغاية من الخطبة
لا تحصل إلا بالإنصات (3)، وبغير ذلك.
2 - القول بعدم الوجوب: ذهب إليه بعض
الفقهاء، مثل الشيخ في موضع من الخلاف (4)
والمبسوط (5)، والمحقق في المعتبر (6)، والعلامة في
المنتهى (7) والقواعد (8)، والمحقق الأردبيلي (9)، والمحقق
السبزواري (10)، والفاضل الأصفهاني (11).

(1) الكافي: 152.
(2) الوسيلة: 104.
(3) السرائر 1: 291 و 295.
(4) الجامع للشرائع: 95.
(5) نهاية الإحكام 2: 37.
(6) المنتهى (الحجرية) 1: 327.
(7) البيان: 189، والذكرى 4: 140 - 141.
(8) المهذب البارع 1: 408 - 410.
(9) جامع المقاصد 2: 401 - 402.
(10) المسالك 1: 244، وروض الجنان: 296.
(11) المدارك 4: 63.
(12) الحدائق 10: 100.
(13) الرياض 4: 65.
(14) الجواهر 11: 290.
(15) منهاج الصالحين 1: 187، الفصل الثالث عشر في
صلاة الجمعة، التاسع.
(1) تحرير الوسيلة 1: 213، كتاب الصلاة، القول في
شرائط صلاة الجمعة، المسألة 14.
(2) الوسائل 7: 313، الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة،
الحديث 4.
(3) أنظر غاية المراد 1: 170.
(4) الخلاف 1: 625، المسألة 396، وانظر الصفحة 315،
المسألة 383.
(5) المبسوط 1: 148.
(6) المعتبر: 206.
(7) المنتهى (الحجرية) 1: 331.
(8) قواعد الأحكام 1: 37.
(9) مجمع الفائدة والبرهان 2: 383 - 384.
(10) ذخيرة المعاد: 315.
(11) كشف اللثام 4: 258.
69

ويظهر من فقهاء آخرين كابن زهرة (1).
3 - القول بالتفصيل: ذهب إليه العلامة في
التذكرة، وقال: إن الأقرب وجوب الإنصات إن لم
يسمع العدد اللازم لانعقاد الجمعة، وإلا
فيستحب (2).
4 - التردد: كما في الشرائع (3)، وظاهر
التحرير (4)، والإيضاح (5)، وغاية المراد (6)،
والمفاتيح (7).
وسوف يأتي الكلام عن ذلك وعن حكم
الكلام أثناء الخطبة في عنوان " صلاة / صلاة
الجمعة ".
رابعا - استماع صوت المرأة:
استماع صوت المرأة إن كان مقرونا بخوف
الافتتان والوقوع في المفسدة من جهة تحريك القوى
الشهوية، فهو حرام بلا إشكال، ويبدو أنه متفق
عليه (8).
والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الأجنبية
وذات المحرم وإن لم يصرح به أغلب الفقهاء،
لاقتضاء القواعد العامة ذلك.
وأما إذا لم يكن مقرونا بخوف الفتنة
فلا إشكال في جوازه بالنسبة إلى المحارم قطعا، وأما
بالنسبة إلى غيرهم ففي تحريمه قولان:
1 - القول بالتحريم: والذين يمكن نسبة هذا
القول إليهم صريحا، هم: المحقق الحلي (1)، والعلامة
الحلي في غير التذكرة (2)، والشهيد الأول (3) - إلا أنه
يظهر من كلامه في الذكرى استثناء الأذكار والكلام
الضروري (4) - والشهيد الثاني في روض الجنان (5)
والروضة البهية (6).
قال المحقق الحلي: " الأعمى لا يجوز له سماع
صوت الأجنبية، لأنه عورة ". فإذا كان الأعمى
كذلك، فالبصير بطريق أولى.
وقال العلامة في التحرير: " لا يجوز للأعمى
سماع صوت المرأة الأجنبية ".

(1) غنية النزوع: 91.
(2) التذكرة 4: 76.
(3) شرائع الإسلام 1: 97.
(4) تحرير الأحكام 1: 44.
(5) إيضاح الفوائد 1: 123.
(6) غاية المراد 1: 167 - 171.
(7) مفاتيح الشرائع 1: 21 - 22، المفتاح 10.
(8) أنظر المصادر الآتية في خصوص هذا الموضوع.
(1) شرائع الإسلام 2: 269.
(2) أنظر: القواعد 2: 3، والمختلف 2: 124، والإرشاد
2: 5، والتحرير 2: 3، ونهاية الإحكام 1: 421،
والمنتهى (الحجرية) 1: 257، والطبعة الجديدة 3:
398.
(3) أنظر: البيان: 139، والدروس 1: 163
و 173.
(4) أنظر الذكرى 3: 219.
(5) روض الجنان: 239 و 265.
(6) الروضة البهية 1: 260.
70

ومثله قال في الإرشاد والقواعد.
وعلل في المنتهى والمختلف ونهاية الإحكام
عدم جواز أذان النساء للرجال: بأن " صوت المرأة
عورة " فيكون الأذان منهيا عنه، فلا يقع عبادة.
وقال الشهيد في الذكرى: "... إلا أن يقال:
ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى، كما
استثني الاستفتاء من الرجال وتعلمهن منهم،
والمحاورات الضرورية ". وقال أيضا: "... فإن
صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة ".
وقال الشهيد الثاني - مازجا كلامه بكلام
الشهيد الأول -: " ولا جهر على المرأة وجوبا، بل
تتخير بينه وبين السر في مواضعه إذا لم يسمعها من
يحرم استماعه صوتها ".
ويمكن استظهار هذا القول من جملة من
الفقهاء، حيث منعوا النساء من الجهر بالأذان لئلا
يسمع الرجال أصواتهن.
قال الشيخ المفيد: " وليس على النساء أذان
ولا إقامة، لكنهن يتشهدن بالشهادتين عند وقت
كل صلاة ولا يجهرن بهما، لئلا يسمع أصواتهن
الرجال... " (1).
وقال الشيخ الطوسي في النهاية: " وليس
على النساء أذان ولا إقامة، بل يتشهدن الشهادتين
بدلا من ذلك، وإن أذن وأقمن كان أفضل لهن إلا
أنهن لا يرفعن أصواتهن أكثر من إسماع أنفسهن،
ولا يسمعن الرجال " (1).
وقال في المبسوط ما يقرب من عبارة
النهاية إلا أنه أضاف إليها: "... وإن أذنت المرأة
للرجال جاز لهم أن يعتدوا به ويقيموا، لأنه لا مانع
منه " (2).
وهذه العبارة جعلت الفقهاء يعدون الشيخ
من المجوزين، وستأتي منه عبارة أخرى صريحة في
الجواز.
وذكر كل من القاضي (3) وابن زهرة (4) وابن
إدريس (5) كلاما يشبه كلام الشيخ في النهاية، ويظهر
ذلك من الحلبي في بحث التلبية أيضا، حيث منع من
رفع النساء أصواتهن بها (6).
وعلل هؤلاء المنع - أو علل لهم ذلك -:
أ - بأن صوت المرأة عورة كبدنها.
ب - وبما ورد من النهي عن ابتداء الرجال
بالسلام عليهن، مثل رواية مسعدة بن صدقة عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لا تبدأوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى
الطعام، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: النساء عي وعورة،

(1) المقنعة: 99.
(1) النهاية: 65.
(2) المبسوط 1: 96 - 97.
(3) المهذب 1: 89 - 90.
(4) الغنية: 72.
(5) السرائر 1: 210.
(6) الكافي في الفقه: 217.
71

فاستروا عيهن بالسكوت، واستروا عوراتهن
بالبيوت " (1).
2 - القول بعدم التحريم: صرح كثير من
الفقهاء بعدم تحريم استماع صوت المرأة، إما مع
التصريح بنفي كون صوتها عورة، كما ذهب إليه
الشيخ الطوسي في موضوع " النفقة " من كتاب
المبسوط، وكثير من المتأخرين، وإما مع التصريح
بكون صوتها عورة لكن مع تخصيص الحرمة بصورة
التلذذ وخوف الافتتان، كالعلامة في التذكرة والمحقق
الثاني وبعض من تأخر عنهما.
قال الشيخ الطوسي في بحث النفقة - بعد أن
ذكر قضية مجئ هند زوجة أبي سفيان إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) واشتكائها إليه بخل أبي سفيان وشحه،
وجوابه (صلى الله عليه وآله) لها -: " وفي الخبر فوائد: منها أن للمرأة
أن تبرز في حوائجها عند الحاجة وتستفتي العلماء فيما
يحدث لها، وأن صوتها ليس بعورة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
سمع صوتها فلم ينكره " (2).
وقال العلامة الحلي في التذكرة: " وصوت
المرأة عورة يحرم استماعه مع خوف الفتنة،
لا بدونه " (3).
وقال المحقق الكركي: " صوت المرأة عورة
يحرم استماعه مع خوف الفتنة، لا بدونه " (1).
وقال الشهيد الثاني في المسالك - بعد مناقشة
القول بالتحريم مطلقا -: " وقيل: إن تحريم سماع
صوتها مشروط بالتلذذ أو خوف الفتنة، لا مطلقا،
وهو أجود، وبه قطع في التذكرة " (2).
وممن صرح بعدم التحريم - غير من
ذكرناهم -: المحقق الأردبيلي (3)، والمحدث
الكاشاني (4)، والفاضل الإصفهاني (5)، والمحدث
البحراني (6)، والسيد الطباطبائي (7)، والفاضل
النراقي (8)، وصاحب الجواهر (9)، والشيخ

(1) الوسائل 20: 234، الباب 131 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(2) المبسوط 6: 3.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 573.
(1) جامع المقاصد 12: 43، وله عبارات مماثلة إلا أنها
مطلقة لم يقيدها بخوف الفتنة.
(2) المسالك 7: 56.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 164 و 228.
(4) مفاتيح الشرائع 1: 134، المفتاح 156.
(5) كشف اللثام (الحجرية) 2: 9 - 10 في بحث النكاح،
لكنه لم يصرح بذلك في بحث الأذان والقراءة، أنظر الطبعة
الجديدة 3: 252 و 4: 38.
(6) الحدائق 7: 335.
(7) الرياض (الحجرية) 2: 75، وانظر 3: 303 و 405
من الطبعة الجديدة في بحث الأذان والقراءة.
(8) مستند الشيعة 16: 66 - 70 في بحث النكاح، وانظر
بحث الأذان والقراءة في 4: 511، و 5: 166، فربما
يظهر منه خلافه.
(9) الجواهر 9: 22 و 383، و 29: 98 - 99.
72

الأنصاري (1)، والمحقق الهمداني (2)، والسيد
اليزدي (3)، والمحقق النائيني (4)، والسيد الحكيم (5)،
والسيد الخوئي (6)، والإمام الخميني (7)، وغيرهم ممن
لم نتقيد بذكر أسمائهم في الموسوعة.
وربما يظهر ذلك من بعض آخر، كالمحقق
السبزواري، حيث قال في بحث الجهر في القراءة
- مشيرا إلى كون صوت المرأة عورة -: " ولم يظهر
لي إلى الآن دليله " (8) نعم، يظهر منه القول بالحرمة
في بحث الأذان (9).
وعلل هؤلاء عدم التحريم بأمور، منها:
أ - قوله تعالى: * (فلا تخضعن بالقول) * (10).
فإنه تعالى نهى النساء المؤمنات عن الخضوع في
القول - وهو: ترقيقه وتليينه (1) - ولم ينه عن أصل
القول والكلام.
ب - قيام السيرة المستمرة إلى زمان النبي
(صلى الله عليه وآله)، حيث إن النساء كن يتكلمن مع الرجال
بمحضر من النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بأكثر من الكلام
الضروري على وجه لا يمكن تنزيله على الاضطرار
إلى أمر ديني أو دنيوي.
ج - عمل الصديقة الزهراء (عليها السلام)، حيث
خرجت إلى المسجد وخطبت بمحضر من
الأصحاب، وكذا بناتها في وقائع ما بعد عاشوراء.
د - عدم قيام الدليل على كون صوت المرأة
عورة.
ه‍ - حمل الروايات الناهية عن البدء بالسلام
على صورة خوف الفتنة، ويشهد لذلك ما ورد عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " كان رسول الله يسلم على
النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة
منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل
علي أكثر مما طلبت من الأجر " (2).
و - وقال صاحب الجواهر - بعد ذكر أدلة
الجواز -: " بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع

(1) كتاب النكاح: 66 - 68.
(2) مصباح الفقيه 2: 303.
(3) العروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة 39، وانظر:
كتاب الصلاة، مبطلات الصلاة، المسألة 31، وبحث
الأذان والقراءة.
(4) كتاب الصلاة 2: 135، بحث الجهر والإخفات.
(5) المستمسك 14: 48، وانظر 6: 210 و 568، ومنهاج
الصالحين 2: 276، كتاب النكاح، الفصل الأول،
المسألة 5.
(6) مستند العروة (كتاب النكاح) 1: 99 - 101، وانظر:
مستند العروة (كتاب الصلاة) 3: 428، ومنهاج
الصالحين 2: 260، كتاب النكاح، المسألة 1234.
(7) تحرير الوسيلة 2: 219، كتاب النكاح، المسألة 29.
(8) ذخيرة المعاد: 275.
(9) ذخيرة المعاد: 252، وكفاية الأحكام: 17.
(10) الأحزاب: 32.
(1) أنظر مجمع البيان (7 - 8): 356.
(2) الوسائل 20: 234، الباب 131 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 3.
73

بالجواز... " (1). وقال المحقق النائيني: " لم يقم دليل
على كون صوت المرأة عورة يحرم عليها إظهارها مع
قيام السيرة المستمرة على خلافه... فدعوى كون
صوت المرأة عورة يحرم عليها إظهارها دون إثباتها
خرط القتاد " (2). وقال السيد الحكيم بالنسبة إلى
الجواز بعد ذكر أدلته: "... بل كاد يكون من
الواضحات التي لا يحسن الكلام فيها والاستدلال
عليها " (3).
ملاحظتان:
الأولى - صرح كثير من الفقهاء بحرمة ترقيق
المرأة صوتها وتليينه بحيث يستلزم إثارة الشهوة في
السامع، وذلك لقوله تعالى: * (فلا تخضعن بالقول
فيطمع الذي في قلبه مرض) * (4) والخطاب وإن كان
لنساء النبي (صلى الله عليه وآله) لكن الحكم عام (5).
الثانية - نقل السيد الخوئي عن الشهيد الأول
في اللمعة قوله: " وكذا يحرم على المرأة أن تنظر إلى
الأجنبي أو تسمع صوته إلا لضرورة " (6) ثم
استغرب من إفتائه بحرمة استماع المرأة صوت
الأجنبي، فقال: "... ولم يعلق عليه الشهيد الثاني مع
أنه من غرائب الفتاوى، حيث لم يقل بذلك أحد، بل
هو مقطوع البطلان، ومن الغريب عدم انتباه المحشين
عليها، بل ولا من تأخر عنهما من الأعلام عدا
صاحب المستند (1) " (2).
ثم احتمل أن تكون العبارة - واقعا - هكذا
"... أو تسمع صوتها ".
لكن يرد هذا الاحتمال ما نقلناه عن الشهيد
نفسه في الذكرى حيث قال: " فإن صوت كل منهما
بالنسبة إلى الآخر عورة " (3).
نعم، ما ذكره من الغرابة في محله.
خامسا - استماع الغيبة:
الظاهر أنه لا خلاف - كما ادعاه بعضهم (4) -
في حرمة استماع الغيبة إجمالا. لكن استشكل السيد
الخوئي في ذلك، فقال: " الظاهر أنه لا خلاف بين
الشيعة والسنة في حرمة استماع الغيبة، ولكننا لم نجد
دليلا صحيحا يدل عليها بحيث يكون استماع الغيبة
من المحرمات، فضلا عن كونه من الكبائر " (5).

(1) الجواهر 29: 98.
(2) كتاب الصلاة (تقريرات الكاظمي) 2: 135.
(3) المستمسك 14: 48.
(4) الأحزاب: 32.
(5) راجع مباني العروة الوثقى (كتاب النكاح) 1: 102.
(6) اللمعة (ضمن الروضة البهية) 5: 99.
(1) مستند الشيعة 16: 69.
(2) مستند العروة (النكاح) 1: 102.
(3) الذكرى: 172.
(4) أنظر الجواهر 22: 71، والمكاسب 1: 359، بل قال
السيد العاملي: " وقد ترك ذكره الأصحاب لظهوره... ".
مفتاح الكرامة 4: 67.
(5) مصباح الفقاهة 1: 357.
74

ثم إن لاستماع الغيبة - بناء على حرمته - عدة
حالات، يختلف الحكم فيها:
1 - فقد يكون الاستماع محرما قطعا، كما إذا
كانت حرمة الغيبة - في المورد الخاص - معلومة لدى
المغتاب والمستمع، كاستغابة المؤمن من دون أي
مسوغ من مسوغات الغيبة.
2 - وقد يكون محللا، كما في موارد استماع
المفتي الاستفتاء المشتمل على ذكر أشخاص
كالزوج أو الزوجة، واستماع الحاكم شهادة
الشهود، وجرحهم، واستماع تظلم المظلوم من
الظالم المحرز كونه ظالما، وكاستماع غيبة المتجاهر
بالفسق المعلوم تجاهره لدى المغتاب والمستمع، ونحو
ذلك.
3 - وربما يكون استماع الغيبة محللا، والغيبة
نفسها محرمة، كما في استماع الغيبة المحرمة - المعلوم
حرمتها لدى المغتاب والمستمع - للرد عليها.
4 - وربما يكون الاستماع محرما، والغيبة
نفسها محللة، كما إذا اغتاب شخصا يعتقد أنه تجوز
غيبته، لكن كان المستمع يعتقد أنه مؤمن صالح
لا تجوز غيبته، فلا يجوز استماع الغيبة هنا إلا لردها،
كما في الصورة السابقة.
5 - وأما إذا كان المستمع شاكا في حلية الغيبة
بالنسبة إلى المغتاب، ففيه وجهان:
أ - الجواز، حملا لفعل المسلم على الصحيح،
بمعنى أنه يغتاب غيبة جائزة في حقه.
ب - عدم الجواز، لأنه يحرم استماع الغيبة ما لم
يحرز حليته (1).
وهناك تفصيلات أخرى سوف نستوفي
البحث عنها في عنوان " غيبة " إن شاء الله تعالى.
سادسا - استماع الغناء وآلات اللهو:
كلما كان الغناء حراما في نفسه كان استماعه
حراما، وما كان مستثنى من الحرمة، فاستماعه
مستثنى أيضا في حدود ما استثني، كغناء المغنيات في
الأعراس للنساء خاصة، بناء على استثنائه.
ولم أعثر على من فصل بين الغناء نفسه
واستماعه من جهة الحكم، إلا من حيث العناوين
الثانوية كالإكراه ونحوه، فإنه قد يكون المستمع
مكرها فلا يحرم عليه، دون المغني نفسه فيحرم
عليه (2).
ومثله آلات اللهو (3).

(1) لم تذكر هذه التفصيلات في كلمات الفقهاء، وإنما
استنبطناها من كلام بعضهم. أنظر: المكاسب (للشيخ
الأنصاري) 1: 359، ومصباح الفقاهة 1: 361،
والمكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 453.
(2) تعرض الفقهاء لموضوع الغناء في مقدمة البيع، عند
البحث عن المكاسب المحرمة، وفي الشهادات عند الكلام
عن عدالة الشاهد. أنظر: القواعد 2: 236، والمسالك
14: 179، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 373،
والجواهر 22: 44 و 41: 47، والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 1: 285.
(3) أنظر المصادر المتقدمة.
75

وسوف يأتي تفصيله في العنوانين: " غناء "،
و " لهو " إن شاء الله تعالى.
سابعا - استماع الهجاء والتشبيب:
الهجاء (1) قد يكون حلالا، وقد يكون حراما،
فما كان حلالا، مثل هجاء الكفار وأهل البدع،
فاستماعه حلال أيضا. وما كان حراما، مثل هجاء
المؤمنين، فاستماعه حرام أيضا حالة الاختيار (2).
والتشبيب (3) حكمه كذلك، فما كان حراما،
كالتشبيب بالمرأة الصالحة المعروفة، والتشبيب
بالغلام ونحو ذلك، فاستماعه حرام أيضا - إلا مع
الإكراه ونحوه - وما كان حلالا كالتشبيب بالمرأة
المبهمة وغير المعروفة فاستماعه حلال أيضا (4).
وسوف يأتي تفصيله في العنوانين:
" تشبيب "، و " هجاء " إن شاء الله تعالى.
كان هذا أهم ما أردنا ذكره تحت عنوان
" استماع "، وهناك موارد أخرى تركناها فعلا، مثل
استماع الحاكم للدعوى، وشهادة الشاهدين،
واستماع الشاهدين لمورد الشهادة، كصيغة الطلاق
والظهار، ونحو ذلك، فإنها سوف تذكر في ما هو
أنسب من هذا الموضع.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - الأذان والإقامة.
ب - بحث القراءة في الصلاة: الجهر
والإخفات، وقراءة سور العزائم.
ج - صلاة الجماعة: القراءة خلف الإمام.
د - صلاة الجمعة: استماع خطبة الجمعة.
2 - كتاب البيع:
المكاسب المحرمة: موضوع الغيبة،
والغناء، والهجاء، والتشبيب ونحو ذلك.
3 - كتاب الشهادات: ما يوجب الفسق /
الغناء والغيبة...
استمتاع
لغة:
الانتفاع. يقال: استمتعت بكذا وتمتعت به،
أي انتفعت (1).
اصطلاحا:
يأتي بمعنى الالتذاذ الجنسي، سواء كان عن

(1) هجاه: وقع فيه بالشعر وسبه وعابه، والاسم الهجاء.
المصباح المنير: " هجا ".
(2) تعرض الفقهاء لموضوع الهجاء والتشبيب في
المكاسب المحرمة. أنظر: الجواهر 22: 60، والمكاسب
(للشيخ الأنصاري) 2: 117 - 118، و 1: 177.
(3) شبب الشاعر بفلانة تشبيبا: قال فيها الغزل، وعرض
بحبها. المصباح المنير: " شبب ".
(4) تعرض الفقهاء لموضوع الهجاء والتشبيب في
المكاسب المحرمة. أنظر: الجواهر 22: 60، والمكاسب
(للشيخ الأنصاري) 2: 117 - 118، و 1: 177.
(1) المصباح المنير: " متع ". وانظر غيره من كتب اللغة.
76

طريق مشروع أو غير مشروع (1)، ومنه قوله تعالى:
* (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن...) * (2).
وبهذه المناسبة - أي لما تضمن معنى الالتذاذ
الجنسي - أطلق على نوع من الحج، وهو حج التمتع
الذي تتقدم فيه العمرة على الحج، فيتحلل المحرم من
إحرام العمرة ويحل له كل ما حرم عليه، ومن جملته
الاستمتاع بالنساء، ثم يحرم للحج من جديد (3)،
ومنه قوله تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي) * (4).
وبالمناسبة نفسها أطلق على نوع من النكاح،
وهو ما كان مؤجلا إلى أمد معين، وهو المسمى
بالنكاح المؤجل، أو المنقطع، أو المتعة، في مقابل
النكاح الدائم، وإليه يشير قوله تعالى المتقدم:
* (فما استمتعتم به...) *.
الأحكام:
الاستمتاع إما أن يكون محللا، أو محرما،
ولكل منهما تفصيل يختص به:
أولا - الاستمتاع المحلل:
ونقصد بالمحلل معناه العام الشامل للواجب
والمستحب والمكروه والمباح. وفيما يلي نشير إلى كل
واحد منها:
1 - الاستمتاع الواجب:
قد يجب الاستمتاع لعارض، ومن جملة
العوارض:
أ - مرور أربعة أشهر على الزوجين من دون
أن يقع بينهما وطء، فيجب على الزوج الوطء ء
حينئذ، وكأن ذلك حق للزوجة (1).
ب - إذا توقف تجنب الاستمتاع المحرم على
الاستمتاع المحلل - بحيث يقع في الحرام إذا لم يستمتع
بالحلال - فيجب أن يستمتع بزوجته الموجودة، أو
يتزوج (2).
ج - إذا نذر الاستمتاع المحلل، كما إذا نذر أن
يستمتع بزوجته الموجودة فعلا، أو يتزوج مقدمة
للاستمتاع (3).
2 - الاستمتاع المستحب:
رغبت الشريعة في الاستمتاع المحلل ترغيبا
شديدا، كالاستمتاع بالأهل والمملوكة، فعن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): جعل قرة

(1) أنظر الكافي في الفقه: 284، فقد أطلق فيه الاستمتاع
على المباشرة الجنسية سواء كانت بمثل النكاح المشروع
أو غيره، كالزنا واللواط، وحتى التقبيل وإتيان البهائم
والاستمناء.
(2) النساء: 24.
(3) أنظر المدارك 7: 156، وانظر غيره في الموضوع نفسه.
(4) البقرة: 196.
(1) أنظر المستمسك 14: 72.
(2) أنظر العروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة 4.
(3) المصدر نفسه.
77

عيني في الصلاة، ولذتي في النساء " (1)، وعنه (عليه السلام)
قال: " ألذ الأشياء مباضعة النساء " (2)، وعنه (عليه السلام)
أيضا، قال: " العبد كلما ازداد للنساء حبا ازداد في
الإيمان فضلا " (3).
وربما يتأكد الاستحباب عند شدة رغبة كل
من الزوجين إلى الاستمتاع ما لم يصل إلى حد
الضرورة وإلا فيجب كما تقدم، فقد روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا نظر
أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله، فإن الذي
معها مثل الذي مع تلك... " (4). وجاء في نهج
البلاغة: أن الإمام عليا (عليه السلام) كان جالسا في
أصحابه، فمرت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم
بأبصارهم، فقال (عليه السلام): " إن أبصار هذه الفحول
طوامح (5)، وإن ذلك سبب هبابها (6)، فإذا نظر أحدكم
إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي امرأة
كامرأته " (1).
3 - الاستمتاع المكروه:
تكره بعض الاستمتاعات المحللة في ظروف
خاصة، من جملتها:
أ - الاستمتاع بالوطء في أزمنة وأمكنة
خاصة، كالليالي التي يقع فيها خسوف القمر،
والأيام التي يقع فيها كسوف الشمس، ونحوهما من
الآيات المخوفة، وعند الزوال، وعند الغروب،
ومستقبل القبلة، ومستدبرها، وعلى السطوح،
وغير ذلك مما ذكر في آداب الزفاف (2).
ب - الاستمتاع بالحائض بغير الوطء ء فيما بين
السرة والركبة، وأما الاستمتاع بالوطء بالقبل
فمحرم كما سيأتي بيانه (3).
ج - الاستمتاع بالوطء في دبر الزوجة، بناء
على المشهور، وهناك قول بالحرمة (4).

(1) الوسائل 20: 22، الباب 3 من أبواب مقدمات النكاح،
الحديث 5.
(2) الوسائل 20: 23، الباب 3 من أبواب مقدمات النكاح،
الحديث 6.
(3) الوسائل 20: 23، الباب 3 من أبواب مقدمات النكاح،
الحديث 10.
(4) الكافي 5: 494، كتاب النكاح، باب أن النساء أشباه،
الحديث 2.
(5) جمع " طامح "، من طمح بصره إلى الشئ: إذا ارتفع.
لسان العرب " طمح ".
(6) الهباب: النشاط والهيجان، وهب التيس: هاج للسفاد.
النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب: " هبب ".
(1) نهج البلاغة: قسم الحكم، الحكمة 420، وجاء في ذيل
هذا النص: أنه قال رجل من الخوارج: " قاتله الله
كافرا ما أفقهه "، فوثب القوم ليقتلوه، فقال (عليه السلام):
" رويدا إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب ".
(2) أنظر العروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة 11.
(3) أنظر: المستمسك 3: 317 - 320، والتنقيح 6:
444.
(4) أنظر: المستمسك 14: 61، ومباني العروة الوثقى
(كتاب النكاح) 1: 131 - 135.
78

4 - الاستمتاع المباح:
وهو ما سوى الاستمتاعات المحرمة والواجبة
والمستحبة والمكروهة.
ثانيا - الاستمتاع المحرم:
حرمة الاستمتاع تارة تكون بالذات، وتارة
بالعرض، أي لعامل آخر:
1 - الاستمتاعات المحرمة بالذات:
الاستمتاعات المحرمة ذاتا مثل:
أ - الاستمتاع بغير الزوجة والمملوكة، سواء
كانت محرما أو غير محرم، وسواء كان الاستمتاع
بالوطء أو التقبيل أو اللمس أو النظر، وإن اختلفت
هذه الأمور في الحرمة شدة وضعفا.
ب - استمتاع الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى.
ج - الاستمتاع بوطء البهيمة.
د - الاستمتاع بالاستمناء، وهو استدعاء
خروج المني باليد ونحوه، وأما الاستمناء عن طريق
ملاعبة الزوجة وملامستها فلم يصرح بحرمته إلا
بعضهم، وسوف يأتي البحث عنه في عنوان
" استمناء ".
وحرمة الموارد المتقدمة من المسلمات.
2 - الاستمتاعات المحرمة بالعرض:
وهذه كثيرة، نذكر أهمها، وهي:
أ - الاستمتاع بالزوجة ومن بحكمها إذا كانت
حائضا أو نفساء. والمحرم منه يقينا الوطء ء في القبل،
أما في الدبر، فقد نسب إلى المشهور جوازه، وأما
الاستمتاعات الأخر فجائزة، إلا أن الاستمتاع بما
بين السرة والركبة مكروه على المشهور إذا كان على
نحو الملامسة الجسدية، وأما ما كان منه من وراء
الثياب فلا كراهة فيه أيضا (1).
راجع: حيض، نفاس.
ب - الاستمتاع بالزوجة حال الإحرام،
سواء كان بالوطء، أو التقبيل أو النظر بشهوة (2).
راجع: إحرام.
ج - استمتاع الصائم بزوجته بالوطء، أو
بغيره من التقبيل واللمس ونحوهما إذا علم بأدائها
إلى إنزال المني، لأنه مفسد للصوم (3)، ولهم في ذلك
تفصيل.
راجع: استمناء، صوم.
د - استمتاع المعتكف بزوجته بوطئها
والاستمناء بها عن طريق اللمس والتقبيل والتفخيذ
ونحوها (4). ولهم فيه تفصيل أيضا.
راجع: اعتكاف.

(1) أنظر: الجواهر 3: 225 - 228، والمستمسك 3: 317
- 320، والتنقيح 6: 440 - 447.
(2) أنظر المدارك 7: 310 - 313.
(3) أنظر العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في ما يجب
الإمساك عنه (المفطرات) الثالث والرابع.
(4) أنظر العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، فصل في أحكام
الاعتكاف، المحرم الأول والثاني.
79

ه‍ - الاستمتاع وطئا بالزوجة التي لم تبلغ تسع
سنين. وقد تقدم بعض الكلام في ذلك (1).
راجع: أسباب التحريم.
و - الاستمتاع بالزوجة المظاهرة، والظهار
هو أن يشبه زوجته بأمه من جهة تحريم نكاحها،
فيحرم وطؤها. وله أحكامه الخاصة (2).
راجع: ظهار.
ومن قبيل الظهار الإيلاء، وهو الحلف على
ترك وطء الزوجة (3).
راجع: إيلاء.
ما يترتب على الاستمتاع:
تترتب على الاستمتاع آثار كثيرة، نشير إلى
أهمها فيما يلي:
أولا - العقوبة:
من أهم الآثار المترتبة على الاستمتاع المحرم
هي العقوبة، وهي أخروية ودنيوية، والعقوبة
الدنيوية تارة تكون مالية، وأخرى بدنية، والبدنية:
إما حد أو تعزير.
فالعقوبة الأخروية مترتبة على ارتكاب
الحرام إلا أن يتوب مرتكبه، فكل استمتاع محرم
- سواء كان محرما ذاتا أو عرضا - تترتب عليه
العقوبة الأخروية إلا مع التوبة ونحوها.
وأما العقوبة الدنيوية المالية، فهي تترتب على
الاستمتاعات المحرمة بالعرض، مثل الاستمتاع
بالزوجة الحائض والنفساء، والمظاهرة ونحوها، وفي
حال الإحرام والصوم. ففي كل هذه الحالات تترتب
العقوبة المالية، وهي الكفارة، وتختلف باختلاف
الموارد.
راجع تفصيلها في العناوين: " حيض "،
و " نفاس "، و " ظهار "، و " إحرام "، و " صوم "،
و " كفارة "، ونحوها.
وأما العقوبة البدنية فهي تترتب على
الاستمتاعات المحرمة ذاتا، كالزنا واللواط
والمساحقة ونحوها، فهذه يترتب عليها الحد، وهناك
ما يترتب عليه التعزير، كالتفخيذ - وهو عمل دون
الزنا واللواط والمساحقة - والنوم تحت لحاف
واحد، ونحوهما.
راجع تفصيل ذلك في العناوين: " زنا "،
و " لواط "، و " مساحقة "، و " تفخيذ "، و " تعزير "،
و " حد "، ونحوها.
ثانيا - فساد العبادة ولزوم القضاء:
بعض الاستمتاعات تفسد العبادة وتوجب
القضاء لو كانت واجبة، مثل الوطء ء - سواء كان
حلالا أو حراما - فإنه إجمالا يفسد الصوم (1)

(1) أنظر الجواهر 29: 414.
(2) أنظر الجواهر 33: 96.
(3) أنظر الجواهر 33: 297.
(1) أنظر الجواهر 16: 219.
80

والحج (1) والاعتكاف (2)، ولبعضهم كلام في بطلان
الأخير.
راجع: اعتكاف، حج، صوم.
ثالثا - حصول الحدث ولزوم الطهارة:
الاستمتاع بالدخول - سواء كان محللا أو
محرما وسواء كان في القبل أو في الدبر - يوجب
الحدث إجمالا، فمن كان متطهرا فوطئ امرأة، بطلت
طهارته، وصار محدثا.
ويترتب على ذلك لزوم الطهارة لما تشترط
فيه، كالصلاة ونحوها.
راجع: جنابة.
رابعا - تحريم النكاح:
الوطء ء يوجب تحريم النكاح إجمالا (3)، وقد
مر تفصيله في عنوان " أسباب التحريم ".
خامسا - ثبوت المهر أو استقراره:
يثبت مهر المثل بالوطء غير المقترن بالعقد إذا
زالت به البكارة من دون رضا المرأة (4). وكذا إذا
أزيلت بغير الوطء ء (5).
وتستقر ملكية الزوجة للمهر كله بعد الوطء ء،
أما قبله فيكون متزلزلا بالنسبة إلى نصفه، لأنه إذا
طلقها الزوج قبل الدخول بها، فإنها تستحق نصف
المهر فقط (1).
راجع: مهر.
سادسا - ثبوت النفقة:
من شرائط وجوب النفقة على الزوج في العقد
الدائم هو تمكين الزوجة الزوج من نفسها ليستمتع
بها متى شاء، فالشرط هو التمكين لا الاستمتاع
الفعلي، وقيل: تجب النفقة بالعقد نفسه (2).
وفيه تفصيل يراجع العنوانان: " تمكين "،
و " نفقة ".
تقديم حق الاستمتاع على غيره:
إذا تعارض حق الزوج في الاستمتاع مع
سائر الحقوق والتكاليف، فيقدم حق الاستمتاع،
ما لم يلزم منه محذور شرعي - كترك واجب أو
فعل حرام - أو عقلي، كمرض ونحوه، ولذلك
قالوا: " يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع
مع عدم المانع عقلا أو شرعا ولو كانت على ظهر
قتب " (3).

(1) أنظر الجواهر 20: 349.
(2) أنظر الجواهر 17: 200.
(3) أنظر الجواهر 29: 349، 416 و 430.
(4) أنظر الجواهر 41: 266.
(5) أنظر الجواهر 41: 370، و 43: 290.
(1) أنظر الجواهر 31: 75، 80 و 107.
(2) أنظر الجواهر 31: 303 - 304.
(3) أنظر الجواهر 31: 148.
81

وهناك أبحاث أخرى سوف نتعرض لها في
مواضعها المناسبة إن شاء الله تعالى، من جملتها
البحث عن الاستمتاع بالزوجة المؤقتة في عنوان
" متعة ".
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - الجنابة.
ب - الحيض.
ج - النفاس.
2 - كتاب الصوم: ما يفسد الصوم.
3 - كتاب الاعتكاف: أحكام الاعتكاف.
4 - كتاب الحج:
أ - محظورات الإحرام.
ب - كفارات الإحرام.
5 - كتاب النكاح:
أ - مقدمات النكاح وآدابه.
ب - أسباب التحريم.
ج - المهر: التمكين، النفقة.
6 - كتاب الحدود:
أ - ما يوجب الحد.
ب - ما يوجب التعزير.
استمناء
لغة:
مصدر استمنى، أي طلب خروج المني (1)،
والمني ماء الإنسان (2). وقد يعبر عن الاستمناء
بالخضخضة (3) أيضا، وهي في الأصل: الحركة من
دون صوت (4).
والإمناء: إنزال المني، يقال: أمنى الرجل،
أي أنزل المني (5).
اصطلاحا:
قال صاحب المدارك: " المراد بالاستمناء:
طلب الإمناء بغير الجماع مع حصوله، لا مطلق
طلبه، وإن كان محرما أيضا، إلا أنه لا يترتب عليه
حكم سوى الإثم " (6).

(1) لسان العرب، والقاموس المحيط: " مني ".
(2) معجم مقاييس اللغة: " مني "، وفي اللسان: " المني
ماء الرجل ".
(3) لسان العرب: " خضض "، والقاموس المحيط، ومجمع
البحرين: " خضخض ".
(4) ترتيب كتاب العين: " خض ".
(5) أنظر: مجمع البحرين، والمعجم الوسيط: " منا " و " مني ".
(6) المدارك 6: 61، وكذا قال غيره، أنظر الروضة البهية
2: 89، والجواهر 16: 252.
82

والفرق بينه وبين الإمناء هو: أن الاستمناء
يكون بقصد الإنزال، أما الإمناء فيكون مع قصد
الإنزال وبدونه، ولذلك يكون الإمناء أعم من
الاستمناء، لكن الأغلب يستعمل الفقهاء مصطلح
الإمناء في ما لا يقترن بالقصد (1).
وقد يعبر عن الاستمناء في كلمات الفقهاء
بالخضخضة أيضا.
الأحكام:
أولا - الحكم التكليفي للاستمناء:
ادعي الإجماع على حرمة الاستمناء (2)، وقد
عده بعضهم من الكبائر (3)، لما ورد من النهي الشديد
عنه، فقد روي أنه: " سئل الصادق (عليه السلام) عن
الخضخضة، فقال: إثم عظيم قد نهى الله عنه في
كتابه، وفاعله كناكح نفسه. ولو علمت بمن يفعله ما
أكلت معه. فقال السائل: فبين لي يا بن رسول الله
من كتاب الله فيه، فقال: قول الله: * (فمن ابتغى
وراء ذلك فأولئك هم العادون) * (4) وهو مما وراء
ذلك. فقال الرجل: أيما أكبر؟ الزنا أو هي؟ فقال:
هو ذنب عظيم... " (1).
وعن أبي بصير قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة،
ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم:
الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره " (2).
اختلاف الحكم باختلاف وسائل الاستمناء:
الاستمناء تارة يكون بملامسة شئ للذكر،
أو بملامسة بدن رجل أو امرأة لبدن رجل آخر أو
امرأة أخرى، وتارة برؤية منظر مهيج مثير للشهوة،
أو بسماع ما يثير الشهوة.
والاستمناء أكثر ما يتحقق بالأول - بل يظهر
من بعضهم اختصاصه باليد، كما سيأتي في بحث
العقوبة - أما غيره، فالغالب أنه يتحقق به إنزال المني
من دون قصد - وهو الذي يعبر عنه بالإمناء غالبا -
لكن لا يبعد أن يقصد الملامس أو المستمع أو الناظر
الإنزال أيضا.
والأول تارة يكون مع غير الزوجة، وتارة
معها.

(1) هذا ما نستظهره من كلمات الفقهاء واللغويين.
(2) أنظر: التذكرة (الحجرية) 2: 577، والرياض
(الحجرية) 2: 500.
(3) أنظر: كشف اللثام (الحجرية) 2: 411، والجواهر
41: 647، ومباني تكملة المنهاج 1: 346، المسألة
292.
(4) المؤمنون: 7.
(1) الوسائل 28: 364، الباب 3 من أبواب نكاح
البهائم... والاستمناء، الحديث 4.
(2) أنظر الوسائل 20: 353، الباب 28 من أبواب النكاح
المحرم، الحديث 7، والبحار 101: 30، كتاب العقود
والإيقاعات والأحكام، الباب 32.
83

أما الاستمناء بغير الزوجة فحرام بشتى
أقسامه، سواء كان الاستمناء بيد المستمني، أو بيد
إنسان غيره أو بسائر أعضائه، أو بغير الإنسان.
وأما الاستمناء بالزوجة والمملوكة فلم
يتعرض له صراحة إلا بعض الفقهاء.
قال العلامة الحلي: "... كما يحرم أن يستمني
بيده، كذا يحرم أن يستمني بيد زوجته وجاريته،
لأن المقتضي للتحريم آت هنا " (1).
وقال الشهيد الثاني في الروضة: " وفي تحريمه
بيد زوجته ومملوكته المحللة له وجهان:
من وجود المقتضي للتحريم، وهو إخراج
المني وتضييعه بغير جماع، وبه قطع العلامة في التذكرة.
ومن منع كون ذلك هو المقتضي... ".
ثم قال: " وفي تعدي التحريم إلى غير أيديهما
من بدنهما غير الجماع احتمال " (2).
لكنه قال في المسالك: " الاستمناء باليد
وغيرها من أعضاء المستمني وغيره عدا الزوجة
والأمة محرم تحريما مؤكدا " (3).
وقال المحدث الكاشاني: " ومن استمنى
بشئ من أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة
والأمة عزر... " (4).
وقال السيد الطباطبائي: " ومن استمنى، أي
استدعى إخراج المني بيده أو بشئ من أعضائه أو
أعضاء غيره سوى الزوجة والأمة المحللة له،
عزر... " (1).
وقال صاحب الجواهر: "... نعم الظاهر عدم
البأس به في تفخيذ الزوجة والأمة ونحوه من
الاستمناء بين أليتيها ونحوها، للأصل، وقوله تعالى:
* (إلا على أزواجهم) * (2) وغيره، وإن كان الأولى
تركه أيضا " (3).
ويمكن استفادة الجواز من كلام كل من صرح
بجواز استمتاع كل من الزوجين بأي جزء من بدن
الآخر، حتى النظر إلى الفرج وتقبيله ونحوه، مما
ينتهي إلى الإمناء أحيانا - بل وفي بعضها غالبا - من
دون أن يقيدوا الحكم بالجواز بعدم الإمناء (4).
راجع: استمتاع.
وأما الإمناء - بمعنى إنزال المني من دون قصد
إليه - فإن كان فاعله ارتكب سببا محرما وكان

(1) التذكرة 2: 577.
(2) الروضة البهية 9: 331 - 332.
(3) المسالك 15: 48.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 77، المفتاح 525.
(1) الرياض (الحجرية) 2: 500.
(2) المؤمنون: 6.
(3) الجواهر 41: 649.
(4) أنظر على سبيل المثال: الروضة البهية 5: 101،
والجواهر 29: 72 - 73، والعروة الوثقى: كتاب
النكاح، المسألة 19، ولم يعلق عليها - في هذه المسألة -
كل من السيد الحكيم والسيد الخوئي، أنظر: المستمسك
14: 11، ومباني العروة الوثقى (كتاب النكاح) 1: 20،
وانظر ما تقدم في عنوان " استمتاع ".
84

قاصدا له، فهو محرم من جهة ارتكابه السبب المحرم،
كما إذا لمس غير زوجته بشهوة فأمنى.
وإن لم يكن قاصدا لارتكاب الحرام، بل
حصل السبب من دون قصد ثم استتبعه الإمناء،
فلا حرمة، لعدم القصد إلى الحرام، ومنه ما إذا نظر
إلى محارمه من دون ريبة فأمنى، وإن كان فرضه
بعيدا، لتوقف الإمناء على تحريك القوى الشهوية
المتوقف على قصد الالتذاذ غالبا.
ثانيا - الحكم الوضعي للاستمناء (أثر الاستمناء):
تترتب على الاستمناء والإمناء عدة أحكام
وضعية نشير إلى أهمها فيما يلي:
أثر الاستمناء والإمناء في حصول الجنابة:
لا إشكال في حصول الجنابة بإنزال المني
سواء كان باستمناء أو بإمناء، لأن الجنابة تحصل
بأمرين لا غير: إنزال المني، والجماع (1). ويترتب
على الجنابة آثارها الخاصة من وجوب الغسل
وحرمة مس كتابة القرآن واللبث في المساجد،
وقراءة سور العزائم، ونحو ذلك.
راجع: جنابة.
أثر الاستمناء والإمناء في الصوم:
ادعي الإجماع مستفيضا على أن الاستمناء
مفسد للصوم. قال صاحب المدارك: " قد أجمع
العلماء كافة على أن الاستمناء مفسد للصوم " (1).
ويترتب على إفساد الصوم وجوب القضاء
والكفارة، لأن الإفساد عمدي. وهذا مما لا إشكال
ولا خلاف فيه - كما قيل (2) - إضافة إلى ورود
النصوص في ذلك (3).
وأما الإمناء، فتارة يكون بسبب القبلة
والملامسة والملاعبة، وتارة يكون بسبب النظر،
وللفقهاء في كل منهما تفصيلات:
أولا - الإمناء بسبب القبلة ونحوها:
وفي ذلك عدة حالات:
1 - فإن كان قاصدا لإنزال المني فيشمله حكم
الاستمناء، وقد نقل عليه الإجماع مستفيضا (4).
2 - وإن لم يكن قاصدا للإنزال، لكن كان من
عادته ذلك فأنزل، فقد ادعي الإجماع على كونه
بحكم الاستمناء (5).

(1) أنظر الجواهر 3: 3 و 25.
(1) المدارك 6: 61، وانظر: المعتبر: 301، والتذكرة 6:
24، ومفاتيح الشرائع 1: 247، المفتاح 275.
(2) أنظر المدارك 6: 77، والمستمسك 8: 339، ومستند
العروة (الصوم) 1: 117 - 118.
(3) أنظر الوسائل 10: 39، الباب 4 من أبواب ما يمسك
عنه الصائم.
(4) الرياض 5: 312، فإنه نقل عدة إجماعات على ذلك،
وانظر مستند العروة (الصوم) 1: 117، بل إن نفس
قصد الإمناء مفطر وإن لم ينزل، بناء على أن قصد إتيان
المفطر مفسد للصوم.
(5) مستند الشيعة 10: 242.
85

لكن ثبوت مثل هذا الإجماع مع عدم تعرض
المتقدمين لصورة " الاعتياد " مشكل، مع أن
صاحب المدارك - وهو من المتأخرين - صرح بأن
ذلك إنما يفسد الصوم إذا تعمد الإنزال (1).
3 - وإن لم يكن قاصدا للإنزال، ولا كان من
عادته ذلك عند الملامسة ونحوها، فالمنقول عن
جماعة من المتقدمين حتى زمان العلامة القول
بالإفساد (2)، وعن جماعة أخرى منهم القول
بعدمه (3).
فممن نسب إليه القول بالإفساد: الشيخ
الطوسي، والمحقق، والعلامة. قال الشيخ: " إذا باشر
امرأته فيما دون الوطء ء فأمنى، لزمته الكفارة، سواء
كان قبلة أو ملامسة أو أي شئ كان... " (4). وقال
المحقق: " من أمنى بالملاعبة والملامسة أو استمنى
ولو بيده لزمه الكفارة... لنا: أنه أجنب مختارا
متعمدا، فكان كالمجامع " (5). وقال العلامة:
" المشهور أنه إذا أمنى عند الملامسة وجب عليه
القضاء والكفارة " (6).
وعبارة المفيد شبيهة بعبارات هؤلاء وإن لم
ينسب إليه القول بالإفساد، فإنه قال بالنسبة إلى من
قبل زوجته: "... فإن أمنى وجب عليه الكفارة كما
تجب على المجامع ووجب عليه القضاء " (1).
ولكن إيجاب الكفارة قرينة على إرادة صورة
قصد الإنزال - وقد ادعي الإجماع على اعتبار قصد
إتيان المفطر في وجوب الكفارة (2) - فلا يشمل
كلامهم الصورة المبحوث عنها، إلا أن نقول بكفاية
القصد إلى الفعل المؤدي إلى الإنزال، ولعل ذلك
يستفاد من كلام بعضهم (3).
وممن نسب إليه القول بعدم الإفساد: السيد
المرتضى وابن زهرة وابن إدريس.
قال السيد المرتضى: " فأما الوطء ء، فلا خلاف
في أنه يفسد الصيام، فأما دواعيه التي يقترن بها
الإنزال فأنزل غير مستدع للإنزال لم يفطر " (4).
وعلق ابن زهرة وجوب القضاء والكفارة
على صدور المفطرات عن عمد واختيار (5).
وجعل ابن إدريس من أمنى بالملامسة في
حكم المجامع من دون أن يفصل في ذلك (6)،
فلا يوافق كلامه ما نسب إليه.

(1) المدارك 6: 61 - 62.
(2) أنظر: مستند الشيعة 10: 242، والمستمسك 8:
250.
(3) أنظر المصدرين السابقين.
(4) الخلاف 2: 190.
(5) المعتبر: 305.
(6) المختلف 3: 435.
(1) المقنعة: 359.
(2) أنظر المستمسك 8: 250.
(3) المهذب البارع 2: 43.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207.
(5) الغنية: 138.
(6) السرائر 1: 389.
86

لكن عدم تعرض هؤلاء لعنوان " الاعتياد "
يوجب الشك في ما نسب إليهم، إلا أن يستفاد ذلك
من إطلاق كلامهم وعدم استفصالهم.
نعم تطرق المتأخرون عن العلامة إلى عنوان
" الاعتياد ":
فقال بعضهم: بأن الإمناء بالملامسة ونحوها
مفسد للصوم، سواء كان معتادا للإمناء في هذه
الصورة أو لا.
وهذا القول يظهر من المحقق الثاني (1)،
والشهيد الثاني في المسالك (2)، وصاحب الكفاية (3)،
والفاضل النراقي (4)، والسيد الحكيم (5)، بل صرح
بعض هؤلاء بذلك.
وقال بعض آخر: إن الإمناء بالملامسة إنما
يفسد الصوم إذا كان معتادا.
وهذا يظهر من الشهيد الثاني (6) والأردبيلي (7)،
وصاحب الجواهر (1)، والسيد اليزدي (2)، والإمام
الخميني (3).
وقال صاحب المدارك: إن الإمناء إنما يفسد
إذا تعمد الفاعل الإنزال بذلك، ومفهومه عدم
الإفساد حتى في صورة اعتياد الإمناء (4).
وقال صاحب الحدائق بالإفساد في صورة
قصد الإمناء، أو عدم الوثوق من نفسه بعدم الإمناء
عند الملامسة، فلو لم يقصد الإنزال، وكان واثقا
بعدمه، فلا يفسد الصوم لو أنزل (5).
وهذا هو الظاهر من السيد الخوئي أيضا (6).
وقال الشيخ الأنصاري: " إن سبق المني
عقيب التعرض له مفسد - سواء كان بالملامسة أو
بالنظر أو بالتكلم، وسواء مع الاعتياد وعدمه - نعم
يستثنى منه ما لو اعتاد العدم ولم يقصد الإنزال " (7).
ثانيا - الإمناء بسبب النظر:
وللفقهاء في ذلك أقوال وتفصيلات أيضا:

(1) جامع المقاصد 3: 63.
(2) المسالك 2: 18.
(3) كفاية الأحكام: 46، وذخيرة المعاد: 499.
(4) مستند الشيعة 10: 242.
(5) أنظر: المستمسك 8: 250، والمنهاج 1: 378، كتاب
الصوم، الفصل الثاني في المفطرات، الثامن، والصفحة
387، ما يجب فيه القضاء، السابع، فإن ظاهر كلامه فيهما
تعليق الإفساد على مجرد الإمناء، أما الكفارة فإنما تجب
في صورة قصد الإمناء أو اعتياده باللمس ونحوه.
(6) الروضة البهية 2: 98.
(7) مجمع الفائدة 5: 35، إلا أنه احتمل القضاء.
(1) الجواهر 16: 353، و 293 - 294.
(2) العروة الوثقى، كتاب الصوم، فصل في ما يجب
الإمساك عنه، الرابع.
(3) تحرير الوسيلة 1: 256، كتاب الصوم، القول في ما
يجب الإمساك عنه، الرابع.
(4) المدارك 6: 61 - 62.
(5) الحدائق 13: 129.
(6) أنظر: مستند العروة (الصوم) 1: 124 - 126،
ومنهاج الصالحين 1: 267.
(7) كتاب الصوم: 53.
87

1 - عدم الإفساد، ذهب إليه الشيخ في
الخلاف، قال: " إذا كرر النظر فأنزل أثم ولا قضاء
عليه ولا كفارة، فإن فاجأته النظرة لم يأثم... " (1).
ووافقه ابن إدريس (2)، ويحيى بن سعيد (3)،
والمحقق (4)، والعلامة في بعض كتبه (5)، وولده فخر
الدين (6)، وعلله: بأن النظر من الأسباب النادرة
للإمناء، فلا يلحق بالأسباب الأكثرية وإلا للزم
الحرج.
ولم يقيد ذلك بعدم قصد الإنزال والاعتياد
ونحوهما.
لكن حمل بعض الفقهاء كلامهم على صورة
عدم القصد، فيتحد مع القول الآتي.
2 - الإفساد في صورة استدعاء إنزال المني
بالنظر، وعدم الإفساد في غيره، وهو المستفاد من
كلام السيد المرتضى (7) وصاحب الذخيرة (8).
3 - التفصيل بين النظر إلى ما يحل النظر إليه،
وبين ما يحرم. فإن نظر إلى ما يحل فأمنى، فلا يجب
عليه القضاء، وإن نظر إلى ما لا يحل، فيجب
القضاء. ذهب إليه الشيخ المفيد (1) - وقيد النظر إلى
ما يحل النظر إليه بكونه سليما - والشيخ الطوسي في
المبسوط (2)، وسلار (3)، وابن حمزة (4)، ونسب إلى
السيد المرتضى، والقاضي، والعلامة في التحرير (5).
4 - التفصيل بين قصد الإنزال، فيجب القضاء
والكفارة - من دون فرق بين النظر المحلل والمحرم -
وبين عدم قصده، فلا يجب شئ إلا إذا كرر النظر
حتى أمنى، فيجب القضاء خاصة. ذهب إليه العلامة
في المختلف (6).
5 - التفصيل بين اعتياد الإمناء بالنظر
وعدمه، فيفسد الصوم في صورة الاعتياد، سواء
قصد الإمناء أو لا. ذهب إليه المحدث البحراني (7).
6 - وجوب القضاء والكفارة في صورة قصد
الإمناء واعتياده عند النظر، ذهب إليه المحقق
الثاني (8)، وصاحب المدارك (9)، وصاحب
الرياض (10). واستظهره المحقق الخوانساري من كلام

(1) الخلاف 2: 198.
(2) السرائر 1: 389.
(3) الجامع للشرائع: 155 - 156.
(4) المعتبر: 305، والشرائع 1: 192.
(5) القواعد 1: 64.
(6) إيضاح الفوائد 1: 226 - 227.
(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207.
(8) الذخيرة: 499 - 500.
(1) المقنعة: 359.
(2) المبسوط 1: 272 - 273.
(3) المراسم: 98.
(4) الوسيلة: 143.
(5) نسب إليهم ذلك في المستمسك 8: 245.
(6) المختلف 3: 411.
(7) الحدائق 13: 133.
(8) جامع المقاصد 3: 63.
(9) المدارك 6: 63.
(10) الرياض 5: 385.
88

الشهيد الأول في الدروس، لكن يظهر منه التفصيل
المتقدم (رقم 5) (1).
7 - وجوب القضاء والكفارة في صورة
اعتياد الإمناء أو قصده. ذهب إليه الشهيد الثاني (2)،
والمحقق الأردبيلي (3)، والمحقق الخوانساري (4)،
والفاضل النراقي (5)، والسيد اليزدي (6)، والإمام
الخميني (7).
8 - الإمناء مفسد للصوم مطلقا، مهما كان
سببه، سواء كان قاصدا للإمناء أو لا، وسواء كان
معتادا له أو لا. ذهب إليه كل من صاحب
الجواهر (8) والسيد الحكيم (9).
نعم، يظهر من الأول وجوب الكفارة إذا كان
قاصدا للإمناء فأمنى وكان من عادته ذلك، أما
الثاني فيظهر منه الاكتفاء بأحدهما.
9 - وذهب السيد الخوئي إلى أن الموجب
لإفساد الصوم وترتب القضاء والكفارة هو: إنزال
المني بفعل ما يؤدي إلى نزوله مع احتمال ذلك وعدم
الوثوق بعدم نزوله، وأما إذا كان واثقا بعدم الإنزال
فنزل اتفاقا، أو سبقه المني بلا فعل شئ، لم يبطل
صومه، جمعا بين الروايات، فإن بعضها مجوزة للقبلة
وما شابهها - إذا كانت من حلال - مطلقا، وبعضها
مانعة مطلقا، وثالثة مفصلة بين خوف خروج المني،
وبين الوثوق بعدم خروجه، فلا يجوز في الأول
ويجوز في الثاني (1).
وأما صورة القصد إلى الإنزال، فجعله مما
لا خلاف في إفساده، ولذلك نزل كلام المحقق وغيره
- مما دل على عدم الإفساد بالإنزال بالنظر - على
صورة عدم قصد الإنزال، لندرة الإنزال بمجرد
النظر (2).
ملاحظة (1):
كل ما تقدم كان مع غض النظر عن القول
بإفساد الصوم بمجرد قصد الإفطار، وإلا فيشكل
الأمر فيما إذا قصد الإنزال ولم ينزل، لتحقق قصد

(1) أنظر: الدروس 1: 273، وشرحها مشارق الشموس:
400.
(2) أنظر: المسالك 2: 19، والروضة البهية 2: 98.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 5: 35.
(4) مشارق الشموس: 400.
(5) مستند الشيعة 10: 243 - 244.
(6) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في ما يجب الإمساك
عنه، الرابع.
(7) تحرير الوسيلة 1: 256، كتاب الصوم، القول في ما
يجب الإمساك عنه، الرابع، و 263، القول في ما يترتب
على الإفطار.
(8) الجواهر 16: 293.
(9) المستمسك 8: 250 - 251، وانظر منهاج الصالحين 1:
378، الفصل الثاني المفطرات، الثامن، والصفحة 387،
الفصل الثاني، المسألة 17، موارد وجوب القضاء
خاصة، السابع.
(1) مستند العروة (الصوم) 1: 124، ومنهاج الصالحين
1: 267، كتاب الصوم، المفطرات، الثامن.
(2) مستند العروة (الصوم) 1: 117 - 118.
89

إتيان المفطر، وهو موجب للإفساد بناء على مفسدية
نية إيجاد المفطر (1).
ملاحظة (2):
إن الإنزال مفسد للصوم في الرجل والمرأة،
وهذا واضح وإن لم يتعرض له الفقهاء إلا القليل
كالعلامة حيث قال: " لو تساحقت امرأتان فأنزلتا
أفسدتا صومهما " (2).
لكنهم صرحوا في بحث الجنابة: بأن الإنزال
موجب للجنابة في الرجل والمرأة على السواء (3).
أثر الاستمناء في الاعتكاف:
صرح الفقهاء: بأن كل ما يفسد الصوم يفسد
الاعتكاف إذا وقع في النهار، لأن الصوم شرط في
صحة الاعتكاف، فإذا فسد الصوم فسد الاعتكاف
أيضا (4).
ولما كان الاستمناء مفسدا للصوم، فهو
مفسد للاعتكاف أيضا.
وأما إذا وقع في الليل، فإن ألحقناه بالجماع
فهو يفسد الاعتكاف أيضا، لأن الجماع مفسد له
سواء وقع في الليل أو في النهار.
وإن لم نلحقه به، فتارة نقول بحرمته من حيث
الاعتكاف وإن كان حلالا في أصله كالاستمناء
بالزوجة، وتارة لا نقول بها.
وإذا قلنا بحرمته، فتارة نقول بإفساد مطلق
المحرمات، وتارة نخص الإفساد بالجماع.
فهذه احتمالات ولكل منها قائل:
1 - القائلون بالإلحاق:
صرح بإلحاق الاستمناء بالجماع كل من
الشيخ الطوسي، وابن حمزة، والسيد الخوئي.
قال الشيخ في المبسوط: " الاعتكاف يفسده
الجماع، ويجب به القضاء والكفارة. وكذلك كل
مباشرة تؤدي إلى إنزال الماء عمدا يجري مجراه " (1).
وقال في الخلاف: " المعتكف إذا وطي في
الفرج نهارا أو استمنى بأي شئ كان لزمته
كفارتان، وإن فعل ذلك ليلا لزمته كفارة واحدة
وبطل اعتكافه " (2).
وجعل ابن حمزة إنزال المني كالجماع في إيجاب
القضاء والكفارة (3).
وكلامه مطلق يشمل كل إنزال وإن لم يكن
بمباشرة النساء.
واستفاد السيد الخوئي من بعض الروايات
تنزيل الاستمناء منزلة الجماع (4).

(1) أنظر: مستند العروة (الصوم) 1: 124، والمستمسك
8: 248.
(2) المنتهى (الحجرية) 2: 564.
(3) أنظر الجواهر 3: 3.
(4) أنظر: المدارك 6: 348، والرياض 5: 526، وغيرهما.
(1) المبسوط 1: 294.
(2) الخلاف 2: 238، المسألة 113.
(3) الوسيلة: 153.
(4) مستند العروة (الصوم) 2: 458 - 459.
90

وربما يظهر الإلحاق من بعضهم: كالمحقق،
والعلامة، والشهيد الأول، وصاحب الجواهر.
قال المحقق في المعتبر: " يحرم على المعتكف
الاستمتاع بالنساء جماعا وتقبيلا ولمسا بشهوة،
ويبطل به الاعتكاف سواء أنزل أو لم ينزل " (1).
فإن الإفساد باللمس والتقبيل بشهوة وإن
كان من جهة النهي عن مباشرة النساء في
الاعتكاف، لكن يشمل الاستمناء الحاصل
بالملامسة والقبلة أيضا قطعا.
ولم يذكر الاستمناء الخالي من مباشرة
النساء، كالاستمناء باليد. نعم جعل في الشرائع
استدعاء المني محرما على المعتكف ليلا ونهارا (2).
وقال العلامة في المنتهى: " كل مباشرة تستلزم
إنزال الماء فحكمها حكم الجماع... على إشكال " (3).
وعبارته لا تشمل الاستمناء الخالي من
المباشرة أيضا.
وقال الشهيد الأول: " ويفسد الاعتكاف
نهارا مفسد الصوم، ومطلقا الاستمتاع بالنساء " (4)
وهو يشمل صورتي الإنزال وعدمه، نعم لا يشمل
الاستمناء الخالي من مباشرة النساء.
وقال صاحب الجواهر بالنسبة إلى الإلحاق:
"... نعم قد يلحق به استدعاء المني، بناء على فساد
الاعتكاف به " (1).
لكن يظهر منه التشكيك في أصل التحريم كما
سيأتي.
2 - القائلون بتحريم الاستمناء وبإبطال جميع
محرمات الاعتكاف:
وممن قال بذلك: السيد اليزدي والسيدان
الحكيم والخوئي في المنهاج، ويظهر من الإمام
الخميني.
أما السيد اليزدي فقد جعل الاستمناء من
المحرمات التي لا فرق في حرمتها بين الليل والنهار
من جهة، وقال ببطلان الاعتكاف بارتكاب كل
واحد من المحرمات من جهة أخرى (2).
وأما السيدان الحكيم والخوئي فقد صرحا في
منهاجيهما: بأن الاستمناء من محرمات الاعتكاف
- على الأحوط وجوبا - وصرحا بأن المحرمات
تفسد الاعتكاف سواء وقعت ليلا أو نهارا (3).

(1) المعتبر: 325.
(2) شرائع الإسلام 1: 219.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 641، وانظر: التذكرة 6: 257
و 254، والتحرير 1: 88.
(4) الدروس 1: 302.
(1) الجواهر 17: 208.
(2) العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، فصل في أحكام
الاعتكاف، ما يحرم على المعتكف، الثاني، والمسألة 3.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 406، كتاب
الاعتكاف، فصل في أحكام الاعتكاف، المسألة 11
و 13، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 292،
المسألة 1078 و 1080، كتاب الاعتكاف، فصل في
أحكام الاعتكاف.
91

وكذا الإمام الخميني إلا أنه قال بإتمام
الاعتكاف وقضائه في بعض فروضه على تفصيل (1).
3 - القائلون بالتحريم وعدم الإفساد:
وممن قال بتحريم الاستمناء على المعتكف،
ولم يقل بإفساده للاعتكاف أو استشكل فيه:
الشهيد الثاني، والمحدث الكاشاني، والمحقق
السبزواري، والسيد الطباطبائي، والفاضل النراقي.
أما الشهيد فقد جعل المس والتقبيل - إذا كانا
بشهوة - حراما لكن لا يفسد بهما الاعتكاف،
وكلامه مطلق يشمل صورتي الإنزال وعدمه. ولم
يعلق على كلام المحقق حيث جعل الاستمناء من
المحرمات (2).
وقال المحدث الكاشاني بعد ذكر اللمس
والتقبيل: " الحق بهما في التحريم الاستمناء " (3).
وقال المحقق السبزواري بالنسبة إلى استدعاء
المني: " لا أعرف في ذلك نصا على الخصوص، وربما
يفهم من بعض عباراتهم عدم منافاته لأصل
الاعتكاف بل للصوم، وكيف ما كان فلا ريب في
التحريم مطلقا، إنما الكلام في منافاته
للاعتكاف " (4). وقال أيضا: " ولا أعلم خلافا في
فساد الاعتكاف بالجماع، وفي فساده بالتقبيل
واللمس قولان " (1).
وقال السيد الطباطبائي بعد نقل الإجماع عن
الشيخ في الإلحاق: "... ولا بأس به إن أريد من
حيث التحريم، سيما مع تحريم أصله إن لم يكن مع
حلاله، ويشكل إن أريد من حيث البطلان ووجوب
الكفارة به " (2).
ومثله قال الفاضل النراقي (3).
وربما يظهر ذلك من المحقق في الشرائع (4)،
والعلامة في القواعد (5)، حيث صرحا بالتحريم نهارا
وليلا، ولم يصرحا بالإفساد ليلا.
4 - المشككون في أصل التحريم (6):
وممن شكك في تحريم الاستمناء: صاحب
المدارك، وصاحب الجواهر، والسيد الحكيم.
قال صاحب المدارك معلقا على كلام المحقق
حيث جعل استدعاء المني من المحرمات: " لم أقف في
ذلك على نص بالخصوص، وربما كان وجهه أنه أشد
منافاة للاعتكاف من التقبيل واللمس المحرمين،
فيكون تحريمه أولى " (7).

(1) تحرير الوسيلة 1: 282 - 283، كتاب الاعتكاف،
القول في أحكام الاعتكاف، المسألة 2.
(2) المسالك 2: 108 - 109.
(3) مفاتيح الشرائع 1: 279، المفتاح 314.
(4) ذخيرة المعاد: 542.
(1) ذخيرة المعاد: 542.
(2) الرياض 5: 524.
(3) مستند الشيعة 10: 568.
(4) شرائع الإسلام 1: 219.
(5) القواعد 1: 71.
(6) أي: تحريم الاستمناء من حيث الاعتكاف، لا من
حيث نفسه.
(7) المدارك 6: 344.
92

وعلق صاحب الجواهر على الأولوية التي
ذكرها صاحب المدارك بقوله: " إلا أنه كما ترى " (1)
مشيرا إلى ضعف الأولوية.
وقال السيد الحكيم: " وأولويته من اللمس
والتقبيل بشهوة، غير قطعية " (2)، وقد تقدم (3) أنه
قائل بالتحريم - في المنهاج - على نحو الاحتياط
الوجوبي.
هذا ما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء بشأن أثر
الاستمناء والإمناء في الاعتكاف من جهة الإفساد
وعدمه، وكثير منهم لم يتعرضوا للموضوع أصلا، أو
تعرضوا له بصورة مجملة، وأما القضاء والكفارة
فسوف نتعرض لهما في موضوع " اعتكاف " إن شاء
الله تعالى.
ملاحظة:
تشترك المرأة مع الرجل في كل ما تقدم من
الأحكام، لقاعدة الاشتراك (4).
أثر الاستمناء في الحج:
لا إشكال في حرمة الاستمناء على المحرم وإن
كان عن طريق الحلال، كاستمنائه بزوجته.
كما لا إشكال في وجوب الكفارة عليه، وهي
بدنة، إذا أنزل.
وإنما الإشكال في إفساد الحج بذلك، وفيه
أقوال:
الأول - القول بإفساد الحج لو تحقق قبل
الوقوف بالمشعر الحرام، كما في الجماع. ذهب إلى هذا
القول الشيخ في المبسوط (1) والنهاية (2)، اعتمادا على
موثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال:
" قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال:
أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم: بدنة
والحج من قابل " (3).
ومورد السؤال: " محرم عبث بذكره "،
وهو مطلق سواء كان بقصد الإمناء أو لا، كما
أن الاستمناء - وهو طلب خروج المني - أعم
منه، لأنه قد يحصل بالعبث بالذكر وقد يحصل
بغيره.
وتبع الشيخ جملة من الفقهاء إلا أن بعضهم
اقتصر على تعبير الشيخ - وهو التعبير الوارد في
الرواية - وبعضهم عمم الحكم للاستمناء بمعناه العام
الشامل للعبث بالذكر وغيره.
فالذين عمموا الحكم أو يظهر منهم ذلك،

(1) الجواهر 17: 202.
(2) المستمسك 8: 587 - 588، مع أنه قد استشكل هو في
اللمس والتقبيل أيضا.
(3) في الصفحة 91.
(4) المستمسك 8: 587.
(1) المبسوط 1: 337.
(2) النهاية: 231.
(3) الوسائل 13: 132، الباب 15 من أبواب كفارات
الاستمتاع، الحديث الأول.
93

هم: القاضي (1)، وابن حمزة (2)، وابن سعيد (3)،
والشهيدان (4)، والفاضل مقداد السيوري (5)،
والإمام الخميني (6).
والذين اقتصروا في الحكم على ما عبر به
الشيخ أو يظهر منهم ذلك، هم: العلامة في
المختلف (7)، وابن فهد الحلي (8)، والمحقق الثاني (9)،
وصاحب الحدائق (10)، والسيد الطباطبائي (11)،
والفاضل النراقي (12)، والسيد الخوئي (13).
الثاني - عدم الإفساد، وهو الظاهر من الشيخ
المفيد، لأنه خص الإفساد بالجماع في الفرج (14)،
والشيخ الطوسي في الاستبصار، لأنه - بعد أن ذكر
روايتين لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)
يستفاد منهما عدم البطلان في غير الجماع، ثم ذكر
رواية إسحاق بن عمار المتقدمة، التي استفيد منها
البطلان - قال:
" فلا ينافي الخبرين الأولين، لأنه لا يمتنع أن
يكون حكم من عبث بذكره أغلظ من حكم من أتى
أهله فيما دون الفرج - إلى أن قال: - ويمكن أن يكون
هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ وشدة
الاستحباب دون أن يكون ذلك واجبا " (1).
والذين اتبعوا الشيخ في رأيه هذا أو يظهر
منهم ذلك، هم: الحلبي (2)، وسلار (3)، وابن
إدريس (4)، والمحقق الحلي (5)، والعلامة الحلي في
بعض كتبه (6)، وولده فخر الدين (7)، والمحقق
الأردبيلي (8)، وصاحب المدارك (9)، والمحدث

(1) المهذب 1: 222.
(2) الوسيلة: 166.
(3) الجامع للشرائع: 188، وفيه: " والمستمني بيده بحكم
المجامع ".
(4) الدروس 1: 371، والمسالك 2: 478، واللمعة
وشرحها (الروضة) 2: 358.
(5) التنقيح الرائع 1: 561.
(6) تحرير الوسيلة 1: 385، كتاب الحج، القول في تروك
الإحرام، الرابع.
(7) المختلف 4: 154.
(8) المهذب البارع 2: 282.
(9) جامع المقاصد 3: 346 - 347.
(10) الحدائق 15: 395.
(11) الرياض 7: 377.
(12) مستند الشيعة 13: 251.
(13) المعتمد 4: 110 - 112.
(14) المقنعة: 433.
(1) الاستبصار 2: 193، باب من جامع في ما دون
الفرج، ذيل الحديث 3.
(2) الكافي في الفقه: 203.
(3) المراسم: 118، فإنه خص الإفساد بالجماع قبل
الوقوف بعرفة.
(4) السرائر 1: 552.
(5) شرائع الإسلام 1: 293 - 294.
(6) القواعد 1: 98.
(7) إيضاح الفوائد 1: 345.
(8) مجمع الفائدة 7: 13 - 14.
(9) المدارك 8: 416 - 417.
94

الكاشاني (1)، والفاضل الإصفهاني (2)، وصاحب
الجواهر (3).
الثالث - التوقف في الحكم. ذهب إليه العلامة
في بعض كتبه (4)، والمحقق السبزواري (5).
هذا كله في الاستمناء بمعنى استدعاء المني بأي
سبب كان.
وأما الإمناء، وهو إنزال المني من دون
استدعاء، فهو لا يفسد الحج، بل تجب فيه
الكفارة خاصة، وهي مختلفة باختلاف الموارد
والآراء.
فإذا نظر إلى أهله بغير شهوة فأمنى فليس
عليه شئ، وإذا نظر بشهوة فعليه بدنة.
وإذا نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه بدنة إن
كان موسرا، وبقرة إن كان متوسطا، وشاة إن كان
معسرا. وفيه قولان آخران.
ولو أمنى بسبب الملاعبة فعليه جزور (6).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " كفارة " إن
شاء الله تعالى.
ملاحظة (1):
الحكم في إفساد الحج هو إتمامه والإتيان به في
السنة المقبلة.
ملاحظة (2):
إنما يفسد الاستمناء الحج - بناء على إفساده
كالجماع - إذا تحقق قبل الوقوف بالمشعر الحرام، أما
بعده فلا، بل تجب الكفارة وحدها (1) إلا إذا جاوز
نصف طواف النساء أو الشوط الخامس - على
اختلاف المباني - فلا شئ عليه (2).
وذهب بعضهم - مثل يحيى بن سعيد - إلى أن
الاستمناء إنما يفسد إذا وقع قبل الوقوفين: الوقوف
بعرفة والمشعر الحرام (3).
والثمرة هي إفساد الحج بالاستمناء بعد
الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر على القول
المعروف، وعدمه على قول يحيى بن سعيد.
ملاحظة (3):
يفسد الاستمناء - بناء على إفساده الحج -

(1) مفاتيح الشرائع 1: 329، المفتاح 366.
(2) كشف اللثام 6: 437.
(3) الجواهر 20: 367 - 369.
(4) كالمنتهى (الحجرية) 2: 838، والتحرير 1: 119.
(5) ذخيرة المعاد: 619، وكفاية الأحكام: 64.
(6) أنظر ذلك كله في المدارك 8: 426 - 428، والرياض 7:
390 - 396.
(1) أنظر: المدارك 8: 413 - 414، والجواهر 20: 363.
(2) أنظر: المدارك 8: 419، والجواهر 20: 376،
والمعروف عن ابن إدريس: أن حكمه أثناء الطواف - ولو
قبل إتمامه بشوط - كحكمه قبل الطواف. أنظر السرائر
1: 552.
(3) الجامع للشرائع: 188، وهناك من قال بإفساد الجماع
قبل الموقفين، لكن لم يقل بإفساد الاستمناء للحج، مثل
المفيد والحلبي وسلار، كما تقدم، أنظر: المقنعة: 433،
والكافي في الفقه: 203، والمراسم: 118.
95

العمرة المفردة لو تحقق قبل السعي (1).
وأما عمرة التمتع، فالمعروف أنها كذلك، إلا
أنه يظهر من بعضهم الإشكال في إفساد الاستمناء
إجمالا (2).
ولو تحقق - في العمرتين - بعد السعي
فلا يفسد بناء على المعروف (3)، بل تجب فيه الكفارة
فقط، لكن يرى بعضهم اختصاص عدم الإفساد
بعمرة التمتع (4).
ما يثبت به الاستمناء:
المعروف بين من تطرق إلى موضوع
الاستمناء وطرق إثباته: أن الاستمناء يثبت
بشهادة عدلين، وبالإقرار ولو مرة واحدة (5).
لكن قال ابن إدريس: " ويثبت الفعل بذلك
بإقرار الفاعل مرتين، أو شهادة عدلين
مرضيين " (6).
واستفيد من كلامه أنه قائل بعدم ثبوته
بالإقرار مرة واحدة، ولذلك نسبه المحقق إلى
الوهم (1).
ويظهر من بعض الفقهاء الميل إليه (2).
أما شهادة النساء، فقد صرح بعضهم (3)
بعدم الاكتفاء بها، إلا أن الأكثر لم يتطرقوا إلى
ذلك. نعم قالوا: " ويثبت بشهادة عدلين أو... "
وكلمة " عدلين " ظاهرة في لزوم كون الشاهدين
رجلين.
عقوبة الاستمناء:
عقوبة الاستمناء هي التعزير بلا إشكال،
والتعزيرات بصورة عامة أمرها بيد الحاكم الشرعي
- الإمام (عليه السلام) أو نائبه - لكن ينبغي أن لا تصل إلى
مقدار الحد، وسوف يأتي تفصيله في عنوان
" تعزير " إن شاء الله تعالى.
وورد: " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل

(1) أنظر: المدارك 8: 422، والجواهر 20: 380.
(2) أنظر: القواعد 1: 99، والحدائق 15: 391، والجواهر
20: 382 - 383، والمعتمد 4: 70 - 74.
(3) المعتمد 4: 90، وانظر الجواهر 20: 383.
(4) أنظر: المدارك 8: 424، والحدائق 15: 391.
(5) أنظر مثلا: شرائع الإسلام 4: 189، والتحرير 2:
226، وإيضاح الفوائد 4: 499، والمهذب البارع 5:
129، والروضة البهية 9: 333، والمسالك 15: 49،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 411.
(6) السرائر 3: 471.
(1) شرائع الإسلام 4: 189.
(2) أنظر: القواعد 2: 259، وجاء فيه: "... وبالإقرار
على رأي "، والرياض (الحجرية) 2: 500، والجواهر
41: 649.
(3) من قبيل الشيخ المفيد في المقنعة: 791، والعلامة في
القواعد 2: 259، والفاضل الإصفهاني في كشف اللثام
(الحجرية) 2: 411، وصاحب الجواهر في الجواهر
41: 649.
96

عبث بذكره، فضرب يده حتى احمرت، ثم زوجه
من بيت المال " (1).
وقد حاول بعض الفقهاء أن يتبع الرواية في
تعيين مقدار التعزير. قال الشيخ المفيد: " وإذا
استمنى الرجل بيده - وهو أن يعبث بذكره حتى
يمني - كان عليه التعزير. وتضرب يده التي فعل بها
ذلك، ولا ينتهى في تعزيره بالضرب إلى الحد في
الفجور " (2).
وقال السيد المرتضى: "... من استمنى بيده
وجب عليه أن يضرب بالدرة على يده الضرب
الشديد حتى تحمر... " (3).
وقال ابن حمزة: " ومن استمنى بيده عزر بما
دون التعزير في الفجور، أو ضربت يده بالدرة حتى
تحمر " (4).
وصرح بعض آخر بأن الرواية خاصة
بموردها، وأن ما فعله الإمام (عليه السلام) كان مصلحة رآها
فعمل بها (5).
ملاحظة:
جعل أكثر الفقهاء الذين تعرضوا لعقوبة
المستمني موضوع الحكم: " من استمنى بيده "، كما
تقدمت بعض عباراتهم، ولم يتطرقوا إلى الاستمناء
بسائر أعضاء المستمني أو أعضاء شخص آخر.
لكن صرح بعض الفقهاء بعموم العقوبة للاستمناء
- الحرام - بمختلف أساليبه، مثل الشهيد الثاني (1)،
والفاضل الإصفهاني (2)، والسيد الطباطبائي (3)،
وصاحب الجواهر (4).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: ما يوجب الجنابة.
2 - كتاب الصوم:
أ - مفطرات الصوم.
ب - كفارات الإفطار.
3 - كتاب الاعتكاف: ما يحرم على المعتكف.
4 - كتاب الحج:
أ - محرمات الإحرام.
ب - كفارات الإحرام.
5 - كتاب الحدود: الاستمناء.

(1) الوسائل 28: 363، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم
والاستمناء، الحديث الأول.
(2) المقنعة: 791.
(3) الانتصار: 254.
(4) الوسيلة: 415.
(5) وممن صرح بذلك: المحقق في الشرائع 4: 189،
والعلامة في التحرير 2: 226، والشهيد الثاني في
الروضة البهية 9: 332، والمسالك 15: 49، والسيد
الطباطبائي في الرياض (الحجرية) 2: 500.
(1) الروضة البهية 9: 331، والمسالك 15: 48.
(2) كشف اللثام 2: 411.
(3) الرياض 2: 500.
(4) الجواهر 41: 647.
97

استمهال
لغة:
الاستنظار (1) وطلب النظرة والمهلة، وهما
التأخير (2). والإمهال: الإنظار والتأخير (3).
وفرق بين الإمهال والإنظار ب‍: " أن الإنظار
مقرون بمقدار ما يقع فيه النظر، والإمهال مبهم.
وقيل: الإنظار تأخير العبد لينظر في أمره،
والإمهال: تأخيره ليسهل ما يتكلفه من عمله " (4).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
لكن قد يستتبع الاستمهال الإمهال
فيجتمعان، وقد لا يستتبعه فلا يجتمعان، فيتحقق
الاستمهال ولا يتحقق الإمهال، أو بالعكس.
وسنشير إلى موارد الاستمهال والإمهال
وأحكامهما بصورة إجمالية ونحيل التفصيل على
مواضعه إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
ورد الاستمهال والإمهال في الفقه في موارد
عديدة نشير إلى أهمها فيما يأتي:
أولا - الاستمهال في الحقوق الزوجية:
الاستمهال تارة يكون من قبل الزوج، وتارة
من قبل الزوجة، وتارة يكون إمهال من قبل الزوج
بلا استمهال من قبل الزوجة.
وسوف نذكر ذلك فيما يأتي:
1 - استمهال الزوجة لاستعدادها للاستمتاع:
إذا دفع الزوج المهر كاملا للزوجة فيجب
عليها تمكين نفسها للاستمتاع، لكن لو استمهلت
لتستعد للاستمتاع، كالتنظيف وإزالة الشعر ونحو
ذلك، فهل يجب على الزوج إمهالها أو لا؟ فيه
قولان (1).
راجع: تمكين.
2 - استمهال الزوجة لتهيئة الجهاز:
لو استمهلت الزوجة الزوج لتهيئة الجهاز
- وهو ما تحتاجه العروس - فقد صرح عدة من

(1) أنظر: الصحاح، لسان العرب، مجمع البحرين:
" مهل ".
(2) أنظر: الصحاح: " نظر "، والمصباح المنير: " مهل ".
(3) المصباح المنير: " مهل ".
(4) الفروق اللغوية: 166، الفرق بين الإمهال
والإنظار.
(1) أنظر: المبسوط 4: 314، والقواعد 2: 37، وجامع
المقاصد 13: 362، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 79،
والجواهر 31: 46.
98

الفقهاء بعدم وجوب إمهالها، وكأنهم جعلوه مفروغا
منه (1).
راجع: تمكين، مهر.
3 - استمهال الصغيرة والمريضة:
لو كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع
- وإن بلغت تسع سنين - فقد صرح بعض الفقهاء
بأنه لا يجب تسليم نفسها ووجب إمهالها زمانا
تطيق فيه ذلك، وكذا لو كانت مريضة لا تطيق
الجماع (2). وفيه تفصيل بين أقسام الاستمتاعات (3).
راجع: تمكين، مهر.
4 - استمهال الزوج في دفع المهر:
إذا كان المهر حالا ولم يكن الزوج قادرا على
أدائه واستمهل الزوجة في دفعه، فهل يجب على
الزوجة إمهاله وتمكين نفسها للاستمتاع أو لا؟ فيه
قولان، والمشهور الثاني (4).
راجع: تمكين، مهر.
5 - استمهال الزوج في النفقة:
قال الشيخ الطوسي في المبسوط: " إذا أعسر
الرجل بنفقة زوجته فلم يقدر عليها بوجه، كان على
المرأة الصبر إلى أن يوسع الله تعالى عليه، لقوله
تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (1)،
وذلك عام، ولا يفسخ عليه الحاكم وإن طالبته المرأة
بذلك، هذا عندنا منصوص " (2).
راجع: نفقة.
6 - استمهال الزوج في الإيلاء:
إذا آلى الرجل من زوجته - أي حلف على
ترك وطئها إضرارا بها - وراجعت الحاكم الشرعي،
أمهله الحاكم أربعة أشهر، فإن فاء - أي رجع - فهو،
وإلا ألزمه بالفئة والتكفير - لأجل الحلف - أو
الطلاق. وفئة القادر النكاح - أي الدخول - وفئة
العاجز اظهار ذلك، ويمهل إلى زوال عذره.
ولو طلب الإمهال مع القدرة أمهل ما جرت
العادة به، كالأكل والنوم مع الحاجة إليهما، والفراغ
من الواجبات الشرعية المنافية للجماع، كالصوم
والصلاة والإحرام ونحوها. ولا يتقدر مقداره بيوم
أو ثلاثة عندنا (3).
راجع: إيلاء.

(1) أنظر: القواعد 2: 37، وجامع المقاصد 13: 362
- وقد ادعي فيه الإجماع على ذلك - والجواهر 31: 47.
(2) أنظر: المبسوط 4: 314 - 317، والقواعد 2: 37،
وجامع المقاصد 13: 363.
(3) أنظر الجواهر 31: 45.
(4) أنظر: جامع المقاصد 13: 353، ونهاية المرام 1: 413
- 414، والحدائق 24: 469، والجواهر 31: 42 - 43.
(1) البقرة: 280.
(2) المبسوط 6: 21.
(3) أنظر: نهاية المرام 2: 179، والجواهر 33: 330.
99

7 - استمهال الزوج في الظهار:
لو ظاهر الزوج من زوجته - بأن قال لها:
أنت علي كظهر أمي - فإن صبرت الزوجة على ترك
الزوج لوطئها، فلا اعتراض، وإلا رفعت أمرها إلى
الحاكم، فيخير الحاكم الزوج بين التكفير والرجوع
إلى زوجته وبين الطلاق، ويمهله للتفكر في ذلك ثلاثة
أشهر، فإن اختار أحد الأمرين فهو وإلا ضيق عليه
حتى يختار (1).
راجع: ظهار.
8 - إمهال الزوج العنين:
إذا ثبتت إصابة الزوج بالعنن - وهو عدم
قدرته على الجماع لعدم انتشار الآلة - فإن صبرت
الزوجة على ذلك عالمة بالموضوع والحكم راضية
به، فلا كلام، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم، أمهل
الزوج سنة من حين المرافعة، فإن واقعها - أو واقع
غيرها - فلا خيار للزوجة في الفسخ، لعدم ثبوت
إصابته بالعنن، وإلا كان لها الفسخ (2).
راجع: عيب، عنن.
ثانيا - الاستمهال في العقوبات:
الأصل في العقوبات عدم جواز الإمهال
والتأخير، لما ورد عن علي (عليه السلام): " ليس في الحدود
نظر ساعة " (1).
لكن خرج عن ذلك ما قام الدليل على جواز
الإمهال فيه، ومن ذلك:
1 - إمهال المرتد:
يمهل المرتد - الملي - المدة التي يمكن فيها
الرجوع إلى الإسلام.
ولو ادعى الشبهة واستمهل لرفعها فهل يمهل
أو لا؟ فيه وجهان. وقد تقدم تفصيل ذلك في عنوان
" ارتداد " فراجع.
2 - إمهال المريض حتى يبرأ:
يمهل المريض المحكوم عليه بالجلد
- لا بالرجم - حتى يبرأ توقيا من سراية المرض إلى
جميع بدنه مع عدم مصلحة في التقديم وإلا فيضرب
بالضغث، وهو هنا: القبضة من القضبان، المشتملة
على العدد اللازم (2).
3 - إمهال من وجب عليه حدان أو قصاصان:
من وجب عليه الجلد والرجم قدم الجلد على
الرجم جمعا بين الحدين، وهل يترك بعد الجلد ويمهل
ثم يرجم أو لا؟ فيه قولان (3).

(1) أنظر الجواهر 33: 164.
(2) أنظر الجواهر 30: 359.
(1) الوسائل 28: 47، الباب 25 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث الأول، وانظر الجواهر 41: 337 -
338.
(2) أنظر: المسالك 14: 377، والجواهر 41: 340.
(3) أنظر الجواهر 41: 345 - 346.
100

وكذا يأتي الكلام لو كان عليه قصاصان، مثل
قطع يد وقطع رجل (1).
وسوف يأتي الكلام عنه في العنوانين:
" حد "، " قصاص " وما يرتبط بهما، إن شاء الله
تعالى.
4 - إمهال الحامل حتى تضع:
يجب إمهال الحامل - في الجلد والرجم - حتى
تضع، بل حتى ترضع طفلها إن لم توجد له مرضع (2).
راجع: حد، رجم، زنا.
5 - إمهال السكران حتى يفيق:
لا يقام الحد على السكران، بل يمهل حتى
يفيق، لتحصل فائدة الحد التي هي الانزجار عنه
- أي شرب المسكر - ثانيا (3).
راجع: مسكر.
6 - استمهال القاذف لإقامة البينة:
لا يسقط حد القذف عن القاذف إلا بقيام بينة
تصدقه على ما قذف به، أو بتصديق المقذوف - أي
إقراره بما قذف به -، أو عفوه (4). فإذا قذف ثم قال:
لي بينة غائبة أمهلوني حتى تحضر، فهل يمهل أو لا؟
قال الشيخ: لا يمهل، لعدم جواز التأخير في الحد (1).
راجع: قذف.
ثالثا - استمهال المستدين:
لو استمهل المستدين المعسر الدائن في أداء
الدين وجب إمهاله، وإن لم يكن معسرا استحب له
ذلك، لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة) * (2)، وللروايات المستفيضة في ذلك (3).
راجع: دين، قرض.
رابعا - استمهال الكفيل:
إذا استمهل الكفيل الحاكم لإحضار المكفول
الغائب، أمهله بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه والعود
به (4).
راجع: كفالة.
خامسا - استمهال محيي الأرض:
من أخذ أرضا ليحييها فتركها ولم يحيها،

(1) أنظر الجواهر 41: 596.
(2) أنظر الجواهر 41: 337.
(3) أنظر الجواهر 41: 461، ذكروا ذلك في حد السكر.
(4) أنظر الجواهر 41: 428.
(1) الخلاف 5: 46، اللعان، المسألة 63.
(2) البقرة: 280.
(3) أنظر: الوسائل 18: 366، الباب 25 من أبواب
الدين، والحدائق 20: 186 - 187، والجواهر 25:
323.
(4) أنظر: المسالك 4: 247، والجواهر 26: 201.
101

فيلزمه الإمام: إما بالمبادرة إلى إحيائها أو
تركها، إلا إذا اعتذر بعذر واستمهل مدة لرفعه،
فيمهله (1).
كانت هذه أهم الموارد التي ورد فيها عنوان
" الاستمهال " أو " الإمهال "، وهناك بعض الموارد
الأخرى، مثل: إمهال الإمام المأمومين للوصول
إليه في الركوع، وإمهال المشتري لإحضار الثمن إذا
كان غائبا، وإمهال المدعي أو المدعى عليه في بعض
الموارد.
وقد يأتي الإمهال بلفظ " التأخير " كتأخير
الحد لأجل شدة الحر أو البرد، أو بلفظ " الإنظار "
أو " التأجيل " ونحو ذلك مما يصعب تحديده في محل
واحد.
مظان البحث:
تعلم مما تقدم.
استنابة
لغة:
مصدر استناب، بمعنى: أناب (2)، وهو من
ناب. يقال: ناب عنه فلان في هذا الأمر: إذا قام
مقامه (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
ولما كانت أحكام الاستنابة مذكورة في الفقه
تحت عنوان " نيابة " لذلك نترك بيانها إلى ذلك
العنوان.
استناد
لغة:
مصدر استند، بمعنى: سند (2)، يقال: سند
إليه، أي اعتمد عليه واتكأ (3).
اصطلاحا:
يأتي الاستناد في فقهنا على أحد معنيين:
1 - بمعنى الاعتماد على الشئ خارجا حال
الصلاة، كأن يعتمد في قيامه على عصا أو حائط أو
نحو ذلك.

(1) أنظر الجواهر 38: 59.
(2) المعجم الوسيط: " ناب ".
(1) أنظر: ترتيب كتاب العين: " ناب "، والصحاح،
ولسان العرب، ومجمع البحرين: " نوب ".
(2) أنظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين، والمعجم
الوسيط: " سند ".
(3) المعجم الوسيط: " سند ".
102

وقد تقدمت الإشارة إلى حكمه في عنوان
" استقلال " وسوف يأتي تفصيله في عنوان " قيام "
إن شاء الله تعالى.
2 - بمعنى الاستدلال والاحتجاج. وكثيرا ما
نرى الفقهاء يستخدمون الاستناد ومشتقاته في هذا
المعنى. وسوف يأتي تفصيل أحكامه في العنوانين:
" حجة "، و " دليل "، ونحوهما.
استنباط
لغة:
مصدر استنبط، والنبط: الماء الذي ينبط من
قعر البئر إذا حفرت، وأنبطنا الماء، أي استنبطناه،
يعني: انتهينا إليه.
فالاستنباط: الاستخراج (1).
اصطلاحا:
عرفه السيد المرتضى بأنه: " استخراج الحكم
من فحوى النصوص " (2)، لكنه عند المتأخرين هو:
استخراج الحكم من مطلق الدليل سواء كان نصا أو
غيره كالأصول العملية (1).
فالاستنباط والاجتهاد مترادفان تقريبا (2)،
ولذلك أخذ الاستنباط في تعريف الاجتهاد
غالبا (3).
ولعل الفرق بينهما هو: أن الاجتهاد هو
القدرة على استخراج الحكم الشرعي من أدلته،
والاستنباط هو الاستخراج الفعلي (4).
راجع: اجتهاد.
استنتار
لغة:
مصدر استنتر، والنتر: الجذب بجفاء.
واستنتر الرجل من بوله: اجتذبه واستخرج بقيته
من الذكر عند الاستنجاء (5).

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية (لابن
الأثير)، ولسان العرب، والمصباح المنير: " نبط ".
(2) رسالة الحدود والحقائق (رسائل السيد المرتضى) 2:
262.
(1) أنظر: دروس في علم الأصول 1: 153 - 160،
وأصول الاستنباط: 7 و 248.
(2) أنظر دروس في علم الأصول 1: 160.
(3) أنظر كفاية الأصول: 463.
(4) يمكن أن يستفاد ذلك من تعريف الشيخ البهائي
للاجتهاد بأنه: " ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم
الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة ". زبدة
الأصول: 115.
(5) أنظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والقاموس
المحيط: " نتر ".
103

اصطلاحا:
يريد به الفقهاء خصوص الاستنتار من البول
عند الاستنجاء. وقد تقدم ما يتصل بالموضوع في
عنوان " استبراء " فراجع.
استنثار
لغة:
مصدر استنثر، بمعنى: استنشق الماء ثم
استخرج ذلك بنفس الأنف (1).
اصطلاحا:
قل من تعرض له من الفقهاء، ومن ذكره أراد
به المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
ممن ذكره المحدث الكاشاني في المفاتيح،
وجعله من مستحبات الوضوء زائدا على
الاستنشاق (2).
راجع: استنشاق، وضوء.
استنجاء
لغة:
مصدر استنجى، أي طلب النجو، أو النجوة.
ومن معاني النجو: الخلاص (1)، والقطع (2).
والنجوة: المكان المرتفع الذي ينجو فيه الإنسان من
السيل (3).
والاستنجاء: تنظيف الموضع مما يخرج من
البطن بالماء أو الحجر ونحوه (4).
وهو: إما باعتبار طلب الخلاص من القذارة،
أو طلب محل مرتفع يقضي حاجته فيه أو في ظله، أو
باعتبار قطع الأذى والقذارة عن نفسه (5).
وقيل: النجو هو ما يخرج من البطن من ريح
أو غائط. والاستنجاء: غسل موضع النجو أو
مسحه بالحجارة (6).

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والقاموس
المحيط: " نثر ".
(2) مفاتيح الشرائع 1: 50، المفتاح 56.
(1) القاموس المحيط: " نجا ".
(2) المصباح المنير: " نجا ".
(3) الصحاح: " نجا ".
(4) أنظر: ترتيب كتاب العين: " نجو "، والصحاح،
والنهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب، والمصباح المنير،
والقاموس المحيط، ومجمع البحرين: " نجا ".
(5) أنظر المصادر المتقدمة.
(6) الصحاح: " نجا ".
104

وقيل: الاستنجاء استخراج النجو من
البطن (1).
اصطلاحا:
إزالة ما يبقى من أحد الخبثين (2) بعد خروجهما
من المحلين الأصليين - أو المعتادين العارضين في
وجه - عن ظاهر الموضع الذي خرجا منه.
والظاهر عدم مدخلية قصد الإزالة في
حقيقته (3).
والاستجمار - وهو قلع النجاسة بالجمار،
وهي الحجارة - أخص من الاستنجاء.
والاستطابة - وهي تشمل مطلق التنظيف،
والتنظيف بالاستنجاء - أعم من الاستنجاء.
راجع: استجمار، استطابة.
الأحكام:
حكم الاستنجاء:
المعروف بين فقهاء الإمامية وجوب
الاستنجاء من البول والغائط. وادعى عليه الإجماع
كل من الشيخ (1) والعلامة (2)، ونقل عن غيرهما (3).
إضافة إلى الإجماعات المنقولة على وجوب
الاستنجاء من كل من البول والغائط (4).
هل الوجوب نفسي أو شرطي؟
المراد من الوجوب هنا هو الوجوب الشرطي
لا النفسي، بمعنى أن الاستنجاء وإن كان مطلوبا في
حد ذاته ومرغوبا فيه إلا أنه لا يجب إلا لما تشترط
فيه الطهارة من الخبث، كالصلاة، دون ما لا تشترط
فيه كالوضوء (5).
حكم الطهارات الثلاث والصلاة قبل الاستنجاء:
1 - لو ترك المكلف الاستنجاء فصلى، فإن
كان تركه عن عمد بطلت صلاته، لتركه شرطا
من شروط الصلاة عن عمد، وهي طهارة جميع

(1) النهاية (لابن الأثير): " نجا ".
(2) يرى بعض الفقهاء: أن الاستنجاء عند أهل اللغة خاص
بموضع الغائط، أما عند الفقهاء، فهو يشمل موضع البول
أيضا، ولذلك تحمل هذه الكلمة، لو وردت في الروايات،
على ما هو المستفاد من كلام أهل اللغة، لا كلام الفقهاء.
أنظر: التنقيح 3: 390، والطهارة (للشيخ
الأنصاري) 1: 351.
(3) أنظر: الجواهر 2: 13.
(1) الخلاف 1: 103 - 104، المسألة 49.
(2) التذكرة 1: 123، وجاء فيها: " الاستنجاء واجب من
البول والغائط. ذهب إليه علماؤنا ".
(3) أنظر مفتاح الكرامة 1: 41 - 42.
(4) كالذي ادعاه المحقق، فإنه قال بالنسبة إلى الاستنجاء
من البول: "... أما وجوب غسله فهو مذهب علمائنا "،
وقال بالنسبة إلى الاستنجاء من الغائط: "... الاستنجاء
واجب عند علمائنا ". المعتبر: 32 و 33، وانظر الجواهر
2: 14 و 22.
(5) أنظر الجواهر 2: 14.
105

البدن من النجاسة الخبثية. وقد ادعي عليه
الإجماع (1).
وإن كان تركه عن نسيان، فالمشهور بطلان
الصلاة أيضا (2).
لكن خالف في ذلك بعض الفقهاء، مثل: ابن
الجنيد، والشيخ الصدوق، والمحقق الخوانساري،
والمولى مهدي النراقي.
أما ابن الجنيد، فقد نقل عنه أنه قال: " إذا
ترك غسل البول ناسيا حتى صلى يجب الإعادة في
الوقت ويستحب بعد الوقت " (3).
فإنه فصل في وجوب إعادة الصلاة بين داخل
الوقت وخارجه.
وأما الشيخ الصدوق، فإنه قال: " ومن صلى
فذكر بعد ما صلى أنه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل
ذكره ويعيد الوضوء والصلاة، ومن نسي أن
يستنجي من الغائط حتى صلى لم يعد الصلاة " (4).
فقد فصل بين ترك الاستنجاء من البول
وترك الاستنجاء من الغائط، فقال بإعادة الوضوء
والصلاة في الأول دون الثاني.
وتبعه المولى مهدي النراقي على ما نقل عنه
ولده في المستند (1).
وتبع المحقق الخوانساري الصدوق في
خصوص الاستنجاء من الغائط، أما الاستنجاء من
البول فقد تبع فيه المشهور (2).
2 - وأما الوضوء، فالمشهور صحته - لو تحقق
قبل الاستنجاء - سواء كان ترك الاستنجاء عن سهو
أو عمد، لعدم اشتراط طهارة جميع البدن في صحته،
بل تشترط إجمالا طهارة مواضع الوضوء (3).
لكن قد تقدم - قبل قليل - عن الصدوق: أنه
يعيد الوضوء لو ترك الاستنجاء من البول وتوضأ.
والمنقول عن ابن أبي عقيل أنه قال: " الأولى
إعادة الوضوء بعد الاستنجاء " (4).
3 - أما التيمم، فيظهر من الشيخ في النهاية (5)
والمبسوط (6): أنه يجب تقديم الاستنجاء عليه
- واستظهر ذلك من بعض آخر (7) - ويظهر منه في

(1) ادعاه النراقي، أنظر مستند الشيعة 2: 239.
(2) أنظر: الحدائق 2: 22، والجواهر 2: 364.
(3) نقل ذلك عنه في المختلف 1: 269.
(4) من لا يحضره الفقيه 1: 31، أحكام التخلي، ذيل
الحديث 59، وقال في المقنع: " وإن بلت، فذكرت بعد ما
صليت أنك لم تغسل ذكرك فاغسل ذكرك، وأعد الوضوء
للصلاة ". المقنع: 4.
(1) مستند الشيعة 2: 242.
(2) مشارق الشموس: 87.
(3) أنظر: المستمسك 2: 423، والتنقيح 4: 354.
(4) نقله عنه في المختلف 1: 271.
(5) النهاية: 50.
(6) المبسوط 1: 34.
(7) أنظر: مفتاح الكرامة 1: 58 و 554، والجواهر 5: 222،
فإنهما استظهرا ذلك من المفيد والقاضي ونسباه إلى المحقق
في المعتبر، أنظر المقنعة: 61 - 62، والمهذب 1: 48.
106

الخلاف (1) وموضع آخر من المبسوط (2) عدم لزوم
تقديمه، وأنه كالوضوء.
وقال العلامة: " وعندي: أن التيمم إن كان
لعذر لا يمكن زواله، كذلك " (3) أي كالوضوء يجوز
تقديمه على الاستنجاء.
وقال الشهيد: " وأما التيمم فمبني على
توسعته. مع إمكان صحته مطلقا، لأن زمانه (4)
مستثنى كزمان التيمم " (5).
وفي كلامه إشارة إلى المباني الموجودة في
التيمم، من جهة جواز البدار إليه حتى في سعة الوقت
مطلقا، أو مع عدم رجاء زوال العذر، أو عدم جواز
البدار مطلقا إلى أن يتضيق الوقت، وغير ذلك.
ثم احتمل صحة التقديم على جميع المباني،
لأن زمان إزالة النجاسة عن الثوب والبدن من
مقدمات الصلاة، وهي مستثناة.
وتبعه بعض من تأخر عنه، كالمحقق الثاني (6)
والشهيد الثاني (7) وغيرهما، للسبب المتقدم، ولأن
المراد من التضيق هو العادي لا العقلي، وهو يجتمع
مع فترة الاستنجاء.
راجع: تيمم، والملحق الأصولي: إجزاء.
4 - وأما الغسل، فلم يتطرق إليه في هذا
الموضع إلا القليل، نعم لهم بحث في موضعه في لزوم
طهارة البدن قبل الغسل وعدمه، فعلى القول باللزوم
ينبغي تقديم الاستنجاء على الغسل، وأما بناء على
عدمه وكفاية غسلة واحدة لإزالة الخبث والحدث
- ولو بالماء المعتصم، كالجاري والكر، الذي
لا يستلزم انفعال الماء وتنجسه بسبب ملاقاته
للخبث - فلا يجب تقديم الاستنجاء، على تفصيل في
ذلك أيضا (1).
وعلى فرض لزوم التقديم لو اغتسل والحال
هذه صح غسله إلى ما قبل مواضع الاستنجاء،
ولا بد من إكمال ما بعده. فيصح غسل الرأس
والرقبة وعوالي البدن - بناء على عدم الترتيب بين
اليمين واليسار - فيكمل غسل مواضع الاستنجاء وما
يتبعها بعد الاستنجاء.
وإلى هذا المعنى يشير كلام الشهيد في الذكرى:
" أما الغسل فصحيح إلى موضع النجاسة " (2).
راجع: غسل.

(1) الخلاف 1: 98، المسألة 45.
(2) المبسوط 1: 22 - 23.
(3) القواعد 1: 4، والتذكرة 1: 137.
(4) أي زمان الاستنجاء.
(5) الذكرى 1: 173، وانظر 2: 267 - 268.
(6) جامع المقاصد 1: 106 - 107.
(7) المسالك 1: 115، وروض الجنان: 127.
(1) أنظر: المستمسك 2: 424 و 3: 95، والتنقيح 4:
354.
(2) الذكرى 1: 173. لكن هذا بناء على عدم اشتراط
طهارة جميع البدن قبل الغسل، أنظر المصدرين
المتقدمين.
107

ما يستنجى منه وما لا يستنجى:
أما ما يستنجى منه، فهو البول والغائط،
سواء خرجا مستقلين أو مع شئ آخر، كالدود
والحصى ونحوهما.
وأما ما لا يستنجى منه، فهو:
1 - الريح: وهو لا يستنجى منه إلا إذا خرج
معه ما يوجبه.
2 - الرطوبات الطاهرة: كالمذي، وهو ما
يخرج بعد الملاعبة، والودي، وهو ما يخرج بعد
البول، والوذي، وهو ما يخرج بعد المني.
فهذه الرطوبات طاهرة وغير ناقضة للطهارة.
3 - كل شئ غير البول والغائط، وغير الريح
والرطوبات الطاهرة، كالدود والحصى ونحوهما.
فإذا خرجت الدودة أو الحصاة غير ملطخة بالخبث،
لم تكن حاجة إلى الاستنجاء.
نعم، يستثنى من ذلك خروج الدم، فإن
خروجه من أحد المخرجين كخروجه من سائر البدن
يحتاج إلى التطهير بالماء، ولا تترتب عليه أحكام
الاستنجاء (1).
الخارج من غير الموضع المعتاد:
إذا خرج البول أو الغائط من غير الموضع
المعتاد، فإن لم يصر ذلك المحل معتادا، فالظاهر عدم
جريان أحكام الاستنجاء فيه، بل يكون حكمه
كسائر أجزاء البدن. ولم أعثر على من جعله
كالموضع الأصلي في ترتب أحكام الاستنجاء.
وأما إذا صار الموضع معتادا، فهل يشمله
حكم الاستنجاء؟
اختار العلامة في القواعد شمول الحكم له،
حيث قال: " الأقرب جواز الاستنجاء في الخارج
من غير المعتاد إذا صار معتادا " (1).
ومقصوده من " جواز الاستنجاء " ترتيب
آثار الاستنجاء: من الاستجمار بالحجر، وعدم
تنجيس غسالته، ونحوهما.
ووافقه جماعة، من قبيل: ولده فخر
الدين (2)، والشهيد الأول (3)، والمحقق الثاني (4)،
والشهيد الثاني (5)، وسبطه صاحب المدارك (6)،
والمحقق السبزواري (7)، والفاضل الإصفهاني (8)،
وصاحب الجواهر (9)، والشيخ الأنصاري (10)،

(1) أنظر: المستمسك 2: 222، والتنقيح 3: 418.
(1) القواعد 1: 4.
(2) إيضاح الفوائد 1: 15، ونسبه إليه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 1: 58.
(3) الذكرى 1: 169.
(4) جامع المقاصد 1: 108 و 129.
(5) روض الجنان: 160.
(6) المدارك 1: 124.
(7) ذخيرة المعاد: 143.
(8) كشف اللثام 1: 247، لكنه احتمل عدمه أيضا.
(9) الجواهر 1: 357، وانظر 2: 22.
(10) الطهارة 1: 351 و 438.
108

والسيد اليزدي (1)، والسيد الحكيم (2).
لكن قيده الشهيد الأول بما إذا صار ما يخرج
من المخرج الجديد ناقضا للوضوء. وقيده السيد
الحكيم بما إذا صار الجديد معدا للخروج وإن لم
تحصل العادة بعد.
ويظهر من الشيخ الأنصاري عدم لزوم
اشتراط الاعتياد، ولم يقيده بشئ آخر.
وصرح صاحب الجواهر بالتعميم في بحث
طهارة ماء الاستنجاء، لكنه تردد فيه عند بحث
الاستنجاء.
وتردد العلامة - نفسه - في المنتهى (3)
والتحرير (4) بعد أن جعل مفروض الكلام ما إذا
انسد المخرج الأصلي وانفتح مخرج آخر.
وصرح الفاضل النراقي - في بحث الاستنجاء -
بعدم الإلحاق حتى في صورة انسداد المخرج الطبيعي،
لكنه قال - في بحث طهارة ماء الاستنجاء - بالإلحاق
في صورة انسداد المخرج الطبيعي (5).
وصرح السيد الخوئي بعدم الإلحاق أيضا (6).
وللفقهاء كلام آخر في إلحاق ما صار معتادا
بالأصلي من حيث إيجاب ما يخرج منه الوضوء،
لاستلزامه الحدث (1).
ما يصح الاستنجاء به، وما لا يصح:
أولا - ما يصح الاستنجاء به:
ما يصح الاستنجاء به إما أن يكون مائعا أو
جامدا:
أما المائع، فليس إلا الماء المطلق الطاهر، لأنه
المزيل للنجاسات والمطهر الأصلي للمتنجسات،
ولا يقوم مقامه إلا بعض الأشياء الخاصة في موارد
معينة (2).
وأما الجامد، فهو - على المشهور -: كل جسم
طاهر قالع للنجاسة ومزيل لها، مثل الحجر
والكرسف والخرق والخشب والجلد ونحو ذلك، عدا
ما سنذكره مما لا يصح الاستنجاء به (3).
ونسب الخلاف إلى جماعة: كابن الجنيد،

(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الماء المستعمل،
المسألة 6.
(2) المستمسك 1: 239.
(3) المنتهى 1: 283 - 284.
(4) التحرير 1: 87.
(5) مستند الشيعة 1: 382 و 98.
(6) التنقيح 1: 385 - 386.
(1) أنظر: الحدائق 2: 86، والجواهر 1: 396،
والمستمسك 2: 252.
(2) على ما هو المعروف من المذهب إلا ما ينقل عن بعض
الأصحاب: من جواز إزالة النجاسات بالماء المضاف.
وعن بعضهم: جوازه بسائر المائعات أيضا. أنظر
الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 219، والمراسم:
56، والمختلف 1: 222.
(3) أنظر: الحدائق 2: 29، ومفتاح الكرامة 1: 44،
ومستند الشيعة 1: 372، والجواهر 2: 39.
109

والسيد المرتضى، وسلار، والقاضي، وصاحب
المعالم، وصاحب الحدائق. لكن كلمات أكثرهم
لا تدل على الخلاف بعد التأمل.
قال ابن الجنيد - على ما نقل عنه -: " إن لم
تحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه
- ثم قال: - ولا أختار الاستطابة بالآجر والخزف
إلا ما لابسه طين أو تراب " (1).
وقال السيد المرتضى - على ما نسب إليه -:
" يجوز الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها
كالمدر والخرق " (2).
وقال سلار: " ولا يجزي إلا ما كان أصله
الأرض في الاستجمار " (3).
وقال القاضي: " ويجوز استعمال الخرق
والقطن في ذلك عوضا عن الأحجار إذا لم يتمكن
منها " (4).
وقال صاحب الحدائق - بعد مناقشة القول
المشهور -: " وكيف كان فطريق الاحتياط
الاقتصار على ما وردت به الأخبار " (5).
والوارد في الأخبار هو: الحجر والخزف
والخرق والمدر والكرسف.
وقال السيد العاملي - في مفتاح الكرامة - بعد
أن نقل العبارة المتقدمة عن ابن الجنيد: " وإليه ذهب
صاحب المعالم في اثني عشريته " (1).
صفات ما يصح الاستنجاء به (آلة الاستنجاء):
اشترط الفقهاء في ما يستنجى به صفاتا:
أما الماء، فلا يشترط فيه إلا الإطلاق
والطهارة، فلا يصح الاستنجاء بالماء المضاف
ولا بالنجس. وهذان شرطان في كل تطهير بالماء (2).
وأما غير الماء، فاشترطوا فيه عدة أمور،
وهي:
1 - الطهارة: فلا يصح الاستنجاء بالنجس،
وادعي الإجماع عليه (3).
2 - البكارة: اشترط بعض الفقهاء أن يكون
ما يستنجى به بكرا، أي غير مستعمل في الاستنجاء
قبل ذلك - ومصب كلامهم في الأحجار - لكن نفاه
آخرون، وقالوا بعدم اشتراط البكارة، نعم تشترط
الطهارة - كما تقدم - فإذا كان الحجر طاهرا وإن كان
مستعملا في الاستنجاء، فهو يكفي في الاستنجاء به.
كما إذا نقي محل الاستنجاء بحجرين واستنجى بثالث

(1) ورد بهذا النص في الحدائق 2: 29، وبهذا المضمون في
الذكرى 1: 171.
(2) نقله عنه في المعتبر: 34.
(3) المراسم: 32 - 33.
(4) المهذب 1: 40.
(5) الحدائق 2: 31.
(1) مفتاح الكرامة 1: 44.
(2) أنظر: العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في
المطهرات، والمستمسك 2: 7.
(3) أنظر: المنتهى 1: 276، ومفتاح الكرامة 1: 47،
والمستمسك 2: 218.
110

فلم يتأثر بالنجاسة، فاستنجى به شخص آخر، أو
كما إذا كسر الحجر وأخذ منه الجانب الطاهر، أو كما
أزيلت عنه النجاسة بتطهيرها.
أما الذين يرون الرأي الأول، أو يظهر
منهم ذلك، فهم: الشيخ في النهاية (1)، والقاضي
ابن البراج (2)، وابن حمزة (3)، وابن إدريس (4)،
والمحقق (5)، ويحيى بن سعيد (6)، والعلامة في
القواعد (7)، وصاحب الرياض (8)، وكاشف
الغطاء (9).
وأما الذين يرون الرأي الثاني، فالظاهر أنهم
أغلب الفقهاء.
ويبدو - بعد التأمل - أنه لا خلاف بين
الطائفتين، ويشهد لذلك كلام المحقق في المعتبر،
حيث قال: " وأما الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع:
الاستنجاء بموضع النجاسة منه، وإلا لنجس المحل
بغير نجاسته المخففة، أما لو كسر واستعمل المحل
الطاهر منه جاز، وكذا لو أزيلت النجاسة بغسل
أو غيره " (1).
نعم، صرح بعضهم بعدم كفاية المستعمل حتى
بعد تطهيره، كالشيخ جعفر كاشف الغطاء (2).
3 - أن يكون قالعا للنجاسة: فلا يجزي
الجسم الصقيل (3) الذي يزلق عن النجاسة.
واشتراطه واضح (4).
4 - الجفاف: اشترط العلامة في بعض كتبه (5)
جفاف آلة الاستنجاء، لأنها لو كانت رطبة تنجست
بالنجاسة. وتبعه بعضهم كالشهيد الثاني (6)، ويظهر
ذلك من السيد اليزدي (7)، والسيد الحكيم (8)،
والسيد الخوئي (9)، والإمام الخميني (10)، لكنهم

(1) النهاية: 10.
(2) المهذب 1: 40.
(3) الوسيلة: 47.
(4) السرائر 1: 96.
(5) الشرائع 1: 19.
(6) الجامع للشرائع: 27.
(7) القواعد 1: 3.
(8) الرياض 1: 207.
(9) كشف الغطاء: 113.
(1) المعتبر: 34، وانظر الطهارة (للشيخ الأنصاري) 1:
467 حيث احتمل ذلك أيضا.
(2) كشف الغطاء: 113.
(3) الصقل هو الجلاء، يقال: صقل الشئ فهو مصقول
وصقيل، أي جلاه. لسان العرب: " صقل ".
والمراد به هنا ما كان أملس مثل الزجاج ونحوه.
(4) أنظر: المدارك 1: 173، والجواهر 2: 53.
(5) أنظر: المنتهى 1: 280، والتذكرة 1: 127، والنهاية
1: 88. إلا أنه احتمل في الأخير الإجزاء بالرطب أيضا.
(6) الروضة البهية 1: 83، وانظر روض الجنان: 23.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء.
(8) المستمسك 2: 222.
(9) التنقيح 3: 418.
(10) تحرير الوسيلة 1: 15، فصل في الاستنجاء، المسألة
الأولى.
111

اشترطوا عدم الرطوبة المسرية، لا الجفاف. ونفاه
آخرون، كالشهيد الأول (1)، والمحقق الأردبيلي (2)،
وصاحب الحدائق (3) - إلا أنه قال: إن الاحتياط
يقتضي المصير إلى ما ذكروه من الاشتراط -
والفاضل النراقي (4).
ثانيا - ما لا يصح الاستنجاء به:
وهي أشياء ذكرها الفقهاء، ورد في بعضها
نصوص خاصة، واستفيد بعضها الآخر من القواعد
الفقهية المسلمة. وهذه الأشياء هي:
1 - الأعيان النجسة: كالميتة، وتلحق بها
الأعيان المتنجسة، كالحجر المتنجس بالاستعمال
في الاستنجاء وغيره. وقد ادعي الإجماع على
ذلك (5).
2 - العظم: وهو يشمل مطلق العظم من جميع
الحيوانات حتى الطاهرة. وادعي عليه الاتفاق
والإجماع أيضا (6). نعم صرح المحدث العاملي
بكراهة الاستنجاء به وبالروث (1)، واستظهر
- بعضهم - ذلك من العلامة في التذكرة أيضا (2).
3 - الروث: وهو كسابقه (3)، واستظهر
صاحب الجواهر من النصوص والفتاوى اختصاص
الحكم بالروث، وهو رجيع ذات الحافر - الخيل
والبغال والحمير - دون رجيع ذات الظلف والخف،
وهي الأنعام الثلاثة، لإطلاق الروث على رجيع
ذات الحافر (4).
4 - المطعوم: وهو كل ما كان طعاما
للإنسان. وادعي عليه الإجماع أيضا (5)، لكن خص
بعض الفقهاء التحريم بما كان محترما منه - كالخبز
مثلا - لحرمة إهانة المحترمات، وليس كل المطعومات
من المحترمات، فما ثبت احترامه لا يجوز الاستنجاء
به (6).
5 - المحترمات:
وهي: كل ما كان محترما في نظر الشارع، قال
صاحب الجواهر: "... ثم إنه يفهم من كثير من

(1) الذكرى 1: 174.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 1: 91.
(3) الحدائق 2: 31 - 32، ونسب الاشتراط إلى الأكثر.
(4) مستند الشيعة 1: 379، ونسب الاشتراط إلى
والده.
(5) أنظر: المنتهى 1: 276، والتحرير 1: 7، والمدارك 1:
172، وغيرها.
(6) أنظر: المعتبر: 34، والمنتهى 1: 278، وروض الجنان:
24، وغيرها.
(1) أنظر الوسائل 1: 357، الباب 35 من أبواب أحكام
الخلوة.
(2) أنظر التذكرة 1: 128، والتذكرة (الحجرية) 1: 13.
(3) أنظر: المعتبر: 34، والمنتهى 1: 278، وروض
الجنان: 24، وغيرها.
(4) الجواهر 2: 49.
(5) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 3.
(6) أنظر: المدارك 1: 173، والجواهر 2: 51.
112

الأصحاب، بل لم أعثر فيه على مخالف جريان الحكم
في كل محترم، كالتربة الحسينية وغيرها، وما كتب
اسم الله والأنبياء والأئمة، أو شئ من كتاب الله
عليه، بل قد يلحق به كتب الفقه والحديث ونحوها،
بل قد يتمشى الحكم في المأخوذ من قبور الأئمة: من
تراب أو صندوق أو غيره، بل قد يلحق بذلك
المأخوذ من قبور الشهداء والعلماء بقصد التبرك
والاستشفاء، دون ما لا يقصد، إذ الأشياء منها ما
ثبت وجوب احترامها من غير دخل للقصد فيه،
ومنها ما لا يثبت له جهة الاحترام إلا بقصد أخذه
متبركا به أو مستشفيا به، ومنها ما يؤخذ من الإناء،
من طين كربلاء وغيرها، فإنه لا يجري عليه الحكم
إلا إذا أخذ بقصد الاستشفاء والتعظيم والتبرك، لكن
هل استمرار القصد شرط في ذلك، أو يكفي تحقق
القصد أو لا؟ إشكال.
هذا ولا يخفى أنه لا يليق بالفقيه الممارس
لطريقة الشرع العارف للسانه أن يتطلب الدليل على
كل شئ شئ بخصوصه من رواية خاصة ونحوها،
بل يكتفي بالاستدلال على جميع ذلك بما دل على
تعظيم شعائر الله، وبظاهر طريقة الشرع المعلومة
لدى كل أحد. أترى أنه يليق به أن يتطلب رواية
على عدم جواز الاستنجاء بشئ من كتاب
الله؟ " (1).
هذا كله إذا لم يقترن الاستنجاء بالمحترم بقصد
الإهانة وإلا فربما يصل فاعله إلى حد الكفر بالله
تعالى، كما إذا استنجى بالقرآن الكريم استهانة به أو
عنادا للدين (1).
راجع: ارتداد، استهانة، استهزاء، إهانة.
الاستنجاء بما يحرم الاستنجاء به:
اختلف الفقهاء في إجزاء الاستنجاء بما يحرم
الاستنجاء به، وفي حصول الطهارة إذا كان مثل
العظم والروث والمطعوم والمحترم وزالت به
النجاسة، على أقوال:
الأول - عدم الإجزاء: اختاره الشيخ
الطوسي (2)، وابن إدريس (3)، والمحقق (4)، ويظهر من
ابن زهرة (5) والفاضل الإصفهاني (6)، والسيد
الطباطبائي (7)، والسيد الخوئي (8)، ويظهر ذلك من
الإمام الخميني (9).

(1) الجواهر 2: 51 - 52، نقلنا كلامه بطوله لما اشتمل على
فوائد جمة.
(1) الجواهر 2: 51 - 52.
(2) المبسوط 1: 17.
(3) السرائر 1: 96.
(4) المعتبر: 34، والشرائع 1: 19.
(5) الغنية: 36.
(6) كشف اللثام 1: 214.
(7) الرياض 1: 207.
(8) التنقيح 3: 417، وانظر منهاج الصالحين 1: 22،
أحكام الخلوة، الفصل الثاني، المسألة 61.
(9) تحرير الوسيلة 1: 15، كتاب الطهارة، فصل في
الاستنجاء، المسألة 4.
113

الثاني - الإجزاء: اختاره ابن سعيد (1)،
والعلامة (2)، والشهيد الأول (3)، والمحقق الثاني (4)،
والشهيد الثاني (5)، وصاحب المدارك (6)، والمحقق
السبزواري (7)، والسيد اليزدي (8)، ويظهر من السيد
الحكيم في المستمسك، لكن احتاط - وجوبا - في
المنهاج وقال بعدم الإجزاء (9).
وبناء على هذا القول يكون الفاعل قد
ارتكب محرما، لكن تحصل به الطهارة.
واستثنى الشهيد الثاني الاستنجاء بالمحترمات
- كالقرآن والحديث ونحوهما - مع العلم، فإنه
موجب للكفر، فكيف يكون مطهرا؟!
الثالث - التفصيل: فقد فصل جماعة بين
ما ورد النهي فيه بخصوصه، مثل العظم والروث،
فلا يجزي، وبين غيره كالمحترمات فيجزي، ويظهر
ذلك من العلامة في التحرير (1)، والفاضل النراقي (2)،
وصاحب الجواهر (3)، واحتمله الفاضل الإصفهاني (4).
الرابع - التوقف: وهو الظاهر من صاحب
الحدائق (5).
كيفية الاستنجاء من البول:
يجب الاستنجاء من البول بالماء خاصة،
ولا يصح بغيره. قال صاحب المدارك: " أجمع
علماؤنا كافة على وجوب غسل مخرج البول بالماء،
وأنه لا يطهر بغيره " (6). ثم نقل دعوى الإجماع على
ذلك عن المحقق والعلامة (7).
وينبغي أن يكون الماء طاهرا ومطلقا كما
سبق (8).
وذكر الفقهاء هنا أمورا ينبغي البحث عنها،
وهي:
أولا - ما هي الوظيفة مع فقد الماء؟
لا إشكال في أن وجوب التطهير بالماء إنما هو

(1) الجامع للشرائع: 27.
(2) التذكرة 1: 127 - 128، والمنتهى 1: 279 - 280،
والقواعد 1: 3.
(3) الذكرى 1: 171، والبيان: 41.
(4) جامع المقاصد 1: 98.
(5) روض الجنان: 24.
(6) المدارك 1: 173.
(7) ذخيرة المعاد: 18.
(8) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء،
المسألة الأولى.
(9) أنظر: المستمسك 2: 221، ومنهاج الصالحين 1: 29،
أحكام الخلوة، الفصل الثاني، المسألة 7.
(1) التحرير 1: 8.
(2) مستند الشيعة 1: 381 - 382.
(3) الجواهر 2: 54.
(4) كشف اللثام 1: 214.
(5) الحدائق 2: 47.
(6) المدارك 1: 161.
(7) أنظر: المعتبر: 32، والتذكرة 1: 124، والمنتهى 1:
256.
(8) في الصفحة 110.
114

مع القدرة عليه بصفاته المشروطة فيه. وأما لو
فقدت أو فقد الماء أصلا، فيسقط الوجوب، لكن
هل هناك تكليف آخر أو لا؟
يرى بعض الفقهاء: أنه يجب حينئذ تخفيف
النجاسة بإزالة عين البول عن المخرج بحجر ونحوه،
لتزول النجاسة العينية وإن بقيت النجاسة الحكمية،
وممن صرح بذلك أو يظهر من كلامه هم: الشيخ
المفيد (1)، والشيخ الطوسي (2)، والحلبي (3)، وابن
حمزة (4)، والمحقق (5)، والعلامة (6)، والشهيد الأول (7)،
والشهيد الثاني (8)، وصاحب الجواهر (9)، والمحقق
الهمداني (10)، وقيل: إنه المشهور (11).
وعلله المحقق بقوله: " لأن إزالة عين النجاسة
وأثرها واجب، فإذا تعذر إزالتهما، تعين إزالة
العين ".
واعتبر الشهيد الثاني المسح بالحجر ونحوه
بدلا اضطراريا من الغسل بالماء، كما أن التيمم بدل
اضطراري من الوضوء والغسل، وقال بعد ذلك:
" وهو من خواص هذا الكتاب " أي لم يقله أحد
قبله.
ويرى البعض الآخر: أنه لا يجب شئ بعد
سقوط التكليف بالغسل. وقيل: إن هذا الرأي هو
الظاهر من المتأخرين (1)، وإن كان الرأي الأول
موافقا للاحتياط، كما صرح به بعضهم (2).
نعم، لو كان بقاء عين النجاسة موجبا
لانتشارها وتنجس محل آخر، بحيث لا يتيسر
تطهيره أيضا. فقد صرح بعضهم بوجوب إزالتها
بالتمسح (3).
ثانيا - كم عدد الغسلات الواجبة؟
اختلف الفقهاء في عدد الغسلات الواجبة في
الاستنجاء من البول، هل هي مرة، أو مرتين، أو
غير ذلك - مع قولهم بغسل ما أصابه البول مرتين في
غير الاستنجاء - على أقوال:

(1) المقنعة: 61.
(2) المبسوط 1: 17 و 34.
(3) الكافي: 136.
(4) الوسيلة: 78.
(5) المعتبر: 32.
(6) التذكرة 1: 125، والمنتهى 1: 263.
(7) الذكرى 1: 169.
(8) المسالك 1: 29.
(9) الجواهر 2: 15 - 16.
(10) مصباح الفقيه 1: 87.
(11) الطهارة (للشيخ الأنصاري) 1: 435، وانظر الجواهر
2: 16.
(1) أي المتأخرين عن الشهيدين، أنظر: مفتاح الكرامة
1: 41، والطهارة (للشيخ الأنصاري) 1: 435.
(2) أنظر الحدائق 2: 21.
(3) أنظر: ذخيرة المعاد: 17، والجواهر 2: 16، لكن
الأخير قائل بوجوب التخفيف وإن كان مؤكدا في
الصورة المذكورة.
115

1 - صرح جماعة من الفقهاء، أو يظهر منهم
القول بوجوب الغسل مرتين، من قبيل:
الصدوق (1)، ويحيى بن سعيد (2)، والشهيدين (3)،
والمحقق الكركي (4)، والمحقق الأردبيلي (5)،
والفاضل الإصفهاني (6)، والسيد الطباطبائي (7)،
والفاضل النراقي (8)، والشيخ الأنصاري (9)،
والمحقق الهمداني (10) - على نحو الاحتياط الوجوبي -
والسيد اليزدي (11)، والسيدين الحكيم (12)
والخوئي (1) - على نحو الاحتياط الوجوبي أيضا -
والإمام الخميني (2) في خصوص المرأة، أما الرجل
فتكفي فيه المرة لو خرج البول من الموضع المعتاد.
2 - وأطلق جماعة أخرى من الفقهاء وجوب
الغسل بالماء، من دون تعيين عدد الغسلات، مثل:
السيد المرتضى (3)، وسلار (4)، وابن حمزة (5)، وابن
زهرة (6).
3 - ومنهم من قيد الغسل بأن يكون مثلي ما
على المخرج من دون تعرض لعدد الغسلات،
كالشيخين (7)، والقاضي (8)، والمحقق (9)، والعلامة (10)
في بعض كتبه.
4 - ومنهم من قيده بزوال النجاسة، أي قال
بوجوب الغسل إلى أن تزول عين النجاسة، من دون

(1) الهداية: 16.
(2) الجامع للشرائع: 27.
(3) أما الشهيد الأول ففي الذكرى 1: 169، حيث قال:
" ويجزي مثلاه مع الفصل "، وهو يفيد التعدد، وقال في
البيان: 41: " أقله مثلاه مع زوال العين "، وقال في
الدروس 1: 88 - 89: " ويجب غسل موضع البول
بالماء المزيل للعين الوارد بعد الزوال "، ويفهم منهما
التعدد أيضا، وأما الشهيد الثاني ففي المسالك 1: 29.
(4) جامع المقاصد 1: 93.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 1: 89.
(6) كشف اللثام 1: 203.
(7) الرياض 1: 203.
(8) مستند الشيعة 1: 368.
(9) الطهارة 1: 443 - 445.
(10) مصباح الفقيه 1: 87.
(11) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء.
(12) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 28، كتاب
الطهارة، المبحث الثاني، الفصل الثاني، لكن يظهر منه
نفيه في المستمسك 2: 207.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 22، كتاب
الطهارة، المبحث الثاني، الفصل الثاني، وانظر التنقيح 3:
389.
(2) تحرير الوسيلة 1: 15، كتاب الطهارة، فصل في
الاستنجاء، المسألة الأولى.
(3) الانتصار: 16، ورسائل السيد المرتضى 3: 23.
(4) المراسم: 31.
(5) الوسيلة: 47.
(6) الغنية: 36.
(7) المقنعة: 42، والمبسوط 1: 17.
(8) المهذب 1: 41.
(9) المعتبر: 32.
(10) أنظر: التذكرة 1: 125، والقواعد 1: 3.
116

إشارة إلى عدد الغسلات، كالحلبي (1)، والعلامة في
بعض كتبه الأخرى (2). ولعل من هؤلاء كل من
ناقش في وجوب تعدد الغسلات، كالسيد الحكيم في
المستمسك (3).
5 - ومنهم من استقرب أو استظهر الغسل
مرة واحدة بعد مناقشة القول بتعدد الغسلات،
مثل: صاحب المدارك (4)، والمحقق السبزواري (5)،
والمحدث البحراني (6)، وصاحب الجواهر (7).
6 - وقال ابن إدريس بكفاية الغسل بما يكون
جاريا، ويسمى غسلا (8)، ووافقه المحدث
الكاشاني (9).
ولا يخفى على المتأمل إمكان تداخل بعض
هذه الأقوال.
ملاحظة:
صرح بعض الفقهاء - ممن لم يلتزم بتعدد
الغسل -: أن الغسل مرتين أولى وأحوط (10).
ثالثا - ما هو المقدار اللازم من الماء؟
اختلف الفقهاء في المقدار اللازم من الماء
الذي يصب لإزالة البول، وقد اختلط هذا الخلاف
مع الخلاف المتقدم، ومنشأ ذلك ما ورد في رواية
نشيط عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته كم يجزي
من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على
الحشفة من البلل " (1).
والاختلاف في هذه العبارة والتفاسير
العديدة لها أوجب الاختلاف في مقدار ما يصب من
الماء، وأنه هل المراد وجوب صب مثلي ما على
الحشفة في غسلة واحدة، أو في كل غسلة، أو مثل ما
على الحشفة في كل غسلة، فتكون الرواية دليلا على
وجوب الغسل مرتين، أو غير ذلك؟ (2)
رابعا - استثناء بول الرضيع:
قال صاحب الجواهر: " الظاهر استثناء بول
الرضيع الغير المتغذي بالطعام، بناء على اشتراط
التعدد، لخفة نجاسته كما يظهر من الأدلة " (3).
ولم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع في هذا
المحل، وإنما تعرضوا له في كيفية تطهير المتنجسات،

(1) الكافي: 127.
(2) أنظر: المنتهى 1: 264، والمختلف 1: 273.
(3) المستمسك 2: 207 - 208.
(4) المدارك 1: 164.
(5) ذخيرة المعاد: 17.
(6) الحدائق 2: 19 - 20.
(7) الجواهر 2: 21.
(8) السرائر 1: 97.
(9) المفاتيح 1: 42، المفتاح 44.
(10) أنظر: المدارك 1: 164، والجواهر 2: 21.
(1) الوسائل 1: 344، الباب 26 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 5.
(2) أنظر: المدارك 1: 162، والحدائق 2: 19، والجواهر
2: 17، وغيرها.
(3) الجواهر 2: 21 - 22.
117

والمعروف عندهم - ظاهرا - كفاية صب الماء مرة
واحدة (1).
كيفية الاستنجاء من الغائط:
إذا لم يتلوث المخرج بالغائط، فقد صرح
بعض الفقهاء: بأنه لا يجب الاستنجاء، لأن حكمه
حكم سائر النجاسات، واستظهر صاحب الجواهر
من المنتهى لزوم الاستنجاء وإن خرجت من
الإنسان بعرة يابسة، ثم ضعفه (2).
وأما إذا تلوث المخرج، فإما أن يتعدى المخرج
أو لا، فهنا حالتان:
الحالة الأولى - أن يتعدى المخرج:
وفي هذه الحالة لا يطهر الموضع إلا بالماء،
وقد ادعي عدم الخلاف فيه - بل الإجماع -
مستفيضا (3). وهذا المقدار مما لا إشكال ولا كلام
فيه، وإنما الكلام في أمرين:
الأول - في معنى التعدي:
أهمل كثير من الفقهاء - وخاصة المتقدمين
منهم - تفسير التعدي، واكتفوا باشتراطه في وجوب
الاستنجاء بالماء. واختلف المتعرضون له في تفسيره
على أقوال:
1 - فالمستفاد من كلام بعضهم: أن التعدي
هو الانتشار، مثل ابن إدريس (1)، والشهيد
الأول (2).
2 - وعن بعضهم: أنه التعدي عن حواشي
الدبر وإن لم يبلغ الأليين، كالشهيد في الروض (3)،
والمسالك (4).
3 - وفي المدارك: أنه وصول النجاسة إلى محل
لا يعتاد وصولها إليه، ولا يصدق على إزالتها اسم
الاستنجاء (5).
واختار هذا المعنى جملة ممن تأخر عنه، مثل
المحدث البحراني (6)، والسيد الطباطبائي (7)،
وصاحب الجواهر (8)، والسيد اليزدي (9)، وغيرهم.
الثاني - في المقدار الواجب من الغسل:
الحد الواجب في الاستنجاء - بصورة عامة -

(1) أنظر: الجواهر 6: 188، والمستمسك 2: 15.
(2) أنظر: المنتهى 1: 282، والجواهر 2: 22، والطهارة
(للشيخ الأنصاري) 1: 446، وفيما نسبه صاحب
الجواهر إلى العلامة تأمل.
(3) أنظر: الانتصار: 16، والمعتبر: 33، والتذكرة 1:
125، والجواهر 2: 28.
(1) السرائر 1: 96.
(2) الذكرى 1: 169 - 170.
(3) روض الجنان: 23.
(4) المسالك 1: 29.
(5) المدارك 1: 166.
(6) الحدائق 2: 27.
(7) الرياض 1: 203.
(8) الجواهر 2: 29 - 30.
(9) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء.
118

هو النقاء، كما ورد. فعن ابن المغيرة عن أبي الحسن
(عليه السلام) قال: " قلت له: للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي
ما ثمة، قلت: فإنه ينقي ما ثمة ويبقى الريح؟ قال: الريح
لا ينظر إليها " (1).
والمعروف بين الفقهاء: أن النقاء المطلوب في
الاستنجاء بالماء هو إزالة عين النجاسة وأثرها،
والمطلوب في الاستنجاء بغيره - كالأحجار
ونحوها - هو إزالة العين دون الأثر (2).
واختلفوا في تفسير الأثر ما هو؟
1 - فقيل: إنه اللون (3).
2 - وقيل: إنه ما يتخلف على المحل عند مسح
النجاسة وتنشيفها (4).
3 - وقيل: إنه الأجزاء التي لا تحس (5).
4 - وقيل: إنه الأجزاء اللطيفة العالقة بالمحل،
التي لا تزول إلا بالماء (6).
وهناك أقوال أخر لا ضرورة في
نقلها (1). ويبدو أن الأخير أكثر مقبولية من
غيره (2).
هذا وشكك بعض الفقهاء في أصل وجوب
إزالة الأثر - لعدم وروده في النصوص، وعدم
وضوح معناه - مثل المحقق الأردبيلي (3)، وصاحب
المدارك (4)، وصاحب الذخيرة (5)، وصاحب
الحدائق (6).
الحالة الثانية - أن لا يتعدى المخرج:
إذا لم يتعد الغائط المخرج، فالإنسان مخير بين
غسل المحل بالماء، والاستجمار بالحجر ونحوه. وقد
ادعي على ذلك الإجماع - محصلا ومنقولا -
مستفيضا (7)، كما وردت بذلك السنة المستفيضة
أيضا (8).

(1) الوسائل 1: 322، الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة،
الحديث الأول.
(2) أنظر: مجمع الفائدة والبرهان 1: 91، والجواهر 2: 23
- 24، والطهارة (للشيخ الأنصاري) 1: 447.
(3) قاله الفاضل مقداد السيوري، أنظر التنقيح الرائع 1:
72.
(4) قاله المحقق الكركي، أنظر جامع المقاصد 1: 94.
(5) قاله كاشف الغطاء والسيد اليزدي، أنظر كشف الغطاء:
115، والعروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في
الاستنجاء.
(6) نقله في مفتاح الكرامة عن بعضهم، أنظر: مفتاح
الكرامة 1: 43، والمسالك 1: 30.
(1) أنظر: مفتاح الكرامة 1: 43، والطهارة (للشيخ
الأنصاري) 1: 447 - 448.
(2) أنظر: الرياض 1: 203، والجواهر 2: 24.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 1: 91.
(4) المدارك 1: 165.
(5) ذخيرة المعاد: 17.
(6) الحدائق 2: 28.
(7) أنظر: المدارك 1: 167، والرياض 1: 204،
والجواهر 2: 33، وغيرها.
(8) أنظر الوسائل 1: 348، الباب 30 من أبواب أحكام
الخلوة، وغيره.
119

أفضلية الاستنجاء بالماء:
صرح الفقهاء: بأن الاستنجاء بالماء أفضل
من الاستجمار مع إمكانهما، وقد ادعي الإجماع على
ذلك (1)، وإنما كان الماء أفضل، لأنه أبلغ في التنظيف،
فيزيل العين والأثر، بخلاف الحجر ونحوه الذي
لا يزيل الأثر، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال
لأهل قبا: " ماذا تفعلون في طهركم، فإن الله تعالى
قد أحسن عليكم الثناء؟ قالوا: نغسل أثر الغائط،
فقال: أنزل الله فيكم * (والله يحب المطهرين) * (2) " (3).
أكملية الجمع بين الماء والأحجار:
صرح جماعة من الفقهاء: بأن الجمع بين الماء
والأحجار أكمل (4)، بل استظهر بعضهم الإجماع
فيه، لأن فيه جمعا بين المطهرين، والاستظهار بإزالة
النجاسة، مع ما فيه من حفظ اليد من الاستقذار (1)،
مضافا إلى العمل بما ورد - مرسلا - عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: " جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة
أحجار أبكار، ويتبع بالماء " (2).
وهل يشمل ذلك المتعدي أو لا؟ استظهر
صاحب الجواهر من كلمات الفقهاء اختصاصه
بصورة عدم التعدي - لأن مع التعدي يتعين الماء -
ثم نقل عن المحقق تصريحه بالتعميم، وعن العلامة
اختصاصه بالمتعدي (3).
وعلق صاحب المدارك على تعميم المحقق
بقوله: " ولولا الإجماع المنقول على هذا الحكم لكان
للمناقشة فيه من أصله مجال " (4).
وعند الجمع ينبغي تقديم الأحجار وإن أطلق
الحكم في كثير من العبارات ولم يصرح بذلك، لما
تقدم في تعليل الجمع (5).
مقدار ما يكفي من الأحجار:
تكلم الفقهاء في المقدار الواجب من الأحجار

(1) ادعاه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 1: 207.
(2) التوبة: 108، وتمام الآية هو: * (لا تقم فيه أبدا
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم
فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب
المطهرين) *.
(3) أنظر: مجمع البيان (5 - 6): 73، وتفسير العياشي 2:
118، وكنز العرفان 1: 36. ووردت عدة روايات بهذا
المضمون ذيل آية 222 من سورة البقرة، وفيها: * (إن
الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) *، أنظر: تفسير
العياشي 1: 128، والوسائل 1: 354، الباب 34 من
أبواب أحكام الخلوة.
(4) الجواهر 2: 34، والمستمسك 2: 213.
(1) الجواهر 2: 34.
(2) الوسائل 1: 349، الباب 30 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 4.
(3) أنظر: الجواهر 2: 34، والمعتبر: 35، والقواعد 1:
3.
(4) المدارك 1: 168.
(5) الجواهر 2: 34.
120

ونحوها لمسح الموضع في الاستنجاء، بعد اتفاقهم
على كفايتها فيه، كما تقدم. والمتفق عليه بينهم
أمران:
1 - أنه لو تحققت الإزالة والإنقاء بالتمسح
بثلاثة أحجار ونحوها، فيكفي، ولا تجب الزيادة على
ذلك.
2 - أنه لو لم يتحقق النقاء بالثلاثة وجب
التمسح بما تتحقق به الإزالة وإن زاد على الثلاثة (1).
وهناك أمور اختلفوا فيها نشير إليها إجمالا في
ما يلي:
الأول - لو حصل النقاء بالأقل:
اختلف الفقهاء في لزوم إكمال الثلاثة لو حصل
النقاء بالأقل، على قولين:
1 - وجوب الإكمال تعبدا، نسب ذلك إلى
المشهور (2).
2 - الاكتفاء بما حصل به النقاء، ولو كان
واحدا. اختاره العلامة في المختلف (3)، والمحقق
الأردبيلي (4)، وصاحب المدارك (5)، والسبزواري (6)،
والكاشاني (1).
ونسب إلى بعض من تقدم على العلامة،
كالشيخ المفيد (2)، والشيخ الطوسي (3)، والقاضي (4)،
وابن حمزة (5)، وابن زهرة (6)، وابن سعيد (7).
لكن في أكثر هذه النسب تأمل، لإمكان حمل
كلامهم على ما لا ينافي وجوب الإكمال (8).
الثاني - الاستنجاء بذي الشعب:
اختلف الفقهاء في إجزاء الاستنجاء بالحجر
الواحد لو كان له شعب ثلاث، على أقوال:
1 - عدم الإجزاء: وممن اختاره أو يظهر منه

(1) أنظر الجواهر 2: 35.
(2) نسبه إلى المشهور جماعة، أنظر: المدارك 1: 168،
والحدائق 2: 34، والجواهر 2: 36.
(3) المختلف 1: 268.
(4) مجمع الفائدة 1: 92.
(5) المدارك 1: 168 - 169.
(6) ذخيرة المعاد: 19.
(1) مفاتيح الشرائع 1: 42، المفتاح 43.
(2) نسبه إليه ابن إدريس في السرائر 1: 96، لكن ليس
في المقنعة ما يدل عليه، بل الموجود عكسه، أنظر المقنعة:
62.
(3) نسبه إليه العلامة في المختلف 1: 268، وصاحب
المدارك في المدارك 1: 168، والموجود في كتبه: " إن
استعمال الثلاثة عبادة " المبسوط 1: 16، أو " سنة "
النهاية: 10، الخلاف 1: 104، المسألة 50.
(4) المهذب 1: 40، وفيه: " ينبغي أن يستعمل آخرين
سنة ".
(5) الوسيلة: 47، وفيها: "... استعمل تمام الثلاثة سنة ".
(6) الغنية: 36، وفيها: " ومن السنة أن تكون ثلاثة ".
(7) الجامع للشرائع: 27، وفيه: " فإن زالت النجاسة
بحجر واحد كفى وأتم الثلاثة سنة ". لكن قد يعبر عن
الواجب الذي سنه الرسول (صلى الله عليه وآله) بالسنة أيضا.
(8) أنظر الجواهر 2: 35.
121

ذلك: الشيخ المفيد (1)، والشيخ الطوسي (2)،
والمحقق (3)، والشهيد الثاني (4)، والفاضل
الإصفهاني (5)، والفاضل النراقي (6)، والشيخ
الأنصاري (7)، والسيد الحكيم (8)، والسيد
الخوئي (9).
2 - الإجزاء: وممن اختاره أو يظهر منه
ذلك: القاضي (10)، وابن سعيد (11)، والعلامة (12)،
والشهيد الأول (13)، والمحقق الكركي (14)، وصاحب
الجواهر (15)، والسيد اليزدي (16)، ونسبه الشيخ
الطوسي إلى بعض الأصحاب (1).
3 - وبناه بعض الفقهاء على جواز الاكتفاء
بالحجر الواحد في صورة حصول النقاء به وعدمه،
فعلى القول بالجواز هناك يجوز هنا أيضا وإلا فلا،
مثل صاحب المدارك (2)، وصاحب الحدائق (3).
ولو كان الحجر كبيرا، أو الخرقة كبيرة، فقد
صرح بعضهم بكفايته حتى على القول بعدم
الجواز (4).
الثالث - إمرار كل حجر على جميع المحل:
المشهور (5) بين الفقهاء عدم وجوب إمرار كل
حجر - ونحوه - على جميع الموضع، بل يكفي إمرار
كل حجر على طرف منه، وإن قال بعضهم:
الأحوط (6) أو الأفضل (7) إمرار الجميع على جميع
المحل.
نعم، قال المحقق في الشرائع: " يجب إمرار كل

(1) المقنعة: 62.
(2) المبسوط 1: 17. اختاره احتياطا.
(3) المعتبر: 34، والشرائع 1: 19.
(4) الروضة البهية 1: 84.
(5) كشف اللثام 1: 208.
(6) مستند الشيعة 1: 378.
(7) الطهارة 1: 465.
(8) المستمسك 2: 217.
(9) التنقيح 3: 407 - 409.
(10) المهذب 1: 40، لكن قيده بصورة عدم القدرة على
الثلاث.
(11) الجامع للشرائع: 37.
(12) أنظر: المختلف 1: 268، والتذكرة 1: 129، والمنتهى
1: 274، وسائر كتبه.
(13) الذكرى 1: 170 و 173، والبيان: 43.
(14) جامع المقاصد 1: 96.
(15) الجواهر 2: 44.
(16) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء.
(1) المبسوط 1: 17.
(2) المدارك 1: 172، ورجح هناك الاجتزاء بالواحد.
(3) الحدائق 2: 35 - 37، ورجح هناك القول المشهور،
وهو عدم الاجتزاء بالواحد.
(4) أنظر: المدارك 1: 172، والجواهر 2: 44، والتنقيح
3: 409، لكن كلامه في الحجر الكبير جدا كالجبل.
(5) نسبه إلى الشهرة أو الوفاق ونحو ذلك كثيرون، أنظر:
مفتاح الكرامة 1: 46، ومستند الشيعة 1: 377 -
378، والجواهر 2: 41.
(6) المبسوط 1: 17، والتذكرة 1: 130.
(7) المعتبر: 34.
122

حجر على موضع النجاسة " (1) لكنه وافق المشهور
في المعتبر (2).
طهارة المحل بعد الاستجمار:
صرح جملة من الفقهاء: بأن المحل يطهر بعد
الاستجمار، لا أنه يبقى نجسا لكن النجاسة معفو
عنها، وممن صرح بذلك أو يظهر منه: المحقق (3)،
والعلامة (4)، والشهيدان (5)، والمحقق الثاني (6)،
والمحقق الأردبيلي (7)، والشيخ الأنصاري (8)، والسيد
اليزدي (9)، والسيدان الحكيم (10) والخوئي (11).
واستظهره الشيخ الأنصاري من الشيخين المفيد
والطوسي، بل استظهر من كلام الفاضلين - العلامة
والمحقق - انحصار المخالف في غير فقهاء الإمامية.
لكن يظهر من صاحب الجواهر إمكان القول
بالأمرين معا: طهارة المحل، والعفو عن النجاسة
الباقية (1)، واستشكل الإمام الخميني في حصول
الطهارة بالاستجمار (2)، كما أن جماعة من الفقهاء لم
يتعرضوا لذلك أصلا.
طهارة أدوات الاستنجاء بالتبعية:
تطهر أدوات الاستنجاء - سواء كانت اليد أو
غيرها - مع طهارة المحل إذا كان الاستنجاء بالماء،
وذلك بحكم التبعية، فإن من موارد التبعية المطهرة،
تبعية يد الغاسل وآلات الغسل في تطهير
النجاسات، وهي - على ما يبدو - من
الواضحات (3)، ولكن يرى السيد الخوئي أن
طهارتهما إنما تحصل بانغسالهما مستقلا لا بتبع غسل
المخرج (4).
راجع: مطهرات، تبعية.

(1) شرائع الإسلام 1: 19.
(2) المعتبر: 34.
(3) المعتبر: 33.
(4) التذكرة 1: 133، والمنتهى 1: 281.
(5) الشهيد الأول في الذكرى 1: 172، والثاني في روض
الجنان: 24، حيث أطلق عنوان " المطهر " على الحجر
والماء، وقال بالنسبة إلى الاستنجاء بالمحرمات: " فعل
حراما وطهر المحل "، وانظر الروضة البهية 1: 84، ويمكن
التوصل إلى هذا الاستنباط من كلام كثير من الفقهاء.
(6) جامع المقاصد 1: 97 - 98، حيث يستفاد من كلامه
حصول الطهارة.
(7) مجمع الفائدة 1: 90.
(8) الطهارة 1: 462 - 463.
(9) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستنجاء،
المسألة 2.
(10) المستمسك 2: 222، مع ملاحظة متن العروة.
(11) التنقيح 3: 417.
(1) الجواهر 2: 26.
(2) تحرير الوسيلة 1: 15، كتاب الطهارة، فصل في
الاستنجاء، المسألة 4.
(3) أنظر: العروة الوثقى: المطهرات، التبعية، الثامن.
والمستمسك 2: 129.
(4) التنقيح 3: 242.
123

حكم الاستنجاء حال استقبال القبلة واستدبارها:
المشهور بين الفقهاء حرمة استقبال القبلة
حالة التخلي، وتكلم المتأخرون في شمول الحكم
لخصوص حالة الاستنجاء، واختلفوا فيه، فقد
صرح جملة منهم بعدم الحرمة أو يظهر منهم ذلك،
مثل: الفاضل النراقي (1)، وصاحب الجواهر (2)،
والمحقق الهمداني (3)، والسيد اليزدي (4)، والسيدين
الحكيم (5) والخوئي (6)، والإمام الخميني (7).
ويظهر من جملة منهم الحرمة - ولو احتياطا -
كالفاضل الإصفهاني (8)، وصاحب الحدائق (9)،
والسيد الطباطبائي (10)، والشيخ الأنصاري (11).
واحتمل صاحب المدارك التحريم، وجعل
ترك الاستقبال أولى (12). واحتمله صاحب
الذخيرة (1) أيضا.
ونقل في مفتاح الكرامة التردد فيه عن
الشهيد في الذكرى، وعدم التحريم عن أستاذه (2).
حكم غسالة الاستنجاء:
يقع الكلام في غسالة الاستنجاء - وهي الماء
المنفصل عند غسل المخرجين بعد قضاء الحاجة -
في مراحل:
أولا - لا خلاف بين الفقهاء في أن الملاقي
لغسالة الاستنجاء لا يصير نجسا بالملاقاة (3). وقد
صرحت عدة روايات بذلك، منها حسنة - بل
صحيحة - محمد بن النعمان، قال: " قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام): أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء، فيقع
ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال:
لا بأس به " (4).
ثانيا - اختلفوا في أن ماء الاستنجاء هل هو
طاهر، أم نجس معفو عنه؟
نسب إلى أكثر الأصحاب القول بالطهارة (5)،

(1) مستند الشيعة 1: 366.
(2) الجواهر 2: 11.
(3) مصباح الفقيه 1: 83.
(4) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، أحكام التخلي، المسألة
14.
(5) المستمسك 2: 197.
(6) التنقيح 3: 373.
(7) تحرير الوسيلة 1: 14، كتاب الطهارة، أحكام التخلي،
المسألة 5.
(8) كشف اللثام 1: 216.
(9) الحدائق 2: 41.
(10) الرياض 1: 199.
(11) الطهارة 1: 431.
(12) المدارك 1: 159.
(1) ذخيرة المعاد: 16.
(2) مفتاح الكرامة 1: 50.
(3) دعوى عدم الخلاف والإجماع في ذلك مستفيضة، أنظر
مستند الشيعة 1: 96.
(4) الوسائل 1: 221، الباب 13 من أبواب الماء المضاف،
الحديث الأول.
(5) أنظر: مستند الشيعة 1: 97، ومفتاح الكرامة 1: 93
- 94، فإنه نقله عن كثير من الأصحاب.
124

بل نقل الإجماع عليه (1).
وصرح جماعة بالعفو، كالعلامة في المنتهى (2)،
والشهيد في الذكرى (3) والبيان (4).
وكلام السيد المرتضى (5) والشيخ الطوسي في
المبسوط (6) والنهاية (7)، وابن إدريس (8) يحتمل
الأمرين (9).
وأما الشيخ الأنصاري، فقد قوى أن يكون
نجسا لكنه غير منجس (10).
ثالثا - اختلف القائلون بطهارة الغسالة في
أنها مطهرة ومزيلة للخبث والحدث أو لا؟ أي هل
يمكن تطهير الأشياء النجسة والتوضؤ والغسل بها
أم لا؟
ذهب جماعة إلى إمكان إزالة خصوص
الخبث بها. ولعل هذا هو المعروف بين القائلين
بالطهارة، لدعوى الإجماع على عدم جواز رفع
الحدث بما أزيلت به النجاسة (1).
وذهب آخرون إلى جواز إزالة الخبث
والحدث معا بذلك، مثل المحقق الأردبيلي (2)،
وصاحب المدارك (3)، والفاضل الإصفهاني (4) - على
ما يظهر منه - والمحدث البحراني (5)، والسيد
الطباطبائي (6)، والفاضل النراقي (7)، والسيد
الخوئي (8)، وهو الظاهر من العلامة في القواعد (9).
ثم إن القائلين بطهارة ماء الاستنجاء وبجواز
استعماله اشترطوا فيه شروطا من قبيل:
1 - عدم تغير الماء بالاستنجاء.
2 - عدم وصول نجاسة خارجية إلى الماء.
3 - أن لا يخالط البول والغائط نجاسة أخرى،
كالدم مثلا.

