الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري
الجزء: ٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة: شريعت - قم
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-٢٣-٠
ملاحظات: ويليها الملحق الأصولي

الموسوعة الفقهية الميسرة
1

مجمع الفكر الإسلامي
الموسوعة الفقهية الميسرة
ويليها
الملحق الأصولي
الجزء الرابع
تأليف
الشيخ محمد علي الأنصاري
3

مجمع الفكر الإسلامي
قم - صندوق بريد 3654 - 37185 - رقم الهاتف: 744810
الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة / ج 4
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري (خليفة شوشتري)
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
الطبعة: الأولى / 1422 ه‍ ق
تنضيد الحروف: رؤيا كامبيوتر
ليتوغراف: شريعت - قم
المطبعة: شريعت - قم
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة لمجمع الفكر الإسلامي
لا يجوز الاقتباس من الموسوعة الفقهية الميسرة إلا مع الإشارة إليها،
ولا يجوز تلخيصها وترجمتها إلا بإذن المؤلف أو الناشر
4

(وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)
التوبة: 122
6

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أضام
في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك.
اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي، وأول وديعة
ترتجعها من ودائع نعمك عندي.
اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب عن قولك، أو أن نفتتن عن دينك، أو
تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك.
من دعاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وكان يدعو به كثيرا
نهج البلاغة: قسم الخطب، رقم 215
7

المساعدون في الجزء الرابع
ساعدنا في الجزء الرابع بعض الأخوة مشكورين، نذكرهم وفقا للسير الطبيعي للعمل:
1 - رعد المظفر: تهيئة بطاقات اللغة من مصادرها، والمقابلة.
2 - صلاح العبيدي: المراجعات اللغوية والأدبية.
3 - فرهاد الموسوي: تنضيد الحروف.
4 - السيد حافظ موسى زاده: مراجعة المصادر والاستخراجات بعد تنضيد الحروف.
9

إطاعة
لغة:
مصدر أطاع، يقال: أطاعه، وأطاع له،
وطاع له، إذا انقاد له، واتبع أمره، ولم يخالفه (1).
وقيل: لا تكون الطاعة إلا عن أمر (2)، أو إن
أكثر ما تقال في الائتمار لما امر (3).
اصطلاحا:
اختلفوا في تعريف الإطاعة، فقد عرفها
السيد المرتضى بأنها: " إيقاع الفعل، أو ما يجري
مجراه، موافقا لإرادة الغير إذا كان أعلى رتبة منه،
لا على وجه الإلجاء " (1).
ويظهر منه عدم توقف صدق الإطاعة على
وجود الأمر والنهي، بل تكفي مطابقة الفعل لإرادة
المطاع.
وجاء في بعض كلمات الشيخ الأنصاري:
" إن الإطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات
التفصيلية ومخالفتها " (2).
وبناء على هذا التعريف يلزم:
أولا - أن يكون هناك خطاب، أي أمر أو نهي.
وثانيا - أن يكون الخطاب خطابا تفصيليا،
فلا يكفي الخطاب الإجمالي، كالعلم إجمالا بورود

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والنهاية (لابن الأثير)،
ولسان العرب: " طوع ".
(2) المصباح المنير: " طوع ".
(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" طوع ".
(1) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الثانية): 275 - 276،
رسالة الحدود والحقائق.
(2) فرائد الأصول 1: 94.
11

الأمر بالظهر أو الجمعة، فلا تصدق الإطاعة بإتيان
أحدهما خاصة.
ويقرب من ذلك ما قاله النائيني: من " أن
الإطاعة بالمعنى الأخص المعتبر في العبادات فقط
- وهو الانبعاث من بعث المولى والتحريك
عن تحريكه خارجا - لا يتحقق مع الامتثال
الإجمالي... " (1).
لكن ناقش بعض آخر هذه الفكرة، منهم
السيد الخوئي حيث قال: " لا يعتبر في الطاعة
إلا الإتيان بما أمر به المولى بجميع قيوده مضافا إليه،
وأما كون الانبعاث من بعث المولى لا عن احتماله،
فغير معتبر فيها جزما " (2).
وبهذا المضمون قال غيره أيضا (3).
انقسامات الإطاعة:
ذكر الفقهاء والأصوليون في مطاوي كلماتهم
عدة تقسيمات للإطاعة، منها:
أولا - تقسيمها إلى الإطاعة بالمعنى الأخص
والإطاعة بالمعنى الأعم:
ورد هذا التقسيم في كلمات النائيني، وقد
تقدمت عبارته بشأن الإطاعة بالمعنى الأخص،
وقال في الإطاعة بالمعنى الأعم: " الإطاعة بالمعنى
الأعم مشتركة بين العباديات والتوصليات، وهو
إيجاد المأمور به خارجا " (1).
مثال العباديات: الصلاة والصوم والحج
ونحوها، ومثال التوصليات: إزالة النجاسات،
وتجهيز الميت، والوفاء بالعهود والعقود، ونحوها.
ثانيا - تقسيمها إلى إطاعة حقيقية وإطاعة
حكمية:
ورد هذا التقسيم في كلمات الشيخ الأنصاري
وبعض من تأخر عنه.
والمراد من الإطاعة الحقيقية هو: إطاعة
المكلف للأمر الذي ثبت صدوره من الشارع.
والمراد من الإطاعة الحكمية هو: إتيان الفعل
الذي يعد به العبد في حكم المطيع، لاحتمال ورود
الأمر به (2).
مثال الأول: إطاعة الأوامر الصريحة الواردة
في الكتاب والسنة، مثل الأمر بالصلاة والزكاة
والصوم والحج و...
ومثال الثاني: إتيان الموارد التي احتمل تعلق
الأمر بها، كالكثير مما قيل باستحبابه ولم يرد عليه
دليل معتبر، وهي موارد قاعدة " التسامح في أدلة
السنن ".

(1) أجود التقريرات 2: 44.
(2) مصباح الأصول 2: 82.
(3) انظر: نهاية الأفكار 3: 464، وتهذيب الأصول
3: 49، وغيرهما.
(1) أجود التقريرات 2: 44.
(2) انظر: فرائد الأصول 2: 156، ونهاية الأفكار
2: 280.
12

مراحل الإطاعة:
ذكرت مراحل أربع للإطاعة، وهي:
أولا - الإطاعة العلمية التفصيلية:
وهي صورة العلم بحصول الإطاعة تفصيلا،
سواء كان بالعلم الوجداني، أو بالطرق والأمارات
والأصول المحرزة المفيدة للظن المعتبر، التي تقوم
مقام العلم.
ثانيا - الإطاعة العلمية الإجمالية:
وهي صورة العلم بحصول الإطاعة، لكن
إجمالا لا تفصيلا، مثل الاحتياط في الشبهات
المقرونة بالعلم الإجمالي.
ثالثا - الإطاعة الظنية:
وهي الإطاعة المبتنية على الظن الذي لم يقم
دليل على اعتباره، كالقياس مثلا، أو الظن الذي
حكم العقل بتعين الامتثال طبقه عند تعذر الامتثال
العلمي (1).
رابعا - الإطاعة الاحتمالية:
وهي الإطاعة المبتنية على الاحتمال، كما في
الشبهات البدوية قبل الفحص، كاحتمال ورود الأمر
بفعل على نحو الوجوب أو الاستحباب.
ولا يصل الدور إلى الإطاعة الاحتمالية إلا
بعد تعذر الإطاعة الظنية، كما لا يصل الدور إلى
الظنية إلا بعد تعذر الإجمالية، وهذا مما لا إشكال
فيه، وإنما الإشكال في أن الإطاعة العلمية الإجمالية،
هل هي في رتبة العلمية التفصيلية، أو متأخرة عنها
بحيث لا يصل الدور إلى الإطاعة الإجمالية إلا بعد
تعذر التفصيلية (1)؟
لهم فيه كلام سوف تأتي الإشارة إليه في
عنوان " امتثال " إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
تترتب على الإطاعة أحكام كثيرة نشير إليها
بصورة إجمالية، ولكن قبل بيانها من اللازم أن نبين
الحاكم بوجوب الإطاعة - في موارد وجوبها - هل
هو الشرع أو العقل؟
وجوب الإطاعة عقلا:
اشتهر عند الفقهاء والأصوليين وخاصة
المتأخرين منهم القول: بأن الحاكم بوجوب الإطاعة
هو العقل، وإذا ورد في خطابات الشارع الأمر
بإطاعة أوامر الله ورسوله وأولي الأمر (2)، فهذا

(1) وهو المعبر عنه ب‍ " الظن المطلق " الذي تكلموا عن
حجيته عقلا عند انسداد باب العلم.
(1) انظر: فرائد الأصول 1: 71 - 72 و 431 - 432،
وفوائد الأصول 3: 70 - 73.
(2) كما في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) *. النساء: 59.
13

الأمر إرشاد إلى حكم العقل بوجوب الطاعة،
ولذلك لا يترتب على إطاعة هذا الأمر ثواب
ولا على مخالفته عقاب سوى الثواب والعقاب على
إطاعة ما أمر به الشارع أو تركه، كالأمر بالصلاة
مثلا. قال الشيخ الأنصاري بالنسبة إلى الإطاعة
والعصيان: " إنهما لا يقبلان لورود حكم الشارع
عليهما بالوجوب والتحريم الشرعيين - بأن يريد
فعل الأولى وترك الثانية بإرادة مستقلة غير إرادة
فعل المأمور به وترك المنهي عنه، الحاصلة بالأمر
والنهي - حتى إنه لو صرح بوجوب الإطاعة وتحريم
المعصية كان الأمر والنهي للإرشاد لا للتكليف،
إذ لا يترتب على مخالفة هذا الأمر والنهي إلا ما
يترتب على ذات المأمور به والمنهي عنه " (1).
لكن يظهر من بعضهم: أن وجوب إطاعة
النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) وجوب مولوي لا إرشادي،
فمثلا قال العلامة: "...، لأن مخالفة الإمام الواجب
الطاعة من أعظم الكبائر " (2).
فالظاهر من العبارة: أن عدم الإطاعة نفسه
معصية كبيرة، مع غض النظر عما يترتب على
عصيان ما أمر به أو ما نهى عنه من العقاب.
وقال السيد الخوئي: "... إن النبي (صلى الله عليه وآله)
صادق، إنما نبأ عن الله تعالى، فلا مناص من
وجوب إطاعته وحرمة معصيته وجوبا شرعيا
مولويا " (1).
لكنه حمل آية الإطاعة (2) في موضع آخر (3)
على الإرشاد، فإن كلامه وإن كان في إطاعة الله
تعالى، لكن استشهاده بالآية يجعل البحث عاما.
ثم إنه على القول بكونه للإرشاد ليس معناه
أنه ليس للشارع أن يتصرف في كيفية الإطاعة، بل
له أن يعتبر أمورا فيها، كعدم اقترانها بالرياء مثلا،
أو يكتفي ببعض مراتب الإطاعة التي لم يكتف بها
العقل، كما في العمل ببعض الأصول المجعولة شرعا
والتي لم يقم عليها دليل عقلي.
فإن قام الدليل على كيفية الإطاعة شرعا فهو
المتبع، وإلا فالحاكم في ذلك هو العقل، فإن استقل
بشئ فهو، وإلا فإذا شككنا في اعتبار شئ في كيفية
الإطاعة، فهل المرجع أصالة البراءة من اعتباره، أو
أصالة الاشتغال (4)؟
فيه كلام نحيله على عنوان " امتثال ".
إطاعة الله تعالى:
طاعة الله عز وجل واجبة بحكم العقل، لأنه
المولى الحقيقي، والمنعم الحقيقي، وأما غيره فمولويته
ومنعميته - على فرض وجودها فيه كالنبي (صلى الله عليه وآله)

(1) فرائد الأصول 1: 466.
(2) نهاية الإحكام 2: 415.
(1) مصباح الفقاهة 5: 35.
(2) النساء: 59.
(3) انظر التنقيح (الطهارة) 4: 469.
(4) انظر فوائد الأصول 3: 68 - 69.
14

والوصي (عليه السلام) - في طول مولوية الله تعالى
ومنعميته، وموهوبة له من قبله عز وجل.
وعلى هذا الأساس، فكل ما ورد في الكتاب
والسنة من الأمر بإطاعة الله ورسوله، فهو محمول
على الإرشاد إلى هذا الحكم العقلي.
والنصوص الواردة في إطاعة الله تعالى من
الكتاب والسنة كثيرة جدا، نكتفي بذكر نموذجين
منها:
أما من الكتاب، فقوله تعالى: * (يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا
أعمالكم) * (1).
وأما من السنة، فما رواه جابر عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام) في حديث طويل، قال: " قال لي:
يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل
البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه
- إلى أن قال: - ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب
العباد إلى الله عز وجل [وأكرمهم عليه] أتقاهم
وأعملهم بطاعته. يا جابر، والله ما يتقرب إلى الله
تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار،
ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو
لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال
ولايتنا إلا بالعمل والورع " (1).
إطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله):
إذا ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسل من قبل الله عز
وجل، وكل ما يقوله مستند إليه تعالى بصورة
مباشرة أو غير مباشرة، فالعقل يحكم حينئذ
بوجوب إطاعته بنفس الملاك الذي حكم بوجوب
إطاعة الله تعالى، ولذلك نشاهد أنه تعالى قرن
طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) بطاعته.
وبناء على هذا يكون ما ورد في إطاعة
الرسول (صلى الله عليه وآله) كتابا وسنة إرشادا إلى حكم العقل
أيضا، مثل:
1 - قوله تعالى: * (قل أطيعوا الله والرسول فإن
تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) * (2).
2 - وقوله تعالى: * (ما آتاكم الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه فانتهوا) * (3).
3 - وقوله تعالى حكاية عن الكفار: * (يوم
تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا
الرسولا) * (4).
4 - وقوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد

(1) سورة محمد (صلى الله عليه وآله): 33، وانظر: المعجم المفهرس
لألفاظ القرآن الكريم: " طوع "، والبحار 67: 91،
كتاب الإيمان والكفر، باب طاعة الله ورسوله
وحججه (عليهم السلام).
(1) أصول الكافي 2: 74، باب الطاعة والتقوى،
الحديث 3.
(2) آل عمران: 32.
(3) الحشر: 7.
(4) الأحزاب: 66.
15

أطاع الله) * (1).
إطاعة اولي الأمر:
أجمع الفقهاء على وجوب إطاعة اولي الأمر،
للأمر بذلك كتابا وسنة، وإن حملت هذه الأوامر على
الإرشاد إلى حكم العقل بوجوب الطاعة (2).
ومما ورد في ذلك من النصوص:
1 - قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * (3).
فإنه تعالى قرن طاعة اولي الأمر بطاعته
وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وكفى بذلك أهمية.
2 - ما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)
أنه قال: " ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه، وباب
الأشياء، ورضا الرحمن تبارك وتعالى، الطاعة
للإمام بعد معرفته... " (4).
3 - وما رواه الحسين بن أبي العلاء، قال:
" ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء: إن
طاعتهم مفترضة، قال: فقال: نعم، هم الذين قال
الله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر
منكم) * (1)، وهم الذين قال الله عز وجل: * (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) * (2) " (3).
من هم أولو الأمر؟
للمفسرين من العامة وفقهائهم قولان في
تفسير * (اولي الامر) * في الآية:
أحدهما - أنهم الامراء والحكام.
ثانيهما - أنهم العلماء، لأنهم الذين يرجع
إليهم في الأحكام ويجب الرجوع إليهم عند التنازع،
دون الولاة (4).
وأما عند أهل البيت (عليهم السلام)، فإن اولي الأمر هم
الأئمة (عليهم السلام). قال الطبرسي بعد بيان القولين المتقدمين
عن العامة: " وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر
والصادق (عليهما السلام): أن * (اولي الامر) * هم الأئمة من
آل محمد (صلى الله عليه وآله)، أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما
أوجب طاعته وطاعة رسوله، ولا يجوز أن يوجب

(1) النساء: 80.
(2) ويظهر من بعضهم: أن وجوب إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله)
والإمام (عليه السلام) وجوب مولوي لا إرشادي، كما تقدم في
الصفحة 14.
(3) النساء: 59.
(4) أصول الكافي 1: 185، باب فرض طاعة الأئمة،
الحديث الأول.
(1) النساء: 59.
(2) المائدة: 55. وتتمة الآية هي: * (... الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *. وقد ورد عن
الفريقين: أنها نزلت في الإمام علي (عليه السلام) عندما تصدق
بخاتمه حال الركوع. انظر: الدر المنثور 1: 293، ومجمع
البيان (3 - 4): 210، وغيرهما.
(3) أصول الكافي 1: 187، باب فرض طاعة الأئمة،
الحديث 7.
(4) انظر الموسوعة الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف
الكويتية) 28: 323، عنوان " طاعة ".
16

الله طاعة أحد على الإطلاق إلا من ثبتت عصمته
وعلم أن باطنه كظاهره وامن منه الغلط والأمر
بالقبيح، وليس ذلك بحاصل في الامراء ولا العلماء
سواهم، جل الله عن أن يأمر بطاعة من يعصيه،
أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل، لأنه
محال أن يطاع المختلفون، كما أنه محال أن يجتمع
ما اختلفوا فيه... " (1).
ويقرب من ذلك - من حيث أصل الدعوى
وإن اختلف معه من حيث التطبيق - ما قاله
الزمخشري والرازي، حيث قال الأول: " والمراد
ب‍ * (اولي الأمر) * امراء الحق، لأن امراء الجور، الله
ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله
في وجوب الطاعة لهم... " (2).
ثم مثل لأمراء الحق بالخلفاء الراشدين.
وقال الثاني: " إن الله تعالى أمر بطاعة اولي
الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله
بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون
معصوما عن الخطأ... " (3).
ثم قال ما مضمونه: إن ذلك المعصوم هو أهل
الحل والعقد من الأمة!!
إطاعة الفقهاء:
المنصوبون من قبل اولي الأمر - وهم
الأئمة (عليهم السلام) على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) -: تارة
منصوبون بنصب خاص، كنصب الإمام علي (عليه السلام)
لمالك الأشتر نائبا وواليا من قبله على مصر (1)،
وكنصب الإمام الباقر (عليه السلام) أبان بن تغلب مفتيا في
مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) (2).
وأخرى منصوبون بنصب عام، كنصب الفقهاء
بصورة عامة من قبل الأئمة (عليهم السلام) عند عدم حضورهم،
إما لبعد مسافة وعدم إمكان وصول الشيعة إلى
الإمام (عليه السلام)، أو لغيبته كما في عصرنا الحاضر (3).
أما وجوب الطاعة في موارد النصب الخاص،
فلا إشكال فيه إذا كان المنصب يحتوي على جانب
ولائي وقضائي، ولم يكن منحصرا في الإفتاء
مثلا (4).
وأما وجوبها في موارد النصب العام، فذلك
أمر يحتاج إلى توضيح فنقول: للفقيه المنصوب
بنصب عام في زمن الغيبة مناصب ثلاثة، وهي:

(1) مجمع البيان (3 - 4): 64.
(2) تفسير الكشاف 1: 535.
(3) التفسير الكبير 10: 144.
(1) نهج البلاغة: قسم الرسائل، الرسالة 53، رسالته (عليه السلام)
إلى مالك الأشتر.
(2) انظر معجم رجال الحديث 1: 144، ترجمة أبان بن
تغلب.
(3) انظر روايات النصب، مثل مقبولة عمر بن حنظلة
ومعتبرة أبي خديجة في الكافي 7: 412، باب كراهية
الارتفاع إلى قضاة الجور، الحديثين 4 و 5.
(4) كما في نصب أبان للإفتاء، فإن وجوب الأخذ بقوله: إنما
هو من باب أنه حجة شرعية قامت على حكم شرعي،
لا من باب وجوب إطاعته، كما سيتضح.
17

منصب الإفتاء، والقضاء، والولاية.
أما بلحاظ منصب الإفتاء، فالإطاعة منتفية
لانتفاء محلها، لأن محل الإطاعة هو وجود الأمر
والنهي، والفقيه بلحاظ منصب الإفتاء ليس له أمر
أو نهي، وإنما هو مخبر عن الحكم الشرعي، وهذا
الإخبار يكون حجة في حق غيره، فيجب عليه
الأخذ به بلحاظ أنه حجة شرعا، لا من باب أنه
أمر الفقيه أو نهيه فتجب إطاعته، وإن تساهل
بعضهم في إطلاق الإطاعة على ذلك.
وأما بلحاظ الحكم بمعنى القضاء، فتجب
إطاعته والأخذ بقوله، لأنه في هذا المقام ينشئ
الحكم، والإنشاء يتضمن أمرا أو نهيا، فيتحقق
محل الإطاعة.
وبناء على هذا قالوا: الفرق بين الإفتاء
والحكم هو: أن الإفتاء إخبار عن الحكم الشرعي،
والحكم هو إنشاء للحكم الشرعي (1).
وأما بلحاظ منصب الولاية، فيجب الأخذ
بأمره ونهيه إذا كانا أمرا ونهيا ولائيين.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " ولاية "
إن شاء الله تعالى.
حدود الإطاعة في من تقدم:
أما إطاعة الله ورسوله فغير محدودة بحد،
بل تجب الإطاعة مهما بلغت، وكذلك إطاعة اولي
الأمر بناء على تفسير مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
ويدل على ذلك كله قوله تعالى: * (النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم) * (1) وقوله تعالى: * (وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم) * (2)، وقوله (صلى الله عليه وآله): " أنا أولى
بكل مؤمن من نفسه " (3)، وقوله (صلى الله عليه وآله) أيضا: " ألست
أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت
مولاه فهذا علي مولاه " (4).
فطبقا للنصوص المتقدمة يكون الله ورسوله
والإمام أولى بالإنسان من نفسه، فلذلك تجب
إطاعتهم مهما بلغت، ولا إشكال في ذلك بعد فرض
عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام)، كما تقدم.
هذا كله في جانب تشريع الأحكام،
وتبليغها، والتصرفات الولائية، أي التي تكون في
إطار ما لهم من الولاية والحكومة.
وأما الأوامر الشخصية الواردة من قبل
النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) فهل يجب إطاعتهما فيها أو لا؟
قال السيد الخوئي: " الظاهر أيضا عدم الخلاف
في وجوب إطاعة أوامرهم الشخصية التي ترجع إلى

(1) انظر: القواعد والفوائد 1: 320، القاعدة 114،
والجواهر 40: 100.
(1) الأحزاب: 6.
(2) الأحزاب: 36.
(3) الوسائل 26: 251، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان
الجريرة والإمامة، الحديث 14.
(4) الحديث متواتر، قاله النبي (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم، انظر
كتاب الغدير (للعلامة الأميني) 1: 11.
18

جهات شخصهم، كوجوب إطاعة الولد للوالد " (1).
وربما يؤيد ذلك:
1 - ما رواه يونس بن يعقوب، قال: " كان
عند أبي عبد الله (عليه السلام)... وجماعة فيهم هشام بن
الحكم، وهو شاب، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام،
ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد، وكيف
سألته؟ فقال هشام: يا بن رسول الله، إني
اجلك واستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال
أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشئ فافعلوا... " (2).
وقوله: " بشئ " مطلق، وخاصة أن المورد
أيضا ليس من موارد تبليغ الأحكام.
2 - صحيحة عمر بن يزيد، قال: " اشتريت
إبلا وأنا بالمدينة مقيم، فأعجبتني إعجابا شديدا،
فدخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فذكرتها، فقال:
ما لك وللإبل؟ أما علمت أنها كثيرة المصائب؟
قال: فمن إعجابي بها أكريتها وبعثت بها مع غلمان لي
إلى الكوفة، قال: فسقطت كلها، فدخلت عليه
فأخبرته، فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " (1).
نعم، ببالي منذ زمن بعيد أن بعض مشايخنا (رحمه الله)
كان يقول: إن الأوامر الطبية الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام)
إرشادية كأوامر الطبيب، لا يترتب عليها ثواب
أو عقاب، بل ترشد إلى وجود أثر معين في الدواء،
أو المأكول، أو المشروب. هذا بالنسبة إلى حدود
إطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام).
وأما حدود إطاعة الفقيه: فإنا إذا نظرنا إليه
بما أنه قاض، فيجب الأخذ بحكمه عند قضائه،
ولا يجوز رد حكمه حتى من قبل غيره من الفقهاء،
إلا في بعض الموارد المستثناة التي أهمها انكشاف
بطلان مستند الحكم (2).
وكذا إذا نظرنا إليه بعنوان أن له الولاية، لكن
تختلف حدود الإطاعة في هذه الصورة باختلاف
المبنى في حدود الولاية، فهي تدور معها سعة

(1) مصباح الفقاهة 5: 36، لكن في المثال الذي ذكره
نظر، لأنه من القائلين بأن إطاعة الوالدين ليست
واجبة، لعدم الدليل عليها، بل الثابت وجوب حسن
معاشرتهما كما صرح به هو. انظر الصفحة 26.
(2) أصول الكافي 1: 169، والقضية المشار إليها في
الحديث هي قضية احتجاج هشام بن الحكم مع
عمرو بن عبيد في الإمامة، وهي مذكورة في الحديث
المتقدم وفيها: أن هشاما أفحم عمرو بن عبيد في
مسألة الإمامة. وكان عمرو بن عبيد زميل واصل بن
عطاء، وهما اللذان أسسا مذهب الاعتزال باعتزالهما
مجلس الحسن البصري. انظر وفيات الأعيان 6: 8،
ترجمة واصل بن عطاء.
(1) الوسائل 11: 501، الباب 24 من أبواب أحكام
الدواب، الحديث 2، وفيه اقتباس من الآية 63 من
سورة النور.
وقد استدل صاحب الحدائق بالروايتين ونحوهما
على دلالة الأمر على الوجوب في كلمات الأئمة (عليهم السلام).
انظر الحدائق 1: 114 - 115.
(2) انظر الجواهر 40: 103.
19

وضيقا، فمن قال بتضييقها لابد له من الالتزام
بتحديد وجوب الإطاعة، ومن قال بتوسعتها يجب
أن يلتزم بتوسعتها أيضا.
ويأتي البحث السابق هنا أيضا، وهو: أنه
هل يجب على سائر الفقهاء ومقلديهم الإطاعة لو أمر
بحكم ولائي أو لا؟ فيه بحث يأتي في عنوان " ولاية "
إن شاء الله تعالى.
وعلى كل حال لابد من تقييد ذلك كله بما إذا
لم يأمر بمعصية، لأنه " لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق "، والمفروض عدم كونه معصوما وإن كان
الشرط الأساسي في ولايته هو كونه عادلا، والعادل
لا يأمر بالمعصية، لكن فرضه ليس بمحال، وإذا أمر
بها يكون قد فقد شرط الأهلية للولاية، لكن ذلك
مع فرض صدق المعصية واقعا وظاهرا، لأنه قد
تتبدل بعض الأحكام بتبدل بعض العناوين، بل
حتى الاجتهادات (1).
ما يترتب على إطاعة من تقدم:
تترتب على إطاعة الله ورسوله وأولي الأمر
عدة أمور نشير إليها إجمالا:
1 - الثواب الأخروي:
إذا قلنا: إن أوامر الإطاعة مولوية، كما هو
الظاهر من بعض الفقهاء (1)، فيترتب على العمل بما
أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) ثوابان: الثواب على
نفس إطاعة الرسول وأولي الأمر، والثواب على
إتيان العمل المأمور به.
وإذا قلنا: إنها أوامر إرشادية - كما هو
المعروف - فلا يترتب إلا الثواب على إتيان الفعل
المأمور به، نعم يمكن تصوير الثواب على الإطاعة
نفسها فيما لو أوجد المكلف في نفسه حالة الانقياد
والتسليم لمن ذكر.
2 - عدم الضمان:
لو أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) بفعل يتضمن
ضمانا، كقتل أو إتلاف مال، فلا ضمان على الفاعل لو
نفذه بقصد الإطاعة، لأن المفروض عصمتهما وعدم
صدور الأمر بالظلم والتعدي منهما، وكذا الغالب في
الفقهاء، لاشتراط عدالتهم في وجوب إطاعتهم،
لكن لا يستحيل أن يصدر من أحدهم مثل ذلك.
قال الشيخ الطوسي: " الإمام عندنا لا يأمر بقتل من
لا يستحق القتل، لعصمته... فأما خليفة الإمام
فيجوز فيه ذلك... " (2).
ثم إن المأمور إما أن يكون عالما بعدم

(1) فإنه قد يكون شئ مباحا عند فقيه ومحظورا عند
فقيه آخر، أو قد يكون شئ مباحا في ظروف
اعتيادية ومحظورا في ظروف خاصة، فلابد من
ملاحظة هذه الأمور ونحوها، فإن الأمر بها ليس من
الأمر بالمعصية.
(1) انظر مصباح الفقاهة 5: 35.
(2) المبسوط 7: 41، وانظر الخلاف 5: 166، المسألة 28.
20

استحقاق المقتول للقتل، أو لا.
فإن كان عالما، فعليه القود. صرح بذلك
الشيخ (1) وجماعة (2) في موارد مماثلة. نعم احتمل
العلامة في بعض كتبه وجود شبهة دارئة عن
القصاص. قال: " ولو أمره واجب الطاعة بقتل من
يعلم فسق الشهود عليه فهو شبهة، من حيث
إن مخالفة السلطان تثير فتنة، وكون القتل
ظلما " (3).
وإن كان جاهلا، إلا أنه كان يعتقد أن النائب
لا يأمر بقتل من لا يجب قتله، فالذي اختاره الشيخ
في المبسوط أن عليه القود، قال: " والذي يقتضيه
مذهبنا: أن على المأمور القتل، لأنه المباشر،
للظواهر كلها " (4).
لكن فصل في الخلاف فقال: " والذي يقتضيه
مذهبنا: أن هذا المأمور إن كان له طريق إلى العلم
بأن قتله محرم فأقدم عليه من غير توصل إليه، فإن
عليه القود، وإن لم يكن من أهل ذلك فلا شئ
عليه، وعلى الآمر القود... " (1).
قال العلامة بعد نقل ذلك عنه في المختلف:
" وهذا التفصيل عندي جيد " (2).
هذا، ولكن قال الشيخ فيما لو حكم الحاكم
بالقصاص أو الرجم طبقا لشهادة الشهود ثم تبين
فسقهما: "... فلا قود هاهنا، لأنه عن خطأ الحاكم،
وأما الدية فإنها على الحاكم، وقال قوم: الضمان على
المزكين، وروى أصحابنا: أن ما أخطأت الحكام
فعلى بيت المال (3) " (4).
ولكن:
أولا - لم يذكر المأمور بإجراء الحدود المعبر
عنه عندهم ب‍ " الحداد " فربما يرى أنه لا ضمان عليه
أصلا، لكن لا بد من حمله على صورة الجهل بالحال
والاعتماد على قول الحاكم.
وثانيا - قال: " وروى أصحابنا... "
والمعروف عند الفقهاء العمل طبقا لهذه الرواية، وإن
كان صدر كلامه يدل على أن الضمان على الحاكم.
ولذلك كله قال صاحب الجواهر مازجا
كلامه بكلام المحقق: " إذا نقض الحكم وقد استوفى
المحكوم به، فإن كان حدا، قتلا أو جرحا، فلا قود
على الحاكم قطعا، ولا على من وكله في إقامته،

(1) المبسوط 7: 41، والخلاف 5: 166، المسألة 28.
(2) انظر: الكافي في الفقه: 387، والمهذب 2: 467،
والمسالك 15: 92، والجواهر 42: 57، ولعله فحوى
كلام كثير من الفقهاء.
(3) القواعد 3: 592، وانظر: التحرير (الحجرية)
2: 247، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 444.
(4) المبسوط 7: 41، وهذا الرأي هو الظاهر من الحلبي
والقاضي، انظر: الكافي في الفقه: 387، والمهذب
2: 467.
(1) الخلاف 5: 166، المسألة 28.
(2) المختلف 9: 463.
(3) انظر الوسائل 27: 226، الباب 10 من أبواب آداب
القاضي، الحديث الأول.
(4) المبسوط 8: 249.
21

وإنما تكون للمحدود الدية في بيت المال، لأن خطأ
الحاكم في ذلك فيه " (1).
ثم ناقش احتمال كون الضمان على الحاكم في
ماله.
ولو أمر نائب الإمام شخصا بفعل فمات
بسببه، فإن كان الفعل لمصلحة عامة ولم يكرهه
عليه، فالظاهر من الشيخ أنه لا ضمان على الآمر (2)،
وتبعه على ذلك جماعة من الفقهاء (3)، لكن الظاهر
من الشهيد الأول (4) ثبوته على بيت المال،
واستحسنه الشهيد الثاني (5).
نعم لو أكرهه عليه، مع كونه مصلحة عامة،
فالمعروف أن الضمان على بيت المال، لأنه من خطأ
الحكام (6)، وأما الشيخ فذكر فيه قولين: كونه عليه أو
على بيت المال (7).
ولو أمره لمصلحة نفسه، فالضمان عليه (8)،
وعلى قول الشيخ على عاقلته (9).
3 - عصمة الدم:
يجب قتال من خرج على الإمام (عليه السلام)، إذا ندب
إليه الإمام (عليه السلام) أو نائبه، ويجب مصابرتهم حتى يفيئوا
إلى طاعة الإمام (عليه السلام) أو يقتلوا، وإذا رجعوا إلى
الطاعة عصمت دماؤهم (1).
4 - عدم المنع من الإرث:
يمنع القاتل من إرث المقتول إذا قتله عمدا
وظلما، أما لو قتله بحق فلا يمنع من الإرث، كما إذا
قتله في معركة، وكان هو مع إمام عادل، أو أمره
الإمام بقتله حدا أو قصاصا (2).
فقد روى حفص بن غياث، قال: " سألت
جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن طائفتين من المؤمنين:
إحداهما باغية، والأخرى عادلة، اقتتلوا، فقتل
رجل من أهل العراق أباه، أو ابنه، أو أخاه، أو
حميمه وهو من أهل البغي، وهو وارثه، أيرثه؟ قال:
نعم، لأنه قتله بحق " (3).
والتعليل - كما قالوا - يعمم الحكم ويخصصه،
لأن الحكم يدور مدار العلة، فكلما كان القتل بحق
فهو لا يمنع من الإرث.

(1) الجواهر 41: 24، وانظر 42: 57.
(2) المبسوط 8: 65.
(3) انظر: شرائع الإسلام 4: 192، والقواعد 3: 572،
والمسالك 15: 59، لكنه استحسن في ذيل كلامه كلام
الشهيد الأول، كما سيأتي، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 668، والجواهر 41: 668.
(4) الدروس 2: 60.
(5) المسالك 15: 59.
(6) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 3.
(7) انظر المبسوط 8: 65.
(8) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 3.
(9) انظر المبسوط 8: 65.
(1) انظر: جامع المقاصد 3: 428، والروضة البهية 2:
407، والجواهر 21: 324 - 326.
(2) انظر: الروضة البهية 8: 31، والجواهر 39: 36.
(3) الوسائل 26: 41، الباب 13 من أبواب موانع الإرث،
الحديث الأول.
22

تنبيه:
ذكر الشيخ جعفر كاشف الغطاء بيانا وافيا في
وجوب طاعة الفقهاء في زمن الغيبة، وخاصة في
مجال الاستعداد لقتال المعتدين على البلاد الإسلامية
وأعراض المسلمين ونواميسهم، بل أوجب طاعة
السلطان الذي يقوم بهذه المهمة أيضا، لكن فرق بين
طاعة الإمام (عليه السلام) - وبتبعه نائبه - وطاعة السلطان
بقوله: " والفرق بين وجوب طاعة خليفة النبي (عليه السلام)
ووجوب طاعة السلطان الذاب عن المسلمين
والإسلام: أن وجوب طاعة السلطان كوجوب
تهيئة الأسلحة وجمع الأعوان، من باب وجوب
المقدمات الموقوف عليها الإتيان بالواجب... " (1).
إطاعة الوالدين:
يبدو أنه وقع تداخل في كلمات الفقهاء بين
عدة مسائل بشأن إطاعة الوالدين، وهي:
أولا - وجوب طاعة الأبوين فيما يأمران به
وينهيان عنه، وفي هذه الصورة لابد من فرض أمر
أو نهي صادر عن الأبوين، ثم الحكم بوجوب
طاعتهما في ذلك.
ثانيا - توقف إتيان بعض المباحات والمندوبات
والواجبات الكفائية على إذنهما، كتوقف الجهاد - في
صورة عدم تعينه - أو السفر المباح أو المندوب، أو
الحج المندوب ونحوه على إذنهما، أو عدم منعهما.
ثالثا - حرمة إيذائهما وعقوقهما، سواء كان
بسبب مخالفة أوامرهما ونواهيهما، أو بسبب آخر.
ولكن:
1 - القدر المتيقن من هذه الموارد الثلاثة،
والذي لا خلاف فيه ظاهرا - بل ادعي عليه
الإجماع - هو الثالث، للنصوص المستفيضة (1)
كتابا وسنة، التي منها قوله تعالى: * (وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن
عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف
ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) * (2).
وأقل مراتب الإيذاء هو قول: " أف " لهما (3).

(1) كشف الغطاء: 394.
عاصر كاشف الغطاء السلطان فتح علي شاه
القاجاري، وفي عهده حمل الروس على شمال
إيران حملة شعواء، فقام العلماء بتأييد السلطان لدفع
حملاتهم، بل حضر بعضهم هذه المعارك، وكانت
الرياسة العامة آنذاك للشيخ جعفر كاشف الغطاء، فأذن
للسلطان بالاستفادة من الوجوهات الشرعية
كالزكوات والخراج للاستعداد للحرب، وأمر الناس
بإطاعته. تجد ذلك في كتابه كشف الغطاء.
(1) انظر أصول الكافي 2: 348، باب العقوق.
(2) الإسراء: 23.
(3) لم ينقح الفقهاء الإيذاء المحرم ما هو؟ هل هو مطلق
الإيذاء أو إيذاء خاص؟ فلو أراد الولد أن يسكن دارا
متواضعة مثلا، وكان الوالد يتأذى من ذلك ويريد منه
أن يسكن دارا فخمة، فهل يحرم مثل هذا الإيذاء
أيضا؟ لعلنا نتطرق إلى ذلك في عنوان " إيذاء "، انظر
إجمالا مستند العروة (الصوم) 2: 363.
23

وبناء على ذلك لو كان عدم الإطاعة
مستلزما للإيذاء والعقوق، فيحرم من هذه الجهة،
وإن لم نقل بوجوب الإطاعة مطلقا، كما عليه بعض
الفقهاء، وستأتي الإشارة إليه.
2 - وأما توقف جواز فعل بعض المباحات أو
المندوبات أو الواجبات الكفائية على إذن الأبوين
أو عدم منعهما، فهذا أمر مختلف فيه حكما
وموضوعا، ولابد من ملاحظة كل مورد بخصوصه،
ولا يسعنا الخوض فيه فعلا، وإنما نشير إلى بعض
الموارد إجمالا، فنقول:
المعروف بين الفقهاء: أن الجهاد الابتدائي
واجب كفائي - مع اجتماع شروطه - إلا إذا تعين
لبعض الأسباب، كتعيين من بيده الأمر ونحوه (1).
والمعروف بينهم أيضا: أن الوجوب الكفائي
مشروط بإذن الوالدين أو بعدم منعهما - على
اختلاف التعابير - وأما الوجوب العيني فغير
مشروط بذلك (2).
وأما السفر لطلب العلم والتجارة، فقد قال
الشيخ: " وأما طلب العلم فالأولى ألا يخرج إلا
بإذنهما، فإن منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما " (3).
وقال العلامة: " لو سافر لطلب العلم
والتجارة استحب له استيذانهما وأن لا يخرج من
دون إذنهما، ولو منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما.
وفارق الجهاد، لأن الغالب فيه الهلاك، وهذا الغالب
منه السلامة " (1).
وقال في موضع آخر بوجوب إطاعتهما (2)،
وكلامه هناك مطلق كما سيأتي.
وقال الشهيد الأول في جملة ما يجب أو يحرم
للأبوين: " الأول - تحريم السفر المباح بغير إذنهما،
وكذا السفر المندوب، وقيل: بجواز سفر التجارة
وطلب العلم إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في
بلدهما، كما ذكرناه فيما مر (3) " (4).
وقال الشهيد الثاني: " وكما يعتبر إذنهما في
الجهاد يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة
والواجبة الكفائية مع قيام من فيه الكفاية... " (5).
وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى مواضعه
المناسبة، مثل العناوين: " اعتكاف "، " حج "،
" صلاة "، " صوم "، ونحوها.
3 - وأما وجوب إطاعة الوالدين وحرمة
مخالفتهما، فالتصريح به قليل:
قال العلامة مستدلا على لزوم إذن الأبوين
معا في الجهاد: " حكم أحد الأبوين حكمهما معا،
لأن طاعة كل واحد منهما فرض كما أن

(1) انظر الجواهر 21: 22، والمصادر الآتية.
(2) انظر الجواهر 21: 22، والمصادر الآتية.
(3) المبسوط 2: 6.
(1) المنتهى (الحجرية) 2: 902.
(2) المصدر المتقدم: 901.
(3) مر كلامه في هذا الموضوع أيضا في القواعد والفوائد
1: 335، القاعدة 120 / فائدة.
(4) القواعد والفوائد 2: 47، القاعدة 162.
(5) المسالك 3: 14.
24

طاعتهما فرض " (1).
لكن ينافيه قوله بعدم حرمة مخالفتهما في
السفر لطلب العلم، كما تقدم (2).
وقال في مقدمة كتاب الإرشاد الذي كتبه
بطلب من ولده فخر الدين: "... فإن الله تعالى كما
أوجب على الولد طاعة أبويه، كذلك أوجب عليهما
الشفقة عليه بإبلاغ مراده في الطاعات... " (3).
وقال ولده فخر الدين مستدلا على لزوم إذن
الأبوين في الجهاد: " إن طاعة الأبوين فرض عين،
والجهاد فرض كفاية، وفروض العين مقدمة على
فروض الكفايات " (4).
ونقل الشهيد الثاني عبارة الإرشاد في روض
الجنان شارحا لها (5).
وقال صاحب الحدائق مستدلا على تقدم
ولاية الجد على ولاية الأب: " بأن للجد ولاية على
الأب، لوجوب طاعته وامتثال أمره، فيكون
أولى " (6).
فكأن وجوب طاعة الجد على الأب أمر
مفروغ منه.
وقال السيد الطباطبائي بالنسبة إلى صوم
الضيف بدون إذن مضيفه، والولد بدون إذن الوالد:
"... الأصح الكراهة مطلقا إلا مع النهي في الولد
فيحرم قطعا " (1). وهو صريح في أن مخالفة نهي الوالد
حرام على الولد.
بل صرح بعضهم: بأن حرمة مخالفة النهي
لا شك فيها، لأنها تؤدي إلى العقوق وهو محرم
بلا إشكال (2).
وهذا التعليل - كما هو ظاهر -:
أولا - لا يختص بالوالد، بل يشمل الوالدة
أيضا.
ثانيا - لابد من الالتزام بعدم حرمة المخالفة لو
لم تستلزم الإيذاء والعقوق.
وإلى هاتين النكتتين أشار صاحب الجواهر،
حيث قال - في مسألة حمل نهي الوالد لولده
عن الصوم المندوب على الكراهة -: "... لعدم
ما يدل على وجوب طاعته في ذلك ما لم تستلزم
إيذاء بذلك من حيث الشفقة التي لا فرق بين
الوالد والوالدة... " (3).
وإلى هذا المعنى أشار جملة ممن تأخر عن
صاحب الجواهر أيضا:

(1) المنتهى (الحجرية) 2: 901.
(2) تقدم قبل قليل.
(3) إرشاد الأذهان 1: 217.
(4) إيضاح الفوائد 1: 351.
(5) روض الجنان: 8.
(6) الحدائق 23: 274.
(1) الرياض 5: 468.
(2) انظر مستند الشيعة 10: 503، وفيه: "... إن العقوق
لا يتحقق إلا مع النهي، ولا شك في الحرمة حينئذ
كما قيل "، ولعله إشارة إلى كلام السيد الطباطبائي،
المتقدم آنفا.
(3) الجواهر 17: 119، وانظر 21: 23.
25

قال السيد الحكيم - معلقا على كلام السيد
اليزدي حيث عد من موارد وجوب صلاة الجماعة
أمر أحد الوالدين بذلك -: " بناء على وجوب
إطاعتهما مطلقا... لكن في الجواهر استقرب صحة
صوم الولد مع نهي الوالد عنه، لعدم ما يدل على
وجوب إطاعتهما في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك
من حيث الشفقة. وكأنه لعدم إمكان الالتزام
بوجوب الإطاعة مطلقا...
وكأن ما التزم به في الجواهر - من وجوب
إطاعتهما في خصوص الأمر الصادر عن الشفقة
بحيث يكون تركها إيذاء لهما - معقد إجماع، وإلا فلم
أجد ما يدل عليه من النصوص بالخصوص
عاجلا " (1).
وتكرر منه هذا المضمون في عدة موارد (2).
وقال السيد الخوئي في ذيل المسألة نفسها:
" بناء على وجوب إطاعتهما مطلقا على حد إطاعة
العبد لسيده، ولكن لم يثبت، لعدم الدليل عليه، وإنما
الثابت بمقتضى الآية المباركة وغيرها وجوب حسن
المعاشرة وأن يصاحبهما بالمعروف، فلا يؤذيهما
ولا يكون عاقا لهما، وأما فيما لا يرجع إلى ذلك،
فوجوب الإطاعة بعنوانها، بحيث لو أمراه بطلاق
الزوجة، أو الخروج عن المال وجب الامتثال، فلم
يقم عليه أي دليل. نعم ورد في بعض الأخبار: أنه
" إن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل،
فإن ذلك من الإيمان "، لكنه حكم أخلاقي استحبابي
قطعا، كما يومئ إليه ذيل الخبر، كيف وقد كان يتفق
النزاع بين الوالد والولد في الأموال، فكان يقضي
بينهما النبي (صلى الله عليه وآله) كما تضمنه بعض النصوص؟! " (1).
وقد تكرر منه هذا المضمون أيضا (2).
وأما السيد اليزدي، فالظاهر من بعض
عباراته - كالموارد التي علق عليها السيدان: الحكيم
والخوئي، كما تقدم - أنه قائل بوجوب الإطاعة
مطلقا، لكن الظاهر من عبارة أخرى له في الصوم
المكروه أنه قائل بما قال به صاحب الجواهر، حيث
قال: " ومنها صوم الولد بدون إذن والده، بل
الأحوط تركه خصوصا مع النهي، بل يحرم إذا كان
إيذاء له من حيث الشفقة عليه " (3).
ثم ألحق الوالدة بالوالد أيضا.
وكلامه صريح في أن المحرم هو مخالفة النهي
المستلزم لإيذاء الوالدين أو أحدهما شفقة على
الولد، لا مطلق النهي.
ولعل هذا المعنى مستفاد من كلام بعض من
تقدم على صاحب الجواهر أيضا:
قال الشهيد الأول: " هل لهما منعه من الصلاة

(1) المستمسك 7: 169.
(2) انظر المستمسك 7: 119، و 8: 551، و 10: 18.
(1) انظر مستند العروة (الصلاة) 5 / القسم الثاني: 32.
(2) انظر مستند العروة (الصلاة) 5 / القسم الأول:
266 - 267، و 8: 106، و (الصوم) 2: 363،
و (الحج) 1: 33.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في أقسام الصوم،
الصوم المكروه.
26

جماعة؟ الأقرب أنه ليس لهما منعه مطلقا، بل في
بعض الأحيان بما يشق عليهما مخالفته، كالسعي في
ظلمة الليل إلى العشاء والصبح " (1).
وقال المحقق الأردبيلي: "... لعل اجتناب ما
فيه لهما غضاضة مع عدم المعارض واجب، ويمكن
جواز ارتكاب ما لم يعلم فيه ذلك وعدم وجوب
الاستئذان، وإن وجب الامتناع بعد العلم بالغضاضة
وعدم الرضا والإذن وإظهار الأذى لمصلحة معقولة
معتبرة في نظر العقلاء في الجملة، لا مجرد التشهي
والأغراض الفاسدة الباطلة " (2).
والحاصل: لم أعثر على تصريح بوجوب
إطاعة الأبوين فيما يأمران به وينهيان عنه مطلقا،
سواء استلزم إيذاءهما أو لا، إلا أن نتمسك بإطلاق
كلام بعض من تقدم ذكرهم ونثبت أن كلامهم يشمل
صورتي الإيذاء وعدمه، لكن ذلك مشكل أيضا،
لكثرة التخصيص الوارد في مواطن متفرقة من الفقه.
نعم، قال الإمام الخميني عند عد موارد الصوم
المكروه: "... وصوم الولد من دون إذن والده مع
عدم الإيذاء له من حيث الشفقة، ولا يترك
الاحتياط مع نهيه وإن لم يكن إيذاء، وكذا مع نهي
الوالدة " (3).
وكلامه صريح في الإطلاق - أي سواء
استلزمت المخالفة الإيذاء أو لا - إلا أنه على نحو
الاحتياط الوجوبي.
تنبيه (1):
يستفاد من كلام صاحب الجواهر ومن وافقه
ممن تأخر عنه: أن المحرم هو المخالفة التي تستلزم
إيذاء من حيث الشفقة على الولد، كالنهي عن السفر
خوفا وشفقة عليه، أو النهي عن الصوم شفقة عليه
ونحو ذلك.
وبناء على ذلك فلو كانت المخالفة تستلزم
إيذاء لا من حيث الشفقة عليه، بل من حيث إنه
خالفه فيما يريد، كما لو أمره أن يصرف وقته كله في
خدمته، فلا تكون المخالفة محرمة.
ولعل إلى هذه النكتة أشار المحقق الأردبيلي
حيث اشترط أن تكون الأذية لمصلحة معقولة
معتبرة في نظر العقلاء في الجملة، لا لمجرد التشهي
والأغراض الفاسدة (1).
وكلامه وإن كان أعم مما قاله صاحب
الجواهر - وهو كون الأذية لمجرد الشفقة - لكنه
يتضمن ذلك.
تنبيه (2):
إن التعبير ب‍ " الولد " في كلمات الفقهاء يعم
الابن والبنت، كما هو واضح.

(1) القواعد والفوائد 1: 47، القاعدة 162.
(2) مجمع الفائدة 7: 443 - 444.
(3) تحرير الوسيلة 1: 277، كتاب الصوم، الصوم
المكروه. وانظر تعليقته على كلام السيد اليزدي في
العروة الوثقى، حيث تقدم آنفا.
(1) انظر مجمع الفائدة 7: 443.
27

تنبيه (3):
لا شبهة في استحباب إطاعة الوالدين في غير
الموارد الواجبة، وعليه تحمل الروايات التي يظهر
منها وجوب إطاعة الوالدين مطلقا.
حدود إطاعة الوالدين:
إن إطاعة الوالدين - على جميع المباني -
مشروطة بأن لا تستلزم معصية، لقوله تعالى: * (وإن
جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا
تطعهما) * (1)، ولقول الإمام علي (عليه السلام): " لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق " (2)، وقد أرسل الفقهاء
وغيرهم هذا المضمون - بل هذا النص - إرسال
المسلمات وإن لم يسندوه إلى أحد.
ولقوله (عليه السلام) بهذا المضمون أيضا: "... فحق
الوالد على الولد أن يطيعه في كل شئ إلا في معصية
الله سبحانه " (3).
ولابد من حمل الأمر بالإطاعة في غير موارد
الوجوب، على الأمر الأدبي الندبي كما تقدم.
وبناء على ذلك كله، فلا يجب إطاعتهما لو نهيا
عن الواجبات، كالصلاة الواجبة والصوم الواجب
والحج الواجب، وأداء الحقوق المالية كالخمس
والزكاة، ونحو ذلك، وكذا لو أمرا بفعل محرم.
وأما لو أوجب الولد شيئا على نفسه بيمين
وشبهها، جاز للوالد النهي عنه، لأن اليمين إما
أن لا تنعقد مع عدم إذن الوالد، أو تنعقد، لكن يجوز
له أن يحلها (1).
إطاعة الزوجة للزوج:
المستفاد من مجموع كلمات الفقهاء في موضوع
النفقة والتمكين والنشوز وموارد متفرقة أخرى: أن
الإطاعة الواجبة إنما تكون في موردين:
الأول - ما يتعلق بالتمكين والاستمتاع:
مثل أن يأمرها بأن تمكنه من نفسها للاستمتاع،
أو للاستعداد للاستمتاع، كالتنظيف، وإزالة ما هو
منفر للطباع: كالوسخ والرائحة النتنة والشعر ونحو
ذلك.
الثاني - ما يتعلق بالخروج من المنزل: فإنه قد
وردت نصوص مستفيضة تدل على نهي الزوجة
عن الخروج من المنزل من دون إذن زوجها (2).
(1) انظر الجواهر 35: 260 و 360 - 361.
(2) قيد السيد الخوئي ذلك بما إذا كان الخروج منافيا لحق
الزوج، وأما إذا لم يكن كذلك، كالخروج اليسير لزيارة
والديها مثلا، وخاصة إذا كان في النهار، فلا يحرم بدون
إذن الزوج. انظر مستند العروة (الصوم) 2: 361،
لكنه احتاط وقال بعدم جواز الخروج في هذه الصورة
أيضا في منهاج الصالحين 2: 289، المسألة 1407.

(1) لقمان: 15.
(2) نهج البلاغة، قسم الحكم، الحكمة 165، وانظر:
أصول الكافي 2: 372، باب من أطاع المخلوق في
معصية الخالق، والوسائل 11: 155، الباب 59 من
أبواب وجوب الحج.
(3) نهج البلاغة: قسم الحكم، الحكمة 399.
28

وبناء على ذلك فلو نهاها عن الخروج وجبت
إطاعته.
وأما في غير هذين الموردين، فلا تجب إطاعة
الزوج وإن كانت مندوبة فيما لو لم يلزم منه محذور
آخر، كارتكاب معصية، على ما سيأتي بيان ذلك.
وعلى هذا المبنى، فلا تجب على الزوجة إطاعة
الزوج لو أمرها بغسل ثيابه، أو كنس داره، أو طبخ
طعامه، أو نهاها عن بيع، أو شراء، أو صلح، أو
إجارة، أو نحو ذلك من التصرفات في مالها إذا لم
يناف حق الزوج في الاستمتاع، أو لم يستلزم
خروجها من البيت دون إذنه.
قال السيد اليزدي بالنسبة إلى جواز استئجار
المرأة للإرضاع: " إذا كانت الامرأة المستأجرة
مزوجة لا يعتبر في صحة استئجارها إذنه ما لم يناف
ذلك لحق استمتاعه... " (1).
وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: "... بل نص
بعضهم على جوازه حينئذ حتى مع منع الزوج، إذ
ليس له منعها عما لا ينافي حقه مكانا ولا زمانا،
بعد أن كانت هي حرة مالكة لأمرها ومسلطة على
منافعها من الخدمات التي منها الإرضاع...
ومن البين أن الإطاعة الواجبة عليها خاصة بما يعود
إلى الاستمتاع والتمكين فحسب " (1).
وإلى كل ذلك أشار الإمام الخميني في تعريف
النشوز بقوله: " وهو في الزوجة خروجها عن طاعة
الزوج الواجبة عليها: من عدم تمكين نفسها، وعدم
إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها، بل
وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا
خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك. ولا
يتحقق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة
عليها، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه
التي لا تتعلق بالاستمتاع: من الكنس، أو الخياطة،
أو الطبخ، أو غير ذلك حتى سقي الماء، وتمهيد
الفراش، لم يتحقق النشوز " (2).
حدود إطاعة الزوج:
اتضح مما تقدم: أن إطاعة الزوج - في الموارد
التي تجب فيها الإطاعة - محدودة كسائر الموارد بما
إذا لم تستلزم معصية، فلو أمر الزوج زوجته
للاستمتاع بها بالجماع أيام حيضها، فعليها الامتناع

(1) العروة الوثقى: كتاب الإجارة، الفصل السادس إجارة
المرأة للإرضاع، المسألة 8. وانظر: المستمسك:
12: 130، ومنهاج الصالحين (للسيد الحكيم)
2: 112، كتاب الإجارة، فصل فيه مسائل، المسألة
16، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 84،
كتاب الإجارة، فصل فيه مسائل، المسألة 396.
(1) مستند العروة (الإجارة): 362.
(2) تحرير الوسيلة 2: 272، كتاب النكاح، القول في
النشوز. وانظر: منهاج الصالحين (للسيد الحكيم)
2: 306، كتاب النكاح، الفصل العاشر في النفقات،
المسألة 4، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي)
2: 289، كتاب النكاح، الفصل العاشر في النفقات،
المسألة 1407.
29

ولا يجوز لها إطاعته في ذلك، لأنه " لا طاعة لمخلوق
في معصية الخالق " (1).
وإذا استطاعت الزوجة فأرادت أن تأتي
بحجها الواجب، ونهاها الزوج عن ذلك، فلا أثر
لنهيه ولا تجب عليها إطاعته، للدليل المتقدم
والنصوص العديدة (2). ولا فرق حينئذ بين كون
الحج واجبا موسعا أو مضيقا، كما يظهر من بعضهم (3).
نعم، يظهر من بعض آخر وجوب الإطاعة
فيما لو كان الواجب موسعا، كما لو أرادت أن تصلي
الظهر أول الوقت وطلب منها زوجها الاستمتاع،
فإن وقت الظهر موسع، ولا معارضة بين الموسع
وهو صلاة الظهر، والمضيق وهو الاستمتاع، لأن
المضيق مقدم على أي حال (4)، وكما لو أرادت أن
تذهب إلى الحج قبل تضيقه فنهاها (5).
ما يترتب على إطاعة الزوج:
أهم ما يترتب على إطاعة الزوج هو
استحقاق النفقة، لأن الزوجة إنما تستحق النفقة إذا
مكنت زوجها من نفسها تمكينا كاملا، وأطاعته في
المسائل الزوجية (الاستمتاع)، وأما لو لم تطعه في
ذلك فتصير ناشزة ولا تستحق النفقة من زوجها،
وهذا لا ريب فيه (1).
ويدخل في هذا الإطار إجمالا إطاعة الزوج
لو نهاها عن بعض العبادات المندوبة المنافية لحق
الاستمتاع، كالصلاة والصوم والاعتكاف والحج،
على كلام في بعضها، كما يأتي في عنوان " اعتكاف "
وغيره إن شاء الله تعالى.
وأما العبادات الواجبة، فلا إطاعة للزوج لو
نهاها عنها، مع ملاحظة ما تقدم من الفرق بين
الموسع والمضيق منها، لأنه " لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق " (2).
إطاعة المملوك لسيده:
تجب إطاعة المملوك لسيده إطاعة مطلقة،
ولا تجوز معصيته إلا إذا استلزمت إطاعته معصية
الخالق، فعندها لا تجب الإطاعة، للقاعدة المسلمة:
" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
ولهم كلام في ضمان العبد لو أمره سيده بما فيه
ضمان، كإتلاف نفس أو مال، تراجع فيه المطولات (3).
30

تنبيه:
كانت هذه أهم الأبحاث المتعلقة بالإطاعة،
وبقيت بعض الجوانب الأخرى نحيلها على مواضع
أكثر مناسبة، مثل اشتراط نية الإطاعة في العبادات
وعدمه، حيث نبحث عنه في العنوانين: " امتثال "،
و " نية " إن شاء الله تعالى.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب الطهارة:
حرمة تمكين الحائض للزوج من نفسها.
2 - كتاب الصلاة:
أ - موارد وجوب الجماعة، ومنها أمر أحد
الوالدين، على كلام فيه.
ب - موارد صدق السفر المحرم - في صلاة
المسافر - ومنها سفر الزوجة بدون إذن
الزوج، وسفر الولد من دون إذن
الوالدين، على كلام فيهما.
3 - كتاب الصوم:
موارد الصوم المكروه والمحرم: صوم
الزوجة من دون إذن الزوج وصوم الولد
من دون إذن الوالدين، وصوم المملوك
من دون إذن سيده.
4 - كتاب الاعتكاف:
اشتراط صحة الاعتكاف بإذن من له
الولاية على المنع، كالزوج والوالدين
والسيد، على كلام في بعضها.
5 - كتاب الحج:
اشتراط صحة الحج المندوب بإذن الزوج
والوالدين وعدم اشتراط الواجب بذلك.
6 - كتاب الجهاد:
اشتراط وجوب الجهاد - مع عدم
التعيين - بإذن الوالدين ورجوع البغاة إلى
طاعة الإمام.
7 - كتاب البيع:
البحث عن ولاية الفقيه والأب والجد عند
الكلام عن شرائط المتعاقدين.
8 - كتاب الرهن:
الكلام عن جناية العبد المرهون.
9 - كتاب النكاح:
في موضوع النفقة والنشوز.
10 - كتاب القصاص والديات:
عند البحث عن الأمر بالجناية.
وموارد متفرقة أخرى.
ثانيا - الأصول:
1 - الكلام عن الأوامر الإرشادية والمولوية،
وقد تعرضوا لذلك في مواطن متعددة على
نحو الاستطراد.
2 - الكلام عن مراتب الامتثال في البحث عن
منجزية العلم الإجمالي في مبحث القطع
والاشتغال.
31

ثالثا - الكلام:
في بحث النبوة والإمامة والتسليم للنبي والإمام.
إطاقة
لغة:
القدرة على الشئ (1)، وقيل: هي اسم لمقدار
ما يمكن أن يفعله الإنسان بمشقة (2)، ولذلك فرق بين
القدرة والطاقة ب‍: " أن الطاقة غاية مقدرة القادر
واستفراغ وسعه في المقدور، يقال: هذا طاقتي، أي
قدر إمكاني، ولا يقال لله تعالى: مطيق، لذلك " (3).
اصطلاحا:
الظاهر من النصوص وكلمات الفقهاء: أن
الإطاقة استعملت غالبا بمعنى القدرة، إلا في بعض
الموارد وعلى بعض الاحتمالات، فإنها استعملت
فيها بمعنى غاية الوسع والقدرة، ومن تلك الموارد:
قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين) * (4).
فقد ذكر المفسرون عدة أقوال في تفسير
* (يطيقونه) *:
الأول - أن الآية نزلت في أول تشريع الصوم،
حيث كان المسلمون القادرون على الصوم مخيرين
بين الصوم وتركه مع الفدية، ثم نسخت.
الثاني - أن المراد من ذلك هم: الحامل
والمرضع والشيخ الفاني، ثم نسخ من الآية الحامل
والمرضع وبقي الشيخ الكبير.
الثالث - أن المراد: هم الذين كانوا يطيقون
الصوم ثم صاروا لا يطيقونه، وهم: من أصابه الكبر
أو عطاش أو شبه ذلك.
ذكر الطبرسي هذه الأقوال الثلاثة، ثم قال
بالنسبة إلى الثالث: " وقد رواه بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " (1).
أقول: لعل مقصوده من ذلك ما رواه ابن
بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
تفسير الآية، قال: " الذين كانوا يطيقون الصوم
فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك... " (2)، لكن
هناك رواية صحيحة يظهر منها أن هذا العنوان - أي
" يطيقونه " - منطبق على الشيخ ونحوه فعلا، لا بمعنى
أنهم كانوا يطيقونه، وهي صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية، قال:
" الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش " (3).
(1) مجمع البيان (1 - 2): 274.
(2) الوسائل 10: 211، الباب 15 من أبواب من يصح منه
الصوم، الحديث 6.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 3، وانظر تفسير العياشي
1: 98، الحديث 180.

(1) انظر: لسان العرب، ومجمع البحرين: " طوق ".
(2) انظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب: " طوق ".
(3) الفروق اللغوية: 89، الفرق بين القدرة والطاقة.
(4) البقرة: 184.
32

وإلى هذا المعنى أشار بعض المفسرين،
كالزمخشري (1) والبيضاوي (2) والسيد الطباطبائي (3)،
بل يظهر من الأخير تعينه.
قال البيضاوي: " وقرئ يطوقونه، أي
يكلفونه ويقلدونه، من الطوق بمعنى الطاقة، أو
القلادة، ويتطوقونه، أي يتكلفونه، أو يتقلدونه...
وعلى هذه القراءات يحتمل معنى ثانيا، وهو
الرخصة لمن يتعبه الصوم ويجهده - وهم الشيوخ
والعجائز - في الإفطار والدية... وقد أول به القراءة
المشهورة، أي يصومونه جهدهم وطاقتهم ".
وقد سبقه بذلك الزمخشري في الكشاف.
وقال السيد الطباطبائي: " الإطاقة - كما ذكره
بعضهم - صرف تمام الطاقة في الفعل، ولازمه وقوع
الفعل بجهد ومشقة ".
ولعله لذلك فصل جملة من الفقهاء - كالمفيد (4)
والمرتضى (5) والعلامة (6) والشهيد الثاني (7) - بين
الشيخ القادر على الصوم ولكن بمشقة وبين غير
القادر أصلا، فأوجبوا الفدية على الأول دون
الثاني، لأن غير القادر لا يجب عليه الصوم أصلا،
ولكن القادر بمشقة ينتقل فرضه إلى البدل للمشقة.
لكن علق صاحب المدارك على هذا القول
قائلا: " ولم نقف للمفيد وأتباعه على رواية تدل على
ما ذكروه من التفصيل " (1).
وأما تفصيل الكلام عن حكم صوم الشيخ
والشيخة فإنما هو في عنوان " صوم ".
وتراجع موارد استعمال الإطاقة في:
1 - الصوم، عند الكلام عن سقوط الصوم من
الشيخ والشيخة، والكلام عن استحباب تمرين
الأولاد على الصوم قبل البلوغ بقدر ما يطيقون.
2 - الحج، عند الكلام عن الاستطاعة،
والطواف والرمي ونحوهما إذا عجز عنهما.
3 - الجهاد، أخذ الجزية من أهل الذمة على
قدر ما يطيقون.
4 - الكفارة، البحث عن العاجز عن التكفير.
5 - النذر، حكم من نذر ما لا يطيقه.
6 - وفي علم الأصول حيث يبحث عن
حديث الرفع، إذ ربما تكلم بعضهم عن سائر
فقراته، ومنها: " ما لا يطيقون ".
7 - وفي علم الكلام حيث يبحث فيه عن
التكليف بما لا يطاق.
(1) المدارك 6: 295، وقد سبقه بهذا النقد الشيخ الطوسي
في التهذيب 4: 237، باب العاجز عن الصيام.
هذا ويمكن أن يستفاد التفصيل المزبور من
مجموع الآية وصحيحة محمد بن مسلم وقاعدة
اشتراط القدرة في التكليف.

(1) تفسير الكشاف 1: 335.
(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) 1: 105.
(3) الميزان في تفسير القرآن 2: 11.
(4) المقنعة: 351.
(5) الانتصار: 67.
(6) المختلف 3: 542 - 543.
(7) المسالك 2: 85 - 86.
33

إطالة
لغة:
مصدر أطال، يقال: أطال الشئ وطوله، أي
جعله طويلا (1)، ويقال: أطال في الشئ بمعنى جعله
طويلا أيضا (2).
والطويل: الممتد، سواء كان زمنا أو غيره (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
يعلم حكم الإطالة مما تضاف إليه، وهي
أمور كثيرة نحيل تفصيلها على المواضع المناسبة،
ونشير إلى أهمها فيما يلي إجمالا:
إطالة الصلاة:
تستحب إطالة الصلاة بصورة عامة،
ولا سيما المندوبة منها، وهذا يستفاد من تنصيص
الفقهاء على استحباب الإطالة في بعض
أجزائها على الخصوص، كالقراءة (4) والركوع (5)
والسجود (1) والقنوت (2)، ونحوها.
ويستفاد من كلام بعض الفقهاء: أن استحباب
الإطالة في القراءة إنما هو بالنسبة إلى النوافل
وخاصة الليلية منها (3).
وقد وردت بشأن استحباب الإطالة في
أجزاء الصلاة نصوص كثيرة:
أما الإطالة في القراءة، فالنصوص الواردة
فيها كثيرة ومختلفة تراجع مظانها (4).
وأما الإطالة في الركوع، فمما ورد فيها:
ما رواه سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" ومن كان يقوى على أن يطول الركوع والسجود
فليطول ما استطاع... " (5).
وما رواه أبو أسامة، قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله - إلى أن
قال: - وعليكم بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم
إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه،
وقال: ويلتا أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت " (6).

(1) لسان العرب: " طول ".
(2) المعجم الوسيط: " طول ".
(3) لسان العرب: " طول ".
(4) انظر الجواهر 9: 400 - 411.
(5) انظر: الجواهر 10: 109 - 110، والمستمسك 6: 321.
(1) انظر: الجواهر 10: 233، والمستمسك 6: 321 -
322.
(2) انظر: الجواهر 10: 367، والمستمسك 6: 506.
(3) انظر الجواهر 9: 400 - 411.
(4) الوسائل 6: 116، الباب 48 من أبواب القراءة، وغيره.
(5) الوسائل 6: 305، الباب 6 من أبواب الركوع،
الحديث 4.
(6) الوسائل 6: 306، الباب 6 من أبواب الركوع،
الحديث 7.
34

وقد عدوا للإمام الصادق (عليه السلام) في ركوعه
أربعا وثلاثين، أو ستين تسبيحة (1).
وأما الإطالة في السجود، فمما ورد فيها
- إضافة إلى ما تقدم من إطالة الركوع -:
ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عن
آبائه (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " أطيلوا
السجود، فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى
ابن آدم ساجدا، لأنه امر بالسجود فعصى، وهذا امر
بالسجود فأطاع فيما امر " (2).
وما رواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: " مر بالنبي (صلى الله عليه وآله) رجل وهو
يعالج بعض حجراته، فقال: يا رسول الله،
ألا أكفيك؟ فقال: شأنك، فلما فرغ، قال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله): حاجتك؟ قال: الجنة، فأطرق رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: نعم، فلما ولى قال له: يا عبد الله،
أعنا بطول السجود " (3).
وقد عد لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في سجوده
خمسمئة تسبيحة (4).
أما بالنسبة إلى الإطالة في القنوت، فمما
ورد فيها:
ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) مستفيضا: " أطولكم
قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة
في الموقف " (1).
وقال المحدث العاملي - صاحب الوسائل -:
" والقنوتات المروية عنهم (عليهم السلام) المشتملة على
الأدعية الطويلة كثيرة جدا " (2).
هذه جملة من الروايات الدالة على استحباب
الإطالة في أجزاء الصلاة بصورة عامة، وهي تدل
على استحباب إطالة الصلاة على نحو العموم.
ومع ذلك، فقد نص الفقهاء على استحباب
الإطالة في بعض الصلوات بالخصوص، مثل صلاة
الكسوف، فقالوا باستحباب تطويلها بمقدار زمان
الكسوف (3).
ما يستثنى من استحباب الإطالة:
استثني من استحباب إطالة الصلاة بعض
الموارد، فقيل بعدم الإطالة فيها إجمالا، إما لزوما أو
ترجيحا، فمما قيل بلزوم عدم الإطالة فيه:
1 - ما لو استلزمت الإطالة ضيق وقت
الفريضة، بحيث يقع بعضها خارج الوقت (4).

(1) الوسائل 6: 304، الباب 6 من أبواب الركوع،
الحديثان 1 و 2.
(2) الوسائل 6: 381، الباب 23 من أبواب السجود،
الحديث 13.
(3) المصدر المتقدم: 378، الحديث 2.
(4) المصدر المتقدم: 379، الحديث 6.
(1) الوسائل 6: 291 - 292، الباب 22 من أبواب
القنوت، الحديثان 1 و 2.
(2) المصدر المتقدم: 292.
(3) انظر: المعتبر: 217، والذكرى 4: 209، والجواهر
11: 449، وغيرها.
(4) انظر العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في أحكام
الأوقات، المسألة 18.
35

2 - ما لو علمت المرأة قرب حيضها، بحيث
تفسد صلاتها لو أطالت (1).
3 - ما لو استلزمت الإطالة تفويت أمر مهم،
كإنقاذ نفس من الهلاك، أو مال محترم من التلف (2).
ومما قيل بترجيح عدم الإطالة فيه:
1 - إذا كان إماما لجماعة، إلا إذا علم حب
التطويل من جميع المأمومين (3).
2 - إذا استلزمت الإطالة تفويت وقت نافلة (4).
3 - إذا وجد ما يرجح الإسراع، مثل صراخ
الصبي (5).
4 - إذا استلزم تطويل العبادة السأم
والملل (6).
إطالة الجلوس:
يختلف حكم إطالة الجلوس باختلاف
الموارد، نشير إليها إجمالا فيما يلي:
أولا - إطالة الجلوس في المسجد:
تستحب إطالة الجلوس والمكث في
المسجد (1)، فقد ورد بطريق صحيح عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام)، أنه قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لجبرئيل (عليه السلام): يا جبرئيل، أي البقاع أحب إلى الله
عز وجل؟ قال: المساجد، وأحب أهلها إلى الله
أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها " (2).
ثانيا - إطالة الجلوس على المائدة:
تستحب إطالة الجلوس على المائدة وطول
الأكل (3)، فقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" أطيلوا الجلوس على الموائد، فإنها ساعة لا تحتسب
من أعماركم " (4)، وفي وصية الإمام علي (عليه السلام)
لكميل بن زياد: " يا كميل، إذا أنت أكلت فطول
أكلك يستوف من معك، وترزق منه غيرك " (5).
(1) انظر: العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في بعض
أحكام المساجد، السادس، ومستند العروة الوثقى
(الصوم) 2: 384.
(2) الوسائل 5: 294، الباب 68 من أبواب أحكام
المساجد، الحديث 2.
(3) مستند الشيعة 15: 247.
(4) مكارم الأخلاق: 141.
(5) الوسائل 24: 267، الباب 14 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 4، وانظر تحف العقول: 115.

(1) انظر كشف الغطاء: 137.
(2) يمكن تخريج هذا القول مما قالوه في وجوب قطع
الصلاة للإنقاذ ونحوه، انظر: المستمسك 6: 612،
والعروة الوثقى، كتاب الصلاة، فصل في جواز قطع
الفريضة.
(3) انظر العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في
مستحبات الجماعة ومكروهاتها، الثامن.
(4) انظر الجواهر 9: 412.
(5) انظر المنتهى (الحجرية) 1: 385.
(6) انظر: جامع المقاصد 2: 293، والجواهر 10: 367 -
368، وإلى ذلك أشار الطباطبائي (بحر العلوم)
في الدرة النجفية: 148 بالنسبة إلى القنوت،
حيث قال:
أطل به فالفضل للإطاله * أو اقتصر إن تختش الملاله
36

ثالثا - إطالة الجلوس على الخلاء:
تكره إطالة الجلوس على الخلاء (1). روى
محمد بن مسلم، قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
قال لقمان لابنه: طول الجلوس على الخلاء يورث
الباسور، قال: فكتب هذا على باب الحش (2) " (3).
رابعا - إطالة الجلوس مع السكوت عند الغريم:
ذكر بعض الفقهاء ضمن آداب التجارة: أن
يكون التاجر سمحا في اقتضاء دينه (4)، فقد روي في
كيفية اقتضاء الدين: " أطل الجلوس والزم
السكوت " (5)، ونهي عن التشدد في استقضاء
الدين، وجعل من سوء الحساب (6).
خامسا - إطالة الجلوس عند المريض للعيادة:
تستحب عيادة المرضى استحبابا مؤكدا،
لكن قال الفقهاء: إنه يستحب تخفيف الجلوس عند
المريض، وعدم إطالته إلا إذا أحب المريض ذلك (1)،
فقد روي عن علي (عليه السلام): " إن من أعظم العواد أجرا
عند الله لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس، إلا أن
يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك " (2).
إطالة الشعر:
أولا - شعر الرأس: اختلفت فيه الأقوال
بالنسبة إلى الرجل، تبعا لاختلاف الروايات، فيرى
بعضهم: أن اتخاذه أفضل من إزالته، كالعلامة (3)،
ونسبه المحدث البحراني إلى الصدوقين (4).
ويرى البعض الآخر: أن إزالته وحلقه أفضل
من إطالته، وممن صرح بذلك: صاحب الوسائل (5)،
والمحدث الكاشاني (6)، والمحدث البحراني (7) - ونسبه
إلى جملة من العلماء - بل صرح الأول بكراهة إطالة

(1) انظر: الجواهر 2: 75، والمستمسك 2: 247.
(2) الحش: البستان، وسمي به موضع قضاء الحاجة،
لأنهم كانوا يذهبون إليه عند حاجتهم. انظر لسان
العرب: " حشش ".
(3) الوسائل 1: 336، الباب 20 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث الأول. ويظهر من الحديث الخامس
من الباب نفسه: أن الكاتب هو لقمان نفسه.
(4) انظر: الدروس 3: 184، والجواهر 22: 465.
(5) الوسائل 18: 349، الباب 16 من أبواب الدين،
الحديث 2.
(6) المصدر المتقدم: الحديثان 1 و 3.
(1) انظر: الدروس 1: 102، والذكرى 1: 284،
والجواهر 4: 5.
(2) الوسائل 2: 426، الباب 15 من أبواب الاحتضار،
الحديث 2.
(3) المنتهى 1: 318.
(4) الحدائق 5: 556، وانظر من لا يحضره الفقيه 1: 129،
آداب الحمام.
(5) الوسائل 2: 105، الباب 60 من أبواب آداب الحمام،
وانظر بداية الهداية ولب الوسائل 1: 17.
(6) النخبة: 9.
(7) الحدائق 5: 557.
37

الشعر، حيث قال في عنوان الباب: " باب استحباب
حلق الرأس للرجل وكراهة إطالة شعره "، ويظهر
من الثالث، لأنه حمل الروايات الدالة على خلاف
الحلق على التقية، ولعل وجهه ما نقله عن الوافي،
وهو: " أن الحلق كان في الجاهلية عارا عظيما في
العرب، فلما جاء الإسلام وفرض الحج وصار سنة
لم يجدوا بدا من فعله حين يحجون أو يعتمرون،
ولكنه كان كبيرا عليهم في غيرهما، ولما رأى
النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك منهم أمرهم بتربية الشعر، لئلا
يكونوا شعثا ذوي قمل، ثم إن منهم من حلق ومنهم
من ترك الشعر حتى آل الأمر إلى أن صار الحلق
شعارا للشيعة، لأن أئمتهم (عليهم السلام) كانوا محلقين أسوة
برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخلافه شعارا لمخالفيهم... " (1).
وتظهر أفضلية الحلق من الإطالة من كلام
آخرين، كصاحب المعالم (2).
واكتفى بعض آخر بذكر الروايات دون أن
يستظهر شيئا منها، كالشهيد الأول (3).
ومن جملة الروايات المذكورة في هذا
المورد هي:
1 - ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال لي: استأصل شعرك يقل
درنه ودوابه ووسخه، وتغلظ رقبتك، ويجلو
بصرك " (1)، وفي رواية أخرى: " ويستريح بدنك " (2).
2 - ما رواه البزنطي عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام)، قال: " قلت له: إن أصحابنا يروون
حلق الرأس في غير حج ولا عمرة مثلة! فقال: كان
أبو الحسن (عليه السلام) إذا قضى نسكه عدل إلى قرية يقال
لها " ساية "، فحلق " (3).
3 - " حلق الرأس في غير حج ولا عمرة مثلة
لأعدائكم وجمال لكم " (4).
وفي رواية أخرى: " عمرة لنا، ومثلة
لأعدائنا " (5).
4 - ما رواه ابن سنان، قال: " قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): ما تقول في إطالة الشعر؟ فقال: كان
أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) مشعرين، يعني الطم " (6).
قال صاحب المعالم: " الظاهر أن المراد من
الطم فيه: الجز، فيدل على عدم مرجوحية الإطالة
مع الجز " (7).
5 - ما رواه السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
أنه قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اتخذ شعرا
فليحسن ولايته أو ليجزه " (8).
ثانيا - اللحية: تكره إطالتها أكثر من قبضة،
(1) الوسائل 2: 104، الباب 59 من أبواب آداب الحمام، الحديث 3.
(2) الوسائل 2: 104، الباب 59 من أبواب آداب الحمام، الحديث 3.
(3) الوسائل 2: 105، الباب 60 من أبواب آداب الحمام، الأحاديث 2 و 6 و 3 و 4.
(4) الوسائل 2: 105، الباب 60 من أبواب آداب الحمام، الأحاديث 2 و 6 و 3 و 4.
(5) الوسائل 2: 105، الباب 60 من أبواب آداب الحمام، الأحاديث 2 و 6 و 3 و 4.
(6) الوسائل 2: 105، الباب 60 من أبواب آداب الحمام، الأحاديث 2 و 6 و 3 و 4.
(7) منتقى الجمان 1: 118.
(8) الكافي 6: 485، باب اتخاذ الشعر، الحديث 2.

(1) الحدائق 5: 558، وانظر الوافي 4: 649 - 650.
(2) انظر: منتقى الجمان 1: 118، ومعالم الدين
(قسم الفقه) 2: 919.
(3) الذكرى 1: 158 - 159.
38

بل يستحب تخفيفها حتى تبلغ مقدار قبضة (1)، فقد
ورد في بعض الروايات: " ما زاد من اللحية عن
القبضة فهو في النار " (2)، أو نحو ذلك.
ثالثا - شعر سائر البدن: كالشارب، وشعر
الإبط، والعانة ونحوها، فيستحب إزالته وتكره
إطالته (3)، فقد ورد عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:
" لا يطولن أحدكم شاربه ولا عانته ولا شعر إبطيه،
فإن الشيطان يتخذها مخبأ يستتر بها " (4)، وهناك
عدة روايات أخرى بهذا المضمون (5).
واستحباب الإزالة عام يشمل الذكر والأنثى.
إطالة الأظفار:
تكره إطالة الأظفار ويستحب تقليمها
بالنسبة إلى الرجال، وأما النساء، فلهن أن يتركن
منها شيئا، لأنه أزين لهن (6)، فقد ورد عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
للرجال: قصوا أظافيركم، وللنساء: اتركن من
أظفاركن، فإنه أزين لكن " (1).
ومما ورد في كراهة الإطالة، ما روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " إن أستر وأخفى ما يسلط
الشيطان من ابن آدم أن صار يسكن تحت
الأظافير " (2).
راجع: أظفار.
إطالة البناء:
الكلام عن إطالة البناء يقع في موردين:
الأول - حكم إطالة المسلم بناءه:
إطالة البناء في حد ذاتها ومع قطع النظر
عن العناوين الثانوية مكروهة، وقد ورد ذمها
في بعض النصوص، وجاء في بعضها: ينادى
فاعلها: " أين تريد يا فاسق " (3) أو " يا أفسق
الفاسقين " (4).
وقال كاشف الغطاء في مكروهات المسكن:
"... ومنها: رفع البيوت فوق سبعة أذرع، ورخص
(1) الوسائل 2: 134، الباب 81 من أبواب آداب
الحمام، وفيه حديث واحد.
(2) الوسائل 2: 132، الباب 80 من أبواب آداب
الحمام، الحديث 3.
(3) البحار 73: 150، كتاب الآداب والسنن، أبواب
المساكن، الحديث 13.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 14.

(1) انظر: الذكرى 1: 159 - 160، والنخبة: 90، وبداية
الهداية 1: 17.
(2) الوسائل 2: 113، الباب 65 من أبواب آداب
الحمام، الحديث 2.
(3) انظر: الذكرى 1: 159، والنخبة: 90، وبداية الهداية
1: 17 و 18.
(4) الوسائل 2: 140، الباب 87 من أبواب آداب
الحمام، وفيه حديث واحد.
(5) انظر المصدر المتقدم: البابين 66 و 86.
(6) انظر: الذكرى 1: 156 و 158، والنخبة: 90، وبداية
الهداية 1: 18.
39

في الثمانية، فإذا زاد على ذلك نودي: أين تريد
يا أفسق الفاسقين " (1).
وأما لو كان في الإطالة ضرر على الغير، فهو
أمر آخر، والبحث فيه موكول إلى موضعه المناسب
إن شاء الله تعالى.
الثاني - حكم إطالة الذمي بناءه:
ذكر الفقهاء من جملة شروط الذمة أن لا يطيل
الذمي بناءه المستحدث - أي الذي يريد أن يحدثه
بعد تسلط المسلمين عليه، لا الذي كان قبل ذلك -
على جاره المسلم (2)، ولهم فيه تفصيل يراجع فيه
عنوان " أهل الذمة ".
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - آداب التخلي.
ب - آداب الحمام، أو الاستطابة.
ج - أحكام المحتضر (عيادة المريض).
2 - كتاب الصلاة:
أ - أحكام المساجد.
ب - مستحبات القراءة والركوع
والسجود والقنوت.
ج - صلاة الكسوف.
3 - كتاب الجهاد: أحكام أهل الذمة.
4 - كتاب التجارة (البيع): آداب التجارة.
5 - كتاب الأطعمة والأشربة: آداب المائدة.
6 - موارد متفرقة أخرى.
إطباق
لغة:
من أطبق، بمعنى طبق. وأصل الطبق
- كما يستفاد من مجموع كلام أهل اللغة - هو:
كون شئ على شئ مثله مغطيا له من جميع
جوانبه.
وبهذه المناسبة أطلق على المعاني التالية:
1 - التساوي، فيقال: هذا طبق لذلك أو
مطابق له.
2 - التغشية، فيقال: طبق السحاب الجو،
أي غشاه.
3 - التغطية، فيقال: طبق الماء الأرض،
أي غطاها.
4 - الاتفاق، فيقال: أطبقوا على الأمر، أي
اتفقوا عليه، فكأن أقوالهم تساوت، حتى لو صير
أحدهما طبقا للآخر لأمكن.
5 - رفع أطراف اللسان إلى الحنك الأعلى
وإطباقها عليه لإمكان نطق بعض الحروف، وهي:

(1) كشف الغطاء: 216.
(2) انظر: كشف الغطاء: 402، والجواهر 21: 270
و 284، وسائر الكتب الفقهية المتعرضة لأحكام
الذمة.
40

الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، ولذلك يعبر عنها
ب‍ " حروف الإطباق ".
6 - وضع الشفة العليا على السفلى، فيقال:
أطبق شفتيه.
7 - الدوام، ومنه الجنون الإطباقي، أي
المستمر، وكأن هذا الجنون يغطي صاحبه
ويلازمه (1).
اصطلاحا:
ورد الإطباق في كلام الفقهاء بجميع معانيه
المتقدمة، فمن ذلك:
1 - قولهم: أطبق الأصحاب على كذا، أي
اتفقوا عليه (2).
2 - وذكروا في آداب الاحتضار: أنه يستحب
إطباق فم الميت، بمعنى جعل فكيه وشفتيه
متطابقتين (3).
3 - وقالوا: يكره - أو يحرم - إطباق إحدى
الكفين على الأخرى وجعلهما بين الركبتين في
الركوع (4).
4 - وقالوا: يجوز - أو يكره - إطباق اللحد
بالساج، أي فرشه به (1).
5 - وذكروا من آداب القراءة الإطباق
فيها (2).
6 - وجعلوا الجنون قسمين: الجنون الإطباقي،
وهو المستمر، والجنون الأدواري، وهو الذي ينقطع
ثم يعود (3).
7 - وجعلوا إطباق السماء بالغيوم من موارد
فقد الأمارة على الغروب مثلا.
8 - وجعلوا إطباق النورة على العورة
- بمعنى تغطيتها - سترا لها (4).
وأمثال هذه الموارد، وسوف يأتي الكلام
عنها في مواضعها المناسبة إن شاء الله تعالى.
إطراء
لغة:
المدح بأحسن ما في الممدوح (5)، أو بأحسن
ما يقدر عليه المادح (6)، أو المبالغة في المدح ومجاوزة

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مقاييس اللغة، ولسان العرب، والمصباح المنير،
والقاموس المحيط: " طبق ".
(2) موارد استعماله بهذا المعنى كثيرة.
(3) انظر الجواهر 4: 23.
(4) انظر البيان: 167.
(1) انظر الجواهر 4: 332 - 334.
(2) انظر الجواهر 9: 398.
(3) انظر الجواهر 13: 3.
(4) الطهارة (للشيخ الأنصاري) 1: 424.
(5) انظر: معجم مقاييس اللغة، والمصباح المنير: " طري "
و " طرو ".
(6) انظر ترتيب كتاب العين: " طرو ".
41

الحد فيه (1)، أو مجاوزة الحد والكذب فيه (2).
اصطلاحا:
ليس للفقهاء اصطلاح جديد، نعم عند
التباس المراد من بين المعاني المتقدمة في كلامهم
يرجع إلى القرائن.
الأحكام:
الإطراء إذا كان بالمعنى الأول فلا حرمة فيه،
بل هو مباح في حد ذاته، لأنه لا يستلزم كذبا، نعم
لو استلزم محرما مثل مدح الظالم ونحوه، فيكون
محرما.
وأما إذا كان بالمعاني الاخر - وخاصة
الأخير منها -:
فإن استلزم الكذب، فهو حرام أيضا، وإن لم
يستلزمه - وهذا يصدق في المعنيين الثاني والثالث -
فليس بحرام وإن بالغ في الإطراء، لأن المبالغة في حد
ذاتها ليست من الكذب.
قال صاحب الجواهر عند الكلام عن
الكذب: "... ولا فرق في المحرم منه بين الشعر
والنثر، نعم ما يرجع إلى المبالغة ليس منه " (3).
وقال الشيخ الأنصاري في الموضوع نفسه:
" ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن المبالغة في الادعاء
وإن بلغت ما بلغت، ليست من الكذب. وربما
تدخل فيه (1) إذا كانت في غير محلها، كما لو مدح
إنسانا قبيح المنظر وشبه وجهه بالقمر، إلا إذا بني
على كونه كذلك في نظر المادح، فإن الأنظار تختلف
في التحسين والتقبيح كالذوائق في المطعومات " (2).
وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: " إذا كانت
المبالغة بالزيادة على الواقع كانت كذبا حقيقة، كما
إذا أعطى زيدا درهما فيقول: أعطيته عشرة دراهم،
أو إذا زار الحسين (عليه السلام) أو بقية المشاهد المشرفة، أو
الكعبة المكرمة مرة واحدة فيقول: زرت عشرين
مرة. ومن هذا القبيل تأدية المعنى بلفظ واحد
موضوع للكثرة والمبالغة، كإطلاق الضراب على
الضارب، فإنه إخبار عن الكثرة بالهيئة، نعم لو
قامت قرينة خارجية على إرادة الواقع، وكون
استعمال اللفظ فيه لأجل المبالغة فقط، لما كان كذبا
- إلى أن قال: - والوجه في خروج المبالغة بأقسامها
عن الكذب، هو: أن المتكلم إنما قصد الإخبار عن
لب الواقع فقط، إلا أنه بالغ في كيفية الأداء فتخرج
عن الكذب موضوعا، نعم إذا انتفى ما هو ملاك
المبالغة من وجه الشبه ونحوه، كان الكلام كاذبا " (3).
ومما يدخل ضمن إطار هذا الموضوع:
1 - مدح من لا يستحق المدح أو من يستحق
الذم:
(1) أي الكذب.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 16 - 17.
(3) مصباح الفقاهة 1: 394 - 395.

(1) انظر المصباح المنير: " طرو ".
(2) انظر لسان العرب: " طرا ".
(3) الجواهر 22: 73.
42

ذكره جملة من الفقهاء في عداد المكاسب
المحرمة. قال الشيخ الأنصاري في حرمته وحرمة
أخذ الأجر عليه والتكسب به: " والوجه فيه واضح
من جهة قبحه عقلا. ويدل عليه من الشرع قوله
تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار) * (1). وعن النبي (صلى الله عليه وآله) - فيما رواه الصدوق -:
" من عظم صاحب دنيا وأحبه طمعا في دنياه، سخط
الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت
الأسفل من النار " (2)، وفي النبوي الآخر الوارد في
حديث المناهي: " من مدح سلطانا جائرا أو تخفف
وتضعضع له طمعا فيه، كان قرينه في النار " (3) ".
ثم قال: " ومقتضى هذه الأدلة حرمة المدح
طمعا في الممدوح، وأما لدفع شره فهو واجب، وقد
ورد في عدة أخبار: " أن شرار الناس من يكرمون
اتقاء شرهم (4) " " (5).
لكن علق عليه السيد الخوئي بما حاصله: أن
الأدلة المذكورة لا تدل على حرمة مدح من
لا يستحق المدح بعنوانه الأولي ما لم ينطبق عليه
عنوان ثانوي، مثل: إعانة الظالم، وإهانة المظلوم،
ونحوهما مما يحرم بعنوانه الأولي (1).
2 - النوح بالباطل:
والمقصود منه: النياحة على الميت، المشتملة
على المدح والإطراء الكاذبين. ذكره بعض الفقهاء في
جملة المكاسب المحرمة أيضا. ولهم كلام في حرمة
النياحة بصورة عامة، لكن القدر المتيقن منها هو
النياحة بالباطل (2).
مظان البحث:
أكثر ما تبحث هذه الموضوعات في المكاسب
المحرمة، مقدمة للكلام عن البيع.
إطراح
لغة:
مصدر أطرح، من طرح الشئ، إذا رماه،
وطرح الرداء على عاتقه: ألقاه عليه، وطرح
المسألة: بسطها، وطرح العدد من عدد آخر: نقصه
منه، وطرحت الأنثى: ألقت جنينها قبل كماله (3).

(1) هود: 113.
(2) عقاب الأعمال: 331، وانظر الوسائل 17: 181،
الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 14.
(3) الوسائل 17: 183، الباب 43 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول.
(4) انظر الوسائل 16: 31، الباب 70 من أبواب جهاد
النفس، الحديثين 7 و 8.
(5) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 51 - 52.
(1) مصباح الفقاهة 1: 425.
(2) انظر: الجواهر 22: 54 - 55، والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 2: 67 - 68، ومصباح الفقاهة 2: 434.
(3) انظر: الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير،
ومحيط المحيط، والمعجم الوسيط: " طرح ".
43

اصطلاحا:
استعمل في المعاني اللغوية المتقدمة نفسها.
وسوف يأتي الكلام عنها في المواطن المناسبة
إن شاء الله تعالى.
أطراف
لغة:
جمع طرف، وهو منتهى كل شئ، وبهذه
المناسبة يقال:
1 - أطراف الأرض، أي نواحيها وجوانبها،
وكذا أطراف الثوب.
2 - أطراف الإنسان، أي يداه، ورجلاه،
وعيناه، وأذناه، ولسانه، ونحوها.
3 - أطراف الإنسان أيضا، أي أبواه،
وإخوته، وأعمامه، وكل قريب له محرم.
4 - أطراف الأصابع، أي البنان منها.
5 - أطراف النهار، أي الظهر والعصر، وقيل:
ساعاته (1).
اصطلاحا:
المعاني اللغوية المذكورة نفسها، أو ما يرجع
إليها، وللأصوليين اصطلاح خاص مأخوذ من
المعنى اللغوي، وهو قولهم: " أطراف العلم
الإجمالي "، يعنون به ما تعلق به العلم الإجمالي، كما
إذا علمنا إجمالا بنجاسة هذا الإناء أو ذاك، فكل من
الإناءين طرف للعلم الإجمالي، وهما طرفان، وإذا
كانت الأواني أكثر صارت أطرافا للعلم الإجمالي،
وهكذا...
وسوف يأتي الكلام عن كل مورد من معاني
الأطراف في موضعه المناسب إن شاء الله تعالى،
وخاصة الأطراف بمعنى أعضاء جسم الإنسان.
وراجع عنوان " احتياط ".
إطراق
لغة:
مصدر أطرق، يقال: أطرق الرجل، إذا
أقبل ببصره إلى صدره - أو إلى الأرض - وسكت
ساكنا، أو إذا سكت لخوف أو غيره. وأطرق
فحله: أعاره ليضرب في إبل غيره، وطرق الفحل
الناقة طروقا: قعا عليها وضربها، فهو طارق.
والطارق أيضا: من يأتي ليلا، سمي بذلك لاحتياجه
إلى طرق الباب. وطروقة الفحل: أنثاه، وكل
امرأة طروقة زوجها، ومنه الحديث: " كثرة
الطروقة من سنن المرسلين "، أو " كثرة الطروقة من
أخلاق الأنبياء " والمراد: كثرة الجماع وغشيان

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية (لابن
الأثير)، ولسان العرب: " طرف ".
44

الرجل أهله (1).
اصطلاحا:
استعمل في المعاني المتقدمة، وهي: إطراق
الرأس، وإطراق الفحل الأنثى، وإطراق الرجل
أهله، وإطراق المسافر أهله ليلا.
الأحكام:
إطراق الرأس في الصلاة:
تكلم الفقهاء في حد القيام - عند الكلام عن
وجوبه في الصلاة - وقالوا بوجوب الانتصاب فيه،
للأمر به في النصوص. ثم صرحوا: بأن إطراق
الرأس لا يخل بالانتصاب، ولذلك قالوا بجوازه (2)،
وزاد بعضهم: أن إقامة النحر أفضل من إطراق
الرأس، أو الأولى ترك الإطراق (3).
نعم، نسب إلى أبي الصلاح الحلبي (4) القول
باستحباب الإطراق، وعبارته في الكافي هكذا:
" فإذا كبر فليضع يديه على فخذيه، ويرخي ذقنه
على صدره " (1).
قيل: إن لازم إرخاء الذقن إلى الصدر هو
إطراق الرأس (2).
واحتمل بعض آخر من الفقهاء: أن وجه
القول باستحبابه هو: " كونه أقرب إلى الخضوع
المأمور به "، فإذا كان كذلك، فلا بأس في القول
باستحبابه بهذا العنوان (3).
هذا ونقل عن ظاهر كلام الصدوق (4) القول
ببطلان الصلاة بسبب إطراق الرأس، ولكن لم أعثر
على كلام له يكون ظاهرا في ذلك.
إطراق الفحل من الحيوان أنثاه:
ذكر العلامة في التذكرة وغيره من الفقهاء
عناوين أربعة، وهي:
1 - بيع الملاقيح: والملاقيح ما في بطون
الأمهات (5).
2 - بيع المضامين: والمضامين ما في أصلاب
الفحول (6).

(1) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان
العرب، ومجمع البحرين: " طرق "، وسوف يأتي
مصدر الحديثين في موضعه عن قريب.
(2) انظر: التذكرة 3: 91، والذكرى 3: 266، وجامع
المقاصد 2: 202، وغيرها مما سنذكره.
(3) انظر: المدارك 3: 328، والذخيرة: 261، والحدائق
8: 65، ومستند الشيعة 5: 39، والرياض 3: 369،
وغيرها.
(4) انظر الجواهر 9: 253.
(1) الكافي في الفقه: 242.
(2) انظر الجواهر 9: 253.
(3) انظر: مستند الشيعة 5: 40، ومستند العروة الوثقى
(الصلاة) 3: 215 - 216.
(4) انظر: الجواهر 9: 253، ومستند العروة (الصلاة)
3: 315 - 316.
(5) الصحاح: " لقح " و " ضمن ".
(6) الصحاح: " لقح " و " ضمن ".
45

3 - بيع عسب أو عسيب الفحل: والعسيب
نطفة الفحل قبل استقرارها في الرحم.
4 - إجارة الفحل للضراب: ويعبر عنه
ب‍ " الإنزاء " و " الإطراق " أيضا.
ثم ادعى عدم العلم بالخلاف في حرمة البيع
في الموارد الثلاثة الأول، أما الأخير وهو إجارة
الفحل للضراب - أي الإطراق - فقال: " عندنا
مكروهة وليست محرمة " (1).
وتفصيل الكلام فيها موكول إلى مواطنه
المناسبة إن شاء الله تعالى.
استحباب كثرة إطراق الرجل أهله:
ورد في بعض النصوص: أن كثرة الطروقة من
سنن المرسلين، أو من خصال الأنبياء، فقد روى
الصدوق بإسناده عن معمر بن خلاد، قال: " سمعت
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: ثلاث من سنن
المرسلين: العطر، وإحفاء الشعر، وكثرة الطروقة " (2).
وروى أيضا بإسناده عن محمد بن عيسى،
قال: " قال الرضا (عليه السلام): في الديك الأبيض خمس
خصال من خصال الأنبياء (عليهم السلام): معرفته بأوقات
الصلاة، والغيرة، والسخاء، والشجاعة، وكثرة
الطروقة " (1).
وعلل في بعض النصوص: بأن ذلك يحصن
الإنسان ويحفظه من الانحراف، فقد روى الصدوق
بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد
عن أبيه (عليهما السلام) قال: " قيل له: ما بال المؤمن قد
يكون أنكح شئ؟ قال: لأنه يحفظ فرجه عن فروج
لا تحل له لكي لا تميل به شهوته هكذا وهكذا، فإذا
ظفر بالحلال اكتفى به واستغنى عن غيره " (2).
كراهة إطراق المسافر أهله ليلا:
روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق
أهله ليلا حتى يصبح " (3)، وروي عن جابر بن
عبد الله الأنصاري أنه قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى
يؤذنهم " (4).
واستنادا إلى ذلك صرح الفقهاء: بأنه " يكره
للمسافر أن يطرق أهله ليلا ".

(1) التذكرة (الحجرية) 1: 468. وانظر: جامع المقاصد
4: 53، ومفتاح الكرامة 4: 143 - 144، ومستند
الشيعة 14: 59، والمكاسب (للشيخ الأنصاري)
1: 29، ومصباح الفقاهة 1: 57 - 62.
(2) الوسائل 20: 241، الباب 140 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(1) الوسائل 20: 242، الباب 140 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 5.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 4.
(3) الوسائل 20: 131، الباب 65 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(4) الوسائل 11: 448، الباب 56 من أبواب آداب السفر،
الحديث 2.
46

ولكن اختلفوا في بعض الأمور، وهي:
أولا - هل المراد من " الأهل " الزوجة، أو
مطلق من في البيت؟
صرح الشهيد الثاني (1) بالثاني، وصاحب
الحدائق (2) بالأول، وفي الفقهاء من يظهر منه الأول،
وفيهم من يظهر منه الثاني، وفيهم من أطلق ولم
يتعرض لبيان ذلك أصلا (3).
ثانيا - هل الكراهة مختصة بما إذا لم يعلمهم
بمجيئه أو تشمل حتى صورة الإعلام؟
فيه قولان أيضا، فممن صرح أو يظهر منه
القول باختصاص الكراهة بصورة عدم الإعلام:
صاحب الوسائل (4) وصاحب الجواهر (5)، وعلله
الأخير باستلزام عدم الإعلام عدم استعداد الأهل،
ثم استشهد له بخبر جابر: " كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في غزاة... فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال:
أمهلوا حتى ندخل ليلا - أي عشاء - كي تمتشط
الشعثة وتستحد المغيبة " (6).
وممن صرح أو يظهر منه تعميم الحكم:
الشهيد الثاني (1)، وصاحب المدارك (2)، وصاحب
الحدائق (3)، والنراقي (4).
ثالثا - هل تختص الكراهة بالإطراق بعد
مبيت الأهل، أو تشمل قبل مبيتهم أيضا؟ فيه
احتمالان، بل قولان (5).
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة: واجبات الصلاة / القيام.
2 - كتاب المكاسب: المكاسب المحرمة،
واشتراط معلومية العوضين في البيع.
3 - كتاب النكاح: آداب النكاح.
إطعام
لغة:
مصدر أطعم، يقال: أطعم فلانا، إذا جعله
يطعم، أي يأكل الطعام.

(1) المسالك 7: 68.
(2) الحدائق 23: 155.
(3) انظر: جامع المقاصد 12: 508، ونهاية المرام 1: 62
والجواهر 29: 118، والعروة الوثقى: كتاب النكاح،
المسألة 12.
(4) الوسائل 20: 131، الباب 65 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(5) الجواهر 29: 118.
(6) انظر: صحيح البخاري 3: 267، أواخر كتاب
النكاح، باب تستحد المغيبة وتمتشط، وصحيح
مسلم 2: 1088، كتاب الرضاع، الحديث 57.
(1) المسالك 7: 68.
(2) نهاية المرام 1: 62.
(3) الحدائق 23: 155.
(4) مستند الشيعة 16: 82.
(5) انظر المصادر المتقدمة.
47

راجع: أطعمة.
ويقال للنخلة إذا أدرك ثمرها: أطعمت، أي
صار لثمرها طعم. والطعمة: شبه الرزق - كالفئ
ونحوه - ومنه طعمة الجد والجدة (1).
اصطلاحا:
ورد عنوان الإطعام على لسان الفقهاء
بالمعاني المتقدمة وغيرها.
أما الأول، فهو الغالب في استعمالهم.
وأما الثاني، فعند كلامهم عن بيع ثمر النخل،
حيث علق بعضهم جوازه على إطعام النخلة، أي
بلوغ ثمرها وإدراكه (2).
وأما الثالث، ففي الميراث، حيث يبحث فيه
عن استحباب إطعام والدي الميت لجده وجدته،
أي والدي الأبوين اللذين ورثا الميت.
والإطعام هنا بمعنى دفع مقدار مما ورثاه،
يختلف باختلاف فروض المسألة (3).
واستعمل في كلماتهم أيضا بمعنى القدرة على
أكل الطعام، ومنه قولهم: " لا يغسل الثوب من بول
الغلام قبل أن يطعم " (4).
والكلام هنا ينحصر في الإطعام بالمعنى
الأول، أما الثاني فيحال البحث عنه على عنوان
" بيع "، والثالث على عنوان " أطعمة ". وتقدم
الكلام عن الرابع في عنوان " أبوال ".
الأحكام:
والمقصود من الإطعام - بالمعنى الأول -
المبحوث عنه هنا هو الأعم من أن يكون على نحو
الوليمة أو غيرها.
أقسام الإطعام من حيث الحكم التكليفي:
ينقسم الإطعام بحسب الحكم التكليفي إلى
أقسام خمسة، وفيما يلي نشير إلى أهم الموارد من كل
قسم منه:
أولا - الإطعام الواجب:
يجب الإطعام في الموارد التالية:
1 - الإطعام في الكفارة:
والمراد من الكفارة هنا ما يشمل الفدية، مثل
فدية كل من الشيخ والشيخة بدل الصوم إذا شق
عليهما (1)، وفدية من استمر به المرض طول السنة
بحيث يمنعه عن قضاء ما فاته في شهر رمضان (2)،
وفدية المتهاون عن القضاء حتى إقبال شهر رمضان
الآتي (3).
وعلى أي تقدير، فإنه يجب الإطعام في بعض
الكفارات، ويختلف باختلاف مواردها، ففي بعضها
(1) انظر الجواهر 17: 144.
(2) انظر الجواهر 17: 24 - 27.
(3) انظر الجواهر 17: 27.

(1) انظر: الصحاح، ولسان العرب: " طعم ".
(2) انظر الجواهر 24: 57.
(3) انظر الجواهر 39: 142.
(4) انظر الجواهر 6: 160 - 162.
48

يجب إطعام ستين مسكينا، إما مرتبا بين العتق
والصوم ستين يوما والإطعام، كما في كفارتي قتل
الخطأ (1) والظهار (2)، وإما مخيرا بينها، كما في كفارة
الإفطار العمدي في شهر رمضان (3)، وإما جمعا بينها،
كما في كفارة القتل العمدي (4).
وفي بعضها يجب إطعام عشرة مساكين على
نحو الترتيب بينه وبين صيام ثلاثة أيام متواليات،
كما في الإفطار العمدي بعد الزوال في قضاء شهر
رمضان (5).
وفي بعضها إطعام مسكين واحد، كما في فداء
الشيخ والشيخة، ومن استمر به المرض ونحوهم كما
تقدم، حيث يجب عليهم التكفير بمد من الطعام (6)،
وهو يكفي لإطعام شخص واحد.
وهناك موارد مشابهة في كفارات الصيد (7).
ويجب على من وجب عليه الإطعام أن
يراعي أمورا:
أ - أن يطعم العدد المعتبر والمعين في كل
كفارة، ولا يجزئ إطعام الأقل وإن كان بمقدار إطعام
العدد المعتبر من حيث المقدار (8).
ب - أن يطعم كل واحد مدا على المشهور.
وقيل: مدان، فإن لم يتمكن فيجزئ مد واحد (1).
ج - أن يطعم من أوسط ما يطعم به أهله،
لكن لو أطعم ما يغلب على قوت البلد جاز. وفيه
أقوال اخر.
ويستحب أن يضم إليه إداما كاللحم ونحوه (2).
د - أن يكون من يطعمه مسكينا (3).
ه‍ - أن يكون مسلما، فلا يكفي إطعام الكافر
ومن بحكمه من فرق المسلمين كالخوارج والنواصب
والغلاة. ويستحب الاقتصار على المؤمنين (4).
و - وقيل: يشترط كونه مؤمنا أيضا (5).
2 - الإطعام في النفقة الواجبة:
من جملة الواجبات في النفقة الواجبة هو
الإطعام، ويقصدون به دفع الطعام - كالحنطة أو
الشعير أو الأرز ونحوها - أو قيمته لمن يجب الإنفاق
عليه، مثل الزوجة (6) والأقارب (7) كالأولاد
والوالدين.
واختلفوا في المقدار الواجب منه، فمنهم من
قدره بمد من الطعام، ومنهم من لم يقدره، بل علقه

(1) انظر الجواهر 33: 169 - 170.
(2) انظر الجواهر 33: 169 - 170.
(3) الجواهر 33: 174.
(4) الجواهر 33: 178.
(5) انظر الجواهر 33: 172.
(6) انظر الجواهر 17: 24 - 27 و 144.
(7) انظر شرائع الإسلام 1: 283 - 298.
(8) انظر الجواهر 33: 258 - 261.
(1) انظر الجواهر 33: 258 - 261.
(2) انظر الجواهر 33: 262 - 266.
(3) انظر الجواهر 33: 270 - 271.
(4) انظر الجواهر 33: 269 - 270.
(5) انظر الجواهر 33: 269 - 270.
(6) انظر الجواهر 31: 330.
(7) المصدر المتقدم: 376.
49

على سد الخلة، وقيل: إن هذا هو المشهور (1).
وأما من حيث الجنس، فالمعتبر هو قوت
غالب البلد، فإن كان البر فيجب أن يطعم البر، وإن
كان الأرز فيطعم الأرز، وهكذا (2).
وذكروا أيضا: أن من الواجبات دفع الإدام
أيضا، كاللحم ونحوه، وهو مثل الطعام من حيث
المقدار والجنس، وتعيينه موكول إلى العرف (3).
هذا في الزوجة والأقارب، ويلحق بهم
المماليك أيضا (4).
ويجب إطعام الحيوانات بما يسد خلتها، ويجزئ
إطلاق سراحها حتى ترعى من خصب الأرض (5).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " إنفاق "
إن شاء الله تعالى.
3 - إطعام الأسير والمسجون:
الظاهر من كلام الأصحاب: أنه يجب إطعام
الأسير وإن أريد قتله، لنصوص دلت على ذلك،
لكن حملها صاحب الجواهر على الندب (6)، وقد
تقدم الكلام عن ذلك تحت عنوان " أسارى ".
وفي حكم الأسير، المسجون، بل بطريق
أولى، خاصة إذا كان محقون الدم، كالمسلم والذمي
ومن بحكمهما.
4 - إطعام المشرف على الهلاك من الجوع:
إذا أشرف الإنسان على الهلاك من الجوع،
وجب على غيره إطعامه بما يسد رمقه وينقذه من
الهلاك (1).
وقد تقدم الكلام عن ذلك بصورة تفصيلية في
عنوان " اضطرار ".
ثانيا - الإطعام الحرام:
يحرم الإطعام في عدة موارد نشير إليها إجمالا
فيما يأتي:
1 - إطعام النجس وما يحرم أكله للغير:
يختلف حكم الإطعام في هذه الحالة باختلاف
الشخص المطعم واختلاف كيفية الإطعام، لأن
المطعم تارة يكون مسلما، وتارة كافرا، والمسلم
تارة يكون مكلفا وأخرى غير مكلف.
ومن جهة أخرى، تارة يكون الإطعام على
نحو الإجبار أو الإكراه، وأخرى على نحو التسبيب
الناقص، والأخير تارة يكون مع علم المطعم
بالحرمة، وأخرى مع جهله بها.

(1) انظر الجواهر 31: 331 و 376.
(2) المصدر المتقدم: 331، وفيه تفصيلات اخر منها
مراعاة حال الزوج أو الزوجين.
(3) الجواهر 31: 333.
(4) المصدر المتقدم: 389 - 390.
(5) المصدر المتقدم: 395.
(6) الجواهر 21: 130 - 131، والظاهر أن حمل
النصوص على الندب إنما هو في صورة إرادة قتل
الأسير، لا ما إذا أريد إبقاؤه.
(1) انظر الجواهر 36: 432 - 433.
50

أ - إطعام المسلم المكلف على نحو الإجبار أو
الإكراه (1):
صرح جملة من الفقهاء - الذين تعرضوا لهذا
الموضوع - بالحرمة في هذه الصورة، لأن المستفاد
من الأدلة حرمة التسبيب إلى الحرام، وإلقاء
الآخرين فيه، وتغريرهم بارتكابه، فالإكراه عليه
حرام بطريق أولى، وممن صرح بذلك الشيخ
الأنصاري، والسيدان: الخوئي والخميني.
قال الشيخ الأنصاري بالنسبة إلى حرمة
أصل التغرير: " ويشير إلى هذه القاعدة كثير من
الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير الجاهل
بالحكم أو الموضوع في المحرمات " (2).
وقال في خصوص الإكراه: " والحاصل أن
هنا أمورا أربعة: أحدها: أن يكون فعل الشخص
علة تامة لوقوع الحرام في الخارج - كما إذا أكره غيره
على المحرم - ولا إشكال في حرمته وكون وزر الحرام
عليه، بل أشد، لظلمه " (3).
وقال السيد الخوئي: "... فإنه يستفاد من
مذاق الشارع حرمة إلقاء الغير في الحرام
الواقعي " (1).
وقال أيضا: " إن المستفاد من إطلاقات أدلة
المحرمات الموجهة إلى المكلفين حسب المتفاهم
العرفي: أن انتساب الأفعال المحرمة إلى موجديها
مبغوض مطلقا، سواء كانت النسبة مباشرية أو
تسبيبية " (2).
وقال الإمام الخميني في خصوص الإكراه
ونحوه ما حاصله: أن العناوين العذرية - كالإكراه
والاضطرار ونحوهما - إنما هي مأخوذة على نحو
الإطلاق، بمعنى أن جعل شخص مكرها أو مضطرا
حرام، سواء كان من قبل الشخص نفسه - أي
المباشر - أو من قبل غيره (3).
ولكن في مقابل هذا رأي آخر، وحاصله: أن
المحرمات إنما يحرم وجودها من خصوص مباشريها،
أما من المسبب فلا دليل عليه.
وقد تبنى السيد الحكيم هذا الرأي، فقال:
" لا دليل على تحريم التسبيب كلية " (4).
ثم فرق بين التسبيب في باب الضمان - حيث
يكون الضمان على المسبب فيما لو كان أقوى من
المباشر - وبين غيره، ثم قال: "... بخلاف شرب
(1) مصباح الفقاهة 1: 115.
(2) التنقيح (الطهارة) 2: 333.
(3) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 141 - 142.
(4) المستمسك 1: 218.

(1) لم يتعرض كثير من الفقهاء وخاصة المتقدمين منهم
لهذا الفرع، وإنما ذكروا فروعا أخرى، مثل عدم جواز
بيع النجس والمتنجس للمسلم وجوازه لمن يستحله،
كأهل الذمة، ولعله يفهم من فحوى كلامهم عدم جواز
إطعام النجس للمسلم المكلف، وفي صورة الإكراه
تتضاعف الحرمة من جهة الظلم والتعدي. وعدم
تعرضهم لهذه المسألة لعله كان بسبب وضوح حكمها
عندهم.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 73.
(3) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 75.
51

النجس المأخوذ موضوعا للحرمة، فإنه خصوص
شرب المكلف نفسه، وإدخاله إلى جوفه وهو غير
حاصل في الفرض، وكذا لو أدخل الماء النجس إلى
جوف غيره قهرا. نعم، يحرم ذلك من جهة التعدي
على نفسه وبدنه " (1).
فإنه وإن قال بالحرمة في صورة الإكراه، لكن
لا من جهة التسبيب إلى أكل الحرام والنجس، بل
من جهة الإكراه، وهو محرم مستقل في حد ذاته.
ب - إطعام المسلم المكلف، على نحو
التسبيب الناقص مع جهل المباشر بالحرمة:
كما إذا قدم إلى غيره طعاما فيه الحرام
- كالمسكر أو الميتة أو لحم الخنزير - وكان ذلك
الشخص جاهلا بوجود الحرام فيه. والكلام فيه
كالكلام عن سابقه، لقاعدة " حرمة تغرير المكلفين
بالحرام والتسبيب في ارتكابهم له " (2).
وعلى مبنى السيد الحكيم لا حرمة على
المسبب، نعم يحرم من جهة عدم إعلام الغير بوجود
النجس في الطعام، لوجوب إعلامه، كما يستفاد من
صحيحة معاوية بن وهب الواردة في جواز بيع
الزيت النجس مع إعلامه للمشتري (3). لكن يختص
ذلك بالطعام النجس، فلا يشمل الطعام المحرم من
غير جهة النجاسة (1)، وسوف يأتي بيانه تفصيلا في
عنوان " إعلام " إن شاء الله تعالى.
ج - الصورة المتقدمة، لكن مع علم المباشر
بالحرمة:
الظاهر من الشيخ الأنصاري القول بالحرمة
في هذه الصورة أيضا، لأنه جعل ما هو من قبيل
إيجاد الداعي على المعصية - كترغيب شخص على
ارتكابها - فعلا محرما، ومن المعلوم أن تقديم الطعام
المحرم للعالم بالحرمة نوع من الترغيب على المعصية (2).
وصرح الإمام الخميني بالحرمة أيضا، حيث
قال: " فمن قدم الحرام إلى العالم به ليأكله ارتكب
محرما " (3).
لكن بنى السيد الخوئي المسألة على مسألة
" الإعانة على الإثم " فإن قلنا بحرمتها، نقول بحرمة
تقديم الطعام المحرم إلى العالم بالحرمة أيضا،
وإلا فلا (4).
وأما السيد الحكيم، فلابد من أن يلتزم - على
مبناه - بعدم التحريم بالأولوية.
د - إطعام الأطفال والمجانين، النجس أو
المتنجس:
صرح جملة من الفقهاء بعدم جواز سقي
(1) المستمسك 1: 218 و 523.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 75.
(3) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 143.
(4) التنقيح (الطهارة) 2: 331.

(1) المستمسك 1: 218.
(2) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 75، ومصباح
الفقاهة 1: 122، والمكاسب المحرمة (للإمام
الخميني) 1: 143 - 144.
(3) الوسائل 24: 194، الباب 43 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
52

الأطفال والمجانين الخمر مطلقا، سواء كان فيه ضرر
أو لا، وسواء كان مستقلا أو مع سائر الأطعمة
والأشربة.
قال السيد اليزدي: " لا يجوز سقي المسكرات
للأطفال، بل يجب ردعهم " (1).
وعلق عليه السيد الحكيم بقوله: " الظاهر أنه
مما لا إشكال فيه، كما استفاضت به النصوص " (2).
وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: " قد عرفت
أن سقي المسكرات للأطفال حرام، إلا أن ذلك
مستند إلى الأخبار والعلم بعدم رضا الشارع
بشربها كيفما اتفق، وليس من أجل حرمة التسبيب
بالإضافة إلى الصبيان " (3).
وأما الأعيان النجسة الأخرى كالدم والبول
والميتة ونحوها، فقد قال السيد اليزدي عنها في إدامة
كلامه السابق: " وكذا سائر الأعيان النجسة إذا
كانت مضرة لهم، بل مطلقا " (4).
وقد وافقه السيدان: الحكيم والخوئي في صورة
الإضرار، وهو واضح كما سيأتي، وأما في صورة
عدم الإضرار فاستشكلا فيه، قال السيد الحكيم:
" دليله غير ظاهر، بل النصوص الدالة على
جواز استرضاع اليهودية والنصرانية والمجوسية
والمشركة والناصبية تأباه، وإن كان ظاهر المحكي
عن الأردبيلي من قوله: " والناس مكلفون بإجراء
أحكام المكلفين عليهم " (1) يقتضي المفروغية عنه،
بل عدم الفرق بين النجس والمتنجس " (2).
وقال السيد الخوئي: "... وأما إذا لم يكن
ضرر في أكله وشربه، فلا موجب لحرمة التسبيب
حينئذ، لما عرفت من عدم دلالة الدليل على حرمته
في غير المكلفين، وإنما استفدنا حرمته بالإضافة إلى
المكلفين من إطلاق أدلة المحرمات، وأما غير
المكلفين من المجانين والصبيان، فحيث لا تشمله
المطلقات، فلا محالة يصدر الفعل منه على الوجه
المباح ولا يحرم التسبيب إلى المباح " (3).
وقال العلامة في القواعد عند كلامه عن
المائعات المحرمة وأنها خمسة: " أ - لبن ما يحرم أكله:
كالذئبة واللبوة والهرة والمرأة إلا للصبي " (4).
وظاهر العبارة يقتضي أن يكون الاستثناء
راجعا إلى خصوص المرأة، أي يستثنى من لبن ما
يحرم أكله لبن المرأة للصبي، لكن الظاهر من الفاضل
الإصفهاني: أنه أرجع الاستثناء إلى الجميع،
فيجوز سقي الصبي من لبن اللبوة مثلا، لأنه قال
- بعد قوله: " إلا للصبي " -: " بل الطفل مطلقا،
فلا يحرم على المكلف سقيه شيئا من ذلك خصوصا
لبن المرأة إلا ما زاد على حولين بأكثر من شهرين،
(1) مجمع الفائدة 11: 283.
(2) المستمسك 1: 524 - 525.
(3) التنقيح (الطهارة) 2: 337.
(4) القواعد 3: 330.

(1) العروة الوثقى: فصل في أحكام النجاسات، المسألة 33.
(2) المستمسك 1: 524 - 525.
(3) التنقيح (الطهارة) 2: 336، وانظر 1: 331 - 332.
(4) العروة الوثقى: فصل في أحكام النجاسات، المسألة 33.
53

فظاهر الأكثر الحرمة... " (1).
وقال الفاضل النراقي بعد بيان حرمة سقي
الأطفال المسكر: " وهل يختص ذلك بالمسكر، أو
يتعدى إلى سائر المحرمات؟ ظاهر المحقق الأردبيلي:
الثاني، حيث قال هنا: " والناس مكلفون بإجراء
أحكام المكلفين عليهم " (2). وفي ثبوت ذلك التكليف
للناس مطلقا نظر، ولا يحضرني الآن دليل على
التعميم الموجب لتخصيص الأصل " (3).
لكن قال صاحب الجواهر بالنسبة إلى حرمة
إرضاع الطفل أكثر من سنتين: " قلت: قد يقال: إن
مستنده حرمة الإرضاع بعد الحولين، باعتبار حرمة
شرب لبنها فيما خرج عن مدة الرضاع، لكونه من
فضلات ما لا يؤكل لحمه الممنوع أكلها، بل الظاهر
أن ذلك لكونه من الخبائث كالبصاق وباقي
رطوباتها، وكل ما حرم على المكلف لخبثه يحرم
إطعامه لغير المكلف كالدم ونحوه " (4).
هذا ما عثرنا عليه بالنسبة إلى الأعيان
النجسة.
وأما الطعام المتنجس، أي الذي أصابه
النجس، فقد قال عنه السيد اليزدي: " وأما
المتنجسات، فإن كان التنجس من جهة كون أيديهم
نجسة، فالظاهر عدم البأس به، وإن كان من جهة
تنجس سابق، فالأقوى جواز التسبب لأكلهم وإن
كان الأحوط تركه " (1).
ووافق السيدان: الحكيم (2) والخوئي (3) السيد
اليزدي في الصورتين:
أما الصورة الأولى، وهي ما إذا كانت
النجاسة مستندة إليهم، فللسيرة القطعية المستمرة
على إطعام الأطفال الطعام دون غسل أيديهم
وأفواههم مع أنهم يباشرون النجاسات غالبا.
وأما الصورة الثانية، فلعدم الدليل على حرمة
التسبيب إلى أكل المتنجس بالنسبة إلى غير المكلفين.
ويظهر منهما أن هناك قائلا بالحرمة، إما
لعموم أدلة المنع - لكن لا يعاقب الصبي لحديث
الرفع - أو لأن مفسدة تناول المحرم مفسدة واقعية
تشمل الأطفال والمجانين، فلا يجوز إطعامهم ذلك.
ه‍ - إطعام النجس أو الحرام للكفار:
الظاهر أنه لم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع
بصورة مستقلة، نعم تعرضوا في باب أحكام
النجاسات، وفي باب جواز بيع النجس - في أحكام
البيع - وحكم اللحم المذكى المشتبه بغير المذكى في
باب الأطعمة، للبحث في أنه هل يجوز بيع النجس
للكفار أو لا؟
ولهم فيه قولان:
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في أحكام
النجاسات، المسألة 33.
(2) المستمسك 1: 216 و 525.
(3) التنقيح (الطهارة) 1: 331 - 333، و 2: 338.

(1) كشف اللثام 2: 268.
(2) مجمع الفائدة 11: 283.
(3) مستند الشيعة 15: 235.
(4) الجواهر 31: 278.
54

الأول - عدم الجواز. قال ابن إدريس في
اللحم المشتبه: " وإذا اختلط اللحم الذكي بلحم
الميتة ولم يكن هناك طريق إلى تمييزه منها، لم يحل
أكل شئ منه، ولا يجوز بيعه، ولا الانتفاع به، وقد
روي: أنه يباع على مستحل الميتة، والأولى إطراح
هذه الرواية وترك العمل بها... " (1).
ومال إليه العلامة في المنتهى (2)، نعم قال بجواز
بيعه على غير أهل الذمة، وقال: " لم يكن ذلك بيعا
في الحقيقة ".
ونقل كلامه - أي ابن إدريس - في المختلف ثم
قال: " إنه في الحقيقة ليس بيعا، بل هو استنقاذ مال
الكافر من يده برضاه، فكان سائغا " (3).
الثاني - الجواز، ونسب إلى المشهور بين من
تعرض للمسألة (4). واستدلوا له برواية زكريا بن
آدم، قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر
أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق،
قال: يهرق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب،
واللحم فاغسله وكله... قلت: فخمر أو نبيذ قطر
في عجين أو دم، قال: فقال: فسد، قلت: أبيعه
من اليهود والنصارى وأبين لهم، فإنهم يستحلون
شربه؟ قال: نعم... " (1).
وفي مرسلة لابن أبي عمير: " قيل لأبي
عبد الله (عليه السلام) في العجين يعجن من الماء النجس، كيف
يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة " (2).
واستند المانعون إلى مرسلة أخرى لابن أبي
عمير - وفيها: " يدفن ولا يباع " (3) - وإلى أن الكفار
مكلفون بالفروع كالمسلمين، فهم مكلفون باجتناب
أكل النجس، فيكون بيعهم الطعام النجس إعانة لهم
على الإثم (4).
ورد بأجوبة عديدة، منها: أن ذلك ليس إثما
في دينهم الذي أمرنا شرعا بمجاراتهم عليه (5).
أقول: هذا ما وجدناه في كلام الفقهاء في هذا
المجال، وهو ليس بصريح في التزامهم بجواز إطعام
النجس أو الحرام للكفار، وخاصة أهل الذمة وإن
كان بعض كلامهم ظاهرا في ذلك.
و - إطعام النجس والحرام للدواب:
قال صاحب الكفاية: " يجوز سقي الدواب
المسكر، بل سائر المحرمات والمتنجسات - للأصل
(1) الوسائل 25: 358، الباب 26 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 242، الباب 11 من أبواب الأسئار،
الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(4) ذكر ذلك أكثر من تعرض للمسألة.
(5) انظر الجواهر 6: 277 و 36: 339 - 341.

(1) السرائر 3: 113.
(2) المنتهى 3: 289 - 290، لكن كلامه في جواز بيع
العجين النجس.
(3) المختلف 8: 319، وكلامه في اللحم المشتبه.
(4) نسبه إلى المشهور المحدث البحراني في الحدائق
5: 469، وانظر: النهاية: 586، والمدارك 2: 371،
ومستند الشيعة 14: 77، والجواهر 6: 277، وغيرها.
55

وعدم التكليف - على الأصح الأشهر، وحكم
القاضي بتحريمه، ويكره ذلك لرواية أبي بصير
ورواية غياث " (1).
وقال القاضي: " ولا يجوز أن يسقى شئ من
البهائم والأطفال شيئا من الخمر والمسكر " (2).
وفي كلامه تخصيصان: الأول - تخصيص
التحريم بسقي البهائم لا مطلق الحيوانات، والثاني -
تخصيصه بالخمر والمسكر، ولم يتعرض لسائر
النجاسات والمحرمات.
وعلى أي حال، فالقول بالجواز هو المعروف
بين الفقهاء، لكن صرح بعضهم بكراهته (3)،
للروايتين اللتين أشار إليهما صاحب الكفاية، وهما:
رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" سألته عن البهيمة، البقرة وغيرها، تسقى أو تطعم
ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه، أيكره ذلك؟ قال:
نعم، يكره ذلك " (4).
ورواية غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن
أمير المؤمنين (عليه السلام) كره أن تسقى الدواب الخمر " (5).
وحملوا الكراهة في الروايتين على الكراهة
المصطلحة عند الفقهاء.
أقول: لعل الظاهر من كلام الفقهاء اختصاص
البحث بالدواب والبهائم - كما يظهر من عنوانهم
المسألة بذلك - وهي الحيوانات التي يستخدمها
الإنسان ويأكل لحم بعضها ويشرب لبنها، أما مثل
الكلاب والسباع مما تتوقف حياته على أكل
الميتات ونحوها، فالجواز فيها أمر مفروغ منه.
2 - إطعام ما فيه الضرر للغير:
لا إشكال في حرمة الإضرار بالغير إجمالا،
ومن مصاديقه: إطعامه ما فيه ضرر عليه، ولتفصيل
ذلك يراجع العنوانان: " ضرر "، و " أشربة /
القاعدة الرابعة ".
3 - إطعام المحرم ما فيه طيب:
من محرمات الإحرام استعمال الطيب بأي نحو
كان، حتى بجعله في الطعام.
وأما إطعام الغير له، فيدخل تحت البحث
المتقدم: من أن المستفاد من الأدلة حرمة وجود
الحرام مطلقا، سواء كان على نحو المباشرة أو
التسبيب، أو على نحو المباشرة فقط؟
4 - إطعام من أحدث ما يوجب الحد أو
القصاص والتجأ إلى الحرم:
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام

(1) كفاية الأحكام: 253.
(2) المهذب 2: 433.
(3) انظر على سبيل المثال: النهاية: 592، والسرائر 3:
132، وشرائع الإسلام 3: 228، والمسالك 12: 109،
والجواهر 36: 420، ومستند الشيعة 15: 234،
والمستمسك 1: 215، والتنقيح (الطهارة) 1: 331.
(4) الوسائل 25: 308 - 309، الباب 10 من أبواب
الأشربة المحرمة، الحديث 5 و 4.
(5) الوسائل 25: 308 - 309، الباب 10 من أبواب
الأشربة المحرمة، الحديث 5 و 4.
56

المحقق: " من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا
أو قصاصا ولجأ إلى الحرم، ضيق عليه في المطعم
والمشرب، بأن لا يمكن من ماله، بل يطعم ويسقى ما
لا يحتمله مثله عادة، أو ما يسد الرمق، كما عن
بعض " (1).
ثم ادعى عدم الخلاف في ذلك، ثم قال ما
مضمونه: أن النصوص خالية من كلمة " التضييق "،
لكن يمكن أن تراد ولو بمعونة الفتاوى والنصوص
التي منها صحيح معاوية بن عمار، قال: " سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل في
الحرم، فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع
ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه... " (2).
5 - إطعام الطعام المغصوب للغير:
لا إشكال في أن إطعام الطعام المغصوب للغير
حرام من جهة أنه تصرف في مال الغير وإتلاف له
من دون إذن. ولكن هل يحرم من جهة أنه تسبيب
لأكل الغير للحرام أو لا؟ فبهذا اللحاظ يدخل في
البحث المتقدم: من أن التسبيب إلى الحرام حرام أو
لا؟ وقد تقدم الكلام عنه.
هذا من حيث الحكم التكليفي، وأما من حيث
الحكم الوضعي، أي الضمان، فإن الشخص المطعم
تارة يكون هو المالك، وأخرى غيره. وتارة يكون
مع علمه بالغصب، وأخرى مع جهله به وصدق
الغرور في حقه.
ولا إشكال ظاهرا في أن الضمان على الغاصب
مع جهل المباشر، وهو الشخص المطعم، لو كان هو
المالك، مع صدق الغرور.
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق: " ولو غصب مأكولا مثلا، فأطعمه المالك،
بأن قال له: هذا ملكي وطعامي، أو قدمه إليه ضيافة
أو نحو ذلك مما يتحقق به الغرور منه... ضمن
الغاصب بلا خلاف ولا إشكال... " (1).
أما لو كان غير المالك، فقد نقل فيه صاحب
الجواهر قولين: الأول - أنه يجوز للمالك أن يرجع
على كل من الغاصب والمباشر، لكن إن رجع على
الغاصب وضمنه لا يحق للغاصب تضمين المباشر
للإتلاف، وإن رجع على المباشر، فللمباشر أن
يرجع على الغاصب ويضمنه، لأنه كان سببا في
تغرير المباشر بالأكل.
الثاني - أنه ليس له أن يرجع إلا على
الغاصب، لأنه أقوى من المباشر وهو الآكل، ثم قال
صاحب الجواهر: " لم نتحقق قائله منا... نعم هو
قول الشافعي في القديم... " (2).
هذا إذا كان المباشر للإتلاف جاهلا بالغصب
وصدق في حقه أنه مغرور، وأما إذا كان عالما به،
فإن كان المباشر هو المالك، فلا ضمان على الغاصب،
(1) الجواهر 37: 142، وانظر المسالك 12: 157 و 205.
(2) الجواهر 37: 145، وانظر المسالك 12: 157 و 205.

(1) الجواهر 20: 46 - 47.
(2) الوسائل 13: 225، الباب 14 من أبواب مقدمات
الطواف، الحديث الأول.
57

لأنه بمنزلة تسليم العين المغصوبة لصاحبها. وإن كان
غير المالك، فالضمان عليه، لأنه المباشر للإتلاف،
فلو رجع المالك عليه، ليس له أن يرجع على
الغاصب، نعم لو رجع المالك على الغاصب، رجع
الغاصب على المباشر للإتلاف (1).
6 - الإطعام رياء:
يحرم الإطعام رياء، كسائر موارد الرياء، فقد
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ومن أطعم رياء
وسمعة أطعمه الله مثله من صديد جهنم، وجعل ذلك
الطعام نارا في بطنه، حتى يقضي بين الناس " (2).
لكن ذلك بحاجة إلى تأمل.
ثالثا - الإطعام المستحب:
يستحب الإطعام في حد ذاته، لكن ورد
التنصيص على استحبابه في موارد خاصة، وقبل
ذكرها نذكر بعض النصوص الدالة على استحباب
مطلق الإطعام:
1 - روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " جمع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني عبد المطلب، فقال: يا بني
عبد المطلب، أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام،
وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وتهجدوا والناس
نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (1).
2 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): خيركم من أطعم الطعام، وأفشى السلام،
وصلى والناس نيام " (2).
3 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " المنجيات:
إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل
والناس نيام " (3).
4 - وروى معمر بن خلاد، قال: " كان
أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إذا أكل اتي بصحفة، فتوضع
بقرب مائدته، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به،
فيأخذ من كل شئ منه شيئا فيوضع في تلك
الصحفة، ثم يأمر بها للمساكين، ثم يتلو: * (فلا اقتحم
العقبة) * (4) الآية، ثم قال: علم الله أن ليس
كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل
إلى الجنة " (5).
ويستحب اختيار إطعام المؤمن، فقد روي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " من أطعم مؤمنا حتى
(1) الوسائل 24: 288، الباب 26 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 7.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 6.
(3) الوسائل 24: 288، الباب 26 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 5.
(4) البلد: 11.
(5) الوسائل 24: 292، الباب 26 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 22.

(1) انظر: جامع المقاصد 6: 224 - 226، ومفتاح
الكرامة 6: 227 - 230.
(2) الوسائل 24: 312، الباب 34 من أبواب آداب
المائدة، وفيه حديث واحد، وانظر بداية الهداية
ولب الوسائل 2: 326.
58

يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في
الآخرة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا الله رب
العالمين... " (1).
ويستحب أيضا اختيار إطعام المحاويج، وإن
كان إطعام الموسر مستحبا أيضا، فقد روى سدير
الصيرفي، قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما منعك أن
تعتق كل يوم نسمة؟ قلت: لا يحتمل مالي ذلك،
قال: تطعم كل يوم مسلما، فقلت: موسرا أو معسرا؟
فقال: إن الموسر قد يشتهي الطعام " (2).
وتكره دعوة الأغنياء دون الفقراء، فقد
" نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن وليمة يخص بها الأغنياء
ويترك الفقراء " (3)، وفي كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى
عثمان بن حنيف: " أما بعد يا بن حنيف، فقد بلغني أن
رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة
فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك
الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم
مجفو وغنيهم مدعو... " (4).
وأولم إسماعيل (5)، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):
" عليك بالمساكين فأشبعهم... " (1).
موارد يستحب الإطعام فيها بالخصوص:
1 - النكاح:
ورد النص باستحباب الإطعام والوليمة في
النكاح، وصرح به الفقهاء، فقد ورد عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): " أن من سنن المرسلين الإطعام عند
التزويج " (2)، وورد: أنه أولم عند تزوجه ببعض
زوجاته (3).
لكن ورد عنه (صلى الله عليه وآله): " الوليمة أول يوم حق،
والثاني معروف، وما زاد رياء وسمعة " (4). وفي
حديث آخر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): " الوليمة يوم،
ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة " (5).
2 - الولادة، 3 - الختان، 4 - شراء الدار،
5 - الرجوع من سفر الحج أو مطلق السفر:
ويدل على استحباب الإطعام والوليمة في هذه
الموارد، ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا وليمة إلا
في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار،
أو ركاز.
(1) الكافي 6: 299، باب نوادر كتاب الأطعمة،
الحديث 16.
(2) الوسائل 20: 94، الباب 40 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 3.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 4.
(5) المصدر المتقدم: الحديث 2.

(1) أصول الكافي 2: 201، باب إطعام المؤمن،
الحديث 6.
(2) المصدر المتقدم: 202، الحديث 12.
(3) الكافي 6: 282، باب الولائم، الحديث 4.
(4) نهج البلاغة، قسم الرسائل، الرسالة 45، رسالته إلى
عثمان بن حنيف واليه على البصرة.
(5) كان أكبر ولد أبي عبد الله (عليه السلام)، توفي في حياة والده،
وإليه نسبت الإسماعيلية نفسها.
59

فالعرس: التزويج، والخرس: النفاس
بالولد، والعذار: الختان، والوكار: الرجل يشتري
الدار، والركاز: الرجل يقدم من مكة " (1).
6 - العقيقة:
تستحب العقيقة عن المولود، بأن تذبح شاة،
ثم تطبخ، ثم يدعى رهط من المسلمين - عشرة أو
أكثر - إلى ذلك الطعام (2).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " عقيقة ".
والفرق بين هذا وما تقدم: أن هذا للمولود
نفسه، وذاك للولادة.
7 - إطعام أهل الميت:
يستحب إطعام أهل الميت ثلاثة أيام،
لاشتغالهم بالمصيبة، ولما ورد: أنه " لما قتل
جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام)
أن تأتي أسماء بنت عميس، هي ونساؤها، وتقيم
عندها، وتصنع لها طعاما ثلاثة أيام " (3).
وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه، كما صرح
به جماعة (4).
والحكم - أي استحباب الإطعام - متوجه إلى
الجيران والأقرباء (1).
هذا حكم إطعام أهل الميت، وأما عكسه،
وهو إطعام أهل الميت لغيرهم، فما هو حكمه؟
صرح بعض الفقهاء بعدم استحبابه، قال
العلامة في المنتهى - بعد أن ذكر استحباب إطعام أهل
الميت -: " لا يستحب لأهل الميت أن يصنعوا طعاما
ويجمعوا الناس عليه، لأنهم مشغولون بمصابهم،
ولأن في ذلك تشبها بأهل الجاهلية، على ما قال
الصادق (عليه السلام) " (2).
أشار بذلك إلى ما روي عنه (عليه السلام) أنه قال:
" الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية " (3).
واستنادا إلى هذه الرواية أفتى جملة من
الفقهاء بكراهة الأكل عند صاحب المصيبة (4)، نعم
قيل بجوازه في موردين:
الأول - ما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما إذا

(1) الوسائل 20: 95، الباب 40 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 5.
(2) انظر الوسائل 21: 420، الباب 44 من أبواب أحكام
الأولاد، الأحاديث 1 و 4 و 8.
(3) الوسائل 3: 235 - 237، الباب 67 من أبواب الدفن،
الحديثان 1 و 8.
(4) انظر: المنتهى (الحجرية) 1: 466، والتذكرة
2: 127، والذكرى 2: 46، وجامع المقاصد
1: 446، والحدائق 4: 160، ومستند الشيعة
3: 314، وغيرها.
(1) انظر المصادر المذكورة في الهامش المتقدم.
(2) المنتهى (الحجرية) 1: 466.
(3) الوسائل 3: 237، الباب 67 من أبواب الدفن، الحديث 6.
(4) انظر: جامع المقاصد 1: 446، ومجمع الفائدة
2: 509، والحدائق 4: 161، ومستند الشيعة
3: 315، والعروة الوثقى: كتاب الطهارة فصل في
المستحبات قبل الدفن وبعده، الأمر التاسع
والعشرون، ومصادر أخرى.
60

حضر ضيوف من خارج البلد واحتاجوا إلى المكث
عند صاحب المصيبة لأداء التعزية.
الثاني - ما لو أوصى الميت بذلك، لما روي:
أنه " أوصى أبو جعفر (عليه السلام) بثمانمئة درهم لمأتمه، وكان
يرى ذلك من السنة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا " (1).
وربما يستفاد من هذا الحديث: أن الطعام
المأخوذ لآل جعفر كان لهم ولضيوفهم.
صرح بالاستثناء الأول المحقق (2) والعلامة (3)
الحليان، وبالثاني الشهيد الأول في الذكرى (4)،
ونقلهما جملة ممن تأخر عنهم (5).
قال المحقق: " أما لو دعت الحاجة إلى
اتخاذهم الطعام، جاز إجماعا، كما لو جاءهم
من أهل القرى ممن يحضر الميت "، ومثله قال
العلامة.
وقال الشهيد الأول: " نعم، لو أوصى الميت
بذلك نفذت وصيته، لأنه نوع من أنواع البر، يلحقه
ثوابه بعد موته، لكن لو فوض إلى غير أهله لكان
أنسب، لاشتغالهم بمصابهم عن ذلك، كما دل عليه
الخبر ".
8 - الإطعام من الأضحية والهدي:
يستحب للمضحي تقسيم أضحيته ثلاثة
أقسام: يتصدق بثلث، ويأكل ثلثا، ويطعم إخوانه
المؤمنين ثلثا.
وقد تقدم الكلام عن ذلك في عنوان
" أضحية ".
وأما الهدي، فإن كان كفارة فيجب أن
يتصدق به على المساكين، وإن كان هدي سياق أو
هدي تمتع، فحكمه حكم الأضحية من حيث أصل
التثليث (1)، وإن كان لهم كلام في أنه على الوجوب
أو الندب، وسوف يأتي تفصيله في عنوان " هدي "
إن شاء الله تعالى (2).
9 - إطعام العيال زائدا على قدر الواجب في
النفقة:
تستحب التوسعة على العيال في النفقة وتجاوز
القدر الواجب ما لم يبلغ حد الإسراف، وقد تقدم
الكلام عن ذلك في عنوان " إسراف "، وسوف يأتي
في عنوان " إنفاق " إن شاء الله تعالى.
10 - استحباب إطعام المملوك الشئ الحلو
عند شرائه:
قال زرارة: " كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام)،

(1) الوسائل 3: 238، الباب 68 من أبواب الدفن، وفيه
حديث واحد.
(2) المعتبر: 94.
(3) المنتهى (الحجرية) 1: 466.
(4) الذكرى 2: 46.
(5) انظر: جامع المقاصد 1: 446، ومجمع الفائدة
2: 509، والحدائق 4: 161، ومستند الشيعة 3: 315،
والعروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في المستحبات
قبل الدفن وبعده، الأمر التاسع والعشرون.
(1) انظر ما تقدم في شرائع الإسلام 1: 263 - 264، وغيره.
(2) انظر الحدائق 17: 183 - 184.
61

فدخل عليه رجل ومعه ابن له، فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام): ما تجارة ابنك؟ قال: التنخس (1)،
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): " لا تشتر شينا ولا عيبا،
وإذا اشتريت رأسا فلا يرين ثمنه في كفة الميزان، فما
من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح، وإذا
اشتريت رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا
ملكته، وصدق عنه بأربعة دراهم " (2).
كانت هذه أهم الموارد للإطعام المندوب،
وهناك موارد أخرى لم نتعرض لها مخافة التطويل،
مثل: إطعام الحيوانات غير المملوكة، وخاصة مثل
إطعام حمام الحرم ونحوه.
رابعا - الإطعام المكروه:
لم أعثر على تصريح للإطعام المكروه، نعم
يمكن أن يكون من موارده انقلاب عنوان
" الاستحباب " إلى " الكراهة " لبعض العناوين
الثانوية الطارئة، مثل الإطعام الذي يوجب تقوية
شخص المطعم على ارتكاب بعض المعاصي، لكن
إذا لم يصل إلى حد السببية وإلا فيحرم، لأنه يكون
مقدمة للحرام.
خامسا - الإطعام المباح:
وهو سوى ما تقدم، أي الإطعام الذي لم
يتصف بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب أو
الكراهة، كإطعام أشخاص دون لحاظ المرجحات
الشرعية، ككونهم مؤمنين أو محتاجين، أو نحو ذلك
مما يوجب ترجيح الإطعام.
أمور حول الإطعام ينبغي الكلام عنها:
1 - الوقف على الإطعام:
إن الوقف على الإطعام إنما يكون على أحد
نحوين:
أ - أن يوقف عينا - مثل بستان أو دار أو
دكان ونحوها - على إطعام الفقراء، أو زوار أحد
المشاهد المشرفة، فيصرف ثمرة العين الموقوفة في
الإطعام. وهذا مما لا إشكال فيه، لشمول أدلة
الوقف ذلك، وقد جرت بذلك السيرة.
ب - أن يوقف الطعام المعين للإطعام على فئة
معينة، وهذا لا يصح بلا إشكال، لأن من شروط
العين الموقوفة أن تبقى وتصرف منفعتها في جهة
الوقف، وأما إذا استلزم وقفها إتلافها فلا يصح
الوقف.
قال السيد اليزدي: " الشرط الثالث - أن
يمكن الانتفاع به مع بقائه، فلا يصح وقف الأطعمة
والفواكه ونحوهما مما يكون الانتفاع به إتلافه " (1).

(1) التنخس: عمل النخاس، وهو بياع الدواب والرقيق،
من نخس الدابة، أي غرز مؤخرها أو جنبها بعود
ونحوه لتهيج. انظر المصباح المنير، والقاموس
المحيط: " نخس ".
(2) الوسائل 18: 251، الباب 6 من أبواب بيع الحيوان،
الحديث الأول.
(1) العروة الوثقى 2: 206، كتاب الوقف، شرائط
الموقوف.
62

وقال صاحب الجواهر عند إعطاء الضابطة لما
يصح وقفه: " ضابطه كل ما يصح الانتفاع به منفعة
محللة مع بقاء عينه، لا كمنفعة أعيان الملاهي
ونحوها، ولا ما لا منفعة له أصلا، أو لا منفعة له إلا
بإتلاف عينه كالطعام والشمع ونحوهما، بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه
عليه... " (1).
2 - الوصية بالإطعام:
تصح الوصية بالإطعام، سواء تعلقت الوصية
بإطعام طعام موجود، أو بمال ينفق في الإطعام،
وذلك لا مانع منه بعنوانه الأولي، إلا إذا طرأ عليه
عنوان ثانوي يمنع من صحة الوصية.
ويدل على صحة الوصية بالإطعام ما تقدم
سابقا: من أنه " أوصى أبو جعفر (عليه السلام) بثمانمئة درهم
لمأتمه، وكان يرى ذلك من السنة، لأن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا " (2).
3 - الحلف على الإطعام أو نذره:
لو حلف أن يطعم شخصا أو طائفة معينة من
الناس: كالفقراء أو العلماء، أو أرحامه انعقد الحلف،
ويحنث بتركه، لأن اليمين تعلقت بأمر راجح، نعم لو
تعلقت بأمر مرجوح، كإطعام المعروفين باللهو
والفسق والفجور، وكان وجه إطعامهم هو كونهم
أهل اللهو والفجور، كانت اليمين باطلة، ولا يحنث
بترك الإطعام (1).
ومثل ذلك لو نذر إطعام الطعام (2).
وفروعات هذه المسألة كثيرة مذكورة في
كتاب الأيمان من كتب الفقه (3).
كيفية الإطعام في موارده:
لم يحدد الفقهاء كيفية الإطعام إلا في بعض
الموارد، مثل الكفارات والنفقات، وتقدم الكلام
عنهما مسبقا. وأما غيرهما فالظاهر أن الأمر فيه
موكول إلى العرف.
مظان البحث:
عمدة أبحاث هذا الموضوع إنما ترد في:
1 - كتاب الطهارة: أحكام النجاسات /
إطعام النجس للغير.
2 - كتاب الصوم: ثبوت الكفارة أو الفدية في
ترك الصوم.
3 - كتاب الحج: ثبوت الكفارة أو الفدية في
تروك الإحرام ونحوها.
4 - كتاب البيع: حكم بيع النجس واستثناء
بيع الدهن المتنجس.

(1) الجواهر 28: 16.
(2) الوسائل 3: 238، الباب 68 من أبواب الدفن، وفيه
حديث واحد.
(1) انظر الجواهر 35: 265.
(2) انظر الجواهر 35: 377.
(3) انظر الجواهر 35: 281.
63

5 - كتاب الكفارات: البحث في الإطعام
وكيفيته عند التكفير.
وكتب متفرقة أخرى يتطرق فيها إلى
الموضوع بالمناسبة، مثل الجهاد: بالنسبة لإطعام
الأسير، والنكاح وما يستتبعه: للإطعام بمناسبة
النكاح والولادة والعقيقة ونحوها، والغصب:
لإطعام الطعام المغصوب، والأطعمة: لوجوب
إطعام المضطر المشرف على الهلاك ونحوه، وآداب
المائدة وما يستتبعها من أبحاث، والوصية والوقف
والأيمان: لمناسبة الوصية بالإطعام أو الوقف له أو
الحلف عليه و...
أطعمة
لغة:
جمع طعام، وجمع الجمع: أطعمات.
والطعام: اسم جامع لكل ما يقتات ويؤكل،
وكان يطلق عند أهل الحجاز على البر - القمح -
خاصة (1).
وطعم فلان الطعام: إذا أكل أو ذاق (2)، ومنه
قوله تعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) * (3).
وإذا استعمل بمعنى الذوق، جاز في ما يؤكل
ويشرب (1)، ومنه قوله تعالى: * (إن الله مبتليكم بنهر
فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني) * (2).
اصطلاحا:
يراد منه المعنى اللغوي نفسه، والكلام فعلا في
المعنى الأول أي الطعام بمعنى ما يؤكل ويقتات.
الأحكام:
قبل بيان أحكام الأطعمة نرى من المناسب
أن نشير إلى القواعد العامة التي ذكرناها مقدمة
للبحث عن عنوان " أشربة "، وهي:
1 - قاعدة " حلية كل ما يمكن أكله أو شربه
إلا ما ثبتت حرمته بدليل ".
2 - قاعدة " حرمة أكل الخبائث وشربها ".
3 - قاعدة " حرمة أكل الأعيان النجسة
والمتنجسة ".
4 - قاعدة " حرمة أكل الأشياء الضارة
بالبدن وشربها ".
5 - قاعدة " حرمة أكل مال الغير من دون إذنه ".
6 - قاعدة " الاضطرار رافع للحرمة حالة
الاضطرار ".
7 - قاعدة " الإكراه رافع للحرمة حالة
الإكراه ".

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية (لابن
الأثير)، ولسان العرب: " طعم ".
(2) انظر: الصحاح، ولسان العرب: " طعم ".
(3) الأحزاب: 53.
(1) لسان العرب: " طعم ".
(2) البقرة: 249.
64

8 - قاعدة " التقية رافعة للحرمة حالة وجود
ظروف التقية ".
وبعد بيان هذه القواعد العامة إجمالا نقول:
المطعوم: إما أن يكون حلالا أو حراما.
والحرام: إما حرام بالذات، كالميتة والدم ولحم
الخنزير والأعيان النجسة، وإما حرام بالعرض،
كالحلال الذي أصابته العين النجسة، أو الحيوان
المحلل الذي اعتاد أكل النجس فصار جلالا.
وكل من الحرام والحلال: إما أن يكون حيوانا
أو غير حيوان. وغير الحيوان: إما أن يكون جامدا
أو مائعا.
أما المائع، فقد تقدم الكلام عنه في عنوان
" أشربة ".
إذن يبقى الكلام في الحيوان وغير الحيوان
الجامد.
ونقدم البحث عن الحرام ذاتا، وسوف يأتي
الكلام عن الحرام بالعرض (1).
الكلام في الحيوان مما يحل
أو يحرم ذاتا (2)
الحيوان: إما بحري، أو بري، أو من الطيور،
ولكل منها حكمه الخاص:
أولا - الحيوان البحري:
الحيوانات البحرية بعضها متفق على تحليله،
وبعضها متفق على تحريمه، وبعضها مختلف فيه، وفيما
يلي نبين حكم كل واحد منها:
1 - ما اتفق على تحليله من حيوان البحر:
لا خلاف بين الأمة - كما قيل (1) - في تحليل ما
كان له قشر وفلس من الأسماك، سواء كان فلسه
باقيا عليه بعد صيده، كأكثر الأسماك، أو لا، كبعضها
مثل الكنعت أو الكنعد (2)، كما صرح بذلك في رواية
حماد بن عثمان، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الحيتان، ما يؤكل منها؟ فقال: ما كان له قشر. قلت:
ما تقول في الكنعت؟ قال: لا بأس بأكله، قال:
قلت: فإنه ليس له قشر، فقال: بلى ولكنها حوت
سيئة الخلق تحتك بكل شئ، فإذا نظرت في أصل
اذنها، وجدت لها قشرا " (3).
والروايات التي دلت على حل ما له فلس
وقشر من الأسماك مستفيضة (4).

(1) يأتي الكلام عن الحرام بالعرض في الصفحة 92.
(2) يأتي الكلام عن غير الحيوان في الصفحة 86.
(1) انظر: المسالك 12: 10، والكفاية: 248، ومستند
الشيعة 15: 62، وغيرها.
(2) وهو ضرب من سمك البحر. لسان العرب: " كنعت "
و " كنعد ".
(3) الوسائل 24: 137، الباب 10 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(4) انظر الوسائل 24: 127، الباب 8 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
65

2 - ما اتفق على تحريمه من حيوان البحر:
اتفق فقهاؤنا على تحريم بعض حيوانات
البحر، وهي:
أ - السمك الطافي:
وهو السمك الذي مات في الماء ثم طفا على
الماء، والنصوص صريحة في تحريمه، منها صحيحة
الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال:
" وسألته عما يوجد من السمك طافيا على الماء، أو
يلقيه البحر ميتا؟ فقال: لا تأكله " (1).
ومما يلحق بالطافي من حيث الحكم، السمك
الذي نضب عنه ماء النهر أو البحر فمات.
ب - الضفدع، والسلحفاة، والسرطان:
ولم أعثر على من شكك في تحريمها على
الخصوص، بل قال النراقي بعد بيان حكمها:
" بلا خلاف في شئ منا خاصة يعرف " (2).
ج - غير السمك من حيوان البحر:
ادعي الإجماع على تحريم غير السمك من حيوان
البحر، مثل كلب الماء وخنزيره وفرسه وشاته،
والحشرات كالديدان ونحوها.
قال الشهيد الثاني: " حيوان البحر إما أن
يكون له فلس، كالأنواع الخاصة من السمك،
ولا خلاف بين المسلمين في كونه حلالا، وما ليس
على صورة السمك من أنواع الحيوان، ولا خلاف
بين أصحابنا في تحريمه " (1).
لكن شكك الأردبيلي في القاعدة الثانية،
وهي تحريم غير السمك من حيوان البحر، حيث
قال: "... وأيضا ما علم تحريم كل حيوان البحر غير
السمك كما هو ظاهر كلامهم، إذ ما عرفنا له دليلا
سوى ما ادعي الإجماع على تحريم ما ليس بصورة
السمك في شرح الشرائع، فتأمل " (2).
وتبعه السبزواري في ذلك، حيث قال:
" والمعروف من مذهب الأصحاب تحريم ما ليس
على صورة السمك من أنواع الحيوان البحري،
وادعى صاحب المسالك نفي الخلاف بين أصحابنا في
تحريمه، ولم يظهر لي عليه دليل، بل الآيات
والأخبار بعمومها على خلافه " (3).
وممن شكك في القاعدة الثانية الكاشاني (4)
والنراقي (5) أيضا.
3 - ما اختلف في تحريمه من حيوان البحر:
اختلف فقهاؤنا في تحريم بعض الأسماك
التي لا فلس لها، لاختلاف النصوص الواردة فيها،

(1) الوسائل 24: 142، الباب 13 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) مستند الشيعة 15: 70، وفي الطبعة الحجرية 2: 404:
" بلا خلاف في شئ منها يعرف ".
(1) المسالك 12: 10.
(2) مجمع الفائدة 11: 190، ومقصوده من شرح الشرائع
هو المسالك.
(3) الكفاية: 248.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 184، المفتاح 639.
(5) مستند الشيعة 15: 59.
66

وهذه الأسماك هي: الجري أو الجريث (1)،
والمارماهي (2)، والزمير أو الزمار (3)،
والزهو (4).
والمعروف بينهم تحريم هذه الأسماك، إلا أن
للشيخ الطوسي قولا بكراهة ما عدا الجري منها (1)،
ولكنه وافق المشهور في أكثر كتبه في القول
بتحريمه (2).
وتبعه في القول بالكراهة: القاضي ابن
البراج (3)، والشهيد الثاني (4)، والسبزواري (5)،
ولعل القول بالإباحة هو الظاهر من المحقق الحلي (6)،
ويبدو من الأردبيلي التشكيك في تحريمه (7).
ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة
فيها، كما سنشير إليها عن قريب.
وأما الجري فكاد يكون الحكم بتحريمه
إجماعيا لولا مخالفة الشهيد الثاني (8) وبعض من تبعه
كالسبزواري (9)، لبعض النصوص كما تقدم، بل كاد
يصير القول بحرمته من اختصاصات الشيعة.
أما النصوص الدالة على الحرمة في الجري

(1) يبدو أن هناك التباسا حصل في تعريف الجري
والمارماهي، وهل هما شئ واحد أو لا؟
والذي يظهر من كلمات بعض أهل اللغة أنهما
شئ واحد. ولكن يظهر من بعض الروايات أنهما
شيئان، ويؤيده التحقيق، ولعلنا نذكر خلاصة
ما حققناه في عنوان " جريث ".
والمارماهي كلمة فارسية مركبة من كلمتين:
" مار " أي حية أو ثعبان، و " ما هي " أي سمك، فهي
بمعنى حية السمك، ويعبر عنها ب‍ " ثعبان الماء " أيضا.
انظر: ترتيب كتاب العين، والنهاية (لابن الأثير)،
والقاموس المحيط، وحياة الحيوان (للدميري)،
ومحيط المحيط، والمنجد، وموسوعة المورد العربية في:
" جرث " و " جري " و " انقليس " أو " انكليس "،
و " ثعبان الماء " أو " حية الماء " ونحوها مما يناسب
الموضوع.
(2) مر آنفا في هامش رقم (1).
(3) الزمير: سمكة جسمها ممدود شديد الانضغاط من
الجانبين، مقدمها طويل أحدب، وجسمها أملس
لا تغطيه القشور، بل توجد على جانبيها صفائح
عظمية أو قشرية ولها زعنفة ظهرية بها ثلاث شوكات
قوية. المعجم الوسيط: " زمر ".
(4) لم أعثر في كتب اللغة على من ذكر السمك من معاني
" الزهو "، نعم ورد في حديث: " الزهو سمك ليس له
قشر ". انظر الوسائل 24: 138، الباب 11 من أبواب
الأطعمة المحرمة، باب تحريم الزهو وفيه حديث
واحد.
(1) انظر: النهاية: 576، والتهذيب 9: 5، باب الصيد
والذكاة، ذيل الحديث 14، والاستبصار 4: 59، باب
النهي عن صيد الجري... ذيل الحديث 7.
(2) انظر: المبسوط 6: 276، والنهاية: 364 و 713.
(3) المهذب 2: 438 - 439.
(4) المسالك 12: 12 - 14.
(5) الكفاية: 248.
(6) شرائع الإسلام 3: 217.
(7) مجمع الفائدة 11: 189 - 190.
(8) المسالك 12: 12 - 14.
(9) الكفاية: 248
67

والثلاثة فهي أشهر من حيث روايتها والإفتاء بها،
ومن جملتها:
1 - صحيحة محمد بن مسلم قال: " أقرأني
أبو جعفر (عليه السلام) شيئا من كتاب علي (عليه السلام) فإذا فيه:
أنهاكم عن الجري والزمير والمارماهي والطافي
والطحال... " (1).
2 - وروي في أكثر من رواية: أن عليا (عليه السلام)
نهى بياعي السمك عن بيع وشراء الجري،
والمارماهي، والزمار، والطافي على الماء (2).
وروايات عديدة أخرى (3).
وأما التي يظهر منها إباحة هذه الأسماك، فهي
صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم.
فقد روى زرارة في الصحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الجريث؟ فقال: وما الجريث؟ فنعته له، فقال: * (قل
لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه...) * (4)،
ثم قال: لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا
الخنزير بعينه، ويكره كل شئ من البحر ليس له
قشر مثل الورق، وليس بحرام، إنما مكروه " (1).
وروى محمد بن مسلم، قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجري والمارماهي والزمير،
وما ليس له قشر من السمك أحرام هو؟ فقال:
يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام: * (قل لا أجد
في ما أوحي إلي محرما...) *، قال: فقرأتها حتى
فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرم الله ورسوله
في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء ونحن
نعافها " (2).
وحملهما المشهور على التقية، لأن مذهب
العامة هو الحلية (3).
التصريح بحلية بعض الأسماك:
صرح بحلية بعض الأسماك، وليس ذلك
إلا لكثرة السؤال عنها، ولعل وجه التشكيك
والسؤال عنها كان من جملة الشك في اندراجها
في ما له فلس، كما تشهد بذلك كيفية السؤال
والجواب في الروايات.
ومما ورد التصريح بحليته: الطبراني،

(1) الوسائل 24: 130، الباب 9 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 24: 131 و 133، الباب 9 من أبواب
الأطعمة المحرمة، الأحاديث 3 و 11 و 14، ونقله
الدميري في حياة الحيوان عن البخاري، انظر حياة
الحيوان 1: 45: " انكليس ".
(3) الوسائل 24: 130 - 136، الباب 9 من أبواب
الأطعمة المحرمة.
(4) الأنعام: 145.
(1) الوسائل 24: 135، الباب 9 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 19.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 20.
(3) انظر: المختلف 8: 285، ومجمع الفائدة 11: 190،
ومستند الشيعة 15: 66، والجواهر 36: 245
و 250، وغيرها.
68

والإبلامي، والربيثا، والطمر، والإربيان (1).
وقد علل وجه تحليلها: بأن لها فلسا، فتندرج
في القاعدة القائلة: " بأن ما لا فلس له من الأسماك
حرام، وما له فلس فهو حلال " (2).
ثانيا - الحيوان البري:
الحيوانات البرية - كالبحرية - منها ما هو متفق
على تحليله، ومنها ما هو متفق على تحريمه، ومنها ما
هو مختلف فيه. وفيما يلي نشير إلى كل واحد منها:
1 - ما اتفق على تحليله من حيوان البر:
أ - الأنعام الثلاثة:
وهي الإبل والبقر والغنم الأهلية أو الإنسية
بجميع أصنافها بما فيها المعز.
والظاهر أنه لا خلاف بين المسلمين في
حليتها، وتدل عليها الأدلة الأربعة:
أما الكتاب فقوله تعالى: * (والانعام خلقها لكم
فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون) * (1)، وقوله تعالى:
* (وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم
فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون) * (2)، وقوله تعالى:
* (الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها
تأكلون) * (3).
وأما السنة فهي متظافرة قولا وعملا (4).
وأما الإجماع - أو عدم الخلاف - فقد ادعي
على حليتها بصورة مستفيضة (5)، بل السيرة العملية
الجارية والمستمرة إلى زمن الرسول تدل عليها
بوضوح.
وأما العقل، فلا يرى في أكلها مانعا كالاستقذار

(1) قال السيد الصدر في تعليقته على منهاج الصالحين
(للسيد الحكيم) 2: 368: " ذكر الطمر والطبراني
والإبلامي، متابعة لبعض الروايات، وإن كانت هذه
الأسماء اليوم غير معروفة ولا متداولة في الاستعمال
في حدود ما نعلم، ويقال: إن الطبراني من السمك:
الشانق، والطمر: سمك أحمر، والإبلامي: سمك أسود،
وإن لها جميعا فلسا، وعلى أي حال، فالميزان كونها
ذات فلس ".
وقال الطريحي: " الطبراني من السمك: الشانق "
وقال أيضا: " الإبلامي: البلم محركة: صغار السمك،
قال بعض المحققين: الإبلامي من السمك: البني "،
وقال أيضا: " الربيثا: ضرب من السمك له فلس
لطيف ". مجمع البحرين: " طبر " و " بلم " و " ربث ".
والإربيان هو المعروف ب‍ " الروبيان ". مجمع
البحرين: " أرب ".
(2) انظر: الجواهر 36: 250 - 251، وغيره.
(1) النحل: 5.
(2) المؤمنون: 21.
(3) غافر: 79، إضافة إلى الآيات 142 - 144 من سورة
الأنعام، وغيرها.
(4) انظر الوسائل 25: 1، أبواب الأطعمة المباحة،
وخاصة الباب 13 و 14 و 15 و 19 و 20 و 26 و 29
و 31 و 42 و 56 و 57، وراجع أبواب الأشربة
المحللة والأسآر.
(5) انظر: المسالك 12: 22، ومجمع الفائدة 11: 158،
ومستند الشيعة 15: 105، والجواهر 36: 264،
وغيرها بل ادعى بعضهم كون حليتها من الضروريات
التي لا تحتاج إلى الاستدلال.
69

والضرر ونحوهما، بل أجمع عقلاء العالم على
أكلها.
ب - بعض الحيوانات الوحشية:
تحل جملة من الحيوانات الوحشية بلا خلاف
أيضا (1)، مثل: الأبقار الوحشية، والكباش
الجبلية، والغزلان والحمر الوحشية، واليحامير
الوحشية.
واستشكل بعضهم (2) في حصر المحلل من
الوحشية في المذكورات.
2 - ما اتفق على تحريمه من حيوان البر:
أ - الخنزير:
وهو الحيوان الوحيد الذي نص الكتاب على
تحريمه، ولا خلاف في ذلك (3).
قال تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير...) * (4) وهو يدخل في العنوان الآتي
أيضا.
ب - السباع:
وهي الحيوانات المفترسة (1)، ولها ناب،
تعدو على الناس والدواب فتفترسها (2)، وهي ذات
مخالب غالبا.
ومن السباع ما هو قوي: كالأسد، والنمر،
والفهد، والدب، والذئب، والكلب.
ومنها ما هو ضعيف: كالضبع، والسنور،
وابن آوى.
ولا خلاف بين فقهائنا في تحريم السباع كلها،
سواء كانت قوية أو ضعيفة (3).
وتدل على تحريم السباع - مضافا إلى عدم
الخلاف المدعى -: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كل ذي ناب من
السباع، أو مخلب من الطير حرام، وقال: لا تأكل
من السباع شيئا " (4).
وبهذا المعنى وردت روايات عديدة (5).
ج - الفيل والدب والقرد والأرنب:
تحرم هذه الحيوانات سواء عدت من السباع
أو لا.

(1) انظر: المسالك 12: 34، وادعي فيه عدم خلاف
المسلمين في حليتها، ومجمع الفائدة 11: 165،
وكشف اللثام 2: 263، ومستند الشيعة 15: 107،
والجواهر 36: 293.
(2) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 165،
وتبعه جملة ممن تأخر عنه.
(3) انظر: مجمع الفائدة 11: 165 - 166، وغيره.
(4) البقرة: 173، وانظر الآيات المماثلة لها: المائدة: 3،
والأنعام: 145، والنحل: 115.
(1) القاموس المحيط: " سبع ".
(2) لسان العرب: " سبع ".
(3) انظر: مجمع الفائدة 11: 166، وكشف اللثام: 263،
ومستند الشيعة 15: 98، والجواهر 36: 294.
(4) الوسائل 24: 114، الباب 3 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
(5) انظر المصدر المتقدم، وسائر الأحاديث.
70

أما الفيل والدب والقرد، فلما ورد عن الإمام
علي (عليه السلام) حينما سئل عن أكل لحم الفيل والدب
والقرد، فقال: " ليس هذا من بهيمة الأنعام التي
تؤكل " (1)، إضافة إلى شمول روايات المسوخ (2) لها.
وأما الأرنب، فقد ادعي الإجماع على تحريمه
مستفيضا (3)، لكن يظهر من الشهيد الثاني (4)
التشكيك فيه، وتبعه الأردبيلي (5) وبعض من تأخر
عنه (6).
قال الشهيد الثاني معلقا على قول المحقق:
" ويحرم الأرنب والضب والحشار كلها... ":
" تحريم هذه الأشياء كلها عندنا موضع
وفاق... " إلى أن قال:
" مع أنه روي عندنا في الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " ما حرم الله في القرآن من
دابة إلا الخنزير، ولكنه النكرة " (7)... وروى
حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عزوف النفس، وكان يكره
الشئ ولا يحرمه، فاتي بالأرنب فكرهها ولم
يحرمها " (1)، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " كان يكره أن يؤكل من الدواب لحم الأرنب،
والضب، والخيل، والبغال، وليس بحرام كتحريم
الميتة والدم ولحم الخنزير " (2).
وقد قدمنا في معنى هذه أخبارا اخر
صحيحة (3)، ولكن عمل الأصحاب على التحريم.
والشيخ (4) (رحمه الله) حمل التحريم المنفي في هذه الأخبار
على التحريم المخصوص، وهو ما اقتضاه ظاهر
القرآن، دون مطلق التحريم، ولا يخفى بعد هذا
التنزيل " (5).
وقد تقدم عنه ما يشبه هذا الكلام عند البحث
عن الأسماك التي لا فلس لها، وقلنا: إن الفقهاء حملوا
مثل هذه الروايات على التقية لموافقتها لمذهب
العامة. والله العالم.

(1) الوسائل 24: 112، الباب 2 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 19، وانظر الحديث 16.
(2) انظر الحديثين المشار إليهما في المصدر المتقدم.
(3) انظر: الانتصار: 186، والمبسوط 6: 280،
والجواهر 36: 296، والمصادر الفقهية الآتية.
(4) المسالك 12: 36 - 37.
(5) مجمع الفائدة 11: 170 - 171.
(6) كالكاشاني في المفاتيح 2: 183، المفتاح 638،
والسبزواري في الكفاية: 249.
(7) الوسائل 24: 102، الباب الأول من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
(1) الوسائل 24: 112، الباب 2 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 21.
(2) الوسائل 24: 112، الباب 2 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 20.
(3) انظر الوسائل 24: 135 - 136، الباب 9 من أبواب
الأطعمة المحرمة، الحديثين 19 و 20.
(4) التهذيب 9: 42، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد
والذكاة، ذيل الحديث 176.
(5) المسالك 12: 35 - 37.
71

د - السنجاب والسمور والفنك والخز (1):
المعروف بين الفقهاء حرمة أكل لحوم هذه
الحيوانات، وإن كان لهم كلام في جواز الصلاة في
وبرها من جهة الترخيص فيه واستثنائه من قاعدة
" عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ".
وقد ادعي عدم الخلاف في تحريم لحمها (1)،
ومع ذلك فقد شكك الأردبيلي (2) في ذلك، وتبعه
السبزواري (3) والكاشاني (4). ولعله كان لكلام
الشهيد الذي تقدم في الأرنب ونحوه تأثير في هذا
التشكيك.
ه‍ - الحشرات (5):
مثل: الحية، والعقرب، والفأرة،
والجرذ، واليربوع (6)، والضب (7)،

(1) السنجاب: حيوان أكبر من الجرذ، وشعره في غاية
النعومة، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون،
لونه أزرق رمادي، وهو كثير ببلاد الصقالبة والترك.
انظر: حياة الحيوان (للدميري)، والمعجم الوسيط:
" سنجاب ". والصقالبة: جيل من الناس كانت مساكنهم
إلى الشمال من بلاد البلغار وانتشروا في كثير من شرق
أوروبا، وهم المسمون الآن بالسلاف - المعجم الوسيط:
" الصقالبة ". وقيل: هم الروس والروس البيض
واليوغسلافيون. انظر أعلام المنجد: " الصقالبة ".
والسمور: حيوان ثديي ليلي، من الفصيلة
السمورية، من آكلات اللحوم، يتخذ من جلده فرو
ثمين، ويقطن شمال آسيا. وقيل: يشبه السنور. انظر:
حياة الحيوان (للدميري)، والمعجم الوسيط: " سمور ".
والفنك: ضرب من الثعالب، فروته أجود أنواع
الفراء، ويجلب كثيرا من بلاد الصقالبة. انظر: حياة
الحيوان (للدميري)، والمعجم الوسيط: " فنك ".
والخز أو الدلق: حيوان ثديي صغير، حجمه
لا يزيد على حجم الهر الأليف، وقد يصل طوله إلى
(60) سنتيمترا، وهو مهزول الجسم، قصير القوائم،
مستدير الاذنين، ناعم الوبر، كث الذيل، يألف
الغابات حيث يتسلق الأشجار برشاقة ويقتات
بالحيوانات وبالثمار وبالجيف أيضا. ويصطاد طلبا
لفروه النفيس. موسوعة المورد 6: 205.
(1) انظر: المسالك 12: 35، ومفاتيح الشرائع 2: 183،
المفتاح 638، ومستند الشيعة 15: 104.
(2) مجمع الفائدة 11: 167 - 168.
(3) كفاية الأحكام: 249.
(4) مفاتيح الشرائع 3: 182، المفتاح 638.
(5) قال ابن منظور: " الحشرة واحدة: صغار دواب
الأرض كاليرابيع والقنافذ والضباب ونحوها ". وقال
الفيروزآبادي: " الحشرات: الهوام أو الدواب الصغار "،
وجاء في المعجم الوسيط: " الحشرة: الهامة من
هوام الأرض، كالخنافس والعقارب، والدابة الصغيرة
من دواب الأرض، كالفئران والضباب ".
انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم
الوسيط: " حشر ".
(6) اليربوع: حيوان صغير على هيئة الجرذ الصغير، وله
ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر، وهو قصير
اليدين طويل الرجلين. المعجم الوسيط: " ربع ".
(7) الضب: حيوان من جنس الزواحف من رتبة العظاء،
غليظ الجسم خشنه، وله ذنب عريض حرش أعقد،
يكثر في صحاري الأقطار العربية. المعجم الوسيط:
" ضبب ".
72

والوبر (1) - وفي عده من الحشرات تأمل، لكن
لا إشكال فيه من حيث الحكم - والقنفذ، وسام
أبرص (2)، والوزغ، والعظاءة (3)، واللحكة (4)،
والصرصر، والخنفساء، وبنت وردان، والعنكبوت،
والدود، والرتيلاء، والبرغوث، والقمل، ونحوها.
قال الشهيد الثاني بعد ذكرها: " تحريم هذه
الأشياء كلها عندنا موضع وفاق، لأن الحشار
بأجمعها مستخبثة، ومنها ما نص على تحريمه
بخصوصه، ومنها ما هي ذات سموم وإبر، فتحرم لما
فيها من الضرر " (5).
لكن استشكل الأردبيلي في تحريم الجميع،
لعدم النص على تحريم جميعها وعدم صدق
" الخبائث " عليها جميعا فقال: " وأما الحشرات وما
ذكرت من البهائم فما نعرف دليلا على تحريمها غير
أنها مذكورة في الكتب، فلعله إجماعي، ويحتمل
دعوى الخباثة في بعضها أيضا، فتأمل " (1).

(1) الوبر: حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب،
أطحل اللون - أي بين الغبرة والسواد - قصير الذنب،
يحرك فكه السفلي كأنه يجتر، ويكثر في لبنان.
المعجم الوسيط: " وبر ".
(2) سام أبرص: ضرب من الوزغ. المعجم الوسيط:
" سمم ".
(3) العظاءة: دويبة من الزواحف ذوات الأربع، ومن
أنواعها: الضباب وسوام أبرص. المعجم الوسيط:
" عظاءة ".
(4) وقيل: الحلكة، واختلفوا في تعريفها، ومما قالوه: إنها
دويبة شبيهة بالعظاءة زرقاء تبرق، وليس لها ذنب
طويل كالعظاءة، وقوائمها خفية. حياة الحيوان
(للدميري) 2: 138: " اللحكاء ". نقله عن
ابن السكيت، وانظر السرائر 3: 105.
(5) المسالك 12: 35 - 36، وانظر: كشف اللثام
(الحجرية) 2: 262، ومستند الشيعة 15: 102،
والجواهر 36: 296، وغيرها.
(1) مجمع الفائدة 11: 167.
أقول: إن تشكيكات المحقق الأردبيلي إنما هي
تشكيكات فنية صرفة، بل لعلها ناشئة من شدة
احتياطه في الدين، لأن القول بالتحريم يحتاج إلى دليل
كالقول بالتحليل، فالقول بكل منهما - أي التحليل
والتحريم - بدون مستند شرعي تقول على الله، وإذا لم
يتم الدليل على التحريم، فالاحتياط هو عدم الإفتاء
بالتحريم. نعم لا بأس بالاحتياط عملا، كما هو دأب
المحقق الأردبيلي، والذي يؤكده بعد غالب تشكيكاته،
كما في قوله بعد التشكيك في الأرنب وبعض الحشرات
ونحوها: " والاحتياط، في الاجتناب عن احتمال ما
يحرم ".
وفي قوله - بعد ذكر بعض الصحاح الدالة على
حصر التحريم في الخنزير، وفي بعضها: أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان عزوف النفس، فكره الأرنب ولم يحرمها -:
" وهذه مع ما تقدم: من الأصل والعمومات، وحصر
المحرمات، دليل حل أكثر الأشياء خصوصا الأرنب،
إلا أن يثبت التحريم بدليل شرعي، وليس بواضح هنا
إلا كلامهم، مع ما تقدم. مع أنه يمكن الجمع بينها وبين
ما دل على التحريم بحمله على الكراهة، فتأمل وتذكر
واحتط ". مجمع الفائدة 11: 171.
وكيف لا يأمر بالاحتياط وهو الذي عرف لشدة
احتياطه ب‍ " المقدس الأردبيلي "، ولعله لذلك كله
قال الشيخ الأنصاري - وهو عديله في التدقيق
والاحتياط -: " وأما استشكال الأردبيلي فهو لا ينافي
اتفاق الفقهاء، لأنه كثيرا ما يستشكل في الاتفاق ".
كتاب الطهارة 5: 330.
73

وتبعه في التشكيك بعض من تأخر عنه
كالسبزواري (1)، وربما يظهر من الكاشاني (2) أيضا.
3 - ما اختلف في تحريمه من حيوان البر:
اختلف الفقهاء في تحريم بعض الحيوانات
البرية، وأهمها:
الحمولات الثلاث:
وهي: الخيل والبغال والحمر الأهلية التي
جعلها الله حمولة في خدمة الإنسان. والمشهور حلية
لحمها على كراهية، ولولا خلاف الحلبي والمفيد
- على ما نسب إليه - كاد يكون القول بالحلية متفقا
عليه، فإن الأول قال بتحريم البغل (3)، والثاني قال
- حسب ما نسب إليه - بتحريم الثلاثة (4).
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، فإن منها
ما ظاهره التحريم، ومنها ما ظاهره عدمه.
ومن الأول صحيح ابن مسكان، قال:
"... وسألته (1) عن أكل الخيل والبغال، فقال: نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها، ولا تأكلها إلا أن تضطر
إليها " (2).
وصحيح سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام)، قال:
" سألته عن لحوم البراذين والخيل والبغال، فقال:
لا تأكلها " (3).
ومن الثاني صحيح زرارة ومحمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام): " أنهما سألاه عن أكل لحوم الحمر
الأهلية؟ فقال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أكلها يوم
خيبر، وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت، لأنها كانت
حمولة الناس، وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن " (4).
وخبر محمد بن سنان: أن الرضا (عليه السلام) كتب إليه
فيما كتب من جواب مسائله: " كره أكل لحوم
البغال والحمر الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها،
واستعمالها، والخوف من فنائها وقلتها، لا لقذر
خلقها، ولا قذر غذائها " (5).

