الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٦
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

ينابيع الفقهية
الصوم
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية
الصوم
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الصوم
فقه الرضا
المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
153 - 202 ه‍ ق
1

أبواب الصوم
واعلم أن الصوم على أربعين وجها: فعشرة واجبة صيامهن كوجوب شهر رمضان
وعشرة أوجه صيامهن حرام وأربعة عشر وجها منها صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء
أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه وصوم التأديب ومنها صوم الإباحة وصوم السفر والمرض
أما الصوم الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين يعني لمن أفطر
يوما من شهر رمضان عامدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق
واجب من قول الله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، والصوم في كفارة
الظهار، قال الله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، وصيام
ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لا يجد الإطعام، قال الله تعالى: فصيام ثلاثة أيام ذلك
كفارة أيمانكم إذا حلفتم، كل ذلك متتابع وليس بمفترق.
وصيام من كان به أذى من رأسه واجب، قال الله تبارك وتعالى: أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام فصاحب هذه بالخيار فإن صام صام ثلاثة، وصوم دم المتعة واجب لمن لم
يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى: أو عدل ذلك صياما،
وأروي عن العالم ع أنه قال: أ تدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟
3

فقيل له: لا، فقال: يقوم الصيد قيمة ثم يشترى بتلك القيمة البر، ثم يكال ذلك البر
أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب.
وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر وصوم يوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق، وصوم يوم
الشك، أمرنا به ونهينا عنه أمرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه
في اليوم الذي فيه الشك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا ينوي به ليلة الشك أنه من صيام
شعبان فإن كان من رمضان أجزأ عنه وإن كان من شعبان لم يضره، ولو أن رجلا صام شهرا
تطوعا في بلد الكفر فلما أن عرف كان شهر رمضان وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر
رمضان وصام بأنه من غيره ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه من رمضان لأن الفرض إنما وقع على
شهر بعينه، وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم
الدهر حرام. وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين
وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر بيوم، ويوم عرفة ويوم عاشوراء وكل
ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر.
وأما صوم الإذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد إلا بإذن مولاه
والضيف لا يصوم إلا بإذن صاحب البيت، فإن رسول الله ص قال:
من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذن صاحبهم، وأما صوم التأديب فإنه يؤمر
الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس بفرض وإن لم يقدر إلا نصف النهار يفطر
إذا غلبه العطش، وكذلك من أفطر لعلة أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه
نادبا وليس بفرض وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بقية يومه
بالإمساك تأديبا وليس بفرض، وأما صوم الإباحة فمن أكل وشرب ناسيا أو تقيا من غير
تعمد فقد أباح الله ذلك له وأجزأ عنه صومه.
وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم:
لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر، فأما نحن نقول: يفطر في الحالتين جميعا
فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه في ذلك القضاء، فإن الله تعالى يقول: ومن كان
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
4

واعلم رحمك الله أن الصوم حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن والأسماع
والأبصار وسائر الجوارح لما له في عادة من سره وطهارة تلك الحقيقة حتى يستر به من النار،
وقد جعل الله على كل جارحة حقا للصيام فمن أدى حقها كان صائما ومن ترك شيئا
منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها، واعلم أن أول أوقات الصيام وقت
الفجر وآخره هو الليل طلوع ثلاثة كواكب ترى مع غروب الشمس وذهاب الحمرة من
المشرق وفي وجوه سواد المحاجز، وأدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية وترك
الكذب على الله وعلى رسوله ثم ترك الأكل والشرب والنكاح والارتماس في الماء واستدعاء
القذف، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم مقبولا منه بمنة الله تعالى.
وما يلزمه من صوم السنة فضل الفريضة، وهو ثلاثة أيام في كل شهر: الأربعاء بين
الخمسين وصوم شعبان ليتم به نقص الفريضة، وشهر رمضان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون
يوما، يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان والفرض تام فيه أبدا لا ينقص
كما روي، ومعنى ذلك الفريضة فيه الواجبة قد تمت وهو شهر قد يكون ثلاثين يوما أو تسعة
وعشرين يوما.
باب نوافل شهر رمضان ودخوله
اعلم يرحمك الله أن لشهر رمضان حرمة ليست كحرمة سائر الشهور لما خصه الله به
وفضله وجعل فيه ليلة القدر والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة
القدر.
فعليكم بغض الطرف وكف الجوارح عما نهى الله عنه وتلاوة القرآن والتسبيح
والتهليل والإكثار من ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليل
والنهار ما استطعتم، ولا تجعلوا يوم صومكم كيوم فطركم وإن الصوم جنة من النار، وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من دخل عليه شهر رمضان فصام
نهاره وأقام وردا في ليله وحفظ فرجه ولسانه وغض بصره وكف أذاه خرج من ذنوبه
5

كيوم ولدته أمه فقيل له: ما أحسن هذا من حديث فقال: ما أصعب هذا من شرط، وروي
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح، وقيل:
للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه.
اتبعوا سنة الصالحين فيما أمروا به ونهوا عنه وصلوا منه أول ليلة إلى عشرين يمضى
منه من الزيادة على نوافلكم في غيره في كل ليلة عشرين ركعة: ثمانية منها بعد صلاة
المغرب واثنتي عشر بعد العشاء الآخرة، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ركعة: اثنتان
وعشرون بعد العشاء الآخرة، وروي أن الثمان مثبت بعد المغرب لا يزاد، واثنتين
وعشرين بعد العشاء الآخرة، وقيل: اثنتي عشرة ركعة منها بعد المغرب وثماني عشرة
ركعة بعد العشاء الآخرة، وصلوا في ليلة إحدى وعشرين وثلاثة وعشرين مائة ركعة،
تقرأون في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة واحدة وقل هو الله أحد عشر مرات واحسبوا
الثلاثين ركعة من المائة، فإن لم تطق ذلك من قيام صليت وأنت جالس وإن شئت قرأت في
كل ركعة مرة مرة قل هو الله أحد، وإن استطعت أن تحيي هاتين الليلتين إلى الصبح فافعل
فإن فيها فضل كثير والنجاة من النار وليس سهر ليلتين يكبر فيما أنت تؤمل.
وقد روي: أن السهر في شهر رمضان في ثلاث ليال: ليلة تسعة عشر في تسبيح ودعاء
بغير صلاة، وفي هاتين الليلتين أكثروا من ذكر الله جل وعز والصلاة على رسوله صلى الله
عليه وآله وسلم، وفي ليلة الفطر وأنه ليلة يوفي فيها الأجير أجره، وأروي عن العالم عليه
السلام أنه قال: إن الله عز وجل يعتق في أول ليلة من شهر رمضان ستمائة ألف عتيق من
النار، فإذا كان العشر الأواخر عتق في كل ليلة منه مثل ما أعتق في العشرين الماضية، فإذا
كان ليلة الفطر أعتق من النار مثل ما أعتق في سائر الشهر.
اجتنبوا شم المسك والكافور والزعفران ولا تقرب من الأنف، واجتنب المس والقبلة
والنظر فإنها سهم من سهام إبليس، واحذر السواك الرطب وإدخال الماء في فيك للتلذذ في
غير وضوء فإن دخل منه شئ في حلقك فقد أفطرت وعليك القضاء، اجتنبوا الغيبة غيبة
المؤمن واحذروا النميمة فإنهما يفطران الصائم، ولا غيبة للفاجر وشارب الخمر
واللاعب بالشطرنج، والقمار، ولا بأس للصائم بالكحل والحجامة والدهن وشم الريحان
6

خلا النرجس واستعمال الطيب من البخور وغيره ما لم يصعد في أنفه فإنه روي: أن البخور
تحفة الصائم، ولا بأس للصائم أن يتذوق القدر بطرف لسانه ويزق الفرخ ويمضغ للطفل
الصغير، أحسنوا إلى عيالكم ووسعوا عليهم فإنه قد أروي عن العالم عليه السلام أنه
قال: إن الله لا يحاسب الصائم على ما أنفقه في مطعم ولا مشرب وأنه لا إسراف في ذلك.
اجتهدوا في ليلة الفطر في الدعاء والسهر وصلوا ركعتين يقرأ في الركعة الأولى بأم
الكتاب وقل هو الله ألف مرة وفي الثانية مرة واحدة وقد روي: أربع ركعات في كل ركعة مائة مرة
قل هو الله أحد، وإذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع
يديك إلى الله وخاطب الهلال وكبر في وجهه، ثم تقول: ربي وربك الله رب العالمين، اللهم
أهله علينا بالأمن والأمانة والإيمان والسلامة والإسلام والمسارعة فيما تحب وترضى اللهم بارك
لنا في شهرنا هذا وارزقنا عونه وخيره واصرف عنا شره وضره وبلاءه وفتنته، ويستحب أن
يتسحر في شهر رمضان ولو بشربة من الماء وأفضل السحور السويق والتمر مطلق لك
الطعام والشراب إلى أن تستيقن طلوع الفجر، وأحل لك الإفطار إذا بدت ثلاثة أنجم وهي
تطلع مع غروب الشمس.
فإذا صمته فعليك أن تظهر السكينة والوقار وليصم سمعك وبصرك عما لا يحل
النظر إليه واجتنب الفحش من الكلام، واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل
والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة، والخناء من
الكلام والنظر إلى ما لا يجوز وروي: أن الغيبة تفطر الصائم وسائر ذلك ينقص الصوم،
وأكثر في هذا الشهر المبارك من قراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وكثرة الصدقة وذكر الله في آناء الليل والنهار، وبر الأخوان وإفطارهم معك بما يمكنك
فإن في ذلك ثواب عظيم وأجر كبير، فإن نسيت وأكلت أو شربت فأتم صومك ولا قضاء
عليك.
واغتسل في ليلة تسع عشرة منها وفي ليلة إحدى وعشرين وفي ليلة ثلاثة وعشرين وإن
نسيت فلا إعادة عليك، وكذلك، إن احتلمت نهارا لم يكن عليك قضاء ذلك اليوم، وإن
أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمدا وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر
7

فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شئ إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت
وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه، وإن تعمدت
النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة: وهو صوم شهرين متتابعين أو عتق
رقبة أو إطعام ستين مسكينا، ومن أراد أن يتسحر فله ذلك إلى أن يطلع الفجر ولو أن رجلين
نظرا فقال أحدهما هذا الفجر قد طلع وقال الآخر: ما طلع الفجر بعد، حل التسحر للذي لم
يره أنه طلع وحرم على الذي يراه أنه طلع، ولو أن قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج
وينظر هل طلع الفجر؟ ثم قال: قد طلع الفجر وظن بعضهم أنه يمزح فأكل وشرب كان
عليه قضاء ذلك اليوم.
ولا يجوز للمريض والمسافر الصيام فإن صاما كانا عاصيين وعليهما القضاء، ويصوم
العليل إذا وجد من نفسه خفة وعلم أنه قادر على الصوم وهو أبصر بنفسه، ولا يجوز
للمسافر على حال من الأحوال إلا عاديا أو باغيا والعادي: اللص والباغي: الذي يبغي
الصيد، فإذا قدمت من السفر وعليك بقية يوم فأمسك من الطعام والشراب إلى الليل فإن
خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر، وكل من وجب عليه التقصير في السفر فعليه
الإفطار وكل من وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام متى ما أتم صام ومتى ما قصر
أفطر، والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر: المكاري والبريد والراعي
والملاح، والرابح لأنه عملهم.
وصاحب الصيد إذا كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة والصوم وإن كان
صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم وروي أن عليه الإفطار في الصوم، وإذا
كان صيده مما يعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم، لقول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله، وإن أصابك رمد فلا بأس أن
تفطر تعالج عينيك، وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها يوم صامت ذلك اليوم
تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها
القضاء، ولا بأس أن يذوق الطباخ المرقة وهو صائم بطرف لسانه من غير أن يبتلعه،
ولا بأس بشم الطيب إلا أن يكون مسحوقا فإنه يصعد إلى الدماع.
8

وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب ونفسره ثانية لتزداد به بصيرة ويقينا، وإذا
شككت في يوم لا تعلم أنه من شهر رمضان أو من شعبان فصم من شعبان، فإن كان منه لم
يضرك وإن كان من شهر رمضان جاز لك من رمضان وإلا فانظر أي يوم صمت من العام
الماضي وعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس، وقد روي: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو
من ليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين فإذا رأيت ظل رأسك فيه فلثلاث ليال، وإذا
شككت في هلال شوال وتغيمت السماء فصم ثلاثين يوما وأفطر وودع الشهر في آخر ليلة
منه وتقرأ دعاء الوداع.
وإذا كان ليلة الفطر صليت المغرب وسجدت وقلت: يا ذا الطول ويا ذا الجود ويا ذا
الحول، يا مصطفي محمد وناصره صل يا الله على محمد وعلى آله وسلم واغفر لي كل ذنب
أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين ثم يقول مائة مرة أتوب إلى الله، وكبر بعد المغرب
والعشاء الآخرة والغداة ولصلاة العيد والظهر والعصر كما تكبر أيام التشريق، تقول:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا
وأبلانا والحمد لله بكرة وأصيلا، وادفع زكاة الفطر عن نفسك وعن كل من تعول من صغير
أو كبير حر وعبد ذكر وأنثى، واعلم أن الله تعالى فرضها زكاة للفطرة قبل أن تكثر الأموال
فقال: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وإخراج الفطرة واجب على الغني والفقير والعبد
والحر وعلى الذكران والإناث والصغير والكبير والمنافق والمخالف، لكل رأس صاع من
تمر وهو تسعة أرطال بالعراقي أو صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من
زبيب أو قيمة ذلك، ومن أحب أن يخرج ثمنا فليخرج
ما بين ثلثي درهم إلى درهم والثلثان أقل ما روي والدرهم أكثر
ما روي، وقد روي: ثمن تسعة أرطال تمر، وروي: من لم تستطع يده لإخراج الفطرة أخذ من
الناس فطرتهم وأخرج ما يجب عليه منها.
ولا بأس باخراج الفطرة إذا دخل العشر الأواخر ثم إلى يوم الفطر قبل الصلاة فإن
أخرها إلى أن تزول الشمس صارت صدقة، ولا يدفع الفطرة إلا إلى مستحق وأفضل
ما يعمل به فيها أن تخرج إلى الفقيه ليصرفها في وجوهها بهذا جاءت الروايات، والذي
9

يستحب الإفطار عليه يوم الفطر البر والتمر وأروي عن العالم ع: الإفطار على
السكر، وروي: أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين ع، وروي أن للفطر تشريقا
كتشريق الأضحى يستحب فيه الذبيحة كما يستحب في الأضحى، وعليكم بالتكبير يوم العيد
والغدو إلى مواضع الصلاة، والبروز إلى تحت السماء والوقوف تحتها إلى وقت الفراع من
الصلاة والدعاء.
وروي: الفطرة نصف صاع من بر وسائره صاعا صاعا، ولا يجوز أن يدفع ما يلزمه
واحد إلى نفسين فإن كان لك مملوكا مسلما أو ذميا فادفع عنه، وإن ولد لك مولود يوم الفطر
قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه وكذلك إذا أسلم الرجل
قبل الزوال أو بعد فعلى هذا، ولا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره
وهي الزكاة إلى أن تصلي صلاة العيد فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، وأفضل
وقتها آخر يوم من شهر رمضان.
واعلم أن الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى
الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر وإذا صام ثلاثة
أيام فلا يأخذه بصيام الشهر كله، وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن
تصوم من العطش والجوع أو خافت أن تضر لولدها فعليهم جميعا الإفطار ويتصدق عن كل
واحد لكل يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء، وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر
رمضان كله ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل فعليه أن يصوم هذا الذي
قد دخل عليه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد طعام وليس عليه القضاء إلا أن يكون قد صح
فيما بين شهرين رمضانين، فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم مدا
من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده، وإن فاته شهران رمضانان حتى
دخل الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم
مدا من طعام ويقضي الثاني.
فإن أردت سفرا أو أردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي
تريد الخروج فيه، وإن أردت قضاء شهر رمضان فأنت بالخيار إن شئت قضيتها متتابعا وإن
10

شئت متفرقا، فقد روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: يصوم ثلاثة أيام ثم يفطر،
وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه وكذلك إذا فاته في
السفر إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح فلا قضاء عليه، وإذا كان للميت وليان
فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضي عنه فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من
النساء، ومن جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام وعليه قضاء ذلك اليوم، وأنى له بمثله، وقد
روي رخصة في قبلة الصائم وأفضل من ذلك أن يتنزه عن مثل هذا، قال أمير المؤمنين
عليه السلام: أما يستحي أحدكم ألا يصبر يوما إلى الليل إنه كان يقال: إن بدو القتال
اللطام، ولو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان وأدفق كان عليه عتق رقبة.
ولا بأس بالسواك للصائم والمضمضة والاستنشاق إذا لم يبلع ولا يدخل الماء في حلقه
ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا، وقد روي رخصة المسك فإنه يخرج على عكرة لسانه،
ولا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن، والمرأة لا تجلس في الماء فإنها
تحمل الماء بقبلها ولا بأس للرجل أن يستنقع فيه ما لم يرتمس فيه.
واعلم أن النذر على وجهين: أحدهما أن يقول الرجل: إن أفعل كذا وكذا فلله علي
صوم كذا أو صلاة أو صدقة أو حج أو عتق رقبة، فعليه أن يفي لله بنذره إذا كان ذلك الشئ
كما نذر فيه، فإن أفطر يوم صوم النذر فعليه الكفارة شهرين متتابعين، وقد روي أن عليه
كفارة يمين، والوجه الثاني من صوم النذر: أن يقول الرجل: إن كان كذا وكذا صمت
أو صليت أو تصدقت أو حججت، ولم يقل لله على كذا وكذا إن شاء فعل وأو في بنذره وإن
شاء لم يفعل فهو بالخيار.
فمتى وجب على الانسان صوم شهرين متتابعين فصام شهرا وصام من الشهر الثاني
أياما ثم أفطر فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهرا أو أقل منه ولم يصم من الشهر
الثاني شيئا عليه أن يعيد صومه إلا أن يكون قد أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام لأن الله
حبسه، والرعاف والقلس والقئ لا ينقض الصوم إلا أن يتقيأ متعمدا.
ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض، ولا السنة ولا تطوع إلا الصوم الذي
11

ذكرناه في أول الباب من صوم كفارة صيد الحرم وصوم كفارة الإحلال في الإحرام إن كان به
أذى من رأسه، وصوم ثلاثة أيام لطلب حاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو
يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن، ولا يجوز الاعتكاف في غير هؤلاء
المساجد الأربعة، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل وجمع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بمكة والمدينة وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد،
وقد روي في مسجد البصرة.
إذا قضيت صوم شهر رمضان والنذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإن
أفطرت بعد الزوال فعليك كفارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان، وقد روي أن عليه إذا
أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فإن لم يقدر عليه صام يوما
بدل يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما فعل، وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب وتمشط
وألبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا من قبل أن تخرج إلى الجبانة، فإذا أردت الصلاة فابرز
إلى تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها وأكثر ذكر الله والتضرع إلى الله
عز وجل وسله أن لا يجعل منك آخر العهد وبالله التوفيق.
باب الاعتكاف:
قال العالم عليه السلام: وسئل عن الاعتكاف فقال: لا يصلح الاعتكاف إلا في
المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة ومسجد الجماعة، ويصوم ما دام معتكفا،
ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها وتشييع الجنازة ويعود المريض
ولا يجلس حتى يرجع من ساعته، واعتكاف المرأة مثل اعتكاف الرجل، قال العالم عليه
السلام: كانت بدر في رمضان فلم يعتكف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما كان من
قابل اعتكف عشرين يوما من رمضان: عشرة لعامه وعشرة قضاء لما فاته عليه السلام.
12

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
13

أبواب الصوم
باب أن الصوم على أربعين وجها
اعلم أن الصوم على أربعين وجها. فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان،
وعشرة أوجه منها صيامهن حرام. وأربعة عشر وجها صحابها فيها بالخيار، إن
شاء صام وإن شاء أفطر وصوم الأذن على ثلاثة أوجه وصوم التأديب. وصوم الإباحة وصوم السفر
والمرض.
أما الواجب فصيام شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر
رمضان عمدا متعمدا وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب. قال
الله عز وجل: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ألا أن
يصدقوا... إلى قوله... فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. وصيام شهرين متتابعين في
كفارة الظهار واجب لمن لم يجد العتق. قال الله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا. ذلكم توعظون به. والله بما تعملون خبير.
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام،
واجب قال الله عز وجل: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم. و
صوم دم المتعة واجب، قال الله عز وجل: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجعتم. تلك عشرة كاملة. وصوم أذى حلق الرأس واجب. قال الله عز وجل فمن كان منكم
15

مريضا أو به أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. فصاحبها فيها بالخيار فإن
صام، صام ثلاثا. وصوم جزاء الصيد واجب. قال الله: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل
ذلك صياما ليذوق وبال أمره. وقال علي بن الحسين عليه السلام للزهري: يا زهري أ و
تدري كيف يكون عدل ذلك صياما؟ قال: لا أدري. قال: يقوم الصيد قيمة ثم تقض تلك
القيمة على البر. ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما. وصوم النذر
واجب. وصوم الاعتكاف واجب.
أما الصوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام من التشريق. و
صوم يوم الشك، أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عن أن ينفرد
الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا ينوي
ليلة الشك، أنه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزء عنه. وإن كان من شعبان لم
يضره. فقال الزهري: وكيف يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما
من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان، ثم علم بعد ذلك
أجزأ عنه لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه. وصوم الوصال حرام. وصوم الصمت
حرام. وصوم الدهر حرام. وصوم نذر المعصية حرام.
أما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار، فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين.
وصوم البيض. وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان. ويوم عرفة ويوم عاشوراء، كل ذلك
صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.
وأما صوم الإذن، فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا
بإذن سيده. والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله
: من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم.
وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا وليس بفرض
وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار، ثم قوي بعد ذلك أمر بالإمساك بقية يومه
تأديبا وليس بفرض.
16

وأما صوم الإباحة، فمن أكل أو شرب ناسيا أو تقئ من غير تعمد، فقد أباح الله
ذلك له وأجزء عنه صومه.
وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت فيه، فقال قوم يصوم وقال قوم
لا يصوم وقال قوم إن شاء صام وإن شاء أفطر. وأما فنقول يفطر في الحالتين جميعا. فإن صام
في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك، لأن الله عز وجل يقول: فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
باب رؤية هلال شهر رمضان
واعلم أن صيام شهر رمضان بالرؤية والفطر بالرؤية وليس بالرأي ولا التظني.
وليس الرؤية أن تقوم عشرة نفر فينظروا فيقول واحد منهم هو ذا وينظر تسعة فلا يرونه: لأنه
إذا رآه واحد رآه عشرة وإذا رأيت علة أو غيما فأتم شعبان ثلاثين وقد يكون شهر رمضان
تسعة وعشرين ويكون ثلاثين ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام.
واعلم أنه لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا، عدد القسامة. ويجوز
شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه و
أخبرا عن قوم صاموا للرؤية. ولا تجوز شهادة النسوان في الهلال.
واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين.
وإذا رئي فيه ظل الرأس، فهو لثلاث ليال. وقال أبو عبد الله عليه السلام:
قد يكون الهلال ليلة وثلث وليلة ونصف وليلة وثلثين وليلتين شئ وهو لليلة. وروي إذا
تطوق الهلال فهو لليلتين. وإذا رأيت الهلال من وسط النهار أو آخره فأتم الصيام إلى الليل،
وإن غم عليك فعد ثلثين، ثم أفطر. وقال أبو عبد الله: إذا رأى الهلال قبل الزوال
فذلك اليوم من شوال. وإذا روي بعد الزوال فذلك اليوم شهر رمضان.
فإذا رأيت هلال شهر رمضان فاستقبل القبلة ولا تشر إليه وارفع يديك إلى الله
تبارك وتعالى وخاطب الهلال، تقول: ربي وربك الله رب العالمين. اللهم أهله علينا بالأمن
17

والإيمان والسلامة والإسلام والمسارعة إلى ما تحب وترضى. اللهم قد حضر شهر رمضان و
قد افترضت علينا صيامه وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان.
اللهم أعنا على صيامه وقيامه وتقبله منا وسلمنا منه سلمه منا وسلمه لنا في يسر منك وعافية،
إنك على كل شئ قدير، يا أرحم الراحمين.
باب الصوم اليوم الذي يشك فيه
سئل أمير المؤمنين ع عن اليوم المشكوك فيه، فقال: لأن أصوم يوما من
شعبان، أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر رمضان. وقال أبو عبد الله: " إذا صح هلال
رجب، فعد تسعة وخمسين يوما وصم يوم ستين وسئله بشير النبال عن صوم يوم الشك
فقال: صمه. فإن كان من شعبان، كان تطوعا وإن كان من رمضان، فيوم وفقت له. وسئله
عبد الله بن سنان عن رجل صام شعبان فلما كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان
أنه من شعبان، لأنه وقع حد الشك. فقال ع: يعيد ذلك اليوم وأن أضمر من
شعبان، أنه من شهر رمضان فلا شئ عليه. وسئله عبد الكريم بن عمر وفقال: جعلت فداك إني جعلت
على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه السلام، فقال لا تصم في السفر
ولا في العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه. وسأله عمران الزعفراني،
فقال: إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ فقال: انظر اليوم
الذي صمت فيه من السنة الماضية فعد منه خمسة أيام وصم يوم الخامس. وقال أبو الحسن
الرضا عليه السلام: يوم الأضحى في اليوم الذي يصام فيه ويوم عاشوراء في اليوم الذي
يفطر فيه.
باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره
واجتنب في صومك خمسة أشياء يفطرك: الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء
18

والكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام. ولا بأس بالقبلة
في شهر رمضان للصائم. وأفضل ذلك أن يتنزه عنها. فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
أما يستحيي أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل. أنه كان يقال: إن بدو القتال اللطام ولو أن
رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى فليس عليه شئ. وسئل النبي صلى الله عليه وآله
عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم. قال: هل هي إلا ريحانة يشمها؟ وسأل حماد بن
عثمان أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر
الغسل إلى أن طلع الفجر. فقال: كان رسول الله يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر
الغسل حتى يطلع الفجر. ولا نقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه.
ولا بأس بالسواك للصائم بالنهار، متى شاء. ولا بأس بأن يستاك بالماء وبالعود
الرطب. وإذا استاك فأدمى ودخل الدم جوفه فقد أفطر. وسأله سماعة بن مهران عن القئ
في شهر رمضان. فقال: إن كان شئ يبدره فلا بأس وإن كان شئ يكره نفسه فقد
أفطر. وسئل أبو جعفر ع عن أقلس، يفطر الصائم؟ قال: لا. ولا بأس أن
يتمضمض الصائم ويستنشق ويكتحل ويحتجم ويشم الريحان ويتبخر ويزق الفرخ ويمضغ
الخبز للرضيع من غير أن يبلع شيئا. ولا بأس أن يذوق المرق إذا كان طباخا ليعرف حلوه من
حامضه. ويمضغ العلك. ويصب الدواء في أذنه إذا اشتكى ويتسعط. ولا يجوز أن يحتقن،
المرأة لا تجلس في الماء فإنها تحمل الماء بقبلها ولا بأس للرجل أن يستنقع فيه ما لم يرتمس
باب من أفطر أو جامع في شهر رمضان
اعلم أن من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه متعمدا، فعليه عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين. أو إطعام ستين مسكينا. لكل مسكين مد من طعام. وعليه قضاء ذلك اليوم
وأنى له بمثله. فإن لم يقدر على ذلك تصدق بما يطيق. وروي أن رجلا من الأنصار، أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال هلكت وأهلكت. فقال: وما أهلكك؟ فقال: أتيت امرأتي في شهر
رمضان وأنا صائم. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أعتق رقبة فقال لا أجد فقال صم
19

شهرين متتابعين، قال: لا أطيق، قال: تصدق على ستين مسكينا. قال: لا أجده فقال: فأتى
النبي صلى الله عليه وآله بغدق في مكيل فيه خمسة عشر صاعا من تمر. فقال له النبي صلى
الله عليه وآله خذ هذا وتصدق به. فقال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل
بيت أحوج إليه منا. قال فخذه وكله وأطعم عيالك فإنه كفارة لك.
باب من جامع أو أفطر ناسيا في شهر رمضان أو غيره
إذا نسي الصائم في شهر رمضان أو غيره فأكل أو شرب فإن ذلك رزق رزقه الله
عز وجل فليتم صومه ولا قضاء عليه. وكان إذا جامع في شهر رمضان ناسيا كان بمنزلة من
أكل وشرب في شهر رمضان ناسيا وليس عليه شئ.
إذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل أن يصوموا من العطش والجوع، أو تخاف
المرأة أن يضر بولدها، فعليهم جميعا الإفطار ويتصدق كل واحد عن كل يوم بمد من طعام.
وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: وعلى الذين يطيقونه
فدية طعام مسكين قال: الشيخ الكبير والذي يأخذه العطش. وعن قوله: فمن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا قال: من مرض أو عطش. والذي يضعف عن الصوم، إذا لم يقدر
على ما يتصدق به فليس عليه شئ.
باب الوقت الذي يؤخذ الصبي فيه بالصوم
اعلم أن الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى
الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة
20

أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله وروي أن الغلام يؤخذ بالصوم ما بين أربع عشر سنة إلى
خمسة عشرة إلى ستة عشر سنة إلا أن يقوى قبل ذلك وروي عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت، الصيام والخمار إلا أن
تكون مملوكة، فإنه ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر، وعليها الصيام
باب تقصير المسافر في الصوم
إذا سافرت في شهر رمضان فأفطر على حد ما بينت لك الحد الذي يجب فيه
التقصير في الصوم والصلاة في باب المسافر وأعلم أن كل من وجب عليه التقصير
في الصلاة في السفر فعليه الإفطار وكل من وجب عليه التمام في الصلاة فعليه
الصيام، متى أتم صام ومتى قصر أفطر.
والذي يلزمه التمام الصلاة والصوم في السفر، المكاري والكري والإشتقان وهو
البريد والراعي والملاح لأنه عملهم وصاحب الصيد إذا كان. صيده بطرا أو أشرا، فعليه
التمام في الصلاة والإفطار في الصوم وإذا كان صيده مما يعود به على عياله فعليه
التقصير في الصوم والصلاة وإذا أصبح المسافر في بلده ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء
أفطر. وإذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء
أفطر. وإن سافر قبل الزوال فليفطر، وإن خرج بعد الزوال فليتم. وروي: إن خرج بعد
الزوال فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإذا أفطر المسافر فلا بأس أن يأتي أهله أو جاريته إن
شاء وقد روي فيه نهي.
وقال أبو الحسن عليه السلام ليس من البر الصوم في السفر، فإن صام الرجل وهو
مسافر، فإن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء. وإن لم
يكن بلغه فلا شئ عليه. وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج يشيع أخاه
مسيرة يومين أو ثلاثة فقال: إن كان في شهر رمضان فليفطر قلت: أيهما أفضل يصوم
أو يشيعه؟ قال: يشيع. إن الله قد وضع الصوم عنه إذا شيعه. وسئل عن رجل أتى
21

سوقا يتسوق بها وهي من منزله على سبع فراسخ، فإن هو أتاها على الدابة أتاها في بعض
يوم، وإن ركب السفن لم يأتها في يوم. قال: يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوما ويفطر
صاحب السفن.
وإذا أردت سفر أو أردت أن تقدم من صوم السنة شيئا، فصم ثلاثة أيام للشهر
الذي تريد الخروج فيه، فلا تصومن في السفر شيئا من فرض ولا سنة ولا تطوع، إلا
الصوم الذي ذكرته في أول الباب من صوم كفارة صيد المحرم وصوم كفارة الإحلال من
الإحرام، إن كان به أذى من رأسه وصوم ثلاثة أيام لطلب حاجة عند قبر النبي
صلى الله عليه وآله وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة وصوم الاعتكاف في المسجد
الحرام أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد مداين.
باب قضاء شهر رمضان
وإذا أردت قضاء شهر رمضان فإن شئت قضيته متتابعا وإن شئت قضيته متفرقا. وقد روي
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: تصوم ثلاثة أيام ثم تفطر، فإذا قضيت صوم شهر
رمضان كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإن أفطرت بعد الزوال فعليك الكفارة
مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان. وقد روي أن عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام
عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فإن لم يقدر عليه صام يوما بدل يوم وصام ثلاثة أيام
كفارة لما فعل فإذا أصبح الرجل وليس من نيته أن يصوم ثم بدا له، فله أن يصوم.
وسئل الصادق ع عن الصائم للتطوع تعرض له الحاجة فقال هو بالخيار ما
بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن
يصوم ذلك اليوم إن شاء.
وإذا مات رجل وعليه صيام شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه وكذلك من فاته
في السفر أو المرض، إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح فلا قضاء عليه إذا كان
كذلك. وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه. وإن لم يكن له ولي
22

من الرجال قضى عنه وليه من النساء.
وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه إلى أن دخل عليه شهر
رمضان من قابل. فعليه أن يصوم هذا الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام.
وليس عليه القضاء إلا أن يكون صح في ما بين شهري رمضان. فإن كان كذلك ولم يصم، فعليه أن
يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني. فإذا صام الثاني قضى الأول بعده
وإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض، فعليه أن يصوم الذي دخله و
يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني.
وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم، صامت ذلك المقدار تأديبا و
عليها القضاء. وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من
الشهر الثاني شيئا، فعليه أن يعيد صومه ولم يجزه الشهر الأول. إلا أن يكون أفطر لمرض فله
أن يبني على ما صام فإن الله حسبه. فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما ثم أفطر
فعليه أن يبني على ما صام.
باب الرجل يتطوع بالصيام وعليه شئ من شهر رمضان
اعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شئ من الفرض، كذلك وجدته في كل
الأحاديث.
باب الرجل يسلم وقد مضى شهر رمضان
سئل الصادق عليه السلام عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان. ما عليه
من صيامه؟ قال: ليس عليه إلا ما أسلم فيه وليس عليه أن يقضي ما قد مضى منه.
23

باب فضل السحور
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن
الله وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار، فليستسحر أحدكم ولو
بشربة من ماء. وأفضل السحور السويق والتمر ومطلق كل الطعام والشراب إلى أن
يستيقن طلوع الفجر، وقال النبي صلى الله عليه وآله تعاونوا بأكل السحر على صيام النهار
وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل.
باب الوقت الذي يجوز فيه الإفطار
اعلم أنه لا يحل لك الإفطار إلا إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب
الشمس.
باب فضل الصوم
عليك بصيام أول يوم من رجب فإنه اليوم الذي ركب فيه نوح في السفينة فأمر من
معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر عليه السلام من صام منكم
ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ومن صام سبعة أيام أغلقت عليه أبواب النيران
السبعة ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ومن صام عشرة أيام أعطي
ما يسأل. ومن صام خمسة وعشرين يوما قيل له استأنف العمل فقد غفر لك. ومن زاد زاده
الله. ومن صام أول يوم من عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا. ومن صام
التسع كتب الله له صوم الدهر، ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كان كصيام ستين
شهرا.
وروي نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح، وفي خمسة وعشرين من رجب بعث الله
24

محمدا صلى الله عليه وآله. فمن صام ذلك اليوم كان كفارة مائتي سنة، وفي تسع وعشرين
من ذي القعدة أنزل الله الكعبة وهي أول رحمة نزلت، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة
سبعين سنة. وفي أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن، فمن صام ذلك اليوم
كان كفارة ستين سنة. وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود عليه السلام، فمن صام ذلك
اليوم كان كفارة تسعين سنة وفي أول يوم من المحرم دعا زكريا ربه، فمن صام ذلك اليوم
استجاب الله له كما استجاب من زكريا عليه السلام. وفي عشر من المحرم وهو يوم عاشوراء
أنزل الله توبة آدم. وفيه استوت سفينة نوح على الجودي وفيه عبر موسى البحر وفيه ولد
عيسى بن مريم ع، وفيه أخرج الله يونس من بطن الحوت وفيه أخرج الله يوسف
من بطن الجب. وفيه تاب الله على قوم يونس. وفيه قتل داود جالوت فمن صام ذلك اليوم
غفر له ذنوب سبعين سنة وغفر له مكاتم عمله.
باب الاعتكاف
اعلم أنه لا يجوز الاعتكاف إلا في خمسة مساجد: في المسجد الحرام ومسجد
الرسول ص ومسجد الكوفة ومسجد مداين ومسجد البصرة والعلة في
ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جامع جمع فيه إمام عدل. وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بمكة والمدينة وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه المساجد. ولا يكون الاعتكاف
إلا بصيام. وللمعتكف أن يخرج إلى الجمعة وإلى الحاجة وإلى قضاء الحاجة. وقد روي لا
اعتكاف إلا في مسجد يصلى فيه الجمعة بإمام وخطبة. وإن مرض المعتكف فله أن يرجع
إلى أهله وليس عليه قضاء وروي أن اعتكاف العشر من شهر رمضان يعدل حجتين
وعمرتين.
25

باب الفطرة
ادفع زكاة الفطرة عن نفسك وعن كل من تعول من صغير وكبير وحر وعبد ذكر
وأنثى، صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من بر أو صاعا من شعير. وأفضل ذلك
التمر. ولا بأس أن تدفع قيمته ذهبا أو ورقا. ولا بأس بأن تدفع عن نفسك وعن من تعول
إلى واحد. ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحد إلى نفسين، وإن كان لك مملوك مسلم أو ذمي
فادفع عنه الفطرة. فإن ولد لك مولود يوم الفطرة قبل الزوال فادفع عنه الفطرة، وإن ولد
بعد الزوال فلا فطرة عليه. وكذلك إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا.
ولا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره، وهي زكاة إلى أن
تصلي العيد. فإذا أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة، وأفضل وقتها آخر يوم من
شهر رمضان. وروي أنه يجزئ عن كل رأس نصف صاع من حنطة أو شعير وليس على
المحتاج صدقة الفطرة. وقال: أبو عبد الله ع: من لم يجد الحنطة والشعير تخرج عنه
القمح والسلت والعدس والذرة نصف صاع من ذلك كله. ولم أرو في التمر والزبيب أقل
من صاع. وليس على من يأخذ الزكاة صدقة الفطرة، فإن أخرج الرجل فطرته وعزلها حتى
يجد لها أهلا فعطبت، فإن أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى
أربابها.
وكتب محمد بن القاسم بن الفضيل، إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن
الوصي يزكي زكاة الفطرة من اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب ع: لا زكاة على
يتيم.
26

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
27

أبواب الصوم
باب أن الصوم للرؤية والفطر للرؤية
قال الصادق ع: الصوم للرؤية والفطر للرؤية، وليس بالرأي ولا
التظني وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون وقال: ليس على أهل القبلة
إلا الرؤية وليس على المسلمين إلا الرؤية.
وقال الصادق ع: إذا صح هلال رجب فعد تسعة وخمسين يوما وصم
يوم الستين وروي أنه إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو
لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال. وروي عن الصادق
عليه السلام أنه قال: إن شككت في صوم شهر رمضان، فانظر أي يوم صمت عام
الماضي. وعد منه خمسة أيام، وصم يوم الخامس.
قال الصادق ع: لا تقبل في رؤية الهلال إلا شهادة خمسين رجلا
عدد القسامة إذا كانوا في المصر أو شهادة عدلين إذا كانوا خارج المصر ولا تقبل
شهادة النساء في الطلاق ولا في رؤية الهلال.
29

باب ما يقال عند النظر إلى هلال شهر رمضان
قال الصادق ع: إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه
بالأصابع ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى السماء وخاطب الهلال وتقول: ربي
وربك الله رب العالمين. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام
والمسارعة إلى ما تحب وترضى. اللهم بارك لنا في شهرنا هذا وارزقنا عونه وخيره
واصرف عنا ضره وشره وبلاءه وفتنته.
باب الوقت الذي يجب فيه الصلاة ويحل فيه الإفطار
قال الصادق عليه السلام: إذا غابت الشمس فقد وجبت الصلاة وحل الإفطار.
باب ما يقال عند الإفطار
قال الصادق عليه السلام: إذا أفطرت كل ليلة من شهر رمضان، فقل: الحمد لله
الذي أعاننا، فصمنا، ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبله منا وأعنا عليه وسلمنا
فيه وسلمه منا في يسر منك وعافية الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان.
باب ما يقال في كل ليلة من شهر رمضان
قال الصادق ع: تقول في كل ليلة من شهر رمضان اللهم رب
شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وافترضت على عبادك فيه الصيام. صل على
30

محمد وآل محمد وارزقني حج بيتك الحرام وزيارة قبر نبيك والأئمة صلواتك عليهم في عامي
هذا وفي كل عام واغفر لي الذنوب العظام فإنه لا يغفرها غيرك يا رحمان فإنه من قال ذلك،
غفر الله له ذنوب أربعين سنة.
باب ما ينقض الصوم
قال أبي رحمه الله في رسالته إلى: اتق يا بني في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل
والشرب، والارتماس في الماء والجماع والكذب على الله ورسوله وعلى الأئمة عليهم السلام.
باب آداب الصوم
قال الصادق عليه السلام: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وفرجك و
لسانك وتغض بصرك عما لا يحل النظر إليه والسمع عما لا يحل سماعه واللسان
من الكذب والفحش.
باب ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان
قال الصادق ع: من أفطر يوما من شهر رمضان خرج منه روح
الإيمان ومن أفطر يوما من شهر رمضان أو جامع فيه، فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد من الطعام وعليه قضاء ذلك اليوم
وأنى له بمثله ومن فعل ذلك ناسيا فلا شئ عليه.
31

باب الصائم يشم الطيب
قال الصادق ع: لا بأس أن يشم الصائم الطيب، إلا المسحوق منه، لأنه
يصعد منه إلى دماغه.
باب الصائم يقطر في أذنه الدواء
قال الصادق ع: لا بأس أن يقطر الصائم في أذنه الدهن.
باب كراهية السعوط والحقنة للصائم
سئل الصادق ع عن الصائم، هل يجوز له أن يستعط أو يحتقن؟
فقال: لا.
باب السواك للصائم
قال الصادق عليه السلام: الصائم يستاك أي النهار شاء.
باب الاكتحال للصائم
قال الصادق عليه السلام: لا بأس أن يكتحل الصائم بالصبر والحضض
وبالكحل ما لم يكن مسكا، وقد رويت أيضا رخصة في المسك، لأنه يخرج على عكدة لسانه.
32

باب المضمضة والاستنشاق
قال الصادق عليه السلام: لا بأس أن يتمضمض الصائم ويستنشق في
شهر رمضان وغيره. فإن تمضمض فلا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات.
باب التسحر
قال الصادق عليه السلام: لو أن الناس تسحروا، ثم لم يفطروا إلا على الماء،
لقدروا على أن يصوموا الدهر. وقال: تسحروا ولو بشربة من ماء. وأفضل السحور
السويق والتمر. وقال: إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين،
والمستغفرين بالأسحار.
باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب ويجب فيه الصلاة
قال الصادق ع: مطلق للرجل أن يأكل ويشرب حتى يستيقن طلوع
الفجر فإذا طلع الفجر حرم الأكل والشرب، ووجبت الصلاة.
باب ما جاء في ليلة تسعة عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين
قال الصادق ع: اغتسل ليلة تسعة عشر من شهر رمضان وإحدى
وعشرين وثلاث وعشرين واجتهد أن تحييها. وذكر أن ليلة القدر ترجى في ليلة
إحدى وعشرين وثلاث وعشرين. وقال الصادق ع: ليلة ثلاث
وعشرين، الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم وفيها يكتب وفد الحاج وما يكون من
33

السنة إلى السنة وقال عليه السلام: يستحب فيها أن يصلى مائة ركعة، يقرأ في كل
مرة الحمد وعشر مرات قل هو الله أحد.
باب في أن الصوم على أربعين وجها
روي عن الزهري أنه قال: دخلت على علي بن الحسين عليه السلام، فقال: يا
زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد فقال: فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر
الصوم فاجتمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس شئ من الصوم واجب إلا
صوم شهر رمضان فقال: يا زهري وليس كما قلتم إن الصوم على أربعين وجها:
فعشرة أوجه منها واجب كوجوب شهر رمضان وعشرة أوجه منها صيامهن حرام
وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر وصوم الأذن
على ثلاثة أوجه وصوم التأديب والإباحة وصوم السفر والمرض.
فقلت: فسرهن لي فقال: أما الواجب فصيام شهر رمضان وصيام شهرين
متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا واجب وصيام شهرين متتابعين
في كفارة الظهار قال الله عز وجل: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون
لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا.
وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب. قال الله تبارك
وتعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله. إلى قوله:
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تعالى:
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم. كل ذلك متتابع وليس
بمتفرق.
34

وصوم أذى حلق الرأس واجب. قال الله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به
أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. فصاحبها فيها بالخيار، فإن شاء
صام ثلاثا.
وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي. قال الله عز وجل: فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج، فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة.
وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تعالى: ومن قتله منكم متعمدا، فجزاؤه
مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام
مساكين أو عدل ذلك صياما أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟
فقلت: لا أدري فقال يقوم الصيد قيمة ثم يفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك
البر أصواعا فتصوم لكل نصف يوما. وصوم النذر واجب،
وصوم الاعتكاف واجب. وأما الصوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق.
وصوم يوم الشك، أمرنا به ونهينا عنه أمرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا أن
يتفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس قلت له: جعلت فداك، فإن لم
يكن صام من شعبان شيئا فما يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان،
فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه وإن كان من شعبان لم يضره فقلت وكيف يجزئ
صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو
لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لأن الفرض إنما
وقع على اليوم بعينه.
وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم
نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام.
وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار، فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين،
وصوم أيام البيض، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان وصوم يوم عرفة ويوم
35

عاشوراء كل ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر.
وأما صوم الأذن، فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها. والعبد لا
يصوم تطوعا إلا بإذن سيده. والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن مضيفه. قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم.
وأما صوم التأديب، فالصبي يؤمر إذا راهق بالصوم تأديبا وليس بفرض.
وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك أمر بالإمساك بقية يومه
تأديبا وليس بفرض. وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر
بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض.
وأما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو تقيا من غير تعمد فقد أباح الله له
ذلك، وأجزأ عنه صومه.
وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة اختلفت في ذلك فقال قوم: يصوم
وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما نحن فنقول: يفطر في
الحالتين جميعا، فإن صام في السفر أو في حال المرض، فعليه القضاء في ذلك، لأن الله
تبارك وتعالى يقول: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
باب الفطرة
قال الصادق عليه السلام: ادفع زكاة الفطرة عن نفسك وعن كل من تعول،
من صغير أو كبير وحر وعبد وذكر وأنثى صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا
من شعير. وأفضل ذلك التمر. ولا بأس بأن تدفع قيمته ذهبا أو ورقا، ولا بأس أن
تدفع عن نفسك وعن من تعول إلى واحد. ولا يجوز أن يدفع واحد إلى نفسين.
36

باب الوقت الذي يخرج فيه الفطرة
قال الصادق عليه السلام: لا بأس باخراج الفطرة في أول يوم من شهر
رمضان إلى آخره وهي زكاة إلى أن يصلى العيد، فإن أخرجتها بعد الصلاة، فهي
صدقة. وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان.
باب اخراج الفطرة عن المملوك بين نفرين
قال الصادق عليه السلام: وإذا كان المملوك بين نفرين فلا فطرة عليه، إلا
أن يكون لرجل واحد.
باب من يعطي الفطرة، ومن لا يعطي
قال الصادق عليه السلام: لا تدفع الفطرة إلا إلى أهل الولاية.
باب من تجب عليه الفطرة ومن لا تجب
قال الصادق عليه السلام: من حلت له الفطرة فلا تجب عليه.
باب في من لم يخرج الفطرة
قال الصادق عليه السلام: الفطرة واجبة على كل مسلم. فمن لم يخرجها
خيف عليه الفوت. قيل له: وما الفوت؟ قال: الموت.
37

باب ما على أهل البوادي من الفطرة
سئل الصادق عليه السلام عن الفطرة على أهل البوادي. فقال: على كل
من اقتات قوتا، أن يؤدى من ذلك القوت. وسئل عن رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة.
قال: يصدق بأربعة أرطال من لبن.
باب ما يصنع ليلة الفطر
قال الصادق عليه السلام: إذا كان ليلة الفطر فصل المغرب ثلاثا. ثم
اسجد وقل: يا ذا الطول يا ذا الحول يا مصطفي محمد ص وناصره.
صل على محمد وآل محمد واغفر لي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين.
ثم تقول مائة مرة: أتوب إلى الله.
باب التكبير في العيدين
قال الصادق عليه السلام: كبر ليلة الفطر بعد صلاة المغرب والعشاء
الآخرة وصلاة الغداة وصلاة العيد كما تكبر أيام التشريق. تقول: الله أكبر. الله
أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله
على ما أولانا. ولا تقل: وارزقنا من بهيمة الأنعام. فإن ذلك في أيام التشريق. وقال الصادق
عليه السلام من فاته التكبير أو نسيه، فليكبر حين يذكره. وقال الصادق عليه السلام:
ليلة الفطر الليلة التي يستوفي فيه الأجير أجره.
والتكبير أيام التشريق بالأمصار في عشر صلوات، من صلاة الظهر يوم النحر
إلى صلاة الغداة في اليوم الثالث. لأنه إذا نفر الناس من منى في النفر الأول، وجب
38

على أهل الأمصار قطع التكبير. وبمنى، التكبير في خمس عشر صلاة، من صلاة الظهر
يوم النحر إلى صلاة الغداة في اليوم الرابع. ومن فاته فليعد. ويقال التكبير في دبر
كل صلاة ثلاث مرات.
39

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
41

باب فرض الصيام
قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون، فأوجب فرض الصيام في الجملة على سائر المؤمنين بعموم اللفظ
المنتظم للجميع، وعم به سائر المؤمنات بقرينة اللفظ من الاجماع ودليله المبين إلا من خصه
من الجميع في الآية التي تعقب ما تلوناه في التنزيل وما يتبعها من السنة على لسان نبيه صلى
الله عليه وآله. ثم قال تعالى مفسرا ما أجمله ضربا من التفسير: أياما معدودات فمن كان
منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن
تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، فبين أن الفرض متعلق
بأزمان محصورة وأنه يكون في أيام معدودة، وكشف عمن يختص بالخروج عن فرضه في
الحال من المرضى والمسافرين وإن كان قد ألزمهم إياه بعد الحال.
وبين أنه قد كان رخص للشاهدين له من أهل الصحة والسلامة من الأمراض إفطاره
على التعمد بشرط قيامهم بفدية الإفطار من الإطعام، ودل على أن الصوم لهم مع ذلك أفضل
عنده وأولى من الفدية للإفطار، ثم نسخ ذلك خاصة بما أردفه في الذكر من القرآن فقال: شهر
رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم
الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر
43

ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون، فأوضح
بهذا من بقية تفسير الاجمال فيما أنزله أولا من فرض الصيام، ودل على أن المكتوب على
أهل الإيمان من الصيام الذي وصف بأنه في أيام معدودات يجب فعله في شهر رمضان على
التمام بما ذكره في العدة من فرض الكمال، وحظر ما كان أباحه قبل من الإفطار للفدية مع
إطاقة الصيام بإلزامه الفرض فيه للشاهد في الزمان مع السلامة من العلل والأمراض،
وأكد خروج المرضى والمسافرين من فرضه في الحال بتكرار ذكرهم للبصيرة والبيان،
وأبان عن علة خروجهم بما وصف من إرادته جل اسمه لهم اليسر وكراهة العسر عليهم،
زيادة منه في البرهان.
باب علامة أول شهر الصيام وآخره ودليل دخول شهر الإفطار:
قال الله عز وجل: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن
تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم
تفلحون، فجعل تعالى الأهلة علامات الشهور ودلائل أزمان الفروض ومواقيت للناس في
الحج والصوم وحلول آجال الديون ومحل الكفارات وفعل الواجب والمندوب إليه.
روى حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر.
وروى عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
الأهلة فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر.
ابن أبي عمير عن يونس بن نوح عن أيوب بن نوح عن محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي
ولا بالتظني.
فالهلال علامة الشهر وبه وجبت العبادة في الصيام والإفطار والحج وسائر ما يتعلق
بالشهور على أهل الشرع، وربما خفي لعارض أو استتر عن أهل مصر لعلة وظهر لغير
أهل ذلك المصر ولكن الفرض إنما يتعلق على العباد به إذ هو العلم دون غيره بما قدمناه من
44

آي القرآن وما جاء عن الصادقين عليهم السلام، فمن ظفر به على حقيقة دلالته فقد
أصاب الحق بعينه، ومن استتر عنه فلم يصبه لليلة وأصابه بعد ذلك من غير تفريط وقع
منه في طلبه فقد أصاب المراد منه في عبادته إذ لم يكلفه الله تعالى فوق طاقته، وإن شهد على
إصابته - قبل زمان مشاهدته لهذا المخطئ لإصابته على حقيقة دلالته - شاهدان عدلان
فقد وجب عليه قضاء ما فاته من فريضة ولا تبعة عليه فيما صنع لأنه مؤد ما وجب عليه في
شريعته، روى صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان مؤمنان أنهما رأياه فاقضه.
وروى ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سمعته يقول: لا تصم إلا لرؤية أو يشهد شاهدا عدل.
وروى سيف بن عميرة عن الفضل بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
ليس على أهل القبلة إلا الرؤية ليس على المسلمين إلا الرؤية. والرؤية يجب فرضها
بتحصيلها من جهة حاستها وتلزم مع فقدها بشهادة مرضيين أنهما حصلاها بحديث
عبد الله بن سنان الذي تقدم هذا الحديث بلا فصل. وبما رواه حماد بن عثمان عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال
إلا شهادة رجلين عدلين.
باب فضل صيام يوم الشك والاحتياط لصيام شهر رمضان:
ويجب على المكلف الاحتياط بفرض الصيام بأن يرقب الهلال ويطلبه في آخر نهار
يوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن أصابه على اليقين بيت النية لمفروض الصيام، فإن
لم يصبه يقينا عزم على الصيام معتقدا أنه صائم يوما من شعبان، فإن ظهر له بعد ذلك أنه
من شهر رمضان فقد وفق لإصابة الحق عينا وأجزأ عنه الصيام، وإن لم يظهر له ذلك كان له
فضل صيام يوم من شعبان وحصل له ثواب الاهتمام بدينه والاحتياط، روى سعد بن
مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أهل هلال رجب فعد تسعة
وخمسين يوما ثم صم.
45

روى أبو الصلت عبد السلام بن صالح قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليه
السلام عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام يوم الشك قرارا
بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيام الآخرة غرا زهرا لا يشاكلن أيام الدنيا.
وروى أبو خالد عن زيد بن علي بن الحسين عن آبائه عن علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صوموا سر الله، قالوا: يا رسول الله وما سر
الله؟ قال: يوم الشك.
وروى محمد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن اليوم الذي يشك
فيه فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان فقال: كذبوا إن
كان من شهر رمضان فهو يوم وفقوا له وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام التي
مضت.
وروى محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يوم الشك فقال:
إن أبي كان يصومه فصمه.
وروى شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام في اليوم
الذي يشك فيه فوجده من شهر رمضان فقال: يوم وفقه الله له.
وروى زكريا بن آدم عن الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله ع عن اليوم الذي
يشك فيه من شعبان فقال: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر
رمضان.
باب علامة وقت الصيام من أيام الشهر ودلائل وقت الإفطار:
قال الله عز وجل: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم
لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن
وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل، فحظر جل اسمه على الصيام تناول سائر ما ينقض
الصوم من حد بياض الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وهو بياض الفجر عند
46

انسلاخ الليل، فإذا طلع الفجر وهو البياض المعترض في أفق السماء من قبل المشرق فقد
دخل وقت فرض الصيام وحل وقت فريضة الصلاة. ثم الحظر ممتد إلى دخول الليل،
وحد دخوله مغيب قرص الشمس، وعلامة مغيب القرص عدم الحمرة من المشرق،
فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر وحل الإفطار بضروبه من الأكل والشرب
والجماع وسائر ما يتبع ذلك مما يختص حظره بحال الصيام.
وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام في حد دخول الليل ما ذكرناه بصفته ومعناه
الذي قدمناه، فروي أنه قال: إن المشرق مظل على المغرب هكذا ورفع إحدى يديه على
الأخرى فإذا غربت الشمس من هاهنا - وأومأ إلى يده التي خفضها - عدمت الحمرة من
هاهنا وأومأ إلى يده التي رفعها.
باب النية للصيام:
قال الله عز وجل: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، والإخلاص للديانة هو
التقرب إلى الله تعالى بعملها مع ارتفاع الشوائب، والتقرب لا يصح إلا بالعقد عليه والنية
له ببرهان الدلالة روي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا قول إلا بعمل ولا قول وعمل إلا بنية ولا عمل ونية
إلا بإصابة السنة ومن تمسك بسنتي عند اختلاف أمتي كان له أجر مائة شهيد، فيجب لمكلف
الصيام أن يعقده قبل دخول وقته تقربا إلى الله جل اسمه بذلك وإخلاصا له على
ما قدمناه في المقال.
فإذا عقد قبل الفجر من أول يوم من شهر رمضان صيام الشهر بأسره أجزأه ذلك في
صيام الشهر بأجمعه، وأعناه في الفرض عن تجديد نية في كل يوم على الاستقلال، فإن جدد
النية في كل يوم قبل فجره كان بذلك متطوعا فعلا فيه فضل يستحق عليه الثواب، وإن لم
يجدد نية بعد ما سلف له لجملة الشهر فلا حرج عليه كما بيناه.
ومن نوى صيام أول يوم من شهر رمضان على سبيل التطوع لشبهة دخلت عليه
وارتياب ثم بان له الأمر فيه وعلم أنه كان من فرض الصيام أجزأه ذلك عن الفرض ولم
47