(1) المدارك 1: 124 - 125.
(2) المنتهى 1: 143.
(3) الذكرى 1: 83.
(4) البيان: 102.
(5) نقله عنه في المعتبر: 22.
(6) المبسوط 1: 16.
(7) النهاية: 16 و 54.
(8) السرائر 1: 97.
(9) أنظر أيضا: كشف اللثام 1: 300، ومفتاح الكرامة 1:
94.
(10) الطهارة (للشيخ الأنصاري) 1: 346.
(1) أنظر: المنتهى 1: 142، والحدائق 1: 469.
(2) مجمع الفائدة 1: 289.
(3) المدارك 1: 126.
(4) كشف اللثام 1: 301.
(5) الحدائق 1: 474.
(6) الرياض 1: 182.
(7) مستند الشيعة 1: 97.
(8) التنقيح (الطهارة) 1: 369، إلا أنه قال: "... وإن
كان الأحوط مع التمكن من ماء آخر عدم التوضؤ
والاغتسال منه... ".
(9) القواعد 1: 5، حيث قال: " والمستعمل في غسل
النجاسة نجس... عدا ماء الاستنجاء، فإنه طاهر
مطهر... ".
125

4 - أن لا تنفصل مع الماء أجزاء متميزة من
النجاسة.
5 - أن لا يتعدى الغائط عن الموضع بحيث
لا يصدق غسله استنجاء.
وزاد الشهيد في الذكرى عدم زيادة
وزنه (1).
ولبعضهم كلام في قسم من هذه الشروط،
خاصة ما ذكره الشهيد.
آداب الاستنجاء:
ذكروا للاستنجاء آدابا نشير إليها في ما
يلي:
أولا - ما يستحب في الاستنجاء:
1 - تعجيل الاستنجاء: فلا يفصل بين قضاء
الحاجة والاستنجاء منها (2).
2 - ترجيح الماء على الأحجار: وقد مر
تفصيله، فراجع (3).
3 - الجمع بين الأحجار والماء: مر تفصيله
أيضا (1).
4 - القطع على وتر: بمعنى أنه لو حصل النقاء
بالثلاثة فهو، وإن حصل بأربعة فيستحب أن يزيد
حجرا ليقطع على الوتر وهو الخمسة (2).
5 - تقديم الاستنجاء من الغائط على
الاستنجاء من البول: فقد ورد في موثق عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل إذا أراد
أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ قال:
بالمقعدة ثم بالإحليل " (3).
6 - أن يقرأ الأدعية المأثورة: فيقول عند
رؤية الماء: " الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم
يجعله نجسا "، ويقول عند الاستنجاء: " اللهم حصن
فرجي وأعفه، واستر عورتي، وحرمني على النار،
ووفقني لما يقربني منك، يا ذا الجلال والإكرام "،
ويقول عند الفراغ من الاستنجاء: " الحمد لله الذي
عافاني من البلاء، وأماط عني الأذى " (4)...
وغيرها من الأدعية التي سوف نذكر بعضها في
عنوان " تخلي " إن شاء الله تعالى.

(1) أنظر: الذكرى 1: 83، وروض الجنان: 160،
والمدارك 1: 124، والحدائق 1: 475 - 476،
والجواهر 1: 357 - 358، والمستمسك 1: 237،
والتنقيح 1: 381 - 384، وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب
الطهارة، فصل في الماء المستعمل، المسألة 2.
(2) الحدائق 2: 64.
(3) أنظر الصفحة 120.
(1) أنظر الصفحة 120.
(2) الجواهر 2: 42.
(3) الوسائل 1: 323، الباب 14 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث الأول. وانظر العروة الوثقى: كتاب
الطهارة، فصل في مستحبات التخلي.
(4) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في مستحبات
التخلي.
126

ثانيا - ما يكره في الاستنجاء:
1 - الاستنجاء باليمين: ففي مرسلة يونس
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يستنجي الرجل بيمينه " (1).
2 - الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم
الله: وقد ألحقت به أسماء الأنبياء والأئمة وفاطمة
الزهراء (عليهم السلام) (2).
هذا إذا لم يستلزم تلويثا وهتكا للأسماء
الشريفة، وإلا فيحرم من هذه الجهة (3).
وألحق بعضهم بذلك ما إذا كان فيها خاتم
فصه من حجر زمزم (4).
مظان البحث:
عمدة مباحث هذا الموضوع في كتاب
الطهارة، في بحث التخلي. ويأتي البحث عن
بعض مسائله في بحث الوضوء والغسل
والتيمم والصلاة.
استنزاه
لغة:
استفعال من التنزه، بمعنى التباعد، والاسم
النزهة، ومنه قيل: فلان يتنزه عن الأقذار وينزه
نفسه عنها، أي يباعد نفسه عنها (1).
اصطلاحا:
يأتي بمعنى التباعد عن النجاسة والقذارة.
وأكثر ما يستعمل بعنوان " تنزه "، ولذلك
نحيل بحثه على ذلك العنوان.
استنشاق
لغة:
مصدر استنشق. يقال: استنشقت الريح، أي:
شممتها، واستنشقت الماء، أي: جعلته في الأنف
وجذبته بالنفس ليزول ما في الأنف من القذى (2).
والاستنثار: إخراج ما جذبته بالاستنشاق

(1) الوسائل 1: 321، الباب 12 من أبواب أحكام الخلوة،
الحديث الأول. وانظر العروة الوثقى: فصل في
مستحبات التخلي ومكروهاته. ونقل عن بعضهم عدم
جواز ذلك، أنظر الجواهر 2: 70.
(2) أنظر الجواهر 2: 72.
(3) أنظر المصدر المتقدم.
(4) نقله عن جماعة صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 2:
72.
(1) المصباح المنير: " نزه ".
(2) أنظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والمصباح
المنير، ومجمع البحرين: " نشق ".
127

من الماء، فيكون متأخرا عنه (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن في خصوص الماء.
الأحكام:
المعروف بين فقهائنا: أن الاستنشاق من سنن
الوضوء والغسل وآدابهما، لا من فروضهما، وقد
ادعي إجماع الفقهاء على ذلك (2) ما عدا ابن أبي
عقيل، حيث نسب إليه القول بعدم كونه من فروض
الوضوء ولا من سننه.
قال صاحب المدارك - مشيرا إلى المضمضة
والاستنشاق -: "... والقول باستحبابهما هو
المعروف من المذهب، والنصوص به مستفيضة.
وقال ابن أبي عقيل: " إنهما ليسا بفرض ولا سنة ".
وله شواهد من الأخبار، إلا أنها - مع ضعفها - قابلة
للتأويل (3). نعم، روى زرارة في الصحيح عن أبي
جعفر (عليه السلام) أنه قال: " المضمضة والاستنشاق ليسا
من الوضوء " ونحن نقول بموجبها، فإنهما ليسا من
أفعال الوضوء وإن استحب فعلهما قبله، كالسواك
والتسمية ونحوهما... " (1).
هذا واختلفوا في عدد مرات الاستنشاق
وتقديم المضمضة عليه أو بالعكس، يراجع كل ذلك
في العنوانين " وضوء " و " غسل ".
استنفار
لغة:
مصدر استنفر، إذا طلب نفر قومه وإسراعهم
إليه (2) لنجدته ونصرته (3). واستنفر الإمام الناس

(1) مجمع البحرين: " نثر "، وانظر الجواهر 2: 336،
وعنوان: " استنثار ".
(2) أنظر: التذكرة 1: 196 و 233، ومستند الشيعة 2:
167 - 168، والجواهر 2: 335.
(3) وتأويلها ما ذكره الشهيد في الذكرى: من أن السنة قد
يراد بها ما فرضه النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه قد استعمل ذلك في
الروايات أيضا، ولذلك حمل الروايات النافية لأن يكون
الاستنشاق من السنة على هذا المعنى، مثل ما ورد عن
أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " ليس المضمضة والاستنشاق
فريضة ولا سنة، وإنما عليك أن تغسل ما ظهر ".
وصرح بهذا بعض من تأخر عنه، ومن جملتهم المحدث
العاملي صاحب الوسائل بعد ذكر الرواية المتقدمة.
وفي مقابل هذه الرواية وما يماثلها روايات أخر،
صرحت بكونه من السنة مثل ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
أنظر: الذكرى 2: 177، والوسائل 1: 430 - 431،
الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديثين 6 و 1.
(1) المدارك 1: 247 و 302، وانظر مفتاح الكرامة 1:
270 و 320.
(2) المصباح المنير: " نفر ".
(3) النهاية (لابن الأثير)، لسان العرب: " نفر ".
128

لجهاد العدو إذا حثهم على النفر ودعاهم إليه (1).
ويقال للنافرين لحرب أو غيرها: نفير،
تسمية بالمصدر (2).
وأصل النفر: التباعد (3).
اصطلاحا:
يستعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
يتعرض الفقهاء لأحكام الاستنفار - بصورة
عامة - في بحث الجهاد، حيث يتكلمون عن وجوب
إجابة الإمام لو استنفر الناس للجهاد أو الدفاع أو
لقتال البغاة ونحو ذلك.
ويتكلمون أيضا عن نوع الوجوب، هل هو
كفائي أو عيني؟ وهل يحتاج إلى إذن الأبوين
والغريم - مع استنفار الإمام (عليه السلام) - أو لا؟
وسوف نتعرض لذلك كله في العناوين:
" جهاد "، " دفاع "، " بغي " ونحوها إن شاء الله
تعالى.
ويراجع باقي ما يرتبط بالاستنفار، كالنفر
للتفقه والنفر من منى في الحج تحت العنوانين: " نفر "
و " حج ".
وما يرتبط بآية النفر (1) تحت عنوان " آية " في
الملحق الأصولي.
استنقاء
لغة:
طلب النقاء، وهو النظافة (2).
راجع: استنجاء.
استنقاع
لغة:
القرار في الماء لأجل التبريد، فقولهم: استنقع
في الماء: إذا ثبت فيه يتبرد (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
المعروف جواز استنقاع الرجل الصائم في

(1) النهاية (لابن الأثير)، لسان العرب: " نفر ".
(2) المصباح المنير: " نفر ".
(3) معجم مقاييس اللغة: " نفر ".
(1) وهي قوله تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم
طائفة ليتفقهوا في الدين...) *. التوبة: 122.
(2) لسان العرب: " نقا ".
(3) لسان العرب: " نقع ".
129

الماء - بمعنى إباحته - وكراهته للمرأة الصائمة. وعن
بعضهم القول بحرمته (1).
راجع: صوم.
استهانة
راجع: إهانة.
استهزاء
لغة:
السخرية، يقال: هزى واستهزأ إذا سخر (2).
والسخرية تتضمن الاحتقار والاستذلال (3).
وقد يفرق بينهما: بأن السخرية إنما تكون بعد
صدور فعل من الشخص، وأما الاستهزاء فلا يلزم
أن يكون كذلك (4).
وقيل: الاستهزاء: المزح في خفية (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
يختلف حكم الاستهزاء باختلاف موارده،
نشير إليها إجمالا:
أولا - الاستهزاء بالله وبالرسول وبالرسالة:
تقدم في بحث الارتداد: أن الاستهزاء بالله
وبالرسول وبالرسالة موجب للارتداد والكفر (2).
وأما الاستهزاء بالأئمة - سلام الله عليهم
أجمعين - فإن انتهى إلى الاستهزاء بالله أو بالرسول
أو بالرسالة، فحكمه ما تقدم بلا إشكال،
وإلا فالظاهر من كلمات بعضهم أنه موجب
للارتداد أيضا. قال صاحب الجواهر في تحقق
الارتداد:
" ويتحقق بالبينة عليه... وبكل فعل دال
صريحا على الاستهزاء بالدين والاستهانة به ورفع

(1) الجواهر 16: 262 و 323.
(2) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب:
" هزأ ".
(3) معجم مقاييس اللغة: " هزأ "، ومجمع البحرين:
" هزا ".
(4) معجم الفروق اللغوية: الفرق بين الاستهزاء
والسخرية.
(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" هزأ "، ولعل الصحيح: المزح في خفة.
(2) أنظر: القواعد 2: 274، والإرشاد 2: 189،
والتحرير 2: 236، ومجمع الفائدة والبرهان 13: 314،
والجواهر 41: 600، وغيرها.
130

اليد عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات وتمزيقه
واستهدافه ووطئه وتلويث الكعبة أو أحد الضرائح
المقدسة بالقاذورات... " (1).
ومقصوده من الضرائح المقدسة ضرائح
الأئمة (عليهم السلام).
وقد تقدم الاختلاف في تحقق الارتداد
بإنكار أحد الأئمة (عليهم السلام)، وأن المشهور عدم حصول
الارتداد به، وكان صاحب الجواهر يميل إلى حصول
الارتداد به إذا صدر من المعتقد بالمذهب.
نعم، ادعي عدم الخلاف في أن من سب النبي
(صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) فحده القتل (2)، فإذا اشتمل
الاستهزاء على سب فيكون حده القتل، لكن لا من
باب الارتداد، ولذلك لا تترتب عليه آثار
الارتداد، بل لأنه موضوع مستقل حكمه القتل (3).
راجع: ارتداد، سب.
ثانيا - الاستهزاء بالمؤمنين:
لا إشكال في حرمة الاستهزاء بالمؤمنين
والسخرية منهم، لقوله تعالى: * (الذين يلمزون
المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين
لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم
ولهم عذاب أليم) * (1). وقوله تعالى: * (يا أيها الذين
آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم
ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا
أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد
الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) * (2).
وقد عدوه من الكبائر، لأن الله تعالى أوعد
عليه النار، ولذلك يكون فعله مخلا بالعدالة (3).
والروايات الواردة في حرمة احتقار المؤمن
وإهانته وإذلاله وإيذائه كثيرة جدا نأتي على جملة
منها في عنوان " إهانة " إن شاء الله تعالى ونكتفي
هنا بذكر بعضها:
1 - روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " لا تحقروا مؤمنا فقيرا، فإن من حقر مؤمنا أو
استخف به حقره الله ولم يزل ماقتا له حتى يرجع
عن محقرته أو يتوب " (4).
وقال: " من استذل مؤمنا أو احتقره لقلة
ذات يده شهره الله يوم القيامة على رؤوس
الخلائق " (5).

(1) الجواهر 41: 600.
(2) المصدر نفسه: 432 و 435.
(3) لكن يظهر من صاحب الجواهر - في الجهاد - أنه يوجب
الارتداد إذا كان الساب مستحلا للسب، بل استظهر
كفره وإن لم يكن مستحلا، لأنه فعل ما يقتضي الكفر
كهتك الكعبة. أنظر الجواهر 21: 344 - 345.
(1) التوبة: 79.
(2) الحجرات: 11.
(3) الجواهر 13: 314، و 41: 59.
(4) الوسائل 12: 267، الباب 146، من أبواب
أحكام العشرة، الحديث 8.
(5) الوسائل 12: 267، الباب 146، من أبواب
أحكام العشرة، الحديث 8.
131

2 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا قال: " من
حقر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين، لم يزل الله
عز وجل حاقرا له ماقتا حتى يرجع عن محقرته
إياه " (1).
3 - وقال الطبرسي ذيل قوله تعالى: * (الله
يستهزئ بهم) *: روي عن ابن عباس أنه قال:
يفتح لهم (2) وهم في النار باب من الجنة فيقبلون من
النار إليه مسرعين حتى إذا انتهوا إليه سد عليهم
فيضحك المؤمنون منهم، فلذلك قال الله عز وجل
* (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) * (3).
ثالثا - ما يستثنى من حرمة الاستهزاء بالمؤمنين:
لم أعثر على تصريح للفقهاء في ذلك، نعم لهم
كلام في موضوع " السب " و " الغيبة " ربما ينفع
المقام.
قال الشيخ الأنصاري عند كلامه عن حرمة
السب: " ثم إنه يستثنى من المؤمن، المظاهر بالفسق،
لما سيجئ في الغيبة: من أنه لا حرمة له.
وهل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي
عن المنكر، فيشترط بشروطه، أم لا؟ ظاهر
النصوص والفتاوى - كما في الروضة - الثاني،
والأحوط الأول.
ويستثنى منه المبتدع أيضا، لقوله (صلى الله عليه وآله): " إذا
رأيتم أهل [الريب] والبدع من بعدي فأظهروا
البراءة منهم، وأكثروا من سبهم، [والقول فيهم]،
والوقيعة... " (1) " (2).
وقال عند الكلام عن مستثنيات حرمة
الغيبة: " أحدهما - ما إذا كان المغتاب متجاهرا
بالفسق، فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس
لا يكره ذكره بالفسق، نعم لو كان في مقام ذمه كرهه
من حيث المذمة، لكن المذمة على الفسق المتجاهر به
لا تحرم كما لا يحرم لعنه ".
ثم استدل بروايات من قبيل: " إذا جاهر
الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة " (3)، و " ثلاثة
ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، والإمام
الجائر، والفاسق المعلن بفسقه " (4).
ثم صرح: بأنه لا يشترط في الجواز أن يكون

(1) الوسائل 12: 270، الباب 147، من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 5.
(2) أي للمستهزئين من المنافقين في قوله تعالى: * (وإذا لقوا
الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا
معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في
طغيانهم يعمهون) *. البقرة: 14 - 15.
(3) مجمع البيان (1 - 2): 52، والآية 34 من سورة
المطففين.
(1) الوسائل 16: 267، الباب 39 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث الأول.
(2) المكاسب 1: 255.
(3) الوسائل 12: 289، الباب 154 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 4.
(4) المصدر نفسه، الحديث 5.
132

الاغتياب بقصد النهي عن المنكر وإن اشترط
الشهيد ذلك في سب المتجاهر بالفسق.
ثم تكلم عن جواز اغتياب الفاسق المعلن
بفسقه في غير ما أعلن به، فنقل فيه قولين: الجواز
وعدمه (1).
حكم الاستهزاء إذا توقف عليه النهي عن المنكر:
ذكر الفقهاء مراتب للأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر بدءا بالقلب، ثم اللسان، ثم اليد. وقالوا
بلزوم التدرج في هذه المراتب وبلزوم التدرج في كل
مرتبة بنفسها، ففي مرتبة القول ينبغي التدرج
باللين، ثم بالقول الغليظ، ثم بالأغلظ (2) وهكذا.
لكن الأغلب لم يبينوا المراد من الكلام
الغليظ، وهل يشمل مثل الاستهزاء أم لا؟
نعم، قال الإمام الخميني: " لا يجوز إشفاع
الإنكار بما يحرم وينكر، كالسب والكذب والإهانة،
نعم لو كان المنكر مما يهتم به الشارع ولا يرضى
بحصوله مطلقا، كقتل النفس المحترمة وارتكاب
القبائح والكبائر الموبقة جاز، بل وجب المنع والدفع
ولو مع استلزامه ما ذكر، لو توقف المنع عليه " (3).
لكن ربما يظهر من كلام الفقهاء: أن وجه
التدرج هو الاكتفاء بالأقل إيذاء، فلو فرضنا أن
بعض الاستهزاء أقل إيذاء من الكلام الغليظ مع
حصول الغرض - وهو الردع - به، فينبغي تقديمه.
راجع: أمر.
وهناك أبحاث أخرى تتعلق بالاستهزاء، مثل
دعوى صدور الإقرار استهزاء، وعدم نفوذ العقود
والإيقاعات لو صدرت استهزاء، وعدم دلالة ما
يدل على الإسلام لو صدر من فاعله استهزاء، أو
احتملنا في حقه ذلك، ونحوها تأتي في مواطنها إن
شاء الله تعالى.
مظان البحث:
تعلم مما تقدم.
استهلاك
لغة:
مصدر استهلك، يقال: استهلك المال، إذا
أنفقه وأنفده (1).
اصطلاحا:
للفقهاء عدة إطلاقات بالنسبة إلى
الاستهلاك:

(1) أنظر المكاسب 1: 343 و 345.
(2) أنظر الجواهر 21: 380، والمصدر الآتي.
(3) تحرير الوسيلة 1: 439، كتاب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، القول في مراتب الأمر بالمعروف، المسألة 5.
(1) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " هلك ".
133

الأول - إطلاقه بمعناه اللغوي، وهو إهلاك
الشئ وإنفاده. وهذا الإطلاق كثير في كلمات
المتقدمين (1).
الثاني - إطلاقه بمعنى الاستحالة، وهي تبدل
الصورة النوعية للجسم، كتبدل الخشب إلى رماد.
وإطلاق الاستهلاك بهذا المعنى قليل.
قال صاحب الجواهر بالنسبة إلى ما يشك في
حرمته من جهة الاستخباث مع فرض استهلاكه في
غيره خصوصا إذا كان من الحيوان: "... فإنه حينئذ
يكون من الميتة المحرمة نصا وإجماعا على وجه
لا يرتفع بالاستهلاك الذي مرجعه إلى عدم التمييز
لا إلى الاستحالة " (2). وفيه إشارة إلى المعنى الثالث
الآتي.
وقال المحقق الهمداني عند الكلام في جواز
استعمال الماء المستعمل: " وليس العبرة هنا
الاستهلاك المرادف للاستحالة... " (3).
الثالث - إطلاقه بمعنى تفرق أجزاء المستهلك
في المستهلك فيه، كتفرق أجزاء الدم أو البول في
الماء.
وهذا على نحوين:
1 - تارة تكون أجزاء المستهلك قابلة
للحس، كتفرق أجزاء الذهب أو الفضة في التراب
- كما في تراب الصاغة - بحيث لا يصدق عليه
التراب الخالص، كما لا يطلق عليه الذهب أو الفضة
أيضا، وكتفرق عظام الموتى في التراب، بحيث يمنع
عن صدق التراب الخالص على ذلك عرفا.
وإطلاق الاستهلاك بهذا المعنى قليل أيضا.
2 - وتارة تكون أجزاء المستهلك غير قابلة
للحس والتمييز، وهذا أيضا:
أ - إما لقلة المستهلك وكثرة المستهلك فيه،
كاستهلاك قطرة من الدم في ماء كثير.
وأكثر ما يراد من الاستهلاك - خاصة عند
المتأخرين - هذا المعنى.
ب - وإما لتجانس المستهلك والمستهلك فيه،
كقطرة من الماء في إناء من الماء أيضا.
ويبدو أنهم استشكلوا في صدق عنوان
" الاستهلاك " على هذا النوع، وإن كان يشبهه من
حيث الحكم أحيانا. قال السيد الحكيم في بحث تأثير
رطوبة الماسح في الممسوح وعدم وجود رطوبة
أخرى عليه: "... إلا أن يكون المراد صورة
استهلاك رطوبة الممسوح، بحيث لا يكون المسح
إلا ببلل الوضوء، وإن كان فرض الاستهلاك مع
اتحاد الجنس لا يخلو من إشكال " (1).
وقال السيد الخوئي في موضوع جواز
استعمال الماء المستعمل في الغسل، وبيان حكم ما لو

(1) أنظر: المبسوط 1: 233، و 2: 122، و 3: 79
و 216 و 350، والسرائر 2: 339 و 475 وغيرهما.
(2) الجواهر 36: 319، وانظر الصفحة 376 أيضا.
(3) مصباح الفقيه 1: 70.
(1) المستمسك 2: 392.
134

وقعت قطرات من ماء الغسل في الإناء الذي يغتسل
منه: " ومن البديهي أن نضح قطرات يسيرة في ماء
الإناء لا يوجب صدق عنوان " الماء المستعمل "
عليه، لاستهلاك القطرات في ضمنه، وهذا لا بمعنى
استهلاك الماء في الماء، فإن الشئ لا يستهلك في
جنسه - بل يوجب ازدياده - بل بمعنى أنه يوجب
ارتفاع عنوانه، فلا يصدق على ماء الإناء أنه ماء
مستعمل " (1).
والمقصود بالبحث هنا هو الاستهلاك بالمعنى
الثالث، وهو تفرق أجزاء المستهلك في المستهلك
فيه، وأهم موارده هو الاستهلاك الناشئ من غلبة
المستهلك فيه على المستهلك، بل هذا هو القدر
المتيقن الذي ينصرف إليه لفظ " الاستهلاك ".
وأما بالمعنى الأول، فقد تقدم الكلام عنه
إجمالا في عنوان " إتلاف " وسوف يأتي في
العنوانين: " ضمان " و " غصب " ونحوهما.
وأما بالمعنى الثاني، فقد تقدم الكلام عنه في
عنوان " استحالة ".
الفرق بين الاستحالة والاستهلاك:
لا إشكال في أن هناك فرقا أساسيا بين
الاستحالة والاستهلاك - بالمعنى المقصود - وقد فرق
بعض الفقهاء بينهما بما حاصله:
أن الاستحالة عبارة عن: تبدل حقيقة الشئ
وصورته النوعية (1) - وإن كانت المادة المشتركة
باقية - كتبدل الخشب بالإحراق إلى الرماد، أو
كتبدل الحيوان بوقوعه في المملحة إلى الملح، أو
كتبدل القطرة من الدم إلى التراب، ونحو ذلك.
فيقال: كان هذا الرماد خشبا، وكان هذا
الملح كلبا، وكان هذا التراب دما.
وأما الاستهلاك، فهو عبارة عن: انعدام
الشئ عرفا، وإن كان موجودا واقعا، مثل انعدام
القطرة من الدم في إناء كبير من الماء، فإنه لا يبقى
شئ من الدم بحسب الظاهر حتى يشار إليه، وإن
كانت أجزاؤه متفرقة بين أجزاء الماء.
ولذلك لو تمكنا من استخراج هذه القطرة من
الماء بآلة أو بمادة كيمياوية، فسوف يكون حكمها
النجاسة أيضا، لأن أجزاء نفس الدم السابق
اجتمعت وكونت هذا الدم. بخلاف ما إذا استحالت
القطرة من الدم ترابا ثم تمكنا من استخراج الدم من
التراب، فإن هذا الدم ليس هو الدم السابق، بل هو
نوع جديد من الدم، ولذلك لا تشمله أدلة نجاسة

(1) التنقيح 1: 379، وانظر مصباح الفقيه 1: 70.
(1) المراد من الصورة النوعية هو ما يصير به الشئ شيئا
وتترتب عليه آثاره الخاصة به مقابل المادة المشتركة بين
الأشياء المعبر عنها ب‍ - " الهيولى "، كالصورة الإنسانية،
فإن الشئ إنما يصير إنسانا إذا وجدت فيه الصورة
الإنسانية - وهو كونه ناطقا مثلا - وترتبت عليه آثار
الإنسانية.
أنظر: الأسفار 2: 146، وشرح المصطلحات
الفلسفية: " صورة ".
135

الدم، لاختصاصها بدم الحيوان الذي له نفس
سائلة، وهذا دم متكون من التراب (1).
الأحكام:
الحكم الإجمالي للاستهلاك هو: أن المستهلك
يفقد حكمه الأولي ويتصف بحكم المستهلك فيه،
إلا إذا طرأت ظروف خاصة.
وفيما يلي نشير إلى أهم أحكام الاستهلاك
بحسب موارده:
الاستهلاك من حيث الطهارة والنجاسة:
إن المستهلك والمستهلك فيه تارة يكونان
طاهرين، وتارة نجسين - أو متنجسين - وتارة
مختلفين، أي الأول طاهر والثاني نجس، أو
بالعكس. فمجموع الصور أربع:
الصورة الأولى - استهلاك الطاهر في الطاهر:
والاستهلاك في هذه الصورة لا يزيد حكما في
المستهلك أو المستهلك فيه إلا إذا اختلفا رتبة في
الطهارة أو في أمر آخر، كحلية الأكل وحرمته،
وأمثلة ذلك كثيرة، منها:
1 - المعروف أنه يجوز استعمال الماء الذي
استعمل في الوضوء مرة ثانية، في الغسل أو الوضوء
أو إزالة النجاسة، لكن اختلفوا في الماء الذي
استعمل في الغسل - مع فرض طهارة بدن المغتسل -
هل يجوز استعماله ثانية في الوضوء أو الغسل، أو لا (1)؟
فعلى فرض القول بعدم الجواز، لو وقعت
قطرات من الماء المستعمل في الغسل في ماء آخر، ثم
استهلكت فيه، فيجوز الاغتسال أو الوضوء منه
ثانية، لعدم صدق عنوان " الماء المستعمل " على
الماء، لأن المستعمل استهلك فيه (2).
2 - إذا كان في الحصرم عدة حبات من العنب،
ثم اعتصر ماؤه واستهلك ماء العنب في ماء الحصرم،
ثم غلى فلا ينجس - بناء على نجاسة العصير العنبي
بالغليان - ولا يحرم، لأن موضوع النجاسة والحرمة
هو العصير العنبي المغلي، ولا عصير عنبيا هنا،
لاستهلاكه في عصير الحصرم (3).
3 - الدم المتخلف في الذبيحة طاهر
- بشروطه - لكن في حرمة أكله قولان (4)، فعلى

(1) أنظر: التنقيح 3: 193 - 195، والمستمسك 2: 104 -
105. وبمتنهما العروة الوثقى، فصل في المطهرات،
الخامس (الانقلاب)، المسألة 7.
(1) أنظر: المستمسك 1: 219، والتنقيح 1: 339.
(2) أنظر: المستمسك 1: 236، والتنقيح 1: 359
و 379، والاستهلاك هنا من قسم الاستهلاك في الجنس
الذي تقدم الكلام عنه.
(3) أنظر: المستمسك 2: 110، والتنقيح 3: 206،
وبمتنهما العروة الوثقى، فصل في المطهرات، السادس
(ذهاب الثلثين)، المسألة 2.
(4) أنظر: المستمسك 1: 353، والتنقيح 2: 19، وبمتنهما
العروة الوثقى، فصل في النجاسات، الخامس (الدم)،
المسألة 2.
136

القول بالحرمة، لو وقع منه مقدار في قدر المرق
- مثلا - ثم استهلك فيه بالغليان ونحوه، فيجوز أكل
المرق، لاستهلاك الدم فيه وارتفاع موضوع حرمة
الأكل (1).
الصورة الثانية - استهلاك النجس في النجس:
والاستهلاك في هذه الصورة لا يزيد حكما
أيضا إلا إذا اختلف المستهلك والمستهلك فيه في
النجاسة رتبة. ومن أمثلته:
المعروف بين الفقهاء عدم وجوب الاجتناب
عن غسالة الاستنجاء - إما لطهارتها أو للعفو عنها -
بشروط، منها أن لا يخرج مع الغائط أو البول نجاسة
أخرى كالدم، فإن خرجت وجب الاجتناب حينئذ
إلا أن يستهلك في ما خرج معه، فينتفي حينئذ
موضوع وجوب الاجتناب (2).
راجع: استنجاء.
الصورة الثالثة - استهلاك الطاهر في النجس:
وفي هذه الصورة يتصف الطاهر المستهلك
بحكم المستهلك فيه، وهو النجاسة، ومن أمثلة ذلك:
1 - ما إذا ألقينا على كر من الماء مقدارا من
الدم النجس بحيث استهلك فيه الماء ولم يصدق عليه
عنوان " الماء "، فيحكم عليه بالنجاسة (1).
2 - ما إذا اختلط التراب الطاهر بالتراب
النجس فاستهلك فيه - بناء على صدق الاستهلاك
في اختلاط المتجانسين - فيترتب عليه حكم
النجاسة، فلا يجوز التيمم به ولا السجود عليه،
لاشتراط الطهارة فيهما (2).
لكن في هذين المثالين ونحوهما نوع من
التسامح، أما الأول، فلأن الماء المعتصم - كالكر
والجاري ونحوهما - ينجس بمجرد تغير أحد
أوصافه بالنجاسة وإن لم يستهلك في النجس.
وأما الثاني، فلأن وجود مقدار من التراب
النجس في التراب الطاهر يمنع من جواز السجود
عليه والتيمم به وإن لم يستهلك الطاهر في النجس.
الصورة الرابعة - استهلاك النجس في الطاهر:
وهذه هي الصورة الأصلية التي وقع معظم
أبحاث الاستهلاك فيها. وهي على أنحاء أيضا:
1 - استهلاك القليل النجس في القليل الطاهر:
لو باشر النجس - سواء كان جامدا أو مائعا،
قليلا أو كثيرا - المائع القليل الطاهر نجسه، سواء

(1) أنظر: الجواهر 36: 382، والمستمسك 1: 362،
وتحرير الوسيلة 1: 105، فصل في النجاسات، الدم.
(2) أنظر: المستمسك 1: 237 - 238، والتنقيح 1: 383،
وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل (الماء
المستعمل)، المسألة 2.
(1) وهذا ما يعبر عنه ب‍ " الماء المتغير بالنجاسة "، والحكم
بنجاسته إجماعي. أنظر المستمسك 1: 119.
(2) أنظر الجواهر 5: 136 - 137.
137

استهلك فيه أو لا، لأن المائع القليل ينجس بمجرد
الملاقاة مع النجس، ولا يؤثر فيه الاستهلاك
المتأخر.
وأمثلة ذلك كثيرة - مثل وقوع قليل من
الخمر في قدر المرق واستهلاكه فيه، أو وقوعه في
الخل واستهلاكه فيه (1) - لكن هناك مورد تكلم
الفقهاء فيه، وهو ما لو وقع في قدر المرق قليل من
الدم، فعلى ما تقدم ينجس المرق بمجرد ملاقاته مع
الدم وإن استهلك الدم فيه، لكن هناك قول بطهارته
استنادا إلى بعض النصوص رميت بالضعف (2).
2 - استهلاك القليل الطاهر في القليل الطاهر:
وفي هذه الصورة لا يتغير حكم المستهلك
إلا إذا كان له حكم آخر، ومن أمثلته: استهلاك
الدم الخارج من الأسنان ونحوها في ماء الفم - بناء
على طهارة الدم في الباطن - فإنه لو اجتمع الدم في
فضاء الفم ولم يستهلك في مائه حرم بلعه،
لاستخباثه لا لنجاسته، أما لو استهلك فيه فترتفع
الحرمة (3).
3 - استهلاك النجس في الكثير الطاهر:
إذا كان الماء المستهلك فيه مطلقا وطاهرا
وكثيرا، فالنجس المستهلك يصير طاهرا، سواء كان
جامدا أو مائعا، كثيرا أو قليلا، مضافا أو مطلقا.
وهذه الصورة أهم صور الاستهلاك، وموارده
كثيرة، منها:
1 - أن المضاف المتنجس - سواء كان قليلا أو
كثيرا - لا يطهر إلا باستهلاكه في الماء الكثير المطلق
الطاهر، فإنه يرفع إضافته ويصيره طاهرا. وقد
قيل: " كان بناء الأصحاب على عدم طهارة
المائعات غير الماء إلا بالاستهلاك " (1).
لكن ربما يقال: إطلاق الطهارة بالاستهلاك،
فيه نوع من التسامح، لأن النجس لا يبقى موضوعه
بعد الاستهلاك كي يحكم عليه بالطهارة، بل ينعدم
حكم النجاسة لأجل انعدام موضوعها
بالاستهلاك (2).
ومن أمثلته: استهلاك الخل المتنجس، أو
اللبن، أو ماء الورد في الماء الكثير.
2 - الأعيان النجسة، مثل الدم والبول والمني
ونحوها، إذا استهلكت في الماء الكثير المطلق الطاهر
تطهر بالمعنى المتقدم، أي انعدام موضوع النجاسة (3).

(1) أنظر: المستمسك 2: 101، والتنقيح 3: 190، وبمتنهما
العروة الوثقى: فصل المطهرات، الرابع، المسألة 4.
(2) أنظر: الجواهر 36: 381، والمستمسك 1: 360،
والتنقيح 2: 27، وبمتنهما العروة الوثقى: فصل
النجاسات، الخامس (الدم)، المسألة 11.
(3) أنظر: المستمسك 1: 362، والتنقيح 2: 30، وبمتنهما
العروة الوثقى: فصل النجاسات، الخامس (الدم)،
المسألة 13.
(1) المستمسك 2: 48.
(2) أنظر: المستمسك 1: 117، و 2: 4 و 48 و 51،
والتنقيح 1: 63، و 3: 7.
(3) أنظر: المستمسك 2: 105، والتنقيح 3: 193.
138

3 - الماء المتنجس - سواء كان كثيرا أو
قليلا - يطهر بالاستهلاك في الكثير المطلق الطاهر،
بناء على صدق الاستهلاك في المتجانسين، وبناء
على اشتراط الامتزاج المرادف للاستهلاك في ذلك،
وأما بناء على كفاية الاتصال بالكثير فلا يشترط
الاستهلاك، وإن كان يطهر به قطعا (1).
وأما إذا كان المستهلك فيه مضافا، فهو
ينجس، لأن المضاف ينجس بمجرد الملاقاة مع
النجس مهما كان كثيرا كما إذا ألقينا قطرة من الخمر
في مقدار كثير من الخل واستهلكت فيه، فينجس
الخل وإن استهلك فيه الخمر (2).
الاستهلاك من حيث الإضافة والإطلاق:
والكلام هنا من هذه الحيثية فقط مع غض
النظر عن الطهارة والنجاسة، فنقول:
1 - تارة يستهلك المضاف في المطلق،
كاستهلاك الخل، أو اللبن، أو ماء الورد، أو ماء
الفواكه في الماء المطلق بحيث لا يصدق إلا عنوان
" الماء " خاليا من كل إضافة، ففي هذه الصورة
يصير المضاف مطلقا، وتترتب عليه أحكامه، مثل
جواز التوضؤ والاغتسال منه، وعدم انفعاله،
وتنجسه بمجرد الملاقاة إذا كان كثيرا (1).
2 - وتارة يستهلك المطلق في المضاف،
كاستهلاك الماء المطلق في المائعات المتقدمة أو
غيرها، فيصبح المطلق مضافا ويترتب عليه حكمه،
مثل عدم جواز التوضؤ والاغتسال منه، وانفعاله
بمجرد الملاقاة بالنجاسة وإن كان كرا أو أكثر (2).
3 - وتارة يستهلك المضاف في المضاف
الآخر، فهنا يكتسب المستهلك عنوان المستهلك فيه
وحكمه إذا اختلفا في بعض الأحكام، كما إذا قلنا
بجواز التوضؤ بماء الورد (3)، ثم استهلك فيه مضاف
آخر لا يجوز التوضؤ به - كبعض العطور السائلة -
فيجوز التوضؤ بماء الورد في هذا الفرض أيضا.
الاستهلاك في الطهارات الثلاث:
1 - الاستهلاك في الوضوء:
يشترط في الوضوء أن يكون مسح الرأس
والقدمين بالبلل الباقي في اليدين من غسل الوجه
واليدين، ولذلك استشكلوا في ما إذا كان على محل
المسح بلل يمنع من وصول بلل اليد إلى الممسوح،
نعم صرح بعضهم بجواز ذلك لو كان البلل قليلا جدا
بحيث يستهلك في بلل اليد، بل استظهر ذلك من

(1) أنظر: ذخيرة المعاد: 120، والطهارة (للشيخ
الأنصاري) 1: 140، ومصباح الفقيه 1: 20.
(2) أنظر: الجواهر 6: 287، والمستمسك 2: 101،
والتنقيح 3: 190.
(1) أنظر الجواهر 1: 330.
(2) أنظر: المستمسك 1: 114، والتنقيح 1: 51.
(3) كما هو المعروف عن الصدوق، أنظر الهداية
(للصدوق): 13، باب الوضوء.
139

الأصحاب وإن لم يصرح كلهم به.
لكن صدق الاستهلاك في ذلك يتوقف على
صدقه في المتجانسين (1).
راجع: وضوء.
2 - الاستهلاك في التيمم:
أ - يشترط في التيمم أن يكون بالتراب،
فإذا خالطه غيره مما لا يصح التيمم به - مثل
أنواع المعادن والجص والنورة (2) ونحوها - فلا يصح
التيمم به إلا أن يكون مستهلكا في التراب،
فيصح (3).
ب - ويشترط أيضا أن يكون التراب
طاهرا، فإذا مازجته نجاسة، فإن استهلكت فيه،
بمعنى استحالت إلى التراب، فيجوز التيمم به،
وإلا فاستشكلوا فيه حتى مع فرض صدق
الاستهلاك بمعنى تفرق أجزاء المستهلك في المستهلك
فيه، من جهة صدق ضرب اليد على بعض الأجزاء
النجسة (4).
وسوف يأتي الكلام عن الموردين في عنوان
" تيمم " إن شاء الله تعالى.
الاستهلاك في ما يتعلق بالصلاة:
1 - يشترط في لباس المصلي أن لا يكون
حريرا محضا، نعم تجوز الصلاة في الخليط من الحرير
وغيره بشرط أن لا يكون غير الحرير مستهلكا في
الحرير إلى حد لا يصدق عليه عنوان " الممزوج "
و " الخليط " (1).
راجع: لباس المصلي.
2 - يشترط في ما يسجد عليه أن يكون مما
يصدق عليه عنوان " الأرض "، ولذلك لا يصح
السجود على المعدن، وإذا اختلط المعدن بالتراب،
فإن كان مستهلكا في التراب فيجوز السجود عليه
وإلا فلا.
3 - لا يجوز السجود على الوحل الذي
لا تتمكن منه الجبهة، نعم إذا كان بحيث يمكن أن
تستقر الجبهة عليه جاز، ولا يضر وجود الأجزاء
المائية فيه، لاستهلاكها حينئذ في الأجزاء الترابية (2).
الاستهلاك في ما يتعلق بالصوم:
لو بل الخياط الخيط بريقه ثم رده إلى الفم،
وابتلع ما عليه من الرطوبة، بطل صومه، إلا إذا
استهلك ما كان عليه من الرطوبة على وجه

(1) أنظر: الجواهر 2: 187، والمستمسك 2: 392.
(2) بناء على عدم صحة التيمم بالجص والنورة بعد الطبخ.
(3) أنظر: الجواهر 5: 137، والمستمسك 4: 389،
والتنقيح 10: 78.
(4) أنظر: الجواهر 5: 134 و 137.
(1) أنظر: الجواهر 8: 138، والمستمسك 5: 373 -
374 و 385، وبمتنه العروة الوثقى: فصل شرائط لباس
المصلي، السادس، المسألة 33.
(2) أنظر الجواهر 8: 426.
140

لا تصدق عليه الرطوبة الخارجية، وكذا في مثل
السواك (1).
وقال السيد اليزدي: " إذا امتزج بريقه دم
واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى، وكذا غير الدم
من المحرمات والمحللات، والظاهر عدم جواز تعمد
المزج والاستهلاك بالبلع، سواء كان مثل الدم ونحوه
من المحرمات أو الماء ونحوه من المحللات، فما ذكرناه
من الجواز إنما هو إذا كان ذلك على وجه
الاتفاق " (2).
ووافقه على ذلك السيد الحكيم (3)، والسيد
الخوئي (4)، إلا أن الأول استشكل في المنع في صورة
تعمد الاستهلاك.
الاستهلاك في ما يتعلق بالحج:
يحرم على المحرم استعمال الطيب أكلا، وشما،
وإطلاء. لكن صرح جملة من الفقهاء: بأنه لو
استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس بحيث زالت
أوصافه: من الطعم والرائحة واللون، فيجوز
استعماله (1).
الاستهلاك في ما يتعلق بالحلف:
لو حلف أن لا يأكل شيئا، ثم مزجه بغيره
حتى استهلك فيه، فقد صرح جملة من الفقهاء بأنه:
جاز له أكله ولم يحنث بذلك (2).
الاستهلاك في ما يتعلق بالأطعمة والأشربة:
تقدم الكلام عما يتعلق بالموضوع في بحث
الاستهلاك في الطهارة - من حيث الطهارة والنجاسة
ومن حيث الإطلاق والإضافة - والآن نتكلم عما
يتعلق به من حيث الحلية والحرمة مع غض النظر
عن الإضافة والإطلاق، والطهارة والنجاسة،
فنقول:
لو استهلك الشئ الحرام في الشئ الحلال،
مثل استهلاك لعاب الحيوان الطاهر أو فرثه في لبنه،
أو مثل استهلاك بعض الحشرات والديدان في
الأطعمة المحللة فهل يجوز الأكل منها أو لا؟
قلما وجدت من تعرض لذلك، نعم تعرض له

(1) أنظر: الجواهر 16: 299، والمستمسك 8: 235
و 329، ومستند العروة (الصوم) 1: 96 - 98 و 279،
وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في ما يجب
الإمساك عنه، الأول والثاني، وفصل في أمور لا بأس بها
للصائم.
(2) أنظر المستمسك 8: 330، ومستند العروة
(الصوم) 1: 280، وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب
الصوم، فصل في أمور لا بأس بها للصائم، المسألة
الأولى.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(1) أنظر: التذكرة 7: 314، والمدارك 7: 326،
والحدائق 15: 424، والجواهر 18: 323.
(2) أنظر: المبسوط 6: 240 و 241، والمهذب 2: 419،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 224، والجواهر 35:
299.
141

بعضهم على نحو الإجمال، قال صاحب الجواهر في
موضع - مشيرا إلى عدم صدق أكل الخبيث لو
استهلك في غيره -: " ولعل من ذلك (1) ما يقع من
فرث الغنم مثلا في لبنها وإن بقي أجزاء منه بعد
إخراجه منه استهلكت فيه " (2).
وقال في موضع آخر - عند الكلام عن حرمة
العصير العنبي وحرمة ما يمازجه -: "... بل الظاهر
حرمة الممتزج بالطاهر منها إذا لم تتحقق استحالته
إلى غيره من المحلل أو استهلاكه على وجه يلحق
بها،... ضرورة عدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى
عدم التمييز بين أجزاء المحلل والمحرم، كما هو
واضح " (3).
ومحل الاستشهاد العبارة الأخيرة، حيث
أطلق القول فيها بعدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى
تفرق الأجزاء وعدم التمييز بينها وبين أجزاء المحلل.
نعم لو كان بمعنى الاستحالة أو ما يقرب منها فهو
يرفع الحرمة. ولكن مثال الفرث واللبن من القسم
الأول مع أنه قال بارتفاع الحرمة فيه.
وجاء في رسائل المحقق الكركي:
" مسألة: لو اتفق وقوع لعاب حيوان طاهر
في الماء الذي في إناء، هل شرب ذلك الماء جائز أم
لا؟ وكذا القول في مائع غير الماء؟
الجواب: إن بقي اللعاب متميزا عن المائع
لم يحرم سوى اللعاب دون المائع، وإن استهلك
ولم يبق إلا المائع فقط، ففي حله وجه ليس
ببعيد " (1).
وجاء في بعض رسائل الشهيد الثاني:
" مسألة: لو وقع قطرة من بول مأكول اللحم
أو بعض فضلاته في المائع كالحليب، ما حكمه؟
الجواب: إن استهلك فيه حل الجميع على
الظاهر " (2).
وتقدم عن السيد اليزدي جواز أكل ما
استهلك في الفم من المحرمات كالدم ونحوه، وتقرير
السيدين الحكيم والخوئي له (3).
كانت هذه أهم الموارد التي يتحقق فيها
الاستهلاك وبيان أحكامها، وبقيت موارد أخرى،
مثل مسألة استهلاك اللبن بغيره عند الرضاع وما
يترتب عليه من نشر الحرمة - أو عدمه - واستهلاك
المغصوب في غيره، وحصول الضمان بسبب خلط
مال الغير مع ماله واستهلاكه فيه، وإن لم يكن
غاصبا، ونحوها من الموارد.

(1) ولعل منه أيضا استهلاك النحل في العسل، وقد قامت
السيرة على أكل العسل مع العلم بوجود أجزاء من النحل
مستهلكة فيه.
(2) أنظر الجواهر 36: 351.
(3) الجواهر 36: 376.
(1) رسائل المحقق الكركي 2: 277.
(2) الأسئلة المازحية (المطبوعة مع حقائق الإيمان):
234، المسألة 86.
(3) أنظر الصفحة 140، الاستهلاك في ما يتعلق بالصوم.
142

مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: وأكثر مباحث الاستهلاك
وردت في مواطن متعددة منه، تعلم مما
سبق.
2 - كتاب الصلاة: لباس المصلي.
3 - كتاب الصوم: المفطرات.
4 - كتاب الأيمان.
5 - كتاب الأطعمة والأشربة.
وموارد أخرى وبمناسبات مختلفة.
استهلال
لغة:
مصدر استهل. يقال: استهل (1) الهلال، إذا
ظهر. واستهل الصبي، إذا رفع صوته بالبكاء عند
ولادته (2).
وقيل: كل شئ ارتفع صوته فقد استهل،
ومنه: استهلت السماء إذا ارتفع صوت وقعها،
واستهل الهلال إذا رفع الصوت بالتكبير عند
رؤيته، واستهل الطفل إذا ارتفع صوته عند
الولادة (1)، وأهل المحرم بالحج إذا رفع صوته
بالتلبية (2).
اصطلاحا:
ورد الاستهلال في كلمات الفقهاء بمعنى
استهلال الهلال أي ظهوره، واستهلال الصبي أي
ارتفاع صوته بالبكاء - أو مطلق تصويته - عند
الولادة.
والمقصود بالبحث هنا هو المعنى الثاني،
وسوف نتعرض للأول في العنوانين: " صوم "
و " هلال " ونحوهما إن شاء الله تعالى.
وأما استهلال المحرم فيذكره الفقهاء بعنوان
" إهلال " غالبا، وسوف يأتي الكلام عنه في موضعه
إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
وقبل بيان أحكام الاستهلال نشير إلى أمور
ثلاثة:

(1) قرأه بعضهم بالبناء للمفعول، أي استهل الهلال.
(2) أنظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب،
والمصباح المنير، والقاموس المحيط: " هلل "، والانتصار:
102.
(1) وفي الرياض: " سمي ذلك استهلالا إما لتصويته عند
ولادته، أو للصوت الحاصل عندها ممن حضر عادة،
كتصويت من رأى الهلال " الرياض (الحجرية) 2:
445، وانظر الروضة البهية 3: 144.
(2) أنظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب،
والمصباح المنير، والقاموس المحيط: " هلل "، وانظر
الانتصار: 102.
143

الأول - هل الأحكام مترتبة على الاستهلال أو
الحياة؟
الظاهر من كلمات الفقهاء أن الأحكام مترتبة
على الحياة ولا خصوصية للاستهلال، ولإثبات
الحياة أمارات، منها: الاستهلال، ومنها: التنفس،
والتثاؤب، والعطاس، والبكاء، والرضاع، والحركة
الإرادية - دون التقلص غير الإرادي، لأنه قد
يتحقق في لحم المذبوح أيضا - ونحوها.
قال الشيخ الطوسي: "... وإن خرج وفيه
حياة مستقرة ولم يستهل فإنه يرث أيضا، ويصلى
عليه استحبابا. ويعلم أن فيه حياة مستقرة بأن
يعطس، أو يمص اللبن، أو يبقى يومين وثلاثة... " (1).
وقال المحقق: " الحمل يرث إن سقط حيا،
وتعتبر حركة الأحياء كالاستهلال والحركات
الإرادية دون التقلص " (2).
وقال الشهيد الثاني: " وتعلم الحياة بصراخه
- وهو الاستهلال - وبالبكاء، والعطاس، والتثاؤب،
وامتصاص الثدي، ونحوها من الحركة الدالة على
أنها حركة حي، دون التقلص في العصب
والاختلاج... " (3).
وقال الفاضل الإصفهاني بالنسبة إلى دية
الجنين: "... مع يقين الحياة باستهلاله، أو تنفسه، أو
عطاسه، أو ارتضاعه " (1).
الثاني - بماذا يتحقق الاستهلال؟
يتحقق الاستهلال بصراخ الطفل أو صياحه،
أو رفع صوته عند ولادته (2).
هذا بناء على أن الاستهلال هو صراخ المولود
أو تصويته، وأما لو قلنا: بأنه صوت من حضر عند
الولادة وعند رؤية المولود، فالاستهلال يتحقق
بتصويتهم الدال على ولادته حيا (3).
الثالث - بماذا يثبت الاستهلال؟
يثبت الاستهلال بالأمور التالية:
1 - برجلين: وهو الأصل في كل شهادة. لكن
يظهر من القاضي ابن البراج عدم جوازه هنا لأنه
جعل شهادة النساء على ثلاثة أقسام:
ما لا يجوز قبولها على كل حال.
وما تجوز الشهادة إذا كان معهن غيرهن من
الرجال.
وما لا يجوز أن يكون معهن أحد من
الرجال. ثم جعل مورد القسم الثالث: ما لا يجوز

(1) المبسوط 4: 124.
(2) المختصر النافع: 266.
(3) المسالك 13: 60.
(1) كشف اللثام (الحجرية) 2: 518.
(2) أنظر: المبسوط 7: 200، والمسالك 13: 60،
والسرائر 3: 276، وجامع المقاصد 1: 406، وروض
الجنان: 306.
(3) كما تقدم عن الروضة والرياض في الصفحة السابقة.
144

للرجال النظر إليه، ومنه الاستهلال (1).
2 - برجل وامرأتين: والكلام فيه كالسابق.
3 - بأربع نسوة: كل اثنتين في مقابل رجل
واحد.
ويثبت بما تقدم، الحق المترتب على
الاستهلال كله، كالميراث والدية بلا يمين (2).
4 - ويرى بعضهم ثبوت الحق كله برجل
واحد مع يمينه، لأنه مما يترتب عليه المال (3).
5 - وقال المفيد بثبوته بامرأتين مسلمتين
مستورتين، ويقبل بامرأة واحدة مأمونة إذا لم يكن
معها غيرها (4). وكذلك قال الحلبي إلا أنه ذكر بدل
المرأة الواحدة: القابلة (5).
6 - ويظهر من سلار ثبوت الحق كله بالمرأة
الواحدة إذا كانت مأمونة (6)، والمنقول عن ابن أبي
عقيل قبول شهادة القابلة وحدها إذا كانت حرة
مسلمة عدلة (7).
7 - المشهور بين الفقهاء ثبوت ربع ميراث
المستهل بامرأة واحدة بلا يمين، ونصفه بامرأتين،
وثلاثة أرباعه بثلاث، وكله بأربع نسوة (1).
لكن المنقول عن ابن الجنيد: أن ذلك
لا يختص بالميراث، بل يشمل جميع الحقوق المالية
المترتبة على الاستهلال، كالدية مثلا. ويظهر ذلك
من الحلبي وابن زهرة، قال الأول: " وتقبل شهادة
القابلة المأمونة في الولادة والاستهلال، ويحكم بربع
الدية أو الميراث " (2).
وقال الثاني: " وتقبل شهادة القابلة وحدها
إذا كانت مأمونة في الولادة والاستهلال، ويحكم
لأجلها بربع الدية أو الميراث " (3).
8 - المشهور قبول شهادة النساء في
الاستهلال والوصية وإن وجد الرجال، لكن قيده
الشيخ بصورة عدم وجود الرجال، قال: " وتقبل
شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية، وشهادة
امرأتين في نصف ميراث المستهل ونصف الوصية،
ثم على هذا الحساب، وذلك لا يجوز إلا عند عدم
الرجال " (4).

(1) المهذب 2: 559.
(2) هذا هو المعروف بين فقهائنا، أنظر: كشف اللثام
(الحجرية) 2: 379 - 380، والجواهر 41: 170 -
172.
(3) كشف اللثام (الحجرية) 2: 380.
(4) المقنعة: 727.
(5) الكافي: 439.
(6) المراسم: 233.
(7) المختلف 8: 474 - 475.
(1) أنظر: المهذب البارع 4: 541، بل الظاهر أن أصل
ثبوت الميراث بذلك لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في ثبوت
غير الميراث به أيضا. أنظر: كشف اللثام (الحجرية) 2:
380، والجواهر 41: 173.
(2) الكافي في الفقه: 439.
(3) الغنية: 439.
(4) النهاية: 333.
145

ويظهر ذلك من ابن البراج (1)، وابن حمزة (2)،
وابن إدريس (3).
9 - استقرب بعضهم ثبوت ربع الميراث
بالرجل الواحد بلا يمين كما يثبت بالمرأة الواحدة، بل
احتمل ثبوت نصفه بالرجل الواحد، لأنه بمنزلة
امرأتين. هذا مع عدم اليمين وأما معه فيثبت الحق
كله (4) كما تقدم، لأن الاستهلال مما يترتب عليه
المال فتقبل فيه شهادة الرجل الواحد مع يمينه. لكن
استشكل فيه بعض آخر (5).
أثر الاستهلال في الغسل:
لا أثر لاستهلال المولود في وجوب تغسيله لو
مات، لأن الجنين لو تمت له أربعة أشهر أو استوت
خلقته - على اختلاف الروايات - وجب تغسيله لو
مات، ولا أثر للاستهلال وعدمه في ذلك (6).
راجع: غسل، ميت.
أثر الاستهلال في الصلاة:
المعروف من مذهب الإمامية أنه لا تجب
الصلاة على من لم يبلغ ست سنين (1) من الأطفال لو
مات، لكن أوجبها ابن الجنيد إذا استهل (2)، وهو
موافق لمذهب العامة.
نعم، اختلفوا في أنها مندوبة أو لا؟
فقد صرح جماعة بكونها مندوبة (3)، بل قيل:
إنه المشهور (4).
ونسب إلى الكليني والمشايخ الثلاثة
- الصدوق والمفيد والطوسي -: عدم الندبية (5)،
واختاره صاحب الحدائق (6)، والفاضل النراقي (7)
وجعله صاحب الكفاية أحوط (8)، واستشكل في

(1) المهذب 2: 559.
(2) الوسيلة: 222.
(3) السرائر 2: 138.
(4) أنظر: القواعد 2: 239، وكشف اللثام (الحجرية) 2:
380.
(5) أنظر مستند الشيعة (الحجرية) 2: 663.
(6) أنظر الجواهر 4: 110.
(1) وفي بعض العبارات: حتى يعقل الصلاة.
(2) المختلف 2: 299.
(3) أنظر: النهاية: 143، والسرائر 1: 356، والمعتبر:
219، والتذكرة 2: 27، والبيان: 75، وجامع المقاصد
1: 406، وروض الجنان: 306، ومجمع الفائدة 2:
430، وكشف اللثام 2: 311، والرياض 4: 149،
والجواهر 12: 9، وغيرها.
(4) أنظر: الجواهر 12: 9، والمستمسك 4: 214.
(5) أنظر: الكفاية: 22، والمستند 6: 278، وانظر المقنع:
21، والمقنعة: 231، والمبسوط 1: 180.
(6) الحدائق 10: 370.
(7) مستند الشيعة 6: 279.
(8) الكفاية: 22، وجاء فيها: "... والمشهور خصوصا بين
المتأخرين أنه تستحب على من لم يبلغ الست، وظاهر
المفيد والكليني والصدوق نفي الاستحباب، وهو
أحوط ".
146

الندبية صاحب المدارك (1)، والسيدان الحكيم (2)
والخوئي (3)، وقال الأخيران بإتيانها برجاء
المطلوبية، لا الندب.
هذا إذا ولد حيا ودلت أمارة على ذلك،
كالاستهلال والرضاع ونحوهما، وأما إذا ولد سقطا
ميتا فلا يصلى عليه، لا وجوبا ولا ندبا (4).
ولو خرج بعضه ثم استهل ثم مات قبل أن
يخرج كله، فالذي اختاره المحقق (5) والعلامة (6)
والشهيد في الذكرى (7) استحباب الصلاة عليه، وهو
الظاهر من المحقق الثاني (8) أيضا.
أثر الاستهلال في الميراث:
يتوقف استحقاق الحمل للإرث على سقوطه
حيا سواء استهل أو لا، لأنه قد يكون أخرس - كما
في بعض النصوص - نعم، إذا استهل فيستحق
الإرث قطعا.
قال صاحب الجواهر: " الحمل يرث بشرط
انفصاله حيا، إجماعا بقسميه ونصوصا مستفيضة
إن لم تكن متواترة، منها الصحيحان وغيرهما،
قال في أحدهما: " سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر
(عليه السلام) عن الصبي يسقط من أمه غير مستهل
أيورث؟ فأعرض عنه، فأعاد عليه، فقال: إذا
تحرك تحركا بينا ورث، فإنه ربما كان أخرس " " (1)
إلى أن قال:
" ومنها يعلم إرادة المثال من نصوص
الاستهلال، كالصحيح: " لا يصلى على المنفوس
- وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح - ولا يورث
من الدية ولا غيرها، فإذا استهل يصلى عليه،
وورثه " " (2) إلى أن قال:
" وإن أبيت، فلا مناص عن حملها على التقية
ممن يرى اعتبار الاستهلال في ميراثه من
العامة " (3).
وقد تقدم الكلام عما يثبت به من الميراث
بالاستهلال، كما تقدم الكلام عن كيفية توريث
الحمل في عنوان " إرث " فراجع.

(1) المدارك 4: 154 - 155.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 117، كتاب
الطهارة، المقصد الخامس، الفصل السابع.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 83، كتاب
الطهارة، المقصد الخامس، الفصل السابع.
(4) أنظر: مفتاح الكرامة 1: 462، والجواهر 12: 9،
وكأنه لم ينقل فيه خلاف.
(5) المعتبر: 219.
(6) المنتهى (الحجرية) 1: 448، والتذكرة 2: 27، ونهاية
الإحكام 2: 252.
(7) الذكرى 1: 416.
(8) جامع المقاصد 1: 406.
(1) الوسائل 26: 304، الباب 7 من أبواب ميراث
الخنثى، الحديث 8.
(2) المصدر نفسه، الحديث 5.
(3) الجواهر 39: 70
147

أثر الاستهلال في الوصية:
تصح الوصية للحمل الموجود فعلا، وتستقر
بانفصاله حيا، ومما تعلم به حياته الاستهلال،
ومتى وضعته أمه ميتا بطلت الوصية. ولو وقع حيا
ثم مات كانت الوصية لورثته.
راجع: حمل، وصية.
أثر الاستهلال في الجناية:
المعروف بين فقهائنا: أن الجنين لو تمت خلقته
ولم تلجه الروح فديته مئة دينار، وإن ولجته فدية
كاملة، أي ألف دينار.
ولا فرق - على المشهور - بين موت الجنين في
بطن أمه أو بعد خروجه مع تيقن حياته عند الجناية
عليه (1).
نعم، جعل أبو الصلاح (2) وابن زهرة (3)
الحلبيان دية موته في بطن أمه نصف الدية الكاملة.
ومما تثبت به حياة الجنين استهلاله عند
خروجه من بطن أمه (4).
فإن جني على الأم أو على جنينها ثم سقط
واستهل ثم مات على أثر الجناية فتثبت الدية
الكاملة على الجاني (1).
وهل يثبت القود - القصاص - لو كان متعمدا
في جنايته؟
نسب السيد الخوئي إلى المشهور القول
بثبوته، لكنه استشكل فيه (2).
وسوف تأتي بقية أحكامه من نوع الدية
والكفارة ونحوهما في العنوانين: " جنين " و " دية "
إن شاء الله تعالى.
اختلاف الجاني والوارث في الاستهلال:
لو اختلف الجاني ووارث الجنين المجني عليه
في الاستهلال - أو في ما يدل على حياته غير
الاستهلال - فادعى الوارث استهلاله وأنكر الجاني،
فإن أقام الوارث بينة على مدعاه فيقدم قوله (3)، وإن
لم يقم، فالقول قول الجاني مع يمينه، لأنه منكر، لمطابقة
قوله للأصل وهو أصالة عدم تحقق الاستهلال (4).

(1) أنظر: مفتاح الكرامة 10: 504، والجواهر 43: 364 -
365.
(2) الكافي في الفقه: 393.
(3) الغنية: 415.
(4) أنظر: المبسوط 7: 200، ومفتاح الكرامة 10: 505،
والجواهر 43: 365.
(1) أنظر: المبسوط 7: 200، ومفتاح الكرامة 10:
505، والجواهر 43: 365.
(2) مباني تكملة المنهاج 2: 417، المسألة 393، وانظر
الجواهر 43: 381، إلا أن مفروض الكلام عندهم " ما
لو ضرب الأم فألقت الجنين فمات عند سقوطه "، وهو
يشمل ما نحن فيه بطريق أولى.
(3) مباني تكملة المنهاج 2: 417، المسألة 392.
(4) أنظر: المبسوط 7: 201، والقواعد 2: 338، وكشف
اللثام 2: 522، والجواهر 43: 380، ومباني تكملة
المنهاج 2: 417، المسألة 392.
148

وإذا أقام كل منهما بينة على مدعاه، فقد
صرح جملة ممن تعرض للمسألة: بأن الترجيح لبينة
الوارث، لأنها تدعي زيادة الحياة التي قد تخفى على
بينة الجاني (1).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: غسل الميت.
2 - كتاب الصلاة: الصلاة على الميت، وربما
يذكر في كتاب الطهارة بمناسبة غسل
الميت.
3 - كتاب الميراث: في ميراث الحمل، أو في
موانع الإرث.
4 - كتاب الوصية: الوصية للحمل.
5 - كتاب الديات: الجناية على الحمل.
استواء
لغة:
يأتي على معان منها: الاعتدال، والمماثلة.
اصطلاحا:
واستعمله الفقهاء بهذا المعنى في موارد عديدة
من قبيل الاستواء في الركوع، قال الشهيد في
الذكرى: " يستحب في الركوع زيادة الانحناء حتى
يستوي الظهر والرأس والعنق، وهو يحصل بالمبالغة
في ذلك، وبرد الركبتين إلى خلفه ومد العنق...
وروي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستوي في الركوع بحيث
لو صب الماء على ظهره لاستمسك... وأن عليا (عليه السلام)
كان يعتدل في الركوع مستويا حتى يقال: لو صب
الماء على ظهره لاستمسك " (1).
فالاستواء هنا بمعنى المماثلة، أي يكون جميع
الظهر مماثلا، ليس فيه تقويس ونحوه.
ومنه قولهم: " مستوي الخلقة " أي معتدل
الخلقة، ليس فيه شذوذ.
ومنه قولهم في الفحص عن الماء في بحث
التيمم: " الأرض المستوية " أي المتماثلة، في مقابل
" الأرض الحزنة " أي التي فيها صعود وهبوط.
استياك
لغة:
مصدر استاك، وهو مشتق من ساك، يقال:
ساك الشئ، أي دلكه. وساك فمه بالعود، أي دلكه
به. وإذا قيل: استاك، فلا يذكر الفم ولا العود (2).

(1) أنظر: المبسوط 7: 201، والقواعد 2: 338، وكشف
اللثام 2: 522، والجواهر 43: 380.
(1) الذكرى 3: 371.
(2) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " ساك ".
149

اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي.
راجع: سواك.
استيجام
لغة:
يقال: استأجمت الأرض، أي صارت ذات
أجمة. والأجمة: الشجر الملتف، والجمع أجمات،
وجمع الجمع آجام (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
راجع: آجام.
استيداع
لغة:
يقال: استودعته وديعة، بمعنى استحفظته
إياها (2). أي طلبت منه أن يحفظها.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
راجع: وديعة.
استيطان
لغة:
مصدر استوطن، يقال: استوطن البلد، أي
اتخذه وطنا (1)، ومثله توطن.
والوطن: محل الإنسان (2)، ومكانه ومقره (3)،
والمنزل الذي يقيم فيه (4).
اصطلاحا:
أطلقت كلمة " الاستيطان " في عبارات
الفقهاء على معنيين:
الأول - اللبث، ومنه قولهم: " استيطان
المساجد " أي اللبث فيها.
الثاني - اتخاذ الوطن.
والوطن في عرف الفقهاء على أقسام ثلاثة
إجمالا:

(1) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، ومجمع
البحرين: " أجم ".
(2) أنظر: لسان العرب، ومجمع البحرين: " ودع ".
(1) المصباح المنير: " وطن ".
(2) الصحاح: " وطن ".
(3) المصباح المنير: " وطن ".
(4) لسان العرب: " وطن ".
150

1 - الموضع الذي ولد ونشأ وترعرع فيه
الإنسان، وهو المعبر عنه ب‍ " مسقط الرأس "،
ويقال له: " الوطن الأصلي " أيضا (1).
وعلى هذا لا يكون للإنسان إلا موطن أصلي
واحد.
2 - الموضع الذي يتخذه الإنسان مقرا ومحلا
لنفسه على الدوام، ولم يحدد له وقتا محدودا وإن كان
كثيرا. ويعبر عنه ب‍ " الوطن الاتخاذي "، أو " دار
الإقامة " أو " الوطن المستجد ".
وبناء على ذلك يمكن أن يكون للإنسان عدة
مواطن مستجدة واتخاذية، يكون في كل قسم من
السنة في واحد منها، لكن على نحو الدوام
والاستمرار. إلا أن الإمام الخميني استشكل في أن
يكون للإنسان أكثر من وطنين فعليين، فإنه قال:
" يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليان في زمان
واحد، بأن جعل بلدين مسكنا له دائما، فيقيم في كل
منهما ستة أشهر مثلا في كل سنة، وأما الزائد عليهما
فمحل إشكال لا بد من مراعاة الاحتياط " (2).
وقد ورد الوطن بهذا المعنى في كلمات العلامة
ومن تأخر عنه - كما قيل - وعبروا عنه ب‍ " دار
الإقامة " أو " دار المقام ". قال صاحب المدارك:
" وألحق العلامة ومن تأخر عنه بالملك اتخاذ البلد
دار مقامه على الدوام، ولا بأس به، لخروج المسافر
بالوصول إليها عن كونه مسافرا عرفا ". ثم قال:
" قال في الذكرى: وهل يشترط هنا استيطان
الستة الأشهر؟ الأقرب ذلك ليتحقق الاستيطان
الشرعي مضافا إلى العرفي، وهو غير بعيد " (1).
إلا أن بعض الفقهاء اكتفوا باشتراط صدق
الوطن عرفا، فلم يشترطوا ستة الأشهر. نعم، قالوا
بعدم كفاية مجرد العزم على الاستيطان.
ومن جملة هؤلاء: المحقق السبزواري (2)،
وصاحب الحدائق (3)، والفاضل النراقي (4)، والسيد
اليزدي (5)، والسيد الخوئي (6)، والإمام الخميني (7).
لكن قوى صاحب الجواهر الاكتفاء بنية

(1) أنظر - هذا وقسيميه الآخرين -: الرياض 4: 419،
ومفتاح الكرامة 3: 564، والعروة الوثقى: كتاب
الصلاة، صلاة المسافر، فصل في قواطع السفر،
والمستمسك 8: 104، ومستند العروة 8: 236.
(2) تحرير الوسيلة 1: 234، كتاب الصلاة، القول في قواطع
السفر، المسألة 2.
(1) المدارك 4: 445، وانظر: تذكرة الفقهاء 4: 392،
والذكرى 4: 309، وروض الجنان: 386.
(2) ذخيرة المعاد: 408.
(3) الحدائق 11: 378.
(4) مستند الشيعة 8: 241.
(5) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الأول: الوطن.
(6) مستند العروة 8: 238، وانظر منهاج الصالحين 1:
248، كتاب الصلاة، قواطع السفر، المسألة 925.
(7) تحرير الوسيلة 1: 233، كتاب الصلاة، القول في
قواطع السفر.
151

الإقامة، ونقله عن شيخه في بغية الطالب (1)، وتبعه
السيد الحكيم (2).
ويختلف الصدق العرفي بحسب الظروف
الزمانية والمكانية وشخصية المقيم ونحو ذلك.
قال السيد اليزدي: " والظاهر أن الصدق المذكور
يختلف بحسب الأشخاص والخصوصيات، فربما
يصدق بالإقامة فيه بعد القصد المزبور شهرا أو
أقل " (3).
3 - الموضع الذي يكون للإنسان فيه ملك، أو
خصوص المنزل - على بعض الآراء - وقد استوطنه
ستة أشهر، وهو الذي يعبر عنه ب‍ " الوطن
الشرعي " في مقابل الوطنين المتقدمين اللذين يعبر
عنهما ب‍ " الوطن العرفي ".
ووجه التسمية: أن الأولين إنما هما وطنان
بحسب العرف، أما الأخير فهو وطن بحسب الشرع
- على فرض ثبوت ذلك - وإن لم يصدق عليه
الوطن بحسب العرف.
ثم إن هناك أمورا ترتبط بالوطن وخاصة
الشرعي منه، نشير إليها إجمالا:
الأول - أن بعض الفقهاء أنكر الوطن
الشرعي، وأرجع مفاد الروايات التي استفيد منها
الوطن الشرعي إلى الوطن العرفي. من قبيل:
صاحب المدارك (1)، وصاحب الذخيرة (2)،
وصاحب الرياض (3)، والسيد اليزدي (4)، والسيد
الحكيم (5)، والإمام الخميني (6).
الثاني - لا يشترط في صدق الوطن الأصلي
أن يكون للإنسان فيه ملك: لا ضيعة، ولا منزل،
ولا غير ذلك.
والظاهر من كلماتهم أن الوطن الاتخاذي
كذلك، فلا يشترط أن يكون له فيه ملك أيضا (7)،
لكن ربما يظهر من بعضهم اشتراطه (8).
وأما الوطن الشرعي، فالمعروف بينهم أنه
يشترط أن يكون له فيه ملك، واكتفى بعضهم بأن
يكون له منزل، سواء كان ملكا له أو لا، لأن اللام

(1) الجواهر 14: 245.
(2) المستمسك 8: 105، وانظر منهاج الصالحين 1: 351،
كتاب الصلاة، قواطع السفر، المسألة 45.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الأول: الوطن.
(1) المدارك 4: 444.
(2) ذخيرة المعاد: 408.
(3) الرياض 4: 419.
(4) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
المسألة الأولى.
(5) المستمسك 8: 108.
(6) تحرير الوسيلة 1: 233، القول في قواطع السفر،
المسألة الأولى.
(7) قال صاحب الرياض: "... إنهم ألحقوا بالملك اتخاذ
البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام، معربين عن عدم
اشتراط الملك فيه... ". الرياض 4: 419.
(8) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 376.
152

في قولهم: " له منزل " تفيد الاختصاص وهو أعم
من الملك. وسيأتي الكلام عن ذلك.
ثم إن القائلين باشتراط الملك اختلفوا في أنه
يكفي مجرد الملك، أو لا بد أن يكون منزلا؟
ذهب بعضهم - ولعله المشهور - إلى كفاية
مجرد الملك، فتكفي الضيعة في صدق الوطن
الشرعي، بل نقل عن بعضهم صدق الوطن الشرعي
حتى مع ملك شجرة واحدة.
واشترط بعض آخر كون الملك منزلا، كي
تصدق الإقامة. قال صاحب المدارك - بعد قول
المحقق: " والوطن الذي يتم فيه، هو كل موضع له
فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر " -:
" إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك
بين المنزل وغيره، وبهذا التعميم جزم العلامة ومن
تأخر عنه، حتى صرحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة
الواحدة... " إلى أن قال:
" والأصح اعتبار المنزل خاصة كما هو
ظاهر الشيخ في النهاية (1)، وابن بابويه (2)، وابن
البراج (1)، وأبي الصلاح (2)، والمصنف في النافع (3)،
لإناطة الحكم به في الأخبار الصحيحة " (4).
وممن يظهر منه اعتبار المنزل: الشيخ في
التهذيب (5) والاستبصار (6)، وابن حمزة (7)، وابن
إدريس (8)، والمحقق الأردبيلي (9)، والمحدث
الكاشاني (10)، وصاحب الذخيرة (11)، وصاحب
الحدائق (12)، وصاحب الرياض (13)، ونقل ذلك - في

(1) النهاية: 124، وجاء فيها: " ومن خرج إلى ضيعة له،
وكان له فيها موضع ينزله ويستوطنه، وجب عليه التمام.
فإن لم يكن له فيها مسكن، وجب عليه التقصير ".
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 451، ذيل الحديث 1307،
وجاء فيه: "... ومتى لم يرد المقام بها [أي قراه وأرضه]
عشرة أيام قصر إلا أن يكون له بها منزل يكون فيه في
السنة ستة أشهر، فإن كان كذلك أتم متى دخلها ".
(1) المهذب 1: 106، وجاء فيه: " ومن مر في طريقه على
مال له أو ضيعة يملكها، أو كان له في طريقه أهل أو من
جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة
أيام كان عليه التقصير "، ولعله استفاد من عدم ذكر
المنزل: أنه لو نزل في منزل له لم يقصر.
(2) الكافي في الفقه: 117، وجاء فيه: " فإن دخل مصرا
له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام ".
(3) المختصر النافع: 51، وفيه: " فلو عزم مسافة وله في
أثنائها منزل قد استوطنه ستة أشهر، أو عزم في أثنائها
إقامة عشرة أيام، أتم ".
(4) المدارك 4: 443.
(5) التهذيب 3: 212، ذيل الحديث 514.
(6) الاستبصار 1: 230، ذيل الحديث 816.
(7) الوسيلة: 109.
(8) السرائر 1: 331.
(9) مجمع الفائدة والبرهان 3: 375.
(10) المفاتيح 1: 25، المفتاح 17.
(11) ذخيرة المعاد: 408.
(12) الحدائق 11: 365.
(13) الرياض 4: 417 - 418.
153

مفتاح الكرامة - عن آخرين أيضا (1)، ولعله الظاهر
من صاحب الجواهر (2)، ونحوه ممن احتاط في
المسألة.
الثالث - ظاهر كلام الأصحاب (3) - كما قال
في الحدائق (4) - اشتراط الملكية، فلو كان المنزل
إجارة أو عارية ونحو ذلك لم تترتب عليه أحكام
الوطن الشرعي.
لكن استشكل فيه بعضهم، فقال بكفاية كون
المنزل إجارة، أو عارية، كصاحب الذخيرة (5)،
والفاضل النراقي (6).
وفصل صاحب الحدائق بين الضياع والقرى
فاشترط الملك فيها، وبين المنزل فلم يشترط، لأن
المنزل - في اللغة - هو موضع النزول، وهو أعم من
أن يكون مملوكا أو لا، ولأن اللام في " له منزل "
للاختصاص وهو أعم من الملكية، فيشمل مثل
الإجارة ونحوها (7).
ورتب بعضهم على ما تقدم عدم الاكتفاء
بالنزول في الأوقاف العامة، كالخانات والمدارس
ونحوها، لعدم صدق العنوان المتقدم أي " المنزل "،
أو لعدم تبادر هذا النوع من الاختصاص منه (1).
نعم، لو كان وقفا خاصا (2)، أو وقفا لعنوان
محصور هو من مصاديقه (3) كان كافيا.
الرابع - تقدم أن الوطن الشرعي: ما يكون
للإنسان فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر، لكن
اختلف الفقهاء في كفاية الاستيطان ستة أشهر مرة
واحدة، فقال بعضهم - بل قيل: إنه المستفاد من
كلام الأكثر (4) -: يكفي ذلك مرة واحدة، لكن
اشترط بعض آخر فعلية الاستيطان واستمراره
بمعنى أن يستوطن ملكه أو منزله في كل سنة ستة
أشهر، كما يظهر من الصدوق (5)، والشيخ الطوسي في
النهاية (6)، وابن البراج (7)، وصاحب المدارك (8)،

(1) مفتاح الكرامة 3: 560.
(2) الجواهر 14: 253 - 254.
(3) بل صرح به بعضهم: كالعلامة في نهاية الإحكام
2: 177، والتذكرة 4: 391، والشهيد الأول في
الذكرى 4: 309، والشهيد الثاني في روض الجنان:
386.
(4) الحدائق 11: 373.
(5) ذخيرة المعاد: 408.
(6) مستند الشيعة 8: 241.
(7) الحدائق 11: 373.
(1) أنظر: البيان: 262، والدروس 1: 211، وذخيرة
المعاد: 408، ومستند الشيعة 8: 241.
(2) أنظر: الدروس 1: 211، وروض الجنان: 386،
وذخيرة المعاد: 408.
(3) مستند الشيعة 8: 242.
(4) الحدائق 11: 371.
(5) من لا يحضره الفقيه 1: 451، ذيل الحديث 1307.
(6) النهاية: 124.
(7) نقله صاحب المدارك عن كتاب " الكامل "، أنظر
المدارك 4: 445.
(8) المدارك 4: 444.
154

والمحدث الكاشاني (1)، وصاحب الرياض (2).
ويظهر من صاحب الذخيرة: أن المناط
صدق الاستيطان عرفا من دون تقييد بمدة، بحيث
يصدق أنه من أهل ذلك البلد (3). وتبعه بعض
من تأخر عنه، كما قال المحدث البحراني في
الحدائق (4).
أقول: كل هؤلاء الذين اشترطوا فعلية
الاستيطان ستة أشهر، أو جعلوا المناط صدق
الاستيطان عرفا، هم الذين استظهرنا منهم إنكار
الوطن الشرعي، لأن اشتراط ذلك - يعني فعلية
الاستيطان - يستلزم إرادة الوطن العرفي كما
تقدم، ولذلك يمكن أن نستظهر هذا الشرط من
كل من أنكر الوطن الشرعي وإن لم يذكره
بعنوان الشرط، كالسيد اليزدي (5)، والسيد
الحكيم (6)، والإمام الخميني (7)، كما هو ظاهر كلامهم
أيضا.
الخامس - الظاهر من كلماتهم - بل صرح
بعضهم (1) -: أنه يشترط دوام الملك في الوطن
الشرعي، وإذا خرج المنزل أو الضيعة أو نحوهما عن
الملكية زال عنوان الاستيطان، والوطن الشرعي،
لعدم بقاء علقة بين الشخص وبين ذلك المحل.
ويأتي هذا الشرط حتى على القول بكفاية
الإجارة والعارية - كما صرح بذلك صاحب
الحدائق (2) - فإذا انتفت علقة الإجارة انتفى عنوان
الاستيطان أيضا.
السادس - صرح بعض الفقهاء: بأنه لا يجب
الاستيطان في نفس الملك أو المنزل، بل يكفي
الاستيطان في البلد الذي فيه الملك، ومن هؤلاء:
العلامة (3)، والشهيدان (4)، والمحقق الثاني (5)،
وصاحب الذخيرة (6)، والفاضل النراقي (7).
واشترط صاحب الحدائق السكنى في المنزل،

(1) المفاتيح 1: 25، المفتاح 17.
(2) الرياض 4: 419 - 420.
(3) ذخيرة المعاد: 408، وكفاية الأحكام: 34.
(4) الحدائق 11: 371.
(5) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
المسألة 2.
(6) المستمسك 8: 111.
(7) تحرير الوسيلة 1: 234، القول في قواطع السفر،
المسألة 2.
(1) أنظر: التذكرة 4: 391، ونهاية الإحكام 2: 177،
والبيان: 262، والذكرى 4: 309، وروض الجنان:
386، ومجمع الفائدة 3: 376، وجاء في مفتاح الكرامة:
" وفي المصابيح وبعض نسخ المدارك: أن الظاهر الاتفاق
على اعتبار دوام الملك ". مفتاح الكرامة 3: 562.
(2) الحدائق 11: 375.
(3) أنظر: التذكرة 4: 391، والمختلف 3: 143، وغيرهما
من كتبه.
(4) أنظر: الذكرى 4: 308، وروض الجنان: 386.
(5) أنظر جامع المقاصد 2: 511 - 512.
(6) ذخيرة المعاد: 408.
(7) مستند الشيعة 8: 242.
155

ولم يشترطه في مثل الضيعة ونحوها، وقد تقدم أن
الملاك عنده هو ملك المنزل، لا مطلق الملك (1).
السابع - صرح بعض الفقهاء: بأنه لا يشترط
في الوطن الشرعي البقاء ستة أشهر على التوالي، بل
تكفي ستة ملفقة، وممن صرح بذلك العلامة (2)،
والشهيدان (3)، والمحقق الأردبيلي (4)، وصاحب
الذخيرة - ونسبه إلى جماعة (5) - وصاحب
الحدائق (6).
واشترطه بعض آخر من قبيل: الفاضل
النراقي - واستظهره من المحقق في المعتبر، ونقل
تقويته عن بعض الأجلة (7) - والسيد الخوئي (8)،
ويظهر من صاحب الجواهر الميل إليه (9)، لتبادر ذلك
من الاستيطان.
الثامن - اشترط بعضهم أن تكون الصلاة في
الأشهر الستة بنية الإقامة، لأنه المتبادر من قوله
(عليه السلام): " منزل يقيم فيه ستة أشهر " (1) فلا يكفي
الاتمام لأجل البقاء ثلاثين يوما مترددا، أو لكونه
كثير السفر، أو عاصيا بسفره.
وممن صرح بذلك: الشهيد الثاني (2)،
وصاحب الحدائق (3)، ونسبه صاحب الذخيرة إلى
جماعة (4).
ونفاه المحقق الأردبيلي (5)، والفاضل النراقي
- بالنسبة إلى ستة الأشهر الماضية (6) - وربما يظهر
من صاحب الجواهر (7).
التاسع - اشترط الشهيد الأول - في البيان -
أن تكون الإقامة للدوام، فلو نوى الإقامة لا على
الدوام لم يتحقق الاستيطان الشرعي. قال: " ولو
استوطنه تبعا لحاجة كطلب علم، أو متجر، أو
استيطانا محدودا، فلا حكم له وإن طالت المدة " (8).

(1) الحدائق 11: 374 - 375.
(2) التذكرة 4: 391.
(3) الشهيد الأول في الذكرى 4: 308، والثاني في روض
الجنان: 386.
(4) مجمع الفائدة 3: 376، ولكن فيه: السابع: الظاهر عدم
اشتراط التوالي، للصدق.
(5) ذخيرة المعاد: 408.
(6) الحدائق 11: 372.
(7) مستند الشيعة 8: 242.
(8) مستند العروة 8: 251.
(9) الجواهر 14: 255.
(1) الوسائل 8: 494، الباب 14 من أبواب صلاة
المسافر، الحديث 11.
(2) روض الجنان: 386.
(3) الحدائق 11: 373.
(4) ذخيرة المعاد: 408.
(5) مجمع الفائدة 3: 376 - 377.
(6) مستند الشيعة 8: 243، والظاهر أن مراده: لو مضت
ستة أشهر من دون قصد الإتمام يتحقق الشرط أيضا،
وأما لو كان مراده من الأول الاستيطان ولكن لم تتحقق
شروط الإتمام لم يتحقق الشرط، والله العالم.
(7) الجواهر 14: 255.
(8) البيان: 262.
156

ويظهر من الفاضل النراقي (1) وصاحب
الجواهر (2) اشتراطهما ذلك أيضا.
ونفاه السيد الخوئي (3).
العاشر - الإعراض عن الوطن الأصلي أو
المستجد (دار الإقامة) يوجب انتفاء عنوان
" الوطنية " إلا إذا كان له ملك - أو منزل على بعض
الآراء - فلا ينتفي ما دام الملك موجودا، لتحقق
الوطن الشرعي إضافة إلى الوطن العرفي، فإذا انتفى
العرفي بقي الشرعي.
وبناء على ذلك لا يخرج الوطن الشرعي
بالإعراض عن الوطنية، لاشتراط صدق عنوان
الوطن الشرعي ببقاء الملك، فما دام الملك باقيا
يصدق الوطن الشرعي وإن أعرض عن المقام فيه
على الدوام (4).
الحادي عشر - قال السيد اليزدي: " لا يبعد
أن يكون الولد تابعا لأبويه أو أحدهما في الوطن ما
لم يعرض بعد بلوغه عن مقرهما... " (1).
وقال السيد الحكيم في المنهاج: " يكفي في
صدق الوطن قصد التوطن ولو تبعا كما في الزوجة
والعبد والولد المميز. نعم يشكل الحكم في الولد
الصغير غير المميز (2) " (3).
وقال السيد الخوئي في المنهاج أيضا: " يكفي
في صدق الوطن قصد التوطن ولو تبعا كما في
الزوجة والعبد والأولاد " (4).
وقال الإمام الخميني: " الظاهر أن التابع
الذي لا استقلال له في الإرادة والتعيش تابع لمتبوعه
في الوطن، فيعد وطنه وطنه سواء كان صغيرا - كما
هو الغالب - أو كبيرا شرعا، كما قد يتفق للولد

(1) مستند الشيعة 8: 240، حيث اشترط المقام ستة أشهر
والعزم على الإقامة بعدها.
(2) الجواهر 14: 254، وجاء فيه: " بل الأحوط الاقتصار
فيه على الملك المزبور الذي قصد فيه الاستيطان مدة
العمر وجلس فيه ستة أشهر بهذه النية إلا أنه عدل عنه
إلى غيره، لا الذي قصد من أول الأمر الجلوس فيه ولو
لغرض أو تجارة أو نحوهما... ".
(3) مستند العروة (الصلاة) 8: 250، ونقل نسبة هذا
الشرط إلى المشهور، ثم قال: " ولكن هذه النسبة لم
نتحققها ولم يثبت ذهاب المشهور إليها " وهو كذلك.
(4) أنظر العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع
السفر، المسألة الأولى، والمستمسك 8: 106، ومستند
العروة (الصلاة) 8: 239، والجواهر 14: 245.
(1) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
المسألة 3.
(2) لأنه يعتبر القصد في الاستيطان حتى في صورة التبعية،
ولو قصدا إجماليا ارتكازيا حاصلا من التبعية، وغير
المميز لم يحصل منه ذلك.
(3) منهاج الصالحين 1: 351، كتاب الصلاة، قواطع
السفر، المسألة 46، وانظر المستمسك 8: 111.
(4) منهاج الصالحين 1: 248، كتاب الصلاة، قواطع
السفر، المسألة 927، وانظر مستند العروة (الصلاة) 8:
252، حيث يرى أن قصد غير البالغ كعدمه، فلو قصد
الاستيطان قبل البلوغ لا يترتب عليه الأثر، ولعل مراده
نفي القصد استقلالا لا تبعا.
157

الذكر، وكثيرا ما للأنثى، خصوصا في أوائل البلوغ.
والميزان هو التبعية وعدم الاستقلال، فربما يكون
الصغير المميز مستقلا في الإرادة والتعيش، كما ربما
لا يستقل الكبير الشرعي " (1).
الأحكام:
تترتب على الاستيطان آثار عديدة، بعضها
يتعلق بالاستيطان بمعنى اللبث، مثل استيطان الجنب
أو الميت في المسجد، وبعضها يتعلق به بمعنى اتخاذ
الوطن، إما العرفي والشرعي، أو العرفي فقط. وفيما
يلي نشير إلى أحكام الاستيطان بالمعنى الثاني، أما
الأول فنحيله على العناوين: " جنب "، " لبث "،
" مسجد "، " ميت " ونحوها مما يناسب الموضوع.
أثر الاستيطان في الصلاة والصوم:
من قواطع السفر المرور على الوطن، سواء كان
أصليا، أو مستجدا، أو شرعيا، بناء على القول به.
فإذا وصل المسافر إلى وطنه أتم الصلاة
وصام وإن لم يبق فيه إلا يوما واحدا (2).
وسوف يأتي الكلام عن ذلك في العنوانين:
" سفر " و " قصر " إن شاء الله تعالى.
أثر الاستيطان في صلاة الجمعة والعيد:
نسب إلى الأكثر القطع بوجوب صلاة الجمعة
على القاطنين في الخيم وبيوت الشعر من أهل البادية
وما شابههم بشرط الاستيطان فيها (1).
ونسب إلى الشيخ التردد في وجوبها عليهم (2).
ونسب إلى ابن أبي عقيل اشتراط استيطان
المصر أو القرية في الوجوب (3).
وأما صلاة العيد، فقد صرحوا: بأن شرائطها
مثل شرائط صلاة الجمعة (4).
راجع: صلاة الجمعة، وصلاة العيد.
أثر الاستيطان في صلاة الكسوف:
لا أثر للاستيطان في وجوب صلاة الكسوف
والآيات بصورة عامة، فهي تجب عند حصول
سببها على المسافر والحاضر وعلى المستوطن وغيره.
قال في المعتبر: " صلاة الكسوف تلزم الرجال

(1) تحرير الوسيلة 1: 234، كتاب الصلاة، القول في قواطع
السفر.
(2) أنظر: الجواهر 14: 240، والمستمسك 8: 103،
ومستند العروة 8: 235 وغيرها.
(1) أنظر: مفتاح الكرامة 3: 144، والجواهر 11: 279.
(2) أنظر: المختلف 2: 233، والمبسوط 1: 144، وجاء
فيه: "... يجب على أهل القرى والسواد إذا كان فيهم
العدد، الجمعة. ومن شرط ذلك أن يكون قراهم مواضع
استيطان، فأما أهل بيوت مثل البادية والأكراد فلا يجب
عليهم ذلك، لأنه لا دليل على وجوبها عليهم، ولو قلنا:
إنها تجب عليهم إذا حضر العدد لكان قويا، لعموم
الأخبار في ذلك ".
(3) أنظر: المختلف 2: 233.
(4) أنظر: المدارك 4: 96، والجواهر 11: 345.
158

والنساء والمسافر والحاضر وليس الاستيطان
شرطا، ولا المصر، ولا الإمام، لعموم الأمر... " (1).
وكأنه مفروغ منه، ولذلك لم يتعرض له
الأكثر.
راجع: صلاة الآيات.
أثر الاستيطان في الزكاة:
صرح بعض الفقهاء: بأنه لو قصد ابن السبيل
- في طريقه - استيطان مكان ما، خرج عن كونه ابن
السبيل، فلا يعطى من الزكاة بهذا العنوان. نعم،
يمكن أن يعطى بعنوان آخر، كعنوان " الفقير "
و " المسكين " مع صدق العنوانين عليه (2).
وهو الظاهر من صاحب الذخيرة (3) ونحوه
ممن ناقش الشيخ (4) حيث قال بخروج ابن السبيل
عن هذا العنوان بقصد المقام أكثر من عشرة أيام،
ولم يناقشوا ابن إدريس القائل بخروجه
بالاستيطان، مع تعرضهم لكلامه أيضا.
راجع: ابن السبيل.
أثر الاستيطان في الحج:
للاستيطان أثر في الحج من عدة جهات:
أولا - من جهة نوع الحج:
إن الآفاقي - وهو من كان مستوطنا خارج
مكة (1) - وظيفته التمتع، والمكي - وهو من كان
مستوطنا في مكة وما جاورها - وظيفته الإفراد أو
القران (2).
فمن كان مستوطنا في غير مكة ثم استوطنها
بنية الدوام، انقلب فرضه من التمتع إلى الإفراد أو
القران، وكذا العكس، فمن كان مستوطنا في مكة، ثم
استوطن غيرها بنية الدوام انقلب فرضه من الإفراد
أو القران إلى التمتع (3).
وفي كل ذلك تفصيل يأتي في عنوان " حج "
إن شاء الله تعالى.

(1) المعتبر: 217.
(2) أنظر: السرائر 1: 458، والجواهر 15: 372.
(3) ذخيرة المعاد: 457.
(4) المبسوط 1: 257.
(1) في تحديد ذلك قولان: أحدهما 12 ميلا من كل جانب
من مكة، والآخر 48 ميلا. أنظر شرائع الإسلام 1: 237.
(2) التمتع هو: أن يحرم من الميقات بالعمرة، ثم يدخل
مكة، فيطوف سبعا بالبيت ويصلي ركعتي الطواف، ثم
يسعى بين الصفا والمروة سبعا، ثم يقصر. ثم ينشئ
إحراما آخر للحج من مكة، والإفراد هو: أن يحرم للحج
من الميقات، أو مما يسوغ له ثم يأتي بحجة، ثم يحرم
لعمرة مفردة بعد الإحلال من الحج، والقران كالإفراد،
إلا أن القارن يسوق معه الهدي عند إحرامه. أنظر شرائع
الإسلام 1: 236 - 240.
(3) أنظر: المدارك 7: 209 - 210، والجواهر 18: 90،
والمستمسك 11: 168 و 177، ومستند العروة (الحج)
2: 206، وبمتنهما العروة الوثقى: فصل في أقسام الحج،
المسألة 3.
159

ثانيا - من جهة الاستطاعة:
تختلف استطاعة الآفاقي عن استطاعة المكي،
فلو استوطن الآفاقي مكة وانقلب فرضه من التمتع
إلى الإفراد، فهل تنقلب الاستطاعة في حقه بانقلاب
الفرض، أو لا؟ لهم فيه كلام.
هذا لو استقر عليه الحج - بحصول
الاستطاعة - قبل الاستيطان، أما لو استوطن ثم
حصلت له الاستطاعة، فالمعتبر الاستطاعة بالنسبة
إلى البلد الذي استوطن فيه (1).
ثالثا - من جهة أخذ النائب:
إذا مات من قصد الحج في الطريق، فهل يجب
أخذ النائب عنه من محل موته، أو من محل
استيطانه، أو يكفي من الميقات؟
لهم فيه كلام أيضا (2).
راجع هذا وما تقدمه في العنوانين: " حج "،
و " نيابة ".
أثر الاستيطان في الأمان:
لو عقد الكافر الأمان لنفسه وماله ثم التحق
بدار الحرب، فإن كان لتجارة أو نحوها، وكان في
نيته العود إلى دار الإسلام، فالأمان باق. وإن كان
للاستيطان بها انتقض أمانه لنفسه خاصة دون ماله (1).
راجع: أمان.
النهي عن استيطان أهل الذمة والمشركين أرض
الحجاز:
قال المحقق في أحكام أهل الذمة: " ولا يجوز
لهم استيطان الحجاز على قول مشهور، وقيل: المراد
به مكة والمدينة... ولا جزيرة العرب، وقيل: المراد
بها مكة والمدينة واليمن ومخاليفها، وقيل: هي من
عدن إلى ريف عبادان طولا، ومن تهامة وما والاها
إلى أطراف الشام عرضا " (2).
والحكم شامل للمشركين بطريق أولى (3).
راجع العنوانين: " إشراك "، و " أهل الذمة ".
أثر الاستيطان في اللقيط:
اللقيط في دار الإسلام حر وفي دار الكفر

(1) أنظر: المدارك 7: 210، والجواهر 18: 90،
والمستمسك 11: 175، ومستند العروة (الحج) 2:
214، وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل أقسام
الحج، المسألة 3.
(2) أنظر: المدارك 7: 87، والجواهر 17: 326،
والمستمسك 10: 265 - 266، ومستند العروة (الحج)
1: 324، وبمتنهما العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل
في شرائط وجوب الحج، الاستطاعة المالية، المسألة
91.
(1) أنظر: المبسوط 2: 15، وشرائع الإسلام 1: 315،
والمختلف 4: 400، والجواهر 21: 104.
(2) شرائع الإسلام 1: 332، وانظر الجواهر 21: 289 -
291.
(3) أنظر المبسوط 2: 47.
160

رق إلا إذا استوطنها مسلم ولو كان أسيرا عند
الكفار بحيث يحتمل كون اللقيط متولدا منه، فيحكم
بحريته.
ويبدو من كلمات بعض الفقهاء أن ذلك هو
المعروف بينهم، وإن استشكل فيه بعضهم، قال
صاحب الجواهر: " ثم لا يخفى عليك أن التغليب
المزبور للإسلام - ولو بوجود واحد أسير أو محبوس
في بلاد الكفر يمكن كون الولد منه - مناف لمقتضى
قاعدة " إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب "...
وما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع
اقتضاء الأصول العقلية عدم الحكم بإسلامه
وكفره " (1).
راجع: لقطة.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - صلاة المسافر.
ب - صلاة الجمعة.
ج - صلاة العيد.
د - صلاة الآيات.
2 - كتاب الصوم: شرائط وجوب الصوم.
3 - كتاب الحج:
أ - أقسام الحج.
ب - شرائط وجوب الحج: الاستطاعة
المالية.
4 - كتاب الجهاد:
أ - إعطاء الأمان للمشركين.
ب - المنع عن استيطان المشركين وأهل
الذمة الحجاز.
5 - كتاب اللقطة: حكم لقيط دار الكفر.
استيعاب
لغة:
مصدر استوعب. يقال: استوعب المكان
والوعاء الشئ، أي وسعه - بمعنى شمله - ويأتي بمعنى
الاستقصاء، والاستئصال أيضا (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء - غالبا - بمعنى الشمول، كما
في استيعاب أعضاء الوضوء غسلا ومسحا،
واستيعاب البدن غسلا في الغسل، واستيعاب
أعضاء التيمم مسحا، واستيعاب العذر عن الوضوء
تمام الوقت وانتقال الوظيفة إلى التيمم، واستيعاب
الفحص عن الماء تمام الوقت وانتقال الوظيفة إلى

(1) الجواهر 38: 186، وانظر المبسوط 3: 343، وشرائع
الإسلام 3: 286، ومفتاح الكرامة 6: 114.
(1) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم
الوسيط: " وعب ".
161

التيمم، واستيعاب الجنون والسكر والإغماء تمام
وقت الصلاة والصوم، واستيعاب الدين التركة في
بحثي تجهيز الميت والإرث، وموارد كثيرة أخرى:
كالزكاة والحج والصدقات ونحوها ربما يصعب
إحصاؤها.
وسوف يأتي الكلام عن كل مورد في موطنه
المناسب إن شاء الله تعالى.
استيفاء
لغة:
مصدر استوفى. والمستفاد من كلمات اللغويين
أن مادة " وفى " تدل على الإكمال والإتمام. قال ابن
فارس: " الواو والفاء والحرف المعتل كلمة تدل على
إكمال وإتمام. منه الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشرط...
وأوفيتك الشئ واستوفيته إذا أخذته كله حتى لم
تترك منه شيئا. ومنه يقال للميت: توفاه الله " (1).
اصطلاحا:
يبدو من كلمات الفقهاء أن لهم عدة إطلاقات
للاستيفاء، لكن لا تتعدى المعنى المتقدم، وهي:
1 - الاستيفاء بمعنى الأخذ كاملا ومن دون
نقص، وهو من أظهر معانيه وأكثرها تداولا في كتب
الفقه. فيقال: استوفى حقه أي أخذه كاملا، واستوفى
دينه، كذلك. واستوفى الحاكم الحد، أي نفذه وأجراه
على مستحقه كاملا، واستوفى ولي الدم القصاص،
أي اقتص ممن عليه القصاص، واستوفت المرأة
مهرها، أي أخذته كاملا.
2 - الاستيفاء بمعنى إتيان العمل كاملا وتاما،
فيقال: استوفى عمله، أو تعذر استيفاء عمله، ونحو
ذلك (1).
3 - الاستيفاء بمعنى إكمال العدد وإتمامه.
ومنه: استيفاء العدد في النكاح، أي إكمال أربع
نسوة (2)، واستيفاء عدد أيام السنة (3)، ومنه قولهم:
تجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة (4).
4 - الاستيفاء بمعنى الاستقصاء. ومنه قولهم:
استوفى أقسام الصوم، أي استقصاها وذكرها كاملة (5).
وسوف يأتي الكلام عن أحكام هذه الموارد
في مواطنها إن شاء الله تعالى.

(1) معجم مقاييس اللغة: " وفى ". وانظر سائر الكتب اللغوية
مثل: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والقاموس
المحيط، والمعجم الوسيط ونحوها، المادة نفسها.
(1) أنظر الجواهر 7: 313 و 428 و 432، و 8: 194،
و 9: 28، و 27: 261.
(2) أنظر الجواهر 30: 2 و 14.
(3) أنظر الجواهر 3: 391 و 393، وانظر الوسائل 20:
517، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.
(4) أنظر الجواهر 36: 186.
(5) أنظر الجواهر 17: 63.
162

استيلاء
لغة:
مصدر استولى، يقال: استولى فلان على
الشئ: إذا صار في يده، واستولى الفرس على
الغاية (1)، أي بلغها (2).
واستولى عليه: غلب عليه وتمكن منه (3).
فالاستيلاء إذن: الغلبة على الشئ،
والتمكن منه، ووضع اليد عليه، أو صيرورته في
يده (4).
والظاهر: أن مردها جميعا إلى الغلبة.
اصطلاحا:
يستعمله الفقهاء في المعاني المتقدمة:
فمن موارد استعماله بمعنى الغلبة قولهم:
يطهر الماء النجس باستيلاء الماء الكثير الطاهر
عليه، وقولهم: استيلاء النوم على العين في الكلام
عن نواقض الوضوء، واستيلاء الماء على الأرض
المحياة وصيرورتها مواتا في بحث الإحياء، ونحو
ذلك.
ومن موارد استعماله بمعنى وضع اليد، قولهم:
" الغصب هو الاستيلاء على حق الغير عدوانا " (1)،
ومثله الاستيلاء في حيازة المباحات كالطيور
والأسماك ونحوها.
ومن موارد استعماله بمعنى التمكن، قولهم:
استيلاء المسلمين على أرض المشركين، فإن
الاستيلاء هنا بمعنى القدرة على الشئ والتمكن منه،
وأما قولهم: استيلاء المسلمين على المشركين، فهو
بمعنى القهر والغلبة.
وربما يأتي الاستيلاء في كلماتهم بمعنى
التسلط، مثل: استيلاء الحاكم والسيد على من له
الولاية عليه.
الأحكام:
تترتب على الاستيلاء - بمعانيه - أحكام
كثيرة سوف نتعرض لها في مواطنها إن شاء الله
تعالى. ولكن نشير هنا إلى العناوين العامة التي يرد
فيها عنوان " الاستيلاء "، فنقول:
الاستيلاء إما أن يكون مستندا إلى الإنسان
مباشرة أو لا.

(1) الغاية: " هي قصبة تنصب في الموضع الذي تكون
المسابقة إليه ليأخذها السابق ". لسان العرب: " غيا ".
(2) ترتيب كتاب العين: " ولي ".
(3) المصباح المنير: " ولي "، وانظر: لسان العرب،
والقاموس المحيط، المادة نفسها.
(4) ولعل الاستيلاء لا يصدق على مجرد الصيرورة في اليد ما
لم يكن فيه نوع من السلطة والتغلب، كما يستفاد ذلك من
موارد استعمالاته.
(1) أنظر الجواهر 37: 8.
163

أولا - الاستيلاء المستند إلى الإنسان مباشرة:
وهذا على قسمين:
1 - الاستيلاء بعوض:
وهو يشمل جميع الاستيلاءات الحاصلة
بالعقود المشتملة على العوض والمعوض، كالبيع،
والإجارة والهبة المعوضة، ونحوها.
2 - الاستيلاء بغير عوض:
وهذا على نحوين أيضا:
أ - الاستيلاء العدواني:
مثل الغصب وما يجري مجراه. وسوف يأتي
الكلام عنه في الغصب إن شاء الله تعالى.
ب - الاستيلاء غير العدواني:
وهذا على أقسام أيضا، مثل:
1 - الاستيلاء الحاصل من العقود غير
المشتملة على العوض والمعوض، مثل: الهبة غير
المعوضة، والعارية، وبعض الإيقاعات، مثل:
الإبراء والإعتاق، والاستيلاء الحاصل بسبب
الإرث، أو بسبب استحقاق القصاص أو الدية
لأجل الجناية.
2 - استيلاء الحاكم على أموال اليتامى
والغيب والقصر.
3 - استيلاء الأب والجد على الأولاد
الصغار.
4 - استيلاء السيد على منافع مولاه.
5 - استيلاء المسلمين على الغنائم.
6 - استيلاء المحيي على ما أحياه.
7 - استيلاء الحائز على ما حازه.
8 - استيلاء الملتقط على ما التقطه.
ثانيا - الاستيلاء المستند إلى غير الإنسان:
وموارده كثيرة نشير إلى بعضها:
1 - استيلاء الماء الطاهر على النجس.
2 - استيلاء النجاسة على الماء الطاهر.
3 - استيلاء الشك على الإنسان في
الشكيات.
4 - استيلاء النوم على العين في نواقض
الوضوء.
5 - استيلاء الماء على جميع البدن في الغسل
الارتماسي.
6 - استيلاء الماء على الأرض وصيرورتها
مواتا في إحياء الموات وموارد كثيرة أخرى.
ويمكن تقسيم الاستيلاء بلحاظات أخرى،
مثل:
1 - تقسيمه إلى مملك وغير مملك:
فالمملك مثل حيازة المباحات كالاصطياد
والاحتطاب والاحتشاش، والاستيلاء الحاصل من
العقود المملكة عينا أو منفعة.
وأما غير المملك، فتارة يوجب الحق وتارة
لا يوجبه، فالأول مثل التحجير حيث إنه استيلاء
ناشئ من حق الاختصاص الحاصل من التحجير،
وكذا في مثل الوقف.
164

وتارة لا يوجب حقا أيضا، مثل استيلاء
الحاكم والأب والجد والسيد على من لهم الولاية
عليه، فإن الاستيلاء لم يوجب لهم حقا، بل
الاستيلاء نفسه ناشئ من حق الولاية التي تكون
لهم.
2 - تقسيمه إلى ما يوجب الضمان وما لا
يوجبه:
فالأول مثل الغصب، والثاني كغيره مما
تقدم.
3 - تقسيمه إلى حقيقي وحكمي:
فالحقيقي مثل حيازة المباحات مع قصد
تملكها، كوضع الشبكة لصيد السمك أو الطائر.
فلا إشكال في كون الاستيلاء هنا مملكا.
والحكمي هو أن يأتي الشئ المباح كالصيد،
أو الماء، أو نحوهما إلى ملك الإنسان من دون
أن يقصد تملكه، فللفقهاء كلام في كونه سببا
للملك أو لا. نعم هو موجب للحق، فمالك الأرض
أو الشبكة أحق من غيره بذلك الماء أو الصيد
قطعا (1).
مظان البحث:
تعلم مما تقدم.
استيلاد
لغة:
مصدر استولد، يقال: استولد الرجل المرأة،
أي أحبلها. فالاستيلاد هو الإحبال (1).
ولا فرق - على الظاهر - في هذا الإطلاق بين
أن تكون المستولدة حرة أو أمة.
اصطلاحا:
يأتي الاستيلاد في كلمات الفقهاء بمعنيين:
الأول - بمعنى قابلية الإحبال، فيكون مقابلا
للعقم، وبهذا الإطلاق يستعمل في الحرة والأمة،
والرجل والمرأة. ومنه قولهم في أحكام النكاح: لو
شرط الزوج استيلاد الزوجة فخرجت عقيما (2)...
الثاني - بمعنى الإحبال فعلا، وبهذا الإطلاق
يستعمل في خصوص الأمة، فيقال: استيلاد الأمة
أو الأمة المستولدة ونحو ذلك، ولذلك أحكام
جعلوها في موضع خاص تحت عنوان " الاستيلاد "
أو " أم الولد ".
وقد عرفوا الاستيلاد بهذا المعنى بتعاريف
عديدة، أهمها:

(1) أنظر القواعد الفقهية 1: 154، قاعدة اليد.
(1) المصباح المنير: " ولد ".
(2) أنظر قواعد الأحكام 2: 33.
165

1 - علوق (1) الأمة من سيدها في ملكه (2).
2 - وطء السيد أمته وحبلها منه في ملكه (3).
فالاستيلاد هو: أن تكون للسيد أمة - فعلا -
فيطأها فتحمل منه. وإذا حملت صارت " أم ولد ".
ولا فرق في تحقق الاستيلاد - بهذا المعنى -
بين أن يكون الوطء ء محللا أو محرما بالعارض،
كالوطء أيام الحيض والنفاس، وحالة الإحرام ونحو
ذلك (4).
ولو وطي أمة الغير فولدت ولدا مملوكا
- كما إذا كان زانيا، فإن الولد يكون لسيد الأمة
ولا يلحق بالزاني، لعدم ثبوت النسب شرعا،
وكما لو عقد عليها واشترط السيد عليه أن يكون
الولد له لا للعاقد كما سيأتي - ثم ملك الأمة
وولدها، لم تصر بذلك أم ولد على المشهور (5)،
ويظهر من الشيخ في الخلاف صيرورتها أم ولد
بذلك (1).
ولو وطئها فولدت ولدا حرا - كما إذا وطئها
شبهة - ثم ملكها، فالمشهور أيضا عدم صيرورتها
أم ولد (2)، ولكن قوى الشيخ في المبسوط صيرورتها
أم ولد (3)، وتبعه ابن حمزة (4).
ولو تزوج أمة غيره، واشترط مولاها أن
يكون الولد ملكا له، ثم ملكها، فإنها لا تصير أم ولد
بذلك على المشهور (5)، وبه قال الشيخ في المبسوط
أيضا (6)، لكن قال في الخلاف بصيرورتها أم ولد (7)،
وتبعه ابن حمزة أيضا (8).
الأحكام:
للاستيلاد بالمعنى الثاني - أي استيلاد الأمة -
أحكام كثيرة سوف نتعرض لها في عنوان " أم ولد "

(1) العلوق: الحبل، المصباح المنير: " علق ".
(2) شرائع الإسلام 3: 138.
(3) قواعد الأحكام 2: 127.
(4) أنظر الجواهر 34: 372، وقد استظهر من القواعد
والمبسوط تحقق الاستيلاد مع الوطء ء المحرم ذاتا، كما لو
ملك أخته فوطئها عالما بالتحريم، لكن استشكل هو
فيه، ثم نقل عن الدروس وغيره عدم تحقق الاستيلاد
بذلك.
(5) أنظر: شرائع الإسلام 3: 138، وقواعد الأحكام 2:
127، والدروس 2: 221، والمسالك 10: 525 - 526،
والروضة البهية 6: 370، ونهاية المرام 2: 315، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 218، والجواهر 34: 373.
(1) الخلاف 6: 426، كتاب أمهات الأولاد، المسألة 3.
(2) أنظر: شرائع الإسلام 3: 138، وقواعد
الأحكام 2: 127، والدروس 2: 221، والمسالك 10:
525 - 526، والروضة البهية 6: 370، ونهاية المرام
2: 315، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 218، والجواهر
34: 373.
(3) المبسوط 6: 186 - 187.
(4) الوسيلة: 342 - 343.
(5) أنظر: شرائع الإسلام 3: 138، وقواعد
الأحكام 2: 127، والدروس 2: 221، والمسالك 10:
525 - 526، والروضة البهية 6: 370، ونهاية المرام
2: 315، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 218، والجواهر
34: 373.
(6) المبسوط 6: 185.
(7) الخلاف 6: 426، كتاب أمهات الأولاد، المسألة 3.
(8) الوسيلة: 342 - 343.
166

إن شاء الله تعالى، ولذلك نكتفي هنا بذكر أحكام
الاستيلاد بالمعنى الأول، وهو قابلية كل من
الزوجين للإحبال.
اشتراط الاستيلاد في العقد:
قال العلامة في القواعد: " لو شرط الاستيلاد
فخرجت عقيما فلا فسخ، لإمكان تجدد شرطه في
الشيخوخة، وعدم العلم بالعقم من دونه، وجواز
استناده إليه " (1).
وفسر كلامه (2): بأنه لو شرط الزوج استيلاد
الزوجة، أي عدم كونها عقيما، فلم تلد بعد النكاح
إلى مدة طويلة، فليس للزوج حق الفسخ، لأمور
ثلاثة:
1 - إمكان الاستيلاد في المستقبل حتى في
الشيخوخة، كما في قصة إبراهيم (عليه السلام).
2 - عدم حصول العلم بالعقم بمجرد عدم
الولادة، لأنه قد يستند إلى أمر آخر.
3 - إمكان استناد عدم الولادة إلى الزوج
لا الزوجة.
ويظهر من المحقق الثاني موافقته له (3).
وقال الفاضل الإصفهاني معلقا على كلامه:
" والتحقيق: أنه إن شرط الولادة، لم يصح، لأنها
من أفعال الله الحادثة بعد النكاح، وليست باختيار
أحدهما، ولا من صفاتها الآن (1). وإن شرط انتفاء
العقم، أمكن صحة الشرط، لأنه من صفاتها
وعيوبها، لكن لا يعلم بوجه، فلا يفيد اشتراط
انتفائه، فإن انتفاء الولادة لا يدل على العقم لما
ذكر " (2).
واستشكل عليهم صاحب الجواهر بما
حاصله:
1 - أن مفروض المسألة اشتراط الاستيلاد
وخروجها عقيما، وهو ينافي احتمال تحقق الاستيلاد
في الشيخوخة، كما ينافي جعل سبب عدم الولادة
أمرا غير العقم.
2 - أن المراد من الاستيلاد ما يرجع إلى
صفاتها، وهو عدم كونها عقيما، لا ما يرجع إلى
فعل الله تعالى، وهو عدم الولادة فعلا مع عدم
العقم، فإنه لا يجوز اشتراطه، لعدم كونه من الصفات
ولا من أفعال العباد المقدورة.
3 - يمكن حصول العلم بالعقم من عدم الولادة
لو أفادت القرائن العادية الاطمئنان بذلك (3).
والذي يظهر من كلام العلامة والمعلقين عليه:

(1) قواعد الأحكام 2: 35.
(2) أنظر جامع المقاصد 13: 316، وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 76.
(3) جامع المقاصد 13: 316.
(1) أي إن عدم الولادة فعلا ليس كالعقم من صفات المرأة،
بل ربما لم تكن عقيما ومع ذلك لم تلد، لبعض الموانع.
(2) كشف اللثام (الحجرية) 2: 76.
(3) الجواهر 30: 383.
167

أنه لو حصل العلم بالعقم جاز الفسخ لعدم تحقق
الشرط، وإنما الكلام في حصول العلم، فهو لا يحصل
بما تقدم من الأمور التي ذكروها.
كل ما ذكر يمكن فرضه بالنسبة إلى كل من
الزوجين، كما صرحوا به.
راجع: تدليس، عقم، عيب.
مظان البحث:
أما الاستيلاد بالمعنى الأول فهو يأتي في
كتاب النكاح، في باب التدليس.
وأما بالمعنى الثاني فيأتي في كتاب الاستيلاد،
أو أمهات الأولاد، وفي مواطن متفرقة من الفقه.
أسر
أنظر: أسارى.
إسراج
لغة:
إيقاد السراج وهو المصباح (1).
راجع: إسراف / الإسراف في الإسراج.
إسرار
لغة:
مصدر أسر، يقال: أسررت الشئ، أي
كتمته وأخفيته (1).
اصطلاحا:
يأتي بمعان يجمعها الإخفاء والكتمان، مثل:
1 - الإسرار في أقوال الصلاة وأذكارها،
وأطلقوا عليه: الإخفات والإخفاء أيضا.
والإسرار بهذا المعنى يقابل الإجهار.
وللفقهاء كلام في تعريف الإسرار
(الإخفات) والإجهار سوف نتعرض له في عنوان
" جهر " إن شاء الله تعالى، لكن نقول إجمالا:
أ - الجهر هو أن يسمعه القريب الصحيح
السمع إذا استمع. وهذا أقل الجهر.
ب - الإسرار هو أن يسمع نفسه إن كان
يسمع.
كذا قال المحقق في الشرائع (2)، ونقل صاحب

(1) لسان العرب: " سرج ".
(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مقاييس اللغة،
ولسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط:
" سرر ".
(2) شرائع الإسلام 1: 82.
168

الجواهر الإجماع عليه عن المحقق والعلامة (1).
2 - الإسرار في الأفعال، وهو بمعنى كتمانها عن
الآخرين، إما لتكون أقرب إلى الإخلاص، كما في
العبادات وخاصة المندوبات، أو لمصالح أخرى، كما
في غيرها.
والإسرار بهذا المعنى يقابل الإعلان.
3 - الإسرار بمعنى إيداع السر عند الآخرين،
ومنه قوله تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه
حديثا) * (2).
4 - الإسرار بمعنى المسارة والمناجاة، ومنه
قولهم: ساره، أي ناجاه في أذنه.
والكلام هنا يقتصر على الإسرار بالمعنيين
الأولين، وأما الأخيران فسوف يأتي الكلام عنهما
في العناوين: " إفشاء " و " سر " و " نجوى " إن شاء
الله تعالى.
الأحكام:
تترتب على الإسرار - بالمعنيين الأولين -
أحكام كثيرة نشير إلى أهمها فيما يلي:
إسرار الذكر حال التخلي:
قال صاحب الجواهر بعد أن استثنى من
الكلام حال التخلي، ذكر الله تعالى: " لكن قيده
بعضهم فيما بينه وبين نفسه، ولعله للمرسل: كان
الصادق (عليه السلام) إذا دخل الخلاء يقنع رأسه، ويقول في
نفسه: بسم الله وبالله (1)... " (2).
راجع: تخلي.
إسرار التلقين حال التقية:
قال ابن البراج في تلقين الميت: "... وينادي
الميت بأعلى صوته إن لم يكن على تقية: يا فلان بن
فلان أذكر العهد... وإن كان عليه تقية جاز له أن
يقول ذلك سرا " (3)، ووجه التقية ما فيه من ذكر
الأئمة (عليهم السلام).
وتبعه بعض من تأخر عنه (4).
ولا يختص الإسرار حال التقية بهذا المورد،
بل يشمل كل مورد يكون الإجهار فيه خلافا
للتقية (5).
راجع: تقية، تلقين.

(1) الجواهر 9: 376، وانظر المعتبر: 175، والتذكرة 3:
153.
(2) التحريم: 3.
(1) الوسائل 1: 304، الباب 3 من أبواب أحكام الخلوة،
الحديث 2.
(2) الجواهر 2: 73.
(3) المهذب 1: 64.
(4) أنظر: الجامع للشرائع: 55، وجامع المقاصد 1:
445، وروض الجنان: 318، والحدائق 4: 129.
(5) أنظر المهذب 1: 236، وانظر - فيما يأتي - عنوان
الإسرار بالبسملة عند التقية.
169

الإسرار في الأذان والإقامة:
ذكر بعض الفقهاء جملة من الموارد التي يسر
فيها في الأذان والإقامة، على اختلاف فيها بحسب
الوجوب والاستحباب والإباحة، وهذه الموارد
هي:
1 - الأذان والإقامة للمرأة:
قال العلامة: " قال علماؤنا: إذا أذنت
المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال، وهو
عورة " (1).
ومقتضى التعليل جواز الإجهار لو لم يكن
أجنبي، أو كان ولم يسمع صوتها، كما صرح بذلك
بعضهم (2)، بل هو ظاهر أكثر العبارات.
ولكن قال الشهيد في شرائط المؤذن في
البيان: "... فيجوز أذان المميز وإن كان للرجال،
وأذان المرأة سرا للنساء أو محارم الرجال... " (3).
وفي مقابل هؤلاء من يظهر منه جواز الأذان
جهرا حتى مع سماع الأجانب، لجواز سماع صوت
الأجنبية عندهم مطلقا أو في خصوص الأذكار
مثل: الشيخ في المبسوط (4)، والشهيد في الذكرى (5)،
والمحقق الأردبيلي (1)، وصاحب الحدائق (2).
وقد تقدم ما يتصل بالموضوع في عنوان:
" استماع " فراجع.
2 - الأذان والإقامة للمريض:
قال المحقق الثاني: " ولو كان مريضا جاز له
الإسرار به، لقوله (عليه السلام): " لا بد للمريض أن يؤذن
ويقيم، إذا أراد الصلاة، ولو في نفسه إن لم يقدر على
أن يتكلم به " (3) " (4).
3 - الأذان والإقامة للمنفرد بعد انقضاء
الجماعة:
من موارد سقوط الأذان، ما لو انعقدت
جماعة بأذان، وبعد إتمامها أراد بعض آخر أن
يصلي في المكان نفسه. لكن قال الشيخ في المبسوط:
" إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا
لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد، ويجوز
له أن يؤذن ويقيم فيما بينه وبين نفسه، فإن لم يفعل

(1) المنتهى 4: 398، وانظر التذكرة 3: 62 - 63.
(2) أنظر: الروضة البهية 1: 241، والمسالك 1: 181،
والمدارك 3: 260، وغيرها.
(3) البيان: 139.
(4) المبسوط 1: 96 - 97، و 6: 3.
(5) الذكرى 3: 219.
(1) مجمع الفائدة 2: 164.
(2) الحدائق 7: 364 و 335، لكن توقف فيه من جهة
أخرى وهي: أن الأذان عبادة توقيفية ولم يعهد تحقق
الأذان الإعلامي من النساء في زمن الشارع.
(3) التهذيب 2: 282، الحديث 1123، والاستبصار 1:
300، الحديث 1109.
(4) جامع المقاصد 2: 186.
170

فلا شئ عليه " (1).
واستفاد بعضهم - كالشهيد (2) والمحقق
الثاني (3) وصاحب الحدائق (4) وصاحب الجواهر (5) -
من كلامه استحباب الأذان للمنفرد حينئذ سرا.
لكن استشكل عليه المحقق وصاحبا الحدائق
والجواهر، واستظهروا من الأدلة خلافه.
4 - حكاية الأذان والإقامة:
المعروف استحباب حكاية الأذان لمن سمعه،
لكن نقل صاحب الجواهر عن جماعة - منهم الشيخ
والمحقق الحلي - استحباب أن يحكي الإنسان ذلك في
نفسه، واستظهر منه إرادة الإسرار في ذلك، ثم ناقشه
بعدم الدليل عليه، ثم نقل عن المحقق الثاني قوله:
" وسمعت من بعض من عاصرنا من الطلبة استحباب
الإسرار بالحكاية، ولا يظهر لي وجهه الآن " (6).
الإسرار في أقوال الصلاة وأذكارها:
1 - الإسرار في تكبيرات الافتتاح:
صرح جملة من الفقهاء: بأنه ينبغي للإمام أن
يجهر بتكبيرة الإحرام ويسر بالتكبيرات الست
المستحبة المقرونة معها، ليميز المأمومون تكبيرة
الإحرام ليتابعوه فيها.
وأما المأموم فيسر بالتكبيرات السبع كلها،
لأنه لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمع
الإمام.
وأما المنفرد فقد ذهب عديد من الفقهاء إلى
كونه مخيرا بين الإسرار والإجهار بها (1).
وذهب بعضهم إلى استحباب الإسرار بالست
له أيضا (2).
وعن ابن أبي عقيل: استحباب الجهر
مطلقا (3).
راجع: تكبير.

(1) المبسوط 1: 98.
(2) الذكرى 3: 227.
(3) جامع المقاصد 2: 173.
(4) الحدائق 7: 389.
(5) الجواهر 9: 45.
(6) الجواهر 9: 127 - 128، وانظر المبسوط 1: 97،
وشرائع الإسلام 1: 76.
(1) أنظر: الذكرى 3: 261، والدروس 1: 167،
والمدارك 3: 323 - 324، والحدائق 8: 36، والرياض
3: 365، ومستند الشيعة 5: 29، والجواهر 9: 228 -
229، والصلاة (للشيخ الأنصاري) 1: 303 - 304،
والعروة الوثقى: فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 13،
والمستمسك 6: 81، ومستند العروة 2: 167، وبعض
هؤلاء لم يذكر حكم المنفرد لكن يظهر من كلامه ذلك، كما
أن بعضهم ذكر التفصيل المتقدم بالنسبة إلى تكبيرة
الإحرام ثم عطف عليه التكبيرات الست. ومنه يعلم
حكمها أيضا، وأكثرهم صرح بالحكمين.
(2) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 281، وروض الجنان:
260 و 282.
(3) الذكرى 3: 261.
171

2 - الإسرار في الاستعاذة:
يستحب الإسرار في الاستعاذة قبل القراءة
في الصلاة على المشهور - كما قيل - ونقل عن بعضهم
الميل إلى الإجهار بها (1).
راجع: استعاذة.
3 - الإسرار بالبسملة عند التقية:
المشهور استحباب الجهر بالبسملة حتى في
موارد الإخفات بالقراءة ويرتفع الاستحباب عند
التقية فيسر بها، لعمومات التقية، ولا يعارضها ما
دل على عدم التقية في شرب المسكر، والمسح على
الخفين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (2).
راجع: بسملة، جهر.
4 - الإسرار في القراءة:
المشهور بين فقهائنا (3) وجوب الجهر في
القراءة - أي قراءة الحمد والسورة - في صلاة الصبح
وأوليي المغرب والعشاء. ووجوب الإسرار في
الباقي، أي أوليي الظهر والعصر.
ونسب إلى ابن الجنيد (1) والسيد المرتضى (2)
جواز الإسرار فيما أوجب المشهور الجهر فيه، ومال
إليه المحقق الأردبيلي (3)، وصاحب المدارك (4)،
والمجلسي (5)، وصاحب الذخيرة (6)، وربما اختاره
بعض هؤلاء.
وأما الثالثة والرابعة من الظهرين
والعشاءين، فإن قرأ فيهما الحمد أيضا، فالحكم كما
تقدم من الاختلاف (7).
وإن سبح بدلا من القراءة، فقد صرح كثير من
الفقهاء بوجوب الإسرار، بل نسب إلى المشهور (8)،
تسوية بين البدل والمبدل. لكن خالف بعض الفقهاء
في ذلك وقالوا بعدم وجوب الإخفات، منهم: ابن
إدريس (9)، والعلامة الحلي - في بعض كتبه (10) -

(1) أنظر: مستند الشيعة 5: 175، والجواهر 9: 420،
والمستمسك 6: 273.
(2) أنظر: البحار 82: 77 و 81، كتاب الصلاة، باب الجهر
والإخفات، ذيل الحديث 11 و 22، والجواهر 9: 391.
(3) صرح بالشهرة جماعة منهم: العاملي في المدارك 3:
356، والسبزواري في الذخيرة: 274، والبحراني في
الحدائق 8: 129، وصاحب الجواهر في الجواهر 9:
365.
(1) المعتبر: 175.
(2) المصدر المتقدم.
(3) مجمع الفائدة 2: 227.
(4) المدارك 3: 358.
(5) البحار 82: 71، كتاب الصلاة، باب الجهر
والإخفات.
(6) ذخيرة المعاد: 274.
(7) أنظر المصادر المتقدمة.
(8) أنظر: الحدائق 8: 437، ومستند الشيعة 5: 159 -
160، والجواهر 9: 372.
(9) السرائر 1: 222.
(10) التذكرة 3: 145.
172

والعلامة المجلسي (1)، والمحقق السبزواري (2)،
وصاحب الحدائق (3)، والفاضل النراقي (4)، وآخرون
ذكرهم صاحب الجواهر (5)، وربما يظهر من صاحب
المدارك أيضا (6).
هذا كله بالنسبة إلى الرجل، أما المرأة،
فلا يجب عليها الجهر في ما يجب فيه الجهر على
الرجل، وقد ادعي عليه الإجماع مستفيضا (7).
أما في ما يجب على الرجل الإسرار فيه،
فنسب إلى المشهور - أو استظهر من كثير منهم أو
أكثرهم (8) - وجوبه عليهن أيضا، إلا أن بعض
الفقهاء قال بعدم وجوبه عليهن، لعدم الدليل عليه،
فتتخير في الموردين بين الجهر والإخفات. فممن
صرح بذلك: المحقق الأردبيلي (9)، وتبعه المحقق
السبزواري (1)، والعلامة المجلسي (2)، والسيد
الطباطبائي (3)، والفاضل النراقي (4)، إلا أن
السبزواري يظهر منه وجوب الاحتياط، لقوله بعد
تأييد الأردبيلي: "... لولا أن اليقين بالبراءة يقتضي
وجوب إخفاتها "، وقال المجلسي: "... إلا أن
الأحوط موافقة المشهور ".
ثم إن القائلين بجواز الجهر على المرأة - في ما
يجوز لها ذلك - اشترطوا عدم سماع الأجنبي صوتها،
وإلا فيجب عليها الإسرار.
نعم، لم يلتزم بهذا الشرط بعض ممن لم يقل
بكون صوت المرأة عورة، كالمحقق الأردبيلي (5)
وصاحب الحدائق (6) ونحوهما.
وسوف يأتي تفصيل ذلك وما بقي من أحكام
الجهر والإخفات مثل: تبعية القضاء للأداء في
وجوب الجهر والإخفات، واستحباب الجهر في
صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة، وأحكام الخلل في الجهر
والإخفات ونحو ذلك في عنوان " جهر " إن شاء الله
تعالى.

(1) البحار 82: 95، كتاب الصلاة، باب التسبيح والقراءة
في الأخيرتين، التنبيه الثاني، لكن جعل الإخفات أحوط.
(2) كفاية الأحكام: 18.
(3) الحدائق 8: 438.
(4) مستند الشيعة 5: 160 - 161.
(5) الجواهر 9: 375.
(6) المدارك 3: 381 - 382، وجعل الإخفات أحوط.
(7) أنظر: المعتبر: 175، والتذكرة 3: 154، والذكرى 3:
166، والجواهر 9: 383.
(8) البحار 82: 83، كتاب الصلاة، باب الجهر والإخفات،
ذيل الحديث 26، والحدائق 8: 142، والرياض 3:
404، والجواهر 9: 385.
(9) مجمع الفائدة 2: 228.
(1) ذخيرة المعاد: 275.
(2) البحار 82: 83، كتاب الصلاة، باب الجهر
والإخفات، ذيل الحديث 26.
(3) الرياض 3: 404.
(4) مستند الشيعة 5: 166.
(5) مجمع الفائدة 2: 228.
(6) الحدائق 8: 141.
173

5 - الإسرار في الأذكار:
ادعي عدم الخلاف في جواز الجهر
والإخفات في أذكار الصلاة (1) كذكر الركوع،
والسجود، والتشهد، ونحوها للإمام والمأموم
والمنفرد. نعم صرح بعضهم: بأنه يستحب للإمام أن
يجهر وللمأموم أن يسر بها (2).
أما القنوت فقد اختلفوا فيه، فقيل: المشهور
استحباب الجهر فيه مطلقا، للإمام والمأموم والمنفرد،
خلافا لآخرين حيث جعلوه تابعا للفريضة (3).
راجع: جهر، قنوت.
6 - الإسرار في سائر الفرائض:
سوف يأتي الكلام عن حكم سائر الفرائض
كالجمعة والعيدين، والآيات، وصلاة الميت، في عنوان
" جهر " إن شاء الله تعالى، لأن الغالب فيها الجهر.
7 - الإسرار في النوافل:
قال العلامة: " المستحب في نوافل النهار
المخافتة (1)، وفي نوافل الليل الجهر بالقراءة، وهو
مذهب علمائنا أجمع " (2).
ونقل ذلك عنه بعض الفقهاء أيضا (3).
الإسرار في إتيان الصلاة (4):
المشهور بين فقهائنا - كما قيل (5) -: أن
الإسرار بالنوافل وإتيانها في المنزل أفضل من
الإعلان بها وإتيانها في المسجد، خلافا للفرائض،
لأن فعلها في السر أبلغ في الإخلاص وأبعد من
وساوس الشيطان (6)، ولما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: "... فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل
صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة " (7)، وورد:
أنه: " كان علي (عليه السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس
بالكبير ولا بالصغير، وكان إذا أراد أن يصلي من

(1) أنظر: الحدائق 8: 143، والرياض 3: 401، ومستند
الشيعة 5: 169.
(2) أنظر: جامع المقاصد 2: 261، والمسالك 1: 207،
والمدارك 3: 323 - 324 - وكلامه في تكبيرة الإحرام،
لكن لا خصوصية لها على الظاهر من بين سائر الأذكار -
والحدائق 8: 143.
(3) الجواهر 10: 372.
(1) أي إسرار المنطق، الصحاح: " خفت ".
(2) المنتهى (الحجرية) 1: 278.
(3) أنظر: مجمع الفائدة 2: 228، وذخيرة المعاد: 275،
والحدائق 8: 144 - 145.
(4) الإسرار هنا بمعنى الإخفاء مقابل الإعلان.
(5) قاله المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 147، والمحقق
السبزواري في ذخيرة المعاد: 248، والفاضل النراقي في
مستند الشيعة 4: 473 وغيرهم، بل في المعتبر: 157
والمنتهى (الحجرية) 1: 244 نسبته إلى علمائنا.
(6) قاله كثير ممن تعرض للموضوع.
(7) سنن النسائي 3: 197، كتاب قيام الليل وتطوع
النهار، باب الحث على الصلاة في البيوت.
174

آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم يذهب
إلى ذلك البيت فيصلي " (1).
إلا أن صاحب المدارك نقل عن جده الشهيد
الثاني - في بعض فوائده - رجحان فعلها في المسجد
أيضا كالفريضة، ثم قال: " وهو حسن، خصوصا
إذا أمن على نفسه الرياء ورجا اقتداء الناس به
ورغبتهم في الخير، وتدل عليه روايات كثيرة،
منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
وهب عن الصادق (عليه السلام): " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي
الليل في المسجد " (2) " (3) ثم ذكر روايات أخر.
ومال إلى ذلك بعض من تأخر عنه، كصاحب
الذخيرة (4) وصاحب الجواهر (5)، وجعل الأخير
الأفضلية نسبية تختلف باختلاف الموارد، فربما
يكون البيت أفضل وربما يكون المسجد أفضل.
هذا كله بالنسبة إلى الرجل، أما المرأة فقد
نسب إلى المشهور (6) القول بأفضلية صلاتها في
البيت فريضة كانت أو نافلة.
لكن قال في الرياض: " ولم أقف على مفت
بها من الأصحاب عدا قليل " (1).
وما أبعد ما بينه وبين صاحب الجواهر الذي
قال: "... لكن لا نعرف خلافا بينهم، بل ظاهرهم
الاتفاق عليه في أفضلية صلاتها في المنزل من
صلاتها فيها (2) رعاية للستر المطلوب منهن،
وحذرا من الافتتان بهن " (3).
الإسرار في الصدقة:
ادعي الإجماع مستفيضا على أفضلية صدقة
السر من صدقة العلانية، قال العلامة: " وصدقة
السر أفضل من صدقة العلانية، بالنص والإجماع،
قال الله تعالى: * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن
تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من
سيئاتكم) * (4) ولا خلاف بين المسلمين في
ذلك " (5).
والروايات في أفضلية الإسرار في الصدقة
مستفيضة، منها:

(1) الوسائل 5: 295، كتاب الصلاة، الباب 69 من أبواب
أحكام المساجد، الحديث 3، ووجه أخذ الصبي معه هو
دفع كراهة الوحدة، ووجه كونه لا يحتشم منه هو تحقق
الإسرار في النافلة.
(2) الوسائل 4: 269، كتاب الصلاة، الباب 53 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول.
(3) المدارك 4: 407.
(4) ذخيرة المعاد: 248.
(5) الجواهر 14: 146.
(6) أنظر: مجمع الفائدة 2: 159، وذخيرة المعاد: 246،
ونسبه إلى أكثر الأصحاب.
(1) الرياض 3: 269.
(2) أي المساجد.
(3) الجواهر 14: 149.
(4) البقرة: 271.
(5) المنتهى (الحجرية) 1: 542، وانظر المسالك 5:
413.
175

1 - ما استفاض نقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من
أن " صدقة السر تطفي غضب الرب تبارك
وتعالى " (1).
2 - ما رواه عمار الساباطي، قال: " قال لي
أبو عبد الله (عليه السلام): يا عمار، الصدقة والله في السر
أفضل منها في العلانية " (2).
3 - ما ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام): من
أنهم كانوا يتصدقون بالليل فيحملون الجراب من
الطعام على ظهورهم لينفقوه على الفقراء، فكان أثره
ظاهرا على أبدانهم (3).
والقدر المتيقن من النصوص وأقوال الفقهاء:
أن دفع الصدقة المندوبة سرا أفضل من دفعها جهارا.
أما الواجبة، ففيها أقوال:
الأول - أنها كالمندوبة، والسر فيها أفضل.
وهو قول الشيخ في التبيان (4) والطبرسي في مجمع
البيان (5)، لعموم قوله تعالى: * (إن تبدوا
الصدقات...) * (1) ومال إليه صاحب الجواهر (2)،
ونسبه إلى الذين أطلقوا استحباب صدقة السر ولم
يقيدوها بالمندوبة.
الثاني - أن الإجهار فيها أفضل، صرح بذلك
يحيى بن سعيد (3)، والشهيد الأول (4)، والفاضل
المقداد (5)، والمحقق الثاني (6)، والشهيد الثاني (7)
وكاشف الغطاء (8)، والإمام الخميني (9).
وتشهد لهذا القول عدة روايات، منها:
1 - ما ورد عن ابن عباس: من أن " صدقة
السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا،
وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة
وعشرين ضعفا " (10).

(1) الوسائل 9: 395، الباب 13 من أبواب الصدقة،
الحديث 1، 2، و 7.
(2) الوسائل 9: 395، الباب 13 من أبواب الصدقة،
الحديث 3.
(3) أنظر: الوسائل 9: 399، الباب 14 من أبواب الصدقة،
ومستدرك الوسائل 7: 185، الباب 12 من أبواب
الصدقة.
(4) التبيان في تفسير القرآن 2: 351.
(5) مجمع البيان (1 - 2): 384، وانظر تفسير القمي 1:
100.
(1) البقرة: 271.
(2) الجواهر 28: 131.
(3) الجامع للشرائع: 146.
(4) الدروس 1: 256.
(5) كنز العرفان 1: 240.
(6) جامع المقاصد 9: 130.
(7) المسالك 5: 413 - 414، وانظر الروضة البهية 3:
192.
(8) كشف الغطاء: 341.
(9) تحرير الوسيلة 2: 81، كتاب الوقف، القول في
الصدقة، المسألة 6.
(10) مستدرك الوسائل 7: 133، الباب 32 من أبواب
المستحقين للزكاة، الحديث 3، ونقله عن عوالي اللآلي
2: 72، رقم الحديث 189.
176

2 - ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد
الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (وإن تخفوها
وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) *، فقال: " هي سوى
الزكاة، إن الزكاة علانية غير سر " (1).
وبهذا المضمون عدة روايات.
ويمكن نسبة هذا القول إلى الذين أطلقوا
القول باستحباب صدقة السر، لكن ذكروا ذلك عند
الكلام في الصدقة المستحبة، فيحمل كلامهم بقرينة
المقام عليها - خلافا لما استظهره صاحب الجواهر -
مثل: المحقق في الشرائع (2)، والعلامة في عدة من
كتبه (3)، والأردبيلي (4)، وغيرهم، بل نسبه صاحب
الحدائق إلى المشهور (5).
الثالث - الإحالة فيها على المرجحات الخارجية،
فإنها قد توجب أولوية الإسرار، وقد توجب أولوية
الإجهار فيها، ذهب إلى ذلك السيدان الحكيم (6)
والخوئي (1)، وربما يظهر من ذيل كلام كاشف
الغطاء (2).
الرابع - واقتصر بعضهم على نقل الآراء ولم
يرجح كالمحقق السبزواري (3).
واستثنى الفقهاء من استحباب التصدق سرا،
ما لو اتهم الإنسان بعدم مواساته للفقراء، فيتصدق
علانية لدفع التهمة، فإن ذلك أمر مطلوب شرعا،
وكذا لو قصد بالإظهار متابعة الناس له فيها، لما فيه
من التحريض على نفع الفقراء (4).
الإسرار في سائر الأعمال المندوبة:
قال كاشف الغطاء: " يستحب التظاهر في
العبادات الواجبات والمندوبات لمن كان قدوة
الناس يقتدون به، لرياسته في الدين أو الدنيا،
ليكون باعثا على عملهم، فإن الداعي إلى الخير قولا
أو فعلا كفاعله، ولمن أراد أن يجب الغيبة عن نفسه،
فلا يرمى بالتهاون والتكاسل في العبادة، وربما
وجب لذلك، ولمن أراد ترغيب الناس إلى الطاعات
وإيقاعهم في الغيرة ليرغبوا في العبادات، ولمن أراد
تنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين.

(1) الوسائل 9: 310، الباب 54 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2. وعنوان الباب: " باب استحباب
إخراج الزكاة المفروضة علانية والصدقة المندوبة سرا،
وكذا سائر العبادات ".
(2) شرائع الإسلام 2: 222.
(3) القواعد 1: 273، والمنتهى (الحجرية) 1: 542،
والتذكرة 5: 403، والتحرير 1: 291.
(4) مجمع الفائدة 4: 286.
(5) الحدائق 22: 274.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 271، كتاب
الوقف، الصدقة، المسألة 20.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 257، كتاب
الوقف، الصدقة، المسألة 1226.
(2) كشف الغطاء: 341.
(3) كفاية الأحكام: 143.
(4) تجد ذلك في أغلب المصادر المتقدمة.
177

ويستحب الإسرار في المندوبات (1)، لظاهر
الروايات، إلا ما ورد فيه استحباب الجهر. ولولا
دلالة الأخبار لقلنا بإطلاق أفضلية الاجتهاد (2)،
لأن اظهار العبودية عبودية ثانوية.
ويتأكد الإسرار في حق من خاف على نفسه
من الرياء... " (3).
ومما ورد في استحباب الإسرار في أعمال البر:
1 - ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام):
من أن " كل ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من
إسراره، وكل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من
إعلانه. ولو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه
فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا " (4).
2 - ما روي عنه (عليه السلام) أيضا: من أن " ما كان
من الصدقة، والصلاة، والصوم، وأعمال البر كلها،
تطوعا، فأفضلها ما كان سرا، وما كان من ذلك
واجبا مفروضا، فأفضله أن يعلن فيه " (5).
الإسرار في التلبية:
الأفضل للنساء أن يلبين التلبيات الأربع - في
الحج - سرا (1)، وأما الرجال، ففي تلبيتهم أقوال:
وجوب الإجهار، واستحبابه، واستحباب
الإسرار.
والأول منسوب للشيخ في التهذيب (2)،
والثاني للمشهور (3)، والثالث للصدوقين (4).
راجع: تلبية.
الإسرار في النكاح:
يجوز إيقاع عقد النكاح سرا، فلا يجب
الإشهاد والإعلان.
نعم، إنهما مستحبان مؤكدان، بل روي: أنه
(صلى الله عليه وآله) كان يكره نكاح السر (5).
وأما عند النكاح بمعنى الدخول، فالمستحب
فيه الإسرار، بل يجب الإسرار بمعنى الاستتار عن
الناظر المحترم.
راجع: استتار.

(1) أي لغير من تقدم ذكره.
(2) كذا في المصدر، ولعل الصحيح: الإجهار.
(3) كشف الغطاء: 67.
(4) الوسائل 9: 309، الباب 54 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث الأول، وعنوان الباب: " باب
استحباب إخراج الزكاة المفروضة علانية، والصدقة
المندوبة سرا، وكذا سائر العبادات ".
(5) مستدرك الوسائل 7: 133، الباب 32 من أبواب
المستحقين للزكاة، الحديث الأول، وعنوان الباب كما في
الوسائل.
(1) المسالك 2: 244.
(2) تهذيب الأحكام 5: 92، باب صفة الإحرام، ذيل
الحديث 300، ووافق المشهور في غيره.
(3) المختلف 4: 54، والحدائق 15: 61.
(4) المصدران المتقدمان، وانظر الهداية: 45.
(5) أنظر: نهاية المرام 1: 40 - 41، والحدائق 23: 33،
والجواهر 29: 39 - 40.
178

النهي عن المواعدة سرا في العدة:
يحرم التصريح بخطبة النساء قبل انقضاء
عدتهن إجمالا (1)، نعم يجوز التعريض بالخطبة - بمعنى
أن يذكر كلاما فيه دلالة على النكاح وليس فيه ذكر
له (2) - ولا تجوز مواعدتهن سرا، لقوله تعالى:
* (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو
أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن
لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) * (3).
وذكر المفسرون والفقهاء أقوالا في تفسير
المواعدة سرا، أهمها:
1 - أن السر بمعنى الخفاء، أي لا تواعدوهن
في الخفاء، لأنهن أجنبيات، والاجتماع معهن في
الخفاء يدعو إلى ما لا يحل.
2 - أن السر بمعنى الجماع، أي لا تصفوا لهن
أنفسكم بكثرة الجماع ونحوه ليرغبن فيكم.
3 - ويجمع ذلك وغيره ما ورد أن: "... من
السر أن يقول لها: موعدك بيت آل فلان " (4).
فقد روى العياشي في تفسير الآية عن أبي
عبد الله (عليه السلام): " هو قول الرجل للمرأة قبل أن
تنقضي عدتها موعدك بيت آل فلان، ثم يطلب إليها
أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها " (1).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) في تفسير * (قولا
معروفا) *، قال: " المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا
ترغبها في نفسك، ولا تقول: إني أصنع كذا وأصنع
كذا، القبيح من الأمر في البضع، وكل أمر قبيح " (2).
لو ذكر مهرا في السر ومهرا في العلانية:
قال الشيخ الطوسي: " إذا عقدا النكاح في
السر بمهر ذكراه ثم عقدا في العلانية بخلافه، فالأول
هو المهر عندنا " (3).
وهكذا ذكر هذا الفرع من تأخر عنه (4) حتى
زمن العلامة، إذ قال: " ولو عقد مرتين على مهرين،
فالثابت الأول، سرا أو جهرا " (5). فجعل الملاك ما

(1) أنظر: الحدائق 24: 90، والجواهر 30: 119، وفيه
تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
(2) أنظر التبيان في تفسير القرآن 2: 266، وفيه: " أن
التعريض: تضمين الكلام دلالة على شئ ليس فيه ذكر
له ". ونقل عن أهل البلاغة: أنه " إيهام المقصود بما لم
يوضع له حقيقة ولا مجازا ". أنظر كنز العرفان 2: 236.
(3) البقرة: 235.
(4) أنظر: مجمع البيان (1 - 2): 338 - 339، والحدائق
24: 90 - 93، والجواهر 30: 121 - 123.
(1) تفسير العياشي 1: 142، الحديث 394، ذيل الآية
الشريفة المتقدمة.
(2) تفسير العياشي 1: 142، الحديث 395، ذيل الآية
الشريفة المتقدمة.
(3) المبسوط 4: 291.
(4) أنظر المهذب 2: 209، والسرائر 2: 593، والشرائع
2: 325.
(5) القواعد 2: 36، وانظر: جامع المقاصد 13: 349،
والمسالك 8: 186، وكفاية الأحكام: 179، وكشف
اللثام 2: 79.
179

صدر أولا، لأنه الذي تترتب عليه الآثار، سواء
أوقعه المتعاقدان سرا أو جهرا.
وهكذا قال من تأخر عنه.
وذكر الشيخ فرعا آخر، وهو: " إذا اتفقا
على مهر وتواعدا به من غير عقد، فقالت له: جملني
حال العقد بذكر أكثر منه فذكر ذلك، لزمه ما عقد به
العقد... " (1).
وذكر الشهيد الثاني وجهين مبنيين على أن
الألفاظ دلالتها على معانيها توقيفية أو اصطلاحية (2).
ورجح صاحب الجواهر ما تواطأ عليه سرا،
لأنه مقصود المتعاقدين (3).
أخذ النفقة سرا:
ذكر بعض الفقهاء: أنه لو امتنع الزوج عن
أصل الإنفاق، فللزوجة أن تأخذ حقها منه سرا،
واستشهدوا بقضية هند مع زوجها أبي سفيان حيث
شكته إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت له: " إن أبا سفيان رجل
شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا
ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من
جناح؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذي من ماله
بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك " (4).
بل قالوا بجواز ذلك إجمالا في كل حق يتوقف
إنفاذه على ذلك (1).
ولبعضهم كلام في احتياج ذلك إلى إذن
الحاكم الشرعي وعدمه.
راجع: اقتصاص، حق، نفقة.
الإسرار في الاستثناء في الحلف:
يجوز الاستثناء - وهو قول: إن شاء الله
تعالى - بعد اليمين كما مر في " استثناء ".
ولا بد من التلفظ بالاستثناء. وقال الشيخ في
النهاية: " إن حلف علانية فليستثن علانية، وإن حلف
سرا فليستثن مثل ذلك " (2)، وجوز العلامة الوجهين (3).
الإقرار سرا:
لو أقر المدعى عليه سرا وسمعه الحاكم دون
غيره، فللحاكم أن يحكم طبقه كما لو أقر في مجلس
القضاء علنا، بناء على جواز حكم الحاكم طبقا
لعلمه (4)، بل قيل: إن هذا متفق عليه وإن اختلف في

(1) المبسوط 4: 291.
(2) المسالك 8: 186.
(3) الجواهر 31: 37.
(4) صحيح مسلم 3: 1338، الباب 4 من كتاب الأقضية،
الحديث 1714.
(1) أنظر: المبسوط 6: 3، والمسالك 8: 439، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 114 و 422، والجواهر 40:
388.
(2) النهاية: 556، وانظر الجواهر 35: 246.
(3) المختلف 8: 172.
(4) أنظر: القواعد 2: 205، والمهذب البارع 4: 461،
والمسالك 13: 386، وكشف اللثام (الحجرية) 2:
331.
180

جواز حكم الحاكم طبقا لعلمه، لأن هذا خارج عنه
ولم يبتن عليه (1)، لكن استشكل فيه صاحب
الجواهر (2).
الإسرار في تزكية الشهود:
المعروف بين من تطرق إلى موضوع تزكية
الشهود - أي إثبات عدالتهم - هو: أنه ينبغي أن
تكون التزكية سرا، بمعنى أن يسأل عن حالهم
وعدالتهم سرا، لأنه أبعد عن التهمة (3).
اشتراط الأخذ سرا في حد السرقة:
من جملة شروط إجراء حد السرقة على
السارق أن يأخذ المال سرا، فلو هتك الحرز قهرا أو
ظاهرا وأخذ المال لم يجر عليه الحد (4).
الإسرار في التوبة:
قال الشيخ في المبسوط: " متى أتى ما يوجب
حد الله كالقطع في السرقة، والحد بالزنا وشرب
الخمر، فإن كان من وجب عليه الحد غير معروف به
ولا معلوم منه، لكنه يسره ويخفيه، فالمستحب له أن
يتوب عنه ولا يقر به، وعليه رد السرقة، لقوله عليه
وآله السلام: " من أتى من هذه القاذورات شيئا
فليستره بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا
عليه حد الله ". وإن كان قد اشتهر بذلك وشاع وذاع
عنه، فالمستحب له أن يحضر عند الحاكم فيعترف به،
لأنه إذا كان مشهورا بذلك واعترف به أقمنا عليه
الحد، وكان كفارة له، لأن الحدود كفارات لأهلها.
ويقوى في نفسي: أن يتوب سرا ولا يعترف
أصلا، لعموم الخبر " (1).
وقال أبو الصلاح الحلبي: " فإن تاب الزاني
أو الزانية قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته،
وحمدت طريقته سقط عنه الحد - إلى أن قال: -
وتوبة المرء سرا أفضل من إقراره ليحد " (2).
وما قواه الشيخ، وما قاله الحلبي هو الراجح
عند جماعة، كما تقدم الكلام عنه في عنوان
" استتار " فراجع، وسوف يأتي الكلام عنه في
عنوان " توبة " إن شاء الله تعالى.
رد الحقوق سرا:
قال الشيخ الطوسي في من ألزم بقبول الولاية
من قبل السلطان الجائر: "... فإن خاف من

(1) إيضاح الفوائد 4: 314.
(2) الجواهر 40: 92.
(3) أنظر: المبسوط 8: 107، والشرائع 4: 77، والدروس
2: 74، والمسالك 13: 405، ومجمع الفائدة 12: 72،
والجواهر 40: 115، وغيرها.
(4) أنظر: الشرائع 4: 173، والقواعد 2: 267، والروضة
البهية 9: 221، وكشف اللثام 2: 424، والرياض
(الحجرية) 2: 485، والجواهر 41: 488، وغيرها.
(1) المبسوط 8: 40.
(2) الكافي في الفقه: 407.
181

الامتناع من ذلك على النفس أو على الأهل أو على
المال أو على بعض المؤمنين في ذلك، جاز له أن
يتولى الأمر، ويجتهد أن يضع الأشياء مواضعها،
فإن لم يتمكن من الجميع. فما يتمكن منه، يجتهد في
القيام به، وإن لم يمكنه ذلك ظاهرا، فعله سرا
وإخفاتا، وخاصة ما يتعلق بقضاء حقوق الإخوان
والتخفيف عنهم في ما يلزم من جهة السلاطين
الجورة من الخراج وغيره " (1).
وكل حق وجب إيصاله إلى صاحبه ولم يمكن
جهارا، فيجب إيصاله سرا إن أمكن (2).
موارد أخرى:
كانت هذه جملة من الموارد التي يكون
الإسرار دخيلا في حكمها، وبقيت موارد أخرى
نحيل البحث فيها على ما يناسبها إن شاء الله تعالى،
من قبيل:
1 - بيع الذمي الخمر سرا، ويراجع فيه: ذمة،
وما يناسب الموضوع.
2 - النصح سرا، ويراجع فيه: الأمر
بالمعروف، النصح، أو النصيحة وموارد أخرى.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - آداب التخلي: الدعاء في بيت الخلاء
سرا.
ب - تلقين الميت: التلقين سرا عند التقية.
2 - كتاب الصلاة:
أ - الأذان والإقامة.
ب - تكبيرة الإحرام.
ج - القراءة.
د - مستحبات الصلاة: الجهر بالبسملة.
ه‍ - أذكار الصلاة.
3 - كتاب الزكاة: الإسرار في الصدقة.
4 - كتاب الحج: الإسرار في التلبية.
5 - كتاب التجارة: الولاية من قبل الجائر /
دفع حقوق الإخوان سرا.
6 - كتاب النكاح:

(1) النهاية: 357، وانظر المهذب 1: 347، والسرائر 2:
202، وقد تطرق الفقهاء إلى الموضوع عند الكلام عن
جواز قبول ولاية الجائر في المكاسب المحرمة.
(2) روى الكليني بإسناده عن الزهري، قال: " كنت عاملا
لبني أمية فقتلت رجلا، فسألت علي بن الحسين (عليه السلام) بعد
ذلك كيف أصنع به؟ فقال: الدية أعرضها على قومه،
قال: فعرضت فأبوا وجهدت فأبوا، فأخبرت علي بن
الحسين (عليه السلام) بذلك، فقال: أذهب معك بنفر من قومك
فأشهد عليهم، قال: ففعلت فأبوا فشهدوا عليهم،
فرجعت إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبرته، قال: فخذ
الدية فصرها متفرقة ثم ائت الباب في وقت الظهر أو
الفجر فألقها في الدار، فمن أخذ شيئا فهو يحسب لك في
الدية، فإن وقت الظهر والفجر ساعة يخرج فيها أهل
الدار، قال الزهري: ففعلت ذلك، ولولا علي بن الحسين
(عليه السلام) لهلكت... ". الكافي 7: 295، باب في القاتل يريد
التوبة، الحديث 2.
182

أ - عقد النكاح: عدم وجوب الشهادة
على العقد.
ب - العدة: النهي عن مواعدة المعتدات
سرا.
ج - المهر: لو ذكرا مهرا سرا ومهرا
علانية.
د - النفقة: جواز أخذ الزوجة نفقتها سرا
لو امتنع الزوج عن دفعها.
7 - كتاب الأيمان: الاستثناء في الحلف /
الإسرار في الاستثناء.
8 - كتاب الشهادة:
أ - قضاء الحاكم بعلمه: لو أقر المدعى
عليه سرا عند الحاكم.
ب - تزكية الشهود سرا.
9 - كتاب الحدود: اشتراط الأخذ سرا في
حد السرقة.
وموارد أخرى بالمناسبة.
إسراف
لغة:
ذكروا له عدة معان:
1 - مجاوزة القصد (1)، وهو الحد الوسط،
يقال: قصد في الأمر، أي توسط (1).
2 - تعدي الحد (2).
3 - نقيض الاقتصاد (3) وضد القصد (4).
4 - التبذير (5).
5 - أكل ما لا يحل (6).
6 - ما أنفق في غير طاعة الله وإن كان
قليلا (7).
7 - الخطأ (8).
8 - الجهل، والسرف: الجاهل (9).
9 - الإغفال، يقال: رجل سرف الفؤاد، أي
غافل (10).
10 - الضراوة، وهي العادة، ومنه: " إن
للحم سرفا كسرف الخمر " (11).

