الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
المتاجر
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
المتاجر
الجزء الثاني
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الثاني
278

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
279

كتاب المتاجر والبيوع
باب آداب التجارة:
ينبغي للإنسان إذا أراد التجارة أن يبتدئ أولا فيتفقه في دينه ليعرف كيفية
الاكتساب ويميز بين العقود الصحيحة والفاسدة لأن العقود الفاسدة لا ينتقل بها الملك بل
هو باق على ملكية الأول، ويسلم من الربا الموبق ولا يرتكب المأثم من حيث لا يعلم به،
فإنه روي عن أمير المؤمنين ع، أنه قال: من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم.
قال محمد بن إدريس: معنى ارتطم يقال: رطمته في الوحل رطما فارتطم هو أي ارتبك فيه،
وارتطم عليه أمره إذا لم يقدر على الخروج منه. وكان ع يقول: التاجر فاجر والفاجر في
النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق.
وكان ع يقول: معاشر الناس الفقه ثم المتجر
الفقه ثم المتجر والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا. وكان ع
بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على
عاتقه فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل، فإذا سمعوا صوته
ألقوا ما في أيديهم وأرعوا بقلوبهم وتسمعوا بأذانهم فيقول: قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة
واقتربوا من المبتاعين وتزينوا بالحلم وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وأنصفوا المظلومين ولا
تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين،
فيطوف جميع الأسواق ثم يرجع فيقعد للناس: قوله ع: قدموا الاستخارة، يعني الدعاء
بالخيرة في الأمور.
281

وروي عن الصادق ع أنه قال: من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات.
قال محمد بن إدريس: الورطة الهلاك قال أبو عبيد: أصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها
وأورطه وورطه توريطا أي أوقعه في الورطة فتورط هو فيها.
وينبغي أن يتجنب الانسان في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع وذم المشتري وكتمان
العيوب واليمين على البيع والربا.
معنى مدح البائع أي مدح البائع لما يبيعه من الأمتعة، وذم المشتري معناه وذم المشتري لما
يشتريه، وإن شئت جعلت البائع بمعنى المبيع فكأنه أراد مدح المبيع لأنه قد يأتي فاعل بمعنى
مفعول قال الله تعالى: لا عاصم اليوم من أمر الله، أي لا معصوم.
فأما ذم المشتري إن شئت قلته بفتح الراء فيكون الشئ المشتري وكلاهما حسن.
فأما كتمان العيوب مع العلم بها فحرام محظور بغير خلاف، والربا فكذلك.
ولا يجوز لأحد أن يغش أحدا من الناس فيما يبيعه أو يشتريه ويجب عليه النصيحة فيما
يفعله لكل أحد.
وإذا قال انسان للتاجر: اشتر لي متاعا، فلا يجوز له أن يعطيه من عنده وإن كان الذي
عنده خيرا مما يجده إلا بعد أن يبين له أن ذلك من عنده ومن خاص ماله.
قال محمد بن إدريس: فقه ذلك أن التاجر صار وكيلا في الشراء ولا يجوز للوكيل أن يشترى
لموكله من نفسه لأن العقد يحتاج إلى إيجاب وقبول فكيف يكون هو القابل والموجب فلأجل
ذلك ما صح أن يشتريه له من عنده.
ويجتنب بيع الثياب في المواضع المظلمة التي يستر فيها العيوب.
وينبغي أن يسوي بين الناس في البيع والشراء فيكون الصبي عنده بمنزلة الكبير
والساكت بمنزلة المماكس والمستحي بمنزلة البصير المداق.
معناه المداقق في الأمور فأدغم أحد القافين في الآخر وشدد القاف. وقوله: والصبي، المراد به
الذي قد بلغ وعقل فأما من لم يبلغ فلا ينعقد بيعه وشراؤه، وقوله: البصير، المراد به يكون من أهل
البصيرة والخبرة لا من بصير العين.
282

وكل ذلك على طريق الاستحباب إذا كانوا عالمين بالأسعار وبما يباع فلا بأس أن يبيع كل
واحد بغير السعر الذي باعه للآخر مع علمه.
فأما إذا كان المشتري من غير أهل البصيرة ثم ظهر له الغبن فله الخيار بين رد المبيع
وإمساكه، فأما إن كان من أهل البصيرة ويعلم بالأسعار فلا خيار له وسيجئ الكلام
على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وإذا قال لغيره: هلم إلي أحسن إليك، باعه من غير ربح وكذلك إذا عامله مؤمن
فليجتهد ألا يربح عليه إلا في حال الضرورة وذلك على طريق الاستحباب دون الفرض
والإيجاب.
ويستحب أن يقيل من استقاله لقوله ع: من أقال نادما بيعته أقاله الله نفسه
يوم القيامة، ويكره السوم والمقاولة في البيع والشراء والرياضة في ذلك فيما بين طلوع الفجر
إلى طلوع الشمس لأن ذلك وقت التفرع للعبادة والأدعية المستجابة واستدعاء الرزق من
الله تعالى، فإذا غدا إلى سوقه فلا يكونن أول من يدخلها، على ما روي من كراهة ذلك فإذا
دخلها سأل الله تعالى من خيرها وخير أهلها وتعوذ به من شرها وشر أهلها.
ويستحب لمن اشترى شيئا أن يتشهد الشهادتين ويكبر الله تعالى فإنه أبرك له فيما
يشتريه وسأل الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه، وينبغي أن يتجنب
مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم ولا يعامل إلا من نشأ في خير، وقد روي: اجتناب
معاملة ذوي العاهات والمحارفين، ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد ويتجنب مبايعتهم
ومشاراتهم ومناكحتهم.
قال محمد بن إدريس: وذلك راجع إلى كراهة معاملة من لا بصيرة له فيما يشتريه ولا فيما يبيعه
لأن الغالب على هذا الجيل والقبيل قلة البصيرة لتركهم مخالطة الناس وأصحاب البصائر.
ويستحب لمن أخذ شيئا بالوزن ألا يأخذه إلا ناقصا وإذا أعطى لا يعطيه إلا راجحا
وإذا كال لا يكيل إلا وافيا، فإن كان ممن لا يحسن الكيل والوزن فلا يتعرض له بل يوليه
غيره، ولا يجوز له أن يزين متاعه بأن يرى خيره ويكتم رديئه بل ينبغي أن يخلط جيدة برديئه
283

ويكون كله ظاهرا هذا إذا كان الردئ والمعيب مما يرى ويظهر بالخلط، فأما إذا كان
مما لا يرى ولا يظهر بالخلط فلا يجوز له ذلك ويحرم عليه فعاله وبيعه قبل أن يبين العيب فيه
وذلك مثل أن يشوب اللبن بالماء لأن ذلك يتبين العيب فيه، ويكره له أن يطلب الغاية فيما
يبيع ويشترى من الربح ولا يطلب الاستقصاء في جميع أموره وأحواله ومعاملاته.
فقد روى العباس بن معروف عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان قال: دخل على
أبي عبد الله ع رجل من أصحابه فشكا إليه رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو
فقال له أبو عبد الله ع: ما لأخيك فلان يشكوك؟ فقال له: يشكوني أن استقصيت
حقي قال: فجلس مغضبا ثم قال: كأنك إذا استقصيت حقك لم تسئ؟ أ رأيتك ما حكاه
الله تعالى، فقال: ويخافون سوء الحساب، إنما خافوا أن يجور الله عليهم لا والله ما خافوا إلا
الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء.
وإذا تعسر على انسان نوع من التجارة فليتحول منه إلى غيره، ويكره الاستحطاط من
الثمن بعد الصفقة وعقد البيع بالإيجاب والقبول سواء كان قبل التفرق من المجلس أو
بعده، ومن باع لغيره شيئا فلا يجوز له أن يشتريه لنفسه وإن زاد في ثمنه على ما يطلب
في الحال إلا بعلم من صاحبه وإذن من جهته،
وفقه ذلك أن الوكيل لا يجوز له أن يشترى السلعة الموكل في بيعها من نفسه لأن البيع يحتاج إلى
إيجاب وقبول فكيف يكون موجبا قابلا فأما الأب والجد من الولد الأصغر فقد خرج بدليل وهو
إجماع أصحابنا على ذلك.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع فإذا سكت المنادي زاد
حينئذ إن شاء، وقال في مبسوطه: وأما السوم على سوم أخيه فهو حرام لقوله ع: لا يسوم
الرجل على سوم أخيه، هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة وهذا
هو الصحيح دون ما ذكره في نهايته لأن ذلك على ظاهره غير مستقيم لأن الزيادة في حال النداء
غير محرمة ولا مكروهة فأما الزيادة المنهي عنها هي عند الانتهاء وسكون نفس كل واحد من
البيعين على البيع بعد استقرار الثمن والأخذ والشروع في الإيجاب والقبول وقطع المزايدة فعند
284

هذه الحال لا يجوز السوم على سوم أخيه لأن السوم في البيع هو الزيادة في الثمن بعد قطعه والرضا
به بعد حال المزايدة وانتهائها وقبل الإيجاب والقبول لقوله ع: لا يسوم الرجل على سوم
أخيه.
فأما إذا باع انسان من غيره شيئا وعقد العقد بالإيجاب والقبول وهما بعد في المجلس
ولكل واحد منهما الخيار في الفسخ فجاء آخر يعرض على المشتري سلعة مثل سلعته بأقل منها أو
خيرا منها ليفسخ ما اشتراه أو يشترى منه سلعة فهذا محرم غير أنه متى فسخ الذي اشتراه
انفسخ وإذا اشترى الثاني كان صحيحا.
وإنما قلنا إنه حرام لقوله ونهيه ع: لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه، وكذلك
الشراء بعد البيع محرم وهو أن يعرض على البائع أكثر من الثمن الذي باعه به فإنه حرام لأن
أحدا لم يفرق بين المسألتين.
وقال شيخنا أبو جعفر في تفسير القرآن في تفسير قوله تعالى: ومنه شجر فيه تسيمون، أي يرعون
يقال: أسمت الإبل إذا رعيتها وقد سامت تسوم فهي سائمة إذا رعت، وأصل السوم الإبعاد في
المرعى والسوم في البيع الارتفاع في الثمن. وقال في موضع آخر من التبيان: أصل السوم مجاوزة
الحد فمنه السوم في البيع وهو تجاوز الحد في السعر إلى الزيادة ومنه السائمة من الإبل الراعية لأنها
تجاوز حد الإنبات للمرعى، هذا آخر كلام شيخنا في التبيان في معنى السوم فصح ما قلناه إنه
الزيادة والارتفاع في الثمن.
ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد، ومعناه أن يكون سمسارا له بل يتركه أن يتولى لنفسه
ليرزق الله بعضهم من بعض فإن خالف أثم وكان بيعه صحيحا. وينبغي أن يتركه في
المستقبل هذا إذا كان ما معهم يحتاج أهل الحضر إليه وفي فقده إضرار بهم، فأما إذا لم يكن
بهم حاجة ماسة إليه فلا بأس أن يبيع لهم،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وكذلك الفقيه ابن البراج في مهذبه وهذا هو الصحيح
الذي لا خلاف فيه بين العلماء من الخاص والعام وبين مصنفي غريب الأحاديث من أهل اللغة
كالمبرد وأبي عبيد وغيرهما، فإن المبرد ذكر ذلك في كامله فلا يتوهم متوهم أن المراد بقوله
285

ع: ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد، معناه: أنه لا يبيع الحاضر البادي أو لا يبيع الحاضر
على البادي، وهذا لا يقوله من له أدنى تحصيل فإني شاهدت بعض متفقهة أصحابنا وقد اشتبه
عليه ذلك وقال: المراد به ما أوردته أخيرا من أنه لا يبيع حاضر شيئا على باد، وهذا غاية الخطأ
ومن أفحشه وهل يمنع من أن يبيع حاضر على البادي أحد من المسلمين؟ ولو أراد ذلك
ع لما قال: ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد، بل كان يقول: ولا يجوز أن يبيع حاضر على
باد، فلما قال " لباد " دل عليه أنه لا يكون سمسارا، ووجدت بعض المصنفين قد ذكر في
كتاب له قال: فهي أن يبيع حاضر لباد، فمعنى هذا النهي والله أعلم معلوم في ظاهر الخبر وهو
الحاضر للبادي يعني متحكما عليه في البيع بالكره أو بالرأي الذي تغلب به عليه يريه أن ذلك
نظر له، أو يكون البادي يوليه عرض سلعته فيبيع دون رأيه أو ما أشبه ذلك.
فأما إن دفع البادي سلعته إلى الحاضر ينشرها للبيع ويعرضها ويستقصي ثمنها ثم يعرفه مبلغ
الثمن فيلي البادي البيع بنفسه أو يأمر من يلي ذلك له بوكالته فذلك جائز وليس في هذا من
ظاهر النهي شئ لأن ظاهر النهي إنما هو أن يبيع الحاضر البادي فإذا باع البادي بنفسه فليس
هذا من ذلك بسبيل كما يتوهمه من قصر فهمه، هذا آخر الكلام فأحببت إيراده هاهنا ليوقف
عليه فإنه كلام محصل سديد في موضعه.
فأما المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد ليبيعه السمسار ويستقصي في ثمنه ويتربص
فإن ذلك جائز لأنه لا مانع منه وليس كذلك في البادية.
ولا يجوز تلقي الجلب ليشتري منهم قبل دخولهم البلد لأن النبي ع قال:
لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق، وروي عنه
ع أنه نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقى متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا
ورد السوق فإن تلقى واشتراه يكون الشراء صحيحا لأن النبي ع أثبت الخيار
للبائع والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح وخياره يكون على الفور مع الإمكان، فأما إذا
كان راجعا من ضيعة أو من سفر فتلقى جلبا جاز له أن يشتريه لأنه لم يتلق الجلب للشراء
منهم وحد التلقي روحة وحدها أربعة فراسخ فإن زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ولم يكن
286

تلقيا.
وقال شيخنا في نهايته: وأما التلقي فهو أن يستقبل الانسان الأمتعة والمتاجر على اختلاف
أجناسها خارج البلد فيشتريها من أربابها وهم لا يعلمون بسعر البلد فمن فعل ذلك فقد ارتكب
مكروها لما في ذلك من المغالطات والمغابنات، وكذلك أيضا يكره أن يبيع حاضر لباد لقلة
بصيرته مما يباع في البلاد وإن لم يكن شئ من ذلك محظورا لكن ذلك من المسنونات.
وما ذكره في مبسوطه في المسألتين معا من أن ذلك محرم هو الصحيح لأنه نهى ع عن
ذلك والنهي عندنا بمجرده يقتضي التحريم في عرف الشريعة.
فإن قيل: لو كان ذلك على جهة التحريم لكان البيع فاسدا لأن النهي عندكم يقتضي فساد
المنهي عنه وقد قلتم: إن البيع إذا تلقى صحيح.
قلنا: نهى ع عن التلقي وما نهى عن نفس العقد الذي هو البيع فلا يتعدى أحدهما إلى
الآخر ولو كان النهي عن نفس البيع لفسد وإنما النهي عن التلقي.
ونهى عن الاحتكار والاحتكار عند أصحابنا هو: حبس الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والسمن من البيع، ولا يكون الاحتكار المنهي عنه في شئ من الأقوات سوى هذه
الأجناس وإنما يكون الاحتكار منهيا عنه إذا كان بالناس حاجة شديدة إلى شئ منها ولا
يوجد في البلد غيره، فأما مع وجود أمثاله وسعة ذلك على الناس وكثرته فلا بأس أن يحبسه
صاحبه ويطلب بذلك الفضل.
ومتى ضاق على الناس الطعام ولم يوجد إلا عند من احتكره كان على السلطان
والحكام من قبله أن يجبره على بيعه ويكرهه عليه ولا يجوز أن يجبره على سعر بعينه ولا أن
يسعر عليه بل يبيعه بما يرزقه الله تعالى ولا يمكنه من حبسه أكثر من ذلك،
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: وللسلطان أن يكره المحتكر على اخراج غلته وبيعها في أسواق
المسلمين إذا كانت بالناس حاجة ظاهرة إليها وله أن يسعرها على ما يراه من المصلحة ولا
يسعرها بما يخسر أربابها فيها.
والأول مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته ومسائل خلافه ومبسوطه وجميع كتبه وهو الصحيح
287

الذي يقوى في نفسي لأن عليه الاجماع وبه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار، وأيضا الأصل
براءة الذمة من إلزام هذا المكلف التسعير وأيضا إثبات ذلك حكم شرعي يحتاج فيه إلى دليل
شرعي.
وروي عن النبي ص أن رجلا أتاه فقال: سعر على أصحاب الطعام، فقال: بل
ادعوا الله. ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر على أصحاب الطعام، فقال: بل الله يرفع
ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة.
فإذا ثبت ذلك فإذا خالف انسان من أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه فلا اعتراض
عليه لأحد.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: لا يجوز للإمام ولا للنائب عنه أن يسعر على أهل
الأسواق متاعهم من الطعام وغيره سواء كان في حال الغلاء أو في حال الرخص بلا خلاف
ونهى ع عن بيعتين في بيعة وقيل: إنه يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون المراد أنه
إذا قال: بعتك هذا الشئ بألف درهم نقدا وبألفين نسيئة بأيهما شئت خذه، فإن هذا
لا يجوز لأن الثمن غير معين وذلك يفسد البيع كما إذا قال: بعتك هذا العبد أو هذا العبد
أيهما شئت فخذه، لم يجز. والآخر أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك
هذه بألف درهم، فهذا أيضا لا يصح لأنه لا يلزمه بيع داره.
ونهى عن النجش - بالنون والجيم والسين المعجمة - وحقيقته الاستثارة وهو أن يزيد
رجل في سلعة زيادة لا تساوي بها وهو لا يريد شراءها وإنما يريد ليقتدي به المستام فهذا هو
النجش الحرام.
ولا يجوز بيع حبل الحبلة - بالحاء غير المعجمة والباء المنقطة بنقطة واحدة من تحتها
بفتحهما معا - وكذلك الحبلة - بفتح الحاء غير المعجمة والباء أيضا - وهو أن يبيع شيئا
بثمن مؤجل إلى نتاج الناقة لأن ذلك أجل مجهول.
ونهى عن بيع المجر - بالميم المفتوحة والجيم المسكنة والراء - وهو بيع ما في الأرحام،
ذكره أبو عبيدة. وقال ابن الأعرابي: المجر الذي في بطن الناقة، وقال: المجر الربا والمجر
288

القمار والمجر المحاقلة والمزابنة.
باب حقيقة البيع وبيان أقسامه وعقوده وجمل من أحكامه:
البيع هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي، وهو
على ثلاثة أضرب: بيع عين مرئية مشاهدة، وبيع خيار الرؤية، وبيع موصوف في الذمة.
وإن شئت قلت البيع على ضربين: بيوع الأعيان وبيوع الموصوف في الذمة. وبيع
الأعيان على ضربين: بيع عين مشاهدة مرئية وبيع خيار الرؤية.
فأما بيع الأعيان المشاهدة المرئية: فهو أن يبيع الانسان عبدا حاضرا أو ثوبا مشاهدا أو
عينا من الأعيان مشاهدة حاضرة مرئية فيشاهد البائع والمشتري ذلك، فهذا صحيح
بلا خلاف ولا يفتقر إلى ضرب الأجل ولا وصف المبيع، وليس من شرط صحته قبض
الثمن قبل التفرق من مجلس العقد، فإن هلك قبل قبض المشتري له أو قبل تمكينه من
قبضه فقد بطل البيع ووجب على البائع رد الثمن إن كان تسلمه، وإن كان بعد قبض
المشتري له أو بعد التمكين له من القبض فإنه لا ينفسخ البيع ويهلك من مال مشتريه إلا أن
يكون حيوانا، فمتى مات في مدة الثلاثة أيام قبل تصرف المشتري فيه فإنه يهلك من مال
بائعه فإن هلك بعدها فهو من مال مشتريه لأن الخيار في الحيوان للمشتري ثلاثة أيام يثبت
بمجرد العقد إلا أن يشرط البائع ألا خيار بيننا، فمتى كان الخيار للمشتري وهلك الحيوان في
مدة الخيار قبل التصرف فيه والحدث المؤذن بالرضا فإنه يهلك من مال بائعه دون مشتريه
ومتى كان الخيار في المدة لبائعه ولا خيار لمشتريه فإنه يهلك من مال مشتريه دون مال بائعه
لأنه يهلك من مال من استقر العقد عليه ولزم من جهته.
وأما بيع العين الموصوفة غير المشاهدة بخيار الرؤية: فهو بيع الأعيان الغائبة وهو أن يبتاع
شيئا لم يره مثل أن يقول: بعتك هذا الثوب الذي في كمي أو الثوب الذي في صندوقي، وما
أشبه ذلك فيذكر جنس المبيع فيتميز من غير جنسه ويذكر الصفة ليقوم مقام المشاهدة في
العين المرئية لأن العين المرئية لا يحتاج في بيعها إلى ذكر صفتها، ومن شرط هذا البيع
289

وصحته ذكر الجنس والصفة معا فإن أخل بأحدهما بطل البيع، فإذا عقد البيع ثم رأى
المشتري المبيع فوجده على ما وصفه البائع له كان البيع ماضيا ولم يكن لأحدهما خيار، وإن
وجده على خلاف الصفة كان له رده وفسخ العقد أو أخذه وأخذ الأرش لا يجبر على واحد
من الأمرين، فإن هلك قبل قبضه انفسخ البيع ولا يلزمه بائعه بدله لأن البيع وقع على عين
فإثباته وصحته في غيرها يحتاج إلى دليل وليس هو في الذمة، وليس من شرطه أيضا قبض
الثمن قبل التفرق ولا ضرب الأجل المحروس من الزيادة والنقصان بل من شرطه ذكر
الجنس والصفة بخلاف بيع العين المشاهدة المرئية.
فأما بيع الموصوف في الذمة: فهو بيع السلم - بفتح السين واللام - ويقال: السلف فهو
أن يسلم في شئ موصوف إلى أجل معلوم محروس من الزيادة والنقصان، إما بالسنين
والأعوام أو الشهور والأيام، ويذكر الصفات المقصودة فهذا أيضا بيع صحيح بلا خلاف،
ومن شرط صحته قبض الثمن قبل التفرق من المجلس وذكر الجنس والصفة وضرب
الأجل المحروس وألا ينسب إلى أصله لأنه بيع في الذمة، فإذا عين أن يكون من موضع
معروف أو شجرة بعينها أو غزل امرأة معينة أو نتاج حيوان معين أو لبنه أو صوفه أو شعره
ووبره فقد خرج من موضوعه المشروع وكان باطلا بغير خلاف.
ولا يصح أن يكون ثمنه دينا على المسلم إليه كان للمسلم فيه لأن ذلك يكون بيع دين
بدين، وقد نهى الرسول ع عن بيع الدين بالدين فافترق هذا البيع أعني بيع
الموصوف في الذمة من بيع الأعيان، وهما البيعان اللذان قدمنا ذكرهما وهما بيع العين
المشاهدة المرئية وبيع العين الغائبة الموصوفة، لأن هذا أعني بيع السلم للمشتري مطالبة
البائع به على كل حال لأنه في ذمته بخلاف بيوع الأعيان لأنهما إذا هلكا قبل قبضهما بطل
البيع فتميز و افترق كل بيع وعقد من البيوع الثلاثة بأمر ووجه غير موجود في الآخر.
فأما بيع النسيئة: - مهموزة الياء - فهو تأخير الأثمان إلى أجل محروس وتقديم
المثمنات بخلاف بيع السلم لأن بيع السلم هو تقديم الأثمان قبل الافتراق من مجلس البيع
وتأخير المثمنات إلى الأجل المحروس المقدم ذكره فيما مضى.
290

ويجوز بيع العين الحاضرة بالعين الحاضرة ويجوز بالدين في الذمة، وبيع خيار الرؤية إن
وجده على حالته ووصفه أخذه وإن وجده على غير وصفه كان له رده على ما قدمناه، فإن
اختلفا فقال المبتاع: نقص، وقال البائع: لم ينقص من صفاته التي وصفتها. فالقول قول
المبتاع لأنه الذي ينتزع الثمن منه ولا يجب انتزاع الثمن منه إلا بإقراره أو بينة تقوم عليه.
فأما بيع الخيار وذكر العقود التي يدخلها الخيار ولا يدخلها: فبيع الخيار على ثلاثة
أضرب:
أحدها: أن يعقد العقد بالإيجاب والقبول ويكون الإيجاب متقدما على القبول فإن
كان القبول متقدما على الإيجاب فالبيع غير صحيح، فإذا عقداه بالإيجاب والقبول بعده
فيثبت لهما الخيار ما لم يفترقا بأبدانهما ويسمى هذا خيار المجلس، فإذا ثبت بينهما العقد
وأراد استقراره ولزومه وإبطال الخيار بينهما جاز لهما أن يقولا أو يقول أحدهما ويرضى به
الآخر: قد أوجبنا العقد وأبطلنا خيار المجلس، فإنه يلزم العقد ويستقر ويبطل خيار المجلس.
الثاني: أن يشترطا حال العقد لا يثبت بينهما خيار المجلس ويكون هذا الشرط مقارنا
للعقد معا فإن ذلك جائز أيضا.
الثالث: أن يشترطا في حال العقد مدة معلومة قل ذلك أم كثر ثلاثا أو أكثر أو أقل هذا
فيما عدا الحيوان، فأما الحيوان فإنه يثبت فيه الخيار ثلاثا لمجرد العقد شرطا أو لم يشترطا على
ما قدمناه للمشتري خاصة على الصحيح من أقوال أصحابنا ومذهبهم.
وقال السيد المرتضى: يثبت للبائع والمشتري معا، والأول مذهب شيخنا المفيد وشيخنا
أبي جعفر وجلة أصحابنا، وأيضا فالعقد يثبت بالإيجاب والقبول، وقال تعالى: أوفوا بالعقود،
فمن أثبت الخيار لأحدهما يحتاج إلى دليل شرعي قاطع للأعذار وإجماعنا منعقد على الخيار
للمشتري فمن أثبته للبائع يحتاج إلى دليل.
وما زاد على الثلاث فعلى حسب ما يشترطان من الخيار أما لأحدهما أو لهما، فإن أوجبنا
البيع بعد أن شرطا مدة معلومة ثبت العقد ولزم وبطل الشرط المتقدم.
فأما العقود التي يدخلها الخيار فنحن نذكرها وما يصح فيه الخيار وما لا يصح.
291

فأما عقد البيع فإن كان بيع الأعيان المشاهدة دخلها خيار المجلس بإطلاق العقد
وخيار المدة ثلاثا كان أو ما زاد عليه بحسب الشرط، وإن كان حيوانا دخله خيار المجلس
وخيار الثلاث معا بإطلاق العقد ومجرده وما زاد على الثلاث بحسب الشرط، وإن كان بيع
خيار الرؤية دخله الخياران معا: خيار المجلس وخيار الرؤية ويكون خيار الرؤية على الفور
دون خيار المجلس.
فأما الصرف فيدخله خيار المجلس لعموم الخبر، فأما خيار الشرط فلا يدخله أصلا
إجماعا لأن من شرط صحة هذا العقد القبض قبل التفرق، فأما السلم فيدخله خيار المجلس
للخبر وخيار الشرط لا يمنع منه مانع وعموم الخبر يقتضيه، فأما الرهن فإنه يلزم بالإيجاب
والقبول دون الإقباض،
وبعض أصحابنا يذهب إلى أنه لا يلزم ولا ينعقد إلا بالإقباض. والأول هو الأظهر في المذهب
ويعضده قوله تعالى: أوفوا بالعقود، فأما قوله تعالى: فرهان مقبوضة، فهذا دليل
الخطاب ودليل الخطاب عندنا غير صحيح وقد رجع عن ظاهره بدليل والآية المتقدمة دليل عليه.
وعقد الصلح لا يدخله خيار المجلس لأن خيار المجلس يختص عقد البيع والصلح عندنا
ليس ببيع ولا هو فرع البيع على ما يذهب إليه الشافعي، وكذا الحوالة لا يدخلها خيار المجلس
ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيهما لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، وكذا الضمان
لا يدخله خيار المجلس ولا يمتنع من دخول خيار الشرط.
وأما خيار الشفيع على الفور فإن اختار الأخذ فلا خيار للمشتري لأنه ينتزع منه
الشقص قهرا، وأما الشفيع فقد ملك الشقص وليس له خيار المجلس لأنه ليس بمشتر وإنما
أخذه بالشفعة.
وأما المساقاة فلا يدخلها خيار المجلس لأنها ليست بيعا ولا يمنع مانع من دخول خيار
الشرط فيها لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم.
وأما الإجارة فلا يدخلها خيار المجلس لأنها ليست بيعا ولا يمنع من دخول خيار الشرط
فيها مانع.
292

وأما عقد الوقف فلا يدخله الخياران معا على الصحيح من المذهب لأنه متى شرط فيه
الرجوع أو الخيار له في الرجوع لم يصح الوقف وبطل.
وأما الهبة فله الخيار قبل القبض وبعد القبض ما لم يتعوض أو يتصرف فيه الموهوب له
أو تهلك عينها إلا أن تكون الهبة لولده الأصاغر فليس للوالد الذي هو الواهب الرجوع
قبض أو لم يقبض لأنه هو الوالي والقابض فإنها تلزم بمجرد العقد، فإن كانت لولده البالغين
فإنها تلزم بالقبض ولا يحتاج إلى إضافة شئ إلى القبض في لزومها على ما نبينه فيما بعد
إن شاء الله تعالى.
وأما عقد النكاح فلا يدخله الخياران للإجماع على ذلك.
وأما السبق والرماية فقد اختلف فيه، فقال قوم: إنه عقد لازم. وقال آخرون: هو
جائز. والأولى أنه لا يدخله خيار المجلس لأنه ليس ببيع ولا يمنع مانع من دخول خيار الشرط
فيه.
وأما الوكالة والعارية والوديعة والقرض والجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع
لأن هذه العقود جائزة من جهة المتعاقدين غير لازمة فمن أراد الفسخ فسخ.
وأما القسمة فعلى ضربين: قسمة لا رد فيها وقسمة فيها رد، وعلى الوجهين معا لا خيار
فيها في المجلس لأنها ليست ببيع ولا يمنع من دخول خيار الشرط فيها مانع للخبر.
وأما الكتابة فعلى ضربين عندنا: مشروطة ومطلقة. فالمشروطة ليس للمولى فيها خيار
مجلس ولا مانع من دخول خيار الشرط فيها.
وأما العبد فله الخياران معا لأنه إن عجز نفسه كان الفسخ حاصلا وإن كانت مطلقة
فلا خيار لواحد منهما.
وأما الطلاق فليس بعقد فلا يدخله الخياران معا وكذلك العتق لا يدخله الخياران معا
بغير خلاف بيننا.
إذا ثبت خيار المجلس في البيع على ما بيناه فإنما ينقطع بأحد أمرين: تفرق وتخاير.
فأما التفرق الذي يلزم به البيع وينقطع به الخيار فحده مفارقة المجلس بخطوة فصاعدا
293

ومتى ثبتا موضعهما أو بنى بينهما حائط لم يبطل خيار المجلس ولو طال مقامهما في المكان شهرا
أو أكثر من ذلك.
فأما التخاير فعلى ضربين: تخاير بعد العقد وتخاير في نفس العقد، فأيهما كان لزم العقد
واستقر وبطل خيار المجلس، فما كان بعد العقد مثل أن يعقداه ثم يقول أحدهما للآخر: اختر
الإمضاء وأن لا يكون بيننا خيار المجلس، فإذا قال المشتري: قبلت، ثبت العقد ولا خيار لهما
بحال البيع إن كان مطلقا من غير شرط فإنه يثبت بنفس العقد ويلزم بالتفرق بالأبدان على
ما قدمناه، وإن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد، وإن كان مقيدا مشروطا
لزم بانقضاء الشرط.
ويكون مدة خيار الشرط من حين التفرق لأن خيار الشرط يدخل إذا استقر العقد ولزم
والعقد لم يلزم ولم يستقر قبل التفرق، وأيضا فيهما خياران: خيار المجلس يثبت من غير شرط
وخيار الشرط زائد عليه، ولا يدخل أحدهما في الآخر إلا أن يشترطا ذلك بينهما لأنه لا دليل
عليه بل قد اشترط زائدا على ما كان له من خيار المجلس، فإذا ثبت ذلك فلا يخلو أن
يتصرف المشتري فيه أو لا يتصرف، فإن تصرف فيه بالهبة أو التمليك أو العتق وغير ذلك
كان فسخا للعقد فالتصرف من المشتري لزوم العقد وإمضاء له ومن البائع إبطال له وفسخ،
فإن حدث بالمبيع هلاك في مدة الخيار وهو في يد البائع كان من ماله دون المشتري ما لم
يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا، فإن اختلفا في حدوث الحادثة فعلى المشتري البينة أنه
حدث في مدة الخيار دون البائع لأنه المدعي وكذلك الحكم في حدوث عيب به يوجب
الرد.
ومتى وطئ المشتري في مدة الخيار لزمه البيع واستقر عليه وبطل خياره ولم يجب عليه
شئ ويلحق به الولد ما لم يفسخ البائع، فإن فسخ كان الولد لاحقا بأبيه ويلزم للبائع قيمته
أن لو كان عبدا وعشر قيمة الجارية إن كانت بكرا أو نصف العشر إن كانت ثيبا، وإن لم
يكن هناك ولد لزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن كانت ثيبا نصف عشر قيمتها،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن
294

المشتري لا يلزمه قيمة الولد ولا عشر قيمة الجارية بحال سواء فسخ البائع البيع أو لم يفسخ لأنه
لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، لأن الولد انعقد حرا ولا قيمة للحر، فأما عشر القيمة
لأجل وطئها فما ورد إلا في من اشترى جارية ووطئها فظهر بها حمل ردها ورد معها عشر القيمة
إن كانت بكرا وإن كانت ثيبا نصف العشر، ولم يرد في هذا نص والقياس عندنا باطل، وإنما
ذكر ذلك شيخنا في مسائل خلافه على رأي بعض المخالفين في أن المبيع لا ينتقل إلى المشتري إلا
بشرطين: بالعقد وانقضاء الشرط، وعند أصحابنا أنه ينتقل إلى ملك المشتري بمجرد العقد فإذا
تقرر ذلك فقد تصرف في ملكه تصرفا مباحا حسنا فدخل في قوله تعالى: ما على المحسنين من
سبيل، وما عدا ذلك فإنا نخرجه بدليل فليلحظ ذلك.
وأما خيار البائع فإنه لا يبطل بوطئ المشتري لأنه لا دليل عليه، ومتى وطئ البائع في
مدة الخيار كان ذلك فسخا للبيع إجماعا.
وجملة الأمر وعقد الباب أن كل تصرف لو وقع من البائع كان فسخا متى وقع من
المشتري كان إمضاء وإقرارا بالرضا بالبيع ولزومه ويستقر العقد بذلك من جهته، فأما إذا
اتفقا على التصرف وتراضيا مثل أن أعتق المشتري أو باع في مدة الخيار بإذن البائع أو وكل
المشتري البائع في عتق الجارية أو بيعها، فإن الخيار ينقطع في حقهما ويلزم البيع ويستقر
وينقطع خيارهما معا وينفذ العتق والبيع لأن في تراضيهما بذلك رضا بقطع الخيار.
خيار المجلس والشرط موروث عندنا إذا كان المبيع شيئا بعينه فهلك بعد العقد لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يكون قبل القبض أو بعده. فإن كان قبل القبض بطل البيع سواء
كان التلف في مدة الخيار أو بعد انقضاء مدة الخيار، فإذا تلف هلك على ملك البائع وبطل
الثمن، فإن كان الثمن مقبوضا رده وإن كان غير مقبوض سقط عن المشتري وإن كان
الهلاك بعد القبض لم يبطل البيع سواء كان في يد المشتري أو يد البائع مثل أن قبضه
المشتري ثم رده إلى البائع وديعة.
فإذا ثبت أنه لا ينفسخ نظرت فإن كان الهلاك بعد انقضاء مدة الخيار فلا كلام، وإن
كان في مدة الخيار لم ينقطع الخيار ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يجيزا البيع أو يفسخاه.
295

فإن فسخاه أو أحدهما سقط الثمن ووجب القيمة على المشتري، وإن اختار إمضاء البيع أو
سكتا حتى مضت مدة الخيار فإنه يلزمه الثمن المسمى ولا يلزمه القيمة لأنه مسمى ولا
يسقط مع بقاء العقد.
وإذا اشترى شيئا فبان له الغبن - بسكون الباء - فإن كان من أهل الخبرة نظر فإن
كان مثله لم تجر العادة بمثله فسخ العقد إن شاء وإن كان جرت العادة بمثله لم يكن له الخيار.
إذا قال: بعنيه أو أ تبيعني هذا بألف أو بعني أو اشتريت منك هذا بألف، فقال
صاحبه: بعتك، لم يصح العقد والبيع حتى يقول المشتري بعد قول البائع: بعتك اشتريت
أو قبلت، وكذا إذا قال البائع: تشتري مني هذا بألف أو أبيعك هذا
بألف أو اشتر هذا مني بألف، فقال المشتري: اشتريت أو قبلت، لم يصح البيع ولم ينعقد العقد إلا أن يأتي البائع
بلفظ الإخبار والإيجاب دون لفظ الاستفهام والأمر وهو قوله: بعتك، فيقول المشتري:
اشتريت أو قبلت، على ما قدمناه فينعقد العقد بذلك دون ما سواه من الألفاظ.
إذا دفع قطعة إلى البقلي أو إلى الشارب فقال: أعطني بقلا أو ماء، فإنه لا يكون بيعا
ولا عقدا لأن الإيجاب والقبول ما حصلا، وكذلك سائر المحقرات وسائر الأشياء محقرا كان
أو غير محقر من الثياب والحيوان وغير ذلك وإنما يكون إباحة فيتصرف كل واحد منهما فيما
أخذه تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه ولكل واحد منهما أن يرجع فيما
بذله لأن الملك لم يحصل لهما بشرط أن بقيا فإن لم يبق أحدهما بحاله كما كان أولا فلا خيار
لأحدهما وليس هذا من العقود الفاسدة لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار
إلى كل واحد منهما وإنما ذلك على جهة الإباحة.
باب الربا وأحكامه وما يصح فيه وما لا يصح:
الربا محظور في شريعة الاسلام. قال الله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وقال
تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقال: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
296

وروي عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال: درهم ربا أعظم عند الله
تعالى من سبعين زنية كلها بذات محرم.
فيجب على الانسان معرفته لتجنبه ويتنزه عنه، فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن
ذلك محظور فليستغفر الله تعالى في المستقبل ويتوب الله عليه. وقد تاب الله عليه فيما مضى.
ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه، ويجب رده على
صاحبه، فإن لم يعرف صاحبه تصدق به عنه على ما روي في الأخبار، وإن عرفه ولا يعرف
مقدار ما أربى عليه فليصالحه وليستحله، وإن علم أن في ماله ربا ولا يعرف مقداره لا
بالوزن ولا بالعين ولا من أربى عليه ولا غلب على ظنه مقدار الربا فليخرج خمس ذلك
المال ويضعه في أهله وحل له التصرف فيما يبقى بعد ذلك.
وقال شيخنا في نهايته: فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله تعالى في
المستقبل وليس عليه فيما مضى شئ، ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من
ذلك محرم عليه ويجب عليه رده على صاحبه.
قال محمد بن إدريس: قول شيخنا رحمه الله: فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور
فليستغفر الله تعالى في المستقبل وليس عليه فيما مضى شئ، المراد بذلك ليس عليه شئ من
العقاب بعد استغفاره لأن المراد بذلك ليس عليه شئ، ومن رد المال الحرام يجب عليه رده على
صاحبه لقوله تعالى: فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم، فأما قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف، المراد به والله أعلم فله ما سلف من الوزر وغفران الذنوب وحق القديم
سبحانه بعد انتهائه وتوبته، لأن اسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا بخلاف ما يذهب إليه
المعتزلة. وقيل في التفسير، ذكره شيخنا في التبيان وغيره من المفسرين: إن المراد بذلك ما كان
في الجاهلية من الربا بينهم، فقال تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. فأما
ما يجري بين المسلمين فيجب رده على صاحبه سواء كان جاهلا بحاله غير عالم بأنه محرم أو كان
عالما بذلك فإنه يجب رد الربا على من أربى عليه في المسألتين جميعا، فلا يظن ظان ولا يتوهم
متوهم على شيخنا فيما قال غير ما حررناه.
297

ولا ربا بين الولد ووالده ولا بين العبد وسيده لأن مال العبد لسيده، ولا بين الرجل
وأهله،
المراد بأهله هنا امرأته دون قراباته من الأهل، والدليل على أن المراد بأهله امرأته هاهنا قوله
تعالى في قصة موسى: وسار بأهله، ولا خلاف أن المراد بذلك امرأته بنت شعيب لأنه ما كان
معه غيرها من قراباته.
ولا ربا أيضا بين المسلم وبين أهل الحرب لأنهم في الحقيقة في للمسلمين وإنما
لا يتمكن منهم، والربا يثبت بين المسلم وأهل الذمة كثبوته بينه وبين مسلم مثله،
وهذا هو الصحيح من أقوال أصحابنا وإليه يذهب شيخنا أبو جعفر في جميع كتبه. وذهب بعض
أصحابنا إلى أنه لا ربا بين المسلم وأهل الذمة وجعلهم كالحربيين، ذهب إلى ذلك شيخنا المفيد
وابن بابويه وغيرهما، والأول هو المعتمد ويعضده ظاهر التنزيل وهو قوله: " أحل الله البيع
وحرم الربا " فخرج من ذلك أهل الحرب بالإجماع المنعقد من أصحابنا وبقي من عداهم داخلا
في عموم الآية، فلا يجوز التخصيص للعموم إلا بأدلة موجبة للعلم قاطعة للأعذار.
فأما أهل الحرب فإنا نأخذ منهم الزيادة ولا يجوز لنا أن نعطيهم ذلك، مثاله: أن يبيعه
دينارا بدينارين، ولا يجوز أن يبيعه دينارين بدينار.
فأما قول شيخنا في نهايته: ولا ربا بين الولد ووالده لأن مال الولد في حكم مال الوالد، يبطل
هذا التعليل في قوله: ولا بين الرجل وأهله. فأما قولهم: ولا بين العبد وسيده لأن مال العبد
لسيده، فلا فائدة فيه ولا لنا حاجة إلى هذا التعليل وأي مال للعبد؟ وإنما الربا بين اثنين مالكين
وجميع من ذكرناه أنه لا ربا بينه وبين غيره لكل واحد منهما أن يأخذ الفضل والزيادة ويعطي
الفضل والزيادة إلا أهل الحرب على ما حررناه للإجماع على ذلك.
ولا يكون الربا المنهي عنه المحرم في شريعة الاسلام عند أهل البيت ع إلا فيما
يكال أو يوزن، فأما ما عداهما من جميع المبيعات فلا ربا فيها بحال، لأن حقيقة الربا في
عرف الشرع هو بيع المثل من المكيل أو الموزون بالمثل متفاضلا نقدا ونسيئة إذا كان البيعان
غير والد وولد أو زوج وزوجة أو مسلم وحربي أو عبد وسيده.
298

وكل ما يكال أو يوزن فإنه يحرم التفاضل فيه والجنس واحد نقدا ونسيئة مثل بيع
درهم بدرهم وزيادة عليه، ودينار بدينار وزيادة عليه، وقفيز حنطة بقفيز منها وزيادة عليه،
ومكوك شعير بمكوك منه وزيادة عليه، وكذلك حكم جميع المكيلات والموزونات.
وإذا اختلف الجنسان فلا بأس بالتفاضل فيهما نقدا ونسيئة إلا الدراهم والدنانير فلا
يجوز النسيئة فيهما لا متماثلا ولا متفاضلا ويجوز ذلك نقدا متفاضلا ومتماثلا،
بغير خلاف بين أصحابنا لقوله ع المجمع عليه: إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم،
ولولا الاجماع المنعقد على تحريم بيع الدنانير والدراهم نسيئة لجاز ذلك لأنه داخل في عموم قوله
ع، فخصصناهما بالإجماع وبقي الباقي وما عداهما على أصل الإباحة وقوله تعالى:
وأحل الله البيع وحرم الربا، وقد قلنا: إن حقيقة الربا في عرف الشريعة بيع المثل من المكيل أو
الموزون بالمثل متفاضلا نقدا ونسيئة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا اختلف الجنسان فلا بأس بالتفاضل فيهما نقدا ونسيئة إلا
الدراهم والدنانير والحنطة والشعير فإنه لا يجوز بيع دينار بالدراهم نسيئة ويجوز ذلك نقدا بأي
سعر كان، وكذلك الحكم في الحنطة والشعير فإنه لا يجوز التفاضل فيهما لا نقدا ولا نسيئة لأنهما
كالجنس الواحد، هذا آخر كلام شيخنا رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة أن الحنطة والشعير جنسان
مختلفان أحدهما غير الآخر حسا ونطقا، ولا خلاف بين أهل اللغة واللسان العربي في ذلك فمن
ادعى أنهما جنس واحد أو كالجنس الواحد يحتاج إلى أدلة قاطعة للأعذار من إجماع منعقد أو
كتاب أو سنة متواترة ولا إجماع على ذلك ولا نص في كتاب الله تعالى ولا سنة مقطوعا بها
متواترة، وقد قلنا: إن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا ولا يخفى بها الاجماع ولا الأدلة ثم لم
يذهب إلى هذا القول غير شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله وشيخنا المفيد رحمه الله في مقنعته
ومن قلده في مقالته وتبعه في تصنيفه بل جلة أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين
الماضين رحمهم الله لم يتعرضوا لذلك، بل أفتوا وصنفوا ووضعوا في كتبهم: أنه إذا اختلف
الجنس فلا بأس ببيع الواحد بالاثنين من المكيل والموزون على العموم والإطلاق من سائر
299

المكيلات والموزونات، ولم يستثنوا إلا الدنانير والدراهم في بيع النسيئة فحسب مثل شيخنا
ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه فإن هذا مذهبه ومقالته في مقنعته وسائر كتبه، وكذلك
السيد المرتضى وعلي بن بابويه وغير هؤلاء من المشيخة الفقهاء، وأبو علي بن الجنيد من كبار
فقهاء أصحابنا ذكر المسألة وحققها وأوضحها في كتابه الأحمدي للفقه المحمدي فإنه قال:
لا بأس بالتفاضل بين الحنطة والشعير لأنهما جنسان مختلفان، وكذلك ابن أبي عقيل من كبار
مصنفي أصحابنا ذكر في كتابه فقال: وإذا اختلف الجنسان فلا بأس ببيع الواحد بأكثر منه.
وقد قيل: لا يجوز بيع الحنطة والشعير إلا مثلا بمثل سواء لأنهما من جنس واحد. بذلك جاءت
بعض الأخبار والقول والعمل على الأول، هذا آخر كلامه. وأيضا قوله تعالى: وأحل الله البيع
وحرم الربا، يعضد ذلك ويشيده. وأيضا قوله المجمع عليه: إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف
شئتم. وقد اختلف الجنس في الحنطة والشعير صورة وشكلا ولونا وطعما ونطقا وإدراكا وحسا،
فإذا كان لا إجماع على المسألة ولا كتاب الله تعالى و لا سنة متواترة، بل الكتاب المنزل على
الرسول ع يخالفها والإجماع من الفرقة المحقة يضادها ودليل العقل يأباها فما بقي إلا
تقليد الواضع لها في كتابه، ولا خلاف أنه لا يجوز تقليد ما يوجد في سواد الكتب إذا لم يقم على
صحته الأدلة الواضحة والبراهين اللائحة.
ولا بأس ببيع قفيز من الذرة أو غيرها من الحبوب بقفيزين من الحنطة أو الشعير أو
غيرهما من الحبوب نقدا أو نسيئة،
بغير خلاف على ما أصلناه وحررناه فيما تقدمه، وقوله ع: إذا اختلف الجنس فبيعوا
كيف شئتم. وإنما روي كراهية بيع نسيئة دون أن يكون ذلك محرما محظورا، وهذا مقالة جميع
أصحابنا بغير خلاف بينهم ومذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته ومسائل خلافه ومبسوطه وغير
ذلك من كتبه.
وأما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد نقدا ونسيئة، وروي
كراهية ذلك نسيئة،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وأما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد
300

نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة مثل ثوب بثوبين ودابة بدابتين ودار بدارين وعبد بعبدين وما أشبه
ذلك مما لا يدخل تحت الكيل والوزن، والأحوط في ذلك أن يقوم ما يبتاعه بالدراهم والدنانير
أو غيرهما من السلع ويقوم ما يبيعه بمثل ذلك وإن لم يفعل لم يكن به بأس.
قوله رحمه الله: ولا يجوز ذلك نسيئة، محمول على تغليظ الكراهة دون الحظر لأنا قلنا: إن الشئ
إذا كان شديد الكراهة قالوا: لا يجوز، وأيضا فشيخنا أبو جعفر قد رجع عما ذكره في نهايته في
الجزء الثاني من مبسوطه في فصل في ذكر ما يصح فيه الربا وما لا يصح، فإنه قال: إذا تبايعا عينا
بعين لم يخل من ثلاثة أحوال: إما ألا يكون في واحدة منهما الربا أو في واحدة منهما الربا أو في كل
واحدة منهما الربا، فإن لم يكن في واحدة منهما الربا مثل الثياب والحيوان وغير ذلك مما لا ربا فيه
جاز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا نقدا ويكره ذلك نسيئة ويجوز إسلاف إحديهما في
الأخرى، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه. وأيضا فقد بينا أن حقيقة الربا في عرف الشرع أنه
بيع المثل بالمثل متفاضلا من المكيل وأنه لا ربا عندنا إلا في المكيل والموزون بغير خلاف بيننا،
وبيع البعير بالبعيرين والدار بالدارين وما أشبه ذلك ليس بمكيل ولا موزون، فخرج ذلك من
حقيقة الربا المنهي عنه في شريعة الاسلام ودخل ذلك في عموم قوله تعالى: وأحل الله البيع
وحرم الربا، وهذا بيع بغير خلاف وقد بينا أيضا أن أخبار الآحاد لا يرجع إليها ولا يعول عليها
فإن ورد خبر شاذ لا يلتفت إليه ولا يخفى بمثل الأدلة والعموم، ثم أخبارنا التي أورد شيخنا في
استبصاره في الجزء الثالث كلها ناطقة بما ذكرناه من قولهم ع لما سئلوا عن بيع
البعير بالبعيرين فقالوا: لا بأس جميعها، كذلك أوردها ولم يقل فيها شيئا، أعني شيخنا أبا جعفر.
ولا قال: إذا كان ذلك نسيئة لا يجوز ولو كان ذلك اعتقاده لقال. ويتوسط بين الأخبار على
ما جرت عادته وسجيته.
وما يكال ويوزن فبيع المثل بالمثل جائز حسب ما قدمناه نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة.
ولا بأس ببيع الأمتعة والعقارات والحبوب وغير ذلك بالدراهم والدنانير نقدا ونسيئة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز بيع الغنم باللحم لا وزنا ولا جزافا، وقال في مبسوطه
ومسائل خلافه: إذا كان اللحم من جنس الحيوان فلا يجوز وإن كان من غير جنسه فذلك جائز.
301

قال محمد بن إدريس: أما قوله رحمه الله: ولا يجوز بيع الغنم باللحم لا وزنا ولا جزافا، إن أراد
الجزاف فلا يجوز لأن ما يباع بالوزن لا يجوز بيعه ولا شراؤه جزافا بلا خلاف بيننا، وأما قوله:
لا وزنا، فهذا فيه كلام:
إن أراد بذلك أنه ربا فقد قال في مبسوطه ما حكيناه من: أنه إذا باع عينا بعين فإن كان
إحديهما ربا والأخرى لا ربا فيها فإن بيع ذلك جائز، وهذا من ذاك. وأيضا كان يفسد عليه
إطلاق كلامه في نهايته من قوله: ولا يجوز بيع الغنم باللحم ولم يقل: أي اللحمين هو لأنه إذا
كان لحم غير الغنم فلا بأس على ما ذكره في مسائل خلافه ومبسوطه، لأنه قد اختلف الجنس
وأيضا الاجماع منعقد على أنه لا ربا إلا فيما يكال ويوزن إذا بيع المثل بالمثل وزيادة وبيع الغنم
باللحم خارج من ذلك. وأيضا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل مع قوله تعالى: وأحل الله
البيع وحرم الربا، وهذا بيع فمن منع منه يحتاج إلى دليل ولا إجماع منعقد على المسألة حتى يصار
إليه. فإن قيل: فعلى هذا التقرير والتحرير يجوز بيع الغنم باللحم يدا بيد فهل يجوز ذلك نسيئة؟
قلنا: إن أسلف الغنم في اللحم لا يجوز بغير خلاف لا أن السلم في اللحم عندنا لا يجوز لأنه لا يكاد
يضبط بالوصف فإنه تباين تباينا كثيرا، وكذلك الخبز وروايا الماء.
وإن كان جعل اللحم الثمن والمسلم فيه الغنم ووصفها وضرب الأجل المحروس فذلك جائز
لا مانع يمنع منه فليتأمل ذلك ويفهم عني ما سطرته فإن فقهه غامض إلا على المحصل المحقق
لأصول المذهب.
ثم قال شيخنا في نهايته: ولا يجوز أيضا بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل لأنه إذا جف نقص.
قال محمد بن إدريس: وهذا غير واضح بل يجوز ذلك ومذهبنا ترك التعليل والقياس، لأنه كان
يلزم عليه أنه لا يجوز بيع رطل من العنب برطل من الزبيب، وهذا لا يقول به أحد من أصحابنا
بغير خلاف. وأيضا فلا خلاف أن بيع الجنس بالجنس مثلا بمثل جائز سائغ والمنع منه يحتاج إلى
دليل وقوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا " يدل على جوازه، وقد رجع شيخنا عما ذكره
في نهايته في الجزء الثالث من استبصاره فقال: الوجه في هذه الأخبار ضرب من الكراهة دون
الحظر.
302

ولا بأس ببيع الحنطة بالدقيق والسويق مثلا بمثل ولا يجوز التفاضل فيه ويكون ذلك
نقدا ولا يجوز نسيئة، ولا بأس ببيع الحنطة والدقيق بالخبز مثلا بمثل نقدا ولا يجوز نسيئة
والتفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة، ولا بأس ببيع اللبن والسمن والزبد إذا اتفقت
أجناسه مثلا بمثل نقدا ولا يجوز نسيئة ولا يجوز التفاضل فيه لا نقدا ولا نسيئة. فعلى هذا
التقرير والتحرير لا يجوز بيع رطل من لبن الغنم إلا برطل منه، وكذلك إن أريد بيعه بسمن
من سمن الغنم فلا يجوز إلا برطل سمن ولا يجوز بأقل منه لأن الجنس واحد فإنه لا يجوز
التفاضل بين اللبن والسمن إذا كان الجنس واحدا، وكذلك الزبد واللبن والزبد والسمن
واللحمان إذا اتفق أجناسها جاز بيع بعضها ببعض مثلا بمثل يدا ولا يجوز ذلك نسيئة ولا
يجوز التفاضل فيها لا نقدا ولا نسيئة، وإذا اختلف أجناسها جاز التفاضل فيها نقدا ولا يجوز
نسيئة مثل رطل من لحم الغنم برطلين من لحم البقر نقدا ولا يجوز نسيئة.
ولا بأس ببيع الثوب بالغزل وإن كان الثوب أكثر وزنا منه وإن كان الغزل من جنسه،
وكذلك إن كان الغزل أكثر وزنا من الثوب لأن الربا المحرم غير حاصل فيهما لأن أحدهما فيه
الربا والآخر لا ربا فيه، فبيع أحدهما بالآخر جائز وسواء كان نقدا أو نسيئة متفاضلا أو
متماثلا لأن أحدهما موزون والآخر غير موزون، وهذا يعضد ما حررناه وشرحناه من بيع
الغنم باللحم وجوازه على ما حققناه.
ويجوز بيع المثل بالمثل من الموزون والمكيل نقدا ولا يجوز نسيئة، وكل ما يكال أو يوزن
فلا يجوز بيعه جزافا ويجوز أن يسلف في المكيل من الحبوب والأدهان وزنا في الموزون من
الأشياء كيلا إذا كان يمكن كيله ولا يتجافى في المكيال، ولا يجوز بيع الجنس الواحد فيما
يجري فيه الربا بعضه ببعض وزنا إذا كان أصله الكيل ولا كيلا إذا كان أصله الوزن،
والفرق بينهما أن المقصود من المسلم معرفة مقدار المسلم فيه حتى يزول عنه الجهالة وذلك
يحصل بأيهما قدره من كيل أو وزن، وليس كذلك ما يجري فيه الربا فإن الشارع أوجب
علينا التساوي بالكيل في المكيلات وبالوزن في الموزونات. فإذا باع المكيل بعضه ببعض
وزنا فإذا رد إلى الكيل جاز أن يتفاضل لثقل أحدهما وخفة الآخر فلذلك افترقا.
303

ويجوز بيع المكيل بالوزن ولا يجوز بيع الموزون بالكيل لأنه غرر وجزاف، ولا يجوز بيع
ما يباع عددا جزافا فإن كان ما يباع بالعدد يصعب عده فلا بأس أن يكال أو يوزن منه
مقدار بعينه ثم يعد ويؤخذ الباقي بحسابه.
ولا بأس ببيع السمن بالزيت متفاضلا يدا بيد ونسيئة. وروي كراهة ذلك نسيئة،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس ببيع السمن بالزيت متفاضلا يدا بيد ولا يجوز ذلك
نسيئة، إلا أنه رجع عن ذلك في استبصاره وهو الحق اليقين لأنا قد بينا أنه إذا اختلف الجنس
فلا بأس ببيعه متفاضلا ومتماثلا نقدا ونسيئة إلا ما خرج بدليل من الذهب والفضة فإنه لا يجوز
بيعهما نسيئة.
ولا يجوز التفاضل في الأدهان إذا كان الأصل يرجع إلى جنس واحد مثل أن يباع
الشيرج بالشيرج الذي فيه البنفسج فإنه يسمى دهن البنفسج أو دهن الورد وما أشبه ذلك
مما كان الأصل فيه دهن الشيرج، ولا يجوز بيع السمسم بالشيرج ولا بزر الكتان بدهنه بل
ينبغي أن يقوم كل واحد منهما على انفراده.
ولا يجوز بيع البسر بالتمر متفاضلا ويجوز متماثلا.
لأنهما جنس واحد بغير خلاف فلو كان التعليل والمنع من جواز بيع الرطب بالتمر صحيحا لما
جاز بيع البسر بالتمر متفاضلا ويجوز متماثلا لأنهما جنس واحد بغير خلاف فلو كان التعليل
والمنع من جواز بيع الرطب بالتمر صحيحا لما جاز بيع البسر بالتمر مثلا بمثل ولا خلاف بين
أصحابنا في ذلك من أنه لا يجوز بيع البسر بالتمر متفاضلا وإن اختلف جنسه ولا بيع نوع من
تمر بأكثر منه من غير ذلك لأن ما يكون من النخل في حكم النوع الواحد بغير خلاف بين
أصحابنا. وحكم الزبيب وتحريم التفاضل فيه وإن اختلف جنسه مثل التمر سواء لأن جميعه في
حكم الجنس الواحد.
ولا يجوز بيع الدبس المعمول من التمر بالتمر متفاضلا ولا بأس ببيعه مثلا بمثل يدا ولا
يجوز نسيئة. ولا بأس ببيع التمر بالزبيب متفاضلا نقدا ونسيئة إلا أنه روي: كراهة بيع
نسيئته،
304

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز نسيئة. وقد قلنا ما عندنا في أمثال ذلك من أنه إذا
اختلف الجنس فلا بأس ببيعه متفاضلا ومتماثلا نقدا ونسيئة لما دللنا عليه من قبل.
ولا بأس ببيع الزبيب بالدبس المعمول من التمر متفاضلا ولا يجوز بيعه بما يعمل من
الزبيب من الدبوس متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة، ولا يجوز بيع العنب بالزبيب إلا مثلا بمثل
والعصير والبختج لا يجوز التفاضل فيهما ويجوز بيع ذلك مثلا بمثل يدا ولا يجوز نسيئة، لأنهما
معا جنس واحد إلا أن أحدهما مسته النار وهو البختج والآخر ما مسته وهو العصير.
قال الجوهري في كتاب الصحاح: والطلاء ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه ويسميه
العجم الميبختج، هكذا حكاه بالميم المكسورة والياء المنقطة من تحتها بنقطتين المسكنة والباء
المنقطة من تحتها بنقطة واحدة المضمومة والخاء المعجمة المسكنة والتاء المنقطة من فوقها بنقطتين
المفتوحة والجيم، هكذا ذكره وهو أعرف بهذا اللسان. والأول روايتنا وسماعنا.
وما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد والجنس واحد، ويكره ذلك نسيئة.
وإن كان غير محرم لأنه لا ربا فيهما لأنا قد بينا أن الربا عندنا في المكيل والموزون مع التفاضل
والجنس واحد والمعدود ليس كذلك.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد والجنس واحد،
ولا يجوز ذلك فيه نسيئة مثل البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين والحلة - بالحاء الغير المعجمة
وهي جنس من الثياب - بالحلتين وما أشبه ذلك مما قدمناه فيما مضى، هذا آخر كلام شيخنا
في نهايته.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: وحكم ما يباع عددا حكم المكيل والموزون لا يجوز في الجنس منه
التفاضل ولا في المختلف منه النسيئة.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: ما اخترناه أولى وهو أنه يجوز التفاضل في المعدود وإن
كان الجنس واحدا يدا بيد ويكره ذلك نسيئة وزاد على قولنا: إنه لا كراهة في النسيئة. وهو
الذي يقوى عندي لأن الكراهة تحتاج إلى دليل، قال رحمه الله في مسائل الخلاف: مسألة: لا ربا
في المعدودات ويجوز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسيئة وللشافعي فيه قولان، ثم
305

قال رحمه الله: دليلنا الآية وأيضا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل وأيضا عليه إجماع الفرقة
وأخبارهم تدل على ذلك. هذا آخر كلام شيخنا في مسائل خلافه وهو الحق اليقين، فقد رجع
عما ذكره في نهايته واستدل بالآية وإجماع الفرقة وبأخبارهم فليت شعري الذي ذكره في نهايته
من أين قاله؟ وكيف جاز له أن يرجع عنه لو كان عنده حجة؟ وإنما ذلك أورده من طريق خبر
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، فلو كان الرجل عاملا بأخبار الآحاد لما جاز له أن يرجع
عن ذلك فلا يتوهم على شيخنا خلاف ما يعتقده، وإن وجد له في بعض كتبه كلام يدل على أنه
يعمل بأخبار الآحاد فقد يوجد له في معظم كتبه وتصنيفه كلام يدل على أنه غير عامل بأخبار
الآحاد. يوجد ذلك في استبصاره كثيرا فإنه يقول: هذا خبر واحد وأخبار الآحاد عندنا غير
معمول عليها، فلو كان عاملا بأخبار الآحاد لما ساع له ذلك لأنه يكون مناقضا في أقواله مضادا
لأفعاله.
وإذا كان الشئ يباع في مصر من الأمصار كيلا أو وزنا ويباع في مصر آخر جزافا
فحكمه حكم المكيل والموزون إذا تساوت الأحوال في ذلك، وإذا اختلفت كان الحكم فيه
حكم الأغلب والأعم.
الماء لا ربا فيه لأنه ليس بمكيل ولا موزون فيدخل تحت الأخبار والآيات، وقد بينا أنه
لا ربا إلا فيما يكال ويوزن.
يجوز بيع خل الزبيب مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا وبيع خل التمر بخل التمر، ويجوز
بيع خل الزبيب بخل العنب مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا، ويجوز بيع خل الزبيب بخل
التمر متماثلا ومتفاضلا.
يجوز بيع مد من طعام بمد من طعام وإن كان في أحدهما قصل،
بالقاف المفتوحة والصاد غير المعجمة المتحركة واللام، قال الجوهري في كتاب الصحاح:
القصل في الطعام مثل الزوان. قال الشاعر:
قد غربلت وكربلت من القصل.
أبو عمرو: وكربلت الحنطة إذا هذبتها مثل غربلتها.
306

وهي مفتوحة السين الغير معجمة مشددة التاء المنقطة من فوقها بنقطتين المضمومة والواو
والقاف، ومعناها ثلاث طبقات، لأن سه بالفارسية، ثلاثة وتوق طبقات وهو الزائق الردئ
البهرج. قال الصولي في كتاب الأوراق: اعترض مخلد الشاعر الموصلي الخليفة المعتمد بالله لما
دخل الموصل بمدح وحلفه أن يسمعه فأحضره وسمع مدحه ثم قال له: أنشدني هجاءك لأهل
الموصل فأنشده:
هم قعدوا فانتقوا لهم حسبا * يجوز بعد العشاء في العجب
حتى إذا ما الصباح لاح لهم * بين ستوقهم من الذهب
والناس قد أصبحوا صيارفة * أعلم شئ ببهرج النسب.
ولا يجوز بيع الفضة إذا كان فيها شئ من المس والرصاص أو الذهب أو غير ذلك إلا
بالدنانير إذا كان الغالب الفضة،
فإن كان الغالب الذهب والفضة الأقل فلا يجوز بيعه إلا بالفضة ولا يجوز بيعه
بالذهب لأنه لا يؤمن فيه الربا لأنه ما يتحصل مقدار ما في ذلك فيصير مجهول المقدار،
وليس كذلك إذا باع فضة معلومة معها جنسا آخر بفضة أكثر منها لأن تلك معلومة فتكون
الفضة بالمثل مثلا بمثل والزائد ثمن الجنس الآخر، وما منعنا من ذلك إلا إذا لم يحصل العلم
بمقدار كل واحد منهما على التحقيق فإن تحقق ذلك جاز بيع كل واحد منهما بجنسه مثلا بمثل
من غير تفاضل، وكذلك حكم الأواني المصوغة من الذهب والفضة والسيوف المحلاة
بالذهب والفضة.
وإن كان مما يمكن تخليص كل واحد منهما من صاحبه فلا يجوز بيعها بالذهب
والفضة، وإن لم يمكن ذلك فيها فإن كان الغالب فيها الذهب لم تبع إلا بالفضة وإن كان
الغالب فيها الفضة لم تبع إلا بالذهب لما قلناه من الجهل بما فيها وخوف الربا، فإن تساوى
النقدان وعلما بيع بالذهب والفضة معا.
والسيوف المحلاة والمراكب المحلاة بالذهب والفضة،
فإن كانت محلاة بالفضة وعلم مقدار ما فيها جاز بيعها بالذهب والفضة نقدا ولا يجوز
307

نسيئة، فإن بيع بالفضة فيكون ثمن السيف أكثر مما فيها من الفضة وإن كان أقل مما فيه
أو مثل ما فيه لم يجز بيع ذلك إلا أن يستوهب السيف والسير أو يشتريهما أعني السيف والسير
نسيئة في ذمته، ويعجل الفضة أو الذهب الذي هو مثل الحلية قبل مفارقة المجلس هذا إذا
كان مثل ما فيه. فأما إذا كان أقل مما فيه من الفضة فلا يجوز على حال لأن ذلك ربا محض
وكذلك الحكم فيها إذا كانت محلاة بالذهب وعلم مقدار ما فيها بيع بمثلها وأكثر منه
بالذهب ولا يجوز بيعها بأقل مما فيها من الذهب ويجوز بيعها بالفضة سواء كان أقل مما فيها
من الذهب أو أكثر إذا كان نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة على حال.
ومتى لم يعلم مقدار ما فيها وكانت محلاة بالفضة فلا تباع إلا بالذهب، وإن كانت محلاة
بالذهب لم تبع إلا بالفضة أو بجنس آخر سوى الجنسين من السلع والمتاع.
ومتى كانت محلاة بالفضة وأرادوا بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار
ما فيها فليجعل معها شئ آخر، وبيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيه تقريبا ولم يكن
به بأس، وكذلك الحكم فيما كان من الذهب،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته. ولي في ذلك نظر.
ولا بأس ببيع السيوف المحلاة بالفضة نسيئة إذا نقد مثل ما فيها من الفضة ويكون
ما يبقى ثمن السير والنصل على ما قدمناه. وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: يجوز بيع مد من طعام بمد من طعام وإن كان في أحدهما
قصل وهو عقد التبن أو زوان: وهو حب أصغر منه دقيق أو شيلم وهو معروف.
وقد قلنا: إن الألبان أجناس مختلفة فلبن الغنم الأهلي جنس واحد وإن اختلف أنواعه
ولبن الغنم الوحشي وهي الظباء جنس آخر وكذلك لبن البقر الأهلي جنس واحد وإن
اختلفت أنواعها ولبن البقر الوحشي جنس آخر.
يجوز بيع اللبن بالزبد إذا كان من جنسه متماثلا ولا يجوز متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة
على ما قدمناه. الجبن والأقط والسمن والمصل واللبن كل واحد منها بالآخر يجوز متماثلا
ولا يجوز متفاضلا إذا كانت من جنس واحد.
يجوز بيع مد من تمر ودرهم بمدي تمر وبيع مد من حنطة ودرهم بمدي حنطة ومد شعير
ودرهم بمدي شعير، وهكذا إذا كان بدل الدرهم في هذه المسائل ثوبا أو خشبة أو غير ذلك
مما فيه الربا أو لا ربا فيه. وهكذا يجوز بيع درهم وثوب بدرهمين وبيع دينار وثوب
بدينارين.
وجملته أنه يجوز بيع ما يجري فيه الربا بجنسه ومع أحدهما غيره مما فيه الربا أو لا ربا فيه
إذا كان العين مع أقل العرضين اللذين هما المثمنان.
باب الصرف وأحكامه:
الصرف عبارة في عرف الشرع عن بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة أو الذهب
بالفضة أو الفضة بالذهب. وقد بينا في باب الربا أنه لا يجوز بيع درهم بدرهمين لا نقدا ولا
نسيئة، ولا بيع درهم بدرهم نسيئة ولا بأس بذلك نقدا، وكذلك لا يجوز بيع دينار بدينارين
لا نقدا ولا نسيئة ولا بيع دينار بدينار نسيئة ولا بأس بذلك نقدا، ولا بأس ببيع دينار
بدراهم نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة.
وإذا كان للإنسان على غيره دراهم جاز أن يأخذ بها دنانير وكذلك إن كان له دنانير
فيأخذ بها دراهم لم يكن به بأس، فإن كان له دنانير وأخذ الدراهم ثم تغيرت الأسعار كان
308

له سعر يوم قبض الدراهم من الذي كان له عليه الدنانير دون يوم المحاسبة على ما قدمناه في
الجزء الأول من كتابنا هذا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير فيقول له: حول
الدنانير إلى الدراهم أو الدراهم إلى الدنانير، وساعره على ذلك كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه
في الحال ولا يناقده لأن النقدين جميعا من عنده.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: إن أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض من المجلس
فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف، لأن الصرف لا يصح أن يفترقا من المجلس إلا بعد
التقابض، فإن افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف، وإن أراد أنهما تقاولا على السعر
وعينا الدراهم المبتاعة أو الدنانير المبيعة وتعاقدا البيع ولم يوازنه ولا ناقده بل نطق البائع بمبلغ
المبيع ثم تقابضا قبل التفرق والانفصال من المجلس كان ذلك جائزا صحيحا، وإن أراد الأول
فذلك باطل بلا خلاف يدلك على ما قلناه ما قاله شيخنا رحمه الله في مبسوطه، فإنه قال: يصح
الإقالة في جميع السلم وتصح في بعضه ولا فرق بينهما فإن أقاله في جميع السلم فقد برئ المسلم
إليه من المسلم فيه ولزمه رد ما قبضه من رأس المال إن كان قائما بعينه وإن كان تالفا لزمه مثله،
فإن تراضيا بقبض بدله من جنس آخر، مثل أن يأخذ دراهم بدل الدنانير أو الدنانير بدل
الدراهم كان جائزا أو يأخذ عرضا آخر بدل الدراهم أو الدنانير كان جائزا، فإن أخذ الدنانير
بدل الدراهم أو الدراهم بدل الدنانير وجب أن يقبضها في المجلس قبل أن يفارقه لأن ذلك
صرف. وإن أخذ عرضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض لأنه بيع عرض معين بثمن في الذمة،
هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه.
وقال شيخنا أيضا في نهايته: وإذا أخذ انسان من غيره دراهم وأعطاه الدنانير أكثر من قيمة
الدراهم أو أخذ منه الدنانير وأعطاه الدراهم مثل ماله أو أكثر من ذلك وساعره على ثمنه كان
ذلك جائزا وإن لم يوازنه ويناقده في الحال لأن ذلك في حكم الوزن والنقد، ولا يجوز ذلك إذا
كان ما يعطيه أقل من ماله فإن أعطاه أقل من ماله وساعره مضى البيع في المقدار الذي أعطاه ولم
يمض فيما هو أكثر منه والأحوط في ذلك أن يوازنه ويناقده في الحال أو يجدد العقد في حال ما يتنقد
309

ويتزن، وهذا يبين لك أن مراده رحمه الله في المسألة الأولى أنه ما فارقه من المجلس إلا بعد أن
تقابضا كما أن هاهنا قال: وساعره على ثمنه كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه ويناقده في الحال لأن
ذلك في حكم الوزن والنقد، ويريد أن الإخبار بمبلغ الموزون أو المكيل يقوم مقام الوزن في الموزون
والكيل في المكيل، لأنهما لا يجوز أن يباعا جزافا من دون وزن أو إخبار بوزن أو كيل أو إخبار
بكيل.
ولا بأس أن يبيع الانسان ألف درهم ودينار بألفي درهم من ذلك الجنس أو من غيره
من الأجناس والدراهم، وإن كان الدينار لا يساوى ألف درهم في الحال، وكذلك لا بأس
أن يجعل بدل الدينار شيئا من الثياب أو جزء من المتاع على ما قدمناه ليتخلص من الربا
ويكون ذلك نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة، وكذلك لا بأس أن يبيع ألف درهم صحاحا وألفا
مكسرة - وهي الغلة لأن مكسرة الدراهم تسمى الغلة مثل مكسرة الدنانير تسمى قراضة -
بألفين صحاحا أو بألفين غلة نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة.
وقال شيخنا في نهايته: وكذلك لا بأس أن يبيع درهما بدرهم ويشرط معه صياغة خاتم أو غير
ذلك من الأشياء، ووجه الفتوى بذلك على ما قاله رحمه الله: إن الربا هو الزيادة في العين إذا
كان الجنس واحدا، وهاهنا لا زيادة في العين ويكون ذلك على جهة الصلح في العمل فهذا وجه
الاعتذار له إذا سلم العمل به، ويمكن أن يحتج لصحته بقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا،
وهذا بيع والربا المنهي عنه غير موجود هاهنا لا حقيقة لغوية ولا حقيقة عرفية شرعية.
وإذا باع الانسان دراهم بالدنانير لم يجز له أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها إلا بعد أن
يقبض الدنانير ثم يشترى بها دراهم إن شاء،
هكذا أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس: إن لم يتفارقا من المجلس إلا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على
المشتري الأول فلا بأس بذلك وإن لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأولة المبتاعة،
هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة المبتاعة، فإن لم يعيناها فلا يجوز ذلك لأنه يكون بيع دين بدين وإن
عيناها لم يصر بيع دين بدين بل يصير بيع دين بعين.
310

ولا بأس أن يبيع الانسان ماله على غيره من الدراهم والدنانير بدراهم معينة ودنانير معينة
ويقبضها قبل التفرق من المجلس من الذي هي عليه على ما أسلفنا القول فيه وحررناه، ولا يجوز
له أن يبيعها إياه بدراهم أو دنانير غير معينة، لأنها إذا كانت غير معينة فإنها تكون في ذمته، وإذا
كانت في ذمته فهي دين عليه فيصير بيع دين بدين، لأن الأثمان عندنا تتعين، فإذا كانت
معينة وهلكت قبل القبض بطل البيع وإذا لم تكن معينة وهلكت لم يبطل البيع الذي هي ثمن
له، لأنها إذا لم تكن معينة فإنه دين في ذمته بغير خلاف فافترق الأمران وتباين القولان، وقد
حكينا عن شيخنا أبي جعفر ما قاله في مبسوطه قبيل هذا الكلام في هذه الباب.
وتصح الإقالة في جميع السلم وتصح في بعضه ولا فرق بينهما، فإن أقاله في جميع السلم فقد برئ
المسلم إليه من المسلم فيه ولزمه رد ما قبضه من رأس المال إن كان قائما بعينه وإن كان تالفا لزمه
مثله، فإن تراضيا بقبض بدله من جنس آخر مثل أن يأخذ دراهم بدل الدنانير أو الدنانير بدل
الدراهم كان جائزا أو يأخذ عرضا آخر بدل الدراهم أو الدنانير كان جائزا، فإن أخذ الدنانير
بدل الدراهم والدراهم بدل الدنانير وجب أن يقبضها في المجلس قبل أن يفارقه لأن ذلك صرف
وإن أخذ عرضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض لأنه بيع عرض معين بثمن في الذمة،
فدل ذلك على أن الدراهم أو الدنانير المبتاعة بالثمن الذي في الذمة معينة بقوله: وإن أخذ عرضا
آخر جاز أن يفارقه قبل القبض، قال: لأنه بيع عرض معين بثمن في الذمة، فجعل التعين في
المسألتين الأخذ، لأنه قال: وإن وجد عرضا جاز له أن يفارقه قبل القبض قال: لأنه بيع عرض
معين بثمن في الذمة، وما جرى للتعيين ذكر إلا بقوله: أخذ، فلو لم يكن العرض معينا ما علله
بقوله: لأنه بيع عرض معين و كذلك في الدنانير المبيعة بالثمن الذي في الذمة لا بد من يعينها لئلا
يكون بيع دين بدين على ما حررناه، فليلحظ ذلك ويتأمل ففيه غموض على غير المحصل لهذا
الشأن.
وإذا اشترك نفسان في شراء دراهم بدنانير ونقد أحدهما الدنانير عن نفسه وعن صاحبه
وجعل نقده عنه دينا عليه بأمره له وقوله، ثم أراد أن يشترى منه حصته بالدنانير التي له عليه
من ثمنها أو أقل منها أو أكثر لم يكن به بأس إذا كانت الدراهم المبتاعة في يد المشتري،
311