يجب عليه قضاء لما قدمناه من الأخبار، وثبت عن الصادقين عليهم السلام أنه لو أن رجلا
تطوع شهرا وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ثم تبين له بعد صيامه أنه كان شهر رمضان أجزأه
ذلك عن فرض الصيام.
ومن نوى إفطار أول يوم من شهر رمضان لشك فيه وارتياب فعلم قبل الزوال من
اليوم أنه من فرض الصيام ولم يكن أحدث غير النية شيئا مما ينقض الصيام جاز له أن
يستأنف النية لفرض الصيام وأجزأه ذلك ولم يجب عليه قضاء، وإن علم بعد الزوال لم
يجزئه استئناف النية إذ ذاك ووجب عليه الإمساك، سواء كان كافأ عما ينقض الصوم قبل
الزوال أو متناولا لما ينقض الصيام ووجب عليه القضاء. والحكم في هذا المعنى مخالف
لما تقدم من المعنى في التطوع بالبرهان الوارد عن الصادقين ع من الأخبار.
باب ماهية الصيام:
والصيام هو الكف عن تناول أشياء ورد الأمر من الله تعالى بالكف عنها في أزمان
مخصوصة - وهي أزمان الصيام - وورد الحظر لتناولها تعبدا منه جل اسمه لخلقه بذلك
ولطفا لهم واستصلاحا. والأشياء المقدم ذكرها: الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء
والكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام
وما ينضاف إلى هذا مما سنذكره في باب ما يفسد الصيام.
فإذا كف العبد عما وصفناه في أوقات الصيام التي حددناها فيما قبل هذا الباب بنية
الكف عنها لوجه الله عز وجل على ما رتبناه كان آتيا بالصيام، وإن أقدم على شئ منها
على غير النسيان فهو مفطر به على معنى الإفطار.
باب ثواب الصيام:
روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: لكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام. وقال: إن الله تعالى يوكل ملائكته
بالدعاء للصائمين. وقال: أخبرني جبرئيل عن ربه جل اسمه أنه قال: ما أمرت ملائكتي
48

بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه.
وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح. وقال: قال
عليه السلام: الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما. وقال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.
وقال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: إن المؤمن إذا قام في ليله ثم أصبح صائما
نهاره لم يكتب عليه ذنب ولم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة وإن مات في نهاره صعد
بروحه إلى عليين وإن عاش حتى يفطر كتبه الله من التوابين.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الصائم منكم ليرفع في رياض الجنة تدعو له
الملائكة حتى يفطر.
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام
شهر رمضان إيمانا واحتسابا وكف سمعه وبصره ولسانه عن الناس قبل الله صومه وغفر
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطاه ثواب الصابرين.
باب فضل شهر رمضان:
روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال: خطب رسول الله
صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس
قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهو شهر رمضان فرض الله عز وجل صيامه
وجعل قيام ليلة نافلة فمن تطوع بصلاة ليلة فيه كان كمن تطوع بسبعين ليلة فيما سواه
من الشهور وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة
من فرائض الله تعالى ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله تعالى كان كمن أدى سبعين
فريضة من فرائض الله جل وعز فيما سواه من الشهور وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه
الجنة وهو شهر المواساة وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه ومن فطر فيه مؤمنا صائما
كان له عند الله بذلك عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل: يا رسول الله ليس كلنا
يقدر على أن يفطر صائما؟ فقال: إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلا على مذقة
49

من لبن يفطر بها صائما أو شربة ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف
فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة
والعتق من النار ولا غناء بكم عن أربع خصال خصلتان ترضون الله عز وجل بهما
وخصلتان لا غناء بكم عنها فأما اللتان ترضون الله عز وجل بهما فشهادة أن لا إله إلا الله
وأنني رسول الله وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة وتسألون
الله العافية وتعوذون بالله من النار.
وروي عن الباقر عليه السلام أيضا أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
لما انصرف من عرفات وسار إلى منى دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة
القدر فقام ص خطيبا، فقال بعد الثناء على الله عز وجل أما بعد فإنكم
سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لا أكون بها عالما اعلموا أيها الناس أنه من
ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على
صلاته وهاجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائز الرب، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: فاز والله بجوائز ليست كجوائز العباد.
وروي أيضا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
على المنبر فسمعه الناس قال آمين ثم سكت ثم قال آمين ثم سكت ثم قال آمين فلما نزل سأله
بعض الناس فقال: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاث مرات؟ فقال: إن جبرئيل
عليه السلام قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قلت: آمين، قال: ومن
أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين، قال: ومن أدرك أبويه أو أحدهما
فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين، وقال الصادق ع: من لم يغفر له في شهر
رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفه.
وقال الصادق عليه السلام: نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان ونزل
الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ونزل القرآن في ليلة القدر.
وقال ع: إن أبواب السماء لتفتح في شهر رمضان وتصفد فيه الشياطين
وتقبل أعمال المؤمنين نعم الشهر كان يسمى على عهد رسول الله ص المرزوق.
50

باب سنن الصيام:
ومن سنن الصيام غض الطرف عن محارم الله تعالى، وشغل اللسان بتلاوة القرآن
وتمجيد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ص، واجتناب سماع اللهو
وجميع المقال الذي لا يرضاه الله تعالى، وهجر المجالس التي يصنع فيها ما يسخط الله
عز وجل، وترك الحركة في غير طاعته عز وجل، والإكثار من أفعال الخير التي يرجى بها
ثواب الله تعالى، وقد روي عن أبي عبد الله ع أنه قال لمحمد بن مسلم: يا محمد
إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرك
ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك.
باب سنن شهر رمضان وفضل القراءة فيه للقرآن:
وما ذكرناه من سنن الصيام تنتظمه سنن شهر رمضان ويزيد عليه بما أنا ذاكره على
البيان إن شاء الله.
روى عمرو بن شمر بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يا جابر من دخل
عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله وحفظ فرجه ولسانه وغض بصره
وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، فقلت له: جعلت فداك ما أحسن هذا من
حديث؟ قال: ما أشد هذا من شرط.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن أيسر ما افترض
الله تعالى على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب.
ومن سننه الغسل في ست ليال منه، أولها أول ليلة منه، وليلة النصف منه، وليلة سبع
عشرة منه وهي ليلة الفرقان وفي صبيحتها التقى الجمعان، وليلة تسع عشرة منه وفيها
يكتب وفد الحاج وهي الليلة التي ضرب فيها أمير المؤمنين ع، وليلة إحدى
وعشرين وهي الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين ع وفيها قبض يوشع بن
نون وصي موسى عليه السلام وفيها رفع عيسى بن مريم عليه السلام وليلة ثالث وعشرين
منه وهي الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر. والغسل أيضا سنة عند انقراضه في ليلة
51

الفطر وهي الليلة التي يعطي العامل أجره.
ومن سننه قيام ليلة بألف ركعة سوى الإحدى والخمسين، وقد شرحنا حال هذه الألف
الركعة في أبواب الصلاة المتقدمة في هذا الكتاب وفصلناها على الترتيب، ويستحب أن
يختم فيه القرآن بتلاوته ختمات.
وقد روي أنه يختم فيه عشر مرات، كل ثلاثة أيام ختمة، وروي أيضا أكثر من ذلك،
فروى إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن علي بن المغيرة عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال: قلت له إن أبي سأل جدك عن ختم القرآن في كل ليلة فقال له جدك: في كل ليلة!
قال: في شهر رمضان، قال له: منك في شهر رمضان! فقال له أبي: نعم، قال ما استطعت، وكان أبي
ختمه أربعين ختمة في شهر رمضان ثم ختمته بعد أبي فربما زدت وربما نقصت على قدر
فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي فإذا كان يوم الفطر جعلت لرسول الله صلى الله عليه وآله
ختمة ولعلي عليه السلام ختمة أخرى ولفاطمة صلوات الله عليها وآلها أخرى ثم للأئمة
عليهم السلام حتى انتهيت إليك فصيرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال فأي شئ
لي بذلك؟ قال: لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة قلت: الله أكبر في ذلك؟ قال: نعم
" ثلاث مرات ".
وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال: لكل شئ ربيع وربيع القرآن شهر رمضان.
ويستحب أن يقرأ في ليلة ثلاث وعشرين منه إنا أنزلناه، ألف مرة، فقد روى أبو يحيى
الصنعائي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر
رمضان إنا أنزلنا ألف مرة لأصبح وهو شديد اليقين بالاعتراف بما يخص به فينا وما ذاك إلا
لشئ عاينه في نومه. ويستحب أن يقرأ في هذه الليلة أيضا سورتا العنكبوت والروم، فقد روى
الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من
قرأ سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمد من
أهل الجنة لا استثني فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله تعالى علي في يميني إثما وإن لهاتين
السورتين من الله تعالى مكانا.
ومن سننه الصلاة على رسول الله ص في كل يوم مائة مرة، وما زاد
52

على ذلك فهو أفضل.
فإذا صليت المغرب من هذه الليلة - وهي أول ليلة في الشهر - فادع بهذا الدعاء وهو
دعاء الحج فتقول:
اللهم منك أطلب حاجتي ومن طلب حاجة إلى أحد من الناس فإني لا أطلب حاجتي
إلا منك وحدك لا شريك لك وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تجعل لي في عامي هذا إلى بيتك الحرام سبيلا حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك تقر بها
عيني وترفع بها درجتي وترزقني أن أغض بصري وأن أحفظ فرجي وأن أكف عن محارمك
حتى لا يكون عندي شئ آثر من طاعتك وخشيتك والعمل بما أحببت والترك لما كرهت
ونهيت عنه واجعل ذلك في يسر وعافية وما أنعمت به على وأسألك أن تجعل وفاتي قتلا في
سبيلك تحت راية نبيك محمد ص مع أوليائك وأسألك أن تقتل بي أعدائك
وأعداء رسولك وأن تكرمني بهوان من شئت من خلقك ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك اللهم
اجعل لي مع الرسول سبيلا حسبي الله ما شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
باب الدعاء عند طلوع الهلال وفي أول يوم من شهر رمضان:
ومن السنة الثانية عن الرسول ص الدعاء عند رؤية الهلال، فإذا طلع
هلال شهر رمضان فادع بهذا الدعاء للاستهلال فإنه مأثور عن الصادقين عليهما السلام:
اللهم أهله علينا وعلى أهل بيوتنا وأشياعنا وإخواننا بأمن وإيمان وسلامة وإسلام
وبر وتقوى وعافية مجللة ورزق واسع حسن وفراغ من الشغل واكتفاء فيه بالقليل من
النوم ومسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه اللهم بارك لنا في هذا الشهر وارزقنا
بركته وخيره وعونه وغنمه وفوزه واصرف عنا شره وضره وبلاءه وفتنته اللهم ما قسمت
فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل أو مغفرة أو رحمة فاجعل نصيبنا فيه الأكثر وحظنا منه
الأوفر إنك على كل شئ قدير.
فإذا طلع الفجر من أول يوم من الشهر فادع وقل:
اللهم قد حضر شهر رمضان وقد افترضت علينا صيامه وأنزلت فيه القرآن هدى
53

للناس وبينات من الهدي والفرقان اللهم أعنا على صيامه وقيامه وتقبله منا وسلمنا فيه
وتسلمه منا وسلمه لنا في يسر منك وعافية إنك على كل شئ قدير.
باب فضل السحور وما يستحب أن يكون عليه الإفطار:
والسحور في شهر رمضان من السنة، وفيه فضل كبير لمعونته على الصيام والخلاف
فيه على اليهود والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله، وقد روي عن آل محمد عليهم
السلام أنهم قالوا: يستحب السحور ولو بشربة من الماء. وروي أن أفضله التمر والسويق
لموضع استعمال رسول الله ص ذلك في سحوره من بين أصناف الطعام.
فأما اللفظ الوارد بتفضيله فما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: تسحروا ولو بجرعة من ماء ألا صلوات الله على المتسحرين. وقال
عليه السلام: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالأسحار فليتسحر
أحدكم ولو بجرعة من ماء. وقال عليه السلام: تعاونوا بأكل السحر على صيام النهار
وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل.
فأما ما يستحب أن يكون به الإفطار فهو غير نوع جاءت به الآثار:
فروي أن النبي ص كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر
عليه. وروى النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الرجل إذا
صام زالت عيناه من مكانهما فإذا أفطر على الحلو عادتا مكانهما. وروى صفوان عن ابن
مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفطر على
الحلو فإذا لم يجده أفطر على الماء الفاتر، وكان يقول: هو ينقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة
والفم ويقوى الأضراس ويقوى الحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق
الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع.
وروي عن الباقر ع أنه قال: أفطروا على الحلو فإن لم تجدوه فأفطروا على
الماء فإن الماء طهور. وروي أن في الإفطار على الماء البارد فضلا وأنه يسكن الصفراء وذلك
على حسب اختلاف الطبائع والتباين في الأحوال.
54

وروى الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
تقدم الصلاة على الإفطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار فلا تخالف عليهم وأفطر
معهم وإلا فابدأ بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلى.
وقد روي أيضا في ذلك أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتي بها على
حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الإفطار وإن كنت ممن تنازعك نفسك الإفطار
وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة غير
أن ذلك مشروط بأنه لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة.
باب القول والدعاء عند الإفطار وما يستحب قوله في كل وقت من ليل أو نهار:
روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع أنه قال: تقول في آخر كل يوم يمضى من عند
الإفطار: الحمد لله الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبله منا وأعنا عليه
وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان،
حتى يتم إن شاء الله.
وروى إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه أن رسول الله صلى
الله عليه وآله كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا ذهب الظمأ
وابتلت العروق وبقي الأجر، قال: وكان عليه السلام إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم
الصائمون وأكل طعامكم الأبرار.
وروي عنه ع أنه قال: دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.
وروى علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه قال: يستحب أن تكثر من
أن تقول في كل وقت من ليل أو نهار من أول الشهر إلى آخره:
يا ذا الذي كان قبل كل شئ ثم خلق كل شئ ثم يبقى ويفنى كل شئ يا ذا الذي
ليس كمثله شئ ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى لا فوقهن
ولا تحتهن ولا بينهن إله يعبد غيره لك الحمد حمدا لا يقوى على إحصائه إلا أنت فصل
على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت.
55

باب شرح الدعاء في أول يوم من شهر رمضان:
روى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال:
ادع بهذا الدعاء في أول يوم من شهر رمضان مستقبل دخول السنة، وذكر أنه من دعا به
محتسبا مخلصا لم تصبه في تلك السنة فتنة ولا آفة تضر بدينه وبدنه ووقاه الله شر ما تأتي به
تلك السنة يقول:
اللهم إني أسألك باسمك الذي دان له كل شئ وبرحمتك التي وسعت كل شئ
وبعظمتك التي تواضع لها كل شئ وبقوتك التي خضع لها كل شئ وبجبروتك التي غلبت
كل شئ وبعلمك الذي أحاط بكل شئ يا نور يا قدوس يا أول قبل كل شئ ويا باقي بعد
كل شئ يا الله يا رحمان صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي الذنوب
التي تغير النعم واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء
واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء واغفر لي الذنوب التي يستحق بها نزول البلاء واغفر لي
الذنوب التي تحبس غيث السماء واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء واغفر لي الذنوب
التي تعجل الفناء واغفر لي الذنوب التي تورث الندم واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم
وألبسني درعك الحصينة التي لا ترام وعافني من شر ما أحاذر بالليل والنهار في مستقبل
سنتي هذه.
اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش
العظيم ورب إسرافيل وميكائيل وجبرئيل ورب محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين أسألك
بك وبما تسميت به يا عظيم أنت الذي تمن بالعظيم وتدفع كل محظور وتعطي كل جزيل
وتضاعف من الحسنات بالقليل وبالكثير وتفعل ما تشاء.
يا قدير يا الله يا رحمان صل على محمد وعلى آل محمد وألبسني في مستقبل سنتي هذه
سترك ونضر وجهي بنورك وأحببني بمحبتك وبلغ بي رضوانك وشريف كرامتك وجسيم
عطيتك وأعطني من خير ما عندك ومن خير ما أنت معطيه أحدا من خلقك وألبسني مع ذلك
عافيتك يا موضع كل شكوى ويا شاهد كل نجوى ويا عالم كل خفية ويا دافع ما يشاء من بلية
يا كريم العفو يا حسن التجاوز توفني على ملة إبراهيم وفطرته ودين محمد وسنته وعلى خير
56

الوفاة فتوفني مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك.
اللهم وجنبني في هذه السنة كل عمل أو فعل أو قول يباعدني منك واجلبني إلى كل
عمل أو قول أو فعل يقربني منك في هذه السنة يا أرحم الراحمين وامنعني من كل قول أو فعل
مني أخاف ضرر عاقبته وأخاف مقتك إياي عليه حذرا أن تصرف وجهك الكريم عني
فاستوجب به نقصا من حظ لي عندك يا رؤوف يا رحيم اللهم اجعلني في مستقبل هذه
السنة في حفظك وجوارك وكنفك وجللني بستر عافيتك وهب لي كرامتك عز جارك وجل
ثناؤك ولا إله غيرك.
اللهم اجعلني تابعا لصالح من مضى من أوليائك وألحقني بهم واجعلني مسلما لمن قال
بالصدق عليك منهم وأعوذ بك يا إلهي أن تحيط بي خطيئتي وظلمي وإسرافي على نفسي
واتباعي لهواي واشتغالي بشهواتي فيحول ذلك بيني وبين رحمتك ورضوانك فأكون مشينا
عندك متعرضا لسخطك ومقتك اللهم وفقني لكل عمل صالح ترضى به عني وقربني إليك
زلفى.
اللهم كما كفيت نبيك محمدا ص هول عدوه وفرجت همه وكشفت غمه
وصدقته وعدك وأنجزت له عهدك اللهم فبذلك فاكفني هول هذه السنة وآفاتها وأسقامها
وفتنتها وشرورها وأحزانها وضيق المعاش فيها وبلغني برحمتك كمال العافية بتمام الكفاية
ودوام النعمة عندي إلى منتهى أجلي أسألك سؤال من أساء وظلم واعترف وأسألك أن
تغفر لي ما مضى من الذنوب التي حصرتها حفظتك وأحصتها كرام ملائكتك على وأن
تعصمني إلهي من الذنوب فيما بقي من عمري إلى منتهى أجلي يا رحمان صل على محمد
وعلى آل محمد وآتني كل ما سألتك ورغبت إليك فيه فإنك أمرتني بالدعاء وتكفلت
بالإجابة.
باب شرح التسبيح في كل يوم منه إلى آخره:
وهو عشرة أجزاء كل جزء منه على انفراده وتسبح في كل يوم منه فتقول:
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها
57

سبحان الله جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل
شئ سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله السميع الذي ليس شئ أسمع منه يسمع من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين
ويسمع ما في ظلمات البر والبحر ويسمع الأنين والشكوى ويسمع السر وأخفى ويسمع
وساوس الصدور ولا يصم سمعه صوت.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله
جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله البصير الذي ليس شئ أبصر منه يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين
ويبصر ما في ظلمات البر والبحر لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير
لا تغشي بصره الظلمة ولا يستتر منه بستر ولا يوارى منه جدار ولا يغيب عنه بر ولا بحر
ولا يكن منه جبل ما في أصله ولا قلب ما فيه ولا جنب ما في قلبه ولا يستتر منه صغير ولا كبير
ولا يستخفي منه صغير لصغره ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء هو الذي
يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان
الله جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله الذي ينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ويرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وينزل الماء
من السماء بكلمته وينبت النبات بقدرته ويسقط الورق بعلمه سبحان الله الذي لا يعزب
عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله
جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
58

سبحان الله الذي يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيظ الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار
عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو
مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
سبحان الله الذي يميت الأحياء ويحيي الموتى ويعلم ما تنقص الأرض منهم ويقر في الأرحام
ما يشاء إلى أجل مسمى.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان
الله جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان
الله خالق كل شئ سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين سبحان الله
مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير
إنه على كل شئ قدير يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي ويرزق من يشاء بغير حساب.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله
جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله الذي عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط
من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان
الله جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله الذي لا يحصي مدحته القائلون ولا يجزي بآلائه الشاكرون العابدون وهو كما قال
وفوق ما يقول القائلون والله كما اثنى على نفسه ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع
كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله
جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ سبحان
59

الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين سبحان الله
الذي يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها لا يشغله
ما يلج في الأرض وما يخرج منها عما ينزل من السماء وما يعرج فيها ولا يشغله ما ينزل من
السماء وما يعرج فيها عما يلج في الأرض وما يخرج منها ولا يشغله علم شئ
عن علم شئ ولا يشغله خلق شئ عن خلق شئ ولا حفظ شئ عن حفظ شئ ولا يساوى به ولا يعدله
شئ وليس كمثله شئ وهو السميع البصير سبحان الله البصير.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان
الله خالق الأزواج كلها سبحان الله جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع
يزيد في الخلق ما يشاء أن الله على كل شئ قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها
وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم.
سبحان الله بارئ النسم سبحان الله المصور سبحان الله خالق الأزواج كلها سبحان الله
جاعل الظلمات والنور سبحان الله فالق الحب والنوى سبحان الله خالق كل شئ
سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين
سبحان الله الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو
رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم
بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم.
باب شرح الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في كل
يوم منه إلى آخره:
وتتبع هذا التسبيح بالصلاة على محمد وعلى آله على ما جاءت به الآثار فتقول
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
لبيك يا رب وسعديك اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت
60

وبارك على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم ارحم محمدا وآل محمد كما رحمت
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم سلم على محمد وآل محمد كما سلمت على نوح
في العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد كما هديتنا به اللهم ابعث محمدا مقاما محمودا يغبطه به
الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وآل محمد كلما طلعت شمس أو غربت على محمد
وآله السلام كلما طرفت عين أو ذرفت على محمد وآله السلام كلما ذكر السلام على محمد
وآله السلام كلما سبح الله ملك أو قدسه السلام على محمد وآله في الأولين السلام على محمد
وآله في الآخرين السلام على محمد وآله في الدنيا والآخرة.
اللهم رب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب الحل والحرام أبلغ محمدا نبيك عنا التحية
والسلام اللهم أعط محمدا من البهاء والنظرة والسرور والكرامة والغبطة والوسيلة
والمنزلة والمقام والرفعة والشفاعة عندك يوم القيامة أفضل ما تعطي أحدا من خلقك وأعط
محمدا وآله فوق ما تعطي الخلائق من الخير أضعافا كثيرة لا يحصيها غيرك.
اللهم صل على محمد وآله أطيب وأطهر وأزكى وأنمى وأفضل ما صليت على الأولين
والآخرين وعلى أحد من خلقك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على علي أمير المؤمنين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب
على من شرك في دمه.
اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد عليه وآله السلام والعن من آذى نبيك فيها.
اللهم صل على الحسن والحسين إمامي المسلمين ووال من والاهما وعاد من عاداهما
وضاعف العذاب على من شرك في دمهما.
اللهم صل على علي بن الحسين إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على جعفر بن محمد إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
61

العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على موسى بن جعفر إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على علي بن موسى بن جعفر إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه
وضاعف العذاب على من شرك في دمه.
اللهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على علي بن محمد إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على الحسن بن علي إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه.
اللهم صل على الخلف من بعده إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه.
اللهم صل على القاسم والطاهر ابني نبيك ص اللهم صل على رقية
بنت نبيك والعن من آذى نبيك فيها اللهم صل على زينب بنت نبيك والعن من آذى نبيك
فيها اللهم صل على الخيرة من ذرية
نبيك اللهم أخلف نبيك في أهل بيته اللهم مكن لهم في الأرض اللهم اجعلنا من عددهم
ومددهم وأنصارهم على الحق في السر والعلانية اللهم اطلب بدخلهم
ووترهم ودمائهم وكف عنا وعنهم وعن كل مؤمن ومؤمنة بأس كل باع وطاع وكل دابة
أنت آخذ بناصيتها إنك أشد بأسا وأشد تنكيلا.
باب الدعاء في كل يوم منه وشرحه:
وتدعو في كل يوم منه فتقول:
اللهم إن هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان وهذا شهر الصيام وهذا شهر القيام وهذا شهر الإنابة وهذا شهر التوبة وهذا
62

شهر المغفرة والرحمة وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة وهذا شهر فيه ليلة القدر
التي هي خير من ألف شهر.
اللهم فصل على محمد وآل محمد وأعني على صيامه وقيامه وسلمه لي وسلمني منه
وأعني عليه بأفضل عونك ووفقني فيه لطاعتك وطاعة رسولك وأوليائك صلى الله عليه
وعليهم وفرغني فيه وقوني فيه لعبادتك ودعائك وتلاوة كتابك وأعظم لي فيه البركة
وأحرز لي فيه التوبة وأحسن لي فيه العافية وأصح لي فيه بدني وأوسع فيه رزقي واكفني
فيه ما أهمني واستجب لي فيه دعائي وبلغني فيه رجائي.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأذهب عني فيه النعاس والكسل والسامة
والفترة والقسوة والغفلة والغرة وجنبني فيه العلل والأسقام والهموم والأحزان والأعراض
والأمراض والخطايا والذنوب واصرف عني فيه السوء والفحشاء والجهد والبلاء والتعب
والعناء إنك سميع الدعاء.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأعذني فيه من الشيطان الرجيم وهمزه ولمزه ونفثه
ونفخه ووسوسته وتثبيطه وكيده ومكره وحبائله وخدعه وأمانيه وغروره وفتنته وشركه
وأعوانه وأحزابه وأتباعه وأشياعه وأوليائه وشركائه وجميع مكائده اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد وارزقنا صيامه وقيامه وبلوغ الأمل فيه وفي قيامه واستكمال ما يرضيك عني صبرا
واحتسابا وإيمانا ويقينا ثم تقبل ذلك مني بالأضعاف الكثيرة والأجر العظيم يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارزقنا الحج والعمرة والجد والاجتهاد والقوة
والنشاط والإنابة والتوفيق والتوبة والقربة والخير المقبول والرغبة والرهبة والتضرع
والخشوع والرقة والنية الصادقة وصدق اللسان والوجل منك
والرجاء لك والتوكل عليك والثقة بك والورع عن محارمك مع صالح القول ومقبول السعي
ومرفوع العمل ومستجاب الدعوة ولا تحل بيني وبين شئ من ذلك بعرض ولا مرض ولا هم
ولا غم ولا سقم ولا غفلة ولا نسيان بل بالتعهد والتحفظ لك وفيك والرعاية لحقك والوفاء
بعهدك ووعدك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد واقسم لي فيه أفضل ما تقسمه لعبادك الصالحين
63

وأعطني فيه أفضل ما تعطي أوليائك المتقين من الرحمة والمغفرة والتمنن والإجابة والعفو
والمغفرة الدائمة والعافية والمعافاة والعتق من النار والفوز بالجنة وخير الدنيا والآخرة
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعل دعائي فيه إليك واصلا ورحمتك وخيرك إلى فيه
نازلا وعملي فيه مقبولا وسعيي فيه مشكورا وذنبي فيه مغفورا حتى يكون نصيبي فيه
الأكثر وحظي فيه الأوفر.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ووفقني فيه لليلة القدر على أفضل حال تحب أن
يكون عليها أحد من أوليائك وأرضاها لك واجعلها لي خيرا من ألف شهر وارزقني فيها
أفضل ما رزقت أحدا ممن بلغته إياها وأكرمته بها واجعلني فيها من عتقائك من جهنم
وطلقائك من النار وسعداء خلقك بمغفرتك ورضوانك يا أرحم الراحمين اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد صلواتك عليه وآله وعليهم أجمعين وأسألك بحقك عليهم
وبحقهم عليك وبحقك العظيم لما صليت عليه وآله وعليهم أجمعين ونظرت إلى نظرة
رحيمة ترضى بها على رضي لا تسخط على بعده وأعطيتني جميع سؤلي ورغبتي وأمنتي
وإرادتي وصرفت عني ما أكره وأحذر وأخاف على نفسي وما لا أخاف وعن أهلي ومالي
وإخواني وذريتي، وارزقنا في شهرنا هذا الجد والاجتهاد والقوة والنشاط وما تحب وترضى.
اللهم رب الفجر والليالي العشر والشفع والوتر وشهر رمضان وما أنزلت فيه من
القرآن ورب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وجميع الملائكة المقربين ورب إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ورب موسى وعيسى ورب جميع النبيين والمرسلين ورب محمد
خاتم النبيين اللهم إليك فررنا من ذنوبنا فآونا تائبين وتب علينا مستغفرين واغفر لنا
متعوذين وأعذنا مستجيرين وأجرنا مستسلمين ولا تخذلنا راهبين وآمنا راغبين وشفعنا
سائلين وأعطنا إنك سميع الدعاء قريب مجيب.
اللهم أنت ربي وأنا عبدك وأحق من سأل العبد ربه ولم يسأل العباد مثلك كرما وجودا
يا موضع شكوى السائلين ويا منتهى حاجة الراغبين ويا غياث المستغيثين ويا مجيب دعوة
المضطرين ويا ملجأ الهاربين ويا صريخ المستصرخين ويا رب المستضعفين ويا كاشف كرب
المكروبين ويا فارج هم المهمومين ويا كاشف الكرب العظيم يا الله يا رحمان يا رحيم يا أرحم
64