(1) لسان العرب: " سرف ".
(1) المصباح المنير: " قصد ".
(2) معجم مقاييس اللغة: " سرف ".
(3) ترتيب كتاب العين: " سرف ".
(4) الصحاح، والقاموس المحيط: " سرف ".
(5) الصحاح: " سرف "، وسوف يأتي مزيد من
التوضيح.
(6) لسان العرب، ومجمع البحرين: " سرف ".
(7) لسان العرب: " سرف "، ولعله من باب خلط المعنى
الاصطلاحي باللغوي، لأن المفسرين نسبوا هذا القول
إلى ابن عباس وقتادة، كما سوف يأتي.
(8) أغلب المصادر المتقدمة.
(9) أغلب المصادر المتقدمة.
(10) أغلب المصادر المتقدمة.
(11) النهاية (لابن الأثير)، وأغلب المصادر المتقدمة:
" سرف ".
183

كانت هذه أهم المعاني التي ذكرها اللغويون
للإسراف، والذي يهمنا منها في بحثنا هذا هي المعاني
الستة الأول، ومرجعها إلى المعنى الأول (1)، وهو:
مجاوزة القصد، أي الحد الوسط، وحد الاعتدال، كما
سنشير إليه.
والمستفاد من مجموع المعاني اللغوية: أن
الإسراف يتصور في كل شئ وإن كان في الإنفاق
أشهر، كما قال الراغب الإصفهاني: " السرف تجاوز
الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في
الإنفاق أشهر " (2).
وهناك عناوين أخرى لا بد من بيان
معانيها، لما لها من الصلة بعنوان " الإسراف "،
وهي:
1 - التبذير:
قال الراغب: " التبذير: التفريق، وأصله
إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله " (3).
وقال الفيومي: " بذرت الحب إذا ألقيته
للزراعة... وبذرت الكلام (1): فرقته، وبذرته
- بالتثقيل - مبالغة... ومنه اشتق التبذير في المال،
لأنه تفريق في غير القصد " (2).
وقال الخليل: " التبذير: إفساد المال وانفاقه
في السرف... وقيل: التبذير إنفاق المال في المعاصي،
وقيل: هو أن يبسط يده في إنفاقه حتى لا يبقي منه ما
يقتاته " (3).
وعلى هذه التعاريف يكون التبذير
والإسراف متقاربين تقريبا، إلا أنه قد فرق بينهما
بفارق أساسي، فقيل: " إن التبذير: الإنفاق فيما
لا ينبغي، والإسراف: الصرف زيادة على ما
ينبغي " (4)، أو " إن الإسراف: صرف أكثر مما
ينبغي، والتبذير: الصرف الذي لا ينبغي " (5)، أو
" إن السرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير:

(1) ولعل مرجع جميعها إليه أو إلى الثاني، قال الشيخ
الطوسي في التبيان: " وأصل الإسراف مجاوزة الحد،
يقال: سرفت القوم، إذا جاوزتهم وأنت لا تعرف
مكانهم، وسرفت الشئ إذا نسيته، لأنك جاوزته إلى
غيره بالسهو عنه... ". التبيان 3: 12.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" سرف ".
(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" بذر ".
(1) قال ابن الأثير - بعد أن ذكر قول فاطمة الزهراء (عليها السلام)
لعائشة: " إني إذن لبذرة " -: " البذر الذي يفشي السر
ويظهر ما يسمعه "، ثم نقل عن الإمام علي (عليه السلام) قوله
في صفة الأولياء: " ليسوا بالمذاييع البذر "، ثم قال:
" جمع بذور، يقال: بذرت الكلام بين الناس كما تبذر
الحبوب، أي أفشيته وفرقته ". النهاية (لابن الأثير):
" بذر ".
(2) المصباح المنير: " بذر ".
(3) ترتيب كتاب العين: " بذر ".
(4) مجمع البحرين: " بذر ".
(5) ذكره السيد الحكيم، أنظر المستمسك 7: هامش
الصفحة 339.
184

هو الجهل بواقع الحقوق " (1).
ويمكن أن نستنبط من موارد استعمالات
العنوانين فرقا آخر، وهو: أن الإسراف يمكن أن
يصدق في كل ما يصدر من الإنسان، أما التبذير
فلا يصدق إلا في موارد الإنفاق وشبهه من الأمور
المالية.
2 - التقتير:
قال ابن الأثير: " الإقتار: التضييق على
الإنسان في الرزق، يقال: أقتر الله رزقه، أي ضيقه
وقلله... " (2).
وقال الجوهري: " قتر على عياله... أي ضيق
عليهم في النفقة، وكذلك التقتير والإقتار، ثلاث
لغات " (3).
ومثل ذلك قال غيرهما (4).
3 - القوام:
قال الجوهري: " القوام: العدل... وقوام
الأمر - بالكسر - نظامه وعماده... وقوام الأمر:
ملاكه الذي يقوم به " (1).
وقال الفيروزآبادي: " القوام، كسحاب:
العدل، وما يعاش به، وبالكسر: نظام الأمر
وعماده " (2).
وقال الفيومي: " القوام - بالكسر -: ما يقيم
الإنسان من القوت. والقوام - بالفتح -: العدل
والاعتدال " (3).
والمتحصل من مجموع ما تقدم: أن القوام هو
العدل، والحد الوسط بين الإسراف والتقتير وإليه
يشير قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم
يقتروا وكان بين ذلك قواما) * (4) أي يكون إنفاقهم في
حد الاعتدال ليس فيه إسراف ولا تقتير.
وإليه يشير قوله تعالى أيضا: * (يسألونك
ماذا ينفقون قل العفو) * (5) بناء على تفسير العفو
بالوسط، كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6).
4 - السفه:
عرفه اللغويون: بأنه خفة الحلم - أي العقل -

(1) نسبت هذه العبارة ومضمونها إلى عدة أشخاص. أنظر:
عوائد الأيام: 621، والموسوعة الفقهية (إصدار وزارة
الأوقاف الكويتية) 4: 177، " إسراف ".
(2) النهاية (لابن الأثير): " قتر ".
(3) الصحاح: " قتر ".
(4) أنظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مقاييس اللغة،
ولسان العرب، والمصباح المنير: المادة نفسها.
(1) الصحاح: " قوم ".
(2) القاموس المحيط: " قوم ".
(3) المصباح المنير: " قوم ".
(4) الفرقان: 67.
(5) البقرة: 219.
(6) الوسائل 21: 551، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 3.
185

أو نقيضه، أو ضده (1).
وأصل السفه: الخفة، يقال: تسفهت الريح
الشجر، أي مالت به (2).
وعرفوه بالجهل أيضا (3).
وأما الفقهاء فقد نقل الشيخ عن بعضهم
تعريف السفيه بأنه: المبذر (4).
وعرفه العلامة: بأنه " الذي يصرف أمواله
في غير الوجه الملائم لأفعال العقلاء " (5).
وعرفه المحقق: بأنه " الذي يصرف أمواله في
غير الأفعال الصحيحة " (6).
وقال المحقق الأردبيلي: " هو المبذر لأمواله
في غير الأغراض الصحيحة " (7).
ويظهر من كلماتهم أن هناك ارتباطا بين
الإسراف والتبذير والسفه، بل قد تتحد في بعض
المصاديق.
اصطلاحا:
المستفاد من مجموع كلمات الفقهاء وموارد
استعمالاتهم للإسراف ومشتقاته: أن الإسراف
- بمعناه العام الشامل للإسراف في المال وغيره - هو:
تجاوز الحد الوسط والاعتدال. وهو قابل للانطباق
على المال وغيره.
وهذا المقدار لا إشكال فيه ظاهرا. نعم،
هناك أمور ينبغي الكلام فيها كي يتضح المعنى
الاصطلاحي:
الأمر الأول: كيف نعرف الحد الوسط؟
الحد الوسط مفهوم نسبي يختلف باختلاف
الأفراد والأشخاص، وباختلاف الأزمنة والأمكنة.
فرب شئ يكون حدا وسطا لشخص دون شخص،
أو في زمان دون زمان، أو في مكان دون مكان.
ولعل إلى هذا المعنى يشير الإمام أبو عبد الله
الصادق (عليه السلام) - في موثقة سماعة - بقوله: " فإنه رب
فقير أسرف من غني، فقلت: كيف يكون الفقير
أسرف من الغني؟ فقال: إن الغني ينفق مما أوتي،
والفقير ينفق من غير ما أوتي " (1).
ومن جهة أخرى تارة يقوم الشارع بتحديد
الشئ - كتحديد عدد الغسلات والمسحات في
الطهارات الثلاث، وقطع الأكفان في تجهيز الميت
ونحو ذلك - وتارة يقوم العرف بذلك.
وأحال الفاضل النراقي معرفة الحد الوسط

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم مقاييس
اللغة، والقاموس المحيط، وغيرها: " سفه ".
(2) الصحاح: " سفه ".
(3) لسان العرب: " سفه ".
(4) الخلاف 3: 287، المسألة 7.
(5) القواعد 1: 169.
(6) شرائع الإسلام 2: 101.
(7) مجمع الفائدة 9: 210.
(1) الوسائل 9: 243، الباب 14 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2.
186

على العرف، ثم انتزع من العرف والروايات أمورا
ثلاثة جعلها معايير له (1) - لكن كلامه في الأمور
المالية، فهو أخص من العنوان المبحوث عنه - وهي:
المعيار الأول - أن يكون صرف المال إتلافا
وتضييعا له، مثل إراقة فضل الطعام والماء والزيت
ونحو ذلك، مما يمكن أن يستفاد منه.
واستشهد له بما رواه داود الرقي عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: " إن القصد أمر يحبه الله عز وجل،
وإن السرف أمر يبغضه الله عز وجل، حتى طرحك
النواة، فإنها تصلح لشئ، وحتى صبك فضل
شرابك " (2).
المعيار الثاني - أن يكون صرف المال زائدا
على قدر الحاجة، كما إذا بنى من لا يحتاج إلى أكثر
من دار واحدة عشر دور، وتركها دون أن يسكن
فيها أحدا.
واستشهد لذلك بما دل على النهي عن إنفاق
ما في اليد في سبيل الله. وبما ورد في ذيل مرسلة
إسحاق بن عبد العزيز: "... قلت: فما الإقتار؟
قال: أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره، قلت:
فما القصد؟ قال: الخبز واللحم واللبن والخل
والسمن، مرة هذا ومرة هذا " (1).
فإن التقييد بالمرة والمرة لإخراج الزائد عن
قدر الحاجة في الإدام.
المعيار الثالث - أن يكون صرف المال زائدا
على اللائق بحاله، كما إذا اشترى من لا وارد له
سوى ما يقوت به عياله، فرسا ثمينا ربما لا يركبه في
السنة مرة، وصرف المال الكثير في نفقته.
واستشهد له بما رواه إسحاق بن عمار:
" قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يكون للمؤمن
عشرة أقمصة؟ قال: نعم. قلت: عشرون؟ قال:
نعم. قلت: ثلاثون، قال: نعم، ليس هذا من
السرف، إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب
بذلتك " (2).
وبما رواه أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) قال: " للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما
ليس له، ويشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس

(1) عوائد الأيام: 632 - 635.
(2) الوسائل 21: 551، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 2، ويمكن أن يستشهد له أيضا بما ورد: من أنه
" ليس فيما أصلح البدن إسراف... إنما الإسراف فيما أفسد
المال وأضر بالبدن ". المصدر المتقدم: 555، الباب 26،
وفيه حديث واحد.
(1) الوسائل 21: 555، الباب 26 من أبواب النفقات،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 22، الباب 9 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 3، وسوف يأتي الكلام عن وجه عدم كون ذلك
إسرافا. ويوجه الإشكال إلى الفاضل النراقي من جهة أنه
كان الأنسب أن تذكر هذه الرواية في المعيار الأول، لأن
جعل ثوب الصون - وهو ما يصونه ليلبسه في الوقت
المناسب - ثوب البذلة - وهو ثوب العمل والخدمة - نوع
من الإتلاف، فيصير إسرافا من هذه الناحية.
187

له " (1) بناء على تفسيره بما لا يليق بحاله (2).
ثم قال: " ويجمع الثلاثة...: صرف المال في
ما يستقبحه العقلاء، أو فيما لا ينبغي " - إلى أن قال: -
" ويظهر أيضا مما ذكر: أن الاقتصاد هو
صرف المال فيما يحتاج إليه، أو فيما يترتب عليه
فائدة مقصودة للعقلاء بقدر يليق بحاله.
ومن الفوائد المقصودة:
1 - التجمل والزينة المندوب إليهما شرعا،
بشرط أن لا يتجاوز القدر اللائق.
2 - ومنها استيفاء اللذات الجسمية أو
النفسانية مما يعده العقلاء لذة، ويطلبونها...
3 - ومن الفوائد: اللذات الحاصلة بالاعتياد
لشئ إذا كان مما يعده العقلاء لذة (3).
4 - ومنها إصلاح البدن، كما ورد في مرسلة
إسحاق بن عبد العزيز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" إنا نكون في طريق مكة، فنريد الإحرام، فنطلي،
ولا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة فنتدلك
بالدقيق، وقد دخلني بذلك ما الله أعلم به، فقال
(عليه السلام): أمخافة الإسراف؟ قلت: نعم. قال: ليس
فيما أصلح البدن إسراف، إني ربما أمرت بالنقي
فيلت بالزيت، فأتدلك به، إنما الإسراف فيما أفسد
المال وأضر بالبدن " (1).
ويستفاد من كلام بعض الفقهاء أن هناك معيارا
آخر وهو: أن لا يتعلق بذلك الفعل غرض عقلائي.
قال صاحب الجواهر في رد القول بتحريم
زخرفة المساجد: " دعوى أنه تضييع للمال وصرف
له في غير الأغراض الصحيحة فيكون إسرافا، في
محل المنع، إذ التلذذ في الملابس والمساكن ونحوها من
أعظم الأغراض التي خلق المال لها... " (2).
وقال المحقق الهمداني في ذلك أيضا: " إن
الغالب تعلق غرض عقلائي بها، كتعظيم الشعائر
ونحوه مما لا يصدق معه اسم الإسراف " (3).
وقال السيد الخوئي في ذلك أيضا: "... لتقوم
الإسراف بفقد الغرض العقلائي، ومن البين أن تعظيم
الشعائر من أعظم الدواعي العقلائية، كما هو
المشاهد في المشاهد المشرفة " (4).

(1) الوسائل 17: 65، الباب 22 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث 4.
(2) مجمع البحرين: " سرف ".
(3) لا بد من تقييده بما إذا كان جائزا شرعا.
(1) عوائد الأيام: 635 - 636.
(2) الجواهر 6: 339 و 340.
(3) مصباح الفقيه 2: 704.
(4) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 2: 239.
أقول: إن قبول ذلك على إطلاقه مشكل، إذ نرى
كثيرا من عقلاء العالم يفعلون أشياء نعدها إسرافا قطعا،
إلا أن يريدوا بذلك عدم صدق السفه عندهم، ويرشد
إليه كلام صاحب الجواهر في دفع دعوى تحريم فرش
القبر بالساج ونحوه مما له قيمة، حيث قال: "... إن بذل
المال لا يتوقف على الإذن الشرعية، بل يكفي في جوازه
عدم السفه فيه، وذلك يحصل بأدنى غرض عقلائي ".
الجواهر 4: 333.
188

الأمر الثاني - هل يصدق الإسراف بصرف المال في
وجوه البر؟
فيه قولان:
الأول - أن صرف المال في وجوه الخير والبر
ليس إسرافا مطلقا.
يظهر ذلك من بعضهم: كالعلامة في بعض
كتبه (1)، والشهيد الثاني في الروضة (2)، بل نسبه في
المسالك إلى المشهور (3)، والمحقق الأردبيلي في مجمع
الفائدة (4)، والسيد الخوئي في المستند (5).
وعللوه بما ورد في الكتاب والسنة: من
الترغيب والتحريض على الإنفاق بصورة عامة
- حتى مع الحاجة - وبما ورد عن بعض أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) كالحسن بن علي (عليهما السلام)، وبعض
الصحابة: من صرف جميع أموالهم في وجوه الخير،
وبما ورد في سبب نزول سورة " هل أتى ": أن أهل
البيت - عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) -
أنفقوا كل طعامهم على المسكين واليتيم والأسير
حتى بقوا ثلاثة أيام جياعا. وبغير ذلك (6).
الثاني - أن الإسراف يصدق في وجوه البر
وغيرها، إذا كان زائدا على القدر اللائق.
اختار هذا القول العلامة في التذكرة (1)،
والمحقق السبزواري (2) والمحدث البحراني (3)،
والفاضل النراقي (4) - واستظهره الأخير من جماعة،
منهم المحدث الكاشاني - وهو الظاهر من الشهيد
الثاني في المسالك (5) وصاحب الجواهر (6)، بل من
كل من جعل الصدقات والمبرات من المؤونة
المستثناة مما يتعلق به الخمس من أرباح
التجارات، وقيده بعدم الإسراف (7).
واستشهد بعض هؤلاء بما دل على صدق
الإسراف في الإنفاق لو جاوز حد الاعتدال
والوسط، وهي كثيرة كتابا وسنة، منها:
1 - قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا
ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) * (8).

(1) أنظر: القواعد 1: 168، والتحرير 1: 218، والإرشاد
1: 395.
(2) الروضة البهية 4: 104.
(3) المسالك 4: 152.
(4) مجمع الفائدة 9: 201 - 202.
(5) مستند العروة (الخمس): 250 - 251.
(6) أنظر: المسالك 4: 152، ومجمع الفائدة 9: 202.
(1) التذكرة (الحجرية) 2: 76.
(2) كفاية الأحكام: 112 - 113.
(3) الحدائق 20: 356.
(4) عوائد الأيام: 629.
(5) المسالك 4: 152.
(6) الجواهر 26: 55 - 56.
(7) أنظر: المدارك 5: 385، والعروة الوثقى: كتاب
الخمس، فصل في ما يجب فيه الخمس، المسألة 61،
والمستمسك 9: 539، وتحرير الوسيلة 1: 327، كتاب
الخمس، القول في ما يجب فيه الخمس، المسألة 327.
(8) الفرقان: 67.
189

2 - قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده
ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) * (1).
فإنها نزلت في رجل من الأنصار كان له
حرث، وكان إذا جذه يتصدق به، ويبقى هو وعياله
بغير شئ، فجعل الله ذلك سرفا (2).
3 - قوله تعالى: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى
عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما
محسورا) * (3).
وقد ورد: أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما
سأله سائل ولم يحضره شئ فأعطاه قميصه، فأدبه
الله على القصد (4).
4 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لو أن
رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان
أحسن ولا وفق، أليس الله يقول: * (ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب
المحسنين) * (5)، يعني المقتصدين " (6).
وغير ذلك مما دل على تحقق الإسراف في
وجوه البر أيضا.
وأجاب بعض هؤلاء عما استشهد به
القائلون بالقول الأول والثاني بوجوه، منها:
1 - أن ما دل على جواز الإنفاق مع الحاجة
مثل قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة) * (1)، يظهر جوابه مما رد به أبو عبد الله
الصادق (عليه السلام) سفيان الثوري الصوفي وجماعته،
وحاصله: أن ذلك كان مباحا فنهى الله تعالى عنه،
وأمر بالاقتصاد، فصار ذلك ناسخا لفعلهم، ورحمة
للمؤمنين، إلى أن قال:
" ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا
عنه، مفروضا من الله العزيز الحكيم، قال:
* (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك
قواما) * (2)، أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال
غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على
أنفسهم، وسمى من فعل ما تدعون الناس إليه
مسرفا، وفي غير آية من كتاب الله يقول: * (إنه
لا يحب المسرفين) * (3) فنهاهم عن الإسراف، ونهاهم
عن التقتير، ولكن أمر بين أمرين " (4).
2 - وأما ما قيل: من أن الإمام الحسن (عليه السلام)

(1) الأنعام: 141.
(2) الوسائل 21: 558، الباب 29 من أبواب النفقات،
الحديث 3.
(3) الإسراء: 29.
(4) الوسائل 21: 559، الباب 29 من أبواب النفقات،
الحديث 5.
(5) البقرة: 195.
(6) الوسائل 21: 552، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 7.
(1) الحشر: 9.
(2) الفرقان: 67.
(3) الأنعام: 141، الأعراف: 31.
(4) الكافي 5: 67، كتاب المعيشة، باب دخول الصوفية
على أبي عبد الله (عليه السلام).
190

خرج عن أمواله كلها وأنفقها في سبيل الله،
فالمروي: أنه قاسم ربه ماله حتى النعل، أي أنفق في
سبيل الله نصف أمواله، لا أنه أنفقها جميعا.
3 - وأما إطعام أهل البيت (عليهم السلام) جميع
طعامهم للمسكين واليتيم والأسير ونزول سورة
" هل أتى " في حقهم، فلعله من اختصاصاتهم، أو
لأنه كان لائقا بحالهم (1).
الأمر الثالث - هل يختص الإسراف بصرف المال في
المعاصي؟
ربما يقال: إن الإسراف هو صرف المال في
المعاصي وإن قل (2)، فمن يصرف ماله في شراء
الخمور وآلات اللهو ونحوها مسرف وإن كان ما
يصرفه فيها قليلا بالنسبة إلى سائر أمواله.
لكن الظاهر أن حصر الإسراف في ذلك لم
ينسب إلى أحد من فقهائنا (3). نعم ربما يكون ذلك
تبذيرا منافيا للرشد الشرعي، ولعله إلى ذلك يشير
قول المحقق الأردبيلي: "... نقل الإجماع على أن
صرف المال في المحرمات سفه وتبذير... " (4).
وأشار في عبارته إلى العلامة الذي قال في من
ينفق أمواله في المعاصي، كشراء الخمور وآلات
اللهو والقمار: "... فهو غير رشيد لا يدفع إليه أمواله
إجماعا، لتبذيره وتضييعه إياه في غير فائدة " (1).
لكن ظاهر العبارة: أن دعوى الإجماع إنما
هي على عدم جواز دفع المال إلى مثل هذا
الشخص، لا على صدق التبذير على تصرفه، وإن
كان ذلك محتملا واقعا.
الأمر الرابع - هل يجوز نفي الإسراف عن بعض
الموارد؟
ورد على ألسنة بعض الفقهاء: أنه
" لا إسراف في الطيب "، أو " لا إسراف فيما أصلح
البدن "، أو " لا إسراف في الحج والعمرة "، أو
" لا إسراف في المأكول والمشروب " ونحو ذلك.
وهي منتزعة من بعض النصوص (2).
ولكن هل المراد منها خروج هذه الموارد عن
الإسراف خروجا موضوعيا أو حكميا؟
وبعبارة أخرى: هل الإسراف صادق في هذه
الموارد، لكن استثني حكمها من حكم الإسراف
بصورة عامة؟ أو لم يصدق الإسراف فيها أصلا ولو
بنظر الشارع؟
ظاهر من ذكر هذه الموارد من الفقهاء: أنه

(1) أنظر: كفاية الأحكام: 112، والحدائق 20: 356 -
358، وعوائد الأيام: 629، والجواهر 26: 55 - 56.
(2) أنظر: التبيان 7: 507، ومجمع البيان (7 - 8): 179،
وعوائد الأيام: 626.
(3) نعم هو منسوب إلى ابن عباس وقتادة. أنظر المصادر
المتقدمة.
(4) مجمع الفائدة 9: 219.
(1) المصدر السابق، والتذكرة (الحجرية) 2: 75.
(2) سوف نذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
191

من قبيل الخروج الموضوعي (1). لكن ربما يكون
مقصودهم الخروج الحكمي، فتكون هذه الموارد من
قبيل قولهم: " لا شك لكثير الشك " حيث يكون نفي
الحكم فيها بلسان نفي الموضوع. فإن كثير الشك
شاك واقعا، نعم لا يشمله حكم الشاك تسهيلا له،
فيكون حكم الإسراف في هذه الموارد مستثنى من
حكم الإسراف بصورة عامة.
ومع ذلك كله فقد حدد الفاضل النراقي
الخروج الحكمي، ولم يلتزم به على إطلاقه. قال بعد
ذكر الموارد المتقدمة:
"... فليس المراد نفي حرمة الإسراف فيها،
حتى إنه لو رش أحد فضاء بيته وسطوحه وباب
داره بماء الورد، أو يطلي أبواب بيته وجدرانه
بالمسك والعنبر، ولو كان فقيرا، جاز ذلك ولم يكن
مسرفا، وكذا إذا أسرج المشاعل في النهار أو نحوه،
وكذا البواقي، بل المراد: أن الإكثار في هذه الأمور
مطلوب، والتجاوز عن الحد في الجملة فيها معفو، مع
أنه ورد: " أن عدم الإسراف في المأكل لأنه لا يضيع
بل يأكله الآكلون ". ولو سلم، فإنما يكون من باب
الاستثناء " (2).
وسوف نبحث عن الموارد المتقدمة كغيرها فيما
يأتي إن شاء الله تعالى، لكن نقتصر هنا على الكلام
فيما ورد في بعض الروايات: من أنه " ليس فيما
أصلح البدن إسراف " فهل يجوز الأخذ بالرواية
على الإطلاق حتى فيما عده العرف إسرافا، بمجرد
أنه نافع للبدن؟
إذن لا بد من تقييد الروايات بما لا يعده
العرف إسرافا قطعا.
هذا مع غض النظر عما في سند الرواية من
الضعف والإرسال (1).

(1) مثل ما ورد في جامع الشرائع: 28: " والتدلك بالدقيق
ليس بسرف، إنما السرف فيما أضر بالبدن وأتلف المال "،
وما ورد في الذكرى 1: 155: " ويجوز التدلك في
الحمام بالدقيق... ولا سرف فيما ينفع البدن... ".
(2) عوائد الأيام: 636.
(1) روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن بعض
أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال له: " إنا نكون في
طريق مكة فنريد الإحرام فنطلي ولا يكون معنا نخالة
نتدلك بها من النورة، فنتدلك بالدقيق وقد دخلني من
ذلك ما الله أعلم به، قال: أمخافة الإسراف؟ قلت: نعم،
قال: ليس فيما أصلح البدن إسراف، إني ربما أمرت بالنقي
فيلت بالزيت فأتدلك به. إنما الإسراف في ما أفسد المال
وأضر بالبدن.
قلت: فما الإقتار؟ قال: أكل الخبز والملح وأنت تقدر
على غيره،
قلت: فما القصد؟ قال: الخبز واللحم واللبن والخل
والسمن، مرة هذا، ومرة هذا ". الكافي 4: 53، الحديث
10.
أما إرسال الرواية، فمن جهة أن إسحاق بن عبد
العزيز نقلها عن بعض الأصحاب ولم ينقلها عن الإمام
(عليه السلام) مباشرة.
وأما ضعفها، فمن جهة أن إسحاق بن عبد العزيز قد
ذكره العلامة في الضعفاء، ونقل عن ابن الغضائري أنه
قال عنه: " يعرف حديثه تارة وينكر أخرى، ويجوز أن
يخرج شاهدا ".
رجال العلامة الحلي المعروف ب‍ " خلاصة الرجال ":
201
192

الأحكام:
الكلام تارة في الحكم التكليفي، وأخرى في
الحكم الوضعي:
أولا - الحكم التكليفي:
صرح كثير من الفقهاء بحرمة الإسراف، بل
ادعى بعضهم الإجماع عليه، وأن حرمته ضرورية،
بل عده بعض آخر من الكبائر.
قال ابن إدريس: " والإسراف فعله محرم
بغير خلاف " (1).
وقال الفاضل النراقي في تحريمه: " وهو مما
لا كلام فيه، ويدل عليه الإجماع القطعي، بل
الضرورة الدينية، والآيات الكثيرة، والأخبار
المتعددة " (2).
ونقل صاحب الجواهر عن السيد الطباطبائي
بحر العلوم أنه عد الإسراف من جملة الكبائر، فقال:
" الرابع عشر - الإسراف، لقوله عز وجل:
* (وأن المسرفين هم أصحاب النار) * (1) " (2).
ثم ذكره مرة أخرى في عداد الكبائر على
مبناه الخاص أيضا (3).
ولكن هل يمكن القول بحرمة الإسراف على
إطلاقه وأنه من الكبائر مطلقا؟
الظاهر أنه لا يمكن ذلك، ويشهد له: حكمهم
بكراهة الإسراف في بعض الموارد، من قبيل قولهم:
" الإسراف في ماء الوضوء مكروه " (4)، وتعبيرهم
بكلمة " لا ينبغي " الدالة على النهي التنزيهي
لا التحريمي في كثير من الموارد.
ثانيا - الحكم الوضعي:
تترتب على الإسراف أحكام وضعية أهمها
الضمان، فولي اليتيم يضمن لو أسرف في الأكل من
مال اليتيم، والمقتص يضمن لو أسرف في القصاص،
ومن جاز له التأديب يضمن لو أسرف وأدى ذلك
إلى التلف، ومن وجب عليه الخمس يضمن خمس
المقدار الذي أسرف فيه من المؤونة، وغير ذلك مما
سوف نشير إليه.

(1) السرائر 1: 440.
(2) عوائد الأيام: 615.
(1) غافر: 43.
(2) الجواهر 13: 313 و 320، وانظر المستمسك
7: 339، فالإسراف من الكبائر سواء حصرناها فيما
أوعد الله عليه النار أو لا. وسوف يأتي تفصيل ذلك في
عنوان " عدالة " إن شاء الله تعالى.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) المستمسك 2: 419، وبمتنه العروة الوثقى.
193

كان ذلك حكم الإسراف بصورة عامة،
ونذكر فيما يلي حكمه في الموارد الخاصة:
الإسراف في الماء بصورة عامة:
لا تخفى أهمية هذه المادة الحيوية على أحد،
فإنها منشأ الحياة بصورة عامة، كما قال تعالى:
* (وجعلنا من الماء كل شئ حي) * (1)، فنسب تعالى
كل شئ حي إلى الماء ولم ينسب الماء إلى شئ (2)،
ولذلك قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) حينما سأله
رجل عن طعم الماء: " سل تفقها، ولا تسأل تعنتا،
طعم الماء طعم الحياة " (3)، وهو تشبيه جميل جدا.
وعن علي (عليه السلام) قال: " الماء سيد الشراب في
الدنيا والآخرة " (4).
والروايات في أهمية الماء كثيرة ربما نذكر
بعضها في عنوان " ماء " إن شاء الله تعالى.
وبعد بيان أهمية الماء تتضح أهمية الاقتصاد
وعدم الإسراف فيه، وخاصة مع قلته وحاجة
الناس إليه، وربما استلزم الإسراف فيه حرمة
مضاعفة.
ومما ورد في تأكيد النهي عن الإسراف في
الماء:
1 - ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد
الله (عليه السلام)، قال: " أدنى الإسراف هراقة فضل الماء،
وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوى " (1).
2 - ما رواه داود الرقي عنه (عليه السلام) أيضا، قال:
" إن القصد أمر يحبه الله عز وجل، وإن السرف
يبغضه حتى طرحك النواة، فإنها تصلح لشئ،
وحتى صبك فضل شرابك " (2).
ويدل عليه ما سيأتي من مبغوضية الإسراف
في الوضوء والغسل.
الإسراف في ماء الوضوء:
صرح بعض الفقهاء (3) بكراهة الإسراف في
ماء الوضوء، وهو الظاهر من جماعة آخرين (4).
والظاهر أن مرادهم من ذلك هو الإسراف في
الماء مع عدم تجاوز الحد المرخص فيه في عدد
الغسلات، وهو يتصور بكثرة صب الماء على العضو

(1) الأنبياء: 30.
(2) تفسير القمي 2: 45
(3) الوسائل 25: 234، الباب الأول من أبواب الأشربة
المباحة، الحديث 6.
(4) المصدر نفسه، الحديث 3 و 5.
(1) البحار 72: 303، كتاب العشرة، باب الإسراف
والتبذير وحدهما، الحديث 7.
(2) البحار 68: 346، كتاب الإيمان والكفر، باب
الاقتصاد وذم الإسراف والتبذير والتقتير، الحديث 10.
(3) أنظر: المستمسك 2: 419، وبمتنه العروة الوثقى:
فصل في أفعال الوضوء، المسألة 45، وانظر الطهارة
(للشيخ الأنصاري) 2: 439، ومصباح الفقيه 1:
200.
(4) أنظر: الجواهر 2: 285، 337 و 343، ومجمع الفائدة
1: 116.
194

مع عدم تجاوز عدد الغسلات الجائزة - سواء كانت
واجبة أو مندوبة - ولذلك قالوا: " الإسراف في ماء
الوضوء مكروه، لكن الإسباغ مستحب " (1). وقد
تقدم الكلام عن ذلك في عنوان " إسباغ ".
ومستندهم في ذلك رواية حريز عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: " إن لله ملكا يكتب سرف الوضوء
كما يكتب عدوانه " (2).
لكن نفى السيد الخوئي كراهة الإسراف في ماء
الوضوء، لضعف مستند الكراهة، وهي رواية حريز
المتقدمة بمحمد بن الحسن بن شمون وسهل بن زياد،
فيبتني القول بالكراهة على القول بالتسامح في أدلة
السنن ثم التعدي من المستحبات إلى المكروهات،
لكن القاعدة غير تامة عنده (3).
هذا كله في صورة عدم تجاوز عدد الغسلات
المحددة شرعا، أما مع تجاوزها، فإن فعل ذلك بنية
الوضوء، فالمشهور - كما قيل - حرمة ذلك، من جهة
كونه بدعة وتشريعا محرما (1).
وإذا قلنا: بأن مجاوزة الحد الشرعي إسراف،
فيشمله حكم الإسراف وإن لم نقل بحرمة زيادة عدد
الغسلات من جهة التشريع.
الإسراف في الغسل:
نبه جملة من الفقهاء على ضرورة الابتعاد عن
الإسراف في الغسل بعبارات ومناسبات مختلفة.
فقد ذكر العلامة من جملة سنن الغسل: أن
يتعهد المواضع المشتملة على انعطاف والتواء،
كالأذنين وما تحت الخاتم الواسع والسوار، ومنابت
الشعر فيخلل أصوله قبل إفاضة الماء على الرأس،
ليكون أبعد من الإسراف وأقرب إلى ظن وصول
الماء... (2).
وعلق عليه الشهيد في الذكرى بقوله: " وقد
نبه عليه قدماء الأصحاب " (3).
لكن يحتمل أن يكون الأصحاب قد نبهوا

(1) أنظر العروة الوثقى: فصل في أفعال الوضوء، المسألة
45.
(2) الوسائل 1: 485، الباب 52 من أبواب الوضوء،
الحديث 2.
وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر: " أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف؟
فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر
جار ".
لكن ضعف في الزوائد إسناده ب‍ " حي بن عبد الله
وابن لهيعة ". أنظر سنن ابن ماجة 1: 147، كتاب
الطهارة، باب ما جاء في القصر في الوضوء وكراهية
التعدي فيه.
(3) التنقيح 4: 38 و 336.
(1) أنظر: الجواهر 2: 276، والطهارة (للشيخ
الأنصاري) 2: 344.
(2) نهاية الإحكام 1: 109.
(3) الذكرى 2: 244، ونقل السبزواري في الذخيرة: 60
كلام العلامة وتعليق الشهيد، ولم يعلق عليهما.
195

على التخليل، وعلى التعليل بكونه أبعد من
الإسراف، ويحتمل أن يكونوا قد نبهوا على مجرد
التخليل، ولم يتعرضوا للتعليل بالإسراف.
وقال الشهيد في الذكرى أيضا - عند الكلام
عن استحباب الغسل بصاع من الماء -: " والشيخ
وجماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد. والظاهر أنه
مقيد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه " (1).
ويبدو أن من قال باستحباب الغسل بالصاع
فما فوق ولم يحدده بالصاع قيده بعدم أدائه إلى
الإسراف (2).
ويظهر من بعضهم: أن نهاية الاستحباب هو
الغسل بالصاع (3).
الإسراف في الطعام والشراب:
لا يستغني الإنسان عن الطعام والشراب،
لأن بهما قوامه، قال تعالى: * (وما جعلناهم جسدا
لا يأكلون الطعام) * (4).
ولذلك أحل الله الطعام والشراب للإنسان ما
لم يتجاوز أحد أمرين:
الأول - ما نهت الشريعة عن أكله أو شربه
بالخصوص، كما ورد في قوله تعالى: * (إنما حرم
عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير
الله...) * (1) ونحوها من الآيات والروايات.
الثاني - ما استلزم أكله أو شربه محرما آخر،
كغصب مال الغير، أو ظلم مؤمن، أو معونة ظالم،
ونحو ذلك.
ومن هذا القسم الإسراف، ولذلك حدد
تعالى إباحة الأكل والشرب بعدم الإسراف، فقال:
* (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) * (2).
وروي في سبب نزول الآية: أن أناسا - في
الجاهلية - كانوا لا يأكلون إلا قوتا ولا يأكلون
دسما، يريدون بذلك تعظيم حجهم، فهم المسلمون
بأن يفعلوا ذلك أيضا، فقالوا: يا رسول الله نحن
أحق بذلك، فنزلت الآية (3).
وقال الشيخ الطوسي: " وقوله: * (وكلوا
واشربوا) * صورته صورة الأمر، ومعناه إباحة
الأكل والشرب.
وقوله: * (ولا تسرفوا) * نهي لهم عن
الإسراف، وهو الخروج عن حد الاستواء في زيادة
المقدار.
وقيل: المراد الخروج عن الحلال إلى الحرام.

(1) الذكرى 2: 243.
(2) أنظر: كشف اللثام 2: 25، والجواهر 3: 121.
(3) أنظر: مشارق الشموس: 177، والحدائق 3: 118.
(4) الأنبياء: 8.
(1) البقرة: 173.
(2) الأعراف: 31.
(3) أنظر: أسباب النزول (للواحدي): 157، وتفسير
البيضاوي 2: 337، وتفسير علي بن إبراهيم القمي 1:
233، ومجمع البيان (3 - 4): 413.
196

وقيل: الخروج مما ينفع إلى ما يضر.
وقيل: الزيادة على الشبع، فالإسراف
والإقتار مذمومان " (1).
وقال العلامة الطباطبائي - بعد ذكر الآية -:
"... أمران إباحيان (2) ونهي تحريمي معلل بقوله:
* (إنه لا يحب المسرفين) * " ثم قال - مشيرا إلى الآية
وأمثالها -: "... وهي كما تقدم خطابات عامة
لا تختص بشرع دون شرع، ولا بصنف من أصناف
الناس دون صنف " (3).
والظاهر أنه لا إشكال في حرمة بعض مراتب
الإسراف، وكراهة بعض مراتبها الأخر، فقد صرح
الفقهاء - عند الكلام في آداب الطعام - بكراهة التملي
من الأكل، والأكل على الشبع، وبحرمة الإفراط فيه
إذا استلزم الإضرار (4). قال المحقق: " ويكره...
والتملي من المأكل، وربما كان الإفراط حراما، لما
يتضمن من الإضرار، ويكره الأكل على
الشبع... " (1).
وبهذا المضمون قال غيره (2).
والفرق بين الشبع والتملي: " أن الشبع هو
البلوغ في الأكل إلى حد لا يشتهيه، سواء امتلأ بطنه
منه أم لا، والتملي ملء البطن منه، وإن بقيت شهوته
للطعام " (3).
وقد صرح جملة من الفقهاء - عند الكلام عن
السفه -: بأن صرف المال في الأغذية النفيسة غير
الملائمة لحال الإنسان تبذير موجب للسفه (4). قال
العلامة في الإرشاد: " وصرفه في الأغذية النفيسة
غير الملائمة لحاله تبذير " (5)، وعلق عليه المحقق
الأردبيلي بقوله: " كأنه لصدق الإسراف والتبذير
المنهي عنه، ولعله لا خلاف فيه حينئذ " (6).
والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)

(1) التبيان في تفسير القرآن 4: 386.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: * (كلوا واشربوا) * فإنهما أمران
دالان على الإباحة لا الوجوب، لأن الآية من موارد
توهم الحظر (المنع)، وقد قال الأصوليون: إن الأمر في
مقام توهم الحظر يدل على الإباحة. وإلى هذا المعنى أشار
الشيخ الطوسي في كلامه المتقدم: " صورته صورة الأمر
ومعناه إباحة الأكل والشرب ".
(3) الميزان في تفسير القرآن 8: 79.
(4) ربما يقال: إن الحرمة هنا من حيث الإضرار
لا الإسراف، فإن الإسراف إذا بلغ حد الإضرار فهو
حرام، وهذا ما قلناه: من حرمة الإسراف في بعض
مراتبه.
(1) شرائع الإسلام 3: 232.
(2) أنظر: النهاية: 593، والسرائر 3: 135، وإرشاد
الأذهان 2: 115، واللمعة وشرحها (الروضة البهية)
7: 364، والمسالك 12: 139 - 140، ومستند الشيعة
15: 259، والجواهر 36: 461 - 465، وغيرها.
(3) المسالك 12: 140، والروضة البهية 7: 365.
(4) أنظر: المسالك 4: 152، والروضة البهية 4: 103،
وكفاية الأحكام: 112 وغيرها.
(5) إرشاد الأذهان 1: 394.
(6) مجمع الفائدة 9: 203.
197

في ذم الإسراف والتبذير في الطعام كثيرة وردت
بألفاظ ومناسبات مختلفة نذكر بعضها:
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن الله
يبغض كثرة الأكل " (1).
2 - وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " إذا شبع
البطن طغى " (2).
3 - وفي وصية النبي لعلي (عليهما السلام)، قال:
" يا علي، أربعة يذهبن ضياعا: الأكل على الشبع،
والسراج في القمر، والزرع في السبخة، والصنيعة
عند غير أهلها " (3).
4 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سمع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا يتجشأ، فقال: يا عبد الله
أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم
القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا " (4).
5 - وعن نادر (ياسر) الخادم، قال:
" أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا أكلها،
ورموا بها، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله،
إن كنتم استغنيتم، فإن ناسا لم يستغنوا. أطعموه
من يحتاج إليه " (1).
6 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إني لأجد
الشئ اليسير يقع من الخوان، فأعيده، فيضحك
الخادم " (2).
7 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من وجد تمرة أو كسرة ملقاة
فأكلها، لم تستقر في جوفه حتى يغفر الله له " (3).
8 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " دخل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عائشة، فرأى كسرة، كاد أن
يطأها، فأخذها وأكلها، وقال: يا حميرا، أكرمي
جوار نعم الله عليك، فإنها لم تنفر عن قوم، فكادت
تعود إليهم " (4).
9 - وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال - في حديث -: "... إن أهل قرية ممن كان
قبلكم، كان الله قد أوسع عليهم حتى طغوا، فقال
بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شئ من هذا النقي (5)،

(1) الوسائل 24: 240، الباب الأول من أبواب المائدة،
الحديث 5.
(2) الوسائل 24: 243، الباب الثاني من أبواب المائدة،
الحديث الأول.
(3) الوسائل 24: 244، الباب الثاني من أبواب المائدة،
الحديث 4.
(4) الوسائل 24: 247، الباب 3 من أبواب المائدة،
الحديث 3.
(1) الوسائل 24: 372، الباب 69 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 24: 380، الباب 76 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 8.
(3) الوسائل 24: 381، الباب 77 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(4) الوسائل 24: 381 - 382، الباب 77 من أبواب
آداب المائدة، الحديث 4.
(5) النقي: دقيق الحنطة المنخول. مجمع البحرين:
" نقا "، و " دقق ".
198

فجعلناه نستنجي به، كان ألين علينا من الحجارة،
قال: فلما فعلوا ذلك، بعث الله على أرضهم دوابا
أصغر من الجراد، فلم تدع لهم شيئا إلا أكلته، فبلغ
بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون
به، فأكلوه، وهي القرية التي قال الله فيها:
* (ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها
رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس
الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * (1) " (2).
10 - وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صغروا رغفانكم، فإن مع كل
رغيف بركة " (3).
11 - وعن علي (عليه السلام): " أنه كان يعاتب
غلمانه في تخمير الخمير، ويقول هو أكثر
للخبز " (4).
12 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " كان
أبي (عليه السلام) إذا رأى شيئا من الطعام في منزله قد رمي
به، نقص من قوت أهله مثله... " (1).
13 - وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن
(عليه السلام): " ألا أعلمك أربع خصال تستغني بها عن
الطب؟ قال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام إلا
وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه،
وجود المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء،
فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب " (2).
الفرق بين التنوق (3) في الطعام والإسراف
فيه:
وينبغي الفرق بين التنوق في الغذاء وتطييبه بما

(1) النحل: 112.
(2) الوسائل 24: 386، الباب 79 من أبواب آداب المائدة،
الحديث 6.
(3) الوسائل 24: 394، الباب 86 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(4) المصدر نفسه، الحديث 3. وفي الروايتين درس كبير
للخبازين وغيرهم، وسوف يأتي في عنوان " إسراف
سائر الأمناء ": أن الخباز لو كان أجيرا فزاد في النار
فاحترق الخبز أو ألصقه بالتنور قبل أوانه فخرج رديئا
فهو ضامن.
(1) دعائم الإسلام 2: 114، كتاب الأطعمة، الفصل 2،
الحديث 379، ونقل مثله عن علي بن الحسين (عليه السلام)، أنظر
الحديث 383.
(2) الوسائل 24: 245، الباب 2 من أبواب آداب المائدة،
الحديث 8، ونقل الطبرسي في مجمع البيان: أنه كان
لهارون الرشيد طبيب نصراني حاذق، فقال ذات يوم
لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب
شئ، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان. فقال
له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه،
وهو قوله: * (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) * وجمع نبينا
(صلى الله عليه وآله) الطب في قوله: " المعدة بيت الداء، والحمية رأس
كل دواء، واعط كل بدن ما عودته "، فقال الطبيب: ما
ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا. مجمع البيان (3 -
4): 413.
(3) تنوق في أموره: تجود وبالغ. لسان العرب: " نوق ".
199

يناسب الحال، وبين الإسراف والتبذير، فإن الأول
لا بأس به، بل قد يكون ممدوحا في ظروف خاصة
- كإطعام المؤمنين - فقد روى شهاب بن عبد ربه
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): أعمل طعاما وتنوق
فيه وادع عليه أصحابك " (1).
وعن أبي حمزة، قال: " كنا عند أبي عبد الله
(عليه السلام) جماعة، فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة
وطيبا، وأوتينا بتمر ننظر فيه إلى وجوهنا من صفائه
وحسنه، فقال رجل: لتسألن عن هذا النعيم (2) الذي
نعمتم به عند ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أبو عبد الله
(عليه السلام): إن الله عز وجل أكرم وأجل من أن يطعمكم
طعاما فيسوغكموه ثم يسألكم عنه، ولكن يسألكم
عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد صلى الله عليه
وعليهم " (3).
وعن أبي خالد الكابلي قال: " دخلت على
أبي جعفر (عليه السلام) فدعا بالغداء، فأكلت معه طعاما ما
أكلت طعاما قط أنظف منه، ولا أطيب... " (4).
وهي قريبة من الرواية المتقدمة من حيث
المضمون.
ويظهر من بعض الروايات أنهم ربما أطعموا
غيرهم الطعام المنوق واقتصروا فيه لأنفسهم على
مثل الزيت والخل. فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال:
" لما دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) دعا
بنمرقة (1)، فطرحت، فقعدت عليها، ثم أتيت بمائدة
لم أر مثلها قط، فقال لي: كل، فقلت: ما لك
لا تأكل؟ فقال: إني صائم، فلما كان الليل أتي بخل
وزيت، فأفطر عليه، ولم يؤت بشئ من الطعام
الذي قرب إلي " (2).
وعن بزيع بن عمرو بن بزيع، قال: " دخلت
على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يأكل خلا وزيتا في قصعة
سوداء، مكتوب في وسطها بصفرة * (قل هو الله
أحد) *، فقال: ادن يا بزيع، فدنوت فأكلت
معه... " (3).
وعن عبد الأعلى، قال: " أكلت مع أبي عبد
الله (عليه السلام) فأتي بدجاجة محشوة وبخبيص، فقال: هذه
أهديت لفاطمة، ثم قال: يا جارية آتينا بطعامنا
المعروف، فجاءت بثريد خل وزيت " (4).

(1) الوسائل 24: 299، الباب 28 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: * (ثم لتسئلن يومئذ عن
النعيم) *. التكاثر: 8.
(3) الوسائل 24: 296، الباب 27 من أبواب آداب المائدة،
الحديث 3.
(4) المصدر نفسه، الحديث 5.
(1) النمرقة: الوسادة. لسان العرب والقاموس المحيط:
" نمرق ".
(2) الوسائل 24: 388، الباب 80 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 7.
(3) المصدر نفسه، الحديث 6.
(4) الوسائل 24: 368، الباب 65 من أبواب المائدة،
الحديث 3.
200

والمتحصل من مجموع الروايات: أن
الإسراف في الطعام والشراب مذموم وربما يصل في
بعض مراتبه إلى الحرمة، وأما التنوق في الغذاء
وتطييبه بما يناسب الحال - زمانا ومكانا - لا يكون
إسرافا وخاصة إذا كان في إطعام المؤمنين.
وعلى هذا المعنى يحمل ما ورد: من أنه
" ليس في الطعام سرف " (1).
ويشهد لذلك أمران:
الأول - ما فهمه المحقق النراقي من الرواية:
من أن التجاوز عن الحد فيه، في الجملة، معفو عنه،
وقد علل: بأنه لا يضيع، بل يأكله الآكلون (2).
الثاني - أن الراوي لهذه الرواية هو شهاب بن
عبد ربه وقد تقدم (3): أنه أمره الإمام الصادق (عليه السلام)
أن يدعو أصحابه ويتنوق لهم في الطعام، والظاهر
اتحاد الروايتين، لاتحاد سندهما أيضا.
الإسراف في اللباس:
المعروف من سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم
كانوا يلبسون النظيف والنقي من الثياب، ويتجملون
بالمعروف، والروايات في ذلك كثيرة:
1 - فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): من اتخذ ثوبا فلينظفه " (1).
2 - وعنه (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام): النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن، وهو
طهور للصلاة " (2).
3 - وعنه (عليه السلام)، قال: " الثوب النقي يكبت
العدو " (3).
4 - وعن علي بن محمد الهادي عن آبائه
عن الصادق (عليهم السلام) قال: " إن الله يحب الجمال
والتجمل، ويكره البؤس والتباؤس، فإن الله إذا
أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها. قيل:
كيف ذلك؟ قال: ينظف ثوبه، ويطيب ريحه،
ويجصص داره، ويكنس أفنيته، حتى إن السراج
قبل مغيب الشمس ينفي الفقر، ويزيد في
الرزق " (4).
5 - وعن الرضا (عليه السلام)، قال: " إن علي بن
الحسين (عليه السلام) كان يلبس الجبة الخز بخمسمئة درهم،
والمطرف الخز بخمسين دينارا، فيشتو فيه، فإذا
خرج الشتاء باعه فتصدق بثمنه، وتلا هذه الآية:
* (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات

(1) الوسائل 24: 296، الباب 27 من أبواب المائدة،
الحديث الأول.
(2) عوائد الأيام: 636 - 637.
(3) تقدم في الصفحة السابقة.
(1) الوسائل 5: 14، الباب 6 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 3.
(2) المصدر نفسه: الحديث 2.
(3) المصدر نفسه: الحديث الأول.
(4) المصدر نفسه: 7، الباب الأول من أبواب أحكام
الملابس، الحديث 9.
201

من الرزق) * " (1).
6 - وروى مصدق بن صدقة قال: " دخل
سفيان الثوري على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأى عليه
ثياب بيض كأنها غرقى البيض (2)، فقال له: إن هذا
اللباس ليس من لباسك! فقال له: اسمع مني وع ما
أقول لك، فإنه خير لك عاجلا وآجلا، إن أنت مت
على السنة ولم تمت على بدعة (3)، أخبرك أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كان في زمان مقفر جدب، فأما إذا أقبلت
الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها،
ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفارها، فما
أنكرت يا ثوري؟! فوالله إني لمع ما ترى ما أتى
علي - مذ عقلت - صباح ولا مساء ولله في مالي
حق أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته... " (4).
7 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " بعث أمير
المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن عباس إلى ابن الكوا (5)
وأصحابه، وعليه قميص رقيق وحلة، فلما نظروا
إليه قالوا: يا بن عباس، أنت خيرنا في أنفسنا،
وأنت تلبس هذا اللباس؟! فقال: وهذا أول ما
أخاصمكم فيه * (قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق) * (1) وقال الله عز وجل:
* (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * (2) " (3).
والروايات في ذلك كثيرة، ويستفاد من
مجموعها: أن لبس اللباس النظيف والنقي والجميل
ليس إسرافا (4)، بل مندوب إليه شرعا إذا لم يصل

(1) الوسائل 5: 7، الباب الأول من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 8، والآية 32 من سورة الأعراف.
(2) الغرقى: القشرة الملتزقة ببياض البيض، أو البياض
الذي يؤكل. القاموس المحيط: " الغرقى ".
(3) لا يخفى ظرافة هذا القيد على أهل الدقة والنظر.
(4) الوسائل 5: 19، الباب 7 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 10، وكأن القضية وقعت عدة مرات مع عدة
أشخاص.
(5) كان من رؤساء الخوارج.
(1) الأعراف: 32.
(2) الأعراف: 31.
(3) الوسائل 5: 17، الباب 7 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 6.
(4) وأما ما ورد: من أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) كان يلبس
الخشن من الثياب، فذلك لمصالح أهم من مصلحة
التجمل، فإنه (عليه السلام) لما سمع أن عاصم بن زياد ترك الحياة
وقد غم أهله وأحزن ولده بذلك، فدعاه ولامه على
فعله، ومما قال له: " أما استحييت من أهلك؟ أما
رحمت ولدك؟ "... فقال عاصم: " يا أمير المؤمنين،
فعلام اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، وفي ملبسك
على الخشونة؟ فقال: ويحك، إن الله عز وجل فرض
على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا
يتبيغ بالفقير فقره ". الوسائل 5: 112، الباب 72 من
أبواب أحكام الملابس، الحديث الأول. والتبيغ:
الهيجان والغلبة، القاموس المحيط: " بيغ ".
وعن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) - بعد أن
وصف ثوب علي (عليه السلام) -: " هذا اللباس الذي ينبغي أن
تلبسوه، ولكن لا نقدر أن نلبس هذا اليوم، لو فعلنا
لقالوا: مجنون، أو لقالوا: مراء، فإذا قام قائمنا كان هذا
اللباس ". مكارم الأخلاق: 113.
وعن ابن سنان عنه (عليه السلام) قال: " كان لأبي ثوبان
خشنان يصلي فيهما صلاته، فإذا أراد أن يسأل الله
الحاجة لبسهما وسأل الله حاجته ". المصدر المتقدم.
و " كان جلوس الرضا (عليه السلام) في الصيف على حصير،
وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب، حتى
إذا برز للناس تزين لهم ". الوسائل 5: 53، الباب 29
من أبواب أحكام الملابس، الحديث 3.
واختلاف حالات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ينشأ من
اختلاف الظروف والحالات كما صرح بذلك كاشف
الغطاء حيث قال في جملة مستحبات اللباس: " ومنها أن
يلبس ويتزين بالفاخر في زمان اتساع الأمور على
الخلق، وبالردئ في زمان الضيق، وبذلك اختلف حال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحال أكثر الأئمة (عليهم السلام) ". كشف الغطاء:
203.
ولذلك ورد عنهم (عليهم السلام): " خير لباس كل زمان لباس
أهله ". الوسائل 5: 8، الباب 2 من أبواب أحكام
الملابس، الحديث 2.
202

إلى حد الخيلاء والتبختر، فإنهما محرمان، وقد ورد
النهي الشديد عنهما في روايات أهل البيت (عليهم السلام).
فعن النبي (صلى الله عليه وآله) - في آخر خطبة خطبها -:
"... ومن لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من
شفير جهنم يتخلخل فيها ما دامت السماوات
والأرض، وإن قارون لبس حلة فاختال فيها
فخسف به، فهو يتخلخل إلى يوم القيامة " (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " أن النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى
رجلا من بني تميم فقال له: إياك وإسبال الإزار
والقميص، فإن ذلك من المخيلة، والله لا يحب
المخيلة " (1).
وقال كاشف الغطاء في جملة ما يحرم من
اللباس: " ومنها لباس التبختر والخيلاء، فإن من
اختال نازع الله تعالى في جبروته، وخسف الله به
شفير جهنم، وكان قرين قارون " (2).
هذا من حيث كيفية اللباس، وأما من جهة
كميته، فقد ورد: أنه لا إسراف فيه حتى لو بلغ
ثلاثين ثوبا، إذا كان يراوح بينها، من قبيل:
1 - ما رواه إسحاق بن عمار، قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عشرة أقمصة
يراوح بينها؟ قال: لا بأس " (3).
2 - وفي رواية أخرى عنه قال: " قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): يكون لي ثلاثة أقمصة؟ قال:
لا بأس، فلم أزل حتى بلغت عشرة، قال: أليس
يودع بعضها بعضا؟ قلت: بلى، ولو كنت إنما ألبس
واحدا كان أقل بقاء، قال: لا بأس " (4).
3 - وفي رواية ثالثة عنه أيضا، قال: " قلت

(1) الوسائل 5: 44، الباب 23 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 10.
(1) الوسائل 5: 41، الباب 23 من أبواب أحكام
الملابس، الحديث الأول.
(2) كشف الغطاء: 203.
(3) الوسائل 5: 21، الباب 9 من أبواب أحكام
الملابس، الحديثان 1 و 2.
(4) الوسائل 5: 21، الباب 9 من أبواب أحكام
الملابس، الحديثان 1 و 2.
203

لأبي عبد الله (عليه السلام): يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟
قال: نعم، قلت: عشرون؟ قال: نعم، قلت:
ثلاثون؟ قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنما
السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك " (1).
وثوب الصون، هو الثوب الذي يصان
ويحتفظ به للمناسبات، وأما ثوب البذلة، فهو الذي
يلبس في أوقات الخدمة والعمل، ولا يصان (2).
وبما أن جعل ثوب الصون ثوب بذلة إتلاف
له، فهو إسراف حسبما تقدم: من أن الإتلاف أحد
معايير الإسراف.
وإلى جميع ما ذكر يشير كلام الشهيد في
الذكرى، حيث قال بعد الكلام عن لباس المصلي:
" ويلحق بذلك آداب في اللباس... يستحب اظهار
النعمة ونظافة الثوب، فبئس العبد القاذورة...
ويستحب التزين للصاحب كالغريب، وإكثار
الثياب وإجادتها، فلا سرف في ثلاثين قميصا، ولا في
نفاسة الثوب، فقد لبس زين العابدين (عليه السلام) ثوبين
للصيف بخمسمئة درهم، وأصيب الحسين (عليه السلام)
وعليه الخز، ولبس الصادق (عليه السلام) الخز، وما نقل من
الصحابة من ضد ذلك، للإقتار وتبعا للزمان... " (3).
وقال المحقق السبزواري - بعد أن عد من
السفه صرف المال في الأطعمة النفيسة والألبسة
الفاخرة والأمتعة التي لا تليق بحاله بحسب وقته
وبلده وشرفه -: "... وتعدد الملبوسات وكثرتها
ليس بإسراف، للأخبار المتعددة المستفيضة... " (1).
والقيد الذي ذكره السبزواري لا بد من
ملاحظته في جميع الموارد، بناء على أن غير اللائق
بالحال أحد المعايير لصدق الإسراف، كما تقدم عن
النراقي (2)، فما تقدم: من عدم الإسراف في اللباس
وإن بلغ ثلاثين ثوبا، إنما هو فيما إذا كان مناسبا لشأن
الإنسان وحاله.
الإسراف في الزينة:
التزين - كما مضت الإشارة إليه في اللباس -
أمر مرغوب فيه، كتابا وسنة.
أما الكتاب فلقوله تعالى: * (يا بني آدم خذوا
زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه
لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في
الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة...) * (3).
وأما السنة فكثيرة، منها:
1 - ما رواه الطبرسي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أنه

(1) الوسائل 5: 22، الباب 9 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 3.
(2) أنظر: المصباح المنير ومجمع البحرين: " بذل "
و " صون ".
(3) الذكرى 3: 71.
(1) كفاية الأحكام: 113.
(2) في الصفحة 187.
(3) الأعراف: 31 - 32.
204

كان ينظر في المرآة، ويرجل جمته، ويمتشط، وربما
نظر في الماء وسوى جمته فيه، ولقد كان يتجمل
لأصحابه فضلا على تجمله لأهله، وقال: إن الله
يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم
ويتجمل " (1).
2 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال أمير
المؤمنين (عليه السلام): ليتزين أحدكم لأخيه المسلم كما
يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن
الهيئة " (2).
3 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أبصر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا شعثا شعر رأسه، وسخة ثيابه،
سيئة حاله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من الدين
المتعة " (3).
4 - وعن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أيضا قال: " البس وتجمل، فإن الله جميل يحب
الجمال، وليكن من حلال " (4).
5 - وعن عبد الله بن جبلة - في حديث -:
أنه قال له أبو الحسن (عليه السلام): "... إنكم قوم أعداؤكم
كثير، عاداكم الخلق يا معشر الشيعة، إنكم قد
عاداكم الخلق، فتزينوا لهم بما قدرتم عليه " (1).
6 - وعن الحسن بن الجهم، قال: " قلت
لعلي بن موسى (عليه السلام): خضبت؟! قال: نعم، بالحناء
والكتم، أما علمت أن في ذلك لأجرا، إنها تحب أن
ترى منك مثل الذي تحب أن ترى منها - يعني المرأة
في التهيئة - ولقد خرجن نساء من العفاف إلى
الفجور، ما أخرجهن إلا قلة تهيؤ أزواجهن " (2).
وعد كاشف الغطاء من مستحبات اللباس:
" أن يتزيا بأحسن زي قومه... ومنها: تزين المسلم
للمسلم، وللغريب، ولأهله وأصحابه، وأن ينظر في
المرآة ويتمشط، ومنها: التزين لأعداء الدين بقدر
المقدور " (3).
ولكن كل ذلك مشروط بعدم تجاوزه عن حد
الاعتدال وعما يليق بالإنسان، فقد سبق عن
الفاضل النراقي: " أن الاقتصاد هو صرف المال فيما
يحتاج إليه، أو فيما يترتب عليه فائدة مقصودة
للعقلاء، بقدر ما يليق بحاله. ومن الفوائد المقصودة:
التجمل والزينة المندوب إليها شرعا، بشرط أن
لا يتجاوز القدر اللائق " (4).

(1) الوسائل 5: 11، الباب 4 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 2.
(2) الوسائل 5: 11، الباب 4 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث الأول.
(3) المصدر نفسه: 6، الباب الأول من أبواب أحكام
الملابس، الحديث 5.
(4) المصدر نفسه: الحديث 4.
(1) الوسائل 5: 12، الباب 5 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 2.
(2) مكارم الأخلاق: 81.
(3) كشف الغطاء: 203.
(4) عوائد الأيام: 635.
205

ولكن هناك بعض الموارد اختلفت وجهات
النظر فيها، مثل:
1 - اقتناء آنية الذهب والفضة: فإن المشهور
بين الفقهاء أن نفس اقتناء آنية الذهب والفضة - وإن
لم تستعمل في الأكل والشرب - حرام شرعا، سواء
كان للتزيين أو لا، نعم خالف فيه بعضهم، وقد تقدم
الكلام عنه في عنوان " آنية ".
ومن جملة تعليلات بعض القائلين بالتحريم
- كالشيخ الطوسي (1)، وابن إدريس (2)، والمحقق (3)،
والعلامة في بعض كتبه (4)، وولده فخر الدين (5)،
والشهيد الثاني (6)، وغيرهم - هو كونه تضييعا للمال
وإسرافا.
لكن ضعف بعض القائلين بعدم التحريم - بل
حتى جملة من القائلين به - هذا التعليل.
قال الشهيد الأول - وهو من القائلين
بالتحريم -: " لا يقطع بتعليل التحريم بالخيلاء
والفخر وكسر قلوب الفقراء، لما يتضمن من السرف
وتعطيل المال، لتخلفه في آنية الجواهر، فيمكن كونه
تعبدا محضا " (1).
واستثنى بعض القائلين بالتحريم تزيين
المساجد والمشاهد بها، وعللوه: بأن فيه نوع
تعظيم (2)، وموجب لميل قلوب الناس إليها (3).
لكن خطأ المحقق الأردبيلي هذا التعليل، لأنه
غير صالح لتخصيص دليل التحريم على فرض
وجوده، فإن الدليل على التحريم لو تم فهو يشمل
تزيين البيوت والمساجد والمشاهد، لكن لم يتم (4).
وتبعه بعض الفقهاء أيضا (5).
2 - زخرفة المساجد والمشاهد بالذهب:
نسب (6) إلى المشهور القول بتحريم زخرفة

(1) المبسوط 1: 13، وفيه: "... لأن ذلك تضييع، والنبي
(صلى الله عليه وآله) نهى عن إضاعة المال ".
(2) السرائر 1: 440.
(3) المعتبر: 127، وفيه: " إن ذلك تعطيل للمال، فيكون
سرفا، لعدم الانتفاع به ".
(4) التذكرة 2: 227.
(5) إيضاح الفوائد 1: 32.
(6) روض الجنان: 170.
(1) الذكرى 1: 148، ويحتمل أن يكون كلامه هذا ناظرا
إلى الاستعمال لا مجرد الاتخاذ، وانظر: المختلف 1: 495
- ويبدو أنه أول من منع صدق إضاعة المال - والمدارك
2: 380، لكنه قال بعد أن استحسن التضعيف: " إلا أن
المنع أولى، لأن اتخاذ ذلك وإن كان جائزا بالأصل فربما
يصير محرما بالعرض، لما فيه من إرادة العلو في الأرض
وطلب الرئاسة المهلكة " - وذخيرة المعاد: 174،
وكشف اللثام 1: 483، والمستمسك 2: 167، وغيرها.
(2) الذكرى 1: 146، وفيه: " وفي المساجد والمشاهد
نظر، لفحوى النهي، وشعار التعظيم ".
(3) نقله المحقق الأردبيلي.
(4) مجمع الفائدة 1: 363 - 364.
(5) كالسيد الحكيم، أنظر المستمسك 2: 167.
(6) أنظر: كشف اللثام 3: 333، والجواهر 14: 89 -
90.
206

المساجد بالذهب - وإن كان في تحقق الشهرة تأمل -
لكن صرح جماعة من الفقهاء بعدم الدليل على
الحرمة (1).
ومن جملة تعليلات بعض القائلين بالتحريم:
أن ذلك إسراف وتضييع للمال في غير الأغراض
العقلائية، وتعطيل له (2).
ومن جملة تعليلات بعض القائلين بالحلية:
أن ذلك تعظيم لتلك الأماكن وتكريم لها، وأنه
موجب لجلب قلوب الناس إليها (1).
قال صاحب الجواهر - بعد أن نسب القول
بالتحريم إلى المشهور -: " إلا أني لم أجد له دليلا
صالحا لإثبات ذلك في خصوص ما نحن فيه من
المساجد، وإن كان قد يعلل بالإسراف - خصوصا
على ما ستسمعه من أن الزخرف الذهب - وبأنه
بدعة لأنه لم يعهد في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)... " إلى أن قال:
" لكن الجميع كما ترى، خصوصا الأول، إذ
الإسراف مع أنه لا يخص المساجد، يمكن منعه
باعتبار حصول الغرض المعتد به من التحسين، أو
قصد تعظيم الشعائر، كما يصنعونه في المشاهد
المشرفة أو نحو ذلك مما يمتنع معه اندراجه في
الإسراف المنهي عنه، كما هو واضح... " (2).
وقال - معلقا على كلام من علل تحريم
زخرفة سقوف المساجد وجدرانها: بأنه تعطيل
للمال وتضييع له في غير الأغراض الصحيحة -:
" ودعوى أنه تضييع للمال وصرف له في الأغراض
غير الصحيحة فيكون إسرافا، في محل المنع، إذ
التلذذ في الملابس والمساكن ونحوها من أعظم
الأغراض التي خلق لها المال، على أنه قد تعرض
مقاصد عظيمة كتعظيم شعائر الدين وإرغام أنف

(1) صرح به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 363
- 364 و 2: 156، والعاملي في المدارك 4: 398،
والإصفهاني في كشف اللثام 3: 333 - لكن احتمل
كون الدليل لزوم الإسراف - والبحراني في الحدائق 7:
277 - 278، وصاحب الجواهر في الجواهر 14: 89 -
90 و 6: 339، والهمداني في مصباح الفقيه 2: 704،
والسيد الخوئي في مستند العروة (الصلاة) 2: 239،
وغيرهم، لكن احتاط الأخيران في الفتوى مخافة مخالفة
المشهور.
والقائلون بعدم التحريم هم أكثر من هؤلاء، من
جملتهم القاضي في المهذب 1: 77 والشهيد الأول في
الدروس 1: 156، ويظهر ذلك من الشيخ في الخلاف 2:
89 - 90.
(2) أنظر المدارك 2: 382 - فإنه علل حرمة زخرفة
الحيطان بالذهب هنا بلزوم تعطيل المال وتضييعه في غير
الأغراض الصحيحة، لكنه قال بعدم الدليل عليها في
المدارك 4: 398 كما تقدم - والسرائر 1: 440 فإن فيه
إشعارا بذلك، وانظر المصادر المتقدمة.
(1) أنظر: التذكرة 5: 134، ونهاية الإحكام 2: 346،
والذكرى 1: 146، فقد ذكر فيها وجهان لوضع القناديل
المذهبة وعلل الجواز بكونه للتعظيم.
(2) الجواهر 14: 89 - 90.
207

أعدائه ونحو ذلك، فتأمل " (1).
وقال المحقق الهمداني في توجيه الزخرفة:
"... إن الغالب تعلق غرض عقلائي بها، كتعظيم
الشعائر ونحوه مما لا يصدق معه اسم الإسراف " (2).
وقال السيد الخوئي في توجيه عدم صدق
الإسراف: "... لتقوم الإسراف بفقد الغرض
العقلائي، ومن البين أن تعظيم الشعائر من أعظم
الدواعي العقلائية، كما هو المشاهد في المشاهد
المشرفة " (3).
هذا بالنسبة إلى المساجد والمشاهد، وأما
الدور، فلم أعثر على تصريح للحرمة فيها إلا القليل:
قال الشيخ الطوسي في المبسوط - حول تعلق
الزكاة بالذهب والفضة الموجودين في سقوف
الدور -: "... وكذلك الحكم فيما كان مجرى في
السقوف المذهبة وغير ذلك، وإن كان فعل ذلك
محظورا، لأنه من السرف، غير أنه لا يلزمه
الزكاة " (4).
وقال المحقق: " ما يجرى على السقوف
والحيطان من الذهب محرم، ويكره ما يجرى من
الفضة " (5).
وقال العلامة في النهاية: " والأقرب تحريم
تذهيب حيطان الدور، لما فيه من الإسراف وتضييع
المال " (1).
وقال في المنتهى: " ما يجرى على السقوف
والحيطان من الذهب حرام، سوي الكعبة والمساجد
وغيرها في ذلك " (2).
وربما استفيد ذلك من كلام صاحب الجواهر،
المتقدم آنفا.
3 - الحلي: لم أعثر على تصريح للفقهاء
بالنسبة إلى الإسراف في الحلي إلا القليل:
أ - قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " إذا كان
له لجام لفرسه محلى بذهب أو فضة، لم تلزمه زكاته،
واستعمال ذلك حرام، لأنه من السرف " (3).
ب - لكن قال - بعد أن نقل عن بعض العامة
حرمة تذهيب المحاريب وتفضيضها، وكذلك
استعمال قناديل الذهب والفضة في الكعبة وسائر
المساجد، ونحوها -: " ولا نص لأصحابنا في هذه
المسائل غير أن الأصل الإباحة فينبغي أن يكون
ذلك مباحا " (4).
ج - وعلق عليه ابن إدريس قائلا: " هذه
المسائل بعضها منصوص على تحريمها، والبعض

(1) الجواهر 6: 339 - 340.
(2) مصباح الفقيه 2: 704.
(3) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 2: 239.
(4) المبسوط 1: 210.
(5) المعتبر: 267.
(1) نهاية الإحكام 2: 346.
(2) المنتهى (الحجرية) 1: 495.
(3) الخلاف 2: 78، المسألة 92.
(4) الخلاف 2: 89 - 90، المسألة 103.
208

الآخر معلوم تحريمه على الجملة، لأنه داخل في
الإسراف، والإسراف فعله محرم بغير خلاف. وأما
تفضيض المحاريب، فلا خلاف بيننا في أن ذلك
لا يجوز وأنه حرام، وأن تزويق المساجد وزخرفتها
لا يجوز، منصوص على ذلك عن الأئمة (عليهم السلام)، وقد
أورد ذلك شيخنا في نهايته، وغيره من أصحابنا في
كتبهم، وأن اتخاذ الأواني والآلات من الفضة
والذهب، عندنا محرم، لأنه من السرف، والقناديل
أوان، وحلية المصحف ولجام الدابة من السرف أيضا،
وأن ذلك غير مشروع، ولو كان جائزا لنقل... " (1).
د - وقال المحقق: " حلية السيف واللجام
بالذهب حرام، لأنه من السرف " (2).
ه‍ - وقال العلامة في المنتهى: " حلية السيف
واللجام بالذهب حرام... " ثم علله بأنه من الخيلاء
والسرف (3).
و - وقال في النهاية: "... يجوز له تحلية آلات
الحرب بالفضة، كالسيف والرمح... ولو أسرف
الرجل في آلات الحرب أو اتخاذ خواتيم من فضة
كثيرة، أو اتخذت المرأة خلاخل كثيرة من ذهب أو
فضة، لم يكن محرما، للأصل. وكذا لو اتخذت
خلخالا ثقيلا " (4).
والفرق بين ما قاله أولا وما قاله ثانيا هو: أن
مورد الأول تحلية السيف بالذهب، ومورد الثاني
تحليته بالفضة، ولعل تحليته بالفضة أمر متداول
بخلاف تحليته بالذهب، فلذلك تعد التحلية بالذهب
إسرافا دون التحلية بالفضة.
ز - وقال في التذكرة: " قليل الحلي وكثيره
سواء في الإباحة والزكاة. وقال بعض الجمهور:
يباح ما لم يبلغ مئة ألف، فإن بلغها حرم وفيه الزكاة،
لأنه يخرج إلى السرف والخيلاء، ولا يحتاج إليه في
الاستعمال، وليس بجيد، لأن الشرع أباح التحلي
مطلقا، من غير تقييد، قال الله تعالى: * (قل من
حرم زينة الله) * " (1).
وعلى القول بالجواز لا بد من تقييده بكونه
لائقا بحال الشخص وإلا فهو إسراف، كما تقدم (2).
ويشهد لذلك أنهم استثنوا مما يتعلق به
الخمس مؤونة الإنسان لنفسه وعياله، وقيده أغلبهم
بكونه مما يليق بحاله وعلى نحو الاقتصاد ليس فيه
إسراف وتقتير (3). ومن جملة مؤونة الإنسان الحلي
له ولزوجته وأولاده وبناته، قال صاحب الجواهر
- في تفسير المؤونة -: "... بل قد يندرج فيه حلي
نسائه وبناته وثياب تجملهم مما يليق بحاله " (4).

(1) السرائر 1: 440.
(2) المعتبر: 267.
(3) المنتهى (الحجرية) 1: 495.
(4) نهاية الإحكام 2: 345.
(1) التذكرة 5: 133، والآية 32 من سورة الأعراف.
(2) في الصفحة 187 و 204.
(3) كما سوف يأتي في الصفحة 227.
(4) الجواهر 16: 60.
209

الإسراف في الطيب:
وردت روايات مستفيضة في مدح الطيب
والتطيب، منها:
1 - ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: " حبب
إلي من دنياكم النساء، والطيب، وجعل قرة عيني في
الصلاة " (1).
2 - وما ورد عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال:
" العطر من سنن المرسلين " (2).
3 - وما ورد عن الرضا (عليه السلام)، أنه قال:
" الطيب من أخلاق الأنبياء " (3).
4 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينفق في الطيب أكثر مما ينفق في
الطعام " (4).
5 - وعن محمد بن الوليد الكرماني، قال:
" قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): ما تقول في المسك؟
فقال: إن أبي أمر فعمل له مسك في بان (5) بسبعمئة
درهم، فكتب إليه الفضل بن سهل يخبره أن الناس
يعيبون ذلك، فكتب إليه: يا فضل، أما علمت أن
يوسف وهو نبي كان يلبس الديباج مزررا بالذهب،
ويجلس على كراسي الذهب، فلم ينقص ذلك من
حكمته شيئا، قال: ثم أمر فعملت له غالية (1) بأربعة
آلاف درهم " (2).
ولا بد من تقييد ذلك كله أيضا بما يكون
متناسبا مع شأن الإنسان كما قيده الفاضل النراقي
حيث قال: " وأما ما ورد في بعض الأخبار: " من
أنه لا إسراف في الطيب " (3)... فليس المراد نفي
حرمة الإسراف فيها، حتى إنه لو رش أحد فضاء

(1) الوسائل 2: 144، الباب 89 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 12.
(2) الوسائل 2: 142، الباب 89 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 4.
(3) الوسائل 2: 142، الباب 89 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 3.
(4) الوسائل 2: 146، الباب 92 من أبواب آداب الحمام،
الحديث الأول.
(5) البان: نوع من الشجر، ومنه دهن البان وهو طيب. أنظر
لسان العرب: " بون "، والقاموس المحيط: " البون ".
(1) الغالية: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود
ودهن. لسان العرب: " غلا ".
(2) الوسائل 2: 146، الباب 92 من أبواب آداب
الحمام، الحديث الأول.
(3) قال الكليني: " وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن
زياد، عن محمد بن عيسى، عن زكريا المؤمن، رفعه،
قال: ما أنفقت في الطيب فليس بسرف ". الكافي 6:
512، الحديث 16.
والرواية لا يعتمد عليها من عدة جهات، لأنها:
1 - ضعيفة بسهل بن زياد، بناء على كونه ضعيفا، كما
هو المشهور.
2 - مرفوعة - أي لم يذكر الرواة ما بين الراوي
الأخير والإمام المروي عنه - كما صرح في سند الرواية.
3 - مضمرة، أي لم يشخص فيها من صدر منه القول،
هل هو الإمام أو غيره؟
210

بيته وسطوحه وباب داره بماء الورد، أو يطلي
أبواب بيته وجدرانه بالمسك والعنبر ولو كان فقيرا،
جاز ذلك، ولم يكن مسرفا... بل المراد: أن الإكثار
في هذه الأمور مطلوب، والتجاوز عن الحد في
الجملة فيها معفو... " (1).
الإسراف في الإسراج:
ورد الحث على الإسراج وعدم دخول البيت
مظلما، وإسراج السراج قبل مغيب الشمس، ومن
جملة ما ورد في ذلك:
1 - ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كره أن يدخل بيتا مظلما إلا
بسراج " (2).
2 - وعنه (عليه السلام) أيضا: " إن السراج قبل مغيب
الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق " (3).
وهناك روايات أخرى يظهر منها ذم
الإسراج في غير محله، منها:
1 - ما رواه الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام) قال:
" يا علي، أربعة يذهبن ضياعا: الأكل على الشبع،
والسراج في القمر، والزرع في السبخة، والصنيعة
عند غير أهلها " (1).
2 - وعن أبي الحسن الثالث، عن آبائه، عن
علي (عليه السلام) قال: " خمس تذهب ضياعا: سراج تقده
في شمس، الدهن يذهب والضوء لا ينتفع به، ومطر
جود على أرض سبخة: المطر يضيع والأرض
لا ينتفع بها، وطعام يحكمه طاهيه يقدم إلى شبعان
فلا ينتفع به، وامرأة حسناء تزف إلى عنين فلا ينتفع
بها، ومعروف تصطنعه إلى من لا يشكره " (2).
هذا وذكر بعض الفقهاء من جملة آداب
المسجد استحباب الإسراج فيه - استنادا إلى ما رواه
أنس، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أسرج في
مسجد من مساجد الله سراجا، لم تزل الملائكة
وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد
ضوء من ذلك السراج " (3) - ولم يقيدوه بوجود
المصلي فيه، بل صرح بعضهم بعموم الاستحباب،
قال صاحب المدارك - بعد الحكم بالاستحباب ونقل
الرواية -: " ولا يشترط في شرعية الإسراج تردد

(1) عوائد الأيام: 636 - 637.
(2) الوسائل 5: 320، الباب 11 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 7، الباب الأول من أبواب أحكام المساكن،
الحديث 9.
(1) الوسائل 5: 321، الباب 12 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث الأول.
(2) البحار 73: 164، كتاب الآداب والسنن، باب
الإسراج وآدابه، الحديث 4.
(3) رواه الشيخ بإسناده إلى أنس في التهذيب 3: 261،
رقم الحديث 733، وانظر الوسائل 5: 241، الباب 34
من أبواب أحكام المساجد، الحديث الأول.
211

أحد من المصلين إليه، بل يستحب مطلقا، للعموم " (1).
وقال صاحب الجواهر - بعد ما ذكر مثل
ذلك -: " ولا ينافيه النهي عن الإسراف... " (2).
ولعله لأن إضاءة المسجد نفسها مطلوبة
شرعا، فإذا كان كذلك فلا يعد إسرافا.
الإسراف في الفراش:
الفراش كغيره مما يحتاج إليه الإنسان ينبغي
أن يقتصر فيه على الحد الوسط والمقدار اللازم
المطابق لشأنه، وتجاوز ذلك مذموم. وتدل عليه
روايات عديدة، منها:
1 - ما رواه حماد بن عيسى، قال: " نظر أبو
عبد الله (عليه السلام) إلى فراش في دار رجل، فقال: فراش
للرجل، وفراش لأهله، وفراش لضيفه، وفراش
للشيطان " (3).
وفي رواية أخرى: " والفراش الرابع
للشيطان " (4).
وروى مثلها عن جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
ومعنى الرواية: أن للإنسان أن يصنع فراشا
لنفسه، وفراشا لأهله - بما فيهم الزوجة والأولاد
من البنات والبنين، فلكل واحد منهم فراش مطابق
لشأنه - وفراشا لضيفه، فإن كان ضيوفه كثيرين
فيحتاج إلى فرش كثير، وإن كانوا قليلين فيحتاج
إلى فرش قليل. فالرواية تشير إلى نوع الفرش بما
يطابق شأن الإنسان، وليس معناها أن لا يتخذ إلا
فردا واحدا من الفرش لأهله، وفردا واحدا لضيفه،
فإن إرادة ذلك غير معقولة.
هذا من ناحية الكثرة، وأما من ناحية
الكيفية، فلا مانع من التنوع فيه إذا كان مطابقا لشأن
الإنسان، أو قامت الزوجة بذلك من مالها. ويدل
عليه:
1 - ما رواه عبد الله بن عطاء، قال:
" دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فرأيت في منزله بسطا
ووسائد وأنماطا ومرافق، فقلت: ما هذا؟ فقال:
متاع المرأة " (1).
2 - ما رواه الحسن الزيات، قال: " دخلت
على أبي جعفر (عليه السلام) في بيت منجد (2)، ثم عدت إليه
من الغد وهو في بيت ليس فيه إلا حصير وعليه
قميص غليظ، فقال: الذي رأيته ليس بيتي، إنما هو
بيت المرأة، وكان أمس يومها " (3).

(1) المدارك 4: 397.
(2) الجواهر 14: 88.
(3) الوسائل 5: 335، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 335، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث الأول.
(5) الوسائل 5: 337، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث 6.
(1) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث 3.
(2) أي مزين بالثياب والفرش. لسان العرب: " نجد ".
(3) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث 4.
212

3 - وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: " دخل
قوم على الحسين بن علي (عليهما السلام) فقالوا: يا بن رسول
الله، نرى في منزلك أشياء نكرهها! - رأوا في منزله
بسطا ونمارق - فقال (عليه السلام): إنا نتزوج النساء
فنعطيهن مهورهن فيشترين ما شئن، ليس لنا منه
شئ " (1).
وقال كاشف الغطاء - في جملة مكروهات
المسكن -: "... ومنها اتخاذ أكثر من ثلاثة فرش،
وكثرة البسط والوسائد، والمرافق، والنمارق إلا مع
الحاجة " (2).
الإسراف في المسكن:
من المرغوب فيه أن تكون للإنسان دار
وسيعة، فقد روي مستفيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
من آله (عليهم صلوات الله): أن " من سعادة
الرجل سعة منزله " (3)، وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" من شقاء العيش ضيق المنزل " (4)، وعن معمر بن
خلاد، قال: " إن أبا الحسن (عليه السلام) اشترى دارا وأمر
مولى له يتحول إليها، وقال له: إن منزلك ضيق.
فقال له المولى: قد أجزأت هذه الدار لأبي، فقال أبو
الحسن (عليه السلام): إن كان أبوك أحمق فينبغي أن تكون
مثله؟ " (1).
ومع ذلك فقد ورد في عدة روايات الاكتفاء
في بناء المنازل على الكفاف، منها:
1 - ما رواه حميد الصيرفي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: " كل بناء ليس بكفاف فهو وبال على
صاحبه يوم القيامة " (2).
2 - وفي خبر المناهي، قال النبي (صلى الله عليه وآله): " من
بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض
السابعة، وهو نار تشتعل، ثم يطوق في عنقه ويلقى
في النار، فلا يحبسه شئ منها دون قعرها إلا أن
يتوب. قيل: يا رسول الله كيف يبني رياء وسمعة؟
قال: يبني فضلا على ما يكفيه، استطالة منه على
جيرانه، ومباهاة لإخوانه " (3).
ولا منافاة بين سعة الدار والاكتفاء بالمقدار
اللازم من البناء، وبه يمكن الجمع بين الروايات
المتقدمة ونحوها.
وقال كاشف الغطاء - في جملة مكروهات
المسكن -: "... ومنها تشييد البناء لغير الرياء

(1) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب أحكام
المساكن، الحديث 5.
(2) كشف الغطاء: 217.
(3) البحار 73: 152، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن وآدابها، الأحاديث 22، 23، 24، 25
وغيرها.
(4) البحار 73: 153، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن وآدابها، الحديث 31.
(1) البحار 73: 153، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن وآدابها، الحديث 34.
(2) المصدر نفسه: 150، الحديث 10.
(3) المصدر نفسه: 149، الحديث 4.
213

والسمعة، أما لهما فحرام " (1).
3 - ولما دخل الإمام علي (عليه السلام) على
العلاء بن زياد الحارثي - وهو من أصحابه - يعوده،
ورأي سعة داره، قال:
" ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا،
وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت
بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها
الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد
بلغت بها الآخرة " (2).
ومن المحتمل أن داره كانت واسعة، وكان فيها
من البناء ما أثار اعتراض أمير المؤمنين (عليه السلام).
ويستفاد من هذا النص: أن المرفوض هو
اتخاذ الدور والأبنية الكثيرة من دون أن تكون
موردا للاستفادة، وأما لو استفيد منها بنحو ما
- كالمذكور في النص - فلا بأس به.
ولذلك ذكر كاشف الغطاء من جملة
مكروهات المنزل البناء مع عدم الحاجة، فقال:
" ومنها: البناء مع عدم الحاجة " (3).
4 - ورد النهي عن رفع بناء البيوت، وفي
بعضها: ينادى: " أين تريد يا فاسق " أو
"... يا أفسق الفاسقين " (1).
وذكر كاشف الغطاء ذلك من جملة مكروهات
المسكن، فقال: "... ومنها رفع بناء البيوت فوق
سبعة أذرع، ورخص في الثمانية، فإذا زاد على ذلك
نودي: أين تريد يا أفسق الفاسقين " (2).
وأما ما ورد من أنه: " من بنى فاقتصد في
بنائه لم يؤجر " (3)، فالمراد منه: الترغيب في
استحكام البناء مع غض النظر عن كميته وكيفيته.
الإسراف في تجهيز الميت:
أولا - الكفن:
الإسراف في الكفن يمكن فرضه في عدد
الأكفان وفي نوعها:
1 - الإسراف في عدد الأكفان:
إن عدد الأكفان الواجبة والمستحبة للرجل
خمسة، وللمرأة سبعة، وصرح جملة من الفقهاء: بأن
ما زاد على المقدار الموظف - مهما كان - إتلاف للمال
وإسراف فيه.
قال الشيخ الطوسي: " والكفن المفروض

(1) كشف الغطاء: 217.
(2) نهج البلاغة: 324، الخطبة رقم 209. وقد تقدم في
هامش الصفحة 202: أن عليا (عليه السلام) لما سمع أن عاصم بن
زياد - وهو أخو العلاء بن زياد - قد ترك الحياة، قال له:
" أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟... ".
(3) كشف الغطاء: 216.
(1) أنظر البحار 73: 150، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن، الحديثين 13 و 14.
(2) كشف الغطاء: 216.
(3) البحار 73: 150، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن، الحديث 12.
214

ثلاثة أثواب لا يجوز أقل منها مع القدرة: مئزر
وقميص وإزار، والفضل في خمسة أثواب، والزيادة
عليها سرف ولا يجوز... " (1).
وقال العلامة في التذكرة: " ظهر مما قلناه:
أن الكفن الواجب في الذكر والأنثى ثلاثة أثواب،
والمستحب في الرجل خمسة، وفي الأنثى سبعة،
ولا يجوز الزيادة على ذلك، لما فيه من إضاعة
المال " (2).
وقال في المنتهى - بعد أن ذكر عدد الأكفان
الواجبة والمستحبة -: " ما زاد على ما ذكرناه سرف
لا يجوز فعله، لأنه إتلاف للمال " (3).
وقال الفاضل الإصفهاني: " ولا يجوز
الزيادة على الخمسة - غير العمامة - في الرجل وعلى
السبعة - غير القناع - في المرأة، لأنه سرف " (4).
وقال صاحب الجواهر - عند الكلام في مقدار
اللفافة، وهي من القطع المستحبة، حيث اختلفت
الرواية في مقدارها طولا وعرضا -: " فيجزي كل
منهما، كما أنه يجزي الأقل والأزيد ما لم يؤد إلى
الإسراف، بل وكذا الطول " (5).
وقال السيد الحكيم - عند الكلام عن جواز
نزع غير ثياب الشهيد، كالخفين ونحوهما -:
" مقتضى الاقتصار في النصوص على الدفن بالثياب
جواز نزع غيرها، كما هو المشهور بين المتأخرين
- كما في الحدائق - بل وجوبه إذا كان دفنه سرفا
وتضييعا للمال " (1).
لكن الظاهر من المحقق الهمداني: أنه لو ثبت
الاستحباب - ولو برواية ضعيفة منجبرة بقاعدة
التسامح - كان ذلك واردا على دليل حرمة
الإسراف (2).
ولعل وجه الورود: أنه مع ثبوت
الاستحباب شرعا لا يتحقق موضوع الإسراف
شرعا، وإن تحقق عرفا.
2 - الإسراف في نوعية الكفن:
عد الفقهاء من مستحبات التكفين إجادة
الكفن، أي جعله جيدا، لما ورد عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: " أجيدوا أكفان موتاكم، فإنها
زينتهم " (3)، ونحوه.
ولكن ينبغي تقييد ذلك بعدم استلزامه
الإسراف. قال الشهيد الأول: "... ويستحب
إجادته عندنا - ثم ذكر الرواية المتقدمة ونحوها، ثم
قال: - ولم يثبت عندنا الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله):

(1) المبسوط 1: 176.
(2) التذكرة 2: 12.
(3) المنتهى (الحجرية) 1: 438.
(4) كشف اللثام 2: 277.
(5) الجواهر 4: 203.
(1) المستمسك 4: 108.
(2) مصباح الفقيه 1: 402.
(3) الوسائل 3: 39، الباب 18 من أبواب التكفين،
الحديثان 3 و 6.
215

" لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلبه سلبا سريعا " (1)...
ولو سلم حمل على البلوغ في ذلك حد الإسراف أو
الإجحاف بالوارث " (2).
وقال السيد الخوئي: " والكفن المتعارف هو
الذي يخرج من الزكاة إذا لم يكن للميت مال،
ولا يجب إخراج الفرد الداني من الزكاة، فلو كان
للميت مال وجب إخراج ثمن الكفن المتعارف منه،
وهذا هو الحد المتوسط بين الإفراط والتفريط،
فلا يجب اختيار ما هو أقل أفراد الكفن بحسب
القيمة، كما لا يجوز الإسراف والتبذير فيه، بل يخرج
منه الكفن المتعارف اللائق بشأنه " (3).
ويأتي هنا كلام المحقق الهمداني - المتقدم -
أيضا.
ثانيا - الإسراف في الدفن:
ذكر جملة من الفقهاء: أنه يكره فرش القبر
بالساج إلا لضرورة، وعلله بعضهم: بأنه إتلاف
للمال وإسراف فيه.
قال المحقق الحلي: " يكره فرش القبر بالساج
إلا مع الحاجة إليه، لأنه إتلاف المال، فيقف الجواز
على الضرورة... " (4).
وقال صاحب المدارك - معلقا على كلام
المحقق: " ويكره فرش الساج إلا عند الضرورة " -:
" أما الكراهة مع انتفاء الضرورة، فلأنه إتلاف للمال
غير مأذون فيه من الشرع فيكون مرجوحا... " (1).
وقال الفاضل الإصفهاني - معلقا على كلام
العلامة: " ويكره فرش القبر بالساج لغير
ضرورة " -: "... لأنه إتلاف للمال بلا مستند
شرعي... " (2).
لكن يظهر من بعضهم: أنه مع فرض صدق
الإسراف والإتلاف يكون حراما، قال الشهيد
الثاني - معلقا على قول المحقق: " ويكره فرش القبر
بالساج " -: " وكذا بغيره من أنواع الفرش التي
لا تعد أموالا عرفا، وإلا حرم، لأنه إتلاف غير
مأذون فيه... " (3).
وقال مثله في روض الجنان (4).
وفي كلامه - وكلام صاحب المدارك والفاضل
الإصفهاني - إشعار بأن الإتلاف لو كان بإذن
الشارع لما كان محظورا، وهذا ما استظهرناه من كلام
المحقق الهمداني، كما تقدم في الكفن. فربما يصدق
عليه الإسراف عرفا ولا يصدق شرعا.
وقال المحقق الأردبيلي - بعد أن ذكر رواية

(1) سنن أبي داود 3: 199، الحديث 3154.
(2) الذكرى 1: 383 - 384.
(3) التنقيح (الطهارة) 8: 404.
(4) المعتبر: 82.
(1) المدارك 2: 147.
(2) كشف اللثام 2: 407.
(3) المسالك 1: 102.
(4) روض الجنان: 308.
216

يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" ألقى شقران مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره
القطيفة " (1) -: " فكأنه لعدم الصحة واستلزامه
المحرم، ما عمل به. وقيل: يحرم فرش القبر بما له
قيمة من الثياب ونحوها، كما يحرم وضع ذلك مع
الميت، قال في الشرح: كأن وجهه ما مر من
الإسراف " (2).
ومقصوده من الشرح كتاب المسالك.
وممن يظهر منه القول بالحرمة مع صدق
الإسراف صاحب الجواهر كما سيأتي.
واكتفى الشهيد الأول ببيان كراهة فرش القبر
بالساج ولم يعلله، لكن قال: " أما وضع الفرش
عليه والمخدة، فلا نص فيه، نعم روى ابن عباس من
طريقهم: أنه جعل في قبر النبي (صلى الله عليه وآله) قطيفة حمراء.
والترك أولى، لأنه إتلاف للمال، فيتوقف على إذن،
ولم يثبت " (3).
وفيه إشعار أيضا بأن الإتلاف المأذون فيه
شرعا ليس إسرافا محرما.
وقال المحقق السبزواري: "... وقيل: يحرم
فرش القبر مما له قيمة من الثياب ونحوها، كما يحرم
وضع ذلك مع الميت، ولعل مستنده استلزام ذلك
حصول الإسراف، ولم أطلع على نص دال على
الترخيص إلا أنه روى الكليني عن يحيى بن أبي
العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ألقى شقران مولى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره القطيفة... " ثم ذكر كلام
الشهيد في الذكرى، المتقدم، ولم يعلق عليه (1).
لكن يظهر من صاحب الجواهر عدم صدق
الإسراف في فرش القبر بالساج ونحوه، نعم لو
صدق لكان حراما. قال: "... نعم، عللها بعضهم:
بأنه إتلاف مال غير مأذون فيه، وفيه: أنه لو تم
اقتضى الحرمة، مع أنك قد عرفت فيما مضى: أن بذل
المال لا يتوقف على الإذن الشرعية، بل يكفي في
جوازه عدم السفه فيه، وذلك يحصل بأدنى غرض
عقلائي " (2).
وقال السيد اليزدي عند عد مكروهات
الدفن: " الثاني - فرش القبر بالساج ونحوه من
الآجر والحجر إلا إذا كانت الأرض ندية، وأما
فرش ظهر القبر بالآجر ونحوه فلا بأس به، كما أن
فرشه بمثل حصير وقطيفة لا بأس به، وإن قيل
بكراهته أيضا " (3).

(1) الوسائل 3: 189، الباب 27 من أبواب الدفن،
الحديث 2.
(2) مجمع الفائدة 2: 495.
(3) الذكرى 2: 24، وقال المحقق الكركي: " أما وضع
الفرش والمخدة ونحوها، فلا نص عندنا فيه، والإعراض
عنه هو الموافق لأحكام هذا الباب "، جامع المقاصد 1:
448.
(1) ذخيرة المعاد: 342.
(2) الجواهر 4: 333.
(3) العروة الوثقى: فصل في مكروهات الدفن.
217

ولم يعلق عليه السيدان الحكيم (1) والخوئي (2).
وقال الإمام الخميني - عند ذكر مكروهات
الدفن -: " منها فرش القبر بالساج إلا إذا كانت
الأرض ندية، وأما كراهة فرشه بغير الساج كالحجر
والآجر فمحل تأمل " (3).
وكلامه غير ناظر إلى الأشياء الثمينة.
وأما بناء القبور، فالمشهور كراهته (4)، إلا أنه
استثني من ذلك قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، لإطباق
السلف والخلف على فعل ذلك بها، ولأن فيه تعظيما
لشعائر الله عز وجل، ولفوات كثير من المقاصد
الدينية بترك ذلك (5).
وربما الحق بها قبور العلماء والصلحاء أيضا (6).
ومما يمكن إلحاقه بهذا الباب ما ذكره الفقهاء
في مستثنيات حرمة نبش القبر: من جواز نبش
القبر لأخذ ما وقع فيه من المال، قال الشهيد الأول
في الذكرى: " رابعها - إذا وقع في القبر ما له قيمة،
جاز نبشه وأخذه، للنهي عن إضاعة المال، وروي
أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله ثم
طلبه، ففتح موضع منه فأخذه، وكان يقول: أنا
آخركم عهدا برسول الله (صلى الله عليه وآله) " (1).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " دفن "
و " قبر " ونحوهما إن شاء الله تعالى.
الإسراف في العبادة:
المقصود من الإسراف في العبادة كثرة إتيان
العبادة المندوبة مع غض النظر عن تضمنها جانبا
ماليا، أو استلزامها عنوانا - محرما أو مكروها -
ثانويا، فهنا قيود ثلاثة:
الأول - أن الإسراف إنما يتحقق في العبادات
المندوبة لا الواجبة، لأن العبادات الواجبة محددة،
لا معنى للإسراف فيها، كما يأتي تفصيله في البحث
عن الإسراف في الإنفاق.
الثاني - أن البحث هنا غير البحث في
الإسراف في الطاعات والمندوبات التي تقدم البحث
عن إمكان تحقق الإسراف فيها، لأن البحث هناك
من جهة تضمن الأمر المندوب جانبا ماليا، مثل

(1) المستمسك 4: 264.
(2) مستند العروة (الصلاة) 9: 207.
(3) تحرير الوسيلة 1: 82، القول في مستحبات الدفن
ومكروهاته.
(4) الذكرى 2: 35 - 37.
(5) أنظر: المصدر المتقدم، وجامع المقاصد 1: 450،
والمدارك 2: 150، وذخيرة المعاد: 342، والحدائق 4:
132، والجواهر 4: 340، والعروة الوثقى: فصل في
مكروهات الدفن.
(6) أنظر: المدارك 2: 150، والجواهر 4: 341، والعروة
الوثقى: فصل في مكروهات الدفن، السابع، والتاسع،
والعاشر.
(1) الذكرى 2: 82، وانظر: روض الجنان: 320،
والجواهر 4: 355، وادعى عدم الخلاف فيه، وهناك
فروض أخرى من هذا القبيل.
218

الإنفاق على الفقراء وبناء الطرق ونحو ذلك، لكن
البحث هنا في كثرة العبادة البدنية والخروج عن حد
الاعتدال.
الثالث - إنما الكلام هنا عن الإسراف في العبادة
في حد ذاته مع غض النظر عن استلزامه عنوانا
- محرما أو مكروها - آخر، كالضرر والحرج ونحوهما،
وإلا فالحرمة أو الكراهة تكون من تلك الجهة (1).
وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة نقول:
إن الشريعة بنت أسسها على الاعتدال
والاقتصاد، فهي ترغب المسلمين في مراعاة هذه
الجهة حتى في الجانب العبادي، ولذلك نهى الله
سبحانه وتعالى نبيه عن ذلك، فقال عز من قائل:
* (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) * (2)، وورد عن
النبي وآله عليهم الصلاة والسلام النهي عن التوغل
في العبادة، فمن جملة ذلك:
1 - ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى
فترة، فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى،
ومن خالف سنتي، فقد ضل وكان عمله في تباب،
أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي،
فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني " (1).
والشرة - بكسر الشين وتشديد الراء -: شدة
الرغبة (2).
والتباب: الخسران والهلاك (3).
2 - وعن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه
برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا
كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى " (4).
والإيغال: السير الشديد، يقال: أوغل القوم
إذا أمعنوا في سيرهم (5).

(1) قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء - عند بيان مشتركات
العبادات البدنية -: " ومنها أن لا يبلغ في عبادته حد
الطاقة ولزوم الحرج، فمتى تجاوز حد الوسع فسدت
عبادته، وإذا حصل لها مانع من ضرر معتبر في بدنه، أو
تقية، فعمل معرضا عنه بطل عمله ". كشف الغطاء:
71.
(2) طه: 1 - 2، حيث كان (صلى الله عليه وآله) يصلي الليل حتى تورمت
قدماه، أنظر تفسير القمي 2: 33.
(1) الكافي 2: 85، باب من دون عنوان، الحديث الأول.
(2) قال ابن الأثير: " فيه: " إن لهذا القرآن شرة، ثم إن
للناس عنه فترة "، الشرة: النشاط والرغبة ". النهاية:
" شرر ".
(3) النهاية (لابن الأثير): " تبب ".
(4) الكافي 2: 86، باب الاقتصاد في العبادة، الحديث
الأول.
(5) قال ابن الأثير: " وفيه: " إن هذا الدين متين فأوغل
فيه برفق "، الإيغال: السير الشديد، يقال: أوغل القوم
وتوغلوا، إذا أمعنوا في سيرهم، والوغول: الدخول في
الشئ،... يريد: سر فيه برفق، وأبلغ الغاية القصوى
منه بالرفق، لا على سبيل التهافت والخرق، ولا تحمل
على نفسك ولا تكلفها ما لا تطيق فتعجز وتترك الدين
والعمل ". النهاية: " وغل ".
219

والمنبت: هو الذي انقطع به الطريق (1).
والظهر: ظهر الدابة، كناية عن الدابة
نفسها (2).
فشبه (صلى الله عليه وآله) من يتوغل في الدين بغير رفق،
بالراكب الذي انقطع به الطريق ويذهب هنا وهنا
ويتعب نفسه من دون أن يصل إلى النتيجة المطلوبة،
لأنه لا يعرف الطريق الصحيح.
3 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " مر بي
أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في
العبادة، فرآني وأنا أتصاب عرقا. فقال لي:
يا جعفر، يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة
ورضي عنه باليسير " (3).
إلى غير ذلك مما ورد في هذا الباب (4).
الإسراف في الإنفاق:
الإنفاق تارة يكون فرضا وتارة ندبا.
والفرض منه، تارة يكون محددا كالزكاة
والخمس ونحوهما، وتارة لا يكون كذلك، بل
موكولا إلى العرف، مثل الإنفاق على الزوجة
والأولاد وسائر واجبي النفقة.
فالكلام إذن يقع في موارد ثلاثة:
أولا - الإسراف في الانفاقات الواجبة
المحددة:
المعروف أن الإسراف في هذه الموارد لا معنى
له، لأنه بعد تحديد المقدار الذي ينبغي دفعه في كل
من الزكاة والخمس، فإن دفع المقدار المحدد، فلم
يتجاوز المحدود كي يصدق الإسراف، وإن جاوزه لم
يكن من الواجب، فإن دفعه بنية الوجوب كان
تشريعا محرما، وإن دفعه بنية الندب كان من
الإنفاق المندوب، وسوف يأتي حكمه.
وقد ورد عنهم (عليهم السلام) - كما قيل -: أن المراد
من قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (1)، ليس
هو الزكاة الواجبة، لأنه قال تعالى بعد ذلك:
* (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) * (2).
وقال السيد المرتضى - بعد أن أورد هذا
المعنى عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) -: " وهذه نكتة منه
(عليه السلام) مليحة، لأن النهي عن السرف لا يكون إلا فيما
ليس بمقدر، والزكاة مقدرة " (3).
نعم هناك جوانب أخرى في الإنفاقات

(1) قال ابن الأثير: " وفيه: " فإن المنبت لا أرضا قطع ولا
ظهرا أبقى "، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت
راحلته: قد انبت، من البت: القطع... يريد: أنه بقي في
طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره، وقد أعطب
ظهره ". النهاية: " بت ".
(2) أنظر النهاية (لابن الأثير): " ظهر ".
(3) الكافي 2: 86، باب الاقتصاد في العبادة، الحديث 4.
(4) أنظر: المصدر المتقدم، والبحار 68: 209، باب
الاقتصاد في العبادة.
(1) الأنعام: 141.
(2) الأنعام: 141.
(3) الانتصار: 76، وانظر المدارك 5: 13، والجواهر 15:
12.
220

الواجبة ربما يحصل فيها الإسراف، سوف نتكلم
عنها إن شاء الله تعالى (1).
ثانيا - الإسراف في الانفاقات الواجبة غير
المحددة:
المقصود من هذه الإنفاقات هي التي أوكل
أمر تعيينها إلى العرف، مثل الإنفاق على الزوجة،
والأقارب، والمماليك، والحيوانات بالتبع.
والإنفاق على هؤلاء مبتن على أسس ثلاثة
- كما يستفاد من الروايات وكلمات الفقهاء -
وهي:
1 - التوسعة على العيال:
من المندوبات التوسعة على العيال، وقد
وردت بها روايات كثيرة، من جملتها:
أ - ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن
(عليه السلام)، قال: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا
يتمنوا موته، وتلا هذه الآية * (ويطعمون الطعام على
حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * (2)، قال: الأسير عيال
الرجل، ينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في
السعة عليهم " (3).
ب - وعن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال:
" أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله " (1).
وغيرهما مما يدل على استحباب التوسعة.
2 - عدم التقتير:
ورد ذم التقتير على العيال في روايات
عديدة، منها ما رواه الصدوق بإسناده عن العياشي،
قال: " استأذنت الرضا (عليه السلام) في النفقة على العيال،
فقال: بين المكروهين، قلت: لا أعرف المكروهين،
قال: إن الله كره الإسراف وكره الإقتار، فقال:
* (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك
قواما) * " (2).
وبهذا المضمون وردت روايات أخر،
فلا يضر ضعف بعضها.
3 - الاعتدال وعدم الإسراف:
ورد الترغيب في الاعتدال في الإنفاق بصورة
مطلقة، فمن جملة ذلك:
1 - ما رواه ابن أبي عمير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (يسألونك ماذا ينفقون
قل العفو) * (3): " قال: العفو الوسط " (4).

(1) أنظر الصفحة 225 - 227.
(2) الإنسان: 8.
(3) الوسائل 21: 540، الباب 20 من أبواب النفقات،
الحديث الأول.
(1) الوسائل 21: 540، الباب 20 من أبواب النفقات،
الحديث 2.
(2) الوسائل 21: 556، الباب 27 من أبواب النفقات،
الحديث 6، والآية 67 من سورة الفرقان.
(3) البقرة: 219.
(4) الوسائل 21: 551، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 3.
221

2 - وما رواه ابن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اقتصد في
معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله " (1).
3 - وعن عبد الرحمن، قال: " سألت أبا عبد
الله (عليه السلام) عن قوله: * (يسألونك ماذا ينفقون قل
العفو) * (2)، قال: * (الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم
يقتروا وكان بين ذلك قواما) *، قال: نزلت هذه بعد
هذه، هي الوسط " (3).
والحاصل من هذه الأسس الثلاثة هو الإنفاق
على نحو القصد والاعتدال - مراعى فيه جانب
التوسعة على العيال - من دون إسراف ولا تقتير،
وهذا المعنى مذكور في روايات أهل البيت (عليهم السلام)،
وقد تقدم بعضها، ومما يدل على ذلك:
1 - ما رواه داود الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: " إن القصد أمر يحبه الله عز وجل وإن السرف
أمر يبغضه الله عز وجل، حتى طرحك النواة، فإنها
تصلح لشئ، وحتى صبك فضل شرابك " (4).
2 - وما رواه محمد بن سنان عن أبي الحسن
(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) *:
قال: " القوام هو المعروف، على الموسع
قدره، وعلى المقتر قدره، على قدر عياله ومؤونته
التي هي صلاح له ولهم، * (لا يكلف الله نفسا إلا ما
آتيها) * " (1).
3 - وروى عامر بن جذاعة، قال: " جاء
رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: يا أبا عبد الله،
قرض إلى ميسرة. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إلى
غلة تدرك؟ فقال الرجل: لا والله، قال: فإلى
تجارة تؤوب؟ قال: لا والله، قال: فإلى عقدة
تباع؟ فقال: لا والله، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
فأنت ممن جعل الله له في أموالنا حقا، ثم دعا
بكيس... ثم قال له: اتق الله ولا تسرف ولا تقتر،
ولكن بين ذلك قواما. إن التبذير من الإسراف، قال
الله عز وجل: * (ولا تبذر تبذيرا) * " (2).
هذا بالنسبة إلى الروايات، وأما الفقهاء،
فإنهم اكتفوا بذكر أن الواجب على الولي - سواء كان
زوجا أو غيره -: أن ينفق على من تجب نفقته عليه
بما هو المتعارف من حيث الزمان والمكان وشخصية
المنفق والمنفق عليه ونحو ذلك. وأما النهي عن

(1) الوسائل 21: 553، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 12.
(2) البقرة: 219.
(3) الوسائل 21: 554، الباب 25 من أبواب النفقات،
الحديث 15.
(4) المصدر نفسه: 551، الحديث 2.
(1) الوسائل 21: 556، الباب 27 من أبواب النفقات،
الحديث 3، والآية 7 من سورة الطلاق.
(2) الوسائل 9: 45، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه
الزكاة وما لا تجب، الحديث الأول، والآية 26 من سورة
الإسراء.
222

الإسراف في النفقة فلم يصرح به إلا بعضهم. فمثلا:
جاء في المراسم: " إن الواجب من النفقة بحسب سد
الخلة، فما زاد فندب ما لم يبلغ حد الإسراف " (1).
وقال العلامة - عند الكلام عن آداب
التجارة -: " ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك
الإسراف " (2) ثم ذكر بعض الروايات الواردة في
ذلك وقال - في باب الحجر -: " يجب على الولي
الإنفاق على من يليه بالمعروف، ولا يجوز له التقتير
عليه في الغاية، ولا الإسراف في النفقة، بل يكون في
ذلك مقتصدا " (3).
وقال صاحب الجواهر - في الإنفاق على
الزوجة -: " فالمناسب حينئذ جعل المدار ما أشرنا
إليه سابقا مما يعتاد إنفاقه على الزوجات من حيث
الزوجية، ملاحظا فيه حد الوسط الذي هو المراد
من المعروف (4)، لا الإسراف الذي يقع من
المبذرين، ولا التقتير الذي يقع من الباخلين " (5).
وقال الشيخ الطوسي بالنسبة إلى المديون
المفلس: " ويجب أن ينفق عليه وعلى من يلزمه
نفقته من أقاربه وزوجته ومماليكه... ويجب أن
يكسي جميع من يجب عليه كسوته من زوجته
وأقاربه إجماعا، وقدرها ما جرت به العادة له من
غير سرف... وأما جنسها فإنه يرجع أيضا إلى عادة
مثله في الاقتصاد " (1)، وقال بالنسبة إلى المديون
مطلقا: " ومن كان عليه دين، وجب عليه السعي في
قضائه، وترك الإسراف في النفقة، وينبغي أن يتقنع
بالقصد، ولا يجب عليه أن يضيق على نفسه، بل
يكون بين ذلك قواما " (2).
وتبعه في ذلك جملة ممن تأخر عنه (3).
لكن استشكل المحقق الثاني في عباراتهم من
جهة وجود التنافي بين النهي عن الإسراف والأمر
بالقناعة، فقال: " بين مفهومي هذين الكلامين
تخالف، فإن تحريم الإسراف يفهم منه حل ما عداه،
ووجوب القناعة بالقليل يقتضي المنع مما سواه وإن
لم يكن سرفا "، ثم أجاب عن ذلك:
بأن " الممنوع منه هو التوسعة التي هي فوق
الاقتصاد وإن لم يعد سرفا " (4).
ولعل هذا المعنى مستفاد من مجموع كلمات
الفقهاء الذين تعرضنا لكلامهم.

(1) المراسم: 154.
(2) التذكرة (الحجرية) 1: 588.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 82.
(4) إشارة إلى قوله تعالى: * (عاشروهن بالمعروف) *،
النساء: 19.
(5) الجواهر 31: 339.
(1) المبسوط 2: 275.
(2) النهاية: 305.
(3) أنظر: السرائر 2: 32، والقواعد 1: 155، والتذكرة
(الحجرية) 2: 2، والتحرير 1: 199، والدروس 3:
310، والمسالك 4: 124، والجواهر 25: 340.
(4) جامع المقاصد 5: 11 - 12.
223

والحاصل مما تقدم: أن الإسراف والتقتير في
الإنفاق منهي عنهما، والتوسعة على العيال مندوب
إليها إلا إذا كان مديونا فيكتفي بالاقتصاد، ليتمكن
من قضاء دينه.
ولا فرق في ذلك كله بين السفر والحضر.
نعم، ورد: أنه " لا إسراف في الحج
والعمرة "، وسوف يأتي المراد منه إن شاء الله
تعالى.
ثالثا - الإسراف في الإنفاقات المندوبة:
تقدم الكلام - عند بيان المعنى الاصطلاحي
للإسراف - عن صدق الإسراف في صرف المال في
وجوه البر والخير، وقد ذكرنا في ذلك قولين:
الأول - عدم صدق الإسراف - مهما بلغ
صرف المال في وجوه البر - وهو الذي اختاره
العلامة في بعض كتبه (1)، والشهيد الثاني في
الروضة (2)، - ونسبه في المسالك إلى المشهور (3) -
والمحقق الأردبيلي (4)، والسيد الخوئي (5).
الثاني - صدق الإسراف، إن خرج عن حد
الاعتدال أو اللائق بحاله، واختاره جماعة، مثل
العلامة في التذكرة (1)، والمحقق السبزواري (2)،
والمحدث البحراني (3)، والفاضل النراقي (4) وغيرهم ممن
ذكرناهم هناك (5).
وقد ذكرنا هناك بعض الروايات في تأييد
القول الأول، وروايات أخرى في تأييد القول
الثاني. ونضيف إليها هنا ما يناسب القولين.
فأما ما يناسب القول الأول:

(1) أنظر: القواعد 1: 168، والتحرير 1: 218.
(2) الروضة البهية 4: 104.
(3) المسالك 4: 52.
(4) مجمع الفائدة 9: 200.
(5) مستند العروة (الخمس): 250 - 251، فإنه قال ضمن
بيان المؤونة واستثنائها من الخمس: "... فلو صرف أحد
جميع وارداته - بعد إعاشة نفسه وعائلته - في سبيل الله
ذخرا لآخرته ولينتفع به بعد موته كان ذلك من
الصرف في المؤونة، لاحتياج الكل إلى الجنة، ولا يعد
ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه، بعد أمر الشارع
المقدس بذلك، وكيف يعد الصرف في الصدقة أو العمرة
- ولو في كل شهر - أو زيارة الحسين (عليه السلام) كل ليلة جمعة أو
زياراته المخصوصة من التفريط والخروج عن الشأن بعد
حث الشريعة المقدسة المسلمين عليها حثا بليغا.
فالإنصاف: أن كل ما يصرف في هذا السبيل فهو من
المؤن قل أم كثر، والتفصيل المزبور خاص بالأمور
الدنيوية ".
ومراده من التفصيل: أن يكون ما طابق شأنه من
مؤونته وإلا فلا.
(1) التذكرة (الحجرية) 2: 76.
(2) كفاية الأحكام: 112.
(3) الحدائق 20: 356.
(4) عوائد الأيام: 629.
(5) كالشهيد الثاني في المسالك 4: 152، وصاحب
الجواهر في الجواهر 26: 55 - 56 وغيرهما.
224

فما ورد في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب
(عليه السلام). فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي أوصيك في نفسك
بخصال فاحفظها، ثم قال: اللهم أعنه، أما الأولى:
فالصدق... والثانية: الورع... والثالثة: الخوف من
الله... والرابعة: كثرة البكاء من خشية الله...
والخامسة: بذل مالك ودمك دون دينك،
والسادسة: الأخذ بسنتي في صلاتي وصيامي
وصدقتي: أما الصلاة، فالخمسون ركعة، وأما
الصوم، فثلاثة أيام في كل شهر... أما الصدقة،
فجهدك حتى يقال: أسرفت ولم تسرف... " (1).
وفي الرواية احتمالان:
الأول - أن حد التصدق هو أن يقال في
العرف العام: إن ذلك إسراف، في حين لم يكن
إسرافا شرعا. وإذا وصل إلى هذا الحد فينبغي الكف
عن التصدق.
الثاني - أنه لا حد للتصدق، فللانسان أن
يتصدق بماله وإن اعتبره العرف العام إسرافا.
وأما ما يناسب القول الثاني:
فما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام): " أنه تصدق على ثلاثة من السؤال، ثم رد
الرابع وقال: لو أن رجلا كان له مال يبلغ ثلاثين أو
أربعين ألف درهم، ثم شاء أن لا يبقي منها إلا وضعها
في حق لفعل، فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة
الذين يرد دعاؤهم.
قلت: من هم؟ قال: أحدهم: رجل كان له
مال فأنفقه في وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقال
له: ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق؟ " (1).
ويؤيده أيضا ما رواه الطبرسي - في مجمع
البيان - في قضية توبة أبي لبابة أنه قال: " يا رسول
الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت
فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله. قال (صلى الله عليه وآله):
يجزيك يا أبا لبابة الثلث " (2).
الإسراف فيما يتعلق بالزكاة:
تقدم أن الإسراف في الإنفاقات الواجبة
المحددة لا معنى له، نعم هناك بعض الجوانب ربما
يتحقق فيها الإسراف، مثل:
1 - التصدق عند الحصاد والجذاذ (3):
يستحب التصدق (4) عند حصاد الزرع
- كالحنطة والشعير ونحوهما - وجذاذ التمر ونحوه،

(1) الوسائل 15: 181، الباب 4 من أبواب جهاد النفس،
الحديث 2.
(1) الوسائل 9: 460، الباب 42 من أبواب الصدقة،
الحديث الأول.
(2) مجمع البيان (5 - 6): 67، ذكرنا إجمال القضية في
عنوان " أسطوانة " فراجع.
(3) جذ النخل: صرمه، والصرام: قطع الثمرة واجتناؤها
من النخلة. لسان العرب: " جذذ " و " صرم ".
(4) هذا على المشهور، وللشيخ الطوسي قول بالوجوب،
أنظر الخلاف 2: 5، المسألة الأولى.
225

لقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه
لا يحب المسرفين) * (1).
لكن نهت الآية عن الإسراف في التصدق،
وهذه قرينة على أن المراد من الحق هنا الصدقة
المستحبة لا الواجبة، لأن الواجبة محددة ومعينة
وليس في دفع المعين إسراف كما تقدم بيانه (2).
وروى الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،
عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: " سألته عن قول الله
عز وجل: * (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) *
قال: كان أبي (عليه السلام) يقول: من الإسراف في الحصاد
والجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا، وكان أبي إذا
حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق
بكفيه، صاح به: أعط بيد واحدة، القبضة بعد
القبضة، والضغث بعد الضغث من السنبل " (3).
2 - استحقاق الغارمين من الزكاة:
اشترط الفقهاء في استحقاق الغارمين من
الزكاة أن لا يكونوا ممن صرفوا أموالهم في
المعصية (4)، ومن مصاديق المعصية الإسراف، بل
صرح بعضهم بذلك.
قال الشيخ الطوسي في الاقتصاد:
" والغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير
معصية ولا سرف " (1).
وقال العلامة: " ولو كان قد أنفقه في معصية،
كثمن الخمر والإسراف في الإنفاق لم يقض من سهم
الغارمين " (2).
وجاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي: أن
" الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في
طاعة الله من غير إسراف " (3).
وعن علي (عليه السلام) كان يقول: " يعطى
المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كل ما بلغ إذا
استدانوا في غير سرف " (4).
3 - استحقاق الفقراء من الزكاة:
الفقراء - كما هو المعروف عند الفقهاء إجمالا -
هم الذين لا يملكون مؤونة السنة لأنفسهم
وعيالهم (5)، وقيده بعضهم: بأن تكون النفقة على نحو
الاقتصاد، فمن كان له مال يكفيه لمؤونة نفسه وعياله

(1) الأنعام: 141.
(2) تقدم في الصفحة 220.
(3) الكافي 3: 566، باب الحصاد والجذاذ، الحديث 6.
والضغث هو: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس.
الصحاح: " ضغث ".
(4) أنظر: المدارك 5: 223، والجواهر 15: 355.
(1) الاقتصاد: 426.
(2) نهاية الإحكام 2: 392.
(3) تفسير القمي 1: 299.
(4) الوسائل 9: 261، الباب 24 من أبواب المستحقين،
الحديث 10.
(5) أنظر: السرائر 1: 462، والمدارك 5: 193 - 194،
والجواهر 15: 304، والمستمسك 9: 213.
226

على نحو الاقتصاد - بما فيه التوسعة اللائقة والمطلوبة
شرعا - لكن لا يكفيه مع الإسراف، لا يستحق من
الزكاة شيئا، لعدم صدق عنوان " الفقير " عليه،
وترشد إلى ذلك موثقة سماعة، قال: " سألت أبا عبد
الله (عليه السلام) عن الزكاة، هل تصلح لصاحب الدار
والخادم؟ فقال: نعم، إلا أن تكون داره دار غلة
فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله،
فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم
وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف، فقد حلت له
الزكاة، فإن كانت غلتها تكفيهم فلا " (1).
ويؤيده ما يأتي في تفسير المؤونة في الخمس،
ولذلك نحتمل أن يكون رأي جميع الفقهاء ذلك.
وينبغي لمن يصرف الزكاة أن لا يسرف في
صرفها أيضا.
الإسراف فيما يتعلق بالخمس:
تعرض الفقهاء للإسراف فيما يتعلق بالخمس
في موردين:
1 - اشتراط استثناء المؤونة بعدم الإسراف
فيها:
يجب إخراج الخمس من أرباح المكاسب بعد
استثناء المؤونة بشرط عدم الإسراف فيها.
قال صاحب المدارك: " والمراد بالمؤونة هنا:
مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة وغيرهم،
ومنها الهدية والصلة اللائقتان بحاله، وما يؤخذ منه
في السنة قهرا أو يصانع به الظالم اختيارا، والحقوق
اللازمة له بالأصل أو بالعارض، ومؤونة التزويج،
وثمن الدابة والخادم اللائقين بحاله، وما يغرمه في
أسفار الطاعات، كل ذلك على الاقتصاد من غير
إسراف ولا إقتار، فيخمس الزائد عن ذلك " (1).
وقال السيد اليزدي - بعد أن ذكر مثل
ذلك -: " ولو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفها
وسرفا بالنسبة إليه لا يحسب منها " (2).
وكأن هذا المعنى هو المعروف بين الأصحاب،
فإن أكثر من تعرض للموضوع ذكر هذا القيد
أيضا (3). قال الفاضل النراقي - بعد أن عرف
المؤونة -: " ومن هذا يظهر وجه ما صرح جماعة
- بل الأكثر على ما صرح به بعض الأجلة - من
تقييد المؤونة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب
اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنه ليس من
المؤونة، لصحة السلب " (4).

(1) الوسائل 9: 235، الباب 9 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث الأول.
(1) المدارك 5: 385.
(2) العروة الوثقى: كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه
الخمس، المسألة 61.
(3) أنظر: النهاية: 198، والسرائر 1: 488، والتذكرة
5: 420، والبيان: 348، وجامع المقاصد 3: 53،
والمسالك 1: 464، ومجمع الفائدة 4: 311، والكفاية:
43، والحدائق 12: 353، والجواهر 16: 59،
والخمس (للشيخ الأنصاري): 201، وغيرها.
(4) مستند الشيعة 10: 66.
227

2 - قسمة الخمس بين المستحقين له على نحو
الاقتصاد:
يقسم الخمس إلى قسمين: قسم للإمام (عليه السلام)،
وقسم للأصناف الثلاثة: اليتيم والمسكين وابن
السبيل من بني هاشم.
وصرح جماعة من الفقهاء: بأنه يجب أن
يقسم سهم الأصناف الثلاثة بينهم على نحو
الاقتصاد.
قال الشيخ الطوسي: "... وعلى الإمام أن
يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم في
السنة على الاقتصاد " (1).
ومثله قال ابن إدريس (2)، والمحقق (3)،
والعلامة (4).
والمراد بالاقتصاد: عدم الإسراف والتقتير.
قال الشهيد الثاني - معلقا على كلام المحقق: " يقسم
الإمام على الطوائف الثلاث قدر الكفاية
مقتصدا " -: " المراد بالكفاية مؤونة السنة،
وبالاقتصاد التوسط في النفقة بحسب عادتهم من
غير إسراف ولا إقتار " (5).
وعلق صاحب الجواهر على قول المحقق:
" مقتصدا " بقوله: " من غير إسراف ولا تقتير " (1).
هذا بالنسبة إلى سهم الأصناف الثلاثة، أما
بالنسبة إلى سهم الإمام (عليه السلام)، فلما كان يخصه فهو
أعرف به في زمن الحضور، وأما زمن الغيبة فالظاهر
أن كيفية تقسيمه كتقسيم الأسهم الثلاثة.
الإسراف في الوصية:
الوصية أمر مشروع، ولا تجوز في أكثر من
ثلث المال إلا إذا أجاز الورثة.
وقد ورد النهي عن الإضرار بالورثة، بل
ورد الترغيب في الوصية بالأقل من الثلث، كالربع
والخمس وبالأقل.
فقد ورد عن علي (عليه السلام) قوله: " ما أبالي
أضررت بولدي أو سرقتهم (2) ذلك المال " (3).
وورد عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: " لئن أوصي
بخمس مالي أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولئن

(1) النهاية: 199.
(2) السرائر 1: 492.
(3) شرائع الإسلام 1: 182.
(4) القواعد 1: 62.
(5) المسالك 1: 471.
(1) الجواهر 16: 109.
(2) قال ابن إدريس بعد ذكر الرواية: " سرفتهم بالسين
غير المعجمة والراء غير المعجمة المكسورة، والفاء،
ومعناه: أخطأتهم، وأغفلتهم، لأن السرف: الإغفال
والخطأ، وقد سرفت الشئ بالكسر: إذا أغفلته وجهلته
- إلى أن قال -: فأما من قال في الحديث: " سرقتهم ذلك
المال " بالقاف، فقد صحف، لأن " سرقت " لا يتعدى إلى
مفعولين إلا بحرف الجر... ". السرائر 3: 183.
(3) الوسائل 19: 264، الباب 5 من أبواب الوصايا،
الحديث الأول.
228

أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث، ومن
أوصى بالثلث فلم يترك، وقد بالغ - إلى أن قال: -
لئن أوصي بخمس مالي أحب إلي من أن أوصي
بالربع " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من أوصى
بالثلث فقد أضر بالورثة، والوصية بالربع والخمس
أفضل من الوصية بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم
يترك " (2).
بل قال الشيخ المفيد: " والوصية بالربع عند
آل محمد (عليهم السلام) أحب إليهم من الوصية بالثلث، وهي
بالخمس أحب إليهم من الوصية بالربع، ومن وصى
بالثلث فقد بلغ الغاية فيما له أن يوصي به " (3).
ولكن قال الشيخ الطوسي: " إذا كان ورثته
أغنياء يستحب له أن يوصي بثلث ماله، ويستوفي
الثلث، وإن كانوا فقراء، فالأفضل أن يكون وصيته
فيما أقل من الثلث " (4).
وقال ابن حمزة: " فإن كانوا أغنياء كانت
الوصية بالثلث أولى، وإن كانوا فقراء فبالخمس،
وإن كانوا متوسطين فبالربع " (5).
قال صاحب الجواهر بعد نقل ذلك: " قلت:
لعل ذلك كله منهم جمعا بين النصوص، لكن قد
عرفت خبر سعد، ولذلك صرح بعضهم وأطلق
الباقون استحباب التقليل وإن كان الورثة أغنياء،
ولعل الأولى له الوصية بالثلث وقسمته على الورثة
على مقدار سهامهم مع فقرهم " (1).
ومراده من الجمع بين النصوص، الجمع بين
النصوص الدالة على الترغيب في الوصية، وبين
الدالة على تقليلها.
ومراده من خبر سعد: ما نقله عن الشهيد في
حواشيه على القواعد عن سعد، قال: " مرضت
مرضا شديدا، فعادني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لي:
أوصيت؟ فقلت: نعم، أوصيت بمالي كله للفقراء،
وفي سبيل الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوص
بالعشر، فقلت: يا رسول الله، إن مالي كثير وذريتي
أغنياء، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يناقصني وأناقصه،
حتى قال: أوص بالثلث، والثلث كثير " (2).
وقد تقدم ما يشبه ذلك في بحث الإسراف في
الإنفاقات المندوبة فراجع.

(1) الوسائل 19: 269، الباب 9 من أبواب الوصايا،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 19: 269، الباب 9 من أبواب الوصايا،
الحديث 2.
(3) المقنعة: 669.
(4) المبسوط 4: 9.
(5) الوسيلة: 375.
(1) الجواهر 28: 332.
(2) أنظر: المستدرك 14: 95، الباب 8 من أبواب الوصايا،
الحديث 6، وصحيح البخاري 2: 125، كتاب الوصايا،
باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس،
وصحيح مسلم 3: 1250، كتاب الوصية، باب الوصية
بالثلث مع اختلاف في اللفظ، وفي الأخيرين: " إنك إن تذر
ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ".
229

الإسراف فيما يرتبط بالحج:
تكلم الفقهاء عن ذلك في موردين:
1 - الإسراف في الزاد في طريق الحج:
وردت روايات ترغب في تطييب الزاد في
السفر، فقد روى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من
شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره " (1)،
وعن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: " إذا سافرتم فاتخذوا
سفرة وتنوقوا فيها " (2).
قال صاحب الحدائق: " السفرة لغة: طعام
المسافر - كما ذكره في القاموس (3) - ومنه سميت
السفرة، والمراد بالتنوق المبالغة في تجويده
وحسنه " (4).
وورد في خصوص سفر الحج عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من نفقة
أحب إلى الله عز وجل من نفقة قصد، ويبغض
الإسراف إلا في حج أو عمرة " (5).
قال صاحب الحدائق بعد ذكر الرواية: " قال
بعض المحدثين: لعل المراد بالإسراف الزيادة في
التوسع لا ما يوجب إتلافا " (1).
وقد تقدم هذا المعنى من الفاضل النراقي
بالنسبة إلى هذا المورد والموارد المشابهة التي ورد
فيها نفي الإسراف (2).
واستثني من ذلك زيارة الحسين (عليه السلام)، فقد
روي في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض
أصحابه: " تأتون قبر أبي عبد الله (صلوات الله
عليه)؟ فقال له: نعم. قال: تتخذون لذلك سفرة؟
قال: نعم. قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وأمهاتكم
لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: فأي شئ نأكل؟ قال:
الخبز باللبن " (3).
واحتمل صاحب الحدائق اختصاص ذلك
بالبلدان المجاورة، مثل أهل الحلة وبغداد والنجف
ونحوها، أما البعيدة فلا، وخاصة إذا كان القصد
زيارة جميع الأئمة الموجودين في العراق (4).
ونقل صاحب الجواهر ذلك عنه ولم يعلق
عليه (5).

(1) الكافي 8: 303، الحديث 467.
(2) من لا يحضره الفقيه 2: 280، باب اتخاذ السفرة في
السفر، الحديث 2450، وانظر الوسائل 11: 421،
الباب 40 من أبواب آداب السفر، الحديث 2.
(3) القاموس المحيط: " السفر ".
(4) الحدائق 14: 52.
(5) الوسائل 11: 417، الباب 35 من أبواب آداب السفر،
الحديث الأول.
(1) الحدائق 14: 52.
(2) أنظر الصفحة 192، وعوائد الأيام: 636.
(3) من لا يحضره الفقيه 2: 281، باب السفر الذي يكره
فيه اتخاذ السفرة، الحديث 2452.
(4) الحدائق 14: 53.
(5) الجواهر 18: 166، وانظر هذا الموضوع في أغلب
الكتب الفقهية.
230

2 - اشتراط الاستطاعة بوجود نفقة الأهل
والعيال من غير إسراف:
من شروط الاستطاعة في الحج أن تكون
للإنسان نفقة عياله مدة ذهابه وإيابه.
وقيد بعض الفقهاء كونها على نحو الاقتصاد،
مثل ابن إدريس، والعلامة، والشهيد الثاني، وغيرهم.
قال ابن إدريس - ضمن شرائط وجوب
الحج -: " الحج يجب على كل حر بالغ... واجد للزاد
والراحلة، ولما يتركه من نفقة من تجب عليه نفقته
على الاقتصاد، ولما ينفقه على نفسه ذاهبا وجائيا
بالاقتصاد " (1).
وقال العلامة: " ويشترط أن يكون له مال
يصرفه في مؤونة سفره ذهابا وعودا، ومؤونة عياله
الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد " (2).
وقال الشهيد الثاني: " المعتبر مؤونة واجب
النفقة من العيال خاصة، ويعتبر فيها الاقتصاد
بحسب حالهم من غير إسراف ولا تقتير " (3).
ويظهر من بعضهم اشتراط الاقتصاد في الزاد
أيضا، مثل ابن إدريس في كلامه المتقدم، والمحقق
الأردبيلي حيث قال: " ولعل المراد بالزاد ما يقوته
قوتا متعارفا من غير إسراف وتقتير " (4).
ولعل تقييد كل من الزاد والمؤونة بكونه على
نحو الاقتصاد يستفاد من مضمون كلمات سائر
الفقهاء وإن لم يصرحوا به.
وهناك موارد أخرى قابلة للبحث، أعرضنا
عنها مخافة التطويل.
الإسراف في سفك الدماء في الحرب:
ذكر الفقهاء للحرب آدابا وحدودا يجب
مراعاة بعضها ويستحب مراعاة بعضها الآخر،
ويكون تجاوزها نوعا من الإسراف المحرم أو
المكروه، باختلاف الموارد.
ومن جملة الحدود التي تلزم مراعاتها:
1 - الدعوة إلى الإسلام قبل القتال.
2 - عدم قتل المجانين والصبيان والنساء إلا
عند الاضطرار.
3 - عدم إلقاء السم في المياه ونحوها.
4 - عدم التمثيل بهم بأن تقطع آذانهم أو
أنوفهم ونحو ذلك.
5 - عدم الغدر بهم، بأن يعطوا الأمان ثم
يغدر بهم فيقتلون، نعم تجوز مخادعتهم، لأن الحرب
خدعة.
ومن جملة الحدود التي يستحب مراعاتها،
تجنب قطع الأشجار، ورمي النار، وتسليط المياه إلا
مع الضرورة (1).

(1) السرائر 1: 507 - 508.
(2) التذكرة 7: 57.
(3) المسالك 2: 136، وانظر الروضة البهية 2: 167.
(4) مجمع الفائدة 6: 52.
(1) أنظر ذلك كله في الجواهر 21: 51 - 79.
231

وغير ذلك مما هو مذكور في أحكام الحرب
من الأمان والأسر ونحوهما.
ومما يدل على ما تقدم، ما ورد في كيفية بعث
النبي (صلى الله عليه وآله) السرايا، فقد روى أبو حمزة الثمالي عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد
أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم
يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى
ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا
ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة
ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل
من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من
المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم
فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه،
واستعينوا بالله " (1).
الإسراف في المهر:
ينبغي أن يكون المهر مما يصح أن يملكه
المسلم سواء كان عينا أو منفعة (2).
ولا تقدير له في جانب القلة، بل كل ما
تراضى عليه الزوجان وإن قل يمكن أن يقع مهرا،
إلا أن يقصر عن التقويم، كحبة من حنطة (3).
وأما في جانب الكثرة، فالمشهور بين فقهائنا
عدم تحديد له (1)، لقوله تعالى: * (وإن أردتم استبدال
زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه
شيئا) * (2).
والقنطار: المال العظيم (3).
لكن قال السيد المرتضى: " ومما انفردت به
الإمامية أنه لا يتجاوز خمسمئة درهم جيادا قيمتها
خمسون دينارا، فما زاد على ذلك رد إلى هذه
السنة " (4).
ثم ادعى إجماع الطائفة على ذلك.
وقال الصدوق في الهداية: " ومهر السنة
خمسمئة درهم، فمن زاد على السنة درهما واحدا
رد إلى السنة " (5)، وقال في المقنع: " وإذا تزوجت
فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة، وهي خمسمئة
درهم، فعلى هذا تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) نساءه،
وعليه زوج بناته، وصار مهر السنة خمسمئة

(1) الوسائل 15: 58، الباب 15 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 2.
(2) أنظر: نهاية المرام 1: 359 و 362، والحدائق
24: 418 و 429، والجواهر 31: 3 و 13.
(3) أنظر: نهاية المرام 1: 359 و 362، والحدائق
24: 418 و 429، والجواهر 31: 3 و 13.
(1) أنظر: نهاية المرام 1: 362، والحدائق 24: 429،
والجواهر 31: 13.
(2) النساء: 20.
(3) نهاية المرام 1: 362، وفي القاموس: " القنطار: وزن
أربعين أوقية من ذهب، أو ألف ومئتا دينار، أو ألف ومئتا
أوقية، أو سبعون ألف دينار وثمانون ألف درهم، أو مئة
رطل من ذهب أو فضة، أو ألف دينار، أو ملء مسك ثور
ذهبا أو فضة ". القاموس المحيط: " القنطرة ".
(4) الانتصار: 124.
(5) الهداية: 68.
232

درهم... " (1).
هذا وقد صرح جملة من الفقهاء ممن قالوا
بعدم تعينه من جانب الكثرة: بأن الأفضل تقليل
المهر والاقتصار على مهر السنة لقوله (صلى الله عليه وآله): " أفضل
نساء أمتي أصبحهن وجها، وأقلهن مهرا " (2)، بل
يكره أن يتجاوزه.
قال صاحب الجواهر: " الأولى الاقتصار على
الخمسمئة تأسيا بهم، وإن أريد الزيادة نحلت على
غير جهة المهر، كما فعله الجواد (عليه السلام) لابنة المأمون،
قال: وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأزواجه، وهو اثنتا عشرة أوقية ونش (3) على تمام
الخمسمئة، وقد نحلتها من مالي مئة ألف (4) " (5).
وقال أيضا: " ويستحب تقليل المهر
بلا خلاف كما في المسالك... بل يكره أن يتجاوز مهر
السنة " (6).
ثم نقل عن المسالك: أن ظاهر الأخبار أن
الكراهة متعلقة بالمرأة ووليها ويمكن أن تتعلق
بالزوج من حيث الإعانة (1)، ثم استظهر هو من
فتاوى الفقهاء تعلقها بالزوج أيضا.
وورد عن علي (عليه السلام): أنه كان يمنع جماعة
سهم الغارمين من الزكاة، منهم الغارمون من مهور
النساء. وعلله صاحب الوسائل بقوله: " ويحتمل
إرادة ما كان فيه إسراف من المهور " (2).
وهناك موارد أخرى مما يتعلق بالإسراف
في المهور، لم نتعرض لها مخافة الإطالة (3).
إسراف المضطر في أكل الحرام:
يجوز للإنسان أن يأكل الحرام - كالميتة، ولحم

(1) المقنع: 99.
(2) الوسائل 21: 252، الباب 5 من أبواب المهور، الحديث
9، وبهذا المضمون روايات أخر.
(3) النش: النصف من كل شئ، والأوقية أربعون درهما
والنش منها عشرون درهما. أنظر النهاية (لابن الأثير):
" نشش ".
(4) أنظر: مكارم الأخلاق: 205، والبحار 100: 264،
كتاب العقود، باب الدعاء عند إرادة التزويج، الحديث
3.
(5) الجواهر 31: 17.
(6) الجواهر 31: 47.
(1) المسالك 8: 200.
(2) الوسائل 9: 298 - 299، الباب 48 من أبواب
المستحقين للزكاة.
(3) مثل اشتراط بعض الفقهاء جواز نكاح الإماء بالعقد
بعدم الطول ولزوم العنت - والطول: القدرة المالية على
التزوج والإنفاق، والعنت: لزوم المشقة من ترك
النكاح - وذلك لقوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم
طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما
ملكت أيمانكم... ذلك لمن خشي العنت منكم وأن
تصبروا خير لكم) *. النساء: 25.
وألحقوا بذلك ما لو كانت له قدرة مالية، لكن كان
مهر الحرائر غاليا إلى حد الإسراف أو الإضرار. أنظر
المسالك 7: 328، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 58.
233

الخنزير، والنجس ونحوها - حالة الاضطرار.
وحدد الفقهاء المقدار الذي يجوز أن يأكله
المضطر بما يسد الرمق ويمنع عن تلف النفس، إلا إذا
اضطر إلى أكثر من حفظ النفس، مثل الالتحاق
بالرفقة والمأمن ونحو ذلك.
والزائد على الشبع لا يجوز إجماعا - كما قال
في المسالك - وأما الزائد على سد الرمق إلى حد
الشبع، فلا يجوز عند الأكثر - على ما قاله في
المسالك أيضا، بل ادعي عليه الإجماع - لأن
الضرورة اندفعت بسد الرمق (1).
هذا ما ذكره الفقهاء ولم يسموا الزائد على ما
يسد الرمق إسرافا، لكن لو قلنا: بأن الإسراف
مجاوزة الحد - ولذلك يقال: إن المعصية إسراف -
فيكون الأكل الزائد على المقدار المجاز إسرافا
شرعا، وإن لم يعد كذلك عرفا.
الإسراف في العقوبة:
العقوبة البدنية تارة تكون مقدرة كالحدود
والقصاص، وتارة تكون غير مقدرة، كالتعزيرات،
فإنها وإن كانت محددة - من جانب الكثرة - بعدم
بلوغها أقل الحد، إلا أنها غير مقيدة من حيث القلة،
بل منوطة بما يراه الحاكم من المصلحة.
ومن جملة العقوبات غير المقدرة التأديبات
التي أذن الشارع لبعض الأولياء أن يؤدبوا بها من
يتولون أمورهم.
والقاعدة العامة في العقوبة هي لزوم مراعاة
التناسب بين العقوبة والجريمة المرتكبة، لقوله تعالى:
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * (1)، وقوله
تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم) * (2).
ولا يجوز تعدي المقدار المعين في جميع أنواع
العقوبات كما في الحدود والقصاص، والمقدار اللازم
كما في التعزيرات والتأديبات، لقوله تعالى:
* (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * (3).
وفيما يأتي إشارة إلى كل واحد من الموارد
المتقدمة بصورة مستقلة.
الإسراف في القصاص:
ورد التصريح بالنهي عن الإسراف في
القصاص في قوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان
منصورا) * (4).
قال المفسرون: إن الإسراف في القتل هو: أن

(1) أنظر: شرائع الإسلام 3: 230، والقواعد 2: 159،
والمسالك 12: 115 - 116، ومجمع الفائدة 11: 315،
والجواهر 36: 431.
(1) النحل: 126.
(2) البقرة: 194.
(3) البقرة: 190.
(4) الإسراء: 33.
234

يقتل غير القاتل، أو يقتل أكثر من القاتل، أو يمثل
بالقاتل، أو يقتل الرجل بالمرأة من دون رد فاضل
الدية - فإن دية المرأة نصف دية الرجل، فإذا كان
المقتول امرأة وأراد وليها أن يقتص من القاتل وكان
رجلا، فعليه أن يدفع إلى أولياء القاتل نصف ديته
ثم يقتص منه - ونحو ذلك من موارد التفاضل، كقتل
الحر بالعبد، وقتل جماعة، لاشتراكهم في قتل واحد
من دون رد فاضل دياتهم (1).
ويشهد لذلك بعض النصوص:
فقد روى إسحاق بن عمار، قال: " قلت
لأبي الحسن (عليه السلام): إن الله عز وجل يقول في كتابه:
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف
في القتل إنه كان منصورا) *، فما هذا الإسراف الذي
نهى الله عز وجل عنه؟ قال: نهى أن يقتل غير
قاتله أو يمثل بالقاتل. قلت: فما معنى قوله: * (إنه
كان منصورا) * قال: وأي نصرة أعظم من أن يدفع
القاتل إلى أولياء المقتول فيقتله، ولا تبعة تلزمه من
قتله في دين ولا دنيا " (2).
وروى أبو العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سألته عن رجلين قتلا رجلا؟ قال: يخير
وليه أن يقتل أيهما شاء ويغرم الباقي نصف الدية
- أعني: نصف دية المقتول - فيرد على ورثته،
وكذلك إن قتل رجل امرأة إن قبلوا دية المرأة فذاك،
وإن أبى أولياؤها إلا قتل قاتلها، غرموا نصف دية
الرجل وقتلوه، وهو قول الله: * (ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) * " (1).
ومن موارد الإسراف في القتل:
1 - المثلة بالقاتل: وقد تقدم في رواية
إسحاق: أنها من الإسراف في القتل، وورد: " أن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما قتله ابن ملجم، قال:
احبسوا هذا الأسير وأطعموه، وأحسنوا إساره،
فإن عشت فأنا أولى بما صنع بي: إن شئت استقدت،
وإن شئت عفوت، وإن شئت صالحت، وإن مت
فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به " (2).
2 - الاقتصاص من الحامل قبل وضع حملها:
قال صاحب الجواهر: " لا يقتص من الحامل حتى
تضع، ولو تجدد حملها بعد الجناية وكان من زنا،
بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه،
لكونه إسرافا في القتل، ولغير ذلك مما هو

(1) أنظر: التبيان 6: 474، ومجمع البيان (5 - 6): 413،
وكنز العرفان 2: 358، والميزان 13: 90، لكنهم ذكروا
أقوالا أخر، منها أن يكون الخطاب في * (فلا يسرف) *
إلى القاتل، واستبعده السيد الطباطبائي في الميزان، لأنه
بعيد عن السياق.
(2) الكافي 7: 370، الحديث 7، والوسائل 29: 127،
الباب 62 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
(1) الوسائل 29: 87، الباب 33 من أبواب القصاص في
النفس، الحديث 21.
(2) الوسائل 29: 127، الباب 62 من أبواب القصاص في
النفس، الحديث 4، وانظر الجواهر 42: 296.
235

واضح " (1).
3 - ولعل من الإسراف:
أ - قطع اليد الصحيحة قصاصا عن الشلاء (2).
ب - والقصاص فيما يستلزم قصاصه تغريرا
بالنفس أو ما دونه، كالجائفة (3)، والمأمومة (4)،
والهاشمة (5)، والمنقلة (6)، ونحو ذلك مما يستتبع كسر
العظام (7).
ج - والاقتصاص في الأطراف بالآلة السامة،
التي يتعدى السم فيها إلى سائر أعضاء البدن (8).
د - والاقتصاص بالآلة الكالة (9).
وغير ذلك مما هو مذكور في كتاب
القصاص.
الإسراف في الحدود:
الحدود عقوبات مقدرة كما وكيفا، فلا يجوز
تجاوزها إلا إذا دعت إلى ذلك عوامل ثانوية، مثل
إيقاع الجريمة في مكان محترم كالمسجد، أو زمان
محترم كشهر رمضان مثلا.
ولذلك يضمن الحاكم أو الحداد - وهو من
يجري الحدود - لو تعدى الكمية والكيفية المحددة
سواء كان عالما أو ساهيا (1)، وإن كان عالما وعامدا
في فعله اقتص منه.
كل ذلك على تفصيل مذكور في محله (2).
ولذلك أيضا لا تحد الحامل حتى تضع
وترضع ولدها، وإن كان حملها من الزنا (3).
ويتقى وجه المحدود ورأسه وفرجه،
فلا يضرب على هذه المواضع تجنبا للمثلة والقتل
والعمى واختلال العقل ونحو ذلك (4).
الإسراف في التعزير:
التعزير عقوبة غير مقدرة في الأصل، بل لم
يعين نوعها أحيانا وإنما أمر تعيينه بيد الحاكم، فهو
الذي يحدده بما يتناسب مع نوع الجريمة وشخصية

(1) الجواهر 42: 322.
(2) الجواهر 42: 348.
(3) وهي الجرح الذي يصل إلى جوف البدن، وإذا حصل في
الرأس سمي دامغة لوصوله إلى الدماغ. أنظر الجواهر
43: 338.
(4) وهي الجرح الذي يصل إلى أم الرأس، وهي الخريطة
التي تجمع الدماغ. أنظر الجواهر 43: 334.
(5) وهي التي تهشم العظم وتكسره وإن لم يكن جرح. أنظر
الجواهر 43: 331.
(6) والمنقلة: وهي التي يحتاج فيها إلى نقل العظم من موضعه
إلى غيره. أنظر الجواهر 43: 332.
(7) أنظر ذلك كله في الجواهر 42: 354 - 355.
(8) الجواهر 42: 294.
(9) الجواهر 42: 296.
(1) لكن ضمان الحاكم في صورة خطئه وسهوه على بيت
المال، لما اشتهر: من أن خطأ الحكام على بيت المال.
(2) أنظر الجواهر 41: 473 - 474.
(3) أنظر الجواهر 41: 337.
(4) أنظر الجواهر 41: 361.
236

المجرم، بحيث يرتدع بها عن العود إليها، فربما يحصل
الارتداع بمجرد إحضار الشخص إلى محل القضاء،
أو ملامته ونحو ذلك.
نعم، ينبغي أن لا يتجاوز التعزير بالجلد أقل
الحد بالجلد، ويبدو أن هذا المقدار لا كلام فيه، وإنما
الكلام في المراد منه، فقيل: أن لا يبلغ في العبد أقل
حد العبد، وهو أربعون جلدة، وأن لا يبلغ في الحر
أقل حد الحر، وهو خمس وسبعون جلدة، وقيل: أن
لا يبلغ فيهما أقل الحد في العبد، وقيل غير ذلك.
فينبغي أن لا يتجاوزه التعزير بالجلد (1).
وكذا بالنسبة إلى غيره من أنواع التعزيرات،
فإذا كان يحصل الارتداع بمجرد الإرشاد والتذكرة،
فلا يتعداها، وإن كان يحصل بالملامة فلا يتجاوزها
إلى الضرب.
ويشعر بذلك ما ورد في عهد الإمام علي بن
أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر حينما ولاه مصر، حيث
قال: "... فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل،
وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن
قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه من غير
إسراف " (2).
والعقوبة هنا من نوع التعزير، لأنها غير
مقدرة.
الإسراف في التأديب:
لا إشكال في أصل مشروعية التأديب، لكن
حددت بعض النصوص ذلك بثلاثة أو أربعة أو
خمسة أسواط (1)، وحددها بعض الفقهاء بعشرة (2)،
وقال بكراهة الزيادة على ذلك (3).
وسوف يأتي الكلام عن ذلك كله في عنوان:
" تأديب " إن شاء الله تعالى.
والمهم هنا بيان أن المشروع إجمالا هو المقدار

(1) أنظر الجواهر 41: 254 - 257 و 448.
(2) نهج البلاغة: 438، قسم الرسائل، رقم 53 رسالته (عليه السلام)
إلى الأشتر.
(1) عن إسحاق بن عمار، قال " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال: وكم
تضربه؟ قلت: ربما ضربته مئة، فقال: مئة؟! مئة؟!
- فأعاد ذلك مرتين، ثم قال -: حد الزنا؟! اتق الله،
فقلت: جعلت فداك، فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال:
واحدا، فقلت: والله لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما
ترك لي شيئا إلا أفسده، قال: فاثنين، فقلت: هذا هو
هلاكي، قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ خمسة، ثم
غضب، فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حد ما أجرم
فأقم الحد فيه، ولا تعد حدود الله ".
الوسائل 28: 51، الباب 30 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 2.
(2) شرائع الإسلام 4: 167.
(3) استشكل صاحب الجواهر في هذا المعنى، فقال: " لم
ينقحوا وجه الجواز في الزيادة لكن على جهة
المرجوحية، ضرورة أنه بعد أن كان مقدار ذلك راجعا
إليه، فمع فرض توقف الأدب عليها لا يجوز له تركها إذا
وجب، وإذا لم يتوقف لم يجز له فعلها، فلا بد من حمل ذلك
على حال عدم العلم بالحال ". الجواهر 41: 445.
237

اللازم في التأديب، سواء اعتبرنا في ذلك
التحديدات الواردة في النصوص، أو قلنا بالمقدار
الذي يحصل به الأدب.
وأما ما سوى ذلك فهو تعد وإسراف في
التأديب، وهو موجب للضمان، والحرمان من
الميراث إذا أدى إلى القتل، على بعض الآراء.
هذا مع قطع النظر عن الحرمة التكليفية، لأن
تعدي المقدار اللازم في التأديب، معناه: العقوبة من
دون إذن شرعي، وهي حرام.
ضمان المسرف في التأديب:
قال العلامة: "... ولا خلاف في أنه لو أسرف
في التأديب وشبهه، أو زاد على ما يحصل به الغرض،
أو ضرب من لا عقل له من الصبيان، فعليه
الضمان... " (1).
بل ادعى صاحب الجواهر الاتفاق على ضمان
الأب والجد لو ضربا الابن ضربا سائغا، فمات منه،
ثم ألحق بهما المعلم وغيره بالأولوية (2).
هذا بالنسبة إلى الضرب السائغ، وهو يدل
على الضمان في غير السائغ - وهو الضرب المسرف
فيه - بالأولوية.
ومثل ذلك ضرب الزوجة للتأديب عند
نشوزها، فالظاهر لا كلام في الضمان في صورة
الإسراف غير المشروع، وإن تردد بعضهم في
الضرب الجائز والمشروع (1).
هذا إذا كان الضرب للتأديب والمصلحة،
وأما الضرب للتشفي فلا يجوز، قال صاحب
الجواهر - بعد الكلام عن تأديب الصبي والمملوك -:
" ينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب
الراجع إلى مصلحة الصبي مثلا، لا ما يثيره الغضب
النفساني، فإن المؤدب حينئذ قد يؤدب " (2).
حرمان المسرف في التأديب من الميراث:
لا خلاف في أن قتل العمد يمنع من الميراث،
فلو كان القاتل وارثا لم يستحق الإرث من
المقتول.
أما في الخطأ المحض أو الشبيه بالعمد، فقد
اختلفوا فيه. ومن جملة الآراء المذكورة: أن الشبيه
بالعمد ملحق بالعمد في المنع من الميراث (3).
ومن جملة مصاديق الشبيه بالعمد، ما لو
ضرب الوالد ولده ضربا مسرفا فمات منه.
قال الفضل بن شاذان: " لو أن رجلا ضرب
ابنه غير مسرف في ذلك يريد تأديبه فقتل الابن من
ذلك الضرب ورثه الأب، ولم تلزمه الكفارة، لأن
ذلك للأب، لأنه مأمور بتأديب ولده، لأنه في ذلك

(1) التذكرة (الحجرية) 2: 318.
(2) الجواهر 41: 669، وانظر المسالك 15: 59.
(1) الجواهر 41: 669، وانظر المسالك 15: 59.
(2) الجواهر 41: 446.
(3) تقدم الكلام عن ذلك في عنوان " إرث ".
238

بمنزلة الإمام يقيم حدا على رجل فمات، فلا دية
عليه ولا يسمى الإمام قاتلا. وإن ضربه ضربا
مسرفا لم يرثه الأب... " (1).
وزاد في الفقيه: "... وكانت عليه الكفارة ".
وممن ألحق شبيه العمد بالعمد، ابن الجنيد
- على ما نقل عنه (2) - والعلامة في القواعد (3)، وولده
في الإيضاح (4)، والشهيد الثاني في الروضة (5).
واكتفى بعضهم بنقل عبارة الفضل بن شاذان
ولم يعلق عليها، كالشهيد في الدروس (6) والفاضل
الأصفهاني (7).
الإسراف في عقوبة الحيوانات:
يترتب على الإسراف في عقوبة الحيوانات
الحكم التكليفي - أي الكراهة أو الحرمة - والحكم
الوضعي، أي الضمان:
1 - الحكم التكليفي:
جاء في بداية الهداية - ضمن بيان أحكام
الدواب -: " ولا يجوز أن يكلفها ما لا تطيق،
ولا لعنها، ولا ضربها مع عدم الحاجة " (1).
وورد في لب الوسائل: " ويكره ضرب الدابة
على وجهها فورد: " لكل شئ حرمة، وحرمة
البهائم في وجوهها "، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " للدابة على
صاحبها خصال - إلى أن قال: - ولا يضرب
وجهها، فإنها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على
ظهرها إلا في سبيل الله، ولا يحملها فوق طاقتها،
ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق " وروي: أنه
" حج علي بن الحسين (عليه السلام) فالتاثت عليه الناقة في
سيرها، فأشار إليها بالقضيب ثم قال: آه، لولا
القصاص! ورد يده عنها " " (2).
2 - الحكم الوضعي:
قال العلامة: " ويضمن الراعي بتقصيره، بأن
ينام عن السائمة أو يغفل عنها، أو يتركها تتباعد، أو
تغيب عن نظره، أو يضربها بإسراف، أو في غير
موضع الضرب، أو لا لحاجة... " (3).
وقال المحقق الثاني معلقا على كلام العلامة:
" وكذا كل ما أشبه ذلك، للتقصير في الحفظ أو تعدي
ما يجوز " (4).
والحكم الوضعي - وهو الضمان هنا - يختص
بغير المالك.