وإن كانت في يد البائع فلا بد أن يتقابضا بها قبل التفرق من المجلس، فإن افترقا قبل أن
يقبضها المشتري الذي هو صاحب الدين من البائع الذي هو شريكه بطل البيع لأنه
صرف.
ولا يجوز اتفاق الدنانير والدراهم المحمول عليها إلا بعد أن تبين حالها إلا أن تكون
معلومة الحال سائغة متعاملا بها غير مجهولة في بلدها وعند بائعها ومشتريها فيقوم ذلك مقام
تبين حالها.
وشيخنا أبو جعفر قال في نهايته: ولا يجوز إنفاق الدراهم المحمول عليها إلا بعد أن تبين حالها،
وأطلق ذلك وحرر ذلك على ما حررناه وشرحناه في الجزء الثالث من استبصاره وبه أورد
الأخبار المتواترة الكثيرة ثم أورد الخبر الذي ذكره في نهايته فتأوله،
والخبر عن المفضل بن عمر الجعفي قال: كنت عند أبي عبد الله ع فألقي بين يديه
دراهم فألقى إلي درهما منها فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: وما الستوق؟ قلت:
طبقتين فضة وطبقة نحاس، فقال: اكسر هذا فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه.
قال شيخنا أبو جعفر: فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار وكان قد أورد قبل هذا الخبر أخبارا
كثيرة بأنه لا بأس بإنفاقها إذا كان الغالب عليها الفضة وبعضها، قال: سألته عن الدراهم
المحمول عليها؟ فقال: لا بأس بإنفاقها، وفي بعضها قال: سألت أبا عبد الله ع عن
إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا جازت الفضة الثلاثين فلا بأس. قال رحمه الله: فالوجه
في الجمع بين هذه الأخبار أن الدراهم إذا كانت معروفة متداولة بين الناس فلا بأس بإنفاقها
على ما جرت به عادة البلد، فإذا كانت دراهم مجهولة فلا يجوز إنفاقها إلا بعد أن يتبين عيارها
حتى يعلم الآخذ لها قيمتها.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا التأويل والمذهب الذي حرره في استبصاره
رحمه الله هو الذي يقوى في نفسي لأنه الحق اليقين وبه يشهد العادات والحالات فإنه إذا كان
المعنى معلوما بشاهد حال جرى مجرى المنطوق به.
قال محمد بن إدريس أما استفهام الإمام ع ما هو الستوق فإنها كلمة فارسية غير عربية
312

ولا يصح أن يشترى الانسان سلعة بدينار غير درهم ولا بدراهم غير دينار لأن ذلك
مجهول،
قال محمد بن إدريس: قولنا لا يصح، يريد به العقد لا يصح. وقولنا لأنه مجهول، المراد به الثمن
مجهول، وإذا كان الثمن مجهولا فالعقد والبيع لا يصح وهو غير صحيح، ووجه كون الثمن في هذه
الصورة مجهولا لأنه لا يدرى كم حصة الدرهم من الدنانير ولا حصة الدنانير من الدراهم إلا
بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة، وذلك غير معلوم وقت العقد فهو مجهول.
فإن استثنى من جنسه فباع بمائة دينار إلا دينارا أو بمائة درهم إلا درهما صح البيع لأن
الثمن معلوم وهو ما بقي بعد الاستثناء.
313

إذا اشترى خاتما من فضة مع فضة بفضة جاز إذا كان الثمن أكثر مما فيه من الفضة
هذا إذا كانت فضة الخاتم معلومة المقدار.
ومن أقرض غيره دراهم ثم سقطت تلك الدراهم التي أقرضها إياه وجاءت غيرها لم
يكن عليه إلا الدراهم التي أقرضها أو سعرها بقيمة الوقت التي أقرضها فيه، ولا بأس أن
يعطي الانسان غيره دراهم أو دنانير ويشترط عليه أن ينقدها إياه بأرض أخرى مثلها في
العدد أو الوزن من غير تفاضل فيه ويكون ذلك جائزا لأن ذلك يكون على جهة القرض
لا على جهة البيع بل هو محض القرض، وهذا القرض ما جر نفعا حتى يكون حراما لأن
المحرم من القرض هو أن يشترط زيادة في العين أو الصفة، وهاهنا لا زيادة في العين والمقدار
ولا زيادة في الصفة، ولأن البيع في المسألتين لا يجوز إلا مثلا بمثل نقدا ولا يجوز نسيئة.
وجوهر الفضة لا يجوز بيعه إلا بالذهب أو بجنس غير الفضة، لأنه لا يؤمن فيه الربا ولأن
ما فيه من الفضة غير معلوم ولا محقق، وجوهر الذهب لا يجوز بيعه إلا بالفضة أو بجنس غير
الذهب، وجوهر الذهب والفضة معا يجوز بيعه بالذهب والفضة معا.
ولا يجوز بيع تراب الصياغة فإن بيع كان ثمنه للفقراء والمساكين يتصدق به عليهم لأن
ذلك لأربابه الذين لا يتميزون فإن تميزوا رد عليهم أموالهم واصطلحوا فيما بينهم على ما رواه
أصحابنا ووجد في رواياتهم.
وجوهر الأسرب - مضموم الأول مسكن السين مضموم الراء مشددة الباء - وهو
الرصاص وكذلك جوهر النحاس والصفر - مضموم الصاد - لا بأس بالإسلاف فيه دراهم
ودنانير إذا كان الغالب عليه ذلك، وإن كان فيه فضة يسيرة أو ذهب قليل الدراهم
والدنانير يتعينان بالعقد، فإذا اشترى سلعة بدراهم أو دنانير بعينها لم يجز له أن يسلم غيرها
إذا ثبت أنهما يتعينان.
متى باع دراهم بدنانير أو دنانير بدراهم ثم خرج أحدهما زائفا بأن تكون الدراهم
رصاصا أو الدنانير نحاسا كان البيع باطلا لأن العقد وقع على شئ بعينه، فإذا لم يصح بطل
وثبوته وانتقاله إلى غيره يحتاج إلى دليل، فإن وجد بالدراهم عيبا من جنسه مثل أن يكون
314

فضة خشنة أو ذهبا خشنا أو يكون سكة مضطربة مخالفة لسكة السلطان فهو بالخيار بين أن
يرده ويسترجع ثمنه وليس له بدله، فإن كان العيب في الجميع كان بالخيار بين أن يرد
الجميع وبين الرضا به وإن كان العيب في البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في
الصفقة وليس له أن يرد البعض المعيب ويمسك الباقي.
وإذا باع دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير بأعيانها فوجد ببعضها عيبا من جنسها كان
ذلك عيبا له رده وفسخ العقد وله الرضا به، وإن كان العيب من غير جنسه كان البيع
باطلا.
باب الشرط في العقود:
لا يجوز أن يبيع الانسان إلا ما يملكه في الحال ويتعين عليه ملكه فإن باع ما لا يملكه ولا
يملك بيعه كان البيع باطلا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لا يجوز أن يبيع الانسان إلا ما يملكه في الحال فإن باع ما لا يملك
كان البيع موقوفا على صاحبه فإن أمضاه مضى وإن لم يمض كان باطلا. إلا أنه رحمه الله رجع
عن هذا في الجزء الثاني من مسائل خلافه فقال مسألة: إذا باع انسان ملك غيره بغير إذنه كان
البيع باطلا، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: ينعقد البيع ويقف على إجازة صاحبه، وبه
قال قوم من أصحابنا. قال رحمه الله: دليلنا إجماع الفرقة ومن خالف منهم لا يعتد بقوله وأنه
لا خلاف أنه ممنوع من التصرف في ملك غيره، والبيع تصرف. وأيضا روى حكيم عن النبي
ع: أنه نهى عن بيع ما ليس عنده وهذا نص. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي ع أنه قال: لا طلاق إلا فيما يملك ولا عتق إلا فيما يملك ولا بيع إلا فيما
يملك، فنفى ع البيع في غير الملك ولم يفرق.
هذا آخر كلام شيخنا فانظر يرحمك الله إلى قوله رحمه الله: دليلنا إجماع الفرقة ومن خالف منهم
لا يعتد بقوله، فلو كان ما ذكره في نهايته جميعه حقا وصوابا كيف كان يقول: لا يعتد بقوله؟ وهو
القائل به في نهايته، وإنما يورد أخبار آحاد لا يوجب علما ولا عملا فيتوهم المتوهم ويظن
315

الظان أن ذلك اعتقاده وفتواه وأنه يعمل بأخبار الآحاد، ولو كان ما ذكره في نهايته حقا وصوابا و
عليه أدلة ما رجع عنه ولا استدل على خلافه.
وإذا باع ما يملك وما لا يملك في صفقة واحدة وعقد واحد مضى البيع فيما يملك وكان فيما
لا يملك باطلا حسب ما قدمناه واخترناه، وكذلك إذا باع ما يجوز بيعه من جملة ما يملك وما
لا يجوز بيعه من المحرمات مضى البيع فيما يصح بيعه وبطل فيما لا يصح البيع فيه، مثال الأول
باع ملكه وملك غيره بثمن واحد في عقد واحد، ومثال الثاني باع شاة مملوكة له وخنزيرا وهو
مسلم في عقد واحد بثمن واحد فإن البيع في المملوك صحيح والبيع في غير المملوك وفي غير
المحلل للمسلم تملكه باطل.
فإذا تقرر هذا فالمشتري بالخيار بين أن يرد الصفقة جميعها أو يمسك ما يصح فيه البيع
مما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه، مثاله باع شاة وخنزيرا بثلاثة دنانير فإن الثمن
يتقسط على قدر قيمة الشاة وقيمة الخنزير عند مستحليه فيقال: كم قيمة الشاة؟ فيقال:
قيراطان. ويقال: كم قيمة الخنزير؟ فيقال: قيراط، فيرجع بثلث الثمن وهو دينار.
وبالعكس من ذلك أن يقال: قيمة الشاة قيراط وقيمة الخنزير عند مستحليه قيراطان،
فيرجع المشتري بثلثي الثمن وهو دينار. وكذلك في ملكه وملك الغير إذا باعهما معا في عقد
واحد بثمن واحد فبحساب ما صورناه لا يختلف الحكم في ذلك فالاعتبار بالقيم ويرجع في
الأثمان بحسب القيمتين.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا باع فلا ينعقد البيع إلا بعد أن يفترق البيعان بالأبدان، فإن لم يفترقا
كان لكل واحد منهما فسخ البيع والخيار.
وقال محمد بن إدريس: هذه عبارة موهمة غير واضحة كيف يقال: فإذا باع فلا ينعقد البيع؟
وهذا كالمتناقض فإنه إذا باع انعقد البيع وإن كان ما باع فما انعقد البيع. وإنما مراد شيخنا في
هذا الموضع: إن البيع إذا لم يفترقا بالأبدان لم يلزم كل واحد منهما بل لكل واحد منهما الخيار في
فسخه وإمضائه، فإذا افترقا بالأبدان لزم واستقر من كل واحد منهما. وليس لكل واحد منهما
الخيار إلا أن يظهر عيب في المبيع قبل عقدة البيع فيكون المشتري بالخيار بين الرد والإمساك
316

فإن رد رجع بجميع الثمن وإذا اختار الإمساك رجع بأرش العيب - بفتح ألف الأرش - على
البائع ولا يخير المشتري على أحد الأمرين. هذا ما لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة
أو ينقص قيمته بتصرفه.
ومتى شرط المبتاع على البائع مدة من الزمان كان ذلك جائزا كائنا ما كان على
ما قدمناه فيما مضى، فإن هلك المتاع في تلك المدة من غير تفريط من المبتاع ولا تصرفه فيه
التصرف المذكور كان من مال البائع، فإن هلك بعد انقضاء المدة كان من مال المبتاع
دون البائع على كل حال سواء تصرف فيه أو لم يتصرف، لأن بعد المدة ما بقي له خيار. فكل
من كان له الخيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار، لأنه قد استقر العقد عليه ولزم.
والذي له الخيار ما استقر عليه العقد ولا لزمه فإن كان الخيار للبائع دون المشتري وكان
المباع قد قبضه المشتري وهلك في يديه كان هلاكه من مال المشتري دون البائع، لأن العقد
استقر عليه ولزم من جهته.
وإذا باع الانسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضى المشتري ولم يشترطا
خيارا لهما ولا لأحدهما ولا ضربا للثمن أجلا ولا قبض أحدهما شيئا من العوضين لا الثمن
ولا المثمن، ففي هذه الصورة يكون العقد موقوفا عند أصحابنا إلى ثلاثة أيام، فإن جاء
المبتاع في مدة الثلاثة الأيام كان البيع له، وإن مضى ثلاثة أيام كان البائع أولى بالمتاع
إن شاء فسخ البيع وإن شاء لم يفسخه وطالب المشتري بالثمن لا يجبر على أحد الأمرين بل
الخيرة له في ذلك.
فإن هلك المتاع في مدة هذه الثلاثة الأيام ولم يكن قبضه إياه ولا قبض ثمنه ولا مكنه
من قبضه على ما حررناه،
فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك، فذهب شيخنا المفيد والسيد المرتضى وغيرهما: إلى أن
هلاكه من مال المشتري. وذهب شيخنا أبو جعفر وجماعة من أصحابنا: إلى أن هلاكه من مال
البائع دون مال المبتاع وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل حال عند الجميع
وعلى الأقوال كلها بغير خلاف.
317

والذي يقوى في نفسي ما ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إليه لأن الاجماع حاصل منعقد
في غير هذه الصورة أن المبيع إذا هلك قبل أن يقبضه بائعه للمشتري أو قبل تمكين البائع
للمشتري من قبضه، فإنه يهلك من مال البائع وهذا من ذاك. وأيضا فلا خلاف أن بعد الثلاثة
الأيام يهلك من مال بائعه والخيرة له ولا خيرة للمشتري بل العقد لزمه واستقر عليه ولا خيار له.
وإنما هلك من ماله لأنه ما مكن المشتري من قبضه ولا قبضه إياه. وفي قبل انقضاء المدة التي هي
الثلاثة الأيام هذا حكمه والدليل قائم فيه ثابت، لأن القبض ما حصل ولا التمكين من القبض
حصل، وأيضا الأصل براءة ذمة المشتري. فمن علق عليها شيئا يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل
على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع لأنا قد قلنا: إن أصحابنا مختلفون في المسألة فما
بقي من الأدلة إلا دليل الأصل وهو براءة الذمة فمن علق عليها شيئا يحتاج إلى دليل.
واحتج شيخنا المفيد لمقالته في مقنعته بأن قال: ولو هلك المبيع في مدة هذه الثلاثة الأيام كان
من مال المبتاع دون البائع لثبوت العقد بينهما عن تراض، وإن هلك بعد الثلاثة الأيام كان من
مال البائع لأنه أحق به وأملك على ما بيناه. هذا آخر كلام شيخنا المفيد رحمه الله فعلل رحمه الله
واستدل بأن قال: كان من مال المبتاع دون البائع لثبوت العقد بينهما. وهذا التعليل
والاستدلال يلزمه بعد الثلاثة الأيام لأن العقد ثابت بينهما بغير خلاف إذا لم يختر فسخه البائع.
وعنده رحمه الله أنه إذا هلك بعد الثلاثة الأيام فإنه من مال بائعه وإن لم يفسخ البيع، والثبوت
الذي استدل به قبل مضى الثلاثة الأيام قائم بعد الثلاثة الأيام بغير خلاف.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا اشترى انسان عقارا أو أرضا وشرط البائع أن يرد على المبتاع
بالثمن الذي ابتاعه به في وقت بعينه كان البيع صحيحا ولزمه رده عليه في ذلك الوقت، وإن
مضى الوقت ولم يجئ البائع كان بالخيار فيما بعد بين رده وإمساكه، فإن هلك المبيع في مدة
الأجل المضروبة كان من مال المبتاع دون مال البائع وكذلك إن استغل منه شيئا كان له أيضا
الانتفاع به على كل حال.
قال محمد بن إدريس: المقصود من هذه المسألة وحقيقة القول فيها أن البائع جعل عند عقدة
البيع لنفسه الخيار دون المشتري في أجل محروس من الزيادة والنقصان بأن يرد عليه الثمن
318

مكملا في ذلك الوقت وما حضر الوقت ولم يحضر بالثمن واختار الفسخ لم يكن له ذلك،
وكذلك إن أحضر بعض الثمن واختار الفسخ لم يكن له ذلك لأنه شرط في خياره أن يحضر
الثمن ويرده في ذلك الوقت فأما إن باع العقار وجعل لنفسه خيار مدة من الزمان وفسخ العقد في
جميع المدة المضروبة انفسخ، وإن لم يحضر الثمن ولا شيئا منه ولا سلمه إلى المشتري لأن هذه
المسألة غير تلك لأن تلك اشترط أن يجئ بالثمن في المدة المضروبة وما جاء بالثمن فلم يحصل
له شرطه وهذه المسألة جعل لنفسه الخيار بين الفسخ والإمضاء في هذه المدة من غير إحضار الثمن
فافترقتا.
والشرط في الحيوان كله الدواب والحمير والبغال وغيرها، والأناسي من العبيد أيضا
ثلاثة أيام شرط ذلك في حال العقد أو لم يشرط يثبت بمجرد العقد للمشتري خاصة على
الصحيح من المذهب الخياران معا: خيار المجلس وخيار الثلاث بمجرد العقد وإطلاقه، فإن
اشترط المشتري أكثر من ذلك كان على ما شرطه، وإن اشترط البائع ألا خيار بينهما في
المجلس ولا مدة الثلاث كان أيضا جائزا.
وإن اشترط البائع أيضا لنفسه خيارا مدة معلومة كان أيضا جائزا ويثبت بحسب
الشرط.
وقولنا: يثبت الخيار للمشتري ثلاثة أيام في الحيوان شرط ذلك أو لم يشرط، يريد به شرط
المشتري ذلك أو لم يشرطه. ولا يظن ظان أن المراد به شرط البائع ألا يثبت بينهما خيار أو لم يشرط
لأنه إذا شرط البائع ألا يثبت بينهما خيار في هذه المدة، كان على ما شرط ويكون خيار مدة
الثلاث مع ارتفاع الشروط وإطلاق العقد وتجرده للمشتري خاصة على ما أسلفنا القول فيه، وقد
قلنا فيما مضى أن السيد المرتضى جعل للاثنين معا الخيار مدة هذه الثلاثة الأيام. والأظهر من
المذهب الأول وقد استدللنا فيما مضى على صحة ذلك مما لا فائدة في إعادته.
هذا ما لم يحدث المبتاع في هذه المدة حدثا يدل على الرضا أو يتصرف فيه تصرفا ينقص
قيمته أو يكون لمثل ذلك التصرف أجرة يستحق في العرف والعادة بأن يركب الدابة أو
يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها أو يعتقها أو يدبرها تدبيرا ليس له الرجوع فيه
319

وهو المنذور أو يكاتبها أو غير ذلك من أنواع التصرف، فإنه يلزمه البيع ويستقر عليه.
وإن كان قبل مضي الثلاثة الأيام ولم يكن له بعد ذلك التصرف والإحداث رد على
صاحبه على حال وإن لم يحدث فيه حدثا إلى أن يمضى ثلاثة أيام لم يكن له بعد مضيها خيار
إلا أن يجد فيه عيبا قبل عقدة البيع. فإن هلك الحيوان في مدة الثلاثة الأيام قبل أن يحدث
المبتاع فيه حدثا يدل على الرضا بمجرى العادة كان من مال البائع دون مال المبتاع، وإن
هلك بعد إحداثه الحدث كان من مال المبتاع دون مال البائع.
وجملة الأمر وعقد الباب أنه: متى كان الخيار في ابتياع الحيوان من جهة المبتاع باشتراط
الزمان الذي لم يجعله الشارع بمجرد العقد بل هو اشتراط على البائع، وهلك الحيوان في ذلك
الزمان قبل تصرف المشتري فيه التصرف المقدم ذكره فإن هلاكه يكون من بائعه ويرجع
المشتري بالثمن جميعه.
ومتى كان الخيار للمشتري خيار الثلاث التي جعلها الشارع له بمجرد العقد ولم يحدث
فيه حدثا، وهلك فإنه يهلك من مال بائعه أيضا. فإن مات بعد الثلاث ولم يحدث المشتري
فيه حدثا يكون موته وهلاكه من مال مشتريه دون بائعه.
فإن كان فيه عيب وقت البيع رجع المشتري على البائع بأرش ذلك العيب فحسب،
إلا الجارية المبتاعة التي يكون عيبها من حمل بها فإن مشتريها يردها. وإن كان قد وطأها فإن
هلكت قبل ردها وبعد وطئها فإنها تهلك من مال مشتريها دون بائعها وله الأرض على بائعها
فحسب.
وترد المصراة من الإبل والبقر والغنم فحسب مع التصرف فيها بالحلب وإن جاز
الثلاثة الأيام إذا لم يعلم المشتري بالتصرية إلا بعد الثلاث فإنه يردها وإن جازت الثلاث.
قال شيخنا في نهايته: ومتى اشترى الانسان شيئا من المبتاع بخيار مدة من الزمان ثم أراد بيعه
والتصرف فيه قبل مضي ذلك الوقت فليوجب البيع على نفسه ثم يتصرف فيه، فإن أوجب
البيع على نفسه ثم لم يتصرف وأراد رده لم يكن له ذلك على حال.
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: فليوجب البيع على نفسه ثم يتصرف، لا حاجة فيه ولا وجه
320

له بل بنفس تصرفه يبطل خياره لأنا قد بينا فيما مضى أن تصرف المشتري في مدة الخيار لزوم
للعقد وإبطال لخيرته وتصرف البائع في مدة خياره فسخ للعقد فعلى هذا متى تصرف فيه بطل
خياره.
وقال شيخنا في نهايته: ومن اشترى شاة وحبسها ثلاثة أيام ثم أراد ردها فإن كان شرب لبنها في
هذه الثلاثة أيام لزمه أن يرد معها ثلاثة أمداد من طعام وإن لم يكن لها لبن لم يكن عليه شئ.
قال محمد بن إدريس: هذا لا يصح على إطلاقه في كل شاة تشترى بل في المصراة فحسب، لأن
غير المصراة متى حلب اللبن فقد تصرف ومتى تصرف بطل خياره ولا يجوز له الرد، فأما إن كانت
مصراة وكان اللبن قائم العين رده بحاله وإن كان تالفا رد مثله لأنه يضمن بالمثلية ولا يجب عليه
رد ما قاله من الأمداد بحال، وهذا مذهب شيخنا المفيد والذي يقتضيه أصول المذهب.
وإذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر وغيرها ولم يقبض المتاع ولا قبض
الثمن ولا كان بيع النسيئة كان الخيار فيه يوما، فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم وإلا
فصاحبه بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين مطالبة مشتريه بالثمن، فإن هلك في مدة اليوم
فهو من ضمان بائعه كما قدمنا ذلك في غير الخضر.
وإذا اختلف البائع والمشتري في ثمن المبيع وكان الشئ قائما بعينه كان القول قول
البائع مع يمينه بالله وإن لم يكن قائما بعينه كان القول قول المبتاع مع يمينه بالله تعالى.
وقال بعض أصحابنا وهو أبو علي ابن الجنيد وأبو الصلاح صاحب كتاب الكافي في كتابه
وغيرهما من أصحابنا: إن كان الشئ في يد بائعه فالقول قوله مع يمينه في ثمنه وإن كان في يد
مشتريه فالقول قول المشتري. واحتج بذلك أنه إذا كان في يد بائعه بعد فالمشتري يريد انتزاعه
من يده فالقول قول من ينزع الشئ من يده، وإن كان في يد مشتريه فصاحبه يعني بائعه يدعي
زيادة على ما أقر به المشتري فلا يقبل دعواه إلا ببينة.
والآخر من أصحابنا لم يفرق بهذا الفرق بل قال: متى كانت العين قائمة باقية فالقول قول البائع
في مقدار الثمن مع يمينه سواء كانت العين في يد بائعه أو مشتريه،
فأما إذا اختلف ورثة البائع والمشتري في قدر الثمن فلا خلاف بين أصحابنا أن القول قول ورثة
321

المشتري في قدره سواء كانت العين قائمة أو تالفة لأن حمل هذا على ذلك قياس، ولولا ما بيناه لما
جاز ذلك. وقول ابن الجنيد قوي لأن إجماع الأمة منعقد أن على المدعي البينة وعلى الجاحد
اليمين، ولا خلاف أن البائع باع في الحالين.
فأما إذا كان الشئ في يده والمشتري يدعي انتزاعه من يده فيكون القول قول البائع هاهنا لأنه
مدعى عليه، وإطلاق قول الآخر من أصحابنا يخص بالأدلة لأن العموم قد يخص بالدليل
وشيخنا أورد في تفصيل ذلك خبر واحد مرسلا في تهذيب الأحكام لم يورد غيره وأخبار الآحاد
المسانيد لا توجب علما ولا عملا فكيف الآحاد المراسيل؟ ويمكن حمله على ما قاله ابن الجنيد
وغيره من أصحابنا وحررناه نحن واخترناه لما قدمنا من قيام الأدلة بمقتضاه، ولم يذهب إلى القول
الأول سوى شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله ومن اتبعه وقلده في تصنيفه، ثم إنه استدل في
مسائل خلافه بإجماع الفرقة والأخبار ومن أجمع معه وأي أخبار وردت له؟ وإنما هو خبر واحد
مرسل، ثم لما ضاق عليه الكلام مع الخصم تأول وخصص وقال: لو خلينا لقلنا بذلك. ولكن
روي عن أئمتنا ع أنهم قالوا: القول قول البائع، فحملناه على أنه إذا كان مع بقاء
السلعة فإذا ساع له حمله ساع لنا ما اخترناه.
وإذا اشترى الانسان ضياعا أو عقارا بحدودها ووصفها من غير أن يعاينها كان البيع
ماضيا إلا أن له شرط خيار الرؤية وقد قدمنا أحكام ذلك فيما مضى وحررناه.
وإذا مات المشترط في السلعة ومن له الخيار قام ورثته مقامه في المطالبة بذلك الشرط،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن اشترى جارية وعد لها عند انسان ليستبرئ رحمها
كانت النفقة في مدة حال الاستبراء على بائعها دون المبتاع، فإن هلكت في مدة الاستبراء
كانت من مال البائع دون مال المبتاع ما لم يحدث فيها حدثا حسب ما قدمناه، فإن أحدث
فيها حدثا ثم هلكت كانت من ماله دون مال البائع.
وقال رحمه الله في مبسوطه: الاستبراء في الجارية واجب على البائع والمشتري معا. والاستبراء
يكون بقرء وهو الطهر، ولا يجوز للمشتري وطؤها قبل الاستبراء في الفرج ولا في غيره ولا لمسها
بشهوة ولا قبلها، ويلزم الاستبراء المشتري بعد قبضها ولا يعتد بما قبل ذلك، وتكون زمان
322

الاستبراء عنده سواء كانت حسناء أو قبيحة، ولا يلزم أن تكون عند غيره فإن جعل ذلك عند
من يثق به كان جائزا، فإن اشتراها وهي حائض فطهرت جاز أن تعتد بذلك الحيض ويكفيها
ذلك، ومتى باعها بشرط المواضعة لم يبطل البيع وإن باعها مطلقا ثم اتفقا على المواضعة جاز
أيضا، فإن هلكت أو عابت نظر فإن كان المشتري قبضها ثم جعلت عند عدل فالعدل وكيل
المشتري ويده كيده إن هلكت فمن ضمان المشتري وإن عابت فلا خيار له، وإن كان البائع
سلمها إلى العدل قبل القبض فهلكت في يده بطل البيع، وإن عابت كان المشتري بالخيار.
قال محمد بن إدريس: وهذا الذي ذكره في معنى المواضعة والهلاك وهل قبضها أو لم يقبضها هو
الصحيح، ومسألة النهاية لا تصح إلا على هذا التحرير وإلا إذا تسلمها المشتري واستبرأها في
يده بعد قبضها فمتى هلكت قبل مضي الثلاثة الأيام وقبل التصرف فيها فإنها تهلك من مال
بائعها دون مشتريها، وإن هلكت بعد مضي الثلاثة الأيام التي هي شرط في الحيوان أو بعد
التصرف فيها فإنها تهلك من مال المشتري بغير خلاف للإجماع المنعقد من أصحابنا: إن الحيوان
إذا هلك في مدة الثلاثة الأيام قبل تصرف المشتري فيه فإنه يهلك من مال بائعه. فإن هلك بعد
ذلك فمن مال المشتري فعلى هذا يجب أن يكون الفتوى والعمل.
وقال رحمه الله في نهايته: ومن اشترى شيئا بحكم نفسه ولم يذكر الثمن بعينه كان البيع باطلا،
فإن هلك الشئ في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتاعه، هكذا قال شيخنا أبو جعفر في نهايته.
والذي يقتضيه أصول المذهب أن الشئ المبيع إن كان له مثل فعليه مثله لا قيمته، وإن أعوز
المثل فعليه ثمن المثل يوم الإعواز، وإن هلك المبيع مما لا مثل له فإنه يجب عليه قيمته أكثر
ما كانت إلى يوم الهلاك لأن هذا بيع فاسد والبيع الفاسد عند المحصلين يجري مجرى الغصب في
الضمان.
وإن كان الشئ قائما بعينه كان لصاحبه انتزاعه من يد المبتاع. فإن أحدث المبتاع فيه
حدثا نقص به ثمنه كان له انتزاعه منه وأرش ما أحدث فيه فإن كان الحدث يزيد في قيمته
وأراد انتزاعه من يده كان عليه أن يرد على المبتاع قيمة الزيادة بحدثه فيه،
هكذا قال شيخنا في نهايته، والأولى أن يقسم الحدث فيقول: إن كان آثار أفعال لا أعيان أموال
323

فلا يرد على المبتاع شئ وإن كان الحدث أعيان أموال فهو على ما قال رحمه الله.
فإن ابتاعه بحكم البائع في ثمنه فحكم بأقل من قيمته كان ذلك ماضيا ولم يكن له
أكثر من ذلك وإن حكم بأكثر من قيمته لم يكن له أكثر من القيمة في حال البيع إلا أن
يتبرع المبتاع بالتزام ذلك على نفسه فإن لم يفعل لم يكن عليه شئ،
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأول أن يقال: البيع باطل لأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن
يكون باطلا بلا خلاف بين المسلمين، فإذا كان كذلك فإن كان باقيا بعينه فللبائع انتزاعه من
يد المشتري وإن كان تالفا وتحاكما فلصاحبه مثله إن كان له مثل وإن كان لا مثل له فله قيمته
أكثر القيم إلى يوم الهلاك لا قيمته في حال البيع، فإن أقر البائع بشئ لزمه إقراره على نفسه
فيحكم عليه بإقراره على نفسه إلا أن يقر بأزيد من قيمته التي يوجبها الشارع، وإنما هذه أخبار
آحاد أوردها في نهايته إيرادا لا اعتقادا على ما تكررت الإشارة في ذلك.
ومن ابتاع شيئا بدراهم أو دنانير وذكر النقد بعينه كان له من النقد ما شرط، فإن لم
يذكر نقدا بعينه كان له ما يجوز بين الناس في الغالب، فإن اختلفا في الشرط والذكر فالقول
قول البائع مع بقاء السلعة لإجماع الطائفة لأنهما إذا اختلفا في الثمن كان القول قول البائع
مع بقاء السلعة والقول قول المشتري مع عدمها.
باب البيع بالنقد والنسيئة والمرابحة:
من باع شيئا بنقد كان الثمن عاجلا وإن باعه ولم يذكر لا نقدا ولا نسيئة كان الثمن
أيضا عاجلا، فإن ذكر أن يكون الثمن آجلا كان على ما ذكر بعد أن يكون الأجل معينا
محروسا بالسنين والأعوام أو الشهور والأيام، ولا يجوز أن يكون مجهولا ولا أجلا غير محروس
من الزيادة والنقصان مثل قدوم الحاج ودخول القوافل وإدراك الغلات وما أشبه ذلك،
فإن ذكر شيئا من هذه الأوقات كان البيع باطلا في نفسه، فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين
مختلفين بأن يقول: ثمن هذا المتاع كذا عاجلا وكذا آجلا، ثم أمضى البيع كان له أقل
الثمنين وأبعد الأجلين،
324

هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، والصحيح من المذهب أن هذا البيع باطل لأن الثمن
مجهول في حال العقد، وكل بيع كان الثمن مجهولا في حال عقده فهو باطل بغير خلاف بين
الأمة، وسلار من أصحابنا يذهب إلى ما اخترناه في رسالته وشيخنا أبو جعفر فقد رجع في
مبسوطه عما أورده في نهايته واستدل على فساده بأن قال: فإن هذا لا يجوز لأن الثمن غير معين
وذلك يفسد البيع، وما أورده في نهايته فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا أورده إيرادا
لا اعتقادا.
ومتى باع الشئ بأجل ثم حضر الأجل ولم يكن مع المشتري ما يعطيه إياه جاز له أن
يأخذ منه ما كان باعه إياه بيعا صحيحا بزيادة مما كان باعه إياه أو نقيصة منه لأنه مال
من أموال البائع بمهما شاء باعه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا ولزمه ثمنه
الذي كان أعطاه به. ثم قال رحمه الله: وإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن
بذلك بأس. والأول هو الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب لأن الله تعالى قال: وأحل الله
البيع وحرم الربا، وهذا بيع فمن منع منه يحتاج إلى دليل ولن نجده ولا نرجع عن الأدلة بأخبار
الآحاد، وما أورده وذكره شيخنا في نهايته خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا.
وإذا باع شيئا إلى أجل وأحضر المبتاع الثمن قبل حلول الأجل كان البائع بالخيار بين
قبض الثمن وبين تركه إلى حلول الأجل ويكون في ذمة المبتاع، فإن حل الأجل وجاء
المبتاع بالثمن ومكنه منه ولم يقبض البائع ثم هلك الثمن كان من مال البائع دون المبتاع،
وكذلك إن اشترى شيئا إلى أجل وأحضر البائع المبيع قبل حلول الأجل كان المبتاع مخيرا
بين أخذه وتركه، فإن هلك قبل حلول الأجل كان من مال البائع دون مال المبتاع، فإن
حل الأجل وأحضر البائع المتاع ومكن المبتاع من قبضه فامتنع من قبضه ثم هلك المتاع
كان من مال المبتاع دون مال البائع،
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأولى في المسألتين معا أنه إذا امتنع الممتنع من قبض دينه وحقه
وماله بعد حلوله واستحقاقه وتمكينه منه وإفراده أن يرفع أمره إلى الحاكم ويطالبه بقبضه أو
325

إبرائه مما له عليه، فإن لم يفعل ولم يجب إلى إحدى الخصلتين تسلمه الحاكم ممن هو عليه
وجعله في بيت المال ليحفظه على صاحبه، ولا يجوز للحاكم أن يجبره على البراءة له ولا على قبضه
لأن الحاكم منصوب للحق وإزالة الضرر الغير مستحق، ولا دليل على وجوب اشتغال ذمة من
عليه الحق بحفاظه أو بارتهانها مشغولة بالدين يعني ذمة من عليه، والرسول ع قال:
لا ضرر ولا إضرار، وكل من تأبى من الحق فالحاكم يجبره عليه ويقوم مقامه في استيفاء ما عليه
وأخذ ما كان يجب عليه أخذه وحفاظ ماله وإلى هذا وأمثاله ذهب شيخنا أبو جعفر في مبسوطه
وقال: الحاكم يقبضه ويجعله في بيت المال لصاحبه محفوظا عنده محوطا عليه.
ولا بأس أن يبيع الانسان متاعا حاضرا إلى أجل ثم يبتاعه منه في الحال ويزن الثمن
بزيادة مما باعه أو نقصان، وإن اشتراه منه نسيئة أيضا كان جائزا، ولا يجوز تأخير الثمن
عن وقت وجوبه بزيادة فيه، ولا بأس بتعجيله بنقصان شئ منه بغير خلاف بين أصحابنا،
فإن اتفقا على تأجيل ما قد حل فإنه لا يصير مؤجلا ويجوز لمن أجله أن يطالب به في الحال
سواء كان ذلك ثمنا أو أجرة أو صداقا أو كان قراضا أو أرش جناية بغير خلاف بين
أصحابنا.
وشيخنا أبو جعفر قد ذكر ذلك في مسائل خلافه وأشبع القول فيه واستدل بإجماع الفرقة على
صحته.
ويكره الاستحطاط من الأثمان بعد انعقاد العقد سواء نقل المتاع أو لم ينقل افترقا من
المجلس أو لم يفترقا وليس ذلك بمحظور.
وقال شيخنا في نهايته: وكل شئ يصح بيعه قبل القبض صح أيضا الشركة فيه، يريد بذلك أن
بيع السلف قبل قبضه لا يجوز على غير من هو عليه فلا يجوز الشركة فيه، ومراده بالشركة أن يبيعه
نصفه مشاعا غير مقسوم.
وقال رحمه الله في نهايته: ولا بأس بابتياع جميع الأشياء حالا وإن لم يكن حاضرا في الحال وإذا
كان الشئ موجودا في الوقت أو يمكن وجوده، ولا يجوز أن يشترى حالا ما لا يمكن وجوده في
الحال، مثال ذلك أن يشترى الفواكه حالة في غير أوانها فإن ذلك لا يمكن تحصيله، فأما ما يمكن
326

تحصيله فلا بأس به مثل الحنطة والشعير والتمر والزبيب والثياب وغير ذلك وإن لم يكن عند
بائعه في الحال.
قال محمد بن إدريس: هذا خبر واحد أورده شيخنا في تهذيب الأحكام عن ابن سنان لا يجوز أن
يعمل به ولا يلتفت إليه ولا يعول عليه، لأنا قد بينا أن البيع على ضربين: بيوع الأعيان وبيوع
السلم، وهو ما في الذمة ولا يصح إلا أن يكون مؤجلا موصوفا على ما تقدم شرحنا له. فأما بيوع
الأعيان فتنقسم إلى قسمين: أحدهما بيع عين مرئية مشاهدة والقسم الآخر بيع عين غير حاضرة
موصوفة، وهذا البيع المسمى بيع خيار الرؤية وما أورده خارج عن هذه البيوع لا مشاهد ولا
موصوف بوصف يقوم مقام المشاهدة فدخل في بيع الغرر، والنبي ع نهى عن بيع الغرر
ونهى ع عن بيع ما ليس عند الانسان ولا في ملكه إلا ما أخرجه الدليل من بيع السلم،
وأيضا البيع حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا يرجع عن الأمور المعلومة بالدلالة
القاهرة بالأمور المظنونة وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
ومن اشترى شيئا بنسيئة فلا يبيعه مرابحة، فإن باعه كذلك كان للمبتاع من الأجل
مثل ماله،
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأولى عندي أن يكون المشتري بالخيار بين رده وإمساكه بالثمن
من غير أن يكون له من الأجل مثل ماله لأنه ليس عليه دليل فيرجع إليه وإنما هو خبر واحد وضعه
في كتابه ورجع عنه في مبسوطه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز أن يبيع الانسان متاعا مرابحة بالنسبة إلى أصل المال
بأن يقول: أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا و اثنين بل يقول: بدلا من ذلك هذا المتاع على
بكذا وأبيعك إياه بكذا بما أراد.
وقال في مسائل الخلاف: يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال وصورته أن يقول: بعتك
برأس مال وربح درهم على كل عشرة، وليس ذلك بمفسد للبيع.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: ولا يجوز أن يبيع الانسان شيئا مرابحة مذكورة بالنسبة إلى أصل
المال كقولهم: أبيعك هذا المتاع بربح العشرة واحدا أو اثنين، وما أشبه ذلك ولا بأس أن يقول:
327

ثمن هذا المتاع على كذا وأبيعك إياه بكذا، فيذكر أصل المال والربح ولا يجعل لكل عشرة منه
شيئا.
قال محمد بن إدريس: الذي يقوى عندي وأفتى به أن بيع المرابحة مكروه غير محظور وأن البيع
صحيح غير باطل، وهو الذي ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه لأن بطلانه
يحتاج إلى دليل والله تعالى قال: أحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع بغير خلاف فمن أبطله
يحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من الأخبار فحمله على الكراهة هو الأولى، إلا أن جملة الأمر
وعقد الباب أن المكروه من بيع المرابحة أن يكون الربح محمولا على المال ولا بأس أن يكون
الربح محمولا على المتاع، مثال ذلك أن يقول: هذا المبيع اشتريته بمائة دينار، ويذكر نقدها. و:
بعتك إياه بمائة وعشرة دنانير، فهذا لا مكروه ولا محظور على القولين معا لأن الربح هاهنا محمول
على المتاع.
فأما المكروه فعلى الصحيح من المذهب على ما اخترناه أو المحظور على القول الآخر فمثاله أن
يقول: هذا المبيع اشتريته بمائة دينار، ويذكر نقدها و: بعتك إياه بمائة وبربح كل عشرة دينارا،
فهذا هو المكروه أو المحظور، لأن الربح هاهنا محمول على المال الذي هو الثمن فهذا معنى قول
الفقهاء بالنسبة - بالنون والسين والباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة - إلى أصل المال لأنه حمل
الربح على الثمن ونسبه إليه بقوله: كل عشرة من المائة دينار فصار جميع الثمن مائة وعشرة
دنانير، لأن الربح منسوب إلى عقود المائة وهي عشرة عقود فصار الربح عشرة دنانير فليتأمل
ذلك وليلحظ فهو حقيقة القول في هذه المسألة أعني بيع المرابحة.
وإن اشترى سلعتين بثمن واحد فإنه لا يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة ويقسم الثمن عليهما
على قدر قيمتهما لأن تقويمه ليس هو الذي انعقد البيع عليه فلا يجوز أن يخبر بذلك الشراء الذي
قومه مع نفسه لأنه كذب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا اشترى الانسان ثيابا جماعة بثمن معلوم ثم قوم كل ثوب منها
على حدة مع نفسه لم يجز أن يخبر بذلك الشراء ولا أن يبيعه مرابحة إلا بعد أن يبين أنه إنما قوم
ذلك كذلك.
328

قال محمد بن إدريس: هذا ليس هو بيع المرابحة لأن بيع المرابحة موضوعه في الشرع أن يخبر بالثمن
الذي اشتراه به وهذا ليس كذلك.
وإذا اشترى الانسان متاعا جاز أن يبيعه في الحال وإن لم يقبضه إذا كان معينا ويكون
قبض المبتاع الثاني قبضا عنه، وإذا اشترى الانسان ثيابا جماعة فلا يجوز أن يبيع خيارها
مرابحة لأن ذلك لا يتميز وهو مجهول، وإذا باع الانسان المتاع مرابحة فلا بد أن يذكر النقد
الذي وزنه وكيفية الصرف في يوم وزن المال وليس عليه شئ من ذلك إذا باعه مساومة.
ولا يجوز بيع المتاع في أعدال مخرومة وجرب مشدودة إلا أن يكون له بارنامج يوقفه منه
على صفة المباع في ألوانه وأقداره وصفاته فإذا كان كذلك جاز بيعه، فإذا نظر إليه المبتاع
ورآه موافقا لما وصف له وذكر كان البيع ماضيا وإن كان بخلاف ذلك كان البيع مردودا
إن اختار المشتري وإن رضي به فله ذلك لأن له الخيار، وإنما لم يجز هذا البيع إلا أن يكون له
بارنامج لأن هذا بيع خيار الرؤية وهذا البيع من شرط صحته ذكر الجنس والصفة لأنه غير
مشاهد فتقوم الصفة في هذا البيع مقام المشاهد.
والبارنامج كلمة فارسية معناها أن الفرس تسمي المحمول " بار " قل أم كثر والنامج بالفارسية
" ناما " وتفسيره الكتاب لمعرفة ما في المحمول من العدد والوزن، فأعربوه بالجيم. فأما قولهم
الروزنامج معنى الروز بالفارسية: اسم اليوم، والنامج " ناما " وهو الكتاب فكأنهم عنوا به
كتاب كل يوم، فأعربوه بالجيم فهذا حقيقة هاتين الكلمتين بالفارسية ذكر ذلك أصحاب
التواريخ مثل محمد بن جرير الطبري وغيره.
ومن أمر غيره أن يبتاع له متاعا وينقد من عنده الثمن عنه فاشتراه ونقد عنه ثمنه ثم
سرق المتاع أو هلك من غير تفريط من المأمور كان من مال الآمر دون المأمور،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا قوم التاجر متاعا على الواسطة بشئ معلوم وقال له: بعه فما
زدت على رأس المال فهو لك والقيمة لي، كان ذلك جائزا وإن لم يواجبه البيع، فإن باع
الواسطة المتاع بزيادة على ما قوم عليه كان له، وإن باعه برأس المال لم يكن له على التاجر
شئ، وإن باعه بأقل من ذلك كان ضامنا لتمام القيمة، فإن رد المتاع ولم يبعه لم يكن للتاجر
329

الامتناع من أخذه.
وقال رحمه الله: ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر
الفضل على القيمة في الشراء.
قال محمد بن إدريس: ما أورده شيخنا غير واضح ولا مستقيم على أصول مذهبنا، لأن هذا جميعه
لا بيع المرابحة ولا إجارة ولا جعالة محققة، فإذا باع الواسطة بزيادة على ما قوم عليه لم يكن
للواسطة في الزيادة شئ لأنها من جملة ثمن المتاع والمتاع للتاجر ما انتقل عن ملكه بحال
وللواسطة أجرة المثل لأنه لم يسلم له العوض فيرجع إلى المعوض وكذلك إن باعه برأس المال، وإن
باعه بأقل مما أمره كان البيع باطلا، فإن تلف المبيع كان الواسطة ضامنا.
وقوله رحمه الله: ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر
الفضل على القيمة في الشراء.
قال محمد بن إدريس: وأي شراء جرى بين التاجر وبين الواسطة حتى يخبر بالثمن؟ وليس هذا
موضوع بيع المرابحة في الشريعة بغير خلاف، وإنما أورد أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا
لا اعتقادا على ما وردت عليه بألفاظها صحيحة كانت أو فاسدة على ما ذكره واعتذر به في
خطبة مبسوطة على ما قدمنا القول فيه في صدر كتابنا هذا يزيد ذلك بيانا ما أورده في نهايته بعد
هذه المسألة بلا فصل،
قال رحمه الله: وإذا قال الواسطة للتاجر: خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه كذا وكذا،
ففعل التاجر ذلك غير أنه لم يواجبه البيع ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على رأس
المال والثمن كان ذلك للتاجر وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك، وإن كان قد ضمن الثمن كان
له ما زاد على ذلك من الربح ولم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره معه فهذا يوضح لك
ما نبهنا عليه.
وإذا قال الانسان لغيره: اشتر لي هذا المتاع وأزيدك شيئا، فإن اشترى التاجر ذلك لم
يلزم الآمر أخذه ويكون في ذلك بالخيار إن شاء اشتراه لنفسه وإن شاء لم يشتره، لأنه ما وكله
في شرائه لنفسه بقوله: وأزيدك شيئا، فدل ذلك أن التاجر اشتراه لنفسه لا للآمر لأن
330

الشراء لو وقع للآمر لم يلزمه أن يزيده على ثمنه شيئا فهذا تحرير الفتيا في ذلك.
ومتى أخذ الانسان من تاجر مالا واشترى به متاعا يصلح له ثم جاء به إلى التاجر ثم
اشتراه منه لم يكن بذلك بأس، لأنه وكيل للتاجر نائب عنه في الشراء ويكون التاجر مخيرا
بين أن يبيعه وألا يبيعه، فإن كان الانسان الذي هو الوكيل شراه لنفسه في ذمته لا بعين مال
موكله ثم نقد المال على أنه ضامن له لم يكن للتاجر عليه سبيل، فإن اختلفا في ذلك فالقول
قول الوكيل دون الموكل، فإن كان الوكيل شراه بعين مال موكله فإن الملك يقع للتاجر الذي
هو الموكل دون الوكيل فهذا تحرير هذه الفتيا الذي أوردها شيخنا في نهايته. ولا بأس أن
يبيع الانسان متاعا بأكثر مما يساوي في الحال بنسيئة إذا كان المبتاع من أهل الخبرة
والمعرفة فإن لم يكن كذلك كان البيع موقوفا للمشتري الخيار فيه.
باب العيوب الموجبة للرد:
من اشترى شيئا على الإطلاق ولم يشترط الصحة أو اشتراه على شرط الصحة والسلامة
ثم ظهر له فيه عيب سبق وجوده عقدة البيع ولم يكن قد تبرأ صاحبه إليه من العيوب كلها
كان المشتري بين خيرتين رد المباع واسترجاع الثمن أو الإمساك والمطالبة بالأرش وهو
ما بين قيمته صحيحا ومعيبا.
وكيفية ذلك وبيانه أن يعتبر قيمته ويرجع بحصة ذلك من ثمنه، مثاله: إذا اشترى عبدا فأصاب
به عيبا فإن المشتري يرجع على البائع بأرش العيب وهو أن يقال: كم قيمته ولا عيب فيه؟
قالوا: مائة. قلنا: وكم قيمته وهذا العيب فيه؟ قالوا: تسعون. قلنا: فالعيب عشر قيمته فيجب
على البائع أن يرد عشر قيمته.
وإنما قلنا: يرجع بالحصة من الثمن لا بما بين القيمتين، لأنه قد يشترى بعشرة ما قيمته مائة فإذا
قومناه كان النقص عشرة فإذا رد البائع هذا القدر بقي المبيع بغير ثمن.
وإذا كان الاعتبار بالحصة من الثمن لم يغير المبيع من الثمن بحال وهذا مما يغلط فيه بعض
الفقهاء فيوجبون الأرش ما بين القيمتين، وهكذا الحكم إن أصاب به عيبا بعد أن حدث به
331

عيب عنده فامتنع الرد بالعيب، وكذا إذا وجد العيب فيه بعد أن تصرف فيه لا يختلف الحكم في
ذلك فليلحظ ما حررناه ويتأمل.
وليس للبائع على المشتري في ذلك خيار. ومتى كان البائع قد تبرأ إلى المبتاع من جميع
العيوب لم يكن له الرجوع عليه بشئ من ذلك وإن لم يفصل له العيوب في الحال، والأفضل
أن يفصل العيوب كلها ويظهرها في حال البيع ليقع العقد عليه مع العلم بها أجمع وليس
ذلك بواجب بل يكفي التبرؤ من العيوب على الجملة.
وقال بعض أصحابنا: بل ذلك واجب ولا يكفي في اسقاط الرد التبرؤ من العيوب على الجملة،
والأول هو الأظهر من الأقوال.
ولا يجوز لأحد أن يبيع شيئا معيبا إلا بعد إظهار العيب فإن فعل وباع معيبا مع علمه
بذلك فعل محظورا وكان المشتري بالخيار على ما فصلناه.
ومتى اختلف البائع والمشتري في العيب فذكر البائع: أن هذا العيب حدث عندك ولم
يكن في المتاع وقت بيعي إياه. وقال المشتري: بل بعتني معيبا ولم يحدث عندي فيه عيب،
ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا لا عيب فيه،
فإن حلف برئ من العهدة وإن لم يحلف جعل ناكلا وردت اليمين على خصمه فإذا حلف
كان عليه الدرك فيه.
وقال شيخنا في نهايته: إذا اختلف البائع والمشتري في حدوث العيب ولم يكن لأحدهما بينة
على دعواه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا لا عيب فيه فإن حلف برئ من العهدة
وإن لم يحلف كان عليه الدرك فيه.
وهذا القول بإطلاقه غير واضح، لأن بمجرد النكول عن اليمين لا يستحق المدعي ما ادعاه إلا بعد
يمينه.
وإذا قال البائع: بعت على البراءة من العيوب، وأنكر المبتاع ذلك فعلى البائع البينة فيما
ادعاه، فإن لم يكن معه بينة حلف المبتاع أنه لم يبرأ إليه من العيوب وباعه مطلقا أو على
الصحة فإذا حلف كان له الرد أو الأرض مخيرا في ذلك، هذا بعد ثبوت العيب وموافقة
332

البائع عليه بأنه كان فيه قبل عقدة البيع أو قيام البينة على العيب.
ومتى اختلف أهل الخبرة في قيمته عمل على أوسط القيم فيما ذكروه وحكم الحاكم
بذلك. فإن كان المبيع جملة فظهر العيب في البعض كان للمبتاع أرش العيب في البعض
الذي وجد فيه وإن شاء رد جميع المتاع واسترجع الثمن وليس له رد المعيب دون ما سواه.
ومتى أحدث المشتري حدثا في المتاع لم يكن له بعد ذلك رده وكان له الأرش ما بين
قيمته معيبا وصحيحا، وسواء كان إحداثه ما أحدث فيه مع علمه بالعيب أو مع عدم العلم،
وليس علمه بالعيب ووقوفه عليه بموجب لرضاه في ترك الأرش، بل في سقوط الرد إذا علم
وتصرف فإنه يسقط الرد ولا يسقط الأرش.
ومتى حدث فيه حادث وعيب ينضاف إلى العيب الذي كان فيه كان له أرش العيب
الذي كان فيه وقت ابتياعه إياه، ولم يكن له أرش ما حدث عنده فيه على حال ولا رد
المبيع بعد حدوث عيب عنده إلا أن يكون المبيع حيوانا فإنه يرده بالعيب الحادث في الثلاثة
الأيام، لأن له فيها الخيار، فإن أراد إمساكه فله أرش العيب المقدم الذي كان فيه وقت
ابتياعه إياه وليس له أرش ما حدث فيه بعد عقده البيع على حال، وإذا حدث بالمبيع عيب
في يد البائع بعد عقدة البيع ولم يكن به عيب قبل عقده البيع كان للمشتري الرد والإمساك
وليس له إجازة البيع مع الأرش ولا يجبر البائع على بذل الأرش بغير خلاف.
ومن ابتاع أمة فظهر له فيها عيب لم يكن علم به حال ابتياعه إياها كان له ردها
واسترجاع ثمنها وأرش العيب دون الرد لا يجبر على واحد من الأمرين، فإن وجد بها عيبا
بعد أن وطأها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب خاصة، اللهم إلا أن يكون العيب من
حبل فله ردها على كل حال وطأها أو لم يطأها، ويرد معها إذا وطأها نصف عشر قيمتها إن
كانت ثيبا وإن كانت بكرا فعشر قيمتها بلا خلاف بيننا.
ومتى وجد عيبا فيها بعد أن يعتقها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب، فإن وجد
العيب بعد تدبيرها أو هبتها كان مخيرا بين الرد وأرش العيب أيهما اختار كان له ذلك،
لأن التدبير والهبة له أن يرجع فيهما وليس كذلك العتق لأنه لا يجوز الرجوع فيه على حال.
333

هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في
المبيع فإنه لا يجوز له رده بعد ذلك وله الأرش، ولا خلاف أن التدبير والهبة تصرف. وقوله
رحمه الله: إن التدبير والهبة له أن يرجع فيهما، ليس كل تدبير ولا كل هبة له الرجوع فيهما بل
التدبير على ضربين: تدبير عن نذر فلا يجوز له الرجوع فيه على حال، وهبة لولده الأصغر أو لولده
الأكبر بعد قبضه إياها أو هبة الأجنبي بعد القبض والتصرف فيها أو التعويض عنها فلا يجوز
الرجوع فيها على حال بغير خلاف. فإطلاق قوله رحمه الله ما يستقيم له، وأيضا فالراهن لا يجوز له
تدبير عبده المرهون، لأنه ممنوع من التصرف في الرهن وكان يلزم على ما اعتل به شيخنا أبو جعفر:
من أن للمدبر أن يرجع في التدبير وللواهب أن يرجع في الهبة، أن المشتري إذا باع الجارية وجعل
لنفسه الخيار شهرا مثلا أو أكثر من ذلك وقبضها المشتري وتسلمها وصارت عنده أن يردها
البائع الثاني على البائع الأول، لأن له أن يرجع في هذا البيع على قود الاعتلال الذي اعتل به
شيخنا. وهذا لا يقوله أحد منا بغير خلاف ولا يتجاسر عليه أحد من الأمة. وأيضا فلم يرد بذلك
نص عن الأئمة ع لا متواترا ولا آحادا، فبأي شئ يتمسك في ذلك؟ وكتابه تهذيب
الأحكام ما أودعه شيئا من ذلك ولا أورد فيه خبرا بذلك وليس له أكبر منه في الأخبار وإنما
حكاه على ما وجده في المقنعة.
وترد الشاة المصراة وهي التي جمع بائعها في ضرعها اللبن يومين وأكثر من ذلك ولم يحلبها
ليدلسها به على المشتري فيظن إذا رأى ضرعها وحلب لبنها أنه لبن يومها كعادة لها وكذلك
حكم البقرة والناقة، ولا تصرية عندنا في ذلك فإذا أراد ردها رد اللبن الذي احتلبه إن
كان موجودا، وإن كان هالكا معدوما رد مثله لأن اللبن له مثل ويضمن بالمثلية فإن أعوز
المثل رد قيمة ما احتلب من لبنها بعد اسقاط ما أنفق عليها إلى أن عرف حالها.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: عوض اللبن الذي يحلبه من المصراة إذا أراد ردها صاع
من تمر أو صاع من بر وإن أتى على قيمة الشاة، واستدل على ذلك بإجماع الفرقة وأخبارهم.
قال محمد بن إدريس: والأول هو الصحيح وإليه يذهب رحمه الله في نهايته، وهو أيضا قول شيخنا
المفيد في مقنعته وأصول المذهب دالة عليه، فأما ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه من دليله
334

فعجيب من أجمع من أصحابنا على ذلك؟ وأي إجماع للفرقة على ما قاله؟، ولا لها خبر ورد
بذلك وما وجدت لأصحابنا تصنيفا فيه ما ذهب إليه ولا قال من أصحابنا غيره رحمه الله هذا
القول وإنما هذا قول المخالفين نصره واختاره في كتابه مسائل خلافه.
ويرد العبيد والإماء من أحداث السنة مثل الجذام والجنون والبرص ما بين وقت الشراء
وبين السنة، فإن ظهر بعد مضي السنة شئ من ذلك لم يكن له الرد على حال، هذا الحكم
ما لم يتصرف فيه فإن تصرف في الرقيق في مدة السنة سقط الرد وحكم له بالأرش ما بين
قيمته صحيحا ومعيبا.
وإلى هذا القول يذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في مقنعته فإنه قال: ويرد العبد
والأمة من الجنون والجذام والبرص ما بين ابتياعهما وسنة واحدة ولا يردان بعد سنة وذلك أن
أصل هذه الأمراض يتقدم ظهورها سنة ولا يتقدمها بأكثر من ذلك، فإن وطأ المبتاع الأمة في
هذه السنة لم يجز له ردها وكان له ما بين قيمتها صحيحة وسقيمة، هذا آخر كلام شيخنا رحمه الله
في مقنعته.
فإن قيل: المذهب مستقر في أن الخيارين للمشتري في الحيوان بمجرد العقد: خيار المجلس وخيار
الثلث، فما يقال في رجل اشترى مملوكا فهل له رده على بائعه قبل أن يحدث فيه حدثا في مدة
الثلاثة الأيام؟ وكذلك له أن يرده بكل عيب يظهر فيه في مدة الثلاث؟ وهل له رده بعيب يظهر
بعد الثلاث من قبل أن يحدث فيه حدثا أو يتصرف فيه، وهل إن تصرف فيه ووجد فيه عيبا بعد
تصرفه له أن يرده أم لا؟
قلنا: جميع ما يظهر بالرقيق من العيوب بعد الثلاث وقبل التصرف لا يرد منه إلا ثلاثة عيوب:
البرص والجذام والجنون. فإنه يرد عند أصحابنا من هذه الثلاثة عيوب إذا وجدت فيه ما لم يمض
سنة من وقت الشراء. فأما إن تصرف فيه فلا يجوز له الرد ولم يبق فرق بين الثلاثة عيوب وغيرها
من العيوب بعد التصرف بل له الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ويسقط الرد.
فإن قيل: فما بقي فرق بين الثلاثة عيوب وغيرها، وأصحابنا كلهم يفرقون بين ذلك ويردون من
العيوب الثلاثة ما بين الشراء وسنة.
335

قلنا: الفرق بين العيوب الثلاثة ظاهر وهو إن ما يظهر من العيوب بعد الثلاثة الأيام وقبل
التصرف لا يرد به الرقيق، لأنه ظهر بعد تقضي الثلاثة الأيام التي له الخيار فيها ولم يدل دليل
على أنها كانت فيه وقت ابتياعه إياه ولا في مدة الخيار التي هي الثلاثة الأيام، فأما العيوب
الثلاثة فإنها متى ظهرت بعد الثلاثة الأيام إلى مدة السنة من وقت البيع وقبل التصرف في
الرقيق فإنها يرد بها لأن الدليل وهو الاجماع قد دل على ذلك فقلنا به، كما أن كل عيب يحدث
بعد الشراء في مدة الثلاثة الأيام يرد به الرقيق إذا لم يكن تصرف فيه مشتريه في الثلاثة الأيام،
وما بنا حاجة إلى ما قاله شيخنا في مقنعته من أن أصول هذه الأمراض يتقدم ظهورها سنة ولا
يتقدمها بأكثر من ذلك، لأن هذا يؤدى إلى بطلان البيع، لأن البائع باع ما لا يملك، لأن الرقيق
يعتق بالجذام من غير اختيار مالكه وإنما الشارع حكم بأن الرقيق يرد من هذه الثلاثة عيوب ما لم
يتصرف فيه ما بين شرائه وبين سنة، كما أنه حكم بأنه يرد بكل عيب حدث في هذه الثلاثة
الأيام في وقت ابتياعه ما لم يتصرف فيه وإن لم يكن وقت ابتياعه فيه، فبان الفرق بين الثلاثة
عيوب وبين غيرها من العيوب من الوجه الذي قدمناه وشرحناه.
ولئن خطر بالبال وقيل: الفرق بينها وبين غيرها من العيوب وهو أن غيرها بعد التصرف ليس
للمشتري الرد والعيوب الثلاثة له الرد بعد التصرف فافترقت العيوب من هذا الوجه لا من الوجه
الذي ذكرتموه.
قلنا له: هذا خلاف إجماع أصحابنا ومناف لأصول المذهب لأن الاجماع حاصل على أن بعد
التصرف في المبيع يسقط الرد بغير خلاف بينهم والأصول مبنية مستقرة على هذا الحكم.
فإن قيل: فما بقي لاستثنائهم العيوب الثلاثة وإنها ترد بها الرقيق ما بين الشراء وبين سنة معنى
ولا فائدة.
قلنا: الفائدة والمعنى هو الوجه الذي قدمناه ليسلم هذا الاجماع والأصول الممهدة المقررة، لأن
الكلام والأخبار في الرد إلى سنة من الثلاثة عيوب مطلق لم يذكر فيه تصرف أو لم يتصرف،
والشارع إذا خاطبنا بخطاب مطلق يجب علينا أن نحمله على إطلاقه وعمومه إلا أن يكون له
تخصيص وتقييد لغوي أو عرفي أو شرعي فيرجع في إطلاقه إليه، لأن المطلق يحمل على المقيد إذا
336

كان الجنس واحدا والعين واحدة والحكم واحدا كما قال تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير.
فإذا سئلنا عن دم السمك هل هو نجس أم لا؟ فجوابنا بأجمعنا أنه طاهر، فإن استدل علينا بالآية
المتقدمة التي أطلق الدم فيها ودم السمك دم بغير خلاف.
قلنا: فقد قال تعالى في آية أخرى: أو دما مسفوحا، فقيده بالسفح، ودم السمك غير مسفوح
فيجب أن يحمل المطلق على المقيد لأنه حكم واحد وعين واحد وجنس واحد.
فإن قيل: هذا قياس والقياس عندكم باطل.
قلنا: معاذ الله أن يكون ذلك قياسا بل أدلة مقررة في أصول الفقه ممهدة عند من أحكم أصول
هذا الشأن، وكذلك قد يخص العام بالأدلة ونحكم بالخاص على العام وأمثلة ذلك كثيرة
مذكورة في مظانها.
وإذا أبق بفتح الباء المملوك عند المشتري وكان الإباق حادثا ثم وجده لم يكن له رده
على بائعه إلا أن يعلم أنه كان قد أبق أيضا عنده، فإن علم ذلك كان له رده واسترجاع
الثمن أو إمساكه وأرش العيب وما يحدث من العيوب في شئ من الحيوان ما بين حال البيع
وبين الثلاثة الأيام كان للمبتاع رده ما لم يحدث فيه حدثا، فإن أراد إمساكه لم يكن له
أرش العيوب الحادثة في مدة الثلاثة الأيام على ما قدمنا القول فيه وحررناه.
وإذا حدث بعد انقضاء الثلاثة الأيام لم يكن له رده على حال إلا ما استثنيناه من أحداث السنة، ومتى
أحدث المشتري في مدة الثلاثة الأيام فيه حدثا ثم وجد فيه عيبا قبل
عقده البيع لم يكن له رده.
ومن اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا،
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لم يكن له ردها ولا الرجوع على البائع بشئ من الأرش لأن ذلك
قد يذهب من العلة والنزوة. ورجع في استبصاره وقال: يرجع عليه بالأرش ما بين قيمتها بكرا
وثيبا. وهذا هو الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب، والذي أورده في نهايته خبر واحد رواية
زرعة عن سماعة وهما فطحيان. هذا على قول من يقول من أصحابنا: إن ذلك ليس بعيب
337

يوجب الرد. وعلى قول الآخرين يجب بذلك الرد واسترجاع الثمن أو الإمساك وأخذ الأرش
على ما قدمناه.
والذي يقوى عندي أن ذلك تدليس يجب به الرد إن اختار المشتري، لأن الاجماع حاصل منعقد
على أن التدليس يجب به الرد، ولا إجماع على أن من اشترى جارية على أنها بكر فخرجت ثيبا
لا يردها وإنما أورد ذلك شيخنا في نهايته واختاره في باقي كتبه ولم يورد فيه غير خبرين: أحدهما
عن زرعة عن سماعة، وقد قلنا ما فيهما، والآخر عن يونس بن عبد الرحمن، وهذا الرجل عند
المحققين لمعرفة الرواة والرجال غير موثوق بروايته، لأن الرضا ع كثيرا يذمه وقد وردت
أخبار عنده بذلك، وبعد هذا فلو كان ثقة عدلا لا يجب العمل بروايته لأنه واحد وأخبار الآحاد
لا يجوز العمل بها لأنها لا توجب علما ولا عملا.
وشيخنا المفيد في مقنعته ما تعرض لذلك ولا عمل به ولا أفتى بما ذكره شيخنا في نهايته، وكان
المفيد رحمه الله عالما بالأخبار وبصحتها وبالرجال وثقتها.
وقد روي: أن من اشترى جارية لا تحيض في مدة ستة أشهر ومثلها تحيض كان له ردها
لأن ذلك عيب، هذا إذا لم يتصرف فيها،
أورد ذلك شيخنا في نهايته من طريق خبر الواحد إيرادا لا اعتقادا.
ومن اشترى زيتا أو بزرا ووجد فيه درديا فإن كان يعلم أن ذلك يكون فيه لم يكن له
رده لأنه قد علم بالعيب قبل الشراء وإن كان غير عالم كان له رده،
وقال شيخنا في نهايته: ومن اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه عيب كان له رده وإن أراد
أخذه وأخذ الأرش كان له ذلك، إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه فإنه قال: كل عيب
يحدث بعد عقدة البيع لم يجبر البائع على بذل الأرش إنما يستحق الأرش بالعيب الذي يكون
بالمبيع قبل عقدة البيع لأنه باعه معيبا، فأما ما يحدث بعد البيع فلا يستحق به أرش لأنه ما باعه
معيبا بل له الرد فحسب أو الرضا بالإمساك بغير أرش إذا لم يتصرف فيه أو لم يقبضه. وإلى هذا
القول يذهب شيخنا المفيد في مقنعته وهو الصحيح من الأقوال وبه أفتى وعليه أعمل وقد حررنا
ذلك فيما تقدم وشرحناه.
338

ومتى هلك المبيع كله قبل القبض أو التمكن من القبض بأن لا يمكنه البائع للمشتري
كان من مال البائع دون المبتاع.
وإذا اختلف البائع والمشتري في شرط يلحق بالعقد ويختلف لأجله الثمن مثل أن قال:
بعتك نقدا، فقال المشتري: بل إلى سنة، أو قال: إلى سنة. فقال المشتري: إلى سنتين،
وهكذا الخيار إذا اختلفا في أصله أو قدره فالقول قول البائع مع يمينه.
وإذا اختلفا في شرط يفسد البيع فقال البائع: بعتك إلى أجل معلوم، وقال المشتري:
إلى أجل مجهول، أو قال: بعتك بدراهم أو دنانير، فقال: بل بخمر أو خنزير، أو قال: بعتك
معلوما، وقال المشتري: بل بعتني مجهولا. كان القول قول من يدعي الصحة وعلى من ادعى
الفساد البينة، لأن الأصل في العقد الصحة فقد اتفقا على العقد فمن ادعى الفساد فعليه
الدلالة.
قال شيخنا في مسائل خلافه: إذا باع شيئا بثمن في الذمة أو كان البيع عينا بعين فقال البائع:
لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع. فعلى
الحاكم أن يجبر البائع على تسليم المبيع أولا ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن بعد ذلك بعد أن
يحضر المبيع والثمن. ثم قال: دليلنا على ما قلناه أن الثمن إنما يستحق على المبيع فيجب أولا
تسليم المبيع ليستحق الثمن، فإذا سلم المبيع استحق الثمن فوجب حينئذ إجباره على تسليمه
فلا بد إذن مما قلناه، هذا آخر كلام شيخنا رحمه الله.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: لو عكس عاكس على شيخنا استدلاله في قوله: إن
الثمن إنما يستحق على المبيع، فيقول له: وكذلك أن المبيع إنما يستحق على الثمن وفي مقابلته
لأنهما عوضان كل منهما يستحق في مقابلة صاحبه فلا فرق بينهما فلأي شئ يجبر أحدهما على
تسليم ما يستحق عليه في مقابلة ما يستحقه قبل صاحبه؟ فإذا لم يكن على ذلك دليل من إجماع
أصحابنا ولا وردت له بذلك أخبار لا آحادا ولا متواترا فيرجع في ذلك إلى الدليل، وهو أن يجبر
الحاكم كل واحد منهما على تسليم ما قبله في مقابلة ما يستحقه معا معا ولا يجبر أولا أحدهما قبل
صاحبه أو يستعمل في ذلك القرعة، لأنه داخل في قولهم ع: القرعة في كل أمر
339

مشكل، والأول أقوى.
باب السلف:
وهو السلم - بفتح السين واللام - في جميع المبيعات.
السلم بيع موصوف في الذمة إلى أجل محروس من الزيادة والنقصان أما بالشهور
والأيام أو السنين والأعوام. ومن شرط صحته قبض الأثمان قبل التفرق من المجلس
بخلاف بيع الأعيان.
فالسلف على هذا جائز في جميع المبيعات التي تضبط بالصفات إذا جمع شروطا، أحدها
تمييز الجنس من غيره من الأجناس وتجديده بالوصف وضبطه بالصفة التي يمتاز بها من
جنسه وتبينه من غيره وذكر الأجل المحروس على ما قدمناه وقبض الثمن قبل التفرق من
المجلس وتقدير المبيع إن كان مكيلا أو موزونا بمكيال وصنجة بالصاد معلومين عند العامة،
فإن قدراه بمكيل أو صخرة لم يجز لأن ذلك مجهول في حال العقد، فإن عينا مكيال رجل
بعينه وهو مكيال معروف أو عينا صنجة رجل بعينه وهي صنجة معروفة جاز السلم فيه،
ولا يتعين ذلك المكيال ولا تلك الصنجة لكن يتعلق بجنس مثل ذلك المكيال أو مثل تلك
الصنجة لأن الغرض في قدره لا عينه، فإذا جمع الشروط المقدم ذكرها جميعا صح البيع.
وكل شئ لا يتحدد بالوصف ولا يمكن ذلك فيه لا يصح السلف فيه، ولا يجوز أن
يكون ذكر الأجل بما لا يتعين مثل قدوم الحاج ودخول القوافل وإدراك الغلات وهبوب
الرياح وما يجري مجرى ذلك.
وإذا أسلف الانسان في شئ من الثياب ينبغي أن يعين جنسها ويذكر وصفها من
طولها وعرضها وغلظها ودقتها ولونها، فإن أخل بشئ من ذلك كان العقد باطلا. ولا يجوز
أن يذكر في الثوب نساجة انسان بعينه أو غزل امرأة بعينها، فإن اشتراه كذلك كان البيع
باطلا. وإذا أسلف في طعام أو شئ من الغلات فليذكر جنسه ويعين صفته على
ما قدمناه، فإن لم يذكر ذلك لم يصح البيع وكان باطلا. ولا يذكر أن تكون الغلة من أرض
340

بعينها أو من قرية مخصوصة فإن اشتراه كذلك لم يصح الشراء وكان باطلا ولم يكن البيع
مضمونا لأنه إذا اشترى الحنطة مثلا من أرض بعينها ولم تخرج الأرض الحنطة لم يلزم البائع
أكثر من رد الثمن، ومتى اشتراه ولم ينسبه إلى أرض بعينها كان لازما في ذمته إلى أن يخرج
منه.
ولا بأس أن يسلف الانسان في شئ وإن لم يكن للمستسلف شئ من ذلك غير أنه
إذا حضر الوقت اشتراه ووفاه إياه بخلاف بيوع الأعيان لأن السلف في الذمة فيجوز بيعه
وإن لم يكن مالكا له، وأما بيوع الأعيان فلا يجوز بيعها إلا بعد ملكها لأنها إذا هلكت قبل
التسليم بطل العقد لأن العقد وقع على عين فانتقاله إلى عين أخرى يحتاج إلى دليل، وأما
بيوع الذمم فما وقع على عين بل على ما في ذمة البائع فافترق الأمران، وقد قلنا لا يجوز السلف
فيما لا يتحدد بالوصف مثل الخبز واللحم وروايا الماء.
فأما السلف في الماء نفسه أرطالا إذا ضبطه بالوصف فلا بأس به، وإنما منع أصحابنا
من السلف في الخبز واللحم وروايا الماء لاختلافها في الكبر والصغر فإنها لا تضبط
بالتحديد، فإن حددها براوية معلومة لا يصح ذلك لأن السلف في الذمة وربما هلكت تلك
الروايا فيبطل السلف. كما قلنا في المكيل والموزون لا يجوز أن يقدر بمكتل - والمكتل بالتاء
المنقطة من فوقها بنقطتين الزبيل - ولا صخرة بل بالمكاييل العامة والصنج المعروفة عند
العامة وليس كذلك روايا الماء ولأن الخبز واللحم لا يمكن تحديده بوصف لا يختلط به سواه.
ولا بأس بالسلم في الحيوان كله إذا ذكر الجنس والأوصاف والأسنان من الإبل
والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير والرقيق وغير ذلك من أجناس الحيوان،
قال شيخنا في مبسوطه: وإذا أسلم في اللبن وصفه بأوصاف السمن ويزيد فيه ذكر المراعي
ويقول: لبن عواد أو أوارك أو حمضية وذلك اسم الكلأ، والحمضة الذي فيه الملوحة،
والعوادي فهي الإبل التي ترعى ما حلا من النبات وهو الخلة فتقول العرب: الخلة خبز الإبل
والحمض فاكهتها، فإذا كانت الإبل ترعى الخلة سميت عوادي وإذا كانت ترعى في الحمض
تسمى أوارك وتسمى حمضية، إلى هاهنا كلام شيخنا.
341

قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: قال الجوهري في كتاب الصحاح: لأراك شجر من
الحمض الواحدة أراكة وأركت الإبل تارك أروكا إذا رعت الأراك. وقال: أركت أيضا إذا
أقامت في الأراك وهو الحمض فهي آركة. قال كثير:
فإن الذي ينوي من المال أهلها أوارك لما تأتلف وعوادي.
يقول: إن أهل عزة ينوون ألا يجتمع هو وهي ويكونان كالأوارك من الإبل والعوادي في ترك
الاجتماع في مكان، هذا آخر قول الجوهري.
فمعنى قول شيخنا: أوارك جمع، آركة وهي التي ترعى الحمض وهو الأراك المقيمة فيه
واشتقاقها من ذلك. والعوادي الإبل التي تأكل الخلة بضم الخاء وهو ما حلا من النبت
واحدها عادية وجمعها عوادي والشاهد على ذلك بيت كثير المقدم ذكره. يقال: لا تأتلف الإبل
الأوارك والعوادي لاختلافها في المرعى.
فإذا أسلم الانسان في شئ مما ذكرناه ثم حل الأجل ولم يكن عند البائع ما يوفيه إياه
جاز له أن يأخذ منه رأس المال من غير زيادة عليه، فإن أعطاه البائع مالا وجعل إليه أن
يشترى له ما كان باعه إياه ووكله في ذلك ثم بعد ذلك وكله في قبضه وأمره بقبضه لنفسه لم
يكن به بأس، والأفضل أن يتولى ذلك غيره. وإن حضر الأجل وقال البائع: خذ مني
قيمته الآن جاز له أن يأخذ منه في الحال ماله ما لم يزد ثمنه على ما كان أعطاه إياه، فإن زاد
على ذلك لم يجز بيعه إياه هذا إذا باعه بمثل ما كان اشتراه من النقد، فإن اختلف النقدان
بأن يكون قد اشتراه بالدراهم والدنانير وباعه في الحال بشئ من العروض والمتاع أو
الغلات أو الرقيق والحيوان لم يكن بذلك بأس، وإن كان لو قوم ما يعطيه في الحال زاد على
ما كان أعطاه إياه،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقال غيره من أصحابنا: يجوز له أن يبيعه من الذي هو
عليه إذا حضر الأجل وحل بمثل ما باعه إياه وأكثر منه وأقل إذا عين الثمن وقبضه قبل التفرق
من المجلس لئلا يصير بيع دين بدين سواء كان من جنس الثمن الأول أو من غير جنسه، وهذا هو
الصحيح من الأقوال.
342

والذي تقتضيه أصول المذهب لأنه باع حنطة مثلا أو شعيرا أو ثيابا أو حيوانا بدراهم أو دنانير ولم
يبع دنانير بدنانير بأزيد منها وأكثر لأنه بلا خلاف بيننا ما يستحق في ذمة المسلم إليه إلا المسلم
فيه دون الدنانير التي هي الأثمان مما يبيعه إلا المسلم فيه دون الثمن الأول، لأن الثمن الأول
ما يستحقه بل الذي يستحقه هو السلعة المسلم فيها بغير خلاف، فإذا كان كذلك فله أن يبيعها
بما شاء من الأثمان ويلزم من ذهب إلى القول الأول من أصحابنا أنه ما يستحق عليه إلا الثمن
دون المثمن فيعقد معه ويبيعه ذهبا بذهب ولا خلاف أنه لا يستحق عليه ذهبا. وأيضا فإنه يهرب
من الربا والربا يكون في الجنس الواحد بعضه ببعض وزيادة وهذا بيع جنس غيره وهذا ليس
هو ربا، وأيضا فإن الله تعالى قال: وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع بلا خلاف فمن أبطله
يحتاج إلى دليل وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد في مقنعته، وأيضا فلا ترجع في فساد هذا البيع
إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا مع أنه قد ورد أخبار بصحة البيع معارضة لتلك
الأخبار.
وكلام شيخنا في مقنعته هو، أن قال: ومن ابتاع من انسان متاعا غير حاضر إلى أجل ثم باعه منه
قبل حلول الأجل بزيادة أو نقصان كان بيعه باطلا، وإن جاء الأجل لم يكن بأس ببيعه إياه
بأقل مما ابتاعه منه أو أكثر سواء حضر المتاع أو لم يحضر، هذا آخر كلام شيخنا المفيد رحمه الله
تعالى.
وقال أيضا في جواب المسائل التي سأله عنها محمد بن محمد بن الرملي الحائري وهي مشهورة
معروفة عند الأصحاب.
سؤال: عن رجل سلف رجلا مالا على غلة فلم يقدر عليها المستسلف فرجع إلى رأس المال وقد
تغير عيار المال إلى النقصان هل له أن يأخذ من العيار الوافي أو العيار الذي قد حضره وهو دون
الأول؟
جواب: لصاحب السلف أن يأخذ من المستسلف غلة كما سلفه على ذلك ويكلفه ابتياع ذلك
له، فإن لم يوجد غلة كان له بقيمة الغلة في الوقت عين أو ورق، هذا آخر كلام الشيخ المفيد وهو
الصحيح.
343