(1) كفاية الأحكام: 249.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 183، المفتاح 638.
(3) الكافي في الفقه: 277.
(4) انظر كشف اللثام (الحجرية) 2: 262، حيث نسب
فيه إلى المفيد عدم وقوع التذكية عليها.
(1) يعني أبا عبد الله (عليه السلام)، كما في صدر الحديث.
(2) الوسائل 24: 121، الباب 5 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 24: 122، الباب 5 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 5.
(4) الوسائل 24: 117، الباب 4 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 24: 120، الباب 4 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 8.
74

ثالثا - الطيور:
المقصود من الطير هنا كل ما يطير سواء كان
في البر أو البحر، بل يشمل حتى مثل الذباب
والزنابير والبراغيث ونحوها، وإن لم يطلق عليها
" الطير ".
والطيور أيضا كغيرها منها ما هو متفق على
تحريمه، ومنها ما هو متفق على تحليله، ومنها ما هو
مختلف فيه:
1 - ما اتفق على تحريمه من الطيور:
ذكر الفقهاء - استنادا إلى النصوص - عدة
ضوابط لبيان الطيور المحرمة، إضافة إلى ما نص على
تحريمه بالخصوص. وفيما يلي نذكر هذه الضوابط، ثم
نتبعها بما نص على تحريمه:
الضابطة الأولى:
كل ما كان له مخلب قوي يعدو به على الطير
فهو حرام، وقد يعبر عن هذا القسم من الطيور
ب‍ " سباع الطير " أيضا، لأنها تفترس الطيور
وغيرها مع القدرة.
ويدخل تحت هذه الضابطة: البازي،
والصقر، والعقاب، والشاهين، والباشق (1). وهي
من القسم القوي من سباع الطير.
ويدخل فيه: النسر، والرخمة (1)، والبغاث (2).
وهي من القسم الضعيف منها.
وقد ادعي عدم الخلاف (3)، في تحريم هذا
القسم من الطيور، بل ادعي الاتفاق (4) والإجماع (5)
عليه.
ومن النصوص الدالة على هذه الضابطة
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: كل ذي ناب من السباع، أو مخلب من
الطير حرام. وقال: لا تأكل من السباع شيئا " (6).

(1) الباشق: نوع من جنس البازي، من فصيلة العقاب
النسرية، وهو من الجوارح، يشبه الصقر، ويتميز
بجسم طويل، ومنقار قصير بادي التقوس. المعجم
الوسيط: " بشق ".
(1) الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد،
له منقار طويل قليل التقوس، وله جناح طويل،
والذنب طويل، والقدم ضعيفة، والمخالب متوسطة
الطول سوداء اللون. المعجم الوسيط: " رخم ".
(2) البغاث: طائر أبغث اللون - أي فيه بقع بيض وسود -
أصغر من الرخم، بطئ الطيران. المعجم الوسيط:
" بغث ". وقيل: هو كل طائر ليس من جوارح الطير،
وقيل: اسم للجنس من الطير الذي يصاد، وقيل: هو
ألائم الطير وشرارها، وما لا يصيد منها، وقيل غير
ذلك. انظر لسان العرب: " بغث ".
(3) كفاية الأحكام: 249.
(4) المسالك 12: 37.
(5) انظر: مفاتيح الشرائع 2: 185، المفتاح 640،
ومستند الشيعة 15: 72، والجواهر 36: 298،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 263، وفيه: " ويحرم منه
عندنا... ".
(6) الوسائل 24: 114، الباب 3 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
75

وبهذا المعنى روايات عديدة.
الضابطة الثانية:
كل ما كان صفيفه أكثر من دفيفه فهو حرام،
ولازمه: أنه لو كان صفيفه أقل من دفيفه أو تساويا
فهو حلال.
قال الشهيد الثاني في تفسير ذلك: " يقال:
دف الطائر في طيرانه: إذا حرك جناحيه، كأنه
يضرب بهما دفه، وصف: إذا لم يتحرك كما تفعل
الجوارح " (1).
وقال أيضا: " ولما كان كل واحد من
الصفيف والدفيف مما لا يستدام غالبا اعتبر منه
الأغلب " (2).
وكذا قال غيره (3).
وادعي عدم الخلاف (4) في القاعدة المزبورة،
بل ادعي الإجماع (5) عليها أيضا.
ويدل عليها مضافا إلى الإجماع المدعى ما
رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)،
حيث سأله عما يؤكل من الطير، فقال: " كل ما دف،
ولا تأكل ما صف... " (1).
وبهذا المعنى وردت روايات اخر (2).
هذا، واستشكل صاحب الجواهر في القول
بالحلية في صورة التساوي، لأصالة عدم التذكية في
صورة الشك، ولا تقاومها أدلة الإباحة، لأن
الأصل يخصصها (3).
الضابطة الثالثة:
كل طير لا تكون له قانصة (4)،
ولا حوصلة (5)، ولا صيصية (6)، فهو حرام.
ومعنى هذه العبارة: أن الطير لو فقد مجموع

(1) المسالك 12: 40، وفي الجواهر 36: 304: " ما كان
صفيفه، أي: بسط جناحيه حال طيرانه... ".
(2) المسالك 12: 41.
(3) انظر: مجمع الفائدة 11: 180، ومستند الشيعة
15: 77.
(4) انظر مستند الشيعة 15: 77.
(5) انظر الجواهر 36: 304.
(1) الوسائل 24: 152، الباب 19 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) انظر المصدر المتقدم.
(3) الجواهر 36: 305.
(4) القانصة من الطير: جزء عضلي من المعدة، يتم فيه
جرش الغذاء وطحنه، وهي مشهورة في الطيور التي
تتغذى بالحبوب، كالحمام والدجاج. المعجم
الوسيط: " قنص ".
(5) الحوصل للطير: انتفاخ في المرئ، يختزن فيه
الغذاء قبل وصوله إلى المعدة. المعجم الوسيط:
" حوصل ".
(6) الصيصية: مخلب الديك الذي في ساقه. المعجم
الوسيط: " صيص "، وكذا قال غيره. ولعل تخصيص
الديك بالذكر من باب المثال، قال الشهيد في
المسالك: " الصيصية: الإصبع الزائدة في باطن رجل
الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم، لأنها شوكته، ويقال
للشوكة صيصية أيضا ". المسالك 12: 42.
76

هذه العلامات الثلاث فهو حرام، وأما لو وجدت
فيه واحدة منها فهو حلال، ما لم ينص على تحريمه.
قال الشهيد الثاني: " إن هذه العلامات إنما
تعتبر في الطائر المجهول، أما ما نص على تحريمه
فلا عبرة فيه بوجود هذه، والظاهر أن الأمر
لا يتخلف، ولا يعرف طير محرم له أحد هذه، ولا
محلل خال عنها " (1).
وادعي عدم الخلاف في هذه الضابطة (2)، بل
ادعي الاتفاق عليها (3).
ومما يدل عليها من النصوص:
1 - صحيحة زرارة، حيث سأل أبا جعفر (عليه السلام)
في حديث عن طير الماء، فقال (عليه السلام): " ما كانت له
قانصة فكل، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل " (4).
2 - وموثقة سماعة بن مهران، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال:
" كل الآن من طير البر ما كانت له حوصلة،
ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام،
لا معدة كمعدة الإنسان - إلى أن قال: - والقانصة
والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه،
وكل طير مجهول " (5).
3 - ورواية ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: " كل من الطير ما كانت له قانصة، أو صيصية،
أو حوصلة " (1).
الضابطة الرابعة:
يحرم مما يطير كل ما صدق عليه أنه من
الخبائث، بنص الكتاب العزيز، كما تقدم بيانه (2).
ومما يدخل تحت هذه الضابطة: الزنابير،
والذباب، والبق، ونحوها.
ويظهر من بعضهم (3) التشكيك في صدق
عنوان " الخبائث " عليها، لكن لا مانع من الالتزام
بالتحريم من جهة أخرى كالإجماع مثلا (4).
ما نص على تحريمه من الطيور:
نص في بعض الروايات على تحريم بعض
الطيور إضافة إلى اندراجها في الضوابط المتقدمة.
مثل: الطاووس، والخفاش، وهو المسمى بالوطواط
أيضا.
وورد التنصيص بحرمة بعض الطيور لكن
حملت النصوص على الكراهة، كما سيأتي.
(1) الوسائل 24: 151، الباب 18 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 5.
(2) تقدم في أول العنوان، أي الصفحة 64.
(3) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 174، والسبزواري
في كفاية الأحكام: 249، والنراقي في مستند الشيعة
15: 82.
(4) كما قال في المستند 15: 82.

(1) المسالك 12: 41.
(2) انظر: مستند الشيعة 15: 79، والجواهر 36: 306.
(3) انظر كشف اللثام (الحجرية) 2: 263.
(4) الوسائل 24: 150، الباب 18 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
(5) المصدر المتقدم: الحديث 3.
77

2 - ما اتفق على حليته من الطيور:
المراد من الحلية هنا معناها العام الشامل
للكراهة، فالمقصود من المحلل ما لم يحكم بحرمته،
سواء حكم بكراهته أو لا. فالمحلل من الطير على
قسمين إذن:
أ - المحلل من الطير من دون كراهة:
وهو: الحمام (1)، والحجل (2)، والقبج (3)،
والدراج (4)، والقطا (5)، والطيهوج (6)، والدجاج (7)،
والكروان (1)، والكركي (2)، والصعو (3).
قال الشهيد الثاني: " الحمام جنس يقع على
كل ذات طوق من الطيور أو ما عب، أي شرب الماء
بلا مص، فيدخل فيه: القمري وهو الأزرق،
والدبسي وهو الأحمر، والورشان وهو الأبيض،
والسمام (4) والفواخت (5)، وغيرها. ولا خلاف في
حلها بين أهل الإسلام " (6).

(1) يأتي تعريفه في المتن عن الشهيد.
(2) الحجل: طائر في حجم الحمام، أحمر المنقار
والرجلين، طيب اللحم. المعجم الوسيط: " حجل ".
(3) القبج: الحجل، وهو من جنس طيور تصاد، من
فصيلة الطيهوجيات. المعجم الوسيط: " قبج "،
وقيل: إن الذكر من القبج هو الحجل، وإن
القبج معرب " كبك " بالفارسية - القاموس
المحيط: " حجل "، ولغتنامه دهخدا: " قبج "،
و " كبك ".
(4) الدراج: نوع من الطير يدرج في مشيه. المعجم
الوسيط: " درج ".
(5) القطا: نوع من اليمام - أي حمام الصحراء - يطير
جماعات ويقطع مساحات شاسعة. المعجم الوسيط:
" قطا ". ويقال له بالفارسية: " سنگخواره ". لغتنامه
دهخدا: " قطا "، و " سنگخواره ".
(6) الطيهوج: من طيور الماء، له ساق طويلة. المسالك
12: 48. ويقال له بالفارسية: " تيهو ". لغتنامه
دهخدا: " طيهوج "، " تيهور ".
(7) الدجاج: وهو الطير المعروف الذي يألف البيوت.
(1) الكروان: طائر طويل الرجلين أغبر، نحو الحمامة، له
صوت حسن. المعجم الوسيط: " كروان ". ويقال له
بالفارسية " ماهيخوار ". لغتنامه دهخدا: " كروان "،
و " ماهيخوار ".
(2) الكركي: طائر كبير، أغبر اللون، طويل العنق
والرجلين، أبتر الذنب، قليل اللحم، يأوي إلى الماء
أحيانا. المعجم الوسيط: " كركي ". ويقال له
بالفارسية: " كلنگ ". لغتنامه دهخدا: " كركي "،
و " كلنگ ".
(3) الصعو: عصفور صغير. القاموس المحيط: " الصعوة ".
وقيل: اشتهر بالفارسية ب‍ " برف چين ". مستند الشيعة
15: 93.
(4) السمام: " نحو من السماني - أي السلوى - وهو طائر
صغير من رتبة الدجاجيات جسمه منضغط ممتلئ.
المعجم الوسيط: " سمم، وسمن، وسلو ".
(5) الفاختة: ضرب من الحمام المطوق، إذا مشى توسع في
مشيه وباعد بين جناحيه وإبطيه وتمايل. المعجم
الوسيط: " فخت "، ويقال لها بالفارسية: " كوكو ".
لغتنامه دهخدا: " فاخته "، و " كوكو ".
(6) المسالك 12: 48.
78

وظاهر كلامه أن الفواخت من المحللات من
دون كراهة، لكن سيأتي أنها معدودة من
المكروهات.
وقال بالنسبة إلى غير الحمام مما ذكر: " هذه
المعدودات مع اشتمالها على الصفات الموجبة للحل
فيما تقدم - من الدفيف وغيره - ورد بحلها نصوص " (1).
وزاد الشهيدان (2) على ما تقدم العصفور
الأهلي الذي يسكن الدور.
ملاحظة (1):
ذكر صاحب الجواهر اختلاف بعض الفقهاء
وغيرهم في أن النعامة تعد من الطيور أو لا؟
ولا يهمنا التعرض لهذا الخلاف بعد اتفاقهم
على حلية أكلها كما بين صاحب الجواهر كيفية حصول
هذا الاتفاق العملي من زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا
هذا، إلا ما نقله من احتمال مخالفة الصدوق لذلك (3).
ملاحظة (2):
لا يقتصر المحلل على ما تعرضوا له، بل إنما
ذكر للتنصيص عليه، وإلا فمثل البط ونحوه لا إشكال
في حليته، لعدم كونه من السباع، ولأن دفيفه أكثر
من صفيفه، ولاشتماله على الحوصلة والقانصة.
إذن فالملاك الضوابط المذكورة للحل
والحرمة.
ب - المحلل من الطير على كراهة:
عد الفقهاء جملة من الطيور في المكروهات
كراهة تنزيهية، وهي تجتمع مع الحلية، فلا تنافيها.
وهذه الطيور هي: الهدهد (1)، والفاختة (2)، والقبرة (3)،
والحبارى (4)، والصرد (5)، والصوام (6)، والشقراق (7).

(1) المسالك 12: 48.
(2) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 289.
(3) انظر الجواهر 36: 319 - 333.
(1) الهدهد: جنس طير من الجواثم الرقيقات المناقير، له
قنزعة على رأسه. المعجم الوسيط: " هدهد "، ويقال
له بالفارسية: " شانه سر " أو " شانه بسر ". لغتنامه
دهخدا: " هدهد "، و " شانه سر ".
(2) تقدم تفسيرها في الصفحة المتقدمة.
(3) القبرة: جنس من الطيور، من فصيلة القبريات ورتبة
الجواثم المخروطية المناقير، سمر في أعلاها، ضاربة
إلى بياض في أسفلها، وعلى صدرها بقعة سوداء.
المعجم الوسيط: " قبر "، ويقال لها بالفارسية:
" چكاوك ". لغتنامه دهخدا: " قبرة "، و " چكاوك ".
(4) الحبارى: طائر طويل العنق، رمادي اللون، على شكل
الإوزة، في منقاره طول، الذكر والأنثى والجمع فيه
سواء. المعجم الوسيط: " حبر ". ويقال لها بالفارسية:
" هوبره ". لغتنامه دهخدا: " حبارى "، و " هوبره ".
(5) الصرد: طائر أكبر من العصفور، ضخم الرأس
والمنقار، يصيد صغار الحشرات، وربما صاد العصفور،
وكانوا يتشاءمون به. المعجم الوسيط: " صرد ".
(6) الصوام: طائر أغبر اللون، طويل الرقبة أكثر ما يبيت
في النخل. مجمع البحرين: " صوم ".
(7) الشقراق: طائر صغير قدر الهدهد، مرقط بخضرة
وحمرة وبياض، ويقال له: الأخيل. والعرب تتشاءم
به. المعجم الوسيط: " شقراق "، ويقال له بالفارسية:
" كاسكينه ". لغتنامه دهخدا: " شقراق "، و " كاسكينه ".
79

وهذه مختلفة في الكراهة شدة وضعفا، كما
قيل (1).
واستظهر بعض الفقهاء من النصوص: أن
النهي إنما هو عن إيذائها وقتلها لأكلها، وهذا لا يدل
على كراهة أكلها بعد ذبحها.
وممن استظهر ذلك: المحقق الأردبيلي (2)
- وهو أولهم على الظاهر - والسبزواري (3)،
والنراقي (4).
فقد ورد مثلا عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام): " أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن قتل خمسة: الصرد،
والصوام، والهدهد، والنحلة، والنملة. وأمر بقتل
خمسة: الغراب، والحدأة، والحية، والعقرب،
والكلب العقور " (5).
فالظاهر من النهي عن القتل هو الرأفة بهذه
الحيوانات، لا النهي عن الأكل، كما تشهد به المقابلة
بين الصنفين.
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سئل عن
الشقراق؟ فقال: كره قتله لحال الحيات، قال: وكان
النبي (صلى الله عليه وآله) يوما يمشي، فإذا شقراق قد انقض،
فاستخرج من خفه حية " (1).
وأما الفاختة، فقد ورد: " أنها مشؤومة... " (2).
وفي دلالتها على كراهة لحمها تأمل، كما
قيل (3).
وأما الحبارى، ففي صحيحة عبد الله بن
سنان: " إن كانت لها قانصة فكل "، لكن في صحيحة
كردين: " قال سألت أبا عبد الله عن الحبارى، قال:
لوددت أن عندي منه فآكل منه حتى اتملأ " (4).
3 - ما اختلف في تحريمه من الطيور:
أ - الغراب:
اختلفوا في الغراب من جهتين: من جهة بيان
أقسامه، ومن جهة بيان حكمه:
1 - الاختلاف في بيان أقسامه:
اختلف الفقهاء في بيان أقسام الغراب،
والمشهور - كما قيل وشاهدناه في كلمات من تعرض
لأقسامه - هو أنه أربعة أقسام:
الأول - الأسود الكبير الذي يسكن الجبال

(1) انظر: المسالك 12: 46، والروضة البهية 7:
281 - 286، والجواهر 36: 310 - 316.
(2) مجمع الفائدة 11: 180 - 181.
(3) كفاية الأحكام: 249.
(4) مستند الشيعة 15: 92.
(5) الوسائل 24: 148، الباب 17 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 4.
(1) الوسائل 23: 397، الباب 43 من أبواب الصيد، وفيه
حديث واحد.
(2) الوسائل 11: 528، الباب 41 من أبواب أحكام
الدواب، الحديث 2.
(3) انظر: مجمع الفائدة 11: 183، ومستند الشيعة
15: 92، وغيرهما.
(4) الوسائل 24: 158، الباب 22 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
80

والخربان، ويأكل الجيف.
الثاني - الأبقع.
الثالث - الزاغ: وهو غراب الزرع الذي يأكل
الحب، وهو صغير أسود.
الرابع - الغداف: وهو أصغر من الزاغ أغبر
اللون كالرماد.
هذا هو المشهور.
ولكن قسمها ابن إدريس على النحو التالي:
الأول - الغداف: وهو الذي يأكل الجيف
ويفرس ويسكن الخرابات، وهو الكبير من الغربان
السود.
الثاني - الأغبر الكبير: وهو الذي يفرس
ويصيد الدراج، فهو من جملة سباع الطير.
الثالث - الأبقع الذي يسمى " العقعق "، وهو
طويل الذنب.
الرابع - غراب الزرع، الصغير من الغربان
السود الذي يسمى " الزاغ " (1).
هذا وقال ابن فهد - بعد اعترافه بأن أقسامه
عند المشهور أربعة -: " وقد شاهدنا خمسة أنواع:
أ - الزاغ: وهو غراب الزرع، الأسود
الصغير، يأتي بلادنا أول الشتاء ويقيم حتى الربيع.
ب - الأغبر الرمادي، المسمى ب‍ " الغداف "
في المشهور، وهو مقيم في بلادنا دائما.
ج - الأبقع: وهو أكبر منه في القد يسيرا،
وأنقى بياضا منه، وهو المسمى ب‍ " الأبقع "، ويسميه
العامة: " البقيع ".
د - الأبقع: شديد البياض بقدر الغداف،
طويل الذنب، وهو المسمى ب‍ " العقعق "، وهذه
الثلاثة الأخيرة مقيمة في بلادنا دائما.
ه‍ - الكبير الأسود الذي يسكن الخربان... " (1).
وقال الدميري في حياة الحيوان: " الغراب...
وهو أصناف: الغداف، والزاغ، والأكحل، وغراب
الزرع، والأورق - وهذا الصنف يحكي جميع ما
يسمعه - والغراب الأعصم، عزيز الوجود... " ثم
ذكر الأقوال في تفسير الأعصم وأنه: أبيض البطن،
أو أبيض الجناحين، أو أبيض الرجلين، أو الرجل
الواحدة...
وقال في تفسير الغداف: " غراب القيظ،
وجمعه غدفان - بكسر الغين المعجمة - وربما سموا
النسر الكثير الريش غدافا، وكذلك الشعر الأسود
الطويل. وقال ابن فارس: الغداف هو الغراب
الضخم. وقال العبدري وغيره من أئمة أصحابنا: هو
غراب صغير أسود لونه كلون الرماد " (2).
وقيل: " الغراب: جنس طير من الجواثم،
يطلق على أنواع كثيرة، منها: الأسود، والأبقع،
والزاغ، والغداف، والأعصم " (3).
إذن الغداف على رأي ابن إدريس وبعض

(1) السرائر 3: 103.
(1) المهذب البارع 4: 209.
(2) حياة الحيوان (للدميري) 2: 5: " غداف "،
و " غراب ".
(3) المعجم الوسيط: " غرب ".
81

اللغويين: هو الغراب الكبير. وعلى رأي المشهور
من فقهائنا ورأي بعض آخرين: هو الغراب
الصغير الذي يكون أصغر من غراب الزرع أي
الزاغ.
2 - الاختلاف في حكم الغراب:
اختلف الفقهاء في حكم أكل الغراب على
أقوال:
الأول - القول بالتحريم مطلقا:
فلا فرق - بناء على هذا القول - بين أقسام
الغراب في الحكم، فيحرم جميعها.
ذهب إلى هذا الرأي الشيخ الطوسي في
الخلاف (1)، وتبعه العلامة في المختلف (2)، وولده
في الإيضاح (3)، والفاضل المقداد (4)، والشهيد
الثاني في الروضة (5) - وربما يظهر منه ذلك
في المسالك (6) أيضا - وصاحب الرياض (7)،
وصاحب الجواهر (8)، والسادة: الحكيم (9)،
والخوئي (1)، والخميني (2).
الثاني - القول بالحلية مطلقا، لكن على
كراهة:
وهنا لا يفرق بين أقسام الغراب في الحلية
أيضا.
ذهب إليه الشيخ الطوسي في النهاية (3)
والاستبصار (4)، وتبعه القاضي (5) والمحقق الحلي في
المختصر (6)، والعلامة في التبصرة (7)، وربما يظهر من
الشهيد في الدروس (8)، وهو الظاهر من
الأردبيلي (9)، وصرح به السبزواري (10).
الثالث - القول بالتفصيل:
والمفصلون على أنحاء:
فبعضهم فصل بين الزاغ - وهو غراب
الزرع - وغيره، فقال بحلية الزاغ وحرمة غيره.

(1) الخلاف 6: 85.
(2) المختلف 8: 287 - 289.
(3) إيضاح الفوائد 4: 147.
(4) التنقيح الرائع 4: 40.
(5) الروضة البهية 7: 277.
(6) المسالك 12: 39.
(7) الرياض (الحجرية) 2: 284.
(8) الجواهر 36: 304.
(9) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 373، كتاب
الأطعمة والأشربة، المبحث الثالث، المسألة 12.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 346، كتاب
الأطعمة والأشربة، القسم الثالث، المسألة 1689.
(2) تحرير الوسيلة 2: 139، كتاب الأطعمة والأشربة،
القول في الحيوان، المسألة 7.
(3) النهاية: 577.
(4) الاستبصار 4: 66.
(5) المهذب 2: 429.
(6) المختصر النافع: 252.
(7) تبصرة المتعلمين: 164.
(8) الدروس 3: 10 - 11.
(9) مجمع الفائدة 11: 171 - 173.
(10) كفاية الأحكام: 249.
82

وإليه ذهب ابن إدريس (1)، وهو الظاهر من العلامة
في بعض كتبه (2).
وبعضهم فصل بين الزاغ والغداف وغيرهما،
فقال بحلية هذين وحرمة ما عداهما. وكل من
اختار هذا الرأي فسر الغداف بأنه الأصغر من
الزاغ، لا الكبير الآكل للجيف.
وهذا التفصيل هو الظاهر من الشيخ في
المبسوط، حيث قال: " والغراب على أربعة أضرب:
الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف،
والثاني الأبقع، فهذان حرام، والثالث الزاغ، وهو
غراب الزرع، والرابع الغداف وهو أصغر منه أغبر
اللون كالرماد، قال قوم: هو حرام، لظاهر الأخبار،
وقال آخرون: هو مباح، وهو الذي ورد في
رواياتنا " (3).
وتبعه الشهيد الأول (4)، وهو الظاهر من
المحقق الثاني في كتاب البيع من جامع المقاصد (5).
الرابع - الإحالة على العلامات العامة:
قال النراقي بعد ذكر الأقوال وأدلتها
وتضاربها: " فإذن الأجود: عموم الحلية، ولكن
الاحتياط رفع اليد عن تلك الأدلة ومتابعة
العلامات المتقدمة: من المخلب، والطيران،
والحوصلة، والقانصة، والصيصية " (1).
فكل قسم كانت له إحدى علامات الحلال
فهو حلال، وكل قسم لم تكن له إحدى هذه
العلامات وكانت له علامات الحرام، فهو حرام.
واكتفى قسم من الفقهاء بذكر الأقوال خاصة
في المختلف فيه ولم يرجحوا شيئا (2).
ب - الخطاف:
ومما اختلفوا في تحريمه من الطيور: الخطاف،
فقد اختار الشيخ الطوسي في النهاية (3) حرمة أكله،
وتبعه تلميذه القاضي ابن البراج (4)، وابن إدريس
الحلي (5).
لكن نسب إلى عامة المتأخرين، بل إلى أكثر
الأصحاب، بل إلى غير من تقدم ذكره، القول
بالحلية لكن على كراهة (6).
ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف بين
الروايات كما هو المعهود، ففي بعضها: النهي عن قتل

(1) السرائر 3: 103.
(2) انظر إرشاد الأذهان 2: 110، ولم يتعرض للغداف.
(3) المبسوط 6: 281.
(4) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 275.
(5) جامع المقاصد 4: 19.
(1) مستند الشيعة 15: 87.
(2) انظر: شرائع الإسلام 3: 220، والقواعد 3: 326 -
327، والمهذب البارع 4: 207 - 208، ومفاتيح
الشرائع 2: 186، المفتاح 641، وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 263، وغيرها.
(3) النهاية: 577.
(4) المهذب 2: 429.
(5) السرائر 3: 104.
(6) انظر: مستند الشيعة 15: 88، والجواهر 36: 312.
83

الخطاف وإيذائه، وفي بعضها الآخر: التصريح بأنه
مما يؤكل، وتعليل النهي عن قتله بأنه لا يؤذي
شيئا (1).
وللفقهاء طرق للتخلص من ذلك، منها حمل
النصوص الناهية على الكراهة، أو طرح القسمين
والرجوع إلى روايات الدفيف، لأن دفيف الخطاف
أكثر من صفيفه، أو الرجوع إلى أصالة الحل، وتبقى
الروايات شاهدا على الكراهة (2).
حكم البيض (3):
أولا - بيض الطيور:
صرح الفقهاء: بأن بيض الطير تابع له في
الحلية والحرمة، فيكون بيض المحلل محللا، وبيض
المحرم محرما.
وقالوا: لو شك في بيض هل هو بيض حيوان
محلل أو محرم، فإن استوى طرفاه فهو محرم، وإن
اختلفا فهو محلل (4).
وتدل على ذلك نصوص، منها صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: " إذا دخلت
أجمة فوجدت بيضا، فلا تأكل منه، إلا ما اختلف
طرفاه " (1).
وسيأتي الكلام في حكم البيض المنفصل عن
الميتة قريبا إن شاء الله تعالى.
ثانيا - بيض الأسماك:
اختلفت عبارات الأصحاب في بيض
السمك، ولذلك تصعب النسبة إليهم صريحا.
قال الشيخ المفيد: " ويؤكل من بيض السمك
ما كان خشنا، ويجتنب منه الأملس والمنماع " (2).
وظاهر كلامه مطلق يشمل السمك المحلل
والمحرم.
وتبعه سلار (3) وابن حمزة (4)، ولم ينقل عن
الشيخ شئ.

(1) انظر الوسائل 24: 147، الباب 17 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
(2) انظر: المختلف 8: 289 - 291، والمسالك
12: 44 - 45، ومجمع الفائدة 11: 180 - 183،
والكفاية: 249، ومستند الشيعة 15: 87 - 89،
والجواهر 36: 311 - 312، وغيرها.
(3) ذكرنا حكم البيض هنا تبعا وإلا كان المناسب ذكره في
الجامدات.
(4) انظر: شرائع الإسلام 3: 221، والقواعد 3: 327،
واللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 289،
والمسالك 12: 53، ومجمع الفائدة 11: 246 - 248،
وكفاية الأحكام: 249، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 263، ومستند الشيعة 15: 95 - 97، والجواهر
36: 334.
(1) الوسائل 24: 154، الباب 20 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) المقنعة: 576.
(3) المراسم: 207.
(4) الوسيلة: 355.
84

لكن اعترض عليهم ابن إدريس فقال:
" لا دليل على صحة هذا القول من كتاب ولا سنة
ولا إجماع. ولا خلاف أن جميع ما في بطن السمك
طاهر، ولو كان ذلك صحيحا لما حلت الصحناة (1) " (2).
ووافقه العلامة في المختلف (3)، والسبزواري
في الكفاية (4).
لكن قال المحقق الحلي: " وبيض السمك المحلل
حلال، وكذا بيض المحرم حرام، ومع الاشتباه يؤكل
ما كان خشنا، لا ما كان أملس " (5).
وكلامه صريح في تبعية البيض للسمك من
حيث الحل والحرمة كما في الطيور، وفي صورة الشك
يؤخذ بما قاله المفيد.
وبناء على هذا يحل بيض السمك المحلل سواء كان
خشنا أو أملس، ولا يحل بيض المحرم سواء كان خشنا
أو أملس كذلك، وينحصر التفصيل في صورة الشك.
وممن صرح بهذا التفصيل أو يظهر منه ذلك:
يحيى بن سعيد (6)، والعلامة في جملة من كتبه (7)،
والشهيدان (1)، والأردبيلي (2) على ما يظهر من ذيل
كلامه، والنراقي (3) - لكن علقه على ثبوت الاتفاق في
ذلك - وصاحب الرياض (4)، وصاحب الجواهر (5)،
والإمام الخميني (6).
وتأمل بعضهم - كالسيدين: الحكيم (7)
والخوئي (8) - في هذا التفصيل، واقتصر على القول
بالتبعية، وفي صورة الشك استظهر تحريم الجميع:
الخشن والأملس.
واكتفى بعضهم - كالفاضل الإصفهاني (9) -
بنقل التفصيل دون اختيار.
حكم اللبن:
ذكرنا حكم اللبن في الأشربة المحرمة، وقلنا:

(1) الصحنا والصحناة - يمدان ويكسران -: إدام يتخذ من
السمك الصغار، مشه مصلح للمعدة. القاموس
المحيط: " صحن ".
(2) السرائر 3: 113.
(3) المختلف 8: 322.
(4) كفاية الأحكام: 148.
(5) شرائع الإسلام 3: 218.
(6) الجامع للشرائع: 390.
(7) انظر: إرشاد الأذهان 2: 112، والتحرير
(الحجرية) 2: 160، والقواعد 3: 325.
(1) انظر: الدروس 3: 8، والمسالك 12: 21، واللمعة
وشرحها (الروضة البهية) 7: 266.
(2) مجمع الفائدة 11: 246.
(3) مستند الشيعة 15: 70 - 71.
(4) الرياض (الحجرية) 2: 281 - 282.
(5) الجواهر 36: 263 - 264.
(6) تحرير الوسيلة 2: 137 - 138، كتاب الأطعمة،
القول في الحيوان، المسألة 4.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 368، كتاب
الأطعمة، المبحث الأول، المسألة 3.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 344، كتاب
الأطعمة، القسم الأول، المسألة 1680.
(9) كشف اللثام (الحجرية) 2: 262.
85

إن المشهور قالوا بتبعية اللبن للحيوان في الحلية
والحرمة والكراهة، إلا أن بعض الفقهاء تأملوا في
كلية هذه القاعدة من جهة الاختلاف في حلية لحم
الأتن مع التصريح في النصوص بحلية ألبانها (1).
راجع: أشربة.
وسيأتي الكلام عن لبن الحيوان الميت عن
قريب إن شاء الله تعالى.
الكلام في غير الحيوان
مما يحل أو يحرم ذاتا
المحلل من غير الحيوان غير منحصر، ولذلك
نكتفي بذكر المحرم منه فقط، فنقول:
إن المحرم ذاتا من غير الحيوان على أنواع،
وهي كالآتي:
أولا - الميتة وأجزاؤها:
يحرم أكل الميتة بنص الكتاب العزيز، وهو
قوله تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة) * (2).
ولا خلاف في تحريمها، بل هو إجماعي كما قيل (3).
نعم يستثنى من الميتة بعض الأجزاء نشير
إليها إجمالا فيما يلي:
1 - البيض:
الظاهر أنه لا خلاف في حلية البيض إذا
خرج من جوف طائر ميت مأكول اللحم، وكان
مكتسيا بالجلد الأعلى الصلب (1).
وأما إذا لم يكتس البيض بذلك بل اكتسى
بالجلد الرقيق فقط، فالمشهور أنه حرام، لكن استظهر
صاحب المدارك من النصوص حليته أيضا (2).
وهو الظاهر من الإصفهاني، ونسبه إلى
الصدوق والمفيد (3).
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في التعبير عن
هذا الشرط، فبعضهم عبر عنه باكتساء الجلد الغليظ،
وآخرون بالجلد الصلب، وبعض ثالث بالقشر الأعلى
لكن الظاهر أن المراد واحد، قال صاحب الجواهر: إن
المراد من القشر الأعلى، أو الصلب أو الغليظ واحد (4).
2 - الإنفحة أو الإنفحة:
والمعروف حليتها أيضا (5)، نعم اختلف الفقهاء

(1) انظر: المسالك 12: 92، ومجمع الفائدة 11: 215،
والكفاية: 252، ومستند الشيعة 15: 143 - 145،
والجواهر 36: 394 - 398.
(2) البقرة: 173، وانظر الآيات: 3 من سورة المائدة،
و 145 من سورة الأنعام، و 115 من سورة النحل.
(3) انظر: المسالك 12: 54، والجواهر 36: 337.
(1) انظر: المسالك 12: 55، والروضة البهية 7: 303،
والمصادر الآتية.
(2) المدارك 2: 273.
(3) كشف اللثام (الحجرية) 2: 265.
(4) الجواهر 5: 324، وانظر: الحدائق 5: 92، والطهارة
(للشيخ الأنصاري) 5: 63.
(5) انظر: اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 303،
والمسالك 12: 55، ومجمع الفائدة 11: 269 -
270، والمدارك 2: 273، وكفاية الأحكام: 250،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 265، والجواهر 5: 325.
86

في تفسيرها تبعا لاختلاف اللغويين في ذلك. ففي
الصحاح: " الإنفحة... كرش الحمل أو الجدي ما لم
يأكل، فإذا أكل فهو كرش " (1). وفي القاموس:
" الإنفحة... شئ يستخرج من بطن الجدي
الرضيع، أصفر، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن،
فإذا أكل الجدي، فهو كرش " (2). وجاء في المعجم
الوسيط: " الإنفحة... جزء من معدة صغار العجول
والجداء ونحوها "، وجاء فيه أيضا: " الإنفحة: مادة
خاصة تستخرج من الجزء الباطني من معدة الرضيع من
العجول أو الجداء أو نحوهما، بها خميرة تجبن اللبن " (3).
3 - اللبن:
اختلف الفقهاء في حكم اللبن المستخرج من
ثدي الحيوان الميت، ولهم فيه أقوال ثلاثة:
أ - الحلية:
ذهب إليه المشايخ الثلاثة: الصدوق (4)،
والمفيد (5)، والطوسي (6)، وتبعهم القاضي (7)،
وابن حمزة (1)، وابن سعيد (2)، والشهيد الأول
في الدروس (3)، والأردبيلي (4)، والسبزواري (5)،
وصاحب الحدائق (6)، والنراقي (7)، وصاحب
الجواهر (8)، والإمام الخميني (9) وغيرهم.
وهو الظاهر من الشهيد الثاني (10)، وسبطه
صاحب المدارك (11)، والإصفهاني (12)، حيث ذكروا
أدلة الطرفين واستضعفوا دليل التحريم.
واستثنى السيدان: الحكيم (13) والخوئي (14)

(1) الصحاح: " نفح ".
(2) القاموس المحيط: " نفح ".
(3) المعجم الوسيط: " نفح ".
(4) الهداية: 79.
(5) المقنعة: 583.
(6) النهاية: 585.
(7) المهذب 2: 441.
(1) الوسيلة: 361 - 362.
(2) الجامع للشرائع: 390.
(3) الدروس 3: 15.
(4) مجمع الفائدة 11: 269 - 270.
(5) كفاية الأحكام: 250.
(6) الحدائق 5: 93.
(7) مستند الشيعة 15: 131.
(8) الجواهر 5: 328 - 330.
(9) تحرير الوسيلة 2: 143، كتاب الأطعمة القول في
الحيوان، المسألة 35.
(10) المسالك 12: 56.
(11) المدارك 2: 274.
(12) كشف اللثام (الحجرية) 2: 265.
(13) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 146، كتاب
الطهارة، المبحث السادس، الفصل الأول، المسألة 4،
و 2: 374، كتاب الأطعمة، الرابع في الجامد، المسألة 14.
(14) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 107، كتاب
الطهارة، المبحث السادس، الفصل الأول، المسألة
393، و 2: 346، كتاب الأطعمة، الرابع الجامد،
المسألة 1691.
87

اللبن من جملة ما يستثنى من الميتة في بحث
النجاسات، ولم يستثنياه في بحث الأطعمة.
ب - التحريم:
ذهب إليه سلار، وابن إدريس، والمحقق
الحلي، والعلامة الحلي، والمحقق الثاني.
قال سلار: " ولا تؤكل ألبان الميتة التي توجد
في ضروعها بعد الموت " (1).
وقال ابن إدريس: " أما اللبن فإنه نجس بغير
خلاف عند المحصلين من أصحابنا، لأنه مائع في
ميتة، ملامس لها " (2).
وقال المحقق: " وفي اللبن روايتان: إحداهما
الحل، وهي أصحهما طريقا، والأشبه التحريم،
لنجاسته بملاقاة الميت " (3).
وقال العلامة: " والمعتمد التحريم. لنا: أنه
نجس، لانفصاله رطبا عن محل نجس العين... " (4).
وقال المحقق الثاني: " وفي طهارة لبن الحيوان
الذي عرضت له النجاسة بالموت قول، وبه أخبار
صحيحة، والمشهور النجاسة، وهو الموافق لأصول
المذهب وعليه الفتوى " (5).
أقول: إن نسبة القول بالنجاسة إلى المحصلين
من أصحابنا - كما في كلام ابن إدريس - أو إلى
المشهور - كما في كلام المحقق الثاني - لم يكن صحيحا
كما هو واضح مما تقدم.
ج - الكراهة:
نسبه العلامة في المختلف إلى القاضي ابن
البراج، ونقل عن ابن الجنيد قوله: " ولا خير في ما
يعصر من حلمة الديس من اللبن بعد الموت " (1).
ولكن الموجود في المهذب (2) ظاهر بل صريح
في الحل بدون كراهة، ولذلك عددناه في جملة
القائلين بالحلية.
ملاحظة (1):
إن الكلام المتقدم كله بالنسبة إلى لبن مأكول
اللحم، وأما غير المأكول فهو تابع له في الحرمة، كما
تقدم في محله.
ملاحظة (2):
لابد من تقييد كلام القائلين بالحلية أو
الكراهة بما إذا لم يفسد اللبن، وإلا فيكون محرما من
جهة الاستخباث أو الضرر.
ملاحظة (3):
تكلمنا عن الاضطرار إلى أكل الميتة
بالتفصيل في عنوان " اضطرار "، فراجع.
ثانيا - بعض أجزاء الذبيحة:
ذكر الفقهاء عدة أشياء من ذبيحة مأكول

(1) المراسم: 211.
(2) السرائر 3: 112.
(3) شرائع الإسلام 3: 223.
(4) المختلف 8: 316.
(5) جامع المقاصد 1: 167.
(1) المختلف 8: 316.
(2) المهذب 2: 441.
88

اللحم وعدوها محرمة، لكن اختلفوا في تعدادها:
1 - فقال الشيخ في النهاية: " يحرم من الإبل
والبقر والغنم وغيرها مما يحل أكله وإن كانت مذكاة:
الدم، والفرث (1)، والطحال، والمرارة، والمشيمة (2)،
والفرج ظاهره وباطنه، والقضيب، والأنثيان،
والنخاع، والعلباء (3)، والغدد، وذات الأشاجع (4)،
والحدق (5)، والخرزة (6) تكون في الدماغ " (7).
وتبعه تلميذه القاضي (1) - ولكن لم يذكر الدم
ولعله لوضوحه - وابن حمزة (2)، وابن إدريس (3)
- وزاد المثانة وتبعه من تأخر عنه - والعلامة في
القواعد (4)، والشهيد الأول (5)، وابن فهد (6)،
وصاحب الرياض (7)، وصاحب الجواهر (8) - واستثنى
ذات الأشاجع - والسادة: الحكيم (9)، والخوئي (10)،
والخميني (11)، ولكن لم يذكروا ذات الأشاجع.
2 - وقال في الخلاف: " الطحال عندنا محرم،
والقضيب، والخصيتان، والرحم، والمثانة، والغدد،
والعلبا، والخرزة تكون في الدماغ، والحدق،
والنخاع، والفرج عندنا يحرم " (12).

(1) الفرث: هو السرجين - أي الروث - ما دام في
الكرش. لسان العرب، والقاموس المحيط: " فرث ".
(2) المشيمة: الطبقة البرانية للغشاء الذي يكون فيه
الجنين في البطن، ويخرج معه عند الولادة. المعجم
الوسيط: " شيم ".
(3) العلباء: عصب العنق، والعلباوان: عصبتا العنق. لسان
العرب، والقاموس المحيط: " علب ". وقال ابن إدريس:
" وهي عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من
الرقبة على الظهر إلى عجب الذنب ". السرائر 3: 111.
(4) الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر
الكف. القاموس المحيط: " شجع "، وقيل: العصب
الممدود فوق السلامي من بين الرسغ إلى أصول
الأصابع التي يقال لها: أطناب الأصابع فوق الظهر.
وقيل: هو العظم الذي يصل الإصبع بالرسغ. لسان
العرب: " شجع ".
(5) الحدق: جمع حدقة، وهي حدقة العين، أي السواد
المستدير وسط العين. المعجم الوسيط: " حدق ".
(6) وهي خرزة تكون في وسط الدماغ يخالف لونها لون
الدماغ وتميل إلى الغبرة. السرائر 3: 111.
(7) النهاية: 585.
(1) المهذب 2: 441.
(2) الوسيلة: 361.
(3) السرائر 3: 111.
(4) القواعد 3: 329.
(5) الدروس 3: 14، واللمعة وشرحها (الروضة البهية)
7: 309.
(6) المهذب البارع 4: 218.
(7) الرياض (الحجرية) 2: 287.
(8) الجواهر 36: 342 - 348.
(9) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 374، كتاب
الأطعمة، المبحث الرابع، المسألة 14.
(10) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 347، كتاب
الأطعمة، القسم الرابع، المسألة 1692.
(11) تحرير الوسيلة 2: 142، كتاب الأطعمة، القول في
الحيوان، المسألة 27.
(12) الخلاف 6: 29، المسألة 30.
89

والظاهر أن مراده من الرحم: المشيمة.
3 - وقال الصدوق: " واعلم أن في الشاة
عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث، والدم، والنخاع،
والطحال، والغدد، والقضيب، والأنثيان، والرحم،
والحياء، والأوداج " (1).
4 - وقال النراقي: " الأقوى: أن المحرم من
أجزاء المذكى عشرة: الدم، والفرث، والطحال،
والقضيب، والأنثيان، والنخاع، والمثانة، والغدد،
والمرارة، والمشيمة " (2).
5 - وقال العلامة في الإرشاد: " ويحرم من
الذبيحة: الطحال، والقضيب، والفرج، والفرث،
والدم، والأنثيان، والمثانة، والمرارة، والمشيمة... " (3)،
ولم يستبعده الأردبيلي (4).
6 - وعد أبو الصلاح من جملة ما يحرم أكله:
" الدم المسفوح، والطحال، والقضيب، والأنثيان،
والغدد، والمشيمة، والمثانة " (5).
7 - وقال المحقق: " المحرمات من الذبيحة
خمسة: الطحال، والقضيب، والفرث، والدم،
والأنثيان. وفي المثانة والمرارة والمشيمة تردد،
أشبهه التحريم، لما فيها من الاستخباث " (1).
ووافقه الشهيد الثاني (2)، والكاشاني (3).
8 - وقال السيد المرتضى: " ومما انفردت به
الإمامية: تحريم أكل الطحال والقضيب، والخصيتين،
والرحم، والمثانة " (4).
9 - وقال المفيد: " ولا يؤكل من الأنعام
والوحوش الطحال، لأنه مجمع الدم الفاسد.
ولا يؤكل القضيب والأنثيان " (5).
ومثله قال سلار (6).
ولعل عدم ذكر الدم من جهة كون تحريمه
متيقنا، بل لعل الفرث كذلك.
كانت هذه الأقوال في تحريم أجزاء من
الذبيحة، وكان القدر المتيقن منها والمتفق عليه ما
ذكره المفيد مع الدم، أو مع الفرث أيضا، وما سواه
فهو مختلف فيه، لعدم اشتمال نص صحيح على
جميعها، وإنما ذكر مجموعها في عدة نصوص رميت
بالضعف (7).
وأما التمسك بالاستخباث فهو مختلف فيه أيضا،

(1) المقنع: 143.
(2) مستند الشيعة 15: 137.
(3) إرشاد الأذهان 2: 112، وانظر: المختلف 8: 315،
والتحرير (الحجرية) 2: 161 أيضا.
(4) مجمع الفائدة 11: 244.
(5) الكافي في الفقه: 277.
(1) شرائع الإسلام 3: 223.
(2) المسالك 12: 62.
(3) المفاتيح 2: 194، المفتاح 648.
(4) الانتصار: 197.
(5) المقنعة: 582.
(6) المراسم: 210.
(7) المسالك 12: 61.
90

فرب شئ يراه فقيه من الخبائث ولا يراه الآخر منها.
ملاحظة (1):
لا فرق فيما ذكر بين الذبيحة الكبيرة كالشاة،
وبين الصغيرة كالعصفور، نعم ربما لا تشتمل
الصغيرة على بعض الأجزاء المتقدمة، وذلك أمر
آخر، كما لا مانع من الأكل مع الشك في أصل
وجوده (1).
ملاحظة (2):
إن أغلب الذين اقتصروا في التحريم على
بعض الأجزاء الأربعة عشر قالوا بكراهة الباقي
منها، وأضيف إليها من حيث الكراهة: الكليتان،
واذنا القلب، والعروق (2).
ثالثا - الأعيان النجسة:
ومما يحرم أكله وشربه الأعيان النجسة،
كالعذرات والأبوال والمني ونحوها. والحكم مما
لا إشكال فيه (3)، وقد تقدم الكلام عن ذلك في
عنوان " أشربة ".
رابعا - الطين:
يحرم أكل الطين، والظاهر أنه لا خلاف فيه،
بل ادعي عليه الإجماع (1). ووردت بالنهي عنه
نصوص كثيرة (2).
واستثنى الأصحاب من ذلك أكل تربة الإمام
الحسين (عليه السلام) للاستشفاء، بشرط أن لا يتجاوز قدر
الحمصة. وقد تقدم الكلام عن ذلك على نحو التفصيل
في عنوان " استشفاء ".
واستثنى بعض الأصحاب (3) الطين الأرمني (4)
لبعض الأمراض، لورود بعض النصوص في ذلك (5).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " طين ".
خامسا - السموم القاتلة:
تقدم الكلام عن السموم في عنوان " أشربة "،
ولا فرق بين المائع منها والجامد من حيث الحكم.
سادسا - المسكرات الجامدة:
يحرم من الجوامد ما كان منه مسكرا، لأن كل

(1) انظر الجواهر 36: 350.
(2) انظر: المسالك 12: 61، والجواهر 36: 350،
وغيرهما مما سبق.
(3) انظر: المسالك 12: 64، والجواهر 36: 354.
(1) انظر الجواهر 36: 355.
(2) انظر الوسائل 24: 220، الباب 58 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
(3) انظر: المسالك 12: 69، ومستند الشيعة 15: 169،
والجواهر 36: 369.
(4) قال الشهيد الثاني عنه: " هو طين مخصوص يجلب من
أرمينية يترتب عليه منافع، خصوصا في زمن الوباء
والإسهال وغيره... ". المسالك 12: 69.
(5) انظر الوسائل 24: 230، الباب 60 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
91

مسكر حرام إجماعا، فتوى ونصا (1).
التحريم العارض
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى التحريم الذاتي،
أي التحريم المستند إلى ذات الشئ نفسه، وفيما يلي
نبحث عن التحريم العارض للأشياء المحللة ذاتا.
وأسباب عروض التحريم كثيرة تعرض الفقهاء
لبعضها في كتاب الأطعمة، ولبعضها الآخر في
مواطن أخرى، وفيما يلي نشير إلى أسباب عروض
التحريم إجمالا، ونحيل التفصيل على مواطنه المناسبة
إن شاء الله تعالى.
أسباب التحريم العارض:
أولا - الجلل:
للشهيد الثاني كلام جامع في الجلل نختصره
فيما يلي:
قال: " البحث في الجلل يقع في موضعين:
الأول - فيما به يحصل الجلل، فالمشهور أنه
يحصل بأن يغتذي الحيوان عذرة الإنسان لا غير...
وقال الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3): إن
الجلالة هي التي يكون أكثر علفها العذرة، فلم يعتبر
تمحض العذرة.
قال المصنف (1) (رحمه الله): وهذا التفسير صواب إن
قلنا بكراهة الجلال، وليس بصواب إن قلنا
بالتحريم (2).
وألحق أبو الصلاح بالعذرة غيرها من
النجاسات... (3).
الثاني - في حكم الجلال: وأكثر الأصحاب
على أنه محرم، لما ورد من النهي عن أكل الجلالة
وعن شرب ألبانها حتى تحبس... (4).
وذهب الشيخ في المبسوط (5) وابن الجنيد إلى
الكراهة...
والأشهر هو الأول.
ولو قيل بالتفصيل - كما قال المصنف رحمه
الله -: بأنه إن كان الغذاء بها محضا فالتحريم، وإن
كان غالبا فالكراهة، كان وجها... " (6).
وتزول الحرمة باستبراء الحيوان، وهو يختلف
باختلاف الحيوان، وقد تقدم بيانه في عنوان
" استبراء "، كما سيجئ الكلام عن الجلل وحكمه
تفصيلا في عنوان " جلال " إن شاء الله تعالى.

(1) انظر مستند الشيعة 15: 170.
(2) الخلاف 6: 85، المسألة 16.
(3) المبسوط 6: 282.
(1) أي المحقق الحلي.
(2) النهاية ونكتها 3: 75.
(3) الكافي في الفقه: 278.
(4) انظر الوسائل 24: 164، الباب 27 و 28 من أبواب
الأطعمة المحرمة.
(5) المبسوط 6: 282.
(6) المسالك 12: 25 - 27، والجواهر 36: 271 - 273.
92

ثانيا - ارتضاع لبن الخنزيرة:
يحرم الحيوان المحلل الأكل لو ارتضع من لبن
الخنزيرة واشتد لحمه منه، ويحرم نسله أيضا.
ويكره لو لم يشتد لحمه، ويستحب حينئذ
استبراؤه سبعة أيام، بأن لا يطعم فيها إلا الطاهر (1).
ثالثا - ملاقاة الأعيان النجسة:
كل حلال طاهر لاقى إحدى الأعيان النجسة
تنجس، فإن أمكن إزالة النجاسة عنه فهو، وإلا
فلا يجوز أكله، لحرمة أكل النجس والمتنجس (2)، كما
تقدم بيانه في عنوان " أشربة ".
رابعا - دخول الحرم:
يحرم على من دخل حرم مكة أكل الصيد
المأكول اللحم، سواء كان مقتولا بنفس الصيد أو
مذبوحا بعده، وسواء كان الصائد أو الذابح محلا أو
محرما. والحرمة عامة تشمل المحل والمحرم، فيحرم
عليهما تناوله، لأنه في حكم الميتة. وهذا الحكم مجمع
عليه كما قال صاحب المدارك وغيره (3).
خامسا - الإحرام:
لو صاد المحرم صيدا أو قتله داخل الحرم،
صار الحيوان المصيد حراما، كما تقدم.
ولو فعل ذلك خارج الحرم، فهو يحرم على
من كان مثله أي محرما بلا إشكال (1).
وهل يحرم على المحل أو لا؟ فيه خلاف،
وذكروا فيه أقوالا:
1 - القول بالتحريم:
ذهب إليه الشيخ الطوسي (2)، وابن البراج (3)،
وابن إدريس (4)، وابن سعيد (5)، وابن حمزة (6)،
والمحقق الحلي (7)، والعلامة في جملة من كتبه (8)،
وغيرهم (9)، بل قيل: إنه المشهور (10).
2 - القول بالحلية:
وهو المنقول عن الصدوق (11)، والمفيد (12)،
(1) انظر المصادر الآتية.
(2) النهاية: 220.
(3) المهذب 1: 230.
(4) السرائر 1: 546.
(5) الجامع للشرائع: 183.
(6) الوسيلة: 165.
(7) شرائع الإسلام 1: 249.
(8) إرشاد الأذهان 1: 317، والقواعد 1: 421، والتذكرة
7: 272، المسألة 205.
(9) انظر: الرياض 7: 317 - 318، والجواهر 18: 288
- 291، بل ادعى عليه الإجماع العلامة في التذكرة
7: 272.
(10) انظر: الذخيرة: 600، والحدائق 15: 143.
(11) المقنع: 79.
(12) المقنعة: 438.

(1) انظر: المسالك 12: 30، والجواهر 36: 282.
(2) انظر الجواهر 36: 383.
(3) انظر: المدارك 8: 388، والحدائق 15: 145،
والجواهر 20: 313.
93

والمرتضى (1)، وغيرهم.
3 - التفصيل:
فيحل للمحل ما قتله المحرم صيدا، ويحرم
عليه ما أدركه المحرم حيا فذبحه.
وهذا القول منقول عن الشيخين: المفيد (2)
والطوسي (3)، ومال إليه صاحب المدارك (4)،
والنراقي (5)، لكن قال صاحب الجواهر: " يمكن
دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم،
من الذبح، نصا وفتوى " (6).
سادسا - وطء الإنسان:
إذا وطئ الإنسان حيوانا مأكول اللحم، حرم
لحمه ولحم نسله ولبنهما.
قال الشهيد الثاني: " إطلاق " الإنسان "
يشمل الكبير والصغير والمنزل وغيره. وكذلك
" الحيوان "، يشمل الذكر والأنثى ذا الأربع وغيره،
لكن الرواية وردت بنكاح البهيمة، وهي لغة: اسم
لذات الأربع من حيوان البحر والبر، فينبغي أن
يكون العمل عليه تمسكا بالأصل في موضع الشك،
ويحتمل العموم، لوجود السبب المحرم، وعدم
الخصوصية للمحل، وهو الذي يشعر به إطلاق كلام
المصنف وغيره. ولا فرق في ذلك بين العالم بالحكم
والجاهل " (1).
سابعا - عدم الإذن من المالك أو من في حكمه:
يحرم أكل مال الغير ولو كان محللا في الأصل،
ولا فرق في ذلك بين الغاصب وغيره، إلا أن يأذن له
المالك أو من في حكمه.
والحكم واضح شرعا وعقلا (2).
ومما ورد فيه النبوي المعروف: " لا يحل مال
امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " (3).
ثامنا - أكل المال بالباطل:
كل مورد يصدق فيه عنوان " أكل المال
بالباطل " يحرم أكله، مثل العوضين - أي المبيع
وثمنه - في العقود الفاسدة، كثمن الخمر والخنزير
والمأخوذ بالربا، ونحوها.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: * (لا تأكلوا
(1) المسالك 12: 30 - 31، وانظر: مستند الشيعة
15: 119 - 123، والجواهر 36: 284 - 288.
(2) انظر: الجواهر 36: 405، والقاعدة الخامسة
المذكورة في أول عنوان " أشربة ".
(3) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 72، جمل العلم والعمل.
(2) نقله عنه المجلسي في مرآة العقول 17: 364،
وصاحب المدارك في المدارك 7: 308.
(3) الاستبصار 2: 215، باب تحريم ما يذبحه المحرم
من الصيد، ذيل الحديث 6، والتهذيب 5: 378، باب
الكفارة عن خطأ المحرم، ذيل الحديث 231.
(4) المدارك 7: 308.
(5) مستند الشيعة 11: 344.
(6) الجواهر 18: 291.
94

أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) * (1).
والمراد ب‍ " الأكل " هنا هو مطلق التصرف،
نعم من مصاديقه التصرف بالأكل بمعنى الازدراد
والبلع (2).
تاسعا - اشتباه الحلال بالحرام:
إذا اشتبه الحلال بالحرام ولم يمكن تمييزه
فيجب الاجتناب، لتجنب الوقوع في الحرام.
وقد تقدم في عنوان " احتياط " تفصيل
الكلام عن الشبهة وأنها محصورة وغير محصورة،
وذكرنا المباني في وجوب اجتناب جميع أطراف
الشبهة المحصورة، وقلنا: إن القدر المتيقن هو حرمة
المخالفة القطعية، بمعنى أن يرتكب جميع أطراف
الشبهة بحيث يقطع بارتكاب الحرام، أما وجوب
الموافقة القطعية، بمعنى ترك جميع الأطراف بحيث
يقطع بعدم ارتكاب الحرام، فمختلف فيه.
وقد وردت في بعض النصوص كيفية تعيين
الموطوء المشتبه بغيره عن طريق القرعة (3).
مظان البحث:
عمدة مباحث هذا الموضوع في كتاب الصيد
والذباحة، والأطعمة والأشربة، ويتطرق إلى بعض
جوانبه بالمناسبة في سائر الكتب، مثل: الطهارة
والنجاسة، والمكاسب المحرمة، والبيع، والحدود،
ونحوها.
إطلاع
لغة:
مصدر أطلع، واطلاع مصدر اطلع.
يقال: أطلع رأسه، إذا أشرف على شئ، وكذلك
اطلع.
وأطلعه على الأمر: أعلمه به.
واطلع على الأمر: علمه.
وأطلع النخل: أخرج طلعه (1).
وطلع النخل: ما يطلع من النخلة ثم يصير ثمرا
إن كانت أنثى، وإن كانت النخلة ذكرا لم يصر ثمرا،
بل يؤكل طريا ويترك على النخلة أياما معلومة حتى
يصير فيه شئ أبيض مثل الدقيق، وله رائحة ذكية،
فيلقح به الأنثى (2).
والظاهر أن مرجعها جميعا إلى معنى واحد،
وهو: الظهور والبروز، كما قال ابن فارس (3).
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب، والمصباح
المنير: " طلع ".
(2) المصباح المنير: " طلع ".
(3) معجم مقاييس اللغة: " طلع ".

(1) النساء: 29.
(2) انظر مصباح الفقاهة 2: 102 - 104.
(3) انظر الوسائل 24: 169، الباب 30 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
95

اصطلاحا:
يأتي بالمعاني المتقدمة، وهي:
1 - الإشراف، ومنه قولهم: " من اطلع على
قوم في دارهم، أو دخل عليهم من غير إذنهم،
فزجروه فلم ينزجر، فرموه فقتلوه أو فقؤوا عينه،
لم يكن عليهم شئ " (1).
راجع العنوانين: " تجسس "، و " دفاع ".
2 - الإعلام، ومنه قولهم: " إذا تجسس مسلم
لأهل الحرب وكتب إليهم فأطلعهم على أخبار
المسلمين... " (2).
راجع: تجسس.
3 - حصول العلم، ومنه قولهم: " لو اطلع
المشتري على عيب... " (3).
راجع: عيب.
4 - وإطلاع النخل، ومنه قولهم: " ابتاع
النخل قبل أن يطلع... " (4).
راجع: بيع ونحوه مما يناسب العنوان.
إطلاق
لغة:
بمعنى الإرسال، والتخلية، وعدم التقييد،
وجعل لفظ علما واسما لشئ، أو استعماله فيه (1).
راجع الملحق الأصولي: إطلاق.
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء والأصوليون في معانيه
اللغوية، ومنه - إضافة إلى ما يأتي في الملحق
الأصولي - قول الفقهاء: إطلاق الماء، أي عدم
تقييده بشئ، فيقال للماء: الماء المطلق، ويقابله:
إضافة الماء، ككونه من الورد أو الرمان، فيقال: ماء
الورد، وماء الرمان ونحوهما، ويطلق عليه: الماء
المضاف.
ومنه إطلاق العقد، بمعنى عدم تقييده بشئ،
وإطلاق الشهادة، بمعنى عدم تقييدها بشئ.
والإطلاق في قولنا - في العبارة المتقدمة -
" ويطلق عليه: الماء المضاف " معناه جعل " الماء
المضاف " اسما للماء المتقيد بكونه من شئ،
وهكذا...
اطمئنان
راجع الملحق الأصولي: اطمئنان.

(1) النهاية: 755، وانظر الجواهر 41: 660.
(2) المبسوط 2: 15.
(3) التذكرة (الحجرية) 1: 543.
(4) الجواهر 24: 62.
(1) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، ومحيط المحيط:
" طلق ".
96

أظفار
لغة:
جمع ظفر، وهو المادة القرنية في أطراف
الأصابع، وجمع الجمع: أظافير (1).
وقيل: الظفر لما لا يصيد، والمخلب لما
يصيد (2).
وقيل: الظفر يقال في الإنسان وفي غيره (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تترتب على الأظفار أحكام عديدة مختلفة
نشير إلى أهمها إجمالا:
ما يرتبط بتقليم الأظفار من الأحكام:
1 - استحباب تقليم الأظفار:
ذكر الفقهاء المتعرضون للآداب والسنن:
أن تقليم الأظفار مستحب (4)، فقد ورد عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " من السنة تقليم
الأظفار " (1).
والروايات المرغبة في ذلك كثيرة - وفي
بعضها الأمر بحك الظفر إذا لم يحتج إلى التقليم (2) - كما
ستأتي الإشارة إلى جملة منها، وتقدم في عنوان
" إطالة " أن ترك تقليمه مكروه.
2 - الحكمة في تقليم الأظفار:
والحكمة في تقليم الأظفار معلومة، وهي
الابتعاد عن القذارة والأوساخ، فقد ورد عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: " إن أستر وأخفى ما يسلط
الشيطان من ابن آدم أن صار يسكن تحت
الأظافير " (3).
والشيطان هنا بمعناه العام (4).
وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " إنما قصوا الأظفار،
لأنها مقيل الشيطان، ومنه يكون النسيان " (5).

(1) المعجم الوسيط: " ظفر ".
(2) لسان العرب: " ظفر ".
(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" ظفر ".
(4) انظر: الذكرى 1: 156، وكشف الغطاء: 191.
(1) الوسائل 2: 132، الباب 80 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 4.
(2) انظر الوسائل 7: 355، الباب 33 من أبواب صلاة
الجمعة وآدابها، الحديث الأول.
(3) الوسائل 2: 132، الباب 80 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 3.
(4) الشيطان: اسم لكل عات متمرد من إنس أو جن أو
دابة. القاموس المحيط وغيره: " شطن ".
(5) الوسائل 2: 132، الباب 80 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 2.
97

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): تقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم ويدر
الرزق " (1).
وروايات أخرى بهذه المضامين (2).
3 - جواز ترك النساء من أظافيرهن:
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجال: قصوا أظفاركم، وللنساء:
اتركن من أظفاركن، فإنه أزين لكن " (3).
ولكن لابد من تقييده بمراعاة النظافة وعدم
منافاته للطهارة - أي الوضوء والغسل - واستمتاع
الزوج كما سيأتي.
4 - كراهة تقليم الأظفار بالأسنان:
ورد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) - في حديث
المناهي - قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تقليم
الأظفار بالأسنان " (4).
5 - زمان تقليم الأظفار:
اختلفت الروايات في وقت تقليم الأظفار،
إلا أن أكثرها وقتت الخميس والجمعة، وأكثرها
الجمعة (1)، ومع ذلك فقد روى موسى بن بكير أنه
قال للصادق (عليه السلام): " إن أصحابنا يقولون: إنما أخذ
الشارب والأظفار يوم الجمعة، فقال: سبحان الله!
خذها إن شئت في يوم الجمعة، وإن شئت في سائر
الأيام " (2).
ولعل الذي أثار عجب الإمام (عليه السلام) هو تعيين
يوم الجمعة لذلك لا غير كما يظهر من كلمة " إنما "
وهذا لا ينافي أفضلية الجمعة والخميس لذلك (3)، كما
يظهر من سائر الروايات.
6 - ما يقال عند تقليم الأظفار:
ورد: أنه يقال عند تقليم الأظفار: " بسم
الله، وبالله، وعلى سنة محمد وآل محمد " (4).
7 - دفن قلامة الأظفار:
روي عن الإمام علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه

(1) الوسائل 2: 132، الباب 80 من أبواب آداب الحمام،
الحديث الأول.
(2) انظر الكافي 6: 490، باب قص الأظفار.
(3) الوسائل 2: 134، الباب 81 من أبواب آداب الحمام،
الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: الباب 82، الحديث الأول.
(1) انظر: الوسائل 7: 355، الباب 33، و 360، الباب 34
من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل 2: 133، الباب 80 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 6.
(3) انظر الحدائق 5: 572.
(4) انظر: الكافي 6: 490، كتاب الزي، باب قص
الأظفار، الحديث 9، والوسائل 7: 363، الباب 35
من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 3، والذكرى
1: 156.
98

قال: " أمرنا بدفن أربعة: الشعر، والسن، والظفر،
والدم " (1).
وأرسل عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " يدفن
الرجل أظفاره وشعره إذا أخذ منها، وهي سنة " (2).
8 - حكم تقليم أظفار الميت:
اختلف الفقهاء في حكم تقليم أظفار الميت
على قولين:
الأول - التحريم:
وهو المنسوب إلى الشيخين: المفيد (3)
والطوسي (4)، وابن حمزة (5)، وابن زهرة (6)،
وابن سعيد (7)، والعلامة في المنتهى (8). ومال إليه
صاحب المدارك (9).
الثاني - الكراهة:
وهو المنسوب إلى الأكثر (1)، ففي خبر غياث
عن الصادق (عليه السلام)، قال: " كره أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
يحلق عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له
شعر " (2). ونحوه أخبار أخر.
نعم في خبر أبي الجارود: " أنه سأل أبا
جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتوفى، أتقلم أظافيره، و...
فقال: لا " (3).
وظاهره التحريم، إلا أن الفقهاء رفعوا اليد
عن ظاهره وقالوا بالكراهة، بل حملوا كلام
الشيخين ومن تابعهما عليها أيضا إلا كلام ابن حمزة
فإنه صريح في التحريم.
9 - تقليم المحرم أظفاره:
يحرم على المحرم إزالة أظفاره بالقص والكسر
وبكل وسيلة، وقد ادعي عدم الخلاف فيه، بل
ادعي عليه الإجماع بقسميه: المنقول والمحصل.
نعم، تجوز إزالتها مع الضرورة.
والمعروف بين الفقهاء: أن كفارة قص الظفر
الواحد مد من الطعام، ولو قص أظفار يديه في
مجلس واحد فكفارته دم شاة، وكذا في أظفار
رجليه، ولو جمع بين قص أظفار يديه ورجليه
(1) انظر: الجواهر 4: 156، ومستند الشيعة 3: 166.
(2) الوسائل 2: 500، الباب 11 من أبواب غسل الميت،
الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: 501، الحديث 5.

(1) الوسائل 2: 128، الباب 78 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 5.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 3.
(3) المقنعة: 82.
(4) المبسوط 1: 181، والخلاف 1: 695.
(5) الوسيلة: 65، وهو الوحيد الذي صرح بالحرمة حيث
قال: " والمحظور خمسة أشياء:... قص شعره
وظفره ".
(6) الغنية: 102.
(7) الجامع للشرائع: 51، لكن فيه: " ويحرم قص شعره
وتخليل ظفره... "، ولم يذكر قص الظفر أو تقليمه.
(8) المنتهى (الحجرية) 1: 431، وذيل كلامه صريح
في الكراهة.
(9) المدارك 2: 91.
99

في مجلس واحد ولم يتخلل بينهما تكفير، فكفارته
دم واحد (1).
والمنقول عن ابن الجنيد: أن في الظفر الواحد
مدا أو قيمته، وفي الظفرين مدين أو قيمتهما، فإن
قص خمسة أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك،
كان عليه دم - أي دم شاة - ثم قال كما قال
المشهور (2).
وقال الحلبي: " في قص ظفر كف من طعام،
وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم
شاة... " (3)، ثم قال كما قال المشهور.
راجع: إحرام.
10 - استحباب تقليم الأظفار قبل الإحرام:
من مقدمات الإحرام المستحبة: أن ينظف من
يريد الإحرام جسده من الأوساخ، ويقص أظفاره (4).
راجع: إحرام.
11 - استحباب تقليم الأظفار لدخول مكة
بعد أفعال منى:
الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف والسعي:
الغسل قبل دخول مكة وقبل دخول المسجد،
وتقليم الأظفار، وأخذ الشارب... (1).
12 - تحقق التقصير بإزالة الأظفار:
مما يحصل به التحلل التقصير إما تعيينا كما في
عمرة التمتع، أو تخييرا بينه وبين الحلق كما في حج
التمتع لغير الصرورة، وهو يتحقق بأخذ شئ من
شعر الرأس أو الشارب أو قص الظفر (2).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " تقصير " إن
شاء الله تعالى.
13 - عدم نقض الوضوء بتقليم الأظفار:
صرح الفقهاء بعدم نقض الوضوء بعدة
أشياء، منها: تقليم الأظفار، وادعوا الإجماع على
ذلك (3)، وإنما ذكروها تبعا للروايات وردا على من
توهم ناقضيتها، فمن ذلك ما رواه زرارة، قال:
" قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يقلم أظفاره، ويجز
شاربه، ويأخذ من شعر لحيته ورأسه، هل ينقض
ذلك وضوءه؟ فقال: يا زرارة، كل هذا سنة،
والوضوء فريضة، وليس شئ من السنة ينقض
الفريضة، وإن ذلك ليزيده تطهيرا " (4).

(1) انظر: المدارك 7: 368، و 8: 433 - 434، والجواهر
18: 411، و 20: 399.
(2) انظر المختلف 4: 165.
(3) الكافي في الفقه: 204.
(4) انظر: المدارك 7: 247، والجواهر 18: 175.
(1) انظر الجواهر 19: 267.
(2) انظر: الروضة البهية 2: 266 و 307، وكشف اللثام
6: 31 و 210، والحدائق 16: 296 - 299.
(3) انظر: المدارك 1: 153، والجواهر 1: 417.
(4) الوسائل 1: 287، الباب 14 من أبواب نواقض
الوضوء، الحديث 2.
100

14 - أمر الزوجة بقص أظفارها:
لو طالت أظافير الزوجة بحيث كان ذلك
مانعا عن الاستمتاع بها بوجه من الوجوه، جاز
للزوج أن يأمرها بقصها وإزالة المانع عن الاستمتاع
بها كسائر الموانع.
وهذا الحكم يشمل الزوجة المسلمة
والكافرة، لعموم العلة، وهو المنع من الاستمتاع (1).
15 - قص الأظفار قبل حلب الدابة:
قال صاحب الجواهر في بحث الإنفاق على
البهائم: "... لا يستقصي في الحلب، بل يبقى
في الضرع شئ (2)، لأنها تتأذى بذلك، بل
يستحب له أن يقص أظفاره تحرزا من إيذائها
بالقرص " (3).
ملاحظة:
بقيت أحكام متفرقة أخرى لتقليم الأظفار،
مثل كيفية البدء، هل هو باليد اليمنى أو اليسرى،
وبأي واحد من الأصابع؟ واستحباب حك الظفر
بعد قصه، وتحسينه، وغسل الظفر بعد تقليمه، ونحوها
تؤخذ من الكتب المتعرضة للآداب والسنن (1).
حكم الظفر من حيث الطهارة:
الظفر تابع لذي الظفر في الطهارة والنجاسة،
فإن كان ذو الظفر طاهر العين كالإنسان المسلم،
فالظفر طاهر أيضا حالة كونه متصلا ببدن الإنسان
أو منفصلا عنه.
أما الأول، فلأنه جزء من البدن الطاهر
فيكون طاهرا.
وأما الثاني، فلأن الأجزاء المبانة من الحي إن
كان فيها حياة، فهي نجسة وإلا فهي طاهرة، وقد عد
الفقهاء منها الظفر.
وأما ظفر الكافر فيتبعه في الحكم أيضا، فإن
قلنا بنجاسته عينا، فيكون ظفره نجسا أيضا، سواء
كان متصلا أو منفصلا، لأن المنفصل إنما يحكم
بطهارته إذا كان أصله طاهرا (2).
نعم، ذهب السيد المرتضى (3) إلى القول
بطهارة الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الكلب
والخنزير، لأن هذه الأجزاء ليست من نجس العين،

(1) انظر: المبسوط 4: 211، وجامع المقاصد 12: 415،
والمسالك 7: 371، وكشف اللثام 7: 231، والجواهر
30: 58، وغيرها.
(2) كذا في المصدر، ولعل الأنسب أن يقال: " بل يبقي
في الضرع شيئا ".
(3) الجواهر 31: 397.
(1) انظر: الذكرى 1: 156 - 157، ومعالم الدين (قسم
الفقه) 2: 911 - 915، والحدائق 5: 569 - 573،
وكشف الغطاء: 191، ومنتقى الجمان 1: 117، وسفينة
البحار: " ظفر "، وبداية الهداية 1: 18.
(2) انظر المستمسك 1: 377.
(3) الناصريات: 100، المسألة 19، وممن نقله عنه
صاحب المدارك. انظر المدارك 2: 275 - 276.
101

بل هي كالمأخوذ من الميتة، ولازم كلامه طهارة هذه
الأجزاء من الكافر أيضا.
واستحسنه صاحب المدارك (1)، لعدم العثور
على نص بنجاسة ما لا تحله الحياة من نجس العين.
ومال إليه السيد الخوئي، لكن لم يحكم
بطهارته مخافة مخالفة المشهور (2).
وتوقف فيه صاحب الذخيرة، لتعارض
الأخبار، ثم رجح المشهور (3). وكلامهم وإن كان في
الكلب والخنزير، إلا أن الكافر ملحق بهما.
حكم الأظفار في الوضوء والغسل:
أ - حكم الأظفار نفسها:
قال العلامة في المنتهى: " لو طالت أظفاره
حتى خرجت عن سمت يده، احتمل وجوب
غسلها، لأنه نادر، وعدمه، كاللحية " (4).
وقال مثل ذلك في التذكرة (5) ونهاية الإحكام (6).
وتبعه المحقق الثاني (7)، وربما يظهر من
الفاضل الإصفهاني (8)، لنقله الاحتمالين فقط.
ب - حكم الوسخ المجتمع تحت الأظفار:
المعروف بين الفقهاء: أن الوسخ المجتمع تحت
الأظفار لو كان مانعا عن وصول الماء في الوضوء
والغسل إلى البشرة، فتجب إزالته وإلا فلا (1).
واحتمل العلامة في المنتهى عدم وجوب
الإزالة، لأنه من قبيل الشعر الساتر في الوجه الذي
لا شك في عدم وجوب إزالته، ولأنه لو وجبت
إزالته لبينه النبي (صلى الله عليه وآله) لكن لم يبينه (2).
وقيد بعضهم وجوب الإزالة بما إذا كانت
الأظفار متجاوزة عن الحد المتعارف وكان الوسخ
مانعا من وصول الماء (3).
وقيده بعض آخر بما إذا كان الوسخ المجتمع
غير متعارف، أو كان المحل الذي تحت الظفر معدودا
من الظاهر، وكان الوسخ مانعا وإن لم يكن متعارفا،
وأما لو كان من الباطن فلا تجب إزالته وإن كان
مانعا من وصول الماء (4).
ولعل مراد الجميع واحد.
حكم الطلاء على الأظفار:
صرح الفقهاء بأنه يجب إيصال الماء إلى

(1) المدارك 2: 275 - 276.
(2) التنقيح 2: 57 - 58.
(3) ذخيرة المعاد: 148.
(4) المنتهى 2: 39.
(5) التذكرة 1: 160.
(6) نهاية الإحكام 1: 41.
(7) جامع المقاصد 1: 217.
(8) كشف اللثام 1: 536.
(1) انظر ما تقدم ويأتي من المصادر إضافة إلى مفتاح
الكرامة 1: 246.
(2) المنتهى 2: 39.
(3) انظر الجواهر 2: 291.
(4) انظر: المستمسك 2: 353، والتنقيح (الطهارة)
4: 110، ومتنهما العروة الوثقى، وغيرها.
102

البشرة في الطهارة من الحدث - أي الوضوء
والغسل - فلو وجد مانع وجبت إزالته، ولما كان
الظفر مما يجب غسله في الطهارتين وجبت إزالة
الموانع منه، وحينئذ، فإن كان الطلاء مانعا من
وصول الماء إلى البشرة وجبت إزالته، وإن لم يكن
مانعا فلا تجب.
حكم الذبح بالظفر:
الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء في عدم
جواز الذبح بالظفر حال الاختيار (1).
نعم اختلفوا في جواز الذبح به حالة
الاضطرار، ولهم فيه قولان:
الأول - الجواز:
وهو المنسوب إلى أكثر الفقهاء من زمن
ابن إدريس (2).
الثاني - عدم الجواز:
وهو قول الشيخ - في المبسوط (3) والخلاف (4) -
وابن زهرة (5)، والمنسوب إلى ابن الجنيد (6).
ورجحه الشهيد الأول في غاية المراد (1)،
واستقربه النراقي (2).
واستشكل في جواز الذبح به السادة:
الحكيم (3)، والخوئي (4)، والخميني، نعم استقرب
وقوعه بالظفر المنفصل (5).
وهل المقصود من " حال الاضطرار " هو
عدم وجود الحديدة - التي هي الآلة المشروعة للذبح
حال الاختيار - سواء وجد غيرها كالزجاجة
والحجارة ونحوهما أو لم يوجد، أو المقصود صورة
عدم وجود الحديدة وغيرها مما يمكن أن يذبح به؟
فيجوز الذبح بالظفر إن وجد الحجر المحدد أو
الزجاجة أو غيرهما مما يمكن أن يذبح به على
الاحتمال الأول، ولا يجوز على الاحتمال الثاني.

(1) انظر: المسالك 11: 470، ومستند الشيعة 15: 394،
والجواهر 36: 100.
(2) انظر: المسالك 11: 472، ومستند الشيعة 15: 396،
والجواهر 36: 102.
(3) المبسوط 6: 263.
(4) الخلاف 6: 22، المسألة 22.
(5) الغنية: 397.
(6) انظر المختلف 8: 258.
(1) غاية المراد (الحجرية): 273.
(2) مستند الشيعة 15: 397.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 357، فصل
في الذباحة، المسألة 5.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 335، فصل
في الذباحة، المسألة 1639.
أقول: يحتمل أن يكون المراد من عبارة منهاج
الصالحين (للسيدين الحكيم والخوئي) هو: أنه مع
وجود غير الظفر مما يجوز الذبح به حال الاضطرار
كالزجاجة والحجارة ونحوهما مما هو محدد، لا يجوز
الذبح بالظفر، ومفهومه: أنه يجوز في صورة عدم
وجود شئ آخر يصلح لفري الأوداج به وانحصار
الآلة بالظفر.
(5) تحرير الوسيلة 2: 129، القول في الذباحة، المسألة 3.
103

ذكر صاحب الجواهر فيه وجهين، بل
قولين (1).
دية الأظفار:
اختلف الفقهاء في دية الأظفار على أقوال:
الأول - إذا قلع ظفر ولم ينبت أو نبت بلون
أسود، فديته عشرة دنانير. ولم يفصلوا بين الأظفار.
ذهب إلى هذا القول الشيخ الطوسي ومن
تبعه (2)، بل قيل: إنه المشهور (3).
الثاني - إذا قلع الظفر ولم ينبت، فديته عشرة
دنانير، وإن خرج بلون أسود، فديته ثلثا دية الظفر
الكاملة.
ذهب إلى هذا القول ابن إدريس (4)، والعلامة
في المختلف (5)، وولده فخر الدين في الإيضاح (6)،
والشهيد الثاني (7).
الثالث - أن دية ظفر إبهام اليد عشرة دنانير،
ودية كل ظفر من بقية الأظفار خمسة دنانير. وفي
ظفر إبهام الرجل ثلاثون دينارا، وفي بقية الأظفار
كل ظفر عشرة دنانير، فإن جني على الظفر وقلع ولم
يخرج أو خرج بلون أسود، فديته ما تقدم وإن خرج
صحيحا فديته نصف ما تقدم.
وهذا القول منسوب إلى ابن الجنيد (1).
الرابع - في كل ظفر من أظفار اليد خمسة
دنانير، وفي ظفر إبهام الرجل ثلاثون دينارا، وفي
بقية أظفار الرجل، كل ظفر عشرة دنانير.
وهو رأي السيد الخوئي في المنهاج (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - آداب الحمام، آداب يوم الجمعة.
ب - الوضوء والغسل: عدم وجود المانع
من وصول الماء إلى البشرة، ونواقضه.
ج - آداب غسل الميت.
د - البحث عن نجاسة ظفر الإنسان متصلا
ومنفصلا، حيا وميتا.
2 - كتاب الحج:
أ - محرمات الإحرام وكفاراتها.
ب - التحلل من الإحرام بعد السعي في
العمرة، وبعد الرمي والذبح في منى.
ج - آداب الإحرام وآداب دخول مكة.
3 - كتاب النكاح:
أ - حقوق الزوجة الذمية عند البحث عن

(1) الجواهر 36: 104.
(2) انظر: النهاية: 768، والوسيلة: 454.
(3) انظر: مفتاح الكرامة 10: 422، والجواهر 43: 259،
ومباني تكملة المنهاج 2: 305.
(4) السرائر 3: 388.
(5) المختلف 9: 385.
(6) إيضاح الفوائد 4: 698.
(7) المسالك 15: 430.
(1) انظر المختلف 9: 384.
(2) مباني تكملة منهاج الصالحين 2: 305 - 306.
104

مانعية الكفر للمصاهرة.
ب - حقوق الدابة عند البحث في من يجب
الإنفاق عليه بمناسبة البحث عن الإنفاق
على الزوجة.
4 - كتاب الصيد والذباحة: شرائط آلة الذبح.
5 - كتاب الديات: دية الأظفار.
إظهار
لغة:
مصدر أظهر، بمعنى بين وأبرز. يقال:
أظهر الشئ، إذا أبرزه بعد أن كان مخفيا (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تترتب على الإظهار أحكام كثيرة، نحيل
البحث عن بعضها على مواطنها المناسبة، ونشير إلى
بعضها الآخر إجمالا فيما يلي:
1 - إظهار الإسلام وما يترتب عليه:
تقدم في عنوان " إسلام " البحث عما
يتحقق به إظهار الإسلام - أي الدخول فيه -
وقلنا إجمالا: إنه يتحقق بالقول وهو إظهار
الشهادتين، وبالفعل وهو إتيان الفرائض - كالصلاة
والصوم والحج ونحوها - بما هي فرائض واجبة على
المسلمين.
وقلنا: يترتب على إظهار الإسلام إجمالا:
عصمة دم المظهر للإسلام، وعصمة ماله وولده
الصغار، وطهارة بدنه وولده الصغار التابعين له،
وتحديد زوجاته لو كن أكثر من أربع، ووجوب
الختان عليه.
راجع تفصيل ذلك في عنوان " إسلام ".
2 - إظهار الإسلام كرها:
تطرقنا في عنوان " إسلام " إلى تصريح كثير
من الفقهاء بصحة إسلام المكره إذا أظهر إسلامه
عن كره، لأنه من الإكراه بالحق.
وقد ذكرنا هناك بحثا موسعا في هذا الموضوع
فراجع.
3 - عدم لزوم إظهار الإسلام بعد الإكراه على
الكفر:
تقدم في عنوان " ارتداد ": أنه لو أكره
شخص على الكفر، فلا حاجة إلى تجديد إظهار
الإسلام، ولا يجب عرضه عليه، لعدم تحقق الردة.
4 - إظهار الإسلام وإبطان الكفر:
عرفوا النفاق: بأنه إظهار الإيمان

(1) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، ومجمع البحرين:
" ظهر ".
105

- بمعنى الإسلام - وإبطان الكفر (1).
ومن هذا القبيل الزندقة.
وسوف يأتي تفصيل الكلام عن ذلك في
العنوانين: " زندقة " و " نفاق ".
5 - إظهار شعائر الإسلام والإيمان:
إظهار شعائر الإسلام هو إظهار ما يختص
بالإسلام من الفرائض وبعض السنن، كالأذان،
والصلاة، والصوم، ودفع الزكاة، وأداء الحج ونحوها.
وقد رغبت الشريعة في إظهار الشعائر
وحثت عليه، بل قد يصل ذلك إلى حد الوجوب،
ولذلك أفتى بعض الفقهاء بوجوب الهجرة على
المسلم لو كان في مكان لم يتمكن فيه من إظهار
شعائر الإسلام، كما تقدم بيانه إجمالا في عنوان
" إشراك "، وسوف يأتي مزيد بيان لذلك في عنوان
" شعائر " إن شاء الله تعالى.
وأما إظهار شعائر الإيمان، فإن كان بمعنى
الإسلام، فشعائره شعائر الإسلام، وإن كان بمعنى
الاعتقاد بالإمامة وما يستتبعها، فشعائره - إضافة
إلى شعائر الإسلام - ما يختص به الإماميون، مثل:
الجهر بالبسملة في الفرائض، والمسح على القدمين في
الوضوء، وعدم غسلهما أو المسح على الخفين،
والقول بجواز المتعتين: متعة الحج ومتعة النساء،
وبوجوب الخمس في أرباح التجارات ونحوها،
إضافة إلى غنائم دار الحرب، والقول بحرمة الفقاع،
وجعل يوم الغدير - وهو الثامن عشر من ذي
الحجة - عيدا، لأنه اليوم الذي نصب النبي (صلى الله عليه وآله)
عليا (عليه السلام) إماما وخليفة من بعده، وجعل يوم
عاشوراء - وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام
الحسين (عليه السلام) وذووه في كربلاء - يوم حزن. ونحو ذلك
مما تختص به الشيعة الإمامية.
ويستفاد من مجموع الروايات الواردة في
مواطن متعددة التأكيد على إظهار شعائر الإيمان مع
القدرة وعدم المانع.
راجع: شعائر.
6 - إظهار الكفر:
إن كان إظهار الكفر عن اختيار، فيحكم على
صاحبه بالكفر، لأن الظاهر حجة.
وإن كان عن إكراه، فلا أثر لإظهار الكفر، كما
ورد التصريح به في قوله تعالى: * (من كفر بالله من بعد
إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من
شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم
عذاب عظيم) * (1).
ولا يجب إظهار الإسلام بعد رفع الإكراه كما
تقدم هنا وفي عنوان " ارتداد ".
7 - إظهار أهل الذمة المنكرات في بلاد الإسلام:
لا إشكال في أنه لا يسمح لأهل الذمة

(1) رسائل الشريف المرتضى 2: 288، رسالة الحدود
والحقائق.
(1) النحل: 106.
106

بإظهار المنكرات في بلاد الإسلام، وإن كانت مباحة
عندهم، كشرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، ونكاح
المحرمات، والزنا، ونحوها مما يعد من المناكير
عندنا. نعم اختلف الفقهاء في نقض عهد الذمة بذلك
وعدمه، ولهم فيه بحث (1) سوف نتكلم عنه في
موضعه المناسب إن شاء الله تعالى.
راجع: أهل الذمة.
8 - إظهار النعمة:
يستحب للإنسان أن يظهر نعم الله عليه، قال
تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) * (2)، وعن أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: " إن الله يحب الجمال
والتجمل، ويكره البؤس والتباؤس، فإن الله إذا
أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها، قيل:
كيف ذلك؟ قال: ينظف ثوبه، ويطيب ريحه،
ويجصص داره، ويكنس أفنيته، حتى إن السراج
قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق " (3).
وروي عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: " إنني لأكره
للرجل أن يكون عليه من الله نعمة، فلا يظهرها " (4).
وعن بريد بن معاوية، قال: " قال أبو
عبد الله (عليه السلام) لعبيد بن زياد: " إظهار النعمة أحب إلى
الله من صيانتها، فإياك أن تتزين (أو ترين) إلا في
أحسن زي قومك "، قال (1): فما رؤي عبيد إلا في
أحسن زي قومه حتى مات " (2).
راجع: نعمة.
9 - إظهار السرور والفرح:
يختلف حكم إظهار السرور باختلاف
موارده، فقد يكون مسنونا، كما في النكاح (3)، وأيام
الأعياد خاصة عيد الغدير، ومواليد النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته الطاهرين (عليهم السلام) (4)، ولكن كل ذلك بما يناسب
شأن من يظهر له الفرح، وعدم احتوائه على محرم.
وقد يحرم، كما في إظهار السرور شماتة
بما أصيب به المؤمن (5)، أو في يوم حزن كيوم

(1) انظر: المبسوط 2: 44، والمنتهى (الحجرية) 2: 968،
والجواهر 21: 269 - 270.
(2) الضحى: 11.
(3) الوسائل 5: 7، الباب الأول من أبواب أحكام
الملابس، الحديث 9.
(4) الوسائل 5: 8، الباب 2 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث 4.
(1) أي: بريد بن معاوية.
(2) الوسائل 5: 8، الباب 2 من أبواب أحكام الملابس،
الحديث الأول.
(3) انظر: المقنعة: 515، والمهذب 2: 221، والحدائق
23: 113.
(4) انظر: مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي): 757،
وكشف الغطاء: 256.
(5) حرمته من المرتكزات عند المتشرعة، وانظر أصول
الكافي 2: 359، باب الشماتة، والبحار 72: 216،
كتاب العشرة، باب تتبع عيوب الناس، ذيل
الحديث 19.
107

عاشوراء (1) ونحوه.
10 - إظهار النكاح:
تقدم في عنوان " إشهاد ": أن الإشهاد على
النكاح غير واجب، لكن إعلانه وإظهاره مستحب.
راجع: نكاح.
11 - إظهار الزينة:
أ - يستحب إظهار الزينة والتجمل بصورة
عامة، كما تقدم بيانه عند الكلام عن إظهار النعمة.
ب - ويستحب لكل من الزوجين إظهار
زينته للآخر، فقد جاء في لب الوسائل: " ويستحب
التنظيف والزينة للرجال والنساء، فإن التهيئة مما
يزيد في عفة النساء، ومن أخلاق الأنبياء (عليهم السلام):
التنظف، والتطيب، وحلق الشعر، وكثرة الطروقة " (2).
ج - يجوز للمرأة أن تلبس حال الإحرام ما
هو متعارف من زينتها، لكن لا يجوز لها أن تظهر
زينتها لزوجها وغيره من الرجال (3).
د - ويجوز للمرأة أن تظهر زينتها لمحارمها
- في غير الإحرام - لجواز نظر المحارم إليها ما عدا
العورة، إذا لم يكن بتلذذ (1).
ه‍ - ولا يجوز لها أن تظهر زينتها لغير محارمها
إلا ما ظهر منها، لقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا
ما ظهر منها) * (2).
واختلفوا في المراد من * (ما ظهر) * هل هو ما
ظهر من الزينة نفسها، أو من مواضع الزينة؟
واختلفوا أيضا في استثناء الوجه والكفين من
حرمة النظر إلى الأجنبية، فاستثناهما بعضهم ولم
يستثنهما بعض آخر (3).
فعلى القول بالاستثناء، يكون المراد من
* (ما ظهر) * هو مواضع الزينة، أو الزينة نفسها
الواقعة في هذه المواضع كالكحل والحناء والخاتم
ونحوها (4).
وعلى القول بعدم الاستثناء يكون المراد من
الزينة الظاهرة هو الزينة في غير الوجه والكفين،
- لوجوب سترهما - مثل الثوب ونحوه (5).
ويمكن أن يقال: إذا قلنا بوجود الملازمة بين
حرمة النظر على الأجنبي ووجوب الستر على
المرأة، فيجب عليها ستر زينتها الواقعة في الوجه
والكفين كما تقدم، وإذا قلنا بعدم وجود الملازمة،

(1) انظر: الجواهر 17: 108، والوسائل 14: 504، الباب
66 من أبواب المزار، الأحاديث 7 و 9 و 20.
(2) بداية الهداية ولب الوسائل 2: 226، وانظر الوسائل:
20: 246، الباب 141 من أبواب مقدمات النكاح،
وفيه حديث واحد.
(3) انظر المدارك 7: 347.
(1) انظر الجواهر 29: 72 - 73.
(2) النور: 31.
(3) انظر الأقوال في عنوان " استتار ".
(4) انظر: الحدائق 23: 53 - 55، والمستمسك 14:
26 - 28.
(5) انظر كنز العرفان 2: 222.
108

فيجوز لها إظهار الزينة ويحرم على الأجنبي النظر
إليها (1).
وتفصيل ذلك كله موكول إلى عنوان " زينة "
إن شاء الله تعالى، وقد تقدم ما يناسبه في عنوان
" استتار ".
12 - اظهار الحزن والجزع عند المصيبة:
يجوز إظهار الحزن على المصيبة، بالبكاء
والنوح بالكلام الصحيح، لا بالباطل.
ويستحب ذلك في مصائب النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته المكرمين (عليهم السلام) خاصة سبطه الإمام الحسين (عليه السلام)
الشهيد بكربلاء (2).
وأما الجزع، فإن كان بمثل اللطم والخدش
وجز الشعر، فقد صرح بتحريمه، وكذا لو كان
بإظهار القول الباطل وما يخالف الرضا بقضاء الله
تبارك وتعالى واستثني الجزع بمثل اللطم في مصيبة
الإمام الحسين (عليه السلام) (3).
انظر العناوين: جزع، حزن، مصيبة.
13 - إظهار الفرائض وكتمان النوافل:
المعروف إجمالا: أنه يستحب إظهار
الفرائض وكتمان النوافل، نعم يستحب إظهار النوافل
أيضا لبعض المرجحات، كما إذا كان ذلك سببا
لاقتداء الغير في إتيانها، أو كان الشخص متهما بعدم
إتيانها والتهاون بها، ونحو ذلك مما يرجح إظهارها.
وقد مر تفصيل ذلك في عنوان " إسرار ".
14 - إظهار ما ستر الله عليه:
رغبت الشريعة في الاستتار وعدم كشف
الإنسان عما ارتكبه من ذنوب ومعاص، بل نهت
عن أن يفضح الإنسان نفسه بإظهاره ما ستر الله
عليه، كما تقدم تفصيله في عنوان " استتار ".
15 - إظهار العلم:
هناك موارد يجب على العالم إظهار علمه فيها
لو لم يكن له مانع، مثل التقية ونحوها، منها:
أ - ظهور البدع:
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إذا
ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم
يفعل، فعليه لعنة الله " (1).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " إن العالم الكاتم
علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحا، تلعنه كل دابة

(1) تقدم في عنوان " استتار " بيان وقوع الخلط في كلمات
الفقهاء بين حكم الستر وحكم النظر، وأنه لا ملازمة
بينهما، فقد يقال بعدم وجوب الستر، ويقال بحرمة
النظر. انظر مستند العروة (النكاح) 1: 54 - 55.
(2) انظر الوسائل 14: 500، الباب 66 من أبواب المزار.
(3) انظر هذا الموضوع في: الذكرى 2: 47 - 61، والجواهر
4: 364 - 371، والوسائل 3: 241 - 284، الأبواب
70 - 89 من أبواب الدفن، وغيرها.
(1) الوسائل 16: 269، الباب 40 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث الأول.
109

من (1) دواب الأرض الصغار " (2).
راجع: بدعة.
ب - إصدار الفتوى والحكم والشهادة:
ومن موارد وجوب إظهار العلم: الإفتاء في
صورة الاستفتاء، والحكم عند القضاء بين المتخاصمين،
وإدلاء الشهادة إذا دعي لأدائها. كل ذلك مع توفر
شروط الأهلية وعدم المانع شرعا وعقلا.
راجع: شهادة، فتوى، قضاء.
16 - إظهار السلاح:
يختلف حكم إظهار السلاح باختلاف الموارد،
وقد تقدم الكلام عن بعضها في عنوان " إشهار " فراجع.
جملة مما يلزم أو يحسن فيه الإظهار:
كان ما تقدم جملة من الأحكام المتعلقة
بالإظهار إجمالا، وبقيت موارد كثيرة أخرى نحيلها
على مواطنها المناسبة، وإنما نشير إلى أهم عناوينها
فيما يلي:
1 - إظهار القوة للعدو (3).
2 - إظهار البائع العيب للمشتري (1).
3 - إظهار الكراهة في الوجه لدفع المنكر (2).
4 - إظهار أداء الحق المالي لذي الحق
بالإشهاد عليه (3).
5 - إظهار الحاكم الحجر على المحجور، لئلا
يتورط من لا يعلم بحجره بالمعاملة معه (4).
جملة مما يحرم فيه الإظهار:
1 - إظهار الصناعات المحرمة، كالقمار
والسحر ونحوهما، لأنه قد يقال بعدم حرمة مجرد
التعلم لغرض صحيح، كتعلم السحر لإبطاله (5).
2 - إظهار محاسن في المرأة غير موجودة
فيها، وهو التدليس (6).
3 - إظهار الجيد من الشئ وإخفاء الردئ،
وهو الغش (7). ومنه إظهار حسن في المتاع ليس فيه،
وهو التدليس أيضا (8).
4 - إظهار العورة (9).

(1) في المحاسن: " كل دابة حتى... "، انظر المحاسن
(للبرقي): 231.
(2) الوسائل 16: 270، الباب 40 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث 2، وانظر: الاقتصاد (للشيخ
الطوسي): 214، وعوائد الأيام: 319.
(3) انظر المهذب 1: 300، وهو أمر فطري، بل غريزي
تفعله حتى الحيوانات.
(1) انظر الجواهر 23: 245.
(2) انظر الجواهر 21: 375 - 377.
(3) انظر الجواهر 27: 426.
(4) انظر القواعد 2: 143.
(5) انظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 272.
(6) انظر المكاسب 1: 165.
(7) انظر المكاسب 1: 278.
(8) المصدر المتقدم: 280.
(9) انظر الجواهر 2: 2.
110

5 - إظهار عيوب المؤمنين (1).
6 - إظهار الحسد، بناء على أن المحرم هو
العمل بالحسد وإظهاره لا نفسه، كما هو مقتضى
حديث الرفع (2)، لأن نفس الحسد لا يعرى -
أو لا ينجو - منه أحد، كما روي (3).
مظان البحث:
مظان البحث عن الإظهار متفرقة جدا
كما ترى، ويمكن التوصل إليها من العناوين المذكورة
في المقال.
إعادة
لغة:
بمعنى الإرجاع والتكرير. يقال: أعاد
الشئ إلى مكانه، أي رده وأرجعه إليه، وأعاد
كلامه: كرره (4).
اصطلاحا:
استعملها الفقهاء بالمعنيين المتقدمين إلا أن
استعمالهم لكلمة " الرد " بدل " الإعادة " بمعنى
الإرجاع أكثر، فيقولون: رد الوديعة، ورد
المغصوب، و...
وأما الإعادة بمعنى التكرير، فقد استعملوها
في المؤقتات في تكرير خاص، وهو تكرير الفعل
أداء، أي تكريره داخل وقته الموظف شرعا.
ويقابله: تكرير الفعل قضاء، أي تكريره
خارج وقته الموظف شرعا (1).
هذا في المؤقتات، مثل الصلاة، أما في غيرها
فإعادتها تكريرها مطلقا، كإعادة غسل الثوب إذا
لم يغسل صحيحا.
الأحكام:
الحكم التكليفي للإعادة:
يختلف الحكم التكليفي للإعادة باختلاف
الموارد، فقد تكون واجبة، أو مستحبة، أو مكروهة،
أو محرمة، أو مباحة.
ومثال الواجبة: ما إذا أبطل المكلف عمله

(1) انظر المكاسب 1: 325 - 327.
(2) انظر أصول الكافي 2: 463، باب ما رفع عن الأمة،
وفيه: "... وضع عن أمتي تسع... والحسد ما لم يظهر
بلسان أو يد ".
(3) انظر: فرائد الأصول 2: 36 - 37، والبحار 55: 323،
كتاب السماء والعالم، باب النهي عن الطيرة...
الحديثين 12 و 13.
(4) انظر: معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، والمصباح المنير، والقاموس المحيط:
" عود ".
(1) انظر: القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 74 - 75،
وكتاب الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي) 2: 420،
رسالة " لا تعاد "، والقواعد والفوائد 2: 100،
القاعدة 181.
111

العبادي الواجب، بالإخلال به بترك جزئه أو
شرطه، أو بارتكاب بعض موانعه وقواطعه، كنية
قطع العمل حينه، أو الرياء في أثنائه، أو إتيان
المنافيات الاخر كالتكلم في الصلاة ونحو ذلك.
ومثال المستحبة: إعادة العمل العبادي
استحبابا، كإعادة الصلاة جماعة بعد أن صلاها
فرادى.
ومثال المكروهة: فهي الإعادة المؤدية إلى
الوسواس مثلا.
ومثال المحرمة: الإعادة المؤدية إلى محرم
شرعي، كالوسواسي الذي يعيد وضوءه وغسله إلى
أن يفوت وقت الصلاة، أو يؤدي فعله ذلك إلى
الخوف على نفسه من التلف مثلا (1).
ومثال المباحة: الإعادة في التوصليات،
كغسل الثوب والبدن والأواني إذا لم يستلزم
محذورا، كما إذا تمرض من ذلك أو استلزم الإسراف
في الماء وقوع الآخرين في حرج.
الإعادة في العبادات:
اختلف الفقهاء والأصوليون في جواز تكرار
العبادة لإحراز ما هو المأمور به واقعا، وتجسد بحثهم
هذا في الفقه عند البحث عن جواز الاحتياط في
العبادات مع استلزامه التكرار، وفي الأصول عند
البحث عن كفاية الامتثال الإجمالي عن الامتثال
التفصيلي، في أواخر بحث القطع، وحاصل ما
أفادوه هو:
أن الشيخ الأنصاري صرح في بداية الأمر:
أن مقتضى القاعدة جواز الامتثال الإجمالي مع
القدرة على الامتثال التفصيلي، كمن كان له خمسة
أثواب بعضها طاهر وبعضها نجس ولم يتميز الطاهر
من النجس، ولكن كان قادرا على تمييز الطاهر، أو
على تطهير جميعها. فلم يفعل ذلك، بل صلى في جميعها
- في كل ثوب صلاة - ليحرز أنه صلى في الطاهر (1).
ثم استظهر الاتفاق على عدم جوازه، لكن
استظهر من صاحب المدارك (2) التأمل في عدم
الجواز، بل ترجيح الجواز.
هذا كله في تقديم العلم الوجداني التفصيلي
على العلم الإجمالي، وأما تقديمه على العلم التفصيلي
التعبدي - كالأمارات والحجج - فقال بجوازه بل
ترجيحه، كمن يعلم أن أحد ثوبيه نجس، لكن كان
بالإمكان تحصيل الأمارة - كالبينة - على طهارة أحد
الثوبين، إلا أنه لم يفعل، بل صلى في الثوبين ليحرز
الصلاة في الثوب الطاهر (3).

(1) انظر: المستمسك 1: 449، والتنقيح (الطهارة)
2: 170 - 173، بل عد السيد اليزدي الاحتياط
مكروها أو محرما إذا أدى إلى الوسواس، انظر متن
العروة في المصدرين المتقدمين.
(1) انظر الحدائق 5: 404، لكن فيه نسبة ذلك إلى الأشهر.
(2) انظر المدارك 2: 356، ونسب الجواز إلى أكثر
الأصحاب.
(3) فرائد الأصول 1: 71 - 76، لكن يظهر من ذيل كلامه
الرجوع عما قاله خوفا من مخالفة القائل باعتبار
نية الوجه - أي الوجوب أو الندب - وهي غير ممكنة
في صورة التكرار.
112

أما المتأخرون عن الشيخ، فالأغلب جعلوا
العلمين - التفصيلي والإجمالي - من واد واحد،
واشتهر بينهم القول بالجواز، لكن خالفهم النائيني
فقال بعدمه، واستدل له:
بأن الامتثال التفصيلي مع إمكانه مقدم على
الامتثال الإجمالي، لأن الانبعاث والتحرك نحو
الفعل يكون في الامتثال التفصيلي عن الأمر نفسه،
وفي الامتثال الإجمالي عن احتمال الأمر، لأن
المكلف حينما يأتي بكل فرد لا يقطع بتعلق الأمر به،
بل يحتمله لا أكثر، ومن المعلوم أن الانبعاث عن
الأمر نفسه مقدم على الانبعاث عن احتمال الأمر (1).
واستدل لهذا القول أيضا:
بأن تكرار العبادة يمنع من قصد الوجه فيها (2).
وبأن تكرار العبادة لأجل الامتثال إجمالا مع
التمكن من عدم التكرار والامتثال تفصيلا، عبث
ولعب بأمر المولى (3).
وأجيب عن ذلك بما يلي:
أولا - أن إتيان الفعل في كل مرة يكون بداعي
الأمر نفسه، والاحتمال إنما يكون في داعوية الأمر.
وبعبارة أخرى: أن المكلف إنما ينبعث إلى الإتيان
بالواجب المردد بين الفعلين عن الأمر الجزمي
المتعلق به، غاية الأمر أنه لا يتمكن من تطبيق
الواجب على المأتي به، لا أنه ينبعث إليه عن
احتمال الأمر (1).
ثانيا - أن قصد الوجه - على فرض القول
بوجوبه - حاصل، لأن المكلف إنما يأتي بالواجب
المردد بين الفعلين لوجوبه بحيث لولا كونه واجبا لم
يأت بشئ من المحتملين، فقصد الوجه أمر ممكن في
صورة التكرار (2).
ثالثا - أن الاحتياط مع التكرار ليس من
اللغو والعبث عند تعلق الغرض العقلائي به، كما إذا
توقف العلم بالواجب والامتثال التفصيلي على
مؤونة زائدة، كالمشي إلى مكان بعيد للسؤال مثلا،
فيتركه ويأتي بالفعل مكررا، وعلى فرض كونه عبثا
في بعض الموارد فإنما هو في كيفية الإطاعة لا في
نفسها، لأن الواجب هو أحد الأمور المتكررة،
وقد حصل (3).
أسباب الإعادة:
وهي متعددة، فمنها ما يوجبها، ومنها
(1) انظر: المستمسك 1: 8 - 9، والتنقيح (الاجتهاد
والتقليد): 74.
(2) انظر المصدرين المتقدمين، وكفاية الأصول: 274،
ونهاية الأفكار 3: 50 - 53، ونهاية الدراية
3: 111 - 112، وغيرها.
(3) انظر المصادر المذكورة في الهامش المتقدم.

(1) انظر: فوائد الأصول 3: 73، وأجود التقريرات
2: 44 - 45.
(2) انظر فرائد الأصول 1: 75.
(3) انظر المصادر الآتية.
113

ما يوجب استحبابها.
أولا - أسباب وجوب الإعادة:
تجب الإعادة في الموارد التالية:
1 - وقوع خلل مفسد للفعل:
إذا وقع الفعل غير صحيح سواء كان عباديا
أو غير عبادي، فاللازم إعادته صحيحا، إذا كان
أصل الفعل لازما، أو كان في بقائه فاسدا محذور.
مثال الأول: ما إذا أوقع الصلاة الواجبة بغير
طهارة أو بطهارة فاسدة، فاللازم إعادتها،
لأن أصل الصلاة كانت واجبة.
ومثال الثاني: ما إذا أوقع عقد البيع أو النكاح
أو الطلاق فاسدا، فاللازم إعادة العقد صحيحا،
لأن في إبقائه فاسدا وترتيب آثار الصحيح عليه
مفاسد عظيمة، مثل أكل مال الغير بالباطل، ونكاح
امرأة غير محللة بنكاح صحيح، أو نكاح امرأة ذات
بعل، لو كانت بعد في نكاح الأول بسبب بطلان
الطلاق، ونحو ذلك من المحاذير الشرعية.
2 - موارد العلم الإجمالي:
لو كان للمكلف علم إجمالي بوجوب صلاة
الظهر، لكن لا يعلم أنها واجبة عليه تماما أو قصرا،
فيجب عليه أن يصليها تماما ثم يعيدها قصرا ليحرز
الامتثال.
وكذا لو فاتته إحدى الصلوات الخمس
اليومية ولم يعلمها بعينها فيعيدها على النحو المذكور
في محله ليحرز أنه صلاها جميعا.
3 - زوال العذر:
تجب إعادة الفعل - بمعنى استينافه - أحيانا بعد
زوال المانع والعذر، كمن دخل في الصلاة متيمما
لعدم الماء، ثم وجد الماء قبل الركوع في الركعة
الأولى، على قول (1).
ولهذه المسألة فروع كثيرة، تجب الإعادة في
بعضها، وتستحب في بعضها الآخر (2).
ثانيا - أسباب استحباب الإعادة:
تستحب الإعادة فيما إذا لم يكن سبب الإعادة
واصلا إلى حد الإلزام، بل كان فيه نوع من
الرجحان فحسب، مثل ما ذكروه من استحباب
إعادة المصلي تيمما لصلاته في عدة موارد (3)،
واستحباب إعادة المصلي صلاته فرادى جماعة (4)،
ونحو ذلك.
بماذا يسقط الواجب في المعادة استحبابا؟
لو أعيد العمل لخلل فيه موجب لفساده،
فالمعاد هو الذي يسقط به الواجب، لأن الفعل الأول
لم يحصل به الامتثال فلم يسقط به الواجب، كالصلاة
المعادة لخلل فيها، فإن الواجب يسقط.
وأما لو أعيد استحبابا، كإعادة الصلاة المأتي

(1) انظر المستمسك 4: 463.
(2) انظر المصدر المتقدم وغيره في هذا الموضوع.
(3) انظر المستمسك 4: 452.
(4) انظر المستمسك 7: 374.
114

بها فرادى جماعة، فقد اختلفوا فيه من جهتين:
الأولى - من جهة النية، أي هل ينوى فيها
الندب أو الوجوب؟
الثانية - من جهة سقوط الواجب، أي هل
يسقط بالأولى أو الثانية؟
أما في المسألة الأولى، فبناء على عدم لزوم
نية الوجه - أي الوجوب والاستحباب - وكفاية
القربة المطلقة، فلم تكن هناك مشكلة، وأما بناء على
اعتبارها، فقد استظهر صاحب الجواهر من فتاوى
الفقهاء وبعض النصوص أنه ينوى فيها نية الندب.
ثم نقل عن الشهيدين (1) جواز إيقاعها على
وجه الوجوب أيضا، بل الظاهر من السيد الحكيم
تعين نية الوجوب (2).
وأما بالنسبة إلى المسألة الثانية، فقد نقل عن
الشهيد الأول: أن ثمرة النزاع في المسألة الأولى تظهر
فيما إذا تبين فساد الأولى، فعلى فرض الإتيان
بالثانية بنية الندب لا يجتزأ بها، وعلى فرض الإتيان
بها بنية الوجوب يجتزأ بها.
لكن الظاهر من القائلين بإتيان الثانية بنية
الندب هو جواز الاجتزاء بها لو تبين خلل في
الأولى، لظاهر النصوص (3).
قاعدة
" لا تعاد الصلاة إلا من خمس "
معنى القاعدة إجمالا:
إذا تعلق الأمر بفعل مركب من أجزاء
وشرائط، فأتى به المكلف ناقصا، أي غير تام
الأجزاء والشرائط، فالقاعدة الأولية تقتضي
فساده، ومن ثم إعادته - داخل الوقت أو خارجه
إن كان مؤقتا - وإن كان منشأ عدم الإتيان بالجزء أو
الشرط هو تبدل الاجتهاد أو التقليد، بناء على عدم
إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي عند تبين
الخلاف، كما إذا اعتقد اجتهادا أو تقليدا بعدم
وجوب السورة ثم اعتقد وجوبها، لتبدل رأيه أو
رأي مقلده.
وقد تقدم تفصيل ذلك وبيان الأقوال فيه
تحت عنوان " إجزاء " في الملحق الأصولي.
لكن استثنى الفقهاء من ذلك ما إذا ورد
الدليل على عدم وجوب الإعادة، ومن ذلك ورود
الدليل على عدم الإعادة في الصلاة لو تبين الإخلال
بشئ منها، إلا إذا كان الإخلال بأحد أمور خمسة،
وهي: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع،
والسجود، حيث تبطل الصلاة بالإخلال بها ولو
نسيانا، فلذلك تجب الإعادة.

(1) انظر: الذكرى 4: 383، والمسالك 1: 311.
(2) المستمسك 7: 376.
(3) انظر: الجواهر 13: 259 - 263، والمدارك 4: 343،
ومستند العروة (الصلاة - القسم الثاني) 5: 482،
وغيرها في هذا الموضوع.
115

مستند القاعدة:
ومستند القاعدة صحيحة زرارة عن أبي
جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام): لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة،
والركوع، والسجود " (1).
والرواية صحيحة كما صرح الفقهاء، ولذلك
لم يتكلموا في سندها.
وهي تدل على المدعى إجمالا بوضوح، نعم
هناك مجالات للبحث فيها، نشير إليها إجمالا فيما يلي:
ما هو الإخلال المشمول للقاعدة؟
الإخلال بالأجزاء والشرائط تارة يكون عن
سهو، وأخرى عن عمد، والأخير تارة يكون عن
علم وأخرى عن جهل، والأخير تارة يكون عن
تقصير وأخرى عن قصور، والجهل أيضا تارة
يكون مسبوقا بالعلم - وهو النسيان - وأخرى
غير مسبوق.
إذن للإخلال عدة صور، والصور التي
يشملها الحديث هي:
1 - إذا كان الإخلال عن سهو:
كما إذا كان عالما بوجوب السورة، لكن سها
عنها، أي نسيها فتركها، وهو المعبر عنه ب‍ " نسيان
الموضوع ".
وهذه الصورة هي القدر المتيقن مما يشمله
الحديث، فتكون صلاة مثل هذا الشخص صحيحة،
استنادا إلى القاعدة.
2 - إذا كان الإخلال عن عمد وعلم:
كما إذا كان عالما بوجوب السورة، ولكن
تركها عمدا.
وهذه الصورة هي القدر المتيقن من موارد
عدم شمول الحديث، فلذلك تكون صلاة مثل هذا
الشخص باطلة.
ووجه عدم الشمول هو: أن شمولها لمثل
هذا المورد يستلزم شمول الحديث لسائر الموارد،
وذلك يعني إبطال أدلة الأجزاء والشرائط،
واعتبارها كالعدم.
3 - إذا كان الإخلال عمدا وجهلا، لكن عن
تقصير:
كما إذا ترك السورة عمدا، لا سهوا ونسيانا،
ولكن جهلا منه بوجوبها، وكان جهله عن تقصير،
أي كان مقصرا في جهله، وترك التعلم باختياره ومع
القدرة عليه.
والمعروف إلحاق هذه الصورة بالصورة
المتقدمة، لأن الجاهل المقصر ملحق بالعامد.
4 - إذا كان الإخلال عمدا وجهلا، لكن عن
قصور:
ومثاله كالسابق، لكن مع فرض كون جهله

(1) الوسائل 4: 312، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث
الأول.
116

عن قصور.
وهذه الصورة هي التي حدث الخلاف فيها،
ولهم فيها قولان:
القول الأول - عدم شمول الحديث لهذه
الصورة:
نسب ذلك إلى المشهور (1)، وأصر عليه
النائيني كما قيل (2)، واستدلوا عليه بأدلة، نشير إلى
بعضها:
1 - إن تعميم حديث " لا تعاد " لمورد الجهل
بالحكم قصورا يستلزم محذورين:
أ - محذور اختصاص أدلة الأجزاء والشرائط
بالعالمين بها، فتختص جزئية السورة مثلا بحق من
علم بوجوبها، وهذا مخالف للإجماع القائم على
اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين بها (3)،
مضافا إلى لزوم محذور الدور من ذلك (4).
ب - محذور تخصيص الأكثر، لأننا لو
خصصنا أدلة الأجزاء والشرائط بالعالمين بها ومن
بحكمهم كالجاهل المقصر، وقلنا بعدم وجوب
الإعادة مع تركها في حق الجاهل القاصر والناسي
(الساهي) ونحوهم، لشمول حديث " لا تعاد " لهم،
لزم خروج أكثر الأفراد من عموم أدلة الأجزاء
والشرائط، وهو مستهجن، لكونه تخصيصا للأكثر،
بخلاف ما لو قلنا: إن الخارج هو الساهي ومن في
حكمه فقط (1).
2 - إن نفي الإعادة إنما يصح فيما إذا كان الأمر
بالإعادة ممكنا، كما إذا كان المكلف ساهيا فترك
السورة، فيقال له حينئذ: أعد صلاتك أو لا تعد
صلاتك، لعدم بقاء الأمر الأول، لسهوه، والساهي
لا يتوجه إليه الخطاب، فيصح حينئذ شمول حديث
" لا تعاد " لمثل هذا المورد.
وأما إذا لم يكن ممكنا، كما إذا ترك المكلف
الجزء عمدا - سواء كان عن علم أو عن جهل،
قصورا أو تقصيرا - فلا يصح خطابه ب‍ " أعد "، لأنه
مخاطب بالأمر الأول بعد، وهو باق لعدم امتثاله،
وإذا لم يمكن توجه الخطاب بالإعادة إليه لم يمكن
توجه الخطاب بنفي الإعادة أيضا، فلا يشمله
حديث " لا تعاد " (2).
القول الثاني - شمول الحديث لهذه الصورة:
نسب ذلك إلى الشيخ الأنصاري حيث نقله عنه
بعض مقرري درسه.
وممن ذهب إلى هذا الرأي أيضا السادة:

(1) انظر: القواعد الفقهية 1: 64، وكتاب الصلاة (للشيخ
محمد تقي الآملي) 2: 406، رسالة " لا تعاد ".
(2) انظر مستند العروة (الصلاة) 6: 19.
(3) انظر: القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 67 - 69.
(4) لأن الأمر بالسورة مثلا يتوقف على العلم بالأمر بها
حينئذ، وهو يتوقف على الأمر بها. انظر المستمسك
7: 381.
(1) انظر: كتاب الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي)
2: 406، رسالة " لا تعاد ".
(2) انظر: القواعد الفقهية 1: 65، وكتاب الصلاة (للشيخ
محمد تقي الآملي) 2: 409، رسالة " لا تعاد ".
117

اليزدي والحكيم والخوئي والخميني.
واختلفت كيفية توجيه شمول الحديث لهذه
الصورة، وفيما يلي ننقل خلاصة التوجيهات:
أ - ما نقل عن الشيخ الأنصاري، وحاصله:
أن مفاد حديث " لا تعاد " هو بيان أن من توجه إليه
الأمر بالصلاة واقعا ولم يتمكن من إتيان بعض
أجزائها أو شرائطها سهوا أو جهلا، فسوف يكون
الناقص مجزيا عن الكامل في حقه. وهذا المعنى
متصور بالنسبة إلى الجاهل القاصر، لعدم عصيانه
وبقاء الأمر في حقه.
أما المقصر فلتقصيره وعصيانه يكون
مستحقا للعقاب، فيسقط الأمر المتوجه إليه بسبب
عصيانه، فلم يبق أمر حتى يكشف حديث
" لا تعاد " عن إجزاء الناقص عن الكامل فيه (1).
ب - وأما السيد اليزدي فلم يذكر توجيها،
بل قال بالنسبة إلى الجاهل: " الأقوى: إجراء حكم
السهو عليه " (2).
ومراده من الجاهل خصوص القاصر، إذ
لا يعقل إرادته المقصر منه أيضا (3).
ج - وأما السيد الحكيم، فكلامه قريب من
كلام الشيخ وحاصله: أن مقتضى الجمع بين أدلة
الجزئية والشرطية - في أجزاء وشرائط الصلاة -
وبين حديث " لا تعاد " هو: الالتزام بأن للصلاة
مرتبتين:
إحداهما: كاملة متقومة بالشئ المعين،
كالسورة مثلا.
والأخرى: ناقصة، غير متقومة بها.
فإذا فات الشئ المعين فاتت المرتبة الكاملة
من الصلاة، وفاتت مصلحتها أيضا، وبقيت الناقصة
وحصلت مصلحتها على نحو لا يمكن تدارك نقصها (1).
د - وأما السيد الخوئي، فقد حاول - بعد
مناقشة أدلة النافين للشمول - إثبات الشمول عن
طريق إثبات إطلاق لسان الدليل بحيث يشمل
صورة الجهل عن قصور، فقال:
" لا مانع من الشمول للجاهل القاصر، لعدم
قصور في الإطلاق بالإضافة إليه، فمن أتى بالوظيفة
وهو يرى أنه أتى بها على ما هي عليه، ثم انكشف
له النقص، لا تجب عليه الإعادة " (2).
ه‍ - وأما السيد الخميني فقد حاول إثبات
شمول الحديث للجاهل القاصر عن طريق أن
الخارج عن الحديث - بدليل الانصراف - هو صورة
ترك الجزء أو الشرط عن عمد، والعمد - كما هو
المستفاد من موارد استعمالاته في الكتاب والسنة -
هو: إتيان شئ عن قصد، ناشئ عن العلم بعنوان
الفعل، فلذلك لا يصدق عنوان " العامد " على من

(1) انظر المصدرين المتقدمين على الترتيب: 69 - 70
و 410.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في الخلل الواقع في
الصلاة، المسألة 3.
(3) انظر مستند العروة (الصلاة) 6: 19.
(1) المستمسك 7: 385.
(2) مستند العروة (الصلاة) 6: 28.
118

ترك الجزء أو الشرط عن جهل بالحكم والموضوع أو
عن جهل بأحدهما، بل لا يصدق حتى في الموارد
التي يتركها المكلف بترخيص شرعي، كصورة
الاضطرار (1).
ثمرة الاختلاف بين القولين:
تظهر ثمرة الاختلاف بين القولين في صورة
ترك جزء أو شرط من الصلاة جهلا لكن عن قصور
لا عن تقصير، فعلى القول الأول تجب الإعادة،
وعلى القول الثاني لا تجب، وهذا واضح.
ومن مصاديق الجهل عن قصور، ما لو قامت
الأمارة - أي الدليل الظني المقبول شرعا - على عدم
وجوب السورة مثلا، ثم تبين خطأ الأمارة وأنها
واجبة، فإن قلنا - في مبحث الإجزاء - بإجزاء الأمر
الظاهري عن الواقعي عند انكشاف الخلاف، فلا
كلام ولا تجب الإعادة. وإن قلنا بعدم الإجزاء
هناك، فإن قلنا هنا بشمول الحديث للجاهل
القاصر، فلا تجب الإعادة أيضا، وإن قلنا بعدم
شموله له، فتجب الإعادة.
وكذا لو قلد شخصا يقول بعدم وجوب
السورة فتركها، ثم قلد شخصا آخر يقول بوجوبها،
أو تبدل رأي المجتهد نفسه فقال بوجوبها.
وبهذه المناسبة تعرض الأصوليون للقاعدة
إجمالا في بحث الإجزاء من الأصول.
هل يشمل الحديث صورة الاضطرار ونحوه؟
لو اضطر المكلف إلى ترك جزء أو شرط غير
الخمسة المذكورة في الحديث، فهل تجب عليه
الإعادة بعد رفع الاضطرار؟ قيل: فيه وجهان (1).
ولعل المعروف هو عدم الإعادة، لأن
الاضطرار دليل مستقل لرفع الجزئية والشرطية
والمانعية في موارده.
هل يشمل الحديث الزيادة كما يشمل النقيصة؟
لا إشكال في شمول الحديث لصورة نقيصة
الأجزاء والشرائط، ولكن هل يشمل صورة
زيادتها أيضا أو لا؟ فيه وجهان، بل قولان:
ولعل المعروف هو الشمول (2)، واختار
بعضهم عدمه كالنراقي في عوائد الأيام (3).
هل يشمل الحديث الموانع كما يشمل الأجزاء
والشرائط؟
الأجزاء هي التي يتكون المركب من

(1) كتاب الخلل في الصلاة: 16 - 19.
(1) انظر: كتاب الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي)
2: 414، رسالة " لا تعاد "، والقواعد الفقهية
(للبجنوردي) 1: 65 و 71.
(2) انظر: المستمسك 6: 54، ومستند العروة (الصلاة)
6: 51 - 52، والقواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 71،
وكتاب الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي) 2: 416،
رسالة " لا تعاد ".
(3) عوائد الأيام: 347.
119

مجموعها، كالتكبير والسورة والركوع...
والشرائط هي التي يتقيد المركب بوجودها،
كالطهارة، و...
والموانع هي التي يتقيد المركب بعدمها، مثل
لبس الذهب والحرير للرجال و...
أما شمول الحديث للأجزاء فواضح، لأن
المركب يتكون منها.
وأما شموله للشرائط، فلاشتمال عقد المستثنى
في الحديث لها، وهي: الطهور، والوقت، والقبلة.
وأما شموله للموانع فقد اختلف فيه، فقال
بعضهم بشموله لها (1)، وقال بعض آخر بعدم
الشمول (2).
فمن صلى بالحرير ساهيا يعيد على القول
الثاني، ولا يعيد على القول الأول.
شمول الإعادة للقضاء:
إن الإعادة في الحديث سواء كانت بمعناها
اللغوي، وهو تكرير الشئ، أو بمعناها
الاصطلاحي، وهو تكرار الفعل في الوقت، شاملة
للقضاء أيضا، أما على الأول، فلصدق الإعادة على
القضاء أيضا. وأما على الثاني، فللأولوية،
لأن الإعادة في الوقت إذا لم تجب، لم تجب الإعادة
خارج الوقت بطريق أولى (1).
ملاحظة (1):
الأمور المذكورة في الصحيحة وهي: الطهارة،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود، ثلاثة منها
خارجة عن ماهية الصلاة، فهي شروط لها، واثنان
منها داخلان فيها، فهي أجزاء لها، أما الخارجة
فهي: الطهور، والوقت، والقبلة. وأما الداخلة،
فهي: الركوع والسجود.
ملاحظة (2):
الكلام عن المستثنيات سوف يأتي في محله
المناسب إن شاء الله تعالى، وقد تقدم الكلام عن
القبلة في عنوان " استقبال "، وسوف يأتي تحت
عنوان " قبلة " أيضا.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - عند البحث عن جواز الاحتياط مع
لزومه التكرار في البحث عن الاجتهاد
والتقليد.
2 - أحكام الخلل في الصلاة، والبحث عن كل
.

(1) انظر: المستمسك 6: 533، ومستند العروة الوثقى
(الصلاة) 4: 452 - 453، والقواعد الفقهية
(للبجنوردي) 1: 72.
(2) انظر: كتاب الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي)
2: 419، رسالة " لا تعاد ".
(1) انظر: القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 74، وكتاب
الصلاة (للشيخ محمد تقي الآملي) 2: 420، رسالة
" لا تعاد "
120

عنوان من عناوين المستثنى في حديث
" لا تعاد ".
3 - أحكام الجماعة، عند الكلام عن إعادة ما
صلاه جماعة فرادى.
وموارد متفرقة أخرى.
ثانيا - الأصول:
1 - البحث عن إجزاء الأمر الظاهري عن
الأمر الواقعي في مبحث الإجزاء.
2 - البحث عن جواز الامتثال الإجمالي وإن
استلزم التكرار، مع القدرة على الامتثال
التفصيلي، في أواخر مبحث القطع،
وتعرض له بعضهم عند البحث عن حسن
الاحتياط في آخر البراءة.
إعاذة
راجع: استعاذة.
إعارة
لغة:
مصدر أعار الشئ، إذا أعطاه على سبيل
العارية (1).
اصطلاحا:
عقد ثمرته التبرع بالمنفعة (1).
الأحكام:
لا إشكال في مشروعية الإعارة، ويدل
عليها: الكتاب والسنة والسيرة (2).
أما الكتاب، فقوله تعالى: * (فويل للمصلين *
الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون *
ويمنعون الماعون) * (3).
والماعون اسم جامع لمنافع البيت: كالقدر،
والدلو، والملح، والماء، والسراج، والخمرة، ونحو
ذلك مما جرت العادة بعاريته (4).
أما السنة، فلما ورد: أنه " بعث رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى صفوان بن أمية، فاستعار منه سبعين
درعا بأطراقها، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال
النبي (صلى الله عليه وآله): بل عارية مضمونة " (5).
وأما السيرة، فلاستمرارها على ذلك إلى
زمن الرسول (صلى الله عليه وآله).
والإعارة مندوبة (6) بعنوانها الأولي، نعم ربما

(1) لسان العرب: " عور ".
(1) شرائع الإسلام 2: 171.
(2) انظر الحدائق 21: 476.
(3) الماعون: 4 - 7.
(4) انظر مجمع البحرين: " معن "، وفيه أقوال اخر.
(5) انظر الوسائل 19: 92، الباب الأول من كتاب
العارية، الحديث 4.
(6) انظر الحدائق 21: 478.
121

تكون محرمة أو واجبة أو مكروهة لعناوين طارئة،
كالإعانة على الإثم، أو إنقاذ نفس محترمة، ونحو ذلك.
وسوف يأتي تفصيل ذلك كله من حيث المعنى
اللغوي والاصطلاحي والأحكام في عنوان
" عارية " إن شاء الله تعالى.
إعالة
لغة:
تأتي على معان:
1 - الجور والميل، يقال: أعال في الحكم، أي
جار ولم يعدل.
2 - كثرة العيال، يقال: أعال، إذا كثر عياله.
3 - الإنفاق على العيال والقيام بما يحتاجون
إليه من طعام وكساء ونحو ذلك.
4 - قصور التركة عن سهام الورثة، وهو
المعبر عنه ب‍ " العول " (1).
اصطلاحا:
استعملها الفقهاء في المعاني المتقدمة نفسها.
الأحكام:
سوف يأتي الكلام عن حكم الإعالة بمعانيها
المتقدمة في مواضعه المناسبة إن شاء الله تعالى.
فيأتي ما يناسب الأول في العناوين: " حكم "
و " عدل " و " جور " و " ظلم "، والثاني في عنوان
" عيال "، والثالث في العنوانين: " إنفاق " و " نفقة "،
والرابع في " عول "، وقد تقدم إجمالا في " إرث "
أيضا.
إعانة
لغة:
بمعنى المساعدة، يقال: أعانه على الشئ
إعانة، أي ساعده مساعدة (1).
اصطلاحا:
استعملها الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
يختلف حكم الإعانة باختلاف الموارد، فقد
تكون واجبة، وقد تكون مندوبة، أو مكروهة،
أو محرمة، أو مباحة.
الإعانة الواجبة:
تجب الإعانة إذا توقف عليها إنقاذ نفس
محترمة، أو حيوان محترم، أو مال محترم.

(1) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ومجمع
البحرين: " عول ".
(1) المعجم الوسيط: " عون ".
122

بل يجب قطع الصلاة للإعانة إذا توقف عليها
ذلك. قال الشهيد الأول في الذكرى: " يحرم قطع
الصلاة الواجبة اختيارا... ويجوز للضرورة، كرد
الآبق، وقتل الحية التي يخافها على نفسه... " إلى أن
قال: " قد يجب القطع، كما في حفظ الصبي والمال
المحترم عن التلف، وإنقاذ الغريق والمحترق، حيث
يتعين عليه... " (1).
وقد تقدم في العناوين: " استعانة " و " استغاثة "
و " اضطرار " ما يرتبط بالموضوع، وتكلمنا في العنوان
الأخير عن وجوب إجابة المضطر وحرمة ترك إجابته.
الإعانة المندوبة:
دائرة الإعانة المندوبة وسيعة جدا، وقد ورد
الحث عليها في الكتاب والسنة.
أما الكتاب، فمثل قوله تعالى: * (وتعاونوا على
البر والتقوى) * (2).
وأما السنة، فمثل ما ورد في فضل قضاء حاجة
المؤمن، والسعي فيها، وتفريج كربته، ونصيحته،
وإطعامه، وحرمة حجبه وعدم إعانته ومنعه شيئا
يريده منه وهو عنده وقادر عليه، و... (3).
فعن معمر بن خلاد، قال: " سمعت أبا
الحسن (عليه السلام) يقول: إن لله عبادا في الأرض يسعون في
حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل
على مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " من أغاث أخاه
المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته
وأعانه على نجاح حاجته، كتب الله عز وجل له
بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله، يعجل له منها
واحدة، يصلح بها أمر معيشته، ويدخر له إحدى
وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله " (2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " من بخل بمعونة
أخيه المسلم والقيام له في حاجته ابتلي بمعونة من
يأثم عليه ولا يؤجر " (3).
والروايات في ذلك كثيرة ذكرنا جملة منها في
عنوان " استغاثة " عند الكلام عن حكم إغاثة
المستغيث.
الإعانة المكروهة:
تكره الإعانة إذا كانت الغاية - أي المعان
عليه - مكروها وكان المعين قاصدا تحققه، كما إذا

(1) الذكرى 4: 5 - 6، وانظر: الجواهر 11: 122،
والمستمسك 6: 612، ومستند العروة (الصلاة)
4: 552 - 557.
(2) المائدة: 2.
(3) انظر أصول الكافي 2: 196، 199، 200، 204،
205، 207، 208، 364، 365، 367، و...
(1) أصول الكافي 2: 197، باب السعي في حاجة المؤمن،
الحديث 2.
(2) أصول الكافي 2: 199، باب تفريج كرب المؤمن،
الحديث الأول.
(3) أصول الكافي 2: 365 - 366، باب من استعان به
أخوه المؤمن فلم يعنه، الحديث الأول.
123

أعان المسرف في إسرافه إذا لم يصل إسرافه إلى حد
التحريم.
الإعانة المحرمة:
تحرم الإعانة إجمالا إذا كان المعان عليه
محرما، وسيأتي الكلام - عن قريب - في القاعدة
المعروفة: " حرمة الإعانة على الإثم " إن شاء الله
تعالى.
الإعانة المباحة:
وهي سوى ما تقدم من الإعانات.
ما يترتب على الإعانة:
يترتب على الإعانة الثواب والعقاب،
والضمان، والأجر:
أولا - الثواب والعقاب:
لا إشكال في ترتب الثواب على الإعانة على
البر، سواء كانت الإعانة واجبة أو مندوبة، كما هو
شأن الواجبات والمندوبات، مع مراعاة أسباب
الثواب كالقربة والإخلاص ونحوهما.
وأما العقاب الأخروي، فلا إشكال في ترتبه
على الإعانة المحرمة، لأن العقوبة تدور مدار مخالفة
التكليف - أي فعل الحرام وترك الواجب - ما لم
يتحقق المزيل لها كالتوبة والشفاعة ونحوهما.
وأما العقاب الدنيوي، ففيه تفصيل، لأن
بعض الإعانات قد نص على عقوبتها، مثل من أعان
على قتل شخص، كما إذا أمسكه وقتله آخر، فيقتص
من القاتل ويحبس الممسك حبسا مؤبدا، عقوبة على
فعله (1).
وكذا لو أمسك صيدا فقتله المحرم، فعلى
الممسك فداء (2) - إضافة إلى القاتل - لأنه معين.
والكفارات عقوبات.
وهناك إعانات محرمة لم ينص على عقوبة
خاصة لها، وإنما تدخل تحت القاعدة القائلة: " إن
كل من فعل محرما أو ترك واجبا وكان من الكبائر،
فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد، وتقديره إلى
الإمام " (3).
وأما الإعانات المحرمة التي لم تكن من
الكبائر، فلا تدخل تحت هذه القاعدة، ولذلك لم
يلحظ فيها عقوبة دنيوية خاصة.
ثانيا - الضمان:
إذا أدت الإعانة إلى الإتلاف فهل يترتب
عليها الضمان؟
يختلف الحكم باختلاف الموارد، لأن الإعانة
على أنحاء:
1 - إذا استلزمت الإعانة إتلاف مال المعين،
فإن كان المباشر للإتلاف الشخص المعان، فالضمان
عليه، كما لو كان المعان مضطرا إلى الطعام فقدم

(1) انظر الجواهر 42: 46.
(2) انظر الجواهر 20: 278.
(3) انظر الجواهر 41: 448.
124

المعين طعامه إليه فأكله، فالضمان على المعان، نعم
هناك قول بعدم الضمان في المثال (1).
وإن كان المباشر للإتلاف الشخص المعين،
فلا ضمان على أحد، كما لو توقف إنقاذ شخص من
الغرق أو الحرق على هدم حائط المعين، أو إتلاف
زرعه أو إلقاء متاعه في البحر مثلا (2).
2 - إذا استلزمت إتلاف مال المعان، وهنا
أيضا تارة يكون المباشر للإتلاف هو المعان وتارة
المعين.
فإن كان هو المعان، فلا ضمان على المعين، كما
لو كان للمضطر طعام لم يعلم به وكان المعين عالما به،
فأطعمه منه، فهنا لما كان المباشر للإتلاف هو
المعان وهو المالك حسب الفرض، فلا ضمان على
المعين.
وأما لو كان المباشر للإتلاف هو المعين، كما لو
توقف إنقاذ شخص من الغرق أو الحرق على هدم
حائط الشخص المنقذ أو إتلاف زرعه، فهل يكون
الضمان على المباشر، وهو المعين؟
الظاهر من الشهيد في المسالك هو عدم
الضمان، لأنه قال - ضمن بيان شرطي الضمان في
مسألة ما لو كان شخص مع متاعه في سفينة مشرفة
على الغرق، فقال له شخص من خارجها: " ألق
متاعك لتسلم السفينة وعلي ضمانها " -:
" الثاني - أن لا يختص فائدة الإلقاء بصاحب
المتاع، فلو اختص به بطل، ولم يحل له أخذه، لأنه
فعل ما هو واجب عليه لمصلحة نفسه، فلا يستحق
عوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك وأنا ضامن،
فأكل منه، فإنه لا يرجع على الملتمس، ويحتمل هنا
الضمان... " (1).
ونقل في الجواهر هذا الشرط عن آخرين
أيضا (2).
ولكن الذي يظهر من صاحب الجواهر نفسه
هو القول بالضمان حيث قال: " لو ألقى متاع غيره
لخوفه عليه أو على نفسه أو غيرهما، ضمن إذا لم
يأذن له المالك، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض
له، لقاعدة من أتلف وغيرها... " (3).
إلا أن يفرق بين المثالين: بأن مورد كلام
الشهيد هو أمر شخص بإلقاء المالك متاعه، ومورد
ما قاله صاحب الجواهر هو مباشرة شخص لإلقاء
متاع شخص آخر.
والمسألة مشكلة ودقيقة وغير منقحة، لعلنا
نستوفيها وأمثالها في عنوان " ضمان " إن شاء الله
تعالى.
3 - إذا استلزمت إتلاف مال الغير، ولها عدة
حالات:
أ - فإذا كان ذلك في الإعانة على الحرام،

(1) هذا إذا لم يظهر منه دفعه بنية الإباحة والمجانية، وإلا
فلا ضمان على المباشر انظر الجواهر 36: 434 - 437.
(2) انظر الجواهر 43: 152.
(1) المسالك 15: 385.
(2) انظر الجواهر 43: 151.
(3) الجواهر 43: 152.
125

فيختلف باختلاف كيفية الإعانة، لأنها تارة تكون
من المعدات البعيدة، وأخرى من القريبة، فإن كانت
من المعدات البعيدة، فلا ضمان على المعين، بل عليه
الإثم فقط، كمن قدم حجرا إلى شخص فرمى به
طائرا مملوكا فأتلفه، فإن الضمان هنا على المباشر
للإتلاف وهو الرامي (1).
وأما لو كانت من المعدات القريبة بحيث
يستند الفعل إلى المعين والمعان، فالضمان عليهما، كما
إذا تعاون اثنان فأججا نارا - بحيث استند ذلك
إليهما - فسرت إلى مال شخص آخر فأتلفته،
فالضمان عليهما (2).
ب - وإن كان في الإعانة على البر، كمن أتلف
مال شخص لإنقاذ شخص آخر من الحرق أو الغرق
- كما إذا توقف ذلك على هدم حائط أو كسر باب أو
إتلاف زرع ونحو ذلك - ففيه حالات:
لأن المالك إما أن يأذن بإتلاف ماله، أو
يرضى به بعد إتلافه، أو لا:
فإذا أذن أو رضي فلا إشكال في عدم الضمان.
وإن لم يأذن ولم يرض فلا يرتفع الضمان،
لأن جواز إتلاف مال الآخر إنما استند إلى وقوع
التزاحم بين حرمة التصرف في مال الغير ووجوب
إنقاذ النفس المحترمة، وترجيح الثاني لأهميته، وبه
ترفع اليد عن حرمة التصرف في مال الغير، أما
الضمان فلم يرتفع بذلك (1).
ولكن هل تجب الإعانة مطلقا حتى في صورة
تضرر المعين بضمان ما يتلفه أو لا؟ وهل يرجع
المعين فيما ضمنه على المعان أو لا؟
كل ذلك بحاجة إلى التأمل، لقلة التعرض
لأمثال هذه الفروع. وسوف نحاول تكميل ذلك في
موطنه الأصلي وهو عنوان " ضمان " إن شاء الله
تعالى.
4 - أن يستلزم ترك الإعانة الإتلاف، كما إذا
كان عنده طعام فطلبه المضطر فلم يدفعه إليه فمات
جوعا، أو كمن كان في حالة الغرق أو الحرق فترك
إعانته وهو قادر عليها، حتى مات.
صرح بعض الفقهاء - كصاحب الجواهر (2) -
بعدم الضمان في هذه الصورة، لأن ترك الإعانة
يترتب عليه الحكم التكليفي وهو الحرمة،
ولا يترتب عليه الحكم الوضعي وهو الضمان.
وبعبارة أخرى: أن الموت لم يستند إلى ترك
الإعانة كي يترتب عليه الضمان.
لكن يظهر من بعض آخر القول بالضمان في

(1) هذا من الواضحات، لتقديم المباشر على السبب ما لم
يكن السبب أقوى، انظر الجواهر 37: 54،
و 42: 145.
(2) للمسألة عدة صور، والقدر المتيقن منها ما إذا علما
أو غلب على ظنهما التعدي، أو أججا نارا أكثر من
حاجتهما إليها، أو كانت الريح عاصفة. انظر الجواهر
37: 59 - 62.
(1) انظر الجواهر 43: 152.
(2) انظر الجواهر 43: 152 - 153.
126

بعض الصور. قال العلامة: " ولو اضطر إلى طعام
وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إياه مع غناه في تلك
الحال، فمات، ضمن المطلوب منه، لأنه باضطراره
إليه صار أحق من المالك، وله أخذه قهرا، فمنعه إياه
سبب إلى إهلاكه بمنعه ما يستحقه، ولو لم يطلبه منه لم
يضمنه، وكذا كل من رأى إنسانا في مهلكة فلم ينجه
منها مع قدرته على ذلك، لم يلزمه ضمانه " (1).
ثالثا - الأجر على الإعانة:
الإعانة ما لم تصل إلى حد الوجوب فهي من
التبرعات، لا يستحق عليها الأجر، إلا إذا طالب
المعين قبل فعله عليها الأجر، فإنها حينئذ تدخل في
إحدى العقود، كالإجارة والجعالة والوكالة ونحوها.
ولو طالب المعين الأجر بعد الإعانة، فقد
قيل: إن كان العمل مما لا يؤخذ عليه الأجر عادة،
ولم يكن من عادة المعين أخذ الأجر عليه، فلا
يستحق الأجر، كما لو أعطى شخص للحداد سكينا
فقال له: افتحها، ففتحها، فإن هذا المقدار من العمل
لا يؤخذ عليه الأجر عادة وإن كانت مطالبة الأجرة
عليه قبل العمل صحيحة.
وأكثر الإعانات من هذا القبيل، كمن وقع
على الأرض فمد يده إلى شخص ليعينه على القيام،
أو من عصى عليه فتح الباب، فاستعان بشخص
لفتحها، وهكذا...
وإن كان العمل مما يؤخذ عليه الأجر عادة،
وكان المعين ممن يأخذ الأجر على مثل ذلك العمل،
وطلب الأجر فقد قيل بوجوب دفعه إليه (1).
وهناك تفصيلات اخر ذكرت في كتاب
الإجارة.
قاعدة
" حرمة الإعانة على الإثم "
مضمون القاعدة:
معنى القاعدة إجمالا هو: أنه لو كان فعل
شخص مؤثرا في تحقق الإثم ووقوعه من شخص
آخر، كانت هذه الإعانة محرمة، لأنها إعانة على
الإثم.
مستند القاعدة:
استدل على القاعدة بالأدلة الأربعة:
أولا - الكتاب:
وهو قوله تعالى: * (تعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * (2).
والآية ظاهرة في وجوب التعاون على البر
وحرمة التعاون على الإثم، ولكن لما قام الدليل

(1) تحرير الأحكام 2: 266.
(1) انظر: الحدائق 21: 633، والجواهر 27: 335 - 338.
(2) المائدة: 2.
127

على عدم وجوب التعاون إلا في ظروف خاصة،
كإنقاذ النفس المحترمة من الهلاك، فلا بد من رفع اليد
عن ظهور القسم الأول من الآية في وجوب التعاون
على البر وحمله على الاستحباب، ما لم يدل دليل
على الوجوب.
وأما القسم الأخير منها، فلا موجب لرفع
اليد عن ظهوره في التحريم (1).
هذا، ويرى بعضهم: أن الآية تدل على حرمة
التعاون على الإثم لا على حرمة الإعانة، وبينهما
فرق واضح، لأن الأول من باب المفاعلة ومعناه:
قيام الاثنين أو الأكثر بعمل ما على نحو الاشتراك،
بحيث يكون كل منهما ظهيرا للآخر في وقوع الفعل،
وله دور القيام ببعض الأجزاء والمقدمات.
أما في الإعانة فلا يشترط ذلك، بل يكفي أن
يقوم بالفعل واحد، ويقوم المعين ببعض ما يؤثر في
صدور الفعل منه، مثل بيع العنب لمن يعمله خمرا
بقصد أن يعمله.
وممن يرى ذلك: صاحب الجواهر (2)،
والإيرواني (3)، والسيد الخوئي (4).
قال السيد الخوئي: " المحرم هو التعاون على
الإثم، ومن الواضح أنه غير الإعانة، فإنه إنما
يتحقق بالاشتراك في الإتيان بالمحرم بحيث يكون له
دور القيام ببعض الأجزاء والمقدمات، وفي غيره
لا دليل على الحرمة " (1).
وبناء على تمامية هذا القول، فالآية تدل على
حرمة التعاون على الإثم ولا تدل على حرمة
الإعانة، ولا بد لإثبات حرمتها من التماس دليل
آخر، فإن تم فهو، وإلا فلا دليل عليها كما صرح
بذلك السيد الخوئي. نعم، تم الدليل على حرمة إعانة
الظالمين بالخصوص (2).
ثانيا - السنة:
وهي مجموعة من الأخبار التي جاءت في
موارد خاصة، وتدل على حرمة الإعانة على الإثم.
منها - قوله (صلى الله عليه وآله): " من أعان على قتل مسلم

(1) انظر القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 303.
(2) الجواهر 22: 29.
(3) حاشية الإيرواني على المكاسب 1: 97.
(4) مستند العروة الوثقى (النكاح) 1: 129، والتنقيح
(الطهارة) 6: 442.
(1) مستند العروة الوثقى (النكاح) 1: 129.
(2) انظر المصدرين المذكورين في الهامش رقم (4)
في العمود الأول، وانظر الدليل على حرمة إعانة
الظالمين في الوسائل 17: 177، الباب 42 من أبواب
ما يكتسب به.
هذا، ونوقشت هذه الدعوى من جهة عدم انحصار
استعمال باب التفاعل في المشاركة، بل قد يستعمل في
غيرها، كما في قوله تعالى: * (ولا تضاروهن لتضيقوا
عليهن) * الطلاق: 6، وقوله تعالى: * (ولا يضار كاتب
ولا شهيد) * البقرة: 282، واستشهد له بكلام بعض
أهل اللغة والمفسرين، وعليه فلا مانع من استعمال
التعاون في الإعانة. انظر المواهب في تحرير أحكام
المكاسب (للشيخ السبحاني): 262.
128

بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه:
آيس من رحمة الله " (1).
ومنها - ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من
أكل الطين فمات، فقد أعان على نفسه " (2).
وكأن حرمة الإعانة على الإثم مفروغ منها آنذاك.
ومنها - ما ورد في تحريم معونة الظالمين، وهي
كثيرة (3).
وغيرها من الروايات.
ثالثا - الإجماع:
ادعي الإجماع على حرمة الإعانة على
الإثم (4)، لكن ثبوت مثل هذا الإجماع مشكل بعد ما
تقدم من إشكال بعضهم في حرمة الإعانة.
رابعا - العقل:
يستقل العقل بقبح إتيان ما يساعد في تحقق
ما هو مبغوض للشارع، نعم لا يستقل بقبح إتيان
المقدمات البعيدة (5).
توضيح القاعدة:
يتوقف توضيح القاعدة على الإجابة عن
عدة أسئلة نذكرها فيما يلي:
أولا - هل يشترط قصد المعين تحقق المعان
عليه، أو لا؟
اختلف الفقهاء في اشتراط قصد المعين تحقق
المعان عليه ووقوعه خارجا في حرمة الإعانة على
الإثم، والذي عثرنا عليه من أقوالهم هو:
1 - اشتراط ذلك، لأن المتبادر من المعاونة
على الإثم هو قصد المعين تحقق المعان عليه، وصحة
سلب صدق الإعانة عرفا في صورة عدم القصد.
وممن اشترط ذلك: النراقي (1)، والشيخ
الأنصاري (2) - ونسباه إلى المحقق الثاني في حاشية
الإرشاد (3) والسبزواري (4) - والسادة: اليزدي (5)
والحكيم (6) والخميني (7).
2 - اشترط الأردبيلي في صدق الإعانة أحد

(1) الوسائل 29: 18، الباب 3 من أبواب القصاص
في النفس، الحديث 4.
(2) الوسائل 24: 222، الباب 58 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 7.
(3) انظر الوسائل 17: 177، الباب 42 من أبواب
ما يكتسب به.
(4) انظر القواعد الفقهية (للبجنوردي) 1: 308.
(5) المصدر المتقدم: 307 - 308.
(1) عوائد الأيام: 76.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 132.
(3) انظر حاشية الإرشاد (مخطوط): 204.
(4) انظر كفاية الأحكام: 85.
(5) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي): 7، لكن كلامه
ظاهر في الاشتراط وليس صريحا فيه.
(6) المستمسك 14: 60.
(7) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 212، لكن
احتمل في نهاية كلامه إلغاء العرف لهذا الشرط،
واعتباره مجرد المساعدة إعانة، وإن لم يقصد المعين
وقوع المعان عليه خارجا.
129

أمرين: قصد الإعانة، أو صدقها عرفا وإن لم يقصد
بذلك الإعانة (1).
واحتمله الشيخ الأنصاري (2) أيضا.
3 - واشترط المراغي قصد الإعانة، أو قرب
العمل الصادر من المعين وتمحضه لذلك، بحيث يعد
إعانة وإن لم يكن قاصدا (3).
وبهذا المضمون قال النائيني (4).
4 - وفصل البجنوردي بين ما لو صدرت
الإعانة قبل إرادة الفاعل للإثم (المعان) أو بعدها،
فعلى الأول لم تصدق الإعانة على الإثم، وعلى
الثاني تصدق وإن لم يقصد المعين بفعله إعانة الفاعل
على صدور الإثم منه (5).
5 - ونفى السيد الخوئي اشتراط القصد،
واستشهد ببعض النصوص التي وردت فيها الإعانة
ولم يلحظ فيها القصد، مثل: " من أكل الطين فمات
فقد أعان على نفسه "، فإن آكل الطين لم يقصد به قتل
نفسه. ونحوها من النصوص (6).
ونسب الشيخ الأنصاري إلى الأكثر عدم
اعتبار القصد في صدق الإعانة (7).
ثانيا - هل يشترط تحقق المعان عليه في
الخارج أم لا؟
اشترط بعضهم في صدق الإعانة تحقق المعان
عليه في الخارج، فلو لم يتحقق لم تصدق الإعانة وإن
قام المعين بما يساعد وقوع المعان عليه وتحققه في الخارج.
ومن جملة المشترطين: النراقي (1)، والسادة:
اليزدي (2) والخوئي (3)، والبجنوردي (4)، وعللوه:
بعدم صدق الإثم في صورة عدم وقوع الفعل
خارجا، فإذا لم يصدق الإثم، لم تصدق الإعانة عليه.
لكن صرح جماعة آخرون بعدم اشتراطه،
كالشيخ الأنصاري (5)، والمراغي (6)، والسيد
الخميني (7)، وعللوه: بأن الإعانة على الشئ هي
إتيان فعل بقصد حصول ذلك الشئ سواء حصل أم
لا، ولذلك من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر
عن الغير بقصد التوصل إليه فإن فعله داخل في
الإعانة على الإثم، بحيث لو تحقق الحرام لم يتعدد
130

العقاب في حقه.
ثالثا - هل يعتبر في صدق الإعانة علم المعين
أو ظنه بترتب حصول المعان عليه على فعله؟
ظاهر كلمات الفقهاء عدم اشتراط ذلك، بل
صرح به بعضهم مثل النراقي (1) والسيدين:
الخوئي (2) والخميني (3).
وحاصل كلامهم: أنه لا يشترط في صدق
الإعانة علم المعين أو ظنه بترتب حصول المعان
عليه على فعل المعين، بل تصدق الإعانة حتى في
صورة الشك.
ولم يستبعد ذلك المراغي (4) وإن اشترط أولا
العلم أو الظن.
كما لم يستبعد الإمام الخميني (5) اشتراط وقوع
المعان عليه خارجا في صورة الشك بترتب حصول
المعان عليه على فعل المعين، فمع عدم تحققه خارجا
لا تصدق الإعانة.
رابعا - هل يشترط العلم بتوقف المعان عليه
على خصوص فعل المعين؟
ظاهر عبارات من ذكر هذا الشرط عدم
الاعتبار، بل يكفي احتمال تأثير فعل المعين في العمل
المعان عليه في صدق الإعانة، فمن أرسل سيفا إلى
ظالم يعلم أنه يريد قتل المظلوم ولكن لا يعلم أنه
سوف يستخدم هذا السيف بالخصوص بل يحتمل
ذلك، يصدق في حقه أنه أعان على الإثم، نعم لو
علم بعدم استخدامه له لم يصدق في حقه ذلك (1).
والفرق بين هذا الشرط وسابقه هو: أنه
يبحث في السابق عن العلم بالتوقف بصورة عامة
على مقدمة يمكن أن يكون فعل المعين مصداقا لها،
ويبحث في هذا الشرط عن العلم بالتوقف بصورة
خاصة، أي توقف المعان عليه على خصوص فعل
المعين.
خلاصة الأبحاث المتقدمة:
1 - فرق بعض الفقهاء بين التعاون على الإثم
والإعانة عليه، وقالوا: إن الآية تدل على حرمة
التعاون لا الإعانة، فلو لم يقم دليل آخر على حرمة
الإعانة بصورة مطلقة - كما قام الدليل على حرمة
إعانة الظلمة - فلا تكون محرمة.
وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر
والإيرواني والسيد الخوئي.
2 - وعلق الأردبيلي صدق الإعانة على الإثم
على أحد أمرين: قصد الإعانة أو صدقها عرفا.
واحتمله الشيخ الأنصاري.
131

3 - وعلق المراغي والنائيني صدق الإعانة
على الإثم على أحد أمرين: قصد الإعانة أو ترتب
فعل الحرام (الإثم) على الإعانة، بحيث تتمحض
الإعانة لصدور الفعل المعان عليه.
4 - تكون صور الإعانة - بملاحظة قصد
المعين للإعانة ووقوع الفعل المعان عليه - كالآتي:
أ - أن يقصد المعين وقوع الفعل المعان عليه،
ويتحقق وقوعه خارجا.
وهذه الصورة هي القدر المتيقن من موارد
شمول القاعدة.
ب - أن لا يقصد وقوع الفعل، ولا يقع
خارجا.
وهذه الصورة هي القدر المتيقن من موارد
عدم شمول القاعدة.
ج - أن يقصد وقوع الفعل، ولكن لا يقع
خارجا.
فعلى رأي جماعة تصدق الإعانة في هذه
الصورة، كالمحقق الثاني، والمحقق الأردبيلي،
والفاضل السبزواري - على ما يظهر من كلام الشيخ
الأنصاري حيث نسب إليهم اشتراط القصد، ونسب
شرط تحقق الفعل إلى غيرهم - وكالشيخ الأنصاري،
والمراغي والإمام الخميني، ولعله الظاهر من كلام
النائيني والحكيم أيضا.
وعلى رأي جماعة أخرى - كالفاضل النراقي
والسيد الخوئي والسيد البجنوردي - لا تصدق
الإعانة.
د - أن لا يقصد وقوع الفعل، ولكن يقع
خارجا.
وهذه الصورة لا تكون من موارد الإعانة على
رأي جميع الذين اعتبروا القصد بنحو من الأنحاء.
وأما على رأي السيد الخوئي فالإعانة
صادقة، لأنه لا يرى شرطا غير وقوع الفعل
خارجا.
وكذا تكون صادقة على رأي السيد
البجنوردي لو كانت الإعانة بعد إرادة المعان إتيان
الفعل المعان عليه، وتوقف وجوده على تلك
الإعانة.
وكذا تصدق الإعانة على رأي المراغي
والنائيني إذا كان الفعل المعان عليه يترتب على
الإعانة حتما وإن لم يقصد المعين الإعانة، كما تقدم.
حكم التوصل إلى مقدمة الحرام:
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى قصد المعين
توصل المعان إلى الحرام نفسه.
وأما بالنسبة إلى قصد المعين توصل المعان إلى
مقدمة الحرام، فقد فصل الشيخ الأنصاري بين ما إذا
قصد المعين توصل المعان بتلك المقدمة إلى الحرام
وما إذا لم يقصد ذلك.
ولا إشكال في عدم حرمة الثاني.
أما الأول، ففيه حالتان:
الأولى - أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل
علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير، والأقوى هنا
132

وجوب الترك وحرمة الفعل.
الثانية - أن لا يكون كذلك، بل يعلم عادة أو
يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك
ذلك الفعل، والظاهر عدم وجوب الترك حينئذ بناء
على اعتبار قصد الحرام في صدق الإعانة مطلقا، أو
على ما احتمله من اعتبار القصد، أو صدق الإعانة
عرفا، وهو الذي نقله عن الأردبيلي (1).
وصرح الفاضل النراقي أيضا بحرمة إتيان
المقدمة بقصد توصل الآخرين بها إلى الحرام (2).
مظان البحث:
يستدل بقاعدة " حرمة الإعانة على الإثم "
في كثير من أبواب الفقه، لكن أكثر ما يبحث عنها في
موضوع: " بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا " أو
" بيع السلاح من أعداء الدين ".
اعتاق
لغة:
مصدر أعتق، يقال: أعتقت العبد، إذا حررته
وأزلت عنه الرق كله أو بعضه (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
ذكرت في الروايات فضائل كثيرة للإعتاق
حتى صار مقياسا لثواب الأعمال الاخر، فيقال:
ثواب العمل الفلاني كمن أعتق كذا نسمة. وقد حث
عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قولا وعملا (1)، وجعلت
الشريعة كفارة بعض الخطايا العتق، وهو أهم وسيلة
للقضاء على الرق، مضافا إلى الأسباب الأخرى
الموجبة لإزالته.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " عتق "
إن شاء الله تعالى.
اعتبار
لغة:
يأتي على معان:
1 - الاتعاظ، ومنه قوله تعالى: * (فاعتبروا
يا اولي الابصار) * (2).
2 - الاختبار والامتحان، مثل قولهم:
" اعتبرت الدراهم فوجدتها مغشوشة ".

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 144.
(2) عوائد الأيام: 78.
(3) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ومجمع
البحرين: " عتق ".
(1) انظر: الوسائل 23: 9، الباب الأول من كتاب العتق،
وسفينة البحار: " عتق " وغيرهما.
(2) الحشر: 2.
133

3 - الاعتداد بالشئ، مثل قولهم: " العبرة
بالقيمة يوم التلف "، وقولهم: " لا اعتبار بهذا " أي
لا اعتداد به.
4 - العد والفرض، فيقال مثلا: " اعتبره
عالما ". أي عده وفرضه كذلك.
5 - الكرامة والأهلية، يقال: " فلان معتبر "
أي له الأهلية، ومنه رد الاعتبار - في القضاء - بمعنى
إعادة الكرامة.
6 - دليل العقل، ومنه قولهم: " ويساعده
الاعتبار " (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعاني اللغوية المتقدمة،
وأكثر استعمالهم له بالمعنى الثالث والرابع.
فمن استعمالاتهم له بالمعنى الثالث، قولهم:
" لا اعتبار بما يصدر عن الصبي "، و " لا اعتبار
بقول الفاسق "، و " لا اعتبار بعلم المبتلى
بالوسواس "، و "... سقط عن الاعتبار "، ونحوها
من الاستعمالات.
وبالمعنى الرابع، قولهم: " عالم الاعتبار "،
و " إبراز الاعتبار النفساني "، و " الاعتباريات "،
و " الأمور الاعتبارية "، ونحوها، وسوف نشير
باختصار إلى معنى ذلك.
ومن استعمالاتهم له بالمعنى الخامس قولهم:
" فلان معتبر "، و " الرواية معتبرة "، كما ستأتي
الإشارة إلى ذلك إجمالا.
ومن استعمالاتهم له بالمعنى السادس قولهم:
" وهذا يساعده، أو لا يساعده الاعتبار ".
الأمور الاعتبارية
المراد من الأمور الاعتبارية في كلمات الفقهاء
والأصوليين هي الأمور التي يعتبرها ويفرضها
العقلاء في عالم الفرض والاعتبار، مثل " الملكية "،
فإنها علقة بين الإنسان وما يملكه، وهذه العلقة ليس
لها وجود خارجي وإنما هي موجودة في ظرف
الاعتبار، فلذلك يقال: " الملكية أمر اعتباري ".
وهذا يحتاج إلى شئ من التوضيح فنقول:
إن المحقق النائيني بين حقيقة الأمور
الاعتبارية وفرقها عن الأمور الانتزاعية، نذكر فيما
يلي حاصل بيانه:
إن الموجود إما أن يكون موجودا في العين
بحيث يكون من الثابتات في الأعيان الخارجية سواء
كان من المجردات أو الماديات.
أو يكون موجودا في عالم الاعتبار.
وكل منهما إما أن يكون متأصلا في الوجود،
أو منتزعا من موجود آخر غيره.
إذن فالأقسام أربعة:
الأول - الموجود المتأصل في العين، كالجواهر
والأعراض القائمة بها والتي بإزائها شئ في الخارج،

(1) انظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين، ومحيط المحيط،
والمعجم الوسيط: " عبر ".
134

مثل زيد بذاته وبأعراضه، كلونه وطوله وكونه في
مكان أو زمان، ونحو ذلك...
الثاني - الموجود الانتزاعي في العين، وهو
الذي لا وجود له بالذات خارجا، وإنما الموجود
منشأ انتزاعه، مثل أبوة زيد لابنه، فالأبوة بنفسها
غير موجودة في الخارج وإنما الموجود هو منشأ
انتزاعها، أي زيد وابنه، والعقل ينتزع من النسبة
الموجودة بينهما عنوان " الأبوة ". ومثلها " الفوقية "
و " التحتية " و " القبلية " و " البعدية " ونحوها.
الثالث - الموجود المتأصل في عالم الاعتبار،
كالوجوب، والحرمة، والملكية، والزوجية، ونحوها.
فإن هذه الأمور لا وجود لها خارجا، نعم
هي موجودة في عالم الاعتبار، كاعتبار الشارع
وجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر، واعتباره
الحيازة والإرث والبيع أسبابا للملكية مثلا، ونحو
ذلك، فإن هذه لها واقع في عالم الاعتبار.
الرابع - الموجود الانتزاعي في عالم الاعتبار،
مثل سببية الحيازة والإرث والبيع للملك مثلا، فإن
الموجود في عالم الاعتبار إنما هو نفس الملكية، وأما
سببية الأمور المذكورة لها فلا وجود لها، وإنما
ينتزعها العقل من جعل الشارع هذه الأمور أسبابا
للملكية.
وقد ظهر مما تقدم:
1 - أن الفارق بين الأمور الاعتبارية
والانتزاعية هو: أن الاعتبارية لها نحو تقرر ووجود
في وعاء الاعتبار بخلاف الانتزاعية، فإنه ليس لها
وجود متأصل، بل الوجود إنما هو لمنشأ انتزاعها
الذي ينتزع منها العنوان الانتزاعي سواء كان
موجودا في عالم العين أو الاعتبار.
2 - أن الأمور الاعتبارية بحاجة إلى وجود
معتبر ولاحظ - كالشارع المقدس أو العرف - وأما
الأمور الانتزاعية فهي بحاجة إلى منشأ انتزاعها.
3 - أن المعتبر قد يكون هو الشارع، فيكون
الاعتبار شرعيا كالأحكام التكليفية الخمسة، وقد
يكون هو العرف العام فيكون الاعتبار عرفيا،
كاعتبار القيام احتراما للقادم. وقد يكون هو
العرف الخاص، كاعتبار الفقهاء وأهل الحديث
عنوان " الصحيح " للرواية التي يكون جميع رواتها
عدولا إماميين.
4 - أن الأحكام الشرعية كلها أمور اعتبارية
سواء كانت اعتبارية متأصلة مثل الأحكام الخمسة،
أو انتزاعية، مثل الجزئية والشرطية والسببية ونحوها (1).
الحديث المعتبر
من أوصاف الحديث كونه معتبرا، فيقال له:
الحديث المعتبر. قال عنه المامقاني:
" وهو - على ما صرح به جمع -: ما عمل

(1) انظر هذا الموضوع في: فوائد الأصول 4: 380 - 384،
مع هامشه للمحقق العراقي، وأجود التقريرات
2: 381 - 382، ومصباح الأصول 3: 79 - 80،
ومصباح الفقاهة 4: 145.
135

الجميع أو الأكثر به، لو (1) أقيم الدليل على اعتباره،
لصحة اجتهادية أو وثاقة أو حسن. وهو بهذا
التفسير أعم من المقبول والقوي " (2).
والمقبول: هو الحديث الذي تلقوه بالقبول
وعملوا بمضمونه من غير التفات إلى صحته
وعدمها (3).
والقوي: هو ما كان بعض رواة الحديث أو
كلهم إماميا غير ممدوح ولا مذموم (4).
وأطلق القوي على الخبر الموثق أيضا، لكن
رد بأنه خلاف الاصطلاح، نعم يصح الإطلاق
لغة (5).
اعتداء
لغة:
الظلم ومجاوزة الحد والحق (6).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، وقد تقدم في معنى
الإسراف: أنه مجاوزة الحد الوسط، وهو صادق
حتى على مجاوزة الحدود الشرعية، وذكرنا هناك ما
ينفع المقام فليراجع.
الأحكام:
حكم الاعتداء تكليفا:
طبقا للتعريف المتقدم للاعتداء، لا يكون
الاعتداء إلا حراما، لأن الظلم والتجاوز قبيح عقلا
وحرام شرعا.
أما قبحه عقلا، فواضح.
وأما حرمته شرعا، فقد نص عليه القرآن
الكريم في قوله تعالى: * (وقاتلوا في سبيل الله الذين
يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * (1)،
وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما
أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * (2)،
وقوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد
حدود الله فأولئك هم الظالمون) * (3).
وتختلف الحرمة شدة وضعفا باختلاف
الموارد، فإن حرمة الاعتداء على النفس المحترمة
أشد من حرمة الاعتداء على المال والحيوان،

(1) لعله: " أو " كما في هامش المصدر.
(2) مقباس الهداية 1: 282.
(3) المصدر المتقدم: 279.
(4) الرعاية في علم الدراية: 85.
(5) انظر: المصدر المتقدم، ومقباس الهداية 1: 171.
(6) انظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مفردات ألفاظ
القرآن (للراغب الإصفهاني)، ولسان العرب،
والمصباح المنير: " عدو " و " عدا ".
(1) البقرة: 190.
(2) المائدة: 87، وفي هذه الآية والآية التي تليها دلالة على
صدق الاعتداء على تجاوز الحدود الشرعية.
(3) البقرة: 229.
136

وحرمة الاعتداء على نفس النبي (صلى الله عليه وآله) أو الولي (عليه السلام)
أشد من حرمة الاعتداء على غيرهما، وهكذا...
ما يترتب على الاعتداء:
يترتب على الاعتداء الضمان والعقوبة:
أولا - الضمان:
يترتب الضمان على الاعتداء إذا كان موجبا
له، وهو يختلف باختلاف الموارد:
فإذا كان الاعتداء على النفس (1) أو ما دونها
فتترتب عليه الدية أو الأرش أو الحكومة،
باختلاف موارده وشروطه.
راجع: أرش، حكومة، دية.
وإذا كان الاعتداء على المال، فيترتب عليه
ضمان المال، وعلى المعتدي رد عين المال أو مثله أو
قيمته بحسب اختلاف الموارد.
راجع: إتلاف، ضمان، غصب.
ويدخل في هذا القسم ما يضمنه المحرم بإتلافه
مما يحرم عليه إتلافه (1).
ثانيا - العقوبة:
العقوبة إما أخروية أو دنيوية.
فالعقوبة الأخروية هي التي أعدها الله
للمعتدين بمختلف أقسامهم، وقد أشار إلى بعضها
إجمالا في كتابه الكريم، فقال عز من قائل: * (ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله
عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (2).
وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله
بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من
يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * (3).
وهناك آيات أخرى أشارت إلى عقوبة
الاعتداء في الآخرة.
وأما العقوبة الدنيوية، فهي إما بدنية أو مالية،
وقد تجتمعان.
أما البدنية، فإن كان الاعتداء على النفس
- كما في القتل العمد - فعقوبته القصاص ما لم يعف
ولي الدم أو يرض بالدية.
وإن كان على الطرف، فعقوبته قصاص مثله
من الطرف.

(1) القتل، تارة يكون على نحو العمد، فيصدق عليه
العدوان، وتترتب عليه العقوبة وهي القصاص، إلا أن
يرضى ولي الدم بالدية، وأخرى يكون على نحو الخطأ
المحض، كضرب إنسان بتوهم أنه شجر أو حيوان،
فتترتب عليه الدية أيضا، ولكن لا يصدق عليه
العدوان، لعدم قصد الاعتداء، وأخرى يكون على نحو
شبه العمد، فيترتب عليه الضمان ويصدق عليه
العدوان، لوجود القصد في أصل الفعل - كالضرب
بالعصا مثلا - وإن لم يكن فيه قصد للقتل.
(1) ضمان المحرم ما يتلفه غير ما يثبت في ذمته من الكفارة،
وقد فصل الفقهاء بينهما، انظر موجبات الضمان حال
الإحرام في المدارك 8: 355، والجواهر 20: 255.
(2) النساء: 93.
(3) المائدة: 94.
137

وإن كان سرقة فعقوبته قطع اليد بشرائطه
على التفصيل المذكور في محله.
وكذا باقي موارد الاعتداء كالمحاربة والبغي
ونحوهما.
ويدخل في ذلك التعزير، وهو عقوبة غير
مقدرة وتقديرها بيد الإمام (عليه السلام) أو نائبه.
وأما العقوبة المالية فكالكفارات، كما في قوله
تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم...
ليذوق وبال أمره) * (1).
وكذا سائر موارد الكفارات.
المماثلة في عقوبة المعتدي:
لا بد من مراعاة المماثلة إجمالا في العقوبة على
الاعتداء البدني، فلو قطع المعتدي يدا قطعت يده
أيضا ولا تقطع رجله - إلا في بعض الحالات -،
ولو قطعها من الزند قطعت منه أيضا لا من المرفق
ولا من أصول الأصابع، ومن كسر ثنايا غيره
كسرت ثناياه ولا تكسر رباعيته، وهكذا... (2).
ومن المماثلة قتل القاتل لا غيره.
وهذا لا إشكال فيه، وعليه يحمل قوله تعالى:
* (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) * (3)، إنما الإشكال في كيفية الاستيفاء والآلة
المستخدمة فيه، فقد نسب إلى الأكثر أن استيفاء
القصاص بالنفس لا يكون إلا بالسيف (1)، نعم ذهب
بعضهم إلى جوازه بغيره إذا كان أسهل، كالبندقية
والتيار الكهربائي (2).
ونسب إلى بعضهم جواز المماثلة: استنادا إلى
الآية الشريفة (3).
وصرح جملة منهم (4) بعدم جواز المماثلة لو
كان القتل متحققا بمثل الزنا واللواط وإيجار الخمر في
الحلق ونحو ذلك، ولعل ذلك مذهب الجميع وإن لم
يصرحوا به لوضوحه.
راجع: آلات القصاص، قصاص.
رد الاعتداء:
قال المحقق الحلي: " للإنسان أن يدفع عن
نفسه وحريمه وماله ما استطاع، ويجب اعتماد
الأسهل، فلو اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه
إن كان في موضع يلحقه المنجد، وإن لم يندفع
عول على اليد، فإن لم تغن فبالعصا، فإن لم
يكف فبالسلاح.

(1) المائدة: 95.
(2) انظر الجواهر 42: 348.
(3) البقرة: 194.
(1) انظر: المسالك 15: 235، والجواهر 42: 296.
(2) انظر تحرير الوسيلة 2: 482، القول في كيفية
الاستيفاء، المسألة 11.
(3) انظر: المختلف 9: 444 - 445، والمسالك 15: 235،
ومجمع الفائدة 14: 132 - 133، والجواهر 42: 297.
(4) انظر: المسالك 15: 236، ومجمع الفائدة 14: 133،
والجواهر 42: 297، وغيرها.
138

ويذهب دم المدفوع هدرا، جرحا كان أو
قتلا... " (1).
ثم ذكر تفاصيل الدفاع.
وما ذكره ادعي عدم الخلاف فيه إلا مسألة
التدرج، فقد ناقشها بعضهم ولم يلتزم بها (2).
وقد تقدم ما يناسبه في عنوان " استغاثة "،
ويأتي تفصيله في " دفاع " إن شاء الله تعالى، حيث
نبحث فيه عن الدفاع الخاص وهو ما تقدم، والدفاع
العام، وهو الدفاع عن بلاد الإسلام والمسلمين.
مظان البحث:
تعرض الفقهاء إلى هذا الموضوع بالمناسبة في
كتابي الجهاد والقصاص، ويمكن استنباط بعض
مسائله من كتب أخرى، مثل كتاب الحج عند
الكلام في كفارات الإحرام والضمانات فيه، وكتاب
الغصب، ونحوهما.
اعتداد
لغة:
مصدر اعتد، من عد، والعد: الإحصاء،
يقال: عددت الشئ فاعتد، إذا أحصيته وأدخلته
في الحساب، وهذا لا يعتد به، أي لا يعتنى به،
واعتدت المرأة إذا ابتدأت أو انقضت عدتها من
الوفاة أو الطلاق (1).
اصطلاحا:
يستعمل في المعاني المتقدمة، وأكثر ما
يستعمل بالمعنى الأخير، وهو انقضاء عدة المرأة أو
الدخول في عدتها، والعدة إما عدة وفاة وهي أربعة
أشهر وعشرة أيام (2)، أو عدة طلاق، وهي ثلاثة
قروء أو ما هو بمنزلتها (3).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " عدة "
إن شاء الله تعالى.
اعتدال
لغة:
مصدر اعتدل، ويأتي على معان، وهي:
1 - الاستقامة والاستواء، كقولك: عدلته
فاعتدل، أي أقمته - إذا مال - فاستقام، وسويته
فاستوى.
2 - الحالة المتوسطة بين حالين، كالاعتدال في

(1) شرائع الإسلام 4: 189.
(2) انظر: الجواهر 41: 651، ومباني تكملة المنهاج
1: 348 و 350، المسألتين 296 و 299.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية
(لابن الأثير)، ولسان العرب: " عدد ".
(2) شرائع الإسلام 3: 38.
(3) المصدر المتقدم: 34.
139

الطول والقصر، أي التوسط بينهما، والاعتدال في
الحرارة والبرودة، أي الحالة المتوسطة بينهما، وهكذا.
3 - الاعتدال الربيعي والخريفي، وهما يومان
من كل سنة يتساوى فيهما الليل والنهار، أحدهما
أول يوم من الربيع، والآخر أول يوم من الخريف (1).
والمعنى الأخير يرجع إلى الأول، وهو
الاستواء، لاستواء الليل والنهار فيه، أو إلى الثاني،
وهو الحالة المتوسطة لتوسط طول اليوم وقصره في
ذلك اليوم بين الصيف والشتاء.
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعاني المتقدمة.
فمن استعمالهم له بمعنى الاستواء والاستقامة
تفسيرهم الاعتدال في القيام: بأن يقيم صلبه، أو
تفسيرهم الانتصاب بالاعتدال قائما.
ومن استعمالهم له بمعنى التوسط بين حالتين،
قولهم: اعتدال الهواء، واعتدال النهار، واعتدال
الظن، أي تساويه من الطرفين.
واستعملوه في الاعتدال الربيعي والخريفي.
الأحكام:
يأتي الكلام عن الاعتدال بمعنى الاستواء
والاستقامة، في الصلاة عند الكلام عن القيام
والركوع والسجود.
وبمعنى الحالة المتوسطة بين حالتين، في موارد
عديدة، فكل شئ جعل موضوعا أو متعلقا لحكم أو
معيارا لتشخيص الموضوع أو المتعلق فهو مأخوذ
بحالته المعتدلة، فاليوم الذي يكون معيارا للسفر
الموجب للقصر، هو اليوم المعتدل من حيث الحر
والبرد والطول والقصر والسير.
والسهم والقوس اللذان يستخدمان لتعيين
المسافة التي ينبغي فيها الفحص عن الماء لجواز
التيمم، هما المعتدلان.
والهواء الذي يكون بحيث إذا جف فيه العضو
السابق قبل غسل اللاحق في الوضوء وتنفقد به
الموالاة، هو الهواء المعتدل.
واليوم الذي تجري فيه الحدود والقصاص في
الطرف، هو اليوم المعتدل من حيث الحر والبرد...
وسوف يأتي تفصيل ذلك في مواطنه إن شاء
الله تعالى.
بناء الشريعة على الاعتدال:
بنت الشريعة أسسها على الاعتدال، ونفت
الإفراط والتفريط في جميع المجالات، وهذا بحاجة
إلى دراسة موسعة، وقد ذكرنا جانبا منها في عنوان
" إسراف " (1) وقلنا: إن الإسلام أمر بالاقتصاد
والاعتدال ونهى عن الإسراف والتقتير، فالاقتصاد
هو الحد الوسط، والإسراف هو التجاوز عنه،
والتقتير دون الحد الوسط.