(1) أنظر: الكافي 7: 142، باب ميراث القاتل، ذيل
الحديث 10، والفقيه 4: 320، باب ميراث القاتل، ذيل
الحديث 5690 مع اختلاف يسير.
(2) المختلف (الحجرية): 743.
(3) القواعد 2: 163.
(4) إيضاح الفوائد 4: 182.
(5) الروضة البهية 8: 35.
(6) الدروس 2: 347.
(7) كشف اللثام (الحجرية) 2: 281.
(1) بداية الهداية ولب الوسائل 1: 273 - 274.
(2) بداية الهداية ولب الوسائل 1: 273 - 274.
(3) القواعد 1: 235، وانظر: مفتاح الكرامة 7: 273.
(4) جامع المقاصد 7: 281.
239

إسراف الأولياء والأمناء:
والمقصود من الأولياء: الأب والجد والوصي
والقيم ونحوهم، ومن الأمناء: الوكيل والأجير
والشريك والعامل - في المضاربة - والملتقط
والزوجة ونحوهم.
وفيما يلي نبحث عن حكم كل واحد بصورة
مستقلة:
أولا - إسراف الأب في مال الولد:
والكلام عن ذلك يقع في جانبين:
1 - أكل الأب من مال ولده:
المعروف بين الفقهاء إجمالا عدم جواز أخذ
الوالد من مال الولد إلا إذا كان الولد موسرا ولم ينفق
على والده النفقة الواجبة، فيجوز للوالد أن يأخذ
منه ما يحتاج إليه مقتصدا من دون إسراف (1).
فقد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه،
قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف " (2) وفي رواية
أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " ما أحب أن
يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه،
إن الله لا يحب الفساد " (1).
وهناك روايات أخرى تدل على الجواز مع
عدم الحاجة، لكن لم يعمل بها المشهور، وهي مخالفة
للقواعد العامة.
2 - تصرف الأب في مال الولد لنفع الولد:
وأما إذا كان التصرف لنفع الولد - كما إذا كان
صغيرا - فالمعروف لزوم مراعاة مصلحة الطفل، بل
استظهر بعضهم كونه إجماعيا (2).
لكن ذهب جماعة إلى كفاية عدم المفسدة في
التصرف، فلو لم يكن في التصرف مفسدة للطفل
جاز وإن لم تكن فيه مصلحة له (3).
وقد تقدم بيان ذلك في عنوان " أب ".
وعلى القولين لا يجوز التصرف المنتهي
إلى الإسراف المستلزم للفساد، كما هو كذلك
غالبا.

(1) أنظر: النهاية: 359 - 360، والمهذب 1: 348،
والسرائر 2: 207، والتذكرة (الحجرية) 1: 584،
والحدائق 18: 279، والجواهر 17: 276 - 278،
ومستند العروة (الحج) 1: 205 - 208.
(2) الوسائل 17: 262، الباب 78 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول.
(1) الوسائل 17: 262، الباب 78 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث 2.
(2) أنظر مفتاح الكرامة 4: 217، فإنه قال - بعد قول
العلامة: " وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة
للمولى عليه " -: " هذا الحكم إجماعي على الظاهر ".
(3) أنظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 540، فإنه
قال: " ولكن الأقوى كفاية عدم المفسدة وفاقا لغير
واحد من الأساطين الذين عاصرناهم "، وانظر: شرح
القواعد (للشيخ الكبير كاشف الغطاء) مخطوط: 71،
والجواهر 22: 332، وتبعهم جماعة ممن تأخر عنهم،
أنظر عنوان " أب ".
240

ثانيا - إسراف الوصي والقيم:
والكلام عن ذلك يقع في جانبين:
1 - أكل الوصي والقيم من مال اليتيم:
إذا جعل الأب أو الجد وصيا أو قيما على
أولاده الصغار، فإما أن يعين له أجرة لعمله أو لا،
وعلى الصورة الثانية إما أن يقصد التبرع أو لا.
فإن عين له أجرة أو قصد الوصي التبرع
بالعمل، فلا كلام، وإن لم يكن أحد الأمرين، ففي
كيفية أكله من مال اليتيم أقوال:
1 - أن يأخذ من مال اليتيم أجرة المثل، أي
أجرة مثل من يقوم بعمله.
2 - أن يأخذ قدر حاجته وكفايته من غير
إسراف ولا تقتير.
3 - أن يأخذ أقل الأمرين، فإن كانت أجرة
المثل أقل من قدر حاجته، اكتفى بها، وإن كانت أكثر
اكتفى بمقدار حاجته.
وهناك أقوال أخر، كالتفصيل بين الوصي
الغني وغيره (1).
والأصل في ذلك كله قوله تعالى: * (وابتلوا
اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن
يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل
بالمعروف) * (1).
والمعروف ما لا إسراف فيه ولا تقتير (2).
وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله.
2 - الإنفاق على اليتيم:
لا بد للوصي والقيم أن يراعي جانب
الاقتصاد وعدم الإسراف والتقتير في الإنفاق على
اليتيم. قال العلامة: " مسألة: وينفق الوصي
بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير، فإن أسرف
ضمن الزيادة " (3).
وقال المحقق الثاني: "... وكذا ينفق عليه
بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير، فإن أسرف
ضمن الزيادة... " (4).
ثالثا - إسراف الزوجة في مال زوجها:
يجوز للمرأة - إذا امتنع الزوج من القيام
بنفقتها - أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها
بالمعروف دون إسراف، لما روي من: " أن هندا
جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إن
أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما
يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه،
فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(1) أنظر: النهاية: 361، والمبسوط 2: 163، والخلاف 3:
179، المسألة 295، والسرائر 2: 211، والمختلف 5:
34 - 35، وجامع المقاصد 11: 301 - 302، والمسالك
6: 275، وغيرها.
(1) النساء: 6.
(2) جامع المقاصد 11: 302.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 512.
(4) جامع المقاصد 11: 288.
241

خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " (1).
قال الشيخ الطوسي بعد ذكر الخبر:
" وفي الخبر فوائد:
منها: أن للمرأة أن تبرز في حوائجها عند
الحاجة وتستفتي العلماء فيما يحدث لها، وأن صوتها
ليس بعورة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) سمع صوتها فلم ينكره.
ومنها: أن للمرأة أن تلي النفقة على ولدها،
وأن لها النفقة، ولولدها النفقة، وأن النفقة قدر
الكفاية، وأن الكفاية بالمعروف... " (2).
وتقدم: أن المعروف ما لا إسراف فيه
ولا تقتير (3).
ومثله قال في المسالك (4).
رابعا - إسراف العامل في مال المضاربة:
المعروف بين فقهائنا: أن نفقة العامل في
المضاربة على رأس المال لا على نفسه (5).
والمقصود من النفقة ما ينفقه لأجل التجارة
وحصول الربح.
وقيدوها بأن تكون على وجه القصد
لا الإسراف ولا التقتير، فإن أسرف ضمن، ولكن
إن قتر لم يحسب له شئ.
قال الشهيد الثاني: " والمراد بالنفقة ما يحتاج
إليه فيه من مأكول وملبوس ومشروب ومركوب
وآلات ذلك، كالقربة والجوالق، وأجرة السكن
ونحو ذلك. ويراعي فيها ما يليق بحاله عادة على
وجه الاقتصاد، فإن أسرف حسب عليه، وإن قتر لم
يحتسب له، لأنه لم ينفق ذلك... " (1).
وبهذا المضمون قال غيره (2).
خامسا - إسراف سائر الأمناء:
القاعدة العامة في الأمين (3): أنه لا يضمن ما
يتلف في يده إلا مع الإفراط أو التفريط. وادعى

(1) صحيح مسلم 3: 1338، الباب 4 من كتاب الأقضية،
الحديث 1714.
(2) المبسوط 6: 3، وقال في النهاية: " ولا يجوز للمرأة أن
تأخذ من بيت زوجها من غير أمره وإذنه، إلا المأدوم فقط،
فإن ذلك مباح لها أن تتصرف فيه وتهب لمن تشاء ما لم
يؤد ذلك إلى الإسراف والضرر بزوجها ". النهاية: 360.
(3) تقدم في الصفحة 241.
(4) المسالك 8: 438 - 439.
(5) وللشيخ الطوسي قول بأنه على العامل، أنظر المبسوط
3: 172.
(1) المسالك 4: 348.
(2) أنظر: النهاية: 430، والسرائر 2: 408، والمختلف
6: 242، والروضة 4: 214، والجواهر 26: 346،
والعروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 14، 15 و 16،
والمستمسك 12: 296 - 298، ومباني العروة
(المضاربة): 70 - 71.
(3) المراد من الأمين من كانت يده يدا أمينة مقابل من
كانت يده يدا عدوانية، فالأول مثل المستأجر والوكيل
والمستعير والملتقط والودعي ونحوهم، والثاني مثل
الغاصب ونحوه.
242

صاحب الجواهر الإجماع على ذلك في عدة
مواطن (1)، وكأنه من المسلمات إجمالا.
وبناء على ذلك لو أسرف المستأجر في
الاستفادة من العين المستأجرة وأدى ذلك إلى
عطبها، أو أسرف الأجير في عمله، كما إذا أوقد
الأجير على الخبز - أي الخباز - نارا كثيرة فاحترق
الخبز، أو ألصقه قبل وقته، أو جعله في التنور طويلا
حتى احترق، أو أسرف المؤدب في ضرب الطفل،
أو الراعي في ضرب الحيوان، أو الخياط أو البناء أو
الطبيب أو غيرهم في أعمالهم وأدى ذلك إلى التلف
فهم يضمنون حينئذ (2).
وكذا الوكيل الذي وكل في حفظ متاع أو
حيوان، أو وكل في بيعه أو إجارته، ونحو ذلك من
التصرفات، فإن أسرف - بنحو ما - فيها وأدى ذلك
إلى عطبها فهو ضامن.
وكذا الأمر في العارية والوديعة واللقطة،
حيث يكون المستعير والودعي والملتقط أمينا
لا يضمن إلا مع الإفراط أو التفريط في حفظ العين
المستعارة، والوديعة، واللقيط أو اللقطة (3).
الحجر على المسرف:
أحد أسباب الحجر الإسراف - بمعنى التبذير -
الناشئ من السفه.
قال العلامة: " ويمنع السفيه - وهو المبذر
لأمواله في غير الأغراض الصحيحة - عن التصرف
في ماله، فلو باع أو وهب أو أقر بمال أو أقرض، لم
يصح مع حجر الحاكم عليه... " (1).
واختلفوا في أن مجرد السفه موجب للمنع من
التصرف، أو يتوقف على حجر الحاكم؟ وهو بحث
موكول إلى محله (2).
ومن أسباب الحجر الصغر، فالصغير محجور
عليه إلى أن يبلغ ويتحقق فيه الرشد.
وعرفوا الرشد بأنه: " إصلاح المال " أو
" العقل وإصلاح المال " أو " كيفية نفسانية تمنع من
إفساد المال " أو " ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال
وتمنع من إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة
بأفعال العقلاء " (3).
وعلى جميع التعاريف المتقدمة يكون إفساد
المال مخالفا للرشد، فالتبذير الذي هو إفساد للمال
يكون مخالفا للرشد.
ولذلك يدور الحجر وعدمه مدار الرشد
وعدمه، قال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام

(1) أنظر الجواهر 27: 183، 215، وموارد أخرى.
(2) ذكر أكثر هذه الأمثلة العلامة، أنظر التذكرة (الحجرية)
2: 319، وقد تقدم الكلام عن ذلك في عنوان
" إجارة ".
(3) اللقيط: هو الإنسان الذي يلتقطه إنسان آخر، واللقطة
هي الشئ - غير الإنسان - الذي يلتقطه الإنسان.
(1) إرشاد الأذهان 1: 396، وبهذا المضمون قال غيره.
(2) الجواهر 26: 94.
(3) نقل هذه التعاريف صاحب الجواهر، ثم اختار إحالة
معرفته على العرف، أنظر الجواهر 26: 48 - 49.
243

المحقق -: " لا خلاف في أنه لو فك حجره بحصول
الرشد، ثم عاد مبذرا وقلنا بتحقق السفه به حجر
عليه، ولو زال فك حجره، ولو عاد عاد الحجر عليه
وهكذا دائما، ضرورة اقتضاء وجود العلة وجود
المعلول كنفيها... " (1).
مظان البحث:
ليس للبحث عن الإسراف موضع خاص،
بل يتعرض له الفقهاء ضمن أبحاثهم من كتاب
الطهارة إلى كتاب القصاص والديات كما هو ظاهر
مما قدمناه.
أسرى
راجع: أسارى.
أسطوانة
لغة:
السارية والعمود (2) الذي يعتمد عليه البناء.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
أولا - ذكر الفقهاء حكم صلاة المأموم إذا كان
بينه وبين الإمام أسطوانة، يراجع تفصيله في عنوان
" جماعة ".
ثانيا - وذكروا أيضا حكم الاستناد إلى
الأسطوانة وما شابهها أثناء الصلاة، وقد تقدم ما
يناسبه في العنوانين: " استقلال " و " استناد "،
وسوف يأتي أيضا في عنوان " قيام ".
ثالثا - ورد الأمر بالعبادة عند بعض
الأسطوانات في المساجد وخاصة مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
نشير إلى أهمها، وهو: أسطوانة التوبة.
قال الشيخ الطوسي في النهاية: " ويستحب
لمن له مقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيام: الأربعاء،
والخميس، والجمعة، ويصلي ليلة الأربعاء عند
أسطوانة أبي لبابة، وهي أسطوانة التوبة - التي ربط
بها أبو لبابة نفسه ليتوب الله ورسوله عليه (1) -.

(1) الجواهر 26: 101.
(2) أنظر: لسان العرب: " سطن "، والمعجم الوسيط:
" أسطوانة ".
(1) اختلفت الروايات في ذنب أبي لبابة، ففي بعضها أنه
كان تخلفه عن الاشتراك في غزوة تبوك، وفي بعضها
الآخر أنه كان إفشاء حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بني قريظة
لهم.
ومهما كان السبب، فإنه ربط نفسه بالأسطوانة وبقي
أياما حتى تاب الله عليه، فأراد أن يتصدق بماله كله
فنهاه النبي (صلى الله عليه وآله) ثم رضي (صلى الله عليه وآله) بأن يتصدق بثلث ماله.
والآيات التي نزلت فيه هي قوله تعالى: * (وممن
حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا
على النفاق... * وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا
صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله
غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة...) *. التوبة:
101 - 103.
244

ويقعد عندها يوم الأربعاء ويأتي ليلة الخميس
الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومصلاه
ويصلي عندها.
ويصلي ليلة الجمعة عند مقام النبي (صلى الله عليه وآله).
ويستحب أن يكون هذه الثلاثة أيام معتكفا
في المسجد، ولا يخرج منه إلا لضرورة " (1).
وهذا المضمون وارد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2)، وذكره أكثر الفقهاء في بحثي الصوم في السفر
وقسم الزيارات من الحج (3).
إسفار
لغة:
من أسفر، يقال: أسفر الصبح: إذا انكشف
وأضاء.
وأصله من السفر بمعنى الكشف، يقال: سفر
البيت سفرا، أي كنسه.
ومنه: سفرت المرأة، بمعنى كشفت عن
وجهها، فهي سافر (1).
اصطلاحا:
ورد في كلمات الفقهاء بالمعنيين المتقدمين
إجمالا، إلا أنهم اختلفوا في تحديده بالمعنى الأول:
فقيل: إن الإسفار هو شدة إضاءة الفجر (2).
وقيل: إن المراد من الإسفار، والتنوير،
والإضاءة، وتجلل الصبح السماء - وهي عناوين
واردة في الروايات - أمر واحد. وهو إضاءة السماء
من جميع الجوانب والأطراف (3).
وقيل: إن المراد من الإسفار في النصوص هو

(1) النهاية: 287، ومثله قال في المبسوط 1: 386.
(2) الوسائل 14: 350، الباب 11 من أبواب المزار،
الحديث الأول.
(3) أنظر - مثلا - السرائر 1: 652، والشرائع 1: 279،
والقواعد 1: 91، والمنتهى (الحجرية) 2: 586،
والدروس 2: 20، والمسالك 2: 384، والمدارك 6:
152 و 8: 282، والحدائق 13: 201، والجواهر 16:
339 - 340، و 20: 106 - 107 وغيرها.
(1) أنظر: الصحاح، والنهاية، ومعجم مقاييس اللغة،
ولسان العرب: " سفر ".
(2) الحبل المتين: 144.
(3) قاله السيد الخوئي، أنظر التنقيح (الصلاة) 1: 227.
245

ظهور الحمرة المشرقية (1).
لكن اعترض عليهم: بأن الموجود في
الروايات هو الإسفار، والتنوير، والإضاءة، وتجلل
الصبح السماء، وليس فيها الحمرة في المشرق (2).
نعم، تظهر الحمرة بعد الإسفار والتنوير (3).
وقد يضاف الإسفار إلى الفجر، فيقال: إسفار
الفجر (4)، ويراد به طلوعه والإضاءة في الجملة،
المقابل للتغليس (5).
والظاهر أنه لو أطلق ولم يقيد ينصرف إلى
الأخير.
الأحكام:
تعلقت أحكام بالإسفار بمعنييه، نشير إلى
أهمها إجمالا:
أولا - الأحكام المتعلقة بإسفار الصبح:
1 - تحديد انتهاء الليل ودخول النهار
بالإسفار:
حدد بعض الفقهاء انتهاء الليل وابتداء النهار
بإسفار الصبح، قال السيد المرتضى: " الليل: امتداد
الظلام من أول ما يسقط قرص الشمس إلى أن يسفر
الصبح " وقال أيضا: " النهار: امتداد ضياء الشمس
وحركتها على وجه الأرض إلى أن تغرب " (1).
لكن قال العلامة - في بحث الإجارة -: " ولو
قال نهارا فهو من الفجر إلى الغروب، وليلا إلى
طلوع الفجر " (2).
وربما يفرق بين يوم الصوم ويوم الإجارة،
فالأول من الفجر، والثاني من إسفار الصبح أو
طلوع الشمس (3).
2 - تحديد صلاة الفجر ونافلته بالإسفار:
لا خلاف في أن أول وقت صلاة الفجر هو
الفجر الصادق. وإنما الاختلاف في نهايته، وفيه قولان:
الأول - أن نهاية وقت المختار هو الإسفار
(الحمرة المشرقية) ونهاية وقت المضطر هو طلوع
الشمس.

(1) نسبه السيد العاملي إلى جماعة من الأصحاب، أنظر
مفتاح الكرامة 2: 30، وانظر الجواهر 7: 169،
والمستمسك 5: 65. وإنما قالوا ذلك عند بيان وقت
الصبح.
(2) أنظر: الجواهر 7: 169، ومصباح الفقيه 2: 54،
والمستمسك 5: 64 - 65، والتنقيح (الصلاة) 1: 227.
(3) التنقيح (الصلاة) 1: 228 - 229.
(4) ومنه حديث: " أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر ".
أنظر: مسند أحمد 4: 142، رقم الحديث 17261 من
حديث رافع بن خديج، وسنن النسائي 1: 272، كتاب
المواقيت: الإسفار.
(5) أنظر الحدائق 6: 207، والتغليس الخروج آخر الليل،
من الغلس وهو ظلام آخر الليل، لسان العرب: " غلس ".
(1) رسائل السيد المرتضى (رسالة الحدود والحقائق) 2:
281 و 287.
(2) القواعد 1: 233، وانظر مفتاح الكرامة 7: 242.
(3) أنظر مصباح الفقيه 2: 54.
246

ذهب إليه ابن عقيل والشيخ في بعض كتبه
وتبعهما بعض آخر.
الثاني - أن نهاية وقت فضيلة صلاة الفجر هو
الإسفار، ونهاية وقت الإجزاء هو طلوع الشمس.
وهذا هو الرأي المشهور.
وأما نافلة الفجر ففيها خلاف من حيث مبدأ
وقتها ونهايته، والمشهور أن نهاية وقتها هو ظهور
الحمرة المشرقية (1).
وتفصيل ذلك موكول إلى محله.
تنبيه:
يستحب التغليس في صلاة الفجر، أي
الإتيان بها قبل الإسفار وحال الظلمة (2).
ويستحب أيضا تأخير صلاة الفجر إلى
إسفاره، أي إسفار الفجر وانكشافه لا إسفار الصبح
والنهار، فلا منافاة بين الاستحبابين (3).
3 - استحباب الإفاضة من المشعر بعد
الإسفار:
يستحب لغير الإمام الإفاضة من المشعر
الحرام إلى منى بعد الإسفار وقبل طلوع الشمس،
على المشهور، وفيه قول بوجوب الإفاضة بعد
طلوع الشمس (1).
ثانيا - الأحكام المتعلقة بإسفار الوجه:
1 - إسفار المرأة وجهها في الصلاة:
يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها في
الصلاة عدا الوجه والكفين والقدمين على تفصيل
مذكور في محله.
وقد تقدم بعض الكلام فيه في عنوان
" استتار ".
والمقدار المستثنى في الوجه هو الذي يجب
غسله في الوضوء (2).
وورد: أن إسفار وجهها أفضل، ففي موثق
سماعة، قال: " سألته عن المرأة تصلي متنقبة، قال:
إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن
أسفرت فهو أفضل " (3).
بل أفتى جملة من الفقهاء بكراهة ستر وجهها
إذا لم يمنع من القراءة وإلا حرم، وكذا لو تلثم

(1) أنظر: الحدائق 6: 201، والجواهر 7: 160 و 168
و 237، والمستمسك 5: 48 و 110 - 111، والتنقيح
(الصلاة) 1: 189، 227 و 369.
(2) أنظر: المستمسك 5: 100، والتنقيح (الصلاة) 1:
329.
(3) أنظر الحدائق 6: 207.
(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 726 و 729، والتذكرة
8: 211، والحدائق 16: 456 - 459، والجواهر 19:
98.
(2) أنظر: المستمسك 5: 257، وبمتنه العروة الوثقى.
(3) الوسائل 4: 421، الباب 33 من أبواب لباس المصلي،
الحديث الأول.
247

الرجل (1).
2 - إسفار وجهها في الإحرام:
صرح الفقهاء: بأنه لا يجوز للمرأة أن تستر
وجهها بالنقاب ونحوه، بل عليها أن تسفر عن
وجهها، وادعي عليه الإجماع مستفيضا (2).
راجع: إحرام / السادس عشر.
3 - إسفار وجهها عند الشهادة:
يجب أن يكون مستند الشهادة العلم أو ما
يقوم مقامه من الحجج الشرعية كالبينة ونحوها، فإذا
أراد شخص أن يشهد على امرأة - سواء عند تحمل
الشهادة أو أدائها - فلا بد من أن يحصل له العلم
بأنها فلانة أو تقوم البينة على ذلك. ويحصل العلم
بها إما بسماع صوتها إذا كان يعرف صوتها أو
بالإسفار عن وجهها ورؤيتها.
قال الشيخ في النهاية: " وإذا شهد على امرأة
وكان يعرفها بعينها، جاز له أن يشهد عليها وإن لم
ير وجهها، فإن شك في حالها لم يجز له أن يشهد إلا
بعد أن تسفر عن وجهها ويتبينها بصفتها، فإن عرفها
من يثق به جاز له أن يشهد وإن لم تسفر أيضا عن
وجهها. غير أن الأحوط ما قدمناه " (1).
وبهذا المضمون قال غيره ممن تعرض
للموضوع إجمالا (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - مواقيت الصلاة: وقت صلاة الفجر
ونافلته.
ب - لباس المصلي: وجوب الستر في
الصلاة.
2 - كتاب الحج:
أ - تروك الإحرام.
ب - الوقوف بالمشعر.
3 - كتاب الإجارة: تعيين المنفعة ومدة
الإجارة، ويبحث فيه أحيانا بالمناسبة
عن مقدار الليل والنهار.
4 - كتاب الشهادة: اشتراط العلم في مستند
الشهادة.
5 - كتاب القضاء: الدعوى على المرأة.

(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 1: 235، والتذكرة 2:
499، وجامع المقاصد 2: 108 - 109، والمدارك 3:
207 - ونسب ذلك إلى المشهور - والحدائق 7: 142،
وغيرها.
(2) أنظر: التذكرة 7: 337، والمدارك 7: 359،
والذخيرة: 602، وكشف اللثام 5: 393، والحدائق
15: 129، والرياض 6: 328، والجواهر 18: 389،
وغيرها.
(1) النهاية: 328.
(2) أنظر: السرائر 2: 126، والمختصر النافع: 289،
والقواعد 2: 239، واللمعة وشرحها (الروضة البهية)
3: 135، والرياض (الحجرية) 2: 451.
248

إسقاط
لغة:
مصدر أسقط، وهو من سقط بمعنى وقع.
يقال: أسقطت الحامل، أي ألقت سقطا، والسقط:
الولد - ذكرا كان أو أنثى - يسقط قبل تمامه وهو
مستبين الخلق (1).
ويقال أيضا: أسقط فلان من الحساب، إذا
ألقى منه (2).
اصطلاحا:
وردت كلمة الإسقاط عند الفقهاء مضافة إلى
بعض العناوين، من قبيل: الجنين، والتكليف،
والعقاب، والحق ونحوها:
1 - إسقاط الجنين: ويراد به الإجهاض، وهو
إلقاء الحامل جنينها، سواء كان بتسبيبها أو بتسبيب
غيرها.
ويترتب على ذلك أحكام كثيرة، ومن جملتها
مسائل مستحدثة.
وسوف يأتي الكلام عن هذا الموضوع في
عنوان " جنين " إن شاء الله تعالى.
2 - إسقاط التكليف: وهو رفع التكليف عن
المكلف بعد ثبوته.
وفرق بين الإسقاط والأداء والامتثال: بأن
الأول أعم من الثاني، والثاني أعم من الثالث:
لأن امتثال الأمر هو إتيان المأمور به من جهة
أمر الآمر به.
وأداء الواجب هو إتيان الفعل المأمور به
سواء أتي به من جهة موافقة الأمر أو لغيره من
الجهات.
وإسقاط الواجب يحصل بكل من الوجهين
المذكورين، وبالإتيان بما يرتفع به متعلق الحكم،
بحيث لا يبقى تكليف، وذلك كالدين، فإن الواجب
أداؤه، فلو تبرع بدفعه شخص آخر سقط وجوب
أداء الدين، لارتفاع موضوعه وهو الدين، لكن لم
يصدق الامتثال لأمر المولى، كما لا يصدق الأداء
أيضا (1)، لأن المكلف لم يأت به بنية إتيان المأمور به
من جهة الأمر به، ولم يأت به بذلك القصد أو بغيره
وإنما دفع الدين غيره فارتفع موضوع " وجوب أداء
الدين ".
ومن أمثلة ارتفاع الموضوع، ما لو وجب
إنقاذ الغريق، فهم المكلف بذلك، لكن مات الغريق
قبل أن يصل إليه، فيسقط الوجوب، ولم يصدق هنا
الامتثال ولا الأداء.
3 - إسقاط العقاب: والعقاب إما أخروي أو

(1) المصباح المنير: " سقط ".
(2) لسان العرب: " سقط ".
(1) هداية المسترشدين: 240.
249

دنيوي، فالعقاب الأخروي يسقط بالغفران، لأن
الغفران: " إسقاط العقاب المستحق " (1) وهو يحصل
بحصول أسبابه: كالتوبة والشفاعة ونحوهما.
راجع: استغفار، توبة، شفاعة.
وأما العقاب الدنيوي، كالحد والتعزير
والكفارة، فإنها تسقط في موارد خاصة مذكورة في
محلها، مثل سقوط حد الرجم عمن أقر بالزنا ففر
أثناء الرجم بخلاف من قامت عليه البينة (2)، فإنه
لا يسقط عنه، ومثل إسقاط الإمام الحد عمن أقر
بالزنا ثم تاب - دون من قامت عليه البينة - فإن
الإمام مخير بين إقامة الحد عليه وإسقاطه عنه (3)، نعم
لو تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحد (4).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في موارده إن شاء
الله تعالى.
4 - إسقاط الحق: والحق تارة يراد منه المعنى
الخاص المقابل للملك والحكم، مثل حق الشفعة،
وحق التحجير، وحق الخيار، ونحوها من الحقوق.
وتارة يراد منه معنى أعم، بحيث يشمل مثل
الإبراء من الدين.
وسوف يأتي الكلام عن ذلك في عنوان
" حق " إن شاء الله تعالى، حيث يبحث فيه تفصيلا
عن ماهية الحق وقابليته للإسقاط والمعاوضة، وهل
في الحقوق ما لا يقبل الإسقاط أو لا؟ وهل يعود
الحق بعد إسقاطه أو لا؟ ونحوها من البحوث.
وقد تقدم ما يناسب الموضوع في عنوان
" إبراء " فليراجع.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب المتاجر (أو المكاسب): أول مباحث
البيع، خاصة في كتب المتأخرين، كالشيخ
الأنصاري ومن بعده، حيث تكلموا في
موضوع " الحق " وما يرتبط به.
2 - الكلام عن الإبراء في مواطن متعددة.
3 - كتاب الديات: في موضوع دية الجنين
وحكم إسقاطه.
ثانيا - علم الكلام:
البحث في التكليف والعقاب والثواب
والغفران، ونحوها مما يرتبط بالموضوع.
إسكار
لغة:
من أسكر، يقال: أسكره الشراب، أي أزال
عقله، والاسم السكر (1).

(1) رسالة الحدود (للنيسابوري المقري): 61.
(2) أنظر الجواهر 41: 349.
(3) أنظر الجواهر 41: 293.
(4) الجواهر 41: 307.
(1) المصباح المنير: " سكر ".
250

اصطلاحا:
الظاهر ليس لهم فيه اصطلاح جديد، بل
يريدون به نفس إزالة العقل، نعم أحال بعضهم
معرفته على العرف.
قال صاحب الجواهر في تعريف المسكر:
" يرجع فيه إلى العرف كغيره من الألفاظ وإن قيل:
هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور
السر المكتوم، أو ما يغير العقل ويحصل معه سرور
وقوة النفس في غالب المتناولين، أما ما يغير العقل
لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيب الحواس
الخمس، وإلا فهو المفسد للعقل كما في البنج
والشوكران (1). ولكن التحقيق ما عرفته (2)، فإنه
الفارق بينه وبين المرقد والمخدر ونحوهما مما لا يعد
مسكرا عرفا " (3).
الأحكام:
الإسكار صفة توجب حرمة الشئ الذي
توجد فيه، ونجاسته إذا كان مائعا، وإيجابه الحد،
وخروج متناولة عن الأهلية إجمالا.
وسوف يأتي تفصيل أحكامه في عنوان
" مسكر " إن شاء الله تعالى.
إسكان
لغة:
مصدر أسكن، وأسكنه الدار والمسكن جعله
يسكنه (1).
اصطلاحا:
تارة يراد منه المعنى اللغوي نفسه، كما في
إسكان الزوجة، وتارة يراد منه معنى فقهي خاص،
وهو: عقد فائدته التسلط على استيفاء المنفعة تمام
المدة المشترطة مع بقاء الملك على ملك مالكه، كأن
يقول: " أسكنتك هذه الدار مدة كذا " فإذا قبل تم
العقد (2).
وسوف يأتي الكلام عن الثاني في عنوان
" سكنى " إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
تترتب على الإسكان بالمعنى الأول بعض
الأحكام، نشير إلى أهمها إجمالا ونحيل تفصيله على
الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.

(1) الشوكران أو الشيكران: ضرب من النبت. القاموس
المحيط: " شكر ".
(2) أي الإحالة على العرف.
(3) الجواهر 41: 449.
(1) المعجم الوسيط: " سكن ".
(2) أنظر الجواهر 28: 133 - 136.
251

إسكان الزوجة:
الزوجة إما هي زوجة فعلا، أو مطلقة، أو
متوفى عنها زوجها، ولكل منهن حكمها الخاص بها:
1 - إسكان الزوجة الموجودة فعلا:
من الحقوق الواجبة على الزوج حق إسكان
الزوجة، لقوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم
من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) * (1)، ولأنه
من النفقة الواجبة.
ويشترط في استحقاق الزوجة حق السكنى
- كسائر النفقات الواجبة - أمران:
الأول - أن يكون الزواج دائما، فلا سكنى
للمتمتع بها، كما لا نفقة لها.
الثاني - التمكين الكامل بحيث لا تخص موضعا
ولا وقتا للاستمتاع بها (2).
ولا يشترط في المسكن أن يكون ملكا، بل
يكفي كونه إجارة، أو عارية. نعم يشترط أن يكون
لائقا بحالها من حيث نوع المسكن وسعته وضيقه
ونحو ذلك، ويلاحظ فيه عادة أمثالها (3).
وهل يجوز لها أن تطالب بالتفرد بالمسكن
بحيث لا يشترك معها فيه غير الزوج، سواء كانت
ضرة أو غيرها؟
صرح جملة من الفقهاء بجواز ذلك، بل يظهر
من صاحب الحدائق نسبته إلى الفقهاء (1).
وممن صرح بذلك: العلامة (2)، والشهيد
الثاني (3)، والمحقق السبزواري (4)، والفاضل
الإصفهاني (5)، وصاحب الحدائق (6)، وصاحب
الجواهر (7)، وعللوه: بأنه من المعاشرة والإمساك
بالمعروف (8).
لكن قيده المحقق السبزواري بما إذا كان
الانفراد من عادة أمثالها، وقيده صاحب الجواهر
بذلك أو بما إذا استلزم عدم انفرادها إضرارا بها (9).
وصرح بعض هؤلاء: بأنه لو كان للدار علو
وسفل - أي طبقتان - ولكل منهما مرافق خاصة بها
جاز إسكان الزوجة في واحدة منهما وغيرها في
الأخرى.

(1) الطلاق: 6.
(2) أنظر الجواهر 31: 303.
(3) ذكر ذلك كل من تعرض للموضوع.
(1) الحدائق 25: 123، فإنه قال: " قالوا: ولها المطالبة
بالتفرد بالمسكن... ".
(2) القواعد 2: 54.
(3) المسالك 8: 460.
(4) كفاية الأحكام: 195.
(5) كشف اللثام (الحجرية) 2: 111.
(6) الحدائق 25: 123.
(7) الجواهر 31: 336 - 340.
(8) المأمور به في قوله تعالى: * (فأمسكوهن بمعروف) *.
البقرة: 231، وقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) *.
النساء: 19.
(9) والظاهر أن القول بلزوم الانفراد في صورة لزوم الضرر
عند الجمع، مما يلتزم به الجميع، وإن لم يصرحوا به.
252

ولو سكنت في منزلها - سواء كان ملكا لها أو
كانت مستأجرة أو مستعيرة له - فإما أن يكون ذلك
برضا الزوج أو بغير رضاه مع بذله للمسكن.
فإذا كان بغير رضاه مع بذله للمسكن
فلا تستحق أجرة السكنى، لأن اختيار المسكن - مع
تحقق شرائطه اللازمة - من اختيارات الزوج
لا الزوجة.
وإذا كان برضا الزوج، فإما أن تكون متبرعة
أو لا:
فإن كانت متبرعة، فلا تستحق أجرة.
وإن لم تكن متبرعة، فالظاهر من كلمات من
تعرض للموضوع أن لها أجرة السكنى.
وإنما الخلاف فيما إذا لم تصرح بالتبرع، فيرى
بعضهم أنها لا تستحق أجرة، لأن:
1 - فعلها ظاهر في التبرع.
2 - وأن بسكناها في منزلها وعدم المطالبة
للأجرة مع تمكنها منها، تكون قاضية لدينه بغير إذنه
ولا إذن شرعي.
لكن يرى بعض آخر استحقاقها للأجرة،
لعدم تمامية الوجهين المذكورين، فإن مجرد السكوت
لا يدل على التبرع، كما أن مجرد عدم المطالبة مع
تمكنها منها لا يدل على قضائها لدينه بغير إذنه، بل
إن ذمة الزوج لما كانت مشغولة بوجوب الإنفاق
على الزوجة، فلا بد من اليقين بالبراءة، ولا يحصل
إلا بإسقاط الزوجة حقها، أو قصدها التبرع والعلم
بذلك، أو دفع الزوج أجرة السكنى، ولما لم يحصل
الأولان، فوجب الثالث.
وممن قال بالأول: المحقق (1) والعلامة (2)،
والفاضل الإصفهاني (3).
وممن قال بالثاني: فخر المحققين (4)، والشهيد
الثاني (5)، وصاحب الجواهر (6).
2 - إسكان المطلقة:
والمطلقة رجعيا بحكم الزوجة أيام عدتها، لها
حق السكنى ولا يجوز إخراجها، لقوله تعالى:
* (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن
ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * (7).
والحكم إجماعي كما قيل (8).
أما البائن فلا سكنى لها إلا أن تكون حاملا،
فلها السكنى حتى تضع، لقوله تعالى: * (وإن كن
أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * (9)

(1) شرائع الإسلام 3: 45.
(2) القواعد 2: 76.
(3) كشف اللثام (الحجرية) 2: 150.
(4) إيضاح الفوائد 3: 372.
(5) المسالك 9: 337 - 339.
(6) الجواهر 32: 361.
(7) الطلاق: 1.
(8) الجواهر 31: 316، و 32: 330 و 339، وانظر:
المسالك 8: 449، و 9: 320، والحدائق 25: 523
و 529.
(9) الطلاق: 6.
253

الشامل بإطلاقه البائن والرجعي (1).
ولو طلقت الرجعية في مسكن دون ما
تستحقه، فإن رضيت بالمقام فيه فهو، وإلا جاز لها
المطالبة بالمسكن الذي يناسبها وإن كانت رضيت
بالمقام فيه حال النكاح، لاستصحاب الحق
السابق (2).
ولو طلقت في مسكن قد تبرع به لها غير
الزوج، استحقت مقدار أجرة السكنى في ذمة
الزوج، لأنها من جملة النفقات الواجبة عليه،
ولا دليل على إسقاط الزوجة حقها (3).
3 - إسكان المتوفى عنها زوجها:
المتوفى عنها زوجها إما أن تكون حائلا (4) أو
حاملا. فإن كانت حائلا، فلا سكنى لها، وقد ادعي
عليه الإجماع (5)، لأن الميت لا مال له بعد وفاته كي
تخرج منه النفقة.
وإن كانت حاملا فقد اختار الشيخ (6) وبعض
المتقدمين (1) أن لها النفقة من نصيب الحمل.
لكن للشيخ قول آخر بعدم النفقة لها (2)، وهو
المشهور بين المتأخرين عنه (3).
راجع للمزيد من التوضيح العناوين:
" إنفاق "، " حق "، " عدة ".
النهي عن إسكان أهل الذمة والمشركين في الحجاز:
ورد النهي عن إسكان أهل الذمة والمشركين
أرض الحجاز، وقد تقدم بعض الكلام عنه في عنوان
" استيطان " وسوف تأتي تتمته تحت عنوان " أهل
الذمة " إن شاء الله تعالى.
كان ذلك أهم موارد الإسكان، وهناك موارد
أخرى:
مثل إسكان مكة وما يستتبعه، كالنهي عن
منع أهل مكة الحجاج من الإسكان فيها، والنهي
عن السكنى فيها مطلقا، وغيرها من الأحكام،
ويرجع في ذلك كله إلى عنوان " مكة ".
ومثل إسكان الدار المرهونة، ويرجع فيه إلى
عنوان " رهن ".
ونحوها من الموارد، يرجع فيها إلى مواطنها
الأصلية.

(1) أنظر: المسالك 8: 450، وفيه: " وأما البائن فلا نفقة لها
ولا سكنى عندنا "، والجواهر 32: 339، ولهم كلام في
أن النفقة للحمل أو للحامل.
(2) أنظر: المسالك 9: 323 - 324، والجواهر 32:
342.
(3) الجواهر 32: 351.
(4) أي غير حامل.
(5) المسالك 9: 339.
(6) النهاية: 537.
(1) مثل أبي الصلاح في الكافي: 313، والقاضي في المهذب
2: 319، وابن حمزة في الوسيلة: 329.
(2) المبسوط 5: 251.
(3) أنظر: المسالك 8: 453 - 454، و 9: 340، والجواهر
31: 325، و 32: 363.
254

مظان البحث:
1 - كتاب الجهاد: أحكام أهل الذمة /
شروط الذمة، للبحث عن إسكان أهل
الذمة أرض الحجاز.
2 - كتاب النكاح: أحكام النفقة، للبحث عن
حق السكنى للزوجة، وكذا ما يأتي.
3 - كتاب الطلاق: أحكام العدد / عدة
الطلاق والوفاة.
4 - كتاب البيع: أول البيع - عند المتأخرين -
بمناسبة الكلام عن الحق.
إسلام
لغة:
مصدر أسلم، وهو يأتي على معان، منها:
1 - أسلم، بمعنى سلم وانقاد، ومنه قوله
تعالى: * (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا
وكرها) * (1).
2 - أسلم، بمعنى دخل في السلم، وهو الصلح.
3 - أسلم، بمعنى دخل في دين الإسلام، ومنه
قوله تعالى: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن
قولوا أسلمنا...) * (2).
4 - أسلم، بمعنى خذل، يقال: أسلمه لعدوه،
أي خذله.
5 - أسلم، بمعنى أسلف، أي باع ببيع السلف
والسلم (1).
والمقصود بالبحث هنا هو المعنى الثالث، أي
الدخول في الإسلام.
اصطلاحا:
تطلق كلمة " الإسلام " تارة ويراد منها المعنى
المصدري، أي اعتناق الإسلام والدخول فيه، ومنه
قوله تعالى: * (وكفروا بعد إسلامهم) * (2)، وقولهم:
إسلام الكافر يتحقق بإظهار الشهادتين.
وتطلق تارة أخرى ويراد منها اسم المصدر،
وهي الحالة الحاصلة من تحقق المصدر، فيقال مثلا:
الإسلام يحقن به الدم والمال، أي حالة كون الإنسان
مسلما تجعل لدمه وماله حرمة تمنع من التعرض لهما
إلا بسبب مبيح، أو الخروج عن الإسلام موجب
للكفر وهدر الدم إجمالا، أو يقال: الإسلام شرط في
صحة العبادات (3).
وتطلق ثالثة ويراد منها الدين والشريعة
السماوية التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ومنه قوله

(1) آل عمران: 83.
(2) الحجرات: 14.
(1) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس
المحيط: " سلم ".
(2) التوبة: 74.
(3) يأتي الكلام في ذلك عن قريب.
255

تعالى: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل
منه) * (1)، ومنه قولهم: " الإسلام يعلو ولا يعلى
عليه " (2).
والإسلام بكل هذه المعاني تترتب عليه
أحكام فقهية.
وقد يطلق الإسلام أو مشتقاته على الأديان
السماوية السابقة كما في قوله تعالى - حكاية عن
إبراهيم (عليه السلام) -: * (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت
لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني
إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم
مسلمون) * (3).
ويمكن أن يكون المراد منه الانقياد، وعلى أي
تقدير فلا يدخل في إطار البحث الفقهي.
الفرق بين الإسلام والإيمان:
وردت روايات مستفيضة عن أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) في الفرق بين الإسلام والإيمان، وتكلم العلماء
عنه كثيرا، والمتحصل من ذلك كله هو:
1 - أن الإسلام - بالمعنى الثاني من المعاني
الاصطلاحية المتقدمة - غير الإيمان، وقد ورد في
عدة روايات: " أن الإيمان يشارك الإسلام،
والإسلام لا يشارك الإيمان " (1).
ويشهد لذلك قوله تعالى: * (قالت الأعراب
آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل
الإيمان في قلوبكم) * (2).
ولو كان الإسلام والإيمان متحدين دائما لما
فرق الله تعالى بينهما، ولذلك قال الشيخ المفيد:
" اتفقت الإمامية على أن الإسلام غير الإيمان، وأن
كل مؤمن فهو مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا " (3).
2 - أن الإسلام أسبق - من حيث التحقق -
من الإيمان، فلا يتحقق الإيمان قبل تحقق الإسلام،
نعم قد يتحقق الإسلام ولا يتحقق الإيمان، وربما
ترشد إليه الآية المتقدمة، وورد: أنه " قد يكون
العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا
حتى يكون مسلما، فالإسلام قبل الإيمان وهو
يشارك الإيمان " (4).
3 - أن الإسلام يتحقق بمجرد الإقرار
باللسان، وإن لم يقترن بالعمل. لكن الإيمان هو
إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.

(1) آل عمران: 85.
(2) يأتي الكلام عنه تحت عنوان قاعدة " الإسلام يعلو
ولا يعلى عليه ".
(3) البقرة: 131 - 132.
(1) أصول الكافي 2: 25، باب أن الإيمان يشرك الإسلام
والإسلام لا يشرك الإيمان.
(2) الحجرات: 14.
(3) أوائل المقالات: 15، القول في الإسلام والإيمان.
(4) أصول الكافي 2: 27، باب أن الإسلام قبل الإيمان،
الحديث الأول، وهو يتضمن جواب الإمام الصادق (عليه السلام)
لرسالة بعثها إليه عبد الرحيم القصير، يسأله عن الإيمان
ما هو؟
256

وقد استفاضت الروايات المتضمنة لهذا
التفسير، منها ما رواه سماعة، قال: " قلت لأبي عبد
الله (عليه السلام): أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما
مختلفان؟ فقال: إن الإيمان يشارك الإسلام
والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما لي،
فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق
برسول الله (صلى الله عليه وآله)، به حقنت الدماء، وعليه جرت
المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس،
والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة
الإسلام وما ظهر من العمل به، والإيمان أرفع من
الإسلام بدرجة، إن الإيمان يشارك الإسلام في
الظاهر، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن، وإن
اجتمعا في القول والصفة " (1).
وروى حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " سمعته يقول: الإيمان ما استقر في القلب
وأفضى به إلى الله عز وجل، وصدقه العمل بالطاعة
لله والتسليم لأمره، والإسلام ما ظهر من قول أو
فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها،
وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز
النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم
والحج، فخرجوا بذلك من الكفر... " (2).
وقال الصدوق: " الإسلام هو الإقرار
بالشهادتين، وهو الذي يحقن به الدماء والأموال،
ومن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقد حقن
ماله ودمه إلا بحقهما وعلى الله حسابهما، والإيمان هو
إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالجوارح وأنه
يزيد بالأعمال وينقص بتركها، وكل مؤمن مسلم،
وليس كل مسلم مؤمن... " (1).
4 - أن بعض الأعمال تتوقف صحتها - من
حيث إسقاط التكليف لا الثواب الأخروي - على
الإسلام، وبعضها الآخر على الإيمان، وهذا ما
سيتضح خلال البحث عن أحكام كل منهما، هنا وفي
عنوان " إيمان " إن شاء الله تعالى.
5 - اتضح من خلال ما تقدم: أن الإيمان قد
يطلق على الاعتقاد بالإسلام بالمعنى الثالث، وهو
إرادة مجموعة الدين الذي جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من
عقيدة وشريعة.
6 - للإيمان معنيان: عام وخاص، فالعام هو
الاعتقاد بالإسلام بمعناه المتقدم آنفا، والخاص هو
الاعتقاد بما تعتقده الإمامية، وهو مجموع ما جاء به
النبي (صلى الله عليه وآله) بما فيه الإمامة.
قال العلامة المجلسي - بعد نقل كلمات العلماء
في الفرق بين الإيمان والإسلام -: " أقول: الذي ظهر
مما حررناه أن الإيمان هو التصديق بالله وحده
وصفاته وعدله وحكمته، وبالنبوة وبكل ما علم
بالضرورة مجئ النبي (صلى الله عليه وآله) [به] مع الإقرار بذلك.

(1) أصول الكافي 2: 25، باب أن الإيمان يشرك الإسلام...
الحديث الأول.
(2) المصدر نفسه: 26، الحديث 5.
(1) الهداية: 10، باب الإسلام والإيمان.
257

وعلى هذا أكثر المسلمين، بل ادعى بعضهم إجماعهم
على ذلك، والتصديق بإمامة الأئمة الاثني عشر
(عليهم السلام)... عند الإمامية " (1).
وقال صاحب الجواهر بعد بحث طويل:
"... فتحصل حينئذ أنه قد يطلق الإسلام على ما
يرادف الإيمان، وعلى المصدق بغير الولاية، وعلى
مجرد اظهار الشهادتين، ويقابله الكفر في الثلاثة، كما
أنه قد يطلق المؤمن على الأول وعلى المصدق
بالولاية " (2).
وقال السيد الخوئي: " الإيمان في لسان
الكتاب المجيد هو الاعتقاد القلبي والعرفان والإيقان
بالتوحيد والنبوة والمعاد، ولا يكفي في تحققه مجرد
الإظهار باللسان...
وأما الإيمان في لسان الأئمة ورواياتهم فهو
أخص من الإيمان بمصطلح الكتاب، وهو ظاهر.
وأما الإسلام فيكفي في تحققه مجرد الاعتراف
وإظهار الشهادتين باللسان وإن لم يعتقدهما
قلبا... " (3).
الإسلام عقيدة ونظام:
الإسلام دين كامل يستوعب جميع حياة
الإنسان بمقتضى كونه خاتما للأديان، كما قال تعالى:
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله
وخاتم النبيين...) * (1).
وقد تضمن الإسلام بعدين رئيسيين في حياة
الإنسان، وهما: البعد الفكري والاعتقادي، والبعد
العملي والسلوكي، فملأ الفراغ في البعد الاعتقادي
بتقديم أعلى مستوى للاعتقاد البشري، اعتقاد خال
من الشرك والإلحاد، وهما نتاج الجهل البشري.
وملأ الفراغ في البعد العملي بسن شريعة
استوعبت جوانب الحياة العملية، من عبادات
ومعاملات ونظام الأسرة ونظام العقوبات، وغير
ذلك من جوانب حياة الإنسان الفردية والاجتماعية
مما ينبغي أن يفعله أو لا يفعله بما فيه من أسس
الأخلاق الحميدة.
وقد تقدم بعض الكلام عن ذلك في مقدمة
الموسوعة، وللتفصيل فيه مجال آخر.
الأحكام:
ما يتحقق به الدخول في الإسلام:
تارة نتكلم عن إسلام الكافر الأصلي (2) - أي
دخوله في الإسلام - وتارة عن إسلام المرتد. ولكل
منهما حكمه:

(1) مرآة العقول 7: 151.
(2) الجواهر 6: 59.
(3) التنقيح (الطهارة) 3: 231 - 232، وانظر: المسالك
10: 38، والجواهر 33: 197، وغيرهما في موضوع
اشتراط الإيمان في العتق كفارة.
(1) الأحزاب: 40.
(2) المقصود من الكافر الأصلي هو الذي لم يسبق كفره
إسلام، خلافا للمرتد.
258

أولا - إسلام الكافر الأصلي:
يتحقق إسلام الكافر الأصلي بالقول والفعل
والتبعية:
1 - تحقق الإسلام بالقول:
القدر المتيقن مما يتحقق به الدخول في
الإسلام هو التلفظ بالشهادتين (1)، أي قول: " أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ".
ولا حاجة عندنا - كما قيل - إلى ضم البراءة
من كل دين غير دين الإسلام، إلى ذلك، وإن كان
ضمه آكد (2).
هذا هو المعروف بين الإمامية، إلا أن السيد
الخوئي رغم تصريحه بذلك في عدة مواطن، يظهر
منه في مواطن أخرى لزوم الاعتراف بالمعاد أيضا.
قال:
" قد اعتبر في الشريعة المقدسة أمور على
وجه الموضوعية في تحقق الإسلام، بمعنى أن إنكارها
أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها
وإن لم يستحق بذلك العقاب لاستناد جهله إلى
قصوره وكونه من المستضعفين:
فمنها: الاعتراف بوجوده جلت عظمته
ووحدانيته...
ومنها: الاعتراف بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) ورسالته...
ومنها: الاعتراف بالمعاد وإن أهمله فقهاؤنا
(قدس سرهم) إلا أنا لا نرى لإهمال اعتباره وجها، كيف وقد
قرن الإيمان به بالإيمان بالله سبحانه في غير واحد
من الموارد... " (1).
ومن الموارد التي صرح فيها بكفاية
الشهادتين، قوله:
" أما الإسلام، فيكفي في تحققه مجرد
الاعتراف وإظهار الشهادتين باللسان وإن لم
يعتقدهما قلبا... " (2).
وقوله: " إن الإسلام يدور مدار الإقرار
بالشهادتين، وبذلك يحرم ماله ودمه، والروايات
الدالة على هذا متظافرة بين الفريقين... " (3).
ولعل وجه الجمع بين كلماته: أن الاعتراف
بالشهادتين والمعاد محقق للإسلام، وإظهار
الشهادتين كاشف عنه.
وعلى أي تقدير، فالمشهور ما تقدم من كفاية
الشهادتين لدخول الكافر في الإسلام، ولا يحتاج
إلى العلم باعتقاده بذلك قلبا، نعم يجب أن لا يكون
تلفظه بالشهادتين على نحو الاستهزاء أو التقليد

(1) وقال السيد الحكيم: " لعله من الضروريات التي
تساعدها السيرة والنصوص ". المستمسك 2: 122.
(2) أنظر: الجواهر 41: 630، و 33: 201، لكن قال ابن
إدريس في توبة المرتد: " أن يأتي بالشهادتين وأنه برئ
من كل دين خالف الإسلام ". السرائر 3: 525 - 526.
(1) التنقيح (الطهارة) 2: 58، وانظر 3: 234، والمعتمد
1: 10، و 3: 9.
(2) التنقيح (الطهارة) 3: 232.
(3) مصباح الفقاهة 3: 236، وانظر مباني تكملة المنهاج
1: 333.
259

ونحوهما مما يكشف قطعا عن عدم اعتقاده واقعا (1).
وسوف يأتي مزيد كلام عن ذلك في إسلام
المكره.
هل يجوز اظهار الإسلام بغير الشهادتين؟
صرح بعض الفقهاء: بأنه يتحقق الإسلام
بإظهار ما يؤدي معنى الشهادتين أيضا وإن لم يكن
بلفظهما، قال الشهيد الثاني: "... وحيث يتوقف
الإسلام على الشهادتين، لا ينحصر في اللفظ
المعهود، بل لو قال: لا إله سوى الله، أو غير الله، أو
ما عدا الله، فهو كقوله: لا إله إلا الله. وكذا قوله:
أحمد رسول الله كقوله: محمد رسول الله... " (2).
وقال كاشف الغطاء: " ويتحقق الإسلام
بقول أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله أو بما
يرادفها ولا يحتمل غير معناها، من أي لغة كانت
وبأي لفظ كان، فإذا قالها حكم بإسلامه ولا يسأل
عن صفات ثبوتية ولا عن سلبية ولا عن دلائل
التوحيد وشواهد الرسالة، ولا يتجسس عليه في أنه
معتقد أو منافق... " (3).
وقال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " كلمة الإسلام نصا وفتوى أن يقول:
" أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله "، أو
ما في معناهما " (1).
بل استقرب في القواعد إسلام الكافر الأصلي
بقوله: " أنا مؤمن " أو " مسلم " (2).
إسلام الأخرس:
تقدم في عنوان " إشارة ": أن إشارة الأخرس
تقوم مقام أقواله، ومن جملتها الشهادتان (3).
راجع: إشارة، خرس.
2 - تحقق الإسلام بالفعل:
لا إشكال في أن إتيان مثل الصلوات الخمس
والحج ونحوهما مما يختص به المسلمون يدل على
إسلام مؤديها إذا صدر ممن لم نعرف له سابقة الكفر.
وأما من كان مسبوقا به، فقد اختلفت كلمات
من تعرض من الفقهاء لذلك، في دلالتها على
الإسلام، فقد قوى الشيخ في المبسوط عدم دلالة
صلاة المرتد على إسلامه، سواء صدرت منه في دار
الحرب أو في دار الإسلام (4)، لأن الفعل لازم أعم،
ولأن الدال على الإسلام مستقلا - لا ضمن شئ
آخر - هو الشهادتان.
وتبعه في ذلك جماعة، منهم: المحقق (5)،

(1) أنظر: مجمع الفائدة 13: 340، والجواهر 33: 201،
والمستمسك 2: 122.
(2) المسالك 15: 37.
(3) كشف الغطاء: 398.
(1) الجواهر 41: 630.
(2) القواعد 2: 275، لكن ناقشه صاحب الجواهر: بأنه
أعم من إرادة الإسلام، أنظر الجواهر 41: 631.
(3) أنظر الجواهر 38: 181.
(4) المبسوط 7: 290.
(5) شرائع الإسلام 4: 185.
260

والعلامة (1)، والشهيد الأول (2)، وصاحب الجواهر (3)،
والسيد الخوئي، لكنه قيده بما إذا لم تدل قرينة على
أن صلاته من جهة التزامه بالإسلام، وإلا كان ذلك
كافيا (4).
لكن استشكل الشهيد الثاني في عدم الدلالة،
لو كان الفعل متضمنا للشهادتين وكان المطلوب من
إسلام الشخص الاعتراف بهما، لحصول المطلوب،
ثم نقل عن العلامة: أنه استشكل في عدم دلالة
الصلاة على الإسلام في دار الحرب (5).
وصرح المحقق الأردبيلي: بأنه لو لم تكن قرينة
توجب العلم بعدم اعتقاد المصلي أو استهزائه أو تقليده
للمسلم أو نحو ذلك، فيمكن أن يحكم بها بإسلامه.
وكذا إذا أذن وأقام وسمع منه الشهادتان ولم
يظهر منه استهزاء ونحوه (6).
3 - تحقق الإسلام بالتبعية:
يمكن أن يحكم بإسلام شخص لتبعيته،
والتبعية على أقسام:
أ - التبعية للوالدين:
الأولاد الصغار - غير البالغين - يتبعون
الوالدين في الإسلام، فإن أسلم الوالدان أو
أحدهما، فيحكم على أولادهم غير البالغين
بالإسلام، وتجري عليهم أحكام المسلمين.
وكأن ذلك لا خلاف فيه ولا إشكال، كما قال
في المستمسك (1).
والظاهر لا فرق عندهم بين المراهق وغيره،
نعم ذهب الشيخ في الخلاف إلى أن المراهق لا يعتبر
إسلامه بإسلام أبويه (2) وهو خلاف المشهور.
ب - التبعية لغير الوالدين:
لو سبي الطفل منفردا عن والديه، وسباه
المسلم، فهل يحكم بإسلامه تبعا للسابي، أو
لا يحكم، أو فيه تفصيل؟
تقدم الكلام عنه في عنوان " أسارى "، وذكرنا
في المسألة أقوالا أربعة: التبعية مطلقا، وعدمها مطلقا،
والتفصيل بين الطهارة فيتبع فيها الطفل السابي وبين
غيرها من الأحكام فلا يتبع، والتوقف (3).
راجع: أسارى.

(1) التحرير 2: 236.
(2) الدروس 2: 55.
(3) الجواهر 41: 624.
(4) مباني تكملة المنهاج 1: 334، المسألة 274.
(5) المسالك 15: 32، وانظر القواعد 2: 275.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 13: 317.
(1) المستمسك 2: 126.
(2) الخلاف 3: 591، المسألة 20.
(3) ذكرنا هناك: أن ظاهر كلام صاحب الجواهر في باب
الجهاد 21: 136 - 138 التوقف، لأنه علق تبعيته في
خصوص الطهارة على الإجماع إن تم، لكن عثرنا على
تصريح له بالتبعية مطلقا - كما اختاره ابن الجنيد والشيخ
والشهيد الأول - في كتاب اللقطة 38: 184.
فإن صح: أن آخر ما كتبه من الجواهر هو الجهاد
- كما يظهر من آخره - فيكون ما استقر عليه رأيه هو ما
ورد فيه.
261

ج - التبعية للدار:
دار الإسلام إجمالا هي المنطقة التي يعيش
فيها المسلمون فقط، أو يكونون هم الأغلب
فيها (1).
ودار الكفر على عكس دار الإسلام.
فإذا وجد لقيط في دار الإسلام فيحكم
بإسلامه، وإذا وجد في دار الكفر، فإن كان القاطنون
فيها هم الكفار فقط، فيحكم عليه بالكفر وتلحقه
أحكام الكافر، وإن كان فيهم مسلمون بحيث يحتمل
أن يكون اللقيط منهم، فيحكم بإسلامه وتترتب
عليه أحكامه، تغليبا لجانب الإسلام (2).
وفيه تفصيل يراجع عنوان " لقيط ".
ثانيا - إسلام المرتد:
تختلف كيفية إسلام المرتد باختلاف كيفية
ارتداده:
1 - فإن كان سبب ارتداده إنكار التوحيد
والرسالة، فيكون إسلامه كالكافر الأصلي، فيكفي
صدور الشهادتين منه، لكن أضاف ابن إدريس:
أن يقر بأنه برئ من كل دين خالف الإسلام (3).
وكلامه مطلق شامل لجميع أسباب الارتداد.
2 - وإن كان سببه إنكار الرسالة خاصة، أو
عموميتها بأن اعتقد انحصارها في العرب، أو اعتقد
أن النبي (صلى الله عليه وآله) سيظهر ولم يظهر بعد، ونحو ذلك،
فإسلامه يتحقق بالشهادتين وبزيادة تدل على
رجوعه عما اعتقده، بأن يعترف بعمومية الرسالة
أو بتحقق البعثة النبوية.
3 - وإن كان السبب إنكار بعض
الضروريات مع الاعتراف بالتوحيد والرسالة،
كإنكار المعاد ووجوب الصلاة، ونحو ذلك، فلا يكفي
مجرد الشهادتين أيضا، بل لا بد من زيادة تدل على
رجوعه عما أنكره أيضا.
نعم، صرح بعض الفقهاء: بأنه لا حاجة إلى
إعادة الشهادتين إذا كان مقرا بهما (1).
4 - ولا يكفي مجرد الصلاة ونحوها إذا كان
ارتداده بسبب لا ينافي ذلك ظاهرا، مثل إنكار
تحريم الزنا مثلا، فإنه لا مانع من اعتقاد عدم
التحريم وإتيان الصلاة (2).

(1) ذكروا تعاريف مختلفة لدار الإسلام ودار الكفر، أنظر
الجواهر 38: 185.
(2) أنظر الجواهر 38: 181 - 183.
(3) السرائر 3: 526.
(1) أنظر: كشف اللثام (الحجرية) 2: 436، والجواهر
41: 630 - 631.
(2) أنظر ما تقدم في: المبسوط 7: 287 - 288 و 290،
والشرائع 4: 185، والقواعد 2: 275، والتحرير 2:
236، والدروس 2: 53 و 55، والمسالك 15: 32،
ومجمع الفائدة والبرهان 13: 317 و 340 - وربما
يستفاد من كلامه كفاية الشهادتين مطلقا - وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 436، والجواهر 41: 630 - 631،
ومباني تكملة المنهاج 1: 333 و 334.
262

ما يتحقق به الكفر والخروج عن الإسلام:
يعبر عن الكفر بعد الإسلام والخروج عنه
ب‍ " الارتداد "، وقد تقدم تحت هذا العنوان: أن
الارتداد يتحقق بإنكار الله تعالى أو توحيده أو
الرسالة أو الرسول، أو تكذيب الرسول، أو جحد ما
علم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة، سواء كان
عنادا أو استهزاء أو اعتقادا.
ويتحقق أيضا بإهانة المصحف الكريم،
كإلقائه في القاذورات أو تمزيقه أو وطئه، أو إهانة
الكعبة كتلويثها، ونحو ذلك مما يدل على إهانة
الدين والاستهزاء به ورفع اليد عنه (1).
وقد تقدم أيضا كيفية ثبوت الارتداد وما
يترتب عليه من أحكام.
إسلام المراهق:
لا إشكال في أن إسلام غير المراهق إنما يكون
بالتبعية - كما تقدم توضيحه (2) - فلا عبرة بإسلامه
استقلالا.
وأما المراهق، فالمشهور عدم قبول إسلامه
مستقلا أيضا، بمعنى عدم ترتيب الأثر الفقهي عليه
من حيث الطهارة والنجاسة والنكاح ونحوها من
الأحكام (3). وإن كان مقبولا بينه وبين الله، ولو
أدخل الجنة فعلى وجه التفضل (1).
لكن اختار الشيخ الطوسي في الخلاف
قبول إسلامه، حيث قال: " المراهق إذا أسلم
حكم بإسلامه، فإن ارتد بعد ذلك حكم بارتداده،
وإن لم يتب قتل، ولا يعتبر إسلامه بإسلام
أبويه... " (2).
ثم نقل عن الحنفية ذلك مستدلين عليه بإسلام
الإمام علي (عليه السلام).
ووافقه في خصوص قبول إسلام المراهق
جماعة: كالمحقق الأردبيلي، والفاضل النراقي،
والسادة: اليزدي، والحكيم، والخوئي، وتردد فيه
المحقق الحلي.
قال المحقق الأردبيلي: " نعم الحكم بإسلام
المراهق غير بعيد، لعموم: " من قال لا إله إلا الله
محمد رسول الله فهو مسلم "... " (3).
وقال الفاضل النراقي - بالنسبة إلى أولاد
الكفار -: "... نعم يشكل الحكم فيما لو كانوا مميزين،
وأظهروا عن دين آبائهم التبري، وتلقوا الإسلام
وولاء أهل البيت (عليهم السلام)، والظاهر حينئذ
طهارتهم " (4).
وقال السيد اليزدي: " الأقوى قبول إسلام

(1) أنظر الجواهر 41: 600.
(2) في الصفحة 261.
(3) أنظر: الجواهر 33: 203.
(1) أنظر التذكرة (الحجرية) 2: 274.
(2) الخلاف 3: 591، المسألة 20.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 10: 410 - 411.
(4) مستند الشيعة 1: 209.
263

الصبي المميز إذا كان عن بصيرة " (1)، وبهذا المضمون
قال في حاشيته على المكاسب (2).
وقال السيد الحكيم - معلقا على كلام
اليزدي -: " والوجه فيه: عموم ما دل على معنى
الإسلام، وما يتحقق به، ولزوم ترتيب أحكامه
عليه، المنطبق على إسلام الصبي انطباقه على إسلام
البالغ " (3).
وقال السيد الخوئي - معلقا على كلام السيد
اليزدي أيضا -: " فإن الصغير قد يكون أذكى
وأفهم من الكبار، ولا ينبغي الإشكال في قبول
إسلامه والحكم بطهارته وغيرها من الأحكام
المترتبة على المسلمين، وذلك لإطلاق ما دل
على طهارة من أظهر الشهادتين واعترف
بالمعاد... " (4).
وقال المحقق الحلي: " ولو أسلم المراهق، لم
يحكم بإسلامه على تردد " (5).
ثم إن بعض القائلين بعدم قبول إسلامه - بمعنى
عدم ترتيب أحكام الإسلام عليه - قالوا بلزوم
التفرقة بين ولد الكافر إذا أسلم وبين والديه، لئلا
يفتناه فيرجع إلى الكفر (1).
هذا بالنسبة إلى إسلام المراهق، وأما بالنسبة
إلى كفره وارتداده، فلم ينقل عن أحد وافق الشيخ
فيما ادعاه من الحكم بارتداده إذا صدر منه ما
يوجبه، نعم قال السيد الخوئي: إنه يحكم بنجاسته
فقط، أما سائر الأحكام من القتل وتقسيم أمواله
والبينونة بينه وبين زوجته فلا، وذلك لحديث:
" رفع القلم " (2) الدال على عدم إلزام الصبي بشئ
من التكاليف حتى يحتلم، فلا اعتداد بفعله وقوله
قبل البلوغ، فإذا بلغ ورجع في أول بلوغه فهو، وإلا
فيحكم عليه بتلك الأحكام (3).
وأما ما أفاده الشيخ من عدم اعتبار إسلام
المراهق بالتبعية، فهو خلاف ما هو المعروف من
تبعية غير البالغ لوالديه إذا أسلما أو أسلم أحدهما،
من غير أن يفرقوا بين المراهق وغيره، كما تقدم (4).
إسلام السكران:
المعروف بين الفقهاء أنه لا عبرة بإسلام

(1) أنظر: العروة الوثقى: المطهرات، الثامن (الإسلام)،
المسألة 3، والنجاسات، الثامن (الكافر).
(2) حاشية السيد اليزدي على المكاسب: 112.
(3) المستمسك 2: 124، وانظر 1: 382.
(4) التنقيح (الطهارة) 3: 234، وانظر 2: 67.
(5) شرائع الإسلام 3: 70.
(1) أنظر: شرائع الإسلام 3: 70، والتذكرة (الحجرية)
2: 273 - 274، والقواعد 1: 195، والدروس 3:
79، وجامع المقاصد 6: 119.
(2) الوسائل 1: 45، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات،
الحديث 11.
(3) التنقيح (الطهارة) 3: 236 - 237.
(4) في الصفحة 261.
264

السكران ولا بردته (1)، لكن قال الشيخ الطوسي في
المبسوط (2) بصحة إسلامه وبتحقق الارتداد منه،
لكن رجع عنه في الخلاف (3)، ويظهر من الشهيد
الأول موافقته مع ما ذكره في المبسوط (4).
وقد تقدم الكلام عن ذلك إجمالا في عنوان
" ارتداد ".
إسلام المكره (5):
صرح كثير من الفقهاء في مواطن متعددة
بصحة إسلام المكره، لأنه من الإكراه بالحق.
قال الشيخ الطوسي: " وإن كان الإكراه
بحق، كإكراه المرتد والكافر الأصلي إذا وقع
في الأسر... فإن قال له: إن أسلمت وإلا قتلتك
فأسلم حكم بإسلامه، وكذلك المرتد، لأنه إكراه
بحق " (6).
وقال المحقق: " الكافر إذا أكره على الإسلام،
فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم بإسلامه، وإن
كان ممن لا يقر حكم به " (1).
والسر فيما قاله هو: أن من يقر على دينه
- وهم أهل الكتاب والمجوس إذا لم يقوموا بحرب مع
المسلمين - لا مورد لإكراههم على الإسلام فإنهم في
فسحة من أن يختاروا الإسلام أو يبقوا على
دينهم (2). نعم لو حاربوا المسلمين صاروا حربيين
فلا يقرون على دينهم، ولا يقبل منهم إلا الإسلام،
فيصدق الإكراه على الإسلام في حقهم، وكذا سائر
الكفار غير أهل الكتاب (3).
وقال العلامة: " والإكراه يمنع سائر
التصرفات إلا إسلام الحربي " (4).
وقال أيضا: " لو أسلم الأسير قبل الظفر به
ووقوعه في الأسر لم يجز قتله إجماعا، ولا استرقاقه
ولا مفاداته، لأنه أسلم قبل أن يقهر بالسبي،
فلا يثبت فيه التخيير. ولا فرق بين أن يسلم وهو
محصور في حصن أو مصبور أو رمى نفسه في بئر وقد
قرب الفتح وبين أن يسلم في حال أمنه... " (5).

(1) الجواهر 41: 624 - 625، وفيه: "... لم يعلم القول به
إلا من الشيخ "، وانظر: القواعد 2: 274، وإيضاح
الفوائد 4: 548، والمسالك 15: 33، ومجمع الفائدة
13: 314، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 435.
(2) المبسوط 7: 287.
(3) الخلاف 5: 504، المسألة 5.
(4) الدروس 2: 51 - 52.
(5) أطلنا الكلام في هذا الموضوع لأهميته.
(6) المبسوط 8: 73.
(1) شرائع الإسلام 4: 185.
(2) ويترتب على ذلك: ما لو أكره من يقر على دينه على
الإسلام فأسلم ثم رجع إلى دينه بعد رفع الإكراه، فإنه
لا يصدق عليه عنوان " المرتد "، لعدم تحقق الإسلام في
حقه أولا.
(3) أنظر: المسالك 15: 31، والجواهر 41: 623.
(4) القواعد 2: 60.
(5) التذكرة (الحجرية) 1: 424، ومثله قال في المنتهى
(الحجرية) 2: 928.
265

وقال الشهيد الثاني: " يستثنى من الحكم
ببطلان فعل المكره ما إذا كان الإكراه بحق، فإنه
صحيح، كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد، إذ لو لم
يصح لما كان للإكراه عليه معنى... - إلى أن قال: -
ولا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من
غموض من جهة المعنى وإن كان الحكم به ثابتا من
فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فما بعده، لأن كلمتي الشهادة نازلتان
في الإعراب عما في الضمير منزلة الإقرار،
والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب.
لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة
المسلمين والاطلاع على دينهم يوجب له التصديق
القلبي تدريجا، فيكون الإقرار اللساني سببا في
التصديق القلبي " (1).
لكن استشكل عليه بعضهم، لأنه جعل
الشهادة كالإقرار في كونها تعرب عما في الضمير،
وليس كذلك، بل هي سبب مستقل للإسلام، لا أنها
تكشف عن تحققه في الباطن، كما ستأتي الإشارة إلى
ذلك.
وممن صرح بصحة إسلام المكره، المحقق
السبزواري، فإنه قال: "... فلا يصح طلاق المكره
بلا خلاف... وكذا الحكم في سائر التصرفات التي
أكره عليها، إلا إذا كان الإكراه بحق، فإنه صحيح
كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد... " (2).
وقال الفاضل الإصفهاني - مازجا كلامه
بكلام العلامة في القواعد، الذي تقدم آنفا -:
" والإكراه يمنع من صحة سائر التصرفات من عقد
أو إيقاع أو غيرهما إلا إسلام الحربي فيعتبر في ظاهر
الشرع مع الإكراه وإلا لم يقاتلوا عليه. والسر فيه:
أن كثيرا من المكرهين عليه يتدرج إلى الإيمان
بالقلب إذا أقر عليه ويتسببون في رغبة غيرهم في
الإسلام ويتقوى بهم المؤمنون ويعظم شوكتهم
ويخاف أعداؤهم " (1).
وقال صاحب الحدائق بعد نقل كلام الشهيد
الثاني: " أقول: لا ريب أن محل الإشكال عنده هنا
إنما هو إسلام المنافقين المقرين بمجرد اللسان مع عدم
التصديق القلبي، والأخبار قد دلت على أن فائدة
هذا الإسلام إنما هو بالنسبة إلى الأمور الدنيوية من
حقن الدم والمال والطهارة وجواز المناكحة ونحو
ذلك، وأما بالنسبة إلى الآخرة، فإنهم من أهل
النار، والإكراه حينئذ إنما تعلق بإظهاره وإن كان
كاذبا بحسب الواقع، وهذا مما لا غموض فيه... " (2).
وقال كاشف الغطاء - بعد كلام في كيفية تحقق
الإسلام وقد تقدم شطره -: " وتقبل مع الجبر إن
كان ممن لا يقر على دينه، ومن المنافق على
الأقوى " (3).

(1) المسالك 9: 19.
(2) كفاية الأحكام: 198.
(1) كشف اللثام (الحجرية) 2: 119.
(2) الحدائق 25: 164.
(3) كشف الغطاء: 399.
266

وقال صاحب الجواهر: " لا إشكال في ترتب
الحكم على لفظ المكره بحق بعد أن جعله الشارع من
الأسباب، من غير فرق بين العقود والإيقاعات
وغيرها، كالإسلام الحاصل من التلفظ بالشهادتين
ولو إكراها... ".
ثم نقل قول الشهيد الثاني: بأن إسلام المكره
لا يخلو من غموض، ثم قال مجيبا عنه: " قلت: قد
يقال: إن ظاهر الأدلة الحكم بإسلام قائلهما ما لم
يعلم كذبه، فالمنافق المعلوم حاله لا إشكال في كفره،
نعم لا عبرة بالظاهر المزبور (1) إذ يمكن مقارنة
الإسلام واقعا للإكراه الظاهري، بل يمكن صيرورته
داعيا له في الواقع، وحينئذ فلا غموض، ودعوى
تنزيلهما منزلة الإقرار بالنسبة إلى ذلك ممنوعة، نعم
هي سبب شرعي في الحكم بالإسلام وحقن المال
والدم ما لم يعلم مخالفة باطن قائلها " (2).
وقال السيد اليزدي - بعد نقل كلام الشهيد
أيضا -: " قلت: يمكن أن يكون كلمتا الشهادة سببا
شرعيا في الإسلام - لا من جهة الكشف عما في
الضمير - إما مطلقا أو مع اشتراط عدم اظهار
الخلاف، أو مع اشتراط عدم العلم بالخلاف من
[طريق] الأسباب الظاهرية المتعارفة، لا مثل علم
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، فالمنافق المعلوم حاله
ونفاقه كافر لا مسلم " (1).
وما قاله السيد اليزدي دقيق جدا، فإن قلنا:
إن الشهادتين سبب شرعي للإسلام مطلقا - سواء
علمنا بأنه يستبطن الخلاف أو لا - فالمنافق مسلم
وإن علمنا باستبطانه الخلاف.
وإن قلنا: بأنهما سبب للإسلام ما دام لم يظهر
معهما اعتقاده بالخلاف، فالمنافق مسلم ما لم يظهر
خلاف الشهادتين. قال السيد الخوئي: " لم نستبعد
الكفاية حتى مع العلم بالمخالفة فيما إذا كان مظهر
الشهادتين جاريا على طبق الإسلام ولم يظهر
اعتقاده الخلاف " (2).
وإن قلنا: بأنهما سبب للإسلام بشرط عدم
علمنا بخلاف ما أظهره - كما يستفاد من كلمات بعض
من تقدم ذكرهم من الفقهاء (3) - فالمنافق إذا لم يعلم
منه الخلاف محكوم بالإسلام، نعم لو علمنا علما
قطعيا بمخالفة معتقده للشهادتين فهو محكوم بالكفر.
والمراد بالعلم - كما قال السيد اليزدي - هو

(1) مراده ب‍ " الظاهر " هو الذي ذكره الشهيد بقوله:
" والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب ".
(2) الجواهر 32: 13، وانظر 41: 623.
(1) حاشية السيد اليزدي على المكاسب: 119.
(2) التنقيح (الطهارة) 3: 233.
(3) يضاف إليهم السيد اليزدي نفسه في العروة الوثقى
والسيد الحكيم في المستمسك، فقد قال السيد في العروة:
" يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين وإن لم
يعلم موافقة قلبه للسانه، لا مع العلم بالمخالفة ". أنظر
المستمسك 2: 123 وبمتنه العروة الوثقى: المطهرات،
الثامن (الإسلام)، المسألة 2.
267

العلم العادي، الذي يحصل من تصرفات المنافق
وأقواله، لا من سبب آخر كإخبار النبي (صلى الله عليه وآله) أو
الإمام (عليه السلام).
ولا يخفى أن إسلام المنافق كما يكون عن إكراه
يكون عن طمع أيضا، لكن النتيجة واحدة من جهة
قبول إسلامه وعدمه.
ما يترتب على الدخول في الإسلام:
تترتب على الإسلام - بمعنى الدخول فيه -
آثار كثيرة، وهي بصورة عامة على قسمين:
1 - آثار الإسلام بالنسبة إلى الحالة السابقة
على الإسلام.
2 - آثاره بالنسبة إلى الحالة اللاحقة له.
أولا - الحالة السابقة على الإسلام:
1 - سقوط حقوق الله تعالى:
إذا أسلم الكافر سقطت عنه حقوق الله
تعالى، سواء كانت مالية أو غيرها، فالمالية مثل
الزكوات والكفارات ونحوها، وغير المالية مثل
الصلاة والصوم وسائر العبادات، وذلك كله
لقاعدة: " الإسلام يجب ما قبله " كما يأتي بيانها.
والتعبير بالسقوط للدلالة على أن الكفار
مكلفون بالواجبات كالمسلمين، نعم لو أسلموا سقط
عنهم قضاؤها، كما سوف نبينه أيضا إن شاء الله تعالى.
2 - عدم سقوط حقوق الناس:
لا تسقط حقوق الناس إجمالا عن الكافر
إذا أسلم، فإذا كان للناس على الكافر ديون ثم
أسلم، لم تسقط عنه، بل يجب عليه أداؤها، لعدم
شمول قاعدة " الجب " لمثل هذا المورد، كما سوف
يأتي بيانه.
راجع ما تقدم في قاعدة " الإسلام يجب ما
قبله ".
ثانيا - الحالة اللاحقة للإسلام:
إذا أسلم الكافر صار كغيره من المسلمين، له
ما لهم وعليه ما عليهم، والآثار المترتبة عليه بعد
إسلامه غير قابلة للتحديد، إلا أنا نشير إلى أهمها
إجمالا:
1 - عصمة دم الكافر وماله وولده الصغار:
إذا أسلم الكافر - سواء كان حربيا أو ذميا،
أو غيرهما، وسواء كان من أهل الكتاب أو
غيرهم - عصم دمه وماله وولده الصغار، فلا يجوز
قتله ولا أخذ ماله قهرا، ولا التعرض لأولاده
الصغار بسبي ونحوه.
نعم، إذا كان حربيا فأسلم في دار الحرب قبل
الأسر فتؤخذ منه أمواله غير المنقولة فحسب،
فتصير فيئا للمسلمين.
ولو أسلم بعد الأسر، فيدرأ عنه وعن ذراريه
الصغار القتل خاصة، ويحقن دمه ودمهم بذلك (1).

(1) أنظر: كشف الغطاء: 398، والجواهر 21: 124
و 143.
268

2 - تبعية ولده الصغار له في الإسلام:
تقدم: أن الأولاد الصغار - غير البالغين -
يتبعون الوالدين في الإسلام، فإن أسلم الوالدان أو
أحدهما، فيحكم على أولادهم غير البالغين
بالإسلام وتجري عليهم أحكام المسلمين (1).
3 - طهارة بدنه:
يطهر بدن الكافر بالإسلام من نجاسة الكفر،
إلا المرتد الفطري، فإن في طهارته بالتوبة كلاما
تقدم في عنوان " ارتداد ".
هذا بالنسبة إلى ذاته، وأما بالنسبة إلى
النجاسات العارضة عليه، كما إذا أصابت بدنه نجاسة
خارجية - كالدم والخمر ونحوهما - فأسلم، فهل
يجب تطهيره أم لا؟ (2)
فيه إشكال، يأتي بيانه في قاعدة " الإسلام
يجب ما قبله " إن شاء الله تعالى.
4 - تحديد زوجاته:
لو كان للكافر زوجات متعددة أكثر من
أربع، فأسلم، فعليه أن يختار أربعا منهن ويطلق
سراح الباقي، لما روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لغيلان
حينما أسلم: " أمسك أربعا وفارق سائرهن " (3) أو
" خذ منهن أربعا... " (4).
وقد تقدم الكلام عن ذلك في عنوان " اختيار ".
5 - وجوب الختان عليه:
الختان واجب في نفسه، بل ادعي كون
وجوبه ضروريا، ولذلك لو أسلم الكافر وهو غير
مختتن وجب عليه أن يختن نفسه ولو كان مسنا (1)،
وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: " قال أمير
المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: إذا أسلم الرجل
اختتن ولو بلغ ثمانين سنة " (2).
هل الإسلام شرط في التكليف؟
المشهور بين الفقهاء والأصوليين أن الإسلام
ليس شرطا في توجه التكليف إلى المكلفين، فلذلك
تكون خطابات التكاليف عامة تشمل الكفار أيضا.
وبناء على هذا قالوا: إن الكفار مكلفون بالفروع
مثل المسلمين، نعم لا تصح منهم لو أتوا بها،
لاشتراط الإسلام في صحة امتثال أغلب
التكاليف (3).
لكن رد بعض الفقهاء ذلك وقالوا: إن الكفار
مكلفون بالإسلام أولا، فإذا أسلموا فيكلفون
بالفروع.

(1) راجع الصفحة 261، عنوان: التبعية للوالدين.
(2) أنظر الجواهر 6: 298 - 299.
(3) عوالي اللآلي 1: 228، الحديث 122.
(4) سنن ابن ماجة 1: 628.
(1) أنظر الجواهر 31: 261 - 263.
(2) الوسائل 21: 440، الباب 55 من أبواب أحكام
الأولاد، الحديث الأول.
(3) أرسل معظم الفقهاء ذلك إرسال المسلمات، بل ادعوا
عليه الإجماع مستفيضا، أنظر: المبسوط 1: 265،
وكشف اللثام 5: 130، وغيرهما.
269

ذهب إلى هذا الرأي المحدث الكاشاني (1)،
والمحدث البحراني (2) - ونسبه إلى المحدث
الاسترآبادي - والسيد الخوئي (3).
هذا وقيد السيد الخوئي محل الخلاف
بالأحكام المختصة بالإسلام، أما المستقلات العقلية
التي تشترك فيها جميع الشرائع كحرمة القتل وقبح
الظلم وأكل مال الناس عدوانا، فلا إشكال في
تكليفهم بها (4).
ومما استدل به المشهور:
1 - ورود الخطابات العامة، مثل قوله تعالى:
* (ولله على الناس حج البيت...) * (5)، و * (يا أيها
الناس اعبدوا ربكم...) * (6)، فهذه الخطابات عامة
تشمل المسلمين والكفار.
2 - وورود آيات من قبيل قوله تعالى:
* (وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة...) * (7).
ولكن أجيب عن ذلك:
1 - بأن كثيرا من آيات التشريع مصدرة
ب‍ * (يا أيها الذين آمنوا...) * فتكون هذه الآيات
قرينة على أن المراد من * (يا أيها الناس) * هم
المؤمنون.
2 - وأن المراد من الشرك في الآية هو الشرك
في الأعمال، فقوله تعالى: * (ويل للمشركين) * أي
الذين أقروا بالإسلام وأشركوا بالأعمال، كما قال
تعالى: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون) * (1).
وأورد القمي في تفسيره ذيل الآية المتقدمة
عن أبان بن تغلب، قال: " قال لي أبو عبد الله
(عليه السلام): يا أبان أترى أن الله عز وجل طلب من
المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به؟ - إلى أن
قال: - يا أبان إنما دعا الله العباد إلى الإيمان به، فإذا
آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض " (2).
قال المحدث الكاشاني بعد أن أورد هذا
الحديث عن تفسير القمي: " أقول: هذا الحديث
يدل على ما هو التحقيق عندي: من أن الكفار غير
مكلفين بالأحكام الشرعية ما داموا باقين على
الكفر " (3).
واستدل صاحب الحدائق (4) والسيد الخوئي (5)
- إضافة إلى ما تقدم - بما رواه زرارة عن الإمام

(1) تفسير الصافي 4: 353.
(2) الحدائق 3: 39 - 41.
(3) مستند العروة الوثقى (الزكاة) 1: 124.
(4) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 5 / القسم الأول: 111
- 112.
(5) آل عمران: 97.
(6) البقرة: 21.
(7) فصلت: 6 - 7.
(1) يوسف: 106.
(2) تفسير القمي 2: 233.
(3) تفسير الصافي 4: 353.
(4) الحدائق 3: 39.
(5) مستند العروة الوثقى (الزكاة) 1: 126.
270

الباقر (عليه السلام) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني
عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟
فقال: إن الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى الناس
أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه،
فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه،
فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن
بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما
فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله
ورسوله، ويعرف حقهما؟... " (1).
ما يشترط في صحته الإسلام:
يعتبر الإسلام شرطا في صحة أمور كثيرة،
نشير فيما يلي إلى أهمها:
الأول - العبادات:
والمقصود منها الأعمال التي تحتاج في صحتها
وامتثالها إلى قصد القربة، كالطهارات الثلاث
- الوضوء والغسل والتيمم - والصلاة والصوم
والزكاة والحج والأذان ونحوها (2). فهذه لا تصح من
الكافر وإن وجبت عليه، كما سيتضح (1).
الثاني - النكاح:
تشترط في صحة النكاح الكفاءة في الدين،
بمعنى تساوي الزوجين فيه، فلا يصح زواج المسلمة
بالكافر مطلقا سواء كان من أهل الكتاب أو لا،
وسواء كان الزواج دائما أو منقطعا، كما لا يصح
زواج المسلم بغير الكتابية مطلقا، سواء كان دائما أو
منقطعا، أما زواجه بالكتابية ففيه أقوال ذكرناها في
عنوان " أسباب التحريم / الثاني عشر: الكفر " (2).
الثالث - الأولياء:
من مسلمات الفقه: أنه إذا كان المولى عليه
مسلما، فيجب أن يكون الولي مسلما أيضا، لأنه
لا ولاية لغير المسلم على المسلم (3)، والأولياء - كما
قال الشيخ الطوسي - هم: الأب والجد، ووصي
الأب أو الجد، والإمام، أو من يأمره الإمام (4).
الرابع - الوصاية:
يشترط الإسلام في الوصي من قبل المسلم،

(1) أصول الكافي 1: 180، باب معرفة الإمام والرد عليه،
الحديث 3.
(2) مثل اشتراط الإسلام في غاسل الميت، لأن الغسل
عبادة، فلا يجوز لغير المسلم تغسيل المسلم إلا مع فقد
المماثل من حيث الذكورية والأنوثية وفقد المحارم
أو الزوج أو الزوجة ومن بحكمهما، فإنه حينئذ يجوز
للكتابي تغسيل المسلم وللكتابية تغسيل المسلمة. أنظر
المستمسك 4: 92 و 97.
(1) أنظر: الجواهر 17: 161، والمستمسك 7: 58،
ومستند العروة (الصوم) 2: 375، والمعتمد في شرح
المناسك 3: 115.
(2) أنظر الجواهر 30: 92.
(3) أنظر: الجواهر 29: 206، والمستمسك 14: 480،
ومستند العروة الوثقى (النكاح) 2: 308، وكلامهم وإن
كان في مورد الولاية على البنت في النكاح، إلا أن التعليل
وفحوى كلامهم عامان.
(4) المبسوط 2: 200.
271

لأن الوصاية نوع ولاية، وقد تقدم اشتراط الإسلام
فيها لو كانت على مسلم (1).
الخامس - النيابة في العبادات:
تقدم أن العبادات يشترط في صحتها
الإسلام، وكذا يشترط في النيابة فيها، فينبغي
أن يكون النائب والمنوب عنه مسلمين (2) وإن
كان لبعضهم كلام في توجيه صحة النيابة عن
الكافر، كأن يأتي المسلم بالحج نيابة عن أبيه
الكافر (3).
السادس - الأخذ بحق الشفعة (4):
ليس للكافر حق الشفعة على المسلم، نعم له
حق الشفعة على مثله - أي الكافر - فلو اشترك
مسلم وكافر في دار أو أرض ونحوهما، فباع المسلم
حصته لمسلم، فليس للكافر حق الشفعة، نعم لو
باعها لكافر، فللكافر الشريك حق الشفعة (5).
السابع - الإحياء:
اشترط بعض الفقهاء الإسلام في صحة التملك
بالإحياء، لكن نفاه بعض آخر.
هذا في أرض الإسلام، وأما في أرض الكفر
فالسيرة قائمة على معاملة الكفار معاملة الملاك فيما
يحيونه (1).
راجع: إحياء.
الثامن - أخذ اللقيط (2):
اشترط المشهور في الملتقط للقيط المسلم ومن
بحكمه أن يكون مسلما، لأنه لا سبيل لغير المسلم
على المسلم (3).
التاسع - العتق كفارة:
يشترط في من يعتق كفارة أن يكون مسلما،
لقوله تعالى: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * (4) والآية وإن
كانت في كفارة القتل، إلا أنهم جعلوا الحكم في غيره
كذلك أيضا، للاحتياط والإجماع المنقول وبعض
النصوص (5).
العاشر - إطعام المساكين من الكفارة:
يشترط في من يطعمون من الكفارات أن
يكونوا مسلمين (6).

(1) أنظر الجواهر 28: 392 و 405.
(2) أنظر الجواهر 17: 356 - 357، والكلام وإن كان في
الحج، لكن التعليل والملاك عامان.
(3) أنظر: المستمسك 11: 7 و 11، ومستند العروة
(الحج) 2: 21 - 22.
(4) حق الشفعة: أن يكون شريكان في أرض ونحوها، فيبيع
أحدهما نصيبه لثالث، فللشريك الآخر حق فسخ ذلك
البيع ليشتري الحصة المباعة ويضمها إلى حصته.
(5) أنظر الجواهر 37: 270 و 293.
(1) أنظر الجواهر 38: 11 - 15.
(2) وهو الصبي الضائع الذي لا كافل له، الجواهر 38:
147.
(3) أنظر الجواهر 38: 161.
(4) النساء: 92.
(5) أنظر الجواهر 33: 195 - 197.
(6) أنظر الجواهر 33: 269 - 270.
272

الحادي عشر - التذكية:
يشترط في صحة الذبح والنحر أن يكون
الذابح أو الناحر مسلما، وكذا في الصيد (1).
الثاني عشر - النذر:
اشترط المشهور إسلام الناذر في صحة النذر،
نعم نقل عن صاحب المدارك وصاحب الكفاية
التأمل فيه (2).
الثالث عشر - القضاء:
يشترط في صحة القضاء ونفوذه إسلام
القاضي، فلا يصح ولا ينفذ قضاء غير المسلم وإن
كان بحق (3).
الرابع عشر - الشهادة:
يشترط في الشاهد أن يكون مسلما،
فلا تقبل شهادة الكافر إلا الذمي فتصح شهادته في
الوصية إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد
بها (4).
الخامس عشر - القذف:
يشترط في المقذوف الذي يستحق المطالبة
بحد القذف أن يكون مسلما، فلذلك لا يحد قاذف
الكافر، بل يعزر (5).
السادس عشر - القصاص:
يشترط في جواز الاقتصاص - في النفس أو
الأطراف - التساوي في الدين، فلا يقتل المسلم
قصاصا لو قتل الكافر، إلا إذا اعتاد قتل الذمي
فيقتل حينئذ (1).
كان ذلك أهم الموارد التي اعتبر فيها
الإسلام، وبقيت موارد أخرى غير متفق عليها،
مثل: بيع المصحف والعبد المسلم حيث اشترط
المشهور كون المشتري مسلما (2)، ونحوهما.
وينبغي التنبيه على أن بعض الموارد المتقدمة
يشترط فيها الإيمان بالمعنى الأخص إضافة
إلى الإسلام. وللتفصيل يراجع كل عنوان في
موضعه.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - البحث عن نجاسة الكافر.
ب - البحث عن مطهرية الإسلام.
2 - كتاب الصلاة والصوم والزكاة والحج:
أ - البحث عن اشتراط صحة هذه الأمور
بالإسلام.

(1) أنظر الجواهر 36: 26 و 79.
(2) أنظر الجواهر 35: 357.
(3) أنظر الجواهر 40: 12.
(4) أنظر: الجواهر 41: 16 - 19، ومباني تكملة المنهاج
1: 81.
(5) أنظر: الجواهر 41: 417، ومباني تكملة المنهاج 1: 256.
(1) أنظر: الجواهر 42: 150 و 343، ومباني تكملة
المنهاج 2: 61 و 149.
(2) أنظر: الجواهر 22: 334 - 338، والمكاسب 3:
581 و 601.
273

ب - البحث عن عدم قضائها على الكافر
إذا أسلم، ويلحق بذلك البحث في
اشتراط صحة الاعتكاف وزكاة الفطرة
بالإسلام.
3 - كتاب الجهاد: البحث عن الأسارى
وأهل الذمة.
4 - كتاب النكاح:
أ - البحث عن التكافؤ في الدين بين
الزوجين.
ب - اختيار من أسلم وله أكثر من أربع
زوجات، أربعا منهن وإطلاق سراح
الباقي.
5 - والموارد التي ذكرنا أن الإسلام شرط
فيها.
ويراجع مظان البحث في " ارتداد " أيضا.
قاعدة " الإسلام يجب ما قبله "
أو
قاعدة " الجب "
معنى القاعدة:
قاعدة " الجب " قاعدة فقهية، ولفظها:
" الإسلام يجب ما قبله ".
والجب لغة هو القطع والمحو، قال ابن الأثير في
مادة " جبب ": " ومنه الحديث: " إن الإسلام يجب
ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها "، أي يقطعان
ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي
والذنوب " (1).
دليل القاعدة:
استدل على القاعدة بالكتاب والسنة:
أولا - الكتاب:
استدل جملة من الفقهاء على موارد قاعدة
" الجب " بقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا
يغفر لهم ما قد سلف) * (2).
فإن انتهاء الكفار إنما يكون بإسلامهم، فإذا
أسلموا غفر لهم ما قد سلف وتقدم حال الكفر من
ذنوب.
وممن استدل بها: الفاضل مقداد
السيوري (3)، والشهيد الثاني (4) والمحقق الأردبيلي (5)
وصاحب الجواهر (6) وغيرهم (7)، حيث استدلوا أو
أيدوا استدلالهم بها على سقوط قضاء الصلاة

(1) النهاية (لابن الأثير): " جبب ".
(2) الأنفال: 38.
(3) كنز العرفان 1: 166.
(4) روض الجنان: 362.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 3: 206.
(6) الجواهر 15: 62 و 17: 10.
(7) أنظر القواعد الفقهية (للشيخ ناصر مكارم الشيرازي)
2: 171.
274

والصوم والزكاة ونحوها عن الكافر الأصلي إذا
أسلم.
ثانيا - السنة:
استدلوا على قاعدة " الجب " ببعض ما ورد
في السنة، مثل:
أ - ما أرسلوه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو قوله (صلى الله عليه وآله):
" الإسلام يجب ما قبله "، ويطلق عليه: " حديث
الجب ".
ب - ما ورد: من " أن الإسلام يهدم ما كان
قبله "، وقد يعبر عنه ب‍: " حديث الهدم ".
ودلالتهما على المطلوب إجمالا واضحة، لكن
يقع الكلام في جهتين: سند الحديثين وفي مقدار
دلالتهما:
الجهة الأولى - سند الحديثين:
أما " حديث الجب " فقد ورد من طرقنا في
تفسير علي بن إبراهيم القمي في موردين:
1 - ما أورده ذيل قوله تعالى: * (ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها...) * (1)، فقد
جاء فيه: "... وقد يكون الرجل بين المشركين
واليهود والنصارى يقتل رجلا من المسلمين على أنه
مسلم، فإذا دخل في الإسلام محاه الله عنه، لقول
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الإسلام يجب ما كان قبله "، أي
يمحو، لأن أعظم الذنوب عند الله الشرك بالله، فإذا
قبلت توبته في الشرك قبلت فيما سواه... " (1).
2 - ما أورده ذيل قوله تعالى: * (لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (2)، حيث قال
- ما خلاصته -: إن القائل هو عبد الله بن أبي أمية
أخو أم سلمة (رض) حيث جاء يعرض إسلامه
على النبي (صلى الله عليه وآله) عام الفتح، فأعرض عنه، فاستشفع
بأخته أم سلمة عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله):
" يا أم سلمة إن أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد
من الناس، هو الذي قال لي: * (لن نؤمن لك حتى
تفجر لنا من الأرض ينبوعا...) *، قالت أم سلمة:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألم تقل: إن الإسلام
يجب ما كان قبله؟ قال: نعم، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إسلامه... " (3).
هذا من طرقنا، وأما من طرق العامة، فقد
أورده عديد من محدثيهم عن عمرو بن العاص
وغيره في كيفية إسلامهم، منها ما أخرجه أحمد في
مسنده في كيفية إسلام عمرو بن العاص، حيث جاء

(1) النساء: 93.
(1) تفسير القمي 1: 155، ونقل عنه في المستدرك 11:
365، الباب 47 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7،
و 18: 220، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس،
الحديث 3.
(2) الإسراء: 90.
(3) تفسير القمي 1: 416 - 417، ونقل عنه في المستدرك
7: 448، الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان،
الحديث 3.
275

في نهايته: "... ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني
أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما
تأخر، قال: فقال رسول الله: يا عمرو بايع، فإن
الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان
قبلها. قال: فبايعته ثم انصرفت " (1).
وأما الحديث الثاني، وهو حديث " هدم
الإسلام ما كان قبله "، فقد ورد من طريقنا في كتاب
البحار - نقلا عن مناقب ابن شهرآشوب - وجاء
فيه: " إن رجلا جاء إلى عمر، فقال: إني طلقت
امرأتي في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين، فما
ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟
قال: كما أنت حتى يجئ علي بن أبي طالب، فجاء
علي (عليه السلام)، فقال: قص عليه قصتك، فقص عليه
القصة، فقال (عليه السلام): هدم الإسلام ما كان قبله، هي
عندك على واحدة " (2).
وأما من طرق العامة، فقد أورد مسلم - في
صحيحه - قضية إسلام عمرو بن العاص، وجاء
فيها: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله،
وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما
كان قبله " (1).
هذا ولكن لا اعتبار بالروايتين من حيث
السند، أما المذكور من طرقنا، فلإرساله، وأما
المذكور عن طرق العامة، فلعدم حجيته إجمالا
عندنا.
ومع ذلك فقد ذكر الفقهاء رواية الجب من
زمن الشيخ الطوسي (2) حتى يومنا هذا، وأسنده
كثير منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (3)، وصرح بعضهم: بأنها
متلقاة بالقبول، كالمحقق الأردبيلي، والسيد المراغي،
قال الأول - عند استدلاله على سقوط القضاء عن
الكافر -: "... ولخبر " الإسلام يجب ما قبله " المقبول
بين العامة والخاصة... " (4). وقال الثاني - عند
الاستدلال على القاعدة نفسها -: " والأصل في ذلك
الخبر المعروف المشهور المتلقى بالقبول، المروي عند
العامة والخاصة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو قوله: " الإسلام

(1) مسند أحمد بن حنبل 4: 244، مسند الشاميين، حديث
عمرو بن العاص، الحديث 17793، وانظر هذه القضية
وما شابهها في المصادر التالية:
السنن الكبرى 9: 123، باب ترك أخذ المشركين بما
أصابوا، ومجمع الزوائد 1: 31، باب الإسلام يجب ما
قبله، و 9: 351، باب ما جاء في عمرو بن العاص،
الحديث 243، وذكر في المستمسك 7: 51 عدة مصادر
أخرى فلتراجع أيضا.
(2) البحار 40: 230، تأريخ أمير المؤمنين (عليه السلام)، باب
قضاياه، ذيل الحديث 9، ومناقب آل أبي طالب (لابن
شهرآشوب) 2: 364.
(1) صحيح مسلم 1: 112، كتاب الإيمان، باب كون
الإسلام يهدم ما قبله، الحديث الأول.
(2) أنظر الخلاف 5: 469 و 548.
(3) أنظر المصدر المتقدم، والمعتبر: 235، وغيرهما من
المصادر حتى يومنا هذا.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 3: 206.
276

يجب ما قبله " " (1).
لكن خالف السيد الخوئي المشهور، وناقشهم
من جهات، فقال ما مضمونه:
1 - أما الآية، فلأن الموصول في قوله:
* (ما قد سلف) * (2) هو ذنب الكفر، لا ذنب ترك
الفروع كالصلاة ونحوها.
2 - أما " حديث الهدم " المروي في البحار،
فلعدم اشتهار الاستدلال به بين القدماء، كالشيخ
الطوسي ومن تقدمه، والشهرة المعتبرة إنما هي شهرة
القدماء.
3 - وعلى فرض حصول الشهرة، فهي غير
جابرة لضعف السند.
4 - وأما " حديث الجب " المروي على لسان
أم سلمة (رض) - مضافا إلى ضعف سنده
بالإرسال - فهو مقطوع البطلان، لأنه (صلى الله عليه وآله) أجل
شأنا، من أن لا يعمل بما قاله، أو يعرض له النسيان
فتذكره أم سلمة (رض) (3).
الجهة الثانية - مقدار ما يدل عليه الحديثان:
اضطربت كلمات الفقهاء في مقدار ما يدل
عليه الحديثان الشريفان (4)، كما سيتضح.
وسوف نعبر فيما يأتي عن مجموع مدلول الآية
والروايتين ب‍ " القاعدة ".
مقدار دلالة القاعدة:
هناك موارد يظهر من الفقهاء أن القاعدة تدل
عليها قطعا، وموارد لا تدل عليها قطعا، وموارد
مشكوكة ومختلف فيها، أو لم يتطرق لها الفقهاء.
أولا - الموارد التي تشملها القاعدة قطعا:
الموارد التي تشملها القاعدة قطعا حسب ما
يظهر من كلمات الفقهاء، هي:
1 - غفران الذنوب ونفي العقوبة:
لا إشكال في أن الكافر إذا أسلم لا يعاقب
على ما ارتكبه حال كفره من الذنوب والقبائح، مثل
الزنا واللواط والقذف وشرب الخمر والسرقة - من
حيث كونها ذنبا لا سببا للضمان - والتهمة والغيبة
والكذب والسب ونحوها مما لا يترتب عليها سوى
العقوبة، بل القدر المتيقن من الآية ورواية " الجب "
هو غفران ذنوب الكافر بعد إسلامه وعدم مؤاخذته

(1) العناوين 2: 494، العنوان 67.
(2) الأنفال: 38.
(3) مستند العروة (الصلاة) 5 / القسم الأول: 112.
(4) يرى بعض الفقهاء - منهم السيد الخوئي في مستند العروة
(الزكاة) 1: 136 -: أن الحديث على فرض صدوره
يدل على أن كل حكم اختص به الإسلام فهو مجبوب
عن الكافر إذا أسلم، مثل الصلاة واشتراط الحول في
الزكاة ونحوهما، أما الأحكام المشتركة بين جميع الأديان
فضلا عن الأحكام التي تعم المتدينين ومن لم يلتزم بدين
مما جرت عليه سيرة العقلاء، كالعقود والإيقاعات
والديون والضمانات وما شاكلها، فالحديث لا يشملها.
277

بما اقترفه حال كفره من الذنوب (1).
هذا بالنسبة إلى العقوبة الأخروية، وأما
الدنيوية، فالظاهر من كلمات بعضهم شمول القاعدة
لها وسقوطها أيضا، وذلك:
1 - لقيام السيرة على عدم إجراء الحدود على
الذين أسلموا مع اقترافهم لموجباتها غالبا وخاصة
مشركي العرب.
2 - لما رواه المشايخ الثلاثة عن جعفر بن رزق
الله، قال: " قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر
بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم،
فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله،
وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم:
يفعل به كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي
الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك، فلما قدم
الكتاب، كتب أبو الحسن (عليه السلام): يضرب حتى يموت،
فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك،
وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنه شئ لم
ينطق به كتاب، ولم تجئ به السنة، فكتب: إن فقهاء
المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا: لم تجئ به سنة ولم
ينطق به كتاب، فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب
حتى يموت؟
فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم
* (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا
به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا
سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك
الكافرون) * (1).
قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات " (2).
قال الشيخ الأنصاري بعد نقل الرواية: " فإن
ظاهر جواب الإمام (عليه السلام) بالآية تقريره (عليه السلام) لما
فهمه القاضي - يحيى بن أكثم - من اقتضاء عموم
حديث الجب لدفع الحد عنه وهدم ما كان حال
الكفر بالإسلام، إلا أنه (عليه السلام) أجاب بما أجاب،
وحاصله: عدم نفع الإيمان عند إرادة إقامة الحد
عليه " (3).
والذي يستفاد من الرواية وكلام الشيخ: أنه
لو كان آمن قبل إرادة إقامة الحد عليه كان ينفعه
إيمانه ويجب عنه عقوبة الزنا.
ويشهد لذلك ما قاله صاحب الجواهر - بعد
أن نقل الفتوى طبقا للرواية عن جماعة من
الفقهاء -: "... إن ظاهر الخبر المزبور عدم سقوط

(1) أنظر الذخيرة: 388، والقواعد الفقهية (للشيخ ناصر
مكارم الشيرازي): 178.
(1) غافر (المؤمن): 84 - 85.
(2) أنظر: الكافي 7: 238، باب ما يجب على أهل الذمة
من الحدود، الحديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 4: 36،
باب حد المماليك في الزنا، الحديث 5027، والتهذيب
10: 38، باب حدود الزنا، الحديث 135، ورواه عنهم
في الوسائل 28: 141، الباب 36 من أبواب حد الزنا،
الحديث 2.
(3) كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري) 2: 577.
278

القتل عنه بالإسلام عند إرادة إقامة الحد عليه كما هو
مقتضى الاستدلال بالآية الكريمة... أما إذا لم يكن
كذلك بأن أسلم بعد أن كان ممتنعا عن ذلك على وجه
يظهر كونه حقيقة، فقد يقال بسقوط الحد عنه، كما
احتمله في كشف اللثام، لأن الإسلام يجب ما
قبله... " (1).
لكن خالف السيد الخوئي في ذلك واستنتج
عكسه من الرواية، فإنه أيد عدم ورود حديث
الجب عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) بالرواية المتقدمة،
فقال بعد أن ذكرها: " فإنها صريحة في عدم اعتناء
الإمام (عليه السلام) بمضمون حديث الجب وإنما هو أمر
معروف عند العامة ومروي من طرقهم، ولذا أنكروا
عليه (عليه السلام) حكمه... " (2).
هذا إذا زنى ذمي بمسلمة وأما إذا زنى بذمية
ثم أسلم فهل يحتمل إجراء حد الزنا عليه؟
وكذا سائر أقسام الكفار.
2 - نفي قضاء العبادات البدنية:
يسقط عن الكافر بإسلامه قضاء ما فاته من
العبادات البدنية، والمقصود بها هنا الصلاة والصوم،
فلو أسلم الكافر لم يجب عليه قضاء ما فاته حال
كفره من الصلاة والصوم (1).
وأما الحج، فإن استطاع الكافر حال كفره
وبقيت استطاعته إلى زمان إسلامه - بمعنى أنه أسلم
وهو مستطيع - فيجب عليه الحج، لاجتماع شرائط
الوجوب والصحة، وهي كونه مستطيعا مسلما.
وإن استطاع، ثم زالت استطاعته، ثم أسلم،
فقد استشكل في سقوط الحج عنه بعض الفقهاء، مثل
صاحب المدارك (2)، والمحقق السبزواري (3)،

(1) الجواهر 41: 314.
(2) مستند العروة الوثقى (الزكاة) 1: 135. أقول:
لا صراحة للرواية فيما قاله (قدس سره) وإنما المستفاد منها بقرينة
استشهاد الإمام (عليه السلام) بالآية هو ما قاله صاحب الجواهر
والشيخ الأنصاري (قدس سرهما).
(1) أنظر: المبسوط 1: 126 و 286، والسرائر 1: 379
- 380، والمعتبر: 235 و 313، والمنتهى (الحجرية)
1: 420 و 2: 601، والذكرى 2: 425، وجامع
المقاصد 1: 270، وروض الجنان: 362، ومجمع الفائدة
3: 203، والمدارك 4: 289، و 6: 201، والذخيرة:
388، و 526، والحدائق 11: 2 - 3 و 13: 165 -
166 و 293 - 294 - فقد استدل على عدم القضاء
بحديث الجب مع أنه لم يلتزم بتكليف الكفار بالفروع -
والجواهر 13: 6 و 17: 10، وكتاب الصوم (للشيخ
الأنصاري): 314، والعناوين 2: 496، والمستمسك
7: 50، و 8: 483، وقال بعض الفقهاء بسقوط القضاء
لكن لا من جهة القاعدة، بل من جهات أخرى كالإجماع
أو القول بعدم تكليف الكفار بالفروع ونحو ذلك،
كالفاضل النراقي والسيد الخوئي، أنظر: مستند الشيعة
7: 269، و 10: 345، ومستند العروة الوثقى
(الصلاة) 5 / القسم الأول: 109.
(2) المدارك 7: 69.
(3) الذخيرة: 563.
279

والفاضل النراقي (1).
3 - سقوط قضاء العبادات المالية:
المعروف بين الفقهاء سقوط قضاء الزكاة
ونحوها من العبادات المالية عن الكافر إذا أسلم، بل
ادعى صاحب الجواهر القطع بالسقوط، للسيرة،
حيث قال: "... بل يمكن القطع به بملاحظة معلومية
عدم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لأحد ممن تجدد إسلامه من أهل
البادية وغيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل
ربما كان ذلك منفرا لهم عن الإسلام، كما أنه لو كان
شئ منه لذاع وشاع، كيف والشائع عند الخواص
فضلا عن العوام خلافه " (2).
لكن توقف صاحب المدارك (3) في السقوط
وتبعه بعضهم كالمحقق السبزواري (4)، والفاضل
النراقي (5).
ثانيا - الموارد التي لا تشملها القاعدة قطعا:
1 - حقوق الناس:
والمراد منها حقوق الناس المعترف بها في
جميع الأديان والأعراف، كالديون وضمان
المغصوبات والمتلفات ونحوها، فإن من كان مديونا
لشخص آخر أو أتلف ماله ثم أسلم وجب إفراغ
ذمته من ذلك كله (1)، إلا إذا كان الدائن أو المتلف
منه كافرا حربيا مهدور الدم والمال، فلا يجب.
2 - الحدث:
المعروف بين الفقهاء هو: أن الحدث لا يرتفع
بالإسلام، ولذلك يجب على الكافر أن يغتسل
من الجنابة إذا أسلم. قال صاحب الجواهر:
"... فلا ينبغي الإشكال حينئذ في وجوبه عليه بعد
الإسلام وعدم صحة الصلاة بدونه، وإن سلمنا عدم
وجوبه عليه حال الكفر، فيكون من قبيل وطء
الصبي والمجنون (2) ونحوهما، ولعله لما سمعته لم أجد
خلافا فيما نحن فيه، بل يظهر من بعضهم دعوى
الإجماع عليه... " (3).

(1) مستند الشيعة 11: 86.
(2) الجواهر 15: 62، وانظر العناوين 2: 496.
(3) المدارك 5: 42.
(4) الذخيرة: 426.
(5) مستند الشيعة 9: 59.
(1) وكأن هذا مفروغ منه في كلام الفقهاء، أنظر العناوين
2: 497، والقواعد الفقهية (للشيخ ناصر مكارم
الشيرازي) 2: 183.
(2) فإذا وطي الصبي امرأة مثلا في فرجها لم يجب عليه
الغسل في ذلك الوقت، لعدم كونه مكلفا، نعم لو بلغ سن
التكليف أمر بالغسل، لأن حدث الجنابة باق.
(3) الجواهر 3: 39، وانظر: المنتهى 2: 189 - 190،
والقواعد 1: 13، والتذكرة 1: 247، والذكرى 1:
225، وجامع المقاصد 1: 270، والمسالك 1: 50 -
51، والمدارك 1: 277، وكشف اللثام 2: 42، ومستند
الشيعة 2: 282، ومفتاح الكرامة 1: 328، والطهارة
(للشيخ الأنصاري) 2: 575، ومصباح الفقيه 1: 227
- 229.
280

الوضوء كالغسل، فيجب على الكافر إذا
أسلم أن يتوضأ لأول صلاة يصليها، لصدور الحدث
منه حال كفره قطعا (1).
وعلل بعض الفقهاء عدم شمول القاعدة:
بأنها إنما ترفع آثار الخطابات التكليفية لا الوضعية
التي تكون آثارها باقية بعد الإسلام أيضا، فإذا
حصلت الجنابة للكافر يكون عنوان الجنابة باقيا إلى
أن يرتفع بالغسل الصحيح، وهو لا يحصل إلا
بعد الإسلام، فإذا أسلم الكافر كان عنوان " الجنب "
منطبقا عليه فيتوجه إليه التكليف بالغسل (2).
ثالثا - الموارد المشكوكة والمختلف فيها:
الموارد التي وقع البحث في شمول القاعدة لها
كثيرة نشير إلى أهمها إجمالا:
1 - النذر:
لو نذر الكافر حال كفره لله، وكان نذره
صحيحا عنده، فهل يجب عليه أن يفي به إذا أسلم،
أم لا؟
وقد تقدم في البحث عما يشترط في صحته
الإسلام في عنوان " إسلام ": أن المشهور بين الفقهاء
هو اشتراط إسلام الناذر، نعم نقل عن صاحب
المدارك والذخيرة التأمل فيه (3).
2 - أسباب التحريم:
لو وطي الكافر امرأة حال الكفر ثم فارقها،
فهل يجوز أن ينكح بنتها بعد إسلامه؟
ولو ارتضع مع أنثى في حال الكفر، فهل يجوز
أن يتزوجها بعد إسلامه؟
ولو زنى بذات بعل حال الكفر، فهل يجوز أن
يتزوجها بعد إسلامه؟
ولو لاط بغلام فأوقبه في الكفر، فهل يجوز أن
يتزوج بأخته بعد إسلامه؟
وأمثال هذه الموارد.
فإن قلنا بشمول القاعدة لهذه الموارد
فيجوز النكاح فيها، وإن قلنا بعدم الشمول
فلا يجوز.
ومعنى شمول القاعدة لها هو: أن هذه
الأسباب إنما تؤثر في التحريم إذا وقعت حال
الإسلام وأما إذا وقعت حال الكفر فلا تؤثر في
ذلك.
ولعل الترجيح للقول بعدم الشمول، بناء على
النكتة التي ذكرناها عن بعض الفقهاء في عدم شمول
القاعدة للحدث، وهي: أن العنوان الحاصل حال
الكفر لما كان باقيا بعد الإسلام أيضا فيترتب عليه
الحكم، فإنه يصدق بعد إسلام الكافر في الفروض
المتقدمة العنوان الموجب للتحريم، مثل كون المرأة
بنت الموطوءة، أو رضيعة، أو مزنيا بها وهي ذات
بعل، أو كون الرجل لائطا بأخ المرأة، ونحو ذلك،
فتشمله أدلة التحريم.

(1) صرح بذلك عديد من الفقهاء، أنظر المصادر المتقدمة.
(2) أنظر: الجواهر 3: 40، وكتاب الطهارة (للشيخ
الأنصاري) 2: 576 - 577.
(3) أنظر الجواهر 35: 357.
281

لكن لم يستبعد صاحب العناوين جريان
القاعدة في هذه الموارد وأمثالها بعد أن استشكل
فيها (1).
3 - أسباب الملك:
مثل الحيازة والإحياء والإرث والعقود
المملكة، كالبيع والوقف والوصية والصدقة ونحوها.
فلو تملك الكافر شيئا بأحد الأسباب المتقدمة ثم
أسلم، فهل تشمله القاعدة أو لا؟
إن كان المراد من شمول القاعدة لهذه الموارد
هو الالتزام ببطلان هذه الأسباب وعدم تأثيرها
حال الكفر، وتأثيرها حال الإسلام فقط،
فالترجيح للقول بعدم الشمول، لأنه لم يعهد من
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أبطل ملكية أحد بعد إسلامه لما ملكه
حال كفره بأحد الأسباب المتقدمة.
وإن كان المراد: أن الإسلام لا ينظر إلى كيفية
تملك الكافر، فإذا أسلم يقره على ملكيته للأشياء من
دون التفات إلى كيفية تملكه لها، فالترجيح للقول
بالشمول، للسبب المتقدم، ولأن الآية والحديثين
واردان مورد الامتنان على العباد، والقول بترتيب
الأثر على أسباب الملك حال الكفر موافق
للامتنان (2).
4 - النكاح والطلاق:
إذا أسلم الكافر هو وزوجته، فالإسلام يقر
نكاحهما إلا أن يكون مانع مثل كون الزوجات أكثر
من أربع، فيختار أربعا ويطلق سراح الباقي منهن،
أو غير ذلك من الأسباب.
وبناء على ذلك لا يهدم الإسلام النكاح
الواقع حال الكفر إلا لعوارض خاصة.
وأما الطلاق، فإن كانت الفرقة حاصلة حال
الكفر وكانت باقية ولم يحصل رجوع ونحوه، فالفرقة
معترف بها بعد الإسلام.
وأما لو طلق مرة ثم رجع ثم أسلم ثم طلق،
فهل يحتسب تطليقة واحدة أم تطليقتين؟
مقتضى رواية البحار عدم الاعتناء بالتطليقة
الواقعة حال الكفر (1).
5 - القصاص والديات:
قال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " ولو قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل لم
يقتل به، لعدم المساواة، وألزم الدية إن كان المقتول
ذا دية " (2).
وعدم الاقتصاص من جهة عدم التكافؤ
في الدين بين الجاني والمجني عليه، إذ لا يقتص
من المسلم للكافر، وأما لو فرضنا أنهما أسلما

(1) العناوين 2: 501.
(2) لم أجد هذا التفصيل في كلمات الفقهاء، والظاهر أن المراد
من القاعدة في هذه الموارد هو المعنى الثاني، لموافقته
للامتنان كما أشير إليه في المتن.
(1) العناوين 2: 501.
(2) الجواهر 42: 158، والكافر الذي له دية هو الذمي،
لا الحربي ولا المشرك والملحد.
282

معا (1) فهل يسقط القصاص أيضا؟
أما الدية فصريح العبارة أنها لا تسقط.
كانت هذه أهم الموارد التي يمكن الكلام فيها
من حيث شمول القاعدة لها أو عدم الشمول، وهناك
موارد أخرى كالعتق ونحوه يعلم حكمها مما سبق.
وينبغي الالتفات إلى أن الفقهاء لم يبحثوا في
جميع جوانب القاعدة، وإنما اكتفى أكثر من تعرض
لها بأبحاث كالصوم والصلاة والزكاة والغسل
ونحوها، فبقيت الجوانب الأخرى مسكوتا عنها أو
مذكورة على نحو الإجمال والترديد.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: عدم صحة الغسل من
الكافر، ولزوم إعادته بعد الإسلام.
2 - كتاب الصلاة: عدم وجوب قضاء الصلاة
على الكافر بعد إسلامه.
3 - كتاب الصوم: عدم وجوب قضاء الصوم
على الكافر بعد إسلامه.
4 - كتاب الحج: عدم وجوب قضاء الحج
على الكافر بعد إسلامه.
5 - وموارد متفرقة أخرى، كالكلام عن
القصاص والجزية وهي أكثر الموارد
استشهادا بالآية عند القدماء.
6 - وقد تطرقت بعض الكتب المؤلفة في
القواعد الفقهية إلى القاعدة.
قاعدة " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه "
أو
قاعدة " نفي السبيل "
معنى القاعدة:
المراد من القاعدة إجمالا هو: أن الإسلام
لم يشرع حكما يستلزم منه علو الكافر على
المسلم.
تطبيق القاعدة:
جعلت الشريعة الولاية على الصغار لعدة
أشخاص، كالأب والجد والوصي أو القيم من قبلهما
والإمام والنائب عنه (1).
وإذا كان الصغار مسلمين فيجب أن يكون
الولي عليهم مسلما أيضا، ولا يجوز أن يكون
كافرا، فإذا أسلمت الأم فقط فالصغار يتبعونها في
الإسلام، وتنتفي ولاية أبيهم الكافر عنهم، لأنه
لا سبيل للكافر على المسلم (2).

(1) كما لو ضرب الجاني المجني عليه، وكانت فاصلة زمنية
بين الضربة وبين موت المجني عليه - كما إذا جرحه
فسرت الجناية إلى النفس - أسلم فيها الجاني والمجني
عليه.
(1) المبسوط 2: 200.
(2) أنظر: الجواهر 29: 206، والقواعد الفقهية
(للبجنوردي) 1: 173.
283

الدليل على القاعدة:
استدل جملة من الفقهاء على القاعدة بالأدلة
الأربعة:
أولا - الكتاب العزيز:
وهو قوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا) * (1).
فالآية نفت أن يكون للكافرين على المؤمنين
أي نوع من السبيل، ومن أنواع السبيل:
1 - تفوق الكفار على المؤمنين من حيث
الحجة، فالآية نفت ذلك - وإن كانوا متفوقين ظاهرا
أحيانا - بل حجتهم داحضة (2)، وبهذا المضمون
وردت بعض الروايات (3).
2 - تفوقهم من حيث التشريع، أي لم يشرع
الله تعالى حكما يستلزم تفوق الكافر على المسلم.
كمثال الأب الكافر الذي تقدم بيانه.
والآية وإن كانت ظاهرة في الأول،
وخاصة بمعنى التفوق في يوم القيامة، لكن
استفادوا من إطلاق الآية شمولها للمعنى الثاني
أيضا (1) وإن لم يرتض ذلك بعضهم (2).
ثانيا - السنة الشريفة:
وهي ما أرسلوه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، من أنه قال:
" الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " (3).
والكلام في الرواية من جهتين: من حيث
السند والدلالة.
1 - سند الحديث:
نقل الصدوق الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأرسله
غيره إرسال المسلمات، قال صاحب العناوين - عند
ذكر الأدلة على القاعدة -: " وخامسها - الخبر
المشهور في ألسنة الفقهاء المتلقى بالقبول بحيث يغني
عن ملاحظة سنده... " (4) ثم ذكر الحديث.
وقال الشيخ الأنصاري - عند الاستدلال
على حرمة بيع العبد المسلم للكافر -: "... وبالنبوي
المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم واستدلالهم

(1) النساء: 141.
(2) أنظر مجمع البيان (3 - 4): 128، ذيل الآية
الشريفة.
(3) أنظر تفسير الصافي 1: 474، ذيل الآية الشريفة، ونقل
ذلك عن تفسير الطبري ذيل الآية الشريفة أيضا، أنظر
القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 158.
(1) أنظر: العناوين 2: 357، والقواعد الفقهية
(للبجنوردي) 1: 157 - 158، ومنية الطالب 1:
331، ومصباح الفقاهة 5: 86 - استفاد السيد الخوئي
الإطلاق من الآية وإن لم يرتض القاعدة - والبيع (للإمام
الخميني) 2: 542 - 543.
(2) كالشيخ الأنصاري في المكاسب 3: 584.
(3) من لا يحضره الفقيه 4: 334، باب ميراث أهل الملل،
الحديث 5719، ونقل عنه في الوسائل 26: 14، الباب
الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(4) العناوين 2: 352 - 353.
284

به في موارد متعددة... " (1).
وقال البجنوردي - بعد ذكر الخبر عند
الاستدلال على القاعدة -: " والخبر مشهور
معروف ذكره في الفقيه - إلى أن قال: - فعمدة
الكلام دلالته وإلا فمن حيث السند موثوق الصدور
عن النبي (صلى الله عليه وآله)، لاشتهاره بين الفقهاء وعملهم
به... " (2).
وقال الإمام الخميني: " وأما النبوي المشهور
" الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " فلا إشكال في كونه
معتمدا عليه، لكونه مشهورا بين الفريقين على ما
شهد به الأعلام، والشيخ الصدوق (قدس سره) نسبه إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) جزما، فهو من المراسيل المعتبرة " (3).
2 - دلالة الحديث:
المستفاد من الرواية: أنها بصدد بيان أن
الأحكام المشرعة في الإسلام روعي فيها تفوق
المسلم على الكافر في التشريع، ولم تشرع الشريعة
قانونا يلزم منه تفوق الكافر على المسلم (4)، كما في
المثال الذي تقدم أول البحث، وكما في الميراث حيث
يرث المسلم من الكافر ولا يرث الكافر من المسلم.
لكن قال بعضهم: إن الرواية مجملة، إذ يمكن
أن يراد بها: أن الإسلام يغلب على سائر الأديان في
العالم، ويمكن أن يراد بها: أن الإسلام أشرف من
سائر المذاهب، ويمكن أن يراد بها علو حجته وسمو
برهانه (1).
ويدفع هذا الاحتمال مجئ روايات أخر بهذا
المضمون، وردت في مقام التشريع، مثل: "... إن
الله عز وجل لم يزدنا بالإسلام إلا عزا فنحن
نرثهم (2)، وهم لا يرثونا "، و " الإسلام يزيد ولا
ينقص " ونحوهما (3).
ويمكن أن يراد معنى جامع بين كل هذه
المعاني، كما تقدم في الآية.
هذا وهناك نصوص وردت في موارد خاصة
دلت على مفاد القاعدة، مثل ما دل على عدم جواز
تزويج المسلمة بالكافر (4).

(1) المكاسب 3: 582.
(2) القواعد الفقهية 1: 159.
(3) البيع 2: 544.
(4) أنظر: العناوين 2: 352 - 353، والقواعد الفقهية 1:
159.
(1) أنظر: حاشية السيد اليزدي على المكاسب: 31 - وزاد
معنى نسخه للأديان وعدم نسخه بدين آخر - ومصباح
الفقاهة 1: 490، والبيع (للإمام الخميني) 2: 544.
(2) أي الكفار.
(3) أورد صاحب الوسائل هذه الروايات في الوسائل 26:
11 - 18، الباب الأول من أبواب موانع الإرث.
(4) الوسائل 20: 548، الباب 9 من أبواب ما يحرم
بالكفر، ومن جملة الأحاديث الواردة في هذا الباب موثقة
السكوني، فقد جاء فيها: أن " مجوسية أسلمت قبل أن
يدخل بها زوجها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لزوجها:
أسلم، فأبى زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف
الصداق، وقال: لم يزدها الإسلام إلا عزا "، الحديث 7.
285

ثالثا - الإجماع:
قال صاحب العناوين عند ذكر الأدلة على
القاعدة: " وثانيها - الإجماعات المنقولة حد
الاستفاضة، بل التواتر من الأصحاب - كما لا يخفى
على المتتبع - المؤيدة بالشهرة العظيمة البالغة حد
الضرورة " (1).
وقال السيد البجنوردي: " الثالث هو
الإجماع المحصل القطعي على أنه ليس هناك حكم
مجعول في الإسلام يكون موجبا لتسلط الكافر على
المسلم، بل جميع الأحكام المجعولة فيه روعي فيها
علو المسلمين على غيرهم، كمسألة عدم جواز
تزويج المؤمنة للكافر، وعدم جواز بيع العبد المسلم
على الكافر، وعدم صحة جعل الكافر واليا أو وليا
على المسلم وأمثال ذلك " (2).
ولكن رد هذا الإجماع، لأنه ليس إجماعا
تعبديا يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) بحيث يكون
حجة من هذه الجهة، بل هو إجماع مدركي، أي أن
مستند المجمعين ومدركهم معلوم، وهو سائر الأدلة
المذكورة للقاعدة كالآية الشريفة والرواية.
رابعا - العقل:
قال صاحب العناوين - عند ذكر الأدلة على
القاعدة -: " وثالثها: الاعتبار العقلي، فإن شرف
الإسلام قاض بأن لا يكون صاحبه مقهورا تحت يد
الكافر ما لم ينشأ السبب من نفسه، فإنه حينئذ أسقط
احترام نفسه. وهذا وإن لم يكن في حد ذاته دليلا،
لكنه مؤيد قوي مستند إلى فحوى ما ورد في
الشرع " (1).
وقال السيد البجنوردي - عند ذكر الأدلة
أيضا -: " الرابع: مناسبة الحكم والموضوع، بمعنى
أن شرف الإسلام وعزته مقتض، بل علة تامة لأن
لا يجعل في أحكامه وشرائعه ما يوجب ذل المسلم
وهوانه، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:
* (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين
لا يعلمون) * (2)، فكيف يمكن أن يجعل الله حكما
ويشرعه يكون سببا لعلو الكفار على المسلمين؟.. " (3).
نماذج من تطبيقات القاعدة:
استدل الفقهاء بالقاعدة - إما مستقلا أو مع
أدلة أخرى - على مسائل عديدة ذكر كل من
صاحب العناوين (4) والسيد البجنوردي (5) جملة
منها، نشير إلى أهمها فيما يلي:
1 - عدم ثبوت الولاية للكافر على المسلم،

(1) العناوين 2: 352.
(2) القواعد الفقهية 1: 160.
(1) العناوين 2: 352.
(2) المنافقون: 8.
(3) القواعد الفقهية 1: 161.
(4) العناوين 2: 350 - 351.
(5) القواعد الفقهية 1: 163 - 175.
286

سواء كانت الولاية ولاية الحكم والقضاء (1)، أو
ولاية الأب والجد (2)، أو ولاية القيمومة
والوصاية (3)، أو ولاية الوقف (4) ونحوها.
2 - عدم جواز نكاح الكافر للمسلمة، ابتداء
واستدامة (5).
3 - عدم جواز إرث الكافر من المسلم
وجواز عكسه (6).
4 - عدم ثبوت حق الحضانة للأم إذا كانت
كافرة وولدها مسلم تبعا لأبيه أو جده (7).
وموارد أخرى تقدمت الإشارة إلى بعضها في
" ما يشترط في صحته الإسلام " تحت عنوان
" إسلام "، وذكرها كل من صاحب العناوين
وصاحب القواعد الفقهية كما تقدم.
حكومة القاعدة على أدلة الأحكام (1):
إذا تمت القاعدة سندا ودلالة فتكون حاكمة
على أدلة سائر الأحكام، قال السيد البجنوردي:
"... فعلى فرض ثبوت هذه القاعدة بتلك الأدلة
المذكورة تكون حاكمة على العمومات الأولية
وإطلاقاتها. فقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) * (2) - أو سائر آيات
الإرث مثلا - عام يشمل الوارث الكافر والمسلم،
وهذه القاعدة حاكمة على تلك العمومات، لما
ذكرنا... فتكون نتيجة هذه الحكومة تخصيص
الإرث بالوارث المسلم وحرمان الكافر، وعلى هذا
فقس في موارد سائر العمومات والإطلاقات " (3).
مظان البحث:
تعرض الفقهاء للقاعدة في مواطن عديدة،
منها ما تقدم في ما يشترط في صحته الإسلام، ومنها

(1) أنظر الجواهر 40: 12.
(2) أنظر: التذكرة (الحجرية) 2: 599، وجامع المقاصد
12: 107، والمسالك 7: 166، والحدائق 23: 267،
والجواهر 29: 206.
(3) أنظر الجواهر 28: 405.
(4) في الوقف العام الذي للمسلمين أو طائفة خاصة منهم،
فإنها حينئذ تكون للحاكم الشرعي، واعتبار الإسلام
فيه واضح.
(5) أنظر: المسالك 7: 365، والجواهر 30: 51.
(6) أنظر: الخلاف 4: 23، المسألة 16، والغنية: 328،
والسرائر 3: 266، والمسالك 13: 20، والجواهر 39:
15.
(7) أنظر الجواهر 31: 287.
(1) الحكومة في مصطلح الفقهاء والأصوليين هي: أن
يكون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم ومفسرا
له، مثل: " إذا شككت فابن على الأكثر " و " لا شك
لكثير الشك " فإن الثاني حاكم على الأول، بمعنى أنه
مفسر للشك وأنه الشك الحاصل من غير كثير الشك،
فيرفع الحكم - أي البناء على الأكثر - عن بعض أفراد
الشك وهو الشك الحاصل من كثير الشك. أنظر فرائد
الأصول 4: 13، أول بحث التعادل والتراجيح.
(2) النساء: 11.
(3) القواعد الفقهية 1: 162.
287

النماذج التي طبقت فيها القاعدة والتي ذكرناها قبل
قليل، ومنها مباحث بيع العبد المسلم للكافر،
والجزية، ونحوها.
وتعرضت لها بعض الكتب المؤلفة في القواعد
الفقهية أيضا.
إسناد
لغة:
مصدر أسند، وهو وسند واستند بمعنى
واحد (1)، أي ركن إليه واعتمد واتكأ عليه (2).
اصطلاحا:
يأتي:
1 - بالمعنى اللغوي، ومنه كلامهم في صحة
صلاة المصلي إذا أسند ظهره إلى حائط ونحوه.
وتقدم الكلام فيه إجمالا في العنوانين:
" استقلال " و " استناد ".
2 - بمعنى النسبة والإضافة، فيقال: هذا القول
أسند إلى فلان.
3 - بمعنى ذكر سند الرواية من الراوي الأخير
إلى المنقول عنه الرواية من معصوم ونحوه.
قال الشهيد الثاني: " الإسناد: رفع الحديث
إلى قائله: من نبي، أو إمام، أو ما في معناهما " (1).
وعرف المسند بأنه: " ما اتصل سنده
مرفوعا، من راويه إلى منتهاه، إلى المعصوم " (2).
وعرفه المحقق الداماد بأنه: " ما اتصل سنده
من راويه متصاعدا إلى منتهاه، إلى المعصوم (عليه السلام) " (3).
وقال المامقاني: " عرفوه بأنه ما اتصل سنده
بذكر جميع رجاله في كل مرتبة إلى أن ينتهي إلى
المعصوم (عليه السلام) من دون أن يعرضه قطع بسقوط شئ
منه " (4).
ثم قال - بعد أن نقل عن الشهيد (5) وبعض
العامة: أن المسند أكثر ما يستعمل فيما جاء عن
النبي (صلى الله عليه وآله) -:
" قلت: قد استقر اصطلاح الخاصة على ما
سمعت تعريفهم إياه " (6).
الفرق بين سند الحديث وإسناده وأسناده:
للحديث جزءان:

(1) أنظر الصحاح والقاموس المحيط: " سند ".
(2) المعجم الوسيط: " سند "، وانظر القاموس المحيط: المادة
نفسها.
(1) الرعاية في علم الدراية (الدراية): 53.
(2) المصدر نفسه: 96.
(3) الرواشح السماوية: 127.
(4) مقباس الهداية في علم الدراية 1: 202.
(5) الرعاية في علم الدراية: 96.
(6) مقباس الهداية في علم الدراية 1: 205.
288

1 - المتن: وهو النص المنقول.
2 - السند: وهو مجموع الرواة الذين نقلوا
النص واحدا عن الآخر.
وأما إسناد الحديث، فهو ذكره مسندا، أي مع
سنده، ويقابله إرسال الحديث، أي ذكره بلا سند أو
مع سند ناقص وحذف بعضه.
ونقل الشهيد عن بعضهم: أن السند هو
الإخبار عن طريق المتن، فيتساوى السند والإسناد
من حيث المعنى على هذا التفسير (1).
والظاهر أن هذا التفسير لغير الإمامية (2).
كان ذلك فرقا بين السند والإسناد من حيث
المعنى، أما من حيث الاستعمال، فكثيرا ما يستعمل
الإسناد بمعنى السند، فيقال: هذا الحديث صحيح
الإسناد، أو ضعيف الإسناد، أو عالي الإسناد، أو
معتبر الإسناد... فتقع هذه الأمور وصفا للإسناد،
مع أنها أوصاف للسند (3)، ويشهد له كلام المحقق
الداماد في الرواشح، حيث قال: "... فالإسناد قد
يطلق ويراد به السند وهو الطريق بتمامه، وقد يطلق
ويراد به بعض السند " (1).
وأما الأسناد، فهو جمع السند، وقد يكون
للحديث الواحد أسناد متعددة، إذ ربما ينقل الحديث
الواحد بعدة أسناد، فيقال مثلا: نقل الحديث بأسناد
كلها ضعاف، أو كلها معتبر.
لزوم الإسناد في الحديث وفائدته:
إن الاستدلال بالسنة إنما يتم إذا تحققت فيها
عدة عناصر:
الأول - دلالة نص الحديث على المطلوب
بإحدى الدلالات المعترف بها. ويعبر عنه ب‍ " تمامية
الدلالة "، كما يعبر عن البحث فيه ب‍ " البحث
الدلالي ".
الثاني - اعتبار السند وقابليته للاعتماد عليه
حسب ما هو مقرر في علم الرجال. ويعبر عنه
ب‍ " تمامية السند "، وعن البحث فيه ب‍ " البحث
السندي ".
الثالث - أن لا يكون للنص معارض أقوى
منه بحيث يترجح عليه، أو مساو له يسقطه عن
الحجية بالتعارض.
الرابع - مجموعة أمور أخرى، كعدم مخالفته
للحكم العقلي القطعي أو القواعد العامة - الفقهية أو
الكلامية - المسلم بها، وعدم شذوذه، ونحو ذلك.
هذا بناء على المعروف من مذهب الأصوليين،

(1) الرعاية في علم الدراية: 53.
(2) أنظر مقباس الهداية 1: 51.
(3) قال المامقاني: " وما عن ابن جماعة: من أن المحدثين
يستعملون السند والإسناد لشئ واحد غلط وزور ".
مقباس الهداية 1: 52.
ولكن قال حفيده: " نعم غالبا ما يستعمل الإسناد
ويراد به السند، فيقال: إسناد هذا الحديث ضعيف أو
صحيح ". مستدرك مقباس الهداية 5: 24، الفائدة 24.
(1) الرواشح السماوية: 126.
289

وأما بناء على المعروف من مذهب الأخباريين
القائلين بحجية جميع الروايات الموجودة في الكتب
الأربعة ونحوها من الكتب المعتبرة - لأن مؤلفيها
بذلوا جهدهم في اقتناء ما هو المعتبر عندهم - فلا
حاجة إلى ملاحظة سند الروايات، بل يكفي
إسنادها إلى واحد من تلك الكتب (1).
فالاحتجاج بالسنة إذن يتوقف على توثيقها،
إما بذكر سند الرواية حتى يصل إلى المعصوم (عليه السلام)
وكونه معتبرا - طبقا للموازين المذكورة في علمي
الرجال والدراية - على مبنى الأصوليين.
وإما بذكره حتى يصل إلى إحدى الكتب
المعتبرة على مبنى الأخباريين، كما تقدم.
فإسناد السنة أمر لازم للاحتجاج به على أي
تقدير.
ووجه الحاجة إلى التوثيق أمر واضح، لأن
الكذب في أسناد الروايات إلى المعصوم (عليه السلام)
والدس فيها مما شاع في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى
قال: " لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج
النار " (2) أو " من كذب علي فليتبوأ مقعده من
النار " (3).
وورد مثل ذلك عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
حين شاع الكذب عليهم من قبل أعدائهم وبعض
أهل الأهواء (1).
ولذلك روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا حدثتم بحديث
فأسندوه إلى الذي حدثكم، فإن كان حقا فلكم،
وإن كان كذبا فعليه " (2).
دمج الأسانيد وحذفها:
1 - تارة يقوم المحدث - وهو ناقل الحديث -
بدمج أسناد الروايات المتقاربة في اللفظ والمعنى، أو
في المعنى فقط.
فيقول في الصورة الأولى: روى فلان

(1) أنظر الحدائق 1: 14، المقدمة الثانية.
(2) صحيح البخاري 1: 31، كتاب العلم، باب
إثم من كذب على النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه روى الأول عن
الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والثاني عن الزبير
عنه (صلى الله عليه وآله).
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(1) فمن ذلك ما رواه الكشي عن يونس بن عبد الرحمن:
أنه عرض الأحاديث التي أخذها عن أصحاب أبي عبد
الله (عليه السلام) على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فأنكر منها أحاديث
كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام) وقال: " إن
أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام)، لعن الله أبا
الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه
الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله
(عليه السلام)، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن... ". اختيار معرفة
الرجال (رجال الكشي): 224، ترجمة المغيرة بن سعيد
(أبي الخطاب).
(2) رواه المجلسي في البحار عن الشهيد في منية المريد،
أنظر البحار 2: 161، الباب 21 آداب الرواية، الحديث
15، ومنية المريد: 220.
290

وفلان... ثم ينقل متن الحديث.
ويقول في الصورة الثانية: روى فلان وفلان
- واللفظ لفلان -:... ثم ينقل متن الحديث (1).
2 - وتارة يقوم بحذف أسانيد رواياته،
وهؤلاء على أقسام:
أ - فبعضهم صرح بالاعتماد على رواة
الأحاديث التي نقلها عنهم، كما في كتاب دعائم
الإسلام للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي،
فقد صرح في المقدمة: أنه اقتصر فيه على الثابت
الصحيح عنده مما رواه عن الأئمة من أهل البيت
(عليهم السلام) (2).
ب - واكتفى بعضهم بذكر الراوي الأخير
- لأنه نقله من أصله، أي كتابه - ثم ذكر سنده إلى
ذلك الراوي في آخر كتابه - في قسم المشيخة -
بصورة عامة فيقول: ما رويته عن فلان، فهو عن
فلان وفلان....
وممن صنع هكذا الصدوق أبو جعفر محمد بن
علي بن بابويه القمي في كتابه من لا يحضره
الفقيه (3)، وأبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في
كتابيه " التهذيب " و " الاستبصار " (1).
ج - وحذف بعضهم الأسانيد كلا، لأن
الروايات التي نقلها مشتملة على حكم وآداب
ومواعظ يشهد مضمونها بصدقها، كما فعل
الحسن بن شعبة في كتابه تحف العقول (2).
ما يتصف به الإسناد:
يتصف الإسناد بصفات هي في الواقع صفات
للسند - كما تقدم - فيقال: صحيح الإسناد، أو
ضعيف الإسناد، أو عالي الإسناد (3)، أو معتبر
الإسناد، وغير ذلك من الأوصاف المذكورة للسند
في علم الدراية.
مظان البحث:
الموطن الأصلي للبحث عن إسناد الروايات
هو علم الدراية الذي " يبحث فيه عن سند الحديث
ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله " (4).