وكذلك من باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما سواء
زاد على طعامه الذي باعه إياه أو نقص، لأن ذلك بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام فلا
يحتاج إلى اعتبار المثلية.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة فلما حل
الأجل أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا، أخذ مثله فإن زاد عليه لم يجز، وقال الشافعي: يجوز على
القول المشهور ولم يفصل، وبه قال بعض أصحابنا. وقال مالك: لا يجوز، ولم يفصل دليلنا إجماع
الفرقة وأخبارهم، لأن ذلك يؤدي إلى بيع طعام بطعام فالتفاضل فيه لا يجوز. والقول الآخر
الذي لأصحابنا قوي وذلك أنه بيع طعام بدراهم في القفيزين معا لا بيع طعام بطعام فلا يحتاج
إلى اعتبار المثلية، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر.
فانظر أرشدك الله إلى استدلال شيخنا فإنه قال وأقر أن بعض أصحابنا يذهب في المسألة إلى
خلاف ما اختاره رحمه الله ثم استدل بإجماع الفرقة إلا أنه عاد في آخر الاستدلال إلى الحق ورجع
عما صدره ونقض ما بناه أولا ولم ينقض ما استدل به آخرا.
وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه الاستبصار في الجزء الثالث في كتاب البيوع باب
العينة، وأورد أخبارا فيها ذكر العينة.
قال محمد بن إدريس: العينة - بالعين غير المعجمة المكسورة والياء المنقطة بنقطتين من تحتها
المسكنة والنون المفتوحة والهاء - وهي السلف عند أهل اللغة، ذكر ذلك الجوهري في الصحاح
وابن فارس في المجمل. فأحببت إيضاحها لئلا يجري فيها تصحيف.
ولا يجوز السلم في جلود الغنم، لأنها لا يمكن ضبطها بالوصف،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بالسلم في مسوك الغنم - وأراد بمسوك الغنم جلود
الغنم، لأن المسك بفتح الميم وسكون السين الجلد - إذا عين الغنم وشوهد الجلود ولم يجز ذلك
مجهولا.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح ولا مستقيم من وجوه:
أحدها: أنه لا يمكن ضبطها بالوصف لاختلاف ذلك وتباينه.
344

والثاني: قوله: إذا شوهد الجلود وعين الغنم، لأن السلم يكون في ذمة البائع بحيث يكون مضمونا
عليه ولا يجوز أن يكون معينا في سلعة بعينها أو ينسب إلى شجرة بعينها أو غزل امرأة معينة أو
الحنطة من أرض معينة، وإذا عين الغنم وشوهد الجلود بطل السلف بغير خلاف لأن الغنم إذا
هلكت بطل السلم، ولهذا لا يجوز السلم في الدور لأن ذلك البيع لا بد له من الوصف الذي يتميز
به من غيره، فإذا عين الموضع ووصفها بطل السلف فيها لأنها تصير بيع الأعيان والسلم بيع
الذمم.
وقد رجع شيخنا عما ذكره في نهايته في مبسوطه فقال: ويجوز السلف في جلود الغنم إذا شاهدها،
وروي: أنه لا يجوز وهو الأحوط لأنه مختلف الخلقة واللون ولا يمكن ضبطه بالصفة لاختلاف
خلقته ولا يمكن ذرعه ولا يجوز وزنه لأنه يكون ثقيلا وثمنه أقل من ثمن الخفيف قال رحمه الله:
وعلى هذا لا يجوز السلف في الرق.
قال محمد بن إدريس: الرق - بفتح الراء - جلود تعمل يكتب فيها ولا فيما يتخذ من الجلود من
فلع ونعال مقدودة محذوة وخفاف وغير ذلك لاختلاف خلقة الجلد ولا يمكن ضبطه بالصفة.
ويجوز السلف في القرطاس إذا ضبط بالصفة كما يضبط الثياب، هذا آخر كلامه رحمه الله في
مبسوطه.
وقال شيخنا أبو جعفر أيضا في مبسوطه: العلس صنف من الحنطة تكون فيه حبتان في كمام
فيترك كذلك لأنه أبقى له حتى يراد استعمالها فيلقى في رحاء ضعيفة فيلقى عنه كمامه ويصير
حبا.
قال محمد بن إدريس: العلس بالعين غير المعجمة المفتوحة واللام المفتوحة والسين غير المعجمة.
ثم قال رحمه الله: والقول فيه كالقول في الحنطة في كمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه
كمامه لاختلاف الكمام، وكذلك القول في القطنية لا يجوز أن يسلف في شئ منها إلا بعد طرح
كمامها عنها حتى يرى، ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا، وكل صنف
منها على حدته وهكذا كل صنف من الحبوب يوصف كما توصف الحنطة بطرح كمامها دون
قشوره لأنه لا يجوز أن يباع بكمامه.
345

قال محمد بن إدريس: القطنية - بكسر القاف وسكون الطاء غير المعجمة وكسر النون -
وسميت قطنية لأنها تقطن في البيوت وهي العدس والحمص وأمثال ذلك، فأما الجلبان بالجيم
المضمومة واللام المسكنة والباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة والألف والنون فهو شئ يشبه
الماش، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح. فأما الجلجلان فهو السمسم بغير خلاف بين
أهل اللغة. وقال بعضهم: إنه الكزبرة.
ولا بأس بالسلف في الفواكه كلها إذا ذكر جنسها ولم ينسب إلى شجرة بعينها، ولا
بأس بالسلف في الشيرج والبزر إذا لم يذكر أن يكون من سمسم بعينه أو حب كتان بعينه
فإن ذكر ذلك كان البيع باطلا، ولا بأس بالسلف في الألبان والسمون إذا ذكر أجناسها.
ومتى أعطى الانسان غيره قرضا دراهم أو دنانير أو كان له عليه دين من ثمن مبيع أو
أرش جناية أو مهر أو أجرة وغير ذلك وأخذ منه شيئا من المتاع ولم يساعره في حال ما أعطاه
المال كان عليه المتاع بسعر يوم قبضه دون يوم قبض المال.
ولا يجوز أن يبيع الانسان ماله على غيره في أجل لم يكن قد حضر وقته وإنما يجوز له بيعه
إذا حل الأجل، فإذا حضر جاز له أن يبيع على الذي عليه بزيادة من الثمن الذي اشتراه به
أو نقصان،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: أو على غيره من الناس، وإن باع على غيره وأحال عليه بالمتاع
كان ذلك جائزا وإن لم يقبض هو المتاع، ويكون قبض المبتاع الثاني قبضا عنه وذلك فيما لا يكال
ولا يوزن، ويكره ذلك فيما يدخله الكيل والوزن فإن وكل المبتاع منه بقبضه ويكون هو ضامنا لم
يكن بذلك بأس على حال.
قال محمد بن إدريس: قد حررنا القول في بيع الدين وقلنا: إنه لا يجوز إلا على من هو عليه،
وشرحناه وأوضحناه في باب الديون بما لا طائل في إعادته.
ولا بأس أن يبتاع الانسان ما اكتاله غيره من الناس ويصدقه في قوله لأن الإخبار من
البائع بالوزن أو الكيل يقوم مقام الوزن والكيل في ارتفاع الجهالة بالمكيل والموزون، ويكون
القول في ذلك قول المشتري لأنه جعله أمينه في كيله ووزنه، فأما إذا كاله بحضوره ووزنه
346

بحضوره ثم انفصلا فادعى بعد ذلك المشتري نقصانا، فالقول قول البائع مع يمينه بخلاف
الأول. وقد روي: أنه إذا أخذه بقول البائع ثم أراد بيعه لم يبعه إلا بالكيل، ولو قلنا: إنه إذا
أخبر بما أخبر به البائع الأول لم يكن به بأس وجاز البيع، ويكون القول قول المشتري في ذلك
مثل المسألة الأولى لأن الغرر والجهالة قد زالت بإخباره عن خبر البائع بكيله أو بوزنه.
وكل ما يكال أو يوزن فلا يجوز بيعه جزافا وكذلك ما يباع عددا فلا يجوز بيعه جزافا،
وإذا اشترى الانسان شيئا بالكيل والوزن وغيره فزاد أو نقص منه شئ يسير لا يكون مثله
غلطا ولا تعديا لم يكن به بأس، فإن زاد ذلك أو نقص شيئا كثيرا ولا يكون مثله إلا غلطا أو
تعمدا أو تعديا وجب عليه رده على صاحبه ما زاد، وكان فيما نقص بالخيار في محاكمة خصمه
إن شاء طالبه وإن شاء ترك محاكمته.
ومن أسلم في متاع موصوف ثم أخذ دون ما وصف برضا منه كان ذلك جائزا، وكذلك
إن أعطى فوق ما وصف برضا من الذي باعه لم يكن به بأس، فإن طلب البائع على الجودة
عوضا لا يجوز له أخذه لأن الجودة صفة لا يجوز إفرادها بالبيع.
ولا بأس بالسلف في الصوف والشعر والوبر إذا ذكر الوزن فيه والجودة والصفات التي
يمتاز بها من غيره.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أسلف في الغنم وشرط معه أصواف نعجات بعينها كائنا
ما كان لم يكن به بأس.
قال محمد بن إدريس: إن جعل في جملة السلف أصواف النعجات المعينة فلا يجوز السلف في
المعين على ما مضى شرحنا له، وبيع الصوف على ظهر الغنم أيضا لا يجوز سواء كان سلفا أو بيوع
الأعيان، وإنما هي رواية أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
ولا يجوز أن يسلف السمسم بالشيرج ولا حب الكتان بدهنه،
وقال شيخنا في نهايته: ولا الكتان بالبزر، ومقصوده بذلك ما ذكرناه لأنه حذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه وذلك كثير في كلام العرب، وإلا إن أراد الكتان الذي هو الشعر الذي
يغزل فلا بأس بأن يسلفه بالبزر بغير خلاف.
347

ولا بأس بالسلف في جنسين مختلفين كالحنطة والشعير عند من جعلهما جنسين أو
كالحنطة والأرز والتمر والزبيب والمروي والحرير،
قال محمد بن إدريس المروي ثياب منسوبة إلى مرو، يقال لمن يعقل في النسبة إلى مرو مروزي
وما لا يعقل من الثياب وغيرها مروي بإسقاط الزاي فهذا الفرق بينهما، فلأجل ذلك قال
الشارع: المروي والحرير.
وما أشبه ذلك من الأنواع المختلفة الأجناس بعد أن يذكر المبيع ويميز بالوصف.
قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب البيوع مسألة: إذا انقطع المسلم
فيه لم ينفسخ البيع ويبقى في الذمة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما أنه ينفسخ والآخر له الخيار إن
شاء رضي بتأخيره إلى قابل وإن شاء فسخه، دليلنا أن هذا عقد ثابت وفسخه يحتاج إلى دليل
وليس في الشرع ما يدل عليه، هذا آخر المسألة.
وقال رحمه الله أيضا في الجزء الثاني من كتاب السلم مسألة: إذا أسلم في رطب إلى أجل فلما
حل الأجل لم يتمكن من مطالبته لغيبة المسلم إليه أو غيبته أو هرب منه أو توارى من سلطان وما
أشبه ذلك ثم قدر عليه وقد انقطع الرطب كان المسلف بالخيار بين أن يفسخ العقد وبين أن
يصير إلى عام القابل.
قال محمد بن إدريس: والمسألة الأولى القول فيها هو الصحيح دون الأخيرة لأن الأخيرة اختيار
شيخنا رحمه الله فيها أحد قولي الشافعي. دليلنا: أن العقد لا ينفسخ ولا يكون للمشتري الخيار في
الفسخ ما دل عليه رحمه الله وهو أن العقد ثابت بالإجماع، وقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وفسخه
يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه.
ويجوز السلف في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت المحل. المسلم لا يكون
مؤجلا على ما قدمنا بيانه قصر الأجل أو طال. ولا يصح أن يكون حالا.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا كان المسلم مؤجلا فلا بد من ذكر موضع التسليم فإن
كان في حمله مؤونة لا بد من ذكره.
قال محمد بن إدريس: لم يذهب إلى هذا أحد من أصحابنا ولا ورد به خبر عن أئمتنا
348

ع وإنما هذا أحد قولي الشافعي اختاره شيخنا أبو جعفر رحمه الله، ألا تراه في استدلاله
لم يتعرض بإجماع الفرقة ولا أورد خبرا في ذلك لا من طريقنا ولا من طريقة المخالف، وليس من
شرط صحة السلم ذكر موضع التسليم بغير خلاف بين أصحابنا، والأصل براءة الذمة. وقوله
تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع، وقوله: أوفوا بالعقود، وهذا عقد.
يجوز السلم في الأثمان من الدنانير والدراهم إذا كان رأس المال من غير جنسهما مثل
الثياب والحيوان وغيرهما.
الإقالة فسخ في عقد المتعاقدين وليست ببيع، إذا أقاله بأكثر من الثمن أو بأقل كانت
الإقالة فاسدة، دليلنا أن كل من قال بأن الإقالة فسخ على كل حال قال بهذه المسألة
فالفرق بين الأمرين خارج عن الاجماع.
لا يجوز السلف في الجوز والبيض والرمان والبطيخ والبقول كلها إلا وزنا.
إذا أسلم مائة درهم في كر طعام وشرط أن يجعل خمسين درهما في الحال وخمسين إلى
أجل وعجل خمسين وفارقه لم يصح السلم في الجميع، وإن شرط خمسين نقدا وخمسين كانت
دينا في ذمة المسلم إليه فإنه لا يصح في الدين ويصح في النقد، لأنه يكون بيع دين بدين
ونهى الرسول ع عن بيع الدين بالدين.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: يجوز السلف في الزأووق وهو الزئبق. وقال: يجوز السلف
في النقل وهو الأحجار الصغار. وقال: يجوز السلف في الفضة، الفضة الحصى الصغار وهي
الجص.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: الزأووق بالزاء المعجمة المفتوحة بهمزة فوق
الألف وواوين بعد الألف والقاف. والنقل بالنون المفتوحة والقاف المفتوحة واللام. والقضة
بالقاف المكسورة والضاد المعجمة المفتوحة المشددة، ضبطت ذلك لئلا يقع تصحيف.
إذا اختلفا في قدر المبيع أو قدر رأس المال وهو الثمن أو في الأجل أو في قدره كان القول
قول البائع مع يمينه إلا في الثمن فإن القول قول المشتري مع يمينه، فإن قيل: فقد قلتم إذا
اختلف البائع والمشتري في الثمن كان القول قول البائع، فكيف قلتم هاهنا القول قول
المشتري؟ قلنا: القول قول البائع في الثمن إذا كانت بيوع الأعيان وكانت العين قائمة غير
349

تالفة، فأما بيوع السلم فالأعيان في الذمم غير موجودة بل هي معدومة فافترق الأمران.
ولا يجوز السلف في العقار لأنهما إذا أطلقا الوصف من غير تعيين لم يجز لأنه يختلف
باختلاف الأماكن والقرب من البلد والبعد منه وإن عين المنفعة لم يجز لأنه إن قيل: من
القرية الفلانية، اختلف باختلاف أماكنه، وإن عين أرضا بعينها لا يصح لأن بيع العين
بصفة لا يجوز ولا يصح.
إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه، فإن كان على صفته وبعد حلول الأجل لزم المشتري
قبوله لأنه أتى بما تناوله العقد، فإن امتنع قيل له: إما أن تقبله وإما أن تبرئه منه، لأن
للإنسان غرضا في تبرئة ذمته من حق غيره وليس له أن يبقيه في ذمته بغير اختياره، وبراؤه
يحصل بقبض ما عليه أو إبراؤه منه فأيهما فعل جاز. وإن امتنع قبضه الإمام أو النائب عنه
عن المسلم إليه وتركه في بيت المال إلى أن يختار قبضه ويبرأ المسلم إليه منه، ولم يجز للحاكم
إبراؤه منه بالإسقاط عن ذمته، لأن الإبراء لا يملك بالولاية وقبض الحق يملك بالولاية.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: ويجوز السلف في القثاء والخيار والبطيخ والفجل والجزر
والفواكه كلها من الرمان والسفرجل والفرسك.
قال محمد بن إدريس: الفرسك بالفاء المسكورة والراء المسكنة غير المعجمة والسين غير المعجمة
المكسورة والكاف وهو الخوخ.
وفي البقول كلها، ولا يجوز جميع ذلك إلا وزنا ولا يجوز عددا لأن فيه صغيرا وكبيرا، وكل
ما أنبتته الأرض لا يجوز السلف فيه إلا وزنا إلا ما خرج بالدليل من المكيل.
قال شيخنا في المبسوط: يجوز السلف في الزأووق، بالزاء المعجمة والألف وواوين وقاف،
وذكر جواز السلم في السقمونيا، وذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه أيضا الإهليلج والبليلج
والسقمونيا ونحو ذلك من العقاقير فيه الربا لأنه من الموزون.
قال محمد بن إدريس: الإهليلج أو البليلج من أخلاط من عقاقير الأدوية والسقمونيا لبن شجرة
يسيل منها سيلا.
وذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب السلم في صفات الإبل والسلم فيها: ويستحب أن
350

يذكر بريئا من العيوب ويسمى ذلك غير مؤدن.
قال محمد بن إدريس: المؤدن - بالميم المضمومة والواو الساكنة والدال المفتوحة غير المعجمة
والنون - هو الضاوي بالضاد المعجمة.
وذكر أيضا رحمه الله في آجال السلف والمجهول أن يقول: إلى الحصاد أو إلى الدياس. ثم قال: ولا
يجوز إلى فصح النصارى ولا إلى شئ من أعياد أهل الذمة مثل الشعانين والفطير.
قال محمد بن إدريس: فصح النصارى - بالفاء والصاد غير المعجمة والحاء غير المعجمة مكسورة
الفاء مسكن الصاد - وهذا العيد عند النصارى إذا أكلوا اللحم بعد صومهم وأفطروا، وهذا
العيد بعد عيد الشعانين بثلاثة أيام. قال المبرد في كتاب الاشتقاق: سمعت التوزي وسئل عن
فصح النصارى فقال قائل: إنما أخذ من قولهم أفصح اللبن إذا ذهبت رغوته وخلص فإنما معناه
أنه قد ذهب عناؤهم وصومهم وحصلوا على حقيقة ما كانوا عليه، فقال: هو هذا.
والفصح كلام عربي من ذلك رجل فصيح، وقد أفصح إذا بين، وأفصح الصبح إذا تبين. قال
الشاعر وهو حسان:
قد دنا الفصح فالولائد ينظمن سراعا أكلة المرجان.
يقول ذلك لآل الحارث بن أبي شمر الغساني وهم نصارى.
باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز:
قد قدمنا أن ما يباع كيلا أو وزنا فلا يجوز بيعه جزافا فإن بيع كذلك كان البيع باطلا.
وكلما يباع كيلا، فلا يجوز بيع الجنس منه ببعضه ببعض وزنا لأنا أخذ علينا التساوي
فيما يباع كيلا بالمكيال، فإذا بيع بالوزن ربما رد إلى الكيل فيزيد أحدهما على الآخر فيؤدى
إلى الربا، فإن بيع بغير جنسه جاز بيعه وزنا. فأما ما يباع وزنا فلا يجوز بيعه كيلا سواء بيع
بجنسه أو بغير جنسه بغير خلاف، فإن كان ما يباع وزنا يتعذر وزنه جاز أن يكال ثم يعير
مكيال منه ويؤخذ الباقي على ذلك الحساب، وكذلك ما يباع بالعدد لا يجوز بيعه جزافا فإن
تعذر العدد فيه وزن منه مكيال وعد وأخذ الباقي على حسابه.
351

ولا يجوز أن يباع اللبن في الضروع فمن أراد بيع ذلك حلب منه شيئا واشتراه مع ما بقي
في الضروع في الحال أو مدة من الزمان على ما رواه أصحابنا، وإن جعل معه عرضا آخر كان
أحوط.
وقد روي: أنه لا بأس أن يعطي الانسان الغنم والبقر بالضريبة مدة من الزمان بشئ من
الدراهم والدنانير والسمن، وإعطاؤه ذلك بالذهب والفضة أجود في الاحتياط. ويمكن أن يعمل
بهذه الرواية على بعض الوجوه وهو أنه يحلب بعض اللبن ويبيعه مع ما في الضروع مدة من الزمان
على ما وردت بمثله الأخبار، أو يجعل عوض اللبن شيئا من العروض ويبيعه مع ما في الضروع
مدة من الزمان، لأن الإجارة لا تصح هاهنا، لأن الإجارة استحقاق منافع السلعة المستأجرة
دون استحقاق أعيان منها.
والأقوى عندي المنع من ذلك كله لأنه غرر وبيع مجهول، والرسول ع نهى عن بيع
الغرر، فمن أثبت ذلك عقدا شرعيا يحتاج إلى دليل شرعي والذي ورد فيه أخبار آحاد شذاذ وقد
بينا أن أخبار الآحاد عند أصحابنا لا توجب علما ولا عملا والواجب على المفتي الرجوع في
صحة الفتوى إلى الأدلة القاطعة.
ولا يجوز أن يبيع الانسان أصواف الغنم وشعرها على ظهورها فإن أراد بيعها جعل معها
شيئا آخر،
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: يجوز ذلك إذا كان مشاهدا، والأول قول شيخنا أبي جعفر.
والأظهر عندي قول شيخنا المفيد رحمه الله لأنه غير موزون ما دام على ظهور الغنم، وإنما يصير
موزونا إذا فارقها فلو حرمنا بيعه قبل مفارقتها لحرمنا علينا بيع ثمرة جميع الأشجار ما عدا النخل
قبل مفارقتها للشجر.
وكذلك لا يجوز أن يبيع ما في بطون الأنعام والأغنام من الحيوان، فإن أراد بيع ذلك
جعل معه شيئا آخر ليسلم من الغرر، فإن لم يكن ما في البطون حاصلا كان الثمن في
الآخر،
على ما روي في الأخبار من طريق الآحاد. والأولى عندي ترك العمل بذلك أجمع لأنه غرر
352

وجزاف منهي عنهما. وقد روي: أنه من اشترى أصواف الغنم مع ما في بطونها في عقد واحد كان
البيع صحيحا ماضيا. والأولى ترك العمل بهذه الرواية لأنها زيادة غرر إلى غرر.
ولا يجوز أن يبتاع الانسان من الصياد ما يضرب بشبكته لأن ذلك مجهول، ولا بأس أن
يشترى الانسان أو يتقبل بشئ معلوم جزية رؤوس أهل الذمة وخراج الأرضين وثمرة
الأشجار وما في الآجام من السموك، إذا كان قد أدرك شئ من هذه الأجناس وكان
البيع في عقد واحد لأنه يؤمن من الغرر على ما رواه بعض أصحابنا. ولا يجوز ذلك ما لم
يدرك شئ من هذه الأجناس،
أورد ذلك شيخنا في نهايته في باب الغرر، والأولى عندي ترك العمل بذلك، لأن هذا بيع مجهول
ولا يرجع في مثل هذا إلى أخبار آحاد.
وروي: أنه لا بأس أن يشترى الانسان تبن البيدر لكل كر من الطعام تبنه - يعني تبن الكر
فالهاء ضمير الكر - بشئ معلوم وإن لم يكل بعد الطعام. أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في
نهايته في باب الغرر، والأولى ترك العمل بها لأنه شراء مجهول ومبيع غير معلوم وقت العقد،
والبيع يحتاج في صحته إلى أن يكون معلوم المقدار وقت العقد عليه وهذا غير معلوم ولا محصل،
فالبيع باطل لأنه لا فرق بين ذلك وبين من قال: بعتك هذه الصبرة الطعام كل قفيز بدينار، ولم
يخبركم فيها وقت البيع والعقد ولا كالها ذلك الوقت ويكون العقد والصحة موقوفا على كيلها
فإذا كالها صح البيع المقدم، وهذا باطل بالإجماع.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا اشترى انسان من غيره شيئا من القصب أطنانا معروفة ولم يتسلمها
غير أنه شاهدها فهلك القصب قبل أن يقبض كان من مال البائع دون المبتاع، قال شيخنا: لأن
الذي اشترى منه في ذمته.
قال محمد بن إدريس: هذا البيع ما هو في الذمة بل بيع عين مرئية مشاهدة فكيف يكون في
الذمة؟ وأيضا لو كان في الذمة طالبه بعوضه وببدله. فأما قوله رحمه الله: كان من مال البائع
دون المبتاع، فصحيح إذا لم يمكنه البائع المبتاع من قبضه فأما إذا مكنه من قبضه ولم يقبضه
وتركه عند بائعه بعد أن مكنه من قبضه فإنه يهلك من المبتاع دون البائع فليلحظ ذلك فهذا تحرير
353

الفتيا. ولا يجوز بيع ما في الآجام من السمك لأن ذلك مجهول، فإن كان فيها شئ من
القصب فاشتراه واشترى معه ما فيها من السموك لم يكن به بأس، وكذلك إن أخذ شيئا من
السمك وباعه إياه مع ما في الأجمة كان البيع ماضيا، لأنه يؤمن مع ذلك الغرر،
على ما روي والاحتياط عندي ترك العمل بهذه الرواية فإنها من شواذ الأخبار، لأن المعلوم إذا أضيف إلى المجهول والمجهول إذا
أضيف إلى المعلوم صير ذلك المعلوم مجهولا، وهذه كلها أخبار
آحاد يوردونها في أبواب الغرر وبيع المجازفة فلا يترك الأصول ويرجع إليها بل لا يعرج عليها.
وروي: أنه لا بأس أن يندر لظروف السمن والزيت وغيرهما شئ معلوم إذا كان
ذلك معتادا بين التجار ويكون مما يزيد تارة وينقص أخرى ولا يكون مما يزيد ولا ينقص
فإن كان مما يزيد ولا ينقص لم يجز ذلك على حال.
ومن وجد عنده سرقة كان غارما لها إن هلكت ويرجع على من باعه إياها إذا أتى ببينة
أنه اشتراها منه، ومتى اشتراها مع العلم بأنها سرقة كان لصاحب السرقة أخذها ولم يكن
للمشتري الرجوع على البائع بالثمن لأنه ما غره بل أعطاه الثمن بلا عوض، لأنه يعلم أن
السرقة لا يملكها السارق فقد ضيع الثمن بدفعه إليه، وإن لم يعلم أنها سرقة كان له الرجوع
على بائعها إذا كان موجودا بالثمن وبما غرمه عليها وأنفقه إذا لم يحصل له في مقابلة ذلك
نفع، فإن كان قد مات رجع على ورثته بذلك إن كان قد خلف في أيديهم بقدر ذلك فإن
لم يترك شيئا فلا سبيل له على الورثة بحال.
ولا يجوز أن يشترى من الظالم شيئا يعلم أنه ظلم بعينه وانفراده ولم يكن مأخوذا على
جهة الخراج والزكاة. ولا بأس أن يشترى منه إذا لم يعلم الشئ بعينه وانفراده ظلما وغصبا
وإن علم أن بائعه ظالم وترك ذلك أفضل.
ولا بأس بشراء ما يأخذه السلطان الظالم من الغلات والثمرات والأنعام على جهة
الخراج والزكاة على ما قدمناه وإن كان الآخذ له غير مستحق لذلك.
ومن غصب غيره متاعا وباعه من غيره ثم وجده صاحب المتاع عند المشتري كان له
354

انتزاعه من يده، فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع كان المغصوب منه مخيرا في الرجوع على
من شاء منهما، فإن رجع على الغاصب رجع عليه بأكثر القيم إلى يوم الهلاك، وإن رجع على
المشتري رجع عليه بأكثر قيمته من وقت شرائه إلى وقت هلاكه، ويرجع المشتري على
الغاصب بما غرمه من المنافع التي لم يحصل له في مقابلها نفع إلا أن يكون المشتري علم أنه
مغصوب واشتراه فتلزمه القيمة وغيرها لصاحبه، ولا درك له على الغاصب من رجوع
بالثمن ولا غيره لأنه ما غره بل دخل مع العلم، فإن اختلف في قيمة المتاع كان القول قول
الغارم، لأنه الجاحد لزيادة القيمة المدعاة وصاحب السلعة هو المدعي.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته
يوم غصبه إياه. وهذا القول غير واضح والمعتمد على ما قلناه. وقال أيضا رحمه الله: فإن اختلف
في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه، وقد قلنا ما عندنا في ذلك.
وقال أيضا رحمه الله: ومتى أمضى المغصوب منه البيع لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع وكان
له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن فيه وهذا على مذهب من يقول من باع ملك غيره بغير
إذنه يكون العقد موقوفا على إجازة صاحبه.
وقد قلنا ما عندنا في ذلك وسطرنا أن شيخنا أبا جعفر رجع عما ذهب إليه في نهايته في مسائل
خلافه.
ومتى ابتاع بيعا فاسدا فهلك المبيع في يده أو حدث فيه فساد كان ضامنا لقيمته أكثر
ما كانت إلى يوم التلف والهلاك ولأرش ما نقص من قيمته بفساده، لأنه باق على ملك
صاحبه ما انتقل عنه فهو عند أصحابنا بمنزلة الشئ المغصوب إلا في ارتفاع الإثم بإمساكه.
ولا بأس أن يشترط الانسان على البائع فيما يشتريه منه شيئا من أفعاله إذا كانت
مقدورا له، فأما إذا لم يكن مقدورا له فلا يجوز اشتراطها، فما هو في مقدوره: مثل أن يشتري
ثوبا على أن يقصره أو يخيطه وما أشبه ذلك و كان البيع ماضيا ويلزمه ما شرطه له بغير خلاف
في ذلك عند أصحابنا وإجماعهم الحجة على صحة ذلك، وأما ما ليس في مقدوره: مثل أن
يبيع الزرع على أن يجعله سنبلا والرطب على أن يجعله تمرا فإن باع ذلك بشرط أن يدعه في
355

الأرض أو الشجر إلى وقت بلوغه وإدراكه أو ما يريد المبتاع كان المبيع صحيحا والشرط
لازما، وإن باع ذلك مطلقا من الاشتراط يجب على البائع تبقيته إلى أوان الحصاد والصرام.
ولا بأس أن يبيع الانسان ثوبا منشورا ويستثني منه نصفه أو ثلثه وما أراد منه من
الأذرع لأن ذلك استثناء معلوم من معلوم، ولا بد من نشر الثوب عند البيع بحيث ينظر
المشتري طوله وعرضه ولا يحتاج مع نشره إلى ذرعه، فإن لم ينشره فلا بد من الإخبار بذرعه
وذكر صفته لأنه غير مرئي فيكون بيع خيار الرؤية. وقد قلنا فيما مضى أنه لا يجوز أن يبيع
متاعا بدينار غير درهم، لأنه مجهول
وقد بينا من أين كان مجهولا فلا وجه لإعادته.
ولا بأس أن يبيع الجوارح التي تصلح للصيد من الطير والسباع من الوحش وكذلك
لا بأس ببيع ما يحل بيع جلده من سائر السباع، وقد قدمنا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا.
ولا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها وغيرها من الآلات، ولا بأس باستعمال
ما يعمل منها. ولا يشترى الانسان الجلود إلا ممن يثق من جهته أنه لا يبيع إلا ذكيا فإن
اشتراها ممن لا يثق به فلا بأس بذلك ما لم يعلم أنها غير ذكية، وكذلك لا بأس بابتياعها
من أسواق بلدان المسلمين. ولا بأس ببيع الخشب
ممن يتخذه ملاهي وكذلك بيع العنب ممن يجعله خمرا فإنه مكروه وليس بحرام ويكون الإثم على من يجعله كذلك لا على بائعه
واجتناب ذلك أفضل فأما إن اشترط البائع على المبتاع بأن يجعله خمرا أو عقدا على ذلك
مشترطا ومقرونا بالعقد فهذا حرام.
وكذلك الحكم في من يبيع شيئا يعصي الله به من قتل مؤمن أو قطع طريق وما أشبه
ذلك،
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: بيع العصير لمن يجعله خمرا مطلقا مكروه وليس بفاسد وبيعه لمن
يعلم أنه يجعله خمرا حرام ولا يبطل البيع لما روي عنه ع أنه لعن الخمر وبائعها، وكذلك
الحكم في من يبيع شيئا يعصي الله به من قتل مؤمن أو قطع طريق وما أشبه ذلك، هذا آخر كلام
شيخنا في مبسوطه. وهذا الذي يقوى عندي لأن العقد لا دليل على بطلانه لقوله عز وجل: أوفوا
بالعقود، وليس انضمام هذا الشرط الفاسد الباطل إليه مما يفسده بل يبطل الشرط ويصح
356

العقد. ومن اشترى من انسان ماله فإن كان ما هو حلال فالبيع حلال طلق بكسر الطاء، وإن
كان ما هو حرام فالبيع باطل لأنه يشتري ما لا يملكه، وإن كان مختلطا، لا يتميز له فالبيع
صحيح إلا أنه مكروه.
ويكره استعمال الصور والتماثيل التي هي على صور الحيوان فأما صور الأشجار
وغيرها مما لا يكون على صور الحيوان فلا بأس. وقد روي: أنه لا كراهة في ذلك إذا استعمله
مستعمله في الفرش وما يوطأ بالأرجل.
ولا بأس ببيع الحرير والديباج وأنواع الإبريسم، والفرق بين
الديباج والحرير هو أن الديباج ما
كان من الحرير مدبجا منقوشا موشوا والحرير بخلاف ذلك، ولا يجوز لبسه إذا كان محضا بهما غير مختلط بالنسبة في شئ يجوز
الصلاة فيه للرجال خاصة، ولا يجوز أيضا الصلاة فيه لهم إلا ما كان مختلطا حسب ما قدمناه فيما مضى من كتاب الصلاة.
وقال شيخنا في نهايته: ولا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب الصيد خاصة فإنه لا بأس ببيعه
والانتفاع بثمنه. وقد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا: إن بيع كلب الزرع وكلب الحائط وكلب
الماشية أيضا جائز ودليلنا على موافقة شيخنا في غير كتاب النهاية، وإنما أورد في النهاية ألفاظ
الأحاديث إيرادا آحادا ومتواترة ولم يحرر فيها شيئا لما اعتذر به لنفسه في خطبة مبسوطه.
وأهل الذمة سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا إذا باعوا ما لا يجوز للمسلم بيعه من
الخمر والخنزير وغير ذلك ثم أسلم كان له المطالبة بالثمن وكان حلالا له، وإذا أسلم وفي
ملكه شئ من ذلك لم يجز له بيعه على حال.
وقد روي: أنه إن كان عليه دين جاز أن يتولى بيع ذلك غيره ممن ليس بمسلم ويقضي بذلك
دينه ولا يجوز له أن يتولاه بنفسه ولا أن يتولى عنه غيره من المسلمين.
والذي يقتضيه أصول مذهبنا ترك العمل بهذه الرواية الضعيفة، لأنها مخالفة للأدلة القاهرة وهو
أن ثمن الخمر حرام على المسلمين ولأنها عندنا غير مملوكة ولا يجوز قضاء الدين بمال حرام وأيضا
فيد الوكيل يد موكله.
357

ومن غصب غيره مالا واشترى به جارية كان الفرج له حلالا وعليه وزر المال، ولا
يجوز له أن يحج به فإن حج به لم يجزئه عن حجة الاسلام،
هكذا روي في بعض الأخبار وأورده شيخنا أبو جعفر في نهايته. والذي أقوله في ذلك: إنه إن
كان اشترى الجارية بعين المال المغصوب فالشراء باطل ولا يجوز له وطء هذه الجارية ولا يصح
له التصرف فيها بحال، وإن كان الشراء وقع بمال في ذمته كان ذلك صحيحا وحل له وطء
الجارية، لأن الشراء وقع في الذمة لا بالعين المغصوبة. وشيخنا أبو جعفر رجع عما ذهب إليه في
نهايته وأورده لأن ذلك خبر واحد - أورده إيرادا لا اعتقادا - راويه السكوني وهو مخالف عامي
المذهب. فقال شيخنا: جواب في مسألة سئل عنها من جملة المسائل الحائريات المنسوبة إلى
أبي الفرج بن الرملي فقال السائل: وعن رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع
الطريق أو من سرقة هل تحل له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج
الذي قد اشتراه بمال من سرقة أو قطع الطريق؟ وهل يجوز لأحد أن يشتري من هذه الضيعة
وهذا الخادم وقد علم أنه اشتراه بمال حرام؟ وهل يطيب لمشتري هذه الضيعة أو هذا الخادم أو هو
حرام تعرفنا ذلك؟ فقال: الجواب إن كان الشراء وقع بعين ذلك المال كان باطلا ولم يصح
جميع ذلك وإن كان الشراء وقع بمال في ذمته كان الشراء صحيحا وقبضه ذلك المال فاسدا وحل
وطء الجارية وغلة الأرض والشجر، لأن ثمن الأرض في ذمته، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر
الطوسي رحمه الله وآخر جوابه للسائل وهو الحق الواضح.
فأما الحج بهذا المال، فإن كانت حجة الاسلام لم يجب عليه قبل ذلك ولا استقرت في ذمته، ثم
حج بهذا المال الحرام ووجد بعد ذلك القدرة على الحج بالمال الحلال وحصلت له شرائط وجوب
الحج فإن حجته الأولى بالمال الحرام لم تجزئه والواجب عليه الحج ثانيا، فأما إن كان الحج وجب
عليه واستقر في ذمته قبل غصب المال ثم حج بذلك المال فالحجة مجزئة عنه لأنه قد حصل
بالمواضع وفعل أفعال الحج بنفسه، إلا الهدي إن كان اشتراه بعين المال المغصوب فلا يجزئه عن
هديه الواجب عليه ووجب عليه شراء هدي أو الصوم بدلا منه عند تعذر القدرة عليه إلا أنه
لا يفسد عليه حجه، لأن الهدي ليس بركن.
358

وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختياره عن غير إفساد له، كالأدهان
الطيبة المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلاوات والحموضات، فقد روي: أنه لا يجوز
بيعه بغير اختباره، فإن بيع من غير اختيار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان فيه بالخيار،
فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس.
وهذه الرواية يمكن العمل بها على بعض الوجوه، وهو أن البائع لم يصفه فإذا لم يصفه يكون البيع
غير صحيح، لأنه ما يعرف بمشاهدته طعمه فلا بد من وصفه، فأما إذا وصفه وضبطه بالوصف
فالبيع صحيح ويعتبر فيه ما اعتبرناه في بيع خيار الرؤية في المرئيات، لأنه لا يمكن معرفته بالرؤية
بل بالطعم، فإن وجد طعمه أو ريحه كما وصف البائع له فلا خيار له، وإن وجده بخلاف وصف
بائعه كان بالخيار ولا دليل على بطلان هذا العقد، لأن الله تعالى قال: أوفوا بالعقود، وقال
تعالى: أحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع. ويمكن أن يقال: إن بيع العين المشاهدة المرئية
لا يجوز أن يكون موصوفا لأنه غير غائب فيباع بيع خيار الرؤية بالوصف فإذن لا بد من شمه
وذوقه، لأنه حاضر مشاهد غير غائب فيحتاج إلى الوصف، فهذا وجه قوي.
وما لا يمكن اختباره إلا بإفساده وإهلاكه، كالبيض والبطيخ والقثاء والرمان وأشباه
ذلك، فابتياعه جائز مطلقا وشرط الصحة أو البراءة من العيوب، فإن اشتراه مطلقا أو شرط
الصحة ثم كسره المبتاع، فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا،
وليس له رد الجميع واسترجاع الثمن فيما قد تصرف فيه، ولا له رد المعيب دون ما سواه، وله
رد الجميع إذا لم يتصرف في جميع المبيع وقامت له بذلك بينة. فأما إذا تصرف في ذلك
فليس له رده.
وإجماع أصحابنا أن المشتري متى تصرف في المبيع ثم وجد العيب فليس له الرد وله
الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وكيفية ذلك هو أن يقوم ما بين قيمته صحيحا وقشره
صحيح وبين كونه فاسدا وقشره صحيح، فما يثبت يرجع بمقداره من الثمن ولا يقوم
مكسورا، لأن الكسر نقص حدث في يد المشتري فلا يرجع بجنايته وحدثه على غيره، هذا
فيما كان لفاسده ومكسوره بعد كسره قيمة. فأما إذا لم يكن لفاسده ومكسوره قيمة بعد
359

كسره مثل بيض الدجاج إذا كان فاسدا فإن كان هكذا فالبيع باطل، لأنه لا يجوز بيع ما
لا قيمة له. وعلى هذا لا يجوز بيع الحشرات مثل الخنافس والجعلان وبنات وردان والذباب
وغير ذلك ومتى أتلفه متلف فلا ضمان عليه، لأنه لا قيمة له.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا
وإن شاء رد الجميع واسترجع الثمن وليس له رد المعيب دون ما سواه، وأطلق الكلام في ذلك
إطلاقا على لفظ الخبر الذي أورده والتحرير والفتيا على ما حررناه، فإنه رحمه الله رجع وحرر ذلك
في مبسوطه.
ولا بأس بابتياع الأعمى وشرائه وحكمه فيما ذكرناه حكم البصراء سواء. ولا بأس أن
يبتاع الانسان من غيره شيئا متاعا أو حيوانا أو غير ذلك بالنقد والنسيئة، ويشرط أن يسلفه
البائع شيئا في مبيع أو يستسلف منه في شئ أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض
منه، وإذا ابتاع على ذلك كان البيع صحيحا ووجب عليهما الوفاء بما اشترطا فيه، لأنه شرط
لا يخالف الكتاب والسنة فلا مانع يمنع من ذلك لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم،
وقوله: الشرط جائز بين المسلمين، وقد أبي ذلك كثير من مخالفي مذهب أهل البيت
ع بغير حجة ولا برهان.
وإذا ابتاع الانسان أرضا فبنى فيها أو غرس وأنفق عليها فاستحقها عليه انسان آخر كان
للمستحق قلع البناء والغرس وأجرتها مدة ما كانت في يده، ويرجع المبتاع على البائع إن
كان غره بقيمته ما ذهب منه وغرمه وأنفق عليها، فإن كان ما غرسه قد أثمر وأينع فالثمرة
والزرع لصاحب الغرس والبذر ولصاحب الأرض قلعه لقوله ع: الزرع لمن زرعه
وإن كان غاصبا، المراد به نماؤه. وقوله ع في قلعه: ليس لعرق ظالم حق.
وقد روي في بعض الأخبار أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته: أنه إن
كان ما غرسه قد أثمر كان ذلك لرب الأرض وعليه للغارس ما أنفقه وأجر مثله في عمله، وهذا غير واضح ولا مستقيم
لأنه مناف لأصول المذهب ولما عليه كافة المسلمين، لأن نفس الغراس ملك للغارس فكيف
يستحقها رب الأرض ومن أي وجه صارت له؟ وأي دليل دل على ذلك؟ ولا نرجع في ذلك
360

إلى سواد مسطور أو خبر واحد من أضعف أخبار الآحاد إن كان قد ورد وتترك الأدلة القاهرة
والأصول الممهدة من أدلة العقل وأدلة السمع، ولقد شاهدت جماعة من أصحابنا الذين
عاصرتهم يخبطون في ذلك خبط عشواء وكل منهم يقول قولا غير محصل ليصححوا ما ليس بصحيح
كأنهم قد وجدوه مسطورا في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالحمد
لله على التوفيق لإصابة الحق.
فإن فسدت الأرض بالغرس كان لربها عليه أرش ما فسد ويرجع هو على البائع له
بذلك.
ومن كان له على غيره مال أو متاع إلى أجل فدفعه إليه قبل حلول الأجل، كان بالخيار
بين قبضه وتركه إلى وقت حلول الأجل وكان ذلك في ضمان المديون عليه، وليس لأحد أن
يجبره على قبضه قبل أجله. وإذا كان له على غيره مال بأجل فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان
فأجابه إلى ذلك، كان بالخيار إن شاء أمضى الأجل الثاني وإن شاء لم يمضه بغير خلاف بين
أصحابنا فيه، لأنه بمنزلة الهبة الغير مقبوضة فللإنسان أن يرجع فيها.
ومتى تقايل المتبايعان البيع انفسخ العقد فإن عقداه بعد الإقالة بأجل لم يكن للبائع
الرجوع فيه ووجب عليه الوفاء به بخلاف تلك المسألة المتقدمة، والفرق بينهما أن تلك
كانت بأجل وحل الأجل ثم سأل التأخير في الأجل بعد حلوله واستحقاقه فأجيب إلى
ذلك فللمجيب الرجوع في هبته، والمسألة الأخيرة بعد فسخ البيع وعقده ثانيا إلى أجل ثان
لا يجوز الرجوع فيه، لأنه ما حل ثم أجله بعد ذلك لأن هذا الأجل أجل أول مستحق على
البائع بالشرط القابل للعوض الذي هو المبيع فلا يجوز له الرجوع فيه، لأنه غير متبرع به
فافترق الأمران.
ولا يصح بيع بإكراه ولا يثبت إلا باختيار صاحبه وإيثاره.
وإذا باع الانسان ملكا لغيره والمالك حاضر فسكت ولم يطالب ولا أنكر
ذلك لم يكن ذلك دلالة على إجازته البيع ووكالته فيه ولا دليلا على أنه ليس المبيع ملكا له، وكذلك إن
صالح عليه مصالح وهو ساكت لم يمض الصلح عليه وكان له المطالبة به وانتزاعه.
361

وبيع الأب على الابن إذا كان كبيرا مكلفا غير مولى عليه غير ماض ولا جائز بل باطل
فإن كان صغيرا أو كبيرا غير مكلف جاز بيعه عليه وصح، لأنه وليه والناظر في أموره
بخلاف العاقل المكلف لأنه ولي نفسه.
إذا باع مجهولا ومعلوما بطل البيع فيهما معا لأنه لا يمكن التوصل إلى ما يقسط في مقابلته،
وقد قلنا فيما مضى: إنه إذا باع ما يملك وما لا يملك في عقد واحد أو شاة وخنزيرا في عقد واحد
صح البيع في أحدهما وبطل في الآخر، لأنه يقسط الثمن عليهما ويمكن التوصل إلى الحصة في ثمن
المملوك منهما، لأن الثمن يتقسط عليهما بالقيمة والحصة، فإذا قلنا: إنه يمسك بما يتقسط عليه من
الثمن مما يتقسط على القيمة كالعبدين والثوبين قسط عليهما، وما يتقسط على الأجزاء
كالحبوب والأدهان فإنه يمسكه بحصته من غير تقويم ولا تقسيط، لأن ذلك
متساوي الأجزاء فهو متساوي القيم. وإذا قال: بعتك هذه الدار وآجرتك هذه الدار الأخرى بألف كان صحيحا،
لأنه لا مانع منه. فإذا قلنا: البيع والإجارة صحيحان فإنه يأخذ كل واحد حصته من الثمن
الذي هو العوض في مقابلتهما بقيمة المبيع وأجرة مثل الدار، وهكذا اعتبار التقسيط في جميع
ما قدمناه من بيع السلعتين فليلحظ ذلك.
إذا باع الانسان بهيمة أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه كان جائزا فإن استثنى
يدها أو رجلها أو عضوا منها كان الاستثناء باطلا،
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في باب بيع الغرر: وإن باع بهيمة أو جارية حاملا واستثنى
حملها لنفسه لم يجز لأن الحمل يجري مجرى عضو من أعضائها. وقال رضي الله عنه أيضا: وإن باع
جارية حبلى بولد حر لم يجز لأن الحمل يكون مستثنى وهذا يمنع صحة البيع، وما قدمناه من صحة
استثناء الحمل للبائع هو الصحيح الذي لا خلاف فيه بين أصحابنا أن الحمل بمجرد العقد من
الحامل للبائع، فكيف إذا اشترطه إلا أن يشترطه المشتري وهذا قول شيخنا في نهايته وجميع
كتبه إلا فيما أشرنا إليه لكون هذا الكتاب يجمع مذهب المخالف له ويذكر فيه مذهبنا ومذهب
غيرنا، وما ذكره فيه مذهب الشافعي لأن في أحد قوليه: إن الحمل لا يتقسط الثمن عليه ويجريه
مجرى عضو من أعضاء الحامل، ومذهبنا بغير خلاف بيننا يخالف مذهب الشافعي في هذه
362

المسألة. وابن البراج من أصحابنا نظر هذه المسألة في المبسوط فظنها اعتقاد شيخنا أبي جعفر
فنقلها إلى جواهر الفقه كتاب له وعمل بها واختارها تقليدا لما وجده من المسطور المذكور، وما
أستجمل لهذا الشيخ الفقيه مع جلالة قدره مثل هذا الغلط والتقليد لما يجده في الكتب ويضمنه
كتبه، وهذا قلة تحصيل منه لما يقوله ويودعه تصانيفه، وإنما ذكرت هذه المسألة عنه على غثاثها
لشهرتها عند من يقف على جواهر الفقه وإنها عندهم كالصحيح من القول فذكرتها دالا على
عوارها.
بزر دود القز يجوز بيعه ولا دليل على حظره وكذلك دوده لأنه مرجو نفعه بخلاف غيره
من الدود لأنه لا نفع فيه فلا يجوز بيعه، ويجوز أيضا بيع زنابير العسل وهو النحل إذا رآها وقد
اجتمعت في بيتها وحبسها فيه حتى لا يمكنها أن تطير جاز بيعها حينئذ ولا يجوز بيعها وهي
تطير في الهواء، وكذلك لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
وإذا استأجر أرضا ليزرعها أو كانت له أرض مملوكة فدخل الماء إليها والسمك، كان
المالك والمستأجر أحق به لأن غيره لا يجوز أن يتخطى في الأرض المستأجرة، فإن تخطى فيها
أجنبي وأخذه ملكه بالأخذ لأن الصيد لمن اصطاده، وكذلك إن عشش في دار انسان أو في
أرضه طائر وفرخ فيها أو دخل ضبي في أرضه كان صاحب الأرض والدار أحق به، فإن
خالف أجنبي وتخطى فأخذه كان أحق به لأنه ملكه بالأخذ والاصطياد.
إذا طفرت سمكة فوقعت في زورق انسان فأخذها بعض الركاب كانت له دون
صاحب الزورق لما قدمناه. وإذا نصب شبكة فوقع فيها طائر كان للناصب وإن أخذه غيره
وجب عليه رده عليه لأنه في حكم الآخذ له.
ونهى النبي ع عن بيعتين في بيعة، وقيل: إنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون المراد أنه إذا قال: بعتك هذا الشئ بألف درهم نقدا وبألفين
نسيئة بأيهما شئت خذه، فإن هذا لا يجوز لأن الثمن غير معين وذلك يفسد البيع. كما إذا
قال: بعتك هذا العبد أو هذا العبد أيهما شئت فخذه، لم يجز.
والآخر: أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف درهم،
363

فهذا أيضا لا يصح لأنه لا يلزمه بيع داره ولا يجوز أن يثبت في ذمته لأن السلف في بيع الدار
لا يصح على ما قدمناه في باب السلم.
باب أجرة السمسار والدلال والناقد والمنادي:
أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع لأن عليه توفية المتاع وتسليمه إلى المشتري ولا
يقدر إلا بالوزن في الموزون والكيل في المكيل فيجب عليه ذلك، لأن كل ما لا يتم الواجب
إلا به فهو واجب مثله. وقد قلنا: إن التسليم واجب على البائع ولا يتم التسليم إلا بالوزن
والكيل وإفراده من جنسه بهما.
وأجرة الناقد للثمن ووزانه على المبتاع لأن عليه توفية المال على الكمال، لما قدمناه من
الدلالة في أجرة وزن المتاع وكيله فلا وجه لإعادة ذلك.
ومن نصب نفسه لبيع الأمتعة كان له أجرة البيع على البائع الذي هو موكله دون
المبتاع، ومن كان منتصبا للشراء كان أجره على المبتاع الذي هو موكله دون البائع، فإن
كان ممن يبيع ويشترى للناس كان له أجرة ما يبيع من جهة البائع إن كان وكيلا له
وأجرة على ما يشتري من جهة المبتاع لأنه وكيله في عقد الشراء بالقبول، ولا يجوز له أن يأخذ
على سلعة واحدة أجرين من البائع والمشتري لأن العقد لا يكون إلا بين اثنين لأنه يحتاج إلى
إيجاب وقبول، بل يأخذ الأجرة ممن يكون عاقدا له وكيلا له إما في الإيجاب وإما في القبول
فليلحظ ذلك.
ولا يظن ظان على شيخنا أبي جعفر فيما ذكره في نهايته في قوله: فإن كان ممن يبيع ويشترى
للناس كان له أجرة على ما يبيع من جهة البائع وأجرة على ما يشترى من جهة المبتاع، أن المراد
بذلك في سلعة واحدة يستحق أجرين وإنما المراد بذلك أن من كان ذلك صنعته يبيع تارة
للناس ويشترى لهم تارة فيكون له أجرة على من يبيع له في السلعة المبتاعة، فإن اشترى للناس
سلعة غيرها كان له أجرة على من اشترى له تلك السلعة: لا أنه يشترى سلعة واحدة ويبيعها في
عقد واحد، لأن المشتري غير البائع والبائع غير المشتري وإنما مقصود شيخنا ما نبهنا عليه فليتأمل
364

ذلك.
وإذا دفع الانسان إلى السمسار متاعا ولم يأمره ببيعه فباعه كان البيع باطلا.
وقال شيخنا في نهايته: كان بالخيار بين إمضاء البيع وبين فسخه. وهذا على مذهب من قال:
إن من باع ملك غيره بغير إذنه يكون البيع موقوفا على اختيار صاحبه. وقد بينا فساد ذلك
وحكينا: أن شيخنا أبا جعفر رجع عن ذلك في مسائل خلافه وهو الحق اليقين.
فإن أمره ببيعه ولم يذكر له لا نقدا ولا نسيئة فباع نسيئة كان البيع باطلا.
ومن قال بالأول قال: كان صاحب السلعة بالخيار، والصحيح ما اخترناه لأنه بيع غير مأمور به
بل منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي.
وكذلك إن قال: بعها نقدا فباعها نسيئة كان الحكم في ذلك ما ذكرناه والخلاف
ما صورناه.
فإن قال له: بعها نسيئة بدراهم معلومة، فباعها نقدا بدون ذلك كان على ما ذكرناه
والخلاف فيه ما حكيناه.
وإذا اختلف الواسطة وصاحب المتاع فقال الواسطة: قلت لي بعه بكذا وكذا، وقال
صاحب المتاع: بل قلت بعه بكذا، أكثر من الذي قال ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه
كان القول في ذلك قوله صاحب المتاع مع يمينه، وله أن يأخذ المتاع إن وجده بعينه وإن
كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلك كان صاحبه مخيرا بين أن يرجع على أيهما شاء
بقيمته أكثر ما كانت إلى يوم الهلاك، فإن رجع على الواسطة لم يكن للواسطة أن يرجع
على المشتري، لأنه يقول: صاحبه ظلمني، وكيف يرجع بالظلم على غير الظالم؟
فأما إن رجع على المشتري فللمشتري أن يرجع على الواسطة بمنافعه التي ضمنها التي لم
يحصل له في مقابلتها نفع.
فأما الثمن فلا يرجع عليه به لأن الإتلاف حصل في يده، فإن اختلف في القيمة كان
القول قول الجاحد لزيادة ما اتفقا عليه وهو الواسطة، أو المشتري وصاحبه يدعي أكثر من
ذلك فعليه البينة لقوله ع المتفق عليه: على الجاحد اليمين وعلى المدعي البينة.
365

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلك ضمن الواسطة من
الثمن ما حلف عليه صاحب المتاع. وهذا غير واضح لأن صاحب المتاع المدعي للزيادة والمدعي
عليه البينة ولا يكون القول قوله في ذلك مع يمينه على ما دللنا عليه.
وإذا اختلفا في النقد كان القول قول صاحبه لأن الواسطة المدعي هاهنا وصاحبه
الجاحد المنكر فالقول قوله في ذلك مع يمينه.
ومتى هلك المتاع من عند الواسطة من غير تفريط من جهته كان من مال صاحبه ولم
يلزم الواسطة شئ لأنه أمين، فإن كان هلاكه بتفريط من جهة الواسطة كان ضامنا
لقيمته يوم تفريطه فيه، فإن اختلفا في التفريط كان على صاحب المتاع البينة أن الواسطة
فرط فيه، فإن عدمها فعليه اليمين بأنه لم يفرط في ذلك ولم يلزمه شئ.
وإذا قال الانسان لغيره: بع لي هذا المتاع، ولم يسم له ثمنا فباعه بفضل من قيمته كان
البيع ماضيا لأنه زاده خيرا والثمن على تمامه وكماله لصاحب المتاع، وإن باعه بأقل من
ثمنه كان البيع غير صحيح.
وقال شيخنا في نهايته: كان ضامنا لتمام القيمة حتى يسلمها إلى صاحب المتاع على الكمال، ولا
ضمان على الواسطة فيما يغلبه عليه ظالم، والدرك في جودة المال على المشتري وفي جودة المتاع
على بائعه دون الواسطة في الابتياع لأنه وكيل والوكيل لا درك عليه بل العهدة والدرك يرجع
على موكله في جميع ما يعاد من الاستدراكات والاستحقاقات. وهذا القول قول شيخنا أبي جعفر
في نهايته إلا أنه ذهب في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب الرهن، وقال مسألة: إذا باع
العدل الرهن بتوكيل الراهن وقبض الثمن وضاع في يده واستحق المبيع من يد المشتري فإنه
يرجع على الوكيل والوكيل يرجع على الراهن، وكذلك كل وكيل باع شيئا فاستحق وضاع
الثمن في يد الوكيل فإن المشتري يرجع على الوكيل، والوكيل على الموكل. وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي: في جميع هذه المسائل يرجع على الموكل دون الوكيل، إلا أنه رحمه الله رجع عن
هذا القول وعاد إلى ما ذهب إليه في نهايته في كتاب وقال في باب التفليس من الجزء الثاني
أيضا من مسائل خلافه فقال مسألة: إذا باع الوكيل على رجل ماله أو الولي مثل الأب والجد
366

والحاكم وأمينه والوصي ثم استحق المال على المشتري، فإن ضمان العهدة يجب على من بيع
عليه ماله، فإن كان حيا كان في ذمته وإن كان ميتا كانت العهدة في تركته. وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب على الوكيل. فاختار رحمه الله في تلك المسألة التي في كتاب
الرهن قول أبي حنيفة ثم اختار في هذه المسألة التي ذكرها في كتاب التفليس قول الشافعي ثم
دل عليه فقال: دليلنا أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على لزوم ذلك الوكيل وهؤلاء، فيجب
أن يلزم الموكل وإلا لم يكن من استحق عليه، هذا آخر كلامه رحمه الله وهو الذي اخترناه
ونصرناه لأن يد الوكيل هي يد موكله وقائمة مقامها ونائبة منابها.
باب ابتياع الحيوان وأحكامه: ق
د بينا أن الشرط في الحيوان كله. ثلاثة أيام يثبت الخيار فيها للمشتري خاصة دون
البائع على الصحيح من الأقوال، فإن حدث في هذه الثلاثة الأيام فيه حدث أو هلك عينه
كان من مال البائع دون المشتري ما لم يحدث فيه المشتري حدثا مؤذنا بالرضا، فإن أحدث
فيه حدثا كان ذلك مبطلا لخياره ولم يكن له بعد ذلك رده، فإن لم يحدث فيه حدثا إلا أنه
وجد فيه عيبا قبل عقدة البيع فله رده وأخذ ثمنه أو إمساكه وأخذ الأرش سواء مضت
الثلاثة الأيام أو لم تمض، فإن حدث في الثلاثة الأيام حدث ينضاف إلى الحدث المتقدم
على عقدة البيع فله رده ما لم يتصرف فيه أو إمساكه وأخذ أرش العيب المتقدم دون العيب
الحادث في الثلاثة الأيام، فإن حدث فيه بعد الثلاثة الأيام حدث ينضاف إلى الحدث
الذي قبل عقدة البيع لم يكن له رده وله أرش العيب المتقدم فحسب دون الرد، فإن لم يكن
فيه عيب متقدم ولا حدث فيه عيب في الثلاثة الأيام إلا أن المشتري تصرف فيه تصرفا
مؤذنا بالرضا قبل مضي الثلاثة الأيام بطل الرد، فإن لم يتصرف فيه بل مضت الثلاثة
الأيام وتقضت بطل أيضا الرد، إلا أن يجد فيه عيبا كان فيه قبل عقدة البيع ولم يكن قد
تصرف فيه لا في الثلاثة الأيام ولا بعدها فله أيضا الرد، إلا أن يحدث عيب بعد الثلاثة
الأيام ينضاف إلى العيب المتقدم فليس له الرد بل له أرش العيب المتقدم فحسب دون
367

الرد. ولا يصح أن يملك الانسان أحد والديه ولا واحدا من أولاده ذكرا كان أو أنثى ولا
واحدة من المحرمات عليه من جهة النسب مثل الأخت وبناتها وبنات الأخ والعمة والخالة.
ويصح أن يملك من الرجال ما عدا الوالد والولد من الأخ والعم والخال، ومتى حصل واحدة
من المحرمات اللاتي ذكرناهن في ملكه فإنهن ينعتقن في الحال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكل من ذكرناه ممن لا يصح ملكه من جهة النسب فكذلك
لا يصح ملكه من جهة الرضاع. والصحيح من المذهب أنه يصح أن يملكهن إذا كن أو كانوا من
جهة الرضاع، وهو مذهب شيخنا المفيد في مقنعته وهو الحق اليقين لأن الاجماع
على من اتفقنا على إعتاقه والأصل بقاء الرق وثبوته، فمن ادعى العتاق والخروج من الأملاك يحتاج إلى دليل
شرعي لأنه حكم شرعي.
وجملة الأمر وعقد الباب أن نقول: ذوو القربى من جهة النسب رجال ونساء.
فالرجال العمودان الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا، متى حصلوا في الملك انعتقوا في
الحال وخرجوا من الأملاك بغير اختيار المالك، وما عداهم من الرجال لا ينعتقون بل
يرقون.
فأما النساء فمن يحرم نكاحه على مالكها تنعتق على من ملكها من غير اختياره ورضاه
وما عداهن من النساء لا ينعتقن إلا باختياره ورضاه.
فأما الأقارب من جهة النسب رضاع وغيره فالصحيح من المذهب أنهم يملكون ولا
ينعتق واحد منهم إلا برضا مالكه واختياره رجالا كانوا أو نساء، ومتى ملك أحد الزوجين
زوجه بطل العقد بينهما في الحال، وكل من اشترى شيئا من الحيوان وكان حاملا من
الأناسي وغيره ولم يشترط الحمل كان ما في بطنه للبائع دون المبتاع بمجرد العقد فإن اشترط
المبتاع ذلك كان له.
وقد ذكرنا أن شيخنا أبا جعفر قال في مبسوطه: إن البائع لا يجوز له أن يشترط الحمل لأنه كعضو
من أعضاء الحامل. وكذلك قال ابن البراج في جواهر فقهه، وبينا: أن هذا مذهب الشافعي
368

لا اعتقاد شيخنا أبي جعفر لأنه يذكر في كتابه المشار إليه مذهبنا ومذهب غيرنا، فابن البراج ظن
أن اعتقاد شيخنا أبي جعفر ومذهبه فقلده ونقله وضمنه كتابه جواهر الفقه، وإنما قلنا ذلك لأن
إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم منعقد على أن بمجرد العقد يكون الحمل للبائع إلا أن يشترط
المبتاع، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في جميع تصنيفاته وكتبه ما عدا ما ذكرناه واعتذرنا له به
من ذكره مذهب المخالف لنا.
ولا يجوز أن يشتري الانسان عبدا آبقا على الانفراد فإن اشتراه لم ينعقد البيع،
وقال السيد المرتضى: إن كان بحيث يقدر عليه ويعلم موضعه جاز شراؤه منفردا، ولا يمنع مما
قاله رحمه الله مانع لأن الغرر زال وهو داخل في قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، فأما إذا
كان بحيث لا يقدر عليه فلا خلاف أنه لا يجوز بيعه منفردا إلا إذا اشتراه مع شئ آخر من متاع
أو غيره منضم إلى العقد فيكون العقد ماضيا والشراء صحيحا بغير خلاف أيضا، لأنه أمن الغرر
في ذلك.
ومن ابتاع عبدا أو أمة وكان لهما مال كان مالهما للبائع دون المبتاع، اللهم إلا أن
يشترط المبتاع ماله فيكون حينئذ له دون البائع سواء كان ما معه أكثر من ثمنه أو أقل منه،
هكذا أورده شيخنا في نهايته مطلقا، والأولى تحرير ذلك وتقيده وهو أن يقال: إن كان ما مع
العبد من جنس الثمن فلا تخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون أقل من الثمن أو مثله أو أكثر
منه، فإن كان ما معه أقل من الثمن كان البيع صحيحا. وإن كان مثله أو أكثر منه فالبيع غير
صحيح بغير خلاف لأنه ربا، مثلا: إذا كان مع العبد عشرون دينارا وباعه بعشرين دينارا أو
بتسعة عشر دينارا فالبيع باطل لأن هذا هو الربا المنهي عنه بغير خلاف. فأما إذا كان الثمن
من غير الجنس الذي مع العبد فالبيع صحيح لأنه أمن فيه الربا لاختلاف الجنس.
فليلحظ ذلك فإن شيخنا أبا جعفر حرره وقيده في مسائل خلافه فقال: مسألة: إذا كان مع العبد
مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح البيع فإن باعه بمائة درهم ودرهم صح، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي فيه قولان، دليلنا قوله تعالى: وأحل الله البيع، والمنع منه يحتاج إلى دليل، هذا آخر
كلام شيخنا في مسائل الخلاف.
369

ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان كما يصح ابتياعه جميعه، وكذلك يصح الشركة فيه، وإذا
ابتاع اثنان عبدا أو أمة ووجدا به عيبا وأراد أحدهما الأرش والآخر الرد لم يكن لهما إلا
واحدا منهما حسب ما يتراضيان عليه.
هكذا أورده وذهب إليه شيخنا في نهايته وذهب في مسائل خلافه إلى غير ذلك وقال: لمن أراد
الرد الرد ولمن أراد الإمساك الإمساك وأخذ أرش العيب، فقال مسألة: إذا اشترى
الشريكان عبدا بمال الشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه وكان لهما إمساكه، فإن أراد
أحدهما الرد والآخر الإمساك كان لهما ذلك، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إذا امتنع
أحدهما من الرد لم يكن للآخر أن يرده. دليلنا أن المنع من الرد بالعيب يحتاج إلى دليل
والأصل جوازه وليس هاهنا ما يدل على المنع منه وإلى هذا القول أيضا ذهب في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس: وإلى هذا أذهب وبه أفتي وأعمل، لأن منع الرد بالعيب يحتاج إلى دليل
ومع الرضا بالعقد وأخذ الأرش يحتاج إلى دليل، ولأن الملك بالعقد وقع لاثنين فهو بمنزلة
العقدين لأن البائع قد علم أنه يبيعه من اثنين، ومن منع من الرد قال: لأن القبول في العقد كان
واحدا كمل لو اشتراه لنفسه وحده، وهذا ليس بشئ لأنا قد بينا أنه لعاقدين لأنه بمنزلة
العقدين لأن شريكه وكله في الشراء فاشترى هو لنفسه ولشريكه ولا يرجع عن الأدلة القاهرة
بأخبار الآحاد إن كانت وردت.
ومن اشترى جارية لم يجز له وطؤها في القبل إلا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت
ممن تحيض وإن كانت ممن لا تحيض فخمسة وأربعين يوما وإن كانت آيسة من المحيض
ومثلها لا تحيض لم يكن عليها استبراء. ويجب على البائع أن يستبرئ الأمة قبل بيعها إذا
كان يطأها فإن لم يكن يطأها لم يجب عليه استبراء، ومتى استبرأها وكان عدلا مرضيا وأخبر
بذلك جاز للمبتاع أن يعول على قوله ولا يستبرئها على ما روي في بعض الأخبار، والواجب
على المشتري استبراؤها على كل حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام فلا يجوز
له وطؤها إلا بعد الاستبراء إلا إذا كانت في سن من لا تحيض من صغر أو كبر فلا استبراء عليها.
370

قال محمد بن إدريس: الذي رواه أصحابنا في تصانيفهم الخالية من فروع المخالفين وقياساتهم
ونطقت به أخبار الأئمة ع: أن الاستبراء لا يجب إلا على البائع والمشتري، ولم
يذكروا غير البائع والمشتري يجب عليهما الاستبراء، فأما من عداهما لم يروا فيه شيئا، والأصل
براءة الذمة من الأمور الشرعية بغير أدلة قاطعة للأعذار والتمسك بقوله تعالى: أو ما ملكت
أيمانكم، وهذه مما ملكت أيماننا إلا ما أخرجه الدليل القاطع من الأمة المشتراة إذا أراد
المشتري وطئها وأراد البائع بيعها وكان يطأها وبقي الباقي على حكم الآية والأصل، وإنما هذه
فروع أبي حنيفة والشافعي وغيرهما يوردها شيخنا في هذا الكتاب أعني مسائل خلافه ويقوى
عنده ما يقوى منها ويتحدث عليه معهم ولأجل هذا كثيرا ما يرجع عن أقواله معهم في غير ذلك
الموضع، فالأولى التمسك بأخبار أصحابنا المتواترة وتصانيفهم المجمع عليها الخالية من الفروع.
ومن اشترى من سوق المسلمين عبدا أو أمة فادعيا الحرية لم يلتفت إلى دعواهما إلا ببينة.
وتكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن وحد ذلك سبع
سنين أو ثمان سنين وليس ذلك بمحظور.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته في الجزء الثاني في باب ابتياع الحيوان: ولا يجوز التفرقة بين
الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن. ورجع عن ذلك وقال: بما اخترناه في كتاب
العتق في نهايته أيضا في الجزء الثاني فإنه قال: ويكره أن يفرق بين الولد وبين أمه وينبغي أن
يباعا جميعا وليس ذلك بمحظور. وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن الانسان مسلط على ملكه
يعمل به ما شاء، وما ورد في ذلك محمول على الكراهة دون الحظر.
ومتى اشترى جارية فأولدها ثم ظهر له أنها كانت مغصوبة لم يكن لبائعها انتزاعها من
يد المبتاع وقيمة الولد ومهر أمثالها وأجرة مثلها ما دامت في يده، وللمبتاع الرجوع على البائع
بما قبضه من ثمنها وغرمه عن قيمة ولدها وعن أجرتها إن كان لم يحصل له انتفاع واستخدام،
وليس له أن يرجع عليه بما غرمه عن وطئها لأنه حصل له بدل منه انتفاع ولذة واستمتاع.
وجملة الأمر وعقد الباب أن كل ما دخل على أنه له بعوض وهو قيمة الرقبة فإنه يرجع به
على البائع وهو الثمن، وكل ما دخل على أنه له بغير عوض فإن لم يحصل له في مقابلته نفع وهو
371

قيمة الولد رجع به على البائع، وإن حصل له في مقابلته نفع وهو مثل المهر في مقابلته
الاستمتاع لم يرجع به على البائع.
ولا بأس ببيع أمهات الأولاد بعد موت أولادهن على كل حال، ولا يجوز بيعهن مع
وجود أولادهن إلا في ثمن أرقابهن بأن يكون دينا على مولاها بأن يشتريها بثمن في ذمته أو
بأن يستدين ثمنا ويشتريها بعينه.
وإذا مات السيد وخلف أم ولد وولدها وأولادا جعلت في نصيب ولدها فإذا حصلت
من نصيبه انعتقت في الحال وإن لم يخلف الميت غيرها انعتقت بنصيب ولدها واستسعيت
فيما لباقي الورثة من غيرها.
ولا بأس أن يشترى الانسان ما يسبيه الظالمون إذا كانوا مستحقين للسبي، ولا بأس
بوطئ من هذه صفتها وإن كانت حقا للإمام لم يصل إليه لأن ذلك قد جعله لشيعته من ذلك
في حل وسعة لإجماع أصحابنا على ذلك. وفقه ذلك أن كل سرية غزت بغير إذن الإمام فما
غنمت من أهل الحرب فهو فئ جميعه لإمام المسلمين فلأجل هذا قلنا: وإن كانت حقا
للإمام.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بوطئ من هذه صفتها وإن كان فيه الخمس لمستحقيه
لم يصل إليهم لأن ذلك قد جعلوه لشيعتهم من ذلك في حل وسعة. وهذا ليس بواضح لأن هذا
السبي جميعه لإمام المسلمين على ما قررناه فمن أين فيه الخمس فحسب؟ وهذا لفظ الحديث
أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا على ما تكرر اعتذارنا له وعلى ما اعتذر هو لنفسه في خطبة مبسوطه.
ومن قال لغيره: اشتر حيوانا أو غيره بشركتي والربح بيني وبينك، فاشتراه ثم هلك
الحيوان كان الثمن بينهما كما لو زاد في ثمنه كان أيضا بينهما على ما
اشترطا عليه، فإن اشترط عليه أنه يكون له الربح إن ربح وليس عليه من الخسران شئ كان على ما اشترطا
عليه.
هكذا أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس: معنى أنه إذا قال لغيره: اشتر حيوانا بشركتي، المراد به انقد عني نصف
372

الثمن أو ما يختاره ويجعله قرضا عليه وإلا فما تصح الشركة إلا هكذا.
فأما قول شيخنا رحمه الله: فإن اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح وليس عليه من الخسران
شئ كان على ما اشترطا عليه، فليس بواضح ولا مستقيم لأنه مخالف لأصول المذهب لأن
الخسران على رؤوس الأموال بغير خلاف، فإذا شرطه أنه على واحد من الشريكين كان هذا
شرطا يخالف الكتاب والسنة، لأن السنة جعلت الخسران على قدر رؤوس الأموال، والوصي
والمتولي للنظر في أموال اليتامى لأنه ليس كل متول على أموال اليتامى وصيا وكل وصي على
أموالهم متول عليها. فلأجل هذا قلنا: والوصي والمتولي للنظر في أموال اليتامى لا بأس أن يبيع
من مالهم العبد والأمة إذا رأى ذلك صلاحا، ولا بأس لمن يشترى الجارية منه أن يطأها
ويستخدمها غير حرج في ذلك ولا آثم.
ولا بأس بشراء المماليك من الكفار إذا أقروا لهم بالعبودية أو قامت لهم البينة بذلك أو
كانت أيديهم عليهم.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بشراء المماليك من الكفار إذا أقروا لهم بالعبودية.
وهذا دليل الخطاب ولم ينف الشراء إذا قامت لهم بينة بالعبودية.
وإذا اشترى مملوكا فإنه يكره أن يرى ثمنه في الميزان لأنه لا يفلح على ما جاء في
الأخبار. وروي في بعض الأخبار: أن من اشترى من رجل عبدا وكان عند البائع عبدان
فقال للمبتاع: أذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الآخر. وقبض المال فذهب بهما المشتري
فأبق أحدهما من عنده فليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطى ويذهب في
طلب الغلام، فإن وجده اختار حينئذ أيهما شاء ورد النصف الذي أخذه وإن لم يجد كان
العبد بينهما نصفين.
أورد ذلك شيخنا في نهايته، وهذا خبر واحد لا يصح ولا يجوز العمل به، لأنه مخالف لما عليه الأمة
بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم وإجماعهم، لأن المبيع إذا كان
مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف. وقوله: يقبض نصف الثمن ويكون العبد الآبق منهما ويرد
الباقي من العبدين. فيه اضطراب كثير وخلل كبير إن كان الآبق الذي وقع عليه البيع فمن مال
373

مشتريه والثمن بكماله لبائعه، وإن كان الآبق غير من وقع عليه البيع والباقي الذي وقع عليه
البيع فلأي شئ يرده؟
وإنما أورد شيخنا هذا الخبر على ما جاء وبلفظه إيرادا لا اعتقادا، لأنه رجع عنه في مسائل خلافه
في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب السلم، فلو كان عنده صحيحا لما رجع عنه فقال
مسألة: إذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا أو أحد هؤلاء العبيد الثلاثة بكذا لم
يصح الشراء، وبه قال الشافعي. ثم قال: دليلنا أن هذا
بيع مجهول فيجب أن لا يصح بيعه ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين، ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع، وقد ذكرنا هذه
المسألة في كتاب البيوع وقلنا: إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فإن قلنا بذلك تبعنا فيه
الرواية ولم نقس غيرها عليها. هذا آخر المسألة وآخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله، ألا
ترى إلى إيراده الأدلة الكثيرة على بطلان ذلك ثم جعله رواية وإن كان من جهة أصحابنا لأن
أصحابنا قد رووا الآحاد والمتواتر، فلا يظن ظان بشيخنا أنه إذا وجد في كتبه أن هذا رواه
أصحابنا أن جميعهم رووه أو كلهم قائل به عامل عليه، لأن ذلك يكون إجماعا أو تواترا، وإنما
مقصوده أن هذا روي من جهة أصحابنا وطريقهم لا من جهة المخالفين وطرقهم.
وإذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطئها فإنه يدرأ عنه الحد، لأن
الحدود تدرأ بالشبهات، هذا إذا قال: اشتبه علي الحال فظننت أنه يحل لكل واحد منا
وطؤها. فأما إذا لم يقل ذلك ولم يشتبه عليه. ولا ادعاه بل علم أنه لا يجوز له وقال: أنا عالم
بذلك، فإنه يدرأ عنه من الحد بقدر ماله منها من الثمن ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة،
وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به ألزم
ثمنها الأول، وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك
الأكثر، وإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها ولا يلزمه إلا ثمنها الذي تساوى
في الحال.
هذا على ما روي في بعض الأخبار، أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، والأولى أن يقال:
لا يلزم الواطئ لها شيئا سوى الحد الذي ذكرناه على ما صورناه إلا أن تكون بكرا فيأخذ عذرتها
374

فيلزمه ما بين قيمتها بكرا وغير بكر ويسقط عنه ما يخصه من ذلك ويستحق الباقي باقي الشركاء،
فأما إن كانت غير بكر فلا يلزم ذلك هذا إذا لم يحبلها، فأما إذا أحبلها بولد فإنه يغرم ثمنها الذي
تساوي يوم جنايته عليها وثمن ولدها يوم يسقط حيا أن لو كان عبدا ويسقط من ذلك بمقدار
حصته من الثمنين، فإن كانت بكرا فعلى ما تقدم القول فيها لا يختلف الحكم فهذا تحرير هذه
الفتيا على ما يقتضيه أصول المذهب المقررة ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد لأنها لا توجب علما
ولا عملا ولا يترك لها الأدلة القاهرة والبراهين الواضحة الزاهرة.
والمملوكان إذا كانا مأذونين لهما في التجارة فاشترى كل واحد منهما صاحبه من مولاه،
فكل من سبق منهما بالبيع كان له البيع وكان الآخر مملوكا له، وإن اتفق أن يكون العقدان
في حالة واحدة كان العقد باطلا.
وقد روي: أنه يقرع بينهما فمن خرج اسمه كان البيع له ويكون الآخر مملوكه، وهذه الرواية
لا يمكن المصير إليها لأن القرعة تستعمل في الأشياء التي يجوز وقوع الصحة فيها وصحة أحدهما
وبطلان الحكم الآخر وهذا السؤال مبني على أنه وقع العقد في حالة واحدة وتحقق وتيقن
ذلك.
وقد روي: أنه تذرع الطريق. والأول من الأقوال هو الصحيح الذي يقوى في نفسي.
وقد روي: أنه إذا قال مملوك انسان لغيره: اشترني فإنك إذا اشتريتني كان لك علي دين شئ
معلوم، فاشتراه فإن كان المملوك في حال ما قال ذلك له مال لزمه أن يعطيه ما شرط له، وإن لم
يكن له مال في تلك الحال لم يكن عليه شئ على حال. وهذه رواية أوردها شيخنا في نهايته
إيرادا لا اعتقادا لأن العبد عندنا لا يملك شيئا لقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ،
فنفى تعالى أن يقدر العبد على شئ فلا يصح القول بذلك. فأما على قول بعض أصحابنا أنه
يملك فضل الضريبة وأروش الجنايات يصح ذلك. والصحيح من المذهب أنه لا يملك ذلك أيضا
للآية ولأن تملكه ذلك يحتاج إلى دليل، لأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
وإذا أراد الانسان شراء أمة جاز له أن ينظر إلى وجهها ومحاسنها نظرا من غير شهوة بل
نظرا للتقليب والرؤية بحالها ولا يجوز له ذلك وهو لا يريد شراءها على حال.
375