(1) الصحاح، ولسان العرب، ومجمع البحرين: " عدل ".
(1) وقد طبع مستقلا تحت عنوان " دراسة حول الإسراف
في الكتابة والسنة ".
140

اعتذار
لغة:
إظهار ما يقتضي العذر (1). وأصل العذر إزالة
الشئ عن جهته. واعتذر إلى فلان فعذر: أزال ما
كان في نفسه عليه، في الحقيقة أو في الظاهر (2).
والفرق بين التوبة والاعتذار هو: أن التائب
مقر بالذنب الذي يتوب منه، معترف بعدم عذره
فيه، والمعتذر يذكر أن له فيما أتاه من المكروه عذرا،
فإما أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا،
فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا.
وأما إذا قال: فعلت ولا أعود، فذلك هو التوبة.
إذن كل توبة عذر، وليس كل عذر توبة (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
الاعتذار تارة يكون مقبولا وأخرى غير
مقبول، فالمقبول مثل اعتذار تارك الصلاة بالنسيان
أو بعدم المطهر، وغير المقبول مثل اعتذاره بالمرض
والكسل ونحوهما (1).
والفرق بينهما: أنه حين النسيان لا يكون
التكليف منجزا بالنسبة إلى الناسي، وعند فقد
الطهورين - الماء والتراب - لا يكون مكلفا بالصلاة
بناء على المشهور كما قيل (2)، وأما حين المرض
والكسل، فلا يرتفع التكليف بالصلاة.
وتشخيص العذر المقبول عن غيره موكول
إلى محله.
ومن هذا القبيل الاعتذار عن ترك إحياء
الأرض لو أخذها ليحييها، والاعتذار عن ترك دفع
الدين ونحوهما من الموارد، وهي كثيرة من أول الفقه
إلى آخره.
اعتراض
لغة:
مصدر اعترض، من عرض، أي ظهر.
والعارض المانع، يقال: اعترض الشئ، إذا صار
عارضا كالخشبة المعترضة في النهر، الموضوعة على
عرضه، فكأنما تمنع من جريان الماء.
وبهذه المناسبة أطلق " الاعتراض " على

(1) انظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين: " عذر ".
(2) الفروق اللغوية: 194، الفرق بين التوبة
والاعتذار.
(3) المصدر المتقدم، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني): " عذر ".
(1) انظر: التذكرة 2: 392، والذكرى 2: 410 - 411.
(2) انظر المستمسك 4: 381.
141

نسبة الخطأ في قول أو فعل إلى شخص (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، فيأتي بمعنى تخطئة
شخص في قوله أو فعله، وهو الأكثر استعمالا. ويأتي
بمعنى الظهور كما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال:
" كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي ركعتي الصبح - وهي
الفجر - إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا " (2).
ويحتمل أن يكون بمعنى أخذ عرض الأفق
بضيائه.
الأحكام:
موارد جواز الاعتراض وعدمه كثيرة
تعرض لها الفقهاء في كتبهم من أول الفقه إلى آخره،
ويمكن أن نجعل لها ضابطة كلية تندرج فيها تلك
الموارد، وهي:
أنه كلما صدر فعل ممن له أهلية لصدور
ذلك الفعل منه، وكان الفعل مستجمعا للشروط
اللازمة لجواز صدوره أو صحته شرعا، فلا يحق
لغيره أن يعترض عليه.
ومن هذا القبيل:
1 - الإمام المعصوم (عليه السلام).
2 - الحاكم الشرعي، إذا لم يتضح خطؤه.
3 - الأب والجد بالنسبة إلى من لهما الولاية
عليه.
4 - القيم والوصي بالنسبة إلى من لهما حق
القيمومة والوصاية عليه.
5 - الرجل والمرأة الحران الرشيدان
بالنسبة إلى أنفسهما وما يملكانه عينا أو منفعة أو
انتفاعا.
6 - المأذون من قبل المالك أو الشارع أو من
له حق الإذن، كالأب والجد، والحاكم الشرعي،
والوصي ونحوهم.
اعتراف
لغة:
مصدر اعترف، بمعنى أقر، فاعترف بذنبه:
أقر به على نفسه (1). وقيل: أصله إظهار معرفة
الذنب (2).
اصطلاحا:
يراد منه المعنى اللغوي نفسه، وأكثر ما
يستعمل في كلامهم بمعنى " الإقرار ".

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والمصباح
المنير، ومجمع البحرين، ومحيط المحيط: " عرض ".
(2) انظر: الوسائل 4: 211، الباب 27 من أبواب
المواقيت، الحديث 5، والمنتهى 4: 89.
(1) انظر: الصحاح، والمصباح المنير: " عرف ".
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" عرف ".
142

الأحكام:
نترك البحث الموسع إلى عنوان " إقرار "،
ونشير هنا إلى جانب واحد مما يترتب عليه، وهو:
الاعتراف بالذنب:
تقدم في العنوانين: " استتار " و " إسرار ": أن
الشريعة حثت على استتار العاصي وعدم فضح
نفسه عند الآخرين، ورغبته في عدم الاعتراف
بالذنب - في غير حقوق الناس - والنصوص بذلك
مستفيضة:
منها: ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في
من أقر بالزنا أربع مرات: " لو استتر ثم تاب كان
خيرا له " (1).
ومنها: ما ورد عن علي (عليه السلام) في قضية مشابهة
أنه قال: " ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه
الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب
في بيته؟! فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من
إقامتي عليه الحد " (2).
هذا بالنسبة إلى الاعتراف بالذنب عند غيره
من المخلوقين، وأما بالنسبة إلى الاعتراف به فيما بينه
وبين الله تعالى، فهو من الأعمال الحسنة، ولعله من
أفضل القربات، وهل التوبة إلا الاعتراف بالذنب
والندم عليه (3)؟
وتقدم ما يرشد إلى ذلك في عنوان
" استغفار "، ويأتي في عنوان " توبة " إن شاء الله
تعالى.
اعتزال
لغة:
مصدر اعتزل، من عزل الشئ، إذا نحاه
جانبا.
واعتزل الشئ - أو عن الشئ -: تنحى عنه.
واعتزل القوم: فارقهم وتنحى عنهم. واعتزل المرأة
أو عنها: لم يرد ولدها. والعزل، يعني عزل الماء عن
النساء حذر الحمل (1).
والاعتزال أيضا: ترك فضول الصحبة
والاجتماع بمجلس السوء (2).
اصطلاحا:
ورد في الروايات وكلمات الفقهاء بالمعاني
المتقدمة، ولكن الأكثر عند الفقهاء استعماله بمعنى
اعتزال الزوجة، وهو - كما يأتي -: إما بمعنى اعتزال
الرجل فراش زوجته، أو بمعنى إطلاق سراحها
وفسخ نكاحها بدون إجراء صيغة الطلاق، وذلك في

(1) الوسائل 28: 37، الباب 16 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 5.
(2) المصدر المتقدم: 36، الحديث 2.
(3) انظر عنوان: " اعتذار ".
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والنهاية (لابن الأثير)،
ولسان العرب: " عزل ".
(2) مجمع البحرين: " عزل ".
143

موارد خاصة، أو ترك نكاحها.
وأما عزل الرجل ماءه، فيأتي بلفظ
" العزل "، وسوف نبحث عنه تحت هذا العنوان إن
شاء الله تعالى.
والاعتزال بمعنى ترك فضول الصحبة تأتي
الإشارة إليه في عنوان " رهبانية " إن شاء الله
تعالى.
الأحكام:
اعتزال النساء أيام المحيض:
يجب اعتزال النساء أيام المحيض، لقوله
تعالى: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى
فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى
يطهرن...) * (1).
وادعي الإجماع على ذلك، بل قيل: إنه من
ضروريات الدين (2).
والواجب - على ما هو معروف بين فقهائنا -
اعتزالهن في وطء القبل مدة حيضهن، فإذا
طهرن من المحيض جاز وطؤهن حتى قبل
الاغتسال (3).
والمنقول عن السيد المرتضى (4) وجوب
اعتزالهن في وطء الدبر أيضا، ومال إليه
بعض الفقهاء (1).
وأما الاستمتاع بغير الوطء في القبل - أو
الدبر بناء على القول الآخر - فجائز، نعم قالوا
بكراهة الاستمتاع بما بين السرة والركبة (2).
وعن المرتضى تحريمه أيضا (3).
وتفصيل ذلك كله موكول إلى محله وهو
عنوان " حيض ".
وقد اتخذ الإسلام طريقا وسطا ومعتدلا في
هذه المسألة كسائر المسائل. قال المقداد:
" روي أن أهل الجاهلية كانوا لا يؤاكلونها
ولا يشاربونها ولا يساكنونها في البيت كفعل اليهود
والمجوس، فلما نزلت الآية أخذ المسلمون
بظاهرها، ففعلوا كذلك. فقال أناس من الأعراب:
يا رسول الله، البرد شديد والثياب قليلة، فإن
آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن
استأثرناها هلكت الحيض، فقال (عليه السلام): " إنما أمرتكم
أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم آمركم
بإخراجهن كفعل الأعاجم ".
وقيل: إن النصارى كانوا يجامعونهن

(1) البقرة: 222.
(2) انظر: الجواهر 3: 225، والمستمسك 3: 317.
(3) انظر المستمسك 3: 350، ونقل عن الصدوق القول
بالمنع من ذلك وجوازه للرجل الشبق والمستعجل.
(4) انظر الجواهر 3: 228 - 229.
(1) نقله صاحب الجواهر عن الأردبيلي، وأشكل بعض
آخر في جواز الوطء كالسيد اليزدي. انظر العروة
الوثقى، أحكام الحائض، السابع مما يحرم عليها.
(2) انظر الجواهر 3: 228 - 229.
(3) انظر: المدارك 1: 351، والجواهر 3: 229،
والمستمسك 3: 318 - 319.
144

ولا يبالون بالحيض، واليهود كانوا يعتزلونهن
في كل شئ، فأمر الله تعالى بالاقتصاد بين
الأمرين " (1).
اعتزال المرأة الناشزة:
قال تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن
فعظوهن واهجروهن في المضاجع...) * (2).
وفي تفسير الهجر أقوال:
1 - هو أن يولي ظهره إليها في الفراش، نسبه
في الجواهر إلى غير واحد من الأصحاب (3).
2 - هو أن يعتزل فراشها، ذهب إليه الشيخ
في المبسوط (4) وابن إدريس (5).
3 - هو أن يعتزل الفراش أو يحول ظهره،
ذهب إليه المفيد في المقنعة (6) وقواه صاحب
الرياض (7)، لاندراجهما في الهجر عرفا.
4 - اللازم هو أن يراعي الترتيب في الهجر
بحسب ترتيب أفراد النشوز واحتمال ارتفاعه، فإن
كان قليلا يحتمل زواله اكتفي بتحويل الظهر، وإن
كان أكثر فيعتزل فراشها، وهكذا إلى أن ينتهي إلى
الضرب غير المبرح والمدمي على ما هو مذكور في
النهي عن المنكر.
ذهب إلى هذا القول صاحب الجواهر (1).
وتفصيل ذلك كله يأتي في عنوان " نشوز " إن
شاء الله تعالى.
كان هذا بعض موارد اعتزال النساء، وهناك
موارد أخرى سنتناولها بالبحث في مواضعها إن شاء
الله تعالى، من قبيل:
1 - جواز اعتزال العمة والخالة زوجيهما إذا
تزوجا عليهما بنت الأخ أو بنت الأخت من دون
إذنهما.
والاعتزال هنا بمعنى فسخ النكاح دون
حاجة إلى الطلاق.
هذا على رأي الشيخين: المفيد والطوسي ومن
تبعهما، وفيه أقوال اخر (2).
2 - اعتزال المرأة بمعنى عدم نكاحها مدة
استبرائها، وقد تقدم الكلام عن موارد الاستبراء
وكيفيته في عنوان " استبراء ".
وموارد أخرى مشابهة في نكاح الإماء
والعبيد.

(1) كنز العرفان 1: 43.
(2) النساء: 34.
(3) الجواهر 31: 206.
(4) المبسوط 4: 338.
(5) السرائر 2: 729.
(6) المقنعة: 518.
(7) الرياض 10: 474.
(1) انظر الجواهر 31: 206.
(2) انظر: نهاية المرام 1: 142 - 144، والجواهر 29:
361.
145

اعتصار
لغة:
مصدر اعتصر، وهو مأخوذ من العصر.
وذكر ابن فارس للعصر أصولا ثلاثة، هي:
1 - الدهر، ومنه قوله تعالى: * (والعصر * إن
الإنسان لفي خسر) * (1).
2 - الملجأ، يقال: اعتصر بالمكان، إذا
التجأ إليه.
3 - العصارة، وهي: ما تحلب من شئ تعصره.
ثم جعل الاعتصار من هذا الباب (2).
والمستفاد من مجموع كلام أهل اللغة: أن
الاعتصار لوحظ فيه شيئان: خروج شئ من
شئ، وكونه بالضغط والعصر.
وبناء على ذلك استعمل الاعتصار في الموارد
التالية:
1 - اعتصار العنب وسائر الفواكه، بمعنى
استخراج ما فيها - من ماء وما يعد عصارة له -
بالضغط.
2 - المنع والحبس: ومنه اعتصار الوالد على
ولده في ماله، أي حبسه عنه ومنعه منه.
ولعل منه إطلاق " المعتصر " على من يحتاج
إلى قضاء الحاجة من بول أو غائط.
3 - الارتجاع، ومنه اعتصار العطية.
4 - إخراج مال من شخص بوجه من
الوجوه (1).
اصطلاحا:
استعمل في كلمات الفقهاء بمعنى استخراج ماء
العنب - بل سائر ما له ماء - بالعصر.
واستعمل نادرا بمعنى حبس البول والغائط،
كما في المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " لا يصلي أحدكم وبه
أحد العصرين " (2).
لكن الأكثر استعمال عنوان " مدافعة
الأخبثين " بدله، ويعبر عنه ب‍ " الاحتقان " أيضا.
ويقال لفاعله: " حاقن "، ومنه: " لا صلاة لحاقن
ولا لحاقنة " (3). كما ورد التعبير عنه ب‍ " الزنين " أو
" الزبين " أيضا، حيث جعل من الثمانية الذين
لا تقبل لهم صلاة في رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فسئل (صلى الله عليه وآله):
146

" وما الزنين؟ قال: الرجل يدافع البول والغائط " (1).
وأما المعاني الاخر المذكورة للاعتصار،
فالظاهر أن كتبنا الفقهية لم تستعمله فيها، وورد في
الهبة بدله " الرجوع " فيقال: رجع في هبته، أي
استردها من الموهوب له.
الأحكام:
يأتي الكلام عن عصير الفواكه وما يماثلها في
العنوانين: " عصير " و " مضاف "، حيث يبحث في
الأول عن حقيقة العصير وهل يختص بما كان ماؤه
من ذاته كالعنب، أو يشمل ما كان ماؤه من الخارج
كالزبيب المنقع في الماء؟ وقد أشرنا إلى إجماله في
عنوان " أشربة " بمناسبة الكلام عن عصير الزبيب.
ويبحث فيه أيضا عن حكم عصير الفواكه
من حيث الحلية والحرمة والطهارة والنجاسة،
خاصة بعد غليانه، وعن الحكم هل يتغير
بالاعتصار، أو يكون حكم العصير حكم
المعتصر منه؟
ويبحث في العنوان الثاني عن شمول حكم الماء
المضاف له، وهو تنجسه بعد ملاقاته للنجس وعدم
تطهره إلا بعد استهلاكه في الماء المعتصم كالكر
والجاري، وقد تقدمت الإشارة إليه أيضا في عنوان
" استهلاك ".
ويأتي الكلام عن حكم الاعتصار بمعنى حبس
البول والغائط، في مكروهات الصلاة والقضاء،
حيث يبحث فيهما عن كراهة الصلاة والقضاء حالة
مدافعة الأخبثين.
ويأتي الكلام عن حكم الاعتصار بمعنى
الرجوع في الهبة تحت عنوان " هبة " إن شاء الله
تعالى.
اعتصام
لغة:
مصدر اعتصم، من عصم بمعنى منع، ومنه
عصام القربة، أي رباطها.
والاعتصام بالله: الامتناع به من الشرور
والمعاصي (1)، ومنه قوله تعالى: * (ومن يعتصم بالله
فقد هدي إلى صراط مستقيم) * (2).
والاعتصام بحبل الله: التمسك به (3)، ومنه
قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا
ولا تفرقوا) * (4).
والظاهر أن الثاني يرجع إلى الأول.
147

اصطلاحا:
استعمل في كلمات الفقهاء في المعنيين التاليين:
1 - اعتصام الماء: عدم انفعاله وتأثره
بالنجاسة بمجرد الملاقاة ما لم يتغير أحد أوصافه
الثلاثة: اللون والطعم والرائحة.
2 - اعتصام الإنسان: عدم جواز التعرض له
ولماله.
والأكثر استعمال الاعتصام بالمعنى الأول،
ويعبر عن الثاني غالبا ب‍ " حقن الدم " وعن
الإنسان المعصوم ب‍ " محقون الدم "، كما يعبر عن الماء
المعتصم ب‍ " الماء المحقون " أيضا.
الأحكام:
1 - اعتصام الماء:
تكلم الفقهاء في اعتصام الماء، عند الكلام عن
أقسامه في كتاب الطهارة، حيث قسموه إلى: معتصم
وغير معتصم، والمعتصم إلى: جار، وكر، وماء
البئر، وماء المطر. وحصروا غير المعتصم بالماء
القليل، وهو الأقل من الكر. ويلحق به الماء المضاف
وإن كان أكثر من الكر، لأنه ينفعل - كالماء القليل -
بمجرد الملاقاة وإن لم يتغير.
والحكم العام في الماء المعتصم هو عدم انفعاله
بمجرد ملاقاته للنجاسة ما لم يتغير بها لونه أو طعمه
أو ريحه، فإذا تغير أحدها بالنجاسة تنجس الماء.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في العناوين
المناسبة، مثل: " بئر "، " جاري "، " كر "، ونحوها.
2 - اعتصام الدم والمال:
يعتصم دم الإنسان وماله وولده الصغار
بأحد أسباب الاعتصام، وهي:
أ - الإقرار بالإسلام:
تقدم في عنوان " إسلام ": أن الإقرار
بالإسلام يتم بإظهار ما يدل عليه كالشهادتين،
وذكرنا أن مما يترتب عليه: عصمة دم المظهر
للشهادتين وماله وولده الصغار، فيحرم على
الآخرين التعرض لذلك كله.
وفي ذلك تفصيل يراجع: أسارى، إسلام.
ب - الدخول في عهد الذمة:
إذا دخل الكتابي - أي الكافر من أهل
الكتاب وهم النصارى واليهود، ويلحق بهم
المجوس - في عهد الذمة، والتزم بشروطها وبذل
الجزية، عصم دمه وماله وولده الصغار ونساؤه.
وسوف يأتي تفصيله في العنوانين: " ذمة "
و " جزية " إن شاء الله تعالى.
ج - الدخول في أمان المسلمين:
إذا استأمن أحد الكفار المسلمين وأعطي له
الأمان، عصم دمه وماله ما دام في الأمان.
وتفصيل ذلك وكيفيته في عنوان " أمان ".
د - الدخول في الصلح مع المسلمين:
إذا عقد الكفار مع المسلمين صلحا، عصمت
148

دماؤهم ونساؤهم وذراريهم وأموالهم، فلا يجوز
التعرض لها.
كل ذلك حسب ما قرروه في عقد الصلح.
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " صلح " إن
شاء الله تعالى.
كانت هذه أهم أسباب اعتصام الدم والمال،
وإن كان هناك شئ آخر فهو يرجع إليها (1).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - أقسام المياه وأحكامها.
ب - المطهرات: الإسلام.
2 - كتاب الجهاد:
أ - الأمان.
ب - الذمة.
ج - الصلح.
اعتقاد
لغة:
مصدر اعتقد، من عقد أي شد، فهو ضد
الحل، يقال: عقد الحبل، إذا شده.
ويستعار للمعاني، فيقال: عقد البيع،
لأنه يشد البائع والمشتري. ويقال لما يدين به
الإنسان: الاعتقاد، لأنه يعقد قلبه عليه فيلزمه
ولا ينزع عنه (1).
اصطلاحا:
استعمل في كلمات الفقهاء بالمعاني التالية:
1 - التدين، والأكثر استعماله في التدين
بأصول الدين وما يلحق بها وقد يعبر عنه
ب‍ " العقيدة " أيضا.
2 - العلم المقرون بالجزم، وهو المعبر عنه
ب‍ " القطع " و " اليقين ".
3 - العلم بمعناه العام الشامل للقطع وغيره
كالظن الغالب، وهو المعبر عنه ب‍ " الاطمئنان ".
وربما يستعمل في غيره أيضا.
الأحكام:
سوف يأتي الكلام تفصيلا عن الاعتقاد بمعنى
القطع في عنوان " قطع "، كما يأتي بمعنى الاطمئنان في
عنوان " اطمئنان "، وإنما نقتصر هنا على بيان بعض
الأحكام العامة للاعتقاد بالمعنيين.
عدم كفاية الظن في الاعتقادات:
للشيخ الأنصاري بحث تفصيلي جامع عن

(1) انظر كشف الغطاء: 396 - 399.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مفردات ألفاظ
القرآن (للراغب الإصفهاني)، والنهاية (لابن الأثير)،
ولسان العرب، والمصباح المنير: " عقد ".
149

عدم كفاية الظن في الأمور الاعتقادية (1) نشير إلى
خلاصته فيما يلي:
نقل في بدو الأمر أقوالا ستة في كفاية الظن في
الأمور الاعتقادية وعدمها، وهي:
1 - عدم كفاية الظن ولزوم العلم فيها عن
طريق الاستدلال، وقال: إنه المعروف عن أكثر
الفقهاء.
2 - لزوم العلم ولو عن طريق التقليد، نسبه
إلى بعض.
3 - كفاية الظن مطلقا، حكاه عن جماعة،
منهم: المحقق نصير الدين الطوسي والمحقق الأردبيلي،
وتلميذه صاحب المدارك، والشيخ بهاء الدين
العاملي (البهائي)، والعلامة المجلسي، والمحدث
الكاشاني، وغيرهم.
4 - كفاية الظن المستفاد من النظر
والاستدلال دون التقليد، وقال: حكي عن الشيخ
البهائي: أنه نسبه إلى بعض.
5 - كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد.
استظهره مما نسبه العلامة إلى الأخباريين.
6 - كفاية الجزم، بل الظن الحاصل من
التقليد، مع كون النظر واجبا مستقلا، لكنه معفو
عنه، واستظهره من الشيخ الطوسي في العدة.
ثم قال: " إن محل الكلام في كلمات هؤلاء
الأعلام غير منقح "، ثم ورد البحث على منهجه،
وخلاصة ما قاله هو: أن المسائل الاعتقادية على
قسمين:
القسم الأول - ما يجب على المكلف الاعتقاد
والتدين به، ولذلك ينبغي له تحصيل العلم به مقدمة
لحصول هذا الاعتقاد (1).
ومن هذا القبيل: الاعتقاد بالتوحيد والمعاد
والنبوة والإمامة.
وقال: إن الإنسان لو كان قادرا على تحصيل
العلم بهذه الأمور فلا يجوز له الاكتفاء بتحصيل
الظن بها، للآيات والأخبار الدالة على وجوب
الإيمان والعلم والتفقه والمعرفة والتصديق والإقرار
والشهادة والتدين وعدم الرخصة في الجهل والشك
ومتابعة الظن، وهي أكثر من أن تحصى (2).
ثم تكلم في جواز الاكتفاء بالاعتقاد الجازم
الحاصل من التقليد، ونقل عن الأكثر عدم جوازه
ولزوم النظر والاستدلال في ذلك، ثم استشهد بكلام
بعضهم.
ثم قال: " وكيف كان: فالأقوى كفاية الجزم
الحاصل من التقليد، لعدم الدليل على اعتبار الزائد
على المعرفة والتصديق والاعتقاد، وتقييدهما
بطريق خاص لا دليل عليه.
مع أن الإنصاف: أن النظر والاستدلال
بالبراهين العقلية للشخص المتفطن لوجوب النظر في

(1) تطرق الشيخ الأنصاري إلى هذا الموضوع في نهاية بحثه
عن حجية الظن، وتبعه بعض من تأخر عنه.
(1) أخر الشيخ الأنصاري هذا القسم في بحثه وقدم القسم
الثاني.
(2) فرائد الأصول 1: 569 - 570.
150

الأصول لا يفيد بنفسه الجزم، لكثرة الشبه الحادثة
في النفس والمدونة في الكتب، حتى إنهم ذكروا شبها
يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم
في فن الكلام، فكيف حال المشتغل به مقدارا من
الزمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعد ذلك
بأمور معاشه ومعاده؟! خصوصا والشيطان يغتنم
الفرصة لإلقاء الشبهات والتشكيك في البديهيات،
وقد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم ولم يحصلوا منها
شيئا إلا القليل " (1).
هذا كله بالنسبة إلى القادر على تحصيل العلم،
وأما غير القادر، فقال: الظاهر عدم وجوب تحصيل
الظن عليه، لأن المفروض عجزه عن الإيمان
والتصديق المأمور به، ولا دليل آخر على عدم جواز
التوقف.
نعم، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى
العالم، ورأى العالم منه التمكن من تحصيل الظن
بالحق، ولم يخف عليه إفضاء نظره الظني إلى الباطل،
فلا يبعد وجوب إلزامه بالتحصيل، لأن انكشاف
الحق - ولو ظنا - أولى من البقاء على الشك فيه (2).
القسم الثاني - ما يجب الاعتقاد والتدين به
إذا حصل العلم به، فلا يجب الاعتقاد به أولا
وبالذات، نعم لو حصل العلم به وجب الاعتقاد به.
ومن هذا القبيل تفاصيل المعارف، كالتفاصيل
المذكورة في التوحيد والمعاد والنبوة والإمامة.
ثم استشهد بكلام الشهيد الثاني وغيره على ما
ادعاه.
ثم اعترف بأن الفرق بين القسمين في غاية
الصعوبة والإشكال، ثم نقل عن العلامة أنه ذكر
أمورا ادعى أن الجاهل بها عن نظر واستدلال
خارج عن ربقة الإيمان، ولا دليل على وجوب
معرفتها كذلك.
ثم قال: " وهو في غاية الإشكال " (1).
وأما بالنسبة إلى ما اختاره هو في هذا القسم،
فإنه قال:
حيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل
المعرفة العلمية في هذا القسم ابتداء، فالأقوى القول
بعدم وجوب العمل فيه بالظن لو فرض حصوله
ووجوب التوقف فيه، للأخبار الكثيرة الناهية عن
القول بغير علم والآمرة بالتوقف.
ثم قال بعد ذكر عدة أخبار في ذلك:
" والمستفاد من هذه الأخبار المصرحة بعدم
اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين - وهو
الظاهر أيضا من جماعة من علمائنا الأخيار،
كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في
الجعفرية وشارحها وغيرهم - هو:
أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه
موجودا واجب الوجود لذاته، والتصديق بصفاته

(1) فرائد الأصول 1: 574.
(2) المصدر المتقدم: 576 - 577.
(1) فرائد الأصول 1: 559.
151

الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة، ونفي
الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث، وأنه
لا يصدر منه القبيح فعلا أو تركا.
والمراد بمعرفة هذه الأمور: ركوزها في اعتقاد
المكلف، بحيث إذا سألته عن شئ مما ذكر، أجاب
بما هو الحق فيه وإن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات
المتعارفة على ألسنة الخواص.
ويكفي في معرفة النبي (صلى الله عليه وآله): معرفة شخصه
بالنسب المعروف المختص به، والتصديق بنبوته
وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني
كونه معصوما بالملكة من أول عمره إلى آخره... ".
ثم ذكر وجها عن المقاصد العلية للقول
بالوجوب، ثم قال:
" نعم، يمكن أن يقال: إن معرفة ما عدا النبوة
واجبة بالاستقلال على من هو متمكن منه بحسب
الاستعداد وعدم الموانع، لما ذكرنا: من عمومات
وجوب التفقه... ".
ثم قال: " ويكفي في معرفة الأئمة صلوات
الله عليهم: معرفتهم بنسبهم المعروف، والتصديق
بأنهم أئمة يهدون بالحق، ويجب الانقياد إليهم
والأخذ منهم.
وفي وجوب الزائد على ما ذكر: من
عصمتهم، الوجهان ".
ثم قال: " ويكفي في التصديق بما جاء به
النبي (صلى الله عليه وآله): التصديق بما علم مجيئه به متواترا، من
أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات والسؤال
في القبر وعذابه والمعاد الجسماني والحساب
والصراط والميزان والجنة والنار إجمالا... ".
ثم تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد
الجسماني في الإيمان المقابل للكفر.
ثم قال: " ويمكن أن يقال: إن المعتبر هو عدم
إنكار هذه الأمور وغيرها من الضروريات،
لا وجوب الاعتقاد بها، على ما يظهر من بعض
الأخبار: من أن الشاك إذا لم يكن جاحدا فليس
بكافر... ".
ثم قال: " وبالجملة، فالقول بأنه يكفي في
الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات،
المنزه عن النقائص، وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وبإمامة
الأئمة (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم، والاعتقاد بالمعاد
الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات
السابقة، غير بعيد، بالنظر إلى الأخبار والسيرة
المستمرة.
أما التدين بسائر الضروريات، ففي
اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم اشتراطه
أيضا، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من
الدين، وجوه أقواها الأخير، ثم الأوسط.
وما استقربناه في ما يعتبر في الإيمان وجدته
بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الأردبيلي
في شرح الإرشاد " (1).

(1) فرائد الأصول 1: 564 - 569، وانظر مجمع الفائدة
3: 189.
152

كان هذا حاصل ما أفاده الشيخ الأنصاري
في بحث طويل جامع. يرجع إليه من أراد التفصيل.
ويراجع أيضا العناوين: " ارتداد "
و " إسلام " و " إشراك " و " إيمان " ونحوها مما يرتبط
بالمقام.
اعتقاد حلية ما هو حرام أو بالعكس:
إن الاعتقاد بحلية ما هو حرام أو بالعكس،
تارة يكون في الضروريات والمسلمات الفقهية التي
لا تقبل الاجتهاد، مثل: تحريم أكثر من أربع نسوة
بالنكاح الدائم، ووجوب القصاص في قتل العمد،
وتحريم شرب الخمر والزنا ونحوها من المسلمات
والضروريات.
وتارة يكون في غيرها التي تقبل الاجتهاد،
ككثير من المسائل الفقهية.
فإن كان من القسم الأول فهو حرام، لأنه
يدخل في دائرة التشريع فيشمله حكمه، بل قد
يدخل تحت عنوان الارتداد.
وإن كان من قبيل الثاني، فتارة يبتني على
اجتهاد صحيح، وتارة على اجتهاد فاسد.
فإن كان من قبيل الأول، فلا إشكال فيه،
وقد وقع من الفقهاء الكثير من أمثال ذلك، لأن
الالتزام بالتخطئة - أي القول بأن حكم الله الواقعي
واحد فقد يصيب المجتهد في التوصل إليه وقد يخطئ -
يستلزم ذلك، إلا أن المجتهد ومقلديه يكونون
معذورين عند عدم الإصابة.
وإن كان من قبيل الثاني، فهو حرام، كاعتقاد
بعض من لا قدرة له على أدنى مراتب الاجتهاد
بحلية شئ مع كونه حراما في الواقع.
ووجه حرمته: أنه قول بغير علم فتشمله
أدلة حرمته، مثل قوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك
به علم) * (1) والأخبار الناهية عن العمل بالظن
مطلقا (2)، وبالرأي والقياس على الخصوص (3).
ما يترتب على الاعتقاد الفاسد:
يترتب على الاعتقاد الفاسد أمور أربعة
إجمالا، وهي: العقوبة، والضمان، والقضاء،
والكفارة، وفقا للبيان الآتي:
أولا - العقوبة:
العقوبة إما أخروية أو دنيوية:
أما الأخروية، فهي تترتب على الاعتقاد
الفاسد في مجال العقيدة، وفي مجال التشريع إذا كان
من القسم المحرم، كما تقدم توضيحه.

(1) الإسراء: 36، ومثله: قوله تعالى: * (قل أألله أذن لكم
أم على الله تفترون) *. يونس: 59، وقوله تعالى:
* (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) *. يونس: 36.
(2) مثل قوله (عليه السلام): " من أفتى الناس بغير علم كان
ما يفسده أكثر مما يصلحه ". مستدرك الوسائل
17: 248، الباب 4 من أبواب صفات القاضي،
الحديث 14.
(3) انظر الوسائل 27: 35، الباب 6 من أبواب صفات
القاضي. وانظر فرائد الأصول 1: 132.
153

وأما الدنيوية، فهي تترتب على بعض
الاعتقادات الفاسدة في مجال العقيدة كالارتداد مثلا.
وتترتب أيضا على بعض الاعتقادات
الفاسدة في مجال التشريع، كالمبتدع الذي يسعى في
جعل بدعة في مجال التشريع، فيجب نهيه، لأن فعله
منكر والنهي عن المنكر واجب، فإن لم يرتدع
بالمراتب الأولية كالنهي اللساني والمهاجرة والمقاطعة
ونحوها يصل الدور إلى الضرب، وهو موكول إلى
من بيده الأمر شرعا لو كان مبسوط اليد.
ويختلف مقدار العقوبة باختلاف أهمية البدعة
وخطرها، وتشخيصه بيد الحاكم.
ثانيا - الضمان:
يترتب الضمان على الاعتقاد الفاسد في مجال
التشريع، كما إذا شهد الشاهد على أمر مالي وكان
يعتقد صحة شهادته، ثم رجع عنها لتبدل اعتقاده
بعد استيفاء المشهود له المال بحكم الحاكم. فهنا
يضمن الشاهد المال بالنسبة (1) - أي نصف ذلك المال
لو شهد به اثنان - وكذا لو أخطأ الحاكم، كما لو حكم
بقتل شخص لثبوت ما يوجب القتل - كالارتداد، أو
القصاص، أو غيرهما - ثم تبين له خطؤه، فتجب
الدية، ولكن لما ثبت أن خطأ الحكام من بيت المال،
فتدفع الدية من بيت المال (2).
والموارد من هذا القبيل كثيرة (1).
ثالثا - القضاء:
يترتب القضاء على فساد الاعتقاد أحيانا لو
عمل طبقه في مجال التشريع، كمن أفطر باعتقاد
دخول الليل، فتبين له أن الليل لم يدخل بعد،
فيجب عليه القضاء إجمالا بناء على بعض الآراء،
لأن المسألة مختلف فيها، فبعضهم أوجب القضاء
ولو كان معتقدا بدخول الليل اعتقادا جازما (2)،
وبعضهم أوجبه في صورة حصول الظن غير المعتبر
أو الشك، وأما في صورة حصول القطع أو الظن
المعتبر - كالبينة - فلا يجب القضاء (3).
وهناك تفصيلات أخرى (4) نوكل بيانها إلى
محلها المناسب.
راجع: صوم.
رابعا - الكفارة:
تترتب الكفارة على بعض موارد فساد
الاعتقاد في مجال التشريع أيضا، ومن ذلك موارد

(1) انظر الجواهر 41: 237 - 238.
(2) انظر الجواهر 40: 79.
(1) انظر الجواهر 41: 541 و 225 وما بعدها.
(2) انظر: الجواهر 16: 287، والعروة الوثقى كتاب
الصوم، فصل فيما يجب فيه القضاء دون الكفارة،
الثامن.
(3) انظر المستمسك 8: 390 - 391.
(4) انظر: مستند الشيعة 10: 289 - 297، ومستند
العروة (كتاب الصوم) 1: 396.
154

قتل الخطأ، كما لو تخيل له شئ أنه حيوان فقتله، ثم
تبين أنه كان إنسانا، فتجب على القاتل حينئذ الدية
والكفارة (1). ومنه ما لو قتل شخصا في دار الحرب
بتصور أنه كافر، فتبين أنه مسلم، فتجب عليه
الكفارة أيضا (2).
مظان البحث:
أصل البحث عما يجب الاعتقاد به وما
لا يجب، إنما يبحث عنه في علم الكلام، وتطرق إليه
الشيخ الأنصاري في آخر مباحث الظن في الأصول
بمناسبة جواز التعبد بالظن في الاعتقادات، وتبعه
بعضهم، نعم تطرق إليه بعض الفقهاء بالمناسبة عند
بيان حقيقة الإسلام والإيمان عند التعرض لهما، وقد
سبق أن ذكرنا مظان البحث عنهما في العنوانين:
" ارتداد " و " إسلام ".
اعتقال
لغة:
مصدر اعتقل، بمعنى حبس ومنع، وهو من
عقل، أي شد. يقال: عقلت البعير، إذا شددته
بالعقال، وهو الرباط.
واعتقال اللسان: حبسه ومنعه عن الكلام (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنيين المتقدمين، وهما:
1 - حبس الإنسان أو الحيوان ومنعه، إما
بتقييده أو بوضعه في موضع محصور، أو نحو ذلك.
2 - حبس اللسان عن الكلام، لطرو عارض
عليه - كالمرض ونحوه - يؤدي بصاحبه إلى العجز
عن التكلم.
وسوف يأتي الحديث عن أحكام الاعتقال
بمعنى السجن في عنوان " حبس "، حيث يبحث فيه
عن موارده وما يترتب عليه من أحكام.
كما يأتي الكلام عن أحكامه بمعنى عجز
اللسان عن التكلم في العنوانين: " خرس "
و " وصية "، حيث يبحث في الأول عن الاعتقال
الدائم وغيره وما يترتب عليه، مثل القراءة في
الصلاة، والإقرار، والشهادة، ونحوها، ويبحث في
الثاني عن وصية من اعتقل لسانه.

(1) انظر الجواهر 43: 407، و 33: 169.
(2) انظر الجواهر 43: 409، لكن يمكن أن يقال في هذا
وسابقه: إن الكفارة مترتبة على القتل لا الاعتقاد
الفاسد. نعم نوعها مترتب عليه، لأن الكفارة في قتل
العمد كفارة جمع وفي كفارة الخطأ كفارة ترتيب.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب:
" عقل ".
155

اعتكاف
لغة:
الإقامة على الشئ وبالمكان ولزومهما (1).
وأصله من عكف، بمعنى أقبل على الشئ
مواظبا (2)، لا يصرف وجهه عنه (3).
اصطلاحا:
عرف بعدة تعاريف، منها:
1 - أنه " اللبث المتطاول للعبادة " (4).
2 - أو " لبث مخصوص للعبادة " (5).
3 - أو " اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام
فصاعدا صائما للعبادة " (6).
الأحكام:
مشروعية الاعتكاف:
لا إشكال في مشروعية الاعتكاف، ويدل
عليها الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فمنه قوله تعالى: * (طهرا بيتي
للطائفين والعاكفين) * (1)، وقوله تعالى: * (ولا تباشروهن
وأنتم عاكفون في المساجد) * (2).
وأما السنة، فهي قولية وعملية.
أما القولية، فمثل ما ورد في فضل الاعتكاف
وشروطه وأحكامه، وهي كثيرة (3).
وأما العملية، فمثل ما ورد من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)
وأنه كان يعتكف بمسجده في شهر رمضان وخاصة
العشر الأواخر منه (4).
وأما الإجماع، فلأنا لا نرى خلافا في
مشروعية الاعتكاف بين المسلمين.
فضل الاعتكاف:
يكفي الاعتكاف فضلا التزام رسول الله (صلى الله عليه وآله)
به، فقد روي: أنه " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان
العشر الأواخر، اعتكف في المسجد، وضربت له قبة
من شعر، وشمر المئزر، وطوى فراشه " (5).
وروي: أنه " كانت بدر في شهر رمضان، فلم
يعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أن كان من قابل
اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرين: عشرا لعامه،

(1) لسان العرب: " عكف ".
(2) الصحاح: " عكف ".
(3) ترتيب كتاب العين: " عكف ".
(4) شرائع الإسلام 1: 215.
(5) التذكرة 6: 239.
(6) الدروس 1: 298.
(1) البقرة: 125.
(2) البقرة: 187.
(3) انظر الوسائل 10: 533، وما بعدها، من أبواب
الاعتكاف.
(4) انظر المصدر المتقدم: الباب الأول.
(5) المصدر المتقدم: الحديث الأول.
156

وعشرا قضاء لما فاته " (1).
وغيرها من الروايات الدالة على التزام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه العبادة.
الحكمة في مشروعية الاعتكاف:
في الاعتكاف رياضة روحية وتربية نفسية،
لما يتضمن من التزام وتعهد بترك أمور مباحة،
والإقبال والعكوف على طاعة الله عز وجل، هذا
مضافا إلى ما في الصوم - الذي هو شرط
للاعتكاف - من آثار إيجابية جيدة للغاية.
فالحكمة إذن في مشروعية الاعتكاف هي
تربية النفوس.
أقسام الاعتكاف:
الأصل في الاعتكاف أن يكون مندوبا، لكن
قد يجب لعارض، كالنذر واليمين وشبههما (2).
أما الواجب، فإن كان معينا - كما إذا نذر
اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان المقبل -
فينوي فيه الوجوب بالشروع فيه، وقد ادعي عدم
الخلاف فيه (3).
وإن كان مطلقا، كما إذا نذر أن يعتكف عشرة
أيام ولم يعينها، فالمشهور - على ما قيل - أنه ينوي
فيه الوجوب بالدخول فيه أيضا (1). ولكن استشكل
فيه صاحب المدارك (2)، ولم يستبعد كونه كالمندوب
ومال إليه صاحب الجواهر (3)، بل قواه النراقي (4)،
واختاره السيد اليزدي (5).
وأما المندوب فقد اختلفوا في أنه هل يصير
واجبا بالشروع فيه، أو بمضي يومين، أو لا يصير
واجبا أصلا؟ فيه أقوال:
الأول - أنه يصير واجبا بمجرد الشروع فيه.
وهو قول الشيخ الطوسي في المبسوط (6)، وأبي
الصلاح في الكافي (7)، وابن زهرة في الغنية (8). وقواه
صاحب الجواهر (9).
الثاني - أنه يصير واجبا بمضي يومين، فيجب
إتمام الاعتكاف في اليوم الثالث. وهو قول ابن
الجنيد (10)، وابن البراج (11)، والمحقق في

(1) الوسائل 10: 533، الباب الأول من أبواب
الاعتكاف، الحديث 2.
(2) انظر: الكفاية: 54، ومستند الشيعة 10: 561،
والجواهر 17: 190، والمستمسك 8: 538.
(3) انظر الجواهر 17: 190.
(1) انظر الجواهر 17: 190.
(2) المدارك 6: 339.
(3) انظر الجواهر 17: 190.
(4) مستند الشيعة 10: 561.
(5) العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، المسألة 5.
(6) المبسوط 1: 289، واستثنى ما لو شرط التحلل، فإن
شرط فله الخروج من الاعتكاف ما لم يمض يومان.
(7) الكافي في الفقه: 186.
(8) غنية النزوع: 147.
(9) الجواهر 17: 191 - 192.
(10) نسبه إليه العلامة، انظر المختلف 3: 581.
(11) المهذب 1: 204.
157

الشرائع (1)، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية (2)، بل
نسب إلى أكثر القدماء والمتأخرين (3)، واستفاضت
حكاية الشهرة عليه، كما قيل (4).
الثالث - أنه لا يصير واجبا، مطلقا، لا قبل
اليومين ولا بعدها. وهو قول السيد المرتضى (5)
وابن إدريس (6) والعلامة في جملة من كتبه (7).
وقال المحقق الحلي في المعتبر: " إنه الأشبه
بالمذهب " (8)، وقواه السبزواري (9).
اشتراط الرجوع في الاعتكاف:
قال العلامة: " يستحب للمعتكف أن يشترط
على ربه في الاعتكاف: أنه إن عرض له عارض أن
يخرج من الاعتكاف، بإجماع العلماء... " (10).
والكلام فيه يتم ببيان أمور أربعة:
1 - مشروعية هذا الاشتراط:
قال صاحب المدارك في مشروعية الاشتراط:
"... وهو مقطوع به في كلام الأصحاب وغيرهم " (1).
ثم استشهد بروايات - فيها الصحاح -
تتضمن صحة هذا الشرط، وفي بعضها: " وينبغي
للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي
يحرم " (2).
2 - محل الاشتراط:
إذا كان الاعتكاف مندوبا - أي متبرعا به -
فمحله عند نية الاعتكاف والدخول فيه (3).
وإن كان منذورا فقد اختلفوا في أن محله هو
عقد النذر أو نية الاعتكاف (4).
3 - صيغة الاشتراط:
اختلفوا في صيغة الاشتراط، فقيل: يشترط
الرجوع إذا شاء من دون تقييده بعروض عارض
أو عذر.
اختار هذه الصيغة الشهيد الأول في الدروس (5)،

(1) شرائع الإسلام 1: 216.
(2) النهاية: 171.
(3) انظر: الرياض 5: 516 - 517، ومستند الشيعة
10: 562.
(4) انظر المصدرين المتقدمين.
(5) الناصريات: 300، المسألة: 135.
(6) السرائر 1: 422.
(7) انظر: التذكرة 6: 285، والمنتهى (الحجرية) 2: 637،
والمختلف 3: 582.
(8) المعتبر: 324.
(9) انظر: الكفاية: 54، والذخيرة: 539.
(10) التذكرة 6: 305.
(1) المدارك 6: 339.
(2) الوسائل 10: 552، الباب 9 من أبواب الاعتكاف،
الحديث الأول.
(3) انظر: المدارك 6: 340، والحدائق 13: 484، ومستند
الشيعة 10: 566.
(4) انظر: المصادر المتقدمة، والجواهر 17: 195 - 196.
(5) الدروس 1: 301.
158

وتبعه جماعة (1)، بل قال صاحب الحدائق:
" والمفهوم من عبائر كثير من الأصحاب هو جواز
اشتراط الخروج مطلقا " (2).
وقيل: يشترط الرجوع إذا عرض له
عارض. واختاره جماعة، كالشيخ (3) وابن
إدريس (4) والمحقق في المعتبر (5) والعلامة (6) وغيرهم.
واختلفوا في المراد من " العارض " هل هو
خصوص العذر المجوز لفسخ الاعتكاف كما في
الإحرام، مثل المرض ونحوه مما لا يكون اختياريا،
أو مطلق ما يعرض للإنسان وإن لم يكن مجوزا
للفسخ؟
ظاهر بعضهم الأول، كالشهيد الثاني (7)،
والأردبيلي (8)، لكن في الواجب لا المندوب، لأنه
يمكن تجويز الشرط فيه على الإطلاق.
وظاهر بعض آخر هو الثاني كصاحب المدارك (9)،
والسبزواري (1)، والنراقي (2)، والإمام الخميني (3).
4 - ثمرة اشتراط الخروج:
إذا قلنا بجواز اشتراط الخروج من الاعتكاف
مطلقا ولم نقيده بعروض العارض، فيجوز الخروج
من الاعتكاف في جميع الأيام، سواء كان واجبا
أو مندوبا.
لكن لو خصصنا الشرط بعروض عارض
وقلنا: إنه مطلق العارض فيجوز الخروج بعروض
مطلق العارض، وإن كان اختياريا.
وإن قيدناه بكونه عارضا خارجا عن
الاختيار، كالمرض والخوف، ونحوهما من الأعذار
الموجبة لفسخ الاعتكاف، فلم تبق ثمرة للاشتراط،
لأنه يجوز الخروج بتلك الأعذار من الاعتكاف وإن
لم يشترط ذلك عند الدخول فيه (4).
وقيل: تظهر الفائدة في سقوط القضاء إذا
اشترط الرجوع في الاعتكاف المندوب والواجب المعين
- وهو الاعتكاف المنذور إيقاعه في زمان معين - فلو
خرج من الاعتكاف مع اشتراطه لم يجب عليه القضاء (5).

(1) انظر: الرياض 5: 519، والجواهر 17: 195،
والمستمسك 8: 582، ومستند العروة الوثقى (الصوم)
2: 443، وانظر أيضا متنهما العروة الوثقى.
(2) الحدائق 13: 486.
(3) المبسوط 1: 289.
(4) السرائر 1: 424.
(5) المعتبر: 324.
(6) انظر: التذكرة 6: 305، والمنتهى (الحجرية) 2: 638.
(7) المسالك 2: 107.
(8) مجمع الفائدة 5: 360 - 361.
(9) المدارك 6: 341.
(1) الكفاية: 54.
(2) مستند الشيعة 10: 565 - 566.
(3) تحرير الوسيلة 1: 281، الاعتكاف، القول في
شروطه، المسألة 13.
(4) انظر: المدارك 6: 342، والحدائق 13: 488.
(5) انظر المصدرين المتقدمين، والمستمسك 8: 592،
ومستند العروة (الصوم) 2: 468.
159

وأما الواجب المطلق - وهو الاعتكاف
المنذور من دون تعيين زمان لإيقاعه فيه - ففي
وجوب القضاء فيه وعدمه قولان:
فمنهم من قال بوجوب استئنافه، كالمحقق (1)،
والعلامة في بعض كتبه (2)، والشهيد الثاني (3)،
وسبطه صاحب المدارك (4). ومال إليه صاحب
الرياض (5) والنراقي (6). ونسب إلى الشهيد
الأول، لكن الموجود في الدروس ظاهر في القول
الثاني (7).
ومنهم من قال بعدم وجوبه، كالعلامة في
بعض كتبه (8)، والسادة: اليزدي (9) والحكيم (10)
والخوئي (11) والخميني (12).
والظاهر من كلام ابن إدريس: أنه يبني على
ما خرج منه فيتمه ولا يستأنفه (1).
المكان الذي يصح فيه الاعتكاف:
قال صاحب المدارك: " أجمع العلماء كافة على
أن الاعتكاف لا يقع إلا في مسجد، وإنما اختلفوا في
تعيينه... " (2).
والأقوال المذكورة في ذلك هي كالآتي:
الأول - أنه المساجد الأربعة، وهي: المسجد
الحرام، ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، ومسجد الكوفة،
ومسجد البصرة.
وعلل ذلك: بأن الاعتكاف لا يكون إلا في
مسجد صلى فيه النبي أو وصيه جمعة أو جماعة
- على الخلاف - وهي الأربعة المذكورة، أما
الأولان فواضح، وأما الأخيران، فلأن عليا (عليه السلام)
صلى فيهما.
واختار هذا القول: السيد المرتضى (3)،
والشيخ الطوسي (4)، والحلبي (5)، وسلار (6)، والقاضي (7)،

(1) المعتبر: 325.
(2) انظر: التذكرة 6: 307، والمنتهى (الحجرية) 2: 638.
(3) المسالك 2: 108.
(4) المدارك 6: 343.
(5) الرياض 5: 521.
(6) مستند الشيعة 10: 567.
(7) الدروس 1: 301، ونسب إليه ذلك في المدارك
6: 343، والحدائق 13: 488.
(8) المختلف 3: 599، وعلله: " بأن فائدة الشرط سقوط
القضاء ".
(9) العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، المسألة 41.
(10) المستمسك 8: 585.
(11) مستند العروة الوثقى (الصوم) 2: 448 - 450.
(12) تحرير الوسيلة 1: 282، القول في أحكام الاعتكاف،
المسألة 2.
(1) السرائر 1: 423.
(2) المدارك 6: 321.
(3) الانتصار: 72.
(4) المبسوط 1: 289.
(5) الكافي في الفقه: 186، إلا أنه ذكر بدل " المسجد
الحرام ": " مكة ".
(6) المراسم: 99.
(7) المهذب 1: 204.
160

وابن حمزة (1)، وابن زهرة (2)، وابن إدريس (3)،
والعلامة (4)، والبحراني (5)، والطباطبائي (6)، والإمام
الخميني (7)، وغيرهم.
الثاني - أنه المساجد الأربعة، ولكن بإبدال
مسجد البصرة بمسجد المدائن، وهذا قول علي بن
بابويه، على ما نقل عنه (8).
الثالث - أنه المساجد الأربعة المذكورة
في القول الأول بإضافة مسجد المدائن، وهذا
قول محمد بن علي بن بابويه الصدوق (9).
الرابع - أنه المسجد الأعظم، أو الجامع من
كل بلد، وهو قول المفيد (10)، والمحقق الحلي (11)،
والشهيدين (1)، والمحقق الثاني (2)، والمحقق
الأردبيلي (3) وصاحب المدارك (4)، والسبزواري (5)،
والنراقي (6)، وصاحب الجواهر (7)، والسيدين:
اليزدي (8)، والخوئي (9).
الخامس - أنه يجوز إتيانه في كل مسجد،
ذهب إليه ابن أبي عقيل - كما نسب إليه (10) - والسيد
الحكيم (11)، لكن قيده الحكيم بكونه مما تنعقد به
جماعة صحيحة.
تنبيه:
اشتراط كون الاعتكاف في المسجد عام

(1) الوسيلة: 153، قال: " وروي مسجد المدائن ".
(2) الغنية: 146.
(3) السرائر 1: 421.
(4) انظر: المختلف 3: 578، والتذكرة 6: 244 - ونسبه
إلى أكثر علمائنا - وغيرهما.
(5) الحدائق 13: 468.
(6) الرياض 5: 506 - 510.
(7) تحرير الوسيلة 1: 279، كتاب الاعتكاف، شروطه:
الخامس، وقال: " وفي غيرها محل إشكال، فلا يترك
الاحتياط في سائر المساجد الجامعة بإتيانه رجاء،
ولاحتمال المطلوبية ".
(8) نقله عنه ابن إدريس الحلي في السرائر 1: 421،
والعلامة في المختلف 3: 576.
(9) المقنع: 66.
(10) المقنعة: 363.
(11) انظر: المعتبر: 323، والشرائع 1: 216.
(1) انظر: اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 150،
والمسالك 2: 99.
(2) جامع المقاصد 3: 98.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 5: 367، لكن قيده بكونه مما
تقام فيه جماعة.
(4) المدارك 6: 323.
(5) الكفاية: 54.
(6) مستند الشيعة 10: 553.
(7) الجواهر 17: 170 - 173.
(8) العروة الوثقى: الاعتكاف، شروطه: السادس.
(9) مستند العروة الوثقى (الصوم) 2: 357. وانظر منهاج
الصالحين 1: 289، خاتمة في الاعتكاف، شروطه: الرابع.
(10) نسبه إليه العلامة في المختلف 3: 578.
(11) انظر: المستمسك 8: 548، ومنهاج الصالحين (للسيد
الحكيم) 1: 403، خاتمة في الاعتكاف، شروطه:
الرابع.
161

يشمل الرجل والمرأة. قال العلامة: " ليس للمرأة
الاعتكاف في مسجد بيتها - وهو الذي عزلته وهيأته
للصلاة فيه - لأنه ليس له حرمة المساجد، وليس
مسجدا حقيقة، ولهذا يجوز تبديله وتوسيعه
وتضييقه، فلم يكن مسجدا حقيقة، فأشبه سائر
المواضع " (1).
وقال صاحب المدارك في ذلك: " هذا قول
علمائنا أجمع، ووافقنا عليه أكثر العامة " (2).
الزمان الذي يصح فيه الاعتكاف:
لم يذكر الفقهاء زمانا خاصا للاعتكاف،
لكن لما كان الاعتكاف مشروطا بالصوم، فلابد
من أن يكون في زمان يصح فيه الصوم من حيث
الزمان والمعتكف. فإذا لم يصح الصوم من هاتين
الجهتين فلا يصح الاعتكاف.
وبناء على ذلك، فلا يصح الاعتكاف في
يومي العيدين، لحرمة الصوم فيهما، كما لا يصح في
زمان الحيض والنفاس، لعدم صحة الصوم فيهما
أيضا، وأما في حالة السفر، فسيأتي عن قريب بيان
حكمه.
أفضل الأزمنة للاعتكاف:
أفضل أوقات الاعتكاف هي العشر الأواخر
من شهر رمضان (1)، فقد ورد: أنه " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف
في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر المئزر،
وطوى فراشه " (2).
وورد أيضا: أنه " اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
شهر رمضان في العشر الأولى، ثم اعتكف في الثانية
في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر
الأواخر، ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله) يعتكف في العشر
الأواخر " (3).
شرائط صحة الاعتكاف:
ذكر الفقهاء لصحة الاعتكاف شروطا نشير
إليها إجمالا فيما يلي:
1 - الإسلام:
الاعتكاف كسائر العبادات لا يصح من غير
المسلم، لاحتياج العبادات إلى قصد القربة، وهي
غير حاصلة منه (4)، كما تقدم في عنوان " إسلام ".

(1) التذكرة 6: 247.
(2) المدارك 6: 326.
(1) انظر: التذكرة 6: 240، والمستمسك 8: 538،
ومستند العروة (الصوم) 2: 325، ومتنهما العروة
الوثقى.
(2) الوسائل 10: 533، الباب الأول من أبواب
الاعتكاف، الحديث الأول.
(3) الوسائل 10: 534، الباب الأول من أبواب
الاعتكاف، الحديث 4.
(4) انظر: الشرائع 1: 215، والتذكرة 6: 241، والمسالك
2: 92، والمدارك 6: 310، والجواهر 17: 161.
162

2 - العقل:
لا يصح الاعتكاف من المجنون المطبق، وأما
الأدواري، فلا يصح منه زمان جنونه، وأما زمان
إفاقته، فيصح منه، لصحة تكليفه حينئذ (1).
3 - البلوغ:
صحة اعتكاف غير البالغ وعدمها مبنية على
مشروعية عبادة الصبي وعدمها. فلو قلنا
بمشروعيتها صح اعتكافه، وإن قلنا بعدم
مشروعيتها لم يصح اعتكافه، ولكل من الوجهين
قائل (2).
4 - النية:
لما كان الاعتكاف من العبادات فهو
بحاجة إلى نية، ويكفي فيها قصد القربة - أي إتيان
الفعل قربة إلى الله تعالى - بناء على المعروف بين
المتأخرين من عدم وجوب شئ آخر غيره، مثل
قصد الوجه، أي قصد كونه واجبا أو مندوبا.
وأما بناء على وجوبه، فإن كان الاعتكاف
واجبا بنذر وشبهه، فينوي فيه الوجوب.
وإن كان مندوبا، فهل ينوي الندب لا غير،
أو ينوي كونه ندبا ابتداء، ثم يصير واجبا بعد
الشروع فيه أو بعد مضي يومين، على اختلاف
القولين، أو يجدد النية بعد الشروع أو بعد
مضي يومين، فينوي الوجوب؟ فيه وجوه،
بل أقوال (1).
5 - الصوم:
لا يصح الاعتكاف بدون الصوم، للروايات
المستفيضة في أنه " لا اعتكاف إلا بصوم " (2).
قال صاحب المدارك بعد ذكر هذا الشرط:
" هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب " (3)، وقال
صاحب الجواهر: " الإجماع بقسميه عليه " (4).
وصرح جملة من الفقهاء: أنه لا يشترط أن
يكون الصوم للاعتكاف، بل الشرط هو مقارنة
الصوم للاعتكاف، فلذلك يصح جعل الاعتكاف في
شهر رمضان، أو في أيام يقضى فيه صوم شهر
رمضان، أو في الأيام التي يستحب فيها الصوم (5).

(1) انظر التذكرة 6: 241، والمستمسك 8: 539، ومستند
العروة (الصوم) 2: 329، ومتنهما العروة الوثقى.
(2) انظر: التذكرة 6: 241، والمسالك 2: 92، والمدارك
6: 310.
(1) انظر: المدارك 6: 310 - 311، والجواهر 17: 161 -
164، والمستمسك 8: 539 - 541، ومستند العروة
(الصوم) 2: 329 - 334، ومتنهما العروة الوثقى.
(2) الوسائل 10: 536، الباب 2 من أبواب الاعتكاف،
الأحاديث 3، 4، 5، 6 وغيرها.
(3) المدارك 6: 314.
(4) الجواهر 17: 164.
(5) انظر: المعتبر: 321، والتذكرة 6: 249، والمسالك
2: 93، والمدارك 6: 315، ومستند الشيعة 10:
545، والجواهر 17: 164، وغيرها.
163

لكن استشكل الشهيد الثاني (1) في إيقاع
الاعتكاف الواجب في الصوم المندوب، وتابعه
سبطه (2) في خصوص الواجب المعين لا المطلق،
لأن المنافاة التي ذكرها الشهيد بين مندوبية
الصوم ووجوب المضي في الاعتكاف الواجب إنما
تكون في المعين، أما المطلق فيجوز قطعه قبل
اليوم الثالث كالمندوب.
وبناء على شرطية الصوم في صحة
الاعتكاف، لا يصح الاعتكاف في زمان لا يصح
فيه الصوم، مثل يومي العيدين، وحالة النفاس
والحيض، لعدم صحة الصوم في هذه الظروف،
كما تقدم.
وأما الاعتكاف في حالة السفر، فإن كان
الاعتكاف واجبا، فلا يصح إيقاعه فيه، لعدم صحة
الصوم الواجب في السفر.
وإن كان ندبا، فصحته مبنية على صحة
الصوم المندوب في السفر، كما ذهب إليه جماعة (3).
نعم، صرح بعضهم - مثل ابني بابويه - بجوازه
في السفر مع عدم قولهم بصحة الصوم المندوب فيه (4).
6 - العدد اللازم:
لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام فصاعدا،
قال المحقق: " قد أجمع فقهاؤنا أنه لا يصح أقل
من ثلاثة أيام بليلتين " (1)، وقال العلامة: " لا يجوز
الاعتكاف عند علمائنا أقل من ثلاثة أيام
بليلتين متواليات " (2).
ويدل عليه: ما ورد: من أنه " لا يكون
الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ".
واليوم هو: ما بين طلوع الفجر إلى غروب
الشمس، ولا يدخل الليل فيه إلا بالقرائن (3).
نعم، ذهب المشهور إلى دخول الليلتين
المتوسطتين لدليل خارج (4). لكن الظاهر من الشيخ
الطوسي عدم دخولهما أيضا (5).
وفي مقابل هؤلاء من قال بدخول الليلة
الأولى أيضا (6)، بل حكي عن بعضهم دخول

(1) المسالك 2: 93.
(2) المدارك 6: 315.
(3) انظر: المبسوط 1: 285، والوسيلة: 149، والسرائر
1: 394، والشرائع 1: 197، والمختلف 3: 585،
والدروس 1: 270، وجامع المقاصد 3: 83، وغيرها،
لكن صرح أكثرهم بجوازه على نحو الكراهة.
(4) انظر: المقنع: 63، والمختلف 3: 585.
(1) المعتبر: 322.
(2) التذكرة 6: 242.
(3) انظر المدارك 6: 317.
(4) انظر المصدر المتقدم، والجواهر 17: 167.
(5) المبسوط 1: 291 - 292، فإنه قال: " وإذا نذر
اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل
طلوع الفجر من أول يومه إلى بعد الغروب من ذلك
اليوم، وكذلك اليوم الثاني والثالث. هذا إذا أطلقه، وإن
شرط التتابع لزمه الثلاثة أيام بينهما ليلتان... ".
(6) رجح الشهيد الثاني هذا القول ونسبه إلى العلامة
وجماعة. انظر: المسالك 2: 93 - 94، والمختلف
3: 584.
164

الليلة الرابعة، لأن اليوم يلحظ مع الليلة المقبلة له (1).
وإذا نذر الاعتكاف واشترط فيه التتابع لفظا
أو معنى، وجب عليه مراعاة التتابع.
والمراد من الاشتراط اللفظي: التصريح به في
النذر، ومن الاشتراط المعنوي: أن يدل عليه العقد
بالالتزام، كما إذا نذر اعتكاف شهر رمضان، فإن
لازمه التتابع في اعتكافه، لأن الشهر يدل على
مجموعة الأيام الواقعة بين الهلالين.
وإن لم يشترط التتابع، لم يجب عليه ذلك،
لكن يعتكف ثلاثة ثلاثة، لأنه لا يصح الاعتكاف
أقل من ثلاثة أيام، فإن بقي أقل من ثلاثة جاز
تفريقه عنها أيضا، ويجب أن يضيف إليه ما يكمل به
الثلاثة، هذا على المشهور (2).
لكن نقل عن بعضهم عدم وجوب الإكمال،
لأن بالنذر يصير مجموعة واحدة (3).
7 - إذن من له الولاية على المنع:
تتوقف صحة الاعتكاف على إذن الزوج
وإذن السيد، لأن الاعتكاف مناف لحق الزوج في
الاستمتاع، وحق السيد في الاستخدام. ولو أذن
الزوج أو السيد فله المنع منه قبل التلبس أو بعده ما
لم يصل إلى حد الوجوب - على ما مضى من تفصيل
الآراء فيه - فإذا وصل إليه، فلا أثر للنهي حينئذ (1).
وعلل لزوم إذن الزوج بتعليلات أخرى، من
قبيل: حرمة اللبث خارج البيت على الزوجة دون
إذن الزوج، وعدم صحة الصوم المندوب دون إذن
الزوج، بناء على القول به، ونحوها.
ولذلك لو أذن في خروجها من البيت لكن
نهى عن خصوص الاعتكاف لم يؤثر نهيه بناء على
بعض الآراء، لعدم الدليل على لزوم إطاعة الزوج في
غير ما ينافي حق الاستمتاع (2).
وذكر الشهيد في الدروس الولد مع الزوجة
والمملوك، واستقرب لزوم إذن الأجير والضيف
أيضا (3).
أما بالنسبة إلى الولد والضيف، فإن وقع
الاعتكاف في صوم مندوب، فقد بناه الشهيد
الثاني (4) وسبطه صاحب المدارك (5) وبعض من

(1) نقله صاحب المدارك عن بعض الأصحاب، ثم قال:
" وهو بعيد جدا، بل مقطوع بفساده ". انظر المدارك
6: 317.
(2) انظر: المسالك 2: 97، والمدارك 6: 320، والجواهر
17: 169 - 170.
(3) انظر: الروضة البهية 2: 154، ومجمع الفائدة 5: 370
- 371، والمستمسك 8: 566، ومستند العروة
(الصوم) 2: 402، ومتنهما العروة الوثقى.
(1) انظر: التذكرة 6: 250 - 251، والمسالك 2: 100،
والمدارك 6: 326 - 327، والجواهر 17: 175.
(2) انظر: المستمسك 8: 550، ومستند العروة (الصوم)
2: 361 - 362.
(3) الدروس 1: 298.
(4) المسالك 2: 100.
(5) المدارك 6: 326.
165

تأخر عنهما (1) على الخلاف المذكور في الصوم
المندوب، وأنه هل تتوقف صحته على إذن الوالد
أو لا؟
ومحل البحث فيه " الصوم المكروه " في عنوان
" صوم ".
لكن بناه بعض الفقهاء على حصول الإيذاء
وعدمه، فإن كان الاعتكاف مع عدم الإذن من
الوالد أو مع نهيه مستلزما لإيذائه فيحرم، وحرمة
العبادة تقتضي فسادها (2).
وبناء على هذا التعليل فلا فرق بين الوالد
والوالدة، لأن إيذاءهما حرام معا.
وفي الفقهاء من منع حرمة الإيذاء أيضا بهذا
المقدار (3).
وأما الأجير، فإن كان الاعتكاف منافيا
للإجارة فلا إشكال في توقف صحته على إذن
المستأجر، كما إذا استؤجر شخص للخدمة في زمان
خاص خارج المسجد، فاشتغل الأجير في ذلك
الوقت بالاعتكاف.
وإن لم يكن منافيا فلا مانع منه، كما لو
استؤجر للصلاة عن ميت، فصلاها حال
الاعتكاف (1).
وهناك فروض أخرى للمسألة أيضا.
8 - استدامة اللبث في المسجد:
قال المحقق الحلي: " ولا يجوز الخروج من
الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه، وعليه
اتفاق العلماء " (2).
وقال العلامة الحلي: " لا يجوز للمعتكف
الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه
إلا لضرورة بإجماع العلماء كافة " (3).
وذلك لما ورد: أنه " لا يخرج المعتكف من
المسجد إلا في حاجة " (4) أو " لا ينبغي للمعتكف أن
يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها " (5).
وبناء على ذلك، فلو خرج لغير الأسباب
المبيحة، بطل اعتكافه.
هذا إذا كان خروجه عن اختيار، وإذا أكره
على الخروج، فالذي اختاره المحقق الحلي هو

(1) انظر الحدائق 13: 469.
(2) انظر: المستمسك 8: 551، وتحرير الوسيلة 1: 279،
الاعتكاف، القول في شروطه، السادس.
(3) ذهب إليه السيد الخوئي في مستند العروة (الصوم)
2: 363، لكنه جعل عدم إيذاء الوالدين شرطا في
صحة الاعتكاف في المنهاج. انظر منهاج الصالحين
1: 290، الخاتمة في الاعتكاف، شروطه، الخامس.
(1) انظر: المستمسك 8: 550، ومستند العروة (الصوم)
2: 359.
(2) المعتبر: 323.
(3) التذكرة 6: 286.
(4) الوسائل 10: 550، الباب 7 من أبواب الاعتكاف،
الحديث 5.
(5) الوسائل 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف،
الحديث 2.
166

البطلان (1)، وتبعه بعض الفقهاء، منهم النراقي (2).
واختار العلامة (3) عدم البطلان لو لم يطل
زمان الخروج، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه، إما
لحديث رفع التسعة التي منها " الإكراه "، أو لأن
الإكراه نفسه هو من الأعذار المبيحة (4).
وعلى أي حال فقد استثني من ذلك ما لو كان
اللبث طويلا بحيث ينافي الاعتكاف فيكون مبطلا
على أي حال.
وأما الخروج من المسجد نسيانا، فالمعروف
عدم بطلان الاعتكاف به، وادعى صاحب الجواهر
عدم الخلاف فيه (5).
نعم لا بد من تقييده بما إذا لم تنمح صورة
الاعتكاف بسبب الإطالة خارج المسجد (6).
واستشكل السيدان: الحكيم (7) والخوئي (8) في
عدم البطلان، لأن عمدة دليل القائلين بعدم البطلان
هو حديث رفع التسعة التي منها النسيان، ومهمة
حديث الرفع رفع التكليف فقط، لا وضع تكليف
آخر مكانه، فحديث الرفع يرفع التكليف باللبث
في المسجد حال النسيان، لكن لا يثبت التكليف
بسائر أجزاء الاعتكاف كي ينتزع منه صحتها،
بل لابد من التماس دليل آخر على ذلك، وهو
مفقود.
الأسباب المبيحة للخروج من المسجد:
اختلف الفقهاء في أن المبيح للخروج هل هو
مطلق الحاجة أو خصوص الحاجة التي لا بد منها،
وهي ما يضطر إليها الإنسان، والمعبر عنها
بالضرورة أيضا؟ والعبارات غير منقحة في هذا
المورد (1).

(1) شرائع الإسلام 1: 217.
(2) مستند الشيعة 10: 557 - 558.
(3) التذكرة 6: 304.
(4) انظر: جامع المقاصد 3: 98، والمسالك 2: 102،
ومجمع الفائدة 5: 375، والمدارك 6: 329، والرياض
5: 512، والجواهر 17: 178، والمستمسك 8: 554،
ومستند العروة (الصوم) 2: 367، وغيرها.
(5) الجواهر 17: 187.
(6) انظر: المصدر المتقدم، والمدارك 6: 336.
(7) المستمسك 8: 552 - 554.
(8) مستند العروة (الصوم) 2: 367 - 369.
(1) انظر: النهاية: 172، فقد جعل المعيار فيه الضرورة،
لكن في كون بعض الأمثلة المذكورة فيه من مصاديق
الضرورة خفاء، وشرائع الإسلام 1: 217، وهو
كسابقه، والتذكرة 6: 286، وهو أيضا كسابقيه،
والدروس 1: 299، وجعلت فيه بعض الأمثلة في
مقابل الضرورة لعطفها على الضرورة ب‍ " أو "، مثل
عيادة المريض وتشييع الجنازة و...، ولعله لورود
النص فيها على الخصوص، والمسالك 2: 103، ومجمع
الفائدة 5: 377 - 380، وعبارته ظاهرة في خصوص
ما لابد منه أو ما قام عليه النص بالخصوص، والمدارك
6: 331 - 333، وظاهر عبارته كسابقه، وهكذا
أغلب من تأخر عنه. انظر: الكفاية: 55، والحدائق
13: 472 - 475، والجواهر 17: 180 - 184،
والمستمسك 8: 554 - 555، ومنهاج الصالحين
1: 404، كتاب الاعتكاف، شروطه، السادس،
ومستند العروة (الصوم) 2: 370، ومنهاج الصالحين
1: 290، الاعتكاف، شروطه، السادس.
ويظهر من بعض آخر كفاية مطلق الحاجة الدينية
والدنيوية، انظر: الرياض 5: 511 - 513، ومستند
الشيعة 10: 558، والعروة الوثقى: الاعتكاف، المسألة
30، وتحرير الوسيلة 1: 281، الاعتكاف، القول في
شروطه، المسألة 9، ونقله صاحب الجواهر عن شيخه
في البغية، بل يظهر منه نسبته إلى كثير من الأصحاب.
انظر الجواهر 17: 182 - 183.
167

والضرورة قد تكون عقلية كقضاء الحاجة
- أي التخلي - أو شرعية، كالاغتسال من الجنابة، أو
عرفية، كشراء ما يحتاجه أهله إذا لم يكن من
يشتريه لهم غيره.
وهناك موارد نص على جواز الخروج
لأجلها، فيجوز الخروج لها وإن لم تعد ضرورة،
مثل: عيادة المريض، أو تجهيز الميت - أي تغسيله
وتكفينه - وتشييعه، والصلاة عليه، ودفنه (1).
فكل ما لم يكن الخروج له ضروريا، ولم يرد
النص على جوازه، فلا يجوز له الخروج إلا إذا قلنا:
بأن المجوز للخروج هو مطلق الحاجة الدينية أو
الدنيوية، ولا يختص بالضروريات.
وكل مورد جاز الخروج لأجله، فهو مقيد بما
إذا لم يستلزم طول الخروج محو صورة الاعتكاف،
وإلا بطل كما تقدم.
أحكام الخارج من المسجد للضرورة:
أولا - لا يجوز للخارج للضرورة الجلوس (1)،
لكن قيده بعضهم بكونه تحت الظلال، بل ادعى
صاحب الجواهر عدم الخلاف في الحرمة مع هذا
القيد (2).
وقيل: لا يجوز المشي تحت الظلال أيضا (3).
كل ذلك لأجل اختلاف فهم النصوص، فإنه
قد روى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة
لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع... " (4).
وروى عنه (عليه السلام) داود بن سرحان، أنه قال:
" ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع

(1) انظر الوسائل 10: 549، الباب 7 من أبواب
الاعتكاف، الحديث 2.
(1) انظر: النهاية: 172، والمبسوط 1: 293، والكافي في
الفقه: 187، والشرائع 1: 217، والمعتبر: 324،
والدروس 1: 299، والروضة 2: 152، ومجمع الفائدة
5: 382، والمدارك 6: 334، والرياض 5: 513، بل
قال في المستمسك 8: 578: "... كما عن كثير ".
(2) انظر الجواهر 17: 185، وهذا هو القدر المتيقن من
موارد الحرمة في كلمات الفقهاء.
(3) انظر: الانتصار: 74، لكن ليس في كلامه تصريح، نعم
فيه إطلاق، والنهاية: 172، والسرائر 1: 425،
والشرائع 1: 217، لكن نفى تحريمه في المعتبر: 323 -
324، والتذكرة 6: 295، والدروس 1: 299،
والرياض 5: 513 - 514، والجواهر 17: 185 -
186.
(4) الوسائل 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف،
الحديث 2.
168

إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع... " (1).
وفي روايته الأخرى عنه (عليه السلام): "... لا تخرج
من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ولا تقعد تحت
ظلال حتى تعود إلى مجلسك " (2).
فبعضهم قيد الجلوس في الأوليين بالأخيرة،
وقال بحرمة الجلوس تحت الظلال.
أما حرمة المشي تحت الظلال، فقد صرح
جملة من الفقهاء بعدم الدليل عليه بالخصوص. قال
صاحب المدارك: " اعترف المصنف ومن تأخر عنه
بعدم الوقوف على مستنده " (3).
ومقصوده من المصنف هو المحقق الحلي، فقد
صرح بذلك في المعتبر (4).
ثانيا - لا يجوز للمعتكف إذا خرج للضرورة
وحضر وقت الصلاة أن يصلي خارج المسجد الذي
اعتكف فيه، لعدم الضرورة إلى ذلك مع سعة
الوقت، نعم لو ضاق الوقت جاز (5).
ويستثنى من ذلك مكة، فتجوز الصلاة في أي
بيت من بيوتها، للنصوص، منها ما رواه منصور بن
حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " المعتكف بمكة
يصلي في أي بيوتها شاء، والمعتكف بغيرها لا يصلي
إلا في المسجد الذي سماه " (1).
ثالثا - تقدم حكم الخارج من المسجد إكراها
ونسيانا.
ما يحرم على المعتكف فعله:
ذكر الفقهاء أمورا وقالوا بحرمتها على المعتكف،
لكن بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه.
والكلام هنا عن الحرمة التكليفية، أما الحكم
الوضعي - أي الفساد - فسوف يأتي الكلام عنه بعد
هذا إن شاء الله تعالى.
والمحرمات التي ذكروها هي:
أولا - الجماع:
وهو حرام على المعتكف إجماعا (2)، لقوله
تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد) * (3)، وللروايات الدالة على حرمته
ووجوب الكفارة به (4).
والجماع حرام ليلا ونهارا، قبلا ودبرا (5).

(1) الوسائل 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف،
الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم، الحديث 3.
(3) المدارك 6: 334.
(4) المعتبر: 323 - 324.
(5) ادعي عدم الخلاف في هذا وما بعده، انظر: الرياض
5: 514، والجواهر 17: 186.
(1) الوسائل 10: 551، الباب 8 من أبواب الاعتكاف،
الحديث 2.
(2) انظر: التذكرة 6: 253، والرياض 5: 523، والجواهر
17: 199، وغيرها.
(3) البقرة: 187.
(4) انظر الوسائل 10: 545 - 548، الباب 5 و 6 من
أبواب الاعتكاف.
(5) انظر: التذكرة 6: 254، وفيه: " لا نعلم فيه خلافا ".
169

ثانيا - مباشرة النساء بشهوة:
ويحرم على المعتكف أيضا أن يباشر النساء
- لمسا وتقبيلا - بشهوة، أما بدونها، فلا حرمة فيه.
وقد ادعي عدم الخلاف فيه (1)، إلا أنه
استشكل فيه السيد الخوئي من جهة أن " المباشرة "
المذكورة في الآية كناية عن الجماع خاصة (2)، ويظهر
من الشيخ الطوسي في الاستبصار اختصاص
التحريم بالجماع أيضا (3).
ثالثا - الاستمناء:
اضطربت كلمات الفقهاء في حكم الاستمناء
من حيث التحريم والإفساد، مع عدم تعرض
بعضهم له، وقد أشرنا إلى تفصيل الأقوال في عنوان
" استمناء "، فليراجع هناك.
رابعا - شم الطيب والرياحين:
نسب إلى الأكثر (4) تحريم شم الطيب
والرياحين، وخالف في ذلك الشيخ في المبسوط
فقال بجوازه، فإنه قال: " ويجوز له أن ينكح،
وينظر في أمر معيشته وضيعته، ويتحدث بما شاء
من الحديث بعد أن يكون مباحا، ويأكل الطيبات،
ويشم الطيب " (1).
لكنه قال بتحريمه في النهاية (2) والخلاف (3).
وتأمل في تحريمه النراقي (4).
خامسا - البيع والشراء:
قال صاحب المدارك بالنسبة إلى تحريمهما:
" هذا قول علمائنا وأكثر العامة، لورود النهي عنه في
صحيحة أبي عبيدة " (5)، وادعي عدم الخلاف فيه،
بل الإجماع عليه من قبل آخرين أيضا (6).
لكن تأمل النراقي (7) في ذلك، ولم يتعرض له
الشهيدان في اللمعة وشرحها (8).
وعلى أي حال، يستثنى من ذلك ما تدعو
الحاجة إليه كشراء ما يضطر إليه من المأكول
والملبوس (9).

(1) انظر: الرياض 5: 523، ومستند الشيعة 10: 568،
والجواهر 17: 199 - 200.
(2) انظر: مستند العروة (الصوم) 2: 455، ومنهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 292، فصل في أحكام
الاعتكاف، المسألة 1078.
(3) الاستبصار 2: 131، كتاب الاعتكاف، باب ما يجب
على من وطئ امرأته حال الاعتكاف، ذيل الحديث 5.
(4) انظر المدارك 6: 344.
(1) المبسوط 1: 293.
(2) النهاية: 172.
(3) الخلاف 2: 240، واقتصر فيه على ذكر الطيب.
(4) مستند الشيعة 10: 569.
(5) المدارك 6: 344.
(6) انظر: الحدائق 13: 493، ومستند الشيعة 10: 569،
والجواهر 17: 202، وغيرها.
(7) مستند الشيعة 10: 569.
(8) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 156.
(9) انظر: المسالك 2: 109، والمدارك 6: 345،
والجواهر 17: 203، لكن قيده بما إذا تعذر التوكيل،
والنقل بغير البيع كالصلح والمعاطاة كما قيده الشهيد
الأول بما إذا تعذرت المعاطاة، انظر الدروس 1: 300.
170

وللفقهاء كلام في شمول التحريم لغير البيع
والشراء من أنواع المعاوضات، وفي بطلان البيع
وعدمه لو وقع، يراجع تفصيله في المطولات.
سادسا - المماراة:
قال الشهيد الثاني: " المراء لغة: الجدال،
والمماراة: المجادلة، والمراد به هنا: المجادلة على
أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة،
كما يتفق للكثير من المتسمين بالعلم. وهذا النوع
محرم في غير الاعتكاف، وقد ورد التأكيد في
تحريمه في النصوص - إلى أن قال -: ولو كان
الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار
الحق ورد الخصم عن الخطأ، كان من أفضل
الطاعات، فالمائز بين ما يحرم منه وما يجب
أو يستحب النية، فليحترز المكلف من تحويل
الشئ من كونه واجبا إلى جعله من كبار
القبائح " (1).
وأما تحريمه، فقد ادعي عدم الخلاف فيه (2)
ولكن تأمل فيه النراقي (3) ولم يذكره صاحب
الرياض (1) صريحا، نعم ذكر الرواية الشاملة له.
سابعا - فعل ما يفطر الصائم:
ومن محرمات الاعتكاف فعل ما يفطر الصائم،
كالأكل والشرب والارتماس ونحوها، مضافا إلى
الجماع والاستمناء كما تقدم، لأن شرط الاعتكاف
هو الصوم، ومفسد الشرط مفسد للمشروط (2).
تنبيه (1):
قال الشيخ الطوسي في الجمل: " ويجب عليه
تجنب كل ما يجب على المحرم تجنبه: من النساء
والطيب، والمماراة، والجدال... " (3)، ثم زاد
المحظورات التي سبق ذكرها.
وقال في المبسوط: " وقد روي أنه يجتنب ما
يجتنبه المحرم، وذلك مخصوص بما قلناه، لأن لحم
الصيد لا يحرم، وعقد النكاح مثله " (4).
وتبعه فيما قاله في الجمل القاضي ابن البراج (5)
وابن حمزة (6).
ووافقه فيما قاله في المبسوط أكثر الفقهاء،

(1) المسالك 2: 109 - 110.
(2) انظر: الجواهر 17: 203، والمستمسك 8: 589،
ومستند العروة (الصوم) 2: 461.
(3) مستند الشيعة 10: 569.
(1) الرياض 5: 524.
(2) هذا أمر مفروغ منه، انظر التذكرة 6: 261.
(3) الجمل والعقود: 125، وانظر النهاية: 172.
(4) المبسوط 1: 293، وأضافوا إليه النقض بجواز لبس
المخيط وإزالة الشعر ونحوهما. انظر التذكرة 6: 262.
(5) المهذب 1: 204.
(6) الوسيلة: 154.
171

لعدم الدليل على ما ادعاه في الجمل، وورود النقض
الذي ذكره هو في المبسوط عليه.
تنبيه (2):
كل ما يحرم على المعتكف من حيث كونه
معتكفا، يحرم ليلا ونهارا، وأما ما وجب الإمساك
عنه باعتبار الصوم، فإنما يمسك عنه في النهار،
لأنه زمان الصوم (1).
تنبيه (3)
قال صاحب المدارك: "... وهل تختص هذه
المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب
أيضا؟ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي
الثاني " (2).
ومثله قال السبزواري (3).
ولكن فصل النراقي بين الموارد المحرمة فجعل
ما هو مفسد منها للاعتكاف غير محرم في المندوب،
لعدم حرمة إفساده، وما هو غير مفسد إن كان على
تحريمه دليل لفظي صالح لشموله بإطلاقه للمندوب
فيكون محرما فيه أيضا، وما ليس كذلك، بأن كان
دليله لبيا، فلا يكون حراما (4).
واستشكل السيدان: الحكيم (1) والخوئي (2)
في شمول المحرمات للاعتكاف غير الواجب
- ولو لأجل مضي يومين - نعم، قالا بوجوب تركها
فيه على نحو الاحتياط الوجوبي.
ما يفسد الاعتكاف:
يفسد الاعتكاف ما يفسد الصوم، لما تقدم:
من أن الصوم شرط في الاعتكاف، والمشروط
ينعدم عند انعدام شرطه.
هذا المقدار مما لا خلاف فيه ظاهرا (3)،
نعم اختلفوا في إفساد سائر المحرمات:
1 - أما الجماع، فالظاهر منهم كونه مفسدا
للاعتكاف، سواء تحقق ليلا أو نهارا.
وكذا الاستمناء إن ألحقناه بالجماع.
2 - وأما القبلة واللمس بشهوة، فقد صرح
بإفسادهما بعضهم كالشيخ الطوسي في الخلاف (4)،

(1) هذا واضح، وقد صرح به الكثير، انظر: الشرائع
1: 219، والتذكرة 6: 261، والمدارك 6: 347،
ومستند الشيعة 10: 570 - 571، والجواهر
17: 204 - 205، وغيرها.
(2) المدارك 6: 347.
(3) الذخيرة: 542.
(4) مستند الشيعة 10: 571.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 407، كتاب
الاعتكاف، فصل في أحكام الاعتكاف، المسألة 13.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 292، كتاب
الاعتكاف، فصل في أحكام الاعتكاف، المسألة
1080.
(3) وهذا واضح أيضا، انظر: الشرائع 1: 219، والتذكرة
6: 261، والمسالك 2: 112، والمدارك 6: 348،
ومستند الشيعة 10: 570، والجواهر 17: 207،
وغيرها.
(4) الخلاف 2: 229، المسألة 93.
172

والمحقق في المعتبر (1)، والعلامة في بعض كتبه (2)،
والشهيد في الدروس (3)، ونقل عن ابن الجنيد (4)،
وكل من قال بإفساد جميع المحرمات، أو جميع
المباحات غير الضرورية، كما سيأتي عن قريب.
هذا، وقد صرح بعض الفقهاء بعدم إفساد
التقبيل واللمس بشهوة، كالعلامة في المختلف (5)
والشهيد الثاني (6) وسبطه صاحب المدارك (7)،
والنراقي (8).
وهذا القول ظاهر من كل من ذكر الجماع،
أو هو والإنزال، ولم يذكر القبلة واللمس بشهوة
كابن حمزة (9).
وتوقف فيه صاحب الحدائق (10).
واستشكل السيد الخوئي في أصل التحريم،
كما تقدم (11).
3 - وقال بعضهم بإفساد البيع والشراء
للاعتكاف، كالسيد المرتضى (1) وأصحاب القولين
الآتيين، لكن أكثر الفقهاء إما قائلون بعدم
إفسادهما (2)، أو اقتصروا على ذكر القولين (3)
- الإفساد وعدمه - أو لم يتعرضوا للمسألة أصلا.
4 - صرح بعض الفقهاء بإفساد جميع
المحرمات المذكورة سابقا للاعتكاف، كصاحب
الجواهر (4)، والسيدين: الحكيم (5) والخوئي (6)،
واحتمله الأردبيلي فقال: " وقيل أيضا بفساده
بجميع المحرمات مثل البيع وغيره، وهو محتمل " (7).
واستشكل السيدان: اليزدي (8) والخميني (9)

(1) المعتبر: 325.
(2) انظر: التذكرة 6: 254، والتحرير 1: 88.
(3) الدروس 1: 302.
(4) انظر المختلف 3: 588.
(5) المختلف 3: 590.
(6) المسالك 2: 109.
(7) المدارك 6: 343 - 344.
(8) مستند الشيعة 10: 568.
(9) الوسيلة: 154.
(10) الحدائق 13: 491.
(11) انظر الصفحة 170.
(1) الانتصار: 74.
(2) انظر: الشرائع 1: 220، والمختلف 3: 599 - 600،
والمسالك 2: 115، ومجمع الفائدة 5: 392، والمدارك
6: 353، وغيرها.
(3) انظر: التذكرة 6: 261 - 262، والدروس 1: 302.
(4) الجواهر 17: 207.
(5) انظر: المستمسك 8: 591، ومنهاج الصالحين (للسيد
الحكيم) 1: 407، كتاب الاعتكاف، فصل في أحكام
الاعتكاف، المسألة 13.
(6) انظر: مستند العروة (الصوم) 2: 463 - 466،
ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 292، فصل في
أحكام الاعتكاف، المسألة 1080، واستثنى اللمس
بشهوة ونحوه حيث لم يقل بتحريمه أصلا، كما تقدم.
(7) مجمع الفائدة 5: 401.
(8) العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، فصل في أحكام
الاعتكاف، المسألة 3.
(9) تحرير الوسيلة 1: 283، كتاب الاعتكاف، القول
في أحكام الاعتكاف، المسألة 2.
173

في الإبطال، لكن قالا به من باب الاحتياط.
5 - ويظهر من ابن إدريس إفساد ارتكاب
جميع القبائح، بل والمباحات غير الضرورية، لأن
الاعتكاف لبث للعبادة، ومع فعله ذلك يكون
خارجا عن كونه لابثا للعبادة (1).
6 - إذا فقد أحد شروط صحة الاعتكاف
بطل الاعتكاف، كما لو جن المعتكف، أو بطل صومه
لعارض، كالمرض ونحوه (2).
وأما لو ارتد، ففي بطلان اعتكافه بالارتداد
وعدمه قولان (3)، وقد تقدم في عنوان " ارتداد ": أن
الارتداد يبطل الصوم على رأي كثير من الفقهاء،
وبطلان الصوم يستلزم بطلان الاعتكاف أيضا.
وهناك وجه آخر للبطلان، وهو: أن المرتد
- بكلا قسميه - لا يجوز له الجلوس في المسجد فيجب
عليه الخروج، وبذلك يبطل اعتكافه (4).
وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو رجع وتاب، فعلى
القول بالبطلان لا يجوز له البناء على الاعتكاف
السابق، لعدم صحته، وعلى القول بعدم البطلان
يجوز ذلك، فيتم اعتكافه ما لم يطل مكثه على
الارتداد بحيث تنمحي صورة الاعتكاف، كما سبق
في موارد جواز الخروج من المسجد.
هذا كله بالنسبة إلى المرتد الملي، والفطري
بناء على قبول توبته ولو واقعا فقط، وأما في صورة
القول بعدم قبولها ظاهرا وباطنا فلا وجه لصحة
اعتكافه مع التوبة.
قضاء الاعتكاف:
الاعتكاف إما واجب معين، أو واجب
مطلق، أو مندوب.
فالأول، ما وجب إيقاعه بنذر وشبهه في
زمان معين.
والثاني، ما وجب إيقاعه بنذر وشبهه من
دون تعيين زمان.
والثالث، ما لم يجب إيقاعه، نعم إذا دخل فيه
المكلف ومضى يومان وجب اليوم الثالث بناء على
القول المعروف. وفي مقابله قول بوجوبه بمجرد
الدخول، وقول بعدم وجوبه أصلا، على ما تقدم.
فإن فسد الاعتكاف وكان من القسم الأول،
وجب قضاؤه لفوته في زمانه الخاص.
وإن كان من القسم الثاني، وجب استئنافه
لوجوب امتثال الأمر به، ولا يصدق فيه عنوان
" القضاء " لعدم صدق فوته في زمان معين.
وإن كان من القسم الثالث، فإن كان قبل
اليومين على القول المشهور، أو حتى في اليوم الثالث
على القول بعدم وجوبه أصلا، فلا قضاء
ولا استئناف.
وإن كان في اليوم الثالث على القول المشهور

(1) السرائر 1: 426.
(2) على كلام في بعضها.
(3) انظر المدارك 6: 351.
(4) المصدر المتقدم.
174

أو حتى قبله على القول بوجوبه بمجرد الشروع فيه،
فيجب استئنافه، لوجوب الامتثال وهو لم يحصل بعد (1).
تنبيه (1):
إنما يجب القضاء أو الاستئناف في الموارد
المتقدمة إذا لم يشترط في اعتكافه الرجوع، وأما مع
الاشتراط فلا يجب (2).
تنبيه (2):
استشكل بعض الفقهاء في أصل مشروعية
القضاء في الموارد التي لم يصل الاعتكاف فيها إلى
حد الوجوب (3).
وجوب الكفارة في صورة الإفساد:
إفساد الاعتكاف تارة يكون بالجماع،
وأخرى بغيره.
ولا خلاف في ترتب الكفارة على الإفساد
بالجماع إجمالا، وإنما الخلاف في ترتبها فيما لو أفسده
بغيره كالأكل والشرب نهارا، وارتكاب سائر
المحرمات ولو ليلا، بناء على إفسادها.
وفي المسألة أقوال:
الأول - وجوب التكفير، ذهب إليه الشيخ
المفيد (1)، والسيد المرتضى (2)، والحلبي (3)، وسلار (4)،
وابن زهرة (5)، ولعله الظاهر من الشيخ في
المبسوط (6)، ونسبه العلامة إلى المشهور (7).
الثاني - عدم الوجوب، نسبه في المدارك إلى
الشيخ الطوسي والمحقق الحلي وأكثر المتأخرين (8).
لكن الشيخ لم يتعرض لغير الجماع في الخلاف (9)
والنهاية (10)، وقال في المبسوط بعد بيان حكم الجماع:
" وفي أصحابنا من قال: ما عدا الجماع يوجب
القضاء دون الكفارة " (11)، ولم يزد على ذلك شيئا.
وأما المحقق فكلامه في الشرائع (12) ظاهر

(1) انظر: العروة الوثقى: كتاب الاعتكاف، فصل في
أحكام الاعتكاف، المسألة 5، والمستمسك 8: 592،
ومستند العروة (الصوم) 2: 468، وتحرير الوسيلة 1:
283، القول في أحكام الاعتكاف، المسألة 2، وغيرها.
(2) انظر المصادر المتقدمة.
(3) انظر المصادر المتقدمة.
(1) المقنعة: 363.
(2) انظر رسائل الشريف المرتضى 3: 61، رسالة جمل
العلم والعمل.
(3) الكافي في الفقه: 187.
(4) المراسم: 99.
(5) الغنية: 147.
(6) المبسوط 1: 294.
(7) التذكرة 6: 318.
(8) انظر: المدارك 6: 348 - 349. وتبعه في هذه النسبة
السبزواري في الذخيرة: 542، والبحراني في الحدائق
13: 495.
(9) الخلاف 2: 238، المسألة 113.
(10) النهاية: 172.
(11) المبسوط 1: 294.
(12) الشرائع 1: 220، ولكنه قال في موضع آخر بوجوب
الكفارة في صوم الاعتكاف إذا وجب. انظر الشرائع
1: 191.
175

فيما نسب إليه، وأما في المعتبر فكلامه ظاهر في
التفصيل الآتي.
وأما نسبته - أي صاحب المدارك - ذلك إلى
أكثر المتأخرين فغير بعيدة، إلا أن المصرحين بذلك
متأخرون عنه غالبا (1).
الثالث - التفصيل بين الواجب المعين فتجب
فيه الكفارة، وبين غيره - أي الواجب المطلق
والمندوب - فلا تجب، وهو الظاهر من المحقق في
المعتبر (2)، والعلامة في المختلف (3)، والشهيدين في
الدروس (4) والمسالك (5)، لكن يظهر منهما: أن
الكفارة في المعين لأجل مخالفة النذر أو اليمين
وشبههما، لا لأجل إفساد الاعتكاف.
كانت هذه خلاصة الآراء في المسألة، وكلمات
الفقهاء فيها مضطربة ومشوشة.
تنبيه (1):
كل ما تقدم، فيما إذا لم يكن الصوم صوم
رمضان أو قضائه بعد الزوال، وإلا فالإفطار فيه
- ولو بغير الجماع - مستلزم للكفارة قطعا.
تنبيه (2):
ألحق الشيخ (1) الاستمناء بالجماع في الإفساد
ولزوم الكفارة، وتبعه بعضهم (2)، وقد تقدم تفصيل
ذلك في عنوان " استمناء ".
تفصيل حكم الكفارة في الجماع:
تختلف الكفارة باختلاف زمان وقوع الجماع
وما يلحق به، والحالات المتصورة هي:
أولا - أن يجامع المعتكف في صوم شهر
رمضان، أو قضائه بعد الزوال، أو في صوم منذور
معين، فتجب في هذه الحالة كفارتان: كفارة لإفساد
الصوم، وكفارة لإفساد الاعتكاف.
ثانيا - أن يجامع في ليل شهر رمضان، فلا تجب
إلا كفارة واحدة لإفساد الاعتكاف.
ثالثا - أن يجامع في غير شهر رمضان، أو
قضائه بعد الزوال، أو في الصوم المنذور المعين،
فلا تجب حينئذ إلا كفارة واحدة لإفساد الاعتكاف،
سواء جامع ليلا أو نهارا.

(1) انظر: مجمع الفائدة 5: 402، والمدارك 6: 348 -
349، والذخيرة: 542، والحدائق 13: 496،
والرياض 5: 529، ومستند الشيعة 10: 575،
والجواهر 17: 208، والعروة الوثقى: كتاب
الاعتكاف، فصل في أحكام الاعتكاف، المسألة 9،
والمستمسك 8: 595، ومستند العروة (الصوم)
2: 473 - 474، وتحرير الوسيلة 1: 283، كتاب
الاعتكاف، القول في أحكام الاعتكاف، المسألة 3.
(2) المعتبر: 326.
(3) المختلف 3: 594، واقتصر في التذكرة على ذكر الأقوال
الثلاثة. انظر التذكرة 6: 318 - 319.
(4) الدروس 1: 302.
(5) المسالك 2: 112.
(1) المبسوط 1: 294.
(2) نسبه العلامة إلى علمائنا، ولعل ذلك فيما لو كان نهارا،
لأن الاستمناء مفسد للصوم قطعا. انظر التذكرة
6: 318.
176

هذا هو المعروف بين المتأخرين (1) إلا أن
بعض عبارات المتقدمين ظاهرة في تعدد الكفارة
لو جامع في النهار مطلقا في شهر رمضان أو غيره.
قال السيد المرتضى: " المعتكف إذا جامع نهارا
كان عليه كفارتان، وإذا جامع ليلا كان عليه
كفارة واحدة " (2).
وقال الشيخ: " ومتى جامع نهارا
لزمه كفارتان، وإن جامع ليلا لزمه كفارة
واحدة " (3).
وقال الشهيد: " ولو جامع نهارا في رمضان
أو في المعين فكفارتان، وليلا واحدة، وأطلق
الأكثر (1) هذا التفصيل ولم يعتبروا التعيين
ولا رمضان، ولعله الأقرب، لأن في النهار صوما
واعتكافا " (2).
لكن نوقش: بأن إفساد مطلق الصوم
لا يترتب عليه الكفارة (3).
وحمل كلام السيد وأمثاله على إرادة صوم
شهر رمضان (4)، ويشهد له تقييد الشيخ نفسه بذلك
في النهاية (5).
ما هو نوع كفارة إفساد الاعتكاف:
المقصود بيانه هنا هو كفارة إفساد
الاعتكاف، وأما إفساد الصوم فإن كان في شهر
رمضان فكفارته كفارة من أفطر في شهر رمضان،
وإن كان في قضائه بعد الزوال فكفارته كفارة من
أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال وهو واضح.
وأما كفارة إفساد الاعتكاف ففي نوعها
قولان:
الأول - أنها مثل كفارة من أفطر في شهر
رمضان، أي مخيرة بين عتق رقبة، أو صيام شهرين
(1) انظر مستند الشيعة 10: 574، فإنه نقل الإطلاق عن
جماعة من المتقدمين.
(2) الدروس 1: 303.
(3) انظر: المدارك 6: 351، والرياض 5: 528،
وغيرهما.
(4) انظر التذكرة 6: 317.
(5) النهاية: 172.

(1) انظر: الشرائع 1: 220، والتذكرة 6: 316، والمختلف
3: 594، والمسالك 2: 113، والروضة البهية
2: 156 - 157، إلا أنه قال: لو أفسده في نهار الصوم
الواجب بنذر وشبهه فعليه كفارتان: كفارة للاعتكاف
وكفارة لحنث النذر وشبهه، ومثله المحقق الأردبيلي في
مجمع الفائدة 5: 401 - 402، والمدارك 6: 350،
والذخيرة: 542، وله تأمل في مستند الحكم،
والحدائق 13: 497، ونسبه إلى المشهور، والرياض
5: 527 - 528، ومستند الشيعة 10: 573 - 574،
والجواهر 17: 209 - 210، والمستمسك 8: 596،
ومستند العروة (الصوم) 2: 475 - 476، ومتنهما
العروة الوثقى، وتحرير الوسيلة 1: 283، كتاب
الاعتكاف، القول في أحكام الاعتكاف، المسألة 3 و 4.
(2) الانتصار: 73.
(3) المبسوط 1: 294، وانظر الخلاف 2: 238،
المسألة 113.
177

متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا.
نسب هذا القول إلى الأكثر (1) والمشهور (2)،
بل إلى علمائنا (3).
الثاني - أنها كفارة ظهار، أي مرتبة بين
الأمور الثلاثة المتقدمة، فالواجب أولا العتق، فإن لم
يقدر فالصيام، فإن لم يتمكن فالإطعام.
ذهب إليه المحقق الأردبيلي (4)، وصاحب
المدارك (5)، والنراقي (6).
وهو الظاهر من الصدوق (7) والشهيد الثاني (8).
مظان البحث:
أبحاث الاعتكاف متمركزة في كتاب
الاعتكاف، وقلما يشار إليها في مواضع اخر.
اعتماد
لغة:
مصدر اعتمد، بمعنى اتكأ، واستند، واتكل
وركن. يقال: اعتمد على الشئ، أي اتكأ عليه
واستند إليه، واعتمد على فلان، أي اتكل عليه
وركن إليه (1).
اصطلاحا:
يأتي بالمعاني اللغوية المتقدمة نفسها.
وقد تقدمت الإشارة إلى الاعتماد بالمعنى
الأول في العنوانين: " استقلال " و " استناد "،
وسوف يأتي في عنوان " قيام " إن شاء الله تعالى.
وأما بالمعنى الثاني، فسوف يأتي في مواطنه
المناسبة، إن شاء الله تعالى.
اعتمار
راجع: عمرة.

(1) انظر: مجمع الفائدة 5: 405، والمدارك 6: 350.
(2) انظر الجواهر 17: 210.
(3) انظر التذكرة 6: 316.
(4) مجمع الفائدة 5: 405.
(5) المدارك 6: 350.
(6) مستند الشيعة 10: 572 - 573.
(7) من لا يحضره الفقيه 2: 188، باب الاعتكاف،
الحديث 2102، ونسبه العلامة في المختلف 3: 593 إلى
المقنع، ولكن لم نعثر عليه.
(8) المسالك 2: 113، والروضة البهية 2: 157.
(1) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني)، والمصباح المنير: " عمد ".
178

اعتمام
لغة:
لبس العمامة، وهي من لباس الرأس، تكور
عليه (1).
اصطلاحا:
يأتي بالمعنى اللغوي نفسه.
راجع: عمامة.
اعتناق
لغة:
مصدر اعتنق، يقال: اعتنق الرجلان، إذا
جعل كل منهما يديه على عنق الآخر، وقيل: أكثر ما
يستعمل هذا المعنى في الحرب ونحوه. وأما في المودة،
فتستعمل المعانقة، وهي: جعل كل منهما يديه على
عنق الآخر وضمه إلى نفسه.
ومن معاني الاعتناق: التدين، يقال: اعتنق
كذا، أي دان به، وأخذه بجد (2).
اصطلاحا:
ورد بالمعاني اللغوية المتقدمة، فالأول
- وإن كان قليلا - في الحرب، والثاني في آداب
العشرة، وسوف نتكلم عنه تحت عنوان " معانقة "،
والثالث في ما يرتبط بالدخول في الإسلام والتدين
به، وقد تقدم الكلام عنه في " إسلام "، وعن
الاعتناق بمعنى الاعتقاد في " اعتقاد "، وسوف يأتي
ما يناسبه في " تدين " إن شاء الله تعالى.
اعتياد
راجع: عادة، مخدرات، مسكر.
اعتياض
راجع: معاوضة.
إعجاب
راجع: عجب.

(1) انظر: الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير: " عمم ".
(2) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والمصباح
المنير، والمعجم الوسيط: " عنق ".
179

إعجاز
راجع: تعجيز، معجزة.
إعجال
راجع: تعجيل، عجلة.
أعجمي
لغة:
هو من لا يفصح ولا يبين كلامه، سواء كان
من العرب أو من غيرهم.
والعجمي: نسبة إلى غير العرب، سواء كان
فصيحا أم غير فصيح.
ويقال لغير العربي: أعجمي، أيضا.
والأعجم: الأخرس، ومنه سميت البهيمة عجماء.
وإعجام الكتاب: تنقيطه وتشكيله لتزول
عجمته، أي إبهامه (1).
اصطلاحا:
استعمل في المعاني المتقدمة، والمقصود
بالبحث هو الأعجمي بمعنى غير العربي. وكان
المناسب تأخير الكلام عنه إلى عنوان " عجمي "،
لكن لما كان الفقهاء استعملوا عنوان " الأعجمي "
مكان " العجمي " كثيرا، فلذلك قدمناه هنا.
الأحكام:
تترتب على الأعجمي - بمعنى غير العربي -
أحكام نشير إليها إجمالا فيما يلي:
كيفية إسلام الأعجمي وإبرازه للشهادتين:
الأعجمي إن كان متمكنا من إبراز
الشهادتين بالعربية مع الالتفات إلى معناهما، أو كان
في المسلمين من يفهم إقراره بالشهادتين بالعجمية
فهو، وإلا كفاه الإقرار بهما بالإشارة المفهمة كما في
الأخرس. قال الشهيد الثاني: " يصح إسلام
الأخرس بالإشارة المفهمة... وفي حكمه الأعجمي
الذي لا يفهم لغته. وروي أن رجلا جاء إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه جارية أعجمية أو خرساء، فقال:
يا رسول الله علي عتق رقبة، فهل تجزي عني هذه؟
فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): أين الله؟ فأشارت إلى السماء. ثم
قال لها: من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله، فقال
له: أعتقها فإنها مؤمنة " (1).

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني)، والنهاية
(لابن الأثير): " عجم ".
(1) المسالك 10: 40، وقال بعد ذكر الرواية: " قيل: وإنما
جعلت الإشارة إلى السماء دليلا على إيمانها، لأنهم كانوا
عبدة الأصنام، فأفهمت بالإشارة البراءة منها،
لأن الإله الذي في السماء ليس هو الأصنام، ولا يراد
بكونه فيها، التحيز، بل على حد قوله: * (وهو الذي
في السماء إله) * "، والآية 84 من سورة الزخرف.
180

وقال كاشف الغطاء: " يتحقق الإسلام بقول:
أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو بما
يرادفها ولا يحتمل غير معناها، من أي لغة كانت،
وبأي لفظ كان " (1).
راجع: اسلام، إشارة.
صلاة الأعجمي:
إذا كان الأعجمي قادرا على قراءة الحمد
والسورة وإتيان الأذكار بالعربية، فلا إشكال في أنه
يجب عليه ذلك، ولا يجزئه إتيانها بغير العربية. وإن
كان عاجزا عن ذلك، ففيه تفصيل نشير إليه فيما
يأتي:
أولا - تكبيرة الإحرام:
وهي المعبر عنها ب‍ " تكبيرة الافتتاح ". فقد
صرح الفقهاء: بأن الأعجمي إذا لم يكن قادرا على
التلفظ بتكبيرة الافتتاح بالعربية ولم يتمكن من
تعلمها حتى ضاق الوقت أجزأه إتيانها بغير العربية،
لكن احتمل صاحب المدارك سقوط أصل التكبير
حينئذ، فإنه قال: " لما كان النطق بالعربية واجبا
- وقوفا مع المنقول - كان التعلم لمن لا يعرف، واجبا
من باب المقدمة، فإن تعذر وضاق الوقت أحرم
بلغته مراعيا المعنى العربي، فيقول الفارسي: " خدا
بزرگتر است " (1). وهذا مذهب علمائنا وأكثر
العامة. وقال بعضهم: يسقط التكبير عمن هذا
شأنه، كالأخرس، وهو محتمل... " (2).
هذا كله إذا لم يتمكن من إتيانها ملحونة
وإلا كانت مقدمة على الترجمة، لأنها أقرب إلى
العربية (3).
ثانيا - قراءة الحمد:
إذا كان الأعجمي قادرا على قراءة سورة
الحمد أو جزء منها، فلا تجوز له قراءة ترجمتها، لعدم
إجزاء الترجمة في الصلاة حال الاختيار إجماعا (4).
وإذا لم يكن قادرا على ذلك وجب عليه: إما
التعلم، أو الائتمام بالقادر، أو متابعة من يقرأها له (5).
وقد ادعي عليه الإجماع (6).
وإذا لم يتمكن من ذلك أبدل القراءة بالذكر،

(1) كشف الغطاء: 398.
(1) هذا إذا كان التكبير متضمنا لمعنى التفضيل، وإلا
فالترجمة تكون: " خدا بزرگ است ".
(2) المدارك 3: 320، وانظر: الجواهر 9: 208 - 210،
والمستمسك 6: 66 - 67، ومستند العروة الوثقى
(الصلاة) 3: 132 - 133، ومتنهما العروة الوثقى.
(3) انظر: العروة الوثقى، والمستمسك، والمستند فيما تقدم.
(4) انظر: المدارك 3: 341، والرياض 3: 381، وغيرهما.
(5) انظر: المدارك 3: 342، والحدائق 8: 109 ولم يذكرا
المتابعة، والرياض 3: 382.
(6) مستند الشيعة 5: 82، وقال: إن الأكثر لم يذكروا غير
الأول أي التعلم، ولعله من باب التمثيل.
181

فيسبح الله أو يحمده أو يهلله بقدر الحمد (1).
وإذا لم يتمكن من ذلك، فهل يجوز له الاكتفاء
بالترجمة؟ وعلى فرض الجواز فهل المقدم ترجمة
القرآن، أو ترجمة الذكر؟ فيه احتمالات، بل أقوال.
فالظاهر من كلام صاحب الجواهر (2) أن المنع من
الترجمة هو مذهب الأكثر.
ولم يذكر - أي صاحب الجواهر - ممن خالف المنع
وقال بالجواز إلا العلامة في التذكرة (3) والنهاية (4)
- إلا أنه قال بالوجوب فيها - والشهيد الثاني في
روض الجنان (5)، والسيد الطباطبائي في الرياض (6).
ولابد من إضافة الشهيد الأول في الذكرى (7)
إلى هؤلاء، وقد ذكره السيد الطباطبائي (8) بدلا من
الشهيد الثاني.
وهؤلاء - غير الشهيدين - رجحوا قراءة
ترجمة القرآن على الذكر، لكن رجح الشهيد الأول
تقديم ترجمة الذكر على ترجمة القرآن، لأن الذكر
لا يخرج بترجمته عن كونه ذكرا، بخلاف القرآن
الموصوف بكونه معجزا، لأنه يخرج عن كونه كذلك
بترجمته، لأن إعجاز القرآن بنظمه، فإذا فات نظمه
فات إعجازه (1).
واكتفى الشهيد الثاني بذكر الاحتمالين ولم يرجح.
ثالثا - قراءة السورة:
إن وجوب قراءة السورة - على القول به - إنما
هو بالنسبة إلى المختار والمتمكن من تعلمها، أما
المضطر ومن لم يتمكن من تعلمها فلا تجب عليه،
ولذلك لا مورد للانتقال إلى البدل والترجمة (2).
رابعا - أذكار الركوع والسجود:
قال صاحب الجواهر ما مضمونه: أن
الأصحاب أطبقوا - بحسب الظاهر - على عدم الاجتزاء
بغير العربية في الأذكار الواجبة، مثل أذكار الركوع
والسجود وأذكار الركعتين الأخيرتين ونحوها (3).
خامسا - القنوت:
اختلف الفقهاء في جواز القنوت بغير العربية
على أقوال:

(1) انظر مصادر الهامشين (5) و (6) في الصفحة 181.
(2) الجواهر 9: 313 - 314.
(3) التذكرة 3: 138.
(4) نهاية الإحكام 1: 476.
(5) روض الجنان: 263.
(6) الرياض 3: 381.
(7) الذكرى 3: 304 و 309.
(8) الرياض 3: 381.
(1) ولهذه العلة قال المحقق الثاني بتعيين ترجمة الذكر وعدم
كفاية ترجمة القرآن على فرض جواز الترجمة، انظر
جامع المقاصد 2: 246.
(2) انظر: الذكرى 3: 310، وجامع المقاصد 2: 252،
والمدارك 3: 347، والرياض 3: 384، والجواهر
9: 331 و 337، وغيرها.
(3) الجواهر 10: 376، وانظر العروة الوثقى: كتاب
الصلاة، فصل في القنوت، المسألة 3.
182

1 - الجواز:
وهو قول محمد بن الحسن الصفار (1) والشيخ
الصدوق (2)، وهو المنسوب إلى أكثر الفقهاء (3).
2 - المنع:
لم ينسبه العلامة في المختلف إلا إلى سعد بن
عبد الله الأشعري (4)، واختاره صاحب الحدائق (5)،
ومال إليه الوحيد البهبهاني على ما قيل (6)، وأمر
العلامة الطباطبائي باجتنابه (7).
3 - التفصيل:
فصل بعض الفقهاء بين أصل الدعاء بغير
العربية، فقال بجوازه في القنوت، وبين أداء القنوت
بغير العربية، فلا يجوز. وبناء على هذا القول يجوز
الدعاء بغير العربية أثناء القنوت، لكن لا يسقط
أصل القنوت ما لم يقنت بالعربية.
ذهب إلى هذا القول صاحب الجواهر (8)
وتبعه بعضهم كالسيدين: اليزدي (9) والحكيم (10)،
بل أرجع صاحب الجواهر عبارات الأصحاب إلى
ما ذكره من التفصيل حيث قال: " ويمكن إرجاع
كثير من عبارات الأصحاب إلى ما قلنا، لأن
جميعهم لم يذكره في تأدية وظيفة القنوت، بل إنما
ذكروا جواز الدعاء بالفارسية بمعنى عدم بطلان
الصلاة معه، ونحن نقول به، كما عرفت " (1).
هذا، واكتفى بعض الفقهاء بذكر القولين ولم
يرجح، مثل صاحب المدارك (2) وصاحب
الذخيرة (3).
كما لم يتعرض للمسألة جماعة آخرون من
القدماء (4) والمتأخرين (5).
وتفصيل الكلام عن ذلك يأتي في عنوان
" قنوت " إن شاء الله تعالى.
سادسا - إمامة الأعجمي:
لا خصوصية للعربية والعجمية في إمامة
الجماعة، فيجوز لكل من العربي والعجمي أن يصير
إماما إذا كان قادرا على القراءة ولم يلحن فيها.

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 316 - 317، ذيل الأحاديث 935 و 936 و 937.
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 316 - 317، ذيل الأحاديث 935 و 936 و 937.
(3) انظر: الجواهر 10: 373، ومستند العروة (الصلاة)
4: 405، لكن في النسبة تأمل.
(4) المختلف 2: 181، وانظر من لا يحضره الفقيه 1: 316.
(5) الحدائق 8: 371.
(6) انظر الجواهر 10: 374.
(7) انظر المصدر المتقدم، والدرة النجفية: 149.
(8) انظر الجواهر 10: 374 - 375.
(9) انظر المستمسك 6: 498 - 500، ومتنه
العروة الوثقى.
(10) انظر المستمسك 6: 498 - 500، ومتنه
العروة الوثقى.
(1) الجواهر 10: 377.
(2) المدارك 3: 446.
(3) الذخيرة: 294.
(4) كأصحاب المختصرات.
(5) كالطباطبائي في الرياض 3: 484 - 493، والنراقي
في مستند الشيعة 5: 385 - 391، والإمام الخميني
في تحرير الوسيلة 1: 165، كتاب الصلاة، القول
في القنوت، وغيرهم.
183

أما الأمي (1) ومن يلحن في القراءة، فلا تجوز
إمامتهما لمن يحسن القراءة إجماعا في الأول، وعلى
المشهور في الثاني على ما قيل فيهما (2). نعم للشيخ
قول بالجواز في الثاني مع عدم القدرة على رفع
اللحن (3).
وأما إمامة الأمي ومن يلحن في قراءته لمثلهما،
فالمعروف صحتها (4)، على تفصيل مذكور في محله.
راجع: جماعة.
سابعا - إيراد خطبتي الجمعة بالأعجمية:
اختلف الفقهاء في إجزاء إيراد خطبتي الجمعة
بغير العربية، قال صاحب المدارك: " منع أكثر
الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربية، للتأسي،
وهو حسن. ولو لم يفهم العدد العربية، ولا أمكن
التعلم، قيل: تجب العجمية، لأن المقصود لا يتم
بدون فهم معانيها. ويحتمل سقوط الجمعة، لعدم
ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه " (5).
فمن القائلين بإجزاء (6) العجمية في صورة
الاضطرار: العلامة (1)، والشهيدان (2)، والمحقق
الكركي (3)، والنراقي (4).
ومنع صاحب الحدائق عن الخطبة بغير
العربية حتى في صورة الاضطرار، لأن فهم المعنى
حكمة لا علة، وأن الخطباء كانوا يخطبون في البلدان
المفتوحة بالعربية. ثم قال: "... فالأحوط الخطبة
بالعربية وترجمة بعض الموارد التي يتوقف عليها
المقصود من الخطبة " (5).
وبمقالته الأخيرة قال النراقي (6) أيضا.
واتبع صاحب الجواهر حدا وسطا بين ذلك
كله، وحاصله: الفرق بين التصلية (7) والحمد،
فتجبان بالعربية حتما، وبين الوعظ فيجوز بغير
العربية حتى في حال الاختيار (8).
وإلى هذا يقرب ما ذهب إليه السيدان:
الخوئي والخميني، أما الأول، فقد اعتبر العربية في
المقدار الواجب من الخطبة - وهو تحميد الله والثناء
(1) نهاية الإحكام 2: 35.
(2) انظر: الذكرى 4: 138، والمسالك 1: 237، وروض
الجنان: 286.
(3) جامع المقاصد 2: 397، وفيه التعبير بوجوب
العجمية.
(4) مستند الشيعة 6: 69.
(5) الحدائق 10: 94 - 95.
(6) مستند الشيعة 6: 69.
(7) التصلية: الصلاة على النبي وآله.
(8) الجواهر 11: 216.

(1) المراد من الأمي هنا هو الذي لا يحسن القراءة الواجبة.
انظر: المدارك 4: 349 - 354، والرياض 4: 332،
والجواهر 13: 331 و 341.
(2) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 1.
(3) المبسوط 1: 153.
(4) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 1.
(5) المدارك 4: 35.
(6) هذا التعبير أوفق بعبارات الفقهاء من التعبير
ب‍ " الوجوب ".
184

عليه، والوصية بالتقوى، وقراءة سورة في الخطبة
الأولى، والحمد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
والاستغفار في الثانية - لكن إذا كانت لغة الحاضرين
غير عربية، فالأحوط الجمع في الإيصاء بالتقوى
بين العربية ولغة الحاضرين. وأما ما زاد على القدر
الواجب فلا تعتبر فيه العربية أصلا (1).
وأما الثاني، فقد اشترط أن يكون الحمد
والصلاة بالعربية - مثل صاحب الجواهر - أما
غيرهما كالوعظ والإيصاء بالتقوى فلا،
بل الأحوط أن يكون بلغة المستمعين (2).
تلبية الأعجمي:
قال العلامة: " ولا يجوز التلبية إلا بالعربية مع
القدرة... لأنه المأمور به، ولأنه ذكر مشروع،
فلا يجوز بغير العربية، كالأذان " (3).
وقال الشهيد: " ولو تعذر على الأعجمي
التلبية ففي ترجمتها نظر، وروي أن غيره يلبي
عنه " (4).
وقال صاحب المدارك: " ولو تعذر على
الأعجمي التلبية، فالظاهر وجوب الترجمة " (1).
وقال الفاضل الإصفهاني - بعد نقل عبارة
الشهيد -: " ولا يبعد عندي وجوب الأمرين " (2)،
أي: الترجمة والنيابة.
وقال النراقي: " الأحوط الجمع بين الأمرين " (3).
وقال صاحب الجواهر: " فلا يبعد القول
بوجوب ما استطاع منها، وإلا اجتزأ بالترجمة التي
هي أولى من إشارة الأخرس، ويحتمل الاستنابة
عملا بخبر زرارة " (4).
وقال السيد اليزدي: "... وكذا لا تجزئ
الترجمة مع التمكن، ومع عدمه فالأحوط الجمع
بينهما (5) وبين الاستنابة " (6).
وظاهر السيد الحكيم موافقته له (7).
وقال السيد الخوئي في المعتمد: "... يجب على
كل مكلف أن يأتي بالقراءة أو التلبية بالعربية
ولا تصل النوبة إلى الترجمة مع التمكن من العربية،
فيجب عليه الإتيان بالعربية حتى الإمكان ولو
بالملحون... إذ لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح

(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 185، كتاب
الصلاة، الفصل الثالث عشر صلاة الجمعة، الفرع
الثاني.
(2) تحرير الوسيلة 1: 212، كتاب الصلاة، القول في
شرائط صلاة الجمعة، المسألة 8.
(3) التذكرة 7: 251.
(4) الدروس 1: 347.
(1) المدارك 7: 266.
(2) كشف اللثام 5: 270.
(3) مستند الشيعة 11: 315.
(4) الجواهر 18: 224.
(5) وهما التلقين والتصحيح المذكوران في كلامه.
(6) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل في كيفية الإحرام،
المسألة 14.
(7) المستمسك 11: 392.
185

العارف باللغة العربية، فالملحون يقوم مقام الصحيح
- إلى أن قال -: فالاكتفاء بالملحون هو الأقوى
وإن كان الجمع بينه وبين الاستنابة أحوط " (1).
ومثله قال في المناسك (2).
ثم إنه استشكل في أصل وجوب الحج مع
عدم التمكن من الملحون أيضا. فعلى أي تقدير
لا يصل الدور عنده إلى الترجمة (3).
وقال الإمام الخميني: "... لا يجزي الملحون
مع التمكن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح،
ومع عدم تمكنه، فالأحوط الجمع بين إتيانها بأي نحو
أمكنه، وترجمتها بلغته، والأولى الاستنابة مع ذلك
ولا تصح الترجمة مع التمكن من الأصل " (4).
عقود الأعجمي وإيقاعاته:
إذا كان الأعجمي قادرا على إيقاع عقوده
بالعربية، وأوقعها كذلك، فلا إشكال حينئذ، وأما
لو أوقعها بغير العربية فهل تكون صحيحة أو لا؟
فيه تفصيل:
أما عقد النكاح، فالمعروف ظاهرا
عدم جوازه (5). نعم قال ابن حمزة باستحباب إيقاعه
بالعربية (1)، ومعناه جوازه بغيرها.
لكن استشكل جماعة على القول بالمنع، لعدم
الدليل، وما ذكروه دليلا غير صالح للمنع من
جوازه. ومن جملة هؤلاء: الشيخ الأنصاري (2)
والسيدان: الحكيم (3) والخوئي (4)، إلا أن الأخير قال
في المنهاج: " وتجزي ترجمتها بشرط العجز عن
العربية على الأحوط وجوبا " (5).
وأما سائر العقود، فإن جملة منها لا يشترط
فيها العربية، كما صرحوا بذلك في الموارد الخاصة،
مثل الإقرار، والوصية، والوديعة، والعارية،
والوكالة، ونحوها. والظاهر لا خلاف في ذلك
كما قيل (6).
وأما العقود اللازمة مثل البيع ونحوه.
فالتصريح باشتراط العربية فيها قليل،
فقد صرح بذلك: السيد عميد الدين (7)،

(1) المعتمد (شرح العروة الوثقى) 2: 524.
(2) المعتمد (شرح المناسك) 3: 334، كيفية الإحرام.
(3) المعتمد (شرح العروة الوثقى) 2: 526.
(4) تحرير الوسيلة 1: 380، كتاب الحج، القول في كيفية
الإحرام، المسألة 8.
(5) انظر: الجواهر 29: 141، والنكاح (للشيخ
الأنصاري): 79.
(1) الوسيلة: 291.
(2) النكاح (للشيخ الأنصاري): 79.
(3) انظر: المستمسك 14: 368 - 369، ومنهاج الصالحين
(للسيد الحكيم) 2: 273، كتاب النكاح، الفصل الأول.
(4) مستند العروة (النكاح) 2: 163 - 165.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 258، كتاب
النكاح، الفصل الأول.
(6) انظر العناوين 2: 144، العنوان 35.
(7) نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 162،
ولم أعثر - بعد التفحص إجمالا - على من اشترط العربية
في غير النكاح قبله.
186

والمقداد (1)، والمحقق الثاني (2)، والشهيد الثاني (3)،
وصاحب الجواهر (4)، فهؤلاء صرحوا باشتراط
العربية في عقد البيع.
وفي مقابل هؤلاء صرح جماعة آخرون بعدم
اشتراط العربية، مثل صاحب الحدائق (5)،
والنراقي (6)، والشيخ الأنصاري (7)، والسادة:
الحكيم (8)، والخوئي (9)، والخميني (10).
هذا كله في صورة القدرة على العربية، وأما
مع العجز عنها، فالظاهر أنه لا خلاف في جواز
إيقاعه بغيرها، سواء كان عقدا للنكاح أو غيره.
قال صاحب المدارك - وهو يتكلم عن عقد
النكاح -: "... اتفاق الأصحاب ظاهرا على إجزاء
الترجمة ممن لا يحسن العربية، وأنه لا يجب عليه
التوكيل في العقد - إلى أن قال: - وكيف كان فينبغي
القطع بإجزاء العقد بغير العربية مع المشقة اللازمة
مع تعليم العربية، أو فوات بعض الأغراض
الصحيحة " (1).
وبهذا المضمون قال الفاضل الإصفهاني (2)،
والسيد العاملي (3)، وصاحب الجواهر (4).
لكن مع ذلك كله، يظهر من النراقي عدم
إجزاء العقد الواقع بغير العربية في خصوص
النكاح (5).
هذا كله في العقود، وأما الإيقاعات، فالمورد
المهم الذي بحثوا فيه إنما هو الطلاق.
قال الشيخ في النهاية - وهو يتكلم عما يقع به
الطلاق -: " وما ينوب مناب قوله: " أنت طالق "
بغير العربية بأي لسان كان، فإنه تحصل به
الفرقة " (6).
والظاهر من ابن حمزة (7) موافقته له، ونقل
ذلك عن ابن البراج (8).
لكن قال ابن إدريس: "... فأما إذا كان

(1) انظر: التنقيح الرائع 2: 184، وكنز العرفان 2: 72.
(2) جامع المقاصد 4: 59.
(3) الروضة البهية 3: 225.
(4) الجواهر 22: 250.
(5) الحدائق 18: 365 - 366.
(6) مستند الشيعة 14: 258 - 259.
(7) المكاسب 3: 135.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 20، كتاب
التجارة، الفصل الأول (شروط العقد) المسألة الأولى.
(9) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 14، كتاب
التجارة، الفصل الأول (شروط العقد)، المسألة 47.
(10) تحرير الوسيلة 1: 463، كتاب البيع، المسألة الأولى.
(1) نهاية المرام 1: 27 - 28.
(2) كشف اللثام 7: 47.
(3) مفتاح الكرامة 4: 163 - 164.
(4) انظر: الجواهر 22: 250 و 29: 141.
(5) مستند الشيعة 16: 94 - 95.
(6) النهاية: 511.
(7) الوسيلة: 324.
(8) نقله العلامة في المختلف 7: 347، لكنه قيده بما
إذا لم يحسن العربية.
187

قادرا على التلفظ بالطلاق بالعربية وطلق بلسان
غيرها، فلا تقع الفرقة بذلك، لأنه ليس عليه دليل،
والأصل بقاء العقد " (1).
ونسب هذا الرأي إلى المشهور بين المتأخرين
عن ابن إدريس (2).
وتوقف فيه العلامة في المختلف، حيث قال
بعد نقل كلام من تقدم ذكره: " ونحن في هذه
المسألة من المتوقفين " (3).
وممن صرح باشتراط العربية من المعاصرين
الإمام الخميني (4).
وأما السيدان: الحكيم (5) والخوئي (6)، فلم يتطرقا
في منهاجيهما إلى ذلك، وإنما اكتفيا بذكر الصيغة
العربية، ولعل كلامهما ظاهر في الاشتراط أيضا.
وتفصيل الكلام في ذلك كله موكول إلى
العنوانين: " إيقاع " و " عقد " وعناوين العقود
والإيقاعات، مثل: " بيع "، " نكاح "، " طلاق "، و...
الكفاءة بين العجم والعرب في النكاح:
الكفاءة المطلوبة في النكاح إجمالا هي التماثل
في الدين، نعم ربما يبحث عن تأثير بعض الأمور
الأخرى فيها، لكن ليس منها - على أي تقدير -
التساوي في العربية والعجمية، بل العجمي كفو
للعربي وكذا العكس إذا تماثلا في الإسلام، أو فيه وفي
الإيمان على اختلاف الآراء (1).
راجع: كفاءة.
إقرار الأعجمي بالعربية وبالعكس:
يصح إقرار العجمي بالعربية، والعربي
بالعجمية حتى في صورة الاختيار، ويكون نافذا
في حق المقر، لكن ذلك فيما إذا كان عارفا باللغة
التي أقر بها ولو إجمالا، بحيث يعرف ما يقول،
ولا أثر في غير هذه الصورة بالإقرار.
ولو أقر، ثم ادعى عدم معرفته باللغة التي
أقر بها، وأنه لا يعرف مؤدى إقراره، فإن صدقه
المقر له، لم يلزمه شئ، وإن كذبه، فالقول قول
المقر مع يمينه أنه لم يدر معناه، عملا بالظاهر
- وهو عدم معرفة كل إنسان بغير لغته - وأصالة
عدم تجدد علمه بغير لغته (2).

(1) السرائر 2: 676.
(2) انظر: المسالك 9: 67، والحدائق 25: 211، والجواهر
32: 60.
(3) المختلف 7: 348.
(4) تحرير الوسيلة 2: 294، كتاب الطلاق، القول في
الصيغة، المسألة 3.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 312، كتاب
الطلاق، المسألة 7.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 294، كتاب
الطلاق، المسألة 1429.
(1) انظر: الشرائع 2: 300، والقواعد 3: 14، وجامع
المقاصد 12: 136، والمسالك 7: 408، ونهاية المرام
1: 206، وكشف اللثام 7: 89، والجواهر 30: 106،
وغيرها.
(2) انظر: المبسوط 3: 36، والسرائر 2: 513 - 514،
والدروس 3: 126، وجامع المقاصد 9: 336.
188

ولم يذكر بعضهم اليمين، بل قال: تقبل دعواه،
وأطلق (1).
راجع تفصيله في " إقرار ".
كراهة الرطانة بالأعجمية في المساجد:
ذكر الفقهاء من جملة آداب المسجد: كراهة
الرطانة بالأعجمية فيها، لما روي: أنه " نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد " (2).
قال ابن الأثير: " الرطانة - بفتح الراء
وكسرها - والتراطن: كلام لا يفهمه الجمهور،
وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة، والعرب
تخص بها غالبا كلام العجم " (3).
وأغلب الذين ذكروا ذلك اقتصروا على بيان
الحكم فقط، أو مع مستنده من دون تعليق (4).
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - أحكام المساجد.
ب - التكبير (تكبيرة الافتتاح).
ج - القراءة.
د - القنوت.
ه‍ - إمامة الجماعة: صفات الإمام.
و - صلاة الجمعة: الخطبتان.
2 - كتاب الحج: التلبية.
3 - كتاب النكاح: الكلام عن الكفاءة.
4 - كتاب الإقرار: إقرار العجمي بالعربية
وبالعكس.
5 - مفتتح كتب العقود والإيقاعات خاصة:
البيع، والنكاح، والطلاق.

(1) انظر: القواعد 2: 436، والتحرير (الحجرية)
2: 119، والجواهر 35: 8.
(2) الوسائل 5: 216، الباب 16 من أبواب أحكام
المساجد، الحديثان الأول والثاني.
(3) النهاية (لابن الأثير): " رطن "، وانظر: معجم
مقاييس اللغة، ومجمل اللغة، ولسان العرب، والمعجم
الوسيط: المادة نفسها.
(4) انظر: البيان: 136، والحدائق 7: 300، والجواهر
14: 114 وغيرها.
أقول: إبقاء الحكم على إطلاقه بحيث يشمل تكلم
الأعاجم بلغتهم في مواطنهم التي لا يوجد فيها عربي
ولا يعرفون هم العربية في غاية الإشكال.
إذن من المحتمل أن يكون المراد من الرواية تكلم
اثنين أو أكثر بما لا يفهمه الجمهور الحاضر في المسجد
مع تمكنهم من التكلم بلغة الجمهور، لما فيه من
الحزازة غالبا.
ويمكن تحصيل هذا المعنى من كلام ابن الأثير،
المتقدم.
وربما يؤيده عدم وجود الأعاجم - سواء كانوا من
الفرس أو غيرهم - بين أصحابه (صلى الله عليه وآله) إلا النادر مثل
سلمان (رضي الله عنه).
189

إعداد
لغة:
تهيئة الشئ وجعله بحيث يستفاد منه بحسب
الحاجة. والعدة: ما يعده الإنسان ويدخره من المال
والسلاح لحوادث الدهر (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
وسوف يأتي الكلام عن الإعداد للحرب في
العنوانين: " جهاد " و " عدة " إن شاء الله تعالى.
إعدام
لغة:
إفعال من العدم، وهو فقدان الشئ وذهابه،
والعدم لغة فيه، وإعدام الشئ: إتلافه وإذهابه.
وأعدم الرجل فهو معدم، أي افتقر (2).
اصطلاحا:
أريد به المعنى اللغوي نفسه، لكن استعمله
الفقهاء المعاصرون تبعا للحقوقيين بمعنى: " إزهاق
النفس عقوبة " أيضا.
وقد تقدم الكلام عن بعض ما يخص هذا
العنوان في: " إتلاف "، وسوف يأتي بعضه الآخر في
عنوان " عقوبة " إن شاء الله تعالى (1).
أعذار
لغة:
جمع عذر.
راجع: إعذار، عذر.
إعذار
لغة:
مصدر أعذر، أي صار ذا عذر، والعذر:
تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه (2)، أو الحجة التي

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" عد ".
(2) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب:
" عدم ".
(1) هممت أن أكتب هنا عن حكم الإعدام - بمعنى " إزهاق
النفس عقوبة " - في الشريعة، وما أثير أو يثار حوله من
الشبهات، لكن أخرت ذلك إلى عنوان " عقوبة "، لكونه
أنسب، ولعدم توفر المصادر الحقوقية المقارنة لدي فعلا.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني): " عذر ".
190

يعتذر بها (1).
ومن معاني الإعذار: المبالغة في الأمر (2)،
يقال: أعذر في الدعاء، أي بالغ فيه.
ومن معانيه: الختان، أو الطعام المهيأ من
أجله (3)، وكثرة الذنوب (4).
اصطلاحا:
ليس للفقهاء فيه اصطلاح خاص.
يراجع تفصيل الكلام عنه في العناوين:
" حجة "، " ختان "، " عذر "، " وليمة "، وما
يناسبها.
إعراب
لغة:
الإفصاح (5)، والإيضاح والإبانة (6)، وعدم
اللحن في الكلام (7).
وعند النحويين: الحركات والسكنات
المتعاقبة على أواخر الكلم (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
ذكر الفقهاء في أحكام القراءة في الصلاة: أنه
لو أخل بالإعراب فيها عمدا بطلت صلاته، بناء
على المعروف (2).
وذكروا في الأذان والإقامة أنهما على الوقف
لا يظهر فيهما الإعراب، إلا أن الإقامة يحدر - أي
يسرع - فيها دون الأذان.
راجع تفصيل ذلك في العنوانين: " أذان "
و " قراءة ".
أعرابي
لغة:
ساكن البادية (3)، أو البدوي وإن كان

(1) لسان العرب: " عذر ".
(2) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير): " عذر ".
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب: " عذر ".
(4) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح: " عذر ".
(5) ترتيب كتاب العين: " عرب ".
(6) لسان العرب: " عرب ".
(7) الصحاح: " عرب ".
(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" عرب ".
(2) انظر الجواهر 9: 293.
(3) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني)، والنهاية (لابن الأثير):
" عرب ".
191

في الحضر (1).
وخص بعضهم كونه من العرب، فقال:
" الأعراب أهل البدو من العرب " (2).
وقيل: الفرق بين الأعرابي والعربي: أن
" الأعرابي هو البدوي وإن كان بالحضر، والعربي:
منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا، فبينهما عموم
من وجه " (3).
اصطلاحا:
اختلفت عبارات الفقهاء في تفسير الأعرابي
- عند تعرضهم له في شروط إمام الجماعة - ولعله
لأجل ذلك اختلفت آراؤهم في الحكم، وفيما يلي
نشير إلى أهم التفاسير التي ذكرها الفقهاء:
قال الشهيد الثاني: " الأعرابي: المنسوب إلى
الأعراب، وهم سكان البادية، ثم قد يراد به:
- من لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل
أحكامه من سكان البوادي المعني بقوله [تعالى]:
* (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما
أنزل الله على رسوله) * (4).
- وقد يطلق على من يلزمه المهاجرة منهم ولم
يهاجر وإن كان عارفا بالأحكام.
- وعلى مطلق المنسوب إليهم " (1).
وقال - أي الشهيد - في حاشية الإرشاد:
" الأعرابي - بفتح الهمزة - ساكن البادية، والمراد
بالمهاجر هنا ساكن المدن ونحوه " (2).
وقال الأردبيلي: " قيل: المراد بالمهاجرين في
زماننا من يسكن الأمصار، بحيث يكون أقرب إلى
تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها، والأعرابي
بخلافه. فافهم. فكأنه استخراج معنى مناسب
للأصل " (3).
ومقصوده من الأصل هجرة من آمن من
الأعراب إلى المدينة، حيث كان واجبا إجمالا.
وقال السيد الحكيم: " والأعرابي وإن فسر
بساكن البادية إلا أن منصرفه من كان متخلقا
بأخلاقهم الدينية المبنية على المسامحات وإن لم
توجب فسقا " (4).
ثم إنه هل ينحصر هذا العنوان بساكني البادية
من العرب، أو يشمل غير العرب أيضا من سكان
البوادي؟
ظاهر كلام الفقهاء وتعليلاتهم هو التعميم،
ولا أقل من التعميم حكما، لاشتراك الأحكام الآتية
بين سكان البوادي، سواء كانوا من العرب أو العجم.
(1) المسالك 1: 318.
(2) غاية المراد (وبهامشه حاشية الإرشاد) 1: 207.
(3) مجمع الفائدة 3: 265.
(4) المستمسك 7: 331.

(1) معجم الفروق اللغوية: 58، الفرق بين الأعرابي
والعربي.
(2) المصباح المنير: " عرب ".
(3) معجم الفروق اللغوية: 58، الفرق بين الأعرابي
والعربي.
(4) التوبة: 97.
192

الأحكام:
تترتب على عنوان " الأعرابي " أحكام نشير
إلى أهمها فيما يلي:
حكم إمامة الأعرابي:
اختلفوا في حكم إمامة الأعرابي، ولعل منشأ
ذلك اختلافهم في تفسير الأعرابي، كما تقدم. وعلى
أية حالة، ففي المسألة قولان:
الأول - القول بتحريم إمامة الأعرابي
بالمهاجرين:
ذهب إلى هذا القول الشيخان: الصدوق (1)
والطوسي (2)، والقاضي (3)، ونسبه صاحب الرياض (4)
إلى أكثر القدماء، لكن لم نعثر على غير من ذكرناهم (5).
وقواه صاحب الرياض (6) والسيد الخوئي (7)،
لكن أطلق الأخير المنع في المنهاج (8) ولم يقيده
بإمامته بالمهاجرين، ومعناه شمول المنع لإمامته لمثله
- أي الأعرابي - أيضا.
وقال السيد الحكيم في المستمسك:
"... فالأنسب بالقواعد المنع " (1)، ولم يتعرض
للمسألة في المنهاج (2).
وعلل الحكم - إضافة إلى النصوص - بعدم
معرفة غالب الأعراب بأحكام الشرع، لبعدهم عن
مراكز الثقافة الإسلامية، فقد ورد في بعض
النصوص: " كره أن يؤم الأعرابي، لجفائه عن
الوضوء والصلاة " (3).
الثاني - القول بالكراهة:
وهو قول أكثر الفقهاء من لدن ابن إدريس
إلى يومنا هذا، لكن اختلفوا في بعض تفصيلات
المسألة كالآتي:
1 - فقد ذكر بعضهم كراهة إمامة الأعرابي
للمهاجرين، ومفهوم كلامهم عدم كراهة إمامته لمثله.
ذهب إلى هذا القول ابن إدريس (4) وابن
سعيد (5) والمحقق في الشرائع (6)، والعلامة
(1) المستمسك 7: 332.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 304، كتاب
الصلاة، المقصد التاسع: الجماعة، الفصل الثالث:
شرائط إمام الجماعة، الرابع.
(3) الوسائل 8: 323، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 9.
(4) السرائر 1: 281.
(5) الجامع للشرائع: 97.
(6) شرائع الإسلام 1: 125.

(1) المقنع: 35.
(2) انظر: المبسوط 1: 155، والنهاية: 112، والخلاف
1: 561، المسألة 312.
(3) المهذب 1: 80.
(4) الرياض 4: 352 - 353.
(5) نعم نسبه المحقق في المعتبر إلى السيد المرتضى في
المصباح. انظر المعتبر: 245.
(6) الرياض 4: 352 - 353.
(7) مستند العروة 5 (القسم الثاني): 432 - 437.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 218، كتاب
الصلاة، المقصد التاسع: الجماعة، الفصل الثالث:
شرائط إمام الجماعة، الرابع.
193

في بعض كتبه (1)، والشهيد الأول في البيان (2)
والأردبيلي (3)، واحتمله صاحب الحدائق (4) ومال
إليه صاحب الجواهر (5).
2 - وذهب بعضهم إلى التفصيل بين من
لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل أحكامه، وبين
من يعرف ذلك ولم تجب عليه الهجرة، فلا تجوز
إمامة الأول، وتجوز إمامة الثاني مع اجتماع سائر
الشرائط من العدالة ونحوها.
وأول من ذكر هذا التفصيل المحقق الحلي في
المعتبر (6)، حيث قال: " والذي نختاره: أنه إن كان
ممن لم يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها، فالأمر كما
ذكروه، وإن كان وصل إليه ما يكفيه اعتماده ويدين
به، ولم يكن ممن تلزمه المهاجرة وجوبا، جاز أن
يؤم... ".
وتبعه العلامة في التذكرة (7)، واستحسنه
صاحب المدارك (8)، ولم يستبعده صاحب
الذخيرة (9).
3 - وحاول الشهيد الثاني - في المسالك (1)
وروض الجنان (2) - أن يجمع بين الأقوال على النحو
الآتي:
يجب حمل كلام المانعين والقائلين بحرمة إمامة
الأعرابي، على ما إذا كان الأعرابي لا يعرف محاسن
الإسلام وتفاصيل أحكامه، وكان من سكان
البوادي الذين عناهم الله تعالى بقوله: * (الأعراب
أشد كفرا...) * (3)، أو على من وجبت عليه الهجرة ولم
يهاجر، لأن الأول أخل بالواجب من التعلم،
والثاني أخل بالواجب من الهجرة.
كما يجب حمل كلام القائلين بالكراهة على
إمامة الأعرابي الذي لم يخل بالواجبين المتقدمين،
واجتمعت فيه شرائط الإمامة، ووجه الكراهة
ورود النهي عن إمامته.
ولم يوضح هل الكراهة حينئذ تختص بإمامته
للمهاجرين أو تشمل إمامته لمثله أيضا؟
ويقرب من هذا توجيه صاحب المدارك
للمنع، حيث قال: " يمكن حمل النهي على من وجبت
عليه المهاجرة ولم يهاجر، أو على غير المتصف
بشرائط الإمامة " (4).
ولصاحب الحدائق جمع آخر أشار إليه بقوله:
" وملخص الكلام في ما يفهم من هذه الأخبار هو
(1) المسالك 1: 318.
(2) روض الجنان: 368 - 369.
(3) التوبة: 97.
(4) المدارك 4: 371.

(1) انظر: الإرشاد 1: 272، والتحرير 1: 322.
(2) البيان: 232.
(3) مجمع الفائدة 3: 265.
(4) الحدائق 10: 10.
(5) الجواهر 13: 387 - 389.
(6) المعتبر: 245.
(7) التذكرة 4: 297 - 298.
(8) المدارك 4: 371.
(9) الذخيرة: 393.
194

المنع والتحريم في من ترك الهجرة مع وجوبها عليه،
والجواز على كراهة في من لم يكن كذلك مع عدم
كماله في معرفة أحكام الطهارة والصلاة " (1).
وهناك أقوال وتفصيلات اخر يطول التعرض
لها، كما أن بعض الفقهاء لم يتعرضوا للمسألة أصلا.
عدم وجوب التقصير على الأعرابي:
ذكر الفقهاء من جملة شرائط تقصير الصلاة
أن لا يكون الإنسان كثير السفر، أو بيته معه ينتقل
به دائما، كالأعراب وأهل البوادي، سواء كانوا عربا
أو غيرهم (2).
هذا فيما إذا كان سفرهم تبعا للماء والكلأ، وأما
لو سافروا للزيارة مثلا، فعليهم التقصير (3). ولكن
قيد السيد الخوئي ذلك بما إذا لم تكن بيوتهم معهم
كسائر أسفارهم وإلا وجب عليهم التمام أيضا (4).
حكم صلاة الجمعة والعيد بالنسبة إلى الأعرابي:
تقدم في عنوان " استيطان ": أن المنسوب إلى
الأكثر القطع بوجوب صلاة الجمعة على القاطنين في
الخيم وبيوت الشعر من أهل البادية بشرط
الاستيطان فيها. كما إذا كانوا نصف السنة في مكان
ونصفها الآخر في مكان ثان.
وحكم العيد حكم الجمعة.
راجع: استيطان.
صلاة الأعرابي:
ذكر الفقهاء: أن الصلوات المندوبة يؤتى بها
ركعتين ركعتين. لكن استثنوا منها صلاة الوتر
وصلاة الأعرابي، فإن الأولى يؤتى بها ركعة
واحدة، والثانية عشر ركعات على ما سيأتي بيانه.
وأصل هذه الصلاة ذكرها الشيخ الطوسي في
المصباح، فقال:
" روي عن زيد بن ثابت قال: أتى رجل من
الأعراب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي
يا رسول الله، إنا نكون في هذه البادية بعيدا من
المدينة، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة، فدلني على
عمل فيه فضل صلاة الجمعة، إذا مضيت إلى أهلي
خبرتهم به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان ارتفاع النهار
فصل ركعتين، تقرأ في أول ركعة الحمد مرة و * (قل
أعوذ برب الفلق) * سبع مرات، وتقرأ في الثانية الحمد
مرة و * (قل أعوذ برب الناس) * سبع مرات، فإذا
سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات، ثم قم، فصل
ثمان ركعات بتسليمتين، واقرأ في كل ركعة منها الحمد
مرة، و * (إذا جاء نصر الله والفتح) * مرة، و * (قل هو
الله أحد) * خمسا وعشرين مرة، فإذا فرغت من
صلاتك فقل: " سبحان رب العرش الكريم، ولا حول

(1) الحدائق 10: 10.
(2) انظر: الجواهر 14: 268 - 270، والمستمسك 8: 67
- 68، ومستند العروة (الصلاة) 8: 153 - 154،
وغيرها.
(3) انظر المصادر المتقدمة في الهامش رقم (2).
(4) انظر مستند العروة (الصلاة) 8: 154.
195

ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " سبعين مرة. فوالذي
اصطفاني بالنبوة، ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه
الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا أنا ضامن له الجنة ولا
يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما " (1).
هذا، وصرح بعض الفقهاء (2): بأنه لم تثبت
هذه الصلاة من طرقنا.
ولعله لذلك قال صاحب الجواهر: " إن
الأحوط ترك هذه الصلاة " (3).
فطرة الأعراب:
لما كانت زكاة الفطرة تدفع من قوت غالب
البلد، فبناء على أن الغالب في قوت الأعراب وأهل
البوادي هو الإقط (4)، فلذلك يجزئهم دفع فطرتهم
منه، كما ورد في بعض النصوص (5).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في العنوانين:
" زكاة " و " فطرة ".
إعطاء الأعراب من سهم المؤلفة قلوبهم:
لو قلنا بعدم اختصاص عنوان " المؤلفة
قلوبهم " بالكفار وشموله للمسلمين، وكان الأعراب
من المسلمين ممن يمكن تأليف قلوبهم للجهاد أو الدفاع
أو نحو ذلك، فيجوز دفع الزكاة لهم بهذا العنوان (1).
راجع: زكاة / المؤلفة قلوبهم.
استحقاق الأعراب من الغنيمة:
قال الشيخ الطوسي عند تقسيم الغزاة ومن
يستحق منهم من الغنيمة: "... فأما الأعراب،
فليس لهم من الغنيمة شئ ويجوز للإمام أن
يرضخ (2) لهم أو يعطيهم من سهم ابن السبيل من
الصدقة، لأن الاسم يتناولهم " (3).
وتبعه على ذلك جماعة، بل قيل: إنه
المشهور (4)، لكن خالفه ابن إدريس (5).
ولم يجزم به المحقق (6) والعلامة (7)، وحمل
صاحب الجواهر كلام الشيخ والمشهور على ما إذا
صالحهم الإمام على أن يدافعوا عن المسلمين إن

(1) مصباح المتهجد: 317 - 318.
(2) انظر: المدارك 3: 29، ومفتاح الكرامة 2: 13.
(3) الجواهر 7: 70.
(4) الإقط: هو: " لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به ".
النهاية (لابن الأثير): " إقط ".
(5) انظر: الوسائل 9: 343، الباب 8 من أبواب زكاة
الفطرة، الحديث 2، والمعتبر: 288، والتذكرة 5: 381.
(1) انظر: المعتبر: 279، والتذكرة 5: 253 - 254.
(2) الرضخ هو: " أن يعطى المرضوخ له شيئا من الغنيمة
ولا يسهم له سهم كامل. ولا تقدير للرضخ، بل هو
موكول إلى نظر الإمام، فإن رأى التسوية سوى، وإن
رأى التفضيل فضل ". المنتهى (الحجرية) 2: 946.
(3) المبسوط 2: 74.
(4) انظر الجواهر 21: 217 - 220.
(5) السرائر 2: 21.
(6) شرائع الإسلام 1: 325.
(7) المنتهى (الحجرية) 2: 948.
196

دهمهم العدو، ولم يكن لهم نصيب من الغنيمة
في مقابل إعفائهم من المهاجرة، كما فعل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
حكم النظر إلى شعور نساء الأعراب وأهل البوادي:
ذهب بعض الفقهاء إلى جواز النظر إلى شعور
نساء أهل البادية والأعراب ورؤوسهن، لما رواه
عباد بن صهيب (2)، قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة،
والأعراب، وأهل السواد، والعلوج، لأنهم إذا نهوا
لا ينتهون... " (3).
لكن استشكل بعضهم في الحكم، تضعيفا
للرواية بسبب عباد، نعم، قال بعدم وجوب غض
النظر عنهن لو لم يخف الافتتان، فلا بأس به لو وقع
اتفاقا، للعسر والحرج وقيام السيرة على ذلك (4).
ولم يتعرض جملة من الفقهاء للمسألة أصلا (5).
راجع: حجاب، نظر.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - صلاة الجماعة: شرائط الإمام.
ب - صلاة المسافر: شرائط التقصير.
ج - الصلوات المندوبة: صلاة الأعرابي،
أو كيفية إتيان النوافل واستثناء صلاة
الأعرابي منها.
2 - كتاب الزكاة:
أ - قسمة الزكاة: إعطاء الأعراب من
سهم المؤلفة.
ب - زكاة الفطرة: تعيين جنسها.
3 - كتاب الجهاد: تقسيم الغنائم / الكلام عن
من يستحق الغنيمة.
4 - كتاب النكاح: أحكام النظر، المبحوث
عنها في مقدمات النكاح.
إعراس
لغة:
اتخاذ العروس، يقال: أعرس فلان، أي اتخذ
عرسا، وأعرس بأهله إذا بنى بها، أو غشيها (1).
وأعرس لغة قليلة في عرس، فيكون

(1) الجواهر 21: 218.
(2) انظر مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 40، وفيه
التأكيد على توثيق عباد، لتوثيق النجاشي إياه.
(3) الوسائل 20: 206، الباب 113 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(4) انظر المستمسك 14: 21.
(5) ولعلهم الأكثر، نعم تعرضوا لمسألة جواز النظر إلى
شعور نساء أهل الذمة، فإن قلنا: إن العلة في ذلك
عدم انتهائهن إذا نهين، فهذه العلة موجودة في نساء
الأعراب وإن قلنا: إنها عدم وجود الحرمة لهن، فهي
مختصة بهن، لأن نساء الأعراب مسلمات ولهن حرمة.
(1) لسان العرب: " عرس ".
197

الإعراس والتعريس بمعنى واحد، لكن قيل:
التعريس هو خصوص النزول في السفر آخر الليل
للاستراحة ثم الرحيل (1).
اصطلاحا:
قل استعمال الإعراس بالمعنيين، واستعملوا
مكانه التعريس بالمعنى الثاني غالبا.
وأما الأول فيأتي بألفاظ: الدخول، والبناء
ونحوهما فيقال: دخل بها، وبنى بها...
راجع للإعراس بالمعنى الثاني: التعريس،
وللأول ما يناسبه من الألفاظ.
أعراض
لغة:
جمع لعدة مفردات، منها:
1 - العرض: وهو جميع متاع الدنيا وحطامها.
2 - العرض: المتاع، سوى الدراهم
والدنانير. فعلى هذا: كل عرض عرض، وليس كل
عرض عرضا.
3 - العرض: ما يمدح أو يذم من الإنسان،
سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره (2).
استعمله الفقهاء بالمعاني المتقدمة، واستعملوا
العرض بمعناه الفلسفي والكلامي والمنطقي، وسوف
يأتي ذلك في عنوان " عرض " إن شاء الله تعالى.
ويراجع عرض وعرض لما يرتبط بهما.
إعراض
لغة:
مصدر أعرض، يقال: أعرض عن الشئ:
إذا ولاه ظهره. وأعرضت عنه: أخذت عرضا - أي
جانبا - غير الجانب الذي هو فيه (1).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء كلمة " الإعراض " في معناها
اللغوي، ومن موارد استعمالاتهم:
1 - الإعراض عن ذكر الله تعالى، أي التولي
عنه.
2 - الإعراض عن الملك أو الحق، بمعنى رفع
اليد عنهما من دون إنشاء الإباحة للغير.
3 - إعراض أحد الزوجين عن الآخر، بمعنى
أن يوليه ظهره، فلا يعاشره معاشرة مستقيمة من
حيث الزوجية.

(1) لسان العرب: " عرس ".
(2) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان
العرب، والمصباح المنير، ومجمع البحرين: " عرض ".
(1) انظر: النهاية (لابن الأثير)، والمصباح المنير: " عرض ".
198

4 - إعراض الآمر بالمعروف والناهي عن
المنكر عن تارك المعروف وفاعل المنكر بمعنى التولي
عنه، وهو أول مرحلة عملية للأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
5 - الإعراض عن الوطن - أي البلد - بمعنى
رفع اليد والتولي عنه، وهو موجب لعدم ترتيب آثار
الوطنية على الوطن المعرض عنه.
6 - الإعراض عن الخبر، بمعنى عدم العمل به.
وسوف يأتي الكلام عن الأول في عنوان
" ذكر "، والثالث في " نشوز "، والرابع في " أمر "،
وتقدم الخامس في " استيطان " ويأتي في " وطن " إن
شاء الله تعالى.
فالكلام ينحصر إذن في المورد الثاني وهو
الإعراض عن الملك أو الحق، والمورد السادس،
وهو إعراض المشهور عن الخبر، ولما كان
الأخير يتضمن جانبا أصوليا، فلذلك نترك البحث
عنه إلى الملحق الأصولي، ونبحث فعلا في الإعراض
عن الملك أو الحق فقط.
أولا - الإعراض عن الملك
تعيين المراد من الإعراض:
إن المتاركة بين الإنسان وما يملكه يمكن أن
تحصل على أحد الأنحاء التالية:
الأول - أن يترك المال ويهمله ولا يستثمره
اختيارا، ولكن لا يقصد بذلك قطع علقة الملكية
الموجودة بينه وبين المال، وذلك كالمرأة التي
لم يطلقها زوجها ولا يعاشرها معاشرة الأزواج.
ولا شك أن هذا النوع من الإعراض ليس
مقصودا للفقهاء الباحثين عن زوال الملكية
بالإعراض، لأن هذا النحو من الإعراض لم يكن
إعراضا عن أصل الملكية، بل عن الانتفاع بها فعلا،
ومحل البحث هو الإعراض عن أصل الملكية.
الثاني - أن يترك المال واستثماره لوجود مانع،
ولولا المانع لاستثمره، كالمال الذي بيد الغاصب،
أو الأرض التي علاها الماء.
ولا شك أن هذا النوع من الإعراض ليس
مقصودا أيضا، للسبب المتقدم، فإن المالك لم يرفع
اليد عن علقة الملكية، وإنما ترك الانتفاع من
المال لمانع.
الثالث - أن يقصد رفع اليد عن علقة الملكية
الموجودة بينه وبين ماله عن طريق متاركة المال،
من دون إنشاء إباحته للغير (1) كالمسافر الذي يترك
بقية طعامه أو حطبه أو ما شابه ذلك، أو كبائع
البقل الذي يترك ما تبقى من بقوله، أو كالذي ينثر
في الأعراس - على فرض كونه من الإعراض -
ونحو ذلك.
ومحل البحث هو الأخير حيث تكلم الفقهاء

(1) انظر الجواهر 36: 206، ورسالة جمان السلك في
الإعراض عن الملك للإيرواني، المطبوعة مع حاشيته
على المكاسب - في الطبعة الحجرية - بعد قسم البيع.
199

في أن هذا النوع من الإعراض هل هو مزيل لعلقة
الملكية أم لا؟
وهذا البحث لا يختص بالملك، بل يشمل
الحق أيضا، فإن الإعراض عنه كالإعراض عن
الملك.
منهج البحث ومراحله:
والمنهج الذي يستوجبه البحث عن الموضوع
هو كالآتي:
1 - هل الإعراض يفيد إزالة الملك أو لا؟
2 - وعلى فرض عدم إزالة الملك، هل يفيد
إباحة للغير أم لا؟
3 - وهل الإباحة الحاصلة للغير هي إباحة
التصرف أم إباحة التملك؟
وتأتي هذه المنهجية بالنسبة إلى الحق أيضا.
لكن لما لم يبحث الفقهاء عن الموضوع
بصورة مركزة وواضحة، بل اختلفت عباراتهم
بالنسبة إلى تحديد الإعراض، حتى قال صاحب
الجواهر بعد نقل بعضها: "... إلى غير ذلك من
كلماتهم التي مرجعها إلى تهجس (1) في ضبط عنوان
لذلك " (2).
فلذلك كله آثرنا نقل كلمات الفقهاء في
الموضوع، ثم بيان ما يستفاد منها.
كلمات الفقهاء في الإعراض عن الملك:
قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " إذا
ملك صيدا فانفلت منه، لم يزل ملكه عنه، طائرا
كان أو غير طائر، لحق بالبراري والصحاري
أو لم يلحق. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال
مالك: إن كان يطير في البلد وحوله، فهو على
ملكه، وإن لحق بالبراري فعاد إلى أصل التوحش
زال ملكه " (1).
ومثله قال في المبسوط (2).
والملاحظ في عبارته: أن مفروض المسألة
عنده هو انفلات الحيوان منه، وهو عار من
قصد إفلاته، والمناسب للإعراض هو الثاني، إلا
أن يحصل الإعراض بعد الانفلات بسبب اليأس
من عوده.
وقال أيضا: " نثر السكر واللوز في الولائم
وغير ذلك جائز، غير أنه لا يجوز لأحد أخذه إلا
بإذن صاحبه، إما قولا أو شاهد حال أنه أباحه...
ويملك النثار كما يملك الطعام إذا قدم إلى قوم. وقيل
فيه ثلاثة أوجه ذكرناها في كتاب الأطعمة، أقواها
أنه يملكها بالأخذ والحيازة " (3).
ومعنى النص: أن صاحب النثار يبيحه
للآخذ، والآخذ يملك ما يأخذه من النثار.
لكن فرض إباحة المالك النثار للآخرين
(1) الخلاف 6: 28، المسألة 28.
(2) المبسوط 6: 274.
(3) المبسوط 4: 323.

(1) التهجس: عدم النضج، يقال: خبز متهجس، أي
فطير لم يختمر عجينه. القاموس المحيط: " هجس ".
(2) الجواهر 40: 401.
200

يخرجه عن موضوع الإعراض، الذي هو رفع اليد
عن الملك من دون إنشاء إباحة.
هذا، ونسب إلى الشيخ القول بإزالة الملك
بالإعراض (1)، لكن لم نر تصريحا منه بذلك.
وقال ابن إدريس: " وروى الحسن بن
علي بن يقطين، عن أمية بن عمرو، عن الشعيري،
قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن سفينة انكسرت في
البحر، فاخرج بعضه بالغوص، وأخرج البحر بعض
ما غرق فيها، فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله،
الله أخرجه، وأما ما اخرج بالغوص، فهو لهم، وهم
أحق به " ثم قال:
" وجه الفقه في الحديث: أن ما أخرجه البحر
فهو لأصحابه، وما تركه أصحابه آيسين منه، فهو
لمن وجده وغاص عليه، لأنه صار بمنزلة المباح،
ومثله من ترك بعيره من جهد في غير كلأ ولا ماء،
فهو لمن أخذه، لأنه حلاه آيسا منه ورفع يده عنه،
فصار مباحا، وليس هذا قياسا، لأن مذهبنا ترك
القياس، وإنما هذا على جهة المثال، والمرجع فيه إلى
الإجماع وتواتر النصوص، دون القياس والاجتهاد،
وعلى الخبرين إجماع أصحابنا منعقد " (2).
والمستفاد من هذا النص: أن الإعراض مزيل
للملك ويصير المال المعرض عنه كالمباح يملكه من
حازه. ومن علامات الإعراض يأس المالك من
التوصل إلى ماله.
لكن تقدم: أن مجرد ترك المال، لعدم إمكان
التوصل إليه ليس إعراضا، فلابد إذن من إحراز
الإعراض بأي طريق كان وإن كان سببه اليأس
عن إمكان التوصل إليه.
وقال المحقق الحلي في الشرائع: " لو انكسرت
سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله،
وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وبه رواية في
سندها ضعف (1) " (2).
وظاهره التردد في ذلك كما قال صاحب
الجواهر (3).
وقال أيضا: " ولو أطلق الصيد من يده
لم يخرج عن ملكه. وإن نوى إطلاقه وقطع نيته عن
ملكه هل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه لا، لأنه
لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج، وقيل: يخرج،
كما لو وقع منه شئ حقير فأهمله، فإنه يكون
كالمبيح له. ولعل بين الحالين فرقا " (4).
والفرق - كما قال صاحب الجواهر (5) - لعله:
(1) تقدم سند الرواية في كلام ابن إدريس. قال الشهيد
الثاني: " ووجه ضعف سندها أن أمية المذكور واقفي.
والظاهر أن المراد بالشعيري: إسماعيل بن زياد
السكوني المشهور ". المسالك 14: 77.
(2) الشرائع 4: 109.
(3) الجواهر 40: 400.
(4) الشرائع 3: 211.
(5) الجواهر 36: 207.

(1) انظر: إيضاح الفوائد 4: 122 - 123، والمسالك
11: 524.
(2) السرائر 2: 195.
201

1 - الحقارة وعدمها.
2 - رجوع الثاني إلى الإباحة، كما في نثار
الأعراس، لا الخروج عن الملك.
ويستفاد من النص المتقدم: عدم خروج
الملك بالإعراض في رأي المحقق، وأما المحقرات
التي يرميها الإنسان، فيجوز تملكها من جهة
إباحة مالكها لذلك، لا من جهة كون الإعراض
مزيلا للملك.
وقال أيضا: " وأكل ما ينثر في الأعراس
جائز، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد
الحال. وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر: نعم " (1).
والمفهوم من النص هو: أن ما ينثر في الأعراس
يباح للحاضرين أكله، وأما أخذه، فجوازه متوقف
على إذن المالك، ومع الإذن يملكه الآخذ. وهذا
الفرض خارج عن الإعراض كما تقدم.
وقال العلامة في القواعد بشأن الصيد: " ولو
انفلت قبل قبضه بعد إثباته لم يخرج عن ملكه، وكذا
لو أطلقه من يده ناويا لقطع ملكه عنه، وقيل هنا:
يخرج، كما لو رمى الحقير مهملا له، فإنه يكون مباحا
لغيره " (2).
وكلامه صريح في عدم إزالة الملك بالإعراض
عنه، بل وظاهر في عدم إباحته للغير تملكا وانتفاعا.
وقال في التذكرة: " من التقط شيئا من النثار
السائغ التقاطه لم يؤخذ منه، وهل يملكه؟ الأقرب
ذلك اعتبارا بالعادة " (1).
والظاهر من النص أن ما ينثر في الأعراس
مباح لآخذه، وأنه يملكه.
لكن قال في المختلف: "... والوجه عندي:
أنه لا يملك إلا بالتناول كالطعام، لا بالأخذ بمجرده،
عملا بأصالة الاستصحاب " (2).
وقال في القواعد أيضا: "... ويملك حينئذ
بالأخذ على إشكال " (3).
وعلق عليه ولده فخر المحققين مفسرا وجه
الإشكال بقوله: " أقول: ينشأ من عدم السبب
الناقل عن ملكه، فإن أسباب نقل الملك عن مالكه
شرعا مذكورة محصورة وليس هذا منها، ولأن
الأصل بقاء ملك المالك عليه.
ومن صيرورته مباحا بالإعراض عنه والإذن
في أخذه، فيملك بالاستيلاء كسائر المباحات.
وفيه نظر، لأن المباح مشترك بين معنيين: ما
لا يملك ويحل الانتفاع به، ومملوك أباح الشارع
التصرف فيه بإباحة المالك أو بسبب شرعي.
فإن عنى بصيرورته مباحا الأول فهو ممنوع، وإن
عنى الثاني لم يتم. فالغلط من اشتراك اللفظ " (4).
وقال - أي فخر المحققين - أيضا: " إذا أطلق
الصيد من يده ناويا لقطع ملكه عنه لم يزل عن ملكه
(1) التذكرة (الطبعة الحجرية) 2: 581.
(2) المختلف 7: 91.
(3) القواعد 3: 6.
(4) إيضاح الفوائد 3: 4.

(1) الشرائع 2: 268.
(2) القواعد 3: 315.
202

مطلقا، لأصالة بقاء الملك، والإعراض ليس من
الأسباب المخرجة، لأنه لا نص عليه... " (1).
وكلامه في الموردين صريح في عدم كون
الإعراض مزيلا للملك، مضافا إلى أنه استشكل في
ملكية الآخذ لنثار الأعراس، فكيف غيره؟
وقال الشهيد الأول في الدروس بالنسبة إلى
الصيد: " ولو أطلقه من يده ونوى قطع ملكه عنه
لم يخرج عن ملكه، وقيل: يخرج كما لو رمى الحقير
مهملا له. ولمانع أن يمنع خروج الحقير عن ملكه وإن
كان ذلك إباحة لتناول غيره، وفي الصيد كذلك إذا
تحقق الإعراض " (2).
وقال أيضا: " ولا يجوز التقاط السنبل وقت
الحصاد إلا بإذن المالك صريحا أو فحوى أو إعراضه
عنه، وكذا ما يعرض عنه من بقايا الثمر. وهل للمالك
انتزاعه بعد الإعراض؟ يحتمل ذلك، لأنه ليس أبلغ
من الهبة التي يجوز الرجوع فيها. نعم لو تلفت العين
فلا ضمان " (3).
والمستفاد من النصين: عدم كون الإعراض
مزيلا للملك.
نعم يستفاد منهما: أن الإعراض موجب
لإباحة التصرف في الشئ المعرض عنه.
وجاء في أجوبة المحقق الكركي عن الأسئلة
الفقهية: " الشئ المعرض عنه لو أخذه الغير،
ثم بعد الأخذ رجع مالك الشئ عن الإعراض فطلبه
من الآخذ، هل له ذلك ما دامت العين باقية أم لا؟
الجواب: له ذلك مع بقاء العين " (1).
ويستفاد منه عدم إزالة الملك بالإعراض.
وقال في مورد آخر: " الملك الحقيقي لا يزول
بالإعراض ولا يسقط بالإسقاط، بل إنما يزول
بالسبب الناقل... " (2).
نعم قال في مورد ثالث: " إن الملك ربما كان
ضعيفا متزلزلا يقبل الزوال بالإعراض " (3).
وقال بالنسبة إلى تملك الصاغة تراب
الصياغة: " إنما يحكم بالحل إذا دلت القرائن على
إعراض المالك " (4).
وهو ظاهر في حل تملك ذلك لا زوال ملكية
المالك عنه.
وله كلمات أخرى تدل على عدم زوال الملك
بالإعراض (5).
وقال الشهيد الثاني بالنسبة إلى السفينة
المنكسرة - بعد نقل كلام الشيخ وابن إدريس -:
"... والأصح أن جواز أخذ ما يتخلف مشروط
بإعراض مالكه عنه مطلقا، ومعه يكون أباحه
لآخذه، ولا يحل أخذه بدون الإعراض مطلقا،
(1) رسائل المحقق الكركي 2: 286.
(2) جامع المقاصد 8: 152.
(3) جامع المقاصد 3: 406.
(4) جامع المقاصد 4: 188.
(5) انظر: جامع المقاصد 9: 212، و 4: 370.

(1) إيضاح الفوائد 4: 122.
(2) الدروس 2: 400.
(3) الدروس 3: 91 - 92.
203

عملا بالأصل " (1).
وقال بالنسبة إلى الصيد - بعد أن ذكر القولين
في الإعراض عنه: القول بعدم زوال الملك ونسبه إلى
الأكثر، والقول بزواله ونسبه إلى الشيخ -:
" والأصح الأول "، ثم قال:
" ويتفرع على زوال ملكه عنه ملك من
يصيده ثانيا له، وليس للأول انتزاعه منه. وعلى
القول بعدمه، هل يكون نية رفع ملكه عنه أو
تصريحه بإباحته موجبا لإباحة أخذ غيره؟
وجهان:
أحدهما - العدم، لبقاء الملك المانع من
تصرف الغير فيه.
وأصحهما - إباحته لغيره، لوجود المقتضي له،
وهو إذن المالك فيه، وهو كاف في إباحة ما يأذن في
التصرف فيه من أمواله، فلا ضمان على من أكله،
ولكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه
موجودة، كنثار العرس... " (2).
وقال بالنسبة إلى نثار العرس - بعد أن بين أنه
يجوز أكله في المجالس ولا يجوز أخذه إلا بالإذن
صريحا أو بشاهد الحال -:
" حيث يجوز أخذه بأحد الوجوه هل يملكه
الآخذ بمجرد الأخذ؟ قيل: نعم، اعتبارا بالعادة
الدالة على إعراض المالك عنه، فأشبه التقاط
المباحات، واختاره في التذكرة. وقيل: لا يملك
بذلك، وإنما يفيد مجرد الإباحة، لأصالة بقاء ملك
مالكه عليه إلى أن يحصل سبب يقتضي النقل،
وما وقع إنما يعلم منه إفادة الإباحة، وهذا هو
الأقوى... " إلى أن قال:
" ويتفرع على ذلك: جواز رجوع المالك فيه
ما دامت عينه باقية في يد الآخذ، فلو أتلفه ولو بالأكل
زال ملك المالك عنه، ولو نقله الآخذ عن ملكه ببيع
ونحوه فالأقوى زوال ملك المالك عنه... " (1).
ثم قال ما حاصله: أنه بناء على القول بعدم
ملك الآخذ - كما هو مختاره - يكون أولى به من
غيره، فلا يجوز لغيره أخذه منه قهرا (2).
وقال بالنسبة إلى ما يبقى من الذهب والفضة
في تراب الصاغة: " ولو دلت القرائن على إعراض
مالكه عنه جاز للصائغ تملكه كغيره من الأموال
المعرض عنها " (3).
والمستفاد من مجموع كلماته: أن الإعراض
ليس سببا لزوال الملك، نعم، إنما يفيد مجرد الإباحة
للغير، وإذا تصرف فيه تصرفا متلفا كالأكل أو
البيع، خرج عن ملك المالك الأول.
وقال المحقق الأردبيلي - وهو يتكلم عن
الصيد الذي أفلته صاحبه -: كما أن دخول المال في
ملك إنسان يحتاج إلى دليل، كذا خروجه عنه يحتاج
(1) المسالك 7: 31 - 33، وانظر الروضة البهية 5: 93.
(2) المسالك 7: 33.
(3) المسالك 3: 352.

(1) المسالك 14: 77.
(2) المسالك 11: 524 - 525، وانظر الروضة البهية
7: 255 - 256.
204

إليه، فلو أخذ الصيد وملكه ثم أطلقه لم يخرج
عن ملكه وإن قصد ذلك، لاستصحاب بقاء الملك
وعدم الدليل على زواله. نعم يكون مالا أعرض
صاحبه عنه.
فإن قيل: بالإعراض يخرج، فيلزم هنا
الخروج.
قلنا: الخروج غير ظاهر هناك، لما مر من:
استصحاب بقاء الملك وعدم الدليل على زواله.
نعم يجوز لغيره التصرف فيه، للإعراض
كما ذكروا ذلك في المال المعرض عنه...
لكن يشكل جواز التصرف الناقل للملك
مثل البيع، للزوم مسبوقية تملكه، لكن لا يبعد
الجواز، لأن المفهوم من جواز التصرف عمومه... (1).
والمستفاد من كلامه: عدم زوال الملك
بالإعراض، وجواز التصرف فيه حتى التصرفات
المتوقفة على الملك.
وقال السبزواري بشأن نثار الأعراس:
" ويجوز الأكل منه، ولا يجوز الأخذ منه بغير الأكل
إلا بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال... وهل
يملكه الآخذ بمجرد الأخذ؟ قيل: نعم، وهو أشهر،
وقيل: لا يملك بذلك، وإنما يفيد مجرد الإباحة، ولعله
أجود. وتظهر الفائدة في جواز رجوع المالك
ما دامت العين باقية في يد الآخذ، فلو تلفت
فلا رجوع، ولو أخرجه الآخذ عن ملكه ببيع
ونحوه، فالأقوى أنه لا رجوع " (1).
وقال في الصيد: " ولو أطلق الصيد من يده
لم يخرج عن ملكه إذا لم ينو قطع ملكه عنه، وإن نوى
ذلك، ففي خروجه عن ملكه قولان، أشهرهما
الأول، ولعله الأقرب " (2).
ومقصوده من الأول هو: عدم خروج الصيد
عن الملك.
وقال بالنسبة إلى تراب الصاغة: " تراب
الصاغة إن علم بالقرائن المفيدة للعلم أن صاحبه
أعرض عنه، جاز للصائغ تملكه كسائر الأموال
المعرض عنها. خصوصا إذا كانت مما يتسامح فيها
عادة، ولا يبعد الاكتفاء بالظن " (3).
وقال بالنسبة إلى السفينة المنكسرة:
" الأقرب جواز أخذه للغائص وجواز تصرفه
فيه عملا بالإباحة الأصلية، لكن في كونه ملكا
مستقلا له، تأمل " (4).
والمستفاد من مجموع كلامه: أن الإعراض
ليس مزيلا للملك. نعم، يباح لغير المالك أخذ المال
المعرض عنه، وله أن يتصرف فيه حتى التصرفات
الناقلة للملك، مثل البيع والصلح ونحوهما.
واستظهر الكاشاني في المفاتيح زوال ملك
(1) الكفاية: 153.
(2) المصدر المتقدم: 246.
(3) المصدر المتقدم: 99.
(4) المصدر المتقدم: 275.