الراحمين أسألك باسمك المكنون المخزون من كل عين المرتدي بالكبرياء أن تصلي على
محمد وعلى آل محمد وأن تغفر لي ذنوبي وعيوبي وإساءتي وظلمي وجرمي وإسرافي على
نفسي وارزقني من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها غيرك واعف عني واغفر لي كل ما سلف
من ذنوبي واعصمني فيها بقي من عمري واستر على وعلى والدي وولدي
وقرابتي وأهل خزانتي ومن كان مني بسبيل من المؤمنين والمؤمنات في الدنيا والآخرة فإن
ذلك كله بيدك وأنت واسع المغفرة فلا تخيبني يا سيدي ولا ترد دعائي ولا تغل يدي إلى
نحري حتى تفعل بي ذلك وتستجيب لي جميع ما سألتك وتزيدني من فضلك فإنك على كل
شئ قدير ونحن إليك راغبون.
اللهم لك الأسماء الحسنى والأمثال العليا والكبرياء والآلاء أسألك باسمك بسم الله
الرحمن الرحيم إن كنت قضيت في هذه الليلة. تنزل الملائكة والروح فيها أن تصلي على
محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين وإساءتي
مغفورة وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي وإيمانا لا يشوبه شك ورضي يذهب بالشك عني
وترضيني فيما قسمت لي وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار وإن لم
تكن قضيت في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح فيها فأخرني إلى ذلك وارزقني فيها ذكرك
وشكرك وطاعتك وحسن عبادتك وصل على محمد وآل محمد بأفضل صلواتك يا أرحم
الراحمين.
يا أحد يا صمد يا رب محمد اغضب اليوم لمحمد ولأبرار عترته واقتل أعداءهم بددا
وأحصهم عددا ولا تدع على ظهر أرضك منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا يا حسن الصحبة
يا خليفة النبيين أنت أرحم الراحمين، البديع الذي ليس كمثله شئ والدائم غير الغافل
والحي الذي لا يموت أنت كل يوم في شأن أنت خليفة محمد وناصر محمد مفضل محمد أسألك
أن تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط من أوصياء محمد صلواتك عليه وعليهم
اعطف عليهم بنصرك يا لا إله إلا أنت بلا إله إلا أنت واجعلني معهم في الدنيا والآخرة
واجعل عاقبة أمري إلى غفرانك ورحمتك يا أرحم الراحمين أستغفر الله ربي وأتوب إليه إن
ربي رحيم ودود وكذلك نسبت نفسك يا سيدي باللطيف على أنك لطيف فصل على محمد
65

وآل محمد الطف لما تشاء.
اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني الحج والعمرة في عامي هذا وتطول على
بجميع حوائجي للآخرة والدنيا أستغفر الله ربي وأتوب إليه إن ربي قريب مجيب أستغفر
الله ربي وأتوب إليه إنه كان غفارا اللهم اغفر لي فإنك أرحم الراحمين رب إني عملت سوءا
وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي
القيوم الحليم العليم الكريم الغافر للذنب العظيم وأتوب إليه ثلاثا أستغفر الله إن الله كان
غفارا رحيما.
اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل فيما تقدر وتقضي من الأمر
العظيم المحتوم في ليلة القدر من القضاء الذي لا يرد ولا يغير ولا يبدل أن تكتبني من حجاج
بيتك الحرام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المكفر عنهم سيئاتهم وأن تجعل
فيما تقضي وتقدر أن تطيل عمري وأن توسع رزقي وتؤدي عني أمانتي وديني آمين رب
العالمين.
اللهم اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث
لا أحتسب واحرسني من حيث أحترس ومن حيث لا أحترس وصل على محمد وآله
كثيرا.
وتدعو في كل يوم أيضا فتقول:
يا عدتي في كربتي ويا صاحبي في شدتي ويا وليي في نعمتي ويا غايتي في رغبتي أنت
الساتر عورتي والمؤمن روعتي و المقيل عثرتي فاغفر لي خطيئتي يا أرحم الراحمين.
باب فضل التطوع بالخيرات وتفطير أهل الأيمان في شهر رمضان:
قد تقدمت الرواية عن النبي ص أنه قال: من تطوع بخصلة من
خصال الخير في شهر رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله عز وجل ومن
أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من
الشهور.
66

وروي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينتقص منه شئ وما عمل بقوة
ذلك الطعام من بر.
وقال عليه السلام: فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم من أجر صيامك.
وقال الصادق عليه السلام: إفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك
سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا.
وقال الباقر عليه السلام: أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك
أجر من أعتق نسمة مؤمنة.
وقال: من فطره شهر رمضان كله كتب الله تعالى له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نسمة
مؤمنة وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة.
وقال أبو عبد الله عليه السلام لسدير الصيرفي: يا سدير هل تدري أي ليال هذه؟ فقال:
نعم فداك أبي وأمي هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له: أ تقدر أن تعتق في كل ليلة
من هذه الليالي عشر رقاب من ولد إسماعيل؟ فقال سدير: بأبي أنت وأمي إن مالي
لا يبلغ ذاك، قال: فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه، قال:
أ فما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال: بلى وعشرة، قال: إني ذلك أردت بك
يا سدير إن إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل قال: وقال أبي: إن
فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم من أجر صيامك.
وروي أن زرارة دخل على أبي عبد الله ع وهو بالحيرة قال: فلما صليت
العصر قلت: جعلت فداك لي حاجة فأذن لي أن أذهب، قال: وما عجلتك؟ قلت: قوم من
مواليك يفطرون عندي. فقال: يا زرارة بادر بادر ثلاثا، ثم أقبل على عقبة فقال: يا عقبة من
فطر مؤمنا كان كفارة لذنبه إلى قابل ومن فطر اثنين كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من فطر مؤمنا وكل الله به سبعين ملكا
يقدسونه إلى مثل تلك الليلة من قابل.
67

باب ما يفسد الصوم وما يخل بشرائط فرضه:
وما ينقض الصيام ويفسد الصيام: الأكل متعمدا وكذلك الشرب والجماع والارتماس في
الماء والكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وكذلك الكذب على أئمة
الهدى عليهم السلام، فهذه كبار ما يفسد الصيام ويجب على فاعلها الكفارة والقضاء،
ويفسده أيضا الحقنة والسعوط، ومن ازدرد شيئا مما لا يؤكل كالقطعة والحصاة والخرزة
وما أشبه ذلك متعمدا فقد أفسد صيامه وعليه القضاء والكفارة لتعمده إفساد الصيام.
ومن تمضمض واستنشق يتبرد بذلك ولم يفعله للطهارة فدخل حلقه شئ من الماء
وجب عليه القضاء. ومن أجنب ليلا في شهر رمضان فنام متعمدا حتى أصبح من غير أن
يغتسل فعليه الكفارة والقضاء ويجب عليه في يومه الإمساك، ومن كذب على غير الله
عز وجل وغير رسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أخل ذلك بشرائط فرضه
ولم يجب عليه القضاء وكذلك إذا تكلم بالفاحش من الكلام أو قصد إلى استماع ما نهي
عن استماعه من الكلام أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه أو سعى فيما قد حظر عليه
أو ارتكب منهيا عنه على وجه، فجميع ذلك ينقض صومه ويخل بشرائط فرضه ولا يجب عليه
فيه كفارة ولا قضاء ويجب عليه فيه الاستغفار.
باب الكفارات في اعتماد إفطار يوم من شهر رمضان:
والكفارة: عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين، أي هذه الثلاثة
فعل أجزأ عنه فيها لأن الانسان مخير بينها، فمن لم يجد العتق ولا الإطعام ولم يقدر على صيام
الشهرين على التمام صام ثمانية عشر يوما متتابعات لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام، فإن
لم يقدر على ذلك فليتصدق بما أطاق أو فليصم ما استطاع، بذلك جاءت الآثار عن آل
محمد صلوات الله عليهم وعليه ويجب أيضا مع الكفارة القضاء على حسب ما قدمناه. وقد
قال الصادق عليه السلام: يقضي وأنى له بمثل ما ترك صيامه، يريد به في الفضل والكمال.
وقال: إنه لخليق ولا أراه يدركه أبدا.
والكفارة إنما تلزمه في تعمد ترك كبار الصيام وهي التي قدمنا ذكرها من الله تلزم في
68

تعمد كل ما يفطر الصائم والمأثم تتعاظم في تعمد ما قدمنا ذكره من الأكل والشرب والجماع
والارتماس في الماء.
فأما ما سوى هذه مما يفسد الصيام ففيه القضاء بغير كفارة إلا أن يتطوع فاعله
بشئ من الخيرات وإن لم يكن التعاظم فيه مثله فيما عددناه. وما يشعث الصيام ويخل
بكماله فليس فيه قضاء ولا كفارة إلا أن يتطوع فاعله بشئ من الخيرات فيحوز بذلك
ثواب التطوع وليس بواجب عليه على ما شرحنا.
وقد تقدم القول في حكم المصبح جنبا لكنه تقدم على الاجمال وتفصيله: أنه من
أجنب في الليل من شهر رمضان فلا حرج عليه أن ينام متعمدا بعد أن ينوي الغسل قبل
الفجر، فإن غلبه النوم إلى الصباح اغتسل عند انتباهه ولم تكن عليه كفارة ولا قضاء، فإن
استيقظ في بعض الليل فلم يغتسل ثم نام متعمدا وفي نيته الغسل قبل الفجر فنام حتى
أصبح وجب عليه القضاء لأنه فرط في الاحتياط لفرض الصيام، فإن استيقظ ثانية ونام
متعمدا إلى الصباح فعليه الكفارة والقضاء لأنه تعمد الخلاف.
باب حكم من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا وما يجب عليه من العقوبة
للإفطار:
روي عن الصادق ع أنه قال: من أفطر يوما من شهر رمضان خرج الأيمان منه
وروي عن الباقر ع أنه سئل عن رجل شهد عليه الشهود أنه أفطر ثلاثة
أيام من شهر رمضان فقال: يسأل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم؟ فإن قال
لا فعلى الإمام أن يقتله وإن قال نعم فعلى الإمام أن ينهكه ضربا.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن رجل أخذ زانيا في شهر رمضان فقال:
قد أفطر، فقيل له: فإن رفع إلى الوالي ثلاث مرات؟ قال: يقتل في الثالثة.
وروي أن الرجل إذا أكره زوجته على الجماع في شهر رمضان نهارا أوجب عليه
كفارتان وضرب خمسين سوطا فإن أطاعته المرأة وجب على كل واحد منهما كفارة وضرب
خمسة وعشرين سوطا.
69

وروي أنه من احتلم في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل ومن أجنب باعتماد أو
احتلم ليلا فلا ينام حتى يتوضأ وليتيمم من فراشه قبل أن يقوم إلى غسله أو وضوئه.
وإذا نام على جنابته فلينو القيام للغسل قبل الفجر على ما ذكرناه.
باب حكم المسافرين في الصيام:
وكل مسافر في طاعة لله عز وجل ممن حضره أكثر من سفره يجب عليه التقصير في
الصوم والصلاة، وكل مسافر في مباح فذلك حكمه إلا المسافر في طلب الصيد للتجارة
خاصة فإنه يلزمه التقصير في الصيام ويجب عليه إتمام الصلاة. ومن كان سفره أكثر من
حضره فعليه الإتمام في الصوم والصلاة معا لأنه ليس بحكم الحاضر الذي يرجع إلى وطنه
فيقضي الصيام، ومن كان سفره في معصية الله جل وعز أو صيد لهو وبطر أو كان تابعا
لسلطان الجور في المعونة له عليه فهو داخل في حكم المسافر في العصيان وعليه التمام
لذلك.
ومن أتم في سفر الطاعة أثم وأخطأ وكان كمن قصر في حضره ووجب عليه الإعادة
للصيام إلا أن يفعل ذلك بجهالة ولا يكون ممن سمع آية التقصير ولا عرف الحكم في
ذلك من الفقهاء.
وحد السفر الذي من أراده وجب عليه التقصير في قصده بريدان في الذهاب
والمجئ والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال فذلك الجميع أربعة وعشرون ميلا،
فإذا كانت مسافة السفر طولها ذلك وما زاد عليه فالتقصير لمن عددناه واجب وإن كان
دون ذلك فالإتمام واجب ومن كانت مسافة سفره أربعة فراسخ سواء فأراد الرجوع من يومه
فعليه التقصير واجب، وإن أراد الرجوع بعد مضى يومه فهو بالخيار إن شاء
أتم وإن شاء قصر.
وإذا وجب على المسافر التقصير لقصده من الطاعة والمباح كما وصفناه وكان قصده
من السفر ما قدره من المسافة ما ذكرناه فلا يجوز له فعل التقصير في الصلاة والإفطار حتى
يغيب عنه أذان مصره على ما جاءت به الآثار.
70

ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة
العشرة الأيام، ومن كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام، وصوم النذر إذا نواه في الحضر
والسفر معا وعلقه بوقت من الأوقات، وصوم ثلاثة أيام للحاجة أربعاء وخميس وجمعة
متواليات عند قبر النبي صلى الله عليه وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام.
وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام وجاءت أخبار بكراهية ذلك
وأنه ليس من البر الصوم في السفر وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة فمن
أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد
على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما عددناه كان أولى
بالحق والله الموفق للصواب.
باب حكم العاجز عن الصيام:
قال الله عز وجل: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، فأخبر جل اسمه أنه
لا يكلف نفسا إلا وسعها والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصيام وعجزا عنه
فقد سقط عنهما فرضه ووسعهما الإفطار ولا كفارة عليهما، وإذا أطاقاه بمشقة عظيمة وكان
يمرضهما إذا فعلاه أو يضرهما ضررا بينا وسعهما الإفطار وعليهما أن يكفرا عن كل يوم بمد من
طعام.
والشاب إذا كان به العطاش وكان الصيام يمرضه أفطر وكفر عن كل يوم بمد من طعام
اللهم إلا أن يكون ذلك لعارض يتوقع زواله فيفطر ولا كفارة عليه فإذا زال عنه العارض
وصح وبرأ وجب عليه القضاء.
والمرأة الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما من الصيام أفطرتا وتصدقتا في كل يوم
بمد من طعام فإذا ولدت الحامل وخرجت من دم نفاسها وأطاقت الصيام قضت الأيام التي
أفطرتها، وإذا استغنى ولد المرضع عن الرضاع قضت أيضا، فإن لم يقدر أحد ممن أوجبنا
عليه الكفارة على ذلك فقد سقطت عنه أيضا. وكل من وصفناه بالعجز عن الصيام وبينا
أنه يسوع له الإفطار فليس ينبغي له أن يمتلئ من الطعام والشراب وإنما يجوز له من ذلك
71

ما يمسك رمقه ويدفع الضرر عنه، وكذلك المسافر أيضا، ولا يجامع أحد ممن عددناه إلا أن
تدعوه إلى ذلك حاجة شديدة فأما إن استغنى عنه فلا وذلك أن لشهر رمضان حرمة يجب
أن ترعى وتعظم بما ذكرناه.
باب حكم المغمى عليه وصاحب المرة والمجنون في الصيام:
وإذا أغمي على المكلف للصيام قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثم أفاق كان
عليه قضاء ما فاته من الأيام فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم
أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم
الصائم بالنية والعزيمة على أداء فرض الصيام، فإن هاجت به مرة أو أصابته جنة فأكل
وشرب وهو لا يعقل ما يصنع فلا قضاء عليه ولا كفارة لأنه لم يتعمد ذلك وحكمه حكم من
صنع ما ذكرناه على النسيان بل هو أعذر من الناسي لما غمز عقله بما وصفناه.
باب حكم من أسلم في شهر رمضان وحكم من بلغ الحلم فيه ومن مات وقد
صام بعضه ومن لم يصم منه شيئا وما في ذلك من الأحكام:
ومن أسلم من الكفر قبل استهلال شهر رمضان فعليه صيامه من أوله إلى آخره
على التمام فإن أسلم وقد مضت منه أيام فعليه الاستقبال ولا قضاء عليه لما فات وذلك
حكم الغلام إذا احتلم والجارية إذا بلغت المحيض فإنهما يستقبلان ولا يقضيان ما فات.
وإذا مات انسان وقد صام من شهر رمضان بعضه فإنه ينبغي للأكبر من ولده من
الرجال أن يقضي عنه بقية الصيام، فإن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه
من أهله وأولاهم به، وإن لم يكن له إلا من النساء فإن لم يكن صام من الشهر شيئا لعذر ثم
مات لم يجب على أحد من أوليائه أن يتكلف عنه القضاء، ولو كان وجب عليه صيام ثلاثة
أيام في كفارة وغيرها أو صيام نذر أو كفارة يمين ففرط فيه حتى أدركه الموت وجب على وليه
أن يقضي عنه ذلك فرضا واجبا كما ذكرناه، فإن لم يكن فرط فيه فلا يجب على وليه القضاء.
72

باب حكم المريض يفطر ثم يصح في بعض النهار والحائض تطهر والمسافر يقدم:
وإذا أفطر المريض أياما من شهر رمضان أو يوما ثم صح في بقية يوم قد كان أكل فيه
أو شرب فإنه يجب عليه الإمساك وعليه مع ذلك القضاء لليوم الذي أمسك فيه، وكذلك
إذا طهرت الحائض في بقية يوم قد كانت أكلت فيه وشربت أمسكت فيه تأديبا وعليها
القضاء، والمسافر إذا قدم إلى وطنه في بعض النهار وقد كان أكل أو شرب أمسك أيضا وعليه
القضاء، ولو ورد إلى بلد يعزم فيه على مقام عشرة أيام فصاعدا كان حكمه حكم من ورد
إلى وطنه لأنه يجب عليه فيه التمام، ومن خرج من منزله إلى سفر يجب فيه التقصير قبل
زوال الشمس فإنه يجب عليه التقصير في الصلاة والإفطار، فإن خرج بعد الزوال فعليه
التمام في صيام ذلك اليوم وعليه التقصير في الصلاة على كل حال.
وإذا علم المسافر أنه يدخل إلى وطنه أو البلد الذي يعزم على المقام فيه عشرة أيام
فصاعدا قبل الزوال أو عزم على ذلك أمسك عما ينقض الصيام، وإذا علم أنه يدخل بعد
الزوال أو عزم على ذلك قصر في الصوم والصلاة.
باب حد المرض الذي يجب فيه الإفطار:
وإذا عرض للإنسان مرض فكان الصوم يزيد فيه زيادة بينة وجب عليه الإفطار فإن
كان يزيد فيه يسيرا أو لا يزيد فيه فعليه التمام.
وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن حد المرض الذي يجب على
صاحبه فيه الإفطار فقال: بل الانسان على نفسه بصيرة ذلك إليه هو أعلم بنفسه فإذا علم
أن المرض الذي به يزيد فيه الصوم ويلحقه به الضرر وتعظم مشقته عليه أفطر. وسئل عن
حد المرض الذي يجوز للإنسان أن يصلى فيه جالسا فقال عليه السلام: إذا لم يستطع أن
يمشي بمقدار زمان قيامه في الصلاة فليصل جالسا.
باب حكم العلاج للصائم والكحل والحجامة والسواك ودخول الحمام وغير
ذلك:
ولا بأس أن يقطر الصائم الدهن في أذنه ويعالجها إذا احتاج إلى ذلك، ويكتحل
73

بسائر الأكحال ويحجم ويفتصد إذا لم يخف على نفسه الضعف الذي يحتاج معه إلى الإفطار،
فإن خاف ذلك فعله في آخر النهار أو في الليل إلا أن يكون مضطرا إليه في أول النهار وذلك
لا يكون إلا وهو مريض قد عرض له ما يحل له معه الإفطار، ولا بأس أن يدخل الحمام في أول
النهار ووسطه إلا أن يتخوف الضعف، فإن خافه دخله بالليل أو آخر النهار، ولا بأس أن
يستعمل السواك بالرطب واليابس في أي الأوقات شاء من ليل أو نهار، وليس للصائم أن
يستعط، ولا يجوز له أن يحتقن. ولا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء فإنها تحمله بقبلها.
وتعمد القئ يفطر الصائم، وإن ذرعه لم يكن عليه شئ، وإذا تجشأ فخرج على لسانه
طعام فليلفظه ولا يبلعه، وإذا تمضمض لم يبلع ريقه حتى يبصق ثلاثة مرات. ويجتنب
الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى الحلق فإن ذلك نقض في الصيام.
ولا بأس أن يدهن الصائم بسائر الأدهان ويشم الطيب كله إلا المسك والزعفران
فإنهما يصلان إلى الحلق ويجد شامهما طعمهما فينقض ذلك من حال الصيام ولا بأس
بشم الريحان كله.
ويكره شم النرجس خاصة للصائم وذلك أن ملوك الفرس كان لهم يوم في السنة
يصومونه فكانوا في ذلك اليوم يعدون النرجس ويكثرون من شمه ليذهب عنهم العطش
فسار كالسنة لهم فنهي آل محمد صلوات الله عليهم عن شمه خلافا على القوم وإن كان
شمه لا يفسد الصيام.
باب حكم الساهي والغالط في الصيام:
ومن أكل أو شرب أو جامع على السهو عن فرض الصيام لم يكن عليه حرج
وسقطت عنه الإعادة توسعة من الله تعالى على عباده ورحمة لهم، ويجب عليه التحفظ في
المستقبل واستحب له الاستغفار، وكذلك إن ارتمس في الماء ناسيا أو كذب على رسول الله
صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ساهيا فحكمه ما وصفناه.
ومن أكل أو شرب أو جامع أو فعل شيئا مما ينقض الصيام على التعمد وهو يظن أن
الفجر لم يطلع وكان طالعا فلا حرج عليه إن كان قد رصد الفجر فلم يره وعليه تمام يومه
74

ذلك بالصيام، فإن بدأ بالأكل أو الشرب أو بشئ مما عددناه قبل أن ينظر الفجر ثم تبين بعد
ذلك أنه كان طالعا وجب عليه تمام ذلك اليوم ولزمه القضاء، وإن سأل غيره عن الفجر
فخبره أنه لم يطلع فقلده وأكل وشرب أو جامع ثم بان له أنه كان طلع فعليه القضاء لأنه فرط
واعتمد في الفرض على غيره مع قدرته على معرفة الوقت حين نظر إلا أن يكون ممن
لا يضبط معرفة الفجر للسوء في بصره أو يكون ممنوعا من طلبه بضرب من الموانع فلا حرج
عليه إذا كان الذي خبره مأمونا في ظاهره.
ومن كان يأكل أو يشرب أو يجامع فقال له قائل كف فإن الفجر قد طلع فلم يكف
وظن أنه قد كذبه ثم بان له أن الفجر كان طالعا وجب عليه القضاء. ومن ظن أن الشمس
قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر ثم تبين له أنها لم تكن غابت في تلك الحال
وجب عليه القضاء لأنه انتقل عن يقين في النهار إلى ظن في الليل فخرج عن الفرض بشك
وذلك تفريط منه في الفرض الذي هو لله تعالى.
ومن تمضمض واستنشق يتبرد بذلك أو يتنظف فدخل حلقه شئ من الماء وإن لم يتعمد
إدخاله وجب عليه القضاء ولو كان تمضمضه واستنشاقه لطهارة يريد بها الصلاة لم يكن
عليه إذا دخل حلقه شئ منه القضاء.
ولو أحرز في فيه ذهبا أو فضة أو غيرهما من الأحجار لضرورته إلى ذلك فابتلعه على غير
التعمد لم يكن عليه قضاء، ولو أدخله فاه عابثا أو مع استغنائه عن ذلك فبلعه لوجب عليه
القضاء. ولو كان في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة غليظة فدخل حلقه من ذلك شئ لم يكن
عليه قضاء، وإن تعمد الكون في ذلك المكان وله غناء عن الكون فيه فدخل حلقه شئ من
ذلك وجب عليه القضاء.
ومن قبل امرأته فأمذى لم يكن عليه حرج، وكذلك من باشرها فإن أمنى وجب عليه
الكفارة كما يجب على المجامع ووجب عليه القضاء، فإن نظر إلى ما يحل له النظر إليه من
أزواجه أو ما ملكت يمينه أو من يريد أن يملك نكاحه وكانت نية السلامة فأمنى لم يجب عليه
القضاء، فإن نظر إلى غيرهن ممن يحرم عليه النظر إليهن فأمنى وجب عليه القضاء، وإن
تشهي أو أصغى إلى حديث فأمنى وجب عليه القضاء أيضا.
75

باب قضاء شهر رمضان وحكم من أفطر فيه على التعمد والنسيان ومن وجب
عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر فيهما أو كان عليه نذر من صيام:
ومن فاته شئ من شهر رمضان فإن شاء قضى متتابعا وإن شاء قضى متفرقا على أي
الوجهين قضى فقد أجزأه.
وقد روي عن الصادق ع أنه قال: إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم
وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد فإن كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين
الثمانية الأيام إن شاء ثم فرق الباقي. والوجه في ذلك أنه إن تابع بين الصيام في القضاء لم
يكن فرق بين الشهر في وصفه وبين القضاء فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار ليقع
الفرق بين الأمرين كما وصفناه. والذي قدمناه من التخيير بين المتابعة والتفصيل على
حسب ما يلائم ما ذكرناه في هذا الشرح الذي بيناه.
ومن وجب عليه قضاء شهر رمضان أو شئ من واجب الصيام لم يجز له التطوع حتى
يؤدى الواجب وينهض بالفرض ثم يتطوع حينئذ إذا شاء، ومن أصبح جنبا في يوم قد كان
بيت له الصيام لقضاء شهر رمضان أو التطوع لم يجز له صيامه وأخره إلى يوم غيره يكون
فيه طاهرا قبل دخول اليوم عليه وذلك مخالف لحكم شهر رمضان.
ومن أصبح صائما لقضاء يوم من شهر رمضان فأفطر فيه ناسيا لم يكن عليه حرج
وتم بقية يومه بالصيام، فإن تعمد فيه الإفطار قبل الزوال لم يكن عليه شئ وصام يوما بدله
إذا شاء، فإن أفطر بعد الزوال وجب عليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين وصيام يوم
بدله، فإن لم يمكنه الإطعام فثلاثة أيام بدل الإطعام، ومن تطوع بالصيام فأفطر أي وقت كان
من النهار لم يجب عليه القضاء سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده إلى آخر النهار وحكم
الفرض مخالف لهذا بما قدمناه.
ويؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن
يبلغ الحلم، بذلك جاءت الآثار. والمستحاضة تفطر في شهر رمضان الأيام التي كانت عادتها
وتصوم باقي الأيام.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في إفطار يوم من شهر رمضان أو قتل خطأ
76

أو كفارة ظهار أو نذر أوجبه على نفسه فأفطر قبل أن يأتي بالصيام على الكمال فإن حكمه
يختلف وله أحكام:
فإن تعمد الإفطار لغير عذر قبل أن يكمل صيام شهر من الشهرين أو بعد أن أكمله
من غير أن يصوم من الثاني شيئا فعليه أن يستقبل الصيام.
فإن تعمد الإفطار بعد أن صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وعليه البناء على
ما مضى والتمام.
فإن مرض قبل أن يكمل الشهر الأول بالصيام أو بعد أن أكمله قبل أن يكون صام من
الثاني شيئا فأفطر للمرض فليس عليه في كلتا الحالتين الاستقبال وإنما عليه البناء على
ما مضى والتمام، وليس هذا كالأول لأنه فرط في ذلك وهذا شئ أتاه من قبل الله تعالى فعذره
ولم يلزمه ما لزم متعمد الإفطار لغير عذر أجاز له ترك الصيام.
فإن سافر وقد صام بعض ما وجب عليه لزمه الصيام على كل حال ولم يجز له الإفطار
لأن الصيام حق وجب عليه لسبب أوجبه على نفسه ولم يكن فرضا مبتدأ كشهر رمضان
فيسقط عنه مع السفر كما ذكرناه.
فإن نذر أن يصوم شهرا فصام نصفه ثم تعمد الإفطار لغير عذر أخطأ في ذلك وكان
عليه البناء على ما مضى ولم يلزمه الاستقبال.
فإن صام أقل من نصفه ثم أفطر لزمه الاستقبال، وبين هذا في الحكم وبين صيام
شهرين متتابعين فرق جاءت به الآثار عن آل محمد صلوات الله عليهم.
فإن مرض أفطر أي وقت كان من الشهر ووجب عليه البناء ولم يلزمه الاستقبال على
ما قدمناه.
ومن نذر أن يصوم يوما بعينه فأفطر لغير عذر وجبت عليه الكفارة على ما يجب على
من أفطر يوما من شهر رمضان وعليه قضاؤه، فإن أفطر لضعف لحقه لا يمنعه من الصيام
غير أن ذلك يشق عليه وجبت عليه الكفارة، إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام
متتابعات وكان عليه القضاء، فإن مرض مرضا يمنع من الصيام فأفطر لم يكن عليه حرج
ووجب عليه القضاء وإن سافر وجب عليه في السفر صيام ذلك اليوم بعينه ولم يجز له لأجل
77