وإذا كان لإنسان جارية فجاءت بولد من الزنى جاز له بيعها وبيع الولد وتملكه فإنه
مملوك له، ويجوز له أن يحج بذلك الثمن ويتصدق به وينفقه على نفسه حسب ما أراد لأنه
حلال له ويجتنب وطأ من ولد من الزنى مخافة العار لا أنه حرام بل ذلك على جهة الكراهة
بالعقد والملك معا، فإن كان لا بد فاعلا فليطأهن بالملك دون العقد وليعزل عنهن.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته، والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب أن وطأ الكافرة حرام لقوله
تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وقوله: ولا تنكحوا المشركات، ولا خلاف بين أصحابنا
أن ولد الزنى كافر وإنما أجمعنا على وطء اليهودية والنصرانية بالملك والاستدامة والباقيات من
الكافرات على ما هن عليه من الآيات والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس العموم إذا خص
يصير مجازا، بل الصحيح من قول محصلي أصول الفقه أنه يصح التمسك بالعموم إذا خص بعضه
فليلحظ ذلك.
واللقيط لا يجوز بيعه ولا شراؤه لأنه حر وحكمه حكم الأحرار حتى أن محصلي أصحابنا
قالوا: إنه إذا كبر وأقر إلى نفسه بالعبودية لا يقبل إقراره. وقال بعضهم: أنه يقبل إقراره
لأن إقرار العقلاء جائز على نفوسهم إلا الأحرار المشهوري الأنساب إذا أقروا بالعبودية فلا
يقبل إقرارهم وهذا ما هو مشهور بنسب، والصحيح أنه لا يقبل إقراره بالعبودية، لأن الشارع
حكم عليه بالحرية.
ولا يجوز للإنسان أن يشتري شيئا من الغنم أو غيرها من الحيوان من جملة قطيع بشرط
أن ينتفي خيارها لأن ذلك مجهول بل ينبغي أن يميز ما يريد شراؤه أو يعينه بالصفة، وإذا
اشترك نفسان في شراء إبل أو بقر أو غنم ووزنا المال، وقال واحد منهما: إن لي الرأس والجلد
بما لي من الثمن، كان ذلك باطلا ويقسم ما اشتراه على أصل المال بالسوية.
ومتى اشترى الانسان حيوانا فهلك في مدة الثلاثة الأيام قبل التصرف من المشتري فيه
فإنه يهلك من مال بائعه كما قدمناه، وكان لبائعه أن يحلفه بالله تعالى أنه ما كان أحدث
فيه حدثا، فإن حلف برئ من العهدة واسترجع الثمن وكان من مال البائع، وإن امتنع
من اليمين ونكل عنها رد الحاكم اليمين على البائع، فإذا حلف أنه أحدث فيه حدثا لزم
376

المشتري البيع وكان هلاكه من ماله دون مال بائعه.
وقال شيخنا في نهايته: وإن امتنع المشتري من اليمين لزمه البيع ووجب عليه الثمن وهذا لا يجوز
لأنه قضاء بمجرد النكول ولا يجوز عندنا القضاء بمجرد النكول بل لا بد بعد النكول من انضمام
اليمين إليه، لأن النكول كالشاهد الواحد أو اليد المتصرفة، لأن الأموال لا تنتقل عن ملاكها إلى
الغير إلا إما بإقرار أو شاهدين أو شاهد ويمين أو نكول ويمين. وهذا مذهب شيخنا في مسائل
خلافه ومبسوطه ومذهب جميع أصحابنا.
وإذا باع الانسان بعيرا أو بقرا أو غنما فاستثنى الرأس والجلد كان ذلك جائزا
صحيحا لأنه استثنى معلوما من معلوم.
وهو مذهب السيد المرتضى يناظر المخالفين لنا عليه في انتصاره، ولأنه لا دليل على خلاف ذلك
من كتاب ولا سنة مقطوع بها، ولا إجماع لأن أصحابنا مختلفون في ذلك. وقال تعالى: وأحل الله
البيع وحرم الربا، وهذا بيع.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته وفي سائر كتبه: إذا باع الانسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى
الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد، معتمدا على خبر ضعيف رواه
إسماعيل بن أبي زياد السكوني، وهذا الراوي عامي المذهب وإن كان يروي عن الصادق
ع فكيف يترك الأدلة القاهرة لرواية هذا الرجل؟ وشيخنا المفيد رحمه الله لم يقل به ولم
يودعه كتابه.
وإذا اشترى الانسان ثلاث جوار مثلا كل واحدة منهن بثمن معلوم ثم حملهن إلى البيع
الذي هو النخاس وقال له: بع هؤلاء الجواري ولك علي نصف الربح فباع ثنتين منهن
بفضل وأحبل صاحبتهن الثالثة لزمه أن يعطيه نصف الربح فيما باع وليس عليه فيما أحبل
شئ من الربح.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقد تكلمنا على مثل هذا في باب السمسار والدلال
وقلنا: إن هذا لا يلزم بل يستحق أجرة المثل فيما باع فحسب، ولولا إيراد شيخنا لهذه المسألة في
نهايته ما أوردتها في كتابي هذا لأنها قليلة الفقه سهلة المأخذ، وإنما حداه رحمه الله على إيرادها
377

لأن بعض أخبار الآحاد ورد بها فأوردها على ما هي عليه إيرادا لا اعتقادا.
وقد روي: أن من اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصلح كان له ردها على من
اشتراها منه واسترجاع ثمنها، وإن كان قد مات فعلى ورثته فإن لم يخلف وارثا استسعيت
الجارية في ثمنها.
قال محمد بن إدريس: كيف تستسعي هذه الجارية بغير إذن صاحبها؟ وكيف تعتق ولا على
ذلك دليل وقد ثبت أنها ملك الغير؟ والأولى أن يكون بمنزلة اللقطة بل يرفع خبرها إلى حاكم
المسلمين ويجهد على ردها على من سرقت منه فهو الناظر في أمثال ذلك.
وقد روي: أن من أعطى مملوك غيره - وكان المملوك مأذونا له في التجارة - مالا
ليعتق عنه نسمة ويحج، فاشترى المملوك أباه وأعتقه وأعطاه بقية
المال ليحج عن صاحب المال، ثم اختلف. مولى المملوك وورثة الأمر ومولى الأب الذي اشتراه فكل واحد منهم
قال: إن المملوك اشترى بمالي، كان الحكم أن يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده
يكون رقا له كما كان، ثم أي الفريقين الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم إليه،
وإن كان المعتق قد حج ببقية المال لم يكن إلى رد الحجة سبيل.
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته.
قال محمد بن إدريس: لا أرى لرد المعتق إلى مولاه وجها بل الأولى عندي أن القول قول سيد العبد المأذون له في التجارة والعبد المبتاع لسيد
العبد المباشر للعتق، وإن عتقه غير صحيح لأن
إجماع أصحابنا على أن جميع ما بيد العبد فهو مال لسيده، وهذا الثمن في يد المأذون وأنه اشتراه
فإذا اشتراه فقد صار ملكا لسيد المأذون الذي هو المشتري، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك فعتقه غير
صحيح لأنه لم يؤذن له في العتق بل أذن له في التجارة فحسب، هذا إذا عدمت البينات. فهذا
تحرير القول والفتوى في ذلك فليلحظ، وإنما هذا خبر واحد أورده شيخنا في نهايته إيرادا
لا اعتقادا لصحته فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علما ولا عملا، وأيضا
فوكالة العبد المأذون له في التجارة غير صحيحة بغير إذن سيده.
إذا اشترى عبدا على أنه كافر فخرج مسلما لم يكن للمشتري الخيار ولا الأرش، دليلنا
378

أن ثبوت الخيار في ذلك وإلحاقه بالعيوب الموجبة للرد يحتاج إلى دليل، وأيضا النبي
ع قال: الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
هكذا أورده شيخنا في مسائل خلافه، والذي يقوى عندي أن للمشتري الرد والخيار، لأن هذا
تدليس والأغراض في ذلك تختلف.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: إذا بيض وجه الجارية بالطلاء أو حمر خديها بالدمام بكسر
الدال وهو الكلكون. وقال أيضا: إذا اشترى العبد والجارية فوجدهما أبخرين لم يثبت في جميع
ذلك للمشتري الخيار.
قال محمد بن إدريس: الذي يقتضيه مذهبنا إثبات الخيار للمشتري في جميع
هذه المسائل لأن هذا تدليس وغرر والرسول ع نهى عن الغرر.
إذا اشترى الانسان عبدا أو أمة فوجدهما زانيين لم يكن له الخيار، وكذلك إذا كان
العبد غير مختون فلا خيار لمشتريه في رده وإثبات ذلك عيبا يحتاج إلى دليل، وكذلك إذا
وجد الجارية تحسن الغناء فلا خيار له.
باب بيع الثمار:
إذا باع الانسان ثمرة مفردة عن الأصل مثل ثمرة النخل والكرم وسائر الفواكه فلا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يكون قبل بدو الصلاح أو بعده. فإن كان قبل بدو الصلاح فلا يخلو
البيع من أحد أمرين: إما أن يكون سنتين فصاعدا أو سنة واحدة.
فإن كان سنتين فصاعدا فإنه يجوز عندنا معشر الإمامية القائلين بمذهب أهل البيت
ع.
وإن كان سنة واحدة فلا يخلو البيع من ثلاثة أقسام: إما أن يبيع بشرط القطع أو مطلقا
أو بشرط التبقية. فإن باع بشرط القطع في الحال جاز إجماعا، وإن باع بشرط التبقية أو باع
مطلقا،
فقد اختلف أصحابنا في ذلك لاختلاف أخبارهم وأحاديثهم عن أئمتهم ع، فذهب
379

قوم إلى: أن البيع صحيح غير أنه مكروه، وذهب آخرون منهم إلى: أن البيع غير صحيح، وذهب
آخرون منهم إلى: أنه مراعى وإن كان جائزا مكروها إلا أنه متى خاست الثمرة المبتاعة سنة
واحدة قبل بدو صلاحها فللبائع ما غلت دون ما انعقد عليه البيع من الثمن.
والذي يقوى في نفس الأول وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في استبصاره وتهذيبه ومذهب
شيخنا المفيد في مقنعته، والثاني خيرة شيخنا أبي جعفر في نهايته إلا أنه رجع في استبصاره كما
حكيناه عنه لما جمع بين الأخبار ونقدها وتوسط بينها، والثالث مذهب سلار ومن قال بقوله.
والذي يدل على صحة ما اخترناه قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع فمن منع منه
يحتاج إلى دليل.
فإن قيل: هذا غرر والرسول ع نهى عن الغرر.
قلنا: معاذ الله أن يكون غررا بل هذا بيع عين مرئية مملوكة يصح الانتفاع بها أو يؤول إلى
الانتفاع وقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض، وهذه تجارة عن تراض، والأخبار في ذلك
كثيرة جدا ربما بلغت إلى حد التواتر وما روي بخلاف ذلك يحمل على الكراهة لئلا تتناقض
الأدلة، والذي يبطل اختيار سلار. ومن اختار سلار قوله قول الله سبحانه: أوفوا بالعقود، فأمر
تعالى بالوفاء بالعقود والأمر في عرف الشريعة يقتضي الوجوب ومن راعى ما راعى سلار ما وفى
بالعقود ولا امتثل الأمر.
فأما بيع ثمرة النخل وغيره سنة واحدة من قبل أن يخلق فيها شئ من الطلع ولا أظهر
فلا يجوز عندنا إجماعا وكذلك عند المخالف، وكذلك لا يجوز بيعها قبل أن يطلع سنتين بغير
خلاف بيننا وبين المخالفين. وإنما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا أطلعت قبل بدو الصلاح
سنتين وعند المخالف لمذهب أهل البيت ع لا يجوز.
وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ويظنون: أنه يجوز بيعها سنتين وإن كانت فارغة لم تطلع
بعد وقت العقد، وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم وأخبار أئمتهم
وفتاويهم، لأنهم أجمعوا على أن الثمرة إذا لم يبد صلاحها فلا بأس ببيعها سنتين من غير كراهة
ولا انضمام إلى العقد غيره. وهذا الذي ينطق به أخبارنا ويودعه مشايخنا تصانيفهم، لأنها إذا
380

أطلعت قبل بدو الصلاح فلا يجوز بيعها عند بعضهم سنة واحدة بانفرادها على ما حكيناه عنهم
من غير انضمام إلى العقد غيرها.
فأما إذا باعها حينئذ سنتين من غير انضمام إلى العقد غيرها زال الخلاف وجاز عندنا جميعا من
غير كراهة ولا حظر على جميع الأقوال، وكذلك إذا باعها سنة واحدة بانضمام إلى العقد غيرها
زال الخلاف حينئذ أيضا فقامت السنة الثانية مقام انضمام الشئ إلى العقد عليها قبل بدو
صلاحها وبعد خروجها وطلوعها سنة واحدة عند من منع من بيعها منفردة بعد طلوعها وقبل بدو
صلاحها سنة واحدة، ولا خلاف أنه إذا باعها سنة واحدة قبل خروجها من غير انضمام إليها
غيرها في العقد لا يصح هذا البيع لأنه غرر وبيع الغرر لا يصح بغير خلاف، وكذلك بيعها سنتين
قبل خروجها فإنه غرر بغير خلاف لأنه بمنزلة السنة الواحدة قبل خروجها من غير انضمام إلى
العقد غيره، ولولا إجماعنا على أنه يجوز بيعها سنتين بعد خروجها وقبل بدو صلاحها لما جاز ذلك
عند من قال من أصحابنا: لا يجوز بيعها سنة واحدة بعد خروجها وقبل بدو صلاحها من غير
انضمام شئ إليها في العقد.
فأما إذا باعها ومعها شئ آخر منضما إلى العقد سنة واحدة قبل خروجها فالأولى أن يقال:
لا بأس بذلك. فإن قيل: هذا غرر. قلنا: الشئ المنضم إلى العقد يخرجه من كونه غررا.
والذي أعتمده وأعمل عليه وأفتى به أنه لا يصح بيعها قبل أن تطلع ومعها شئ آخر، لأن البيع
حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك، ولولا الاجماع المنعقد على
صحة بيعها إذا أطلعت بسنتين لما جاز ذلك وإلحاق غيره به قياس لا نقول به. ولو ساع ذلك
لساع أن يباع ما تحمل الناقة ومعه شئ آخر.
فأما إذا كان البيع بعد بدو الصلاح فإنه جائز على سائر الأحوال وجميع الأقوال.
وبدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار، فإن كانت ثمرة النخل وكانت مما
تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها ذلك، وإن كانت بخلاف ذلك فحين يتموه فيها
الماء الحلو ويصفو لونها، ولا يعتبر التموه والتلون والحلاوة عند أصحابنا إلا في تمرة النخل
خاصة. وإن كانت الثمرة مما تتورد فبدو صلاحها أن ينشر الورد وينعقد، وفي الكرم أن
381

ينعقد الحصرم، وإن كان غير ذلك فحين يخلق ويشاهد.
وقال بعض المخالفين: إن كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه فبدو صلاحه أن
يتناهى عظم بعضه. وقد قلنا: إن أصحابنا لم يعتبروا بدو الصلاح إلا فيما اعتبروه من النخل
والكرم وانتثار الورد في الذي يتورد.
ولا اعتبار بطلوع الثريا في بدو الصلاح، على ما روي في بعض الأخبار وهو قول بعض
المخالفين. وإن
كان في بستان واحد ثمار مختلفة وبدا صلاح بعضها جاز بيع الجميع سواء كان من جنسه أو من غير جنسه.
ومتى باع الانسان نخلا قد أبر كانت ثمرته للبائع دون المبتاع إلا أن يشترطها المبتاع،
فإن شرطها في حال العقد كانت له على ما شرط، فأما إن باعها قبل التأبير فهي للمبتاع إلا
أن يشترطها البائع، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل، فأما ما عداه فمتى باع
الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع إلا أن يشترطها المبتاع سواء لقحت وأبرت أو لم تلقح لأن
العقد ما وقع إلا على نفس الأصل دون الثمرة، ولأن الأصل والثمرة جميعا ملك البائع
فبالعقد انتقل الأصل إلى ملك المبتاع ولا دليل على انتقال الثمرة فبقيت على ما كانت في
ملك البائع، وإلحاق ذلك واعتباره بالتأبير بالنخل قياس لا نقول به لأنه عندنا باطل
فليلحظ ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى باع الانسان نخلا قد أبر ولقح كانت ثمرته للبائع دون
المبتاع إلا أن يشترط المبتاع الثمرة، فإن شرط كان له ما شرط، وكذلك الحكم فيما عدا النخل
من شجر الفواكه.
قوله رحمه الله: وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه، المراد به ومقصوده أن الثمرة
للبائع كما قال ذلك في النخل لأنه رحمه الله لم يذكر في النخل إلا أنها - أعني ثمرتها - إذا أبرت
ولقحت للبائع، ولم يذكر المسألة الأخرى التي تكون الثمرة للمبتاع وهي إذا لم تؤبر وتلقح تكون
للمبتاع إلا من حيث دليل الخطاب، ودليل الخطاب متروك غير معمول به عند المحققين من
أصحابنا إلا أن يقوم دليل. وبالإجماع عرفنا أنها إذا لم تؤبر وباع الأصول فإن الثمرة للمبتاع في
382

النخل. بقي المعطوف عليه في قوله رحمه الله: وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه، في
أن الثمرة للبائع لأنه ما ذكر إلا ما يختص بالبائع وأنها له ثم عطف ما عدا النخل على النخل
بعد التأبير. بقي: ما عدا النخل، لا إجماع منا عليه ودليل الخطاب باطل عندنا على ما قدمناه،
وقد قلنا فيما مضى: إن الأصل والفرع أعني الثمرة جميعا للبائع فبالعقد يخرج الأصل وينتقل إلى
ملك البائع ولا دليل على انتقال الثمرة إلى ملكه إلا ما أجمعنا عليه من القطع الذي لم يؤبر، وما
عداه من سائر الثمار مبقاة على الأصل المقرر والأدلة الممهدة من أنها ملك البائع وهي الأصل
فينتقل من الأصل إلى ملك المشتري بالعقد وتبقى الثمرة على ملك صاحبها لا دليل على
انتقالها، ولا استدراك على شيخنا أبي جعفر في نهايته على ما حررناه ولا اشتباه في قوله على
ما قررناه وبيناه.
فإن قيل: فقد قال في المبسوط بعد شرحه للنخل وتأبيره: وحكم سائر الثمار حكم النخل
وثمرتها لأن أحدا لا يفصل.
قلنا: فقد قال في هذا الكتاب المشار إليه: وأما ما عدا النخل من الأشجار النابتة التي لها حمل في
كل سنة خمسة أضرب:
أحدها مثل النخل والقطن وقد بينا حكمهما.
والثاني تخرج الثمرة بارزة لا تكون في كمام ولا ورد مثل العنب والتين وما أشبه ذلك. فإذا باع
أصل العنب والتين فإن كان قد خرجت الثمرة فهي للبائع إلا أن يشترط المشتري فإن لم يكن
خرجت وإنما خرجت في ملك المشتري فهي للمشتري.
والثالث أن تخرج الثمرة في ورد فإذا باع الأصول وقد خرج وردها وتناثر وظهرت الثمرة فهي
للبائع إلا أن يشترط المبتاع وإن لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فإن الثمرة للمشتري.
والضرب الرابع تخرج الثمرة في كمام مثل الجوز واللوز وغيرهما مما دونه قشر يواريه إذا أظهر
ثمرته فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع.
هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه، ألا ترى أرشدك الله إلى قوله رحمه الله أن الثمرة في جميع
الأربع مسائل جعلها للبائع وحكم له بها بنفس الظهور والبروز والخروج، فلو كان حكمها حكم
383

النخل ما جعلها للبائع لأن البائع لا تكون الثمرة له إذا باع الأصول عند أصحابنا إلا إذا كانت
مؤبرة ملقحة، فأما إذا كانت طالعة مخلوقة قد خرجت ووبرت من نفس النخلة قبل تأبيرها فهي
بإجماعهم للمبتاع إلا أن يشترطها البائع وبالتأبير بعد الخروج تكون للبائع إلا أن يشترطها
المبتاع، وأيضا فأخبارنا عن أئمتنا ع لم ترد في التأبير واعتباره إلا في النخل خاصة
وإلا فالسبر بيننا فلا يجوز لنا أن نتعداها إلى غيرها من الثمار.
وقال رحمه الله في مبسوطه: إذا باع نخلا قد أطلع فإن كان قد أبر فثمرته للبائع وإن لم يكن قد أبر
فثمرته للمشتري، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة أو تخالعه المرأة على نخلة مطلعة أو
يصالح رجلا من شئ على نخلة مطلعة أو يستأجر دارا مدة معلومة بنخلة مطلعة، قال رحمه الله:
فجميع ذلك إن كان أبر فثمرته باق على ملك المالك الأول وإن لم يكن أبر فهو لمن انتقل إليه
النخل بأحد هذه، العقود هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا الذي ذكره رحمه الله مذهب المخالفين لأهل
البيت ع، لأن جميع هذه العقود الثمرة فيها للمالك الأول سواء أبرت أو لم تؤبر بغير
خلاف بين أصحابنا، والمخالف حمل باقي العقود على عقد البيع وقاسها عليه ونحن القياس
عندنا باطل بغير خلاف بيننا، فلا يظن ظان ويشتبه على من يقف على كتابه المبسوط أن جميع
ما قاله فيه واختاره مذهب أصحابنا، بل معظمه مذهب المخالفين وفروعهم اختار منها رحمه الله
ما قوي عنده في الحال الحاضرة ولم يعاود النظر فيه، فليلحظ ما قلناه بعين التدبر والتدين دون
التقليد لقديم الزمان وقول الأول " فكان الفضل للمتقدم " بل الأولى أن يتبع الأدلة، وقول
أمير المؤمنين ع: إعرف الحق تعرف أهله، أولى من قول شاعر من الرعاع وهو عدي بن
الرقاع.
وإذا باع نخلة مؤبرة فقد قلنا: إن الثمرة للبائع والأصل للمشتري. فإذا ثبت هذا فلا
يجب على البائع نقل هذه الثمرة حتى تبلغ أوان وقيل: إبان.
بكسر الألف والباء المنقطة بنقطة واحدة من تحتها مشددة.
وهو وقت الجداد.
384

بالجيم المفتوحة والدالين الغير المعجمتين هو الأظهر عند أهل اللغة، وبعض أصحابنا يقول ذلك
بالذالين المعجمتين.
في العرف والعادة، وكذلك إذا باع ثمرة منفردة بعد بدو الصلاح فيها وجب على البائع
تركها حتى تبلغ أوان الجداد في العرف والعادة.
ولا يجوز بيع الخضراوات بفتح الخاء قبل أن يظهر ويبدو صلاحها، ولا يجوز بيع
ما يخرج حملا بعد حمل قبل ظهوره كالباذنجان والقثاء والخيار والبطيخ وأشباه ذلك، وقد
روي جوازه والأحوط ما قلناه، لأن ذلك غرر.
ولا بأس ببيع الزرع بشرط القصل - والقصل هو القطع - ويجب على المبتاع قطعه قبل
أن يسنبل، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار إن شاء قطعه، فإن لم يقطعه وبلغ كانت الزكاة
إن بلغ النصاب على المشتري وعليه أيضا أجرة مثل تلك الأرض، هذا إذا كانت الأرض
عشرية فإن كانت خراجية كان على المبتاع خراجه.
فأما إذا باع الزرع مطلقا عن شرط القطع والقصل أو مشروطا بالتبقية، فلا يجوز للبائع
قطعه ويجب عليه تبقيته إلى أوان الحصاد ولا أجرة له في تبقيته بخلاف ما قلناه في المسألة
الأولى، لأن هناك تركه غير مستحق لأنه اشترط القطع وهذا تركه مستحق فوجبت
التبقية.
وقال شيخنا في نهايته: ولا بأس ببيع الزرع قصيلا وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل، فإن لم
يقطعه كان البائع بالخيار إن شاء قطعه وإن شاء تركه وكان على المبتاع خراجه. والمراد بقوله
رحمه الله: ولا بأس ببيع الزرع قصيلا، ما قلناه من أنه يبيعه للقطع والقصل فلأجل هذا قال:
وعلى المبتاع قطعه. وقوله: وكان على المبتاع خراجه، يريد به طسق الأرض الذي قد قبل به
السلطان دون الزكاة لأن الأرض خراجية وهي المفتتحة عنوة دون أن تكون عشرية لأنها إن
كانت عشرية كانت عليه الزكاة فحسب، والخراجية عليها الخراج الذي هو السهم الذي تقبلها
به فإن فضل بعده ما فيه الزكاة تجب عليه الزكاة وإن لم يفضل ما يجب فيه ذلك لا زكاة عليه
فيه.
385

وروي: أنه إذا اشترى الانسان نخلا على أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر كانت
الثمرة له دون صاحب الأرض، فإن كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له
أجرة المثل.
قال محمد بن إدريس: أما الثمرة فإنها لصاحب النخل دون صاحب الأرض بلا خلاف، وأما
صاحب الأرض فلا يستحق أجرة السقي والحفاظ والمراعاة لأنه متبرع بذلك إلا أن يأمره
صاحب النخل فيكون له أجرة المثل، فإن لم يأمره بذلك فليس له إلا أجرة الأرض على ما قلناه
في أرض الزرع حرفا فحرفا.
ولا بأس ببيعه الرطبة - وهي ألقت - الجزة والجزتين، وكذلك ورق الشجر من التوت
بتائين والآس والحناء وغير ذلك لا بأس ببيعهما خرطة وخرطتين، فإن باع أصل ذلك وفيه
ورقه فالورق للبائع لأنه بمنزلة الثمرة وليس كذلك إذا باع التوت وفيه ورقه، لأنه ليس بثمر
لكنه يجري مجرى الخوص من النخل فإنه للمبتاع.
ولا بأس أن يبيع الانسان ما ابتاعه من الثمرة بزيادة مما اشتراه وإن كان قائما في
الشجر، ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا يدا بيد ولا نسيئة،
وهي المزابنة التي نهى النبي ص عنها، وأصل الزبن في اللغة الدفع ومنه الحرب
الزبون التي يدفع أبطالها إلى الموت.
وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة لا كيلا ولا جزافا لا يدا ولا نسيئة،
وهي المحاقلة المنهي عنها، وأصل الحقل الأقرحة.
وسواء باعه بحنطة من غير تلك الأرض أو من تلك الأرض، وكذلك التمر سواء باعه
بتمر من تلك النخيل أو بتمر من غير ذلك النخل،
على الصحيح من أقوال أصحابنا وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا
وهي المزابنة التي نهى النبي ص عنها، وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك
الأرض لا كيلا ولا جزافا وهي المحاقلة فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس،
386

وكذلك إن باع الثمرة بثمرة من غير ذلك النخل لم يكن أيضا به بأس.
وإلى هذا القول يذهب في مسائل خلافه إلا أنه رجع عن ذلك كله، وعاد إلى القول الصحيح
الذي اخترناه في مبسوطه فقال: بيع المحاقلة والمزابنة محرم بلا خلاف، وإن اختلفوا في تأويله
فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب أو اشتد بحب من ذلك السنبل ويجوز بيعه
بحب من جنسه على ما روي في بعض الأخبار، والأحوط ألا يجوز بيعه بحب من جنسه على كل
حال، لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا، والمزابنة هي بيع التمر على رؤوس الشجر
بتمر منه، فأما بتمر موضوع على الأرض فلا بأس به والأحوط أن لا يجوز ذلك ولمثل ما قلناه في بيع السنابل
سواء.
هذا آخر كلامه في مبسوطه رحمه الله، ألا تراه إن ما ذكره واختاره في نهايته جعله هاهنا رواية
ضعيفة لأنه قال: على ما روي في بعض الأخبار، فلا يظن بالرجل أن جميع ما أورده في نهايته
أخبار متواترة يعمل بها ويعتقد صحتها، معاذ الله فإني لا أستجمل لذوي البصائر والتحصيل أن
يعتقدوا في شيخنا مع جلالة قدره هذا، وما اخترناه أيضا مذهب شيخنا المفيد في مقنعته وجماعة
من أصحابه لأن النهي عام ولا مخصص له من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
ويجوز بيع العرايا.
وهي جمع عرية بفتح العين وكسر الراء وتشديد الياء.
وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول إليها أو في داره يجوز أن
يبيعها منه بخرصها تمرا نقدا يدا بيد لا نسيئة لأن غير العرايا لا يجوز نقدا يدا بيد ولا نسيئة،
فامتازت العرايا من غيرها بأن رخص فيها لمكان الضرورة بأن يباع بخرصها تمرا نقدا يدا
بيد لا نسيئة وغيرها لا يجوز نقدا ولا نسيئة ولا يجوز في غير النخل ذلك، وإن كان له نخل
متفرق في كل بستان نخلة جاز له أن يبيع كل ذلك واحدة واحدة بخرصها تمرا بيع العرايا.
وإذا أراد الانسان أن يشتري العرية وجب أن ينظر المتبايعان إلى الثمرة التي على
النخلة ويحرزاها، فإذا عرفا مقدار الرطب وإذا جف صار كذا تمرا فيبيع بمثله من التمر وزنا
حسب ما يقع الحزر عليه. ومن شرط صحة هذا البيع أن يتقابضا قبل التفرق لأن ما فيه
387

الربا لا يجوز التفرق فيه قبل التقابض، والقبض في التمر الموضوع على الأرض النقل وفي
الرطب التخلية.
وجملته أنه يراعى شرطان: أحدهما المماثلة من طريق الخرص، والثاني
التقابض قبل التفرق بالبدن.
هكذا أورده شيخنا في مبسوطه، والذي تقتضيه الأدلة أنه يجوز التفرق قبل القبض في
التمر الذي هو ثمن العرية، وإنما ذلك على ما يذهب إليه رحمه الله من أن ما يوزن ويكال
إذا بيع بجنسه مثلا بمثل لا يجوز التفرق قبل القبض، وإنما ذلك في الصرف خاصة وما عداه
فمكروه وليس بمحظور. وإلى هذا يذهب رحمه الله في مبسوطه وهو الصحيح.
والعرية لا تكون إلا في النخل خاصة، فأما في الكرم وشجر الفواكه فإنه لا دليل عليه.
وقد قيل في تفسير العرايا أقوال كثيرة،
فقال قوم: العرايا النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمره ولا يدخلها في البيع ولكنه
يبيعها لنفسه فتلك الثنيا لا تخرص عليه، لأنه قد عفا لهم عما يأكلون وسميت عرايا لأنها
أعريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة، فرخص النبي ص لأهل الحاجة
والمسكنة الذين لا ورق لهم ولا ذهب وهم يقدرون على التمر أن يبتاعوا بتمرهم من أثمار هذه
العرايا بخرصها، فعل ذلك بهم رفقا بأهل الحاجة الذين لا يقدرون على الرطب ولم يرخص لهم
أن يبتاعوا منه ما يكون للتجارة والذخائر.
وقال آخرون: هي النخلة يهب الرجل ثمرتها للمحتاج يعريها إياه فيأتي المعري وهو الموهوب له
إلى نخلته تلك ليجنيها فيشق ذلك على المعري وهو الواهب لمكان أهله في النخل، فرخص للبائع
خاصة أن يشتري تمرة تلك النخلة من الموهوب له يخرصها.
وقال آخرون: شكا رجال إلى رسول الله ص أنهم محتاجون إلى الرطب يأتي
ولا يكون بأيديهم ما يبتاعون به فيأكلونه مع الناس وعندهم التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا
العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم.
وقال آخرون: الإعراء أن يهب له تمر نخلة أو نخلتين أو نخلات، ومنه الحديث: إنه رخص
388

ع في بيع العرايا بخرصها تمرا، وذلك أن يمنح الرجل النخلة فيبيع تمرها بالتمر وهذا
لا يجوز في غير العرايا، وإنما سميت عرية لأن من جعلت له يعريها من حملها، وأنشد الفراء:
ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح.
معنى سنهاء أي مرت عليها السنون المجدبة، وقوله رجبية نخلة مرجبة وهي التي يبني حولها البناء
لئلا تسقط وهو كالتكريم لها.
وقال الهروي صاحب الغريبين: العرايا هي أن من لا نخل له من ذوي اللحمة أو الحاجة يفضل
له من قوته التمر ويدرك الرطب ولا نقد بيده يشترى به الرطب لعياله ولا نخيل له فيجئ إلى
صاحب النخل فيقول: بعني تمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفضل من التمر
بتمر تلك النخلات ليصيب من أرطابها مع الناس، فرخص النبي ص من جملة
ما حرم من المزابنة. وواحدة العرايا عرية فعيله بمعنى مفعوله من عراه يعروه. ويحتمل أن يكون
عري يعرى كأنها عريت من جملة التحريم فعريت أي خلت وخرجت فهي فعيله بمعنى فاعلة.
ويقال هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه.
قال محمد بن إدريس: فهذا جملة ما وقفت عليه في تفسير العرايا وأشده تحقيقا قول الهروي.
ويجوز للإنسان أن يبيع ثمرة بستان ويستثني منها أرطالا معلومة ولا مانع منه، وإن
استثنى ربعه أو ثلثه أو نخلات بأعيانها جاز بلا خلاف وهو أحوط. وإن باع ثمرة بستانه إلا
نخلة لم يعينها لم يصح لأن ذلك مجهول.
إذا قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يخص ألفا منها، صح ويكون البيع
ثلاثة أرباعها لأنه يخص ألفا منها ربعها. فإن قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا
ما يساوى ألفا منها بسعر اليوم لم يجز، لأن ما يساوى ألف درهم من الثمرة لا يدرى قدره
فيكون مجهولا.
ومتى اشترى الثمرة فهلكت لم يكن للمبتاع رجوع على البائع، فإن كان قد استثنى من
ذلك شيئا كان له من ذلك بحسابه من غير زيادة ولا نقصان.
وإذا مر الانسان بشئ من الفواكه جاز له أن يأكل منها مقدار كفايته من غير إفساد
389

ما لم يمنعه صاحبها من ذلك، ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا معه على حال إلا بإذن
صاحبها وهذا يكون إذا لم يقصد من يأكل منها الممر إليها من أول مضيه بل قصد المضي
إلى غيرها ثم اجتاز بها فدخلها.
وقد روي: أنه إذا كان بين نفسين نخل أو شجر فاكهة فقال أحدهما لصاحبه: أعطني
هذا النخل بكذا وكذا رطلا أو خذ مني أنت بذلك، فأي الأمرين فعل كان جائزا.
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته. إن أراد بذلك الثمرة فلا يجوز لأن ذلك داخل في المزابنة،
وإن أراد نفس ماله من النخل دون الثمرة فباع ماله من نفس النخل دون الثمرة بالأرطال
المذكورة كان جائزا، وإن كان ذلك صلحا جاز لأنه ليس ببيع.
390

كتاب المكاسب
باب عمل السلطان وأخذ جوائزهم:
السلطان على ضربين: أحدهما سلطان الحق العادل، والآخر سلطان الجور الظالم
المتغلب.
فأما الأول فمندوب إلى خدمته ومعاونته ومرغب فيها، وربما وجب ذلك على المكلف
بأن يدعوه فيجب امتثال أمره، فإذا ولى هذا السلطان إنسانا إمارة أو حكما أو غير ذلك
من ضروب الولايات وجب عليه طاعته في ذلك وترك الخلاف له فيه وجائز قبول جوائزه
وصلاته وأرزاقه وسائغ التصرف في ذلك على كل حال.
وأما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الأمور مختارا من قبله إلا من يعلم
أو يغلب على ظنه أنه إذا تولى ولاية من جهته تمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقسمة الأخماس والصدقات إلى مستحقها وصلة الإخوان، ولا يكون في شئ من ذلك تاركا
لواجب ولا مخلا به ولا فاعلا لقبيح، فإنه حينئذ مستحب له التعرض لتولي الأمر من جهته.
فإن علم أو ظن أنه لا يتمكن من ذلك وأنه لا بد له من الإخلال بواجب أو أن يفعل
قبيحا لم يجز له تولي ذلك، فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة إلى
ذلك الخوف على النفس وسلب المال، وإن كان ربما لحقه بعض الضرر أو لحقته في ذلك مشقة
فالأولى أن يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها ولا يتعرض للولاية من جهته، فإن خاف
على نفسه أو على أحد من أهله أو المؤمنين أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك وساع له عند
391

هذا الخوف الدخول فيه بعد إلزامه له وخوفه المذكور منه، ويجتهد ويحرص بعد هذا كله على
وضع الأمور الشرعية مواضعها وإقرار الحق مقره، فإن لم يتمكن من ذلك اجتهد فيما يتمكن
منه، فإن لم يتمكن من فعل شئ ظاهرا فعله سرا لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإخوان في
الدين والتخفيف عنهم من ظلم السلاطين الجورة من خراج وغيره، فإن لم يتمكن من
القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له أن يتقى في جميع الأشياء
وسائر الأمور والأحكام التي لا تبلغ إلى قتل النفوس وسفك الدماء المحرمة لأن ذلك ليس فيه
تقية عند أصحابنا، لا خلاف بينهم أنه لا تقية في قتل النفس وسفك الدماء، فإذا كان الأمر في
التقية ما ذكرناه جاز له قبول جوائزه وصلاته ما لم يعلم أن ذلك ظلم
بعينه، فإذا لم يعلم أنه بعينه ظلم فلا بأس بقبوله وإن كان المجيز له ظالما.
وينبغي له أن يخرج الخمس من كل ما يحصل من ذلك ويوصله إلى أربابه من
مستحقيه، وينبغي له أن يصل إخوانه من الباقي بشئ ويتصرف هو في منافعه بالبعض
الذي يبقى من ذلك.
وإذا تمكن الانسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى به تركها
ولا يتعرض لشئ منها جملة، وإن لم يتمكن من ترك معاملتهم كانت جائزة إلا أنه لا يشترى
منهم شيئا يعلم أنه مغصوب بعينه جميعه، فإن كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا إلا أنه
غير مميز العين بل هو مخلوط في غيره من غلاته التي يأخذها على جهة الخراج وأمواله
فلا بأس أيضا بشرائه منها وقبول صلته منها لأنها صارت بمنزلة المستهلكة لأنه غير قادر على
ردها بعينها ولا يقبل منهم ما هو محرم في شرع الاسلام، فإن خاف من رد جوائزهم وصلاتهم
التي يعلمها ظلما بأعيانها وغصبا على نفسه وماله جاز له قبولها عند هذه الحال ويجب
عليه ردها على أربابها إن عرفهم، فإن لم يعرفهم عرف ذلك المال واجتهد في طلبهم، وقد
روى أصحابنا أنه يتصدق به عنهم ويكون ضامنا إذا لم يرضوا بما فعل، والاحتياط حفظه
والوصية به. وقد روي أنه يكون بمنزلة اللقطة، وهذا بعيد من الصواب لأن إلحاق ذلك
باللقطة يحتاج إلى دليل.
ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه سلطان الجور من الزكوات، الإبل والبقر والغنم
392

والغلات والخراج، وإن كان غير مستحق لأخذ شئ من ذلك إلا أن يتعين له شئ منه
بانفراده أنه غصب فإنه لا يجوز له أن يبتاعه، وكذلك يجوز له أن يبتاع منهم ما أراد من
الغلات على اختلافها وإن كان يعلم أنهم يغصبون أموال الناس ويأخذون
ما لا يستحقونه إلا أن يعلم أيضا ويتعين له شئ منه بانفراده أنه غصب فلا يجوز له أن
يبتاعه منهم.
وإذا غصب ظالم إنسانا شيئا وتمكن المظلوم من أخذه أو أخذ عوضه كان ذلك جائزا
له، وروي أن تركه أفضل.
فإن أودعه الظالم وديعة جاز له أيضا أن يأخذ منها بقدر ماله.
وقال بعض أصحابنا: لا يجوز له أن يخون في الوديعة ويجوز له أن يأخذ ما عداها، وقد قلنا
ما عندنا في ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا فإن ما ورد في المنع من أخذ الوديعة أخبار آحاد وقد
ورد ما يعارضها فإن صحت تلك الأخبار فهي محمولة على الكراهة دون الحظر.
فإن أودعه الظالم وديعة يعلم أنها بعينها غصب وعرف صاحبها وأمن بوائق الظالم
فلا يجوز له أن يردها على الظالم الغاصب لها بل الواجب عليه ردها
على صاحبها، فإن ردها على الغاصب والحال ما ذكرناه كان ضامنا لصاحبها، فإن علم أنها غصب ولم يعرف
صاحبها بعينه بقاها عنده إلى أن يعرفه ويستعمل فيها ما ذكرناه أولا، فإن خاف على نفسه
من ترك ردها على الظالم الغاصب جاز له ردها عليه، وكذلك إن كانت مختلطة بمال
الغاصب خلطا لا يتميز فلا يجوز له إمساكها عليه ووجب عليه ردها إليه سواء خاف بوائقه
أو لم يخف.
وذكر شيخنا في الاستبصار في كتاب المكاسب باب العينة - وهي بالعين غير المعجمة
المكسورة والياء المسكنة والنون المفتوحة المخففة والهاء المنقلبة عن تاء - ومعناها في الشريعة
هو أن يشترى سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها بدون ذلك نقدا ليقضي دينا عليه لمن قد حل له
عليه ويكون الدين الثاني وهو العينة من صاحب الدين الأول ليقضيه بها الدين الأول.
روى أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد الله ع رجل تعين ثم حل دينه فلم يجد
ما يقضي أ يتعين من صاحبه الذي عينه ويقضيه قال: نعم مأخوذ ذلك من العين وهو النقد
393

الحاضر قال الشاعر: أ ندان أم نعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف هزت مضاربه
معنى أندان نستدين مأخوذ من أدان الرجل بتشديد الدال بمعنى استدان وهو أن يأخذ الدين
أو يشترى سلعة بدين.
ومنه حديث عمر في أسيفع جهينة فأدان معرضا. ومعنى معرضا من عرض الناس كل من
وجده استدان منه. ومعنى نعتان نشتري عينة وهي أن يشترى سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها
بدون ذلك نقدا مأخوذ ذلك من العين وهو النقد الحاضر على ما قدمناه وحررناه وشرحناه.
باب ما يجوز للإنسان أن يأخذ من مال والده وما يجوز للرجل أن يأخذ من مال
ولده وما للمرأة من مال زوجها ومن يجبر الانسان على نفقته وأحكام ذلك:
لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا قليلا كان أو كثيرا إلا باذنه لا مختارا
ولا مضطرا، فإن اضطر ضرورة يخاف معها على تلف نفسه أخذ من ماله ما يمسك به رمقه
كما يتناول من الميتة والدم، هذا إذا كان الوالد ينفق عليه ويقيم بواجب حقه لأن نفقة الولد
تجب عندنا على الوالد إذا كان الولد معسرا سواء كان بالغا أو غير بالغ ويجبر الوالد على
ذلك، فأما إذا كان الولد موسرا فلا تجب نفقته على والده سواء كان صغيرا أو كبيرا بالغا
بلا خلاف بيننا.
فإذا تقرر ذلك فإن أنفق عليه وإلا رفعه إلى الحاكم وأجبره الحاكم على الانفاق، فإن لم
يكن حاكم يجبر على ذلك فللولد عند هذه الحال الأخذ من مال والده مقدار ما ينفقه على
الاقتصاد ويحرم عليه ما زاد على ذلك، والوالد فما دام الولد ينفق عليه مقدار ما يقوم
بأوده وسد خلته من الكسوة والطعام بالمعروف فليس لوالده أن يأخذ من ماله بعد ذلك
شيئا لا لقضاء ديونه ولا ليتزوج به ولا ليحج ولا غير ذلك، فإن لم يكن الوالد معسرا وكان
مستغنيا عن مال ولده فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من ماله على حال لا بالمعروف ولا غيره لأن
نفقة الوالد لا تجب على الولد عندنا إلا مع الإعسار.
394

فأما الاستغناء فلا تجب النفقة على ولده،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كان للولد مال ولم يكن لوالده جاز له أن يأخذ منه
ما يحج به حجة الاسلام فأما حجة التطوع فلا يجوز له أن يأخذ نفقتها من ماله إلا باذنه، إلا أنه
رجع عن هذا في كتاب الاستبصار في الجزء الثالث فإنه رحمه الله قال: قال محمد بن الحسن:
هذه الأخبار كلها دالة على أنه إنما يسوع للوالد أن يأخذ من مال ولده إذا كان محتاجا فأما مع
عدم الحاجة فلا يجوز له أن يتعرض له ومتى كان محتاجا وقام الولد به وبما يحتاج إليه فليس له
أن يأخذ من ماله شيئا، قال رحمه الله: فإن ورد في الأخبار ما يقتضي جواز تناوله من مال ولده
مطلقا من غير تقييد فينبغي أن يحمل على ذلك التقييد، قال رحمه الله: والذي يدل على
ما ذكرناه من التقييد ما رواه محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن
الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله ع ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال:
قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: قلت له: فقول رسول الله ص للرجل
الذي أتاه فقدم أباه: أنت ومالك لأبيك؟ فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي ص
فقال له: يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى
نفسه، فقال: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شئ أو كان رسول الله
ص يحبس الأب للابن؟ ثم قال رحمه الله: فأما ما رواه الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى
عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله ع: أ يحج الرجل من مال ابنه
وهو صغير؟ قال: نعم، قلت: يحج حجة الاسلام وينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم
يحج منه وينفق منه إن مال الولد للوالد وليس للولد أن ينفق من مال والده إلا باذنه.
قال رحمه الله: فما يتضمن هذا الخبر أن للوالد أن ينفق من مال ولده محمول على ما قلناه من
الحاجة الداعية إليه وامتناع الولد من القيام به على ما دل عليه الأخبار المتقدمة، قال رحمه الله:
وما يتضمن من أن له أن يأخذ ما يحج به حجة الاسلام محمول على أن له أن يأخذ على وجه
القرض على نفسه إذا كان وجبت عليه حجة الاسلام فأما من لم تجب عليه فلا يلزمه أن يأخذ
من مال ولده ويحج به وإنما الحج عليه بشرط وجود المال على ما بيناه، ثم قال رحمه الله:
وما تضمنته الأخبار الأولة من أن له أن يطأ جارية ابنه إذا قومها على نفسه ما لم يمسها الابن
395

محمول إذا كان ولده صغارا ويكون هو القيم بأمرهم والناظر في أموالهم.
هذا آخر ما أوردته من كلام شيخنا أبي جعفر في أول الجزء الثالث من استبصاره وهو الذي
يقوى عندي دون ما ذكره وأطلقه في نهايته إلا ما قاله من جواز أخذ نفقة حجة الاسلام على
جهة القرض فإن هذا أيضا لا يجوز لأنه لا يجب عليه الاستدانة ليحج بها إلا أنه لو حج كانت
الحجة مجزئة عما وجب واستقر في ذمته غير أنه ما ورد عند أصحابنا إلا أن للوالد أن يشترى من
مال ابنه الصغير من نفسه بالقيمة العدل ولم يرد بأن له أن يستقرض المال.
وإذا كان للولد جارية لم يكن وطئها ولامسها بشهوة جاز للوالد أن يأخذها ويطأها بعد
أن يقومها على نفسه قيمة عادلة ويضمن قيمتها في ذمته،
هكذا أورده شيخنا في نهايته وقد بينا أنه رجع في استبصاره عن إطلاق هذا القول وقيده
بأن تكون للولد الصغير، وهذا هو الصحيح الذي عليه الاجماع.
فأما إذا كان الولد بالغا كبيرا فلا يجوز للوالد وطئ جاريته إلا باذنه على كل حال.
ثم قال شيخنا في نهايته: ومن كان له ولد صغار فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من أموالهم
إلا قرضا على نفسه، والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا على سبيل القرض
ولا غيره إلا إذا كانت معسرة ولم ينفق عليها فلها أن ترفعه إلى الحاكم ويلزمه الحاكم النفقة
عليها ويجبره على ذلك، فإن لم يكن حاكم يجبره جاز لها أن تأخذ النفقة بالمعروف.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلا على
سبيل القرض على نفسها.
وهذا غير واضح لأنه لا دلالة على ذلك وقوله ع: لا يحل مال امرء مسلم إلا عن
طيب نفس منه، وأيضا التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا وسمعا فمن جوزه فقد
أثبت حكما يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
ولا يجوز للمرأة أن تأخذ من بيت زوجها من غير أمره وإذنه شيئا قل ذلك أم كثر
إلا المأدوم فقط على ما روى أصحابنا لشاهد الحال ما لم يؤد ذلك
إلى الإضرار به، فإن أدى ذلك إلى الإضرار به لم يجز لها أخذ شئ منه على حال وكذلك إن نهاها عن ذلك وإن لم يؤد إلى
الإضرار به فإنه والحال ما وصفناه لا يحل لها أخذ شئ منه بحال.
396

ويجبر الانسان على نفقة ولده ووالديه وجده وجدته وزوجته ومملوكته، وإن اختصرت
القول في ذلك فقلت: يجبر الانسان على نفقة العمودين الآباء والأبناء صعد هؤلاء أو نزل
هؤلاء والزوجة والمملوك كان جيدا حسنا، ولا يجبر على نفقة أحد غير من سميناه بحال
من الأحوال بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت ع وإن كانوا من ذوي أرحامه.
وقد روي أنه يجبر على نفقة أقرب ذوي أرحامه إليه إذا كان ممن يرثه ولم يكن له وارث غيره
وذلك محمول على الاستحباب دون الفرض والإيجاب.
وإذا وهبت المرأة لزوجها شيئا كان ذلك ماضيا، فإن أعطته شيئا وشرطت له الانتفاع
به فإن كان ذهبا وقالت له: اتجر به والربح لك، فهذا يكون قرضا عليه لا قراضا ومضاربة
وكان حلالا له التصرف فيه والربح له دونها.
وجملة الأمر وعقد الباب أن هاهنا ثلاثة عقود: عقد يقتضي أن الربح كله لمن أخذ المال
وهو القرض، وعقد يقتضي أن الربح كله لرب المال وهو البضاعة يقول له: خذ هذا المال
فاتجر به والربح كله لي فإنه يصح لأنها استعانة منه على ذلك، وعقد يقتضي أن الربح
بينهما وهو القراض، فإذا قال: خذه واتجر به صلح لهذه الثلاثة عقود قرض وقراض
وبضاعة، فإذا قرن فيه قرينة أخلصته إلى ما تدل القرينة عليه فإن قال: خذه واتجر به
والربح لك، كان قرضا لأنها قرينة تدل عليه. وإن قال: خذه فاتجر به على أن الربح لي، كان
بضاعة لمثل ذلك. فإن قال: خذه واتجر به على أن الربح بيننا، كان قراضا لأن القرينة تدل
عليه. وقد روي أنه يكره له أن يشترى بذلك المال الذي أعطته إياه زوجته جارية يطأها
لأنها أرادت مسرته فلا يريد مساءتها فإن أذنت له في ذلك زالت الكراهة.
باب التصرف في أموال اليتامى:
لا يجوز التصرف في أموال اليتامى إلا لمن كان وليا لهم أو وصيا قد أذن له في ذلك.
والفرق بين الولي والوصي أن الولي يكون من غير ولاية مثل الحاكم والجد والأب. والوصي
لا يكون إلا بولاية غيره عليهم فمن كان وليا أو وصيا يقوم بأمرهم ويجمع أموالهم وسد
خلاتهم وحفاظ غلاتهم ومراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته
397

من غير إسراف. وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان ومسائل الخلاف: له أقل الأمرين إن كانت كفايته أقل من
أجرة المثل فله قدر الكفاية دون أجرة المثل وإن كانت أجرة المثل أقل من كفايته فله الأجرة
دون الكفاية. والذي يقوى في نفسي أن له قدر كفايته كيف ما دارت القصة لقوله تعالى
فليأكل بالمعروف فالتلزم بظاهر التنزيل هو الواجب دون ما سواه لأنه المعلوم وما عداه إذا لم يقم
عليه دليل مظنون.
هذا إذا كان القيم بأمورهم فقيرا فأما إن كان غنيا فلا يجوز له أخذ شئ من أموالهم
لا قدر الكفاية ولا أجرة المثل.
ومتى اتجر الانسان المتولي لمال اليتيم نظرا لهم وشفقة عليهم فربح كان الربح لهم وإن
خسر كان عليهم،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويستحب أن يخرج من جملته الزكاة. والذي يقوى عندي
أنه لا يخرج ذلك لأنه لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ولأنه لا يجوز له
التصرف إلا فيما فيه مصلحة لهم وهذا لا مصلحة لهم فيه من دفع عقاب ولا تحصيل ثواب
لأن الأيتام لا يستحقون ثوابا ولا عقابا لكونهم غير مخاطبين بالشرعيات.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى اتجر به لنفسه وكان متمكنا في الحال من ضمان ذلك
المال وغرامته إن حدث به حادث جاز ذلك وكان المال قرضا عليه فإن ربح
كان له وإن خسر كان عليه ويلزمه في ماله وحصته الزكاة كما يلزمه لو كان المال له ندبا واستحبابا.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح ولا مستقيم ولا يجوز له أن يستقرض شيئا من ذلك
سواء كان متمكنا في الحال من ضمانه وغرامته أو لم يكن لأنه أمين والأمين لا يجوز له أن يتصرف
لنفسه في أمانته - بغير خلاف بيننا معشر الإمامية - ولا يجوز له أن يتجر فيه لنفسه على حال
من الأحوال وإنما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا من جهة أخبار الآحاد كما أورد أمثاله في هذا
الكتاب وهو غير عامل عليه.
ثم قال في الكتاب المشار إليه: ومتى اتجر لنفسه بما لهم وليس يتمكن في الحال من مثله وضمانه
كان ضامنا لذلك المال فإن ربح كان للأيتام وإن خسر كان عليه دونهم. وقد قلنا إنه لا يجوز أن
398

يتجر لنفسه في ذلك المال بحال من الأحوال.
ومتى كان لليتامى على انسان مال جاز لوليهم أن يصالحه على شئ يراه صلاحا في
الحال ويأخذ الباقي وتبرأ بذلك ذمة من كان عليه المال،
قال محمد بن إدريس: أما الولي فجائز له مصالحة ذلك الغريم إذا رأى ذلك صلاحا للأيتام
لأنه ناظر في مصلحتهم وهذا من ذلك إذا كان لهم فيه صلاح، فأما من عليه المال فإن ذمته
لا تبرأ إن كان جاحدا مانعا وبذل دون الحق وأنكر الحق ثم صالحه الولي على ما أقر له به
أو أقر بالجميع وصالحه على بعض منه فلا تبرأ ذمته من ذلك، ولا يجوز للولي اسقاط شئ منه
بحال لأن الولي لا يجوز له اسقاط شئ من مال اليتيم لأنه نصب لمصالحه واستيفاء حقوقه
لا لإسقاطها، فيحمل ما ورد من الأخبار وما ذكره بعض أصحابنا وأودعه كتابه على ما قلناه
وحررناه أولا من أنه إذا رأى الصلاح الولي في مصالحته الغريم فيما فيه لليتيم الحظ فجائز
له ذلك ولا يجوز فيما عداه مما ليس له الحظ فيه والصلاح.
وإذا كان للإنسان على غيره مال ومات جاز لمن عليه الدين أن يوصله إلى ورثته وإن لم
يذكر لهم أنه كان عليه دينا ويجعل ذلك على جهة الصلة لهم والجائزة ويكون فيما بينه وبين
الله تعالى غرضه فكاك رقبته مما عليه.
والمتولي للنفقة على اليتامى ينبغي أن يثبت على كل واحد منهم ما يلزمه عليه من
كسوته بقدر ما يحتاج إليه، فأما المأكول والمشروب فيجوز أن يسوى بينهم على ما رواه
أصحابنا لأن ذلك متقارب غير متفاوت، ومتى أراد مخالطتهم بنفسه وأولاده جعله كواحد
من أولاده وينفق من ماله بقدر ما ينفق من مال نفسه ولا يفضله في ذلك على نفسه وأولاده
بل يفضل نفسه عليه فهو الأولى والأفضل.
وقد قلنا: إن المتولي والقيم بأموال اليتامى يأخذ من أموالهم قدر كفايته لنفسه فحسب من
غير إسراف وحكينا عن شيخنا أبي جعفر ما قاله في مسائل خلافه وتبيانه وقال في نهايته في
أول باب التصرف في أموال اليتامى مما اخترناه وهو: إن الولي والقيم على أموالهم جاز له أن
يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط، وقال في آخر الباب:
والمتولي لأموال اليتامى والقيم بأمورهم يستحق أجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة
399

ولا نقصان فإن نقص نفسه كان له في ذلك فضل وثواب وإن لم يفعل كان له المطالبة
باستيفاء حقه من أجرة المثل. فأما الزيادة فلا يجوز أخذها على حال وما ذكره رحمه الله في
صدر الباب هو الحق اليقين لأنه يعضده ظاهر التنزيل على ما حررنا القول فيه واستوفيناه.
باب ضروب المكاسب:
المكاسب على ثلاثة أضرب: محظور على كل حال ومكروه ومباح على كل حال.
فأما المحظور على كل حال:
فهو كل محرم من المآكل والمشارب - وسيرد ذلك في موضعه وتراه في أبوابه من هذا
الكتاب إن شاء الله - والأجرة على خدمة السلطان الجائر ومعونته، وتولي الأمر من
جهته واتباعه في فعل القبيح، ولمعونته وأمره ونهبه بذلك والرضا بشئ منه مع ارتفاع التقية
والتمكن من ترك ذلك، والإلجاء إليه والتعرض لبيع الأحرار وابتياعهم وأكل أثمانهم، و
كذلك مملوك الغير بغير إذن مالكه، وآلات جميع الملاهي على اختلاف ضروبها من
الطبول والدفوف والزمر وما جرى مجراه، والقصب والسير والرقص، وجميع ما يطرب من
الأصوات والأغاني وما جرى مجرى ذلك، والخيال على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته،
وسائر التماثيل والصور ذوات الأرواح مجسمة كانت أو غير مجسمة، والشطرنج والنرد وجميع
ما خالف ذلك من سائر آلات القمار كاللعب بالخاتم والأربعة عشر وبيوت الرعاة، و
اللعب بالجوز والطيور وما جرى مجرى ذلك، وأحاديث القصاص والأسمار، والنوح
بالأباطيل والنميمة والكذب والسعاية بالمؤمنين، والسعي في القبيح ومدح من يستحق الذم
وذم من يستحق المدح، وغيبة المؤمنين والتعرض لهجوهم والأمر بشئ من ذلك، والنهي
عن مدح من يستحق المدح والأمر بمدح من يستحق الذم أو بشئ من القبائح، والحضور في
مجالس المنكر ومواضعه إلا لإنكار أو ما جرى مجرى ذلك، واقتناء الحيات وما خالف ذلك
من المؤذيات، واقتناء الكلاب إلا لصيد أو حفظ ماشية أو زرع أو حائط، وكذلك يحرم
اقتناء سباع المؤذيات التي لا تصلح للصيد.
400

وذكر بعض أصحابنا: وخصاء الحيوان، والأولى عندي تجنب ذلك دون أن يكون محرما
محظورا لأن للإنسان أن يعمل في ملكه ما فيه الصلاح له وما روي في ذلك يحمل على الكراهة
دون الحظر.
ويحرم بناء الكنائس والبيع والأجرة على ذلك، وكل ما يكون متعبدا لأهل الضلال
والصلبان والعيدان والأوثان والأنصاب والأزلام والأصنام، والتطفيف في الوزن والكيل
والغش في جميع الأشياء، وعمل المواشط بالتدليس بأن يشمن الخدود ويحمرنها وينقشن
الأيدي والأرجل ويصلن شعر النساء بشعور غيرهن وما جرى مجرى ذلك مما يلتبس به على
الرجال في ذلك، وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه لهم إذا كانت الحرب
قائمة بيننا وبينهم، فإذا لم يكن ذلك وكان زمان هدنة فلا بأس بحمله إليهم وبيعه عليهم
على ما روي في الأخبار عن الأئمة الأطهار.
وذكر شيخنا في نهايته: أنه لا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح لأهل الكفر مثل الدروع
والخفاف، وقد نقط بخطه الخاء بنقطة واحدة والفاء بنقطة واحدة.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: الخفاف ليس هي من السلاح فإن أراد التجفاف
والجمع التجافيف فهي من آلة السلاح قال أبو علي النحوي الفارسي: التاء زائدة في التجفاف،
فعلى قول أبي على مع سقوط التاء يصير الجفاف فيستقيم أن يكون من آلة الحرب، وإن كان وقد
روي في أخبارنا أورده شيخنا في الاستبصار: وسئل أبو عبد الله ع عن الفئتين تلتقيان
من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنهما من الدروع والخفين، فشيخنا في نهايته
ما أراد إلا الخفاف جمع خف على لفظ الخبر إلا أنه ليس من آلة السلاح بل التجفاف من
السلاح الذي يكن وأسقطت التاء الزائدة على ما قال أبو علي النحوي فصار الجفاف، وهذا
الذي يقتضيه الكلام.
والجمع بين أهل الفسق للفجور والفتيا بالباطل والحكم به والتعرض للقول في ذلك
من غير دليل مثمر لليقين، والارتشاء على الأحكام والقضاء بين الناس وأخذ الأجرة على
ذلك، ولا بأس بأخذ الرزق على القضاء من جهة السلطان العادل ويكون ذلك من بيت
المال دون الأجرة على كراهة فيه، ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة ولا على الصلاة
401

بالناس وتغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم والصلاة عليهم، والأجرة المحرمة على
حملهم هي إلى المواضع التي يجب على من حضرهم الحمل إليها وهي ظواهر البلدان
والجبانة المعروفة بذلك، فأما من بعد عن ذلك من المواضع المعظمة والأمكنة الشريفة
المقدسة فلا يجب حمل الموتى إليها على من حضرهم ولا تحرم الأجرة على من استؤجر للحمل
إلى المواضع المذكورة النائية.
ولا يحرم ثمن الماء الذي يغسل به الميت على بائعه ولا الكفن على بائعه بحال لأن
المحرم هو الأجر على التغسيل والتكفين وهما مصدران دون الماء والكفن فمن حرم ثمن
الماء فيلزمه تحريم ثمن الكفن إذ لا فرق بينهما بحال،
وشيخنا أبو جعفر قال في مبسوطه: وإذا وجد الماء لغسل الميت بالثمن وجب شراؤه من
تركته فإن لم يخلف شيئا لم يجب على أحد ذلك، هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه.
والكهانة والشعبذة والحيل المحرمة وما أشبه ذلك، والقيافة والسحر وتعلمه وتعليمه،
ونسخ الضلال وحفظه والأجرة عليه، وإيراد الشبه القادحة وتخليدها بالخاء الكتب من غير نقض لها،
والأجرة على تزويق المساجد وزخرفتها وفعل ذلك محرم، وجمع تراب الصياغة لبيعه وأخذه
فإن جمعه انسان فعليه أن يتصدق به عن أربابه.
واتخاذ العقارات والمساكن لعمل المناكير فيها مع القصد إلى ذلك، واتخاذ السفن
وغيرها مما يحمل عليه المحرمات مع العلم بذلك والقصد إليه أيضا، واحتكار الغلات
المنهي عن احتكارها عند عدم الناس لها وحاجتهم الشديدة إليها ولا يوجد في البلد سواها
بعد ثلاثة أيام، وبيع المصاحف إذا كان ذلك في المكتوب، وبيع السرقة والخيانة وابتياعهما
مع العلم بهما، ونثار الأعراس إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة له لا قولا ولا شاهد حال فأما
إذا علم من قصد مالكه بشاهد الحال أو الإذن بالقول الإباحة لأخذه فلا بأس بذلك غير أنه
يكره ما يؤخذ منه انتهابا.
وسلوك طريق يظهر فيه إمارة الخوف مع ترك التحرز والكشف عن ذلك، والخمر
والتصرف فيها حرام على جميع الوجوه من البيع والشراء والهبة والمعاوضة والحمل لها،
والصنعة وغير ذلك من أنواع التصرف ولا بأس بإمساكها ليخللها ويكون قصده ذلك
402

دون غيره، ولحم الخنزير وبيعه وهبته وأكله واتخاذه وكذلك كل ما كان من الخنزير من شعر
وجلد وشحم وعظم، وكل شراب مسكر حكمه حكم الخمر على السواء قليلا كان أو كثيرا
نيا كان أو مطبوخا، وكذلك حكم الفقاع حكمه فإن شربه وعمله والتجارة فيه والتكسب به
حرام محظور بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت ع فإن إجماعهم منعقد على
ذلك.
وكل طعام أو شراب حصل فيه شئ من الأشربة المحظورة أو شئ من المحرمات
والنجاسات فإن شربه وعمله والتجارة فيه والتكسب به والتصرف فيه حرام محظور،
وجميع النجاسات محرم التصرف فيها والتكسب بها على اختلاف أجناسها من سائر
أنواع العذرة وروث ما لا يؤكل لحمه وبوله، ولا بأس بأبوال وأرواث ما يؤكل لحمه،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والأبوال وغيرها إلا أبوال الإبل خاصة فإنه لا بأس بشربه
والاستشفاء به عند الضرورة، والصحيح من المذهب أن بول الإبل وبول غيرها مما يؤكل
لحمه سواء لا بأس بذلك لأنه طاهر عندنا بلا خلاف بيننا سواء كان لضرورة أو غير ضرورة
وإنما أورد شيخنا هذا الخبر الواحد إيرادا لا اعتقادا.
وبيع الميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وبيع الخنافس والجعلان وبنات وردان
والعقارب والحيات وكل شئ لا منفعة فيه حرام محظور وكذلك بيع سائر المسوخ وشراؤها
مما يكون نجس العين نجس السؤر،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وبيع سائر المسوخ وشراؤها والتجارة فيها والتكسب بها
محظور مثل القردة والفيلة والدببة وغيرها من أنواع المسوخ.
قال محمد بن إدريس: رحمه الله قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: الفيلة والدببة، فيه كلام وذلك أن كل ما جعل الشارع
وسوغ الانتفاع به فلا بأس ببيعه وابتياعه لتلك المنفعة وألا يكون قد حلل وأباح وسوغ شيئا غير
مقدور عليه، وعظام الفيل لا خلاف في جواز استعمالها مداهن وأمشاط وغير ذلك، والدب
ليس بنجس السؤر بل هو من جملة السباع فعلى هذا جلده بعد ذكاته ودباغه طاهر.
والرشى في الأحكام سحت وكذلك ثمن الكلب إلا كلب الصيد سواء كان سلوقيا -
منسوب إلى سلوق قرية باليمن - وكلب الزرع وكلب الماشية وكلب الحائط فإنه لا بأس
403

ببيع الأربعة كلاب وشراؤها وأكل ثمنها، وما عداها محرم محظور ثمنه وثمن جلده سواء
ذكي أو لم يذك لأنه لا تحله الذكاة سواء كان كلب بر أو بحر، فقد ذكر العلماء أنه ما من شئ
في البر إلا ومثله في الماء سواء نسب إلى اسم أو أضيف إليه لأن الكلب اسم جنس يتناول
الوجوه كلها والأحوال.
وقال شيخنا في نهايته: والرشى في الأحكام سحت وكذلك ثمن الكلب إلا ما كان سلوقيا
للصيد، فاستثنى السلوقي فحسب والأظهر ما ذكرناه لأنه لا خلاف بيننا أن لهذه الكلاب
الأربعة ديات وأنه يجب على قاتلها، وشيخنا فقد رجع في هذا الكتاب في مسائل خلافه عما
ذكره في نهايته ثم قال في نهايته: وبيع جميع السباع والتصرف فيها والكسب بها محظور إلا بيع
الفهود خاصة فإنه لا بأس بالتكسب بها والتجارة فيها لأنها تصلح للصيد. وقد قلنا
ما عندنا في السباع وجلودها وهو أنه يجوز بيعها لأخذ جلدها لأن جلود السباع لا خلاف أنها
مع الذكاة الشرعية يجوز بيعها وهي طاهرة وبمجرد الذكاة يجوز بيع الجلود بلا خلاف وبانضمام
الدباع يصح التصرف فيها في جميع الأشياء من لبس وفرش ودثار وحرز المائعات لأنها
طاهرة إلا الصلاة فإنها لا يجوز فيها فحسب، وما عدا الصلاة فلا بأس بالتصرف فيها.
وقال شيخنا في مبسوطه: وما لا يؤكل لحمه مثل الفهد والنمر والفيل وجوارح الطير مثل
البزاة والصقور والشواهين والعقبان والأرنب والثعلب وما أشبه ذلك وقد ذكرناه في النهاية
فهذا كله يجوز بيعه، وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر
الحشرات من الحيات والعقارب والفأر والخنافس والجعلان والحدأة والنسر والرخمة وبغاث
الطير وكذلك الغربان سواء كان أبقع أو أسود. ثم قال رحمه الله: وأما غير الحيوان فعلى ضربين:
أحدهما نجس والآخر طاهر. فالنجس على ضربين: نجس العين ونجس بالمجاورة. فأما نجس
العين فلا يجوز بيعه كجلود الميتة قبل الدباع وبعده والخمر والدم والبول والعذرة وسرجين ما
لا يؤكل لحمه ولبن ما لا يؤكل لحمه من البهائم. هذا آخر ما ذكر شيخنا في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس: الذي ذكره رحمه الله في مبسوطه رجوع منه عما ذكره في نهايته لأن في
النهاية حرم بيع جميع السباع إلا الفهود، والصحيح ما ذكره في مبسوطه إلا ما استثناه من
الأسد والذئب لأنه جعل ذلك في قسم ما لا ينتفع به، وقد قلنا أنه لا خلاف في الانتفاع بجلد
404

ذلك بعد الذكاة في البيع وبانضمام الدباع في التصرف فيه بأنواع التصرفات إلا الصلاة
فلا فرق بين الذئب والأسد وبين الأرنب والثعلب، فأما قوله: وبغاث الطير لا يجوز بيعه، المراد
بذلك هاهنا الطير المحرم الذي لا تحله الذكاة غير الجارح الذي يصلح للصيد لأن البغاث
من الطير هو الذي لا يصطاد عند العرب سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، قال
الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخا وأم الصقر مقلات نزور
المقلات: هي التي لا يعيش لها ولد ونزور من النزر وهو القليل.
ولا بأس بشراء الهر وبيعه وأكل ثمنه وبيع الجري والمارماهي والطافي وكل سمك
لا يحل أكله مثل الجريث - وهو الجري والجيم من الاسمين مكسورة وكذلك الراء مكسورة
أيضا مشددة - وكذلك الضفادع والسلاحف وجميع ما لا يحل أكله حرام بيعه إلا ما استثناه
أصحابنا من بيع الدهن النجس لمن يستصبح به تحت السماء بهذا الشرط فإنه يصح بيعه
بهذا التقيد لإجماعهم على ذلك.
ومعونة الظالمين وأخذ الأجرة على ذلك محرم محظور فأما أخذ الأجرة منهم على غير
معونة الظلم فلا بأس بذلك مثل رعي غنمهم وحفاظ أملاكهم وغسل ثيابهم وغير ذلك،
وإنما المحرم أخذ أجرة المعونة على الظلم.
ومعالجة الزينة للرجال بما حرمه الله عليهم حرام وكسب المغنيات وتعلم الغناء حرام
وكسب النوائح بالأباطيل حرام على ما قلناه ولا بأس بذلك على أهل الدين بالحق من
الكلام.
وأما المباح على كل حال:
فهو كل مباح من المآكل والمشارب وكل ما لم يكن من جملة ما ذكرنا كونه محظورا
ولا من جملة ما يكون مكروها على ما نذكره.
ومن المباح إذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شئ
من ذلك جاز له أن يأخذ منه إذا كان مستحقا ومن أهله مثل ما يعطي غيره ولا يفضل نفسه
405

على أحد إلا أن يفضله صاحب المال، فإن عين له على أقوام بأعيانهم لم يجز لم يجز له أن
يتعدى ما أمره به ولا يجوز له أخذ شئ منه عند ذلك، وكسب القابلة
حلال وكسب الحجام حلال طلق إذا لم يشترط.
فأما المكروه:
فجميع ما كره من المآكل والمشارب، وكسب الحجام إذا شارط، والرزق على القضاء
وتنفيذ الأحكام من قبل الإمام العادل، والأجر على تعليم القرآن، ونسخ المصاحف مع
الشرط في ذلك ومع ارتفاعه فهو حلال طلق،
وهذا مذهب جميع أصحابنا وعليه إجماعهم منعقد ومذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وفي
جميع كتبه إلا في استبصاره فإنه ذهب إلى حظره مع الشرط وإلى كراهته مع ارتفاع الشرط
معتمدا على خبر روته رجال الزيدية فأراد أن يجمع بينه وبين ما رواه أصحابنا من الأخبار
الواردة بالكراهة مع الشرط وليس في أخبارنا التي أوردها رحمه الله في استبصاره ما يدل على
الحظر والتحريم، ولا يلتفت إلى خبر شاذ يرويه رجال الزيدية، وأيضا أخبار الآحاد وإن
كانت رجالها عدولا لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها بل المرجع في ذلك إلى الأدلة القاطعة
للأعذار، ولا خلاف بيننا في أن تعليم القرآن يجعل مهورا للنساء ويستباح به الفروج فكيف
يصح أن يجعل الأجرة المحرمة مهرا؟ وما قاله شيخنا في هذا الكتاب المشار إليه أعني
الاستبصار فعلى طريق التأويل والوساطة والجمع دون الاعتقاد لكونه محرما محظورا لأن
ما يقال على طريق التأويل والمناظرة لا يكون مذهبا لقائله لأن المقصود فيه غير ذلك من دفع
الخصم وتأويل الكلام، وهذا يجري للسيد المرتضى في مناظرته الخصوم كثيرا وإن كان فتواه
وعمله واعتقاده غير ذلك في المسألة، فلا يظن ظان ولا يتوهم متوهم على شيخنا أبي جعفر
رحمه الله أنه يعتقد حظر ذلك.
وأجر المغنيات في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل على ما روي، والأظهر أن الغناء محرم
ممن كان، والصرف وبيع الطعام وعظام الفيل وعملها عند بعض أصحابنا وهو ابن البراج
والأظهر أن ذلك ليس بمكروه، وبيع الأكفان والنساجة والحياكة على ما روي في الأخبار،
406

والذباحة وركوب البحر للتجارة، وكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامه
للنتاج مكروه وليس بمحظور عند أصحابنا بل إجماعهم منعقد على أن ذلك حلال، ولا بأس
بأخذ الأجر على تعليم الحكم - جمع حكمة - والآداب وعلى نسخها وتخليدها - بالخاء -
الكتب، وينبغي للمعلم أن يسوي بين الصبيان في التعليم والأخذ عليهم ولا يفضل
بعضهم في ذلك على بعض إلا أن يؤجر نفسه لهذا على تعليم مخصوص وهذا يستأجره على
تعليم مخصوص، وإلا إذا استؤجر على التعليم لجميعهم بالإطلاق فلا يجوز له أن يفضل
بعضهم على بعض في التعليم لأنه استؤجر عليه سواء كانت أجرة بعضهم أكثر من أجرة
بعض آخر، ولا بأس بأخذ الأجرة على نسخ كتب العلوم الدينية والدنياوية، ولا يجوز نسخ
كتب الكفر والضلال وتخليدها الكتب إلا لإثبات الحجج بذلك على الخصم أو النقض له
على ما قدمناه، ولا بأس بأخذ الأجرة على الخطب في الإملاكات وعقود النكاح، ولا بأس
بأخذ الأجرة على ختن الرجال وخفض الجواري وكل صنعة من الصنائع المباحة إذا أدى
فيها الأمانة إذا تمكن لم يكن بها بأس، وإن لم يؤد فيها الأمانة أو لا يتمكن معها من القيام
بالواجبات وترك المقبحات فلا يجوز التعرض بشئ منها.
ومن جميع مالا من حلال وحرام ثم لم يتميز له بالمقدار ولا بالعين أخرج منه الخمس
وحل له التصرف في الباقي، فإن تميز له الحرام منه وجب عليه رده على صاحبه لا يسوع له
سواه، فإن لم يجده رده على ورثته، فإن لم يجد وارثا أمسكه وحفظه وطلب الوارث فإن لم
يخلف وارثا وقطع على ذلك فهو لإمام المسلمين لأنه ميراث من لا وارث له.
ولا بأس ببيع الخشب لمن يجعله صنما أو صليبا أو شيئا من الملاهي لأن الوزر على من
يجعله كذلك لا على الذي باع الآلة،
على ما رواه أصحابنا، والأولى عندي تجنب ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن وجد عنده سرقة كان ضامنا لها إلا أن يأتي على شرائها
ببينة.
قال محمد بن إدريس: هو ضامن سواء أتى على شرائها ببينة أو لم يأت بغير خلاف، ومقصود
شيخنا أنه ضامن بل هل يرجع على من اشتراها منه بالغرامة أم لا؟ فإن كان اشتراها مع
407

العلم بأنها سرقة وقال له البائع لها: هذه سرقة، واشتراها كذلك فإذا غرم لا يرجع على من
باعها بالغرامة لأنه ما غره ولأنه أعطاه ماله بغير عوض في مقابلته، وأما إن لم يعلمه ولا علم
أنها سرقة وباعه إياها على أنها ملكه فمتى غرم رجع عليه بما غرمه لأنه غره.
ولا بأس بعمل الأشربة المباحة وأخذ الآخذ الأجرة عليها، ولا بأس بأخذ الأجرة في
النيابة عن انسان في وكالة بالبيع والشراء وغير ذلك، ولا يجوز لأجير الانسان الذي عقد
عليه مدة معلومة أن يعمل لغيره في تلك المدة عملا لأنه استحق منافعه مدة تلك المدة
والزمان فإن أذن له المستأجر في ذلك كان جائزا.
وإذا مر الانسان بالثمرة جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يحمل شيئا منها على حال
من غير قصد إلى المضي إلى الثمرة للأكل، بل كان الانسان مجتازا في حاجة ثم مر بالثمار
سواء كان أكله منها لأجل الضرورة أو غير ذلك،
على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه لأن الأخبار في ذلك متواترة والإجماع منعقد منهم ولا يعتد
بخبر شاذ أو خلاف من يعرف اسمه ونسبه لأن الحق مع غيره:
وقد روي أنه يكره للإنسان أن ينزي الحمير على الخيل وليس ذلك بمحظور على ما روي
في بعض الأخبار، ولا بأس أن يبدرق الانسان القوافل ويأخذ على ذلك الأجر إذا كان باختيار
من يخفره ومستأجرا معه.
قال شيخنا في نهايته: ومن آجر مملوكا له فأفسد المملوك شيئا لم يكن على مولاه ضمان ما
أفسده لكنه يستسعي العبد في مقدار ما أفسده، وقال رحمه الله في الجزء الثاني من نهايته في
باب الإجارات: ومن استأجر مملوك غيره من مولاه فأفسد المملوك شيئا أو أبق قبل أن يفرع
من عمله كان مولاه ضامنا لذلك.
قال محمد بن إدريس: ووجه الجمع بين قوليه رحمه الله وتحرير ذلك والفتوى به إن المسألة
الأولى في التي ذكرها في آخر الجزء الأول من نهايته من قوله: لم يكن على مولاه ضمان ما
أفسده، يريد بذلك ما عدا الأجرة لأن المملوك لا يضمن سيده جنايته التي على غير بني آدم
ولا يستسعي فيها ولا يباع على الصحيح من أقوال أصحابنا، ولأن بيعه يحتاج إلى دليل
وانتقال ملكه إلى ملك غير سيده يحتاج إلى شرع، وقوله رحمه الله: لكنه يستسعي العبد في
408