(1) الرعاية في علم الدراية: 328.
(2) دعائم الإسلام 1: 2، وللرجاليين كلام في حجية
هذه التوثيقات العامة بالنسبة إلى من تذكر أسماؤهم
في الأسانيد - كما في كامل الزيارات - فضلا عمن لم
تذكر.
(3) أنظر من لا يحضره الفقيه 4: 423 (قسم المشيخة).
(1) أنظر: التهذيب 10 (قسم المشيخة): 4، والاستبصار
4 (قسم المشيخة): 304.
(2) أنظر تحف العقول: 4.
(3) المقصود من علو السند هو قلة وسائطه إلى المعصوم
(عليه السلام)، وهو من أحسن أقسام الإسناد خاصة إذا كان
صحيحا أيضا. أنظر الرواشح السماوية: 126.
(4) الوجيزة (للشيخ البهائي): 1.
291

إسهام
لغة:
يأتي على معنيين:
1 - جعل شخص ذا نصيب، فيقال: أسهمت
له، أي أعطيته سهما.
2 - الإقراع، يقال: أسهم بينهم، أي أقرع،
ومنه قوله تعالى: * (فساهم فكان من المدحضين) * (1)
أي قارع.
والسهم في الأصل واحد السهام التي كانوا
يضربون بها في الميسر، ثم سمي بذلك ما يفوز به
الفائز، ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما (2).
اصطلاحا:
يأتي بالمعنيين المتقدمين.
فيأتي بمعنى النصيب في بحوث الإرث
والزكاة والخمس والغنيمة والشركة والقسمة
ونحوها.
ويأتي بمعنى القرعة في الموارد التي يبحث
عنها (3).
الأحكام:
يعلم حكم الإسهام بمعنييه بالرجوع إلى
العناوين المتقدمة.
أسير
راجع: أسارى.
إشارة
لغة:
الإيماء إلى الشئ بالكف أو الرأس أو العين
أو الحاجب، وهي تقوم مقام النطق.
وإذا عدي الفعل " أشار " ب‍ " إلى " فيعطي
معنى الإيماء كما تقدم، وإن عدي ب‍ " على " فيفيد
معنى إعطاء الرأي، فيقال: أشار إليه بيده، أي أومأ
إليه بها، وأشار عليه بكذا، أي أعطاه رأيه فيه (1).
والمقصود بالبحث هنا هو الأول، وأما
الثاني، فقد تقدم الكلام عنه في عنوان " استشارة ".
اصطلاحا:
أما الفقهاء، فلا يريدون منه غير المعنى

(1) الصافات: 141.
(2) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير: " سهم ".
(3) أنظر الجواهر 28: 359.
(1) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير: " شور ".
292

اللغوي.
وأما الأصوليون، فلهم فيه اصطلاح خاص،
يعبرون عنه ب‍ " دلالة الإشارة ". يراجع فيه الملحق
الأصولي العنوان: " إشارة ".
الأحكام:
الإشارة تارة تصدر من الإنسان بعنوان أنها
فعل من الأفعال، وتارة تصدر منه بعنوان أنها بدل
من اللفظ والكلام.
ففي القسم الأول، لا فرق بين الأخرس
وغيره من حيث الحكم.
أما القسم الثاني، فيفترق فيه حكم الأخرس
ومن بحكمه - كالمعتقل لسانه والعاجز عن النطق
لسبب ما - عن غيره ممن هو قادر على الكلام.
أولا - حكم الإشارة بعنوان أنها فعل من الأفعال:
للإشارة في حد ذاتها، مع غض النظر عن
صدورها من الأخرس أو غيره أحكام عديدة،
نشير إلى أهمها:
1 - الإشارة والإيماء عند التسليم في الصلاة:
ذكر جملة من الفقهاء: أنه يستحب للمنفرد
والإمام الإيماء بالتسليم الأخير - في الصلاة - إلى
يمينه بمؤخر عينه أو بأنفه أو غيرهما. وقيده بعضهم
بما لا ينافي الاستقبال.
وكذلك المأموم إن لم يكن على يساره أحد،
وإن كان على يساره بعض المأمومين، فيأتي بتسليمة
أخرى موميا إلى يساره.
ولبعضهم مناقشات في بعض فروض
المسألة (1).
2 - الإشارة إلى شئ في الصلاة:
لا تبطل الصلاة بإتيان الفعل القليل، ومن
مصاديقه الإشارة لإفهام شئ للمخاطب.
ويرى بعضهم: أن الكثرة والقلة لا تؤثران
في بطلان الصلاة وعدمه، وإنما المؤثر كون الفعل
ماحيا لصورة الصلاة أو لا، سواء كان قليلا أو
كثيرا.
وعلى هذا الرأي أيضا لا تبطل الصلاة
بالإشارة، لعدم كونها ماحية لصورة الصلاة (2).
3 - تعيين إمام الجماعة بالإشارة:
يجب على المأموم أن يعين الإمام الذي يقتدي
به في صلاة الجماعة، وهو يحصل بتعيينه بالاسم أو
الإشارة أو الصفة أو بغيرها (3).

(1) أنظر: المدارك 3: 438 - 439، والجواهر 10: 332
- 345، والعروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في
التسليم، المسألة 6.
(2) أنظر: المدارك 3: 465، والجواهر 11: 55، والعروة
الوثقى: فصل في مبطلات الصلاة، الثامن، والمستمسك
6: 581، ومستند العروة (الصلاة) 4: 529.
(3) أنظر: المدارك 4: 333، والحدائق 11: 119،
والجواهر 13: 233، والمستمسك 7: 181.
293

4 - قيام إشارة العاجز مقام ركوعه
وسجوده:
إذا عجز المكلف عن الركوع والسجود، أومأ
وأشار إليهما إجمالا، فتقوم إشارته مقام ركوعه
وسجوده، سواء كان قائما ولم يتمكن من الركوع
والسجود أو من أحدهما، أو كان قاعدا ولم يتمكن
منهما.
والأحوط أن يقرب موضع السجود إلى
جبهته مع الإمكان عند الإيماء إلى السجود.
ويكون إيماؤه إلى السجود أكثر من إيمائه إلى
الركوع.
ويتحقق الإيماء والإشارة هنا بحركة الرأس،
فإن عجز عن ذلك فبتغميض العين للركوع
والسجود، وفتحها للرفع عنهما (1).
وتقوم الإشارة مقام الركوع والسجود
ونحوهما في بعض فروض صلاة الخوف أيضا (2).
5 - الإشارة إلى الحجر الأسود:
يستحب استلام الحجر الأسود - عند الطواف
وقبل السعي - باليد أو بسائر أعضاء البدن، فإن لم
يتمكن من ذلك فيشير إليه (3).
وقد تقدم الكلام فيه تحت عنوان " استلام ".
6 - الإشارة إلى الصيد:
تحرم على المحرم الإشارة إلى الصيد والدلالة
عليه - ليصيده شخص آخر - سواء كان المدلول
محلا أو محرما، وتجب به الكفارة إجمالا (1)، لأنه من
التسبيب في قتل الصيد، وهو محرم، وقد وردت به
روايات مستفيضة، منها صحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " لا تستحلن شيئا من الصيد
وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن
عليه محلا، ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه
فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده " (2).
وألحقوا به إجمالا الدال إذا كان محلا وهو في
الحرم، ويدل عليه النص المتقدم (3).
وللمسألة صور كثيرة تزيد على الثلاثين.
وإنما تحرم الإشارة والدلالة إذا كان المدلول
جاهلا ومريدا للصيد، أما إذا كان عالما به أو لم

(1) أنظر: الجواهر 9: 266 و 10: 79 - 80 و 165،
والمستمسك 6: 121 - 127.
(2) أنظر الجواهر 14: 182.
(3) أنظر الجواهر 19: 340 و 345.
(1) أنظر: التذكرة 7: 264 و 265، والمسالك 2: 248
و 458، والمدارك 7: 304 - 305، و 8: 375،
والحدائق 15: 135 و 292، والرياض 6: 289، و 7:
323، ومستند الشيعة 11: 339، و 13: 204،
والجواهر 18: 286، و 20: 292.
(2) الوسائل 12: 415، الباب الأول من أبواب تروك
الإحرام، الحديث الأول.
(3) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1).
294

يقصد الصيد فلا تحرم الإشارة إليه (1).
والدلالة أعم من الإشارة، لأن الإشارة
تكون بالأعضاء فقط، كالعين واليد والرأس
ونحوها، والدلالة تكون بهذه وبغيرها، كالكتابة
والقول ونحوهما (2).
7 - تعيين المبيع والعين المستأجرة بالإشارة:
يجب تعيين المبيع، فإن كان مكيلا أو موزونا
أو معدودا، فلا بد من تعيينه بالكيل أو الوزن أو
العدد، ولا تكفي المشاهدة والإشارة إليه. ولو لم
يكن كذلك جاز تعيينه بالإشارة إجمالا كأن يقول:
" بعتك هذه الدار، أو هذا الكتاب، أو هذا الثوب
بكذا " ونحو ذلك (3).
ويجوز أيضا تعيين العين المستأجرة بالإشارة
- في بعض الموارد - كأن يقول: " آجرتك هذه
الدار، أو هذه السيارة، أو هذه الدابة بكذا " (4).
وكذا يجوز تعيين العمل المستأجر عليه
بالإشارة إجمالا كأن يقول: " آجرتك على حفر
هذه الأرض، أو كري هذا النهر بكذا " (5).
ولو توقف رفع الجهالة والغرر - في الموردين
المتقدمين - على بيان زائد، فلا بد منه، ولا تكفي
الإشارة حينئذ.
وأما الثمن في الإجارة فإن كان مكيلا أو
موزونا أو معدودا، فلا تكفي الإشارة، كما تقدم في
البيع، نعم تكفي فيما لم يكن كذلك، كأن يقول:
" آجرتك على كذا بهذا الثوب " مثلا (1).
8 - تعيين المعقودة والمطلقة بالإشارة:
يجب تعيين المعقودة في عقد النكاح، ويكفي
تعيينها بالإشارة، فيقول الولي مثلا: " أنكحتك هذه
بمهر كذا " (2).
وكذا يجب تعيين المطلقة في صيغة الطلاق،
فإن كان له عدة زوجات وأشار إلى واحدة وقال:
" هذه طالق "، صح الطلاق (3).
وهذا الأمر سار في غير هذين الموردين
أيضا، كاللعان (4).
9 - إشارة القاضي إلى الخصوم:
ذكر الفقهاء: أنه ينبغي للقاضي أن يساوي
بين الخصوم في كل شئ حتى في النظر والإشارة،
فقد ورد عن علي (عليه السلام) أنه قال: " من ابتلي بالقضاء

(1) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1) من
العمود الثاني في الصفحة السابقة.
(2) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1) من
العمود الثاني في الصفحة السابقة.
(3) أنظر الجواهر 22: 417 - 430.
(4) أنظر الجواهر 27: 289.
(5) أنظر الجواهر 27: 290.
(1) أنظر الجواهر 27: 219 - 220.
(2) أنظر الجواهر 29: 157.
(3) أنظر الجواهر 32: 145.
(4) أنظر الجواهر 34: 59.
295

فليواس بينهم في الإشارة، وفي النظر، وفي
المجلس " (1).
وهل ذلك على نحو الوجوب أو
الاستحباب؟ فيه قولان، نسب إلى المشهور القول
بالوجوب (2).
10 - الإيماء بالعين:
ذكروا من اختصاصات النبي (صلى الله عليه وآله) تحريم
خائنة الأعين عليه، بمعنى الإيماء بها إلى أمر مباح
من ضرب أو قتل مباح، على خلاف ما يظهر
ويشعر به الحال، ولا يحرم ذلك في حق غيره إلا إذا
كان المشار إليه أمرا محرما، كضرب أو قتل في غير
حق، أو إهانة مؤمن ونحو ذلك (3).
وقد تقدم الكلام عنه في عنوان " اختصاص
/ اختصاصات النبي (صلى الله عليه وآله) ".
ثانيا - حكم الإشارة بعنوان أنها بدل من الكلام:
تكلم الفقهاء عن وقوع الإشارة بدلا
من الكلام في عدة مواطن، نشير إلى أهمها فيما
يلي:
1 - إشارة القادر على التكلم، في العقود
والإيقاعات:
ادعي الإجماع على أن الإشارة لا تقوم مقام
اللفظ في العقود والإيقاعات مع القدرة على التلفظ.
قال الشيخ الأنصاري: " إن اعتبار اللفظ في البيع،
بل في جميع العقود، مما نقل عليه الإجماع (1)، وتحقق
فيه الشهرة العظيمة، مع الإشارة إليه في بعض
النصوص، لكن هذا يختص بصورة القدرة " (2). ثم
ذكر إشارة الأخرس، وسوف نتعرض لها.
وقال السيد الخوئي - ردا على احتمال التمسك
بالعمومات لدفع اشتراط اللفظ في العقود
والإيقاعات -: " إن القاعدة الأولية تقتضي صحة
الإنشاء بكل ما هو قابل لإبراز الاعتبار النفساني،
سواء فيه الفعل واللفظ، ولكن المغروس في كلمات
الأصحاب، والمودع في كتبهم هو قيام الإجماع على
اعتبار اللفظ في العقود والإيقاعات... " (3)، ثم
استثنى إشارة الأخرس.
نعم، بناء على صحة المعاطاة في جميع العقود
أو في بعضها، وبناء على تحقق المعاطاة بالإشارة،
يجوز وقوعها بالإشارة، لكن لا تترتب عليها حينئذ

(1) الوسائل 27: 214، الباب 3 من أبواب آداب القاضي،
الحديث الأول.
(2) أنظر الجواهر 40: 139 - 141، واختار هو
الاستحباب ونسبه إلى بعض.
(3) أنظر: الحدائق 23: 106، والجواهر 29: 127.
(1) يرى بعضهم: أن الإجماع إنما هو بالنسبة إلى العقود
اللازمة لا الجائزة.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 117، وانظر هدى
الطالب 2: 404.
(3) مصباح الفقاهة 3: 11.
296

آثار العقد، بل تترتب آثار المعاطاة (1).
هذا، ويظهر من بعض الفقهاء تحقق بعض
العقود بالإشارة مع القدرة على التلفظ، مثل الوصية
والعقود الإذنية:
أ - ثبوت الوصية بالإشارة:
نسب إلى المشهور القول بعدم صحة الوصية
بالإشارة (2)، لكن ذهب جماعة إلى صحتها بها، من
جملتهم: السيد الطباطبائي (3)، وصاحب الجواهر (4)،
والسيد اليزدي (5)، والسيدان الحكيم (6) والخوئي (7)،
والإمام الخميني (8).
ب - تحقق العقود الإذنية بالإشارة:
نسب الشيخ الأنصاري إلى الفقهاء أنهم
يجوزون إيقاع العقود الإذنية - أي المفيدة للإذن،
كالوكالة والوديعة والعارية - بالإشارة وقال: إن
ذلك من باب التوسع في هذه العقود، حيث جوزوا
إيقاعها بالإشارة والفعل، لا أن ذلك من قبيل
المعاطاة، مثل المعاطاة في البيع، التي تتحقق بفعل ما
يؤدي المعاوضة (1).
لكن يرى صاحب الجواهر: أن هذه العقود
لو تحققت بالفعل والإشارة فإنها لا تفيد معنى العقد
وما يترتب عليه من آثار، بل تفيد المعاطاة في ذلك
العقد، فتكون الوكالة أو الوديعة أو العارية
معاطاتية لا عقدية (2).
2 - إشارة العاجز عن التكلم، في العقود
والإيقاعات:
الظاهر أنه لا إشكال في قيام إشارة العاجز
عن التكلم - سواء كان لخرس أو لغيره (3) كاعتقال
اللسان - مقام لفظه، إذا كانت إشارته مفهمة للمعنى.
ولا فرق في ذلك بين العقود والإيقاعات والأذكار،
إلا أن بعضهم زاد تحريك اللسان أيضا، خاصة في

(1) أنظر مفتاح الكرامة 4: 159 و 163.
(2) أنظر: الجواهر 28: 246، والوصايا (للشيخ
الأنصاري): 28.
(3) الرياض (الحجرية) 2: 45.
(4) الجواهر 28: 246 - 247.
(5) العروة الوثقى: كتاب الوصية، المسألة 9.
(6) المستمسك 14: 577 - 588، ومنهاج الصالحين
(للسيد الحكيم) 2: 210، كتاب الوصية، المسألة 3.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 208، المسألة
986.
(8) تحرير الوسيلة 2: 83، كتاب الوصية، المسألة 3.
(1) الوصايا (للشيخ الأنصاري): 29.
(2) الجواهر 27: 99 - 100 و 158 - 159 و 350.
(3) الظاهر أن إلحاق غير الأخرس من العاجزين عن
النطق بالأخرس هو المعروف بين الأصحاب. قال السيد
العاملي: " وقد طفحت عباراتهم: بأن العاجز عن النطق
لمرض وشبهه كالأخرس ". مفتاح الكرامة 4: 163،
وقال صاحب الجواهر في ذلك: " ودعوى اختصاص
ذلك في خصوص الأخرس، كما ترى، ضرورة عدم
الفرق بين الجميع، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدرك
المسألة ". الجواهر 22: 251.
297

أذكار الصلاة والقراءة فيها.
وقد صرح كثير من الفقهاء بهذه البدلية في
البحث عن صيغ العقود.
قال الشيخ الطوسي: " الأخرس إذا كانت له
إشارة معقولة، أو كناية مفهومة، يصح قذفه ولعانه
ونكاحه وطلاقه ويمينه وسائر عقوده " (1).
وقال الشيخ الأنصاري - بعد بيان اعتبار
اللفظ في العقود مع القدرة على التلفظ -: "... أما مع
العجز عنه، كالأخرس، فمع عدم القدرة على التوكيل
لا إشكال ولا خلاف في عدم اعتبار اللفظ وقيام
الإشارة مقامه، وكذا مع القدرة على التوكيل... " (2).
ونقل عنه تلميذه الآشتياني: دعوى دلالة
الاستقراء القطعي على قيام إشارة الأخرس المفهمة
مقام كلامه وقوله في جميع ما يصدر منه: من العقود،
والإيقاعات، والعبادات القولية كالتكبير، والتلبية،
والقراءة، وغيرها (3).
وهكذا قال غيرهما من الفقهاء بعبارات
مختلفة ومناسبات متعددة (4).
ووجه ذلك - إضافة إلى دلالة بعض
النصوص الواردة في طلاق الأخرس ووصيته -:
أن العقد إنما هو اعتبار نفساني يبرزه العاقد،
ولا فرق بين أنواع المبرز، إلا أنه لما قام الإجماع
على اعتبار اللفظ في العقود والإيقاعات فلا بد من
الاقتصار على المبرز اللفظي، لكن القدر المتيقن من
موارد هذا الحكم هو القادر على التكلم، أما العاجز
- كالأخرس - فنشك في شمول الإجماع له، فتسقط
شرطية التلفظ بالصيغة بالنسبة إليه (1).
هذا، وقد اختلف الفقهاء في تقديم الإشارة
على الكتابة - لو كان الأخرس قادرا عليها -
أو الكتابة على الإشارة، أو التخيير بينهما على
أقوال (2).
وهناك بحوث أخرى يراجع فيها العنوانان:
" خرس " و " عقد ".
3 - الإشارة في السلام ورده:
التحية الإسلامية التي يترتب عليها الثواب
ويجب ردها - بعنوان التحية لا بعنوان آخر - هي
السلام، وتتحقق بقول: " السلام عليكم " ونحوه
مما يشتق منه.
أما التحية بغيره، مثل: " صبحك الله بالخير "
فليس لها آثار التحية بالسلام عند المشهور، وإن

(1) الخلاف 5: 12، المسألة 8.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 117.
(3) القضاء (للآشتياني): 178، عند الكلام عن حلف
الأخرس.
(4) أنظر: مفتاح الكرامة 4: 163، والجواهر 22: 251،
والبيع (للإمام الخميني) 1: 203 - 208، ومصباح
الفقاهة 3: 11 - 14، وهدى الطالب 2: 329.
(1) أنظر: مصباح الفقاهة، وهدى الطالب المتقدمين.
(2) أنظر المصادر المتقدمة.
298

نسب إلى العلامة وجوب ردها أيضا (1). وبناء على
ذلك فالتحية بالإشارة لا تكون كالتحية بالسلام،
فلا يجب ردها.
هذا بالنسبة إلى نفس التحية، وأما ردها،
فالمستفاد من كلمات الفقهاء: أن رد السلام لا يصح
بالإشارة لا في الصلاة ولا في خارجها، بل يجب أن
يكون الرد باللفظ. قال الشهيد الأول: " لا تكفي
الإشارة بالرد، عن السلام لفظا " (2)، وقال الشهيد
الثاني: " ولا يكفي الإشارة عن الرد عندنا " (3)،
وكلامهما وإن كان بالنسبة إلى المصلي إلا أنه شامل
لغيره بطريق أولى.
نعم، دلت بعض الروايات على كفاية
الرد بالإشارة في الصلاة، لكنها حملت على
التقية، لموافقتها لبعض العامة حيث اكتفوا بها في
الصلاة (4).
ويشهد لعدم كفاية الإشارة في الرد،
تصريحهم بوجوب إسماع رد السلام، سواء كان في
الصلاة أو لا، والإسماع لا يتحقق بغير اللفظ (5).
نعم، يكتفى بإشارة الأخرس، لقيام إشاراته
مقام لفظه، كما تقدم، فيسلم بالإشارة، ويرد بها
أيضا، وإن كان يظهر من بعضهم - كالسيد الخوئي -
الإشكال في وجوب رد سلامه حينئذ (1).
كما أن لبعضهم كلاما في كفاية جواب سلام
الأصم بالإشارة، وعدمها.
راجع: أصم.
وتفصيل الكلام في عنوان " سلام " إن شاء
الله تعالى.
تعارض الإشارة والعبارة:
تعرض الفقهاء إلى بعض مصاديقه في موارد
مختلفة من الفقه، كما إذا قال المأموم: أصلي خلف
هذا زيد، فبان أنه عمرو (2)، أو قال: زوجتك
هذه فاطمة، فبانت أنها خديجة (3)، أو قال: بعتك
هذا الفرس، فبان أنه حمار (4)، أو قال: بعتك
الأرض الفلانية، وكان قد رآها المشتري، لكن
تبين أن أوصافها قد تغيرت (5)، أو قال: أقسمت
بالله أن لا أتناول ما في هذا الإناء من العسل، فبان

(1) أنظر: المستمسك 6: 564، ومستند العروة (الصلاة)
4: 504.
(2) الذكرى 4: 25.
(3) المسالك 1: 232.
(4) أنظر المستمسك 6: 563.
(5) أنظر: المستمسك 6: 562، ومستند العروة (الصلاة)
4: 500.
(1) مستند العروة (الصلاة) 4: 503.
(2) أنظر: المدارك 4: 333، والمستمسك 7: 183 - 186،
ومستند العروة (الصلاة) 5 / القسم الثاني: 70 - 79.
(3) أنظر الجواهر 29: 159.
(4) أنظر القواعد والفوائد 1: 246، القاعدة 82.
(5) أنظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 5: 255.
299

أنه ماء (1).
فهم تارة يقدمون الإشارة، وتارة يقدمون
العبارة، لاختلاف الموارد واختلاف مناسبات
الحكم والموضوع.
قال الشهيد الأول: " إذا تعارضت الإشارة
والعبارة ففي ترجيح أيهما، وجهان. ويتفرع عليهما
مسائل " (2).
ثم ذكر بعض الفروع الفقهية المتقدمة.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - تكبيرة الإحرام والقراءة: تكبير
الأخرس وقراءته.
ب - التسليم والخروج من الصلاة: الإيماء
عند التسليم.
ج - أحكام الخلل في الصلاة: عدم
الإخلال بالصلاة بالإشارة إلى شئ،
وعدم الإخلال بها برد السلام فيها،
وأمور أخرى ترتبط بالسلام.
د - الجماعة: تعيين إمام الجماعة بالإشارة.
ه‍ - صلاة المضطرين: قيام إشارة المضطر
مقام ركوعه وسجوده.
و - صلاة الخوف: قيام الإشارة فيها مقام
الركوع والسجود.
2 - كتاب الحج:
أ - تلبية الأخرس.
ب - محرمات الصيد: الإشارة إلى الصيد.
ج - الإشارة إلى الحجر الأسود بدلا من
استلامه في الطواف وقبل السعي.
3 - كتاب النكاح والطلاق: تعيين المعقودة
والمطلقة بالإشارة.
4 - كتاب القضاء: المساواة بين الخصوم في
كل شئ حتى الإشارة.
5 - مفتتح الكتب التي تبحث عن العقود
والإيقاعات - وخاصة في كتابي البيع
والطلاق - حيث يبحث فيها عن إشارة
الأخرس وغيره.
إشاعة
لغة:
مصدر أشاع. ومن معانيها: النشر والتفريق
والإظهار، فيقال: أشاع الخبر، أي نشره وأذاعه
وأظهره، وأشاع المال بين القوم: فرقه فيهم.

(1) أنظر الدروس 2: 168، وفيه: " لو جمع بين الإضافة
والإشارة، كدار زيد هذه ولم ينو إحداهما، فالأقرب
تغليب الإشارة، فتبقى اليمين وإن زال ملكه. ويحتمل
تغليب الإضافة، لربط اليمين بهما فيزول بزوال أحدهما ".
وانظر: المسالك 11: 230، والجواهر 35: 293.
(2) القواعد والفوائد 1: 246، القاعدة 82.
300

ومن هذا الباب قولهم: له سهم شائع، إذا كان
له سهم غير مقسوم وغير مشخص، فكأن سهمه
متفرق بين سائر السهام (1).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء عنوان " الإشاعة " بالمعنى
المتقدم في موردين:
الأول - إشاعة السهم والحصة في المال أو
الحق، بمعنى انتشاره وتفرقه بين سائر السهام
والحصص، كما لو اشترك اثنان في أرض أو شاة
بالنصف، أو ثلاثة بالثلث، أو أربعة بالربع مثلا،
فلكل واحد من الاثنين نصف بالإشاعة - أي على
نحو غير مشخص وغير مفرز - ولكل من الثلاثة
ثلث كذلك، ولكل من الأربعة ربع كذلك، وهكذا.
ويقال للحصة: الحصة المشاعة، أو السهم
المشاع.
وأكثر استعمال الفقهاء للإشاعة إنما هو بهذا
المعنى، وأكثر موارده في الشركة الحاصلة بالبيع أو
الإرث، أو في عقد الشركة ونحوها.
الثاني - إشاعة الخبر بمعنى شياعه واستفاضته
وانتشاره.
وأكثر استعمال الفقهاء للإشاعة بهذا المعنى إنما
يكون بعنوان " الشياع " مقرونا بعنوان " الاستفاضة ".
الأحكام:
سوف تذكر أحكام الإشاعة بالمعنى الأول في
مواطنها المناسبة كالعنوانين: " شركة "، و " قسمة "،
وغيرهما.
وأما أحكام الإشاعة بالمعنى الثاني، فقد تقدم
شطر منها في " استفاضة "، ويأتي الشطر الآخر في
عنوان " شياع ".
نعم يبقى مورد واحد يدخل تحت هذا المعنى
إلا أن له حكما منفردا، وهو " إشاعة الفحشاء "
ولذلك نشير إليه هنا.
حكم إشاعة الفحشاء:
الفحشاء هي القبيح من القول والفعل (1)،
وكثيرا ما تطلق الفاحشة على الزنا واللواط
ونحوهما (2)، ومنه قوله تعالى: * (واللاتي يأتين
الفاحشة من نسائكم) * (3).
وإشاعة الفحشاء إما أن تكون بالقول أو
بالفعل:
أما بالقول فبأن ينشر بين المؤمنين خبرا
يتضمن فحشاء، كأن يقول: فلان زان أو لائط أو
نحو ذلك.

(1) أنظر: معجم مقاييس اللغة، ولسان العرب: " شيع "،
والقاموس المحيط: " شاع ".
(1) أنظر لسان العرب ومجمع البحرين: " فحش ".
(2) أنظر المصدرين المتقدمين، والروضة البهية 9: 164،
والجواهر 41: 659، وغيرهما.
(3) النساء: 15.
301

والإشاعة بهذا المعنى محرمة بنص الكتاب
العزيز من جهتين:
من جهة كونه قذفا فيشمله قوله تعالى: * (إن
الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في
الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) * (1).
ومن جهة كونه إشاعة للفحشاء فيشمله قوله
تعالى: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) * (2).
وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت أذناه
كان من الذين قال الله فيهم: * (إن الذين يحبون أن
تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا
والآخرة) * (3).
والآية وإن اشتملت على كلمة " يحبون "
الظاهرة في مجرد حب إشاعة الفحشاء من دون
اظهار ذلك بالقول، لكن ظهورها في الأعم من الحب
المجرد والمقرون بالفعل أكثر بل أولى.
وأما الإشاعة بالفعل فهي: أن يرتكب
الفحشاء بنفسه أو يهيئ أسبابها للآخرين ويجمع
بين مرتكبيها، وكلاهما محرم قطعا، لأن الأول
مرتكب للفاحشة نفسها، والثاني مرتكب لعمل
القيادة.
مظان البحث:
أكثر ما يتطرق إلى ذلك بالمناسبة، في كتاب
الحدود، مثل حد الزنا واللواط والمساحقة والقيادة
ونحوها.
إشباع
راجع: إطعام.
اشتباه
راجع: سهو، شبهة، شك.
اشتراط
لغة:
مصدر اشترط، يقال: اشترط عليه، بمعنى
شرط، ومنه الشرط، وهو إلزام الشئ والتزامه في
البيع ونحوه (1).
وسوف يأتي تفصيل الكلام في معناه اللغوي
تحت عنوان " شرط ".

(1) النور: 23.
(2) النور: 19.
(3) تفسير القمي 2: 76، ذيل الآية الشريفة.
(1) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " شرط ".
302

اصطلاحا:
يستعمل الفقهاء مصطلح " اشتراط " في
المعاني التالية:
1 - التزام المتعاقدين بشروط معينة ضمن
عقد البيع أو غيره.
2 - اشتراط المحرم على الله لنفسه التحلل من
الإحرام متى ما أحصر ولم يتمكن من إدامة الحج،
وفائدته التحلل بمجرد الإحصار، أو عدم لزوم
التربص لزوال الحصر وبلوغ الهدي محله (1).
3 - اشتراط وجود شئ لتحقق شئ آخر،
أو لصحته، أو كماله، ونحو ذلك، فيقال مثلا: يشترط
في صحة الطهارة إباحة الماء، وفي صحة الصلاة
إباحة المكان.
والكلام عن ذلك يأتي في مواطنه المناسبة،
وانظر العناوين: " استئمار "، " خيار "، " شرط "،
" عقد "، ونحوها.
اشتراك
لغة:
مصدر اشترك، ومجرده: شرك، يقال:
شرك فلانا في الأمر: إذا كان لكل منهما نصيب
منه، واشترك الرجلان في كذا: شارك أحدهما
الآخر وصار شريكا له، وأشركه في أمره: أدخله
فيه (1).
اصطلاحا:
يستعمل عنوان " الاشتراك " في كلمات
الفقهاء والأصوليين في المعاني التالية:
1 - اشتراك لفظين في معنى واحد، والكلام
فيه يأتي تحت عنوان " اشتراك " في الملحق
الأصولي.
2 - اشتراك شخصين أو أكثر في مال، وهو
الذي يعبر عنه ب‍ " الشركة ". وسوف يأتي الكلام
عنه في عنوان " شركة ".
3 - اشتراكهم في حق، كحق القصاص وحق
الخيار ونحوهما، والكلام فيه موكول إلى العنوان
الذي وقع فيه الاشتراك.
4 - اشتراك جماعة في طريق أو سوق أو
نحوهما، والكلام عنه في عنوان " مشتركات ".
5 - اشتراك اثنين أو أكثر في ارتكاب جريمة،
كقتل أو سرقة، والكلام عنه موكول إلى العناوين
التي يقع فيها الاشتراك.
6 - اشتراك جميع المكلفين - سواء كانوا
حاضرين عند الخطاب بالتكليف أو غائبين، وسواء
كانوا رجالا أو نساء، وسواء كانوا معصومين أو لا -
والكلام عنه يأتي في عنوان: " قاعدة الاشتراك "

(1) الجواهر 18: 260 - 263.
(1) أنظر: لسان العرب، والمعجم الوسيط: " شرك ".
303

التي سنبحثها عن قريب إن شاء الله تعالى.
7 - والكلام عن كيفية إفراز السهام في
الشركة - وخاصة الشركة الجبرية - يأتي تحت
عنوان " قسمة ".
قاعدة الاشتراك
معنى القاعدة:
إذا ثبت حكم شرعي لأحد، فالقاعدة
تقتضي اشتراك سائر المكلفين معه في ذلك الحكم،
سواء كانوا ذكورا أو إناثا، وأحرارا أو عبيدا،
ومعصومين أو غير معصومين، و... إلا ما ثبت
الاختصاص فيه بدليل خاص (1).
الدليل على القاعدة:
ذكروا عدة أدلة لقاعدة الاشتراك نشير إلى
أهمها:
1 - الكتاب:
أ - قوله تعالى: * (... وأوحي إلي هذا القرآن
لأنذركم به ومن بلغ) * (2).
فالآية الشريفة صريحة في أن وحي القرآن
إنما هو بهدف إنذار الموجودين آنذاك ومن بلغه
القرآن، فيكون الغائب كالحاضر في الحكم (1).
ب - قوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة) * (2).
وإنما يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) أسوة لنا إذا اشتركنا
معه في التكليف (3).
2 - السنة:
أ - ما دل من النصوص على لزوم التأسي
بالنبي وآله (صلى الله عليه وآله)، مثل ما ورد عن أبي عبد الله في
سواك النبي (صلى الله عليه وآله)، وجاء في آخره: " ثم قال: لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة " (4) وموارد
أخرى (5).
والتأسي لا معنى له إلا مع مشاركة المتأسي
للمتأسى به (6).
ب - الخبر المعروف: " حلال محمد حلال أبدا
إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة " (7)،

(1) أنظر: العناوين 1: 20 - 21، والقواعد الفقهية
(للبجنوردي) 2: 49.
(2) الأنعام: 19.
(1) أنظر العناوين 1: 26.
(2) الأحزاب: 21.
(3) أنظر العناوين 1: 25.
(4) الوسائل 2: 20، الباب 6 من أبواب السواك، الحديث
الأول.
(5) الوسائل 20: 75، الباب 27 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 10، و 28: 212، الباب 25 من
أبواب حد القذف، الحديث 2.
(6) العناوين 1: 25.
(7) الكافي 1: 58، باب البدع والرأي، الحديث 19.
304

وغيره (1).
والرواية دالة على اتحاد الغائبين عن زمان
التشريع - وإن كانوا في آخر الزمان - مع
الحاضرين. وتدل بالأولوية على اتحاد الغائبين عن
الخطاب مع الحاضرين في التكليف إذا كانوا في
زمان واحد (2).
ج - النبوي المشهور: " حكمي على الواحد
حكمي على الجماعة " (3).
والظاهر من الحديث: أن حكمه (صلى الله عليه وآله) على
شخص واحد بمنزلة حكمه على الجميع (1)، ولا بد من
تقييده بصورة التشريع فلا يشمل صورة الحكومة
- أي القضاء - ونحوها.
استدل العلامة بهذا الحديث في المختلف على
الاشتراك في التكليف (2).
د - قوله (صلى الله عليه وآله): " فليبلغ الشاهد الغائب " (3).
وظاهر العبارة يشمل الغائبين الموجودين
آنذاك، والغائبين المعدومين الذين سيوجدون
بعد (4).
ه‍ - رواية أبي عمرو الزبيري، وهي طويلة
جاء فيها:
"... لأن حكم الله عز وجل في الأولين
والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو

(1) الوسائل 27: 169، الباب 12 من أبواب صفات
القاضي، الحديث 52.
(2) العناوين 1: 25، والقواعد الفقهية (للبجنوردي)
2: 46.
(3) جاء في هامش البحار نقلا عن المحدث القمي (رحمه الله): أنه
رأى مجلدا من المختلف صححه الشيخ محمد فاضل بن
محمد مهدي المشهدي، وكتب في ظهر الكتاب فوائد
منها: أن هناك أخبارا مشهورة على ألسنة الناس، بل في
بعض كتب المتأخرين، لم ينقلها أحد من محدثينا،
والظاهر أنها من كتب العامة، ثم ذكر زهاء ثلاثين
حديثا، منها الحديث المذكور.
أقول: وإنا لم نعثر على لفظ الحديث أيضا لا في
المصادر الحديثية العامة ولا الخاصة، نعم أورده ابن أبي
جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي 1: 456 مرسلا،
وروى الترمذي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: " إنما قولي
لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة ".
أنظر البحار 107: هامش الصفحة 107، قسم
الإجازات، الإجازة رقم 100، إجازة الشيخ الحر
العاملي لابن المشهدي، وانظر صحيح الترمذي 4: 151
- 152، كتاب السير، الباب 37 ما جاء في بيعة النساء.
(1) العناوين 1: 26، والقواعد الفقهية (للبجنوردي)
2: 45.
(2) المختلف 3: 154.
(3) أنظر: الكافي 1: 291، باب ما نص الله عز وجل
ورسوله على الأئمة (عليهم السلام)، والرواية موردها الإعلام
بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ووردت
مورد التشريع عن الأئمة (عليهم السلام) كما في الوسائل 9: 547،
الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 9، وورد هذا
المضمون في أحاديث العامة كثيرا، منها ما أورده
البخاري في كتاب العلم باب قول النبي (صلى الله عليه وآله): " رب مبلغ
أوعى من سامع ".
(4) العناوين 1: 27.
305

حادث يكون، والأولون والآخرون أيضا في منع
الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدة يسأل
الآخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه
الأولون، ويحاسبون عما به يحاسبون... " (1).
والرواية واضحة الدلالة على الاشتراك (2).
3 - الإجماع:
ادعي الإجماع مستفيضا على القاعدة، فمن
جملة ذلك ما قاله صاحب الجواهر - مستدلا على
جواز إمامة المرأة للنساء -: " لقاعدة الاشتراك
الثابتة بالإجماع وغيره " (3).
وقال السيد الحكيم: "... فلأن العمدة في
قاعدة الاشتراك الإجماع " (4). وقال في موضع
آخر: "... لقاعدة الاشتراك المعول عليها عند
الأصحاب " (5).
وقال السيد الخوئي: "... فيثبت الحكم في
غيره بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع " (6)، وقال
في موضع آخر: "... والتعدي يحتاج إلى دليل
الاشتراك في التكليف ومستنده الإجماع القائم على
اتحادهما في الأحكام " (1).
وغيرها من الإجماعات المدعاة (2).
4 - سيرة المسلمين وارتكازهم:
قامت سيرة المسلمين على اتحاد المكلفين
واشتراكهم في الأحكام إلا ما قام الدليل على
اختصاصه بأحدهم أو بطائفة معينة منهم، ولذلك
كان دأبهم: أنه لو سأل أحدهم النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام
(عليه السلام) أو العالم مسألة وأخذ جوابها، فإنه كان ينقله
إلى سائر المكلفين ليعملوا به (3)، فلذلك صار
الاشتراك في التكليف من مرتكزات المسلمين، بل
هو من مرتكزات سائر المتدينين من جميع
الأديان (4).
5 - الاستقراء:
إنا نجد أن أكثر التكاليف مشتركة بين المكلفين
كافة، ولم نجد فرقا إلا في مقامات نادرة، فإذا شك
في الاشتراك والعدم فينبغي الإلحاق بالغالب (5).

(1) الوسائل 15: 39، الباب 9 من أبواب جهاد العدو،
الحديث الأول.
(2) العناوين 1: 26، والقواعد الفقهية 2: 45.
(3) الجواهر 13: 337، وقال مثله في 16: 49.
(4) المستمسك 5: 371.
(5) المستمسك 5: 403.
(6) مستند العروة (الصلاة) 3: 422.
(1) مستند العروة (الصلاة) 3: 427، وانظر الصفحة
430 أيضا.
(2) أنظر: العناوين 1: 23، والقواعد الفقهية 1: 42.
(3) أنظر القواعد الفقهية 2: 42.
(4) أنظر: العناوين 1: 24، والقواعد الفقهية 1: 42.
(5) العناوين 1: 24.
306

التأمل في هذه الأدلة:
تأمل بعض الفقهاء والأصوليين في هذه
الأدلة. قال الوحيد البهبهاني: "... وربما مال آخر
إلى أن الأصل الاشتراك إلا أن يثبت الاختصاص،
وربما كان بناؤه على أن الإجماع وقع كذلك، أو أن
من الاستقراء وتتبع تضاعيف الأحكام يظهر ذلك،
أو مما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " حكمي
على الواحد حكمي على الجماعة "، لكن ثبوت هذه
الأمور يحتاج إلى التأمل " (1).
ما يشترط في القاعدة:
يشترط في القاعدة:
1 - قابلية توجه الحكم إلى جميع من يراد
اشتراكهم في الحكم: فإذا لم يكن بعض المكلفين قابلا
لتوجه ذلك الحكم إليه، فلا يمكن إثباته في حقه
بقاعدة الاشتراك.
ففي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق...) * (2) يكون الحكم - وهو وجوب
الوضوء - قابلا لأن يتوجه إلى جميع المكلفين ذكورا
وإناثا وفي جميع الأزمنة، ولذلك لو شككنا في
توجهه إلى الخنثى أثبتناه بقاعدة الاشتراك.
ومن هذا القبيل آيات كثيرة مثل: * (يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) * (1)، و * (يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (2)، و * (يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * (3).
وأما لو قال: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم
الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) * (4) فلا يمكن
تعميم الحكم للنساء، لعدم وجوب اشتراكهن في
الجهاد (5).
2 - اتحاد العنوان بين من ثبت فيه الحكم وبين
من يراد إثباته فيه:
فالعنوان الذي ترتب عليه الحكم في الآيات
السابقة - غير آية الزحف - هو جنس من آمن،
وهو مشترك بين الرجل والمرأة إذا أحرزنا عدم
مدخلية لعنوان الرجل والمرأة في الحكم.
وأما إذا اختلف العنوان، كما إذا كان العنوان
" الرجل " وأحرزنا - أو احتملنا - تأثير الرجولية
في الحكم، فلا يشمل المرأة، وذلك كما في قوله
تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * (6)، وقوله
تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (7) ففي

(1) الفوائد الحائرية: 154، الفائدة 12.
(2) المائدة: 6.
(1) البقرة: 183.
(2) المائدة: 1.
(3) النساء: 59.
(4) الأنفال: 15.
(5) أنظر الكلام عن هذا الشرط في المستمسك 14: 170.
(6) النساء: 34.
(7) البقرة: 282.
307

هذين الموردين وأمثالهما لا يسري الحكم إلى
النساء بقاعدة الاشتراك، لعدم جريانها، ولذلك لم
تكن النساء قوامات على الرجال، ولم تكف شهادة
اثنتين منهن (1).
وإلى ما تقدم يشير كلام صاحب الجواهر:
من أن " الاشتراك في التكليف فرع المشاركة في
الموضوع " (2).
موارد الاشتراك مع نماذج من تطبيقاتها:
لقاعدة الاشتراك موارد عديدة، نشير فيما
يلي إلى أهمها مع نماذج من تطبيقاتها، ثم نشير إلى ما
يستثنى منها، وأما مواردها فهي:
1 - اشتراك النساء مع الرجال في التكليف:
أكثر التكاليف الواردة في الكتاب والسنة إما
يكون العنوان فيها " الرجل " أو " الرجال "
ونحوهما، وإما يكون الخطاب متوجها إلى
" الرجل " أو إلى " الرجال "، ولكن التكليف فيها
عام شامل للرجل والمرأة، وليس ذلك إلا
لاشتراكهما في التكليف.
فمثلا: أن كثيرا من آيات التشريع مصدرة
ب‍ * (يا أيها الذين آمنوا...) * (3) وهو خطاب إلى
الذكور، وفي كثير من روايات التشريع يكون
السائل رجلا، أو موضوع الحكم الوارد فيها عنوان
" الرجل "، أو الخطاب متوجها إلى الرجال، ومع
ذلك يكون الحكم عاما، مثل قوله (عليه السلام): " لا بأس
بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو
يمشي " (1) أو سألته " عن الرجل يصلي وهو يمشي
تطوعا؟ قال: نعم " (2) أو " سألته عن الرجل يصلي
وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل؟ فقال: لا بأس
بذلك " (3) وأمثال هذه الموارد التي لا يحتمل
اختصاص الحكم فيها بالرجال، فيثبت الحكم
للنساء بقاعدة الاشتراك.
2 - اشتراك الغائبين مع الحاضرين في
الخطاب:
أغلب الخطابات الشرعية على نحو
الخطاب للحاضرين، فهي بنفسها لا تشمل
الغائبين والمعدومين كما هو المعروف بين علماء
الأصول (4)، وإنما يثبت التكليف في حقهم بقاعدة
الاشتراك.

(1) أنظر الكلام عن هذا الشرط في العناوين 1: 27.
(2) الجواهر 7: 361.
(3) مثل الآيات: 172، 178، 183، 254، 264 و 267
من سورة البقرة، وغيرها.
(1) الوسائل 4: 334، الباب 16 من أبواب القبلة،
الحديث الأول.
(2) المصدر نفسه: 335، الحديث 6.
(3) الوسائل 4: 439، الباب 45 من أبواب لباس المصلي،
الحديث 9.
(4) أنظر: معالم الدين: 108، والعناوين 1: 21.
308

3 - اشتراك غير المعصومين مع المعصومين
(عليهم السلام) في التكليف:
إذا لم يدل دليل على اختصاص الحكم
بالمعصوم (عليه السلام) - سواء كان النبي أو الإمام -
فالقاعدة تقتضي اشتراك سائر المكلفين معه في
التكليف، وبذلك يمكن إثبات أحكام بعض الأفعال
الصادرة من المعصوم لسائر المكلفين، كإثبات
وجوب الدعاء أو استحبابه في حق دافع الصدقة،
على الفقيه أو الساعي لجمع الزكوات، لثبوته على
النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم...) * (1)، فإن الصلاة
هي الدعاء، وكإثبات استحباب بعض الأمور في
صلاة الليل لسائر المكلفين، لمجرد فعله (صلى الله عليه وآله) لها (2)،
وإثبات استحباب الإسراج في البيت الذي كان
يسكنه الميت، لفعل الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك عند
موت أبيه الباقر، والإمام الكاظم عند موت أبيه
الصادق (عليهم السلام) (3) ونحو ذلك مما يعثر عليه المتتبع في
موارد غير يسيرة من الفقه.
قال صاحب الجواهر - بعد عده خصوصيات
النبي (صلى الله عليه وآله) -: " ينبغي أن يعلم أن ما يرجع إلى
الأحكام الشرعية الأصل الاشتراك، لدليل التأسي
حتى يثبت الاختصاص بطريق من الطرق
الشرعية، فكل ما شك فيه حينئذ من ذلك، يبقى على
الأصل كما هو واضح، والله العالم " (1).
4 - اشتراك العبيد مع الأحرار:
يشترك العبيد مع الأحرار في أغلب الأحكام
إلا ما يختص بهم (2).
5 - اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين
بها:
المعروف أن الأحكام مشتركة بين العالمين
والجاهلين بها، لأنه يستحيل تقييدها بالعالمين بها،
إذ العلم بالتكليف متوقف على التكليف، فإذا توقف
التكليف على العلم به لزم الدور، نعم يتوقف تنجز
التكليف على العلم به.
6 - اشتراك الكفار مع المسلمين في
التكاليف:
تقدم في عنوان " إسلام ": أن المعروف بين
العلماء - الفقهاء والأصوليين والمتكلمين - أن الكفار
مكلفون بالفروع أيضا، فالكفار مشتركون مع
المسلمين في التكاليف.
لكن الموردين الأخيرين - 5 و 6 - لا يحتاج
إثباتهما إلى قاعدة الاشتراك، بل لهما أدلة خاصة.

(1) أنظر الجواهر 15: 454، والآية 103 من سورة التوبة.
(2) أنظر الجواهر 7: 32.
(3) أنظر الجواهر 4: 20 - 21.
(1) أنظر الجواهر 29: 129.
(2) أنظر الجواهر 35: 258.
309

قواعد اشتراك أخرى:
كانت الموارد المتقدمة أهم موارد الاشتراك
التي تضمها قاعدة الاشتراك العامة. وهناك موارد
أخرى تندرج تحت قواعد اشتراك تكون أخص من
القاعدة المتقدمة، مثل:
1 - اشتراك الحائض مع الجنب في كثير من
الأحكام (1).
2 - اشتراك النفساء مع الحائض في كثير من
الأحكام (2).
3 - اشتراك النافلة مع الفريضة في كثير من
الأحكام (3).
تراجع تفاصيلها في العناوين المتقدمة.
استثناءات القاعدة:
ذكروا استثناءات عديدة للقاعدة، نذكر أهمها:
1 - الوضوء، فإن المستحب أن تبدأ المرأة
بغسل باطن اليد، والرجل بظاهرها.
2 - الجهر والإخفات في القراءة، فإن الواجب
على الرجل الجهر بالقراءة في الصبح وأوليي
العشاءين، ولم يجب ذلك على المرأة.
3 - بعض كيفيات القيام والقعود في الصلاة.
4 - مقدار الستر الواجب في الصلاة، فالواجب
على المرأة ستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين وظاهر
القدمين، في حين أن الواجب على الرجل ستر القبل
والدبر فحسب، على ما هو المعروف.
5 - جواز لبس المرأة للحرير والذهب دون
الرجل.
6 - جواز لبس المرأة للمخيط في الإحرام
دونه (1).
7 - وجوب الجهاد على الرجل دون المرأة.
8 - قبول توبتها إذا ارتدت عن فطرة دون
الرجل، على المشهور.
9 - تشريع حكم الجز والتغريب على الرجل
دون المرأة.
10 - عدم جواز إمامتها للرجال.
11 - عدم وجوب الجمعة عليها (2).
وغير ذلك من الموارد المذكورة في تضاعيف
الكتب الفقهية.
مظان البحث:
تطرق الفقهاء إلى القاعدة في مواطن عديدة
من دون تفصيل فيها، بل على حد تطبيق القاعدة مع
الإشارة إلى بعض أحكامها أحيانا، نعم تكلم فيها
المؤلفون في القواعد الفقهية، ومنهم السيد المراغي في
العناوين، والسيد البجنوردي في القواعد الفقهية.

(1) أنظر الجواهر 3: 53 و 217.
(2) المصدر نفسه.
(3) أنظر الجواهر 8: 176.
(1) موارد الاستثناء في الحج أكثر من ذلك.
(2) أنظر العناوين 1: 29.
310

اشتغال
راجع الملحق الأصولي: اشتغال.
اشتمال الصماء
لغة:
الاشتمال مصدر اشتمل، يقال: اشتمل على
كذا، أي احتواه وتضمنه، واشتمل بثوبه: تلفف
به.
واشتمال الصماء كيفية خاصة في لبس الرداء
والثوب، وقد اختلف أهل اللغة في تفسيرها على
أقوال، هي:
1 - " أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه
جانبا. وإنما قيل لها " صماء " لأنه يسد على يديه
ورجليه المنافذ كلها، كالصخرة الصماء التي ليس
فيها خرق ولا صدع " (1).
2 - " هو أن يدير الثوب على جسده كله
لا يخرج منه يده " (2).
3 - " أن يجلل جسده كله بالكساء أو
بالإزار " (1).
وهذه التعاريف الثلاثة متقاربة.
4 - " أن يرد الكساء من قبل يمينه على
يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من
خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما
جميعا " (2).
5 - " أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه
غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه
فيبدو منه فرجه " (3).
اصطلاحا:
اختلف الفقهاء في تفسيره كاختلاف أهل
اللغة:
1 - قال الشيخ الطوسي: " هو أن يلتحف
بالإزار، ويدخل طرفيه من تحت يده، ويجمعهما
على منكب واحد، كفعل اليهود " (4).
قال المحقق الحلي - بعد نقل كلمات اللغويين
والفقهاء وكلام الشيخ -: " وما ذكره الشيخ أولى، لما
رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنه قال:
" إياك والتحاف الصماء، قلت: وما التحاف
الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت جناحك

(1) النهاية (لابن الأثير): " صمم ".
(2) أساس البلاغة (للزمخشري): " شمل ".
(1) الصحاح: " شمل ".
(2) الصحاح، والقاموس المحيط: " صمم ".
(3) الصحاح، وانظر القاموس المحيط: المادة نفسها.
(4) المبسوط 1: 83، وانظر النهاية: 97 - 98.
311

فتجعله على منكب واحد " (1)... " (2).
وقال العلامة - بعد ذكر الأقوال في تفسير
اشتمال الصماء -: " وما ذكره الشيخ أصح
الأقوال " (3).
وقال صاحب المدارك أيضا: " والأولى
الاعتماد في ذلك على ما رواه زرارة في الصحيح - ثم
قال بعد ذكر الرواية: - وبمضمونها أفتى الشيخ في
المبسوط، والمصنف في المعتبر " (4).
وقال صاحب الحدائق - بعد نقل كلام
الشيخ -: " وهو المشهور، والمراد بالالتحاف ستر
المنكبين " (5).
2 - لكن قال ابن إدريس: " ويكره السدل
في الصلاة كما تفعل اليهود، وهو: أن يتلفف بالإزار،
ولا يرفعه على كتفيه، وهذا تفسير أهل اللغة في
اشتمال الصماء، وهو اختيار السيد المرتضى (رضي الله عنه).
فأما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو
" السدل "، قالوا: هو أن يلتحف بالإزار ويدخل
طرفيه من تحت يده، ويجعلهما على منكب واحد " (6).
تفسير كلام الشيخ:
قال المحقق الثاني بعد نقل كلام الشيخ: " وهذا
اللفظ يحتمل الأمرين: أن يجعل الإزار على
المنكبين جميعا، ثم يأخذ طرفيه من قدامه،
ويدخلهما تحت يده، ويجمعهما على منكب واحد،
وهو المتبادر من " يلتحف " وأن يجعله على أحد
الكتفين مع المنكب بحيث يلتحف به من أحد
الجانبين ويدخل كلا من طرفيه تحت اليد الأخرى
ويجمعهما على أحد المنكبين... " (1).
ثم نقل رواية زرارة.
وقال صاحب الحدائق: " هل المراد من قوله
(عليه السلام) في الخبر: " تدخل الثوب من تحت جناحك "
بمعنى إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد
الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر، ثم
جعلهما على منكب واحد، بأن يراد بالجناح الجنس،
أو أن المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح
واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على
منكب واحد؟ كل محتمل، إلا أن الأظهر الثاني،
حملا للفظ على ظاهره، وإلا لكان الأظهر أن يقول:
جناحيك " (2).
الأحكام:
المعروف بين الفقهاء كراهة اشتمال الصماء،

(1) الوسائل 4: 399، الباب 25 من أبواب لباس المصلي،
الحديث الأول.
(2) المعتبر: 153.
(3) المنتهى 4: 249.
(4) المدارك 3: 205.
(5) الحدائق 7: 125.
(6) السرائر 1: 261.
(1) جامع المقاصد 2: 108.
(2) الحدائق 7: 125.
312

وقد ادعي عليه الإجماع مستفيضا (1). ووردت به
بعض النصوص:
منها - ما تقدم (2) من رواية زرارة عن أبي
جعفر الباقر (عليه السلام).
ومنها - ما رواه الصدوق عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أنه
نهى عن لبستين: اشتمال الصماء، وأن يحتبي (3)
الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شئ " (4).
والظاهر شمول الكراهة لحال الصلاة
وغيرها، قال صاحب الحدائق: " وظاهر الخبرين
المذكورين (5) كراهيته مطلقا، والظاهر أن ذكر
الأصحاب لهذا الحكم في هذا المقام إنما هو من حيث
عموم الأخبار المذكورة لحال الصلاة " (6).
وصرح جملة من الفقهاء بتعميم الكراهة لما
إذا كان تحت الرداء ثوب آخر أيضا، قال المحقق:
" وتتحقق الكراهية وإن كان تحته غيره " (1)، وقال
العلامة: " اشتمال الصماء مكروه وإن كان على
الرجل ثوب غيره، لعموم النهي " (2).
وقال الشهيد: " على ما فسرناه به لا فرق
بين أن يكون تحته ثوب آخر أو لا - كما قاله في
المعتبر - وعلى تفسير الفقهاء إنما يكره إذا لم يكن
ثوب ساتر للفرج " (3).
وقال صاحب المدارك: " وتتحقق الكراهة
وإن كان تحته غيره، لعموم النهي " (4).
مظان البحث:
تطرق الفقهاء إلى هذا الموضوع في
مكروهات لباس المصلي.
اشتهاء
لغة:
مصدر اشتهى، يقال: اشتهى الشئ وشهاه،
أي أحبه ورغب فيه (5)، أو اشتدت رغبته فيه (6).

(1) أنظر: المعتبر: 153، والمنتهى 4: 248، والذكرى 3:
60، والمدارك 3: 204، وغيرها.
(2) في الصفحة 311 ضمن كلام المحقق الحلي.
(3) الاحتباء بالثوب: الاشتمال. لسان العرب: " حبا ".
(4) معاني الأخبار: 281، ونقله عنه في الوسائل 4: 400،
الباب 25 من أبواب لباس المصلي، الحديث 5.
(5) وهما الخبر المتقدم المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله) وما رواه زرارة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): " التحاف الصماء، هو أن
يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على
منكب واحد ". الوسائل 4: 400، الباب 25 من أبواب
لباس المصلي، الحديث 6.
(6) الحدائق 7: 124.
(1) المعتبر: 153.
(2) المنتهى 4: 249.
(3) الذكرى 3: 61.
(4) المدارك 3: 205.
(5) لسان العرب: " شها "، والقاموس المحيط: " شهي ".
(6) المعجم الوسيط: " شها ".
313

والشهوة: اشتياق النفس إلى الشئ (1)، أو
نزوعها إلى ما تريده (2).
وقد تطلق على القوة التي تشتهي الشئ (3).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء الاشتهاء والشهوة بمعناهما
اللغوي، فاستعملوا الاشتهاء عند الرغبة في الطعام
وفي النساء... واستعملوا الشهوة فيهما أيضا إلا أنهم
استعملوها في الشهوة الجنسية أكثر.
الأحكام:
تترتب على " الاشتهاء " و " الشهوة "
أحكام عديدة، لكنا نشير في هذا الموضع إلى أحكام
الاشتهاء، ونحيل الكلام عن أحكام الشهوة على
عنوان " شهوة " إن شاء الله تعالى.
استحباب النكاح لمن يشتهيه:
ادعي الإجماع على استحباب النكاح لمن
يشتهيه من النساء والرجال، بل قيل: إنه من
ضروريات الدين (4)، لكن اختلفوا في من لا يشتهيه
على أقوال:
1 - فقال الشيخ الطوسي: " المستحب أن
لا يتزوج، لقوله تعالى: * (وسيدا وحصورا) * (1)،
فمدحه (2) على كونه حصورا، وهو (3): الذي لا
يشتهي النساء، وقال قوم هو: الذي يمكنه أن يأتي
النساء ولكن لا يفعله " (4).
2 - وقال ابن حمزة: " الرجل والمرأة لا يخلو
حالهما من أربعة أوجه: إما يشتهي كل واحد
منهما النكاح ويقدر عليه، أو لا يشتهي ولا يقدر
عليه، أو يشتهي ولا يقدر عليه، أو يقدر عليه
ولا يشتهي.
فالأول يستحب له النكاح، والثاني يكره له،
والثالث والرابع لا يستحب لهما ولا يكره، بل يجوز
لهما ذلك " (5).
3 - والمشهور استحباب النكاح لمن
لا يشتهيه أيضا، قال صاحب الجواهر - مازجا
كلامه بكلام المحقق -: " وأما من لم تتق نفسه ففي
استحبابه له خلاف، لكن المشهور استحبابه، لعموم
أكثر الأدلة وإطلاقها... " (6).

(1) لسان العرب: " شها "، والمصباح المنير: " شهو ".
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" شها ".
(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني)،
والمعجم الوسيط: " شها ".
(4) الجواهر 29: 8.
(1) آل عمران: 39.
(2) أي يحيى.
(3) أي الحصور.
(4) المبسوط 4: 160.
(5) الوسيلة: 289.
(6) الجواهر 29: 14.
314

استحباب ترك الطعام مع اشتهائه:
من آداب أكل الطعام أن لا يجلس عليه
إلا مع إحساس الجوع، ولا يقوم عنه إلا مع
اشتهائه، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن
(عليه السلام): " ألا أعلمك أربع خصال، تستغني بها عن
الطب؟ قال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام إلا
وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه،
وجود المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء،
فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب " (1).
وقد صرح الفقهاء بكراهة التملي من الأكل،
والأكل على الشبع (2).
والفرق بين الشبع والتملي: " أن الشبع هو
البلاغ في الأكل إلى حد لا يشتهيه، سواء امتلى منه
بطنه أم لا، والتملي ملء البطن وإن بقيت شهوته
للطعام " (3).
كراهة الأكل عند المريض ما يشتهيه ويضره:
ذكر السيد اليزدي من جملة آداب عيادة
المريض: " أن لا يأكل عنده ما يضره ويشتهيه " (4).
ترك شرب الماء حتى يشتهيه الإنسان:
ورد النهي عن شرب الماء إلا أن يشتهيه
الإنسان، فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" لا يشرب أحدكم الماء حتى يشتهيه، فإذا اشتهاه
فليقل منه " (1).
ثواب من شرب الماء ثم نحاه وهو يشتهيه ليحمد
الله سبحانه:
ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): " إن
الرجل ليشرب الشربة فيدخله الله بها الجنة، قلت:
وكيف ذاك؟! قال: إن الرجل ليشرب الماء فيقطعه،
ثم ينحي الماء وهو يشتهيه فيحمد الله، ثم يعود فيه
فيشرب، ثم ينحيه وهو يشتهيه، فيحمد الله عز
وجل، ثم يعود فيشرب، فيوجب الله عز وجل له
بذلك الجنة " (2).
تعليل كراهة صوم المضيف باشتهاء الضيف الطعام:
ذهب جملة من الفقهاء إلى كراهة صوم
المضيف صوما مندوبا من دون إذن ضيفه (3)

(1) الوسائل 24: 245، الباب 2 من أبواب آداب المائدة،
الحديث 8.
(2) الجواهر 36: 461 - 465.
(3) المصدر المتقدم: 465، والمسالك 12: 140.
(4) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في عيادة المريض،
السابع.
(1) الوسائل 25: 238، الباب 6 من أبواب الأشربة
المباحة، الحديث 3، وانظر الجواهر 36: 506.
(2) الوسائل 25: 249، الباب 10 من أبواب الأشربة
المباحة، الحديث الأول.
(3) ويظهر من بعض آخر التحريم - ولا تأثير له فيما نحن
فيه - أنظر المدارك 6: 276، والجواهر 17: 116.
315

- وكذا عكسه - وورد تعليله في بعض الروايات:
بأنه ربما يشتهي الضيف الطعام فيحتشم المضيف فلا
يأكل، فقد روى الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دخل رجل
بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى
يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا
بإذنهم، لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن
يصوموا إلا بإذن الضيف، لئلا يحتشم فيشتهي
فيتركه لهم " (1).
من فوائد السواك أنه يشهي الطعام:
من جملة وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):
" يا علي، السواك من السنة، ومطهرة للفم، ويجلو
البصر، ويرضي الرحمن، ويبيض الأسنان، ويذهب
بالحفر، ويشد اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب
بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات،
وتفرح به الملائكة " (2).
الجبن يشهي الطعام أيضا:
روى محمد بن سماعة عن أبيه، قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نعم اللقمة الجبن، تعذب
الفم، وتطيب النكهة... وتشهي الطعام... " (1).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: فضل السواك.
2 - كتاب الصوم: الصوم المكروه.
3 - كتاب النكاح: أوله، في استحباب
النكاح.
4 - كتاب الأطعمة والأشربة:
أ - الأطعمة المباحة.
ب - مكروهات الأكل.
ج - آداب الطعام أو المائدة.
د - آداب شرب الماء ونحو ذلك.
اشتهار
راجع: شهرة.
إشراف
لغة:
مصدر أشرف، وهو يأتي على معان:

(1) الوسائل 10: 528، الباب 9 من أبواب الصوم المحرم
والمكروه، الحديث الأول.
(2) الوسائل 2: 9، الباب الأول من أبواب السواك،
الحديث 17.
(1) الوسائل 25: 121، الباب 64 من أبواب الأطعمة
المباحة، وفيه حديث واحد.
316

1 - العلو والارتفاع، قال ابن فارس:
" الشين والراء والفاء أصل واحد يدل على علو
وارتفاع " (1). يقال: أشرف الشئ، أي علا
وارتفع.
2 - الاطلاع على الشئ، يقال: أشرفت
الشئ وأشرفت على الشئ إشرافا، إذا علوته
واطلعت عليه من فوق.
3 - الدنو والقرب، يقال: أشرف على الموت:
دنا وقرب منه (2).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعاني المتقدمة، إضافة
إلى استعماله بمعنى النظارة والمراقبة بمناسبة المعنى
الثاني.
الأحكام:
سوف يأتي الكلام عن الإشراف بمعانيه
المتقدمة في المواطن المناسبة إن شاء الله تعالى.
فيأتي الكلام عن الإشراف بمعنى العلو في
عنوان " ذمة " و " مسكن " بمناسبة النهي عن
إشراف مسكن الذمي على مسكن المسلم.
ويأتي الإشراف بمعنى الاطلاع من أعلى في
" مسكن " بمناسبة النهي عن الإشراف في الدور،
وقد تقدم استحباب التلبية عند الإشراف على
الأبطح في عنوان " أبطح ".
ويأتي الإشراف بمعنى الدنو والقرب في
العناوين: " موت "، و " وصية "، و " تذكية "
و " دية "، و " قصاص "، و " مرض "، بمناسبة
صحة وصية من أشرف على الموت، وصدق عنوان
" مرض الموت " على من أشرف على الموت بغير
مرض كالسقوط من شاهق، ووجوب الدية أو
القصاص على من قتل من كان مشرفا على الموت،
وصحة تذكية الحيوان الذي أشرف على الموت، وقد
تقدمت أحكام بعض هذه الموارد في عنوان
" استقرار الحياة ".
ويأتي الإشراف بمعنى النظارة في العناوين:
" ولاية "، و " وصاية "، و " نظارة " وما يشابهها
بمناسبة أخذ معنى الإشراف فيها، وفي العنوانين:
" حرز "، و " سرقة " حيث يبحث عن صدق عنوان
" الحرز " بمجرد الإشراف والنظارة على شئ،
كنظارة الراعي وإشرافه على قطيع الغنم، ويترتب
عليه صدق السرقة من الحرز إذا سرق، ليترتب
عليه حد القطع.

(1) معجم مقاييس اللغة: " شرف ".
(2) أنظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان
العرب: " شرف ".
317

إشراك
لغة:
مصدر أشرك، يقال: أشرك فلان بالله
تعالى، أي جعل له - سبحانه وتعالى - شريكا.
وأشرك فلانا في الأمر، أي جعله شريكا له في ذلك
الأمر (1).
اصطلاحا:
استعمل الإشراك ومشتقاته في كلام الفقهاء
والمفسرين بمعنى اتخاذ الشريك في أمر من الأمور،
كالبيع ونحوه، وهذا المعنى سوف نبحث عنه في
عنوان " شركة " إن شاء الله تعالى.
واستعمل بمعنى اتخاذ الشريك لله تعالى
حقيقة، وفي أهل الكتاب، وبمعنى الرياء.
قال الراغب الإصفهاني: " شرك الإنسان في
الدين ضربان:
أحدهما - الشرك العظيم، وهو إثبات شريك
لله تعالى...
والثاني - الشرك الصغير، وهو مراعاة
غير الله معه في بعض الأمور، وهو الرياء
والنفاق... " (1).
وقال أيضا: " وقوله: * (اقتلوا المشركين) * (2)،
فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا، لقوله:
* (وقالت اليهود عزير ابن الله) * (3)، وقيل: هم من
عدا أهل الكتاب، لقوله: * (إن الذين آمنوا والذين
هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين
أشركوا) * (4)، أفرد المشركين عن اليهود
والنصارى " (5).
وينحصر البحث هنا بالإشراك بهذه
المعاني.
أولا - الإشراك بمعنى اتخاذ الشريك لله تعالى:
اتخاذ الشريك لله تعالى يتصور على أنحاء
مختلفة نشير إليها فيما يأتي:
1 - الشرك في الذات:
بمعنى أن يعتقد بوجود إلهين - أو أكثر -
مستقلين في التأثير، أو مشتركين فيه، بحيث ينسب
الخلق والإحياء والإماتة والرزق إليهما.
وهذا أظهر مصاديق الشرك.

(1) أنظر: الصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، ولسان العرب:
" شرك ".
(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" شرك ".
(2) التوبة: 5.
(3) التوبة: 30.
(4) الحج: 17.
(5) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" شرك ".
318

2 - الشرك في العبادة:
بمعنى أن يقال بتعدد المعبود، سواء قيل بتعدد
الذات، أو لا، كأن يعبد الله تعالى والشمس أو القمر
أو الأوثان، أو يعبد هذه للتقرب إليه تعالى، كما
حكاه عن عبدة الأوثان من مشركي العرب، فقال:
* (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا
إلى الله زلفى) * (1).
3 - الإشراك في الخالقية:
وهو أن يعتقد باستناد الخلق والإيجاد إلى
غير الله تعالى بأن يسنده إليه تعالى وإلى غيره من
مخلوقاته، كما يعتقده الغلاة والمفوضة، أو إلى إلهين أو
أكثر كما يعتقده الثنوية، وهم " المجوس " حيث
ينسبون أفعال الخير إلى إله النور، وهو " يزدان "،
وأفعال الشر إلى إله الظلمة، وهو " أهرمن ".
4 - الشرك في الطاعة:
وهو أن يجعل طاعة غير الله في حد طاعة
الله وفي عرضها، لا في طولها، وذلك مثل ما حكاه
تعالى عن أهل الكتاب، فقال: * (اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله) * (2)، فإنه قد ورد:
" ألا إنهم لم يصوموا لهم ولم يصلوا، ولكنهم أمروهم
ونهوهم فأطاعوهم، وقد حرموا عليهم حلالا،
وأحلوا لهم حراما، فعبدوهم من حيث لا يعلمون،
فهذا شرك الأعمال والطاعات " (1).
وهناك أنواع ومراتب أخرى للشرك (2)، مثل

(1) الزمر: 3.
(2) التوبة: 31.
(1) البحار 69: 102، كتاب الإيمان والكفر، مساوي
الأخلاق، الحديث 30، وانظر أصول الكافي 2: 398،
باب الشرك، الحديث 7، وتفسير العياشي 2: 92.
(2) ورد في الكافي عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا، قال:
فقال: من قال للنواة: إنها حصاة، وللحصاة: إنها نواة،
ثم دان به ".
وورد فيه أيضا عن أبي العباس، قال: " سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا، قال:
فقال: من ابتدع رأيا، فأحب عليه، أو أبغض عليه ".
وورد أيضا عن أبي بصير وإسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله في قوله تعالى: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا
وهم مشركون) *، قال: " يطيع الشيطان من حيث لا
يعلم فيشرك ".
أصول الكافي 2: 397، باب الشرك، الحديث 1 و 2
و 3، والآية 106 من سورة يوسف.
ومن ذلك ما ذكره الفقهاء في مكروهات الإحرام:
بأن يلبي من ناداه فيقول له: " لبيك "، لأنه في مقام
التلبية لله، فلا يشرك غيره معه، بل يجيبه بغيرها من
الألفاظ كقوله: يا سعد أو يا سعديك. أنظر الروضة البهية
2: 235، والمدارك 7: 379.
ومنه ما ذكروه في مكروهات الوضوء، من كراهة
الاستعانة بالوضوء، وقد ورد فيها أنها إشراك. أنظر:
المستمسك 2: 323، وراجع عنوان: " استعانة ".
319

الشرك في الصفات، وهو أن يعتقد أن صفات الله
غير ذاته، والشرك في التشريع، بأن يكون الأمر
والنهي في التشريع بيده وبيد غيره، والشرك في
العمل، بأن يعمل لله ولغيره، والشرك في الولاء
والمحبة، بأن يتولى الله ويتولى أعداءه ونحوها مما
ذكروه في علمي الكلام والأخلاق. لكن القدر
المتيقن منها الذي تترتب عليه الآثار الفقهية
كالنجاسة وحرمة النكاح ونحوهما، هو الشرك في
الذات والعبادة، والخالقية، وما سواها من مكملات
الإيمان (1).
ثانيا - إطلاق الإشراك على ما يعتقده أهل الكتاب:
اختلف الفقهاء في إطلاق عنوان " المشرك "
على أهل الكتاب، فذهب جملة منهم - وخاصة
المتقدمين - إلى صحة الإطلاق، وبناء على هذا
الرأي تشمل النصوص المتضمنة لعنوان " المشرك "
أهل الكتاب أيضا، لكن استشكل جماعة أخرى في
صحة هذا الإطلاق.
وممن صرح بصحته: ابن أبي عقيل، والسيد
المرتضى، والشيخ الطوسي، والقاضي ابن البراج،
والعلامة، وغيرهم.
قال ابن أبي عقيل - على ما نقل عنه -:
" فأهل الشرك عند آل الرسول (صلى الله عليه وآله) صنفان: صنف
أهل الكتاب، وصنف مجوس وعبدة أوثان وأصنام
ونيران... " (1).
وقال السيد المرتضى: "... ولا شبهة في أن
النصرانية مشركة " (2).
وقال الشيخ الطوسي: " ولا يجوز للرجل
المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف
أصنافهن يهودية كانت أو نصرانية أو عابدة
وثن... " (3).
وقسم في المبسوط المشركين إلى أقسام
ثلاثة: من لهم كتاب، وهم اليهود والنصارى، ومن
لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، وهم عبدة الأوثان،
ومن لهم شبهة كتاب، وهم المجوس (4).
وقال ابن البراج: " ولا يجوز للمسلم العقد
على مشركة: عابدة وثن كانت أو يهودية، أو
نصرانية، أو مجوسية، أو غير ذلك، على اختلافهم في
الشرك " (5).
وقال العلامة - مستدلا على شمول عنوان
" المشرك " لأهل الكتاب -: " وأما اليهود والنصارى،
فلقوله تعالى: * (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت
النصارى المسيح ابن الله... سبحانه عما يشركون) * (6)

(1) أنظر حق اليقين (للسيد عبد الله شبر): 17 - 20.
(1) نقله عنه العلامة في المختلف 7: 73.
(2) الانتصار: 117.
(3) النهاية: 457.
(4) المبسوط 4: 209.
(5) المهذب 2: 187.
(6) التوبة: 30 - 31.
320

فسماهم مشركين، وقوله تعالى: * (اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) * (1)،
والإشراك كما يتحقق بإثبات إله آخر مع الله تعالى،
يتحقق بإثبات إله غير الله تعالى ونفيه تعالى " (2).
وهكذا قال جماعة آخرون (3).
وممن استشكل في إطلاق " المشرك " على
أهل الكتاب: المحقق الأردبيلي - ولعله كان أولهم -
وصاحب المدارك، وصاحب الذخيرة، وصاحب
الجواهر، والمحقق الهمداني، والسيد الحكيم، والسيد
الخوئي.
قال المحقق الأردبيلي في رد الاستدلال بقوله
تعالى: * (إنما المشركون نجس) * (4) على نجاسة
أهل الكتاب: "... دلالته على الكل موقوف على
إثبات كونهم جميعا مشركين، وهو لا يخلو عن
إشكال... " (5).
وقال صاحب المدارك: "... المتبادر من
معنى " المشرك " من اعتقد إلها مع الله، وقد ورد في
أخبارنا: أن معنى اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا
من دون الله: امتثالهم أوامرهم ونواهيهم،
لا اعتقادهم أنهم آلهة (1). وربما كان في الآيات
المتضمنة لعطف المشركين على أهل الكتاب
وبالعكس بالواو (2) إشعار بالمغايرة " (3).
ومثله قال صاحب الذخيرة (4).
وقال صاحب الجواهر: " إن المتبادر من
" الشرك " في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب، كما
يؤيده عطف " المشركين " على " أهل الكتاب "
وبالعكس في كثير من الآيات، وهذا لا ينافي
اعتقادهم ما يوجب الشرك، إذ ليس الغرض نفي
الشرك عنهم، بل عدم تبادره من إطلاق لفظ
" المشرك " " (5).
وقال المحقق الهمداني: "... وما قيل: من
إطلاق المشرك على كل كافر، ففيه: أنه مبني على
التجوز، وأما نسبة الإشراك إلى أهل الكتاب ببعض
الاعتبارات كما في الكتاب العزيز، فلا تصحح
إرادتهم من إطلاق " المشرك " الذي لا يتبادر منه إلا

(1) التوبة: 31.
(2) المختلف 7: 76.
(3) منهم: الشهيد الأول في الذكرى 1: 115، والشهيد
الثاني في روض الجنان: 163، والمحدث البحراني في
الحدائق 5: 162 و 166.
(4) التوبة: 28.
(5) مجمع الفائدة 1: 320.
(1) أصول الكافي 2: 398، باب الشرك، الحديث 7،
وتفسير العياشي 2: 92، ذيل قوله تعالى: * (اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) *.
(2) مثل قوله تعالى في الآية 105 من سورة البقرة، و 186
من آل عمران، و 82 من المائدة، و 17 من الحج، و 6
من البينة.
(3) المدارك 2: 296.
(4) ذخيرة المعاد: 151.
(5) الجواهر 30: 350.
321

إرادة الثنوي والوثني ونحوهم، لا مطلق من صح
توصيفه بالإشراك ببعض الاعتبارات، وإلا فصدق
المشرك على المرائي أوضح من صدقه على اليهود
بواسطة قولهم: عزير ابن الله، وقد أطلق عليه
المشرك في جملة من الأخبار مع أنه لا يعمه الإطلاق
قطعا... " (1).
وقال السيد الحكيم: " إن نسبة الإشراك إليهم
ليست على الحقيقة، فإن ذلك خلاف الآيات
والروايات، وخلاف المفهوم منها عند المتشرعة
والعرف، فيتعين حمله على التجوز في الإسناد... " (2).
وقال السيد الخوئي ما حاصله: أن للشرك
مراتب متعددة، ومرتبة خاصة منها تقابل أهل
الكتاب، فظاهر الآيات الواردة في بيان أحكام
الكفر والشرك: أن لكل من المشرك وأهل الكتاب
أحكاما تخصه (3).
وهذا هو الظاهر من الإمام الخميني (4).
ثالثا - الإشراك بمعنى الرياء:
أطلق الشرك على الرياء في الروايات كثيرا،
من جملتها ما ورد في تفسير قوله تعالى: * (فمن كان
يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة
ربه أحدا) * (1)، فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
تفسيرها أنه قال: " الرجل يعمل شيئا من الثواب
لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس،
يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة
ربه... " (2).
وعنه (عليه السلام) أيضا في تفسيرها، قال: " من
صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس،
فقد اشترك (3) في عمله، وهو مشرك مغفور (4) " (5).
وعنه (عليه السلام): " كل رياء شرك، إنه من عمل
للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل لله كان
ثوابه على الله " (6).
الأحكام:
نتكلم هنا عن حكم الإشراك بالمعنى الأول،
وهو الإشراك في الذات وفي العبادة، وأما المعنى
الثاني والثالث وهما إشراك أهل الكتاب والرياء
فسوف نتكلم عنهما في الموضع المناسب، وهو
العنوانان " أهل الكتاب " و " رياء " إن شاء الله تعالى.

(1) مصباح الفقيه 1: 558.
(2) المستمسك 1: 369.
(3) التنقيح (الطهارة) 2: 44.
(4) الطهارة (للإمام الخميني) 3: 297 - 298.
(1) الكهف: 110.
(2) أصول الكافي 2: 293، باب الرياء، الحديث 4.
(3) كذا في المصدر، ولعله أشرك.
(4) أي ليس من الشرك الذي لا يغفر، وهو الشرك في
الذات أو في العبادة، المشار إليه في قوله تعالى: * (إن الله
لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) *. النساء: 48.
(5) تفسير العياشي 2: 378، في تفسير الآية.
(6) أصول الكافي 2: 293، باب الرياء، الحديث 3.
322

الحكم التكليفي للإشراك:
الإشراك حرام بجميع أنواعه، لكن الإشراك
المبحوث عنه أشد حرمة، بل لا ذنب مثله، قال
تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء) * (1).
وقال تعالى أيضا على لسان لقمان: * (يا بني
لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (2).
وروى عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر
الجواد (عليه السلام)، قال: " سمعت أبي يقول: سمعت
أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن
عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام)، فلما سلم وجلس
تلا هذه الآية: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم
والفواحش) * (3)، ثم أمسك، فقال له أبو عبد الله
(عليه السلام): ما أسكتك؟! قال: أحب أن أعرف الكبائر
من كتاب الله عز وجل، فقال: نعم يا عمرو! أكبر
الكبائر الإشراك بالله، يقول الله: * (من يشرك بالله
فقد حرم الله عليه الجنة) * (4)... " (5) ثم عد سائر
الكبائر.
نجاسة المشركين:
ادعي الإجماع مستفيضا على نجاسة
المشركين (1)، والمراد نجاستهم عينا وذاتا، كنجاسة
سائر الأعيان النجسة، لا نجاسة عرضية - بمعنى أن
نجاستهم من جهة عدم تجنبهم النجاسات -
ولا حكمية - بمعنى الخباثة الروحية والباطنية -
وإن كانت هاتان النجاستان موجودتين
أيضا.
واستدل عليه بعضهم (2) بقوله تعالى: * (إنما
المشركون نجس) * (3).
لكن استشكل عليه: بأنه لم يثبت كون المراد
من لفظ " النجس " المعنى الاصطلاحي، وهو عين
النجاسة، لأن هذا المعنى كان متأخرا عن نزول
الآية. فلا بد من حمل " النجس " على المعنى
اللغوي، وهو المستقذر أو غير الطاهر، والمراد
الطهارة اللغوية لا الشرعية أيضا.
وممن ذكر هذا الإشكال: المحقق الأردبيلي (4)،

(1) النساء: 48 و 116.
(2) لقمان: 13.
(3) النجم: 32.
(4) المائدة: 72.
(5) أصول الكافي 2: 285 - 287، باب الكبائر، الحديث
24. وجاء في آخر الرواية: " فخرج عمرو وله صراخ
من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في
الفضل والعلم ".
(1) ممن ادعاه: المحقق في المعتبر: 122، والفاضل مقداد
السيوري في كنز العرفان 1: 46، والمحدث الكاشاني في
المفاتيح 1: 70، المفتاح 79، والفاضل النراقي في مستند
الشيعة 1: 196، إضافة إلى الإجماعات الكثيرة المدعاة
من الشيخ ومن بعده على نجاسة مطلق الكافر. أنظر
مفتاح الكرامة 1: 142.
(2) كالمحقق في المعتبر: 122، وجملة ممن تأخر عنه.
(3) التوبة: 28.
(4) مجمع الفائدة 1: 319 - 320.
323

وصاحب المدارك (1)، وصاحب الذخيرة (2)،
والفاضل النراقي (3)، والمحقق الهمداني (4)، والسيد
الخوئي (5).
لكن رد بعضهم ذلك: بأن الحقيقة الشرعية
وإن لم تكن ثابتة، لكن الاستعمال الشرعي في تلك
المفاهيم ثابت، ولذلك جرى استعمال المتشرعة
عليه، حتى صار حقيقة عندهم، فيكون المعنى
المفهوم لدى المتشرعة هو المراد من اللفظ (6).
ويترتب على نجاسة المشركين نجاسة أسئارهم
أيضا.
عدم جواز أخذ الجزية من المشركين:
إنما تؤخذ الجزية ممن يقرون على دينهم، وهم
أهل الكتاب، أي اليهود والنصارى، والحق بهم
المجوس، للنصوص الواردة فيهم (7).
وبناء على ذلك لا تؤخذ الجزية من
المشركين، لأنهم لا يقرون على دينهم، بل لا يقبل
منهم إلا الإسلام، سواء كانوا عربا أو عجما (1).
إعطاء الأمان للمشركين:
يجوز إعطاء الأمان للمشرك إذا طلبه أثناء
الحرب (2)، لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين
استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه
مأمنه) * (3). فإذا أعطي الأمان فلا يجوز نقضه، فقد
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " من ائتمن
رجلا على دمه ثم خاس (4) به، فأنا من القاتل
برئ وإن كان المقتول في النار " (5)، وعن أبي
جعفر الباقر (عليه السلام): " ما من رجل آمن رجلا على
ذمة ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء
الغدر " (6). وروى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: " قلت له: ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): يسعى

(1) المدارك 2: 294.
(2) الذخيرة: 150.
(3) مستند الشيعة 1: 196.
(4) مصباح الفقيه 1: 558.
(5) التنقيح (الطهارة) 2: 42.
(6) أنظر الحدائق 5: 165، والمستمسك 1: 369.
(7) فقد ورد عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): " أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، وورد: أنه
كان لهم نبي وكتاب، لكن قتلوا نبيهم وأحرقوا كتابه،
أنظر الوسائل 15: 127 - 129، الباب 49 من أبواب
جهاد العدو، الحديث 9 و 1 و 3 و 5.
(1) أنظر التذكرة (الحجرية) 1: 409، والجواهر 21:
231.
(2) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 414، والجواهر 21:
92.
(3) التوبة: 6.
(4) خاس: أي غدر. القاموس المحيط: " خيس ".
(5) الوسائل 15: 68 - 69، الباب 20 من أبواب جهاد
العدو، الحديث 6.
(6) الوسائل 15: 67، الباب 20 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 3.
324

بذمتهم أدناهم؟ قال: لو أن جيشا من المسلمين
حاصروا قوما من المشركين، فأشرف رجل، فقال:
أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره،
فأعطاه أدناهم الأمان، وجب على أفضلهم الوفاء
به " (1).
منع المشركين من دخول المساجد:
الظاهر من عبارات بعض الفقهاء اتفاق
الإمامية على وجوب منع المشركين عن الدخول في
المسجد الحرام، بل جميع المساجد، لقوله تعالى:
* (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد
الحرام) * (2).
قال العلامة: "... ذهب الإمامية إلى منعهم
من الدخول فيها بإذن مسلم وبغير إذنه، ولا يحل
للمسلم الإذن فيه... " (3).
وقال الشهيد الأول: " لا يجوز لأحد من
المشركين دخول المساجد على الإطلاق، ولا عبرة
بإذن مسلم له، لأن المانع نجاسته، للآية... " (4).
وقال الفاضل مقداد السيوري: " لا يجوز
دخولهم المسجد الحرام، وكذا باقي المساجد عندنا،
لنصوص أهل البيت (عليهم السلام) " (1).
وادعى الإجماع على ذلك جماعة، منهم
الشهيد الثاني (2)، والسيد العاملي (3)، وغيرهم.
ولا فرق في ذلك بين اجتياز المساجد
واستيطانها.
منع المشركين من استيطان الحجاز:
قال العلامة: " ولا يجوز لمشرك، أو ذمي، أو
حربي سكنى الحجاز إجماعا... " (4) وقد تقدم تفسير
" الحجاز " في عنوان " استيطان ".
وهل المشركون يمنعون من استيطان الحجاز
خاصة كأهل الذمة، أو يمنعون من استيطان جميع
البلدان الإسلامية؟
الظاهر من حكمهم بعدم قبول الجزية من
المشركين - خلافا لأهل الكتاب - وأنه لا يقبل منهم
إلا الإسلام (5) هو عدم جواز استيطانهم في بلاد
الإسلام، وقد صرح بذلك السيد الخوئي في بحث
الطهارة استطرادا (6)، لكن كلام الشيخ في المبسوط

(1) الوسائل 15: 66، الباب 20 من أبواب جهاد العدو،
الحديث الأول.
(2) التوبة: 28.
(3) التذكرة (الحجرية) 1: 445.
(4) الذكرى 3: 132.
(1) كنز العرفان 1: 49.
(2) المسالك 3: 80.
(3) مفتاح الكرامة 2 (قسم الصلاة): 241.
(4) المنتهى (الحجرية) 2: 971.
(5) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 960، والتذكرة (الحجرية)
1: 409 - 410 و 438، وتقدم في الصفحة 324 أيضا.
(6) التنقيح (الطهارة) 2: 44.
325

والعلامة في المنتهى يوحي بأن المنع خاص
بالحجاز أو بجزيرة العرب، قال الشيخ: " كل مشرك
ممنوع من الاستيطان في حرم الحجاز من جزيرة
العرب، فإن صولح على أن يقيم بها ويسكنها
كان الصلح باطلا، لما روى ابن عباس، قال:
أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أشياء، فقال:
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا
الوفد بما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث، وقال:
أنسيتها... " (1).
لكن قال فيه أيضا: " وإذا صالح (2) المشركين
على أن تكون الأرض لهم بجزية التزموها
وضربوها على أرضهم، فيجوز للمسلم أن يستأجر
منهم بعض تلك الأرضين، لأنها أملاكهم، فإن
اشتراها منهم مسلم صح الشراء وتكون أرضا
عشرية " (3).
ومثله قال في الخلاف (4).
وقال العلامة: " لا يجوز لمشرك أو ذمي أو
حربي سكنى الحجاز إجماعا... " (5) ثم ذكر رواية ابن
عباس المتقدمة.
فيفسر كلام الشيخ في المبسوط والخلاف - في
جواز مصالحة المشركين -: بأن تكون الأرض لهم
مقابل جزية يدفعونها، لأجل استيطان غير الحجاز
من بلاد المسلمين.
هذا وذكر بعض الفقهاء هذه المسألة في أحكام
أهل الذمة، ولذلك لم يشر إلى المشركين (1)، والمسألة
غير منقحة.
الاستعانة بالمشركين في الحرب:
الظاهر من كلمات بعض الفقهاء: أنه تجوز
الاستعانة بأهل الكتاب والمشركين على قتال أهل
الحرب، سواء كانوا من المشركين أو من أهل
الكتاب.
وذكر العلامة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) استعان
بصفوان بن أمية - وكان مشركا - حيث استعار منه
سبعين درعا عام الفتح، وخرج مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى
هوازن (2). وكذا استعان بغيره من المشركين.
لكن اشترط - العلامة - في الجواز شرطين،
وهما:

(1) المبسوط 2: 47.
(2) أي صالح الإمام أو نائبه.
(3) المبسوط 2: 35.
(4) الخلاف 5: 548، المسألة 12 من كتاب السير.
(5) المنتهى (الحجرية) 2: 971.
(1) أنظر: شرائع الإسلام 1: 332، والدروس 2: 39،
والجواهر 21: 289، وغيرها.
(2) أنظر: الكامل في التأريخ (لابن الأثير) 2: 262 -
263، وصحيح مسلم 2: 737، كتاب الزكاة، باب
إعطاء المؤلفة قلوبهم، الحديث 137، المسلسل العام
1060، وموطأ مالك: 449، كتاب النكاح، نكاح
المشرك إذا أسلمت زوجته قبله.
326

1 - أن يكون المستعان به حسن الرأي في
الإسلام.
2 - أن تكون مع الإمام قوة يمكنه الدفع بها،
لو صار المشركون الذين استعان بهم مع أهل
الحرب (1).
وقد تقدم في عنوان " استعانة " بعض الكلام
في ذلك وأشرنا هناك إلى جواز جعل الجعل
والأجرة لمن يستخدم في الجهاد من غير المسلمين،
ولا يعطى من الغنيمة شئ.
النكاح مع المشركين:
لا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة، لا دواما
ولا انقطاعا، لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم
ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير
من مشرك ولو أعجبكم...) * (2).
وادعي الإجماع على ذلك مستفيضا. قال
صاحب المدارك: " أجمع علماؤنا كافة على أنه
لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية من أصناف
الكفار - على ما نقله جماعة - واختلفوا في الكتابية
على أقوال ستة... " (3) ثم ذكر الأقوال.
وكذا نكاح المسلمة مع المشرك، فإنه لا يجوز
بطريق أولى، لعدم جوازه حتى مع أهل الكتاب (1).
راجع: أسباب التحريم.
وإذا أسلم المشرك وكان له زوجات
مشركات، فإن لم يكن دخل بهن انفسخ العقد، وإن
كان قد دخل بهن انتظر إتمام عدتهن فإن أسلمن في
العدة فهن زوجاته وإن لم يسلمن حتى خرجن من
العدة فهن أجنبيات.
وإن كن أكثر من أربع وأسلمن، اختار أربعا
منهن وفارق الباقي (2)، وقد تقدم الكلام عن ذلك في
عنوان " اختيار ".
صيد المشركين وذبائحهم:
الظاهر أنه لا خلاف بين الإمامية - بل بين
المسلمين - في عدم حلية ذبيحة المشرك وصيده.
قال الشهيد الثاني: " اتفق الأصحاب بل
المسلمون على تحريم ذبيحة غير أهل الكتاب من
أصناف الكفار، سواء في ذلك الوثني وعابد النار
والمرتد، وكافر المسلمين كالغلاة وغيرهم " (3) ثم
ذكر الاختلاف في ذبيحة الكتابي.
وقال المحقق الأردبيلي: " نقل إجماع
الأصحاب، بل المسلمين على اشتراط كون الذابح
غير مشرك، وتحريم ذبيحة المشرك وغير الكتابي

(1) المنتهى 2: 986، وانظر الجواهر 21: 346 و 193.
(2) البقرة: 221.
(3) نهاية المرام 1: 189، وانظر الجواهر 30: 27.
(1) نهاية المرام 1: 199.
(2) الجواهر 30: 57.
(3) المسالك 11: 451.
327

من أصناف الكفار حتى المرتد، وإنما الخلاف
والنزاع في غيرهم " (1).
وقال الفاضل النراقي في عدم صحة ذبيحة
المشرك: "... بل عليه الإجماع، بل إجماع المسلمين
في عبارات المتقدمين والمتأخرين، بل هو إجماع
محقق، فهو الحجة فيه " (2).
والأمر في صيده مثل ذبحه (3)، نعم يستثنى
صيد السمك حيث لا يعتبر في صائده الإسلام،
فيصح صيد المشرك السمك بشرط إخراجه حيا (4).
الإشراك في الذبح:
قال الشهيد الثاني في المسالك - عند الكلام
عن لزوم التسمية عند الذبح -: " ولو قال: بسم الله
ومحمد - بالجر - لم يجز، لأنه شرك، وكذا لو قال:
ومحمد رسول الله. ولو رفع فيهما (5) لم يضر، لصدق
التسمية بالأول تامة، وعطف الشهادة للرسول
زيادة خير غير منافية، بخلاف ما لو قصد
التشريك.
ولو قال: باسم الله واسم محمد، قاصدا:
أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، فلا بأس، وإن
أطلق أو قصد التشريك لم يحل، ولو قال: اللهم صل
على محمد وآل محمد، فالأقوى الإجزاء " (1).
وذكر صاحب الجواهر العبارة المتقدمة من
دون أن يناقشها، وظاهره قبوله لها (2).
إسلام المشرك:
يدخل المشرك في الإسلام - كسائر الكفار -
إما بذكر الشهادتين - وهو الأصل - أو بفعل ما يدل
على الإسلام، كالصلاة - بناء على كفايته - أو
بالتبعية، كتبعية ولد المشرك لوالديه في الإسلام إذا
أسلما أو أسلم أحدهما.
وقد تقدم تفصيله في عنوان " إسلام ".
الهجرة من بلاد الشرك:
أوجب بعض الفقهاء الهجرة على من كان في
بلاد الشرك ولم يكن يتمكن من اظهار الشعائر فيها
وكان متمكنا من الهجرة منها، قال العلامة:
" أوجب الله تعالى في كتابه الهجرة عن بلاد
الشرك بقوله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في
الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 69.
(2) مستند الشيعة 15: 378، وانظر الجواهر 36: 79.
(3) أنظر: المسالك 11: 417، ومجمع الفائدة 11: 25،
ومستند الشيعة 15: 328، والجواهر 36: 26.
(4) أنظر الجواهر 36: 167.
(5) أي رفع " محمد " و " رسول "، فقال: " ومحمد رسول
الله ".
(1) المسالك 11: 479.
(2) الجواهر 36: 115.
328

فيها) * (1).
والناس في الهجرة على أقسام ثلاثة:
الأول - من تجب عليه: وهو من كان
مستضعفا من المسلمين بين الكفار لا يمكنه اظهار
دينه، ولا عذر له من وجود عجز عن نفقة وراحلة.
الثاني - من لا تجب عليه الهجرة من الكفار،
لكن يستحب لهم: وهو كل من كان من المسلمين
ذا عشيرة ورهط يحميه من المشركين ويمكنه اظهار
دينه والقيام بواجبه ويكون آمنا على نفسه،
كالعباس، وإنما استحبت له المهاجرة لئلا يكثر سواد
المشركين.
الثالث - من تسقط عنه الهجرة لأجل عذر
من مرض، أو ضعف، أو عدم نفقة، فلا جناح عليه،
لقوله تعالى: * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء
والولدان) * (2)، لأنهم بمنزلة المكرهين.
والهجرة باقية أبدا ما دام الشرك باقيا، لما
روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا تنقطع الهجرة حتى
تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس
من مغربها ".
وقوله (عليه السلام): " لا هجرة بعد الفتح " محمول
على الهجرة من مكة... " (3).
وبهذا المضمون - لكن باختصار - قال
بعض آخر، كابن إدريس (1)، ويحيى بن سعيد (2)،
والشهيد الأول (3)، والمحقق الأردبيلي مدعيا عليه
الإجماع (4).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - نجاسة الكافر: الأعيان النجسة.
ب - إدخال النجاسة في المسجد.
ج - موارد متفرقة، تعلم مما سبق.
2 - كتاب الجهاد:
أ - أحكام الأمان.
ب - أحكام الذمة.
ج - موارد متفرقة، كالكلام عن قسمة
الغنيمة، والرضخ، والاستعانة بالمشركين.
3 - كتاب النكاح:
أ - أسباب التحريم: الكفر.
ب - إسلام المشرك أو المشركة وحكم
نكاحهما.
4 - كتاب الأطعمة والأشربة: شروط الصائد
والذابح.

(1) النساء: 97.
(2) النساء: 98.
(3) التذكرة (الحجرية) 1: 405، وانظر المنتهى (الحجرية)
2: 898.
(1) السرائر 2: 14.
(2) الجامع للشرائع: 239.
(3) الدروس 2: 35.
(4) مجمع الفائدة 7: 446.
329

أشربة
لغة:
جمع شراب، وهو اسم لما يشرب، من أي
نوع كان، وعلى أي حال كان، ويقال لكل شئ
لا يمضغ: إنه يشرب (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، فإن فقهاءنا حينما
يطلقون عنوان " الأطعمة والأشربة " يريدون منه
ما يشرب من المائعات، سواء كان مسكرا أو لا.
ولا يختص بالمسكرات (2).
الأحكام:
نذكر - تمهيدا للكلام عن حكم الأشربة -
مقدمتين:
الأولى - الكلام هنا يختص بحكم الأشربة من
حيث الحلية والحرمة، أما باقي أحكامها، كالنجاسة
والطهارة وجواز المعاملة عليها وعدمه، وما يترتب
على شربها من العقوبات - إذا كانت تترتب عليها
عقوبة - ونحوها من الأحكام، فسوف يبحث عنها
تحت عناوينها الخاصة، مثل: " خمر "، " فقاع "،
" بول " و " دم " ونحوها.
الثانية - ذكر الفاضل النراقي في أول كتاب
الأطعمة والأشربة عدة أصول وقواعد مفيدة جدا
نشير إليها على نحو الإجمال، وسوف نستوفي الكلام
عنها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
قواعد عامة في الأطعمة والأشربة:
القاعدة الأولى: الأصل الأولي في كل ما
يمكن أكله وشربه، الحلية والجواز (1). وقد تقدم الكلام
عن ذلك بشئ من التفصيل في عنوان " إباحة ".
القاعدة الثانية: الأصل في الخبائث حرمة
أكلها وشربها، لقوله تعالى: * (ويحرم عليهم
الخبائث) * (2)، وللإجماع.
واختلفوا في تحديد الخبائث، والقدر المتيقن
منها: فضلات الإنسان، وكل ما لا يؤكل لحمه،
والميتات، ونحوها (3).
ولمزيد من التفصيل يراجع عنوان " خبائث ".

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مفردات ألفاظ
القرآن (للراغب الإصفهاني)، ولسان العرب:
" شرب ".
(2) كما يلاحظ ذلك في كتاب الأطعمة والأشربة من الكتب
الفقهية.
(1) مستند الشيعة 15: 9.
(2) الأعراف: 157.
(3) مستند الشيعة 15: 9 - 12.
330

القاعدة الثالثة: الأصل في الأعيان النجسة
والمتنجسة - ما دامت نجسة - الحرمة، لحرمة أكل
النجس والمتنجس وشربه (1)، كما تقدم في عنوان
" إزالة " ويأتي في العناوين المناسبة، إن شاء الله تعالى.
القاعدة الرابعة: الأصل في الأشياء الضارة
بالبدن الحرمة (2).
وتحديد الضرر وما يشترط في هذا الأصل
يأتي في عنوان: " ضرر ".
القاعدة الخامسة: الأصل حرمة أكل مال
الغير بدون إذنه (3).
وتفصيل الكلام عن ذلك في العنوانين:
" أكل "، و " غصب ".
القاعدة السادسة: الاضطرار رافع للحرمة
حالة الاضطرار إجمالا، فيجوز للمضطر الأكل
والشرب مما حرم عليه (4).
والكلام عن تحديد الاضطرار وشروط
القاعدة يأتي في عنوان " اضطرار ".
القاعدة السابعة: الإكراه رافع للحرمة حالة
الإكراه (1)، فالمكره يجوز له تناول المحرم إذا أكره
عليه.
وتحديد الإكراه المسوغ لتناول المحرم
وشروطه يأتي في عنوان " إكراه "، وقد تقدم بعض
الكلام عنه في عنوان " اختيار ".
القاعدة الثامنة: التقية رافعة للحرمة،
فيجوز لمن حكمت عليه ظروف التقية أن يرتكب
المحرم إجمالا، كما إذا كان بين كفار، وقلنا بنجاستهم،
وكان يتوجه عليه ضرر باعتزالهم، فله أن يتناول
من طعامهم (2).
ويراجع تفصيل ذلك وحدود القاعدة
وشرائطها في عنوان " تقية ".
ولا بد من التنبيه على أن قاعدة التقية تختلف
عن قاعدة الإكراه، وإن كانتا متحدتين موردا في
أغلب الأوقات.
وبعد التمهيد بالمقدمتين السابقتين ندخل في
صلب الموضوع.
أقسام الأشربة من حيث الحلية والحرمة:
تنقسم الأشربة بصورة عامة إلى قسمين:

(1) مستند الشيعة 15: 12.
(2) مستند الشيعة 15: 15.
(3) مستند الشيعة 15: 18.
(4) مستند الشيعة 15: 19، وانظر الجواهر 36: 424.
(1) لم يذكر الفاضل النراقي هذه القاعدة، لكن أنظر:
الجواهر 32: 11 - 12، والمكاسب (للشيخ الأنصاري)
2: 85.
(2) أنظر: مستند الشيعة 15: 33، والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 2: 85 - 100.
331

1 - الأشربة المحرمة.
2 - الأشربة المحللة.
وتنقسم الأشربة المحرمة - في حد ذاتها - إلى
قسمين أيضا:
1 - الأشربة المحرمة ذاتا.
2 - الأشربة المحرمة بالعرض.
ولما كانت الأشربة المحرمة محددة ومعينة،
خلافا للأشربة المحللة، فلذلك نقدم البحث عنها،
فإنه إذا تعينت المحرمة يكون غيرها محللا.
أولا - الأشربة المحرمة ذاتا
والمقصود منها الأشربة التي حرمت لذاتها،
لا لاختلاطها أو مباشرتها محرما آخر.
والأشربة المحرمة ذاتا هي:
1 - المسكرات:
وهي الخمر وما يلحق بها من سائر
المسكرات:
أ - الخمر:
وتطلق على ما أسكر من عصير العنب،
وربما يراد بها الأعم. قال الفيروزآبادي: " الخمر
ما أسكر من عصير العنب، أو عام... والعموم أصح،
لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، وما كان
شرابهم إلا البسر والتمر ".
ثم قال في وجه تسميتها: " سميت خمرا، لأنها
تخمر العقل وتستره، أو لأنها تركت حتى أدركت
واختمرت، أو لأنها تخامر العقل، أي تخالطه " (1).
وحرمتها مجمع عليها بين المسلمين، بل هي
من ضروريات الدين، بحيث يكفر منكرها (2).
ويأتي تفصيل الكلام فيها تحت عنوان " خمر "
إن شاء الله تعالى.
ب - ما يلحق بالخمر:
ويلحق بالخمر كل ما أسكر، ولا يتحدد
بما ورد ذكره في النصوص أو كلمات الفقهاء،
لأن الموضوع للحرمة هو عنوان " المسكرية "
فما أسكر يلحق بالخمر من حيث الحرمة، لما ورد
عن النبي (صلى الله عليه وآله): " كل مسكر حرام، وكل مسكر
خمر " (3)، وما ورد عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):
" إن الله عز وجل لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن
حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو
خمر (4) " (5).

(1) القاموس المحيط: " خمر ".
(2) أنظر: المسالك 12: 71، ومجمع الفائدة والبرهان
11: 191، ومستند الشيعة 15: 171، والجواهر 36:
373.
(3) مستدرك الوسائل 17: 58، الباب 11 من أبواب
الأشربة المحرمة، الحديث 2، وانظر صحيح مسلم 3:
1587، الباب 7 من أبواب كتاب الأشربة، الحديث
75.
(4) وفي نسخة: " فهو حرام ".
(5) الوسائل 25: 342، الباب 19 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 3.
332

وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): " الخمر من خمسة:
العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من
العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر " (1).
والنقيع: هو الشراب المتخذ من الزبيب - أو
غيره - حيث ينقع في الماء من غير طبخ (2).
والبتع - بسكون التاء وقد تفتح -: هو
الشراب المتخذ من العسل، وهو شراب أهل
اليمن (3).
والمزر - بكسر الميم -: هو نبيذ (شراب)
يتخذ من الذرة، أو الشعير، أو الحنطة (4).
والنبيذ: هو الشراب المعمول من التمر،
والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير، وغير ذلك،
يقال: نبذت التمر والعنب، إذا تركت عليه الماء
ليصير نبيذا (5).
وذكر الفقهاء الفضيخ أيضا، وهو شراب
يتخذ من البسر (1).
2 - الفقاع:
وهو مما الحق بالخمر أيضا من حيث الحكم،
لكن أفرد بالذكر لما اشتبه أمره على بعض الناس،
وتشددت في النهي عنه الروايات الواردة عن أهل
البيت (عليهم السلام).
والكلام في ذلك على النحو التالي:
حكم الفقاع إجمالا:
من مسلمات فقه الإمامية القول بحرمة
الفقاع، لما ورد من التشدد في النهي عنه والتصريح
بحرمته. ومن جملة ما ورد فيه:
1 - ما رواه عمار بن موسى، قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفقاع، فقال: هو
خمر " (2).
2 - وما رواه ابن فضال، قال: " كتبت إلى
أبي الحسن أسأله عن الفقاع، فقال: هو الخمر، وفيه
حد شارب الخمر " (3).
3 - وما رواه الوشاء، قال: " كتبت إليه
- يعني الرضا (عليه السلام) - أسأله عن الفقاع، فكتب:

(1) الوسائل 25: 280، الباب الأول من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 3. وأورد البخاري عن ابن عمر، قال:
" خطب عمر على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنه قد
نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر،
والحنطة، والشعير، والعسل. والخمر ما خامر العقل... ".
البخاري 3: 322، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن
الخمر ما خامر العقل من الشراب.
(2) النهاية (لابن الأثير): " نقع ".
(3) المصدر نفسه: " بتع ".
(4) المصدر نفسه: " مزر ".
(5) المصدر نفسه: " نبذ ".
(1) النهاية (لابن الأثير): " فضخ "، والبسر: الغض من
كل شئ، ويطلق على التمر قبل أن يصير رطبا،
لغضاضته. لسان العرب: " بسر ".
(2) الوسائل 25: 360، الباب 27 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 4.
(3) المصدر نفسه: الحديث 2.
333

حرام، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر " (1).
4 - وقال أيضا: " قال أبو الحسن (عليه السلام): لو
أن الدار داري لقتلت بايعه ولجلدت شاربه " (2).
5 - وعنه (عليه السلام) أيضا: " هي خمرة استصغرها
الناس " (3).
حقيقة الفقاع:
اختلفوا في حقيقة الفقاع، بمعنى أنه مأخوذ
من أي شئ؟ ولهم فيه أقوال:
1 - إنه من الشعير خاصة:
نقل السيد المرتضى عن أبي هاشم الواسطي
- وهو من العامة - أنه قال: " الفقاع نبيذ الشعير،
فإذا نش فهو خمر " (4). وجاء في كتاب العين
للخليل: " الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، سمي به
للزبد الذي يعلوه " (5). وفي مجمع البحرين للطريحي:
" الفقاع - كرمان - شئ يشرب، يتخذ من ماء
الشعير فقط، وليس بمسكر ولكن ورد النهي عنه،
قيل: سمي فقاعا، لما يرتفع في رأسه من الزبد " (6).
وقال العلامة في جواب السيد مهنا
الحسيني (1) حينما سأله عن حقيقة الفقاع وحكمه:
" لا خلاف بين الإمامية في تحريم الفقاع، والأصل
فيه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه نهى عن تناول
الغبيراء، وهي الشراب المعمول من الشعير، حتى إن
العامة رووا عنه (عليه السلام) الأمر بضرب عنق من داوم
عليها ولم يترك شربها بعد نهيه (صلى الله عليه وآله) " (2).

(1) الوسائل 25: 365، الباب 28 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) الانتصار: 199.
(5) ترتيب كتاب العين: " فقع ".
(6) مجمع البحرين: " فقع ".
(1) كان " قاضي المدينة، اشتغل كثيرا، وكان حسن الفهم
جيد النظم، ولأمراء المدينة فيه اعتقاد، وكانوا
لا يقطعون أمرا دونه... ". مقدمة كتاب " أجوبة المسائل
المهنائية " نقلا عن الدرر الكامنة للعسقلاني 4: 368.
(2) أجوبة المسائل المهنائية: 81، المسألة 121.
وأما الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد رواها السيد
المرتضى عن ثقاتهم ورجالهم، عن أم حبيبة زوجة النبي
(صلى الله عليه وآله): " أن ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ليعلمهم الصلاة والسنن والفرائض، فقالوا: يا رسول الله
إن لنا شرابا نعمله من القمح والشعير، فقال (عليه السلام):
الغبيراء؟ فقالوا: نعم، قال (صلى الله عليه وآله): لا تطعموه.
ثم لما كان بعد يومين ذكروها له (عليه السلام)، فقال:
الغبيراء؟ قالوا: نعم، قال (عليه السلام): لا تطعموها، ثم لما
أرادوا أن ينطلقوا سألوه (عليه السلام) أيضا، فقال: الغبيراء؟
قالوا: نعم، قال: لا تطعموها، قالوا: فإنهم لا يدعونه،
فقال (عليه السلام): ومن لم يتركها فاضربوا عنقه ".
أنظر: الانتصار: 198، ومسند أحمد 6: 453، من
حديث أم حبيبة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، الحديث 27474،
ومجمع الزوائد 5: 53، باب في الغبيراء والفضيخ...
والسنن الكبرى 8: 292، باب ما جاء في تفسير الخمر.
ونقل السيد المرتضى عن زيد بن أسلم: " أن
الغبيراء التي نهى عنها النبي (صلى الله عليه وآله) هي الأسكركة ".
ونقل عنه: أنها الفقاع، ونقل ذلك عن أحمد أيضا.
الانتصار: 198 - 199.
ونقل مالك عن زيد بن أسلم: أن الغبيراء هي
الأسكركة أيضا. الموطأ: 732، باب تحريم الخمر.
ولكن حاول بعضهم تفسير الأسكركة - أو
السكركة - بأنها خمر الحبشة وهي متخذة من الذرة، وأن
تعريبها " السقرقع ". أنظر النهاية (لابن الأثير):
" سكر ".
لكن في النفس من ذلك شئ.
334

وقال السيد اليزدي: " الفقاع: وهو شراب
متخذ من الشعير على وجه مخصوص، ويقال: إن
فيه سكرا خفيا، وإذا كان متخذا من غير الشعير
فلا حرمة، ولا نجاسة إلا إذا كان مسكرا " (1).
وقال السيد الحكيم: " الفقاع: وهو شراب
مخصوص متخذ من الشعير، وليس منه ماء الشعير
الذي يصفه الأطباء " (2).
ومثله قال السيد الخوئي (3).
وقال الإمام الخميني: " الفقاع: وهو شراب
مخصوص متخذ من الشعير غالبا، أما المتخذ من
غيره، ففي حرمته ونجاسته تأمل وإن سمي فقاعا، إلا
إذا كان مسكرا " (1).
ويلوح منه أنه قد يؤخذ من غير الشعير
أيضا.
2 - إنه يؤخذ من الشعير ومن غيره:
يستفاد من كلمات بعض آخر أن الفقاع يتخذ
من غير الشعير أيضا:
قال السيد المهنا في سؤاله المتقدم: " ما يقول
مولانا في الفقاع الذي حرمه الأصحاب، ما هو وما
هو حده، فإن في بلاد الشام يعملونه من الشعير،
ومن الزبيب، ومن الرمان، ومن السكر، ومن
الدبس، ويسمون الجميع فقاعا، فهل يحرم الجميع أم
الذي يعمل من الشعير خاصة...؟ " (2).
ونقل الفاضل الإصفهاني عن مقداديات
الشهيد الأول: أنه " كان قديما يتخذ من الشعير
غالبا، ويصنع حتى يحصل فيه النشيش والقفزان،
وكأنه الآن يتخذ من الزبيب أيضا، ويحصل فيه
هاتان الخاصتان أيضا " (3).
وقال الشهيد الثاني: "... الأصل في الفقاع ما
يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى في الانتصار،

(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات،
العاشر: الفقاع.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 150، المبحث
السادس في الطهارة من الخبث، الفصل الأول في
النجاسات، التاسع، وانظر المستمسك 1: 432.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 109، المبحث
السادس في الطهارة من الخبث، الفصل الأول في
النجاسات، التاسع، وانظر التنقيح (الطهارة) 2: 137.
(1) تحرير الوسيلة 1: 106، القول في النجاسات،
التاسع.
(2) أجوبة المسائل المهنائية: 80، المسألة 121.
(3) كشف اللثام 1: 398، وانظر البيان: 91.
335

لكن لما ورد النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له
ذلك، سواء عمل منه أم من غيره إذا حصل فيه
خاصيته، وهي النشيش، وما يوجد في الأسواق
مما يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم،
إلا أن يعلم انتفاؤه قطعا، كما لو شوهد الناس
يصنعون ماء الزبيب وغيره الخالي من خاصيته في
إناء طاهر، ولم يغيبوا به عن العين، ثم أطلقوا عليه
اسم " الفقاع " فإنه لا يحرم بمجرد هذا الإطلاق،
للقطع بفساده " (1).
وبهذا المضمون قال المحقق الكركي في بعض
رسائله (2)، وقال في جامع المقاصد: " المراد به:
المتخذ من ماء الشعير - كما ذكره المرتضى في
الانتصار - لكن ما يوجد في أسواق أهل السنة يحكم
بنجاسته إذا لم يعلم أصله، عملا بإطلاق
التسمية " (3).
وقال كاشف الغطاء: " الفقاع - كرمان - وهو
شراب مخصوص غير مسكر يتخذ من الشعير غالبا،
وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة، ودونهما ما
يكون من الزبيب، ودونها ما يكون من غيرها.
وليس ماء الشعير الذي يتعاطاه الأطباء للدواء
منه، لأن الظاهر أنه يحصل منه فتور لا يبلغ حد
السكر، وليس ذلك في ماء الشعير، على أنه يعتبر
فيه أن يوضع في محل حتى يحدث فيه فوران
ونشيش " (1).
هل الفقاع مسكر؟
اختلفت كلمات الفقهاء في إسكار الفقاع
وعدمه على أقوال:
1 - القول بعدم إسكاره، صرح به الشيخ
المفيد (2) وابن حمزة (3) وابن فهد (4)، وهو الظاهر من
السيد المرتضى (5).
2 - القول بإسكاره، وهو الظاهر من بعضهم
كصاحب الجواهر، حيث قال: "... إلا أن التدبر فيه
يقتضي كونه من المسكر ولو كثيره " (6).
3 - القول بأن فيه إسكارا خفيا، نسبه السيد
اليزدي إلى بعض، فقال: " ويقال: إن فيه سكرا
خفيا " (7).
4 - القول بأنه يوجب فتورا لا يبلغ حد
السكر، كما في عبارة كاشف الغطاء المتقدمة، وربما

(1) روض الجنان: 164، وبهذا المضمون قال في الروضة
7: 322، والمسالك 12: 72.
(2) شرح الألفية (رسائل المحقق الكركي) 3: 216.
(3) جامع المقاصد 1: 162.
(1) كشف الغطاء: 172.
(2) المقنعة: 800.
(3) الوسيلة: 364.
(4) المهذب البارع 5: 79.
(5) الرازيات، والموصليات الثالثة (مجموعة رسائل
الشريف المرتضى) 1: 101 و 248.
(6) الجواهر 36: 374.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات،
العاشر: الفقاع.
336

يميل إليه الشيخ الأنصاري (1)، والمحقق الهمداني (2).
5 - القول بأن فيه ما يسكر وما لا يسكر،
ولعله ظاهر كل من قال: إن الفقاع حرام وإن لم
يسكر (3).
6 - عدم التعرض للإسكار، ولعل الأكثر
كذلك.
ويؤيد القولين - الثالث والرابع - ما نقله
السيد الخوئي عن بعض أهل الخبرة، وهو: أن مادة
" الكحول " التي هي العامل الأساسي في الإسكار
إنما تكون في أقسام " العرق " بنسبة 12، وفي أقسام
الخمر بنسبة 15، وفي الفقاع بنسبة 150 (4).
هل يعتبر الغليان في التحريم؟
اشترط بعض الفقهاء في تحريم الفقاع غليانه
ونشيشه، فما لم يغل ولم ينش لم يحرم، من قبيل ابن
الجنيد (5) وصاحب الحدائق (6). قال الأخير:
" المفهوم من الأخبار: أن الفقاع على
قسمين: منه ما هو حلال طاهر، وهو ما لم يحصل
فيه الغليان والنشيش أيام نبذه، ومنه ما هو حرام
نجس، وهو ما يحصل فيه الغليان، وإلى ذلك أشار
ابن الجنيد فيما نقله عنه في المعتبر... وجملة من
الأصحاب قد عدوا كلام ابن الجنيد خلافا في
المسألة، حيث إن ظاهرهم القول بالتحريم مطلقا،
والحق في المسألة هو مذهب ابن الجنيد... ".
ويظهر من الشهيد الثاني - كما تقدمت
عبارته - اشتراط أحد أمرين في التحريم، وهما:
النشيش - أو الغليان - أو تسمية المائع فقاعا، إلا إذا
علم انتفاء خاصية الفقاع فيه، فلا يوجب مجرد
إطلاق الاسم الحرمة.
نعم، المجهول الموجود في السوق إذا صدق
عليه عنوان الفقاع فهو محرم وإن لم يعلم نشيشه (1).
وقال السيد الخوئي: " هل تتوقف نجاسة
الفقاع وحرمته على غليانه ونشيشه، أو يكفي فيهما
مجرد صدق عنوانه، كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى
وأغلب النصوص؟ فقد يقال بالأول وإن حكمهم
بحرمة الفقاع ونجاسته على الإطلاق إنما هو بملاحظة
أن الغليان والنشيش معتبران في تحقق مفهومه، لأن

(1) الطهارة (للشيخ الأنصاري) الحجرية: 367.
(2) مصباح الفقيه 1: 557.
(3) ذكر مثل هذه العبارة جملة من الفقهاء، كما ستأتي
الإشارة إليهم.
(4) التنقيح (الطهارة) 2: 137.
(5) نسبه إليه المحقق في المعتبر: 118، ولم تحدد عبارة ابن
الجنيد فيه ليتضح موقف المحقق منه، ولذلك يحتمل أن
يعد المحقق من أصحاب هذا القول وإن لم أعثر على من
نسبه إليه.
(6) الحدائق 5: 120.
(1) روض الجنان: 164، وانظر: المسالك 12: 72،
والروضة البهية 7: 322، وجاء فيها: " ويحرم الفقاع،
وهو ما اتخذ من الزبيب والشعير حتى وجد فيه النشيش
والحركة، أو ما أطلق عليه عرفا، ما لم يعلم انتفاء
خاصيته... ".
337

الفقاع من فقع، فلا يكون فقاعا حقيقة إلا إذا نش
وارتفع في رأسه الزبد. وهذا هو الصحيح، لصحيحة
محمد بن أبي عمير عن مرازم، قال: " كان يعمل
لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله، قال ابن أبي
عمير: ولم يعمل فقاع يغلي " (1) حيث دلت على أن
المحرم من الفقاع هو الذي يغلي وينش، وإلا لم يكن
وجه لعمله في منزل أبي الحسن (عليه السلام) وتفسير ابن أبي
عمير بأنه لم يعمل فقاع يغلي " (2).
وربما يظهر ذلك من جماعة، مثل: الشهيد
الأول في الدروس (3)، والمحقق الأردبيلي - ونسبه
إلى الشيخ في التهذيب والاستبصار (4) - والمحقق
الهمداني (5).
ولذلك قال السيد الحكيم: " المحكي عن غير
واحد اعتبار النشيش في التحريم والنجاسة، وفي
محكي كلام بعضهم اعتبار الغليان، بل عن حاشية
المدارك: صرحوا - يعني الأصحاب -: بأن الحرمة
والنجاسة يدوران مع الاسم والغليان دون
الإسكار " (1) ثم استشهد له بصحيحة ابن أبي عمير
المتقدمة وغيرها.
لكن الذي توصلنا إليه - بحسب تتبعنا - أن
أكثر الأصحاب أطلقوا الحرمة ولم يعلقوها على
النشيش أو الغليان، وخاصة من تقدم على
الشهيدين (2).
هل التحريم معلق على الإسكار؟
أطلق أكثر الأصحاب التحريم ولم يعلقوه
على الإسكار أيضا، لكن يظهر من بعضهم تعليقه
عليه، قال صاحب الجواهر: "... بل صرح غير
واحد بأنه كذلك (3) وإن لم يكن مسكرا، ولعله
لإطلاق النصوص المزبورة، إلا أن التدبر فيه يقتضي
كونه من المسكر ولو كثيره، أما الصنف الذي
لا يسكر منه فلا بأس به، للأصل وغيره... " (4).
ويمكن أن نجعل هذا الرأي في عهدة كل من
اشترط النشيش والغليان في التحريم، بناء على أنهما
يلازمان الإسكار غالبا، كما في سائر الأشربة، إلا
أن صاحب الحدائق - وهو ممن يعتبر الغليان في
التحريم - استظهر من الأخبار وكلمات الفقهاء عدم
تعليق الحكم على الإسكار، ثم اختاره (5).

(1) الوسائل 25: 381، الباب 39 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) التنقيح (الطهارة) 2: 138.
(3) الدروس 3: 16.
(4) مجمع الفائدة 11: 197 - 198، وانظر: الاستبصار 4:
96، كتاب الأطعمة، باب تحريم الفقاع، ذيل الحديث
11، والتهذيب 9: 126، باب الذبائح والأطعمة، ذيل
الحديث 280.
(5) مصباح الفقيه 1: 557.
(1) المستمسك 1: 431.
(2) كما سيجئ في الصفحة القادمة.
(3) أي حرام، إشارة إلى كلام سابق له في التحريم.
(4) الجواهر 36: 374.
(5) الحدائق 5: 120 - 121.
338

وصرح صاحب الجواهر في مواضع أخر
بتعميم الحكم للمسكر منه وغير المسكر (1).
والحاصل من كل ما تقدم في البحث عن تقييد
الحرمة بالغليان والإسكار: أن الأكثر أطلقوا الحكم
بالتحريم، ولم يقيدوه لا بالغليان ولا النشيش
ولا الإسكار (2)، بل صرح بعضهم بشمول الحكم
وإن لم يكن مسكرا (3).
نعم، أحاله بعضهم على العرف، كالمحقق
الأردبيلي (1)، وصاحب المدارك (2)، والمحقق
السبزواري (3).
حكم ماء الشعير الطبي:
صرح جملة من الفقهاء: بأن ماء الشعير الذي
يستعمله الأطباء للمعالجة ليس من الفقاع، مثل
كاشف الغطاء، وصاحب الجواهر، والسيد اليزدي،
والسيد الحكيم، والسيد الخوئي، وغيرهم.
أما كاشف الغطاء، فقد تقدمت عبارته (4)،
وأما صاحب الجواهر، فقد قال بعد الكلام عن
الفقاع: " وعلى كل حال فليس من المعلوم كونه
منه، ما تعارف في زماننا استعمال الأطباء له من ماء
الشعير المغلي، والله العالم " (5).
وقال السيد اليزدي: " ماء الشعير الذي

(1) أنظر الجواهر 41: 449 و 453.
(2) أنظر: الانتصار: 197، والكافي في الفقه: 413،
والنهاية: 364، و 588 و 591 و 713، والخلاف 5:
489، والمبسوط 1: 11 و 36، والمراسم: 211،
والمهذب 2: 536، والغنية: 399 - 400، والسرائر 1:
179 و 263 و 2: 219، و 3: 120 و 128 و 477
و 478، والشرائع 3: 225، والمعتبر: 118 - إذا كانت
عبارة الذيل لابن الجنيد لا للمحقق - والجامع للشرائع:
558، والقواعد 2: 158، والمنتهى (الجديدة) 3:
217، و (الحجرية) 2: 1009، والتذكرة 1: 65،
والذكرى 1: 115، وجامع المقاصد 1: 162، ومجمع
الفائدة والبرهان 8: 29 - لكن مال إلى تقييده بالغليان
في 11: 197 - 198 - وكفاية الأحكام: 251، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 268.
(3) أنظر: المقنعة: 800، ورسائل السيد المرتضى 1: 99 -
100، وجواهر الفقه: 264، والبيان: 91، والمهذب
البارع 5: 79، والرياض (الحجرية) 1: 498، و 2:
291 و 483، ومستند الشيعة 15: 173، والجواهر
41: 449 و 453 - لكن تقدم أنه يظهر منه في كتاب
الأطعمة والأشربة: أن المحرم هو خصوص المسكر
منه - ومصباح الفقيه 1: 557 على احتمال، والعروة
الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات، العاشر:
الفقاع، والمستمسك 1: 430 - 432 كما يظهر منه،
والتنقيح (الطهارة) 2: 136 - لكن اعتبر الغليان -
وتحرير الوسيلة 1: 106، القول في النجاسات، التاسع،
ونسب الشيخ الأنصاري إلى شرح المفاتيح: أنه
المعروف. أنظر الطهارة (للشيخ الأنصاري): 367.
(1) مجمع الفائدة 11: 196، لكن يظهر من ذيل كلامه
تحسين كلام ابن الجنيد في تقييد الحرمة بالغليان.
(2) المدارك 1: 64 و 2: 293.
(3) ذخيرة المعاد: 155.
(4) في الصفحة 336.
(5) الجواهر 36: 376.
339

يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع، فهو
طاهر حلال " (1).
وعلق عليه السيد الحكيم بقوله: " كما صرح
به جماعة، منهم كاشف الغطاء، - ثم نقل عبارته، ثم
قال: - والعمدة أن الفقاع متخذ على نحو خاص من
العمل، لا مجرد غليان الشعير، كما في ماء الشعير " (2).
وعلق السيد الخوئي على كلام السيد اليزدي
بقوله: " وذلك لأن ما يستعمله الأطباء في معالجاتهم
إنما هو الماء الذي يلقى على الشعير ثم يطبخ معه،
ويؤخذ عنه ثانيا فيشرب، ولا دليل على حرمته
ونجاسته، إذ الفقاع وإن أطلق عليه ماء الشعير إلا
أنه ليس كل ما صدق عليه ماء الشعير محكوما
بنجاسته وحرمته، وإنما المحرم والنجس منه هو الذي
يطبخونه على كيفية مخصوصة يعرفها أهله " (3).
3 - العصير العنبي:
ادعي الإجماع مستفيضا (4) على حرمة شرب
العصير العنبي إذا غلى قبل أن يذهب ثلثاه، فإذا
ذهب الثلثان حل شربه.
والمراد ب‍ " الغليان " هو: صيرورة أسفله
أعلاه (1) بسبب الحرارة، وقد فسر في الروايات
ب‍ " القلب " أيضا.
واشترط العلامة في الإرشاد: الاشتداد
أيضا (2) وهو الثخن والغلظة الحاصلة بتكرر الغليان
وكثرته.
وعلى عكسه السيد اليزدي حيث اكتفى
بمجرد النشيش (3)، وهو الصوت الحاصل في بدو
الغليان، أو قبله بقليل (4).
واعترض عليه: بأنه لا فائدة لاشتراط
الغليان حينئذ، لأن النشيش بالمعنى السابق مقدم
عليه دائما.
وأجيب: بأن المراد من النشيش هنا هو
الغليان الحاصل بغير النار، فكأن هناك سببين
للتحريم: الغليان بالنار، والغليان بغيره - كالشمس -

(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات،
العاشر: الفقاع، المسألة 4.
(2) المستمسك 1: 434.
(3) التنقيح (الطهارة) 2: 139.
(4) ممن ادعاه: المحقق في المعتبر: 118، والشهيد الثاني في
المسالك 12: 73، والفاضل الإصفهاني في كشف اللثام
(الحجرية) 2: 269، والسيد الطباطبائي في الرياض
(الحجرية) 2: 291، والفاضل النراقي في مستند الشيعة
15: 173، وغيرهم. لكن الظاهر أن بعض المتقدمين لم
يتعرض لحكمه، كالشيخ المفيد في المقنعة، والحلبي في
الكافي، وسلار في المراسم، وابن زهرة في الغنية.
(1) أنظر: النهاية: 591، وجامع المقاصد 1: 162،
وكشف اللثام 1: 397، وغيرها، وفي مجمع البحرين:
" غلا ": " غلت القدر... إذا اشتد فورانها ".
(2) الإرشاد 2: 111.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات،
التاسع: الخمر، المسألة الأولى.
(4) في الصحاح ولسان العرب: " نشش "، ومعجم
مقاييس اللغة: " نش ": أن النشيش هو: " صوت الماء
وغيره إذا غلى ".
340

المعبر عنه بالنشيش. وأما الصوت الحاصل قبل
الغليان فلا أثر له في التحريم (1).
المعروف - كما يستفاد من كلمات بعضهم (2) -
عدم الفرق بين ذهاب الثلثين بالنار أو بالشمس
والهواء. لكن يظهر من بعضهم اشتراط كونه بالنار،
فإذا غلى العصير العنبي يحرم ما لم يذهب ثلثاه
بالنار.
نسبه الفاضل النراقي إلى العلامة في
التحرير (3)، وصرح به السيد الخوئي (4).
واستشكل السيد الحكيم في أصل الحلية
بذهاب الثلثين - ولو بالنار - إذا كان قد نش العصير
أو غلى بغير النار (5).
والظاهر من كلامهم عدم توقف الحرمة على
الإسكار، وإن كان يظهر من بعضهم ذلك، قال
العلامة الطباطبائي - بحر العلوم -: " وهل الحكم
بتحريم العصير قبل ذهاب ثلثيه تعبد محض، أو
معلل بالإسكار الخفي المسبب عن الغليان، أو
بعروض التغير له إذا بقي وطال مكثه؟ احتمالات،
أوسطها الأوسط " (1).
ويظهر من صاحب الجواهر متابعته له (2).
حكم عصير التمر والزبيب:
الظاهر أن العصير في روايات أهل البيت
(عليهم السلام) إنما يطلق على عصير العنب - كما حققه
صاحب الحدائق (3) - وأما ماء التمر والزبيب الحاصل

(1) أنظر: المستمسك 1: 410 - 411، والتنقيح (الطهارة)
2: 119 - 121.
(2) قال الفاضل النراقي: " فالقول بالتفرقة في التثليث - كما
هو ظاهر التحرير، حيث قال بعد التصريح بعدم التفرقة
في الغليان: فإن غلى بالنار وذهب ثلثاه فهو حلال - كان
جيدا لولا مظنة انعقاد الإجماع على خلافه، لندرة قائله ".
مستند الشيعة 15: 176، وانظر التحرير 2: 161.
(3) تقدم في الهامش السابق.
(4) التنقيح (الطهارة) 2: 117 - 119، ومنهاج الصالحين
1: 109، المسألة 406.
(5) أنظر منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 376، كتاب
الأطعمة، المسألة 23، وانظر المستمسك 1: 409، ولعله
لاحتمال صيرورة العصير خمرا لو نش وغلى بغير النار،
كما صرح به السيد الصدر في تعليقته على هذه المسألة.
أنظر المصدر نفسه.
(1) نقله عنه صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 6: 17.
(2) المصدر نفسه.
(3) قال: " لا يخفى أن المستفاد من أخبار أهل العصمة
(عليهم السلام): أن العصير في عرفهم اسم لما يؤخذ من العنب
خاصة، وأن ما يؤخذ من التمر إنما يسمى بالنبيذ، وما
يؤخذ من الزبيب يسمى بالنقيع، وربما أطلق النبيذ أيضا
على ماء الزبيب. وهذا هو الذي يساعده العرف أيضا،
فإنه لا يخفى أن العصير إنما يطلق على الأجسام التي فيها
مائية لاستخراج الماء منها، كالعنب والرمان... وأما
الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة ويراد
استخراج حلاوتها أو حموضتها، مثل التمر والزبيب
والسماق و... ونحوها، إنما يستخرج ما فيها من الحلاوة أو
الحموضة إما بنبذها في الماء، ونقعها فيه زمانا يخرج
حلاوتها أو حموضتها إلى الماء، أو أنها تمرس في الماء
من أول الأمر من غير نقع، أو أنها تغلى بالنار لأجل
ذلك، والمعمول عليه في الصدر الأول إنما هو النبذ في الماء
والنقع فيه... ". الحدائق 5: 125 - 126.
ثم أيد ما ذكره بكلام اللغويين واستشهد له ببعض
الروايات، مثل ما تقدم وهو ما رواه ابن الحجاج عن
الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخمر
من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب،
والبتع من العسل، والمرز من الشعير، والنبيذ من التمر ".
341

من نبذهما وطرحهما في الماء، فإنما يطلق عليه
" النبيذ " - وخاصة في ماء التمر - أو " النقيع " في
خصوص الزبيب.
لكن مع ذلك فقد عبر الفقهاء عنهما بالعصير
أيضا (1).
وأما حكمهما:
فيمكن أن نفرض عدة حالات للعصير
الزبيبي أو التمري:
الحالة الأولى - أن يكون العصير قبل
النشيش والغليان، ولا إشكال في حليته في
الموردين.
الحالة الثانية - أن يكون بعد الغليان وبعد
ذهاب الثلثين، ولا إشكال في حليته في هذه الحالة
في الموردين أيضا.
الحالة الثالثة - أن يكون بعد الغليان وقبل
ذهاب الثلثين، وهنا، تارة يكون العصير مسكرا
وتارة لا.
فإن كان مسكرا، فلا إشكال في حرمته.
وإن لم يكن كذلك فقد وقع الخلاف في حليته
وحرمته، والمعروف حليته في العصيرين: التمري
والعنبي، لكن نسب إلى بعضهم القول بحرمته فيهما أو
في أحدهما خاصة، نشير إلى أهم من نسب إليه أو
استشعر من كلامه ذلك، أو تردد فيه في كل من
الموردين على حدة:
أولا - العصير التمري:
قال المحقق في كتاب الحدود من الشرائع:
" أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار، ففي تحريمه
تردد، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ، وكذا
البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو
بالنار، والأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة
المسكرة " (1).
وقال العلامة: " والتمر إذا غلى ولم يبلغ حد
الإسكار ففي تحريمه نظر، وكذا الزبيب إذا نقع بالماء
فغلى من نفسه أو بالنار، والأقرب البقاء على الحل
ما لم يبلغ الشدة المسكرة " (2).
وقال الشهيد - بعد الكلام عن عصير
الزبيب -: " وأما عصير التمر فقد أحله بعض
الأصحاب ما لم يسكر " (3).

(1) أنظر: الدروس 3: 16 - 17، وجامع المقاصد 1:
162، والمسالك 12: 76، وغيرها.
(1) الشرائع 4: 169.
(2) القواعد 2: 263.
(3) الدروس 3: 17.
342

وظاهره الميل إلى الحرمة، كما قال في
المستمسك (1).
وقال صاحب الحدائق: "... ماء التمر إذا غلى
ولم يذهب ثلثاه، والمشهور - بل كاد أن يكون
إجماعا، بل هو إجماع - هو القول بحليته، فإنا لم نقف
على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب، وإنما
حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة، فممن
ذهب إليه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد
الله البحراني، والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر
العاملي، على ما يظهر من الوسائل، ثم اشتهر ذلك
الآن بين جملة من الفضلاء المعاصرين حتى صنفوا
فيه الرسائل... " (2).
ونسبه في الجواهر - إضافة إلى من تقدم - إلى
ظاهر كلام الشيخ في التهذيب وظاهر السرائر،
والمحدث الجزائري، والأستاذ الأكبر (3).
ثانيا - العصير الزبيبي:
وممن يظهر منه الميل إلى التحريم، المحقق
والعلامة - في عبارتهما المتقدمة (4) - ونقله الشهيد
عن بعض مشايخه، حيث قال: " ولا يحرم
المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش، فيحل
طبيخ الزبيب على الأصح، لذهاب ثلثيه بالشمس
غالبا، وخروجه عن مسمى العنب، وحرمه بعض
مشايخنا المعاصرين، وهو مذهب بعض فضلائنا
المتقدمين... " (1).
ونسبه صاحب الحدائق إلى جملة من
معاصريه (2)، وحكاه في المستمسك عن جماعة من
المتأخرين، ثم قال: " واختاره العلامة الطباطبائي
في مصابيحه ناسبا ذلك إلى الشهرة بين
الأصحاب " (3).
لكن تأمل صاحب الجواهر في نسبة الحرمة
إلى المشهور (4).
ومما استند إليه للقول بالتحريم:
الاستصحاب التعليقي، وقد تقدم الكلام فيه تحت
عنوان " استصحاب " في الملحق الأصولي، ونقلنا
هناك مناقشة أكثر الأصوليين لهذا الاستصحاب،
إضافة إلى مناقشة بعضهم في أن يكون مورد الزبيب
منه.
وبناء على القول بالحلية يجوز جعل الزبيب في
أنواع الأغذية كما صرح به جماعة من الفقهاء.

(1) المستمسك 1: 412.
(2) الحدائق 5: 141، وانظر الوسائل 25: 282، الباب 2
من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) الجواهر 6: 31.
(4) ونقل الفاضل الإصفهاني عن فخر المحققين في شرح
الإرشاد: أن والده العلامة كان يجتنب عصير الزبيب.
أنظر كشف اللثام 1: 396.
(1) الدروس 3: 16.
(2) الحدائق 5: 152.
(3) المستمسك 1: 415.
(4) الجواهر 6: 33.
343

4 - الدم:
الأصل حرمة شرب الدم إلا ما يستثنى،
لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * (1)،
وقوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على
طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) * (2).
والمسفوح هو المصبوب، والدم المسفوح هو
الدم الخارج بقوة عند قطع العرق أو ذبح الحيوان (3).
وغير المسفوح هو الذي يخرج بتثاقل، كدم
السمك (4).
وتفصيل حكم الدم هو:
أن الدم - بحسب الخارج منه أو كيفية
خروجه - يكون على أقسام:
أ - دم الحيوان الذي له نفس سائلة (5) - سواء
كان محلل الأكل أو محرما - إذا كان مسفوحا، وهو
القدر المتيقن من النصوص، كالآيتين المتقدمتين.
ب - الدم غير المسفوح من الحيوانات التي لها
نفس سائلة - سواء كانت محللة أو محرمة - كالدم
الخارج بسبب الشوكة أو الخدشة ونحوهما.
وقد ادعي الاتفاق والإجماع على نجاسة هذا
الدم (1) فيكون شربه حراما أيضا.
ويضاف في تعليل حرمة دم غير مأكول
اللحم: أنه جزء منه فيحرم أكله من هذه الجهة
أيضا.
ج - الدم المتخلف في لحم الحيوان المأكول
اللحم ذي النفس السائلة بعد ذبحه، وادعي الإجماع
على طهارة هذا الدم وحليته (2)، ولا يشمل هذا
الحكم الدم الراجع بعد الذبح إلى الجوف بسبب نفس
الحيوان، بل هو نجس وحرام (3).
د - الدم المتخلف في لحم الحيوان غير مأكول
اللحم ذي النفس السائلة بعد ذبحه وتذكيته،
ولا إشكال في حرمة هذا الدم، لأنه تابع للحيوان في
حرمة الأكل (4).
ه‍ - دم السمك، والمعروف طهارته وحليته،
وقد ادعي عليهما الإجماع مستفيضا (5).

(1) المائدة: 3.
(2) الأنعام: 145.
(3) المسالك 12: 78، وانظر الحدائق 5: 44.
(4) المسالك 12: 78، والجواهر 5: 354.
(5) المراد من النفس السائلة في كلمات الفقهاء هو: أن يكون
خروج الدم - وهو المراد من النفس هنا - بتدفق وقوة
عند قطع العرق.
(1) أنظر الحدائق 5: 46، والكفاية: 252، والجواهر 5:
361.
(2) أنظر: المسالك 12: 78، والكفاية: 252، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 268، والحدائق 5: 45، والجواهر
36: 377، والمستند 15: 139.
(3) أنظر المصادر المتقدمة وغيرها.
(4) أنظر: الكفاية: 252، والحدائق 5: 45.
(5) أنظر: السرائر 1: 174، والمعتبر: 117، والمختلف
1: 474، والجواهر 36: 378، والحدائق 5: 47 في
خصوص الطهارة.
344

لكن صرح بعضهم بحرمته وإن كان طاهرا،
مثل الشهيد الثاني (1)، والفاضل النراقي (2)، وهو
الظاهر من صاحب الحدائق (3).
وفصل صاحب الجواهر بين الدم الموجود مع
السمك نفسه، بحيث لو أكل السمك لأكل الدم معه،
وبين ما لو كان منفردا، فيحل الأكل في الصورة
الأولى دون الثانية (4).
ولم يتعرض بعض الأصحاب (5) لدم السمك
وإنما اكتفى بالقول بتحريم الدم ثم استثنى منه الدم
المتخلف في الذبيحة، ولم يستثن غيره، ولذا استظهر
صاحب المعالم - على ما نقل عنه صاحب الحدائق -:
من كلام الفقهاء: تحليل دم الذبيحة - المتخلف بعد
الذبح - وتحريم غيره، وأنه صرح بعضهم بتحريم دم
السمك بالخصوص (1).
و - دم غير السمك مما ليس له نفس
سائلة، مثل دم البراغيث والضفادع والقراد
ونحوها، والمعروف حرمة شربه - وإن ادعي
الإجماع على طهارته (2) - لأنه من الخبائث،
ولأنه جزء من أجزاء الحيوان الذي لا يؤكل
لحمه.
والاعتماد على الدليل الثاني، لأن الأول قد
ناقشه جملة منهم، من جهة التشكيك في كونه من
الخبائث (3).
نعم، لو وقع في الطعام واستهلك فيه بحيث لم
تتميز أجزاؤه عن أجزاء الطعام، فيحل أكله،
لقاعدة الاستهلاك.
راجع: استهلاك.
وهناك موارد أخرى يلزم البحث فيها، مثل
البحث عن حلية الدم الموجود في البيضة، الناشئ
من البحث عن طهارته ونجاسته، سوف نبحث عنه
في عنوان " دم " إن شاء الله تعالى.

(1) المسالك 12: 78.
(2) مستند الشيعة 15: 140.
(3) الحدائق 5: 49.
(4) الجواهر 36: 379.
(5) مثل الشهيد، أنظر: الدروس 3: 18، والروضة البهية
في شرح اللمعة الدمشقية 7: 329، وفيهما التصريح
بحرمة دم الضفادع والبراغيث والقراد، ولعل عدم ذكر
السمك مشعر بحليته عنده.
وممن سكت عن حكم دم السمك، الفاضل
الإصفهاني في كشف اللثام 2: 268، وبعض أهل
المختصرات من المتقدمين.
ولذلك يحصل الشك في صحة دعوى الإجماع
- المتقدمة - على الحلية، إلا أن يراد من الإجماع السيرة
العملية، وربما توحي بذلك عباراتهم، وخاصة عبارة
صاحب الجواهر.
(1) أنظر الحدائق 5: 49.
(2) أنظر: الكفاية: 252، والحدائق 5: 50، فإنهما نقلا
الإجماع عن جماعة على طهارته.
(3) منهم النراقي، وصاحب الجواهر، أنظر: مستند الشيعة
15: 140، والجواهر 36: 378.
345

5 - البول:
يحرم شرب بول الحيوان غير مأكول اللحم،
سواء كان الحيوان نجس العين، كالكلب والخنزير،
أو لا، كالأسد والذئب والنمر ونحوها.
كل ذلك لا خلاف فيه ولا إشكال (1).
نعم، اختلفوا في شرب أبوال ما يؤكل لحمه،
وفيه قولان.
واتفق الجميع في جواز شرب أبوال الإبل
للاستشفاء بها.
وقد تقدم الكلام عن ذلك بالتفصيل في عنوان
" أبوال ".
6 - لبن ما لا يؤكل لحمه من الحيوان:
المشهور أن حرمة الألبان وحليتها وكراهتها
تابعة للحيوان، فلبن الحيوان المحلل الأكل حلال،
ولبن المحرم حرام، ولبن المكروه مكروه (2).
لكن تأمل بعض الفقهاء في هذه القاعدة، فإنه
قد ورد التصريح بإباحة شرب ألبان الأتن مع
تضارب الأخبار في حلية لحمها وحرمته.
وممن تأمل في كلية هذه القاعدة: المحقق
الأردبيلي (3)، وصاحب الكفاية (4)، والفاضل
الإصفهاني (1)، والفاضل النراقي (2)، وصاحب
الجواهر (3).
7 - السموم، وكل ما أضر البدن:
يحرم شرب المائعات السامة القاتلة،
بلا خلاف، ولا إشكال (4). بل يحرم ما فيه ضرر
يعتد به وإن لم يبلغ حد القتل، استنادا إلى القاعدة
الرابعة، والمرجع في تشخيص ذلك أهل الخبرة،
كالأطباء ونحوهم.
قال الشهيد الثاني - بالنسبة إلى تحريم
السموم -: " مناط تحريم هذه الأشياء الإضرار
بالبدن، أو المزاج، فما كان من السموم مضرا فتناول
قليله وكثيره محرم مطلقا، سواء بلغ الضرر حد
التلف أم لا، بل يكفي فيه سوء المزاج على وجه يظهر
ضرره، وإن كان مما يضر كثيره دون قليله يقيد
تحريمه بالقدر الذي يحصل به الضرر.... والمرجع في
القدر المضر إلى ما يعلم بالتجربة أو يخبر به عارف
يفيد قوله الظن... حتى لو فرض شخص لا يضره
السم لم يحرم عليه تناوله مطلقا " (5).
وقال صاحب الجواهر: " كل ما كان فيه
الضرار علما أو ظنا، بل أو خوفا معتدا به حرم،

(1) أنظر: المسالك 12: 91، ومجمع الفائدة 11: 213،
والجواهر 36: 390 - 391.
(2) أنظر: مجمع الفائدة 11: 215، والكفاية: 252،
ومستند الشيعة 15: 143.
(3) مجمع الفائدة 11: 215.
(4) الكفاية: 252.
(1) كشف اللثام (الحجرية) 2: 268.
(2) مستند الشيعة 15: 144 - 145.
(3) الجواهر 36: 394 - 398.
(4) الجواهر 36: 370.
(5) المسالك 12: 70 - 71.
346

نعم لو فرض فعل ذلك للتداوي عن داء جاز وإن
خاطر إذا كان جاريا مجرى العقلاء، لإطلاق بعض
النصوص " (1).
ثم ذكر عدة نصوص، منها:
1 - ما رواه إسماعيل بن الحسن المتطبب،
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني رجل من
العرب، ولي بالطب بصر، وطبي طب عربي، ولست
آخذ عليه صفدا (2)، قال: لا بأس، قلت: إنا نبط
الجرح، ونكوي بالنار، قال: لا بأس، قلت: ونسقي
السموم: الاسمحيقون، والغاريقون، قال: لا بأس،
قلت: إنه ربما مات، قال: وإن مات، قلت: نسقي
عليه النبيذ، قال: ليس في حرام شفاء... " (3).
2 - وما رواه يونس بن يعقوب، قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يشرب الدواء، ويقطع
العرق، وربما انتفع به، وربما قتله، قال: يقطع
ويشرب " (4).
وغيرها من النصوص الجارية مجرى سيرة
العقلاء في التداوي، ولا ينافي ذلك ضمان الطبيب في
صورة التلف، وعدم ضمانه في صورة أخذ البراءة
من المريض أو وليه، كما تقدم الكلام عنه في عنوان
" إجارة " بمناسبة الكلام عن ضمان الأجير ومنه
الطبيب.
ثانيا - الأشربة المحرمة بالعرض
تقدم الكلام عن الأشربة المحرمة بالذات،
وهي التي ثبتت حرمتها بالذات في الشرع، وأما
الأشربة المحرمة بالعرض، فهي:
1 - كل مائع حلال طاهر باشر إحدى
الأعيان النجسة أو باشر مائعا متنجسا، كاللبن
الطاهر الحلال إذا باشر مسكرا، أو دما، أو بولا، أو
كافرا، أو كلبا، أو مائعا متنجسا بالأعيان النجسة (1).
وتدل على ذلك كله القاعدة الثالثة، وهي:
حرمة تناول النجس والمتنجس.
2 - كل مائع مغصوب، أو لم يأذن صاحبه
بشربه، فيحرم شربه وإن كان حلالا لولا الغصب
وعدم الإذن (2).
وتدل عليه القاعدة الخامسة، وهي: حرمة
أكل مال الغير بدون إذنه.
ويستثنى منه ما لا يحتاج إلى إذن خاص،
كالأكل من بيوت الآباء والأبناء ونحوهم ممن

(1) الجواهر 36: 371.
(2) الصفد: الأجر والعطاء، الصحاح، ومجمع البحرين:
" صفد ".
(3) الوسائل 25: 221، الباب 134 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 2.
(4) الوسائل 25: 222، الباب 134 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 3.
(1) أنظر الجواهر 36: 383.
(2) أنظر الجواهر 36: 405.
347

تضمنتهم الآية، كما تقدم الكلام عنه في عنوان
" إذن ".
ارتفاع الحرمة عند الاضطرار:
لا إشكال في أن المحرمات كلها ترتفع حرمتها
عند الاضطرار، وكذا في صورة الإكراه والتقية (1)،
وذلك طبقا للقاعدة السادسة والسابعة والثامنة.
نعم، لهم كلام في حلية الخمر بالاضطرار
والتقية، لما ورد من النهي عن شربها حتى في حالة
الاضطرار والتقية (2)، وسوف يأتي الكلام عن ذلك
وعن حدود الاضطرار المجوز لأكل الحرام، وكذا
التقية والإكراه في الموضع المناسب إن شاء الله
تعالى، مثل العناوين: " اضطرار "، " إكراه "،
" تقية "، " خمر "، ونحوها.
ثالثا - الأشربة المحللة
كل مائع وشراب لم يكن من الأشربة المحرمة
- التي تقدم ذكرها - فهو حلال، كعصير الفواكه،
والربوبات المتخذة منها، والعسل، والمركب من
بعضها مع بعض (3).
ما ورد في بعض الأشربة المحللة من الفضائل:
وردت في بعض الروايات فضائل
وآثار وفوائد لبعض الأشربة المحللة، مثل الماء
واللبن والعسل ونحوها، نحيل الكلام فيها على
مواضعها المناسبة، وهي نفس العناوين المتقدمة
ونحوها.
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن موضوع الأشربة في كتاب
الأطعمة والأشربة، ويبحث عنه استطرادا في كتاب
الطهارة، بمناسبة ذكر الأعيان النجسة، وفي مبحث
الشهادات بمناسبة ذكر المحرمات التي تخل بالعدالة،
ومنها شرب المسكر وما يلحق به حكما أو
موضوعا.
إشعار
لغة:
الإعلام، وإشعار البدنة: جعل علامة لها، بأن
يشق جلدها أو تطعن في أحد جنبي سنامها ليسيل
الدم، وتعرف أنها هدي (1).