السفر الإفطار، والفرق بينه وبين شهر رمضان ما سلف من الكلام وهو أن شهر رمضان
فرض بدأ الله تعالى به لعباده فرخص لهم في إفطاره في السفر والنذر فرض أدخله الانسان
على نفسه وعلقه بشرط لزمه القيام به فلم يسغ له فيه الخلاف.
باب الاعتكاف وما يجب فيه من الصيام:
والاعتكاف هو أن يلزم الانسان المسجد فلا يخرج منه إلا لحدث يوجب الطهارة
أو عيادة مريض أو تشييع جنازة أو أمر ضروري لا بد له منه، وإذا خرج من المسجد فلا يظله
سقف يجلس تحته حتى يعود إلى المسجد، ويجب عليه كف الجوارح وغض البصر
والتشاغل بالخيرات، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ولا يكون
الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم وقد روي أنه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي
نبي. ومن أفطر وهو معتكف لغير عذر أو جامع وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر
رمضان متعمدا بغير علة.
والمساجد التي جمع فيها نبي أو وصي نبي فجاز لذلك الاعتكاف فيها أربعة مساجد:
المسجد الحرام جمع فيه رسوله الله صلى الله عليه وآله، ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله
صلى الله عليه وآله أيضا وأمير المؤمنين عليه السلام، ومسجد الكوفة جمع فيه أمير المؤمنين
عليه السلام، ومسجد البصرة جمع فيه أمير المؤمنين عليه السلام. والمراد بالجمع
فيما ذكرناه الجمعة صلاها هاهنا بالناس جماعة دون غيرها من الصلوات.
باب وجوه الصيام وشرح جميعها على البيان:
والصوم أربعين وجها كما جاء به الأثر عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما
السلام، عشرة أوجه منها واجبة على اختلاف وجوه لزومها في الصيام، وعشرة أوجه منها
صيامها حرام، وأربعة عشر وجها صاحبها فيها بالخيار، وثلاثة أوجه وهي صوم الأذن وله
أوصاف وصوم التأديب وصوم السفر وصوم المرض وله أحكام.
78

فأما الواجب مما ذكرناه:
فصوم شهر رمضان قال الله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون، يعني بقوله تعالى كتب فرض وأوجب.
وصوم شهرين متتابعين يجب على من تعمد إفطار يوم من شهر رمضان وفرض ذلك
على لسان النبي ص قال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا، وقال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله.
وصوم شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عز وجل: والذين يظاهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، إلى قوله: فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا.
وصيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ قال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلى قوله: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
توبة من الله وكان الله عليما حكيما.
وصيام ثلاثة أيام متتابعة في كفارة اليمين قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون
أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا
حلفتم.
وصيام أذى حلق الرأس واجب قال الله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فهو بالخيار إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء تصدق
على ستة مساكين لكل مسكين مد من طعام وإن نسك كان بشاة.
وصيام دم المتعة في الحج واجب قال الله عز وجل: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك
عشرة كاملة، فإذا لم يجد المتمتع بالعمرة إلى الحج من الهدي لإعساره فعليه أن يصوم بدل
ذلك ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عز وجل: فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا
79

عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما، فإذا لم يجد الجزاء
نظر قيمته وفضها على البر فصام لكل نصف صاع يوما. وصيام الاعتكاف واجب
وفرض ذلك على لسان الرسول ص قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وصيام النذر واجب قال الله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، وقال: إن العهد كان
مسؤولا.
وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق وصوم يوم
الشك على أنه من شهر رمضان فإن صامه الانسان على أنه من شعبان أحسن وأصاب وقد
تقدم القول فيه بما يغني عن إعادته هاهنا وصوم الصمت حرام وصوم الوصال حرام
وهو أن يجعل الانسان عشاءه سحوره وصوم الدهر حرام وصوم نذر المعصية حرام.
وأما الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم الاثنين والخميس والجمعة وصوم ثلاثة أيام
البيض وهي يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، وإنما سميت بالبيض باسم لياليها
واستحقت لياليها هذا الاسم لأن القمر يطلع فيها من غروب الشمس ولا يغرب حتى
تطلع. وستة أيام من شوال بعد الفطر تسميه العامة تشييع شهر رمضان. ويوم عرفه
لمن لا يضر به الصوم. ويوم عاشوراء على وجه الإمساك فيه لمصيبة آل محمد عليهم السلام.
فأما صوم الأذن فهو أنه لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا يصوم العبد تطوعا
إلا بإذن سيده، ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن مضيفه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: من نزل على قوم فلا يصم تطوعا إلا بإذنهم.
وأما صوم التأديب فإن الصبي إذا راهق قبل أن يبلغ الحلم أخذ بالصيام تأديبا فإذا
ألح عليه الجوع والعطش أفطر ومتى أطاق صيام ثلاثة أيام متتابعات أخذ بصيام الشهر
كله، والعليل إذا أفطر في أول النهار وصلح في بقية اليوم وأطاق الصيام ولم يضر به وشق
عليه صام بقية اليوم تأديبا، والمسافر إذا قدم بلده أو البلد الذي ينوي فيه المقام الذي يجب عليه
معه التمام وقد كان أكل وشرب أمسك تأديبا إلى آخر النهار، والحائض إذا طهرت في
80

بعض النهار وقد كانت أكلت وشربت في صدر النهار أمسكت تأديبا وعليها القضاء.
وأما صوم السفر فإنه لا يجوز إذا كان المسافر في طاعة الله عز وجل أو المباح على
ما قدمناه. والمرض فلا يصم فيه أحد إذا كان الصوم يضر به ويزيد في المرض الذي
هو به، فإن صام انسان في سفر أو مرض مما وصفناه عصى ربه ووجب عليه القضاء إلا أن
يكون جاهلا بذلك غير متعمد على النعت الذي شرحناه فيما سلف وبيناه.
باب صيام ثلاثة أيام في كل شهر وما جاء في ذلك من الآثار:
واعلم رحمك الله أن الله تعالى أكمل صيام الفرض بالتطوع كما أكمل صلاة
الفرض بالتطوع وذلك أنه روي عن النبي ص أنه قال: عرضت على أعمال
أمتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا فجعلت مع كل فريضة مثلها نافلة ليكون من أتى
بذلك قد حصلت له الفريضة لأن الله تعالى يستحي أن يعمل له العبد عملا فلا يقبل منه
الثلث، ففرض الله تعالى الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة وسن رسول الله صلى
الله عليه وآله أربعا وثلاثين ركعة وقد تقدم شرح ذلك.
وفرض الله تعالى صيام شهر رمضان في كل سنة وسن رسول الله صلى الله عليه وآله
صيام ستين يوما في السنة ليكمل فرض الصوم فجعل في كل شهر ثلاثة أيام خميسا، في
العشر الأول منه وهو أول خميس في العشر، وأربعا في العشر الأوسط منه وهو أقرب إلى
النصف من الشهر وربما كان النصف بعينه، وآخر خميس في الشهر.
وقال عليه السلام: صوم ثلاثة أيام في كل شهر تعدل صوم الدهر ويذهب بوجر
الصدور، وسئل الصادق عليه السلام عن تأويل هذا القول وكيف صار صوم ثلاثة أيام في
كل شهر يعدل صوم الدهر؟ فقال عليه السلام: لأنه كلما صام يوما كتب الله له صوم عشرة
أيام فإذا صام في كل شهر ثلاثة أيام على ما رتبناه كتب الله له صيام الشهر كله قال الله
عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم
شعبان وصلته بشهر رمضان.
وقال الصادق ع: صوم شعبان وصلته بشهر رمضان والله توبة من الله،
81

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري.
وقال الصادق عليه السلام: من صام شعبان أدركته رحمة الله بدعوة رسول الله صلى
الله عليه وآله فإذا صام العبد ثلاثة أيام في كل شهر وصام شعبان كان قد أتى من صوم النافلة
مثلي صوم الفريضة على ما بيناه.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم
دائما حتى يقال إنه لا يفطر ثم يفطر ويواصل الإفطار حتى يقال أنه لا يصوم إلا الفرض ثم صام
يوما وأفطر يوما وهو صوم داود ع ثم ترك ذلك كله وصام ثلاثة أيام في كل
شهر ودام على ذلك إلى أن قبضه الله عز وجل فصار صيام هذه الثلاثة الأيام سنة من عمل
بها أصاب خيرا كثيرا.
باب صيام الأربعة الأيام في السنة:
وقد ورد الخبر عن الصادقين ع بفضل صيام أربعة أيام في السنة وجاءت
الآثار بعظيم الثواب في صيامها، فليس يكاد أحد من الشيعة يخل بصيامها إلا لعذر لتأكيد
أمرها عند الطائفة بأسرها، فأول يوم منها يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو اليوم
الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة، ويوم
السابع والعشرين من رجب وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ومن
صامه كان صيامه كفارة ستين شهرا، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو اليوم
الذي دحا الله فيه الأرض من تحت الكعبة ومن صامه كفر الله عنه ذنوب ستين سنة، ويوم
الغدير وهو اليوم الذي نصب فيه رسول الله ص أمير المؤمنين عليه السلام
إماما ومن صامه لم يستبدل به وكتب الله له صيام الدهر. وقد سلف القول في هذا المعنى فيما
مضى من هذا الكتاب على أتم شرح مما ذكرناه.
باب صيام رجب والأيام منه:
وروي عن الصادق ع أنه قال: إن نوحا ركب في السفينة أول يوم من
82

رجب وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم فمن صامه تباعدت النار عنه مسير سنة ومن
صام اليوم الأول والثاني تباعدت عنه النار مسيرة سنتين ومن صام فيه سبعة أيام أغلقت
عنه سبعة أبواب النيران فإن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنان ومن
صام خمسة عشر يوما منه أعطي مسألته ومن زاد زاده الله عز وجل.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: في الجنة نهر يقال له رجب أشد بياضا من
الثلج وأحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر.
وروي عن النبي ص أنه قال: من صام رجبا كله كتب الله له رضاه ومن
كتب له رضاه لم يعذبه.
باب صيام شعبان:
روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: من صام يوما من شعبان دخل الجنة،
وقال عليه السلام: صوم شعبان وصوم شهر رمضان شهرين متتابعين والله توبة من الله.
وقال الباقر عليه السلام: من صام شعبان كان طهورا له من كل زلة ووصمة وفهة
وبادرة. وقال عليه السلام: إن صوم شعبان صوم النبيين وصوم أتباع النبيين فمن صام
شعبان فقد أدركته دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله عليه السلام: رحم الله من
أعانني على شهري.
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: شهر رمضان شهر الله وشهر شعبان شهر رسول
الله صلى الله عليه وآله ورجب شهري.
وروى محمد بن سنان عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل صام
أحد من آبائك شعبان؟ قال: نعم كان آبائي يصومونه وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه
فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله أن يعطيه جنتين
ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة: يا فلان طبت وطابت لك الجنة كفى بك
أنك سررت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موته.
83

باب الزيادات في ذلك:
روى إسماعيل بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طوبى لمن ظمئ أو جاع للبر أولئك الذين يشبعون يوم
القيامة طوبى للمساكين بالصبر هم الذين يرون ملكوت السماوات.
وروى أبو حمزة الثمالي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الصائم
منكم ليرتع في رياض الجنة وتدعو له الملائكة حتى يفطر.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن المؤمن إذا قام ليلة ثم أصبح
صائما نهاره لم يكتب عليه ذنب ولم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة ولم يتكلم بكلمة
خير إلا كتب له بها حسنة وإن مات في نهاره صعد بروحه إلى عليين وإن عاش حتى يفطر
كتبه الله من الأوابين.
وروى راشد بن محمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة.
وروى النعمان بن سعد عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله لرجل: إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر تاب الله
فيه على قوم ويتوب الله فيه على آخرين.
وروى أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن
زكريا دعا ربه لثلاث مضين من المحرم فاستجاب الله له فمن صام ذلك اليوم ودعا ربه
استجيبت دعوته كما استجيبت لزكريا عليه السلام وقال النبي صلى الله عليه وآله: دخلت
الجنة فرأيت أكثر أهلها الذين يصومون ثلاثة أيام في كل شهر فقلت: كيف خص به
الأربعاء والخميسان؟ فقال: إن من قبلنا من الأمم كان إذا نزل عليهم العذاب نزل في هذه
الأيام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله الأيام المخوفة.
وقد جاء في صوم يوم عرفة وعاشوراء ما قدمناه من التخيير وجاء
فيه تفضيل وجاء فيه كراهية.
وروي عن علي بن الحسين عليه السلام أنه سئل عن صيام يوم عرفة فقال: إنه يوم
84

عمل واجتهاد ودعاء ومسألة وأخاف أن أصومه فيضعفني عن ذلك. وقال عليه السلام
أيضا: إني لا أصوم يوم عرفه وأكره أن يكون يوم العيد يعني أن يرد الخبر برؤية الهلال
في بعض الأصقاع فينكشف للناس أنه يوم النحر والصوم فيه محرم بالإجماع.
وسئل الصادق عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال: من صامه كان حظه حظ
بن مرجانة وآل زياد قيل: وما حظهم قال: النار:
والوجه فيما ذكرناه أنه من كان الصوم لا يضر به ولا يمنعه من الاجتهاد فصام يوم
عرفة أصاب خيرا وأتى فضلا وإن كان ممن يضر به الصيام فافطاره أفضل، ومن تيقن أول
يوم من ذي الحجة فصام على ذلك يوم عرفه ولم يكن ممن يضر به الصيام فقد أتى فضلا،
ومن شك في أول يوم من ذي الحجة كان إفطاره للاحتياط أفضل، ومن صام يوم عاشوراء
على ما يعتقد فيه الناصبة من الفضل في صيامه لبركته وسعادته فقد أثم، ومن صامه
للحزن بمصاب رسول الله صلى الله عليه وآله والجزع لما حل بعترته عليهم السلام فقد
أصاب وأجر ومن أفطر فليمسك عن الأكل والشرب إلى بعد الزوال ثم ليأكل دون
شبعه ويشرب دون ريه ولا يلتذ بالطعام والشراب وليصنع فيه كما
يصنع في المصيبة بوالده وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام أفضل من حرمة الوالد ومصيبتهم أجل وأعظم.
باب آخر من الزيادات:
وسئل الصادق عليه السلام عمن نذر أن يصوم زمانا ولم يسم وقتا بعينه فقال عليه
السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يوجب عليه أن يصوم خمسة أشهر.
وسئل عليه السلام عمن نذر أن يصوم حينا ولم يسم شيئا بعينه فقال: كان أمير
المؤمنين صلوات الله عليه يلزمه أن يصوم ستة أشهر ويتلو قول الله عز وجل: تؤتي أكلها
كل حين بإذن ربها، وذلك في كل ستة أشهر.
وسئل عن رجل أسرته الروم فحبس ولم ير أحدا يسأله فاشتبهت عليه أمور الشهور
كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: يتحرى شهرا فيصومه يعني يصوم ثلاثين يوما
85

ثم يحفظ ذلك فمتى خرج أو تمكن من السؤال لأحد نظر فإن كان الذي صامه قبل شهر
رمضان لم يجزئ عنه وإن كان هو فقد وفق له وإن كان بعده أجزأه.
وسئل عن المستحاضة كيف تصوم؟ فقال: تفطر الأيام التي كانت تحيض فيها
وتصوم باقي الشهر.
وسئل عن امرأة تبتدئ بالصوم من أول النهار فترى الدم عند اصفرار الشمس
فقال: تفطر إذا رأته وتقضي يوما مكانه.
وقال عليه السلام: لا بأس أن يذوق الطباخ المرق ليعرف حلو الشئ من حامضه
ويزق الفرخ ويمضغ للصبي الخبز بعد أن لا يبلع من ذلك شيئا ويبصق إذا فعل ذلك مرارا
أدناها ثلاث مرات ويجتهد.
وسئل عمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على صيامهما فقال: يصوم
ثمانية عشر يوما إن قدر على ذلك.
وفقه هذه الفتوى إن من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فالعوض عنه من الإطعام
إطعام ستين مسكينا فإذا صام ثمانية عشر يوما فقد صام لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام لأن
العوض عن صيام ثلاثة أيام من الإطعام إطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر على صيام
ثمانية عشر يوما ولا على الإطعام فلا شئ عليه قال الله عز وجل: ما جعل عليكم في الدين
من حرج.
وسئل عليه السلام عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة فقضى
أنه صام بالكوفة شهرا ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال فقال:
يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده.
وسئل عليه السلام عن رجل جعل على نفسه أن يصوم يوما ويفطر يوما فضعف عن
ذلك كيف يصنع؟ فقال: يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين.
وسئل عليه السلام عن رجل يشتد عليه أن يصوم في كل شهر ثلاثة أيام كيف يصنع
حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال: يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين.
وسئل عليه السلام عمن يضر به الصوم في الصيف يجوز له أن يؤخر صوم التطوع
86

إلى الشتاء؟ فقال: لا بأس بذلك إذا حفظ ما ترك.
وسئل عليه السلام عن رجل يشتد عليه الصوم أيما أفضل أن يصوم على المشقة أو
يتصدق عن كل يوم بدرهم؟ فقال عليه السلام: صدقة درهم كل يوم أفضل من صيامه.
وفقه هذا أنه من صام على المشقة لم يؤمن عليه الضرر من المرض فصدقة درهم على
مؤمن أفضل، ويحتمل أن يكون أفضل على كل حال لأن ثواب سرور أهل الأيمان أفضل عند
آل محمد عليهم السلام من التطوع بالصلاة والصيام.
وسئل عليه السلام عن السحور للصائم وفضله فقال: أما في الفرض ففيه الفضل
الكبير ولو بشربة من ماء. وأما في التطوع فهو بالخيار.
وفقه هذا أن السحور يعين على الصيام فإذا تركه في الفرض لم يؤمن عليه الضعف
عن الصيام وإذا تركه في النفل فأضعفه أفطر إذا أحب ولم يكن عليه حرج في الإفطار، وفيه
أيضا أنه خلاف على أهل الكتاب فيما يستعملونه من الصيام.
وسئل عليه السلام عن قوم يحتاج إليهم في الحصاد وغيره يصلون ولا يصومون
فإذا استعملهم انسان طلبوا منه الطعام هل يجوز له استعمالهم وإطعامهم في شهر رمضان؟
فقال عليه السلام: إذا كنت محتاجا إلى عملهم فلا حرج عليك في الإطعام
وسئل عن المتمتع بالعمرة لا يجد الهدي فيصوم ثلاثة أيام ثم يجاور كيف يصنع في
صيامه باقي الأيام؟ فقال: ينتظر بمقدار ما يصل إلى بلده من الزمان ثم يصوم باقي الأيام.
87

جمل العلم والعمل
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
89

كتاب الصوم
فصل: في حقيقة الصوم وعلامة دخول شهر رمضان وما يتصل بذلك:
الصوم هو توطين النفس على الكف عن تعمد تناول ما يفسد الصيام من أكل وشرب
وجماع وسنبينه، وفي كل زمان تعين فيه الصوم - كشهر رمضان - لا يجب فيه التعيين بل نية
القربة فيه كافية حتى لو نوى صومه لغير شهر رمضان لم يقع إلا عنه، وإنما يفتقر إلى تعيين
النية في الزمان الذي لا يتعين فيه الصوم.
ونية واحدة لصوم جميع شهر رمضان واقعة ابتداءا به كافية، وإن جددناه كان تطوعا،
ووقت النية في الصيام الواجب قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس وفي صيام
التطوع إلى بعد الزوال.
وعلامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال، فإن خفي كملت عدد الشهر الماضي ثلاثين يوما
وصمت، فإن شهد عدلان على رؤية الهلال وجب الصوم ولا تقبل فيه شهادة النساء.
وفي صيام يوم الشك ينوي أنه من شعبان، فإن ظهر فيما بعد أنه من شهر رمضان أجزأه،
ويجب على الصائم تجنب كلما سنبين أنه يفطر من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس.
91

فصل: فيما يفسد الصوم وينقضه:
من تعمد الأكل والشرب واستنزال الماء الدافق بجماع أو غيره أو غيب فرجه في فرج
حيوان محرم أو محلل أفطر وكان عليه القضاء والكفارة، ومن أتى ذلك ناسيا فلا شئ عليه.
وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة اعتماد الكذب على الله
تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام، والارتماس في
الماء والحقنة، والتعمد للقئ، والسعوط، وبلع ما لا يؤكل كالحصى وغيره. وقال قوم: إن
ذلك ينقض الصوم وإن لم يبطله، وهو أشبه.
وقالوا في اعتماد الحقنة أو ما يتيقن وصوله إلى الجوف من السعوط واعتماد القئ وبلع
الحصى: إنه يوجب القضاء من غير كفارة. وقد روي أن من أجنب في ليل شهر
رمضان وتعمد البقاء إلى الصباح من غير اغتسال كان عليه القضاء والكفارة. وروي: أن
عليه القضاء دون الكفارة. ولا خلاف أنه لا شئ عليه إذا لم يتعمد وغلبه النوم إلى أن
يصبح.
ومن ظن أن الشمس قد غربت وأفطر فظهر فيما بعد طلوعها فعليه القضاء خاصة،
ومن تمضمض للطهارة فوصل الماء إلى جوفه فلا شئ عليه، وإن فعل ذلك متبردا كان عليه
القضاء خاصة.
والكفارة اللازمة في إفطار يوم من شهر رمضان: عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم
شهرين متتابعين، قيل: إنها مرتبة، وقيل: أنه مخير فيها. فمن لم يقدر على شئ من
الكفارة المذكورة فليصم ثمانية عشر يوما متتابعات، فإن لم يقدر تصدق بما وجد وصام ما
استطاع.
فصل: في حكم المسافر والمريض ومن تعذر عليه الصوم أو شق:
شروط السفر الذي يوجب الإفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك
هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها، فإن تكلف الصوم مع
العلم بسقوطه وجب عليه القضاء على كل حال.
92

والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة، وصوم النذر إذا
علق بسفر وحضر، واختلفت الرواية في كراهية صوم التطوع في السفر وجوازه.
والمريض يجب عليه الإفطار والقضاء، وحد المرض الموجب للإفطار هو الذي يخشى من
أن يزيد فيه الصوم زيادة بينة، وإذا صح المريض في بقية يوم أفطر في صدره وجب أن يمسك
في تلك البقية وعليه مع ذلك قضاء اليوم وكذلك إذا طهرت الحائض في بقية يوم أو قدم
المسافر.
ومن بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم فلا صيام عليه ولا كفارة، وإذا أطاقه لكن
بمشقة شديدة يخشى المرض منها والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من
طعام، وكذلك الشباب إذا كابد العطاش الذي لا يرجى شفاؤه، فإن كان العطش عارضا
يتوقع زواله أفطر ولا كفارة تلزمه، وإذا برئ وجب عليه القضاء.
والحامل والمرضع إذا خافتا ولديهما من الصوم الضرر أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد
من طعام.
فصل: في حكم من أسلم أو بلغ الحلم أو جن أو أغمي عليه في شهر
رمضان:
إذا أسلم الكافر قبل استهلال الشهر كان عليه صيامه كله، وإن كان إسلامه وقد
مضت منه أيام صام المستقبل ولا قضاء عليه في الفائت، وكذلك الغلام إذا احتلم والجارية
إذا بلغت المحيض والمغمى عليه في ابتداء الشهر إذا مضت عليه أيام منه ثم أفاق يجب
عليه قضاء الأيام الفائتة، وإن كان إغماؤه بعد أن نوى الصوم وعزم عليه وصام شيئا منه أو
لم يصم فلا قضاء عليه وإن كان أكل أو شرب، وهو أعذر من الناسي.
فصل: في حكم قضاء شهر رمضان:
القاضي مخير بين المتابعة والتفريق، وقد روي: إن كان عليه عشرة أيام أو أكثر منها كان
مخيرا في الثمانية الأولى بين المتابعة والتفريق ثم يفرق ما بقي ليقع الفصل بين الأداء والقضاء.
93

ومن كان عليه قضاء واجب لم يجز أن يتطوع بصوم حتى يقضيه، ومن تعمد الإفطار في
يوم نوى فيه القضاء من شهر رمضان وكان ذلك قبل الزوال لم يكن عليه شئ وصام يوما
مكانه، فإن كان إفطاره بعد الزوال وجب عليه التكفير بإطعام عشرة مساكين وصام يوما
مكانه، فإن لم يتمكن من الإطعام صام ثلاثة أيام بدلا من الإطعام.
ومن صام متطوعا فأفطر متعمدا قبل الزوال أو بعده من النهار لم يجب عليه قضاء ذلك
اليوم.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كفارة شهر رمضان أو قتل خطأ أو ظهار أو
نذر أوجبه على نفسه فقطع التتابع لغير عذر قبل أن يكمل له صيام شهر ويزيد عليه
بصيام أيام من الثاني وجب عليه استقبال الصيام من غير بناء على الأول، وإن كان ذلك
بعد أن صام شيئا من الثاني أو عن عذر كمرض أو غيره كان له أن يبني ولم يلزمه
الاستقبال.
ومن نذر أن يصوم شهرا واحدا فصام نصفه ثم تعذر لغير عذر الإفطار كان محيطا
وبنى على ما مضى ولم يلزمه الاستقبال، ومن عين بالنذر صيام يوم فأفطر لغير عذر متعمدا
كان عليه من القضاء والكفارة ما على من أفطر يوما من شهر رمضان.
فصل: في صوم التطوع وما يكره من الصيام:
الصيام وإن كان مندوبا إليه على الجملة بعض الأوقات أفضل من بعض والصوم
فيها أكثر ثوابا، وقد نص على صوم أيام البيض من كل شهر - وهي الثالث عشر والرابع
عشر والخامس عشر - وستة أيام من شوال بعيد العيد، ويوم عرفة لمن لا يضر صيامه بعمله
فيه، واليوم السابع عشر من ربيع الأول مولد النبي صلى الله عليه وآله، واليوم
السابع والعشرين من شهر رجب يوم المبعث واليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو
دحو الأرض، ويوم الغدير.
وروي في صيام رجب فضل عظيم وأول يوم منه خاصة وسبعة أيام وثمانية أيام من أوله
إلى نصفه، وروي أيضا في صوم شعبان من الفضل الكثير.
94

فأما الصوم المنهي عنه فصوم يوم العيدين، وأيام التشريق، وصوم الوصال، وصوم
الدهر، ويكره صوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن مولاه.
كتاب الاعتكاف
الاعتكاف هو اللبث المتطاول للعبادة في مكان مخصوص، فإذا كان مبتدءا كان نفلا
وإن كان عن نذر كان فرضا، ولا بد فيه من نية، والصوم شرط في صحته.
ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد صلى فيه إمام عدل بالناس الجمعة، وهي أربعة
مساجد: المسجد الحرام مسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة. ولا يكون
الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام.
ويلازم المعتكف المسجد ولا يخرج منه إلا لحدث يوجب الوضوء أو لأمر ضروري، ويجوز
أن يعود مريضا أو يشيع جنازة، وإن خرج فلا يستظل بسقف حتى يعود إلى المسجد.
والجماع ليلا أو نهارا يفسد الاعتكاف، وعلى المجامع ليلا في اعتكافه ما على المجامع
في نهار شهر رمضان، فإذا جامع نهارا كانت عليه كفارتان، ومن أفطر بغير الجماع في
نهار الاعتكاف من غير عذر كان عليه ما على المفطر من نهار شهر رمضان.
95

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
97

مسائل الصوم
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن صوم التطوع يجزئ عنه نيته بعد الزوال، لأن
الثوري يوافق في ذلك ويذهب إلى أن صوم التطوع إذا نواه في آخر النهار أجزأه وهو
أحد قولي الشافعي أيضا، وباقي الفقهاء يمنعون من ذلك ويقولون: إذا نوى التطوع بعد الزوال
لم يجزئه.
دليلنا الاجماع الذي تقدم، وقوله تعالى: وأن تصوموا خير لكم، وكل ظاهر لقرآن
أو سنة يقتضي الأمر بالصوم والترغيب فيه لا اختصاص له بزمان دون غيره فهو يتناول
ما بعد الزوال وقبله، ولا يلزم على ذلك صوم الفرض لأنه لا يجزئ عندنا إلا بنية قبل الزوال
لأنا أخرجناه بدليل ولا دليل فيما عداه، وأقوى ما تعلقوا به أن ما مضى من النهار قبل النية
لا يكون فيه صائما فكيف يتغير باستئناف النية؟
والجواب عن ذلك أن ما مضى يلحق في الحكم بما يأتي كما يقولون كلهم في من نوى
التطوع قبل الزوال.
فإن فرقوا بين الأمرين بعد الزوال وقبله بأن قبل الزوال مضى أقل العبادة وبعده مضى
أكثرها، والأصول تفرق بين القليل والكثير في هذا الحكم كمن أدرك الإمام بعد الركوع
وقبله.
99