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 55، نقلنا العبارة بتصرف
يسير في بعض الألفاظ. وانظر 10: 433 - 434،
و 12: 111 - 112.
205

صاحب الصيد إذا أطلقه ناويا زوال ملكه عنه،
بعد أن نسب هذا القول إلى الشيخ (1).
أقول يظهر من عبارته: أن ذلك لأجل أن
الملكية الحاصلة بالصيد إنما هي بوضع اليد وقد زالت
اليد فتزول بتبعها الملكية.
وأما صاحب الحدائق، فقد قال في بحثه عن
جواز أكل ما ينثر في الأعراس بعد أن اختار عدم
الجواز إلا إذا أعطي بخصوصه:
" فهل يملكه بمجرد ذلك أم لا؟ المشهور بينهم
الثاني "، أي عدم الملك.
ثم قال: " والذي اخترناه في بعض المباحث
المتقدمة في جلد المعاملات هو الأول، وأنه يملكه
بمجرد الأخذ. ومن ذلك الهدايا ونحوها " (2).
لكن قال في مسألة ما لو حمل السيل حبا
لشخص فأنبته في أرض شخص آخر ونما، بعد أن
نقل الأقوال في ملكية هذا الزرع:
" لو أعرض المالك عنه وإن كان كثيرا فإنه
يتخير صاحب الأرض بين قلعه وبين تملكه، ويكون
من قبيل السنبل والثمار التي يعرض عنها ملاكها
إلا أن للمالك الرجوع فيها ما دامت العين باقية " (3).
وقال بالنسبة إلى تراب الصاغة: " تراب
الصاغة إن علم بالقرائن المفيدة لذلك إعراض
أصحابه عنه جاز للصائغ تملكه كغيره مما يعلم
إعراض ملاكه عنه، وفي الاكتفاء بالظن
إشكال... " (1).
والمفهوم من مجموع كلامه: أن الإعراض
لا يزيل الملكية، نعم يملك المال المعرض عنه من
وضع يده عليه، إلا أن المالك له الرجوع وأخذ ماله
إذا كانت العين باقية. وأما مناقشته لجواز تملك نثار
العرس فإنما هو للدليل الخاص عنده، وهو النص.
وقال صاحب مفتاح الكرامة في تراب
الصاغة: " تراب الصاغة إن علم بالقرائن المفيدة
لذلك إعراض أصحابه عنه، جاز للصائغ تملكه
كغيره مما يعلم الإعراض عنه كحطب المسافر،
وفي الاكتفاء بالظن إشكال " (2).
وقال النراقي بالنسبة إلى الصيد: "... وإن
أعرض عنه ونوى بإطلاقه قطع ملكيته عنه،
فالأكثر - كما صرح به بعض من تأخر - على بقاء
ملكيته له أيضا، لأن زوال الملكية يحتاج إلى دليل
شرعي ولم يثبت كون الإعراض منه... نعم، غايته
جواز تصرف الغير فيه لإعراضه، بل تأمل فيه
بعضهم أيضا، سيما إذا كان بالتصرف الناقل " (3).
وكلامه صريح في عدم زوال الملكية
بالإعراض، وظاهر في جواز تصرف الغير فيه.
وقال صاحب الجواهر في نثار العرس:
"... لا يجوز أخذه على وجه النقل إلا بإذن أربابه
(1) الحدائق 19: 311.
(2) مفتاح الكرامة 4: 408.
(3) مستند الشيعة 15: 372 - 373.
206

نطقا أو بشاهد الحال... " إلى أن قال:
"... فهل يملك المباح آخذه بالأخذ الذي هو
بمنزلة الحيازة للمباح الأصلي من المالك الحقيقي؟
الأظهر نعم... للسيرة القطعية في الأعصار
والأمصار على معاملته معاملة المملوك بالبيع والهبة
والإرث وغيرها، بل هي كذلك في كل مال أعرض
عنه صاحبه، فضلا عما أباحه مع ذلك،
سيما إباحة التملك التي هي متحققة فيما نحن فيه " (1).
ثم قال في ذيل بحثه: " وكيف كان، فبناء على
عدم الملك فلا ريب في أولويته بما يأخذه، فليس
لغيره أخذه منه قهرا " (2).
وقال في مسألة الصيد بعد نقل الأقوال فيه،
وبيان الفرق بين الإعراض والإباحة:
" نعم، قد يقال: إن صحيح ابن سنان (3) دال
على كون الشئ بعد الإعراض عنه كالمباح
الأصلي، وأظهر وجه الشبه فيه خروجه عن ملكه،
وتملكه لمن يأخذه على وجه لا سبيل له عليه،
(1) الجواهر 29: 52.
(2) المصدر المتقدم: 53.
(3) وهو ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض،
قد كلت وقامت، وسيبها صاحبها مما لم يتبعه، فأخذها
غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال
ومن الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل
الشئ المباح ". الوسائل 25: 458، الباب 13 من
أبواب اللقطة، الحديث 2.
بناء على أن المراد منه صيرورة البعير كالمباح
باعتبار إعراض صاحبه عنه، فيكون حينئذ مثالا
لكل ما كان كذلك، بل لعل قوله (عليه السلام): " إن أصاب
مالا " منزل على ذلك، على معنى إن أصاب مالا غير
البعير، ولكن هو كالبعير في الإعراض، مؤيدا ذلك
بخبر السفينة... " (1).
وقال في ذيل خبر السفينة بعد نقل الأقوال
والاحتمالات فيها:
" فالأولى أن يقال: ما علم إنشاء إباحة من
المالك لكل من يريد أن يتملكه، كنثار العرس ونحوه
يملكه الآخذ بالقبض أو بالتصرف الناقل أو المتلف
أو مطلق التصرف - على الوجوه أو الأقوال المذكورة
في المعاطاة بناء على أنها إباحة - وكذا ما جرت
السيرة والطريقة على تملكه مما قام شاهد الحال
بالإعراض عنه، كحطب المسافر ونحوه، أو ما كان
كالمباحات الأصلية باندراس المالك، كأحجار
القرى الدارسة.
وأما المال الذي امتنع على صاحبه تحصيله
بسبب من الأسباب، كغرق أو حرق ونحوهما،
فيشكل تملكه بالاستيلاء عليه، خصوصا مع العلم
بعدم إعراض صاحبه عنه، على وجه يقتضي إنشاء
إباحة منه لمن أراد تملكه أو رفع يده عن ملكيته،
وإنما هو للعجز عن تحصيله، نحو المال الذي يأخذه
قطاع الطريق والظلمة ونحوهم " (2).
(1) الجواهر 36: 208.
(2) الجواهر 40: 402.
207

وادعى قيام السيرة على إعراض المالك
عما يبقى من تراب الذهب ورضاض الحديد والقطع
الصغار من القماش عند الصاغة والحدادين
والخياطين وغيرهم (1).
والمستفاد من مجموع كلماته:
1 - أن الإعراض ليس مزيلا للملك، كما هو
المعروف.
2 - أنه يجوز للغير التصرف في المال المعرض
عنه ولو بالتصرف الناقل.
3 - أن بعض الأمثلة المذكورة في كلمات
الفقهاء ليست داخلة في الإعراض، مثل:
نثار العرس، لأنه في الواقع إباحة من المالك
لأن يتصرف فيه آخذه.
وكذلك كل ما لا يتمكن أن يتصرف فيه
المالك للعجز عن ذلك، كالمال الذي أصابه الغرق أو
تسلط عليه الغاصب، أو نحو ذلك من العوامل التي
تحول دون تصرف المالك في ملكه.
اللهم إلا أن يقال: إنه يجوز تملك ما في السفينة
الغارقة بالغوص بمجرد انقطاع رجاء صاحبه من
حصوله وتركه التعرض لإخراجه، وهو غير
الإعراض، وإباحة تملك الغير له (2).
وقال الشيخ الأنصاري عند مناقشته لأن
يكون نثار الأعراس من الإعراض: "... إن
الإعراض الملحق للمعرض عنه بالمباحات هو:
ما قصد الإعراض عنه أولا وبالذات من غير تعلق
القصد أولا بأخذ الغير له، لا ما كان المقصود منه
بالذات تصرف الغير فيه وأخذ الغير له واستلزامه
الإعراض عنه " ثم قال:
" والحاصل: أن الإعراض قد يحصل قصدا
وبالذات، وقد يحصل ضمن إرادة تصرف الغير
وأخذه وإتلافه، والملحق بالمباحات الأصلية هو
الأول - مع تسليم وجود الدليل عليه عموما -
لا الثاني المتحقق فيما نحن فيه " (1).
والمستفاد من كلامه:
أولا - أن الإعراض المبحوث عنه هو
الإعراض الحاصل مع قطع النظر عن أن يأخذه
الغير أو لا، كإطلاق الطير أو غيره من الحيوان في
الفلاة. لا الإعراض الحاصل بسبب أخذ الغير له
وإن كان الأخذ عن رضا المالك (2)، والإعراض في
نثار الأعراس من قبيل الثاني.
ثانيا - أن الدليل على كون الإعراض
- بالمعنى الأول - يجعل المعرض عنه كالمباحات
الأصلية، مفقود. نعم ربما يظهر من كلامه وجوده
على نحو الموجبة الجزئية وفي بعض الموارد.
وللإيرواني رسالة مختصرة في الإعراض،
(1) النكاح: 35 - 36.
(2) أعظم بهذه الدقة! فلقد أجاد فيما أفاده (قدس سره)، ويشير إليه
تقسيم المتاركة بين المالك وماله في مدخل البحث إلى
أقسام ثلاثة، وجعل موطن البحث في القسم الثالث
الذي كان بمعنى متاركة المال من دون إنشاء إباحة للغير.

(1) الجواهر 24: 50.
(2) انظر الجواهر 16: 42.
208

وخلاصة ما جاء فيها هو:
أن خروج المال عن الملك إما بالاختيار أو
بدونه. فالثاني مثل انفلات الطائر من يد الإنسان.
وأما الأول، فإما أن يكون الخروج بأحد
الأسباب الاختيارية المعهودة كالبيع، والصلح،
والهبة، ونحوها.
أو يكون الخروج برفع المالك يده عن علقة
الملكية، وهو المعبر عنه بالإعراض.
ثم ذكر إعراضا آخر، وهو بمعنى إهمال المال
وعدم الانتفاع منه دون قطع علقة الملكية. ثم قال:
إن مورد البحث هو الأول.
ثم ذكر للبحث مقامين:
الأول - هل الإعراض مزيل للملك أو لا؟
الثاني - هل يملك الغير ما أخذه من المال
المعرض عنه أو لا؟
ثم ناقش بعض الأمثلة التي ذكروها
للإعراض، لأنها إما من قبيل التمليك - ولو بنحو
عام - كما في نثار الأعراس، أو من قبيل إهمال المالك
لا بقصد إخراجه عن الملك، أو...
ثم قال في المقام الأول: مقتضى الأصل
والقاعدة الأولية عدم زوال الملكية بالإعراض،
لاستصحاب بقائها.
ثم قال: لكن الظاهر أن الإعراض عند
العرف مخرج للملك عن الملكية، كما أن الحيازة
تدخله في الملكية.
ثم ناقش استصحاب بقاء الملك بأمور ثلاثة:
1 - قيام السيرة على معاملة عدم بقاء الملك
في بعض موارد الإعراض.
2 - دلالة عموم: " الناس مسلطون على
أموالهم " (1) على سلطنة المالك على إخراج ماله عن
ملكه.
3 - دلالة الروايات الخاصة على عدم بقاء
الملك في مثل هذه الصورة.
ثم ناقش هذه المناقشات، وقال في مناقشته
للروايات:
" فالمتحصل من مجموعها: جواز تملك المال
المعرض عنه بشرطين: إعراض المالك، وكون المال
في عرضة التلف فيحييه آخذه، لا أن المال يخرج عن
ملك مالكه بمجرد الإعراض، حتى مع عدم أخذه
وعدم كون المال في عرضة التلف ".
ثم استفاد من رواية حريز (2): أن مجرد عدم
الطالب للمال يجعله في عرضة التلف، فعدم الطالب
عبارة أخرى عن الإعراض.
ثم قال: " ومن هنا يستفاد حكم المقام الثاني
وأن التملك يجوز في مورد الإعراض بالشرط الذي
ذكرناه، وهو كون المال في عرضة التلف " (3).

(1) عوالي اللآلي 1: 222.
(2) الوسائل 25: 456، الباب 12 من أبواب اللقطة،
الحديث الأول.
(3) رسالة جمان السلك في الإعراض عن الملك المطبوعة
مع حاشية الإيرواني على المكاسب - في الطبعة
الحجرية - بعد قسم البيع.
209

ثم جعل موارد إباحة التمليك من المالك أو
إذنه فيه خارجا عن البحث.
وعلى أية حالة لم نحرز ما هو مبناه في المقام
الأول: فهل الإعراض مزيل للملك مطلقا - كما هو
الظاهر من صدر كلامه - أو بشرط كون المال في
عرضة التلف، كما هو الظاهر من ذيل كلامه؟
كما لم نحرز أن: " كون المال في عرضة التلف "
شرط لزوال الملكية بالإعراض، أو لتملك الآخذ،
أو لهما؟
وقال السيد اليزدي بالنسبة إلى الأرض
المستأجرة إذا انقضت مدة الإجارة وكان أصل
الزرع باقيا فنبت من جديد:
" إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد
انقضاء المدة أصول الزرع فنبتت، فإن لم يعرض
المستأجر عنها كانت له، وإن أعرض عنها وقصد
صاحب الأرض تملكها كانت له، ولو بادر آخر إلى
تملكها ملك وإن لم يجز له الدخول في الأرض
إلا بإذن مالكها " (1).
والمفهوم من كلامه: أن مجرد الإعراض
لا يزيل الملك، نعم يجوز للغير تملك المال المعرض عنه.
وعلق عليه السيد الحكيم، فنقل كلام ابن
إدريس وبعض كلام صاحب الجواهر، وبعض
الروايات الواردة في اللقطة ثم قال:
"... فإن الظاهر من الجميع: أن الاستنقاذ من
التلف في ظرف عجز المالك - سواء كان ملتفتا إلى
ذلك وترك المال عجزا منه، أم غير ملتفت إليه،
كما في مورد النصوص الأخيرة - مملك. وعليه،
فإن أمكن العمل بالنصوص تعين القول بذلك،
ولا دخل للإعراض وعدمه ولا لإباحة المالك
وعدمها في جواز التملك من المنقذ، وإن لم يمكن
العمل بالنصوص - لإعراض المشهور عنها - فاللازم
القول بعدم جواز التملك بمجرد ذلك وغيره ".
ثم قال: " ولم يتحقق من المشهور الإعراض
عنها " أي النصوص.
ثم قال: " لكن إثبات القاعدة الكلية، وأن
كل ما يؤدي بقاؤه إلى التلف لو لم يؤخذ، يجوز
أخذه وتملكه، غير ظاهر ".
ثم قال: "... وأما إعراض المالك فلا يظهر
من الأدلة كونه موجبا لخروج المال عن ملك
مالكه وصيرورته من قبيل المباحات الأصلية، كما
عرفت نسبته إلى المشهور، بل يظهر من كلماتهم
المتعرضة لحكم الحب المتساقط: التسالم على
خلاف ذلك... ".
ثم قال: " وأما تحليل نثار العرس وحطب
المسافرين ونحوهما، فالظاهر اختصاصه بصورة
حصول أمارة على إباحة المالك " (1).
وقال في إحياء الموات من منهاج الصالحين:
" الإعراض عن الملك لا يوجب ارتفاع الملكية، نعم
إذا سبق إليه من تملكه ملكه، وإذا لم يسبق إليه أحد
فهو على ملك مالكه، وإذا مات فهو لوارثه لا يجوز
(1) المستمسك 12: 197 - 201.

(1) العروة الوثقى: كتاب الإجارة، خاتمة، المسألة 4.
210

التصرف فيه إلا بإعراض منه " (1).
وعلق السيد الصدر على قوله: " لا يوجب
ارتفاع الملكية " بقوله: " لا يبعد أنه يوجب
ذلك " (2)، أي ارتفاع الملكية.
وقال - أي السيد الحكيم - في مسألة إطلاق
الصيد: " إذا أطلق الصائد صيده من يده، فإن لم
يكن ذلك عن إعراض عنه بقي على ملكه لا يملكه
غيره باصطياده. وإن كان عن إعراض وصار
كالمباح بالأصل يجوز لغيره اصطياده ويملكه بذلك،
وليس للأول الرجوع عليه، وكذا الحكم في كل مال
أعرض عنه مالكه، حيوانا كان أو غيره، بل الظاهر
أنه لا فرق بين أن يكون الإعراض ناشئا عن عجز
المالك عن بقائه في يده وتحت استيلائه لقصور في
المال أو المالك، وأن يكون لا عن عجز عنه، بل
لغرض آخر " (3).
لكن علق السيد الصدر على قوله: " فإن لم
يكن ذلك عن إعراض عنه بقي على ملكه " بقوله:
" العبارة لا تخلو من إيهام، لأن بقاء الصيد على
الملك ثابت عنده (قدس سره) على كل حال، سواء كان إطلاق
الصيد بإعراض أو بدونه، لما تقدم منه في المسألة
السادسة من كتاب إحياء الموات، وقد تقدم منا أن
خروج المال عن الملك بالإعراض الاختياري
غير بعيد " (1).
فالمستفاد من كلامه في المستمسك: أن الملك
لا يزول بالإعراض، ولا يجوز للغير تملك المال
المعرض عنه، ولا التصرف فيه.
والمستفاد من كلامه في إحياء الموات من
المنهاج: أن الملك لا يزول بالإعراض، نعم يجوز
للغير تملكه والتصرف فيه.
والمستفاد من كلامه في الصيد من المنهاج:
أن الملك يصير بالإعراض كالمباح الأصلي، أي
يخرج عن ملك صاحبه، فيجوز أن يتملكه غيره.
وأما السيد الخوئي، فإنه قد علق على كلام
السيد اليزدي، الذي قدمناه آنفا بقوله:
" ما ذكره (قدس سره) من زوال الملك بمجرد الإعراض
وصيرورته كالمباح بالأصل يجوز لكل أحد تملكه،
هو المعروف والمشهور (2) بينهم ظاهرا ".
ثم نقل كلام ابن إدريس بالنسبة إلى السفينة

(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 184، كتاب
إحياء الموات، المسألة 6.
(2) المصدر المتقدم: الهامش رقم 13.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 352، كتاب
الصيد، المسألة 33.
(1) المصدر المتقدم: الهامش رقم 12.
(2) أقول: إن نسبة ذلك إلى المشهور لا تخلو من غموض،
كما يظهر لمن تأمل فيما نقلناه من أقوال الفقهاء، كما أن
نسبة ذلك إلى السيد اليزدي أيضا كذلك، كما يظهر
- أيضا - للمتأمل في كلامه الذي قدمناه آنفا. نعم ظاهر
كلامه تملك الآخذ للمال المعرض عنه، وهو أعم من
خروج المال عن الملك بالإعراض، لأن الأول يجتمع
مع بقاء المال على ملك مالكه الأصلي، نعم، يباح للغير
أخذه، ولذلك لو لم يأخذه أحد بقي على ملكه.
211

الغارقة، وقال: إنها - أي قضية السفينة - أجنبية عن
مسألة الإعراض. ثم قال: لم يرد في مسألة
الإعراض نص يعول عليه، ثم قال: " ليس في البين
أي دليل يتمسك به إلا السيرة العقلائية الممضاة
بعدم الردع، بعد أن كانت المسألة مما تعم به
البلوى ".
ثم شرع بعد ذلك في بيان السيرة، ثم قال:
" وخلاصة الكلام: أن ملاحظة السيرة تقضي
بعدم الخروج عن الملك بمجرد الإعراض، ومن ثم
ساغ له الرجوع، وليس للآخذ الامتناع ما لم
يتصرف، فلا يترتب على الإعراض بما هو إعراض
عدا الإباحة، لا زوال الملك، غاية الأمر أن الإباحة
تتصف باللزوم بعد التصرف، بل تستتبع الملك في
التصرف المتوقف على الملك... " (1).
وقال في موضوع إحياء الموات:
" الإعراض عن الملك لا يوجب زوال
ملكيته. نعم، إذا سبق إليه من تملكه ملكه، وإلا فهو
يبقى على ملك مالكه، فإذا مات فهو لوارثه،
ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه " (2).
وقال في موضوع إطلاق الصائد:
" إذا أطلق الصائد صيده من يده، فإن لم يكن
ذلك عن إعراض عنه، بقى على ملكه لا يملكه غيره
باصطياده، وإن كان عن إعراض، صار كالمباح
بالأصل، فيجوز لغيره اصطياده ويملكه بذلك،
وليس للأول الرجوع عليه. وكذا الحكم في كل مال
أعرض عنه مالكه، حيوانا كان أو غيره، بل الظاهر
أنه لا فرق بين أن يكون الإعراض ناشئا عن عجز
المالك عن بقائه في يده وتحت استيلائه، لقصور في
المال أو المالك، وأن يكون لا عن عجز عنه،
بل لغرض آخر " (1).
والمستفاد من كلامه في المستند وإحياء
الموات من المنهاج: أن الإعراض عن الملك
لا يوجب زوال ملكيته، نعم كل من سبق إليه فهو
أحق به.
لكن يستفاد من كلامه في إطلاق الصيد: أن
الإعراض عن الملك يجعل الملك كالمباح في الأصل،
وهذا المعنى يوهم زوال الملكية، وهو خلاف ما
تقدم منه: من عدم زوالها.
وقال الإمام الخميني في موضوع إطلاق الصيد:
" لو أطلق الصائد صيده، فإن لم يقصد
الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه، ولا يملكه غيره
باصطياده، وإن قصد الإعراض وزوال ملكه عنه،
فالظاهر أنه يصير كالمباح، جاز اصطياده لغيره
ويملكه، وليس للأول الرجوع إليه بعد تملكه،
على الأقوى " (2).

(1) مستند العروة الوثقى (الإجارة): 457 - 460.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 159، كتاب
إحياء الموات، المسألة 747.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 332، كتاب
الصيد، فصل في الصيد، المسألة 1619.
(2) تحرير الوسيلة 2: 126، كتاب الصيد والذباحة،
المسألة 20.
212

والعبارة ظاهرة في زوال الملكية بالإعراض.
ثانيا - الإعراض عن الحق
من جملة الفروق التي ذكروها بين الحق
والحكم هو: أن الحق قابل للإسقاط، بخلاف الحكم،
فإنه غير قابل لذلك. فالأول مثل حق الاختصاص
والأولوية الحاصل من التحجير، أو حق النفقة،
أو حق القسم للزوجة، أو نحو ذلك، والقسم الثاني،
مثل جواز نكاح أربع نسوة.
والكلام هنا إنما يكون في الحقوق القابلة
للإسقاط، سواء قلنا: بأن الحقوق كلها قابلة
للإسقاط، أو قلنا: بأن جملة منها قابلة للإسقاط
لا كلها، لأن الحقوق غير القابلة للإسقاط - على
فرض وجودها - لا أثر للإعراض عنها بعد فرض
عدم سقوطها بإسقاطها صريحا.
ولتفصيل ذلك يراجع العنوانان: " حق "
و " حكم ".
كلمات الفقهاء في الإعراض عن الحق:
لا يسعنا فعلا ذكر جميع كلمات الفقهاء في
الإعراض عن الحق، وإنما نكتفي بإيراد نماذج منها
بشأن الحقوق القابلة للإسقاط فيما يلي:
قال الشيخ الطوسي بالنسبة إلى نكول المدعي
بعد رد اليمين عليه: " وإن قال: تركت الحلف
ولست أختاره، فقد سقطت اليمين عن جنبته،
فلا يعود إليه... " (1).
وقال في مورد مشابه: " والأقوى عندي: أنه
ليس له ذلك، لأنه أسقط حق نفسه بالاستحلاف،
فلا يعود إليه إلا بدليل " (2).
وقال بالنسبة إلى من سبق إلى مكان:
"... وكذلك إذا سبق إلى موضع من تلك المواضع
كان أحق بها من غيره، لأن ذلك جرت به عادة
أهل الأعصار... فإذا قام عن ذلك الموضع،
فإن ترك رحله فيه فحقه باق، وإن حول رحله منه
انقطع حقه منه، فمن سبقه بعد ذلك إليه كان أحق به
منه. وهكذا الحكم في المسجد، فمن سبق إلى مكان
كان أحق به، فإن قام وترك رحله فيه، فحقه باق،
وإن حوله زال حقه... " (3).
وقال بالنسبة إلى البئر التي يحفرها الإنسان
لا بقصد أن يتملكها: " إن المحيي لا يملك بالإحياء إلا
إذا قصد تملكه به، فإذا ثبت أنه لا يملكه، فإنه يكون
أحق به مدة مقامه، فإذا رحل، فكل من سبق إليه
فهو أحق به، مثل المعادن الظاهرة " (4).
والمستفاد من مجموع كلماته: أن الإعراض
عن الحق موجب لسقوطه.
ومثله قال ابن إدريس بالنسبة إلى البئر (5).

(1) المبسوط 8: 209.
(2) المصدر المتقدم: 211.
(3) المبسوط 3: 276.
(4) المصدر المتقدم: 281.
(5) السرائر 2: 384.
213

وقال المحقق الحلي في من حاز مكانا في
الطريق أو السوق: " وإذا قام بطل حقه، ولو عاد
بعد أن سبق إلى مقعد لم يكن له الدفع " (1).
وقال بالنسبة إلى المسجد: " فمن سبق إلى
مكان منه، فهو أحق به ما دام جالسا، فإذا قام
مفارقا بطل حقه ولو عاد " (2).
وقال بالنسبة إلى المدارس التي يسكنها
الطلاب: " ولو فارق لعذر، قيل: هو أولى عند
العود، وفيه تردد، ولعل الأقرب سقوط
الأولوية " (3).
فإذا كانت الأولوية تسقط في صورة المفارقة
مع العذر فهي تسقط بدونه بطريق أولى.
وقال في إحياء البئر: "... ولو حفرها
لا للتملك، بل للانتفاع، فهو أحق بها مدة مقامه
عليها... وإذا فارق فمن سبق إليها فهو أحق
بالانتفاع بها " (4).
وقال بالنسبة إلى نكول المدعي بعد رد اليمين
عليه: " وإن رد اليمين على المدعي لزمه الحلف،
ولو نكل سقطت دعواه " (5).
وهذه المسألة معروفة ولذلك لا نكررها مع
أننا نشك أن تكون مصداقا لمسألة الإعراض.
وقال بالنسبة إلى الإعراض عن البينة:
" لو كان له بينة فأعرض عنها، والتمس يمين المنكر،
أو قال: أسقطت البينة وقنعت باليمين، فهل له
الرجوع؟ قيل: لا، وفيه تردد، ولعل الأقرب
الجواز، وكذا البحث لو أقام شاهدا فأعرض عنه
وقنع بيمين المنكر " (1).
والمستفاد من مجموع كلامه غير الأخير أن
الحق يسقط بالإعراض عنه، لكن كلامه الأخير
ظاهر في عدم السقوط، لأنه استقرب جواز
الرجوع إلى البينة بعد الإعراض عنها.
وقال العلامة بالنسبة إلى إحراز المكان: " ولو
جلس للبيع والشراء في الأماكن المتسعة، فالأقرب
الجواز، للعادة. فإن قام ورحله باق فهو أحق به،
فإن رفعه بنية العود، فالأقرب بطلان حقه... " (2).
وقال أيضا: " وأما المسجد، فمن سبق إلى
مكان فهو أحق به، فإذا قام بطل حقه وإن قام
لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو نوى العود، إلا أن
يكون رحله باقيا فيه " (3).
وقال بالنسبة إلى المدارس: "... فإن فارق
لعذر أو غيره بطل اختصاصه، وهل يصير أولى
ببقاء رحله؟ إشكال " (4).
وقال بالنسبة إلى البئر: " ولو حفر في المباح
لا للتملك، بل للانتفاع، فهو أحق به مدة مقامه
عليها... فإذا فارق، فمن سبق فهو أحق بالانتفاع،

(1) الشرائع 3: 276.
(2) المصدر المتقدم: 277.
(3) المصدر المتقدم: 277.
(4) المصدر المتقدم: 279.
(5) الشرائع 4: 84.
(1) الشرائع 4: 91.
(2) القواعد 2: 270.
(3) القواعد 2: 270.
(4) المصدر المتقدم: 271.
214

ولا يختص بها " (1).
وقال بالنسبة إلى الإعراض عن البينة: " ولو
أقام شاهدا فأعرض عنه وقنع بيمين المنكر، أو
كانت له بينة كاملة فأعرض عنها، أو قال: أسقطت
البينة وقنع بيمين المنكر، فالأقرب أن له الرجوع إلى
البينة واليمين مع شاهده قبل الإحلاف " (2).
والمستفاد من مجموع كلماته: أن الإعراض
عن الحق مسقط له.
وقال الشهيد الأول بالنسبة إلى المسجد:
" فمن سبق إلى مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى
به، فإذا فارق بطل حقه إلا أن يكون رحله باقيا " (3).
وقال بالنسبة إلى الطريق: " فإن فارق
ورحله باق فهو أحق به، وإلا فلا " (4).
وقال: " ولو فارق ساكن المدرسة والرباط
ففيه أوجه... " ثم ذكر خمسة أوجه، ثم قال:
" والأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر
صلاحا " (5).
وقال بالنسبة إلى البئر: " ولو حفر بئرا
لا للتملك فهو أولى بها مدة بقائه عليها، فإذا تركها
حل لغيره الانتفاع بمائها، فلو عاد الأول بعد
الإعراض، فالأقرب أنه يساوي غيره " (6).
وقال بالنسبة إلى الإعراض عن البينة: " ولو
أعرض المدعي عن بينته أو عن شاهده وطلب
إحلاف المنكر صح، سواء كان قد سمعها الحاكم أو
لا، فلو رجع، فالظاهر الجواز ما لم يحلف المنكر " (1).
وقال الشهيد الثاني بالنسبة إلى الطريق:
" فلو أنه جلس في موضع ثم قام عنه، نظر إن كان
جلوسه للاستراحة وما أشبهها بطل حقه، لأنه كان
متعلقا بكونه فيه وقد زال. وإن كان قعوده لغرض
فقام قبل استيفائه لا بنية العود فالحكم كذلك،
وإن كان بنيته، قيل: لا يبطل حقه، لأنه بنية العود
وعدم استيفاء الغرض بمنزلة من لم يفارق... ولو بقي
رحله فوجهان... " (2).
وقال بالنسبة إلى الجلوس للبيع والشراء:
" وحيث قلنا بالجواز فقام من ذلك الموضع، فإن
كان رحله باقيا، فهو أحق به من غيره مطلقا، وإلا
فإن كان قيامه على وجه الإعراض عنه بطل حقه،
وإن كان بنية العود، ففي بطلان حقه وجهان " (3).
وقال بالنسبة إلى المسجد: " لا إشكال في
استحقاق السابق إلى مكان من المسجد وأولويته من
غيره... ولا في زوال ولايته مع انتقاله عنه بنية
المفارقة له " (4).
وقال بشأن من فارق المدارس وله حق
(1) الدروس 2: 94.
(2) المسالك 12: 429.
(3) المصدر المتقدم: 431.
(4) المصدر المتقدم: 433.

(1) القواعد 2: 273.
(2) القواعد 3: 446.
(3) الدروس 3: 69.
(4) المصدر المتقدم: 70.
(5) المصدر المتقدم: 70.
(6) المصدر المتقدم: 67.
215

الأولوية بالنسبة إليها: " ولو فارق المكان لغير عذر
بطل حقه، سواء بقي رحله أم لا، وسواء طالت مدة
المفارقة أم قصرت، لصدق المفارقة المسقطة
للأولوية " (1).
وقال معلقا على كلام المحقق الحلي في
الإعراض عن البينة: " القول بعدم جواز الرجوع
للشيخ (رحمه الله) محتجا: بأن إقامة البينة واليمين حق له، وقد
أسقطه فيسقط بالإسقاط، فعوده يحتاج إلى دليل.
ووجه ما اختاره المصنف (رحمه الله) من جوازه: أصالة
البقاء ومنع كون ذلك إسقاطا على وجه يقتضي
الإبطال، وإنما غايته الإعراض، وهو لا يسقط
الحق، ولأن العدول إلى يمين المنكر لا يوجب براءة
ذمته من الحق، ولا ملكه للغير ".
ثم قال بالنسبة إلى الوجه الثاني - أي
الأخير -: " وهو دليل على بقاء الحق، فله إقامة
البينة واليمين على ثبوت حقه والاستيفاء ".
ثم قال: " وهذا هو الأقوى " (2).
والظاهر من كلامه غير الأخير: سقوط الحق
بالإعراض عنه، لكن الظاهر من كلامه الأخير عدم
سقوطه، ولعله لخصوصية المورد.
وقال الأردبيلي في بعض موارد حق الأولوية:
"... إذ لا شك في حصول الأولوية، والأصل
بقاؤها، ومعلوم: زوالها بالإعراض لا غير " (3).
وصرح بالنسبة إلى الطريق (1) والمسجد (2):
بأنه لو فارق مع عدم نية العود سقط حقه. وربما
يظهر منه ذلك بالنسبة إلى المدارس والرباطات
والخانات ونحوها أيضا (3).
وقال معلقا على قول العلامة - في الإرشاد -
بشأن الإعراض عن البينة: " ولو كان له بينة مقبولة
وأعرض عنها وتركها وأراد يمين المنكر، له ذلك،
فإن إقامة البينة على المدعى حق له ومتعلق به
لا غير، فله ترك ذلك، وحينئذ يثبت له حق اليمين،
فله طلبه " (4).
والمستفاد من مجموع كلامه: أن الحق يسقط
بالإعراض.
وقال صاحب الكفاية: " السابق إلى مكان
من المسجد أحق به... وإذا فارق ذلك المكان لا بنية
العود ورحله غير باق، بطل حقه بلا ريب " (5).
وقال بالنسبة إلى المدارس: "... ولو فارق
مكانا من المدرسة لغير عذر فالأشهر أنه يبطل حقه
مطلقا " (6).
وقال بالنسبة إلى من حفر بئرا للانتفاع بها
لا بنية التملك: " يصير الحافر أولى بها من غيره مدة
مقامه عليها، فإذا تركها حل لغيره الانتفاع بمائها،

(1) المسالك 12: 437.
(2) المسالك 13: 499.
(3) مجمع الفائدة 9: 374.
(1) مجمع الفائدة 7: 509 - 510.
(2) المصدر المتقدم: 511.
(3) المصدر المتقدم: 515.
(4) مجمع الفائدة 12: 194.
(5) الكفاية: 242.
(6) الكفاية: 242.
216

فلو عاد الأول بعد الإعراض، ففيه وجهان،
والأشهر أنه يساوي غيره " (1).
والمستفاد من كلامه: أن الإعراض مسقط
للحق عند المشهور.
وقال صاحب الحدائق: " المشهور في كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم): أن من سبق إلى
مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى به ما دام باقيا
فيه، فلو فارقه ولو لحاجة كتجديد طهارة وإزالة
نجاسة بطل حقه وإن كان ناويا للعود، إلا أن يكون
رحله - مثل شئ من أمتعته ولو سبحة ونحوها -
باقيا فيه، وقيده الشهيد (قدس سره) مع ذلك بنية العود،
وهو جيد. فلو فارق لا بنيته سقط حقه وإن كان
رحله باقيا... " (2).
ونقل كلام الأردبيلي الذي نقلناه أولا بالنسبة
إلى زوال الأولوية بالإعراض لا غير، ثم أيده (3).
وأما صاحب الجواهر، فقد حاول أن يفرق
بين مثل حق الجلوس في المسجد والمدرسة
والطريق، وبين مثل حق التحجير وسائر الحقوق
المالية، فإن القسم الأول من الحقوق غير قابل
للاغتصاب والتوريث والمعاوضة بخلاف القسم
الثاني، فإنه قابل لذلك.
ولا يترتب على القسم الأول إلا الحكم
التكليفي، وهو حرمة دفع صاحب الحق عن حقه،
ولذلك قيل: لو دفعه شخص آخر وجلس مكانه
صار أحق به، لكن فعل محرما.
وبناء على ذلك لو فارق الأمكنة المذكورة مع
عدم نية العود سقط حقه قطعا. نعم لو كان له رحل
أو متاع في ذلك المكان لم يجز التصرف فيه، لأنه
تصرف في مال الغير، إلا أن يعارض بقاؤه المنفعة
المقصودة من ذلك المكان فيزال. ووضع الرحل
طريق شرعي لحبس المكان، باعتبار حرمة
التصرف فيه لغير صاحبه (1).
وأما بالنسبة إلى القسم الثاني من الحقوق،
فالظاهر منه في بحث نفقة الزوجة أن حقها يسقط
بالإعراض عما بذله الزوج لها (2).
وقال بالنسبة إلى الإعراض عن البينة بعد
قول المحقق الحلي: " ولعل الأقرب الجواز "،
أي جواز الرجوع إليها بعد الإعراض عنها: " بل هو
الظاهر، بل يمكن القطع به، لإطلاق ما دل على
حجيتها السالم عما يقتضي كون ذلك من الحقوق التي
تسقط بالإسقاط لو فرض تصريحه بذلك، فضلا عن
غيره. بل ظاهر الأدلة كونها من الأسباب المقتضية
ثبوت الحق، فلا يتصور فيها معنى الإسقاط الذي
يتعلق بنحو حق الخيار وشبهه " (3).
وقد أشار في كلامه إلى ما قدمناه: من أن

(1) الكفاية: 243.
(2) الحدائق 7: 306.
(3) الحدائق 21: 121.
(1) انظر الجواهر 38: 78 - 100، وخاصة الصفحة
79 و 99.
(2) انظر الجواهر 31: 341.
(3) الجواهر 40: 261.
217

الإعراض إنما يتصور في الحقوق القابلة للإسقاط.
وجعل حق استخدام البينة لإثبات المدعي حقه
غير قابل للإسقاط، فهو غير قابل لإسقاطه
بالإعراض أيضا.
ولم أعثر فعلا على كلام للسيدين اليزدي
والحكيم في الإعراض عن الحق.
أما السيد الخوئي، فقد قال: " إذا قام الجالس
من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه بطل
حقه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره، فليس له منعه
وإزعاجه " (1). ثم ذكر حكم ما إذا كان ناويا للعود،
وهو خارج عن الإعراض.
وقال بالنسبة إلى المدارس: " فمن حاز غرفة
وسكنها فهو أحق بها، ولا يجوز لغيره أن يزاحمه
ما لم يعرض عنها... " (2).
وقال أيضا: " إذا جلس أحد في موضع من
الطريق ثم قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس
استراحة ونحوها بطل حقه، وإن كان لحرفة ونحوها،
فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي
العود، بطل حقه أيضا، فلو جلس في محله غيره
لم يكن له منعه... " (3).
ثم ذكر فرض ما لو نوى العود.
وقال: " الظاهر أنه لا يعتبر في التملك
بالإحياء قصد التملك، بل يكفي قصد الإحياء
والانتفاع به بنفسه أو من هو بمنزلته، فلو حفر بئرا
في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ملكها، ولكن
إذا ارتحل وأعرض عنها فهي مباحة للجميع " (1).
ومورد كلامه وإن كان هو الإعراض
عن الملكية الحاصلة بالإحياء حيث جعل حفر
البئر مملكا وإن كان بقصد الانتفاع لا التملك،
لكن يدل على زوال الحق الثابت في مثل هذه
الموارد بالإعراض بطريق أولى، وربما يشير إليه
قوله في التحجير: " إذا انمحت آثار التحجير فإن
كان من جهة إهمال المحجر بطل حقه وجاز
لغيره إحياؤه " (2).
والإهمال وإن كان أعم من الإعراض،
لكن إذا زال الحق بالإهمال فهو يزول بالإعراض
بطريق أولى.
وأما الإمام الخميني، فقد قال بالنسبة إلى
المدارس: "... فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو
أحق بها ما لم يفارقها معرضا عنها " (3).
ومفهوم كلامه أن الإعراض مزيل للحق.
وقال بالنسبة إلى المساجد: " لو قام الجالس
السابق وفارق المكان رافعا يده معرضا عنه بطل

(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 163، كتاب
المشتركات، المسألة 762.
(2) المصدر المتقدم: 164، المسألة 765.
(3) المصدر المتقدم: 161، المسألة 754.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 159، كتاب
إحياء الموات، المسألة 745.
(2) المصدر المتقدم: المسألة 743.
(3) تحرير الوسيلة 2: 191، كتاب إحياء الموات، القول في
المشتركات، المسألة 20.
218

حقه على فرض ثبوت حق له، وإن بقي
رحله... " (1).
وقال بالنسبة إلى الطريق: " ثبوت الحق
للجالس للمعاملات ونحوها مشكل، بل الظاهر
عدمه، لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه،
ولا التصرف في بساطه " (2).
وقال أيضا: " لو جلس في موضع من
الطريق، ثم قام عنه، فإن كان جلوس استراحة
ونحوها بطل حقه، فجاز لغيره الجلوس فيه، وكذا إن
كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم
نية العود " (3).
والمستفاد من مجموع كلامه: أنه كصاحب
الجواهر يتأمل في ثبوت الحق لمثل الجالس في
الطريق أو المسجد ونحوهما - وإن كان يخالفه في
ثبوت الحق في السكنى في المدارس - لكن على
فرض ثبوت الحق فهو يزول بالإعراض عنه،
كما يدل عليه كلامه في المدارس والمساجد.
مظان البحث:
تقدم: أن الفقهاء لم يبحثوا عن الإعراض
بصورة مركزة وإنما تطرقوا إليه في مناسبات مختلفة،
وقد تقدم بعضها، مثل:
1 - كتاب النكاح: أكل ما ينثر في الأعراس.
2 - إحياء الموات والمشتركات: الإعراض
عن إحياء الأرض وحق التحجير،
والإعراض عن الأولوية عند الجلوس في
المساجد والمدارس والطرق، ونحوها.
3 - كتاب الصيد: إطلاق الصيد.
4 - كتاب القضاء: قضية السفينة الغارقة،
والإعراض عن البينة أو الحلف ونحو
ذلك.
ويأتي أيضا في:
1 - كتاب الشفعة، بمناسبة إعراض الشفيع
عن حقه.
2 - كتاب الجهاد، بمناسبة الإعراض عن
الغنيمة.
3 - كتاب اللقطة، بمناسبة إعراض صاحب
الدابة عنها.
وأمثال هذه الموارد التي تكون بحاجة إلى
تتبع واسع.
أعرج
راجع: عرج.

(1) تحرير الوسيلة 2: 190، كتاب إحياء الموات، القول في
المشتركات، المسألة 16.
(2) المصدر المتقدم: 188، المسألة 8.
(3) المصدر المتقدم: 188، المسألة 7.
219

أعزب
راجع: عزوبة.
إعسار
لغة:
الفقر والضيق وقلة ذات اليد، يقال: أعسر
الرجل فهو معسر: إذا ألم به الفقر وضاق حاله.
وأعسر الغريم: إذا طلب منه الدين على عسره.
ومن معانيه أيضا صعوبة الولادة، يقال:
أعسرت المرأة إذا صعبت ولادتها (1).
اصطلاحا:
يراد به المعنى اللغوي نفسه، لكن المبحوث
عنه هنا هو الإعسار بمعنى قلة ذات اليد والضيق.
الأحكام:
ترتبط بالإعسار - بالمعنى المبحوث عنه -
أحكام كثيرة متفرقة في أبواب الفقه، وفيما يلي نشير
إلى أهمها بصورة إجمالية، فنقول:
الإعسار إما أن يكون في حقوق الله المالية أو
في حقوق الناس، ولذلك نبحث عن كل منهما
باختصار وبصورة مستقلة:
أولا - الإعسار في حقوق الله تعالى المالية:
من شرائط صحة التكليف قدرة المكلف على
أداء المكلف به، ومع فقد القدرة لا يصح التكليف،
سواء كانت القدرة عقلية، مثل القدرة البدنية على
الصوم، والقدرة البدنية والمالية على الحج، أو كانت
شرعية، مثل قدرة المكلف على التصرف في الماء
شرعا عند الوضوء، بأن يكون مباحا مثلا.
وبناء على ذلك، فلا يتوجه التكليف إلى
المكلف مع العجز عن أدائه عقلا أو شرعا، وعلى
فرض إمكان توجهه فلا يكون فعليا.
ومن موارد هذه القاعدة العامة إعسار
المكلف، فكل تكليف شرعي مالي يسقط مع
الإعسار إجمالا.
وفيما يلي نشير إلى أهم الموارد من هذا القبيل:
1 - سقوط الوضوء والغسل عن المعسر إذا
توقفا على بذل المال:
إذا توقف الوضوء أو الغسل على بذل المال
وجب وإن كان كثيرا، ما لم يضر بالحال، أما
إذا أضر فلا يجب، لأنه حرجي والحكم الحرجي
مرفوع بقاعدة نفي الحرج. وكذا إذا كان المكلف
معسرا وإن لم يكن المال كثيرا، لاشتراط التكليف
بالقدرة كما تقدم، والمعسر لا قدرة له على بذل المال.
وإذا لم يجب الوضوء أو الغسل انتقل فرضه

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والمصباح
المنير، والقاموس المحيط: " عسر ".
220

إلى التيمم (1).
راجع: تيمم.
2 - سقوط الزكاة في الدين على المعسر:
ومن موارد سقوط التكليف لعدم القدرة على
أدائه، ما لو كان المال الذي تعلقت به الزكاة دينا
على ذمة شخص معسر أو جاحد.
قال العلامة: " الدين إن كان على ملي باذل،
فلعلمائنا قولان:
- وجوب الزكاة فيه على صاحبه...
- عدم الوجوب...
فأما إن كان على معسر أو جاحد أو مماطل،
فلا زكاة عليه عندنا، لعدم تمكنه منه فأشبه
المغصوب... " (2).
وقد ادعي الاتفاق على عدم وجوب الزكاة
في الدين الذي لا يقدر صاحبه على أخذه (3)،
ومنه الدين على المعسر.
راجع: زكاة.
3 - لا زكاة في الرهن مع الإعسار:
لو رهن المال الذي تتعلق به الزكاة قبل
حلول الحول، ولم يتمكن من فك الرهن لعجزه
وإعساره، فلا تجب عليه الزكاة على المشهور (1)،
لعدم القدرة عليها.
لكن قال الشيخ الطوسي في المبسوط:
" ومتى رهن قبل أن تجب فيه الزكاة ثم حال
الحول وهو رهن وجبت الزكاة، وإن كان رهنا،
لأن ملكه حاصل. ثم ينظر فيه، فإن كان للراهن
مال سواه، كان إخراج الزكاة منه وإن كان معسرا،
فقد تعلق بالمال حق المساكين يؤخذ منه، لأن
حق المرتهن في الذمة " (2).
وحاصل كلامه: أن في صورة الإعسار
ينبغي إخراج الزكاة من المال المرهون، لأن حق
الفقراء تعلق بهذا المال، فيقدم على حق المرتهن
الذي تعلق بالذمة.
راجع: رهن، زكاة.
4 - سقوط وجوب زكاة الفطرة عن
المعسر:
المعروف بين فقهائنا سقوط وجوب زكاة
الفطرة مع إعسار كل من المعيل والمعال (3)،
نعم يستحب له إخراجها عن نفسه وعياله - وأقل
(1) الجواهر 15: 54.
(2) المبسوط 1: 208 - 209.
(3) انظر: المختلف 3: 261، والمدارك 5: 311، والجواهر
15: 488 و 507. ونقل هؤلاء عن ابن الجنيد القول
بوجوبه على الفقير إذا زاد من مؤونة يومه.

(1) انظر: الجواهر 5: 96 - 97، والمستمسك 4: 323 -
325.
(2) التذكرة 5: 21 - 23.
(3) انظر: المدارك 5: 39، والحدائق 12: 34، والجواهر
15: 58 - 59.
221

ذلك أن يدير صاعا على عياله - ثم يتصدق به (1).
وأما لو كان المعيل معسرا والمعال موسرا فقد
اختلفوا في وجوبه على المعال (2).
راجع: زكاة، فطرة.
5 - لو دفع الزكاة للمعسر ثم تبين يساره:
لو دفع الزكاة لشخص على أنه معسر ثم
تبين يساره، ارتجعت منه مع التمكن، وإلا بقيت
في ذمته.
هذا مع علم الآخذ بأن المدفوع إليه زكاة،
أما مع جهله، فلبعضهم كلام وتفصيل في جواز
ارتجاعه (3).
6 - عدم الاستطاعة لو كان المال دينا على
معسر:
إذا انحصر المال الذي تحصل به الاستطاعة
في كونه دينا على ذمة شخص معسر لم يجب الحج،
لعدم الاستطاعة، لأنه لا تجب مطالبة المعسر
كما يأتي عن قريب - إن شاء الله تعالى -
والمفروض أنه لا مال له غيره ليستطيع به (4).
وتقدم تفصيل ذلك في عنوان " استطاعة ".
7 - هل يجزئ حج المعسر عن الحج الواجب
أم لا؟
المعروف بين الفقهاء: أن من كان معسرا فحج
لم يجزئه حجه عن حجة الإسلام، ولذلك لو استطاع
بعد ذلك وجب عليه إتيان الحج الواجب.
وهناك بعض النصوص (1) استفيد منها إجزاء
الحج المأتي به حال الإعسار عن الحج الواجب،
لكن أعرض الأصحاب عنها (2).
8 - إذا أعسر بعد الاستطاعة:
لو استطاع الإنسان لكن لم يحج مع توفر سائر
الشروط، استقر وجوب الحج في ذمته، فيجب أن
يأتي به وإن صار معسرا بعد ذلك، وهذا لا خلاف
فيه كما قيل (3).
نعم اختلفوا فيما يتحقق به الاستقرار، هل هو
مجرد الإهمال مع استكمال الشرائط، أو مع مضي
زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مستجمعا
للشرائط، أو بشرط مضي زمان يمكن فيه تأدية
الأركان خاصة، أو غير ذلك (4)؟
فعلى الأول يستقر عليه الحج لو أعسر بعد

(1) انظر: المدارك 5: 314، والجواهر 15: 492.
(2) انظر: الجواهر 15: 507، والمستمسك 9: 400.
(3) انظر: المدارك 5: 204، والجواهر 15: 327 - 332،
والمستمسك 9: 235 - 239.
(4) انظر الجواهر 17: 258.
(1) انظر الوسائل 11: 56 - 57، الباب 21 من أبواب
وجوب الحج، الحديثين 4 و 6.
(2) انظر: المدارك 7: 49 - 50، والجواهر 17: 275،
والمستمسك 10: 158.
(3) الجواهر 17: 298.
(4) انظر: المدارك 7: 67، والجواهر 17: 298.
222

اجتماع الشروط وإهماله، وعلى الثاني بعد اجتماع
الشروط وإهماله ومضي زمان يكفي لإتيان
جميع أفعال الحج فيه، فلذلك لو أعسر قبل مضي
الزمان الذي يكفي لإتيان الحج، لم يستقر عليه،
وهكذا...
9 - سقوط وجوب الهدي بالإعسار:
لو أعسر الحاج فلم يكن عنده ثمن الهدي
الواجب - وهو الذي يجب ذبحه في منى - انتقل فرضه
إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع إلى أهله (1)، لقوله تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى
الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في
الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) * (2).
10 - سقوط الكفارات أو تخفيفها بالإعسار:
إذا عجز المكلف عن التكفير في الحج أو في
غيره، فإن كان للكفارة بدل انتقل إليه، وإن عجز
عنه انتقل إلى بدله أيضا إن كان، وهكذا... وإذا
عجز عن الكل سقط عنه واكتفى بالاستغفار.
ويدل عليه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه
من صوم، أو عتق، أو صدقة في يمين، أو نذر،
أو قتل، أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه
الكفارة، فالاستغفار له كفارة، ما خلا يمين الظهار
فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرم عليه أن يجامعها،
وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة أن يكون
معها ولا يجامعها " (1).
واستظهر صاحب الجواهر من هذه الرواية
ورواية أخرى سقوط الكفارة بالعجز حينئذ وإن
تمكن المكلف بعد ذلك من التكفير (2).
راجع: استغفار، كفارة.
11 - سقوط وجوب الوفاء بالنذر بالإعسار:
لو كان ما تعلق به النذر مالا أو بحاجة إلى
مال وأعسر الناذر، سقط وجوب الوفاء بالنذر.
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام المحقق
الحلي: " إذا عجز الناذر عما نذره لكونه في سنة
معينة، أو مطلقة وحصل اليأس، سقط فرضه أداء
وقضاء، لقبح التكليف بما لا يطاق، ولقوله (صلى الله عليه وآله):
" من نذر فبلغ جهده فلا شئ عليه " (3) " (4).
نعم لبعضهم كلام فيما إذا كان متعلق النذر
الصوم فعجز عنه، هل يجب قضاؤه، أو هل يجب
أن يتصدق بدلا من كل يوم بمدين أو لا (5)؟

(1) انظر: المدارك 8: 48، والجواهر 19: 167.
(2) البقرة: 196.
(1) الوسائل 22: 367، الباب 6 من أبواب الكفارات،
الحديث الأول.
(2) الجواهر 33: 295.
(3) الوسائل 23: 308، الباب 8 من كتاب النذر والعهد،
الحديث 5، وفيه: " من جعل لله شيئا فبلغ جهده،
فليس عليه شئ ".
(4) الجواهر 35: 443.
(5) الجواهر 35: 443.
223

وهو خارج عن مفروض كلامنا وهو ما إذا كان
متعلق النذر مالا أو بحاجة إلى مال.
12 - سقوط وجوب الوفاء باليمين بالإعسار:
اليمين تشابه النذر في كثير من الأحكام، ومنها
هذا الحكم، فلذلك لو حلف الإنسان على إنفاق
مالي ممكن في حقه في زمان معين، فحصل له عجز
مالي في ذلك الزمان، سقط عنه وجوب الوفاء،
لقبح التكليف بما لا يطاق، وكذا لو لم يكن مقيدا
بزمان معين، لكن حصل اليأس من تجدد القدرة.
نعم لو تجددت القدرة قبل فوت زمان الأداء في
المقيد، أو مطلقا في غير المقيد، وجب الوفاء (1).
ثانيا - الإعسار في حقوق العباد المالية أو المنتهية
إلى المال:
تترتب على الإعسار في حقوق العباد المالية
أو المنتهية إلى المال آثار مختلفة، نشير إلى أهمها
فيما يلي:
1 - عدم وجوب بذل الكفن بالإعسار:
أصل عملية التكفين واجبة على نحو الوجوب
الكفائي، فيجب على المسلمين تكفين من مات
منهم، وأما دفع الكفن فليس بواجب، كما صرح
بذلك الفقهاء، وبناء على ذلك:
لو كان للميت مال يفي بشراء كفنه فيؤخذ
منه. وقيمة الكفن تستخرج من أصل المال،
لا من ثلثه.
وإن لم يكن له مال حتى بمقدار الكفن،
فلا يجب على أحد دفع كفنه أو ثمنه، بل يستحب
ذلك. نعم يدفع من بيت المال إن كان.
هذا لغير الزوجة، أما بالنسبة إليها فالواجب
على زوجها دفع كفنها إن كان موسرا، وإن كان
معسرا فيخرج من مالها (1).
راجع: إرث، كفن.
2 - الإعسار في الدين:
أكثر ما يأتي البحث في الإعسار هو الإعسار
في الدين، فلذلك نتوسع فيه أكثر من غيره:
أ - ما يثبت به الإعسار في الدين وما يشبهه:
لا حاجة إلى إثبات الإعسار فيما يرتبط
بحقوق الله تعالى، لأن المكلف هو المسؤول أمام الله
تعالى، فلابد من أن يلاحظ صحة دعواه فيما بينه
وبين الله.
وأما الإعسار في حقوق الناس ومنه الدين،
فلابد من دليل لإثبات الإعسار وخاصة عند
التخاصم.
وأدلة الإثبات في الإعسار - كسائر الموارد -
هي:
1 - البينة: ولهم فيها كلام وتفصيل من حيث
إنها هل تحتاج إلى ضم يمين استظهارية أم لا؟

(1) انظر الجواهر 35: 278.
(1) انظر: الجواهر 4: 253 - 261، والمستمسك
4: 163 - 178.
224

وإذا كانت تحتاج ففي كل الموارد أو في بعضها؟
2 - إقرار الخصم واعترافه بإعسار المدين.
3 - حصول العلم للحاكم بالإعسار من
أي طريق كان، مثل تراكم القرائن والظنون
ونحو ذلك (1).
ب - بماذا يتحقق الإعسار؟
صرح الفقهاء بأنه يجب على المدين أن يدفع
دينه إذا حل وقته وطالبه الغريم، فيجب أن يبيع ما
عنده لذلك، واستثنوا ما يحتاج إليه من البيت
والفراش واللباس وسائر الأمتعة والمركوب إذا كان
لازما له، بل وأضيف إليها كتب العلم أيضا، للزوم
العسر والحرج من بيعها، كما صرح بذلك صاحب
الجواهر حيث قال: " لعل المدار في ذلك وغيره مما
تسمعه من ثياب التجمل ونحوها عدم الحرج في
الدين، وإرادة الله بنا اليسر دون العسر، ونحو ذلك
مما دل على هذا الأصل... ضرورة حصول العسر
والحرج والمشقة التي لا تتحمل في بيع الضروريات
ولو بحسب الشرف الذي يكون في عدمه نقص
وإذلال لا ترضى به الأنفس العزيزة، بل ربما كان
عليها أشد مراعاة من الضروريات للمعاش، بل قد
يهون عليهم في مقابله إزهاقها، ومن هنا أسقط
الشارع التكاليف له في باب الوضوء والغسل
واستطاعة الحج وغير ذلك... " إلى أن قال:
" كل ذلك مع أنه يمكن دعوى صدق ذي
العسرة على من لم يجد غير ذلك، وأنه لا يتحقق
صدق الميسرة بها، لأن المراد بذي العسرة: الشدة
والضيق عليه لو أراد الوفاء، وعكسه الميسرة،
ولا ريب في تحقق الشدة والضيق عليه لو كلف ببيع
ضرورياته... " (1).
هذا ونقل عن ابن الجنيد جواز إلزامه ببيع
داره وخادمه... لكنه خلاف الإجماع كما قيل (2).
كما أن لبعض الفقهاء بعض الملاحظات ربما
تكون من قبيل المناقشة في المصداق (3).
إذن فالإعسار يتحقق بفقد ما زاد عما يستثنى
بيعه لأداء الدين، فمن كانت له داران وكانت تكفيه
إحداهما، لم يصدق في حقه الإعسار، إذ يجب عليه
بيع الأخرى لأداء الدين.
ج - حكم الاستدانة مع الإعسار:
صرح أكثر الفقهاء بجواز الاستدانة مع
الإعسار، وإن كان لهم كلام في كراهتها كراهة مخففة
أو مشددة وزوالها حال الاضطرار (4).
نعم، نسب إلى أبي الصلاح القول بحرمة
القرض، لكن عبارته هكذا: "... مكروه مع الغنى

(1) انظر: مجمع الفائدة 9: 272، والكفاية: 111،
والحدائق 20: 412، والجواهر 25: 353.
(1) الجواهر 25: 338، وانظر الحدائق 20: 194 - 198.
(2) انظر الجواهر 25: 337.
(3) انظر المصدر المتقدم: 336 - 339.
(4) انظر: النهاية: 304، والسرائر 2: 30، والتذكرة
(الحجرية) 2: 2، والدروس 3: 318، وجامع المقاصد
5: 7، والحدائق 20: 105، ومفتاح الكرامة 5: 2،
والجواهر 25: 67، وغيرها.
225

عنه، محرم مع فقد القدرة على قضائه وعدم
الضرورة إليه " (1).
راجع: دين.
د - استحباب إعلام المقترض إعساره
للمقرض:
قال الشهيد الأول في الدروس: " ويستحب
للمقترض إعلام المقرض بإيساره أو إعساره،
وحسن قضائه أو مطله... " (2).
ه‍ - استحباب إعلام الإخوان بالإعسار:
قال الشهيد أيضا - ضمن عد ما يستحب فعله
من آداب التجارة -: "... وإعلام الأخ بالعسر
والاقتصاد في المعيشة... " (3).
وقال صاحب الجواهر موضحا ذلك:
"... والخروج عن البلد عند الإعسار وإعلام
الإخوان بالإعسار، ليعينوه ولو بالدعاء، والكتمان
مع الخلو عن هذا القصد أولى " (4).
ويدل على استحباب إعلام الإخوان
بالإعسار، ما رواه حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " إذا ضاق أحدكم فليعلم أخاه ولا يعن
على نفسه " (5).
وأما ما ذكره صاحب الجواهر من استحباب
الخروج عن البلد عند الإعسار، فالظاهر - والله
العالم - أن المراد الخروج طلبا للرزق، لا فرارا من
الديان، ويدل على استحبابه ما رواه السكوني عن
الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أعسر أحدكم فليخرج ولا يغم
نفسه وأهله " (1).
فلسان الرواية إذن التحريض على الخروج
لطلب الرزق، لكي لا يغم عياله بفقره.
و - وجوب إنظار المعسر:
صرح الفقهاء: بأنه يجب إنظار المعسر، بل
تحرم مطالبته (2)، ويدل عليه: قوله تعالى: * (وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (3)، والروايات العديدة
التي منها ما جاء في وصية الإمام أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام) لأصحابه، حيث قال:
" وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين
أن تعسروه بشئ يكون لكم قبله وهو معسر، فإن
أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ليس للمسلم أن
يعسر مسلما، ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة

(1) الكافي في الفقه: 330.
(2) الدروس 3: 318.
(3) المصدر المتقدم: 185.
(4) الجواهر 22: 464.
(5) الوسائل 17: 23، الباب 4 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث 11.
(1) الوسائل 17: 23، الباب 4 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث 12.
(2) انظر: النهاية: 306، والسرائر 2: 34، والمختلف
5: 376، والدروس 3: 312 و 314، والمسالك
4: 119، ومجمع الفائدة 9: 274، وادعى عدم
الخلاف فيه، وانظر غير ذلك من المصادر.
(3) البقرة: 280.
226

بظله، يوم لا ظل إلا ظله " (1).
لكن قيد الصدوق وجوب الإنظار بما إذا
صرف الدين في الطاعة، أما إذا صرفه في المعصية،
فلا يجب إنظاره، قال في المقنع: " وإن كان لك على
رجل مال وكان معسرا وأنفق ما أخذه في طاعة الله
فنظرة إلى ميسرة... وإن كان أنفق ما أخذه منك في
معصية الله فطالبه بحقك " (2).
ز - حبس المعسر:
المعروف بين الفقهاء (3) عدم جواز حبس من
ثبت إعساره، لما روي عن الإمام علي (عليه السلام):
" أن امرأة استعدت على زوجها: أنه لا ينفق عليها،
وكان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه، وقال:
إن مع العسر يسرا " (4).
وربما يظهر من عبارة الصدوق المتقدمة
جواز الحبس لو كان المعسر صرف الدين في
المعصية.
هذا إن ثبت إعسار المدين، وإلا فيجوز
حبسه بمطالبة غريمه، فإن ثبت إعساره بعد ذلك
خلي عنه وإلا بقي في السجن (1)، لما روي:
" أن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا تبين له
حاجة وإفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا " (2).
ح - جواز إنكار المعسر الدين خوفا من
الحبس:
يجوز للمعسر إنكار الدين والحلف عليه فرارا
من الحبس، لكن ينوي قضاء الدين مع المكنة
ويوري في الحلف، بأن يقصد بقوله: " لا دين لك
علي " أنه لا دين يجب أداؤه الآن (3).
لكن اشترط الحلبي (4) مع ذلك إعلام المعسر
الغريم بالعزم على قضائه.
ط - هل يجب التكسب على المدين المعسر؟
نسب إلى المشهور (5) القول بعدم وجوب

(1) الوسائل 18: 366، الباب 25 من أبواب الدين
والقرض، الحديث الأول.
(2) المقنع: 126، وانظر الهداية: 80.
(3) انظر: النهاية: 305، والكافي في الفقه: 443،
والسرائر 2: 33 - 34، والشرائع 2: 95، والقواعد
2: 102، والتذكرة (الحجرية) 2: 58، والدروس
3: 312، وجامع المقاصد 5: 16، ومجمع الفائدة
9: 274، والكفاية: 111، والحدائق 20: 412،
ومفتاح الكرامة 5: 18، وغيرها. وادعى بعض هؤلاء
عدم الخلاف في ذلك.
(4) الوسائل 18: 418، الباب 7 من أبواب الحجر،
الحديث 2، وفيه اقتباس من الآية 6 من سورة
الشرح.
(1) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 3 من العمود
الأول.
(2) الوسائل 18: 418، الباب 7 من أبواب الحجر،
الحديث الأول.
(3) انظر: النهاية: 559، والدروس 3: 312، وجامع
المقاصد 5: 16، ومفتاح الكرامة 5: 18.
(4) الكافي في الفقه: 331.
(5) انظر: المسالك 4: 119، والكفاية: 111، والجواهر:
25: 324.
227

التكسب على المدين المعسر لأداء الدين. لكن ذهب
جملة من الفقهاء إلى لزوم التكسب فيما يليق بحاله
عادة، لأن ذلك مقدمة لأداء الدين الذي هو واجب
في نفسه.
وممن اختار هذا القول أو مال إليه:
ابن حمزة (1)، والعلامة (2)، والشهيدان الأول (3)
والثاني (4)، والأردبيلي (5)، وصاحب الجواهر (6)،
والسادة: الحكيم (7) والخوئي (8) والخميني (9).
لكن كلام السيدين: الحكيم والخوئي غير صريح
في ذلك، لأنهما قالا: " لا يحل مطالبة المعسر ولا إلزامه
بالتكسب إذا لم يكن من عادته وكان عسرا عليه ".
هذا كله ما يرتبط بالدين، وبقيت مطالب
أخرى نحيلها على مواطنها المناسبة مثل:
- جواز صلاة الخوف للمعسر الخائف الهارب
وعدمه.
- استحباب إبراء المعسر.
- دفع دين المعسر من بيت المال إذا استدانه
في غير معصية ونحوها أمور أخرى، فيراجع الأول
في العنوانين: " صلاة " و " خوف "، والثاني في
" دين "، والثالث في " زكاة " و " دين "
و " غارمين ".
ويراجع إضافة إلى العناوين السابقة عنوان
" مفلس " أيضا لما بقي مما يرتبط بالإعسار.
3 - الإعسار في الضمان:
يشترط في لزوم عقد الضمان - لا في صحته -
ملاءة الضامن، بمعنى أن يكون قادرا على أداء المبلغ
المضمون لو لم يدفعه المضمون عنه، أما إذا
كان معسرا، فإن كان المضمون له عالما بذلك حين
العقد، فالعقد لازم يجب الوفاء به، وأما لو كان
جاهلا آنذاك ثم علم به، فهو بالخيار إن شاء
فسخ العقد، وإن شاء رضي به، فيصبر على
إعسار الضامن (1).
وللمسألة فروض أخرى يراجع تفصيلها في
عنوان " ضمان ".
4 - الإعسار في الحوالة:
الحوالة كالضمان فيما ذكرناه، فإذا كان المحال
عليه مليا أو معسرا وكان المحال له (المحتال) عالما

(1) الوسيلة: 274.
(2) المختلف 5: 386.
(3) الدروس 3: 311.
(4) المسالك 4: 120.
(5) مجمع الفائدة 12: 133 - 134.
(6) الجواهر 25: 327.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 194، كتاب
الحجر، مسائل، الأولى.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 180، كتاب
الحجر، المسألة 843.
(9) تحرير الوسيلة 1: 598، كتاب الدين، القول في أحكام
الدين، المسألة 10.
(1) انظر: الحدائق 21: 16، ومفتاح الكرامة 5: 357،
والجواهر 26: 128، والمستمسك 13: 277، وغيرها.
228

بإعساره، فالحوالة لازمة، وإن كان جاهلا
بذلك حين العقد ثم علم به، فله حق فسخ العقد
وإبقائه (1).
وفي المسألة فروض أخرى أيضا، يراجع
تفصيلها في عنوان " حوالة ".
5 - الإعسار في النفقة:
النفقة الواجبة هي: النفقة على النفس، وعلى
الزوجة، والأقارب - وهم الوالدان والأولاد -
والإنسان المملوك، والحيوان المملوك (2).
أ - نفقة النفس:
أما نفقة النفس فهي مقدمة على سائر
النفقات، فإن فضل من نفقة الإنسان على نفسه
- النفقة الواجبة - فتصرف في سائر النفقات حسب
الترتيب المتقدم (3).
ب - نفقة الزوجة:
يجب الإنفاق على الزوجة، سواء كانت
موسرة أو معسرة، لأن الإنفاق عليها إنما هو من
حقوقها اللازمة على الزوج، وهو غير معلق على
إعسارها.
نعم، إذا كان الزوج معسرا لا يتمكن من
الإنفاق عليها، صارت النفقة دينا في ذمته يجب عليه
الوفاء بها مع التمكن (4).
وإذا أعسر الزوج بعد العقد فلم يتمكن من
الإنفاق على الزوجة، فالمشهور: أنه لا خيار لها
في فسخ النكاح، بل ينبغي لها أن تصبر (1).
لكن نقل العلامة في المختلف (2) عن ابن الجنيد:
أن لها خيار الفسخ.
ونقل - أي العلامة - عن الشيخ ما يوافق
ابن الجنيد في موضع (3)، وما يوافق المشهور في
موضع آخر (4).
وأما هو فقال في الموضع الأول بعد نقل كلام
الشيخ: " وليس بجيد "، وقال في الموضع الثاني:
" ونحن في ذلك من المتوقفين " (5).
ومال إلى رأي ابن الجنيد الفاضل
الإصفهاني (6).
ونقل فخر الدين في الإيضاح (7) عن شيخه
نجم الدين بن سعيد، أنه نقل عن بعض علمائنا:
أن الحاكم يفرق بينهما، وقواه الفاضل الإصفهاني (8).

(1) انظر: الحدائق 21: 52، ومفتاح الكرامة 5: 406،
والجواهر 26: 166، والمستمسك 13: 396.
(2) انظر الجواهر 31: 365.
(3) انظر الجواهر 31: 365.
(4) انظر الجواهر 31: 365.
(1) انظر: المختلف 7: 327، والمسالك 7: 407، وكشف
اللثام 7: 91 ونسبه إلى الأكثر، والحدائق 24: 77،
والرياض 10: 256، والجواهر 30: 105.
(2) انظر المختلف 7: 327 - 328.
(3) انظر: المختلف 5: 445، والمبسوط 2: 251.
(4) انظر: المختلف 7: 327، والمبسوط 6: 21.
(5) انظر: المختلف 5: 446، و 7: 328.
(6) كشف اللثام 7: 91.
(7) إيضاح الفوائد 3: 24.
(8) كشف اللثام 7: 589.
229

وذهب السيدان: الحكيم (1) والخوئي (2) إلى
أنه يجوز للزوجة أن ترجع أمرها إلى الحاكم
الشرعي، فيأمر زوجها بالطلاق، فإن امتنع طلقها
الحاكم الشرعي.
هذا، وللفقهاء بحث في أن القدرة على الإنفاق
هل هي جزء من الكفاءة أم لا؟
لكن لا تترتب ثمرة مهمة على ذلك، لأنه على
القولين يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بالمعسر، وإنما
تظهر الثمرة فيما لو زوجها الولي أو الوكيل للمعسر.
فعلى القول بأن الإيسار من جملة الكفاءة يكون لها
خيار فسخ العقد، وإلا فلا (3).
وهناك تفصيلات أخرى تراجع في العنوانين:
" كفاءة " و " نفقة ".
ج - نفقة الأقارب:
المقصود من الأقارب هنا هم: العمودان - أي
الآباء والأمهات - والأولاد، وأما غير هؤلاء
فلا يجب الإنفاق عليهم، بل يستحب.
ويشترط في وجوب الإنفاق على الأقارب
قدرة المنفق على الإنفاق وعجز المنفق عليه عن
الإنفاق على نفسه وإعساره، فلذلك لو كان المنفق
معسرا أو المنفق عليه موسرا لما وجب الإنفاق.
وبهذا يظهر الفرق بين الزوجة والأقارب،
فإن الزوجة تستحق النفقة في ذمة الزوج، سواء كان
موسرا أو معسرا، وسواء كانت هي موسرة أو
معسرة، ومع إعساره يكون دينا في ذمته كما تقدم.
أما هنا فيسقط وجوب الإنفاق مع إعسار المنفق أو
يسار المنفق عليه (1).
هذا، ولهم كلام في أنه هل يشترط في المنفق
عليه عدم القدرة على الاكتساب أو لا؟ وتفصيلات
أخرى يراجع فيها عنوان " نفقة ".
د - نفقة الإنسان المملوك:
يجب على المالك الإنفاق على مملوكه، إن كان
له مال، وإلا أجبره الحاكم على الكسب - فإما أن
يكتسب هو أو المملوك - أو يجبره على إزالة ملكه،
إما بالبيع أو بغيره من أسباب إزالة الملك.
والفرق بين نفقة المملوك والقريب: أنه يجب
الإنفاق على المملوك بما قدر عليه أو إزالة الحبس،
فإنه محبوس بسبب مملوكيته، أما القريب فليس
كذلك، فلذلك قال الفاضل الإصفهاني بالنسبة إلى
نفقة المملوك بعد ذكر ما تقدم: "... فنفقته كنفقة
الزوجة، بل أقوى، بخلاف نفقة القريب " (2).
ه‍ - نفقة الحيوان المملوك:
حكم الحيوان المملوك حكم الإنسان المملوك
من حيث النفقة، فيجري فيه ما يجري هناك،

(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 305، كتاب
النكاح، الفصل العاشر في النفقات، المسألة 3.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 288، كتاب
النكاح، الفصل العاشر في النفقات، المسألة 1406.
(3) انظر الحدائق 24: 76 - 77.
(1) انظر: المسالك 8: 490، وكشف اللثام 7: 594 -
598، والجواهر 31: 366 - 374.
(2) كشف اللثام 7: 609، وانظر الجواهر 31: 391 - 392.
230

فيجبر المالك - لو لم يجد ما ينفق على الحيوان - على
إرسال الحيوان للرعي أو إجارته وإنفاق الأجرة
عليه، أو تذكيته، أو بيعه (1).
ويراجع تفصيل ما تقدم في عنوان " نفقة ".
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - التيمم: مسوغات التيمم.
ب - التكفين: كفن الزوجة.
2 - كتاب الصلاة: صلاة الخوف، بمناسبة
خوف المستدين وهروبه.
3 - كتاب الزكاة:
أ - إذا كانت العين الزكوية دينا.
ب - إذا كانت العين الزكوية رهنا.
ج - دفع الزكاة للمعسر ثم تبين يساره.
د - سقوط زكاة الفطرة عن المعسر.
4 - كتاب الحج:
أ - الاستطاعة وما يرتبط بها.
ب - الهدي.
ج - الكفارات وما يناسبها.
5 - كتاب الكفارات.
6 - كتاب الدين.
7 - كتاب الحجر.
8 - كتاب المفلس.
9 - كتاب النكاح:
أ - الكفاءة.
ب - النفقة.
10 - كتاب اليمين.
11 - كتاب النذر.
وكتب أخرى: مثل: كتاب الشفعة والجهاد
والشهادات وغيرها.
أعضاء
لغة:
جمع عضو، وهو جزء من مجموع الجسد،
كاليد والرجل والاذن (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن قد تضاف كلمة
" الأعضاء " إلى غيرها، أو تقع موصوفة فتكتسب
معنى خاصا، مثل:
1 - الأعضاء الثلاثة، وهي: الرأس والرقبة،
والطرف الأيمن، والطرف الأيسر من البدن،
فهذه هي الأطراف الثلاثة في الغسل (2)،
وربما يطلق عليها أعضاء الغسل أيضا.
راجع: غسل.

(1) انظر: كشف اللثام 7: 611 - 612، والجواهر 31:
395 - 396.
(1) المعجم الوسيط: " عضو ".
(2) انظر الجواهر 3: 89 و 92.
231

2 - الأعضاء الأربعة: استعملوا هذا المصطلح
في موضعين:
أ - في الوضوء: ويراد به الوجه، واليدان،
والرأس، والقدمان، ويقال لها: أعضاء الوضوء
أيضا (1).
راجع: وضوء.
ب - في الذبح، ويراد به مجرى الطعام،
ومجرى الهواء، والودجان المحيطان بهما. وهذه
الأعضاء الأربعة يجب قطعها في الذبح. وقد يطلق
عليها: أعضاء الذبح أيضا (2).
راجع: ذباحة.
3 - الأعضاء السبعة: وهي الأعضاء التي
يجب وضعها على الأرض عند السجود، ويعبر عنها
ب‍ " أعضاء السجود " و " المساجد السبعة " أيضا، وهي:
الجبهة، والكفان، والركبتان، ورأسا الإبهامين (3).
راجع: سجدة، وسجود.
4 - أعضاء الطهارة المائية، وهي الأعضاء
التي يقع عليها الوضوء أو الغسل، في مقابل الطهارة
الترابية (4).
راجع: وضوء، غسل.
5 - أعضاء الوضوء، وهي الأعضاء الثلاثة،
كما تقدم.
6 - أعضاء التيمم، وهي الأعضاء التي يقع
عليها التيمم، وهي الجبهة وظاهر الكفين، في مقابل
أعضاء الطهارة المائية (1).
راجع: تيمم.
وهناك موارد أخرى يعرف مفهومها بالقرائن.
إعضاب
لغة:
مصدر أعضب، وأصله من عضب، بمعنى قطع
وشق، يقال: شاة عضباء، أي مكسورة القرن، وقيل:
المكسور أحد قرنيها، وقيل: المكسور قرنها الداخل.
وناقة عضباء: أي مشقوقة الأذن، وكذلك
الشاة (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تكلم الفقهاء عن إجزاء الشاة العضباء في
الهدي والأضحية، وقد تقدم الكلام عن الأضحية
تحت عنوان " أضحية "، وسوف يأتي عن الهدي
في " هدي " إن شاء الله تعالى.
(1) انظر الجواهر 5: 185 و 186.
(2) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح: " عضب ".

(1) انظر الجواهر 2: 110 و 344.
(2) انظر الجواهر 36: 105 و 100.
(3) انظر الجواهر 10: 147، و 135.
(4) انظر الجواهر 5: 185 و 186.
232

إعطاء
لغة:
المناولة، وكذا المعاطاة.
والعطاء والعطية: اسم لما يعطى (1).
راجع: عطاء، عطية، معاطاة.
إعفاف
لغة:
مصدر أعف، يقال: أعففته عن كذا،
أي كففته عنه (2).
والعفاف والتعفف: الكف عن الحرام
والسؤال من الناس، أو الصبر والنزاهة
عن الشئ (3).
اصطلاحا:
أن يصير غيره ذا عفة، بأن يهيئ له مستمتعا،
كأن يزوجه أو يعطيه مهرا ليتزوج به زواجا دائما
أو منقطعا (1).
ويصدق هذا المعنى بالنسبة إلى النفس أيضا،
فإعفاف النفس التزوج، وإن لم يستعمل فيه غالبا.
الأحكام:
حكم الإعفاف تكليفا:
الإعفاف في حد ذاته وبعنوانه الأولي
مستحب، لكن قد يصير واجبا في بعض الموارد
للعناوين الثانوية الطارئة، فلذلك نرى من اللازم
بيان مراتب الإعفاف، فنقول:
مراتب الإعفاف ثلاثة: إعفاف النفس،
وإعفاف من تجب نفقته، وإعفاف غير هؤلاء:
أولا - إعفاف النفس:
إعفاف النفس مستحب (2)، للأمر الوارد
بالنكاح والترغيب فيه، كتابا وسنة (3).
نعم، قد يقال بوجوبه إذا أفضى تركه إلى
الوقوع في الحرام (4).

(1) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " عطا "
و " عطو ".
(2) ترتيب كتاب العين: " عفف ".
(3) النهاية (لابن الأثير): " عفف ".
(1) انظر: المسالك 8: 489، والحدائق 25: 138.
(2) لم يستحبه الشيخ لمن لا يشتهيه، وخص ابن حمزة
الاستحباب بمن اشتهاه وقدر عليه. انظر: المبسوط
4: 160، والوسيلة: 289.
(3) انظر: المسالك 7: 9 - 10، وكشف اللثام 7: 9،
والجواهر 29: 8، وغيرها.
(4) انظر: التحرير (الحجرية) 2: 2، والقواعد 3: 5،
والمسالك 7: 14، وكشف اللثام 7: 10، والنكاح
(للشيخ الأنصاري): 31، والعروة الوثقى،
كتاب النكاح، المسألة 4، ومستند العروة (النكاح)
1: 12، وغيرها، ونقله في الجواهر 29: 14 عن السيد
بحر العلوم، لكن رجح هو الاستحباب حتى في هذه
الصورة.
233

ثانيا - إعفاف من تجب نفقته:
المعروف عند فقهائنا: أن إعفاف من تجب
نفقته - وهم الوالدان والأولاد - مستحب وليس
بواجب (1)، لكن نقل الشهيد الثاني في المسالك عن
بعض أصحابنا وعن جماعة من العامة القول
بوجوب إعفاف الأب، لأنه من المصاحبة بالمعروف
المأمور بها في القرآن الكريم (2).
وعلى القول بعدم الوجوب، فهل يجب إذا
اقتضت الضرورة؟
قال صاحب الجواهر: " إن محل البحث
بين الأصحاب وجوبه من حيث كونه إعفافا
باعتبار أنه من النفقة عرفا، أما مع فرض الاحتياج
إليه، لشدة شبق أو أذية في مزاج أو نحو ذلك، فهو
خارج عن محل البحث، وإن كان مندرجا حينئذ
في البحث عما يتفق الاحتياج إليه من دواء ونحوه
مما لم يكن من النفقة المعتادة، وفيه وجهان... " (3).
والقول بالوجوب - على فرضه - إنما يكون في
صورة إعساره، وأما مع تمكنه من إعفاف نفسه
فلا يجب على الابن ذلك (1).
ونفقة زوجة الأب تابعة للإعفاف، فإن قلنا
بوجوب الإعفاف فالنفقة تكون واجبة، وإن قلنا
باستحبابه فالنفقة مستحبة (2).
ثالثا - إعفاف سائر المؤمنين:
يستحب إعفاف المؤمن وإن لم يكن ممن تجب
نفقته، وقد وردت للترغيب في ذلك روايات
عديدة، منها:
1 - ما رواه سماعة بن مهران عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " من زوج أعزبا كان ممن ينظر الله
إليه يوم القيامة " (3).
والرواية مطلقة تشمل جميع أسباب التزويج
من إعطاء المهر أو البنت ونحو ذلك.
2 - ما رواه علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: " ثلاثة يستظلون
بظل عرش الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله:
رجل زوج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم
له سرا " (4).

(1) انظر: المسالك 8: 489، وكشف اللثام 7: 598،
والحدائق 25: 137، والجواهر 31: 377.
(2) لقمان: 15.
(3) الجواهر 31: 378.
(1) انظر: المسالك 8: 489، وكشف اللثام 7: 598،
والجواهر 31: 377.
(2) انظر: المسالك 8: 489، وكشف اللثام 7: 598،
والحدائق 25: 137، والجواهر 31: 377.
(3) الوسائل 20: 45، الباب 12 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 3.
234

مظان البحث:
عمدة ما يبحث عن ذلك إنما هو في بحث النفقة
من كتاب النكاح، ويتعرض لبعض جوانبه في
مقدمة كتاب النكاح، عند البحث عن استحبابه.
إعلام
لغة:
الإخبار، ووضع العلامة، يقال: أعلمته
بكذا، أي أخبرته به، ويقال: أعلم الفارس،
أي جعل لنفسه علامة الشجعان (1).
وقيل: الفرق بين الإعلام والإخبار هو:
أن الإعلام التعريض لأن يعلم الشئ... والإخبار
الإظهار للخبر، علم به أو لم يعلم (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
والكلام فعلا في الإعلام بمعنى الإخبار.
الأحكام:
تترتب على عنوان " إعلام " أحكام كثيرة
نشير إلى أهمها فيما يأتي:
الإعلام بنجاسة الشئ عند بيعه:
المعروف بين الفقهاء: أنه يجب الإعلام
بنجاسة الزيت أو الدهن المتنجس عند إرادة بيعه (1)،
لما ورد في صحيح معاوية بن وهب عن أبي
عبد الله (عليه السلام) حينما سئل عن سمن مات فيه جرذ:
" يبيعه ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به " (2).
وصرح جملة منهم: بأن هذا الوجوب
وجوب نفسي لا شرطي (3)، بمعنى أن وجوب

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مفردات ألفاظ
القرآن (للراغب الإصفهاني)، والمصباح المنير: " علم ".
(2) الفروق اللغوية: 77، الفرق بين الإعلام والإخبار.
(1) انظر: الشرائع 3: 226، والقواعد 3: 331، والدروس
3: 18، وجامع المقاصد 1: 160 - لكن كلامه في
العجين المتنجس وإن كان يظهر منه الإطلاق -
والمسالك 3: 120 و 12: 84، ومجمع الفائدة 8: 31
و 11: 219، والمدارك 2: 371 - وكلامه في العجين
المتنجس أيضا - والكفاية: 85 و 252، والرياض
8: 46، ومستند الشيعة 14: 75، والجواهر 22: 16
و 36: 386، والمكاسب 1: 73، والعروة الوثقى:
كتاب الطهارة، فصل في ماء البئر، المسألة 10، وفصل
في إزالة النجاسة، المسألة 32، والمستمسك 1: 217
و 524، ومصباح الفقاهة 1: 114 - 115، والتنقيح
1: 334 و 2: 330 - 335، والمكاسب المحرمة (للإمام
الخميني) 1: 137.
(2) الوسائل 24: 194، الباب 43 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(3) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 1، فقد صرح
عديد من الفقهاء بصحة البيع، بل قال في مجمع الفائدة:
" فلو لم يبين، فظاهرهم انعقاد البيع "، وهو ظاهر في
نسبة الصحة إلى جميع الفقهاء أو أكثرهم، نعم يظهر
من الشهيد الثاني التشكيك فيه. انظر: مجمع الفائدة
8: 36، والمسالك 3: 120 - 121.
235

الإعلام إنما هو لأجل ألا يقع الغير في الحرام،
وهو استعمال الدهن المتنجس في الأكل، لا أنه
شرط لصحة البيع، ولذلك يصح البيع حتى في صورة
عدم الإعلام أيضا، وإن كان في ذلك مخالفة
للأمر بالإعلام.
وبناء على ذلك، فلو علم البائع أن المشتري
لا يستعمل النجس في الأكل، بل يستعمله لغرض
آخر كالاستصباح لم يجب عليه الإعلام.
هل يختص وجوب الإعلام ببيع الدهن
المتنجس أم يشمل غيره؟
الظاهر من مجموع كلمات الفقهاء هنا
وفي العجين الذي عجن بماء نجس أن المسألة
مبنائية، أي تبتني على جواز بيع ذلك المتنجس
وعدمه، فكل ما قيل بجواز بيعه من المتنجسات،
يقال بوجوب إعلام المشتري بنجاسته.
هل يختص وجوب الإعلام بالبيع أم يشمل
غيره أيضا؟
كلمات أغلب الفقهاء خالية من ذلك، نعم
قال العلامة: " ويجوز هبة الدهن النجس والصدقة
به والوصية به " (1)، ولم يذكر وجوب الإعلام.
لكن قال السيد اليزدي: " كما يحرم الأكل
والشرب للشئ النجس، كذا يحرم التسبيب لأكل
الغير أو شربه، وكذا التسبب لاستعماله فيما يشترط
فيه الطهارة، فلو باع أو أعار شيئا نجسا قابلا
للتطهير يجب الإعلام بنجاسته " (1).
فإنه بنى المسألة على حرمة التسبيب
والتسبب إلى الحرام، وكل ما صدق عليه هذا
العنوان فهو حرام سواء كان بسبب البيع أو الإعارة،
أو رد العارية، أو الهبة أو غيرها، فلذلك نرى من
اللازم التعرض لهذه المسألة التي أثارها الشيخ
الأنصاري، فنقول:
بعد أن اختار الشيخ الأنصاري وجوب
إعلام نجاسة الدهن للمشتري، حاول أن يقسم
التسبيب إلى الحرام أقساما يحرم بعضها دون الآخر،
وتلك الأقسام هي:
الأول - أن يكون فعل الشخص علة تامة
لوقوع الحرام من شخص آخر، كما إذا أكره غيره
على الحرام.
وهذا حرام بلا إشكال.
الثاني - أن يكون فعله سببا للحرام، كمن قدم
إلى غيره محرما، ومنه بيع النجس للغير مع عدم
إعلامه بنجاسته (2).

(1) التذكرة 10: 33.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في إزالة النجاسة،
المسألة 32.
(2) جعل الشيخ الأنصاري هذا المثال مصداقا للقسم
الثاني تارة ومصداقا للقسم السادس أخرى. ولهم
محاولات لرفع هذا التهافت في كلامه.
236

وهذا حرام على الأقوى.
الثالث - أن يكون من قبيل إيجاد الداعي على
صدور فعل الحرام من الغير، كأن يسب آلهة الكفار
بحيث ينتهي إلى سب الحق عنادا.
وهذا حرام أيضا.
الرابع - أن يكون من قبيل إيجاد شرط الفعل
الحرام - غير الداعي - كبيع العنب ممن يعلم أنه
يصنعه خمرا.
وأحال حكمه على محله، واختار هناك
الحرمة لو كان ترك البيع علة تامة لعدم تحقق الحرام،
وهو صنع الخمر، وعدم الحرمة لو لم يكن كذلك (1).
الخامس - أن يكون من قبيل السكوت أمام
المنكر وعدم النهي عنه، وهذا حرام مع توفر شروط
النهي عن المنكر.
السادس - أن يكون من قبيل سكوت العالم
عن صدور الحرام عن الجاهل، لأن إرشاد العالم
الجاهل يمنعه من ارتكاب الحرام، كمن يرى شخصا
يشرب الخمر باعتقاد أنه ماء جهلا منه، فإرشاد
العالم له وإخباره بأنه خمر يمنعه عن شربه.
واختار في هذه الصورة عدم وجوب الإعلام
إلا إذا كان الفعل المحرم مهما جدا، كإراقة دم
معصوم، أو هتك عرض مصون، أو إيجاد ضرر مالي
كبير، فيجب الإعلام حينئذ. فإذا رأى شخصا يريد
أن يقتل بريئا باعتقاد كونه مهدور الدم وجب عليه
إرشاد الجاهل وإعلام كونه بريئا، بل يجب دفعه
حينئذ إن لم يفد مجرد الإعلام.
أما في غير الموارد الثلاثة المتقدمة فلا يجب
الإعلام إلا إذا كان الفاعل جاهلا بأصل الحكم
كجهله بحرمة الخمر، فالواجب إرشاده وإعلام كون
شربه حراما.
وهذا ليس من باب حرمة التسبيب، لعدم
صدقه هنا، بل من باب وجوب تبليغ الأحكام
وإرشاد الجاهل بها، كما تقدم تفصيله في عنوان
" إرشاد " (1).
وأما السيد الحكيم، فالحاصل من مجموع
كلامه في موارد متعددة: أن في مورد الأكل والشرب
يجب الإعلام بالنجاسة، سواء صدق عنوان
التسبيب أو التسبب إلى الحرام على عدم الإعلام أو
لا، وذلك لرواية معاوية بن وهب في الزيت
المتنجس: " بعه وبينه لمن اشتراه ليستصبح به "
فإن الاستصباح ليس مطلوبا ذاتيا، لكن لما كان
السبب لوجوب الإعلام إنما هو اجتناب أكله،
وكان الاستصباح ملازما لعدم الأكل دائما، لأنه
الفائدة المنحصرة فيه آنذاك، فلذلك أمر الإمام (عليه السلام)
بتبيين نجاسة الدهن ليستصبح به.
ولذلك لو رأى الإنسان شخصا يأكل النجس
أو يشربه وجب عليه إعلامه بالنجاسة، فضلا عما
إذا وهبه أو باعه مأكولا نجسا.
وأما في غير موارد الأكل والشرب، فيدور

(1) المكاسب المحرمة (للشيخ الأنصاري) 1: 144 - 145.
(1) انظر المكاسب المحرمة (للشيخ الأنصاري)
1: 73 - 77.
237

الأمر مدار صدق عنوان التسبيب أو التسبب إلى
الحرام وعدمه، فإذا صدق أحد العنوانين على عدم
الإعلام، وجب الإعلام وحرم تركه، وإذا لم يصدق
لم يحرم. ولذلك استشكل في صدق عنوان التسبب
إلى الحرام على بيع الدهن النجس ونحوه أو إعارته
من دون إعلام النجاسة. نعم في الموارد التي يعتمد
المشتري على البائع كما في بيع الجلود، حيث إن
الأصل فيها النجاسة إلا مع إحراز كونها جلود
حيوانات مذكاة، ويتحقق هذا الإحراز بشرائه من
مسلم، ففي هذه الصورة يكون البيع مع عدم إعلام
النجاسة تسببا إلى الحرام (1).
هذا ما استفيد من مجموع كلامه في
المستمسك، إلا أنه صرح في المنهاج بوجوب إعلام
نجاسة المبيع للمشتري (2).
وأما السيد الخوئي فقد بنى المسألة على
أمرين:
الأول - أن المفاسد الواقعية المترتبة على
المحرمات لا ترتفع بسبب الجهل، فالمفاسد المترتبة
على الخمر تترتب على شاربها، سواء كان عالما
بكون ما شربه خمرا أو جاهلا به، وسواء علم
الشارب بحرمة شربه أو لا.
الثاني - أن المحرمات الواقعية كما يريد
الشارع من المكلف أن لا يرتكبها هو فكذلك يريد
منه أن لا يغر غيره بارتكابها، فلذلك يكون تغرير
الجاهل لارتكاب الحرام محرما أيضا.
واستنادا إلى هاتين المقدمتين، فكلما صدق
عنوان تغرير الجاهل لارتكاب الحرام على عدم
الإعلام، كان محرما. ومنه بيع المتنجس للمشتري
مع عدم الإعلام، لأن ذلك تغريرا له وجعله يرتكب
الحرام الذي تترتب عليه المفسدة الواقعية.
هذا إذا صدق عنوان " التغرير " وأما لو لم يصدق
لم يكن عدم الإعلام محرما، كمن باع النجس ممن
يعلم بأنه لا يستعمله في الأكل (1).
ومن موارد عدم صدق التغرير ما لو رأى
شخصا يأكل النجس أو يشربه جهلا، ولذلك
لا يجب إعلامه بالنجاسة.
هذا ما أفاده في مصباح الفقاهة، وأما ما أفاده
في التنقيح فحاصله:
أن الملاك في وجوب الإعلام هو أن يكون
عدمه تسبيبا إلى الحرام كما إذا قدم الطعام النجس
إلى الغير ليأكله من دون إعلامه بنجاسته، ومن هذا
القبيل بيع المتنجس للغير من دون إعلامه بنجاسته،
فإن عدم الإعلام تسبيب إلى أكل النجس، ولذلك
صرح بوجوب الإعلام في مسألة بيع المتنجس في
المنهاج أيضا (2).
وأما إذا لم يصدق التسبيب فلا يجب الإعلام

(1) انظر المستمسك 1: 217 و 524 و 526.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 6، كتاب
التجارة، المقدمة، المسألة 7.
(1) انظر مصباح الفقاهة 1: 114 - 119.
(2) انظر منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 4، كتاب
التجارة، المقدمة، المسألة 7.
238

كما إذا رأى غيره يأكل النجس. نعم، إذا كان المورد
مهما للغاية، كالموارد الثلاثة التي ذكرها الشيخ
الأنصاري، فيجب الإعلام وإن لم يصدق التسبيب.
بل قال: قد يحرم الإعلام - في صورة عدم
التسبيب - إذا كان الإعلام موجبا للعسر والحرج،
كما إذا رأى غيره يصلي في الثوب النجس جهلا،
وكان إبداله عسرا عليه (1).
وأما الإمام الخميني فالمتحصل من مجموع
كلامه:
أولا - أن مطلق تحريك الغير نحو فعل المنكر
قبيح، لأنه منكر، فيكون حراما، والجاهل حينما
يأتي بالمنكر حين جهله، لا يصدق في حقه أنه
أتى بالمنكر (2).
ثانيا - أن المحرمات تارة يكون صدورها من
الفاعل مبغوضا على كل حال، أي في صورتي العلم
والجهل، إلا أن الجاهل لا يعاقب لجهله، وأخرى
يكون مبغوضا في صورة صدورها حال العلم فقط.
فالقسم الأول يحرم فيه التسبيب وتغرير
الجاهل بارتكابه، ومثاله إعطاء الخمر للجاهل
بخمريته ليشربه، فإن شرب الخمر مبغوض عند
الشارع، سواء كان الشارب عالما بالخمرية أو لا،
غاية الأمر لا يعاقب الجاهل لجهله.
والقسم الثاني لا يحرم فيه التسبيب، مثل
إعطاء الثوب النجس للغير ليصلي فيه، فإن صلاة
الجاهل بنجاسة الثوب صحيحة.
ثم قال: " هذا على القواعد، لكن يظهر من
جملة من الروايات عدم جواز ذلك "، ثم ذكر
عناوين الروايات (1).
ولعله لأجل ذلك استفاد في مدخل البحث
من الروايات وجوب الإعلام بنجاسة المبيع
وجوبا نفسيا (2).
هذا ما استفدناه من كلامه في المكاسب المحرمة.
وأما في التحرير، فإنه لم يتطرق إلى وجوب
الإعلام عند ذكر بيع النجس (3).
ملاحظة:
كل ما تقدم إنما يصح على مبنى المشهور في
الطهارة والنجاسة، حيث يلتزمون بأنهما أحكام
واقعية لا تتغير بالعلم والجهل بها، فالنجس نجس
واقعا سواء علم به المكلف أم لا.
وأما بناء على مبنى صاحب الحدائق الذي
يقول: بأن الطهارة والنجاسة ليستا حكمين واقعيين،
بل إنما هما بلحاظ علم المكلف، فالنجس هو ما علم
المكلف بنجاسته، أما ما لم يعلم بنجاسته فليس نجسا
في حقه، فلا مجال لهذا البحث أصلا، لأن المشتري

(1) انظر: التنقيح 2: 331 - 340.
(2) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 143.
(1) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 143 - 144
و 149.
(2) المصدر المتقدم: 137.
(3) تحرير الوسيلة 1: 454، كتاب المكاسب والمتاجر،
المقدمة، المسألة 5.
239

لا علم له بالنجاسة، فالدهن لم يكن متنجسا في حقه
حتى يجب إعلامه بنجاسته (1).
إعلام المصلي بنجاسة ثوبه:
لا يجب على من رأى غيره يصلي في الثوب
النجس إعلامه بذلك، لأن ترك الإعلام ليس تسبيبا
إلى وقوع الغير في الحرام، ولا تغريرا له بذلك،
كما أنه ليس من الأمور المهمة جدا التي يجب
الإعلام فيها.
صرح بذلك جملة من الفقهاء (2)، وورد فيه
بعض النصوص، منها صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما - أي الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام) - قال:
" سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو
يصلي؟ قال: لا يؤذنه حتى ينصرف " (3).
لكن قال العلامة في جواب السيد المهنا الذي
سأله عن خصوص هذه المسألة وما يشابهها: " نعم،
يجب عليه إعلامه، لأنه من باب الأمر بالمعروف " (4).
لكن استشكلوا عليه: بأن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر إنما يجبان مع صدق عنواني
المعروف والمنكر، والمصلي في النجاسة جهلا
لا يصدق عليه أنه فعل منكرا، لجهله بالنجاسة (1).
ولعله لذلك قال - أي العلامة نفسه - في
النهاية: " والأقرب أنه لا يجب إعلام المصلي
الجاهل بنجاسة ثوبه " (2).
الإعلام بنجاسة المسجد:
لا إشكال في وجوب إزالة النجاسة عن
المسجد مع التمكن من ذلك، كما تقدم في عنوان
" إزالة ". أما إذا لم يتمكن من إزالتها فهل يجب عليه
إعلام غيره بالنجاسة ليزيلها أم لا؟
قال السيد اليزدي: " هل يجب إعلام الغير إذا
لم يتمكن من الإزالة؟ الظاهر العدم، إذا كان مما
لا يوجب الهتك، وإلا فهو الأحوط " (3).
لكن اختار السيدان: الحكيم (4) والخوئي (5)
وجوب الإعلام مطلقا سواء استلزم الهتك أم لا.
نعم، استثنى السيد الحكيم ما لو علم بعدم

(1) الحدائق 18: 91 - 92.
(2) انظر: المعالم 2: 579، والحدائق 5: 260 - 261،
و 11: 262، ومستند الشيعة 1: 254 و 8: 171،
والجواهر 6: 178 - 179، والمستمسك 1: 524،
والتنقيح 2: 331 - 335، ومتنهما العروة الوثقى،
وغيرها.
(3) الوسائل 3: 487، الباب 47 من أبواب النجاسات،
الحديث الأول.
(4) المسائل المهنائية: 48 و 49.
(1) انظر: الحدائق 5: 260، ومستند الشيعة 1: 254،
ومصباح الفقاهة 1: 119.
(2) نهاية الإحكام 1: 389.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في إزالة النجاسة،
المسألة 19.
(4) المستمسك 1: 514 - 515.
(5) التنقيح 2: 309.
240

ترتب أثر على الإعلام، فلا يجب حينئذ. وهو طبق
للقاعدة، ولعله يلتزم به غيره أيضا.
الإعلام بنجاسة الطعام:
للمسألة صورتان:
فتارة يقدم الإنسان لغيره طعاما نجسا، وقد
تقدم الكلام عن هذه الصورة بنحو تفصيلي في عنوان
" إطعام " عند الكلام عن حكم إطعام النجس للغير.
وتارة يرى الإنسان غيره يأكل النجس،
فهل يجب عليه الإعلام في هذه الصورة أم لا؟
قال السيد اليزدي: " وأما إذا لم يكن هو
السبب في استعماله، بأن رأى أن ما يأكله شخص أو
يشربه أو يصلي فيه نجس، فلا يجب إعلامه " (1).
وعلق عليه السيد الحكيم بقوله: " قد عرفت
أن مقتضى الصحيح (2) وجوب الإعلام فيما يؤكل
ويشرب " (3).
ولم يعلق عليه السيد الخوئي (4).
إعلام الضيف بنجاسة البيت:
قال السيد اليزدي: " إذا كان موضع من بيته
أو فراشه نجسا فورد عليه ضيف وباشره بالرطوبة
المسرية، ففي وجوب إعلامه إشكال، وإن كان
أجود، بل لا يخلو عن قوة " (1).
وأحال كل من السيدين: الحكيم (2) والخوئي (3)
حكم المسألة على صدق عنوان التسبيب وعدمه،
فإذا صدق حرم وإلا فلا، ولذلك فصل السيد الخوئي
بين موارده، فمثلا لو مد الضيف يده الرطبة ليأخذ
المنديل الطاهر فأصابت الحائط، فلا يجب الإعلام،
لعدم صدق التسبيب إلى النجاسة على فعل صاحب
البيت - وهو وضع المنديل الطاهر في المكان المعد له -
بخلاف ما لو وضع المنديل المتنجس في الموضع المعد
للتنشيف، فإن تنجس يد الضيف بإصابة المنديل
المتنجس يكون مستندا إلى فعل صاحب البيت،
فلذلك يجب عليه الإعلام بالنجاسة، لأن وضع
المنديل النجس في محل التنشيف وعدم الإعلام
بالنجاسة تسبب إلى النجاسة.
وهناك موارد كثيرة مشابهة ترجع إلى صدق
عنوان التسبيب وعدمه، ولذلك لا حاجة إلى
التعرض لجميعها.
إعلام المريض إخوانه بالمرض:
يستحب للمريض إعلام إخوانه بمرضه (4)،

(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في وجوب إزالة
النجاسة، المسألة 32.
(2) أي صحيح معاوية بن وهب المتقدم في كلامه.
(3) المستمسك 1: 524.
(4) التنقيح 2: 336.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في إزالة النجاسة،
المسألة 34.
(2) المستمسك 1: 526.
(3) التنقيح 2: 338.
(4) انظر الجواهر 4: 4.
241

فقد روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينبغي للمريض منكم
أن يؤذن إخوانه بمرضه، فيعودونه فيؤجر فيهم
ويؤجرون فيه، قال: فقيل له: نعم، فهم يؤجرون
فيه بممشاهم إليه، فكيف يؤجر فيهم؟ قال: فقال:
باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك
عشر حسنات، ويرفع له عشر درجات، ويمحى بها
عنه عشر سيئات " (1).
وفي مقابل هذه الرواية روايات أخرى دلت
على استحباب كتمان المرض، منها ما رواه ابن أبي
عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام): من مرض ثلاثة أيام، فكتمه
ولم يخبر به أحدا أبدل الله له لحما خيرا من لحمه،
ودما خيرا من دمه، وبشرة خيرا من بشرته،
وشعرا خيرا من شعره، قال: قلت: جعلت فداك،
وكيف يبدله؟ قال: يبدله لحما وشعرا ودما وبشرا
لم يذنب فيها " (2).
وحملت هذه الرواية وأمثالها على استحباب
ترك الشكوى، لا أصل الإخبار بالمرض، ويؤيده
ورود عبارة " ترك الشكوى " بدل " الكتمان " في
عدة روايات اخر (3)، بل في بعض آخر منها: " كتم
ذلك عواده " (1)، فلا يصدق كتمان المرض مع فرض
كون الزيارة للعيادة، نعم يصدق عدم الشكوى.
إعلام المؤمنين بموت المؤمن:
صرح الفقهاء باستحباب إعلام المؤمنين
بموت المؤمن ليحضروا جنازته، لما رواه عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ينبغي لأولياء
الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون
جنازته، ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكتب
لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار، ويكتسب هو
الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار " (2).
وأصل استحباب الإعلام مما لا إشكال فيه،
فقد صرح به الشيخ الطوسي (3) ومن تأخر عنه،
إلا أن الإشكال في كيفية الإعلام، فالقدر المتيقن
منه هو أن يرسل صاحب المصيبة إلى خاصته
ليحضروا الجنازة. وهذا لا إشكال فيه.
وإنما الكلام في النداء بموته، بأن يجعل من
ينادي بموته، فقد قال الشيخ بعد التصريح
باستحباب أصل الإعلام: " وأما النداء فلا أعرف
فيه نصا " (4).

(1) الوسائل 2: 413، الباب 8 من أبواب الاحتضار،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 2: 406، الباب 3 من أبواب الاحتضار،
الحديث 3.
(3) المصدر المتقدم: 406، الحديثان 4 و 6.
(1) الوسائل 2: 405، الباب 3 من أبواب الاحتضار،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 3: 59، الباب الأول من أبواب الاحتضار،
الحديث الأول.
(3) انظر: المبسوط 1: 183، والخلاف 1: 731،
المسألة 561.
(4) انظر: المبسوط 1: 183، والخلاف 1: 731،
المسألة 561.
242

لكن صرح جماعة (1): بأنه لا بأس به،
ولعله لشمول إطلاق الإعلام للنداء أيضا،
ولذلك لم يشكك صاحب الحدائق (2) في هذا
الإطلاق، وإنما شكك في وقوع النداء على الموتى
من قبل السلف، لأنه لو وقع لنقل إلينا.
هل يجب إعلام الفقير بكون ما يعطى له زكاة؟
صرح أكثر الفقهاء (3): بأنه لا يجب إعلام
الفقير بأن ما يعطى له من الزكاة، إذا كان يستحيي
من ذلك ويترفع عنه.
قال المحقق الحلي: " ولا يجب إعلام الفقير أن
المدفوع إليه زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها وهو
مستحق، جاز صرفها إليه على وجه الصلة " (4).
بل صرح العلامة باستحباب عدم الإعلام،
حيث قال: " لا يجب إعلام المدفوع إليه أنها زكاة،
فلو استحيا الفقير من أخذها علانية استحب إيصالها
إليه على وجه الهدية، ولا يعلم أنها زكاة، لما في
الإعلام من إذلال المؤمن والاحتقار له، ولأن
أبا بصير سأل الباقر (عليه السلام): " الرجل من أصحابنا
يستحيي أن يأخذ من الزكاة، فأعطيه من الزكاة
ولا اسمي له أنها من الزكاة؟ قال: أعطه ولا تسم له
ولا تذل المؤمن " (1). ولا نعلم في ذلك خلافا " (2).
وعورضت الرواية برواية أخرى جاء فيها:
"... فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها
إياه... " (3).
ولكن قال صاحب الحدائق بالنسبة إليها: إنه
لم يعمل بها، ولم يقل بها أحد، بل الأخبار وكلام
الأصحاب على خلافها، فلا معارضة (4).
ولذلك ذكر الفقهاء عدة توجيهات لرفع
المنافاة والتعارض البدوي (5).
هذا، وللمسألة عدة صور استشكل بعض
الفقهاء في قسم منها، كما إذا دفع بنية الزكاة لكن
بعنوان الهدية ظاهرا، وقبلها الآخذ بهذا العنوان
بحيث لو علم بأنها زكاة ردها (6).

(1) انظر: المعتبر: 70 - وعلله بوجود الفوائد المترتبة على
الإعلام فيه وعدم منع شرعي منه، وتبعه بعض من
تأخر عنه في هذا التعليل - والتذكرة 1: 344، وجامع
المقاصد 1: 414، والجواهر 4: 29، وغيرها.
(2) الحدائق 4: 91.
(3) صرح به الشيخ في النهاية: 188، وأكثر من تأخر عنه.
(4) الشرائع 1: 160.
(1) الوسائل 9: 314، الباب 58 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث الأول.
(2) التذكرة 5: 287.
(3) الوسائل 9: 315، الباب 58 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2.
(4) الحدائق 12: 172، وانظر الجواهر 15: 325.
(5) انظر المصدرين المتقدمين، ومجمع الفائدة 4: 194 -
195، والمدارك 5: 204، والجواهر 15: 325،
والزكاة (للشيخ الأنصاري): 282 - 283.
(6) انظر: الجواهر 15: 327، والزكاة (للشيخ
الأنصاري): 283 - 284.
243

إعلام البائع المشتري بالعيب:
اختلف الفقهاء في وجوب إعلام العيب
للمشتري وعدمه على أقوال:
1 - وجوب الإعلام مطلقا، سواء كان
العيب عيبا ظاهرا أو خفيا. وهذا القول هو
الظاهر من الشيخ الطوسي، حيث قال في المبسوط:
" من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا،
وكان المشتري بالخيار... " (1).
ومثله قال في الخلاف (2).
وقال في موضع آخر من المبسوط: " إذا
كان لرجل مال فيه عيب فأراد بيعه، وجب عليه
أن يبين للمشتري عيبه ولا يكتمه أو يتبرأ إليه
من العيوب، والأول أحوط " (3).
ومثله قال العلامة في التحرير (4).
2 - عدم وجوب الإعلام مطلقا، سواء كان
العيب ظاهرا أو خفيا.
وهذا القول هو الظاهر من المحقق (5)
والعلامة (6) الحليين، وصاحب الجواهر (7)،
والإمام الخميني (1)، ونسب إلى ابن إدريس
الحلي (2).
وصرح كل من المحقق والعلامة وصاحب
الجواهر باستحباب الإعلام حينئذ.
3 - وجوب الإعلام بالعيب الخفي،
واستحباب الإعلام بالعيب الظاهر. ذهب إلى
هذا القول: المحقق الثاني (3)، والشهيد الثاني (4).
4 - وجوب الإعلام مع عدم التبري من
العيب واستحبابه مع التبري. وهذا ما نستظهره نحن
من مجموع كلام ابن إدريس (5).
5 - وجوب الإعلام بالعيب الخفي إذا لم يتبرأ
البائع من العيوب. ذهب إليه الشهيد الأول
في الدروس (6) واختاره السيد الخوئي (7).
6 - وبنى الشيخ الأنصاري المسألة على
صدق عنوان " الغش " وعدمه، فيجب الإعلام
في صورة صدق عنوان الغش (8).

(1) المبسوط 2: 138.
(2) الخلاف 3: 125، المسألة 211.
(3) المبسوط 2: 126.
(4) التحرير 2: 368.
(5) الشرائع 2: 36.
(6) التذكرة (الحجرية) 1: 525.
(7) الجواهر 23: 245 - 247، إلا أنه استثنى مزج اللبن
بالماء، فقال بوجوب الإعلام فيه.
(1) البيع 5: 86.
(2) نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 629،
والشيخ الأنصاري في المكاسب 5: 335. وانظر
السرائر 2: 296.
(3) جامع المقاصد 4: 333.
(4) المسالك 3: 285.
(5) السرائر 2: 296 - 297.
(6) الدروس 3: 287.
(7) مصباح الفقاهة 7: 191.
(8) المكاسب 5: 337.
244

ملاحظة:
نسب الشيخ الأنصاري إلى المشهور: أن
التبري من العيوب يسقط وجوب الإعلام على
فرض القول به (1).
إعلام الوكيل بالعزل:
اختلف الفقهاء في كيفية عزل الوكيل على
ثلاثة أقوال:
الأول - أنه لا ينعزل إلا بإعلام الموكل
إياه بالعزل.
اختار هذا القول: ابن الجنيد (2)، والشيخ
في الخلاف (3)، والمحقق الحلي (4)، وابن سعيد (5)،
والعلامة في بعض كتبه (6)، وولده في الإيضاح (7)،
والشهيد الأول في اللمعة (8)، والمحقق الثاني (9)،
والشهيد الثاني (10)، والسبزواري (11)، وصاحب
الحدائق (1)، وصاحب الرياض (2)، وصاحب
الجواهر (3)، والسادة: الحكيم (4)، والخوئي (5)،
والخميني (6).
الثاني - لا ينعزل إلا بالإعلام أو بالإشهاد
على العزل إن لم يمكن الإعلام.
اختار هذا القول: الشيخ في النهاية (7)،
وأبو الصلاح الحلبي (8)، وابن حمزة (9) وابن زهرة (10)
وابن إدريس (11)، والفاضل المقداد (12). وقال عنه
العلامة في المختلف: " لا بأس به، لأنه توسط بين
الأقوال " (13).

(1) المكاسب 5: 336 - 337.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 26.
(3) الخلاف 3: 342، المسألة 3.
(4) الشرائع 2: 193.
(5) الجامع للشرائع: 320.
(6) التحرير (الحجرية) 2: 232، والإرشاد
1: 417.
(7) إيضاح الفوائد 2: 353.
(8) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 4: 370.
(9) جامع المقاصد 8: 277 - 279.
(10) المسالك 5: 244، والروضة البهية 4: 370.
(11) الكفاية: 128.
(1) الحدائق 22: 18.
(2) الرياض 9: 240.
(3) الجواهر 27: 358.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 204، كتاب
الوكالة.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 200، كتاب
الوكالة، المسألة 941.
(6) تحرير الوسيلة 2: 39، كتاب الوكالة، المسألة 22.
(7) النهاية: 318.
(8) الكافي: 338.
(9) الوسيلة: 283.
(10) الغنية: 269.
(11) السرائر 2: 92.
(12) التنقيح 2: 282، لكن يظهر منه أنه يمكن عزله بمجرد
العزل إن لم يمكن الإعلام والإشهاد وكانت مصلحة
في عزله.
(13) المختلف 6: 28.
245

الثالث - ينعزل بعزل الموكل وإن لم يعلم
الوكيل أو يشهد على عزله.
وهذا القول هو المعروف عن العلامة في
القواعد (1)، وقال السيد العاملي بشأنه: " لم يوافقه
عليه أحد، بل تسالم الناس على خلافه " (2).
ومن مصاديق المسألة المتقدمة ما ذكروه في
القصاص: من أنه لو وكل الولي شخصا لأن يقتص
من الجاني، ثم عفا عن القصاص لكن اقتص الوكيل
لعدم علمه. حيث قالوا: إنه لا يقتص من الوكيل
لعدم العدوان، لكن هل تثبت الدية في ذمته فيرجع
بها على الموكل، لأنه غره، أو تثبت على الموكل
مباشرة، أو يفصل بين ما لو كان الموكل متمكنا من
الإعلام فلم يفعل، وما لم يكن متمكنا منه،
فيرجع الوكيل على الموكل في الدية على الأول، لأنه
غره، دون الثاني؟ فيه وجوه وأقوال (3).
موارد أخرى من الإعلام:
بقيت موارد أخرى كثيرة مما يتعلق
بالإعلام لم يسعنا ذكرها على نحو التفصيل، فلذلك
نكتفي بذكر عنوانها ونحيل التفصيل على الموضع
المناسب.
وأهم الموارد الباقية هي:
1 - إعلام الإمام للناس بتخييرهم بين الجمعة
والعيد لو اقترنا (1).
2 - ما يجب على الإمام إعلامه من الخلل
الواقع في صلاته، وما لا يجب (2).
3 - يجب على الإنسان عند ظهور أمارات
الموت إعلام وليه بما عليه من صلاة أو صيام
ونحوهما مما يجب على الولي قضاؤه (3).
4 - ويجب عليه أيضا الإعلام بما عليه من
حق، سواء كان من حقوق الله أو من حقوق الناس (4).
5 - استحباب إفطار الصائم بدعوة أخيه
المؤمن وعدم إعلامه بصومه (5).
6 - الأمانة الشرعية يجب إعلام صاحبها بها
أو ردها إليه (6).
7 - لو كان عند الإنسان وديعة فمات وجب
على ورثته إعلام صاحبها بها (7).
8 - للوكيل أن يتولى طرفي العقد مع الإعلام (8).

(1) القواعد 2: 364.
(2) مفتاح الكرامة 7: 614.
(3) انظر: المسالك 15: 249 - 251، والجواهر 42: 320
- 321.
(1) انظر: الحدائق 10: 240، ومستند الشيعة 6: 220.
(2) انظر مستند الشيعة 8: 134.
(3) انظر: الجواهر 28: 300، والمستمسك 4: 10.
(4) انظر المستمسك 4: 8.
(5) انظر: الحدائق 13: 206 والجواهر 17: 120.
(6) انظر: المسالك 4: 54، والحدائق 19: 320، والجواهر
24: 31.
(7) انظر: التذكرة (الحجرية) 2: 201، ومجمع الفائدة
10: 340.
(8) انظر: المسالك 3: 165، والجواهر 22: 327 و 27: 429.
246

9 - لا تصح المصالحة على المال المختلط مع
علم أحد المتصالحين بمقدار سهمه إلا مع إعلامه
بذلك (1).
10 - وجوب الإعلام بالدراهم المغشوشة
المشكوكة الصرف (2).
11 - استحباب إعلام المقترض حاله
للمقرض من حيث اليسار والإعسار (3).
12 - إعلام المقرض المقترض الجاهل بعيب
المال المقترض (4).
13 - هل يجب على المستدين إعلام المدين
بكونه مديونا له، لو اضطر - أي المستدين -
إلى الحلف على عدم الدين عند القاضي؟ (5)
14 - من كان عليه دين فحلفه صاحبه على
ألا يخرج من البلد إلا بإذنه لم يجز له الخروج إلا بعد
إعلامه (6).
15 - إعلام الحاكم الحجر على المفلس (7).
16 - استحقاق زوجة الغائب غير المدخول
بها النفقة بعد إعلام تمكينها عند الحاكم وإبلاغه
ذلك للزوج (1).
17 - إعلام الزوجة بالعيب الموجود فيها (2).
18 - هل يجب على الزوج إعلام الزوجة
المطلقة رجعيا برجوعه إذا رجع إليها؟ (3)
19 - كراهة إطراق المسافر أهله ليلا، سواء
أعلمهم بقدومه أم لا (4).
20 - جواز رجوع الوصي بشرط إعلام
الموصي برجوعه (5).
21 - إذا غصب المأكول فأطعمه المالك من
دون إعلام، ضمن (6).
22 - يجب على من صلح للقضاء إعلام
الإمام بذلك (7).
23 - وجوب الإعلام عند انكشاف الخطأ في
الحكم أو الفتوى (8).
24 - من آداب القضاء إعلام أهل البلد بقدوم
القاضي (9).

(1) انظر: المسالك 4: 264، والجواهر 26: 216.
(2) انظر: مجمع الفائدة 8: 321، والحدائق 19: 296
- 297.
(3) انظر: التحرير 2: 450، والدروس 3: 318.
(4) انظر: الحدائق 20: 141، والجواهر 25: 30.
(5) انظر: الكافي في الفقه: 330 - 331، والمختلف 5: 398.
(6) انظر: النهاية: 560، والسرائر 3: 45.
(7) انظر: التذكرة (الحجرية) 2: 52، والتحرير 2: 507.
(1) انظر: المسالك 8: 469، والجواهر 31: 353.
(2) انظر: جامع المقاصد 13: 274، والجواهر 30: 347.
(3) انظر الحدائق 25: 368.
(4) انظر الجواهر 29: 118.
(5) انظر: الحدائق 22: 563، والجواهر 28: 415.
(6) انظر: السرائر 2: 491، والجواهر 37: 142.
(7) انظر: المسالك 13: 341، والجواهر 40: 41.
(8) انظر: مجمع الفائدة 12: 84، والجواهر 40: 101،
والمستمسك 1: 75 و 107.
(9) انظر الجواهر 40: 73.
247

25 - استحباب إعلام الناس للرجم (1).
وموارد أخرى أعرضنا عن ذكرها مخافة
الإطالة.
مظان البحث:
اتضح مما تقدم أن موضوع الإعلام ورد
في أغلب الأبواب الفقهية وبمناسبات مختلفة،
نعم تكلموا عن لزوم الإعلام بالنجاسة وعدمه
بصورة تفصيلية في كتابي: الطهارة والبيع بمناسبة
جواز بيع المتنجس وعدمه.
أعلام
لغة:
جمع علم، وهو الأثر الذي يعلم به
الشئ (2)، ومنه ما ينصب في الطريق ليكون علامة
يهتدى بها (3).
اصطلاحا:
استعمل في الروايات وكلمات الفقهاء بالمعنى
اللغوي نفسه، ومن ذلك:
1 - أعلام الحرم: وهي العلامات التي وضعت
في حدود الحرم المكي لتشخيصه عن غيره.
ويطلق عليها أنصاب الحرم أيضا (1).
وحدود الحرم - كما ذكرها القاضي
ابن البراج -: من جهة المدينة على ثلاثة أميال، ومن
طريق اليمن على سبعة أميال، ومن طريق العراق
على سبعة أميال، ومن طريق جدة على عشرة
أميال، ومن طريق الطائف على عرفة أحد عشر
ميلا من بطن نمرة (2).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " حرم "
إن شاء الله تعالى.
ونقل الفاضل الإصفهاني عن بعض العلماء ما
مضمونه: أن تحديد الحرم كان من زمن آدم (عليه السلام)، ثم
جدد في زمن إبراهيم (عليه السلام)، ثم جدده قصي ثم جدد
عام الفتح، ثم في زمن عمر، ثم في زمن عثمان... (3).
2 - أعلام الطريق: وهي العلامات التي
توضع في الطريق لتعيين المسافة.
تناقل الفقهاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير
البريد - عند بيان المسافة الموجبة لقصر الصلاة - أنه
قال: " بينا نحن جلوس وأبي عند وال لبني أمية

(1) انظر الجواهر 41: 353.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" علم ".
(3) ترتيب كتاب العين: " علم ".
(1) انظر من لا يحضره الفقيه 1: 272، باب القبلة،
الحديث 845.
(2) المهذب 1: 273.
(3) كشف اللثام 5: 238، وانظر: الوسائل 13: 221،
الباب 13 من أبواب مقدمات الإحرام، ومن لا يحضره
الفقيه 1: 272.
248

على المدينة، إذ جاء أبي فجلس فقال: كنت عند هذا
قبيل، فساءلهم عن التقصير، فقال قائل منهم: في
ثلاث، وقال قائل منهم: يوم وليلة، وقال قائل
منهم: روحة. فسألني، فقلت له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير، قال له النبي (صلى الله عليه وآله)
في كم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: وأي شئ البريد؟
فقال: ما بين ظل عير إلى فئ وعير، قال: ثم عبرنا
زمانا ثم رأى بنو أمية يعملون أعلاما على الطريق
وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر (عليه السلام)، فذرعوا ما
بين ظل عير إلى فئ وعير ثم جزؤوه على اثني عشر
ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمئة ذراع كل ميل،
فوضعوا الأعلام، فلما ظهر بنو هاشم غيروا أمر
بني أمية غيرة، لأن الحديث هاشمي، فوضعوا إلى
جنب كل علم علما " (1).
ملاحظة:
كثيرا ما يستعمل الفقهاء كلمة " الأعلام "
صفة ل‍ " العلماء "، فيقولون: " العلماء الأعلام "
أو " قال بعض الأعلام "، ويريدون بذلك العلماء
البارزين والمتشخصين.
إعلان
لغة:
الإظهار والإشاعة والإجهار (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
وقد تقدم أكثر ما يرتبط به في العناوين:
" إشاعة "، " إشهار "، " إظهار "، " إعلام ".
أعمى
راجع: عمى.
إعمار
لغة:
يأتي على معان، منها:

(1) الوسائل 8: 460، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر،
الحديث 13.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مقاييس اللغة،
ولسان العرب، والقاموس المحيط: " علن ".
249

1 - الإعمار بمعنى إيجاد العمران، يقال: أعمر
الله الدنيا عمرانا، أي جعلها تعمر (1).
2 - وبمعنى أن يدفع داره لغيره ليسكنه مدة
عمره (2)، ويعبر عنه ب‍ " العمرى " أيضا، ومثله
" الرقبى ".
3 - وبمعنى أن يجعل غيره يعتمر، يقال:
أعمرت الرجل إعمارا إذا جعلته يعتمر (3).
اصطلاحا:
استعمل في المعنيين الأولين، فقد استعمل
بمعنى عمارة الأرض أو الزرع في المزارعة والمساقاة (4).
وبمعنى العمرى في كتاب الوقف والصدقات
عند البحث عن العمرى والرقبى (5).
وأما بالمعنى الثالث فلم أعثر عليه بعد
الفحص إجمالا، ولا يبعد استعمال الفقهاء له.
أعمار
لغة:
جمع عمر.
راجع: عمر.
إعمال
لغة:
مصدر أعمل، من عمل. والعمل: إيجاد الأثر
في الشئ، يقال: فلان يعمل الطين خزفا،
ويعمل الخوص زنبيلا، ولا يقال: يفعل ذلك (1).
أو هو كل فعل يكون من الحيوان بقصد،
فهو أخص من الفعل (2).
وإعمال الرأي واللسان والآلة: استعمالها
والعمل بها (3).
اصطلاحا:
استعمل في المعنى اللغوي نفسه، فقد استخدم

(1) انظر ترتيب كتاب العين: " عمر ".
(2) انظر: النهاية (لابن الأثير)، والفائق (للزمخشري)،
وغيرهما: " عمر ".
(3) انظر المصباح المنير: " عمر ".
(4) انظر: المستمسك 13: 193، ومباني العروة الوثقى
(المضاربة): 319، والوسائل 19: 43، الباب 9
من كتاب المزارعة والمساقاة، الحديث 2، وانظر إحياء
الموات من كتب الفقه والحديث أيضا.
(5) انظر: الدروس 2: 282، وجامع المقاصد 9: 121،
والوسائل 19: 227، الباب 8 من كتاب السكنى
والحبيس، الحديث 2.
(1) الفروق اللغوية: 110، الفرق بين الفعل والعمل.
(2) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" عمل ".
(3) لسان العرب: " عمل ".
250

الفقهاء والأصوليون اصطلاح " إعمال الرأي "
و " إعمال النظر " فيما يرتبط بالاجتهاد وما يناسبه
من الأبحاث الفقهية والأصولية (1).
ومن استعمالاتهم، قولهم: " إعمال قواعد
التعارض " و " إعمال قواعد التزاحم " و " إعمال
قواعد الترجيح " و " إعمال قاعدة... " (2)، كل ذلك
بمعنى العمل بهذه القواعد في مواردها.
أعمال
لغة:
جمع عمل. راجع: إعمال.
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه، ومنه:
1 - قولهم: " الدخول في أعمال السلطان " (3)،
وما يشابه هذا التعبير، بمعنى العمل له، كالولاية
والقضاء من قبله.
راجع حكمه في العنوانين: " إجارة "
و " إعانة " ونحوهما.
2 - قولهم: " إنما الأعمال بالنيات " (1)، بمعنى
تأثير النية في حسن الفعل وقبحه، وصحته وفساده.
راجع: نية.
3 - قولهم: " شركة الأعمال " (2) أي اشتراك
اثنين أو أكثر في العمل، بأن يتعاقدا على أن يعمل كل
منهما بنفسه، ويشتركا في الحاصل. وذكروا في مقابله
أنحاء مختلفة من الشركة، منها " شركة العنان "، وهي
اشتراك اثنين أو أكثر في المال، بأن يجعل كل منهما
سهما من المال، فيقسم الحاصل طبقا للأسهم.
وجاء في اللمعة وشرحها: أن المعتبر عندنا
هو الأخير وهو شركة العنان (3). راجع تفصيله في
عنوان " شركة ".
4 - وقولهم: " أعمال الحج "، أي مجموع ما
يعمله الحاج من النسك في الحج.
5 - وقولهم: " أعمال يوم وليلة "، أي مجموع
الأعمال العبادية الواجبة والمستحبة في مجموع النهار
والليل، وقد ألفت عدة كتب ورسائل تحت هذا
العنوان أو ما يشابهه (4)، منها " مفتاح الفلاح في
عمل اليوم والليلة " للشيخ بهاء الدين العاملي.
6 - وقولهم: " أعمال يوم عرفة " أو " أعمال
ليلة العيد " أو " أعمال يوم الغدير "، ونحو ذلك

(1) انظر: حاشية المكاسب (للإصفهاني) 5: 93، والتنقيح
(الاجتهاد والتقليد): 88.
(2) انظر المستمسك 1: 146 و 157 و 498 و...
(3) انظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 69 - 75،
والمقنع: 193، باب الدخول في أعمال السلطان.
(1) انظر: الانتصار: 130، والتهذيب 4: 186، كتاب
الصوم، باب نية الصيام، الحديث 519.
(2) انظر الروضة البهية 4: 198.
(3) انظر الروضة البهية 4: 198.
(4) انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة (للعلامة الطهراني)
15: 348، مادة " عمل ".
251

مما هو وارد في كتب الأدعية.
إعناف
لغة:
الأخذ بشدة، يقال: أعنف الشئ، أي أخذه
بشدة، وأصله من العنف وهو ضد الرفق (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في إعناف أحد الزوجين
الآخر حين الجماع، بأن يأخذه إليه بشدة بحيث
ينتهي إلى وفاته.
الأحكام:
يترتب على الإعناف الحكم التكليفي والحكم
الوضعي:
أولا - الحكم التكليفي:
يدور الحكم التكليفي - وهو الحرمة هنا - مدار
العلم والقصد، فإن كان المعنف عالما بأداء فعله إلى
الوفاة أو إلى ضرر آخر، كان فعله حراما، وإلا فلا.
ثانيا - الحكم الوضعي، أي الضمان:
إذا كان الفاعل قاصدا بالإعناف القتل فهو
عامد، ويترتب عليه آثار قتل العمد: من القصاص
والدية المغلظة والكفارة.
وأما لو لم يكن قاصدا بفعله القتل، فقد
اختلف الفقهاء في ضمانه على ثلاثة أقوال:
1 - عليه الدية لا غير، فلا يقتص منه.
أما ثبوت الدية، فلانتساب القتل إليه، وأما عدم
القصاص والقود، فلعدم العمد.
اختار هذا القول: الشيخ المفيد (1)، وسلار (2)،
والمحقق الحلي (3)، والعلامة الحلي (4)، وولده
فخر الدين (5)، والشهيدان (6)، والمقداد (7)،
والأردبيلي (8)، والإصفهاني (9)، وصاحب
الرياض (10)، وصاحب الجواهر (11)، والسيدان:
الخوئي (12) والخميني (13)، لما رواه سليمان بن خالد
(1) المقنعة: 747، لكنه قيد الدية بكونها مغلظة.
(2) المراسم: 241.
(3) الشرائع 4: 249.
(4) المختلف 9: 347، والقواعد 3: 651.
(5) إيضاح الفوائد 4: 657.
(6) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 10: 114 - 115،
والمسالك 15: 330.
(7) التنقيح الرائع 4: 472 - 473.
(8) مجمع الفائدة 14: 233.
(9) كشف اللثام (الحجرية) 2: 483.
(10) الرياض (الحجرية) 2: 534.
(11) الجواهر 43: 53.
(12) مباني تكملة المنهاج 2: 224، المسألة 230.
(13) تحرير الوسيلة 2: 505، كتاب الديات، القول في
موجبات الضمان، المبحث الأول، المسألة 8.

(1) انظر لسان العرب: " عنف ".
252

عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سئل عن رجل أعنف على
امرأته فزعم أنها ماتت من عنفه. قال: الدية كاملة،
ولا يقتل الرجل " (1).
وما رواه زيد عن أبي جعفر (عليه السلام): " في رجل
نكح امرأة في دبرها، فألح عليها حتى ماتت من
ذلك. قال: عليه الدية " (2).
2 - إذا كان مأمونا فلا شئ عليه، وأما إذا
كان متهما فعليه الدية.
ذهب إليه الشيخ في النهاية (3) ويحيى بن سعيد
في الجامع (4)، وهو الظاهر من الصدوق في المقنع (5)،
لأنه اقتصر على نقل الرواية الآتية.
وجعلوا المستند لهذا القول ما روي عن
أبي عبد الله (عليه السلام): أنه " سئل عن رجل أعنف على
امرأته، أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما
الآخر؟ قال: لا شئ عليهما إذا كانا مأمونين، فإن
اتهما الزما اليمين بالله أنهما لم يريدا القتل " (6).
ولكن ليس في الرواية ذكر للدية، إلا أن يقال:
إنها بمفهومها تلزم القاتل في صورة عدم كونه مأمونا
وعدم حلفه على عدم إرادة القتل شيئا، وهذا الشئ هو
الدية، لأن القصاص منتف، للشبهة في هذه الصورة.
3 - إذا كان المعنف مأمونا فليس عليه
إلا الدية، كما قال المشهور.
وأما إذا كان متهما عند ولي المقتول فللولي أن
يثبت إرادة الفاعل القتل بالقسامة، لأن المورد من
موارد اللوث التي يثبت القتل فيها بالقسامة.
وهذا ما ذهب إليه ابن إدريس (1).
ملاحظة:
إن الحكم المتقدم يشمل الإعناف الحاصل
من الضم أو من نفس الإيلاج، كما هو الظاهر
من بعض النصوص المتقدمة وكلام بعض من تقدم،
كما يشمل الإعناف الحاصل من غير الزوجين أيضا،
لاشتراك السبب.
إعواز
لغة:
الافتقار والاحتياج إلى الشئ مع عدم
القدرة عليه، يقال: أعوز الرجل، إذا ساءت حاله،
وأعوزه الدهر: أفقره، وأعوزه الشئ: إذا احتاج
إليه فلم يقدر عليه (2).

(1) الوسائل 29: 269، الباب 31 من أبواب موجبات
الضمان، الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(3) النهاية: 758.
(4) الجامع للشرائع: 583.
(5) المقنع: 190.
(6) الوسائل 29: 270، الباب 21 من أبواب موجبات
الضمان، الحديث 4، وانظر المصدر المتقدم.
(1) السرائر 3: 366.
(2) انظر: الصحاح، ولسان العرب، والقاموس المحيط: " عوز ".
253

اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه، فمن
ذلك:
1 - قولهم في بحث التيمم: " يجب الطلب عند
إعواز الماء " (1)، بمعنى أنه لو احتاج إلى الماء للوضوء
أو الغسل فلم يقدر عليه، يجب عليه الطلب،
وتفصيل الكلام عنه من حيث الحكم والموضوع
يأتي في عنوان " تيمم " إن شاء الله تعالى.
2 - وقولهم في بحث الزكاة: " لا يجوز نقلها
عن بلد المال إلا مع إعواز المستحق " (2) بمعنى عدم
وجود المستحق فيه.
راجع: زكاة.
3 - وقولهم في بحث الخمس: إن أعوز نصيب
المستحقين للخمس - وهم الأيتام والمساكين وابن
السبيل من بني هاشم - أتمه الإمام من نصيبه (3).
ويراجع تفصيله في عنوان " خمس ".
4 - وقولهم في ضمان التالف: " إعواز المثل "
أي عدم وجود مثل التالف (4).
5 - وقولهم في فتاوى ابن بابويه: " كان
الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ
أبي الحسن بن بابويه (رحمه الله) عند إعواز النصوص،
لحسن ظنهم به، وإن فتواه كروايته " (1).
وموارد أخرى من هذا القبيل.
أعوان
لغة:
جمع عون.
راجع: إعانة.
أعور
لغة:
الذي أصابه عور.
راجع: عور.

(1) انظر: المنتهى 3: 43، ومنه أيضا: جواز تقديم غسل
الجمعة يوم الخميس عند إعواز الماء الجواهر 5: 15،
وجواز الاكتفاء بكف واحدة بدل الثلاث في الاستنشاق
والمضمضة عند إعواز الماء. الحدائق 2: 162، وغيرها.
(2) انظر الروضة البهية 2: 39، ويأتي مثله في باب
الخمس.
(3) انظر الجواهر 16: 109.
(4) انظر: الجامع للشرائع: 346، وايضاح الفوائد 2: 175.
(1) الذكرى 1: 51.
254

أعيان
لغة:
جمع عين، والعين لها إطلاقات عديدة، منها:
1 - العين الباصرة.
2 - الجاسوس.
3 - المال الحاضر من النقد، مقابل ما في
الذمة.
4 - الحاضر من كل شئ.
5 - الذات. تقول: هذا كتابي بعينه، أي بذاته
وبنفسه.
6 - الشريف، فأعيان القوم: أشرافهم
وأفاضلهم.
7 - الإخوة من الأبوين.
8 - النفيس (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعاني المتقدمة.
أما الأول والثاني والخامس فكثير.
وأما الثالث، فإنهم استعملوا العين بهذا المعنى
في مقابل الدين (1).
وأما الرابع، فكقولهم: " أعيان مال التجارة " (2)
و " أعيان مال الشركة " (3) و " أعيان التركة " (4).
وأما السادس، فكقولهم: " قال بعض
الأعيان " أو ما شابه ذلك، وهو كثير خاصة عند
المتأخرين منهم.
وأما السابع، فكقوله (عليه السلام): " أعيان بني الام
أقرب من بني العلات " أو " أحق بالميراث من بني
العلات " (5).
قال صاحب الجواهر: " الأعيان: الإخوة
لهما، من عين الشئ أي النفيس منه. وبنو العلات:
اللذون للأب وحده... ".
وأما الثامن وهو النفيس فكما تقدم، ولعل
مرجع أكثرها إليه.
أعيان النجاسات
وللفقهاء اصطلاح خاص، وهو إطلاق
" أعيان النجاسات " على الأمور التي اعتبرها

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني)، والنهاية
(لابن الأثير)، والمصباح المنير، والقاموس المحيط:
" عين ".
(1) انظر الجواهر 40: 285.
(2) انظر الجواهر 15: 265.
(3) انظر الجواهر 26: 221.
(4) انظر الجواهر 15: 249، و 39: 135.
(5) انظر: الجواهر 39: 149، والوسائل 26: 183، الباب
13 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديثين
3 و 4.
255

الشارع نجسة، وهي:
1 و 2 - البول والغائط من الحيوان ذي النفس
السائلة (1) إذا كان محرم الأكل.
3 - الدم من الحيوان ذي النفس السائلة،
سواء كان أكله محللا أو محرما.
4 - الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة
مطلقا أيضا.
5 - المني من الحيوان ذي النفس السائلة
مطلقا أيضا.
6 - الكلب البري.
7 - الخنزير البري.
8 - الخمر، وكل مسكر مائع بالأصالة.
9 - الفقاع.
10 - الكافر.
11 - عرق الجنب من الحرام.
12 - عرق الإبل الجلالة (2).
ولهم كلام في نجاسة بعضها خاصة الأخيرين
منها.
والظاهر أن وجه تسميتها بالأعيان النجسة:
أنها نجسة بالذات في مقابل المتنجسات التي يكون
سبب تنجسها تأثرها بأحد الأعيان المذكورة.
وعلى هذا تكون العين هنا بمعنى الذات،
فالأعيان النجسة: الأمور النجسة بالذات، في مقابل
النجسة بالغير.
وتفصيل الكلام في بيان تحديد كل واحد منها
من حيث الموضوع وبيان حكمه موكول إلى كل
عنوان بذاته، وتراجع العناوين المناسبة أيضا، مثل:
" أشربة " و " أطعمة ".
إغاثة
راجع: استغاثة.
إغارة
لغة:
الإسراع في العدو - وهو المشي - إذا اخذت
من مادة " غور ".
يقال: أغار القوم: إذا أسرعوا في السير.
وأغار على العدو: إذا دفع عليهم الخيل وهجم عليهم
ديارهم وأوقع بهم (1).
وأما إذا اخذت من مادة " غير " فالمعنى
المناسب هنا هو تحريك غيرة الزوجة من قبل
الزوج، فيقال: أغار الرجل زوجته، إذا تزوج

(1) المقصود من النفس هو الدم، فالحيوان ذو النفس
السائلة هو الذي يسيل دمه عند ذبحه. العروة الوثقى:
كتاب الطهارة، فصل في النجاسات (الأول والثاني).
(2) انظر: العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات.
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط: " غور ".
256

عليها فغارت عليه (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنيين المتقدمين، فالأول
في كتاب الجهاد، ويعبرون عنه ب‍ " تبييت العدو "
أيضا.
والثاني في كتاب الطلاق، كما سيتبين عن
قريب.
الأحكام:
أولا - الإغارة على العدو:
صرح الفقهاء: بأنه تكره الإغارة على العدو
ليلا، وقد يعبرون عنه ب‍ " تبييت العدو " أيضا (2).
نعم لو دعت الضرورة إلى ذلك جازت
بلا كراهة.
قال العلامة: " يكره تبييت العدو غارين
ليلا، وإنما يلاقون بالنهار. ولو احتيج إليه فعل،
لما روى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله): كان إذا طرق العدو
ليلا لم يغر حتى يصبح (3). ومن طريق الخاصة
قول الصادق (عليه السلام): " ما بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدوا
قط ليلا " (1) " (2).
ملاحظة:
صرح الفقهاء: بأنه لا تجوز المحاربة إلا بعد
دعوة العدو إلى الإسلام (3).
وبناء على ذلك: لا تجوز الإغارة إلا بعد
الدعوة إلى الإسلام.
ثانيا - إغارة الزوج زوجته:
لا إشكال في أن للزوج أن يتزوج بأخرى
وإن صار سببا لإغارة الزوجة الأولى.
كما لا كلام في أن الخلع إنما يصح إذا كرهت
الزوجة الزوج فبذلت مالا ليخلعها، فيشترط إذن
في صحة الخلع كراهة الزوجة للزوج (4).
وبعد بيان هاتين المقدمتين، نقول:
1 - لا إشكال في أن إكراه الزوجة على الخلع
غير جائز. ولو أكرهها كان أخذ الفدية حراما
وإن صح الطلاق (5).

(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط: " غير ".
(2) انظر: المبسوط 2: 11، والسرائر 2: 7 - وربما يظهر من
عبارتيهما المنع منه مع عدم الحاجة - والشرائع 1: 312،
والمنتهى (الحجرية) 2: 909، والدروس 2: 32،
والروضة البهية 2: 394، ومجمع الفائدة 7: 454،
والرياض 7: 511، والجواهر 21: 82، وغيرها.
(3) سنن البيهقي 9: 79.
(1) الوسائل 15: 63، الباب 17 من أبواب جهاد العدو،
الحديث الأول.
(2) التذكرة 9: 71.
(3) انظر الجواهر 21: 51.
(4) انظر: نهاية المرام 2: 135، والجواهر 33: 41،
وغيرهما.
(5) انظر: الحدائق 25: 602، والجواهر 33: 54.
257

وإنما الكلام في أنه لو أغارها لتفدي نفسها،
فهل هذا من الإكراه على الخلع أم لا؟
لهم فيه كلام، وخاصة إذا أظهر الزوج قصده
للزوجة (1).
2 - هل يكفي مجرد الكراهة الحاصلة من
الإغارة لصحة الخلع أو لابد من انتهائها إلى الحد
المذكور في بعض الروايات من قبيل قولها: " لا أبر
لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من
جنابة، ولأوطئن فراشك من تكرهه... " (2)
ونحوها؟
المعروف ظاهرا هو الأول (3)، فلذلك لو
أغارها الزوج جاز مخالعتها وإن لم تصل الكراهة إلى
الحد المذكور في الروايات.
هذا إن لم نقل بأن الإغارة نوع من الإكراه
وخاصة مع إعلام الزوج أن قصده من إغارتها أن
تفدي نفسها.
راجع تفصيل ذلك كله في عنوان " خلع ".
مظان البحث:
1 - كتاب الجهاد: كيفية القتال وآدابه.
2 - كتاب النكاح: الشقاق.
3 - كتاب الطلاق: الخلع.
اغتراب
لغة:
الابتعاد عن الوطن والذهاب إلى بلاد
الغربة (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تتعلق بالاغتراب والغربة أحكام كثيرة يأتي
تفصيلها في العنوانين، " سفر " و " غربة " وما
يناسبهما، ولكن نكتفي هنا بذكر الحكم الإجمالي
للاغتراب فنقول:
المستفاد من مجموع روايات السفر وما
يناسبه، مثل: طلب الرزق وطلب العلم ونحوهما:
أن الاغتراب عن الوطن في نفسه غير راجح
ولا مرجوح إلا أن ينضم إليه ما يرجحه: مثل أداء
نسك أو طلب رزق، أو طلب علم، أو نحو ذلك،
أو ما يصيره مرجوحا، مثل الرهبنة والسياحة
ونحوهما.

(1) انظر: الحدائق 24: 641، و 25: 602 - 603،
والجواهر 31: 220، و 33: 54.
(2) الوسائل 22: 279، الباب الأول من كتاب الخلع
والمباراة.
(3) انظر: الحدائق 25: 576 - 580، والجواهر 33:
41 - 44.
(1) انظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين: " غرب ".
258

ومما ورد في ذلك:
1 - ما جاء في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):
" يا علي، لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا (1)
إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة
في غير محرم... " (2).
2 - وعن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام)، قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس في أمتي رهبانية،
ولا سياحة، ولا زم، يعني: سكوت " (3).
فإن الرهبانية: " ترك ملاذ الدنيا والعزلة عن
أهلها " (4)، والسياحة: " مفارقة الأمصار وسكنى
البراري " (5).
وهاتان الحالتان يلزمهما الاغتراب عن
الوطن والأهل.
3 - وروى عمر بن أذينة عن أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام) أنه قال: " إن الله تبارك وتعالى ليحب
الاغتراب في طلب الرزق " (6).
4 - وروى القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سلك طريقا يطلب
فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة... " (1).
5 - وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: " اطلبوا
العلم ولو بالصين " (2).
والروايات بهذا المضمون أكثر من هذا.
وتقدم في عنوان " إطاعة " تصريح بعض
الفقهاء بعدم حرمة مخالفة الوالدين في السفر لطلب
العلم. وزاد بعضهم السفر لطلب المعاش إذا كان
متوقفا عليه.
وتجمع كل ذلك الأبيات المنسوبة إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) وهي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد (3)
......... *........

(1) الظعن: السير والارتحال. انظر: المصباح المنير،
والقاموس المحيط: " ظعن ".
(2) الوسائل 11: 344، الباب الأول من أبواب آداب
السفر، الحديث 3.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 4.
(4) النهاية (لابن الأثير): " رهب ".
(5) المصدر المتقدم: " سيح ".
(6) الوسائل 17: 77، الباب 29 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث الأول.
(1) أصول الكافي 1: 34، كتاب العلم، باب ثواب العالم
والمتعلم، الحديث الأول.
(2) البحار 2: 32، كتاب العلم، الباب 9، الحديث 21.
(3) الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): 52، حرف
الدال.
259

اغترار
لغة:
قبول الغرور، وهو الخدعة. فالاغترار هو
الانخداع (1).
اصطلاحا:
الموجود في كلمات الفقهاء هو " الغرر "
بمناسبة الكلام عن " البيع الغرري "، و " الغرور "
و " التغرير " بمناسبة الكلام عن " قاعدة الغرور "
وتطبيقاتها، وسوف يأتي الكلام عن ذلك كله في
مواطنه المناسبة إن شاء الله تعالى.
لكن نرى من المناسب أن نشير إلى ما ورد
من النهي عن الاغترار بالدنيا بصورة إجمالية.
الأحكام:
ورد النهي عن الاغترار بالدنيا في الكتاب
والسنة بصورة مستفيضة:
فمما ورد في الكتاب:
1 - قوله تعالى: * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا
ولا يغرنكم بالله الغرور) * (2).
2 - قوله تعالى: * (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا
ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) * (1).
3 - قوله تعالى: * (وغرتكم الأماني حتى جاء
أمر الله وغركم بالله الغرور) * (2).
ومما ورد في السنة:
1 - ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عند تلاوته
لقوله تعالى: * (يا أيها الإنسان ما غرك بربك
الكريم) * (3) وهو طويل جاء في أوله: " أدحض
مسؤول حجة، وأقطع مغتر معذرة، لقد أبرح جهالة
بنفسه.
يا أيها الإنسان، ما جرأك على ذنبك، وما
غرك بربك، وما أنسك بهلكة نفسك؟ أما من دائك
بلول (4)، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم من
نفسك ما ترحم من غيرك؟... " (5).
2 - ما جاء في تتمة الصحيفة السجادية:
" إلهي أسكنتنا دارا حفرت لنا حفر مكرها، وعلقتنا
بأيدي المنايا في حبائل غدرها، فإليك نلتجئ
من مكائد خدعها، وبك نستعصم من الاغترار
بزخارف زينتها، فإنها المهلكة طلا بها " (6).
3 - ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) مخاطبا جماعة

(1) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " غرر ".
(2) لقمان: 33، وفاطر: 5.
(1) الأنعام: 70.
(2) الحديد: 14.
(3) الانفطار: 6.
(4) بل من مرضه: حسنت حاله بعد هزال. القاموس
المحيط: " بلل ".
(5) نهج البلاغة: قسم الخطب وما جرى مجراه، رقم 223.
(6) الصحيفة السجادية: مناجاة الزاهدين.
260

من الشيعة: " كونوا النمرقة (1) الوسطى يرجع إليكم
الغالي، ويلحق بكم التالي، واعلموا يا شيعة آل محمد
ما بيننا وبين الله من قرابة، ولا لنا على الله حجة،
ولا يقرب إلى الله إلا بالطاعة، من كان مطيعا نفعته
ولايتنا، ومن كان عاصيا لم تنفعه ولايتنا...
لا تغتروا ولا تفتروا... " (2).
أي لا تغتروا بكونكم من الشيعة فتفتروا عن
العبادة والطاعة.
وروايات التزهيد في الدنيا وعدم الاغترار
بها كثيرة، كما أن هناك روايات نهت عن الاغترار
بظاهر الأشخاص والافتتان بهم (3).
اغتراف
لغة:
مصدر اغترف، واغترف الماء: أخذه بيده (4).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه في
باب الوضوء، وفي موارد أخرى أحيانا، كالحيازة،
كما قيل بالنسبة إلى المياه المباحة: " من سبق
إلى اغتراف شئ منها فهو أولى به ويملكه مع
نية التملك " (1).
اغتسال
راجع: غسل.
اغتصاب
راجع: غصب.
اغتيال
لغة:
إهلاك الإنسان خدعة ومن حيث لا يشعر
ولا يحس به (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.

(1) النمرقة: الوسادة الصغيرة. القاموس المحيط: " نمرق ".
(2) البحار 65: 178، كتاب الإيمان والكفر، الباب 19،
الحديث 36.
(3) راجع سفينة البحار: " غرر ".
(4) انظر القاموس المحيط: " غرف ".
(1) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 184.
(2) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني)، ومجمع البحرين: " غول ".
261

وسوف يأتي الكلام عنه في عنوان " قتل " إن
شاء الله تعالى، لأنه نوع منه.
إغراء
لغة:
تحريض الإنسان أو الحيوان على الشئ
وتهييجه به (1). ومنه قوله تعالى: * (لئن لم ينته
المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في
المدينة لنغرينك بهم) * (2)، أي نحرضك عليهم
ونهيجك بهم. ومنه أيضا قوله تعالى: * (فأغرينا بينهم
العداوة) * (3)، أي أوقعنا بينهم العداوة وهيجناهم بها.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، ومنه قولهم: " الإغراء
بالجهل " و " الإغراء بالقبيح " و " إغراء الكلب
بالصيد "، ونحو ذلك.
وعرفه المتكلمون بأنه: " هو البعث على
الفعل على حد يصير كالمحمول عليه " (4)، أو " هو
البعث على الفعل بتهيئة الدواعي وإزالة الخوف،
حتى يكون كالمحمول عليه " (1).
الأحكام:
يختلف حكم الإغراء باختلاف آلته وغايته،
فإن كانت الآلة والغاية محللتين كان الإغراء حلالا
أيضا، وإن كانتا أو إحداهما محرمة كان الإغراء
محرما أيضا.
فالإغراء الحلال، مثل: إغراء الكلب
بالصيد، وقد ذكر الفقهاء من شرائط جواز الصيد
بالكلب: أن يسترسل إذا أرسله صاحبه بمعنى أنه
متى أغراه بالصيد هاج عليه إذا لم يكن له مانع (2)،
كما تقدم في عنوان " آلات الصيد ".
والإغراء الحرام، مثل: إغراء الكلب أو نحوه
من الحيوانات المفترسة بإنسان ليقتله. ويترتب
عليه القصاص مع صحة نسبة القتل إلى المغري
وتعمده في ذلك (3).
ومنه إغراء الكلب بالصيد في الحرم وإن كان
المغري في الحل (4).
ومنه: الإغراء بالجهل، وقد كثر استعمال
الفقهاء لهذا المصطلح وصرحوا بقبحه. ومقصودهم
منه: جعل ظاهر الأمر على خلاف الواقع ولو بسبب
ترك التنبيه على ذلك.

(1) انظر: مجمع البحرين، والمعجم الوسيط: " غرا ".
(2) الأحزاب: 60.
(3) المائدة: 14.
(4) انظر: رسائل السيد المرتضى 2: 263، رسالة الحدود
والحقائق، إغراء.
(1) رسالة الحدود (للنيسابوري المقري): 75، " إغراء ".
(2) انظر الجواهر 36: 19.
(3) انظر الجواهر 42: 42.
(4) انظر الجواهر 20: 289.
262

وقبحه متسالم عليه، وقد تمسك به الفقهاء
لإثبات مطالبهم كثيرا، فمثلا قال الأردبيلي لإثبات
أن المراد من " البيع " في لسان الشارع هو البيع
العرفي لا شئ آخر: "... لو كان المعتبر غيره ما كان
يليق من الشارع إهماله... إذ يصير تركه إغراء
بالجهل، وذلك لا يجوز عندنا " (1).
ومن ذلك قولهم: إطلاق الحقيقة وإرادة المجاز
من غير قرينة إغراء بالجهل (2).
وقولهم: الخطاب بما له ظاهر مع إرادة خلاف
ظاهره إغراء بالجهل (3).
ومن الإغراء المحرم: الإغراء بالقبيح،
بأن يحرض الإنسان غيره للإتيان بالقبيح،
وهو قبيح عقلا وشرعا أيضا. وقد تمسك به
الفقهاء والمتكلمون كثيرا، وادعي عليه الإجماع
أيضا، قال الشيخ الطوسي في مورد من موارده:
"... كان ذلك إغراء له بالقبيح، وذلك فاسد
بالإجماع " (4).
وقال الشيخ الأنصاري عند الكلام عن
وجوب الإعلام بالنجس وعدمه:
" إن أكل الحرام وشربه من القبيح ولو في حق
الجاهل... وحينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل
المذكور إغراء بالقبيح، وهو قبيح عقلا " (1).
وكلمات الفقهاء مليئة بالاستدلال بهذا
وما قبله.
ويدخل تحت هذا الإطار إغراء المرأة
للأجنبي بنفسها عن طريق التجمل والتزين وترقيق
صوتها له.
وربما يدخل فيه - أي الإغراء - التدليس
وإن كان هو عنوانا برأسه، ومثله الغش.
إغراب
لغة:
إيراد الغريب من الكلام، يقال: أغرب فلان:
إذا جاء بغرائب الكلام (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، وقد كثر استعماله في
لسان الفقهاء، مثل قول الشهيد الثاني: " وقد أغرب
العلامة في القواعد... " (3).

(1) مجمع الفائدة 8: 140.
(2) إيضاح الفوائد 4: 133.
(3) المدارك 1: 72.
(4) الرسائل العشر (للشيخ الطوسي): 128، رسالة
المفصح في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).
(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 74.
(2) انظر: أساس البلاغة (للزمخشري)، ولسان العرب،
والمعجم الوسيط: " غرب ".
(3) المسالك 2: 178، وانظر: مجمع الفائدة 6: 177،
والحدائق 2: 271، والجواهر 28: 3.
263

إغراق
لغة:
مصدر أغرق، من غرق. والغرق في الأصل:
دخول الماء في سمي (1) الأنف حتى تمتلئ منافذه
فيهلك. يقال: غرق في الماء إذا غمره الماء فملأ
منافذه حتى يموت (2).
وأغرق: بالغ في الأمر وجاوز الحد (3).
اصطلاحا:
استعمل بالمعنيين المتقدمين:
1 - الإغراق بمعنى جعل الشخص يغرق في
الماء ويموت.
2 - الإغراق بمعنى المبالغة، يقال: أغرق فلان
في كذا، أي بالغ فيه وجاوز الحد.
والكلام هنا في المعنى الأول.
الأحكام:
الإغراق من أقسام قتل العمد ويترتب عليه
القصاص أو الدية مع العفو والكفارة، ونحوها مما
يترتب على قتل العمد (1).
أما بالنسبة إلى كيفية الاقتصاص، فبناء على
مذهب ابن الجنيد ومن مال إليه: من جواز المماثلة
في القصاص، فيجوز أن يقتص منه بالإغراق أيضا.
وأما بناء على المشهور من عدم اشتراط
المماثلة في كيفية الاستيفاء، بل يجب الاستيفاء
بالحديد فقط، فلا يجوز الاقتصاص بالإغراق (2).
راجع: آلات القصاص.
أغسال
راجع: غسل.
إغلاق
لغة:
ضد الفتح، وعلى هذا فأغلق الباب:
أي أوثقه بالغلق. وأغلق فلانا على الشئ: أكرهه (3).
اصطلاحا:
ورد بالمعنى الأول في كلمات الفقهاء
(1) انظر الجواهر 42: 27 و 296، و 43: 407.
(2) انظر الجواهر 42: 296 - 299.
(3) انظر: القاموس المحيط، والمعجم الوسيط: " غلق ".

(1) السم: الثقب، لسان العرب: " سمم ".
(2) لسان العرب: " غرق ".
(3) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، ومجمع البحرين:
" غرق ".
264

والروايات، كما ورد وصفا - بمعناه العام - للكلام،
فقيل: كلام مغلق، أو في العبارة إغلاق، أو نحو ذلك،
بمعنى عدم وضوحه، وكأنه غير منفتح.
الأحكام:
تترتب على الإغلاق أحكام نشير إلى أهمها
إجمالا:
إغلاق الباب في الصيد:
وفيه حالتان:
1 - الصيد حالة الإحرام أو في الحرم:
يحرم على المحرم إتلاف الصيد سواء كان في
الحل أو الحرم، كما يحرم إتلاف الصيد في الحرم سواء
كان المتلف محلا أو محرما.
قال المحقق الحلي عند عده محرمات الإحرام:
" مصيد البر: اصطيادا، أو أكلا - ولو صاده محل -
وإشارة، ودلالة، وإغلاقا، وذبحا " (1).
وقال أيضا: " من أغلق على حمام من حمام
الحرم، وله فراخ وبيض، ضمن بالإغلاق، فإن زال
السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان. ولو هلكت،
ضمن الحمامة بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم
إن كان محرما، وإن كان محلا، ففي الحمامة درهم،
وفي الفرخ نصف، وفي البيضة ربع " (2).
ويأتي تفصيله في موضعه المناسب إن شاء
الله تعالى.
2 - الصيد في غير الحالة المتقدمة:
إذا أغلق الإنسان الباب على الصيد بحيث
لم يمكنه الفرار فهل يملكه بذلك، أو لابد من
قبضه بيده؟
قال العلامة في القواعد: " ففي تملكه بذلك
نظر " (1).
وبين ولده في الإيضاح وجه النظر هكذا:
- من جهة أنه أثبت الصيد وأزال امتناعه
وحصل الاستيلاء عليه، فهو يملكه.
- ومن جهة أنه لم يثبته في يده ولم يبطل آلة
امتناعه - كأن يقص جناحيه أو يصيبهما بنقص بحيث
لم يمكنه الطيران مثلا - لم يملكه.
ثم قال: " فعلى الثاني - وهو الأقوى - هل
يصير أولى به كالمحجر (2)؟
قال والدي في جواب هذه المسألة حيث سأله
بعض فضلاء جرجان - لما وصلنا إليها في صحبة
السلطان خدابنده محمد (رحمه الله) -: نعم " (3).

(1) الشرائع 1: 248.
(2) المصدر المتقدم: 289.
(1) القواعد 3: 316.
(2) المحجر هو الذي يضع الأحجار أطراف الأرض التي
يريد إحياءها، وعمله هذا لا يوجب ملكيته لتلك
الأرض على ما هو المشهور، نعم توجب أولويته بها،
بمعنى أنه يكون أولى بها من غيره لإحيائها.
(3) إيضاح الفوائد 4: 123، وسبب صحبة العلامة لهذا
السلطان المغولي هو: أنه دعاه من الحلة ليحل له
مشكلته، وهي: أنه طلق إحدى زوجاته ثلاثا في
مجلس واحد فأفتى جميع فقهاء السنة بلزوم المحلل
- وهو أن ينكحها غيره ويطلقها ثم ينكحها هو -
فسمع بأن العلامة، كسائر الإمامية، يفتي
ببطلان هذا الطلاق أو وقوعه طلاقا واحدا
فأرسل إليه - وكان يومئذ بالحلة -، ولما حضر أفحم
علماء سائر الفرق الإسلامية أصولا وفقها، ولذلك
اختار السلطان مذهب الشيعة الإمامية، وأمر بالخطبة
وبضرب السكة بأسماء الأئمة الاثني عشر. انظر أعيان
الشيعة 5: 399، ترجمة العلامة الحلي.
265

تحديد من تجب دفع فطرتهم بالتعبير ب‍ " إغلاق
الباب ":
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " يؤدي
الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، ورقيق
امرأته، وعبده النصراني والمجوسي، وما أغلق
عليه بابه " (1).
قال المحقق في المعتبر: " وهذا وإن كان مرسلا
إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه " (2).
تحديد المبيع - في الدار ونحوه - بالتعبير ب‍ " إغلاق
الباب ":
كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي
محمد (عليه السلام): " في رجل اشترى من رجل أرضا
بحدودها الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من
الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر
في كتابه، وذكر فيه: أنه قد اشتراها بجميع
حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل
الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟
فوقع: إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق
عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله " (1).
ويرادف عبارة " ما أغلق عليه بابها "
عبارة: " ما دار عليه حائطها " ونحوه.
ولهم كلام فيما لو لم يصرح بذلك، فهل
يدخل مثل الزرع والشجر في المبيع لو كان أرضا
أو دارا، أو لا؟ (2)
هل يثبت المهر كله والعدة بمجرد إغلاق الباب
وإرخاء الستر؟
اختلف الفقهاء في أنه: لو اختلى الزوج
بالزوجة وأغلق الباب وأرخى الستر، فهل يجب
بذلك دفع المهر كله والاعتداد، لو طلقها الزوج
بعد ذلك واختلفا - أي الزوجان - في الدخول
وعدمه ولم يثبت شرعا، أو لا يجب؟
نقل عن المشهور عدم وجوب ذلك، وفي
مقابله قول بالوجوب، إلا أنه لا يجوز للزوجة أن
تأخذ أكثر من النصف إذا كانت عالمة بعدم الدخول،
لدلالة بعض النصوص (3).
راجع: عدة، مهر.

(1) الوسائل 9: 330، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة،
الحديث 9.
(2) المعتبر: 286.
(1) الوسائل 18: 90، الباب 29 من أبواب العقود.
(2) انظر: التحرير 2: 326، والجواهر 23: 132 - 133.
(3) انظر: الحدائق 24: 505، والجواهر 31: 76 - 78.
266

مظان البحث:
1 - كتاب الزكاة: تحديد من تجب دفع
زكاة الفطرة عنهم.
2 - كتاب الحج: محرمات الإحرام.
3 - كتاب البيع: تحديد المبيع.
4 - كتاب النكاح: المهر وما يثبت به.
5 - كتاب الطلاق: العدة وما تثبت به.
6 - كتاب الصيد.
وموارد متفرقة أخرى.
إغلال
راجع: غلول.
أغلف
لغة:
من أغلف السيف أو الشئ، أي جعل له
غلافا، أو جعله في الغلاف.
والغلفة: الجلدة التي تغطي الحشفة وتقطع عند
الختان، ويقال لها: القلفة أيضا.
فالأغلف هو الذي لم تقطع غلفته، أي غير
المختون، ويقال له: الأقلف أيضا (1).
اصطلاحا:
يراد به في كلمات الفقهاء خصوص من
لم يختتن.
وسوف يأتي تفصيل الكلام فيه في عنوان
" ختان " إن شاء الله تعالى.
إغماء
لغة:
مصدر أغمي، " يقال: أغمي علينا الهلال،
إذا حال دون رؤيته غيم، وأصل التغمية: الستر
والتغطية، ومنه أغمي على المريض إذا غشي عليه،
كأن المرض ستر عقله وغطاه " (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بمعنى ستر العقل بسبب
المرض. وأما بمعنى الحيلولة دون رؤية الهلال،
فيستعملون له كلمة ال‍ " غم " يقال: غمت الشهور،
إذا لم يمكن رؤية الهلال فيها لمانع.
الأحكام:
تترتب على الإغماء أحكام عديدة نذكر

(1) انظر: الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير،
ومجمع البحرين: " غلف ".
(1) النهاية (لابن الأثير): " غما "، وانظر: لسان العرب
والمصباح المنير: المادة نفسها.
267

أهمها إجمالا، ولكن نشير قبل ذلك إلى أثر الإغماء
بصورة إجمالية:
أثر الإغماء في الأهلية:
هناك أمور يشترط فيها العقل وأمور
لا يشترط فيها ذلك (1):
أولا - ما يشترط فيه العقل:
1 - توجه التكليف:
من الشروط العامة لتوجه التكليف إلى
الإنسان كونه عاقلا، وقد روي عن الإمام علي (عليه السلام)
أنه قال لعمر بن الخطاب: " أما علمت أن القلم يرفع
عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى
يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ؟! " (2).
والمراد من " القلم " هو قلم التكليف.
وبناء على ذلك لا يتوجه التكليف إلى
المجنون، ولا الصبي، ولا النائم. والمغمى عليه بحكم
النائم أو المجنون.
2 - أداء التكليف وسقوطه:
يشترط العقل في أداء التكليف وسقوطه كما
يشترط في ثبوته، ولذلك لو توجه التكليف إلى
شخص ثم جن، أو أغمي عليه، أو نام وأمكن تصور
صدور الفعل المكلف به منه ولو صورة، لم يتحقق
بذلك امتثال الفعل المأمور به، ولذلك يجب عليه
القضاء لو أفاق خارج الوقت وكان حين توجه
التكليف إليه قادرا على إتيان المكلف به لكن لم يأت
به، وصدرت منه صورته حال جنونه أو نومه
أو إغمائه.
3 - الإثم واستحقاق العقوبة:
يتوقف اتصاف الإنسان بكونه آثما ومستحقا
للعقاب - سواء العقوبة الدنيوية كالحدود والتعزيرات
أو الأخروية - على كونه عاقلا، فلذلك لا لوم على
المجنون في أفعاله ولا إثم ولا عقوبة عليه، ومثله
النائم والمغمى عليه.
4 - العقود والإيقاعات:
تتوقف صحة العقود والإيقاعات على كون
الإنسان عاقلا، فلذلك لا تصح عقود المجنون
وإيقاعاته، وكذا المغمى عليه والنائم. فلو طلق،
أو باع، أو نكح حال الجنون أو الإغماء أو النوم،
فلا أثر لما أوقعه ويكون باطلا.
ثانيا - ما لا يشترط فيه العقل:
1 - ضمان المتلفات:
ما يتلفه الإنسان يضمنه، سواء كان عاقلا أو
مجنونا أو مغمى عليه أو نائما أو غير بالغ.
2 - انشغال الذمة وفراغها:
للمغمى عليه ذمة كغيره من أفراد الإنسان
فربما تنشغل، كما لو أتلف مالا حال إغمائه وقلنا
بضمانه، وربما تبرأ، كما لو كان مديونا فأبرأه المدين.
3 - الاستحقاق والتملك القهريان:
يمكن أن يتملك المغمى عليه ملكا أو يستحق

(1) انظر العناوين 2: 684، العنوان 86.
(2) الوسائل 1: 45، الباب 4 من أبواب مقدمات
العبادات، الحديث 11.
268

حقا بصورة قهرية، كما لو مات من يرث منه، وترك
مالا، أو حقا قابلا للإرث، كحق الفسخ.
هذه هي أهم الموارد التي يشترط فيها العقل
أو لا يشترط، وسوف يأتي تفصيلها في عنوان
" أهلية " إن شاء الله تعالى.
كان هذا بحثا عاما عن ارتباط الإغماء
بالأهلية.
ناقضية الإغماء للوضوء:
من جملة نواقض الوضوء الإغماء، فمن كان
على وضوء فأغمي عليه بطل وضوءه.
وادعي عدم الخلاف فيه، بل ادعي الإجماع
عليه مستفيضا (1).
والظاهر أنه لم يكن للفقهاء دليل يعتمد عليه
في ذلك غير الإجماع المدعى الذي قال عنه المحقق
الهمداني - على ما قاله السيد الخوئي -: " أنه قلما
يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف
قول الإمام (عليه السلام) أو وجود دليل معتبر من اتفاق
الأصحاب مثل المقام، كما أنه قلما يمكن الاطلاع
على الإجماع لكثرة ناقليه واعتضاد نقلهم بعدم
الخلاف كما فيما نحن فيه " (2).
ومع ذلك، فالظاهر من صاحب الوسائل (3)
وصاحب الحدائق (1) القول بعدم ناقضيته، لعدم نص
يدل عليه، وعدم حجية الإجماع عندهما، لكن
وافقا غيرهما من الفقهاء احتياطا.
وقال المحدث الكاشاني بعد نقل القول
بالناقضية والاستدلال عليه: " كذا قالوه " (2).
وظاهره عدم قبوله له.
وقال صاحب الكفاية بعد دعوى عدم
الخلاف فيه: " لكن في دليله تأمل " (3).
بطلان الصلاة بالإغماء:
إذا أغمي على المصلي أثناء الصلاة بطلت
صلاته، لبطلان طهارته بالإغماء - كما تقدم - فتكون
صلاته بلا طهارة. هذا إذا لم يطل الإغماء بحيث يخل
بالموالاة بين أجزاء الصلاة وإلا كان مبطلا من هذه
الجهة أيضا (4).

(1) انظر: المنتهى 1: 202، ومجمع الفائدة 1: 87، والمدارك
1: 149، والكفاية: 2، والجواهر 1: 408، وغيرها.
(2) التنقيح 3: 489.
(3) الوسائل 1: 257، الباب 4 من أبواب نواقض الوضوء.
(1) الحدائق 2: 104 - 107.
(2) المفاتيح 1: 39، المفتاح 42.
(3) الكفاية: 2.
(4) انظر: المدارك 3: 455، والجواهر 11: 2 - 4.
أقول: هذا بناء على ما هو المعروف بين الفقهاء من
بطلان الصلاة بحدوث ما يوجب بطلان الوضوء الذي
منه الإغماء، كما تقدم. وأما بناء على ما نسب إلى السيد
المرتضى والشيخ الطوسي من عدم البطلان، بل يجوز
أن يتوضأ ويبني على صلاته، فلا يبطل إلا من جهة
ترك الموالاة التي ذكرناها في المتن، ولو فرض أن
الإغماء كان في لحظات يسيرة فيجوز التطهر والبناء
على ما صلاه أولا بناء على رأي السيد والشيخ. لكن
الذي وجدته في المبسوط والخلاف: أنه اقتصر على
التصريح بوجود النص على القول الآخر أي المخالف
للمشهور، مع التصريح باختيار القول المشهور، لأنه
أوفق بالاحتياط. انظر المبسوط 1: 117، والخلاف
1: 409، المسألة 157.
269

عدم بطلان الجماعة بإغماء الإمام:
لو أغمي على الإمام أثناء الصلاة بطلت
صلاته كما تقدم، لكن لم تبطل صلاة المأمومين
ولا جماعتهم، سواء كان ذلك في صلاة الجمعة أو
غيرها (1).
وللفقهاء كلام في حكم استخلاف إمام آخر
مكانه.
عدم وجوب قضاء ما فات من الصلاة حال
الإغماء:
اختلف الفقهاء في وجوب قضاء الصلاة التي
فاتت حال الإغماء على أقوال:
الأول - عدم وجوب القضاء مطلقا: نسب
هذا القول إلى المشهور (2) أو الأكثر (3). قال صاحب
المدارك بعد بيان عدم وجوب القضاء على الصبي
والمجنون بعد البلوغ والإفاقة وأنه لا خلاف فيه:
" إنما الخلاف في المغمى عليه، فذهب الأكثر إلى أنه
لا يجب عليه القضاء إذا استوعب الإغماء الوقت،
للأخبار الكثيرة الدالة عليه... "، وذكر الروايات
الدالة على عدم وجوب القضاء، ثم قال:
" وفي مقابل هذه الروايات روايات اخر
وردت بالأمر بالقضاء "، ثم أورد رواية تدل على
القضاء مطلقا، وذكر أن: " بمضمونها أفتى ابن بابويه
في المقنع " (1) ثم قال: " وورد في بعض آخر الأمر
بقضاء صلاة ثلاثة أيام، وفي بعض الأمر بقضاء
صلاة يوم ".
ثم قال أيضا: " والجواب عن الجميع بالحمل
على الاستحباب، كما ذكره الشيخ في كتابي
الأخبار (2)، وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (3)،
توفيقا بين الأدلة " (4).
الثاني - وجوب القضاء مطلقا: ذهب إليه
الصدوق في المقنع (5)، إلا أنه وافق المشهور في الفقيه
كما تقدم بيانه.
الثالث - التفصيل بين ما كان سبب الإغماء
المكلف نفسه وغيره: وهذا التفصيل موجود في كلام
بعض الفقهاء إما تصريحا أو ظهورا، مثل السيد

(1) انظر: المدارك 4: 26، والجواهر 11: 193 - 195.
(2) انظر: مفتاح الكرامة 3: 378، والجواهر 13: 4.
(3) انظر المدارك 4: 287 - 288.
(1) المقنع: 37.
(2) التهذيب 3: 304، كتاب الصلاة، باب صلاة المضطر،
ذيل الحديث 9، والاستبصار 1: 458، كتاب الصلاة،
باب صلاة المغمى عليه، ذيل الحديث 9.
(3) من لا يحضره الفقيه 1: 363، كتاب الصلاة، باب
صلاة المريض والمغمى عليه، ذيل الحديث 1042.
(4) المدارك 4: 287 - 288.
(5) تقدم التخريج عنه وعن الفقيه قبل قليل.
270

المرتضى في جمل العلم والعمل (1)، والشيخ في
المبسوط (2)، وسلار في المراسم (3)، وابن إدريس في
السرائر (4)، والعلامة في التحرير (5) والشهيد الأول
في الذكرى (6).
وبناء على هذا التفصيل إذا كان سبب الإغماء
المكلف نفسه، فيجب عليه قضاء ما فاته حال
الإغماء، وإن كان السبب أمرا خارجا عن اختياره،
فلا يجب عليه القضاء.
ملاحظة:
إن عدم وجوب القضاء إنما هو فيما إذا
استوعب الإغماء جميع وقت الصلاة، وأما إذا حصل
الإغماء بعد مضي مقدار أداء الصلاة من أول وقتها،
أو أفاق المغمى عليه قبل انتهاء وقت الصلاة بحيث
كان يمكنه إتيانها في الوقت ولم يفعل، فيجب
عليه القضاء.
صوم المغمى عليه:
اختلف الفقهاء في صحة صوم المغمى عليه
على قولين:
الأول - عدم صحته، سواء كان الإغماء
مستوعبا للنهار كله، أو كان في جزء منه.
نسب هذا القول إلى الأكثر أو المشهور (1).
الثاني - صحته فيما إذا نوى الصوم ثم أغمي
عليه.
ذهب إلى هذا القول: الشيخ المفيد (2)، والسيد
المرتضى (3)، والشيخ الطوسي (4)، وسلار (5)،
والقاضي (6).
وقال صاحب المدارك: إن كان الصوم مجرد
الإمساك عن أمور مخصوصة مع النية وجب الحكم
بصحة الصوم، لحصولهما.
وإن اعتبر إضافة إلى ذلك اتصاف الإمساك
بالوجوب أو الندب، فلا يصح، لعدم اتصاف
إمساك المغمى عليه لا بالوجوب ولا بالندب.
والظاهر من مجموع كلامه اختيار الشق
الأول (7).
ومال إلى هذا القول - أي الثاني - جماعة،

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 38، رسالة جمل العلم
والعمل.
(2) المبسوط 1: 125 و 126.
(3) المراسم: 92.
(4) السرائر 1: 276.
(5) التحرير 1: 308.
(6) الذكرى 2: 429.
(1) انظر: المدارك 6: 139، والحدائق 13: 167.
(2) المقنعة: 352.
(3) رسائل الشريف المرتضى 3: 57، رسالة جمل العلم
والعمل.
(4) المبسوط 1: 285، والخلاف 2: 198.
(5) المراسم: 98، كما يستفاد من كلامه.
(6) المهذب 1: 196.
(7) المدارك 6: 139 - 140.
271

مثل السادة: اليزدي (1) والحكيم (2) والخوئي (3)
والخميني (4) حيث حكموا بإتمام الصوم لو حصل في
جزء من النهار مع سبق النية احتياطا.
قضاء المغمى عليه لصومه:
اختلف الفقهاء في وجوب قضاء الصوم
الفائت من المغمى عليه على قولين:
فالمشهور على أنه لا قضاء عليه، سواء
سبقت منه نية الصوم أو لا، وسواء استغرق الإغماء
جميع النهار أو بعضه (5).
والمعروف عن الشيخ المفيد (6)، والسيد
المرتضى (7)، والشيخ الطوسي في الخلاف (8): وجوب
القضاء إن لم ينو الصوم قبل الإغماء، أما لو نواه
فلا قضاء عليه، لصحته.
الظاهر من الإمام الخميني الإتمام مع سبق
النية والقضاء مع عدمها لكن على نحو الاحتياط
الاستحبابي (1).
إغماء المعتكف:
لم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع في بحث
الاعتكاف، نعم قالوا: يفسد الاعتكاف ما يفسد
الصوم (2). وبناء على ذلك لو تحقق الإغماء في النهار
وقلنا بكونه مفسدا للصوم فهو يفسد الاعتكاف،
وإن قلنا بعدم إفساده لسبق النية فلا يفسد
الاعتكاف، وإن وقع في الليل ولم يتصل إلى النهار
فلا نعرف وجها لفساده.
زكاة المغمى عليه:
أولا - زكاة المال:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لذلك، ولم يذكروا من
شروط وجوب الزكاة عدم كون المالك مغمى عليه،
نعم قال العلامة في التذكرة: " تجب الزكاة على النائم
والساهي والمغفل دون المغمى عليه، لأنه تكليف
وليس من أهله " (3).
لكن ناقشه صاحب المدارك في تفريقه بين
النائم والمغمى عليه، ثم قال: " فالمتجه مساواة

(1) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في شرائط وجوب
الصوم، الثالث.
(2) المستمسك 8: 404 و 431 - 432.
(3) مستند العروة الوثقى (الصوم) 1: 427، و 2: 11.
(4) تحرير الوسيلة 1: 267، كتاب الصوم، القول في
شرائط صحة الصوم ووجوبه.
(5) انظر: الحدائق 13: 296، والمستمسك 8: 483.
(6) المقنعة: 352.
(7) رسائل الشريف المرتضى 3: 57، رسالة جمل العلم
والعمل.
(8) الخلاف 2: 198.
(1) تحرير الوسيلة 1: 267، كتاب الصوم، القول في
شرائط صحة الصوم.
(2) الشرائع 1: 219، وراجع عنوان " اعتكاف ".
(3) التذكرة 5: 16، وقال في النهاية: " وحكم المغمى عليه
حكم المجنون ". النهاية 2: 300.
272

الإغماء للنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما
كما في غيرها من التكاليف وعدم انقطاع الحول
بعروض ذلك في أثنائه " (1).
ووافقه بعض من تأخر عنه، مثل:
السبزواري في الذخيرة (2) والنراقي في المستند (3)،
وصاحب الجواهر (4)، والإمام الخميني (5).
قال صاحب الجواهر: " وأما المغمى عليه،
فالأقوى فيه ما ذكره في المدارك مؤيدا بعدم استثناء
الأصحاب له، بل اقتصارهم على الطفل والمجنون
شاهد على خلافه ".
وكلامه صريح في عدم تعرض الفقهاء له، وهو
ظاهر في عدم كونه مانعا من وجوب الزكاة عندهم.
ثانيا - زكاة الفطرة:
قال المحقق الحلي: " تجب الفطرة بشروط ثلاثة:
الأول - التكليف، فلا تجب على الصبي، ولا على
المجنون، ولا على من أهل شوال وهو مغمى عليه " (6).
وعلق صاحب المدارك على الفقرة الأخيرة
من كلامه بقوله: " هذا الحكم مقطوع به في كلام
الأصحاب، وقد ذكره العلامة (1) وغيره مجردا عن
الدليل، وهو مشكل على إطلاقه، نعم لو كان الإغماء
مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك " (2).
لكن ناقشه صاحب الجواهر وقال: إن الدليل
هو الأصل - أي أصالة عدم الوجوب أو البراءة
منه - والظاهر من الأدلة اعتبار الشرائط عند الهلال
ولا عبرة بعده (3)، كما التزم هو أيضا به فيما لو
حصلت الشرائط بعد الهلال، فقال باستحباب
الزكاة حينئذ، ولا خصوصية للإغماء (4).
الإغماء في الحج:
يمكن أن يتحقق الإغماء في كل جزء من الحج،
لكن نكتفي بالبحث عن الإغماء عند نية الإحرام
والوقوفين: عرفة والمشعر الحرام، بالنحو الآتي:
أولا - الإغماء عند نية الإحرام:
لم يذكر الفقهاء خصوص هذه المسألة، نعم
قالوا: إن من شرائط صحة الإحرام النية من المحل
الذي يصح فيه الإحرام - سواء كان أحد المواقيت
أو مكة - وبناء على ذلك:
إذا نوى الإحرام ثم أغمي عليه فإحرامه

(1) المدارك 5: 16.
(2) الذخيرة: 421.
(3) مستند الشيعة 9: 20 - 21، لكن استثنى ما إذا كان
الإغماء شهرا أو شهرين، فيصدق أن المال ليس بيد
المالك مدة من الحول.
(4) الجواهر 15: 29 - 30.
(5) تحرير الوسيلة 1: 285، كتاب الزكاة، القول في من
تجب عليه الزكاة.
(6) الشرائع 1: 171.
(1) التذكرة 5: 276.
(2) المدارك 5: 308.
(3) الجواهر 5: 485.
(4) انظر المدارك 5: 320 - 321.
273

صحيح ولا أثر للإغماء حينئذ، لتحقق شرط الإحرام.
وإذا أغمي عليه قبل النية لم ينعقد إحرامه،
لأن النية شرط للإحرام، ولا ينعقد المشروط مع
عدم شرطه. لكن لا يبطل الحج مع بطلان الإحرام،
فيجب عليه تداركه ولو بعرفة (1).
ثانيا - الإغماء في أحد الموقفين:
لو نوى الوقوف في عرفة أو في المشعر
وحصل الوقوف ولو آنا ما ثم أغمي عليه
صح وقوفه، لأن الركن هو مسمى الوقوف (2)
وهو حاصل.
نعم، لو أغمي عليه قبل الوقوف واستغرق
الإغماء وقت الوقوف كله:
فإن كان في الموقفين - عرفة والمشعر الحرام -
بطل حجه، لأن من فاته الموقفان ولو نسيانا ومن
دون اختيار فسد حجه (3).
وإن كان في أحدهما مفيقا وفي الآخر مغمى
عليه، فإن كان الذي فاته بالإغماء هو عرفة وكان
قد أدرك المشعر، صح حجه (4). وإن كان الذي فاته
هو المشعر دون عرفة، فالمشهور الصحة أيضا
- كما قيل - إلا أن صاحب المدارك استشكل في
الصحة ونسب الاستشكال إلى العلامة أيضا (1).
هذا إجمالا، ولهم تفصيل في كون الوقوفين
اختياريين أو اضطراريين أو أحدهما اختياري
والآخر اضطراري.
عقود المغمى عليه وإيقاعاته:
يشترط عدم الإغماء في صحة العقود
والإيقاعات حدوثا، وفي خصوص العقود الجائزة
استدامة.
وهذا يحتاج إلى توضيح فنقول:
العقود إما لازمة، أي غير قابلة للفسخ
إلا بسبب، مثل البيع والنكاح والإجارة ونحوها،
أو جائزة يجوز فسخها من دون سبب أيضا، مثل
الوكالة، والعارية، والوديعة، والهبة ونحوها.
فعدم الإغماء شرط في صحة جميع العقود
حدوثا، سواء كانت لازمة أو جائزة، بمعنى أنه
يشترط أن يكون العاقد حين العقد غير مغمى عليه،
ولذلك أبطلوا عقد المجنون والسكران ونحوهما ممن
زال عقله، إذ الشرط هو: كون العاقد عاقلا قاصدا،
فإذا زال العقل والقصد بأي سبب كان، انتفت صحة
العقد، لزوال المشروط بزوال شرطه (2).