مقدار ما أفسده، فغير واضح لأنه مخالف للإجماع وإنما ورد بعض أخبار الآحاد بذلك فأورده
إيرادا لا اعتقادا، فأما المسألة التي أوردها في الجزء الثاني في كتاب الإجارات من قوله: كان
مولاه ضامنا لذلك، يريد به ضامنا للأجرة الباقية وهذا صحيح يرجع على السيد بها بغير
خلاف، فأما ضمان ما أفسده فلا ضمان على السيد بغير خلاف لأن الانسان بغير خلاف
لا يضمن ما يجنيه عبده على ما عدا بني آدم وكذلك إن جنى على بني آدم لا يكون سيده عاقلة له
ولا يؤدى إلا إذا تبرع، وشيخنا قال هناك: يستسعي، ولم يقل يضمن سيده ما أفسده، وقال
هاهنا أعني في الجزء الثاني: يضمن سيده، وهذا على ما تراه يدلك على ما نبهنا عليه وصحة
ما حررناه.
ولا بأس ببيع جوارح الطير التي تصلح للصيد بها كلها وأخذ ثمنها والتكسب بها
بجميع الوجوه.
وقد حث وندب على طلب الكسب من الحلال ما لا يحصى كثرة قال الله تعالى: يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير
لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله.
وقال سبحانه: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون
وجعلنا لكم فيها معايش، الآية فأمر الله تعالى بالاكتساب من فضله وبين أنه قد جعل
لعباده من المعيشة ما يتمكنون من التصرف فيه بما يقوم بهم ويستعينون به على صلاح
أحوالهم.
وروي عن النبي ص أنه قال: إذا أعسر أحدكم فليخرج يضرب في الأرض
يبتغي من فضل الله ولا يغم نفسه وأهله.
وروي عنه ص أنه قال لأصحابه في حجة الوداع: إني والله
لا أعلم عملا يقربكم من الجنة إلا وقد نبأتكم به ولا أعلم عملا يقربكم إلى النار إلا وقد
نهيتكم عنه وأن الروح الأمين نفث في روعي - يضم الراء وهو النفس والبال - إن نفسا
لا تموت حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب.
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: ما غدوة أحدكم في سبيل الله بأعظم من
409

غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم
410

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي 602 - 676 ه‍ ق
411

كتاب التجارة وهو مبني على فصول:
الأول: فيما يكتسب به:
وهو ينقسم إلى: محرم ومكروه ومباح.
فالمحرم منه أنواع:
الأول: الأعيان النجسة كالخمرة والأنبذة والفقاع وكل مائع نجس عدا الأدهان لفائدة
الاستصباح بها تحت السماء والميتة والدم وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، وربما قيل
بتحريم الأبوال كلها إلا بول الإبل خاصة، والأول أشبه، والخنزير وجميع أجزائه وجلد
الكلب وما يكون منه.
الثاني:
ما يحرم لتحريم ما قصد به كآلات اللهو مثل العود والزمر، وهياكل العبادة
المبتدعة كالصليب والصنم، وآلات القمار كالنرد والشطرنج وما يفضي إلى المساعدة على
محرم كبيع السلاح لأعداء الدين وإجارة المساكن والسفن للمحرمات وكبيع العنب
ليعمل خمرا وبيع الخشب ليعمل صنما ويكره بيع ذلك لمن يعملها.
الثالث: ما لا ينتفع به كالمسوخ: برية كانت كالقردة والدب، وفي الفيل تردد
والأشبه جواز بيعه الانتفاع بعظمه، أو بحرية كالجري والضفادع والسلاحف
والطافي، والسباع كلها إلا الهر، والجوارح: طائرة كانت كالبازي أو ماشية
413

الرابع: ما هو محرم في نفسه: كعمل الصور المجسمة والغناء ومعونة الظالمين بما يحرم
ونوح النائحة بالباطل وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض وهجاء المؤمنين وتعلم
السحر والكهانة والقيافة والشعبذة والقمار والغش بما يخفى كشوب اللبن بالماء وتدليس
الماشطة وتزيين الرجل بما يحرم عليه.
الخامس: ما يجب على الانسان معه كتغسيل الموتى وتكفينهم وتدفينهم وقد يحرم
الاكتساب بأشياء أخر تأتي من أماكنها إن شاء الله تعالى.
مسألة: أخذ الأجرة على الأذان حرام، ولا بأس بالرزق من بيت المال وكذا الصلاة
بالناس والقضاء على تفصيل سيأتي، ولا بأس بأخذ الأجرة على عقد النكاح.
والمكروهات ثلاثة: ما يكره لأنه يفضي إلى محرم أو مكروه غالبا: كالصرف وبيع الأكفان
والطعام والرقيق واتخاذ الذبح والنحر صنعة، وما يكره لضعته: كالنساجة والحجامة إذا
اشترط، وضراب الفحل، وما يكره لتطرق الشبهة: كمكسب الصبيان ومن لا يتجنب
المحارم، وقد تكره أشياء تذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى.
وما عدا ذلك مباح.
مسائل:
الأولى: لا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب الصيد، وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردد
والأشبه المنع، نعم يجوز إجارتها، ولكل واحد من هذه الأربعة دية لو قتله غير المالك.
الثانية: الرشى حرام سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل.
الثالث: إذا دفع الانسان مالا إلى غيره ليصرفه في قبيل وكان المدفوع إليه بصفتهم، فإن
عين له عمل بمقتضى تعيينه وإن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.
الرابعة: الولاية من قبل السلطان العادل جائزة، وربما وجبت كما إذا عينه إمام الأصل أو لم
يمكن دفع المنكر أو الأمر بالمعروف إلا بها، وتحرم من قبل الجائر، إذا لم يأمن اعتماد ما يحرم،
ولو أمن ذلك وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت، ولو أكره جاز له
الدخول دفعا للضرر اليسير على كراهية، وتزول الكراهية لدفع الضرر الكثير كالنفس أو
414

المال أو الخوف على بعض المؤمنين.
الخامسة: إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره مع عدم القدرة
على التفصي، إلا في الدماء المحرمة فإنه لا تقية فيها.
السادسة: جوائز الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام وإلا فهي حلال، وإن قبضها
أعادها على المالك فإن جهله أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه، ولا يجوز إعادتها على غير
مالكها مع الإمكان.
السابعة: ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة والأموال باسم الخراج عن
حق الأرض ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز ابتياعه وقبول هبته، ولا تجب إعادته على أربابه
وإن عرف بعينه.
الفصل الثاني: في عقد البيع وشروطه وآدابه:
العقد: هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم، ولا يكفي
التقابض من غير لفظ وإن حصل من الأمارات ما يدل على إرادة البيع سواء كان في الحقير
أو الخطير، ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر، ولا ينعقد إلا بلفظ الماضي فلو قال: اشتر أو
ابتع أو أبيعك، لم يصح وإن حصل القبول، وكذا في طرف القبول مثل أن يقول: بعني أو
تبيعني، لأن ذلك أشبه بالاستدعاء أو بالاستعلام، وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟
فيه تردد والأشبه عدم الاشتراط، ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان
مضمونا عليه.
وأما الشروط:
فمنها ما يتعلق بالمتعاقدين: وهو: البلوغ والعقل والاختيار فلا يصح بيع الصبي
ولا شراؤه ولو أذن له الولي، وكذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر، وكذا المجنون والمغمى
عليه والسكران غير المميز والمكره، ولو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره
للوثوق بعبارته. ولو باع المملوك أو اشترى بغير إذن سيده لم يصح، فإن أذن له جاز، ولو
415

أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه قيل: لا يجوز، والجواز أشبه.
وأن يكون البائع مالكا أو ممن له أن يبيع عن المالك كالأب والجد للأب والوكيل
والوصي والحاكم وأمينه. فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليه على الأظهر، ولا
يكفي سكوته مع العلم ولا مع حضور العقد، فإن لم يجز كان له انتزاعه من
المشتري ويرجع المشتري على البائع بما دفعه إليه وما اغترمه من نفقة أو عوض عن أجرة أو نماء إذا لم يكن
عالما أنه لغير البائع، أو ادعى البائع أن المالك أذن له. وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما
اغترم، وقيل: لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب.
وكذا لو باع ما يملك وما لا يملك مضى بيعه فيما يملك وكان فيما لا يملك موقوفا على
الإجازة، ويقسط الثمن بأن يقوما جميعا ثم تقوم أحدهما ويرجع على البائع بحصته من
الثمن إذا لم يجز المالك، ولو أراد المشتري رد الجميع كان له ذلك، وكذا لو باع ما يملك وما
لا يملكه المسلم أو ما لا يملكه مالك كالعبد مع الحر والشاة مع الخنزير والخل مع الخمر.
والأب والجد للأب يمضى تصرفهما ما دام الولد غير رشيد وتنقطع ولايتهما بثبوت
البلوغ والرشد، ويجوز لهما أن يتوليا طرفي العقد فيجوز أن يبيع عن ولده من غيره وعن
نفسه من ولده وعن ولده من نفسه، والوكيل يمضي تصرفه على الوكل ما دام الموكل حيا
جائز التصرف، وهل يجوز أن يتولى طرفي العقد؟ قيل نعم وقيل لا وقيل: إن علم الموكل
جاز وهو الأشبه، فإن أوقع قبل إعلامه وقف على الإجازة.
والوصي لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة والتردد في توليه لطرفي العقد كالوكيل وقيل:
يجوز أن يقوم على نفسه وأن يقترض إذا كان مليا، وأما الحاكم وأمينه فلا يليان إلا على
المحجور عليه لصغر أو سفه أو فلس أو حكم على غائب، وأن يكون المشتري مسلما إذا
ابتاع عبدا مسلما، وقيل: يجوز ولو كان كافرا ويجبر على بيعه من مسلم، والأول أشبه، ولو
ابتاع الكافر أباه المسلم، هل يصح؟ فيه تردد، والأشبه الجواز لانتفاء السبيل بالعتق.
ومنها ما يتعلق بالمبيع: وقد ذكرنا بعضها في الباب الأول ونزيد هاهنا شروطا،
الأول: أن يكون مملوكا، فلا يصح بيع: الحر وما لا منفعة فيه كالخنافس والعقارب
416

والفضلات المنفصلة عن الانسان كشعره وظفره ورطوباته عدا اللبن، ولا مما يشترك
المسلمون فيه قبل حيازته كالكلأ والماء والسموك والوحوش قبل اصطيادها والأرض
المأخوذة عنوة، وقبل: يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف وفي بيع بيوت مكة تردد والمروي
المنع، أما ماء البئر فهو ملك لمن استنبطه وماء النهر لمن حفره ومثله كل ما يظهر في الأرض
من المعادن فهي لمالكها تبعا لها.
الثاني: أن يكون طلقا فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى خرابه لاختلاف بين أربابه
ويكون البيع أعود على الأظهر، ولا بيع أو الولد ما لم يمت ولدها أو في ثمن رقبتها مع إعسار
مولاها، وفي اشتراط موت المالك تردد، ولا بيع الرهن إلا مع الإذن، ولا يمنع جناية العبد من
بيعه ولا من عتقه عمدا كانت الجناية أو خطأ.
الثالث: أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما
يصح بيعه، ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع عن البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة،
ويصح بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر والسموك المملوكة المشاهدة في المياه
المحصورة، ولو باع ما يتعذر تسلمه إلا بعد مدة فيه تردد، ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار
للمشتري كان قويا.
الرابع: أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف، فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد،
ولو تسلمه المشتري فتلف كان مضمونا عليه بقيمته يوم قبضه، وقيل: بأعلى القيم من قبضه
إلى يوم تلفه، وإن نقص فله أرشه، وإن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإن لم يكن
عينا.
الخامس: أن يكون المبيع معلوما، فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا ولو كان
مشاهدا كالصبرة ولا بمكيال مجهول، ويجوز ابتياع جزء من معلوم بالنسبة مشاعا سواء
كانت أجزاؤه متساوية أو متفاوتة، ولا يجوز ابتياع شئ مقدر منه إذا لم يكن متساوي الأجزاء
كالذراع من الثوب أو الجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع،
وكذا لو باع قطيعا واستثنى منه شاة أو شياها غير مشار إلى عينها، ويجوز ذلك في المتساوي
الأجزاء كالقفيز من كر، وكذا يجوز لو كان من أصل مجهول كبيع مكوك من صبرة مجهولة
417

القدر. وإذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر بمكيال ويؤخذ بحسابه، ويجوز بيع الثوب
والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا، ولو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر
إدراكه بالمشاهدة، وتكفي مشاهدة البيع عن وصفه ولو غاب وقت الابتياع إلا أن يمضي مدة
جرت العادة بتغير المبيع فيها، وإذا احتمل التغيير، كفى البناء على الأول، وثبت له الخيار
إن ثبت التغير، وإن اختلفا فيه فالقول قول المبتاع مع يمينه على تردد.
فإن كان المراد منه الطعم أو الريح فلا بد من اختباره بالذوق أو الشم، ويجوز شراؤه
من دون ذلك بالوصف كما يشتري الأعمى الأعيان المرئية، وهل يصح شراؤه من غير
اختبار ولا وصف على أن الأصل الصحة؟ فيه تردد، والأولى الجواز وله الخيار بين الرد
والأرش إن خرج معيبا، ويتعين الأرش مع إحداث حدث فيه ويتساوى في ذلك الأعمى
والمبصر، وكذا ما يؤدي اختباره إلى فساده كالجوز والبطيخ والبيض فإن شراءه جائز مع
جهالة ما في بطونه، ويثبت للمشتري الأرش بالاختبار مع العيب دون الرد، وإن لم يكن
لمكسوره قيمة رجع بالثمن كله.
ولا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره على
الأصح وكذا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما يحتلب منه، وكذا الجلود والأصواف والأوبار
والشعر على الأنعام ولو ضم إليه غيره وكذا ما في بطونها وكذا إذا ضمها وكذا ما يلقح
الفحل.
مسألتان:
الأولى: المسك طاهر يجوز بيعه في فأره وإن لم يفتق وفتقه أحوط.
الثانية: يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة، ولا يجوز وضع
ما يزيد إلا بالمراضاة ويجوز بيعه مع الظروف من غير وضع.
وأما الآداب: فيستحب: أن يتفقه فيما يتولاه وأن يسوي البائع بين المبتاعين في
الانصاف وأن يقيل من استقاله وأن يشهد الشهادتين ويكبر الله سبحانه إذا اشترى وأن
يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
418

ويكره مدح البائع لما يبيعه وذم المشتري لما يشتريه، واليمين على البيع والبيع في موضع
يستتر فيه العيب، والربح على المؤمن إلا مع الضرورة وعلى من يعده بالإحسان، والسوم ما
بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والدخول إلى السوق أولا، ومبايعة الأدنين وذوي
العاهات والأكراد، والتعرض للكيل أو الوزن إذا لم يحسنه والاستحطاط من الثمن بعد
العقد والزيادة في السلعة وقت النداء، ودخول المؤمن في سوم أخيه على الأظهر وأن يتوكل
حاضر لباد وقيل يحرم، والأول أشبه.
ويلحق بذلك مسألتان:
الأولى: تلقي الركبان مكروه وحده أربعة فراسخ إذا قصده ولا يكره إن اتفق، ولا يثبت
للبائع الخيار إلا أن يثبت الغبن الفاحش، والخيار فيه على الفور مع القدرة وقيل: لا
يسقط إلا بالإسقاط، وهو الأشبه وكذا حكم النجش، وهو أن يزيد لزيادة من واطأه البائع.
الثانية: الاحتكار مكروه وقيل حرام، والأول أشبه، وإنما يكون في الحنطة والشعير
والتمر والزبيب والسمن وقبل وفي الملح، بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن ولا يوجد
بائع ولا باذل، وشرط آخرون أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام وفي الرخص أربعين. ويجبر
المحتكر على البيع ولا يسعر عليه وقيل يسعر، والأول أظهر.
الفصل الثالث: في الخيار:
والنظر في أقسامه وأحكامه.
أما أقسامه فخمسة:
الأول: خيار المجلس، فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع ولكل من المتبايعين خيار
الفسخ ما داما في المجلس، ولو ضرب بينهما حائل لم يبطل الخيار وكذا لو أكرها على
التفرق ولم يتمكنا من التخاير، ويسقط باشتراط سقوطه في العقد وبمفارقة كل واحد منهما
صاحبه ولو بخطوة وبإيجابهما إياه أو أحدهما ورضا الآخر، ولو التزم أحدهما سقط خياره
419

دون صاحبه. ولو خيره فسكت فخيار الساكت باق وكذا الآخر وقيل فيه يسقط، والأول
أشبه، ولو كان العاقد واحدا عن اثنين كالأب والجد كان الخيار ثابتا، ما لم يشترط سقوطه
أو يلتزم به عنهما بعد العقد أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول.
الثاني: خيار الحيوان، والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر،
ويسقط باشتراط سقوطه في العقد وبالتزامه بعده وبإحداثه فيه حدثا كوطء الأمة وقط الثوب،
وبتصرفه فيه سواء كان تصرفا لازما كالبيع أو لم يكن كالهبة قبل القبض والوصية.
الثالث: خيار الشرط، وهو بحسب ما يشترطانه أو أحدهما لكن يجب أن يكون مدة
مضبوطة، ولا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج ولو شرط كذلك بطل
البيع، ولكل منهما أن يشترط الخيار لنفسه ولأجنبي وله مع الأجنبي، ويجوز اشتراط المؤامرة
واشتراط مدة يرد البائع فيها الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع.
الرابع: خيار الغبن، من اشترى شيئا ولم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجر العادة
بالتغابن به كان له فسخ العقد إذا شاء، ولا يسقط ذلك الخيار بالتصرف إذا لم يخرج عن
الملك أو يمنع مانع من رده كالاستيلاد في الأمة والعتق ولا يثبت به أرش.
الخامس: خيار العيب، من باع ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ولا اشتراط تأخير الثمن
فالبيع لازم ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن وإلا كان البائع أولى بالمبيع، ولو تلف
كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على الأشبه، وإن اشترى ما يفسد من يومه، فإن جاء
بالثمن قبل الليل وإلا فلا بيع له، وخيار العيب يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
وأما أحكامه: فتشتمل على مسائل:
الأولى: خيار المجلس، لا يثبت في شئ من العقود عدا البيع، وخيار الشرط يثبت
في كل عقد عدا النكاح والوقف وكذا الإبراء والطلاق والعتق إلا على رواية شاذة.
الثانية: التصرف يسقط خيار الشرط كما يسقط خيار الثلاثة ولو كان الخيار لهما
وتصرف أحدهما سقط خياره، ولو أذن أحدهما وتصرف الآخر سقط خيارهما.
الثالثة: إذا مات من له الخيار انتقل إلى الوارث من أي أنواع الخيار كان، ولو جن قام
420

وليه مقامه ولو زال العقد لم ينقض تصف الولي، ولو كان الميت مملوكا مأذونا ثبت
الخيار لمولاه.
الرابعة: المبيع يملك بالعقد وقيل به وبانقضاء الخيار، والأول أظهر، فلو تجدد له
نماء كان للمشتري، ولو فسخ العقد رجع على البائع بالثمن ولم يرجع البائع بالنماء.
الخامسة: إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، وإن تلف بعد قبضه وبعد
انقضاء الخيار فهو من مال المشتري. وإن كان في زمن الخيار من غير تفريط وكان
الخيار للبائع فالتلف من المشتري، وإن كان الخيار للمشتري فالتلف من البائع.
فرعان:
الأول: خيار الشرط، يثبت من حين التفرق وقيل: من حين العقد، وهو الأشبه.
الثاني: إذا اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما على التعيين صح، وإن أبهم
بطل.
ويلحق بذلك خيار الرؤية: وهو بيع الأعيان من غير مشاهدة فيفتقر ذلك إلى ذكر
الجنس، وأريد به هنا اللفظ الدال على القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة كالحنطة
مثلا أو الأرز أو الإبريسم، وإلى ذكر الوصف وهو اللفظ الفارق بين أفراد ذلك الجنس
كالصرابة في الحنطة أو الحدارة أو الدقة.
ويجب أن يذكر كل وصف يثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه، ويبطل مع
الإخلال بذينك الشرطين أو أحدهما، ويصح مع ذكرهما سواء كان البائع رآه دون
المشتري أو بالعكس أو لم يرياه جميعا بأن وصفه لهما ثالث، فإن كان المبيع على ما ذكر
فالبيع لازم وإلا كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع وبين التزامه، وإن كان المشتري
رآه دون البائع كان الخيار للبائع، وإن لم يكونا رأياه كان الخيار لكل واحد منهما، ولو
اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف له سائرها ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم تكن على
الوصف.
421

الفصل الرابع: في أحكام العقود:
والنظر في أمور ستة:
الأول: في النقد والنسيئة:
من ابتاع متاعا مطلقا أو اشترط التعجيل كان الثمن حالا وإن اشترط تأجيل الثمن
صح، ولا بد من أن تكون مدة الأجل معينة لا يتطرق إليها احتمال الزيادة والنقصان، ولو
اشترط تأجيل الثمن ولم يعين أجلا أو عين أجلا مجهولا كقدوم الحاج كان البيع باطلا،
ولو باع بثمن حال أو بأزيد منه إلى أجل قبل يبطل، والمروي أنه يكون للبائع أقل
الثمنين في أبعد الأجلين، ولو باع كذلك إلى وقتين متأخرين كان باطلا.
وإذا اشترط تأخير الثمن إلى أجل ثم ابتاعه البائع قبل حلول الأجل جاز بزيادة كان
أو بنقصان حالا ومؤجلا إذا لم يكن شرط ذلك في حال بيعه، وإن حل الأجل فابتاعه
بمثل ثمنه من غير زيادة جاز وكذا إن ابتاعه بغير جنس ثمنه بزيادة أو نقيصة حالا أو
مؤجلا، وإن ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة فيه روايتان أشهرهما الجواز.
ولا يجب على من اشترى مؤجلا أن يدفع الثمن قبل الأجل وإن طولب، ولو دفعه
تبرعا لم يجب على البائع أخذه، فإن حل فمكنه منه وجب على البائع أخذه، فإن امتنع
من أخذه ثم هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من مال البائع على الأظهر،
وكذا في طرف البائع إذا باع سلما، وكذا كل من كان له حق حال أو مؤجل فحل ثم دفعه
وامتنع صاحبه من أخذه، فإن تلفه من صاحبه الذي يجب عليه قبضه على الوجه
المذكور.
ويجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا بزيادة عن ثمنه إذا كان المشتري عارفا بقيمته،
ولا يجوز تأخير ثمن المبيع ولا شئ من الحقوق المالية بزيادة فيها ويجوز تعجيلها
بنقصان منها ومن ابتاع شيئا بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة فليذكر الأجل، فإن باع ولم
يذكره كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه بما وقع عليه العقد، والمروي: أنه يكون
للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع.
422

النظر الثاني: فيما يدخل في المبيع:
والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة أو عرفا، فمن باع بستانا دخل الشجر
والأبنية فيه، وكذا من باع دارا دخل فيها الأرض والأبنية والأعلى والأسفل، إلا أن يكون
الأعلى مستقلا بما تشهد العادة بخروجه مثل أن يكون مساكن منفردة، ويدخل الأبواب
والأغلاق المنصوبة في بيع الدار وإن لم يسمها، وكذا الأخشاب المستدخلة في البناء والأوتاد
المثبتة فيه والسلم المثبت في الأبنية على حذو الدرج، وفي دخول المفاتيح تردد ودخولها
أشبه، ولا تدخل الرحى المنصوبة إلا مع الشرط.
ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في المبيع، فإن قال بحقوقها قيل يدخل ولا
أرى هذا شيئا، بل لو قال: وما دار عليها حائطها أو ما شاكله، لزم دخوله، ولو استثنى نخلة
فله الممر إليها والمخرج منها ومدى جرائدها من الأرض، ولو باع أرضا وفيها نخل أو شجر
كان الحكم كذلك وكذا لو كان فيها زرع سواء كانت له أصول تستخلف أو لم يكن لكن
تجب تبقيته في الأرض حتى يحصد.
ولم باع نخلا قد أبر ثمرها فهو للبائع لأن اسم النخلة لا يتناوله، ولقوله ع:
من باع نخلا مؤبرا، فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المشتري، ويجب على المشتري تبقيته
نظرا إلى العرف، وكذا لو اشترى ثمرة كان للمشتري تبقيتها على الأصول نظرا إلى العادة،
وإن باع النخل ولم يكن مؤبرا فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب، ولو انتقل النخل
بغير البيع فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبرة أو لم تكن، وسواء انتقلت بعقد معاوضة
كالإجارة والنكاح أو بغير عوض كالهبة وشبهها.
والإبار يحصل ولو تشققت من نفسها فأبرها اللواقح وهو معتبر في الإناث، ولا يعتبر في
فحول النخل ولا في غير النخل من أنواع الشجر اقتصارا على موضع الوفاق، فلو باع
شجرا فالثمرة للبائع على كل حال، وفي جميع ذلك له تبقية الثمرة حتى تبلغ أوان
أخذها، وليس للمشتري إزالتها إذا كانت قد ظهرت سواء كانت ثمرتها في كمام كالقطن
والجوز أو لم تكن إلا أن يشترطها المشتري، وكذا إن كان المقصود من الشجر ورده فهو
للبائع تفتح أو لم يتفتح
423

فروع:
الأول: إذا باع المؤبر وغيره كان المؤبر للبائع والآخر للمشتري، وكذا لو باع المؤبر لواحد
وغير المؤبر لآخر.
الثاني: تبقية الثمرة على الأصول يرجع فيها إلى العادة في تلك الثمرة، فما كان يخترف
بسرا يقتصر على بلوغه، وما كان لا يخترف في العادة إلا رطبا فكذلك.
الثالث: يجوز سقي الثمرة والأصول فإن امتنع أحدهما أجبر الممتنع، فإن كان السقي يضر
أحدهما رجحنا مصلحة المبتاع لكن لا يزيد عن قدر الحاجة، فإن اختلفا رجع فيه إلى أهل
الخبرة.
الرابع: الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض، لأنها من أجزائها وفيه
تردد.
النظر الثالث: في التسليم:
إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن فإن امتنعا جبرا، وإن امتنع أحدهما أجبر الممتنع
وقيل: يجبر البائع أولا، والأول أشبه سواء كان الثمن عينا أو دينا، ولو اشترط البائع
تأخير التسليم إلى مدة معينة جاز كما لو اشترط المشتري تأخير الثمن، وكذا لو اشترط
البائع سكنى الدار أو ركوب الدابة مدة معينة كان أيضا جائزا.
والقبض هو التخلية سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار أو مما ينقل ويحول كالثوب
والجوهر والدابة، وقيل: فيما ينقل القبض باليد أو الكيل فيما يكال أو الانتقال به في الحيوان،
والأول أشبه، وإذا تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري كان من مال البائع. وكذا إن
نقصت قيمته بحدث فيه كان للمشتري رده وفي الأرش تردد.
ويتعلق بهذا الباب مسائل:
الأولى: إذا حصل للمبيع نماء كالنتاج أو ثمرة النخل أو اللقطة كان ذلك
للمشتري، فإن تلف الأصل سقط الثمن عن المشتري وله النماء، ولو تلف النماء من غير
424

تفريط لم يلزم البائع دركه.
الثانية: إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز، فإن دفع الجميع إلى
المشتري جاز، وإن امتنع البائع، قيل: ينفسخ البيع لتعذر التسليم، وعندي أن المشتري
بالخيار، إن شاء فسخ وإن شاء كان شريكا للبائع كما إذا اختلط بعد القبض.
الثالثة: بم يلغ جملة فتلف بعضها، فإن كان للتألف قسط من الثمن كان للمشتري
فسخ العقد وله الرضا بحصة الموجود من الثمن كبيع عبدين أو نخلة فيها ثمرة لم
تؤبر، وإن لم يكن له قسط من الثمن كان للمشتري الرد أو أخذه بجملة الثمن كما إذا
قطعت يد العبد.
الرابعة: يجب تسليم المبيع مفرغا فلو كان فيه متاع وجب نقله أو زرع قد أحصد
وجب إزالته، ولو كان للزرع عروق تضر كالقطن والذرة أو كان في الأرض حجارة مدفونة
أو غير ذلك وجب على البائع إزالته وتسوية الأرض، وكذا لو كان له فيها دابة أو شئ
لا يخرج إلا بتغير شئ من الأبنية وجب اخراجه وإصلاح ما يستهدم.
الخامسة: لو باع شيئا فغصب من يد البائع، فإن أمكن استعادته في الزمان
اليسير لم يكن للمشتري الفسخ، وإلا كان له ذلك ولا يلزم البائع أجرة المدة على الأظهر،
فأما لو منعه البائع عن التسليم ثم سلم بعد مدة كان له الأجرة.
ويلحق بهذا بيع ما لم يقبض وفيه مسائل:
الأولى: من ابتاع متاعا ولم يقبضه ثم أراد بيعه كره ذلك إن كان مما يكال أو يوزن
وقيل: إذا كان طعاما لم يجز، والأول أشبه، وفي رواية يختص التحريم بمن يبيعه بربح فأما
التولية فلا، ولو ملك ما يريد بيعه بغير بيع كالميراث والصداق للمرأة والخلع جاز وإن لم
يقبضه.
الثانية: لو كان له على غيره طعام من سلم وعليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال
لنفسه من الآخر فعلى ما قلناه يكره، وعلى ما قالوه يحرم لأنه قبضه عوضا عما له قبل أن
يقبضه صاحبه، وكذا لو دفع إليه مالا وقال: اشتر به طعاما، فإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه
425

لنفسك صح الشراء دون القبض لأنه لا يجوز أن يتولى طرفي القبض وفيه تردد، ولو قال:
اشتر لنفسك، لم يصح للشراء ولا يتعين له بالقبض.
الثالثة: لو كان المالان فرضا أو المال المحال به قرضا صح ذلك قطعا.
الرابعة: إذا قبض المشتري المبيع ثم ادعى نقصانه، فإن لم يحضر كيله ولا وزنه
فالقول قوله فيما وصل إليه مع يمينه إذا لم يكن للبائع بينة، وإن كان حضر فالقول قول
البائع مع يمينه والبينة على المشتري.
الخامسة: إذا أسلفه في طعام بالعراق ثم طالبه بالمدينة لم يجب عليه دفعه، ولو طالبه
بقيمته قيل لم يجز لأنه بيع الطعام على من هو عليه قبل قبضه، وعلى ما قلناه يكره، وإن كان
قرضا جاز أخذ للعوض بسعر العراق، وإن كان غصبا لم يجب دفع المثل وجاز دفع القيمة
بسعر العراق، والأشبه جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان وبالقيمة الحاضرة عند
الإعواز.
السادسة: لو اشترى عينا بعين وقبض أحدهما ثم باع ما قبضه وتلف العين الأخرى
في يد بائعها بطل البيع الأول، ولا سبيل إلى إعادة ما بيع ثانيا بل يلزم البائع قيمته
لصاحبه.
النظر الرابع: في اختلاف المتبايعين:
إذا عين المتبايعان نقدا وجب، وإن أطلقا انصرف إلى نقد البلد إن كان فيه نقد غالب
وإلا كان البيع باطلا وكذا الوزن... فإن اختلفا:
فهاهنا مسائل:
الأولى: إذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع باقيا
موجودا وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفا.
الثانية: إذا اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله أو في قدر الأجل أو في اشتراط رهن من
البائع على الدرك أو ضمين عنه فالقول قول البائع مع يمينه.
426

الثالثة: إذا اختلفا في المبيع فقال البائع: فقال البائع: بعتك ثوبا، فقال: بل ثوبين،
فالقول قول البائع أيضا، فلو قال: بعتك هذا الثوب، فقال: بل هذا الثوب، فهاهنا دعويان
فيتحالفان وتبطل دعواهما، ولو اختلف ورثة البائع وورثة المشتري كان القول قول ورثة
البائع في المبيع وورثة المشتري في الثمن.
الرابعة: إذا قال: بعتك بعبد، فقال: بل بحر أو بخل، فقال: بل بخمر، أو قال:
فسخت قبل التفرق، وأنكره الآخر فالقول قول من يدعي صحة العقد مع يمينه وعلى الآخر
البينة.
النظر الخامس: في الشروط:
وضابطه ما لم يكن مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن ولا مخالفا للكتاب والسنة، ويجوز
أن يشترط ما هو سائغ داخل تحت قدرته كقصارة الثوب وخياطته، ولا يجوز اشتراط ما
لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع على أن يجعله سنبلا أو الرطب على أن يجعله تمرا ولا بأس
باشتراط تبقيته، ويجوز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه أو يدبره أو يكاتبه، ولو شرط أن
لا خسارة أو شرط ألا يعتقها أو يطأها قيل: يصح البيع ويبطل الشرط، ولو شرط في البيع
أن يضمن انسان بعض الثمن أو كله صح البيع والشرط.
تفريع:
إذا اشترط العتق في بيع المملوك، فإن أعتقه فقد لزم البيع، وإن امتنع كان للبائع خيار
الفسخ، وإن مات العبد قبل عتقه كان البائع بالخيار أيضا.
النظر السادس: في لواحق من أحكام العقود:
الصبرة لا يصح بيعها إلا مع المعرفة بكيلها أو وزنها، فلو باعها أو جزءا منها
مشاعا مع الجهالة بقدرها لم يجز، وكذا لو قال: بعتك كل قفيز منها
بدرهم أو بعتكها كل قفيز بدرهم، ولو قال: بعتك قفيزا منها، أو قفيزين مثلا صح.
427

وبيع ما يكفي فيه المشاهدة جائز كأن يقول: بعتك هذه الأرض أو هذه
الساحة أو جزء منها مشاعا، ولو قال: بعتكها كل ذراع بدرهم لم يصح إلا مع
العلم بذرعانها. ولو قال: بعتك عشرة أذرع منها، وعين الموضع جاز، ولو أبهمه لم
يجز لجهالة المبيع وحصول التفاوت في أجزائها بخلاف الصبرة.
ولو باعه أرضا على أنها جربان معينة فكانت أقل فالمشتري بالخيار بين فسخ
البيع وبين أخذها بحصتها من الثمن، وقيل: بل بكل الثمن، والأول أشبه، ولو
زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجارة بكل الثمن وكذا كل ما لا يتساوى
أجزاؤه، ولو نقص ما يتساوى أجزاؤه ثبت الخيار للمشتري بين الرد وأخذه بحصته
من الثمن، ولو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد بثمن واحد كبيع وسلف أو
إجارة وبيع أو نكاح وإجارة صح، ويقسط العوض على: قيمة المبيع وأجرة المثل
ومهر المثل، وكذا يجوز بيع السمن بظروفه، ولو قال: بعتك هذا السمن بظروفه
كل رطل بدرهم، كان جائزا.
الفصل الخامس: في أحكام العيوب:
من اشترى مطلقا أو بشرط الصحة اقتضى سلامة المبيع من العيوب، فإن
ظهر فيه هيب سابق على العقد، فالمشتري خاصة بالخيار بين فسخ العقد أو أخذ
الأرض ويسقط بالتبري من العيوب وبالعلم بالعيب قبل العقد وبإسقاطه بعد
العقد وكذا الأرش ويسقط الرد بإحداثه فيه حدثا كالعتق وقطع الثوب سواء كان
قبل العلم بالعيب أو بعد. وبحدوث عيب بعد القيض ويثبت الأرش، ولو كان
العيب أو التبري من العيوب مفصلة ولو أجمل جاز، وإذا ابتاع شيئين صفقة وعلم
بعيب في أحدهما لم يجز رد المعيب منفردا وله ردهما أو أخذ الأرش، وكذا لو اشترى
اثنان شيئا، كان لهما رده أو إمساكه مع الأرش وليس لأحدهما رد نصيبه دون
صاحبه، وإذا وطئ الأمة ثم علم بعيبها لم يكن له ردها، فإن كان العيب حبلا
جاز له ردها، ويرد معها نصف عشر قيمتها لمكان الوطء ولا يرد مع للوطء لغير
عيب الحبل.
428

القول في أقسام العيوب:
والضابط أن كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فالزيادة
كالإصبع الزائدة والنقصان كفوات عضو، ولقمان الصفات كخروج المزاج عن مجراه
الطبيعي مستمرا كان كالممراض أو عارشا ولو كحمى يوم، وكل ما
يشترطه المشتري على البائع مما يسوع فأخل به يثبت به الخيار وإن لم يكن فواته عيبا
كاشتراط الجعودة في الشعر والتأشير في الأسنان والزجج في الحواجب.
وهاهنا مسائل:
الأولى: التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد والإمساك، ويرد معها مثل لبنها أو
قيمته مع التعذر، وقيل: يرد ثلاثة أمداد من طعام، وتختبر بثلاثة أيام، وتثبت التصرية في
الشاة قطعا وفي الناقة والبقرة على تردد ولو صرى أمة لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد وكذا
لو صرى البائع أتانا، ولو زالت تصرية الشاة وصار ذلك عادة قبل انقضاء ثلاثة أيام سقط
الخيار ولو زال بعد ذلك لم يسقط.
الثانية: الثيبوبة ليست عيبا نعم لو شرط البكارة فكانت ثيبا كان له الرد إن ثبت
أنها كانت ثيبا، وإن جهل ذلك لم يكن له الرد لأن ذلك قد يذهب بالخطوة.
الثالثة: الإباق الحادث عند المشتري لا يرد به العبد، أما لو أبق عند البائع كان
للمشتري رده.
الرابعة: إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيض كان ذلك عيبا، لأنه
لا يكون إلا لعارض غير طبيعي.
الخامسة: من اشترى زيتا أو بزرا فوجد فيه ثفلا، فإن كان مما جرت العادة بمثله لم
يكن له رد ولا أرش وكذا إن كان كثيرا وعلم به.
السادسة: تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس يثبت به الخيار دون الأرش
وقيل: لا يثبت به الخيار، والأول أشبه.
429

القول في لواحق هذا الفصل:
وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال البائع: بعت بالبراءة، وأنكر المبتاع فالقول قوله مع يمينه إذا لم يكن
للبائع بينة.
الثانية: إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البائع فلي رده، وأنكر البائع،
فالقول قوله مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بينة ولا شاهد حال يشهد له.
الثالثة: يقوم المبيع صحيحا ومعيبا وينظر في نسبة النقيصة من القيمة فيؤخذ من
الثمن بنسبتها، فإن اختلف أهل الخبرة في التقويم عمل على الأوسط.
الرابعة: إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول إلا أن يصرح بإسقاطه،
وله فسخ العقد بالعيب سواء كان غريمه حاضرا أ غائبا.
الخامسة: إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري رده وفي الأرش
تردد، ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض، وما يحدث
في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة.
السادسة: روى أبو همام عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال: يرد المملوك من
أحداث السنة: من الجنون والجذام والبرص، وفي رواية علي بن أسباط، عنه ع:
أحداث السنة: الجنون والجذام والبرص والقرن، يرد إلى تمام السنة من يوم اشتراه، وفي
معناه رواية محمد بن علي عنه ع أيضا.
فرع: هذا الحكم يثبت مع عدم الإحداث، فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش
وسقط الرد.
الفصل السادس: في المرابحة والمواضعة والتولية:
والكلام في العبارة والحكم.
أما العبارة: فإن يخبر برأس ماله فيقول: بعتك - وما جرى مجراه - بربح كذا، ولا بد أن
يكون رأس ماله معلوما وقدر الربح معلوما، ولا بد من ذكر الصرف و الوزن إن اختلفا.
430

وإذا كان البائع لم يحدث فيه حدثا ولا غيره فالعبارة عن الثمن أن يقول: اشتريت
بكذا، أو رأس ماله كذا أو تقوم علي أو هو علي، وإن كان عمل فيه ما يقتضي الزيادة قال:
رأس ماله كذا، وعملت فيه بكذا، وإن كان عمل فيه غيره بأجرة صح أن يقول: تقوم علي،
أو هو علي، ولو اشترى بثمن ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقي بأن يقول:
رأس مالي فيه كذا.
ولو جنى العبد ففداه السيد لم يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه، ولو جني عليه فأخذ أرش
الجناية لم يضعها من الثمن، وكذا لو حصل منه فائدة كنتاج الدابة وثمرة الشجرة،
ويكره نسبة الربح إلى المال.
وأما الحكم. ففيه مسائل:
الأولى: من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بزيادة ونقيصة حالا ومؤجلا بعد قبضه، ويكره قبل
قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الأظهر، ولو كان شرط في حال البيع
أن يبيعه لم يجز، وإن كان ذلك من قصدهما ولم يشترطاه لفظا كره إذا عرفت هذا، فلو باع
غلامه سلعة ثم اشتراه منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن الثاني إن لم يكن شرط إعادته، ولو
شرط لم يجز لأنه خيانة.
الثانية: لو باع مرابحا فبان رأس ماله أقل كان المشتري بالخيار بين رده وأخذه
بالثمن وقيل: يأخذه بإسقاط الزيادة، ولو قال: اشتريته بأكثر، لم يقبل منه ولو أقام بينة،
ولا يتوجه على المبتاع يمين إلا أن يدعي عليه العلم.
الثالثة: إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري أن يخبر بالأصل، وقيل: إن
كان قبل لزوم العقد صحت وألحق بالثمن وأخبر بما بقي، وإن كان بعد لزومه كان هبة
مجددة وجاز له الإخبار بأصل الثمن.
الرابعة: من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة تماثلت أو اختلفت سواء
قومها أو بسط الثمن عليها بالسوية أو باع خيارها إلا بعد أن يخبر بذلك، وكذا لو اشترى
دابة حاملا فولدت وأراد بيعها منفردة عن الولد.
431

الخامسة: إذا قوم على الدلال متاعا وربح عليه أو لم يربح ولم يواجبه البيع لم يجز
للدلال بيعه مرابحة إلا بعد الإخبار بالصورة، ولا يجب على التاجر الوفاء بل الربح له
وللدلال أجرة المثل سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه.
وأما التولية: فهو أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة فيقول: وليتك أو
بعتك، أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على النقل:
وأما المواضعة: فإنها مفاعلة من الوضع، فإذا قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل
عشرة. فالثمن تسعون وكذا لو قال: مواضعة العشرة، ولو قال: من كل أحد عشر كان
الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم.
الفصل السابع:
في الربا وهو يثبت في البيع مع وصفين: الجنسية والكيل أو الوزن، وفي القرض.
مع اشتراط النفع...
أما الثاني فسيأتي، وأما الأول: فيقف بيانه على أمور:
الأول: في بيان الجنس:
وضابطه: كل شيئين يتناولهما لفظ خاص كالحنطة بمثلها والأرز بمثله، فيجوز بيع
المتجانس وزنا بوزن نقدا ولا يجوز مع زيادة ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر على الأظهر
ولا يشترط التقابض قبل التفرق إلا في الصرف، ولو اختلف الجنسان جاز التماثل
والتفاضل نقدا، وفي النسيئة تردد والأحوط المنع.
والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأظهر لتناول اسم الطعام لهما، وثمرة
النخل جنس واحد وإن اختلفت أنواعه وكذا ثمرة الكرم، وكل ما يعمل من جنس واحد
يحرم التفاضل فيه كالحنطة بدقيقها والشعير بسويقه والدبس المعمول من التمر بالتمر
وكذا ما يعمل من العنب بالعنب، وما يعمل من جنسين يجوز بيعه بهما وبكل واحد منهما
بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجانسه.
432

واللحوم مختلفة بحسب اختلاف أسماء الحيوان: فلحم البقر والجواميس جنس
واحد لدخولهما تحت لفظ البقر ولحم الضأن والمعز جنس واحد لدخولهما تحت لفظ الغنم
والإبل عرابها وبخاتيها جنس واحد والحمام جنس واحد، ويقوى عندي أن كل ما
يختص منه باسم فهو جنس على انفراده كالفخاتي والورضان وكذا السموك، والوحشي
من كل جنس مخالف لأهلية.
والألبان تتبع اللحوم في التجانس والاختلاف، ولا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من
اللبن وبينه كزبد البقر مثلا بحليبه ومخيضه وأقطه، والأدهان تتبع ما يستخرج منه، فدهن
السمسم جنس وكذا ما يضاف إليه كدهن البنفسج والنيلوفر ودهن البزر جنس آخر،
والخلول تتبع ما تعمل منه، فخل العنب مخالف لخل الدبس ويجوز التفاضل بينهما نقدا وفي
النسيئة تردد.
الثاني: اعتبار الكيل والوزن:
فلا ربا إلا في مكيل أو موزون وبالمساواة فيهما يزول تحريم الربويات، فلو باع ما لا كيل
فيه ولا وزن متفاضلا جاز لو كان معدودا كالثوب بالثوبين وبالثياب والبيضة بالبيضتين
والبيض نقدا، وفي النسيئة تردد والمنع أحوط، ولا ربا في الماء لعدم اشتراط الكيل والوزن في
بيعه ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه، والاعتبار بعادة الشرع فما ثبت أنه
مكيل أو موزون في عصر النبي ص بني عليه، وما جهل الحال فيه رجع إلى
عادة البلد، ولو اختلاف البلدان فيه كان لكل بلد حكم نفسه وقيل: يغلب جانب التقدير
ويثبت التحريم عموما.
والمراعي في المساواة وقت الابتياع، فلو باع لحما نيا بمقدد متساويا جاز وكذا لو باع
بسرا برطب، وكذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة لتحقق المماثلة وقيل: بالمنع، نظرا إلى تحقق
النقصان عند الجفاف أو إلى انضياف أجزاء مائية مجهولة، وفي بيع الرطب بالتمر تردد،
والأظهر اختصاصه بالمنع اعتمادا على أشهر الروايتين.
433

فروع:
الأول: إذا كانا في حكم الجنس الواحد وأحدهما مكيل والآخر موزون كالحنطة
والدقيق فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز، وفي الكيل تردد والأحوط تعديلهما بالوزن.
الثاني: بيع العنب بالزبيب جائز وقيل: لا، طردا لعلة الرطب بالتمر والأول أشبه
وكذا البحث في كل رطب مع يابسه.
الثالث: يجوز بيع الأدقة بعضها ببعض مثلا بمثل وكذا الأخباز والخلول، وإن جهل
مقدار ما في كل واحد من الرطوبة اعتمادا على ما تناوله الاسم:
تتمة فيها مسائل ست:
الأولى: لا ربا بين الوالد وولده ويجوز لكل منهما أخذ الفضل من صاحبه، ولا بين المولى
ومملوكه ولا بين الرجل وزوجته ولا بين المسلم وأهل الحرب، ويثبت بين المسلم والذمي
على الأشهر.
الثانية: لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الغنم بالشاة، ويجوز بيعه بغير
جنسه كلحم البقر بالشاة لكن بشرط أن يكون اللحم حاضرا.
الثالثة: يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية وبيع شاة في ضرعها لبن بشاة في
ضرعها لبن أو خالية أو بلبن ولو كان من لبن جنسها.
الرابعة: القسمة تمييز أحد الحقين وليست بيعا فتصح فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما
الفضل ويجوز القسمة كيلا وخرصا، ولو كانت الشركة في رطب وتمر متساويين فأخذ
أحدهما الرطب جاز.
الخامسة: يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك وفي أحدهما عقد التبن ودقائقه، وكذا لو كان
في أحدهما زوان أو يسير من تراب لأنه مما جرت العادة بكونه فيه.
السادسة: يجوز بيع درهم ودينار بدينارين ودرهمين ويصرف كل واحد منهما إلى غير
جنسه، وكذا لو جعل بدل الدينار والدرهم شئ من المتاع، وكذا مد من تمر ودرهم بمدين أو
أمداد ودرهمين أو دراهم.
434

وقد يتخلص من الربا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس
غيرها ثم يشتري الأخرى بالثمن ويسقط اعتبار المساواة، وكذا لو وهبه سلعته ثم
وهبه الآخر أو أقرضه صاحبه ثم أقرضه وهو تبايعا وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة،
وكل ذلك من غير شرط.
الثالث: الصرف:
وهو بيع الأثمان بالأثمان ويشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات
التقابض في المجلس، فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر، ولو
قبض البعض صح فيما قبض حسب ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل، ولو
كل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفريقهما صح، ولو قبض بعد التفرق
بطل، ولو اشترى منه دراهم ثم ابتاع بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني
ولو افترقا بطل العقدان، ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وإن لم
يتقابضا، وكذا لو كان له دنانير فاشترى بها دراهم لأن النقدين من واحد.
ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد ولو تقابضا ويجوز في الجنسين، ويستوي
في وجوب التماثل المصوع والمكسور وجيد الجوهر ورديئه، وإذا كان في الفضة غش
مجهول لم تبع إلا بالذهب أو بجنس غير الفضة وكذا الذهب، و لو علم جاز بيعه
بمثل جنسه مع زيادة تقابل الغش ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة احتياطا
ويباع بالذهب وكذا تراب معدن الذهب، ولو جمعا في صفقة واحدة جاز بيعهما
بالذهب والفضة معا، ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة معا،
وإن كان فيه يسير فضة أو ذهب لأن الغالب غيرهما، ويجوز اخراج الدراهم
المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف بين الناس، وإن كانت مجهولة
الصرف لم يجز إنفاقها إلا بعد إبانة حالها.
مسائل عشر:
الأولى: الدراهم الدنانير يتعينان فلو اشترى شيئا بدراهم أو دنانير لم يجز دفع
غيرهما ولو تساوت الأوصاف.
435

الثانية: إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد ما صار إليه من غير جنس الدراهم كان
البيع باطلا وكذا لو باعه ثوبا كتانا فبان صوفا، ولو كان البعض من غير الجنس بطل فيه
حسب وله رد الكل لتبعض الصفقة، وله أخذ الجيد بحصته من الثمن وليس له بدله
لعدم تناول العقد له، ولو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر أو اضطراب السكة
كان له رد الجميع أو إمساكه وليس له رد المعيب وحده ولا إبداله لأن العقد لم يتناوله.
الثالثة: إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها ووجد ما صار إليه غير فضة قبل التفرق
كان له المطالبة بالبدل، وإن كان بعد التفرق بطل الصرف، فلو كان البعض بطل فيه
وصح في الباقي، وإن لم يخرج بالعيب من الجنسية كان مخيرا بين الرد والإمساك بالثمن من
غير أرش، وله المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا وفيما بعد التفرق تردد.
الرابعة: إذا اشترى دينارا بدينار ودفعه فزاد زيادة لا تكون إلا غلطا أو تعمدا كانت
الزيادة في يد البائع أمانة وكانت للمشتري في الدينار مشاعة.
الخامسة: روي جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم، وهل يعدي
الحكم؟ الأشبه لا.
السادسة: الأواني المصنوعة من الذهب والفضة، إن كان كل واحد منهما معلوما
جاز بيعه بجنسه من غير زيادة وبغير الجنس وإن زاد، وإن لم يعلم وأمكن تخليصهما لم
تبع بالذهب ولا بالفضة وبيعت بهما أو بغيرهما، وإن لم يمكن تخليصهما وكان أحدهما أغلب
بيعت بالأقل وإن تساويا تغليبا بيعت بهما.
السابعة: المراكب المحلاة، إن علم ما فيها بيعت بجنس الحليلة بشرط أن يزيد
الثمن عما فيها أو توهب الزيادة من غير شرط وبغير جنسها مطلقا وإن جهل ولم يمكن
نزعها ألا مع الضرر بيعت بغير جنس حليتها، وإن بيعت بجنس الحليلة قيل: يعل معها
شئ من المتاع وتباع بزيادة عما فيها تقريبا دفعا لضرر النزاع.
الثامنة: لو باع ثوبا بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار لم يصح لجهالته.
التاسعة: لو باع مائة درهم بدينار إلا درهما لم يصح لجهالته وكذا لو كان ذلك ثمنا
لما لا ربا فيه، ولو قدر قيمة للدرهم من الدينار جاز لارتفاع الجهالة.
436

العاشرة: لو باع خمسة دراهم بنصف دينار قيل: كان له شق دينار، ولا يلزم المشتري
صحيح إلا أن يزيد بذلك نصف المثقال عرفا، وكذا حكم في غير الصرف، وتراب الصياغة
يباع بالذهب والفضة معا أو بعوض غيرهما ثم يتصدق به لأن أربابه لا يتميزون.
الفصل الثامن: في بيع الثمار:
والنظر في: ثمرة النخل، والفواكه، والخضر، واللواحق
أما النخل
فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما. وفي جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد،
والمروي الجواز: ويجوز بعد ظهورها، وبدو صلاحها، عاما وعامين، بشرط القطع، وبغيره
منفردة ومنضمة: ولا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها عاما، إلا أن ينضم إليها ما يجوز بيعه، أو
بشرط القلع أو عامين فصاعدا: ولو بيعت عاما من دون الشروط الثلاثة، قيل: لا يصح،
وقيل: يكره، وقيل: يراعى حال السلامة، والأول أشهر: ولو بيعت مع أصولها جاز مطلقا.
وبدو الصلاح: أن تصفر، أو تحمر، أو تبلغ مبلغا يؤمن عليها العاهة: وإذا أدرك
بعض ثمرة البستان، جاز بيع ثمرته أجمع، ولو أدركت ثمرة بستان لم يجز بيع ثمرة البستان
الآخر، ولو ضم إليه، وفيه تردد:
وأما الأشجار: فلا يجوز بيعها حتى يبدأ صلاحها وحده أن ينعقد الحب ولا يشترط
زيادة عن ذلك على الأشبه، وهل يجوز بيعها سنتين فصاعدا قبل ظهورها؟ قيل نعم،
والأولى المنع لتحقق الجهالة وكذا لو ضم إليها شيئا قبل انعقادها، وإذا انعقد جاز بيعه مع
أصوله ومنفردا، سواء كان بارزا كالتفاح والمشمش والعنب أو في قشر يحتاج إليه لادخاره
كالجوز في القشر الأسفل وكذا اللوز، أو في قشر لا يحتاج إليه كالقشر الأعلى للجوز والباقلي
الأخضر والهرطمان والعدس، وكذا السنبل سواء كان بارزا كالشعير أو مستترا كالحنطة
منفردا أو مع أصوله قائما وحصيدا.
وأما الخضر: فلا يجوز بيعها قبل ظهورها ويجوز بعد انعقادها لقطة واحدة ولقطات،
وكذا ما يقطع فيستخلف كالرطبة والبقول جزة وجزات، وكذا ما يخرط كالحناء والتوت ويجوز
بيعها منفردة ومع أصولها، ولو باع الأصول بعد الانعقاد الثمرة لم يدخل في البيع إلا
437

بالشرط ووجب على المشتري إبقاؤها إلى أوان بلوغها وما يحدث بعد الابتياع للمشتري.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: يجوز أن يستثنى ثمرة شجرات أو نخلات بعينها وأن يستثني حصة مشاعة
أو أرطالا معلومة، ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.
الثانية: إذا باع ما بدا صلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بائعه وكذا لو أتلفه
البائع، وإن أصيب البعض أخذ السليم بحصته من الثمن، ولو أتلفه أجنبي كان
المشتري بالخيار بين فسخ البيع وبين مطالبة المتلف، ولو كان بعد القبض وهو التخلية هنا لم
يرجع على البائع بشئ على الأشبه، ولو أتلفه المشتري وهو في يد البائع استقر العبد وكان
الإتلاف كالقبض وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل القبض.
الثالثة: يجوز بيع الثمرة في أصولها بالأثمان والعروض ولا يجوز بيعها بثمرة منها
وهي المزابنة، وقيل: بل هي بيع الثمرة في النخل بتمر، ولو كان موضوعا على الأرض وهو
الأظهر، وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه؟ قيل لا، لأنه لا يؤمن من
الربا، وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه إجماعا وهي المحاقلة، وقيل: بل هي بيع السنبل
بحب من جنسه كيف كان، ولو كان موضوعا على الأرض وهو الأظهر.
الرابعة: يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا، والعرية هي النخلة تكون في دار الانسان
وقال أهل اللغة: أو في بستانه وهو حسن، وهل يجوز بيعها بخرصها من تمرها؟ الأظهر لا،
ولا يجوز بيع ما زاد على الواحدة، لعم، لو كان له في كل دار واحدة جاز، ولا يشترط في بيعها
بالتمر التقابض قبل التفرق بل يشترط التعجيل حتى لا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر،
ولا يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها عملا بظاهر الخبر ولا عرية في
غير النخل.
فرع: لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء
بسواء، لم يصح ولو تساويا عند الاعتبار إلا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع،
وقيل: يجوز وإن لم يعلما، فإن تساويا عند الاعتبار صح وإلا بطل، ولو كانتا من جنسين جاز
438

إن تساويا وإن تفاوتا ولم يتمانعا بأن بذل صاحب الزيادة أو قنع صاحب النقيصة وإلا
فسخ البيع، والأشبه أنه لا يصح على تقدير الجهالة وقت الابتياع.
الخامسة: يجوز بيع الزرع قصيلا، فإن لم يقطعه فللبائع قطعه وله تركه والمطالبة
بأجرة أرضه وكذا لو اشترى نخلا بشرط القطع.
السادسة: يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة عما ابتاعه أو نقصان قبل
قبضه وبعده.
السابعة: إذا كان بين اثنين نخل أو شجر فتقبل أحدهما بحصة صاحبه بشئ
معلوم كان جائزا:
الثامنة: إذا مر الانسان بشئ من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتفاقا جاز أن
يأكل من غير إفساد ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا.
الفصل التاسع: في بيع الحيوان:
والنظر في من يصح تملكه وأحكام الابتياع ولواحقه
أما الأول:
فالكفر الأصلي سبب لجواز استرقاق المحارب وذراريه ثم يسري الرق في أعقابه وإن
زال الكفر ما لم تعرض الأسباب المحررة، ويملك اللقيط من دار الحرب ولا يملك من
دار الاسلام، فلو بلغ وأقر بالرق قيل لا يقبل، وهو الأشبه، ويصح أن يملك الرجل كل أحد
عدا أحد عشر وهم: الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا والأولاد وأولادهم ذكورا
وإناثا وإن سفلوا والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وهل يملك هؤلاء
من الرضاع؟ قيل نعم وقيل لا، وهو الأشهر، ويكره أن يملك من عدا هؤلاء من ذوي قرابته
كالأخ والعم والخال وأولادهم:
وتملك المرأة كل واحد عدا الآباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا نسبا وفي الرضاع تردد
والمنع أشهر، وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه استقر الملك ولم تستقر الزوجية، ولو أسلم
الكافر في ملك مثله أجبر على بيعه من مسلم، ولمولاه ثمنه، ويحكم برق من أقر على نفسه
439

بالعبودية إذا كان مكلفا غير مشهور بالحرية ولا يلتفت إلى رجوعه ولو كان المقر له كافرا،
وكذا لو اشترى عبدا فادعى الحرية لكن هذا يقبل دعواه مع البينة.
الثاني: في أحكام الابتياع:
إذا حدث في الحيوان عيب بعد العقد وقبل القبض كان المشتري بالخيار بين رده
وإمساكه وفي الأرش تردد، ولو قبضه ثم تلف أو حدث فيه حدث في الثلاثة كان من مال
البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري لم يكن ذلك
العيب مانعا من الرد بأصل الخيار، وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردد والظاهر لا، ولو
حدث العيب بعد الثلاثة منع الرد بالعيب السابق.
وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر إلا أن يشترطه المشتري، ولو اشتراهما
فسقط الولد قبل القبض رجع المشتري بحصة الولد من الثمن وطريق ذلك أن تقوم
الأمة حاملا وحائلا ويرجع بنسبة التفاوت من الثمن، ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعا
كالنصف والربع، ولو باع واستثنى الرأس والجلد صح ويكون شريكا بقدر قيمة ثنياه على
رواية السكوني، وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهما لنفسه الرأس والجلد كان
شريكا بنسبة رأس ماله.
ولو قال: اشتر حيوانا بشركتي، صح ويثبت البيع لهما وعلى كل واحد نصف الثمن،
ولو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه صح، ولو تلف كان بينهما وله الرجوع على الآمر
الآخر بما نقد عنه، ولو قال له: الربح لنا ولا خسران عليك، فيه تردد والمروي الجواز، ويجوز
النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها، ويستحب لمن اشترى مملوكا أن بغير
اسمه وأن يطعمه شيئا من الحلوة وأن يتصدق عنه بشئ، ويكره وطء من ولدت من الزنى
بالملك أو العقد على الأظهر وأن يرى المملوك ثمنه في الميزان.
الثالث: في لواحق هذا الباب: وهي مسائل:
الأولى: العبد لا يملك وقيل: يملك فاضل الضريبة، وهو المروي وأرش الجناية على قول.
440

ولو قيل: يملك مطلقا لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى، كان حسنا.
الثانية: من اشترى عبدا له مال كان ماله لمولاه إلا أن يشترطه المشتري، وقيل: إن لم
يعلم به البائع فهو له وإن علم فهو للمشتري، والأول أشهر، ولو قال للمشتري: اشترني
ولك علي كذا، لم يلزمه وإن اشتراه، وقيل: إن كان له مال حين قال له لزم وإلا فلا، وهو
المروي.
الثالثة: إذا ابتاعه وماله، فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقا وكذا يجوز
بجنسه إذا لم يكن ربويا وبيع بجنسه فلا بد من زيادة عن ماله تقابل المملوك.
الرابعة: يجب أن يستبرئ الأمة قبل بيعها إذا وطأها المالك بحيضة أو خمسة وأربعين
يوما إن كان مثلها تحيض ولم تحض وكذا يجب على المشتري إذا جهل حالها، ويسقط
استبراؤها إذا أخبر الثقة أنه استبرأها، وكذا لو كانت لامرأة أو في سن من لا تحيض
لصغر أو كبر أو حاملا أو حائضا إلا بقدر زمان حيضها، نعم لا يجوز وطء الحامل قبل أن
يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيام ويكره بعده، ولو وطأها عزل عنها استحبابا ولو لم يعزل
كره له بيع ولدها ويستحب له أن يعزل له من ميراثه قسطا.
الخامسة: التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم عنهن محرمة وقيل مكروهة،
وهو الأظهر، والاستغناء يحصل ببلوغ سبع وقيل: يكفي استغناؤه عن الرضاع، والأول
أظهر.
السادسة: من أولد جارية ثم ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك وعلى الواطئ عشر
قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا، وقيل: يجب مهر أمثالها، والأول مروي
والولد حر وعلى أبيه قيمته يوم ولد حيا ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد، وهل
يرجع بما اغترمه من مهر وأجرة؟ قيل نعم لأن البائع أباحه بغير عوض، وقيل لا لحصول
عوض في مقابلته.
السابعة: ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملكه في حال الغيبة ووطء
الأمة، ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره وإن كان فيها حق للإمام أو كانت للإمام.
الثامنة: إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها ويحج عنه بالباقي
441

فاشتري أباه ودفع إليه بقية المال فحج به واختلف مولاه وورثة الآمر ومولى الأب، فكل
يقول: اشترى بمالي، قيل: يرد إلى مولاه رقا ثم يحكم به لمن أقام البينة، على رواية ابن أشيم
وهو ضعيف وقيل: يرد على موالي المأذون ما لم يكن هناك بينه، وهو أشبه.
التاسعة: إذا اشترى عبدا في الذمة ودفع البائع إليه عبدين وقال: اختر أحدهما،
فأبق واحد قيل: يكون التالف بينهما ويرجع بنصف الثمن، فإن وجده اختاره وإلا كان
الموجود لهما وهو بناء على انحصار حقه فيهما، ولو قيل: التالف مضمون بقيمته وله المطالبة
بالعبد الثابت في الذمة، كان حسنا، وأما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد وفيه
قول موهوم.
العاشرة: إذا وطئ أحد الشريكين مملوكة بينهما سقط الحد مع الشبهة وأثبت مع
انتفائها، لكن يسقط منه بقدر نصيب الواطئ ولا تقوم عليه بنفس الوطء على الأصح ولو
حملت قومت عليه حصص الشركاء وانعقد الولد حرا وعلى أبيه قيمة حصصهم يوم
ولد حيا.
الحادية عشرة: المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه
حكم بعقد السابق، فإن اتفقا في وقت واحد بطل العقدان وفي رواية يقرع بينهما وفي أخرى
يذرع الطريق ويحكم للأقرب، والأول أظهر.
الثانية عشرة: من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح كان له ردها على
البائع واستعادة الثمن ولو مات أخذ من وارثه، ولو لم يخلف وارثا استسعيت في ثمنها
وقيل: تكون بمنزلة اللقطة، ولو قيل: تسلم إلى الحاكم ولا تستسعي، كان أشبه.
الفصل العاشر: في السلف:
والنظر فيه يستدعي مقاصد:
الأول: السلم:
هو ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه وينعقد بلفظ أسلمت
وأسلفت وما أدى معنى ذلك وبلفظ البيع والشراء، وهل ينعقد البيع بلفظ السلم كأن يقول:
442

أسلمت إليه هذا الدينار في هذا الكتاب؟ الأشبه نعم اعتبارا بقصد المتعاقدين، ويجوز
إسلاف الأعواض إذا اختلفت وفي الأثمان وإسلاف الأثمان في الأعواض، ولا يجوز إسلاف
الأثمان في الأثمان ولو اختلفا.
الثاني: في شرائطه وهي ستة:
الأول والثاني: ذكر الجنس والوصف:
والضابط أن كل ما يختلف لأجله الثمن، فذكره لازم. ولا يطلب في الوصف الغاية،
بل يقتصر على ما يتناوله الاسم، ويجوز اشتراط الجيد والردئ. ولو شرط الأجود، لم يصح
لتعذره. وكذا لو اشترط الأردأ. ولو قيل في هذا بالجواز، كان حسنا، لإمكان التخلص: ولا
بد أن تكون العبارة الدالة على الوصف، معلومة بين المتعاقدين ظاهرة في اللغة، حتى يمكن
استعلامها عند اختلافهما.
وإذا كان الشئ مما لا ينضبط بالوصف، لم يصح السلم فيه، كاللحم نية ومشوية،
والخبز، وفي الجلود تردد: وقيل: يجوز مع المشاهدة وهو خروج عن السلم.
ولا يجوز: في النيل المعمول، ويجوز في عيدانه قبل نحتها... ولا في الجواهر واللآلئ،
لتعذر ضبطها وتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها ولا في العقار والأرضين.
ويجوز السلم في الخضر والفواكه: وكذا كل ما تنبته الأرض وفي البيض والجوز واللوز
وفي الحيوان كله والأناسي والألبان والسمون والشحوم والأطياب والملابس والأشربة
والأدوية، بسيطها ومركبها، ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها وفي جنسين مختلفين صفقة
واحدة... ويجوز الإسلاف: في شاة لبون، ولا يلزم تسليم ما فيه لبن، بل شاة من شأنها
ذلك. ويجوز في شاة معها ولدها، وقيل: لا يجوز، لأن ذلك مما لا يوجد إلا نادرا. وكذا
التردد في جارية حامل، لجهالة الحمل، وفي جواز الإسلاف في جوز القز تردد.
الشرط الثالث: القبض قبل التفرق. قبض رأس المال قبل التفرق شرط في صحة العقد
ولو افترقا قبله بطل، ولو قبض بعض الثمن صح في المقبوض وبطل في الباقي. ولو شرط أن
يكون الثمن من دين عليه قيل: يبطل لأنه بيع دين بمثله، وقيل يكره، وهو أشبه.
الشرط الرابع: تقدير السلم بالكيل أو الوزن العامين، ولو عولا على صخرة مجهولة أو
مكيال مجهول لم يصح ولو كان معينا، ويجوز الإسلاف في الثوب أذرعا وكذا كل مذروع،
وهل يجوز الإسلاف في المعدود عددا؟ الوجه لا، ولا يجوز الإسلاف في القصب أطنانا
443

ولا الحطب حزما. ولا في المجزوز جزا ولا في الماء قربا، وكذا لا بد أن يكون رأس المال
مقدرا بالكيل العام أو الوزن، ولا يجوز الاقتصار على مشاهدته ولا يكفي دفعه مجهولا
كقبضة من دراهم أو قبة من طعام.
الشرط الخامس: تعيين الأجل، فلو ذكر أجلا مجهولا كأن يقول: متى أردت، أو أجلا يحتمل
الزيادة والنقصان كقدوم الحاج كان باطلا، ولو اشتراه حالا قيل يبطل وقيل يصح، وهو
المروي لكن يشترط أن يكون عام الوجود في وقت العقد.
الشرط السادس: غلبة الوجود وقت الحلول، أن يكون وجوده غالبا وقت حلوله ولو كان
معدوما وقت العقد. ولا بد أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين. وإذا قال: إلى جمادى، حمل
على أقربها، وكذا إلى ربيع وكذا إلى الخميس والجمعة، ويحمل الشهر عند الإطلاق على عدة
بين هلالين أو ثلاثين يوما.
ولو قال: إلى شهر كذا، حل بأول جزء من أول ليلة الهلال نظرا إلى العرف، ولو قال:
إلى شهرين، فإن كان في أول الشهر عد شهرين أهلة، وإن أوقع العقد في أثناء الشهر أتم
من الثالث بقدر الفائت من شهر العقد وقيل: يتمه ثلاثين يوما، وهو أشبه، ولو قال: إلى يوم
الخميس، حل بأول جزء منه، ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه وإن كان في حمله
مؤنة.
المقصد الثالث: في أحكامه وفيه مسائل:
الأولى: إذا سلف في شئ لم يجز بيعه قبل حلوله ويجوز بيعه بعده وإن لم يقبضه على من
هو عليه وعلى غيره على كراهية وكذا يجوز بيع بعضه وتوليته بعضه، ولو قبضه المسلم ثم
باعه زالت الكراهية.
الثانية: إذا دفع المسلم إليه دون الصفة ورضي المسلم صح وبرئ سواء شرط ذلك
لأجل التعجيل أو لم يشترط، وإن أتى بمثل صفته وجب قبضه أو إبراء المسلم إليه، ولو امتنع
قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك، ولو دفع فوق الصفة وجب قبوله ولو دفع أكثر لم
يجب قبول الزيادة، أما دفع غير جنسه لم يبرأ إلا بالتراضي.
444

الثالثة: إذا اشترى كرا من طعام بمائة درهم وشرط تأجيل خمسين بطل في الجميع على
قول، ولو دفع خمسين وشرط الباقي من دين له على المسلم إليه صح فيما دفع وبطل فيما
قابل الذين وفيه تردد.
الرابعة: لو شرطا موضعا للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره جاز وإن امتنع أحدهما لم
يجبر.
الخامسة: إذا قبضه فقد تعين وبرئ المسلم إليه، فإن وجد به عيبا فرده زال ملكه
عنه وعاد الحق إلى الذمة سليما من العيب.
السادسة: إذا وجد برأس المال عيبا، فإن كان من غير جنسه بطل العقد وإن كان
من جنسه رجع بالأرش إن شاء وإن اختار الرد كان له.
السابعة: إذا اختلفا في القبض، هل كان قبل التفرق أو بعده؟ فالقول قول من
يدعي الصحة، ولو قال البائع: قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق كان القول قوله مع يمينه
مراعاة لجانب الصحة.
الثامنة: إذا حل الأجل وتأخر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه كان بالخيار
بين الفسخ وبين الصبر، ولو قبض البعض كان له الخيار في الباقي وله الفسخ في الجميع.
التاسعة: إذا دفع إلى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء ولم يساعره احتسب
بقيمتها يوم القبض.
العاشرة: يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه وعلى غيره، فإن باعه بما هو
حاضر صح وإن باعه بمضمون حال صح أيضا، وإن اشترط تأجيله، قيل: يبطل لأنه بيع
دين بدين وقيل: يكره، وهو الأشبه.
الحادية عشرة: إذا أسلف في شئ وشرط مع السلف شيئا معلوما صح، ولو أسلف في
غنم وشرط أصواف نعجات معينة قيل يصح وقيل لا، وهو أشبه، وأو شرط أن يكون
الثوب من غزل امرأة معينة أو الغلة من قراح بعينه لم يضمن.
445

المقصد الرابع: في الإقالة:
وهي فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما، ولا يجوز الإقالة بزيادة عن الثمن ولا نقصان
وتبطل الإقالة بذلك لفوات الشرط، وتصح الإقالة في العقد وفي بعضه سلما كان أو غيره.
فروع ثلاثة:
الأول: لا تثبت الشفعة بالإقالة لأنها تابعة للبيع.
الثاني: لا تسقط أجرة الدلال بالتقايل لسبق الاستحقاق.
الثالث: إذا تقايلا رجع كل عوض إلى مالكه، فإن كان موجودا أخذه وإن كان
مفقودا ضمن بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته وفيه وجه آخر.
446

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
447

كتاب التجارة
وفيه فصول:
الفصل الأول: فيما يكتسب به
والمحرم منه أنواع:
الأول: الأعيان النجسة، كالخمر، والأنبذة والفقاع، والميتة، والدم، والأرواث، والأبوال
مما لا يؤكل لحمه. وقيل بالمنع من الأبوال مما لا يؤكل لحمه، وقيل بالمنع من الأبوال إلا أبوال
الإبل، والخنزير والكلاب عدا كلب الصيد. وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان،
والمائعات النجسة عدا الدهن لفائدة الاستصباح. ولا يباع ولا يستصبح بما يذاب
من شحوم الميتة وألبانها.
الثاني: الآلات المحرمة كالعود والطبل والزمر وهياكل العبادة المبتدعة كالصنم
والصليب، وآلات القمار كالنرد والشطرنج.
الثالث: ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لأعداء الدين في حال الحرب،
وقيل مطلقا، وإجارة المساكن والحمولات للمحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرا، والخشب
ليعمل صنما، ويكره بيعه، ممن يعمله.
الرابع: ما لا ينتفع به كالمسوخ، برية كانت، كالدب والقرد، أو بحرية كالجري
والسلاحف، وكذا الضفادع والطافي، ولا بأس بسباع الطير والهر والفهد وفي بقية السباع
قولان، أشبههما: الجواز.
449

الخامس: الأعمال المحرمة، كعمل الصور المجسمة، والغناء عدا المغنية لزف
العرائس إذا لم تغن بالباطل، ولم تدخل عليها الرجال. والنوح بالباطل، أما بالحق فجائز.
وهجاء المؤمنين وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض، وتعلم السحر والكهانة و
القيافة والشعبذة والقمار والغش بما يخفى، وتدليس الماشطة، ولا بأس بكسبها مع عدمه،
وتزيين الرجل بما يحرم عليه، وزخرفة المساجد والمصاحف، ومعونة الظالم، وأجرة الزانية.
السادس: الأجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم،
والرشى في الحكم، والأجرة على الصلاة بالناس، والقضاء ولا بأس بالرزق من بيت المال،
وكذا على الأذان. ولا بأس بالأجرة على عقد النكاح.
والمكروه: إما لإفضائه إلى المحرم غالبا كالصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق
والصباغة والذباحة، وبيع ما يكن من السلاح لأهل الكفر كالخفين والدرع.
وإما لضعته كالحياكة والحجامة إذا شرط الأجرة. وضراب الفحل، ولا بأس بالختانة
وخفض الجواري.
وإما لتطرق الشبهة، ككسب الصبيان ومن لا يجتنب المحارم.
ومن المكروه، الأجرة على تعليم القرآن ونسخة، وكسب القابلة مع الشرط ولا بأس به
لو تجرد. ولا بأس بأجرة تعليم الحكم والآداب.
وقد يكره الاكتساب بأشياء أخر تأتي إن شاء الله تعالى.
مسائل ست:
الأولى: لا يؤخذ ما ينثر في الأعراس إلا ما يعلم معه الإباحة.
الثانية: لا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها.
الثالثة: يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذ باسم المقاسمة واسم الزكاة من ثمرة
وحبوب ونعم. وإن لم يكن مستحقا له.
الرابعة: لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم فلا يأخذ منه إلا باذنه على
الأصح، ولو أعطى عياله جاز إذا كانوا بالصفة، ولو عين له لم يتجاوز.
450

الخامسة: جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها، وإلا فهي حلال. السادسة: الولاية من العادل جائزة، وربما وجبت، وعن الجائر محرمة إلا مع الخوف.
نعم لو تيقن التخلص من المأثم والتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت.
ولو أكره لا مع ذلك أجاب دفعا للضرر، وينفذ أمره ولو كان محرما، إلا في قتل المسلم.
الفصل الثاني: في البيع وآدابه:
أما البيع فهو الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره
بعوض مقدر، وله شروط:
الأول: يشترط في المتعاقدين كمال العقل والاختيار، وأن يكون البائع مالكا أو وليا
كالأب والجد للأب والحاكم وأمينه والوصي، أو وكيلا. ولو باع الفضولي فقولان: أشبههما:
وقوفه على الإجازة. ولو باع ما لا يملكه مالك كالحر وفضلات الانسان، والخنافس والديدان لم
ينعقد. ولو جمع بين ما يملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره صح في عبده، ووقف
الآخر على الإجازة.
أما لو باع العبد والحر، أو الشاة والخنزير صح فيما يملك وبطل في الآخر، ويقومان ثم يقوم
أحدهما ويسقط من الثمن ما قابل الفاسد.
الثاني: الكيل أو الوزن أو العدد. فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعدلا كذلك بطل، ولو تعسر
الوزن أو العدد اعتبر مكيال واحد بحسابه.
ولا يكفي مشاهدة الصبرة ولا المكيال المجهول، ويجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من
معلوم وإن اختلفت أجزاؤه.
الثالث: لا تباع العين الحاضرة إلا مع المشاهدة أو الوصف، ولو كان المراد طعمها
أو ريحها فلا بد من اختبارها إذا لم يفسد به، ولو بيع ولما يختبر فقولان، أشبههما: الجواز، وله
الخيار لو خرج معيبا، ويتعين الأرش بعد الإحداث فيه. ولو أدى اختباره إلى إفساده كالجوز
والبطيخ جاز شراؤه، ويثبت الأرش لو خرج معيبا لا الرد، ويرجع بالثمن إن لم يكن
لمكسوره قيمة.
451