قلنا: إذا كانت العبادة قد مضى جزء منها وهو خال من هذه النية وأثرت النية المستأنفة
حكما في الماضي فلا فرق بين القلة والكثرة في هذا المعنى لأن القليل كالكثير في أنه وقع
خاليا، وألحقناه من طريق الحكم بالباقي، لأن تبعيض الصوم غير ممكن، وإذا أثرت النية
فيما صاحبته من الزمان وما يأتي بعده فلا بد من الحكم بتأثيرها في الماضي لأنه يوم واحد
لا يلحقه تبعيض، وقد جوزوا كلهم أن يفتتح الرجل الصلاة منفردا، ثم يأتم به بعد ذلك
مؤتم فيكون جماعة، ولم يفرقوا بين أن يمضى الأكثر أو الأقل.
وجوز الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء أن يفتتح الصلاة منفردا، ثم ينقلها إلى
الجماعة فيصير لها حكم الجماعة ولم يفرقوا بين مضى الأكثر أو الأقل، ولا يلزم على ما قلناه أن
يكون النية في آخر جزء من اليوم لأن محل النية يجب أن يكون بحيث يصح وقوع الصوم
بعده بلا فصل، وذلك غير متأت في آخر جزء، ولا يعترض ما ذهبنا إليه روايتهم عن النبي
صلى الله عليه وآله قوله: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، لأنه أولا خبر واحد
وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يعمل بها في الشريعة، ولأنا نحمله على الفضل والكمال، كما قال
عليه السلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، ولا صدقة وذو رحم محتاج.
وقد قيل: أنه محمول على الصوم الذي يثبت في الذمة مثل قضاء شهر رمضان، وصوم
النذر والكفارات.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن نية واحدة في أول شهر رمضان تكفي للشهر كله
ولا يجب تجديد النية لكل يوم، ومالك يوافق على هذا المذهب وإن خالف باقي الفقهاء فيه.
والحجة في ذلك إجماع الطائفة. وأيضا فإن النية تؤثر في الشهر كله لأن حرمته حرمة واحدة،
كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن في صوم يوم الشك فضلا وأنه يستحب بعد أن
100

ينوي أنه من شعبان وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك لأن الشافعي يكره صيام يوم الشك إلا أن
يوافق عادة للصائم. وأبو حنيفة يقول: إن نوى به التطوع لم يكره، وإن نواه عن رمضان
كره، إلا أنه لا يثبت فيه الفضيلة التي تذهب إليها الإمامية، وقال أحمد بن حنبل: إن كان
صحوا كره وإن كانت السماء متغيمة لم يكره.
والذي يدل على مذهبنا إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط لأنه إن كان من شهر رمضان
أجزأه عندنا، وإن كان من شعبان نفعه ثوابه ولم يضره، ويعارضون بما يروونه عن أمير
المؤمنين عليه السلام: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر
رمضان، وكل خبر يروونه متضمنا للنهي عن صيام يوم الشك يمكن حمله على النهي عن
صومه بنية الفرض، وأي فرق في كراهية صوم يوم الشك بين أن يجري به عادة أو يصومه
منفردا، وأي فرق بين يوم الشك وما قبله من أيام شعبان لولا اتباع الهوى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن الصيام لا تقبل فيه شهادة النساء، وباقي الفقهاء
يخالفون في ذلك. والحجة لنا إجماع الطائفة وأيضا فإن الصيام من الفروض المتأكدة
فيجوز أن لا تقبل فيه شهادة النساء تأكيدا وتغليظا فإن شهادتهن لم تسقط إلا بحيث
التغليظ.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية وإن وافقها فيه على بعض من الوجوه قوم من الفقهاء
إفسادهم الصوم بالارتماس في الماء واعتماد الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه
وآله وسلم، وإيجابهم بذلك ما يجب في اعتماد الأكل والشرب.
وقد قال الأوزاعي: أن الكذب والغيبة يفطران. وروي أن خمسا يفطرن الصائم منها
الغيبة والنميمة، وحكي عن مالك كراهية الارتماس في الماء.
والحجة في ما ذهبوا إليه إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة من
101

الصوم، ويمكن أن يكون الوجه في المنع من الارتماس أن الماء يصل معه إلى الجوف لا محالة
من المخارق التي لا يمكن ضبطها، فجعل ما هو الغالب في حكم الواقع.
مسألة: ومما انفردت الإمامية به من فقهاء الأمصار كلهم، وقد روي عن أبي هريرة وفاقهم
فيه، وحكي أيضا أن الحسن بن صالح بن حي كان يقول: يستحب لمن أصبح جنبا في شهر
رمضان أن يقضي ذلك اليوم وكان يفرق بين صوم التطوع وبين صوم الفرض في هذا الباب:
إيجابهم على من أجنب في ليل شهر رمضان وتعمد البقاء إلى الصباح من غير اغتسال
القضاء والكفارة. وفيهم من يوجب القضاء دون الكفارة، ولا خلاف بينهم في أنه إذا غلبه
النوم ولم يتعمد البقاء على الجنابة إلى الصباح لا شئ عليه.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر.
ومما يعارض المخالفون به ما يروونه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومن يومه، وليس لهم أن يحملوا هذا الخبر على من
أصبح مجامعا مخالطا لأنه بخلاف لفظ الخبر وترك لظاهره، ولو أراد ذلك لقال عليه السلام:
من أصبح مجامعا، والجماع إذا كان مفسدا للصوم فلا معنى لإضافته إلى الصباح لأنه في
النهار كله مفسد للصوم وإنما يليق بقوله ع: من أصبح جنبا، من استمر على
حكم الجنابة الواقعة قبل الصباح.
ولا يعارض هذا الخبر ما يروونه عن عائشة أن النبي ص كان يصبح
جنبا من غير احتلام ثم يصوم يومه ذلك، وفي بعض الألفاظ وذلك في شهر رمضان لأنا نتأول
هذا الخبر على أن المراد به ما وقع من غير اعتماد، وليس لهم أن يقولوا أن حكم الجنابة
لا ينافي الصوم بدلالة أنه قد يحتلم نهارا ويؤخر اغتساله ولا يفسد بذلك صومه. وذلك
أنا لم نوجب على المعتمد البقاء على الجنابة إلى الصباح الغسل لأجل المنافاة بين الجنابة
والصوم، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنبا في نهار الصوم، وليس كذلك من احتلم نهارا
واستمر على حاله لأن كونه جنبا في هذه الأحوال من غير اعتماد، ولأن بقاءه على الجنابة
102

الواقعة عن الاحتلام بالنهار ليس بأكثر من حصول الجنابة في النهار، والجنابة إذا وقعت
بالليل وتمكن من إزالتها فاعتمد البقاء عليها إلى النهار فقد اعتمد لأن يكون جنبا بالنهار
فاختلف الموضعان.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بإيجاب القضاء والكفارة على من اعتمد استنزال الماء
الدافق بغير جماع، لأن باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. وقد روي عن مالك أنه كان يقول:
كل إفطار بمعصية يوجب الكفارة، واستنزال الماء في شهر رمضان معصية بغير شبهة.
دليلنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط وبراءة الذمة. مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن من تمضمض لطهارة فوصل الماء إلى جوفه لا شئ
عليه من قضاء ولا غيره وإن فعل ذلك لغير طهارة من تبرد بالماء أو غيره ففيه القضاء
خاصة لأن هذا الترتيب والتفصيل لا يعرفه باقي الفقهاء، لأن أبا حنيفة وأصحابه يقولون:
إن كان ذاكرا لصومه فعليه القضاء وإن كان ناسيا فلا قضاء عليه. وقال ابن أبي ليلى:
لا قضاء عليه وإن كان ذاكرا لصومه.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: إذا توضأ لصلاة مكتوبة فدخل الماء حلقه
فلا شئ عليه وإن توضأ لصلاة تطوع فعليه القضاء، وهذا فيه بعض الشبه بمذهبنا.
وقال الأوزاعي: لا شئ عليه، وللشافعي قولان أحدهما: أنه إذا تمضمض ورفق ولم
يبالغ فدخل الماء إلى جوفه أنه لا يفطر، والقول الآخر: أنه يفطره، ولا يختلف قوله في أنه إذا
وصل إلى الجوف عن مبالغة فإنه يفطر.
وقال الحسن بن صالح بن حي: إن توضأ للفريضة أو لصلاة سنة فدخل حلقه من
الماء شئ في الثلاث فليس عليه قضاء، وما دخل بعد الثلاث فعليه القضاء، وهذا نظير قول
الإمامية.
103

والحجة في مذهبنا الاجماع المتكرر، ويمكن أن نتعلق في ذلك بقوله تعالى: وما جعل عليكم
في الدين من حرج، وكل الحرج أن يأمرنا بالمضمضة والاستنشاق في الصلاة، ويلزمنا
القضاء إذا سبق الماء إلى أجوافنا من غير اعتماد، ولا يلزم على ذلك التبرد بالمضمضة لأن
ذلك مكروه في الصوم والامتناع منه أولى فلا حرج عليه فيه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من تسحر ثم بان له أنه كان أكل بعد طلوع الفجر
على ضربين: إن كان أكل ولم يتأمل الفجر ولم يراعه فعليه قضاؤه، وإن كان رصده وراعاه
فلم يره فلا قضاء عليه. لأن باقي الفقهاء يخالفون في هذا التفصيل، فيوجب أبو حنيفة
وأصحابه والثوري والليث والشافعي القضاء على كل حال.
وقال مالك: إن كان الصوم تطوعا مضى فيه ولا شئ عليه وإن كان واجبا فعليه
قضاؤه.
وقال عطاء والحسن البصري: لا قضاء عليه، وإنما كانت الإمامية منفردة بهذه المسألة
لأن من أوجب القضاء من الفقهاء أوجبه بلا تفصيل وكذلك من أسقطه.
والحجة في مذهبنا إجماع الطائفة، ويمكن أن يتعلق فيه بما يروونه عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.
فإذا قيل: ذلك محمول على رفع الإثم. قلنا: هذا تخصيص بغير دليل فإن ألزمنا أن
نسقط القضاء بهذا الخبر عمن لم يرصد الفجر فرقنا بين الأمرين بأن من رصد الفجر فلم
يره قد تحرز بغاية جهده وإمكانه، وليس كذلك من لم يراعه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به ولها فيه موافق متقدم القول: بأن من صام شهر رمضان في
السفر يجب عليه الإعادة، لأن أبا حنيفة وأصحابه يقولون: أن الصوم في السفر أفضل من
الإفطار. وقال مالك والثوري: الصوم في السفر أحب إلينا من الإفطار لمن قوي عليه. وقال
104

الشافعي: هو مخير بين الصوم والإفطار، والصوم أفضل. وروي عن ابن عمران: الفطر
أفضل. وروي عن أبي هريرة أنه إن صامه في السفر لم يجزئه، وعليه أن يصومه في الحضر.
وهذا هو مذهب الإمامية بعينه.
والحجة لقولنا الاجماع المتكرر. وأيضا قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر، فأوجب تعالى القضاء بنفس السفر، ومن ادعى ضميرا في الآية وهو لفظة
" فأفطر " فهو تارك للظاهر من غير دليل.
فإن قيل: فيجب أن تقولوا مثل ذلك في قوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه، ولا تضمروا " فحلق ".
قلنا: هكذا يقتضي الظاهر ولو خلينا وإياه لم نضمر شيئا لكنا أضمرناه بالإجماع
ولا إجماع ولا دليل يقطع به في الموضع الذي اختلفنا فيه، ويعارضون بما يروونه هم عن النبي
صلى الله عليه وآله من قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
فإن قيل: معنى الخبر أن الصائم في السفر الذي يعتقد أن الفطر لا يجوز له كالمفطر في
الحضر الذي يعتقد أن الصوم لا يجب عليه.
قلنا: هذا تخصيص للظاهر بغير دليل، والظاهر أن الصائم في السفر كالمفطر في
الحضر في سائر الأحكام التي من جملتها لزوم القضاء على أن هذا تأويل منهم فاسد لأن أحدا
من المسلمين لا يسوي بين من صام في السفر واعتقد أن الفطر لا يجوز له وبين المفطر في
الحضر الذي يعتقد أن الصوم غير واجب عليه، لأن الاعتقاد الأول طريقة الاجتهاد عندهم
وفيه بعض العذر لمعتقده، والاعتقاد الثاني بخلاف ذلك وربما كان كفرا.
وإن استدلوا بما رواه أنس: من أنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وآله في
رمضان فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم لا يعيب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء. وبما
روى ابن حمزة بن عمر الأسلمي: أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الصوم في السفر،
فقال عليه السلام: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر.
قلنا لهم: نحمل هذه الأخبار على صوم التطوع، فإن التطوع بالصوم في السفر عندنا
جائز أو نحمله على صوم نذر معين، ونعارض هذه الأخبار بما رووه عن النبي صلى الله عليه
105

وآله وسلم: ليس من البر الصيام في السفر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن المريض الذي أبيح له بالإجماع الفطر في شهر رمضان متى
تكلف الصوم لم يجزئه ووجب عليه القضاء، لأن باقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يوجبون
عليه القضاء، والحجة في هذه المسألة هي الحجة في المسألة الأولى من الاجماع، والآية التي
تلوناها وبينا الكلام فيها فلا معنى لإعادته.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم وجب
عليه الإفطار بلا كفارة ولا فدية، وإن كان من ذكرنا حاله لو تكلف الصوم لتم له لكن بمشقة
شديدة يخشى المرض منها والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من الطعام.
وهذا التفصيل لا يعرفه باقي الفقهاء، فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا في الشيخ الذي
لا يطيق الصيام: يفطر ويطعم في كل يوم نصف صاع من حنطة. وقال الثوري: يطعم، ولم
يذكر المبلغ. وقال الشافعي: يفطر ويطعم في كل يوم مدا. وقال مالك: لا أرى عليه إطعاما
فإن فعل فحسن، وكذلك قال ربيعة.
والحجة في مذهبنا إجماع الطائفة، ومما يجوز أن يستدل به على أن الشيخ الذي لا يطيق
الصيام يجوز له الإفطار من غير فدية قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإذا لم يكن
في وسع الشيخ الصوم خرج من الخطاب به ولا فدية عليه إذا أفطر، لأن الفدية إنما يكون
عن تقصير وإذا لم يطق الشيخ الصوم فلا تقصير وقع منه.
ويدل على أن من أطاق من الشيوخ الصوم لكن بمشقة شديدة يخشى منها المرض يجوز
له أن يفطر ويفدي، قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية، ومعنى الآية أن الفدية تلزم مع
الإفطار، وكان الله تعالى خير في ابتداء الأمر بهذه الآية الناس كلهم بين الصوم وبين الإفطار
والفدية ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، وأجمعوا على تناول
106

هذه الآية لكل من عدا الشيخ الهرم ممن لا يشق عليه الصوم، ولم يقم دليل على أن الشيخ
إذا خاف الضرر دخل في هذه الآية، فهو إذن تحت حكم الآية الأولى التي تناولته كما تناولت
غيره ونسخت عن غيره وبقيت فيه فيجب أن يلزمه الفدية إذا أفطر لأنه مطيق للصوم.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من نذر صوم يوم بعينه فأفطره لغير عذر وجب
عليه قضاؤه ومن الكفارة ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بلا عذر،
وباقي الفقهاء يخالف في ذلك ولا يوجبون الكفارة.
دليلنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط وبراءة الذمة، ومخالفونا إذا كانوا يذهبون إلى
القياس كيف ذهب عليهم أن حكم النذر في الوجوب حكم يوم من شهر رمضان فكيف
افترقا في وجوب الكفارة على المفطر فيهما؟
فإن قالوا: لأن النذر وجب عليه بسبب من جهته، وصوم يوم من شهر رمضان وجب
عليه ابتداء.
قلنا: وأي تأثير لهذا الفرق في سقوط الكفارة، وقد علمنا أنهما مع الافتراق فيما ذكرتم
ينقض صومه ويفسده في النذر، كلما أفسده في صوم شهر رمضان، وأحكام الصومين كلها
غير مختلفة، وإن افترقا من الوجه الذي ذكرتم.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن من نوى من الليل صيام يوم بعينه قضاء عن شهر
رمضان فتعمد الإفطار فيه لغير عذر، وكان إفطاره بعد الزوال وجب عليه كفارة، وهي
إطعام عشرة مساكين وصيام يوم بدله، وإن لم يقدر على الإطعام أجزأه أن يصوم ثلاثة أيام
عن ذلك، وإن كان إفطاره في هذا اليوم قبل الزوال كان عليه قضاء اليوم ولا كفارة عليه.
وباقي الفقهاء لا يعرفون هذا التفصيل ولا يوجبون هاهنا كفارة بل قضاء يوم فقط،
والحجة لمذهبنا الاجماع الذي يتكرر وطريقة الاحتياط وبراءة الذمة.
107

مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن كفارة الإفطار في شهر رمضان على سبيل التعمد
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وأنها على التخيير لا على
الترتيب.
وقد روي عن مالك التخيير بين هذه الثلاث كما تقول الإمامية، وعند أبي حنيفة
وأصحابه والشافعي أنها مرتبة ككفارة الظهار.
والذي يدل على صحة مذهب الإمامية الاجماع المتكرر، ويعارض المخالفون بما رواه ابن
جريح عن الزهري، ورواه أيضا مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وآله أمر من أفطر في شهر رمضان أن يكفر بعتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وليس لأحد أن يحمل لفظة أو في الخبر على الواو
كما قال تعالى: مائة ألف أو يزيدون، لأن ذلك مجاز، والكلام على ظاهره، ولا له أن يدعي حذفا
في الخبر، ويكون تقدير الكلام: أو صيام شهرين إن تعذر عليه العتق، لأن الظاهر لا يقتضي
الحذف. ونحن مع الظاهر.
وليس للمخالف أن يتعلق بما روي عنه عليه السلام من قوله: من أفطر في رمضان فعليه
ما على المظاهر، لأن المعنى في ذلك التسوية بينهما في جنس الكفارة لا في كيفيتها من ترتيب
أو تخيير، ولا إشكال في أن كفارة المظاهر من جنس كفارة المفطر في شهر رمضان، وإنما
الخلاف في الكيفية من ترتيب أو تخيير.
ولا تعلق لهم أيضا بما يروى عنه عليه السلام من قوله وقد جاء رجل فقال: أفطرت في
رمضان، فقال عليه السلام: أعتق رقبة، وذلك أن من قال بالتخيير يذهب إلى أنه مأمور
بكل واحدة من الكفارات فلم يلزمه ع من عتق رقبة إلا ما هو واجب في هذه
الحال، ولم يقل له: أعتق رقبة فإنه لا يجزئك سواها، كما لم يقل له: أعتق رقبة وأنت مخير بينها
وبين غيرها، فظاهر الخبر إذا لا حجة فيه علينا.
108

مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به ولها فيه موافق سنذكره القول: بأن الصوم يقضى عن
الميت، كانا فرضنا رجلا مات وعليه أيام من شهر رمضان لم يقضها بغير عذر فيتصدق عنه
لكل يوم بمد من طعام، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه، فإن كان له وليان فأكبرهما.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يرون أنه يصام عن الميت بل يتصدق عنه. وحكي
عن أبي ثور أنه يصام عن الميت في قضاء رمضان، وفي النذر وهذه موافقة للإمامية.
والحجة للإمامية الاجماع المتكرر، وقد طعن على ما نقوله بقوله تعالى: وأن ليس للإنسان
إلا ما سعى، وأن ذلك ينفي أن يكون سعي غيره له، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من
قوله: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وولد صالح يترحم عنه وعلم
ينتفع به، ولم يذكر فيه ع الصوم عنه. فالجواب عن ذلك أن الآية إنما تقتضي أن
لا ثواب للإنسان إلا بسعيه، ونحن لا نقول أن الميت يثاب بصوم الحي وتحقيق القول في هذا
الموضع أن من مات وعليه صوم فقد جعل الله تعالى هذه الحال له سببا في وجوب صوم على
وليه وسماه قضاء، لأن سببه التفريط المتقدم، والثواب على الحقيقة في هذا الفعل لفاعله
دون الميت.
فإن قيل: فما معنى قولهم: صام عنه، إذا كان لا يلحقه وهو ميت ثواب ولا حكم لأجل
هذا العمل.
قلنا: معنى ذلك أنه صام وسبب صومه تفريط الميت ولأنه حصلت به علقة، قبل عنه من
حيث كان التفريط المتقدم سببا في لزوم هذا الصوم.
فأما الخبر الذي رووه فمحمول أيضا على هذا المعنى، وأن المؤمن ينقطع بعد موته
عمله فلا يلحقه ثواب ولا غيره، والذي ذهبنا إليه يخالف ذلك، وخبرهم هذا معارض
بما يروونه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
وفي خبر آخر أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت له: إنه كان على أمي
صوم شهر فأقضيه عنها؟ فقال ع: أ رأيت أن لو كان على أمك دين أ كنت
تقضيه؟ قالت نعم، قال ع: فدين الله تعالى أحق أن يقضى. وبما رواه ابن
109

عباس عن النبي صلى الله عليه وآله في صوم النذر قال عليه السلام: أنه أمر وليه أن
يصوم عنه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الاعتكاف لا ينعقد إلا في مسجد صلى فيه إمام
عدل بالناس الجمعة وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة
ومسجد البصرة.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك لأن أبا حنيفة وأصحابه يقولون يجوز الاعتكاف في كل
مسجد جماعة، وبذلك قال الثوري وفي إحدى الروايتين عن مالك.
وروى ابن عبد الحكم عن مالك: أنه لا يعتكف أحد إلا في مسجد الجامع وفي رحاب
المساجد التي يجوز الصلاة فيها. وذهب حذيفة إلى أن: الاعتكاف لا يصح إلا في ثلاثة
مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد إبراهيم عليه السلام.
والحجة لنا مضافا إلى الاجماع طريقة الاحتياط وبراءة الذمة، لأن من أوجب على نفسه
اعتكافا بنذر يجب أن يتيقن براءة ذمته مما وجب عليه ولا يحصل له اليقين إلا بأن يعتكف
في المواضع التي عيناها، ولأن الاعتكاف حكم شرعي ويرجع في مكانه إلى الشرع،
ولا خلاف في الأمكنة التي عيناها مشروعة فيه، ولا دليل على جوازه فيما عداها،
ولا اعتراض على ما قلناه بقوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، لأن هذا
لفظ مجمل، ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق، ولا منافاة بينه وبين
مذهبنا.
ويجوز أن يكون وجه تخصيص هذه المساجد الأربعة لتأكيد حرمتها وفضلها وشرفها
على غيرها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المعتكف إذا جامع نهارا كان عليه كفارتان،
110

وإذا جامع ليلا كان كفارة واحدة. وإن أكره زوجته وهي معتكفة نهارا كان عليه أربع
كفارات، وإن أكرهها وهي معتكفة ليلا كان عليه كفارتان، والكفارة هي التي تلزم المجامع
نهارا في شهر رمضان.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يلزمون مفسد اعتكافه شيئا سوى القضاء. وذهب
الزهري والحسن إلى أنه: إن وطئ في الاعتكاف لزمته الكفارة، وهذا القول يوافق من
وجه قول الإمامية، إلا أننا ما نظنهما كانا يذهبان إلى أن الكفارة تلزم في الوطء بالليل
كما ذهبت الإمامية إليه.
دليلنا الاجماع المتقدم وطريقة الاحتياط ولأن المعتكف قد لزمه حكم متى أفسد اعتكافه
بلا خلاف، وإذا فعل ما ذكرناه برئت ذمته بيقين وبلا خلاف، وليس كذلك إذا قضى ولم يكفر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام، ومن
عداهم من الفقهاء يخالفون في ذلك، لأن أبا حنيفة والشافعي يجوزان أن يعتكف يوما واحدا
وقال مالك: لا اعتكاف أقل من عشرة أيام.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر، وأيضا فإن مقادير أزمنة العبادات لا تعلم
إلا بالنص وطريقة العلم وما تقوله الإمامية من الزمان مستند إلى ما هذه صفته، وما يقوله
مخالفها يستند إلى طريق الظن، والظن لا مجال له فيما جرى هذا المجرى.
فتعلق مالك بأن النبي صلى الله عليه وآله اعتكف في العشر الأواخر ليس بشئ لأن
اعتكافه صلى الله عليه وآله عشرة أيام لا يدل على أنه لا يجزئ أقل منها.
وتعلق من حده بيوم أو أقل من ذلك بقوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد،
فإن الظاهر يتناول الزمان الطويل والقصير غير صحيح، لأن الاعتكاف اسم شرعي.
ومن ذهب إلى أنه ما انتقل بالشرع وأنه اسم للبث المقصود بالعبادة يجعل له شروطا
شرعية تراعى في إجراء الاسم عليه فلا بد من رجوع إلى الشرع إما في الاسم أو في شروطه،
والله تعالى نهى عن المباشرة مع الاعتكاف، فمن أين لهم أن ما يكون في أقل من ثلاثة
111

أيام يتناوله هذا الاسم وتحصل له الشروط الشرعية فلا دلالة إذا في هذا الظاهر.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن المعتكف ليس له إذا خرج من المسجد أن
يستظل بسقف حتى يرجع إليه، والثوري يوافق الإمامية في ذلك. وحكى عنه الطحاوي
في كتاب الاختلاف: أن المعتكف لا يدخل تحت سقف إلا أن يكون ممره فيه فإن دخل فسد
اعتكافه، وباقي الفقهاء يجيزون له الاستظلال بالسقف.
والحجة للإمامية الاجماع المتقدم وطريقة الاحتياط واليقين بأن العبادة ما فسدت ولا يقين
إلا باجتناب ما ذكرناه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن للمعتكف أن يعود المريض ويشيع الجنازة،
وهو مذهب الحسن بن حي، وإنما خالف فيه باقي الفقهاء وروي عن الثوري أنه أجاز له
عيادة المريض.
والحجة للإمامية الاجماع المتقدم، وأيضا فإن تشييع الجنازة والصلاة على الميت من فروض
الكفايات وعيادة المريض من السنن المؤكدة المفضلة، والاعتكاف لا يمنع من
العبادات.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن ليس للمعتكف أن يبيع ويشترى ويتجر، ومالك
يوافق الإمامية في ذلك وإن كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يجيزون للمعتكف التجارة
والبيع والشراء.
والحجة للإمامية الاجماع المتقدم ولأن من اجتنب التجارة صح اعتكافه ولم يفسد بيقين
وليس كذلك من اتجر.
112

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
113

كتاب الصيام
المسألة السادسة والعشرون والمائة:
إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية.
هذا صحيح مذهبنا وإليه ذهب أبو حنيفة ولم يفرق بين رؤيته قبل الزوال فهو لليلة
الماضية وبعد الزوال لليلة المستقبلة. وقال أحمد: في آخر الشهر مثل قوله وفي أوله مثل قول
من خالفنا احتياطا للصوم. دليلنا الاجماع المتقدم ذكره وأيضا ما روي عن أمير المؤمنين
وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وأنس أنهم قالوا: إن رئي الهلال قبل الزوال فهو
لليلة الماضية ولا مخالف لهم.
المسألة السابعة والعشرون:
شهر رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوما:
هذا صحيح وإليه يذهب جميع أصحابنا إلا شذاذا لا اعتبار بقولهم وهو مذهب جميع
الفقهاء ومن خالف في هذه المسألة فقد سبقه الاجماع والذي يبطل قوله أن النبي صلى الله
عليه وآله رأى الأهلة وعلق الأحكام بها في الصوم والفطر الهلال وقال عليه السلام
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وهذا كله يبطل قول
115

أصحاب العدد ومن ادعى أن شهر رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما وقد أملينا في هذه
المسائل كتابا مفردا استقصينا الكلام فيه فمن أراد الاستيفاء رجع إليه.
المسألة الثامنة والعشرون والمائة:
صوم يوم الشك أولى من إفطاره.
هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا وقال: أصحاب أبي حنيفة إذا صام يوم الشك
تطوعا أو قضاءا أو نذرا كان عليه جزاؤه ولم يكن له ذلك وقال الشافعي يكره يوم الشك
إلا أن يوافق عادة ويذهب إلى أنه إن صامه عن نذر أو قضاء أو كفارة سقط به الفرض وقال
أحمد: إن كان صحوا فمكروه صومه وإن كان غيم لم يكره وروي ذلك عن ابن عمر وقال
الحسن وابن سيرين التأسي بالإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا دليلنا على صحة
ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره وأيضا قوله تعالى وأن تصوموا خير لمن وهذا عام في
سائر الأيام وأيضا فإنه يوم في الحكم من شعبان بدلالة قول النبي ص وإن
غم عليكم فعدوا ثلاثين فجاز صومه بنية شعبان فأما ما يحتاج به المخالف بما رواه أبو هريرة
أنه عليه السلام نهى عن صوم ستة أيام في السنة اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان
ويوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم عليه السلام والجواب عن جميعه إنا نحمل
هذه الأخبار على أنه إن صام بنية شهر رمضان للأدلة المتقدمة.
المسألة التاسعة والعشرون والمائة:
ويفسد الصيام كل ما يصل إلى جوف الصائم بفعله وبالوطئ ودواعيه إذا اقترن
بالإنزال.
هذا صحيح ويجب أن يشرط فيه الاعتماد ولا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم
من جهة أنه إذا اعتمد أنه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب وإنما يخالف
في ذلك الحسن بن صالح وقال إنه لا يفطر وروي نحوه عن أبي طلحة والإجماع متقدم
116