(1) انظر: المدارك 7: 171 - 172 و 259 - 260،
والحدائق 14: 466 - 468، والجواهر 18: 21 - 23
و 206.
(2) انظر: المدارك 7: 422، والجواهر 19: 68.
(3) انظر: المدارك 7: 434، والجواهر 19: 85.
(4) انظر: المدارك 7: 434، والجواهر 19: 86.
(1) انظر: المدارك 7: 405 و 432، والمنتهى (الحجرية)
2: 728، والجواهر 19: 39 و 85.
(2) انظر: العناوين 2: 48، العنوان 30، و 684، العنوان
86، والجواهر 22: 265، و 29: 147، و 28: 270.
274

وكذا بالنسبة إلى الإيقاعات، كالطلاق
والظهار والإقرار والعتق ونحوها مما اعتبر فيه
العقل والقصد (1).
هذا بالنسبة إلى اشتراط عدم الإغماء
حدوثا، أي حين العقد، وأما اشتراطه استدامة، فقد
صرح بعضهم: بأن العقود اللازمة لا يشترط في بقاء
أثرها عدم إغماء أحد المتعاقدين، فإذا تمت شرائط
حدوث العقد فيتم العقد وتترتب عليه آثاره وإن
مات بعده أحد المتعاقدين أو أغمي عليه.
وأما العقود الجائزة فهي تبطل بموت أحدهما
أو إغمائه بعد العقد. قال المحقق بالنسبة إلى الوديعة:
" وهي عقد جائز من طرفيه، يبطل بموت كل واحد
منهما وبجنونه " (2).
وعلق عليه الشهيد الثاني بقوله: " لا خلاف
في كون الوديعة من العقود الجائزة، فتبطل بما يبطل
به: من فسخها، وخروج كل منهما عن أهلية
التكليف بموت أو جنون أو إغماء " (3).
وقال المحقق في الوكالة: " وتبطل الوكالة
بالموت، والجنون، والإغماء من كل واحد منهما " (4).
وعلق عليه الشهيد بقوله: " هذا موضع
وفاق، ولأنه من أحكام العقود الجائزة، ولا فرق
عندنا بين طول زمان الإغماء وقصره " (1).
وقال المحقق في عقد المضاربة: " وبموت كل
واحد منهما تبطل المضاربة، لأنها في معنى
الوكالة " (2).
وعلق عليه الشهيد بقوله: " لما كان هذا
العقد من العقود الجائزة بطل بما يبطل به: من موت
كل منهما، وجنونه، وإغمائه " (3).
هذا كله لو أحرزنا كون العقد لازما أو جائزا،
إلا أن هناك موارد لم يتفقوا على أنها عقد لازم
أو جائز، مثل القرض، وموارد أخرى تكون لازمة
على فرض وجائزة على فرض آخر كالهبة، فإنها
لازمة على فرض كون الهبة على ذي رحم،
أو تصرف الموهوب له في الهبة وإن لم يكن رحما،
وغير لازمة في غير هاتين الصورتين.
فهذه الموارد قد تلحق بالعقود اللازمة أو
العقود الجائزة بحسب اختلاف الموارد ونظر الفقهاء (4).
ضمان المغمى عليه فيما يتلفه ويجنيه:
الظاهر أن المغمى عليه كالنائم من حيث

(1) انظر العناوين 2: 48، العنوان 30، و 684، العنوان
86، والجواهر 32: 8، و 33: 118، و 35: 104 -
105.
(2) الشرائع 2: 163.
(3) المسالك 5: 84، وانظر الجواهر 27: 106.
(4) الشرائع 2: 194.
(1) المسالك 5: 247، وانظر الجواهر 27: 362،
و 22: 325.
(2) الشرائع 2: 138.
(3) المسالك 4: 353، وانظر الجواهر 26: 355. وانظر
أيضا هذا وما تقدمه في العناوين 2: 406، العنوان 56.
(4) انظر العناوين 2: 406، العنوان 56.
275

الضمان، وقد صرح الفقهاء: بأنه لو انقلب النائم على
شخص فأتلفه أو أتلف طرفا منه - يده أو رجله
أو... - فلا إشكال في ضمانه، نعم اختلفوا في أن
الضمان على ماله أو على عاقلته (1).
لكن نفى السيد الخوئي الضمان بصورة مطلقة،
وجعل هذا المورد من قبيل ما لو وقع الإنسان من
شاهق على غيره من دون اختيار فأتلفه، حيث
صرح الفقهاء بعدم ضمان الواقع لا في ماله ولا في
مال عاقلته (2).
هذا إذا جعلنا المغمى عليه كالنائم،
وأما إذا جعلناه كالمجنون فالظاهر أنهم لا يختلفون
في كون الدية على عاقلته، لأن عمده
- أي المجنون - خطأ (3).
انتفاء العقوبة البدنية عن المغمى عليه:
لا عقوبة بدنية على المغمى عليه إذا حدثت
جناية بسبب وقوعه أو حركة يده أو رجله، لعدم
تحقق القصد منه، والعقوبة تدور مدار قصد الجاني
للجناية، ولعله يرشد إلى ذلك كلام الشهيد الثاني في
المسالك، عند بيان اشتراط التساوي في العقل في
عقوبة القصاص، حيث قال: " من شرائط القصاص
كون القاتل مكلفا، فلا قصاص على الصبي
والمجنون، لأن القلم مرفوع عنهما، كما لا قصاص
على النائم إذا انقلب على إنسان فقتله، ولأنهما
لا يكلفان بالعبادات البدنية، فأولى أن لا يؤاخذا
بالعقوبات البدنية " (1).
ومحل الاستشهاد كلامه الأخير، فإن
العبادات إذا كانت تحتاج في صحتها إلى القصد
- أي قصد القربة - والمجنون والنائم لا يتحقق منهما
ذلك، فلا يكلفان بها، فكذلك العقوبة البدنية.
هذا، وادعى المراغي الإجماع على اشتراط
العقل والبلوغ في تحقق الإثم والعقاب (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: نواقض الوضوء.
2 - كتاب الصلاة:
أ - مبطلات الصلاة.
ب - أحكام الجماعة.
ج - أحكام القضاء.
3 - كتاب الصوم:
أ - شرائط من يصح منه الصوم.
ب - قضاء الصوم.
4 - كتاب الزكاة:
أ - زكاة المال: من تجب عليه الزكاة.

(1) انظر: المسالك 15: 330، والجواهر 43: 51،
والعناوين 2: 684، العنوان 86، وفيه التصريح: بأن
العقل والبلوغ ليسا شرطين في الوضعيات. والضمان منها.
(2) مباني تكملة المنهاج 2: 222 و 233 - 234، وانظر:
المسالك 15: 344، والجواهر 43: 72.
(3) انظر الجواهر 42: 177.
(1) المسالك 15: 161.
(2) انظر العناوين 2: 684، العنوان 86.
276

ب - زكاة الفطرة: من تجب عليه زكاة
الفطرة.
5 - كتاب الحج:
أ - الإحرام: النية.
ب - الوقوفان: عرفة والمشعر الحرام.
6 - القصاص والديات: الضمان بالإتلاف.
7 - مفتتح كتب العقود والإيقاعات، مثل:
البيع، والإجارة، والنكاح، والطلاق،
والوكالة، والوديعة، والعارية، ونحوها.
8 - الكتب المدونة في القواعد الفقهية.
إغناء
لغة:
يأتي على معنيين:
1 - جعل الشخص غنيا، والغني: الذي
لا يحتاج، وهو ضد الفقير.
2 - النيابة عن الشئ والإجزاء عنه (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنيين المتقدمين: جعل
الشخص غنيا، وإجزاء الشئ عن غيره.
فاستعملوا الأول في بحث زكاة المال والفطرة
عند الكلام عن المستحقين، حيث بحثوا فيه عن حد
الفقر والغنى، وأن الهدف من الزكاة إغناء الفقير،
بمعنى رفع فقره وإيصاله إلى حد الغنى (1).
ولذلك استدل العلامة على وجوب إخراج
زكاة الفطرة قبل الصلاة: بأن الغرض من زكاة
الفطرة هو إغناء الفقير عن السعي في ذلك اليوم
- أي يوم العيد - وإنما يتحقق ذلك بإعطائه الزكاة
قبل الصلاة (2).
راجع: زكاة، فطرة.
واستعملوا الإغناء بالمعنى الثاني كثيرا،
كقولهم: إغناء الغسل عن الوضوء أو عدم إغنائه
عنه، ونحو ذلك من التعابير.
أغنية
راجع: غناء.
إفادة
راجع: فائدة، ربح.

(1) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " غنا ".
(1) انظر: المدارك 5: 193 و 355، والجواهر 15: 304
و 453.
(2) التذكرة 5: 395.
277

إفاضة
لغة:
الصب. يقال: أفاض إناءه: إذا ملأه حتى
أسأله (1)، وأفاض الماء على نفسه، أي أفرغه (2).
واستعيرت الإفاضة للدفع في السير بكثرة (3).
اصطلاحا:
استعملها الفقهاء بالمعنيين المتقدمين:
الأول - الصب وإفراغ الماء. ويأتي استعمالهم
لها بهذا المعنى في الوضوء والغسل، فيقولون مثلا في
الوضوء: " ما استرسل من اللحية طولا وعرضا
لا يجب إفاضة الماء عليه، لأنها ليست من
الوجه " (4)، ونحو ذلك من التعبيرات.
الثاني - الدفع والسير، لكن في خصوص
بعض أفعال الحج، مثل:
1 - الإفاضة من عرفات، حيث يندفع الحاج
عشية عرفة إلى المزدلفة والمشعر الحرام.
2 - الإفاضة من المشعر إلى منى، ويكون
ذلك صبح يوم النحر، أي العيد.
3 - الإفاضة من منى إلى مكة لإتيان الطواف.
وإلى الإفاضة الأولى والثانية يشير قوله
تعالى: * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام... * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
واستغفروا الله...) * (1).
يراجع تفصيل ذلك كله في عنوان " حج ".
إفاقة
لغة:
الرجوع إلى الحالة الاعتيادية بعد المرض
والجنون والإغماء والسكر. يقال: أفاق المريض،
أي رجع إلى صحته، وأفاق المجنون، أي رجع إليه
عقله، وأفاق المغمى عليه والسكران، أي انجلى
عنهما الإغماء والسكر (2).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.
راجع تفصيله في العناوين المناسبة، مثل:
" إغماء "، " جنون "...

(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" فيض ".
(2) لسان العرب، والقاموس المحيط: المادة نفسها.
(3) النهاية (لابن الأثير)، والقاموس المحيط: المادة نفسها.
(4) المعتبر: 39.
(1) البقرة: 198 و 199.
(2) انظر: معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، والنهاية (لابن الأثير)، والقاموس
المحيط: " فوق ".
278

إفتاء
راجع: فتوى.
افتتان
لغة:
من الفتن، وهو إدخال الذهب النار لتظهر
جودته من رداءته، ثم استعمل في أمور بالمناسبة،
مثل:
1 - الامتحان والاختبار.
2 - العشق والوله، يقال: افتتن بالمرأة،
أي عشقها، وولهته (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنى الثاني في أحكام النظر
في مقدمات النكاح وما يناسبه (2).
وورد بهذا المعنى في الكتاب والسنة، فمن ذلك
ما ورد من النهي عن الافتتان بالدنيا، أي الرغبة
الشديدة فيها والانخداع بها (1).
كما ورد في الكتاب والسنة بالمعنى الأول،
ولكن الأكثر استعمال كلمة " فتنة " فيهما بهذا
المعنى (2).
راجع: فتنة.
افتخار
راجع: تفاخر، فخر.
افتداء
راجع: فداء، فدية.
افتراء
راجع: فرية، قذف، كذب.

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني)،
والقاموس المحيط: " فتن ".
(2) انظر الجواهر 29: 75.
(1) انظر: المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم:
" فتن "، وسفينة البحار: " فتن ".
(2) انظر: المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم:
" فتن "، وسفينة البحار: " فتن ".
279

افتراش
لغة:
افتعال من الفرش بمعناه الحدثي والمصدري،
ومن الفراش (1).
فالأول، مثل: افترش ذراعيه، أي بسطهما
على الأرض (2)، وافترش الأسد ذراعيه،
أي مدهما (3). والثاني، مثل: افترش الرجل ثوبه،
أي جعله فراشا له.
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنيين:
فبالمعنى الأول في السجود، حيث ذكروا ما
يكره فيه الافتراش وما يستحب من السجود.
وبالمعنى الثاني في الإحرام حيث تكلموا
عن حرمة افتراش ما فيه طيب للمحرم، أي جعله
فرشا له.
وفي أحكام اللباس وأنه هل يجوز افتراش
الحرير أم لا؟
وفي النكاح، حيث استعملوا افتراش المرأة
بمعنى وطئها كناية، وأطلقوا كلمة " الفراش " على
المرأة كناية أيضا.
الأحكام:
افتراش الذراعين في سجود الصلاة:
ذكر الفقهاء من جملة آداب السجود: عدم
افتراش اليدين، لورود النهي عنه، فمن ذلك ما ورد
في رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) الواردة في
كيفية الصلاة: " ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع
ذراعيه... " (1).
بل المطلوب منه التجنح، وهو أن يجعل يديه
كالجناحين، ويعبر عنه ب‍ " التجافي " و " التخوية "
أيضا (2).
هذا للرجل خاصة، أما المرأة، فالمطلوب
منها عكس ذلك (3)، لما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها " (4)،
وورد: " المرأة إذا سجدت تضممت، والرجل إذا
سجد تفتح " (5).

(1) النهاية (لابن الأثير): " فرش ".
(2) الصحاح: " فرش ".
(3) لسان العرب: " فرش ".
(1) الوسائل 5: 462، الباب الأول من أبواب أفعال
الصلاة، الحديث 3.
(2) انظر: التذكرة 3: 195، والذكرى 3: 395، ومستند
الشيعة 5: 284.
(3) انظر: التذكرة 3: 195، ومستند الشيعة 5: 284،
وغيرهما.
(4) الوسائل 6: 341، الباب 3 من أبواب السجود،
الحديث 2.
(5) المصدر المتقدم: 342، الحديث 3.
280

افتراش الذراعين في سجود الشكر:
قال صاحب المدارك بالنسبة إلى هذا
السجود: " ويستحب في هذا السجود أن يفترش
ذراعيه بالأرض، وأن يلصق جؤجؤه - بضم
الجيمين والهمزة (1)، وهو صدره - بها " (2).
افتراش المحرم ما فيه طيب:
قال صاحب المدارك: " يحرم على المحرم لبس
الثوب المطيب... وكذا لا يجوز له افتراشه
والجلوس عليه والنوم. ولو فرش فوقه ثوب صفيق
يمنع الرائحة والمباشرة جاز الجلوس عليه والنوم.
ولو كان الحائل بينهما ثياب بدنه فوجهان... " (3).
افتراش الحرير:
لا إشكال في حرمة لبس الحرير على الرجل،
وهل افتراشه والجلوس أو النوم عليه كذلك؟
المعروف بين الفقهاء أنه ليس كذلك، بل يجوز
له افتراشه والجلوس والنوم عليه (4)، لما رواه
علي بن جعفر " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير،
هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟
قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه " (1).
لكن صرح بعضهم بعدم جوازه، وتردد فيه
بعض آخر:
فممن صرح به: الشيخ في المبسوط، وابن
حمزة في الوسيلة، قال الشيخ: " لبس الحرير محرم
على جميع الأحوال على الرجال... فأما فرشه
والتدثر به والاتكاء عليه فهو أيضا محرم، لعموم
تناول النهي له... " (2).
وقال ابن حمزة: " وما يحرم عليه لبسه يحرم
عليه فرشه والتدثر به " (3).
وممن تردد فيه: المحقق الحلي في المعتبر، حيث
قال بعد نقل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة:
" ومنشأ التردد عموم تحريمه على الرجال " (4).
والعجب من العلامة حيث حكى المنع عن
بعض المتأخرين ولم يسمه ولم ينقل عن الشيخ
شيئا (5). والأعجب منه كلام صاحب المدارك حيث
قال بعد نقل كلام العلامة: " وهو مجهول القائل
والدليل " (6)، والأعجب منهما كلام صاحب الحدائق

(1) كذا في المصدر، لكن جاء ضبطه في كتب اللغة مثل:
هدهد، فعلى هذا لا تكون الهمزة مضمومة، ولعل
العبارة في الأصل هكذا: وسكون الهمزة.
(2) المدارك 3: 423 - 424.
(3) المدارك 7: 325 - 326.
(4) انظر المدارك 3: 179، والجواهر 8: 127.
(1) الوسائل 4: 378، الباب 15 من أبواب لباس المصلي،
الحديث الأول.
(2) المبسوط 1: 168.
(3) الوسيلة: 367.
(4) المعتبر: 151.
(5) المختلف 2: 82.
(6) المدارك 3: 180.
281

الذي قال بعد نقل كلام المحقق الحلي: " ولم ينقل فيما
وصل إلينا عن غيره " (1).
ولعل أول من حكى عن الشيخ قوله هو
الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة:
أ - لباس المصلي.
ب - آداب السجود.
2 - كتاب الحج: أحكام الإحرام.
افتراق
راجع: فراق، طلاق، خيار المجلس.
افتضاض
لغة:
الكسر، ومنه: فضضت الختم فضا، أي
كسرته، وفض البكارة: إزالتها، على التشبيه
بالختم (3).
اصطلاحا:
إزالة البكارة بالوطء أو بغيره.
وسوف يأتي تفصيل أحكامه في عنوان
" بكارة " إن شاء الله تعالى.
افتقار
لغة:
افتعال من الفقر، وهو الحاجة، فالافتقار: هو
الاحتياج، والفقير: المحتاج (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه،
كقولهم: البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول، ونحو ذلك من
التعابير، وهذا الاستعمال كثير في كلماتهم، وأما
استعمالهم له في الفقر، فإن كان فهو قليل وموطنه
البحث عن المستحقين للزكاة والخمس.
إفراء
لغة:
القطع، تقول: أفريت الأوداج، أي قطعتها.

(1) الحدائق 7: 99.
(2) كشف اللثام 3: 221.
(3) انظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين: " فضض ".
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب: " فقر ".
282

وقالوا: الإفراء: القطع للإفساد، والفري:
القطع للإصلاح (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، ويبحث عنه في باب
الذباحة حيث يجب فيها فري الأوداج الأربعة.
راجع: ذباحة، أعضاء / الأعضاء الأربعة.
إفراج
لغة:
مصدر أفرج، وأصله من فرج بمعنى فتح.
يقال: فرجت بين شيئين، أي فتحت بينهما.
وبهذه المناسبة أطلق الفرج على سوءة الرجل
والمرأة، والإفراج على الكشف عن شئ أو طريق
ونحو ذلك والتفريج على كشف الغم (2).
اصطلاحا:
استعمل في المعنى اللغوي نفسه، فيقال: فرج
بين أصابعه، أي فتح ما بينهما، وفرج عن المؤمن،
أي كشف عنه الغم، وأفرج عن الطريق، إذا كشف
عنه، وأفرج عن السجين، إذا أطلق سراحه
وخلى عنه.
والذي نتكلم عنه فعلا على نحو الإجمال هو
التفريج بمعنى كشف الغم، وأما تفريج الأصابع فيأتي
في عنوان " ركوع "، حيث ذكروا في آدابه:
استحباب تفريج الأصابع عند وضعها على
الركبتين (1)، وفي " الدفن "، حيث ذكروا في آدابه
رفع القبر بمقدار أربع أصابع مضمومة أو
مفرجات (2). وأما إطلاق سراح السجين فسوف
يأتي فيما يناسبه، وهكذا غيره.
الأحكام:
استحباب التفريج عن المؤمن:
وردت روايات مستفيضة في شدة استحباب
التفريج عن المؤمن وكشف كربته وهمه والتنفيس
عنه، وإغاثته ونحو ذلك، حتى عقد صاحب
الوسائل بابا في كتابه تحت عنوان: " باب استحباب
تفريج كرب المؤمن ".
ومما أورده في هذا الباب وغيره هو:
1 - ما رواه الوشاء عن الرضا (عليه السلام)، قال:
" من فرج عن مؤمن فرح الله قلبه يوم القيامة " (3).
2 - وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة له:

(1) انظر: الصحاح، والنهاية (لابن الأثير)، وغيرهما:
" فرا ".
(2) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس
المحيط: " فرج ".
(1) انظر الجواهر 10: 104.
(2) انظر الجواهر 4: 312 - 313.
(3) الوسائل 16: 372، الباب 29 من أبواب فعل
المعروف، الحديث 6.
283

"... ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا نظر
الله إليه برحمته، فنال بها الجنة، وفرج الله عنه كربه
في الدنيا والآخرة " (1).
وغيرهما من الروايات الواردة بألسنة مختلفة
دالة على شدة استحباب إغاثة المؤمن وقضاء
حوائجه والتنفيس عنه، ونحو ذلك.
وربما يصل ذلك إلى حد الوجوب في
حالات طارئة.
إفراد
لغة:
مصدر أفرد، يقال: أفرده، أي جعله فردا
واحدا، وعزله عن غيره (2).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعنى اللغوي نفسه في موارد
عديدة أهمها الحج، حيث جعلوا من أقسام الحج:
الحج الإفرادي، ومن أقسام العمرة: العمرة المفردة،
بمعنى انفصال كل منهما - أي الحج والعمرة - عن
الآخر وعزله عنه.
الأحكام:
للحج الإفرادي أحكام تخصه، غير الأحكام
المشتركة بينه وبين سائر أقسام الحج. ولأجل أن
يتضح ذلك لا بد من بيان أقسام الحج على نحو
الإجمال.
أنواع الحج وأقسامه:
ذكر الفقهاء للحج أقساما ثلاثة: التمتع،
والإفراد والقران:
1 - حج التمتع:
ويتكون من عمرة وحجة.
أما العمرة، فهو أن يحرم للعمرة من إحدى
المواقيت، ثم يدخل مكة، فيطوف بالبيت سبعا
ويصلي ركعتيه، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعا،
ثم يقصر.
وأما الحج، فهو أن يحرم للحج من مكة،
ثم يقف في عرفات من الزوال حتى الغروب،
ثم يقف بالمشعر بعد طلوع الفجر، ثم يفيض إلى منى،
فيحلق بها يوم النحر، ويذبح هديه، ويرمي جمرة
العقبة. ثم يأتي مكة فيطوف طواف الحج ويصلي
ركعتيه، ويسعى سعيه، ويطوف طواف النساء
ويصلي ركعتيه، ثم يعود إلى منى ليرمي الجمار
الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر.
وله أن يبقى في منى الحادي عشر والثاني عشر
فيرمي الجمار ثم يأتي مكة للطواف والسعي... (1).

(1) الوسائل 16: 344، الباب 22 من أبواب فعل
المعروف، الحديث 6. وانظر روايات هذين البابين
وغيرهما من أبواب فعل المعروف.
(2) انظر: ترتيب كتاب العين، ولسان العرب: " فرد ".
(1) انظر الشرائع 1: 236 - 237.
284

2 - الحج الإفرادي:
وهو أن يأتي بالحج مفردا له عن العمرة.
وصورته هكذا:
أن يحرم من الميقات أو من دويرة أهله إذا
كان أقرب من الميقات إلى مكة، ثم يمضي إلى
عرفات فيقف بها، ثم يمضي إلى المشعر فيقف به،
ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها، ثم يمضي إلى البيت
فيطوف به سبعا ويصلي ركعتي الطواف، ثم يسعى
بين الصفا والمروة سبعا، ثم يطوف طواف النساء
ويصلي ركعتيه.
وتجب عليه عمرة مفردة بعد إكمال الحج
والإحلال منه (1).
3 - الحج القراني:
حج القران مثل الإفراد، غير أنه يتميز عنه
بسياق الهدي عند إحرامه (2).
ويسقط وجوب هدي التمتع عن القارن
والمفرد، ولا يسقط استحباب التضحية عنهما (3).
نعم يجب على القارن نحر أو ذبح الهدي الذي
ساقه (4).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في مواطنه المناسبة
إن شاء الله تعالى.
وجه التسمية في الأقسام الثلاثة:
قال صاحب المدارك: " ووجه التسمية:
أما في الإفراد، فلانفصاله عن العمرة وعدم
ارتباطه بها.
وأما القران، فلاقتران الإحرام بسياق الهدي.
وأما التمتع، فهو لغة التلذذ والانتفاع، وإنما
سمي هذا النوع بذلك لما يتخلل بين عمرته وحجه
من التحلل المقتضي لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان
قد حرمه الإحرام قبله مع الارتباط بينهما وكونهما
كالشئ الواحد، فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه
حاصل في أثناء الحج... " (1).
ثم ذكر وجها آخر لكنه ليس قويا (2)، ونسب
الوجهين إلى الزمخشري في الكشاف والنيسابوري
في تفسيره (3).
ما هو أفضل الأقسام؟
إن الأفضلية إنما تتصور بالنسبة إلى من لم يتعين
عليه نوع خاص، وأما مع التعين فلا معنى للأفضلية.
والأفضل في صورة عدم التعين هو التمتع
للبعيد، كما صرحت به النصوص (4).

(1) انظر الشرائع 1: 238.
(2) المصدر المتقدم: 239.
(3) المصدر المتقدم: 240 و 259.
(4) المصدر المتقدم: 263.
(1) المدارك 7: 155 - 156، وانظر الحدائق 14: 314.
(2) وهو: انتفاعه بالتقرب إلى الله بالعمرة قبل الانتفاع
بتقربه إليه بالحج.
(3) انظر الكشاف ذيل الآية 196 من سورة البقرة،
ولم يحضرني تفسير النيسابوري.
(4) انظر الحدائق 14: 312.
285

هل يجوز العدول من أحد الأقسام إلى غيره؟
يختص حج التمتع بمن كان بعيدا عن المسجد
الحرام، واختلفوا في حد البعد، فقيل: إنه ثمانية
وأربعون ميلا - أي ستة عشر فرسخا شرعيا - وقيل:
اثنا عشر ميلا. والأول هو المشهور.
وأما حج الإفراد والقران فإنما يجبان
على أهل مكة وما والاها ما لم يصل إلى الحد
المذكور (1).
ويتعين على كل من الطائفتين العمل بوظيفته،
ولا يجوز العدول إلى غيره ابتداء (2).
نعم، يجوز العدول في الأثناء اضطرارا،
فيجوز العدول من التمتع إلى الإفراد في الأثناء
لو دخل في عمرة التمتع ثم ضاق وقته فلم يتمكن من
إتمامها وإدراك الحج، فإنه ينقل بالنية عمرته إلى حج
الإفراد، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج.
وكذا يجوز العدول من الإفراد إلى التمتع
اضطرارا، كما لو خاف من عدم التمكن من إتيان
العمرة لو أخرها، لسبب ما، كالعدو والحيض ونحو
ذلك. فينقل حجته المفردة إلى عمرة التمتع، ويأتي
بحج التمتع بعدها (3).
هذا كله بالنسبة إلى الحج الواجب،
أما المندوب، فيجوز لكل من القريب والبعيد أن
يأتي بأي قسم من الأقسام الثلاثة.
وإذا أفرد الحج ندبا وأحرم له، جاز له
إجمالا أن يعدل إلى عمرة التمتع، فيأتي بها،
ثم يتبعها بحج التمتع (1).
هذا كله إجمالا، وسوف تأتي تفاصيل هذه
الأمور في عنوان " حج " وما يناسبه إن شاء الله
تعالى.
مظان البحث:
كتاب الحج: عند بيان أقسامه، وحكم كل
واحد منها إجمالا.
إفراز
لغة:
مصدر أفرز، يقال: فرزت الشئ وأفرزته
إذا قسمته، وأصله من الفرز، أي عزل شئ عن
شئ وميزه منه (2).

(1) انظر: المدارك 7: 158 و 189، وكشف اللثام 5: 15
و 20، والمعتمد في شرح المناسك 3: 222 - 227.
(2) انظر: المدارك 7: 163، وكشف اللثام 5: 25،
والمعتمد 3: 228.
(3) انظر: المدارك 7: 163 و 175 و 189، وكشف اللثام
5: 27، والمعتمد 3: 228 و 261.
(1) انظر: المدارك 7: 203 - 204، وكشف اللثام 5: 59
- 60، والمعتمد 3: 228 و 277.
(2) انظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب،
والقاموس المحيط: " فرز ".
286

اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
استعمله الفقهاء في موارد من الفقه، من قبيل
القسمة التي تكلموا عنها في كتابي الشركة
والقضاء (1)، وبالمناسبة في غيرهما.
ومن قبيل الزكاة والخمس (2) عند الكلام عن
إفراز حق المستحقين عن سائر الأموال. وذلك
يرجع إلى القسمة أيضا.
ولذلك نحيل الكلام عنه على عنوان " قسمة ".
ولكن الأكثر التعبير ب‍ " العزل " بدل
" الإفراز " في موردي الزكاة والخمس.
إفراط
لغة:
مجاوزة الحد، والإسراف في الشئ (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
تقدم الكلام عن ذلك في عنوان " إسراف "
بصورة تفصيلية، وراجع عنوان " اعتدال " أيضا.
إفساد
لغة:
مصدر أفسد، والفساد: نقيض الصلاح،
والخروج عن حد الاعتدال (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعاني التالية:
1 - إبطال العمل أو القول بسبب زيادة أو
نقيصة فيه، كإبطال الصلاة، وإبطال العقد.
2 - إشهار السلاح على المسلمين وقطع
الطريق، اقتباسا من قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو
ينفوا من الأرض...) * (2).
3 - في المعنى اللغوي وهو عدم الصلاح،
يقال: أفسد الطعام، وأفسد الخل ونحو ذلك، أي
جعله غير صالح للاستعمال.
وقد تقدم الكلام عن الأول في عنوان
" إبطال "، ويأتي عن الثاني في العنوانين: " محاربة "

(1) انظر الجواهر 26: 309، و 40: 325 وخاصة الصفحة
333.
(2) انظر المستمسك 9: 192 و 433 و 589.
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والمصباح
المنير، والقاموس المحيط: " فرط ".
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، ومعجم مفردات ألفاظ
القرآن (للراغب الإصفهاني): " فسد ".
(2) المائدة: 33.
287

و " قطع الطريق ".
والثالث لا ضرورة للكلام عنه، لأنه
مستعمل في المعنى اللغوي وفي مواطن عديدة.
إفشاء
لغة:
الإظهار، والنشر، والتوسع، فإفشاء السر:
إظهاره، وإفشاء السلام: نشره وإذاعته، وإفشاء
الشئ - كالدم والنجاسة ونحوهما - توسعه (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعاني اللغوية نفسها.
الأحكام:
يختلف حكم الإفشاء باختلاف متعلقه، فقد
يحرم أو يجب أو يستحب.
وفيما يلي نذكر كل واحد من هذه الأقسام:
أولا - الإفشاء المحرم:
يحرم الإفشاء في عدة موارد نشير إليها
إجمالا، وهي:
1 - إفشاء أسرار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام):
لا يجوز إفشاء ما أسره النبي (صلى الله عليه وآله)
أو الإمام (عليه السلام)، سواء ارتبط ذلك بأمن الدولة
الإسلامية، أو المسلمين، أو بأحواله الشخصية.
قال تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه
حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه...) * (1).
ففي هذه الآية والتي بعدها تقريع وتوبيخ
لبعض أمهات المؤمنين، وهما حفصة وعائشة، حيث
قامت الأولى بإفشاء بعض ما أسره النبي (صلى الله عليه وآله) إليها
للثانية (2).
ولذلك لم تفش فاطمة الزهراء (عليها السلام) سر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلا بعد وفاته حينما أسر إليها: أنه ميت من
مرضه ذلك، وأنها أول من يلحق به من أهل بيته (3).

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب،
ومجمع البحرين: " فشا ".
(1) التحريم: 3.
(2) انظر: تفسير الكشاف 4: 126، وتفسير البيضاوي
2: 505، وتفسير مجمع البيان 10: 313 - 314.
(3) جاء في حديث عائشة: "... فلما مرض النبي صلى الله
عليه [وآله] وسلم دخلت فاطمة فأكبت عليه فقبلته ثم
رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه، ثم رفعت رأسها
فضحكت، فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل
نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلى الله
عليه [وآله] وسلم، قلت لها: أرأيت حين أكببت على
النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فرفعت رأسك
فبكيت، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت،
ما حملك على ذلك؟ قالت: إني إذا لبذرة. أخبرني:
أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أسرع
أهله لحوقا به، فذاك حين ضحكت ". سنن الترمذي
5: 700، كتاب المناقب، الباب 61، الحديث 3872.
وقال ابن الأثير بعد نقل قولها (عليها السلام): " إني إذن
لبذرة ": " البذر الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه "،
ثم نقل عن الإمام علي (عليه السلام) قوله في صفة الأولياء:
" ليسوا بالمذاييع البذر "، ثم قال: " جمع بذور، يقال:
بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب، أي أفشيته
وفرقته ". النهاية (لابن الأثير): " بذر ".
288

ولا يختص ذلك بإفشاء الأحوال الشخصية،
بل يشمل إفشاء ما يرتبط بأمن الدولة الإسلامية
والمسلمين، وقد ذم الله تعالى بقوله: * (وإذا جاءهم
أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) * (1) قوما كانوا
يذيعون ما كان يصل إليهم من سرايا الرسول من
الظفر أو عكسه، أو ما كان يخبرهم الرسول (صلى الله عليه وآله)
بذلك، فكانت إذاعتهم مفسدة (2).
روى محمد بن عجلان، قال: " سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل عير أقواما
بالإذاعة في قوله عز وجل: * (وإذا جاءهم...) *
فإياكم والإذاعة " (3).
ويدخل في هذا الإطار ما كان يحدث الأئمة
أصحابهم ببعض الأحكام الشرعية التي كانت
تخالف آراء الفقهاء الذين كانت تسندهم السلطة،
أو ببعض الأخبار والعلوم التي لم يكن يتحملها
إلا القليل، فكان بعضهم يذيعها قصورا أو تقصيرا،
وكان يترتب على ذلك ضرر يصيب الأئمة (عليهم السلام)
وشيعتهم، ولذلك ورد عنهم (عليهم السلام): " ما قتلنا من أذاع
حديثنا قتل خطأ، ولكن قتلنا قتل عمد " (1)، وعن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من استفتح نهاره بإذاعة
سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس " (2).
وورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله
تعالى: * (ويقتلون الأنبياء بغير حق) *: " أما والله ما
قتلوهم بأسيافهم، ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا
عليهم فقتلوا " (3).
2 - إفشاء سر المؤمن وإذاعته:
ورد النهي الشديد عن إفشاء سر المؤمن
وإذاعته، وقد عد المحقق الأردبيلي (4) ذلك في جملة ما
يخل بالعدالة، وذكر المحدثون في كتب الحديث أبوابا
عديدة تحت هذا العنوان أو ما يناسبه، اشتملت على
روايات كثيرة، منها:
أ - ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" المجالس بالأمانة، وليس لأحد أن يحدث بحديث
يكتمه صاحبه إلا بإذنه، إلا أن يكون ثقة،
أو ذكرا (5) له بخير " (6).
ب - ما رواه محمد بن مسلم، قال: " سمعت

(1) النساء: 83.
(2) انظر تفسير البيضاوي 1: 227.
(3) أصول الكافي 2: 369، باب الإذاعة، الحديث الأول.
(1) أصول الكافي 2: 369، باب الإذاعة، الحديث 4.
(2) أصول الكافي 2: 372، باب الإذاعة، الحديث 12.
(3) المصدر المتقدم: 371، الحديث 7، والآية 112
من سورة آل عمران.
(4) مجمع الفائدة 12: 349.
(5) كذا في المصدر، ولعله: ذاكرا.
(6) أصول الكافي 2: 660، باب المجالس بالأمانة، الحديث 3.
289

أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يحشر العبد يوم القيامة
وما ندى (1) دما، فيدفع إليه شبه المحجمة (2)، أو فوق
ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول:
يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما،
فيقول: بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا،
فرويتها عليه، فنقلت حتى صارت إلى فلان الجبار
فقتله عليها. وهذا سهمك من دمه " (3).
ج - وعن عبد الله بن سنان، قال: " قلت له:
عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم. قلت:
تعني سفلييه؟ قال: ليس حيث تذهب، إنما هي
إذاعة سره " (4).
د - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص
الإيمان إلى قلبه، لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا
عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته،
ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته " (5).
والروايات بهذه المضامين كثيرة جدا. إضافة
إلى الروايات الواردة في الغيبة والنميمة، لأن الغيبة
قد تتضمن إفشاء السر، كما أن حقيقة النميمة هي:
إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه (1).
ما هو المراد من السر؟
المراد من السر في هذه الموارد ما لا يرضى
صاحبه بكشفه وإظهاره، سواء كان قولا، أو فعلا،
أو حالة. وسواء كان السر بين اثنين أو أكثر.
ويدخل ضمن هذا الإطار المستشارون
بجميع رتبهم وأعمالهم ومن لهم - بحسب مهنتهم -
اطلاع على أسرار الناس المالية والجسمية
والروحية، كالعلماء لكثرة رجوع الناس إليهم
وطرح مشاكلهم لهم، والأطباء، والقضاة، وموظفي
البنوك ودوائر الأحوال الشخصية، ونحوهم.
3 - إفشاء الفاحشة:
إنما تقع الفاحشة في المجتمع الإسلامي الملتزم
بظواهر الإسلام سرا، فلذلك لا يجوز إظهار
الفاحشة وإفشاؤها حتى من قبل فاعلها، كما تقدم
توضيحه في العنوانين: " استتار " و " إسرار "، وقد
ورد النهي عن ذلك في الكتاب والسنة:
أما الكتاب، ففي قوله تعالى: * (إن الذين
يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
عذاب أليم) * (2).

(1) قال ابن الأثير: " وفيه: " من لقي الله ولم يتند من الدم
الحرام بشئ دخل الجنة ". أي لم يصب منه شيئا ولم ينله
منه شئ، كأنه نالته نداوة الدم وبلله ". النهاية: " ندا ".
(2) المحجمة: الآلة التي يجتمع فيها دم الحجام عند المص،
المصدر المتقدم " حجم ".
(3) أصول الكافي 2: 370، باب الإذاعة، الحديث 5.
(4) أصول الكافي 2: 358، باب الرواية على المؤمن،
الحديث 2، والمسؤول هو الإمام الصادق (عليه السلام).
(5) أصول الكافي 2: 354، باب من طلب عثرات المؤمنين
وعوراتهم، الحديث 2.
(1) انظر: كشف الريبة: 86، والمحجة البيضاء 5: 277.
(2) النور: 19.
290

وإشاعة الفاحشة: إفشاؤها.
وأما السنة، فقد ورد النهي عن إشاعة
الفحشاء وتفسيرها بإفشاء السر في روايات
عديدة، فمنها: ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال في مؤمن ما رأته
عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل:
* (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
لهم عذاب أليم) * (1).
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أذاع فاحشة كان
كمبتدئها، ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه " (2).
ما يستثنى من حرمة الإفشاء:
استثنى الفقهاء من حرمة الغيبة عدة موارد
يمكن أن يكون بعضها من استثناءات حرمة إفشاء
السر أيضا، يجمعها أن تكون مصلحة الإفشاء في
ذلك المورد أعظم من مصلحة الستر وعدم الإفشاء،
فمن تلك الموارد:
أ - الحكم والشهادة والإفتاء:
يجوز إفشاء السر - إذا كان لازما - عند
الحاكم سواء كان الفاشي هو صاحب الدعوى أو
الشاهد، بل يجب على الشاهد الإفشاء لو توقفت
الشهادة والحكم عليه، كما لو رأى الجاني حين
جنايته سرا، أو أقر المديون بدينه عنده سرا.
وكذا لو استلزم الاستفتاء ذكر شخص مع ما يختص
به من صفة أو حالة (1).
ب - جرح الشهود:
يجوز إفشاء ما يوجب فسق الشاهد عند
الحاكم، لكي لا يحكم طبقا لشهادة فاسدة (2)،
بل يجب لو طلب منه ذلك، لأنه من أداء الشهادة،
وهي واجبة كما تقدم.
ج - نصح المستشير:
نصح المستشير واجب، فإذا استلزم ذلك
إفشاء السر جاز، بل وجب، كما إذا أراد شخص أن
يتزوج بامرأة فاستشار من يعلم بخصائصها
الروحية والجسمية والاعتقادية، فأبرز المشير من
خصائصها ما كان خفيا على المستشير (3).
راجع: استشارة.
د - إبطال البدع والأباطيل:
إذا توقف إبطال بدعة على إفشاء أسرار
مبتدعها للناس، لكي يبتعدوا عنه ولا يضلوا بسببه
جاز، بل وجب (4).
ثانيا - الإفشاء الواجب:
إنما يجب إفشاء السر إذا كانت مصلحة

(1) أصول الكافي 2: 357، باب الغيبة والبهت،
الحديث 2.
(2) المصدر المتقدم: 356، باب التعيير، الحديث 2.
(1) انظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 352، وجعل
مورده الاستفتاء، لكن الحكم أولى.
(2) انظر المصدر المتقدم: 354.
(3) انظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 351.
(4) انظر المصدر المتقدم: 353.
291

الإفشاء أكثر من مصلحة الستر، كبعض الحالات
التي ذكرناها في مستثنيات حرمة الإفشاء، مثل
الشهادة والاستشارة وإبطال بدعة المبتدع، ونحوها
مما لا يمكن حصره فعلا.
ثالثا - الإفشاء المستحب:
ينبغي إفشاء مكارم الأخلاق والصفات
الحسنة بين الناس، ومما ورد التأكيد في إفشائه
بالخصوص السلام. فقد روي: أنه " كان علي (عليه السلام)
يقول: لا تغضبوا ولا تغضبوا، أفشوا السلام،
وأطيبوا الكلام، وصلوا بالليل والناس نيام،
تدخلوا الجنة بسلام " (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " كان سلمان (رحمه الله)
يقول: أفشوا سلام الله، فإن سلام الله لا ينال
الظالمين " (2).
راجع العنوانين: " تحية " و " سلام ".
مظان البحث:
أكثر مطالب هذا العنوان مستخرجة من كتب
الحديث، ومن البحث عن الغيبة والنميمة عند الكلام
عن المكاسب المحرمة، وبعضها مستخرج من كتابي
القضاء والشهادات.
إفضاء
لغة:
مصدر أفضى، يقال: أفضيت المكان، أي
وسعته وجعلته فضاء. والفضاء: المكان الواسع.
وأفضى إلى فلان: انتهى إليه، فلم يكن بينهما
حاجز.
وبهذه المناسبة أطلق الإفضاء على:
1 - الخلوة بالمرأة، سواء جامعها أو لا.
2 - الجماع، ومنه قوله تعالى بالنسبة إلى المهر:
* (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض...) * (1).
فالإفضاء في الآية بمعنى الوصول، وهو هنا
كناية عن الجماع (2).
3 - جعل مسلكي المرأة واحدا بسبب الوطء.
4 - مس الأرض براحة اليد.
5 - إنهاء السر وإعلامه لشخص (3).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء بالمعاني المتقدمة،

(1) أصول الكافي 2: 645، باب التسليم، الحديث 7.
(2) المصدر المتقدم: 644، الحديث 4.
(1) النساء: 21.
(2) كنز العرفان 2: 203، وانظر جامع المقاصد 13: 17.
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، وأساس البلاغة
(للزمخشري)، ولسان العرب، والمصباح المنير، ومجمع
البحرين: " فضا ".
292

لكن المبحوث عنه فعلا هو الثالث.
ما هي حقيقة الإفضاء؟
اختلف الفقهاء في تفسير الإفضاء، ولهم فيه
قولان:
الأول - أن الإفضاء هو جعل مسلك الحيض
والبول واحدا.
اختاره الشيخ الطوسي حيث قال: " الإفضاء
أن يجعل مدخل الذكر - وهو مخرج المني والحيض
والولد - ومخرج البول واحدا، فإن مدخل الذكر
ومخرج الولد واحد وهو أسفل الفرج، ومخرج البول
من ثقبة كالإحليل في أعلى الفرج، وبين المسلكين
حاجز دقيق، والإفضاء إزالة ذلك الحاجز،
وقال كثير من أهل العلم (1): الإفضاء أن يجعل مخرج
الغائط ومدخل الذكر واحدا، وهذا غلط، لأن ما
بينهما حاجز غليظ قوي " (2).
ووافقه على ذلك: ابن إدريس (3)،
والشهيد الأول (4)، والمحقق الثاني (5)، وصاحب
المدارك (6)، وصاحب الكفاية (7)، والفاضل
الإصفهاني (1)، وصاحب الحدائق (2)، وصاحب
الرياض (3)، وصاحب الجواهر (4)، والشيخ
الأنصاري (5)، والسيد الحكيم (6)، و...
الثاني - جعل مسلك الحيض والبول،
أو الحيض والغائط واحدا.
اختاره يحيى بن سعيد (7)، وقال العلامة بعد
نقل القولين واستقراب ما ذكره الشيخ: " فالأقرب
عندي وجوب الدية بكل منهما " (8).
وقال ولده في بحث النكاح: " وهذه المسألة
ليست من هذا العلم، بل إما من علم التشريح إن نظر
إلى المعنى، وإما من علم اللغة إن نظر إلى الوضع
اللغوي، فالفقيه يتسلمه تسليما ثم يرتب الحكم
عليه " (9)، وقال في بحث الديات بعد نقل رأي الشيخ

(1) يعني: أهل العلم من العامة لا الإمامية.
(2) المبسوط 7: 149 - 150.
(3) السرائر 2: 604، و 3: 393.
(4) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 10: 239.
(5) جامع المقاصد 12: 331.
(6) نهاية المرام 1: 60 و 332.
(7) الكفاية: 176.
(1) كشف اللثام 7: 368، لكن قال في بحث الديات:
" الأقرب عندي وجوب الدية بكل منهما، لصدق
الاسم عليهما وإن بعد وقوع الأول مع أنه أولى بالدية،
ويحتمل الاختصاص بالثاني والحكومة في الأول،
للأصل وتبادر الثاني من اللفظ، لبعد الأول... ".
كشف اللثام (الحجرية) 2: 509.
(2) الحدائق 23: 94.
(3) الرياض 10: 83.
(4) الجواهر 29: 421.
(5) النكاح (للشيخ الأنصاري): 74.
(6) المستمسك 14: 86.
(7) الجامع للشرائع: 462.
(8) القواعد 3: 683، وانظر المختلف 9: 388.
(9) إيضاح الفوائد 3: 77.
293

ورأي والده، مشيرا إلى رأي والده: " ونعم ما قال،
الأقوى وجوب الدية بحصول أي واحد كان من
المعنيين المذكورين، لصدق اسم الإفضاء على كل
واحد منهما حقيقة، وبعد الأول لا ينافي التسمية،
وهذا هو الأصح " (1).
وقال الشهيد الثاني: " والمراد بالإفضاء
تصيير مسلك البول والحيض واحدا بإذهاب
الحاجز بينهما، وقيل: تصيير مسلك الغائط والحيض
واحدا، وهو بعيد لبعد ما بين المسلكين وقوة الحاجز
بينهما، فلا يكاد يتفق زواله بالجماع، ولو فرض كان
إفضاء أيضا " (2).
وقال في الروضة بعد نقل كلام الشهيد الأول
المتضمن للمعنى الأول: " وقيل: مسلك الحيض
والغائط، وهو أقوى في تحققه، فتجب الدية بأيهما
كان، لذهاب منفعة الجماع بهما " (3).
وممن اختاره أيضا، السادة: اليزدي (4)،
والخوئي (5)، والخميني (6).
وعلله السيد الخوئي: بأن تفسير الإفضاء لم
يرد في النصوص، فلا بد من حمله على معناه
اللغوي، وهو جعل الموضع واسعا، وهو يتحقق بكل
من المعنيين.
الأحكام:
تترتب على الإفضاء أحكام نشير إليها فيما
يأتي إجمالا، فنقول:
إن الإفضاء إما أن يحصل بسبب الزوج،
أو بالأجنبي، ولكل منهما حكمه:
أولا - الإفضاء بسبب الزوج:
الإفضاء بسبب الزوج له حالتان، لأن
الزوجة إما أن تكون صغيرة أو كبيرة:
الحالة الأولى - إذا كانت الزوجة المفضاة
صغيرة:
هذه الحالة تحتوي عمدة أبحاث الإفضاء،
ولذلك قدمناها، فنقول:
لا خلاف في حرمة وطء الزوجة التي لم
تبلغ تسع سنين، سواء أدى ذلك إلى إفضائها
أو لا (1).
وأما إذا أثم ودخل بها فأفضاها، فيترتب
عليه عدة أحكام، نبحثها فيما سيأتي:
1 - هل تبين الزوجة من الزوج أم لا؟
في المسألة أقوال:
أ - أنها تبين من زوجها.

(1) إيضاح الفوائد 4: 703.
(2) المسالك 7: 68.
(3) الروضة البهية 10: 239.
(4) العروة الوثقى: كتاب النكاح، فصل في وطء الصغيرة
قبل إكمال التسع، المسألة الثالثة.
(5) مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 163.
(6) تحرير الوسيلة 2: 216، كتاب النكاح،
المسألة 12.
(1) انظر الجواهر 29: 414.
294

اختار هذا الرأي ابن حمزة (1)، وفخر
الدين (2)، وهو الظاهر من الشيخ الطوسي في النهاية،
لأنه قال: " فرق بينهما ولم تحل له أبدا " (3).
ب - أنها لا تبين منه، بل تبقى العلقة
الزوجية بينهما.
وهذا القول مستفاد من كلمات أكثر الفقهاء،
كابن الجنيد (4) والشيخ المفيد (5)، والشيخ الطوسي في
المبسوط (6)، وابن إدريس (7)، والمحقق الحلي (8)،
ويحيى بن سعيد (9)، والشهيد الثاني (10)، والفاضل
الإصفهاني (11)، والسيد الطباطبائي (12)، وصاحب
الجواهر (13)، والشيخ الأنصاري (14)، والسادة:
اليزدي (1)، والحكيم (2)، والخوئي (3)، والخميني (4).
واستقربه العلامة في القواعد (5).
ج - التوقف في المسألة:
ذهب إليه العلامة، حيث قال بعد ذكر القولين
المتقدمين: " ونحن في هذه المسألة من المتوقفين " (6)،
وقال في القواعد: " وقيل: لا تخرج من حباله.
وفيه نظر " (7).
وقال المحقق الكركي بعد نقل القولين: " وقول
ابن حمزة ليس ببعيد، والتوقف طريق السلامة " (8).
د - ولم يتعرض بعض الفقهاء لهذا الجانب،
أو كلامهم مجمل ولا يمكن نسبة شئ إليهم.
2 - هل يحرم وطء المفضاة أم لا؟
يأتي هذا البحث بعد الفراغ من عدم البينونة
بين الزوجين، وأما بناء على البينونة فلا محل له.
وفي المسألة قولان:
أ - حرمة وطئها تحريما مؤبدا، وهو رأي أكثر

(1) الوسيلة: 292.
(2) إيضاح الفوائد 3: 77 - 78.
(3) النهاية: 453.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 7: 44.
(5) المقنعة: 747، لأنه قال: "... كان عليه دية نفسها،
والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما ".
(6) المبسوط 4: 318، فإنه صرح بوجوب تمكين الزوج
من نفسها بعد الاندمال.
(7) السرائر 2: 531.
(8) الشرائع 2: 270.
(9) الجامع للشرائع: 428.
(10) المسالك 7: 68، والروضة البهية 6: 104.
(11) كشف اللثام 7: 193.
(12) الرياض 10: 84.
(13) الجواهر 29: 416.
(14) النكاح (للشيخ الأنصاري): 428.
(1) العروة الوثقى: كتاب النكاح، فصل في وطء الزوجة
قبل إكمال التسع، المسألة 2.
(2) المستمسك 14: 82.
(3) مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 156.
(4) تحرير الوسيلة 2: 216، كتاب النكاح، مقدمات
النكاح، المسألة 12.
(5) القواعد 3: 682.
(6) المختلف 7: 46.
(7) القواعد 3: 33.
(8) جامع المقاصد 12: 332.
295

الفقهاء، بل ادعي عدم الخلاف فيه (1).
ب - جواز الوطء بعد الاندمال.
جاء في جواهر الفقه للقاضي:
" مسألة - إذا وطئ الرجل زوجته فأفضاها،
ثم أراد جماعها بعد ذلك، هل يجوز له جماعها
أم لا؟
الجواب - إذا كان الموضع قد اندمل بعد
الإفضاء وبرئ كان له جماعها، وليس لها منعه، وإن
لم يكن اندمل، لم يجز له جماعها... " (2).
وحمله صاحب الجواهر على وطء الكبيرة،
لكن قال: " إلا أن الإنصاف مع ذلك كله عدم خلوه
عن القوة، للعمومات... " (3).
ونسب (4) إلى يحيى بن سعيد في النزهة (5)،
لكن كلامه هناك يحوم حول مناقشة كلام الشيخ في
النهاية الذي كان ظاهره يقتضي البينونة بين
الزوجين - كما تقدم - والذي يعبر عنه بالحرمة
الأبدية أيضا (6)، وهذا غير البحث عن حرمة
الوطء، ولذلك اختار - أي ابن سعيد - حرمة وطئها
مع بقائها على الزوجية في كتابه الجامع للشرائع (1)،
فلم تكن منافاة بين ما اختاره في كتابيه، وأما لو
نسبنا إليه القول بجواز الوطء بعد الاندمال فتقع
المنافاة بينهما. فتأمل جيدا.
وممن صرح بجواز الوطء بعد الاندمال
الفاضل الإصفهاني، حيث قال: "... فالأقرب
وفاقا للنزهة الحل " (2).
والظاهر من السيد الخوئي اختيار هذا القول،
لأنه بنى المسألة على أن المستند للقول بالحرمة هل
هو الإجماع أو مرسلة يعقوب بن يزيد التي جاء
فيها: " ولم تحل له أبدا "، فعلى الأول يختص الحكم
بالقدر المتيقن، وهو صورة عدم الاندمال، لأن الدليل
وهو الإجماع لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وعلى
الثاني يحرم الوطء قبل الاندمال وبعده، لإطلاق
قوله (عليه السلام) " لم تحل له أبدا " الشامل للحالتين (3).
لكنه قد ناقش الدليلين فيما سبق من كلامه،
فلم يبق دليل على حرمة الوطء عنده (4).

(1) انظر الجواهر 29: 416، فإنه نقل إجماعات مستفيضة
على ذلك.
(2) جواهر الفقه: 174، وللشيخ الطوسي في المبسوط كلام
يشبه هذا، إلا أن ظاهره اختصاصه بالبالغة. انظر
المبسوط 4: 318.
(3) الجواهر 29: 417.
(4) نسبه إليه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 7: 193.
(5) نزهة الناظر: 96.
(6) اشتراك هذا التعبير بين حرمة الوطء وبين البينونة في
الزوجية جعله منشأ للاشتباه والالتباس في كلمات
الفقهاء، ومنها هذا المورد.
(1) الجامع للشرائع: 428.
(2) كشف اللثام 7: 193.
(3) مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 158.
(4) مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 155، وانظر منهاج
الصالحين 2: 265، كتاب النكاح، الفصل الثالث في
المحرمات، المسألة 1260.
296

3 - وجوب الإنفاق على المفضاة:
يجب على الزوج الإنفاق على الزوجة
الصغيرة التي أفضاها ما داما حيين والزوجية باقية.
وهذا المقدار مما لا إشكال ولا خلاف فيه
ظاهرا (1)، وإنما الكلام فيما إذا طلقها وتزوجت
بغيره، أو بانت بمجرد الإفضاء - على القول به - فهل
يجب الإنفاق عليها أيضا أم لا؟
الظاهر من كلمات أغلب الفقهاء حيث أطلقوا
القول بوجوب الإنفاق من دون تقييد هو الوجوب
في صورة زواجها بشخص آخر، بل صرح
بعضهم (2) بذلك، لعموم النص في قوله (عليه السلام): " عليه
الإجراء عليها ما دامت حية " (3). و " ما " من
أدوات العموم فيعم ما إذا تزوجت (4).
لكن استشكل العلامة (5) في ثبوت النفقة في
هذه الصورة، واستقرب ابن فهد سقوطها (6)،
واستظهر الشيخ الأنصاري عدم وجوبها (7).
ونسب ذلك إلى بعض آخرين (1)، واكتفى بعضهم
بذكر القولين ولم يرجح (2).
والوجه الذي ذكروه للسقوط هو: أن
الشارع إنما أوجب على المفضي الإنفاق على
المفضاة، لأنه بالإفضاء أخرجها عن رغبة الأزواج
فيها، فجاءت النفقة إرفاقا بها، فإذا تزوجت انتفى
المقتضي للإنفاق، ولأن نفقة امرأة واحدة لا تجب
على اثنين في زمان واحد (3).
4 - وجوب الدية:
صرح الفقهاء بأن من أفضى زوجته قبل أن
تكمل تسع سنين يجب عليه أن يدفع لها ديتها،
وهي دية النفس في المرأة، التي تساوي نصف
دية الرجل (4).
وظاهر كلمات المشهور هو ثبوت الدية مطلقا،
سواء طلقها أم لا، إلا أن بعض الفقهاء خصها بصورة
الطلاق، وأما مع بقاء علقة الزوجية، فلا يجب عليه
دفع الدية، استنادا إلى ظاهر بعض الروايات (5).

(1) انظر: جامع المقاصد 12: 332، والرياض 10: 85.
(2) انظر: الروضة البهية 10: 242، حيث ناقش دليل
القائل بالسقوط. والرياض 10: 85، والمستمسك
14: 85، ومباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 161،
وتحرير الوسيلة 2: 216، كتاب النكاح، المسألة 12.
(3) الوسائل 20: 494، الباب 34 من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة، الحديث 4.
(4) انظر جامع المقاصد 12: 332.
(5) القواعد 3: 33.
(6) المهذب البارع 3: 212.
(7) انظر النكاح (للشيخ الأنصاري): 428.
(1) انظر الجواهر 29: 427، فإنه نسبه إلى ابن القطان
والصيمري أيضا.
(2) انظر: إيضاح الفوائد 3: 78، وكشف اللثام 7: 194.
(3) انظر جامع المقاصد 12: 333.
(4) انظر الجواهر 29: 422، و 43: 275.
(5) انظر: مباني العروة الوثقى (النكاح) 1: 160، ومباني
تكملة المنهاج 2: 371 - 373، فإنه اختاره واستظهره
من جماعة، وهو الظاهر من كلام الإسكافي الذي نقله
عنه العلامة. انظر المختلف 7: 44.
297

5 - وجوب المهر:
إن ثبوت المهر ووجوبه على الزوج بالإفضاء
مما لا كلام فيه، لأن المهر إنما يثبت بمجرد الدخول،
سواء أدى إلى الإفضاء أو لا، وإنما ذكره الفقهاء لئلا
يتوهم دخوله في الدية (1).
6 - ترتيب آثار الزوجية:
إذا قلنا ببقاء المفضاة على الزوجية، سواء قلنا
بحرمة وطئها أبدا أو قبل الاندمال، فتترتب أحكام
الزوجة على المفضاة، فإن كانت هي الرابعة فلا يجوز
للزوج التزوج بخامسة، كما لا يجوز التزوج بأختها،
ولا ببنت أختها أو أخيها من دون رضاها،
وهكذا سائر الأحكام المتعلقة بالزوجة، كالطلاق
والتوارث ونحوهما.
وأما إذا قلنا بعدم بقاء العلقة الزوجية،
فلا يترتب شئ من هذه الآثار، وهو
واضح (2).
هذا كله إذا كانت الزوجة المفضاة صغيرة.
الحالة الثانية - إذا كانت الزوجة المفضاة
كبيرة:
وأما إذا كانت الزوجة المفضاة كبيرة،
بمعنى أن الزوج أفضاها بعد البلوغ، فلا يترتب
على إفضائها شئ على ما هو المعروف بين
الفقهاء (1)، لكن قال العلامة في المختلف: " لو أفضى
الزوجة مع بلوغها لم يكن عليه شئ، ولو قيل:
يجب عليه الضمان مع التفريط كان وجها " (2)،
ومثله الشهيد الثاني، حيث استوجه ضمان الدية
لو كان الزوج مفرطا، أو الزوجة ضعيفة يغلب
الظن بإفضائها (3).
ثانيا - الإفضاء بسبب غير الزوج:
إذا أفضى الأجنبي أجنبية، سواء كان
بالدخول أو بغيره، كإدخال إصبع، فالذي يترتب
عليه قطعا هو الدية.
وأما المهر، فإن كانت المرأة مطاوعة،
فلا تستحقه، لأنه لا مهر لبغي، وإن كانت
مكرهة فتستحقه (4).
وقال بعضهم: إذا كانت بكرا استحقت أرش
البكارة زائدا على المهر، كالشيخ الطوسي (5)،

(1) انظر الجواهر 29: 421.
(2) انظر: الجواهر 29: 425، والمستمسك 14: 91،
ومباني العروة (النكاح) 1: 170.
(1) انظر: المهذب البارع 5: 348، وجامع المقاصد
12: 336، وكشف اللثام 7: 195، والجواهر 43:
275، والمستمسك 14: 87، ومباني العروة (النكاح)
1: 164.
(2) المختلف 9: 388.
(3) الروضة البهية 10: 240.
(4) انظر: المبسوط 4: 318، و 7: 150، والقواعد 3:
683، والجواهر 43: 275، وغيرها، والظاهر تسالم
الأصحاب على الحكمين المتقدمين إجمالا.
(5) المبسوط 7: 150.
298

والمحقق (1)، والعلامة (2)، وولده (3)، وابن فهد (4)،
والشهيد الثاني (5)، والفاضل الإصفهاني (6).
هذا، وذهب آخرون إلى عدم وجوبه، لأنه
داخل في ضمن المهر، فلا مجال لوجوب الأرش مع
وجوب المهر.
وممن اختار هذا الرأي أو مال إليه، صاحب
الجواهر (7) والسيد الخوئي (8).
وأما بالنسبة إلى الإنفاق والتحريم، فالظاهر
من كلمات الفقهاء عدم ترتبهما على إفضاء
الأجنبية (9)، إلا أن العلامة قال: " وهل تثبت هذه
الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم، وفي النفقة
إشكال " (10)، وقال أيضا: " والأقرب عدم تحريم
الأمة والمفضاة بالإصبع " (11).
وقال ولده في الإيضاح موضحا كلامه:
" أقول: " هذه الأحكام " إشارة إلى أحكام ثلاثة:
أ - التحريم المؤبد.
ب - وجوب الإنفاق دائما إذا لم تتزوج.
ج - أنه لو تزوجت هل يجب عليه النفقة
أو لا؟ " (1).
ثم وافقه في الحكم الأول - أي التحريم
المؤبد (2) - ووافقه المحقق الثاني (3).
وكلامهم في الأجنبية الصغيرة، وأما الكبيرة،
فقال العلامة بالنسبة إلى التحريم: " فيه نظر "،
ولم يقل بالتحريم فيها ولده (4) كغيره من الفقهاء،
نعم قال به المحقق الثاني (5).
وأما الإفضاء بالإصبع، فلا تترتب عليه هذه
الأحكام (6).
الإفضاء عيب:
الإفضاء من جملة عيوب المرأة التي يفسخ
بها العقد، فإذا تزوج الرجل بامرأة فوجدها
مفضاة، فهو بالخيار إن شاء فسخ العقد أو
أقام معها.
والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في
ذلك (7).

(1) الشرائع 4: 270.
(2) القواعد 3: 683.
(3) إيضاح الفوائد 4: 702.
(4) المهذب البارع 5: 348.
(5) المسالك 15: 438.
(6) كشف اللثام (الحجرية) 2: 509.
(7) الجواهر 43: 276.
(8) مباني تكملة المنهاج 2: 215.
(9) انظر: الجواهر 29: 423 و 427، والمستمسك 14:
86 - 87، ومباني العروة (النكاح) 1: 163 - 164.
(10) القواعد 3: 33.
(11) القواعد 3: 33.
(1) إيضاح الفوائد 3: 78.
(2) إيضاح الفوائد 3: 78.
(3) جامع المقاصد 12: 334.
(4) إيضاح الفوائد 3: 79.
(5) جامع المقاصد 12: 334.
(6) انظر المصادر المتقدمة.
(7) انظر: نهاية المرام 1: 332، وكشف اللثام 7: 368،
والجواهر 30: 335.
299

مظان البحث:
1 - كتاب النكاح:
أ - ذكروه بعد المصاهرة التي هي من
أسباب التحريم.
ب - العيوب الموجبة للفسخ.
2 - كتاب الديات: دية الإفضاء.
إفطار
لغة:
الشق، يقال: أفطر ناب البعير إذا شق اللحم
وطلع.
وبهذه المناسبة أطلق على إفطار الصائم، بمعنى
أكله وشربه، لأنه يفتح فاه.
وقد يطلق على زمان الأكل والشرب، يقال:
أفطر الصائم، إذا حان له أن يفطر ودخل في وقته (1).
اصطلاحا:
إيجاد الصائم كل ما يفسد صومه، سواء كان
بالأكل والشرب، أو بغيرهما من المفطرات،
كالجنابة، والارتماس في الماء، والكذب على الله
ورسوله (صلى الله عليه وآله) متعمدا، ونحوها.
الأحكام:
تترتب على الإفطار أحكام كثيرة، ونشير
هنا إلى أهمها بصورة إجمالية:
أقسام الإفطار بحسب الحكم التكليفي:
يختلف الإفطار بحسب الحكم التكليفي إلى
الأقسام الخمسة الآتية:
أولا - الإفطار الواجب:
يجب الإفطار في الموارد التالية:
1 - السفر: يجب الإفطار في السفر الشرعي،
ولا يصح الصوم الواجب من المسافر.
هذا هو المعروف عند الإمامية (1)، ووردت
بشأنه روايات مستفيضة، وجاء في بعضها: " سمى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما صاموا حين أفطر وقصر:
عصاة، وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة... " (2).
ولهذا الحكم استثناءات يراجع تفصيلها في
العنوانين: " صوم " و " سفر ".
هذا بالنسبة إلى الصوم الواجب، أما المندوب
فقد اختلفوا في جوازه بالسفر (3).
راجع العنوانين المتقدمين.
2 - المرض، سواء كان عارضا أو خيف
عروضه بسبب الصوم.
والمعيار حصول الضرر، ويتحقق الضرر

(1) انظر: النهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب، والقاموس
المحيط: " فطر ".
(1) انظر: المدارك 6: 145، والجواهر 16: 333.
(2) الوسائل 10: 174، الباب الأول من أبواب من يصح
منه الصوم، الحديث 3.
(3) انظر: المدارك 6: 150، والجواهر 16: 338.
300

المجوز للإفطار بحصول مشقة لا يتحمل مثلها
عادة، أو بحدوث مرض آخر، والمرجع في ذلك كله
إلى الظن، سواء استند إلى أمارة، أو تجربة،
أو قول عارف وإن كان فاسقا (1).
3 - إذا حاضت الصائمة أو نفست وجب
عليها الإفطار بمعنى قطع نية الصوم، لحرمته عليهما
حرمة ذاتية أو تشريعية (2).
4 - يجب الإفطار - بمعنى قطع نية الصوم
لو نواه - في الأيام التي يحرم الصوم فيها، كالعيدين
وأيام التشريق لمن كان بمنى، وسائر الأيام التي
يحرم فيها الصوم (3).
5 - يجب الإفطار إكراها أو للتقية إذا خاف
ترتب الضرر على عدم الإفطار، وحدود ذلك
موكول إلى محله (4).
راجع: إكراه وتقية.
6 - الشيخ والشيخة، ومن به داء العطاش،
والحامل المقرب والمرضع، بناء على أن إفطارهم
يكون على نحو العزيمة، على ما سيأتي توضيحه (5).
7 - لو نهى الزوج زوجته عن الصوم
المندوب وكانت صائمة، وجب عليها الإفطار (1).
ثانيا - الإفطار المحرم:
يحرم الإفطار على من يجب عليه الصوم
ويصح منه.
ولا فرق في حرمة ذلك بين الإفطار قبل
الزوال وبعده إذا كان الصوم في شهر رمضان.
وأما في غيره، فإن كان قضاء لشهر رمضان
فيحرم فيه الإفطار بعد الزوال، أما قبله فلا، إلا إذا
ضاق وقت القضاء وتعين، فيحرم أيضا.
وإن كان غير ذلك سواء كان من الصوم
الواجب أو المندوب، فيجوز فيه الإفطار قبل
الزوال وبعده ما لم يتعين.
وحكي عن بعضهم حرمة الإفطار في كل
واجب (2).
ما يترتب على الإفطار المحرم من الآثار:
أهم ما يترتب على الإفطار المحرم من
الآثار هو:
1 - ثبوت التعزير في حق المفطر:
قال صاحب المدارك: " من أفطر في شهر رمضان
فإما أن يكون معتقدا للعصيان أو يكون مستحلا:

(1) انظر المدارك 6: 156، و 16: 345.
(2) انظر: المستمسك 3: 306 - 312، والتنقيح 6: 406
- 417.
(3) انظر: المدارك 6: 279، والجواهر 17: 121.
(4) انظر: المدارك 6: 69 - 70، والجواهر 16: 258
- 260.
(5) في الصفحة الآتية.
(1) انظر: المدارك 6: 283 - 284، والجواهر 17: 130
- 131.
(2) انظر: المدارك 6: 230 - 233، والجواهر 17: 51
- 53 و 57.
301

فإن كان معتقدا للعصيان عزر، فإن عاد
عزر، فإن عاد قتل في الثالثة عند أكثر الأصحاب،
لرواية سماعة، قال: " سألته عن رجل وجد [اخذ]
في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات، وقد رفع
إلى الإمام ثلاث مرات، قال: فليقتل في الثالثة " (1).
وقيل: إنما يقتل في الرابعة، لما رواه الشيخ
مرسلا عنهم (عليهم السلام): " إن أصحاب الكبائر يقتلون
في الرابعة " (2).
والروايتان ضعيفتا السند، لكن لا بأس
بالمصير إلى هذا القول اقتصارا في التهجم على الدماء
على موضع اليقين.
قال في التذكرة: " وإنما يقتل في الثالثة أو
الرابعة على الخلاف لو رفع في كل مرة إلى الإمام
وعزر، أما لو لم يرفع فإنه يجب عليه التعزير خاصة
وإن زاد على الأربع " (3)، وهو حسن.
وإن كان مستحلا للإفطار فهو مرتد إن كان
ممن عرف قواعد الإسلام وكان إفطاره بما علم
تحريمه من دين الإسلام ضرورة، كالأكل
والشرب والجماع، ولو استحل غير ذلك لم يكفر،
خلافا للحلبي.
ولو ادعى الشبهة الممكنة قبل منه " (4).
2 - ثبوت القضاء والكفارة:
إذا أفطر الصائم حيث لم يجز له الإفطار، فإن
كان في شهر رمضان، ترتب عليه القضاء
والكفارة (1)، وإن كان في غيره ففيه تفصيل، ففي
بعض الصور يجب القضاء خاصة، وفي بعضها
القضاء والكفارة.
يراجع: صوم، اعتكاف، والعناوين المناسبة
مثل: نذر، كفارة، ونحوهما.
3 - تغليظ العقوبة في الإفطار المحرم بالمحرم:
إذا أفطر بالمحرم تتغلظ عقوبته على قول،
كما لو أفطر في نهار رمضان بالخمر، أو بالزنا
ونحوهما. ففي هذه الصورة تكون الكفارة الواجبة
عليه كفارة جمع لا كفارة ترتيب أو تخيير بين
الخصال الثلاث: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين
وإطعام ستين مسكينا (2).
ثالثا - الإفطار المندوب:
يستحب الإفطار لمن دعاه أخوه المؤمن إلى
ذلك في أثناء النهار في الصوم المندوب.
قال صاحب المدارك: " المستفاد من
الروايات: أن الإجابة إلى الإفطار أفضل من
الصوم، فمن ذلك ما رواه الكليني في الصحيح

(1) الوسائل 10: 249، الباب 2 من أبواب أحكام شهر
رمضان، الحديث 2.
(2) المبسوط 1: 129.
(3) التذكرة 6: 88.
(4) المدارك 6: 116 - 117، وانظر الجواهر 16: 307.
(1) انظر: المدارك 6: 78 - 80، والجواهر 16: 264.
(2) انظر: المدارك 6: 82 - 84، والجواهر 16: 269،
والمستمسك 8: 344 - 346.
302

عن جميل بن دراج، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من
دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه
بصومه فيمن عليه، كتب الله له صوم سنة " (1) " (2).
ثم ذكر روايات اخر، منها ما رواه إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إفطارك لأخيك
المؤمن أفضل من صيامك تطوعا " (3).
رابعا - الإفطار المكروه:
يكره الإفطار بعد الزوال في الصوم المندوب،
ولعله يلحق به الصوم الواجب في غير شهر رمضان
الذي يجوز فيه الإفطار (4) وإن لم يصرحوا به.
خامسا - الإفطار المباح:
يباح الإفطار لعدة أشخاص:
1 - الشيخ والشيخة (5).
2 - من به داء العطاش (6).
3 - الحامل المقرب (1).
4 - المرضع القليلة اللبن (2).
هذا بناء على أن الإفطار في هذه الموارد على
نحو الرخصة، كما يظهر من بعض الفقهاء، لا على نحو
العزيمة، كما يظهر من بعض آخرين (3)، لأنه على هذا
الفرض يكون الإفطار واجبا حينئذ.
وعلى القولين لو خيف الضرر من الصوم
وجب الإفطار كسائر موارد خوف الضرر.
5 - ويجوز للمسافر الإفطار قبل أن يصل إلى
أهله أو المحل الذي أقام فيه عشرة أيام، سواء كان

(1) الكافي 4: 150، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا
سأله، الحديث 3، وانظر الوسائل 10: 152، الباب 8
من أبواب آداب الصائم، الحديث 4.
(2) المدارك 6: 278.
(3) الكافي 4: 150، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا
سأله، الحديث الأول، وانظر الوسائل 10: 152،
الباب 8 من أبواب آداب الصائم، الحديث 3.
(4) انظر: المدارك 6: 273 - 274، والجواهر 17: 115
- 117.
(5) انظر: المدارك 6: 293، والجواهر 17: 144.
(6) انظر: المدارك 6: 297، والجواهر 17: 149.
(1) انظر: المدارك 6: 298، والجواهر 17: 151.
(2) انظر المصدرين المتقدمين.
(3) كلمات الفقهاء فيها إجمال من هذه الجهة وقل من تعرض
لها، نعم صرح صاحب الجواهر بأن الإفطار في هذه
الموارد على نحو العزيمة ونسبه إلى الأصحاب، والظاهر
من كلمات السيد الخوئي ذلك أيضا، إلا أن صاحب
الحدائق صرح بكون الإفطار على نحو العزيمة في
ذي العطاش، لكن يظهر منه أنه على نحو الرخصة في
الشيخ والشيخة، وهذا - أي الرخصة - هو الظاهر من
كل من قال: " يجوز الإفطار... ". إلا أن يقال: إن
الجواز هنا مقابل الحرمة، فهو يجتمع مع الرخصة
والعزيمة، ولذلك قيل بكون الإفطار رخصة إلا مع
الضرر فيكون عزيمة.
انظر: الحدائق 13: 425، 421، والجواهر
17: 150، والمستمسك 8: 443، ومستند العروة
(الصوم) 2: 39 - 42، ومتنهما العروة الوثقى، وتحرير
الوسيلة 1: 269، القول في شرائط صحة الصوم
ووجوبه، المسألة 8.
303

قبل الزوال أو بعده (1).
6 - ويباح الإفطار أيضا لكل صائم في غير
صوم شهر رمضان وقضائه وغير الواجب المضيق
كالنذر المعين بعد الزوال (2).
هذا كله على نحو الإجمال، وسوف يأتي
تفصيله في مواطنه المناسبة إن شاء الله تعالى.
الإفطار في ما يجب فيه التتابع من الصوم:
قال المحقق الحلي: " كل ما يشترط فيه التتابع
إذا أفطر في أثنائه لعذر، بنى عند زواله، وإن أفطر
لغير عذر استأنف، إلا ثلاثة مواضع:
الأول - من وجب عليه صوم شهرين
متتابعين، فصام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما بنى،
ولو كان قبل ذلك استأنف.
الثاني - ومن وجب عليه صوم شهر متتابع
بنذر، فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر، لم يبطل
صومه وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف.
الثالث - وفي صوم ثلاثة أيام عن الهدي، إن
صام يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر، جاز أن
يبني بعد انقضاء أيام التشريق... " (3).
وفيه تفصيل يأتي في مواطنه المناسبة
إن شاء الله تعالى.
الزمان المشروع للإفطار:
الزمان الشرعي للإفطار من الصوم هو
غروب الشمس (1)، واختلف الفقهاء في تفسيره وأنه
بماذا يتحقق، هل باستتار قرص الشمس (2)،
أو بذهاب الحمرة المشرقية (3)؟ ولكل منهما قائل،
ولكن نسب الثاني إلى الأكثر والمشهور (4).
استحباب تفطير الصائم:
يستحب تفطير المؤمن الصائم، فقد جاء في
وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي، ثلاث فرحات
للمؤمن في الدنيا: لقاء الإخوان، وتفطير الصائم،
والتهجد في آخر الليل " (5).

(1) انظر: المدارك 6: 199، والجواهر 17: 6 - 7.
(2) انظر: المدارك 6: 230 - 233، و 273، والجواهر
17: 51 - 53 و 57.
(3) الشرائع 1: 206، وانظر: المدارك 6: 247 - 252،
والجواهر 17: 71 - 84.
(1) انظر: المدارك 3: 49، و 6: 190، والجواهر 7: 106،
و 16: 384.
(2) استتار قرص الشمس هو غيبوبته عن الأفق وعدم
إمكان رؤيته، فإذا صار كذلك دخل وقت الصلاة وجاز
الإفطار على القول الأول.
(3) الحمرة المشرقية هي حمرة تعتري الأفق بعد استتار
الشمس، ويكون بدو ظهورها من المشرق وتسير نحو
المغرب، فإذا جاوزت هذه الحمرة الرأس نحو المغرب
دخل وقت الصلاة وجاز الإفطار على القول الثاني.
(4) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1).
(5) الوسائل 10: 142، الباب 3 من أبواب آداب الصائم،
الحديث 11.
304

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " من فطر صائما فله
مثل أجره " (1).
وروايات عديدة أخرى.
جاء في لب الوسائل: " و [يستحب] (2) تفطير
الصائم عند الغروب بما تيسر ولو على مذقة (3) من
لبن، أو شربة من ماء عذب، أو تمرات لا يقدر على
أكثر من ذلك، ويتأكد في شهر رمضان... " (4)،
ثم ذكر المؤلف جملة من الروايات الواردة في ذلك.
ثم قال: " ويتأكد تفطير الصائم يوم الغدير
وليلته " (5).
آداب الإفطار:
يستفاد من الروايات أن هناك أمورا يحسن
مراعاتها عند الإفطار، وهي:
أولا - أن يقدم الصلاة على الإفطار إلا في
موردين:
1 - إذا كان هناك من ينتظره، فالأولى تقديم
الإفطار على الصلاة كي لا يتأخر غيره بسبب صلاته.
فقد روى الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سئل عن
الإفطار، أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: فقال: إن
كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر
معهم، وإن كان غير ذلك، فليصل ثم ليفطر " (1).
2 - إذا نازعته نفسه على وجه يسلبه الخضوع
والإقبال.
قال السيد اليزدي مشيرا إلى الأمرين:
" ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي العشاءين
لتكتب صلاته صلاة الصائم، إلا أن يكون هناك من
ينتظره للإفطار، أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه
الخضوع والإقبال - ولو كان لأجل القهوة والتتن (2)
والترياك - فإن الأفضل حينئذ الإفطار، ثم الصلاة،
مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان " (3).
ثانيا - الدعاء عند الإفطار:
فقد روي: " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أفطر

(1) الوسائل 10: 138، الباب 3 من أبواب آداب الصائم،
الحديث 2.
(2) ما بين المعقوفتين منا.
(3) المذق: الخلط والمزج، والمذيق: اللبن الممزوج بالماء،
والمذقة: الشربة من اللبن الممذوق. لسان العرب: " مذق ".
(4) بداية الهداية ولب الوسائل 1: 226.
(5) بداية الهداية ولب الوسائل 1: 227، ولعل المقصود
من تفطير الصائم في يوم الغدير، أي في نهاره، ليحصل
كل من الصائم والمفطر على ثوابه، أما الصائم، فلأنه
لما نوى صوم يوم الغدير وكان عازما على ذلك فقد
حصل على ثوابه وثواب إجابة المؤمن إذا دعاه للإفطار،
كما تقدم في الإفطار المندوب، وأما المفطر، فللروايات
الدالة على استحباب إدخال السرور على المؤمنين
وإطعامهم في يوم الغدير.
(1) الوسائل 10: 149، الباب 7 من أبواب آداب الصائم،
الحديث الأول.
(2) أي التبغ والسجاير.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل في الزمان الذي
يصح فيه الصوم.
305

يقول: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبله
منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر " (1).
وروي أنه: " جاء قنبر مولى علي (عليه السلام) بفطره
إليه، فجاء بجراب (2) فيه سويق (3)... فلما أراد أن
يشرب، قال: بسم الله، اللهم لك صمنا وعلى رزقك
أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم " (4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " تقول في كل ليلة
من شهر رمضان عند الإفطار إلى آخره: الحمد لله
الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا، اللهم تقبل منا،
وأعنا عليه، وسلمنا فيه، وتسلمه منا في يسر منك
وعافية، الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر
رمضان " (5).
ثالثا - الإفطار على الحلو:
ورد في عدة روايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يجد شيئا من ذلك أفطر على الماء الفاتر (1).
وورد: " أن عليا (عليه السلام) كان يستحب أن يفطر
على اللبن " (2).
كان هذا أهم ما يتعلق بالإفطار بصورة
عامة، وبقيت أمور أخرى سوف نذكرها في مواطنها
المناسبة إن شاء الله تعالى.
مظان البحث:
هذه الأبحاث مذكورة في كتاب الصوم في
أبوابه المختلفة.
أفعى
راجع: حية.
إفك
لغة:
الكذب (3)، وقيل: أسوأ الكذب وأبلغه،

(1) الوسائل 10: 147، الباب 6 من أبواب آداب الصائم،
الحديث الأول.
(2) الجراب: بالكسر وعاء من إهاب الشاة - أي جلدها -
يوعى فيه الحب والدقيق ونحوهما، والجمع جرب،
مثل كتاب وكتب. انظر مجمع البحرين: " جرب ".
(3) السويق: دقيق مقلو يعمل من الحنطة أو الشعير. مجمع
البحرين: " سوق ".
(4) الوسائل 10: 148، الباب 6 من أبواب آداب الصائم،
الحديث 3.
(5) الوسائل 10: 147، الباب 6 من أبواب آداب الصائم،
الحديث الأول.
يفطر على الحلو: الحلواء أو الرطب أو التمر، فإن لم
(1) انظر الوسائل 10: 156 - 160، الباب 10 من أبواب
آداب الصائم، الأحاديث: 1 و 2 و 3 و 6 و 14.
(2) المصدر المتقدم: الحديثان 7 و 12.
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والقاموس
المحيط: " افك ".
306

وقيل: هو البهتان (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، وقد يراد منه القذف
الذي يعبر عنه ب‍ " الفرية " أيضا، ومنه قضية الإفك
التي أشير إليها في قوله تعالى: * (إن الذين جاءوا
بالإفك عصبة منكم...) * (2).
الأحكام:
إن كان الإفك خاليا من الاتهام بالزنا
واللواط ونحوهما، فلا يترتب عليه إلا أحكام
الكذب من الحرمة والتعزير أحيانا.
وإن كان متضمنا لذلك فهو عبارة أخرى عن
القذف والفرية اللذين يترتب عليهما الحد.
راجع: كذب، فرية، قذف.
إفلات
لغة:
التخلص، يقال: أفلت الطائر، أي
تخلص (3).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، فقد استعمله الفقهاء بهذا
المعنى في موارد عديدة، مثل إفلات الصيد من يد
صائده، وإفلات الذبيحة قبل إكمال ذبحها، وإفلات
الكلب ونحوه قبل أن يرسله صاحبه.
وقد تقدم حكم إفلات الصيد بعد صيده في
عنوان " إعراض "، وسوف يأتي حكم إفلات
الذبيحة في " ذباحة " وإفلات الكلب في " صيد ".
إفلاس
راجع: مفلس.
أقارب
راجع: أرحام، قرابة.
إقالة
لغة:
فسخ العقد (1)، والظاهر أن أصلها من

(1) انظر مجمع البحرين: " افك ".
(2) النور: 11.
(3) النهاية (لابن الأثير)، ومجمع البحرين: " فلت ".
(1) انظر لسان العرب وغيره: " قيل ".
307

القيلولة، لأنها عند العرب: الاستراحة نصف
النهار إذا اشتد الحر (1). ووجه الشبه: أن فسخ
العقد سبب لاستراحة المستقيل من ثقل المعاملة
التي كانت قد أثقلته، ومنه أقال عثرته: أي
صفح عنه.
اصطلاحا:
جاء في كلمات الفقهاء بالمعنيين التاليين:
1 - فسخ العقد من قبل أحد المتعاملين بعد
طلبه من الآخر (2).
وهذا المعنى هو أكثر استعمالا، وهو المراد
بالبحث هنا.
2 - النوم والاستراحة نصف النهار.
والأكثر استعمال " القيلولة " بهذا المعنى، وهو
غير مقصود بالبحث هنا كما تقدم.
الأحكام:
مشروعية الإقالة:
قال السيد العاملي: " يدل على جواز الإقالة
- بعد الأخبار المستفيضة باستحبابها - الإجماع
المعلوم والمنقول " (1).
وقال صاحب الجواهر: " وعلى كل حال،
فلا ريب في مشروعيتها " (2).
والظاهر أنه لا خلاف بين المسلمين في
مشروعيتها إجمالا (3).
حكم الإقالة تكليفا:
الإقالة مستحبة، كما صرح بذلك جملة من
الفقهاء (4) ووردت باستحبابها عدة نصوص، وإن لم
تكن بتلك المنزلة من الاعتبار، لكن مضمونها
مقبول لدى الفقهاء ومشتهر بينهم، فمن تلك النصوص:
1 - ما رواه الصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
مرسلا: " أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع أقاله
الله عثرته يوم القيامة " (5).
2 - ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " أربعة ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة:

(1) لسان العرب: المادة نفسها.
(2) انظر: منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة، ومنهاج الصالحين (للسيد
الخوئي) 2: 70، كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
لكن الأفضل أن يقال: فسخ العقد من قبل أحد
المتعاملين بعد طلب الآخر منه ذلك.
(1) مفتاح الكرامة 4: 767.
(2) الجواهر 24: 351.
(3) انظر: موسوعة الفقه الإسلامي (إصدار وزارة الأوقاف
المصرية) 20: 101، عنوان " إقالة "، والموسوعة
الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف الكويتية) 5: 325،
عنوان " إقالة ".
(4) انظر: مجمع الفائدة 8: 117 و 119، والحدائق 18:
29، و 20: 90، ومفتاح الكرامة 4: 767.
(5) من لا يحضره الفقيه 3: 196، كتاب المعيشة، باب
التجارة وآدابها، رقم الحديث 3738.
308

من أقال نادما، أو أغاث لهفان، أو أعتق نسمة، أو
زوج عزبا " (1).
لكن قيد بعضهم الاستحباب بما إذا كان
المستقيل نادما (2)، وبعض آخر بما إذا كان مؤمنا (3).
والأكثر أطلقوا.
حقيقة الإقالة:
المعروف بين فقهائنا: أن الإقالة فسخ للعقد
السابق، لا بيع جديد، قال الشيخ الطوسي: " الإقالة
فسخ في حق المتعاقدين - سواء كان قبل القبض أو
بعده - وفي حق غيرهما " (4).
وقال ابن إدريس الحلي: " الإقالة فسخ في
حق المتعاقدين، وليست ببيع... " (5).
وقال المحقق الحلي: " وهي فسخ في حق
المتعاقدين وغيرهما " (6).
وقال العلامة الحلي: " الإقالة فسخ لا بيع في
حق المتعاقدين وغيرهما " (7).
وهكذا قال غيرهم (1).
وبناء على ذلك لا تترتب على الإقالة آثار
عقد البيع، مثل جواز البيع بأكثر مما اشتراه،
أو بأقل، أو بغير جنسه كما سيأتي بيانه.
هذا، ولكن ربما يظهر من بعض العبارات
أنها عقد. قال السيد العاملي - في بيان ما يجوز فيه
التوكيل بعد قول العلامة: " وسائر العقود " -: " أي
يجوز في سائر العقود، كالوقف والهبة والسكنى
والعمرى والرقبى والوصية والإجارة والإقالة إيجابا
وقبولا... " (2).
وقال صاحب الجواهر: " قد يمنع كون الإقالة
من العقود المصطلحة، ولذا لم يصرح الأكثر
إن لم يكن الجميع بكونها عقدا، بل اقتصروا على
أنها فسخ... " (3).
ويفهم من عبارته: أنه يمكن أن تكون الإقالة
عقدا لكن لا كالعقود المعهودة.

(1) الوسائل 17: 387، الباب 4 من أبواب آداب
التجارة، الحديث 5.
(2) انظر مستند الشيعة 14: 19.
(3) انظر الرياض 8: 157.
(4) الخلاف 3: 205، كتاب السلم، المسألة 13، وانظر
المبسوط 2: 186.
(5) السرائر 2: 318.
(6) الشرائع 2: 66.
(7) القواعد 2: 97.
(1) انظر: الغنية: 228، والدروس 3: 244، وجامع
المقاصد 4: 454، والمسالك 3: 436، ومجمع الفائدة
9: 46، وادعى عليه الإجماع، والكفاية: 103،
والحدائق 20: 90، وادعى عدم الخلاف فيه،
والجواهر 24: 352، وعبارته صريحة في كونه مجمعا
عليه بيننا.
(2) مفتاح الكرامة 7: 558، مع أنه نقل الإجماع على
كونها فسخا في بحث الإقالة. انظر مفتاح الكرامة
4: 767.
(3) الجواهر 24: 354 - 355.
309

فرق الإقالة مع الخيار:
يستفاد من كلام الفقهاء أن هناك فروقا بين
الخيار والإقالة، أهمها:
أولا - اتصاف الخيار باللزوم دون الإقالة،
بمعنى أن الطرف الآخر في الخيار ملزم بترتيب آثار
الخيار إذا أعمله صاحب الخيار، وليس كذلك في
الإقالة، فإن من طلب منه الإقالة غير ملزم بقبولها،
بل له قبولها أو ردها (1).
ثانيا - أن الإقالة تتوقف على رضا الطرفين،
بخلاف الفسخ، فإنه تكفي في صحته إرادة الفاسخ
وإن لم يرض الطرف الآخر (2).
ثالثا - يجوز التبعيض في الإقالة دون الخيار،
فيجوز للمستقيل أن يستقيل البائع مثلا في نصف
المبيع، ولا يجوز لذي الخيار أن يعمل بخياره وينفذه
في نصفه (3).
قال صاحب الجواهر: " تصح الإقالة في جميع
ما وقع عليه العقد وفي بعضه، سلما كان العقد أو
غيره، لإطلاق أدلة الإقالة معتضدا بعدم الخلاف
فيه، عدا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن ابن المتوج
إذا اتحد البائع والمشتري والعقد، فإن الإقالة
لا تصح إلا في الكل دون البعض " (1).
صيغة الإقالة:
لم تذكر للإقالة صيغة خاصة في النصوص،
نعم اللازم وجود ما يدل على رضا الطرفين
بالإقالة، فلذلك يجوز إيقاعها بكل ما يدل عليها من
الألفاظ، مثل أن يقول أحدهما: تقايلنا،
أو تفاسخنا، أو أقلتك، فيقبل الآخر (2).
وهل تصح لو التمس أحدهما الإقالة، فأقاله
الآخر دون أن يذكر الأول لفظ القبول؟
قال الشهيد الأول: " ففي اعتبار قبول
الملتمس هنا نظر، من قيام الالتماس مقامه،
ومن عدم علمه بإجابته " (3).
لكن قال الشهيد الثاني: " ولا يكفي التماس

(1) عدم وجوب قبول الاستقالة هو المعروف بين
الأصحاب، ويدل عليه خبر هذيل بن صدقة الطحان،
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري المتاع
أو الثوب فينطلق به إلى منزله، ولم ينفذ شيئا، فيبدو له
فيرده، هل ينبغي ذلك له؟ قال: لا، إلا أن تطيب نفس
صاحبه ". الوسائل 17: 386، الباب 4 من أبواب
آداب التجارة، الحديث 3.
(2) انظر الجواهر 24: 355.
(3) قال صاحب الجواهر: " تقدم صحة الإقالة في بعض
المبيع دون بعض، نعم لا يجوز ذلك في الخيار،
لا للتبعض، بل لعدم ظهور دليله في مشروعية ذلك،
بل لعل ظاهره العدم ". الجواهر 27: 365، وانظر
حاشية السيد اليزدي على المكاسب: 80 - 81،
واستثنى في الخيار ما لو رضي الطرف الآخر
بالتبعيض، ولكن أرجع ذلك إلى الإقالة.
(1) الجواهر 24: 356.
(2) انظر مفتاح الكرامة 4: 767، والمصادر الآتية.
(3) الدروس 3: 244.
310

أحدهما عن قبوله " (1).
ومثله قال صاحب الحدائق (2).
ولا يشترط فيها تقدم الالتماس، بل لو بدر
أحدهما فقال: " أقلتك " فقبل الآخر صحت الإقالة (3).
كما لا يشترط فيها كون المستقيل نادما (4).
وهل تصح الإقالة العملية - أي المعاطاة فيها -
بأن يرد المشتري المثمن ويدفع البائع الثمن بقصد
الإقالة؟ احتمله الشهيد الأول (5) والمحقق
الأردبيلي (6)، والسيد العاملي (7) وصاحب
الجواهر (8)، بل صرح بعضهم بوقوعها وصحتها
بذلك، كالسادة: الحكيم (9)، والخوئي (10)، والخميني (11).
ما تصح فيه الإقالة وما لا تصح:
يستفاد من كلمات الفقهاء، بل صرح بعضهم:
بأن الإقالة لا تختص بالبيع، بل تجري في جميع العقود
إلا ما استثني.
قال الشهيد الثاني منتقدا من جعل بحث
الإقالة تبعا للبحث عن بيع السلف: " فإنها لا تختص
به، بل ولا بباب البيع، لجريانها في سائر العقود
المتقومة من الجانبين بالمال " (1).
وقال في الإجارة بعد قول المحقق الحلي:
" والإجارة عقد لازم، لا تبطل إلا بالتقايل،
أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ ":
" لزوم عقد الإجارة موضع وفاق...
وحينئذ فتدخله الإقالة كغيره من عقود
المعاوضات " (2).
وقال مثل ذلك في مواطن متعددة (3).
وقال صاحب الجواهر منتقدا لجعل الإقالة
تبعا لبيع السلف: "... وإن كانت هي غير مختصة
فيه، بل ولا مختصة بالبيع... " (4).
وقال المراغي: " الحق جريانها في مطلق
العقود إلا ما أخرجه الدليل " (5).
هذا، وصرح جملة من الفقهاء في بعض
الكتب الفقهية، كالإجارة والمزارعة والمساقاة

(1) المسالك 3: 436 - 437.
(2) الحدائق 20: 91.
(3) انظر المصدرين المتقدمين وغيرهما.
(4) انظر المصدرين المتقدمين وغيرهما.
(5) الدروس 3: 244.
(6) مجمع الفائدة 9: 47.
(7) مفتاح الكرامة 4: 767.
(8) الجواهر 24: 355.
(9) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة.
(10) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة.
(11) تحرير الوسيلة 1: 508، كتاب المتاجر، القول في
الإقالة.
(1) المسالك 3: 436.
(2) المسالك 5: 174.
(3) انظر: المسالك 4: 264 - 265، والروضة البهية
4: 276، وموارد أخرى.
(4) الجواهر 24: 351.
(5) العناوين 2: 387، العنوان 53.
311

والصلح ونحوها: أنها عقود لازمة لا تنفسخ
إلا بالتقايل أو بعروض أسباب الفسخ.
هذا بالنسبة إلى ما تصح فيه الإقالة، وأما ما
لا تصح فيه، فهو:
أولا - العقود الجائزة، لأنها يجوز فسخها من
دون حاجة إلى الإقالة، كالوكالة، فإنها جائزة من
طرف الوكيل والموكل، وقد جاء في الدر المنضود:
" ومحلها العقود اللازمة، عدا الوقف والهبة
والنكاح " (1).
ومفهومه عدم جريانها في العقود الجائزة
والثلاثة المذكورة من العقود اللازمة.
ثانيا - النكاح، ويظهر من بعض العبارات
المفروغية من ذلك، قال صاحب الجواهر:
" لو شرط الخيار في النكاح بطل العقد فضلا عن
الشرط... لمعلومية عدم قبول عقد النكاح لذلك،
لأن فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار، ولحصر
فسخه بغيره، ولذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره
من عقود المعاوضات " (2).
وقال المراغي: "... وظاهرهم أنه متى ما لم
تكن فيه (3) جهة تعبدية كالنكاح الذي دل عليه
الدليل، فلا مانع من الإقالة " (4).
وقال السيد الحكيم: " والظاهر جريانها في
عامة العقود اللازمة غير النكاح... " (1).
ومثله قال السيدان: الخوئي (2)، والخميني (3).
ثالثا - الضمان، فإنه استشكل في جريان
الإقالة فيه بعضهم.
قال المراغي: "... وإن كان في جريانها في
مثل الضمان نظر، فإن ذمة الضامن متى ما اشتغلت
فيشكل الحكم بانتقال الحق من ذمته إلى ذمة
المضمون عنه إلا بضمان جديد، وكون الإقالة فيه
أيضا موجبا لذلك محل نظر " (4).
واستشكل فيه أيضا السيد الحكيم (5)
وأخرجه السيد الخوئي عما تصح فيه الإقالة
صريحا (6).
رابعا - الصدقة، فقد استشكل في جريان
الإقالة فيها السيد الخوئي (7).
خامسا - الهبة اللازمة، واستشكل فيها السيد
الحكيم (8).
شروط صحة الإقالة:
الشروط المعتبرة في صحة الإقالة هي:

(1) الدر المنضود (لابن طي): 124.
(2) الجواهر 31: 105 - 106.
(3) أي العقد.
(4) العناوين 2: 388، العنوان 53.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
(3) تحرير الوسيلة 1: 509، كتاب المتاجر، القول
في الإقالة.
(4) العناوين 2: 388، العنوان 53.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94،
كتاب التجارة، خاتمة في الإقالة.
312

1 - أهلية الطرفين للإقالة:
ينبغي أن تكون في الطرفين أهلية الإقالة،
ولذلك لو فرضنا أن الولي اشترى للصغير شيئا
فاستقال - أي الصغير - البائع لم تصح هذه الإقالة،
وكذا لو جن في الفاصلة الزمنية بين المعاملة والإقالة
أو صار سفيها، لعدم صحة معاملات المجنون
والسفيه، وكذا الصبي على المشهور.
2 - رضا المتقايلين:
لابد من رضا المتقايلين في صحة الإقالة،
فلذلك لا تصح الإقالة لو كانت عن إكراه. ويدل
عليه غير الأدلة العامة في العقود خبر هذيل بن
صدقة الطحان المتقدم (1).
3 - قابلية العقد للإقالة:
من شروط صحة الإقالة أهلية العقد للإقالة
وقابليته لذلك، كالبيع والإجارة، أما مثل النكاح
الذي لا يقبل الإقالة فلا تصح فيه.
وسوف يأتي مزيد توضيح لذلك.
صحة الإقالة في بعض مفاد العقد:
تصح الإقالة في جميع مفاد العقد وفي بعضه،
وقد تقدم الكلام عنه في الفرق بين الإقالة والخيار.
الإقالة بالزيادة والنقصان:
لما كانت الإقالة فسخا للعقد السابق، لا عقدا
جديدا، فلذلك يشترط فيها أن لا يزيد الثمن
والمثمن عما كانا عليه في العقد الأول، ليرجع كل من
العوضين إلى موضعه.
والظاهر أنه لا خلاف فيه، كما قيل (1)،
بل ادعي عليه الإجماع (2)، ويؤيده صحيح الحلبي،
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ثوبا
ولم يشترط على صاحبه شيئا، فكرهه ثم رده على
صاحبه، فأبى أن يقيله إلا بوضيعة، قال: لا يصلح
له أن يأخذ بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر
من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد " (3).
نعم، نقل الشهيد الأول عن ابن الجنيد جوازه
لو اصطلح عليه المتعاقدان، ثم قال: لكن الأصحاب
على خلافه (4).
وصرح بعض الفقهاء: بأنه لا فرق في بطلان
الإقالة بالزيادة والنقيصة بين أن يكونا عينيين أو
وصفيين وحكميين (5)، فالأول: مثل أن يشترط
البائع على المشتري - ليقيله - أن يدفع له ثمانية دنانير
بدل العشرة التي كانت هي الثمن في المعاملة، والثاني:
أن يشترط عليه أن يدفع دنانير سليمة بدل المعيبة أو
يكتب له كتابا، أو يخيط له ثوبا.

(1) المتقدم في هامش العمود الأول من الصفحة 310.
(1) انظر الجواهر 24: 353.
(2) انظر مفتاح الكرامة 4: 768، وقال: " وبه - أي
الشرط المذكور - طفحت عباراتهم "، وهو كذلك.
(3) الوسائل 18: 71، الباب 17 من أبواب العقود،
الحديث الأول.
(4) انظر: مفتاح الكرامة 4: 768، والجواهر 24: 353.
(5) انظر: التذكرة (الحجرية) 1: 580.
313

لكن استشكل بعض آخر من الفقهاء في
بطلان الإقالة باشتراط الزيادة الحكمية إذا كان
شرطا خارجا عن الثمن، كالمثال الأخير. وممن
استشكل في ذلك: صاحب الجواهر (1) والسيد
الحكيم (2).
بل صرح السيد الخوئي بصحة الإقالة في هذا
الفرض (3).
صحة الإقالة مع تلف العوضين:
لا تتوقف صحة الإقالة على بقاء العوضين،
بل تصح حتى مع تلفهما أيضا، لأن مثل الثمن
والمثمن أو قيمته يقوم مقامه. وقد صرح بذلك
جماعة من الفقهاء (4).
هل تجوز الإقالة في الإقالة؟
لم يتعرض أغلب الفقهاء لهذه المسألة وإن كان
ظاهر تعبيرهم عن الإقالة بكونها فسخا يقتضي
عدم صحة الإقالة فيها، لأن الفسخ معناه انحلال
العقد السابق وجعله كالعدم، ويكون نقل العوضين
من جديد بحاجة إلى عقد جديد، وإقالة الإقالة
ليست عقدا.
نعم، صرح بعضهم بذلك، قال السيد الحكيم:
" لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة " (1).
ومثله قال السيدان: الخوئي (2) والخميني (3).
هل الإقالة قابلة للإرث؟
إذا قلنا: إن الإقالة حق، وقلنا: إن الحقوق
تورث كالأموال، فالإقالة تورث أيضا.
هذا، ولم يتعرض أغلب الفقهاء لهذا الجانب
من الإقالة أيضا إلا القليل منهم:
قال العلامة: " ويجوز للورثة الإقالة بعد
موت المتبايعين " (4).
وقال ابن طي: " ولا يشترط بقاء المتعاقدين،

(1) الجواهر 24: 354.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة.
(4) انظر: الشرائع 2: 67، والقواعد 2: 97، والدروس
3: 244، والدر المنضود: 124، وجامع المقاصد
4: 455، والمسالك 3: 438، والروضة البهية
3: 547، ومجمع الفائدة 9: 47، والكفاية: 103،
والحدائق 20: 92 - 93، والجواهر 24: 357،
ومنهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 95، المسألة 5،
ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 71، المسألة
313، وتحرير الوسيلة 1: 509، المسألة 4.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 94، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة، المسألة 2.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة، المسألة 310.
(3) تحرير الوسيلة 2: 509، كتاب المتاجر، القول
في الإقالة، المسألة 2.
(4) التذكرة (الحجرية) 1: 580.
314

فيصح بين الوارثين " (1).
وقال صاحب الجواهر: "... فهي عندنا فسخ
في حق المتعاقدين أو ورثتهما، بناء على قيامهم
مقامهما في ذلك " (2).
وقال السيد الحكيم: " في قيام وارث
المتعاقدين مقام المورث في صحة الإقالة إشكال،
وإن كان أقرب " (3).
وقال السيد الخوئي: " في قيام وارث
المتعاقدين مقام المورث في صحة الإقالة إشكال،
والظاهر العدم، نعم تجوز الاستقالة من الوارث
والإقالة من الطرف الآخر " (4).
وقال الإمام الخميني: " والأقرب عدم قيام
وارثهما مقامهما " (5).
فالذي ذهب إليه السيد الخوئي متوسط بين
رأي السيدين: الحكيم والخميني.
اشتراط الإقالة في البيع:
تعرض بعض الفقهاء لموضوع اشتراط الإقالة
في البيع، بأن يشترط أحدهما على الآخر أن يقيله
بعد شهر مثلا، والظاهر منهم صحته، لأنه شرط
سائغ، فيشمله عموم: " المؤمنون عند شروطهم " (1)،
لكن للشيخ المفيد عبارة ربما توهم بعدم صحته،
لأنه قال: " ومن باع شيئا وقبض ثمنه، واشترط
على المبتاع أن يقايله البيع بعد شهر أو سنة إذا حضر
المال، كان الشرط باطلا، والمبتاع بالخيار إن شاء
أقاله، وإن شاء لم يقله " (2).
وقال العلامة بعد نقل كلام المفيد: " والتحقيق
أن نقول: إن كان الشرط في متن العقد، كان لازما
ووجب على المبتاع رده مع الشرط، عملا بقوله (عليه السلام):
" المؤمنون عند شروطهم ". وإن كان الشرط
خارجا عن العقد، بل حصل بعد انعقاد البيع
وتمامه لم يكن لازما، وكان الحق ما ذكره
شيخنا المفيد " (3).
وممن يظهر منه صحة هذا الاشتراط:
صاحب الجواهر (4) والشيخ الأنصاري (5)، ويظهر

(1) الدر المنضود: 124.
(2) الجواهر 24: 352.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 95، المسألة 3.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 70، كتاب
التجارة، خاتمة في الإقالة، المسألة 311.
(5) تحرير الوسيلة 1: 509، كتاب المتاجر، خاتمة
في الإقالة.
(1) انظر الوسائل 21: 276، الباب 20 من أبواب المهور،
الحديث 4.
(2) المقنعة: 624.
(3) المختلف 5: 410.
(4) انظر الجواهر 30: 126، فإنه ذكره في اشتراط المرأة
الطلاق في نكاح المحلل استطرادا.
(5) انظر المكاسب 5: 130، فإنه جعله من جملة التفاسير
الصحيحة للبيع الخياري، ناقلا له عن الوسيلة، فيكون
البيع الخياري وبيع الإقالة وشرط الإقالة في البيع شيئا
واحدا.
315

أيضا من بعض المتقدمين كما سيأتي في العنوان الآتي.
والأكثر لم يتعرضوا لهذه المسألة، نعم تعرض
جملة منهم لما يشابهها، وهو اشتراط خيار الفسخ في
العقد، بأن يكون لمن اشترطه خيار فسخ العقد في
مدة معينة، وهو المعبر عنه ب‍ " البيع الخياري ".
ما هو بيع الإقالة؟
بيع الإقالة هو: أن يبيع بشرط أن يقيل البيع
في مدة معينة.
وهو نفس اشتراط الخيار في البيع، وإنما ذكره
بهذا العنوان ابن حمزة فقال بعد ذكر العنوان:
" بيع الإقالة إنما يصح بأربعة شروط:
أحدها - أن يبيع بما يكون من ذوات
الأمثال.
والثاني - أن يعين المدة التي يقيل فيها.
والثالث - أن يشرط أن يرد عليه مثل الثمن
الذي باعه به من غير زيادة ولا نقصان.
والرابع - أن يكون المبيع مما يبقى إلى تلك
المدة من غير أن يفسد ويتغير عن حاله " (1).
لكن ناقشه العلامة بالنسبة إلى الشرط الأول
فقال: " والمعتمد: أنه لا يشترط ذلك لا في المبيع،
ولا في ثمنه " ثم استدل له ب‍: " أنه عقد يتضمن
شرطا سائغا فكان صحيحا، ولا فرق بين
المثلي وغيره " (2).
هل يصح التوكيل في الإقالة؟
لم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع غالبا، نعم
تعرض له بعضهم في موضوع الوكالة عند الكلام عما
تصح فيه الوكالة والنيابة، فقال السيد العاملي
بالنسبة إلى ما يجوز فيه التوكيل: " يجوز في سائر
العقود، كالوقف والهبة... والإقالة إيجابا
وقبولا... " (1)، وقال صاحب الجواهر: " وأما ما
تدخله النيابة، فضابطه: ما جعل ذريعة إلى غرض
لا يختص بالمباشرة... كأنواع البيع وتوابعه:
من قبض الثمن، ودفع المثمن، والإقالة، وإثبات
الخيار والفسخ به، ونحو ذلك... " (2).
ويمكن أن نستظهر ذلك من كل من ذكر مثل
هذه العبارة وإن لم يذكر خصوص الإقالة،
لأنه لا خصوصية فيها من بين لوازم البيع ونحوه (3).
هل تصح إقالة الوكيل في البيع ونحوه؟
الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة: أن
المفروض في المتقدمة هو أن الموكل أجرى صيغة
العقد لكن وكل غيره في أن يستقيل المعاملة
أو يقيلها، في حين أن المفروض في هذه المسألة
أن الوكيل في إجراء الصيغة هو الذي يستقيل
المعاملة أو يقيلها.

(1) الوسيلة: 249.
(2) المختلف 5: 319.
(1) مفتاح الكرامة 7: 558.
(2) الجواهر 27: 382.
(3) انظر: جامع المقاصد 8: 210 و 215، ومفتاح الكرامة
7: 555.
316

وبعد اتضاح موضوع المسألة نقول: لم نعثر
فعلا على من تعرض لحكمها في موضوع الإقالة أو ما
يناسبه، لكن يمكن أن نقول:
إذا كانت الوكالة مطلقة بحيث تشمل مثل
اشتراط الخيار وفسخ المعاملة ونحو هذه
التصرفات، أو صرح الموكل بشمول الوكالة لمثل
الإقالة، فلا إشكال في صحتها إذا وقعت من الوكيل.
وإذا كانت محدودة بإجراء الصيغة أو مع
تصرف خاص كشرط الخيار مثلا، فلا تصح الإقالة
من الوكيل.
وإذا لم تكن من هذه ولا من تلك، أو كانت
مبهمة فالأصل عدم صحة إقالة الوكيل.
ولو وقعت الإقالة من الوكيل في الصورتين
الأخيرتين تكون مثل إقالة الفضولي في توقف
صحتها على إجازة الموكل.
هل يسقط حق الشفعة بتقايل المتبايعين؟
إذا باع أحد الشريكين حصته، صار للشريك
الآخر حق يتمكن به من فسخ المعاملة وشراء
الحصة المبيعة لنفسه، وهذا الحق يعبر عنه ب‍ " حق
الشفعة " (1).
والسؤال هنا هو: أنه إذا باع الشريك حصته
ثم تقايل هو والمشتري، فهل يبقى للشريك الآخر
حق الشفعة بعد التقايل أم لا؟
المعروف بين الإمامية: أنه يبقى هذا الحق
ولا يسقط بتقايل المتبايعين، لأن حق الشفعة حصل
بمجرد العقد الواقع بين المتبايعين وهو باق (1).
لكن يظهر من بعضهم الاستشكال في ذلك،
بل توجيه بطلان الشفعة بالإقالة (2).
قال السيد الحكيم: " المشهور أن الشفعة
لا تسقط بالإقالة، فإذا تقايلا جاز للشفيع الأخذ
بالشفعة... ولكنه لا يخلو من إشكال " (3).
وقال الإمام الخميني بالنسبة إلى الشفعة:
" وفي سقوطها بإقالة المتبايعين... وجه وجيه " (4).
هذا إذا لم يصرف الشفيع النظر عن حقه بعد
البيع، وإلا فالإقالة صحيحة، لأنه لم يعارضها حق
متقدم عليها.

(1) لأن الشفعة هي: " استحقاق أحد الشريكين حصة
شريكه بسبب انتقالها بالبيع ". الشرائع 3: 253.
(1) انظر: المبسوط 3: 111، والمهذب 1: 455،
والوسيلة: 259، والسرائر 2: 394، والشرائع
3: 259، والقواعد 2: 253، والتذكرة (الحجرية)
2: 593، والدروس 3: 372، وجامع المقاصد
6: 414، والروضة البهية 4: 407، والمسالك
12: 321، ومجمع الفائدة 9: 40، 46، والكفاية:
106، والحدائق 20: 322، والجواهر 37: 347 -
350، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 79،
كتاب الشفعة، المسألة 367.
(2) انظر مفتاح الكرامة 6: 373 - 374، والمصدرين
الآتيين.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 104، كتاب
الشفعة، في الأخذ بالشفعة، المسألة 19.
(4) تحرير الوسيلة 1: 512، كتاب الشفعة، المسألة 18.
317

وإن تقايل المتبايعان قبل علم الشفيع بالمعاملة،
أو قبل علمه بأن له حق الشفعة، لم يسقط حق الشفيع (1).
ملاحظة:
ذكر الفقهاء: أنه لا تسقط اجرة الدلال
والكيال والوزان ونحوهم بسبب الإقالة، وذلك
لسبق حقهم عليها (2).
مظان البحث:
1 - كتاب البيع:
أ - آداب البيع: الآداب المستحبة، ومنها
الإقالة.
ب - بيع السلف: في آخره.
2 - كتاب الشفعة: عدم سقوط الشفعة
بالإقالة وموارد متفرقة أخرى.
إقامة
لغة:
مصدر أقام، وقد ورد استعمالها في عدة معان،
أهمها:
1 - جعل القاعد يقوم. يقال: أقامه من
موضعه، أي جعله يقوم منه.
2 - الدوام. يقال: أقام الشئ، أي أدامه.
3 - توفية الشئ حقه. يقال: أقام الشئ،
أي وفى حقه.
4 - اللبث في مكان ما. يقال: أقام بالمكان،
أي لبث فيه (1).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء الإقامة في المعاني اللغوية
المتقدمة، لكن لهم اصطلاحات خاصة وإن كان
أصلها مأخوذا من المعاني اللغوية، وهذه
الاصطلاحات هي:
1 - الإقامة للصلاة، وهي: الأذكار المعهودة
للقيام إلى الصلاة (2).
وهذا المعنى إما مأخوذ من المعنى الأول،
أي جعل الشخص يقوم للصلاة، أو الثاني،
بمعنى إدامة الصلاة، وعلى الأخير لابد أن يقال:
" أقام الصلاة "، وعلى الأول يقال: " أقام
للصلاة ".
لكن قال صاحب المدارك: " والإقامة مصدر
أقام بالمكان، والتاء عوض عن عين الفعل، لأن
أصله إقوام. أو مصدر أقام الشئ، بمعنى أدامه ومنه

(1) انظر هذا وما قبله في المصادر المتقدمة.
(2) انظر: المسالك 3: 438، والحدائق 20: 92، والجواهر
24: 357، وغيرها.
(1) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن
(للراغب الإصفهاني)، ولسان العرب، والقاموس
المحيط، ومجمع البحرين: " قوم ".
(2) انظر المدارك 3: 254.
318

* (يقيمون الصلاة) * (1) " (2).
وذكر كلامه أو مفاده بعض من تأخر عنه (3).
وظاهر كلامهم إرجاعه إلى الثاني أو الرابع.
لكن الأقرب عندنا رجوعه إلى الأول.
2 - إقامة الدين وإقامة شعائره وأحكامه
وحدوده، ومنه قوله تعالى: * (الذين إن مكناهم في
الأرض أقاموا الصلاة) * (4)، وقوله تعالى: * (يقيمون
الصلاة) * (5).
وهذا المعنى يرجع إلى أحد المعاني الثلاثة
الأول، وإن كان رجوعه إلى الأول أرجح.
3 - قطع السفر باللبث في مكان عشرة أيام.
وهذا يرجع إلى المعنى الرابع بلا شبهة.
ومورد البحث هنا هو خصوص الأخير،
أما الأول فقد مضى الكلام عنه في عنوان " أذان ".
وسوف يأتي الثاني في الموارد المناسبة، مثل: شعائر،
وحدود، ونحوهما.
الأحكام:
قصد الإقامة من قواطع السفر:
للسفر الشرعي - وهو الموجب لقصر
الصلاة - عدة قواطع ينقطع بحصول واحدة منها،
حكما أو موضوعا.
ومن جملة هذه القواطع: قصد الإقامة عشرة
أيام في مكان واحد، فلو نوى المسافر الإقامة في
غير بلده عشرة أيام أتم فيه.
وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب كما قال
صاحب المدارك (1)، وتدل عليه روايات كثيرة،
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " قال: قلت
له: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون
مقصرا؟ ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال: إذا دخلت
أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم
الصلاة، وإن لم تدر ما مقامك بها، تقول: غدا أخرج
أو بعد غد، فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر،
فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج
من ساعتك " (2).
ولا فرق في وجوب الإتمام بنية الإقامة، بين
أن يقع في بلد أو قرية أو بادية، لإطلاق النصوص (3).
هذا إذا قصد عشرة أيام، أما لو قصد
دونها، فالمعروف أنه لا يقطع السفر، نعم نقل
عن ابن الجنيد أنه قائل بانقطاع السفر بنية
الإقامة خمسة أيام (4).

(1) البقرة: 3.
(2) المدارك 3: 254.
(3) انظر: الحدائق 7: 328 - 329، والجواهر 9: 2.
(4) الحج: 41.
(5) البقرة: 3.
(1) المدارك 4: 459، وانظر: مستند الشيعة 8: 243،
وقد ادعى كونه من ضروريات المذهب، والجواهر
14: 303.
(2) الوسائل 8: 500، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر،
الحديث 9، وانظر الأحاديث الأخرى في هذا الباب.
(3) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (1) وغيرها.
(4) انظر المختلف 3: 113.
319

لزوم العلم بالإقامة:
إنما ينقطع السفر - حكما أو موضوعا - في
صورة القطع بالإقامة في ذلك المحل. نعم لا ينافيه
وجود الاحتمالات البعيدة التي لا يهتم بها العرف.
وبناء على ذلك، فلو تردد في الإقامة لم
تترتب عليه أحكامها.
نعم، لو بقي مترددا ثلاثين يوما (1) أتم
في اليوم الحادي والثلاثين وإن لم يبق فيه إلا بمقدار
صلاة واحدة.
والحكم مجمع عليه بين الأصحاب، على ما قاله
صاحب المدارك (2)، وتدل على ذلك أيضا صحيحة
زرارة المتقدمة، وصحيحة معاوية بن وهب، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " إذا دخلت بلدا وأنت
تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم، وإن
أردت المقام دون العشرة فقصر، وإن أقمت تقول:
غدا أخرج وبعد غد ولم تجمع على عشرة، فقصر ما
بينك وبين شهر، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة... " (3).
ولو نوى الإقامة ثم بدا له قبل أن يصلي فرضا
رباعيا، رجع عن إقامته إلى التقصير.
وأما إذا صلى صلاة رباعية واحدة بنية
الإقامة، لم يرجع.
وهذا الحكم مجمع عليه أيضا على ما في المدارك (1).
اشتراط قصد التوالي في نية الإقامة:
يشترط في نية الإقامة أن ينوي عشرة أيام
متوالية، فلو نوى الخروج من محل إقامته بالمقدار
الذي يخل بإقامته عرفا لم تنعقد.
وهذا المقدار مما لا كلام فيه ظاهرا، لتوقف
صدق الإقامة عشرة أيام على ذلك.
نعم، اختلفوا في تحديد ما يخل بالإقامة عرفا،
وقد ذكرت عدة تحديدات لذلك، وهي:
الأول - أن المخل هو الخروج عن البلد إلى أن
يصل إلى المسافة الشرعية للقصر - وهي أربعة
فراسخ - فما فوقها، فإذا لم ينته إلى هذا المقدار لم يكن
مخلا بالإقامة لو رجع ليومه وليلته.
فبناء على هذا التفسير، لو نوى حين نية الإقامة
الخروج إلى ما دون المسافة تكون إقامته صحيحة.
وهذا التحديد أو التفسير منسوب إلى فخر
الدين ولد العلامة الحلي (2)، ونسبه صاحب الجواهر

(1) الموجود في النصوص وأكثر الفتاوى - كما قيل - التعبير
عن ذلك ب‍ " الشهر "، لكن حملت في كلمات المتأخرين
على الثلاثين يوما. انظر: مستند الشيعة 8: 262،
والجواهر 14: 317.
(2) المدارك 4: 463، وانظر: مستند الشيعة 8: 258
و 261، والجواهر 14: 315 و 321.
(3) الوسائل 8: 503، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر،
الحديث 17.
(1) المدارك 4: 463، وانظر: مستند الشيعة 8: 258
و 261، والجواهر 14: 315 و 321.
(2) انظر: الحدائق 11: 345، والجواهر 14: 305،
ومجموعة رسائل الشهيد الثاني (الحجرية): 191،
رسالة نتائج الأفكار وحكم المقيم في الأسفار.
320

إلى المحدث الكاشاني والسيد الطباطبائي بحر العلوم (1).
وممن تبناه من المعاصرين، السادة:
اليزدي (2)، والحكيم (3)، والخوئي (4) والخميني (5).
لكن قيدوه بما إذا كان البقاء قليلا، ومثل
له السيد الخوئي والخميني بالساعتين، وترقى
فيه السيد الخوئي إلى ثلاث ساعات.
تنبيه:
إن هذا التحديد منوط بتشخيص العرف
أيضا، بمعنى أنه لو شخص العرف في مورد بأن
الخروج إلى ما دون المسافة مخل بالإقامة، ينبغي
ترك قصده عند نية الإقامة.
الثاني - أن المخل هو الخروج إلى حد
الترخص فما فوق، وأما الخروج إلى ما دون ذلك
فلا يضر بالإقامة.
وبناء على هذا التحديد ينبغي أن لا ينوي
الخروج إلى حد الترخص أو أكثر عند نية الإقامة.
وهذا القول اختاره الشهيد الأول (1) والشهيد
الثاني (2)، وقال عنه صاحب الحدائق: " والظاهر أنه
المشهور " (3).
الثالث - أن التحديد موكول إلى العرف أيضا،
فربما يرى بعض أقسام الخروج منافيا للإقامة في
مورد ولا يراه منافيا في مورد آخر.
وإلى هذا الرأي ذهب جملة من الفقهاء، مثل:
المحقق الأردبيلي (4)، وصاحب المدارك (5)،

(1) الجواهر 14: 305.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الثاني، المسألة 8.
(3) المستمسك 8: 119، فإنه ربما يستفاد ذلك من ذيل
كلامه، وهو قوله: " اللهم إلا أن يقال... ".
نعم، بعد أن استشكل في المنهاج على الخروج إلى
حد الترخص وما دون المسافة، قال: "... وإن كان
الأظهر جواز الاقتصار على التمام وعدم منافاة الخروج
المذكور إذا كان زمان الخروج قليلا ". منهاج الصالحين
(للسيد الحكيم) 1: 354، كتاب الصلاة، صلاة
المسافر، الفصل الثاني، المسألة 49.
(4) مستند العروة (الصلاة) 8: 272 - 275، وكلامه هنا
صريح في هذا القول، لكن قال في المنهاج مثل ما قاله
السيد الحكيم، فلم يغير المسألة، أي قال بعد الإشكال
على الخروج إلى حد الترخص وما دون المسافة: " وإن
كان الأظهر جواز الاقتصار على التمام وعدم منافاة
الخروج المذكور للإقامة، إذا كان زمان الخروج قليلا ".
منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 251، كتاب
الصلاة، صلاة المسافر، الفصل الثاني، المسألة 930.
(5) تحرير الوسيلة 1: 235، كتاب الصلاة، فصل في صلاة
المسافر، القول في قواطع السفر، المسألة 7.
(1) البيان: 266.
(2) مجموعة رسائل الشهيد الثاني (الحجرية): 191،
رسالة نتائج الأفكار وحكم المقيم في الأسفار.
(3) الحدائق 11: 346.
(4) مجمع الفائدة 3: 409.
(5) المدارك 4: 460، فإنه قال بعد أن ذكر كلام جده
الشهيد الثاني في نقد كلام فخر الدين، واختيار عدم
الخروج إلى حد الترخص: " وهو جيد، لكن ينبغي
الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف... ".
321

والسبزواري (1)، وصاحب الحدائق (2)، وصاحب
الرياض (3)، وصاحب الجواهر (4)، والشيخ
الأنصاري (5).
الرابع - ما نسبه صاحب الحدائق إلى ما
اشتهر في زمانه، حيث قال: " وما اشتهر في هذه
الأوقات المتأخرة والأزمنة المتغيرة: من أن من أقام
في بلد أو قرية مثلا، فلا يجوز له الخروج من سورها
المحيط بها أو عن حدود بنيانها ودورها، فهو ناشئ
عن الغفلة وعدم إعطاء النظر حقه من التأمل في
الأخبار وكلام الأصحاب... " (6).
وصاحب هذا القول هو الفاضل الفتوني
كما قيل (7).
وقال الفاضل النراقي بعد ذكر الأقوال
ونقدها: " ومن هذا يظهر أن ما نقله في الحدائق
ناسبا له إلى الغفلة، وهو: " أنه اشتهر في هذه الأزمنة
المتأخرة أن من أقام " - إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا -
هو الحق الحقيق بالاتباع وعليه الفتوى والاعتماد.
ولا يتوهم أن ذلك قول مغاير للثالث، بل هو
عينه إلا أنا نقول: إن هذا هو المعنى العرفي
لإقامة البلد " (1).
وهذا الكلام خير شاهد على أن الجميع
يريدون أن يرجعوا رأيهم إلى تفسير العرف، وإنما
الخلاف في كيفية التلقي منه.
حكم الخروج من محل الإقامة بعد
استقرارها:
الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة هو:
أن الأولى ترتبط بمقام نية الإقامة وقصدها، كما تقدم
توضيحه، وهذه ترتبط بمقام العمل، أي بعد أن
استقرت الإقامة ولو بصلاة رباعية بعد نية الإقامة
يأتي هذا البحث وهو: أنه لو خرج المقيم إلى ما دون
المسافة من دون أن يكون في نيته ذلك عند قصد
الإقامة، فما هو حكمه؟
وللفقهاء تفريعات عديدة في المسألة وقد
صارت معركة للآراء (2)، ومن جملة صورها:
1 - أن يكون عازما على العود إلى محل
الإقامة الأولى واستئناف إقامة عشرة أخرى.
وحكمها: وجوب التمام في الذهاب، والمقصد،
والإياب، ومحل الإقامة الأولى (3).

(1) الذخيرة: 411.
(2) الحدائق 11: 346، فإنه استقرب هذا القول بعد أن
حكاه عن الأردبيلي والمجلسي.
(3) الرياض 4: 461 - 462.
(4) الجواهر 14: 305.
(5) الصلاة (للشيخ الأنصاري) 3: 47.
(6) الحدائق 11: 344.
(7) انظر مفتاح الكرامة 3: 557.
(1) مستند الشيعة 8: 252.
(2) وفي الجواهر 14: 363: " التي اضطربت فيها الأفهام
وزلت فيها أقدام كثير من الأعلام ".
(3) انظر: الجواهر 14: 363 - 364.
322

وقد ادعي عليه الإجماع مستفيضا (1).
هذا ولكن نقل صاحب الجواهر (2) عن بعض
وجوب القصر. وقال في المستمسك: " ونسب إلى
المقدس البغدادي (رحمه الله) والشيخ محمد طه نجف (رحمه الله) " (3).
والحق بهذه الصورة: ما لو أراد الإقامة في
محل آخر غير محل الإقامة الأولى ولم تكن بين المحلين
مسافة شرعية (4).
2 - أن يكون عازما على العود إلى محل
الإقامة الأولى من دون أن ينشئ إقامة جديدة،
بل حتى ولو كان ينوي إنشاء سفر جديد منه.
فقد نقل صاحب الجواهر عن الأساطين من
المتقدمين والمتأخرين القول بوجوب القصر في
العود، أما في الذهاب والمقصد فإنهم اختلفوا فيه.
ولكن قوى السيد اليزدي (5) البقاء على التمام في
الذهاب والمقصد والإياب ومحل الإقامة الأولى، ولم
يعلق عليه السيد الحكيم (6)، ووافقه السيد الخوئي (7)،
لكن خالفه السيد الخميني في صورة قصد إنشاء سفر
جديد بعد الوصول إلى محل الإقامة فقال:
" والأحوط الجمع خصوصا في الإياب ومحل
الإقامة ". نعم لو لم ينو سفرا جديدا بعد الوصول
فيتم في الذهاب والمقصد والإياب ومحل الإقامة (1).
وهناك وجوه عديدة أخرى فيها تفصيلات
وأقوال كثيرة لا تتحملها الموسوعة.
اشتراط وحدة المحل في محل الإقامة:
قال العلامة في المنتهى: " لو عزم على إقامة
طويلة في رستاق (2) ينتقل فيه من قرية إلى قرية،
ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل
حكم السفر فيها، لم يبطل حكم سفره، لأنه لم ينو
الإقامة في بلد بعينه، وكان كالمنتقل في سفره من
منزل إلى منزل " (3).
وقال صاحب المدارك بعد نقل ذلك:
" وهو حسن " (4).
وهو الظاهر من جماعة ممن تأخر عنه،
كالسبزواري (5)، وصاحب الحدائق (6)، والنراقي (7)،

(1) انظر: الجواهر 14: 363، والمستمسك 8: 132.
(2) الجواهر 14: 363.
(3) المستمسك 8: 132.
(4) انظر المصدرين المتقدمين.
(5) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في صلاة المسافر،
فصل في قواطع السفر، الثاني، المسألة 24، الرابعة.
(6) المستمسك 8: 136.
(7) مستند العروة (الصلاة) 8: 308.
(1) تحرير الوسيلة 1: 236 - 237، كتاب الصلاة، فصل
في صلاة المسافر، القول في قواطع السفر، المسألة 14.
(2) الرستاق: معرب روستا بمعنى القرية، أو مجموعة قرى
واقعة في ناحية. انظر لغت نامه دهخدا: " رستاق ".
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 398.
(4) المدارك 4: 461.
(5) الذخيرة: 412.
(6) الحدائق 11: 356.
(7) مستند الشيعة 8: 253.
323

وصاحب الجواهر (1)، والشيخ الأنصاري (2)،
والسادة: اليزدي (3) والحكيم (4) والخوئي (5)
والخميني (6).
والملاك في وحدة المحل هو تشخيص العرف،
وقد صرح بذلك عدة ممن تقدم ذكرهم. قال السيد
الحكيم مثلا: " تختلف الإقامة العرفية باختلاف
الأمكنة، فالقرى المفصول بعضها عن بعض بربع
الفرسخ تعد الإقامة في بعضها غير الإقامة في
الأخرى، ومحلات البلد الواحد وإن كان يبعد
بعضها عن بعض بربع الفرسخ لا تعد الإقامة في
بعضها غير الإقامة في الأخرى، فلابد من ملاحظة
خصوصيات الأمكنة، لينظر أن التعدي من مكان
إلى مكان هل يعد ارتحالا عنه إلى الآخر، أو لا يعد
كذلك؟ وعلى ذلك تدور صحة الإقامة وعدمها،
بلا فرق بين الأرض، والقرية، والبلاد المتسعة،
وغيرها، فلاحظ " (7).
هل يجزئ التلفيق في العشرة أيام؟
تقدم أنه يشترط في صحة الإقامة نية إقامة
عشرة أيام، فلا تجزئ نية أقل من ذلك.
ولكن هل يجب أن تكون هذه الأيام تامة،
أي من أول النهار، أم يكفي في احتساب اليوم ابتداء
الإقامة من بعضه، أو فيه تفصيل؟
وبعبارة أخرى كيف يحتسب يوما الدخول
والخروج؟
ذكروا فيه وجوها أو أقوالا أربعة:
الأول - عدم احتساب يومي الدخول
والخروج إذا كانا ناقصين، ولابد من بقاء عشرة
تامة غيرهما.
اختار هذا القول صاحب المدارك، فإنه قال:
" وفي الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول
والخروج وجهان، أظهرهما العدم، لأن نصف
اليومين لا يسمى يوما، فلا تتحقق إقامة العشرة
التامة بذلك " (1).
وتبعه الفاضل النراقي (2).
الثاني - التلفيق بين يومي الدخول والخروج
واحتساب المجموع، فإن كان يوما أو أكثر احتسب
يوما وينبغي أن يبقى غيرهما تسعة أيام، وإن كان
أنقص من ذلك فلا يحتسب.
اختار هذا القول العلامة (3) والشهيدان

(1) الجواهر 14: 307.
(2) الصلاة 3: 46.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في صلاة المسافر،
فصل في قواطع السفر، الثاني.
(4) المستمسك 8: 117، والمنهاج (للسيد الحكيم) 1: 354.
(5) انظر: مستند العروة (الصلاة) 8: 266 - 268،
والمنهاج (للسيد الخوئي) 1: 250.
(6) تحرير الوسيلة 1: 235، كتاب الصلاة، فصل في صلاة
المسافر، القول في قواطع السفر، المسألة 6.
(7) المستمسك 8: 118.
(1) المدارك 4: 460.
(2) مستند الشيعة 8: 258.
(3) التذكرة 4: 390.
324

- في الذكرى (1) والروض (2) - والسبزواري (3)،
والسيد الطباطبائي (4)، وصاحب الجواهر (5)،
والشيخ الأنصاري (6)، والسادة: اليزدي (7)،
والحكيم (8)، والخوئي (9)، والخميني (10).
وتظهر حكاية صاحب الحدائق له عن بعض
مشايخه المحققين (11).
وقالوا: إن العرف يفهم ذلك من الإقامة
عشرة أيام.
الثالث - احتسابهما يومين مطلقا، فتتم
العشرة بهما وبثمانية أخرى، قال النراقي: " يظهر من
بعضهم القول به " (12)، ولم يسمه.
الرابع - التفصيل بين ما إذا كان الفائت قليلا
فيحتسب يوما، وما إذا كان كثيرا فلا يحتسب.
يظهر هذا القول من عبارة بعض المحققين التي
نقلها عنه صاحب الحدائق.
وأما صاحب الحدائق نفسه فقد توقف في
المسألة، لعدم ورود النص فيها (1).
حكم المجبور والمكره على الإقامة:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لهذه المسألة، نعم قال
السيد اليزدي: " المجبور على الإقامة عشرا والمكره
عليها يجب عليه التمام، وإن كان من نيته الخروج
على فرض رفع الجبر والإكراه، لكن بشرط أن
يكون عالما بعدم ارتفاعهما وبقائه عشرة أيام
كذلك " (2).
فالملاك هو العلم بالبقاء، فإن كان عالما
بالبقاء وجب عليه الإتمام وإن كان ناويا للسفر
بمجرد الإفراج عنه.
ووافقه السيدان: الحكيم (3)، والخوئي (4).
حكم التابع في الإقامة:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لهذه المسألة أيضا.

(1) الذكرى 4: 304.
(2) روض الجنان: 386.
(3) الكفاية: 33.
(4) الرياض 4: 460.
(5) الجواهر 14: 312 - 313.
(6) الصلاة 3: 48.
(7) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الثاني.
(8) انظر: المستمسك 8: 116، والمنهاج 1: 353.
(9) مستند العروة (الصلاة) 8: 265، والمنهاج 1: 249.
(10) تحرير الوسيلة 1: 235، كتاب الصلاة، فصل في صلاة
المسافر، القول في قواطع السفر، المسألة 5.
(11) الحدائق 11: 348، ويظهر أن في عبارة الحدائق سقطا
أو تصحيفا، فلذلك عده النراقي قولا مستقلا، ولكن في
اعتقادنا أنه القول الثاني نفسه.
(12) مستند الشيعة 8: 258.
(1) الحدائق 11: 348.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الثاني، المسألة 11.
(3) المستمسك 8: 121 - 122.
(4) مستند العروة (الصلاة) 8: 280.
325

والمقصود من التابع من لا استقلال له،
كالزوجة والعبد والولد الذي لم يستقل بعد وإن
كان بالغا.
والتابع، إما أن يكون عالما ببقاء المتبوع
عشرة أيام أو جاهلا به:
فإن كان عالما فيكفي ذلك في وجوب
التمام عليه.
وإن كان جاهلا، فالمسألة تكون مبنية على
صحة القصد الإجمالي (1) وعدمه. فإن قلنا بصحته
فالإقامة تكون صحيحة وإلا فلا.
فبناء على القول بصحة القصد الإجمالي لو
نوى المتبوع الإقامة ولم يعلم التابع بذلك ثم علم به،
وجب عليه التمام ولو لم يبق من العشرة إلا يوم واحد.
هذا ما ذهب إليه السيد اليزدي، واستظهر
وجوب قضاء ما صلاه قصرا قبل علمه بإقامة التابع
وإتيانه الصلاة تامة (2).
لكن استشكل في كفاية القصد الإجمالي
السادة: الحكيم (3)، والخوئي (4)، والخميني (5).
وعلل: بأنه مع عدم علم التابع بمقدار ما يبقى
المتبوع يكون كالجاهل بمقدار بقائه، فيشمله حكم
المتردد، وهو القصر.
مظان البحث:
إنما يبحث عن الإقامة بالمعنى الذي تعرضنا
له في صلاة المسافر عند الكلام عن قواطع السفر،
حيث تكون الإقامة من قواطعه.
إقباض
راجع: قبض.
إقبال
لغة:
مصدر أقبل، تقول: أقبل فلان، أي جاء
مستقبلا لك (1). والقبل اسم منه، وهو بمعنى إقبالك
على الشئ كأنك لا تريد غيره (2).
والإقبال نقيض الإدبار (3).

(1) بأن تنوي الزوجة البقاء بمقدار ما يبقى فيه الزوج،
وكذا الولد بالنسبة للوالد، والعبد بالنسبة للمالك.
(2) العروة الوثقى، كتاب الصلاة، فصل في قواطع السفر،
الثاني، المسألة 13.
(3) المستمسك 8: 122.
(4) مستند العروة 8: 281.
(5) تحرير الوسيلة 1: 235، كتاب الصلاة، فصل في صلاة
المسافر، القول في قواطع السفر، المسألة 8.
(1) انظر ترتيب كتاب العين: " قبل ".
(2) لسان العرب: " قبل ".
(3) المصدر المتقدم.
326

اصطلاحا:
استعمل في المعنى اللغوي نفسه، فمن ذلك:
1 - ما ورد في الأدعية، مثل الدعاء عند سماع
أذان المغرب وهو: " اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار
نهارك، وأصوات دعاتك فاغفر لي " (1). وموارد
أخرى.
2 - ما ورد في آداب الصلاة: من أنه يستحب
أن يكون مقبلا على صلاته، فقد روى محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إن العبد ليرفع له من
صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها، فما يرفع له
إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنما أمرنا بالنافلة ليتم
لهم بها ما نقصوا من الفريضة " (2).
ولذلك عد من مستثنيات استحباب التعجيل
بالصلاة: ما إذا لم يكن له إقبال فيؤخرها إلى
حصوله (3).
3 - وتكرر في كلمات الفقهاء تعبير " إقبال
الحيض وإدباره ".
اقتباس
لغة:
مصدر اقتبس، بمعنى طلب القبس وأخذ منه.
والقبس: الشعلة من النار، ثم استعير لطلب العلم
والهداية، فيقال: اقتبست من علمه ومن نور هدايته (1).
اصطلاحا:
استعمل بمعناه اللغوي المستعار، وهو طلب
العلم والهداية.
واستعمل في علم البيان بمعنى آخر، وهو: أن
يضمن المتكلم كلامه من شعر أو نثر شيئا من القرآن،
من دون إشعار بأن هذا من القرآن وليس من
كلامه (2).
الأحكام:
أولا - الاقتباس بمعنى طلب العلم والهداية:
ورد الحث الشديد على الاقتباس من علوم

(1) انظر: المعتبر: 166، ومستدرك الوسائل 4: 53،
الباب 33 من أبواب الأذان، الحديث الأول.
(2) الوسائل 4: 71، الباب 17 من أبواب أعداد
الفرائض، الحديث 3.
(3) انظر التنقيح (الصلاة) 1: 439.
(1) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، والنهاية (لابن الأثير)، ولسان العرب:
" قبس ".
(2) انظر: أنوار الربيع في أنواع البديع 2: 217، والوشاح
على الشرح المختصر لتلخيص المفتاح 3: 225، ومحيط
المحيط: " قبس ".
327

محمد وآل محمد (عليهم السلام) ومن نور هدايتهم، والروايات
بذلك جاوزت حد التواتر. وقد عقد المحدثون في
كتبهم عدة أبواب لهذا الموضوع.
ثانيا - الاقتباس بمعنى تضمين الكلام بالقرآن
والحديث:
لم يتطرق الفقهاء إلى هذا الموضوع في كتبهم
الفقهية، نعم لهم كلام في جواز التكلم بالقرآن أو
الدعاء والذكر في أثناء الصلاة للدلالة على أمر، كما
إذا استأذن شخص بالدخول فقال المصلي:
* (ادخلوها بسلام آمنين) * (1)، لكنه خارج عما نحن
فيه، لأنه إن كان فيه إشكال فإنما هو من جهة عدم
قصد القرآنية أو قصد غيرها معه في الصلاة، فيكون
مخلا بها (2).
وأما في غير الصلاة فلم يتعرضوا له، ولكن
قامت السيرة العملية على العمل به إجمالا حتى من
قبل الأئمة (عليهم السلام)، فقد استعملوا الاقتباس في كلماتهم
وأحاديثهم وأدعيتهم، واستعمله الفقهاء أيضا.
قال السيد علي خان في شرح الصحيفة
السجادية بعد تعريف الاقتباس: " وقد وقع في
خطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ودعاء أهل
البيت (عليهم السلام) كثيرا، وهو يدل على جوازه في مقام
المواعظ والدعاء والثناء على الله سبحانه.
وأما جوازه في الشعر وفي غير ذلك من النثر
فلم أجد فيه نصا من علمائنا.
نعم قال الشيخ صفي الدين الحلي من أصحابنا
في شرح بديعيته: الاقتباس على ثلاثة أقسام:
محمود مقبول، ومباح مبذول، ومردود مرذول.
فالأول: ما كان في الخطب والمواعظ والعهود
ومدح النبي وآله (عليهم السلام) ونحو ذلك.
والثاني: ما كان في الغزل والصفات والقصص
والرسائل، ونحوها.
والثالث: على ضربين:
أحدهما: تضمين ما نسبه الله سبحانه إلى
نفسه، كما نقل عن أحد بني مروان: أنه وقع على
مطالعة فيها شكاية عماله: إن إلينا إيابهم ثم إن
علينا حسابهم.
الثاني: تضمين آية كريمة في معرض هزل
وسخف، نعوذ بالله من ذلك. انتهى كلامه.
ولا أعلم مستنده في هذا التفصيل " (1).
وفيما يلي نذكر بعض نماذج الاقتباس في
كلمات الأئمة (عليهم السلام) والعلماء (رض):
الاقتباس من القرآن في نهج البلاغة:
1 - من ذلك ما قاله (عليه السلام) ضمن خطبة يحرض
بها أصحابه في صفين فقد جاء فيها: "... فصمدا
صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون،
والله معكم، ولن يتركم أعمالكم " (2).

(1) الحجر: 46.
(2) انظر المستمسك 6: 552.
(1) رياض السالكين 1: 298.
(2) نهج البلاغة: قسم الخطب، الخطبة 66، والآية 35 من
سورة محمد (صلى الله عليه وآله).
328

2 - ومنه قوله (عليه السلام) مخاطبا الخوارج حينما طلبوا
منه أن يتوب من التحكيم على زعمهم، حيث جاء
فيه: "... أبعد إيماني بالله وجهادي مع رسول الله
صلى الله عليه أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين " (1).
3 - ومنه ما جاء في استنهاضه (عليه السلام) الناس عند
غزوة النعمان بن البشير ل‍ " عين التمر "، حيث قال:
"... وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج إلي
منكم جنيد متذائب ضعيف، كأنما يساقون إلى الموت
وهم ينظرون " (2).
والموارد من هذا القبيل كثيرة.
الاقتباس من القرآن في الصحيفة السجادية:
1 - منه ما جاء في كلام الإمام علي بن
الحسين السجاد (عليهما السلام) في تحميد الله والثناء عليه:
"... ثم ضرب له في الحياة أجلا موقوتا... حتى إذا
بلغ أقصى أثره واستوعب حساب عمره قبضه إلى
ما ندبه إليه من موفور ثوابه أو محذور عقابه، ليجزي
الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسنى " (3).
2 - ومنه ما جاء في دعائه عند وداع شهر
رمضان: "... وفرضت فيه من الصيام ورغبت فيه
من القيام وأجللت فيه من ليلة القدر التي هي خير من
ألف شهر " (1).
الاقتباس من القرآن في الروايات:
1 - جاء في صحيحة عمر بن يزيد، قال:
" اشتريت إبلا وأنا بالمدينة مقيم، فأعجبتني إعجابا
شديدا، فدخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام)
فذكرتها، فقال: ما لك وللإبل؟ أما علمت أنها
كثيرة المصائب؟ قال: فمن إعجابي بها أكريتها
وبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة، قال: فسقطت
كلها، فدخلت عليه فأخبرته، فقال: فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب
أليم " (2).
2 - روي عن الإمام علي (عليه السلام): " أن امرأة
استعدت على زوجها: أنه لا ينفق عليها، وكان
زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه، وقال: إن مع العسر
يسرا " (3).

(1) نهج البلاغة: قسم الخطب، الخطبة 58، والآية 56
من سورة الأنعام.
(2) نهج البلاغة: قسم الخطب، الخطبة 39، والآية 6
من سورة الأنفال.
(3) الصحيفة السجادية: دعاؤه بتحميد الله عز وجل والثناء
عليه (الدعاء الأول)، والآية 31 من سورة النجم.
(1) الصحيفة السجادية: دعاؤه في وداع شهر رمضان،
والآية 3 من سورة القدر.
(2) الوسائل 11: 501، الباب 24 من أبواب
أحكام الدواب، الحديث 2، والآية 63 من سورة
النور.
(3) الوسائل 18: 418، الباب 7 من أبواب الحجر،
الحديث 2، والآية 6 من سورة الشرح.
329

الاقتباس من القرآن في كلمات العلماء:
1 - جاء في مقدمة مجمع البيان: " ثم الحمد لله
الذي أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان... " (1).
2 - جاء في مقدمة تفسير القمي: " والحمد لله
الذي جعل العمل في الدنيا، والجزاء في الآخرة،
وجعل لكل شئ قدرا، ولكل قدر أجلا، ولكل
أجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب " (2).
وموارد كثيرة من هذا القبيل.
هل يطلق الاقتباس على تضمين الكلام
بالأحاديث؟
قال السيد علي خان في شرح بديعيته:
" المشهور تخصيص الاقتباس بكونه من القرآن.
ومنهم من عد المضمن في الكلام من الحديث اقتباسا
أيضا...
إذا عرفت ذلك، فالخلاف المذكور في جواز
الاقتباس من القرآن وعدمه لا يجري في الحديث،
خصوصا وهو تجوز روايته بالمعنى وغير ذلك مما
لا يجوز في القرآن، كذا قال بعضهم.
وقد رأيت ما قاله الشيخ بهاء الدين السبكي
في العروس: من أن الورع أن ينزه عن مثلة كلام
الله تعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " (1).
هل المقتبس من القرآن قرآن؟
قال السيد علي خان: " ثم الصحيح: إن
المقتبس ليس بقرآن حقيقة، بل كلام يماثله بدليل
جواز النقل عن معناه الأصلي والتغيير اليسير
فيه... ".
ثم استشهد بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطبا
الخوارج فيه وقد تقدم، حيث أضاف اللام في
قوله (عليه السلام): لقد ضللت إذن... " (2).
ومثله قال في شرح بديعيته (3).
اقتحام
لغة:
مصدر اقتحم، أي رمى نفسه في نهر أو وهدة
أو في أمر من غير روية وتثبت (4).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، ومنه النهي الوارد

(1) مجمع البيان: المقدمة، والآية 185 من سورة البقرة.
(2) تفسير القمي: المقدمة، والآية 39 من سورة الرعد.
(1) أنوار الربيع في أنواع البديع 2: 222.
(2) رياض السالكين 1: 298.
(3) أنوار الربيع 2: 219.
(4) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح. والنهاية
(لابن الأثير): " قحم ".
330

في روايات أهل البيت (عليهم السلام) عن اقتحام الشبهات،
مثل قولهم (عليهم السلام): " الوقوف عند الشبهة خير من
الاقتحام في الهلكة " (1).
راجع: احتياط، شبهة.
اقتداء
لغة:
مصدر اقتدى، يقال: اقتدى بفلان، إذا فعل
مثل فعله تشبها وتأسيا به، والقدوة: اسم من اقتدى
به، وفلان قدوة يقتدى به، أي أسوة يتأسى به (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، فالاقتداء بالنبي وأهل
بيته (عليهم السلام) هو التأسي بهم في أفعالهم وأقوالهم،
والاقتداء بإمام الجماعة هو متابعته في أفعاله
الصلاتية (3).
ويعبر عن الاقتداء بالائتمام أيضا.
وقد ورد التعبيران في النصوص وكلمات
الفقهاء.
وسوف يأتي تفصيل الكلام عن ذلك في
عنوان " جماعة " إن شاء الله تعالى.
اقتدار
لغة:
مصدر اقتدر على الشئ، أي قدر عليه (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
وسوف يأتي الكلام عنه في العنوانين:
" أهلية " و " قدرة " إن شاء الله تعالى.
اقتراح
لغة:
من معانيه: ارتجال الكلام، وابتداع الشئ،
والسؤال من غير روية (2).
اصطلاحا:
أريد به المعنيان الأوليان، مثل قولهم:

(1) الوسائل 27: 158 و 159، الباب 12 من أبواب
صفات القاضي، الحديثان 13 و 15.
(2) انظر: الصحاح، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط:
" قدو ".
(3) انظر الجواهر 13: 201.
(1) انظر: الصحاح، والمعجم الوسيط: " قدر ".
(2) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب،
ومجمع البحرين: " قرح ".
331

" الإعراض عن النقل المشهور مع عدم المعارض
اقتراح " (1).
اقتراض
راجع: قرض.
اقتراع
راجع: قرعة.
اقتراف
لغة:
الاكتساب، سواء كان حسنا أو سوءا، وفي
الإساءة أكثر استعمالا، فاقتراف الذنب: كسبه وفعله (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن الأكثر استعماله
في اقتراف الذنب ونحوه.
اقتران
لغة:
الصلة والمصاحبة بين شيئين والجمع بينهما،
من قرنت البعير بالبعير، أي جمعت بينهما (1).
اصطلاحا:
استعمل في المعنى اللغوي نفسه غالبا، كقولهم:
" لو علم اقتران موت المتوارثين فكذا... "،
أو " يتعين العمل بهذه الرواية، لاقتران عمل
الأصحاب بها "، أو " اقتران النية بالتكبير "، ونحو
ذلك.
وهناك مصطلحان دخيلان في الفقه، وهما:
1 - اقتران الكوكبين أو قرانهما، وهو من
مصطلحات علم الهيئة والنجوم، ومعناه: " اجتماع
الكوكبين غير الشمس والقمر في جزء واحد من
أجزاء فلك البروج " (2).
2 - القياس الاقتراني، وهو من مصطلحات
علم المنطق، يطلق على نوع من أنواع الأقيسة التي
لم تذكر نتيجة القياس ولا مقابلها في مقدماته، مثل:

(1) المدارك 5: 281.
(2) انظر: الصحاح، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، والنهاية (لابن الأثير): " قرف ".
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب،
ومجمع البحرين: " قرن ".
(2) محيط المحيط: " قرن ". وانظر لغت نامه دهخدا:
المادة نفسها.
332

(كل ج ب) و (كل ب د)، إذن كل ج د. فالنتيجة
(كل ج د) لم تذكر لا في المقدمة الصغرى
ولا في الكبرى (1).
وسمي اقترانيا، لاقتران حدود المطلوب فيه،
وهي الأصغر والأكبر والأوسط (2).
اقتسام
راجع: قسمة.
اقتصاد
لغة:
التوسط في الأمور، واستقامة الطريقة، وعدم
مجاوزة الحد فيها (3).
ومنه: القصد في المعيشة، أي الاعتدال
وعدم الإسراف والتقتير فيها، والقصد في المشي:
الاعتدال فيه، كما في قوله تعالى: * (واقصد في
مشيك) * (4).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
تقدم الكلام عن الاقتصاد في عنوان
" إسراف " وقلنا: إن الإسراف مذموم ومرغوب
عنه شرعا وعقلا، والاقتصاد والاعتدال مرغوب
فيه، وقد حث الإسلام عليه في جميع شؤون الحياة
حتى في العبادة.
اقتصار
لغة:
الاكتفاء، واقتصر على كذا، أي اكتفى به
ولم يتجاوزه (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، وليس لفقهائنا فيه معنى
حادث.

(1) انظر منطق المظفر: 236.
(2) انظر حاشية ملا عبد الله: 87.
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية (لابن
الأثير)، والمصباح المنير، والقاموس المحيط: " قصد ".
(4) لقمان: 19.
(1) انظر: الصحاح، والقاموس المحيط، ومجمع البحرين:
" قصر ".
333

اقتصاص
راجع: آلات الاقتصاص، وقصاص.
اقتضاء
لغة:
الطلب، والدلالة، والاستلزام.
اقتضى منه حقه: طلبه منه. ويقتضي الأمر
الوجوب: يدل عليه. واقتضى الحال كذا:
استلزمه (1). والأخيران يرجعان إلى معنى واحد.
اصطلاحا:
1 - الاقتضاء بمعنى الطلب:
استعمل الاقتضاء بمعنى الطلب في كلمات
الفقهاء والأصوليين، ومن موارده:
أ - طلب الحق:
ذكر الفقهاء: أن من آداب المعاملة أن يكون
المؤمن سهل القضاء والاقتضاء، بمعنى أنه لو أراد
مطالبة حقه فلا بد أن يكون سمحا في مطالبته،
كما سيأتي تفصيله في قسم الأحكام.
ب - الطلب مقابل التخيير:
عرفوا الحكم بأنه: " خطاب الشرع المتعلق
بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع " (1).
ويدخل في الاقتضاء ما عدا المباح من
الأحكام الخمسة، فيشمل طلب الشئ مع المنع من
نقيضه مثل الوجوب والحرمة، والطلب مع عدم المنع
من النقيض، مثل الاستحباب والكراهة.
ويشمل التخيير خصوص الإباحة (2).
2 - الاقتضاء بمعنى الدلالة والاستلزام:
استعمل الفقهاء والأصوليون الاقتضاء بمعنى
الدلالة والاستلزام في الموارد التالية:
أ - دلالة الاقتضاء:
وهي: دلالة الكلام على لفظ أو معنى محذوف
مقصود للمتكلم بحسب العرف، ويستلزمه صدق
الكلام أو صحته عقلا، أو شرعا، أو لغة، أو عادة (3).
مثالها قوله تعالى: * (واسأل القرية) * (4)،
فإن صحته عقلا تتوقف على تقدير لفظ " أهل "،
فيكون من باب حذف المضاف، أو على تقدير معنى
أهل فيكون من باب المجاز في الإسناد.
وقوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي تسعة أشياء:
الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه،

(1) انظر: المصباح المنير، ومجمع البحرين، ومحيط المحيط،
والمعجم الوسيط: " قضى ".
(1) انظر القواعد والفوائد 1: 39، القاعدة 8.
(2) انظر روض الجنان: 9.
(3) انظر أصول الفقه (للمظفر) 1: 121.
(4) يوسف: 82.
334

وما لا يعلمون... " (1).
فإن واقع هذه الأشياء لم ترفع عن الأمة كما
نشاهده بالعيان، وإنما المرفوع ما يترتب عليها من
آثار وأحكام شرعية، كالعقاب ونحوه.
وقوله (صلى الله عليه وآله): " لا صلاة لجار المسجد إلا في
مسجده " (2).
فإن صدق الكلام وصحته يتوقف على
تقدير كلمة " كاملة " محذوفة، ليكون المنفي كمال
الصلاة، لا أصلها، لأن من صلى في بيته تكون
صلاته مجزية.
ومثله أيضا قولهم: " أعتق عبدك عني
بألف "، فإن صحة هذا الكلام شرعا تتوقف على
طلب تمليكه أولا بألف ثم توكيله في عتقه عنه،
لأنه لا عتق إلا في ملك، فيكون التقدير: بعني عبدك
بألف وأنت وكيلي في إعتاقه.
والخلاصة: أن المناط في دلالة الاقتضاء
شيئان:
الأول - أن تكون الدلالة مقصودة.
الثاني - أن يكون الكلام لا يصدق أو لا يصح
بدونها. ولا فرق فيها بين أن يكون المحذوف لفظا
مضمرا، أو معنى مرادا: حقيقيا أو مجازيا (3).
ب - هل الأمر بالشئ يقتضي النهي عن
ضده أم لا؟
والاقتضاء هنا بمعنى الاستلزام، أي هل الأمر
بالصلاة يستلزم النهي عن كل ما يضاده كالأكل
والشرب أو لا؟
ج - هل النهي عن العبادة يقتضي فسادها؟
والاقتضاء هنا بمعنى الاستلزام أيضا، بمعنى
أن النهي عن الصلاة في حالة خاصة مثل الصلاة في
الحمام، هل يدل على فسادها أو لا؟
د - هل الأمر يقتضي الوجوب؟
ومرادهم: أن الأمر هل يدل على الوجوب
ويستلزمه أم لا؟
الأحكام:
أولا - استحباب التساهل والتسامح في اقتضاء الحقوق:
ذكر الفقهاء من جملة آداب التجارة: أنه
يستحب التسامح في البيع والشراء والقضاء
والاقتضاء (1).
والمراد من القضاء: رد الدين، والاقتضاء:
مطالبته.
وقد وردت بذلك عدة روايات، منها:

(1) الوسائل 15: 369، الباب 56 من أبواب جهاد
النفس، الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 194، الباب 2 من أبواب أحكام
المساجد، الحديث الأول.
(3) انظر أصول الفقه (للمظفر) 1: 121 - 122.
(1) انظر: القواعد 2: 13، والدروس 3: 184، واللمعة
وشرحها (الروضة البهية) 3: 291، والحدائق
18: 48، والجواهر 22: 464، وغيرها.
335

1 - ما رواه حنان عن أبيه عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " سمعته يقول: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): بارك الله على سهل البيع، سهل الشراء،
سهل القضاء، سهل الاقتضاء " (1).
2 - ما رواه حماد بن عثمان، قال: " دخل
رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فشكى إليه رجلا من
أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام) مغضبا: ما لفلان يشكوك؟ فقال له:
يشكوني إني استقضيت منه حقي! قال: فجلس أبو
عبد الله (عليه السلام) مغضبا، ثم قال: كأنك إذا استقضيت
حقك لم تسئ؟ أرأيت ما حكى الله عز وجل في
كتابه فقال: * (يخافون سوء الحساب) *، أترى أنهم
خافوا الله أن يجور عليهم؟! لا والله، ما خافوا إلا
الاستقضاء، فسماه الله عز وجل سوء الحساب.
فمن استقضى به فقد أساء " (2).
وذكروا استحباب التساهل في اقتضاء الدين
في كتاب الدين أيضا.
ثانيا - حجية دليل الاقتضاء:
إذا كانت للكلام دلالة وظهور في تقدير
محذوف - سواء كان لفظا مضمرا أو معنى مرادا -
فلا شك في حجية مثل هذه الدلالة، لأنها من باب
الظهورات، وهي حجة عند العقلاء (1).
وكان المناسب طرح دلالة الاقتضاء
وحجيتها في الملحق الأصولي، لكن اكتفينا بطرحها
هنا لاختصارها.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
كتاب التجارة: آداب التجارة.
كتاب الدين.
ثانيا - الأصول:
عند الكلام عن الدلالات الثلاث:
الاقتضاء والتنبيه والإشارة. لكن الأكثر
أهملوا التعرض لها في الأصول، وتطرقوا
إليها في تضاعيف كتب الفقه.
اقتطاع
راجع: إقطاع.

(1) الوسائل 17: 450، الباب 42 من أبواب آداب
التجارة، الحديث الأول.
(2) الكافي 5: 100 - 101، كتاب المعيشة، باب في آداب
اقتضاء الدين، والآية 21 من سورة الرعد.
(1) أصول الفقه (للمظفر) 1: 124.
336

اقتناء
لغة:
مصدر اقتنى، يقال: اقتنى الغنم: إذا اتخذها
لنفسه لا للتجارة والبيع (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
أولا - الحكم التكليفي:
لما كان الأصل في الأشياء الإباحة، فالأصل
في اقتنائها الإباحة أيضا، إلا إذا قام الدليل على
خلافها، كما قام الدليل على حرمة اقتناء بعض
الأشياء، أو استحبابها، أو كراهتها، أو وجوبها.
أ - فمما قام الدليل على حرمة اقتنائه: آنية
الذهب والفضة، على المشهور، وآلات اللهو، وآلات
القمار، وكتب الضلال إلا لأجل الرد عليها (2).
وقد تقدم في العناوين: " آلات اللهو "،
و " آلات القمار "، و " آنية " بعض الكلام عن ذلك.
ب - وذكر الفقهاء في جملة آداب التجارة:
استحباب شراء الكتب العلمية وجميع آلات
العبادة للقنية (1).
ج - وورد النهي عن اقتناء الكلب
إلا ما استثني، مثل كلب الصيد والماشية ونحوهما،
وحمل النهي على الكراهة (2).
د - وربما يجب اقتناء شئ مقدمة لواجب
آخر إذا توقف عليه، كاقتناء السلاح للدفاع
الواجب، أو اقتناء كتب الضلال لمطالعتها والرد
عليها إذا توقف ذلك على اقتنائها. ونحو هذه الموارد
التي تتغير بحسب العناوين الطارئة.
ومن هنا يعلم: أنه قد يحرم اقتناء شئ
لشخص ويجب لشخص آخر، مثل كتب الضلال،
فإنها يحرم اقتناؤها بالنسبة إلى من تترتب على اقتنائه
لها مفسدة، ويجب بالنسبة إلى من كان دفع الضلال
متعينا فيه، وكان ذلك متوقفا على حفظ تلك الكتب.
ثانيا - عدم تعلق الزكاة والخمس بما اتخذ للقنية:
صرح الفقهاء: بأنه لا تتعلق الزكاة بما اتخذه
الإنسان للقنية. قال صاحب الجواهر مازجا كلامه
بكلام المحقق الحلي: " ولا تستحب الزكاة في
المساكن، ولا في الثياب والآلات والأمتعة المتخذة
للقنية، للأصل بلا خلاف أجده، بل في التذكرة...:

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والنهاية (لابن الأثير)،
والمصباح المنير: " قنو ".
(2) انظر: الجواهر 22: 56، والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 1: 233.
(1) انظر الجواهر 22: 463.
(2) انظر الوسائل 11: 530، الباب 43 من أبواب أحكام
الدواب، وانظر الأبواب اللاحقة له.
337

بإجماع العلماء " (1).
وقال في ما لا تستحب فيه الزكاة مما
اشتراه: "... وكذا لو ملكه بعقد معاوضة، لكن
لا بقصد التكسب، بل للقنية، فإنه لا يزكيه... " (2).
وكذا الأمر بالنسبة إلى الخمس، فما يتخذه
الإنسان للقنية لا يتعلق به الخمس إذا كان من
مؤونته إلا إذا زاد من مؤونته بعد انتهاء الحول، كما
في الحبوب وسائر المأكولات (3).
اقتيات
راجع: قوت.
إقدام
لغة:
من معانيه: الإسراع في إنجاز العمل بدون
توقف.
ومنها: الرضا، يقال: أقدم على العيب،
أي رضي به (4).
اصطلاحا:
استعمل في المعنيين المتقدمين، لكن المبحوث
عنه هنا هو المعنى الثاني.
قاعدة " الإقدام "
وهي من القواعد الفقهية، لكن لم يتكلم عنها
الفقهاء بصورة مركزة ومفصلة (1)، وإنما استندوا إليها
في بعض الموارد فبحثوا عن القاعدة فيها إجمالا،
وأهم تلك الموارد: تكلمهم عن الضمان في المقبوض
بالعقد الفاسد، حيث بحثوا فيه عن ضمان كل من
المتعاقدين بما يأخذه من الآخر في العقد الفاسد كما
في الصحيح، فلذلك بحثوا عن قاعدة " ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده "، ثم جعلوا من جملة أدلة
هذه القاعدة قاعدة الإقدام، لكن كثيرا من الفقهاء
وخاصة المتأخرين عن الشيخ الأنصاري ناقشوا
القاعدة تبعا للشيخ نفسه من حيث صحة القاعدة في
نفسها، ومن حيث كونها دليلا على قاعدة " ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ".
مضمون القاعدة:
هو أن يقدم الإنسان على ما يوجب ضررا
على نفسه، كإسقاط الضمان عمن ألحق به ضررا،

(1) الجواهر 15: 292، وانظر المدارك 5: 185.
(2) الجواهر 15: 259، وانظر المدارك 5: 166.
(3) انظر: المدارك 5: 385، والجواهر 16: 59.
(4) انظر المعجم الوسيط: " قدم ".
(1) نعم تكلم عنها صاحب العناوين في الجزء الثاني
الصفحة 488.
338

أو تضمين نفسه لما ألحق بغيره من الضرر، أو مطلقا.
مثاله:
1 - أن يقدم على شراء ما فيه عيب، فإقدامه
هذا موجب لإسقاط خيار العيب وإسقاط الضمان
تبعا عن البائع.
قال صاحب الجواهر: " وكذا يسقطان (1)
بالعلم بالعيب قبل العقد، بلا خلاف أجده، لأن
إقدامه معه رضا منه به " (2).
ولذلك لا تجري هنا قاعدة " لا ضرر "،
لأنها مختصة بما لم يكن الإنسان نفسه مقدما على
الضرر، ولذلك قال الشيخ الأنصاري عند الكلام
عن قاعدة لا ضرر: " نعم لو أقدم على أصل التضرر
- كالإقدام على البيع بدون ثمن المثل عالما - فمثل هذا
خارج عن القاعدة، لأن الضرر حصل بفعل
الشخص لا من حكم الشارع " (3).
2 - وقال صاحب الجواهر أيضا بالنسبة إلى
من استعار من الغاصب، جهلا بالغصب فرجع
المالك عليه: " ولكن يرجع المستعير على الغاصب،
لأنه أذن له في استيفائها (4) بغير عوض، وعلى
ذلك أقدم... " (5).
وقد أكثر صاحب الجواهر من الاستناد إلى
القاعدة في الوديعة والعارية ونحوهما.
مستند القاعدة:
استدل المراغي على القاعدة بعدة أمور هي:
1 - أن المالك إذا أقدم على إسقاط احترام
ماله وبنى على عدم العوضية سقط ضمانه، لأن سبب
الضمان إنما هو حرمة ماله، فإذا أسقطها المالك لم يكن
وجه للضمان.
2 - لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بطيب
نفسه، لما ورد: من أنه " لا يحل مال امرئ مسلم
إلا بطيب من نفسه " (1). فإذا أقدم على عدم الضمان
فقد طابت نفسه في تصرف الغير به بلا عوض.
3 - وما ورد من جواز العطية والتبرع
بالأموال والأعمال من دون تضمين المتبرع له.
4 - أن علة الضمان إنما هي دفع الضرر
عن المالك، فإذا أقدم المالك على إضرار نفسه
فلا وجه للضمان (2).
الاختلاف في حجية القاعدة:
من أهم الموارد التي تعرض فيها جملة من
الفقهاء إلى قاعدة الإقدام، واختلفوا بشأنها
صغرويا وكبرويا هي قاعدة " ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده ".

(1) أي الخيار والأرش.
(2) الجواهر 23: 238.
(3) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 123، رسالة
لا ضرر.
(4) أي المنفعة.
(5) الجواهر 27: 166، وانظر 167 و 116.
(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 98.
(2) العناوين 2: 488، العنوان 66.
339

وأول من استند إلى قاعدة الإقدام فيها هو
الشيخ الطوسي، لكنه عبر عنها ب‍ " أنه دخل على
كذا... " أي أقدم على كذا. وفيما يلي نذكر نماذج من
كلماته وكلمات غيره في ذلك:
1 - قال في كتاب الغصب: " إذا غصب ثوبا
فباعه فنقص في يد المشتري كان للمالك أخذ ثوبه،
وله أن يطالب بأرش النقص من شاء منهما: يطالب
الغاصب، لأنه سبب يد المشتري، ويطالب
المشتري، لأنه نقص في يده، فإن طالب الغاصب
رجع بما غرم على المشتري، وإن طالب المشتري لم
يرجع بما غرم على الغاصب، لأنه دخل على أن
العين عليه مضمونة بالبدل، فإذا ذهب بعضها كان
بدل الذاهب عليه " (1).
2 - وقال بالنسبة إلى المقبوض بالعقد الفاسد:
" فإن كان المبيع قائما رده وإن كان تالفا رد بدله إن
كان له مثل وإلا قيمته، لأن البائع دخل على أن
يسلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه " (2).
3 - وقال بالنسبة إلى ضمان الذي اشترى أمة
مغصوبة مع علمه بالحال: " فإن كان المشتري قد
دخل مع العلم بالحال لم يرجع على أحد بشئ،
لأنه غر نفسه " (3).
4 - وقال بالنسبة إلى من أكل الطعام
المغصوب بدعوة الغاصب مع علم الآكل بالغصب:
" استقر الضمان على الآكل، لأنه دخل مع العلم
بالغصب " (1).
5 - وقال: "... وهكذا كل ما كان قبضا
مضمونا، مثل أن يأخذه على سبيل السوم، أو على
أنه بيع صحيح، أو كان ثوبا فأخذه على أنه عارية
مضمونة، فكل هذا يستقر عليه، لأنه دخل على أنه
مضمون عليه، فلم يكن مغرورا فيه " (2).
6 - وقال الشهيد الثاني - معلقا على كلام
المحقق الحلي: " ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد
الفاسد لم يملكه وكان مضمونا عليه " -: " لا إشكال
في ضمانه إذا كان جاهلا بالفساد، لأنه أقدم على
أن يكون مضمونا عليه، فيحكم عليه به وإن تلف
بغير تفريط " (3).
7 - وقال في من رهن وشرط عليه المرتهن أن
يكون الرهن مبيعا له إن لم يؤد إلى الأجل، حيث
حكموا بفساد الرهن والبيع معا، ولما كان المبيع
مضمونا في البيع الصحيح، فكذا في البيع الفاسد:
" والسر في ذلك أنهما تراضيا على لوازم العقد،
فحيث كان مضمونا فقد دخل القابض على الضمان،
ودفع المالك عليه " (4).
أي دفع المالك العين المرهونة على الضمان.
8 - هذا ولكن استشكل الشيخ الأنصاري

(1) المبسوط 3: 85.
(2) المصدر المتقدم: 65.
(3) المصدر المتقدم: 68.
(1) المبسوط 3: 88.
(2) المصدر المتقدم: 89.
(3) المسالك 3: 154.
(4) المسالك 4: 56.
340

على كلامهما بعدة إشكالات بعضها يرجع إلى أصل
القاعدة وبعضها إلى الاستدلال بها على قاعدة
" ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ".
أما القسم الأخير من الإشكالات، فهو أمر
خارج عن موضوع بحثنا فعلا، وأما القسم الأول
منها فقال فيها:
" وبالجملة فدليل الإقدام - مع أنه مطلب
يحتاج إلى دليل لم نحصله - منقوض طردا
وعكسا " (1).
وكأنه لم يثبت لديه دليل يثبت حجية قاعدة
الإقدام، بل حاول إرجاعها إلى قاعدتي:
" الاحترام " و " اليد "، كما سيأتي.
وهل يختص كلامه بالإقدام في المعاوضات،
أم يشمل غيرها أيضا؟
لم يتضح لنا ذلك بعد.
9 - وقال السيد اليزدي: " إن الإقدام
لا يكون موجبا للضمان أصلا، لعدم الدليل عليه " (2).
10 - وقال الآخوند - صاحب الكفاية -:
"... لكن لا دليل على كون الإقدام سببا للضمان
أصلا " (3).
11 - وقال السيد الخوئي: " إن الإقدام في
نفسه ليس علة تامة للضمان كي يدور الضمان مدار
الإقدام وجودا وعدما " (1).
فالسبب للضمان عنده مجموع أمرين كما
صرح به في إدامة كلامه:
الأول - إقدام كل من المتعاوضين على أن ما
يأخذه من صاحبه مضمون عليه.
الثاني - استيلاء كل من الطرفين على مال
الآخر.
12 - وقال الإمام الخميني في الموضوع الذي
أثاره الشيخ الأنصاري: " لابد في إثبات الضمان
بالإقدام من كبرى كلية، هي أن كل من أقدم على
ضمان فهو مستقر عليه، وصغرى هي أن الآخذ أقدم
على ضمان كذائي. أما الكبرى، فلا دليل عليها... " (2).
فقد صرح بعدم الدليل على قاعدة الإقدام
التي عبر عنها ب‍ " الكبرى الكلية ".
13 - وقال السيد البجنوردي: " إن الضمان في
المقام مستند إلى اليد، والمقصود من ذكر قاعدة
" الإقدام " وكذلك " الاحترام " عدم ما يوجب
تخصيص قاعدة اليد، بمعنى: أن اليد على مال الغير
موجبة للضمان إلا في المال الذي لا احترام له، كمال
الكافر غير الذمي، وأيضا إلا فيما أقدم على إعطائه
مجانا وبلا عوض... " (3).
ونسب هذا المعنى إلى الشيخ الأنصاري
والشيخ النائيني.