وكذا يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق. ولا يجوز بيع سمك الآجام لجهالته ولو ضم
إليه القصب على الأصح، وكذا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما يحتلب منه، وكذا أصواف
الغنم مع ما في بطونها وكذا كل واحد منها منفردا، وكذا ما يلقح الفحل، وكذا ما يضرب
الصياد بشبكته.
الرابع: تقدير الثمن وجنسه، فلو اشتراه بحكم أحدهما فالبيع باطل ويضمن
المشتري تلف المبيع مع قبضه ونقصانه. وكذا في كل ابتياع فاسد ويرد عليه ما زاد بفعله
كتعليم الصنعة والصبغ على الأشبه.
وإذا أطلق النقد انصرف إلى نقد البلد، وإن عين نقدا لزم. ولو اختلفا في قدر الثمن
فالقول قول البائع مع يمينه، إن كان المبيع قائما، وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفا.
ويوضع لظروف السمن والتمر ما هو معتاد لا ما يزيد.
الخامس: القدرة على تسليمه، فلو باع الآبق منفردا لم يصح، ويصح لو ضم إليه
شيئا.
وأما الآداب: فالمستحب التفقه فيه، والتسوية بين المبتاعين، والإقالة لمن استقال،
والشهادتان، والتكبير عند الابتياع، وأن يأخذ لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
والمكروه: مدح البائع، وذم المشتري، والحلف، والبيع في موضع يستر فيه العيب،
والربح على المؤمن إلا مع الضرورة وعلى من يعده بالإحسان، والسوم ما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ودخول السوق أولا، ومبايعة الأدنين وذوي العاهات...، والتعرض للكيل
أو الوزن إذا لم يحسن، والاستحطاط بعد الصفقة، والزيادة وقت النداء، ودخوله في سوم
أخيه وأن يتوكل الحاضر للبادي، وقيل: يحرم، وتلقي الركبان، وحده أربعة فراسخ فما دون،
ويثبت الخيار إن ثبت الغبن والزيادة في السلعة مواطاة للبائع، وهو النجش، والاحتكار -
وهو حبس الأقوات، وقيل: يحرم. وإنما يكون في الحنطة والشعير، والتمر والزبيب، والسمن،
وقيل: وفي الملح، وتتحقق الكراهية إذا استبقاه لزيادة الثمن، ولم يوجد بائع غيره. وقيل:
أن تستبقيه في الرخص أربعين يوما، وفي الغلاء ثلاثة. ويجبر المحتكر على البيع. وهل يسعر
عليه؟ الأصح: لا.
452

الفصل الثالث: في الخيار والنظر في أقسامه وأحكامه:
وأقسامه ستة:
الأول: خيار المجلس: وهو ثابت للمتبايعين في كل مبيع لم يشترط فيه سقوطه ما لم
يفترقا.
الثاني: خيار الحيوان: وهو ثلاثة أيام للمشتري خاصة، على الأصح. ويسقط لو شرط
سقوطه، أو أسقطه المشتري بعد العقد، أو تصرف فيه المشتري، سواء كان تصرفا لازما
كالبيع أو غير لازم كالوصية والهبة قبل القبض.
الثالث: خيار الشرط: وهو بحسب ما يشترط، ولا بد أن تكون مدته مضبوطة،
ولو كانت محتملة لم تجز كقدوم الغزاة وإدراك الثمرات، ويجوز اشتراط مدة يرد فيها البائع
الثمن ويرتجع المبيع، فلو انقضت ولما يرد لزم البيع.
ولو تلف في المدة تلف من المشتري. وكذا لو حصل له نماء كان له.
الرابع: خيار الغبن. ومع ثبوته وقت العقد بما لا يتغابن فيه غالبا وجهالة المغبون
يثبت له الخيار في الفسخ والإمضاء.
الخامس: من باع ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع ولا اشترط التأخير فالبيع لازم
ثلاثة أيام. ومع انقضائها يثبت الخيار للبائع. فإن تلف، قال المفيد: يتلف في الثلاثة من
المشتري، وبعدها من البائع. والوجه تلفه من البائع في الحالين لأن التقدير أنه لم يقبض.
ولو اشترى ما يفسد من يومه، ففي رواية يلزم البيع إلى الليل، فإن لم يأت بالثمن
فلا بيع له.
السادس: خيار الرؤية: وهو يثبت في بيع الأعيان الحاضرة من غير مشاهدة.
ولا يصح حتى يذكر الجنس والوصف، فإن كان موافقا لزم. وإلا كان للمشتري الرد. وكذا
لو لم يره البائع واشترى بالوصف كان الخيار للبائع لو كان بخلاف الصفة.
وسيأتي خيار العيب إن شاء الله تعالى.
453

وأما الأحكام: فمسائل:
الأولى: خيار المجلس، يختص البيع دون غيره.
الثانية: التصرف يسقط خيار الشرط.
الثالثة: الخيار يورث، مشروطا كان أو لازما بالأصل.
الرابعة: المبيع يملك بالعقد. وقيل: به وبانقضاء الخيار، وإذا كان الخيار للمشتري، جاز
له التصرف، وإن لم يوجب البيع على نفسه.
الخامسة: إذا تلف المبيع قبل قبضه، فهو من مال البائع وكذا بعد قبضه وقبل انقضاء
خيار المشتري، ما لم يفرط، ولو تلف بعد ذلك كان من المشتري.
السادسة: لو اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف له سائرها كان له الخيار فيها أجمع،
إن لم يكن على الوصف.
الفصل الرابع: في لواحق البيع وهي خمسة:
الأول: النقد والنسيئة:
من ابتاع مطلقا فالثمن حال، كما لو شرط تعجيله. ولو شرط التأجيل مع تعيين المدة
صح، ولو لم يعين بطل. وكذا لو عين أجلا محتملا كقدوم الغزاة. وكذا لو قال: بكذا نقدا،
وبكذا نسيئة، وفي رواية له أقل الثمنين نسيئة. ولو كان إلى أجلين بطل.
ويصح أن يبتاع ما باعه نسيئة قبل الأجل بزيادة ونقصان بجنس الثمن غيره،
حالا ومؤجلا إذا لم يشترط ذلك ولو حل فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن أو بجنسه
من غير زيادة ولا نقصان صح، ولو زاد عن الثمن أو نقص ففيه روايتان، أشبههما: الجواز.
ولا يجب دفع الثمن قبل حلوله وإن طلب. ولو تبرع بالدفع لم يجب القبض. ولو حل
فدفع وجب القبض، ولو امتنع البائع فهلك من غير تفريط من الباذل تلف من البائع. وكذا
في طرف البائع لو باع سلما.
ومن ابتاع بأجل وباع مرابحة فليخبر المشتري بالأجل، ولو لم يخبره، كان للمشتري
الرد أو الإمساك بالثمن حالا وفي رواية، للمشتري من الأجل مثله.
454

مسألتان: الأولى: إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة. ولو نسبه إلى المال فقولان،
أصحهما: الكراهية.
الثانية: من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة سواء قومها، أو بسط
الثمن عليها وباع خيارها. ولو أخبر بذلك جاز لكن يخرج عن وضع المرابحة.
ولو قوم على الدلال متاعا ولم يواجبه البيع وجعل له الزائد، أو شاركه فيه، أو جعل
لنفسه منه قسطا وللدلال الزائد، لم يجز بيع ذلك مرابحة. ويجوز لو أخبر بالصورة كما قلناه
في الأول، ويكون للدلال الأجرة، والفائدة للتاجر، سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه.
ومن الأصحاب من فرق.
الثاني: فيما يدخل في المبيع:
من باع أرضا لم يدخل نخلها ولا شجرها إلا أن يشترط. وفي رواية، إذا ابتاع الأرض
بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها.
ولو ابتاع دارا دخل الأعلى والأسفل، إلا أن تشهد العادة للأعلى بالانفراد.
ولو باع نخلا مؤبرا، فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط. وكذا لو باع شجرة مثمرة أو دابة
حاملا على الأظهر. ولو لم تؤبر النخلة فالطلع للمشتري.
الثالث: في القبض:
إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن. والقبض هو التخلية فيما لا ينقل
كالعقار. وكذا فيما ينقل. وقيل: في القماش هو الإمساك باليد. وفي الحيوان هو نقله.
ويجب تسليم المبيع مفرغا، فلو كان فيه متاع فعلى البائع إزالته. ولا بأس ببيع ما لم
يقبض، ويكره فيما يكال أو يوزن. وتتأكد الكراهية في الطعام، وقيل يحرم. وفي رواية لا تبيعه
حتى تقبضه، إلا أن توليه.
ولو قبض المكيل وادعى نقصانه فإن حضر الاعتبار فالقول قول البائع مع يمينه. وإن
لم يحضره فالقول قوله مع يمينه. وكذا القول في الموزون والمعدود والمذروع.
455

الرابع: في الشروط:
ويصح منها ما كان سائغا داخلا تحت القدرة كقصارة الثوب. ولا يجوز اشتراط غير
المقدور، كبيع الزرع على أن يصيره سنبلا. ولا بأس باشتراط تبقيته. ومع إطلاق الابتياع،
يلزم البائع إبقاءه إلى إدراكه، وكذا الثمرة ما لم يشترط الإزالة.
ويصح اشتراط العتق، والتدبير، والكتابة. ولو اشترط ألا يعتق أو لا يطأ الأمة، قيل
يبطل الشرط دون البيع.
ولو شرط في الأمة الاتباع ولا توهب فالمروي: الجواز. ولو باع أرضا جربانا معينة فنقصت فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء بالثمن.
وفي رواية، له أن يفسخ أو يمضى البيع بحصتها من الثمن. وفي الرواية إن كان للبائع أرض بجنب تلك
الأرض لزم البائع أن يوفيه منها.
ويجوز أن يبيع مختلفين صفقة. وأن يجمع بين سلف وبيع.
الخامس: في العيوب:
وضابطها ما كان زائدا عن الخلقة الأصلية أو ناقصا. وإطلاق العقد يقتضي السلامة.
فلو ظهر عيب سابق تخير المشتري بين الرد والأرش ولا خيرة للبائع.
ويسقط الرد بالبراءة من العيب ولو إجمالا، وبالعلم به قبل العقد وبالرضا بعده،
وبحدوث عيب عنده. وبإحداثه في المبيع حدثا كركوب الدابة. والتصرف الناقل ولو كان
قبل العلم بالعيب.
أما الأرش. فيسقط بالثلاثة الأول، دون الأخيرين.
ويجوز بيع المعيب وإن لم يذكر عيبه، وذكره مفصلا أفضل. ولو ابتاع شيئين فصاعدا
صفقة فظهر العيب في البعض فليس له رد المعيب منفردا، وله رد الجميع أو الأرش.
ولو اشترى اثنان شيئا صفقة فلهما الرد بالعيب أو الأرش، وليس لأحدهما الانفراد بالرد على
الأظهر.
والوطء يمنع رد الأمة إلا من عيب الحبل، ويرد معها نصف عشر قيمتها.
456

وهنا مسائل:
الأولى: التصرية تدليس، يثبت بها خيار الرد. ويرد معها مثل لبنها أو قيمته مع
التعذر. وقيل صاع من بر.
الثانية: الثيوبة ليست عيبا. نعم لو شرط البكارة فثبت سبق الثيوبة كان له الرد.
ولو لم يثبت التقدم فلا رد، لأن ذلك قد يذهب بالنزوة.
الثالثة: لا يرد العبد بالإباق الحادث عند المشتري. ويرد بالسابق.
الرابعة: لو اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر فصاعدا ومثلها تحيض، فله الرد، لأن
ذلك لا يكون إلا لعارض.
الخامسة: لا يرد البزر والزيت بما يوجد فيه من التفل المعتاد، نعم لو خرج عن العادة
جاز رده إذا لم يعلم.
السادسة: لو تنازعا في التبري من العيب ولا بينة. فالقول قول منكره مع يمينه.
السابعة: لو ادعى المشتري تقدم العيب ولا بينة. فالقول قول البائع مع يمينه ما لم يكن
هنا قرينة حال تشهد لأحدهما.
الثامنة: يقوم المبيع صحيحا ومعيبا ويرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك من
الثمن. ولو اختلف أهل الخبرة رجع إلى القيمة الوسطى.
التاسعة: لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض، كان للمشتري الرد. وفي الأرش
قولان، أشبههما الثبوت. وكذا لو قبض المشتري بعضا وحدث في الباقي كان الحكم ثابتا
فيما لم يقبض.
الفصل الخامس: في الربا:
وتحريمه معلوم من الشرع حتى إن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية. ويثبت في كل
مكيل أو موزون مع الجنسية، وضابط الجنس ما يتناوله اسم خاص، كالحنطة بالحنطة، والأرز
بالأرز.
ويشترط في بيع المثلين التساوي في القدر. فلو بيع بزيادة حرم نقدا ونسيئة.
457

ويجب إعادة الربا مع العلم بالتحريم. فإن جهل صاحبه وعرف الربا تصدق به. وإن
عرفه وجهل الربا صالح عليه. وإن مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدق بخمسه.
ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء. وإن اختلفت أجناس العروض جاز التفاضل نقدا. وفي
النسيئة قولان، أشبههما: الكراهية.
والحنطة والشعير، جنس واحد في الربا، وكذا ما يكون منهما كالسويق والدقيق والخبز.
وثمرة النخل وما يعمل منها جنس واحد. وكذا ثمرة الكرم وما يكون منه. واللحوم تابعة
للحيوان في الاختلاف. وما يستخرج من اللبن جنس واحد. وكذا الأدهان تتبع ما يستخرج
منه. وما لا كيل ولا وزن فيه فليس بربوي كالثوب بالثوبين والعبد بالعبدين. وفي النسيئة
خلاف والأشبه: الكراهية. وفي ثبوت الربا في المعدود تردد، أشبهه: الانتفاء. ولو بيع شئ
كيلا أو وزنا في بلد وفي بلد آخر جزافا، فلكل بلد حكمه. وقيل يغلب تحريم التفاضل.
وفي بيع الرطب بالتمر روايتان، أشهرهما المنع. وهل تسري العلة في غيره كالزبيب
بالعنب، والبسر بالرطب؟ الأشبه: لا.
ولا يثبت الربا بين الوالد والولد، ولا بين الزوج والزوجة، ولا بين المملوك والمالك،
ولا بين المسلم والحربي. وهل يثبت بينه وبين الذمي؟ فيه روايتان أشهرهما أنه يثبت.
ويباع الثوب بالغزل ولو تفاضلا. ويكره بيع الحيوان باللحم ولو تماثلا.
وقد يتخلص من الربا بأن يجعل مع الناقص متاع من غير جنسه مثل درهم ومد من تمر
بمدين، أو ببيع أحدهما سلعته لصاحبه ويشترى الأخرى بذلك الثمن. ومن هذا الباب.
الكلام في الصرف: وهو: بيع الأثمان بالأثمان. ويشترط فيه التقابض في المجلس. ويبطل لو افترقا قبله
على الأشهر. ولو قبض البعض صح فيما قبض. ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل،
ولو وكل أحدهما في القبض فافترقا
قبله بطل. ولو اشترى منه دراهم ثم اشترى بها دنانير قبل القبض لم يصح الثاني. ولو كان له عليه دنانير فأمره أن يحولها إلى الدراهم وساعره
فقبل صح وإن لم يقبض، لأن النقدين من واحد. ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما،
458

ويجوز في المختلف. ويستوي في اعتبار التماثل: الصحيح، والمكسور، والمصوع.
وإذا كان في أحدهما غش لم يبع بجنسه إلا أن يعلم مقدار ما فيه، فيزاد الثمن عن
قدر الجوهر بما يقابل الغش.
ولا يباع تراب الذهب بالذهب. ولا تراب الفضة بالفضة ويباع بغيره. ولو جمعا جاز
بيعه بهما. ويباع جوهر الرصاص والنحاس بالذهب أو الفضة وإن كان فيه يسير من ذلك.
ويجوز اخراج الدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف، ولو لم تكن كذلك لم يجز
إلا بعد بيانها.
مسائل:
الأولى: إذا دفع زيادة عما للبائع صح، وتكون الزيادة أمانة. وكذا لو بان فيه زيادة
لا يكون إلا غلطا أو تعمدا. ولو كانت الزيادة مما يتفاوت به الموازين لم تجب إعادته.
الثانية: يجوز أن يبدل له درهما بدرهم. ويشترط صياغة خاتم ولا يتعدى الحكم. ويجوز
أن يقرضه الدراهم ويشترط أن ينقدها بأرض أخرى.
الثالثة: الأواني المصوغة من الذهب والفضة إن أمكن تخليصها لم يبع بأحدهما، وإن تعذر وكان الغالب أحدهما بيعت بالأقل.
وإن تساويا بيعت بهما.
الرابعة: المراكب والسيوف المحلاة. إن علم مقدار الحلية بيعت بالجنس مع زيادة
تقابل المراكب أو النصل نقدا: ولو
بيعت نسيئة نقد من الثمن ما قابل الحلية. وإن جهل بيعت بغير الجنس. وقيل: إن أراد بيعها بالجنس ضم إليها شيئا.
الخامسة: لا يجوز بيع شئ بدينار غير درهم، لأنه مجهول. السادسة: ما يجتمع من تراب الصياغة يباع بالذهب والفضة، أو بجنس غيرهما
ويتصدق به، لأن أربابه لا يتميزون.
الفصل السادس: في بيع الثمار:
لا يصح بيع ثمرة النخل قبل ظهورها ولا بعد ظهورها ما لم يبد صلاحها.
459

وهو أن يحمر أو يصفر على الأشهر. نعم لو ضم إليها شئ أو بيعت أزيد من سنة
أو بشرط القطع جاز. ويجوز بيعها مع أصولها وإن لم يبد صلاحها. وكذا لا يجوز بيع ثمرة
الشجر حتى تظهر ويبدو صلاحها وهو أن ينعقد الحب.
وإذا أدرك ثمرة بعض البستان جاز بيع ثمرته أجمع. وإن أدرك ثمرة بستان ففي
جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضما إليه تردد، والجواز أشبه.
ويصح بيع ثمرة الشجر ولو كان في أكمامه منضما إلى أصوله ومنفردا. وكذا يجوز بيع
الزرع قائما وحصيدا. ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات. وكذا يجوز، كالرطبة
جزة وجزات. وكذا ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات.
ولو باع الأصول من النخل بعد التأبير فالثمرة للبائع. وكذا الشجر بعد انعقاد
الثمرة ما لم يشترطها المشتري، وعليه تبقيتها إلى أوان بلوغها. ويجوز أن يستثني البائع
ثمرة شجرات بعينها، أو حصة مشاعة أو أرطالا معلومة. ولو خاست الثمرة سقط من
الثنيا بحسابه.
ولا يجوز بيع ثمرة النخل بثمر منها وهي " المزابنة " وهل يجوز بثمر من غيرها فيه
قولان، أظهرهما: المنع. وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه وهي " المحاقلة " وفي بيعه بحب
من غيره قولان، أظهرهما: التحريم.
ويجوز بيع العرية بخرصها، وهي النخلة تكون في دار آخر فيشتريها صاحب المنزل
بخرصها تمرا. ويجوز بيع الزرع قصيلا وعلى المشتري قطعه،
ولو امتنع فللبائع إزالته. ولو تركه كان له أن يطالبه بأجرة أرضه.
ويجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة عن الثمن قبل قبضها على كراهية
ولو كان بين اثنين نخل فتقبل أحدهما بحصة صاحبه من الثمرة بوزن معلوم صح. وإذا
مر الانسان بثمرة النخل جاز له أن يأكل ما لم يضر أو يقصد. ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا. وفي
جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردد،
460

الفصل السابع: في بيع الحيوان: إذا تلف الحيوان في مدة الخيار فهو من مال البائع ولو كان بعد القبض، إذا لم يكن
بسببه ولا عن تفريط منه. ولا يمنع العيب الحادث من الرد بالخيار. وإذا بيعت الحامل فالولد
للبائع على الأظهر، ما لم يشترطه المشتري.
ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعا. ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد ففي رواية
السكوني، يكون شريكا بنسبة قيمة ثنياه.
ولو اشترك جماعة في شراء حيوان واشترط أحدهم الرأس والجلد بماله، كان له منه
بنسبة ما نقد لا ما شرط. ولو قال: اشتر حيوانا بشركتي صح، وعلى كل واحد نصف
الثمن. ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك، لم يلزم الشرط.
وفي رواية: إذا شارك في جارية وشرط الشريك الربح دون الخسارة جاز.
ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها. ويستحب لمن اشترى رأسا
أن يغير اسمه ويطعمه شيئا حلوا ويتصدق عنه بأربعة دراهم. ويكره أن يريه ثمنه في
الميزان. ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: المملوك يملك فاضل الضريبة وقيل: لا يملك شيئا.
الثانية: من اشترى عبدا له مال، كان ماله للبائع، إلا مع الشرط.
الثالثة: يجب على البائع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة، إن كانت ممن تحيض.
وبخمسة وأربعين يوما، إن لم تحض وكانت من سن من تحيض. وكذا يجب الاستبراء على
المشتري إذا لم يستبرئها البائع. ويسقط الاستبراء على الصغيرة، واليائسة، والمستبرأة،
وأمة المرأة. ويقبل قول العدل إذا أخبر بالاستبراء.
ولا توطأ الحامل قبلا حتى تمضى لحملها أربعة أشهر. ولو وطئها عزل. ولو لم يعزل كره له
بيع ولدها، واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.
الرابعة: يكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا. وحده سبع سنين. وقيل:
أن يستغني عن الرضاع، ومنهم من حرم.
الخامسة: إذا وطئ المشتري الأمة ثم بان استحقاقها انتزعها المستحق. وله عقرها
461

نصف العشر إن كانت ثيبا والعشر إن كانت بكرا. وقيل: يلزمه مهر أمثالها وعليه قيمة
الولد يوم سقط حيا. ويرجع بالثمن وقيمة الولد على البائع. وفي رجوعه بالعقر قولان،
أشبهها: الرجوع.
السادسة: يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم وإن كان للإمام بعضه أو كله. ولو اشترى أمة
سرقت من أرض الصلح ردها على البائع واستعاد ثمنها. فإن مات ولا عقب له سعت
الأمة في قيمتها على رواية مسكين السمان. وقيل: يحفظها كاللقطة. ولو قيل: يدفع إلى الحاكم
ولا تكلف السعي، كان حسنا.
السابعة: إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ويعتقها ويحج ببقية المال فاشترى
أباه وتحاق مولاه ومولى الأب وورثه الآمر بعد العتق والحج، وكل يقول: اشترى بمالي، ففي
رواية ابن أشيم مضت الحجة ويرد المعتق على مواليه رقا. ثم أي الفريقين أقام البينة، كان
له رقا، وفي السند ضعف وفي الفتوى اضطراب. ويناسب الأصل الحكم بإمضاء ما فعله
المأذون ما لم يقم بينة تنافيه.
الثامنة: إذا اشترى عبدا فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد قيل:
يرتجع نصف الثمن. ثم إن وجده تخير، وإلا كان الآخر بينهما نصفين، وفي الرواية ضعف
ويناسب الأصل أن يضمن الآبق ويطالب بما ابتاعه.
ولو ابتاع عبدا من عبدين لم يصح، وحكى الشيخ في الخلاف: الجواز.
التاسعة: إذا وطئ أحد الشريكين الأمة سقط عنه من الحد ما قابل نصيبه وحد
بالباقي مع انتفاء الشبهة. ثم إن حملت قومت عليه حصص الشركاء. وقيل: تقوم بمجرد
الوطء وينعقد الولد حرا. وعلى الواطئ قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة.
العاشرة: المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كل منهما صاحبه حكم للسابق.
ولو اشتبه مسحت الطريق وحكم للأقرب. فإن اتفقا بطل العقدان. وفي رواية يقرع
بينهما.
462

الفصل الثامن: في السلف:
وهو: ابتياع مضمون إلى أجل بمال حاضر أو في حكمه.
والنظر في شروطه وأحكامه ولواحقه:
الأولى: الشروط:
وهي خمسة:
الأول: ذكر الجنس والوصف.
فلا يصح فيما لا يضبطه الوصف كاللحم والخبز والجلود. ويجوز في الأمتعة والحيوان
والحبوب وكل ما يمكن ضبطه.
الثاني: قبض رأس المال قبل التفرق، ولو قبض بعض الثمن ثم افترقا صح في
المقبوض. ولو كان الثمن دينا على البائع صح على الأشبه لكنه يكره.
الثالث: تقدير المبيع بالكيل أو الوزن، ولا يكفي العدد ولو كان مما يعد ولا يصح في
القصب أطنانا ولا في الحطب حزما ولا في الماء قربا. وكذا يشترط التقدير في الثمن وقيل:
يكفي المشاهدة.
الرابع: تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة والنقصان.
الخامس: أن يكون وجوده غالبا وقت حلوله ولو كان معدوما وقت العقد.
الثاني: في أحكامه:
وهي خمسة مسائل:
الأولى - لا يجوز بيع السلم قبل حلوله ويجوز بعده وإن لم يقبضه على كراهية في
الطعام على من هو عليه وعلى غيره. وكذا يجوز بيع بعضه وتولية بعضه. وكذا بيع الدين.
فإن باعه بما هو حاضر صح. وكذا إن باعه بمضمون حال. ولو شرط تأجيل الثمن قيل:
يحرم، لأنه بيع دين بدين. وقيل يكره، وهو الأشبه. أما لو باع دينا
في ذمة زيد، بدين المشتري في ذمة عمرو فلا يجوز لأنه بيع دين بدين.
463

الثانية - إذا دفع دون الصفة وبرضى المسلم صح.
ولو دفع بالصفة وجب القبول وكذا لو دفع فوق الصفة، ولا كذا لو دفع أكثر.
الثالثة - إذا تعذر عند الحلول أو انقطع فطالب، كان مخيرا بين الفسخ والصبر.
الرابعة - إذا دفع من غير الجنس ورضي الغريم ولم يساعره، احتسب بقيمة يوم
الإقباض.
الخامسة - عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم. فلا يبطل باشتراط بيع، أو هبة،
أو عمل محلل أو صنعة.
ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات بعينها قيل: يصح. والأشبه: المنع، للجهالة.
ولو شرط ثوبا من غزل امرأة معينة أو غلة من قراح بعينه لم يضمن.
النظر الثالث:
في لواحقه وهي قسمان:
الأول: في دين المملوك، وليس له ذلك إلا مع الإذن. ولو بادر لزم ذمته يتبع به إذا أعتق
ولا يلزم المولى. ولو أذن له المولى لزمه دون المملوك إن استبقاه أو باعه. ولو أعتقه فروايتان:
إحديهما يسعى في الدين والأخرى لا يسقط عن ذمة المولى وهو الأشهر. ولو مات المولى كان
الدين في تركته.
ولو كان له غرماء كان غريم المملوك كأحدهم.
ولو كان مأذونا في التجارة فاستدان لم يلزم المولى. وهل يسعى العبد فيه؟ قيل: نعم.
وقيل: يتبع به إذا أعتق وهو الأشبه.
القسم الثاني: في القرض:
وفيه أجر ينشأ من معونة المحتاج تطوعا ويجب الاقتصار على العوض. ولو شرط
النفع ولو زيادة في الصفة حرم. نعم لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم.
ويقترض الذهب والفضة وزنا. والحبوب كالحنطة والشعير كيلا ووزنا. والخبز وزنا
464

وعددا. ويملك الشئ المقترض بالقبض، ولا يلزم اشتراط الأجل فيه. ولا يتأجل الدين
الحال مهرا كان أو غيره.
فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه، وعزله عند وفاته موصيا
به. ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه. ومع اليأس قيل: يتصدق به عنه.
ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض. ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم وقبض
ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقه. ولو أسلم الذمي قبل بيعه قيل يتولاه غيره
وهو ضعيف.
ولو كان لاثنين ديون فاقتسماها، فما حصل لهما، وما توى منهما. ولو بيع الدين بأقل
منه لم يلزم الغريم أن يدفع إليه أكثر مما دفع على تردد.
خاتمة
أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع. وكذا أجرة بائع الأمتعة وأجرة الناقد ووزان
الثمن على المشتري. وكذا أجرة مشتري الأمتعة. ولو تبرع الواسطة لم يستحق أجرة.
وإذا جمع بين الابتياع والبيع فأجرة كل عمل على الآمر به. ولا يجمع بينهما لواحد.
ولا يضمن الدلال ما يتلف في يده ما لم يفرط.
ولو اختلفا في التفريط ولا بينة، فالقول قول الدلال مع يمينه. وكذا لو اختلفا في القيمة.
465

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
467

كتاب البيع باب مقدماته وما به يتم وما يجوز بيعه وما لا يجوز:
ينبغي أن يبدأ بفقه التجارة لئلا يقدم على محظور، وأن يتعرض بالتجارة لرزق الله
ففيها تسعة أعشار الرزق وصلاح الحال ولم الشعث والمعونة على صلة الرحم والمروءة،
والصدقة، وتركها مذهبة للعقل وليشتر وإن كان غالبا فإن الرزق ينزل مع الشراء، وإذا
فتح بابه ووضع ميزانه فقد قضى ما عليه، ولا يكن أول داخل السوق وليدع إذا دخلها إذا
اشترى أو باع و ليقل النادم ولينظر المعسر، وليأخذ الحق وافيا أو غير واف والوفاء أن يميل
الميزان.
وليكن سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء، ولا يحلف فإن اليمين
تمحق البركة وتنفق السلعة، ولا يظلم ولا يقرب الربا فدرهم ربا أعظم عند الله من سبعين
زنية كلها بذات محرم، وزنية بذات محرم أعظم من سبعين زنية بغيرها، ولعن آكل الربا
وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهداه.
وغبن المؤمن حرام، ويكره للبائع مدح المبيع ويكره للمشتري ذمة، ويستحب له أن
يزيد إذا استزيد فهو أعظم للبركة، وأن يقنع بيسير الربح على المؤمن وإن ولاه فحسن به.
وإذا وكل في شراء سلعة لم يعطه من عنده وإن كان خيرا منها، كذا رواه هشام بن
الحكم عن أبي عبد الله ع وإذا وكل في البيع لم يشتر من نفسه، ولا يخالط السلفة
ولا يعاملهم والمحارفين ولا ذا عاهة فإنهم أظلم شئ ولا تقترض ممن لم يكن فكان ويكره
469

مخالطة الأكراد ببيع وشراء ونكاح.
والغش حرام فمن غش غش في ماله وإن لم يكن له مال غش في أهله، ولا يجوز بيع
الثياب في المواضع المظلمة وشوب اللبن بالماء.
وإذا رزق من شئ لزمه، وإن عسر عليه نوع اتجر في غيره، وإذا دعا غيره ليحسن إليه
ولاه، وينبغي لي التسوية بين الناس في البيع ولا يطلب الغاية في الربح، وإذا كال أو وزن
لغيره أرجحه، وإذا أخذ لنفسه أخذ ناقصا و أن يزيد في السلعة عند سكوت المنادي،
ويكره السوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وعن أمير المؤمنين ع: سوق المسلمين كمسجدهم، من سبق إلى مكان فهو
أحق به إلى الليل، وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء، وإذا لم يحسن الانسان الكيل لم
يحل له أن يتولاه، وعن الصادق ع: لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه،
ويكره الاستحطاط من الثمن بعد الصفقة، ويستحب تقدير المعيشة فقد كان الصادق
ع: يأمر بخلط الحنطة بالشعير لعياله ويقول: إني أقدر أن أطعمهم الحنطة على
وجهها لكني أحب أن يراني ربي قد أحسنت تقدير المعيشة، وتاجر يصلى الصلاة لوقتها
أفضل من فارع يصليها لوقتها.
أنواع البيع:
والبيع جنس تحته ثلاثة أنواع: 1 - بيع الأعيان الحاضرة، 2 - والأعيان الغائبة، 3 -
والمضمون في الذمة.
ولا يصح إلا من مطلقي التصرف بالإيجاب والقبول بلفظ الماضي في مجلس واحد،
وهو بعت أو شريت فيقول المشتري: قبلت أو شريت أو ابتعت وشبهها، وأن يكون البائع
مالكا للمبيع أو في حكمه كالأب والجد والحاكم وأمينه والوكيل والوصي، فإن لم يكن ذلك
وأجازه المالك لزم، وقد تختلف المبيعات فيحتاج إلى شروط آخر نذكر إن شاء الله تعالى.
470

أحكام الخيار: وإذا وقع البيع فهما بالخيار ما لم يفترقا أو يتخايرا بأن يختار إمضاء البيع أو يعقداه
على أن لا خيار بينهما، والتفرق يكون بخطوة فما زاد فإن قاما ومشيا معا فهما على الخيار.
وإن تبايعا حيوانا يصح بيعه فللمشتري الخيار ثلاثا بلا شرط، وإن شرطا خيارا لهما
أو لأحدهما مدة معلومة جاز وإن زادت على الثلاثة وابتداء المدة من حين العقد، وقيل: من
حين التفرق وإن تبايعا ولم يتقابضا فالبيع لازم إلى ثلاث، فإن مضت من غير قبض فللبائع
الفسخ والإمضاء وكذلك لو قبض بعض الثمن أو كله فبان مستحقا وفيما لا يبقى يوما إلى
الليل ثم للبائع الخيار، وروي الخيار في الجارية في هذه المسألة إلى شهر للبائع.
وخيار المجلس والشرط يورث فإن جنا أو أغمي عليهما أو جن أحدهما أو أغمي عليه
قام الولي مقامهما يفعل الأصلح، وإن أكرها على التفرق من المجلس ولم يمنعا من النطق
سقط الخيار فإن منعا منه فالخيار باق، وإذا تلف المبيع قبل القبض فهو من ضمان البائع،
وكذلك معه إلى ثلاثة أيام في الحيوان ما لم يحدث المشتري فيه حدثا يدل على الرضا، وفي غير
الحيوان الهلاك ممن لا خيار له منهما، فإن هلك المبيع في الثلاث ولم يتقابضا أو في اليوم فيما
لا يبقى فالهلاك من البائع، وقيل من المشتري وبعدها من البائع قولا واحدا.
وإن حصل من المبيع نماء في المدة أو التقط لقطة أو وجد كنزا إن كان رقيقا فهو
للمشتري، وإن شرطا خيارا مجهولا بطل البيع ولا يستقر الضمان على المشتري حتى يقبض،
والقبض فيما ينقل النقل وفيما يتناول باليد التناول وفيما سواهما التخلية، وينتقل المبيع إلى
المشتري بالعقد وانقضاء الخيار، وقيل بالعقد ولا ينفذ تصرف المشتري فيه حتى ينقضي
خيار البائع، ولا تصرف البائع في الثمن المعين حتى ينقضي خيار المشتري.
لا يصح البيع فيما لا يملكه المسلم كالحر والخمر والخنزير والكلب إلا كلب صيد أو
ماشية أو حائط أو زرع والنبيذ وكل مسكر والفقاع كالخمر، ولا يجوز بيع نجاسة كعذرة
وبول ما لا يؤكل لحمه، والدم المسفوح والميتة وما لم تلحق ذكاته وما ذكاه محرم من صيد البر
وما لا تحل ذكاته، ويجوز بيع الدهن النجس لأنه يجوز الاستصباح به تحت السماء والثوب
النجس ويعلم المشتري حالهما.
471

ولا يجوز بيع الحشرات كالعقارب والخنافس ومحرم السمك والرقاق والسلاحف
والضفادع ولا بيع الوقف إلا على وجه وأم الولد إلا على وجه والمكاتب حتى يرد في الرق
والعبد الجاني، وقيل: يجوز بيعه جنى عمدا أو خطأ، وقيل: يجوز في الخطأ دون العمد، وقيل
بالعكس.
ولا بيع البعير الشارد والطير الطائر، ولا يجوز بيع السمك في الماء والعبد الآبق والحمل
في جوف الحامل والبيض في جوف البائض واللبن في الضرع والصوف والوبر والشعر
على الظهر منفردات. ولا ذراع من أرض
أو ثوب مجهول أو نخلة من نخيل أو شاة من قطيع أو ثوب وعبد من ثوبين وعبدين.
ولا بيع المكيل والموزون والمعدود جزافا، فإن كثر كيل أو وزن أو عد منه شئ في وعاء ثم
ملأه حتى يفرع وحاسبه عليه، فإن أخبر البائع بالكيل أو الوزن أو العدد جاز، فإن ادعى
نقصانا مما لا يكون غلطا أو زيادة كذلك فلا يرجع بالنقص ولا يرد الزيادة، وإن لم يكن إلا
عن غلط تراد فإن ادعى القابض نقصانا ولا بينة له وحلف قضي له، وإن كان قد كيل
أو وزن أو عد بحضرته ثم ادعى حلف خصمه وبرأ.
ولا مجهول الثمن صفة أو قدرا، كالبيع بثمن مطلق ليس له فيه نقد متعارف
ولا غالب، ولا مجهول المحل في السلف والنسيئة كعطاء السلطان ومقدم الحاج، ولا مجهول
المبيع، كبيع الحصاة والملامسة والمنابذة، ولا إلى أجلين، كأن يقول: بدينار إلى كذا،
وبدينارين إلى كذا، ولا جارية لا يدها.
فإن اشترى الحامل من الناس والبهائم لم يدخل الحمل في البيع إلا أن يشترطه
المشتري، ويجوز بيع بزر دود القز.
بيع ما يصح وما لا يصح:
فإن جمع في صفقة واحدة بين ما يصح بيعه وما لا يصح بيعه، كالوقف والطلق وأم
الولد والعبد وشاة ميتة وحية وخل وخمر وشاة وخنزير، فرقت الصفقة وصح فيما يصح
وبطل في الآخر وللمشتري الخيار مع الجهل.
472

وإن باع معلوما ومجهولا بثمن بطل فيهما لعدم التمكن من اسقاط ما قابله، وإن باع
ملكه وملك غيره وقف على إجازة صاحبه وللمشتري الخيار مع الجهل، وإذا اختار الإمضاء
في ملك أخذ ما يجوز بيعه بحصته من الثمن.
وإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كالبيع والإجارة أو البيع والنكاح أو البيع والخلع،
صحا وقسم العوض على قيمة المبيع وأجرة مثل الدار وقدر مهر المثل، وإن جمع في صفقة
واحدة بين كتابة عبيد أو نكاح نسوة أو خلعهن بعوض واحد، صح ذلك وكان العوض
مقسوما على قدر قيم العبيد ومهور المثل.
وإن نكح أخته وأجنبية بمهر صح في الأجنبية بما يخصها منه بالحساب من مهر المثل،
وإن باع متاعا فتلف بعضه قبل القبض لم يبطل في الآخر، وإن جمع بين عقدين فيما لا عوض
فيه كالهبة والرهن صحا.
ولا يجوز بيع المعدوم كأن يبيع ما تحمل الأنثى أو ما تطلع النخلة. ولا يجوز بيع فيه ربا والبيع الفاسد لا يملك به العوضان ولو قبضا ويرجع البائع فيأخذ
المبيع، فإن وجده ناقصا فعلى القابض أرشه وإن وجده زائدا زيادة متصلة كالسمن
أو منفصلة كالنتاج أخذ الكل، وإن كانت الزيادة عينا للمشتري كطراز الثوب فذلك
للمشتري وإن كان فعلا كدق الثوب فلا شئ له، وضمنه المشتري إن تلف ما بلغ قيمته من
حين القبض إلى التلف ولا إثم عليه، ولو كان تصرف فيه لم ينفذ تصرفه وعليه أجرته إن
كان له أجرة، وإن كان جارية بكرا فوطئها فعليه عشر قيمتها والولد حر وعليه قيمته
للبائع يوم سقط حيا وإن سقط ميتا فلا شئ عليه.
في المعاطاة:
وما يجري بين الناس من التعاوض بغير التبايع فالتصرف فيه جائز للتراضي،
وقيل: إنه لازم في المحقرات للعادة وليس بيعا صحيحا ولا فاسدا، ولكل منهما الرجوع فيه
ما لم يتلف أحد العوضين، فإن اشترى شاة إلا جلدها أو معلوما منها صح البيع والاستثناء
وروي أنه يكون شريكا للمشتري بقدر قيمة المستثنى منها.
ويجوز البيع بشرط الأجل والرهن والضمين والإشهاد والتسليم والعتق والقرض
473

والاستقراض والبيع والابتياع وركوب الدابة مدة معلومة وقصر الثوب وخياطته وشبه
ذلك مما هو سائغ في الشرع، فإن وفى وإلا أجبر عليه وإن شاء المشترط فسخ البيع.
فإن شرط ما لا يحل بطل الشرط وصح البيع، وبيع العبد المسلم من الكافر لا يصح
وقيل: يصح ويزال الملك، ولا يصح بيع الدين قبل حلوله على من هو عليه وعلى غيره،
وبعد حلوله يصح على من هو عليه وعلى غيره، وقيل لا يصح، ولا يصح بيع الدين ولا بيع
الورق قبل قبضه.
ولا بأس ببيع كتب العلم والأدب، ولا يجوز بيع المصحف وليبع الجلد والغلافة،
ولا يحل بيع كتب الكفر إلا لنقضها، ويباع العصير بالنقد كراهة أن يصير خمرا عند
المشتري قبل قبض ثمنه، ويكره بيع الأكفان وصنعة القصاب والنساج والحائك ولا يجوز
بيع السلاح لمحاربي المسلمين حال الحرب.
باب الربا والصرف:
الربا محرم إجماعا ويجب رده على صاحبه، فإن جهله تصدق به عنه، وروي في من تناوله
جاهلا بتحريمه تم علم، تاب وليس عليه رده.
ربا بين الولد ووالده والعبد وسيده والرجل وأهله أعني زوجته والمسلم والحربي
يأخذ منه المسلم ألف درهم بدرهم ولا ينعكس، ويثبت بين المسلم والذمي.
والربا فيما يكال أو يوزن إذا بيع بعض الجنس ببعض، فإن بيعت الأثمان بمثلها والجنس
واحد وجب التماثل وحرم النسأ والتفرق قبل القبض، وإن اختلف جنساهما فكذلك إلا
جواز التفاضل، وإذا تبايعا غير الأثمان فباع بعض الجنس الربوي كالحنطة بالحنطة
وجب التماثل وجاز النسأ والتفرق قبل القبض، والنسأ مكروه وافتراقهما قبل القبض
لا يبطل البيع، وإن اختلف جنساهما جاز التماثل والتفاضل والنسأ والتفرق قبل القبض.
والبسر والتمر والرطب ودبسه كله جنس، والعنب والزبيب والعصير والدبس منه
كله جنس، واللحمان أجناس مختلفة، ولحم الغنم الأهلي جنس، ولحم البقر والجاموس
جنس، ولحم الضأن والمعز جنس، فيجوز بيع الجنس منه بالجنس متماثلا نقدا والجنس
474

بالآخر متماثلا ومتفاضلا نقدا، والألبان كاللحمان في اختلافها وتماثلها، والزبد والسمن
والأقط من الأصل الواحد جنس واحد، وبيع اللحم بالحيوان من جنس واحد لا يجوز، و
إن اختلفا جاز والتفاضل بين الثوب والغزل جائز، والثياب بالثياب والحيوان بالحيوان
متفاضلا ومتماثلا نقدا ونسا.
ولا ربا في المعدود. فإذا بيع بعض الجنس ببعض جاز متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسا،
ويكره النسأ وإن اختلفا فكذلك، ولا يجوز بيع الزيت بالزيتون والسمسم بالشيرج، ويجوز
بيع الربوي بغير الربوي متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسا، والذهب و الفضة جنسان، والحنطة
والشعير جنسان، وقيل: واحد في الربا دون الزكاة، ولا اعتبار بجودة أحد العوضين
الربويين المتماثلين وردائه الآخر أو حسن صنعة أحدهما دون الآخر أو كون أحدهما
مكسورا أو حليا.
وجوهر الفضة لا يباع إلا بالذهب، وجوهر الذهب لا يباع إلا بالفضة، ويجوز بيعهما
بجنس آخر غيرهما، وجوهر الفضة والذهب معا يباع بالذهب والفضة معا، والذهب
والفضة المغشوشان لا يباع أحدهما بجنسه ويجوز بغير جنسه إلا إذا علم المقدار،
والمخلوط بالذهب والفضة وأمكن التخليص ولم يعلم مقدار ما فيه من ذهب وفضة، لم يبع
بذهب ولا فضة ولا بالمخلوط واستعملاه الهبة لا البيع، وإن علم المقدار جاز، وإن لم يمكن
التخليص وعلم المقدار بيع بأحدهما وبكليهما وبمثله من المخلوط، وإن لم يعلم المقدار
وأحدهما غالب بيع بغير الغالب وإن اشتبه فبكليهما، وضم جنس آخر معه أحوط، وإن
كان كلا البدلين كذلك لم يبع أحدهما بالآخر.
والسيف المحلى بالذهب والفضة وشبهه وهو معلوم المقدار يجوز بيعه بجنسه بأكثر مما
فيه لا بمثله ولا أقل منه، فإن استوهب المشتري ما زاد جاز، ويجوز بيعه بغير جنسه وبجنسه
نسيئة إذا نقد مثل حليته.
وإن اشترى ذهبا بذهب معينين وتقابضا فظهر بأحدهما عيب من جنسه فلصاحب
الصحيح فسخ البيع في الكل ولا إبدال، وإن باعه بثمن في الذمة وتقابضا قبل التفرق
فظهر ببعضه عيب في المجلس أبدله فقط.
475

وإن باع الذهب بالفضة وبالعكس معينين وتقابضا وظهر عيب في المجلس من جنسه
في كله أو بعضه أو في أحدهما فالخيار بين الفسخ والإجازة، وإن ظهر عيب لا من جنسه في
بعضه بعضت الصفقة وفي الكل ينفسخ البيع، ويتعين الأثمان بالتعيين كالعروض، فإن
تبايعا في الذمة وتقابضا قبل التفرق فظهر عيب في المجلس فله الأبدال، فإن ظهر بعد
التفرق في كله أو بعضه من جنسه فإن شاء رضي أو فسخ أو طلب البدل.
وإن ظهر عيب من غير جنسه بالبعض بعضت الصفقة وإن ظهر في الكل انفسخ
البيع، فإن باعه أحد الجنسين بما له عليه من دين جاز، وإذا أعطى الدين المدين من غير
جنس ماله عليه ولم يساعره وتغير السعر حسب بقيمته يوم الإعطاء.
ولا يجوز إنفاق الذهب والفضة المغشوشين غير المعروفين إلا بعد بيان حالهما، ولا بأس
ببيع درهم بدرهم بشرط صياغة خاتم، ويجوز بيع الأسرب بالفضة وإن كان فيه فضة يسيرة،
وروي في تراب الصياغة إن أمكن استحلاله من صاحبه فعل، فإن كان يتهمه إن أخبر بيع
بطعام وشبهه وتصدق به بائعه إما له أو على محتاج من أهله وغيرهم. ويكره صنعة الصرف
لأنه لا يكاد يسلم من الربا، وصنعة الصياغة.
ويجوز بيع درهم ودينار بألفي درهم أو ألف دينار وبيع درهم وخرقة بمثل ذلك، ومد تمر
ودرهم بألف درهم أو ألف مد تمر. وروي في من عليه دراهم لغيره فقال له مستحقها: حولها
دنانير بسعر معلوم، ولم يقبضه جواز ذلك لأن النقدين معا من عنده.
باب بيع الغرر وما يدخل فيه الخيار والاحتكار والتلقي ومسائل تتعلق
بالبيع:
الغرر ما انطوى أمره، وإذا أريد بيع الحمل في جوف الحامل واللبن في الضرع
والصوف والشعر والوبر على الظهر والرقيق الآبق والسمك في الماء، بيعت مع متاع
حاصل، أو أن يحلب من اللبن شئ ويباع مع ما في الضرع في الحال أو مدة من الزمان،
ويجوز إعطاء الغنم بالضريبة مدة من الزمان بذهب أو فضة، ويكره باللبن والسمن وهو
جائز.
476

وإن يصاد من الأجمة سمكة أو شئ من القصب ويباع مع ما فيها من السمك وإلى
الثمرة المعدومة ثمرة السنة الحاضرة، فإن لم يحصل هذه الأشياء فالثمن في ذلك المتاع.
ومن الغرر المحاقلة، وهي بيع الزرع المشتد بحب مجانسة على الأرض، والمزابنة وهي
بيع الثمر على رؤوس النخل بالتمر على الأرض إلا في العرايا، فإنه يجوز بشرط التماثل
من جهة الخرص والتقابض قبل التفرق، وهي النخل في بستان الغير أو داره، وليس في
غير النخل عرية بل البيع باطل لأنه لا يؤمن الربا.
وإذا باع ثوبا غائبا بصفة فإن لم يكن كذلك فله ثوب على الصفة، فهو غرر،
والشرط في الدابة أنها تحمل أو تحلب كل يوم كذا وبيع المسك في نافجته غرر، وضربة
الغائص والشبكة والسلف فيما لا يمكن تحديده ولا صفته غرر، ويجوز أن يندر للظروف
ما يزيد تارة وينقص أخرى على عادة التجار، وشراء جزية أهل الذمة وقبولها بشئ معلوم
وابتياع تبن كل كر من الطعام بشئ معلوم قبل كيله واستثناء بعض غير معين يبطل البيع،
واستثناء المعين أو المشاع جائز.
وما أمكن اختباره من غير إفساده كالخل والعسل وماء الورد لم يبع قبل الاختيار، فإن
لم يمكن إلا بإفساده جاز على الصحة وعلى البراءة، فإن باع على الصحة فظهر معيبا
لا قيمة له كالبيض الفاسد رجع بجميع الثمن، وإن كان بعضه كذلك بعضت الصفقة،
وإن كان له قيمة وتصرف فيه فله الأرش بين قيمته صحيحا ومعيبا غير مكسور، وإن بان
من غير تصرف فله الرد، فإن ظهر في البعض رد الكل أو أمسكه بالأرش، والأعمى
والبصير في ذلك سواء.
وإذا باع ثوبا بنساج على خفه لم يفرع منه على أن يعمل الباقي مثله لم يصح، ويجوز
بيع الحنطة في سنبلها والباقلي في قشره التحتاني والجوز واللوز كذلك.
ما يدخل فيه الخيار:
ولا يدخل خيار المجلس في العقود اللازمة سوى البيع، وأما العقود الجائزة
كالوديعة والعارية فلكل منهما الفسخ في المجلس وبعده، ويدخل خيار الشرط في العقود إلا
477

الصرف والنكاح والوقف، ويجوز خيار الشرط في القسمة وليس فيها خيار المجلس لأنها
ليست ببيع، ولا يدخل الخياران في الطلاق والعتاق والظهار، ولا يصح تعليق العقود
أجمع، والطلاق والعتاق والظهار عندنا على المستقبل.
بعض المكاسب المحرمة:
ويحرم النجش وهو أن يزيد في الثمن ليغر غيره ولا خيار للمشتري فيه و
السوم على السوم، وبذل أكثر من الثمن للبائع في مجلس الخيار، وعرض سلعة كالسلعة أو أجود منها
فيه على المشتري بأقل منه.
حرمة تلقي الركبان: وتلقي السلع لشرائها خارج البلد إلى أربعة فراسخ، فإن فعل فصاحب السلعة بالخيار
إذا بان له الغبن على الفور، فإن زاد عليها أو كان راجعا إلى بلده فاشترى فلا بأس،
والاحتكار وهو حبس الأقوات كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح مع شدة
الحاجة إليها، وحده ثلاثة أيام في الغلاء، وفي السعة أربعون يوما والمحتكر بعد ذلك ملعون،
وإذا لم يكن سواه وحبسه للتجارة يجبر على البيع دون السعر إلا إذا أفرط، وإن حبسه لقوته
وقوت عياله لم يعترض وإذا خالف أهل السوق بزيادة أو نقص فكذلك، ولا يجوز أن يبيع
حاضر لباد في البدو، ولا بأس أن يبيع له في الحضر ويستقصي.
وإذا اشترى صبرة طعام على أنها كذا قفيزا فزادت أو نقصت ما لا يكون إلا غلطا
أخذ المشتري حقه ورد الزيادة، وفي النقيصة إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه بحصته
من الثمن وكذلك كل ما يتساوى أجزاءه.
وإن اشترى أرضا على أنها كذا جريبا أو ثوبا على أنه كذا ذراعا فبان زائدا خير
البائع في الفسخ والإمضاء، وإن بان ناقصا خير المشتري في الفسخ و الأخذ بجميع الثمن
وكذا كل ما لا يتساوى أجزاءه، ومن كان له على غيره حق مؤجل لم يلزمه قبوله قبل حلوله
ولا بعد حلوله في غير موضع شرط التسليم، فإن أتاه به بعد حلوله في موضع شرط التسليم
478

من جنسه لزمه التسلم، فإن لم يفعل وهلك فمن ماله، وإن جاءه بغير جنسه لم يلزمه
قبوله، وإن جاءه به ناقص الصفة لم يلزمه قبوله، فإن قبله منه برئت ذمته، وإن قضاه زائد
الصفة لزمه قبوله، وإن كان زائد القدر فالزائد هبة يملك بالقبض، وإن كان ناقص القدر
لزمه قبوله وطالب بالباقي.
في الإقالة:
والإقالة فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما قبل القبض وبعده في كل المبيع وبعضه
بشرط بقائه أو بقاء بعضه وبقاء المتبائعين بالثمن من غير زيادة ولا نقصان، ولا يلحق
بالمبيع ولا بالثمن ما زيد فيهما، وإن نقصه من الثمن فهو إبراء لا يلحق به، وقيل: إن
أبرأه قبل الافتراق لحق به، واستصناع شئ كالخف الصانع غير لازم المستصنع وله رده.
ولا يجوز بيع الطعام قبل قبضه كان مبيعا أو قرضا، فإن باع قرض الطعام من
مستقرضه بمثله كان قضاء لدينه، وإن كان من غير جنسه وقبض في المجلس أو بغير طعام
وعين في المجلس صح وإن لم يقبض، ويجوز بيع غير الطعام قبل القبض، ويجوز أن يبيع
شيئا ويشترط البائع لنفسه الفسخ متى جاء بالثمن إلى مدة مسماة مهما كانت، وإذا قبضه
المشتري فتلف فمن ماله وإن أغل شيئا فله،
وإن جاء بالثمن في المدة فله الفسخ وإن جاء بعدها فلا فسخ له، والرقيق إنما يكون
له حكم الآبق إذا خرج عن المصر.
ولا يجوز أن يشترى من الظالم ما يعلمه ظلما بعينه، ويكره أن يشترى منه ما لا يعلم حاله
وليس بحرام، وكذلك معاملة من يكتسب الحرام كالزانية والعشار ويحرم منه ما علم بعينه
حراما، ويكره كسب الصبيان وبيع التمر والعنب والخشب لمن يعمل منه ما لا يحل كالخمر
والنبيذ والوثن والملاهي صحيح.
ويكره استعمال الصور وشراء ما عليه تمثال ويجوز في الفرش، ويجوز بيع الإبريسم
وعظام الفيل والصوف والشعر والوبر والقرن والعظام والظلف والحافر من الميتة طاهر
479

ويجوز بيعه، وأن يؤخذ من الذمي من جزية رأسه ودين عليه لمسلم من ثمن خمر أو خنزير
وإذا باعهما الذمي وأسلم قبل قبض الثمن فله المطالبة به، وإن أسلم وفي يده شئ من ذلك
لم يحل له التصرف فيه بنفسه بوكيله، فإن أسلم وعليه دين وفي يده خمر فباعها ديانه وولى له
غير مسلم وقضى دينه أجزأ عنه.
ويجوز شراء الغلة والثمر والأنعام من سلطان جور أخذها على جهة الخراج والزكاة
والمقاسمة وإن أخذ فوق الواجب، ولا بأس أن تقبل الجائزة من سلطان الجور، فإن لك في
بيت المال نصيبا. وروي في من غصب مالا فاشترى به جارية: إباحة الفرج له وعليه ضمان
المال، وروي في من اشترى ضيعة من سرقة أو قطع طريق لا خير في شئ أصله حرام ولا
يحل استعماله، وشراء الأعمى وبيعه جائز والأفضل أن يوكل بصيرا.
وثمن المبيع بالإطلاق حال، وشروط الحلول مؤكد، وشرط التأجيل إلى أجل معلوم
لازم، والدين الحال لا يتأجل بتأجيل صاحبه، وإن تبايعا سلعة وشرطا من العقد تأجيل
القرض أو المهر أو الدين الحال كقيمة المتلف وأرش الجناية وثمن المبيع لزم، وإن شرط فيه
قرضا إلى أجل لزمه القرض مؤجلا.
ولا يصح بيع المكره، وإن بيع على شخص ماله وهو حاضر أو صولح عليه فسكت لم
يلزمه ذلك ولا يكون بسكوته مجيزا ويجوز بيع الأب والجد على طفليهما ويحكم به الحاكم من
غير طلب بينة إنه بيع لمصلحة الطفل ويشترى كل واحد منهما لنفسه مال الصغير من نفسه
ويشتري له كذلك لأنهما لا يتهمان بخلاف غيرهما من وكيل وحاكم.
ومن غصب مالا فباعه وقبض ثمنه فأجازه صاحبه، صح ورجع على الغاصب بما قبض
من الثمن، ويجوز أن يشتري متاعا نقدا أو نسا ثم يبيعه من بائعه بدون الثمن، ويجوز لمن
عليه دين أن يشتري ما يساوي دينارا من صاحب الدين بألف دينار بشرط تأخير الدين
والثمن إلى أجل معلوم ويلزمهما الوفاء بذلك، ونهى ع عن بيع ما ليس عنده وعن
بيعين في بيع وهو ما ذكرناه من بيع متاع بأجلين وثمنين، فأما شرط أن يبيعه سلعة أخرى
بكذا فجائز.
480

باب ابتياع الحيوان:
يجوز بيع الرقيق وشراءه والمدبر والمكاتب المشروط عليه إذا عجز عن الأداء، وروي أنه
إن بيع المدبر قبل فسخ تدبيره ومات بائعه صار حرا وأم الولد في ثمن رقبتها مع
بقاء ولدها وبعد موته مطلقا، ويصح بيع ما يملكه المسلم من الأنعام والصيود والطيور
والنحل المحبوسة والخيل والحمر والبغال ودود القز وجوارح الطير والسباع وكلب
الصيد والحائط والماشية والزرع وروي: أن ثمن الكلب الذي ليس بكلب صيد سحت،
وسأله أبو بصير عن ثمن كلب الصيد فقال: لا بأس بثمنه، والآخر لا يحل ثمنه.
والخيار فيما يباع من الحيوان ثلاثة أيام للمشتري وإن لم يشرط، فإن مات الحيوان فيها
فمن مال البائع ما لم يكن المشتري تصرف فيه فيهلك من ماله، واستبراء الأمة واجب
على البائع والمشتري والسابي والوارث ومن انتقلت إليه بأي وجه، فإن كانت ذات أقراء
فبحيضة، وإن شراها حائضا انتظر طهرها وكفاه، وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض
فخمسة وأربعين يوما، والنفقة مدة الاستبراء على بائعها، وإن كانت لامرأة أو رجل ثقة
أخبر أنه استبرأها أو كانت بكرا أو صغيرة أو كبيرة لا تحيض مثلهما أو اشتراها ثم أعتقها
فلا استبراء عليها، والأفضل ترك التعويل على خبر البائع به.
وإذا بيع المملوك لم يدخل في البيع ما في يده من مال إلا بالشرط، وإن علمه البائع ولم
يذكره استحب له تركه، وإن أدخله في البيع وباعه بغير جنس ما معه صح ودخل، وإن باعه
بجنسه فليكن بأكثر منه، ويصح ابتياع الحيوان وجزء منه مشاع.
ولا يقبل دعوى الرقيق الحرية في سوق إلا ببينة، ويجوز شراء سبي الظالمين إذا سبوا
مباح السبي وسوغ لنا وطأها، ومن أمر غيره بشراء حيوان أو غيره بينهما ففعل ثم هلك
الحيوان كان منهما.
وللناظر في أمر اليتيم بيع العبد والأمة من ماله لمصلحة، ويجوز شراء المماليك من
الكفار إذا أقروا لهم بالعبودية، وتشتري زوجة الحربي وولده منه. ويكره أن يرى المملوك
ثمنه في الميزان فروي أنه لا يفلح ويستحب أن بغير اسمه ويتصدق عنه بأربعة دراهم
ويطعمه شيئا من الحلاوة.
481

والمملوكان المأذون لهما في التجارة إذا اشترى كل منهما الآخر من مولاه فالحكم
للسابق منهما، فإن وقعا في وقت فالبيع باطل وروي القرعة بينهما، ويجوز لمن يريد شراء
الجارية النظر إلى وجهها ومحاسنها ومسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه، ويجوز بيع
الأمة الزانية وولدها من الزنى والحج بالثمن والتصدق والنفقة منه وتركه أفضل، ويكره
وطء أمة من زنا بعقد أو ملك، فإن فعل فليعزل عنها، ولقيط دار الاسلام حر مسلم في الحكم
ولقيط دار الذمة حر ذمي كذلك.
ولبائع الحيوان إذا هلك في الثلاثة إحلاف المشتري إن ادعى عليه تصرفا فيه، فإن
حلف فالهلاك من البائع وإن نكل فالهلاك منه، ومن اشترى جارية مسروقة من أرض
الصلح ردت على صاحبها واسترجع ثمنها من بائعها، فإن مات فمن تركته، فإن
اشترى جارية فاتت منه بولد ثم ثبت أنها غصب ردت على صاحبها وغرم المشتري له
قيمة الولد ورجع به على بائعه.
ومن أعطى مملوك غيره مالا ليعتق عنه رقبة ويحج فاشترى المملوك أباه وأعتقه
وأعطاه بقية المال ليحج عن صاحب المال ثم اختلف مولى المملوك وورثة الآمر ومولى الأب
الذي اشتراه منه فالحكم أن يرد المعتق على مولاه كما كان، ثم أيهما أقام البينة أنه اشترى
بماله سلم إليه فإن كان المعتق حج بالباقي فلا يرد.
وإن اشترى عبدين صفقة فمات أحدهما في الثلاث فمن مال بائعه وله رد الباقي،
ولو اشترى دارا وعبدا صفقة فمات العبد في الثلاث فكذلك وليس له رد الدار، ولا يفرق
بين الأخوين والأختين والأخ والأخت والأم وولدها إلا بطيب نفسها أو يبلغ الولد سبعا أو
ثمانيا فجاز حينئذ، وروي أنه يفسخ البيع من دون ذلك، وحرفة النخاس مكروهة.
باب بيع الثمار:
إذا ظهرت الثمرة وبدا صلاحها وهو أن يصفر بسر النخل أو يحمر وينعقد حصرم
الكرم وفي الفاكهة أن ينعقد بعد سقوط الورد عنه جاز بيعها، فإن لم يبد صلاحها وضم إليها
متاعا أو باعها سنتين فصاعدا أو شرط القطع فكذلك، وإن أطلقا البيع أو شرطا البقاء من
482

دون ذلك فالبيع فاسد وقيل: يصح على كراهة، وإذا قلنا بفساده وقبضه المشتري فهو
مضمون عليه ولا ضمان عليه قبل قبضه في الصحيح والفاسد.
وإذا صلح بعض الثمرة في البستان والبساتين لمالك جاز بيع الكل، ويجوز بيع
الخضراوات حملا بعد حمل إذا، صلح، ويجوز بيعها حملين وإن لم يصلح وتركه أحوط، فإن
اختلط قبل أخذه بحادث وتميز فلا لبس، وإن لم يتميز ولم يترك البائع حقه فسخ البيع
التعذر القبض وكذا لو اشترى حنطة فانثالت عليها حنطة قبل القبض، فإن قبضها ثم
أودعها البائع فاختلطت بماله أو جناه المشتري فأودعه البائع فاختلط بماله فالقول قول
البائع مع يمينه فيما يدعيه، ولو كان مثله ثمنا فقبضه البائع وسلمه إلى المشتري وديعة ثم
اختلط بمال المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه فيما يدعيه، وإن لم يكن في الأصول ثمر لم
يصح بيع المعدوم عاما ولا أكثر منه.
هو إذا اشترى الأصول وعليها ثمرة فإن كانت مؤبرة فللبائع إلا أن يشترطها
المبتاع، وإن لم يكن مؤبرة فللمشتري إلا أن يشرطها البائع، وهي في غير النخل للبائع
بكل حال إلا أن يشترطها المبتاع، ولو أصدق امرأة أو خالعها على أصول نخل أو شجر
عليها ثمر لم يدخل في الصداق وعوض الخلع بكل حال إلا بالشرط.
ويجوز بيع الرطبة وورق التوت والآس والحناء وغيرها جزة وجزتين وخرطة
وخرطتين، ويجوز بيع بيع قصيلا وعلى المشتري قطعه فإن أخره حتى سنبل فهو له وعليه
أجرة مثل الأرض، وكذا لو اشترى نخيلا ليقطعه أجذاعا فإن تبرع مالك الأرض بالسقي
فلا أجرة له، ويجوز بيع الثمرة المبتاعة على أصولها بربح قبل القبض، ويجوز أن يستثني
من الثمرة حصة مشاعة ونخلا وشجرا معينا وأرطالا معلومة القدر والجنس، فإن
أصيبت كلها فلا شئ للبائع وإن أصيب بعضها فبالحساب إلا في المعين.
وإذا اجتاز على بستان فيه نخل أو فاكهة جاز أن يأكل منه ما يكفيه من غير إفساد ما لم
يمنعه صاحبه ولا يحمل معه شيئا، فإن كان بين شريكين ثمرة فقال أحدهما لصاحبه: قبلني
الثمار بكذا أو تقبل مني بذلك، فلا بأس به، وروي جواز بيع ثمرة النخل سنتين وإن لم
تطلع وبيعها مع صم سعلة إليها يكون الثمن في السلعة إن لم يطلع، وروي أنه يجوز أن يأخذ
483

من له على صاحب نخل مثمر تمر ثمرة نخله بتمره.
باب عيوب المبيع وأحكامها:
العيب ما نقص من الثمن عند التجارة، فإن باع معيبا وعرف المبتاع عيبه حين البيع
أو برئ إليه بائعه من العيوب جملة أو تفصيلا أو عثر بعد البيع على العيب فرضيه أو لم يرد
على الفور مع المكنة فلا رد له ووجب الأرش في هاتين المسألتين وقيل يسقط، وإن ادعى البائع
البراءة إلى المشتري فأنكره فالبينة على البائع، فإن تعذرت فاليمين على المبتاع، وكذا إن
ادعى عليه الإقدام على البيع مع العلم به أو اسقاط حقه من الرد، فإن أنكر البائع حصول
العيب عنده فإن كان العيب مما يعلم تقدمه أو حدوثه عند المشتري فلا لبس، وإن أمكنا
معا فعلى البائع اليمين أنه باعه خاليا منه إلا أن يكون للمبتاع بينة، وإذا ثبت قدم العيب
خير المبتاع بين الرد والإمساك وأخذ الأرش بين قيمته صحيحا ومعيبا ينسب إلى أصل
الثمن بالجزء المشاع.
فإن خاط الثوب أو قصره أو صبغه أو لبسه أو ركب الدابة أو أنعلها أو أعتق الرقيق
أو كاتبه أو قتل أو قيل الجارية أو وطئها أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء وشبه ذلك
لم يكن له الرد وتحتم الأرش، فإن تلف المبيع في يده لم يبق له سوى الأرش فإن كان العيب
حبل الجارية وكان وطأها وبانت أم ولد البائع وجب الرد، وإن لم تكن أم ولد وشاء
المشتري الرد فعل ورد معها نصف عشر قيمتها فيهما.
ويرد الرقيق بالحادث من الجذام والجنون والبرص والقرن - بسكون الراء - إلى سنة
من حين العقد ما لم يتصرف فيه المشتري أو يحدث عنده عيب آخر أو تحدث هذه بعد
السنة، وللمشتري رد الجارية غير الحامل إذا لم تحض ستة أشهر ومثلها تحيض ما لم يحصل
مانع من الرد، والعيب الحادث عند المشتري مانع من الرد بالعيب القديم عند البائع وله
الأرش، فإن قبله البائع فلا أرش له على قوله، وإن ظهر العيب في بعض المبيع فله رد الكل أو
إمساكه مع الأرش فقط، وللشريكين في شراء عبد أو أمة أو سعلة فظهر فيها عيب الرد أو
الإمساك بالأرش لا غير.
484

وكل ما زاد على الخلقة المعتادة أو نقص عنها فهو عيب، والخبر والدفر والزنى والسرقة
والإباق وبول الكبير في الفراض والتخنيث عيوب، ومن اشترى عبدا مطلقا فخرج كافرا أو
مسلما فلا خيار له، فإن شرط الاسلام فبان كافرا فله الخيار وكذلك العكس، وإن اشترى
الأمة مطلقا فبانت بكرا أو ثيبا فلا خيار، فإن شرط البكارة فبانت ثيبا فله الخيار وأخذ
الأرش، وإن شرط الثيوبة فبانت بكرا أو شرط صغيرة فبانت كبيرة فله الخيار، فإن باع
عصيرا وسلمه فوجد في يد المشتري خمرا فادعى أنه كان كذلك عند بائعه حلف البائع
وبرئ إلا أن يكون للمشتري بينة، وما حدث من عيب قبل القبض أو في الثلاث في
الحيوان جاز الرد به وفي الأرش قولان.
التصرية:
والتصرية - وهي جمع اللبن في ضروع الأنعام يومين فصاعدا لغرور المشتري -
عيب، وللمشتري بعد حلبها ردها وصاعا من تمر أو بر، وروى الحلبي عن أبي عبد الله
ع عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: إن كان تلك الثلاثة
أيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد طعام وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ. وإذا ثبت
لبنها لجودة مرعى فلا خيار، وقيل: له الخيار، والخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها.
وللمشتري رد السلعة بالعيب بحضور البائع وغيبة قبل القبض وبعده، وإذا باع
غيره إناءا من ذهب وزنه خمسون دينارا بخمسين دينارا فظهر فيه عيب وحدث عند
المشتري عيب فلا رد له ولا أرش لأنه ينقص وزن الثمن فيصير ربا، وحكم العيب لا يسقط
فينفسخ البيع ويرد على البائع مع أرش الحادث كالعيب الحادث في المأخوذ على جهة
السوم، وقال بعض أصحابنا: لا ينفسخ البيع ويرجع بالأرش على البائع لأن الأرش
منفصل عن المبيع ويمكن دفعه بتحريم السلعة التي ظهر عيبها فأخذ أرشه مرابحة
بالثمن المعقود عليه، فإن تلف الإناء فسخ العقد وردت قيمته واسترجع الثمن ولم يمنع
تلفه الفسخ، ومن اشترى زيتا أو بزرا ووجد فيه درديا وكان يعلم أنه يكون فيه فلا خيار له،
وإن كان لم يعلم فله الرد ومن كان بسلعته عيب وجب بيانه للمشتري.
485

وإذا اشترى عبدا فبان أنه مرتد أو سارق أو جان جناية عمدا أو خطأ فله رده، وإن بان
رهنا فله رده أو مستأجرا فكذلك، وإذا اشترى عبدا بما معه من المال فبان به عيب رده
وماله، وإن حدث عنده عيب رجع بالأرش، يقوم عبد صحيح معه كذا ومعيب معه كذا
وكذلك لو باع نخلا لم يؤبر ثمره، وإذا رد العبد بالعيب لم يلزمه رد ما كسب لأنه نماء ملكه،
وكذلك لو ابتاع نخلة أو أمة فحملت في يده ثم بان فيها عيب، وإن شراها ولم يقبضها
فحملت ثم تلفت فالنماء للمشتري والهلاك من البائع وبرئ المشتري من الثمن فإن
كان اقبضه استرد.
باب بيع المرابحة وما يدخل في البيع وأجرة الكيال والوزان والناقد والمنادي
واختلاف المتبائعين:
البيع أربعة: مساومة ومرابحة ومواضعة وتولية، ويصح بيع المرابحة والمواضعة
بذكر رأس المال وقدر الربح والوضيعة، فإن جهل أحدهما بطل البيع فيقول اشتريته أو
تقوم على أو رأس مالي فيه كذا وبعتكه بكذا وكذا، ويكره أن يقول هو على بكذا وأربح
عليك في كل دينار كذا لأن الثمن لا يربح إنما تربح السلعة، فإن أحدث فيه صنعة فزادت
قيمته بنفسه أو بأجرة، قال: وعملت فيه عملا أجرته كذا أو أخرجت عليه أجرة بكذا، فإن
اختلف الصرف ذكره، فإن بان معيبا فأخذ أرشه قال: تقوم على بكذا أو رأس مالي أو هو
على ولم يجز له أن يخبر بالثمن المعقود عليه.
وإن اشتراه نسيئة وجب بيانه فإن لم يبين فللمشتري من الأجل مثله، فإن لم يكن مليا
فللبائع أن يستوثق من حقه إلى الأجل، وإن اشترى عدة سلع صفقة لم يكن له بيع الواحد
منها مرابحة، فإن كان قوم كل واحد بقيمة أخبر أنه قوم كذلك،
وإن أخبر برأس المال ثم بان دونه بالبينة أو إقراره فللمشتري فسخ البيع والإمضاء
بما عقد عليه.
وإن قال البائع غلطت كان بأزيد مما ذكرت لم يقبل قوله ولا بينة، فإن اشترى عبدا
فوجد لقطة أو جارية فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت أخبر برأس المال ولم
486

ينقص منه للزيادة لتجددها في ملكه، وإن اشتراها حاملا وضع منه وأخبر أنه قوم كذلك،
فإن اشتراه بدينار ثم باعه ثم اشتراه بنصف دينار لم يحل الإخبار بالثمن الأول، وإذا قال:
رأس المال مائة بعتكه بوضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون، وإن قال: بوضيعة درهم
من كل أحد عشر فالثمن تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم، وكذلك
لو قال: مواضعة العشرة
درهما.
التولية نقل ما ملكه بالعقد بالثمن الأول ويجب ذكر ذلك الثمن فيها ولا يجب
ذكره في بيع المساومة ويدخل في بيع البستان ورهنه ما فيه من نخل وشجر، وفي بيع
الدار ورهنها إذا بيعت أو رهنت بحقوقها أو بما أغلق عليه بابها، ولا يدخل في بيع
الدار ورهنها الغرب إلا أن يذكراها وتدخل الأبواب وكل خشب مدخل في البناء ومسمر
ومنه السلم، ويدخل المفتاح والغلق وما كان مبنيا من حائط وسقف ودرجة معقودة
ورحا تحتية مبنية،
وإن كان فيها باب مقلوع لم يدخل وبئر الماء والآجر واللبن يدخل
والآخر المدفون ليخرج ويستعمل لا يدخل.
وإن اشترى عبدا وقطعت يده قبل قبضه فله الخيار بين الفسخ والرضا بالثمن، فإن
اشترى نخلا ولم تؤبر ثمرته فهلكت الثمرة قبل القبض فإن شاء فسخ وإن شاء أمضاه
بحصته من الثمن، وللثمرة حق البقاء للبائع أو المشتري حتى يبلغ أول أوان الجذاذ
وإن باع أرضا فيها بذر لم يدخل في البيع، فإن اشتراهما بطل للجهالة، وإن اشترى أرضا
فيها زرع لا يبقى كالحنطة والشعير لم يدخل في البيع ولزم تبقيته إلى أول وقت بلوغه
الحصاد، وإن كان عرقه بعد حصاده يضر بالأرض فعلى البائع قلعه وطم الحفر، ولو باع
دارا له فيها حب لا يخرج إلا بنقض الباب كان عليه أرشها، ولا يدخل في بيع القرية
مزارعها، وأجرة الكيال والمنادي والوزان على البائع وأجرة السمسار وناقد الثمن
ووزانه على المشتري.
ومن وكل غيره في البيع والشراء لم يكن عليه ضمان وإنما الدرك على المتبائعين
ولا يدخل المال المأذون له في شرائه في ملكه، ولا يصح منه إبراء المشتري من الثمن
ويملك خيار المجلس، فإذا نص له على البيع بمعلوم لم يخالفه، فإن اختلفا، فقال
487

له: أذنت في البيع بدينار، فقال المالك: بل بدينارين أو عشرين درهما، فالبينة على
الوكيل واليمين على المالك وكذلك إن أنكر الإذن، فإن باعه بدون ما قرر له وقف على
إجازته أو بجنس آخر فكذلك، فإن لم يجزه رده فإن تعذر ضمن القيمة، فإن اختلفا في
القيمة وأقاما بينتين أقرع بينهما، وإن كان لأحدهما بينة حكم له وإن لم يكن بينة فالقول
قول صاحب المال مع يمينه، فإن قال له: بعه نقدا بكذا، فباعه نسيئا به أو بأكثر منه أو قال:
بعه نسيئا بكذا، فباعه نقدا به أو بأكثر منه وقف على إجازته، فإن قال: بعه نقدا أو نسا
بكذا، فباعه كذلك بزيادة فالبيع لازم.
وإذا اختلف المتبائعان في قدر الثمن أو جنسه فالقول قول البائع مع يمينه إذا لم
يكن بينة وكان الشئ قائما بعينه، فإن كان تالفا فالقول قول المشتري مع يمينه، فإن مات
المتبائعان قام ورثتهما مقامهما، فإن قال البائع: بعتك نقدا، أو إلى شهر فقال المشتري:
بل نسيئة، أو إلى شهرين ولا بينة فالقول قول البائع مع يمينه، فإن قال البائع: بعت بشرط
أن يضمن لي الثمن فلان، أو على شرط خيار إلى شهر أو رهن كذا ولا بينة فالقول قول
المشتري مع يمينه، فإن قال المشتري: شرطت لي الخيار إلى شهر، فقال البائع: لم
أشرط، أو شرطت نصفه ولا بينة حلف البائع، فإن ذكر أحدهما أن البيع كان بثمن حلال
وقال الآخر: بل بخمر أو خنزير، فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه، وكذا إن ادعى
أحدهما التفرق عن فسخ وقال الآخر: عن تراض، حلف من يدعي الإبرام.
فإن قال البائع: بعتك العبد بألف، وقال المشتري: بل الجارية، فكل منهما مدع
ومنكر فأيهما أقام البينة حكم له، فإن أقاما معا بينتين حكم لهما لعدم التنافي، فإن نسبا
الدعويين إلى وقت واحد تعارضتا وأقرع بينهما، وإن لم يكن بينة حلف كل واحد منهما
لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، وإذا ادعى واحد من المتبائعين أن العيب لم يتجدد عنده
وأقاما بينتين تعارضتا وأقرع بينهما، وإذا تبائعا عينا بعين أو عينا بثمن في الذمة وقال
كل منهما: لا أسلم حتى أتسلم فأيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر، وقيل: يجبر البائع أولا،
وإذا كان اثنان في يد أحدهما سعلة فادعى كل واحد منهما أنه شراها من الآخر فالبينة
بينة الخارج، وإذا شرط في البيع ألا يبيع المبيع ولا يطأه ولا يهبه ولا يعتقه وأن لا خسارة
488