ومتأخر عن هذا الخلاف فسقط حكمه فأما الحقنة فلم يختلفه في أنها تفطر وقال الحسن
بن حي لا يفطر ما يصل من غير الفم وقال مالك إن كان كثيرا أفطره وإن كان قليلا لم يفطره
والإجماع سابق لخلاف الحسن بن أبي صالح ومتأخر عنه فأما تفرقة مالك بين الكثير
والقليل فغير صحيح لأن ما يفطر لا يفرق بين قليله وكثيره فأما الوطء فلا خلاف في أنه
يفسد الصيام فأما دواعيه التي يقترن بها الإنزال فأنزل غير مستدع للإنزال لم يفطر وهو
مذهب الشافعي وقال مالك إن أنزل في أول نظرة أفطر ولا كفارة عليه وإن كرر حتى أنزل
أفطر وعليه الكفارة دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره وأيضا فإن
الاحتراز من النظر لا يمكن في الأغلب فرفع عنه وعما يحصل منه بقوله تعالى ما جعل
عليكم في الدين من حرج ولهذا لو طار الذباب ودخل في حلقه لم يفسد صومه.
المسألة الثلاثون والمائة:
من أفطر في شهر رمضان متعمدا فلا كفارة عليه في إحدى الروايتين وعليه الكفارة
في الرواية الأخرى.
الذي يذهب إليه أصحابنا أن من تعمد الأكل والشرب والجماع المتقدم أنه
لا خلاف في أن من أفسد صومه فأكل وشرب فقد تعلق على ذمته حق لله تعالى وأجمعوا على
أنه إذا قضى وكفر برئت ذمته والإجماع على براءة ذمته متى قضى ولم يكفر ولا دليل يتمم
اليقين فيجب أن يكفر ليبرأ ذمته بيقين كما اشتغلت بيقين وأيضا ما روي عنه السلام أنه
قال من أفطر في شهر رمضان فعليه ما على المظاهر فإن قيل لفظ المظاهر بالإطلاق لا يتناول
العامد وغيره وهو عام فيهما وعلى العامد كفارة وعلى المفطر مثلها وأيضا فقد روي أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أفطرت في شهر رمضان فقال عليه السلام أعتق رقبة
فخرج كلامه مخرج الجواب لسؤال السائل وصار السؤال مضمرا في الجواب فكأنه قال
عليه السلام أعتق رقبة لأنك أفطرت.
117

المسألة الحادية والثلاثون والمائة:
من فسق وترك الصيام ثم تاب فلا قضاء عليه.
عندنا أن القضاء واجب على من ذكره ولا خلاف بين الفقهاء كلهم في هذه المسألة
وقد بينا الكلام فيها تقدم عند ذكر من ترك الصلاة في حال فسقه ثم تاب واستوفيناه
والإجماع متقدم للخلاف في هذه المسألة.
المسألة الثانية والثلاثون والمائة:
من شرع في الصوم ثم أفسده لزمه القضاء.
عندنا أن القضاء لا يلزم من شرع في صوم التطوع ثم أفسده وقد بينا الكلام في ذلك
والأدلة عليه فيما تقدم في مسألة من شرع في صلاة التطوع ثم أفسدها.
المسألة الثالثة والثلاثون والمائة:
لا يجوز التفريق في قضاء صوم شهر رمضان إلا من عذر.
عند أصحابنا أنه مخير بين التفريق والمتابعة في قضاء صوم شهر رمضان وهو قول أبي
حنيفة وأصحابه والشافعي وقال مالك والثوري وابن حي يقضيه متتابعا أحب إلينا فإن
فرق أجزأه وروي عن أبي عمر أن التتابع شرط وهو قول النخعي وداود دليلنا على ما ذهبنا
إليه بعد الاجماع المتردد قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
والعدة تقع على المتتابع والمتفرق وأيضا فإن التتابع حكم شرعي زائد على وجوب القضاء
على الجملة فالأصل الشرع فمن أثبته فعليه الدليل وأيضا ما رواه نافع عن ابن عمر أن
النبي عليه السلام قال: من كان عليه شئ من قضاء شهر رمضان إن شاء صامه متتابعا وإن
شاء صامه متفرقا فإن قالوا قد أمر بالقضاء في الآية أمرا مطلقا والأمر المطلق على الفور
قلنا إذا سلمنا كان ذلك التعلق به باطلا لأنه لو كان الأمر بالقضاء على الفور لكان يجب متى
أمكنه القضاء أن يتعين الصوم فيه حتى لا يجزئ سواه ولا خلاف في أنه يؤخر القضاء وإنما
الخلاف تتابعه بعد الشروع فيه.
118

المسألة الرابعة والثلاثون والمائة:
لا اعتكاف إلا بصوم.
عندنا أن الصوم من شرط صحة الاعتكاف ووافقنا على ذلك أبو حنيفة ومالك
وقال الشافعي: يصح الاعتكاف بغير صوم وفي الأوقات التي لا يصح فيها الصوم مثل
يوم النحر والفطر والتشريق دليلنا بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى وأنتم عاكفون في
المساجد والاعتكاف لفظ شرعي مفتقر إلى بيان والله تعالى لم يبينه في كتابه واحتجنا إلى
بيان من غيره فلما وجدنا النبي لم يعتكف إلا بصوم كان فعله ذلك بيانا للجملة المذكورة في
الآية وفعله إذا وقع على وجه البيان كان كالموجود في أوجه الآية وأيضا ما رواه هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله: لا اعتكاف إلا بصوم وروي عن عمر أنه قال
يا رسول الله إني نذرت أن اعتكف يوما في الجاهلية فقال له النبي: اعتكف وصم ومعنى قول
عمر في الجاهلية أنه نذر قبل فتح مكة في حال كان أهلها في الجاهلية وليس معناه أنه نذر في
حال الشرك لاتفاقهم على أنه نذر في حال الكفر إن يعتكف لم يلزمه بعد الاسلام شئ فإن
احتج المخالف بما يرويه ابن عباس عن النبي ص أنه قال: ليس على
المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه فالجواب عنه أنه يحتمل أن يريد به ليس على
المعتكف في شهر رمضان صوم آخر لأجل الاعتكاف.
المسألة الخامسة والثلاثون والمائة:
من شرع في الاعتكاف ثم أفسده لزمه
القضاء.
الذي في هذه المسألة ليس يخلو الاعتكاف من أن يكون واجبا بالنذر أو تطوعا فإن
كان واجبا لزم مع إفساده القضاء وإن كان تطوعا لم يلزمه القضاء لأن التطوع لا يجب عندنا
بالدخول فيه وقد تكلمنا في ذلك في من دخل في صلاة تطوع أو صوم تطوع ثم أفسدها.
119

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
121

باب حقيقة الصيام وضروبه
حقيقة الصوم في الملة العزم على كراهية أمور مخصوصة في زمان مخصوص
لكون ذلك مصلحة مخلصا به لمكلفه سبحانه، والأمور التي بكراهيتها يكون المكلف
صائما: الأكل والشرب والازدراد والجماع واستنزال المني والكذب على الله تعالى أو على
رسوله أو على أحد الأئمة من آله عليهم السلام والتصبح على الجنابة والحيض
والاستحاضة والنفاس والارتماس في الماء وجلوس النساء فيه إلى أوساطهن والقئ
والسعوط والحقنة والتقطير في الأذن والوقوف في الغبار المتكاثف.
ومن توابعه الواجبة: اجتناب قبائح الأصوات كالعود والطنبور، والأقوال الكاذبة كالكذب
والنميمة، ورؤية المحرمات والبطش والسعي فيما لا يحل والعزم على شئ من
ذلك.
ومن فضائله: قطع زمانه بتلاوة القرآن والتسبيح والصلاة على محمد وآله صلى الله
عليه وآله والاجتهاد في العبادة والإكثار من فعل الخيرات وصلة الأرحام وبر الإخوان وتفطير
الصوام واجتناب مجالسة الحلائل ومحادثتهن فما فوق ذلك من ضم أو تقبيل، والتبرد
بالماء وشم المسك والزعفران والنرجس والسواك بالرطب ومضغ العلك، والفصاد
والحجامة ودخول الحمام وإتعاب الجسم بالأعمال وقطع الزمان بما لا يجدي نفعا دينيا ولا دنيويا
123

من المباح.
والزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والمصلحة إن كان صومه فرضا
فلكونه لطفا في واجبات العقول وإن كان نفلا فلكونه لطفا في مندوبها، والإخلاص أن يفعله
قربة إلى الله تعالى بريئا من كل غرض سواها، وهو على ضربين: مفروض ومسنون.
والمفروض ستة عشر ضربا: صوم شهر رمضان وصوم قضاء الفائت وصوم كفارته
وصوم النذر وصوم كفارة من أفطر فيه وصوم الاعتكاف وصوم كفارة الإفطار فيه وصوم
جزاء الصيد وصوم كفارة حلق الرأس وصوم دم المتعة وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة
القتل وصوم نقض العهد وصوم كفارة البر (كذا) وصوم كفارة اليمين وصوم مفوت العشاء
الآخرة
والمسنون على ضروب منها: صوم ثلاثة أيام في كل شهر: خميس في أوله وأربعاء في
وسطه وخميس في آخره، وصوم شعبان وصوم رجب وصوم المحرم وصوم السابع عشر من
ربيع الأول مولد رسول الله ص، ويوم السابع والعشرين من رجب مبعث
النبي صلى الله عليه وآله، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو
الأرض من تحت الكعبة، ويوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير، وأول يوم من ذي الحجة
وهو يوم مولد إبراهيم عليه السلام، ويوم عرفة والأيام البيض من كل شهر، والخميس
والجمعة والسبت من كل شهر محرم وصوم الحاجة وستة أيام من شوال وصوم داود عليه
السلام.
ولا يجوز كذا التطوع بالصوم في غير ما ذكرناه من الأزمنة ولا شئ من مفروضة
ولا مسنونة في العيدين وأيام التشريق، وصوم الدهر والوصال ونذر المعصية ويوم الشك
على أنه من شهر رمضان.
فصل في صوم شهر رمضان:
فرض صوم الشهر يتعين على كل مكلف صحيح مخاطب بتمام الصلاة إلا المتصيد
للتجارة، وعلامة دخوله رؤية الهلال وبها يعلم انسلاخه، ويقوم مقامها شهادة رجلين
124

عدلين في الغيم وغيره من العوارض وفي الصحو وانتفائها إخبار خمسين رجلا فإن تعذر
الأمران وجب تكميل شعبان ثلاثين يوما وعقد النية، فإن قامت البينة برؤية الهلال ليلة يوم
قد أفطر في أوله فعليه قضاؤه وإن كان قد صام من شعبان فهو مجزئ في تكليفه ولا قضاء
عليه، ويجزئه أن ينوي ليلة الشهر قبل طلوع الفجر صيامه، وتجريد النية لكل يوم قبل
طلوع فجره أفضل.
والنية هي العزم على كراهية الأمور المذكورة للوجوه المبينة، فأما اجتناب هذه الأمور
فواجب في كل حال، فإن كان مريضا مرضا يرجى زواله لم يجز له الصوم وفرضه صيام أيام
أخر، فإن كان مريضا مرضا لا يرجى زواله فعليه أن يكفر عن كل يوم بإطعام المسكين.
فإن عجز عن الصوم لكبر سقط عنه فرض الصوم وهو مندوب إلى إطعام مسكين
عن كل يوم، والحامل والمرضع إذا أضر بهما الصوم أفطرتا وكفرتا عن كل يوم بإطعام
مسكين فإذا أفصلت المرضع وطهرت الحامل قضتا ما أفطرتاه، وإذا دخل الشهر على
حاضر لم يحل له السفر مختارا وإن وافق دخوله وهو مسافر لم يحل له الصوم فإن صام لم
يجزئه، والنفاس والحيض مانعان من صحة الصوم فإذا طهرت المرأة قضت ما تركته لهما.
ولا يجوز لمن سقط عنه فرض الصوم ببعض ما ذكرناه من الأعذار أن يتملأ من الطعام
والشراب بل يقتصر على ما يمسك الرمق، ولا يجوز له الجماع مختارا ما لم يخف فسادا في
الدين، فإذا قدم المسافر وبرئ المريض وطهرت الحائض والنفساء وبلغ الغلام وأسلم
الكافر وقد بقيت من النهار بقية أمسك كل منهم عن الطعام تأديبا، وإذا رأت المرأة الحيض
أو نفست وقد بقي من النهار جزء وإن قل أفطرت يومها وقضته.
وإذا عزم المرء على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حاضرا، فإن خرج قبل الزوال
أفطر وإن تأخر إلى أن تزول الشمس أمسك بقية يومه وقضاه وإن عزم على السفر بعد
طلوع الفجر ليوم قد نفذت نية صومه لزمه صومه، فإن تعمد الأكل والشرب أو الازدراد
أو الجماع أو إنزال الماء أو الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على أحد
الأئمة عليهم السلام أو الصباح على الجنابة أو عزم على ذلك فسد صومه ولزمه القضاء
بصيام يوم والكفارة عن كل يوم بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
125

مسكينا، وقد روي: أنه إن أفطره بشرب خمر أو جماع حرام فعليه الثلاث كفارات، وإن تعمد
القئ أو السعوط أو الحقنة أو التقطير في الأذن أو ارتمس الرجل في الماء أو جلست المرأة إلى
وسطها أو فرط في الغسل حتى أصبح أو أصغى إلى حديث أو ضم أو قبل فأمنى أو وقف في
غبرة مختارا فعليه القضاء بصيام يوم مكان يوم، وإن أتى شيئا من ذلك ساهيا أو مع فقد
التحصيل لجنون أو غيره فلا شئ عليه.
ومن أدخل إلى فمه شيئا لغير ضرورة ولا عبادة فسبق إلى حلقه فعليه القضاء وإن
كان لضرورة أو عبادة فبلغه من غير قصد فلا شئ عليه، وإن أفطر ظانا أن الشمس قد
غربت ثم ظهر له أنها كانت طالعة، أو أكل أو شرب أو فعل ما يفسده ظانا أن ما عليه ليلا ثم
تبين له أن الفجر كان طالعا فعليه القضاء، فإن كان بما فعله مستحلا فهو مرتد بالأكل
والشرب والجماع، وكافر بما عدا ذلك يحكم فيه بأحكام المرتدين أو الكفار، وإن كان محرما
فعلى سلطان الاسلام أن يحده إن كان ما أتاه مما يوجب حدا كالزنا أو شرب الخمر ويؤدبه
لحرمة الشهر، وإن كان مما لا يوجب حدا بالغ في تأديبه وتلزمه في حقه التوبة مما أتاه، فإن
قصد إلى رؤية ذات محرم أو أصغى إلى محظور أو نطق بقبيح قول أو بطش أو سعى فيما لا يحل
أو عزم على شئ من ذلك فهو مأزور وصومه ماض ولا قضاء عليه ولا كفارة، وإن كان عن
سهو فلا شئ عليه، وإن خالف في شئ من فضائل الصوم التي ذكرناها نقص ثواب صومه
ولا إثم عليه.
فصل في صوم القضاء والكفارة:
يلزم من تعين عليه فرض القضاء لشئ من شهر رمضان أن يبادر به في أول أحوال
الإمكان والموالاة أفضل، وإن دخل الشهر الثاني وعليه شئ من فائت الأول لم يتمكن من
قضائه ما بين الشهرين فليصم الحاضر ويكفر عن كل يوم من الفائت، فإذا أكمله قضى
الفائت وإن كان ممن تمكن من القضاء بينهما ففرط فيه فليصم الحاضر ويكفر عن كل يوم
من الفائت بإطعام مسكين فإذا أكمل الشهر فليصم ما فاته من الأول.
ولا يجوز لمن عليه فائت أن يتطوع بصوم حتى يقضيه، فإذا أفطر في يوم عزم على
126

صومه قضاء أقبل الزوال فهو مأزور، وإن كان بعد الزوال تعاظم وزره ولزمته الكفارة صيام
ثلاث أيام أو إطعام عشرة مساكين، وإن كان القضاء لإفطار ما تجب له الكفارة ففرضها
متعين مع القضاء.
فصل في صوم النذر والإفطار فيه:
من تعين عليه بالنذر صوم كل خميس أو جمعة أو كل رجب أو شعبان أو أول الخميس
من شهر كذا أو ثاني يوم قدومه إلى غير ذلك من الأزمنة المتعينة التي لا مثل لها وجب عليه
صوم ما نذره بعينه وجوبا مضيقا، فإن أفطر في شئ مختارا فعليه ما على من أفطر في يوم من
شهر رمضان مختارا فإن كان لضرورة يطيق معها الصوم لمشقة فعليه كفارة إطعام عشرة
مساكين أو صوم ثلاثة أيام وإن كان لضرورة لا يطيق معها الصوم فلا كفارة عليه، والقضاء
لازم له على كل حال.
وإن اتفق نذره المعين في شهر رمضان سقط فرضه وإن اتفق في يوم فطر أو أضحي أو أيام
التشريق فليفطر ولا قضاء عليه لشئ من ذلك ولا كفارة، لأن النذر إنما يتعلق بما يصح
صومه وإفطاره قبل النذر فيجب به وشهر رمضان واجب قبل النذر بأمره تعالى وصوم
عيدين وأيام التشريق محرم فلا يدخل النذر على شئ منه، وإن علق نذره بزمان معين له
مثل يوم خميس ما أو شهر محرم وجب عليه صوم ذلك فإن صام غيره لم يجزئه ولزمه الصوم
في الزمان المتعين بالنذر، وإن شرط في نذره الموالاة ففرق مختارا لم يجزئه ولزمه الاستئناف
وإن كان مضطرا بنى على ما مضى.
وإن نذر أن يصوم يوما ويفطر يوما صوم داود ع فوالى الصوم أو الإفطار
مختارا لم يجزئه ولزمه الاستئناف وإن كان مضطرا بنى على ما مضى، وإن نذر أن يصوم في
موضع بعينه كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو بعض
مشاهد الأئمة عليهم السلام وجب ذلك، وإن لم يتمكن وكان نذره متعلقا بزمان معين لا مثل
له صام بحيث هو، وإن كان غير ذلك تربص إلى حين التمكن فإن ظن استمرار العذر صام
ما وجب عليه بحيث هو، وإن أفطر في يوم عزم على صومه لنذر أوجبه عليه وله مثل فهو
127

مأزور وعليه مثله، وإن نذر أن يصوم شهرا فهو مخير في الشهر، فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله
فإن أفطر فيه مضطرا فليبن على ما صام منه وإن كان مختارا في النصف الأول فليستأنف
الصوم وإن كان في الثاني فليبن وهو مأزور.
فصل في صوم الاعتكاف وكفارة الإفطار فيه:
الاعتكاف اللبث المتطاول للعبادة في مكان مخصوص واللبث ثلاثة أيام فما فوقها
ولا اعتبار بها من دون التعبد، والمكان مكة ومسجد النبي ص ومسجد الكوفة الأعظم ومسجد
البصرة كذلك دون سائر الأمكنة، ومن شرطه الصوم، وهو على ضربين:
أحدهما يجب الدخول فيه والثاني لا يجب.
فالأول ما وجب عن نذر فإن كان معلقا بزمان معدود وجب تكميله بحيث نذر وإن لم
يكن معدودا اعتكف ثلاثة أيام وهو بالخيار فيما بعد، وإن كان تطوعا فهو بالخيار ما لم يعزم
على صومه ويدخل المسجد عازما عليه فيلزمه المضي فيه ثلاثة أيام ثم هو فيما زاد عليها
بالخيار، وإن استأنف اعتكافا بعد ما مضى ثلاثة أيام في الواجب والمندوب فهو بالخيار في
المضي والفسخ ما لم يمض له يومان فإن مضيا لزمه تكميله ثلاثا.
ومن شروطه: ملازمة المسجد ليلا ونهارا واجتناب الخروج منه إلا لإزالة حدث
أو عيادة مريض أو تشييع جنازة ولا يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود إليه ويلزمه في النهار
ما يلزمه الصائم ويجتنب الجماع في الليل كالنهار، فإن أفطر نهارا أو جامع ليلا فسخ
اعتكافه ووجب عليه استئنافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، ولا يجوز للمرأة أن
تعتكف تطوعا إلا بإذن زوجها ولا للعبد والأمة إلا بإذن السيد، وإذا مرض المعتكف فاضطر
إلى الخروج منه خرج فإن زال العذر رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه.
فصل في صوم كفارة جزاء الصيد:
يجب على من قتل نعامة ولم يتمكن من بدلها ولا الإطعام عنها أن يصوم ستين يوما،
وعن حمار الوحش أو بقرة الوحش صوم ثلاثين يوما وعن الذئب أو الثعلب أو الأرنب صوم
128

ثلاثة أيام وعن كل ما لا مثل له من النعم بالكل نصف صاع من بر من قيمته صيام يوم،
فإن كان قاتل الصيد محرما في الحرم فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم، وهو بالخيار في تفريق
هذا الصوم وموالاته والموالاة أفضل.
فصل في كفارة حلق الرأس:
يجوز للمحرم إذا أضر به طول الشعر حلق رأسه ويكفر عن ذلك إن لم يقدر على
النسك والإطعام بصيام ثلاثة أيام متوالية، فإن فرق مختارا استأنف وإن كان مضطرا بنى.
فصل في صيام دم المتعة:
يلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج وتعذر عليه الذبح وثمنه أن يصوم ثلاثة أيام في
الحج: يوم السابع من ذي الحجة والثامن والتاسع، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله متوالية،
فإن فرق مختارا استأنف وإن كان مضطرا بنى، فإن لم يصم إلا يومين قبل يوم النحر صام
بعد أيام التشريق يوما وإن صام يوما واحدا قبله أو لم يصم شيئا فليصم ثلاثة أيام بعد أيام
التشريق وإن جاور بمكة أو صد عن وطنه فلينتظر أن يمضى من الزمان ما كان يصل فيه إلى
أهله ويصوم السبعة الأيام كذا.
فصل في كفارة اليمين وفوت عشاء الآخرة:
يلزم من حنث في يمين توجب الكفارة وتعذر عليه العتق أو الكسوة أو الإطعام أن
يصوم ثلاثة أيام متوالية فإن فرق مختارا أو مضطرا فحكمه ما تقدم، ويتعين على من فرط في
صلاة عشاء الآخرة حتى جاوز النصف الأول من الليل أن يصبح صائما، فإن أفطر يومه
فهو مأزور وتلزمه التوبة مما فرط فيه.
فصل في بيان أحكام صيام شهرين متتابعين:
ويلزم من تعين عليه صيام شهرين متتابعين لأحد ما ذكرناه من إفطار يوم من شهر
129

رمضان أو نذر معين أو اعتكاف أو لنقض عهد أو لظهار أو لقتل عمد أو خطأ أو ليمين البر (كذا)
أو لنذر صومهما، أن يبتدئ صوم شهرين قريبين يمكن الموالاة فيهما دون شعبان لأجل
شهر رمضان، ودون شوال لأجل يوم الفطر ودون ذي القعدة وذي الحجة لأجل يوم النحر وأيام
التشريق، فإذا دخل في الصوم وجب عليه المضي فيه حتى يكمل الشهرين، فإذا أفطر في
شئ منهما مضطرا بنى على ما صامه ولو كان يوما واحدا وإن كان مختارا في الشهر الأول وقبل
أن يدخل في الثاني استأنف الصوم من أوله، وإن أفطر بعد ما يصوم من الثاني يوما
فما زاد تم بذلك وجاز له البناء على ما مضى والاستئناف أفضل.
ومن مات وعليه شئ من ضروب الصوم لم يؤده مع تعين فرضه عليه وتفريطه فيه
فعلى وليه القضاء عنه فإن لم يكن له ولي أخرج من ماله إلى من يقضي عنه وإن لم يتعين ذلك
عليه فلا شئ على وليه ولا حق في ماله.
فصل في مسنون الصيام:
أفضل الصوم ثلاثة أيام في كل شهر: خميس في أوله وأربعاء في وسطه وخميس في
آخره، ويليه صوم شعبان ويليه صوم رجب ويليه صوم الأربعة الأيام: السابع عشر من ربيع
الأول مولد رسول الله صلى الله عليه وآله والسابع والعشرين من رجب وهو يوم المبعث،
والخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، والثامن عشر من
ذي الحجة وهو يوم الغدير، ويليه صوم أول يوم من ذي الحجة ويليه صوم المحرم والأيام
البيض من كل شهر إلى باقي ضروبه.
130

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
131

كتاب الصيام
باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه:
الصوم في اللغة هو الإمساك وهو في الشريعة كذلك إلا أنه إمساك عن أشياء
مخصوصة في زمان مخصوص، والذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك
عنه والآخر الأولى الإمساك عنه، والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم
يمسك الانسان عنه بطل صومه والقسم الآخر متى لم يمسك عنه كان مأثوما وإن لم يبطل ذلك
صومه.
فأما الذي يجب الإمساك عنه مما يبطل الصوم بفعله فهو: الأكل والشرب والجماع
والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كل شئ يفسد الصيام والحقنة
والقئ على طريق العمد، وأما الذي يجب الإمساك عنه وإن لم يبطل الصوم بفعله فهو:
النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه والإصغاء إلى ما لا يحل الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش
والكلام بما لا يسوع التكلم به ولمس ما لا يحل ملامسته والمشي إلى المواضع المنهي عنها.
والذي الأولى الإمساك عنه: فالتحاسد والتنازع والمماراة وإنشاد الشعر وما يجري مجرى
ذلك مما نذكره من بعد في باب ما يفسد الصيام وما لا يفسده.
والصوم على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض على ضربين: فضرب يجب على
كافة المكلفين مع التمكن منه بالإطلاق والضرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب
133

وجوبه.
فالقسم الأول هو صوم شهر رمضان فإنه يلزم صيامه لسائر المكلفين من الرجال
والنساء والعبيد والأحرار ويسقط فرضه عمن ليس بكامل العقل من الصبيان وغيرهما،
ويستحب أن يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك
واجبا عليهم، ويسقط فرض الصيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر، أو ما يجري مجراهما
مما سنبينه فيما بعد، إن شاء الله.
والذين يجب عليهم الصيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمدا وجب عليه
القضاء والكفارة أو القضاء ومنهم من لا يجب عليه ذلك، فالذين يجب عليهم ذلك كل من
كان ظاهره ظاهر الاسلام، والذين لا يجب عليهم هم الكفار من سائر أصناف من خالف
الاسلام فإنه وإن كان الصوم واجبا عليهم فإنما يجب بشرط الاسلام، فمتى يصوموه لم
يلزمهم القضاء ولا الكفارة.
والقسم الثاني مثل صوم النذور والكفارات وما يجري مجراهما، ونحن نبين كل ذلك
في أبوابه إن شاء الله.
باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت
فرض الصوم ووقت الإفطار:
علامة الشهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع، فمتى رأيت الهلال في
استقبال شهر رمضان فصم بنية الفرض من الغد، فإن لم تره لتركك الترائي له ورئي في
البلد رؤية شائعة وجب أيضا عليك الصوم فإن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد
ورآه خمسون نفسا وجب أيضا الصوم، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان بل يلزم
فرضه لمن رآه حسب وليس على غيره شئ.
ومتى كان في السماء علة ولم ير في البلد الهلال أصلا ورآه خارج البلد شاهدان عدلان
وجب أيضا الصوم، وإن لم يكن هناك علة وطلب فلم ير الهلال لم يجب الصوم إلا أن
يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنهم رأوه، ومتى لم ير الهلال في البلد ولم يجئ من
134

الخارج من يخبر برؤيته عددت من الشهر الماضي ثلاثين يوما وصمت بعد ذلك بنية الفرض،
فإن ثبت بعد ذلك بينة عادلة أنه كان قد رئي الهلال قبله بيوم قضيت يوما بدله.
والأفضل أن يصوم الانسان يوم الشك على أنه من شعبان. فإن قامت له البينة بعد
ذلك أنه كان من رمضان فقد وفق له وأجزأ عنه ولم يكن عليه قضاء وإن لم يصمه فليس
عليه شئ، ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنه من شهر رمضان حسب ما قدمناه
ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان، فإن صام على هذا الوجه ثم
انكشف له أنه كان من شهر رمضان لم يجزئ عنه وكان عليه القضاء.
والنية واجبة في الصيام ويكفي في نية صيام الشهر كله أن ينوي في أول الشهر ويعزم
على أن يصوم الشهر كله، وإن جدد النية في كل يوم على الاستئناف كان أفضل فإن لم
يفعلها لم يكن عليه شئ، وإن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر وذكر في بعض النهار
جدد النية وقد أجزأه فإن لم يذكرها وكان من عزمه قبل حضور الشهر صيام الشهر
إذا حضر فقد أجزأه أيضا فإن لم يكن ذلك في عزمه وجب عليه القضاء.
وإذا صام الانسان يوم الشك على أنه من شعبان ثم علم بعد ذلك أنه كان من شهر
رمضان فقد أجزأه وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر فتوخى شهرا
فصامه فوافق ذلك شهر رمضان أو كان بعده فقد أجزأه عن الفرض، وإن انكشف له أنه
كان قد صام قبل شهر رمضان وجب عليه استئناف الصوم وقضاؤه، وإذا نوى الانسان
الإفطار يوم الشك ثم علم أنه يوم من شهر رمضان جدد النية ما بينه وبين الزوال وقد أجزأه
إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصيام، وإن كان تناول ما يفسد الصيام أمسك بقية النهار
وكان عليه القضاء وإن لم يعلم إلا بعد زوال الشمس أمسك بقية النهار عما يفسد الصيام
وكان عليه قضاء ذلك اليوم.
والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطعام والشراب هو طلوع الفجر المعترض الذي
يجب عنده الصلاة وقد بيناه فيما مضى من الكتاب ومحلل الأكل والشرب إلى ذلك الوقت،
فأما الجماع فإنه محلل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكن الانسان من الاغتسال، فإن غلب على
ظنه وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل لم يحل له ذلك.
135