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 189.
(2) حاشية السيد اليزدي على المكاسب 1: 94.
(3) حاشية الآخوند (صاحب الكفاية) على المكاسب:
31.
(1) مصباح الفقاهة 3: 96.
(2) كتاب البيع 1: 270.
(3) القواعد الفقهية (للبجنوردي) 2: 87.
341

النسبة بين قاعدتي الإقدام والاحترام:
المقصود من قاعدة الاحترام هو: أن أموال
الناس لها حرمة لا يجوز التعدي عليها، وإليه يشير
النص المعروف: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
من نفسه " (1).
هذا، وقد حاول بعضهم الاستدلال على
قاعدة الإقدام بقاعدة الاحترام، كالمراغي حيث
قال: " من جملة المسقطات للضمان هو الإقدام، بمعنى
أن المالك إذا أقدم على إسقاط احترام ماله وبنى على
عدم العوضية سقط ضمانه، ومنشأ كونه مسقطا
للضمان: أن السبب للضمان إنما هو احترام ماله،
وهو قد أسقطه بنفسه " (2).
بل أرجع الشيخ الأنصاري قاعدة الإقدام
إلى مجموع قاعدتين، وهما: قاعدة اليد، وقاعدة
الاحترام، فقال: " ثم إنه لا يبعد أن يكون مراد
الشيخ ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالإقدام
والدخول عليه: بيان أن العين والمنفعة اللذين
تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا وتبرعا
حتى لا يقضي احترامهما بتداركهما بالعوض،
كما في العمل المتبرع به والعين المدفوعة مجانا أو
أمانة، فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا، بل هو
بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال
واحترام الأعمال " (3).
النسبة بين قاعدتي الإقدام ونفي الضرر:
مفاد قاعدة نفي الضرر، نفي الحكم الشرعي
الذي يستلزم تشريعه ضررا على المكلف، كنفي
وجوب الصوم على المريض. ولا فرق - كما قيل -
بين أن يكون حصول المرض على نحو غير اختياري
أو اختياري، كما إذا أكل ما يوجب مرضه.
لكن لا تشمل القاعدة ما لو أقدم المكلف على
إضرار نفسه، كما لو باع ما يملكه بما دون قيمة المثل،
أو اشترى المعيب مع علمه بالعيب ونحو ذلك،
فلا تجري القاعدة في هذه الموارد ليثبت بها خيار
الفسخ ونحوه.
قال الشيخ الأنصاري بعد بيان تعميم قاعدة
نفي الضرر للضرر الحاصل عن اختيار وبدونه:
" نعم، لو أقدم على أصل التضرر - كالإقدام على
البيع بدون ثمن المثل عالما - فمثل هذا خارج عن
القاعدة، لأن الضرر حصل بفعل الشخص، لا من
حكم الشرع " (1).
تطبيقات القاعدة:
تقدمت بعض النماذج من تطبيقات القاعدة،
وهناك نماذج أخرى ذكرها المراغي في العناوين (2)،
مثل:
1 - ما إذا تلف المبيع عند المشتري في البيع

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 98.
(2) العناوين 2: 488.
(3) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 190 - 191.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 123، رسالة
في قاعدة " لا ضرر ".
(2) العناوين 2: 489، العنوان 66.
342

الفضولي، فلا يجوز للمشتري الرجوع إلى البائع
فضولة لأخذ الثمن إذا كان - أي المشتري - عالما
بالفضولية، وقد ادعي عليه الإجماع، ومما علل به
الحكم، كون المشتري هو الذي أقدم على ذلك.
لكن ناقش الشيخ الأنصاري (1) أن يكون
دليله قاعدة الإقدام، وتبعه بعض من تأخر عنه (2).
2 - إقدام المشتري بالشراء مع العلم بالعيب
الموجود في المبيع، فإنه لا ضمان على البائع،
لأن المشتري أسقطه بإقدامه على شرائه على ما هو
عليه من العيب.
3 - لو عاوض الكامل من لا أهلية له
- كالمجنون والصغير - أو أعاره أو أودعه شيئا فتلف
عنده، لم يكن المجنون أو الصغير ضامنا، لأن الكامل
هو الذي أقدم على ذلك.
هذا فيما إذا لم يباشرا الإتلاف وإلا فيضمنان.
4 - إذا أعار أرضا لبناء أو زرع أو غرس ثم
رجع عن إعارته في أثناء المدة، لم يضمن ما يتلف
بسبب رجوعه، لأن المستعير أقدم على ذلك مع
علمه بجواز رجوع المالك.
والمسألة خلافية، ولذلك قال صاحب
الجواهر: "... فاحتمال تسلط المعير على الإزالة
مطلقا بلا أرش، للأصل، ولأن المستعير هو الذي
أدخل الضرر على نفسه بإقدامه على العارية التي
يجوز فسخها في كل وقت، لا يخفى عليك ما فيه،
لانقطاع الأصل بما عرفت من القاعدة، والإقدام على
العارية أعم من الإقدام على الضرر المبني على اقتضاء
التسلط بفسخها على ذلك، وهل هو إلا مصادرة؟ " (1).
وذكر المراغي موارد أخرى من التطبيقات
من أرادها فليراجعها (2).
ملاحظة:
الذي نستخلصه من مجموع ما تقدم وغيره:
أن قاعدة الإقدام ليست دليلا مستقلا يمكن بها
إثبات حكم شرعي كالضمان أو نفيه، بل تعد مكملا
لبعض الأدلة الأخرى، مثل: قاعدة اليد
والاستيلاء، وقاعدة الإتلاف، ونحوهما.
مظان البحث:
أكثر ما تعرض الفقهاء المتأخرون لبحث القاعدة
عند الكلام عن قاعدة " ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده "، وكذا عند البحث في أحكام الرد من بيع
الفضولي، وتعرضوا لها في كتب القواعد الفقهية إما
بنحو مستقل أو ضمن قاعدة " ما يضمن بصحيحه... ".
أقراء
راجع: قرء، حيض.

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 487.
(2) انظر على سبيل المثال مصباح الفقاهة 4: 347 - 348.
(1) الجواهر 27: 175.
(2) العناوين 2: 488.
343

إقراء
راجع: قراءة.
أقرأ
راجع: قراءة، جماعة.
إقرار
لغة:
مصدر أقر، وهو من قر بمعنى ثبت وسكن.
فالإقرار: جعل الشئ ثابتا وساكنا، ومنه:
1 - جعل شئ أو شخص ثابتا ومستقرا في
مكان أو مقام.
2 - الموافقة على قول أو فعل.
3 - الاعتراف بثبوت حق للغير (1).
اصطلاحا:
استعمل في المعاني الثلاثة المتقدمة، لكن جاء
في المعنى الثاني بلفظ " تقرير ".
ولما كان مورد البحث هو المعنى الثالث،
فلذلك ينبغي التوسع في تعريفه، فنقول: ذكرت عدة
تعاريف للإقرار، وهي وإن كانت ترجع إلى معنى
واحد، لكن لا بأس بذكر نماذج منها، لما في القيود
المذكورة فيها من فوائد، وهذه التعاريف هي:
1 - الإقرار " إخبار بحق على نفسه ".
ذكره ابن حمزة في الوسيلة (1).
2 - " إخبار عن حق واجب ".
ذكره المحقق في الشرائع (2).
3 - " إخبار الإنسان بحق لازم له ".
ذكره المحقق في المختصر (3)، وفخر الدين في
الإيضاح (4).
4 - " إخبار عن حق سابق ".
قاله العلامة في التذكرة (5) والأردبيلي (6).
5 - " إخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا
بنفسه، بل يكشف عن سبقه ".
قاله العلامة في القواعد (7).

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ومعجم
مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني)، ولسان
العرب: " قرر " و " قر ".
(1) الوسيلة: 283.
(2) شرائع الإسلام 3: 143.
(3) المختصر النافع: 241.
(4) إيضاح الفوائد 4: 326.
(5) التذكرة (الحجرية) 2: 144.
(6) مجمع الفائدة 9: 385.
(7) القواعد 2: 411.
344

6 - " إخبار جازم عن حق لازم للمخبر ".
قاله الشهيد الأول في الدروس (1).
7 - " إخبار جازم عن حق لازم سابق على
وقت الصيغة ".
ذكره الشهيد الثاني في الروضة (2).
8 - " إخبار عن ثبوت ووجوب حق سابق ".
ذكره الشهيد الثاني في المسالك (3).
9 - " إخبار عن حق ثابت على المخبر، أو نفي
حق له على غيره ".
ذكره السيدان: الحكيم (4) والخوئي (5).
10 - " الإخبار الجازم بحق لازم على المخبر
أو بما يستتبع حقا أو حكما عليه، أو بنفي حق له أو ما
يستتبعه ".
ذكره الإمام الخميني في تحرير الوسيلة (6).
وهذه التعاريف إنما ذكرت بالنسبة إلى
الإقرار في حقوق العباد المالية، ولذلك لا تشمل
بظاهرها حقوق الله محضا كالإقرار بما يوجب الحد،
مثل الزنا وشرب الخمر ونحوهما، ولا الجنايات،
كالإقرار بالقتل ونحوه.
نعم التعريف الذي ذكره الإمام الخميني
يشمل الجميع.
وبناء على هذا نقول: إن للإقرار بمعناه
المصطلح عند الفقهاء معنيين هما:
معنى خاص، وهو الذي أشارت إليه أكثر
التعاريف المتقدمة، وموردها حقوق العباد المالية
وما يرتبط بها.
ومعنى عام شامل للمعنى المتقدم وللإقرار في
باب الجنايات وحقوق الله محضا.
ومورد البحث هو الأخير، وإن كانت أكثر
الأبحاث تتعلق بالأول.
الأحكام:
مشروعية الإقرار:
وهي ثابتة بالكتاب والسنة القولية والعملية.
وسوف يأتي بيان ذلك في الأدلة التي نذكرها
لإثبات حجية الإقرار.
الحكم التكليفي للإقرار:
يختلف حكم الإقرار تكليفا باختلاف
متعلقه، لأنه إما حق للعباد، أو حق لله تعالى،
وكل منهما إما حق مالي أو غير مالي، وسنتحدث
عنها بالنحو الآتي:
1 - حكم الإقرار في حقوق العباد المالية:
لما كان الإقرار إخبارا عن حق سابق لازم

(1) الدروس 3: 121.
(2) الروضة البهية 6: 380.
(3) المسالك 11: 7.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 200، كتاب
الإقرار.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 196، كتاب
الإقرار.
(6) تحرير الوسيلة 2: 43، كتاب الإقرار.
345

للمخبر، فيكون واجبا إذا كان طريق إيصال الحق
إلى صاحبه منحصرا به، وإذا لم ينحصر أو كان في
الإقرار محذور، لم يجب. وقد تقدم في عنوان
" إعسار ": أن الفقهاء صرحوا بجواز إنكار المعسر
للدين خوفا من الحبس، لكن ينوي قضاء دينه مع
المكنة، ويوري في الحلف. واشترط الحلبي إعلام
المعسر للغريم بأنه ينوي قضاءه.
وقد يحرم، كما قال المراغي: "... بل هو محرم
فيما خالف الواقع، أو كان إضرارا على نفسه بما
لا يجوز، أو كان إظهارا لما يجب عليه إخفاؤه... " (1).
2 - حكم الإقرار في حقوق العباد غير المالية:
يمكن التمثيل لحقوق العباد غير المالية بحق
القذف، فيأتي السؤال عن أنه: هل يجب على
القاذف الإقرار بالقذف أم لا؟
ولم أعثر فعلا على تصريح في هذا المورد
بالخصوص، ولا يبعد أن يكون حكم هذا كسابقه،
أي الحقوق المالية.
3 - حكم الإقرار في حقوق الله المالية:
حقوق الله المالية مثل الخمس والزكاة
ونحوها. فهذه إن طولبت من قبل من تجب إطاعته
شرعا، فيجب الإقرار بانشغال الذمة بها، لأن
مخالفته معصية (2).
وإن طولبت من قبل من لا تجب طاعته
شرعا، فلا يجب الإقرار بها.
4 - حكم الإقرار في حقوق الله غير المالية:
وأما حقوق الله غير المالية كالارتداد،
والزنا، واللواط، والقيادة، وشرب الخمر ونحوها،
فالمعروف أنه يستحب عدم الإقرار بها، بل
يستحب للقاضي أن يرغب المتهم بعدم الإقرار
بالذنب، ولذلك ذكر صاحب الوسائل بابا في كتاب
الحدود تحت عنوان " استحباب اختيار التوبة على
الإقرار عند الإمام "، ثم ذكر عدة روايات منها:
1 - ما رواه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث
الزاني الذي أقر أربع مرات أنه قال لقنبر: " احتفظ
به، ثم غضب وقال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي
بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس
الملأ، أفلا تاب في بيته، فوالله لتوبته فيما بينه وبين
الله أفضل من إقامتي عليه الحد " (1).
2 - ما رواه عنه (عليه السلام) أيضا: أنه " أتى رجل
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إني زنيت
فطهرني، فأعرض عنه بوجهه، ثم قال له: اجلس،
فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر

(1) العناوين 2: 632، العنوان 81.
(2) انظر الجواهر 15: 421 - 423، و 16: 177 - 179،
والحكم في الإمام المعصوم (عليه السلام) أو نائبه الخاص
واضح، لكن لهم كلام في النائب العام، وهو الفقيه
في زمن الغيبة.
(1) الوسائل 28: 36، الباب 16 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 2.
346

على نفسه كما ستر الله عليه... ".
حتى أقر عنده ثلاث مرات، فقال (عليه السلام) له في
الرابعة: " هل بك مرض يعروك، أو تجد وجعا في
رأسك؟ قال: لا، قال: اذهب حتى نسأل عنك في
السر كما سألناك في العلانية، فإن لم تعد إلينا
لم نطلبك... " (1).
وقال صاحب الجواهر: " وكذا لا يجوز
إيقاف عزم الغريم عن الإقرار بالحق، لأنه ظلم
لغريمه، ولكن يجوز ذلك في حقوق الله، فإن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال لماعز لما اعترف بالزنا: " لعلك قبلتها،
لعلك لمستها " في الخبر المشهور، وهو تعريض
منه (صلى الله عليه وآله) بإيثار الاستتار وحمل له على عدم الإتمام
بتكرار الإقرار أربع مرات، كل ذلك من الرأفة
بعباده ورحمتهم، ولذا درأ عنهم الحدود بالشبهات " (2).
وقد تقدم الكلام في ترجيح الاستتار والتوبة
على الاعتراف بالذنب في عنوان " استتار " فراجع.
حجية الإقرار:
ذكروا وجوها لإثبات حجية الإقرار نشير
إليها باختصار:
أولا - الكتاب:
استدلوا على حجية الإقرار بجملة من
الآيات، منها:
1 - قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (1).
والشهادة على النفس هي الإقرار بما عليها.
2 - قوله تعالى: * (قال أأقررتم وأخذتم على
ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين) * (2).
فالآية تشير إلى الإقرار الذي أخذه الله
تعالى من بني آدم، ولولا مشروعيته لم يأخذه.
وهناك مجموعة أخرى من الآيات وردت
فيها كلمة " الاعتراف " وهي عبارة أخرى عن
الإقرار، مثل قوله تعالى: * (فاعترفنا
بذنوبنا...) * (3)، و * (فاعترفوا بذنبهم) * (4).
ثانيا - السنة:
حدثت قضايا في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين علي (عليه السلام) كان مستند الحكم فيها إقرار المتهم،
وقد تقدمت الإشارة إلى بعضها (5).

(1) الوسائل 28: 38، الباب 16 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 6. وانظر الصفحة 103، الباب 16
من أبواب حدود الزنا.
وهذه الرواية تدل على صحة الرجوع عن الإقرار
في حقوق الله غير المالية أي الحدود.
(2) الجواهر 40: 129 - 130، وانظر قضية ماعز في سنن
البيهقي 8: 226 و 227.
(1) النساء: 135.
(2) آل عمران: 81.
(3) غافر: 11.
(4) الملك: 11.
(5) في هذه الصفحة وما قبلها.
347

وهناك روايات دلت على مشروعية الإقرار
وحجيته إجمالا، مثل:
1 - حديث " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز " (1) المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي قال عنه
صاحب الجواهر: " النبوي المستفيض أو المتواتر " (2).
والحديث أدل شئ على مشروعية الإقرار
ونفوذه، وأكثر استدلالا به من غيره.
والمراد من الجواز في الحديث بمعنى النفوذ (3)
لا الإباحة، لأن الإقرار قد يجب وقد يحرم وقد
يستحب كما تقدم.
فمعنى الحديث: أن إقرار الإنسان العاقل بما
فيه ضرر على نفسه نافذ في حقه وفي حق غيره.
2 - ما أرسله الصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " المؤمن أصدق على نفسه من سبعين
مؤمنا عليه " (4).
3 - ما رواه جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " لا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه " (5).
والشهادة على النفس هي الإقرار كما تقدم،
فإذا قبل إقرار الفاسق على نفسه فيقبل إقرار غيره
على نفسه بطريق أولى.
والحديثان الأخيران لم يسلما من النقاش.
هذا، إضافة إلى النصوص المتفرقة في
الأبواب المختلفة، المتضمنة لصحة الإقرار والأخذ
به، كالحدود، والقصاص، وإقرار بعض الورثة
بالدين، وإقرار المريض، وغير ذلك.
ثالثا - الإجماع:
انعقد الإجماع من المسلمين قاطبة على حجية
الإقرار ومشروعيته (1)، بل السيرة العقلائية قائمة
على ذلك، فإن عقلاء العالم يرتبون الأثر على
الإقرار في محاكمهم ومحاوراتهم (2).
رابعا - العقل:
إن العقل يحكم بأن الإنسان العاقل لا يقدم

(1) الوسائل 23: 184، الباب 3 من كتاب الإقرار،
الحديث 2.
(2) الجواهر 35: 3.
(3) انظر: العناوين 2: 632، العنوان 81، والقواعد
الفقهية (للبجنوردي) 3: 42.
(4) الوسائل 23: 184، الباب 3 من كتاب الإقرار،
الحديث الأول.
(5) الوسائل 23: 186، الباب 6، الحديث الأول.
(1) انظر: المبسوط 3: 3، والجواهر 35: 3، والقواعد
الفقهية (للبجنوردي) 3: 38.
(2) انظر: العوائد: 487، والقواعد الفقهية (للبجنوردي)
3: 38.
وقد نص القانون الحقوقي الإيراني على: " أن كل
من أقر بأمر بحيث يكون ذلك دليلا على كون الطرف
الآخر محقا في دعواه، فلا يطالب بدليل آخر لإثبات
كونه محقا ".
القانون الحقوقي الإيراني، الفصل الثالث عشر،
المبحث الثاني في الإقرار، المادة 365.
348

على إضرار نفسه إلا لبيان ما عليه من الحق، لوخز
الضمير الحاصل من إخفاء الحق أو ارتكاب الجريمة،
أو لإبراء ذمته من انشغالها بحق الغير أو للخوف من
العذاب الأخروي (1).
ما يثبت به الإقرار:
يثبت الإقرار بالسماع مباشرة من المقر،
وبقيام البينة عليه، كسائر الموارد.
وهل يثبت الإقرار بالإقرار أم لا؟ كما إذا
قال: " قد أقررت في اليوم الماضي بكذا... ".
وبعبارة أخرى: هل الإقرار بالإقرار إقرار؟
يظهر من بعضهم (2) كونه إقرارا، لأن الإقرار
هو الإخبار الجازم بحق سابق، والإقرار حق أو في
معنى الحق، لثبوت الحق به، فيندرج في عموم
" إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ".
وأما الوعد بالإقرار، فقد صرح الشهيد في
الدروس بأنه ليس إقرارا، حيث قال: " وليس
الوعد بالإقرار إقرارا " (3).
وهو الظاهر من صاحب الجواهر (4) بل من
غيره أيضا.
تقدم الإقرار على غيره من وسائل الإثبات المفيدة
للظن:
الإقرار مقدم رتبة على غيره من وسائل
الإثبات المفيدة للظن، فإذا أقر المتهم عند الحاكم
بمورد الاتهام فيحكم طبقه ولا ينتظر قيام البينة من
قبل المدعي. قال الشيخ الطوسي: " إذا ترافع إلى
الحاكم خصمان، فادعى أحدهما على صاحبه حقا لم
يخل المدعى عليه من أحد أمرين: إما أن يقر أو
ينكر، فإن أقر ثبت الحق عليه بإقراره، لأن الإقرار
أقوى من البينة " (1).
وقال العلامة - وهو يتكلم عن الإقرار -:
" ولهذا كان آكد من الشهادة، لأن المدعى عليه إذا
اعترف لم تسمع عليه الشهادة، وإنما الشهادة يحتاج
إليها إذا أنكر " (2).
انقسامات الإقرار:
للإقرار انقسامات عديدة نشير إلى أهمها:
أولا - انقسامه إلى بسيط ومركب (3):
الإقرار تارة يكون بسيطا وأخرى مركبا،

(1) القواعد الفقهية (للبجنوردي) 3: 37.
(2) انظر: التذكرة (الحجرية) 2: 166، والقواعد
2: 412، والدروس 3: 126، وجامع المقاصد
9: 195، والجواهر 35: 81.
(3) الدروس 3: 122.
(4) الجواهر 35: 81.
(1) المبسوط 8: 114، وانظر الجواهر 40: 159 وغيره
مما ذكرت فيه كيفية القضاء.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 144.
(3) لم نعثر على هذا التعبير في الكتب الفقهية وإن كان واقع
القسمين موجودا، وقد استعرنا التعبير من بعض
الكتب الحقوقية المعاصرة.
349

ولكل منهما حكمه:
1 - الإقرار البسيط أو الساذج:
وهو الذي لا يتكون إلا من إقرار واحد
ولا يستبطن إقرارا آخر، كأن يقر بانشغال ذمته
لزيد، أو بقتله ونحو ذلك.
وهذا الإقرار لا إشكال في حجيته بالمقدار
الذي يدل عليه.
2 - الإقرار المركب:
وهو الكلام المركب من إقرارين أو أكثر،
ويكون على قسمين:
أ - أن يقر بشئ مركب من أمرين يمكن
انفكاك أحدهما عن الآخر، كأن يقول: بعت أنا
وشريكي جميع الدار.
ففي هذا القسم يكون الإقرار نافذا في حق
المقر فقط، ولا يكون نافذا في حق الشريك.
وهذا مما لا إشكال فيه، لأن الإقرار إنما
يكون نافذا إذا كان على المقر وبضرره لا بضرر
غيره، والإقرار في حق الشريك يكون بضرر الغير
فلا يشمله عموم " إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ " (1).
ب - أن يقر بشئ مركب من أمرين لا يمكن
انفكاك أحدهما عن الآخر، كأن يقر بالزنا بامرأة
معينة ويذكرها، أو يقر بكونه أخا لشخص معين
أو ابنا له.
ففي هذه الصورة إن صدق الطرف الآخر هذا
الإقرار، ترتبت آثار الإقرار على الطرفين، أما المقر
فلإقراره، وأما الطرف الآخر فلتصديقه، والتصديق
بالإقرار عبارة أخرى عن الإقرار.
وإن لم يصدقه، فالمعروف أن المقر يؤخذ
بإقراره بالمقدار الذي يكون على نفسه، وأما
ما يكون على غيره فلا يؤخذ به، لأن إقرار العقلاء
إنما يكون نافذا وحجة إذا كان على أنفسهم
لا على غيرهم (1).
لكن استشكل بعضهم - كالنراقي - في نفوذ
هذا الإقرار ولو على المقر فقط، لاستلزامه انفكاك
ما يمتنع انفكاكه عن الشئ (2).
وحاول رفع الإشكال بوجوه، منها:
قيام الدليل الشرعي على قبول الإقرار في
أحد الطرفين كما في الزنا ودعوى النسب (3).
أو لأن التكاليف أحكام وآثار مترتبة على
علم المقر واعتقاده، فإذا علم أحدهما بتكليف
ولم يعلم به الآخر فكل من الطرفين ينبغي أن يعمل
طبقا لعلمه، كما لو أقر بزوجيته لامرأة معينة
وأنكرتها المرأة، فالزوج يعمل طبقا لعلمه والمرأة
تعمل طبقا لعلمها (4).
ثانيا - انقسامه إلى صريح وغير صريح:
ينقسم الإقرار من حيث كيفية فهم مفاده إلى

(1) انظر: العناوين 2: 639، والعوائد: 489 - 490.
(1) انظر العناوين 2: 639.
(2) عوائد الأيام: 490.
(3) المصدر المتقدم: 495.
(4) المصدر المتقدم: 495 - 496.
350

صريح وغير صريح:
أ - الإقرار الصريح:
وهو الإقرار المستفاد من نص الكلام، كأن
يقول: " هذا الكتاب ملك لزيد "، أو يقول: " أنا
قتلت فلانا "، ولا إشكال في حجية هذا القسم من
الإقرار.
ب - الإقرار غير الصريح:
وهو الإقرار المستفاد من الكلام:
مثل أن يقول مشيرا إلى كتاب في غلاف:
" اشتريت منك هذا ودفعت إليك ثمنه ". فالقسم
الأول من الكلام إقرار منه بأن الكتاب مع غلافه
كان ملكا للذي باعه، والقسم الثاني من الكلام
دعوى أنه دفع إليه الثمن.
فالإقرار دال على أن الغلاف كان للبائع
أيضا.
وهو من نوع الإقرار المركب أيضا.
ومثل أن يقول الدائن: " لي عليك ألف
درهم " فيقول المدين: " رددتها "، أو " أبرأتني
منها "، فلازم الجواب بالرد أو الإبراء هو الإقرار
بانشغال ذمته للمدين.
ويتضمن الكلام دعوى زائدة، وهي: أنه
ردها إلى الدائن أو أبرأه منها.
وحجية هذين القسمين تدور مدار فهم
العرف منه للإقرار، فإن فهم منه ذلك كان حجة
وإلا فلا (1).
الإقرار إخبار عن حق سابق لا إنشاء حق جديد:
اتفقت التعاريف المتقدمة للإقرار على أنه
إخبار عن حق سابق، سواء قال: " لزيد علي
دينار " أو " استدنت من زيد دينارا على أن أدفع
دينه بعد سنة " أو " علي أن أدفع لزيد دينارا بعد
سنة "، فهذه الصيغ كلها إخبار عن حق سابق.
وليست إنشاء لحق جديد.
وبناء على هذا لو أقر بكونه مديونا لزيد
وعلم زيد أن المقر كاذب أو مخطئ فلا يجوز له - بينه
وبين الله - أن يأخذ ما أقر به، لأن الإقرار إخبار
عن حق سابق وهو منتف باعتقاد المقر له، وليس
إنشاء لحق جديد كي يصير مديونا لزيد من زمن
الإقرار.
أركان الإقرار
للإقرار أركان أربعة:
الركن الأول - المقر.
الركن الثاني - المقر له.
الركن الثالث - المقر به.
الركن الرابع - الصيغة.
الركن الأول - المقر:
المقر هو الذي صدر منه الإقرار، ويشترط
فيه أمور:
الأول - البلوغ:
اشتراط البلوغ في المقر إجمالا إجماعي

(1) انظر: العناوين 2: 633 - 634، والجواهر 35: 79.
351

على ما قيل.
قال العلامة: " يشترط في المقر البلوغ،
فأقارير الصبي لاغية - سواء كان مميزا أو لا وسواء
أذن الولي أو لا - عند علمائنا، وبه قال الشافعي،
لقوله (صلى الله عليه وآله): " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى
يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم
حتى ينتبه " " (1).
وقال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق الحلي: " لا إشكال، بل ولا خلاف عندنا في
أن الصبي لا يقبل إقراره ولو كان بإذن وليه... " (2).
ثم نقل عبارة التذكرة، بل نقلها عديد من
الفقهاء مقرين على ما قاله (3).
واستثنى بعضهم إقراره فيما يصح له التصرف
فيه، كالوصية بالمعروف، فإنه يجوز له ذلك إذا بلغ
عشر سنين عند المشهور (4).
فإذا صحت الوصية صح الإقرار بها أيضا،
لقاعدة " من ملك شيئا ملك الإقرار به " (1).
لكن استشكل صاحب الجواهر في الملازمة،
لأنه قد يقال بصحة وصيته ولا يقال بصحة إقراره،
وقال: " ولعله لذا قال الكركي في حاشيته:
" لا يصح " " (2).
وظاهر كلامه: أن الكركي يقول بعدم صحة
الإقرار بالوصية، لعدم صحة الملازمة عنده، لكنه
قال في جامع المقاصد - معلقا على كلام العلامة:
" ولو جوزنا وصيته في المعروف جوزنا إقراره
بها " -: " لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به،
وقد سبق أنا لا نجوز ذلك " (3).
وكلامه ظاهر في قبول الملازمة وإنما الإشكال
عنده في صحة وصية البالغ عشرا.

(1) التذكرة (الحجرية) 2: 145، وانظر الحديث في
الوسائل 1: 45، الباب 4 من أبواب مقدمات
العبادات، الحديث 11، وسنن الترمذي 4: 32، كتاب
الحدود، الباب الأول، الحديث الأول منه، وصحيح
البخاري 3: 272، كتاب الطلاق، الباب 10.
(2) الجواهر 35: 103 - 104.
(3) انظر: جامع المقاصد 9: 201، ومجمع الفائدة
9: 387، والرياض 11: 409، وغيرها.
(4) انظر: جامع المقاصد 10: 34، والمسالك 6: 140،
ونسب فيه إلى الأكثر من المتقدمين والمتأخرين،
والجواهر 28: 271.
(1) سوف يأتي الكلام عن القاعدة بعد إتمام موضوع الإقرار
نفسه.
(2) الجواهر 35: 104، وقال الكركي في حاشية الإرشاد:
" قوله: صح على رأي لا يصح "، وعبارة الإرشاد
هكذا: " ولو أقر الصبي بالوصية بالمعروف صح على
رأي ". انظر: الإرشاد 1: 406، وحاشية الإرشاد
للكركي (مخطوط): 285.
(3) جامع المقاصد 9: 201، وقال في شرائط الموصي:
" والحاصل: أن المشهور بين الأصحاب تجويز تصرف
الصبي في المعروف وإن اختلفوا في تعيين ذلك
وشروطه، ومنعه ابن إدريس... والمناسب لأصول
المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز ". جامع
المقاصد 10: 33 - 34.
352

ومثله الشهيد الثاني في المسالك (1) تبعا
لابن إدريس (2).
واستثنوا إقراره بالبلوغ بالاحتلام أيضا
بشرط إمكانه في حقه، على كلام لبعضهم فيه. أما
البلوغ بغيره كالسنين وإنبات الشعر فحيث يمكن
إثباته بغير الإقرار لذلك لم يقولوا بصحته فيها (3).
الثاني - العقل:
يشترط في المقر أن يكون عاقلا، بلا خلاف
ولا إشكال كما قيل (4)، لحديث رفع القلم (5)، ولعدم
اعتبار عبارة المجنون، بل يشترط كمال العقل،
لأن السفيه لا يخرج عن قابليته للإقرار بمجرد
اشتراط العقل، بل باشتراط كماله (6).
ولا فرق في غير العاقل - أي المجنون - بين
كونه إطباقيا أو أدواريا إذا كان إقراره
حال جنونه (7).
ويلحق بالبحث عن شرطية العقل البحث
عن إقرار عدة أشخاص، نشير إليهم باختصار:
1 - إقرار السكران:
المعروف بين الفقهاء عدم صحة إقرار
السكران سواء فقد العقل بصوره كلية أو فقد كماله،
وسواء كان سكره بسبب محلل أو محرم، إلا أن
المنقول عن الإسكافي: أن السكر لو كان بسبب محلل
كالذي أكره على السكر أو شرب المسكر من دون
علم به وباختياره فحكمه حكم المجنون، لا يؤخذ
بإقراره، وإن كان باختياره وبسبب محرم، فيؤخذ
بإقراره كما يؤخذ بقضاء ما فاته من الصلوات (1).
2 - إقرار النائم والمغمى عليه:
لا اعتبار بإقرار النائم والمغمى عليه، لعدم
الوعي الكامل المعتبر في الإقرار، إضافة إلى حديث
الرفع الذي أحد موارده النائم ومورده الآخر
المجنون، والمغمى عليه كالمجنون من جهة عدم
الوعي.
وسيأتي الكلام عن إقرار الساهي والسفيه
عن قريب.
الثالث - الاختيار:
ومن شرائط المقر أن يكون مختارا،

(1) المسالك 6: 142.
(2) السرائر 3: 206.
(3) انظر الجواهر 35: 117.
(4) انظر الجواهر 35: 104.
(5) انظر المبسوط 3: 3. وغيره، وقد تقدم مصدر الحديث
في الصفحة 352.
(6) انظر التذكرة (الحجرية) 2: 146.
(7) انظر: المبسوط 3: 3، والتذكرة (الحجرية)
2: 146، وجامع المقاصد 9: 203، والمسالك
11: 89، والجواهر 35: 104، وغيرها.
(1) انظر: المختلف 6: 47، والتذكرة (الحجرية) 2: 146،
- وقد ادعى الإجماع، وكأ نما لم يعبأ بخلاف الإسكافي -،
وجامع المقاصد 9: 203، والمسالك 11: 89،
والرياض 11: 411، والجواهر 35: 104.
353

قال العلامة: " يشترط في المقر الاختيار، فلا يقع
إقرار المكره على الإقرار عند علمائنا أجمع " (1).
واستدلوا عليه (2) بقوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي
تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه،
وما لا يعلمون... " (3).
وقال الأردبيلي: " ويدل على اشتراط
الاختيار: العقل والنقل، وهو ظاهر " (4).
ولا فرق في المكره بين من ضرب حتى الجئ
إلى الإقرار، وبين من هدد بإيقاع مكروه به لا يليق
بمثله تحمله عادة: من ضرب وشتم وأخذ مال ونحو
ذلك (5).
وللتحقيق في معنى الإكراه وما يتحقق به
يراجع عنوان " إكراه ".
الرابع - القصد:
قال العلامة: " لابد من القصد في الإقرار،
فلا عبرة بإقرار الغافل والساهي والنائم - ثم ذكر
حديث رفع القلم ثم قال: - وكذلك المغمى عليه
لا ينفذ إقراره لزوال رشده وتحصيله، وكذا المبرسم
لا نعلم فيه خلافا، لدخول المبرسم والمغمى عليه
في معنى المجنون والنائم " (1).
وقال صاحب الجواهر بعد الكلام عن
السكران: " وكذا الكلام في النائم والمغمى عليه
والمبرسم والساهي والغافل وغيرهم من غير
المكلفين بلا خلاف أجده في شئ منها، بل يمكن
تحصيل الإجماع عليه، ضرورة وضوح اعتبار
الاختيار من النصوص المتفرقة في الأبواب والفتاوى
في جميع الأسباب الشرعية التي منها الإقرار إلا ما
خرج بدليله، كضمان المتلفات ونحوه " (2).
فمثل السكران والساهي والنائم والمغمى عليه
ونحوهم لا يقبل إقرارهم، لعدم القصد، وعدم
الاختيار، وعدم الوعي الكامل.
الخامس - القدرة على التصرف شرعا فيما
أقر به:
فلا يصح بناء على هذا الشرط إقرار المحجور
عليه إجمالا، وتفصيله كالآتي:
الحجر إما أن يكون للسفه، أو للتفليس،
أو للمرض، أو للمملوكية. ولكل منها حكمه:
1 - إقرار المحجور عليه للسفه:
السفيه إجمالا هو " الذي يصرف أمواله على
غير الوجه الملائم لأفعال العقلاء " (3).
وهو ممنوع من التصرف في أمواله شرعا.

(1) التذكرة (الحجرية) 2: 146.
(2) انظر المصدر المتقدم، وجامع المقاصد 9: 206.
(3) الوسائل 15: 369، الباب 56 من أبواب جهاد
النفس، الحديث الأول، وفي الباب أحاديث مشابهة.
(4) مجمع الفائدة 9: 387.
(5) المسالك 11: 89.
(1) التذكرة (الحجرية) 2: 146.
(2) الجواهر 35: 105.
(3) انظر القواعد 2: 137.
354

ولما كان الإقرار بالمال تصرفا ماليا، فلذلك منع
منه شرعا.
أما إقراره في غير ذلك فلا مانع منه. قال
الشيخ الطوسي: "... فأما المحجور عليه للسفه،
فإن إقراره في ماله لا يصح، وإن أقر على نفسه
بحد قبل " (1).
وكما لا يلزم بإقراره حال السفه، كذا لا يلزم
بعد رفع الحجر عنه بما أقر به حال الحجر والسفه.
قال الشهيد الثاني: " وإذا فك الحجر عنه لا يلزمه ما
أقر به من المال، هذا بحسب الظاهر، وأما فيما بينه
وبين الله تعالى، فيلزمه التخلص مما لزمه منه " (2).
هذا واستشكل صاحب الجواهر في عدم نفوذ
إقراره بعد رفع الحجر عنه، لأن عموم " إقرار
العقلاء... " يشمله وإنما خصص العموم في السفيه
بمقدار تعجيل الأخذ بإقراره، بمعنى أنه لا يؤخذ
بإقراره حال السفه ولم يخصص العموم بالنسبة إلى
الأخذ بإقراره بعد رفع الحجر عنه.
وبعبارة أخرى: السفيه محجور عليه في ماله
لا في ذمته، فتكون ذمته مشغولة بما أقر به ويؤخذ به
بعد رفع الحجر عنه.
ثم نقل عن الأردبيلي ما يؤيد كلامه (1).
ولو أقر بما يشتمل على المال وغيره رد في
المال وقبل في غيره، كما لو أقر بالسرقة، فيؤخذ
بإقراره في الحد ويرد في المال.
وقد صرح الفقهاء بذلك من زمن الشيخ
الطوسي إلى عصرنا الحاضر (2)، إلا أن المحقق
الأردبيلي استشكل في هذا التفكيك (3).
لكن دفع الإشكال: بأن مثل ذلك واقع
في الفقه ولا مانع منه، كما لو شهد رجل وامرأتان
بالسرقة، فتقبل الشهادة في خصوص المال دون
قطع اليد، أو أقر من اجتمعت فيه شروط الإقرار
بالسرقة مرة واحدة، فيقبل إقراره في المال
دون الحد (4).
2 - إقرار المحجور عليه للفلس:
إقرار المفلس - وهو المحجور عليه في أمواله
لعجزه عن وفاء دينه - على أنحاء، لأن إقراره إما أن
يتعلق ببدنه، كالإقرار بما يوجب حدا أو قصاصا،
أو يتعلق بالمال. والثاني إما أن يكون دينا في الذمة

(1) المبسوط 3: 3، وانظر: النهاية: 341، والكافي: 434،
والمهذب 1: 404، والغنية: 270، والشرائع
3: 152، والجامع للشرائع: 338، والقواعد
2: 137، والتذكرة (الحجرية) 2: 146، والدروس
3: 128، والمسالك 11: 90، ومجمع الفائدة 9: 393،
والرياض 11: 411، والجواهر 35: 105.
(2) المسالك 11: 90.
(1) الجواهر 35: 105 - 106.
(2) انظر: المبسوط 3: 3، والشرائع 3: 152، والتذكرة
(الحجرية) 2: 146، والدروس 3: 128، والمسالك
11: 90، والرياض 11: 411، والجواهر 35: 107.
(3) مجمع الفائدة 9: 393.
(4) انظر: المسالك 11: 90، والجواهر 35: 107.
355

أو عينا خارجية. والدين إما أن يكون سابقا
على زمن الحجر أو بعده، وما يكون بعده إما
اختياري كالدين الحاصل بالمعاملة، أو لا كالحاصل
بالإتلاف ونحوه.
ولكل من هذه الحالات حكم نشير إليه
فيما يأتي:
أ - إذا أقر بما يتعلق بالبدن:
إذا أقر المفلس بما يتعلق ببدنه، مثل
موجب الحد أو القصاص صح إقراره بلا إشكال،
لعموم " إقرار العقلاء... " والمفلس ممنوع من
التصرف في ماله لا في بدنه، فلو أقر بالزنا رجم
أو جلد، وهكذا.
وإن أقر بما فيه جانب مالي وجانب بدني
كالسرقة، فيقبل إقراره في الجانب البدني، لعموم
" إقرار العقلاء... "، وأما الجانب المالي، فإن أقر
بعين أنه سرقها، فيشمله حكم الإقرار بالعين
وسيأتي توضيحه، وإن لم يعين عينا، بل أطلق
فيكون حكمه حكم الإقرار بالمال على ما سيأتي
توضيحه.
ب - الإقرار بالدين السابق على الحجر:
إذا أقر المفلس بدين سابق على الحجر، صح
إقراره، لعموم " إقرار العقلاء... "، والظاهر أنه
لا خلاف فيه، قال المحقق الكركي - بعد قول
العلامة: " ولو أقر بدين سابق لزمه " -: " أي قولا
واحدا، لقوله (عليه السلام): " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز "، وليس الإقرار كالإنشاء حيث إن فيه قولا
بوقوعه باطلا " (1).
وقال الشهيد الثاني: " لا إشكال في صحة
الإقرار في الجملة، لعموم " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز " وليس الإقرار كالإنشاء حيث قيل ببطلانه
رأسا... " (2).
وظاهر الكلمات أنه لا إشكال ولا خلاف (3)
في نفوذه وصحته إجمالا، وإنما الإشكال في كيفية
نفوذه، ففيه أقوال:
الأول - أن المقر له يكون كسائر الغرماء،
فيشاركهم في ما يسهم لهم في أموال المحجور عليه
بعد بيعها.
ذهب إلى هذا القول الشيخ (4) وابن إدريس (5)
والمحقق (6) والعلامة (7) والبحراني (8).
الثاني - أن إقراره ينفذ في حقه خاصة، دون
سائر الغرماء. بمعنى: أنه يكون في ذمته إلى بعد الحجر،
وعندئذ يجب عليه العمل بما أقر به، وإفراغ ذمته.
اختار هذا القول العلامة في الإرشاد (9)،

(1) جامع المقاصد 5: 233.
(2) المسالك 4: 90.
(3) انظر: الحدائق 20: 386، والجواهر 25: 287.
(4) المبسوط 2: 272.
(5) السرائر 2: 499.
(6) الشرائع 2: 90، و 3: 152.
(7) التذكرة 2: 53، والتحرير (الحجرية) 1: 212.
(8) الحدائق 20: 387 - 389.
(9) إرشاد الأذهان 1: 398.
356

والمحقق الثاني (1)، والشهيد الثاني (2)، والأردبيلي (3)،
وصاحب الكفاية (4)، وصاحب الجواهر (5) - على ما
يظهر منه - والسادة: الحكيم (6)، والخوئي (7)،
والخميني (8).
الثالث - أن إقراره ينفذ في حقه مطلقا، وفي
حق الغرماء بشرط عدالة المقر وعدم اتهامه، فلو
انتفى أحدهما لم يصح إقراره.
ذهب إلى هذا التفصيل الشهيد الأول في
الدروس (9).
ج - الإقرار بالدين اللاحق للحجر:
إذا أقر المفلس بدين لاحق للحجر كان
إقراره نافذا في حقه بلا إشكال، وأما الغرماء فكل
من قال بعدم نفوذ إقراره بالنسبة إليهم في الفرض
السابق لابد أن يقول بعدم نفوذه وصحته في هذا
الفرض بطريق أولى، وكذا من اشترط العدالة وعدم
التهمة في نفوذ الإقرار في حقهم - كالشهيد - لابد أن
يشترطهما هنا أيضا.
د - الإقرار بالعين:
إذا أقر المفلس بعين، كما لو قال: " هذه الدار
لزيد " فهل يقبل منه أو لا؟ وعلى فرض القبول فهل
يختص بها أو يشارك سائر الغرماء فيها، أو لا هذا
ولا ذاك؟
فيه أقوال:
أما قبول الإقرار بالنسبة إليه ونفوذه في حقه،
فالفقهاء بين مصرح بقبوله وبين من يظهر منه ذلك،
لأن الظاهر من كلام النافين إنما هو نفي نفوذ إقراره
بالنسبة إلى سائر الغرماء، لا نفسه، ويشهد لذلك
أنه صرح ابن إدريس والعلامة في الإرشاد بعدم
نفوذ إقرار المفلس بالنسبة إلى العين، فقال الأول:
" الأولى عندي أنه لا يقبل إقراره في أعيان أمواله
بعد الحجر عليه " (1). وقال الثاني: " ولو أقر بعين
فالوجه عدم السماع " (2).
ومع ذلك فقد قال الأردبيلي بعد نقل عبارة
الإرشاد: " والظاهر أن مراده عدم السماع بالنسبة
إلى الغرماء " (3)، ففسر " عدم السماع " في كلام
العلامة بعدم السماع بالنسبة إلى الغرماء لا نفسه.
ونجد هذا التفسير عند الشهيدين أيضا (4).
فإذا حملنا كلام النافين لنفوذ إقرار المفلس

(1) جامع المقاصد 5: 234.
(2) المسالك 4: 92.
(3) مجمع الفائدة 9: 242 - 243.
(4) الكفاية: 231.
(5) الجواهر 25: 287.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 193، كتاب الحجر.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 180، كتاب
الحجر، المسألة 835.
(8) تحرير الوسيلة 2: 17، القول في الفلس، المسألة 5.
(9) الدروس 3: 129.
(1) السرائر 2: 499.
(2) إرشاد الأذهان 1: 398.
(3) مجمع الفائدة 9: 243.
(4) انظر: غاية المراد 2: 206، والروضة البهية 4: 32.
357

بالعين على نفي نفوذه بالنسبة إلى سائر الغرماء
لا نفسه، فيحصل شبه اتفاق على صحة نفوذ إقراره
بالنسبة إليه. هذا بالنسبة إلى قبول أصل الإقرار،
وأما بالنسبة إلى مشاركة المقر له مع سائر الغرماء
ففيه أقوال:
الأول - عدم المشاركة، بل يبقى المقر به في
ذمة المقر، ولابد له من إفراغ ذمته بعد رفع الحجر.
وهؤلاء بين من أطلق، وبين من قال:
بأنه يؤخر دفع العين المقر بها ولا تقسم بين
الغرماء. فإن وفت أمواله بالديون وبقيت العين
دفعت للمقر له، وإن لم تف بها ودفعت العين للغرماء
تبقى ذمة المقر مشغولة للمقر له، فيجب عليه إفراغها
بعد رفع الحجر.
وممن قال بالأول: كل من صرح بعدم نفوذ
إقرار المفلس بالعين، كابن إدريس (1)، والعلامة في
الإرشاد (2)، والسيدين: الحكيم (3) والخوئي (4).
وهذا القول هو الظاهر من كلام الشهيدين (5)
والكركي (1) وصاحب الجواهر (2).
وممن قال بالثاني: الشهيد الثاني في
المسالك (3)، والأردبيلي (4)، والإمام الخميني (5).
بل قال صاحب الجواهر: " ولعله ليس قولا
في المسألة، بل يقول به الجميع جمعا بين الحقين " (6).
الثاني - المشاركة مع سائر الغرماء، اختار
هذا القول الشيخ في المبسوط (7)، والعلامة في التذكرة (8).
الثالث - إن كان المقر عدلا وغير متهم صح
إقراره وشارك المقر له مع سائر الغرماء.
وهذا القول هو الظاهر من الشهيد الأول في
الدروس (9).
الرابع - التوقف والتردد، وهو الذي ذهب
إليه المحقق في الشرائع (10).
3 - إقرار المريض مرض الموت:
اختلف الفقهاء في صحة إقرار المريض مرض

(1) السرائر 2: 499.
(2) إرشاد الأذهان 1: 398.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 193، كتاب
الحجر، الفلس.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 180، كتاب
الحجر، الفلس، المسألة 835.
(5) غاية المراد 2: 206، وحاشية الإرشاد المطبوعة مع
غاية المراد 2: 206، واللمعة وشرحها (الروضة البهية)
4: 30 - 33.
(1) جامع المقاصد 5: 236.
(2) الجواهر 25: 289.
(3) المسالك 11: 94.
(4) مجمع الفائدة 9: 243.
(5) تحرير الوسيلة 2: 17، كتاب الحجر، القول في الفلس،
المسألة 6.
(6) الجواهر 25: 289.
(7) المبسوط 2: 259.
(8) التذكرة 2: 53.
(9) الدروس 3: 128.
(10) شرائع الإسلام 2: 90.
358

الموت ونفوذه، على أقوال:
الأول - أنه صحيح ويخرج من أصل المال
مطلقا، سواء كان المقر له وارثا أو أجنبيا، وسواء
كان متهما أو لا.
اختار هذا القول: سلار (1) وابن إدريس (2)
وابن سعيد (3) وابن زهرة (4) على ما يظهر منه.
الثاني - أنه صحيح ويخرج من الثلث مطلقا.
وهو الظاهر من الصدوق في المقنع (5).
الثالث - أنه صحيح ويخرج من الأصل للوارث
والأجنبي إذا كان عدلا غير متهم، وإلا فمن الثلث.
اختار هذا القول: الشيخ في النهاية (6)
والقاضي (7) وصاحب الحدائق (8).
الرابع - القول المتقدم لكن مع جعل المعيار
عدم التهمة فقط، لا عدم التهمة مع العدالة.
اختار هذا القول: العلامة في بعض كتبه (9)
وولده (10) - على ما يظهر منه، لعدم تعليقه على كلام
والده - والشهيد الأول (1)، والمحقق الثاني (2)، وقال:
" هذا هو أصح الأقوال للأصحاب "، والشهيد
الثاني (3)، والأردبيلي (4)، إلا أنه احتمل بطلان
الإقرار مع التهمة، وصاحب الكفاية (5)، ونسبه إلى
الأكثر، وصاحب الجواهر (6)، والسادة: الحكيم (7)،
والخوئي (8)، والخميني (9).
ويحتمله كلام المحقق في الشرائع (10)، وربما
مال إليه صاحب الرياض (11).
الخامس - القول الثالث أيضا، لكن مع جعل
المعيار العدالة فقط وهذا القول للعلامة في التذكرة (12).
السادس - الإخراج من الأصل مع عدم
التهمة، والإخراج معها من الثلث في خصوص

(1) المراسم: 201.
(2) السرائر 2: 499، و 506 - 507، و 3: 217.
(3) الجامع للشرائع: 497.
(4) الغنية: 70 و 275.
(5) المقنع: 165.
(6) النهاية: 617 - 618.
(7) المهذب 1: 419.
(8) الحدائق 22: 616.
(9) القواعد 2: 414، وإرشاد الأذهان 1: 407.
(10) إيضاح الفوائد 2: 428.
(1) الدروس 3: 128.
(2) جامع المقاصد 9: 209.
(3) الروضة البهية 6: 387 - 388.
(4) مجمع الفائدة 9: 396.
(5) الكفاية: 151.
(6) الجواهر 26: 82 - 83.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 235، كتاب
الوصايا، فصل في منجزات المريض.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 229، كتاب
الوصايا، فصل في منجزات المريض، المسألة 1095.
(9) تحرير الوسيلة 2: 21، كتاب الحجر، القول في
المرض، المسألة 2.
(10) الشرائع 3: 152.
(11) الرياض 9: 549 - 551.
(12) التذكرة (الحجرية) 2: 148.
359

الوارث، أما غيره فمن الأصل أيضا.
وهذا القول هو الظاهر من ابن حمزة (1).
ويمكن أن يفهم منه القول الرابع أيضا.
السابع - الإخراج من الأصل إذا كان الإقرار
للأجنبي مع عدم التهمة، وأما الإقرار له مع التهمة أو
للوارث فمن الثلث.
ذهب إليه المحقق الحلي في المختصر النافع (2).
ويحتمله كلامه في الشرائع (3) أيضا.
الثامن - ما نسب إلى المفيد من التفصيل بين
الدين والعين، أما الدين فاختار فيه صحة الإقرار
مطلقا وعلى جميع التقادير، وأما في العين فاختار
صحة إقراره إذا كان عليه دين يحيط بالتركة وكان
عدلا مأمونا، وعدم صحته إذا كان متهما (4).
التاسع - يشترط في صحة إقرار المقر أن
يكون مأمونا، ولا فرق بين حالتي الصحة والمرض.
وهو قول أبي الصلاح الحلبي (5). وهو غريب
كما قال صاحب الجواهر (6).
كانت هذه هي الأقوال في المسألة، وقد
استخرجتها من كلمات الفقهاء بمشقة، ويمكن إرجاع
بعضها إلى بعض (1).
4 - إقرار المملوك:
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق: " ولا يقبل عندنا إقرار المملوك - وإن
كان بالغا عاقلا - بمال ولا حد ولا جناية توجب
أرشا أو قصاصا ".
ثم نقل دعوى الإجماع على ذلك عن جملة من
الفقهاء وذكر كلماتهم، إلى أن قال:
" وبالجملة فالمسألة مفروغ عنها عندنا، لأنه
لا مال له، وبدنه مملوك لغيره، فإقراره إنما هو في
حق الغير... ".
إلى أن قال:
" فلو أقر وصدقه المولى قبل بلا خلاف... " (2).
ولم نذكر تفاصيل المسألة، لانتفاء موضوعها.
هل تشترط العدالة في المقر أم لا؟
لم ينقل اشتراط العدالة في المقر صريحا عن
أحد، بل قال الشيخ الطوسي في المبسوط:
"... فالمطلق التصرف إقراره يصح على نفسه بالمال
والحد سواء كان عدلا أو فاسقا بلا خلاف فيه " (3).
لكنه قال في كتاب الحجر: " إذا بلغ الصبي
وأونس منه الرشد ودفع إليه ماله ثم صار مبذرا

(1) الوسيلة: 284.
(2) المختصر النافع: 168.
(3) شرائع الإسلام 3: 152.
(4) نسبه إليه صاحب الجواهر 26: 81، ونسب إليه غير
ذلك. انظر المقنعة: 662.
(5) الكافي في الفقه: 433.
(6) الجواهر 26: 81.
(1) انظر: المسالك 11: 95، والجواهر 26: 82.
(2) الجواهر 35: 107 - 108.
(3) المبسوط 3: 3.
360

مضيعا لماله في المعاصي حجر عليه، وإذا صار فاسقا
إلا أنه غير مبذر لماله فالظاهر أنه يحجر عليه، لقوله
تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (1)، وروي
عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: " شارب الخمر سفيه " (2)... " (3).
وكلامه الأخير صار سببا لنسبة اشتراط
عدالة المقر إليه، لأن من شرائط المقر ألا يكون
سفيها كما تقدم، أي لا يكون فاسقا، لأن من جملة
السفهاء الفاسق.
لكن قال الشهيد الثاني: " واعلم أنه لو
اعتبرت العدالة في الرشد لم يقم للمسلمين سوق ولم
ينتظم للعالم حال، لأن الناس - إلا النادر منهم - إما
فاسق أو مجهول الحال، والجهل بالشرط يقتضي
الجهل بالمشروط " (4).
والظاهر عدم متابعة الفقهاء للشيخ في
اشتراط العدالة في الرشد إلا ما يحكى عن
الراوندي (5) وابن زهرة (6).
الركن الثاني - المقر له:
وهو من ثبت له الحق بسبب الإقرار، والشرط
الأساسي فيه هو كونه أهلا للتملك، وأضاف إليه
بعضهم: عدم تكذيب المقر له للمقر، وتعيين المقر له.
وفيما يلي نتكلم عن ذلك بالتفصيل:
الشرط الأول - أهلية المقر له للتملك:
لا يصح الإقرار لما لا أهلية له للتملك، مثل
البهيمة، والشجرة، والدار، ونحوها، لعدم قابليتها
للتملك إلا أن يذكر وجها صحيحا، فلذلك لا يصح
أن يقول: " علي ألف للدابة "، لأنه إقرار للدابة وهي
غير قابلة للتملك، نعم لو قال: " علي ألف بسبب
الدابة " فيكون المقر له صاحبها، وإن استشكل
المحقق والعلامة في ذلك، لأنه قد يكون المقر نفر
الدابة على سائقها أو قائدها فجنت عليه، فتكون
ذمته مشغولة بسبب الدابة ولكن لسائقها أو قائدها
لا صاحبها (1).
نعم أجاز بعضهم الإقرار للدابة بمعنى
اختصاصها بالمقر به، كما إذا قال: " هذا السرج
لهذه الدابة " (2).
موارد وقع البحث فيها:
تكلم الفقهاء في صحة الإقرار لبعض الموارد،
نشير إلى أهمها تبعا لهم:
1 - الإقرار للحمل:
في الإقرار للحمل تفصيل، لأن المقر إما أن

(1) النساء: 5.
(2) الوسائل 19: 371، الباب 46 من أبواب الوصايا،
الحديث 2. وهناك أحاديث أخرى بهذا المضمون.
(3) المبسوط 2: 285.
(4) المسالك 4: 149 - 150.
(5) فقه القرآن (للراوندي) 2: 73.
(6) الغنية: 252.
(1) انظر: شرائع الإسلام 3: 153، وقواعد الأحكام
2: 415.
(2) انظر تحرير الوسيلة 2: 46، كتاب الإقرار، المسألة 12.
361

يبين سبب الملكية في إقراره أو لا، وعلى الأول،
إما أن يبين سببا صحيحا أو سببا فاسدا، فالحالات
ثلاث:
الأولى - أن يذكر سببا صحيحا في إقراره،
كأن يقول: " هذه الأموال لحمل فلانة، لأنها من
وصية فلان ".
ولا إشكال ولا خلاف في صحة هذا الإقرار
كما قيل (1).
الثانية - أن يذكر سببا باطلا، كأن يقول:
" هذا المال للحمل ثمنا لما اشتريته منه ".
وفي هذه الحالة قولان:
أ - صحة أصل الإقرار وحذف السبب،
فيؤخذ منه المال لإقراره ولا ينظر إلى السبب.
نسب الشهيد الثاني هذا القول إلى الأشهر (2).
ب - بطلان الإقرار. ذهب إليه ابن الجنيد
- كما قيل (3) - والقاضي ابن البراج (4)، واختاره
فخر الدين (5) بعد أن نقله عن ابن الجنيد والقاضي
ونسبه إلى جماعة، وعلل: بأن الكلام لا يتم
إلا بآخره.
واقتصر بعضهم على ذكر القولين ولم يرجح،
كالشهيد الأول في الدروس (1).
وذكر الأردبيلي (2) وجها للبطلان بعد ذكر
وجه الصحة، لكن يظهر منه الميل إلى الصحة.
ويظهر من صاحب الجواهر (3) الميل إلى
البطلان.
الثالثة - أن يطلق، فلا يذكر سببا أصلا.
وفي هذه الحالة قولان:
أ - الصحة، وهو المعروف بين الفقهاء، حملا
لكلام المسلم على الصحيح، والسبب على السبب
الممكن (4).
ب - البطلان، وهو الذي اختاره فخر الدين (5).
شرائط الحمل المقر له:
ويشترط في الحمل أن يسقط حيا لدون ستة
أشهر بعد الإقرار، لأنه لو سقط لستة أشهر فما فوق
احتمل أن يكون انعقد بعد الإقرار.
ولو سقط بعد أقصى مدة الحمل من حين
الإقرار، فالإقرار باطل قطعا، لانعقاده بعد الإقرار.
وإن سقط بعد أقل مدة الحمل وقبل أقصاه،
فلهم فيه تفصيلات.
وإن سقط ميتا، فإن كان السبب المذكور

(1) انظر: جامع المقاصد 9: 224، والمسالك 11: 102،
والجواهر 35: 122، والرياض 11: 412.
(2) المسالك 11: 103.
(3) نسبه إليه فخر الدين في الإيضاح 2: 432.
(4) المهذب 1: 409.
(5) إيضاح الفوائد 2: 434.
(1) الدروس 3: 130.
(2) مجمع الفائدة 9: 397 - 398.
(3) الجواهر 35: 124.
(4) انظر: الرياض 11: 412، وادعى عدم الخلاف فيه،
والجواهر 35: 122.
(5) إيضاح الفوائد 2: 434.
362

للإقرار هو الوصية، رجع المال المقر به إلى ملك
الموصي، وإن كان إرثا رجع إلى ملك سائر
الورثة.
ولو لم يبين المقر السبب، طولب ببيانه (1).
2 - الإقرار للميت:
يصح الإقرار للميت إجمالا، فلو قال: " لفلان
الميت عندي ألف دينار " صح الإقرار،
وفي الجواهر: " صح بلا خلاف ولا إشكال " (2).
ولو قال: " لفلان الميت عندي ألف دينار
ولا وارث له غير فلان ":
فإن كان المقر به دينا الزم المقر بتسليمه إلى
المقر له بلا خلاف ولا إشكال - كما قيل - لعموم
" إقرار العقلاء على أنفسهم جائز "، ولا يتضمن هذا
الإضرار ضررا إلا على المقر لا على غيره.
وإن كان المقر به عينا ففيه قولان:
الأول - صحة الإقرار كما في الدين.
قيل: إن هذا القول هو المشهور (3)، ووجهه:
أن الإقرار بأن المال لزيد ولا وارث له إلا هذا،
معناه: الإقرار بأن المقر به لهذا الشخص.
الثاني - عدم صحته، بل يجب الفحص عن سائر
الورثة، فإن حصل اليأس من وارث آخر، الزم
بالدفع إليه. ووجهه: أن قوله: " هذا لزيد ولا وارث
له غير فلان " يتضمن إقرارين:
1 - الإقرار بعدم تملكه لما أقر به لغيره.
2 - الإقرار بأن ما أقر به لزيد خاصة،
لا يشاركه فيه أحد.
فأما الإقرار الأول فهو نافذ، لأنه إقرار
على نفسه.
وأما الثاني فغير نافذ، لأنه إقرار على غيره،
وهم سائر الورثة لو كانوا موجودين واقعا، فلذلك
لم يصح.
والفرق بين الدين والعين هو: أن الإقرار في
الدين إقرار على نفسه خاصة، لأنه على تقدير
ظهور وارث آخر لا يفوت حقه، بل له مطالبة المقر،
لانشغال ذمته بحقه بعد. بخلاف العين، فإذا دفعها
للمقر له وظهر وارث آخر، يفوت حقه منها بلحاظ
خصوصيات العين، وإن لم يفت أصل حقه، لانشغال
ذمة المقر ببدلها.
اختار هذا القول: العلامة في القواعد (1)،
وولده (2)، والمحقق الثاني (3)، والشهيد الثاني (4).

(1) انظر: المبسوط 3: 14 - 15، والسرائر 2: 506،
والشرائع 3: 153، والقواعد 2: 416، والتذكرة
2: 148 - 149، والدروس 3: 130، وجامع المقاصد
9: 227 - 229، والمسالك 11: 102 - 105، ومجمع
الفائدة 9: 397 - 399، والرياض 11: 413،
والجواهر 35: 124 - 129.
(2) الجواهر 35: 24، وانظر مجمع الفائدة 9: 400.
(3) انظر المصدرين المتقدمين.
(1) القواعد 2: 416.
(2) إيضاح الفوائد 2: 433.
(3) جامع المقاصد 9: 223.
(4) المسالك 11: 22.
363

3 - الإقرار للجهة:
المقصود من الجهة: المساجد، والمشاهد
المشرفة، والمقابر، والأوقاف العامة، ونحوها.
قال العلامة: " ولو أقر لمسجد، أو مشهد،
أو مقبرة، أو مصنع، أو طريق وعزاه إلى سبب
صحيح، مثل أن يقول: من غلة وقفه،
صح. وإن أطلق أو عزاه إلى سبب باطل،
فالوجهان " (1).
فالمقر للجهة إما أن يذكر سببا لملكية المقر له
للمقر به أو لا يذكر، وعلى الأول، فإما أن يذكر سببا
صحيحا أو باطلا.
فإن ذكر سببا صحيحا، فالإقرار صحيح
بلا إشكال، وليس فيه إلا قول واحد، كما قال
المحقق الكركي (2).
وإن ذكر سببا باطلا ففيه القولان المتقدمان
في الحمل.
وإن لم يذكر سببا وأطلق ففيه القولان
المتقدمان في صورة الإقرار من دون ذكر سبب في
الحمل، وقلنا: إن المعروف هو القول بالصحة،
والقول بالبطلان لفخر الدين.
الشرط الثاني - معلومية المقر له:
ذكر هذا الشرط العلامة في التذكرة (3) وتبعه
بعض من تأخر عنه، كالشهيد (1).
قال العلامة: "... من شروط صحة الإقرار
تعيين المقر له، فلو قال: " لإنسان علي كذا "
أو " لواحد من بني آدم " أو " لواحد من خلق الله "
أو " لواحد من أهل البلد " احتمل البطلان، لعدم
التعيين، فلا يطالب ".
لكن ناقش صاحب الجواهر جعل هذا
الشرط شرطا للإقرار، لأن الإقرار بأصل خروج
المال عن ملك المقر صحيح ولا إشكال فيه سواء
كان المقر له معلوما أو لا (2).
ولعله لذلك لم يذكره الفقهاء وتراجع عنه
العلامة نفسه حيث قال في آخر كلامه المتقدم:
" والأقرب عندي القبول وصحة هذا الإقرار،
ثم للحاكم انتزاعه من يده وإبقاؤه في يده... ".
ووجه جواز انتزاع الحاكم له هو أنه من
مصاديق مجهول المالك، لأن المقر أقر بخروجه من
ملكه ولم يدخل في ملك أحد بعد، فيكون مجهول
المالك، وحكمه أن يدفع إلى حاكم الشرع أو يصرف
طبقا لنظره.
الشرط الثالث - عدم تكذيب المقر له:
ذكر هذا الشرط ابن حمزة (3)، والعلامة (4)،

(1) القواعد 2: 417.
(2) جامع المقاصد 9: 230.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 150.
(1) الدروس 3: 130.
(2) الجواهر 35: 120.
(3) الوسيلة: 283، وذكر من جملة الشروط: تصديق المقر له.
(4) التذكرة (الحجرية) 2: 149، وانظر القواعد 2: 417.
364

والشهيد الأول (1). قال العلامة في التذكرة:
" يشترط في الإقرار والحكم بصحته عدم تكذيب
المقر له للمقر، وعدم إنكاره لما أقر له به ".
وقال الشهيد: " الثاني - أن لا يكذب المقر له،
فلو أكذبه لم يعط ".
فإذا أنكر المقر له لم يعط كما قال الشهيد،
بل يكون الحاكم الشرعي مخيرا بين إبقاء المال في يد
المقر أو أخذه منه، كما تقدم في الشرط الثاني.
واستشكل صاحب الجواهر في هذا الشرط
أيضا، لأنه ليس شرطا في صحة الإقرار نفسه، بل
في نفوذه في حق المقر له، إذ الإقرار على نفسه قد تم
وخرج المال من ملكه بسبب الإقرار. نعم يبقى
مالكه مجهولا، فيكون أمره بيد الحاكم الشرعي (2).
هذا، وذكر الشهيد في الدروس من جملة
الشروط كون المالك ممن يملك الشئ المقر به (3).
ولكن هذا من جملة شروط المقر به كما سيأتي
بيانه إن شاء الله تعالى.
الركن الثالث - المقر به (4):
وهو الشئ الذي أقر به المقر للمقر له.
والمقر به: إما مال، أو حق، أو نسب.
والحق: إما حق للناس، أو حق لله،
أو مشترك.
وسوف يأتي الكلام عن كل واحد بصورة
مستقلة.
الإقرار بالمال:
ذكر الشهيد الأول شروطا أربعة للمقر به،
واقتصر العلامة على ذكر بعضها، ويمكن استخراجها
من كلمات فقهاء آخرين. ومورد البحث ما إذا كان
المقر به مالا، كما تقدم.
والشروط التي ذكرها الشهيد هي:
أولا - أن يكون مما يملك شرعا:
فلو أقر بما ليس قابلا للملك لم يصح إقراره،
كما لو أقر بكلب الهراش، أو الخمر أو جلد الميتة أنه
للغير، للإجماع المدعى على عدم تملك المسلم لهذه
الأمور فلا يقبل إقراره فيها أيضا.
وهناك رأي آخر يقول بصحة الإقرار، لأن
هذه الأشياء يمكن أن يثبت للمسلم حق
الاختصاص بها وإن لم يملكها، فيجوز الإقرار بها
للغير بهذا الاعتبار.
وبالجملة: فالمدار إثبات حق الاختصاص في
هذه الموارد وعدمه.
وبناء على ذلك، لو أقر بحبة حنطة أو قشر
جوزة فيكون إقراره صحيحا، لأن هذه تدخل في
ملك الإنسان وإن لم تعد مالا، وللإنسان حق
الاختصاص بها على الأقل.

(1) الدروس 3: 131.
(2) الجواهر 35: 120.
(3) الدروس 3: 131.
(4) لم يذكر هذا الركن المحقق في الشرائع وشراحه، نعم
أشير إلى جملة من مسائله في سائر الأبحاث، مثل
الأقارير المبهمة.
365

ولو أقر المسلم لغير المسلم، أو غير المسلم
لمثله بمثل الخمر والخنزير والميتة ونحوها،
صح الإقرار (1).
ثانيا - ألا يكون مملوكا للمقر:
واشتراط هذا الشرط واضح، لأنه لو كان
شئ ملكا لشخص واقعا فأقر به لغيره، يلزم
التناقض أو التضاد، لأن الإقرار إخبار عن حق
سابق، فإذا قال: " داري لفلان "، فهو يخبر عن
ملكية المقر له للدار منذ السابق، وظاهر عبارة
الإقرار يقتضي أن الدار ملك للمقر منذ السابق،
فتكون الدار ملكا للمقر والمقر له في زمان واحد،
وهو باطل إذا كانت الملكية على نحو الاستقلال (2).
ولكن ذكر بعضهم توجيها للصحة، وحاصله:
أن الإضافة هنا ليست حقيقية، وعندما يقول:
" داري " فهو أعم من أن تكون الدار ملكا له أو
إجارة عنده، وإذا حملنا فعل المسلم على الصحيح
فيكون الإقرار حينئذ صحيحا (3).
وقد تقدم الكلام عن ذلك في عنوان
" إضافة ".
ثالثا - أن يكون المقر به تحت سلطة المقر
ظاهرا:
قلنا: يشترط في المقر به ألا يكون ملكا
للمقر، لكن هذا في واقع الأمر، وأما بحسب الظاهر،
فينبغي أن يكون تحت سلطته ويده، فإذا لم يكن
كذلك لم يكن إقرارا، بل شهادة، كما إذا أقر بأن الدار
التي بيد زيد إنما هي لفلان. نعم يترتب على ذلك أنه
لو انتقلت الدار إلى المقر بهبة أو إرث ونحوهما وجب
عليه ردها على من أقر له بها (1).
رابعا - نفوذ الإقرار فيه:
فلو أقر الموقوف عليه بأن العين الموقوفة
لزيد، بطل إقراره، لأن العين الموقوفة لا يمكن أن
تكون ملكا لغير الموقوف عليه إلا ببيع ونحوه على
فرض جوازه في ظروف خاصة (2).
الإقرار بالمجهول:
لا يشترط في المقر به أن يكون معلوما،
بل يصح الإقرار بالمجهول، لعموم أدلة الإقرار،
ولأن الإقرار إخبار فهو يحتمل الإجمال والتفصيل،

(1) انظر ما تقدم في المصادر التالية على نحو الإجمال:
المبسوط 3: 5، والوسيلة: 283، والجامع للشرائع:
239، وشرائع الإسلام 3: 146، والتذكرة 2: 150
و 151، والدروس 3: 133، والمسالك 11: 31،
ومجمع الفائدة 9: 429، والرياض 11: 413 - 414،
والجواهر 35: 37.
(2) انظر: المبسوط 3: 21، والسرائر 2: 506، والقواعد
2: 417 - 418، والتذكرة (الحجرية) 2: 151.
(3) انظر: المختلف 6: 44، والدروس 3: 133،
وجامع المقاصد 9: 237، ومجمع الفائدة 9: 419.
(1) انظر: القواعد 2: 418، والتذكرة (الحجرية)
2: 151، والدروس 3: 134، وجامع المقاصد
9: 239 و 242، ومجمع الفائدة 9: 421 - 422.
(2) الدروس 3: 134.
366

ولأن الحاجة قد تدعو إليه، كما إذا كان عليه مال
أو حق ولم يعلمه بالتفصيل فأراد إبراء ذمته، فيقر
أولا بالمقر به على إجماله، ثم يرفع النزاع بين المقر
والمقر له بالصلح ونحوه (1).
والقاعدة العامة: أنه بعد الإقرار بالمبهم
والمجهول يطالب المقر بتفسيره له، فإن فسره بما
يصح فيه الإقرار فيقبل منه وإلا فلا، وذكر بعضهم
أنه يحبس حتى يفسره.
هذه هي القاعدة العامة، وقد ذكروا أبحاثا
مفصلة لتطبيقها على مواردها، وأكثرها يرجع إلى ما
يفهم العرف من صيغة الإقرار ثم ملاحظة أنه هل
يستجمع الشروط اللازمة للمقر به أو لا؟ نذكر
نموذجين منها مع حذف بيان الاختلافات فيهما:
قال المحقق في بحثه عن الأقارير المبهمة:
" وفيها مسائل:
الأولى - إذا قال: له علي مال، الزم التفسير،
فإن فسر بما يتمول، قبل ولو كان قليلا، ولو فسر
بما لم تجر العادة بتموله كقشر اللوزة والجوزة، لم
يقبل، وكذا لو فسر المسلم بما لا يملكه ولا ينتفع به
كالخمر والخنزير وجلد الميتة، لا يعد مالا، وكذا لو
فسره بما ينتفع به ولا يملك كالسرجين النجس
والكلب العقور، أما لو فسره بكلب الماشية أو كلب
الزرع قبل ".
فالمذكورات غير الكلاب الثلاثة لا تعد مالا
شرعا، ولذلك لا يصح تفسير الإقرار المبهم بها، نعم
يصح تفسيره بالكلاب الثلاثة.
وقال أيضا:
" الثانية - إذا قال: له علي شئ، ففسره
بجلد الميتة أو السرجين النجس، قيل: يقبل،
لأنه شئ، ولو قيل: لا يقبل، لأنه لا يثبت في الذمة
كان حسنا " (1).
هل الإقرار بالظرف إقرار بالمظروف؟
صرح الفقهاء: بأن الإقرار بالمظروف ليس
إقرارا بالظرف إلا أن يفهم العرف من صيغة الإقرار
ذلك، وكذا العكس، أي الإقرار بالظرف ليس
إقرارا بالمظروف، أخذا بالمتيقن، وبراءة لذمة المقر
من الزائد (2).
فالأول مثل أن يقول - مشيرا إلى ظرف فيه

(1) انظر: التذكرة (الحجرية) 2: 151، والمسالك
11: 28، والجواهر 35: 32.
(1) الشرائع 3: 145 - 146، وانظر: المبسوط 3: 4 - 5،
والجامع للشرائع: 339، والقواعد 2: 419 - 420،
والتذكرة 2: 151، والدروس 3: 135 - 137، وجامع
المقاصد 9: 244 - 249، والمسالك 11: 29 - 31،
ومجمع الفائدة 9: 428 - 429، والرياض 11: 413 -
414، والجواهر 35: 32 - 38، وغيرها.
(2) انظر: المهذب 1: 408، والغنية: 274، والشرائع
3: 144، والقواعد 2: 424، والتذكرة (الحجرية)
2: 156، وجامع المقاصد 9: 272، والمسالك 11: 16
- 17، والجواهر 35: 18.
367

عسل -: " هذا العسل لفلان ".
والثاني مثل أن يقول - مشيرا إلى ظرف فيه
عسل أيضا -: " هذا الظرف لفلان ".
ومن الأمثلة التي ذكروها: " له عندي
زيت في جرة "، أو " جرة فيها زيت "، أو " سيف
في غمد "، أو " غمد فيه سيف "، أو " ثوب
في منديل "، وهكذا...
الإقرار بالحق:
وهو تارة من حقوق الله تعالى، وأخرى من
حقوق الناس، وثالثة مشترك بينهما. وفيما يأتي
توضيح ذلك:
أولا - الإقرار بحق الله تعالى:
يصح الإقرار بحقوق الله تعالى، مثل موارد
الحدود. وهذه الحقوق:
منها: ما يثبت بالإقرار مرة واحدة
كالمحاربة (1).
ومنها: ما يثبت بالإقرار مرتين: كالسرقة
بالنسبة إلى القطع، وأما المال المسروق فيكفي في
ثبوته الإقرار مرة واحدة (2)، وكذا القيادة (3)،
وشرب الخمر (4).
ومنها: ما يثبت بالإقرار أربع مرات،
كالزنا (1) واللواط (2).
ومنها: ما هو مختلف فيه، كالاستمناء (3)
ووطء البهائم (4).
وسوف يأتي تفصيل ذلك في موارده إن شاء
الله تعالى.
ثانيا - الإقرار بحق الناس:
يصح الإقرار بحقوق الناس، مثل حق
الحضانة، وحق الشفعة، وحق الخيار، وحق
الاستطراق، ونحوها من الحقوق المعترف بها
في الشرع.
وإذا أقر بحق لم يعترف به شرعا، فلا أثر
للإقرار به.
وأكثر حقوق الناس يثبت بالإقرار مرة
واحدة، لإطلاق " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز "، حتى الإقرار بالقتل عند جمع من الفقهاء،
نعم احتاط جمع آخر منهم فقالوا بلزوم الإقرار
مرتين (5).
ثالثا - الإقرار بالحق المشترك:
إذا أقر الإنسان بحق مشترك ترتب على
كل جانب حكمه، ففي السرقة مثلا، إن أقر مرة
واحدة ضمن المسروق لصاحبه ولا يجري عليه

(1) انظر الجواهر 41: 571.
(2) انظر المصدر المتقدم: 521 و 522.
(3) انظر المصدر المتقدم: 399.
(4) انظر المصدر المتقدم: 455.
(1) انظر الجواهر 41: 280.
(2) انظر المصدر المتقدم: 376.
(3) انظر المصدر المتقدم: 649.
(4) انظر المصدر المتقدم: 643.
(5) انظر المصدر المتقدم 42: 203 - 204.
368

حد السرقة، نعم، إن أقر مرتين أجري عليه الحد
أيضا إضافة إلى ضمانه (1).
ومن الحقوق المشتركة حق القذف،
فالمقذوف، له حق على القاذف، ولذلك يتوقف
تنفيذ حد القذف على مطالبة المقذوف، كما يجوز له
إسقاط الحد بالعفو عن المقذوف وإسقاط حقه (2).
الإقرار بالنسب:
ادعي الإجماع مستفيضا على صحة الإقرار
بالنسب إجمالا (3)، وتفصيله كالآتي:
أولا - الإقرار بالولد:
يشترط في صحة الإقرار بالولد - إضافة إلى
الشروط العامة في الإقرار - أمور أربعة:
1 - أن تكون البنوة ممكنة في حقه، فلو أقر
ببنوة صغير ولد في منطقة بعيدة لم يسافر هو إليها
ولم تسافر الام إلى المنطقة التي هو فيها منذ سنين
لم يقبل منه الإقرار.
وكذا لو أقر ببنوة من هو أكبر منه، أو مساو له
في السن، أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادة مثله
منه، كمن أقر ببنوة من بلغ عشر سنين وهو ابن ثماني
عشرة سنة.
2 - أن يكون المقر به مجهول النسب، فلو كان
نسبه معلوما لم يقبل إقراره.
3 - أن لا ينازعه فيه أحد، فلو ادعى شخص
آخر بنوته لم يقبل إقراره، بل لابد من إثبات النسب
حينئذ بالبينة أو القرعة.
هذه الشروط الثلاثة مشتركة بين الإقرار
بالولد الصغير والولد الكبير، ولا خلاف فيها - كما
قيل - وإن اختلف التعبير عنها (1).
4 - أن يصدقه المقر به إذا كان كبيرا.
ذكر الشيخ الطوسي هذا الشرط في المبسوط
وتبعه جميع من تأخر عنه، كما قال صاحب
الجواهر (2).
قال الشيخ في المبسوط: " فإن كان المقر به
صغيرا اعتبر فيه ثلاثة شروط - ثم ذكر الشروط
الثلاثة المتقدمة ثم قال: - وإن كان المقر به كبيرا فإنه
يعتبر فيه أربعة شروط، الثلاثة التي ذكرناها والرابع
تصديق المقر به، لأنه إذا كذبه في إقراره به لم يثبت
نسبه منه " (3).
لكن قال في النهاية: " إذا أقر الإنسان بولد،
الحق به، سواء كان إقراره به في صحة أو مرض،
وتوارثا معا، سواء صدقه الولد أو كذبه، إلا أن
يكون الولد مشهورا بغير ذلك النسب، فإن كان
كذلك لم يلحق به " (4).

(1) انظر الجواهر 41: 522.
(2) انظر المصدر المتقدم: 428.
(3) انظر: كفاية الأحكام: 232، والرياض 11: 430،
والجواهر 35: 153.
(1) انظر: الرياض 11: 431، والجواهر 35: 154.
(2) الجواهر 35: 157.
(3) المبسوط 3: 38.
(4) النهاية: 684.
369

وعبارته صريحة في عدم الحاجة إلى تصديق
الولد، وظاهرة في عدم الفرق بين الولد الصغير والكبير.
هذا وذكر بعضهم - كالعلامة في القواعد (1) -
بدل تصديق الولد عدم تكذيبه، لكن الأول أولى كما
قال المحقق الكركي (2)، بل لعل العلامة يريده أيضا
كما قال صاحب الجواهر (3)، وتشهد به عبارته في
سائر كتبه (4).
ملاحظة (1):
إذا لم يصدق الولد لم يثبت النسب كما تقدم،
لكن المقر يؤخذ بإقراره، وتترتب عليه آثاره (5).
ملاحظة (2):
اشتراط تصديق الولد إنما هو بالنسبة إلى
الإقرار بالولد الحي، أما لو أقر ببنوة ميت
فيقبل إقراره إن لم يكن له معارض وكان الميت
مجهول النسب (6).
حكم إقرار المرأة بالولد:
قال العلامة في القواعد: " وهل حكم المرأة في
إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر " (1).
وعلق عليه الكركي بقوله: " ينشأ من أنه
إقرار بالولد فيدخل تحت عموم الدليل الدال على
نفوذ الإقرار به.
ومن أن ثبوت نسب غير معلوم الثبوت، على
خلاف الأصل، فيقتصر فيه على إقرار الرجل بالولد
الصغير، للإجماع. ويبقى ما عداه على الأصل،
فيتوقف على البينة أو التصديق " (2).
واستظهر صاحب الجواهر من جماعة إلحاق
الام بالأب في صحة الإقرار بالولد الصغير، ثم نقل
عن الإيضاح (3) والدروس (4) اختصاصه بالأب،
ثم رجح هو الإلحاق (5).
وممن اختار عدم الإلحاق الشهيد الثاني في
الروضة (6).
والظاهر من كلام السيد الطباطبائي الإلحاق (7)،
بل جعل الأردبيلي ثبوت النسب في الام أولى (8).
واكتفى السبزواري بذكر القولين (9).

(1) القواعد 2: 437.
(2) جامع المقاصد 9: 346.
(3) الجواهر 35: 157.
(4) انظر: إرشاد الأذهان 1: 411، والتذكرة (الحجرية)
2: 170، وغيرهما.
(5) انظر الجواهر 35: 157.
(6) انظر الجواهر 35: 167، وظاهر كلامه عدم الخلاف فيه.
(1) القواعد 2: 437.
(2) جامع المقاصد 9: 347.
(3) إيضاح الفوائد 2: 464.
(4) الدروس 3: 150.
(5) الجواهر 35: 158 - 159.
(6) الروضة البهية 6: 424.
(7) الرياض 11: 432 - 433.
(8) مجمع الفائدة 9: 447.
(9) الكفاية: 232.
370

إنكار الولد الصغير المقر به بعد البلوغ:
إذا توفرت شروط الإقرار بالولد الصغير
يثبت النسب كما سيأتي، ولا أثر لإنكار الولد بعد
بلوغه، وقد ادعي عدم الخلاف فيه (1).
ملاحظة:
إن الإلحاق بمجرد الإقرار في الولد الصغير إنما
هو بالنسبة إلى ولد الصلب، فلا يشمل ولد الولد،
وقد ادعي عدم الخلاف فيه أيضا (2).
ما يترتب على الإقرار بالولد:
إذا توفرت شروط الإقرار بالولد، فإن كان
صغيرا يثبت به النسب ويترتب عليه التوارث بين
المقر والمقر به وسائر المنسوبين، فيكون كولد
الفراش من دون فرق بينهما.
وإن كان كبيرا ففيه قولان:
الأول - أنه كالولد الصغير، فيكون كولد
الفراش.
قال الشهيد الثاني: " من جملة ما افترق فيه
الإقرار بالولد عن غيره: أن الإقرار بالولد مع
التصديق أو بدونه يثبت به النسب، ويتعدى
التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه، وأما
الإقرار بغير الولد للصلب وإن كان ولد ولد فيختص
حكمه مع التصديق بالمتصادقين، لما تقرر: من أن
ذلك إقرار بنسب الغير فلا يتعدى المقر، ولو لم
يحصل تصديق افتقر إلى البينة " (1).
وكلامه عام يشمل الولد الصغير والكبير.
وصرح بذلك العلامة في التذكرة إلا أنه
احتمل القول الآخر (2).
وجعله الأردبيلي (3) أقرب، واستظهره
صاحب الجواهر (4) من المحقق الحلي، ثم قال: " بل
هو صريح جماعة "، وصرح به الإمام الخميني (5).
وكلمات الفقهاء ليست صريحة في هذا المجال،
بل لم يتعرض للموضوع كثير منهم، نعم ربما
يستفاد من ظاهر كلمات بعضهم ذلك، حيث خصوا
انحصار التوارث بين المقر والمقر به في الإقرار بغير
الولد، ولم يذكروا ذلك في الولد، ومعناه عموم
التوارث فيه وعدم اختصاصه بهما (6).
الثاني - عدم إلحاق الكبير بالصغير، فيكون
الكبير كغير الولد، لا يترتب على الإقرار به
إلا التوارث بين المقر والمقر به، ولا يتعدى إلى
غيرهما كأولادهما وسائر المنسوبين.
وعبارة الروضة تدل على أن الشهيد الثاني

(1) انظر: الرياض 11: 433، والجواهر 35: 163.
(2) انظر: الدروس 3: 150، وجامع المقاصد 9: 354،
والمسالك 11: 128، والجواهر 35: 159.
(1) المسالك 11: 128، مع اختلاف يسير.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 170 - 171.
(3) مجمع الفائدة 9: 448.
(4) الجواهر 35: 159 - 160، وانظر الشرائع 3: 157.
(5) تحرير الوسيلة 2: 48، كتاب الإقرار، المسألة 17.
(6) انظر الدروس 3: 150.
371

استظهر من كلمات الفقهاء: أن الولد الكبير كالصغير
يلحق بالمقر بالإقرار بشرط تصديق المقر ويثبت به
النسب كما في ولد الفراش، ثم استشكل على ذلك
فقال: " والفرق بينه وبين غيره من الأنساب مع
اشتراكهما في اعتبار التصديق غير بين " (1).
ومضمون كلامه: أن الإقرار بالولد الكبير
كالإقرار بغير الولد بحاجة إلى تصديق المقر به،
فما هو الفارق بينهما إذن حتى يثبت بإقرار الولد
النسب الكامل ولا يثبت بغيره؟
وممن مال إلى هذا الرأي أو اختاره صريحا:
سبطه صاحب المدارك على ما حكي عنه (2)، والسيد
الطباطبائي (3)، والسيدان: الحكيم (4) والخوئي (5).
ثانيا - الإقرار بغير الولد:
إذا أقر بغير الولد من سائر الأرحام، كالأب
والام والأخ والأخت وولد الولد ونحو ذلك، أو أقر
بالزوجية وتوفرت الشروط المذكورة في الإقرار
بالولد إضافة إلى الشروط العامة، فحينئذ:
إما أن ينحصر الوارث في المقر به أو لا.
فإن انحصر، ثبت التوارث بين المقر والمقر به.
وإن لم ينحصر، فلا يكفي تصديق المقر به،
لأن في قبوله إضرارا بالغير، لأنه يستلزم الإضرار
بسائر الورثة من حيث تقليل سهامهم أو حجب
بعضهم ونحو ذلك، والإقرار إنما يكون نافذا إذا كان
على المقر وبضرره لا بضرر الآخرين (1).
ما يترتب على الإقرار بغير الولد:
لا يترتب على الإقرار بغير الولد إلا التوارث
بين المتقارين فقط (2)، ولا يتعدى إلى سائر
الورثة إلا أولاد الأولاد على رأي الشيخ وبعض
من تبعه (3).
ولا يثبت به النسب الكامل، نعم يثبت
النسب بشهادة رجلين عادلين وإن كانا من الورثة،
وبالاستفاضة (4).
راجع العنوانين: " استفاضة "، " نسب ".

(1) الروضة البهية 6: 426، لكنه رجع عنه في المسالك
كما تقدم.
(2) حكاه عنه السيد الطباطبائي في الرياض 11: 437.
(3) المصدر المتقدم.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 202، كتاب
الإقرار، المسألة الأولى.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 198، كتاب
الإقرار، المسألة 937.
(1) انظر: المبسوط 3: 38 - 39، والسرائر 3: 308،
والقواعد 2: 437 - 439، والدروس 3: 149 - 150،
والمسالك 11: 128 - 129، ومجمع الفائدة 9: 449 -
450، والكفاية: 232، والرياض 11: 435، والجواهر
35: 157 - 158، وغيرها.
(2) انظر الجواهر 35: 157 - 158.
(3) انظر: المبسوط 3: 39، والسرائر 3: 310، والجامع
للشرائع: 343، والتحرير (الحجرية) 2: 120.
(4) انظر الجواهر 35: 173 و 174.
372

ملاحظة:
اشترط العلامة في التذكرة لصحة الإقرار
بغير الولد شرطين آخرين إضافة إلى الشروط
المتقدمة، وهما:
1 - أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا لم
يجز لغيره إلحاق شخص آخر به وإن كان الملحق به
مجنونا. فلو قال: هذا أخي فيجب أن يكون والد
المقر والمقر به ميتا، فإن كان حيا لم يجز، لأنه
يستلزم إلحاق شخص - وهو الأخ - بشخص آخر
- وهو الأب - بمجرد إقراره، وقاعدة الإقرار
لا تشمل مثل هذا، لأنه ليس إقرارا على النفس.
2 - أن لا يكون الملحق به قد نفى الملحق
- المقر به - فإذا كان قد نفاه لم يصح إلحاقه ثانية.
ولو ألحقه به وارثه بعد موته ففي اللحوق به
وعدمه وجهان (1).
وتبعه في الشرطين الشهيد الثاني (2)
وسبطه (3)، وفي خصوص الثاني الشهيد الأول (4).
الاعتراف بوارث آخر:
إذا أقر أحد الورثة بوارث آخر وصدقه المقر
به لكن لم يصدقه سائر الورثة لم يثبت النسب بينهما،
نعم يشارك المقر به المقر في سهمه من الميراث،
فلو كان للميت ولدان فأقر أحدهما بوارث آخر ولم
يصدقه الثاني، كان سهم المقر - وهو نصف المال -
للمقر والمقر به.
ولو كان الأولاد ثلاثة فأقر أحدهم دون
الآخرين اشترك المقر والمقر به في ثلث التركة،
وهكذا...
وفي كيفية تقسيم سهم المقر بينه وبين المقر به
قولان:
الأول - أن يأخذ المقر ما يستحقه على
اعتقاده ويدفع الباقي للمقر له، ففي المثال الأول
يكون سهم المقر الثلث، لأن الورثة في اعتقاده ثلاثة
أولاد، ويبقى الزائد وهو السدس الفاضل بين الثلث
- وهو سهم المقر - والنصف - وهو سهم الولد الآخر
المنكر - فيعطى للمقر به (1).
وهذا هو القول المشهور والمعروف على ما قيل (2).
الثاني - أن يشترك المقر والمقر به في سهم

(1) التذكرة (الحجرية) 2: 172.
(2) المسالك 11: 129.
(3) نقله عنه السيد الطباطبائي في الرياض 11: 435.
(4) الدروس 3: 154.
(1) والطريقة العامة في الحصول على ذلك هي: أن يضرب
سهم كل من المقر والمنكر أحدهما بالآخر، ثم تقسم
التركة على حسب الحاصل وباعتقاد كل من المنكر
والمقر، ففي المثال يضرب النصف (12) وهو سهم كل
منهما باعتقاد المنكر في الثلث (13) وهو سهم كل منهم
باعتقاد المقر، فيكون الحاصل (16)، فلابد من تقسيم
التركة على (6) أسهم يأخذ المنكر منها (3)، لأنه
يعتقد بالنصف، ويأخذ المقر (2)، لأنه يعتقد بالثلث،
فيبقى سهم واحد - أي السدس (16) - فيدفع إلى المقر به.
(2) انظر: الجواهر 35: 164 - 165، والرياض 11: 439.
373

المقر، وهو النصف، فيكون لكل منهما ربع المال (1).
ذكر الشهيد الثاني هذا القول ولم يسم قائله،
لكنه استظهر القول الأول (2)، ونقل السيد
الطباطبائي (3) عن سبط الشهيد (4) - أي السيد
العاملي - وصاحب الكفاية (5) أنهما اختاراه، ثم
قواه هو.
الركن الرابع - الصيغة:
الكلام في صيغة الإقرار يتضمن عدة أبحاث
نشير إليها فيما يأتي:
لفظ الصيغة:
يصح الإقرار بكل لفظ يدل عليه، مثل: " لك
علي "، أو " لك عندي "، أو " لك في ذمتي "، أو ما
أشبه ذلك.
وأحاله بعض الفقهاء على عرف المقر والمقر
له، لاختلاف الأعراف في ذلك، بل لابد - إضافة إلى
ذلك - من النظر إلى القرائن والخصوصيات المكتنفة
بالمقر والمقر له، فلذلك لو قال: " أطلب منك مئة "
فقال: " بل ألف " أو " مئات " واقترن ذلك مع
ضحكه أو تحريك رأسه ونحو ذلك مما يدل على
الاستهزاء، لم يكن إقرارا منه (1).
عدم اشتراط العربية:
لا تشترط العربية في الصيغة، فيجوز الإقرار
بغير العربية مهما كانت اللغة، بل يصح الإقرار
بالعربية من العجمي وبالعجمية من العربي حتى مع
الاختيار بشرط أن يكون المقر عالما بمفاد إقراره.
وإن ادعى بعد إقراره عدم علمه بما أقر به،
فإن صدقه المقر له فلا كلام، وإن كذبه:
فقال بعض الفقهاء: القول قوله مع يمينه (2).
وقال بعض آخر: إن كان ذلك ممكنا في حقه،
فالقول قوله (3).

(1) والطريقة العامة هي: أن تضرب مجموع سهام الأصل
بناء على اعتقاد المنكر، في مجموع سهام المقر والمقر به.
ومجموع سهام الأصل على اعتقاد المنكر اثنان، لأنه
ليس هناك إلا وارثان أخوان. ومجموع سهام المقر
والمقر به اثنان أيضا، فيكون الحاصل أربعة: 2 × 2 = 4.
فيقسم المال على أربعة أقسام يعطى نصفه وهو
اثنان للمنكر، والاثنان الآخران للمتقارين، لكل
واحد منهما واحد.
(2) المسالك 11: 131.
(3) الرياض 11: 439.
(4) لا يحضرني من كتابه " نهاية المرام "، إلا النكاح
والطلاق وتوابعه، ويبدو أنه لم يطبع منه غير ذلك.
(5) الكفاية: 232.
(1) انظر: التذكرة (الحجرية) 2: 144، والرياض
11: 405، والكفاية: 230.
(2) انظر: المبسوط 3: 46، والسرائر 2: 514، والجامع
للشرائع: 339، والتذكرة (الحجرية) 2: 144
و 169، والدروس 3: 126، وزاد قيد الإمكان،
وجامع المقاصد 9: 188، والمسالك 11: 10،
وغيرها.
(3) انظر: القواعد 2: 436، والجواهر 35: 8.
374

الإقرار كتابة:
لم يتطرق أكثر الفقهاء إلى هذا الموضوع،
ولكن لما كان الإقرار إخبارا عن حق سابق، فهو كما
يتحقق باللفظ يتحقق بالكتابة أيضا. قال السيد
البجنوردي: "... فكذلك الأمر في الكتابة، فإن
كانت عند العرف صريحة في الإقرار بحيث
لا يشكون في أنه أقر بذلك، أيضا يثبت بهذا
الإقرار، وحيث إن الإقرار عبارة عن الإخبار
بثبوت مال أو حق... فكل ما أفاد هذا المعنى عند
العرف يسمى إقرارا " (1).
والسيرة المستمرة تشهد بقبول الإقرار كتابة
عند جميع العقلاء، وخاصة في الوصايا، نعم ينبغي
صحة نسبة الكتابة إلى المقر.
ومع ذلك فقد خالف صاحب العناوين، وقال
بعدم صحة الإقرار كتابة، وعدم ترتب الحكم عليه،
لعدم صدق الإقرار عليه عنده وإن علم كونه قاصدا
أو شوهد كاتبا (2).
الإقرار إشارة:
لا ريب أن إقرار الأخرس بالإشارة صحيح
ونافذ إذا كانت مفهمة، لأنها في حقه بمنزلة اللفظ في
حق غيره، ولذلك يعتد بإشارته في عقوده
وإيقاعاته.
وأما إذا لم تكن مفهمة افتقر إلى عدلين
يفهمان مقصوده.
وفي حكم الأخرس كل من لم يكن قادرا على
التكلم لعلة غير الخرس كالمرض ونحوه.
وإنما الكلام فيما إذا أقر الإنسان بالإشارة وهو
قادر على التكلم، فهل يصح إقراره أم لا؟
لم يتعرض أكثر الفقهاء لذلك أيضا. نعم قال
صاحب العناوين بعدم الجواز (1)، ونقله صاحب
الرياض عن بعض المتأخرين، حيث قال: " وتقوم
الإشارة المفهمة مقامه (2) فيكتفى بها عنه مطلقا.
وقيل: لأن المقصود التعبير عما في الضمير ويحصل
بها، وعن بعض المتأخرين: اشتراط التعذر في
الاكتفاء، ولعله للشك في تسمية مثلها إقرارا وإن
عبرت عما في الضمير " (3).
ثم أخذ يناقش ما نقله عن بعض المتأخرين.
وقد سبق أن تكلمنا عن هذا الموضوع
بصورة عامة في عنوان " إشارة " فراجع.
التعليق في الإقرار:
لما كان الإقرار هو الإخبار الجازم بحق
سابق كان التنجيز معتبرا فيه لا محالة، فمتى علق على
شرط لم يكن إقرارا، لانتفاء الجزم.
قال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام

(1) القواعد الفقهية (للسيد البجنوردي) 3: 50.
(2) العناوين 2: 635، العنوان 81.
(1) العناوين 2: 634 - 635، العنوان 81.
(2) أي مقام اللفظ.
(3) الرياض 11: 405، ولم نحرز المراد من بعض
المتأخرين.
375

المحقق: " لا خلاف بينهم في اشتراط التنجيز، لما فيه
من كونه إخبارا عن حق ثابت، وهو لا يقبل التعليق
المقتضي لعدم وقوع المعلق قبل وقوع المعلق عليه،
فلو قال: لك علي كذا إن شئت أو إن شئت - بضم
التاء أو فتحها - لم يكن إقرارا، وكذا لو قال: إن قدم
زيد، وكذا: إن رضي فلان أو إن شهد أو نحو ذلك،
لاشتراك الجميع في التعليق المنافي للإخبار وإن كان
على صفة يتحقق وقوعها... " (1).
التعليق على المشيئة:
إن كان ذكر المشيئة - وهو قول: " إن شاء
الله " - للتبرك فلا إشكال في ذكره مع الإقرار
وغيره، وإن كان بغرض التعليق، فالمعروف أنه
غير جائز إلا في اليمين. وقد مر تفصيل الكلام عنه في
عنوان " استثناء " فراجع.
الاستثناء في الإقرار:
تقدم الكلام عن هذا الموضوع في عنوان
" استثناء " بالتفصيل فليراجع هناك.
التأجيل في الإقرار:
إذا كانت صيغة الإقرار مؤجله، فهل يصح
الإقرار والأجل، أو يفصل بينهما فيصح أصل
الإقرار ويرد التأجيل؟
فيه قولان:
ومفروض الكلام: ما لو كان الكلام واحدا
لم يفصل فيه بين الإقرار بأصل الحق وبين
الإقرار بالأجل، وإلا فلا كلام في بطلان الإقرار
بالأجل، وما لو كان الكلام ظاهرا في التأجيل
لا في التعليق، وإلا فلا كلام في البطلان، وما
لو كان المقر له منكرا للتأجيل، وإلا فلا كلام
في صحته.
والقولان كالآتي:
الأول - صحة الإقرار بالأصل والإقرار
بالتأجيل:
اختار هذا القول الشيخ، فقال: " إذا قال:
لفلان علي ألف درهم إذا جاء رأس الشهر، كان
ذلك إقرارا " (1).
ووافقه جماعة من العلماء، مثل: القاضي (2)،
والمحقق الحلي (3)، ويحيى بن سعيد (4)، والعلامة (5)،
وإن استشكل فيه في موضع آخر (6)، والشهيد

(1) الجواهر 35: 8، وانظر: المبسوط 3: 22، والقواعد
2: 411، والتذكرة 2: 144 و 145، والمسالك
11: 10، ومجمع الفائدة 9: 406 - 407، والرياض
11: 405.
(1) المبسوط 3: 33.
(2) المهذب 1: 414.
(3) الشرائع 3: 144.
(4) الجامع للشرائع: 340.
(5) القواعد 2: 411.
(6) القواعد 2: 435، والتذكرة 2: 167، والمختلف
6: 46.
376

الأول (1)، والشهيد الثاني (2)، والأردبيلي (3)،
والسبزواري (4)، والطباطبائي (5)، والسيد الخوئي (6).
وعلل: بأن الكلام الواقع منه كله جملة
واحدة لا يتم إلا بآخره، وقد روي أنه " كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) لا يأخذ بأول الكلام دون آخره " (7)،
وبأن عدم قبول ذلك يؤدي إلى انسداد باب الإقرار
المؤجل، بل إلى إنكار أصل الحق المؤجل، مخافة
الالتزام بالحلول إذا أقر به.
الثاني - التفصيل بين أصل الحق والأجل:
فصل الشيخ في الخلاف بين أصل الحق فيثبت
بالإقرار المؤجل وبين الأجل نفسه فلا يثبت (8).
ووافقه الإسكافي (9) وابن إدريس (10) وفخر
الدين (11)، وهو الظاهر من صاحب الجواهر (12).
الرجوع عن الإقرار:
لا أثر للرجوع عن الإقرار أو إنكاره،
والظاهر من كلمات الفقهاء المفروغية من ذلك في
مواطن متعددة.
قال الشهيد الأول: " ولو رجع المقر عن
إقراره لم يسمع سواء كان بعد رجوع المقر له أو قبله،
ويقبل الرجوع عما يوجب الرجم من الحدود " (1).
وكلامه مطلق يشمل الحدود وغيرها.
وقال المراغي: " ظاهر الأصحاب: أن ذكر
ما ينافي الإقرار بعد تحققه غير مسموع، ووجهه:
إطلاق الرواية (2) فإنه دال على النفوذ مطلقا، سواء
عقبه بما ينافيه - من إنكار وتأويل - أو لم يعقبه،
فيكون الضابط: أن كلما تحقق مفهوم الإقرار عرفا
فلا يسمع ما ينافيه... " (3).
وعبر صاحب الجواهر عن ذلك - أي
الرجوع - ب‍ " قاعدة عدم سماع الإنكار بعد
الإقرار " (4).
ولا فرق بين حقوق الله وحقوق الناس، نعم
استثني من حقوق الله الرجم، فإن أقر الإنسان بما
يستحق به الرجم ثم رجع عنه يقبل رجوعه
فلا يرجم.
قال الشيخ الطوسي: " من أقر على نفسه بحد

(1) الدروس 3: 125.
(2) المسالك 11: 25.
(3) مجمع الفائدة 9: 410.
(4) الكفاية 1: 231.
(5) الرياض 11: 419.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 197، كتاب
الإقرار، المسألة 933.
(7) الوسائل 27: 216، الباب 4 من أبواب آداب القاضي،
الحديث 3.
(8) الخلاف 3: 377 - 378.
(9) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 46.
(10) السرائر 2: 513.
(11) إيضاح الفوائد 2: 461 - 462.
(12) الجواهر 35: 28 - 29.
(1) الدروس 3: 131.
(2) أي: " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ".
(3) العناوين 2: 645، العنوان 81.
(4) انظر: الجواهر 35: 22، و 41: 292، وغيرهما.
377

ثم جحد لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم، فإنه إذا
أقر بما يجب عليه الرجم فيه ثم جحده قبل إقامته
خلي سبيله " (1).
وكأنه لا كلام فيه أيضا، لما روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " من أقر على نفسه بحد أقمته عليه
إلا الرجم، فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد
لم يرجم " (2).
وألحق بعضهم بذلك القتل حدا، احتياطا في
الدماء، ولبناء الحدود على التخفيف. وبناء على ذلك
يسقط الحد قتلا عمن أقر باللواط ثم رجع عنه.
وممن ألحقه بذلك: ابن حمزة (3)، والسيد
الطباطبائي (4)، وصاحب الجواهر (5)، والإمام الخميني (6).
واستثنى بعض آخر الرجوع عن الإقرار
بالسرقة أيضا، فقالوا بعدم إقامة الحد على
من رجع عن الإقرار بالسرقة مرتين وإن لم يرتفع
الضمان بذلك.
اختار هذا الرأي الشيخ (7)، وتبعه جماعة من
قبيل: أبي الصلاح (1)، والقاضي (2)، وابن زهرة (3)،
والعلامة في المختلف (4)، وفخر الدين (5)، والإمام
الخميني (6) على وجه الاحتياط.
التوبة بعد الإقرار:
إذا أقر شخص بما يوجب الرجم أو الحد ثم
تاب بعد ذلك، فهل يسقط عنه الحد أم لا؟
المشهور - كما قيل (7) - أن الإمام مخير بين

(1) النهاية: 703.
(2) الوسائل 28: 27، الباب 12 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 3.
(3) الوسيلة: 410.
(4) الرياض (الحجرية) 2: 463.
(5) الجواهر 41: 292.
(6) تحرير الوسيلة 2: 414، حد الزنا، القول فيما يثبت به،
المسألة 5.
(7) انظر: النهاية: 718، وقال فيه: " من أقر بالسرقة
مختارا، ثم رجع عن ذلك الزم السرقة وسقط عنه
القطع "، والخلاف 5: 444، المسألة 41، بل صرح في
موضع آخر من الخلاف - الصفحة 378، المسألة 17 -
بسقوط الحدود مطلقا بالإنكار بعد الإقرار فقال: " إذا
أقر بحد ثم رجع عنه سقط الحد ".
وله قولان آخران: الأول - وافق فيه المشهور، وهو
القول بعدم سقوط الحد، ذهب إليه في المبسوط 8: 40،
والآخر - القول بتخير الإمام بين العفو والإقامة، نسب
إليه ذلك ولم نتحققه. انظر الجواهر 41: 527.
(1) الكافي في الفقه: 412.
(2) المهذب 2: 544.
(3) الغنية: 434.
(4) المختلف 9: 211.
(5) إيضاح الفوائد 4: 539.
(6) تحرير الوسيلة 2: 440، كتاب الحدود، حد السرقة،
القول فيما يثبت به، المسألة: 4، وقال: " لو أقر مرتين ثم
أنكر فهل يقطع أو لا؟ الأحوط الثاني، والأرجح الأول ".
(7) انظر: الروضة البهية 9: 139، والمسالك 14: 350،
والجواهر 41: 293 - 294.
378

إقامة الحد عليه والعفو عنه. لكن خص ابن إدريس
ذلك بالإقرار بما يوجب الرجم، أما الحد فلا يجوز
العفو عنه، فقال: " ومن أقر على نفسه بحد ثم أنكر
ذلك لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم، فإنه إذا أقر بما
يوجب عليه الحد بالرجم ثم جحد ذلك قبل أن
يرجم خلي سبيله، ولا يكون الإمام هاهنا مخيرا في
تخلية سبيله بل يجب عليه ذلك، فأما إذا لم يجحد كان
الإمام بالخيار في إقامة الحد عليه أو تخليته على ما
يراه من المصلحة في الحال له وللأمة، بشرط إظهاره
التوبة بعد الإقرار عند الإمام، فأما إذا لم يتب
فلا يجوز للإمام تخليته ولا يكون مخيرا " (1).
وهل الحكم مختص بإمام الأصل - أي
المعصوم (عليه السلام) - أو يشمل نائبه أيضا؟
قال الفاضل الإصفهاني: " ثم الأصحاب
قصروا التخير على الإمام، فليس لغيره من
الحكام " (2).
وقال صاحب الجواهر: " ظاهر النص
والفتوى قصر الحكم على الإمام (عليه السلام)، وربما احتمل
ثبوته لغيره من الحكام، ولا ريب في أن الأحوط
الأول، لعدم لزوم العفو، لكن قد يقوى الإلحاق،
لظهور الأدلة في التخيير الحكمي الشامل للإمام (عليه السلام)
ونائبه الذي يقتضي نصبه إياه أن يكون له ما له " (3).
فإذا ثبتت الولاية العامة للفقيه - وهو الذي
أشار إليه بقوله: " أن يكون له ما له " - فيثبت له هذا
التخير أيضا، لعدم ما يدل على الاختصاص.
ويؤيد ذلك خلو أكثر عبارات الأصحاب
من تعيين الإمام بكونه إمام الأصل (1).
ما هو المراد من الحد؟
المراد من الحد الذي يسقط بالتوبة بعد
الإقرار هو الحد المترتب على حقوق الله الخالصة،
كالزنا واللواط والمساحقة والقيادة وشرب المسكر
والارتداد ونحوها.
أما الحد المترتب على حقوق الناس فلا يسقط
بالتوبة، كالقذف، فإنه لا يسقط إلا بتصديق
المقذوف، أو إقامة البينة على ما ادعاه من القذف،
أو عفو المقذوف أو اللعان (2).
وأما حد السرقة، ففيه أقوال:
الأول - سقوط الحد كما في غيره من الحدود.
صرح بهذا الرأي العلامة في المختلف (3)،

(1) السرائر 3: 455.
(2) كشف اللثام (الحجرية) 2: 395.
(3) الجواهر 41: 294، هذه العبارة كغيرها من هذا القبيل
مما يدل على التزامه بالولاية العامة للفقيه.
(1) انظر: النهاية: 705 و 714 و 718، والسرائر
3: 455، والشرائع 4: 152، والمختلف 9: 212،
والقواعد 3: 523 و 537، وغيرها.
نعم في الكافي: 409، والغنية: 434، وتحرير
الوسيلة 2: 440، المسألة 4، ما يظهر منه إرادة إمام
الأصل (عليه السلام).
(2) انظر الجواهر 41: 428.
(3) المختلف 9: 212.
379

واحتمله الأردبيلي كما احتمل الرأي الآتي (1).
الثاني - تخير الإمام بين إجراء الحد عليه
والعفو عنه.
اختاره الشيخ في النهاية (2)، وابن زهرة (3)،
وابن سعيد (4)، والسيد الخوئي (5)، ويستفاد من
إطلاق كلام الحلبي (6).
الثالث - عدم سقوط الحد عنه بوجه.
اختاره الشيخ (7)، وابن إدريس (8)، والمحقق
الحلي (9)، والعلامة في بعض كتبه (10)، والشهيد
الثاني (11)، والفاضل الإصفهاني (12)، والسيد
الطباطبائي (13)، وصاحب الجواهر (14)، والإمام
الخميني (15).
هذا وقد وقع الخلط في كلمات الفقهاء بين
الرجوع بعد الإقرار والتوبة بعده، كما هو واضح
لمن تأمل فيها.
مظان البحث:
أكثر أبحاث هذا الموضوع متمركزة في كتاب
الإقرار، ويتعرض الفقهاء لبعض أبحاثه بالمناسبة في
سائر أبواب الفقه، وأهمها الحدود والديات
والقصاص، وما يرتبط بالعقود والمواريث ونحوها.
قاعدة
" من ملك شيئا ملك الإقرار به "
قال الشيخ الأنصاري: " قد اشتهر في ألسنة
الفقهاء من زمان الشيخ (قدس سره) إلى زماننا قضية كلية
يذكرونها في مقام الاستدلال بها على ما يتفرع
عليها، كأنها بنفسها دليل معتبر أو مضمون
دليل معتبر، وهي: " أن من ملك شيئا ملك
الإقرار به " " (1).
مضمون القاعدة إجمالا:
المفهوم من القاعدة بصورة إجمالية هو: أن

(1) مجمع الفائدة 13: 272 - 273.
(2) النهاية: 718.
(3) الغنية: 434.
(4) الجامع للشرائع: 561.
(5) مباني تكملة المنهاج 1: 309.
(6) الكافي في الفقه: 412.
(7) المبسوط 8: 40.
(8) السرائر 3: 491.
(9) الشرائع 4: 177.
(10) إرشاد الأذهان 2: 184، والقواعد 3: 565.
(11) المسالك 14: 524.
(12) كشف اللثام (الحجرية) 2: 395.
(13) الرياض (الحجرية) 2: 492.
(14) الجواهر 41: 540 - 541.
(15) تحرير الوسيلة 2: 440، حد السرقة، القول فيما
يثبت به، المسألة 4.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 179، رسالة في
قاعدة من ملك.
380

كل من كانت له سلطنة على شئ - أي تصرف وفعل
من الأفعال - فله سلطنة على الإقرار بذلك الشئ.
مثاله: الوكيل الذي له سلطنة على التصرف
في حدود الوكالة، له سلطنة على الإقرار بتصرفاته
في حدودها أيضا. فإذا كان وكيلا في البيع والشراء
والإجارة فله سلطنة على الإقرار بهذه التصرفات.
وكذا الصبي إذا قلنا بجواز وصيته وهبته
بالمعروف فتكون له سلطنة على هذه التصرفات،
وبالتبع تكون له سلطنة على الإقرار بها، بخلاف مثل
البيع والشراء - بناء على عدم صحتهما منه - فلا يصح
إقراره فيهما، لعدم تسلطه عليهما.
معنى القاعدة تفصيلا:
يتوقف فهم القاعدة تفصيلا على فهم
مفرداتها:
1 - المراد من " السلطنة " هو الأعم من أن
تكون أصالة أو وكالة أو ولاية.
لأن المراد من السلطنة: إما أن يكون السلطنة
المطلقة بحيث تكون إذا وجدت لشخص لا يصح
لغيره مزاحمته فيها، فهذه مختصة بالمالك الأصلي
والولي الإجباري كالأب.
أو يكون المراد منها مجرد القدرة على
التصرف، وبهذا المعنى تشمل المالك، والولي
الإجباري، والوكيل، والولي الاختياري أيضا.
والمستفاد من كلمات الفقهاء وموارد
استعمالاتهم للقاعدة هو السلطنة العامة، أي السلطنة
بمعناها الثاني (1).
2 - والمراد من " السلطنة " هي السلطنة
الفعلية، كما صرح بذلك الشيخ الأنصاري حيث
قال: " المراد بملك الشئ السلطنة عليه فعلا،
فلا يشمل ملك الصغير لأمواله، لعدم السلطنة
الفعلية، نعم يملك بعض التصرفات المالية مثل
الوصية والوقف والصدقة، وهي داخلة في عموم
القضية، ولهذا أطبقوا على الاستناد إليها في صحة
إقرار الصغير بالأمور المذكورة " (2).
وبناء على هذا القيد إنما يصح إقرار الوكيل في
زمان وكالته، وهو الزمان الذي له سلطنة فعلية فيه،
أما بعد انقضائه أو عزله فلا سلطنة له في ذلك الزمان
فلا يصح إقراره فيه.
وإلى هذا المعنى يشير كلام آخر للشيخ
الأنصاري وهو قوله: " ثم الظاهر من القضية: وقوع
الإقرار بالشئ المملوك حين كونه مملوكا، وأن ملك
الإقرار بالشئ تابع لملك ذلك الشئ حدوثا وبقاء
على ما تقتضيه الجملة الشرطية الدالة عند التجرد
عن القرينة على كون العلة في الجزاء هو نفس
الشرط، لا حدوثه وإن زال " (3).
ثم استشهد بكلمات جملة من الفقهاء.
3 - والمراد من " ملك الإقرار " هو المعنى

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 184 و 187
و 190 - 191، رسالة في قاعدة من ملك.
(2) المصدر المتقدم: 184.
(3) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 185.
381

المناسب لملكية الشئ، أي السلطنة عليه، وبعبارة
أخرى: " يكون ملك الإقرار بالشئ على نحو
السلطنة على ذلك الشئ " (1):
فإن كانت السلطنة مطلقة، كما في سلطنة
المالك والولي الإجباري كالأب، حيث لا يصح
لغيره مزاحمته في سلطنته، فملكية إقراره أيضا
مطلقة، ومثاله:
أ - الأب بالنسبة إلى البنت الرشيدة، بناء على
ثبوت الولاية له عليها، فإنه إذا أقر بما يرتبط
بولايته عليها، فليس لها مزاحمته في ذلك الإقرار،
كما ليس لها مزاحمته في أصل الفعل.
ب - الأب بالنسبة إلى الطفل. فإذا قامت
البينة بعد بلوغ الطفل على أن الأب أقر بتصرف في
الطفل أو في ماله عند صغره، فليس للطفل مزاحمته
بعد بلوغه (2).
وإن كانت السلطنة غير مطلقة، بل بمعنى مجرد
وجود القدرة على التصرف، كما في الوكيل والولي
الاختياري ونحوهما، فيكون ملك الإقرار مناسبا
لهذا المعنى. ومثاله:
الوكيل، فإن الوكيل إذا أقر حال وكالته
بتصرف في مال الموكل، كان للموكل الحق
في مزاحمته في ذلك، كما كان له الحق في مزاحمته
في أصل التصرف.
4 - والمراد بالإقرار: إما معناه اللغوي،
وهو إثبات الشئ وجعله قارا، سواء أثبته على
نفسه أو على غيره.
وإما معناه الاصطلاحي المعروف عند
الفقهاء، وهو الإخبار بحق لازم على المخبر.
وعلى الثاني، تختص القاعدة بالإخبار الذي
يكون على النفس، فلا تشمل مثل إقرار الوكيل على
موكله، وإقرار الولي على المولى عليه.
قال الشيخ الأنصاري مشيرا إلى المعنى
الثاني: " وهذا المعنى وإن كان أوفق بظاهر الإقرار
في كلمات المتكلمين بالقضية المذكورة إلا أنه خلاف
صريح استنادهم إليها في موارد دعوى الوكيل
والولي والعبد المأذون على غيرهم، فلابد من إرادة
المعنى اللغوي " (1).
وبهذه النكتة يحصل الفرق بين هذه القاعدة
وقاعدة الإقرار كما سيأتي توضيح ذلك عن قريب.
حاصل القاعدة:
وحاصل القاعدة هو: أن من له سلطنة فعلية
على شئ - أي تصرف - كالوكيل فيما وكل فيه
والولي فيما ولي عليه، يجوز له الإقرار بما يرتبط
بحدود سلطنته وصلاحياته.
فللولي إذن الإقرار بما يرتبط بولايته
وتصرفاته بالنسبة إلى المولى عليه، فيقر بأنه باع
ملكه أو اشترى له دابة أو آجر داره، ونحو ذلك.
ومثله الوكيل، فيجوز له الإقرار بتصرفه في
حدود صلاحياته ووكالته.

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 191.
(2) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 191.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 185.
382

الفرق بين قاعدة من ملك وقاعدة الإقرار:
حاصل الفرق بين القاعدة المبحوث عنها،
وهي قاعدة من ملك، وقاعدة الإقرار أي قاعدة
" إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " هو:
أن مورد قاعدة " الإقرار " هو الإقرار على
النفس، أي إذا كان الإقرار بضرر الإنسان المقر فقط.
ومورد قاعدة " من ملك " هو الأعم،
أي سواء كان الإقرار بضرر المقر أو بضرر غيره.
إذن فالقاعدتان تتفقان فيما لو كان الإقرار
بضرر المقر كإقرار المالك على نفسه، فإنه تشمله
قاعدة الإقرار وقاعدة من ملك، فلذلك لم يكن هذا
المورد محلا للبحث والاستدلال، لأنه مستدل عليه
بقاعدة الإقرار، فلذلك قال الشيخ الأنصاري في
بدء رسالته: " والمقصود الأصلي الانتفاع بها في غير
مقام إقرار البالغ الكامل على نفسه، إذ يكفي في ذلك
المقام ما أجمع عليه نصا وفتوى: من نفوذ إقرار
العقلاء على أنفسهم " (1).
نعم يبحث ويستدل على الموارد التي
لا تشملها قاعدة الإقرار، بل تشملها قاعدة من
ملك فقط، مثل إقرار الوكيل والوصي والمأذون
شرعا كالصبي في وصيته وهبته، والمأذون من قبل
المالك كالعبد المأذون في التجارة.
مستند القاعدة:
ذكر الشيخ الأنصاري عدة أدلة على القاعدة،
لكنها لم تسلم من مناقشته، نذكرها فيما يلي:
1 - الإجماع:
قال: " وربما يدعى الإجماع على القضية
المذكورة بمعنى أن استدلال الأصحاب بها يكشف
عن وجود دليل معتبر لو عثرنا به لم نعدل عنه،
وإن لم يكشف عن الحكم الواقعي " (1).
لكنه ناقش هذا الإجماع فقال: " وهذه
الدعوى إنما تصح مع عدم ظهور خلاف أو تردد
منهم فيها، لكنا نرى من أساطينهم في بعض
المقامات عدم الالتزام بها أو التردد فيها، فهذا
العلامة في التذكرة رجح تقديم قول الموكل عند
دعوى الوكيل - قبل العزل - التصرف، وتردد في
ذلك في التحرير وتبع المحقق في تقديم دعواه نقصان
الثمن عما يدعيه الوكيل " (2).
ثم أخذ يذكر الموارد المشابهة التي أفتى فيها
الفقهاء بخلاف مفاد القاعدة إلى أن قال:
" هذا ولكن الإنصاف: أن القضية المذكورة
في الجملة إجماعية، بمعنى أنه ما من أحد
من الأصحاب ممن وصل إلينا كلامهم إلا وقد
عمل بهذه القضية في بعض الموارد، بحيث نعلم
أن لا مستند له سواها، فإن من ذكرنا خلافهم إنما
خالفوا في بعض موارد القضية وعملوا بها في
مورد آخر... " (3).
ثم ذكر الموارد التي تمسكوا فيها بالقاعدة،

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 179.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 192.
(2) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 192.
(3) المصدر المتقدم: 194.
383

إلى أن قال:
" وكيف كان فلم نجد فقيها أسقط [ها] عن
استقلال التمسك، لكن الإجماع على الاستناد إلي‍ [- ها]
في الجملة إنما ينفع لو علمنا أن إهمالهم [لها] في
[بعض] الموارد من حيث وجود المعارض، أما إذا
ظهر أو احتمل كون الإهمال من جهة تفسير القضية
بما لا يشمل تلك الموارد أو اختلفوا في التفسير على
وجه لا يكون مورد متفق عليه يتمسك فيه بهذه
القضية، لم ينفع الاتفاق المذكور... " (1).
إلى أن قال:
" هذا غاية التوجيه لتصحيح دعوى الإجماع
في المسألة، ولا يخلو بعد عن الشبهة، فاللازم تتبع
مدرك آخر لها " (2).
وممن نقل عدم الخلاف في المسألة صاحب
الجواهر حيث قال في مسألة إقرار الصبي بما له أن
يفعله - كالوصية -: "... لقاعدة: " من ملك شيئا
ملك الإقرار به " التي طفحت بها عباراتهم،
بل صريح بعضهم أنه لا خلاف فيها عندهم، وأنه
لا ينبغي أن يقع " (3).
لكنه استشكل مع ذلك في شمولها لمسألة إقرار
الصبي بالوصية.
وقال السيد العاملي: " وهي قاعدة مسلمة
لا كلام فيها وقد طفحت بها عباراتهم " (1).
2 - دليل الائتمان:
وحاصل هذا الدليل: أن الشارع إذا ائتمن
شخصا على فعل كالولي بالنسبة إلى تصرفاته
في أموال الصغير، أو ائتمنه المالك على فعل
كالوكيل، فظاهره أن قوله مقبول في الإخبار عن
أنحاء تصرفه.
لكن لم يرتض الشيخ هذا الدليل أيضا
فناقشه، لأنه لا يشمل مثل إقرار الصبي، لعدم ائتمان
الشارع إياه، وقال في نهاية كلامه على هذا الدليل:
" والحاصل: أن بين هذه القاعدة وقاعدة الائتمان
عموما من وجه " (2).
3 - استظهار صحة فعل المقر:
قال الشيخ: " يمكن أن يكون الوجه في
القضية المذكورة ظهورا اعتبره الشارع، وبيانه: أن
من يملك إحداث تصرف فهو غير متهم في الإخبار
عنه حين القدرة عليه، والظاهر صدقه ووقوع المقر
به وإن هذا الظهور متفاوت الأفراد قوة وضعفا " (3).
ثم أخذ يؤيد هذا الاستظهار إلى أن قال:
" هذا ولكن الظهور المذكور لا حجية فيه
بنفسه حتى يقدم على مقابله من الأصول والقواعد

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 195.
(2) المصدر المتقدم: 197.
(3) الجواهر 35: 104، وانظر القواعد الفقهية
(للبجنوردي) 1: 9.
(1) مفتاح الكرامة 9: 225.
(2) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 197 - 198.
(3) المصدر المتقدم: 199.
384

المقررة، بل يحتاج إلى دليل عليه أو استنباطه من
أدلة بعض القواعد الاخر " (1).
4 - السيرة:
قال الشيخ الأنصاري بعد الكلام عن
الإجماع كما قدمناه: " ويؤيده استقرار السيرة على
معاملة الأولياء، بل مطلق الوكلاء معاملة الأصيل
في إقرارهم كتصرفاتهم " (2).
تطبيقات القاعدة:
قلنا: إن القاعدة استدل بها الفقهاء من لدن
زمن الشيخ الطوسي إلى العصر الحاضر، وفيما يلي
نذكر بعض تطبيقاتها:
1 - قال الشيخ الطوسي في مسألة العبد
المأذون بالتجارة إذا أقر بما يوجب مالا، وأنه
إذا كان ذلك خارجا عن حدود المأذون فيه
- وهو التجارة - لا يقبل منه: " وإن كان يتعلق
بالتجارة مثل ثمن المبيع وأرش المعيب وما أشبه
ذلك، فإنه يقبل إقراره، لأن من ملك شيئا
ملك الإقرار به... " (3).
2 - ونقل ابن إدريس (4) ذلك عن الشيخ
الطوسي ولم يعلق عليه، مع أن دأبه - كما قال الشيخ
الأنصاري (1) - عدم المسامحة فيما ينقله عن الشيخ
ولا يرتضيه، كما يظهر لمن راجع كتابه السرائر،
وكأنه وضعه لذلك.
وقال الشيخ الطوسي أيضا بالنسبة إلى إقرار
المسلم بأنه آمن مشركا حربيا: " وإن أقر مسلم بأنه
آمن مشركا قبل منه، وأما بعد الأسر
فلا يصح... " (2).
3 - وقال المحقق الحلي بالنسبة إلى العبد
المأذون في التجارة: " ولو كان مأذونا في التجارة
فأقر بما يتعلق بها، قبل، لأنه يملك التصرف
فيملك الإقرار " (3).
4 - وقال أيضا بالنسبة إلى تصرف الوكيل:
" إذا ادعى الوكيل التصرف وأنكر الموكل، مثل أن
يقول: بعت أو قبضت، قيل: القول قول الوكيل،
لأنه أقر بما له أن يفعله، ولو قيل: القول قول الموكل
أمكن، لكن الأول أشبه " (4).
5 - وقال أيضا: " إذا أقر المسلم أنه أذم
لمشرك، فإن كان في وقت يصح منه إنشاء
الأمان قبل " (5).
6 - وقال العلامة: " ولو أقر المسلم بأمان
المشرك، فإن كان في وقت يصح منه إنشاء الأمان،

(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 200.
(2) المصدر المتقدم: 197.
(3) المبسوط 3: 19.
(4) السرائر 2: 57 - 58.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 180.
(2) المبسوط 2: 15.
(3) الشرائع 3: 152.
(4) الشرائع 2: 205.
(5) الشرائع 1: 315.
385

صح إقراره وقبل منه إجماعا... " (1).
7 - وقال بالنسبة إلى مسألة اختلاف الوكيل
والموكل: "... كأن يقول: تصرفت كما أذنت، في بيع
أو عتق، فيقول الموكل: لم تتصرف بعد، فالأقرب
تقديم قول الوكيل، لأنه أمين وقادر على الإنشاء،
والتصرف إليه، ويحتمل تقديم قول الموكل، للأصل
الدال على عدم إلزام الموكل بإقرار غيره " (2).
8 - وقال فخر الدين: " إقرار السيد
على العبد بحد أو غيره من العقوبات كالتعزير
وضرب اليد في الاستمناء باليد، لا ينفذ على العبد
إذا لم يقر العبد، لأنه إقرار بما يتعلق ببدنه
أو بما يؤلمه، وهو لا يملك منه ذلك، وهذه المسألة
إجماعية بيننا " (3).
9 - وقال بالنسبة إلى اختلاف الوكيل
والموكل في قبض الدين من الغريم معلقا على كلام
والده العلامة: " ولو أقر (4) بقبض الدين من الغريم
قدم قول الموكل على إشكال ": " ينشأ (5): من أنه
ملك شيئا فملك الإقرار به، ومن حيث إنه إقرار في
حق الغير، والأصح الأول... " (6).
وقد أكثر من استخدام هذه القاعدة على ما
قال الشيخ الأنصاري (1).
10 - وقال المحقق الثاني معلقا على كلام العلامة
بالنسبة إلى وصية الصبي: " ولو جوزنا وصيته في
المعروف جوزنا إقراره بها "، " لأن كل من ملك
شيئا ملك الإقرار به، وقد سبق أنا لا نجوز ذلك " (2).
والظاهر من كلامه أنه ينفي أصل صحة وصية
الصبي، كما يدل عليه مراجعة كلامه في الوصية،
لا القاعدة المتقدمة (3).
11 - وقال الشهيد الثاني - بعد نقل كلام
المحقق الحلي في اختلاف الوكيل والموكل الذي تقدم
آنفا حيث قال فيه: إن الأشبه تقديم قول الوكيل -:
" وجه الأشبه: أنه أمين وقادر على الإنشاء،
والتصرف إليه، ومرجع الاختلاف إلى فعله،
وهو أعلم به... " (4).
12 - وقال صاحب الجواهر مازجا كلامه
بكلام المحقق الحلي، المتقدم آنفا: "... قيل - والقائل
غير واحد -: إن القول قول الوكيل، لأنه أقر بما له أن
يفعله، فيندرج تحت الأصل المعروف الذي هو: " من
ملك شيئا ملك الإقرار به "، وعليه بنوا نفوذ إقرار
الصبي فيما له أن يفعله كالوصية والعتق والتصدق... " (5).

(1) التذكرة 9: 96.
(2) القواعد 2: 370.
(3) إيضاح الفوائد 2: 431.
(4) أي الوكيل.
(5) أي ينشأ الإشكال.
(6) إيضاح الفوائد 2: 362.
(1) رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري): 195.
(2) جامع المقاصد 9: 201.
(3) تقدم توضيح ذلك عند البحث عن شروط المقر له في
عنوان " إقرار ". وراجع جامع المقاصد 10: 34.
(4) المسالك 5: 299.
(5) الجواهر 27: 434.
386

13 - وقال - مازجا كلامه بكلام المحقق -:
" ولو أقر المسلم أنه أذم لمشرك، فإن كان في وقت
يصح منه إنشاء الأمان، قبل إجماعا، كما في المنتهى،
لقاعدة: " من ملك شيئا ملك الإقرار به "، وإلا فلا،
بأن كان إقراره بعد الأسر لم يصح " (1).
14 - وقال السيد العاملي معلقا على قول
العلامة: " وكل من ملك شيئا ملك الإقرار به ":
"... فإنها مسلمة مطردة، فمن جوز وصية الصبي
بالمعروف جوز إقراره بها، لأنه لما ملك الوصية
ملك الإقرار بها " (2).
إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي يمكن
العثور عليها في كلمات الفقهاء المتقدمين والمتأخرين.
مظان البحث:
يستفاد من تطبيقات القاعدة مظان البحث
عن القاعدة نفسها، وقد تعرض لها المؤلفون في
القواعد الفقهية، وكتب الشيخ الأنصاري رسالة
مستقلة بشأنها استوفى البحث فيها أكثر من غيره،
بل عولوا عليها في كتاباتهم، كما عولنا نحن عليها أيضا.
إقراض
راجع: قرض.
إقراع
راجع: قرعة.
أقصى
لغة:
بمعنى أبعد، من قصا المكان، أي بعد،
وأقصاه: أبعده (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، واستعمله الفقهاء في
تعيين مدة الحمل، فقالوا: أقصى مدة الحمل كذا...
واختلفوا في مقداره، كما سيأتي توضيحه.
ويقابله: أقل مدة الحمل.
الأحكام:
اشترط الفقهاء في صحة إلحاق ولد الزوجة
الدائمة بالزوج شروطا ثلاثة:
1 - الدخول بالزوجة التي تولد منها الولد.
2 - مضي أقل مدة الحمل.
3 - عدم تجاوز أقصى مدة الحمل.

(1) الجواهر 21: 101.
(2) مفتاح الكرامة 9: 226، وانظر الصفحة 225.
(1) انظر: الصحاح، والقاموس المحيط: " قصا ".
387

ثم إنهم اتفقوا - كما قيل (1) - في أن أقل مدة
الحمل هي ستة أشهر، قال الشهيد الثاني: " أجمع
علماء الإسلام على أن أقل المدة التي يمكن فيها تولد
الإنسان حيا كاملا ونشوه من حين الوطء إلى حين
الولادة ستة أشهر.
ويدل عليه - مع الإجماع - قوله تعالى:
* (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (2)، مع قوله تعالى:
* (وفصاله في عامين) * (3) فتركب من الأمرين أن
حمله يكون ستة أشهر، لأنها الباقية من الثلاثين
شهرا عن العامين... " (4).
وأما أقصى مدة الحمل، فقد اختلفوا فيها، قال
الشهيد الثاني أيضا: " واختلفوا في أقصى مدته، فأطبق
أصحابنا على أنها لا تزيد عن سنة، ثم اختلفوا:
فالمشهور بينهم أنه تسعة أشهر، ذهب إليه الشيخان في
النهاية والمقنعة، وابن الجنيد، وسلار، وابن البراج،
والمرتضى في أحد قوليه، وجماعة آخرون... " (5).
ثم استدل على هذا القول بأدلة وناقشها،
ثم ذكر قولين آخرين، وهما:
1 - إن أقصى الحمل عشرة أشهر، ونسبه إلى
الشيخ الطوسي في موضع من المبسوط (1)، ثم ذكر:
أن المحقق الحلي استحسنه في الشرائع (2)، ومثله
العلامة في أكثر كتبه (3).
2 - إنه سنة كاملة، نسبه إلى السيد المرتضى
مدعيا عليه الإجماع (4)، وذكر: أنه وافقه عليه
أبو الصلاح (5) ومال إليه العلامة في المختلف (6).
ثم قال: " وهذا القول أقرب إلى الصواب " (7).
وارتضاه سبطه السيد العاملي (8).
وممن ارتضى هذا القول: يحيى بن سعيد (9)،

(1) انظر: المسالك 8: 373، وقد ادعى فيه إجماع علماء
الإسلام على ذلك، ونهاية المرام 1: 433، والجواهر
31: 224.
(2) الأحقاف: 15.
(3) لقمان: 14.
(4) المسالك 8: 373، وانظر: التذكرة (الحجرية)
2: 619، ونهاية المرام 1: 433.
(5) المسالك 8: 373 - 374، وانظر: النهاية: 505،
والمقنعة: 539، والمراسم: 155، والمهذب 2: 341،
ورسائل السيد المرتضى 1: 192، رسالة الموصليات
الثانية، وانظر لرأي ابن الجنيد المختلف 7: 316،
ولرأي الآخرين: السرائر 2: 648، وكشف اللثام
7: 533، والجواهر 30: 224.
(1) لم نعثر عليه في المبسوط، ونسبه إليه المقداد السيوري
في التنقيح 3: 263.
(2) الشرائع 2: 340.
(3) انظر: إرشاد الأذهان 2: 38، والقواعد (الحجرية)
2: 49، والتحرير (الحجرية) 2: 44، وتبصرة
المتعلمين: 143.
(4) الانتصار: 354.
(5) الكافي في الفقه: 314.
(6) المختلف 7: 316.
(7) المسالك 8: 376.
(8) نهاية المرام 1: 433.
(9) الجامع للشرائع: 461.
388

والسادة: الحكيم (1)، والخوئي (2)، والخميني (3).
مظان البحث:
كتاب النكاح: أحكام الأولاد.
أقط
لغة:
لبن مجفف يابس مستحجر.
تقرأ بسكون القاف مع فتح الهمزة، أو ضمها،
أو كسرها، أو كسر القاف مع فتح الهمزة (4).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
1 - تقدم في عنوان " أعرابي ": أن فطرة
الأعراب وسكان البوادي بصورة عامة هي من
الأقط، لأن قوت أغلبهم من اللبن ومشتقاته، ومنها
الأقط. صرح بذلك الفقهاء، ووردت به النصوص.
راجع: أعرابي، زكاة.
2 - وسوف يأتي في عنوان " ربا " أن الأقط
من الأجناس الربوية فلا يجوز بيع بعضه ببعض مع
التفاضل (1).
إقطاع
لغة:
مصدر أقطع، بمعنى أذن في القطع، يقال:
أقطعه إياه، أي أذن له في قطعه. والقطع: إبانة بعض
أجزاء الجرم من بعض فصلا (2).
اصطلاحا:
استعمل في السنة وكلمات الفقهاء في عدة
موارد، منها:
1 - ما جاء في كيفية القضاء: أنه روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): "... ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض،
وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له
من حق أخيه بشئ فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة

(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 298، كتاب
النكاح، الفصل التاسع: أحكام الأولاد.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 282، كتاب
النكاح، الفصل التاسع: أحكام الأولاد.
(3) تحرير الوسيلة 2: 275، كتاب النكاح، فصل في
أحكام الأولاد، المسألة الأولى.
(4) انظر: الصحاح، ولسان العرب: " أقط ".
(1) انظر الجواهر 23: 357.
(2) لسان العرب: " قطع "، وأكثر كتب اللغة أوردت المعنى
الاصطلاحي للإقطاع، وهذا من موارد الخلط بين المعنى
اللغوي والاصطلاحي في كتب اللغة، كما أشرنا إليه مرارا.
389

من النار " (1).
ومعنى الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مأمور بالقضاء
بين الناس بالظواهر وطبقا للبينات والأيمان، لا بما
يعلمه واقعا. فإذا حكم النبي (صلى الله عليه وآله) لشخص طبقا
للظواهر، وكان الواقع خلافه، فإن ما يأخذه المحكوم
له بمنزلة قطعة من النار أقطعها النبي (صلى الله عليه وآله) إياه، فلا يأخذنه.
ولذلك قالوا: لو قضى الحاكم الشرعي طبقا
للموازين الظاهرية وكان مخالفا للواقع وعلم به
المقضي له، فلا يجوز له العمل طبقه (2).
2 - ما جاء في كتاب إحياء الموات،
والمشتركات: من أنه إذا أقطع النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)
شخصا قطعة من الموات صار أحق بها من غيره.
قال الشيخ الطوسي: " القطايع جمع قطيعة،
والقطيعة القطعة من الأرض المقطوعة، فعيل بمعنى
مفعول " (3).
3 - ما ذكروه في الخراج: من أنه هل يصح
إقطاع الأرض الخراجية لأحد مقابل عمل يؤديه
أم لا؟
ومورد البحث هو القسمان الأخيران.
الأحكام:
ونبدأ الكلام بالإقطاع في كتاب إحياء
الموات، فنقول:
إن الإقطاع المذكور في كتاب إحياء الموات
على نحوين:
- إقطاع تمليك.
- إقطاع إرفاق.
ولكل منهما حكمه:
أولا - إقطاع التمليك:
وهو الإقطاع الذي ينتهي إلى تمليك المقطع
للمقطع له.
وفيما يأتي نتكلم عما يصح فيه هذا الإقطاع
وما لا يصح:
1 - إقطاع الموات:
صرح الفقهاء بأنه يجوز للإمام أن يقطع
شخصا مقدارا من الأراضي الموات، لأنها ملك له.
قال الشيخ الطوسي: " إذا أقطع السلطان
رجلا من الرعية قطعة من الموات صار أحق به من
غيره بإقطاع السلطان إياه بلا خلاف " (1).
وهكذا قال غيره من الفقهاء (2).
وذكروا: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أقطع عبد الله بن مسعود
الدور (3). وقيل: معناه أنه (صلى الله عليه وآله) أقطعه قطعة من

(1) الوسائل 27: 233، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم،
الحديث 3.
(2) الجواهر 41: 179.
(3) المبسوط 3: 276.
(1) المبسوط 3: 273.
(2) انظر مثلا: الشرائع 3: 274، والتذكرة (الحجرية)
2: 411، والمسالك 12: 418، والجواهر 38: 54 -
55، ومفتاح الكرامة 7: 28 وغيرها.
(3) انظر: تلخيص الحبير 3: 63، الحديث 1299، ونيل
الأوطار 5: 313.
390

الأرض ليتخذها دورا.
وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت (1).
وأقطع الزبير حضر فرسه - أي مقدار عدوه -
وقيل: إن الزبير أجرى فرسه حتى قام الفرس،
فرمى بسوطه طلبا للزيادة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أعطوه
من حيث بلغ السوط (2).
وأقطع بلال بن الحارث، العقيق (3).
وظاهر كلمات الفقهاء اختصاص هذا
الإقطاع بالأرض الموات بل صرح بعضهم بذلك،
قال صاحب الجواهر: " إن مورد الإقطاع الموات
باعتبار كونه كالتحجير " (4).
وللفقهاء الآخرين عبارات مشابهة.
2 - إقطاع المعادن:
المعادن على قسمين: ظاهرة وباطنة.
أما الباطنة، فهي التي لا يتوصل إليها
إلا بالعمل، كحفر ونحوه، مثل الذهب والفضة
والنحاس والرصاص ونحوها.
فالمعروف بين الفقهاء جواز إقطاع هذه
المعادن التي لا يمكن التوصل إليها إلا بإحيائها (1).
وأما الظاهرة، وهي التي لا يحتاج التوصل
إليها لإحيائها بالعمل، كالملح، فقد اختلفوا في جواز
إقطاعها. والمعروف عدم جوازه (2).
وهناك أقوال أخرى يتوقف بيانها على بيان
أن المعادن من المباحات العامة التي يشترك فيها
الناس أو من الأنفال أو الموات التي يختص بها
الإمام (عليه السلام)، وأقوال الفقهاء غير واضحة في هذا
المجال، وسوف نتعرض لها في عنوان " معدن " إن
شاء الله تعالى.
ثانيا - إقطاع الإرفاق:
قال العلامة في التذكرة: " الإقطاع قسمان:
إقطاع الموات للتمليك، وقد سبق. والثاني إقطاع
الإرفاق، وهو: أن يقطعه موضعا يجلس فيه من
الطريق الواسعة ورحاب الجوامع ومقاعد
الأسواق... " (3).

(1) انظر: سنن أبي داود 3: 173، الحديث 3058، وسنن
الترمذي 3: 665، الحديث 1381، وتلخيص الحبير
3: 64، الحديث 1300.
(2) انظر: سنن أبي داود 3: 177 - 178، الحديث 3072،
وتلخيص الحبير 3: 64، الحديث 1301.
(3) سنن البيهقي 6: 149.
(4) الجواهر 38: 102.
(1) انظر: المبسوط 3: 277، والشرائع 3: 278،
والتذكرة (الحجرية) 2: 404، والدروس 3: 67،
والمسالك 12: 443، وجامع المقاصد 7: 48.
والرياض 2: 318، والجواهر 38: 110.
(2) انظر: المبسوط 3: 274، والقواعد 2: 271،
والدروس 3: 67، وجامع المقاصد 7: 43، والمسالك
12: 438، والروضة البهية 7: 189، والجواهر
38: 102.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 411.
391

وقال الشيخ الطوسي بالنسبة إلى حكم
هذا النوع من الإقطاع: " ويقوى في نفسي: أنه ليس
له ذلك، لأن الناس في ذلك شرع سواء، ولا دليل
على جوازه " (1).
وقال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق: " ليس للسلطان فضلا عن غيره أن
يقطع ذلك أو بعضه، كما لا يجوز إحياؤه ولا تحجيره،
بلا خلاف أجده فيه، عدا ما تسمعه من التذكرة،
وذلك لأن مورد الثلاثة الموات، لا ما تعلق به
حق المسلمين " (2).
ومقصوده من الثلاثة: الإقطاع، والإحياء،
والتحجير.
وأما الذي قاله العلامة في التذكرة فهو قوله
في إدامة كلامه المتقدم: " ويجوز ذلك إذا
لم يضر بالمارة والمصلين، لأن ذلك لمرافق
المسلمين، والجالس يرتفق بذلك ببيع وشراء
وغير ذلك " (3).
آثار الإقطاع:
يترتب على الإقطاع الصحيح: ثبوت حق
الاختصاص للمقطع، قال الشيخ الطوسي:
" إذا أقطع السلطان رجلا من الرعية قطعة
من الموات، صار أحق [بها] من غيره بإقطاع
السلطان إياه بلا خلاف " (1).
وقال العلامة: " ويفيد الإقطاع التخصيص
والأحقية كالتحجير، ويمنع الغير من المزاحمة له،
ولا يصح رفع هذا الاختصاص بالإحياء " (2).
وعد الإقطاع في القواعد من أسباب
الاختصاص (3).
وقال صاحب الجواهر مازجا كلامه بكلام
المحقق: " فلا ريب، بل لا خلاف في أنه يفيد
اختصاصا مانعا من المزاحمة، فلا يصح رفع هذا
الاختصاص بالإحياء " (4).
وهكذا قال غيرهم.
وإذا أفاد الإقطاع اختصاصا، فلم يجز لغير
المقطع أن يزاحمه في ذلك بأي نحو من الأنحاء.
إلزام المقطع بالإحياء:
إذا أهمل المقطع الإحياء، فهل يلزم بالإحياء
أم لا؟ وإذا ترك الإحياء بعد الإلزام فهل تؤخذ منه
الأرض أو المعدن أو لا؟
لم يتعرض لهذا الجانب إلا بعض الفقهاء،
ولعله إحالة له على التحجير، حيث صرحوا هناك
بلزوم الإحياء، فإن ترك الإحياء بعد الإنذار
فتؤخذ منه الأرض.

(1) المبسوط 3: 276.
(2) الجواهر 38: 86.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 411.
(1) المبسوط 3: 273.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 411.
(3) القواعد: 2: 269.
(4) الجواهر 38: 55.
392

وممن صرح بهذا الموضوع الشيخ الطوسي في
المبسوط، حيث قال بعد أن ذكر حكم الإقطاع
والتحجير وأن الإقطاع بمنزلة التحجير: " فإن أخر
الإحياء، فقال له السلطان: إما أن تحييها، أو تخلي
بينه وبين غيرك حتى يحييها، فإن ذكر عذرا في
التأخير... واستأجل في ذلك، أجله السلطان في
ذلك، وإن لم يكن له عذر في ذلك وخيره السلطان
بين الأمرين فلم يفعل، أخرجها من يده.... " (1).
وبهذا المضمون قال ابن البراج (2) وابن سعيد (3).
وقال السيد العاملي: " ثم إن قام بعمارته
وإلا فكما سبق في التحجير " (4).
هل يختص الإقطاع بإمام الأصل أم لا؟
ظاهر بعض العبارات التي وردت فيها عبارة
" إمام الأصل " مثل عبارة الشرائع (5) ونحوه أن ذلك
مختص بالإمام المعصوم (عليه السلام)، وظاهر العبارات
الأخرى التي ورد فيها التعبير ب‍ " السلطان " (6)
أو " الإمام " (7)، أن الإقطاع لا يختص بالإمام
المعصوم (عليه السلام) بل إنما هو لمن بيده السلطة، وربما جمع
بعضهم بين هذه التعابير.
تنبيه:
هذا الموضوع على أهميته بحاجة إلى دراسة
جذرية على أساس اعتقاد الإمامية في الإمامة
والنيابة، لأن أكثر ما تقدم إنما ذكره فقهاؤنا وخاصة
الشيخ الطوسي والعلامة (قدس سرهما) جريا على ما هو
الموجود في كتب سائر الفرق الإسلامية وإن كان لما
ذكروه تخريجات فقهية على مذهب الإمامية، لكن
الموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة، ولعل المباني
تتغير عندئذ، وقد ألمح إلى هذا الموضوع بعض
الفقهاء ونخص منهم بالذكر صاحب الجواهر (قدس سره) (1).
إقطاع الأراضي الخراجية:
الأراضي الخراجية هي الأراضي المعمورة
التي فتحت عنوة، أي بالسيف. وهذه الأراضي إنما
هي ملك للمسلمين تصرف عوائدها في مصالحهم
العامة، فلا تخرج هذه الأراضي عن الملكية العامة
للمسلمين ولا تدخل في ملكية الأفراد.
وبناء على ذلك يكون المراد من إقطاع هذه
الأراضي تخصيص عوائدها لشخص معين.

(1) المبسوط 3: 273.
(2) المهذب 2: 32.
(3) الجامع للشرائع: 375.
(4) مفتاح الكرامة 7: 29.
(5) الشرائع 3: 274.
(6) المبسوط 3: 274، والدروس 3: 67.
(7) القواعد 2: 269 و 271 و 272.
(1) الجواهر 38: 103، وانظر المسالك 12: 438، حيث
حاول تخريج وجه لجواز إقطاع المعادن الظاهرة التي
تقدم أن المعروف عدم صحة الإقطاع فيها، فقال:
" ووجه الجواز: عموم ولايته وتصرفه وإناطة
المصلحة برأيه... ".
393

وهذا النوع من الإقطاع إن صدر ممن له
الأهلية كالإمام (عليه السلام)، فلا كلام فيه. وأما إذا صدر
ممن لا أهلية له شرعا من المتسلطين، ففي صحته
قولان: الجواز وعدمه. وقل من تعرض للمسألة.
فممن قال بالجواز الشهيد الثاني، وممن قال بعدمه
السيد الخوئي.
قال الشهيد الثاني: " ولو أقطع الجائر أرضا
مما تقسم أو تخرج، أو عاوض عليها، فهو تسليط
منه عليهما، فيجوز للمقطع أو المعاوض أخذهما من
الزارع والمالك " (1).
وقال السيد الخوئي: " هل يجوز للجائر
إقطاع شخص خاص شيئا من الأراضي الخراجية
وتخصيصها به أم لا؟ الظاهر هو الثاني، لدلالة
الأخبار الكثيرة على أن الأراضي الخراجية
للمسلمين، فلا يجوز لأحد التصرف عنهم
إلا الإمام (عليه السلام) أو من كان مأذونا من قبله " (2).
راجع تفصيله في عنوان " خراج ".
مظان البحث:
1 - كتاب إحياء الموات، للبحث عن إقطاع
الأراضي والمعادن.
2 - كتاب المتاجر، للبحث عن حل أخذ
الخراج من السلطان الجائر.
أقطع
لغة:
يطلق على مقطوع اليد (1).
اصطلاحا:
يطلق على مقطوع اليد وعلى مقطوع الرجل
أيضا (2).
الأحكام:
تترتب على الأقطع أحكام نذكرها أجمالا:
وضوء الأقطع:
1 - وضوء مقطوع اليد:
لمقطوع اليد عدة حالات:
أ - أن تقطع يده مما دون المرفق:
فيجب في هذه الصورة غسل ما بقي من اليد
إلى المرفق، وقد ادعي عليه الإجماع مستفيضا (3)،
لبقاء محل الغسل.

(1) المسالك 3: 143.
(2) مصباح الفقاهة 1: 539، وانظر المكاسب (للشيخ
الأنصاري) 2: 236.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والقاموس
المحيط، وغيرها: " قطع ".
(2) كما سيتضح من الأحكام المذكورة فيما بعد.
(3) انظر: المنتهى 2: 36، والمدارك 1: 205، وكشف
اللثام 1: 535، وفيه: " اتفاقا ".
394

ب - أن تقطع يده مما فوق المرفق:
وفي هذه الصورة يسقط عنه فرض غسل
اليد. وقد ادعي عدم الخلاف فيه (1)، بل ادعي عليه
الإجماع مستفيضا (2).
قال السيد العاملي: " ولا أجد فيه خلافا إلا
ما نقله في البيان (3) عن المفيد، وهو الظاهر من عبارة
الكاتب على ما نقل: " وإذا كان أقطع من مرفقه
غسل ما بقي من عضده " (4)، ومال إليه الأستاذ في
حاشيته (5) " (6).
نعم، صرح جملة من الفقهاء باستحباب غسل
العضد حينئذ (7).
ج - أن تقطع من وسط المرفق:
بمعنى أن يفصل الساعد عن العضد، فهنا
وقع الخلاف في غسل رأس العضد من جهة أن
ابتداء الغسل هو مجموع رأس العظمين أو خصوص
رأس عظم الساعد، وإنما يغسل رأس العضد
من باب المقدمة.
فعلى الأول يجب غسل رأس العضد، وعلى
الثاني لا يجب (1).
لو احتاج الأقطع إلى من يوضئه:
قال العلامة في القواعد: " لو افتقر الأقطع إلى
من يوضئه بأجرة وجبت مع المكنة وإن زادت عن
أجرة المثل، وإلا سقطت أداء وقضاء " (2).
وقال في المنتهى: " إذا كان أقطع اليدين
فوجد من يوضئه متبرعا، لزمه ذلك لتمكنه، وإن لم
يجد إلا بأجرة يقدر عليها، فهل يجب ذلك أم لا؟
الوجه الوجوب للتمكن أيضا... ولو عجز عن
الأجرة أو لم يجد من يستأجره، صلى على حسب
حاله، كفاقد الماء والتراب، وفي وجوب إعادة
الصلاة إشكال " (3).
وتبعه في أصل وجوب دفع الأجرة جماعة
من الفقهاء (4)، لكن احتمل بعضهم عدم وجوب
الدفع لو زاد على أجرة المثل.
ولو لم يتمكن من ذلك ولا من التيمم
ولو بواسطة الغير يصير بحكم فاقد الطهورين
ويلحقه حكمه، وهو سقوط الصلاة أداء وقضاء

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 245.
(2) انظر: المنتهى 2: 37، وكشف اللثام 1: 535.
(3) البيان: 46.
(4) المقصود من " الكاتب " هو ابن الجنيد، ونقله عنه
العلامة في المختلف 1: 287.
(5) الحاشية على المدارك (للوحيد البهبهاني) 1: 263،
وجاء فيها: " وبالجملة لا تأمل في أن الاحتياط غسله،
بل يشكل الاكتفاء بغير غسله ".
(6) مفتاح الكرامة 1: 245.
(7) انظر: المنتهى 2: 37، والبيان: 46، والذكرى
2: 134، والمدارك 1: 206.
(1) انظر المدارك 1: 206.
(2) القواعد 1: 202.
(3) المنتهى 2: 38.
(4) انظر: الذكرى 2: 135، وجامع المقاصد 1: 217،
وكشف اللثام 1: 536.
395

أو أداء فقط أو...
2 - وضوء مقطوع الرجل:
كل ما تقدم في مقطوع اليد يأتي في مقطوع
الرجل أيضا، كما صرح به صاحب المدارك (1)،
وصاحب الجواهر (2).
تيمم الأقطع:
حكم تيمم الأقطع حكم وضوئه، فما قطع منه
سقط فرض مسحه، وما بقي وجب مسحه. وتأتي
فيه الأبحاث المتقدمة هناك من استحباب مسح اليد
لو قطعت اليد من فوق الرسغ ونحوه من الأبحاث (3).
خشبة الأقطع (4):
ذكر الفقهاء من جملة المطهرات زوال عين
النجاسة عن باطن الخف والقدم بالمشي على الأرض
أو التراب، وألحق الشهيد الثاني خشبة الأقطع
بالخف والقدم في الروضة (5)، لكنه استشكل في
الإلحاق في روض الجنان (1).
وتبعه جماعة من الفقهاء بما قاله في الروضة،
وآخرون بما قاله في الروض.
فممن تبعه في الإلحاق: سبطه صاحب
المدارك (2)، وصاحب الذخيرة (3)، وصاحب
الحدائق (4)، وصاحب الرياض (5)، وكاشف
الغطاء (6).
وممن يظهر منه عدم الإلحاق: النراقي (7)،
والشيخ الأنصاري (8)، والهمداني (9)، والسادة:
اليزدي (10)، والحكيم (11)، والخوئي (12).
ومال إلى ذلك صاحب الجواهر (13) ونسب
الفاضل الإصفهاني الإلحاق إلى بعض ولم يذكر

(1) المدارك 1: 222.
(2) الجواهر 2: 230.
(3) انظر: القواعد 1: 239، والمنتهى 3: 98 - 99،
والذكرى 2: 270، وجامع المقاصد 1: 496، وكشف
اللثام 2: 478، وغيرها.
(4) وهي الخشبة التي يمشي عليها أقطع الرجل.
(5) الروضة البهية 1: 313، وفيه: " وخشبة الأقطع
كالنعل "، وانظر المسالك 1: 130.
(1) روض الجنان: 170.
(2) المدارك 2: 375.
(3) الذخيرة: 173.
(4) الحدائق 5: 455.
(5) الرياض 2: 416.
(6) كشف الغطاء: 181.
(7) مستند الشيعة 1: 337.
(8) الطهارة 5: 300.
(9) مصباح الفقيه (الطهارة) 1: 643.
(10) العروة الوثقى: المطهرات، الثاني: الأرض.
(11) المستمسك 2: 71.
(12) التنقيح 3: 131.
(13) الجواهر 6: 307، وقال في رسائله الفقهية (مخطوط):
62: " إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ".
396

رأيه، ويفهم منه عدم ارتضائه لذلك (1).
إمامة الأقطع:
قال العلامة في التذكرة: " تجوز إمامة أقطع
اليدين أو الرجل أو الثلاثة... للعموم... ولا تجوز
إمامة أقطع الرجلين " (2).
وقال في التحرير: " ولا تصح إمامة
الأخرس، ولا أقطع الرجلين بالسليم، ويجوز إذا
كان مقطوع إحدى الرجلين، وإن كان يخل بالسجود
على عضو " (3).
وقال في المنتهى: " وأما أقطع اليدين،
فلا نعرف لأصحابنا فيه نصا، فالأقرب جواز
إمامته عملا بقوله: " يؤمكم أقرؤكم... " أما أقطع
الرجلين، فلا تجوز إمامته، لأنه يدخل في القاعد " (4).
وقال الشهيد الأول: " ولو أم الأعرج أو
الأقطع جاز مع القدرة على القيام " (5).
ولعل مراده ما لو كانت رجله الواحدة
مقطوعة، وعليه تحمل عبارة كاشف الغطاء الذي
قال: " ولا نقص في عبادة الأقطع ونحوه، فتجوز
إمامته وتصح نيابته... " (6).
والحاصل من مجموع هذه الكلمات: أنه إذا
كان الشخص مقطوع الرجلين، فتكون صلاته كصلاة
القاعد الذي لا يجوز أن يأتم به القائم، وإن لم يكن
كذلك بل كان متمكنا من القيام، فلا مانع من إمامته (1).
استلام الأقطع للحجر:
قال العلامة في التذكرة: " ومقطوع اليد
يستلم الحجر بموضع القطع. ولو قطعت من المرفق،
استلم بشماله، لقول علي (عليه السلام) وقد سئل عن الأقطع
كيف يستلم؟: " يستلم الحجر من حيث القطع، فإن
كانت مقطوعة من المرفق، استلم الحجر بشماله " " (2).
وكذا قال آخرون (3).
والظاهر أن استلام الأركان كذلك.
سقوط الجهاد عن الأقطع:
قال العلامة: " ولا جهاد على الأقطع
والأشل، لعدم تمكنهما من الضرب والاتقاء، ومفقود
معظم الأصابع كالأقطع " (4).
ولم يتعرض الأكثر لذلك. نعم ذكروا المقعد

(1) كشف اللثام 1: 464.
(2) التذكرة 4: 290.
(3) التحرير 1: 321.
(4) المنتهى (الحجرية) 1: 374.
(5) الذكرى 4: 395.
(6) كشف الغطاء: 91.
(1) وبناء على ذلك يمكن تخريج القول بصحة إمامة مقطوع
الرجلين لو كانت له رجلان مصنوعتان وكان قادرا
على القيام.
(2) التذكرة 8: 103.
(3) انظر: كشف اللثام 5: 464، والرياض 7: 38،
والجواهر 19: 345.
(4) التذكرة 9: 26.
397

وأنه لا يجب عليه الجهاد، وذكروا من موانع
الوجوب المرض المانع من الركوب والعدو أيضا (1)،
فإن كان الأقطع - سواء كان أقطع الرجل أو
الرجلين، أو اليد أو اليدين - داخلا في أحد العنوانين
فيسقط عنه وجوب الجهاد أيضا.
تنبيه:
ربما تتغير هذه الملاكات بحسب تغير
الظروف وأنواع الأسلحة المستخدمة
كالأسلحة الحديثة، فإن الأقطع أيضا يمكن أن
يستخدم بعضها.
إجزاء عتق الأقطع كفارة:
قال الصدوق في المقنع: " واعلم أن
الأعمى لا يجزي في الرقبة، ويجزي الأقطع
والأشل والأعور... " (2).
وقال الشيخ في الخلاف: " والمقطوع اليدين
والرجلين، أو اليدين أو الرجلين، أو يد واحدة
ورجل واحدة من خلاف عند الشافعي لا يجزي،
وعند أبي حنيفة يجزي، وبه نقول " (3).
وقال في المبسوط في كتاب الأيمان: " وأما
الأقطع، فإن كان أقطع اليدين، أو إحداهما، أو أقطع
الرجلين، أو إحداهما لم يجز عند قوم، ولو قلنا:
إنه يجزي للآية لكان قويا " (1).
وقال في كتاب الظهار عند بيان الكفارة:
" فأما مقطوع اليدين أو الرجلين، أو يد ورجل من
جانب واحد، فإنه لا يجزي بلا خلاف، فأما إذا كان
مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين أو يد
ورجل من خلاف، فإنه لا يجزي عند قوم، وعند
قوم يجزي، وهو الأقوى، للآية " (2).
ثم قال بعد بيان أنواع العيوب: " والذي نقوله
في هذا الباب: إن الآفات التي ينعتق بها لا يجزي
معها، مثل الأعمى، والمقعد، والزمن، ومن نكل به
صاحبه، وأما من عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزيه،
لتناول الظاهر لهم... " (3).
وبناء على كلامه الأخير ينبغي أن لا يجزي
عتق مقطوع الرجلين، لأنه بمنزلة المقعد،
والمقعد ينعتق بسبب إقعاده، وهو سبب سابق كما
قال العلامة في المختلف (4) بعد نقل كلام الشيخ،
المتقدم وقبوله.
ولذلك قال المحقق: "... ويجزئ مع غير ذلك
من العيوب: كالأصم، والأخرس، ومن قطعت
إحدى يديه أو إحدى رجليه. ولو قطعت رجلاه،
لم يجز، لتحقق الإقعاد " (5).

(1) انظر: المبسوط 2: 5، والشرائع 1: 307، والمسالك
3: 12، والجواهر 21: 19 - 20.
(2) المقنع: 138.
(3) الخلاف 4: 551 - 552.
(1) المبسوط 6: 212 - 213.
(2) المبسوط 5: 169.
(3) المصدر المتقدم: 170.
(4) المختلف 8: 244.
(5) الشرائع 3: 70.
398

ووافقه الشهيد الثاني (1) وصاحب الجواهر (2).
كيفية إجراء حد السرقة على الأقطع:
لو سرق الأقطع، فإن كانت المقطوعة هي
اليسرى، قطعت اليمنى على المشهور - كما قيل (3) -
واختار ابن الجنيد (4) عدم القطع أصلا ووردت
به رواية (5).
وإن كانت المقطوعة هي اليمنى، قال الشيخ في
النهاية (6): قطعت يساره، وقال في المبسوط (7):
قطعت رجله اليسرى.
واستشكل المحقق (8) في ذلك، لعدم الإذن
شرعا، فإن المأذون فيه هو قطع اليمنى في المرة
الأولى، ورجله اليسرى في المرة الثانية - أي بعد
إجراء الحد الأول - وفي الثالثة يخلد في الحبس،
ولم يرد قطع غير ذلك (9).
وعلى هذا الأساس يأتي الإشكال في صور
أخرى ذكرها الشيخ، وسوف نذكر تفصيل ذلك كله
في عنوان " سرقة " إن شاء الله تعالى.
كيفية قصاص الأقطع:
الأصل الأولي في قصاص الأطراف هو
التماثل، فتقطع اليد باليد، والرجل بالرجل، واليمنى
باليمنى، واليسرى باليسرى، وهكذا...
لكن خرج الفقهاء عن هذا الأصل في
الأقطع، فلو قطع الجاني يمين المجني عليه ولم تكن له
- أي الجاني - يمين قطعت يساره، ولو قطع يساره ولم
تكن له يسار قطعت يمينه وهكذا...
قال المحقق الحلي: " وتقطع اليمين باليمين، فإن
لم يكن يمين قطعت بها يسراه، ولو لم يكن يمين
ولا يسار، قطعت رجله، استنادا إلى الرواية " (1).
والحكم مشهور كما قيل (2)، لكن لم
يرتض بعضهم إبدال الرجل باليد، لأنه مخالف لقوله
تعالى: * (النفس بالنفس والعين
بالعين...) * (3) فإن الرجل ليست مثلا لليد.
وممن خالف: ابن إدريس (4)، وفخر الدين (5)،

(1) المسالك 10: 44 - 45.
(2) الجواهر 33: 204 - 205.
(3) انظر: المسالك 14: 521، والجواهر 41: 537.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 9: 208، وفيه: " يحبس في
هذه الأحوال، وينفق عليه من بيت مال المسلمين إن
كان لا مال له ".
(5) الوسائل 28: 267، الباب 11 من أبواب حد السرقة،
الحديث 3.
(6) النهاية: 717.
(7) المبسوط 8: 39.
(8) الشرائع 4: 177.
(9) انظر: المسالك 14: 522، والجواهر 41: 538 - 539.
(1) الشرائع 4: 234، وانظر النهاية: 771.
(2) انظر الجواهر 42: 351، ونسبه في المسالك 15: 271
إلى الأكثر.
(3) المائدة: 45.
(4) السرائر 3: 396 - 397.
(5) إيضاح الفوائد 4: 573 - 574.
399

والشهيد الثاني (1).
ومستند المشهور رواية حبيب السجستاني (2)
التي أشار إليها المحقق، ووصفها جماعة (3) بالصحة،
إلا أن بعضهم استشكل في حبيب نفسه، لعدم
التصريح بتوثيقه.
ولم يتعرضوا لحالة العكس، وهي قطع اليد
بقطع الرجل، نعم استفاده السيد العاملي من مفهوم
كلام الفقهاء في تعليقاته على كشف اللثام (4).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - وضوء مقطوع اليد وتيممه.
ب - مطهرية الأرض وشمولها لخشبة
الأقطع.
2 - كتاب الصلاة: إمامة الأقطع.
3 - كتاب الحج: استلام الحجر.
4 - كتاب الجهاد: سقوط الجهاد عن الأقطع،
وعدمه.
5 - كتاب الكفارات، والأيمان: إجزاء عتق
الأقطع في الكفارة.
6 - كتاب الحدود: إجراء حد السرقة على
الأقطع.
7 - كتاب القصاص: كيفية قصاص الأقطع.
إقعاء
لغة:
من أقعى الكلب. قال الجوهري: " أقعى
الكلب: إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا
يديه، وقد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة، وهو:
أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. وهذا
تفسير الفقهاء، فأما أهل اللغة، فالإقعاء عندهم: أن
يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه،
ويتساند إلى ظهره " (1).
وقال ابن الأثير: " الإقعاء: أن يلصق الرجل
أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه
على الأرض كما يقعي الكلب " (2).
وقال الفيومي: " أقعى إقعاء: ألصق أليتيه
بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض
كما يقعي الكلب... " (3).

(1) المسالك 15: 271.
(2) الوسائل 29: 174، الباب 12 من أبواب قصاص
الطرف، الحديث 2.
(3) انظر: المختلف 9: 395، وإيضاح الفوائد 4: 573،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 471، والجواهر
42: 351، وغيرها.
(4) مفتاح الكرامة (تعليقات السيد العاملي على قصاص
كشف اللثام) 10: 137، وانظر: الجواهر 42: 353.
(1) الصحاح: " قعا ".
(2) النهاية: " قعا ".
(3) المصباح المنير: " أقعى ".
400

وقال الفيروزآبادي: " أقعى في جلوسه:
تساند إلى ما ورائه، والكلب: جلس على استه " (1).
اصطلاحا:
أن يجلس على صدر قدميه ويضع أليتيه
على عقبيه.
قال صاحب الجواهر: " وكيف كان، فالمراد
بالإقعاء المبحوث عنه عندنا وعند الجمهور (2): وضع
الأليتين على العقبين معتمدا على صدور القدمين، كما
نص عليه في المعتبر (3)، والمنتهى (4)، والتذكرة (5)،
وكشف الالتباس (1)، وحاشية المدارك (2)، ناسبين له
إلى الفقهاء... ".
ثم نقل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه.
ونقل عن الراوندي: " أن الإقعاء بين
السجدتين هو: أن يثبت كفيه على الأرض فيما بين
السجدتين ولا يرفعهما ".
ثم قال: " وهو غريب لا يوافق اللغة
ولا الفقهاء... ".
ثم قال: " ونحوه في الغرابة أيضا ما عن بعض
علمائنا: من اعتبار هذا الوضع أيضا مع الجلوس
على العقبين في المراد من الإقعاء هنا، وعبارات
الأصحاب تشهد بخلافه " (3).
وقال الوحيد البهبهاني مؤيدا أن المراد من
الإقعاء هو الذي ذكره الفقهاء، لا أهل اللغة:
" ويؤيده أن إقعاء الكلب، بين السجدتين في غاية
الصعوبة بحيث لا يكاد يرتكبه أحد حتى يحتاج إلى
المنع منه، سيما والتأكيد في المنع، بخلاف ما ذكره
الفقهاء، فإنه في غاية السهولة، سيما في مقام
العجلة يرتكبونه " (4).
الأحكام:
اختلف الفقهاء في حكم الإقعاء، فقال الشيخ

(1) القاموس المحيط: " قعو ".
(2) قال ابن قدامة في المغني: " ويكره الإقعاء، وهو:
أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. بهذا وصفه أحمد.
قال أبو عبيد: هذا قول أهل الحديث، والإقعاء عند
العرب: جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه، مثل
إقعاء الكلب والسبع، ولا أعلم أحدا قال باستحباب
الإقعاء على هذه الصفة، فأما الأول فكرهه علي وأبو
هريرة وقتادة ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي،
وعليه العمل عند أكثر أهل العلم، وفعله ابن عمر،
وقال: لا تقتدوا بي، فإني قد كبرت... ". المغني
1: 564، لكن فرش القدمين غير الاعتماد على صدورهما.
(3) المعتبر: 186، وجاء فيه: " والإقعاء أن يعتمد بصدور
قدميه على الأرض، ويجلس على عقبيه "، ثم ذكر
تفسير أهل اللغة، ثم قال: " والمعتمد الأول، لأنه
تفسير الفقهاء، وبحثهم على تقديره ".
(4) المنتهى 5: 170، وعبارته كعبارة المعتبر.
(5) التذكرة 3: 202، وعبارته كما في المصدرين المتقدمين.
(1) ليس لدي هذا المصدر.
(2) الحاشية على المدارك (للوحيد البهبهاني) 3: 90 - 91.
(3) الجواهر 10: 194.
(4) الحاشية على المدارك (للوحيد البهبهاني) 3: 90.
401

الطوسي في النهاية: " ولا بأس أن تقعد متربعا
أو تقعي بين السجدتين، ولا يجوز ذلك في
حال التشهد " (1).
وقال في المبسوط: " وإن جلس بين
السجدتين وبعد الثانية مقعيا كان أيضا
جائزا " (2).
وذكر في جملة التروك المسنونة: " ولا يقعي
بين السجدتين " (3).
وقال في الخلاف: " الإقعاء مكروه، وبه قال
جميع الفقهاء " (4).
وقال الصدوق: " ولا بأس بالإقعاء فيما
بين السجدتين، ولا بأس به بين الأولى والثانية
وبين الثالثة والرابعة، ولا يجوز الإقعاء في
موضع التشهدين، لأن المقعي ليس بجالس،
إنما يكون بعضه قد جلس على بعضه، فلا يصبر
للدعاء والتشهد " (5).
وقال ابن إدريس: " ولا بأس بالإقعاء بين
السجدتين من الأولى والثانية والثالثة والرابعة،
وتركه أفضل، ويكره أشد من تلك الكراهة في حال
الجلوس للتشهدين. وقد يوجد في بعض كتب
أصحابنا: ولا يجوز الإقعاء في حال التشهدين،
وذلك على تغليظ الكراهة لا الحظر، لأن الشئ
إذا كان شديد الكراهة، قيل: لا يجوز، ويعرف
ذلك بالقرائن " (1).
وقال العلامة بعد نقل ذلك كله: " والأقرب
عندي كراهة الإقعاء مطلقا وإن كان في
التشهد آكد " (2).
وقد صرح قبله المحقق الحلي بكراهة الإقعاء
بين السجدتين (3).
والظاهر: أن من يقول بكراهته بين
السجدتين يقول بكراهته حال التشهد بطريق أولى.
وقال صاحب المدارك: " وقد اختلف
الأصحاب في حكمه، فذهب الأكثر إلى
كراهته... ". ولم يفصل بين موارده.
ثم ذكر بعض الروايات التي منها: ما رواه
أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا تقع بين
السجدتين إقعاء ".
ومنها: ما ورد في صحيحة زرارة: " إياك
والقعود على قدميك فتتأذى بذلك، ولا تكون قاعدا
على الأرض، فتكون إنما قعد بعضك على بعض،
فلا تصبر للتشهد والدعاء ".
ثم قال: " فإن العلة التي ذكرها في التشهد

(1) النهاية: 72.
(2) المبسوط 1: 113.
(3) المصدر المتقدم: 118.
(4) الخلاف 1: 360، المسألة 118.
(5) من لا يحضره الفقيه 1: 313 - 314، كتاب الصلاة،
باب وصف الصلاة، ذيل المسألة 929.
(1) السرائر 1: 227.
(2) المختلف 2: 189، وانظر: التذكرة 3: 202، والمنتهى
5: 168.
(3) المعتبر: 186.
402

تحصل في غيره، فيتعدى الحكم إليه " (1).
والحاصل أن الأقوال في الإقعاء كالآتي:
1 - القول بالكراهة مطلقا، وهو القول
المنسوب إلى الأكثر (2) بما فيهم الشيخ في الخلاف.
2 - القول بجوازه بين السجدتين وكراهته
حال التشهد، وهذا بناء على استظهار ابن إدريس
من عبارة: " لا يجوز.... " - الموجودة في كلام
الشيخ والصدوق - شدة الكراهة لا الحرمة.
3 - القول بجوازه بين السجدتين وحرمته
حال التشهد، بناء على استظهار الحرمة من عبارة
" لا يجوز... ".
وقد اختار هذا القول صاحب الحدائق - غير
ناسب له إلى أحد - جمعا بين الروايات، لأن روايات
المنع عن الإقعاء حال التشهد لا معارض لها،
فتحمل على التحريم، وأما روايات المنع عنه بين
السجدتين فلها معارض، ولذلك تحمل الناهية على
الإقعاء المفسر عند أهل اللغة، والمجوزة على ما هو
المعروف عند الفقهاء (1).
ملاحظة:
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى الإقعاء في
الصلاة، أما في غيره فلم يذكر الفقهاء ورود النهي
عنه، بل ورد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أكل مقعيا (2).
مظان البحث:
كتاب الصلاة: البحث عن السجود وأحكامه.
إقعاد
لغة:
إفعال من قعد، ويأتي على معان أهمها:
- الإجلاس، يقال: أقعده، أي أجلسه.
- داء يقعد من أصيب به، ويقال له: القعاد
أيضا، وهو في الأصل داء يأخذ الإبل في أوراكها
فيميلها إلى الأرض (3).
اصطلاحا:
استعمل في معانيه اللغوية، فقد استعمل في

(1) المدارك 3: 415 - 416، وانظر الوسائل 6: 348،
الباب 6 من أبواب السجود، الحديث الأول،
و 5: 461، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة،
الحديث 3.
(2) انظر: مفتاح الكرامة 2: 451، ومراده من المجوزة التي
جاءت في عبارته ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " لا بأس بالإقعاء في الصلاة
فيما بين السجدتين ". الوسائل 6: 348، الباب 6 من
أبواب السجود، الحديث 3.
(1) الحدائق 8: 316 - 317.
(2) الوسائل 6: 349، الباب 6 من أبواب السجود، الحديث 6.
(3) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية
(لابن الأثير)، والمعجم الوسيط: " قعد "، وفي بعضها:
الأقعاد بالفتح.
403

المعنى الأول في قولهم: " يكره إقعاد الميت "،
أي إجلاسه، كما سيأتي.
وفي المعنى الثاني في مواضع عديدة من قبيل:
سقوط الجمعة والجهاد بالإقعاد ونحو ذلك
مما سيأتي.
واستعمل بمعنى التثبيت، ومنه قولهم: " إقعاد
قاعدة... "، وقد وجد ذلك في كلام صاحب
الجواهر كثيرا، وهو مأخوذ من الإقعاد بمعنى
الإجلاس ظاهرا (1).
الأحكام:
تترتب أحكام على كل من المعنيين الأولين،
وفيما يلي نقدم أحكام الإقعاد بالمعنى الثاني،
ثم نردفها بأحكام المعنى الأول:
عدم صحة إمامة المقعد إلا للقاعد:
لا تصح إمامة القاعد إلا لمثله، فلا تصح
إمامته للقائم على ما هو المعروف بين الفقهاء،
بل ادعي عليه الإجماع (2) وإن قال بعضهم بكراهته،
مثل ابن حمزة (3) وصاحب الوسائل (4).
سقوط الجمعة عن المقعد:
قال العلامة في التذكرة: " الأعرج والشيخ
الذي لا حراك به لا جمعة عليهما عند علمائنا أجمع،
إن بلغ العرج الإقعاد، للمشقة... " (1).
وقال الشهيد في الذكرى ضمن عده شروط
وجوب الجمعة: " السابع - ارتفاع العرج البالغ
حد الإقعاد " (2).
وبهذا المضمون قال غيرهما (3)، والظاهر
من كلماتهم: أن سقوط وجوب الجمعة عن
المقعد أمر مفروغ منه، وإنما اشترط بعضهم في
سقوطه عن الأعرج أن يصل عرجه إلى حد
الإقعاد، بل المقعد كما قال المحقق أعذر من
المريض والكبير (4).
سقوط الجهاد عن المقعد:
يسقط الجهاد الابتدائي عن المقعد، لعدم تمكنه

(1) انظر: الجواهر 5: 280، و 8: 221، و 24: 130،
و 27: 432، و 38: 316.
(2) انظر: التذكرة 4: 287، ونقله في الجواهر 13: 327
عن جماعة.
(3) الوسيلة: 105.
(4) الوسائل 8: 345، الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة.
قال صاحب الحدائق: " ومن غفلات صاحب
الوسائل أنه تفرد بالقول بالكراهة... مع إجماع
الأصحاب كما عرفت على التحريم ". الحدائق
11: 193.
(1) التذكرة 4: 90، وانظر نهاية الإحكام 2: 43.
(2) الذكرى 4: 121.
(3) انظر: جامع المقاصد 2: 386، والمسالك 1: 241،
وروض الجنان: 287، والمدارك 4: 50، وكشف اللثام
4: 275، والرياض 4: 56، ومستند الشيعة 6: 108،
والجواهر 11: 262.
(4) المعتبر: 205.
404

من الركوب والعدو ونحو ذلك (1)، وقد تقدم الكلام
عن ذلك إجمالا في عنوان " أقطع ".
عدم وجوب الحج على المقعد:
ذكر الفقهاء من جملة شروط الاستطاعة عدم
المرض المانع من الركوب، سواء كان الركوب غير
ممكن، أو كان ممكنا لكنه موجب للضرر أو الحرج
والمشقة الشديدة. فإذا كان الإقعاد من هذا القبيل
فهو مانع من وجوب الحج.
أما إذا كان الركوب ميسرا له ولو بواسطة آلة
يملكها - كما في العصر الحاضر - فالمستفاد من كلامهم
عدم سقوط الحج.
قال صاحب المدارك: " المراد بالتضرر
بالركوب حصول المشقة الشديدة منه، ولا خلاف
في كون ذلك مسقطا للفرض، لما في التكليف
بالحج معه من العسر والحرج المنفيين بالآية
والرواية. ولو كان المرض يسيرا لا يشق معه
الركوب لم يسقط الحج باعتباره قطعا، تمسكا
بعموم الآية السالم من معارضة الحرج
المنفي " (2).
فالملاك إذن القدرة على الركوب وعدمها.
ثم إنهم اختلفوا في وجوب الاستنابة وعدمها
في هذه الصورة على قولين (1).
هل الإقعاد من العيوب الموجبة للفسخ في النكاح؟
اختلف الفقهاء في أن العرج من العيوب
الموجبة للفسخ في المرأة أو لا، على أقوال:
1 - القول بكونه موجبا للفسخ مطلقا، سواء
كان بينا أو لا، وسواء كان منتهيا إلى الإقعاد أو لا (2).
2 - القول بكونه ليس موجبا للفسخ مطلقا (3).
3 - القول بكونه موجبا للفسخ إذا كان
بينا وإن لم ينته إلى الإقعاد (4).
4 - القول بكونه موجبا للفسخ إذا كان
بينا وموجبا للإقعاد (5).