(1) أنظر الجواهر 36: 442 - 447.
(2) أنظر الوسائل 25: 343 و 349 و 350، الأبواب: 20
و 21 و 22 من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) أنظر: المسالك 12: 108، والجواهر 6: 37 و 36:
419.
(1) أنظر: لسان العرب، والنهاية (لابن الأثير):
" شعر ".
348

اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، ويستعمله الفقهاء أيضا
بمعنى الدلالة كثيرا، فيقولون: في هذا الكلام إشعار
بكذا، أي فيه دلالة عليه.
والكلام هنا في المعنى الأول.
الأحكام:
الإشعار من أحكام حج القران، الذي هو من
أقسام الحج، حيث يسوق الحاج معه الهدي، وليس
من أحكام حج الإفراد والتمتع.
والمشهور انعقاد الإحرام في حج القران بأحد
أمور ثلاثة: التلبية (1)، أو التقليد (2)، أو الإشعار،
لكن خالف ذلك السيد المرتضى (3) وابن إدريس (4)،
فقالا بعدم انعقاده إلا بالتلبية، كغيره من أقسام
الحج، غير أن المشهور - كما تقدم - هو القول
بالانعقاد. قال صاحب المدارك - معلقا على كلام
المحقق: " والقارن بالخيار: إن شاء عقد إحرامه بها
وإن شاء قلد أو أشعر على الأظهر " -: " هذا هو
المشهور بين الأصحاب ويدل عليه روايات
كثيرة " (1)، ثم ذكر خلاف السيد المرتضى وابن
إدريس. وقال في بيان حج القران: " إن الإحرام
ينعقد بثلاثة أشياء: التلبية، والإشعار، والتقليد و...
متى بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبا،
ويدل على الحكم الأول روايات، منها صحيحة
معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، والإشعار،
والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد
أحرم " (2). وأما استحباب الإشعار أو التقليد بعد
التلبية، فلم نقف فيه على نص بالخصوص، ولعل
إطلاق الأمر بهما كاف ".
ثم قال في بيان كيفية الإشعار: " وذكر
الأصحاب: أن الإشعار أن يشق سنام البعير من
الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بدم إشعاره، وفي
صحيحة الحلبي: " والإشعار أن يطعن في سنامها
بحديدة حتى يدميها " (3)، وفي صحيحة عبد الله بن
سنان، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البدنة
كيف نشعرها؟ قال: تشعرها وهي باركة، وتنحرها
وهي قائمة، وتشعرها من جانبها الأيمن، ثم تحرم إذا
قلدت أو أشعرت " (4) ".

(1) التلبية هي ذكر التلبيات الأربع. راجع: " إحرام ".
(2) التقليد: هو جعل قلادة في رقبة الهدي - من نعل صلى
فيها - سواء كان بدنة أو بقرة أو غنما، ليعلم أنه هدي.
أنظر الجواهر 18: 57 - 58.
(3) الانتصار: 102.
(4) السرائر 1: 532.
(1) المدارك 7: 266.
(2) الوسائل 11: 279، الباب 12 من أبواب أقسام
الحج، الحديث 20.
(3) الوسائل 11: 278، الباب 12 من أبواب أقسام
الحج، الحديث 16.
(4) المصدر نفسه: الحديث 18.
349

هذا إذا كانت البدنة واحدة، وأما إذا كانت
متعددة، قال: " فإنه يدخل بينها ويشعر هذه في
يمينها وهذه في شمالها، من غير أن يرتبها ترتيبا
يوجب الإشعار في اليمين، والمستند في ذلك ما رواه
الشيخ في الصحيح، عن حريز بن عبد الله، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " إذا كانت بدن كثيرة فأردت
أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين، فيشعر هذه
من الشق الأيمن، ويشعر هذه من الشق الأيسر،
ولا يشعرها أبدا حتى يتهيأ للإحرام، فإنه إذا
أشعرها وقلدها وجب عليه الإحرام، وهو بمنزلة
التلبية " (1) " (2).
والإشعار والتقليد للبدن، ويختص البقر
والغنم بالتقليد، لضعفهما (3).
مظان البحث:
يبحث عنه في أقسام الحج، حج القران،
حيث يسوق الحاج معه الهدي، وفي واجبات
الإحرام، حيث يبحث عنه في انعقاد الإحرام
بالتلبية أو بالإشعار أو التقليد.
أشنان
لغة:
الأشنان - بضم الهمزة - معرب، يقال له
بالعربية: الحرض (1).
وهو شجر ينبت في الأرض الرملية، يستعمل
هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
هناك أحكام مترتبة على الأشنان نشير إليها
إشارة إجمالية:
1 - تحقق الإضافة باختلاط الأشنان بالماء:
إذا أضيف الأشنان إلى الماء بحيث خرج عن
الإطلاق لم يصح الوضوء والغسل به ولا يصح رفع

(1) الوسائل 11: 278، الباب 12 من أبواب أقسام الحج،
الحديث 19.
(2) المدارك 7: 195 - 196، وانظر الجواهر 18: 56 -
57.
(3) أنظر المصدرين المتقدمين.
(1) المصباح المنير: " حرض "، قال الشهيد في وجه
تسمية الأشنان بالحرض: " لأنه يهلك الوسخ ". أنظر
المسالك 1: 87، وكأن من معاني الحرض الهلاك أو ما
يقاربه.
(2) المعجم الوسيط: " حرض " و " أشن ".
350

الخبث به. قال الشيخ المفيد: " لا يجوز الطهارة
بالمياه المضافة، كماء الباقلاء، وماء الزعفران، وماء
الورد، وماء الآس، وماء الأشنان، وأشباه
ذلك... " (1).
وكذا قال غيره.
2 - إذا غسل الثوب فوجد فيه الأشنان:
قال السيد اليزدي: " إذا غسل ثوبه
المتنجس، ثم رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطين أو من
دقائق الأشنان الذي كان متنجسا، لا يضر ذلك
بتطهيره " (2).
وعلق عليه السيد الحكيم بقوله: " لأنه لا يمنع
من نفوذ الماء في أعماق الثوب، ولو من الجانب
الخالي عنه " (3).
واشترط السيد الخوئي غلبة الماء الطاهر على
رطوبتها (4) - أي دقائق الأشنان - وقال في المنهاج:
إن ظاهر الأشنان يطهر مع طهارة الثوب أما باطنه
فيتوقف على نفوذ الماء فيه على الوجه المعتبر (5).
3 - غسل الإناء في التعفير بالأشنان:
قال الشيخ الطوسي - في الإناء الذي ولغ فيه
الكلب -: " وإذا لم يوجد التراب لغسله، جاز
الاقتصار على الماء، وإن وجد غيره من الأشنان
وما يجري مجراه كان ذلك أيضا جائزا " (1).
لكن أشكل عليه المحقق في المعتبر - بعد أن
علل وجه الجواز بكونه أبلغ في الإنقاء -: بأن
استعمال التراب تعبد لا يتعدى منه إلى غيره (2).
وتبعه جماعة مثل المحقق الثاني (3) والفاضل
الإصفهاني (4)، وصاحب الحدائق (5) وغيرهم (6).
4 - غسل الميت بالأشنان قبل الغسل:
قال الصدوق في الهداية: "... وقال أبي في
رسالته إلي: " ابدأ بيديه فاغسلهما بثلاث حميديات
بماء السدر، ثم تلف على يدك اليسرى خرقة، تجعل
عليها شيئا من الحرض، وهو الأشنان، وتدخل

(1) المقنعة: 64.
(2) العروة الوثقى: فصل في المطهرات، الأول الماء، المسألة
38.
(3) المستمسك 2: 58.
(4) التنقيح (الطهارة) 3: 105.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 122، المسألة
474.
(1) المبسوط 1: 14.
(2) المعتبر: 127.
(3) جامع المقاصد 1: 194.
(4) كشف اللثام 1: 496.
(5) الحدائق 5: 482.
(6) أقول: إن كلام الشيخ غير ظاهر في البدلية حتى يقال:
إن استعمال التراب تعبد، بل إنما صرح - أولا - بكفاية
الماء من دون تقييده بشئ، وهو يعني الماء القراح الذي
لم يضف إليه شئ، ثم قال: لو وجد الأشنان كان جائزا،
لأنه أدعى للنظافة.
351

يدك تحت الثوب، ويصب عليك غيرك الماء
من فوق، وتغسل قبله ودبره، ولا يقطع الماء
عنه " (1).
وكذا قال من تأخر عنه.
5 - التيمم بالأشنان:
قال الشيخ الطوسي: " ولا يجوز التيمم
بالرماد، ولا الأشنان والزرنيخ وغير ذلك من
الأشياء المنسحقة " (2). وقال صاحب الجواهر
بالنسبة إلى ما لا يصح التيمم به - مازجا كلامه
بكلام المحقق -: "... ولا بالنبات المنسحق كالأشنان
والدقيق ونحوها مما أشبه التراب بنعومته، ونحوها
لكن لا يصدق عليها اسم الأرض والتراب، إجماعا
محصلا ومنقولا مستفيضا... " (3).
ووجه عدم الجواز عدم صدق الأرض عليه.
6 - هل على الأشنان زكاة؟
لا تجب الزكاة على غير الغلات الأربع من
النباتات، بناء على المعروف من مذهب الأصحاب،
نعم يستحب فيها ذلك (4)، ومنها الأشنان. وأما ما
ورد في خبر يونس، قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الأشنان فيه زكاة؟ فقال: لا " (1) فهو محمول
على إرادة نفي الوجوب، ويبقى عموم الاستحباب في
سائر النباتات - عدا ما لا يبقى كالبقول والخضر -
على حاله، فيشمل الأشنان أيضا، كما قال صاحب
الجواهر (2).
7 - استعمال المحرم الأشنان:
ورد الأمر بالتصدق بشئ كفارة لاستعمال
المحرم الأشنان، فقد روى الحسن بن زياد عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قلت له: الأشنان فيه
الطيب فأغسل به يدي وأنا محرم؟... قال:
تصدق بشئ كفارة للأشنان الذي غسلت به
يدك " (3).
مظان البحث:
تعلم مما تقدم.

(1) الهداية: 24.
(2) المبسوط 1: 32.
(3) الجواهر 5: 132.
(4) الجواهر 15: 69.
(1) الوسائل 9: 68، الباب 11 من أبواب ما تجب فيه
الزكاة، الحديث 8.
(2) الجواهر 15: 72.
(3) الوسائل 12: 456، الباب 27 من أبواب تروك
الإحرام، الحديث 2، وراجع الوسائل 13: 151،
الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام، الحديث 4
أيضا، وانظر الحدائق 15: 415، والجواهر 18:
319.
352

إشهاد
لغة:
مصدر أشهد، ويأتي بمعنيين:
1 - الإحضار، ومنه قولهم: أشهدني إملاكه،
أو عقد زواجه، أي أحضرني.
2 - جعل شخص شاهدا على أمر، ومنه
قولهم: أشهده على كذا، أي جعله شاهدا عليه (1).
والظاهر أن الأول يتعدى بنفسه، والثاني
بحرف الجر " على " غالبا.
اصطلاحا:
يأتي بالمعنيين المتقدمين، لكن الذي نبحث
فيه هنا هو المعنى الثاني.
الأحكام:
الحكم التكليفي للإشهاد:
يختلف الحكم التكليفي للإشهاد باختلاف
الموارد، ويمكن تصوير الأحكام الخمسة فيه، لكن
المهم منها والذي يبحث عنه في الفقه، هو الإشهاد
الواجب والمندوب، أما الحرام والمكروه والمباح،
فلا يعدو في بعضها عن فرض، مثل الإشهاد على
أمر محرم، حيث يكون محرما، والإشهاد على ما
يكون الراجح فيه الخفاء، وليس في إعلانه ترجيح،
كالصدقة، فيكون مكروها، وكالإشهاد في الموارد
التي لم تكن واجبة أو مندوبة أو محرمة أو مكروهة،
حيث يكون مباحا، مثل الإشهاد على الهدية، مع
عدم المرجح في الإعلان أو الإخفاء.
هذا بحسب الحكم الأولي، وإلا فقد يصير
الإشهاد واجبا لعارض - كمن كانت عنده وديعة
فظهرت عليه أمارات الموت - أو مستحبا، كذلك،
كالإشهاد في المتعة، كما سيأتي توضيح ذلك.
الإشهاد على الطلاق:
لا يجب الإشهاد في شئ من العقود
والإيقاعات - بحسب الأدلة الأولية (1) - إلا في
الطلاق والظهار خاصة. قال الشهيد الثاني:
" الإشهاد مستحب في البيع، لقوله تعالى:
* (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (2)، وفي النكاح والرجعة،
للأخبار الواردة بذلك... ولا يجب في شئ من
العقود وغيرها، عملا بالأصل وضعف الدليل
الموجب، وقد تقدم البحث في ذلك مرارا " (3).
وقال أيضا: " أجمع الأصحاب على أن
الإشهاد شرط في صحة الطلاق " (4).

(1) أنظر: الصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، والمصباح
المنير، والقاموس المحيط: " شهد ".
(1) بمعنى أنه لا مانع من وجوبه لعارض في بعض الموارد.
(2) البقرة: 282.
(3) المسالك 14: 261 - 262.
(4) المسالك 9: 111.
353

وقال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " الشهادة ليست شرطا في صحة شئ
من العقود والإيقاعات عندنا، إلا الطلاق
والظهار... " (1).
إذن، فالإشهاد الواجب ينحصر في الطلاق
والظهار ووجوبه شرطي، بمعنى: أنه لا يصحان إلا
به.
ويدل على وجوبه في الطلاق: الكتاب،
والسنة، والإجماع:
1 - الكتاب:
قال تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن...) * إلى قوله تعالى: * (فإذا بلغن
أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف
وأشهدوا ذوي عدل منكم...) * (2).
والإشهاد - عند أصحابنا - راجع إلى أصل
الطلاق، لا الإمساك والرجعة كما يقوله غيرهم (3).
2 - السنة:
وهي مستفيضة، بل قيل بتواترها (4). قال
صاحب المدارك: " وأما السنة فمستفيضة جدا،
كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
" طلاق السنة يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع
بشهادة شاهدين " (1) وحسنة زرارة ومحمد بن
مسلم، ومن معهما، عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام)، أنهما قالا: " وإن طلقها في استقبال عدتها
طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين
عدلين، فليس طلاقه إياها بطلاق " (2)... وحسنة
زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " إن الطلاق لا يكون بغير شهود، وإن الرجعة
بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد، فهو
أفضل " (3)... " (4).
3 - الإجماع:
ادعي الإجماع على وجوب الإشهاد في
الطلاق، مستفيضا، قال الشهيد الثاني: " أجمع
الأصحاب على أن الإشهاد شرط في صحة
الطلاق " (5).

(1) الجواهر 41: 178.
(2) الطلاق: 1 - 2.
(3) ولبعض فقهائنا كلام مفصل في هذا المجال، راجع:
الانتصار: 127 - 128، والخلاف 4: 454، والسرائر
2: 666، وكنز العرفان 2: 253 - 254، والمسالك 9:
111، والجواهر 32: 102، وغيرها.
(4) الجواهر 32: 102.
(1) الوسائل 22: 104، الباب الأول من أبواب أقسام
الطلاق، الحديث 2.
(2) الوسائل 22: 26، الباب 10 من أبواب مقدمات
الطلاق وشرائطه، الحديث 3.
(3) الوسائل 22: 134، الباب 13 من أبواب أقسام
الطلاق وشرائطه، الحديث 3.
(4) نهاية المرام 2: 36.
(5) المسالك 9: 111.
354

وقال سبطه صاحب المدارك: " أجمع
الأصحاب على أن الإشهاد شرط في صحة
الطلاق... " (1).
وقال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " الركن الرابع الإشهاد، كتابا وسنة
وإجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو
متواتر، كالسنة... " (2).
كيفية تحمل الشهادة:
اشترط صاحب المدارك في كيفية الإشهاد في
الطلاق أن يكون الشاهدان عالمين بالمطلقة، بحيث
يمكن لهما أن يشهدا بوقوعه بالنسبة إليها عند
الحاجة، قال: " واعلم أن الظاهر من اشتراط
الإشهاد أنه لا بد من حضور شاهدين يسمعان
الطلاق بحيث يتحقق مع الشهادة بوقوعه، وإنما
يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد
العدلان بوقوع طلاقها، فما اشتهر بين أهل زماننا من
الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق - وإن لم
يعلما المطلق والمطلقة بوجه - بعيد جدا، بل الظاهر
أنه لا أصل له في المذهب، فإن النص والفتوى
متطابقان على اعتبار الإشهاد، ومجرد سماع صيغة
لا يعرف قائلها، لا يسمى إشهادا قطعا " (3).
ثم نقل هذا الرأي عن الشيخ الطوسي في
النهاية.
لكن لم يرتض المتأخرون عنه ذلك، فلم يتابعه
أحد حتى صاحب الكفاية (1) الذي كان يتابعه غالبا
في إشكالاته. قال صاحب الحدائق - بعد نقل كلامه
ومناقشته -: " وبالجملة، فإن ما ذكرنا من الاكتفاء
بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا
الذين عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم، كما
حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه، وأما ما ادعاه
(رحمه الله) فلم أقف له على موافق، ولا دليل يعتمد عليه،
ولم أقف لأحد من أصحابنا على بحث في هذه المسألة
سوى ما نقلناه عنه، وقد عرفت ما فيه " (2).
بل استشكل صاحب الجواهر في لزوم المعرفة
الإجمالية أيضا بعد أن نقلها عن صاحب
الرياض (3). واكتفى بشهادة إنشاء الطلاق - من
الأصيل أو الوكيل أو الولي - من دون اعتبار العلم
بالمطلق والمطلقة على وجه يشهد عليهما لو احتيج
إليه، لإطلاق الأدلة (4).
الإشهاد على الظهار:
يشترط في الظهار إيقاعه أمام شاهدين، فهو

(1) نهاية المرام 2: 36.
(2) الجواهر 32: 102.
(3) نهاية المرام 2: 37.
(1) الكفاية: 201.
(2) الحدائق 25: 251.
(3) الجواهر 32: 103 - 106.
(4) الجواهر 32: 103.
355

من هذه الجهة ملحق بالطلاق. قال الشهيد الثاني:
" الظاهر من كلام الأصحاب الاتفاق على
اشتراط سماع الشاهدين لصيغة الظهار كالطلاق،
وهو في رواية حمران الحسنة عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع
بشهادة شاهدين مسلمين " " (1).
وله كلام في اشتراط العدالة هنا وفي الطلاق،
وسوف يأتي الكلام عن ذلك في صفات الشهود في
عنوان: " شهادة " إن شاء الله تعالى.
الإشهاد على النكاح:
المعروف من مذهب الإمامية أن الإشهاد في
النكاح الدائم ليس بواجب ولا شرط في صحته، نعم
هو مستحب (2)، بل قيل: لعل تركه مكروه (3).
لكن قال ابن أبي عقيل بوجوبه (4).
قال الشيخ المفيد: " النكاح على ثلاثة
أضرب: فضرب منه يسمى نكاح الغبطة، وهو
النكاح المستدام المنعقد بغير أجل ولا اشتراط،
والسنة فيه الإشهاد والإعلان... " (5).
وقال الشيخ الطوسي: " النكاح على ثلاثة
أضرب، ضرب منها هو النكاح المستدام الذي
لا يكون مؤجلا بأيام معلومة ولا شهور معينة، وبه
تلحق الأولاد وتجب النفقة ويستحب فيه الإعلان
والإشهاد عند العقد... " (1).
وهكذا قال سائر الفقهاء.
وأما الإعلان، فالمراد به اظهار مجلس العقد
وما يستتبعه للناس.
وإنما كان مستحبا، لأنه أنفى للتهمة، وأبعد
عن الخصومة (2).
والنسبة بين الإعلان والإشهاد عموم من
وجه، لأنهما قد يجتمعان، كما إذا أعلنه للناس وكان
بينهم من فيه أهلية تحمل الشهادة وأشهده على
النكاح، وقد يتحقق الإشهاد من دون إعلان، كما إذا
قرئت صيغة العقد عند شاهدين ولم يعلن العقد
للناس، وقد يتحقق الإعلان من دون الإشهاد، كما
إذا أعلن النكاح من دون أن يشهد عليه.
الإشهاد على النكاح المنقطع:
ليس الإشهاد شرطا في صحة النكاح
المنقطع، وليس مستحبا فيه في حد ذاته، إلا أن
يخاف الرجل أو المرأة التهمة بالزنا. قال الشيخ
الطوسي في النهاية: " وأما الإشهاد والإعلان،

(1) أنظر: المسالك 9: 475، والجواهر 33: 105.
(2) أنظر: الانتصار: 118، والمختلف 7: 101 - 102،
والمسالك 7: 18، ونهاية المرام 1: 31، 40 و 41،
والجواهر 29: 39 - 40.
(3) الجواهر 29: 39.
(4) المختلف 7: 101 - 102.
(5) المقنعة: 497.
(1) النهاية: 450.
(2) نهاية المرام 1: 41.
356

فليسا من شرائط المتعة على حال، اللهم إلا أن
يخاف الرجل التهمة بالزنا، فيستحب له حينئذ أن
يشهد على العقد شاهدين " (1).
الإشهاد على الرجوع في الطلاق:
يستحب الإشهاد على رجوع الزوج في
الطلاق، وأوجبه العامة حملا للآية عليه، لكنها
محمولة عند أهل البيت (عليهم السلام) على الطلاق نفسه
لا الرجوع فيه، نعم يستحب، لأن منه الولد
والميراث. قال الشيخ المفيد - بعد بيان عدم توقف
الرجوع على الإشهاد -: " وإنما ندب إلى الإشهاد
إلى الرجعة، وسن له ذلك، احتياطا فيها، لثبوت
الولد منه " (2).
وقال الشيخ الطوسي: " ومتى أراد المراجعة،
يستحب له أن يشهد شاهدين مسلمين على ذلك،
فإن لم يفعل، كان ذلك جائزا، غير أن الأفضل ما
قدمناه " (3).
وقال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: "... فلا يجب الإشهاد في الرجعة
بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، وهو
الحجة، مضافا إلى الأصل والنصوص المستفيضة أو
المتواترة، بل يستحب لحفظ الحق ورفع النزاع، قال
أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: " إن الطلاق
لا يكون بغير شهود، وإن الرجعة بغير شهود رجعة،
ولكن ليشهد بعد، فهو أفضل " (1) " (2).
الإشهاد على البيع:
يستحب الإشهاد على البيع، لقوله تعالى:
* (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (3). قال الشهيد الثاني:
" الإشهاد مستحب في البيع، لقوله تعالى:
* (وأشهدوا إذا تبايعتم) *... " (4)، وقال صاحب
الجواهر - مازجا كلامه بكلام المحقق -: " الشهادة
ليست شرطا في صحة شئ من العقود والإيقاعات
عندنا إلا الطلاق... ولكن يستحب في النكاح
والرجعة، وكذا في البيع والدين، والخلاف في ذلك
نادر... " (5).
والظاهر أن الاستحباب - هنا وما يماثله -
استحباب إرشادي لا قربي. قال الشيخ الطوسي:
" والمندوب إليه ضربان: ندب قربة وندب إرشاد،
فالقربة صلاة التطوع، وصدقة التطوع، وصوم
التطوع، وكل عبادة يتطوع بها، فإنه لا عوض له
بتركها، وأما الإرشاد، فالإشهاد على البيع، فإنه إذا

(1) النهاية: 489.
(2) المقنعة: 525.
(3) النهاية: 514.
(1) الوسائل 22: 134، الباب 13 من أبواب أقسام
الطلاق، الحديث 3.
(2) الجواهر 32: 184 - 185.
(3) البقرة: 282.
(4) المسالك 14: 261.
(5) الجواهر 41: 178.
357

تركه فقد ترك التحفظ على عقد لا يستدرك، فإنه إذا
ترك التحفظ بها حين البيع، فمتى كان هناك حدث
يفتقر إلى الشهادة لم يستدرك ما فاته " (1).
وبهذا المضمون قال الفاضل مقداد السيوري
في كنز العرفان ردا على القول بوجوب الإشهاد
المنسوب إلى بعض من غير الإمامية (2).
الإشهاد على الدين:
يستحب الإشهاد على الدين، لقوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل... واستشهدوا
شهيدين من رجالكم) * (3).
والأمر فيه محمول على الندب.
الإشهاد على الوصية:
يستحب الإشهاد على الوصية، لقوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم
الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من
غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة
الموت...) * (4).
وقوله: * (أو آخران...) * إشارة إلى أهل
الذمة، حيث تجوز شهادتهم في الوصية إذا لم يكن
مسلم يشهد بها.
قال الشيخ المفيد: " وينبغي لمن أراد الوصية
أن يشهد عليها شاهدين، مسلمين عدلين، لئلا
يعترض الورثة على الوصي من بعده... وإذا
حضرته الوفاة وهو مسافر، فلم يجد مسلما يشهده
على وصيته، فليشهد رجلين من أهل الذمة مأمونين
عند أهل المعرفة بهما من أهل دينهما... " (1).
وللفقهاء تفصيل فيما يثبت بشهادة أهل الذمة،
والنساء (2).
راجع: شهادة، ووصية.
الإشهاد على أخذ اللقيط:
اللقيط هو الإنسان الملقوط غير البالغ.
والمعروف عدم وجوب الإشهاد عند التقاطه، نعم
صرح بعضهم باستحبابه.
قال الشهيد الثاني - معلقا على كلام المحقق:
" لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط، لأنه أمانة، فهو
كالاستيداع " -: " هذا عندنا موضع وفاق، لأصالة
البراءة، ولأنه أمانة كالاستيداع، فلا يجب الإشهاد
- إلى أن قال: - نعم يستحب، لأنه أصون وأحفظ
لنسبه وحريته... " (3).

(1) المبسوط 8: 173.
(2) كنز العرفان 2: 55.
(3) البقرة: 282.
(4) المائدة: 106.
(1) المقنعة: 667.
(2) أنظر الجواهر 28: 347.
(3) المسالك 12: 473.
358

ويرى الشهيد الأول: أن الاستحباب يتأكد
لو كان الملتقط فاسقا أو معسرا، دفعا لادعاء
رقيته (1).
وممن صرح بالاستحباب: المحقق الثاني (2)
وصاحب الجواهر (3).
الإشهاد على أخذ اللقطة والضالة:
لا يجب الإشهاد على أخذ اللقطة، وهي المال
الملقوط، والضالة، وهي الحيوان الضال، كاللقيط،
نعم، صرح بعضهم باستحبابه. قال الشيخ في
المبسوط: " والإشهاد، في الناس من قال: إنه
واجب، والآخر: إنه استحباب، وهو الأقوى، لأن
اللقطة أمانة، والأمين لا يلزمه الإشهاد " (4).
وقال في الخلاف: " يستحب لمن وجد اللقطة
أن يشهد عليها - إلى أن قال ضمن رد القول
بالوجوب: - واستحبابه مجمع عليه " (5).
وبهذا المضمون قال آخرون (6).
وأما كيفية الإشهاد، فذكروا فيها وجهين.
قال الشهيد الثاني: " ثم في كيفية الإشهاد
وجهان:
أحدهما - وهو الأشهر - أن يشهد على أصلها
دون صفاتها، أو يذكر بعضها من غير استقصاء، لئلا
يذيع خبرها، فيدعيها من لا يستحقها، فيأخذها إذا
ذكر صفاتها أو يذكر بعضها...
والثاني - أنه يشهد على صفاتها أيضا، حتى
لو مات لم يتملكها الوارث، ويشهد الشهود للمالك
على وجه يثبت به.
وعلى التقديرين: لا ينبغي الاقتصار على
الإطلاق، كقوله: " عندي لقطة "، لعدم الفائدة
بذلك " (1).
الإشهاد على أخذ الشفعة:
إذا باع أحد الشريكين حصته ثبت حق
الشفعة للشريك الآخر، سواء كان حاضرا أو
غائبا، فمتى بلغه الخبر لا يحتاج في مطالبته لحقه في
الشفعة إلى الإشهاد.
قال الشيخ في المبسوط: "... فمتى بلغه وهو
غائب، فهل يفتقر ثبوت شفعته إلى الإشهاد أم لا،
سواء قدر على المسير، أو على التوكيل، أو لم يقدر
عليهما؟ قيل: فيه قولان:
أحدهما - أن الإشهاد شرط.
والثاني - له الشفعة أشهد أو لم يشهد، وهو

(1) الدروس 3: 76.
(2) جامع المقاصد 6: 98.
(3) الجواهر 38: 179 - 180.
(4) المبسوط 3: 322.
(5) الخلاف 3: 580 - 581، المسألة 4 من كتاب اللقطة.
(6) أنظر: القواعد 1: 197، والدروس 3: 93، والمسالك
12: 522، والجواهر 38: 217 - 218 و 307 وغيرها.
(1) المسالك 12: 522 - 523.
359

الصحيح، لأن وجوب الإشهاد يحتاج إلى دليل " (1).
وقال الشهيد الثاني: "... ولا يجب الإشهاد
على المطالبة عندنا وإن تمكن منه، خلافا لبعض
العامة، للأصل وعدم دليل على اعتباره... " (2).
وقال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " لو علم بالشفعة مسافرا مثلا، فإن كان
قدر على السعي أو التوكيل، فأهمل بطلت شفعته،
ولو عجز عنها لم تسقط وإن لم يشهد بالمطالبة وإن
تمكن منه... " (3).
الإشهاد على عزل الوكيل:
المشهور أنه يشترط في عزل الوكيل إعلامه
بذلك (4)، فإذا أعلمه الموكل بالعزل انعزل من دون
حاجة إلى الإشهاد، وذهب جماعة من المتقدمين إلى
أن الوكيل ينعزل بإعلامه بالعزل، أو بالإشهاد عليه
وإن لم يعلم به الوكيل، وبناء على ذلك لا تصح
تصرفات الوكيل بعد الإشهاد على عزله وإن لم يعلم
به.
ذهب إلى هذا الرأي، الشيخ في النهاية (5)،
وتبعه أبو الصلاح الحلبي (1)، وابن حمزة (2)، وابن
إدريس (3)، وابن زهرة (4)، والفاضل مقداد
السيوري (5)، لكن قيده ابن إدريس وابن زهرة بما
إذا لم يمكن إعلامه بالعزل، وقيده الأخير - مضافا
إلى ذلك - بما إذا أمكن الإشهاد، وفحواه أنه إذا لم
يتمكن الموكل من إعلام الوكيل بالعزل،
ولا الإشهاد عليه، واقتضت المصلحة عزله، صح
عزله من دون إشهاد أيضا.
الإشهاد على تسليم المكفول للمكفول له:
تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول للمكفول
له وتسلمه منه. لكن لو أحضره الكفيل وامتنع
المكفول له من تسلمه من دون عذر مقبول، ففي
كيفية إبراء ذمة الكفيل قولان:
الأول - تسليم المكفول إلى الحاكم، فإن لم
يمكن أشهد على تسليمه وامتناع المكفول له.
ذهب إلى هذا القول العلامة في التذكرة (6)
والشهيد الثاني في المسالك (7)، إلا أنهما قالا:

(1) المبسوط 3: 109، والقول الآخر الذي ذكره إنما هو لغير
الإمامية.
(2) المسالك 12: 320.
(3) الجواهر 37: 341، وانظر الصفحة 286.
(4) أنظر: المسالك 5: 244، والحدائق 22: 18.
(5) النهاية: 318.
(1) الكافي في الفقه: 338.
(2) الوسيلة: 283.
(3) السرائر 2: 93.
(4) الغنية: 269.
(5) التنقيح 2: 282.
(6) التذكرة (الحجرية) 2: 101.
(7) المسالك 4: 236.
360

الأقوى الاكتفاء بالإشهاد وإن قدر على الحاكم، وفي
هذه الصورة يتحد قولهم مع القول الآتي.
الثاني - الإشهاد على التسليم وامتناع
المكفول له من تسلم المكفول، وهذا هو القول
المعروف بين من تعرض للمسألة.
لكن هل ذلك على نحو الوجوب؟
لعل ظاهر بعض العبارات يومي إلى ذلك،
لكن صرح بعضهم بعدم الوجوب، وإنما فائدة
الإشهاد إثبات تسليم الكفيل وامتناع المكفول له
من تسلمه.
وممن يظهر من عبارته الوجوب الشيخ في
المبسوط، حيث قال: "... فإن لم يقبل، أشهد عليه
رجلين أنه سلمه إليه وبرئ " (1).
وهكذا جرت عبارات جملة من المتأخرين
عنه، مثل ابن إدريس (2)، والعلامة (3)، والشهيد
الثاني (4)، ونحوهم.
وممن صرح بعدم وجوب الإشهاد وإنما هو
لإسقاط مطالبته مرة ثانية: المحقق الأردبيلي (5)،
وصاحب الكفاية (6)، وصاحب الحدائق (7)، والسيد
العاملي (1)، وصاحب الجواهر (2).
الإشهاد على الإنفاق على الوديعة:
إذا كانت الوديعة تحتاج إلى المراقبة وصرف
المال، مثل العبد، أو الحيوان، أو الشجر، فإما أن
يأمر المالك المستودع بصرف المال والإنفاق على
الوديعة، أو ينهاه، أو يطلق:
1 - فإن أمره بالإنفاق، أنفق ورجع على
المالك.
2 - وإن أطلق، توصل إلى تحصيل الإذن على
الإنفاق من المالك أو وكيله.
فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به إن
شاء، أو يستدين في ذمة المالك، أو...
وإن تعذر الحاكم أنفق هو وأشهد عليه،
ورجع على المالك مع نية الرجوع، لأنه لو لم ينو
الرجوع يصير متبرعا.
3 - وإن نهى المالك عن الإنفاق فكذلك، لأن
نهيه لا يرفع التكليف بحفظ المال المحترم.
وهل تكفي نية الرجوع من دون إشهاد؟ فيه
أقوال:
أ - إنها لا تكفي مطلقا، سواء تمكن
من الإشهاد أو لا، لأن الإشهاد بمنزلة إذن
الحاكم.

(1) المبسوط 2: 337.
(2) السرائر 2: 78.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 101.
(4) المسالك 4: 236.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 9: 319.
(6) كفاية الأحكام: 115.
(7) الحدائق 21: 65.
(1) مفتاح الكرامة 5: 433.
(2) الجواهر 26: 189.
361

وهو الظاهر من الشرائع (1) والقواعد (2).
ب - إنها تكفي مطلقا، لعدم دخل الإشهاد في
إثبات شئ في الذمة، بل إنما يفيد في إثبات الحق،
وهو أمر آخر.
اختار هذا القول المحقق الكركي (3)، والشهيد
الثاني (4)، وصاحب الجواهر (5).
ج - إن تعذر الإشهاد فتكفي نية
الرجوع.
وهذا هو الظاهر من العلامة في التذكرة (6)، بل
نسبه صاحب الحدائق إلى ظاهر الأصحاب (7).
الإنفاق على العين المرهونة:
حكم الإنفاق على العين المرهونة حكم ما
تقدم. قال الشهيد الثاني في المسالك: "... وأما
النفقة فإن أمره الراهن بها رجع بما غرم، وإلا
استأذنه، فإن امتنع أو غاب رفع أمره إلى الحاكم،
فإن تعذر أنفق هو بنية الرجوع، وأشهد عليه، ليثبت
له استحقاقه... " (8).
ومثله قال المحقق الثاني في جامع المقاصد (1).
وهذه التفاصيل تجري في مواطن عديدة،
منها: الإنفاق على الإنسان اللقيط، والحيوان
الضال، ونحوهما.
الإشهاد على دفع الحق:
لا إشكال في وجوب دفع حق الغير عند
المطالبة، سواء كان ماليا أو لا، والمعروف أن
الوجوب فوري، وبناء على ذلك يجب على من في
يده أو ذمته حق لغيره أن يتخلص منه، ويدفعه إلى
صاحبه.
ولكن هل يجوز له تأخير الدفع إلى أن يشهد
عليه، تجنبا لتبعات عدم الإشهاد، مثل إنكار الدفع،
أم لا؟ فيه أقوال:
الأول - أن له الامتناع عن الدفع حتى يشهد.
ذهب إلى هذا القول المحقق (2) ومن تأخر عنه،
على ما نقله صاحب الجواهر (3).
الثاني - التفصيل بين ما يقبل قوله في الرد،
كالوديعة، وما لا يقبل كالعارية (4)، فيجوز تأخير

(1) شرائع الإسلام 2: 159.
(2) القواعد 1: 239.
(3) جامع المقاصد 7: 383.
(4) المسالك 5: 61 - 62 و 87 - 88.
(5) الجواهر 27: 109 و 81.
(6) التذكرة (الحجرية) 2: 203.
(7) الحدائق 21: 415.
(8) المسالك 4: 41.
(1) جامع المقاصد 5: 130، وانظر الجواهر 25: 181 -
182.
(2) شرائع الإسلام 2: 203 - 204، وانظر المسالك 5:
292.
(3) الجواهر 27: 426.
(4) أنظر الجواهر 27: 426.
362

الدفع للإشهاد في الثاني دون الأول، بل يجب الرد
من دون تأخير وإن لم يشهد بذلك.
ذكر هذا القول الشيخ في المبسوط (1).
الثالث - التفصيل في ما لا يقبل قوله بين
ما أشهد صاحب الحق عليه حين دفعه وبين ما لم
يشهد، فيجوز التأخير للإشهاد في الصورة الأولى
دون الثانية.
اختار هذا القول يحيى بن سعيد (2).
الرابع - التفصيل بين ما إذا استلزم التأخير
ضررا على المالك، فلا يجوز التأخير، وبين ما إذا لم
يستلزم ذلك فيجوز، لأن من عليه الحق مخير في
طرق أداء الحق إذا لم تستلزم ضررا على المالك،
وعلى فرض تشاح المالك معه في اختيار طريق
خاص، فيقدم جانب من عليه الحق، لأن من حقه
اختيار أي طريق للأداء شاء.
وإذا تعذر الإشهاد واستلزم التأخير ضررا
على المستحق - أي من له الحق - فيقدم المستحق،
فيجب دفع الحق من دون إشهاد.
ذكر صاحب الجواهر ذلك بعنوان: " قد
يقال "، ثم قال: " فإن أمكن حينئذ حمل كلام
المصنف وغيره من الأصحاب على ذلك، أو
ما يقرب منه، كان له وجه، لا ما عساه يظهر منه
من جواز الامتناع حتى يشهد، وإن استلزم
ذلك التأخير سنة أو أزيد، لتعذر الشهود أو
تعسرهم... " (1).
الخامس - التوقف، وهو الظاهر من المحقق
الأردبيلي، حيث قال: " وبالجملة، الحكم الكلي
مشكل جدا إلا أن يدل عليه نص أو إجماع... " (2).
أما النص فلم يكن، وأما الإجماع فلم ينعقد،
لأنه ذكر بعض الخلاف في المسألة.
وقد أيده صاحب الحدائق، فقال بعد نقل
كلامه: " وهو جيد، لعدم الدليل عليه، والأصل
العدم... " (3).
وكذا صاحب الجواهر إلا أنه ذكر - بعد
ذلك - التفصيل المتقدم (4).
الإشهاد على الوديعة عند ظهور أمارات الموت:
ذكر الفقهاء: أنه إذا ظهرت أمارات الموت
على من عنده وديعة، وجب الإشهاد عليها، حفظا
لحقوق الناس، فإنه لو لم يشهد عليها تكون من جملة
التركة التي تصير إلى الورثة، فإنهم يستحقون جميع
ما كان في يد الميت إلا أن يقوم دليل على شئ أنه لم
يكن له.
لكن هذا إذا لم نقل بوجوب رد الوديعة على

(1) المبسوط 8: 131.
(2) الجامع للشرائع: 323.
(1) الجواهر 27: 427.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 9: 598.
(3) الحدائق 22: 93.
(4) الجواهر 27: 426.
363

المالك أو الحاكم إذا ظهرت أمارات الموت، وأما إذا
قلنا بذلك فالرد مقدم إن أمكن، وإن لم يمكن وجب
الإشهاد (1).
وقال العلامة بوجوب الوصية بدلا من
وجوب الإشهاد (2)، ولعل مرجعهما إلى أمر
واحد.
والإشهاد هنا ليس واجبا في ذاته، بل
لأجل حفظ الحقوق، ولذلك لو كانت الوديعة
معلومة للورثة وغيرهم فلا موضوع لوجوب
الإشهاد.
كان هذا أهم موارد الإشهاد التي تطرق إليها
الفقهاء، وهناك موارد متفرقة أخرى أعرضنا عن
ذكرها.
مظان البحث:
تعلم مظان البحث من العناوين المذكورة
ونحوها، فقد تطرق الفقهاء إلى الإشهاد في كتاب
الطلاق والنكاح والوكالة والكفالة واللقطة والرهن
والوديعة والعارية والمساقاة والحجر، ففي الأولين
ذكروه ضمن شرائط العقد أو الإيقاع، وفي غيرهما
ضمن البحث عن الاختلاف في رد الأمانة، أو
الإنفاق عليها ونحو ذلك.
إشهار
لغة:
مصدر أشهر، بمعنى أذاع الشئ ونشره، وكذا
شهرت الأمر وشهرته تشهيرا. والشهرة: وضوح
الأمر أو الفضيحة أو ظهور الشئ في شنعة حتى
يشهره الناس (1). وذكر الفيومي: أن " أشهرته "
بمعنى شهرته غير منقول (2)، لكن جاء في الصحاح:
" شهرت الأمر أشهره... " (3)، وقد استخدم الفقهاء
أشهر بمعنى شهر كثيرا.
وشهر سيفه: سله من غمده ورفعه على
الناس (4).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، أي وضوح الأمر،
وظهور الشئ في شنعة، وسل السيف.
الأحكام:
حكم إشهار السلاح:
إشهار السلاح بمعنى إظهاره، تترتب عليه

(1) أنظر: المبسوط 4: 139، وأضاف إليه المسافر.
والجواهر 27: 118 - 119.
(2) القواعد 1: 188.
(1) النهاية (لابن الأثير): " شهر ".
(2) المصباح المنير: " شهر ".
(3) الصحاح: " شهر ".
(4) لسان العرب، والمصادر المتقدمة: " شهر ".
364

أحكام نشير إلى أهمها:
إشهار السلاح لإخافة الناس:
يحرم إشهار السلاح لإخافة الناس، وفاعله
محارب، لأنهم عرفوا المحارب بأنه: " من جرد
السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر، ليلا أو نهارا،
في مصر وغيره " (1).
ولا فرق بين الذكر والأنثى في ذلك.
وصرح بعضهم: بأن المحاربة تتحقق بحمل
العصا والحجر ونحوهما أيضا (2).
وأما حكم المحارب فقد ورد إجمالا في قوله
تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع
أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك
لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب
عظيم) * (3).
وقد اختلف الفقهاء في كيفية تنفيذ هذه
الأحكام، قال المحقق الحلي: " وحد المحارب: القتل،
أو الصلب، أو القطع مخالفا، أو النفي. وقد تردد فيه
الأصحاب، فقال المفيد بالتخيير، وقال الشيخ أبو
جعفر (رحمه الله) بالترتيب: يقتل إن قتل، ولو عفا ولي
الدم قتله الإمام. ولو قتل وأخذ المال، استعيد منه،
وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم قتل وصلب،
وإن أخذ المال ولم يقتل، قطع مخالفا ونفي، ولو جرح
ولم يأخذ المال، اقتص منه ونفي، ولو اقتصر على
شهر السلاح والإخافة، نفي لا غير، واستند في
التفصيل إلى الأحاديث الدالة عليه، وتلك
الأحاديث لا تنفك عن ضعف في إسناد، أو
اضطراب في متن، أو قصور في دلالة، فالأولى العمل
بالأول تمسكا بظاهر الآية " (1).
وقال الشهيد الثاني بعد ذكر ذلك كله: "... إن
رواية محمد بن مسلم صحيحة (2) وهي دالة على
حكم ثالث، وهو: التخيير بين الأمور الأربعة مع
عدم القتل وتحتم القتل معه، ويظهر من الاستبصار

(1) شرائع الإسلام 4: 180.
(2) أنظر الجواهر 41: 566.
(3) المائدة: 33.
(1) شرائع الإسلام 4: 180 - 181.
(2) وهي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر، اقتص منه
ونفي من تلك البلد [ة]، ومن شهر السلاح في مصر من
الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل، فهو
محارب، فجزاؤه جزاء المحارب، وأمره إلى الإمام، إن
شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال: وإن
ضرب وقتل وأخذ المال، فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى
بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال، ثم
يقتلونه... ". أنظر الوسائل 28: 307، الباب الأول من
أبواب حد المحاربة، الحديث الأول.
وانظر للمزيد من التوضيح - المصادر التالية:
الروضة البهية 9: 290 - 300، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 430 - 431، والجواهر 41: 564 - 579، ومباني
تكملة المنهاج 1: 318.
365

ترجيحه، لأنه جعله جامعا بين الأخبار، وهو أولى
من الترتيب الذي ذكره في غيره (1)، وإن كان القول
الأول (2) أظهر منهما " (3).
وتفصيل آراء الفقهاء في الموضوع وما
يستتبعه من أحكام سوف يأتي في عنوان " محارب "
إن شاء الله تعالى.
الموت بسبب إشهار السلاح:
لو شهر شخص سلاحه في وجه إنسان فمات
- من دون أن يصدق عنوان المحاربة - فإما أن يموت
مباشرة أو يفر ثم يقع من شاهق أو في بئر، أو يرمي
هو نفسه من شاهق أو في بئر، ففي ثبوت ضمان الدية
على الفاعل وعدمه خلاف، لعل منشأه الاختلاف
في صدق نسبة الإتلاف إلى الفاعل وعدمه عرفا (4).
وقد تقدم الكلام عن ذلك في قاعدة
" إتلاف ".
إشهار السلاح حال الإحرام:
اختلف الفقهاء في حكم حمل السلاح حال
الإحرام على قولين: الحرمة والكراهة (1). وأضاف
بعضهم إلى حمل السلاح إشهاره (2).
إشهار السيف في المسجد:
ذكر بعض الأصحاب ضمن أحكام
المساجد: كراهة سل السيف فيها (3)، وإذا كان سل
السيف مكروها، فإشهاره مكروه بطريق أولى.
الإشهار في النكاح:
تقدم في عنوان " إشهاد ": أن الإشهاد غير
واجب في النكاح، لكن الإعلان والإشهار فيه
مستحبان.
راجع: إشهاد.
الإشهار في الطلاق:
الإشهار غير واجب في الطلاق، نعم يجب فيه
الإشهاد، كما تقدم في عنوان " إشهاد "، فراجع.
إشهار شاهد الزور:
قال الشيخ المفيد: " وشاهد الزور يجب عليه

(1) أي الترتيب الذي ذكره الشيخ في غير الاستبصار، وهو
ما نقله المحقق الحلي عنه آنفا.
(2) أي التخيير مطلقا.
(3) المسالك 15: 12.
(4) أنظر: الجواهر 43: 58، ومباني تكملة المنهاج 2:
256، المسألة 268.
(1) أنظر: المدارك 7: 373، والمعتمد في شرح مناسك
الحج 4: 260.
(2) أنظر: الكافي في الفقه: 203، وإشارة السبق: 127.
(3) أنظر: الدروس 1: 156، والبيان: 135، والحدائق 7:
298، والعروة الوثقى: كتاب الصلاة، أحكام المساجد.
366

العقاب بما دون حد القذف، وينبغي للسلطان أن
يشهره في المصر ليعرفه الناس بذلك، فلا يسمع منه
قول، ولا يلتفت إليه في شهادة، ويحذره
المسلمون " (1).
وقال الشيخ الطوسي: " شاهد الزور يعزر
ويشهر، بلا خلاف. وكيفية الشهر: أن ينادى عليه
في قبيلته أو مسجده أو سوقه، وما أشبه ذلك: بأن
هذا شاهد زور فاعرفوه، ولا يحلق " (2).
وقال ابن إدريس: " وينبغي للإمام أن يعزر
شهود الزور... ويشهرهم... والإشهار هو: أن
ينادى في محلتهم ومجتمعهم وسوقهم: فلان وفلان
شاهدا زور. ولا يجوز أن يشهرا بأن يركبا حمارا
ويحلق برؤوسهما، ولا أن يناديا هما على أنفسهما،
ولا أن يمثل بهما... " (3).
وقال صاحب الجواهر: " يجب تعزير
شاهد الزور - بلا خلاف أجده فيه - بما يراه الحاكم
من الجلد والنداء في قبيلته ومحلته: بأنه كذلك،
ليرتدع غيره، بل هو فيما يأتي، قال الصادق (عليه السلام)
- في موثق سماعة وخبر عبد الله بن سنان -:
" إن شهود الزور يجلدون جلدا ليس له وقت،
وذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى يعرفهم
الناس " (1) " (2).
إشهار القاذف:
حد القذف ثمانون جلدة، لقوله تعالى:
* (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة...) * (3).
وأضاف إليه بعضهم التشهير، قال المحقق
الحلي - بعد ذكر الجلد -: " ويشهر القاذف لتجتنب
شهادته... " (4).
ومزج صاحب الجواهر كلامه بكلام المحقق
فقال: " ويشهر القاذف أي يعلم الناس بحاله لتجتنب
شهادته، كما يشهر شاهد الزور، لاشتراك العلة " (5).
وبهذا المضمون قال جملة من الفقهاء مثل
العلامة (6)، والشهيدين (7)، والفاضل الإصفهاني (8).
لكن استشكل المحقق الأردبيلي في ذلك، فقال
- معلقا على كلام العلامة: " ويشهر لتجتنب
شهادته " -: " وأما تشهيره ليجتنب شهادته فلم

(1) المقنعة: 795.
(2) الخلاف 6: 240، المسألة 39، وانظر النهاية: 336،
والمبسوط 8: 164.
(3) السرائر 2: 150.
(1) الوسائل 27: 333 - 334، الباب 15 من أبواب
الشهادات، الحديث 1 و 2.
(2) الجواهر 41: 252.
(3) النور: 4.
(4) شرائع الإسلام 4: 166 - 167.
(5) الجواهر 41: 430.
(6) القواعد 2: 261، والإرشاد 2: 178.
(7) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 9: 188.
(8) كشف اللثام (الحجرية) 2: 414.
367

أقف على دليل له، فكأنه ما ذكره، وذلك غير مثبت
له، فتأمل " (1).
ومراده من قوله: " ما ذكره " هو قول
العلامة: " لتجتنب شهادته ".
ولعله لذلك لم يتعرض له بعض الفقهاء،
كالشيخ المفيد (2) والشيخ الطوسي (3) ومن تبعهما (4)
والسيد الخوئي (5). وقال الإمام الخميني: "... وعلى
رأي يشهر القاذف حتى تجتنب شهادته " (6).
إشهار القواد:
القواد هو الذي يجمع بين اثنين في الحرام،
سواء كانا رجلا وامرأة أو رجلين أو امرأتين، بالغين
أو صبيين أو مختلفين، وحده خمس وسبعون جلدة،
وأضاف بعضهم إلى ذلك: حلق الرأس والتشهير في
البلد والنفي والتغريب.
وكلامنا هنا يخص التشهير، فقد ذكره
الشيخان - المفيد (7) والطوسي (8) - والسيد
المرتضى (1) ومن تبعهما (2)، بل نسب إلى الأصحاب (3)
أو إلى المشهور (4). لكن مع ذلك قال المحقق الحلي:
" وقيل: يحلق رأسه ويشهر " (5). وكذا الشهيدان، فقد
جاء في اللمعة وشرحها: " وقيل - والقائل الشيخ -:
يضاف إلى جلده أن يحلق رأسه ويشهر... " (6).
وممن صرح بعدم الدليل عليه: المحقق
الأردبيلي (7) والفاضل الإصفهاني (8)، والسيد
الخوئي (9). وقال الإمام الخميني: " وعلى قول
مشهور يحلق ويشهر " (10).
ويختص التشهير على القول به بالرجال، إذ
لا تشهير على النساء ولا جز ولا نفي، اتفاقا، كما
قيل (11).

(1) مجمع الفائدة والبرهان 13: 152.
(2) أنظر المقنعة: 792 - 798.
(3) أنظر: المبسوط 8: 15 - 18، والنهاية: 722 - 729.
(4) أنظر: المراسم: 256، والوسيلة: 423، والغنية: 427.
(5) أنظر مباني تكملة المنهاج 1: 262، المسألة 211.
(6) تحرير الوسيلة 2: 428، حد القذف، القول في
الأحكام، المسألة 2.
(7) المقنعة: 791.
(8) النهاية: 710.
(1) الانتصار: 254.
(2) أنظر: الكافي في الفقه: 410، والمهذب 2: 534،
والوسيلة: 414.
(3) أنظر كشف اللثام (الحجرية) 2: 409.
(4) أنظر الجواهر 41: 400.
(5) شرائع الإسلام 4: 162.
(6) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 9: 164.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 13: 126.
(8) كشف اللثام (الحجرية) 2: 409، وجاء فيه: " ذكره
الأصحاب ولم أجد به خبرا ".
(9) مباني تكملة المنهاج 1: 252.
(10) تحرير الوسيلة 2: 425، الفصل الثاني في اللواط
والسحق والقيادة، المسألة 15.
(11) الجواهر 41: 401.
368

إشهار المحتال:
ذكر جملة من الأصحاب: أن المحتال لأخذ
أموال الناس بالمكر والخديعة، يغرم ما أتلفه،
ويعاقب بما يردعه عن مثل ذلك في المستقبل،
ويشهر ليحذره الناس.
وممن ذكره: الشيخان المفيد (1) والطوسي (2)،
وسلار (3)، وابن إدريس (4)، وابن حمزة (5)، والعلامة
في التحرير (6).
لكن قال صاحب الجواهر: " إن ما عن
المقنعة والنهاية والسرائر والوسيلة والتحرير: من
شهر المحتال ليحذر منه الناس، محمول على ما إذا
رأى الحاكم ذلك لمصلحة " (7).
إشهار المفلس:
قال الحلبي: " ويلزم الحاكم إشهار المفلس
ليعرفه الناس بذلك، فلا يعامل إلا من قد رضي
بإسقاط دعواه عليه، وإذا أشهره لم تسمع دعوى
أحد علم بتفليسه " (8).
وقال ابن زهرة: " وعلى الحاكم إشهار
المفلس بدليل الإجماع ليعرف، فلا يعامله إلا من
رضي بإسقاط دعواه عليه " (1).
وقال العلامة: " يستحب للحاكم الإعلام
بالحجر والنداء على المفلس، ويشهد الحاكم عليه
بأنه قد حجر عليه والإعلان بذلك، بحيث
لا يستضر معاملوه... " (2).
وبهذا المضمون قال في القواعد (3)
والتحرير (4)، ونسبه في مفتاح الكرامة إلى الشيخ في
المبسوط (5).
والظاهر من عبارتي الحلبي وابن زهرة
اللزوم.
وعلى أي حال، فالحكم إرشادي، سواء كان
على نحو اللزوم أو الاستحباب.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة: أحكام المساجد.
2 - كتاب الحج: الإحرام.
3 - كتاب النكاح: مستحبات النكاح.
4 - كتاب الطلاق: شرائط صحة الطلاق.

(1) المقنعة: 805.
(2) النهاية: 721.
(3) المراسم: 259.
(4) السرائر 3: 512.
(5) الوسيلة: 423.
(6) التحرير 2: 234.
(7) الجواهر 41: 598.
(8) الكافي في الفقه: 341.
(1) الغنية: 250.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 52.
(3) القواعد 1: 172.
(4) التحرير 1: 219.
(5) مفتاح الكرامة 5: 314.
369

5 - كتاب المفلس.
6 - كتاب الحدود:
أ - المحاربة.
ب - القذف.
ج - القيادة.
د - السرقة.
7 - كتاب الديات.
أشهر الحج
لغة:
أشهر: جمع شهر، وهو العدد المعروف من
الأيام، سمي بذلك لأنه يشتهر بالقمر، وفيه علامة
ابتدائه وانتهائه (1).
ويطلق أيضا على جزء من اثني عشر جزءا
من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة (2).
والحج: القصد (3).
اصطلاحا:
أشهر الحج في الروايات وعند الفقهاء:
هي الأشهر التي يصح فيها الحج، الذي هو في
عرفهم: قصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة
عنده متعلقة بزمان مخصوص (1).
وأشهر الحج إجمالا هي شوال وذو القعدة
وذو الحجة، وهذا المقدار لا إشكال ولا خلاف فيه،
وإنما الخلاف في أن ذا الحجة كله من أشهر الحج أو
قسم منه؟ فيه أقوال:
الأول - أن ذا الحجة كله من أشهر الحج، وفقا
للآية الشريفة: * (الحج أشهر معلومات...) * (2)، فإن
أقل الجمع ثلاثة، ولا تصدق ثلاثة أشهر إلا مع كمال
شهر ذي الحجة.
ذهب إلى هذا القول ابن الجنيد على ما نسب
إليه (3)، والصدوق (4)، لما رواه في الفقيه (5)، والشيخ
الطوسي في النهاية (6)، والمحقق الحلي (7) والعلامة
الحلي (8)، والشهيد الأول في الدروس (9) والشهيد
الثاني في المسالك (10)، والمحقق الأردبيلي (11)،

(1) لسان العرب: " شهر "، وانظر المصدر الآتي.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" شهر ".
(3) مجمع البحرين: " قصد ".
(1) المبسوط 1: 296.
(2) البقرة: 197.
(3) نسبه إليه العلامة في المختلف 4: 27.
(4) نسبه إليه العلامة في المختلف 4: 27.
(5) من لا يحضره الفقيه 2: 456، الحديث 2959.
(6) النهاية: 207.
(7) شرائع الإسلام 1: 237، والمعتبر: 336.
(8) المختلف 4: 27، والتذكرة 7: 183، وكتبه الأخرى.
(9) الدروس 1: 334.
(10) المسالك 2: 194.
(11) مجمع الفائدة والبرهان 6: 157.
370

وصاحب المدارك (1)، وصاحب الحدائق (2)، بل عليه
المتأخرون على ما قيل (3) وبه استفاضت
الروايات (4).
الثاني - أن ذا الحجة من أوله إلى قبل طلوع
الفجر من يوم النحر من أشهر الحج.
اختاره الشيخ الطوسي في المبسوط (5)
والخلاف (6)، وابن حمزة في الوسيلة (7) ويحيى بن
سعيد في الجامع (8).
الثالث - أنه إلى طلوع الشمس من يوم
النحر.
وهو قول ابن إدريس (9)، وله قول آخر
يوافق القول الأول (10).
الرابع - أنه إلى عشرة من ذي الحجة.
وفيه إشارة إلى أن اليوم العاشر كله من أشهر
الحج، وهو المنقول عن ابن أبي عقيل (11) والسيد
المرتضى (1) وسلار (2).
الخامس - أنه إلى التاسع من ذي الحجة.
وهو قول للشيخ في الجمل (3)، والاقتصاد (4)،
وللقاضي ابن البراج في المهذب (5).
السادس - أنه إلى الثامن من ذي الحجة.
وهو قول أبي الصلاح في الكافي (6).
ولكل من هذه الأقوال توجيه من حيث
إدراك الحج إدراكا اختياريا أو اضطراريا.
ثمرة الخلاف في تفسير أشهر الحج:
قال العلامة الحلي بعد أن ذكر الأقوال
المتقدمة: " والتحقيق أن هذا النزاع لفظي "، ثم بين
وجه ذلك، وتبعه من تأخر عنه.

(1) المدارك 7: 167.
(2) الحدائق 14: 355.
(3) الرياض 6: 127.
(4) مستند الشيعة 11: 244.
(5) المبسوط 1: 308.
(6) الخلاف 2: 258، المسألة 23.
(7) الوسيلة: 158.
(8) الجامع للشرائع: 177.
(9) السرائر 1: 524.
(10) السرائر: 539، ونسبه إلى الشيخ المفيد.
(11) نقله عنه في المختلف 4: 27.
(1) نسبه إليه العلامة في المختلف 4: 27، لكن الموجود
في الانتصار (طبع منشورات الرضي): 91 - 92:
"... شوال وذي القعدة وتسع من ذي الحجة "، وفي
ص 153: " شهران وبعض الثالث "، وفي الانتصار
(طبع مؤسسة النشر الإسلامي): 236: " وعشر "،
وفي رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة):
62: " وعشرون من ذي الحجة "، وفي الهامش:
" وعشر ".
(2) المراسم: 103.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 226.
(4) الاقتصاد: 447.
(5) المهذب 1: 213.
(6) الكافي في الفقه: 201.
371

وحاصل الوجه الذي ذكروه هو:
إن كان المراد من " أشهر الحج " الأشهر التي
يصح إنشاء الحج فيها، فهي: شوال وذو القعدة
والعشر الأول من ذي الحجة، لأن الحج إنما يمكن
إنشاؤه إلى قبل طلوع الشمس من يوم النحر أو قبل
الزوال فيه - على الاختلاف - إذ لا بد من إدراك
الوقوفين: عرفة والمشعر الحرام، أو الوقوف
الاضطراري في المشعر.
وإن كان المراد منها ما يصح إيقاع أعمال
الحج فيها، فإن ذا الحجة كله من أشهر الحرم،
لأن بعض الأعمال يمكن إيقاعها في جميع أيام
ذي الحجة، مثل طواف الحج وطواف النساء
والسعي.
وهذه الأمور مما لا خلاف فيها إجمالا (1)،
فلا أثر للخلاف في تفسير " أشهر الحج " إلا أن يراد
بيان المقصود من الآية (2).
الأحكام:
لزوم إيقاع الحج وعمرة التمتع في أشهر الحج:
يشترط في الحج بأقسامه أن يكون وقوعه في
أشهر الحج. قال صاحب المدارك بعد بيان المراد من
أشهر الحج: " إذا تقرر ذلك فنقول: إنه يعتبر في
الحج وقوع أفعاله في هذه الأشهر إجماعا (1)، لقوله
تعالى: * (الحج أشهر معلومات) * (2)، وتقديره: وقت
الحج أو أشهر الحج، فحذف المضاف وأقيم المضاف
إليه مقامه، وإذا كان هذا الزمان وقتا للحج لم يجز
تقديمه عليه، كما لا يجوز تأخيره عنه، ويدل عليه
روايات، منها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " الحج أشهر معلومات: شوال، وذو القعدة، وذو
الحجة، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهن " (3) " (4).
وعمرة التمتع مثل الحج من حيث لزوم
وقوعها في أشهر الحج (5)، أما العمرة المفردة فيجوز
إيقاعها في جميع أيام السنة (6).
حكم من أحرم للحج أو عمرة التمتع في غير أشهر
الحج:
لا إشكال ولا خلاف في أن الإنسان لو عقد
إحراما في غير أشهر الحج بنية الحج أو عمرة التمتع لم
ينعقد إحراما للحج ولا عمرة تمتع، كما تقدم.

(1) المدارك 7: 167.
(2) أنظر: المختلف 4: 28، والدروس 1: 334، والمسالك
2: 195، والمدارك 7: 167، والحدائق 14: 354.
(1) ادعي الإجماع مستفيضا، أنظر: الانتصار: 92،
والخلاف 2: 258، والسرائر 1: 526.
(2) البقرة: 197.
(3) الوسائل 11: 272، الباب 11 من أبواب أقسام
الحج، الحديث 5.
(4) المدارك 7: 168، وانظر الصفحة 191 أيضا.
(5) أنظر المدارك 7: 169 - 170، قال صاحب المدارك:
" هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ".
(6) أنظر المدارك 7: 187.
372

ولكن اختلف الفقهاء في أنه هل ينعقد إحراما
للعمرة المفردة أو لا ينعقد أصلا؟
ولكن الأغلب جعلوا محط الكلام ما لو نوى
عمرة تمتع، فهل تقع عمرة مفردة أم لا؟
وعلى أي حال ففي المسألة قولان:
الأول - انعقاد إحرامه إحراما للعمرة
المفردة. قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " لا ينعقد
الإحرام بالحج ولا العمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا
في أشهر الحج، فإن أحرم في غيرها انعقد إحرامه
بالعمرة " (1).
وقال ابن إدريس: "... فإن وقعت عمرته في
غير هذه المدة المحدودة لم يجز أن يكون متمتعا بتلك
العمرة، وكان عليه لحجته عمرة أخرى يبتدئ بها
في المدة التي قدمناها " (2).
وقال المحقق الحلي: " لا ينعقد الإحرام
بالعمرة المتمتع بها إلا في أشهر الحج، فإن أحرم في
غيرها انعقد إحرامه بالعمرة المبتولة... " (3).
والعمرة المبتولة هي المفردة.
وقال يحيى بن سعيد الحلي - بعد بيان أشهر
الحج -: " فمتى أحرم بالمتعة، أو بالحج في غيرها
انعقد بعمرة مبتولة " (4).
وقال العلامة الحلي: " لو أحرم بالحج قبل
أشهره، لم ينعقد إحرامه للحج وينعقد للعمرة... " (1).
وقال أيضا: " لا ينعقد الإحرام بالعمرة
المتمتع بها قبل أشهر الحج، فإن أحرم بها في غيرها،
انعقد للعمرة المبتولة... " (2).
وممن يرى هذا الرأي أيضا: صاحب
الجواهر (3) والسيد اليزدي (4).
الثاني - عدم انعقاد إحرامه مطلقا،
وصيرورته لغوا. وهذا القول هو الظاهر من السيد
المرتضى وسلار، واختاره جماعة ممن تأخر عن
العلامة مستشكلين على قوله بصيرورة الإحرام
إحراما للعمرة المبتولة.
قال السيد المرتضى: " ومما انفردت به
الإمامية القول بأن من أحرم بالحج في غير أشهر
الحج - وهي شوال، وذو القعدة، وتسع من ذي
الحجة - لم ينعقد إحرامه... " (5).
وقال سلار - بعد ذكر أشهر الحج -: " فمن
عقد الإحرام بالحج فيهن وإلا كان لغوا " (6).

(1) الخلاف 2: 259، المسألة 24.
(2) السرائر 1: 524.
(3) المعتبر: 336.
(4) الجامع للشرائع: 177.
(1) التذكرة 7: 185، المسألة 137.
(2) التذكرة: 186، المسألة 138.
(3) الجواهر 18: 19.
(4) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل في صورة حج التمتع
إجمالا، المسألة الأولى.
(5) الانتصار: 91 - 92.
(6) المراسم: 104.
373

وقال الشهيد الأول: " ولو أحرم بالحج في
غيرها لم ينعقد، وروي انعقاده عمرة مفردة. ولو
أحرم بعمرة التمتع في غيرها احتمل انعقادها مفردة
أيضا " (1).
وممن يرى عدم الانعقاد أو استشكل فيه:
الشهيد الثاني (2) وصاحب المدارك (3)، والفاضل
الأصفهاني (4)، وهو الظاهر من السيد الحكيم (5)
والسيد الخوئي (6)، إلا أن الأخير قال: " نعم،
لا بأس بذلك رجاء ويأتي بطواف النساء "، أي
لا بأس بجعل الإحرام إحراما للعمرة المفردة رجاء
للمطلوبية، ويأتي بطواف النساء، لأن العمرة المفردة
تحتاج إليه.
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن الموضوع في أول كتاب
الحج عند بيان أقسام الحج، وفي آخره عند
الكلام عن العمرة المفردة، وبمناسبات مختلفة في
الأثناء.
الأشهر الحرم
لغة:
الأشهر: جمع شهر، وقد تقدم معناه في أشهر
الحج.
والحرم: جمع حرام.
والأشهر الحرم: هي الأشهر التي حرم العرب
القتال فيها، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم،
ورجب (1). وذلك مما تمسكوا به من ملة إبراهيم
وإسماعيل (عليهما السلام) (2).
ولما كان العرب أصحاب غارات وحروب،
وكان يصعب عليهم إيقاف القتال ثلاثة أشهر متصلة
فكانوا يؤخرون شهرا منها، فكانوا يؤخرون غالبا
شهر المحرم إلى صفر، فيستحلون القتال في المحرم
ويحرمونه في صفر، وهو الذي كانوا يعبرون عنه
بالنسئ (3)، لكن حرمه الإسلام في قوله تعالى:

(1) الدروس 1: 334.
(2) المسالك 2: 196.
(3) المدارك 7: 170.
(4) كشف اللثام 5: 40 - 41.
(5) المستمسك 11: 198 - 199.
(6) مستند العروة الوثقى (الحج) 2: 245 - 246.
(1) الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، والقاموس المحيط،
وغيرها: " شهر " و " حرم "، واستثنى في الصحاح
حيين من العرب: " خثعم " و " طي "، فإنهما كانا
يستحلان القتال فيها.
(2) مجمع البيان (5 - 6): 29.
(3) قال الجوهري: " النسئ: فعيل بمعنى مفعول، من قولك:
أنسأت الشئ فهو منسوء إذا أخرته، ثم يحول منسوء إلى
نسئ كما يحول مقتول إلى قتيل ". الصحاح: " نسأ ".
374

* (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله
يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين
القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما
يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين * إنما النسئ
زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما
ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم
الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم
الكافرين) * (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
حرمة القتال في الأشهر الحرم:
قال صاحب الجواهر - مازجا كلامه بكلام
المحقق -: " ويحرم الغزو في أشهر الحرم، وهي:
رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، إلا أن يبدأ
الخصم أو يكون ممن لا يرى للأشهر الحرم حرمة،
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك (2)، لقوله تعالى:
* (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه
كبير) * (1) أي ذنب كبير، وقوله تعالى: * (فإذا انسلخ
الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين) * (2)، وقوله تعالى:
* (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) * (3) ".
ثم ذكر سبب نزول الآية الأخيرة فقال: " إنه
كان أهل مكة قد منعوا النبي (صلى الله عليه وآله) عام الحديبية سنة
ست في ذي القعدة وهتكوا الشهر الحرام، فأجاز الله
تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أن يدخلوه في سنة تسع
في ذي القعدة لعمرة القضاء مقابلا لمنعهم في العام
الأول، ثم قال: * (والحرمات قصاص) * أي يجوز
القصاص في كل شئ حتى في هتك حرمة الشهر، ثم
عمم الحكم، فقال: * (فمن اعتدى عليكم) *... " (4).
ثم استشهد ببعض الروايات الدالة على
الحكم.
هل حرمة القتال في الأشهر الحرم منسوخة؟
قال الشيخ الطوسي في التبيان: " وقال قتادة
وغيره - واختاره الجبائي -: إن القتال في الشهر
الحرام وعند المسجد الحرام منسوخ بقوله:

(1) التوبة: 36 - 37.
(2) صرح بهذا الحكم كثير من الفقهاء، منهم: الشيخ الطوسي
في المبسوط 2: 3، والنهاية: 293، والحلبي في الكافي:
257، والقاضي في المهذب 1: 303، وابن زهرة في
الغنية: 201، وابن إدريس في السرائر 2: 8، والعلامة
في القواعد 1: 101، والمقداد في كنز العرفان 1: 344،
والسيد الطباطبائي في الرياض 7: 508 وغيرهم.
(1) البقرة: 217.
(2) التوبة: 5.
(3) البقرة: 194.
(4) الجواهر 21: 32.
375

* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (1)، وبقوله:
* (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (2)، وقال
عطاء: هو باق على التحريم. وروى أصحابنا: أنه
على التحريم في من يرى لهذه الأشهر حرمة، فإنهم
لا يبتدئون فيه بالقتال، وكذلك في الحرم، وإنما أباح
تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) قتال أهل مكة وقت الفتح، ولذلك
قال (صلى الله عليه وآله): " إن الله أحلها في هذه الساعة، ولا يحلها
لأحد بعدي إلى يوم القيامة "، ومن لا يرى ذلك فقد
نسخ في جهته وجاز قتاله أي وقت كان " (3).
ونقل النص بعينه الشيخ الطبرسي في مجمع
البيان (4)، لكن قال: " وعندنا " بدل " وروى
أصحابنا "، ولعله لذلك قال الشيخ في المبسوط - بعد
بيان حرمة القتال في الأشهر الحرم والحرم في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله) -: "... ثم نسخ ذلك وأجاز القتال في سائر
الأوقات وجميع الأماكن لقوله تعالى: * (وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * (5)، وقاتل
النبي (صلى الله عليه وآله) هوازن في شوال (6)، وبعث خالد بن الوليد
إلى الطائف في ذي القعدة، ثبت بذلك أنه منسوخ "
ثم قال:
" وقد روى أصحابنا: أن حكم ذلك ثابت في
من يرى لهذه الأشهر حرمة، فأما من لا يرى ذلك
فإنه يبدأ فيه بالقتال " (1).
ويلوح من كلامه في التبيان والمبسوط القول
بنسخهما، لأنه نسب عدم النسخ إلى الرواية، لا إلى
الأصحاب، كما هو المعروف عنهم، نعم صرح
بعضهم بنسخ حرمة القتال في الحرم. قال المحقق
الحلي: " ويجوز القتال في الحرم، وقد كان محرما
فنسخ " (2)، وقال العلامة الحلي: "... إذا عرفت هذا،
فإن أصحابنا قالوا: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم
باق إلى الآن لم ينسخ في حق من يرى للأشهر الحرم
حرمة - إلى أن قال: - أما تحريم القتال في المسجد
الحرام فإنه منسوخ " (3).
وبهذا المضمون قال غيرهما (4).
حرمة النسئ في الأشهر الحرم:
تقدم (5) معنى النسئ في الأشهر الحرم، وأنه
حرام بنص الكتاب الكريم.
وجوب القتال بعد انسلاخ الأشهر الحرم:
تكلم الفقهاء عن وجوب القتال بعد انقضاء

(1) البقرة: 193.
(2) التوبة: 5.
(3) التبيان 2: 207.
(4) مجمع البيان (1 - 2): 312.
(5) الأنفال: 39.
(6) لكن شوال ليس من الأشهر الحرم.
(1) المبسوط 2: 3.
(2) شرائع الإسلام 1: 308.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 898.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 3: 16.
(5) في الصفحة 374.
376

الأشهر الحرم وعدمه، وفي المهادنة أكثر من سنة
واحدة مع القوة على القتال، وقد تمسك بعض
القائلين بوجوب الجهاد مرة واحدة في السنة (1) بقوله
تعالى: * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم) * (2).
وسوف يأتي الكلام عن ذلك في عنوان
" جهاد " إن شاء الله تعالى.
تغليظ عقوبة القتل في الأشهر الحرم:
تكلم الفقهاء عن تغليظ عقوبة القاتل في
الأشهر الحرم من جهتين:
1 - الدية.
2 - صوم الكفارة.
وفيما يلي نشير إلى كل منهما إشارة إجمالية:
أولا - تغليظ العقوبة من جهة الدية:
إن دية القتل في الأشهر الحرم ترتقي إلى دية
وثلث دية، تغليظا في عقوبة القاتل، وهو متفق عليه
على ما صرحوا به. قال صاحب الجواهر - مازجا
كلامه بكلام المحقق -: " ولو قتل في الشهر الحرام:
رجب، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، ألزم دية
وثلثا، من أي الأجناس كان، تغليظا، بلا خلاف
أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما
صريحا فضلا عن الظاهر مستفيض أو
متواتر (1)... " (2)، ثم ذكر خبر كليب الأسدي، قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقتل في الشهر
الحرام ما ديته؟ قال: دية وثلث " (3).
والظاهر أنه لا فرق في نوع القتل بين العمد
وغيره، كما صرح به بعضهم (4).
والتغليظ مختص بتلف النفس دون الأطراف،
كما صرحوا به أيضا (5).
ثانيا - تغليظ العقوبة من جهة صوم الكفارة:
يجب صوم شهرين متتابعين كفارة عن قتل
المؤمن في الأشهر الحرم، واختلفوا في كيفية صوم
الشهرين على ثلاثة أقوال:
1 - يجب أن يصوم شهرين متتابعين في
الأشهر الحرم، ولا يضره تخلل عيد الأضحى، وأيام

(1) أنظر المبسوط 2: 50 - 51، والمنتهى (الحجرية) 2:
974، والتذكرة (الحجرية) 1: 447، والمسالك 3:
83، والجواهر 21: 49 و 297.
(2) التوبة: 5.
(1) وممن نقل الإجماع أو الاتفاق على ذلك: الشيخ في
الخلاف 5: 222 - 223، المسألة 6، والشهيد في
المسالك 15: 320، والسيد الطباطبائي في الرياض
(الحجرية) 2: 530، والسيد الخوئي في مباني تكملة
المنهاج 2: 200.
(2) الجواهر 43: 26.
(3) الوسائل 29: 203، الباب 3 من أبواب ديات
النفس، الحديث الأول.
(4) أنظر مباني تكملة المنهاج 2: 200.
(5) أنظر: المبسوط 7: 117، والقواعد 2: 322، وإرشاد
الأذهان 2: 233.
377

التشريق حيث يحرم الصوم فيها، لأنه إن كان بمنى
فيترك صوم العيد وأيام التشريق ويبدلها متصلا
بأيام أخرى، وإن كان في غير منى كسائر البلدان
- حيث لا يحرم عليه صوم أيام التشريق فيها، لأن
التحريم مختص بمن كان بمنى - فيترك صوم العيد
ويبدله بيوم آخر متصلا.
هذا هو الرأي المشهور، كما قيل (1)، استنادا
إلى الجمع بين العمومات الدالة على حرمة صوم
العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى، وبين ما دل
على وجوب صوم شهرين متتابعين من الأشهر
الحرم على من قتل مؤمنا، فمقتضى الجمع بين
الطائفتين: صوم شهرين من الأشهر الحرم باستثناء
يوم العيد وأيام التشريق.
2 - يجب صوم شهرين من الأشهر الحرم بما
فيهما من عيد أو أيام التشريق، فيجب صوم هذه
الأيام أيضا.
ذهب إلى هذا الرأي: الصدوق (2) والشيخ
الطوسي (3) وابن حمزة (4) وصاحب الحدائق (5)
والسيد الخوئي (1). وذلك استنادا إلى روايات - فيها
الصحيح - دلت على ذلك، منها ما ذكره الشيخ
بإسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن
زرارة، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في رجل
قتل في الحرم. قال: عليه دية وثلث ويصوم شهرين
متتابعين من أشهر الحرم. قال: قلت: هذا يدخل
فيه العيد وأيام التشريق؟ قال: فقال: يصوم، فإنه
حق لزمه " (2).
3 - ما استظهره السيد الخوئي (3) من المحقق
الحلي (4) والسيد اليزدي (5): من أنه ينبغي أن يبدأ
بالشهرين في وقت لا يصادف فيه الأيام التي يحرم
فيها الصوم.

(1) أنظر: الحدائق 13: 388، ومستند الشيعة 10: 509،
والوسائل 10: 380، الباب 8 من أبواب بقية الصوم
الواجب، ذيل الحديث 2.
(2) المقنع: 182 - 183.
(3) المبسوط 1: 281، والنهاية: 166، والتهذيب 4: 297
و 10: 215 - 216.
(4) الوسيلة: 148.
(5) الحدائق 13: 388 - 390.
(1) مستند العروة (الصوم) 2: 265 - 270، وانظر مباني
تكملة المنهاج 2: 202.
(2) التهذيب 10: 216، كتاب الديات، باب القاتل في
الشهر الحرام، الحديث 4، وانظر التهذيب 4: 297،
كتاب الصيام، باب وجوه الصيام، الحديث 2، والوسائل
29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث
3، و 10: 380، الباب 8 من أبواب بقية الصوم
الواجب، الحديث 2.
(3) مستند العروة (الصوم) 2: 266.
(4) شرائع الإسلام 1: 206، وفيه: " وكل من وجب
عليه صوم متتابع، لا يجوز أن يبتدئ زمانا لا يسلم
فيه ".
(5) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في صوم الكفارة،
المسألة 4.
378

مظان البحث:
1 - كتاب الصوم: الصوم المحرم.
2 - كتاب الديات:
أ - دية القتل في الأشهر الحرم.
ب - كفارة القتل.
إصابة
لغة:
مصدر أصاب، يقال: أصاب مقصوده، أي
أدركه، وأصاب السهم: إذا وصل إلى المرمى ولم
يخطئ، وأصاب الشئ: وجده، وأصاب في قوله:
إذا جاء بالصواب ولم يخطئ، وأصيب بولده: فجع
به، وأصاب زوجته: جامعها، وأصابته جنابة:
حصلت له، وأصيبت دعوته: أجيبت (1).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء الإصابة في المعاني المتقدمة
كلها، فاستعملوها في إصابة النجاسة، وإصابة
المرض، وإصابة الماء - أي وجدانه - وإصابة
الشمس للجدار ونحوه، وإصابة الصيد، وإصابة
الجنابة وإصابة المرأة، وإصابة الهدف والغرض في
السبق (1)، وسوف يأتي البحث عنها في مظانها.
أصالة
راجع الملحق الأصولي: أصل.
إصبع
لغة:
عضو مستطيل يتشعب من الكف والقدم،
مؤنث وقد يذكر، وجمعه: أصابع. اتخذت مقياسا
للطول، مقداره ست شعيرات (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
وردت أحكام كثيرة للإصبع وقع الكلام
والخلاف في بعضها، فلذلك نشير هنا إلى عناوينها

(1) أنظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان
العرب، والمصباح المنير، ومجمع البحرين: " صوب ".
(1) أنظر مثلا: الجواهر 1: 63 ومواطن كثيرة، و 5:
238 و 264، و 6: 255، و 20: في مواطن كثيرة،
و 29: 383 و 32: 175، و 28: 215، وغيرها.
(2) الجواهر 2: 159 - 162.
379

إجمالا ونحيل التفصيل على مواطنها الأصلية:
1 - وجوب غسل اليد في الوضوء من المرفق
إلى انتهاء الأصابع (1).
2 - وجوب غسل الإصبع الزائدة في
الوضوء (2).
3 - حكم المسح بإصبع واحدة (3).
4 - مسح القدمين من رؤوس الأصابع ولو
بإصبع واحدة (4).
5 - وجوب تحريك الخاتم في الإصبع عند
الوضوء (5).
6 - تخليل الأذنين بالأصابع عند الغسل (6).
7 - استحباب تليين أصابع الميت برفق (7).
8 - استحباب كتابة الشهادتين على الكفن
بالإصبع (8).
9 - استحباب وضع الكف على القبر حتى
يغمز الأصابع في الطين (9).
10 - استحباب تفريج الأصابع عند الضرب
على الصعيد في التيمم (1).
11 - استقبال القبلة بأصابع الرجلين (2).
12 - استحباب وضع المؤذن إصبعيه في
أذنيه (3).
13 - وظيفة الأخرس في القراءة والتلبية
تحريك اللسان والإشارة بالإصبع (4).
14 - استحباب ضم الأصابع - عدا الإبهام -
عند التكبير في الصلاة (5).
15 - حكم الوقوف على الأصابع عند القيام
في الصلاة (6).
16 - استحباب ضم الأصابع ووضعها على
الفخذين عند القيام (7).
17 - لزوم وصول الأصابع إلى الركبتين في
الركوع وعدمه (8).
18 - استحباب تفريج الأصابع في
الركوع (9).
19 - هل العبرة في وضع الرجلين في السجود

(1) الجواهر 2: 166.
(2) الجواهر 2: 166.
(3) الجواهر 2: 170.
(4) الجواهر 2: 208 - 210.
(5) الجواهر 2: 287 - 289.
(6) الجواهر 3: 81.
(7) الجواهر 4: 150.
(8) الجواهر 4: 231.
(9) الجواهر 4: 318.
(1) الجواهر 5: 222.
(2) الجواهر 7: 329.
(3) الجواهر 9: 63.
(4) الجواهر 9: 211، و 18: 223.
(5) الجواهر 9: 236.
(6) الجواهر 9: 253.
(7) الجواهر 9: 281 - 282.
(8) الجواهر 10: 70.
(9) الجواهر 10: 104.
380

هو أطراف الأصابع، أو الإبهامان خاصة (1)؟
20 - استحباب بسط الأصابع في السجود (2).
21 - النهي عن فرقعة الأصابع في
الصلاة (3).
22 - استحباب ضم الأصابع - عدا الإبهام -
في القنوت (4).
23 - تفسير " التبتل " بالدعاء والإشارة
بإصبع واحدة، و " التضرع " بالدعاء والإشارة
بالإصبع وتحريكها (5).
24 - عد التسبيح بالأصابع (6).
25 - عد ركعات الصلاة بالأصابع، وعدم
كونه فعلا كثيرا (7).
26 - كراهة تشبيك الأصابع عند القيام في
الصلاة (8).
27 - استحباب جعل الإصبع على الأنف
عند العطاس وقول: " رغم الله أنفي رغما
داخرا " (9).
28 - الإشارة بالإصبع عند رد السلام في
الصلاة (1).
29 - الاستخارة بالقرعة بالأصابع (2).
30 - تقدير التقدم والتأخر بين الإمام
والمأموم بالأصابع (3).
31 - تفسير الحذف والخذف في رمي الحصى،
وأنه بالأصابع (4).
32 - تقدير الميل بأنه: ستة وتسعون ألف
إصبع (5).
33 - تقدير الإصبع بأنه: ست شعيرات (6).
34 - المراد بالإصبع في التقديرات عرضه
لا طوله وقدر بسبع شعيرات... وقيل بست (7).
35 - عدم بطلان الصوم بإدخال الإصبع
ونحوه في الفرج (8).
36 - إلصاق عقب الرجل بالصفا والأصابع
بالمروة في السعي (9).
37 - حرمة قلم الأصابع حال الإحرام (10).

(1) الجواهر 10: 140 - 142.
(2) الجواهر 10: 189.
(3) الجواهر 11: 85.
(4) الجواهر 10: 368.
(5) الجواهر 10: 370.
(6) الجواهر 10: 405 - 408.
(7) الجواهر 11: 57 و 63.
(8) الجواهر 11: 92.
(9) الجواهر 11: 95.
(1) الجواهر 11: 103.
(2) الجواهر 12: 165.
(3) الجواهر 13: 227.
(4) الجواهر 14: 131، و 19: 109.
(5) الجواهر 14: 199.
(6) الجواهر 14: 199.
(7) الجواهر 14: 201.
(8) الجواهر 16: 223.
(9) الجواهر 19: 419.
(10) الجواهر 20: 399.
381

38 - الإصبع الزائدة في الأمة عيب (1).
39 - تفسير " ما ظهر " في آية الحجاب
بالكفين والأصابع (2).
40 - استحباب لعق الأصابع بعد الفراغ من
الطعام (3).
41 - استحباب الأكل بثلاث أصابع (4).
42 - اختصاص القطع بالأصابع الأربع دون
الإبهام في حد السرقة (5).
43 - لو قطعت إصبع شخص فسرت
الجناية (6).
44 - فروعات قطع الأصابع (7).
45 - دية الأصابع (8).
46 - دية الإصبع الزائدة (9).
47 - دية شلل الأصابع (10).
48 - دية إصبع المرأة (11).
إصحار
لغة:
مصدر أصحر، يقال: أصحر الرجل، إذا
خرج إلى الصحراء (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
ذكر الفقهاء استحباب الإصحار في الموارد
التالية:
1 - صلاة العيدين:
أجمع الفقهاء على استحباب الإصحار في
صلاة العيدين - الفطر والأضحى - حتى ينظر
المصلون إلى آفاق السماء (2)، وتدل عليه نصوص
مستفيضة، منها ما رواه الشيخ بإسناده عن الحلبي،
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام) " أنه كان إذا
خرج يوم الفطر والأضحى أبى أن يؤتى بطنفسة

(1) الجواهر 23: 258.
(2) الجواهر 29: 76.
(3) الجواهر 36: 449.
(4) الجواهر 36: 457.
(5) الجواهر 41: 528.
(6) الجواهر 42: 29.
(7) الجواهر 42: 423 - 427.
(8) الجواهر 43: 252 و 278.
(9) الجواهر 43: 256.
(10) الجواهر 43: 257.
(11) الجواهر 43: 352.
(1) الصحاح: " صحر ".
(2) دعوى الإجماع على ذلك مستفيضة، أنظر: التذكرة 4:
141، وجامع المقاصد 2: 443، والمدارك 4: 111،
والذخيرة: 322، والحدائق 10: 264، والرياض 4: 101
- 102، ومستند الشيعة 6: 201، والجواهر 11: 373.
382

يصلي عليها، ويقول: هذا يوم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يخرج فيه حتى يبرز لآفاق السماء، ثم يضع جبهته
على الأرض " (1). ومنها ما رواه ليث المرادي، عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم
فطر أو يوم أضحى: لو صليت في مسجدك! فقال:
إني لأحب أن أبرز إلى آفاق السماء " (2). وغيرها.
نعم يستثنى من ذلك مكة، حيث يستحب
الصلاة فيها بالمسجد الحرام (3)، لما رواه الشيخ
بإسناده عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه (عليهما السلام)، قال: " السنة على أهل الأمصار أن
يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلا أهل مكة،
فإنهم يصلون في المسجد الحرام " (4).
2 - صلاة الاستسقاء:
من سنن صلاة الاستسقاء الإصحار بها، إلا
في مكة، حيث تكون الصلاة في المسجد الحرام.
وادعي عليه الإجماع مستفيضا (5). ويدل عليه ما
روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " مضت السنة أنه
لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى
السماء، ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة " (1).
وقد تقدم الكلام عنه في عنوان " استسقاء ".
3 - صلاة الحاجة:
ورد الأمر بالإصحار عند قراءة بعض
الأدعية والأذكار والزيارات والصلوات المندوبة
التي ذكرتها كتب الأدعية، ومن تلك الصلوات ما
ذكره الحلبي في إشارة السبق، قال: " وصلاة الحاجة
ركعتان، يصام لها ثلاثة أيام، أفضلها الأربعاء
والخميس والجمعة، يصحر بها، أو يرتفع إلى أعلى
داره، وخير أوقاتها قبل زوال الشمس من يوم
الجمعة، والقراءة فيها بما ذكرناه، والدعاء فيها
بالمأثور عن الصادقين (عليهما السلام) " (2).
مظان البحث:
1 - صلاة العيدين.
2 - صلاة الاستسقاء.

(1) الوسائل 7: 449، الباب 17 من أبواب صلاة العيد،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 7: 451، الباب 17 من أبواب صلاة العيد،
الحديث 7.
(3) أنظر المصادر المتقدمة في الهامش رقم 2 من العمود
الثاني من الصفحة السابقة.
(4) الوسائل 7: 449، الباب 17 من أبواب صلاة العيد،
الحديث 3.
(5) أنظر: التذكرة 4: 207، والذكرى 4: 252، والحدائق
10: 486، والرياض 4: 190، والجواهر 12: 140 - 141.
(1) الوسائل 8: 10، الباب 4 من أبواب صلاة
الاستسقاء، وفيه حديث واحد.
(2) إشارة السبق: 108، وانظر الوسائل 8: 127
و 135، الباب 26 و 29 من أبواب بقية الصلوات
المندوبة. وانظر أيضا الأبواب المناسبة، فإن في بعضها
الأمر بالصعود إلى السطح.
383

إصرار
لغة:
لزوم الشئ والدوام والثبات عليه، والعزيمة
على المضي فيه بدون رجعة. وغالبا ما يستعمل في
الشر والذنوب (1)، وأصله من الصر، أي الشد،
والصرة ما تعقد فيه الدراهم (2).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في معناه اللغوي إجمالا، إلا
أن لهم فيه بحثا في موضوع " الإصرار على الصغائر "
عند الكلام عن العدالة، فاختلفوا في ما يتحقق معه
الإصرار، ولذلك اختلفت تعاريفهم له. وفيما يلي
نذكر مجمل آرائهم في ذلك، فنقول:
1 - عرف السيد المرتضى الإصرار على
الصغائر بأنه: " أن لا يندم من المعصية مع العلم بها،
أو التمكن من العلم بها، والاستمرار على ذلك،
والعزيمة على مثله في القبح، في المستقبل " (3).
2 - وذكر له الشيخ الطوسي تعريفين:
أ - المقام على الذنب من غير إقلاع عنه
بالتوبة. نقله عن قتادة وقواه.
ب - فعل الذنب من غير توبة. نقله عن
الحسن، وقال: إنه بحكم الإصرار (1).
3 - وقال الشهيد الأول: " والإصرار إما
فعلي، وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر
بلا توبة، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة،
وإما حكمي، وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد
الفراغ منها. أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله
بعدها توبة، ولا عزم على فعلها، فالظاهر أنه غير
مصر، ولعله مما تكفره الأعمال الصالحة: من
الوضوء والصلاة والصيام، كما جاء في الأخبار " (2).
4 - وقال الشهيد الثاني: " والمراد بالإصرار
على الصغيرة العزم على فعلها بعد الفراغ منها، أو
على معاودتها قبله ولو من نوع آخر. ومنه المداومة
على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، والإكثار من
جنس الصغائر بلا توبة. وأما من فعل الصغيرة ولم
يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها ولا أكثر
منها ثم عاد إليها، فليس بمصر، ولعله مما يكفره
الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام، كما جاء في
الأخبار، ويظهر من الآية " (3).
5 - وقال في الروضة - مازجا كلامه بكلام

(1) أنظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب: " صرر ".
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" صرر ".
(3) رسالة الحدود (رسائل السيد المرتضى) 2: 263.
(1) التبيان 2: 596.
(2) القواعد والفوائد 1: 227، ذيل القاعدة 68.
(3) رسالة العدالة (المطبوعة مع حقائق الإيمان): 214.
384

الشهيد الأول -: " والإصرار إما فعلي، كالمواظبة
على نوع أو أنواع من الصغائر، أو حكمي، وهو
العزم على فعلها ثانيا بعد وقوعه، وإن لم يفعل " (1).
6 - وقال المحقق الأردبيلي: "... يحصل بتكرر
فعل الصغيرة مرة بعد أخرى في الغالب، بل يحصل
بالمرة الواحدة مع العزم على العود، لأنه المتبادر من
الإصرار، كما هو الظاهر والمشهور " (2).
7 - وقال صاحب المدارك: " والمراد
بالإصرار على الصغيرة: العزم على فعلها بعد الفراغ
منها، وفي معناه المداومة على نوع واحد منها
بلا توبة " (3).
8 - وقال السبزواري: " المراد بالإصرار
على الصغيرة الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد
أو من أنواع مختلفة، وقيل: المراد به: على نوع واحد
منها، وقيل: يحصل بكل منهما، ونقل بعضهم قولا
بأن المراد عدم التوبة، وهو ضعيف. وقسم بعض
علمائنا الأعلام الإصرار إلى فعلي وحكمي، فالفعلي
هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة أو
الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة، والحكمي هو
العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها. وهذا
مما ارتضاه جماعة من المتأخرين والنص خال عن
بيان ذلك " (4).
وبهذا المضمون قال في الكفاية (1)، ولعل
مقصوده من بعض العلماء الشهيد الأول.
9 - وقال صاحب الحدائق: " الإصرار
عبارة عن العزم على المعاودة والمداومة على ذلك
الذنب ". ثم نقل كلام الشهيد الأول وقال: " وهو
ظاهر في ما قلناه " (2).
10 - وأرجع صاحب الجواهر ما استفاده من
بعض الأخبار وكلام أهل اللغة إلى كلام الشهيد
الأول (3).
11 - وأما الشيخ الأنصاري، فإنه قال - بعد
بيان كون الإصرار على الصغائر مخلا بالعدالة -:
"... إنما الإشكال في معنى الإصرار، والظاهر بقاؤه
على معناه اللغوي العرفي، أعني: الإقامة والمداومة
عليه وملازمته، ولا إشكال في أن العاصي إذا تاب
عن معصيته السابقة ثم أوقع معصية أخرى لم يصدق
عليه " الإصرار " ولو فعل ذلك مرارا، وإليه ينظر
قوله (عليه السلام): " ما أصر من استغفر وإن عاد باليوم
سبعين مرة " (4)، وكذا فحوى " لا كبيرة مع
الاستغفار " (5)، فيشترط في " صدق الإصرار " عدم

(1) الروضة البهية 3: 130.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 12: 319 - 320.
(3) المدارك 4: 67.
(4) ذخيرة المعاد: 305.
(1) أنظر كفاية الأحكام: 279.
(2) الحدائق 10: 53.
(3) الجواهر 41: 28.
(4) البحار 90: 282، كتاب الذكر والدعاء، باب
الاستغفار، الحديث 23.
(5) الكافي 2: 288، الحديث الأول.
385

التوبة عن المعصية السابقة... ". إلى أن قال بعد
البحث عن ذلك: " فالحاصل: أن الإصرار يصدق
بالعزم على العود إلى مطلق المعصية إذا كان العزم
مستمرا من زمان الفعل السابق. وإذا حدث بعد
الفعل اعتبر اتحاد المعصية.
وقد لا يصدق إلا بالفعل، وهو ما إذا تحقق
الإكثار على وجه يوجب الصدق عرفا...
وأما العزم المجرد، فالظاهر عدم تحقق
الإصرار بمجرده وإن أصر عليه، لأن هذا إصرار
على العزم، لا على المعصية، إلا إذا قلنا: إن العزم
على المعصية معصية، وللكلام فيه محل آخر " (1).
12 - وقال السيد الحكيم: " والظاهر من
الإصرار - لغة وعرفا -: المداومة والإقامة،
فلا يكفي في تحققه العزم على الفعل ثانيا، فضلا عن
مجرد ترك الاستغفار. وما في القاموس: من أنه
العزم، مبني على المسامحة، وإلا فلا يظن من أحد
الالتزام بتحققه بمجرد العزم من دون فعل معصية
أصلا، لا أولا ولا آخرا. وقولهم - في بعض
الاستعمالات -: " أصر فلان على كذا " إذا عزم،
يراد منه: إما الإصرار على العزم عليه، لا عليه
نفسه، أو أنه مجاز... " (2).
وعلى جميع التفاسير لا يتحقق الإصرار مع
الاستغفار والتوبة، وإليه يشير قوله (عليه السلام): " ما أصر
من استغفر " (1)، وقوله (عليه السلام): " الإصرار أن يذنب
الذنب فلا يستغفر الله " (2)، بل التوبة تمحو الكبائر
فضلا عن الصغائر، وإليه يشير الحديث المعروف:
" لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار " (3)،
ولذلك جعلت التوبة من جنود العقل، والإصرار
من جنود الجهل، عند بيان جنودهما (4).
الأحكام:
تترتب على الإصرار على المعصية - صغيرة
كانت أو كبيرة - أحكام نشير إليها فيما يلي إجمالا:
الإصرار على الصغائر مخل بالعدالة:
لا إشكال في أن الإصرار على الصغائر
كبيرة، وقد ادعي عليه الإجماع (5). واستدلوا عليه

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 49 - 52، رسالة
العدالة.
(2) المستمسك 7: 335.
(1) البحار 90: 282، كتاب الذكر، باب الاستغفار،
الحديث 23.
(2) أصول الكافي 2: 288، الحديث 2.
(3) أصول الكافي 2: 288، الحديث الأول.
(4) أصول الكافي 1: 20، الحديث 14، ومحل الشاهد في
الصفحة 22.
(5) أنظر: مفتاح الكرامة 3: 94، والجواهر 13: 322،
ورسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 48، رسالة
العدالة، ونقله الأخيران عن التحرير وغيره، أنظر:
التحرير 2: 208، وذخيرة المعاد: 305، وكفاية
الأحكام: 279.
386

بنصوص، منها:
1 - الحديث المتقدم: " لا صغيرة مع
الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار " (1)، فإن نفي
الصغيرة بمعنى نفي كونها صغيرة ونفي الكبيرة بمعنى
نفي ذاتها، فمعنى الحديث: الصغيرة لا تبقى صغيرة مع
الإصرار عليها، بل تصير كبيرة، والكبيرة تنمحي
بالتوبة والاستغفار.
ولما كانت الكبيرة مخلة بالعدالة، فالإصرار
على الصغيرة يكون مخلا بها أيضا، وقد تكرر
التصريح بذلك في كلمات الفقهاء كثيرا، عند الكلام
عن العدالة (2).
2 - الروايات التي عدت الكبائر ومن
جملتها: الإصرار على الصغائر (3).
3 - روايات أخرى ربما تكون شاهدا أو
مؤيدا لذلك (4).
الإصرار على الذنب شرط لوجوب الأمر والنهي:
من شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر إصرار العاصي على فعل المحرم أو ترك
الواجب. ذكره الفقهاء بعبارات مختلفة (1)، وصرح
جملة منهم بسقوط الوجوب مع قيام أمارة على

(1) روي الحديث عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) بعدة
طرق وقد أسنداه في بعضها إلى النبي (صلى الله عليه وآله). أنظر الوسائل
15: 312 و 338، الباب 43 من أبواب جهاد النفس،
الحديث 8، والباب 47، الحديث 11، والباب 48،
الحديث 3.
(2) أنظر: القواعد 2: 236، وإرشاد الأذهان 2: 156،
واللمعة وشرحها (الروضة البهية) 1: 792، وجامع
المقاصد 2: 372، وروض الجنان: 289، والجواهر
13: 305 وغيرها.
(3) الوسائل 15: 329 و 331، الباب 46 من أبواب جهاد
النفس، الحديث 33 و 36.
(4) ما يمكن أن يقع شاهدا أو مؤيدا لكون الإصرار على
الصغائر من الكبائر نصوص عديدة، نذكر بعضها وإن
لم يذكره الفقهاء:
1 - منه ما ورد في الصحيفة السجادية: "... اللهم
صل على محمد وآل محمد وصيرنا إلى محبوبك من التوبة،
وأزلنا عن مكروهك من الإصرار ". دعاؤه (عليه السلام) في
الاشتياق إلى طلب المغفرة، الدعاء 9.
2 - وما ورد فيها أيضا: "... وأن أحب عبادك إليك
من ترك الاستكبار عليك، وجانب الإصرار، ولزم
الاستغفار ". دعاؤه (عليه السلام) في الاعتراف وطلب التوبة،
الدعاء 12.
3 - وما ورد فيها أيضا: " اللهم إن استغفاري إياك
مع الإصرار على الذنب لؤم، وتركي للاستغفار مع سعة
رحمتك عجز ". دعاؤه (عليه السلام) في الاستغفار، الدعاء 48،
وانظر التهذيب 3: 90.
4 - وما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من علامات الشقاء جمود العين،
وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الدنيا، والإصرار
على الذنب ". الوسائل 15: 337، الباب 48 من أبواب
جهاد النفس، الحديث 2.
(1) أنظر: الاقتصاد (للشيخ الطوسي): 238، والكافي في
الفقه: 244، والقواعد 1: 118، واللمعة وشرحها
(الروضة البهية) 2: 415.
387

عدم الإصرار (1).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " أمر " إن شاء
الله تعالى.
هل تحرم الزوجة بالإصرار على الزنا؟
قال الشيخ المفيد: " وإذا كان للرجل امرأة
ففجرت وهي في بيته، وعلم ذلك من حالها، كان
بالخيار: إن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها، ولم يجب
عليه لذلك فراقها. ولا يجوز له إمساكها وهي مصرة
على الفجور، فإن أظهرت التوبة جاز له المقام
عليها، وينبغي أن يعتزلها بعد ما وقع من فجورها
حتى يستبرئها " (2).
وقال سلار: " وإن زنت امرأته لم تحرم عليه
إلا أن تصر " (3).
وتوقف صاحب الحدائق في المسألة، فإنه قال
في نهاية بحثه: " وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب
التوقف والإشكال " (4).
وعلل لهم في كلام بعضهم: " بأن أعظم فوائد
النكاح التناسل، والغرض من شرعية الحد والرجم
للزاني حفظ الأنساب عن الاختلاط، وهذا المحذور
قائم مع إصرار الزوجة على الزنا " (1).
لكن أجيب: بأن الزاني لا نسب له ولا حرمة
لمائه (2).
ولذلك ذهب المشهور إلى عدم تحريمها، وإن
كان الأولى رفع اليد عنها تخلصا من العار، ومن
اختلاط المياه وغير ذلك مما يدنس العرض،
خصوصا إذا كان ذلك منها قبل الدخول (3).
وتدل على عدم التحريم رواية عباد بن
صهيب عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا بأس بأن يمسك
الرجل زوجته إذا رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم
يقم عليها الحد، فليس عليه من إثمها شئ " (4).
تغليظ العقوبة مع الإصرار:
العقوبة تتغلظ مع تكرارها والإصرار عليها،
فلو ارتكب شخص ما يوجب الحد ولم يكن - الحد -
قتلا، وأجري في حقه، ثم ارتكبه ثانية وأجري عليه
الحد، وهكذا... فيقتل في الثالثة أو الرابعة، على
اختلاف الآراء واختلاف الحدود، وكذا بعض

(1) أنظر: شرائع الإسلام 1: 342، وتحرير الأحكام 1:
157، والمنتهى (الحجرية) 2: 993، والدروس 2:
47، ومجمع الفائدة 7: 537، وكفاية الأحكام: 82.
(2) المقنعة: 504.
(3) المراسم: 149.
(4) الحدائق 23: 503.
(1) جامع المقاصد 12: 316، واللمعة وشرحها (الروضة
البهية) 5: 202.
(2) المصدران المتقدمان.
(3) الجواهر 29: 444.
(4) الوسائل 20: 436، الباب 12 من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة، الحديث الأول.
388

التعزيرات إجمالا (1).
وإن كانت الجريمة سرقة، فتقطع في المرة
الأولى يمينه، وفي الثانية رجله اليسرى، وفي الثالثة
يحبس حتى يموت، ولو سرق أيضا في السجن أو
غيره قتل (2).
يراجع تفصيل ذلك في العناوين الموجبة
للحد، مثل: " زنا "، " قذف "، " سرقة "، " خمر "،
ونحوها.
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن الإصرار في الصغائر عند
البحث عن العدالة، ويبحث عن العدالة في موضوع
إمامة الجماعة والجمعة والشهادة، حيث يشترط
فيها العدالة.
وأما الأبحاث المتفرقة للإصرار فتعرف من
العناوين المتقدمة كالأمر بالمعروف، وأسباب
التحريم في النكاح، والحدود.
اصطياد
راجع: آلة الصيد، صيد.
إصغاء
لغة:
مصدر أصغى، أي أمال. يقال: صغيت إلى
كذا بمعنى ملت، وصغت النجوم: مالت للغروب،
وأصغيت الإناء: أملته، وأصغيت سمعي ورأسي:
أملته، وأصغيت إلى فلان: ملت إليه بسمعي (1).
والإمالة هنا للاستماع، ولذلك قال صاحب
القاموس: " أصغى: استمع، و [أصغى] إليه: مال
بسمعه... و [أصغت] الناقة: أمالت رأسها إلى
الرجل كالمستمع شيئا " (2)، وقال الخليل: " أصغيت
إليه: استمعت " (3).
اصطلاحا:
أراد الفقهاء منه الاستماع غالبا، سواء كان مع
إمالة السمع أو الرأس أو لا، ولذلك استعملوا
أحدهما مكان الآخر، بل وكذا كلمة " الإنصات "
مع تفاوت في المعنى، فإنه السكوت للاستماع، كما
سوف يأتي في محله.

(1) أنظر الجواهر 41: 331، و 427، و 520، و 622،
و 644.
(2) الجواهر 41: 530 - 534.
(1) أنظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني)، والمصباح المنير، ومجمع
البحرين: " صغا ".
(2) القاموس المحيط: " صغا ".
(3) ترتيب كتاب العين: " صغو ".
389

الأحكام:
الأحكام المترتبة على الإصغاء مترتبة على
الاستماع أيضا، وقد تقدم الكلام عنها في عنوان
" استماع ".
أصل
راجع الملحق الأصولي: أصل.
أصل المال
وقد يكتفى فيه بكلمة " الأصل "، ويراد به
أحد معنيين:
الأول - ما يتركه الميت من المال قبل إخراج
الديون والحقوق والوصية، ويطلق عليه " التركة "
أيضا (1).
راجع: إرث، تركة.
الثاني - ما يقابل المنفعة، ومنه قولهم:
" الوقف عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق
المنفعة " (2).
راجع: وقف.
إصلاح
لغة:
نقيض الإفساد، وهو الإتيان بالخير
والصواب، يقال: أصلح بين القوم: وفق وألف
بينهم بالمودة، وأصلح الشئ بعد فساده: أقامه
وأزال ما فيه من الفساد، وأصلح إليه: أحسن (1).
اصطلاحا:
يأتي غالبا بالمعنيين التاليين:
1 - التوفيق بين المتخالفين والمتنازعين، وهو
أكثر تداولا.
2 - إزالة الفساد وإقامة الشئ، ومنه إصلاح
العمل، وإصلاح المال، وإصلاح المعيشة، وإصلاح
الظاهر، وإصلاح الباطن، ونحو ذلك.
لكن المستفاد من الموارد السابقة: أن
الإصلاح ربما يكون دفعا للفساد ولا يلزم أن يكون
إزالة له بعد وجوده دائما.
الأحكام:
تترتب على الإصلاح بمعانيه المختلفة آثار

(1) الجواهر 28: 282 و 283.
(2) الجواهر 28: 2.
(1) أنظر: الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير،
والقاموس المحيط: " صلح ".
390

كثيرة إلا أنا نشير إلى أهمها، ونترك الباقي إلى
المواضع المناسبة إن شاء الله تعالى.
إصلاح ذات البين:
أكد الكتاب والسنة أمر إصلاح ذات البين،
ورفع الاختلاف والتنازع بين المسلمين والمؤمنين.
أما الكتاب:
1 - فقوله تعالى: * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله
بينهما) * (1).
2 - وقوله تعالى: * (لا خير في كثير من نجواهم
إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) * (2).
3 - وقوله تعالى: * (وإن امرأة خافت من بعلها
نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما
صلحا والصلح خير) * (3).
4 - وقوله تعالى: * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات
بينكم) * (4).
5 - وقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * (5).
6 - وقوله تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة
فأصلحوا بين أخويكم) * (6).
وأما السنة:
1 - فعن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، قال: " ما عمل امرؤ عملا بعد إقامة
الفرائض خيرا من إصلاح بين الناس، يقول خيرا،
وينمي خيرا " (1).
2 - وفي وصية الإمام علي (عليه السلام) حينما ضربه
ابن ملجم المرادي (لعنة الله عليه) مخاطبا ولديه
الحسن والحسين (عليهما السلام): " أوصيكما وجميع ولدي
وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم،
وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة
والصيام " (2).
وعن الشيخ الطوسي: أن المراد صلاة التطوع
والصوم (3).
3 - وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضا: " أفضل الصدقة صدقة
اللسان، قيل: يا رسول الله وما صدقة اللسان؟
قال: الشفاعة تفك بها الأسير، وتحقن بها الدم،
وتجر بها المعروف إلى أخيك، وتدفع بها
الكريهة " (4).
4 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " كان

(1) النساء: 35.
(2) النساء: 114.
(3) النساء: 128.
(4) الأنفال: 1.
(5) الحجرات: 9.
(6) الحجرات: 10.
(1) البحار 73: 43، كتاب العشرة، باب الإصلاح بين
الناس، الحديث الأول.
(2) نهج البلاغة: 421، قسم الرسائل، الرقم 47.
(3) البحار 73: 44، كتاب العشرة، باب الإصلاح بين
الناس، ذيل الحديث 2.
(4) المصدر المتقدم: 44، الحديث 5.
391

أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لئن أصلح بين اثنين أحب
إلي من أن أتصدق بدينارين " (1).
5 - وعنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: " صدقة يحبها
الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم
إذا تباعدوا " (2).
6 - وقال (عليه السلام) للمفضل: " إذا رأيت بين
اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي " (3).
7 - وعن أبي حنيفة سايق - أو سابق -
الحاج، قال: " مر بنا المفضل وأنا وختني نتشاجر في
ميراث، فوقف علينا ساعة، ثم قال لنا: تعالوا إلى
المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها
إلينا من عنده، حتى إذا استوثق كل واحد منا من
صاحبه، قال: أما إنها ليست من مالي، ولكن أبو
عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا
في شئ أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من
مال أبي عبد الله (عليه السلام) " (4).
8 - وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: " إن
الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن
دينه [عن ذنبه]، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه
وتمدد، ثم قال: فزت. فرحم الله امرأ ألف بين وليين
لنا، يا معشر المؤمنين تألفوا وتعاطفوا " (1).
9 - وعن الصادق (عليه السلام)، قال: " المصلح ليس
بكاذب " (2).
10 - وعنه (عليه السلام) أيضا، أنه قال في تفسير
قوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا
وتتقوا وتصلحوا بين الناس) * (3): " إذا دعيت لصلح
بين اثنين، فلا تقل: علي يمين ألا أفعل " (4).
الحكم التكليفي للإصلاح:
الأصل في حكم إصلاح ذات البين هو
الاستحباب، كما هو الظاهر من النصوص المتقدمة،
لكن قد يجب إذا توقف عليه حفظ الدماء والأموال
والأعراض وصونها، ونحو ذلك.
بل يستحب بذل المال فيما يستحب فيه
الإصلاح، إذا توقف عليه، كما دلت عليه روايتا أبي
حنيفة سايق الحاج والمفضل المتقدمتان.
وهل يجب البذل لو توقف عليه الإصلاح
الواجب؟

(1) البحار 73: 44، كتاب العشرة، باب الإصلاح بين
الناس، الحديث 3.
(2) أصول الكافي 2: 209، باب الإصلاح بين الناس،
الحديث الأول.
(3) أصول الكافي 2: 209، باب الإصلاح بين الناس،
الحديث 3.
(4) أصول الكافي 2: 209، باب الإصلاح بين الناس،
الحديث 4.
(1) أصول الكافي 2: 345، باب الهجرة، الحديث 6.
(2) أصول الكافي 2: 209، باب الإصلاح بين الناس،
الحديث 5.
(3) البقرة: 224.
(4) أصول الكافي 2: 210، باب الإصلاح بين الناس،
الحديث 6.
392

لم أعثر على تصريح بذلك، نعم ربما يدخل في
بحث دفع الضرر عن الغير: هل هو واجب مطلقا
حتى مع الإضرار بالنفس أو لا؟
الظاهر من كلام الشيخ الأنصاري في باب
الإكراه على الإضرار بالغير، عدم الوجوب،
فإنه قال عند الكلام عن تحمل الضرر ودفعه عن
الغير:
" نعم، لو تحمل الضرر ولم يضر بالغير فقد
صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا، لكن
الشارع لم يوجب هذا، والامتنان بهذا على بعض
الأمة لا قبح فيه، كما أنه لو أراد ثالث الإضرار
بالغير لم يجب على الغير تحمل الضرر وصرفه عنه
إلى نفسه ".
ثم قام ببيان الفرق بين هذه الصورة وبين
صورة الإضرار بالغير لدفع الضرر عن شخص
آخر، فقال: "... فإنه لا حرج في أن لا يرخص
الشارع دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره،
بخلاف ما لو ألزم الشارع الإضرار على نفسه لدفع
الضرر المتوجه إلى الغير، فإنه حرج قطعا " (1).
فالمستفاد من كلامه: أنه لا يجب تحمل
الضرر لدفع الضرر عن الغير.
الإصلاح بين الزوجين:
لو تحقق الشقاق بين الزوجين فينبغي بعث
حكمين للإصلاح ورفع الشقاق بينهما.
والشقاق هو الكراهة بين طرفين - لا من
طرف واحد - المنتهية إلى حد الاختلاف وعدم
الاجتماع على رأي، فكأنهما باختلافهما كل واحد في
شق، أي في جانب (1).
قال تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا
حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق
الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) * (2).
وقد تكلم الفقهاء في عدة أمور ترتبط بكيفية
بعث الحكمين نشير إليها إجمالا ونحيل التفصيل على
عنوان " شقاق " إن شاء الله تعالى، فنقول:
أولا - تكلم الفقهاء في الحكم التكليفي لبعث
الحكمين، هل هو واجب أو ندب؟ ولهم فيه قولان:
الوجوب، لظاهر الأمر في الآية الكريمة، والندب،
لإمكان الإصلاح بدون بعث الحكمين (3).
ثانيا - هل المخاطب بالبعث الزوجان، أو
أهلهما، أو الحاكم؟ فيه أقوال، والمنسوب إلى الأكثر
هو الأخير (4)، ويوافقه سياق الآية.
ثالثا - هل يشترط في الحكمين أن يكونا من
أهل الزوجين أو لا؟

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 89.
(1) لسان العرب: " شقق ".
(2) النساء: 35.
(3) أنظر: المسالك 8: 366، ونهاية المرام 1: 430،
والجواهر 31: 213.
(4) أنظر: المسالك 8: 365، والجواهر 31: 211.
393

فيه قولان، والذي عليه الأكثر والأشهر هو
الثاني - كما قيل - لأن ذكر الأهل في الآية إرشادي
لا تعبدي (1).
رابعا - هل المبعوثان وكيلان من جهة
الزوجين، أم حاكمان موليان من جهة الحاكم؟
فيه قولان مبنيان على أن الباعث هو الحاكم
أو الزوجان، فعلى الثاني لا يكونان إلا وكيلين،
وعلى الأول يحتمل الأمران، لكن الأكثر على أنهما
حاكمان، لظاهر الآية (2).
وتترتب على كل منهما آثار تخصه.
خامسا - يجب على الحكمين الاجتهاد في
النظر والبحث عن حالهما والسبب الباعث على
الشقاق، والتأليف بينهما ما أمكن.
ثم إن رأيا أن الإصلاح هو الأصلح فعلاه،
وإن رأيا أن الأصلح هو الفراق - على نحو الطلاق
من قبل حكم الزوج أو بذل عوض الخلع من قبل
حكم الزوجة - فهل يجوز لهما ذلك أو يتوقف على
إذن الزوجين؟
فعلى القول بكونهما وكيلين، فيتبع ذلك نوع
الوكالة، فإن كانت مطلقة تشمل مثل الطلاق والخلع
فيجوز لهما فعله، وإلا فيتوقف على إذنهما.
وعلى القول بكونهما حكمين ففيه قولان أيضا
مبنيان على:
أن مقتضى إطلاق الحكمية هو تسويغ ما
يفعلانه من إصلاح أو طلاق.
وأن الطلاق يخص الزوج، للنبوي: " الطلاق
بيد من أخذ بالساق " (1)، فلا بد من استئذانه (2)،
وقيل: إنه المشهور (3).
سادسا - يشترط في الحكمين: البلوغ
والعقل والإسلام، أما العدالة والحرية فاشتراطهما
في صورة كونهما حكمين، واضح، وأما على فرض
كونهما وكيلين، فلا، لعدم اشتراطهما في الوكيل،
ويحتمل اشتراطهما إذا كانت الوكالة بنظر
الحاكم (4).
سابعا - ينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل
وحكم المرأة بالمرأة، خلوة غير محرمة، ليتعرفا ما
عندهما وما فيه رغبتهما... (5).
" وينبغي للحكمين إخلاص النية في السعي
وقصد الإصلاح، فمن حسنت نيته فيما يتحراه أصلح
الله مسعاه، وكان ذلك سببا لحصول مبتغاه، كما ينبه

(1) أنظر: المسالك 8: 366، والجواهر 31: 213.
(2) أنظر: المسالك 8: 366 - 367، ونهاية المرام 1: 431،
والجواهر 31: 214.
(1) عوالي اللآلي 1: 234، الحديث 137، وسنن ابن
ماجة 1: 272، الحديث 2081.
(2) أنظر: المسالك 8: 367 - 368، ونهاية المرام 1:
431.
(3) أنظر: المختلف 7: 406، والجواهر 31: 215.
(4) أنظر المسالك 8: 367، والجواهر 31: 215.
(5) المسالك 8: 369، والجواهر 31: 217.
394

عليه قوله تعالى: * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله
بينهما) * (1) " (2).
موارد أخرى للإصلاح:
هناك موارد كثيرة أخرى يأتي البحث فيها
عن الإصلاح بالمناسبة، والأفضل إحالة البحث
عنها على مواطنها الأصلية، وإنما نكتفي هنا
بالإشارة إلى عناوينها، وهي:
1 - إصلاح المال:
يراجع: إسراف، رشد، سفه، مال.
2 - إصلاح مال اليتيم:
يراجع: يتيم.
3 - إصلاح المعيشة:
يراجع: إسراف، تقدير / تقدير المعيشة،
مروءة.
4 - إصلاح الظاهر:
يراجع: عدالة، ظاهر.
5 - إصلاح الباطن:
يراجع: توبة، عدالة.
6 - جرح الوالد الولد للإصلاح:
يراجع: ضمان، دية.
7 - إفساد من استؤجر على إصلاح شئ:
يراجع: إجارة، ضمان، دية.
8 - إصلاح الكافر الذمي بناءه إذا كان أعلى
من بناء المسلمين:
يراجع: أهل الذمة.
9 - إصلاح البيع والكنائس:
يراجع: أهل الذمة.
10 - المرافعة إلى الحاكم غير المستجمع
للشرائط بقصد الإصلاح لا الحكومة:
يراجع: استعانة، قضاء.
11 - إصلاح المساجد بعضها ببعض:
يراجع: مسجد.
12 - استحقاق الغارم في سبيل إصلاح ذات
البين:
يراجع: زكاة، غارمون.
13 - إصلاح القراءة في الصلاة:
يراجع: قراءة.
14 - إمامة من لا يقدر على إصلاح لسانه:
يراجع: إمامة، جماعة.
وموارد أخرى.
مظان البحث:
أما إصلاح ذات البين، فلم يبحث عنه في
الفقه، إلا أن يأتي ذكره استطرادا.
وأما إصلاح الزوجين، فالبحث عنه في بحث
القسم والنشوز من توابع النكاح.
وأما غيرهما فيعلم من العناوين المذكورة
إجمالا، وسوف يأتي التفصيل في محله.

(1) النساء: 35.
(2) أنظر: المسالك 8: 369، والجواهر 31: 217.
395

أصم
لغة:
من به الصمم، وهو انسداد الأذن، وثقل
السمع (1). والأصم صفة للذكر، والأنثى صماء،
والجمع صم (2).
وقيل: لقب شهر رجب ب‍ " الأصم "، لأنه
كان لا يسمع فيه صوت مستغيث ولا حركة قتال
ولا قعقعة سلاح، لأنه من الأشهر الحرم (3).
والخلخال الأصم هو الذي لا صوت له (4).
والحجر الأصم: الصلب المصمت (5).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعاني المتقدمة، إلا أن
الأكثر استعمالا هو الأول.
الأحكام:
تترتب على عنوان " أصم " بمعانيه وما يشتق
منه أحكام نشير إلى أهمها:
إمامة الأصم:
قال العلامة في المنتهى: " قال الشيخ في
التهذيب: ينبغي أن يكون الإمام بريئا من سائر
العاهات (1). وهذا على الاستحباب إلا ما استثني،
فعلى هذا يكره إمامة الأصم، لأنه ذو عاهة، ولو
انضم إلى الصمم عمى، كان أشد كراهة... " (2).
لكن صرح هو في أغلب كتبه بالجواز ولم يشر
إلى الكراهة (3)، ولذلك لم يتعرض له أغلب الفقهاء
عند ذكر شروط إمام الجماعة وما يستتبعه من
أبحاث.
حكم قراءة المأموم الأصم:
صرح الفقهاء بسقوط قراءة الحمد والسورة
عن المأموم في صلاة الجماعة، لكن اختلفوا في صورة
عدم سماع المأموم قراءة الإمام في الصلاة الجهرية
هل تباح له القراءة، أو تستحب أو تجب؟ على
أقوال.
ولم يفرقوا في صورة عدم السماع بين كون

(1) لسان العرب، والقاموس المحيط: " صمم ".
(2) المصباح المنير: " صمم ".
(3) الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب،
والمصباح المنير: " صمم ".
(4) مجمع البحرين: " صمم ".
(5) المصدر نفسه.
(1) التهذيب 3: 26، باب أحكام الجماعة... ذيل
الحديث 3.
(2) المنتهى (الحجرية) 1: 374.
(3) أنظر: التذكرة 4: 294، والتحرير 1: 53، ونهاية
الإحكام 2: 147.
396

منشئه هو ابتلاء المأموم بالصمم، وبين أن يكون
أمرا آخر كبعده عن الإمام (1).
قال السيد اليزدي: " لا فرق في عدم
السماع بين أن يكون من جهة البعد أو من جهة كون
المأموم أصم، أو من جهة كثرة الأصوات، أو نحو
ذلك ".
وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: " فإن
الموضوع في النص لسقوط القراءة رخصة أو عزيمة
- على الخلاف المتقدم - إنما هو عنوان " عدم السماع "
الظاهر في السماع الفعلي، ومقتضى الإطلاق عدم
الفرق بين أسبابه ومناشئه، من قصور في المأموم،
لكونه أصم أو... كل ذلك لإطلاق النص، كما هو
ظاهر " (2).
وعلى كل تقدير ففي صورة القراءة يقرأ في
نفسه، خاصة في صورة عدم قراءة الآخرين، لئلا
يشغل غيره عن السماع (3).
حكم كلام الأصم أثناء الخطبة في صلاة الجمعة:
اختلف الفقهاء في حكم الكلام أثناء خطبة
الجمعة هل هو حرام أو مكروه؟
واختلفوا أيضا في وجوب الإصغاء أو
استحبابه.
وقد تقدم الكلام عن ذلك إجمالا في عنوان
" استماع " و " إصغاء ".
ثم إنهم اختلفوا في أن حرمة الكلام أو
كراهته، ووجوب الإصغاء، أو استحبابه هل
يختصان بالمتمكن من السماع كالقريب الذي لم يمنعه
مانع عن السمع، أو يشملان البعيد والأصم أيضا؟
فيه قولان.
يظهر من جماعة القول الثاني، مثل: العلامة
في المنتهى (1)، والشهيد الأول في الذكرى (2)، والسيد
الطباطبائي (3)، والفاضل النراقي (4)، ونسبه الأخير
إلى المسالك وروض الجنان وحواشي القواعد، لكن
الموجود فيها خلافه كما سيأتي.
وأما القول بعدم الشمول، فهو قول جماعة،
منهم: العلامة في بعض كتبه (5)، والمحقق الثاني (6)،

(1) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 5 / القسم الثاني:
254، والمستمسك 7: 256 - 257.
(2) مستند العروة الوثقى (الصلاة) 5 / القسم الثاني: 254.
(3) أنظر: التذكرة 4: 342، ونهاية الإحكام 2: 160،
والصلاة (للشيخ الأنصاري) الحجرية: 334 - 335.
(1) المنتهى (الحجرية) 1: 331، واحتمله في النهاية
2: 38.
(2) الذكرى 4: 142، فإنه ذكر القول الأول بعنوان
" قيل:... "، ولم يعلق عليه.
(3) الرياض 4: 66، وهو كسابقه.
(4) مستند الشيعة 6: 86، لكن خصه بالكلام، أما
الإصغاء فلما كان غير ممكن في حق الأصم فلا مورد
للنزاع فيه.
(5) التذكرة 4: 77.
(6) جامع المقاصد 2: 402.
397

والشهيد الثاني (1)، والفاضل الإصفهاني (2)،
وصاحب الحدائق (3) - إلا أنه جعل القول الأول
أحوط - وصاحب الجواهر (4)، وغيرهم.
هل تسقط الجمعة إذا كان المأمومون صما؟
أوجب جملة من الفقهاء رفع الصوت في
خطبة الجمعة، بحيث يسمع العدد المعتبر في انعقاد
الجمعة فصاعدا، ثم تكلموا في وجوب ذلك إذا كان
المأمومون صما أو كان هناك مانع آخر عن السماع
كالريح ونحوها.
بل تكلم بعضهم في سقوط أصل الجمعة
بسبب ذلك، قال العلامة في التذكرة: " ولو رفع
الصوت بقدر ما يبلغ ولكن كانوا أو بعضهم صما،
فالأقرب الإجزاء، ولا يجهد نفسه في رفع الصوت،
لما فيه من المشقة، ولا تسقط الجمعة ولا الخطبة وإن
كانوا كلهم صما " (5).
قال صاحب الجواهر بعد نقل ذلك: " وتبعه
عليه جماعة " (6).
لكن احتمل صاحب المدارك سقوط الصلاة
إذا كان المانع حاصلا للعدد المعتبر في الوجوب،
لعدم ثبوت التعبد بالصلاة على هذا الوجه (1).
ومال إليه صاحب الجواهر، إلا أنه قال:
" فلا أقل حينئذ من الاحتياط بالجمع بين
الفرضين " (2) أي الظهر والجمعة.
السلام على الأصم، ورد سلامه:
قال العلامة في التذكرة: " ولو سلم على
الأصم أتى باللفظ لقدرته عليه وأشار باليد ليحصل
الإفهام، ولو لم يضم الإشارة لم يستحق الجواب،
وكذا في جواب الأصم ينبغي أن يجمع بين اللفظ
والإشارة " (3).
لكن يظهر من السيد اليزدي الاكتفاء باللفظ
في الرد وعدم لزوم الإشارة، لأنه قال: " يجب إسماع
الرد سواء كان في الصلاة أو لا إلا إذا سلم ومشى
سريعا، أو كان المسلم أصم، فيكفي الجواب على
المتعارف بحيث لو لم يبعد أو لم يكن أصم كان
يسمع ".
وتظهر من السيد الحكيم موافقته له (4).
وفصل السيد الخوئي بين ما لو كان الصمم

(1) المسالك 1: 244، وروض الجنان: 297، وفوائد
القواعد: 192.
(2) كشف اللثام 4: 260.
(3) الحدائق 10: 100.
(4) الجواهر 11: 291.
(5) التذكرة 4: 74 - 75.
(6) الجواهر 11: 241، وانظر: جامع المقاصد 2: 399،
وكشف اللثام 4: 255.
(1) المدارك 4: 41.
(2) الجواهر 11: 241.
(3) التذكرة (الحجرية) 1: 407، أول كتاب الجهاد.
(4) أنظر المستمسك 6: 564.
398

عارضيا، فلا يبعد وجوب الرد بالإشارة وإن تلفظ
المسلم بالسلام، لأن الغرض إبلاغ الرد، فإن لم يمكن
باللفظ، لوجود المانع وهو الصمم، فبما أمكن، وهو
الإشارة، وبين ما لو كان الصمم ذاتيا فيكون سلامه
بالإشارة كالأخرس، وفي مثله لا دليل على وجوب
الرد ولو بالإشارة فضلا عن إسماعه (1).
وفي ذلك تفصيل سوف نتعرض له في عنوان
" سلام " إن شاء الله تعالى، كما ألمحنا إليه في عنوان
" إشارة ".
الصلاة في الخلاخل الصماء:
ذكر الفقهاء في أحكام لباس المصلي: أنه
تكره صلاة المرأة وفي رجلها خلاخل لها صوت،
أما إذا كانت صماء فلا بأس. قال الشيخ في
المبسوط: " ويكره للمرأة أن تصلي في خلاخل لها
صوت، فإن كانت صماء لم يكن بالصلاة فيها
بأس " (2).
لكن جعل ابن البراج الخلخال الذي له
صوت، من جملة ما لا تصح الصلاة فيه (3).
ومستند المشهور صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام)
عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) - في
حديث - قال: " سألته عن الخلاخل، هل يصلح
للنساء والصبيان لبسها؟ فقال: إذا كانت صماء
فلا بأس، وإن كانت لها صوت فلا (1) " (2).
ولهم كلام حول اختصاص الحكم بالصلاة
أو شموله لغيرها أيضا، لظهور الرواية في
التعميم (3).
وعلل بعضهم الحكم: بأنه يشغل المصلي عن
الصلاة، ولذلك عممه لكل شاغل (4).
وجوب الحج على الأصم:
الصمم ليس مرضا مانعا عن الحج، فلو
تحققت الاستطاعة بجميع أقسامها في الأصم وجب
عليه الحج، ولم يمنع الصمم من وجوبه عليه (5).
كيفية تلبية الأصم:
الأصم إن كان أبكم غير قادر على التكلم
أيضا، فهو بحكم الأخرس يشير بالتلبية مع عقد
قلبه بها - كما هو المشهور - أو مع تحريك لسانه أو

(1) مستند العروة الوثقى 4: 503.
(2) المبسوط 1: 84، وانظر: النهاية: 99، والتحرير 1:
31، وجامع المقاصد 2: 112، وروض الجنان: 212.
(3) المهذب 1: 75.
(1) وفي نسخة: " فلا يصلح ".
(2) الوسائل 4: 463، الباب 62 من أبواب لباس المصلي،
الحديث الأول.
(3) أنظر: مجمع الفائدة والبرهان 2: 92، وذخيرة المعاد:
231، والحدائق 7: 149، وغيرها.
(4) أنظر روض الجنان: 212.
(5) أنظر: كشف اللثام 5: 114، والجواهر 17: 281.
399

مع أخذ النائب أيضا - خاصة في صورة عدم إمكان
تفهيمه معنى التلبية ليشير إليها ويعقد قلبه بها - على
الخلاف المذكور في كتب الفقه.
وإن كان متمكنا من التلفظ بالتلبية تلفظ
بها (1).
راجع: تلبية.
كراهة الرمي بالحجر الأصم:
قال الفقهاء: يكره أن تكون الحجار
التي ترمى بها الجمرات - في مناسك الحج -
صما (2).
قال في الحدائق: " والصم جمع الأصم، وهو
الصلب المصمت من الحجر، لأن المستحب
الرخو " (3).
الصمم من العيوب الموجبة لفسخ البيع:
من جملة العيوب الموجبة لفسخ البيع الصمم،
فلو كان العبد المشترى، به صمم ولم يعلمه المشتري،
فله حق فسخ البيع بخيار العيب، لأن كل ما زاد على
أصل الخلقة أو نقص فهو عيب.
ولم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد، بل ادعي
عليه الإجماع (1).
وتفصيل الموضوع في عنوان " عيب ".
الصمم ليس من العيوب المانعة من العتق كفارة:
ذكر الفقهاء: أنه يجوز عتق العبد الأصم
كفارة، لأن العيوب المانعة من العتق كفارة هي
الموجبة للعتق في حد ذاتها، وهي: العمى والجذام
والإقعاد وتنكيل المولى به، فإذا حدثت هذه في
العبد أو الأمة انعتق من دون حاجة إلى عتق، وإذا
عتق لم يبق موضوع للعتق عندئذ.
هذا هو المشهور. لكن المنقول عن ابن
الجنيد: أن الخصي والأصم والأخرس لا يعتقون
كفارة (2).
شهادة الأصم:
شهادة الأصم تكون على أنحاء:
1 - أن يشهد على ما يحتاج إلى السماع، وكان
تحمله للشهادة حين ابتلائه بالصمم، كأن تحمل
الشهادة على إجراء صيغة الطلاق أو البيع، أو

(1) أنظر: كشف اللثام 5: 269 - 270، والرياض 6: 247
- 249، والجواهر 18: 223 - 224.
(2) أنظر: النهاية: 253، والسرائر 1: 590، والتذكرة 8:
218.
(3) الحدائق 16: 476.
(1) أنظر: الجواهر 23: 257 - 259، والمكاسب 5:
365.
(2) أنظر: القواعد 2: 145، والمختلف 8: 243 - 244،
والروضة البهية 3: 22، ونهاية المرام 2: 202،
والجواهر 33: 204، وغيرها.
400

العتق، أو غيرها أيام ابتلائه بالصمم.
فقد صرح جملة من الفقهاء بعدم الاعتداد
بشهادته، بل يفهم من كلام أغلبهم ذلك، حيث
قيدوا قبول شهادته بما لا يحتاج إلى السماع (1).
2 - أن يشهد على ما يحتاج إلى السماع وكان
قد تحمل الشهادة قبل ابتلائه بالصمم، والظاهر منهم
قبول شهادته، كما في الصورة التالية.
3 - أن يشهد على ما لا يحتاج إلى السماع،
وهو الأفعال، مثل الزنا والشرب والغصب
والإتلاف والسرقة والقتل والولادة والرضاع
والاصطياد والإحياء ونحوها.
والمعروف بين الفقهاء قبول شهادته إلا أن
الشيخ وبعض تابعيه قيدوه بلزوم الأخذ بأول
قوله (2)، استنادا إلى رواية جميل عن الصادق (عليه السلام)،
قال: " سألته عن شهادة الأصم في القتل؟ قال:
يؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بالثاني " (3).
لكن أكثر الفقهاء تركوا العمل بها (4)، وقد
(1) صرح بعضهم بضعفها.
قضاء الأصم:
الصمم على نوعين:
الأول - تارة يمنع عن السمع مطلقا، فقد
ادعى فخر المحققين الإجماع على عدم صحة توليته
القضاء في هذه الصورة، لامتناع سماع البينات
والإقرارات والأيمان (2).
الثاني - وتارة لا يمنع من السماع، بل يوجب
ثقل السمع، فيمكن إسماع من ابتلي به بوسيلة،
سواء كانت إنسانا أو آلة من الآلات السمعية
الحديثة.
اختلف الفقهاء في انعقاد القضاء لمثل هذا
الشخص على قولين:
1 - عدم الانعقاد، لأن فيه تضييعا لحقوق
المسلمين.
ذكر فخر الدين هذا القول ولم يعين قائله (3).
2 - انعقاد القضاء، إذ يمكن التوصل إلى
الغرض بوسيلة آلة كما تقدم، فهو مثل القاضي الذي

(1) أنظر المصادر الآتية في الهامش 2 و 4.
(2) أنظر: النهاية: 327، والمهذب 2: 556، والوسيلة:
230، والجامع للشرائع 3: 540.
(3) الوسائل 27: 400، الباب 42 من كتاب الشهادات،
الحديث 3.
(4) أنظر: السرائر 2: 123، والشرائع 4: 132، والمختلف
8: 490 - 491 - ونسبه إلى أبي الصلاح الحلبي إلا أنه لم
يذكر الصمم في الكافي المطبوع، أنظر الصفحة 436 -
وإيضاح الفوائد 4: 436، والمسالك 14: 227، ومجمع
الفائدة 12: 451 - 452، والكفاية: 283، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 380، والرياض (الحجرية) 2:
440 و 441 و 448، والجواهر 41: 128، وغيرها.
(2) إيضاح الفوائد 4: 299، إلا أن كثيرا ممن بحث في
موضوع القضاء لم يتعرض لهذه الصورة.
(3) أنظر: المصدر المتقدم.
401

لا يعرف لغة المتخاصمين فيحتاج إلى مترجم،
ولا شك في صحة قضاء مثل هذا الشخص، واختار
هذا القول أكثر من تعرض للمسألة (1).
ثم إن القاضي إذا كان يستعين بمن يسمعه فهل
يلزم التعدد فيه أو لا؟ فيه احتمالان:
الأول - لزوم التعدد كما يلزم تعدد المترجم
إذا احتيج إليه، لأنه من باب الشهادة، ولا بد فيها
من التعدد.
الثاني - عدم لزومه، بل يكفي الواحد، لأنه
من باب الإخبار، فيكفي فيه الواحد الثقة.
وممن اختار الأول: العلامة (2)، والشهيد
الثاني (3)، والفاضل الإصفهاني (4)، وصاحب
الجواهر (5).
وأما الاحتمال الثاني فلم أعثر على من
اختاره صريحا، نعم ذكر العلامة في التحرير
الاحتمالين من دون ترجيح (1)، واحتمل صاحب
الجواهر في موضع من الجواهر عدم لزوم التعدد
في المترجم، بل احتمل عدم اعتبار العدالة فيه
فضلا عن التعدد، وعلى هذا يكون مسمع القاضي
كذلك أيضا، لأنهما من واد واحد كما صرح هو
بذلك (2).
تساوي أذن الصحيح والأصم في الدية والقصاص:
الظاهر لا خلاف في أن أذن الأصم كالصحيح
من حيث ثبوت الدية والقصاص، لأن الصمم ليس
نقصا في الأذن نفسها، بل في السماع، ومحله
الدماغ (3).
كيفية معرفة مقدار الصمم:
ذكر الفقهاء طريقا لتشخيص مقدار الصمم
الحاصل في الفرد على أثر الجناية، وهو:
أنه تطلق أذنه الصحيحة ويصاح به أو
يضرب بجرس ونحوه حيال وجهه ويتباعد عنه
حتى يقول: لا أسمع، فتجعل علامة على ذلك

(1) أنظر: القواعد 2: 201 و 204، والتحرير 2: 180،
وإيضاح الفوائد 4: 299، والدروس 2: 65 - وفيه:
" أما الصمم فلا يمنع من القضاء مطلقا " فيحتمل أن يريد
عدم منعه حتى في الصورة الأولى - والمسالك 13:
396، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 323 و 327
- حيث اشترطا التعدد في مسمع القاضي لو كان أصم -
والجواهر 40: 21.
(2) القواعد 2: 204.
(3) المسالك 13: 396.
(4) كشف اللثام (الحجرية) 2: 327.
(5) الجواهر 40: 109.
(1) التحرير 2: 183.
(2) الجواهر 40: 211، وانظر الصفحة 109.
(3) أنظر: القواعد 2: 307 و 325، والتحرير 2: 257
و 258، والروضة البهية 10: 206، وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 477 و 500، والجواهر 43: 203
و 42: 385.
402

المكان، ثم يعاد عليه ذلك مرة ثانية من جهة
أخرى، فإن تساوت المسافتان التي ادعى عدم
السماع فيهما، صدق.
ثم تقاس المسافة التي ادعى عدم السماع فيها
في كل من الأذن الصحيحة والمعتلة بزعمه، فإن
تساوتا، كذب، لأنه لم يفت من سمعه شئ. وإن
اختلفتا، فمقدار التفاوت هو المقدار الفائت من قوة
السمع، فإن كان الاختلاف بمقدار الثلث فيستحق
المجني عليه ثلث دية الأذن الواحدة - وهي نصف
الدية الكاملة - وإن كان بمقدار النصف فيستحق
النصف وهكذا...
وفي رواية أبي بصير أنه يصنع ذلك من
الجهات الأربع (1)، قال صاحب الجواهر:
" ولا ريب في أن ذلك أشد في الاستظهار، لكنه غير
لازم " (2).
هذا، وتوجد اليوم طرق فنية لتشخيص
مقدار الصمم بأجهزة دقيقة.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - لباس المصلي: الصلاة في الخلاخل
الصماء.
ب - الجماعة:
- شرائط إمام الجماعة: إمامة الأصم.
- القراءة: قراءة المأموم الأصم في
الركعتين الأوليين.
ج - الجمعة: الخطبة وما يرتبط بها من
أحكام.
2 - كتاب الحج:
أ - شرائط وجوب الحج: وجوب الحج
على الأصم.
ب - التلبية: تلبية الأصم.
ج - الوقوف بالمشعر: التقاط حصى
الجمار وما يستحب أو يكره فيها.
3 - كتاب البيع:
خيار العيب: الصمم من العيوب الموجبة
لخيار العيب.
4 - كتاب الكفارات:
شرائط العبد المعتق كفارة.
5 - كتاب الشهادة:
مستند الشاهد في شهادته / شهادة
الأصم.
6 - كتاب القضاء: صفات القاضي.
7 - كتاب القصاص: القصاص في الأذن.
8 - كتاب الديات:
أ - دية الأذن.
ب - دية الجناية على المنافع / دية إذهاب
السمع.

(1) الوسائل 29: 362، الباب 3 من أبواب ديات المنافع،
الحديث 2.
(2) الجواهر 43: 298 - 299.
403

أصناف
لغة:
جمع صنف، وهو الطائفة من كل شئ،
والتصنيف تمييز الأشياء بعضها عن بعض (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في معناه اللغوي، وهو:
الطائفة من كل شئ، لكن أضيف إلى بعض
الأعداد فصار عنوانا لمعان خاصة نشير إلى أهمها
فيما يلي:
أولا - الأصناف الثلاثة:
استعمل في الموارد التالية:
1 - الأصناف الثلاثة من مستحقي الخمس:
وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل من بني
هاشم الذين يستحقون نصف الخمس، وقد يعبر
عنهم ب‍ " الطوائف الثلاث " (2).
2 - الأصناف الثلاثة من الأعيان الزكوية:
والمراد منها: الإبل والبقر والغنم، وهي التي
تجب فيها الزكاة من الحيوانات (1).
3 - الأصناف الثلاثة من كفارة الإفطار
العمدي:
وهي: عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين،
أو إطعام ستين مسكينا (2). وأكثر ما يطلق عليها
خصال الكفارة (3).
4 - الأصناف الثلاثة من الحج:
ويراد بها أقسام الحج، أي التمتع والقران
والإفراد (4).
5 - الأصناف الثلاثة من كفارات الصيد:
وهي: إراقة الدم من ذبح شاة أو غيرها على
اختلاف الموارد، أو إطعام مساكين، أو الصيام،
وهي مختلفة باختلاف الموارد (5).

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والقاموس
المحيط: " صنف ".
(2) أنظر: المدارك 5: 389، 399 و 406، والحدائق 12:
379، والجواهر 16: 90، 155 و 103، والمستمسك
9: 585.
(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 1: 486 و 489، والجواهر
15: 75.
(2) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 575، وجامع المقاصد
3: 72.
(3) أنظر الجواهر 10: 31، و 17: 77، و 33: 160.
(4) المنتهى (الحجرية) 2: 679.
(5) المنتهى (الحجرية) 2: 822، ومجمع الفائدة 6:
359.
404

6 - الأصناف الثلاثة من الكفار:
قد يراد من ذلك: اليهود والنصارى
والمجوس (1).
وقد يراد منه: أهل الكتاب - وهم اليهود
والنصارى - ومن لهم شبهة كتاب وهم المجوس،
ومن ليسوا كذلك كالملحدين والمشركين
والمرتدين (2).
ثانيا - الأصناف الأربعة:
استعمل في الموارد التالية:
1 - الأصناف الأربعة من الأعيان الزكوية:
وهي: الحنطة والشعير والزبيب والتمر، ويعبر
عنها بالغلات الأربع أيضا (3).
2 - الأصناف الأربعة من المستحقين
للزكوات:
وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها
والمؤلفة قلوبهم، فهؤلاء يعطون عطاء مقطوعا
لا يراعى ما يفعلون بالصدقة.
ويقابلهم: الرقاب والغارمون وفي سبيل الله
وابن السبيل، فإنهم يعطون عطاء مراعى (4).
ثالثا - الأصناف الستة:
استعمل في الموارد التالية:
1 - الأصناف الستة من مستحقي الخمس:
وهم الذين يشملهم قوله تعالى: * (واعلموا
أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (1).
أي: الله تعالى، ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وذوو قرباه،
واليتامى، والمساكين، وابن السبيل من أهل بيته
(صلى الله عليه وآله) (2).
2 - الأصناف الستة ممن يحرم نكاحهن:
ورد هذا التعبير في كلام ابن أبي عقيل (3)،
والمعروف التعبير فيهن بالأصناف السبعة كما سيأتي
تفسيره.
3 - الأصناف الستة من الدية:
وهي: مئة بعير من مسان الإبل، أو مئتا
بقرة، أو مئتا حلة، كل حلة ثوبان من برود اليمن، أو
ألف دينار، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم (4).

(1) أنظر: المبسوط 2: 9 و 36، والمنتهى (الحجرية) 2:
959.
(2) المنتهى (الحجرية) 2: 905.
(3) أنظر: الكفاية: 38، والجواهر 15: 65.
(4) أنظر المبسوط 1: 254.
(1) الأنفال: 41.
(2) أنظر: المدارك 5: 393 و 394، و 405، والجواهر
16: 108.
(3) أنظر: المختلف 7: 59، ونهاية المرام 1: 137.
(4) أنظر: كشف اللثام (الحجرية) 2: 495، والجواهر
43: 17، وانظر الصفحة 4 منه أيضا.
405

رابعا - الأصناف السبعة:
وموارد استعماله هي:
1 - الأصناف السبعة من مستحقي الزكاة:
أ - والمراد مستحقو الزكاة عدا العاملين
عليها، ويستعمل فيما إذا أراد صاحب الزكاة
أن يدفعها بنفسه، فلا وجه لاستحقاق العامل
حينئذ (1).
ب - وقد يراد سائر المستحقين غير المؤلفة
قلوبهم (2).
2 - الأصناف السبعة من النساء المحرمات:
المحرمات بالنسب خاصة (3) سبعة أصناف:
الأم والجدة وإن علت، والبنت من صلب الرجل
وبناتها وإن نزلن، وبنات الابن وإن نزلن،
والأخوات، وبنات الأخوات وبنات أولادهن،
والعمات، والخالات (4).
ولكن سبق أن ابن أبي عقيل قد عبر عنها
ب‍ " الأصناف الستة ".
خامسا - الأصناف الثمانية:
واستعمل في الأصناف الثمانية من مستحقي
الزكاة المذكورين في قوله تعالى: * (إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم
وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل) * (1).
سادسا - الأصناف التسعة من الأعيان الزكوية:
وهي الأنعام الثلاثة: الإبل، والبقر،
والغنم، والغلات الأربع، وهي: الحنطة والشعير
والزبيب والتمر، والنقدان، وهما: الذهب
والفضة (2).
أصنام
لغة:
جمع صنم.
راجع: صنم.

(1) المبسوط 1: 246.
(2) القواعد 1: 58.
(3) المحرمات بصورة عامة قد تبلغ أربعة عشر، كما تقدم في
أسباب التحريم.
(4) الجواهر 29: 238.
(1) أنظر المبسوط 1: 245، والجواهر 15: 352 و 367
و 426، والآية 60 من سورة التوبة.
(2) الانتصار: 78، والقواعد 1: 54.
406

أصول
لغة:
جمع أصل، وهو أسفل كل شئ، وأساسه،
وقاعدته، ومنبته، وما يستند وجود الشئ إليه (1).
اصطلاحا:
استعمل في المعاني المتقدمة نفسها، وبهذا
التفصيل:
1 - فأصول الدين والمذهب: أساسهما
وقواعدهما.
2 - وأصول الفقه: هي القواعد العامة التي
تمهد الطريق لاستنباط الأحكام الشرعية.
راجع الملحق الأصولي: أصل.
3 - والأصول في النسب: هم الأبوان
والأجداد والجدات من الطرفين، لأن الولد يستند
في وجوده إليهم، ويقابله الفروع، وهم الأولاد
وأولادهم ذكورا وإناثا (2).
4 - وأصول الشعر: أسفله ومنبته (1).
5 - وأصول الأصابع: أسفلها ومحل اتصالها
بالكف (2).
6 - وأصول الشجر: نفسها مقابل ثمارها،
وأصول الدور: نفسها مقابل منافعها، ومنه قولهم في
تعريف الوقف: أنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة،
أو إطلاق الثمرة (3).
7 - والأصول في الشهود: هم الذين
يشهدون على الواقعة بصورة مباشرة، مقابل الفروع
الذين يعتمدون في شهادتهم على شهادة الأصول،
فيقال: شهادة الأصل، في مقابل شهادة الفرع (4).
الأصول الأربعمئة
وهي الكتب الأصول المتضمنة لأحاديث
الأئمة (عليهم السلام) والتي أخذت عنها سائر الكتب.
قال المحقق الحلي في مقدمة المعتبر - عند
بيان ترجيح مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وبيان فضل
أئمتهم وخاصة الإمام الصادق (عليه السلام) -: "... كتب

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم مقاييس
اللغة، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، ولسان العرب، والمصباح المنير:
" أصل ".
(2) الروضة البهية 3: 304.
(1) أنظر: الجواهر 3: 83 و 81، و 8: 74.
(2) أنظر: الجواهر 5: 175 و 203، و 10: 146.
(3) أنظر: المبسوط 2: 103 و 113، والجواهر 23:
136، و 28: 2.
(4) أنظر الجواهر 41: 192.
407

من أجوبة مسائله أربعمئة مصنف، سموها
أصولا " (1).
وقال الطبرسي في إعلام الورى: "... وروى
عن الصادق (عليه السلام) في أبوابه من مشهوري أهل العلم
أربعة آلاف إنسان، وصنف من جواباته في المسائل
أربعمئة كتاب، هي معروفة بكتب الأصول، رواها
أصحابه وأصحاب أبيه من قبله، وأصحاب ابنه أبي
الحسن موسى (عليهم السلام)، ولم يبق فن من فنون العلم إلا
روي عنه (عليه السلام) فيه أبواب " (2).
وقال الشهيد في مقدمة الذكرى: "... حتى إن
أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) كتب من
أجوبة مسائله أربعمئة مصنف لأربعمئة مصنف،
ودون من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل... " (3).
وقال المحقق الداماد في الرواشح السماوية:
" المشهور أن الأصول أربعمئة مصنف لأربعمئة
مصنف من رجال أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، بل
وفي مجالس الرواية عنه والسماع عنه (عليه السلام)، ورجاله
من العامة والخاصة - على ما قاله الشيخ المفيد (رضي الله عنه)
في إرشاده - زهاء أربعة آلاف رجل، وكتبهم
ومصنفاتهم كثيرة إلا أن ما استقر الأمر على
اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالأصول، هذه
الأربعمئة... " إلى أن قال:
" يقال: قد كان من دأب أصحاب الأصول:
أنهم إذا سمعوا من أحدهم (عليهم السلام) حديثا بادروا إلى
ضبطه في أصولهم من غير تأخير... " (1).
ويؤيده ما رواه ابن طاووس في مهج
الدعوات: أنه " كان جماعة من أصحاب أبي الحسن
الكاظم (عليه السلام) من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه
ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال، فإذا
نطق أبو الحسن بكلمة أو أفتى في نازلة، أثبت القوم
ما سمعوه منه في ذلك " (2).
وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين:
" قد بلغنا عن مشايخنا (قدس سرهم): أنه كان من دأب
أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا عن أحد من الأئمة
(عليهم السلام) حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم، لئلا
يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام " (3).
وحاصل ما تقدم: أن الأصول كتبت غالبا في
زمن الإمام الصادق وأبيه الباقر وابنه الكاظم
(عليهم السلام)، ولذلك لا ينافيه ما نقل عن المفيد: من أنه
" صنفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى
عصر أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أربعمئة
كتاب تسمى بالأصول " (4)، إذ المراد أن أغلبها كتب
أيام الأئمة الثلاثة (عليهم السلام).