عليه لغا الشرط وصح البيع، وإذا قال: بع عبدك فلانا لفلان بكذا، أو على كذا فقال:
بعتك بكذا على أن فلانا ضامن بكذا، فإن ضمن وإلا فللبائع الخيار في فسخ البيع.
باب بيع الأعيان الغائبة والنسيئة والمضمون في الذمة:
يجوز بيع العين الغائبة إذا ذكر جنسها وصفتها، وللمشتري الخيار إذا رآها لا كما
وصفت له ولا خيار له إن وافقت الوصف، فإن لم يذكراهما بطل البيع، وإن لم يرياهما بل
وصفت لهما فالخيار لهما إن لم يوافق الوصف، وإن رآها المشتري فقط فالخيار للبائع
كذلك، فإن ادعى المشتري النقص عما رآه حلف وله الفسخ، وخيار الرؤية على الفور.
ومن غبن في بيع بما لا يتغابن الناس بمثله فخياره على الفور. و
يصح بيع العين المشاهدة، ويكفي فيها النظر إلى وجه الدابة وكفلها ووجه
الرقيق وصحن الدار، فإن كانت ذات بيوت شاهد داخلها، ولو كان المبيع أقطاعا فنظر
إلى أكثرها كان له في ذلك خيار الرؤية، ويجوز بيع النسيئة وهو بيع العين الحاضرة بثمن
في الذمة إلى أجل معلوم، فإن كان مجهولا بطل البيع، ويجوز بيع السلف وهو المضمون
بشروط: وهي ذكر الجنس والصفة وقدر كيله ووزنه وذكر موضع التسليم إن كان لنقله
أجرة ومشاهدة الثمن أو وصفه وبيان قدره وقبضه قبل التفرق، فإن كان حالا لم يذكرا
أجلا وكان من شرطه أن يكون موجودا في الحال وجودا عاما، وإن كان مؤجلا أن يذكرا
أجلا معلوما وأن يكون عند الأجل عام الوجود.
وإن اختلف المبيع باللون أو البلد أو النتاج أو العتاقة أو الحداثة أو
السن في ذي السن أو الطول والقصر بالذراع أو الأشبار المعلومة والذكر والأنثى والكبر والصغر
والخشن والناعم في قبيله ذكر ذلك كله، ولا يجوز أن ينسبه إلى أصل قد يهلك كغزل
امرأة بعينها أو الطعام من زرع قرية كذا أو الثمرة من نخلة كذا فإن ذلك باطل.
ولا يجوز السلف في الدور والعقارات ولا في الخبز واللحم وظروف الماء، ويجوز
في الماء نفسه بالوزن أو الكيل، ولا أن يكون المبيع مكيلا ولا موزونا بمكيال أو صنجة
غير شهيرة ولا فيما لا يتحدد بالوصف ولا في الأشياء المختلفة والأمتعة المتخذة من
489

جنسين فصاعدا، وإذا حل الأجل فتوانى حتى تعذر المبيع بذهاب وقته كالرطب فله
الفسخ وأخذ رأس ماله والإنظار إلى قابل.
ويجوز أن يبيع على المسلم إليه بعد حلول فيه بجنس ذلك الثمن متماثلا، ولا يجوز
متفاضلا ويجوز أن يبيعه بجنس آخر وإن زادت قيمته على الثمن، وإذا حل ثمن النسيئة
أخذ به ما شاء، ويجوز توكيل المسلم إليه المسلم في شراء فيه بماله وقبضه عن حقه على
كراهة، ويجوز السلف صفقة في أجناس متفقة ومختلفة بشروط السلف، ولا يجوز إسلاف
السمسم في الشيرج والزيت في الزيتون وبالعكس ويجوز إسلاف السمن في الزيت
وبالعكس.
وروي جواز السلف في الجلود إذا شاهد الغنم ولا عمل عليه، ويجوز السلم في
الحيوان بالشروط المصححة له واللبن في السمن على ذلك وبالعكس، وفي الصوف
والشعر والوبر والقطن والطعام والأثمان العروض وبالعكس، وإن اختلفا في قدر الثمن
ولا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه لأن السلعة ليست قائمة، فإن اتفقا على قدر الأجل
واختلفا في ابتدائه ولا بينه فالقول قول من أنكر تقدمه مع يمينه.
باب بيع الماء والشرب وحريم الحقوق وغيره:
يجوز بيع الشرب المملوك وحصة منه مشاعة ولمن ينتفع به أياما معلومة ويملك
ما حازه في آنية أو بئر أو مصنع من المباح، ويجوز بيع الماء في جرة ومصنع ولا يجوز
بيعه في بئر نابعة، وليس لأحد المنع من الماء المباح كالفرات ودجلة، وإن كان المباح
يجري إلى مزارع الناس سقى منه الأعلى للزرع إلى الشراك وللنخل إلى الكعب ثم
أرسله إلى أسفل منه، ولا يجوز لأحد المنع منه واستحداث نهر عليه إلا بعد الفاضل عن
حاجة الذين يجري المال إلى مزارعهم، وإذا لم يجر إلى المزارع لم يجز بيعه، فإن أخذ منه في نهر
فهو ملكه جاز له بيع الفاضل عنه على كراهية.
ويجوز بيع المرعى والكلأ إذا كان في ملكه وأن يحمي ذلك في ملكه، فأما الحمى
العام فليس إلا لله ورسوله ص وأئمة المسلمين صلوات الله عليهم يحمي
490

لنعم الصدقة والجزية والضوال وخيل المجاهدين.
ومن باع نخلا أو شجرا بأرضها واستثنى منها نخلة معينة أو شجرة كان له المدخل
والمخرج إليها ومدى جرائدها وأغصانها من الأرض، فإذا هلكت فلا حق له، ومن سبق
إلى أرض فأحياها ملك عامرها وطريقها وشربها ومطرح ترابها وحريم حيطانها، وحد
ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح
ستون ذراعا، وما بين العين إلى العين خمس مائة ذراع في صلب الأرض وفي الرخو ألف
ذراع.
وقضى رسول الله ص في رجل احتفر قناة وأتى عليها سنة ثم حفر
آخر إلى جنبها قناة يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه وليلة هذه فإن أخذت الآخرة ماء
الأولى عورت الآخرة، وإن كانت الأولى أخذت ماء الآخرة فلا شئ على صاحب الأولى
لصاحب الآخرة، وإن كان لإنسان رحى على نهر لغيره فأراد صاحبه سوق الماء في غير
النهر لم يكن له ذلك، وتبعد القناة عن القناة المتقدمة عليها بقدر ما لا يضر أحدهما
بالأخرى، وإذا تشاحوا في الطريق فليكن سبع أذرع وروي خمس أذرع ولا يجوز أخذ
شئ من الطريق الواسع وإن لم يضر به.
491

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
493

كتاب المتاجر
وفيه مقاصد:
الأول: في المقدمات: وفيه فصلان:
الأول: في أقسامها:
وهي تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فمنها:
واجب وهو ما يحتاج الانسان إليه لقوته وقوت عياله ولا وجه له سوى
المتجر.
ومندوب وهو ما يقصد به التوسعة على العيال أو نفع المحاويج مع حصول قدر
الحاجة بغيره.
ومباح وهو ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغنى عنه.
ومكروه وهو ما اشتمل على وجه نهي الشرع عنه نهي تنزيه: كالصرف وبيع
الأكفان والطعام والرقيق واتخاذ الذبح والنحر صنعة والحياكة والنساجة
والحجامة مع الشرط والقابلة معه، وأجرة الضراب وكسب الصبيان وغير المجتنب
للحرام وأجرة تعليم القرآن وتعشير المصحف بالذهب، والصياغة والقصابة وركوب
البحر للتجارة وخصاء الحيوان ومعاملة الظالمين والسفلة والأدنين والمحارفين
495

وذوي العاهات والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم وأهل الذمة.
ومحظور وهو ما اشتمل على وجه قبح وهو أقسام:
الأول: كل نجس لا يقبل التطهير سواء كانت نجاسته ذاتية كالخمر والنبيذ
والفقاع والميتة والدم وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثها والكلب والخنزير
وأجزاؤهما، أو عرضية كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير إلا الدهن النجس
لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة، ولو كانت نجاسة الدهن ذاتية كالألية
المقطوعة من الميتة أو الحية لم يجز الاستصباح به ولا تحت السماء.
ويجوز بيع الماء النجس لقبوله الطهارة، والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه
التحريم للاستخباث إلا بول الإبل للاستشفاء، والأقرب جواز بيع كلب الصيد
والماشية والزرع والحائط وإجارتها واقتنائها - وإن هلكت الماشية - والتربية،
ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلا لفائدة كالكلب والسرجين لتربية الزرع والخمر
للتخليل وكذا يحرم اقتناء المؤذيات كالحيات والسباع.
الثاني: كل ما يكون المقصود منه حراما كآلات اللهو كالعود وآلات القمار
كالشطرنج وهياكل العبادة كالصنم وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا
مسلمين، وإجارة السفن والمساكن للمحرمات وبيع العنب ليعمل خمرا والخشب
ليعمل صنما، ويكره بيعهما على من يعمله من غير شرط والتوكيل في بيع الخمر وإن
كان الوكيل ذميا، وليس للمسلم منع الذمي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرا
ولو آجره لذلك حرم، ولو استأجر دابة لحمل الخمر جاز إن كان للتخليل أو
الإراقة وإلا حرم ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح
الثالث: بيع ما لا ينتفع به كالحشرات كالفأر والحيات والخنافس
والعقارب والسباع مما لا يصلح للصيد كالأسد والذئب والرخم والحدأة
والغراب وبيضها، والمسوخ برية كالقرد - وإن قصد به حفظ المتاع - والدب أو
بحرية كالجري والسلاحف والتمساح، ولو قيل بجواز بيع السباع أجمع لفائدة
496

الانتفاع بذكاتها إن كانت مما يقع عليه الذكاة كان حسنا.
ويجوز بيع الفيل والهر وما يصلح للصيد كالفهد وبيع دود القز وبيع النحل
مع المشاهدة وإمكان التسليم وبيع الماء والتراب والحجارة وإن كثر وجودها،
ويحرم بيع الترياق لاشتماله على الخمر ولحم الأفاعي، ولا يجوز شربه للتداوي إلا
مع خوف التلف.
أما السم من الحشائش والنبات فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به وإلا فلا،
وفي جواز بيع لبن الآدميات نظر أقربه الجواز، ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز
جاز مع علم المشتري وإلا تخير
الرابع: ما نص الشرع على تحريمه عينا كعمل الصور المجسمة والغناء وتعليمه
واستماعه وأجر المغنية، وقد وردت رخصة في إباحة أجرها في العرس إذا لم تتكلم
بالباطل ولم تلعب بالملاهي ولم يدخل الرجال عليها، ويحرم أجر النائحة بالباطل
ويجوز بالحق.
والقمار حرام وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم والغش بما
يخفى كمزج اللبن بالماء وتدليس الماشطة وتزيين الرجل بالحرام ومعونة الظالمين في
الظلم وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة ونسخ التوراة والإنجيل
وتعليمهما وأخذ الأجرة عليهما وهجاء المؤمنين والغيبة والكذب عليهم والنميمة
وسب المؤمنين ومدح من يستحق الذم وبالعكس والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة.
وتعلم السحر وتعليمه، وهو كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو يعمل شيئا
يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة، والأقرب أنه لا حقيقة له وإنما
هو تخييل وعلى كل تقدير لو استحله قتل، ويجوز حل السحر بشئ من القرآن أو
الذكر أو الأقسام لا بشئ منه.
وتعلم الكهانة حرام، والكاهن هو الذي له رئي من الجن يأتيه بالأخبار
ويقتل ما لم يتب، والتنجيم حرام وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال
497

أو لها مدخل فيه، والشعبذة حرام فهي الحركات السريعة جدا بحيث يخفى على
الحس الفرق بين الشئ وشبهه لسرعة انتقاله من الشئ إلى شبهه، والقيافة حرام.
ويحرم بيع المصحف بل يباع الجلد والورق ولو اشتراه الكافر فالأقرب
البطلان ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن، ويحرم السرقة والخيانة بيعها ولو
وجد عنده سرقة ضمنها إلا أن يقيم البينة بشرائها فليرجع على بائعها مع جهله، ولو
اشترى به جارية أو ضيعة فإن كان بالعين بطل البيع وإلا حل له وطء الجارية
وعليه وزر المال، ولو حج به مع وجوب الحج بدونه برئت ذمته إلا في الهدي إذا ابتاعه
بالعين المغصوبة أما لو اشتراه في الذمة جاز
ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابة المغصوبة بطلا.
والتطفيف حرام في الكيل والوزن ويحرم الرشا في الحكم وإن حكم على
باذله
بحق أو باطل.
الخامس: ما يجب على الانسان فعله يحرم الأجر عليه كتغسيل الموتى وتكفينهم
ودفنهم نعم لو أخذ الأجر على المستحب منها فالأقرب جوازه، ويحرم الأجرة على
الأذان وعلى القضاء ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال، ويجوز أخذ الأجرة على
عقد النكاح والخطبة في الأملاك ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وأدائها.
خاتمة تشتمل على أحكام: أ:
تلقي الركبان مكروه على رأي، وهو الخروج إلى الركب القاصد إلى بلد
للشراء منهم من غير شعور منهم بسعر البلد، وينعقد ومع الغبن الفاحش يتخير
المغبون على الفور على رأي ولا فرق بين الشراء منهم والبيع عليهم، ولا يكره لو وقع
اتفاقا ولا إذا كان الخروج لغير المعاملة، وحده أربعة فراسخ فإن زاد لم يكن تلقيا،
والنجش حرام وهو الزيادة لزيادة من واطأه البائع ومع الغبن الفاحش يتخير
المغبون على الفور على رأي.
498

ب: يحرم الاحتكار على رأي، وهو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والسمن والملح بشرطين: الاستبقاء للزيادة وتعذر غيره، فلو استبقاها لحاجته أو
وجد غيره لم يمنع، وقيل: أن يستبقيها ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص
ويجبر على البيع لا التسعير على رأي.
ج: لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل وكان منهم فإن عين اقتصر عليه فإن
خالف ضمن وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه، ويجوز أن يدفع إلى عياله إن
كانوا منهم.
د: يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة إما لفظا أو بشاهد الحال،
ويكره انتهابه فإن لم يعلم قصد الإباحة حرم.
ه‍: الولاية من قبل العادل مستحبة وقد يجب إن ألزم أو افتقر في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر إليها، ويحرم من الجائر إلا مع التمكن من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل
أو بعض المؤمنين فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره إلا القتل الظلم، ولو خاف ضررا
يسيرا بترك الولاية كره له الولاية حينئذ.
و: جوائز الظالم إن علمت غصبا حرمت وتعاد على المالك إن قبضها، فإن
جهله تصدق بها عنه ولا يجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا، والذي يأخذه الجائر من
الغلات باسم المقاسمة أو من الأموال باسم الخراج عن حق الأرض، ومن الأنعام
باسم الزكاة يجوز شراؤه واتهابه ولا يجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا.
ز: إذا امتزج الحلال بالحرام ولا يتميز يصالح أربابه فإن جهلهم أخرج خمسه
إن جهل المقدار وحل الباقي.
ح: لا يحل للأجير الخاص العمل لغير من استأجره إلا باذنه ويجوز للمطلق.
ط: لو مر بثمرة النخل والفواكه لا قصدا قيل: جاز الأكل دون الأخذ
والمنع أحوط، ولا يجوز مع الإفساد إجماعا ولا أخذ شئ منها ولو أذن المالك
499

مطلقا جاز.
ي: يحل ثمن الكفن وماء تغسيل الميت وأجرة البدرقة. يا: يحرم على الرجل أن يأخذ من مال ولده البالغ شيئا إلا باذنه إلا مع
الضرورة المخوف معها التلف مع غنائه أو إنفاق ولده عليه، ولو كان صغيرا أو مجنونا
فالولاية له فله الاقتراض مع العسر واليسر، ويجوز له أن يشتري من مال ولده
الصغير لنفسه بثمن المثل ويكون موجبا قابلا وأن يقوم جاريته عليه ويطأها حينئذ
وللأب المعسر التناول من مال ولده الموسر قدر مؤنته.
ويحرم على الولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه ويحرم على الأم أن
تأخذ من مال ولدها شيئا وبالعكس إلا مع الإذن، وليس لها أن تقترض مال
ولدها الصغير، ويحرم على الزوجة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه شيئا وإن قل،
ويجوز لها أن تأخذ المأدوم وتتصدق به ما لم تجحف إلا أن يمنعها فيحرم، وليس
للبنت ولا للأخت ولا للأم ولا للأمة تناول المأدوم إلا مع الإذن، ويحرم على
الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا إلا بإذنها، وله دفعت إليه مالا لينتفع به كره
له أن يشتري به جارية يطأها إلا مع الإذن.
الفصل الثاني: في الآداب:
يستحب لطالب التجارة أن يتفقه فيها أولا والإقالة للمستقيل وإعطاء الراجع
وأخذ الناقص والتسوية وترك الربح للموعود بالإحسان وللمؤمن إلا اليسير مع
الحاجة، والتسامح في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء والدعاء عند دخول السوق
وسؤال الله أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه والتكبير والشهادتان عند الشراء.
ويكره الدخول أولا إلى السوق ومدح البائع وذم المشتري وكتمان العيب
واليمين على البيع والسوم بين طلوع الفجر والشمس وتزيين المتاع والبيع في
المظلمة، والتعرض للكيل والوزن مع عدم المعرفة والاستحطاط بعد العقد والزيادة
500

وقت النداء والدخول في سوم المؤمن وأن يتوكل حاضر لباد.
ونهى النبي ص عن بيع حبل الحبلة، وهو البيع بثمن مؤجل
إلى نتاج نتاج الناقة، وعن المجر، وهو بيع ما في الأرحام، وعن بيع عسيب
الفحل وهو نطفته وعن بيع الملاقيح وهي ما في بطون الأمهات، والمضامين وهي
ما في أصلاب الفحول وعن الملامسة وهو أن يبيعه غير مشاهد على أنه متى لمسه صح
البيع وعن المنابذة وهو أن يقول: إن نبذته إلي فقد اشتريته بكذا، وعن بيع
الحصاة وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا
وقال ع: لا يبع بعضكم على بعض، ومعناه أن لا يقول الرجل
للمشتري في مدة الخيار: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقل من الثمن أو خيرا منها
بالثمن أو أقل وكذا لا ينبغي أن يقول للبائع في مدة الخيار: أنا أزيدك في الثمن،
وبيع التلجية باطل وهو المواطاة على الاعتراف بالبيع من غير بيع خوفا من الظالم.
المقصد الثاني: في البيع:
وأركانه ثلاثة: الصيغة والمتعاقدان والعوضان.
الفصل الأول: الصيغة:
البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي،
فلا ينعقد على المنافع ولا على ما لا يصح تملكه ولا مع خلوة من العوض ولا مع
جهالته ولا مع الإكراه، ولا بد من الصيغة الدالة على الرضا الباطن وهي الإيجاب
كقوله: بعت وشريت وملكت، والقبول وهو: اشتريت أو تملكت أو قبلت، ولا
يكفي المعاطاة وإن كان في المحقرات، ولا الاستيجاب والإيجاب وهو أن يقول
المشتري: بعني، فيقول البائع: بعتك، من غير أن يرد المشتري
ولا بد من صيغة الماضي فلو قال: اشتر أو ابتع أو أبيعك، لم ينعقد وإن قبل
501

ولا يكفي الإشارة إلا مع العجز، وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر، ولا بد من
التطابق بين الإيجاب والقبول فلو قال: بعتك هذين بألف، فقال: قبلت أحدهما
بخمسمائة أو قبلت نصفهما بنصف الثمن، أو قال: بعتكما هذا بألف، فقال
أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، لم يقع ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم
يملك وضمن.
الفصل الثاني: المتعاقدان:
ويشترط فيهما البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا عبرة بعقد الصبي وإن
بلغ عشرا ولا المجنون سواء أذن لهما الولي أو لا ولا المغمى عليه ولا المكره ولا
السكران، والغافل والنائم والهازل سواء رضي كل منهم بما فعله بعد زوال عذره
أولا إلا المكره فإن عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار، ولا يشترط إسلامهما نعم
يشترط إسلام المشتري إذا اشترى مسلما إلا أباه ومن يعتق عليه أو إذا اشترى
مصحفا، وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع والأقرب جواز
الإيداع له والإعارة عنده.
ولو أسلم عبد الذمي طولب ببيعه أو عتقه ويملك الثمن والكسب المتجدد
قبل بيعه أو عتقه، فلو باعه من مسلم بثوب ووجد في الثمن عيبا جاز له رد الثمن،
وهل يسترد العبد أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا
ومن كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث، فعلى الأول يسترد القيمة
كالهالك وعلى الثاني يجبره الحاكم على بيعه ثانيا، وكذا البحث لو وجد المشتري به
عيبا وبأي وجه أزال الملك من البيع والعتق والهبة حصل الغرض.
ولا يكفي الرهن والإجارة والتزويج ولا الكتابة المشروطة، أما المطلقة
فالأقرب إلحاقها بالبيع لقطع السلطنة عنه ولا يكفي الحيلولة، ولو أسلمت أم ولده لم
يجبر على العتق لأنه تخسير وفي البيع نظر، فإن منعناه استكسبت بعد الحيلولة في يد
502

الغير، ولو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر باع الحاكم بثمن المثل، فإن لم يجد
راغبا صبر حتى يوجد فيثبت الحيلولة، ولو مات قبل بيعه فإن ورثه الكافر فحكمه
كالمورث وإلا استقر ملكه، وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحر أو العبد لغير
مالكه؟ إشكال وإسلام الجد أقوى إشكالا.
وليس للمملوك أن يبيع أو يشتري إلا بإذن مولاه، وإن وكله غيره في شراء
نفسه من مولاه صح على رأي، ويشترط كون البائع مالكا أو وليا عنه كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوصي أو وكيلا، فبيع الفضولي موقوف عليه إجازة
على رأي وكذا الغاصب، وإن كثرت تصرفاته في الثمن بأن يبين الغصب
ويتصرف في ثمنه مرة بعد أخرى
وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته ومع علم المشتري إشكال، والأقرب
اشتراط كون العقد له مجيز في الحال، فلو باع ما ل الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ على
إشكال وكذا لو باع ما ل غيره ثم ملكه وأجاز وفي وقت الانتقال إشكال ويترتب
النماء ولو باع مال أبيه بظن الحياة وأنه فضولي فبان ميتا حينئذ وأن المبيع ملكه
فالوجه الصحة، ولا يكفي في الإجازة السكوت مع العلم ولا مع حضور العقد.
ولو فسخ العقد رجع على المشتري بالعين ويرجع المشتري على البائع بما دفعه
ثمنا، وما اغترمه من نفقة أو عوض. عن أجرة أو نماء مع جهله أو ادعاء البائع إذن
المالك، وإن لم يكن كذلك. لم يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب إلا أن
يكون الثمن باقيا فالأقوى الرجوع به، ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادعاء
الملكية للبائع لأنه بنى على الظاهر
ولو تلفت العين في يد المشتري كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالقيمة
إن لم يجز البيع، فإن رجع على المشتري الجاهل ففي رجوعه على البائع بالزيادة على
الثمن إشكال.
ولو باع ملكه وملك غيره صفقة صح فيما يملك ووقف الآخر على إجازة
503

المالك، فإن أجاز نفذ البيع وقسط الثمن عليهما بنسبة المالين بأن يقوما جميعا ثم يقوم
أحدهما هذا إذا كان من ذوات القيم، وإن كان من ذوات الأمثال قسط الثمن
على الأجزاء سواء اتحدت العين أو تكثرت، ولو فسخ تخير المشتري في فسخ المملوك
والإمضاء فيرجع من الثمن بقسط غيره.
ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه ويحتمل الإشاعة فيقف في
نصف نصيب الآخر على الإجازة، أما الإقرار فيبنى على الإشاعة قطعا، فلو قال:
نصف الدار لك أو قال: مع ذلك: النصف الآخر لي ولشريكي، وكذبه الشريك
فللمقر له ثلثا ما في يده، ولو قال: والنصف الآخر لي أو الدار بيني وبينك
نصفان، أخذ نصف ما في يده.
ولو ضم إلى المملوك حرا أو خمرا أو خنزيرا صح في المملوك وبطل في الباقي،
ويقسط الثمن على المملوك وعلى الحر لو كان مملوكا وعلى قيمة الخمر عند
مستحليه، ولو باع جملة الثمرة وفيها عشر الصدقة صح فيما يخصه دون حصة الفقراء
إلا مع الضمان.
ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة مع عدم الضمان لم يصح في نصيبه، إذ ثمن
حصته مجهول على إشكال، ولو باع اثنان عبدين غير مشتركين صفقة بسط الثمن على
القيمتين اتفقتا أو اختلفتا
وللأب والجد له ولاية التصرف ما دام الولد غير رشيد، فإن بلغ ورشد زالت
ولايتهما عنه ولهما أن يتوليا طرفي العقد، والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه
لصغر أو جنون أو فلس أو سفه، أو الغائب والوصي إنما ينفذ تصرفه بعد الموت مع
صغر الموصى عليه أو جنونه، وله أن يقترض مع الملاءة وأن يقوم على نفسه.
والوكيل يمضى تصرفه ما دام الموكل حيا جائز التصرف، فلو مات أو جن أو
أغمي عليه زالت الولاية، وله أن يتولى طرفي العقد مع الإعلام على رأي وكذا
لوصي يتولاهما، وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولى عليه.
504

ولو اتفق عقد الوكيلين على الجمع والتفريق في الزمان بطلا ولو سبق أحدهما ضح خاصة ويحتمل التنصيف في الأول فيتخيران، ولو باعا على شخص ووكيله أو
على وكيليه دفعة فإن اتفق الثمن جنسا وقدرا صح وإلا فالأقرب البطلان، ولو
اختلف الخيار فالأقرب مساواته لاختلاف الثمن إلا أن يجعلاه مشتركا بينهما.
الفصل الثالث: العوضان:
وشرط المعقود عليه الطهارة فعلا أو قوة، وصلاحية المتملك فلا يقع العقد على
حبة حنطة لقلته، والمغايرة للمتعاقدين فلو باعه نفسه فالأقرب البطلان، وإن كان
الثمن مؤجلا بخلاف الكتابة والانتفاع به فلا يصح على ما أسقط الشرع منفعته
كآلات الملاهي ولا على ما لا منفعة له كرطوبات الانسان وشعره وظفره عدا
اللبن، والقدرة على التسليم فلا يصح بيع الطير في الهواء إذا لم يقض عادته بعوده
ولا السمك في الماء إلا أن يكون محصورا ولا الآبق منفردا إ على من هو في يده،
والعلم فلا يصح بيع المجهول ولا الشراء به.
ولا يكفي المشاهدة في المكيل والموزون والمعدود سواء كان عوضا أو ثمنا بل
لا بد من الاعتبار بأحدهما، ولا يكفي الاعتبار بمكيال مجهول ولو تعذر وزنه أو كيله
أو عدة اعتبر وعاء وأخذ الباقي بالحساب، ويكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن
لم يذرعا، ولو عرف أحدهما الكيل أو الوزن وأخبر الآخر صح فإن نقص أو زاد تخير
المغبون، ولو كان المراد الطعم أو الريح افتقر إلى معرفته بالذوق أو الشم.
ويجوز شراؤه من دونهما بالوصف فإن طابق صح وإلا تخير، والأقرب صحة
بيعه من غير اختبار ولا وصف بناء على الأصل من السلامة، فإن خرج معيبا فله
الأرش إن تصرف وإلا الأرش أو الرد والأعمى والمبصر سواء، ولو أدى اختباره
إلى الإفساد كالبطيخ والجوز والبيض جاز بيعه بشرط الصحة، فإن كسره المشتري
فخرج معيبا فله الأرش خاصة إن كان لمكسوره قيمة والثمن بأجمعه إن لم يكن
505

كالبيض الفاسد. ويجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق وفتقه أحوط، ولا يجوز بيع المباحات
بالأصل قبل الحيازة كالكلأ والماء والسمك والوحش ولا بيع الأرض الخراجية
إلا تبعا لآثار المتصرف، والأقرب جواز بيع بيوت مكة.
ولو حفر بئرا في أرض مملوكة له أو مباحة ملك ماءها بالوصول إليه، وكذا
لو حفر نهرا فجرى الماء المباح فيه فإنه للحافر خاصة وكذا لو حفر فظهر معدن في
أرض مباحة أو مملوكة ويشترط في الملك التمامية.
فلا يصح بيع الوقف إلا أن يؤدى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ويكون البيع
أعود، ولا بيع أم الولد ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها مع إعسار المولى عنه وفي
اشتراط موت المولى نظر، ولا بيع الرهن بدون إذن المرتهن.
ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه، ولا يسقط حق المجني عليه عن
رقبته في العمد، ويكون في الخطأ التزاما للفداء فيضمن المولى حينئذ أقل الأمرين
من قيمته وأرش الجناية على رأي، ثم للمجني عليه خيار الفسخ إن عجز عن أخذ
الفداء ما لم يجز البيع أولا.
فروع:
أ: لو باع الآبق منضما إلى غيره ولم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع
بشئ وكان الثمن في مقابلة المنضم، أما الضال فيمكن حمله على الآبق لثبوت
المقتضي، وهو تعذر التسليم والعدم لوجود المقتضي لصحة البيع وهو العقد فعلى
الأول يفتقر إلى الضميمة، ولو تعذر تسليمه كان الثمن في مقابلة الضميمة وعلى
الثاني لا يفتقر، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلمه إلا مع الإسقاط.
ب: لو باع المغصوب وتعذر تسليمه لم يصح، ولو قدر المشتري على انتزاعه
دون البائع فالأقرب الجواز فإن عجز تخير، وكذا لو اشترى ما يتعذر تسليمه إلا بعد
506

مدة ولم يعلم المشتري كان له الخيار، ولو باع ما يعجز عن تسليمه شرعا كالمرهون لم
يصح إلا مع إجازة المرتهن.
ج: لو باع شاة من قطيع أو عبدا من عبيد ولم يعين بطل، ولو قال: بعت
صاعا من هذه الصيعان، مما يتماثل أجزاؤه صح، ولو فرق الصيعان وقال: بعتك
أحدها، لم يصح وكذا يبطل: بعتك هذه العبيد إلا واحدا ولم يعين أو بعتك عبدا على
أن يختار من شئت منهم، ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب يعلمان ذرعانهما صح إن قصد
الإشاعة وإن قصدا معينا بطل.
ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا من معلوم تساوت أجزاؤه أو اختلفت
كنصف هذه الدار أو هذه الصبرة مع علمها قدرا، ويصح بيع الصاع من الصبرة
وإن كانت مجهولة الصيعان إذا عرف وجود المبيع فيها، وهل ينزل على الإشاعة؟
فيه نظر، فإن جعلنا المبيع صاعا من الجملة غير مشاع بقي المبيع ما بقي صاع وعلى
تقدير الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة.
د: إبهام السلوك كإبهام المبيع، فلو باع أرضا محفوفة بملكه وشرط الممر من
جهة معينة صح البيع وإن أبهم بطل، وإن قال: بعتكها بحقوقها، صح فيثبت
للمشتري السلوك من جميع الجوانب، وإن كانت إلى شارع أو ملك المشتري على
إشكال.
ه‍: لو باع بحكم أحدهما أو ثالث من غير تعيين قدر الثمن أو وصفه بطل،
فيضمن المشتري العين لو قبضها بالمثل أو القيمة يوم القبض أو أعلى القيم من حين
القبض إلى حين التلف على الخلاف، وعليه أرش النقص والأجرة إن كان ذا
أجرة لا تفاوت السعر وله الزيادة إن كانت من فعله عينا أو صفة، وإلا فللبائع
وإن كانت منفصلة.
و: تكفي المشاهدة عن الوصف وإن تقدمت بمدة لا تتغير عادة، ولو احتمل التغيير صح للاستصحاب فإن ثبت
التغير تخير المشتري والقول قوله لو ادعاه على
507

إشكال، ولا يصح بيع السمك في الآجام وإن ضم إليه القصب وكذا اللبن في
الضرع مع المحلوب منه وكذا الجلد والصوف على ظهر الغنم وإن ضم إليهما غيره
وكذا ما في بطونها وكذا لو ضمهما، ويجوز بيع الصوف على الظهر منفردا على رأي،
وكل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم ويجوز مع الانضمام
إلى معلوم إذا كان تابعا.
ز: رؤية بعض المبيع كافية إن دلت على الباقي لكونه من جنسه كظاهر صبره
الحنطة ثم إن وجد الباطن بخلافه تخير في الفسخ، ولا يكفي رؤية ظاهر صبرة
البطيخ ورأس سلة العنب والفاكهة، ولو أراه أنموذجا وقال: بعتك من هذا النوع
كذا، بطل لأنه لم يعين مالا ولا وصف، ولو قال: بعتك الحنطة التي في البيت
وهذا الأنموذج منها صح إن أدخل الأنموذج، لرؤية بعض المبيع، وإن لم يدخل على
إشكال ينشأ من كون المبيع غير مرئي ولا موصوف إذ لا يمكن الرجوع إليه عند
الإشكال بأن يفقد.
ح: لو باع عينا غير مشاهدة افتقر إلى ذكر الجنس والوصف، فلو قال: بعتك
ما في كمي، لم يصح ما لم يذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة اتحد الوصف أو
تعدد ولا يفتقر معهما إلى الرؤية من المتعاقدين، فلو وصف للبائع أو للمشتري أو لهما
صح البيع فإن خرج على الوصف لزم وإلا تخير من لم يشاهده، ففي طرف الزيادة
يتخير البائع وفي طرف النقصان المشتري.
ولو اختار صاحب الخيار اللزوم لم يكن للآخر فسخه ولو زاد ونقص
باعتبارين تخيرا معا سواء بيع بثمن المثل أولا، ولو رأى بعض الضيعة ووصف له
الباقي تخير فيها كلها لو خرجت على الخلاف وخيار الرؤية على الفور.
ط: يجوز الإندار للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة لا ما يزيد إلا
بالتراضي، ويجوز ضم الظرف في البيع من غير إندار.
ي: لو باعه بدينار غير درهم نسيئة مما يتعامل به وقت الأجل أو نقدا مع
508

جهله بالنسبة أو بما يتجدد من النقد بطل، ولو قدر الدرهم من الدينار صح، ولو
باعه بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار بطل مع تعدد الصرف بالسعر
المذكور أو جهله، ولو باعه بنصف دينار لزمه شق دينار ولا يلزمه صحيح إلا مع
إرادته عرفا.
يا: لو باعه الصبرة كل قفيز بدينار وعلما قدرها صح وإلا بطل الجميع.
يب: يجوز استثناء الجزء المعلوم في أحد العوضين فيكون الآخر في مقابلة
الباقي، فلو قال: بعتك هذه السلعة بأربعة إلا ما يساوى واحدا بسعر اليوم، قال
الشيخ: يبطل مطلقا، للجهالة والوجه ذلك إلا أن يعلما سعر اليوم، ولو قال: إلا
ما يخص واحدا قال الشيخ: يصح في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن، والأقرب عندي
البطلان لثبوت الدور المفضي إلى الجهالة، فإن علماه بالجبر والمقابلة أو غيرها صح
البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن، ولو باعه بعشرة وثلث الثمن فهو خمسة عشر،
لأن الثمن شئ يعدل عشرة وثلث شئ، فالعشرة تعدل ثلثي الثمن، ولو قال:
وربع الثمن، فهو ثلاثة عشر وثلث ولو قال: إلا ثلث الثمن، فهو سبعة ونصف.
المقصد الثالث: في أنواع المبيع:
وفيه فصول:
الأول: الحيوان: وفيه مطلبان:
الأول:
الأناسي من أنواع الحيوان إنما يملكون بسبب الكفر الأصلي إذا سبوا ثم
يسري الرق إلى ذرية المملوك وأعقابه، وإن أسلموا ما لم ينعتقوا، ولو التقط
الطفل من دار الحرب ملك ولا يملك من دار الاسلام ولا من دار الحرب إذا كان
فيها مسلم، فإن أقر بعد بلوغه بالرقية حكم عليه بها ما لم يكن معروف النسب،
509

وكذا كل من أقر بها بالغا رشيدا مجهولا وإن كان المقر له كافرا ولا يقبل رجوعه،
ولو اشترى عبدا يباع في الأسواق فادعى الحرية لم يقبل إلا بالبينة.
ويملك الرجل كل بعيد وقريب سوى أحد عشر: الأب والأم والجد والجدة
لهما وإن علوا، والولد ذكرا أو أنثى وولد الولد كذلك وإن نزل، والأخت والعمة
والخالة وإن علتا وبنت الأخ وبنت الأخت وإن نزلنا، فمن ملك أحدهم عتق
عليه.
وتملك المرأة كل أحد سوى الآباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والرضاع
كالنسب على رأي، ويكره تملك القريب غير من ذكرنا، ويصح أن يملك كل من
الزوجين صاحبه فيبطل النكاح، وإن ملك البعض.
وما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصة لكن رخصوا
لشيعتهم في حال الغيبة التملك والوطء وإن كانت للإمام أو بعضها، ولا يجب
اخراج حصة غير الإمام منها ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم أو الكافر.
وكل حربي قهر حربيا فباعه صح وإن كان أخاه أو زوجته أو من ينعتق
عليه، كابنه وبنته وأبويه على إشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض،
ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر والتحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ وثبوت
الملك للمشتري بالتسلط، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يجوز ابتياع بعض الحيوان بشرطين: الإشاعة وعلم النسبة، فلو باعه يده أو
رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر بطل، ولو باعه شيئا منه أو جزءا أو نصيبا
أو قسطا بطل، ويصح لو باعه نصفه أو ثلثه ويحمل مطلقه على الصحيح، ولو
استثنى البائع الرأس والجلد فالأقرب بطلان البيع والصحة في المذبوح، ولو اشتركا
في الشراء وشرط أحدهما الرأس والجلد لم يصح وكان له بقدر ما له، ولو قال له:
510

الربح بيننا ولا خسران عليك فالأقرب بطلان الشرط.
ولو وطئها أحدهما للشبهة فلا حد وبدونها يسقط بقدر نصيبه خاصة، فإن حملت
قوم عليه حصة الشريك وانعقد الولد حرا وعلى أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم
الولادة ولا يقوم بنفس الوطء على رأي، ويتخير المشتري إذا تجدد العيب في الحيوان
بعد العقد وقبل القبض في الفسخ والإمساك مجانا وبالأرش على رأي.
ولو تلف بعد قبضه في ثلاثة فمن البائع إن لم يحدث فيه المشتري حدثا، ولو
تجدد فيه عيب من غير جهة المشتري فإن كان في الثلاثة تخير كالأول وفي الأرش
نظر، ولا يمنع من الرد بالعيب السابق، ولو كان بعدها أو أحدث المشتري فيه
حدثا منع من الرد بالعيب السابق، والحمل حال البيع للبائع على رأي إلا أن
يشترطه المشتري فيثبت له معه، فإن سقط قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعله
قومت في الحالين وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت.
ولو قال: اشتر حيوانا بشركتي أو بيننا، صح البيع لهما وعلى كل منهما نصف
الثمن، فإن أدى أحدهما الجميع بإذن صاحبه في الإنقاذ عنه لزمه الغرم له وإلا
فلا، ولو تلف فهو منهما ويرجع على الآمر بما نقد عنه باذنه.
والعبد لا يملك مطلقا على رأي، فلو كان بيده مال فهو للبائع وإن علم به،
وإن شرطه المشتري صح إن لم يكن ربويا أو كان واختلفا أو تساويا وزاد الثمن،
ولو قال له العبد: اشترني ولك علي كذا، لم يلزم على رأي. ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري رقبة ويعتقها ويحج عنه بالباقي فاشترى أباه
ودفع إليه الباقي للحج، ثم ادعى كل من مولى الأب والمأذون وورثته الدافع كون
الثمن من ماله، فالقول قول مولى المأذون مع اليمين وعدم البينة وتحمل الرواية
بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان على إنكار البيع، فإن أقام أحدهما بينة حكم
له، ولو أقام كل من الثلاثة بينة فإن رجحنا بينة ذي اليد فالحكم كالأول، وإلا
فالأقرب ترجيح بينة الدافع عملا بمقتضى صحة البيع مع احتمال تقديم بينة مولى
511

الأب لادعائه ما ينافي الأصل وهو الفساد. ولو اشترى كل من المأذونين صاحبه فالعقد للسابق، فإن اتفقا بطلا إلا مع
الإجازة ولو كانا وكيلين صحا معا، ولو اشترى مسروقة من أرض الصلح قيل:
يردها على البائع ويستعيد الثمن، فإن مات فمن وارثه فإن فقد استسعيت،
والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي.
ولو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين ليتخير المشتري فأبق أحدهما
ضمنه بقيمته ويطالب بما اشتراه، ولو اشترى عبدا من عبدين لم يصح، ويجب على
البائع استبراء الموطوءة بحيضة أو خمسة وأربعين يوما قبل بيعها إن كانت من ذوات
الحيض، وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها، ويسقط لو أخبر الثقة
بالاستبراء أو كانت لامرأة أو صغيرة أو آيسة أو حاملا أو حائضا.
ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، ويكره بعده إن
كان عن زنا وفي غيره إشكال، فإن وطئها عزل استحبابا فإن لم يعزل كره بيع
ولدها، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا، ويكره وطء من ولد من الزنى
بالملك والعقد فإن فعل فلا يطلب الولد منها.
ورؤية المملوك ثمنه في الميزان، والتفرقة بين الطفل وأمه قبل الاستغناء ببلوغ
سبع سنين أو مدة الرضاع على خلاف وقيل: يحرم، ولو ظهر استحقاق الموطوءة
غرم العشر مع البكارة ونصفه لا معها، والولد [حر وعلى الأب قيمته للمولى] يوم
سقوطه حيا ويرجع على البائع بما دفعه ثمنا وغرم عن الولد، وفي الرجوع بالعقر
وأجرة الخدمة نظر ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض ومن استيفاء عوضه.
ويستحب لمن اشترى مملوكا تغيير اسمه وإطعامه حلوة والصدقة عنه بشئ،
ويصح بيع الحامل بحر والمرتد وإن كان عن فطرة على إشكال، والمريض المأيوس
من برئه، ولو باع أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يصح.
512

الفصل الثاني: في بيع الثمار: وفيه مطلبان:
الأول: في أنواعها:
يجوز بيع ثمرة النخل بشرط الظهور عاما واحدا وأزيد ولا يجوز قبله مطلقا
على رأي، ولا يشترط فيما بدا صلاحه وهو الحمرة أو الصفرة الضميمة ولا زيادة
على العام ولا شرط القطع إجماعا. وهل يشترط أحدها فيما لم يبد صلاحه؟ قولان:
أقربهما إلحاقه بالأول، ولو بيعت على مالك الأصل أو باع الأصل واستثنى الثمرة
فلا شرط إجماعا، وأما ثمرة الشجر فيجوز بيعها مع الظهور وحده انعقاد الحب ولا
يشترط الزيادة على رأي، ولا يجوز قبل الظهور عاما ولا اثنين على رأي ولا فرق
بين البارز كالمشمش والخفي كاللوز.
وأما الخضر فيجوز بيعها بعد ظهورها وانعقادها لا قبله لقطة ولقطات،
والزرع يجوز بيعه سواء انعقد السنبل فيه أو لا قائما وحصيدا، منفردا ومع أصوله
بارزا كان كالشعير أو مستترا كالحنطة والعدس والهرطمان والباقلي.
ولو كان مما يستخلف بالقطع كالكراث والرطبة وشبهها جاز بيعه جزة
وجزات، وكذا ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات منفردة ومع الأصول
بشرط الظهور في ذلك كله، ولو باع الزرع بشرط القصل وجب قطعه على المشتري
فإن لم يفعل فللبائع قطعه وتركه بالأجرة، وكذا لو باع الثمرة بشرط القطع.
المطلب الثاني: في الأحكام:
ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة القطع قبل بدو صلاحها إلا أن يشترطه بل
يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة، فما قضت العادة
بأخذه بسرا اقتصر على بلوغه ذلك وما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخر إلى وقته،
وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق وجب على المشتري إبقاؤها.
ولكل من مشتري الثمرة وصاحب الأصل سقى الشجر مع انتفاء الضرر، ولو
513

تضرر منعا ولو تقابلا لضرر أحدهما ونفع الآخر رجحنا مصلحة المشتري ولا يزيد
عن قدر الحاجة ويرجع إلى أهل الخبرة، ولو انقطع الماء لم يجب قطع الثمرة وإن
تضرر الأصل بمص الرطوبة.
ولو اعتاد قوم قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح كقطع الحصرم فالأقرب حمل
الإطلاق عليه، ولو ظهر بعض الثمرة فباعه مع المتجدد في تلك السنة صح سواء
اتحدت الشجرة أو تكثرت وسواء اختلف الجنس أو اتحد، ويجوز أن يستثني ثمرة
شجرة أو نخلة معينتين، ولو أبهم أو شرط الأجود بطل البيع، وأن يستثني حصة
مشاعة أو أرطالا معلومة.
فإن اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة، ولو اجتيحت الثمرة بعد
الإقباض وهو التخلية هنا أو سرقت فهي من مال المشتري، ولو كان قبل القبض
فمن البائع ولو تلف البعض أخذ الباقي بحصته من الثمن وله الفسخ، ولو أتلفه
أجنبي تخير المشتري بين الفسخ وإلزام المتلف، والأقرب إلحاق البائع به وإتلاف
المشتري كالقبض.
ولا يجب على البائع السقي بل التمكين منه مع الحاجة، فلو تلفت بترك السقي
فإن لم يكن قد منع فلا ضمان عليه وإن من ضمن وكذا لو تعيبت.
ويجوز بيع الثمرة والزرع بالأثمان والعروض إلا بيع التمرة بالتمر وهي
المزابنة وإلا الزرع بالحب وهي المحاقلة، ولو اختلف الجنس جاز كما لو باع زرع
حنطة بدخن. وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك لتطرق الربا على
إشكال، والأصح عدم اشتراط كون الثمن من المثمن واستثني من الأول العرايا،
فإن يجوز بيع العرية وهي النخلة تكون في دار الانسان أو بستانه بخرصها تمرا لا
منها، ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان ويجوز مع تعدده، ولا يشترط
التقابض في بيع العرية قبل التفرق بل الحلول، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر.
514

فروع: أ: لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ولا يجوز
التفاضل عند العقد.
ب: لا يثبت العرية في غير النخل إن منعنا بيع ثمرة الشجر بالمماثل.
ج: يجوز بيع العرية وإن زادت على خمسة أوسق.
د: إنما يجوز بيعها على مالك الدار أو
البستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال.
ه‍: لو قال: بعتك هذه الصبرة من الغلة أو الثمرة بهذه الصبرة سواء بسواء،
فإن عرفا المقدار صح وإلا بطل، وإن تساويا عند الاعتبار سواء اتحد الجنسان أو
اختلفا.
و: يجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشئ معلوم منها
لا على سبيل البيع وأن يبيع الثمرة مشتريها بزيادة ونقصان قبل القبض وبعده،
ولو اشترى لقطة من الخضروات فامتزجت بالمتجددة من غير تميز، فالأقرب مع
مماكحة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ولا خيار لو وهبه البائع
على إشكال.
ز: يشترط في الثمن الذي يشترى العرية به العلم بالكيل أو الوزن ولا يكفي
المشاهدة.
ح: لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور كالجزر والثوم إلا بعد قلعه ومشاهدته،
ولو اشترى الزرع قصيلا مع أصوله فقطعه فنبت فهو له أما لو لم يشرط الأصل فهو
للبائع، ولو سقط من الحب المحصود فنبت في القابل فهو لصاحب البذر لا الأرض.
الفصل الثالث: في الصرف:
وهو بيع الأثمان بمثلها، وشرطه التقابض في المجلس وإن كانا موصوفين غير
515

معينين وتساوى قدرا مع اتفاق الجنس، فلو افترقا قبله بطل، ولا يتحقق الافتراق
مع مفارقة المجلس مصطحبين، ولو قبض الوكيل قبل تفرقهما صح لا بعده ولو قبض
البعض صح فيه خاصة.
ولو اشترى منه دراهم ثم اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم بطل الثاني فإن
افترقا بطلا، ولو كان له عليه دنانير فأمره بأن يحولها إلى دراهم أو بالعكس بعد
المساعرة على جهة التوكيل صح، وإن تفرقا قبل القبض لأن النقدين من واحد على
إشكال، ولو تفرقا قبل الوزن والنقد صح مع اشتمال المقبوض على الحق والجودة
والرداءة والصياغة، والكسر لا توجب الاثنينية ويجوز التفاضل مع اختلاف
الجنس.
والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل قدره وإلا جاز بجنسه بشرط زيادة السليم
في مقابلة الغش، ولا يجوز إنفاقه إلا إذا كان معلوم الصرف بين الناس فإن جهل
وجب إبانته، وتراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر احتياطا ولو جمعا بيعا بهما.
ولا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر ولا بالفضة في جوهر الرصاص،
والمصاع من النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما أو بغيرهما أو بالأقل إن تفاوتا وإن
علم بيع بأزيد ما شاء مع زيادة الثمن على جنسه ولو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا.
وتراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بغيرهما لا بأحدهما ثم يتصدق به مع
جهل أربابه، والمحلى بأحد النقدين يباع مع جهل قدره بالآخر أو بغيرهما أو بالجنس
مع الضميمة، ومع علمه يباع بالآخر أو بغيرهما مطلقا وبجنسه مع زيادة الثمن أو
اتهاب المحلى من غير شرط، ولو تشخص الثمن تعين فليس له دفع المساوي.
فروع:
أ: لو عينا الثمن والمثمن ثم تقابضا فوجد أحدهما بما أخذه عيبا، فإن كان
من غير الجنس بطل الصرف كأن يجد الذهب نحاسا والفضة رصاصا وكذا في
516

غير الصرف لو باعه ثوبا كتانا فبان صوفا بطل، وإن كان البعض من غير الجنس
بطل فيه خاصة، ويتخير من انتقل إليه في الفسخ وأخذه بحصته من الثمن.
وإن كان من الجنس كخشونة الجوهر واضطراب السكة وسواد الفضة تخير
بين الرد والإمساك وليس له مطالبة البدل في الموضعين، ولو اختلف الجنسان فله
الأرش ما داما في المجلس، فإن فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه
وإن كان مخالفا صح.
ولو كان غير معينين وظهر العيب من غير الجنس، فإن تفرقا بطل وإلا كان
له المطالبة بالبدل، ولو اختص العيب بالبعض اختص بالحكم، ولو كان من
الجنس فله الرد والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ومجانا مع اتفاقه
والمطالبة بالبدل وإن تفرقا على إشكال، وفي اشتراط أخذ البدل في مجلس الرد
إشكال.
ب: نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد، فلو صارفه وهي تساوى عشرة بدينار
فردها وقد صارت تسعة بدينار صح قطعا وكذا لو صارت أحد عشر.
ج: لو تلف أحدهما بعد التقابض ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس
بطل الصرف ويرد الباقي ويضمن التالف بالمثل أو القيمة، ولو كان من الجنس
كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس وإلا فلا.
د: لو أخبره بالوزن ثم وجد نقصا بعد العقد بطل الصرف مع اتحاد الجنس
ويتخير مع الاختلاف بين الرد والأخذ بالحصة، ولو وجد زيادة فإن كان قال:
بعتك هذا الدينار بهذا الدينار، بطل وإن قال: بعتك دينارا بدينار، صح وكانت
الزيادة في يده أمانة ويحتمل أن تكون مضمونة لأنه قبضه على أنه عوض ماله.
أما لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في الزائد أو ليزن له حقه منه في
وقت آخر فإن الزيادة هنا أمانة قطعا، ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين فهي
للقابض ولآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة إن منعنا الإبدال مع التفرق، وكذا
517

لدافعها إذ لا يجب عليه أخذ العوض، نعم لو لم يتفرقا رد الزائد وطالب بالبدل.
ه‍: لو كان لأحدهما على الآخر ذهب وللآخر على الأول دراهم فتصارفا بما
في ذممهما جاز من غير تقابض على إشكال منشأه اشتماله على بيع دين بدين، أما لو
تبارئا أو اصطلحا جاز ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون صرفا بعين
وذمة، ولو دفع القضاء على التعاقب من غير محاسبة كان له الإندار بسعر وقت
القبض وإن كان مثليا.
و: لو اشترى دينارا بعشرة ومعه خمسة جاز أن يدفعها عن النصف ثم يقترضها
ويدفعها عن الآخر ليصح الصرف وإن كان حيلة.
ز: لو اشترى من المودع الوديعة عنده صح إذا دفع إليه الثمن في المجلس سواء
علما وجوده أو ظناه أو شكا فيه، فإن ظهر عدمه بطل الصرف.
ح: روي جواز ابتياع درهم بدرهم وشرط صياغة خاتم ولا يجوز التعدية.
المقصد الرابع: في أنواع المبيع:
وهي بالنسبة إلى الأجل أربعة، وإلى الإخبار برأس المال أربعة، وإلى
مساواة الثمن للعوض قسمان.
فهنا فصول ثلاثة:
الأول: العوضان:
إن كانا حالين فهو النقد، وإن كانا مؤجلين فهو بيع الكالئ بالكالئ وهو
منهي عنه، وإن كان المعوض حالا خاصة فهو النسيئة وبالعكس السلف.
فهنا مطالب:
518

المطلب الأول: في النقد والنسيئة:
إطلاق العقد واشتراط التعجيل يقتضيان تعجيل الثمن واشتراط التأجيل في
نفس العقد يوجبه بشرط الضبط، فلو شرطا أجلا من غير تعيين أو عينا مجهولا كقدوم
الحاج بطل، ولو باعه بثمنين الناقص في مقابلة الحلول أو قلة الأجل والزائد في مقابلة أو
كثرته بطل على رأي، ولو باع نسيئة ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقيصة حالا
ومؤجلا جاز إن لم يكن شرطه في العقد، ولو حل فابتاعه بغير الجنس جاز مطلقا،
والأقرب أن الجنس كذلك، وقيل: يجب المساواة.
ويجوز البيع نسيئة بزيادة عن قيمته أو نقصان مع علم المشتري وكذا النقد،
ولو شرط خيار الفسخ إن لم ينقده في مدة معينة صح ولو شرط ألا بيع إن لم يأت به
فيها ففي صحة البيع نظر، فإن قلنا به بطل الشرط على إشكال.
المطلب الثاني: في السلف: وفيه بحثان:
الأول: في شرائطه: وهي سبعة:
الأول: العقد، ولا بد فيه من إيجاب كقوله: بعتك كذا صفته كذا إلى كذا
بهذه الدراهم، وينعقد سلما لا بيعا مجردا فيثبت له وجوب قبض رأس المال قبل
التفرق نظرا إلى المعنى لا اللفظ أو أسلمت أو أسلفت أو ما أدى المعنى، والأقرب
انعقاد البيع بلفظ السلم فيقول: أسلمت اليد هذا الثوب في هذا الدينار وكذا لو
قال: بعتك بلا ثمن أو على أن لا ثمن عليك، فقال: قبلت، ففي انعقاده هبة نظر
ينشأ من الالتفات إلى المعنى واختلال اللفظ. وهل يكون مضمونا على القابض؟
فيه إشكال ينشأ من كون البيع الفاسد مضمونا ودلالة لفظه على إسقاطه، أما لو
قال: بعت، ولم يتعرض للثمن فإنه لا يكون تمليكا ويجب الضمان.
الثاني: معرفة وصفه، ويجب أن يذكر اللفظ الدال على الحقيقة كالحنطة
مثلا، ثم يذكر كل وصف يختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في
519

السلم بلفظ ظاهر الدلالة عند أهل اللغة بحيث يرجعان إليه عند الاختلاف، ولا
يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية لعسر الوجود بل يقتصر على
ما يتناوله الاسم.
فلو أفضي الإطناب إلى عزة الوجود كاللآلئ الكبار التي يفتقر إلى التعرض
فيها للحجم والشكل والوزن والصفاء، واليواقيت والجارية الحسناء مع ولدها إلى
ما أشبهه لم يصح وإن كان مما يجوز السلم فيه لأدائه إلى عسر التسليم، والأقرب
جوازه في اللآلئ الصغار في ضبط وزنها ووصفها لكثرتها، ويجوز اشتراط الجيد
والردئ، والأردأ على إشكال ينشأ من عدم ضبطه، ووجوب قبض الجيد لا يقتضي
تعينه عند العقد لا الأجود.
وكلما يمكن ضبط أوصافه المطلوبة يصح السلم فيه، وإن كان مما يمسه النار،
فيجوز في عيدان النبل قبل نحتها لا المعمول، والخضر والفواكه وما تنبته الأرض
والبيض والجوز واللوز وكل أنواع الحيوان والأناسي واللبن والسمن والشحم
والطيب والملبوس والأشربة والأدوية وإن كانت مركبة إذا عرفت بسائطها، وفي
جنسين مختلفين فينضبط كل منهما بأوصافه وفي شاة لبون ولا يجب ذات لبن بل
ما من شأنها، وفي شاة ذات ولد أو جارية كذلك على رأي أو حامل على إشكال
ينشأ من الجهل بالحمل.
والمختلطة المقصودة الأركان إذا أمكن ضبطها كالعتابي والحر الممتزج من
الإبريسم والوبر والشهد إذا الشمع كالنوى، وكذا كلما لا يقصد خليطه كالجبن
وفيه الأنفحة ودهن البنفسج والبان والخل وفيه الماء والصفر والحديد
والرصاص والنحاس والزئبق والكحل والكبريت،
وكلما لا يمكن ضبطه بالوصف لا يصح السلم فيه كاللحم مطبوخه وتيه
والخبز والجلود والجواهر التي يعسر ضبطها.
520

فروع:
أ: يجب أن يذكر في الحيوان النوع واللون والذكورة والأنوثة والسن، وفي
الأناسي زيادة القد كرباعي أي أربعة أشبار وخماسي، فيقول: عبد تركي أسمر
ابن سبع طويل أو قصير أو ربع، وينزل كل شئ على أقل الدرجات، ولا يجوز
وصف كل عضو للعزة، والأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده وإن كان
استقصاء كالسمن والجعودة، ويرجع في السن إلى الغلام مع بلوغه ومع صغره إلى
السيد فإن جهل فإلى ظن أهل الخبرة، ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب
ذكر الصنف ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه.
ب: يذكر في الإبل الذكورة أو الأنوثة والسن كبنت مخاض واللون كالحمرة
والنوع كنعم بني فلان أو نتاجهم بختي أو عربي إن كثروا وعرف لهم نتاج وإلا
بطل كنسبة الثمرة إلى بستان، وفي الخيل السن واللون والنوع كعربي أو هجين،
ولا يجب التعرض للشيات كالأغر والمحجل، وفي الطيور النوع والكبر والصغر من
حيث الجثة، ولا نتاج للبغال والحمير بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد.
ج: يذكر في التمر أربعة أوصاف: النوع كالبرني والبلد إن اختلف الوصف
كالبصري والقد كالكبار والحداثة أو العتق، وفي البر وغيره من الحبوب البلد
والحداثة أو العتق والصرابة أو ضدها، والعسل البلد كالمكي والزمان كالربيعي
واللون وليس له إلا مصفى من الشمع، وفي السمن النوع كالبقري واللون الأصفر
والمرعى والحداثة أو ضدها، وفي الزبد ذلك وأنه زبد يومه أو أمسه، وفي اللبن
النوع والمرعى ويلزمه مع الإطلاق حليب يومه.
د: يذكر في الثياب ثمانية: النوع كالكتان والبلد واللون والطول والعرض
والصفاقة والرقة والغلظ والنعومة أو أضدادها، ولو ذكر الوزن بطل لعزته وله
الخام إلا أن يشرط المقصود، ويذكر في الغزل النوع كالقطن والبلد واللون والغلظ
والنعومة أو أضدادها، وفي القطن ذلك إلا الغلظ وضده، فإن شرط منزوع الحب
521

فله وإلا كان له بحبه مع الإطلاق كالتمر بنواه على إشكال، ويذكر في الصوف
البلد والنوع واللون والطول أو القصر والزمان، وفي اشتراط الأنوثة أو الذكورة
نظر وعليه تسليمه نقيا من الشوك والبعر.
ه‍: يذكر في الرصاص النوع كالقلعي والأسرب والنعومة أو الخشونة واللون
ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى، ولو انضبطت الأواني جاز السلف فيها فيضبط
الطست جنسه وقدره وسمكه ودوره وطوله، وفي الخشب النوع واليبس أو
الرطوبة والطول والعرض والسمك ويلزمه أن يدفع من طرفه إلى طرفه بذلك
السمك والدور، ولو كان أحد طرفيه أغلظ من الشرط فقد زاده خيرا ولا يلزمه
القبول لو كان أدق وله سمح خال من العقد.
و: الصفات إن لم تكن مشهورة عند الناس لقلة معرفتها كالأدوية والعقاقير،
أو لغرابة لفظها فلا بد أن يعرفها المتعاقدان وغيرهما. وهل يعتبر الاستفاضة أم يكفي
معرفة عدلين؟ الأقرب الثاني.
الشرط الثالث: الكيل أو الوزن في المكيل والموزون، ولا يكفي العد في
المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ والباذنجان والبيض والرمان، وإنما
اكتفي في البيع بعدها للمعاينة أما السلم فلا للتفاوت، ولا يجوز الكيل في هذه
لتجافيها في المكيال، أما الجوز واللوز فيجوز كيلا ووزنا وعددا لقلة التفاوت، وفي
جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس نظر.
ويشترط في المكتل العمومية، فلو عين ما لا يعتاد كجرة وكوز بطل ولو
اعتيد فسد الشرط وصح البيع، وكذا صنجة الوزن فلو عينا صنجة مجهولة بطل ولو
كانت مشاهدة.
ويجوز في المذروع أذرعا ولا يجوز في القصب أطنانا ولا الحطب حزما ولا
الماء قربا ولا المجزوز جززا، وكذا يشترط في الثمن علم مقداره بالكيل أو الوزن
العامين ولا يكفي المشاهدة مع تقديره بأحدهما، ولو كان من الأعواض غير المتقدرة
522

بأحدهما جاز كثوب معلوم ودابة مشاهدة وجارية موصوفة فإنه يجوز إسلاف
الأعواض في الأعواض وفي الأثمان، والأثمان في الأعواض ولا يجوز في الأثمان
بالأثمان.
الرابع: قبض الثمن في المجلس ولو تفرقا قبله بطل، ولو تفرقا بعد قبض
البعض صح فيه خاصة وللبائع الامتناع من قبض البعض للتعيب بخلاف الدين،
ولو كان الثمن خدمة عبد أو سكنى دار مدة معينة صح تسليمها بتسليم العين ولا
يشترط التعيين، فلو قال: أسلمت إليك دينارا في ذمتي بكذا، ثم عين وسلم في
المجلس جاز.
ولو أسلم مائة في حنطة ومثلها في شعير ثم دفع مائتين قبل التفرق ووجد
بعضها زيوفا من غير الجنس، وزع بالنسبة وبطل من كل جنس بنسبة حصته من
الزيوف، ولو أحاله بالثمن فقبضه البائع من المحال عليه في المجلس فالأقوى عندي
الصحة، ولو جعل الثمن في العقد ما يستحقه في ذمة البائع بطل لأنه بيع دين بدين
على إشكال، ولو لم يعينه ثم حاسبه بعد العقد من دينه عليه فالوجه الجواز، ولو
شرط تعجيل نصف الثمن وتأخير الباقي لم يصح. أما في غير المقبوض فلانتفاء القبض و
أما في المقبوض فلزيادته على المؤجل
فيستدعي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤجل والزيادة مجهولة.
الخامس: كون المسلم فيه دينار فلا ينعقد في عين، نعم ينعقد بيعا سواء كانت
العين مشاهدة أو موصوفة.
السادس: الأجل المضبوط بما لا يقبل التفاوت، فلو شرط أداء المسلم فيه عند
إدراك الغلات أو دخول القوافل بطل، وكذا لو قال: متى أردت أو متى أيسرت؟
ويجوز التأقيت بشهور الفرس والروم وبالنيروز والمهرجان لأنهما يطلقان على
وقت انتهاء الشمس إلى أول برجي الحمل والميزان، ويجوز بفصح النصارى وفطر
اليهود إن عرفه المسلمون، ولو أجل إلى نفر الحجيج احتمل البطلان والحمل على
523

الأول وكذا إلى ربيع أو جمادى.
ويحمل السنون والشهور على الهلالية وتعتبر الأشهر بالأهلة، فإن عقدا في
أوله اعتبر الجميع بالأهلة وإن عقدا في خلاله اعتبر الشهور بعده بالأهلة ثم تمم
المنكسر ثلاثين على رأي، ويحتمل انكسار الجميع بكسر الأول فيعتبر الكل بالعدد.
ولو قال: إلى الجمعة أو رمضان، حمل على الأقرب ويحل بأول جزء منهما،
ولو قال: محله في الجمعة أو في رمضان، فالأقرب البطلان، ولو قال: إلى أول
الشهر أو آخره، احتمل البطلان لأنه يعبر به عن جميع النصف الأول والنصف
الأخير والصحة فيحمل على الجزء الأول، والأقرب عدم اشتراط الأجل فيصح
السلم في الحال لكن يصرح بالحلول.
فإن أطلق حمل على الأجل واشترط ضبطه، ولو أطلق ولم يضبطه ثم ضبطه
قبل التفرق بطل، ولو قال: إلى شهر، وأبهم اقتضى اتصاله بالعقد فالأجل آخره
وكذا إلى شهرين أو ثلاثة، أما المعين فيحل بأوله كما تقدم، ولا يشترط في الأجل
أن يكون له وقع في الثمن، فلو قال: إلى نصف يوم، صح.
السابع: إمكان وجود المسلم فيه عند الحلول ليصح التسليم وإن كان معدوما
وقت العقد أو بعد الحلول، ولا يكفي الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه في غرض
المعاملة ولو احتاج تحصيله إلى مشقة شديدة، كما إذا أسلم في وقت الباكورة في قدر
كثير فالأقرب الصحة.
ولو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم كما لو أسلم فيما يعم وجوده وانقطع
لجائحة، أو وجد وقت الحلول عاما ثم أخر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه
تخير المشتري بين الفسخ والصبر، ولو قبض البعض تخير في الفسخ في الجميع
والمتخلف والصبر، ولو تبين العجز قبل المحل احتمل تنجيز الخيار وتأخيره.
524

البحث الثاني: في أحكامه:
لا يشترط ذكر موضع التسليم على إشكال وإن كان في حمله مؤنة، فلو شرطاه
تعين ولو اتفقا على التسليم في غيره جاز، ومع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم إلى
موضع العقد، ولو كانا في برية أو بلد غربة وقصدهما مفارقته قبل الحلول، فالأقرب
عندي وجوب تعيين المكان ويجب أن يدفع الموصوف، فلو دفع غير الجنس لم يجب
القبول وكذا الأردأ، ولو كان من الجنس مساويا أو أجود وجب.
ولو اتفقا على أن يعطيه أردأ منه وأزيد، فإن كان ربويا لم يجز على إشكال
وإلا جاز وليس له إلا أقل ما يتناوله الوصف، وله أخذ الحنطة خالية من التبن
والزائد على العادة من التراب وأخذ التمر جافا، ولا يجب تناهي جفافه ولا
يقبض المكيل والموزون جزافا، وله ملاء المكيال وما يحتمله ولا يكون ممسوحا من
غير دق ولا هز.
ولا يجوز بيع السلف قبل حلوله ويجوز بعده قبل القبض على الغريم وغيره
على كراهية، ويجوز بيع بعضه وتوليته وتولية بعضه، ويجوز أن يسلف في شئ
ويشترط السائغ كالقرض والبيع والاستسلاف والرهن والضمين، ولو أسلف في
غنم وشرط أصواف نعجات معينة صح، ولو شرط كون الثوب من غزل امرأة
معينة أو الثمرة من نخلة بعينها لم يلزم البيع، أما لو أسند الثمرة إلى ما لا يحيل عادة
كالبصرة جاز.
فروع:
أ: لو أسلف عرضا في عرض موصوف بصفاته فدفعه عند الأجل وجب
القبول، فلو كان الثمن جارية صغيرة والمثمن كبيرة فجاء الأجل وهي على صفة
المثمن وجب القبول، وإن كان البائع قد وطئها، ولا عقر عليه وإن كان حيلة.
ب: لو اختلفا في المسلم فيه فقال أحدهما: في حنطة والآخر في شعير،
525

تحالفا وانفسخ العقد، ولو اختلفا في اشتراط الأجل فالأقرب أن القول قول مدعيه
إن كان العقد بلفظ السلم على إشكال وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى،
أما لو اختلفا في الزيادة فالقول قول نافيها، ولو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلم
إليه لأنه منكر، ولو اختلفا في أداء المسلم فيه فالقول قول المنكر.
ولو اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع وإن تفرقا لأنه منكر، أما لو
اختلفا بعد اتفاقهما على القبض في وقوعه قبل التفرق أو بعده قدم قول مدعي
الصحة، وكذا لو أقاما بينة لأنها تضم إلى الصحة الإثبات، ولو قال البائع:
قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق، قدم قوله رعاية للصحة.
ج: يجب قبول المثل وقت الحلول أو الإبراء، فإن امتنع قبضه الحاكم إن سأله
البائع ولو دفع أكثر لم يجب القبول بخلاف الأجود، ولو دفع من غير الجنس جاز
مع التراضي، وكذا يجوز لو دفع بعضه أو أردأ قبل الأجل وإن شرط التعجيل، ولو
دفعه قبل الأجل لم يجب القبول سواء تعلق بالبائع غرض كتخليص الرهن أو
الضامن أو خوف الانقطاع في المحل أو لم يكن غرض سوى البراءة، وسواء كان
للممتنع غرض بأن يكون في زمن نهب أو كانت دابة يحذر من علفها أو لم يكن.
ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض بطل
وللمشتري أخذ دراهمه ويحتمل السقوط والقيمة عند مستحليه.
د: إذا قبضه تعين وبرئ المسلم إليه، فإن وجده معيبا فرده زال ملكه عنه
وعاد حقه إلى الذمة سليما، ولو وجد بالثمن عيبا فإن كان من غير الجنس بطل إن
تفرقا قبل التعويض أو كان معينا، وإن كان من الجنس رجع بالأرش وله البدل
مع عدم التعيين وإن تفرقا على إشكال، وإن تعين تخير بين الأرش والرد فيبطل
السلم، ولو كان الثمن مستحقا فإن كان معينا بطل، وإلا بطل إن تفرقا قبل
قبض عوضه.
ه‍: لو أسلم في شيئين صفقة بثمن واحد صح تخالفا أو تماثلا، ولو شرط
526

الأداء في أوقات متفرقة صح إن عين ما يؤديه في كل وقت وإلا فلا، ولو شرط
رهنا أو ضمينا ثم تفاسخا أو رد الثمن بعيب بطل الرهن وبرئ الضمين، ولو
صالحه بعد الحلول على مال آخر عن مال السلم سقط الرهن لتعلقه بعوض مال
الصلح لا به.
الفصل الثاني: في المرابحة وتوابعها:
المرابحة هي البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه، وإيجابها كالبيع
ويزيد بربح كذا ويجب العلم في رأس المال والربح، فلو قال: بعتك بما اشتريت
وربح كذا ولم يعلم قدر الثمن لم يصح وكذا لو علما قدر رأس المال وجهلا الربح.
ويجب ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف، ويكره نسبة الربح إلى المال
فيقول: رأس مالي مائة وبعتك بربح كل عشرة واحدا، فإن قال فالثمن مائة
وعشرة، بل ينبغي أن يقول: رأس مالي مائة وبعتك بما اشتريت وربح عشرة، ثم
إن كان البائع يعمل فيه شيئا صح أن يقول: اشتريته بكذا، أو: هو علي أو ابتعته
أو تقوم على أو رأس مالي، ولو عمل فيه ما له زيادة عوض قال: اشتريته بكذا
وعملت فيه بكذا، ولو استأجر في ذلك العمل صح أن يقول: تقوم على أو هو
علي، ويضم الأجرة.
ولو قال: بعتك بما قام علي، استحق مع الثمن جميع المؤمن التي يقصد
بالتزامها الاسترباح مثل: ما بذله من دلالة وأجرة البيت والكيال والحارس
والحمال والقصار والصباغ مع علم قدر ذلك كله، ولا يستحق المطالبة بالمؤمن التي
فيها بقاء الملك كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة، وليس له الرجوع بما عمل
بنفسه كما لو قصر الثوب أو تطوع به متطوع ولا أجرة البيت إذا كان ملكه، ويخبر
بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي ولو جني على العبد فأخذ أرشه لم يضعه،
ولو جنى العبد في يده ففداه لم يضم الفداء ولا يضع قيمة النماء المتجدد.
527

ويجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في قدر الثمن وفي الإخبار عما طرأ
في يده من عيب منقص أو جناية، ولا يجب الإخبار بالغبن ولا بالبائع وإن كان
ولده أو غلامه، ويجب ذكر تأجيل الثمن ولو أسقط عنه البعض جاز أن يخبر
بالأصل سواء كان الإسقاط في مدة الخيار أو بعده، وليس له الإخبار بالشراء في
الأبعاض مع تقسيط الثمن عليها إلا أن يخبر بصورة الحال اتفقت أو اختلفت،
ساوى بينها أو لا باع خيارها بالأقل أو لا، وكذا الحامل إذا ولدت وأراد بيعها
منفردة، ولا يخبر الدلال بالشراء عن تقويم التاجر مجردا عن البيع سواء ابتدأه أو لا.
وأما التولية فهي إعطاء المتاع برأس المال فيقول: وليتك أو بعتك، وشبهه
فيقول: قبلت التولية أو البيع، وهو بيع يلحق به أحكام البيع من الشفعة
والتقابض في المجلس إن كان صرفا، ويشترط العلم برأس المال لا ذكره ويلزمه
مثل الثمن الأول جنسا ووصفا وقدرا.
وأما المواضعة فهي مأخوذة من الوضع وهي أن يخبر برأس المال ثم يقول:
بعتك به وضيعة كذا، ويكره لو قال: بوضيعة درهم من كل عشرة، فلو كان الثمن
مائة لزمه تسعون، ولو قال: من كل أحد عشر، كان الحط تسعة دراهم وجزءا من
أحد عشر جزء من درهم فيكون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء
من درهم، وكذا لو قال: بوضيعة درهم لكل عشرة.
فروع:
أ: يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقيصة حالا ومؤجلا بعد القبض ويكره
قبله إن كان مكيلا أو موزونا على رأي، ولو شرط الابتياع حال البيع لم يجز ويكره
لو كان قصدهما ذلك ولم يشترطاه، فلو باع غلامه سلعة ثم اشتراها بزيادة قصدا
للإخبار بالزائد جاز إن لم يكن شرط الابتياع.
ب: لو ظهر كذب البائع في اخباره تخير المشتري في الإمضاء بالمسمى
528

والفسخ، وليس له قدر التفاوت سواء كان الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو
وصفه أو حلوله. وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر، ولا خيار لو علم بكذبه ولا
يقبل بينة البائع لو ادعى كثرة الثمن، وله الإحلاف إن ادعى العلم ولو صدقه
المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء.
ج: لو اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة جاز أن يخبر
بعشرة ولا يجب حط الربح، ولو اشتريا ثوبا بعشرين ثم اشترى أحدهما نصيب
صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين، ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر
بعشرين ثم باعاه صفقة مرابحة فالثمن بينهما نصفان.
د: لو باعه تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع، ولو كان الحط
قبل التولية فله الباقي إن كان بما أدى، ولو حط الجميع قبل التولية لم يصح التولية
إن كان بما أدى أو بما قام عليه.
الفصل الثالث: في الربا: وفيه مطلبان:
الأول: في محله: وله شرطان:
الأول: التماثل في الجنس: الثمن والمثمن إن اختلفا جنسا جاز اختلافهما
قدرا نقدا ونسيئة إلا الصرف فإنه لا يصح فيه النسيئة، وإن اتفقا وجب اتفاقهما
قدرا نقدا إن دخلهما الكيل أو الوزن إجماعا وإلا فلا، ولا يشترط التقابض في
المجلس قبل التفرق، ويكره بيع أحد المختلفين بالآخر نسيئة وإن تساويا قدرا إذا
دخلهما أحد التقديرين على رأي، ولا يثبت الربا في غير البيع وضابط الاتفاق في
الجنس شمول اللفظ الخاص لهما كالحنطة والأرز لا كالمطعوم المختلفة أفراده.
والحنطة والشعير هنا جنس واحد على رأي وثمرة النخل كلها جنس وإن
اختلفت أصنافه كالردئ الدقل وجيد النوع، وثمرة الكروم جنس وأصل كل
شئ وفرعه جنس كالحنطة والدقيق والخبز والدبس والتمر والخل والعنب،
529

ودبسه جنس واللبن والزبد والأقط والكشك والسمن جنس والسمسم و
الشيرج جنس، والمصنوع من جنسين يباع بهما أو بأحدهما مع زيادة على مماثله.
واللحوم تابعة لأصولها فلحم البقر عرابه وجاموسه جنس ولحم الإبل عرابها
وبخاتيها جنس ولحم الغنم ضأنها وماعزها جنس، والوحشي والأنسي جنسان
والحمام جنس على إشكال والسموك جنس واللبن والدهن تابعان، وكذا الخل
والدهن وما يتخذ منه جنس كالشيرج ودهن البنفسج، والجيد والردئ جنس
والصحيح والمكسور جنس والتبر والمضروب جنس.
الشرط الثاني: الكيل والوزن: فلا ربا إلا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت ولو
تساويا قدرا صح البيع نقدا، ولو انتفى الكيل والوزن معا جاز التفاضل نقدا
ونسيئة كثوب بثوبين وبيضة ببيضتين، ولا فرق بين اختلاف القيمة واتفاقها
والحوالة في التقدير على عادة الشرع فما ثبت أنه مكيل أو موزون في زمانه ع
حكم بدخولهما فيه، فإن لم تعلم العادة الشرعية فعادة البلد، فإن اختلفت البلدان
فلكل بلد حكم نفسه على رأي، فلا يثبت الربا في الماء ولا الطين إلا الأرمني،
والمراد هنا جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين أو لكثرته
كالزبرة.
فروع:
أ: إذا خرج بالصنعة عن الوزن جاز التفاضل فيه كالثوب بثوبين، والآنية
الحديد أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها.
ب: لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ولا المكيل جزافا ولا
موزونا.
ج: لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير كالحنطة المقدرة
بالكيل والدقيق المقدر بالوزن احتمل تحريم البيع بالكيل أو بالوزن للاختلاف قدرا
530

وتسويغه بالوزن.
د: يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية وكذا الخل
مثله.
المطلب الثاني: في الأحكام:
كل ما له حالتا رطوبة وجفاف يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوى الحالتين،
فيباع الرطب بمثله والعنب بمثله والفواكه الرطبة بمثلها واللحم الطري بمثله والحنطة
المبلولة بمثلها والتمر والزبيب والفاكهة الجافة والمقدد والحنطة اليابسة كل واحد
بمثله، ولا يجوز مع الاختلاف في الحالين فلا يباع الرطب بالتمر ولا العنب
بالزبيب وكذا كل رطب مع يابسه سواء قضت العادة بضبط الناقص أو لا.
ولو اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة
كمد تمر ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمدين ودرهمين، فإن تلف الدرهم المعين أو
استحق احتمل البطلان في الجميع وفي المخالف والتقسيط، ولو كان أحد
العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود صح مطلقا كبيع دار مموهة بالذهب بالذهب.
ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا جنسا على إشكال ويجوز مع
الاختلاف، وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة وشاة في ضرعها
لبن بمثلها أو بخالية أو بلبن وإن كان من لبن جنسها، أو مكوك حنطة بمثله، وإن
اشتمل أحدهما على عقد التبن أو زوان أو تراب يجري العادة بمثله، ولو أراد المعاوضة
على المتفاضلين المتفقين جنسا باع أحدهما سلعته بجنس غيرهما ثم اشترى به الأخرى،
أو باع المماثل قدرا ووهبه الزائد أو أقرضه إياه وتبارءا.
ولا ربا بين الوالد وولده فلكل منهما أخذ الفضل ولا بين السيد ومملوكه المختص
ولا بين الزوج وزوجته ولا بين المسلم وأهل الحرب، فللمسلم أخذ الفضل في دار
الحرب أو الاسلام دون العكس ويثبت بين المسلم والذمي على رأي، والقسمة
531