(1) انظر: الروضة البهية 2: 382، والمسالك 3: 12،
والجواهر 21: 19.
(2) المدارك 7: 54، وانظر: كشف اللثام 5: 112،
والحدائق 14: 126 - 127، والجواهر 17: 280.
(1) انظر المصادر المتقدمة وغيرها.
(2) نسبه صاحب الجواهر إلى الإسكافي والشيخين - في
المقنعة والنهاية - وسلار وأبي الصلاح وابن البراج في
الكامل وابن حمزة. انظر الجواهر 30: 336، واستظهر
أن يكون مرادهم كون العيب هو العرج البين، وعليه
تكون الأقوال ثلاثة.
(3) استظهره صاحب الجواهر من الشيخ في الخلاف
والمبسوط، ومن ابن البراج في المهذب.
(4) ذهب إليه صاحب الجواهر واستظهره ممن تقدم ذكره
في الهامش رقم (2)، واختاره ابن إدريس في السرائر
2: 612 - 613، والعلامة في المختلف 7: 187 وغيرهما.
(5) ذهب إليه المحقق الحلي في الشرائع 2: 320، والعلامة
في القواعد 3: 66، وولده في الإيضاح 3: 178،
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 241، والسيد
العاملي في نهاية المرام 1: 332، والسبزواري
في الكفاية: 176، وجعل الإقعاد عيبا برأسه.
405

والقدر المتيقن من هذه الأقوال - عدا الثاني -
أن الإقعاد من العيوب الموجبة للفسخ إذا كان
في المرأة.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " عيب "
إن شاء الله تعالى.
عدم وجوب الإنفاق على المقعد مع غناه:
إنما تجب النفقة على الأقارب - وهم الأبوان
والأولاد - في صورة الفقر، أما مع الغنى فلا تجب،
ولا عبرة بمثل العمى والإقعاد، فإن المقعد إذا
كان غنيا فلا يجب الإنفاق عليه، لأن الملاك
في وجوب الإنفاق هو الفقر (1)، لكن اشترط الشيخ
نقصان الخلقة إضافة إلى الفقر في أحد قوليه في
المبسوط (2).
الإقعاد سبب للعتق في المملوك:
من الأسباب المزيلة للعتق وصيرورة المملوك
حرا هو ابتلاؤه بالإقعاد. والمسألة خالية من النص
بخصوص المورد، لكن يظهر أنها إجماعية كما قيل (3).
لا يعتق المقعد كفارة:
لما كان الإقعاد بنفسه سببا للعتق، فلا يصح
عتق المملوك المقعد كفارة، لأن الإقعاد قد أعتقه
فلا مجال لعتقه ثانية (1).
لا ولاء للمعتق بالإقعاد:
قالوا: إن ولاء العتق - وهو علقة بين
المالك ومملوكه تبقى بعد العتق توجب التوارث -
لم يثبت للسائبة، وهو المملوك الذي أعتق في واجب
- مثل الكفارة والنذر - والمملوك المعتق قهرا كالمنكل
به والمقعد (2).
حكم إقعاد الميت:
المعروف بين الفقهاء كراهة إقعاد الميت (3)،
بل ادعي عليه الإجماع (4).
وقال يحيى بن سعيد (5): يحرم، وقال ابن
زهرة (6): لا يجوز، ويظهر من المحقق في المعتبر (7)
التأمل في أصل الكراهة.
وورد في خبر الكاهلي: " إياك أن تقعده " (8).

(1) انظر: المسالك 8: 485، والجواهر 31: 372.
(2) المبسوط 6: 30 و 34.
(3) انظر: المسالك 10: 357، والجواهر 34: 189 - 191.
(1) انظر: المسالك 10: 44، والجواهر 33: 204 - 205.
(2) انظر: المسالك 13: 199، والجواهر 39: 231.
(3) انظر الجواهر 4: 156.
(4) انظر: الخلاف 1: 693، المسألة 473، والتذكرة
1: 386.
(5) الجامع للشرائع: 51.
(6) الغنية: 101.
(7) المعتبر: 74.
(8) الوسائل 2: 481، الباب 2 من أبواب غسل الميت،
الحديث 5، ومحل الشاهد في الصفحة 483.
406

حكم إقعاد الطفل مستقبلا للتخلي:
قال صاحب الجواهر بعد بيان حرمة استقبال
المكلفين حال التخلي: " والظاهر أنه لا يجب على
الأولياء تجنيب الأطفال المميزين أو غير المميزين،
للأصل والسيرة، وربما احتمل الوجوب، للتعظيم
كما في كل ما كان منشأ الحكم فيه ذلك، كحرمة المس
ونحوها، وهو ضعيف " (1).
وقال السيد اليزدي: " الأحوط ترك إقعاد
الطفل للتخلي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا،
ولا يجب منع الصبي والمجنون إذا استقبلا أو استدبرا
عند التخلي... " (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - أحكام التخلي.
ب - أحكام غسل الميت.
2 - كتاب الصلاة:
أ - أحكام صلاة الجمعة: شروط من تجب
عليه.
ب - أحكام الجماعة: شروط إمام
الجماعة.
3 - كتاب الحج: شروط من يجب عليه /
أحكام الاستطاعة.
4 - كتاب الجهاد: شروط من يجب عليه.
5 - كتاب النكاح:
أ - العيوب الموجبة للفسخ في المرأة.
ب - النفقات.
6 - كتاب العتق: الأسباب القهرية للعتق.
7 - كتاب الكفارات: شروط المملوك الذي
يراد عتقه كفارة.
8 - كتاب الإرث: أحكام الولاء.
أقلف
لغة:
هو الذي لم يختتن وعظمت قلفته، والقلفة:
الجلدة التي تقطع في الختان، وجمعها قلف (1)، فهو
مثل أغلف وغلفة لفظا ومعنى.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
راجع: أغلف، ختان.

(1) الجواهر 2: 12.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في أحكام
التخلي، المسألة 15.
(1) المصباح المنير: " قلف ".
407

أقل الجمع
لغة:
أقل: أفعل التفضيل من القليل الذي هو
ضد الكثير.
والجمع: ضم الشئ إلى الشئ، قال ابن
فارس: " الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على
تضام الشئ " (1).
ف‍ " أقل الجمع " بمعناه اللغوي هو أقل عدد
ينطبق عليه عنوان " الجمع " وما يؤدي مؤداه، مثل:
رجال، رقاب، دراهم ونحوها. وهذا المعنى موجود
في الاثنين فصاعدا (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه من حيث أصل المفهوم،
لكن اختلفوا في مصداقه هل هو اثنان أو ثلاثة؟
ما هو أقل عدد ينطبق عليه عنوان الجمع في
الاصطلاح؟
المعروف بين فقهاء الإمامية واصولييهم:
أن أقل ما يدل عليه الجمع هو ثلاثة إلا إذا قام
الدليل على خلافه، كما في الحجب في الإرث على ما
سيأتي بيانه.
قال السيد المرتضى: " ذهب قوم إلى أن أقله
اثنان، والصحيح أن أقله ثلاثة " (1).
وقال الشيخ الطوسي في العدة: " إن أقل
الجمع ثلاثة، ونسب إلى قوم أن أقل الجمع اثنان:
والأول مذهب أكثر الفقهاء " (2).
وقال في موضع آخر: " ذهب المتكلمون
وأكثر الفقهاء إلى أن أقل الجمع ثلاثة، وقال من شذ
منهم: إن أقل الجمع اثنان " (3).
وقال في الخلاف: " إن أقل الجمع ثلاثة على
ما بيناه في أصول الفقه وأبطلنا قول من يقول: إن
أقله اثنان " (4).
وبهذه المضامين قال الفقهاء في كتبهم
الفقهية (5)، والأصوليون في كتبهم الأصولية (6).
ومع ذلك قال السيد الخوئي - بالنسبة إلى
كلمتي: " أقراء " و " أيام " الواردتين في الحديث:

(1) معجم مقاييس اللغة: " جمع ".
(2) المعارج (للمحقق الحلي): 88.
(1) الذريعة 1: 229.
(2) العدة 1: 276.
(3) المصدر المتقدم: 299.
(4) الخلاف 3: 362.
(5) ستأتي الإشارة إلى جملة منها عند بيان الأحكام.
(6) انظر إضافة إلى ما تقدم - الذريعة والعدة - معارج
الأصول: 88، ومبادئ الوصول: 125، والمعالم
(الحجرية): 111، والقوانين 1: 222، ونهاية الأفكار
(1 - 2): 508، وأصول الفقه 1: 131 و 132،
وغيرها.
408

" إن المرأة التي تعرف أيامها تدع الصلاة أيام
أقرائها " -: " وهي جمع لا يصدق على الفرد
الواحد، بل ولا على الاثنين فإن أقل الجمع اثنان فما
فوقهما، وأما الاثنان مجردا فلم نر إطلاق الجمع
عليهما في اللغة، بل لعله يعد من الأغلاط وإن حكي
عن المنطقيين: أن أقل الجمع اثنان، وأما الاثنان فما
فوق فقد ورد إطلاق الجمع عليه في القرآن الكريم
الذي هو في أعلى مراتب الفصاحة، كما في قوله
تعالى: * (فإن كن نساء فوق اثنتين) * إلا أن إطلاق
* (فوق اثنتين) * وإرادة الاثنتين فما فوقهما أيضا أمر
دارج شائع كما أشار إليه صاحب الجواهر، وكما في
إطلاق " الإخوة " على الاثنين فما فوقه في الكلالة " (1).
الأحكام:
تترتب على كون أقل الجمع اثنين أو ثلاثة
آثار وأحكام نشير إلى أهمها فيما يلي:
أولا - الإقرار:
قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " إذا قال: له
علي دراهم، فإنه يلزمه ثلاثة دراهم... دليلنا:
أن أقل الجمع ثلاثة على ما بيناه في أصول الفقه " (2).
وكذا قال غيره من الفقهاء أيضا (3).
وعلى قول من يقول: أقل الجمع اثنان،
يلزمه درهمان.
ثانيا - الوصية:
قال الشيخ في الخلاف: " إذا قال: اشتروا
بثلث مالي عبيدا واعتقوهم، فينبغي أن يشترى
بالثلث ثلاثة فصاعدا، لأنهم أقل الجمع... " (1).
وكذا قال غيره من الفقهاء في هذا المورد
والموارد المشابهة (2).
وأمثلة ذلك في الوصية، كأن يوصي أن
يزوجوا عزابا بثلث ماله ونحو ذلك.
وكأن الحمل على الثلاثة لا كلام فيه في
الوصية. قال السيد العاملي في بحث الإقرار:
" هذا وقد أطلقوا الكلمة في باب الوصايا بأن الجمع
يحمل على أقله وهو الثلاثة، وظاهرهم أنه مسلم
مفروغ منه " (3).

(1) التنقيح (الطهارة) 6: 189، والآية 11 من
سورة النساء. وانظر الحديث في الوسائل 2: 287،
الباب 7 من أبواب الحيض، الحديث 2.
(2) الخلاف 3: 362، وانظر المبسوط 3: 7.
(3) انظر مفتاح الكرامة 9: 280، والجواهر 35: 47،
لكن قال العلامة في التذكرة: " ويحتمل عندي القبول
لو فسره باثنين، لأن الاثنين قد يعبر عنهما بلفظ
الجمع "، ثم استشهد بآية الحجب. انظر التذكرة
(الحجرية) 2: 155.
(1) الخلاف 4: 145، وانظر المبسوط 4: 22.
(2) انظر: المهذب 2: 112، والسرائر 3: 201، والمختلف
6: 357 - 358، والقواعد 2: 462، وإيضاح الفوائد
2: 516، وجامع المقاصد 10: 156، والمسالك
6: 293، وغيرها.
(3) مفتاح الكرامة 9: 280، وانظر الصفحة 490.
409

ثالثا - الوقف:
ولهم كلام في هذا الموضوع في الوقف
أيضا (1) وربما تعرضوا له في كتابي: الأيمان
والنذور أيضا.
رابعا - الإرث:
المعروف بين الفقهاء: أن الأخوين فصاعدا
يحجبون الام وينزلون سهمها من الثلث إلى
السدس، خلافا لابن عباس، حيث ذهب إلى
أن الأخوين لا يحجبان وإنما يحجب الثلاثة فما فوق،
لقوله تعالى: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2).
قال الشيخ في الخلاف رادا على ذلك: " فأما
قوله تعالى: * (فإن كان له إخوة...) * وإن كان لفظه
لفظ الجمع، فنحن نحمله على الاثنين بدلالة الإجماع
من الفرقة... " (3).
والظاهر أن الإجماع منعقد من الأمة على
خلاف ابن عباس، وفقا لما قيل: من أنه لم يخالف في
هذه المسألة سواه (4).
أقول: هذا على ما هو المعروف من كون
استعمال أقل الجمع في الاثنين مجازا، لأنه حقيقة في
الثلاثة فما فوق. وأما على ما قاله السيد الخوئي:
من صحة إطلاقه على الاثنين فصاعدا - لا مجردا -
على وجه الحقيقة فيكون الاستعمال في الآية حقيقيا،
بل الآية من الموارد التي استشهد بها السيد الخوئي
كما تقدم أول البحث.
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب الإقرار.
2 - كتاب الوصية.
3 - كتاب الوقف.
4 - كتاب الإرث.
ثانيا - الأصول:
تعرضوا له في بحث العام والخاص عند
الكلام عن ألفاظ العموم، ولم يتعرض
المتأخرون له غالبا إلا استطرادا
وبالمناسبة.
أقل الحمل
راجع: أقصى الحمل.

(1) انظر: القواعد 2: 399، وإيضاح الفوائد 2: 402،
وجامع المقاصد 9: 100، والمسالك 5: 402.
(2) النساء: 11.
(3) الخلاف 4: 39، وانظر الجواهر 39: 83.
(4) انظر الموسوعة الفقهية (إصدار وزارة الأوقاف
الكويتية) 6: 91، عنوان " أقل الجمع ".
410

أكار
لغة:
من أكر الأرض، أي حفرها، والأكرة: حفرة
تحفر إلى جنب الغدير والحوض ليصفى فيه الماء.
والأكار حافر الأكرة، وسمي الحارث والزراع
أكارا، وجمعه أكرة (1).
اصطلاحا:
استعمل بالمعنى المتقدم.
اكتحال
لغة:
مصدر اكتحل، أي وضع في عينه الكحل.
والكحل: ما يوضع في العين، وقيده بعضهم بكونه ما
يشتفى به (2)، لكن الظاهر أنه لا يختص بذلك، لأنه
يشمل ما يوضع فيها للزينة، بل هذا هو الغالب.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
استحباب الاكتحال وآدابه:
وردت روايات مستفيضة تحث على
الاكتحال، منها:
1 - ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" الكحل ينبت الشعر، ويجفف الدمعة، ويعذب
الريق، ويجلو البصر " (1).
2 - وعن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال:
" من أصابه ضعف في بصره فليكتحل بسبعة مراود
عند منامه من الإثمد " (2).
3 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كان يكتحل قبل أن ينام أربعا في اليمنى،
وثلاثا في اليسرى " (3).
4 - وعنه (عليه السلام) أيضا، قال: " الكحل بالليل
ينفع البدن، وهو بالنهار زينة " (4).
والدعاء عند الكحل هو أن يقول: " اللهم إني

(1) انظر: كتاب العين، ولسان العرب: " أكر ".
(2) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " كحل ".
(1) الوسائل 2: 99، الباب 54 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 4.
(2) الوسائل 2: 102، الباب 57 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 4.
قال الفيومي: " الإثمد بكسر الهمزة والميم: الكحل
الأسود، ويقال: إنه معرب، قال ابن البيطار في المنهاج:
هو الكحل الإصفهاني. ويؤيده قول بعضهم: ومعادنه
بالمشرق ". المصباح المنير: " ثمد ".
(3) الوسائل 2: 101، الباب 57 من أبواب آداب الحمام،
الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: 102، الحديث 2.
411

أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد
وآل محمد، وأن تجعل النور في بصري، والبصيرة
في ديني، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي،
والسلامة في نفسي، والسعة في رزقي، والشكر لك
أبدا ما أبقيتني " (1).
الاكتحال بما فيه خمر:
ورد النهي الشديد عن استعمال الخمر بجميع
كيفياته حتى الاكتحال به، وفي حكمه غيره من
المسكرات، فمن ذلك ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه
قال: " من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل
من نار " (2).
بل ورد النهي عن التداوي بها أيضا، فقد
روى الحلبي، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء
عجن بالخمر، فقال: لا والله، ما أحب أن أنظر إليه،
فكيف أتداوى به... " (3).
وأما التداوي بالكحل الذي فيه خمر أو شئ
من المسكر، فإن لم يصل إلى حد الاضطرار،
فالظاهر من كلمات الفقهاء: أنه لا إشكال في
عدم جوازه.
وأما لو اضطر إلى ذلك، بأن انحصر الدواء فيه
مثلا، ففي جواز التداوي به وعدمه قولان:
الأول - جواز التداوي، لما رواه هارون بن
حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل اشتكى
عينيه، فنعت بكحل يعجن بالخمر، فقال: هو خبيث
بمنزلة الميتة، فإن كان مضطرا فليكتحل به " (1).
اختار هذا القول: الشيخ في النهاية (2)،
والمحقق (3)، والعلامة في بعض كتبه (4)، والشهيدان (5)،
ونسبه الشهيد الثاني وصاحب الكفاية إلى الأكثر (6).
الثاني - عدم الجواز لإطلاق النصوص المانعة
والإجماع، الشامل لمورد التداوي أيضا.
وهذا هو الظاهر من الشيخ (7) وابن إدريس (8).
قال الشيخ في الخلاف: " إذا اضطر إلى شرب
الخمر للعطش أو الجوع أو التداوي، فالظاهر أنه
لا يستبيحها أصلا ".
واشترط بعضهم في الجواز: العلم بحصول
العلاج به، والعلم بانحصار العلاج فيه، وكون

(1) مكارم الأخلاق: 47، وانظر هذا وما قبله من
الأحاديث في البحار 73: 94 - 97، كتاب الآداب
والسنن، باب الاكتحال وآدابه.
(2) الوسائل 25: 349، الباب 21 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: 345، الباب 20، الحديث 4.
(1) الوسائل 25: 350، الباب 21 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 5.
(2) النهاية: 592.
(3) الشرائع 3: 231.
(4) انظر المختلف 8: 342.
(5) انظر: الدروس 3: 25، والمسالك 12: 130، واللمعة
وشرحها 7: 349 - 350.
(6) انظر: المسالك 12: 130، والكفاية: 254.
(7) انظر: المبسوط 6: 288، والخلاف 6: 97.
(8) السرائر 3: 126.
412

تحمل المرض مضرا وشاقا حرجيا، كما تقدم في
عنوان " اضطرار ".
والحاصل: أن أمر المسكر شديد، ولذلك
صرح المجوزون: بأن ذلك يقع في آخر مرحلة من
مراحل التداوي ودفع الضرورة.
الاكتحال بالنجس:
لم أقف على تصريح بحكم الاكتحال بالنجس
أو المتنجس. نعم، إذا قلنا: بأن إدخال النجس
أو المتنجس إلى الجوف حرام مطلقا، سواء كان
بالأكل أو الشرب أو بغيرهما، كان الاكتحال بهما
محرما أيضا، وكذا لو قلنا: إن الانتفاع بالنجس
حرام مطلقا.
وأما إذا لم نقل بأحد الأمرين، فلم يحضرني
فعلا وجه للقول بالتحريم.
هذا في حال الاختيار، وأما في حال
الضرورة فيجوز، لقاعدة الاضطرار، وأمره أهون
من الخمر والمسكر.
الاكتحال بالمكحلة الذهبية والفضية:
اختلف الفقهاء في حكم استعمال المكحلة
الذهبية والفضية من جهة الاختلاف في صدق
عنوان " الآنية " عليها، فممن قال بصدق الآنية
والتزم بالحرمة: العلامة (1)، والشهيد الأول (2)،
وصاحب الحدائق (1)، والسيد الطباطبائي (2)
- بحر العلوم - وصاحب الجواهر (3).
وممن صرح بعدم الحرمة، لعدم صدق الآنية:
السيد الطباطبائي (4) - صاحب الرياض - وكاشف
الغطاء (5)، والنراقي على ما نقله عنه صاحب
الجواهر (6)، والسادة: اليزدي (7)، والحكيم (8)،
والخوئي (9).
ولم يذكرها الإمام الخميني (10) وإنما اقتصر
على ذكر ما يماثلها، مثل ظروف الغالية، والمعجون،
والترياق، ونحوها، واستشكل فيها.
وتردد صاحب المدارك (11) أيضا في الحكم.

(1) التذكرة 2: 226.
(2) الذكرى 1: 149.
(1) الحدائق 5: 514.
(2) قال في الدرة النجفية في فصل الأواني:
ويتبع التحريم صدق الآنية * فيشمل المنع ظروف الغالية
والكحل والعنبر والمعجون * والبن والترياق والأفيون
(3) الجواهر 6: 334.
(4) الرياض 2: 421.
(5) كشف الغطاء: 183.
(6) الجواهر 6: 334.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الأواني،
المسألة 9.
(8) المستمسك 2: 173 - 174.
(9) التنقيح 3: 328 - 329.
(10) تحرير الوسيلة 1: 120، كتاب الطهارة، القول في
الأواني، المسألة 3.
(11) المدارك 2: 381.
413

وجوز المحقق (1) أن يكون الميل منها على
كراهية.
اكتحال الصائم:
المعروف بين الفقهاء كراهة الاكتحال للصائم
إجمالا. ولكن لهم بعض التفصيلات في ذلك:
1 - فبعضهم خص الكراهة بما فيه مسك
- وزاد آخرون الصبر - أو كان يجد طعم الكحل
في الحلق (2).
2 - وبعضهم عمم الكراهة، ولكن قال
بشدتها فيما كان فيه الوصفان المتقدمان (3).
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ففي
بعضها النهي عنه مطلقا (4)، وفي بعضها الرخصة
مطلقا (5)، وفي بعضها التفصيل بين ما كان خاليا
من المسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به،
وبين ما فيه أحد الوصفين ففيه بأس (1).
اكتحال المحرم:
اختلفت عبارات الفقهاء في بيان حكم
الاكتحال حال الإحرام:
1 - فقال الشيخ في المبسوط: " لا يجوز
للرجل والمرأة إذا كانا محرمين أن يكتحلا بالسواد
إلا عند الضرورة. ويجوز لهما الاكتحال بغير السواد
إلا إذا كان فيه طيب، فإنه لا يجوز على حال " (2).
وحاصل كلامه: أنه لا يجوز الاكتحال
بالسواد وبما فيه طيب.
ووجههما: أن الاكتحال بالسواد زينة،
والاكتحال بما فيه طيب داخل ضمن العمومات
الناهية عن استعمال الطيب.
هذا مضافا إلى الروايات الدالة على ذلك (3).
وتقدم الشيخ الطوسي الشيخ المفيد في المقنعة (4).
وتبعهما أكثر من تأخر عنهما من الفقهاء (5).

(1) المعتبر: 128.
(2) انظر على سبيل المثال: النهاية: 156، والمبسوط
1: 272، والوسيلة: 144، والغنية: 141، والسرائر
1: 389، والشرائع 1: 195، والجامع للشرائع:
157، والتذكرة 6: 93، والدروس 1: 279،
والمسالك 2: 40، والحدائق 13: 152، وغيرها.
(3) انظر على سبيل المثال: مستند الشيعة 10: 307،
والجواهر 16: 318، وكتاب الصوم (للشيخ
الأنصاري): 163 - 164، والمستمسك 8: 332 - 333.
(4) انظر الوسائل 10: 75، الباب 25 من أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الأحاديث 3 و 8 و 9.
(5) المصدر المتقدم: الأحاديث 1 و 4 و 7 و 10 و 11.
(1) انظر الوسائل 10: 75، الباب 25 من أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الأحاديث 2 و 5 و 12.
(2) المبسوط 1: 321، وانظر النهاية: 220.
(3) انظر الوسائل 12: 468، الباب 33، من أبواب تروك
الإحرام، الأحاديث 1 و 2 و 3 و 4 و 8 و 14، وغيرها.
(4) المقنعة: 432.
(5) انظر: المراسم: 106، ولم يذكر فيه الاكتحال بالطيب،
ولعله لاندراجه في استعمال الطيب الذي ذكر مستقلا،
والوسيلة: 163، والسرائر 1: 546، والجامع
للشرائع: 184، والمختلف 4: 74 - 75، والكلام فيه
في الاكتحال بالسواد، والتذكرة 7: 324، والمنتهى
(الحجرية) 2: 765، والدروس 1: 374 و 385،
وجامع المقاصد 3: 181، والمسالك 2: 256، ومجمع
الفائدة 6: 291 - 292 - واقتصر في تحريم
الاكتحال بالأسود على ما كان بقصد الزينة - والمدارك
7: 335، وكشف اللثام 5: 346 و 353 و 354،
والحدائق 15: 450، والرياض 6: 338 - 339،
والجواهر 18: 346 و 347، ودليل الناسك (للسيد
الحكيم): 153، ولم يستبعد فيه اختصاصه بما فيه
زينة، وتحرير الوسيلة 1: 387، كتاب الحج، القول في
تروك الإحرام، السابع. وقيل فيه بلزوم ترك مطلق
ما كان فيه زينة من الاكتحال على نحو الاحتياط.
414

2 - وقال الشيخ في الخلاف: " الاكتحال
بالإثمد مكروه للنساء والرجال " (1).
3 - وعد القاضي من جملة مكروهات
الإحرام: الاكتحال بما فيه طيب (2).
4 - وعكس ابن زهرة الأمر في الغنية، فقال
بكراهة الاكتحال للزينة وبحرمته إذا كان
فيه طيب (3).
ومثله قال النراقي (4).
ويرى بعضهم (5): أن قول ابن زهرة وقول
الشيخ في الخلاف واحد، ولعله لأجل أن عدم
تعرض الشيخ للاكتحال بما فيه طيب إحالة منه
للموضوع على الطيب فيكون حكمه حكم الطيب.
5 - وقال المحقق الحلي: " ويحرم الاكتحال
بالسواد على رأي، وبما فيه طيب " (1).
ومثله قال العلامة في القواعد (2).
وكلامهما مشعر بعدم الخلاف في حرمة
الاكتحال بما فيه طيب، لكن سبق أن القاضي
قائل بالكراهة.
6 - وقال السبزواري بعد نقل الأخبار في
الاكتحال بالأسود: " والجمع بين الأخبار يقتضي
حمل ما دل على النهي عن الاكتحال بالسواد على ما
كان للزينة، ثم إن قلنا: بأن النهي في أخبارنا يدل
على التحريم تعين المصير إليه، وإلا كان الحجة قول
الشيخ، ويؤيده دعواه الإجماع... ".
وقال بالنسبة إلى الاكتحال بما فيه طيب:
" والمشهور بين الأصحاب تحريم الاكتحال بما
فيه طيب ".
ثم نقل عن العلامة في التذكرة دعوى الإجماع
ونقل قول القاضي بالكراهة، ثم قال: " والأول
أقرب، لما دل على تحريم استعمال الطيب... " (3).

(1) الخلاف 1: 313، واختاره المحقق في المختصر
النافع: 85.
(2) المهذب 1: 221.
(3) الغنية: 168 و 169.
(4) مستند الشيعة 12: 41.
(5) وهو الفاضل النراقي، انظر المصدر المتقدم، بل جعل
قول المحقق في الشرائع والنافع، وقول السبزواري
الآتي متحدا معهما - أي الشيخ وابن زهرة - أيضا.
(1) الشرائع 1: 250.
(2) القواعد 1: 423.
(3) ذخيرة المعاد: 592.
415

7 - وفصل السيد الخوئي، فقال بحرمة الاكتحال
بالأسود وبقصد الزينة معا، على نحو القطع.
وقال باجتناب ما كان بالأسود مع عدم قصد
الزينة، وبغير الأسود مع قصد الزينة من باب
الاحتياط.
وقال بعدم البأس بما كان بغير الأسود وبغير
قصد الزينة (1).
ولم يذكر الاكتحال بالطيب، ولعله أحاله على
الطيب وكانت حرمته عنده مفروعا منها.
كانت هذه جملة الأقوال في المسألة.
اكتحال المعتدة:
لا إشكال في حرمة التزين للمعتدة عدة
الوفاة، ومن مصاديقه الاكتحال للزينة، وقد صرح
بذلك الفقهاء (2).
أما ما لم يكن للزينة فلا إشكال فيه.
كما لا إشكال فيما إذا اضطرت إليه، فتجعله
ليلا وتمسحه نهارا.
والحكم مختص بالمعتدة عدة الوفاة، ويراجع
تفصيله في عنوان " عدة ".
كانت هذه أهم الأبحاث المتعلقة بالاكتحال،
وهناك أبحاث أخرى يتعلق أكثرها بالكحل مثل:
1 - مانعية الكحل عن وصول الماء إلى
البشرة في الطهارة.
2 - كون الكحل من الزينة فيشمله حكمها.
3 - كون الكحل من المعدن فيشمله حكمه،
مثل: تعلق الخمس به، وعدم جواز التيمم به
والسجود عليه.
4 - عدم وجوب ستر موضع الكحل في
الصلاة.
وموارد مشابهة أخرى، يراجع فيها عنوان
" كحل " والمواضع المناسبة الأخرى مثل: وضوء،
غسل، معدن، خمس، زينة، ونحوها.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - آداب الحمام: آداب الاكتحال.
ب - أحكام النجاسات: استعمال النجس
والمتنجس.
ج - بحث الآنية: استعمال آنية الذهب
والفضة.
2 - كتاب الصوم: البحث عن مفطرية
الاكتحال.
3 - كتاب الحج: محرمات الإحرام،
الاكتحال.
4 - كتاب الطلاق: أحكام المعتدة.
5 - كتاب الأطعمة والأشربة: التداوي
بالخمر.

(1) المعتمد 4: 145 - 146.
(2) انظر: الانتصار: 345، والمبسوط 5: 264، والسرائر
2: 745، والمسالك 9: 277، ونهاية المرام 2: 101،
والجواهر 32: 283، وغيرها.
416

اكتساب
لغة:
مصدر اكتسب، بمعنى طلب الرزق، فهو
وكسب بمعنى واحد (1).
وقيل: إن كسب بمعنى أصاب، واكتسب أي
تصرف واجتهد (2).
وعلى أي تقدير، فالاكتساب أعم من
التجارة، لأنها تختص - في اللغة - بالبيع والشراء (3)،
والاكتساب يشملهما وغيرهما مما يحصل به طلب
الرزق كحيازة المباحات، والزراعة، وقبول الصدقة
بقصد طلب الرزق والاكتساب.
اصطلاحا:
الظاهر من كلماتهم: أن الاكتساب أعم من
التجارة التي هي: " عقد معاوضة مالية محضة
للاكتساب " (4)، أو " انتقال عين مملوكة من
شخص إلى آخر بعوض مقدر على جهة التراضي
للاكتساب " (1)، أو " مطلق المعاوضة " (2)، سواء
كانت بقصد الاكتساب والاسترباح أو لا.
فمثل الحصول على الربح من الزراعة أو
حيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش والصيد
وإحياء الموات وقبول الهدية والصدقة بقصد
الاكتساب وطلب الرزق، اكتساب وليس تجارة،
لعدم كونه معاوضة.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان " تجارة "
إن شاء الله تعالى.
الأحكام:
الحكم التكليفي للاكتساب:
اختلفوا في بيان حكم الاكتساب تكليفا هل
ينقسم إلى الأقسام الثلاثة: الحرمة والكراهة
والإباحة، أو الخمسة، بزيادة: الوجوب والندب؟
وقد وقع ارتباك في أن المقسم لهذا التقسيم
هل هو الاكتساب أو التجارة؟
وقال الشهيد الثاني: " وكل من التقسيمين
حسن... فإن مورد القسمة في الثلاثة: ما يكتسب
به، وهو العين والمنفعة، وظاهر أن الوجوب والندب
لا يرد عليهما من حيث إنهما عين خاصة ومنفعة،
بل بسبب أمر عارض، وهو فعل المكلف. ومورد
الخمسة: الاكتساب الذي هو فعل المكلف،
ومن شأنه أن يقبل القسمة إلى الخمسة فيما يمكن فيه

(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، والنهاية: " كسب ".
(2) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " كسب ".
(3) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس
المحيط: " تجر ".
(4) التنقيح الرائع 2: 3، وانظر المسالك 3: 117، ومفتاح
الكرامة 4: 4.
(1) انظر التنقيح الرائع 2: 3.
(2) الجواهر 22: 4، وانظر 15: 290.
417

تساوي الطرفين باعتبار العوارض اللاحقة له " (1).
لكن قال السيد العاملي: " وفيه نظر ظاهر،
لأن المباح والمحرم والمكروه أيضا كذلك، فإن العين
بذاتها لا تكون محرمة ولا مكروهة ولا مباحة،
بل باعتبار ما يتعلق بها من فعل المكلف " (2).
ومثله قال صاحب الجواهر (3)، ثم ذكر
توجيها آخر ورده.
وعلى أي تقدير، لما كان موضوع كلامنا هو
الاكتساب بمعناه المصدري، وهو فعل المكلف،
فلا إشكال في كونه محلا للأحكام الخمسة، فلذلك
نشير إليها إجمالا فيما يلي:
أولا - الاكتساب الواجب:
الذي توصلنا إليه من خلال تفحص كلمات
الفقهاء: أن الاكتساب إنما يجب إجمالا في موارد:
المورد الأول - تحصيل النفقة الواجبة لنفسه
وزوجته ومن تجب عليه نفقته من الأقارب
كالأولاد والوالدين.
قال الشيخ الطوسي في المبسوط بالنسبة إلى
إنفاق الوالد على ولده: "... وإنما قلنا: إنه إذا كان
قادرا على الكسب يلزمه أن يكتسب وينفق عليه،
هو: أن القدرة على الكسب بمنزلة المال في يده، لما
روي: أن رجلين أتيا النبي (صلى الله عليه وآله) فسألاه من الصدقة،
فقال: " أعطيكما بعد أن أعلمكما أن لا حظ فيها
لغني، ولا لقوي مكتسب "، فأجراه مجرى الغني في
المنع من أخذ الزكاة " (1).
وقال العلامة في التذكرة: " إن التكسب
واجب إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه وقوت
عياله ممن تجب نفقته عليه ولا وجه له سواه " (2).
وقال في القواعد: " فمنه واجب، وهو: ما
يحتاج الإنسان إليه لقوته وقوت عياله ولا وجه له
سوى المتجر " (3)، أو سوى الاكتساب حيث إنه
مورد بحثنا.
وعلق عليه المحقق الثاني بقوله: " كان عليه
أن يدرج مطلق المؤنة: من قوت وكسوة وسكنى،
وأن يبين: أن المراد بمؤنته: القدر الضروري في
قوام بدنه، وأما قوت عياله فيراد به: ما يجب شرعا
وإن زاد على قدر الضرورة، وأن يدرج فيه ما يدفع
به حاجة المضطر مما يجب على الكفاية، وأن يدرج
فيه أيضا مطلق التجارة التي بها يتحقق نظام
النوع، فإن ذلك من الواجبات الكفائية وإن زاد
على ما ذكرناه " (4).
وقال الشهيد الأول: " قد يجب التكسب
إذا توقف تحصيل قوته وقوت عياله الواجبي
النفقة عليه... " (5).

(1) المسالك 3: 118.
(2) مفتاح الكرامة 4: 4.
(3) الجواهر 22: 7.
(1) المبسوط 6: 31.
(2) التذكرة (الحجرية) 1: 581.
(3) القواعد 2: 5.
(4) جامع المقاصد 4: 6.
(5) الدروس 3: 162.
418

وقال مقداد السيوري: " اعلم أن التجارة
تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة: الواجب، وهو ما
اضطر الإنسان إليه في معاشه.... " (1).
وقال ابن فهد الحلي بالنسبة إلى أقسام
التجارة: " فمنها واجب، وهو: ما اضطر الإنسان
إليه في المباح، ولا سبب له سواه... " (2).
وقال الشهيد الثاني بالنسبة إلى التجارة:
"... فالواجب منها ما توقف تحصيل مؤنته ومؤنة
عياله الواجبي النفقة عليه... " (3).
وقال صاحب الحدائق: " ثم اعلم أن تحصيل
الرزق، منه ما يكون واجبا، وهو ما يحصل به البلغة
والكفاف لنفسه وعياله الواجبي النفقة عليه بحيث
يخرج عن أن يكون مضيقا " (4).
وقال النراقي - وهو يتكلم عن مطلق
الاكتساب -: " وهو قد يجب إن اضطر إليه في إبقاء
مهجته ومهجة عياله ومن يجري مجراها،... وكذلك
إذا توقف عليه الواجبات المطلقة كالحج بعد فقد
الاستطاعة مع التقصير، والماء للطهارة، والساتر
للعورة، ونحوها " (5).
وقال السيد العاملي: " الواجب من التجارة
ما كان في نفسه سائغا يحتاج إليه الإنسان لضروري
القوت واللباس وما جرى هذا المجرى، وما يجب
لعياله الواجبي النفقة على حسب ما يجب شرعا وإن
زاد على قدر الضرورة، وما يدفع به حاجة المضطر
مما يجب على الكفاية، وما به يتحقق نظام النوع،
وما كان لبعض الأمور الملتزمة، إلى غير ذلك من
الواجبات الموقوفة عليه " (1).
وبهذه المضامين قال فقهاء آخرون (2)،
وإنما ذكرناها للإشارة إلى بعض الأمور، وهي:
1 - بيان اختلاف الآراء في محل الوجوب.
2 - مقارنة ما ذكرناه بما يظهر من صاحب
الجواهر في بحث النفقات: من الإشكال في أصل
وجوب التكسب لنفقة الأقارب، ولم ينقل القول
بالوجوب إلا عن الشيخ والعلامة في التحرير، وإن
قوى هو الوجوب (3).
ولم نعثر فعلا على من صرح بعدم الوجوب.
3 - مقارنة ما ذكرناه بما قاله الشيخ
الأنصاري، حيث قال: " قد جرت عادة غير واحد
على تقسيم المكاسب إلى محرم ومكروه ومباح،
مهملين للمستحب والواجب، بناء على عدم
وجودهما في المكاسب، مع إمكان التمثيل للمستحب

(1) التنقيح الرائع 2: 4.
(2) المهذب البارع 2: 334.
(3) الروضة 3: 220.
(4) الحدائق 18: 15.
(5) مستند الشيعة 14: 14 - 15.
(1) مفتاح الكرامة 4: 5.
(2) انظر: مجمع الفائدة 8: 10، ومنهاج الصالحين (للسيد
الحكيم) 2: 5، كتاب التجارة، المقدمة. ومنهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 3، كتاب التجارة،
المقدمة.
(3) الجواهر 31: 375.
419

بمثل الزراعة والرعي مما ندب إليه الشرع،
وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية، خصوصا إذا
تعذر قيام الغير به، فتأمل " (1).
أقول: إن أغلب الذين ذكروا التقسيم الثلاثي
- بحذف الواجب والمستحب - إنما جعلوا محل البحث
التجارة كما تقدم، والذين جعلوه خماسيا جعلوا محل
البحث الاكتساب، وذكروا له أمثلة كما تقدم.
والظاهر: أن مورد نظر الشيخ الأنصاري إنما
هو وجوب الاكتساب لنفسه، ومثاله وجوب بعض
الصناعات كفاية كما قال، وما تقدم ويأتي من
الموارد التي ذكرناها للوجوب إنما هي وجوب
الاكتساب لغيره، فلا منافاة لما قاله مع ما تقدم.
ومثله يأتي بالنسبة إلى الاكتساب المستحب.
المورد الثاني - أداء الدين، بناء على أحد
القولين، وفي مقابله القول بعدم وجوب التكسب،
وقيل: إنه المشهور (2).
وقد تقدم الكلام عن ذلك إجمالا في
عنوان " إعسار ".
المورد الثالث - أداء الواجبات المستقرة في
ذمة المكلف والتي يحتاج إتيانها إلى المال، كما يظهر
من عبارات النراقي والعاملي ونحوهما.
ثانيا - الاكتساب المندوب:
وهو الاكتساب بقصد التمكن من الإتيان
بالأمور المندوبة التي يتوقف إتيانها على المال، مثل
التوسعة على العيال، والإنفاقات المندوبة، والحج
المندوب، والزيارات المندوبة ونحوها (1)،
فالاكتساب بقصد هذه الأمور من الاكتساب
المندوب وإن اقتصر كثير من الفقهاء على الاكتفاء
بذكر التوسعة على العيال، ولعله للتنصيص عليه،
فقد ورد صحيحا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله " (2).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" ملعون، ملعون من يضيع من يعول " (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن في حكمة آل
داود: ينبغي للمسلم العاقل أن لا يرى ظاعنا إلا في
ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير
ذات محرم " (4).
والروايات الواردة في استحباب التجارة (5)

(1) المكاسب 1: 13.
(2) انظر: الحدائق 20: 199 - 200، والجواهر 25: 325
- 326.
(1) انظر: القواعد 2: 5، وجامع المقاصد 4: 7، والتنقيح
الرائع 2: 4، والروضة البهية 3: 220، والمسالك 3:
118، ومستند الشيعة 14: 15، ومفتاح الكرامة 4: 6.
(2) الوسائل 17: 67، الباب 23 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: 68، الحديث 7.
(4) الوسائل 17: 63، الباب 21 من أبواب مقدمات
التجارة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 17: 9، الباب الأول من أبواب مقدمات
التجارة، وكذا الباب الثاني.
420

والزراعة (1) كثيرة.
ثالثا - الاكتساب المكروه:
ذكر الفقهاء أصنافا كثيرة من الاكتساب
وقالوا: إنها مكروهة، وإنما نقتصر هنا على
ما ذكره المحقق الحلي في الشرائع مع توضيح صاحب
الجواهر له:
فقد صنف المحقق المكاسب المكروهة إلى
ثلاثة أقسام، وهي:
1 - ما يفضي إلى محرم أو مكروه غالبا:
وعد من هذا القبيل:
أ - الصرف: لأن صاحبه لا يسلم من الربا
غالبا.
ب - بيع الأكفان: لأن بائع الكفن يتمنى موت
الناس.
ج - بيع الطعام: فإنه يؤدي إلى الاحتكار
وحب الغلاء.
د - بيع الرقيق: فإن شر الناس من باع
الناس.
ه‍ - اتخاذ الذبح والنحر صنعة: لأنه قد يسبب
قساوة القلب (2).
والظاهر - كما قال صاحب الجواهر - أن القيد
المذكور للأخير، وهو " اتخاذه صنعة " موجود في
الأربعة المتقدمة أيضا، وإنما ذكرها المحقق للأخير
لدفع توهم كراهة الذبح والنحر مطلقا.
ومن المناسب أن يضاف إلى ذلك:
- تلقي الركبان (1): لأنه قد يؤدي إلى تضييع
حق من لا خبرة له بالسوق (2).
- توكل الحاضر للبادي والقروي وسمسرته
لهما: كأن يبيع ويشتري للبدوي والقروي مع جهلهما
بالسعر المتعارف (3).
- الاحتكار: بناء على القول بكراهته (4)،
كما تقدم تفصيله في عنوان " احتكار ".
2 - المهن والصناعات الوضيعة:
وعد من هذا القسم:
أ - النساجة والحياكة: ولعلهما كانتا كذلك قبل
ظهور المصانع والمعامل الحديثة، لكنهما الآن

(1) الوسائل 17: 41، الباب 10 من أبواب مقدمات
التجارة، و 19: 32، الباب 3 من أبواب كتاب المزارعة.
(2) انظر: الجواهر 22: 129، والوسائل 17: 135، الباب
21 من أبواب ما يكتسب به.
(1) تلقي الركبان هو: أن يستقبل الحضري البدوي قبل
وصوله إلى البلد، فربما أخبره بكساد ما معه كذبا
ليشتري منه سلعته بالوكس والقيمة القليلة. مجمع
البحرين: " لقا ".
(2) انظر الجواهر 22: 471 - ونقل عن ابن البراج وابن
إدريس القول بالتحريم - والوسائل 17: 442، الباب
36 من أبواب آداب التجارة.
(3) انظر: الجواهر 22: 461، والوسائل 17: 442، الباب
37 من أبواب آداب التجارة.
(4) انظر الجواهر 22: 477.
421

خاليتان من الشين.
ب - الحجامة: وقيد بعضهم الكراهة فيها بما
إذا اشترط الحجام الأجر من أول الأمر.
ج - التكسب بضراب الفحل: بأن يؤجر
الفحل كالتيس للضراب، وقد ورد: أن العرب
كانت تتعاير به (1).
أقول: هناك حرف ومهن وضيعة ربما لم تكن
متعارفة آنذاك وهي متعارفة حاليا أو بالعكس،
وربما كان بعضها وضيعا آنذاك ولم يكن وضيعا
فعلا، وبالعكس، فإذا كانت علة الكراهة في هذه
الموارد هي كونها وضيعة فيعم الحكم، وإن كان
كونها وضيعة حكمة لا علة، فلا يسري الحكم من
مورده إلى غيره.
3 - ما تتطرق إليه الشبهة:
وعد من هذا القسم:
أ - تكسب الصبيان: لأجل الشبهة الحاصلة
من إمكان اجترائه على ما لا يحل له لجهله أو علمه
بارتفاع القلم عنه. وأما لو علم اكتسابه من محلل،
ففي الجواهر: " فلا كراهة، وإن أطلق بعضهم بل قيل
الأكثر، كما أنه لو علم تحصيله أو بعضه من محرم،
وجب اجتناب ما علم منه أو اشتبه " (2).
والكراهة تكون على الولي لو تكسب به أو
أخذ كسبه، أو عليه بعد بلوغه ورفع الحجر عنه
وتصرفه فيه (1).
ب - تكسب من لا يجتنب المحارم: لتطرق
الشبهة إليه أيضا.
ولعل منه: ما ذكره الشهيد الأول: من كراهة
كسب الإماء إلا مع الأمانة (2).
هذا ما ذكره المحقق الحلي، وهناك موارد
أخرى من الاكتساب المكروه ذكرها العلامة (3)
والشهيد (4) وغيرهم، منها: أخذ الأجرة على
الأذان - بناء على عدم حرمته - والصياغة،
ومعاملة الظالمين، والسفلة - أو السفلة (5) -
422

والأدنين (1)، والمحارفين (2)، وذوي العاهات (3)، والأكراد.
قال ابن إدريس معللا كراهة معاملة الأكراد:
" لأن الغالب على هذا الجيل والقبيل قلة البصيرة،
لتركهم مخالطة الناس وأصحاب البصائر " (1).
وسوف يأتي تفصيل الكلام عن الأكراد في
عنوان " أكراد " إن شاء الله تعالى.
رابعا - الاكتساب المحرم:
ذكروا أنواعا عديدة للاكتساب المحرم،
لا يسعنا التعرض لها جميعا في محل واحد، بل سوف
نذكرها في مواضعها المناسبة إن شاء الله تعالى،
وإنما نكتفي هنا بذكر فهرس مما ذكره الشيخ
الأنصاري من أنواع الاكتساب المحرم ليحصل العلم
الإجمالي بها.
قسم الشيخ الأنصاري ما يحرم التكسب به
إلى خمسة أنواع، هي:
423

النوع الأول - الاكتساب بالأعيان
النجسة عدا ما استثني:
وعد منها:
1 - البول والعذرة مما لا يؤكل لحمه.
2 - الدم النجس.
3 - المني.
4 - الميتة من كل حيوان ذي نفس سائلة.
5 - الكلب والخنزير البريين.
6 - الخمر وكل مسكر مائع بالأصالة والفقاع.
7 - الأعيان المتنجسة غير القابلة للتطهير.
ثم استثنى مما تقدم:
أ - بيع العبد الكافر المملوك.
ب - كلب الصيد والماشية والحائط.
ج - العصير العنبي بعد غليانه وقبل ذهاب
ثلثيه.
د - بيع الدهن المتنجس بقصد الاستصباح.
وقد تقدم الكلام عن هذا في العنوانين:
" استصباح " و " إعلام ".
ثم أردفه بالكلام عن حكم بيع غير الدهن
من المتنجسات.
النوع الثاني - الاكتساب بما يحرم لتحريم
ما يقصد به:
وذكر لهذا النوع أقساما، هي:
1 - ما لا يقصد من وجوده على الشكل
الخاص إلا الحرام، ومثل لذلك ب‍:
أ - هياكل العبادة المبتدعة، كالصلبان
والأصنام.
ب - آلات القمار.
ج - آلات اللهو.
د - أواني الذهب والفضة.
وقد تقدم الكلام عن الثلاثة الأخيرة في
العناوين: " آلات القمار " و " آلات اللهو "
و " آنية ".
ه‍ - الدراهم المزيفة، وهي الخارجة عن دائرة
الاستعمال، والمصنوعة بقصد غش الناس.
2 - ما يقصد منه المتعاملان المنفعة
المحرمة.
وذكر فيه مسائل:
أ - بيع العنب على أن يعمل خمرا،
وبيع الخشب على أن يعمل صنما أو آلة لهو أو قمار،
وإجارة المساكن لتباع أو يحرز فيها الخمر.
ب - الجارية المغنية، والعبد الماهر في السرقة
والقمار، بحيث يكون الوصف المحرم داعيا لزيادة
الثمن، وهكذا في كل مورد.
ج - بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا
وبقصد أن يعمله خمرا.
3 - ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا، بمعنى
أن من شأنه أن يقصد منه الحرام. وقال: إن تحريم
هذا مقصور على النص.
ومثل له بشراء السلاح من أعداء الدين مع
قصد تقويتهم.
424

النوع الثالث - ما لا منفعة فيه منفعة معتدا
بها عند العقلاء:
والتحريم هنا من جهة فساد المعاملة وصدق
أكل المال بالباطل على أكل الثمن، مثل الخنافس
والديدان.
النوع الرابع - ما يحرم الاكتساب به لكونه
عملا محرما في نفسه:
وذكر ضمن هذا النوع مسائل كثيرة تتضمن
البحث عن عناوين ذكرها الفقهاء ولو استطرادا عند
الكلام عن المكاسب المحرمة، وهي:
1 - تدليس الماشطة.
2 - تزيين الرجل بما يختص بالنساء وبالعكس.
3 - التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة.
4 - تصوير ذوات الأرواح.
5 - التطفيف.
6 - التنجيم.
7 - حفظ كتب الضلال.
8 - الرشوة.
9 - سب المؤمن.
10 - السحر.
11 - الشعبذة.
12 - الغش.
13 - الغناء.
14 - الغيبة.
15 - القمار.
16 - القيادة.
17 - القيافة.
18 - الكذب.
19 - الكهانة.
20 - اللهو.
21 - مدح من لا يستحق المدح.
22 - إعانة الظالمين.
23 - النجش.
24 - النميمة.
25 - النوح بالباطل.
26 - الولاية من قبل الجائر.
27 - هجاء المؤمن.
28 - الهجر.
النوع الخامس - ما يجب على الإنسان فعله:
وتكلم في هذا النوع عن أخذ الأجرة على
الواجبات والمحرمات، وفي الخاتمة عن بيع المصحف
بصورة عامة وللكافر بصورة خاصة، وعن أخذ
جوائز السلطان وعماله، وعن شراء الأراضي
الخراجية.
وللفقهاء في أغلب هذه الموارد كلام
ومناقشات، وسوف نذكر آراءهم في مواطنها
المناسبة إن شاء الله تعالى.
خامسا - الاكتساب المباح:
وهو سوى ما تقدم من أنواع الاكتساب مما
425

لا دليل على رجحانه ومرجوحيته.
آداب الاكتساب:
آداب الاكتساب هي آداب التجارة التي
ذكرها جملة من الفقهاء، فلذلك نحيلها على
عنوان " تجارة ".
أكراد
لغة:
جيل من الناس يسكنون الهضاب في منطقة
بين العراق وإيران وتركيا.
اصطلاحا:
قيل: المعيار صدق هذا الاسم عرفا (1).
الأحكام:
وردت روايتان في النهي عن مخالطة الأكراد
ومناكحتهم، وحمل الفقهاء النهي على الكراهة،
والروايتان هما:
الأولى - ما رواه الكليني في الكافي عن
محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد، عن
علي بن الحكم، عمن حدثه عن أبي الربيع الشامي،
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: إن عندنا قوما
من الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم
ونبايعهم؟ فقال: يا أبا الربيع، لا تخالطوهم فإن
الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء،
فلا تخالطوهم " (1).
الثانية - ما رواه أيضا عن علي بن إبراهيم
عن إسماعيل بن محمد المكي عن علي بن الحسين،
عن عمرو بن عثمان، عن الحسين بن خالد،
عمن ذكره، عن أبي الربيع الشامي، قال:
"... ولا تنكحوا من الأكراد " (2).
وذكر الفقهاء الحكم الأول ضمن بيان من
تكره معاملته، والثاني ضمن بيان من تكره
مناكحته، أو كليهما في الأول (3).
لكن المنهي عنه في الرواية الأولى مخالطتهم
لا معاملتهم، كما قال النراقي (4)، إلا أن تعد المعاملة
مخالطة.
وهناك بعض النقاط ينبغي توجيه النظر
إليها، وهي:
أولا - أن الروايتين ضعيفتان من حيث
السند، للإرسال الموجود فيهما، حيث لم يذكر
الراوي عن أبي الربيع مباشرة في السند.

(1) انظر مفتاح الكرامة 4: 11.
(1) الكافي 5: 158، باب من تكره معاملته، الحديث 2.
(2) الكافي 5: 352، باب من كره مناكحته، الحديث 2.
(3) انظر: النهاية: 373، والمهذب 2: 181، والسرائر
2: 233، والجامع للشرائع: 245، والقواعد 2: 6،
والدروس 3: 180، وغيرها من الكتب الفقهية.
(4) مستند الشيعة 14: 27.
426

ولعدم ورود تصريح بتوثيق أبي الربيع نفسه،
فإنه لم يرد في حقه جرح أو توثيق - كما قال السيد
الخوئي (1) - وإن ورد ذكره في روايات عديدة.
ثانيا - قال ابن إدريس معلقا على إفتاء
الفقهاء بكراهة معاملتهم: " وذلك راجع إلى كراهية
معاملة من لا بصيرة له فيما يشتريه ولا فيما يبيعه،
لأن الغالب على هذا الجيل والقبيل قلة البصيرة،
لتركهم مخالطة الناس وأصحاب البصائر " (2).
وهناك بعض الروايات يستفاد منها عدم
كون قسم كثير منهم مسلمين آنذاك، أو كانوا
مسلمين ولكن غير ملتزمين بأحكام الإسلام، مثل
الأعراب الذين لم يلتزموا بأحكامه، كما تقدم
الكلام عنهم في عنوان " أعراب ".
فقد روى الحسين بن المنذر، قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): " إنا نتكارى هؤلاء الأكراد في قطاع
الغنم، وإنما هم عبدة النيران وأشباه ذلك، فتسقط
العارضة فيذبحونها ويبيعونها، فقال: ما أحب أن
تجعله في مالك، إنما الذبيحة اسم، ولا يؤمن على
الاسم إلا مسلم " (3).
وقال العلامة في المنتهى: " العدو الصاد لأهل
الحج إما أن يكونوا مسلمين أو مشركين، فإن كانوا
مسلمين كالأكراد والأعراب وأهل البادية، فالأولى
الانصراف عنهم، لأن في قتالهم مخاطرة بالنفس
والمال وقتل مسلم، فكان الترك أولى إلا أن
يدعوهم الإمام أو من نصبه الإمام إلى قتالهم... " (1).
وقال في التذكرة بالنسبة إلى تلف المال
الزكوي: " لو ادعى المالك التلف أو تلف البعض قبل
قوله بغير يمين، لأنه حق الله تعالى، فلا يمين فيه
كالصلاة والحد، خلافا للشافعي، سواء كان بسبب
ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد، أو خفي
كالسرقة... " (2).
والحاصل مما تقدم ومن غيره: أن الأكراد
كانوا كالأعراب حيث كانت الحالة السائدة فيهم
هي الغزو ونحوه، وربما يقال بتبدل الحكم مع تبدل
حالتهم.
ثالثا - قال العلامة المجلسي معلقا على الرواية
الناهية عن مخالطتهم: " الحديث الثاني مرسل، ويدل
على كراهة معاملة الأكراد، وربما يؤول كونهم من
الجن: بأنهم لسوء أخلاقهم، وكثرة حيلهم أشباه
الجن، فكأنهم منهم كشف عنهم الغطاء " (3).

(1) معجم رجال الحديث 7: 70 - 73، وقد ذكره تحت
عنوان " خليد بن أوفى "، وذكر فيه محاولة الشهيد
لإثبات كونه ممدوحا، ثم ناقشه.
(2) السرائر 2: 233.
(3) الوسائل 24: 51، الباب 26 من أبواب الذبح،
الحديث 7، وانظر الوسائل 15: 129، الباب 50 من
أبواب جهاد العدو، الحديث الأول، و 21: 190،
الباب 69 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 3،
و 28: 382، الباب 2 من أبواب الدفاع.
(1) المنتهى (الحجرية) 2: 849.
(2) التذكرة 5: 168.
(3) مرآة العقول 19: 145.
427

مظان البحث:
أكثر ما تطرق الفقهاء إلى هذا الموضوع إنما
هو في آداب التجارة أو بيان أحكامها التكليفية، ثم
في آداب النكاح.
وربما تطرق بعضهم إلى غير مسألتي النكاح
والمعاملة في مواضع اخر كالحج في مسألة الصد
بمناسبة صدهم الحجاج، وصلاة الجمعة حيث
تكلموا عن وجوبها عليهم من حيث عدم
استيطانهم غالبا كالأعراب.
إكرام
لغة:
مصدر أكرم بمعنى عظم ونزه، يقال: أكرمه،
أي عظمه ونزهه (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
الأحكام:
ورد في الروايات الأمر بإكرام طوائف من
الناس، ومن سائر الموجودات الاخر، نشير إلى
أهمها مع ذكر ما يلائمه من النصوص، ونرجئ
التفصيل إلى مواضعه المناسبة إن شاء الله تعالى.
إكرام القرآن وأهله:
ورد في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين
إذا هم بشخص قد أقبل لم ير قط أحسن صورة منه،
فإذا نظر إليه المؤمنون - وهو القرآن - قالوا: هذا منا،
هذا أحسن شئ رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم، ثم
ينظر إليه الشهداء حتى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم
فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم كلهم حتى إذا انتهى
إلى المرسلين فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم حتى
ينتهي إلى الملائكة فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم
[ثم ينتهي] حتى يقف عن يمين العرش فيقول الجبار:
وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني (1) لأكرمن اليوم من
أكرمك، ولأهينن من أهانك " (2).
وورد النهي عن استضعاف أهل القرآن، فقد
روى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " إن أهل
القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين
والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإن
لهم من الله العزيز الجبار لمكانا عليا " (3).
إكرام أهل البيت (عليهم السلام):
يكفي في وجوب إكرام أهل البيت (عليهم السلام) قوله

(1) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط: " كرم ".
(1) هذا ونحوه مؤول، لأنه متعال عن المكان والزمان.
(2) أصول الكافي 2: 602، كتاب فضل القرآن،
الحديث 14.
(3) المصدر المتقدم: 603، باب فضل حامل القرآن،
الحديث الأول.
428

تعالى: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) * (1)، فإن أجر الرسالة هو مودة ذوي القربى
وهم كما ورد: أهل البيت علي وفاطمة والحسن
والحسين (عليهم السلام) (2).
ويستحب إكرام كل من يكون إكرامه
إكراما لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذلك قال الشهيد في
الذكرى بعد مناقشة استحباب تقديم الهاشمي
في إمامة الجماعة، لعدم ذكر مستند صحيح له:
" نعم، فيه إكرام لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ تقديمه لأجله
نوع إكرام، وإكرام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتبجيله مما
لا خفاء بأولويته " (3).
إكرام العالم:
ورد الحث على تكريم العلماء وتعظيمهم في
روايات أهل البيت (عليهم السلام) ما لم يرد في حق غيرهم،
ومن ذلك ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث قال:
" كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن من حق العالم أن
لا تكثر عليه السؤال، ولا تأخذ بثوبه، وإذا دخلت
عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا، وخصه بالتحية
دونهم، واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه،
ولا تغمز بعينك، ولا تشر بيدك، ولا تكثر من
القول: قال فلان وقال فلان، خلافا لقوله،
ولا تضجر بطول صحبته، فإنما مثل العالم مثل النخلة
تنتظرها حتى يسقط عليك منها شئ، والعالم أعظم
أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله " (1).
وكان الأئمة (عليهم السلام) يكرمون العلماء من
تلامذتهم وأصحابهم (2).
إكرام المؤمن:
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " من أتاه
أخوه المسلم فأكرمه فإنما أكرم الله عز وجل " (3).
وروي عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلطفه بها
وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه من
الرحمة ما كان في ذلك " (4).
إكرام المؤمن ذي الشيبة:
روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): من إجلال الله عز
وجل إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمنا
فبكرامة الله بدأ. ومن استخف بمؤمن ذي شيبة

(1) الشورى: 23.
(2) انظر: مجمع البيان (9 - 10): 28، وتفسير البيضاوي
2: 364.
(3) الذكرى 4: 414، وانظر: المسالك 1: 315، والمدارك
4: 357.
(1) أصول الكافي 1: 37، باب حق العالم، وانظر البحار
2: 40، باب حق العالم.
(2) انظر سفينة البحار 6: 347، عنوان " علم ".
(3) الوسائل 16: 376، الباب 31 من أبواب فعل
المعروف، الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 2.
429

أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته " (1).
وعنه (عليه السلام) قال: " ثلاثة لا يجهل حقهم
إلا منافق معروف النفاق: ذو الشيبة في الإسلام،
وحامل القرآن، والإمام العادل " (2).
إكرام من اسمه محمد:
وروى الكليني بإسناده إلى أبي هارون مولى
آل جعدة، قال: " كنت جليسا لأبي عبد الله (عليه السلام)
بالمدينة ففقدني أياما، ثم إني جئت إليه فقال لي: لم
أرك منذ أيام يا أبا هارون؟ فقلت: ولد لي غلام،
فقال: بارك الله فيه، فما سميته؟ قلت: سميته محمدا،
قال: فأقبل بخده نحو الأرض وهو يقول: محمد!
محمد! محمد! حتى كاد يلصق خده بالأرض، ثم قال:
بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبوي وبأهل الأرض كلهم
جميعا الفداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا تسبه ولا تضربه
ولا تسئ إليه... " (3).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إذا سميتم
الولد محمدا فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس،
ولا تقبحوا له وجها " (4).
وألحقت به أسماء سائر أهل البيت (عليهم السلام) (1).
إكرام الكريم والشريف:
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إذا أتاكم
كريم قوم فأكرموه " (2).
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال أيضا: " إذا أتاكم
شريف قوم فأكرموه " (3).
ولذلك ذكروا من جملة مكروهات التجارة
والاكتساب: استخدام من يستحق الإكرام لحسب
أو نسب أو كبر سن، ونحو ذلك (4).
إكرام الضيف:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " مما علم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن قال: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم ضيفه " (5).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " مما علم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عليا أن قال:... " (6)، وذكر الحديث

(1) أصول الكافي 2: 658، باب وجوب إجلال
ذي الشيبة المسلم، الحديث 5.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 4.
(3) الوسائل 21: 393، الباب 24 من أبواب أحكام
الأولاد، الحديث 4.
(4) الوسائل 21: 394، الباب 24 من أبواب أحكام
الأولاد، الحديث 7.
(1) انظر الوسائل 21: 394، الباب 24 و 26 من أبواب
أحكام الأولاد.
(2) الوسائل 12: 100، الباب 68 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: الحديث الأول.
(4) الجواهر 22: 467.
(5) الوسائل 24: 318، الباب 40 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(6) المصدر المتقدم: 319، الحديث 2.
430

المتقدم نفسه.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): إن من حق الضيف أن يكرم وأن يعد
له الخلال " (1).
إكرام الخبز:
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله):
أكرموا الخبز، فإنه قد عمل فيه ما بين العرش
إلى الأرض، والأرض وما فيها من كثير
من خلقها... " (2).
وعنه (عليه السلام)، قال: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على
عائشة، فرأى كسرة (3) كاد أن يطأها، فأخذها
وأكلها، وقال: يا حميرا، أكرمي جوار نعم الله
عليك، فإنها لم تنفر عن قوم، فكادت تعود إليهم " (4).
وربما يستفاد من سائر الروايات أنه ينبغي
إكرام سائر نعم الله تعالى وإن كان إكرام الخبز أشد
طلبا من غيره (5)، وسوف يأتي الكلام عنه وعن
كيفيته في عنوان " خبز " إن شاء الله تعالى.
بقيت موارد أخرى مما ذكر فيها الإكرام وإن
لم يرد فيها لفظ " الإكرام " ولكن لم نتعرض لها مخافة
التطويل، مثل: إكرام المؤذنين (1)، وإكرام الزوجة (2)
والولد الصالح (3)، وإكرام الشعر (4)، وإكرام بعض
الحيوانات مثل: البقر والغنم والحمام والخطاف (5)،
وبعض الأشجار كالنخلة (6).

(1) الوسائل 24: 319، الباب 40 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 3.
(2) الوسائل 24: 383، الباب 79 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(3) الكسرة: القطعة المكسورة من الشئ. لسان العرب:
" كسر ". والمراد هنا الكسرة من الخبز.
(4) الوسائل 24: 381، الباب 77 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 4.
(5) انظر الجواهر 36: 476.
(1) الوسائل 5: 371، الباب 2 من أبواب الأذان، باب...
وإكرام المؤذنين.
(2) الوسائل 20: 167، الباب 86 من أبواب مقدمات
النكاح، باب استحباب إكرام الزوجة.
(3) الوسائل 21: 358، الباب 2 من أبواب أحكام
الأولاد، باب استحباب إكرام الولد الصالح.
(4) الوسائل 2: 129، الباب 78 من أبواب آداب الحمام،
باب استحباب إكرام الشعر.
(5) الوسائل 11: 518، الباب 32 من أبواب أحكام
الدواب، باب استحباب إكرام الحمام والبقر والغنم،
والصفحة 524، الباب 38، باب استحباب إكرام
الخطاف.
(6) الوسائل 25: 145، الباب 78 من أبواب الأطعمة
المباحة، باب استحباب إكرام النخلة.
431

إ كراه
لغة:
حمل الغير على أمر وهو كاره (1)، أو حمله على
أمر هو له كاره (2)، أو حمله عليه قهرا (3).
فبمقتضى التعريف الأول تكون الكراهة
للحمل، وبمقتضى الثاني تكون الكراهة للفعل
المحمول عليه، وأما الثالث فيبدو أنه أعم من
الأولين، لأن حمل الغير على فعل قهرا يلائم كراهته
- أي الغير - للحمل وللفعل المحمول عليه.
اصطلاحا:
الظاهر أن مفهوم الإكراه عند الفقهاء هو
المفهوم اللغوي إجمالا، وإنما يذكرون بعض الشرائط
لصدق هذا المفهوم، كما سنتحدث عنها قريبا إن شاء
الله تعالى.
ويؤيد ما ذكرناه كلام الشيخ الأنصاري،
حيث قال: " إن حقيقة الإكراه لغة وعرفا: حمل
الغير على ما يكرهه " (4).
وهكذا كلام غيره أيضا كالسيد الخوئي حيث
قال: " الكراهة هي ضد الحب، والإكراه هو: حمل
الرجل على ما يكرهه " (1).
بل أحال بعضهم المفهوم الاصطلاحي للإكراه
على المفهوم اللغوي والعرفي، قال صاحب الجواهر:
" المرجع فيه كغيره من الألفاظ التي هي عنوان
لحكم شرعي إلى العرف واللغة، إذ ليس له وضع
شرعي، ولا مراد " (2).
وممن أرجعه إلى العرف الإمام الخميني - في
المكاسب المحرمة - تبعا لصاحب الجواهر (3)، إلا أنه
عرفه في كتاب البيع بكونه: " حمل الغير على شئ
قهرا " (4)، واستفاد منه صدق الإكراه فيما لو حمل
المكره المكره على إتيان ما يشتاق إليه طبعا،
لكن يتجنبه لمصلحة وبحكم العقل، فإنه يصدق عليه
أنه حمله على ذلك الفعل قهرا، ولم يصدق أنه حمله
على ما يكرهه.
الفرق بين الإكراه والإجبار:
الظاهر من كلمات جملة من الفقهاء (5): أن
الفارق بين الإجبار والإكراه هو أن الفاعل في الأول
يكون خاليا من القصد إلى الفعل بخلاف الثاني،

(1) انظر العين: " كره ".
(2) انظر لسان العرب: " كره ".
(3) انظر: المصباح المنير، والمعجم الوسيط: " كره ".
(4) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 311.
(1) مصباح الفقاهة 1: 448.
(2) الجواهر 32: 11.
(3) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 2: 252.
(4) كتاب البيع 2: 61 - 62.
(5) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 307،
ومصباح الفقاهة 3: 281، وكتاب البيع 2: 55.
432

فإن الفاعل فيه قاصد للفعل.
فالمكره على الإفطار في نهار رمضان قاصد
للإتيان بالمفطر، سواء كان أكلا أو شربا أو غيرهما،
لكن يأتي بذلك عن إكراه.
وأما المجبور، فلا يتحقق منه قصد الإفطار،
كمن أوجر في فيه الماء.
ولذلك حينما يتكلمون عن شرطية الاختيار
لصحة العقد، يقولون: المراد منه هو الاختيار المقابل
للإكراه، لا المقابل للإجبار، لأن الثاني يرتفع معه
القصد، وعندئذ لا يتحقق أصل العقد.
وإلى هذا المعنى أشير في هدى الطالب حيث
جاء فيه: " إن الاختيار يطلق تارة على الإرادة
والقدرة على كل من الفعل والترك، في قبال المضطر
والمجبور المسلوب إرادته، كحركة يد المرتعش،
وكالصائم المكتف الذي يصب الماء في حلقه بحيث
لا قصد له إلى الشرب أصلا، وهو مقهور في فعله
بنحو لا يصح إسناد الفعل إليه، بل يسند إلى القاهر
والحامل له.
وأخرى على الرضا الذي هو أمر نفساني
مغاير للقدرة على كل من الفعل والترك، وهو أمر
زائد عليه، بمعنى أنه بعد تحقق إرادة فعل في الخارج
وعدم إجبار عليه، تصل النوبة إلى كونه صادرا
عن طيب النفس، أو عما يقابله من الإكراه الذي
يتحقق بتحميل الغير وتوعيده، كما في تهديد الصائم
بإيراد ضرر على نفسه أو طرفه أو ماله لو لم يتناول
المفطر بيده.
والفرق بين المعنيين إسناد الفعل إلى المباشر
المكره على ما يفعل، لصدور الفعل عن إرادته
وإن لم يكن راضيا به، بخلافه في المجبور
الفاقد للإرادة.
والمقصود بالبحث اشتراط العقد بالاختيار
بمعناه الثاني المقابل للمكره، بعد الفراغ عن تحقق
الإرادة والقصد إلى الفعل فيه " (1).
الفرق بين الإكراه والاضطرار:
الإكراه يتحقق من الغير، فلا يصدق الإكراه
إلا مع وجود المكره، مثل إكراه الجائر المكره
بترك واجب أو ارتكاب محرم، أو إجراء عقد
ونحو ذلك.
وأما الاضطرار، فلا يتوقف حصوله على
فعل الغير، مثل حصول الجوع والعطش والمرض
ونحوها، فلو باع شخص ما يملكه لشراء الخبز أو
الماء أو الدواء كان بيعه اضطراريا ولم يلزمه
أحد بذلك.
والإكراه يرفع الحرمة ويبطل العقد والإيقاع.
أما الاضطرار فهو يرفع الحرمة، لكن لا يبطل
العقد أو الإيقاع.
والسر في ذلك هو: أن حديث الرفع - الذي
تضمن رفع الإكراه والاضطرار - وارد مورد
الامتنان على الأمة، وذلك يقتضي بطلان عقد
المكره وصحة عقد المضطر، لأن صحة عقد المكره

(1) هدى الطالب 4: 150 - 151.
433

خلاف الامتنان، وكذا بطلان عقد المضطر (1).
هذا وذكر السيد اليزدي عدة معان
للاضطرار ينطبق بعضها على الإجبار وبعضها على
الاضطرار بالمعنى المتقدم، وبعضها على الإكراه
بالمعنى المتقدم أيضا، نشير إليها تتميما للفائدة، قال:
" إن هنا عناوين عديدة:
أحدها - الاضطرار في الشئ بمعنى المجبور به
فيه، نظير حركة المرتعش. وهذا ليس محلا للكلام.
ثانيها - الاضطرار إلى الشئ بمعنى قضاء
الضرورة إلى اختياره من غير أن يكون بحمل
الغير له عليه، كما إذا اضطر إلى بيع داره لحفظ
النفس أو للإنفاق على العيال، أو أداء الدين
الواجب، ومنه ما إذا أكرهه الغير على دفع مال
ولم يملكه إلا ببيع داره...
ثالثها - الاضطرار إلى الشئ من جهة حمل
الغير له عليه، والمراد بالغير الشخص الإنساني وإن
كان صغيرا أو مجنونا ولا يصدق الحمل إلا إذا طلب
منه نفس الفعل مع الإيعاد على تركه، وليسم هذا
باسم الإكراه بمعنى الإجبار، وإن شئت فسمه
بالإجبار والقسم الآتي بالإكراه.
رابعها - كونه مكرها على الفعل لا بحيث
يكون مضطرا إليه، كما إذا طلب منه أبوه أو أمه أو
زوجته فعلا، ولم يكن في تركه ضرر عليه إلا أنه
يريد إرضاءهم وعدم مخالفتهم، ومنه الطلاق
مداراة بأهله، ومنه ما إذا كان قادرا على
التفصي بالتمحل البعيد، بل القريب مع صدق الإكراه
العرفي، وإلى هذا المعنى تشير رواية ابن سنان
المذكورة في الكتاب (1).
ومحل الكلام من هذه الأقسام هما الصورتان
الأخيرتان " (2).
ما يعتبر في تحقق الإكراه:
قال الشيخ الطوسي: " وأما بيان الإكراه،
فجملته أن الإكراه يفتقر إلى ثلاث شرائط: أحدها:
أن يكون المكره قاهرا غالبا مقتدرا على المكره، مثل
سلطان أو لص، أو متغلب. والثاني: أن يغلب على
ظن المكره أنه إن امتنع من المراد منه وقع به ما هو
متوعد به. والثالث: أن يكون الوعيد بما يستضر به

(1) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 88
و 3: 318، وفرائد الأصول 2: 35، ومصباح الفقاهة
3: 293.
(1) أي المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 313، والرواية
هي ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يمين في غضب، ولا في
قطيعة رحم، ولا في جبر، ولا في إكراه، قال: قلت:
أصلحك الله، فما فرق بين الجبر والإكراه؟ قال: الجبر
من السلطان، ويكون الإكراه من الزوجة والام
والأب، وليس ذلك بشئ ". الوسائل 23: 235،
الباب 16 من أبواب كتاب الايمان، الحديث الأول.
لكن صرح بعضهم بضعف الرواية، لأن الراوي عن
ابن سنان هو عبد الله بن القاسم، وهو إما مجهول أو
ضعيف. انظر مصباح الفقاهة 3: 304، وغيره.
(2) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي): 119.
434

في خاصة نفسه " (1).
وهكذا ذكر هذه الشروط من تأخر عنه مع
توسع في بعضها، إلا أن المتأخرين زادوا أمورا
فصارت خمسة أو أكثر، نشير إلى مجموعها على نحو
التفصيل فيما يلي:
أولا - وجود المكره فعلا:
لم يصرح الشيخ الطوسي ولا أكثر الفقهاء
بهذا الشرط إلا أن يقال بانتزاعه من الشرط الأول
الذي ذكره الشيخ، وتوضيحه هو:
أنه لا إشكال في صدق الإكراه فيما لو كان
هناك مكره، وكان المكره عالما به.
كما لا إشكال في عدم صدقه فيما لو كان
موجودا واقعا ولم يعلم به الشخص، كما لو باع داره
ثم تبين له أنه لو لم يبعها لأكرهه المكره على ذلك.
فوجه عدم صدق الإكراه هو عدم علمه بوجود
المكره، فيكون قد باع داره باختياره.
أما لو تخيل وجود المكره، ولم يكن هناك
مكره واقعا فباع داره، فهل يصدق عليه أنه باع
داره مكرها أو لا؟
ومثله ما لو توهم صدور الأمر ببيع داره ولم
يصدر واقعا.
قال السيد اليزدي: " الظاهر أنه يلزم أن
يكون الحمل من الغير متحققا، فلو توهم الأمر من
الغير، فحمله الخوف منه عليه مع عدم أمره واقعا،
لا يعد إكراها، وتكون المعاملة صحيحة، إذا كان مع
القصد إلى وقوع المضمون، نعم في الإقدام على
المحرمات لا يكون عاصيا، لأن المدار فيها على تعمد
العصيان من غير عذر، وهو معذور عقلا " (1).
وقال السيد الخوئي: " إن حقيقة الإكراه
متقومة بوجود المكره - بالكسر - واقعا وعلم
المكره - بالفتح - به فإذا انتفى أحدهما انتفى
عنوان الإكراه " (2).
ويمكن أن يستظهر ذلك من الشيخ الأنصاري
ومن كل من عبر عن الإكراه ب‍ " حمل الغير... " فإن
الحمل لا يمكن إلا مع وجود حامل واقعا.
ملاحظة:
قال السيد اليزدي: " ويعتبر في صدقه أن
يكون الحامل إنسانا، فلا يصدق إذا كان الحامل
له ضرورة أو خوفا من حيوان مثلا وإن كان
الفعل صادرا عن كره، وهذا هو الفارق بينه
وبين الاضطرار " (3).
وقد تقدم توضيح ذلك عند بيان الفرق بين
الإكراه والاضطرار (4).
ثانيا - اقتران الأمر بالفعل بالوعيد:
صرح جملة من الفقهاء بلزوم اقتران أمر
المكره بفعل ما - كالبيع والطلاق ونحوهما - بالوعيد،

(1) المبسوط 5: 51.
(1) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
(2) مصباح الفقاهة 3: 296.
(3) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
(4) في الصفحة 433.
435

بأن يوعد المكره بإيصال ضرر إليه أو إلى أهله أو
أولاده على ما سيأتي توضيحه.
وبناء على ذلك، فلا يصدق الإكراه مع عدم
التوعيد، ولذلك قال الشيخ الأنصاري بعد تعريفه
للإكراه: " ويعتبر في وقوع الفعل عن ذلك الحمل:
اقترانه بوعيد منه... " (1).
وممن صرح به أو يظهر منه ذلك: السيد
اليزدي، والشيخ النائيني.
قال السيد معلقا على كلام الشيخ، المتقدم:
" فعلى هذا لا يصدق على ما أشرنا إليه سابقا:
من طلب الغير منه فعلا إذا خاف من تركه الضرر
السماوي أو ضررا من جانب شخص آخر إذا اطلع
على ذلك مع عدم توعيده... " (2).
وقال النائيني: " يعتبر توعيد الطالب على
الترك... فمجرد أمر الغير مع عدم اقترانه بتوعيد
منه لا يدخل في موضوع البحث وإن خاف من
تركه ضررا سماويا، أو الضرر من شخص آخر
غير الآمر " (3).
لكن ناقش السيدان: الخوئي والخميني هذا
الشرط.
قال الأول بعد نقل كلام من تقدم ذكره:
" لكن التحقيق أن يحكم بفساد العقد إذا ترتب على
تركه الضرر ولو من ناحية غير الآمر، كما إذا أمره
ابن السلطان ببيع ماله، فباعه خوفا من الضرر المتوجه
إليه من ناحية السلطان إذا علم بمخالفة أمر ولده " (1).
وقال الثاني معلقا على كلام الشيخ
الأنصاري: "... لأن الاقتران به غير لازم، بل
يكفي الأمر ممن يخاف منه ولا يأمن من شره وضره
لو ترك الإطاعة. ولعل مراده (2) ذلك أيضا " (3).
وحاصل كلامه: أنه لا يشترط التصريح
بالتوعيد، بل يكفي صدور الأمر ممن يخاف منه،
فكأن هذه الحالة - وهي صدور الأمر ممن يخاف
منه - تستبطن التوعيد، فتكون بمنزلة التصريح به.
وأما الضرر السماوي الذي ذكره السيد
اليزدي وغيره، فهل يوجب صدق الإكراه أو لا؟
كما إذا أمر أحد من أولياء الله شخصا أن يبيع داره،
فخاف إذا لم يبع داره أن يصيبه عذاب فباعها، فهل
يصدق أنه باع داره مكرها فيقع البيع باطلا كما
سيأتي في الأحكام، أو لا يصدق عليه ذلك، فيكون
البيع صحيحا؟
صرح السيد اليزدي (4) والشيخ النائيني (5)
بعدم صدق الإكراه في هذه الصورة، فلذلك يكون
البيع صحيحا عندهم.
ويبدو من السيد الخوئي أنه لم يناقش صدق

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 311.
(2) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
(3) منية الطالب 1: 385.
(1) مصباح الفقاهة 3: 298.
(2) أي الشيخ الأنصاري.
(3) كتاب البيع 2: 63.
(4) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
(5) منية الطالب 1: 385.
436

الإكراه ولكن يقول: إن الإكراه المخل بالاختيار
والذي ورد في حديث الرفع هو الإكراه الحاصل من
العباد لا من الله تعالى (1).
ثالثا - قدرة المكره على تنفيذ وعيده:
هذا الشرط هو أول الشروط الثلاثة التي
ذكرها الشيخ الطوسي وتبعه من تأخر عنه (2).
وقد تقدمت عبارته (3). وقال المحقق الحلي:
" ولا يتحقق الإكراه ما لم تكمل أمور ثلاثة: كون
المكره قادرا على فعل ما توعد به... " (4).
وبناء على ذلك، فإذا لم يكن قادرا على فعل
ما توعد به لم يصدق الإكراه.
وأما إذا كان قادرا على أقل ما توعد به، فإن
كان بمقدار يصدق معه الإكراه - كما سيأتي البحث
عن مقدار الضرر المتوعد به وما يصدق معه
الإكراه - فالظاهر شمول الحكم له أيضا، كما إذا هدده
بالقتل، وعلم أنه لا يتمكن منه، لكنه يتمكن من
الجرح أو قطع العضو. وإلا فلا.
رابعا - العلم أو الظن بتحقيق الوعيد:
لا شك في صدق الإكراه لو علم المكره
بوقوع ما توعد به المكره، كما لا شك في عدم
صدقه لو علم بعدم وقوعه ولا وقوع مرتبة أدنى
منه تعد ضررا عليه.
وأما ما يتوسط بينهما، كالظن بالوقوع أو
احتماله، فهل يصدق معه الإكراه أو لا؟
أما الظن فقد ألحقوه بالعلم، وقيده بعضهم (1)
بالظن الغالب، وأطلق آخرون (2).
وأما مجرد الاحتمال، فقد صرح بعضهم
بكفايته، قال السيد اليزدي: " ثم المدار على خوف
ترتب الضرر وإن لم يكن مترتبا في الواقع،
والظاهر عدم الفرق بين من كان خوافا بحيث
يخاف من كل أحد وغيره، وإن كان المورد مما
لا يحصل الخوف لغير هذا الشخص، لأنه يصدق
في حقه الإكراه " (3).
وممن صرح بكفاية الخوف والاحتمال

(1) مصباح الفقاهة 3: 298.
(2) انظر: الشرائع 3: 13، والقواعد 3: 122، والروضة
6: 19، والمسالك 9: 18، ونهاية المرام 2: 11،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 119، والحدائق
25: 159، ومستند الشيعة 14: 267، والجواهر
32: 11، وغيرها، ولم يذكره الشيخ الأنصاري،
ولعله اعتمادا على الشرط الآتي وهو العلم أو الظن
بترتب ما توعد به وهو يعني قدرته على ترتيب
ذلك الضرر.
(3) في الصفحة 434.
(4) الشرائع 3: 13.
(1) انظر: الشرائع 3: 13، والمسالك 9: 18، والحدائق
25: 159.
(2) انظر: القواعد 3: 122، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 119، ونهاية المرام 2: 11، والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 3: 311.
(3) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
437

العقلائي: صاحب الجواهر (1)، والشيخ النائيني (2)،
والسيدان: الخوئي (3) والخميني (4).
خامسا - أن يكون المتوعد به ضررا:
وهذا الشرط مما لا إشكال فيه، لأنه أساس
الإكراه، وإنما الكلام في حدود الضرر من حيث
الضرر نفسه ومن حيث متعلقه. قال الشهيد الثاني:
"... وأن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة
نفسه أو من يجري مجرى نفسه: من أبيه، وولده،
وغيرهما، من: قتل، أو جرح، أو ضرب شديد،
أو حبس، أو شتم، أو إهانة، أو استخفاف إذا كان
المطلوب منه وجيها يغض ذلك منه.
ويختلف الضرب والشتم وما يجري مجراهما
من الإهانة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم.
أما التخويف بالقتل والقطع فلا يختلف.
ولم يذكر المصنف (5) من وجوه الإكراه التوعد
بأخذ المال، والأصح تحققه به، واختلافه باختلاف
حال الناس في اليسار وضده كالأخيرين، فإن منهم
من يضر بحاله أخذ عشرة دراهم، ومنهم من
لا يضره أخذ مئة " (6).
وبهذه المضامين قال كثير من الفقهاء (1).
وصرحوا بأن الضرر اليسير لا يصدق
به الإكراه.
سادسا - عدم إمكان التخلص بطريق خال
من الضرر:
صرح بعض الفقهاء بهذا الشرط. قال
صاحب الحدائق ضمن بيان شرائط صدق الإكراه:
" ومنها: عجز المكره عن دفع ذلك عن نفسه،
ولو بفرار أو استعانة بالغير " (2).
ويعبر عن ذلك ب‍ " إمكان التفصي "،
وقد تعرض له الشيخ الأنصاري في موضعين:
الأول - في بحث قبول الولاية من قبل الجائر
إكراها، حيث تكلم عن اشتراط جوازه بالعجز عن
التفصي وعدمه، فقال: " الذي يظهر من ملاحظة
كلماتهم في باب الإكراه: عدم الخلاف في اعتبار
العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا ولم يتوقف
على ضرر... " (3).

(1) الجواهر 32: 12.
(2) منية الطالب 1: 385.
(3) مصباح الفقاهة 3: 299.
(4) كتاب البيع 2: 63.
(5) أي المحقق الحلي في الشرائع 3: 13.
(6) المسالك 9: 17 - 18.
(1) انظر: القواعد 3: 122، ونهاية المرام 2: 11، وكشف
اللثام (الحجرية) 2: 119، والحدائق 25: 159،
ومستند الشيعة 14: 267، والجواهر 32: 11 - وإن
رجح إحالة صدقه على العرف - والمكاسب (للشيخ
الأنصاري) 2: 90، و 3: 311، وغيرها.
(2) الحدائق 25: 159، وانظر: المسالك 9: 18 - 19،
ومستند الشيعة 14: 267 و 268.
(3) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 95.
438

ثم قال: " وكذا لا خلاف في أنه لا يعتبر
العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير " (1).
الثاني - في بحث الإكراه الذي تطرق إليه عند
اشتراط الاختيار في عقد البيع وسائر العقود، فقد
حاول أن يفرق بين إمكان التخلص بالتورية،
وإمكانه بغيرها من حيث الحكم والموضوع، فقال:
" الذي يظهر من النصوص والفتاوى عدم اعتبار
العجز عن التورية " (2).
ثم قال: " هذا وربما يظهر من بعض الأخبار
عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير
التورية أيضا في صدق الإكراه... " (3).
إلى أن قال: " لكن الإنصاف: أن وقوع
الفعل عن الإكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن
التفصي بغير التورية " (4).
إلى أن قال: " هذا ولكن الأولى: أن يفرق
بين إمكان التفصي بالتورية وإمكانه بغيرها، بتحقق
الموضوع في الأول دون الثاني " (5).
وممن فرق بينهما النائيني ولكن بتوجيه
يختلف عن توجيه الشيخ الأنصاري، وحاصله: أن
التورية لما كانت مغفولا عنها غالبا، وهي على
خلاف طبع الاستعمال، فمع تمكنه منها وعدم إتيانها
لا يصح أن يقال: إن إيقاع العقد منه عن اختيار
وطيب النفس لعدم توريته، لأن المفروض أنه لا أثر
للتمكن من التورية، لأنها مغفول عنها غالبا بخلاف
التمكن من التخلص بطريق آخر، فلو لم يتخلص
والحال هذه لا يصدق عليه أنه مكره (1).
لكن ساوى بين التخلص بالتورية والتخلص
بغيرها السادة: اليزدي والخوئي والخميني.
قال السيد اليزدي: " التحقيق اعتبار عدم
إمكان التفصي، ولا فرق بين التورية ونحوها (2)،
لكن لا بالإمكان العقلي، بل يكفي عدم الإمكان
العرفي، وهو مختلف بالنسبة إلى الأفعال والمقامات،
كما لا يخفى... " (3).
وقال السيد الخوئي: " لم يتضح لنا الفارق بين
إمكان التفصي بالتورية وغيرها، فكما لا يتحقق
مفهوم الإكراه في الثاني، كذلك لا يتحقق مفهومه في
الأول أيضا " (4).
وقال السيد الخميني: " التحقيق: التورية قد
تكون سهلة لشخص بلا خوف الوقوع في الضرر
المتوعد به لأجل الدهشة والوحشة والتمجمج في
الكلام، ففي مثله لا شبهة في عدم صدق الإكراه لو
أوقع المعاملة مع التفات ولم يور، وأما لو كان خائفا
من كشف الحال فيصدق الإكراه، وكذا لو أمكن
التفصي بالفعل الخارجي، كما لو أمكنه التفصي

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 95.
(2) المصدر المتقدم 3: 313.
(3) المصدر المتقدم 3: 313.
(4) المصدر المتقدم: 314.
(5) المصدر المتقدم: 316.
(1) منية الطالب 1: 393، وذكر توجيهات اخر.
(2) كذا في المصدر، والظاهر أنه تصحيف " غيرها ".
(3) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 122.
(4) مصباح الفقاهة 3: 305.
439

في الباطن من غير علن، ولا يخاف كشف الحال
والوقوع في الضرر أو أمكنه علنا كذلك، فلا يصدق
الإكراه، فالتفصيل بين القول والفعل في غير محله " (1).
تنبيه:
قال السيد اليزدي: " بقي شئ لا بأس
بالتنبيه عليه، وهو: أنه لا بد في صدق الإكراه من
كون الضرر في صدق الإكراه المتوعد به مما لم يكن
مستحقا عليه، فلو قال: افعل كذا وإلا قتلتك
قصاصا - وكان مستحقا له عليه - أو وإلا طالبتك
بالدين الذي لي عليك، ونحو ذلك، لا يصدق
عليه الإكراه " (2).
ثم قال: " هذا، ولا فرق بين أن يكون ضررا
دنيويا أو أخرويا " (3).
الفرق بين الإكراه في الأحكام التكليفية والإكراه
في المعاملات:
فرق الشيخ الأنصاري بين الإكراه المسوغ
لارتكاب المحرمات والإكراه المبطل للمعاملات:
بأن الملاك في الأول هو عدم إمكان التخلص من
تهديد المكره إلا بإتيان ما أكره عليه، فإذا وصل
الإكراه إلى هذا الحد جاز معه ارتكاب المحرمات
وترك الواجبات.
وأما الثاني، فالملاك فيه اقترانه بعدم الرضا
بالمعاملة، فإن اقترن الإكراه على المعاملة بعدم
الرضا بها وعدم طيب النفس، فيكون هذا الإكراه
مبطلا للمعاملة وإلا فلا، ومثل له بما إذا دخل المكره
على المكره وألزمه ببيع ونحوه وكان بإمكانه
- أي المكره - الخروج من ذلك المحل لدفع المكره
بالاستعانة بغيره ولم يفعل وأجرى الصيغة، فالإكراه
صادق، لعدم الرضا بالمعاملة. بخلاف ما إذا كان
من يمكن الاستنجاد به حاضرا ومع ذلك
لم يستنجد به المكره وأجرى الصيغة، فهنا لا يصدق
الإكراه، لأن عدم الاستنجاد مع إمكانه قرينة
على الرضا بالمعاملة (1).
وسبقه بذلك على ما قيل (2) صاحب
المقابس (3)، ووافقه المامقاني (4)، والنائيني (5).
ولكن لم يوافقه السادة: اليزدي (6) والخوئي (7)
والخميني (8)، لأن القادر على التخلص من المكره
بالاستنجاد والاستعانة بالغير ليس بمكره واقعا،
فإذا باع والحال هذه فقد باع عن طيب نفس،
لأن المقصود من طيب النفس والرضا، ليس هو

(1) كتاب البيع 2: 64.
(2) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع:
122.
(3) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع:
122.
(1) انظر المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 317 - 319.
(2) انظر هدى الطالب 4: 206.
(3) انظر المقابس: 117 أول كتاب البيع.
(4) انظر غاية الآمال: 334.
(5) انظر منية الطالب 1: 394.
(6) انظر حاشية المكاسب (للسيد اليزدي) / قسم البيع: 123.
(7) انظر مصباح الفقاهة 3: 303.
(8) انظر كتاب البيع 2: 67.
440

انشراح الصدر بذلك، وإلا فكثير من المعاملات
تكون باطلة لخلوها من ذلك، فإن من يبيع داره
لأداء دينه ومعالجة مريضه ليس له هذا الانشراح،
بل المراد من الرضا هو الرضا المعاملي، بمعنى أن
لا يكون مقهورا على المعاملة، ومن يتمكن من
التخلص بالخروج عن المحل الذي هو فيه والاستنجاد
بغيره لم يصدق عليه أنه مقهور على المعاملة.
هذا، وحاول الإصفهاني (1) أن يحمل كلام
الشيخ الأنصاري على بيان اختلاف مراتب التفصي
والتخلص في الأحكام التكليفية والمعاملات.
تنبيه:
كان من المناسب البحث عن الإكراه على أحد
الأمرين وإكراه أحد الشخصين هنا، من حيث
صدق عنوان الإكراه وعدمه، لكن لما كان البحث
عنهما يتضمن البحث عن حكمهما، فلذلك أخرناه
إلى موضعه المناسب في بحث الأحكام.
الأحكام:
قبل بيان أحكام الإكراه من اللازم أن نشير
إلى أقسام الإكراه وما يختص منها بالأحكام
المعروفة للإكراه.
أقسام الإكراه:
قسموا الإكراه إلى قسمين:
أولا - الإكراه بحق:
ومرادهم من ذلك الإكراه المشروع، من قبيل:
1 - حكم القاضي ببيع ملك المديون المعسر
لإيفاء حقوق الغرماء.
2 - إلزام المحتكر ببيع ما احتكره من الطعام.
3 - إلزام الحاكم للممتنع من الإنفاق على من
تجب عليه نفقته بأن يبيع بعض أمواله لينفق
ثمنها عليهم.
4 - إلزام الحاكم للراهن ببيع العين المرهونة
إذا امتنع من أداء الدين (1).
5 - إلزام الكافر الحربي بالإسلام وكذا
المرتد ونحوه، الذي يعبر عن إسلامهم
ب‍ " إسلام المكره ".
وقد تقدم الكلام عن أكثر هذه الموارد في
العناوين: " احتكار " و " إسلام " و " إعسار "
و " اكتساب "، وعناوين مناسبة أخرى، ويأتي
في " إنفاق " و " رهن " و " دين " ونحوها إن شاء
الله تعالى.
وعلل عدم بطلان العقود بالإكراه بالحق
ب‍: " أن حديث الرفع إنما يدل على بطلان عقد
المكره فيما إذا كان المكره - بالكسر - من سنخ البشر،
أما إذا كان المكره - بالكسر - هو الله تعالى بلسان
سفرائه الطاهرين، فإنه وقتئذ لا يحكم بفساد العقد
الواقع كرها " (2).
أو " بأن دليل الولاية حاكم على دليل
اشتراط رضا المالك أو عدم إكراهه، لأن دليل

(1) حاشية المكاسب (للإصفهاني) 2: 47.
(1) مصباح الفقاهة 3: 294.
(2) المصدر المتقدم: 295.
441

الولاية ينزل الولي منزلة المولى عليه... " (1).
ثانيا - الإكراه بغير حق:
ويقصدون بذلك إكراه الظالم والجائر
ونحوهما إنسانا على فعل محرم، أو ترك واجب،
أو إيجاد عقد أو إيقاع ونحو ذلك.
وكل ما نتكلم عنه بعد هذا في أحكام الإكراه
فالمقصود منه هو الإكراه بغير حق.
أحكام الإكراه بغير حق:
تترتب على الإكراه بغير حق أحكام تكليفية
ووضعية نشير إليها فيما يأتي:
أولا - حكم الإكراه تكليفا:
تارة نتكلم عن الإكراه بلحاظ المكره
- بالكسر - وأخرى نتكلم عنه بلحاظ المكره بالفتح.
أما الأول، فإن كان الإكراه إكراها بحق،
كإكراه الحاكم الشرعي المحتكر ببيع الطعام الذي
احتكره (2)، فلا إشكال في جوازه.
وإن كان إكراها بغير حق، فهو حرام قطعا،
بل قد يكون من الكبائر إذا كان قد أكره غيره على
الكبيرة كقتل النفس.
وأما الثاني فنقول: إنه قد ذكر الفقهاء
والأصوليون: أن من شرائط التكليف العامة:
الاختيار المقابل للإكراه، فلا تكليف على المكره،
فلذلك لا يحرم عليه فعل المحرم وترك الواجب
إذا أكره عليهما إلا قتل النفس، كما سيأتي توضيحه.
ويدل على شرطية الاختيار في التكليف
أو رفع الإكراه للتكليف:
1 - الكتاب:
ومنه قوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان) * (1).
والآية - كما قيل - نزلت في عمار ووالديه
وجماعة، حيث أكرههم المشركون على الكفر والنيل
من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فامتنع جماعة واستشهد والدا
عمار وعذب بلال، ولكن أظهر عمار ما راموه.
فقيل: كفر عمار، فجاء باكيا إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يمسح دموع عمار: " إن عادوا
لك فعد لهم بما قلت " (2).
والآية - مع غض النظر عمن نزلت فيه -
تشير إلى حقيقة، وهي: أن الإكراه على الفعل المحرم
رافع للحرمة.
2 - السنة:
وأما السنة فمنها قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي
تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه،
وما لا يعلمون... " (3).
والمرفوع إما خصوص المؤاخذة، أو جميع

(1) فقه العقود 2: 16.
(2) تقدمت أمثلته قبل قليل.
(1) النحل: 106.
(2) انظر مجمع البيان (5 - 6): 387 - 388.
(3) الوسائل 15: 369، الباب 56 من أبواب جهاد
النفس، الحديث الأول.
442

الآثار، فيشمل الأحكام التكليفية والوضعية (1).
ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه
قال: " التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها
حين تنزل به " (2).
وما رواه - أي زرارة - عنه (عليه السلام) أيضا أنه
قال: " التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم
فقد أحله الله له " (3).
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة
في مواردها الخاصة، الدالة بأسرها على رفع الحرمة
في صورة الإكراه على المحرم.
استثناء القتل:
يستثنى من حكم الإكراه القتل، فإن الإكراه
لا يجوز ارتكاب القتل بغير حق، هذا هو المشهور
والمعروف، وورد بذلك النص، كما سيأتي.
قال الشيخ الطوسي: " فأما إن أكرهه على
قتله، فقال: إن قتلته وإلا قتلتك لم يحل له قتله وإن
كان خائفا على نفسه، لأن قتل المؤمن لا يستباح
بالإكراه على قتله... " (4).
وقال الشيخ الأنصاري: " لا يباح بالإكراه
قتل المؤمن ولو توعد على تركه بالقتل إجماعا،
على الظاهر المصرح به في بعض الكتب وإن كان
مقتضى عموم نفي الإكراه والحرج الجواز، إلا أنه
قد صح عن الصادقين - صلوات الله عليهما -: أنه
" إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت
الدم فلا تقية " (1).
ومقتضى العموم: أنه لا فرق بين أفراد
المؤمنين من حيث الصغر والكبر والذكورة والأنوثة
والعلم والجهل والحر والعبد وغير ذلك " (2).
وصرح صاحب الجواهر: بأنه لا فرق بين
كون الإكراه على مباشرة القتل أو تسبيبه، كصدور
حكم أو إفتاء ونحوه، لإطلاق الأدلة (3).
وما قاله الشيخان الطوسي والأنصاري: من
عدم تسويغ الإكراه للقتل هو المشهور والمعروف (4)،
إلا أن السيد الخوئي - مع تصريحه بأنه المشهور -
خالف ذلك وقال بالجواز، وحاصل ما أفاده في

(1) انظر فرائد الأصول 2: 29.
(2) الوسائل 16: 214، الباب 25 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(4) المبسوط 7: 41.
(1) الوسائل 16: 234، الباب 31 من أبواب الأمر
والنهي، الحديث 2. وفيه: " إنما جعلت... فإذا بلغ
الدم... ".
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 98.
(3) الجواهر 22: 170.
(4) انظر إضافة إلى ما تقدم: الكافي في الفقه: 387،
والسرائر 3: 349، والشرائع 4: 199، والقواعد
3: 589، واللمعة وشرحها (الروضة البهية) 10: 27،
وكشف اللثام (الحجرية) 2: 443، والرياض
8: 109، وقد ادعى عليه الإجماع، والجواهر
42: 47.
443

المنهاج ومبانيه هو:
أن المكلف لو أكره على قتل شخص، فإن كان
ما توعد به ما دون النفس، كما إذا قال له: اقتل فلانا
وإلا حبستك، أو أخذت دارك، ونحو ذلك فلا يجوز
القتل قطعا، فإن بادر إلى القتل فعليه القصاص.
وإن كان ما توعد به هو القتل، كما إذا قال له:
اقتل فلانا وإلا قتلتك، فلا يبعد القول بالجواز،
لأن المورد وإن لم يشمله حديث الرفع - لأن شموله
له خلاف الامتنان، إذ يؤدي إلى قتل نفس بريئة
وإن صار سببا لنجاة نفس أخرى - لكنه داخل في
باب التزاحم، إذ الأمر يدور بين ارتكاب محرم
وهو قتل النفس المحترمة، وبين ترك واجب وهو
حفظ نفسه وعدم تعريضها للهلاك، وحيث
لا ترجيح، فلا مناص من الالتزام بالتخيير، فيجوز
القتل، لكن يجب عليه دفع الدية، لئلا يذهب دم
مسلم هدرا (1).
ويمكن أن يستظهر هذا الرأي من فخر المحققين
أيضا، حيث قال: " والأقوى عندي: أن الإكراه
إذا بلغ حد الإلجاء كان القصاص على المكره،
لأن المكره يصير كالآلة، وفعل المكره في الحقيقة
مستند إلى المكره " (2).
وكلامه وإن كان بالنسبة إلى القصاص،
إلا أن لحن عبارته يوحي بارتفاع الحرمة أيضا.
ونقل العلامة (1) عن ابن الجنيد: أن القود على
المكره، لكنه صرح بأنه يحبس القاتل المكره حتى
يموت، عكس ما قاله المشهور. إلا أنه لا يستفاد منه
رفع الحرمة، لأنه لا معنى للحبس مع ارتفاعها.
هذا كله بالنسبة إلى حكم المكره، وأما
المكره، فالمشهور: أنه يحبس في السجن حتى
يموت (2)، وقال به السيد الخوئي أيضا (3)، نعم على
قول فخر المحققين وابن الجنيد فعليه القود.
ويدل على ما ذهب إليه المشهور ما رواه
زرارة في الصحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): " في
رجل أمر رجلا بقتل رجل، فقال: يقتل به الذي
قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت " (4).
وتمسك بهذه الرواية كثير من الفقهاء، وقال
المجلسي بعد ذكرها: " الحديث... صحيح والحكمان
مقطوع بهما في كلام الأصحاب " (5).
وإن كان المؤمن الذي أكره على قتله مستحقا
للقتل، فهل يجوز قتله أو لا؟
قال الشيخ الأنصاري: " ولو كان المؤمن
مستحقا للقتل لحد، ففي العموم وجهان:

(1) مباني تكملة المنهاج 2: 13، المسألة 17، وانظر مصباح
الفقاهة 1: 454.
(2) إيضاح الفوائد 4: 566.
(1) المختلف 9: 317.
(2) انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم (4) من العمود
الثاني في الصفحة المتقدمة.
(3) مباني تكملة المنهاج 2: 13، المسألة 17.
(4) الوسائل 29: 45، الباب 13 من أبواب القصاص
في النفس، الحديث الأول.
(5) مرآة العقول 24: 35.
444

- من إطلاق قولهم: " لا تقية في الدماء ".
- ومن أن المستفاد من قوله (عليه السلام): " ليحقن بها
الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية " أن المراد الدم المحقون،
دون المأمور بإهراقه.
وظاهر المشهور الأول.
وأما المستحق للقتل قصاصا، فهو محقون الدم
بالنسبة إلى غير ولي الدم " (1).
وقال السيد الخوئي ما حاصله: أن مستحق
القتل يكون على أحد أنحاء ثلاثة، وهي:
1 - أن يكون مهدور الدم لكل أحد، مثل
ساب النبي (صلى الله عليه وآله).
2 - أن يكون مهدور الدم لكل أحد، لكن
بإذن الحاكم الشرعي، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه
من دون إذنه، مثل من وجب قتله بحد شرعي،
كالزاني المحصن واللائط، والمرتد، ونحوهم.
3 - أن يكون مهدور الدم لطائفة خاصة، مثل
من ثبت عليه القصاص، فإنه مهدور الدم بالنسبة
إلى ولي الدم فحسب، فلا يجوز لغيره قتله.
فمستحق القتل إن كان من القسم الأول
فيجوز قتله من دون إكراه أيضا إذا لم تحصل به فتنة،
فمع الإكراه بطريق أولى.
وأما إن كان من القسم الثاني، فحكمه حكم
بقية النفوس المحترمة، فلا يجوز قتله بدون إذن
الحاكم الشرعي حتى مع التقية والإكراه، لكونه
محقون الدم بالنسبة إلى غير الحاكم الشرعي،
إذ إجراء الحدود يكون بأمره خاصة.
وأما لو كان من القسم الثالث، فلا إشكال في
كونه محقون الدم بالنسبة إلى غير ولي الدم، لأن الله
تعالى جعل السلطان لولي الدم خاصة (1).
هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي في هذا
الموضوع.
ولكن يستفاد من كلمات جملة من الفقهاء: أن
من قتل المستحق للقتل بحد كالمرتد وساب النبي (صلى الله عليه وآله)
واللائط و... من دون إذن الحاكم الشرعي لا يثبت
عليه قصاص ولا دية وإن فعل محرما. قال صاحب
الجواهر مازجا كلامه بكلام المحقق عند بيان شرائط
جواز الاقتصاص: " الشرط الخامس - أن يكون
المقتول محقون الدم، احترازا عن المرتد بالنظر إلى
المسلم، فإن المسلم لو قتله لم يثبت القود وإن أثم
بعدم الاستئذان ممن إليه القتل، بل وإن تاب وكان
مرتدا عن فطرة وقلنا بقبول توبته وبقي القتل عليه
حدا. وكذا الزاني واللائط وغيرهما من كل من أباح
الشرع قتله حدا... " (2).
وبهذا المضمون جاء في كلمات فقهاء آخرين (3).

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 98 - 99.
(1) مصباح الفقاهة 1: 455.
(2) الجواهر 42: 190، وانظر الصفحة 11 - 12 و 167
- 168.
(3) انظر: القواعد 3: 609، وإيضاح الفوائد 4: 601،
والمسالك 15: 166 حيث لم يعلقا على عبارة الشرائع
والقواعد، واللمعة وشرحها (الروضة البهية)
10: 67، ومجمع الفائدة 14: 4، وكشف اللثام
(الحجرية) 2: 457، وقال: " هذا أحد الوجهين في
المسألة، وقد مر خلافه في بعض الصور ".
445

وإلى كلامهم أشار السيد الخوئي قائلا:
" لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو نحو ذلك،
غير سب النبي (صلى الله عليه وآله) فقتله غير الإمام، قيل: إنه لا قود
ولا دية عليه، ولكن الأظهر ثبوت القود، أو الدية
مع التراضي ".
ثم علق عليه بقوله: " استدل للقول بعدم
ثبوت القود والدية برواية سعيد بن المسيب: " أن
معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن ابن أبي
الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله، فاسأل لي
عليا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليا فسألته
- إلى أن قال: - فقال: أنا أبو الحسن، إن جاء بأربعة
يشهدون على ما شهد، وإلا دفع برمته " (1) فإنها تدل
على أن الزوج إن أتى بأربعة شهود يدرأ عنه القود ".
إلى أن قال - بعد تضعيف الرواية سندا -:
" وكيف كان، فإن قلنا بالجواز وسقوط القصاص
والدية، فإنما يختص ذلك بالزوج، ولا يمكن التعدي
عن مورد الرواية إلى غيره، فالمرجع في غيره
الاطلاقات والعمومات " (2).
تنبيه:
على فرض القول بجواز قتل مستحق القتل
حدا، فلابد من أن يثبت القاتل كون المقتول ممن
يستحق القتل حدا، ففي الزنا واللواط لا بد من أن
يأتي بأربعة شهود، وفي الارتداد بشاهدين وهكذا،
وإلا فيقتص منه، كما دلت عليه الرواية، ولولا ذلك
لما استقر حجر على حجر (1).
هل يلحق الجرح بالقتل؟
قال الشيخ الأنصاري: " بقي الكلام في أن
" الدم " يشمل الجرح وقطع الأعضاء، أو يختص
بالقتل؟ وجهان:
- من إطلاق " الدم "، وهو المحكي عن
الشيخ (2).
- ومن عمومات التقية ونفي الحرج والإكراه،
وظهور " الدم " المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح،
وهو (3) المحكي (4) عن الروضة (5) والمصابيح (6)،
والرياض (7)، ولا يخلو عن قوة " (8).
واختار هذا القول النراقي (9)، وصاحب

(1) الوسائل 29: 135، الباب 69 من أبواب القصاص في
النفس، الحديث 2.
(2) مباني تكملة المنهاج 2: 69 - 70.
(1) انظر مباني تكملة المنهاج 2: 84 - 86.
(2) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 3: 141، فقال: " وبه
صرح الشيخ في الكلام ".
(3) أي الوجه الثاني لا التعليل.
(4) حكاه السيد الطباطبائي في المناهل: 317.
(5) الروضة البهية 2: 420.
(6) المصابيح (مخطوط): 52.
(7) الرياض 8: 109.
(8) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 99 - 100.
(9) مستند الشيعة 14: 194.
446

الجواهر (1)، والسيد الخوئي (2) أيضا.
وظاهر الشهيد الثاني في المسالك (3) الميل
إلى ما هو المحكي عن الشيخ.
وإذا لم نلحق الجرح بالقتل، فإذا جرح
مكرها، فالقصاص أو الدية مع التراضي على
المكره، لانتساب الفعل إليه.
ملاحظة:
هنا أمران تنبغي ملاحظتهما:
الأول - صرح الفقهاء بأنه تجب مراعاة
الأسهل فالأسهل والأقل ضررا فالأقل، بمعنى أنه
لو أكره على أخذ مال من الناس، وكان الإكراه
يندفع بأخذ المال القليل، فلا يجوز أخذ الكثير
عندئذ، وإذا أكره على الضرب وكان بإمكانه
الاكتفاء باليسير فلا يجوز الضرب الكثير والمبرح،
وهكذا بالنسبة إلى غيرهما.
الثاني - اشترط بعضهم لزوم مراعاة التعادل
والترجيح بين الفعل المكره عليه والفعل المهدد به،
فلو أكرهه على انتهاك عرض، وهدده بأنه إن لم
يفعل فيأخذ منه مالا يسيرا بحيث لا يتضرر به أو
يتضرر قليلا، فلا يجوز له انتهاك العرض،
ولو أكرهه على قطع يد شخص وإلا سوف يغرمه
مالا لا يتضرر به، فلا يجوز له ذلك وهكذا...
قال الأردبيلي: " ويجب الاحتياط في
ارتكاب الأسهل، فلا يحكم لمجرد حفظ مال قليل
وضرر يسير، على أموال المسلمين وفروجهم
وأعراضهم وضربهم وشتمهم، بل يراعي فيه
الأسهل فالأسهل، والله المعين " (1).
وفي كلامه إشارة إلى الأمرين.
وقال الإمام الخميني: "... نعم يسوغ
كل ذلك مع الجبر والإكراه بإلزام من يخشى
من التخلف عن إلزامه على نفسه، أو عرضه، أو ماله
المعتد به إلا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة
إلى تولي بعض أنواع الظلم كهتك أعراض طائفة
من المسلمين ونهب أموالهم وسبي نسائهم وإيقاعهم
في الحرج مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه
الضعيفة أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا
في بعضها إشكال، بل منع " (2).
هذا، ولكن انتقد صاحب الجواهر نظرية
التعادل والتراجيح، وقال: " إن بناء المسألة على ما
لو ألزمه الجائر بالظلم وكان لا يستطيع رفع إكراهه
له وإلجائه إياه إلى ذلك والتخلف عن أمره
إلا بتحمل ضرر لا يتحمل في نفسه أو ماله أو
عرضه، وأن مدركها واضح على هذا التقدير من
غير فرق في المال بين البعض والجميع " (3).

(1) الجواهر 22: 169.
(2) مصباح الفقاهة 1: 456.
(3) المسالك 3: 141.
(1) مجمع الفائدة 8: 97.
(2) تحرير الوسيلة 1: 461 - 462، كتاب المتاجر،
المسألة 24.
(3) الجواهر 22: 168، وانظر 37: 57، فإن فيه إشارة
إلى ذلك.
447

فالملاك بناء على ما قاله هو كون الضرر
المتوعد عليه مضرا بحاله في نفسه أو ماله أو عرضه
من دون ملاحظة التعادل بينه وبين الضرر الحاصل
على من أكره على الإضرار به، وهذا يعني لو أكره
على أخذ ألف دينار من شخص، فإن امتنع اخذ منه
مئة دينار وكان ذلك مضرا بحاله، كان ذلك مجوزا
لارتكاب ما أكره عليه.
والمثال قد لا يوضح الفرق بين المسلكين،
لكن يمكن أن يكون مشيرا إلى ذلك.
ثانيا - حكم الإكراه وضعا:
الكلام عن ذلك يقع في جهات ثلاث:
1 - الإكراه على الإتلاف.
2 - الإكراه على الأسباب الفعلية المفيدة للملك.
3 - الإكراه على العقود والإيقاعات.
1 - الإكراه على الإتلاف:
قد تقدم في عنوان " إتلاف ": أنه لو اجتمع
السبب والمباشر في الإتلاف، فالضمان على المباشر،
واستثني من ذلك ما لو كان المباشر ضعيفا وكان
السبب أقوى منه، وذكروا من مصاديق ذلك ما لو
كان المباشر مكرها على الإتلاف إلا في قتل النفس،
فإن الضمان يكون على المباشر حينئذ، وأما قطع
العضو والجرح، ففي إلحاقه بالقتل وعدمه اختلاف
قد تقدم ذكره، فعلى القول بالإلحاق يكون الضمان
على المباشر، وعلى القول بعدمه فعلى السبب وهو
المكره، لصحة نسبة الاتلاف إليه عرفا (1).
وهنا يرد إشكال، وهو: ما الفرق إذن بين
القتل وغيره، فلتكن نسبة الإتلاف في القتل إلى
المكره أيضا؟
وأجيب: بأن ذلك صادق أيضا إلا أنه قام
الدليل على تضمين المباشر لأهمية الدماء
والنفوس، ولذلك يحبس الآمر - سواء كان مكرها
أم لا - مدى عمره.
هذا هو المعروف، لكن استظهر بعضهم (2) من
كلام الشهيد الثاني في الروضة إمكان تضمين المباشر
أيضا، فلصاحب المال الرجوع إلى كل من المباشر
والسبب، لكن إن رجع على المباشر، فللمباشر
الرجوع إلى السبب، مثل موارد الغرور.
وكلام الشهيدين في اللمعة وشرحها هكذا:
قال الشهيد الأول: "... فيستقر الضمان في
الغرور على الغار، وفي الإكراه على المكره " (3).

(1) انظر: الشرائع 3: 237، والقواعد 2: 221، والتذكرة
(الحجرية) 2: 374، واللمعة وشرحها (الروضة
البهية) 7: 33، والمسالك 12: 165، ومجمع الفائدة
10: 501، ومفتاح الكرامة 6: 214، وعناوين
الأصول 2: 436، العنوان 58، والصفحة 705 -
706، العنوان 90، والجواهر 37: 57، والقواعد
الفقهية 2: 25 - 26، وغيرها.
(2) انظر العناوين 2: 437، العنوان 58، والصفحة:
706، القاعدة 90.
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 33.
448

وقال الشهيد الثاني متمما العبارة المتقدمة:
" لضعف المباشر بهما، فكان السبب أقوى، كمن قدم
طعاما إلى المغرور فأكله، فقرار الضمان على الغار،
فيرجع المغرور عليه لو ضمن " (1).
فإنه لو لم يكن ضمان على المباشر فلا وجه
للرجوع عليه أصلا.
ويمكن أن يكون كلامه ناظرا إلى خصوص
المغرور لا هو والمكره، فإن صاحب المال مخير بين
الرجوع على المغرور الذي أتلف المال بالمباشرة،
وبين الرجوع على الغار الذي هو السبب.
وربما يشهد لذلك كلام بعضهم.
قال صاحب الجواهر: " ثم إن ظاهر
الأصحاب في المقام عدم رجوع المالك على المكره
بشئ بخلاف الجاهل المغرور، فإن له الرجوع عليه
وإن رجع هو على الغار " (2).
وقال المراغي بعد أن جعل المعيار في التضمين
في الإتلاف صدق عنوان " المتلف "، فمن صدق عليه
هذا العنوان فهو الضامن:
" وهذا هو السر في جعلهم الضمان على المكره
- بالكسر - نظرا إلى أن المباشر هنا ضعف بالإكراه،
فصار يستند الفعل والإتلاف إلى المكره - بالكسر -
ففي الحقيقة هو الذي أتلفه، فليس هذا مخالفا
للقاعدة، بل لا وجه لجعلهم المباشر مقدما
إلا الصدق، وهو هنا منتف.
وأما الغرور، فالذي يظهر: أن الاتلاف
يستند إلى المغرور فهو ضامن، غايته أن الغار
أيضا ضامن يرجع إليه المغرور بقاعدة أخرى
تذكر بعد ذلك (1)، ولا يخرج الشخص بكونه
مغرورا عن كونه متلفا " (2).
وسوف يأتي الكلام عن قاعدة الغرور في
العنوانين: " تغرير " و " غرور ".
2 - الإكراه على الأسباب الفعلية المفيدة
للملك:
ونقصد بهذه الأسباب: إحياء الموات،
والاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، ونحوها.
والسؤال هو: لو أكره أحد على سبب من هذه
الأسباب، فهل يملك ما صار بيده بسببه أم لا؟
لم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع. نعم تعرض
له المراغي في العناوين بصورة إجمالية (3).
وهناك أمور عديدة تؤثر في النتيجة
الفقهية، مثل:
1 - هل تعد هذه الأمور قابلة للتوكيل
أم لا؟ وبعبارة أخرى: هل المباشرة شرط فيها
أم لا؟
2 - هل يعتبر قصد التملك شرطا في مملكيتها

(1) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 7: 33.
(2) الجواهر 37: 57.
(1) ويقصد بذلك قاعدة الغرور، انظر العناوين 2: 440،
العنوان 59.
(2) العناوين 2: 436، العنوان 58.
(3) العناوين 2: 707، العنوان 90.
449

أم لا؟ وبعبارة أخرى: لو فعل هذه الأمور لا بقصد
التملك فهل يملك ما صار بيده أم لا؟
3 - هل الاختيار شرط في مملكيتها أم لا؟
4 - هل الرضا المتأخر كاف لسببيتها في التملك
أم لا؟
5 - هل الرضا المتأخر كاشف عن سبق تحقق
الملكية أو ناقل لها، أي محصل لها بهذه الأسباب بعد
اقترانه بالرضا؟
6 - وهل المكره أكره بها لتكون النتيجة
للمكره أو للمكره؟
فكل واحد من هذه الأمور مؤثر في الجواب
الفقهي، ونحن نطرح الأسئلة الآتية ونطلب من
الفقهاء الإجابة عنها:
1 - إذا أمر المكره المكره بالاحتطاب للمكره
وقلنا بعدم اعتبار المباشرة في سببية الاحتطاب
ونحوه للتملك، فلمن يكون الحطب؟
2 - الصورة المتقدمة لكن أمره بالاحتطاب
للمكره نفسه.
3 - الصورة الأولى مع اعتبار قيد المباشرة.
4 - الصورة الثانية مع اعتبار قيد المباشرة.
5 - أن يأمره المكره بالاحتطاب للمكره،
ولكن قصد المكره الاحتطاب لنفسه.
6 - الصورة المتقدمة ولكن لم يقصد حين
الاحتطاب شيئا لا أن يكون لنفسه ولا للمكره،
ولكن رضي بأن يكون له، بعد ذلك.
وصور مختلفة أخرى.
3 - الإكراه على العقود والإيقاعات:
تكلم الفقهاء غالبا عن الإكراه في العقود
والإيقاعات في كتاب الطلاق بمناسبة اشتراط
صحته بصدوره عن اختيار، لأن في هذا المورد
بالخصوص جاءت روايات مستفيضة تدل على
بطلان طلاق المكره، ثم استفادوا منها بطلان سائر
عقوده وإيقاعاته.
وأما المتأخرون فقد تكلموا عنه في عقد
البيع أيضا، وكان من جملة أدلتهم قوله تعالى:
* (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * (1)، ومن هنا دخلوا
في البحث عن أن الرضا بالمعاملة شرط في صحتها،
أو أن الإكراه مانع من صحتها؟
وتظهر الثمرة فيما لو تصور كونه مكرها، فباع،
ولم يكن كذلك واقعا، فإن قلنا: إن المانع من صحة
المعاملة هو الإكراه، فالبيع لا بد من وقوعه
صحيحا، لعدم الإكراه واقعا.
وإن قلنا: إن الرضا شرط في صحة المعاملة،
فلابد من الالتزام بعدم صحة البيع، لعدم تحقق
شرطه، وهو الرضا بالبيع.
وأما الفقهاء فيظهر من بعضهم: أن الشرط هو
الرضا، ويظهر من بعض آخرين أن المانع هو
الإكراه.
فالظاهر من الإصفهاني: أن الإكراه هو المانع
من صحة العقد، لأنه فسر الطيب والرضا بمعنى
أوسع من الطيب الطبعي، فإن من يضطر إلى بيع

(1) النساء: 29.
450

داره ليعالج مريضه ليس له طيب طبعي، لكن
له طيب عقلي، فإن عقله يحكم بحسن فعله،
فلذلك يكون بيعه صحيحا، ولكن المكره وإن كان
واجدا لهذا الطيب وهو الطيب العقلي، لأن عقله
يحكم ببيع داره ليتخلص من ظلم المكره، إلا أن
الفقهاء حكموا ببطلان عقده، وليس ذلك إلا لأجل
كون العاقد مكرها، فالمناط في عدم الصحة هو
الإكراه لا الكره (1).
وممن يظهر منه ذلك الإمام الخميني،
لأنه فسر الرضا وطيب النفس بعدم الإكراه، حيث
قال: " إن طيب النفس في المعاملات غير معتبر لو
أريد منه انشراح الصدر واشتياق النفس (2)،
وكذا الرضا المعتبر فيها ليس مقابل السخط،
بل الطيب المعتبر فيها هو إيقاعها بلا تحميل الغير
إياه والرضا بها كذلك " (3).
وعكس بعضهم الأمر وأرجع أدلة مانعية
الإكراه إلى شرطية الرضا، " وذلك إخضاعا لها
للارتكازات العقلائية، إذ من الواضح أن الارتكاز
العقلائي يرى شرطية الرضا ولا يكتفي بعدم الإكراه،
وإنما يحكم العقلاء بمبطلية الإكراه لنكتة فقدان الرضا
فيه، فأدلة مبطلية الإكراه تحمل على ذلك " (4).
والظاهر من النائيني والسيد الخوئي: أن
الشرط هو الرضا، وأن بطلان عقد المكره إنما هو من
جهة فقدانه للرضا المعتبر في المعاملة (1).
ومهما كان فالأدلة بعضها يدل على شرطية
الرضا، وبعضها على مانعية الإكراه، كما سيأتي بيانها.
والمهم في بحثنا هو بيان حكم الإكراه في
العقود، والنتيجة واحدة هنا سواء قلنا بشرطية
الرضا أو مانعية الإكراه، لأن عقد المكره فاقد للرضا
ومتصف بكونه مكرها عليه.
الاستدلال على بطلان عقد المكره:
هناك مجموعة من الأدلة يدل بعضها على
شرطية الرضا وطيب النفس بالعقد في صحته،
وبعضها الآخر على مانعية الإكراه لصحة العقد.
وفيما يلي نشير إليهما معا:
أولا - ما يدل على اشتراط الرضا:
1 - قوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (2).
والمراد من الأكل هو التملك، والباء في
* (بالباطل) * للسببية والمقابلة، أي لا تتملكوا
أموالكم بسبب باطل إلا أن يكون ذلك السبب
تجارة عن تراض.
فالآية بصدد حصر الأسباب المشروعة

(1) حاشية المكاسب (للإصفهاني) 2: 39 - 40.
(2) الظاهر أنه إشارة إلى مبنى السيد الخوئي في تفسير
الطيب والرضا. انظر مصباح الفقاهة 3: 289 - 290.
(3) كتاب البيع 2: 67.
(4) صيغ العقود 2: 17.
(1) انظر: منية الطالب 2: 381 - 382، ومصباح الفقاهة
3: 289 - 290.
(2) النساء: 29.
451

للمعاملات - لا مطلق التملك - في التجارة الحاصلة
عن تراض بين الطرفين، ومن الواضح: أن المكره
ليس له رضا بالمعاملة، فتكون معاملته باطلة.
والاستدلال مبني على استفادة الحصر من
الآية، وهذا واضح فيما لو كان الاستثناء متصلا.
وأما لو كان منقطعا، فهو وإن لم يفد الحصر في
حد ذاته، إلا أن قرينة المقام - الدالة على أنه تعالى
بصدد بيان الأسباب الصحيحة للمعاملة ومقابلتها
للفاسدة، بمعنى فصل صحيحها عن فاسدها - تدل
على إفادة الحصر في المقام (1).
2 - قوله (صلى الله عليه وآله): " لا يحل دم امرئ مسلم
ولا ماله إلا بطيبة نفسه " (2).
ووجه الاستدلال به هو: أنه لو كان
بيع المكره نافذا لكان سببا لحلية ماله للمشتري
بغير طيب النفس، وهو خلاف قوله (صلى الله عليه وآله):
" لا يحل... ".
وبعبارة أخرى: لما كان شرط الحلية في
تصرف مال الآخرين هو طيب أنفسهم بذلك، ولما
لم يكن المكره طيب النفس بتصرف الغير في ماله،
فمعناه: عدم حلية تصرفه فيه، ولا يعني ذلك
إلا عدم نفوذ المعاملة (3).
ثانيا - ما يدل على مانعية الإكراه:
1 - حديث الرفع، وهو قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن
أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا
عليه، وما لا يعلمون، و... " (1).
فإذا قلنا: إن المرفوع في هذه الموارد هو جميع
الآثار المتصورة لكل مورد من هذه الموارد التسعة،
فيشمل الرفع الأحكام الوضعية أيضا، فلا يختص
المرفوع بالمؤاخذة ليقتصر فيه على الأحكام
التكليفية. فارتفاع جميع آثار العقد المكره عليه معناه
رفع صحته (2).
وربما يستشهد لإكمال الاستدلال بالحديث
- على فرض أن المرفوع هو خصوص المؤاخذة -
بصحيحة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام): " في الرجل
يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق
وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال: لا، قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه،
وما لم يطيقوا، وما أخطأوا... " (3).
ووجه الاستشهاد هو: أن الحلف على الطلاق
والعتاق وصدقة ما يملك وإن كان باطلا عندنا في
صورة عدم الإكراه أيضا إلا أن مجرد استشهاد

(1) مصباح الفقاهة 3: 287 - 288.
(2) الوسائل 5: 120، الباب 3 من أبواب مكان المصلي،
الحديث الأول.
(3) انظر: منية الطالب 2: 382، ومصباح الفقاهة
3: 291.
(1) الوسائل 15: 369، الباب 56 من أبواب جهاد
النفس، الحديث الأول.
(2) انظر: منية الطالب 2: 382، ومصباح الفقاهة
3: 292، وكتاب البيع 2: 58، وغيرها.
(3) الوسائل 23: 226، الباب 12 من أبواب كتاب
الأيمان، الحديث 12.
452

الإمام (عليه السلام) بالرواية على بطلان هذه الأمور
- ولو مماشاة مع القائلين بصحة هذه الأمور
في صورة عدم الإكراه - يشهد بشمول الرفع
للأحكام الوضعية وعدم انحصاره برفع خصوص
المؤاخذة، فإذا شمل الأحكام الوضعية أمكن
الاستدلال به على بطلان العقود والأحكام الصادرة
عن إكراه كما تقدم (1).
أو يقال: على فرض صحة الحلف على
الطلاق و... في صورة عدم الإكراه - ولو مماشاة مع
القائلين بالصحة من سائر المذاهب - فإنه لا يصح
الحلف على هذه الأمور في صورة الإكراه،
لاستشهاد الإمام (عليه السلام) بالحديث، وإذا ثبت عدم
صحة الحلف في صورة الإكراه، فيثبت عدم صحة
سائر العقود والإيقاعات أيضا في صورة الإكراه،
بعدم القول بالفصل (2).
2 - الروايات الواردة في بطلان طلاق
المكره (3) بضميمة عدم القول بالفصل بين الطلاق
وغيره من العقود والإيقاعات (4).
هذا كله مع غض النظر عن دعوى الإجماع
على بطلان عقد المكره وإيقاعاته (1).
أو دعوى السيرة العقلائية المستمرة إلى
زمن المعصومين (عليهم السلام) (2).
حكم الرضا بعد العقد عن إكراه:
اختلفوا في حكم العقد الصادر عن إكراه لو
رضي به المكره بعد ذلك، فذهب المشهور - كما قيل -
إلى صحته، ولكن استشكل فيه جماعة، مثل: المحقق
الثاني، والأردبيلي، والسبزواري، والنراقي،
وصاحب الرياض، وصاحب الجوهر.
أما المحقق الثاني، فقال بعد توجيه قول العلامة
في فاقدي شرائط العقد: "... سواء رضي كل منهم
بما فعله بعد زوال عذره أو لا، إلا المكره، فإن
عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار... " (3):
" واعلم أن هذه المسألة إن كانت إجماعية،
فلا بحث، وإلا فللنظر فيها مجال، لانتفاء القصد أصلا
ورأسا مع عدم الرضا، ولا يتحقق العقد المشروط
بالقصد إذا لم يتحقق الرضا، لأن الظاهر من كون
العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون
المتأخر " (4).

(1) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 308،
والمصدرين الآتيين.
(2) انظر: منية الطالب 1: 392، ومصباح الفقاهة 2: 292
- 293.
(3) انظر الوسائل 22: 86، الباب 37 من أبواب مقدمات
الطلاق.
(4) مصباح الفقاهة 3: 291.
(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 2: 307.
(2) فقه العقود 2: 9.
(3) جامع المقاصد 4: 62.
(4) انظر: مجمع الفائدة 8: 156، والكفاية: 89، والجواهر
22: 267، بل ادعى عليه الاتفاق في الحدائق
18: 373، والرياض 8: 116.
453

فنكتة الإشكال عنده هي: خلو العقد من
القصد - أي قصد مفاد العقد ومدلول صيغته - وخلوه
من الرضا بمضمون العقد. وكأن الأول متوقف على
الثاني، ولما لم يكن الرضا حاصلا حين العقد،
فالقصد غير حاصل آنذاك، فإذا لم يتحقق القصد إلى
العقد لم يتحقق العقد أصلا.
وقال الأردبيلي بعد نقل عبارة العلامة في
الإرشاد، وهي شبيهة بعبارة القواعد المتقدمة: " إن
الاستثناء غير واضح، بل الظاهر البطلان حينئذ،
لعدم حصول القصد، بل وعدم صدور العقد عن
تراض، والظاهر اشتراطه على ما هو ظاهر الآية،
ولأنه لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع،
فهو بمنزلة العدم، وهو ظاهر، لعدم الفرق بينه وبين
غيره من الطفل وغيره ".
إلى أن قال: " إلا أن المشهور الصحة،
وما نعرف لها دليلا... " (1).
والنكتة المهمة في كلامه هي التي ذكرها المحقق
الثاني، وزاد عليها النقض بسائر فاقدي الشرائط،
مثل غير البالغ، فإنه لا يصح عقده بعد حصول
شرطه وهو البلوغ.
وقال السبزواري بعد ذكر شرائط المتبايعين:
" قالوا: ولو رضي كل بما فعل بعد زوال عذره
لم يصح عدا المكره استنادا إلى تعليلات اعتبارية
من غير نص، فالمسألة محل إشكال " (2).
وقال النراقي: " والحق فيه: عدم التأثير "،
وعلله: بأن البيع لا يصدق على مجرد الصيغة من
دون قصد، ولا على الإجازة وحدها بعد العقد،
ولا على مجموع الأمرين الإجازة والعقد منفصلين
وخاصة إذا كانت الفاصلة الزمنية بينهما كثيرة،
ولا دليل آخر على صحة مثل هذا العقد، فمقتضى
الأصول المسلمة عدم صحته (1).
وقال صاحب الرياض بعد دعوى الاتفاق
على الصحة ومناقشة أدلة القائلين بالصحة: " فإن
كان عليها إجماع، وإلا فالمسألة محل مناقشة " (2).
وقال صاحب الجواهر - بعد بحث طويل عن
حقيقة عقد المكره وهل هو قاصد لمدلوله أم لا؟ -:
"... وحينئذ فالمتجه بناء البحث على ذلك، فالمكره
القاصد للفظ - على نحو سائر أفعال العقلاء كالمكره
على الأكل والشرب ونحوهما - حكمه حكم
الفضولي، والمكره الذي قد جرد نفسه من قصد
العقد بما يتلفظ به على وجه لم يصدر منه إلا اللفظ
الصرف باطل وإن تعقبه الرضا بعد ذلك، لفوات
القصد، ولعل إطلاق الأصحاب الصحة في المكره
مبني على غلبة كونه بالمعنى الأول، ضرورة عدم
منافاة الإكراه لذلك، فتأمل جيدا " (3).
وبناء على كلامه الأخير لا ينبغي أن يعد
مخالفا للمشهور.

(1) مجمع الفائدة 8: 156.
(2) الكفاية: 89.
(1) مستند الشيعة 14: 272.
(2) الرياض 8: 117.
(3) الجواهر 22: 269.
454

ومثله تفصيل الإمام الخميني واستثناؤه صورة
ما إذا كان المكره يعتقد بطلان عقده وأن الرضا
المتأخر لا يوجب الصحة، أو يعلم بعدم حصوله، فقال
بعدم صحة العقد في هذه الصورة وإن لحقه الرضا (1).
كان هذا حاصل ما أفاده المستشكلون في
الصحة، وأغلبه يرجع إلى: اعتبار الرضا في مفهوم
العقد أو اعتباره في تأثيره، أو اعتبار مقارنته معه.
وناقش المشهور ولا سيما الشيخ الأنصاري
والمتأخرون عنه هذه الأمور بما حاصله:
أنه لا يستفاد من أدلة شرطية الرضا كونه دخيلا
في مفهوم العقد أو في تأثيره، كما لا يستفاد اشتراط
مقارنته معه. ولهم مناقشات طويلة في هذا
المجال، فليراجعها من أراد الاطلاع عليها (2).
ثم إنهم تكلموا في أن الإجازة المتأخرة هل
هي كاشفة أو ناقلة؟ وقد مر الكلام بصورة عامة
عن ذلك في عنوان " إجازة ".
الإكراه على أحد الأمرين:
الإكراه على أحد الأمرين كالإكراه على أمر
واحد إجمالا، وتفصيل ذلك هو:
أن الإكراه على أحد الأمرين أو الأمور - وهو
المعبر عنه بالإكراه على الجامع - تارة يكون إكراها
على أمرين عرضيين، كالإكراه على شرب أحد
المائعين الحرامين.
وتارة يكون إكراها على أمرين طوليين،
كالإكراه على شرب الخمر من دون تحديد زمني،
أو تحديده بشكل موسع بحيث يشمل الشرب في هذه
الساعة والساعة التالية وهكذا.
فالبحث إذن يكون في مقامين:
المقام الأول - الإكراه على أحد الفردين
العرضيين:
أثير إشكال على هذا النوع من الإكراه
وحاصله: أن المكره إنما يكون مكرها على الجامع
بين الفردين، وأما كل فرد بخصوصه فلم يكن
مكرها عليه، فمثلا لو أكره على تطليق إحدى
زوجتيه فطلق واحدة فطلاقه صحيح، لأن الإكراه
إنما هو على الجامع وهو إحدى زوجتيه، وأما الفرد،
وهو هذه الزوجة أو تلك فلم يكن مكرها على
تطليقها بالخصوص، وكذا لو أكره على شرب أحد
الحرامين، فيكون شرب أحدهما حراما، لعدم صدق
الإكراه عليه بخصوصه أو نحو ذلك.
ولهم عدة محاولات للإجابة عن هذا
الإشكال، منها:
أولا - ما أفاده الشيخ الأنصاري، وحاصله:
1 - أن الإكراه محقق لغة وعرفا، لأن الأثر
- وهو الحرمة في شرب الخمر مثلا - لو كان مترتبا
على الجامع، فيحصل هذا الأثر بإتيان كل واحد من
الفردين، وبذلك يصدق الإكراه لغة وعرفا.

(1) كتاب البيع 2: 83.
(2) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 328 - 334،
ومنية الطالب 1: 409 - 417، ومصباح الفقاهة
2: 330 - 337، وكتاب البيع 2: 83 - 96، وغيرها.
455

وإن كان مترتبا على أحد الفردين،
كما لو أكره على شرب الخمر أو شرب مائع غير
محرم، فلا يصدق أنه مكره بالنسبة إلى شرب
الخمر لا لغة ولا عرفا، لإمكان التخلص منه بشرب
المائع المحلل.
2 - ولو لم يتحقق الإكراه في هذا المورد
- وهو ما كان الأثر المترتب على الجامع مترتبا
على الفردين معا - لم يتحقق الإكراه في غيره من
الموارد أيضا، لأن الإكراه على مورد مشخص
بجميع خصوصياته نادر جدا، فإن الإكراه في
غالب الموارد يكون على الكلي، كبيع الدار،
وشرب الخمر ونحو ذلك، وما يقع في الخارج يكون
مصداقا لهذه الكليات (1).
ثانيا - ما أفاده السيد الخوئي، وحاصله:
أن هناك فرقا بين الإكراه على بيع الدار
وبين بيع أحد الدارين، أو تطليق إحدى الزوجتين،
فإن المكره في المورد الأول لو باع الدار من زيد
أو عمرو أو غيرهما صدق عليه أنه مكره عرفا،
وهذا الخيار - أي بيع داره من زيد مثلا - لا يمنع
من صدق الإكراه.
وأما في المورد الثاني، فإن المكره مكره على
الجامع، وهو بيع أحد الدارين، وأما خصوص كل
منهما فغير مكره عليه، نعم هو مضطر للتخلص مما
وعد به المكره أن يحقق المكره عليه ضمن أحد
فرديه، والاضطرار وإن قلنا: لا يبطل المعاملة
الاضطرارية، لأنه خلاف الامتنان، إلا أن عدم
إبطاله في هذه الموارد خلاف الامتنان أيضا.
والحاصل: أن الإكراه يكون على الجامع،
وإيجاد الجامع بأحد الفردين من باب الاضطرار،
والاضطرار هنا لما كان ناتجا من الإكراه فيكون
رافعا للأثر المترتب على الجامع كالحرمة أو الصحة،
فإن عدم الرفع خلاف الامتنان حينئذ (1).
وهناك وجوه اخر لا يهمنا التعرض لها
بعد اتفاقهم على النتيجة، وهي ما ذكروه من
التفصيل في شقوق المسألة.
صور الإكراه على أحد الفردين العرضيين:
ذكروا - كما تقدم - عدة حالات وصور
للمسألة نشير إليها فيما يأتي:
الحالة الأولى - الإكراه على أحد المحرمين
تكليفا:
ومثاله: الإكراه على شرب أحد الخمرين، أو
الخمر والماء النجس أو الماء النجس والماء الغصبي،
أو أكل الميتة ولحم الخنزير، ونحو ذلك.
فقد صرحوا في هذه الحالة: أنه لو كان
الفردان متساويين من حيث ملاك التحريم، فالمكره
مخير بين إتيان كل منهما، إما لصدق الإكراه على مبنى
الشيخ الأنصاري ومن قال بمقالته، أو لصدق
الاضطرار على مبنى السيد الخوئي ومن قال بمقالته.
وأما لو كانا متفاوتين من حيث ملاك

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 320.
(1) مصباح الفقاهة 2: 310 و 312.
456

التحريم والمبغوضية، فكان أحدهما أكثر مبغوضية
من الآخر، فلابد من اختيار ما هو أقل مبغوضية،
كما لو أكره على شرب الخمر أو الماء المتنجس، فإنه
لا يجوز أن يختار شرب الخمر، لعدم كونه مكرها
عليه بالخصوص، فيكون اختياره له اختيارا للحرام
الزائد، باختيار وبدون إكراه (1).
الحالة الثانية - الإكراه على الجامع بين الحرام
والمباح:
كما لو أكره على شرب إحدى الكأسين،
وكانت إحداهما من الذهب والأخرى من غيره،
أو كان المائع في إحداهما خمرا وفي الأخرى
مائعا محللا.
ففي هذه الصورة لا بد من اختيار الكأس التي
لم تكن من الذهب، أو الكأس التي لم تحتو على
الخمر، لإمكان التخلص من الإكراه في كل منهما
باختيار المحلل فيهما (2).
الحالة الثالثة - الإكراه على الجامع بين عقدين
أو إيقاعين:
فإن كان الأثر المترتب على الجامع مترتبا
على كل منهما، فيكون اختيار كل منهما مصداقا
للإكراه على الجامع على مبنى الشيخ ومن قال
بمقالته، أو يكون مضطرا إليه للتخلص من الإكراه
على الجامع، على مبنى السيد الخوئي ومن قال بمقالته.
ومثاله: ما لو أكره على تطليق إحدى زوجتيه،
أو بيع إحدى داريه، أو بيع داره وتطليق زوجته.
وإن كان الأثر مترتبا على خصوص أحد
الفردين، فلو اختار الفرد ذا الأثر صح وترتب
عليه الأثر، لأنه لم يكن مكرها عليه بخصوصه،
إذ كان بإمكانه التخلص من الإكراه باختيار
الفرد الفاقد للأثر.
ومثاله: ما لو أكره على عقدين أحدهما
صحيح والآخر فاسد، فاختار الصحيح، فإن العقد
يقع صحيحا، لعدم كونه مكرها عليه بالخصوص (1).
الحالة الرابعة: الإكراه على الجامع بين الحرام
التكليفي والمعاملة:
كما إذا أكره على بيع داره أو شرب الخمر،
والكلام يقع تارة في الحكم التكليفي وأخرى في
الحكم الوضعي.
أما الحكم التكليفي وهو الحرام، فهو باق على
حاله لم يتغير، لعدم صدق الإكراه عليه بخصوصه،
إذ بالإمكان التخلص منه بإتيان المعاملة، لأنها أمر
مباح، فلا يجوز ترك المباح وإتيان الحرام عند
دوران الأمر بينهما.
وأما الحكم الوضعي، فقد استظهر بعضهم

(1) انظر: منية الطالب 1: 397، ومصباح الفقاهة 3: 310
- 311، وكتاب البيع 2: 72، وهدى الطالب 4: 222.
(2) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 320 - 321،
ومنية الطالب 1: 397، ومصباح الفقاهة 3: 311،
وهدى الطالب 4: 223.
(1) انظر: المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 320 - 321،
ومنية الطالب 1: 395، ومصباح الفقاهة 3: 311،
وهدى الطالب 4: 223.
457

بطلان المعاملة، لأنها وقعت عن إكراه، لأن شرب
الخمر بخصوصه لم يكن مكرها عليه لإمكان
التخلص منه بالبيع حسب الفرض، وترك البيع
يؤدي إلى ترتب الضرر المتوعد به، فلذلك يكون
البيع مكرها عليه ويحكم ببطلانه (1).
المقام الثاني - الإكراه على أحد الفردين
الطوليين:
كما لو أكره على شرب الخمر يوم الخميس
أو الجمعة، أو بيع داره كذلك، فهل يصدق الإكراه
على إتيان الفعل في كل منهما، أو لا؟
فصل النائيني بين الحرمة التكليفية
والمعاملات، وحاصل ما أفاده هو:
أنه لو أكره على إتيان فعل محرم في زمان
موسع، كشرب الخمر يوم الخميس أو الجمعة
أو السبت، فينبغي تأخير الشرب إلى يوم السبت،
لأنه لم يكن مكرها عليه في يوم الخميس والجمعة،
لإمكان عدم الشرب فيهما. ولا فرق بين أن يحتمل
التخلص من المكره في صورة تأخير الشرب
أو لا يحتمل.
وأما لو أكره على بيع داره يوم الخميس أو
الجمعة أو السبت، فإن لم يحتمل التخلص منه،
بل كان مأيوسا من ذلك، كان بيعه الدار يوم
الخميس بيعا عن إكراه، وإن لم يكن مأيوسا،
فلا يكون مكرها واقعا في بيعه يوم الخميس،
فإذا باع فيه، كان بيعه عن رضا فيكون صحيحا (1).
ولكن لم يرتض السيد الخوئي هذا التفصيل،
وقال بعدم صدق الإكراه فيما لو أتى بالمكره عليه في
أول الأزمنة، سواء كان فعلا محرما أو معاملة (2).
وبعبارة أخرى: يكون المضطر إليه والمكره
عليه في الأفراد الطولية هو الفرد المتأخر، من دون
فرق بين المعاملات والمحرمات التكليفية (3).
إكراه أحد الشخصين:
قال الشيخ الأنصاري: " ثم إن إكراه أحد
الشخصين على فعل واحد - بمعنى إلزامه عليهما كفاية
وإيعادهما على تركه - كإكراه شخص واحد على
أحد الفعلين، في كون كل منهما مكرها " (4).
واستثنى السيد اليزدي من كلام الشيخ ما إذا
كان أحدهما يعلم بأن الشخص الآخر سوف يفعل
سواء فعل هو أم لا، لعدم اطلاع ذلك الشخص على
قصده، فإنه لا يصدق عليه عنوان المكره حينئذ.
وأما لو علم بأن الآخر سوف يبادر إلى العمل
لو لم يبادر هو إليه، لضعف قلبه وجبنه مثلا،
أو لعوامل أخرى، فيصدق عليه عنوان المكره (5).

(1) انظر: مصباح الفقاهة 3: 313، وهدى الطالب
4: 224 - 225.
(1) منية الطالب 1: 395.
(2) مصباح الفقاهة 3: 314 - 315.
(3) هدى الطالب 4: 225 - 227.
(4) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 3: 321.
(5) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي): 123.
458

وفصل النائيني في المسألة وتبعه السيد
الخوئي، وحاصل التفصيل على بيان السيد الخوئي:
أن المكره عليه تارة يكون فعلا محرما،
وأخرى يكون عقدا.
والعقد تارة يكون عقدا واحدا، وأخرى
يكون متعددا.
أما إذا كان المكره عليه فعلا محرما، كشرب
الخمر، فيكون كل من الشخصين اللذين أكرها على
الشرب مكرهين، فترتفع الحرمة عنهما، لكن بشرط
أن يعلم من يريد الإقدام على الشرب بأن صاحبه
لا يشرب ولن يقصد الشرب، فيجب عليه التناول
لدفع الضرر عن نفسه أو عن أخيه.
وأما لو علم أو اطمأن أن صاحبه يشرب،
فلا يجوز له الشرب، لعدم صدق الإكراه (1).
وأما إذا أكرها على عقد واحد، كما إذا أكره
الأب والجد على بيع مال الصغير، أو الوكيل والموكل
على بيع مال الموكل، فالإكراه صادق في هذا المورد
بالنسبة لكل منهما - حتى على مبنى السيد الخوئي
الذي كان يقول بعدم صدقه فيما لو أكره شخص
واحد على أحد العقدين، وإنما كان يقول بالبطلان
فيه من باب الاضطرار - لأن المكره عليه أمر واحد،
فيكون كإكراه الشخص الواحد على فعل واحد.
وأما لو أكره كل من الشخصين على عقد
مستقل، فحكمه حكم ما لو أكره كل منهما على فعل
محرم، كما لو أكره كل منهما على بيع داره أو طلاق
زوجته. فإن علم كل منهما أو اطمأن بصدور العقد
من الآخر ومع ذلك صدر منه، فيحكم بصحته لعدم
كونه مكرها عليه (1).
وإن علم أو اطمأن أو احتمل احتمالا عقلائيا
بأن الآخر لا يفعله، حكم ببطلانه، لأنه صدر منه
كرها، فيكون مشمولا لحديث الرفع ونحوه (2).
كان هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي.
وقال السيد الخميني: " ولو أكره أحد
الشخصين على فعل أو على فعلين، فإن علم أحدهما
أنه لو لم يبادر إليه بادر الآخر، لجبنه وضعف قلبه
فالظاهر عدم كونه مكرها، لأنه غير ملزم بالعمل،
ولا يصدق أنه مكره، ومع الشك في إتيان الآخر
وخوف الوقوع في المهلكة يكون مكرها " (3).
ولم يذكر التفاصيل المتقدمة.
مظان البحث:
تقدم في أول بحث الإكراه: أن أغلب الفقهاء

(1) لكن يظهر من النائيني أنه تراجع عنه في آخر كلامه،
فقال بصدق الإكراه في هذا المورد أيضا لو علم بأن
صاحبه سوف يشرب لكن عن إكراه لا عن شهوة.
انظر منية الطالب 1: 400.
(1) وهنا يأتي كلام النائيني المتقدم أيضا، وهو أنه لو علم
بأن الآخر يفعله من باب دفع ضرر المكره لا عن شهوة،
يكون إتيانه للعقد المكره عليه إتيانا عن كره أيضا.
(2) انظر: مصباح الفقاهة 3: 318 - 320، ومنية الطالب
1: 398 - 400، وهدى الطالب 4: 225 - 226.
(3) كتاب البيع 2: 73.
459

وخاصة المتقدمين منهم إنما تطرقوا إلى موضوع
الإكراه في كتاب الطلاق بمناسبة اشتراط
الاختيار في المطلق وورود نصوص الإكراه في
هذا المورد غالبا.
وتطرق المتأخرون إلى هذا البحث في
موضوع قبول الولاية من قبل الجائر في أبحاث
المكاسب المحرمة، وموضوع اشتراط الاختيار عند
الكلام عن شرائط المتعاقدين.
وربما يتعرض له بمناسبات أخرى كالضمان في
الغصب والقصاص والديات ونحو ذلك.
إكسال
لغة:
مصدر أكسل، يقال: أكسل في الجماع،
أي خالط المرأة ولم ينزل، أو عزل ولم يرد
ولدا (1). وقيل: هو من الكسل - بالتحريك -
أي العجز (2).
اصطلاحا:
هو أن يجامع من غير إنزال (3).
والظاهر أن عدم الإنزال أعم من الإكسال،
ولذا ورد التعبير به في كلمات الفقهاء أكثر من
الإكسال، فقالوا: إن سبب الجنابة أمران: إنزال
المني ولو من دون جماع، والجماع ولو من
دون إنزال (1).
الأحكام:
كل ما يترتب على الجماع مع الإنزال
يترتب على الجماع مع الإكسال وعدم الإنزال
أيضا، فلا فرق في الجماع بين المقترن
بالإنزال وعدمه إلا في وطء الدبر وفي وطء
البهائم، فإنه لا تتحقق الجنابة حينئذ إلا بالإنزال
على قول فيهما (2)، وأما في غيرهما فالآثار مشتركة
بين الجماع المقترن بالإنزال وعدمه، كما في
الجنابة (3) وثبوت الحد (4) وحصول التحليل في
المطلقة (5)، وتحقق الفيئة والرجوع في الإيلاء (6)،
ونحو ذلك.
وسوف يأتي تفصيل ذلك كله في مواطنه
المناسبة، وعنوان " جماع " إن شاء الله تعالى.

(1) القاموس المحيط: " كسل ".
(2) مجمع البحرين: " كسل ".
(3) المعتبر: 48.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في غسل الجنابة.
(2) انظر المستمسك 3: 18 و 21 - 22.
(3) انظر الجواهر 3: 25 - 26.
(4) انظر الجواهر 41: 260.
(5) انظر الجواهر 32: 160 - 161، لكنه استشكل في
التحليل بمجرد الدخول وإن نقل الإجماع على أن المحلل
ما هو موجب للغسل.
(6) انظر الجواهر 33: 330.
460

أ كل
لغة:
من المفاهيم الواضحة.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن قد يراد به التصرف
أو التملك (1)، كما في قوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل) * (2)، وقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) * (3).
والمقصود بالبحث فعلا هو الأول.
الأحكام:
تارة يلاحظ الأكل باعتبار معناه المصدري،
وهو الفعل الصادر من الفاعل، وأخرى باعتبار
المأكول، وثالثة باعتبار المقارنات، مثل الأكل
ماشيا، ومتكئا، واليمين واليسار، وحال التخلي،
ونحو ذلك.
وكل واحد من الاعتبارات المذكورة يمكن أن
يندرج تحت الأحكام التكليفية الخمسة، وسنشير
إليها إجمالا فيما يأتي:
أولا - الأكل الواجب:
إنما يجب الأكل - سواء كان بلحاظ الأكل
نفسه، أو بلحاظ المأكول، أو بلحاظ المقارنات -
في الموارد التالية:
1 - إذا كان مقدمة لواجب:
إذا كان الأكل مقدمة لواجب مثل حفظ
النفس فيجب، ويرتفع الوجوب بعد تحقق الواجب.
ووجوب الأكل لإبقاء النفس لا ينحصر
بالأكل مما يملكه، بل لو لم يكن له طعام إلا من مال
الغير وجب الأكل (1)، كما تقدم تفصيله في عنوان
" اضطرار ".
ويندرج في ذلك الأكل للقدرة على إتيان
الواجبات، وأكل الدواء إذا توقف عليه حفظ النفس.
2 - إذا اضطر للأكل تقية:
يجب الأكل إذا اضطر إليه الإنسان من أجل
التقية، كما إذا كان بين قوم يرون وجوب الإفطار
لأنه يوم عيد عندهم، لكنه يرى أنه من شهر
رمضان، فإذا خاف أن يلحقه ضرر يجب دفعه
- كالضرر على النفس والمال والعرض - بسبب
المخالفة وجب الإفطار تقية (2).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان " تقية ".

(1) انظر هدى الطالب 1: 387.
(2) البقرة: 188، والنساء: 29.
(3) النساء: 10.
(1) انظر الجواهر 36: 426.
(2) انظر: مستند الشيعة 15: 33، والوسائل 16: 214،
الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، و 10: 131،
الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
461

3 - إذا أكره على الأكل:
ومن موارد وجوب الأكل إذا أكره عليه،
وكان الضرر المتوعد به ضررا يجب دفعه، كما في
التقية، وقد تقدم الكلام عن الإكراه بصورة تفصيلية
في عنوان " إكراه ".
4 - الأكل من الهدي:
اختلفوا في الأكل من الهدي، فقال بعض
الفقهاء بوجوبه، منهم: ابن إدريس (1)، والمحقق
الحلي (2)، والعلامة الحلي (3)، وولده فخر الدين (4)،
والشهيد الأول (5)، والمحقق الثاني (6)، والشهيد
الثاني (7)، وسبطه صاحب المدارك (8).
ثانيا - الأكل المستحب:
1 - الأكل من الهدي والأضحية:
أما الأكل من الهدي، فبناء على القول
باستحبابه كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (1) وبعض
من تبعه (2).
وأما الأكل من الأضحية، فاستحبابه هو
المعروف، بل ادعي عليه الإجماع (3)، كما تقدم
في عنوان " أضحية ".
2 - الأكل قبل الخروج لصلاة العيد:
يستحب الأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر
وبعد العود من صلاة عيد الأضحى، وقد صرح
بعضهم: بأن الأرجح الإفطار على الحلو كالتمر
والسكر ونحوهما (4).
3 - الأكل بقصد التقوي على الطاعة:
لو قصد الآكل الأكل للتقوي على الطاعة
ما لم يصل إلى الحد المكروه - كما يأتي تحديده - كان
مثابا على فعله، كما لو أكل للتقوي على قيام الليل،
أو جهاد العدو، أو الصيام، ونحو ذلك.

(1) السرائر 1: 598، وفيه: " وأما هدي المتمتع والقارن،
فالواجب أن يأكل منه ولو قليلا ".
(2) الشرائع 1: 261، وقد استظهر القول بالوجوب، وإن
كان يظهر منه في هدي السياق القول بالاستحباب.
(3) المختلف 4: 285، واستقرب فيه رأي ابن إدريس.
(4) إيضاح الفوائد 1: 313.
(5) الدروس 1: 439.
(6) جامع المقاصد 3: 242.
(7) المسالك 2: 303.
(8) المدارك 8: 43.
(1) انظر: المبسوط 1: 374، والنهاية: 261.
(2) انظر: الكافي في الفقه: 200، والمهذب 1: 259،
وكلامه ظاهر في الندب، والوسيلة: 184، والجامع
للشرائع: 214، والتذكرة 8: 293، والجواهر
19: 157 - 161، بل في كشف اللثام 6: 170 نسبته
إلى ظاهر الأكثر.
(3) انظر المدارك 8: 80.
(4) انظر الجواهر 11: 377.
462

4 - الأكل إجابة لدعوة المؤمن:
تستحب إجابة دعوة المؤمن إذا دعا إلى
الطعام، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): " لو أن مؤمنا دعاني إلى
طعام ذراع شاة لأجبته... " (1).
وورد: " إن من حق المسلم على المسلم أن
يجيبه إذا دعاه " (2).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أوصي الشاهد من
أمتي والغائب أن يجيب دعوة المسلم ولو على خمسة
أميال، فإن ذلك من الدين " (3) و " كان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يجيب الدعوة " (4).
بل تستحب الإجابة وإن كان المدعو صائما
ندبا، فإن إفطاره عنده أفضل من صيامه، كما تقدم
بيانه في عنوان " إفطار ".
5 - الأكل مع الضيف ومؤاكلته:
ينبغي للمضيف أن يأكل مع ضيفه وأن يكون
أول من يضع يده وآخر من يرفعها (5).
6 - الأكل باليمين:
يستحب الأكل باليمين مع الاختيار،
لاستحباب التيامن (1)، بل قال الصادق (عليه السلام):
" لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع " (2).
7 - مدح أكل بعض المأكولات:
ورد في الروايات مدح أكل بعض الأشياء، ليس
هنا موضع ذكرها، فلتراجع المطولات (3).
وهناك موارد أخرى نشير إليها في آداب الأكل.
ثالثا - الأكل المحرم:
1 - أكل المحرمات:
يحرم أكل المحرمات، سواء كانت محرمة
بالذات كالميتات، والمسكرات، والعذرات، ولحم
الخنزير ونحوها، أو بالعرض كالحيوان الجلال،
والطعام أو الشراب الذي تنجس بإحدى الأعيان
النجسة، ونحو ذلك.
وقد تقدم الكلام عن ذلك بالتفصيل في
العنوانين: " أشربة "، و " أطعمة ".
2 - أكل مال الغير:
يحرم أكل مال الغير من دون إذنه ولا إذن

(1) الوسائل 24: 268، الباب 15 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 24: 269، الباب 16 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: 269، الحديث 2.
(4) المصدر المتقدم: 270، الحديث 6، وانظر الجواهر
36: 472 - 473.
(5) انظر: الوسائل 24: 320، الباب 41 من أبواب آداب
المائدة، والجواهر 36: 475.
(1) انظر الجواهر 36: 454.
(2) الوسائل 24: 258، الباب 10 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 3.
(3) انظر: الجواهر 36: 479 - 505، والدروس 3: 35 - 48.
463

شرعي، عقلا وشرعا (1).
ويدخل في هذا الإطار الأكل من طعام لم
يدع إليه، بناء على تحريمه كما صرح به صاحب الجواهر
ناقلا إياه عن الدروس (2)، لخبر الحسين بن خالد
المنقري عن خاله، قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: من أكل طعاما لم يدع إليه، فإنما أكل قطعة
من النار " (3).
وعلى القول بكراهته، كما حكاه الشهيد (4)
عن بعض، يكون الأكل مكروها.
ويدخل فيه أيضا: استتباع الولد إذا دعي
إلى طعام، لما رواه السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يتبعن
[فلا يستتبعن] ولده، فإنه إن فعل أكل حراما،
ودخل عاصيا " (5).
وظاهر الرواية أن الوالد إذا فعل كذلك كان
أكله حراما ودخوله عصيانا وإن كان مدعوا، لعدم
العلم بأنه مدعو بهذه الحالة أيضا، فيكون فعله
تصرفا في مال الغير من دون إذنه (6).
ولكن صرح الشهيد بكراهته (1).
ويدخل فيه أيضا أكل مال اليتيم من دون
إذن شرعي، للآية (2)، فإن الأكل فيها وإن كان بمعنى
التصرف إلا أنه يشمل الأكل بمعنى الازدراد أيضا.
3 - الأكل مما يحصل بسبب باطل:
يحرم الأكل مما يحصل عليه الإنسان بسبب
باطل، كالربا والقمار والمعاملات الفاسدة، لأن ذلك
من الأكل بالباطل، وبغير سبب شرعي، وهو منهي
عنه في قوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
إلا أن تكون تجارة عن تراض) * (3).
4 - الأكل في الإناء المغصوب:
يحرم الأكل في الإناء المغصوب وإن كان المأكول
مباحا، لأن ذلك تصرف في مال الغير بغير إذنه.
5 - الأكل في آنية الذهب والفضة:
يحرم الأكل في الآنية المصوغة من الذهب
أو الفضة. وقد تقدم تفصيل ذلك في عنوان " آنية ".
6 - الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من
الخمر:
يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ

(1) انظر الجواهر 36: 405.
(2) انظر: الجواهر 36: 469، والدروس 3: 26.
(3) الوسائل 24: 234، الباب 63 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(4) الدروس 3: 26.
(5) الوسائل 24: 234، الباب 63 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2.
(6) انظر الجواهر 36: 469.
(1) الدروس 3: 26.
(2) النساء: 10.
(3) النساء: 29.
464

من الخمر أو سائر المسكرات أو الفقاع (1)، للنهي
الشديد عن ذلك، فعن هارون بن الجهم، قال: " كنا
مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالحيرة حين قدم على أبي جعفر
المنصور، فختن بعض القواد ابنا له وصنع طعاما،
ودعا الناس، وكان أبو عبد الله (عليه السلام) في من دعي،
فبينما هو على المائدة يأكل ومعه عدة على المائدة،
فاستسقى رجل منهم، فاتي بقدح فيه شراب لهم،
فلما صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد الله (عليه السلام) عن
المائدة، فسئل عن قيامه؟ فقال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): " ملعون، ملعون، من جلس على مائدة
يشرب عليها الخمر " " (2).
وقال ابن إدريس: " ولا يجوز الأكل من
طعام يعصى الله به أو عليه، من اختلاطه بخمر،
أو نجاسة غير الخمر، أو شربه عليه " (3).
وقال العلامة: " والأقرب التعدية إلى
الاجتماع للفساد واللهو والقمار " (4).
7 - الأكل حالة الصوم:
لا إشكال في حرمة الأكل والشرب في صوم
شهر رمضان عمدا، بل ادعي عليه الإجماع،
قال صاحب المدارك: " أما تحريم المعتاد من مأكول
ومشروب فعليه إجماع العلماء " (1).
ومثله الصوم الواجب المعين، كقضاء صوم
شهر رمضان إذا كان وقته مضيقا، والمنذور المعين (2).
وأما سائر أقسام الصوم ففيها تفصيل، وقد
تقدم كل ذلك في عنوان " إفطار ".
8 - الأكل في الصلاة:
لا إشكال في بطلان الصلاة بالأكل والشرب
عمدا إجمالا (3)، وفيه تفصيل يأتي في موضعه إن شاء
الله تعالى.
وحينئذ فلو قلنا بحرمة إبطال الصلاة، فيكون
الأكل المؤدي إلى بطلان الصلاة حراما أيضا.
9 - أكل المحرم ما فيه طيب:
يحرم على المحرم أكل ما فيه طيب، وإذا اضطر
إلى ذلك قبض على أنفه (4).
10 - أكل المحرم الصيد:
لا إشكال في حرمة أكل المحرم الصيد إجمالا.
وفيه تفصيل من حيث كون المصيد داخل الحرم
أو خارجه، ونحو ذلك من التفاصيل التي تراجع فيها

(1) انظر: الدروس 3: 29، والمسالك 12: 140،
والجواهر 36: 466.
(2) الوسائل 24: 232، الباب 62 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(3) السرائر 3: 136.
(4) القواعد 3: 337.
(1) المدارك 6: 43.
(2) انظر المدارك 6: 233.
(3) انظر الجواهر 11: 77.
(4) انظر المدارك 7: 319 و 325.
465

العناوين: " إحرام " و " أطعمة / أسباب التحريم
العارض " و " صيد ".
11 - أكل صيد الحرم:
يحرم أكل صيد الحرم إجمالا، سواء كان الآكل
محلا أو محرما، وقد مر توضيحه إجمالا في عنوان
" أطعمة / أسباب التحريم العارض "، ويأتي في
العنوانين: " حرم " و " صيد " إن شاء الله تعالى.
12 - الأكل من الهدي الواجب كفارة أو فداء
أو نذرا:
المشهور أنه لا يجوز الأكل من الهدي
الواجب نذرا، أو كفارة، أو فداء، بل ادعي عليه
الإجماع (1)، وقالوا: بأنه لو أكل منه ضمن المقدار
الذي أكله (2).
وعلل العلامة أصل الحكم: بأن جزاء الصيد
بدل، والنذر جعل لله تعالى، والكفارة عقوبة، وكل
هذه لا تناسب جواز التناول (3).
مضافا إلى الروايات العديدة الناهية عن
ذلك (4).
وفي مقابلها بعض الروايات المجوزة
للأكل (1)، لكنها حملت على صورة الضرورة، لعدم
مقاومتها للإجماع والنصوص الكثيرة الدالة على
عدم الجواز (2).
13 - الأكل مما لا يستحقه الإنسان:
لا يجوز للإنسان أن يأكل مما لا يستحقه من
الأوقاف والأخماس والزكوات والصدقات
ونحوها، فإذا أوقف بستان على الهاشميين أو
العلويين، فلا يجوز لغيرهم الأكل منه، وإذا أوقف
على الفقراء، فلا يجوز لغيرهم التناول منه، وهكذا.
رابعا - الأكل المكروه:
1 - الأكل حالة التخلي:
يكره الأكل حالة التخلي (3)، بل يظهر من
بعضهم كراهة الأكل في الخلاء مطلقا وإن لم يكن
حال التخلي (4).
وعلله المحقق في المعتبر بقوله: " وإنما كره
الأكل والشرب لما يتضمن من الاستقذار الدال على
مهانة نفس متعمده " (5).

(1) انظر: التذكرة 8: 295، والمنتهى (الحجرية)
2: 752، والمدارك 8: 77.
(2) انظر المصادر المتقدمة، والدروس 1: 446، والمسالك
2: 317، والجواهر 19: 212، وغيرها.
(3) التذكرة 8: 295، وانظر كشف اللثام 6: 185.
(4) الوسائل 14: 159، الباب 40 من أبواب الذبح.
(1) الوسائل 14: 159، الباب 40 من أبواب الذبح.
(2) انظر المدارك 8: 78 - 79.
(3) انظر: الذكرى 1: 167، والمدارك 1: 180، والجواهر
2: 70، والمستمسك 2: 246، وغيرها.
(4) انظر الجواهر 2: 70.
(5) المعتبر: 36.
466

2 - الأكل ماشيا:
ورد النهي عن الأكل ماشيا، لكن وردت
الرخصة بذلك أيضا.
فقد روى عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " لا تأكل وأنت تمشي إلا أن
تضطر إلى ذلك " (1).
وروى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا
أنه قال: " خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل الغداة ومعه
كسرة قد غمسها في اللبن وهو يأكل ويمشي، وبلال
يقيم الصلاة، فصلى بالناس " (2).
ويمكن حمل فعله على الضرورة - كما يظهر من
الرواية الأولى - أو بيان الجواز (3).
3 - الأكل متكئا:
ورد: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأكل متكئا،
فمن ذلك ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: " ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متكئا منذ بعثه
الله حتى قبض، كان يأكل أكلة العبد، ويجلس
جلسة العبد. قلت: ولم؟ قال: تواضعا لله
عز وجل " (4).
وورد في بعض الروايات: أنه شوهد الإمام
أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يأكل متكئا (1)، مع أنه ورد
في روايات اخر: أنهم (عليهم السلام) لم يأكلوا متكئين، فعن
أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: " ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
متكئا قط، ولا نحن " (2).
ومن المحتمل أن يكون السبب في اختلاف
النقل اختلاف الرواة في فهم الاتكاء، ولعله يشهد
لذلك ما رواه الفضيل بن يسار، قال: " كان عباد
البصري عند أبي عبد الله (عليه السلام) يأكل، فوضع أبو
عبد الله (عليه السلام) يده على الأرض، فقال له عباد:
أصلحك الله، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن
ذا؟ فرفع يده، فأكل، ثم أعادها أيضا، فقال له
أيضا، فرفعها، ثم أكل، فأعادها، فقال له عباد
أيضا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): لا والله ما نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذا قط " (3).
ولذلك قال النراقي: " المستفاد من كلماتهم أن
للاتكاء معاني:
أحدها - الجلوس على البساط متمكنا،
مسندا ظهره إلى الوسائد من دون ميل إلى جانب.
ثانيها - الاتكاء باليد.
ثالثها - الميل إلى أحد الشقين، كما هو

(1) الوسائل 24: 261، الباب 11 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(3) انظر الدروس 3: 27.
(4) الوسائل 24: 249، الباب 6 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(1) الوسائل 24: 249، الباب 6 من أبواب آداب المائدة،
الحديث 2 و 10 و 11.
(2) المصدر المتقدم: 252، الحديث 8.
(3) الوسائل 24: 253، الباب 7 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
467

المتعارف عند العامة " (1)، أي عامة الناس.
ثم نفى أن يكون المراد من الاتكاء في
الروايات هو المعنى الثاني، أي الاتكاء باليد، الذي
يكون باليسار غالبا، لأن اليمين يؤكل بها، وبقي
الاحتمالان الآخران.
ويؤيد ما قاله النراقي كلام ابن الأثير حيث
قال: " المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على
وطاء متمكنا، والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال
في قعوده معتمدا على أحد شقيه... " (2).
فإنه اكتفى بذكر المعنيين اللذين أثبتهما
النراقي.
4 - الأكل حالة الشبع:
يكره كثرة الأكل والأكل على الشبع (3)،
بأن يأكل بعد الشبع، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" كثرة الأكل مكروه " (4).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" قال لي: يا أبا محمد، إن البطن ليطغى من أكله،
وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خف بطنه،
وأبغض ما يكون العبد من الله إذا امتلأ بطنه " (5).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إذا شبع البطن
طغى " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ما كان شئ
أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أن يظل جائعا خائفا
في الله " (2).
وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي، أربعة
يذهبن ضياعا: الأكل على الشبع، والسراج في
القمر، والزرع في السبخة، والصنيعة عند غير
أهلها " (3).
5 - الأكل فيما بين الغداء والعشاء:
ورد النهي عن الأكل فيما بين أكلتي الغداء
والعشاء، لأنه يوجب التخمة وفساد البدن،
فعن ابن أخي شهاب بن عبد ربه، قال: " شكوت
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع والتخم،
فقال لي: تغد وتعش، ولا تأكل بينهما شيئا،
فإن فيه فساد البدن، أما سمعت الله تبارك
وتعالى يقول: * (لهم رزقهم فيها بكرة
وعشيا) * (4) " (5).

(1) مستند الشيعة 15: 257.
(2) النهاية (لابن الأثير): " تكأ ".
(3) انظر الجواهر 36: 461 - 465.
(4) الوسائل 24: 239، الباب الأول من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(5) المصدر المتقدم: الحديث الأول.
(1) الوسائل 24: 243، الباب 2 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: 244، الحديث 4.
(4) مريم: 62.
(5) الوسائل 24: 327، الباب 45 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
468

6 - أكل ما باشره الجنب والحائض:
يكره أكل ما باشره الجنب والحائض إذا
كانا غير مأمونين، وكذا يكره أكل ما باشره
من لا يتوقى النجاسات، لكن لا يحرم شئ
من ذلك (1).
7 - أكل الجنب قبل المضمضة وغسل اليدين:
يكره للجنب أن يأكل قبل أن يتمضمض
ويغسل يديه (2)، للنصوص العديدة، التي منها ما
رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " الجنب إذا
أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل
وجهه وأكل وشرب " (3).
وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه
ويتمضمض " (4).
هذا هو المعروف، ولكن قال المحقق الحلي في
الشرائع: " ويكره الأكل والشرب وتخف الكراهة
بالمضمضة والاستنشاق " (1).
8 - أكل الإنسان وحده:
ورد النهي الأكيد عن أن يأكل الإنسان وحده،
فمن ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام)
حيث جاء فيها: " لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده،
وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيت وحده " (2).
9 - الأكل باليسار:
يكره الأكل باليسار مع الاختيار، لما ورد
من النهي عنه، فمن ذلك ما رواه أبو بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " لا تأكل باليسرى
وأنت تستطيع " (3).
10 - أكل الوالدين من العقيقة:
يكره للوالدين الأكل من عقيقة ولدهما،
وكذا من في عيالهما (4)، لقول الصادق (عليه السلام): " لا يأكل
هو ولا أحد من عياله من العقيقة... " (5).
راجع: عقيقة.

(1) انظر الجواهر 36: 420، لكن الروايات ناظرة إلى
الحائض، انظر الوسائل 1: 236، الباب 8 من أبواب
الأسئار، وانظر الباب 7. ولعله لذلك قال السبزواري
بعد نقل التعميم: " ولا أعلم عليه دليلا إلا رواية مختصة
بالحائض ". الكفاية: 253.
(2) انظر: المدارك 1: 283، والجواهر 3: 64 - 65.
(3) الوسائل 2: 219، الباب 20 من أبواب الجنابة،
الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(1) الشرائع 1: 27.
(2) الوسائل 24: 416، الباب 101 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 24: 259، الباب 10 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 3، وانظر الجواهر 36: 465.
(4) انظر الجواهر 31: 270.
(5) الوسائل 21: 428، الباب 47 من أبواب أحكام
الأولاد، الحديث الأول.
469

11 - النهي عن أكل طعام الفاسق والمنافق
والكافر:
ورد النهي عن إجابة دعوة هؤلاء إلى
طعامهم والأكل منه، فمن ذلك ما رواه الصادق (عليه السلام)
عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي،
قال: " ونهى عن إجابة الفاسقين إلى
طعامهم " (1).
وما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لو أن مؤمنا دعاني إلى طعام
ذراع شاة لأجبته، وكان ذلك من الدين، ولو أن
مشركا أو منافقا دعاني إلى جزور ما أجبته،
وكان ذلك من الدين، أبى الله عز وجل لي زبد
المشركين والمنافقين وطعامهم " (2).
وفي نقل آخر: " زاد المشركين ".
12 - أكل الطعام الحار:
ورد النهي عن أكل الطعام الحار، فمن ذلك ما
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " اتي النبي (صلى الله عليه وآله)
بطعام حار، فقال: إن الله لم يطعمنا النار، نحوه حتى
يبرد، فترك حتى برد " (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الطعام الحار
غير ذي بركة " (1).
13 - موارد متفرقة أخرى:
وهناك موارد متفرقة أخرى ذكرها صاحب
الوسائل، من قبيل: الأكل في الأسواق (2)، وأكل
اللحم النئ (3)، والأكل من رأس الثريد (4)، والمبالغة
في أكل اللحم الذي على العظام (5)، ونحو ذلك.
خامسا - الأكل المباح:
وهو الأكل المأذون فيه شرعا من دون
ترجيح جانب الفعل أو الترك، كالأكل من
المباحات العامة، والمقصود كونها مباحة من حيث
التملك والأكل، لأنه قد يصح تملك شئ ولا يجوز
أكله أو شربه، كالطين.
ويدخل في هذا الإطار أكل ما أذن المالك
بأكله، لأنه يكون مأذونا شرعا حينئذ، وهذا ما
يعبر عنه بالإباحة المالكية.
وقد تقدم الكلام عن بعض جوانب هذا
الموضوع في العناوين: " إباحة "، " إذن "، " أطعمة ".
وبقي الكلام عن بعض الإباحات الخاصة نرى

(1) الوسائل 24: 268، الباب 15 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(2) المصدر المتقدم: الحديث الأول.
(3) الوسائل 24: 398، الباب 91 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(1) الوسائل 24: 398، الباب 91 من أبواب آداب المائدة،
الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم: 395، الباب 87.
(3) المصدر المتقدم: 396، الباب 89.
(4) المصدر المتقدم: 367، الباب 65.
(5) المصدر المتقدم: 402، الباب 94.
470

من المناسب التطرق إليها في هذا الموضع، مثل: الأكل
من بيوت من ذكرتهم الآية، والأكل مما يمر به الإنسان
من ثمر الأشجار، والأكل مما ينثر في الأعراس.
الأكل من بيوت من سمتهم الآية:
الأصل الأولي أنه لا يجوز الأكل من مال
الغير إلا بإذنه ورضاه، فما لم يحرز رضا مالكه
لا يجوز الأكل منه. لكن استثنيت من هذه القاعدة
عدة موارد، منها الأكل من بيوت من ذكرتهم الآية
الشريفة في قوله تعالى: * (ليس على الأعمى حرج
ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم
أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم
أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم
أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم
ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * (1).
فإن الآية تدل بظاهرها على أن الأكل من
بيوت هؤلاء المذكورين لا يحتاج إلى إذن (2).
ويدل على ذلك مضافا إلى ظاهر الآية ما
ورد في تفسيرها عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث قال:
" بإذن وبغير إذن " (3).
نعم، اشترطوا في جواز الأكل من بيوت
هؤلاء عدم العلم بكراهتهم وعدم رضاهم (1).
وقد ادعي الإجماع على هذا الشرط (2).
ولكن اشترط بعضهم لجواز الأكل عدم
حصول الظن القوي بالكراهة (3)، وهو مخالف
للمشهور من اشتراط عدم العلم بالكراهة، نعم هو
موافق للاحتياط.
ثم إن مقتضى الإطلاق كتابا وسنة وفتوى
عدم الفرق في المأكول بين ما يخشى فساده
وعدمه (4)، خلافا للصدوق في المقنع (5)، حيث قيد
الجواز بما إذا كان المأكول يخشى فساده.
نعم، قد يقال باختصاص الجواز بأكل ما
يعتاد أكله دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا،
إما لانسياق الإطلاق إلى ذلك، أو للاقتصار على
القدر المتيقن (6).
واشترط ابن إدريس في جواز الأكل أن
يكون الدخول بإذن صاحب البيت، فلا يجوز له

(1) النور: 61.
(2) انظر: الرياض (الحجرية) 2: 297، ومستند الشيعة
15: 40، والجواهر 36: 406، وغيرها.
(3) الوسائل 24: 283، الباب 24 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 7.
(1) انظر المصادر في الهامش رقم 2 من العمود الأول.
(2) انظر: كشف اللثام (الحجرية) 2: 272، والرياض
(الحجرية) 2: 297.
(3) انظر مجمع الفائدة 11: 305.
(4) انظر: مجمع الفائدة 11: 305، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 272، ومستند الشيعة 15: 42، والجواهر 36:
408، وغيرها.
(5) المقنع: 125.
(6) انظر: الجواهر 36: 409، ومستند الشيعة 15: 43.
471

الأكل إذا دخل من غير إذنه (1).
وذكر بعضهم توجيهات لكلام ابن
إدريس (2)، ونوقشت هذه التوجيهات مع أصل
الدعوى من قبل بعض آخرين (3).
وقال صاحب الجواهر بعد نقل التوجيهات
والمناقشات: " والتحقيق ما عرفت من كون المراد
بالآية الإذن فيما هو متعارف بين الناس من دخول
القريب الدور المذكورة والأكل فيها من دون إذن " (4).
ثم إن الظاهر من الآية إرادة بيان الرخصة في
الأكل خاصة، لا أكل الطعام وحمله، إلا ما كان
متشاغلا بأكله حين القيام والخروج (5).
وذكر بعضهم: أنه يستفاد من الآية جواز
بعض التصرفات غير الأكل بمفهوم الموافقة،
كالشرب من مائه والوضوء به، أو بالالتزام،
كالكون هناك حين الأكل (6).
لكن استشكل صاحب الجواهر في استفادة
جواز الوضوء ونحوه من ذلك (7).
تفسير بعض مفردات الآية:
1 - المراد بالآباء والأمهات ما يشمل الأجداد
والجدات، لأنهم أولى من الأعمام والعمات، للسيرة
وانسياق ذلك من الجمع في " آباء " و " أمهات ".
2 - والمراد ب‍ * (ما ملكتم مفاتحه) * إما من له
ولاية عليه، أو المتاع الذي بيد الوكيل إذا وكل
في حفظه والقيام بأمره. وبه وردت رواية (1)،
وربما يدخل في الأول.
وقيل: بيت مملوك الإنسان، أو ولده.
3 - والمراد بالصديق هو الصديق العرفي (2).
تنبيه:
لم تذكر الآية بيوت الأبناء مع أنهم أولى
من المذكورين، وقد ذكرت عدة وجوه لتوجيه
ذلك، أهمها:
1 - أن بيوت الأبناء داخلة في عنوان " بيوتكم ".
2 - أن ترك ذكر بيوت الأبناء إنما هو لوضوح
جواز التناول منها خصوصا بعد استفاضة النصوص
في توسعة الأمر بالنسبة للوالد (3).