(1) المعتبر: 5.
(2) إعلام الورى 2: 200.
(3) الذكرى 1: 58 - 59.
(1) الرواشح السماوية: 98، الراشحة 29.
(2) نقله عنه العلامة الطهراني في الذريعة 2: 127.
(3) نقله عنه العلامة الطهراني أيضا في الذريعة 2: 128.
(4) أنظر: الرواشح السماوية: 98، والذريعة 2: 130.
408

الفرق بين الكتاب والأصل:
هناك فرق بين الكتاب والأصل إجمالا، إذ
ليس كل كتاب أصلا، لأن الكتب التي دونها
أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والتي ذكرت في الموسوعات
الرجالية تبلغ الآلاف، بل كان للآحاد منهم ما يبلغ
مئة كتاب أو أكثر (1). فلذلك قد يجعل الأصل مقابل
الكتاب في كتب الرجال، فيقال: " له كتاب وله
أصل " (2).
إذن هناك فرق بين الكتاب والأصل، فكل
أصل كتاب لكن ليس كل كتاب أصلا، وهذا المقدار
لا إشكال فيه إجمالا، وإنما الإشكال والاختلاف في
بيان المائز والفارق، فقد ذكر بعضهم فروقا عديدة،
لكنها نوقشت، وفيما يلي نشير إلى أهم تلك الفروق
دون مناقشاتها:
الأول - ما استقربه الوحيد البهبهاني، من:
أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه
الأحاديث التي رواها عن المعصوم (عليه السلام) أو عن
الراوي. والكتاب والمصنف لو كان فيهما حديث
معتمد لكان مأخوذا من الأصل غالبا.
والتقييد ب‍ " الغالب " لأجل أنه ربما وردت
في الكتب والمصنفات روايات وصلت إلى مؤلفيها
عن طريق مستقل ولم تؤخذ من الأصول (3).
الثاني - ما ذكره تلميذه العلامة الطباطبائي:
من أن الأصل: الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من
كتاب آخر (1).
الثالث - أن الأصل هو ما أخذ عن المعصوم
(عليه السلام) مشافهة ودون من غير واسطة راو، وغيره
أخذ منه. فهو أصل باعتبار أن غيره أخذ منه (2).
الرابع - أن الأصل مجموعة أخبار وآثار
جمعت لأجل حفظها وصونها من الضياع والنسيان
ونحوهما، ليرجع إليها عند الحاجة، وليس فيه من
كلام الجامع إلا النادر، وهذا بخلاف الكتاب، فإنه
مبوب ومفصل وفيه من كلام الجامع ما يتعلق بالرد
أو الإثبات أو التوضيح أو البيان أو نحو ذلك.
وهذا ما نفعله نحن أيضا حيث نقوم تارة بجمع
الشوارد للحفاظ عليها والاستفادة منها عند
الحاجة، ونقوم أخرى بتأليف كتاب منظم
ومبوب (3).
الخامس - ما ذكره الشيخ التستري صاحب
القاموس، من: أن المقابل للأصل إنما هو التصنيف
لا الكتاب، فإن الأصل ما كان محتويا على مجرد

(1) أنظر: الذريعة 2: 130، والفوائد الرجالية 2: 367.
(2) الفوائد الرجالية 2: 367.
(3) نقله عنه المامقاني في مقباس الهداية 3: 27.
(1) الفوائد الرجالية 2: 367، وانظر مقباس الهداية 3:
26.
(2) أنظر مقباس الهداية 3: 26.
(3) نقله المامقاني عن بعض معاصريه من الأجلة، وهو
- على ما ذكر في هامش مقباس الهداية 3: 28 - المولى
علي الكني.
409

رواية أخبار بدون أن يكون مشتملا على نقض
وإبرام وجمع بين المتعارضين، وبدون حكم بصحة
خبر أو شذوذ خبر... سواء كان صاحب الأصل
راويا عن المعصوم (عليه السلام) بلا واسطة أو مع الواسطة،
كما يفهم من الأصول الواصلة إلينا، مثل أصل زيد
الزراد وزيد النرسي وغيرهما.
والتصنيف ما كان في غير الحديث من العلوم،
أو في الحديث مع النقض والإبرام، كما في الكتب
الأربعة، فيفهم من ديباجتها أنها من المصنفات.
والكتاب أعم منهما، فيطلق على كل من
الأصل والتصنيف أنه كتاب (1).
ويشهد لهذا القول كلام الشيخ الطوسي في
مقدمة الفهرست، حيث قال: "... عمدت إلى كتاب
يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ولم أفرد
أحدهما عن الآخر، لئلا يطول الكتابان، لأن في
المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في
كل واحد من الكتابين فيطول... " (2).
ماذا كانت عاقبة الأصول؟
قال العلامة الطهراني: " هذه الأصول كلها
موجودة، جملة منها بالهيئة التركيبية الأولية التي
وجدت موادها بها، والبقية باقية بموادها الأصلية
بلا زيادة حرف ولا نقيصة حرف ضمن المجاميع
القديمة التي جمعت فيها مواد تلك الأصول مرتبة
مبوبة، مهذبة، تسهيلا للتناول والانتفاع، حيث
لم يكن للأصول ترتيب خاص، لأن جلها من
إملاءات المجالس وجوابات المسائل النازلة
المختلفة المتفرقة من أبواب الفقه والأصول... " إلى
أن قال:
" ثم إن بعد جمع الأصول في المجاميع قلت
الرغبات في استنساخ أعيانها لمشقة الاستفادة منها،
فقلت نسخها، وتلفت النسخ القديمة تدريجا،
وأول تلف وقع فيها إحراق ما كان منها موجودا
في مكتبة سابور ب‍ - " كرخ "، فيما أحرق من محال
الكرخ عند ورود طغرل بيك أول ملوك السلجوقية
بغداد سنة 448 ه‍... وذلك كان بعد تأليف شيخ
الطائفة التهذيب والاستبصار وجمعهما من تلك
الأصول....
وكان أكثر تلك الأصول باقيا بالصورة
الأولية إلى عصر محمد بن إدريس الحلي وقد
استخرج من جملة منها ما جعله مستطرفات
السرائر، وحصلت جملة منها عند السيد رضي
الدين علي بن طاووس المتوفى سنة 664... ثم
تدرج التلف وتقليل النسخ في أعيان هذه الأصول
إلى ما نراه في عصرنا هذا، ولعله يوجد منها في
أطراف الدنيا ما لم نطلع عليها والله العالم " (1).
ثم عد 117 أصلا مع أسماء أصحابها.

(1) قاموس الرجال 1: 64 - 65.
(2) الفهرست: 2.
(1) الذريعة 2: 134.
410

هل يدل الأصل على مدح صاحبه؟
اختلف أهل الدراية في أن كون شخص ذا
أصل هل يدل على مدحه أو لا؟
ذهب إلى كل بعض.
هذا بالنسبة إلى التوثيق وما يناسبه، وأما
بالنسبة إلى مذهب صاحب الأصل، فلا يدل على
صحة المذهب قطعا، لأن بعض ذوي الأصول كانوا
من الواقفية والفطحية ونحوهم ممن انحرفوا عن بعض
الأئمة (عليهم السلام) (1).
مظان البحث:
1 - مقدمة كتب علم الرجال.
2 - في علم الدراية.
حيث يبحث في الموردين عن أن كون
شخص ذا أصل هل يدل على المدح أو
لا؟
3 - وبحثوا فيه بمناسبات مختلفة عند ذكر بعض
أصحاب الأصول.
4 - تطرق إليه بعض الذين كتبوا في شخصية
الإمام الصادق (عليه السلام).
5 - ألفت بعض الكتب في خصوص هذا
الموضوع.
أصيل
لغة:
العشي، وهو ما بعد صلاة العصر إلى
الغروب (1)، ومنه قوله تعالى: * (بكرة وأصيلا) * (2).
ورجل أصيل، أي له أصل (3).
اصطلاحا:
أريد منه:
1 - المضمون عنه مقابل الضامن، لأن الذي
اشتغلت ذمته في الأصل هو المضمون عنه (4).
2 - والمنوب عنه - أو المستأجر - مقابل
النائب أو الأجير الذي يستأجر ليأتي بعمل عبادي
نيابة (5).
3 - والموكل مقابل الوكيل (6).

(1) أنظر المصادر المتقدمة.
(1) المصباح المنير: " أصل ".
(2) الأحزاب: 42.
(3) ترتيب كتاب العين: " أصل ".
(4) أنظر: القواعد 1: 177 - 180، والتذكرة (الحجرية)
2: 88 و 93، والجواهر 25: 234، و 26: 113.
(5) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 315، والجديدة 7:
152، والمستمسك 1: 88، و 11: 22 و 24.
(6) أنظر المستمسك 11: 124.
411

4 - والمالك مقابل الفضولي، وهو الذي يبيع
عينا لغيره فضولة، فالمالك هو الأصيل، والبائع
فضولة هو الفضولي (1).
وهذا المعنى أكثر تداولا عند المتأخرين،
ويجري في غير البيع أيضا على المشهور.
5 - والمبدل منه مقابل البدل (2).
والكلام عنها يأتي في مواضعه إن شاء الله تعالى.
أضاحي
راجع: أضحية.
إضافة
لغة:
الإمالة، يقال: أضاف الشئ إلى الشئ، أي
أماله وضمه إليه.
ومنه: أضفت الرجل وضيفته: إذا أنزلته بك
ضيفا وقربته.
ومنه الإضافة عند النحويين، فإن المضاف
يميل إلى المضاف إليه وينضم إليه (1).
ومنه الإضافة عند الحكماء، وهي نسبة
متكررة بين شيئين، حيث يكون الميل والانضمام من
الطرفين بنحو لا يتصور أحدهما إلا ويتصور معه
الآخر، كالفوق والتحت، والأب والابن ونحوهما (2).
اصطلاحا:
استعملت عند الفقهاء بالمعاني المتقدمة وفي
معان منتزعة أخرى نشير إليها إجمالا:
1 - الإضافة مقابل الإطلاق في الماء،
كقولهم: " إذا القي المضاف النجس في الكر، فخرج
عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجس... " (3).
إذا انضم إلى الماء شئ خارج عنه بحيث غير
أوصافه يصير مضافا، وإلا فهو مطلق.
راجع تفصيل ذلك في العنوانين: " ماء "
و " مضاف ".
2 - الإضافة بمعنى نسبة شئ - سواء كان
عقدا أو إيقاعا أو غيرهما - إلى زمان أو مكان أو
شخص:
أ - كما إذا أضاف عقد نكاح أو عقد بيع أو

(1) أنظر: كشف الغطاء: 367، والجواهر 22: 290،
و 32: 103، والمكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 417
و 467.
(2) الجواهر 15: 122 - 123.
(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والمصباح
المنير: " ضيف ".
(2) نهاية الحكمة: 126.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في المياه، المسألة
7، وهذا الاستعمال كثير في أوائل كتاب الطهارة.
412

طلاقا إلى المستقبل، بأن يقول: " بعتك هذه الدار في
السنة الآتية "، بأن يكون التمليك في السنة الآتية،
لا التمليك فعلا والإقباض في المستقبل، أو يقول:
" زوجتي فلانة طالق غدا ".
وهذا ما يعبر عنه ب‍ " التعليق في العقود
والإيقاعات " (1) وهو باطل على تفصيل (2)، يراجع
فيه العناوين: " إيقاع "، " تعليق "، " شرط "،
" عقد ".
ب - وكما إذا قذف شخصا فعلا، لكن أضاف
مفاد القذف إلى الماضي، وهذا يمكن أن يكون مؤثرا
فيما إذا كان اختلاف الزمان مستلزما لاختلاف حالة
المقذوف المستلزمة لاختلاف نوعية العقوبة (3)، مثل
ما إذا قال: " فلان زنى قبل عشر سنين " وكان
كافرا حينذاك أو صرح بكون الزنا حال كفره، بأن
قال: " فلان زنى حال كفره ".
يراجع ذلك في عنوان " قذف " وما يشبهه
مما تصح فيه الإضافة بهذا المعنى، ك‍ " الإقرار "
و " الشهادة " ونحوهما.
3 - الإضافة بمعنى النسبة الحاصلة بين الشئ
ومالكه، أو بمن يختص به، فيقال: دار زيد، أو
كتابه، فالدار أضيفت إلى زيد وكذا الكتاب.
وهذا ما سنتكلم عنه إجمالا في البحث الآتي:
القواعد العامة للإضافة:
ذكرت قواعد عامة للإضافة في مطاوي
كلمات الفقهاء وغيرهم، نشير إلى أهمها فيما يلي:
أولا - تغاير المضاف والمضاف إليه:
لا بد من مغايرة المضاف والمضاف إليه،
فلا تصح إضافة الشئ إلى نفسه.
لكن تكفي المغايرة الاعتبارية لترتب الآثار
الفقهية.
ولذلك رد بعض فقهائنا استدلال بعض
أصحاب أبي حنيفة على خروج تكبيرة الإحرام من
الصلاة بقوله (صلى الله عليه وآله): " تحريمها التكبير " (1)، لأن الشئ
لا يضاف إلى نفسه (2)، بقوله:
" لأن الإضافة تقتضي المغايرة، ولا ريب في
مغايرة الشئ لجزئه " (3).

(1) التعليق إما مصرح في الكلام، مثل أن يقال: " إذا كان
يوم الجمعة فأنت طالق "، وإما لازم للكلام، مثل المثال
المذكور في المتن، راجع المكاسب (للشيخ الأنصاري)
3: 166 - 167.
(2) أنظر: الجواهر 32: 78، والمكاسب 3: 162 - 168.
(3) فإن عقوبة قذف المسلم الحلا: ثمانون جلدة، وعقوبة
قذف غيره التعزير بما يراه الحاكم. أنظر الجواهر 41:
419 و 429.
(1) أنظر: الكافي 3: 69، الحديث 2، وسنن الترمذي 1:
9، الباب 3 من أبواب الطهارة، الحديث الأول.
(2) المغني 1: 509.
(3) المنتهى (الحجرية) 1: 267 - 268، وانظر المعتبر:
168، والخلاف 1: 316، المسألة 67، والذكرى 3:
255، ومفاتيح الأصول: 76، لكن ما أفاده العلامة في
المنتهى هو الأقرب إلى المقصود.
413

ومثله الإشكال الذي أورد على ما لو قال
للأمة: " تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ":
بأن الملك إضافة لا بد فيها من تغاير
المتضايفين بالذات.
ودفعه: بأن المراد من ذلك المجاز، من حيث
حصول غاية الملك لا الملك حقيقة، وهو مجاز شائع
واقع في كلامهم (عليهم السلام)، ومثله كثير في كلام
الفقهاء (1).
ثانيا - صدق الإضافة بأدنى ملابسة:
يكفي لصحة الإضافة أدنى ارتباط وملابسة
بين المضاف والمضاف إليه، لكن هذه الإضافة
مجازية، مثل " مدينة زيد "، فإنه تكفي لصحة هذه
الإضافة ولادة زيد فيها، وقولك لأحد حاملي
الخشبة: " خذ طرفك " (2).
ثالثا - الإضافة حقيقية ومجازية:
تنقسم الإضافة إلى حقيقية ومجازية،
فالحقيقية مثل " دار زيد " إذا كان مالكا لها،
والمجازية إذا كان مستأجرا لها، ومثل " مال العبد "
و " ثوب العبد "، فإذا قلنا: إن العبد يملك،
فالإضافة حقيقية، وإذا قلنا: إنه لا يملك، بل هو
وماله لمولاه، فالإضافة مجازية (1).
رابعا - الإضافة تقتضي التعيين والتخصيص:
الإضافة تستدعي تخصص المضاف
وخروجه عن حالة العموم والإطلاق، فمن حلف
بأن لا يشرب العسل، فالمحلوف عليه هو شرب
العسل مطلقا من غير تخصيصه بعسل خاص، لكن
لو حلف بأن لا يشرب عسل زيد، فالمحلوف عليه
عسل خاص، لا مطلق العسل، فلذلك لا يحرم عليه
شرب عسل آخر غير عسل زيد (2).
خامسا - هل الإضافة حقيقة في الملك أو
الاختصاص؟
لا إشكال في إمكان إرادة كل من الملك
أو الاختصاص من الإضافة بمعونة القرائن
الخارجية.
مثال الأول: ما لو قيل: " باع زيد كتابه "،
فإن إضافة الكتاب إلى الضمير العائد إلى زيد تفيد
الملك حتما، لأنه لا بيع إلا في ملك، بخلاف ما إذا
قيل: " خرج زيد من داره "، فإن إضافة الدار

(1) جامع المقاصد 13: 120 - 121.
(2) هذه القاعدة من المشهورات، أنظر: المختلف 7: 32،
وجامع المقاصد 1: 298، و 12: 286، والجواهر 3:
20 و 10: 124، و 35: 78، والمصباح المنير:
" ضيف ".
(1) أنظر الدروس 2: 169، والمصباح المنير: " ضيف ".
(2) أنظر: المبسوط 6: 225، والدروس 2: 169، والجواهر
35: 293.
414

إلى الضمير لا تدل على أنها ملك لزيد، لاحتمال
كونها إجارة، فتكون الإضافة مجازية. فالإضافة
هنا مرددة بين إفادتها الملك أو الاختصاص، نعم
لو علمنا بكونها إجارة دلت الإضافة على
الاختصاص.
ومثال الثاني: ما لو قيل: " باع سرج الدابة "
أو " باع حصير المسجد "، بناء على أن المسجد
- كسائر العناوين العامة - غير قابل لأن يقع طرفا
لإضافة الملكية، فإن الإضافة في هذه الموارد تكون
ظاهرة في الاختصاص.
هذا كله إذا دلت القرائن الخارجية على أحد
الأمرين، وأما إذا لم تدل فهل تكون الإضافة
ظاهرة - في حد ذاتها - في الملكية، أو الاختصاص،
أو الاختصاص المطلق؟
والمراد بالاختصاص المطلق هو الاختصاص
الذي لا ينافي الملكية فيجتمع معها، لأن الإضافة
المفيدة للملك تفيد فائدة الاختصاص أيضا،
ويقابلها الاختصاص المنفرد عن الملكية مثل
" سرج الدابة ".
ومن الذين صرحوا بإفادة الإضافة الملك
الشيخ الطوسي، وابن إدريس، والشهيد الأول في
القواعد والفوائد.
قال الشيخ في المبسوط: " إذا حلف:
لا دخلت دار زيد، نظرت، فإن دخل دارا هي ملك
لزيد حنث بلا خلاف، وإن دخل دارا يسكنها
بأجرة لم يحنث، وقال قوم: حنث، لقوله:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) * (1)، يعني
بيوت أزواجهن، والأول أقوى عندي، لأن حقيقة
الإضافة الملك، وما عداه مجاز " (2).
والمجاز يحتاج إلى قرينة.
وكذا قال في الخلاف (3)، وتبعه ابن
إدريس (4).
وقال الشيخ في بحث الإقرار: " إذا قال: له في
هذه الدار نصفها أو من هذه الدار نصفها، كان
إقرارا. ولو قال: له في داري نصفها أو من داري
نصفها، كان ما أقر به منها هبة للمقر له " (5).
وقال ابن إدريس: " لو قال: داري هذه
لفلان، لم يكن إقرارا... لأن هذا مناقضة، كيف
يكون داره لفلان في حال ما هي له! " (6).
وذلك: لأنه حينما أضاف الدار إلى نفسه فقد
اعترف بأنها ليست للغير، ولما قال: " لفلان " فقد
اعترف بأنها للغير، لأن اللام للملك.
وللتخلص من التناقض لا بد من رفع اليد
عن ظهور الكلام في الإقرار وحمله على إنشاء الهبة،
أي إن داري هذه صارت لزيد من الآن.

(1) الطلاق: 1.
(2) المبسوط 6: 225 - 226.
(3) الخلاف 6: 154، المسألة 52.
(4) السرائر 3: 49.
(5) المبسوط 3: 21.
(6) السرائر 2: 506.
415

وبهذه الطريقة تخلص المحقق الأردبيلي من
التناقض أيضا، فرجح ظهور الإضافة في الملك
على ظهور اللام في الملك الفعلي، فحمله على
الملكية المجازية باعتبار أنها ستصير ملكا بالهبة
ونحوها (1).
ولذلك يمكن أن يستظهر من المحقق الأردبيلي
كونه قائلا بظهور الإضافة في الملك كما صرح به في
بعض المواطن الأخر أيضا (2)، إلا أنه يظهر منه
خلافه في مواطن أخرى (3).
وقال الشهيد الأول في القواعد عند الكلام
عن الحقيقة والمجاز: " ومن فروع الحقيقة: حمل
" اللام " على الملك، فلو قال: هذا لزيد، فقد أقر له
بملكه، فلو قال: أردت أنه بيده عارية أو إجارة أو
سكنى، لم يسمع، لأنه خلاف الحقيقة، وكذا الإضافة
بمعنى " اللام "، مثل: دار زيد، فلو حلف: أن
لا يدخل دار زيد، فهي المملوكة - ولو بالوقف -
وعلى هذا لا يحنث بالحلف على دابة العبد أصلا،
لعدم تصور الملك فيه على الأقوى، إلا أن يقصد ما
عرف به، وشبهه " (4).
لكنه اكتفى في الدروس بذكر القولين في باب
الإقرار، كما سيأتي.
ونسب الشهيد الثاني ترجيح ظهور الإضافة
في الملك في مسألة الإقرار المتقدمة إلى المشهور (1).
هذا ويظهر من جماعة القول بالاختصاص،
منهم: العلامة والمحقق الثاني والشهيد الثاني.
قال العلامة في المختلف - بعد أن نقل كلامي
الشيخ وابن إدريس المتقدمين -: " والوجه عندي:
التسوية بينهما، وصحة الإقرار فيهما، والإضافة
تصح إلى الشئ بأدنى ملابسة... ولأن الإضافة قد
تكون للملك وقد تكون للتخصيص... " (2).
وقال في التحرير: " لو قال: داري هذه لفلان
كان متناقضا، ويحتمل الصحة، لأن الإضافة قد
تكون مع الاختصاص من دون التمليك، كقوله
تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (3)،
و * (لا تخرجوهن من بيوتهن) * (4)، و * (قرن في
بيوتكن) * (5) " (6).
وقال المحقق الثاني - بعد نقل كلام العلامة في
المختلف -: " هذا محصل كلام المختلف، ولا ريب أن
الإضافة بأدنى ملابسة مجاز، إلا أنه لا يضر ذلك،

(1) مجمع الفائدة والبرهان 9: 425.
(2) أنظر مجمع الفائدة والبرهان 4: 18، و 8: 247.
(3) أنظر مجمع الفائدة والبرهان 9: 420.
(4) القواعد والفوائد 1: 159، الفائدة 2 من القاعدة 42.
(1) المسالك 11: 59، وانظر: الجامع للشرائع: 341،
والتنقيح الرائع 3: 486.
(2) المختلف 6: 44.
(3) النساء: 5.
(4) الطلاق: 1.
(5) الأحزاب: 33.
(6) التحرير 2: 119.
416

لأنه استعمال شائع مشهور " (1).
لكن موافقته للعلامة في نتيجة المسألة لا تمنع
من أن يرى أن الإضافة في حد نفسها تفيد الملك
وإنما يرفع اليد عنها بقرينة. وعلى كل حال فإن
كلامه مجمل من هذه الجهة.
وقوى الشهيد الثاني قول العلامة صريحا
هنا (2).
وكلام صاحب الجواهر هنا مجمل (3) لكن ربما
يستفاد من مواضع أخر من كلامه أنه يرى ظهور
الإضافة في الاختصاص، حيث قال ضمن استدلاله
على ملكية النساء لمهورهن بمجرد العقلا: "... مضافا
إلى ظهور قوله تعالى: * (وآتوا النساء
صدقاتهن) * (4) وغيره مما دل على وجوب دفعه
إليهن المقتضي لملكهن، فضلا عن ظهور الإضافة في
الاختصاص... " (5).
وكلام غالب الفقهاء مجمل، نعم يحتمل أن
يكون مرادهم - غير من صرح بإفادة الإضافة
الملك كالشيخ وابن إدريس... - من الاختصاص:
الاختصاص المطلق الذي له فردان: الملك
والاختصاص من دون ملك، فتعيين أحدهما يحتاج
إلى قرينة معينة (1).
سادسا - الإضافة تفيد العموم:
قال صاحب المعالم: " إضافة المصدر عند
عدم العهد للعموم، مثل: " ضرب زيد " و " أكل
عمرو "، وآية ذلك جواز الاستثناء منه، فإنه يصح
أن يقال في الآية: * (فليحذر الذين يخالفون عن
أمره...) * (2): إلا الأمر الفلاني " (3).
وقال صاحب الوافية - عند عد صيغ
العموم -: " ومنها الجمع المعرف باللام، أو الإضافة،
والمفرد كذلك عند الأكثر، نقله الآمدي عن الشافعي
والأكثر، واختاره هو، ونقله الرازي عن الفقهاء
والمبرد، ويظهر من الشارح الرضي عدم الخلاف
فيه، وفي شرح العضدي نقله عن المحققين، من غير
إشعار بخلاف فيه بينهم إلا المنكر لأصل صيغة
العموم " (4).
وقال صاحب الجواهر ضمن كلام له:
"... وقد تقرر في الأصول، أن الإضافة حيث
لا عهد تفيد العموم... " (5).

(1) جامع المقاصد 9: 238.
(2) المسالك 11: 60، والروضة البهية 6: 379 - 380.
(3) الجواهر 35: 77.
(4) النساء: 4.
(5) الجواهر 31: 107 و 108.
(1) تأمل في الكلمات المنقولة المتقدمة وغيرها، وانظر
الجواهر 35: 79.
(2) النور: 63.
(3) معالم الدين: 48.
(4) الوافية: 113.
(5) الجواهر 10: 287.
417

والتقييد بعدم العهد لإخراج ما كان له،
فإنه لا يفيد العموم، مثل " رأيت ضرب زيد
عمرا ".
ولم يتطرق الأصوليون المتأخرون إلى هذا
الموضوع.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
لم يتطرق الفقهاء إلى جميع ما تكلمنا فيه
عن الإضافة في محل واحد، وإنما تعرضوا
له بمناسبات مختلفة، نعم أكثر ما تعرضوا
لإفادته الملكية أو الاختصاص في بحث
الإقرار والأيمان.
ثانيا - الأصول:
تطرق بعض الأصوليين إلى البحث
الأخير في موضوع العام والخاص،
وبعض آخر في غيره بالمناسبة.
إضجاع
لغة:
من أضجع، يقال: أضجعته، أي وضعت
جنبه على الأرض (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه. وقد يراد منه مطلق
الوضع وإن لم يكن على الجنب.
الأحكام:
كيفية إضجاع الميت في القبر:
المعروف بين الفقهاء وجوب إضجاع الميت في
القبر على جانبه الأيمن مستقبل القبلة (1)، ونقل عن
ابن حمزة وبعض آخر: أنه سنة (2).
وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام)، قال: " كان البراء بن معرور
الأنصاري بالمدينة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة،
وأنه حضره الموت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء
أن يجعل وجهه إلى تلقاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى القبلة، وأنه
أوصى بثلث ماله فجرت به السنة " (3).
وروي في دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام):
" أنه شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حضر جنازة رجل من
بني عبد المطلب، فلما أنزلوه في قبره، قال: ضعوه
في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ولا تكبوه

(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب: " ضجع ".
(1) أنظر الجواهر 4: 296.
(2) أنظر المصدر المتقدم، والوسيلة: 67 - 68، ويرى ابن
سعيد: أن الاستقبال واجب لكن الإضجاع على الجنب
الأيمن سنة. أنظر الجامع للشرائع: 54.
(3) الوسائل 3: 230، الباب 61 من أبواب الدفن،
الحديث الأول.
418

لوجهه، ولا تلقوه لقفاه... " (1).
راجع: استقبال، دفن.
إضجاع الحيوان للذبح:
ذكروا من جملة آداب ذبح الحيوان: "... أن
يساق إلى الذبح برفق، ويضجع برفق... " (2).
هذا فيما يذبح من الحيوان، وهو غير الإبل،
أما فيها فإنها تنحر وهي قائمة.
راجع: تذكية، ذبح.
الإضجاع من الحضانة:
عد الفقهاء إضجاع الطفل في المهد ونحوه من
الحضانة، فلذلك لو استأجر امرأة للحضانة دخل
فيها إضجاع الطفل أيضا (3).
راجع: حضانة.
ضمان الظئر بإضجاعها الطفل عندها:
لو أضجعت الظئر الطفل بجنبها، ثم انقلبت
عليه وقتلته فعليها الدية، ولهم كلام في أن الدية
عليها أو على عاقلتها (4).
مظان البحث:
تعلم مما تقدم.
أضحى
راجع: أضحية.
أضحية
لغة:
شاة تذبح ضحوة يوم العيد بمنى وغيره (1).
وفيها لغات:
الأضحية، بضم الهمزة، وهي الأكثر استعمالا.
والإضحية، بكسر الهمزة، والجمع فيهما
الأضاحي.
وضحية، والجمع: ضحايا.
وأضحاة، بفتح الهمزة، والجمع أضحى، ومنه
عيد الأضحى (2).
وإنما سميت بذلك، لأن الذبيحة في ذلك
اليوم لا تكون إلا في وقت إشراق الشمس (3)، أي

(1) دعائم الإسلام 1: 238، ذكر الدفن والقبور.
(2) المسالك 11: 491، والجواهر 36: 133.
(3) جامع المقاصد 7: 246.
(4) أنظر الجواهر 43: 85.
(1) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان
العرب: " ضحى " أو " ضحا ".
(2) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير: " ضحا " أو
" ضحى ".
(3) معجم مقاييس اللغة: " ضحى ".
419

الضحى (1).
هذا أصله، لكن اتسعت دائرته حتى قيل:
ضحى، في أي وقت كان من أيام التشريق (2).
اصطلاحا:
ما يذبح أو ينحر يوم عيد الأضحى أو ما
بعده - إلى الثاني أو الثالث عشر - تبرعا (3).
ويخرج بقيد التبرع ذبح الهدي أو نحره يوم
العيد أو بعده بمنى، فإنه واجب، لأنه من أجزاء
الحج.
نعم، لا يمنع عن صدق عنوان الأضحية
وجوبها بالنذر وشبهه.
الأحكام:
تترتب على الأضحية أحكام نذكرها بعد
بيان الحكمة في تشريعها:
الحكمة في تشريع الأضحية:
الحكمة في تشريع الأضحية هي:
أولا - التقرب إلى الله تعالى بتضحية المال في
سبيله، كما قرب هابيل قربانا فتقبل منه، وكما سعى
إبراهيم في تضحية ولده إسماعيل وجعله قربانا
امتثالا لأمره تعالى.
ثانيا - إطعام المساكين والفقراء، والأهل
والجيران، وغيرهم من المؤمنين، وهو سبب
لإدخال السرور في قلوب هؤلاء، والتآلف بينهم.
وإلى ذلك أشارت بعض الروايات:
1 - روى الصدوق بإسناده عن السكوني،
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما جعل الله هذا الأضحى
لتتسع مساكينكم من اللحم، فأطعموهم " (1).
2 - وروى بإسناده عن أبي بصير عن الإمام
الصادق (عليه السلام) أيضا، قال: " قلت له: ما علة
الأضحية؟ فقال: إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة
تقطر من دمها إلى الأرض، وليعلم الله من يتقيه
بالغيب، قال الله تعالى: * (لن ينال الله لحومها ولا
دماؤها ولكن يناله التقوى) * (2)، ثم قال: أنظر كيف
قبل الله قربان هابيل، ورد قربان قابيل " (3).
3 - وروى بإسناده عن أبي جميلة عن أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام) أيضا، قال: " سألته عن لحم
الأضاحي، فقال: كان علي بن الحسين وابنه محمد
(عليهما السلام) يتصدقان بالثلث على جيرانهما، وبثلث على

(1) المسالك 2: 318.
(2) المصباح المنير، ومجمع البحرين: " ضحى ".
(3) أنظر: المسالك 2: 318، والحدائق 17: 199،
والجواهر 19: 219.
(1) علل الشرائع: 437، باب علة الأضحية، الحديث
الأول.
(2) الحج: 37.
(3) علل الشرائع: 437، باب علة الأضحية، الحديث 2.
420

المساكين، وثلث يمسكانه لأهل البيت " (1).
حكم الأضحية تكليفا:
المشهور بين فقهائنا استحباب الأضحية،
استحبابا مؤكدا (2)، بل نقل الإجماع عليه، وتدل
عليه السنة القولية والعملية، والأصل فيه قوله
تعالى: * (فصل لربك وانحر) * (3)، بناء على أن المراد
منه نحر الأضحية بعد صلاة العيد (4).
نعم، نقل عن ابن الجنيد القول بوجوبها،
استنادا إلى بعض النصوص (5)، وتوقف صاحب
الحدائق فيه (6).
ومما يوهم الوجوب:
1 - صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام)، قال: " الأضحية واجبة على من وجد،
من صغير أو كبير، وهي سنة " (7).
2 - وما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد
الله (عليه السلام): " أن رجلا سأله عن الأضحى؟ فقال:
هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد، فقال له
السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: إن شئت فعلت،
وإن شئت لم تفعل، فأما أنت فلا تدعه " (1).
قال صاحب المدارك بعد ذكر الروايتين:
" ويجاب بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف
عند الفقهاء - كما بيناه غير مرة - وقوله (عليه السلام): " فأما
أنت فلا تدعه " معارض بقوله (عليه السلام) في رواية ابن
مسلم " وهي سنة " فإن المتبادر من السنة المستحب.
وبالجملة فلا يمكن الخروج عن مقتضى الأصل
والإجماع المنقول على انتفاء الوجوب بمثل هاتين
الروايتين، مع إمكان حملهما على ما تحصل به
الموافقة " (2).
زمان التضحية:
الزمان الذي تصلح فيه التضحية - أي ذبح
الأضحية أو نحرها - لمن كان في منى هو يوم العيد
وثلاثة أيام بعده، ولمن كان في غيره هو يوم العيد،
ويومان بعده.
وقد ادعي الإجماع على ذلك مستفيضا (3).

(1) علل الشرائع: 438، باب علة الأضحية، الحديث 3.
(2) أنظر: المبسوط 1: 387، والتذكرة 8: 304،
والدروس 1: 447، والمسالك 2: 318، والمدارك 8:
81، والحدائق 17: 204.
(3) الكوثر: 2.
(4) أنظر: التذكرة 8: 303، والمدارك 8: 81.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف 4: 291.
(6) الحدائق 17: 206.
(7) الوسائل 14: 205، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 3.
(1) الوسائل 14: 205، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 5.
(2) المدارك 8: 82.
(3) أنظر: التذكرة 8: 305، والمنتهى (الحجرية) 2:
755، والمدارك 8: 82، والجواهر 19: 223، ومستند
الشيعة 12: 366.
421

أما وقتها من حيث أجزاء النهار، فقد صرح
جملة من الفقهاء: بأنه بعد طلوع الشمس ومضي
قدر صلاة العيد والخطبتين، سواء صلى الإمام أو لم
يصل.
وممن صرح بذلك: الشيخ الطوسي (1)
والعلامة (2)، والشهيد الأول (3)، والشهيد الثاني (4)،
وصاحب الحدائق (5).
لكن قال المحقق الأردبيلي - معلقا على كلام
الشهيد الأول -: " وسنده غير ظاهر، لعل مراده
أفضل أوقاته من اليوم " (6)، أي أن ذلك الوقت
أفضل الأوقات، لا أنه متعين.
وقال صاحب الجواهر: " إن الظاهر عدم
اعتبار وقت مخصوص من يوم العيد في ذبحها،
لإطلاق ما دل على مشروعيتها فيه... ".
ثم نقل كلام الشيخ والعلامة والشهيد، ثم
قال: " إلا أن الظاهر إرادة الجميع ضربا من
الندب... ". إلى أن قال:
" وربما ظن من لا يعرف لسان النصوص
والفتاوى فاعتبر الوقت المخصوص من اليوم
المخصوص في مشروعيتها، وهو غلط واضح، والله
العالم " (1).
الاشتراك في الأضحية الواحدة:
يجوز الاشتراك في الأضحية الواحدة (2)، وقد
روي أن: " رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضحى بكبشين، ذبح
واحدا بيده، وقال: اللهم هذا عني وعمن لم يضح
من أهل بيتي، وذبح الآخر وقال: اللهم هذا عني
وعمن لم يضح من أمتي " (3).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" تجزئ البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة (4)،
ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد " (5).
ولعل المراد عدم إجزائها بعنوان " الهدي
الواجب " إلا عن واحد، كما هو كذلك،
وإلا فالاضحية المندوبة لا فرق بين كونها في منى أو
في سائر الأمصار.
وروى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(1) المبسوط 1: 389.
(2) التذكرة 8: 307.
(3) الدروس 1: 448.
(4) المسالك 2: 318.
(5) الحدائق 17: 209 - 211.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 7: 313.
(1) الجواهر 19: 225.
(2) أنظر: المبسوط 1: 394، والتذكرة 8: 330،
والدروس 1: 449، ومستند الشيعة 12: 372.
(3) الوسائل 14: 205، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 6.
(4) وفي بعض الروايات: " عن سبعين "، أنظر الوسائل
14: 120، الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 11.
(5) الوسائل 14: 118، الباب 18 من أبواب الذبح،
الحديث 4.
422

" الكبش يجزئ عن الرجل وعن أهل بيته يضحى
به " (1).
وغيرها من الروايات الدالة على ذلك.
جواز التضحية عن الغير:
قال جماعة بجواز التضحية عن الغير سواء
كان حيا أو ميتا (2)، ولم نعثر على المانع منه، ويدل
عليه ما تقدم آنفا، وما ورد من: أنه " كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) يضحي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل سنة
بكبش يذبحه ويقول: بسم الله وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب العالمين، اللهم منك ولك، ويقول: اللهم هذا
عن نبيك، ثم يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه " (3).
إجزاء الهدي الواجب عن الأضحية:
قال المحقق: " ويجزئ الهدي الواجب عن
الأضحية، والجمع بينهما أفضل " (4).
وعلق عليه صاحب المدارك قائلا: " أما
إجزاء الهدي الواجب عن الأضحية، فيدل عليه
روايات، منها صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: " يجزيه في الأضحية هديه " (1)
وصحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" يجزئ الهدي عن الأضحية " (2).
وأما استحباب الجمع بينهما، فعلل بما فيه
من فعل المعروف ونفع المساكين. ولا بأس به،
وربما كان في لفظ " الإجزاء " الواقع في الروايتين
إشعار به " (3).
وبهذا المضمون صرح جملة من الفقهاء (4).
لكن استشكل بعضهم في القول باستحباب
الجمع، لأن ما ذكر لا يصح دليلا على الاستحباب،
وممن استشكل فيه صاحب الحدائق (5)، والفاضل
النراقي (6).

(1) الوسائل 14: 121، الباب 18 من أبواب الذبح،
الحديث 15.
(2) أنظر: الدروس 1: 448، والحدائق 17: 206،
ومستند الشيعة 12: 372، والجواهر 19: 223.
(3) الوسائل 14: 206، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 7.
(4) شرائع الإسلام 1: 264.
(1) الوسائل 14: 205، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 2.
(2) من لا يحضره الفقيه 2: 498، باب الأضاحي،
الحديث 3067.
(3) المدارك 8: 86.
(4) أنظر: النهاية: 262، والتذكرة 8: 305، ذيل المسألة
635، والدروس 1: 447، والروضة البهية 2: 304،
ومجمع الفائدة والبرهان 7: 316، وكشف اللثام 6:
190، والجواهر 19: 229.
(5) الحدائق 17: 211.
(6) مستند الشيعة 12: 365.
423

التصدق بثمن الأضحية عند عدم وجدانها:
قال الفقهاء: إذا عزت الأضاحي ولم توجد
تصدق بثمنها، وإذا اختلفت الأثمان أخذ معدلها
وتصدق به، والمستند في ذلك ما رواه عبد الله بن
عمر، قال: " كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي،
فاشترينا بدينار، ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة، ثم لم
توجد بقليل ولا كثير، فوقع (فرقع) هشام المكاري
رقعة إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبره بما اشترينا ثم لم
نجد بقليل ولا كثير، فوقع: أنظروا إلى الثمن الأول
والثاني والثالث، ثم تصدقوا بمثل ثلثه " (1).
هذا إذا كانت الأثمان ثلاثة، وإن كانت أربعة
فيتصدق بالربع، وإن كانت خمسة فبالخمس،
وهكذا (2).
استقراض ثمن الأضحية إذا لم يؤجلا:
روي: أنه " جاءت أم سلمة (رضي الله
عنها) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله يحضر
الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية، فأستقرض
وأضحي؟ قال: استقرضي، فإنه دين مقضي " (3).
وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " لو علم الناس
ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا، إنه ليغفر
لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها " (1).
لكن لم يصرح الفقهاء بذلك إلا القليل (2)، نعم
جعل صاحب الوسائل عنوان الباب الذي أورد فيه
الروايتين هكذا: " باب استحباب القرض للأضحية
لمن لم يجد " (3).
أوصاف الأضحية:
ذكر الفقهاء أوصافا للهدي الواجب، فأحال
بعضهم أوصاف الأضحية على ما ذكره هناك،
وأشار بعض آخر إليها عند الكلام عن الأضحية،
وسكت عنها جملة آخرون.
قال صاحب الحدائق: "... ما تضمنته
صحيحة علي بن جعفر (4) من صفات الأضحية فقد

(1) الوسائل 14: 203، الباب 58 من أبواب الذبح،
الحديث الأول.
(2) أنظر: الدروس 1: 449، والمسالك 2: 319، والمدارك
8: 86، والحدائق 17: 212، والجواهر 19: 229،
وغيرها.
(3) الوسائل 14: 210، الباب 64 من أبواب الذبح،
الحديث الأول.
(1) الوسائل 14: 210، الباب 64 من أبواب الذبح،
الحديث 2.
(2) أنظر الدروس 1: 449.
(3) الوسائل 14: 210، الباب 64 من أبواب الذبح.
(4) مراده من صحيحة علي بن جعفر: ما رواه علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: " سألته عن
الأضحية، فقال: ضح بكبش أملح، أقرن، فحلا، سمينا،
فإن لم تجد كبشا سمينا، فمن فحولة المعزى، أو موجوء من
الضأن، أو المعز، فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة... ".
أنظر الوسائل 14: 207، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 12.
424

صرح به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)،
وقد تقدم البحث في ذلك في المقام الثاني من هذا
الفصل، وجميع ما يعتبر في الهدي يجري في
الأضحية: من كونها من الأنعام الثلاثة على
الصفات المتقدمة ثمة " (1).
وقال صاحب المستند - الفاضل النراقي -:
" قيل: يشترط في الأضحية من الأوصاف ما
يشترط في الهدي، وفي قبول ذلك كليا إشكال،
لاختصاص بعض الأخبار المتقدمة في الوصف،
بالهدي... إلا أن الحكم لما كان موافقا للاحتياط،
ومع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدمة متضمنة للفظ
" الأضاحي " لا بأس به " (2).
والأوصاف المذكورة هنا وهناك إجمالا
هي:
أولا - أن تكون الأضحية من النعم، أي
الإبل والبقر والغنم إجماعا (3)، لقوله تعالى:
* (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام
معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها
وأطعموا البائس الفقير) * (4).
ثانيا - قال العلامة: " ولا يجزئ في الهدي إلا
الجذع من الضأن، والثني من غيره، والجذع من
الضأن هو الذي له ستة أشهر، وثني المعز والبقر ما له
سنة ودخل في الثانية، وثني الإبل ما له خمس
ودخل في السادسة " (1).
وبهذا المضمون قال غيره مع اختلاف
يسير (2).
ثالثا - ينبغي أن تكون خلقة الأضحية تامة،
فلا تجزئ العوراء، ولا العرجاء البين عرجها،
ولا التي انكسر قرنها الداخل، ولا المقطوعة الأذن،
ولا الخصي من الفحول، ولا المهزولة (3).
لورود النهي عن ذلك كله (4).
رابعا - الأفضل الثني من الإبل، ثم الثني من
البقر، ثم الجذع من الضأن (5).
خامسا - يستحب أن تكون سمينة، وقد
روي: " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضحي بكبش
أقرن، عظيم، سمين، فحل، يأكل في سواد، وينظر في

(1) الحدائق 17: 208.
(2) مستند الشيعة 12: 371 - 372.
(3) أنظر: التذكرة 8: 258 و 311، والحدائق 17: 86،
والجواهر 19: 135 - 136.
(4) الحج: 28.
(1) التذكرة 8: 259، وانظر 311 - 312 أيضا.
(2) أنظر: المبسوط 1: 372 و 387، والشرائع 1: 260،
والدروس 1: 436 و 447، والمسالك 2: 298،
والمدارك 8: 28، وكشف اللثام 6: 154 - 156،
والحدائق 17: 88، والجواهر 19: 136 - 139.
(3) أنظر الصفحات التي تلي الصفحات المذكورة في
المصادر المتقدمة.
(4) أنظر الوسائل 14: 107 و 113 و 125، الباب 12
و 16 و 21 والأبواب المناسبة.
(5) أنظر: التذكرة 8: 312، والدروس 1: 447.
425

سواد " (1)، وفي رواية أخرى: "... ينظر في سواد
ويمشي في سواد " (2).
واختلفوا في المراد من ذلك:
فقيل: المراد كون هذه المواضع سودا.
وقيل: المراد أن من عظمته ينظر في شحمه،
ويمشي في فيئه، ويبرك في ظل شحمه.
وقيل: السواد كناية عن المرعى والنبت،
فإنه يطلق عليه ذلك لغة، والمعنى: أن يكون رعى
ومشى ونظر وبرك في الخضرة والمرعى، فسمن
لذلك (3).
سادسا - تستحب التضحية بذوات الأرحام
من الإبل، والبقر، والفحولة من الغنم (4).
وقد دلت عليه النصوص، منها موثق عمار،
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): أفضل البدن ذوات
الأرحام من الإبل والبقر - وقد تجزئ الذكورة من
البدن - والضحايا من الغنم الفحولة " (5).
سابعا - تكره التضحية بالثور والجاموس
والموجوء، وهو مرضوض الخصيتين بحيث ينتهي
الرض إلى فسادهما (1).
ثامنا - تكره التضحية بما رباه الإنسان (2)، لما
رواه محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال:
" قلت: جعلت فداك، كان عندي كبش سمين
لأضحي به، فلما أخذته وأضجعته نظر إلي فرحمته
ورققت عليه، ثم إني ذبحته، قال: فقال لي: ما كنت
أحب لك أن تفعل! لا تربين شيئا من هذا ثم
تذبحه " (3).
آداب التضحية:
ذكر الفقهاء آدابا وسننا للتضحية - إضافة إلى
ما ذكروه من واجبات وسنن في الذباحة والنحر -
نشير إليها فيما يلي:
أولا - لما كانت التضحية من الأمور
العبادية، فلذلك تحتاج إلى نية القربة،
كالهدي (4).
ثانيا - يستحب أن يتولى الإنسان ذبح
أضحيته بنفسه، اقتداء بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فإن لم يحسن

(1) الوسائل 14: 109، الباب 13 من أبواب الذبح،
الحديث 2.
(2) المصدر نفسه، الحديث الأول.
(3) المدارك 8: 38.
(4) أنظر: التذكرة 8: 315، والدروس 1: 447، والحدائق
17: 107، والجواهر 19: 154، وغيرها.
(5) الوسائل 14: 98، الباب 9 من أبواب الذبح، الحديث
الأول.
(1) أنظر: الدروس 1: 447، والمسالك 2: 303، والمدارك
8: 45، والجواهر 19: 163 - 164.
(2) أنظر: الدروس 1: 449، والمدارك 8: 87، والحدائق
17: 213، والجواهر 19: 230.
(3) الوسائل 14: 208، الباب 61 من أبواب الذبح،
الحديث الأول.
(4) أنظر المدارك 8: 18.
426

الذباحة، جعل يده مع يد الذابح (1).
ثالثا - يستحب الدعاء بالمأثور عن النبي
وآله (عليهم السلام) عند الذبح (2)، فقد كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) يضحي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل سنة بكبش
يذبحه ويقول: " بسم الله، وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله
رب العالمين، اللهم منك ولك " (3).
وكان (عليه السلام) يقول: " ضح بثني فصاعدا،
واشتره سليم الأذنين والعينين، واستقبل القبلة، وقل
حين تريد أن تذبح: وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله
رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من
المسلمين، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني، بسم الله
الذي لا إله إلا هو، والله أكبر وصلى الله على محمد
وعلى أهل بيته " (4).
رابعا - قال العلامة: " ويستحب أن يتولى
الذبيحة المسلم البالغ العاقل الفقيه، لأنه أعرف
بشرائط الذبح ووقته، فإن فقد الرجل، فالمرأة، فإن
فقدت، فالصبي... " (1).
أحكام الأضحية بعد ذبحها:
ذكروا أحكاما تتعلق بالأضحية بعد ذبحها أو
نحرها، نشير إليها إجمالا فيما يلي:
أولا - يستحب تقسيم الأضحية أثلاثا،
فيأكل ثلثا، ويتصدق بثلث، ويهدي ثلثا (2).
وقال الشيخ الطوسي: " ولو تصدق بالجميع
كان أفضل " (3).
ونسب الشهيدان إلى المشهور: أن الأفضل
هو التصدق بالأكثر (4).
ويدل على استحباب التثليث قوله تعالى:
* (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * (5).
فإن القانع هو الذي يسأل، فيقنع بما يعطى،
والمعتر هو الذي يعتريك - أي يمر بك - ولا
يسألك (6).

(1) أنظر: التذكرة 8: 316 - وذكر بعضهم ذلك في الهدي -
والمدارك 8: 42، والجواهر 19: 157، وغيرها.
(2) التذكرة 8: 319، والجواهر 19: 223.
(3) الوسائل 14: 206، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 7.
(4) الوسائل 14: 207، الباب 60 من أبواب الذبح،
الحديث 12.
(1) التذكرة 8: 317.
(2) أنظر: التذكرة 8: 321، والمدارك 8: 80، والحدائق
17: 207، والجواهر 19: 218.
(3) المبسوط 1: 393.
(4) الدروس 1: 450، والمسالك 2: 320.
(5) الحج: 36.
(6) أنظر: التذكرة 8: 323، والمدارك 8: 44، والوسائل
14: 159، الباب 40 من أبواب الذبح.
427

ويدل عليه أيضا، ما رواه أبو الصباح
الكناني، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
لحوم الأضاحي، فقال: كان علي بن الحسين
وأبو جعفر (عليهما السلام) يتصدقان بثلث على جيرانهم،
وثلث على السؤال، وثلث يمسكانه لأهل
البيت " (1).
فإن خالف التثليث وأكل الكل، قال الشيخ
الطوسي: " غرم ما كان يجزيه التصدق به، وهو
اليسير، والأفضل أن يغرم الثلث " (2).
ولم يفصل بين الأضحية الواجبة والمندوبة،
لكن فصل بينهما الشهيد في الدروس، فقال: " ولو
استوعب الأكل ضمن للفقراء نصيبهم وجوبا أو
استحبابا، بحسب حال الأضحية، ويجزئ اليسير،
والثلث أفضل " (3).
ثانيا - يجوز ادخار لحوم الأضاحي بعد
الثلاثة أيام في منى، وقيل: إنه كان منهيا عنه، ثم
نسخ (4)، فقد روى أبو الصباح الكناني عن أبي عبد
الله (عليه السلام)، قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لحوم
الأضاحي بعد ثلاث، ثم أذن فيها، وقال: كلوا من
لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا " (1).
ثالثا - يكره إخراج لحوم الأضاحي من منى
إلا السنام، نعم، لا بأس بإخراج ما ضحاه غيره،
سواء ملكه بهبة أو شراء أو غيرهما (2).
لكن يظهر من الشيخ القول بعدم الجواز (3).
رابعا - يكره أن يأخذ شيئا من جلود
الأضاحي أو يبيعها، أو يعطيها الجزار أجرة لعمله،
نعم لا بأس بإعطائه له صدقة أو هدية، والأفضل أن
يتصدق بها (4).
لكن قال الشيخ الطوسي بعدم جواز بيعها (5).
خامسا - قال الشيخ الطوسي بعدم جواز بيع
لحوم الأضاحي كجلودها (6)، ووافقه العلامة (7)
والشهيد الأول (8).

(1) الوسائل 14: 163، الباب 40 من أبواب الذبح،
الحديث 13.
(2) المبسوط 1: 393.
(3) الدروس 1: 450.
(4) أنظر: التذكرة 8: 323، والمسالك 2: 318، والمدارك
8: 84، والجواهر 19: 225.
(1) الوسائل 14: 168، الباب 41 من أبواب الذبح،
الحديث الأول.
(2) أنظر: التذكرة 8: 323 - 324، والدروس 1: 450،
والمسالك 2: 319، والمدارك 8: 85، والجواهر 19:
227، وغيرها.
(3) المبسوط 1: 394.
(4) أنظر: التذكرة 8: 322، والدروس 1: 450،
والمسالك 2: 319 و 320، والمدارك 8: 88، والجواهر
19: 230 - 232، وغيرها.
(5) المبسوط 1: 393.
(6) المصدر نفسه.
(7) التذكرة 8: 322.
(8) الدروس 1: 450.
428

لكن قال صاحب المدارك: " وقد أطلق
الأصحاب عدم جواز بيع لحمها من غير تقييد
بوجوبها، واستدل عليه في المنتهى: " بأنها خرجت
عن ملك المضحي بالذبح واستحقها المساكين "، وهو
إنما يتم في الواجب دون المتبرع به، والأصح
اختصاص المنع بالأضحية الواجبة، ولعل ذلك مراد
الأصحاب " (1).
حكم الأضحية المتعينة بالنذر وغيره:
لو تعينت الأضحية - سواء نذر المالك أن
يجعل الحيوان المعين أضحية، أو عينه للأضحية بدون
نذر، كأن يقول: " جعلت هذا الحيوان أضحية " -
خرجت عن ملك مالكها وصارت أمانة في يده،
فلذلك تترتب عليها أحكام الأمانات (2)، من قبيل:
1 - عدم جواز التصرف فيها ببيع أو هبة أو
استبدال أو إتلاف وغيرها من التصرفات المتوقف
جوازها تكليفا ووضعا على الملك.
2 - إذا تلفت الأضحية أو أصابها عطب لم
يضمن من هي بيده، لأنه أمين حسب الفرض،
والأمين غير ضامن إلا مع الإفراط أو التفريط
في حفظ الأمانة.
3 - إذا عين أضحية سليمة ثم تعيبت من دون
تفريط، فيجزيه تضحيتها، ولا يجب عليه إبدالها
بالصحيحة.
4 - قال العلامة: " إذا عين أضحية ذبح معها
ولدها، سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعد
ذلك، لأن التعيين معنى يزيل الملك عنها، فاستتبع
الولد، كالعتق، ولقول الصادق (عليه السلام): " إن نتجت
بدنتك فاحلبها ما لا يضر بولدها ثم انحرهما
جميعا " (1) "، ثم قال:
" إذا عرفت هذا، فإنه يجوز له شرب لبنها ما
لم يضر بولدها، عند علمائنا... " إلى أن قال:
" والأفضل أن يتصدق به "، ثم قال:
" ويجوز له ركوب الأضحية، لقوله تعالى:
* (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) * (2) " (3).
مظان البحث:
1 - كتاب الحج: البحث حول الهدي
والأضحية.
2 - كتاب الصيد والذباحة: ملحقات البحث
عن الذباحة.

(1) المدارك 8: 80 - 81.
(2) هذه الأمور كلها أو أغلبها من الأحكام المتفق عليها،
أنظر: التذكرة 8: 327 - 330، والدروس 1: 449 -
450، والمسالك 11: 497 - 498، والجواهر 36:
153 - 159.
(1) الوسائل 14: 147، الباب 34 من أبواب الذبح،
الحديث 6.
(2) الحج: 33.
(3) التذكرة 8: 327 - 328.
429

إضرار
راجع: ضرر.
اضطباع
لغة:
من الضبع، وهو العضد، أو الإبط، أو ما بين
الإبط إلى نصف العضد (1).
اصطلاحا:
أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن ويرد
طرفه على يساره، ويبدي منكبه الأيمن ويغطي
الأيسر، سمي به لإبداء أحد الضبعين (2).
الأحكام:
قال الشيخ - ضمن عد مستحبات الطواف -:
" وقد روي: أنه يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن
ويجعله على منكبه الأيسر، ويسمى ذلك
اضطباعا " (1).
وتبعه بعض الفقهاء (2)، لكن سكت عنه
الأكثر، وممن تبعه، الشهيد الأول، حيث قال - عند
عد مستحبات الطواف أيضا -: " وعاشرها:
الاضطباع للرجل على ما روي، وهو إدخال وسط
الرداء تحت المنكب الأيمن وجعله مكشوفا وتغطية
الأيسر بطرفيه، وهو مستحب في موضع استحباب
الرمل (3) لا غير، ووقته حين الشروع في الطواف إلى
الفراغ، ويترك عند الصلاة، وربما قيل: يضطبع فيها
وفي السعي " (4).
وقال في طواف الوداع: "... ولا رمل في هذا
الطواف ولا اضطباع... " (5).
ويفهم من كلامه وكلام غيره: أن الحكم
مختص بالرجال، وأنه مختص بطواف القدوم.
ولعل مقصود الشيخ والشهيد من الرواية ما
رواه زرارة، قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
الطواف أيرمل فيه الرجل؟ فقال: إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لما أن قدم مكة وكان بينه وبين المشركين

(1) أنظر: النهاية (لابن الأثير)، والقاموس المحيط:
" ضبع ".
(2) أنظر المصدرين المتقدمين والمصادر الآتية.
(1) المبسوط 1: 356.
(2) أنظر: الجامع للشرائع: 201، والمنتهى (الحجرية)
2: 695 و 696، والتحرير 1: 98.
(3) يقال: رمل يرمل رملا: إذا أسرع في المشي وهز
منكبه. النهاية (لابن الأثير): " رمل ".
(4) الدروس 1: 401.
(5) الدروس 1: 469.
430

الكتاب الذي قد علمتم، أمر الناس أن يتجلدوا،
وقال: أخرجوا أعضادكم، وأخرج رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد، فمن
أجل ذلك يرمل الناس، وإني لأمشي مشيا، وقد
كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يمشي مشيا " (1).
وورد عن طرق العامة: " أن النبي (صلى الله عليه وآله) طاف
مضطبعا " (2).
اضطجاع
لغة:
من اضطجع، وهو بمعنى ضجع، أي وضع
جنبه بالأرض (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن قد يراد منه مطلق
الاستلقاء.
الأحكام:
عدم اختصاص ناقضية النوم بحالة الاضطجاع:
المعروف من مذهب الإمامية: أن النوم
ناقض للوضوء مطلقا سواء كان حالة الجلوس أو
الاضطجاع.
قال الشيخ الطوسي: " النوم الغالب على
السمع والبصر، والمزيل للعقل ينقض الوضوء،
سواء كان قائما أو قاعدا، أو مستندا، أو مضطجعا،
وعلى كل حال " (1).
وادعي عليه الإجماع (2)، لكن أورد الصدوق
في الفقيه روايتين ربما يظهر منهما اختصاص
الناقضية بالنوم حالة الاضطجاع (3)، فإن كان ذلك
مذهبه، فتكون المسألة خلافية، كما قال العلامة (4).
استقبال المضطجع:
استقبال المضطجع يكون بجعل وجهه تلقاء
القبلة - كما تقدم توضيحه في عنوان " استقبال " -
ويختلف ذلك باختلاف حالات المضطجع، لأنه
تارة يضطجع على جانبه الأيمن، وتارة على جانبه

(1) الوسائل 13: 351، الباب 19 من أبواب الطواف،
الحديث 2.
(2) سنن ابن ماجة 2: 984، الحديث رقم 2954، باب
الاضطباع، وسنن الترمذي 3: 214، كتاب الحج، باب
ما جاء أن النبي (صلى الله عليه وآله) طاف مضطبعا.
(3) أنظر: الصحاح، والقاموس المحيط: " ضجع "، وراجع
عنوان " إضجاع ".
(1) الخلاف 1: 107، المسألة 53.
(2) أنظر: المصدر المتقدم، والانتصار: 29 - 30،
والتذكرة 1: 103.
(3) من لا يحضره الفقيه 1: 63، الحديث 143 و 144،
باب ما ينقض الوضوء.
(4) المختلف 1: 255.
431

الأيسر، والحالتان تتصوران في كل طرف من
أطراف الكعبة، فتكون الحالات ثماني.
وتترتب أحكام الاستقبال عليه: من
الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، كما تقدم
تفصيله في عنوان " استقبال " فراجع.
جواز الصلاة اضطجاعا مع العذر:
لو لم يتمكن المصلي من القيام صلى جالسا،
فإن لم يتمكن صلى مضطجعا، فإن لم يتمكن صلى
مستلقيا، ولا ينتقل فرضه من الجلوس إلى
الاستلقاء مباشرة.
هذا هو المعروف بين الفقهاء (1)، ويدل عليه:
ما رواه الشيخ عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في قول الله عز وجل: * (الذين يذكرون الله قياما
وقعودا وعلى جنوبهم) * (2)، " قال: الصحيح يصلي
قائما، و * (قعودا) * المريض يصلي جالسا، و * (على
جنوبهم) * الذي يكون أضعف من المريض الذي
يصلي جالسا " (3).
وهذا المقدار مما لا خلاف فيه كما تقدم، وإنما
الاختلاف في أن المصلي هل هو مخير بين الاضطجاع
على الطرف الأيمن أو الأيسر، أو لا بد من مراعاة
الترتيب بينهما، بمعنى أنه لو لم يتمكن من الأيمن
اضطجع على الأيسر؟ فيه قولان:
الأول - التخيير:
اختاره صريحا العلامة في نهاية الإحكام (1)،
والفاضل النراقي (2)، واستظهره صاحب المدارك من
الأدلة، لكن قال: " تقديم الأيمن أولى " (3).
واستظهر هذا القول من موضع من المبسوط
ومن الشرائع والنافع والتذكرة والإرشاد
واللمعة (4).
الثاني - الترتيب:
نسب إلى المشهور (5) ومعظم الفقهاء (6)،
وأكثرهم (7).
وممن ذهب إليه صريحا: المحقق في المعتبر (8)،
والعلامة في المنتهى (9)، والشهيد الأول في

(1) بل ادعي عليه الإجماع أو عدم الخلاف فيه، أنظر:
المعتبر: 170، والمنتهى 5: 11، والمدارك 3: 330،
ومستند الشيعة 5: 55 - 56.
(2) آل عمران: 191.
(3) الوسائل 5: 481، الباب الأول من أبواب القيام،
الحديث الأول.
(1) نهاية الإحكام 1: 440.
(2) مستند الشيعة 5: 57.
(3) المدارك 3: 331 - 332.
(4) أنظر: المدارك 3: 331، ومستند الشيعة 5: 57،
والجواهر 9: 264.
(5) أنظر الجواهر 9: 265.
(6) مستند العروة (الصلاة) 3: 237.
(7) مستند الشيعة 5: 57.
(8) المعتبر: 170.
(9) المنتهى 5: 11.
432

الدروس (1) والذكرى (2)، والمحقق الثاني (3)، والشهيد
الثاني (4)، والأردبيلي (5)، والسبزواري (6)،
والإصفهاني (7)، والبحراني (8)، والطباطبائي (9)،
وصاحب الجواهر (10)، والسيد اليزدي (11)،
والسيدان الحكيم (12) والخوئي (13)، والإمام
الخميني (14).
والعذر المجوز للصلاة مضطجعا هو: كل
مرض يستدعي الاضطجاع برؤه - إما بعلمه
المستفاد من التجربة ونحوها أو بقول طبيب
حاذق (15) - أو يستلزم عدم الاضطجاع زيادته أو
بطء برئه، أو مشقة شديدة، لا عجزا كليا (16).
ارتفاع العذر في الأثناء:
قال السيد اليزدي: " لو تجددت القدرة على
القيام في الأثناء انتقل إليه، وكذا لو تجدد للمضطجع
القدرة على الجلوس، أو للمستلقي القدرة على
الاضطجاع، ويترك القراءة أو الذكر في حال
الانتقال " (1).
والظاهر لا خلاف في الانتقال مع تجدد
القدرة - كما قيل (2) - وإنما الخلاف في لزوم الاستمرار
في القراءة أو تركها حال الانتقال (3).
ويراعى التدرج في الانتقال لو حصلت له
القدرة أو العجز تدريجا، نعم لو حصل ذلك دفعة كما
لو عجز عن القيام والقعود، فيضطجع، وكذا لو
حصلت له القدرة على القيام حال كونه مضطجعا،
فيقوم من دون مراعاة للجلوس، ولذلك قال
الشهيد: " ولو قدر المستلقي على القيام التام وجب
من غير توسط غيره، وكذا لو عجز القائم عن
الوسائط استلقى " (4). وإليه يشير الطباطبائي في
أرجوزته:
وإن بدا العجز عن الأعلى انتقل * لأوسط، ثم إلى ما قد سفل

(1) الدروس 1: 169.
(2) الذكرى 3: 271.
(3) جامع المقاصد 2: 207.
(4) المسالك 1: 202.
(5) مجمع الفائدة 2: 190.
(6) كفاية الأحكام: 18.
(7) كشف اللثام 3: 402.
(8) الحدائق 8: 75.
(9) الرياض 3: 374.
(10) الجواهر 9: 264 - 265.
(11) العروة الوثقى: فصل في القيام، المسألة 15.
(12) المستمسك 6: 119 - 120.
(13) مستند العروة (الصلاة) 3: 237.
(14) تحرير الوسيلة 1: 148، القول في القيام، المسألة 5.
(15) جامع المقاصد 2: 211 - 212.
(16) الروضة البهية 1: 251.
(1) العروة الوثقى: فصل في القيام، المسألة 26.
(2) أنظر: مستند الشيعة 5: 63 - 64، والجواهر 9: 274
- 275.
(3) أنظر الجواهر 9: 275 و 277.
(4) الذكرى 3: 274.
433

ولا كذا إذا استبان القدرة * فلينتقل إلى العلو مره (1)
وصرح به صاحب الجواهر (2) أيضا، وهو
أمر واضح وإن لم يشر إليه إلا بعضهم.
ركوع المضطجع وسجوده:
المعروف بين الأصحاب: أن المضطجع إذا لم
يتمكن من الركوع والسجود يومي برأسه لهما، لكن
يكون إيماؤه للسجود أكثر من الركوع.
وإن لم يتمكن من الإيماء، يغمض عينيه،
فيغمضهما للركوع والسجود ويفتحهما للرفع منهما،
لكن قال بعضهم: " يكون التغميض للسجود أكثر
من الركوع " (3).
وخص بعضهم الإيماء بالمضطجع وتغميض
العينين بالمستلقي جمودا على ظاهر النص (4).
وفي وجوب وضع شئ على الجبهة في
السجود قولان (5).
راجع تفصيل ذلك كله في العنوانين:
" ركوع "، و " سجود ".
رفع المضطجع يديه للتكبير:
يستحب للمضطجع أن يرفع يديه للتكبير
كغيره، فإن استحبابه عام يشمل جميع تكبيرات
الصلاة لجميع المصلين، قال العلامة: " لو صلى قاعدا
أو مضطجعا رفع يديه، وبه قال الشافعي، لأن
القعود ناب مناب القيام " (1)، وقال الشهيد الأول:
" ورفع اليدين ثابت في حق القاعد والمضطجع
والمستلقي " (2).
إتيان النوافل اضطجاعا:
لا إشكال في جواز إتيان النافلة حالة
الاضطجاع مع عدم القدرة على الجلوس، وإنما
الإشكال في جوازه مع القدرة، وفيه أقوال:
الأول - الجواز، استقربه العلامة في النهاية (3)،
وقواه ولده في الإيضاح (4)، ولم يستبعده الشهيد
الثاني في المسالك (5)، ومال إليه السيد العاملي (6)،
وصاحب الجواهر (7)، والهمداني (8).

(1) الدرة النجفية: 120، أرجوزة في القيام.
(2) الجواهر 9: 277.
(3) أنظر: مستند الشيعة 5: 61 - 62، و 197، والجواهر
9: 266 - 269، والمستمسك 6: 121 - 125، ومستند
العروة (الصلاة) 3: 241 - 247.
(4) الحدائق 8: 79 - 80، واستظهره صاحب الجواهر من
جماعة، أنظر الجواهر 9: 268.
(5) أنظر المصادر المتقدمة.
(1) التذكرة 3: 176.
(2) الذكرى 3: 381.
(3) نهاية الإحكام 1: 444.
(4) إيضاح الفوائد 1: 100.
(5) المسالك 1: 281.
(6) مفتاح الكرامة 2: 318.
(7) الجواهر 12: 222 - 223.
(8) مصباح الفقيه (الصلاة) 2: 527.
434

الثاني - عدم الجواز، ذهب إليه جماعة - إما
تصريحا أو ظهورا - منهم: الشهيد الأول (1) والمحقق
الثاني (2) والشهيد الثاني - في روض الجنان (3) -
وصاحب المدارك (4)، والسبزواري (5)، والنراقي (6)،
والسيد الخوئي (7).
وذلك لأن العبادات توقيفية تحتاج إلى إذن
الشارع، قال الشهيد الأول: " والأقرب عدم جواز
الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القعود
والقيام، لعدم ثبوت النقل فيه، مع أصالة عدم
التشريع... " (8).
الثالث - واكتفى جماعة بذكر الإشكال في
المسألة، أو القول بأن فيها قولين من دون ترجيح
لأحدهما، مثل العلامة في جملة من كتبه (9)،
والإصفهاني (10)، والسيد اليزدي (11).
إمامة المضطجع لغيره:
المعروف بين الفقهاء: عدم جواز إمامة
الناقص للكامل، ومنه إمامة المضطجع للقاعد أو
القائم (1)، نعم نقل عن بعضهم كراهته (2).
وأما إمامة الناقص لمثله، فالمعروف أيضا
جوازها إلا أن بعضهم - كالسيد الخوئي - منع من
ذلك، لانصراف نصوص الجماعة إلى ما هو
المتعارف، كاقتداء المصلي عن قيام بمثله، وإنما
خرجنا عن ذلك بالنسبة إلى إمامة القاعد لمثله
لورود النص بجوازه (3).
إيراد خطبة الجمعة اضطجاعا:
ذكر الفقهاء: أنه يشترط في خطيب الجمعة
أن يكون قائما، لكن لو لم يتمكن من القيام خطب
جالسا، وصرح بعضهم: بأنه لو لم يتمكن من
الجلوس خطب مضطجعا، وقالوا: لو عادت إليه

(1) الدروس 1: 169، والذكرى 3: 276.
(2) جامع المقاصد 2: 216.
(3) روض الجنان: 329.
(4) المدارك 3: 25.
(5) الكفاية: 23.
(6) مستند الشيعة 5: 433.
(7) مستند العروة (الصلاة) 7: 377 - 378.
(8) الذكرى 3: 276.
(9) كالقواعد 1: 31، والتذكرة 3: 99.
(10) كشف اللثام 3: 407.
(11) العروة الوثقى: فصل في كيفية إتيان الصلوات
اليومية.
(1) أنظر: الجواهر 13: 327 - 330، والمستمسك 7:
322 - 324.
(2) أنظر الوسائل 8: 340 و 345، الباب 22 و 25 من
أبواب صلاة الجماعة، حيث جعل عنوان الباب 22:
باب كراهة إمامة المقيد المطلقين، وصاحب الفالج
الأصحاء، وعنوان الباب 25: باب كراهة إمامة الجالس
القيام، وجواز العكس.
(3) مستند العروة (الصلاة) 5 / القسم الثاني: 414 -
415.
435

القدرة رجع إلى ما قدر عليه (1).
وتكلموا أيضا عما يتحقق به الفصل بين
الخطبتين إذا كان يخطب جالسا؟ وهل يتحقق
بالاضطجاع - كما هو المعروف عن العلامة في
التذكرة - أو لا (2)؟
راجع: صلاة الجمعة.
استحباب الاضطجاع بعد نافلة الفجر:
يجوز إتيان نافلة الفجر بعد إتمام صلاة الليل
وإن لم يطلع الفجر بعد، وعندئذ يستحب له
الاضطجاع على الجانب الأيمن حتى يطلع الفجر.
قال الشيخ الطوسي: "... فإذا فرغ من صلاة الليل
قام فصلى ركعتي الفجر، وإن لم يكن بعد طلوع الفجر
الثاني... ويستحب الاضطجاع بعد هاتين الركعتين
والدعاء فيه بما روي، وقراءة خمس آيات من آل
عمران. وإن جعل مكان الضجعة سجدة كان ذلك
جائزا " (3).
وقال في التهذيب: " ويجوز بدلا من
الاضطجاع السجدة والمشي والكلام، إلا أن
الاضطجاع أفضل " (1).
طهارة ما يتغطى به المصلي اضطجاعا:
للفقهاء كلام في اشتراط طهارة ما يتغطى به
المصلي اضطجاعا، فبعضهم اشترط ذلك فيما إذا كان
متسترا به دون غيره، وبعض آخر اشترط ذلك فيما
إذا كان يصدق عليه عنوان " اللباس " وإن كان
التستر حاصلا بغيره، فمتى صدق عنوان " اللباس "
اشترطت فيه الطهارة وإلا فلا (2).
ويراجع تفصيله في عنوان " لباس
المصلي ".
دفن الميت مضطجعا على جانبه الأيمن:
يجب دفن الميت المسلم مضطجعا على جانبه
الأيمن مستقبل القبلة. نعم لو ماتت الكافرة حاملا
بمسلم دفنت مستدبرة للقبلة مضطجعة على جانبها
الأيسر، ليستقبل ولدها القبلة (3).
راجع تفصيل ذلك في العناوين: " استدبار "،
" استقبال "، " إضجاع ".

(1) أنظر: التذكرة 4: 71، وجامع المقاصد 2: 398 -
399، والجواهر 11: 230 - 231.
(2) أنظر: التذكرة 4: 72، وجامع المقاصد 2: 399،
والمدارك 4: 40، والجواهر 11: 233 - 234.
(3) المبسوط 1: 131 - 132، وانظر: المعتبر: 132،
والتذكرة 2: 270، والدروس 1: 137، وغيرها.
(1) التهذيب 2: 137، كتاب الصلاة، باب كيفية الصلاة،
ذيل الحديث 298.
(2) أنظر: الجواهر 6: 89، والمستمسك 1: 490،
والتنقيح (الصلاة) 2: 259 - 260.
(3) أنظر: الجواهر 4: 296 - 299، والمستمسك 4:
251، والتنقيح (الصلاة) 9: 171.
436

استحباب الاضطجاع في المعرس:
قال الشهيد الثاني في تفسير المعرس
والاضطجاع فيه: " وهو - بضم الميم وفتح العين
وتشديد الراء المفتوحة -: اسم مفعول من التعريس،
وهو النزول آخر الليل للاستراحة إذا كان سائرا
ليلا. ويقال: بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء.
والمعرس بذي الحليفة بقرب مسجد الشجرة
بإزائه مما يلي القبلة. يستحب النزول به، والصلاة
فيه، والاضطجاع، تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ولا فرق بين
النزول فيه ليلا أو نهارا... " (1).
كراهة الأكل اضطجاعا:
نص الفقهاء على كراهة الأكل متكئا - على
اختلافهم في تفسيره - أو مستلقيا، ولم يذكروا
خصوص الاضطجاع (2)، ولعله داخل في ما ذكروه.
نعم، قال المحدث القمي في سفينة البحار - عند
بيان الأحكام المتعلقة بالأكل -: " اعلم أنه يستفاد
من الأخبار أحكام:
1 - كراهة الأكل متكئا، ومعناه: إما الإتكاء
باليد، أو الجلوس متمكنا على البساط من غير ميل
إلى جانب - كدأب الملوك والمتكبرين - أو إسناد
الظهر إلى الوسائد ومثلها، أو الاضطجاع على أحد
الشقين، أو الأعم مما سوى الأول، فيكون
المستحب الإقبال على نعمة الله، والإكباب عليها
من غير تكبر واستغناء... " (1).
راجع: أكل.
وأما ما يرتبط بكيفية الاضطجاع وآدابه
وسننه فيرجع فيه إلى عنوان " نوم ".
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - نواقض الوضوء: ناقضية النوم.
ب - أحكام الدفن: كيفية دفن الميت
المسلم.
ج - إزالة النجاسة عن لباس المصلي: إزالة
النجاسة عما يتغطى به المصلي المضطجع.
2 - كتاب الصلاة:
أ - مقدمات الصلاة: الاستقبال.
ب - أفعال الصلاة: القيام.
ج - الجماعة: إمامة الناقص للكامل.
3 - كتاب الحج:
أ - ما يرتبط بحرم مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله).
ب - ما يرتبط باضطجاع المحرم من حيث
اللباس.
4 - كتاب الأطعمة والأشربة: آداب الأكل /
آداب المائدة.
وموارد متفرقة أخرى.

(1) المسالك 2: 381، وانظر الحدائق 17: 406.
(2) أنظر: المسالك 12: 138، ومستند الشيعة 15: 256 -
257، والجواهر 36: 457.
(1) سفينة البحار: مادة " أكل ".
437

اضطرار
لغة:
الاحتياج إلى الشئ، والإلجاء إليه (1)،
واضطره إلى كذا، بمعنى ألجأه إليه وليس له منه بد (2).
والضرورة اسم من الاضطرار (3).
اصطلاحا:
لم يحدد الفقهاء الاضطرار في جميع الموارد،
نعم حددوه في بحث الأطعمة والأشربة. ولهم فيه
تفسيران:
الأول - ما يخاف فيه من تلف النفس، قال
الشيخ الطوسي في النهاية: " ولا يجوز أن يأكل الميتة
إلا إذا خاف تلف النفس، فإذا خاف ذلك، أكل منها
ما أمسك رمقه ولا يتملأ منه... " (4).
وقال مثله في تفسيره التبيان (5)، ووافقه
تلميذه القاضي ابن البراج (1)، وابن إدريس (2)،
والعلامة في المختلف (3).
نعم، جعل الشيخ في المبسوط غير تلف
النفس - مثل تحقق المرض أو زيادته ونحوه مما
سيأتي - في معنى الاضطرار (4).
الثاني - ما يخاف فيه من تلف النفس، أو
الطرف، أو وجود مرض، أو زيادته، أو الضعف
المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع الضرورة إليهم
ونحو ذلك.
وهذا هو المشهور. قال المحقق الحلي: " أما
المضطر فهو الذي يخاف التلف لو لم يتناول، وكذا لو
خاف المرض بالترك، وكذا لو خشي الضعف المؤدي
إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب، أو
ضعف الركوب المؤدي إلى خوف التلف، فحينئذ
يحل له تناول ما يزيل تلك الضرورة " (5).
وعلق عليه الشهيد الثاني بقوله: " ما ذكره
من تفسير الاضطرار هو المشهور بين الأصحاب "،
ثم نقل قول الشيخ وتابعيه، ثم قال: " والأصح
الأول "، أي ما نسبه إلى المشهور. ثم قال: " وفي
معنى ما ذكر: من يخاف طول المرض أو عسر برئه،

(1) أنظر: الصحاح، ولسان العرب، والقاموس المحيط:
" ضرر ".
(2) المصباح المنير: " ضرر ".
(3) أنظر المصدر المتقدم، وفي النهاية (لابن الأثير):
" المضطر مفتعل من الضر، وأصله مضترر، فأدغمت
الراء وقلبت التاء طاء، لأجل الضاد ".
(4) النهاية: 586.
(5) التبيان 4: 254، ذيل الآية 119 من سورة الأنعام.
(1) المهذب 2: 442.
(2) السرائر 3: 113.
(3) المختلف 8: 320 - 321.
(4) المبسوط 6: 284 - 285.
(5) شرائع الإسلام 3: 229.
438

لأن ذلك كله اضطرار، ومنعه على تقديره حرج
منفي " (1).
وقال صاحب الجواهر - بعد نقل ذلك كله -:
" بل الظاهر تحققه بالخوف على نفس غيره المحترمة،
كالحامل تخاف على الجنين، والمرضع على الطفل،
وبالإكراه، وبالتقية الحاصلة بالخوف على إتلاف
نفسه أو نفس محترمة، أو عرضه، أو عرض محترم،
أو ماله، أو مال محترم يجب عليه حفظه، أو غير ذلك
من الضرر الذي لا يتحمل عادة. بل لو كان مريضا
وخاف بترك التناول طول المرض أو عسر علاجه
فهو مضطر خوفا " (2).
لكن كلامه عام شامل للاضطرار الناشئ من
الإكراه والتقية والضرر والضرورة، وكلامنا فعلا في
الأخير، كما سيأتي توضيحه.
والمراد من " الخوف " في كلماتهم هو الخوف
المعتد به عند العقلاء، لا مجرد الوهم (3).
الأحكام:
الاضطرار يرفع التكليف إجمالا، فيستباح به
المحرم، ويترك به الواجب. وقد يعبر عن ذلك
ب‍ " قاعدة الاضطرار ".
مستند قاعدة الاضطرار:
استدل على القاعدة بالأدلة الأربعة:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل.
أولا - الكتاب:
دلت آيات عديدة على رفع التكليف عند
الاضطرار، مثل:
1 - قوله تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة
والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير
باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) * (1).
2 - قوله تعالى: * (... فمن اضطر في مخمصة غير
متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) * (2).
3 - قوله تعالى: * (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر
اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما
اضطررتم إليه) * (3).
ثانيا - السنة:
دلت روايات عديدة على رفع التكليف - أو
العقوبة - عن المضطر إلى فعل الحرام أو ترك
الواجب، فمن ذلك:
1 - حديث الرفع، وقد روي بألسنة
وعبارات مختلفة، منها ما رواه الصدوق في الخصال
بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول

(1) المسالك 12: 113، وانظر: كنز العرفان 2: 322،
ومستند الشيعة 15: 20.
(2) الجواهر 36: 427.
(3) المصدر نفسه.
(1) البقرة: 173.
(2) المائدة: 3.
(3) الأنعام: 119.
439

الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ،
والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما
لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة،
والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة " (1).
2 - خبر المفضل بن عمرو، وهو طويل،
وفيه: "... ولكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به
أبدانهم، وما يصلحهم فأحله لهم وأباحه، تفضلا منه
عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه،
وحرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر، وأحله له في
الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه
بقدر البلغة لا غير ذلك... " (2).
3 - ما ورد عنهم (عليهم السلام): من أنه " ليس شئ
مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه " (3).
ثالثا - الإجماع:
ادعي الإجماع مستفيضا على رفع الحرمة
والوجوب عند الاضطرار. قال الشهيد الثاني:
" لا خلاف في أن المضطر إذا لم يجد الحلال يباح له
أكل المحرمات... " (1).
رابعا - العقل:
استدل بعض الفقهاء على القاعدة بالعقل. قال
الأردبيلي بعد بيان المراد من الاضطرار وبيان
موارده: "... وينبغي الملاحظة في ذلك كله
والاحتياط، فإن الدليل هو ظاهر العقل وبعض
العمومات، فلا بد من الاقتصار على المعلوم... " (2).
ويدل على القاعدة بمعناها العام ما دل على
قاعدة " نفي الضرر " (3) و " نفي الحرج " (4)
و " اليسر " (5) و " التقية " (6) و " كل ما غلب الله

(1) الخصال: 417، الحديث 9، وانظر الوسائل 15: 369،
الباب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث
الأول، وفيه: " الخلوة " بدل " الخلق ".
(2) الوسائل 24: 99 - 100، الباب الأول من أبواب
الأطعمة المحرمة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 482 - 483، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 6 و 7.
(1) المسالك 12: 112، وانظر: مستند الشيعة 15: 19،
والجواهر 36: 424، وغيرهما.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 313.
(3) مفادها: نفي الحكم الذي يستلزم ضررا على المكلف،
وهي مستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله): " لا ضرر ولا ضرار في
الإسلام ". أنظر الوسائل 25: 427، الباب 12 من
كتاب إحياء الموات.
(4) مفادها: رفع الحكم إذا استلزم مشقة وحرجا على
المكلف، وهي مأخوذة من قوله تعالى: * (ما جعل
عليكم في الدين من حرج) *. الحج: 78.
(5) مفادها: أن الله تعالى لا يريد للمكلفين العسر، وكلما لزم
ذلك فهو مرفوع، والقاعدة منتزعة من قوله تعالى: * (يريد
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) *. البقرة: 185.
(6) مؤداها: رفع التكليف عند التقية، وهي مستفادة من
روايات التقية، وهي كثيرة. أنظر الوسائل 16: 203،
الباب 24 من أبواب الأمر والنهي.
440

عليه فهو أولى بالعذر " (1) التي قال فيها صاحب
الجواهر: " ينفتح منها ألف باب " (2).
مناشئ الاضطرار:
ينشأ الاضطرار من أحد الأمور الأربعة
التالية:
1 - الإكراه:
قد يضطر الإنسان لارتكاب المحرم بسبب
الإكراه، كما لو أكره على اظهار كلمة الكفر أو إتلاف
مال ونحو ذلك. لكن لما كان الإكراه في حد ذاته
عنوانا مستقلا، فلذلك نترك البحث عنه إلى عنوان
" إكراه " إن شاء الله تعالى.
2 - التقية:
وربما يضطر الإنسان إلى ترك واجب أو
ارتكاب محرم تقية وإن لم يقترن بالإكراه، كمن
اضطر إلى ذلك بسبب وجوده بين المخالفين له في
الدين أو المذهب.
يراجع تفصيله في عنوان " تقية ".
3 - الضرر:
وقد ينشأ الاضطرار من الضرر، كمن يضطر
إلى ترك الصوم أو ترك الوضوء مخافة الضرر.
وموارده كثيرة، وسوف يأتي البحث عن
ذلك تفصيلا في عنوان " ضرر ".
4 - الضرورة:
والمنشأ الأخير للاضطرار هو الضرورة
بمعنى الحاجة الشديدة، كالاضطرار إلى أكل الميتة
أو لحم الخنزير أو مال الغير أو شرب الخمر،
وكالاضطرار إلى النظر واللمس المحرمين، ونحو
ذلك.
ونبحث فعلا عن الاضطرار من هذه الجهة،
وإن كانت العناوين المتقدمة قد تتحد مصداقا في
كثير من الموارد وخاصة الأخيرين منها، بل ربما
يمكن إرجاع أحدهما إلى الآخر.
ارتفاع العقوبة بالاضطرار:
الحدود والتعزيرات عقوبات دنيوية مقابل
العقوبات الأخروية، والعقوبة بقسميها تدور مدار
التكليف، فإذا كان تكليف وخالفه المكلف استحق
عليه العقوبة، لكن لو رفع الشارع التكليف لسبب ما
ارتفعت العقوبة أيضا. ولذلك صرحوا بارتفاع الحد
عمن اضطر إلى الزنا ونحوه (1)، أو إلى أكل مال الغير
من دون إذنه وإن كان غائبا (2)، بل وإن كان

(1) وردت هذه العبارة في عدة روايات. أنظر الوسائل 8:
258 - 264، الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات،
الأحاديث 3، 7، 8، 13، 16 و 24.
(2) الجواهر 36: 425.
(1) أنظر الجواهر 41: 262.
(2) أنظر الجواهر 36: 437.
441

سارقا (1)، أو إلى اظهار كلمة الكفر (2)، كل ذلك
بشرط تحقق الاضطرار الرافع للتكليف.
عدم ارتفاع الضمان بالاضطرار:
تقدم: أن الاضطرار يرفع التكليف، وبتبعه
ترتفع العقوبة، ونزيد هنا: أن الاضطرار لا يرفع
الضمان، ولذلك لو اضطر الإنسان إلى أكل مال الغير
جاز له ذلك ولا عقوبة عليه، لكن عليه ضمان قيمة
ما أكله، أو مثله إن كان مثليا. وهذا ما سيتضح في
البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.
نعم، لو كان منشأ الاضطرار هو الإكراه
ارتفع الضمان أيضا، لأن السبب في الإتلاف - وهو
المكره - أقوى من المباشر - وهو المكره - فيلحقه
الضمان.
راجع: إتلاف، إكراه.
التزاحم في موارد الاضطرار:
يقع التزاحم غالبا بين الأحكام التي يضطر
المكلف إلى مخالفتها وأحكام أخرى، لكن ترتفع
المزاحمة بعد تدخل أدلة الاضطرار.
مثاله: أن أدلة حرمة الميتة تدل على حرمة
أكلها، وأدلة وجوب حفظ النفس تدل على جواز،
بل وجوب أكلها، إذا توقف حفظ النفس عليها،
فتقع المزاحمة في مقام الامتثال بين التكليفين - حرمة
أكل الميتة ووجوبه - لكن أدلة الاضطرار تدل على
ارتفاع الحرمة عند الاضطرار، فترتفع المزاحمة كما
سيأتي (1).
حكومة قاعدة الاضطرار على أدلة سائر
الأحكام:
إن قاعدة الاضطرار - بمعناها العام (2) -
حاكمة على أدلة الأحكام، بمعنى أنها تتصرف فيها
بتضييق موضوعها أو متعلقاتها، فالموضوع لأدلة
حرمة أكل الميتة مثلا هو المكلف، وهو شامل
بإطلاقه للمختار والمضطر، لكن قاعدة الاضطرار
تخرج المضطر من موضوع الحكم - وهو حرمة أكل
الميتة - فيختص الحكم بالمختار، وترتفع المزاحمة
لارتفاع موضوعها.
وهذا التصرف يعبر عنه - في لسان الفقهاء
والأصوليين من لدن عصر الشيخ الأنصاري حتى
اليوم - بالحكومة.
راجع: حكومة.

(1) أنظر الروضة البهية 9: 236.
(2) أنظر الجواهر 41: 609.
(1) أنظر بحث الضد في علم الأصول، والكلام فيه عن
التزاحم وفرقه مع التعارض.
(2) الشامل لقاعدة " نفي الضرر " و " نفي الحرج "
و " الإكراه " و " التقية " ونحوها.
يراجع لتوضيح كيفية حكومة هذه القواعد على أدلة
سائر الأحكام عناوينها.
442

صحة معاملات المضطر:
فرق الفقهاء في المعاملات بين المكره
والمضطر الذي نشأ اضطراره من الضرورة
والحاجة الشديدة، فحكموا ببطلان معاملات
المكره دون المضطر، ولذلك فهم حينما اشترطوا
الاختيار في العقود والإيقاعات أخرجوا به
" المكره " فقط فحكموا ببطلان عقوده وإيقاعاته ولم
يذكروا المضطر (1)، وذلك واضح، لأن في إبطال
معاملات المكره منة عليه، بخلاف المضطر الذي
اضطر لبيع داره للمعالجة مثلا، فإن في إبطال بيعه
ضررا عليه، وهو خلاف الامتنان، بينما ورد حديث
الرفع ونحوه مورد الامتنان على الأمة، ولذلك
لا يجري في مورد يكون جريانه فيه خلافا
للامتنان، كما في المضطر إلى بيع داره، نعم يجري
في المضطر إلى أكل مال الغير لإنقاذ نفسه من الهلاك
كما سيأتي بيانه.
وبهذا الصدد قال السيد الخوئي: " لا شبهة في
عدم ثبوت أحكام المكره، على المضطر في باب
المعاملات، ووجه ذلك: أن حديث الرفع إنما ورد في
مقام الامتنان على الأمة، وعلى هذا فلو اضطر أحد
إلى بيع أمواله لأداء دينه أو لمعالجة مريضه أو
لغيرهما من حاجاته، فإن الحكم بفساد البيع حينئذ
مناف للامتنان، وأما الإكراه فليس كذلك " (1).
حكم الاضطرار بمعنى الضرورة تفصيلا:
الذي يضطر إليه الإنسان، إما أن يكون أكلا،
أو غيره.
وفيما يلي نبحث عن كل واحد من هذين
الموردين:
الأول - الاضطرار إلى أكل الحرام أو شربه
من أظهر مصاديق الاضطرار وأهمها
الاضطرار إلى أكل الحرام أو شربه، سواء كان سبب
الحرمة هو كون الشئ من الأعيان النجسة أو
المتنجسة، أو كونه مال الغير.
فلو اضطر الإنسان إلى أكل الحرام، مهما كان
سببه، ارتفعت الحرمة وأبيح له ذلك.
استثناء الباغي والعادي والمتجانف للإثم:
استثنت بعض الآيات (2) الدالة على الإباحة

(1) أنظر مفتتح كتب العقود والإيقاعات في الكتب الفقهية،
وخاصة البيع والطلاق، فإنهم تكلموا حول بيع المكره
وطلاقه بالتفصيل.
(1) مصباح الفقاهة 1: 410، وانظر: مصباح الفقاهة 3:
293، ومستند العروة (الإجارة): 50 - 53،
والمستمسك 12: 10 - 11.
(2) مثل قوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا
إثم عليه...) *. البقرة: 173، وقوله تعالى: * (فمن
اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم...) *. المائدة: 3.
443

بسبب الاضطرار الباغي والعادي والمتجانف للإثم،
ومفهوم ذلك عدم الإباحة لهم.
أما المتجانف للإثم، فهو الذي يميل إليه،
لأن الجنف: الميل (1). ومعناه إجمالا هو: أن
من كان له ميل إلى الحرام فلا يباح له ذلك بسبب
الاضطرار.
وسوف يأتي مزيد توضيح لذلك.
أما الباغي والعادي فقد اختلفوا في تفسيرهما
وذكر الشيخ الطوسي في ذلك أقوالا ثلاثة، هي:
1 - غير باغ اللذة، ولا عاد سد الجوعة.
ونسبه إلى الحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم.
2 - غير باغ في الإفراط ولا عاد في التقصير.
وقال: " حكاه الزجاج ".
3 - غير باغ على إمام المسلمين، ولا عاد
بالمعصية طريق المحقين.
ثم قال: " وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد،
وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) " (2).
واكتفى الطبرسي (3) بنقل هذه الأقوال الثلاثة
كالشيخ الطوسي.
وقال المحقق الحلي: " ولا يرخص الباغي،
وهو الخارج على الإمام، وقيل: الذي يستحل
الميتة، ولا العادي، وهو: قاطع الطريق، وقيل:
الذي يعدو شبعه " (1).
وقال العلامة: "... إلا الباغي، وهو الخارج
على الإمام (عليه السلام)، أو العادي، وهو قاطع
الطريق " (2).
وقال الشهيد الأول: " ولا يترخص الباغي،
وهو الخارج على الإمام، أو الذي يبغي الميتة،
ولا العادي، وهو قاطع الطريق، أو الذي يعدو
شبعه " (3).
ووافقه تلميذه المقداد (4)، واستحسنه الشهيد
الثاني (5).
ويرى بعض الفقهاء: أن المذكور في أقوال
الفقهاء والروايات إنما هو من باب بيان المصاديق.
قال النراقي بعد ذكر الروايات التي فسرت
العنوانين: " ولا تنافي بين الروايات، لجواز كون
المراد من اللفظين المعاني كلا، فيحملان عليها
جميعا... " (6).
وبهذا المضمون قال السيد الطباطبائي في
تفسيره بعد ذكر الروايات، حيث قال: " والجميع
من قبيل عد المصاديق، وهي تؤيد المعنى الذي

(1) الصحاح، والقاموس المحيط: " جنف ".
(2) التبيان 2: 86.
(3) مجمع البيان (1 - 2): 257.
(1) شرائع الإسلام 3: 229.
(2) إرشاد الأذهان 2: 114.
(3) الدروس 3: 24.
(4) كنز العرفان 2: 323.
(5) المسالك 12: 115.
(6) مستند الشيعة 15: 31.
444

استفدناه من ظاهر اللفظ... " (1).
أشار بذلك إلى ما قاله في تفسير الآية:
"... وأما لو اضطر في حال البغي والعدو - كأن
يكونا هما الموجبين للاضطرار - فلا يجوز له
ذلك... " (2).
ويرى صاحب الجواهر: أنه ينبغي أن تحمل
آية * (فمن اضطر غير باغ ولا عالا) * على آية * (فمن
اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) *، لا العكس، بأن
يكون المراد من * (غير باغ ولا عالا) * هو غير
المتجانف للإثم، لأن الرخصة إنما هي للمضطر من
حيث كونه مضطرا، وهذا إنما يصدق بالنسبة إلى من
كان ممتنعا عن الحرام لكن لم يجد فعلا غيره، أما من
لم يكن ممتنعا عن الحرام أصلا فلا يصدق في حقه
الاضطرار وإن لم يجد غير الحرام فعلا.
وتترتب على ذلك: الرخصة للممتنع عن
الحرام اختيارا إذا اضطر إليه ولو كان باغيا أو
عاديا بأحد المعاني المتقدمة، كقاطع الطريق ونحوه،
لإطلاق الأدلة (3).
وقال السيد الحكيم: " يجوز للمضطر تناول
المحرم بقدر ما يمسك رمقه، إلا الباغي - وهو الخارج
على الإمام، أو باغي الصيد لهوا - والعادي، وهو
قاطع الطريق أو السارق، ويجب عقلا في الموردين
ارتكاب المحرم من باب وجوب ارتكاب أقل
القبيحين، ويعاقب عليه " (1).
ومثله قال السيد الخوئي إلا أنه قال بالنسبة
إلى الخارج على الإمام: "... وأما الخارج على
الإمام فلا يبعد شمول وجوب قتله لنفسه أيضا " (2).
وقال السيد الصدر في تعليقته على كلام السيد
الحكيم: " لا يبعد أن يكون المقصود بالباغي
والعادي: مطلق من كان تناوله للمحرم واضطراره
إليه مستندا إلى ميله إلى الإثم وتجاوز حدود الله
تعالى (3)، فيدخل تحته من كان اضطراره إلى الحرام
مستندا إلى خروجه على الإمام أو التلهي بسفر
الصيد، أو قطع الطريق وغير ذلك من المعاصي التي
قد تؤدي بصاحبها إلى الاضطرار إلى أكل
الحرام " (4).

(1) الميزان 1: 427.
(2) المصدر نفسه: 426.
(3) الجواهر 36: 429 - 430.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 377، كتاب
الأطعمة، المسألة 24.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 348، كتاب
الأطعمة، المسألة 1704.
(3) ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم
حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم
غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون) *. المؤمنون: 5 - 7.
فقد أطلق عنوان " العادي " على من ابتغى غير ما
أحل الله.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 377، كتاب
الأطعمة، التعليقة على المسألة 24.
445

وأما بالنسبة إلى الخارج على الإمام، فلم
يستبعد - كالسيد الخوئي - وجوب قتله نفسه،
فيكون مستثنى ممن يستباح له أكل الحرام عند
الضرورة.
الأحاديث الواردة في تفسير الباغي والعادي:
أما الروايات الواردة في تفسير الباغي
والعادي فهي:
1 - ما رواه عبد العظيم الحسني عن محمد بن
علي الجواد (عليه السلام)، أنه قال في تفسير الآية:
" العادي: السارق، والباغي: الذي يبغي الصيد
بطرا ولهوا، لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا
الميتة إذا اضطرا، وهي حرام عليهما في حال
الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار،
وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في
سفر... " (1).
2 - روى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (فمن اضطر غير باغ
ولا عالا) *، قال: الباغي: باغي الصيد، والعادي:
السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي
حرام عليهما... " (2).
3 - وروى البزنطي - بواسطة غير مذكورة -
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال - في تفسير الآية -:
" الباغي: الذي يخرج على الإمام، والعادي: الذي
يقطع الطريق، لا تحل له (1) الميتة " (2).
4 - وروى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: " الباغي: الخارج على الإمام،
والعادي: اللص " (3).
5 - ونقل الطبرسي في تفسير قوله تعالى:
* (غير باغ ولا عالا) * قولا بأنه: " غير باغ على
إمام المسلمين، ولا عاد بالمعصية طريق المحقين "،
ثم قال: " وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد
الله (عليهما السلام) " (4).
ووردت روايات أخرى بهذه المضامين.
مقدار ما يستباح أكله أو شربه عند الاضطرار:
قال الشيخ الطوسي: "... في المضطر ثلاث
مسائل: له سد الرمق بلا خلاف، ولا يزيد على
الشبع بلا خلاف، وهل له الشبع بعد سد الرمق أم
لا؟ قال قوم: لا يزيد، وهو مذهبنا، وقال قوم له

(1) الوسائل 24: 214 - 215، الباب 56 من أبواب
الأطعمة المحرمة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 24: 215، الباب 56 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
(1) وفي معاني الأخبار: 213: " لهما ".
(2) الوسائل 24: 216، الباب 56 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 5.
(3) تفسير العياشي 1: 93، الحديث 155.
(4) مجمع البيان (1 - 2): 257، وانظر الوسائل 24:
216، الباب 56 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6.
446

الشبع ولا يزيد... " (1).
وقال الشهيد الثاني: " لا خلاف في أن
المضطر يستبيح سد الرمق، وهو بقية الحياة، بمعنى:
أنه يأكل ما يحفظه من الهلاك وليس له أن يزيد على
الشبع إجماعا، وهل يجوز له أن يزيد عن سد الرمق
إلى الشبع؟
ظاهر المصنف والأكثر العدم، لأن الضرورة
اندفعت بسد الرمق، وقد يجد بعده من الحلال ما
يغنيه عن الحرام، وهو حسن حيث لا يحتاج إلى
الزائد... " (2).
نعم، لو اضطر إلى الزائد عن سد الرمق،
للالتحاق بالرفقة أو التخلص من البادية أو العدو
ونحو ذلك جاز، بل وجب حيث يجب (3).
وهل يجوز التزود من الميتة؟
قال صاحب الجواهر: " الأقرب ذلك، كما
عن أبي علي، لاشتراك العلة مع الأصل. ويحتمل
العدم، بناء على حرمة الانتفاع بها، وإنما خرج
الأكل بالنص والإجماع. وضعفه ظاهر " (4).
والأصل في ذلك وما يماثله: ما قيل: من " أن
الضرورات تتقدر بقدرها " (1).
هل يجب التناول عند الاضطرار؟
قال الشهيد الثاني: "... هل يجب التناول
على الوجه المأذون فيه، أو هو باق على أصل
الرخصة، فله التنزه عنه؟ قولان، أصحهما الأول،
لأن تركه يوجب إعانته على نفسه، وقد نهى عنه
تعالى بقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (2)،
كما يجب دفع الهلاك بأكل الطعام الحلال.
ووجه الثاني: أن الصبر عنه لكونه محرما
ضرب من الورع، فيكون كالصبر على القتل لمن
يراد منه اظهار كلمة الكفر.
وهو ضعيف، لأن المأكول على هذا الوجه
ليس محرما، فلا ورع في تركه، والفرق بين الأمرين
واضح، فإن في الاستسلام للقتل ممن أكره على كلمة
الكفر إعزاز الإسلام وإيذانا بشرفه، وإنه مما
يتنافس في حفظه بالنفس، بخلاف تناول المحرم " (3).

(1) المبسوط 6: 285، وانظر: تفسير التبيان 4: 254 ذيل
الآية 119 من سورة الأنعام، وتفسير مجمع البيان (3 -
4): 357.
(2) المسالك 12: 115 - 116، ومقصوده من المصنف
المحقق الحلي في الشرائع. وانظر: مستند الشيعة 15:
23، والجواهر 36: 431، وغيرهما.
(3) أنظر المصادر المتقدمة.
(4) الجواهر 36: 431.
(1) أنظر: المدارك 1: 224 و 2: 255، والتنقيح (الطهارة)
5: 428، ومستند العروة (الصوم) 2: 53 وغيرها،
حيث صرح الفقهاء في موارد مختلفة: بأنه لا بد من
الاقتصار على المقدار الذي ترتفع به الضرورة في مخالفة
الحرام.
(2) البقرة: 195.
(3) المسالك 12: 116.
447

والظاهر أن القول الآخر ليس لفقهائنا،
ولذلك لم نعثر عليه. ويؤيده كلام الفاضل
الإصفهاني، حيث قال: " ويجب عندنا التناول
للحفظ من التلف أو غيره، فلو طلب التنزه وهو
يخاف التلف لم يجز، لوجوب دفع الضرر عن النفس
وخصوصا التلف، وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام):
" من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل
شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر " (1). وللشافعي
وجهان " (2).
ووجه التأييد: ظهور كلامه في دعوى
الإجماع على الوجوب، ونسبته الوجهين إلى
الشافعي.
الاضطرار إلى طعام الغير:
الاضطرار إلى طعام الغير، تارة يكون على
وجه التعيين بحيث لا يجد غيره، وتارة يكون على
وجه التخيير بحيث يكون مرددا بين أكل مال الغير
وأكل الميتة ونحوها من المحرمات.
الاضطرار إلى طعام الغير على وجه التعيين:
والبحث فيه تارة من جهة الحكم التكليفي
وأخرى من جهة الحكم الوضعي:
أولا - من جهة الحكم التكليفي:
للاضطرار إلى طعام الغير صورتان:
الصورة الأولى - أن يكون المالك مضطرا
أيضا.
وفي هذه الصورة:
إما أن يتساويا في الحرمة، كأن يكونا
مسلمين، أو يختلفا.
1 - فإن تساويا: فهل يجوز للمالك أن يؤثر
الغير على نفسه، لتساويهما، ولعموم قوله تعالى:
* (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (1)،
ولأن المقصود حفظ النفس المحترمة وهو حاصل
بأحدهما، فلا ترجيح؟
أو لا يجوز، لأن له القدرة على حفظ نفسه
بعدم بذل ماله وطعامه وحفظ النفس مع القدرة
واجب، ولما في بذل المال والطعام للغير من إلقاء
النفس في التهلكة؟
فيه وجهان، بل قولان.
مال الشهيد الثاني إلى الأول مدعيا عدم كونه
من باب " إلقاء النفس في التهلكة "، بل هو من قبيل
ثبات المجاهد، فهو فائز ليس بهالك (2).
واستظهره النراقي، خاصة إذا كان المستنقذ
أكثر من واحد (3).

(1) من لا يحضره الفقيه 3: 345، الحديث 4214.
(2) كشف اللثام (الحجرية) 2: 273، وانظر الجواهر 36:
432.
(1) الحشر: 9.
(2) المسالك 12: 118.
(3) مستند الشيعة 15: 25.
448

واختار السبزواري (1) وصاحب الجواهر (2)
الثاني.
وتأمل فيه الإمام الخميني (3).
واقتصر بعضهم على ذكر الوجهين
كالإصفهاني (4).
2 - وإن اختلف المالك والمضطر في الحرمة،
كأن كان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا، قدم
الأفضل، فإذا كان الأفضل هو المالك لم يجز له إيثار
غيره على نفسه (5).
الصورة الثانية - أن لا يكون المالك مضطرا،
فيجب على المالك حينئذ دفع الطعام للمضطر، بناء
على المعروف، لأن في الامتناع إعانة على قتل
المسلم، وقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " من
أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم
القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله " (6)،
لأنه يجب عليه حفظ النفس المحترمة (1).
بل قال في المسالك: " وإن لم يكن المالك
مضطرا، فعليه إطعام المضطر مسلما كان أم ذميا
أم مستأمنا " (2)، ومثله قال السبزواري في
الكفاية (3).
خلافا للشيخ في الخلاف (4) وابن إدريس في
السرائر (5)، فلم يوجبا الدفع.
هل يجوز قتال المالك لو امتنع؟
لو امتنع المالك عن دفع الطعام، فتارة يمتنع
حتى مع دفع المضطر ثمن الطعام، بل زيادة عليه لو
طلبه المالك، وتارة يمتنع عن بذله إلا مع زيادة على
ثمن المثل.
فالمعروف في الصورة الأولى جواز قتال
المالك، لأنه كالمهاجم والمضطر كالمدافع.
وممن صرح بالجواز: المحقق (6) والعلامة (7)،

(1) كفاية الأحكام: 254.
(2) الجواهر 36: 433.
(3) تحرير الوسيلة 2: 151، كتاب الأطعمة، القول في غير
الحيوان، المسألة 36.
(4) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(5) أنظر: المسالك 12: 118، والجواهر 36: 433 -
434.
(6) الوسائل 29: 18، الباب 2 من أبواب القصاص،
الحديث 4، وفي المستدرك 18: 211، الباب 2 من
أبواب القصاص، الحديث 4: روى عنه (صلى الله عليه وآله): " من
أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة
وهو آيس من رحمة الله ".
(1) أنظر: المبسوط 6: 285، والقواعد 2: 160،
والمختلف 8: 337، وإيضاح الفوائد 4: 167،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 274، ومستند الشيعة
15: 25 حيث ادعى عليه الإجماع، والجواهر 36:
432.
(2) المسالك 12: 118.
(3) كفاية الأحكام: 254.
(4) الخلاف 6: 95.
(5) السرائر 3: 126.
(6) شرائع الإسلام 3: 230.
(7) القواعد 2: 160، وإرشاد الأذهان 2: 114 - 115.
449

والشهيد الأول (1)، والشهيد الثاني (2)، والأردبيلي (3)،
والسبزواري (4)، والإصفهاني (5)، والنراقي (6)،
وصاحب الجواهر (7)، والإمام الخميني (8)، وغيرهم.
أما الصورة الثانية، فإن كان المضطر غير
قادر على بذل الثمن، فيجوز له قتال المالك كالصورة
الأولى، لوجوب دفع الطعام إلى المالك.
وإن كان قادرا عليه، فالذي اختاره
الشيخ (9) جواز القتال فيه أيضا، لكن استشكل فيه
جملة من الفقهاء، منهم العلامة، حيث قال في المختلف
بعد نقل كلام الشيخ: " والمعتمد أن نقول: إن تمكن
المضطر من شرائه بثمن يقدر عليه، وجب الشراء
سواء كان أكثر من ثمن المثل أو لا، لاندفاع
الضرورة حينئذ بالقدرة على الثمن، وإن لم يتمكن
كان له القتال كما قاله الشيخ (رحمه الله) " (10).
وممن استشكل على الشيخ، أو ذكر كلامه من
دون تعليق عليه، بحيث يستظهر منه عدم قبوله:
المحقق الحلي (1)، وفخر الدين (2)، والشهيدان (3)،
والأردبيلي (4)، والسبزواري (5)، والإصفهاني (6)،
والنراقي (7)، وصاحب الجواهر (8).
وفي الفروض التي يجوز فيها القتال، يكون دم
المالك هدرا، لأنه كالمهاجم والمضطر كالمدافع،
ولا ضمان على المدافع لو قتل المهاجم، دون
العكس (9)، لكن احتمل الأردبيلي الضمان، بل عدم
جواز القتال مع العلم بإهلاك المالك (10).
ثانيا - الكلام في الاضطرار إلى أكل مال
الغير من جهة الحكم الوضعي:
ونقصد بالحكم الوضعي هنا ضمان المضطر
قيمة الطعام الذي أكله. وتوضيح ذلك:
أن المضطر إما أن يكون قادرا على دفع الثمن
أو غير قادر.

(1) الدروس 3: 25.
(2) المسالك 12: 118.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 11: 328.
(4) كفاية الأحكام: 254.
(5) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(6) مستند الشيعة 15: 26.
(7) الجواهر 36: 438.
(8) تحرير الوسيلة 2: 151، كتاب الأطعمة، القول في غير
الحيوان، المسألة 36.
(9) المبسوط 6: 286، ومنه يفهم قوله بجواز القتال في
الصورة الأولى بالأولوية.
(10) المختلف 8: 338.
(1) شرائع الإسلام 3: 230.
(2) إيضاح الفوائد 4: 168.
(3) الدروس 3: 24، والمسالك 12: 121 - 122.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 11: 327.
(5) كفاية الأحكام: 254.
(6) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(7) مستند الشيعة 15: 27.
(8) الجواهر 36: 438.
(9) أنظر المصادر المتقدمة وغيرها مما سبق ذكره.
(10) مجمع الفائدة والبرهان 11: 329.
450

فإن لم يكن قادرا، فالواجب على المالك بذل
الطعام مجانا، وفي الضمان قولان.
وإن كان قادرا، فإما أن يبذل المالك الطعام
مجانا أو بعوض.
فإن بذله مجانا، فلا ضمان على المضطر أيضا.
وإن بذله بعوض، فإما أن يطالب بثمن المثل
أو أزيد.
فإن طالب بثمن المثل فلا كلام، إذ يجب على
المضطر دفعه إليه.
وإن طالب بأكثر من ذلك، فعلى مذهب
الشيخ لا يجب دفع الزائد، وعلى مذهب غيره
يجب (1).
إذا كان المالك غائبا:
كل ما تقدم كان فيما إذا كان المالك حاضرا،
وأما إذا كان غائبا، وانحصر ما يسد رمق المضطر
بطعام الغائب، فالظاهر لا إشكال في وجوب الأكل
منه، ولا فرق في ذلك بين القدرة على العوض فعلا
وعدمها، لأن الذمم تقوم مقام الأعيان (2).
إذا اضطر إلى أكل مال الغير أو الميتة:
إذا اضطر الإنسان إلى أحد أمرين: أكل
طعام الغير، أو أكل الميتة، ففيه تفصيل:
1 - إذا كان المالك حاضرا:
فإن كان المالك حاضرا ودافعا للطعام مجانا
أو بثمن المثل أو ثمن مقدور - على اختلاف الآراء -
عاجلا أو آجلا، فلا إشكال في تقديمه على الميتة،
لعدم الاضطرار إليها واقعا (1).
وإن طالب زيادة على ثمن المثل، فإن كانت
الزيادة مقدورة أو لا تضر بحال المضطر - على
اختلاف المباني - فقد صرح جماعة بتقديم طعام
الغير على الميتة، كالمحقق (2)، والعلامة (3)،
والشهيدين (4)، والأردبيلي (5)، والسبزواري (6)،
والإصفهاني (7)، والنراقي (8)، وصاحب الجواهر (9)،
بل ادعى الأخير عدم الخلاف فيه.
وإن كانت الزيادة كثيرة، لكنها مقدورة غير

(1) أنظر: المبسوط 6: 286، وشرائع الإسلام 3: 230،
والقواعد 2: 160، والدروس 3: 24 - 25، والمسالك
12: 118 - 122، ومجمع الفائدة والبرهان 11: 326
- 329، والكفاية: 254، وكشف اللثام (الحجرية) 2:
274، ومستند الشيعة 15: 26 - 27، والجواهر 36:
434 - 438.
(2) أنظر: المسالك 12: 120، ومستند الشيعة 15: 28،
والجواهر 36: 437.
(1) أنظر: المسالك 12: 123، ومستند الشيعة 15: 29،
والجواهر 36: 438.
(2) شرائع الإسلام 3: 230.
(3) إرشاد الأذهان 2: 115، والقواعد 2: 160.
(4) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 354 - 355.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 11: 329.
(6) كفاية الأحكام: 254.
(7) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(8) مستند الشيعة 15: 29.
(9) الجواهر 36: 438.
451

مضرة بالحال، قال بعض الفقهاء: يتخير بين أكل
طعام الغير وأكل الميتة. فمثلا:
قال العلامة: " ولو اضطر إلى الميتة وطعام
الغير، فإن بذله ولو بثمن مقدور عليه تعين، وإلا
تخير " (1).
وقال الأردبيلي معلقا عليه: " وإن لم يبذل
بثمن مقدور - سواء بذل ولم يكن مقدورا أو لم
يبذل - تخير المضطر بين قتاله وأخذه بالقهر والغلبة،
أو الحيلة والسرقة على ما قلناه، وبين أكل الميتة " (2).
لكن تأمل في التخيير بعد ذلك.
وقال النراقي: " لو وجد المضطر مال الغير
والميتة... تعين أكل مال الغير، لعدم الاضطرار ولو
زاد الثمن عن ثمن المثل إلا إذا كان بقدر يضر بحاله،
فلا يتعين، لأدلة نفي الضرر " (3).
وقال الشهيد الثاني: " وإن كان بذله بزيادة
كثيرة، ففي تقديمه على الميتة مع القدرة عليه أوجه،
أحدها أنه لا يلزمه لكن يستحب " (4).
وعلق عليه صاحب الجواهر بقوله:
" ولا بأس به مع الإضرار بالحال، أما مع عدمه،
فالمتجه تقديمه عليها، لعدم صدق الاضطرار " (5).
وقال الإصفهاني: " فإن تضرر ببذلها بما
لا يتحمل عادة حل له الميتة وإلا ففيه وجهان " (1).
2 - إذا كان المالك غائبا:
إذا دار الأمر بين أكل الميتة وأكل مال الغير
إذا كان غائبا، ففي تقديم أحدهما على الآخر أو
التخيير وجوه، بل أقوال:
الأول - تقديم مال الغير على الميتة، لأن
المضطر قادر على غير الميتة، وهو طعام الغير بثمن
مثله. فليس مضطرا إلى الميتة بالذات.
ذهب إلى هذا الرأي الشيخ الطوسي (2).
الثاني - تقديم الميتة على مال الغير، وعلله في
المسالك: " بأن الميتة محرمة لحق الله تعالى، وحقوق
الله مبنية على المساهلة، ولأن إباحة الميتة للمضطر
منصوص عليها، وجواز الأكل من مال الغير بغير
إذنه يؤخذ من الاجتهاد، ولأن الميتة يتعلق بها حق
واحد لله تعالى، ومال الغير يتعلق به الحقان،
واشتغال ذمته " (3).
اختار هذا القول المحقق (4) - وإن كان يظهر
منه التردد فيه - والعلامة (5)، وصاحب الجواهر (6)،

(1) إرشاد الأذهان 2: 115.
(2) مجمع الفائدة 11: 329 - 330.
(3) مستند الشيعة 15: 29.
(4) المسالك 12: 123.
(5) الجواهر 36: 438.
(1) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(2) المبسوط 6: 286.
(3) المسالك 12: 122.
(4) شرائع الإسلام 3: 230.
(5) القواعد 2: 160.
(6) الجواهر 36: 439.
452

وعلله: بأنه " بعد إطلاق الأدلة وعمومها بحرمة
التصرف في مال الغير بغير إذنه، والممنوع شرعا
كالممنوع عقلا، فيتحقق الاضطرار الذي هو عنوان
الرخصة ".
الثالث - التخيير، ذهب إليه النراقي (1).
واكتفى بعضهم بذكر الأوجه الثلاثة من دون
ترجيح، كالشهيد الثاني (2)، والسبزواري (3)،
والإصفهاني (4).
وكثير ممن تقدم جعل حكم الممتنع عن دفع
طعامه للمضطر الواجد للميتة حكم الغائب،
فجعلهما من واد واحد.
لو لم يجد غير ميتة الآدمي:
إذا لم يجد المضطر غير ميتة الآدمي جاز له
الأكل منها، لأن إطلاق جواز أكل الميتة عند
الاضطرار يشمل ميتة الآدمي أيضا، مضافا إلى أن
حرمة الحي أعظم من حرمة الميت (5).
لو لم يجد غير الإنسان الحي:
وإذا لم يجد غير الإنسان الحي، فهل يجوز له
قتله لسد رمقه به، أو لا؟ فيه تفصيل:
فإن كان الإنسان الحي محقون الدم وإن كان
كافرا ذميا، فلا يجوز، لعدم جواز حفظ النفس
بإتلاف نفس أخرى وإهلاكها، ولذا لم تشرع التقية
في الدماء.
وإذا كان مهدور الدم: كالحربي والمرتد
الفطري، ونحوهما، فقد صرحوا بجواز قتله والأكل
من لحمه، وإن لم يجز لغير الحاكم قتله حال
الاختيار (1).
لو لم يجد غير نفسه:
لو لم يجد المضطر غير نفسه، فإن أمن على
نفسه من قطع بعض بدنه - كقطعة يسيرة من فخذه -
جاز له القطع.
وإن علم بسراية الضرر من ذلك إلى نفسه
بحيث يؤدي إلى هلاكه فلا يجوز القطع.
وإن احتمل الأمرين، ففيه وجهان: الجواز
وعدمه (2).
لو لم يجد المضطر غير المسكر:
إذا لم يجد المضطر - لرفع اضطراره - غير
المسكر، فهل يجوز له شربه أو لا؟ فيه قولان:

(1) مستند الشيعة 15: 29.
(2) المسالك 12: 122 - 123.
(3) كفاية الأحكام: 254.
(4) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(5) أنظر: المبسوط 6: 287، وشرائع الإسلام 3: 231،
والقواعد 2: 160، وإرشاد الأذهان 2: 114،
والدروس 3: 24، والمسالك 12: 124، وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 274، ومستند الشيعة 15: 32 - 33،
والجواهر 36: 439 - 440.
(1) أنظر المصادر المتقدمة في الهامش (5) من العمود السابق.
(2) أنظر المصادر المتقدمة في الهامش (5) من العمود السابق.
453

الأول - عدم الجواز، ذهب إليه الشيخ
الطوسي في المبسوط (1) والخلاف (2).
الثاني - الجواز، ذهب إليه الشيخ في
النهاية (3)، ووافقه الأكثر، مثل ابن إدريس (4)،
والمحقق (5)، والعلامة (6)، وولده (7)، والشهيد الأول (8)،
والشهيد الثاني (9)، والأردبيلي (10)، والسبزواري (11)،
والإصفهاني (12)، وصاحب الجواهر (13)، وغيرهم،
لصدق الاضطرار، فتشمله العمومات والإطلاقات
المجوزة للمحرمات حال الاضطرار.
وخص بعض هؤلاء الجواز بصورة الخوف
على النفس لا ما دونه.
التداوي بالمسكر:
اختلف الفقهاء في جواز التداوي بالمسكر أو
بما اختلط معه، على أقوال:
الأول - عدم الجواز، ذهب إليه الشيخ (1)،
وابن إدريس (2)، والمحقق (3) - لكن استثنى ضرورة
التداوي به للعين - والعلامة في الإرشاد (4)، ونسبه
الشهيد الثاني إلى المشهور (5)، والسبزواري إلى
الأشهر (6)، والإصفهاني إلى الأكثر (7).
ومستند هؤلاء إطلاقات وعمومات تحريم
المسكر مضافا إلى ما ورد من النهي عن التداوي
به بالخصوص، مثل ما رواه الحلبي، قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر،
فقال: لا والله، ما أحب أن أنظر إليه، فكيف
أتداوى به؟! إنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم
الخنزير... " (8).
وعدة روايات أخرى بهذا المضمون.
الثاني - الجواز، ذهب إليه القاضي ابن

(1) المبسوط 6: 288.
(2) الخلاف 6: 97.
(3) النهاية: 591 - 592.
(4) السرائر 3: 126.
(5) شرائع الإسلام 3: 231.
(6) القواعد 2: 159، وإرشاد الأذهان 2: 114.
(7) إيضاح الفوائد 4: 165.
(8) الدروس 3: 25.
(9) المسالك 12: 127.
(10) مجمع الفائدة 11: 317.
(11) كفاية الأحكام: 254.
(12) كشف اللثام (الحجرية) 2: 274.
(13) الجواهر 36: 444. ويظهر من النراقي أيضا وإن لم
يصرح به، لأنه قد صرح بجواز التداوي به كما سيأتي،
فلا بد من أن يقول به هنا أيضا بطريق أولى.
(1) المبسوط 6: 288، والخلاف 6: 97.
(2) السرائر 3: 126.
(3) شرائع الإسلام 3: 231.
(4) إرشاد الأذهان 2: 114.
(5) المسالك 12: 128.
(6) كفاية الأحكام: 254.
(7) كشف اللثام (الحجرية) 2: 273.
(8) الوسائل 25: 345، الباب 20 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 4.
454

البراج (1)، والشهيد الأول (2)، والسبزواري (3)،
وصاحب الجواهر (4)، ونسبه إلى جماعة من
متأخري المتأخرين.
ومستندهم: صدق عنوان الاضطرار مع
فرض توقف العلاج عليه، مضافا إلى أدلة نفي العسر
والحرج، وأدلة نفي الضرر وغيرها.
الثالث - الجواز في صورة خوف تلف النفس،
ذهب إليه العلامة في بعض كتبه (5)، والشهيد
الثاني (6)، والأردبيلي (7)، والنراقي (8)، والإمام
الخميني (9).
وقيده الأخيران ب‍:
1 - العلم بحصول العلاج به.
2 - العلم بانحصار العلاج فيه.
3 - كون المرض مما يعد ضررا وتحمله شاقا
وحرجا.
ومستند هذا القول: أدلة القول بالجواز
مضافا إلى وجوب حفظ النفس عقلا وشرعا،
وحمل النصوص الناهية عن التداوي به، على ما لم
ينحصر الدواء فيه.
التدرج في أكل المحرمات وشربها:
القاعدة تقتضي لزوم اختيار ما هو أخف
حرمة، وهذا متسالم عليه ظاهرا، وإذا كان هناك
اختلاف ففي مصداق هذه القاعدة، وبناء على
ذلك:
1 - يقدم ما ذبحه الكافر على الميتة والحيوان
المحرم الأكل إذا ذكي، وإن كان ذلك بحكم الميتة
أيضا، لوجود الاستقذار في الميتة دون ما لم تجتمع
فيه شروط التذكية.
2 - ويقدم الحيوان المحرم الأكل إذا ذكي على
الميتة أيضا.
3 - وتقدم ميتة مأكول اللحم على ميتة
غيره.
4 - ويقدم المتنجس على نجس العين.
وهكذا يقدم الأخف وما اشتمل على عامل
للحرمة، على الأشد وما اشتمل على عاملين للحرمة
أو أكثر.
وإذا فقد الترجيح فالمضطر مخير بين ما
وجده (1).

(1) المهذب 2: 433.
(2) الدروس 3: 25.
(3) كفاية الأحكام: 254.
(4) الجواهر 36: 446.
(5) أنظر: المختلف 8: 341، والقواعد 2: 159.
(6) المسالك 12: 129.
(7) مجمع الفائدة 11: 322.
(8) مستند الشيعة 15: 39.
(9) تحرير الوسيلة 2: 151، كتاب الأطعمة، القول في غير
الحيوان، المسألة 35.
(1) أنظر: الدروس 3: 25، والروضة البهية 9: 358،
والجواهر 36: 443، وغيرها.
455

إباحة جميع المحرمات لإنقاذ النفس من الهلاك:
قال النراقي: " ظاهر الآيات المبيحة
للمحرمات للمضطر وأكثر رواياتها وإن اختص
بإباحة أكل ما حرم أكله للمضطر، إلا أن مقتضى
عموم تفسير الإمام المتقدم (1) وأدلة نفي العسر
والحرج والضرر: إباحة كل محرم للمضطر في الأكل
والشرب من غير اختصاص بإباحة ما يحرم أكله
وشربه، ولذا أبيح مال الغير، مع أن التصرف فيه
والأخذ منه وإجباره محرم أيضا.
وعلى هذا، فتباح بالاضطرار إلى الأكل
والشرب الأفعال المحرمة لو توقف عليها، كما لو
وجدت امرأة دفع اضطرارها بالتمكين من بضعها،
أو شرب خمر، أو ترك صلاة، بأن لا يبذل المالك
قدر الضرورة إلا بأحد هذه الأفعال، فتباح هذه
الأفعال، لمعارضة أدلة حرمتها مع أدلة المضطر،
فيرجع إلى الأصل.
وهل يجب ارتكاب المحرم حينئذ؟
فيه نظر، إذ لا دليل عليه، إلا إذا أدى
الاضطرار إلى هلاك النفس، فإن الظاهر انعقاد
الإجماع على تقدم حفظه على سائر الواجبات " (1).
ومن هذا القبيل جواز - أو وجوب - شرب
الصائم الماء إذا خاف على نفسه من الهلاك، ولذلك
قال السيد اليزدي: " إذا غلب على الصائم العطش
بحيث خاف من الهلاك، يجوز له أن يشرب الماء
مقتصرا على مقدار الضرورة " وعلق عليه السيد
الخوئي بقوله: " لا إشكال في جواز الشرب حينئذ
بمقتضى القاعدة حفظا من التهلكة من غير حاجة
إلى نص خاص، إذ ما من شئ حرمه الله إلا وأحله
عند الضرورة... " (2).
الثاني - الاضطرار إلى غير الأكل
الاضطرار إلى غير الأكل يشمل الاضطرار
إلى إتلاف النفس، والاضطرار إلى التصرف في مال
الغير سواء استلزم إتلافا أو لا، والاضطرار إلى
النظر الحرام، واللمس الحرام، والسماع الحرام، ونحو
ذلك، نشير إليها إجمالا فيما يلي:
الاضطرار إلى إتلاف النفس:
لا يجوز إتلاف النفس المحترمة لرفع
الاضطرار عن النفس، فقد ورد مثلا: " التقية في كل
شئ يضطر إليه ابن آدم، فقد أحله الله له " (3)، لكن

(1) وهو ما نقله عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام)، حيث جاء فيه: " قال الله سبحانه: فمن
اضطر إلى شئ من هذه المحرمات، فإن الله غفور رحيم
ستار لعيوبكم أيها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم
في الضرورة ما حرمه في الرخاء ". تفسير الإمام
العسكري (عليه السلام): 585.
(1) مستند الشيعة 15: 32.
(2) مستند العروة الوثقى (الصوم) 1: 269.
(3) الوسائل 16: 214، الباب 25 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث 2.
456

ورد أيضا: " إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا
بلغت التقية الدم فلا تقية " (1).
ولذلك قالوا: لو أكره على قتل الغير وهدد
بأنه لو لم يفعل يقتل، لا يجوز له قتل الغير لإنقاذ
نفسه، وقد ادعي عليه الإجماع (2).
نعم يستثنى من ذلك بعض الموارد:
1 - إذا كان الغير مهدور الدم، كالكافر الحربي
والمرتد الفطري، ونحوهما ممن يجب قتله، فيجوز
قتله عند الاضطرار ولو لم يكن بإذن الإمام (عليه السلام).
قال السيد العاملي: " إن السفينة إذا أشرفت على
الغرق جاز إلقاء بعض أمتعتها في البحر، وقد يجب
رجاء نجاة الراكبين إذا خيف عليهم، فيجب إلقاء
ما لا روح له وإن علت قيمته لنجاة ذي الروح (3)،
ولا يجب إلقاء الحيوان إذا حصل الغرض بغيره. وإذا
مست الحاجة إلى إلقاء الحيوان، قدمت الدواب
لبقاء بني آدم. ولا فرق بين العبيد والأحرار،
فلا يقدم العبد على الحر. ولعلهم يريدون ببني آدم
ما كان معصوم الدم، كالمسلم والذمي والمعاهد،
لا المرتد والزاني المحصن والحربي واللائط، فهذه
تقدم على الدواب، إلا الكلب العقور والخنزير
والفواسق الخمس (1)، فإنه يتخير... " (2).
2 - إذا توقف الفتح في الحرب على قتل بعض
النفوس وإن لم تكن مهدورة الدم، كما إذا تترس
الكفار بالنساء والأطفال منهم ولم يمكن الفتح إلا
بقتلهم.
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق: " ولا يجوز قتل المجانين ولا الصبيان
ولا النساء منهم ولو عاونهم - بتشديد النون - إلا
مع الاضطرار، بلا خلاف أجده... ".
إلى أن قال: " والمراد بالضرورة: أن يتترس
الكفار بهن أو يتوقف الفتح على قتلهن...
وأولى من ذلك المراهقون إذا قاتلوا أو
دعت الضرورة من توقف الفتح ونحوه على قتلهم،
أما مع عدم ذلك فلا يجوز قتلهم لإطلاق
النهي... " (3).
3 - إذا توقف الدفاع عن النفس والعرض
على قتل المهاجم ولم يندفع بدون ذلك جاز قتله،

(1) الوسائل 16: 235، الباب 31 من أبواب الأمر والنهي،
الحديث 2.
(2) أنظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 98.
(3) في هذا الإطلاق تأمل، فهل يجب إلقاء الأمتعة الغالية
والجواهر قبل الحيوان غير الإنسان؟
(1) وهي: " الفأرة، والعقرب، والحدأة، والغراب الأبقع،
والكلب العقور... وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على
سبيل الاستعارة، لخبثهن، وقيل: لخروجهن من الحرمة
بقوله: خمس لا حرمة لهن... ". الفائق في اللغة
(للزمخشري): " فسق "، وانظر التذكرة 7: 278،
وأبدل بعضهم الفأرة بالأفعى، أنظر هامش مجمع الفائدة
6: 391.
(2) مفتاح الكرامة 5: 449، وانظر المسالك 15: 383.
(3) الجواهر 21: 73 - 75.
457

ويكون دمه هدرا (1). وفيه تفصيل يراجع فيه عنوان
" دفاع ".
الاضطرار إلى التصرف في مال الغير:
لا إشكال في حرمة التصرف في مال الغير
سواء استلزم إتلافا أم لا. كما لا إشكال في وجوب
حفظ النفس المحترمة، فلو أشرفت نفس على الهلاك،
وتوقف إنقاذها على التصرف في مال الغير، فإن
أذن صاحب المال بذلك فلا كلام، وإن لم يأذن أو
كان غائبا، وتوقف الإنقاذ على التصرف فيه، فتقع
المزاحمة بين حرمة التصرف في مال الغير وبين
وجوب الإنقاذ.
ولا إشكال في ترجيح حفظ النفس المحترمة
إذا لم يستلزم التصرف إتلافا على المالك، كما إذا
توقف الإنقاذ على المرور من أرض الغير.
وإنما الكلام فيما إذا استلزم الإنقاذ إتلاف مال
الغير.
والكلام فيه من حيث الحكم التكليفي،
والحكم الوضعي.
أما الحكم التكليفي:
فالمعروف إجمالا وجوب إنقاذ النفس
المحترمة، قال الشهيد الثاني: " إن السفينة إذا
أشرفت على الغرق يجوز إلقاء بعض أمتعتها في
البحر، وقد يجب رجاء نجاة الراكبين إذا خفت،
ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح،
ولا يجوز إلقاء الحيوان إذا حصل الغرض بغيره،
وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الحيوان قدمت الدواب
لإبقاء الآدميين، والعبيد كالأحرار.
وإذا قصر من لزمه الإلقاء فلم يلق حتى
غرقت السفينة، فعليه الإثم، لا الضمان " (1).
وبهذا المضمون قال السيد العاملي (2).
لكن قال المحقق الكركي: " لو قطع بغرق
السفينة وهلاك بعض أهلها، وبسلامتها لو القي المال
في البحر، ففي وجوب الإلقاء لإنقاذ الغير من الهلاك
إشكال " (3).
قال ذلك بالنسبة إلى مال نفسه، ويأتي
الإشكال بالنسبة إلى مال الغير بطريق أولى.
والمسألة مشكلة وغير منقحة في كلام الفقهاء،
ولعله يختلف الحكم فيها باختلاف الموارد، ولذلك لم
نعثر على من أفتى بوجوب صرف المال لإنقاذ
المرضى الذين تتوقف حياتهم على بذل المال، ولم
تقم السيرة على ذلك.
وأما الحكم الوضعي:
ونقصد به ضمان المتلف لما أتلفه، فالمعروف
أيضا ضمان المتلف. قال صاحب الجواهر: " ولو ألقى
متاع غيره لخوفه عليه أو على نفسه أو غيرهما،

(1) أنظر الجواهر 41: 650 - 651.
(1) المسالك 15: 383، وانظر الجواهر 43: 153.
(2) مفتاح الكرامة 5: 449 و 10: 342.
(3) جامع المقاصد 5: 404.
458

ضمن إذا لم يأذن له المالك، بلا خلاف أجده فيه بين
من تعرض له، لقاعدة " من أتلف " وغيرها، وإن
كان في حال وجوب الإلقاء على صاحب المتاع، إذ
ليس هو وليا له، بل هو في حال الدافع عن نفسه،
كالمضطر الآكل لطعام الغير الذي لا إشكال في
ضمانه، لقاعدة " احترام مال المسلم "... " (1).
الاضطرار إلى النظر واللمس المحرمين:
لا إشكال في ارتفاع حرمة النظر واللمس
- فيما يحرمان فيه - لو اضطر إليهما، كسائر المحرمات.
نعم، اختلفوا في أن الحرمة هل ترتفع بمجرد الحاجة
أو لا بد من صدق الاضطرار المصطلح؟
وهل يشترط في صدق الاضطرار عدم
وجود المماثل، كما في العلاج؟ حيث اشترط بعض
الفقهاء جواز النظر واللمس فيه بعدم وجود مماثل
قادر على العلاج وإلا فيقدم.
وهل يجب تقديم اللمس على النظر لو أمكن
رفع الاضطرار به أو لا (2)؟
وهناك اختلافات أخرى نحيل البحث عنها
على العناوين: " علاج " و " لمس " و " نظر "،
وغيرها من العناوين المناسبة.
ونكتفي هنا بالإشارة إلى مطلب قاله السيد
الخوئي، وحاصله:
أن جواز النظر في العلاج ليس مستندا إلى
عمومات أدلة الاضطرار من قبيل: " رفع ما
اضطروا إليه " (1) أو " ليس شئ مما حرم الله إلا
وقد أحله لمن اضطر إليه "، لأن هذه لا تشمل
الطبيب نفسه، لعدم كونه مضطرا إلى النظر، نعم
تشمل المريض فتدل على جواز إبدائه عورته مثلا،
لكن ذلك لا يستلزم جواز نظر الطبيب إليها. وإنما
المستند لجواز النظر صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: " سألته عن المرأة المسلمة يصيبها
البلاء في جسدها، إما كسر وإما جرح في مكان
لا يصلح النظر إليه، يكون الرجل أوفق بعلاجه من
النساء، أيصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت
إليه فليعالجها إن شاءت " (2).
الاضطرار إلى السماع المحرم:
حكم السماع حكم النظر واللمس، ويأتي فيه
ما تقدم.
459

مثاله: سماع صوت الأجنبية في الشهادة،
والاستفتاء، والاستقضاء، وغيرها من موارد
الضرورة، لكن كل ذلك بناء على حرمة سماع صوت
الأجنبية على الإطلاق، وأما لو قيدناه بصورة
التلذذ أو قصد الريبة، فهذه الموارد خارجة تخصصا
إلا إذا اقترنت بقصد الريبة أو التلذذ.
راجع: استماع، صوت.
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن الاضطرار إلى أكل الحرام
وشربه في بحث الأطعمة والأشربة. أما الاضطرار
إلى غيره فيبحث عنه في مواضع متفرقة من أول
الفقه إلى آخره بمناسبات مختلفة.
اضطراري
لغة:
نسبة إلى الاضطرار.
راجع: اضطرار.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، ويضاف إليه غالبا
عنوان مناسب، فيقال:
1 - الطهارة الاضطرارية، ويراد بها التيمم،
فإنه بدل اضطراري من الوضوء والغسل. وفي
الفقه الرضوي: " إن التيمم غسل المضطر
ووضوؤه " (1).
2 - الوقت الاضطراري، ويراد به الوقت
الذي يتضيق فيه أداء الواجب، بحيث لو فات ذلك
الوقت لما أمكن إتيانه. مثل الوقت الاضطراري في
الصلاة (2) والوقت الاضطراري في الحج (3) ونحو
ذلك، في مقابل الوقت الاختياري فيهما.
3 - الوقوف الاضطراري، يقابل الوقوف
الاختياري، فالوقوف الاختياري بعرفة ما كان من
زوال الشمس في اليوم التاسع إلى الغروب، ويسمى
ذلك الزمان ب‍ " الوقت الاختياري "، والوقوف
الاضطراري هو الوقوف ليلة العاشر إلى طلوع
الفجر - ويكفي فيه مسمى كونه في أرض عرفة -
ويسمى ذلك الزمان ب‍ " الوقت الاضطراري ".
والوقوف الاختياري بالمشعر ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس يوم النحر - أي العاشر -
ويسمى ذلك الزمان ب‍ " الوقت الاختياري ".
والوقوف الاضطراري فيه هو إلى زوال الشمس
من ذلك اليوم، ويسمى ب‍ " الوقت الاضطراري " (4).
وأما تفصيل ذلك فموكول إلى محله.
460

الملحق الأصولي
461

استفصال
لغة:
طلب الفصل أو التفصيل. قال ابن فارس:
" الفاء والصاد واللام كلمة صحيحة تدل على تمييز
الشئ من الشئ وإبانته عنه " (1)، ولذلك يقال
للقضاء بين الحق والباطل: الفصل، وليوم القيامة:
يوم الفصل، فيكون الاستفصال بمعنى طلب التمييز
والتبيين (2).
اصطلاحا:
لا يراد منه في اصطلاح الأصوليين غير معناه
اللغوي، ويستعمل غالبا منفيا مقرونا بكلمة
" ترك "، فيقال: " ترك الاستفصال " وذلك عند
الكلام في عنوان " ما يدل على العموم "، فيقال: إن
ترك الاستفصال يدل على العموم.
وهذه قاعدة أصولية.
تاريخ القاعدة:
يقال: إن أول من عنون المسألة هو الشافعي،
ونقلوا عنه قوله: " ترك الاستفصال في حكاية
الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في
المقال " (1).
ونقلوا عنه قاعدة أخرى ربما يفهم منها
المنافاة بينهما، وهي: " حكايات الأحوال إذا تطرق
إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال، وسقط بها

(1) معجم مقاييس اللغة: " فصل ".
(2) أنظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان
العرب: " فصل ".
(1) أنظر: إرشاد الفحول: 198، والمستصفى 2: 60.
463

الاستدلال " (1). لكن لا منافاة بينهما كما سيأتي
توضيحه.
معنى قاعدة " ترك الاستفصال ":
المفهوم من قاعدة " ترك الاستفصال ": أنه
لو سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) عن مسألة، وكان
لمورد السؤال حالات مختلفة، ولم يستفصل - أي لم
يسأل عنها - بل أجاب من دون تعيين حالة معينة،
فيستفاد من عدم استفصاله عموم الحكم لجميع
الحالات.
ومثلوا لذلك بموارد متعددة، منها:
1 - ما ورد: من أن غيلان بن سلمة حينما
أسلم كان له عشر زوجات، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله):
" اختر منهن أربعا " (2) ولم يسأل عن كيفية عقده
عليهن، هل كان على نحو الجمع أو الترتيب. فإطلاق
كلامه (صلى الله عليه وآله) دال على أنه لا فرق في الحكم - وهو
إمساك أربع وإطلاق سائرهن - بين العقد عليهن
على نحو الجمع أو الترتيب (3).
ومثل غيلان: قيس بن الحارث، وعروة بن
مسعود الثقفي، ونوفل بن معاوية، حيث أسلموا
ولهم أكثر من أربع نسوة، فأمرهم الرسول (صلى الله عليه وآله)
بإمساك أربع وإطلاق سراح سائرهن (1).
2 - سؤال كثير من الحاج النبي عند الجمرة في
التقديم والتأخير، وجواب النبي (صلى الله عليه وآله): " لا حرج "
من دون استفصال بين العمد والسهو، والعلم
والجهل (2).
3 - جوابه (صلى الله عليه وآله) ب‍ " نعم " للمرأة التي سألت
عن الحج عن أبيها بعد موته، ولم يستفصل هل
أوصى أم لا؟ (3)

(1) الوافية: 114 - 115، والقوانين 1: 225 - 226.
(2) أنظر: مسند أحمد 2: 19، الحديث 4609 من مسند
عبد الله بن عمر، وسنن ابن ماجة 1: 628، كتاب
النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة،
الحديث 1953، وعوالي اللآلي 1: 228، الحديث 123.
(3) خلافا لأبي حنيفة الذي كان يرى: أن العقد لو كان على
نحو الجمع - بأن عقد عليهن بعقد واحد - انفسخ عقدهن،
ولو كان مترتبا تعين إبقاء الأربع الأول. أنظر:
المغني (لابن قدامة) 7: 540، والقواعد والفوائد 1:
206، القاعدة 59، وتمهيد القواعد: 170، القاعدة 57.
(1) أنظر: سنن ابن ماجة 1: 628، كتاب النكاح، باب
الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، الحديث
1952، وسنن البيهقي 7: 184، والمغني (لابن قدامة)
7: 540، وانظر أيضا: الوسائل 20: 524، الباب 6
من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، والقواعد والفوائد 1:
206، القاعدة 59، وتمهيد القواعد: 170، القاعدة 57.
(2) أنظر: الوسائل 14: 215، الباب 2 من أبواب الحلق،
الحديث 2، وصحيح مسلم 2: 948، باب من حلق قبل
النحر، أو نحر قبل الرمي، والقواعد والفوائد 1: 207،
وتمهيد القواعد: 173.
(3) صحيح مسلم 2: 973، باب الحج عن العاجز،
الحديث 407، وانظر الوسائل 11: 77، الباب 31 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه، الحديث 2، والقواعد
والفوائد 1: 207، وتمهيد القواعد: 173.
464

الفرق بين قاعدة " ترك الاستفصال " والقاعدة
الأخرى عن الشافعي:
وفرقوا بين القاعدتين المنقولتين عن
الشافعي: بأن " قاعدة ترك الاستفصال " إنما تكون
عندما يسأل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) عن حكم
قضية يحتمل وقوعها على وجوه متعددة، فيرسل
الحكم - في قالب اللفظ والعبارة - من غير استفصال
عن أحوال وجهات القضية، فإن جوابه عندئذ
يكون شاملا لتلك الوجوه، إذ لو كان مختصا ببعضها
لبينه للسائل.
وأما القاعدة الثانية، فليس فيها سوى فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) أو فعل شخص يترتب
الحكم عليه، ويحتمل وقوع ذلك الفعل على وجوه
متعددة. فمجرد وقوع الفعل من النبي (صلى الله عليه وآله) أو من
شخص آخر وبيان النبي (صلى الله عليه وآله) حكمه لا يدل على
جواز إسراء الحكم الوارد فيه إلى جميع حالاته
ووجوهه.
ومما ذكروه مثالا لهذه القاعدة:
1 - ترديد النبي (صلى الله عليه وآله) لماعز - وقد أقر بالزنا -
أربع مرات في أربعة مجالس (1)، فيحتمل أن يكون قد
وقع ذلك اتفاقا، لا أنه شرط، فيكفي وقوع
الإقرارات الأربعة في مجلس واحد (1).
2 - حديث أبي بكرة لما ركع ومشى إلى
الصف حتى دخل فيه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " زادك
الله حرصا، ولا تعد " (2). فالمشي قد يكون قليلا، وقد
يكون كثيرا. فيحتمل أن يكون أبو بكرة قد مشى
قليلا، والنهي عن الإعادة كان لأجل ذلك، فلا
يشمل ما لو كان كثيرا (3).
حجية القاعدتين:
أما القاعدة الأولى، وهي " ترك
الاستفصال " فقد تمسك بها الفقهاء، وخاصة من
زمن العلامة.
قال العلامة في مسألة من نسي الاستنجاء
حتى صلى أعاد صلاته: "... وفي الصحيح عن
زرارة: " قال: توضأت يوما ولم أغسل ذكري ثم
صليت، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: اغسل
ذكرك وأعد صلاتك " لا يقال: يحمل على أن الترك
كان عمدا لا سهوا. لأنا نقول: ترك الاستفصال في

(1) أنظر: الوسائل 28: 101، الباب 15 من أبواب حد
الزنا، وصحيح البخاري 4: 176 - 177، كتاب
المحاربين، باب لا يرجم المجنون والمجنونة، وصحيح مسلم
3: 1318، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه
بالزنا.
(1) أنظر: القواعد والفوائد 1: 207 - 208، وتمهيد
القواعد: 173.
(2) سنن النسائي 2: 118، الركوع دون الصف.
(3) أنظر: القواعد والفوائد 1: 208، وتمهيد القواعد:
173، ويحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله) نهى عن العود ثانية إلى ما
فعله، لا أنه نهى عن إعادة الصلاة.
465

حكاية الحال يجري مجرى العموم في المقال... " (1).
وقال الشهيد الثاني في مسألة وجوب غسل
مس الميت: "... وقد تقرر في الأصول: أن ترك
الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يدل
على العموم في المقال، وإلا لزم الإغراء بالجهل " (2).
وقال صاحب الحدائق: "... قد تقرر
عندهم: أن عدم الاستفصال في مقام الاحتمال دليل
على العموم في المقال... " (3).
وممن تمسك بها أيضا: ولد العلامة فخر الدين،
والشهيدان، والمحقق الثاني، وصاحب المدارك،
والسبزواري، والخوانساري، والإصفهاني،
والطباطبائي، والنراقي، وصاحب الجواهر،
والأنصاري، والهمداني، وغيرهم (4).
وأما الأصوليون فقد ذكروها في مباحث
العام والخاص، لكنها حذفت منها بالآونة الأخيرة
وإن استمر التمسك بها في الفقه وأرسلوها إرسال
المسلمات.
وممن ذكرها من المتقدمين السيد المرتضى،
فإنه أورد مضمون القاعدة وإن لم يسمها. قال: " إذا
سئل (عليه السلام) عن حكم المفطر، فلا يخلو جوابه عن
ثلاثة أقسام:
إما أن يكون عام اللفظ، نحو أن يقول: " كل
مفطر فعليه الكفارة ".
والقسم الثاني - أن يكون الجواب في المعنى
عاما، نحو أن يسأل (عليه السلام) عن رجل أفطر، فيدع
الاستكشاف عما به أفطر، ويقول (عليه السلام): " عليه
الكفارة " فكأنه قال: " من أفطر فعليه الكفارة ".
والقسم الثالث - أن يكون السؤال خاصا،
والجواب مثله، فيحل محل الفعل " (1).
ومثله قال الشيخ في العدة (2).
وسيأتي أن الفعل لا عموم فيه.
وممن تطرق إلى القاعدة في الأصول:
العلامة (3)، والشهيد الأول (4)، والشهيد الثاني (5)،

(1) المختلف 1: 270، والنص منقول من الطبعة الحجرية:
20، لوجود الخلاف بينهما، والترجيح للحجرية هنا.
(2) روض الجنان: 114.
(3) الحدائق 5: 266.
(4) أنظر: إيضاح الفوائد 1: 234، والروضة البهية 4:
224، والذكرى 2: 277، وجامع المقاصد 4: 154،
والمدارك 5: 149، و 6: 111، وذخيرة المعاد: 13،
وكفاية الأحكام: 144، ومشارق الشموس: 342،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 46، والرياض (الحجرية)
1: 12 و 15 و 258، ومستند الشيعة (الحجرية) 2:
60 و 306، والجواهر 3: 384، و 5: 153، والطهارة
(للشيخ الأنصاري) الحجرية: 45 و 394، والمكاسب
(للشيخ الأنصاري) 3: 363، ومصباح الفقيه 1: 107
و 587 و 593.
(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 292.
(2) العدة في أصول الفقه 1: 374.
(3) تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 38.
(4) القواعد والفوائد 1: 205 - 209، القاعدة 59 في
العام والخاص، الفائدة 2.
(5) تمهيد القواعد: 170، القاعدة 57.
466

وصاحب الوافية (1)، وصاحب القوانين (2)، والسيد
الطباطبائي (3).
والمعروف بينهم القول بإفادة ترك الاستفصال
للعموم، لكن على تفصيل يأتي توضيحه.
وأما القاعدة الثانية، فهي تدخل في عنوان:
" إن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) هل يدل على
العموم والإطلاق، أو لا؟ ".
المعروف عدم إفادة مجرد الفعل العموم أو
الإطلاق، بل استظهر السيد الطباطبائي عدم الخلاف
فيه (4). وممن صرح بعدم إفادة الفعل العموم: السيد
المرتضى (5) والشهيدان (6) وصاحب القوانين (7).
مدى حجية قاعدة " ترك الاستفصال ":
ذكروا لمورد القاعدة عدة حالات:
1 - أن يسأل عن واقعة حدثت بالفعل وكان
المسؤول عالما بجهة وقوعها.
ففي هذه الحالة يحمل الجواب على تلك الجهة،
ولا يستفاد منه عموم الحكم لسائر الجهات.
2 - أن يسأل عن واقعة، ويشك السائل في
كون المسؤول مطلعا على جهة الواقعة.
وفيها صورتان:
أ - أن تكون للواقعة جهة ظاهرة وشائعة
تنصرف إليها، فيحمل الجواب على تلك الجهة،
ولا يكون عاما لجميع الجهات.
ب - أن لا تكون لها جهة ظاهرة تنصرف
إليها، فينزل الجواب على العموم، لأن المسؤول لم
يستفصل عن جهة الواقعة، إذ لو كان الجواب خاصا
بجهة معينة للزم بيان ذلك وإلا لزم الإغراء
بالجهل (1).
3 - أن يسأل عن واقعة لم تقع بعد، وهذه لها
الصورتان المتقدمتان أيضا. أي تارة يكون للواقعة
جهة ظاهرة وشائعة فيحمل الجواب عليها، وتارة
لا يكون لها جهة شائعة فيحمل على العموم.
وهذا التفصيل في الحالتين الأخيرتين مستفاد
من كلام صاحب الوافية (2)، وصاحب القوانين (3)،
والسيد الطباطبائي (4) مع اختلاف يسير بينهم.
والظاهر من الشهيدين القول بإفادة ترك
الاستفصال العموم في الحالة الثانية والثالثة من دون

(1) الوافية: 114.
(2) القوانين 1: 225.
(3) مفاتيح الأصول: 151.
(4) مفاتيح الأصول: 152، وانظر أصول الفقه
(للخضري): 164.
(5) تقدم استخراج أقواله قبل قليل في هذه الصفحة وما قبلها.
(6) تقدم استخراج أقواله قبل قليل في هذه الصفحة وما قبلها.
(7) تقدم استخراج أقواله قبل قليل في هذه الصفحة وما قبلها.
(1) ذكر التعليل الشهيد الثاني في روض الجنان، وقد
جاءت عبارته في الصفحة المتقدمة.
(2) الوافية: 115.
(3) القوانين 1: 226.
(4) مفاتيح الأصول: 151 - 152.
467

تفصيل بين وجود جهة ظاهرة وشائعة تنصرف
إليها الواقعة، وبين عدمها.
مظان البحث:
أما في الفقه فقد تعرضوا للقاعدة في موارد
الحاجة إليها، إما مكتفين بتطبيقها، أو ذاكرين بعض
ما يرتبط بها من التفصيلات والتعليلات.
وأما في الأصول فقد ذكرت القاعدة في
مباحث العام والخاص عند الكلام عما يمكن أن
يدل على العموم.
استقراء
لغة:
من القرو، أي القصد، والتتبع (1)، يقال:
قروت البلاد قروا، وقريتها قريا، واقتريتها
واستقريتها: إذا تتبعتها تخرج من أرض إلى أرض (2).
اصطلاحا:
عرفه المنطقيون والأصوليون والفقهاء بألفاظ
مختلفة تشترك جميعها في حقيقة واحدة، فقد عرفه
المحقق الحلي بأنه: " الحكم على جملة بحكم، لوجوده
فيما اعتبر من جزئيات تلك الجملة " (1)، وعرفه
الشهيد الثاني بأنه: " الاستدلال بحال الجزئيات
على حال كلي " (2)، وعرفه المحقق القمي بأنه:
" الحكم على الكلي بما وجد في الجزئيات " (3)،
وعرفه الشهيد الصدر بأنه: " استنتاج قانون عام
من تتبع حالات جزئية كثيرة " (4).
والكل يريد معنى واحدا، وهو: استنتاج
قانون كلي، أو قاعدة كلية من تتبع حالات أفراد
ذلك الكلي.
مثال ذلك من التجربيات: استفادة قانون
" كل حديد يتمدد بالحرارة " من مشاهدة أفراد
الحديد المتنوعة التي تمددت بالحرارة.
ومثاله من الفقهيات: ما ذكره المحقق الحلي
من أنه: " لا شئ من الواجب يصلى على
الراحلة " (5)، أو ما ذكره الشيخ الأنصاري - حسب
ما نسب إليه - من: كفاية إشارة الأخرس في جميع
ما يصدر منه من العقود والإيقاعات والعبادات
القولية، كالتكبير والتلبية، والقراءة ونحوها (6).