تمييز وليست بيعا فتجوز فيما يثبت فيه الربا وإن تفاضلا وزنا وخرصا، ولو أخذ
أحدهما الرطب والآخر التمر جاز، ويجب على من أخذ الربا رده إلى مالكه إن
عرفه أو إلى ورثته إن فقد، ويتصدق به عنه إن جهله سواء استعمله مع علم التحريم
أو جهله على رأي.
المقصد الخامس: في لزوم البيع:
الأصل في البيع اللزوم وإنما يخرج عن أصله بأمرين: ثبوت خيار وظهور
عيب.
فهاهنا فصلان:
الأول: في الخيار: وفيه مطلبان:
الأول: في أقسامه: وهي سبعة:
الأول: خيار المجلس، ويختص بالبيع ويثبت بعد العقد في كل مبيع لم يشترط
فيه سقوطه، فإن شرط أحدهما سقوطه عنه سقط بالنسبة إليه خاصة وهو ثابت للبائع
والمشتري ما داما في المجلس، وإن ضرب بينهما حائل أو فرقا كرها إما بالضرب أو
الحمل ولم يتمكنا من الاختيار أو فارقاه مصطحبين، ولو فارق أحدهما الآخر ولو
بخطوة اختيارا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق أو هرب أحدهما لذلك أو التزما به
أو أوجبه أحدهما ورضي الآخر سقط، ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصة.
ولو قال له: اختر، فسكت فخيارهما باق على رأي وخيار العاقد عن اثنين
باق بالنسبة إليهما ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما بعد العقد أو يفارق المجلس على
قول، ويحتمل سقوط الخيار وثبوته دائما ما لم يسقطه بتصرف أو اسقاط، ولو كان
الشراء لمن ينعتق عليه فلا خيار وكذا في شراء العبد نفسه إن جوزناه.
532

ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار لأن مفارقة الدنيا أولى من مفارقة
المجلس في الإسقاط وثبوته فينتقل إلى الوارث، فإن كان حاضرا امتد الخيار بينه
وبين الآخر ما دام الميت والآخر في المجلس، وإن كان غائبا امتد إلى أن يصل إليه
الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت. وهل يمتد بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟
نظر، هذا كله إذا لم يفارق الآخر.
ولو حمل أحدهما ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال، أما الثابت
فإن منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط وإلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار
الأول، ولو جن أحدهما أو أغمي عليه لم يسقط الخيار وقام الولي بما فيه الحظ،
ولو جاءا مصطحبين وقال أحدهما: تفرقنا، ولزم البيع وأنكر الآخر فعلى المدعي
البينة إن لم يطل الوقت، أما لو طال فيحتمل ذلك ترجيحا للأصل على الظاهر مع
التعارض وتقديم قوله ترجيحا للظاهر، أما لو اتفقا على التفرق واختلفا في الفسخ
فالقول قول المنكر مع احتمال الآخر لأنه أعرف بنيته.
الثاني: خيار الحيوان، ويمتد إلى ثلاثة أيام من حين العقد على رأي ويثبت
للمشتري خاصة على رأي وإن كان الثمن حيوانا، ويسقط باشتراط سقوطه في
العقد وبالتزامه بعده وبتصرفه فيه، وإن لم يكن لازما كالهبة قبل القبض والوصية.
الثالث: خيار الشرط، ولا يتقدر بحد بل بحسب ما يشترطانه بشرط الضبط
وذكره في صلب العقد، فلو شرطا غيره كقدوم الحاج بطل العقد ولو شرطا مدة قبل
العقد أو بعده لم يلزم، ويجوز جعل الخيار لهما ولأحدهما ولثالث ولهما أو لأحدهما
مع الثالث واختلاف المدة لو تعدد صاحبه وعدم اتصالها، واشتراط المؤامرة إن عين
المدة ورد المبيع في مدة معينة يرد البائع فيها الثمن.
وأول وقته عند الإطلاق من حين العقد لا التفرق ولا خروج الثلاثة في
الحيوان، ولا يتوقف الفسخ به على حضور الخصم ولا قضاء القاضي، ولو أبهم
الخيار في إحدى العينين أو أحد المتبايعين بطل العقد فيهما، ولا يصح اشتراطه فيما
533

يستعقب العتق وفي ثبوته في الصرف إشكال.
الرابع: المغبون، يثبت له الخيار بشرطين: عدم العلم بالقيمة وقت العقد
والزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد، فيتخير المغبون خاصة
في الفسخ والإمضاء بما وقع عليه العقد، ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على
إشكال، ولا يسقط بالتصرف إلا أن يخرج عن الملك بالبيع وشبهه أو يمنع مانع من
رده كاستيلاد الأمة أو عتقها ولا يثبت به أرش.
الخامس: من باع ولم يسلم المبيع ولا قبض الثمن ولا شرط تأخير الثمن
يلزمه البيع ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق به وإلا تخير البائع في
الفسخ والصبر والمطالبة بالثمن، ولا خيار لو أحضر الثمن قبل الفسخ مطلقا ولا
يسقط بطلب الثمن بعدها، فإن تلف في الثلاثة فمن البائع على رأي وكذا بعدها
إجماعا.
ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل فإن تلف فيه احتمال الخلاف،
ولو قبض بعض الثمن أو سلم بعض المبيع فكالأول في الجميع، ولو شرط نقد
بعض الثمن وتأجيل الباقي ففي ثبوت الخيار مع تأخير النقد إشكال أقربه
عدم الثبوت، ولو شرط تأخير الثمن فأخره عن الأجل لم يكن للبائع خيار.
السادس: خيار الرؤية، فمن اشترى عينا موصوفة شخصية تخير مع عدم المطابقة
بين الفسخ والإمضاء، ويجب في هذا البيع ذكر اللفظ الدال على الجنس
والأوصاف التي تثبت الجهالة برفع أحدهما ولا يشترط رؤية البائع، فلو باع بوصف
الوكيل ثم ظهر أجود تخير البائع، ولو شاهد بعض الضيعة ووصف له الباقي ثبت
الخيار في الجميع مع عدم المطابقة، ولو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج
الباقي كالأول بطل.
السابع: خيار العيب، وسيأتي.
534

المطلب الثاني: في الأحكام:
يثبت خيار الشرط في كل عقد سوى الوقف والنكاح، ولا يثبت في الطلاق
ولا العتق ولا الإبراء ويسقط بالتصرف، فإن كان مشتركا اختص السقوط بمن
يختص بالتصرف، ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف فإن تصرف سقط الخياران
وإلا خيار الآذن، والخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان إلا الزوجة
غير ذات الولد في الأرض على إشكال، أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من
الثمن. وهل للورثة التفريق؟ نظر، أقربه المنع وإن جوزناه مع تعدد المشتري.
ولو زال عذر المجنون العاقد حالة العقل لم ينتقض تصرف الولي بالخيار إذا لم
يخالف المصلحة، ولو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه، ولو شرط المتعاقدان
الخيار لعبد أحدهما، ملك المولى الخيار، ولو كان لأجنبي لم يملك مولاه ولا يتوقف
على رضاه إذا لم يمنع حقا للمولى، فلو مات لم ينتقل إلى مولاه وكذا لو مات الأجنبي
المشروط له الخيار.
والمبيع يملك بالعقد على رأي، فالنماء المتجدد بعد العقد للمشتري وإن كان
في مدة الخيار، فإن فسخ العقد رجع بالثمن واسترد البائع الأصل دون النماء، وإذا
تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال البائع فيرجع المشتري بالثمن لا غير، وإن تلف
بعد قبضه وانقضاء الخيار فهو من مال المشتري، وإن كان في مدة الخيار من غير
تفريط فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي، وإن كان للمشتري
خاصة فمن البائع.
ويحصل الفسخ بوطئ البائع وبيعه وعقده وهبته وإن كان من ولده،
والأقرب صحة العقود، ولا تحصل الإجازة بسكوته على وطء المشتري، والمجعول
فسخا من البائع إجازة من المشتري لو أوقعه، والإجارة والتزويج في معنى البيع
والعرض على البيع والإذن فيه كالبيع على إشكال، ولو باع المشتري أو وقف أو
وهب في مدة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلا بإذن البائع وكذا العتق على
535

إشكال، نعم له الاستخدام والمنافع والوطء، فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى
القيمة مع فسخ البائع.
ولو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا، فإن كان الخيار له بطل العتقان لأنه
بعتق الجارية مبطل للبيع وبعتق العبد ملتزم به، فعتق كل منهما يمنع عتق الآخر
فيتدافعان ويحتمل عتق الجارية لأن العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة، وإذا اجتمع
الفسخ والإجازة قدم الفسخ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر فإن الفسخ
يقدم وعتق العبد، لأن الإجازة إبقاء للعقد والأصل فيه الاستمرار.
وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد إلا مع الإجازة
على إشكال، ولو اشترك الخيار صح عتق الجارية خاصة لأن إعتاق البائع مع
تضمنه للفسخ يكون نافذا على رأي ولا يعتق العبد، وإن كان الملك فيه لمشتريه
لما فيه من إبطال حق الآخر.
فروع:
أ: لا يبطل الخيار بتلف العين، فإن كان مثليا طالب صاحبه بمثله وإلا
القيمة.
ب: لو قبلت الجارية المشتري فالأقرب أنه ليس بتصرف وإن كان مع شهوة
إذا لم يأمرها، ولو انعكس الفرض فهو تصرف وإن لم يكن عن شهوة.
ج: ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على
إشكال، فإن فعل لم يحد والولد حر ولا قيمة عليه، فإن فسخ البائع رجع بقيمة الأم
خاصة وتصير أم ولد، ولو وطئ البائع كان فسخا ولا يكون حراما.
د: لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار.
ه‍: البيع بالوصف قسمان: بيع عين شخصية موصوفة بصفات السلم وهو
ينفسخ برده على البائع وتلفه قبل قبضه ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه،
536

وبيع عين موصوفة بصفات السلم غير معينة، فإذا سلم إليه غير ما وصف فرده طالب
بالبدل ولا يبطل وكذا لو كان على الوصف فرده فأبدله صح أيضا. وهل يجب
قبض الثمن في المجلس أو قبضه؟ نظر.
و: لو شرط الخيار لأجنبي كان الفسخ إليه لا إلى المشترط إلا أن نقول أن
شرط خيار الأجنبي شرط له وتوكيل للأجنبي.
ز: لو شرط الخيار شهرا مثلا بعد مضى مدة معينة احتمل بطلان الشرط لأن
الواجب لا ينقلب جائزا والصحة عملا بالشرط فلا يتخير قبل انقضاء المدة.
ح: لو فسخ المشتري بخياره فالعين في يده مضمونة، ولو فسخ البائع فهي في
يد المشتري أمانة على إشكال.
الفصل الثاني: في العيب: وفيه مطالب:
الأول: في حقيقته:
وهو الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان موجب لنقص المالية،
كالجنون والجذام والبرص والعمى والعرج والعور والقرن والفتق والرتق
والقرع والصمم والخرس، وأنواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو لا
كالعارض ولو حمى يوم، والإصبع الزائدة والحول والحوص والسبل وهو زيادة
في الأجفان والتخنيث وكونه خنثى والجب والخصاء وإن زادت بهما قيمته، وبول
الكبير في الفراش والإباق وانقطاع الحيض ستة أشهر وهي في سن من تحيض
والثفل الخارج عن العادة في الزيت أو البزر واعتياد الزنى والسرقة والبخر
والصنان الذي لا يقبل العلاج وكون الضيعة منزل الجنود وتقبل الخراج،
واستحقاق القتل بالردة أو القصاص والقطع بالسرقة أو الجناية والاستسعاء في
الدين وعدم الختان في الكبير دون الصغير والأمة والمجلوب من بلاد الشرك مع عدم
علم المشتري بجلبه.
537

والثيوبة ليست عيبا ولا الصيام ولا الإحرام ولا الاعتداد ولا التزويج ولا
معرفة الغناء والنوح ولا العسر على إشكال، ولا الكفر ولا كونه ولد زنا وإن
كان جارية ولا عدم المعرفة بالطبخ والخبز وغيرهما.
المطلب الثاني: في الأحكام:
كل ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة مما لا يعد فقده عيبا يثبت
الخيار عند عدمه، كاشتراط الاسلام أو البكارة أو الجعودة في الشعر أو الزجج في
الحواجب أو معرفة الطبخ أو غيره من الصنائع أو كونها ذات لبن أو كون الفهد
صيودا، ولو شرط غير المقصود فظهر الخلاف فلا خيار كما لو شرط السبط أو الجهل،
ولو شرط الكفر أو الثيوبة فظهر الضد تخير لكثرة طالب الكافرة من المسلمين
وغيرهم وعدم تكلفها العبادات وربما عجز عن البكر.
ولو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما أو طحن الدابة قدرا معينا لم يصح ولو
شرطها حاملا صح، ولو شرطها حائلا فبانت حاملا فإن كانت أمة تخير وإن
كانت دابة احتمل ذلك لإمكان إرادة حمل ما تعجز عنه حينئذ وعدمه للزيادة إن
قلنا بدخول الحمل كالشيخ.
وإطلاق العقد واشتراط الصحة يقتضيان السلامة من العيب، فلو وجد
المشتري عيبا سابقا على العقد ولم يكن عالما به تخير بين الفسخ والأرش، ولو تبرأ
البائع من العيوب في العقد وإن كانت مجملة، أو علم المشتري به قبله أو أسقطه
بعده سقط الرد والأرش، ولو أحدث فيه حدثا قبل العلم بالعيب أو بعده أو حدث
عنده عيب آخر بعد قبضه من جهته مطلقا أو من غير جهته إذا لم يكن حيوانا في مدة
الخيار فله الأرش خاصة، ولو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الرد مطلقا
وينبغي إعلام المشتري بالعيب أو التبري مفصلا، فإن أجمل برئ.
ولو ابتاع شيئين صفقة ووجد بأحدهما عيبا سابقا تخير في رد الجميع أو أخذ
538

الأرش وليس له تخصيص الرد بالمعيب، فإن كان قد تصرف في أيهما كان سقط
الرد خاصة، وليس للمشتريين صفقة الاختلاف فيطلب أحدهما الأرش والآخر
الرد بل يتفقان على إشكال، أما لو ورثا خيار عيب فلا إشكال في وجوب التوافق
ولا إشكال في جواز التفريق لو باعهما في عقدين، ولو اشترى من اثنين جاز له الرد
على أحدهما والأرش من الآخر سواء اتحد العقد أو تعدد.
والأرش جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح،
وطريقه أن يقوم في الحالين فيحتمل قيمته حين العقد والقبض والأقل منهما،
ويؤخذ من الثمن بنسبة التفاوت بينهما ويؤخذ بالأوسط إن اختلف المقومون، ولو
ظهرت الأمة حاملا قبل العقد كان له الرد وإن تصرف بالوطئ خاصة، ويرد معها
نصف عشر قيمتها، فإن تصرف بغيره فلا رد وكذا فلا رد لو وطئ وكان العيب
غير الحبل.
فروع:
أ: لو قتل بردة سابقة فللمشتري الأرش وهو نسبة ما بين قيمته مستحقا للقتل
وغير مستحق من الثمن، وكذا لو قطع في قصاص أو سرقة فله أرش ما بين كونه
مستحقا وغير مستحق للقطع.
ب: لو حملت من السحق فوطئها المشتري بكرا فالأقرب أن عليه عشر قيمتها
ويحتمل نصف العشر وعدم الرد، وكذا الإشكال في وطء الدبر ونصف العشر فيه
أقرب.
ج: لو كان المبيع غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرف فالأقرب أن
للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة، ولو كانت حاملا فولدت عنده ثم
ردها رد الولد.
د: لو كان كاتبا أو صانعا فنسيه عند المشتري لم يكن له الرد بالسابق.
539

ه‍: لو باع المعيب سقط رده وإن عاد إليه بالعيب، ولا يسقط الأرش وإن
خرج عن ملكه، وكذا لو مات أو أعتقه أو وقفه والأرش بعد العتق له.
و: لو باع الجاني خطأ ضمن أقل الأمرين على رأي والأرش على رأي وصح
البيع إن كان موسرا وإلا تخير المجني عليه، ولو كان عمدا وقف على إجازة المجني
عليه ويضمن الأقل من الأرش والقيمة لا الثمن معها وللمشتري الفسخ مع الجهل
فيرجع بالثمن أو الأرش، فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضا وإلا
فقدر الأرش ولا يرجع لو كان عالما وله أن يفديه كالمالك ولا يرجع به، ولو اقتص
منه فلا رد وله الأرش وهو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا وغير جان من الثمن.
ز: لو باعه من ينعتق عليه ولما يعلم عتق عليه ولا شئ له، ولو اشترى
زوجته بطل النكاح، ولو ظهر تحريم الجارية مؤبدا عليه فلا فسخ ولا أرش، وإن
نقص انتفاعه لبقاء القيمة محفوظة بالنسبة إلى غيره.
المطلب الثالث: في التدليس:
التدليس بما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار وهو الفسخ والإمضاء مع
عدم التصرف ومعه لا شئ، ولا أرش إذا لم يكن عيبا وذلك كتحمير الوجه
ووصل الشعر وأشباه ذلك، والتصرية في الشاة تدليس لا عيب ويرد معها مثل
اللبن الموجود حال البيع دون المتجدد على إشكال مع فقده، ولو زال وصفه حتى
الطراوة فالأرش فإن تعذر فالقيمة السوقية، ولا يثبت الرد مع التصرف إلا هنا وفي
الجارية الحامل مع الوطء، والأقرب ثبوت التصرية في البقرة والناقة، أما الأتان
والأمة مع الإطلاق فلا، ولو تحفلت الشاة بنفسها فالأقرب سقوط الخيار.
وتختبر التصرية بثلاثة أيام فإن زالت التصرية قبل انقضائها فلا خيار ويثبت
لو زالت بعدها، ولو كان المشتري عالما بالتصرية فلا خيار له، ولو علم بالتصرية
قبل الثلاثة تخير على الفور، ولو رضي بالتصرية ثم ظهر على آخر فإن كان حلبها
540

فلا رد وإلا فله ذلك، ولو شرط كثرة اللبن في الأمة والفرس والأتان فظهر
الخلاف فله الفسخ.
أما لو أشبع الشاة فامتلأت خواصرها فظنها المشتري حبلى، أو سود أنامل
العبد أو ثوبه وظنه كاتبا أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا
خيار لأنه لا يتعين في الجهة التي يظنها، ولو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة
فلا شئ له، وكذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس.
المطلب الرابع: في اللواحق:
لو ادعى البائع التبري من العيوب قدم قول المشتري مع اليمين وعدم البينة،
ويقدم قول البائع مع اليمين وعدم البينة وشهادة الحال لو ادعى المشتري سبق
العيب، والخيار ليس على الفور فلا يسقط إلا بالإسقاط ولو علم بالعيب وتطاول
زمان السكوت. ولا يفتقر في الفسخ إلى حضور الغريم ولا الحاكم، ويتخير
المشتري بين الرد والأرش لو تجدد العيب قبل القبض وبعد العقد على رأي، ولو
قبض البعض وحدث في الباقي عيب فله الأرش أو رد الجميع دون المعيب على
إشكال، وكل عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع
الرد في الثلاثة.
وترد الجارية والعبد من الجنون والجذام والبرص وإن تجددت ما بين العقد
والسنة، وإن كان بعد القبض ما لم يتصرف المشتري، فإن تصرف وتجدد أحد هذه
على رأس السنة فله الأرش، ولو زاد المبيع ثم علم بالعيب السابق فله الرد والزيادة
المنفصلة له والمتصلة للبائع، ولو باع الوكيل فالمشتري يرد بالعيب على الموكل ولا
يقبل إقراره على موكله في تصديق المشتري على تقدم العيب مع إمكان حدوثه، فإن
رده المشتري على الوكيل لجهله بالوكالة لم يملك الوكيل رده على الموكل لبراءته باليمين،
541

ولو أنكر الوكيل حلف فإن نكل فرد عليه احتمل عدم رده على الموكل لإجرائه مجرى
الإقرار وثبوته لرجوعه قهرا كالبينة.
ولو اشترى بشرط البكارة فادعى الثيوبة حكم بشهادة أربع من النساء
الثقات، ولو رد المشتري السلعة لعيب فأنكر البائع أنها سلعته قدم قوله مع اليمين،
ولو ردها بخيار فأنكر البائع أنها سلعته احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع
اليمين لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بخلاف العيب.
ولو كان المبيع حليا من أخذ النقدين بمساويه جنسا وقدرا فوجد المشتري عيبا
قديما وتجدد عنده آخر لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ولا مع الأرش، ولا يجب
الصبر على المعيب مجانا فالطريق الفسخ وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيبا
بالقديم سليما عن الجديد ويحتمل الفسخ مع رضا البائع، ويرد المشتري العين
وأرشها ولا ربا، فإن الحلي في مقابلة الثمن والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ
للسوم.
المقصد السادس: في أحكام العقد: وفيه فصول:
الأول: ما يندرج في المبيع:
وضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا والألفاظ ستة:
الأول: الأرض، وفي معناها البقعة والعرصة والساحة ولا يندرج فيها
الأشجار ولا البناء ولا الزرع ولا أصل البقل ولا البذر وإن كان كامنا، ولا
يمنع صحة بيع الأرض لكن للمشتري مع الجهل الخيار بين الفسخ والإمضاء مجانا
ولو قال: بحقوقها، أما لو قال: وما أغلق عليه بابه أو ما هو فيه أو ما اشتملت عليه
حدوده، دخل الجميع وتدخل لو لم يقل: في ضمان المشتري ويده بالتسليم إليه،
وإن تعذر انتفاعه.
والأحجار إن كانت مخلوقة أو مدرجة في البناء دخلت وإن كانت مدفونة لم
542

يدخل، فإن كان المشتري عالما فلا خيار له وله إجبار البائع على القلع ولا أجرة له
عن مدة القلع وإن طالت، وعلى البائع تسوية الحفر وإن كان جاهلا تخير في
الفسخ والإمضاء، والأقرب عدم ثبوت الأجرة عن مدة القلع أو مدة بقاء الزرع
لأنها مستثناة كمدة نقل المتاع وله أرش التعيب مع التحويل، ولو ترك البائع
الحجارة للمشتري ولم يكن بقاؤها مضرا سقط خيار المشتري، ولا يملكها المشتري
بمجرد الإعراض بل لا بد من عقد.
الثاني: البستان والباع، ويدخل فيه الشجر والأرض والحيطان، وفي دخول
البناء إشكال أقربه عدم الدخول، ويدخل فيه العريش الذي يوضع عليه القضبان
على إشكال ويدخل المجاز والشرب على إشكال.
الثالث: الدار، ويدخل فيه الأرض والبناء على اختلافه حتى الحمام المعدود
من مرافقها والأعلى والأسفل إلا أن تشهد العادة باستقلال الأعلى، والمثبت سواء
عد من أجزاء الدار كالسقوف والأبواب المنصوبة والحلق والمغاليق أو لا، بل
أثبت للارتفاق كالسلم المثبت والرفوف المثبتة والأوتاد المغروزة دون الرحى المثبت
والدنان والإجانات المثبتة وخشبة القصارين والخوابي المدفونة والكنوز المذخورة
والأحجار المدفونة، ولا ما ليس بمتصل كالفرس والستور والرفوف الموضوعة على
الأوتاد من غير سمر والحبل والدلو والبكرة والقفل إلا المفاتيح فإنها تدخل، وفي
ألواح الدكاكين إشكال من حيث إنها تنقل وتحول فصارت كالفرش ومن حيث
أنها أبواب ويدخل فيه المجاز، ولو قال: بحقوقها، وتعدد دخل الجميع ولو لم يقل
فإشكال، فإن قلنا: بدخول الجميع، فلا بحث وإلا وجب التعيين.
الرابع: القرية والدسكرة، وتدخل فيها الأبنية والساحات التي تحيط بها
البيوت والطرق المسلوكة فيها، وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال أقربه
عدم الدخول، ولا يدخل المزارع حول القرية وإن قال بحقوقها، إلا مع القرينة
كالمساومة عليها وعلى مزارعها بثمن ويشتريها به أو يبذل ثمنا لا يصلح إلا للجميع.
543

الخامس: الشجر، ويندرج تحته الأغصان الرطبة والأوراق والعروق دون
الفراخ، ولو تجددت فلمالك الأرض الإزالة عند صلاحية الأخذ ويستحق الإبقاء
مغروسا لا المغرس، فلو انقلعت سقط حقه، ولو اشترى الشجرة بحقوقها لم يستحق
الأرض أيضا بل الإبقاء، وليس له الإبقاء في المغرس ميتة إلا أن تستخلف عوضا
من فراخها المشترطة، ولا يندرج الثمرة المؤبرة فيها إلا أن يشترطه المشتري سواء
أبرها البائع أو تشققت من نفسها فأبرتها اللواقح، وعلى المشتري التبقية إلى بلوع
الصلاح مجانا، ويرجع في الصلاح إلى العادة فما يؤخذ بسرا إذا تناهت حلاوته،
وما يؤخذ رطبا إذا تناهى ترطيبه وما يؤخذ تمرا إذا نشف نشافا تاما، وكذا لو
اشترى ثمرة كان له إبقاؤها ولو لم تكن مؤبرا دخل بشرطين:
الأول: أن يكون من النخل، فلو اشترى شجرة غير النخل وقد ظهرت ثمرتها
لم تدخل سواء كانت في كمام وقد تفتح عنها أو لم يكن قد تفتح أو كانت بارزة.
الثاني: الانتقال بالبيع، فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض أو غيره أو
هبة بعوض أو غيره أو إجارة أو صداق أو غير ذلك، لم تدخل.
فروع:
أ: إذا ظهرت الثمرة بعد البيع فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد
إلا أن يشترطها البائع.
ب: لو كان المقصود من الشجر الورد، فإن كان موجودا حال العقد فهو للبائع
وإن لم يكن تفتح.
ج: إنما يعتبر التأبير في الإناث من النخل لأن التأبير هو شق أكمة النخل
الإناث وذر طلع الفحل فيها، فحينئذ لا شئ للمشتري في طلع الفحول إن كان
موجودا حال البيع.
د: لو أبر البعض فثمرته للبائع وثمرة غير المؤبر للمشتري سواء اتحد النوع أو
اختلف وسواء اتحد البستان أو تعدد، أما لو كان بعض طلع النخلة مؤبرا وبعضه
544

غير مؤبر احتمل دخول غير المؤبر خاصة وعدم الدخول مطلقا لعسر التمييز.
ه‍: لا يدخل الغصن اليابس ولا السعف اليابس على إشكال وفي ورق
التوت نظر.
و: لو خيف على الأصول مع تبقية الثمرة ضرر يسير لم يجب القطع ولو خيف
ضرر كثير فالأقرب جواز القطع وفي دفع الأرش نظر.
ز: لو كانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع فلو تجددت أخرى فهي للمشتري، فإن
لم يتميزا فهما شريكان، فإن لم يعلما قدر ما لكل واحد منهما اصطلحا ولا فسخ
لإمكان التسليم، وكذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض وله
الفسخ.
ح: لو باع أرضا وفيها زرع فهو للبائع سواء ظهر أو لا، إلا أن يشترطه المشتري
فيصح ظهر أو لا، ولا تضر الجهالة لأنه تابع وللبائع التبقية إلى حين الحصاد
مجانا، فلو قلعه قبله ليزرع غيره لم يكن له ذلك وإن قصرت مدة الثاني عن إدراك
الأول، وعلى البائع قلع العرق إذا كان مضرا كعرق القطن والذرة والتسوية،
ولو كان للزرع أصل نابت يجز مرة بعد أخرى فعليه تفريغ الأرض منه بعد الجزة
الأولى على إشكال أقربه الصبر حتى يستقلع، والأقرب عدم دخول المعادن في البيع،
ولو لم يعلم بها البائع تخير إن قلنا به.
ط: يدخل في الأرض البئر والعين ومائهما.
ي: لو استثنى نخلة كان له الممر إليها والمخرج ومدى جرائدها من الأرض،
فلو انقلعت لم يكن له غرس أخرى إلا أن يستثني الأرض، وكذا لو باع أرضا وفيها
نخل أو شجر.
السادس: العبد، ولا يتناول ما له الذي ملكه مولاه إلا
أن يستثنيه المشتري إن قلنا أن العبد يملك وينتقل إلى المشتري مع العبد، وكان جعله للمشتري إبقاء
له على العبد فيجوز أن يكون مجهولا وغائبا، أما إذا أحلنا تملكه وباعه وما معه
545

صار جزء من المبيع فيعتبر فيه شرائط البيع. وهل تدخل الثياب التي عليه أقربه
دخول ما يقتضي العرف دخوله معه.
الفصل الثاني: في التسليم: وفيه مطلبان:
الأول: في حقيقته:
وهو التخلية مطلقا على رأي وفيما لا ينقل ولا يحول كالأراضي والأبنية
والأشجار والنقل في المنقول والكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن على رأي، فحينئذ
لو اشترى مكايلة وباع مكايلة لا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض، ويتم
القبض بتسليم البائع له وغيره وله أن يتولى القبض لنفسه كما يتولى الوالد الطرفين
فيقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده.
ويجب التسليم مفرغا فلو كان في الدار متاع وجب نقله ولو كان في الأرض
زرع قد بلغ وجب نقله، وكذا يجب نقل المضر كالذرة والحجارة المدفونة
المضرة، وعلى البائع تسوية الأرض ولو احتاجت إلى هدم شئ هدم، وعلى البائع
الأرش، ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده باختيار البائع وبغير اختياره.
وأجره الكيال ووزان المتاع وعاده وبائع الأمتعة على البائع، وأجرة ناقد
الثمن ووزانه ومشتري الأمتعة وناقلها على المشتري، ولا أجرة للمتبرع وإن أجاز
المالك، ولا يتولاهما الواحد بل له أجرة ما يبيعه على الآمر بالبيع وما يشتريه على
الآمر بالشراء، ولو هلك المتاع في يد الدلال من غير تفريط فلا ضمان ويضمن لو
فرط، ويقدم قوله مع اليمين وعدم البينة في عدم التفريط وفي القيمة لو ثبت بالإقرار
أو البينة.
المطلب الثاني: في حكمه ووجوبه:
حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف مطلقا على
546

رأي للنهي عن بيع ما لم يقبض خصوصا الطعام والأقوى الكراهية، وله بيع
ما انتقل إليه بغير بيع قبل قبضه كالميراث والصداق وعوض الخلع، ولو أحال من له
عليه الطعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم فالأقوى الكراهية، وعلى
التحريم يبطل لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه، وكذا لو دفع إليه
مالا وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ولا يتعين له بالقبض.
أما لو قال: اشتر به طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك، صح الشراء. وفي
القبض قولان، ولو كان المالان أو المحال به قرضا صح، وكذا يصح بيعه على من هو
عليه، ولمالك الوديعة والقراض ومال الشركة البيع في يد المستودع والعامل
والشريك، وكذا كل أمانة هي في يد الغير كالمرتهن والوكيل، ولو باع ما ورثه
صح إلا أن يكون الميت قد اشتراه ولم يقبضه فخلاف، وكذا الإشكال في
الإصداق وشبهه.
ولو قبض أحد المتبايعين فباع ما قبضه ثم تلفت الأخرى قبل القبض بطل
الأول وعلى البائع الثاني قيمة ما باعه، والإطلاق يقتضي تسليم الثمن والمثمن فإن
امتنعا أجبرا ويجبر أحدهما لو امتنع سواء كان الثمن عينا أو دينا، ولو اشترط
أحدهما تأخير ما عليه صح، وكذا يصح لو اشترط البائع سكنى الدار سنة أو
الركوب مدة، وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من ضمان البائع وينفسخ العقد.
وإتلاف المشتري قبض وإتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على الأقوى،
نعم يثبت للمشتري الخيار، وإتلاف البائع كإتلاف الأجنبي على الأقوى، ولو
تعيب بجناية أجنبي فللمشتري الفسخ ومطالبة الجاني بالأرش والأقوى أن جناية
البائع كذلك، ولو كان بآفة سماوية فللمشتري الخيار بين الرد والأرش على
إشكال، ولو تلف أحد العبدين انفسخ البيع فيه وسقط القسط من الثمن وكذا
كل جملة تلف بعضها وله قسط من الثمن، ولو لم يكن له قسط من الثمن كقطع
يد العبد فللمشتري الرد وفي الأرش نظر والسقف من الدار كأحد العبدين لا
547

كالوصف.
ولو اشترى بدينار فدفعه فزاد زيادة لا تكون إلا غلطا أو تعمدا فالزيادة في يد
البائع أمانة وهي للمشتري في الدينار مشاعة، ولو ادعى المشتري النقصان قدم
قوله مع اليمين وعدم البينة إن لم يكن حضر الكيل أو الوزن، وإلا فالقول قول البائع
مع يمينه بخلاف ما لو ادعى إقباض الجميع، ولو أسلفه طعاما بالعراق لم يجب الدفع
في غيره، فإن طالبه بالقيمة لم يجز على رأي لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان
قرضا جاز أخذ السعر بالعراق ولو كان غصبا فله المثل حيث كان، فإن تعذر
فالقيمة الحاضرة عند الإعواز.
فروع:
أ: النماء قبل القبض إذا تجدد بعد العقد للمشتري، فإن تلف الأصل قبل
القبض بطل البيع ولا ثمن على المشتري وله النماء، فإن تلف النماء من غير تفريط
لم يضمن البائع.
ب: لو امتزج المبيع بغيره قبل القبض تخير المشتري بين الفسخ والشركة.
ج: لو غصب قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم يتخير المشتري وإلا
تخير، وفي لزوم البائع بالأجرة عن مدة الغصب نظر، ولو منعه البائع عن التسليم ثم
سلم فعليه أجرة مدة المنع.
الفصل الثالث: في الشرط:
عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه وهي: إما أن يقتضيها العقد كالتسليم
وخيار المجلس والتقابض وخيار الحيوان فوجود هذه الشروط كعدمه، (وأما أن
لا يقتضيها العقد): فإما أن يتعلق بمصلحة المتعاقدين كالأجل والخيار والرهن
والضمين والشهادة، وصفة مقصودة في السلعة كالصياغة والكتابة وهو جائز
548

إجماعا، وإما أن لا يتعلق:
فأما أن لا ينافي مقتضى العقد كاشتراط منفعة البائع كخياطة الثوب أو
صياغة الفضة، أو اشتراط عقد في عقد كأن يبيعه بشرط أن يشترى منه أو يبيعه
شيئا آخر أو يزوجه أو يسلفه أو يقرضه أو يستقرض منه أو يؤجره أو يستأجره، أو
يشترط ما بني على التغليب والسراية كشرط عتق العبد فهذه الشروط كلها سائغة.
وإما أن ينافي مقتضى العقد كما لو شرط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو لا يطأ أو
لا يهب أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن أو أن يعتقه والولاء للبائع فهذه
الشروط باطلة، والضابط أن كل ما ينافي المشروع أو يؤدى إلى جهالة الثمن أو
المثمن فإنه باطل والأقوى بطلان البيع أيضا.
ويجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع
سنبلا والبسر تمرا، ولو شرط التبقية صح ولو شرط الكتابة أو التدبير صح، ولو
شرط أن لا خسارة لم يصح.
فروع:
أ: لو شرط أجلا يعلمان عدمهما قبله، كما لو شرط تأخير الثمن ألف سنة أو
الانتفاع بالمبيع ذلك فالأقرب الصحة على إشكال، ولو شرطا أجلا مجهولا بطل
البيع لاشتماله على جهالة في أحد العوضين.
ب: الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط إما بالوصف أو المشاهدة، وتعيين
الكفيل إما بالاسم والنسب أو المشاهدة أو الوصف كرجل موسر ثقة، ولا يفتقر
إلى تعيين الشهود بل الضابط العدالة، فلو عينهم فالأقرب تعينهم. وهل يشترط مغايرة الرهن للمبيع؟ نظر نعم يشترط
المغايرة في البيع، فلو قال: بعتك هذا بشرط أن تبيعني إياه لم يصح ولو شرط
أن يبيع فلانا صح، ولو أخل المشتري بالرهن أو
الكفيل تخير البائع فإن أجاز فلا خيار للمشتري، ولو امتنع الشاهدان اللذان عينا
549

من التحمل تخير البائع أيضا، ولو هلك الرهن أو تعيب قبل القبض أو وجد به عيبا
قديما تخير البائع أيضا، ولو تعيب بعد القبض فلا خيار.
ج: لو باعه العبد بشرط العتق مطلقا أو عن المشتري صح، والأقرب أنه حق
للبائع لا لله تعالى فله المطالبة به، ولو امتنع المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء
لا إجبار المشتري، فإن تعيب أو أحبلها المشتري أعتق وأجزأه لبقاء الرق وإن
استغله أو أخذ من كسبه فهو له، ولو مات أو تعيب بما يوجب العتق رجع البائع بما
نقصه شرط العتق، فيقال: كم قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق؟ فيرجع بالنسبة
من الثمن، وله الفسخ فيطالب بالقيمة وفي اعتبارها إشكال. وفي التنكيل
إشكال، ولو باعه أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء، وإذا أعتق
المشتري فالولاء له فلو شرطه البائع لم يصح.
د: لو شرط أن الأمة حامل أو الدابة كذلك صح، أما لو باع الدابة وحملها أو
الجارية وحبلها بطل لأنه كما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزءا من المقصود ويصح
تابعا.
ه‍: لو باعه متساوي الأجزاء على أنه قدر معين فزاد فالزيادة للبائع ولا خيار
للمشتري، ولو نقص تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن،
ولو كان مختلف الأجزاء فنقص تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من
الثمن على رأي.
ولو كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لم يكن للمشتري الأخذ منها على
رأي، ولو زاد احتمل البطلان والصحة، فالزيادة للبائع وله جملة الثمن ويتخير
المشتري حينئذ للعيب بالشركة، فإن دفع البائع الجميع سقط خياره، والأقرب أن
للبائع الخيار في طرف الزيادة بين الفسخ والإمضاء في الجميع في متساوي الأجزاء
ومختلفها، وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء بالجميع.
ولو باعه عشرة أذرع من هنا إلى هناك صح ولو قال: من هاهنا إلى حيث
550

ينتهي الذراع، لم يصح لعدم العلم بالمنتهى، ولو قال: بعتك نصيبي من هذه الدار،
ولا يعلمانه أو: بعتك نصف داري مما يلي دارك، لم يصح لعدم العلم بالمنتهى.
و: كل شرط يقتضي تجهيل أحد العوضين فإن البيع يبطل به وما لا يقتضيه
لكنه فاسد فإن الأقوى بطلان البيع، ولا يحصل به الملك للمشتري سواء اتصل به
قبض أو لا، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة أو غيرهما، وعليه رده مع
نمائه المتصل والمنفصل وأجرة مثله وأرش نقصه وقيمته لو تلف يوم تلفه ويحتمل
أعلى القيم، ولو وطئها لم يحد وعليه المهر وأرش البكارة، والولد حر وعلى أبيه
قيمته يوم سقط حيا ولا شئ لو سقط ميتا وأرش ما نقص بالولادة.
ولو باع المشتري فاسدا لم يصح ولمالكه أخذه من الثاني ويرجع على الأول
بالثمن مع جهله، فإن تلف في يد الثاني تخير البائع في الرجوع، فإن زادت القيمة
على الثمن ورجع المالك على الثاني لم يرجع بالفضل على الأول لاستقرار التلف في
يده، وإن رجع على الأول رجع بالفضل على الثاني، ولو زاد في يد المشتري الأول
ثم نقص في يده إلى ما كان احتمل رجوع المالك عليه بتلك الزيادة لأنها زيادة في
عين مضمونة وعدمه، لدخوله على انتفاء العوض في مقابلة الزيادة، فحينئذ إن
تلفت بتفريطه ضمن وإلا فلا، ولو أتلف البائع فاسدا الثمن ثم أفلس رجع في
العين والمشتري أسوة الغرماء.
ز: لو قال: بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة، فباعه بهذا الشرط
بطل لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري، فليس له أن يملك العين والثمن على غيره
بخلاف: أعتق عبدك وعلي خمسمائة أو طلق امرأتك وعلي مائة، لأنه عوض في
مقابلة فك، ولو كان على وجه الضمان صح البيع والشرط.
ح: يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد كبيع وسلف أو إجارة
وبيع أو نكاح وبيع وإجارة، ويقسط العوض على قيمة المبيع وإجارة المثل ومهر
المثل من غير حصر على إشكال، ولو كان أحد الأعواض مؤجلا قسط عليه كذلك،
551

ويجوز بيع السمن بظروفه وأن يقول: بعتك هذا الزيت بظروفه كل رطل بدرهم.
الفصل الرابع: في الاختلاف:
إطلاق العقد يقتضي نقد البلد، فإن تعدد فالغالب فإن تساوت النقود افتقر
إلى التعيين لفظا فإن أبهماه بطل، وكذا الوزن. ولو اختلفا في قدر ما عيناه أو
وصفه بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ولا بينة فالقول قول البائع مع يمينه إن كانت
السلعة قائمة، وقيل: إن كانت في يده، وقول المشتري مع يمينه إن كانت تالفة،
وقيل: إن كانت في يده، ويحتمل تقديم قول المشتري لأنه منكر ويحتمل التحالف
وبطلان البيع، فيحتمل استحباب تقديم البائع في الإحلاف لعود الملك إليه فجانبه
أقوى، والمشتري لأنه ينكر الزيادة والتساوي، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه،
فإن البائع يدعي الزيادة وينكر تملك المبيع بدونها والمشتري بالعكس، فيقرع ثم
يحتمل أن يحلف كل منهما يمينا واحدة جامعة بين النفي والإثبات، فيقول البائع:
ما بعت بعشرة بل بعشرين، ويقول المشتري: ما اشتريت بعشرين بل بعشرة، أو يمينا
على النفي.
فإن نكل أحدهما بعد يمين صاحبه الجامعة بين النفي والإثبات قضي عليه،
وبعد المنفردة بالنفي يعاد عليه يمين الإثبات، فإن نكل فهو كما لو تحالفا لأن نكول
المردود عليه عن يمين الرد كحلف صاحبه.
ولو كان المبيع تالفا وجبت القيمة عند التحالف يوم التلف ويحتمل يوم
القبض، ولو تلف بعضه أو تعيب أو كاتبه المشتري أو رهنه أو أبق أو آجره رجع
بقيمة التالف وأرش العيب وقيمة المكاتب والمرهون والآبق والمستأجر، وللبائع
استرجاع المستأجر لكنه يترك عند المستأجر مدة الأجرة والأجرة المسماة للمشتري
وعليه أجرة المثل للبائع، ولو زالت الموانع بأن عاد الآبق أو فك الرهن أو بطلت
الكتابة بعد دفع القيمة، فالأقرب عود ملك البائع إلى العين فيسترد المشتري القيمة
552

والنماء المنفصل للمشتري على إشكال.
ولو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله أو في قدر الأجل أو في اشتراط رهن من
البائع على الدرك أو ضمين عنه أو في المبيع، فقال: بعتك ثوبا، فقال: بل ثوبين،
ولا بينة قدم قول البائع مع اليمين، ولو قال: بعتك العبد بمائة، فقال: بل الجارية،
تحالفا وبطل البيع، ولو قال: بعتك بعبد، فقال: بل بحر، أو قال: فسخت قبل
التفرق، وأنكر الآخر قدم قول مدعي الصحة مع اليمين، واختلاف الورثة
كالمتعاقدين.
فروع:
أ: لو قلنا: بالتحالف عند التخالف، فاختلفا في قيمة السلعة التالفة رجعا
إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة قدم قول المشتري مع يمينه.
ب: لو تقايلا المبيع أو رد بعيب بعد قبض الثمن ثم اختلفا في قدر الثمن،
قدم قول البائع مع يمينه لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد الفسخ.
ج: لو قال: بعتك وأنا صبي، احتمل تقديم قول مدعي الصحة مع يمينه
وتقديم قول البائع لأصالة البقاء، ولو قال: كنت مجنونا، ولم يعلم له سبقه قدم
قول المشتري مع يمينه وإلا فكالصبي.
د: لو قال: وهبت مني، فقال: بل بعته بألف، احتمل أن يحلف كل
منهما على نفي ما يدعيه الآخر ويرد إلى المالك، وتقديم قول مدعي الهبة مع اليمين.
ه‍: لو قال البائع: رددت بالعيب المؤجل ثمنه، فقال: بل المعجل مع اتفاق
الثمنين جنسا وقدرا، فالقول قول البائع مع اليمين ومع اختلافهما يتحالفان ويبطل
البيع.
553

خاتمة:
الإقالة فسخ لا بيع في حق المتعاقدين وغيرهما، وشرطها عدم الزيادة
والنقصان في الثمن، فتبطل بدونه ويرجع كل عوض إلى مالكه إن كان موجودا
ومثله أو قيمته على التفصيل مع عدمه، ولا يثبت بها شفعة ولا يسقط أجرة الدلال
بها على البيع ويصح في الكل والبعض والسلم وغيره، ولو اختلفا في قيمة التالف
فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.
554

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
555

كتاب المتاجر
وفيه فصول:
الأول:
ينقسم موضوع التجارة إلى محرم ومكروه ومباح:
فالمحرم: الأعيان النجسة، كالخمر والنبيذ والفقاع والمائع النجس غير القابل
للطهارة إلا الدهن للضوء تحت السماء، والميتة والدم وأرواث وأبوال غير المأكول والخنزير
والكلب إلا كلب الصيد والماشية والزرع والحائط وآلات اللهو والصنم والصليب وآلات
القمار كالنرد والشطرنج والبقيري وبيع السلاح لأعداء الدين وإجارة المساكن والحمولة
للمحرم وبيع العنب والتمر ليعمل مسكرا والخشب ليعمل صنما ويكره بيعه لمن يعمله و
يحرم عمل الصور والمجسمة والغناء ومعونة الظالمين بالظلم والنوح بالباطل وهجاء
المؤمنين والغيبة وحفظ كتب الضلال ونسخها ودرسها لغير نقض أو الحجة أو التقية وتعلم
السحر والكهانة والقيافة والشعبذة وتعليمها والقمار والغش الخفي وتدليس الماشطة
وتزيين كل من الرجل والمرأة بما يحرم عليه والأجرة على تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم
والصلاة عليهم والأجرة على الأفعال الخالية من غرض حكمي كالعبث والأجرة على
الزنى ورشا القاضي والأجرة على الأذان والإمامة والقضاء ويجوز الرزق من بيت المال
والأجرة على تعليم الواجب من التكاليف.
وأما المكروه: فكالصرف وبيع الأكفان والرقيق واحتكار الطعام والذباحة
والنساجة والحجامة وضراب الفحل وكسب الصبيان ومن لا يجتنب المحرم.
557

والمباح: ما خلا عن وجه رجحان.
ثم التجارة تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة.
الفصل الثاني: في عقد البيع وآدابه:
وهو الإيجاب والقبول الدالان على نقل الملك بعوض معلوم فلا تكفي المعاطاة، نعم
يباح التصرف ويجوز الرجوع مع بقاء العين، ويشترط وقوعهما بلفظ الماضي: كبعت
واشتريت وملكت، ويكفي الإشارة مع العجز ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول
وإن كان أحسن.
ويشترط في المتعاقدين الكمال والاختيار إلا أن يرضى المكره بعد زوال الكراهة
والقصد، فلو أوقعه الغافل أو النائم أو الهازل لغا، ويشترط في اللزوم الملك أو إجازة
المالك وهي كاشفة عن صحة العقد، فالنماء المتخلل للمشتري ونماء الثمن المعين للبائع.
ولا يكفي في الإجازة السكوت عند العقد أو عند عرضها عليه ويكفي: أجزت أو
أنفذت أو أمضيت أو رضيت وشبهه، فإن لم يجز انتزعه من المشتري، ولو تصرف فيه
بماله أجرة رجع بها عليه، ولو نما كان لمالكه ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان
باقيا عالما كان أو جاهلا، وإن تلف قيل: لا رجوع مع العلم، وهو بعيد مع توقع
الإجازة. ويرجع بما اغترم إن كان جاهلا.
ولو باع غير المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صح في ملكه وتخير المشتري مع جهله، فإن
رضي صح في المملوك بحصته من الثمن بعد تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما، وكذا لو
باع ما يملك وما لا يملك كالعبد مع الحر والخنزير مع الشاة، وتقويم الحر لو كان عبدا،
والخنزير عند مستحليه.
وكما يصح العقد من المالك يصح من القائم مقامه وهم ستة: الأب والجد والوصي
والوكيل والحاكم وأمينه، وبحكم الحاكم المقاص. ويجوز للجميع تولي طرفي العقد إلا
الوكيل والمقاص ولو استأذن الوكيل جاز، ويشترط كون المشتري مسلما إذا ابتاع
مصحفا أو مسلما إلا في من ينعتق عليه.
558

وهنا مسائل:
يشترط كون البيع مما يملكه، فلا يصح بيع الحر وما لا نفع فيه غالبا كالحشرات
وفضلات الانسان إلا لبن المرأة والمباحات قبل الحيازة، ولا الأرض المفتوحة عنوة إلا
تبعا لآثار المتصرف، والأقرب عدم جواز بيع رباع مكة زادها الله شرفا لنقل الشيخ في
الخلاف الاجماع إن قلنا: إنها فتحت عنوة.
الثانية: يشترط أن يكون مقدورا على تسليمه، فلو باع الحمام الطائر لم يصح إلا أن
تقضي العادة بعوده، ولو باع الآبق صح مع الضميمة، فإن وجده وإلا كان الثمن بإزاء
الضميمة، ولا خيار للمشتري مع العلم بإباقه، ولو قدر المشتري على تحصيله فالأقرب
عدم اشتراط الضميمة وعدم لحوق أحكامها لو ضم.
أما الضال والمجحود فيصح البيع ويراعى بإمكان التسليم فإن تعذر فسخ المشتري إن
شاء، وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال ولعله الأقرب وحينئذ
يجوز أن يكون أحدهما ثمنا والآخر مثمنا مع الضميمتين، ولا يكفي ضم آبق آخر إليه
ولو تعددت العبيد كفت ضميمة واحدة.
الثالثة: يشترط أن يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف ولو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف
بين أربابه فالمشهور الجواز، ولا بيع المستولدة ما دام الولد حيا إلا في ثمانية مواضع:
أحدها في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها سواء كان حيا أو ميتا وثانيها إذا جنت على غير
المولى وثالثها إذا عجز عن نفقتها ورابعها إذا مات قريبها ولا وارث له سواها وخامسها
إذا كان علوقها بعد الارتهان وسادسها إذا كان علوقها بعد الإفلاس وسابعها إذا مات
مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمنا لها وثامنها بيعها على من
ينعتق عليه فإنه في قوة العتق، وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر أقربه الجواز.
الرابعة: لو جنى العبد خطأ لم يمنع من بيعه، ولو جنى عمدا فالأقرب أنه موقوف على
رضي المجني عليه أو وليه.
الخامسة: يشترط علم الثمن قدرا وجنسا ووصفا، فلا يصح البيع بحكم أحد
المتعاقدين أو أجنبي ولا بثمن مجهول القدر وإن شوهد ولا مجهول الصفة ولا مجهول
559

الجنس وإن علم قدره، فإن قبض المشتري المبيع والحالة هذه كان مضمونا عليه إن
تلف.
السادسة: إذا كان العوضان من المكيل والموزون أو المعدود فلا بد من اعتبارهما
بالمعتاد، ولو باع المعدود وزنا صح، ولو باع الموزون كيلا أو بالعكس أمكن الصحة
فيهما وتحتمل صحة العكس لا الطرد لأن الوزن أصل الكيل، ولو شق العد اعتبر مكيال
ونسب الباقي إليه.
السابعة: يجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا تساوت أجزاؤه أو اختلفت إذا كان
الأصل معلوما، فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة والشياه المعلومة، ولو باع شاة غير
معلومة من قطيع بطل، ولو باع قفيزا من صبرة صح، وإن لم يعلم كمية الصبرة فإن
نقصت تخير المشتري بين الأخذ بالحصة وبين الفسخ.
الثامنة: تكفي المشاهدة عن الوصف، ولو غاب وقت الابتياع فإن ظهر المخالفة تخير
المغبون ولو اختلفا في التغيير قدم قول المشتري بيمينه.
التاسعة: يعتبر ما يراد طعمه وريحه ولو اشتراه بناء على الأصل جاز فإن خرج معيبا
تخير المشتري بين الرد والأرش، ويتعين الأرش لو تصرف فيه، وإن كان أعمى وأبلغ
في الجواز ما يفسد باختباره كالبطيخ والجوز والبيض فإن ظهر فاسدا رجع بأرشه، ولو لم
يكن لمكسوره قيمة رجع بالثمن. وهل يكون العقد مفسوخا من أصله أو يطرأ عليه
الفسخ؟ نظر، فالفائدة في مؤونة نقله عن الموضع.
العاشرة: يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق وفتقه بأن يدخل فيه خيط ويشم
أحوط.
الحادية عشرة: لا يجوز بيع سمك الآجام مع ضميمة القصب أو غيره، ولا اللبن في
الضرع كذلك، ولا الجلود والأصواف على الأنعام إلا أن يكون الصوف مستجزا أو
يشترط جزه فالأقرب الصحة.
الثانية عشرة: يجوز بيع دود القز ونفس القز وإن كان الدود فيه لأنه كالنوى في
التمر.
560

الثالثة عشرة: إذا كان المبيع في ظرف أسقط ما جرت العادة به للظرف، ولو باعه مع
الظرف فالأقرب الجواز.
القول في الآداب:
وهي أربعة وعشرون:
أ: النفقة فيما يتولاه ويكفي التقليد.
ب: التسوية بين المعاملين في الانصاف.
ج: إقالة النادم إذا تفرقا من المجلس أو شرط عدم الخيار، وهل تشرع الإقالة في
زمان الخيار؟ الأقرب نعم. ولا يكاد تتحقق الفائدة إلا إذا قلنا: هي بيع، أو قلنا: إن
الإقالة من ذي الخيار اسقاط الخيار. ويحتمل سقوط خياره بنفس طلبها مع علمه
بالحكم.
د: عدم تزيين المتاع.
ه‍: ذكر العيب إن كان.
و: ترك الحلف على المبيع والشرى.
ز: المسامحة فيهما وخصوصا في شراء آلات الطاعات.
ح: تكبير المشتري وتشهده الشهادتين بعد الشراء.
ط: أن يقبض ناقصا ويدفع راجحا نقصانا ورجحانا لا يؤدى إلى الجهالة.
ي: أن لا يمدح سلعته ولا يذم سلعة صاحبه ولو ذم سلعة نفسه بما لا يشتمل على
الكذب فلا بأس.
يا: ترك الربح على المؤمنين إلا مع الحاجة فيأخذ منهم نفقة يوم موزعة على المعاملين.
يب: ترك الربح على الموعود بالإحسان.
يج: ترك السبق إلى السوق، والتأخر فيه.
يد: ترك معاملة الأدنين والمحارفين والمؤوفين والأكراد وأهل الذمة وذوي الشبهة في
المال.
561

يه: ترك التعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن.
يو: ترك الزيادة في السلعة وقت النداء.
يز: ترك السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
يح: ترك دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء بعد التراضي أو قربه، ولو كان
السوم بين اثنين لم يجعل نفسه بدلا من أحدهما ولا كراهية فيما يكون في الدلالة، وفي
كراهية طلب المشتري من بعض الطالبين الترك له نظر، ولا كراهية في ترك الملتمس منه.
يط: ترك توكل حاضر لباد.
كي: ترك التلقي وحده أربعة فراسخ إذا قصد مع جهل البائع أو المشتري بالسعر
وترك شراء ما يتلقى، ولا خيار إلا مع الغبن.
ك‍: ترك الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت والملح، ولو لم
يوجد غيره وجب البيع وسعر عليه إن أجحف وإلا فلا.
كب: ترك الربا في المعدود على الأقوى وكذا في النسيئة مع اختلاف الجنس.
كج: ترك نسبة الربح والوضيعة إلى رأس المال.
كه: ترك بيع ما لم يقبض مما يكال أو يوزن.
الفصل الثالث: في بيع الحيوان:
والأناسي تملك بالسبي مع الكفر الأصلي ويسري الرق وإن أسلموا بعد ما لم
يعرض سبب محرر، والملقوط في دار الحرب رق إذا لم يكن فيها مسلم بخلاف دار
الاسلام إلا أن يبلغ ويقر على نفسه بالرق، والمسبي حال الغيبة يجوز تملكه ولا خمس فيه
رخصة.
ولا يستقر للرجل ملك الأصول والفروع والإناث المحرمات نسبا ورضاعا، ولا
562

المرأة ملك العمودين، ولا تمنع الزوجية من الشراء فتبطل، والحمل يدخل مع الشرط ولو
شرط فسقط قبل القبض رجع بنسبته بأن يقوم حاملا ومجهضا.
ويجوز ابتياع جزء مشاع من الحيوان لا معين، ويجوز النظر إلى وجه المملوكة إذا أراد
شراءها وإلى محاسنها، ويستحب تغيير اسم المملوك عند شرائه والصدقة عنه بأربعة دراهم
وإطعامه حلوا، ويكره وطء المولودة من الزنى بالملك أو بالعقد، والعبد لا يملك فلو اشتراه
ومعه مال فللبائع إلا بالشرط فيراعى فيه شروط المبيع، ولو جعل العبد جعلا على شرائه لم
يلزم.
ويجب استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة أو مضى خمسة وأربعين يوما ممن لا تحيض
وهي في سن الحيض، ويجب على المشتري أيضا استبراؤها إلا أن يخبره الثقة بالاستبراء
أو تكون لامرأة أو تكون يائسة، واستبراء الحامل بوضع الحمل فلا يحرم في مدة الاستبراء
غير الوطء، ويكره التفرقة بين الطفل والأم قبل سبع سنين والتحريم أحوط.
وهنا مسائل:
لو حدث في الحيوان عيب قبل القبض فللمشتري الرد والأرش وكذا في زمن الخيار
وكذا غير الحيوان.
الثانية: لو حدث عيب من غير جهة المشتري في زمن الخيار فله الرد بأصل الخيار
والأقرب جواز الرد بالعيب أيضا وتظهر الفائدة لو أسقط الخيار الأصلي والمشترط، وقال
الفاضل نجم الدين أبو القاسم في الدروس: لا يرد إلا بالخيار، وهو ينافي حكمه في
الشرائع بأن الحدث في الثلاثة من مال البائع مع حكمه بعدم الأرش فيه.
الثالثة: لو ظهرت الأمة مستحقة فأغرم الواطئ العشر أو نصفه أو مهر المثل والأجرة،
وقيمة الولد يرجع بها على البائع مع جهله.
الرابعة: لو اختلف مولى مأذون في عبد أعتقه المأذون عن الغير ولا بينة حلف المولى،
ولا فرق بين كونه أبا للمأذون أو لا ولا بين دعوى مولى الأب شراؤه من ماله وعدمه ولا بين استئجاره على حج وعدمه.
563

الخامسة: لو تنازع المأذونان بعد شراء كل منهما صاحبه في السبق ولا بينة قيل:
يقرع، وقيل: تمسح الطريق. ولو أجيز عقدهما فلا إشكال، ولو تقدم العقد من أحدهما
صح خاصة إلا مع إجازة الآخر.
السادسة: الأمة المسروقة من أرض الصلح لا يجوز شراؤها، فلو اشتراها جاهلا ردها
واستعاد ثمنها ولو لم يجد الثمن ضاع، وقيل: تسعي فيه.
السابعة: لا يجوز بيع عبد من عبدين ولا عبيد، ويجوز شراؤه موصوفا سلما والأقرب
جوازه حالا، فلو دفع إليه عبدين للتخير فأبق أحدهما بقي على ضمان المقبوض بالسوم،
والمروي: انحصار حقه فيهما، وعدم ضمانه على المشتري فيفسخ نصف المبيع ويرجع
بنصف الثمن على البائع ويكون الباقي بينهما إلا أن يجد الآبق يوما فيتخير وفي
انسحابه في الزيادة على اثنين إن قلنا به تردد، وكذا لو كان المبيع غير عبد كأمة بل أية
عين كانت.
الفصل الرابع: في الثمار:
ولا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها عاما ولا أزيد على الأصح، ويجوز بعد بدء
صلاحها، وفي جواز قبله بعد الظهور خلاف أقربه الكراهية، وتزول بالضميمة أو بشرط
القطع أو بيعها مع الأصول، وبدء الصلاح احمرار الثمرة أو اصفراره وانعقاد ثمرة غيره
وإن كانت في كمام.
يجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات معينة كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة
وما يتجدد في تلك السنة أو في غيرها، ويرجع في اللقطة إلى العرف ولو امتزجت الثانية
تخير المشتري بين الفسخ والشركة، ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ لعيب الشركة؟
نظر أقربه ذلك إذا لم يكن تأخر القطع بسببه، وحينئذ لو كان الاختلاط بتفريط
المشتري مع تمكين البائع وقبض المشتري أمكن عدم الخيار، ولو قيل: بأن الاختلاط إن
كان قبل القبض تخير المشتري وإن كان بعده فلا خيار لأحدهما، كان قويا.
564

وكذا يجوز بيع ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات، وما يجوز كالرطبة والبقل
جزة وجزات ولا تدخل الثمرة في بيع الأصول إلا في النخل بشرط عدم التأبير، ويجوز
استثناء ثمرة شجرة معينة أو شجرات وجزء مشاع وأرطال معلومة وفي هذين يسقط في
الثنيا لو خاست الثمرة بخلاف المعين.
مسائل:
لا يجوز بيع الثمرة بجنسها على أصولها نخلا كان أو غيره وتسمى في النخل مزابنة،
ولا السنبل بحب منه أو من غيره من جنسه وتسمى محاقلة إلا العرية بخرصها تمرا من
غيرها.
الثانية: يجوز بيع الزرع قائما وحصيدا وفصيلا، فلو لم يفصله المشتري فللبائع فصله
وله المطالبة بأجرة أرضه.
الثالثة: يجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة ولا يكون بيعا ويلزم
بشرط السلامة.
الرابعة: يجوز الأكل مما يمر به من ثمرة النخل والفواكه والزرع بشرط عدم القصد
وعدم الإفساد، ولا يجوز أن يحمل وتركه بالكلية أولى.
الفصل الخامس: في الصرف:
وهو بيع الأثمان بمثلها، ويشترط فيه التقابض في المجلس أو اصطحابهما إلى
القبض أو رضاه بما في ذمته قبضا بوكالته في القبض فيما إذا اشترى بما في ذمته نقدا
آخر. ولو قبض البعض صح فيه وتخير إذا لم يكن من أحدهما تفريط، ولا بد من قبض
الوكيل في مجلس العقد قبل تفرق المتعاقدين، ولو كان وكيلا في الصرف فالمعتبر
مفارقته، ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد وإن كان أحدهما مكسورا أو رديئا وتراب
معدن أحدهما يباع بالآخر أو بجنس غيرهما وتراباهما يباعان بهما ولا عبرة باليسير من
565

الذهب في النحاس واليسير من الفضة في الرصاص فلا يمنع من صحة البيع بذلك
الجنس.
وقيل: ويجوز اشتراط صياغة خاتم في شراء درهم بدرهم للرواية، وهي غير صريحة
في المطلوب مع مخالفتها الأصل. والأواني المصوغة من النقدين إذا
بيعت بهما جاز وإن بيعت بأحدهما اشترط زيادته على جنسه وتكفي غلبة الظن، وحلية السيف والمركب
يعتبر فيهما العلم إن أريد بيعهما بجنسهما فإن تعذر كفى الظن الغالب بزيادة الثمن
عليها، ولو باعه بنصف دينار فشق إلا أن يراد صحيح عرفا أو نطقا وكذا نصف
درهم، وحكم تراب الذهب والفضة عند الصياغة حكم المعدن وتجب الصدقة به مع
جهل أربابه، والأقرب الضمان لو ظهروا ولم يرضوا بها، ولو كان بعضهم معلوما وجب
الخروج من حقه.
خاتمة: الدراهم والدنانير يتعينان بالتعيين في الصرف وغيره، فلو ظهر عيب في المعين من غير
جنسه بطل فيه، فإن كان بإزائه مجانس بطل البيع من أصله كدراهم بدراهم، وإن كان
مخالفا صح في السليم وما قابله. ويجوز الفسخ مع الجهل، ولو كان العيب من الجنس
وكان بإزائه مجانس فله الرد بغير أرش، وفي المخالف إن كان صرفا فله الأرش في
المجلس والرد وبعد التفرق له الرد، ولا يجوز أخذ الأرش من النقدين ولو أخذ من
غيرهما قيل: جاز، ولو كان غير صرف فلا شك في جواز الرد والأرش مطلقا، ولو كانا
غير معينين فله الإبدال ما داما في المجلس في الصرف، وفي غيره وإن تفرقا.
الفصل السادس: في السلف:
وينعقد بقوله: أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا إلى كذا، ويقبل المخاطب.
ويشترط فيه: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة الذي يختلف لأجله الثمن اختلافا
566

ظاهرا ولا يبلغ فيه الغاية. والجيد والردئ جائز والأجود والأردأ ممتنع. وكل ما لا
يضبط وصفه يمتنع السلم فيه كاللحم والخبز والنبل المنحوت والجلود والجواهر واللآلئ
الكبار لتعذر ضبطها وتفاوت الثمن فيها، و يجوز في الحبوب والفواكه والخضر والشحم
والطيب والحيوان كله حتى في شاة لبون. وتلزم تسليم شاة يمكن أن تحلب في مقارن زمان
التسليم ولا يشترط أن يكون اللبن حاصلا بالفعل حينئذ، فلو احتلبها وتسلمها اجتزأت،
أما الجارية الحامل أو ذات الولد والشاة كذلك فالأقرب المنع.
ولا بد من قبض الثمن قبل التفرق أو المحاسبة من دين عليه إذا لم يشترط ذلك في
العقد، ولو شرطه بطل لأنه بيع دين بدين وتقديره بالكيل أو الوزن المعلومين أو بالعدد مع
قلة التفاوت وتعين الأجل المحروس من التفاوت، والأقرب جوازه حالا مع عموم الوجود
عند العقد ولا بد من كونه عام الوجود عند رأس الأجل إذا شرط الأجل والشهور
الهلالية، ولو شرط تأجيل بعض الثمن بطل في الجميع، ولو شرط موضع التسليم لزم وإلا
اقتضى موضع العقد.
ويجوز اشتراط السائغ في العقد وبيعه بعد حلوله على الغريم وغيره على كراهية، وإذا
دفع فوق الصفة وجب القبول ودونها لا يجب، ولو رضي به لزم، ولو انقطع عند الحلول
تخير بين الفسخ والصبر.
الفصل السابع: في أقسام البيع:
البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن وعدمه وهو أربعة:
أحدها: المساومة.
وثانيها: المرابحة ويشترط فيها العلم بقدر الثمن والربح، ويجب على البائع الصدق
فإن لم يحدث فيه زيادة قال: اشتريته أو هو على أو تقوم، وإن زاد بفعله أخبر
وباستئجاره ضمه فيقول: تقوم على، لا اشتريت، إلا أن يقول: أو استأجرت بكذا.
وإن طرأ عيب وجب ذكره، وإن أخذ أرشا أسقطه، ولا يقوم أبعاض الجملة ولو ظهر
كذبه أو غلطه تخير المشتري، ولا يجوز الإخبار بما اشتراه من غلامه أو ولده حيلة لأنه
567

خديعة، نعم لو اشتراه ابتداء من غير سابقة بيع عليهما جاز. ولا الأخبار بما قوم عليه
التاجر، والثمن له وللدلال الأجرة.
وثالثها: المواضعة وهي كالمرابحة في الأحكام إلا أنها بنقيصة معلومة.
ورابعها: التولية وهي الإعطاء برأس المال، والتشريك جائز وهو أن يقول: شركتك
بنصفه بنسبة ما اشتريت، مع علمهما وهي في الحقيقة بيع الجزء المشاع برأس المال.
الفصل الثامن: في الربا:
ومورده المتجانسان إذا قدرا بالكيل أو الوزن وزاد أحدهما، والدرهم منه أعظم من
سبعين زنية، وضابط الجنس ما دخل تحت اللفظ الخاص، فالتمر جنس والزيت جنس
والحنطة والشعير جنس في المشهور، واللحوم تابعة للحيوان.
ولا ربا في المعدود ولا بين الوالد وولده ولا بين الزوج وزوجته ولا بين المسلم و
الحربي إذا أخذ المسلم الفضل ويثبت بينه وبين الذمي ولا في القسمة، ولا يضر عقد
التبن والزوان اليسير ويتخلص منه بالضميمة، ويجوز بيع مدي عجوة ودرهم
بمدين أو درهمين وبمدين ودرهمين وأمداد ودراهم، وتصرف كلا إلى ما بخلافه وبأن تبيعه بالمماثل ويهبه
الزائد من غير شرط أو يقرض كل منهما صاحبه ويتبارءا، ولا يجوز بيع الرطب بالتمر
وكذا كل ما ينقص مع الجفاف، ومع اختلاف الجنس يجوز التفاضل نقدا ونسيئة، ولا
عبرة بالأجزاء المائية في الخبز والخل والدقيق إلا أن يظهر ذلك للحس ظهورا بينا، ولا
يباع اللحم بالحيوان مع التماثل ويجوز مع الاختلاف.
الفصل التاسع: في الخيار:
وهو أربعة عشر:
آ: خيار المجلس: وهو مختص بالبيع ولا يزول بالحائل ولا بمفارقة المجلس
مصطحبين، وتسقط باشتراط سقوطه في العقد وبإسقاطه بعده وبمفارقة أحدهما صاحبه،
ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصة، ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدم الفاسخ وكذا
568

في كل خيار مشترك، ولو خيره فسكت فخيارهما باق.
ب: خيار الحيوان: وهو ثابت للمشتري خاصة ثلاثة أيام مبدؤها من حين العقد،
ويسقط باشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد أو تصرفه.
ج: خيار الشرط: وهو بحسب الشرط إذا كان الأصل مضبوطا، ويجوز اشتراطه
لأحدهما ولكل منهما ولأجنبي عنهما أو عن أحدهما، واشتراط المؤامرة، فإن قال
المستأمر: فسخت أو أجزت، فذاك، وإن سكت فالأقرب اللزوم فلا يلزم الاختيار وكذا
من جعل له الخيار. ويجب اشتراط مدة للمؤامرة.
د: خيار التأخير عن ثلاثة أيام: فمن باع ولا قبض ولا قبض ولا شرط التأخير
وقبض البعض كلا قبض وتلفه من البائع مطلقا.
ه‍: خيار ما يفسد ليومه: وهو ثابت بعد دخول الليل.
و: خيار الرؤية: وهو ثابت لمن لم ير إذا زاد في طرف البائع أو نقص في طرف
المشتري، ولا بد فيه من ذكر الجنس والوصف والإشارة إلى معين به، ولو رأى البعض
ووصف الباقي تخير في الجميع مع عدم المطابقة.
ز: خيار الغبن: وهو ثابت مع الجهالة إذا كان بما لا يتغابن به غالبا ولا يسقط
بالتصرف إلا أن يكون المغبون المشتري وقد أخرجه عن ملكه، وفيه نظر للضرر مع الجهل
فيمكن الفسخ وإلزامه بالقيمة أو المثل، وكذا لو تلفت أو استولد الأمة.
ح: خيار العيب: وهو كل ما زاد عن الخلقة الأصلية أو نقص عينا كان كالإصبع
أو صفة كالحمى ولو يوما فللمشتري الخيار مع الجهل بين الرد والأرش وهو مثل نسبة
التفاوت بين القيمتين من الثمن، ولو تعددت القيم أخذت قيمة واحدة متساوية النسبة
إلى الجميع فمن القيمتين نصفهما ومن الخمس خمسها، ويسقط الرد بالتصرف أو
حدوث عيب بعد القبض ويبقى الأرش ويسقطان بالعلم به قبل العقد وبالرضا به بعده
وبالبراءة من العيوب ولو إجمالا، والإباق وعدم الحيض عيب وكذا الثفل في الزيت غير
المعتاد.
ط: خيار التدليس: فلو شرط صفة كمال كالبكارة أو توهمها كتحمير الوجه
569

ووصل الشعر فظهر الخلاف تخير ولا أرش، وكذا التصرية للشاة والبقرة والناقة بعد
اختبارها ثلاثة أيام ويرد معها اللبن حتى المتجدد أو مثله لو تلف.
ي: خيار الاشتراط: ويصح اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤد إلى جهالة في أحد
العوضين أو يمنع منه الكتاب والسنة كما لو شرط تأخير المبيع أو الثمن ما شاء أو عدم
وطء الأمة أو وطء البائع إياها، وكذا يبطل باشتراط غير المقدور كاشتراط حمل الدابة
فيما بعد أو أن الزرع يبلغ السنبل، ولو شرط تبيته إلى أوان السنبل جاز، ولو شرط غير
السائغ بطل وأبطل، ولو شرط عتق المملوك جاز، فإن أعتقه وإلا تخير البائع، وكذا كل
شرط لم يسلم لمشترطه فإنه يفيد تخيره ولا يجب على المشترط عليه فعله وإنما فائدته جعل
البيع عرضة للزوال عند عدم سلامة الشرط ولزومه عند الإتيان به.
يا: خيار الشركة: سواء قارنت العقد كما لو اشترى شيئا فظهر بعضه مستحقا، أو
تأخرت بعده إلى قبل القبض كما لو امتزج بغيره بحيث لا يتميز وقد يسمى هذا عيبا
مجازا.
يب: خيار تعذر التسليم: فلو اشترى شيئا ظنا إمكان تسليمه ثم عجز بعد تخير
المشتري.
يج: خيار تبعيض الصفقة: كما لو اشترى سلعتين فتستحق أحدهما.
يد: خيار التفليس.
الفصل العاشر: في الأحكام:
وهي خمسة:
الأول: النقد والنسيئة: إطلاق البيع يقتضي كون الثمن حالا، وإن شرط تعجيله
أكده، فإن وقت التعجيل تخير لو لم يحصل في الوقت، وإن شرط التأجيل اعتبر ضبط
الأجل، فلا يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كمقدم الحاج ولا بالمشترك كنفيرهم وشهر
ربيع، وقيل: يحمل على الأول. ولو جعل الحال ثمنا والمؤجل أزيد منه أو فاوت بين
الأجلين بطل، ولو أجل البعض المعين صح، ولو اشتراه البائع نسيئة صح قبل الأجل
570

وبعده بجنس الثمن وغيره بزيادة ونقصان إلا أن يشترط في بيعه ذلك فيبطل، ويجب
قبض الثمن لو دفعه إلى البائع في الأجل لا قبله فلو امتنع قبضه الحاكم، فإن تعذر فهو
أمانة في يد المشتري لا يضمنه ولو تلف بغير تفريطه، وكذا كل من امتنع من قبض حقه،
ولا حجر في زيادة الثمن ونقصانه إذا عرف المشتري القيمة إلا أن يؤدى إلى الصفة، ولا
يجوز تأجيل الحال بزيادة فيجب ذكر الأجل في غير المساومة فيتخير المشتري بدونه
للتدليس.
الثاني: في القبض: إطلاق العقد يقتضي قبض العوضين فيتقابضان معا لو تمانعا
سواء كان الثمن عينا أو دينا. ويجوز اشتراط تأخير إقباض المبيع مدة معينة والانتفاع به
منفعة معينة، والقبض في المنقول نقله وفي غيره التخلية وبه ينتقل الضمان إلى المشتري
إذا لم يكن له خيار، فلو تلف قبله فمن البائع مع أن النماء للمشتري، وإن تلف بعضه
أو تعيب تخير المشتري في الإمساك مع الأرش والفسخ، ولو غصب من يد البائع وأسرع
عوده أو أمكن نزعه بسرعة فلا خيار وإلا تخير المشتري، ولا أجرة على البائع في تلك المدة
إلا أن يكون المنع منه وليكن المبيع مفرغا.
ويكره بيع المكيل والموزون قبل قبضه، وقيل: يحرم إن كان طعاما. ولو ادعى
المشتري نقصان المبيع حلف إن لم يكن حضر الاعتبار وإلا أحلف البائع، ولو حول
المشتري الدعوى إلى عدم إقباض الجميع حلف ما لم يكن سبق بالدعوى الأولى.
الثالث: فيما يدخل في المبيع: ويراعى فيه اللغة والعرف.
ففي البستان الأرض والشجر والبناء.
وفي الدار الأرض والبناء أعلاه وأسفله إلا أن يتفرد الأعلى عادة والأبواب
والأغلاق المنصوبة والأخشاب المثبتة والسلم المثبت والمفتاح، ولا يدخل الشجر بها إلا
مع الشرط أو يقول: بما أغلق عليه بابها أو ما دار عليه حائطها.
وفي النخل الطلع إذا لم يؤبر ولو أبر فالثمرة للبائع وتجب تبقيتها إلى أوان أخذها
عرفا، وطلع الفحل للبائع وكذا باقي الثمار مع الظهور، ويجوز لكل منهما السقي إلا
أن يستضرا، ولو تقابلا في الضرر والنفع رجحنا مصلحة المشتري.
571

وفي القرية البناء والمرافق.
وفي العبد ثيابه الساترة للعورة.
الرابع: في اختلافهما: ففي قدر الثمن يحلف البائع مع قيام العين والمشتري مع
تلفها، وفي تعجيله وقدر الأجل وبشرط رهن أو ضمين عن البائع يحلف، وكذا في قدر
المبيع، وفي تعيين المبيع يتحالفان، وقال الشيخ رحمه الله والقاضي رحمه الله: يحلف
البائع، كالاختلاف في الثمن ويبطل العقد من حينه لا من أصله، وفي شرط مفسد يقدم
مدعي الصحة، ولو اختلف الورثة نزل كل وارث منزلة مورثه.
الخامس: إطلاق الكيل والوزن ينصرف إلى المعتاد فإن تعدد فالأغلب، فإن تساوت
ولم يعين بطل البيع، وأجرة اعتبار المبيع على البائع واعتبار الثمن على المشتري، وأجرة
الدلال على الآمر، ولو أمراه فتولى الطرفين فعليهما، ولا يضمن إلا بتفريط فيحلف على
عدمه، فإن ثبت حلف على القيمة لو خالفه البائع.
خاتمة: الإقالة فسخ في حق المتعاقدين والشفيع فلا تثبت
بها شفعة ولا تسقط أجرة الدلال بها ولا تصح بزيادة في الثمن ولا نقيصة، ويرجع كل عوض إلى مالكه فإن كان تالفا
فمثله أو قيمته.
572