(1) السرائر 3: 124.
(2) انظر: التنقيح الرائع 4: 60، وكشف اللثام (الحجرية)
2: 272.
(3) انظر: الرياض (الحجرية) 2: 297، ومستند الشيعة
15: 42.
(4) الجواهر 36: 411.
(5) انظر: مستند الشيعة 15: 46، والجواهر 36: 412.
(6) انظر: مستند الشيعة 15: 44، والجواهر 36: 412.
(7) الجواهر 36: 412.
(1) الوسائل 24: 282، الباب 24 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 5.
(2) انظر: مستند الشيعة 15: 45 - 46، والجواهر
36: 413.
(3) انظر: مستند الشيعة 15: 45، والجواهر 36: 412،
وانظر الوسائل 24: 262 - 266، الباب 78 من أبواب
ما يكتسب به.
472

الأكل مما يمر به الإنسان من ثمار الأشجار:
اختلف الفقهاء في جواز الأكل من ثمار
الأشجار التي يمر بها الإنسان.
ومورد البحث هو أن يمر على بستان فيتناول
من ثماره من دون استئذان صاحبه.
وفي المسألة قولان، بل أقوال:
الأول - القول بالجواز بشروطه التي
سوف تذكر:
وهذا القول هو المشهور بين المتقدمين
والمتأخرين، كما قيل (1).
- قال الصدوق: " وإذا مررت ببساتين
فلا بأس أن تأكل من ثمارها ولا تحمل معك منها
شيئا " (2).
- وقال الشيخ: " وإذا مر الإنسان بالثمرة،
جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يحمل شيئا على
حال " (3).
- وقال أبو الصلاح - عند الكلام عن الإذن -:
"... وإباحة القديم تعالى عابري السبيل الانتفاع
بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من
غير حمل ولا فساد، ينوب مناب إذن المالك في
حسن التصرف " (1).
- وقال ابن البراج - على ما نقل عنه -:
" إذا مر الإنسان بشجر الفواكه، جاز أن يأكل
منها من غير إفساد بشئ من ذلك، ولا يجوز له
أن يحمل شيئا إلا بأمر صاحبها " (2).
- وقال ابن إدريس: " إذا مر إنسان
بحايط غيره، يعني ببستانه... وبثمرته جاز
له أن يأكل منها، سواء كان في حال ضرورة
أو في حال اختيار، ولا يأخذ منها شيئا يحمله
معه... " (3).
وقال المحقق الحلي: " وإذا مر الإنسان
بشئ من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتفاقا،
جاز أن يأكل... " (4).
وقال العلامة الحلي: " يجوز للإنسان إذا مر
بشئ من ثمرة النخل والشجر والزرع أن يأكل
منها... " (5).
وهكذا قال غيرهم.
الثاني - القول بعدم الجواز:
ذهب إلى هذا القول جماعة من الفقهاء أيضا،
مثل:
- السيد المرتضى، حسب ما نقله عنه الشهيد

(1) دعوى الشهرة مستفيضة، انظر: الحدائق 18: 286،
والرياض 8: 385 - 386، ومستند الشيعة 15: 47،
والجواهر 24: 127.
(2) المقنع: 124.
(3) النهاية: 370، وانظر: المبسوط 6: 288، والخلاف
6: 98.
(1) الكافي في الفقه: 322.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 5: 25.
(3) السرائر 3: 126.
(4) الشرائع 2: 55.
(5) التذكرة 10: 409 - 410.
473

الثاني في المسالك (1).
- والعلامة في المختلف، حيث قال: " والأقرب
المنع " (2).
- وولده فخر الدين (3)، والمقداد (4)،
والكركي (5)، وغيرهم (6).
- ونسب إلى الوحيد البهبهاني (7).
الثالث - التردد، أو التوقف، أو الاحتياط
وترجيح الترك:
وهذا القول هو الظاهر من المحقق الحلي في
كتاب الأطعمة من الشرائع (8)، والعلامة في الأطعمة
من المختلف (9)، والشهيد الأول في الدروس (10)،
والشهيد الثاني في الأطعمة من المسالك (1)،
والأردبيلي (2)، وصاحب الحدائق (3)، وصاحب
مفتاح الكرامة (4).
واستدل على القول بالجواز بروايات، أهمها:
- مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا،
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال (5): " سألته عن الرجل يمر
بالنخل والسنبل والثمر، فيجوز له أن يأكل منها من
غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟
قال: لا بأس " (6).
- مرسلة يونس عن بعض رجاله، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال (7): " سألته عن الرجل يمر
بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز
له أن يأكل من ثمره، وليس يحمله على الأكل من ثمره
إلا الشهوة، وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له

(1) المسالك 3: 372، نقله عن المسائل الصيداوية للسيد
المرتضى.
(2) المختلف 5: 26، وانظر: الإرشاد 2: 113، والقواعد
3: 333.
(3) إيضاح الفوائد 1: 410.
(4) التنقيح 2: 114.
(5) جامع المقاصد 4: 47.
(6) انظر كشف الرموز 1: 508.
(7) نسبه إليه صاحب الجواهر، انظر الجواهر 24: 130.
(8) الشرائع 3: 228، وجاء فيه: "... ما يمر به الإنسان
من النخل، وكذا الزرع والشجر على تردد "، فبناء على
رجوع التردد إلى الجميع - كما استظهره الشهيد في
المسالك - لا الأخيرين فقط، يكون مترددا في أصل الحكم.
(9) المختلف 8: 345، وجاء فيه: " وبالجملة، فنحن في
هذه المسألة من المتوقفين ".
(10) الدروس 3: 20 - 21.
(1) المسالك 12: 99 - 100.
(2) مجمع الفائدة 8: 224، و 11: 311.
(3) الحدائق 18: 292، وجاء فيه: " وبالجملة، فإن القول
المشهور وإن كان لا يخلو عن قوة، لكثرة الأخبار الدالة
عليه، إلا أن المسألة غير خالية عن شوب الإشكال،
لعدم المحمل الظاهر لأخبار المنع ".
(4) مفتاح الكرامة 4: 126، وجاء فيه: " المسألة عند
التحقيق مشكلة جدا، والقول بالحرمة قوي، وإن بنيت
على الظاهر فالقول بالحل هو الظاهر ".
(5) أي: بعض أصحابنا.
(6) الوسائل 18: 226، الباب 8 من أبواب بيع الثمار،
الحديث 3.
(7) أي: بعض رجال يونس.
474

أن يأكل من جوع؟ قال: لا بأس أن يأكل،
ولا يحمله، ولا يفسده " (1).
- رواية عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " لا بأس بالرجل يمر على الثمرة
ويأكل منها ولا يفسد، قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة، قال: وكان إذا
بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارة " (2).
والرواية الأولى مرسلة، لكن بناء على قبول
مرسلات ابن أبي عمير تكون معتبرة.
والثانية مرسلة.
والثالثة فيها إسماعيل بن مرار الذي روى
عن يونس، الذي روى عن ابن سنان. وهذا الرجل
مختلف فيه، فبناء على توثيقه تكون الرواية
معتبرة أيضا (3).
وهناك روايات أخرى بهذه المضامين
لا يترجح أسنادها على أسناد هذه الروايات، ومع
ذلك فقد وصفت بكونها مستفيضة (4)، بل عمل بها
من لم يعمل بأخبار الآحاد، مثل ابن إدريس (5)،
ولعل ذلك من أجل أن عمل المشهور بها يكون
جابرا لضعفها.
واستدل على القول الثاني بروايات أيضا،
منها:
- صحيحة علي بن يقطين، قال: " سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل
والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل
له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه؟
وكيف حاله إن نهاه صاحبه أو أمره القيم فليس له،
وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: لا يحل له
أن يأخذ منه شيئا " (1).
وذكرت عدة توجيهات للجمع بين الطائفتين
من الروايات، منها حمل الناهية على الكراهة،
أو على صورة حمل الثمر معه (2)، وغير ذلك.
لكن قال القائلون بالتحريم: إن أدلة الجواز
مع ضعفها لا تقاوم الأدلة العامة الدالة على تحريم
التصرف في مال الغير إلا مع إذنه، فإنها تكفي في
إثبات التحريم وإن لم تكن رواية تدل عليه
بالخصوص، فكيف مع وجود رواية صحيحة؟! (3)

(1) الوسائل 18: 227، الباب 8 من أبواب بيع الثمار،
الحديث 5.
(2) الوسائل 9: 203، الباب 17 من أبواب زكاة الغلات،
الحديث الأول.
(3) انظر معجم رجال الحديث 3: 183، رقم الترجمة
1430.
(4) انظر مستند الشيعة 15: 47.
(5) كما تقدم في الصفحة 473.
(1) الوسائل 18: 228، الباب 8 من أبواب بيع الثمار،
الحديث 7.
(2) انظر مصادر القائلين بالجواز في الصفحة 473.
(3) قال الشهيد الثاني في المسالك: " وبالجواز قال الأكثر،
بل ادعي عليه في الخلاف الإجماع، وبه روايتان
مرسلتان لا تقاوم‍ [- ان] ما دل عليه الدليل عموما من
[حرمة] تناول مال الغير بغير إذنه، والمنع لا يحتاج
إلى رواية تخصه، وما ورد فيه فهو مؤكد، مع أنه من
الصحيح ". المسالك 12: 99 - 100، وانظر جامع
المقاصد 4: 47، ومجمع الفائدة 8: 224.
475

شروط جواز الأكل:
ذكر المحقق الحلي شروطا ثلاثة لجواز
الأكل، أضاف إليها آخرون شروطا اخر نشير
إليها إجمالا فيما يلي:
أما الشروط التي ذكرها المحقق (1)،
فهي كالآتي:
أولا - أن يكون مروره على الشجرة اتفاقا:
بمعنى أن لا يكون قاصدا - في مجيئه - الشجرة
للأكل منها، بل يكون قصده الذهاب إلى مكان
آخر، لكن يكون طريقه على الشجرة عرفا،
فلا يجب أن يكون الطريق ملاصقا للشجرة أو
البستان، بل بحيث يكون المتطرق فيه مارا عرفا
على الشجرة والبستان.
لكن قال صاحب الجواهر (2) ما مضمونه: أن
هذا محقق لموضوع المسألة، والحكم يدور مدار
تحققه، لا أنه شرط للحكم، بمعنى أن الحكم بجواز
الأكل مترتب على المرور بالشجرة، لا أن المرور
شرط للحكم الذي هو جواز الأكل. والمفهوم من
المرور هو عدم كونه قاصدا للذي يمر عليه.
فعلى هذا يكون اعتبار هذا الأمر في ترتب
الحكم أولى.
ثانيا - عدم الإفساد:
والمراد بالإفساد هو: أن يأكل منها شيئا
كثيرا، بحيث يؤثر فيها أثرا بينا، ويصدق معه
الإفساد عرفا، أو يكسر غصنا يتوقف الأكل عليه،
أو يهدم حائطا ونحو ذلك.
والأول يختلف بحسب كثرة الثمرة وقلتها،
وكثرة المارة وقلتهم.
ومستند هذا الشرط روايتا عبد الله بن سنان
ويونس المتقدمتان، فقد جاء في الأولى: " يأكل منها
ولا يفسد " (1)، وفي الثانية: " ولا يحمله
ولا يفسده " (2).
ثالثا - عدم الحمل:
بمعنى أن لا يحمل معه شيئا، بل يأكل في
موضعه، وإذا أكل وحمل جاز ما أكل وضمن ما حمل.
ويدل على هذا الشرط رواية يونس المتقدمة
ورواية محمد بن مروان حيث جاء فيها:
" كل ولا تحمل " (3).
كانت هذه هي الشروط التي ذكرها المحقق
الحلي ووافقه عليها القائلون بجواز الأكل غالبا،

(1) الشرائع 2: 55، وجاء فيه: " إذا مر الإنسان بشئ
من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتفاقا، جاز أن
يأكل من غير إفساد، ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا ".
(2) الجواهر 24: 133.
(1) الوسائل 9: 203، الباب 17، من أبواب زكاة
الغلات، الحديث الأول.
(2) الوسائل 18: 227، الباب 8 من أبواب بيع الثمار،
الحديث 5.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 4.
476

ولكن يظهر من بعضهم التشكيك في شرطية
الأخيرين، وعن بعض آخر التشكيك في الأول
أو رفضه.
فالمشككون في شرطية الأخيرين يرون أن
أدلتهما ناظرة إلى بيان الحرمة التكليفية للإفساد
والحمل، بمعنى أنه يحرم الإفساد والحمل، أما لو
أفسد فجواز الأكل باق على حاله.
وممن يرى ذلك: الأردبيلي، والطباطبائي،
والعاملي.
قال الأول: " واعلم أن في اشتراط جواز
الأكل بالشرطين الأخيرين تأملا، لاحتمال كون
الأكل جائزا مع تحريم الإفساد والحمل " (1).
وقال الثاني: " وإثبات الأخيرين من
الأصل والنصوص مشكل... وغايته الحرمة،
وهي أعم من الشرطية ".
ومع ذلك قال: " ثم إن اشتراط الشرطين في
الإباحة مقطوع به وبثالث - هو ما حكم به فيها من
عدم جواز الحمل - بين الطائفة، بل لعله إجماع، وهو
الحجة، مضافا إلى الأصل... " (2).
وقال الثالث بعد الاعتراف بالإجماع على
شرطية عدم الإفساد: " لكن إثباته من الأصل
والأخبار كأنه صعب جدا... وليس في الأخبار إلا
النهي عنه، وغايته الحرمة، وهي أعم من الشرط... " (3).
وأما الشرط الأول: فقد نفاه السيد الخوئي (1)
صريحا، وربما يظهر ذلك من السيد الحكيم (2)،
لكن استشكل في نفيه في آخر كلامه.
هذا، وذكر بعض الفقهاء شروطا اخر نشير
إليها فيما يأتي:
1 - أن لا يكون النخل أو الشجر أو الزرع
محاطا بسور عليه باب، فلو كان كذلك لم يجز صعود
السور أو خرقه، ولا فتح الباب أو كسره، لأنه
تصرف في ملك الغير بغير إذنه وإذن الشارع.
2 - عدم العلم بكراهة صاحب الشجر أو
الزرع، بل قيل: عدم الظن بها، فلو علم أو ظن
بالكراهة لم يجز له الأكل.
3 - كون الثمرة على الشجرة، غير مجذوذة
ولا محرزة.
واختلفوا في قبول هذه الشروط أو ردها،
وقبول بعضها دون بعض (3).

(1) مجمع الفائدة 8: 225.
(2) الرياض 8: 377.
(3) مفتاح الكرامة 4: 126.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 66، كتاب البيع،
بيع الثمار، المسألة 279.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 93، كتاب البيع،
بيع الثمار، المسألة 19.
(3) انظر: الدروس 3: 21، فإنه يظهر منه قبول الشرطين
الأخيرين بناء على قبول الجواز، والمسالك 3: 373،
فقد استحسن فيه الثاني ونفى البأس عن الثالث ولم
يتطرق فيه إلى الأول، ومجمع الفائدة 8: 225،
فالظاهر منه قبول الثلاثة، والكفاية: 253، فإنه لم
يذكر فيه إلا الثاني، والحدائق 18: 293، فقد نوقش
فيه المسالك في الثاني ونفي البأس عن الثالث
ولم يتطرق إلى الأول، والرياض 8: 378، فإنه
أشير فيه إلى الأخيرين ونفي البأس عنهما، ومستند
الشيعة 15: 54 - 55، فإنه ذكرت فيه الشروط الثلاثة
وقبل الأول منهما ونفي الأخيران، ومفتاح الكرامة
4: 127، فقد ذكرت فيه الشروط الثلاثة لكن
لا صراحة في قبولها أو ردها، والجواهر 24: 134
- 135، حيث يظهر منه التشكيك فيها وفي غيرها مما
نقل عن الأستاذ الأكبر، ومنهاج الصالحين (للسيد
الحكيم) 2: 93، كتاب البيع، فصل في بيع الثمار،
المسألة 19، فقد استشكل فيه في عدم مراعاة
الشرطين الأولين، ومثله منهاج الصالحين (للسيد
الخوئي) في منهاجه 2: 66، كتاب البيع، بيع الثمار،
المسألة 279، وتحرير الوسيلة 1: 507 - 508،
كتاب البيع، القول في بيع الثمار، المسألة 18، حيث
اشترط فيه الثاني ونفي الأخير.
477

تنبيه:
اختلف الفقهاء فيما يجوز أكله بناء على
القول بالجواز:
- فقال الشيخ الطوسي باختصاصه بالتمر،
في المسائل الحائريات (1).
- وأضاف إليه جماعة ثمار الفواكه (1).
- وأضاف آخرون إليهما المزارع، أي مزارع
الحنطة والشعير ونحوهما (2).
- وأضاف قسم ثالث إليها الخضر، أي القثاء
والبطيخ والبقول ونحوها (3).

(1) الرسائل العشر: 330، فقد جاء فيها: " مسألة - عن
الرجل يمر بالكرم والمباطخ والمباقل، أيجوز له أن يأكل
منها ولا يفسد ولا يحمل، كما يجوز ذلك في النخل أم لا؟
الجواب: الرخصة في الثمار من النخل، وغيره
لا يقاس عليه، لأن الأصل حظر استعماله مال غيره ".
ويظهر ذلك من المحقق الحلي في المختصر: 131،
حيث لم يذكر غير النخل، وتردد بالنسبة إلى غيره في
الشرائع 3: 228.
(1) وهؤلاء بين من صرح بالتعميم، وبين من أطلق
واقتصر على ذكر " الثمرة " أو " الثمار " أو " البستان "
أو " الحائط "، والأخيران منصرفان إلى ما يشمل
شجر الفواكه والنخيل. انظر: المقنع: 124، والنهاية:
370، والسرائر 3: 126، والمنتهى (الحجرية)
2: 1023، والدروس 3: 20، والرياض 8: 375،
وتحرير الوسيلة 1: 507، كتاب البيع، القول في بيع
الثمار، المسألة 18.
(2) انظر: الكافي في الفقه: 322، والشرائع 2: 55،
والتذكرة 10: 409 - 410، ومجمع الفائدة 8: 222،
و 11: 309، وكشف اللثام (الحجرية) 2: 272،
والحدائق 18: 291، في الهامش رقم (3)، إلا أنه
استشكل فيه في شمول الزرع من جهة اشتراط الرخصة
بعدم الأخذ، والزرع لا يمكن الاستفادة منه
بالأكل هناك إلا أن يؤخذ ويحمل، وإذا منعنا
الحمل، فلا وجه لذكره إذن. وكلامه بحاجة إلى دقة!
ومستند الشيعة 15: 51، ومنهاج الصالحين (للسيد
الحكيم) 2: 93، كتاب البيع، فصل في بيع الثمار،
المسألة 19.
(3) انظر: الكافي في الفقه: 322، والمسالك 12: 99،
والجواهر 24: 132.
ونقل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه، وهو
صاحب الكفاية: 253.
478

أكل ما ينثر في الأعراس:
ذكرنا كلام جملة من الفقهاء مما يناسب
هذا الموضوع في عنوان " إعراض "، لكن بالمقدار
الذي كان يلائم بحث الإعراض، والآن نتكلم
عنه بما هو موضوع في حد ذاته، فنقول:
إن الكلام عن النثر في الأعراس يتألف من
أربع مراحل:
المرحلة الأولى - البحث عن حكم أصل النثر
في حد ذاته:
ظاهر كلمات الفقهاء: أن القول بجواز النثر
- أي بمعناه المصدري والحدثي - أمر مفروغ منه،
لكن لم يتجاوزوا ذلك، فلم يحكموا بوجوبه
أو استحبابه أو كراهته.
وتدل على جوازه السيرة الجارية
والمستمرة، مضافا إلى ما ورد عن الإمام علي (عليه السلام):
" لا بأس بنثر الجوز والسكر " (1)، بناء على تفسير
النثر بمعناه الحدثي والمصدري، لا بمعنى المنثور.
المرحلة الثانية - البحث عن حكم الأكل منه:
المعروف بين الفقهاء والمشهور بينهم هو:
أنه يجوز أكل نثار الأعراس والأملاك ونحوهما.
وقيد بعضهم الجواز بما إذا علم بإذن صاحب
المال بالأكل إما صريحا أو بشاهد الحال. ولكن
لم يذكر بعض آخر هذا القيد للأكل وإنما ذكره
للأخذ - كما سيأتي توضيحه في المرحلة الثالثة -
إلا أن يقال: إن المراد بالأخذ هو الأعم من الأخذ
للأكل في المحل أو في الخارج، ولذلك عبر بعضهم
بالأكل وبعض آخر بالأخذ.
أو يقال: إن شاهد الحال يدل على إباحة
الأكل في المكان غالبا، ولذلك لا حاجة إلى ذكره
دون الأخذ لا للأكل هناك (1).
ومن جهة أخرى صرح بعضهم بكراهة
الأخذ والأكل إذا كان على نحو الاختطاف
والانتهاب، وأما إذا لم يكن كذلك فلا كراهة، كما إذا
نثر على الجالسين، فأكل كل منهم ما وقع في حجره.
هذا كله إذا لم يعلم كراهة صاحب المال لأكل
النثار، وأما إذا علم ذلك فلا يجوز، لأنه أكل لمال
الغير من دون إذنه، وهو قبيح عقلا وشرعا.
وإن جهل الأمران - أي الإباحة والكراهة -
قال العلامة في المنتهى: " كان حراما، عملا بالأصل
الدال على عصمة مال الغير وعدم جواز التصرف
فيه بدون إذنه " (2).
لكن قال في التذكرة: " الأولى الكراهة " (3).
كلمات الفقهاء في أكل النثار:
وإليك نماذج من كلمات الفقهاء بالنسبة إلى
أكل النثار أو أخذه بناء على تفسيره بمعناه الأعم

(1) الوسائل 17: 170، الباب 36 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث 5.
(1) عثرت على هذين التوجيهين بعد تقريرهما في كلام
الإصفهاني. انظر كشف اللثام 7: 16.
(2) المنتهى (الحجرية) 2: 1022.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 580.
479

من الأكل وأخذه خارجا عن المحل:
قال الشيخ في النهاية: " ولا يجوز أخذ
شئ مما ينثر في الأعراس والاملاكات إلا ما أعطي
باليد أو علم من قصد صاحبه الإباحة لأخذه " (1).
وقال في المبسوط: " نثر السكر واللوز في
الولائم وغير ذلك جائز، غير أنه لا يجوز لأحد
أخذه إلا بإذن صاحبه، إما قولا أو شاهد حال
أنه أباحه، وينبغي أن لا ينتهب، وتركه أولى
على كل حال " (2).
وقال القاضي: " ونهي عن القمار والنثار
الذي يؤخذ اختطافا وانتهابا... " (3).
وقال ابن إدريس: " نثر السكر والجوز
واللوز وغير ذلك في الولايم مكروه إذا اخذ على
طريق الانتهاب، فإذا لم يؤخذ على طريق
الانتهاب، فلا بأس بذلك إذا علم بشاهد الحال من
قصد فاعله الإباحة وإن لم ينطق بلسانه، ولا يجوز
لأحد من الحاضرين الاستبداد به " (4).
والمراد من النثر هو المنثور لا معناه الحدثي،
وذلك بقرينة تتمة كلامه.
وقال المحقق في الشرائع: " أكل ما ينثر في
الأعراس جائز، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه
نطقا أو بشاهد الحال، وهل يملك بالأخذ؟
الأظهر نعم " (1).
ولم يقيد جواز الأكل بوجود الإذن، نعم قيد
الأخذ بذلك، ولعله لما قلناه: من أن شهادة الحال
بجواز الأكل موجودة في النثر غالبا، فلذلك لا يأتي
إشكال المحقق الثاني على عبارة القواعد الآتية.
وقال العلامة في القواعد: " يجوز أكل ما ينثر
في الأعراس مع علم الإباحة إما لفظا أو بشاهد
الحال، ويكره انتهابه، فإن لم يعلم قصد الإباحة
حرم " (2).
وقال أيضا: " ويجوز أكل نثار العرس،
لا أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال، ويملك
حينئذ بالأخذ على إشكال " (3).
فإنه فرق بين الأكل والأخذ مثل المحقق
الحلي، ويأتي بالنسبة إليه الكلام المتقدم أيضا.
وقال في التذكرة: " يجوز نثر السكر واللوز
والجوز والقسب والتمر ونحو ذلك في الإملاكات
وليس بمكروه...
إذا نثر صاحب العرس وعلم منه إباحة
الانتهاب جاز...
وإن عرف كراهة المالك للانتهاب حرم إجماعا،
لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فكان ممنوعا
منه، وإن جهل الأمران: فالأولى الكراهة... " (4).

(1) النهاية: 369.
(2) المبسوط 4: 323.
(3) المهذب 1: 452.
(4) السرائر 2: 604.
(1) الشرائع 2: 268.
(2) القواعد 2: 11.
(3) القواعد 3: 6.
(4) التذكرة (الحجرية) 2: 580.
480

ومثله قال في المنتهى إلا أنه قال فيه: " وإن لم
يعلم من قصد مالكه الإباحة كان حراما، عملا
بالأصل الدال على عصمة مال الغير وعدم جواز
التصرف فيه بدون إذنه " (1).
ورجح في المختلف كراهة الانتهاب (2).
وبهذه المضامين قال في التحرير (3) والنهاية (4).
وقال الكركي معلقا على عبارة القواعد
الأولى:
" مثله: ما ينثر في غيره من الولائم كالختان
والعقيقة وغيرهما، اعتمادا على شاهد الحال، ولو
اعتيد أخذه واستقر العرف بذلك جاز الأخذ " (5).
وقال معلقا على عبارته الثانية: "... فمتى نثر
صاحب العرس أو غيره ممن يجوز فعله وعلم منه
إباحة الانتهاب جاز أخذه انتهابا وإن لم يكن ذلك
لائقا بذوي المروءات. وإن علم منه الكراهة حرم،
وإن جهل الأمرين فاجتنابه أولى.
ويظهر من عبارة الكتاب: أن بين الأكل
والأخذ فرقا، حيث حكم بجواز الأكل وأطلق ولم
يجوز الأخذ إلا إذا علم من أربابه الإذن فيه.
والظاهر أنه لا فرق بينهما... " (6).
ثم تطرق إلى مسألة حصول الملك بالأخذ
وعدمه.
وقد تقدم (1): أن منشأ التفرقة بين الأكل
والأخذ لعله قيام شاهد الحال بجواز الأكل غالبا
دون الأخذ.
وقال الشهيد الثاني: " هنا أربع مسائل:
الأولى - يجوز نثر المال في الأعراس من مأكول
وغيره... الثانية - يجوز الأكل من هذا المنثور
عملا بشاهد الحال المستمر في سائر الأعصار ما لم
تعلم الكراهة... " (2).
وقال السبزواري: " ويجوز نثر المال في
الأعراس من مأكول وغيره، ويجوز الأكل منه،
ولا يجوز الأخذ منه بغير الأكل إلا بإذن أربابه
صريحا أو بشاهد الحال " (3).
وقال الإصفهاني في كشف اللثام: " ويجوز
أكل نثار العرس لشهادة الحال بالإذن كالوليمة وما
يقدم إلى الضيف إلا أن يعلم عدم الإذن، ولا يجوز
أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال، والفرق:
أن النثر إذن في الأكل دون الأخذ، وفيه إشارة إلى
أن ما في المبسوط والسرائر والمهذب: من أنه
لا يجوز الأخذ إلا بالإذن ولو بشاهد الحال يراد به
الأخذ لا الأكل، إلا أن يكونوا أدخلوا النثر في الحال
الشاهدة بالإذن في الأكل، وقد يتردد في شهادة

(1) المنتهى (الحجرية) 2: 1022.
(2) المختلف 7: 91.
(3) التحرير 2: 268.
(4) نهاية الإحكام 2: 527.
(5) جامع المقاصد 4: 43.
(6) جامع المقاصد 12: 20 - 21.
(1) في الصفحة: 479.
(2) المسالك 7: 31.
(3) الكفاية: 153.
481

النثر بذلك... " (1).
وقال السيد الطباطبائي: " لا يؤخذ ما ينثر
في الأملاك والأعراس وغيرهما، للخبر...
ولحرمة التصرف في ملك الغير إلا ما يعرف
معه الإباحة منه له... " (2).
وقال صاحب الجواهر: " أكل ما ينثر في
الأعراس جائز بلا خلاف ولا إشكال عملا بشاهد
الحال الذي عليه السيرة في سائر الأعصار
والأمصار...
كما أنه لا يجوز أخذه على وجه النقل إلا بإذن
أربابه نطقا أو بشاهد الحال الحاصل من نحو
رميه على جهة العموم من غير وضعه على خوان
ونحوه، وإلا لم يجز حتى مع اشتباه الحال، لأن
الأصل المنع من التصرف في مال الغير إلا بالإذن،
فما عن التذكرة من جواز أخذه ما لم يعلم الكراهة
لا يخفى ما فيه... " (3).
وقال السيد اليزدي: " يجوز أكل ما ينثر
في الأعراس مع الإذن ولو بشاهد الحال،
إن كان عاما فللعموم، وإن كان خاصا
فللخصوص... " (4).
ثم تكلم عن تملك الآخذ للنثار في صورة الإذن
أو إعراض المالك.
ولم يعلق عليه السيدان: الحكيم (1) والخوئي (2)،
نعم للسيد الخوئي تعليق على خروجه عن الملك.
كانت هذه كلمات الفقهاء وكادت تتفق على
جواز الأكل مع شهادة الحال على إذن المالك
لذلك، سواء كانت الشهادة حاصلة بالنثر نفسه
أو بغيره.
ولكن علق صاحب الحدائق على كلام
الأصحاب: بأن العادة في النثار هي الأخذ والأكل
على طريق النهبة، وذلك حرام بالأدلة الصحيحة،
فإن أراد الأصحاب جواز الأكل وإن اخذ على
طريق النهبة فضعفه ظاهر، وإن أريد أخذه بغير
طريق النهبة فهو خروج عن موضوع المسألة (3).
وقد ذكر قبل ذلك الروايات الناهية عن
الأخذ بطريق النهبة، ثم أورد رواية يستفاد منها
جواز أخذ النثار. وجمع بينهما: بأنه إن اخذ على
طريق النهبة من دون إذن أو شاهد حال على
الإباحة فهو حرام، وإن كان هناك ما يشهد للإذن
بالأخذ كذلك فهو مباح.
وأما الروايات الناهية، فهي:
1 - صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)،
قال: " لا تصلح المقامرة ولا النهبة " (4).

(1) كشف اللثام 7: 16.
(2) الرياض 8: 95.
(3) الجواهر 29: 51 - 52.
(4) العروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة 9.
(1) المستمسك 14: 9.
(2) مستند العروة (النكاح) 2: 17.
(3) الحدائق 23: 117.
(4) الوسائل 17: 168، الباب 36 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول.
482

2 - رواية علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن
موسى (عليه السلام)، قال: " سألته عن النثار من السكر
واللوز وأشباهه أيحل أكله؟ قال: يكره أكل
ما انتهب " (1).
3 - رواية إسحاق بن عمار، قال: " قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): الإملاك يكون والعرس، فينثرون على
القوم، فقال: حرام، ولكن ما أعطوك منه، فخذ " (2).
4 - ما روي عن علي (عليه السلام): " لا بأس بنثر
الجوز والسكر " (3).
وعلق الشيخ الطوسي - في كتابيه - على
هذا قائلا: " فلا ينافي الخبرين الأولين (4)، لأن
الذي تضمن هذا الخبر جواز النثر وأنه ليس
بمحظور، وليس فيه: أنه يجوز أخذ ما ينثر ونهبه،
والخبران الأولان فيهما كراهية ذلك. ولا تنافي
بينهما على حال " (5).
فالرواية بناء على هذا التفسير تكون ناهية
وإلا فهي مجوزة.
وأما الروايات المجوزة:
فالظاهر أنه لم يرد ما يصرح فيه بالجواز،
نعم قال صاحب الحدائق (1): إنه عثر على خبر في
كتاب البحار عن الأمالي للصدوق، روى فيه عن
الحسين بن أبي العلاء - بسند حسن - عن الصادق (عليه السلام)
عن آبائه (عليهم السلام)، قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): دخلت
أم أيمن على النبي (صلى الله عليه وآله) وفي ملحفتها شئ، فقال لها
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما معك يا أم أيمن؟ فقالت: إن فلانة
أملكوها فنثروا عليها، فأخذت من نثارها، ثم بكت
أم أيمن وقالت: يا رسول الله، فاطمة زوجتها
ولم تنثر عليها شيئا... " (2).
فإنه يستفاد من عدم ردع النبي (صلى الله عليه وآله) أم أيمن
لأخذها النثار، أن ذلك جائز (3).
المرحلة الثالثة - البحث عن حكم الأخذ:
المعروف بين الفقهاء استنادا إلى المستفاد من
كلماتهم المتقدمة: أنه يحرم أخذ النثار بمعنى حمله
ونقله إلى خارج محل النثر إلا مع العلم برضا
صاحبه، سواء حصل هذا العلم بإذن صريح أو
بشاهد الحال، لأنه لا يجوز التصرف في ملك الغير

(1) الوسائل 17: 168، الباب 36 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث 2.
(2) المصدر المتقدم: 169، الحديث 4.
(3) المصدر المتقدم: 170، الحديث 5.
(4) وهما رواية إسحاق بن عمار ورواية علي بن جعفر
المتقدمتان.
(5) الاستبصار 3: 66، باب كراهية أخذ ما ينثر في
الاملاكات والأعراس، الحديث 3، والتهذيب
6: 370، كتاب المكاسب، ذيل الحديث 194.
(1) الحدائق 23: 118.
(2) البحار 43: 98، كتاب تاريخ سيدة النساء (عليها السلام)،
باب تزويجها، الحديث 10.
(3) أقول: الرواية إن دلت فتدل على جواز الأخذ
والحمل، لكن المعروف هو حرمة الحمل إلا مع العلم
برضا صاحب النثار، فالرواية محمولة على هذه الصورة.
483

عقلا وشرعا إلا مع إذنه (1).
لكن قال العلامة في التذكرة - بعد بيان
وجهي العلم بإباحة المالك للأخذ وكراهته له -:
" وإن جهل الأمران فالأولى الكراهة " (2).
مع أنه صرح في المنتهى كغيره من الفقهاء:
بأنه " إن لم يعلم من قصد مالكه الإباحة كان
حراما، عملا بالأصل الدال على عصمة مال الغير
وعدم جواز التصرف فيه بدون إذنه " (3).
المرحلة الرابعة - البحث عن حكم تملك
المأخوذ:
اختلف الفقهاء في أن الآخذ هل يملك
المأخوذ، بناء على جواز أخذه، أم لا؟
وللمسألة عدة صور، لأنه: إما أن يصرح
صاحب المال بتمليكه المال للآخذين، كأن يقول:
هذا لكم، أو يصرح بإباحة تملكهم له، كأن يقول:
من شاء فليأخذ لنفسه، أو ينثر من دون أن يقول
شيئا، ولكن دل شاهد الحال على أنه أباحه
للآخرين وأعرض عنه.
فعلى الأول يملكه الآخذ، وعلى الثاني يملكه
الآخذ أيضا إذا قصد بأخذه التملك، وإلا ففيه كلام
من حيث إن تملك المباحات هل يحتاج إلى قصد
التملك أم لا؟
وعلى الثالث، فالمسألة تبتنى على أن
الإعراض مزيل للملك أم لا، فبناء على كونه مزيلا،
فإن قصد الآخذ التملك بالأخذ، صار مالكا لما
أخذه، وإن لم يقصد، فبناء على عدم احتياج قصد
التملك، يصير مالكا أيضا وإلا فلا.
وإن قلنا: إن الإعراض لا يزيل الملك،
بل يبقى المال المعرض عنه على ملك مالكه الأصلي،
فالنثار يبقى على ملك مالكه، نعم يجوز للآخذ
التصرف فيه بل هو أولى به من غيره.
وبناء على عدم حصول الملك لأي سبب
كان، يجوز لصاحب المال الرجوع فيه، بمعنى أن
يأخذه ممن بيده إن كان باقيا، وإن تلف المال بأكل
أو نحوه فيخرج عن ملك مالكه الأصلي، وهل يخرج
بالبيع ونحوه؟ لهم فيه كلام (1).
تنبيه (1):
قال العلامة بعد بيان حكم النثر والنثار في
التذكرة: " وبالجملة التنزه عنه مطلقا أحب إلي
وأولى، لما في الانتهاب من التهاتر والتزاحم
والقتال، وربما أخذ من يكره صاحب النثار بحرصه
وشرهه ودناءة نفسه، وحرمان من يشتهي صاحب
المنزل، لمروته وصيانة نفسه وعرضه، والظاهر هذا،
فإن أرباب المروات يترفعون عن مزاحمة سفلة
الناس ويصونون أنفسهم عن مدافعتهم وتهارشهم

(1) تقدمت كلمات الفقهاء، فلتراجع.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 580.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 1022.
(1) انظر: المسالك 7: 32، والجواهر 29: 52 - 53، وسائر
المصادر الفقهية المتقدمة هنا وفي بحث الإعراض.
484

على شئ من الطعام أو غيره لاشتماله على دناءة
النفس وذلتها، والله تعالى يحب معالي الأمور،
وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) (1) مخصوص بما إذا ندب صاحب
النثار إليه وطلب ذلك من الجماعة، ولأنه أراد بعد
النهي إظهار إباحة الفعل، لأن الصحابة كانوا
يتابعونه في أفعاله " (2).
تنبيه (2):
قال العلامة أيضا: " إنما يتصرف الضيف في
الطعام بالأكل، فليس له التصرف بما عداه، فلا يجوز
له أن يأخذ منه مع نفسه شيئا إلا إذا علم أن المالك
يرضى بنقله، ويختلف ذلك بتقدير المأخوذ وجنسه
وبحال الضيف والدعوة، فإن شك في أنه هل يسامح
المالك بذلك أم لا؟ لم يجز له النقل " (3).
وكلامه مطابق للقواعد العامة ولم يتعرض
للمسألة أغلب الفقهاء.
آداب الأكل:
المقصود بها هنا مجموع ما تستحب أو تكره
مراعاته عند الجلوس على مائدة الطعام، وهي
المعبر عنها ب‍ " آداب المائدة " أيضا، نشير إلى أهمها
إجمالا فيما يأتي:
أولا - ما يستحب فعله عند الأكل:
1 - غسل اليدين:
يستحب غسل اليدين قبل الطعام
وبعده (1)، للروايات المستفيضة التي فيها الصحاح
وغيرها، والتي ورد في بعضها: أن " الوضوء قبل
الطعام وبعده يذيبان الفقر " (2) أو " يزيدان
في الرزق " (3).
وفي بعضها: " من سره أن يكثر خير بيته
فليتوضأ عند حضور طعامه " (4). والظاهر أن
الوضوء هنا بمعنى غسل اليدين.
وفي بعض آخر منها: " من غسل يده قبل
الطعام وبعده عاش في سعة وعوفي من بلوى
في جسده " (5).
وفي وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي، إن
الوضوء قبل الطعام وبعده شفاء في الجسد ويمن
في الرزق " (6).
وإطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم
الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا، وبين كونه
مما يباشر باليد أو بآلة كالملعقة (7).

(1) سنن البيهقي 7: 288، وانظر الجواهر 29: 52.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 580.
(3) التذكرة (الحجرية) 2: 580.
(1) انظر: الدروس 3: 28، ومستند الشيعة 15: 238،
والجواهر 36: 447، وكذا كل ما يأتي سواء المندوبات
أو المكروهات، يراجع فيها المصادر الثلاثة المتقدمة.
(2) الوسائل 24: 334، الباب 49 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(3) المصدر المتقدم: 335، الحديث 2.
(4) المصدر المتقدم: الحديث 3.
(5) المصدر المتقدم: 336، الحديث 5.
(6) المصدر المتقدم: 337، الحديث 8.
(7) انظر: مستند الشيعة 15: 239، والجواهر 36: 449.
485

2 - غسل الفم بعد الطعام:
يستحب غسل الفم بعد الطعام، سيما بالسعد (1).
3 - التسمية والتحميد:
تستحب التسمية عند الشروع في الأكل،
والتحميد في آخره (2) ويكفي في التسمية قول
" بسم الله " وفي التحميد قول " الحمد لله "، ففي
وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي، إذا أكلت
فقل: بسم الله، وإذا فرغت فقل: الحمد لله، فإن
حافظيك لا يبرحان يكتبان لك الحسنات حتى
تبعده عنك " (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - أنه قال:
" ما من شئ إلا وله حد ينتهى إليه، فجئ
بالخوان، فقالوا: ما حده؟ قال: حده إذا وضع
قيل: بسم الله، وإذا رفع قيل: الحمد لله، ويأكل
كل إنسان مما بين يديه، ولا يتناول من قدام
الآخر شيئا " (4).
بل تستحب التسمية على كل لون من الطعام (1).
ولو نسي، قال حين يتذكر: " بسم الله على
أوله وآخره " (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا حضرت المائدة
فسمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين " (3).
4 - الأكل باليمين:
وقد تقدم في الأكل المستحب (4).
5 - الأكل من قدامه:
يستحب أن يأكل من بين يديه من غير أن
يتناول من قدام الآخرين، فعن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " ويأكل كل إنسان مما يليه، ولا يتناول من
قدام الآخر شيئا " (5).
6 - الأكل بثلاث أصابع فما فوق:
يستحب الأكل بثلاث أصابع أو أربع أو
خمس، لا بإصبعين، فقد روى أبو خديجة عن
أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه كان يجلس جلسة العبد ويضع

(1) انظر: مستند الشيعة 15: 242، والوسائل 24: 426،
الباب 107 من أبواب آداب المائدة، والسعد:
" طيب، وفيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر
اندمالها ". القاموس المحيط " سعد ".
(2) انظر: الدروس 3: 27، ومستند الشيعة 15: 242
و 244، والجواهر 36: 451 - 452.
(3) الوسائل 24: 355، الباب 57 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 12.
(4) المصدر المتقدم: 352، الحديث 3.
(1) الوسائل 24: 361، الباب 61 من أبواب المائدة،
الحديث 1 و 3.
(2) المصدر المتقدم: 356، الباب 58، الحديث 1 و 3.
(3) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(4) تقدم في الصفحة 463.
(5) الوسائل 24: 369، الباب 66 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
486

يده على الأرض، ويأكل بثلاث أصابع، وأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل
الجبارون، يأكل أحدهم بإصبعيه " (1).
7 - طول الجلوس على الموائد وطول الأكل:
يستحب طول الجلوس على المائدة، لما روي
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " أطيلوا الجلوس
على الموائد، فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم " (2).
ويستحب طول الأكل، بمعنى تطويل زمان
الأكل لا كثرة الأكل، لما جاء في وصية الإمام
علي (عليه السلام) لكميل: "... يا كميل، إذا أكلت فطول
أكلك ليستوفي من معك ويرزق منه غيرك " (3).
8 - أن يبدأ صاحب الطعام:
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أكل مع القوم طعاما كان أول من
يضع يده وآخر من يرفعها، ليأكل القوم " (4).
9 - الأكل مع الجماعة وخاصة العيال:
روى أبو عبد الله (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: " الطعام إذا جمع ثلاث خصال فقد تم:
إذا كان من حلال، وكثرت الأيدي عليه، وسمي
في أوله، وحمد الله في آخره " (1).
وروى عن جده (صلى الله عليه وآله) أيضا أنه قال:
" ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدته، فيسمون
في أول طعامهم ويحمدون في آخره فترفع المائدة،
حتى يغفر لهم " (2).
10 - الافتتاح والاختتام بالملح:
ففي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي، افتتح
بالملح واختتم بالملح، فإن فيه شفاء من اثنين
وسبعين داء " (3).
والروايات الآمرة بذلك مستفيضة.
11 - غسل الثمار:
ينبغي غسل الثمار بالماء قبل أكلها، لما روي:
" ان لكل ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فمسوها بالماء
أو اغمسوها في الماء " (4).
12 - إحضار البقل والخضر على المائدة:
روى حنان، قال: " كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل 24: 372، الباب 68 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) مكارم الأخلاق: 141.
(3) تحف العقول: 115.
(4) الوسائل 24: 320، الباب 41 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(1) الوسائل 24: 262، الباب 12 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(2) المصدر المتقدم: 263، الحديث 3.
(3) المصدر المتقدم: 405، الباب 95، الحديث 7.
(4) الوسائل 25: 147، الباب 80 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث الأول.
487

على المائدة، فمال على البقل، وامتنعت أنا منه لعلة
كانت بي، فالتفت إلي، فقال: يا حنان، أما علمت
أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يؤت بطبق إلا وعليه بقل؟
قلت: ولم؟ قال: لأن قلوب المؤمنين خضرة فهي
تحن إلى شكلها " (1).
وفي رواية: أن أبا الحسن الماضي (عليه السلام) قال
للغلام: " أما علمت أني لا آكل على مائدة ليس فيها
خضرة؟ فأتني بالخضرة... " (2).
13 - الخلال:
ورد الأمر بالخلال بعد الطعام في روايات
مستفيضة، وفي بعضها: " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يتخلل، وهو يطيب الفم " (3).
وقال (صلى الله عليه وآله) لجعفر: " تخلل، فإن الخلال يجلب
الرزق " (4).
14 - كان ذلك أهم ما ينبغي مراعاته من
آداب المائدة، وهناك موارد أخرى تقدم بعضها في
الأكل المستحب وبقي بعضها الآخر مثل: تصغير
اللقمة، وتجويد المضغ، والكف عن الطعام مع
اشتهائه، والتقاط ما يسقط من الخوان، وغيرها
مما ذكره الفقهاء وخاصة الشهيد في الدروس (1)
والنراقي في المستند (2).
ثانيا - ما يكره فعله عند الأكل:
تقدم الكلام عن كثير من ذلك في الأكل
المكروه، مثل: الأكل متكئا، والأكل ماشيا، والأكل
باليسار، والأكل على الشبع، والتملي من الطعام
وكثرة الأكل، وأكل الطعام الحار، وأكل الإنسان
وحده، والأكل من رأس الثريد، والمبالغة في أكل
اللحم الذي على العظام، ونحو ذلك، وبقيت أمور
نشير إليها إجمالا، مثل:
1 - النظر إلى وجوه الناس:
ورد: أن من آداب المائدة قلة النظر في وجوه
الناس (3).
2 - إظهار الصوت عند الأكل:
روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " اذكروا الله على
الطعام ولا تلغطوا فإنه نعمة من نعم الله، ورزق من
رزقه، يجب عليكم فيه شكره وذكره وحمده " (4).
قال النراقي: " اللغطة - محركة -: الصوت أو
الأصوات المبهمة، فيمكن أن يكون المراد: صوت

(1) الوسائل 24: 419، الباب 103 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) المصدر المتقدم: الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: 420، الباب 104، الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: 422، الحديث 9.
(1) الدروس 3: 26 - 35.
(2) مستند الشيعة 15: 238 - 255.
(3) الوسائل 24: 431، الباب 112 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: 350، الباب 56، الحديث 6.
488

المضغ، ويمكن أن يراد: صوت الحلق حين البلع " (1).
ويحتمل أن يراد كثرة الهمهمة والكلام
الذي لا يفهم.
3 - النفخ على الطعام والشراب:
ورد في حديث الأربعمئة: " لا ينفخ
الرجل في موضع سجوده، ولا في طعامه، ولا في
شرابه " (2).
4 - تقشير الثمرة وعدم استقصاء أكلها:
ورد النهي عن تقشير الثمرة، فعن ابن القداح
عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه كان يكره تقشير
الثمرة " (3).
وروى ياسر (أو نادر) الخادم، قال:
" أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا أكلها،
ورموا بها، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله إن
كنتم استغنيتم، فإن ناسا لم يستغنوا، أطعموه من
يحتاج إليه " (1).
5 - التكلف للضيف:
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تكرمة الرجل لأخيه:
أن يقبل تحفته، ويتحفه بما عنده، ولا يتكلف له
شيئا، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا أحب المتكلفين " (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا أنه قال: " المؤمن
لا يحتشم من أخيه، وما أدري أيهما أعجب،
الذي يكلف أخاه إذا دخل عليه أن يتكلف له،
أو المتكلف لأخيه؟ " (3).
6 - اختصاص الأغنياء بالوليمة:
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن وليمة يخص بها الأغنياء
ويترك الفقراء " (4).
وهناك أمور أخرى مثل ما يرتبط بإكرام
الخبز وبعض المنهيات مما يرتبط به، وما يرتبط
بالإطعام بصورة عامة ونحو ذلك تراجع فيها
المطولات والعناوين المناسبة، مثل: " إطعام "

(1) مستند الشيعة 15: 262، وقال الفيروزآبادي:
" اللغط - ويحرك -: الصوت، والجلبة، أو أصوات
مبهمة لا تفهم، ج: ألغاط... والحمام والقطا يلغطان
لغطا ولغيطا ". القاموس المحيط: " لغط "، وانظر لسان
العرب: " لغط ".
(2) الوسائل 6: 352، الباب 7 من أبواب السجود،
الحديث 9.
(3) الوسائل 25: 147، الباب 80 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 2.
(1) الوسائل 24: 372، الباب 69 من أبواب آداب
المائدة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 24: 275، الباب 20 من أبواب آداب
المائدة، الحديث 2.
(3) المصدر المتقدم: الحديث الأول.
(4) المصدر المتقدم: 300، الباب 28، الحديث 3.
489

و " خبز " ونحوهما.
مظان البحث:
أكثر أبحاث هذا الموضوع متمركزة في كتاب
الأطعمة، ويأتي بعضها نادرا في مواضع أخرى مثل
أكل ما ينثر في الأعراس فإنهم ذكروه في أول كتاب
النكاح، وذكره بعضهم في المكاسب المحرمة أيضا،
وأكل المارة، فقد ذكره بعضهم في بيع الثمار وبعض
آخر في المكاسب المحرمة.
أكولة
لغة:
الشاة التي تعزل للأكل وتسمن (1)، أو التي
ترعى للأكل، لا للنسل والبيع (2).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، لكن ورد في بعض
الروايات: " الأكولة الكبيرة من الشاة تكون
في الغنم " (3).
ولعله لا منافاة بينهما إذا كان المقصود من
الكبر هو كبر الجثة، كما هو ظاهر الرواية، لا الكبر
في العمر.
الأحكام:
المعروف بين الفقهاء أن الأكولة لا تؤخذ
في الزكاة، لما رواه سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " لا تؤخذ أكولة - والأكولة الكبيرة من
الشاة التي تكون في الغنم - ولا والدة، ولا الكبش
الفحل " (1).
وادعي عدم الخلاف في ذلك (2).
وعلل بأنه إرفاق بالمالك، ولذلك لو دفعها
المالك نفسه جاز (3).
هذا كله بالنسبة إلى الأخذ، وأما عدها ضمن
سائر الأغنام عند إرادة عد النصاب، فقد اختلف
الفقهاء فيه، ونسب صاحب المدارك (4) إلى ظاهر
الأصحاب عدم عدها، في حين أن صاحب
الجواهر (5) نسب إلى المشهور عدها.
وتفصيل الكلام في ذلك يأتي تحت عنوان
" زكاة " إن شاء الله تعالى.

(1) الصحاح: " أكل ".
(2) ترتيب كتاب العين: " أكل "، ويبدو أن " ترعى "
بالضم من الرعاية والتربية لا " ترعى " بالفتح ليكون
من الرعي.
(3) في موثقة سماعة الآتية.
(1) الوسائل 9: 125، الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام،
الحديث 2.
(2) انظر الجوهر 15: 162.
(3) انظر: المنتهى (الحجرية) 1: 485، والمدارك 5: 106.
(4) المدارك 5: 106.
(5) الجواهر 15: 164.
490

أ كيلة
لغة:
من أكيل بمعنى مأكول، وأكيلة السبع
فريسته (1).
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه، وقد استعمل في فريسة
السبع، سواء كان إنسانا أو غيره من سائر
الحيوانات.
والظاهر من كلمات الفقهاء: أن الأكيلة
التي تترتب عليها الأحكام هي ما تبقى من الحيوان
بعد أكل القسم الآخر منه، حيث يرتبون الحكم
عليه، مثل قولهم: " وإن كان الميت أكيلة السبع
فاغسل ما بقي منه.... " (2)، ويشهد له ما جاء في
المعجم الوسيط: من أن " أكيلة الأسد: فريسته التي
أكل بعضها " (3).
الأحكام:
إذا كانت الأكيلة إنسانا، وكان الباقي منه هو
الصدر أو أزيد، فيجب تغسيله وتكفينه والصلاة
عليه ودفنه.
وإن كان دون الصدر ومشتملا على العظم،
فيجب تغسيله ولفه في خرقة ودفنه، وإن كان غير
مشتمل على العظم فيلف في خرقة ويدفن.
ويجب غسل مس الميت، بمس القطعة المتبقية
من الميت، ومنه أكيلة السبع إذا كانت مشتملة على
عظم (1).
وإذا كانت الأكيلة حيوانا، فإذا كان الباقي
حيا وقابلا للتذكية فذكي فهو حلال وطاهر
وإلا فهو ميتة ونجس (2)، وفيه تفصيل تراجع فيه
العناوين: " استقرار "، " ذباحة "، " صيد ".
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: غسل الميت.
2 - كتاب الصيد والذباحة: اشتراط استقرار
الحياة في الحيوان عند التذكية.

(1) لسان العرب: " أكل ".
(2) فقه الرضا: 173.
(3) المعجم الوسيط: " أكل ".
(1) انظر: الجواهر 4: 100 - 106، والعروة الوثقى: كتاب
الطهارة، فصل في تغسيل الميت، المسألة 12.
(2) انظر الجواهر 36: 141 - 153.
491

الملحق الأصولي
493

اطراد
لغة:
مصدر اطرد، يقال: اطرد الشئ، إذا تبع
بعضه بعضا، وجرى (1)، واطرد الكلام أو الحديث:
جرى مجرى واحدا متسقا (2).
اصطلاحا:
هو كثرة استعمال لفظ في معنى بدون قرينة
حالية أو مقالية، بحيث يكشف عن كون اللفظ
حقيقة فيه (3).
هذا ما ذكره الأصوليون إجمالا.
الاطراد علامة الحقيقة:
اشتهر بين الأصوليين: " أن الاطراد علامة
الحقيقة " (1)، لكن لبعضهم كلام عن مفهوم الاطراد
وكيفية كونه علامة للحقيقة، وقد استنتج السيد
الصدر من كلماتهم: أن الاطراد على أنحاء أربعة، ثم
ناقش بعضها، ونحن ننقل فيما يلي حاصل كلامه وما
يناسبه من كلام غيره:
قال السيد الصدر بشأن علامية الاطراد:
" وأما الاطراد واستعلام الوضع به، فيمكن أن يراد
به أحد معان:
الأول - اطراد التبادر، بأن يطلق المستعلم
اللفظ مرارا عديدة، وفي أوضاع وحالات مختلفة
ويتبادر منه في جميع ذلك معنى واحد.

(1) انظر: الصحاح، ولسان العرب: " طرد ".
(2) المعجم الوسيط: " طرد ".
(3) تجد هذا المضمون في المصادر الأصولية التي سنذكرها
عن قريب.
(1) انظر: إيضاح الفوائد 3: 74، وجامع المقاصد
12: 327، والجواهر 3: 159، والمصادر الأصولية
التي سوف نذكرها في الهوامش الآتية.
495

والاطراد بهذا المعنى يكون بحسب الحقيقة
مشخصا لصغرى علامية التبادر، وليس علامة
مستقلة...
الثاني - اطراد الاستعمال، ويراد به صحة
استعمال اللفظ في معنى معين في موارد مختلفة مع إلغاء
جميع ما يحتمل كونه قرينة على إرادة المجاز.
الثالث - الاطراد في التطبيق بلحاظ الحيثية
التي أطلق من أجلها اللفظ، كما إذا أطلق الأسد على
حيوان باعتباره مفترسا، وكان مطردا في تمام موارد
وجود حيثية الافتراس في الحيوان، فيكون علامة
كونه حقيقة في تلك الحيثية.
الرابع - اطراد الاستعمال من دون قرينة،
لا بمعنى الاستدلال بصحة الاستعمال مطردا بدون
قرينة على نفي المجازية ليرجع إلى المعنى الثاني...
بل بمعنى الاستدلال بشيوع الاستعمال في معنى
بلا قرينة على أنه المعنى الحقيقي، لأن الأمر يدور بين
أن تكون جميع تلك الاستعمالات الكثيرة مجازا من
دون قرينة أو حقيقة، والمجاز بلا قرينة وإن كان
استعمالا صحيحا وواقعا خارجا، ولكنه لا شك في
عدم كونه مطردا وشائعا، بحيث يشكل اتجاها نوعيا
في الاستعمالات، فيكون الاطراد المذكور نافيا
لاحتمال المجازية لا محالة... " (1).
أما المعنى الأول، فلم ينسبه إلى أحد، لكن
صرح به العراقي حيث قال: "... ففي الحقيقة يكون
الاطراد من قبيل السراج على السراج، حيث إنه
كان طريقا إلى التبادر الحاقي الذي هو طريق إلى
الحقيقة. وعلى كل حال فلا إشكال في كونه علامة
الحقيقة ومما يثبت به الوضع ولو باعتبار كونه طريقا
على الطريق " (1).
وأما المعنى الثاني، فقد نسبه إلى السيد
الخوئي، لكن المنقول عنه في المحاضرات هو قوله:
" إن الاطراد الكاشف عن الحقيقة في الجملة عبارة
عن استعمال لفظ خاص في معنى مخصوص في موارد
مختلفة بمحمولات عديدة، مع إلغاء جميع ما يحتمل أن
يكون قرينة على إرادة المجاز، فهذه طريقة عملية
لتعليم اللغات الأجنبية واستكشاف حقائقها
العرفية ". إلى أن قال:
"... بل إن هذا هو السبب الوحيد لمعرفة
الحقيقة غالبا، فإن تصريح الواضع وإن كان يعلم به
الحقيقة إلا أنه نادر جدا، وأما التبادر فهو وإن كان
يثبت به الوضع - كما عرفت - إلا أنه لا بد من أن
يستند إلى العلم بالوضع، إما من جهة تصريح
الواضع، أو من جهة الاطراد، والأول نادر فيستند
إلى الثاني لا محالة " (2).
وذيل كلامه ظاهر، بل صريح فيما قاله
العراقي: من أن الاطراد طريق إلى التبادر الذي هو
علامة على الحقيقة، فيكون الاطراد علامة على
العلامة.
وأما المعنى الثالث، فإنه ذكر بعده إشكال

(1) بحوث في علم الأصول 1: 169 - 171.
(1) نهاية الأفكار (1 - 2): 68.
(2) محاضرات في أصول الفقه 1: 124.
496

صاحب الكفاية على الاطراد، ويفهم منه أن تصور
صاحب الكفاية عن الاطراد هو المعنى الثالث، ثم
قال - أي السيد الصدر -: " وهذا الاعتراض متجه ".
وأما اعتراض صاحب الكفاية على الاطراد
فمعروف، وحاصله: أن الاطراد كما يكون في
استعمال اللفظ في معناه الحقيقي يكون في استعماله في
معناه المجازي أيضا، فلا يكون علامة على الحقيقة.
بيان ذلك: أنه بعد ملاحظة وجه الشبه
بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، كالشجاعة
المشتركة بين الأسد والرجل الشجاع، فيكون
استعمال لفظ " الأسد " في الرجل الشجاع مطردا ولو
على نحو المجاز.
ونقل صاحب الكفاية عن بعضهم محاولة دفع
الإشكال بإضافة قيد إلى تعريف الاطراد، وهو
عبارة " على وجه الحقيقة "، فبهذا القيد يخرج
الاطراد في المعنى المجازي عما نحن بصدده.
لكن استشكل على ذلك أيضا: بأنه يلزم
الدور، لأن معرفة المعنى الحقيقي تتوقف على
الاطراد، وعلامية الاطراد للمعنى الحقيقي تتوقف
- بحسب القيد المذكور - على معرفة المعنى الحقيقي (1).
ولهم محاولات لدفع إشكال الدور، تراجع
فيها المطولات.
أقول: لكن لا ظهور لكلام صاحب الكفاية في
المعنى الثالث، نعم الذي له ظهور في هذا المعنى
- بل هو صريح فيه - هو كلام الإصفهاني حيث قال
ما حاصله: أنه إذا أطلق لفظ باعتبار معنى كلي على
فرد يقطع بعدم كون ذلك الفرد - من حيث كونه فردا
لذلك الكلي - من المعاني الحقيقية لذلك اللفظ، لكن
يشك في أن المعنى الكلي من المعاني الحقيقية أم لا؟
فإذا كانت صحة إطلاق اللفظ على ذلك المعنى الكلي
مطردة كشفت عن كونه حقيقة فيه، وإلا فلا.
مثاله: لو شاهدنا أن لفظ " الأسد " يستعمل
في مفهوم " الحيوان المفترس "، وشاهدنا صحة
إطلاق لفظ " الأسد " على الذئب، لا لأن الذئب من
أفراد الأسد للقطع بعدمه، بل لكونه من أفراد
الحيوان المفترس، واطرد هذا الاستعمال - أي
استعمال لفظ الأسد في أفراد الحيوان المفترس كالنمر
والفهد وغيرهما - لكشف عن كون استعمال الأسد في
المعنى الكلي - وهو الحيوان المفترس - على وجه
الحقيقة لا المجاز.
وهذا بخلاف مفهوم " الشجاع "، فإن
" الأسد " يستعمل في بعض أفراد هذا المفهوم الكلي،
وهو " الرجل الشجاع " مثلا، ولا يستعمل في بعض
أفراده الاخر، مثل " النملة الشجاعة " مثلا، فيعلم أن
مفهوم " الشجاع " ليس معنى حقيقيا للأسد، لعدم
اطراد استعماله فيه (1).
وقد جعل الإمام الخميني هذا الوجه في
تفسير الاطراد من أمتن الوجوه، لكن أرجعه

(1) كفاية الأصول: 20، الأمر السابع من الأمور العامة
في المقدمة.
(1) نهاية الدراية 1: 84، وانظر محاضرات في أصول الفقه
1: 129.
497

إلى التبادر كسائر علامات الحقيقة (1).
وأما المعنى الرابع الذي ذكره - أي السيد
الصدر - فيبدو أنه قد تبناه، وعليه يكون الاطراد
عنده بهذا المعنى علامة مستقلة على المعنى الحقيقي.
مظان البحث:
أول مباحث الألفاظ في علم الأصول، عند
الكلام عن علامات الحقيقة والمجاز.
إطلاق
لغة:
مصدر أطلق، بمعنى أرسل، يقال: أطلق
الناقة، أي حل عقالها وأرسلها (2)، وأطلق الأسير:
خلى عنه (3)، وأطلق القول: أرسله من غير قيد
ولا شرط (4).
اصطلاحا:
يريد الأصوليون من " الإطلاق " الإطلاق
في القول، وهو: أن يصدر الكلام من المتكلم دون
قيد أو شرط، مثل قولهم: " أعتق رقبة "، حيث إن
" الرقبة " مطلقة غير مقيدة بشئ، ويقال لهذا
الكلام: " كلام مطلق ".
ويقابل الإطلاق التقييد، وهو صدور الكلام
مقيدا ومشروطا، مثل قولهم: " أعتق رقبة مؤمنة "،
حيث تكون الرقبة مقيدة بالإيمان، ويقال لهذا
الكلام: " كلام مقيد ".
هل الإطلاق مستفاد من الوضع أو من مقدمات
الحكمة؟
تكلم الأصوليون في أن الإطلاق مستفاد من
الوضع، أو من قرينة خارجية، وهي المسماة
ب‍ " مقدمات الحكمة "؟
المنسوب إلى المشهور من متقدمي أصحابنا
الأصوليين: أن الإطلاق مستفاد من الوضع، ولكن
المعروف عن سلطان العلماء ومن تأخر عنه من
الأصوليين: أن الإطلاق مستفاد من مقدمات
الحكمة (1).
وقد تورط الأصوليون لبيان ما ذكره سلطان
العلماء في أبحاث فلسفية، كالبحث عن اعتبارات
الماهية. ولأجل أن يتضح ذلك نضطر نحن إلى
بيانها أيضا.
اعتبارات الماهية:
حينما نلاحظ ماهية من الماهيات، يمكن أن
نلاحظها على نحوين:

(1) انظر: تهذيب الأصول 1: 42، ومنهاج الوصول
1: 129.
(2) ترتيب كتاب العين: " طلق ".
(3) الصحاح: " طلق ".
(4) المصباح المنير: " طلق ".
(1) انظر فوائد الأصول (1 - 2): 572 - 573، وغيره.
498

1 - أن نلاحظها في حد ذاتها بغض النظر عن
قياسها مع شئ آخر.
ويعبر عن هذه الماهية ب‍ " الماهية المهملة " أو
" المبهمة " أو " الماهية من حيث هي هي ".
2 - ونلاحظها مقيسة بالنسبة إلى شئ آخر،
لكن دون أخذه فيها أو رفضه عنها.
ويعبر عن هذه الماهية ب‍ " الماهية لا بشرط
مقسمي "، أما كونها " لا بشرط "، فلأنها لم يؤخذ
فيها القيد الخارجي ولم يرفض عنها، وكونها
" مقسميا "، فلأنها تصير مقسما للأقسام الثلاثة
الآتية، وهي:
أ - أن تكون الماهية مشروطة بذلك الشئ
الخارج عن الماهية، مثل اشتراط " الرقبة "
ب‍ " الإيمان "، في قولهم: " أعتق رقبة مؤمنة ".
وهذه الماهية هي المعبر عنها ب‍ " الماهية
بشرط شئ ".
ب - أن تكون الماهية مشروطة بعدم ذلك
الشئ الخارجي، مثل اشتراط " الرقبة " بعدم
" الكفر "، في قولهم: " أعتق رقبة غير كافرة ".
وهذه الماهية هي المعبر عنها ب‍ " الماهية
بشرط لا ".
ج - أن تكون الماهية غير مشروطة بشئ
خارجي ولا بعدمه، مثل " الرقبة " بالنسبة إلى كل
من " الإيمان " و " الكفر " في قولهم: " أعتق رقبة "،
فالرقبة هنا لم يلحظ فيها لا قيد الإيمان ولا عدمه،
ولا قيد الكفر ولا عدمه.
وهذه هي المعبر عنها ب‍ " اللا بشرط القسمي "،
أما كونها " لا بشرط "، فلعدم اشتراط الماهية بوجود
الشئ الخارج ولا بعدمه، وأما كونه قسميا، فلأنه
قسيما للقسمين الآخرين: " بشرط شئ " و " بشرط
لا "، وكلها من أقسام " اللا بشرط المقسمي " (1).
ما هو الموضوع له في أسماء الأجناس؟
تكلم الأصوليون عن أن الموضوع له في أسماء
الأجناس أي واحد من الاعتبارات المتقدمة في
الماهية؟
والمعروف بينهم أن في المسألة قولين:
الأول - القول المنسوب إلى قدماء الأصحاب
قبل سلطان العلماء، وهو: أن أسماء الأجناس
موضوعة للماهية المطلقة، وهذا المعنى يمكن تصويره
بأحد الوجهين التاليين:
1 - أن يكون الموضوع له هو الماهية بشرط
الإطلاق، فيكون اعتباره من باب اعتبار الماهية
بشرط شئ. ومثاله: وضع " رقبة " للرقبة بشرط
كونها مطلقة غير مقيدة لا بالإيمان ولا بعدمه.
وبناء على هذا التفسير يكون استعمال
" رقبة " في خصوص الرقبة المؤمنة استعمالا مجازيا،
واستعمالها في الرقبة المطلقة استعمالا حقيقيا.
2 - أن يكون الموضوع له هو الماهية على
إطلاقها، فيكون اعتباره من باب اعتبار الماهية

(1) انظر نهاية الدراية 2: 490 - 491، وغيرها من
كتب الأصول.
499

لا بشرط. ومثاله: وضع " رقبة " للرقبة لا بشرط
الإيمان ولا بشرط عدمه.
وعلى هذا التفسير يكون استعمال " رقبة " في
خصوص الرقبة المؤمنة استعمالا مجازيا أيضا. لكن
يكون استعمالها في الرقبة المطلقة استعمالا حقيقيا (1).
الثاني - القول المنسوب إلى سلطان العلماء
والمتأخرين عنه، وحاصله: أن أسماء الأجناس
موضوعة لذات الماهية بحيث تكون صادقة على
الماهية المطلقة والماهية المقيدة على السواء، ولذلك
يكون استعمالها في المطلق والمقيد استعمالا حقيقيا،
فاستعمال " رقبة " في الرقبة دون تقييدها بشئ،
وفي الرقبة المؤمنة، استعمال حقيقي.
وهذا المقدار واضح لا غبار عليه، لكن
العلماء اختلفوا في تأدية هذا المعنى بالعبارات الفنية
مما أوجب الارتباك على الباحث، وإغلاق طريق
البحث في المسألة (2).
ولذلك نرى أن الأولى أن نذكر مقتطفات من
نص ما ذكروه في هذا المجال:
1 - قال صاحب الكفاية: " الموضوع له اسم
الجنس هو نفس المعنى، وصرف المفهوم غير
الملحوظ معه شئ أصلا، الذي هو المعنى بشرط
شئ ولو كان ذاك الشئ هو الإرسال والعموم
البدلي (3)، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شئ معه
الذي هو الماهية اللا بشرط القسمي (1)... " (2).
2 - وقال المحقق النائيني: " إن الحق: هو كون
أسماء الأجناس موضوعة بإزاء اللا بشرط المقسمي،
كما هو مقالة السلطان، وليست موضوعة بإزاء
اللا بشرط القسمي، كما هو مقالة المشهور " (3).
3 - وقال المحقق العراقي: " لا ينبغي التأمل في
أن التحقيق هو ما عليه السلطان من الوضع لنفس
الماهية المهملة والقدر الجامع المحفوظ بين جميع تلك
الصور المختلفة من المجردة والمقيدة والمأخوذة على
نحو السريان، كما يشهد له الارتكاز والوجدان في
كونها على نحو الحقيقة في جميع الموارد " (4).
4 - وقال المحقق الإصفهاني: " والتحقيق...
هو: أن الماهية بلا نظر إلا إلى ذاتها وذاتياتها
ماهية من حيث هي، فهي في هذه الملاحظة غير
واجدة إلا لذاتها وذاتياتها، والألفاظ وإن
كانت موضوعة لنفس المعنى الذي هو غير واجد
إلا لذاته وذاتياته، إلا أنه - بهذه الملاحظة التي
هي عين عدم لحاظ شئ معه - لا يحكم به ولا عليه
إلا في الحدود، وأما فيما إذا حكم عليه بأمر
خارج عن ذاته، فلا محالة يخرج عن حد الماهية من
حيث هي، أعني مرتبة التقرر الماهوي، فيكون

(1) انظر أصول الفقه 1: 166.
(2) انظر أصول الفقه 1: 166.
(3) إشارة إلى التفسير الأول لقول القدماء، وهو وضع
الاسم للماهية بشرط الإطلاق.
(1) إشارة إلى التفسير الثاني لقول القدماء، وهو وضع
الاسم للماهية لا بشرط شئ.
(2) كفاية الأصول: 243 - 244.
(3) فوائد الأصول (1 - 2): 572.
(4) نهاية الأفكار (1 - 2): 563.
500

المحكوم عليه الماهية بأحد الاعتبارات الثلاثة
ومقسمها - وهي الماهية المقيسة إلى الخارج عن
ذاتها بلا اعتبار - فلا تحقق لها إلا تحقق المتعين
بأحد الاعتبارات، ولا يحكم عليها بالحمل المتعارف
إلا متعينة بأحدها... " (1).
والظاهر أن مراده: أن المعنى الموضوع له في
أسماء الأجناس هو الماهية من حيث هي، لكن
ينبغي لحاظها عند الوضع أو الحكم عليها على أحد
الأنحاء الثلاثة، فإن لوحظت عند الوضع على نحو
اللا بشرط القسمي استفيد منه الإطلاق، وهذا
اللحاظ ليس جزءا من الموضوع له، بل هو مصحح
للوضع. وهذا المعنى هو الذي اختاره تلميذه المظفر
وقال: إن به يرتفع الخلاف بين القدماء
والمتأخرين (2)، وهو الظاهر من السيد الصدر على
ما سيأتي عن قريب.
5 - وقال السيد الخوئي: " إن اسم الجنس
موضوع للماهية المهملة دون غيرها من أقسام
الماهية، وهي الجامعة بين جميع تلك الأقسام بشتى
لحاظاتها، وقد عرفت أنها معراة من تمام
الخصوصيات والتعينات - الذهنية والخارجية - حتى
خصوصية قصر النظر عليها. والسبب فيه هو:
أنه لو كان موضوعا للماهية المأخوذ فيها شئ
من تلك الخصوصيات لكان استعماله في غيرها
مجازا ومحتاجا إلى عناية زائدة حتى لو كانت تلك
الخصوصية قصر النظر على ذاتها وذاتياتها... " (1).
6 - وقال الإمام الخميني: " إن اسم
الجنس كالإنسان، والفرس، والسواد، والبياض،
وغيرها موضوع لنفس الماهيات بلا اعتبار
شئ، ومن غير دخالة قيد وجودي أو عدمي
أو اعتباري فيها، فالموضوع له نفس الماهية
من حيث هي... " (2).
7 - وقال السيد الصدر: " الصحيح أنها
موضوعة للماهية المهملة الجامعة بين المطلقة
والمقيدة، بشهادة الوجدان القاضي بعدم عناية في
موارد استعمال اسم الجنس مع القيد، إلا إذا كان على
خلاف مقدمات الحكمة... " (3).
ويظهر من بعض عباراته: أن الموضوع له
وإن كان هو الماهية المهملة، إلا أنه لا بد من لحاظها
حين الوضع على نحو اللا بشرط القسمي دون أن
تكون اللا بشرطية جزءا للموضوع له، بل هي
وسيلة لتصحيح الوضع (4)، وقد تقدم هذا المعنى عن
المحقق الإصفهاني.
إلى هنا علمنا: أن المعروف بين المتأخرين هو
أن أسماء الأجناس موضوعة للماهية المهملة لا الماهية

(1) نهاية الدراية 2: 492.
(2) أصول الفقه (للمظفر) 1: 167.
(1) محاضرات في أصول الفقه 5: 347.
(2) مناهج الوصول إلى علم الأصول 2: 317، وانظر
تهذيب الأصول 2: 64.
(3) بحوث في علم الأصول 3: 409.
(4) انظر المصدر المتقدم: 406 و 407، ودروس في علم
الأصول (الحلقة الثالثة): 128 - 129.
501

بقيد الإطلاق، ولذلك لا يستفاد الإطلاق من
الوضع، فلابد من استفادته من طريق آخر، وهو
توفر مقدمات الحكمة في الكلام، وهنا يتبادر
السؤال عن حقيقة مقدمات الحكمة.
ما هي مقدمات الحكمة؟
قلنا: إن المشهور بين المتأخرين: أن أسماء
الأجناس وضعت للماهية المبهمة والمهملة، ويكون
استعمالها في المطلق والمقيد استعمالا حقيقيا، لكن
إرادة خصوص أحدهما تحتاج إلى قرينة معينة، ففي
المقيد تكون القرينة خاصة، وهو ذكر ما يدل على
التقييد في الكلام، وفي المطلق تكون القرينة عامة،
وهي المعبر عنها ب‍ " مقدمات الحكمة ". وقد وقع
الخلاف في عددها، وفيما يلي نذكر الآراء فيها
إجمالا، ثم نوضح المراد منها:
1 - رأي صاحب الكفاية:
جعل صاحب الكفاية المقدمات ثلاثا كالآتي:
أ - كون المتكلم في مقام بيان المراد،
لا الإهمال أو الإجمال.
ب - انتفاء ما يوجب التعيين.
ج - انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب (1).
2 - رأي المحقق النائيني:
جعل النائيني المقدمات ثلاثا أيضا ولكن
على النحو التالي:
أ - أن يكون الموضوع قابلا للإطلاق والتقييد.
ب - أن يكون المتكلم في مقام البيان،
لا في مقام الإجمال.
ج - عدم ذكر القيد سواء كان متصلا أو
منفصلا.
والمقدمة الأخيرة هي التي عبر عنها صاحب
الكفاية بقوله: " انتفاء ما يوجب التعيين ".
وقال بالنسبة إلى المقدمة الأولى: إنها محققة
لموضوع الإطلاق، لا شرط لانعقاده.
وأما بالنسبة إلى ما ذكره صاحب الكفاية:
من عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب،
فقال: " إن وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب
مما لا أثر له ولا يصلح لهدم الإطلاق " (1).
وبالنتيجة تكون المقدمات عنده اثنتين.
3 - رأي المحقق العراقي:
اكتفى العراقي بالمقدمات الثلاث التي ذكرها
شيخه صاحب الكفاية (2).
4 - رأي السيد الخوئي:
جعل المقدمات ثلاثا، لكن حذف القدر
المتيقن وأضاف اشتراط قدرة المتكلم على الإطلاق
والتقييد بدلا من قابلية الكلام للإطلاق والتقييد (3).
5 - رأي الإمام الخميني:
جعل المقدمة واحدة، وهي كون المتكلم في
مقام البيان، وأما عدم القرينة على التعيين - أي القيد

(1) كفاية الأصول: 575.
(1) فوائد الأصول (1 - 2): 573 - 576.
(2) نهاية الأفكار (1 - 2): 567 - 575.
(3) محاضرات في أصول الفقه 5: 364 - 372.
502

المتصل أو المنفصل - فهو محقق لموضوع الإطلاق،
لا من شرائطه ومقدماته، فإذن اشتراط عدم
القرينة إنما هو لتحقق موضوع الإطلاق.
ونفى - كبعض من تقدم - اشتراط عدم وجود
القدر المتيقن في مقام التخاطب (1).
6 - رأي السيد الصدر:
وحاصل كلامه قريب مما أفاده الإمام
الخميني، حيث اشترط عدم القرينة على الخلاف،
من جهة عدم تحقق المقتضي للإطلاق بدون هذا
الشرط، وعلى حد تعبيره: أن ذلك يساهم في أصل
تكوين الدلالة الإطلاقية. نعم، ذلك مخصوص عنده
بالقرينة المتصلة، لأن المنفصلة لا يمنع وجودها من
أصل انعقاد الإطلاق، بل تكون مانعة عن الحجية
بمقدار القرينة المنفصلة.
وأما عدم القدر المتيقن فليس شرطا في انعقاد
الإطلاق عنده.
فيبقى الشرط: كون المتكلم في مقام البيان.
توضيح مقدمات الحكمة وتفسيرها:
بعد تبيين الآراء إجمالا في الموضوع، نرى من
اللازم أن نوضح ونفسر هذه المقدمات على نحو
الاختصار:
أولا - قابلية الموضوع للإطلاق والتقييد:
قد سبق أن هذا الشرط ذكره المحقق النائيني.
وهو يبتني على القول بأن التقابل بين الإطلاق
والتقييد من نوع تقابل الملكة وعدمها كالعمى
والبصر، فإن الأعمى إنما يصدق على من أمكن في
حقه صدق البصير كالإنسان، ولا يصدق على مثل
الحائط الذي لا يصدق في حقه عنوان البصير.
فكذا الإطلاق، فإنه إنما يصدق فيما أمكن فيه
التقييد، وأما إذا لم يمكن التقييد فلا يمكن الإطلاق
أيضا، وذلك كما في الانقسامات الثانوية.
وتوضيح ذلك: أن انقسامات شئ، كالصلاة
مثلا، على نحوين:
1 - انقسامات أولية: وهي التي تطرأ
على ذلك الشئ قبل ورود الأمر به، مثل انقسام
الصلاة إلى قصر وإتمام، وإلى الصلاة في البيت
والصلاة في المسجد، وإلى الصلاة مع الطهارة
والصلاة بدونها وهكذا...
فالإطلاق ممكن في هذه الانقسامات لإمكان
التقييد فيها، إذ يصح أن يأمر الشارع بالصلاة
ويقيدها بالطهارة أو بكونها في المسجد، أو في
البيت، وإذا أمر بالصلاة ولم يقيدها بشئ علم أنه
يريد الصلاة مطلقا، فيستفاد الإطلاق بمقدمات
الحكمة.
2 - انقسامات ثانوية، وهي الانقسامات
الطارئة على الشئ بعد الأمر به، مثل انقسام الصلاة
- بعد تعلق الأمر بها - إلى صلاة مع قصد الأمر
المتوجه إليها، وصلاة مع عدم قصد الأمر،
وإلى صلاة مع العلم بالأمر بها، وصلاة مع الجهل

(1) مناهج الوصول إلى علم الأصول 2: 326 - 327،
وتهذيب الأصول 2: 71 - 72.
503

بالأمر بها.
وقد تقرر في موضعه: أنه لا يمكن أن يأمر
المولى المكلف بالصلاة ويقيدها بأن يأتي بها بقصد
هذا الأمر المتوجه، نعم يصح أن يأمر المكلف بأمر
ثان أن يأتي بالصلاة بقصد الأمر الأول.
وبناء على ذلك فلو أمر بالصلاة، لا يستفاد
منه الإطلاق بالنسبة إلى قصد الأمر وعدمه،
بأن نقول: المستفاد من الأمر بالصلاة هو إرادة
مطلق الصلاة سواء كانت مع قصد الأمر أو بدونه،
وذلك لعدم إمكان التقييد كما تقدم، فإذا لم يمكن
التقييد لم يمكن الإطلاق أيضا.
ثانيا - قدرة المتكلم على الإطلاق والتقييد:
وأما السيد الخوئي، فحيث كان يختلف مبناه
في التقابل بين الإطلاق والتقييد مع مبنى شيخه
النائيني، لأنه يرى أن التقابل بينهما تقابل التضاد،
فالإطلاق عنده ليس رفض القيود - أي عدم
القيود - بل جمع القيود، فلذلك حاول أن يبين
الشرط الذي ذكره النائيني بشكل آخر، فقال:
" الأول - أن يكون المتكلم متمكنا من البيان
والإتيان بالقيد، وإلا فلا يكون لكلامه إطلاق
في مقام الإثبات، حتى يكون كاشفا عن الإطلاق في
مقام الثبوت... ".
ثم قال ما حاصله: أن الإطلاق والتقييد تارة
يلحظان بالنسبة إلى مقام الفرض والثبوت، وتارة
إلى مقام الإثبات والدلالة.
1 - أما في مقام الثبوت، فالمتكلم إما أن يريد
الإطلاق أو التقييد، ولا ثالث لهما، فاستحالة التقييد
عنده تستلزم ضرورة الإطلاق، خلافا لشيخه
النائيني.
2 - وأما في مقام الإثبات: فإن تمكن المتكلم
من البيان وكان في مقامه ومع ذلك لم يأت بقيد
في كلامه، كان إطلاقه في هذا المقام كاشفا عن
الإطلاق في مقام الثبوت، وأن مراده في هذا المقام
مطلق، وإلا لكان عليه البيان.
وأما إذا لم يتمكن من الإتيان بقيد في
مقام الإثبات، فلا يكشف إطلاق كلامه في هذا
المقام عن الإطلاق في ذاك المقام والحكم: بأن
مراده الجدي في الواقع هو الإطلاق، لوضوح أن
مراده لو كان في الواقع هو المقيد لم يتمكن من بيانه
والإتيان بقيد.
إذن إطلاق الكلام في مقام الإثبات لا يكشف
عن الإطلاق في مقام الثبوت في هذه الصورة (1).
ثالثا - أن يكون المتكلم في مقام البيان:
إن المتكلم تارة يكون في مقام الإهمال
والإجمال، وتارة يكون في مقام البيان من جهة
خاصة، والإهمال من جهة أخرى.
فإن كان المتكلم في مقام الإهمال والإجمال
وليس بصدد بيان الخصوصيات - كأكثر الخطابات

(1) محاضرات في أصول الفقه 5: 364 - 366.
504

الواردة لبيان أصل التشريع مثل: * (أقيموا
الصلاة) * (1) و * (آتوا الزكاة) * (2) ونحوهما - فلا يصح
التمسك بإطلاق الكلام لنفي شرط أو قيد. بأن يقال:
* (أقيموا الصلاة) * مطلق فإن شككنا في اشتراط
طهارة لباس المصلي أو مكانه فنتمسك بإطلاق الآية
لنفي الشرطية، لأن الآية ليست في مقام بيان شروط
وقيود المأمور به - أي الصلاة - كي يدل عدم ذكرها
على إرادة الإطلاق، بل الآية في مقام بيان أصل
التشريع، فهي أهملت ذكر القيود بالكلية.
وإن كان المتكلم في مقام الإهمال من
جهة وفي مقام البيان من جهة أخرى، أمكن التمسك
بالإطلاق من تلك الجهة التي يكون فيها في مقام
البيان مثل قوله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن
عليكم) * (3)، فإن الآية واردة لبيان حلية ما يصطاده
الكلب المعلم، وليست واردة لبيان طهارة محل
عض الكلب ونجاسته، فلذلك لو شككنا في اشتراط
كون العض في موضع الحلقوم في الحلية، جاز
أن نتمسك بإطلاق الآية ونقول بعدم الاشتراط،
لأن الآية كانت بصدد بيان هذه الجهة - أي
الحلية - ولم تذكر هذا القيد. بخلاف ما لو شككنا
في طهارة موضع العض، فلا يصح أن نتمسك
بالآية لإثبات الطهارة، لعدم كون الآية بصدد
بيان هذه الجهة.
وأما إذا كان المتكلم في مقام البيان من عدة
جهات، فيجوز التمسك بإطلاق كلامه فيها جميعا.
ككثير من الروايات الواردة في بيان خصوصيات
الواجبات والمحرمات ونحوهما.
هذا، وقال السيد الخوئي: إن المراد من كونه
في مقام البيان، ليس كونه في مقام البيان من جميع
الجهات، ضرورة أن مثل ذلك لم يتفق في الآيات
والروايات، ولو اتفق لكان نادرا. بل المراد أن يلقي
كلامه على نحو ينعقد له ظهور في الإطلاق، ويكون
حجة على المخاطب على سبيل القاعدة (1).
وهذا الشرط اتفق عليه الجميع.
ما هي الوظيفة في صورة الشك؟
لو شككنا في أن المتكلم في مقام البيان أو لا؟
فالمعروف والمشهور بين الأصحاب هو: استقرار
بناء العقلاء على حمل كلام المتكلم على كونه في مقام
البيان، ولذلك قالوا: الأصل في كل كلام صادر عن
متكلم هو كونه في مقام البيان (2).
ولكن خص السيد الخوئي ذلك بما إذا كان
الشك في أصل كون المتكلم في مقام البيان، لا في
الشك في سعته وضيقه كما في آية * (فكلوا مما أمسكن
عليكم) * (3).

(1) البقرة: 43 و 110 وغيرهما.
(2) البقرة: 43 و 110 وغيرهما.
(3) المائدة: 4.
(1) محاضرات في أصول الفقه 5: 367.
(2) كفاية الأصول: 387، وفوائد الأصول (1 - 2):
574، ومحاضرات في أصول الفقه 5: 368.
(3) محاضرات في أصول الفقه 5: 369، والآية 4 من
سورة المائدة.
505

وهو الظاهر من الإمام الخميني (1).
رابعا - عدم قرينة على التقييد:
إن القرينة على التقييد تارة تكون متصلة
بالكلام، وتارة تكون منفصلة.
أما القرينة المتصلة، فوجودها مانع عن أصل
انعقاد الإطلاق في الكلام.
وأما القرينة المنفصلة، فهي وإن لم تمنع عن
أصل انعقاد الإطلاق، لكن تمنع عن حجية الكلام
في المطلق، فتنحصر حجيته بما عدا القرينة.
وإذا لم يأت المتكلم بقرينة على إرادة التقييد
لا متصلة ولا منفصلة، فيكشف ذلك عن إرادته
الإطلاق من الكلام (2).
خامسا - اشتراط عدم وجود القدر المتيقن في
مقام التخاطب:
قلنا: إن صاحب الكفاية وتلميذه العراقي
اشترطا في تحقق الإطلاق ألا يكون هناك قدر
متيقن في مقام التخاطب والمحاورة، لأنه يكون
بمنزلة القرينة اللفظية على التقييد، فلا ينعقد للفظ
ظهور في الإطلاق مع فرض وجوده.
ولتوضيح ذلك نقول:
إن كون المتكلم في مقام البيان يتصور على
نحوين:
1 - أن يكون المتكلم بصدد بيان تمام موضوع
حكمه، بأن يتوقف غرض المتكلم على أن يبين
للمخاطب ويفهمه ما هو تمام الموضوع، وأن ما ذكره
هو تمام الموضوع.
2 - أن يكون المتكلم بصدد بيان تمام موضوع
الحكم واقعا، ولو لم يفهم المخاطب أنه تمام الموضوع.
فعلى الأول لا يضر وجود القدر المتيقن في
مقام المحاورة والتخاطب في الأخذ بإطلاق الكلام،
لأنه لو كان مراد المتكلم ذلك - أي القدر المتيقن -
لوجب عليه بيانه - حيث إنه في مقام بيان تمام
موضوع الحكم - والاتكال على القدر المتيقن، لبيان
أنه تمام الموضوع، إخلال بالغرض، لأنه لا يفي به.
وعلى الثاني يضر وجود القدر المتيقن، لأن
المتكلم بصدد بيان تمام موضوع الحكم واقعا لكن
لا بوصف التمامية، والقدر المتيقن هو تمام الموضوع
وإن لم يعلم المخاطب بأنه كذلك.
وبناء على ذلك لو لم يكن القدر المتيقن هو
تمام الموضوع عند المتكلم لكان اللازم عليه بيانه،
وحيث لم يبينه علم أنه تمام الموضوع، وعندئذ
لا ينعقد للكلام إطلاق.
والأصل في كل متكلم أن يكون كلامه على
النحو الثاني، فإذن يضر القدر المتيقن في انعقاد
الإطلاق في كلام كل متكلم، إلا أن يعلم أن كلامه
على النحو الأول.

(1) مناهج الوصول إلى علم الأصول 2: 329، وتهذيب
الأصول 2: 74.
(2) انظر: فوائد الأصول (1 - 2): 574، ومحاضرات في
أصول الفقه 5: 369، وغيرهما.
506

ومثال ذلك: ما لو قال الأب لولده: " اشتر
اللحم "، وكان القدر المتيقن في مقام المحاورة
والتخاطب هو لحم الغنم، فيجوز للأب أن يتكل على
هذا القدر المتيقن، لأن غرضه شراء لحم الغنم، وهو
يعلم أن ولده يذهب لشرائه بمجرد قوله: " اشتر
اللحم "، فلو أراد يوما لحما غير لحم الغنم لوجب
عليه بيانه.
كان هذا توضيح ما ذهب إليه صاحب
الكفاية (1) وتلميذه المحقق العراقي (2)، وتبعهما الشيخ
المظفر (3).
لكن ناقشت مدرسة النائيني هذه المقدمة،
وقالت: إن القدر المتيقن في مقام التخاطب لا أثر له
ولا يمنع من انعقاد الإطلاق (4).
وتبع هذا الرأي السادة: الخوئي (5)،
والخميني (6)، والصدر (7).
حالات اسم الجنس:
ذكروا لاسم الجنس حالات، مثل:
1 - اسم الجنس الذي ورد عليه الألف
واللام، مثل " البيع " في * (أحل الله البيع) * (1)،
و " العالم " في " أكرم العالم ".
2 - اسم الجنس الذي ورد عليه تنوين التنكير
فجعله نكرة، مثل: " عالما " في " أكرم عالما ".
3 - اسم الجنس الخالي من الألف واللام
وتنوين التنكير، مثل: * (قول معروف ومغفرة خير
من صدقة يتبعها أذى) * (2)، فإن التنوين في * (قول) *
ليس للتنكير.
ومثل " أكرم كل عالم "، فالتنوين في " عالم "
ليس للتنكير أيضا.
قيل: إن الإطلاق يصدق في جميع هذه
الموارد، لكن الإطلاق في الأول والأخير إطلاق
شمولي، ف‍ " عالم " في الموردين يدل على كل من
صدق عليه هذا العنوان، لكن في الأول بمعونة
" الألف واللام "، وفي الأخير بمعونة " كل ".
أما في الثاني، فالإطلاق فيه بدلي، لأن " عالما "
يدل على فرد واحد من بين أفراد جنس " العالم " (3).
انقسامات الإطلاق:
1 - انقسام الإطلاق إلى شمولي وبدلي:
قسموا الإطلاق إلى شمولي وبدلي:

(1) كفاية الأصول: 247 - 248.
(2) نهاية الأفكار (1 - 2): 574 - 575.
(3) أصول الفقه (للمظفر) 1: 170 - 172.
(4) فوائد الأصول (1 - 2): 575.
(5) محاضرات في أصول الفقه 5: 370 - 372.
(6) مناهج الوصول إلى علم الأصول 2: 327، وتهذيب
الأصول 2: 72 - 73.
(7) بحوث في علم الأصول 3: 425.
(1) البقرة: 275.
(2) البقرة: 263.
(3) انظر: بحوث في علم الأصول 3: 433، ودروس في
علم الأصول (الحلقة الثانية): 105.
507

فالإطلاق الشمولي هو الذي يدل على
استيعاب وشمول جميع أفراد المطلق، مثل: * (أحل الله
البيع) *.
فإن الإطلاق في * (البيع) * شمولي، لأنه
يشمل جميع أفراد البيع ويستوعبها.
وكذا في مثل " أكرم العالم "، فإن الإطلاق
بلحاظ أفراد العالم إطلاق شمولي، فيجب إكرام كل
من صدق عليه عنوان " العالم "، ومثله: " لا تكذب ".
والإطلاق البدلي هو الذي يدل على فرد
واحد من بين جميع الأفراد، لكن على نحو البدل،
مثل: " أعتق رقبة "، فإن ذلك دال على لزوم عتق
رقبة واحدة من بين الرقبات على نحو البدل، ومثله:
" أكرم عالما ".
هذا، ويمكن أن يكون للكلام الواحد
إطلاقان، فيكون له إطلاق شمولي من جهة، وإطلاق
بدلي من جهة أخرى.
ففي مثال: " أكرم العالم " المتقدم، يمكن أن
نفرض للكلام إطلاقا بدليا أيضا، لأن للإكرام
حالات مختلفة، فيمكن أن يكون بالإطعام، أو
بإرسال هدية، أو رسالة، أو غير ذلك، ولما لم يجب
الإكرام بجميع أنواعه قطعا، فيكتفى بنوع واحد.
فالإطلاق بالنسبة إلى موضوع المثال المتقدم
- أي العالم - إطلاق شمولي، وإلى متعلقه - أي
الإكرام - إطلاق بدلي (1).
ملاحظة:
قال صاحب الكفاية ما حاصله: أن مقتضى
مقدمات الحكمة يختلف باختلاف المقامات، فتارة
تقتضي هذه المقدمات العموم الشمولي
والاستغراقي، وتارة العموم البدلي، وذلك بحسب
اختلاف القرائن الحالية والمقالية (1).
وذكرت عدة توجيهات لما قاله صاحب
الكفاية (2).
2 - انقسام الإطلاق إلى لفظي ومقامي:
قسموا الإطلاق أيضا إلى لفظي ومقامي:
فالإطلاق اللفظي هو: الإطلاق المستفاد من
أن كل متكلم يكون في مقام بيان تمام مراده باللفظ،
فإذا لم يذكر قيدا في كلامه علم منه أنه أراد
الإطلاق، مثل: * (أحل الله البيع) *، و " أكرم العالم "،
و " أعتق رقبة "، ونحوها.
وأما الإطلاق المقامي، فهو: الإطلاق
المستفاد من كون المتكلم في مقام بيان جميع أجزاء
الواجب المركب مثلا، فإذا اقتصر على ذكر بعض
الأمور ولم يذكر غيرها مما شككنا في كونه جزءا
لذلك الواجب، اقتضى الإطلاق المقامي عدم وجوبه.
ومعرفة أن المتكلم بصدد بيان تمام حقيقة
المركب وبيان أجزائه، لابد أن يستفاد من دال آخر
غير ما تقدم في الإطلاق اللفظي الذي كان يستفاد

(1) انظر بحوث في علم الأصول 3: 428، ودروس في علم
الأصول (الحلقة الثانية): 103.
(1) الكفاية: 252.
(2) بحوث في علم الأصول 3: 428 - 432.
508

فيه ذلك من ظهور حال المتكلم في كونه بصدد بيان
تمام مراده، لأن صرف تعداد بعض أجزاء المركب
ليس له ظهور في أن المتكلم بصدد بيان جميع
جزئياته، وإنما يحتاج في ذلك إلى دال آخر، كقرينة
حالية أو لفظية أو غيرهما (1).
ومثال الإطلاق المقامي: ما جاء في صحيحة
حماد بن عيسى، حيث أمره الإمام الصادق (عليه السلام)
بالصلاة فلم يحسنها، فقام (عليه السلام) فوقف فصلى، وبذلك
أتى بكل ما يجب في الصلاة (2)، فإنه (عليه السلام) كان بصدد
بيان ماهية الصلاة - وهذا ما استفدناه من المحاورة
التي جرت بين الإمام (عليه السلام) وبين حماد - فلذلك
لو شككنا في جزئية شئ في الصلاة ولم يرد ذلك
في صحيحة حماد فنتمسك بالإطلاق المقامي لدفع
احتمال جزئيته (3).
3 - انقسام الإطلاق إلى أفرادي وأحوالي:
إن الإطلاق قد يلاحظ بالنسبة إلى الأفراد،
وقد يلاحظ بالنسبة إلى حالات الأفراد، بل
حالات فرد واحد.
فالأول هو الإطلاق الأفرادي، والثاني هو
الإطلاق الأحوالي.
مثال الأول: كثير مما تقدم من الأمثلة، فإنها
من الإطلاق الأفرادي مثل: " أعتق رقبة "، أو
" أكرم العالم "، ونحو ذلك.
ومثال الثاني: " أكرم زيدا "، ف‍ " زيد "
لا إطلاق له من حيث الأفراد، لأنه علم شخصي
فهو واحد، لكن له إطلاق أحوالي، فالمطلوب
إكرامه في جميع حالاته، سواء كان في السفر
أو في الحضر، وسواء كان معتما - أي لابس العمة -
أو لا، وهكذا...
وقد يجتمع الإطلاقان في مورد واحد، مثل:
" أعتق رقبة "، فإن له إطلاقا أفراديا، كما تقدم،
وله إطلاق أحوالي، أي مهما كان حال الرقبة،
سواء كانت مؤمنة أو كافرة، صحيحة أو سقيمة،
ونحو ذلك (1).
إطلاق الحكم والموضوع والمتعلق:
ظهر مما تقدم إلى الآن: أن الإطلاق تارة
يكون في الحكم، مثل قوله تعالى: * (أقيموا
الصلاة) * (2)، فإن الوجوب المستفاد من * (أقيموا) *
مطلق غير مقيد أو مشروط بشئ، مثل قوله تعالى:

(1) انظر: دروس في علم الأصول (الحلقة الثانية): 108،
واصطلاحات الأصول: عنوان " المطلق والمقيد ".
(2) الوسائل 5: 459، الباب الأول من أبواب أفعال
الصلاة، الحديث الأول.
(3) انظر فوائد الأصول (1 - 2): 78، ومصباح الفقاهة
2: 82. ونماذج ذلك كثيرة منها: استدلالهم بالإطلاق
المقامي على نفي شرطية بعض الأمور في العقد، انظر:
حاشية المكاسب (للإصفهاني) 1: 91، ومصباح
الفقاهة 2: 83.
(1) اصطلاحات الأصول: " المطلق والمقيد ".
(2) البقرة: 43 و 110، وغيرهما.
509

* (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (1)، فإن الوجوب
مقيد بدلوك الشمس، أي زوالها، وهو المعبر عنه
ب‍ " الواجب المشروط " مقابل " الواجب المطلق ".
وتارة يكون الإطلاق في الموضوع، مثل:
" يجب عليك عتق رقبة "، فالموضوع هو المكلف
المشار إليه بالضمير - كاف الخطاب - وهو مطلق
وإطلاقه أحوالي، أي سواء كان مسافرا أو حاضرا،
وسواء كان صحيحا أو سقيما، وهكذا...
وتارة يكون الإطلاق في المتعلق، مثل:
" رقبة " في المثال المتقدم، فإنها مطلقة من حيث
الأفراد والأحوال، كما تقدم توضيحه.
الفرق بين الشئ المطلق ومطلق الشئ:
الشئ المطلق هو الذي اخذ فيه قيد
الإطلاق، فهو من الماهية بشرط شئ، وهو
" الإطلاق "، مثل: " الماء المطلق "، فإنه عنوان للماء
بشرط الإطلاق وعدم تقيده بشئ، بخلاف مثل:
" ماء الورد " الذي قيد فيه الماء بكونه من الورد،
وكذا " ماء الرمان " ونحوه.
وأما مطلق الشئ، فهو الذي لم يؤخذ فيه
شئ، لا قيد الإطلاق ولا قيد التقييد، وبعبارة
أخرى: هو الماء لا بشرط الإطلاق ولا بشرط
التقييد، فهو من الماهية لا بشرط، ولذلك فهو يشمل
الماء المطلق، وماء الورد، وماء الرمان، وغيرها
من المياه.
ومن أمثلة ذلك أيضا: الملك المطلق ومطلق
الملك، والبيع المطلق ومطلق البيع، ونحو ذلك.
بعض استعمالات كلمة " الإطلاق ":
أضيفت كلمة " إطلاق " إلى بعض العناوين،
نشير فيما يلي إلى أهمها مع ما يراد منها:
1 - إطلاق النص:
هو أن يكون النص الدال على حكم ما مطلقا
غير مقيد بشئ.
2 - إطلاق النصوص:
وهو بالمعنى المتقدم، غاية الأمر أن النص
يكون متعددا.
3 - إطلاق الدليل:
وهو أن يكون الدليل الدال على حكم ما
مطلقا، ولابد أن يكون الدليل قابلا للإطلاق
والتقييد، كالنصوص.
4 - إطلاق معقد الإجماع:
بمعنى أن تكون العبارة التي قام الإجماع على
مضمونها مطلقة غير مقيدة بشئ (1).
ولكن ربما يقال: إن معقد الإجماع لو كان
مطلقا ولكن كان له قدر متيقن، فتكون كاشفية
الإجماع في القدر المتيقن أقوى من كاشفيته بلحاظ
الإطلاق، فلذلك يؤخذ بالقدر المتيقن (2).

(1) الإسراء: 78.
(1) انظر الجواهر 4: 77 و 8: 177.
(2) مباحث الأصول (الجزء الثاني من القسم الثاني):
305، وبحوث في علم الأصول 4: 316.
510

وعليه لا محل للإطلاق، ولعله لأجل هذا قيل:
إن الأدلة اللبية - كالإجماع والسيرة ونحوهما -
يجب الاقتصار فيها على القدر المتيقن، لأنه
لا إطلاق لها (1).
5 - إطلاق الفتوى:
أي أن يكون للفتوى إطلاق ولم تقيد بشئ.
6 - إطلاق الأصحاب:
بمعنى إطلاق الفقهاء الحكم الشرعي عند بيانه
وعدم تقييده بشئ. والمقصود من " الأصحاب "
هم فقهاؤنا الإماميون رضوان الله تعالى عليهم.
7 - إطلاق الأكثر:
أي إطلاق أكثر أصحابنا من الفقهاء الإماميين
كلامهم في موضوع ما، ومثله: " إطلاق الفقهاء "، أو
" إطلاق أكثر الفقهاء "، ونحو هذه التعبيرات.
هذا ما أردنا الكلام عنه في الإطلاق، وبقي
الكلام عن المقيد وعملية التقييد وما يلحق بهما من
أبحاث سوف نأتي بها في عنوان " تقييد "، و " مقيد "
إن شاء الله تعالى.
مظان البحث:
بحث المطلق والمقيد في الأصول.
اطمئنان
لغة:
السكون والاستئناس، واطمأن قلب الرجل:
إذا سكن واستأنس، والطمأنينة: اسم من الاطمئنان،
فهو لغة: السكون (1).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه،
فيستعمل عندهم بمعنى:
1 - حصول ما يقارب العلم، حيث يحصل
للإنسان سكون القلب والنفس بمفاده، فيكون عاريا
من الشك وما يوجب التزلزل.
2 - الاستقرار حال الصلاة، وهو المعبر عنه
ب‍ " الطمأنينة ".
والكلام عن الثاني يأتي في عنوان " طمأنينة "
وقد سبقت الإشارة إليه في عنوان " استقرار " إجمالا.
ولذلك ينحصر الكلام في الأول، وسنبينه
على نحو الإجمال.
درجة الوثوق الحاصل في الاطمئنان:
إن وسائل الإحراز - أي ما يحرز ويكشف به

(1) انظر على سبيل المثال: المستمسك 2: 61، والتنقيح
(الطهارة) 3: 203 و 4: 214.
(1) انظر: ترتيب كتاب العين، والصحاح، ولسان العرب،
ومحيط المحيط: " طمن ".
511

الواقع - تارة تفيد القطع بمؤداها، وتارة تفيد
الاطمئنان، وتارة تفيد الظن.
فإن أفادت القطع، فلا يحتمل في مقابله الخلاف،
فلذلك تكون درجة الوثوق فيه عالية جدا.
وإن أفادت الاطمئنان، فيحتمل في مقابله
الخلاف، ولكن مقدار هذا الخلاف ضئيل جدا، فلذلك
تكون درجة الوثوق فيه عالية، ولكن أقل من القطع.
وإن أفادت الظن، فيحتمل في مقابله
الخلاف، ومقدار هذا الخلاف مقدار يعتنى به، وهو
أكثر من الخلاف المحتمل في الاطمئنان، فلذلك تكون
درجة الوثوق فيه أقل من الاطمئنان (1).
حجية الاطمئنان:
الظاهر أنه لا شبهة في حجية الاطمئنان،
وقد أرسل الفقهاء والأصوليون حجيته إرسال
المسلمات.
وإنما الكلام في منشأ حجيته: هل هي
ذاتية وبحكم العقل كالقطع، أو جعلية وببناء
العقلاء، كالظن؟
فإن قلنا: إن حجية الاطمئنان ذاتية كالقطع،
فلا نكون بحاجة إلى الاستدلال على حجيته.
وإن قلنا: إن حجيته جعلية كالظن، فنحن
مطالبون بما يثبت هذه الحجية، فنقول:
الدليل المثبت لحجية الاطمئنان هو السيرة
العقلائية القائمة على العمل بالاطمئنان والاحتجاج
به فيما بينهم، ولم يردع الشارع عن هذه السيرة،
فتكون حجة.
ولا بد من حصول القطع بركني الدليل
المتقدم، وهما: قيام السيرة، وعدم الردع، ولا يكفي
الاطمئنان بذلك، لأنه يكون من الاستدلال على
الاطمئنان بالاطمئنان (1).
ما يترتب على الاطمئنان من الآثار:
إذا قلنا بحجية الاطمئنان كما هو المشهور،
فيترتب عليها ما يترتب على سائر الحجج، مثل
المنجزية والمعذرية.
هذا إذا اخذ طريقا إلى الحكم، كما في
أغلب الموارد.
ويجوز أخذه موضوعا أو جزءا من الموضوع
أيضا كالقطع، كما إذا قال الناذر: " لله علي
أن أتصدق بدينار إذا اطمأننت بحياة زيد "،
حيث يكون الاطمئنان بحياة زيد موضوعا لوجوب
التصدق.
مظان البحث:
لم يبحث عن الموضوع في موضع معين، لكن
يمكن استفادة أبحاثه من أبحاث القطع والظن
وتضاعيف كلمات الأصوليين والفقهاء في سائر
الموارد، نعم تطرق إليه السيد الصدر بصورة مستقلة.

(1) انظر: دروس في علم الأصول (الحلقة الثانية): 159.
(1) انظر: منتقى الأصول 4: 32، ودروس في علم الأصول
(الحلقة الثانية): 159.
512

إعراض
لغة:
راجع قسم الفقه.
اصطلاحا:
تقدم في قسم الفقه: أن الفقهاء استخدموا
الإعراض بمعناه اللغوي في عدة موارد، وكان من
جملتها إعراض المشهور عن الخبر، وقد أحلنا
شرحه على الملحق الأصولي، ونزيد هنا:
أن المراد من إعراض المشهور عن الخبر هو:
أن يكون بمتناول أيدي الفقهاء خبر صحيح وتام من
حيث الحجية، لكن لم يستند إليه الفقهاء في فتاويهم،
ويعرضون عنه.
وهذا هو المراد من قولهم: " إعراض المشهور
أو الأصحاب عن الخبر ".
هل الإعراض عن الخبر موجب لوهنه؟
المشهور بين الأصوليين والفقهاء: أن إعراض
المشهور أو الأصحاب عن خبر موجب لوهنه
وضعفه، بل قالوا: كلما ازداد الخبر صحة وقوة من
حيث السند ازداد ضعفا ووهنا من حيث الاعتبار (1)،
لأن إعراضهم عنه يكشف عن وجود خلل فيه، مثل
كونه صادرا تقية مثلا، وإلا كانوا يستندون إليه.
وجذور هذه العقيدة أو القاعدة موجودة في
كلمات المتقدمين وإن لم نعثر على تصريح منهم بلفظ
القاعدة، وفيما يلي ننقل نماذج من كلماتهم التي تحتوي
على مفاد القاعدة أو لفظها:
ذكر الشيخ المفيد - بعد أن قال: لا يجوز لأحد
أن يصوم في السفر تطوعا إلا ثلاثة أيام في الحج لمن
لا يجد الهدي -: " وقد روي حديث في جواز التطوع
في السفر بالصيام، وجاءت أخبار بكراهية ذلك،
وأنه ليس من البر الصوم في السفر، وهي أكثر،
وعليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن أخذ بالحديث
لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع، ومن عمل
على أكثر الروايات واعتمد المشهور منها في
اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما
عددناه، كان أولى بالحق، والله الموفق للصواب " (1).
فقد جعل عمل فقهاء الصحابة بتلك
الروايات مرجحا لها، وموهنا للرواية المخالفة.
وقال السيد المرتضى ضمن بحثه عن عدم
حجية خبر الآحاد: "... والرجوع إلى المعلوم
المشهور أولى من غيره " (2).
وهو وإن كان ينكر أصل حجية خبر
الواحد (3)، إلا أن هذا الكلام ينبئ عن ارتكاز

(1) انظر مصباح الأصول 2: 203.
(1) المقنعة: 350.
(2) رسائل السيد المرتضى 1: 27، أجوبة المسائل التبانيات.
(3) والظاهر أنه يقول بحجية خبر الواحد المحفوف
بالقرائن، ولعل من القرائن عنده كونه مشهورا.
513

القاعدة المذكورة في أذهانهم.
وقال المحقق الحلي عند كلامه عن الصلاة في
وبر الثعالب والأرانب، بعد أن ذكر أن في ذلك
روايتين - أي طائفتين - أشهرهما المنع من ذلك، ثم
ذكر منهما روايتين للمنع ورواية للجواز: " واعلم أن
المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب
ووبر الخز، والعمل به احتياط في الدين ". ثم ذكر
روايتين دالتين على الجواز، ثم قال: " ولو عمل بهما
عامل جاز، لكن على الأول عمل الظاهرين من
الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة " (1).
لكن ليس في كلامه تصريح بكون إعراض
المشهور عن الخبر موهن له، نعم فيه ظهور بهذا
المعنى وتصريح بأن عمل المشهور بأحد الطرفين من
الخبرين المتعارضين مرجح له.
وقال الشهيد الأول في مقدمة الذكرى بعد بيان
أقسام الخبر: " ويرد الخبر، لمخالفة مضمونه القاطع
من الكتاب والسنة والإجماع - لامتناع ترجيح الظن
على العلم - أو بإعراض الأكثر عنه، أو... " (2).
وكلامه صريح في القاعدة.
وقال الشهيد الثاني في المسالك في مسألة بعد
أن ذكر روايتين وصف إحداهما بكونها حسنة:
" ونسبها المصنف إلى الشذوذ من حيث إعراض
الأصحاب عن العمل بمضمونها " (3).
ومراده من المصنف المحقق الحلي.
والنص صريح في القاعدة، كما يدل على التزام
الحلي بها أيضا.
وهكذا استند الفقهاء (1) إلى القاعدة حتى
يومنا هذا، بل اتسعت دائرة الاستناد إليها،
وتعرض لها الأصوليون (2) أيضا عند الكلام عن
حجية خبر الثقة وما يمكن أن يكون مضيقا لنطاق
حجيته، وفي البحث عن تعارض الخبرين وترجيح
ما عمل المشهور به منهما.
نظرية السيد الخوئي:
اشتهر السيد الخوئي بمخالفته لهذه النظرية،
فإنه يرى أن عمل المشهور ليس جابرا لضعف
السند، كما أن إعراضهم ليس موجبا لضعفه ووهنه.
ونحن ننقل هنا كلامه بالنسبة إلى القسم الثاني،
وسوف يأتي الكلام عن القسم الأول في العنوانين:
" شهرة " و " مشهور " إن شاء الله تعالى.
قال السيد الخوئي - حسب ما نقله مقرر بحثه
في مصباح الأصول -:

(1) المعتبر: 150.
(2) الذكرى 1: 49.
(3) المسالك 7: 245.
(1) انظر على سبيل المثال: الحدائق 13: 425، والرياض
7: 463، والجواهر 1: 124 و 178 و 203 و 363
و 419 و... والطهارة (للشيخ الأنصاري) 2: 295،
والمستمسك 1: 145 و 429 و...
(2) انظر على سبيل المثال: فوائد الأصول 4: 786 و 787،
ونهاية الأفكار 3: 186، وبحوث في علم الأصول
4: 426، وأصول الفقه (للمظفر) 2: 221، وغيرها.
514

" إن الخبر إن كان صحيحا أو موثقا في نفسه،
هل يكون إعراض المشهور عنه موجبا لوهنه
وسقوطه عن الحجية أم لا؟ المشهور بينهم هو ذلك،
بل صرحوا بأنه: كلما ازداد الخبر صحة ازداد ضعفا
ووهنا بإعراض المشهور عنه. والتحقيق عدم تمامية
ذلك أيضا، إذ بعد كون الخبر صحيحا أو موثقا
وموردا لقيام السيرة ومشمولا لإطلاق الأدلة
اللفظية على ما تقدم ذكرها، لا وجه لرفع اليد عنه
لإعراض المشهور عنه. نعم إذا تسالم جميع الفقهاء
على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه،
يحصل لنا العلم أو الاطمئنان بأن هذا الخبر لم يصدر
من المعصوم (عليه السلام) أو صدر عن تقية، فيسقط الخبر
المذكور عن الحجية لا محالة، كما تقدمت الإشارة
إليه، لكنه خارج عن محل الكلام. وأما إذا اختلف
العلماء على قولين، وذهب المشهور منهم إلى ما
يخالف الخبر الصحيح أو الموثق، وأعرضوا عنه،
واختار غير المشهور منهم ما هو مطابق للخبر
المذكور، فلا دليل لرفع اليد عن الخبر الذي يكون
حجة في نفسه لمجرد إعراض المشهور عنه " (1).
فإذن هو يفرق بين إعراض الجميع وإعراض
المشهور، فيرى الأول موهنا للخبر دون الثاني.
مظان البحث:
اتضح مما تقدم: أن الفقهاء تعرضوا للقاعدة
بمناسبات مختلفة وعند مواجهتهم لمواردها.
وأما الأصوليون فقد تعرضوا لها في موضعين:
الأول - عند البحث عن حجية خبر الواحد.
الثاني - عند البحث عن تعارض الخبرين
وترجيح أحدهما على الآخر بموافقته للمشهور
وطرح المخالف له.
لكن بعضهم تعرض له في الموضع الأول،
وبعضهم في الثاني، وثالث لم يتعرض له أصلا.
اقتضاء
راجع: قسم الفقه عنوان " اقتضاء ".
الأقل والأكثر
لغة:
مفهومان واضحان، فالأقل أفعل التفضيل
من القليل، والأكثر من الكثير، والقليل والكثير
متضادان.
اصطلاحا:
يقعان عنوانا لمسألة أصولية مهمة، وهي
مسألة دوران الأمر - أي التكليف - بين الأقل
والأكثر، وتوضيح ذلك:

(1) مصباح الأصول 2: 203.
515

أنه إذا تعلق التكليف بأحد شيئين، فإما أن
يكونا متباينين، أو لا:
فالأول - مثل ما لو علمنا بوجوب الصلاة،
لكن لا نعلم أنها الظهر أو الجمعة، فهذه الصورة هي
مسألة دوران الأمر - أي التكليف - بين المتباينين.
والثاني - مثل ما لو علمنا بوجوب الصلاة،
لكن لا نعلم أنها متكونة من تسعة أجزاء - أي
من دون السورة مثلا - أو من عشرة أجزاء بما
فيها السورة، وهذه الصورة هي مسألة دوران
الأمر - أي التكليف - بين الأقل والأكثر.
وقد تقدم بعض الكلام عن الأول في عنوان
" احتياط "، وينحصر بحثنا فعلا في الثاني،
أي الأقل والأكثر.
أقسام الأقل والأكثر:
قسموا الأقل والأكثر إلى قسمين:
الأول - الأقل والأكثر الاستقلاليان:
وهما اللذان يلاحظ كل منهما مستقلا عن
الآخر، فيكونان واجبين أو حرامين مستقلين،
بحيث يكون لكل منهما إطاعة ومعصية مستقلتان.
فمثال الواجب، ما لو علمنا بانشغال
ذمتنا بدين، لكن لا ندري هل هو خمسة أو عشرة
دراهم. وبعبارة أخرى: نعلم بأصل وجوب
فراغ الذمة بدفع دراهم، لكن لا نعلم أنها خمسة
أو عشرة، فكل من الخمسة والعشرة واجب
مستقل، ولذلك لو دفعنا خمسة دراهم برئت
ذمتنا بمقدارها، فإن كانت ذمتنا مشغولة بعشرة
بقيت مشغولة بخمسة أخرى، بخلاف الأقل والأكثر
الارتباطيين، كما سيأتي.
ومثال الحرام، ما لو علمنا بحرمة قراءة العزائم على
الجنب والحائض، ولكن شككنا - فرضا - في أن المحرم
هل هو قراءة خصوص آية السجدة أو جميع السورة؟ (1)
الثاني - الأقل والأكثر الارتباطيان:
وهما اللذان يلاحظ أحدهما - أي الأقل -
تارة مستقلا من دون لحاظ شئ آخر، ويلاحظ
أخرى مشروطا بشئ آخر، أو - بعبارة أخرى -
يلاحظ ضمن شئ آخر وهو الأكثر.
ومثالهما في الشبهة الوجوبية: ما لو علمنا
بوجوب الصلاة وشككنا في أن ماهيتها هل هي
تسعة أجزاء أي من دون لحاظ السورة، أو عشرة
مع لحاظ السورة؟
ومثالهما في الشبهة التحريمية هو: ما لو علمنا
بحرمة الغناء ولكن شككنا هل هو مطلق ترجيع الصوت
- وهو الأقل - أو بقيد كونه مطربا، وهو الأكثر.
وكذا لو علمنا بحرمة صنع المجسمات، لكن
شككنا في أن الحرام هل هو صنعها مطلقا وإن كانت
ناقصة، أو بقيد كونها كاملة، فالأول هو الأقل،
والثاني هو الأكثر (2).

(1) انظر اصطلاحات الأصول: 64، عنوان " الأقل
والأكثر ".
(2) انظر فوائد الأصول 4: 148 - 149.
516

انحصار البحث في الارتباطيين:
والمبحوث عنه في الأصول هو خصوص
الارتباطيين، وأما الاستقلاليان فإنما يشار إليهما
في مقدمة البحث توضيحا للارتباطيين، ولذلك
تتركز أبحاث الأصوليين في الارتباطيين. ووجهه:
أن الحكم في الاستقلاليين واضح، فإنه يجب
الأخذ بالمتيقن ويجري أصل البراءة في الزائد من
ذلك على المشهور، فيجب عليه في مثال الدراهم
أن يدفع خمسة، وأما الزائد عليها فتجري فيه
البراءة، لأن الشبهة فيه بدوية.
وكذا في مثال التحريم، فإن المحرم قطعا هو
قراءة آية السجدة، وأما سائر الآيات فحيث كانت
حرمتها مشكوكة فتجري فيها البراءة.
حالات دوران الأمر بين الأقل والأكثر:
لدوران الأمر بين الأقل والأكثر حالات
نشير إليها فيما يلي:
1 - الدوران بينهما في الأجزاء.
2 - الدوران بينهما في الشرائط.
3 - الدوران بين التعيين والتخيير.
أولا - دوران الأمر بين الأقل والأكثر
في الأجزاء:
ومثال هذه الصورة: ما لو علم المكلف
بوجوب الصلاة وشك في أنها متكونة من تسعة
أجزاء بما فيها السورة، أو تسعة أجزاء مع حذف
السورة، كما تقدم.
اختلف الأصوليون في أن الأصل الجاري في
هذا المورد هل هو البراءة أو الاشتغال والاحتياط؟
ويتركز وجه القائلين بجريان أصالة البراءة
في: أن العلم الإجمالي ينحل إلى تكليف معلوم
تفصيلا وهو الأقل، لأن الأقل هو القدر المتيقن
مما تعلق به التكليف، وإلى تكليف مشكوك
وهو الأكثر، فتجري فيه البراءة، لأنه شبهة
بدوية، وبعبارة أخرى تندرج المسألة في مسألة
الشك في التكليف حيث تجري فيه البراءة.
وأما القائلون بجريان أصالة الاشتغال فيرون
أن العلم الإجمالي لا ينحل في هذه الصورة، لوجود
موانع من انحلاله، فالواجب عندهم الإتيان
بالأكثر. وبعبارة أخرى: يكون المورد من
قبيل دوران الأمر بين المتباينين فيندرج في الشك
في المكلف به الذي يجب فيه الاحتياط (1).
ملاحظة:
إن البحث عن الأقل والأكثر إنما يكون بعد
الفراغ من جهتين:
الأولى - الالتزام بجريان أصالة البراءة في
الشبهات البدوية.
الثانية - الالتزام بمنجزية العلم الإجمالي
وجريان أصالة الاشتغال عند دوران الأمر بين

(1) انظر: فوائد الأصول 4: 151، ونهاية الأفكار
3: 374.
517

المتباينين، لأن غاية ما يحاوله القائل بالبراءة في هذه
المسألة هو القول بانحلال العلم الإجمالي وصيرورة
الأكثر شبهة بدوية تجري فيها البراءة.
وغاية ما يحاوله القائل بالاشتغال هو إثبات
عدم الانحلال وفرض هذه الصورة من دوران الأمر
بين المتباينين التي تجري فيها أصالة الاشتغال (1).
الأقوال في المسألة:
والأقوال في المسألة ثلاثة:
1 - جريان البراءة العقلية والنقلية.
2 - جريان البراءة النقلية دون العقلية.
3 - عدم جريان البراءتين.
الأول - القول بجريان البراءة العقلية
والنقلية:
اختار هذا القول الشيخ الأنصاري وأغلب
من تأخر عنه ممن التزمنا بذكر آرائهم، كما ستأتي
كلماتهم.
قال الشيخ الأنصاري: " وقد اختلف في
وجوب الاحتياط هنا، فصرح بعض متأخري
المتأخرين (2) بوجوبه، وربما يظهر من كلام بعض
القدماء كالسيد (3) والشيخ (4)، لكن لم يعلم كونه
مذهبا لهما، بل ظاهر كلماتهم الاخر خلافه (1).
وصريح جماعة إجراء أصالة البراءة وعدم
وجوب الاحتياط، والظاهر أنه المشهور بين
العامة (2) والخاصة، المتقدمين منهم والمتأخرين، كما
يظهر من تتبع كتب القوم، كالخلاف (3) والسرائر (4)
وكتب الفاضلين (5) والشهيدين (6) والمحقق الثاني (7)
ومن تأخر عنهم (8).
بل الانصاف: أنه لم أعثر في كلمات من تقدم
على المحقق السبزواري على من يلتزم بوجوب
الاحتياط في الأجزاء والشرائط وإن كان فيهم من
يختلف كلامه في ذلك، كالسيد والشيخ والشهيد.
وكيف كان، فالمختار جريان أصل البراءة.
لنا على ذلك: حكم العقل وما ورد من
النقل " (9).
ومقصوده من حكم العقل: حكمه بقبح

(1) انظر منتقى الأصول 5: 197.
(2) سوف نشير إليهم عند استعراض القول الثالث.
(3) انظر الانتصار: 146 و 148 - 149.
(4) انظر الخلاف 1: 182، المسألة 138.
(1) انظر: الذريعة 2: 833، والعدة 2: 753.
(2) انظر الإحكام في أصول الأحكام (لابن حزم) 2: 185.
(3) الخلاف 1: 85، المسألة 35.
(4) السرائر 1: 232.
(5) انظر: المعارج: 216 - 217، والمعتبر 1: 32،
والمختلف 1: 495.
(6) انظر: القواعد والفوائد 1: 132، والذكرى 1: 52،
وتمهيد القواعد: 271.
(7) انظر جامع المقاصد 2: 219 و 328.
(8) انظر: الفوائد الحائرية: 441 - 442، والقوانين
2: 30، والفصول: 51 و 357، والمناهج: 221.
(9) فرائد الأصول 2: 316 - 317.
518

العقاب بلا بيان، فإن العقل يحكم بقبح المؤاخذة على
ترك الأكثر مع عدم العثور على بيان من الشارع
على وجوبه بعد الفحص عنه.
وأما حكم النقل، فما ورد في البراءة من
التكليف عند الشك فيه إذا كانت الشبهة بدوية،
مثل حديثي الرفع (1) والحجب (2)، والمفروض
أن الأكثر يصير شبهة بدوية بعد انحلال العلم
الإجمالي.
وإنما تجري البراءة إذا أمكن انحلال العلم
الإجمالي كما تقدم، ولذلك قال الشيخ الأنصاري:
" وبالجملة: فالعلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثر في
وجوب الاحتياط، لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام
تفصيلا، والآخر مشكوك الإلزام رأسا " (3).
وممن اختار هذا الرأي:
- المحقق العراقي، حيث ذهب إلى أنه لم يكن
في الأقل أو الأكثر الارتباطيين علم إجمالي أصلا،
والتعبير عنه بذلك مسامحة واضحة (4)، لأن مرجع
الشك في أن الواجب هو الأقل أو الأكثر إلى أن
شخص التكليف المنبسط على ذوات الأجزاء هل
هو محدود بحد يشمل الجزء المشكوك، أو بحد
لا يشمله نظير الخط الذي يشك في أنه محدود بكونه
إلى ذراع أو أزيد؟ ومن الواضح أن هذا لا يوجب
اختلافا في ذات الوجوب التي هي مصب حكم
العقل بالإطاعة (1).
وبعبارة أخرى: أن العلم الإجمالي المتصور في
المقام إنما هو بالنسبة إلى حد التكليف، من حيث
تردده بين كونه محدودا بحد لا يتجاوز الأقل، أو بحد
يتجاوزه ويشمل الزائد، وإلا فبالنسبة إلى نفس
التكليف والواجب لا يكون من الأول إلا علم
تفصيلي بمرتبة من التكليف وشك بدوي محض بمرتبة
أخرى منه متعلقة بالزائد (2).
- والمحقق الإصفهاني، وبنى استدلاله على
الانحلال بما اختاره: من أن وجوب المركب ذي
الأجزاء وجوب نفسي واحد منبسط على جميع
الأجزاء، ثم قال: " ولا ريب أن هذا الوجوب
النفسي الشخصي المعلوم أصله منبسط على تسعة
أجزاء بتعلق واحد، وانبساطه بعين ذلك التعلق على
الجزء العاشر المشكوك، مشكوك، فهذا الوجوب
النفسي الشخصي المعلوم بمقدار العلم بانبساطه
يكون فعليا منجزا، وبالمقدار الآخر المجهول
لا مقتضي لفعليته وتنجزه " (3).
وإذا لم يكن الوجوب فعليا ومنجزا في
المشكوك فينحل العلم إلى ما هو واجب قطعا

(1) الوسائل 15: 369، الباب 56 من أبواب جهاد
النفس، الحديث الأول.
(2) الوسائل 27: 163، الباب 12 من أبواب صفات
القاضي، الحديث 33.
(3) فرائد الأصول 2: 322.
(4) نهاية الأفكار 3: 382.
(1) نهاية الأفكار 3: 381.
(2) المصدر المتقدم: 382.
(3) نهاية الدراية 4: 295 - 296.
519

وما هو مشكوك الوجوب، فتجري البراءة في
المشكوك.
- والسيد الخوئي، وبنى انحلال العلم على
المقدمات التالية:
1 - إن ذات الأقل وجوبها معلوم وإنما الشك
في أنها واجبة على نحو الإطلاق، أي من دون
تقييدها بشئ - وعلى نحو اللا بشرط القسمي - أو
مأخوذة على نحو التقييد وبشرط شئ، وهو انضمام
الجزء المشكوك إليه؟
فالجامع بين الإطلاق والتقييد متيقن
الوجوب وإنما الشك في خصوصية الإطلاق
أو التقييد.
2 - إن إطلاق الوجوب لا يؤدي إلى تضييق
على المكلف، لأنه يستلزم وجوب الأقل فقط،
بخلاف التقييد، فإنه يوجب تضييقا، لأنه يتضمن
وجوب الجزء المشكوك.
3 - وإذا لم يكن في الإطلاق تضييق فلا معنى
لجريان البراءة فيه، لأن البراءة إنما تجري فيما إذا كان
في جريانه امتنان على المكلف، وحيث لا تضييق
على المكلف في جانب الإطلاق، فلا امتنان في
جريان البراءة فيه.
4 - وإذا لم تجر أصالة البراءة في جانب
الإطلاق، فتكون جارية في طرف التقييد من
دون معارض، فأصالة عدم تقييد الأقل بالجزء
المشكوك - أي الزائد - تثبت عدم وجوبه.
5 - وإذا جرى الأصل في أحد طرفي
العلم الإجمالي دون الطرف الآخر أدى ذلك
إلى انحلاله (1).
- والإمام الخميني، حيث قال في وجه
الانحلال بعد ذكر مقدمات:
" إذا عرفت ذلك يتضح لك جريان البراءة
في المشكوك من الأجزاء، لأن الحجة على المركب
إنما يكون حجة على الأجزاء وداعيا إليها إذا
قامت الحجة على كون المركب مركبا من الأجزاء
الكذائية ومنحلا إليها، وأما مع عدم قيام الحجة
عليه لا يمكن أن يكون الأمر به حجة عليها
وداعيا إليها، فمع الشك في جزئية شئ للمركب
لا يكون الأمر المتعلق به حجة عليه، ضرورة
أن تمامية الحجة إنما تكون بالعلم، والعلم بتعلق
الأمر بالمركب إنما يكون حجة على الأجزاء
التي علم تركب المركب منها... فمع الشك في دخالة
شئ في المركب واعتباره فيه عند ترتيب أجزائه،
لا يكون الأمر بالمركب حجة عليه... " (2).
- والسيد الصدر، فإنه قال: " وحيث إن
وجوب الأكثر مشكوك ومشمول لأدلة البراءة عند
الشك في التكليف في نفسه، فيكون منهج البحث هو
التفتيش عما يكون مانعا عنها وبرهانا على عدم
جريان التأمين عن هذا الوجوب المشكوك... " (3).
ثم استعرض الموانع الستة التي ذكرها بعضهم

(1) مصباح الأصول 2: 429 - 430.
(2) تهذيب الأصول 2: 382 - 383.
(3) بحوث في علم الأصول 5: 327.
520

وناقشها، ثم قال: " وهكذا يتضح من مجموع
ما تقدم: أن شيئا من الموانع المتصورة غير تام،
وأن العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر
في الأجزاء ليس منجزا لوجوب الأكثر " (1).
الثاني - القول بجريان البراءة النقلية دون
العقلية:
اختار هذا القول صاحب الكفاية والمحقق
النائيني.
قال صاحب الكفاية: " والحق أن العلم
الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضا يوجب
الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر، لتنجزه به حيث تعلق
بثبوته فعلا " (2).
ثم ناقش القول بانحلاله، ثم استدل بوجه آخر
وحاصله: أن الأحكام تابعة للمصالح الواقعية
- بناء على مسلك العدلية - ولا يمكن إحراز المصلحة
الواقعية عند الدوران بين الأقل والأكثر إلا بالإتيان
بالأكثر، لأن مع الإتيان بالأقل نشك في حصول
المصلحة الواقعية (3).
إلى أن قال: " هذا بحسب حكم العقل،
وأما النقل، فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع
قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته، فبمثله يرتفع
الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر،
ويعينه في الأول " (1).
وأما المحقق النائيني فقد قال بعد بحث طويل:
" فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا محل للبراءة
العقلية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر
الارتباطي.
وأما البراءة الشرعية فلا محذور في جريانها،
لأن رفع القيدية إنما هو من وظيفة الشارع كجعلها
غايته، إن وضعها ورفعها إنما يكون بوضع منشأ
الانتزاع ورفعه، وهو التكليف بالأكثر وبسطه
على الجزء المشكوك فيه... " (2).
ويتلخص الوجه الذي ارتضاه لعدم الانحلال
عقلا في: أن وجوب الأقل وإن كان معلوما تفصيلا
إلا أن هذا العلم التفصيلي يرجع إلى العلم الإجمالي
بين الأقل والأكثر بل هو عينه، لتردد وجوب الأقل
بين وجوبه لا بشرط الأكثر أو بشرطه، فلا سبيل إلى
دعوى الانحلال. وبعبارة أخرى: أن العقاب على ترك
الجزء المشكوك وإن كان عقابا بلا بيان، إلا أن احتمال
كونه قيدا للأقل مع انضمام العلم الإجمالي إلى ذلك،
يجعل العقل حاكما بتنجز التكليف واستحقاق العقاب
على تركه، ووضع القيدية أو رفعها ليس بيد العقل
وإنما هو بيد الشارع، نعم العقل حاكم بلزوم الخروج
عن عهدة التكليف والقطع بامتثاله، وهذا يقتضي
العمل بالأكثر، أي ضم الجزء المشكوك إلى الأقل (3).

(1) بحوث في علم الأصول 5: 343.
(2) كفاية الأصول: 363.
(3) المصدر المتقدم: 364.
(1) كفاية الأصول: 366.
(2) فوائد الأصول 4: 162 - 163.
(3) المصدر المتقدم: 161.
521

الثالث - القول بعدم جريان البراءتين العقلية
والنقلية:
اختار هذا القول صاحب الكفاية في حاشيته
على الكفاية حيث قال - معلقا على كلامه: " هذا
بحسب حكم العقل، أما النقل فالظاهر... " الذي
تقدم عنه في القول الثاني -: " لكنه لا يخفى أنه
لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط،
وهو ما إذا علم إجمالا بالتكليف الفعلي، ضرورة أنه
ينافيه رفع الجزئية المجهولة، وإنما يكون مورده ما إذا
لم يعلم به كذلك، بل علم مجرد ثبوته واقعا " (1).
ويظهر هذا القول من بعض آخرين كما أشار
إلى ذلك الشيخ الأنصاري، منهم:
1 - المحقق السبزواري حيث قال عند الكلام
عما يجب على من لم يحسن شيئا من الفاتحة وبعد نقل
الأقوال في ذلك: " واعلم أن أكثر الخلافات التي
أوردناها في هذا المبحث ترجيح طرف منها مشكل،
لفقد النص وعدم استقلال العقل بأمثال هذه الأمور،
لكن القاعدة التي أشرنا إليها مرارا: من وجوب
تحصيل اليقين ببراءة الذمة من التكليف الثابت
عند الشك والاشتباه في حقيقة المكلف به وما يعتبر
فيه، يقتضي العمل بطريقة الاحتياط في أمثال
هذه المواضع... " (2).
2 - السيد الطباطبائي - صاحب المناهل -
حيث قال: " إذا اختلف الأصحاب في جزئية شئ
في عبادة واجبة كالصلاة والصوم، أو شرطية فيها،
فهل الأصل عدمها حتى يقوم دليل من الخارج
عليهما، أو اللازم الحكم بهما حتى يقوم من الخارج
دليل على عدمهما؟ فيه إشكال، والتحقيق أن يقال:
إن للمسألة صورا: الأول - أن يستفاد من الإجماع
وجوب عبادة كأن يتفقوا على وجوب صلاة في
الوقت الفلاني، ثم يحصل الشك في وجوب شئ فيها
على وجه الجزئية، أو في اشتراطها به باعتبار
الاختلاف فيهما، وهنا يجب الحكم بالوجوب
والاشتراط، وذلك لأن الذمة قد اشتغلت بتلك
العبادة بالإجماع كما هو الفرض فيحتاج في تحصيل
البراءة منه إلى اليقين بها، ولا يحصل إلا بالإتيان
بالمشكوك فيه " (1).
وممن يظهر منه أيضا هذا القول الشيخ
محمد تقي صاحب الحاشية (2). ونسب إلى شريف
العلماء (3) أستاذ الشيخ الأنصاري.
ثانيا - دوران الأمر بين الأقل والأكثر في
الشرائط:
الشرط على قسمين:
القسم الأول - ما كان خارجا عن ماهية
المشروط، مثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة،

(1) كفاية الأصول: 366، الهامش رقم (1).
(2) ذخيرة المعاد: 273.
(1) مفاتيح الأصول: 528.
(2) انظر هداية المسترشدين: 449.
(3) انظر فرائد الأصول 2: 316، الهامش رقم (2)، نقلا
عن ضوابط الأصول: 326.
522

فإن الصلاة مشروطة بالطهارة، والطهارة ليست من
ماهية الصلاة.
القسم الثاني - ما كان داخلا ضمن ماهية
المشروط، مثل شرطية الإيمان بالنسبة إلى الرقبة
فيما لو قيل: " أعتق رقبة مؤمنة "، فإن قيد الإيمان
ليس منفصلا عن الرقبة، بل هما متحدان خارجا.
وقد صرحوا بأن حكم الجزء الخارجي
يجري في الشرط أيضا، فمن قال بالبراءة هناك يقول
بها هنا أيضا، ومن قال بالاحتياط هناك يقول به
هنا أيضا.
وظاهر كلماتهم: أن حكم القسمين واحد،
وإن كان لبعضهم كلام في القسم الثاني، قال
الشيخ الأنصاري بعد نقل احتمال التفرقة
بين القسمين ومناقشته: " فالتحقيق: أن حكم
الشرط بجميع أقسامه واحد، سواء ألحقناه بالجزء
أم بالمتباينين " (1).
وقال العراقي: " وأما إذا كان الترديد بين
الأقل والأكثر في شرائط المأمور به وموانعه،
فالكلام فيه هو الكلام في الأجزاء حرفا بحرف،
والمختار فيها هي البراءة عقلا ونقلا، من غير فرق
بين أن يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا
عن المشروط مباينا معه في الوجود، أو متحدا
مع المشروط وقائما به... " (2).
وكذا قال بجريان البراءتين في القسمين
السادة: الخوئي (1) والخميني (2) والصدر (3)،
ولا حاجة إلى نقل كلماتهم.
وأما صاحب الكفاية والمحقق النائيني اللذان
قالا بجريان البراءة النقلية دون العقلية في الأجزاء،
فقد قالا بذلك في الشرائط أيضا إجمالا.
قال صاحب الكفاية: " ظهر مما مر حال
دوران الأمر بين المشروط بشئ ومطلقه، وبين
الخاص كالإنسان وعامه كالحيوان، وأنه لا مجال
هاهنا للبراءة عقلا، بل كان الأمر فيهما أظهر...
نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص
دوران الأمر بين المشروط وغيره، دون دوران
الأمر بين الخاص وغيره، لدلالة مثل حديث الرفع
على عدم شرطية ما شك في شرطيته، وليس كذلك
خصوصية الخاص، فإنها إنما تكون منتزعة عن
نفس الخاص، فيكون الدوران بينه وغيره من
قبيل الدوران بين المتباينين " (4).
وسيأتي الكلام عن قريب عما أشار إليه من
دوران الأمر بين العام والخاص اللذين هما من
قبيل الجنس والنوع.
وقال النائيني: " والكلام فيه عين الكلام في
الأجزاء في جريان البراءة الشرعية وعدم جريان
البراءة العقلية، سواء كان منشأ انتزاع الشرطية

(1) فرائد الأصول 2: 357.
(2) نهاية الأفكار 3: 396.
(1) انظر مصباح الأصول 2: 445 - 446.
(2) انظر تهذيب الأصول 2: 400.
(3) انظر بحوث في علم الأصول 5: 352.
(4) كفاية الأصول: 367.
523

أمرا متحدا مع المشروط في الوجود، كالإيمان في
الرقبة، أو مباينا له في الوجود كالطهارة في الصلاة،
فإن المناط في جريان البراءة هو: أن يكون
المشكوك فيه مما تناله يد الوضع والرفع الشرعي ولو
بوضع منشأ الانتزاع ورفعه، وأن يكون في رفعه منة
وتوسعة على المكلفين، وهذا المناط يعم الشك في
الأجزاء، والشروط على نسق واحد " (1).
دوران الأمر بين الجنس والنوع:
من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر
في الشرائط هو دوران الأمر بين العام والخاص
إذا كانا من قبيل الجنس والنوع، أو الطبيعي
والفرد (الحصة)، لكن اختار فيه جملة من محققي
الأصوليين القول بالاحتياط، سواء كانوا قائلين
بالبراءتين في الأجزاء والشرائط، أو بخصوص
البراءة الشرعية.
وممن التزم بذلك: صاحب الكفاية والمحققان
النائيني والعراقي.
أما صاحب الكفاية، فقد تقدم كلامه قبل
قليل.
وأما النائيني فقال: " والأقوى: أنه يجب
فيه الاحتياط ولا تجري البراءة عن الأكثر،
فإن الترديد بين الجنس والنوع وإن كان يرجع
بالتحليل العقلي إلى الأقل والأكثر، إلا أنه
خارجا [و] بنظر العرف يكون من الترديد بين
المتباينين، لأن الإنسان بما له من المعنى المرتكز
في الذهن مباين للحيوان عرفا، فلو علم إجمالا
بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان، فاللازم هو
الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان... لأنه جمع
بين الأمرين، فإن إطعام الإنسان يستلزم إطعام
الحيوان أيضا " (1).
وأما العراقي فقال: " وأما لو كان
الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي
والحصة، كما إذا دار الأمر بين وجوب إطعام
مطلق الحيوان أو الإنسان، أو وجوب إكرام
الإنسان أو خصوص زيد، ففي جريان البراءة فيه
عن الخصوصية المشكوكة إشكال منشؤه الإشكال
في كون الشبهة فيه من الأقل والأكثر أو المتباينين،
ولكن الأقوى فيه وجوب الاحتياط " (2).
ثم علله بقوله: " لأن بإطعامه يقطع بالخروج
عن عهدة التكليف المعلوم في البين، بخلاف صورة
إطعام غير زيد، فإنه لا يقطع بحصول الفراغ ولا
يؤمن العقوبة على ترك إطعام زيد.
وبما ذكرنا يظهر الحال في جميع موارد الدوران
بين التخيير والتعيين الشرعي " (3).
هذا ولكن لم يفرق بعض الأصوليين بين
المطلق والمقيد والعام والخاص وإن كان بمثل الجنس
والنوع فقالوا بجريان البراءة فيهما، مثل السادة:

(1) فوائد الأصول 4: 189 - 190.
(1) فوائد الأصول 4: 208.
(2) نهاية الأفكار 3: 396.
(3) المصدر المتقدم: 398.
524

الخوئي (1)، والخميني (2)، والصدر (3).
ثالثا - دوران الأمر بين التعيين والتخيير:
الدوران بين التعيين والتخيير له حالات
وصور مختلفة، وإنما نشير إلى ما هو المهم منها، وهو:
ما إذا علم المكلف بتعلق التكليف بأمر معين وشك
في أنه واجب عليه بنحو التعيين أو التخيير بينه وبين
غيره، كما إذا علم بوجوب عتق رقبة كفارة عن
الإفطار العمدي، ولكن لا يدري هل ذلك على نحو
التعيين أو التخيير بينه وبين إطعام ستين مسكينا
أو صوم ستين يوما؟
اختلف الأصوليون في ذلك، فقال بعضهم:
يجب عليه العتق على نحو التعيين، وقال بعض آخر:
يجب عليه ذلك على نحو التخيير.
فعلى الأول لا يجزي إطعام ستين مسكينا،
ولا يسقط التكليف، وعلى الثاني يجزي.
استدل الشيخ الأنصاري على القول بالتعيين:
بأن البراءة عن وجوب العتق على التعيين معارضة
بالبراءة عن وجوب أحد الأمور الثلاثة - العتق
والإطعام والصوم - على وجه التخيير.
واستدل على القول بالتخيير: بأن في الإلزام
بالعتق على وجه التعيين كلفة زائدة، وهذه الكلفة
مرفوعة بحديثي الرفع والحجب وغيرهما من أدلة
البراءة الشرعية.
أما العقلية فغير جارية، لأن العقل لا يستقل
بالبراءة عن التعيين.
وقال: " فلعل الحكم بوجوب الاحتياط
وإلحاقه بالمتباينين لا يخلو عن قوة " (1).
وتعرض النائيني للموضوع في التنبيه الثاني
من تنبيهات أصالة البراءة في الشبهة الوجوبية،
وفصل في أنواع التخيير، والتزم في أغلبها
بالاحتياط والأخذ بالتعيين، ورد القول بجريان
البراءة عن التعيين في مورد البحث - لأن في
التعيين كلفة زائدة وهي مدفوعة بالبراءة -: بأن
من شروط جريان البراءة مضافا إلى أن يكون
في وضع التكليف الزائد - الذي نريد رفعه
بالبراءة - كلفة وضيق على المكلف كما تقدم في
كلام الشيخ، كون المرفوع أمرا وجوديا مجعولا
من قبل الشارع، في حين أن صفة التعيين ليست
مجعولة من قبل الشارع ولو بالتبع، لأن صفة التعيينية
إنما هي عبارة عن عدم جعل العدل والبدل،
وليست صفة وجودية للخطاب حتى تجري فيها
البراءة (2).
وأما العراقي، فقد قال بلزوم الاحتياط
والأخذ بالتعيين أيضا، فإنه قال بعد الكلام عن
دوران الأمر بين الجنس والنوع واختيار الاحتياط
فيه: " وبما ذكرنا يظهر الحال في جميع موارد الدوران

(1) مصباح الأصول 2: 454.
(2) تهذيب الأصول 2: 401.
(3) بحوث في علم الأصول 5: 353 - 354.
(1) فرائد الأصول 2: 357 - 358.
(2) فوائد الأصول 3: 427 - 428.
525

بين التخيير والتعيين الشرعي، كما في الخصال
الثلاث، فإنه بمقتضى ما ذكرناه من البيان
لابد من الاحتياط بالإتيان بما يحتمل وجوبه
تعيينا... " (1).
ولكن اختار السيد الخوئي القول بالتخيير
وعدم لزوم الاحتياط والقول بالتعيين، فإنه قال
بعد تفنيد أدلة القول بالتعيين: " فتحصل من جميع
ما ذكرناه في المقام: أنه لا وجه للقول بالتعيين في
هذا القسم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير،
وأن المرجع هو البراءة عن وجوب الإتيان
بخصوص ما يحتمل كونه واجبا تعيينا، فتكون
النتيجة هي الحكم بالتخيير " (2).
وأما السيد الصدر، فقد ذكر المباني في تفسير
الوجوب التخييري، وانتهى في أغلبها إلى القول
بالبراءة، وفي واحد منها إلى القول بوجوب
الاحتياط (3).
دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحصل
الشرعي:
إذا كان المأمور به معلوما من جميع الجهات،
لكن شك في ما يحققه هل هو العمل الذي يحتوي على
عشرة أجزاء، أو على تسعة أجزاء. والمثال الذي
ذكروه هو الطهارة من الحدث بمعناها العام، فإذا
قلنا: إن الطهارة معنى بسيط يحصل بأحد أسبابها
- الوضوء أو الغسل أو التيمم - ثم شككنا في ما يحقق
الغسل، كما إذا شككنا مثلا في أن الذي يحققه هل
هو غسل الرأس والرقبة ثم جميع البدن، أو غسل
الرأس والرقبة ثم غسل الطرف الأيمن من البدن
ثم غسل الطرف الأيسر؟
وبعبارة أخرى: هل يشترط الترتيب بين
غسل الأيمن والأيسر من البدن لحصول الطهارة
الحاصلة من الغسل أو لا؟
فيدور الأمر بين الأقل وهو الغسل الفاقد
للترتيب بين الأيمن والأيسر، والأكثر وهو الغسل
الواجد له.
والسؤال هو: هل تجري أصالة البراءة عن
الأكثر، أي لزوم الترتيب أم يجري الاشتغال؟
المشهور: أن الأصل الجاري في هذا المورد
هو أصالة الاشتغال (1)، فينبغي العمل بالأكثر
وملاحظة الترتيب ليحصل ما هو مطلوب الآمر.
ونقل عن الميرزا الشيرازي الأول القول
بالبراءة (2).
ولبعضهم تفصيلات أخرى تراجع فيها
المطولات (3).

(1) نهاية الأفكار 3: 397 - 398.
(2) مصباح الأصول 2: 456.
(3) بحوث في علم الأصول 5: 355 - 357.
(1) انظر نهاية الأفكار 3: 401.
(2) انظر بحوث في علم الأصول 5: 366.
(3) انظر نهاية الأفكار 3: 401، فإنه فصل بين ما كان
المسبب والمحصل تدريجي الحصول بسبب كون السبب
تدريجيا وبين غيره، فقال بجريان البراءة في القسم
الأول دون الثاني، واستقرب أن تكون الطهارة من
هذا القبيل، أي معنى تدريجي الحصول.
526

مظان البحث:
تعرض الأصوليون المتأخرون لهذا الموضوع
على وجه التفصيل في مباحث البراءة والاشتغال.
وتعرض له الفقهاء استطرادا في المواضع
المناسبة.
قد تم - بعون الله تعالى وتوفيقه - تدوين
المجلد الرابع من كتابنا الموسوعة الفقهية الميسرة
ومراجعتنا له بعد تنضيد الحروف مرات عديدة ومن
جهات مختلفة في 28 / ربيع الأول / 1422 ه‍.
وكان البدء في تدوينه في 15 / رجب / 1420 ه‍.
فنسأل الله تعالى أن يمن علينا بمزيد من التوفيق
لإكمال سائر مجلداته بأفضل مما مضى، ويتقبل منا
هذا الجهد بأحسن القبول، إنه ولي التوفيق.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
527

ملحق
تراجم الفقهاء والأصوليين
529

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد: فهذه ترجمة مختصرة للفقهاء والأصوليين وغيرهم ممن ذكرت آراؤهم في هذا الجزء من
الموسوعة، وإذا ذكرنا آراء آخرين في الأجزاء اللاحقة فسوف نقوم بترجمتهم أيضا.
530

- الآشتياني
راجع: (3: 515، رقم 1)
- ابن أبي عقيل
راجع: (1: 563، رقم 1)
- ابن إدريس الحلي
راجع: (1: 563، رقم 2)
- ابن بابويه
راجع: (1: 564، رقم 3)
- ابن البراج
راجع: (1: 564، رقم 4)
- ابن الجنيد
راجع: (1: 565، رقم 5)
- ابن حمزة
راجع: (1: 565، رقم 6)
- ابن زهرة
راجع: (1: 566، رقم 7)
- ابن طاووس
راجع: (2: 465، رقم 8)
- ابن طي
الشيخ أبو القاسم علي بن علي بن جمال الدين
محمد بن طي العاملي الفقعاني (1)
(000 - 885 ه‍. ق)
قال عنه الحر العاملي: " كان فاضلا يروي
عنه محمد بن داود العاملي " (2).
وقال فيه صاحب رياض العلماء: " الفاضل
العالم الفقيه المجتهد الشاعر، المعروف بابن طي،
ويعرف بأبي القاسم ابن طي أيضا، وهو صاحب
كتاب مسائل ابن طي، والمعاصر لابن فهد الحلي... ".
وقيل كان تلميذا له (3).
وتوفي في 855 ه‍ (4).
ومن مؤلفاته: الدر المنضود - وهو في صيغ
العقود - الذي نقلنا عنه.
- ابن فهد
راجع: (2: 466، رقم 9)

(1) نسبة إلى فقيعة: قرية في ساحل صور من جبل عامل.
(2) أمل الآمل 2: 190.
(3) أي لابن فهد، انظر أعيان الشيعة 8: 295.
(4) رياض العلماء 2: 159.
531

- ابن القطان
محمد بن شجاع القطان الأنصاري
المعروف بابن القطان
(كان حيا في 831 ه‍. ق)
قال عنه المحدث القمي ما ترجمته: " العالم
العامل الكامل، صاحب كتاب معالم الدين في فقه
آل يس، ويعرف بابن القطان وتنقل فتاواه في كتب
الأصحاب، وينقل هو عن الفاضل المقداد عن
الشهيد [الأول] رحمة الله عليه، ويروي عنه علي
ابن دقاق " (1).
- الأردبيلي = المحقق الأردبيلي
راجع: (1: 566، رقم 8)
- الاسترآبادي
راجع: (2: 467، رقم 11)
- الإصفهاني (الشيخ محمد حسين) =
المحقق الإصفهاني
راجع: (1: 567، رقم 9)
- الإصفهاني = الفاضل الهندي
راجع: (2: 468، رقم 13)
- الأنصاري = الشيخ الأعظم
راجع: (1: 567، رقم 10)
- الإيرواني
الميرزا علي بن عبد الحسين الإيرواني
(1301 - 1354 ه‍. ق)
ولد في النجف الأشرف سنة 1301، وبعد
إكمال المقدمات والسطوح العالية حضر حلقات
درس العلامتين: السيد محمد كاظم اليزدي
والآخوند محمد كاظم الخراساني في الفقه والأصول
إلى أن اختص بالثاني في العلمين، ثم انتقل
بعد وفاته - سنة 1329 - إلى مدينة الكاظمية
فقرأ على السيد إبراهيم الدرودي الخراساني الذي
كان من تلامذة الشيرازي الأول، وقرأ المعارف
الإلهية على المولى علي محمد النجف آبادي.
وبعد انتقال الشيخ محمد تقي الشيرازي من
سامراء إلى كربلاء خلال الحرب العالمية الثانية انتقل
الإيرواني من النجف - وكان يومئذ فيها - إلى
كربلاء في سنة 1336 ليحضر أبحاث الشيرازي
الثاني، وبعد وفاته سنة 1338 انتقل إلى موطنه
النجف الأشرف، فكان يدرس بها السطح العالي
532

ثم الخارج إلى أن وافاه الأجل في الثاني عشر من
ربيع الأول عام 1354 ه‍. ق.
له مؤلفات عديدة في الفقه والأصول، منها:
حاشيته على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري،
وهي معروفة بحاشية الإيرواني، وهي من أشهر
الحواشي المكتوبة على هذا الكتاب (1).
- البجنوردي
راجع: (1: 569، رقم 11)
- البحراني
راجع: (1: 569، رقم 12)
- بحر العلوم = العلامة الطباطبائي
راجع: (1: 570، رقم 13)
- البروجردي
راجع: (1: 570، رقم 14)
- البهائي
راجع: (1: 571، رقم 15)
- التستري
راجع: (3: 517، رقم 21)
- التوني = الفاضل التوني
راجع: (2: 469، رقم 20)
- الحائري
راجع: (1: 571، رقم 16)
- الحر العاملي
راجع: (1: 572، رقم 17)
- الحكيم = السيد محسن
راجع: (1: 573، رقم 18)
- الحكيم = السيد محمد تقي
راجع: (1: 573، رقم 19)
- الحلبي = أبو الصلاح
راجع: (1: 574، رقم 20)
- الحلبي
راجع: (3: 518، رقم 28)
533

- الحلي = المحقق الحلي
راجع: (1: 574، رقم 21)
- الحلي = العلامة الحلي
راجع: (1: 576، رقم 22)
- الحلي = يحيى بن سعيد
راجع: (1: 577، رقم 23)
- الخراساني = صاحب الكفاية = الآخوند
راجع: (1: 577، رقم 24)
- الخميني = الإمام الخميني
راجع: (1: 578، رقم 25)
- الخوانساري
راجع: (1: 579، رقم 26)
- الخوئي = السيد الخوئي
راجع: (1: 579، رقم 27)
- الداماد
راجع: (3: 518، رقم 36)
40 - الراوندي
راجع: (1: 580، رقم 28)
- الرشتي
راجع: (1: 581، رقم 29)
- السبزواري
راجع: (1: 582، رقم 30)
- سلطان العلماء = خليفه سلطان
السيد أبو طالب علاء الدين حسين ابن الميرزا
رفيع الدين المرعشي الآملي الإصفهاني
(1001 - 1064 أو 1066 ه‍. ق)
تولى والده رفيع الدين منصب الصدارة
للشاه عباس الصفوي الأول، وصار هو صهرا
للشاه على بنته، فمنحه منصب الوزارة، ثم استمرت
وزارته بعد الشاه عباس، لكن غضب عليه الشاه
صفي فعزله وكحل عيون أولاده - كما قيل - فعموا
وألزمهم الإقامة بقم ثم طلبهم إلى إصفهان،
ومنها سافر إلى القاهرة واليمن والتقى العلماء فيهما،
إلى أن مات الشاه صفي فرجع إلى إصفهان وولاه
الشاه عباس الثاني منصب الوزارة ثانية سنة
(1055 ه‍. ق) إلى أن توفي بمازندران عند رجوعه
مع الشاه من فتح قندهار، ونقل جثمانه إلى النجف
534

الأشرف ودفن بجوار مرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
كانت له خدمات كثيرة، خاصة إلى ما يرجع
إلى تعمير مراقد الأئمة (عليهم السلام) حتى أئمة البقيع (عليهم السلام) وهو
أول من بنى المستشفيات في الدولة الصفوية.
التقى علماء القاهرة واليمن، وعلماء
القسطنطينية أيضا حيث كان سفيرا بها.
من مشايخه: والده رفيع الدين، والعلامة
الشيخ بهاء الدين العاملي.
ومن تلامذته: العلامة الآقا حسين
الخوانساري صاحب مشارق الشموس في شرح
الدروس، والعلامة المجلسي صاحب البحار.
له مؤلفات جيدة نافعة مهذبة، أكثرها بشكل
حواش وتعليقات مختصرة في مختلف العلوم، منها:
حاشيته على شرح اللمعة في الفقه، وحاشيته على
المعالم في الأصول، وفي الأخير أبدى نظريته حول
وضع اللفظ المطلق وأنه موضوع للماهية من حيث
هي هي، لا من حيث كونها مطلقة، وقد تقدم
تفصيلها في عنوان " إطلاق ".
وله حواش في الفقه والكلام وغيرهما (1).
- سلار
راجع: (1: 582، رقم 31)
- السيد
راجع: المرتضى، اليزدي
- الشهيد الأول
راجع: (1: 583، رقم 33)
- الشهيد الثاني
راجع: (1: 584، رقم 34)
- الشيخ
راجع: الأنصاري، الطوسي
- الشيرازي =
السيد علي خان ابن الأمير نظام الدين
أحمد بن محمد معصوم... الشيرازي المدني (1)
(1052 - 1120 ه‍. ق (2))
قال عنه معاصره الحر العاملي: " من علماء
العصر، عالم فاضل ماهر أديب شاعر... " (3).

(1) انظر ترجمته في: روضات الجنات 2: 346، وأعيان
الشيعة 6: 164، وأمل الآمل 2: 92.
(1) ينتهي نسبه إلى الأمير السيد صدر الدين الشيرازي
المتكلم المشهور، وينتهي نسب الأخير إلى زيد بن
علي بن الحسين (عليهما السلام). أعيان الشيعة 8: 152.
(2) وقيل في وفاته غير ذلك، مثل: 1117 و 1118
و 1119.
(3) أمل الآمل 2: 176.
535

وقال عنه معاصره الآخر صاحب رياض
العلماء: " وهو أدام الله فضائله من أكابر الفضلاء
في عصرنا هذا " (1).
ولد بالمدينة المنورة فجاورها وجاور مكة
المكرمة، فرحل أبوه السيد نظام الدين أحمد إلى
حيدر آباد في الهند بطلب من السلطان عبد الله قطب
شاه، فأقام مع أمه، ثم التحق بأبيه وتصدى لبعض
المناصب إلى أن توفي أبوه سنة (1086 ه‍. ق)،
وتوفي بعده السلطان عبد الله أيضا، فالتحق
بالسلطان محمد اورنك فرارا من خصومه. وكانت له
عنده منزلة رفيعة ومنحه مناصب عالية، ثم طلب
من السلطان زيارة بيت الله الحرام، فغادر الهند سنة
(1114 ه‍. ق) بعد أن قضى فيها نحوا من ستة
وأربعين عاما، ثم بعدها زار الأئمة (عليهم السلام) في العراق، ثم
نزل إصفهان أيام الشاه حسين الصفوي فأكرمه،
لكنه غادرها إلى شيراز، فاستوطنها إلى أن توفي
ودفن عند جده غياث الدين بن منصور بجوار مرقد
أحمد بن موسى بن جعفر (عليه السلام).
له مؤلفات نفيسة، منها:
1 - شرح الصحيفة السجادية، وهو من
أحسن الشروح وأغزرها وأطولها.
2 - سلافة العصر في محاسن أعيان العصر،
كتاب في التراجم مشهور، ينقل عنه من كتب في هذا
الفن.
3 - أنوار الربيع في أنواع البديع، وهو بديعية
في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) مع شرح لها.
وكتب أدبية ونحوية أخرى (1).
- الشيرازي = الميرزا الشيرازي =
المجدد الشيرازي
الميرزا محمد حسن ابن الميرزا محمود
ابن الميرزا إسماعيل... الحسيني الشيرازي
(1230 - 1312 ه‍. ق)
قال عنه السيد الأمين: " كان إماما عالما فقيها
ماهرا محققا مدققا رئيسا دينيا عاما ورعا تقيا
راجح العقل، ثاقب الفكرة، بعيد النظر، مصيب
الرأي، حسن التدبير، واسع الصدر...
انتهت إليه رئاسة الإمامية الدينية العامة في
عصره وطار صيته، واشتهر ذكره، ووصلت رسائله
التقليدية وفتاواه إلى جميع الأصقاع، وقلد في جميع
الأقطار والأمصار في بلاد العرب والفرس والترك
والهند وغيرها... ".
ولد ونشأ في شيراز وقرأ بها ثم انتقل إلى
إصفهان وأخذ عن الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية
والسيد حسن البيدآبادي المعروف بالمدرس
والملا محمد إبراهيم الكلباسي، ثم توجه إلى العراق

(1) رياض العلماء 3: 267.
(1) انظر ترجمته في: أمل الآمل 2: 176، ورياض العلماء
3: 267، وروضات الجنات 4: 394، وأعيان الشيعة
8: 152، مقدمة رياض السالكين.
536

فورد النجف سنة (1259 ه‍. ق)، والتقى الشيخ
مرتضى الأنصاري فعزم على الإقامة هناك
للاغتراف من معين علومه، فاختص به، واعتنى
الشيخ الأنصاري به عناية بالغة إلى أن توفي الشيخ
سنة (1281 ه‍. ق)، فعزم تلامذته وفيهم الفطاحل
أمثال: الميرزا محمد حسن الآشتياني والميرزا حبيب
الله الرشتي ونحوهما على تقديم الشيرازي، فانتهت
إليه المرجعية العامة، وانتقل من النجف إلى سامراء،
وانتقل بعده تلامذته تبعا له (1).
وأفتى بتحريم التدخين بالتتن والتنباك إثر
إعطاء الشاه ناصر الدين القاجاري امتياز
حصرهما لشركة إنكليزية، فترك جميع أهل إيران
التدخين وكسرت كل نارجيلة وكل آلة تستعمل
للتدخين، حتى نارجيلات البلاط - كما قيل - ولما
يعلم الشاه بذلك.
حضر درسه جم غفير من فطاحل العلماء بما
فيهم الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني صاحب
كفاية الأصول، والسيد كاظم اليزدي صاحب
العروة الوثقى في الفقه، والشيخ آقا رضا الهمداني
صاحب مصباح الفقيه، والسيد إسماعيل الصدر،
والمحدث الميرزا حسين النوري، والميرزا فضل الله
النوري، والميرزا محمد تقي الشيرازي المعروف
بالشيرازي الصغير، وغيرهم.
وكان من شيوخه أيضا الشيخ محمد حسن
صاحب الجواهر.
لم يترك إلا قليلا من التأليفات لانشغاله
بالتدريس والمرجعية العامة (1).
- صاحب الجواهر
راجع: النجفي
- صاحب الحاشية
راجع: (2: 471، رقم 42)
- صاحب الحدائق
راجع: البحراني
- صاحب الرياض
راجع: الطباطبائي
- صاحب العروة
راجع: اليزدي

(1) وكان ممن انتقل معه والتزمه جداي الشيخ أسد الله،
والشيخ محمد علي ابنا الشيخ نظر علي الذي كان خليفة
الشيخ مرتضى الأنصاري (رحمة الله عليهم أجمعين) في
الصلاة وينوب عنه. انظر نقباء البشر 1: 142،
و 4: 1551.
(1) انظر ترجمته في: أعيان الشيعة 9: 304، ونقباء البشر
1: 436، وكتاب هدية الرازي إلى المجدد الشيرازي
الذي ألفه العلامة الطهراني في ترجمة الشيرازي.
537

- صاحب الفصول
راجع: (2: 472، رقم 46)
- صاحب القوانين
راجع: القمي
- صاحب كشف اللثام
راجع: الفاضل الهندي = الفاضل الإصفهاني
- صاحب الكفاية
راجع: الخراساني
- صاحب مفتاح الكرامة
راجع: العاملي
- صاحب المدارك
راجع: العاملي
- صاحب المعالم
راجع: (1: 586، رقم 45)
- صاحب المناهل
راجع: الطباطبائي
- صاحب الوسائل
راجع: الحر العاملي
- الصدر = السيد الصدر
راجع: (1: 587، رقم 48)
- الصدوق
راجع: (1: 588، رقم 49)
- الشيخ صفي الدين عبد العزيز بن السرايا الحلي
(677 - 749 ه‍. ق (1))
قال عنه الحر العاملي: " كان عالما فاضلا
شاعرا أديبا منشئا، من تلامذة المحقق نجم الدين
جعفر بن الحسن الحلي (2)، له القصيدة البديعية مئة
وخمسة وأربعون بيتا، تشتمل على مئة وخمسين
نوعا من أنواع البديع، وله شرحها، وديوان شعر
كبير، وديوان صغير، وله قصائد محبوكات الطرفين
جيدة ثمان وعشرون [بيتا] (3) " (4).

(1) وقيل: في 750 أو 752، انظر أعيان الشيعة 8: 19.
(2) أي المحقق الحلي.
(3) قال محقق كتاب الأمل: " كذا في الأعيان نقلا عن
الأمل ". أعيان الشيعة 8: 19.
(4) أمل الآمل: 149 - 150، وانظر أعيان الشيعة 8: 22.
538

- الصيمري
الشيخ مفلح بن الحسن (1) بن
راشد (2) بن صلاح الصيمري البحراني
(000 - 000)
قال عنه الحر العاملي: " فاضل علامة فقيه،
له كتب، منها: شرح الشرائع (3)، وشرح الموجز (4)،
ومختصر الصحاح، ومنتخب الخلاف (5)، وله رسالة
سماها جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات،
وهي دالة على علمه وفضله واحتياطه، وهو
معاصر للشيخ علي بن عبد العالي الكركي (6) " (7).
ويبدو أن أصله كان من صيمرة البصرة،
ثم هاجر إلى البحرين، وقبره بها مع ابنه العالم
الشيخ حسين، وعاش مدة في الحلة، وكان تلميذا
لابن فهد الحلي (8).
- الطباطبائي = صاحب الرياض
راجع: (1: 589، رقم 50)
- الطباطبائي = صاحب المناهل
راجع: (1: 589، رقم 51)
- الطباطبائي = صاحب الميزان
راجع: (2: 474، رقم 59)
- الطبرسي = صاحب مجمع البيان
راجع: (2: 475، رقم 60)
- الطبرسي = صاحب مكارم الأخلاق
راجع: (2: 476، رقم 61)
- الطوسي
راجع: (1: 590، رقم 52)
- العاملي = صاحب المدارك
راجع: (1: 591، رقم 53)
- العاملي = صاحب مفتاح الكرامة
راجع: (1: 592، رقم 54)

(1) وقيل: الحسين.
(2) وقيل: رشيد.
(3) وهو المعروف ب‍ " غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ".
(4) ويعرف ب‍ " كشف الالتباس عن موجز أبي العباس "،
وهو شرح استدلالي لرسالة " الموجز الحاوي لتحرير
الفتاوي " لأستاذه ابن فهد الحلي.
(5) المعروف ب‍ " تلخيص الخلاف "، أي كتاب الخلاف
للشيخ الطوسي.
(6) أي المحقق الثاني.
(7) أمل الآمل 2: 324.
(8) انظر المصدر المتقدم، وأعيان الشيعة 10: 133،
وروضات الجنات 6: 168، ومقدمة الطبعة الحديثة
لكتاب كشف الالتباس.
539

- العراقي
راجع: (1: 592، رقم 55)
- العلامة
راجع: الحلي
- العماني
راجع: ابن أبي عقيل
- الفاضل الجواد
راجع: الكاظمي
- الفاضل المقداد = السيوري
راجع: (1: 593، رقم 59)
- الفاضل الهندي = الفاضل الإصفهاني
راجع: (1: 594، رقم 60)
- فخر الدين = فخر المحققين
راجع: (2: 477، رقم 71)
- الفضل بن شاذان
راجع: (2: 478، رقم 72)
- القاضي
راجع: ابن البراج
- القمي = المحقق القمي
راجع: (1: 594، رقم 62)
- الكاشاني
راجع: (1: 595، رقم 63)
- كاشف الغطاء
راجع: (1: 596، رقم 64)
- الكاظمي = الفاضل الجواد
راجع: (1: 596، رقم 65)
- الكاظمي = المحقق الكاظمي
= المحقق البغدادي (1)
السيد محسن بن الحسن بن مرتضى
الأعرجي الكاظمي
(000 - 1240 ه‍. ق (2))
قال عنه السيد الأمين: " عالم فقيه أصولي

(1) ويقال له: " المقدس البغدادي " أو " المقدس الكاظمي ".
(2) كذا في الفوائد الرضوية: 373، وفي أعيان الشيعة
9: 46: " توفي سنة 227 وقد ناف على التسعين... "،
والظاهر أنه سهو، وربما كان يقصد سنة 1237، وجاء
في الروضات 6: 105: " وكانت وفاته (رحمه الله) في أوائل
حدود العشر الرابع من المئة الثالثة من الألف الثاني
من الهجرة المباركة ".
540

محقق مدقق من أعلام العلماء في ذلك العصر، مؤلف،
مؤلفاته مشهورة، وعباراته في غاية الفصاحة
والبلاغة، وإذا كتب فكأنه خطيب على منبر، زاهد
عابد تقي ورع جليل القدر عظيم المنزلة، وبأمره
صنف أبو علي كتاب رجاله، تلمذ على بحر العلوم
وشارك كاشف الغطاء في الدرس... اشتغل بالتجارة
إلى حدود الأربعين من عمره ثم هاجر إلى النجف
للتحصيل إلى زمان الطاعون الجارف وتفرق أهل
النجف سنة (1186 ه‍. ق)، ثم عاد إلى النجف،
وجل تصانيفه بعد هذا ".
" دفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه
قبة " (1).
من مؤلفاته: المحصول في علم الأصول،
والوافي في شرح وافية الفاضل التوني، وهما في
الأصول، والوسائل في الفقه، وكتب أخرى، وله
أشعار ومراث في أهل البيت (عليهم السلام)، وأرجوزة في الفقه
باسم " الألفية الفقهية ".
- الكرباسي = الكلباسي
راجع: (2: 479، رقم 78)
- الكركي
راجع: (1: 597، رقم 66)
- الكليني
راجع: (1: 598، رقم 67)
- المامقاني (1)
الشيخ محمد حسن بن عبد الله بن محمد
باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني
(1238 - 1323 ه‍. ق)
قال عنه السيد الأمين: " هو أحد مشاهير
علماء النجف في عصره... وكان أصوليا فقيها زاهدا
ورعا حلو النادرة ظريف العشرة... وكان في أول
أمره فقيرا فلما رأس درت عليه الأموال الغزيرة،
فكان يصرفها على الطلاب والمحتاجين ويرضى
بمعاش الزاهدين... " (2).
وكذلك قال عنه العلامة الطهراني (3).
جاء به أبوه إلى كربلاء وهو ابن شهرين،
فمات أبوه وتكفله صاحب الفصول إلى أن توفي
وعمر المامقاني يومئذ (17) عاما فخرج إلى النجف
وكان بها إلى أن طلب منه أهل مامقان الرحيل إليهم

(1) أعيان الشيعة 9: 46. وانظر: روضات الجنات
6: 106، والفوائد الرضوية: 373.
(1) نسبة إلى " مامقان " وهي من توابع مدينة تبريز في
مقاطعة أذربيجان شمال إيران.
(2) أعيان الشيعة 5: 150.
(3) نقباء البشر 1: 409.
541

فذهب إليهم وبقى هناك وفي تبريز وقفقاسيا
ونخجوان وعاد إلى النجف، فالتزم درس الشيخ
الأنصاري وبعده درس تلميذه السيد حسين
الكوهكمري.
ولما توفي الميرزا محمد حسن الشيرازي كثر
مقلدوه وخاصة في منطقتي أذربيجان والقفقاس.
وكان ولده الشيخ عبد الله المامقاني يحذو
حذوه، وقد تقدمت ترجمته في المجلد الثالث من
الموسوعة. له مؤلفات قيمة، منها:
1 - بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول.
2 - غاية الآمال، وهو حاشية على كتاب
المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري.
3 - ذرايع الأحلام في شرح شرايع
الإسلام (1).
- المامقاني
راجع: (3: 523، رقم 85)
- المجلسي
راجع: (2: 480، رقم 81)
- المحقق
راجع: الحلي
- المحقق الثاني
راجع: الكركي
- المحقق القمي
راجع: القمي
- المراغي
راجع: (1: 599، رقم 72)
- المرتضى = السيد = السيد المرتضى
راجع: (1: 599، رقم 73)
- محمد طه نجف
الشيخ محمد طه ابن الشيخ مهدي
ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد
ابن الحاج نجف علي التبريزي
(1241 - 1323 ه‍. ق)
قال عنه تلميذه السيد الأمين: " شيخنا واستاذنا
الزاهد العابد المحقق المدقق الفقيه الأصولي
الرجالي... " (1).
من أهم مشايخه: الشيخ محسن خنفر،
والشيخ مرتضى الأنصاري، وأخذ عنه كثيرون من

(1) انظر: أعيان الشيعة 5: 150، ونقباء البشر 1: 409.
(1) أعيان الشيعة 9: 375.
542

أهل النجف.
رجع الناس إلى تقليده في العراق بعد وفاة
الشيخ محمد حسين الكاظمي.
توفي في النجف الأشرف ودفن في مقبرة
الشيخ الأنصاري بالصحن العلوي الشريف.
ذكروا له نحو عشرين كتابا ورسالة وحاشية
في الفقه والأصول والرجال، وكان ينظم الشعر
ويحسن فهمه (1).
- المروج
راجع: (2: 481، رقم 87) و (3: 524، رقم 92)
- المظفر
راجع: (1: 600، رقم 74)
- المفيد
راجع: (1: 601، رقم 75)
- النائيني = المحقق النائيني
راجع: (1: 602، رقم 76)
107 - النجفي = صاحب الجواهر
راجع: (1: 603، رقم 77)
- النراقي
راجع: (2: 482، رقم 92)
- الهمداني = المحقق الهمداني
راجع: (2: 483، رقم 93)
- الوحيد البهبهاني = الأستاذ الأكبر
راجع: (1: 604، رقم 79)
- يحيى بن سعيد
راجع: الحلي
- اليزدي = السيد اليزدي
راجع: (1: 605، رقم 80)
- يونس بن عبد الرحمن
راجع: (2: 484، رقم 97)

(1) انظر: أعيان الشيعة 9: 375، والفوائد الرضوية:
547، ونقباء البشر 3: 961.
543