(1) القاموس المحيط: " قرو ".
(2) لسان العرب: " قرا ". وأما تعريفه في المصباح المنير
بأنه: " تتبع أفراد الأشياء لمعرفة أحوالها وخواصها "
فهو تحميل للمعنى الاصطلاحي على اللغوي.
(1) معارج الأصول: 220.
(2) رسالة الاقتصاد (المطبوعة مع حقائق الإيمان): 181.
(3) القوانين (طبعة 1287) 2: 290.
(4) المعالم الجديدة: 161.
(5) معارج الأصول: 220.
(6) نسبه إليه تلميذه الآشتياني في كتابه القضاء: 178.
468

الفرق بين الاستقراء وقاعدة إلحاق الشئ بالأعم
الأغلب:
تجري على ألسنة الفقهاء قاعدة أخرى ربما
تشبه الاستقراء، لكنها تختلف عنه، وهي قاعدة
" إلحاق الشئ بالأعم الأغلب " ومفادها: أنه لو
كان لماهية - كالإنسان مثلا - صنفان، وكان أحدهما
في جانب القلة، والآخر في جانب الكثرة
- كالإنسان ذي رأسين، والإنسان ذي رأس واحد،
فإن الأول في جانب القلة، والثاني في جانب الكثرة
والغلبة - ثم شككنا في فرد: هل هو من الصنف
الكثير الغالب، أو من الصنف القليل؟ فالقاعدة
تقتضي إلحاقه بالصنف الغالب.
ويمكن تصوير القاعدة أيضا فيما لو أحرزنا
جانب الغلبة وشككنا في أصل وجود القلة، كما لو
فرضنا في المثال السابق الإنسان ذا عشرة رؤوس
بدلا من ذي رأسين.
والفرق بين هذه القاعدة والاستقراء هو:
أنا ربما نقطع بوجود أفراد مخالفة للجانب الغالب،
كما في المثال الأول، وهذا لا يجوز في الاستقراء،
فإنا لو قطعنا بوجود فرد لا يشترك مع سائر
الأفراد في الحكم، فلا يحصل الاطمئنان بنتيجة
الاستقراء.
وبذلك صرح المحقق الإصفهاني، حيث
قال: " إن ملاك إفادة الغلبة للظن مغاير لملاك إفادة
الاستقراء الناقص للظن، فإن الغلبة تجامع القطع
بمخالفة الأفراد الغالبة للأفراد النادرة دون
الاستقراء الناقص " (1).
وأما من حيث الاعتبار والحجية فقد صرح
بعضهم: بأن قاعدة " إلحاق الشئ... " أقل درجة
من قاعدة الاستقراء (2).
أقسام الاستقراء:
ينقسم الاستقراء إلى قسمين: الاستقراء التام
والاستقراء الناقص:
الاستقراء التام:
وهو أن يفحص الإنسان جميع جزئيات كلي
معين فيرى اشتراكها في أمر واحد، ثم يحكم على
الكلي بذلك الأمر المشترك. وقد ادعى بعض الفقهاء
والأصوليين (3) عدم وقوعه في الفقه، إلا أنه يظهر
من كلمات بعضهم وقوعه، مثل:
1 - ما ذكره الشيخ الأنصاري دليلا على
حجية الاستصحاب، فقال: " إنا تتبعنا موارد الشك
في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع، فلم
نجد من أول الفقه إلى آخره موردا إلا وحكم
الشارع فيه بالبقاء إلا مع أمارة توجب الظن
بالخلاف... " إلى أن قال:
" والإنصاف أن هذا الاستقراء يكاد يفيد
القطع، وهو أولى من الاستقراء الذي ذكر غير واحد

(1) حاشية المكاسب (للإصفهاني) الحجرية 3: 123.
(2) مصباح الفقاهة 6: 16.
(3) كالمحقق القمي على ما يأتي في الصفحة القادمة.
469

- كالمحقق البهبهاني وصاحب الرياض -: أنه المستند
في حجية شهادة العدلين على الإطلاق " (1).
2 - ما ذكره الشيخ الأنصاري أيضا - على ما
نسب إليه -: من دلالة الاستقراء القطعي على كفاية
الإشارة في جميع ما يصدر من الأخرس، من العقود
والإيقاعات والعبادات القولية كالتكبير والتلبية
والقراءة وغيرها، فإن الشارع اكتفى من الأخرس
في جميعها بالإشارة المفهمة، ونزلها منزلة الكلام
والقول (2).
3 - ومثل ما نسب إلى الوحيد البهبهاني
وصاحب الرياض: من أن المستند في حجية شهادة
العدلين على الإطلاق هو الاستقراء، كما مر (3).
4 - ومثل ما ادعاه صاحب الرياض: من
" أن الأصل في الشهادة رجلان بحكم الاستقراء " (4).
5 - ومثل ما قيل: " إن ما يجب فيه الخمس
سبعة بحكم الاستقراء " (5).
وموارد أخرى يعثر عليها المتتبع في الفقه.
الاستقراء الناقص:
وهو أن يفحص الإنسان بعض أفراد الكلي
ويرتب على جميع الأفراد حكما عاما، مثل: أن
يفحص بعض أفراد الزنوج فيراهم سودا، ثم يحكم
على جميع الزنوج بأنهم سود.
وأمثلته في الفقهيات كثيرة، منها ما ذكره
المحقق في المعارج، وهو: أن تتبع الصلوات الواجبة
واستقراءها يدلنا على أنه: لا شئ منها يصلى على
الراحلة. ولذلك لو شككنا في صلاة " الوتر " أنها
واجبة أو لا؟ نقول: إنها ليست واجبة، لأنها يجوز
إتيانها على الراحلة، ولو كانت واجبة لما جاز أن
تصلى على الراحلة (1).
وأكثر الاستقراءات المدعاة في الفقه من هذا
القبيل، وأما الاستقراء التام فقليل الوقوع فيه،
ولعله إلى هذا يشير كلام الشهيد الثاني حيث قال:
" الاستقراء هو الاستدلال بحال الجزئيات على حال
كلي، فحصول العلم عنه قريب من الحدسيات
والمتواترات التي هي قسم من البديهيات، وهو قليل
الوقوع في المسائل الشرعية " (2) بل صرح المحقق
القمي بذلك فقال بالنسبة إلى الاستقراء التام: " وهو
يفيد اليقين ولا ريب في حجيته، لكنه مما لا يكاد
يوجد في الأحكام الشرعية " (3) ثم قال بالنسبة إلى
الاستقراء الناقص: " وأمثلته في الشرع كثيرة " (4).

(1) فرائد الأصول 3: 55.
(2) نسبه إليه تلميذه الآشتياني في كتاب القضاء: 178.
(3) مر قبل قليل.
(4) الرياض (الحجرية) 2: 441.
(5) المدارك 5: 360.
(1) معارج الأصول: 220.
(2) رسالة الاقتصاد (المطبوعة مع حقائق الإيمان): 181.
(3) القوانين (طبعة 1287): 290.
(4) المصدر نفسه.
470

الاستقراء مباشر وغير مباشر:
قسم السيد الصدر الاستقراء إلى مباشر وغير
مباشر:
1 - الاستقراء المباشر:
وهو أن تكون نتيجة الاستقراء بنفسها دليلا
على الحكم الشرعي، كالأمثلة المتقدمة.
2 - الاستقراء غير المباشر:
وهو: " أن نستدل بالاستقراء لا على الحكم
مباشرة، بل على وجود دليل لفظي يدل بدوره على
الحكم الشرعي، ففي هذا الاستقراء نكتشف بصورة
مباشرة الدليل اللفظي، وبعد اكتشاف الدليل اللفظي
عن طريق الاستقراء نثبت الحكم الشرعي بذلك
الدليل اللفظي " (1).
والأمثلة التي ذكرها السيد الصدر لهذا النوع
من الاستقراء هي: التواتر، والإجماع، والشهرة،
والخبر، والسيرة.
ففي التواتر نستقري أفراد الخبر المتواتر
المتحدة في اللفظ والمعنى - في التواتر اللفظي - أو في
المعنى فقط - في التواتر المعنوي - فيحصل بهذا
الاستقراء العلم أو الاطمئنان بصدور مفاد هذه
الأخبار. وفي المرحلة الثانية يكون مفاد هذه
الأخبار دليلا على الحكم الشرعي.
وكذا في الإجماع، فباستقراء آراء الفقهاء
وحصول العلم باتفاقهم في مسألة ما، يحصل العلم أو
الاطمئنان بأن اتفاقهم في المسألة كاشف عن وجود
دليل كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) وإن لم يصل إلينا
ذلك الدليل، ثم يكون ذلك الدليل هو الدليل المباشر
على الحكم الشرعي، فالاستقراء كاشف عن ذلك
الدليل.
حجية الاستقراء:
لا إشكال في حجية الاستقراء التام، لإفادته
القطع، والقطع حجيته ذاتية، ولذلك لم ينكر أحد
ذلك، نعم استشكل بعضهم في تحققه ووقوعه في
الفقه.
وأما الاستقراء الناقص، فالمعروف بين
الفقهاء والأصوليين عدم حجيته، لعدم إفادته
القطع، بل أكثر ما يفيد الظن، * (وإن الظن لا يغني من
الحق شيئا) * (1) إلا ما قام الدليل على حجيته
بالخصوص، مثل الظن الحاصل من خبر الثقة، ولم
يقم دليل خاص على حجية الظن الحاصل من
الاستقراء.
نعم يمكن القول بحجيته على بعض المباني أو
في بعض الحالات، نشير إليها فيما يلي:
1 - إذا قلنا بحجية مطلق الظن الحاصل
للمجتهد إذا لم يقم على نفيه دليل خاص - بناء على
القول بانسداد باب العلم في عصرنا - كما ذهب إليه

(1) المعالم الجديدة: 165.
(1) النجم: 28.
471

بعض الأصوليين، منهم: المحقق القمي (1) والسيد
الطباطبائي (المجاهد) (2) فإنهما صرحا بالانسداد
وبحجية الاستقراء الناقص.
وربما يمكن استظهار القول بالحجية من
الوحيد البهبهاني (3) والسيد الطباطبائي (صاحب
الرياض) (4) أيضا، بل قال السيد المجاهد: " قد
يستفاد من القائلين بأصالة حجية الظن، حجية
الاستقراء، لأنه مما لم يقم دليل على عدم
حجيته " (5).
2 - إذا بلغ التتبع والاستقراء في الأفراد حدا
يوجب القطع أو الاطمئنان للفقيه بنتيجة الاستقراء
وإن لم يفحص جميع الأفراد، فإن النسبة بين كثرة
الفحص واحتمال الخلاف نسبة عكسية، فكلما ازداد
الفحص، قل احتمال الخلاف، وربما يقارب الظن
العلم حينئذ (6).
ولعل الاستقراءات التي ادعاها الشيخ
الأنصاري والسيد الطباطبائي (صاحب الرياض)
من هذا القبيل، قال الثاني - بعد اختيار القول
المشهور في كفاية الإقرار مرة في إثبات وطء
البهائم، ونقل لزوم الإقرار مرتين عن بعض
الفقهاء -: " لم نعرف له مستندا إلا أن يكون
الاستقراء، ولا بأس به إن أفاد ظنا معتمدا " (1).
وربما يظهر ذلك من صاحب الجواهر أيضا
حيث استدل بالاستقراء على أن كل ما يقع في البئر
ففيه مقدر يجب نزح البئر طبقه، لكن وصل إلينا
بعضه، ولم يصل إلينا بعضه الآخر. ثم استشكل
عليه: بأنه لا يفيد العلم، ثم دفع الإشكال عنه،
فقال: "... ودعوى أن الاستقراء إن لم يفد العلم
فلا حجة فيه، لكونه قياسا، وإفادته العلم ممنوعة،
يدفعها: أنا نمنع عدم حجيته على التقدير الأول، إذ
الظاهر حجية مثله، لاستفادته من الأدلة، بل كثير
من القواعد الشرعية مبناها على ذلك... لكن ومع ذا
لا يخلو من إشكال، لاحتياجه إلى تحرير ليس هذا
محله " (2).
3 - إذا اكتشفنا علة الحكم عن طريق
الاستقراء الناقص، فيمكن حينئذ إسراء الحكم في
كل مورد تحققت فيه تلك العلة.
وهذا ممكن في الأمور الحسية والتجربية، كما

(1) القوانين (طبعة 1287): 290.
(2) مفاتيح الأصول: 526 - 527.
(3) يمكن أن يستفاد ذلك مما نسب إليه، كما مر في الصفحة
470.
(4) يمكن أن يستفاد ذلك من كثرة استدلاله بالاستقراء في
أبواب كثيرة، كما سبقت الإشارة إلى بعضها، ومن
استدلاله على حجية مطلق الظن كما نقله عنه الشيخ
الأنصاري. أنظر فرائد الأصول 3: 382.
(5) مفاتيح الأصول: 527.
(6) أنظر القوانين (طبعة 1287): 290.
(1) الرياض (الحجرية) 2: 499، ولعله من جهة القول
بالانسداد كما احتملناه آنفا.
(2) الجواهر 1: 268.
472

في كشف: أن علة التمدد في الحديد الحرارة.
وأما في الأحكام الشرعية فتحققه نادر، لعدم
إمكان كشف علل الأحكام غالبا.
وللسيد الصدر نظرية جديدة لإثبات حجية
الاستقراء على أساس حساب الاحتمالات، يراجع
تفصيلها في كتابه " الأسس المنطقية للاستقراء ".
استنباط
راجع قسم الفقه: استنباط.
إشارة
لغة:
راجع قسم الفقه: إشارة.
اصطلاحا:
الإشارة عند الأصوليين قسم من الدلالات،
يقال لها: دلالة الإشارة.
وعرفوها بأنها: " ما لم يقصد عرفا من
الكلام، ولكن يلزم المقصود " (1).
وبعبارة أخرى، هي: دلالة الكلام على أمر
لازم لمدلوله، لزوما غير بين، أو بينا بالمعنى الأعم (1).
وبالقيود المذكورة خرجت الدلالة بالمنطوق،
لأنها دلالة اللفظ على المدلول بالمطابقة لا بالالتزام،
وهي مقصودة للمتكلم.
وخرجت أيضا الدلالة بالمفهوم، لأنها دلالة
اللفظ على المدلول بالالتزام، ولكن مع كون اللزوم
بينا بالمعنى الأخص، وهي مقصودة أيضا (2).

(1) الوافية (للفاضل التوني): 229.
(1) أصول الفقه (للمظفر) 1: 121، لكن يرى السيد
الخوئي أن اللزوم هنا غير بين، ولذلك أشكل على شيخه
المحقق النائيني الذي جعله لازما بالمعنى الأعم. أنظر:
أجود التقريرات 1: 413 - 414، وفوائد الأصول 1:
477، والمحاضرات 5: 56 - 57.
(2) الدلالة اللفظية - وهي دلالة لفظ على معنى - إما أن
تكون بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام، فالمطابقية: هي
التي يدل اللفظ فيها على تمام المعنى، كدلالة لفظ
" الكتاب " على تمام معناه، والتضمنية: هي التي يدل
فيها اللفظ على جزء معناه، كدلالة " الكتاب " على الجلد
وحده. والالتزامية: هي التي يدل فيها اللفظ على معنى
خارج عن معنى اللفظ لازم له، كدلالة القلم على الدواة.
واللزوم تارة يكون بينا لا يحتاج إلى أكثر من تصور
اللفظ والمعنى، فينتقل الذهن إلى لازم المعنى، وهذا هو
البين بالمعنى الأخص، وتارة يحتاج إلى تصور اللازم
والملزوم والنسبة بينهما، فيحصل الجزم بالملازمة، وهو
البين بالمعنى الأعم، مثل الحكم بأن الاثنين نصف
الأربعة، وتارة لا يحصل الجزم بالملازمة بمجرد ذلك، بل
لا بد من إثباتها، مثل الحكم بأن مجموع زوايا المثلث
يساوي قائمتين، وهو غير البين.
473

وبما تقدم يتضح أن دلالة الإشارة ليست من
دلالة المنطوق (1)، ولا من دلالة المفهوم، وقد سماها
بعضهم ب‍ " الدلالة السياقية "، لأن سياق الكلام
يدل عليها، وقد نسبت هذه التسمية إلى جماعة من
الأساطين (2).
ومثاله: دلالة مجموع قوله تعالى: * (وحمله
وفصاله ثلاثون شهرا) * (3) مع قوله تعالى: * (وفصاله
في عامين) * (4) على أقل مدة الحمل، وهو ستة
أشهر (5).
ومن هذا القبيل دلالة وجوب الشئ على
وجوب مقدمته، لأنه لازم له، لزوما بينا بالمعنى
الأعم، ولذلك جعلوا وجوب المقدمة وجوبا تبعيا
لا أصليا، لأنه ليس مدلولا للكلام بالقصد وإنما
يفهم بالتبع، أي بدلالة الإشارة (6).
حجية دلالة الإشارة:
جرى ذكر هذه الدلالة - ودلالتي الاقتضاء
والإيماء - على لسان الفقهاء والأصوليين، لكن
اكتفوا بذكرها والتمثيل لها بالآيتين من دون أن
يتطرقوا إلى البحث عن حجيتها غالبا. نعم تطرق
إليه بعضهم ويستفاد من كلام بعض آخر.
فمثلا: قال الشهيد الأول: " يستفاد من دلالة
الإشارة أحكام " (1)، ثم ذكر استفادة أقل الحمل من
الآيتين، وكلامه يدل على حجيتها عنده.
وقال الفاضل التوني: " وحجيته ظاهرة إذا
كان اللازم قطعيا " (2).
وقال المحقق القمي: " وهذه الدلالة متروكة
في نظر أرباب الفن " (3).
لكن قال في بحث مقدمة الواجب: "... نعم
يمكن القول باستلزام الخطاب لإرادتها حتما بالتبع،
بمعنى أنه لا يرضى بترك المقدمة، ولا يجوز تصريح
الآمر بعدم مطلوبيتها، للزوم التناقض من باب دلالة
الإشارة " (4).
فإن طلب المقدمة - ولو تبعا - والرضا بتركها
يستلزم التناقض، فيكون مجموع الطلب والرضا
بالترك دالا بدليل الإشارة على التناقض.
ولأجل التخلص من التناقض لا بد من القول
بعدم الرضا بترك المقدمة وهو معنى وجوبها.
ولعل مقصوده من العبارة الأولى: عدم اعتبار

(1) ويرى بعضهم أنها من دلالة المنطوق غير الصريح، في
مقابل الصريح. أنظر الوافية: 228.
(2) أصول الفقه (للمظفر) 1: 121.
(3) الأحقاف: 15.
(4) لقمان: 14، وذكر بعضهم بدلها آية: * (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين) *. البقرة: 233.
(5) ذكره أغلب من ذكر هذا الدليل. أنظر مثلا الوافية:
229، وفوائد الأصول (1 - 2): 477، وأصول الفقه
1: 124، وغيرها.
(6) أصول الفقه 1: 124.
(1) القواعد والفوائد 1: 245، القاعدة 281.
(2) الوافية: 229.
(3) القوانين 1: 71.
(4) القوانين 1: 104.
474

دلالة الإشارة من باب اعتبار الظهورات، وهذا
لا يمنع من الالتزام باعتبارها من باب الاستلزام
العقلي لو كان قطعيا، كما قال الفاضل التوني.
ويؤيد ذلك ما قاله المظفر في أصوله: " وأما
دلالة الإشارة فحجيتها من باب حجية الظواهر محل
نظر وشك، لأن تسميتها بالدلالة من باب المسامحة،
إذ المفروض أنها غير مقصودة، والدلالة تابعة
للإرادة، وحقها أن تسمى إشارة وإشعارا فقط بغير
لفظ " الدلالة "، فليست هي من الظواهر في شئ
حتى تكون حجة من هذه الجهة.
نعم، هي حجة من باب الملازمة العقلية حيث
تكون ملازمة، فيستكشف منها لازمها سواء كان
حكما أم غير حكم، كالأخذ بلوازم إقرار المقر وإن
لم يكن قاصدا لها، أو كان منكرا للملازمة... " (1).
مظان البحث:
تطرق الأصوليون إلى دلالة الإشارة غالبا في
أول بحث المفاهيم، وتطرق إليها بعضهم في موضوع
مقدمة الواجب أيضا، وفي موارد أخرى بمناسبات
مختلفة.
إشاعة
راجع قسم الفقه: إشاعة.
اشتراك
لغة:
راجع قسم الفقه: اشتراك.
اصطلاحا:
هو إجمالا تعدد معاني اللفظ الواحد.
قسموا الاشتراك إلى قسمين:
الأول - الاشتراك اللفظي، وهو: " تعدد
المعاني الحقيقية للفظ واحد في لغة واحدة "، مثل لفظ
" قرء " المشترك بين الحيض والطهر.
ويقابله الترادف، وهو: " تعدد اللفظ مع
وحدة المعنى الحقيقي "، مثل " ليث " و " أسد ".
الثاني - الاشتراك المعنوي، وهو: " تعدد
أفراد المعنى الحقيقي الواحد للفظ الواحد "، كلفظ
" إنسان " الصادق على جميع أصناف الإنسان
وأفراده (1).
إمكان الاشتراك ووقوعه:
تكلم الأصوليون باختصار في إمكان
الاشتراك ووقوعه، فذكروا في ذلك أقوالا:

(1) أصول الفقه (للمظفر) 1: 124 - 125.
(1) أنظر ما تقدم في أصول الاستنباط: 50، ودروس في
علم الأصول (الحلقة الثانية): 82.
475

الأول - القول بعدم إمكانه، أي استحالته:
نسب ذلك إلى تغلب والأبهري والبلخي (1).
واستدل لهذا القول: بأن الاشتراك موجب
للإخلال بالتفهيم المقصود من الوضع، لخفاء القرائن
غالبا، والتفهيم باستعمال المشترك بحاجة إلى قرينة
معينة للمعنى المطلوب (2).
الثاني - القول بإمكانه عقلا واستحالته
وقوعا: نسب إلى بعض (3).
الثالث - القول بوجوبه ووقوعه: نسب إلى
بعض أيضا (4)، واستدل لهم:
بأن الألفاظ لما كانت متناهية - لتركبها من
الحروف الهجائية، وهي متناهية والمركب من
المتناهي متناه - ولما كانت المعاني غير متناهية ولم
يف المتناهي بغير المتناهي، فلذلك يجب الاشتراك
لتفي الألفاظ بالمعاني (5).
الرابع - إمكانه عقلا ووقوعه خارجا: وهو
الذي ذهب إليه الأكثر (6)، واستدل لهم ب‍:
1 - نقل أهل اللغة الاشتراك في بعض الألفاظ
كلفظ " القرء " للطهر والحيض، و " المولى " للسيد
والعبد.
2 - انسباق المعاني المتعددة من لفظ وتبادرها
منه دليل على وضع اللفظ لتلك المعاني.
3 - عدم صحة سلب المعاني المتعددة عن
اللفظ دليل على وضعه فيها، فإذا لم يصح سلب لفظ
" القرء " عن الحيض والطهر، ولفظ " المولى " عن
السيد والعبد فهو دليل على كونه موضوعا فيهما (1).
بل صرح جملة من الأصوليين بعدم الاعتناء
بدعوى امتناع الاشتراك، قال المحقق النائيني:
" لا إشكال في إمكان الاشتراك والترادف ووقوعهما
في لغة العرب وغيرها، ولا يعتنى ببعض التسويلات
والمغالطات التي فسادها غني عن البيان " (2).
وقال المحقق العراقي: " لا ينبغي الإشكال في
إمكان الاشتراك بالنسبة إلى معنيين وأزيد، بل
وقوعه أيضا في لغة العرب بل وفي غيرها... وحينئذ
فدعوى امتناعه كما عن بعض... في غير
محلها... " (3).
وكذا قال غيرهما (4).

(1) أنظر مفاتيح الأصول: 23.
(2) أنظر كفاية الأصول: 35، المقدمة، أمور عامة، الحادي
عشر.
(3) أنظر مفاتيح الأصول: 23.
(4) المصدر نفسه.
(5) أنظر: كفاية الأصول: 35، المقدمة، أمور عامة، الحادي
عشر، وانظر منتهى الدراية 1: 173 - 174، وأورد
عليه: أن الألفاظ المشتركة متناهية أيضا.
(6) أنظر مفاتيح الأصول: 23.
(1) أنظر: كفاية الأصول: 35، ومنتهى الدراية 1: 173 -
174.
(2) أجود التقريرات 1: 51.
(3) نهاية الأفكار 1: 102.
(4) أصول الفقه 1: 28.
476

نظرية السيد الخوئي في الاشتراك:
يرى السيد الخوئي أن إمكان الاشتراك إنما
يتم على مبنى المشهور في الوضع، من أنه:
إما هو عبارة عن اعتبار الواضع ملازمة بين
اللفظ والمعنى الموضوع له.
أو عبارة عن اعتبار اللفظ وجودا تنزيليا
للمعنى.
أو عبارة عن جعل اللفظ على المعنى في عالم
الاعتبار.
فإن الاعتبار خفيف المؤونة، فيمكن لشخص
واحد أن يعتبر اعتبارين.
وأما على مسلكه في الوضع: من أنه عبارة
عن تعهد الواضع والتزامه النفساني بأنه متى ما
أطلق لفظا خاصا فلا يريد منه إلا المعنى الخاص،
فلا يمكن الاشتراك، لأنه لا يمكن أن يتعهد أولا بأن
لا يستعمل اللفظ إلا في المعنى الخاص، ثم يتعهد
ثانيا بأن لا يستعمل اللفظ في معنى آخر أيضا، إلا
أن يرفع اليد عن التعهد الأول.
ثم استدرك قائلا: " نعم يمكن على مسلكنا
ما تكون نتيجته نتيجة الاشتراك وهو الوضع العام
والموضوع له الخاص (1)، ولا مانع منه، فإن الوضع
فيه واحد، ومحذور الامتناع إنما جاء في تعدد
الوضع " (1).
وقوع الاشتراك في القرآن الكريم:
نسب إلى بعضهم توهم عدم إمكان استعمال
المشترك في القرآن الكريم، وذلك لأن الله تعالى إما
أن يعتمد - في تعيين المراد من المعاني المتعددة للفظ
المشترك - على القرائن، أو لا. فعلى الأول يلزم
التطويل، ولا داعي له. وعلى الثاني يلزم الإهمال
والإجمال في الكلام. وكلاهما غير لائق بكلامه
تعالى (2).
ولكن رد ذلك بأن:
1 - القرائن لا تنحصر بالقرائن المقالية، بل
قد تكون حالية.
2 - عدم صدق التطويل بلا طائل في صورة
الاعتماد على القرائن لمصالح.
3 - عدم كون الإجمال والإهمال غير لائق
بكلامه، بل قد يتعلق الغرض ببيان الكلام مجملا أو
مهملا، كما أخبر تعالى بوقوعه في كلامه، بقوله
تعالى: * (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر
متشابهات) * (3)، والمتشابه هو المجمل (4).

(1) وهو من أنحاء كيفية الوضع، بمعنى أن يلاحظ الواضع
- حين الوضع - معنى عاما يكون وجها وعنوانا لأفراده
ومصاديقه، ثم يضع اللفظ للأفراد والمصاديق. أنظر:
محاضرات في أصول الفقه 1: 53.
(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 214.
(2) أنظر: كفاية الأصول: 35، ومحاضرات في
أصول الفقه 1: 214.
(3) آل عمران: 7.
(4) أنظر: كفاية الأصول: 35، ومحاضرات في
أصول الفقه 1: 214.
477

ما هو سبب الاشتراك؟
المشهور عند الأصوليين: أن سبب الاشتراك
هو الوضع، لأنه قد يوضع لفظ لمعنى ثم يوضع لمعنى
ثان - من دون ملاحظة الوضع الأول - وهكذا (1).
ولكن نقل المحقق النائيني عن بعض المؤرخين
المتأخرين: أن سبب الاشتراك إنما هو اختلاط
اللغات، لأن العرب مثلا كانت لهم عدة لغات - مثل
لغة طي ولغة الحجاز ولغة حمير، ولغة تميم - وبعد
توحيدها صار لبعض اللغات عدة معان (2).
إلا أن السيد الخوئي علق عليه بقوله: " إن
ما ذكره هذا القائل وإن كان ممكنا في نفسه إلا أن
الجزم به مشكل جدا، ولا سيما بنحو الموجبة
الكلية، لعدم الشاهد عليه... " (3).
هل يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى؟
تكلم الأصوليون في جواز استعمال اللفظ
الواحد في أكثر من معنى باستعمال واحد من دون
قرينة سواء كانت المعاني حقائق - كما في المشترك -
أو حقيقة ومجازا. وقد تقدم الكلام عن ذلك في
عنوان " استعمال " فراجع.
اشتغال
لغة:
مصدر اشتغل، وأصله شغل. قال ابن
فارس: " الشين والغين واللام أصل واحد يدل على
خلاف الفراغ " (1).
والاشتغال بالشئ: التلهي - أي الغفلة - به
عن غيره (2).
اصطلاحا:
يراد من الاشتغال (3) - عند إطلاقه في كلام
الفقهاء والأصوليين - اشتغال الذمة بالتكليف، فمن
أمر بالصلاة مثلا، فقد اشتغلت ذمته بالتكليف
بالصلاة.
قاعدة الاشتغال:
قاعدة الاشتغال عبارة عن حكم العقل بأن:

(1) أنظر محاضرات في أصول الفقه 1: 215.
(2) أنظر: أجود التقريرات 1: 51، ومحاضرات في أصول
الفقه 1: 215، واستقرب الشيخ محمد رضا المظفر هذا
الرأي بعد أن قال: " صرح به بعض المؤرخين للغة ".
أنظر أصول الفقه 1: 28، بحث الترادف والاشتراك.
(3) محاضرات في أصول الفقه 1: 215.
(1) معجم مقاييس اللغة: " شغل ".
(2) أنظر: لسان العرب: " لها "، والمعجم الوسيط:
" شغل ".
(3) هذا في غير إرادة المعنى اللغوي منه، كقولهم:
" الاشتغال بالصلاة " أو " الاشتغال بالتعقيب " ونحو
ذلك.
478

" اشتغال الذمة بالتكليف يقينا يستدعي فراغها من
التكليف يقينا أيضا "، وقد تلخص فيقال:
" الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية "، أي
براءة الذمة من التكليف.
والمراد منها: أنه إذا علم المكلف بالتكليف،
فإن ذمته تبقى مشغولة بذلك التكليف حتى يفرغها
ويبرئها منه بامتثاله.
مستند القاعدة:
يدل على القاعدة حكم العقل بلزوم فراغ
الذمة من التكليف الإلزامي، ولذلك أطبق العقلاء
على قاعدة الاشتغال (1)، وأرسلها الفقهاء
والأصوليون إرسال المسلمات، فقالوا: " الاشتغال
اليقيني يستدعي البراءة اليقينية " (2) أو ما شابه ذلك
من العبارات.
شمول القاعدة للعلم الإجمالي:
لا تختص القاعدة بالعلم التفصيلي، بل تشمل
العلم الإجمالي أيضا، لأنه لا فرق بين العلم التفصيلي
والعلم الإجمالي من حيث تنجيز التكليف (3)، فلو
علم المكلف إجمالا بوجوب الظهر عليه أو الجمعة،
فهذا العلم الإجمالي يوجب اشتغال ذمته بالتكليف
المردد بين الظهر والجمعة، فلا بد من إفراغ ذمته منه،
وهو لا يحصل إلا بإتيانهما.
وعدت من هذا القبيل الشبهات البدوية قبل
الفحص، ولذلك منعوا من جريان البراءة فيها لهذا
الدليل ولغيره.
ووجهه: أن المكلف يعلم بوجود تكاليف
شرعية متوجهة إليه إجمالا، وهذا العلم الإجمالي
بالتكليف يستدعي البراءة اليقينية، وهي لا تحصل
إلا بعد الفحص في التكاليف وإفراز ما علم منها
عما يبقى مشكوكا، حتى يصح إجراء البراءة في
المشكوك (1).
راجع: احتياط، شبهة.
تطبيقات القاعدة:
نذكر فيما يلي - تبيينا للقاعدة - بعض النماذج
من تطبيقاتها التي ذكرها الفقهاء:
1 - قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " إذا
غصب طعاما، فأطعم مالكه فأكله مع الجهل بأنه
ملكه، فإنه لا تبرأ ذمة الغاصب بذلك...
دليلنا: أنه ثبت اشتغال ذمته بالغصب، فمن
ادعى براءتها بعد ذلك فعليه الدلالة، وليس ها هنا
دليل على أنه إذا أطعمه برئت ذمته " (2).

(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 521.
(2) أنظر: الرسائل الأصولية (للوحيد البهبهاني): 8،
وفرائد الأصول 2: 87.
(3) أنظر: فوائد الأصول 3: 65، ونهاية الأفكار 3: 46.
(1) أنظر فوائد الأصول 4: 278 - 280.
(2) الخلاف 3: 410، كتاب الغصب، المسألة 23.
479

2 - وقال المحقق في الشرائع: " لا يجزي دفع
القيمة في الكفارة، لاشتغال الذمة بالخصال،
لا بقيمتها " (1).
وخصال الكفارة هي: العتق والإطعام
والصيام.
3 - وقال العلامة بشأن الزكاة في النهاية:
" لا يجزي أخذ الرطب عن التمر، ولا العنب عن
الزبيب، لأنه أقل من الواجب، فإن أخذه الساعي
رجع بما نقص عند الجفاف، لاشتغال الذمة به " (2).
4 - وقال الشهيد في الذكرى: " لو فات
المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها وتعمده،
وجب القضاء، لاشتغال الذمة... " (3).
5 - وقال صاحب الجواهر بالنسبة إلى
وجوب الخروج إلى الحج مع أول وفد إذا لم يطمئن
بوجود وفد آخر: "... إن اشتغال الذمة يقينا
يوجب الإتيان بما يعلم معه حصول الامتثال،
ولا يتحقق ذلك في محل الفرض إلا بالخروج مع
الوفد الأول... " (4).
6 - وقال السيد الحكيم معلقا على كلام السيد
اليزدي في وجوب العلم بدخول الوقت حين
الشروع في الصلاة: " لقاعدة الاشتغال العقلية
الموجبة لتحصيل العلم بالفراغ... " (1).
وغيرها من عشرات الأمثلة التي تمسك فيها
بقاعدة الاشتغال.
راجع: احتياط، شبهة، علم.
اشتهار
راجع: شهرة.
أصالة
راجع: أصل.
أصل
لغة:
أسفل كل شئ، وأساسه، وقاعدته، ومنبته
وما يستند وجوده إليه. فأصل الحائط أسفله
وأساسه وقاعدته، وأصل الشجر جذوره، وأصل
الشعر منبته، وأصل الولد الوالد (2).
والجمع: أصول.

(1) شرائع الإسلام 3: 79.
(2) نهاية الإحكام 2: 351.
(3) الذكرى 4: 205.
(4) الجواهر 17: 227.
(1) المستمسك 5: 149.
(2) أنظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مقاييس اللغة، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، ولسان العرب، والمصباح المنير: " أصل ".
480

اصطلاحا:
استعمل الفقهاء والأصوليون كلمة " الأصل "
في معان عديدة، ربما أنهيت إلى خمسة:
الأول - الدليل، كما يقال: الأصل في هذا
الحكم الكتاب والسنة.
الثاني - الراجح، والمراد منه ما يترجح لو
خلي الشئ ونفسه، ومنه قولهم: الأصل في
الإطلاق الحقيقة، أي لو تردد الأمر عند إطلاق
الكلام بين حمله على الحقيقة أو المجاز، فالراجح حمله
على الحقيقة.
الثالث - القاعدة، كقولهم: " الأصل في البيع
اللزوم "، و " الأصل في تصرف المسلم الصحة "،
أي القاعدة التي وضع عليها البيع اللزوم لا الجواز،
والقاعدة في أفعال المسلم صدورها منه على الوجه
الصحيح.
الرابع - ما يقابل الفرع، كقولهم في باب
القياس: " الخمر أصل النبيذ "، أي أن حكم النبيذ
مستفاد من حكم الخمر.
الخامس - ما يجعل لتشخيص بعض الأحكام
الظاهرية، أو الوظيفة العملية، كالاستصحاب،
وأصل البراءة أو الاحتياط، وأصل التخيير، وأصل
الإباحة ونحوها (1).
قال السيد محمد تقي الحكيم - بعد نقل هذه
المعاني -: " والظاهر أن هذه المعاني وإن تعددت في
بدو النظر في اصطلاح الفقهاء، إلا أن رجوعها إلى
المعنى اللغوي غير بعيد. ومنشأ التعدد في ألسنتهم
اختلاط المفهوم بالمصداق على الكثير، مما حملهم
على الاشتراك اللفظي بينها " (1).
والأصول بصورة عامة، تارة تكون أصولا
عملية تطرح - من حيث البحث لا التطبيق - في
أصول الفقه، مثل أصل البراءة، وأصل الاحتياط،
وأصل التخيير ونحوها. وتارة تطرح في الفقه أو
الأصول أو القواعد الفقهية، وهي التي تكون على
نحو قواعد فقهية، مثل أصل الطهارة، وأصل
الصحة، وأصل الاشتراك في التكليف، ونحوها.
وهناك أصول أخرى لا تكون فقهية
ولا أصولية، بل هي أصول لفظية تتضمن قواعد
ترتبط ب‍ " آداب اللغة "، مثل: أصل الحقيقة،
وأصل عدم النقل، وأصل عدم الاشتراك ونحوها،
وهذه يبحث عنها في المقدمات التي تذكر في بداية
علم الأصول.
وقبل أن نذكر عناوين الأصول، نشير إلى
بعض النقاط:
1 - إن الفقهاء والأصوليين يعبرون غالبا عن
الأصل ب‍ " الأصالة " فيقولون: أصالة الطهارة،
وأصالة البراءة وهكذا، ونحن نتبع استعمالهم.
2 - إن أغلب هذه الأصول مختلف فيها إما في

(1) أنظر: الحدائق 1: 41، والدرر النجفية: 24، والأصول
العامة للفقه المقارن: 39 - 40.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 40.
481

أصل حجيتها أو في مقدارها وكيفيتها.
3 - نذكر فيما يلي عناوين أهم الأصول، مع
الإشارة إلى معانيها وإلى بعض مصادرها إجمالا،
ونحيل التفصيل على الموضع المناسب.
عناوين الأصول العامة:
الأصول التي ترد على ألسنة الفقهاء
والأصوليين كثيرة جدا، لعلها تبلغ العشرات، ولكن
كثيرا منها أصول فرعية، أما الأصلية فهي أقل،
وفيما يلي نذكر أهمها:
1 - أصالة الإباحة:
مفادها: أن الأصل في الأشياء من حيث
الحكم التكليفي هو الإباحة (1)، وقد تقدم الكلام
عنها في عنوان " إباحة ".
2 - أصالة الاحتياط:
مفادها: أن الأصل في موارد الشبهة وعدم
وضوح الحكم الشرعي هو الاحتياط، وتقدم
الكلام عنها في عنوان " احتياط ". وربما يعبر عنها
ب‍: " أصالة الاشتغال " (2).
3 - أصالة الاشتراك:
تعني: أن الأصل اشتراك المكلفين - سواء
كانوا مسلمين أو غير مسلمين، رجالا أو نساء،
أحرارا أو عبيدا - في التكليف إلا ما دل الدليل على
خلافه (1)، وتقدم الكلام عنها في قاعدة الاشتراك
تحت عنوان " اشتراك ".
4 - أصالة الاشتغال:
أي: لو اشتغلت ذمة المكلف بتكليف، ثم شك
في ارتفاع التكليف وفراغ ذمته بإتيان التكليف
ونحوه، فالأصل بقاء اشتغال ذمته بذلك التكليف (2)
حتى يعلم بفراغها، وتقدم الكلام عنها في العنوانين
" احتياط " و " اشتغال ".
5 - أصالة الإطلاق:
أي: أن الأصل في الواجب أن يكون مطلقا
لا مقيدا، فلو شككنا في كون واجب مقيدا أو لا؟
فأصالة الإطلاق تثبت كونه مطلقا غير مقيد (3).
راجع: إطلاق.
6 - أصالة البراءة:
تعني أن الأصل براءة الذمة من التكليف
عند الشك في وجوده، كما لو شك المكلف في
وجوب دفع مال سوى الخمس والزكاة، فالأصل

(1) مصباح الأصول 2: 308.
(2) مصباح الأصول 2: 248 و 297.
(1) العناوين 1: 20، العنوان الأول.
(2) فوائد الأصول 4: 6 - 7.
(3) أصول الفقه 1: 26.
482

براءة ذمته من ذلك (1).
ويأتي تفصيلها في عنوان " براءة ".
7 - أصالة البقاء:
وهي عبارة أخرى عن الاستصحاب، الذي
هو: إبقاء ما كان على ما كان. فلو علمنا بحصول
الطهارة ثم شككنا في بقائها بسبب احتمال صدور
الحدث، فالأصل بقاؤها.
وقد تقدم الكلام عنها في عنوان
" استصحاب ".
ولهذا الأصل مصاديق وفروعات كثيرة.
8 - أصالة البيع في المعاوضات ونقل
الأعيان:
إذا ترددنا في معاوضة أنها صدرت من
الطرفين على نحو الصلح، أو الهبة المعوضة، أو البيع،
فالأصل كونها صادرة على نحو البيع (2).
راجع: معاوضة.
9 - أصالة تأخر الحادث:
لو علمنا بحدوث حادث وشككنا عند
مقايسة حدوثه مع أجزاء الزمان، أو مع حادث
آخر، أنه كان متقدما في حدوثه عليه أو متأخرا،
فالأصل يقتضي عدم تقدمه عليه (1).
10 - أصالة التخيير:
لو دار الأمر بين المحذورين - حيث لم يمكن
الاحتياط - كما لو علمنا بوجوب شئ أو حرمته،
فالأصل تخيير المكلف بين إتيانه وتركه (2).
راجع: تخيير.
11 - أصالة تسلط المالك على ملكه:
الأصل تسلط الملاك على أموالهم وأملاكهم،
فللمالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء ما لم يستلزم
محذورا آخر، كالضرر على الغير. ويعبر عن هذا
الأصل ب‍ " قاعدة السلطنة " أيضا (3).
راجع: سلطنة.
12 - أصالة التعبدية في الواجبات:
إذا دار الأمر بين كون الواجب تعبديا، أي
يحتاج إلى قصد القربة، أو توصليا، أي لا يحتاج،

(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 14، وفوائد الأصول
3: 325.
(2) الجواهر 22: 206.
(1) أنظر: فرائد الأصول 3: 347 - 349، وكفاية
الأصول: 419، وفوائد الأصول 4: 503، ومصباح
الأصول 3: 178 - 181.
(2) أنظر: فرائد الأصول 2: 14، وفوائد الأصول 3:
325.
(3) الجواهر 25: 230.
483

فالأصل يقتضي كونه تعبديا (1).
راجع: تعبد.
13 - أصالة التعيين في الواجب:
لو دار الأمر في واجب بين كونه تخييريا أو
تعيينيا، فالأصل يقتضي كونه تعيينيا، لأن التخيير
يحتاج إلى مؤونة زائدة، وهي منفية (2).
راجع: تعيين، واجب.
14 - أصالة الجد أو أصالة الجهة:
لو شككنا في الكلام الصادر من شخص: هل
صدر على نحو الجد ليجب الأخذ به، أو على نحو
الهزل، أو التقية، كي لا يجب الأخذ به؟ فالأصل
يقتضي كونه على نحو الجد، ويعبر عنه بأصالة الجهة
أيضا، أي الأصل كون جهة صدور الكلام عدم
التقية مثلا (3).
راجع: جد، جهة.
15 - أصالة حجية قول المعصوم (عليه السلام):
الأصل حجية قول المعصوم (عليه السلام) إلا إذا
علمنا بخروج قوله مخرج التقية، فلا يكون
حجة حينئذ (1)، من حيث فقد أصالة الجهة، كما
تقدم.
راجع: سنة.
16 - أصالة حرمة التصرف في مال الغير:
الأصل الأولي حرمة التصرف في أموال
الآخرين إلا برضاهم، أو ما قام مقامه، مثل إذن
الشارع (2).
راجع: إتلاف، إذن، تصرف.
17 - أصالة حرمة العمل بالظن:
الأصل حرمة العمل بالظن بشتى أنواعه
ومهما كان منشؤه، إلا ما قام الدليل على جوازه،
مثل الظن الحاصل من ظهورات الكتاب والسنة،
ويشترط في الأخير ثبوته عن طريق موثق، لأن
الحجة إنما هي خبر الثقة، لا مطلق الخبر.
هذا بناء على القول بانفتاح باب العلم، أما
على القول بانسداده، فالأصل جواز العمل بالظن
إلا ما قام الدليل على حرمة العمل به (3).
راجع: ظن، خبر.

(1) فوائد الأصول (1 - 2): 138، والعناوين 1: 378،
العنوان 12.
(2) أنظر: حقائق الأصول 1: 179، وأصول الفقه 1: 72،
ومحاضرات في أصول الفقه 2: 200 - 201.
(3) مصباح الأصول 3: 351 و 387.
(1) الجواهر 15: 74، وهو من الأمور المفروغ منها.
(2) عناوين الأصول 2: 434، والقواعد الفقهية 2: 17.
(3) أنظر: هداية المسترشدين: 389، وفرائد الأصول 1:
125 و 384، وفوائد الأصول 3: 119.
484

18 - أصالة الحرية:
الأصل في كل إنسان أن يكون حرا، فلو
شككنا في شخص أنه حر أو عبد، ولم تثبت عبوديته
فالأصل كونه حرا (1).
راجع: حرية.
19 - أصالة الحظر:
الأصل في الأشياء - مع غض النظر عن حكم
الشرع - هو الإباحة عند الأكثر، والحظر - أي
المنع - عند بعض، والتوقف عند آخرين (2)، كما تقدم
في عنوان " إباحة ".
20 - أصالة حقن الدم:
راجع: أصالة عصمة الدم.
21 - أصالة الحقيقة:
الأصل في استعمال الألفاظ أن يكون على
وجه الحقيقة، فلو شككنا في لفظ هل هو مستعمل
على نحو الحقيقة أو المجاز، فنحكم بكونه على نحو
الحقيقة، استنادا إلى هذا الأصل (3).
راجع: حقيقة.
22 - أصالة الحل:
عبارة أخرى عن أصالة الإباحة.
23 - أصالة الحيضية في دماء النساء:
الأصل في دماء النساء أن تكون حيضا، فلو
شككنا في دم خرج من المرأة أنه حيض أو لا مع
إمكان كونه حيضا ولم يقم دليل على أنه غير
حيض، فالأصل يقتضي كونه حيضا (1).
راجع: حيض، إمكان / قاعدة الإمكان.
24 - أصالة السلامة:
الأصل في كل شئ أن يكون سالما، فلو
شككنا في سلامة شئ وعدمها فالأصل يقتضي
كونه سالما، كما لو اختلف المتبايعان في سلامة المبيع
عند بيعه ولم يقم دليل على السلامة ولا عدمها،
فنقول: الأصل يقتضي كونه سالما عند البيع (2).
راجع: سلامة.
25 - أصالة الصحة:
الأصل في عمل المسلم أن يكون صادرا على
الوجه الصحيح، فلو شككنا في الفعل الصادر من

(1) أنظر: العناوين 2: 736، العنوان 93، والجواهر 21:
125.
(2) أنظر: فرائد الأصول 2: 90، ومصباح الأصول 2:
308.
(3) أصول الفقه 1: 26.
(1) العناوين 1: 516، العنوان 22.
(2) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 524، والمكاسب
(للشيخ الأنصاري) 5: 271، وكشف الغطاء:
35.
485

المسلم - سواء كان عبادة أو معاملة - هل هو على
النحو الصحيح أو لا؟ فالأصل يقتضي كونه صادرا
على الوجه الصحيح (1).
26 - أصالة الطهارة:
الأصل في الأشياء كونها على الطهارة إلا أن
تلاقي إحدى الأعيان النجسة التي ثبت أن الشارع
اعتبرها نجسة، أو تلاقي ما يلاقيها. فلو شككنا في
نجاسة شئ، فالأصل كونه على الطهارة حتى تثبت
نجاسته بدليل (2).
راجع: طهارة.
27 - أصالة الظهور:
اللفظ إذا كان ظاهرا في معنى - لكن لا على
وجه التنصيص بحيث لا يحتمل الخلاف - فالأصل
يقتضي حمله على ما هو ظاهر فيه وإن احتمل
خلافه، وبعبارة أخرى: الأصل أن يريد المتكلم من
كلامه ما هو ظاهر فيه (3).
راجع: ظهور.
28 - أصالة العدالة:
بمعنى أن الأصل في المسلم أن يكون عادلا إلا
من ثبت فسقه (1)، فلو شككنا في مسلم هل هو
عادل، أو لا؟ فالأصل كونه عادلا.
راجع: عدالة.
29 - أصالة العدم:
إذا شككنا في وجود شئ أو اتصافه بشئ
فالأصل عدم وجوده أو عدم اتصافه بذلك
الوصف. وهو عبارة أخرى عن استصحاب العدم.
ولهذا الأصل فروع كثيرة نشير إلى أهمها:
أ - أصالة العدم الأزلي:
لما كان كل شئ - غير الله تعالى - مسبوقا
بالعدم، من الأزل، فإذا شككنا في وجود شئ أو
اتصافه بشئ فنستصحب عدمه الأزلي، مثلا: لو
شككنا في امرأة هل هي قرشية - حتى يثبت كونها
تحيض بعد الخمسين - أو لا؟ فنقول: إنها لما لم تكن
في الأزل فلم تكن قرشية آنذاك، أما الآن وبعد
وجودها نشك في كونها قرشية أو لا؟ فنستصحب
عدم كونها قرشية (2).
راجع: عدم.

(1) أنظر: فرائد الأصول 3: 345، وفوائد الأصول 4:
653، ومصباح الأصول 3: 322، والعناوين 2: 744،
العنوان 94.
(2) أنظر: العناوين 1: 482، العنوان 20، والحدائق 1:
134، المقدمة الحادية عشرة.
(3) أصول الفقه 1: 27.
(1) الجواهر 15: 355.
(2) أنظر: كفاية الأصول: 223، ونهاية الأفكار 4:
200، وفوائد الأصول (1 - 2): 532 - 533، وحقائق
الأصول 1: 504، والمستمسك 3: 156، والتنقيح
(الطهارة) 6: 94.
486

ب - أصالة عدم الاشتراك:
إذا شك في دلالة لفظ على معنيين، هل هي
على نحو الاشتراك أو لا؟ فيقال: الأصل عدم
الاشتراك (1).
ج - أصالة عدم التخصيص:
إذا ورد عام وشككنا في كونه مخصصا أو لا،
فالأصل عدم تخصيصه، وهو عبارة أخرى عن
أصالة العموم (2).
د - أصالة عدم تداخل الأسباب والمسببات:
لو تعددت أسباب الحدث كخروج البول
والنوم في الوضوء، والجنابة والحيض في الغسل،
فهل تتعدد المسببات، أي الوضوء في المثال الأول،
والغسل في المثال الثاني أو لا، فكأنه لم يصدر إلا
سبب واحد وهو يقتضي مسببا واحدا؟ وهذا هو
تداخل أو عدم تداخل الأسباب.
وعلى فرض عدم تداخلها - بأن كان كل من
البول والنوم يقتضي وضوءا واحدا - فهل يجوز أن
يكتفى بوضوء واحد لكليهما أم لا؟
وهذا هو تداخل أو عدم تداخل المسببات.
والأصل في كليهما عدم التداخل (3)، إلا إذا
قام الدليل على التداخل، كما في الغسل والوضوء.
ه‍ - أصالة عدم التذكية:
إذا شككنا في تذكية حيوان للشك في أصل
قابليته للتذكية، أو في تحققها بعد قابليته لها، فالأصل
عدم التذكية، وهل الحيوان ميتة حينئذ أو لا؟ فيه
كلام (1).
راجع: تذكية، عدم.
و - أصالة عدم التقدم:
لو شككنا في تقدم شئ على شئ، فالأصل
عدم تقدمه (2)، فهو يقابل أصالة عدم التأخر.
ز - أصالة عدم التقدير:
لو شككنا في تقدير شئ في الكلام يؤثر في
المعنى المراد منه، فالأصل يقتضي عدم التقدير (3).
ح - أصالة عدم التقييد:
إذا شككنا في تقييد المطلق، فالأصل يقتضي
عدم تقييده، وهو عبارة أخرى عن أصالة
الإطلاق.
راجع: أصالة الإطلاق.
ط - أصالة عدم الحاجب وعدم حاجبية
الموجود:
إذا شككنا في وجود حاجب على أعضاء
الوضوء أو الغسل يمنع من وصول الماء إلى البشرة،

(1) أصول الفقه 1: 27.
(2) أصول الفقه 1: 26.
(3) أنظر: كفاية الأصول: 202، وفوائد الأصول (1 - 2):
493، وأصول الفقه 1: 111.
(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 109، وفوائد الأصول 3:
380، ومصباح الأصول 2: 310.
(2) مصباح الأصول 3: 180.
(3) أصول الفقه 1: 26.
487

أو شككنا في كون ما هو موجود حاجبا، فالأصل
يقتضي عدم وجود الحاجب، وعدم حاجبية
الموجود (1).
ي - أصالة عدم الردع:
السيرة العقلائية إنما تكون حجة إذا لم يمنع
عنها الشارع ولم يردعها، فإذا شككنا في سيرة أنها
مردوعة من قبل الشارع أو لا؟ فالأصل عدم
ردعها (2).
راجع: سيرة.
ك - أصالة عدم الغفلة:
لو احتملنا إرادة المتكلم خلاف الظاهر من
كلامه، وأنه غفل عن نصب القرينة على ذلك،
فالأصل عدم غفلته، وأن عدم ذكره القرينة إنما هو
عن قصد، لا عن غفلة، فلذلك يكون ظاهر كلامه
حجة (3).
راجع: غفلة.
ل - أصالة عدم القرينة:
إذا شككنا في وجود قرينة على خلاف ظاهر
الكلام بحيث تمنع من إرادة ظاهره، فالأصل يقتضي
عدم وجودها (4).
راجع: قرينة.
م - أصالة عدم قرينية الموجود:
لو شككنا في شئ هل هو قرينة على خلاف
ظاهر الكلام أم لا؟ فالأصل يقتضي عدم كونه
قرينة على الخلاف (1).
راجع: قرينة.
ن - أصالة عدم المانع، وعدم مانعية الموجود:
راجع: أصالة عدم الحاجب.
س - أصالة عدم الموت:
إذا شككنا في موت إنسان أو حيوان،
فالأصل عدم موته.
وإذا شككنا في حيوان أنه مات حتف أنفه،
أو مات بالتذكية، فالأصل عدم موته حتف الأنف،
كما أن الأصل عدم موته بالتذكية.
راجع: أصالة عدم التذكية.
ع - أصالة عدم النسخ:
إذا شككنا في نسخ حكم شرعي ثابت،
فالأصل عدم نسخه (2).
راجع: استصحاب، نسخ.
ف - أصالة عدم النقل:
1 - لو شككنا في نقل لفظ عن معناه اللغوي،
وصيرورته ذا معنى شرعي كالصلاة، فالأصل عدم
نقله (3).

(1) أنظر فرائد الأصول 3: 245.
(2) حقائق الأصول 2: 137 - 138.
(3) مصباح الأصول 2: 119.
(4) حقائق الأصول 2: 93.
(1) حقائق الأصول 2: 93.
(2) أنظر: فرائد الأصول 3: 225، وفوائد الأصول 4:
461.
(3) أنظر: حقائق الأصول 1: 47، وأصول الفقه 1: 27.
488

2 - لو شككنا بعد عقد البيع في حصول
نقل الثمن والمثمن لأجل احتمال اختلال بعض
الشرائط، فالأصل عدم النقل (1). وهو عبارة
أخرى عن استصحاب بقاء كل من المالين في ملك
صاحبه.
30 - أصالة عصمة دم المسلم وماله:
الأصل عصمة دماء المسلمين وأموالهم،
فلا تحل إراقة دماء المسلمين، وأخذ أموالهم إلا
بسبب محلل شرعا. ولذلك لو شككنا في حلية إراقة
دم مسلم، فالأصل عدم حليته (2).
راجع: إسلام.
31 - أصالة العموم:
إذا شككنا في تخصيص العام، فالأصل بقاؤه
على العموم وعدم تخصيصه (3).
راجع: عموم.
32 - أصالة العينية في الوجوب:
الأصل في الوجوب أن يكون عينيا لا كفائيا،
فلو شككنا في وجوب أنه على نحو عيني أو كفائي،
فالأصل كونه عينيا، لأن الكفائية تحتاج إلى مؤونة
زائدة، والأصل عدمها (1).
راجع: وجوب.
33 - أصالة الفساد:
أ - الأصل فساد فعل غير المسلم حتى تحرز
صحته، فلو شككنا في صحة الفعل الصادر من غير
المسلم - كما إذا وكل في إجراء عقد بيع - فالأصل
فساده ما لم تحرز صحته (2).
ب - الأصل فساد المعاملات - أي العقود
والإيقاعات - ما لم يحرز اشتمالها على كل ما يعتبر
فيها من الأجزاء والشرائط، فلو شككنا في صحة
عقد أو إيقاع من جهة الشك في اشتراط شرط، أو
في تحققه مع العلم باشتراطه، فالأصل فساده (3).
راجع: فساد، معاملات.
34 - أصالة قبول كل حيوان للتذكية:
بمعنى أن الأصل في الحيوان أن يكون قابلا
للتذكية، فلو شككنا في قبول حيوان للتذكية،
فالأصل قبوله ما لم يدل دليل على المنع (4).
راجع: تذكية.

(1) الجواهر 22: 275.
(2) الجواهر 21: 124 و 143.
(3) أصول الفقه 1: 26.
(1) أنظر: حقائق الأصول 1: 177 - 178، ومحاضرات
في أصول الفقه 2: 202 - 204، وأصول الفقه 1: 71.
(2) الجواهر 8: 55.
(3) العناوين 2: 6، العنوان 27، والقواعد الفقهية 3:
122.
(4) فوائد الأصول 3: 380.
489

35 - أصالة اللزوم:
الأصل في العقود أن تكون لازمة، أي
لا يجوز فسخها إلا بسبب. والعقود الجائزة هي التي
يمكن فسخها بدون سبب، وكونها جائزة يحتاج إلى
دليل (1).
راجع: عقد، لزوم.
36 - أصالة النفسية في الوجوب:
لو دار الأمر بين كون الوجوب نفسيا أو
غيريا، فالأصل يقتضي كونه نفسيا (2).
راجع: نفسي، وجوب.
37 - أصالة الوقف:
راجع: أصالة الإباحة، وأصالة الحظر.
الأصل السببي والأصل المسببي
إذا كان الشك في شئ ناشئا من الشك في
شئ آخر ومسببا عنه، فيقال للأصل الجاري في
ناحية السبب: " الأصل السببي "، وللأصل الجاري
في ناحية المسبب: " الأصل المسببي ". مثاله:
إذا غسلنا الثوب النجس بماء، ثم حصل
الشك في طهارة الثوب، وكان سبب ذلك الشك في
طهارة الماء، فلو استصحبنا طهارة الماء - إذا كانت
الحالة السابقة له هي الطهارة - كان ذلك أصلا
سببيا، واستصحاب نجاسة الثوب أصلا مسببيا.
والشك في بقاء نجاسة الثوب ناشئ من الشك في
نجاسة الماء.
تقديم الأصل السببي على المسببي:
الظاهر أنه لا إشكال، بل لا خلاف - كما
قيل (1) - في تقديم الأصل السببي على الأصل
المسببي، ولذلك يقدم استصحاب طهارة الماء على
استصحاب نجاسة الثوب المغسول به، ويحكم
بطهارة الثوب.
نعم اختلفوا في وجه هذا التقديم هل هو
الورود أو الحكومة؟
استظهر المحقق العراقي من صاحب الكفاية:
أنه على نحو الورود. لكن المعروف هو أنه على نحو
الحكومة.
واختلف القائلون بكونه على نحو الحكومة في
كيفية تفسيرها وتوجيهها.

(1) العناوين 2: 36، العنوان 29، والقواعد الفقهية 5:
163.
(2) أنظر: حقائق الأصول 1: 177 - 178، ومحاضرات في
أصول الفقه 2: 199، وأصول الفقه 1: 72.
(1) أنظر فرائد الأصول 3: 394، وادعي فيه الإجماع على
ذلك، ونهاية الأفكار 4 (القسم الثاني): 113، وادعي
فيه الاتفاق، وفوائد الأصول 4: 682، وادعي فيه عدم
الإشكال على ذلك.
490

كيفية توجيه ورود الأصل السببي على الأصل
المسببي:
قال المحقق العراقي في استظهاره الورود
من كلام صاحب الكفاية: " إن الاستصحاب
الجاري في السبب - في المثال - والحكم بطهارته
موجب لليقين بطهارة الثوب المغسول به، لكونه من
آثاره، فيوجب خروج المسبب حقيقة من أفراد
عموم حرمة نقض اليقين بالشك، إذ يكون رفع اليد
عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه
نقضا لليقين باليقين، لا من نقض اليقين
بالشك... " (1).
كيفية توجيه الحكومة:
ذكر الأصوليون عدة توجيهات للحكومة،
نذكر بعضها:
أولا - ما ذكره المحقق العراقي:
وحاصله: أنه يكفي في الحكومة، أن يكون
الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم ومحددا له،
والأصل السببي - وهو استصحاب طهارة الماء -
حينما يثبت طهارة الماء، فهو ينظر إلى إثبات آثار
طهارته، التي منها طهارة الثوب المغسول به أيضا،
فيكون الأصل السببي ناظرا إلى دليل الأصل
المسببي - وهو استصحاب نجاسة الثوب - ومانعا من
شموله لهذا المورد (1).
ثانيا - ما ذكره المحقق النائيني:
وحاصل ما أفاده هو: أن الأصل السببي
يرفع موضوع الأصل المسببي وهو الشك رفعا
تعبديا، فإن موضوع استصحاب نجاسة الثوب هو
الشك في طهارته، ولكن بعد جريان استصحاب
طهارة الماء لا يبقى شك في طهارة الثوب حتى يجري
استصحاب نجاسته.
ولذلك اشترط في الحكومة زائدا على السببية
بين الأصلين أمرين:
1 - أن يكون ترتب المسبب على السبب
شرعيا لا عقليا، بمعنى أن يكون أحد طرفي الشك
المسببي من الآثار الشرعية المترتبة على أحد طرفي
الشك السببي.
2 - أن يكون الأصل السببي رافعا للشك
المسببي، كما تقدم (2).
ثالثا - ما ذكره السيد الخوئي:
وحاصل ما أفاده هو: أن الأصل السببي،
وهو استصحاب طهارة الماء - في المثال المتقدم -
ينقح موضوع الدليل الدال على كبرى المطهرية، فإن

(1) نهاية الأفكار 4 (القسم الثاني): 113، وانظر كفاية
الأصول: 431.
(1) نهاية الأفكار 4 (القسم الثاني): 116 - 117.
(2) أنظر فوائد الأصول 4: 682 و 416 بالمناسبة، وأجود
التقريرات 2: 495.
491

موضوعه هو الغسل بماء طاهر، والجزء الأول - وهو
الغسل بالماء - محرز بالوجدان، والجزء الثاني - وهو
طهارة الماء - محرز باستصحاب الطهارة، فيتحقق
موضوع دليل المطهرية، فيتمسك به لإثبات طهارة
الثوب، وعندئذ لا يبقى موضوع لاستصحاب
النجاسة في طرف الثوب، لأن المفروض صيرورته
طاهرا (1).
مظان البحث:
يبحث عن الأصل السببي والمسببي في
موردين:
الأول - عند الكلام في أن جريان أصالة
الإباحة في مشتبه الحكم يتوقف على عدم وجود
أصل حاكم عليه، وهو ما تطرق إليه الشيخ
الأنصاري في التنبيه الخامس من تنبيهات البراءة،
وتبعه فيه غيره.
الثاني - عند الكلام في تعارض
الاستصحابين، وقد تعرض له الشيخ الأنصاري
أيضا، وتبعه فيه غيره.
وكلامهم في المورد الثاني أكثر تفصيلا.
الأصل الأولي والأصل الثانوي
الأصل الأولي هو القاعدة المستفادة من
حكم العقل أو النقل، الدالة على حكم ما في بدو
الأمر.
والأصل الثانوي هو القاعدة المستفادة من
الأدلة الخاصة الدالة على خلاف ما دل عليه الأصل
الأولي غالبا.
مثال ذلك:
1 - الأصل الأولي: أنه لا ولاية لأحد على
الناس إلا الله تعالى الذي خلقهم، هذا بحكم العقل
الفطري.
لكن الأصل الثانوي دل على ثبوت الولاية
لمن شاء الله تعالى كالنبي (صلى الله عليه وآله) وخلفائه المعصومين
(عليهم السلام)، ولمن أثبت هؤلاء له الولاية نيابة عنهم،
كالفقيه الجامع للشرائط، على اختلاف في سعة دائرة
الولاية وضيقها (1).
والأصل الثانوي مستفاد من الكتاب
والسنة، مثل قوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) * (2)، ومثل حديث
الثقلين (3) وحديث الغدير (4) وأدلة ولاية الفقيه (5)
ونحوها.
2 - الأصل الأولي عند تعارض الخبرين

(1) مصباح الأصول 3: 255 - 256.
(1) أنظر: عوائد الأيام: 529، العائدة 54، والعناوين 2:
556، العنوان 73، والمكاسب 3: 546.
(2) النساء: 59.
(3) أنظر مقدمة الموسوعة.
(4) أنظر مقدمة الموسوعة.
(5) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1).
492

المتكافئين هو التساقط كما هو المشهور. لكن الأصل
الثانوي هو عدم التساقط، والالتزام بالتخيير، أو
العمل بما طابق منهما الاحتياط، أو العمل
بالاحتياط وإن خالفهما، على اختلاف المباني.
والأصل الأولي هو حصيلة حكم العقل عند
ملاحظة الخبرين المتعارضين والحكم بعدم إمكان
الأخذ بهما ولا بأحدهما المعين أو غير المعين مع
غض النظر عن المرجحات.
والأصل الثانوي مستفاد من الأخبار
العلاجية الواردة في الباب (1).
3 - الأصل الأولي - عدم حجية الظن بشتى
أقسامه، للعمومات الدالة على حرمة العمل بالظن.
لكن خرجنا عن هذا الأصل بما دل على
حجية بعض الظنون، مثل الظن الحاصل من
الأمارات التي قام الدليل على حجيتها شرعا،
كالسنة المنقولة بطريق معتبر، والإجماع، والشهرة،
ونحوها من الظنون المعتبرة (2).
والأمثلة للأصل الأولي والثانوي كثيرة (3).
ملاحظة:
أكثر ما يقال: الأصل الأولي في المسألة كذا،
لكن خرجنا عن هذا الأصل بكذا - كما تقدم آنفا -
أو: لكن دل الدليل على كذا، ونحوها من التعابير،
وقلما يقال: الأصل الثانوي كذا...
مظان البحث:
ليس لهذا البحث موطن خاص، وإنما يذكر
بالمناسبات، كما في الأمثلة المتقدمة.
الأصل العملي
وهو الأصل المقرر لبيان الوظيفة العملية
للمكلف عند فقد الدليل الشرعي. وهذا يحتاج إلى
شئ من التوضيح.
مرحلية الاستنباط في الفقه الإمامي:
اعتمد منهج الاستنباط في الفقه الإمامي
- خاصة في العصور المتأخرة - على مرحلتين:
المرحلة الأولى - الفحص عن الدليل على
الحكم الشرعي، والدليل المعتبر هو: الكتاب،
والسنة، والإجماع والعقل (1)، على التفسير الصحيح
للأخيرين.

(1) أنظر: فرائد الأصول 4: 33 و 39، وفوائد الأصول 4:
753 و 763، ومصباح الأصول 3: 365.
(2) أنظر: هداية المسترشدين: 389، وفرائد الأصول 1:
125 و 134.
(3) أنظر عوائد الأيام: 297، 599 و 603.
(1) تارة يمكن فرض الدليل العقلي من أدلة المرحلة
الأولى، كما في دلالته على حجية القطع، وتارة من أدلة
المرحلة الثانية، كما في دلالته على البراءة العقلية،
والاشتغال والتخيير.
493

فإذا وجد دليل مشروع على الحكم، أخذ به،
وإلا فينتهي الأمر إلى المرحلة الثانية، ولا يتوسل
بالاستحسانات لاستنباط الحكم الشرعي.
المرحلة الثانية - الأخذ بما يناسب حالة
المكلف، من الأصول العملية، وهي الأصول المعدة
والمقررة لتشخيص الوظيفة العملية للمكلف عند فقد
الدليل الشرعي على التكليف.
وقد امتاز الفقه الإمامي بهذه المرحلية عن
غيره، إذ منعته من التورط بالاستحسانات والآراء
الشخصية.
لكن لم تكن هذه المرحلية بهذه الدرجة من
الوضوح منذ البدء، بل أخذت تتبلور وتتضح شيئا
فشيئا، إلى أن ظهرت بشكل دقيق على يد الأستاذ
الوحيد البهبهاني ومدرسته، خصوصا صاحب
الحاشية على المعالم، ثم تحددت بعده على يد الشيخ
الأعظم الأنصاري، فأصبح مفهوم الأصل العملي
عبارة عن: وظيفة عملية لا يطلب فيها الفقيه العلم
أو الظن بالحكم الشرعي الواقعي، بل يطلب فيها ما
هي الوظيفة العملية التي يخرج بها عن عهدة
التكليف عند عدم معرفته له.
ونقل الشيخ الأنصاري عن الوحيد
البهبهاني: أنه أطلق عنوان " الأدلة الفقاهتية " على
الأصول العملية، وعنوان " الأدلة الاجتهادية " على
الأمارات، وقال: إن النكتة في ذلك تكمن في
تعريف الفقه والاجتهاد، حيث عرف الاجتهاد:
بأنه استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي،
وعرف الفقه: بأنه العلم بالحكم الشرعي، والأستاذ
الأكبر حمل الحكم الشرعي في تعريف الاجتهاد على
الحكم الواقعي، والظن به عبارة عن الأدلة
والأمارات الظنية التي تؤدي إليه، من قبيل الظواهر
وخبر الواحد، ولهذا أسماها ب‍ " الأدلة
الاجتهادية "، وحمل الحكم الشرعي في تعريف الفقه
على الحكم الشرعي الظاهري، فأطلق على الأصول
العملية اسم " الأدلة الفقاهتية "، لأنها تؤدي إلى
العلم بالحكم الشرعي الظاهري.
وبناء على هذه المرحلية صنف الشيخ
الأنصاري كتابه " فرائد الأصول "، حيث بدأ
بالبحث في موضوع القطع، ثم بالبحث في الظن، ثم
في الشك. فالأولان يتكفلان البحث عن الأمارات،
وهي الأدلة الاجتهادية التي يلتجئ إليها الفقيه في
بدء عملية الاستنباط، مثل الخبر المتواتر، وخبر
الواحد، والإجماع، والشهرة، ونحوها.
والأخير يتكفل البحث في الأصول العملية،
أي تبيين الوظيفة العملية للمكلف بعد عدم العثور
على أمارة تدل على الحكم، وهي الأدلة الفقاهتية،
أي البراءة، والاشتغال، والتخيير، والاستصحاب.
وهكذا جرى على نهجه المتأخرون عنه إلى
يومنا هذا (1).

(1) اقتبسنا هذا الشرح من تقريرات أبحاث السيد
الصدر. أنظر: مباحث الأصول، الجزء الثالث من القسم
الثاني: 19 - 23، وبحوث في علم الأصول 5: 9 - 12.
494

الفرق بين الأصول والأمارات:
ذكروا فروقا بين الأصول والأمارات لم تخل
من مناقشات نشير إلى أهمها:
الأول - أن الأصول قد أخذ الشك في
موضوعها (1) ولم يؤخذ في موضوع الأمارات، نعم
الشك مورد لجريانها والتمسك بها. قال المحقق
النائيني في مقام التفرقة:
" الأول - عدم أخذ الشك في موضوع
الأمارة وأخذه في موضوع الأصل، فإن التعبد
بالأصول العملية إنما يكون في مقام الحيرة والشك في
الحكم الواقعي...
بخلاف الأمارات، فإن أدلة اعتبارها مطلقة
لم يؤخذ الشك قيدا فيها، كقوله (عليه السلام): " العمري ثقة
فما أدى إليك عني فعني يؤدي ".
نعم، الشك في باب الأمارات إنما يكون
موردا للتعبد بها، لأنه لا يعقل التعبد بالأمارة
وجعلها طريقا محرزا للواقع مع انكشاف الواقع
والعلم به، فلا بد وأن يكون التعبد بالأمارة في مورد
الجهل بالواقع وعدم انكشافه لدى من قامت عنده
الأمارة، لكن كون الشك موردا غير أخذ الشك
موضوعا، كما لا يخفى " (1).
الثاني - أن الأمارات - في حد ذاتها ومع قطع
النظر عن حجيتها شرعا - قد أخذت فيها حيثية
الكشف عن الواقع، فهي بمنزلة العلم من هذه الجهة،
لكنها أقل مرتبة منه، لأن كشف الأمارة ليس مثل
كشف العلم.
وهذا بخلاف الأصول، فإنها لم تلحظ فيها
هذه الجهة. قال المحقق النائيني:
" الثاني - الأمارة إنما تكون كاشفة عن الواقع
مع قطع النظر عن التعبد بها بخلاف الأصول العملية،
غايته أن كشفها (2) ليس تاما كالعلم، بل كشفا ناقصا
يجامعه احتمال الخلاف، فكل أمارة ظنية تشارك
العلم من حيث الإحراز والكشف عما تحكي عنه،
والفرق بينهما إنما يكون بالنقص والكمال...
فالأمارات الظنية تقتضي الكشف والإحراز بذاتها
مع قطع النظر عن التعبد بها، وإنما التعبد يوجب
تتميم كشفها " (3).
الثالث - أن الملحوظ حين جعل الحجية
للأمارات هو صفة الكشف وإحراز الواقع، وليس
كذلك في الأصول، فإن الملحوظ فيها إنما هو مجرد
الجري العملي طبقها.

(1) فإن قوله (صلى الله عليه وآله): "... رفع ما لا يعلمون... " - الخصال:
417، باب التسعة، الحديث 9 - الذي هو من أدلة
البراءة أخذ فيه عدم العلم، وهو شامل للشك
والوهم، أما الظن المفيد للاطمئنان فهو ملحق بالعلم
تعبدا.
(1) فوائد الأصول 4: 481، وللسيد الخوئي مناقشة في
هذا الفرق. أنظر مصباح الأصول 3: 151.
(2) أي الأمارات.
(3) فوائد الأصول 4: 481 - 482.
495

قال المحقق النائيني:
" إن المجعول في الأمارات... إنما هو نفس صفة
المحرزية والوسطية في الإثبات. وبعبارة أخرى:
جعل فرد تشريعي من العلم.
وهذا بخلاف الأصل، فإن المجعول فيه هو
الجري العملي مطلقا... " (1).
وبعبارة أخرى: " إن المجعول في باب الطرق
والأمارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية في
الإثبات، بمعنى: أن الشارع جعل الأمارة محرزة
للمؤدى، وطريقا إليه، ومثبتة له... " (2).
" نعم، المجعول في باب الأصول العملية مطلقا
هو مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل، إذ ليس
في الأصول العملية ما يقتضي الكشف والإحراز،
وليست هي طريقا إلى المؤدى، بل إنما تكون
وظائف تعبدية للمتحير والشاك، لا تقتضي أزيد
من تطبيق العمل على المؤدى " (3).
الرابع - أن الأمارات حاكمة على الأصول،
بمعنى أنها رافعة لموضوع الأصول وهو الشك، فإن
أصل البراءة من التكليف إنما يجري فيما إذا كان
المكلف شاكا في التكليف، لكن إذا ثبت التكليف
بأمارة شرعية لم يبق للمكلف شك حتى يجرى في
حقه أصل البراءة. قال الشيخ الأنصاري:
" ومما ذكرنا: من تأخر مرتبة الحكم
الظاهري عن الحكم الواقعي - لأجل تقييد
موضوعه بالشك في الحكم الواقعي - يظهر لك وجه
تقديم الأدلة على الأصول، لأن موضوع الأصول
يرتفع بوجود الدليل، فلا معارضة بينهما، لا لعدم
اتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل - وهو
الشك - بوجود الدليل " (1).
ومقصوده من الأدلة هو الأمارات.
راجع تفصيل ذلك في عنوان " حكومة ".
الخامس - أن مثبتات الأمارات حجة دون
مثبتات الأصول، وذلك:
لأن الأمارة إنما تكون محرزة لمؤداها وكاشفة
عنه كشفا ناقصا، والشارع قد أكمل جهة نقصها
حينما اعتبرها حجة، فصارت كاشفة كالعلم، وبعد
انكشاف مؤدى الأمارة يترتب عليه - أي المؤدى -
جميع ما له من الخواص والآثار.
وأما الأصول العملية، فلما كان المجعول
فيها مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل - من
دون لحاظ الإحراز فيها - فهو لا يقتضي أزيد من
إثبات نفس المؤدى أو ما يترتب عليه من الحكم
الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية، فلا بد من
الاقتصار على ما هو المتعبد به، وهو مجرد تطبيق
العمل على مؤدى الأصل، أما الأثر الشرعي
المترتب على المؤدى بواسطة عقلية أو عادية فهو

(1) أجود التقريرات 2: 416.
(2) فوائد الأصول 4: 484.
(3) فوائد الأصول 4: 486.
(1) فرائد الأصول 2: 11.
496

غير متعبد به (1).
راجع تفصيله في عنوان " الأصل المثبت ".
كانت هذه أهم الفروق بين الأمارات
والأصول بشكل عام، لكن هناك بعض الفروق بين
الأصول في حد ذاتها أيضا، وخاصة بين العقلية
والشرعية، والتنزيلية (المحرزة) وغيرها، فإن
الأصول الشرعية ترفع موضوع الأصول العقلية،
لأن أصالة البراءة الشرعية مثلا بيان من
الشارع، يرتفع بها موضوع البراءة العقلية الذي هو
" عدم البيان "، كما أن الاستصحاب الذي هو أصل
محرز تنزيلي يرفع موضوع البراءتين الشرعية
والعقلية، فإن موضوع البراءة الشرعية هو
" الشك " و " عدم العلم "، وموضوع البراءة العقلية
هو " عدم البيان "، ومع استصحاب الحرمة أو
النجاسة أو نحوهما لا يبقى شك لتجرى البراءة
الشرعية، كما لا يصدق عدم البيان أيضا، لأن
الاستصحاب بيان شرعي (2).
انقسامات الأصول العملية:
للأصول العملية عدة انقسامات، مثل:
1 - انقسامها إلى ما يختص بالموضوعات
الخارجية والأحكام الجزئية، وما يعمها
والأحكام الكلية:
أ - الأصول المختصة بالأمور الخارجية،
مثل أصالة الصحة، وقاعدة الفراغ، والتجاوز
- بناء على كونها أصولا، لا أمارات - فإنها
تختص بالشبهات الخارجية كما في فعل المسلم،
حيث يحمل على الصحة عند الشك في صدوره
صحيحا. وكما لو شك في إتيان الركوع، أو صدوره
صحيحا بعد تجاوز محله، وكما لو شك في القراءة،
أثناء الركوع، أو شك في صحة الصلاة بعد الفراغ
منها.
ب - الأصول العامة التي تشمل الأمور
الخارجية والشبهات الحكمية، مثل الأصول
الأربعة: البراءة، والاشتغال، والتخيير،
والاستصحاب.
فالبراءة تجري عند الشك في حرمة التدخين
بصورة عامة، وهي شبهة حكمية، وعند الشك في
حرمة شرب المائع الموجود خارجا، إذا لم تعلم له
حالة سابقة.
وكذا سائر الأصول (1).

(1) فوائد الأصول 4: 487 - 491.
وانظر - مزيدا للتوضيح - المصادر التالية، حيث
أشير فيها إلى الفرق بين الأمارات والأصول:
مصباح الأصول 3: 151 - 155، التنبيه الثامن
تنبيهات الاستصحاب، ومباحث الأصول: الجزء الثالث
من القسم الثاني: 38 - 43، وبحوث في علم الأصول 5:
12 - 15.
(2) أنظر المصادر المتقدمة.
(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 13، وفوائد الأصول 3:
325.
497

2 - انقسامها إلى شرعية وعقلية:
أ - الأصول العملية الشرعية، هي التي قام
الدليل الشرعي - من الكتاب أو السنة أو الإجماع -
عليها، مثل: البراءة الشرعية، والاحتياط الشرعي
والاستصحاب، من الأصول العامة الجارية في
الحكم والموضوع، وأصالة الصحة ومثيلاتها، من
الأصول الجارية في الموضوع.
ب - والأصول العملية العقلية، هي التي قام
الدليل العقلي على حجيتها، مثل: البراءة العقلية،
والاحتياط العقلي (الاشتغال)، والتخيير (1)
والأصول العملية العقلية متوقفة على عدم مجئ
الأصول العملية الشرعية، فمع ورود الشرعية ينتفي
موضوع الأصول العقلية، فلذلك تكون الأصول
الشرعية واردة على العقلية (2)، أي رافعة لموضوعها.
3 - انقسامها إلى محرزة، وغير محرزة:
أ - الأصول العملية المحرزة، هي التي فيها نوع
إحراز للواقع، فهي تشبه الأمارات من هذه الجهة،
ولذلك يقال لها: الأصول التنزيلية أيضا، لأن
مؤداها منزل منزلة الواقع، أو أن الأصل نفسه منزل
منزلة العلم بالواقع.
وهذا النوع منحصر في الاستصحاب، لأن
فيه نوعا من إحراز الواقع والكشف عنه كما في
الأمارات، لكن بدرجة أضعف منها، فلذلك قالوا:
" الاستصحاب عرش الأصول وفرش الأمارات ".
ب - الأصول العملية غير المحرزة، وهي التي
ليس فيها نوع كاشفية، أو لم تلحظ على فرض
وجودها، وهي: البراءة والاحتياط الشرعيان
حيث لم تلحظ في لسان الدليل الدال على تشريعهما
جهة الإحراز والكاشفية.
ويظهر مما تقدم وجه تقديم الأصل العملي
المحرز على غير المحرز عند تعارضهما، بل لا يصل
الدور إلى التعارض، لأن الأول يرفع موضوع
الثاني تعبدا كما تقدم في وجه حكومة الأمارات على
الأصول، فإذا شككنا في جواز شرب ماء، لشبهة
عروض النجاسة عليه، وكانت الحالة السابقة له
الطهارة، فلا نتمسك بالبراءة عن الحرمة لإثبات
جواز الشرب، ولا بالاحتياط لإثبات وجوب
الاحتراز منه - على القول بوجوب الاحتياط
الشرعي في مثله - بل نتمسك باستصحاب الطهارة،
فمع إثبات طهارة الماء لا يبقى شك كي نتمسك بسائر
الأصول العملية (1).
انحصار الأصول العملية في أربعة:
حصر الشيخ الأنصاري الأصول العملية
الجارية في الأحكام وغيرها في أربعة، وتبعه من

(1) مصباح الأصول 2: 247 - 248.
(2) أنظر: مباحث الأصول، الجزء الثالث من القسم الثاني:
43 - 44، وبحوث في علم الأصول 5: 16.
(1) أنظر المصدرين المتقدمين وغيرهما.
498

بعده، لأن الحصر عقلي.
وتوضيح ذلك: أن المشكوك إما أن تكون له
حالة سابقة ولاحظها الشارع واعتبرها، أو لا.
وإذا لم تكن له حالة سابقة، فإما أن يكون
الاحتياط فيه ممكنا أو لا.
وإذا أمكن الاحتياط، فإما أن يدل دليل على
لزومه أو لا.
فإن كانت للمشكوك حالة سابقة وقد
لوحظت، فالمورد مورد " الاستصحاب ".
وإن لم تكن له حالة سابقة ولم يكن الاحتياط
ممكنا، فهو مورد " أصالة التخيير ".
وإن كان الاحتياط ممكنا ودل على لزومه
دليل، فهو مورد " أصالة الاحتياط ".
وإن كان الاحتياط ممكنا ولم يدل على لزومه
دليل، فهو مورد " أصالة البراءة " (1).
الأصل اللفظي
وهو الأصل الذي يرجع إليه عند الشك في
مراد المتكلم بسبب بعض الطوارئ التي تولد احتمالا
على خلاف الظاهر، كأصالة عدم التخصيص، عند
الشك في طرو مخصص على العام، وأصالة عدم
التقييد، عند الشك في طرو المقيد على المطلق،
وأصالة عدم القرينة، عند الشك في إقامتها على
خلاف الحقيقة، وتجمعها " أصالة الظهور ".
وهذه الأصول إنما تجري عند الشك في تعيين
المراد، ولا تجري فيما إذا علم المراد وشك في كيفية
الإرادة، فأصالة عدم القرينة مثلا لا تجري فيما إذا
علم باستعمال لفظ في معنى، وشك في كون الاستعمال
على نحو الحقيقة أو المجاز لتثبت أنه على نحو الحقيقة
باعتبار أن المجاز مما يحتاج إلى قرينة، وأصالة عدم
القرينة تدفعها، بل تجري إذا احتملنا إرادة أحد
معنيين: حقيقي ومجازي ولم نستطع تعيينه بالذات،
فأصالة عدم القرينة تعين المعنى الحقيقي منهما (1).
أهم الأصول اللفظية:
1 - أصالة الظهور.
2 - أصالة الحقيقة.
3 - أصالة العموم.
4 - أصالة الإطلاق.
5 - أصالة الجد، أو الجهة.
6 - أصالة عدم التقييد.
7 - أصالة عدم التخصيص.

(1) تعرضت أغلب المصادر الأصولية من زمن الشيخ
الأنصاري لهذا التقسيم في أول مباحث الأصول العملية،
أي في أول البراءة، أنظر مثلا: فرائد الأصول 2: 14،
وفوائد الأصول 3: 325، ومصباح الأصول 2: 248 -
249، وغيرها.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 232، وانظر أصول
الفقه 1: 25.
499

8 - أصالة عدم التقدير.
9 - أصالة عدم النقل.
10 - أصالة عدم النسخ.
11 - أصالة عدم الاشتراك.
12 - أصالة عدم القرينة.
وأصول أخرى من هذا القبيل.
ملاحظة (1):
لا إشكال في رجوع بعض هذه الأصول
إلى أصالة الظهور، مثل: أصالة العموم، وأصالة
الإطلاق، وأصالة الحقيقة، وأصالة الجد.
فإن كل واحدة منها تشكل جانبا من أصالة
الظهور (1).
ملاحظة (2):
تكلم بعض الأصوليين في إرجاع الأصول
العدمية إلى الإيجابية أو بالعكس، والظاهر من
الشيخ الأنصاري إرجاع الوجودية إلى العدمية،
لأنه أرجع أصالة الظهور إلى أصالة عدم القرينة،
حيث قال بعد ذكر أصالة العموم والإطلاق
والحقيقة: " ومرجع الكل إلى أصالة عدم القرينة
الصارفة عن المعنى الذي يقطع بإرادة المتكلم الحكيم
له، لو حصل القطع بعدم القرينة... " (1).
لكن عكس الأمر صاحب الكفاية، فأرجع
أصالة عدم القرينة إلى أصالة الظهور (2).
حجية الأصول اللفظية:
الدليل على حجية الأصول اللفظية هو نفس
الدليل على حجية الظهورات، وهو السيرة العقلائية
القائمة على التمسك بهذه الأصول في المحاورات،
والشارع لم تستثن محاوراته عن المحاورات
العرفية (3).
الأصل المثبت (1)
ويراد به الأصل المثبت للتكليف، ويقابله
الأصل النافي للتكليف.
مثال الأول:
أصالة الاشتغال، واستصحاب التكليف
الثابت سابقا، فأصالة الاشتغال تثبت اشتغال ذمة
المكلف بالتكليف فيلزم فراغها منه، واستصحاب

(1) أنظر: مباحث الأصول، الجزء الثاني من القسم الثاني:
174، والأصول العامة للفقه المقارن: 233، وأصول
الفقه 1: 27.
(1) فرائد الأصول 1: 135.
(2) كفاية الأصول: 286، وانظر مباحث الأصول، الجزء
الثاني من القسم الثاني: 174، ومنتهى الدراية 4: 323
- 324.
(3) أصول الفقه 1: 27 - 28، و 2: 130.
500

التكليف السابق يثبت وجوده في ذمة المكلف فعلا.
ومثال الثاني:
أصالة البراءة عن التكليف، واستصحاب
عدم التكليف، فإن أصالة البراءة تنفي التكليف عن
ذمة المكلف، واستصحاب عدم التكليف ينفي
التكليف أيضا (1).
الأصل المثبت (2)
ويقصد به الأصل الذي يراد به إثبات لوازم
مؤداه سواء كانت عقلية أو شرعية.
مثاله: إذا شككنا في حياة شخص وقد تركناه
منذ صغره، فنستصحب حياته، لنرتب عليه جميع
آثار الحياة، ومنها إنبات لحيته. فالإنبات من لوازم
المستصحب وهو الحياة.
والمعروف عدم حجية مثبتات الأصول،
وحجية مثبتات الأمارات، بمعنى: أن استصحاب
حياة زيد لا يثبت إنبات لحيته، لكن لو قامت أمارة
على حياته، مثل البينة، فيثبت بها الإنبات أيضا.
وهناك توجيهان لهذه التفرقة:
الأول - توجيه صاحب الكفاية، وحاصله:
أن الفرق يرجع إلى لسان الدليل وكيفية
الجعل فيهما، فالمجعول في الأمارات هو كاشفية
الأمارة عن المؤدى وعما يلازمها من لوازم
شرعية أو عقلية، فإن الأمارة القائمة على حياة زيد
كما تدل على حياته، تدل على لازمها وهو إنبات
لحيته، لكن المجعول في الأصول المحرزة
- كالاستصحاب مثلا - هو تنزيل المؤدى نفسه
منزلة الواقع دون لوازمه العقلية والآثار الشرعية
المترتبة عليه بواسطة هذه الآثار.
أما الأصول غير المحرزة فبطريق أولى (1).
الثاني - توجيه المحقق النائيني، وحاصله:
أن للعلم آثارا أربعة:
1 - كونه صفة نفسانية وهي الاطمئنان
بحصول متعلق العلم من دون أن يشوبه شك.
2 - كونه طريقا إلى الواقع وكاشفا عنه.
3 - كونه محركا للمكلف باتجاه المؤدى.
4 - كونه منجزا ومعذرا.
أما الأثر الأول، فهو مختص بالعلم لا يتعداه.
وأما الثاني، فيكون في العلم وما يقوم مقامه
عند العقلاء والشرع، وهي الأمارات، فإنها كاشفة
عن الواقع أيضا إلا أن كشفها أنقص من العلم،
فلذلك تمم الشارع كشفها بجعل الحجية لها.
وأما الثالث فيكون في العلم، والأمارة،

(1) أنظر: فوائد الأصول 4: 44 وما بعدها، والمستمسك
1: 250، و 3: 228، و 14: 253.
(1) أنظر: كفاية الأصول: 414، التنبيه السابع من
تنبيهات الاستصحاب، ومصباح الأصول 3: 152،
وبحوث في علم الأصول 6: 181.
501

والأصول العملية. فكل هذه الثلاث تحرك المكلف
نحو المؤدى - مؤدى العلم أو الأمارة أو الأصل -
غاية الأمر، تارة يكون التحريك نحو مؤدى الأصل
والجري العملي طبقه بما أنه - أي المؤدى - هو الواقع
تنزيلا أو تعبدا، وهذا ما يكون مجعولا في الأصول
التنزيلية كالاستصحاب. وتارة من دون افتراض
أنه الواقع، وهذا هو المجعول في الأصول غير
التنزيلية.
وأما الأثر الرابع فهو يترتب تبعا على ما هو
حجة، فهو غير قابل للجعل استقلالا. فكل ما كان
حجة سواء كان علما أو أمارة أو أصلا، فهو يترتب
عليه.
وبناء على هذا يظهر الفرق بين الأصول
والأمارات، فإن تتميم الكشف في الأمارات من
قبل الشارع يشمل المدلول المطابقي لها وملازماتها
العقلية والشرعية، بخلاف الأصول العملية
- وخاصة غير التنزيلية - فإن المجعول فيها مجرد
الجري العملي وهو لا يستلزم التعبد بالجري العملي
طبق اللوازم التي لم تتم أركان الأصل العملي فيها.
ولو تمت فيجري فيها مستقلا، لا باعتبار كونها
لازما لمؤدى الأصل الأول (1).
مناقشة السيد الخوئي هذه التفرقة:
ناقش السيد الخوئي التفرقة بين مثبتات
الأصول والأمارات، وقال:
" الصحيح عدم الفرق بين الأمارات
والاستصحاب، وعدم حجية المثبتات في المقامين،
فإن الظن في تشخيص القبلة وإن كان من الأمارات
المعتبرة بمقتضى روايات خاصة واردة في الباب،
لكنه إذا ظن المكلف بكون القبلة في جهة، وكان
دخول الوقت لازما لكون القبلة في هذه الجهة
- لتجاوز الشمس عن سمت الرأس على تقدير كون
القبلة في هذه الجهة - فلا ينبغي الشك في عدم صحة
ترتيب هذا اللازم وهو دخول الوقت، وعدم جواز
الدخول في الصلاة.
نعم، تكون مثبتات الأمارة حجة في باب
الأخبار فقط، لأجل قيام السيرة القطعية من العقلاء
على ترتيب اللوازم على الإخبار بالملزوم ولو مع
الوسائط الكثيرة، ففي مثل الإقرار والبينة وخبر
العادل تترتب جميع الآثار ولو كانت بواسطة
اللوازم العقلية أو العادية، وهذا مختص بباب
الأخبار، وما يصدق عليه عنوان الحكاية دون
غيره من الأمارات " (1).
الأصل الموضوعي (1)
قد يراد بالأصل الموضوعي الأصل الجاري

(1) أنظر: فوائد الأصول 4: 482 - 491، وبحوث في علم
الأصول 6: 176.
(1) مصباح الأصول 3: 155.
502

في موضوع القضية، ويقابله الأصل الحكمي، وهو
الأصل الجاري في حكم القضية.
مثال الأصل الموضوعي:
1 - ما إذا شككنا في طهارة ماء بعد أن لاقى
نجسا، وقد علمنا بكريته سابقا، وكان منشأ الشك
بقاء الماء على كريته، فإذا استصحبنا كريته يرتفع
الشك في طهارته.
فالاستصحاب الجاري في طرف الموضوع،
وهو كرية الماء - مع غض النظر عن الحكم، وهو
الطهارة - أصل موضوعي، ومع جريانه وثبوت
الكرية لا حاجة إلى إثبات الطهارة بأصل آخر
ك‍ " أصالة الطهارة " التي هي أصل حكمي.
2 - لو ترددت المرأة بين كونها زوجة
لشخص أو أجنبية عنه، فاستصحاب عدم الزوجية
الجاري في الموضوع يثبت عدم كونها زوجة، ومعه
فلا مورد لأصالة الإباحة التي هي أصل حكمي
أيضا، لأن موضوعها التردد، ومع جريان
استصحاب عدم الزوجية يرتفع التردد (1).
3 - العقل يحكم بوجوب تعلم المسائل التي
يبتلي بها المكلف، فموضوع حكم العقل بوجوب
التعلم هو المسألة التي يبتلي بها، فإذا شك المكلف في
ابتلائه بمسألة واستصحب عدم ابتلائه بها، فسوف
ينتفي موضوع حكم العقل بوجوب التعلم،
فاستصحاب عدم الابتلاء أصل موضوعي جار في
موضوع قضية " المسألة المبتلى بها يجب تعلمها " (1).
مثال الأصل الحكمي:
1 - إذا شككنا في طهارة ماء لم يبلغ حد الكر،
ولم نعلم حالته السابقة - هل هي الطهارة أو لا -
فأصالة الطهارة (قاعدة الطهارة) تثبت طهارته.
2 - إذا شككنا في حلية عصير الفواكه فأصالة
الإباحة تثبت حلية شربه، فهذا الأصل أصل حكمي
جار في حكم القضية، وهو الحلية.
وأمثلته كثيرة وواضحة.
تقديم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي:
لو كان في قضية أصلان: موضوعي وحكمي،
فالموضوعي مقدم على الحكمي، ومع جريانه لا يبقى
مورد للأصل الحكمي، لوجود نسبة السببية بينهما،
كما اتضح ذلك مما تقدم، ومن أمثلته أيضا:
إذا شككنا في حلية لحم من جهة الشك في
تحقق تذكيته - لاحتمال اختلال بعض الشرائط
المعتبرة في الذبح - مع فرض كون أصله مأكول
اللحم، فهنا أصلان:
الأول - الأصل الجاري في طرف الموضوع،
وهو استصحاب عدم تذكيته، لأن المفروض عدم
كونه مذكى في زمان مسبق، ونشك الآن في وقوع
التذكية عليه، فنستصحب عدم وقوعها.
الثاني - الأصل الجاري في طرف الحكم، وهو

(1) فرائد الأصول 2: 127.
(1) فوائد الأصول (1 - 2): 207.
503

أصالة الحلية في كل ما لم نعلم حليته.
ومع جريان الأصل الموضوعي، وهو
استصحاب عدم وقوع التذكية، لا مجال لجريان
الأصل الحكمي وهو أصالة الحلية، لأنه لم يبق شك
في الحرمة حينئذ حتى يتمسك بأصالة الحلية (1).
الأصل الموضوعي (2)
أطلق الشيخ الأنصاري عنوان " الأصل
الموضوعي " على الأصل السببي مقابل الأصل
المسببي، سواء كان جاريا في الحكم أو الموضوع،
فإنه قال في التنبيه الأول من تنبيهات الشبهة
الموضوعية التحريمية:
" إن محل الكلام في الشبهة الموضوعية
المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل
موضوعي يقضي بالحرمة، فمثل المرأة المرددة بين
الزوجة والأجنبية خارج عن محل الكلام، لأن
أصالة عدم علاقة الزوجية المقتضية للحرمة، بل
استصحاب الحرمة، حاكمة على أصالة الإباحة.
ونحوها المال المردد بين مال نفسه وملك الغير
مع سبق ملك الغير له " (2).
وقال المحقق النائيني معلقا على كلامه:
" إن المراد بالأصل الموضوعي الذي أفاده
هنا ليس هو خصوص الأصل الجاري في الموضوع
في الشبهات الحكمية أو في الشبهات الموضوعية، في
قبال الأصل الجاري في الحكم فيهما، بل المراد، كل
أصل جار في السبب رافع لموضوع الشك في المسبب
سواء كان ذلك الأصل جاريا في الموضوع،
كاستصحاب عدم التذكية في المقام، الرافع للشك في
الحلية عن الحيوان المشكوك قابليته لها،
واستصحاب الموضوعات الخارجية، كالعدالة
والفسق، الرافع للشك في الأحكام المترتبة عليها،
أو جاريا في الحكم، كاستصحاب نجاسة الماء المتغير
الزائل تغيره من قبل نفسه، واستصحاب نجاسة
الثوب الخارجي المعلوم نجاسته مثلا، المانعين عن
جريان أصالة الطهارة فيهما... " (1).
وقال السيد الخوئي أيضا: " وعبر الشيخ (رحمه الله)
عن هذا الأصل بالأصل الموضوعي، باعتبار أنه
رافع لموضوع الأصل الآخر، ولم يرد منه خصوص
الأصل الجاري في الموضوع، كما توهم " (2).
الأصل الموضوعي (3)
وقد يراد من الأصل الموضوعي ما هو متفق
عليه بين المتنازعين في موضوع ما.

(1) مصباح الأصول 2: 310 - 312، وانظر فرائد الأصول
2: 109.
(2) فرائد الأصول 2: 127.
(1) أجود التقريرات 2: 193.
(2) مصباح الأصول 2: 310.
504

مثاله:
أن قاعدة " قبح العقاب بلا بيان " قاعدة
عقلية مسلم بها بين الأصوليين والأخباريين بصورة
عامة، وإنما الاختلاف في المصداق، حيث يقول
الأخباريون: إن أدلة الاحتياط بيان، ولذلك يكون
اقتحام الشبهات التحريمية مستلزما للعقاب، لأنه
عقاب مع البيان. لكن يرى الأصوليون أن أدلة
الاحتياط ليست بيانا للشبهات البدوية بعد الفحص
وإنما هي بيان للشبهات البدوية قبل الفحص
والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي.
إذن أصل قاعدة " قبح العقاب بلا بيان "
مسلم بها بين الطرفين وإنما الخلاف في كون أدلة
الاحتياط بيانا أو لا.
وكل أصل مسلم بين الطرفين يسمى أصلا
موضوعيا.
الأصل النافي
راجع: الأصل المثبت.
أصلي
يقع صفة للحكم، فيقال الوجوب الأصلي
مقابل الوجوب التبعي، والحرمة الأصلية مقابل
الحرمة التبعية.
راجع: حكم، وجوب، حرمة.
أصول
لغة:
جمع أصل، وقد تقدم معناه في " أصل ".
اصطلاحا:
تارة يضاف إلى الفقه فيقال: " أصول الفقه "
وتارة يضاف إليه العلم فيقال: " علم الأصول "،
وقد يجمع بينهما فيقال: " علم أصول الفقه "، ومعناه
إجمالا: العلم الذي يشتمل على القواعد العامة التي
يبتني عليها استنباط الفقه، كما سيأتي بيانه.
أصول الفقه
تمهيد:
إذا أراد الفقيه أن يستنبط وجوب الصلاة،
فيخطو الخطوات التالية:
أولا - يراجع القرآن الكريم، فيجد قوله
تعالى: * (وأن أقيموا الصلاة) * (1).
ثانيا - يراجع العرف فيرى أنه يستظهر من
الأمر في * (أقيموا) * الوجوب (2).

(1) الأنعام: 72.
(2) هذا بناء على كون دلالة الأمر على الوجوب بالوضع،
وأما بناء على استفادته - أي الوجوب - من حكم العقل،
فلا بد من إضافته إلى ذلك.
505

ثالثا - يراجعه مرة أخرى فيرى أنه يعتبر
الظهورات حجة بين المتكلم والمخاطب.
رابعا - ويأتي في ذهنه سؤال وهو: أنه قد
تكون ظهورات القرآن الكريم مستثناة من سائر
الظهورات فلا تكون حجة إلا لمن يفهم معاني
القرآن كلها؟
خامسا - يراجع الروايات - أي السنة
الشريفة - فيرى أنها تدل على حجية ظهورات
الكتاب.
سادسا - ثم يتساءل ما هو الدليل على حجية
السنة والخبر الدال على حجية ظهورات الكتاب؟
سابعا - يراجع علم الأصول ليثبت لديه
حجية السنة بصورة عامة إذا كان ناقل السنة موثقا.
ثامنا - ويراجع علم الرجال ليثبت لديه كون
الراوي للخبر الدال على حجية ظهورات الكتاب
موثقا.
تاسعا - وبعد هذه المقدمات ومقدمات
أخرى كالرجوع إلى اللغة لمعرفة مفاهيم المفردات
يستنبط وجوب الصلاة.
وهذه المقدمات بعضها يتكفلها الحديث، مثل
المقدمة الخامسة، وبعضها علم الرجال، مثل المقدمة
الثامنة، وبعضها علم اللغة كالمذكور في المقدمة
التاسعة، وبعضها الآخر في علم الأصول، وهي
أكثرها مثل: دلالة الأمر على الوجوب، وحجية
الظهورات بصورة عامة وظهورات الكتاب بصورة
خاصة، وحجية السنة ونحوها.
تعريف علم الأصول:
وبعد التمهيد المتقدم يتضح المراد من علم
الأصول إجمالا، وهو أنه يشتمل على قواعد تساعد
في استنباط الحكم الشرعي أو ما هو حجة بين العبد
ومولاه.
هذا، وقد ذكروا تعريفات لعلم الأصول
لا تخلو من مناقشات، نذكر أهمها من دون تعرض
للمناقشات إلا بعضا منها:
1 - كان التعريف السائد قبل صاحب الكفاية
هو أنه: " العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام
الشرعية " (1).
ومن جملة الإيرادات التي أوردت عليه هو
عدم شموله لمثل الأصول العملية، لأن مؤداها ليس
حكما شرعيا، بل وظيفة عملية تكون منجزة
ومعذرة بين العبد ومولاه.
2 - ولرفع هذا الإيراد وغيره عرفه صاحب
الكفاية بأنه: " صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن
أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي ينتهى
إليها في مقام العمل " (2).
فإن قوله: " التي ينتهى إليها في مقام العمل "
إشارة إلى الأصول العملية.
3 - وعرفه المحقق النائيني بأنه: " العلم

(1) كفاية الأصول: 9، وانظر بحوث في علم الأصول 1:
19.
(2) كفاية الأصول: 9.
506

بالكبريات التي لو انضمت إليها صغرياتها يستنتج
منها حكم فرعي كلي " (1).
4 - وعرفه السيد الخوئي بأنه: " العلم
بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط
الأحكام الشرعية الكلية الإلهية من دون حاجة إلى
ضميمة كبرى وصغرى أصولية أخرى إليها " (2).
5 - وعرفه السيد الصدر بأنه: " العلم
بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي
يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي " (3).
فالمسألة الأصولية بناء على التعريف الأخير
تتصف بالميزات التالية:
1 - أن يكون العنصر دليلا مشتركا في جميع
الأبواب الفقهية أو أغلبها، مثل دلالة الأمر على
الوجوب، وحجية الظهورات، والاستصحاب
ونحوها.
وبهذا القيد يخرج ما يكون دليلا في موارد
خاصة، مثل البحث عن مدلول كلمة " الصعيد " لغة،
لأنه يخص بحث التيمم مثلا.
2 - أن يكون العنصر المشترك من عناصر
الاستدلال الفقهي، وهو ما يقوم به الفقيه لتحديد
الوظيفة تجاه الجعل الكلي الشرعي، فأصالة الصحة
وإن كانت عنصرا مشتركا إلا أنها مختصة بالشبهات
الموضوعية، ولا تقع عنصرا في الاستدلال المحدد
للوظيفة تجاه جعل شرعي كلي.
3 - أن يكون هذا العنصر المشترك مرتبطا
بطبيعة الاستدلال الفقهي خاصة، وليس من
العناصر المشتركة في عمليات الاستدلال بصورة
عامة، وإلا كان البحث عنه من وظائف علم المنطق.
4 - أن يكون مما يستعمله الفقيه في
الاستدلال الفقهي دليلا على الجعل الشرعي الكلي،
ومن دون فرق بين أنحاء الدليلية: من كونها لفظية
أو عقلية أو شرعية، كما سيأتي توضيحها (1).
موضوع علم الأصول:
تكلم الأصوليون في مقدمة كتبهم الأصولية
عن ضرورة وجود موضوع لكل علم، وأن تمايز
العلوم بموضوعاتها، وأن موضوع كل علم ما يبحث
فيه عن عوارضه الذاتية، وعن معنى العرض
الذاتي، وعن مسائل كل علم ومبادئه التصديقية
والتصورية ونحوها من الأمور.
ثم تكلموا عن موضوع خصوص علم
الأصول ما هو؟ (2)

(1) فوائد الأصول (1 - 2): 19.
(2) محاضرات في أصول الفقه 1: 8 - 9.
(3) بحوث في علم الأصول 1: 31.
(1) بحوث في علم الأصول 1: 31 - 32.
(2) أنظر: كفاية الأصول: 7 - 9، وفوائد الأصول (1 - 2):
20 - 29، ونهاية الأفكار 1: 3 - 23، ومحاضرات في
أصول الفقه 1: 16 - 34، وبحوث في علم الأصول 1:
37 - 53، وغيرها من الكتب الأصولية.
507

ولما كانت هذه الأبحاث طويلة وأغلبها غير
مجد لم نستعرضها، بل اكتفينا بالإشارة الإجمالية
إليها، فنقول:
جعل المتقدمون موضوع علم الأصول - بناء
على لزوم الموضوع لكل علم - الأدلة الأربعة،
وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، من
حيث هي هي، أو من حيث كونها دليلا.
لكن أشكل عليهم المتأخرون:
أولا - بعدم الدليل على لزوم وجود موضوع
في كل علم، بل يمكن أن يشار إليه بعنوان كلي منتزع
من موضوعات مسائله.
ثانيا - وعلى فرض لزوم وجود الموضوع،
لا يصح جعل موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة،
وذلك لخروج كثير من المسائل المطروحة فعلا في
علم الأصول عنه، مثل الكلام عن حجية خبر
الواحد - لأن البحث عنه ليس بحثا عن السنة، لأن
السنة هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره - ومسألة
التعادل والتراجيح، ومقدمة الواجب واجتماع الأمر
والنهي، أو المباحث المتعلقة بمعاني الأمر والنهي
ونحو ذلك.
وسبب خروجها أنه يلزم أن تكون أغلب
هذه الأمور من المبادي التصديقية لعلم الأصول
التي ينبغي البحث عنها قبل الدخول في علم
الأصول.
ثالثا - يكفي فرض عنوان كلي مشير إلى
عناوين موضوعات المسائل لعلم الأصول وجعله
موضوعا لعلم الأصول بحيث تندرج فيه جميع
المسائل المبحوث عنها في علم الأصول فعلا (1)، مثل
عنوان:
1 - " كل ما كان عوارضه واقعة في طريق
استنباط الحكم الشرعي أو ما ينتهي إليه العمل ".
بناء على أن يراد بالحكم الحكم الواقعي، وإن أريد
منه الأعم فلا حاجة إلى إضافة قيد " أو ما ينتهي
إليه العمل ".
هذا ما قاله المحقق النائيني (2).
2 - " الجامع الذي ينتزع من مجموع مسائله
المتباينة، كعنوان: ما يقع نتيجة البحث عنه في طريق
الاستنباط وتعيين الوظيفة في مقام العمل ".
وهذا ما قاله السيد الخوئي (3).
3 - " الأدلة المشتركة في الاستدلال الفقهي
خاصة " فيبحث في علم الأصول عن دليليتها.
وهذا ما قاله السيد الصدر (4).
ونحو هذه التعابير.
فائدة علم الأصول:
" اتضح مما سبق أن لعلم الأصول فائدة
كبيرة للاستدلال الفقهي، وذلك أن الفقيه في كل

(1) كفاية الأصول: 8.
(2) فوائد الأصول (1 - 2): 28.
(3) محاضرات في أصول الفقه 1: 34.
(4) بحوث في علم الأصول 1: 52.
508

مسألة فقهية يعتمد على نمطين من المقدمات في
استدلاله الفقهي:
أحدهما: عناصر خاصة بتلك المسألة من
قبيل الرواية التي وردت في حكمها، وظهورها في
إثبات الحكم المقصود، وعدم وجود معارض لها
ونحو ذلك.
والآخر: عناصر مشتركة تدخل في
الاستدلال على حكم تلك المسألة، وفي الاستدلال
على حكم مسائل أخرى كثيرة في مختلف أبواب
الفقه، من قبيل أن خبر الواحد الثقة حجة، وأن
ظهور الكلام حجة.
والنمط الأول من المقدمات يستوعبه الفقيه
بحثا في نفس تلك المسألة، لأن ذلك النمط من
المقدمات مرتبط بها خاصة.
وأما النمط الثاني، فهو بحكم عدم اختصاصه
بمسألة دون أخرى، أنيط ببحث آخر خارج نطاق
البحث الفقهي في هذه المسألة أو تلك، وهذا البحث
الآخر هو الذي يعبر عنه " علم الأصول "، وبقدر ما
اتسع الالتفات تدريجا من خلال البحث الفقهي إلى
العناصر المشتركة، اتسع علم الأصول وازداد
أهمية، وبذلك صح القول: بأن دور علم الأصول
بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم
المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن
علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر
المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب التفكير
دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي
خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من
أبواب الفقه دون باب " (1).
تقسيم أبحاث علم الأصول:
هناك عدة وجهات نظر لتقسيم الأبحاث
الأصولية، نشير إلى أهمها فيما يلي:
التقسيم الأول: وهو ما نقله الشيخ محمد
رضا المظفر عن أستاذه المحقق الإصفهاني الذي ذكره
في حلقة درسه، وحاصل ما أفاده هو:
أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى أربعة
أقسام:
1 - مباحث الألفاظ: وهي تبحث عن
مداليل الألفاظ وظواهرها من جهة عامة نظير
البحث عن ظهور صيغة " إفعل " في الوجوب،
وظهور " النهي " في الحرمة، ونحو ذلك.
2 - المباحث العقلية: وهي ما تبحث عن
لوازم الأحكام في أنفسها ولو لم تكن تلك الأحكام
مدلولة للفظ، كالبحث عن الملازمة بين حكم العقل
وحكم الشرع، وكالبحث عن استلزام وجوب
الشئ لوجوب مقدمته، المعروف باسم البحث عن
مقدمة الواجب، وكالبحث عن استلزام وجوب
الشئ لحرمة ضده، المعروف باسم مسألة الضد،
وكالبحث عن اجتماع الأمر والنهي المعروف بمسألة
اجتماع الأمر والنهي.

(1) دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية: 20 - 21.
509

3 - مباحث الحجة: وهي ما يبحث فيها عن
الحجية والدليلية، كالبحث عن حجية خبر الواحد،
وحجية الظواهر، وحجية ظواهر الكتاب، وحجية
السنة والإجماع والعقل.
4 - مباحث الأصول العملية: وهي تبحث
عما يرجع إليه المجتهد عند فقدان الدليل
الاجتهادي، كالبحث عن أصالة البراءة،
والاحتياط، والاستصحاب، ونحوها.
5 - مباحث التعادل والتراجيح: ويبحث
فيها عن تعارض الأدلة وكيفية علاجه.
فبناء على هذا التقسيم يكون مبحث المشتق
من مباحث الألفاظ، في حين أنه كان يعد من
المقدمات، وتكون مباحث مقدمة الواجب،
والإجزاء والضد ونحوها من المباحث العقلية، في
حين أنها كانت تعد من مباحث الألفاظ (1).
التقسيم الثاني: ما ذكره السيد الخوئي في
المحاضرات، وحاصل ما أفاده هو:
أن القواعد العامة التي يتكون منها علم
الأصول على أقسام، وهي:
1 - ما يوصل إلى معرفة الحكم الشرعي بعلم
وجداني، وبنحو البت والجزم، وهو مباحث
الاستلزامات العقلية، كمبحث مقدمة الواجب،
ومبحث الضد، ومبحث اجتماع الأمر والنهي،
ومبحث النهي مستلزم للفساد أو لا، ومبحث
المفاهيم.
فإنه بعد العلم بوجوب شئ، وبعد العلم
بثبوت الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته،
يحصل العلم بوجوب المقدمة أيضا.
2 - ما يوصل إلى الحكم الشرعي التكليفي أو
الوضعي بعلم جعلي تعبدي، وهو مباحث الحجج
والأمارات، وهو على قسمين:
أ - ما يكون البحث فيه عن الصغرى بعد
إحراز الكبرى والفراغ منها، وهو مباحث الألفاظ
بأجمعها، فإن كبرى هذه المباحث، وهي مسألة
حجية الظهور، محرزة ومفروغ منها، لقيام سيرة
العقلاء على ذلك.
ويدخل في هذا القسم مباحث الأوامر
والنواهي والمفاهيم ومعظم مباحث العموم
والخصوص والمطلق والمقيد ونحوها.
ب - ما يكون البحث فيه عن الكبرى بعد
الفراغ من الصغرى، كمبحث حجية خبر الواحد
والإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية وظواهر
الكتاب، ومبحث الظن الانسدادي بناء على
الكشف، ومبحث التعادل والتراجيح.
3 - ما يبحث فيه عن الوظيفة العملية
الشرعية للمكلفين حال العجز عن معرفة الحكم
الواقعي واليأس عن الظفر بأي دليل اجتهادي، من
عموم أو إطلاق بعد الفحص بالمقدار الواجب، وما
هو وظيفة العبودية في مقام الامتثال، وهو مباحث
الأصول العملية الشرعية، كالاستصحاب والبراءة

(1) أصول الفقه 1: 7 - 8.
510

والاشتغال.
4 - ما يبحث فيه عن الوظيفة العملية العقلية
في مرحلة الامتثال في فرض فقدان ما يؤدي إلى
الوظيفة الشرعية، من دليل اجتهادي أو أصل عملي
شرعي، وهو مباحث الأصول العملية العقلية،
كالبراءة والاحتياط العقليين، ويدخل فيه مبحث
الظن الانسدادي على الحكومة (1).
التقسيم الثالث: ما ذكره السيد الصدر،
وحاصله:
أن الأدلة التي يعتمد عليها الفقيه في استدلاله
الفقهي على أقسام:
1 - الدليل اللفظي: ويراد به كل دليل تكون
دلالته على أساس الوضع اللغوي أو العرفي العام،
فيشمل مباحث الألفاظ والدلالات، فالبحث فيها
عن الدليلية اللفظية وتحديد مدلول ألفاظ عامة
تعتبر عناصر مشتركة لاستنباط الحكم الشرعي في
أبواب فقهية متنوعة.
2 - الدليل العقلي البرهاني: وهو الدليل
الذي تكون دلالته على أساس علاقات وملازمات
واقعية تثبت بحكم العقل البديهي أو بواسطة برهان،
وهو يشمل بحوث الملازمات العقلية الثابتة بين
الأحكام، أو بينها وبين متعلقاتها، كبحث وجوب
المقدمة واقتضاء الأمر بشئ للنهي عن ضده،
واجتماع الأمر والنهي، واقتضاء النهي للفساد،
وبحوث اشتراط القدرة في متعلق التكليف، وإمكان
أخذ القيود المختلفة في موضوع التكليف أو متعلقه،
وغير ذلك من المسائل العقلية الأصولية.
3 - الدليل العقلي الاستقرائي: وهو الدليل
القائمة دلالته على أساس حساب الاحتمالات الذي
هو الأساس العام في الأدلة الاستقرائية، وهو يشمل
مسألة حجية الإجماع والسيرة والتواتر، فإن دليلية
مثل هذه الأدلة تكون استقرائية لا برهانية.
4 - الدليل الشرعي: وهو ما جعله الشارع
دليلا لتشخيص الوظيفة العملية تجاه الحكم الشرعي
المشتبه، ويشمل بحوث الحجج والقواعد المقررة
لإثبات الوظيفة العملية، وهو على قسمين:
أ - الأمارات: وتكون دليليتها على أساس
الكشف والطريقية إلى الواقع، الذي يعني بحسب
الروح ترجيح قوة الاحتمال في التزاحم بين
الأحكام في مرحلة حفظ الملاكات.
ب - الأصول العملية: وتكون دليليتها على
أساس ترجيح المحتمل في التزاحم المذكور.
5 - الدليل العقلي العملي: وهو كل كبرى
عقلية تشخص الوظيفة تجاه الواقع المشكوك تعذيرا
أو تنجيزا، فيشمل قاعدة البراءة العقلية،
والاحتياط العقلي، والتخيير العقلي.
فكل هذه الأقسام تدخل في نطاق علم
الأصول، لأنها عناصر مشتركة ومستعملة من قبل
الفقيه كأدلة على الجعل الشرعي الكلي (1).

(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 6 - 8.
(1) بحوث في علم الأصول 1: 32 - 34.
511

تنبيه:
ما ذكرناه من تقسيمات علم الأصول إنما هو
في عالم الفرض، وأما في عالم الواقع والخارج
فالموجود تقسيمه إلى قسمين:
1 - مباحث الألفاظ: ويضم جميع المباحث
المرتبطة بالوضع - وما يلحقها من البحث عن
المشتق والصحيح والأعم - والبحث عن الأوامر
والنواهي، ومقدمة الواجب، والضد، واجتماع
الأمر والنهي، والإجزاء، والمفاهيم، والعام
والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين
ونحوها.
2 - مباحث الحجج والأمارات والأصول
العملية، وهو يشمل مباحث القطع والظن والأصول
العملية الأربعة: البراءة والاشتغال والتخيير
والاستصحاب.
3 - خاتمة في مباحث التعارض وعلاجه
المعبر عنها ب‍ " التعادل والتراجيح ".
تأريخ علم الأصول وتطوره:
تقدم الكلام عن هذا الموضوع في مقدمة
الموسوعة ولا حاجة إلى تكراره.
مظان البحث:
تراجع الموضوعات المتقدمة حول أصول
الفقه في مقدمة علم الأصول، فإن جل من ألف أو
درس في هذا العلم من أوله قد تعرض لها.
اضطرار
لغة:
راجع قسم الفقه: اضطرار.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تقدم في عنوان " احتياط ": أن الاضطرار
إلى بعض أطراف الشبهة المحصورة يصير سببا لأن
يفقد العلم الإجمالي أثره التنجيزي، فلا يجب
اجتناب باقي الأطراف، على تفصيل ذكرناه هناك،
وتقدم أيضا أنه موجب لانحلال العلم الإجمالي.
راجع: احتياط.
تم - بعون الله تعالى - تدوين المجلد الثالث من
الموسوعة الفقهية ومراجعتي إياها بعد صف الحروف
مرات عديدة في 10 / جمادى الثانية / 1420 ه‍،
وكان البدء في تدوينها في 10 / ربيع الثاني / 1418
ه‍، فنسأل الله تعالى أن يمن علينا بمزيد من التوفيق،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
512

ملحق
تراجم الفقهاء والأصوليين
513

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد: فهذه ترجمة مختصرة للفقهاء والأصوليين وغيرهم ممن ذكرت آراؤهم في هذا الجزء من
الموسوعة، وإذا ذكرنا آراء آخرين في الأجزاء اللاحقة فسوف نقوم بترجمتهم أيضا.
514

- الآشتياني
الميرزا محمد حسن الآشتياني
(حدود 1248 - 1319 ه‍ ق)
كان من أجلاء تلامذة الشيخ مرتضى
الأنصاري ومن المختصين به، وقد قرر أكثر أبحاثه.
غادر النجف إلى طهران واستوطنها بعد وفاة
أستاذه، وكان ذلك أيام " ناصر الدين شاه
القاجاري "، فشدت إليه الرحال، وعلا شأنه في البلاد.
اشترك مع سميه وزميله الميرزا محمد حسن
الشيرازي - الذي كان من تلامذة الشيخ الأنصاري
أيضا وانتهت إليه الزعامة بعده - في مخالفة معاهدة
التنباك التي عقدها الشاه المذكور مع بعض الشركات
الإنجليزية، والتي انتهت إلى إصدار الشيرازي فتواه
بتحريم استعمال التنباك وفشل المعاهدة المذكورة.
له كتب ورسائل كثيرة ربما تبلغ أربعة
وعشرين كتابا ورسالة، أهمها:
1 - القضاء: وهو يتضمن أكثر مباحث
القضاء على نحو استدلالي دقيق، عكس فيه آراء
أستاذه، وقد استفدنا منه في الموسوعة.
2 - بحر الفوائد: وهو حاشية على فرائد
الأصول للشيخ الأنصاري، وقد وصف بأنه من
أكبر الحواشي وأغزرها وأعمها نفعا (1).
- ابن أبي عقيل
راجع: (1: 563، رقم 1)
- ابن إدريس الحلي
راجع: (1: 563، رقم 2)
- ابن بابويه
راجع: (1: 564، رقم 3)
- ابن البراج
راجع: (1: 564، رقم 4)
- ابن الجنيد
راجع: (1: 565، رقم 5)
- ابن حمزة
راجع: (1: 565، رقم 6)
- ابن زهرة
راجع: (1: 566، رقم 7)

(1) أنظر ترجمته في:
أ - أعيان الشيعة 5: 37.
ب - نقباء البشر 1: 389.
515

- ابن طاووس
راجع: (2: 465، رقم 8)
- ابن فهد
راجع: (2: 466، رقم 9)
- الأردبيلي =
(المحقق الأردبيلي)
راجع: (1: 566، رقم 8)
- الاسترآبادي
راجع: (2: 467، رقم 11)
- الإصفهاني (الشيخ محمد حسين) =
المحقق الإصفهاني
راجع: (1: 567، رقم 9)
- الإصفهاني =
الفاضل الهندي
راجع: (2: 468، رقم 13)
- الأنصاري =
الشيخ الأعظم
راجع: (1: 567، رقم 10)
- البجنوردي
راجع: (1: 569، رقم 11)
- البحراني
راجع: (1: 569، رقم 12)
- بحر العلوم =
العلامة الطباطبائي
راجع: (1: 570، رقم 13)
- البروجردي
راجع: (1: 570، رقم 14)
- البهائي
راجع: (1: 571، رقم 15)
516

- التستري
الشيخ محمد تقي بن الشيخ كاظم
ابن محمد علي بن الشيخ جعفر التستري
(1321 - 1415 ه‍ ق)
قال عنه الطهراني: " عالم مصنف بارع، ولد
في النجف ونشأ بها على حب العلم والفضيلة اللذين
ورثهما عن آبائه وعن جده الأعلى الشيخ جعفر،
الغني عن الوصف... ".
تشرفت بزيارته في بلدة تستر عدة مرات
واشتركت في المؤتمر الذي انعقد لأجله وهو في قيد
الحياة. كان زاهدا عن الدنيا وزخارفها مكبا على
التأليف والتصنيف لم يتركه ما كان ذلك ممكنا له.
وكان يقيم الجماعة لأهل بلدته مع كبر سنه، وله
عندهم حرمة كثيرة حيا وميتا.
له تأليفات كثيرة أهمها:
1 - قاموس الرجال: كتبه بهدف التعليق
والنقد على كتاب تنقيح الرجال للمامقاني، صدر من
الطبعة الثانية منه إلى الآن تسعة مجلدات، استفدنا
منه في الموسوعة.
2 - النجعة في شرح اللمعة: وهو شرح روائي
للمعة الدمشقية، للشهيد الأول، في أحد عشر مجلدا.
وكتب ورسائل أخرى مثل: الأخبار الدخيلة،
ونهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، وغيرهما (1).
- التوني =
الفاضل التوني
راجع: (2: 469، رقم 20)
- الحائري
راجع: (1: 571، رقم 16)
- الحر العاملي
راجع: (1: 572، رقم 17)
- الحكيم =
السيد محسن
راجع: (1: 573، رقم 18)
- الحكيم =
السيد محمد تقي
راجع: (1: 573، رقم 19)
- الحلبي = أبو الصلاح
راجع: (1: 574، رقم 20)

(1) أنظر ترجمته في نقباء البشر 1: 265، ومقدمة الطبعة
الحديثة لكتابه قاموس الرجال.
517

- الحلبي
أبو علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي
(... -...) (1)
من فقهائنا الحلبيين، له كتاب إشارة السبق،
قال عنه الطهراني: " إشارة السبق إلى معرفة الحق،
في أصول الدين وفروعه العبادية من الطهارة إلى
آخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للشيخ
علاء الدين أبي المجد الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي... " (2).
- الحلي = المحقق الحلي
راجع: (1: 574، رقم 21)
- الحلي = العلامة الحلي
راجع: (1: 576، رقم 22)
- الحلي = يحيى بن سعيد
راجع: (1: 577، رقم 23)
- الخراساني = صاحب الكفاية = الآخوند
راجع: (1: 577، رقم 24)
- الخميني = الإمام الخميني
راجع: (1: 578، رقم 25)
- الخوانساري
راجع: (1: 579، رقم 26)
- الخوئي = السيد الخوئي
راجع: (1: 579، رقم 27)
- الداماد
السيد محمد باقر ابن المير شمس الدين محمد
الحسيني الاسترآبادي المعروف ب‍ " الميرداماد "
(... - 1041)
و " الداماد " بالفارسية: الصهر، لقب بذلك،
لأن أباه كان صهرا للشيخ علي بن عبد العال
الكركي، المعروف بالمحقق الكركي، ولقب هو بعد
أبيه بذلك.
قال عنه السيد الأمين: " كان فيلسوفا

(1) ذكره الطهراني في أعلام القرن الخامس، أنظر طبقات
أعلام الشيعة في القرن الخامس: 119.
(2) الذريعة 2: 99، وانظر مقدمة كتاب إشارة السبق.
518

رياضيا متفننا في جميع العلوم الغريبة، شاعرا
بالعربية والفارسية، ويتخلص ب‍: إشراق، وكان
مقربا جدا لدى الشاه عباس الصفوي... ".
كان تلميذا للشيخ حسين العاملي والد الشيخ
البهائي، وخاله الشيخ عبد العال بن الشيخ علي
الكركي.
وكان من تلامذته الفيلسوف الشهير صدر
الدين الشيرازي المعروف ب‍ " صدر المتألهين ".
توفي سنة 1041 في النجف الأشرف عند
زيارته للعتبات المقدسة مع الشاه صفي الصفوي.
له مؤلفات كثيرة ربما قاربت الخمسين في شتى
الفنون الإسلامية، كالحكمة والفقه والأصول
والحديث والدراية والرياضيات وغيرها، منها
الرواشح السماوية، قصد بكتابته شرح كتاب الكافي،
لكن الظاهر لم يتم، خرج منه ما كتبه مقدمة لذلك
يتضمن أبحاثا مختصرة في علم الرجال والدراية
والأصول، استفدنا منه في الموسوعة (1).
- الراوندي
راجع: (1: 580، رقم 28)
- الرشتي
راجع: (1: 581، رقم 29)
- السبزواري
راجع: (1: 582، رقم 30)
- سلار
راجع: (1: 582، رقم 31)
- السيد
راجع: المرتضى، اليزدي
- الشهيد الأول
راجع: (1: 583، رقم 33)
- الشهيد الثاني
راجع: (1: 584، رقم 34)
- الشيخ
راجع: الأنصاري، الطوسي
519

- صاحب الجواهر
راجع: النجفي
- صاحب الحاشية
راجع: (2: 471، رقم 42)
- صاحب الحدائق
راجع: البحراني
- صاحب الرياض
راجع: الطباطبائي
- صاحب العروة
راجع: اليزدي
- صاحب الفصول
راجع: (2: 472، رقم 46)
- صاحب القوانين
راجع: القمي
- صاحب كشف اللثام
راجع: الفاضل الهندي = الفاضل الإصفهاني
- صاحب الكفاية
راجع: الخراساني
- صاحب مفتاح الكرامة
راجع: العاملي
- صاحب المدارك
راجع: العاملي
- صاحب المعالم
راجع: (1: 586، رقم 45)
- صاحب المناهل
راجع: الطباطبائي
- صاحب الوسائل
راجع: الحر العاملي
520

- الصدر = السيد الصدر
راجع: (1: 587، رقم 48)
- الصدوق
راجع: (1: 588، رقم 49)
- الطباطبائي = صاحب الرياض
راجع: (1: 589، رقم 50)
- الطباطبائي = صاحب المناهل
راجع: (1: 589، رقم 51)
- الطباطبائي = صاحب الميزان
راجع: (2: 474، رقم 59)
- الطبرسي = صاحب مجمع البيان
راجع: (2: 475، رقم 60)
- الطبرسي = صاحب مكارم الأخلاق
راجع: (2: 476، رقم 61)
- الطوسي
راجع: (1: 590، رقم 52)
- العاملي = صاحب المدارك
راجع: (1: 591، رقم 53)
- العاملي = صاحب مفتاح الكرامة
راجع: (1: 592، رقم 54)
- العراقي
راجع: (1: 592، رقم 55)
- العلامة
راجع: الحلي
- العماني
راجع: ابن أبي عقيل
- الفاضل الجواد
راجع: الكاظمي
521

- الفاضل المقداد = السيوري
راجع: (1: 593، رقم 59)
- الفاضل الهندي =
الفاضل الإصفهاني
راجع: (1: 594، رقم 60)
- فخر الدين =
فخر المحققين
راجع: (2: 477، رقم 71)
- الفضل بن شاذان
راجع: (2: 478، رقم 72)
- القاضي
راجع: ابن البراج
- القمي =
المحقق القمي
راجع: (1: 594، رقم 62)
- الكاشاني
راجع: (1: 595، رقم 63)
- كاشف الغطاء
راجع: (1: 596، رقم 64)
- الكاظمي =
الفاضل الجواد
راجع: (1: 596، رقم 65)
- الكرباسي =
الكلباسي
راجع: (2: 479، رقم 78)
- الكركي
راجع: (1: 597، رقم 66)
- الكليني
راجع: (1: 598، رقم 67)
522

- المامقاني
الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد حسن المامقاني
(1290 - 1351 ه‍. ق)
من العلماء المكثرين في التصنيف والتأليف
في الفقه والأصول نشأ في أحضان والده الشيخ
محمد حسن الذي كان من أبرز تلامذة الشيخ
الأنصاري.
من أهم تأليفاته:
1 - تنقيح المقال في علم الرجال: وهو
موسوعة رجالية كبيرة، طبع في ثلاثة مجلدات ضخام
من القطع الكبير، وهو قيد التحقيق لتجديد طبعه.
2 - مقباس الهداية في علم الدراية:
وموضوعه دراية الحديث، جدد طبعه في أربع
مجلدات، ولحفيده مستدرك عليه يبلغ ثلاثة
مجلدات.
استفدنا من هذا الكتاب في الموسوعة.
3 - نهاية المقال في تكملة غاية الآمال: وهو
تعليقة على قسم الخيارات من كتاب المكاسب
للشيخ الأنصاري، ويعد مكملا لغاية الآمال الذي
كتبه والده في تعليقته على المكاسب.
4 - منتهى مقاصد الأنام في نكت شرائع
الإسلام، ويبدو أنه كان يبلغ عشرات المجلدات (1).
- المجلسي
راجع: (2: 480، رقم 81)
- المحقق
راجع: الحلي
- المحقق الثاني
راجع: الكركي
- المحقق القمي
راجع: القمي
- المراغي
راجع: (1: 599، رقم 72)
- المرتضى =
السيد =
السيد المرتضى
راجع: (1: 599، رقم 73)
523

- المروج
راجع: (2: 481، رقم 87)
وافته المنية فجر اليوم الخامس والعشرين من
ذي القعدة عام 1419 ه‍ ق، ففجعنا بنبأ وفاته
(رحمة الله عليه ورضوانه)، وكان مهتما بالموسوعة
يسألني عنها كلما زرته.
ونستدرك هنا أن كتابه " هدى الطالب "
صدر منه في الحال الحاضر أربعة أجزاء.
- المظفر
راجع: (1: 600، رقم 74)
- المفيد
راجع: (1: 601، رقم 75)
- النائيني =
المحقق النائيني
راجع: (1: 602، رقم 76)
- النجفي =
صاحب الجواهر
راجع: (1: 603، رقم 77)
- النراقي
راجع: (2: 482، رقم 92)
- الهمداني = المحقق الهمداني
راجع: (2: 483، رقم 93)
- الوحيد البهبهاني = الأستاذ الأكبر
راجع: (1: 604، رقم 79)
- يحيى بن سعيد
راجع: الحلي
- اليزدي = السيد اليزدي
راجع: (1: 605، رقم 80)
- يونس بن عبد الرحمن
راجع: (2: 484، رقم 97)
524

الفهارس
525

فهرس المصادر
- القرآن الكريم.
- نهج البلاغة.
- الصحيفة السجادية.
" الفقه "
- أجوبة المسائل المهنائية (ط: مطبعة الخيام): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- إرشاد الأذهان (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- إشارة السبق (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): علي بن الحسن الحلبي، ر: 28.
- الانتصار (ط: منشورات الشريف الرضي): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 91.
- إيضاح الفوائد (ط: مؤسسة كوشانبور - اسماعيليان): محمد بن الحسن بن يوسف الحلي = فخر المحققين، ر: 75.
- بداية الهداية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد بن الحسن الحر العاملي، ر: 24.
- البيان (ط: المؤسسة الثقافية للإمام المهدي (عليه السلام)): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 42.
- البيع (ط: مطبعة مهر): الإمام الخميني، ر: 33.
- تبصرة المتعلمين (ط: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي): الحسن بن يوسف
= العلامة الحلي، ر: 30.
- تحرير الأحكام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
527

- تحرير الوسيلة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الإمام الخميني، ر: 33.
- تذكرة الفقهاء (ط: المكتبة المرتضوية): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- تذكرة الفقهاء (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- التنقيح في شرح العروة الوثقى (ط: دار الهادي): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 35.
- التنقيح الرائع (ط: مكتبة المرعشي): المقداد بن عبد الله السيوري = الفاضل المقداد، ر: 73.
- الجامع للشرائع (ط: مؤسسة سيد الشهداء): يحيى بن سعيد الحلي، ر: 31.
- جامع المقاصد (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): علي بن الحسين = المحقق الكركي، ر: 83.
- جواهر الفقه (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): عبد العزيز بن البراج = القاضي ابن
البراج، ر: 5.
- جواهر الكلام (ط: مكتبة الآخوندي): الشيخ محمد حسن النجفي، ر: 96.
- حاشية السيد اليزدي على المكاسب (ط: مؤسسة دار العلم): محمد كاظم اليزدي = السيد اليزدي، ر: 101.
- حاشية المحقق الإصفهاني على المكاسب (ط: مجمع الذخائر الإسلامية - الطبعة الحجرية): الشيخ محمد حسين
الإصفهاني = المحقق الإصفهاني، ر: 13.
- حاشية المحقق الإصفهاني على المكاسب (ط: دار المصطفى لإحياء التراث - الطبعة الحديثة): الشيخ محمد
حسين الإصفهاني = المحقق الإصفهاني، ر: 13.
- الحبل المتين (ط: مكتبة بصيرتي): محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي = الشيخ البهائي، ر: 20.
- الحدائق الناضرة (ط: مكتبة الآخوندي وجماعة المدرسين): يوسف بن أحمد بن عصفور البحراني
= المحدث البحراني، ر: 17.
- حقائق الإيمان (ط: مكتبة السيد المرعشي): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- الخلاف (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن الحسن = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- الدروس (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 42.
- ذخيرة المعاد (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، ر: 39.
- الذكرى = ذكرى الشيعة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 42.
- الرسائل العشر (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ
الطوسي، ر: 66.
528

- رسائل المحقق الكركي (ط: مكتبة السيد المرعشي): علي بن الحسين = المحقق الكركي، ر: 83.
- رسائل السيد المرتضى (ط: دار القرآن الكريم): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 91.
- رسائل فقهية (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- روض الجنان (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- الروضة البهية (ط: جامعة النجف): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- الرياض (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد علي الطباطبائي، ر: 61.
- الرياض (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): السيد علي الطباطبائي، ر: 61.
- السرائر (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن منصور بن إدريس الحلي، ر: 3.
- شرائع الإسلام (ط: مطبعة الآداب في النجف): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 29.
- الطهارة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - الحجرية): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- الطهارة (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- العروة الوثقى (ط: دار الكتب الإسلامية): السيد محمد كاظم اليزدي، ر: 101.
- غاية المراد (ط: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 42.
- غنية النزوع (ط: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)): حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، ر: 8.
- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث).
- القضاء (ط: 1327): للآشتياني، ر: 1.
- القضاء والشهادات (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- القضاء والشهادات (ط: دار القرآن الكريم): حبيب الله الرشتي، ر: 38.
- قواعد الأحكام (ط: منشورات الرضي): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- الكافي في الفقه (ط: مكتبة الإمام أمير المؤمنين - إصفهان): أبو الصلاح الحلبي، ر: 28.
- كشف الغطاء (ط: إنتشارات مهدوي): الشيخ جعفر الكبير = كاشف الغطاء، ر: 80.
- كشف اللثام (ط: مكتبة السيد المرعشي): محمد بن الحسن = الفاضل الإصفهاني، ر: 14.
- كشف اللثام (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن الحسن الإصفهاني، ر: 14.
- كفاية الأحكام (ط: مدرسة الصدر - مهدوي): محمد باقر بن مؤمن السبزواري، ر: 39.
529

- كنز العرفان (ط: المكتبة الرضوية): المقداد بن عبد الله السيوري = الفاضل المقداد، ر: 73.
- مباني العروة الوثقى (ط: مدرسة دار العلم): السيد محمد تقي الخوئي، تقرير أبحاث السيد أبي القاسم
الخوئي،
ر: 35.
- المبسوط (ط: المكتبة المرتضوية): محمد بن الحسن = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- مجمع الفائدة والبرهان (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): المولى أحمد الأردبيلي = المحقق
الأردبيلي، ر: 11.
- المختصر النافع (ط: مكتبة المصطفوي): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 29.
- مختلف الشيعة (ط: مكتبة نينوى الحديثة): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- مختلف الشيعة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي،
ر: 30.
- مدارك الأحكام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد بن علي العاملي، ر: 67.
- المراسم (ط: جمعية منتدى النشر): أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (سلار)، ر: 40.
- مسالك الأفهام (ط: مؤسسة المعارف الإسلامية): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- مستمسك العروة الوثقى (ط: مطبعة الآداب في النجف): السيد محسن الحكيم، ر: 25.
- مستند الشيعة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - الطبعتان الحجرية والحديثة): أحمد بن محمد بن مهدي =
الفاضل النراقي، ر: 97.
- مستند العروة الوثقى (ط: مدرسة دار العلم): الشيخ مرتضى البروجردي - تقرير أبحاث السيد أبي القاسم
الخوئي، ر: 35.
- مشارق الشموس (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الآقا حسين بن محمد الخوانساري، ر: 34.
- مصباح الفقاهة (ط: المطبعة الحيدرية في النجف): محمد علي التوحيدي - تقرير أبحاث السيد أبي القاسم
الخوئي، ر: 35.
- مصباح الفقيه = طهارة الهمداني وصلاته وصومه (ط: مطبعة الحيدري = الطبعة الحجرية): المحقق الهمداني،
ر: 98.
- المعتبر (ط: مجمع الذخائر): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 29.
530

- المعتمد (ط: مدرسة دار العلم): السيد رضا الخلخالي - تقرير أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 35.
- المغني (ط: دار الكتاب العربي): ابن قدامة.
- مفاتيح الشرائع (ط: مجمع الذخائر الإسلامية): المولى محمد محسن = الفيض الكاشاني، ر: 79.
- مفتاح الكرامة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد جواد العاملي، ر: 68.
- المقنع (ط: المكتبة الإسلامية): محمد بن علي بن بابويه = الصدوق، ر: 60.
- المقنعة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن محمد بن النعمان = الشيخ المفيد، ر: 94.
- المكاسب (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- المناهل (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد الطباطبائي = السيد المجاهد، ر: 62.
- منتهى المطلب (ط: الحجرية): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- منتهى المطلب (ط: مجمع البحوث الإسلامية - مشهد): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- منهاج الصالحين (ط: دار التعارف): السيد محسن الحكيم مع تعليقات للسيد محمد باقر الصدر، ر: 59.
- منهاج الصالحين (ط: مدينة العلم، الطبعة 28): السيد أبو القاسم الخوئي، ر: 35.
- منية الطالب في حاشية المكاسب (ط: 1373 ه‍ ق): الشيخ موسى الخوانساري - تقرير أبحاث النائيني،
ر: 95.
- موسوعة الفقه الإسلامي (ط: وزارة الأوقاف المصرية): المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
- موسوعة الفقه الإسلامي (ط: ذات السلاسل - الكويت): وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت.
- الموطأ (ط: دار الآفاق): مالك بن أنس.
- المهذب (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): عبد العزيز بن البراج = القاضي ابن البراج،
ر: 5.
- المهذب البارع (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): أحمد بن محمد بن فهد الحلي، ر: 10.
- الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 91.
- النهاية (ط: دار الكتاب العربي): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- نهاية الإحكام (ط: مؤسسة إسماعيليان): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- نهاية المرام (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): السيد محمد بن علي العاملي، ر: 67.
531

- الوسيلة إلى نيل الفضيلة (ط: مكتبة السيد المرعشي): محمد بن علي الطوسي = ابن حمزة، ر: 7.
- الوصايا (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
- الهداية (ط: المكتبة الإسلامية): محمد بن علي بن بابويه = الصدوق، ر: 60.
- هدى الطالب (ط: دار الكتاب، للجزائري): السيد محمد جعفر الجزائري المروج، ر: 92.
" الأصول "
- أجود التقريرات (ط: مكتبة المصطفوي، مكتبة الفقيه): السيد أبو القاسم الخوئي - تقرير أبحاث الشيخ محمد
حسين النائيني، ر: 95.
- إرشاد الفحول (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن علي بن محمد الشوكاني.
- الأصول العامة للفقه المقارن (ط: دار الأندلس): السيد محمد تقي الحكيم، ر: 26.
- أصول الفقه (ط: دانش إسلامي): الشيخ محمد رضا المظفر، ر: 93.
- أصول الفقه (ط: المكتبة التجارية بمصر): الشيخ محمد الخضري بك.
- بحوث في علم الأصول (ط: المجمع العلمي للشهيد الصدر): السيد محمود الهاشمي - تقرير أبحاث الشهيد السيد
الصدر، ر: 59.
- تهذيب الأصول (ط: مطبعة مهر): الشيخ جعفر السبحاني - تقرير أبحاث الإمام الخميني، ر: 33.
- الحاشية على استصحاب القوانين (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى
الأنصاري، ر: 15.
- حقائق الأصول (ط: مكتبة بصيرتي): السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ر: 25.
- الذريعة إلى أصول الشريعة (ط: جامعة طهران): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 91.
- الرسائل الأصولية (ط: مؤسسة الوحيد البهبهاني): الوحيد البهبهاني، ر: 99.
- زبدة الأصول (ط: الحجرية): محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي = الشيخ البهائي، ر: 20.
- عدة الأصول (ط: 1417 ه‍ ق): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- فرائد الأصول (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 15.
532

- فوائد الأصول (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ محمد علي الكاظمي - تقرير
أبحاث الشيخ محمد حسين النائيني، ر: 95.
- الفوائد الحائرية (ط: مجمع الفكر الإسلامي): الشيخ محمد باقر بن محمد أكمل = الوحيد البهبهاني، ر: 99.
- القوانين المحكمة = قوانين الأصول (ط: المكتبة العلمية الإسلامية وطبعة عام 1287): أبو القاسم القمي
= المحقق القمي، ر: 78.
- كفاية الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد كاظم الخراساني = الآخوند الخراساني، ر: 32.
- مباحث الأصول (ط: مكتب الإعلام الإسلامي): السيد كاظم الحائري - تقرير أبحاث السيد الشهيد الصدر.
- محاضرات في أصول الفقه (ط: مكتبة داوري): الشيخ محمد إسحاق فياض - تقرير أبحاث السيد أبي القاسم
الخوئي، ر: 35.
- المستصفى من علم الأصول (ط: دار صادر): أبو حامد الغزالي.
- مصباح الأصول (ط: مطبعة النجف): السيد محمد سرور الحسيني - تقرير أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي،
ر: 35.
- معارج الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 29.
- المعالم الجديدة للأصول (ط: مكتبة النجاح): الشهيد الصدر، ر: 59.
- معالم الدين في الأصول (ط: المكتبة العلمية الإسلامية): حسن بن زين الدين (الشهيد الثاني)، ر: 43.
- مفاتيح الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد الطباطبائي = السيد المجاهد، ر: 62.
- مقالات الأصول (ط: مجمع الفكر الإسلامي): الشيخ ضياء الدين العراقي، ر: 69.
- منتهى الدراية (ط: مطبعة النجف وغيرها): السيد محمد جعفر الجزائري المروج، ر: 92.
- نهاية الأفكار (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ محمد تقي البروجردي - تقرير أبحاث
الشيخ ضياء الدين العراقي، ر: 69.
- نهاية الدراية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الشيخ محمد حسين الغروي الإصفهاني، ر: 13.
- نهاية الوصول إلى علم الأصول (ط: 1308 ه‍. ق): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 30.
- هداية المسترشدين (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد تقي الإصفهاني = صاحب الحاشية، ر: 46.
- الوافية (ط: مجمع الفكر الإسلامي): عبد الله بن محمد البشروي = الفاضل التوني، ر: 22.
533

" القواعد الفقهية والأصولية "
- تمهيد القواعد (ط: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ": زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- العناوين (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): السيد عبد الفتاح المراغي، ر: 90.
- عوائد الأيام (ط: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي): أحمد بن محمد مهدي النراقي = الفاضل
النراقي، ر: 97.
- القواعد الفقهية (ط: مطبعة الآداب في النجف الأشرف): السيد حسن البجنوردي، ر: 16.
- القواعد الفقهية (ط: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)): الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
- القواعد والفوائد (ط: مكتبة المفيد): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 42.
- مسالك الأفهام (ط: المكتبة الرضوية): الفاضل الجواد الكاظمي، ر: 72.
" الحديث "
- الاستبصار (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- البحار (ط: دار إحياء التراث العربي - مؤسسة الوفاء): المولى محمد باقر المجلسي، ر: 86.
- تحف العقول (ط: مكتبة بصيرتي): الحسن بن علي بن شعبة.
- التهذيب (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- الخصال (ط: مكتبة الصدوق): محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي = الصدوق، ر: 60.
- دعائم الإسلام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): القاضي أبو حنيفة، النعمان بن محمد.
- سفينة البحار (ط: دار الأسوة): الشيخ عباس القمي.
- سنن ابن ماجة (ط: دار إحياء التراث): محمد بن يزيد القزويني.
- سنن الترمذي (ط: دار إحياء التراث العربي): محمد بن عيسى بن سورة.
- السنن الكبرى (ط: دار الفكر): أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي.
- صحيح البخاري مع حاشية السندي (ط: دار الفكر): محمد بن إسماعيل البخاري.
534

- صحيح مسلم (ط: دار الفكر): مسلم بن الحجاج النيسابوري.
- عوالي اللآلي (ط: 1403 ه‍ ق. قم): محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي.
- الكافي (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن يعقوب الكليني، ر: 84.
- كامل الزيارات (ط: المرتضوية في النجف الأشرف): الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه.
- مجمع الزوائد (ط: دار الكتب العلمية - بيروت): علي بن أبي بكر الهيثمي.
- مرآة العقول (ط: دار الكتب الإسلامية): المولى محمد باقر المجلسي، ر: 86.
- مستدرك الوسائل (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الميرزا حسين النوري.
- معاني الأخبار (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي =
الصدوق، ر: 60.
- مكارم الأخلاق (ط: مؤسسة الأعلمي): الحسن بن الفضل الطبرسي، ر: 65.
- من لا يحضره الفقيه (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي = الصدوق، ر: 60.
- وسائل الشيعة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد بن الحسن الحر العاملي، ر: 24.
" التفسير وآيات الأحكام "
- أسباب النزول (ط: دار ومكتبة الهلال): علي بن أحمد الواحدي.
- التبيان في تفسير القرآن (ط: دار إحياء التراث العربي): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) (ط: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)): منسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
- تفسير البيضاوي (ط: دار الكتب العلمية): عبد الله بن عمر البيضاوي.
- تفسير الصافي (ط: مؤسسة الأعلمي): الفيض الكاشاني، ر: 79.
- تفسير العياشي (ط: مؤسسة الأعلمي): محمد بن مسعود بن عياش.
- تفسير القمي (ط: مؤسسة الأعلمي): علي بن إبراهيم القمي.
- كنز العرفان (ط: المكتبة الرضوية): المقداد بن عبد الله السيوري، ر: 73.
535

- مجمع البيان في تفسير القرآن (ط: دار إحياء التراث العربي): الفضل بن الحسن الطبرسي، ر: 64.
- الميزان في تفسير القرآن (ط: مؤسسة الأعلمي): السيد محمد حسين الطباطبائي، ر: 63.
" الكلام "
- الإغاثة بأدلة الاستغاثة (ط: مكتبة الإمام النووي): حسن بن علي السقاف.
- الاقتصاد (ط: دار الأضواء): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 66.
- أوائل المقالات (ط: مكتبة داوري): محمد بن محمد بن النعمان = الشيخ المفيد، ر: 94.
- التوحيد (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن علي القمي = الشيخ الصدوق، ر: 60.
- حق اليقين (ط: مركز انتشارات الأعلمي): السيد عبد الله شبر.
- دلائل الصدق (ط: مكتبة بصيرتي): محمد حسن المظفر.
- رسالة الحدود (ط: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)): محمد بن الحسن النيسابوري.
- كشف الارتياب (ط: دار الكتب الإسلامية): محسن الأمين، ر: ج 1 ص 606.
- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (ط: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي،
ر: 30.
- منهج الرشاد لمن أراد السداد (ط: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)): الشيخ جعفر كاشف
الغطاء، ر: 80.
" الفلسفة "
- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة = الأسفار (ط: دار إحياء التراث العربي): صدر الدين الشيرازي
= صدر المتألهين.
- شرح المصطلحات الفلسفية (ط: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية): قسم الكلام في مجمع البحوث
الإسلامية.
536

- نهاية الحكمة (ط:): السيد محمد حسين الطباطبائي، ر: 63.
" الدعاء "
- مصباح المتهجد (ط: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت): محمد بن الحسن الطوسي، ر: 66.
" التأريخ والسيرة "
- إعلام الورى (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الفضل بن الحسن الطبرسي، ر: 64.
- الكامل في التأريخ (ط: دار صادر - دار بيروت): ابن الأثير.
- كشف الغمة (ط: مكتبة بني هاشمي - تبريز): علي بن عيسى الإربلي.
- المناقب (ط: انتشارات علامة): محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني.
" الدراية والرجال والفهارس "
- اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي (ط: جامعة مشهد): محمد بن الحسن الطوسي، ر: 66.
- أعيان الشيعة (ط: دار التعارف للمطبوعات - بيروت): السيد محسن الأمين، ر: ج 1 ص 606.
- الذريعة في تصانيف الشيعة (ط: دار الأضواء - بيروت): الشيخ آغا بزرك الطهراني، ر: ج 1 ص 607.
- الرعاية في علم الدراية (ط: مكتبة السيد المرعشي): زين الدين بن علي = الشهيد الثاني، ر: 43.
- الرواشح السماوية (ط: 1311 ه‍ ق): المحقق الداماد، ر: 36.
- ريحانة الأدب (ط: مكتبة الخيام): محمد علي مدرس التبريزي.
- قاموس الرجال (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ محمد تقي التستري، ر: 21.
- الكرام البررة (ط: مؤسسة دار المرتضى): الشيخ آغا بزرك الطهراني، ر: ج 1 ص 607.
- الكنى والألقاب (ط: مكتبة الصدر): الشيخ عباس القمي.
537

- مقباس الهداية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الشيخ عبد الله المامقاني، ر: 85.
- نقباء البشر (ط: دار المرتضى للنشر): الشيخ آغا بزرك الطهراني، ر: ج 1 ص 607.
" اللغة "
- أساس البلاغة (ط: دار المعرفة): محمود بن عمر الزمخشري.
- الصحاح (ط: دار العلم للملايين): إسماعيل بن حماد الجوهري.
- العين = ترتيب العين (ط: دار الأسوة - الأوقاف): الخليل بن أحمد الفراهيدي.
- الفائق في غريب الحديث (ط: دار الكتب العلمية): محمود بن عمر الزمخشري.
- الفروق اللغوية (ط: مكتبة بصيرتي): أبو الهلال العسكري.
- القاموس (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن يعقوب الفيروزآبادي.
- لسان العرب (ط: دار الفكر): محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي.
- مجمع البحرين (ط: مكتبة بوذر جمهري): فخر الدين الطريحي.
- محيط المحيط (ط: مكتبة لبنان): بطرس البستاني.
- مختار الصحاح (ط: عيسى البابي - مصر): محمد بن أبي بكر الرازي.
- المصباح المنير (ط: دار الكتب العلمية): أحمد بن محمد الفيومي.
- معجم لغة الفقهاء (ط: دار النفائس): محمد رواس قلعه جى، وحامد صادق قنيبي.
- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم (ط: المكتبة المرتضوية): الحسين بن محمد = الراغب الإصفهاني.
- معجم مقاييس اللغة (ط: دار الجيل): أحمد بن فارس.
- المعجم الوسيط (ط: مجمع اللغة العربية): لجنة معجم الوسيط.
- النهاية في غريب الحديث والأثر (ط: المكتبة الإسلامية - بيروت): المبارك بن محمد الجزري = ابن الأثير.
538