ووقت الإفطار سقوط القرص، وعلامته ما قدمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق
وهو الوقت الذي يجب فيه الصلاة، والأفضل أن لا يفطر الانسان إلا بعد صلاة المغرب فإن
لم يستطع الصبر على ذلك صلى الفرض وأفطر ثم عاد فصلى نوافله، فإن لم يمكنه ذلك
أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه قدم الإفطار فإذا فرع منه قام إلى الصلاة فصلى
المغرب.
باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام ومالا يفسده والفرق بين ما يلزم
بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة:
الذي على الصائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصيام وضرب لا يفسده بل
ينقضه، والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفارة والضرب الآخر
يجب منه القضاء دون الكفارة.
فأما الذي يفسد الصيام مما يجب منه القضاء والكفارة: فالأكل والشرب وازدراد كل
شئ يقصد به إفساد الصيام والجماع والإمناء على جميع الوجوه إذا كان عند ملاعبة
أو ملامسة وأن لم يكن هناك جماع، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم
السلام متعمدا مع الاعتقاد لكونه كذبا، وشم الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق
والارتماس في الماء والمقام على الجنابة والاحتلام بالليل متعمدا إلى طلوع الفجر، وكذلك
من أصابته جنابة ونام من غير اغتسال ثم انتبه ثم نام ثم انتبه ثانيا ثم نام إلى طلوع الفجر،
فهذه الأشياء كلها تفسد الصيام ويجب منها القضاء والكفارة.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم
أي ذلك فعل فقد أجزأه فإن لم يتمكن فليتصدق بما تمكن منه فإن لم يتمكن من الصدقة صام
ثمانية عشر يوما فإن لم يقدر صام ما تمكن منه فإن لم يستطع قضى ذلك اليوم وليستغفر الله
تعالى وليس عليه شئ، ومتى وطئ الرجل امرأته نهارا في شهر رمضان كان عليها أيضا
القضاء والكفارة إن كانت طاوعته على ذلك وإن كان أكرهها لم يكن عليها شئ وكان
عليه كفارتان.
136

وأما الذي يفسد الصيام مما يجب منه القضاء دون الكفارة: فمن أجنب في أول الليل
ونام ثم انتبه ولم يغتسل فنام ثانيا واستمر به النوم إلى طلوع الفجر كان عليه القضاء
وصيام ذلك اليوم وليس عليه كفارة، ومن تمضمض للتبرد دون الطهارة فدخل الماء حلقه
وجب عليه القضاء دون الكفارة، وكذلك من تقيا متعمدا وجب عليه القضاء دون الكفارة
فإن ذرعه القئ لم يكن عليه شئ، وليبصق بما يحصل في فيه فإن بلعه كان عليه القضاء.
ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده ثم تبين بعد ذلك أنه كان طالعا
كان عليه القضاء فإن رصده لم يتبينه لم يكن عليه شئ، فإن بدأ بالأكل فقيل له: قد طلع
الفجر، فلم يمتنع ثم تبين بعد ذلك أنه كان طالعا وجب عليه القضاء، ومن قلد غيره في أن
الفجر لم يطلع ثم تبين أنه كان طالعا وجب عليه القضاء، ومن شك في دخول الليل لوجود
عارض في السماء ولم يعلم بدخول الليل ولا غلب على ظنه ذلك فأفطر ثم تبين بعد ذلك أنه
كان
نهارا كان عليه القضاء، فإن كان قد غلب على ظنه دخول الليل ثم تبين أنه كان نهارا لم يكن عليه شئ.
وجميع ما قدمناه مما يفسد الصيام مما يجب منه القضاء والكفارة أو القضاء وحده، متى
فعله الانسان ناسيا أو ساهيا لم يكن عليه شئ ومتى فعله متعمدا وجب عليه ما قدمناه وكان
على الإمام أن يعزره بحسب ما يراه، فإن تعمد الإفطار ثلاث مرات يرفع فيها إلى الإمام فإن
كان عالما بتحريم ذلك عليه قتله الإمام في الثالثة والرابعة وإن لم يكن عالما لم يكن عليه
شئ.
ويكره للصائم الكحل إذا كان فيه مسك وإن لم يكن فيه ذلك لم يكن به بأس،
ولا بأس للصائم أن يحتجم ويفتصد إذا احتاج إلى ذلك ما لم يخف الضعف فإن خاف كره له
ذلك إلا عند الضرورة إليه، ويكره له تقطير الدهن في أذنه إلا عند الحاجة إليه ويكره له أن
يبل الثوب على جسده، ولا بأس أن يستنقع في الماء إلى عنقه ولا يرتمس فيه حسب ما قدمناه
ويكره ذلك للنساء، ويكره للصائم السعوط وكذلك الحقنة بالجامدات ولا يجوز له
الاحتقان بالمائعات، ويكره له دخول الحمام إذا خاف الضعف فإن لم يخف فليس به بأس.
ولا بأس بالسواك للصائم بالرطب منه واليابس فإن كان يابسا فلا بأس أن يبله أيضا
137

بالماء وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته، ويكره له شم النرجس وغيره
من الرياحين وليس كراهية شم النرجس مثل الرياحين بل هي آكد، ولا بأس أن يدهن
بالأدهان الطيبة وغير الطيبة، ويكره له شم المسك وما يجري مجراه،
ويكره للصائم أيضا القبلة وكذلك مباشرة النساء وملاعبتهن فإن باشرهن بما دون
الجماع أو لاعبهن بشهوة فأمذى لم يكن عليه شئ، فإن أمنى كان عليه ما على المجامع فإن
أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر لم يكن عليه شئ ولا يعود إلى ذلك، ولا بأس
للصائم أن يزق الطائر والطباخ أن يذوق المرق والمرأة أن تمضغ الطعام للصبي ولا تبلع
شيئا من ذلك، ولا يجوز للصائم مضغ العلك ولا بأس أن يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.
باب حكم المريض والعاجز عن الصيام:
المريض الذي لا يقدر على الصيام أو يضر به يجب عليه الإفطار ولا يجزئ عنه إن
صامه وكان عليه القضاء إذ برئ منه، فإن أفطر في أول النهار ثم صح فيما بقي منه أمسك
تأديبا وكان عليه القضاء، فإن لم يصح المريض ومات من مرضه الذي أفطر فيه يستحب
لولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من الصيام وليس ذلك بواجب عليه، فإن
برئ من مرضه ذلك ولم يقض ما فاته ثم مات وجب على وليه القضاء عنه وكذلك إن كان
قد فاته شئ من الصيام في السفر ثم مات قبل أن يقضي وكان متمكنا من القضاء وجب
على وليه أن يصوم عنه.
فإن فات المريض صوم شهر رمضان واستمر به المرض إلى رمضان آخر ولم يصح
فيما بينهما صام الحاضر وتصدق عن الأول عن كل يوم بمدين من طعام فإن لم يمكنه فبمد منه
فإن لم يتمكن لم يكن عليه شئ وليس عليه قضاء، فإن صح فيما بين الرمضانين ولم يقض
ما عليه وكان في عزمه القضاء قبل الرمضان الثاني ثم مرض صام الثاني وقضى الأول وليس
عليه كفارة فإن أخر قضاءه بعد الصحة توانيا وجب عليه أن يصوم الثاني ويتصدق عن
الأول ويقضيه أيضا بعد ذلك، وحكم ما زاد على الرمضانين حكم رمضانين على السواء
وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشهر كله أو بعضه بل الحكم فيه سواء،
138

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات تصدق عنه شهر
ويقضي عنه وليه شهرا آخر، والمرأة أيضا حكمها حكم ما ذكرناه في أن ما يفوتها من الصيام
بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن تكون قد تمكنت من القضاء فلم تقضه
فإنه يجب القضاء عنها، ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسب ما قدمناه في حكم
الرجال.
وحد المرض الذي يجب معه الإفطار إذا علم الانسان من نفسه أنه إن صام زاد ذلك في
مرضه أو أضر به وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم أو يكون رمدا أو وجع الأضراس،
فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضرر، والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة
إذا عجزا عن الصيام أفطرا وتصدقا عن كل يوم بمدين من طعام فإن لم يقدرا عليه فبمد
منه وكذلك الحكم في من يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصوم وليس على واحد منهم
القضاء، والحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا بأس أن تفطرا إذا أضر بهما الصوم
وتتصدقا عن كل يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد، وكل هؤلاء الذين ذكرنا أنه يجوز لهم
الإفطار فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام ولا أن يشربوا ريا من الشراب ولا يجوز لهم أن
يواقعوا النساء.
باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله
والحائض إذا طهرت والمريض إذا برئ:
من أسلم في شهر رمضان وقد مضت منه أيام فليس عليه قضاء شئ مما فاته من
الصيام وعليه صيام ما يستأنف من الأيام، وحكم اليوم الذي يسلم فيه إن أسلم قبل
طلوع الفجر كان عليه صيام ذلك اليوم فإن لم يصمه كان عليه القضاء، وإذا أسلم بعد
طلوع الفجر لم يجب عليه صيام ذلك اليوم وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النهار، وحكم
من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه
وليس عليه قضاء ما قد مضى مما لم يكن بالغا فيه.
والمسافر إذا قدم أهله وكان قد أفطر فعليه أن يمسك بقية النهار تأديبا وكان عليه
139

القضاء، فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصوم وجب عليه الإمساك ولم يكن عليه
القضاء، فإن طلع الفجر وهو بعد خارج البلد كان مخيرا بين الإمساك مما ينقض الصوم
ويدخل بلده فيتم صومه ذلك اليوم وبين أن يفطر فإذا دخل إلى بلده أمسك بقية نهاره
تأديبا ثم قضاه حسب ما قدمناه، والأفضل إذا علم أنه يصل إلى بلده أن يمسك عما ينقض
الصيام فإذا دخل إلى بلده تمم صومه ولم يكن عليه قضاء.
والحائض إذا طهرت في وسط النهار أمسكت بقية النهار تأديبا وكان عليها القضاء
سواء كانت أفطرت قبل ذلك أو لم تفطر ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصيام في أيام
حيضها، والمريض إذا برئ من مرضه في وسط النهار أو قدر على الصوم وكان قد تناول
ما يفسد الصوم كان عليه الإمساك بقية نهاره تأديبا وعليه القضاء، وإن لم يكن قد فعل
شيئا مما يفسد الصيام أمسك بقية يومه وقد تم صومه وليس عليه القضاء.
باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذر:
يكره للإنسان الخروج إلى السفر في شهر رمضان إلا عند الضرورة الداعية له إلى
ذلك من حج أو عمرة أو الخوف من تلف مال أو هلاك أخ أو ما يجري مجراه فإذا مضى ثلاث
وعشرون من الشهر جاز له الخروج إلى حيث شاء، ومتى خرج إلى السفر وكان سفره
مما يجب عليه فيه التقصير في الصلاة وجب عليه الإفطار، وكل سفر لا يجوز له فيه
التقصير في الصلاة لم يجز له التقصير في الصوم، ومتى كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد
الرجوع فيه لم يجز له الإفطار وهو مخير في التقصير في الصلاة حسب ما قدمناه.
ومن صام في سفر يجب عليه فيه الإفطار وكان عالما بوجوب ذلك عليه كان عليه الإعادة
ولم يجزئه الصوم وأن لم يكن عالما به كان صومه ماضيا، وإذا خرج الرجل إلى السفر بعد
طلوع الفجر أي وقت كان من النهار وكان قد بيت نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار
وأن لم يكن قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم وليس
عليه قضاؤه وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الإفطار على كل حال وكان عليه
القضاء، ومتى بيت نيته للسفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن
140

يمسك بقية النهار وعليه القضاء، وإذا خرج الانسان إلى السفر فلا يتناول شيئا من الطعام
أو الشراب إلى أن يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه بلده، ولا ينبغي له أن يتملأ من
الطعام ولا أن يتروى من الشراب، ولا يجوز له أن يقرب الجماع بالنهار إلا عند الحاجة
الشديدة إلى ذلك.
ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال، وقد وردت رواية في جواز ذلك فمن
عمل بها لم يكن مأثوما إلا أن الأحوط ما قدمناه.
وصيام الثلاثة أيام في الحج واجب في السفر كما قال الله تعالى: فصيام ثلاثة أيام في الحج
وقد وردت الرغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة، ومن كان عليه صيام
وصيام الثلاثة أيام في الحج واجب في السفر كما قال الله تعالى: فصيام ثلاثة أيام في
الحج، وقد وردت الرغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة، ومن كان عليه صيام
فريضة إما قضاء شهر رمضان أو كفارة ظهار أو كفارة قتل الخطأ أو غيره من وجوه الصيام
المفروضة لم يجز له أن يصومه في السفر، فإن فعل في السفر شيئا يلزمه به الصيام انتظر
قدومه إلى بلده ولا يصوم في السفر، فإن أقام في بلد عشرة أيام فصاعدا جاز له الصيام.
وأما صيام النذور فإن كان الناذر قد نذر أن يصوم أياما بأعيانها أو يوما بعينه ووافق
ذلك اليوم أو الأيام أن يكون مسافرا وجب عليه الإفطار وكان عليه القضاء، وكذلك إن اتفق
أن يكون ذلك اليوم يوم عيد وجب عليه الإفطار وعليه القضاء لذلك اليوم، وإن كان الناذر
نذر أن يصوم ذلك اليوم أو الأيام على كل حال مسافرا كان أو حاضرا فإنه يجب عليه
الصيام في حال السفر.
باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد أو النسيان:
من فاته شئ من شهر رمضان لمرض أو سفر أو أحد الأسباب التي توجب الإفطار
فليقضه أي وقت تمكن منه ولا يقضه في سفر ولا يبتدئ بصوم تطوع وعليه شئ من صيام
شهر رمضان حتى يقضيه، وإذا أراد قضاء ما فاته من شهر رمضان فالأفضل أن يقضيه متتابعا
وإن فرقه كان أيضا جائزا فإن لم يتمكن من سرده قضى ستة أيام متواليات ثم قضى ما بقي
141

عليه متفرقا، وإن لم يتمكن وفرق جميعه، لم يكن به بأس غير أن الأفضل ما قدمناه، ولا بأس
أن يقضي ما فاته من شهر رمضان في أي شهر كان، فإن اتفق أن يكون مسافرا انتظر وصوله
إلى بلده أو المقام في بلد أكثر من عشرة أيام ثم يقضيه إن شاء.
ومن أكل أو شرب أو فعل ما ينقض الصيام في يوم يقضيه من شهر رمضان ناسيا تمم
صيامه وليس عليه شئ، فإن فعله متعمدا وكان قبل الزوال أفطر يومه ذلك ثم ليقضه
وليس عليه شئ وإن فعل ذلك بعد الزوال قضى ذلك اليوم وكان عليه إطعام عشرة
مساكين فإن لم يتمكن، كان عليه صيام ثلاثة أيام بدلا من الكفارة، وقد رويت رواية: أن
عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان، والعمل ما قدمناه ويمكن أن يكون الوجه في
هذه الرواية: من أفطر هذا اليوم بعد الزوال استخفافا بالفرض وتهاونا به فلزمته هذه
الكفارة عقوبة وتغليظا ومن أفطر على غير ذلك الوجه فليس عليه إلا الأول، وقد وردت
رواية أخرى: أنه ليس عليه شئ، ويمكن أن يكون الوجه فيها: من لم يتمكن من الإطعام
ولا من صيام ثلاثة أيام فليس عليه شئ، ومتى أصبح الرجل جنبا وقد طلع الفجر عامدا
كان أو ناسيا فليفطر ذلك اليوم ولا يصمه ويصوم غيره من الأيام.
ومن أصبح صائما متطوعا جاز له أن يفطر أي وقت شاء فإذا صار بعد الزوال
فالأفضل له أن يصوم ذلك اليوم إلا أن يدعوه أخ له مؤمن فإن الأفضل له الإفطار، ومن
أصبح بنية الإفطار جاز له أن يجدد النية لقضاء شهر رمضان أو لصيام التطوع ما بينه وبين
نصف النهار، فإذا زالت الشمس لم يجز له تجديد النية.
والحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الأيام من شهر رمضان، فإن كانت مستحاضة
في شهر رمضان صامت إلا الأيام التي كانت عادتها فيها الحيض ثم تقضي تلك الأيام، ومتى
أصبحت المرأة صائمة ثم رأت الدم فقد أفطرت وإن كان ذلك بعد العصر أو قبل غيبوبة
الشمس بقليل أمسكت وعليها قضاء ذلك اليوم، ومتى أصبحت بنية الإفطار ثم طهرت في
بقية يومها أمسكت ما بقي من النهار وكان عليها القضاء، ومتى طهرت المرأة من الحيض
أو النفاس ثم استحاضت وصامت ولم تفعل ما تفعله المستحاضة كان عليها قضاء الصوم.
ومن أجنب في أول الشهر ونسي أن يغتسل وصام الشهر كله وصلى وجب عليه
142

الاغتسال وقضاء الصوم والصلاة، والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر ونوى
الصوم ثم أغمي عليه واستمر به أياما لم يلزمه قضاء شئ فاته لأنه بحكم الصائم وإن لم
يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا،
وعندي أنه لا قضاء عليه أصلا.
باب ما يجري مجرى شهر رمضان في وجوب الصوم وحكم من أفطر فيه على
العمد والنسيان:
الذي يجري مجرى ذلك صيام شهرين متتابعين في من قتل خطأ إذا لم يجد العتق
وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار على من لم يجد عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين
على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا إذا لم يعتق ولم يطعم، فمن وجب عليه شئ من
هذا الصيام وجب عليه أن يصومه متتابعا فإن لم يتمكن من صيامه متتابعا صام الشهر
الأول ومن الشهر الثاني شيئا ثم فرق ما بقي عليه، فإن أفطر في الشهر الأول أو الثاني قبل أن
يصوم منه شيئا كان عليه الاستئناف اللهم إلا أن يكون سبب إفطاره المرض أو شيئا من
قبل الله تعالى فإنه يبني عليه على كل حال.
وليس على من وجب عليه صوم هذه الأشياء أن يصومه في السفر ولا أن يصوم أيام
العيدين ولا أيام التشريق إذا كان بمنى، فإن وافق صومه أحد هذه الأيام وجب عليه أن يفطر
ثم ليقض يوما مكانه إلا أن يكون الذي وجب عليه الصيام القابل في أشهر الحرم فإنه
يجب عليه صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم وإن دخل فيها صيام يوم العيد وأيام
التشريق، والمرأة إذا حاضت وهي تصوم شهرين متتابعين أفطرت أيام حيضها ثم لتقضها
بعد انقضاء حيضها.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أول شعبان فليتركه إلى انقضاء شهر
رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين، فإن صام شعبان ورمضان لم يجزئه إلا أن يكون قد صام
مع شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر فيجوز له البناء عليه ويتمم
شهرين، ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا فصام خمسة عشر يوما وعرض له ما يفطر فيه
143

وجب عليه صيام ما بقي من الشهر وإن كان صومه أقل من خمسة عشر يوما كان عليه
الاستئناف.
فأما صيام النذر فقد بينا حكمه فيما تقدم، فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمدا
وجب عليه ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكينا، فإن لم يتمكن صام ثمانية عشر يوما أو تصدق بما تمكن منه فإن لم
يستطع استغفر الله وليس عليه شئ، ومن نذر أن يصوم حينا من الزمان وجب عليه أن
يصوم ستة أشهر، فإن نذر أن يصوم زمانا كان عليه أن يصوم خمسة أشهر، ومن نذر أن
يصوم بمكة أو بالمدينة أو أحد المواضع المعينة شهرا بعينه فحضره وصام بعضه ولم يتمكن
من المقام جاز له أن يخرج، فإذا رجع إلى بلده قضاه على التمام، ومتى عجز الانسان عن
صيام ما نذر فيه تصدق عن كل يوم بمد من طعام.
وصوم كفارة اليمين واجب أيضا، وهو ثلاثة أيام متتابعات ولا يجوز الفصل بينهما
بالإفطار فمن فعل ذلك استأنف الصيام، وصيام أذى حلق الرأس واجب إذا لم ينسك ولم
يتصدق وصيام ثلاثة أيام لمن لم يجد دم المتعة في الحج متتابعات أيضا وصوم جزاء الصيد
بحسب قيمة جزائه وبحسب ما يلزمه من الصيام، وصوم الاعتكاف واجب أيضا
وسنفرد له بابا إن شاء الله.
باب صيام التطوع وما يكون صاحبه فيه بالخيار وصوم التأديب والإذن
وما لا يجوز صيامه:
صوم ثلاثة أيام في الشهر مستحب مندوب إليه مرغب فيه، وهو: أول خميس في العشر
الأول وأول أربعاء في العشر الثاني وآخر خميس في العشر الأخير، فينبغي أن لا يتركه الانسان
مع الاختيار فإن لم يقدر على صيام هذه الأيام في أوقاتها جاز له تأخيرها من شهر إلى شهر ثم
يقضيها، وكذلك لا بأس أن يؤخرها من الصيف إلى الشتاء ثم يقضيها بحسب ما فاته فإن
عجز عن الصيام جاز له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو بمد من طعام فإن لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شئ.
144

ويستحب صيام الأربعة أيام في السنة وهي: يوم السابع والعشرين من رجب وهو يوم
مبعث النبي صلى الله عليه وآله، ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو يوم مولده، ويوم
الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة، ويوم الثامن
عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير نصب فيه رسول الله ص أمير المؤمنين
عليه السلام إماما للأنام، ويستحب صيام أول يوم من ذي الحجة وهو يوم ولد فيه إبراهيم
الخليل عليه السلام، ويستحب صيام رجب بأسره لمن تمكن من ذلك ومن لم يتمكن صام
أول يوم منه، ويوم الثالث عشر منه وهو يوم ولد فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ويستحب
صيام شعبان وصلته بشهر رمضان فمن صامه ووصله بشهر رمضان كان توبة من الله ومن
لم يتمكن من صومه كله صام منه ما استطاع.
والصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار، فيوم الجمعة والخميس وأيام البيض من كل
شهر وستة أيام من شوال وصوم يوم عرفة ويوم عاشوراء، وأما صوم الإذن فلا تصوم المرأة
تطوعا إلا بإذن زوجها، فإن صامت من غير إذنه جاز له أن يفطرها ويواقعها وإن كانت
صائمة من قضاء شهر رمضان لم يكن له ذلك، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه
والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن مضيفه، وأما صوم التأديب فإن يؤخذ الصبي إذا راهق
بالصوم تأديبا وليس بفرض وكذلك من أفطر لمرض في أول النهار ثم قوي بقية نهاره أمر
بالإمساك عن الطعام والشراب بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من
أول النهار ثم قدم أهله أمسك بقية يومه تأديبا وكذلك الحائض إذا أفطرت في أول النهار ثم
طهرت في بقية يومها، أمسكت تأديبا وعليها قضاؤه.
وأما الذي لا يجوز صيامه على حال: فيوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق لمن
كان بمنى وصوم يوم الشك على أنه من شهر رمضان حسب ما قدمناه وصوم الوصال وهو أن
يجعل عشاءه سحوره وصوم الصمت وصوم نذر المعصية وصوم الدهر.
باب الاعتكاف:
الاعتكاف مستحب مندوب إليه مرغب فيه، وأفضل ما يعتكف الانسان فيه من
145

الأوقات العشر الأواخر من شهر رمضان فإن اعتكف في غيرها كان أيضا جائزا وفيه فضل
كبير، والمواضع التي يجوز فيها الاعتكاف كل مسجد جمع الإمام العادل فيه بالناس صلاة
جمعة يوم الجمعة وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة
ومسجد البصرة، وقد روي في بعض الأخبار: مسجد المدائن. والمعول على المساجد التي
ذكرناها، ولا يجوز الاعتكاف فيما عدا هذه المساجد التي قدمنا ذكرها.
ومتى أراد الانسان الاعتكاف فلا يعتكف أقل من ثلاثة أيام فإنه لا اعتكاف أقل منها،
ولا بد أن يصوم واجبا لأنه لا اعتكاف إلا بصوم، فمن اعتكف ثلاثة أيام كان فيما زاد
عليها بالخيار إن أراد أن يزداد ازداد وإن أراد أن يرجع رجع، فإن صام بعد الثلاثة أيام
يومين آخرين لم يجز له الرجوع وكان عليه تمام ثلاثة أيام أخر وأن كان قد زاد يوما واحدا
جاز له أن يفسخ الاعتكاف، وينبغي للمعتكف أن يشترط على ربه في حال ما يعزم على
الاعتكاف كما يشترط في حال الإحرام بأنه إن عرض له مرض وما أشبهه كان له الرجوع فيه
فإنه متى فعل ذلك ثم عرض لي مرض جاز له أن يرجع فيه أي وقت شاء فإن لم يشترط لم
يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين فإن مضى عليه يومان وجب عليه أيضا تمام
ثلاثة أيام حسب ما قدمناه.
وعلى المعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من النساء والطيب والرياحين والكلام
الفحش والمماراة والبيع والشراء ولا يفعل شيئا من ذلك، ولا يجوز له أن يخرج من المسجد
الذي اعتكف فيه إلا لضرورة تدعوه إلى ذلك من تشييع أخ أو جنازة أو عيادة مريض
أو قضاء حاجة لا بد له منها، فمتى خرج لإحدى الأشياء التي ذكرناها فلا يقعد في موضع
ولا يمشي تحت الظلال، ولا يقف فيها إلا عند الضرورة إلى أن يعود إلى المسجد، ولا يصلى
المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة خاصة فإنه يجوز له أن يصلى بمكة في أي
بيوتها شاء، ومتى اعتل المعتكف جاز له أن يخرج من المسجد إلى بيته فإذا برئ قضى اعتكافه
وصومه.
واعتكاف المرأة كاعتكاف الرجل سواء وحكمها حكمه في جميع الأشياء، فإن طمثت
خرجت من المسجد فإذا طهرت عادت وقضت الاعتكاف والصوم، ولا يجوز للمعتكف
146

مواقعة النساء لا بالليل ولا بالنهار، فمتى واقع الرجل امرأته وهو معتكف ليلا كان عليه
ما على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا،
وإن كانت مواقعته لها بالنهار في شهر رمضان كان عليه كفارتان.
147

الجمل والعقود
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
149

كتاب الصوم
الصوم عبارة في الشرع عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.
ومن شرط صحته النية:
فإن كان الصوم متعينا بزمان مخصوص على كل حال مثل شهر رمضان فيكفي
فيه نية القربة عن نية التعيين. وإن لم يكن متعينا أو كان يجوز ذلك فيه احتياج إلى نية
التعيين، وذلك كل صوم عدا شهر رمضان نفلا كان أو واجبا.
ونية القربة يجوز أن تكون متقدمة. ونية التعيين لا بد من أن تكون مقارنة. فإن فاتت
إلى أن يصبح، جاز تجديدها إلى زوال الشمس، فإن زالت فقد فات وقتها فإن كان صوم
شهر رمضان صام ذلك اليوم وقضى يوما بدله. وكذلك النذر. هذا إذا أصبح بنية الإفطار فأما
إذا أصبح صائما بنية التطوع ولم يجدد نية الفرض بأن لا يعلم فإنه يجزيه نية القربة على
كل حال.
فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم
ما يمسك عنه الصائم على ضربين: واجب ومندوب. فالواجب على ضربين:
أحدهما فعله يفسده والآخر لا يفسده. فالذي يفسده على ضربين: أحدهما يصادف ما
يتعين صومه: مثل شهر رمضان وصوم النذر المعين بيوم أو أيام. والآخر يصادف ما لا
يتعين: مثل ما عدا هذين النوعين من أنواع الصوم.
151

فما يصادف شهر رمضان والنذر المعين على ضربين:
أحدهما يوجب القضاء و الكفارة والآخر يوجب القضاء والكفارة تسعة أشياء:
الأكل والشرب. والجماع في الفرج وإنزال الماء الدافق عامدا. والكذب على الله
وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام متعمدا. والارتماس في الماء. وإيصال الغبار
الغليظ إلى الحلق متعمدا مثل غبار النقض والدقيق وما يجري مجراه. والمقام على الجنابة
متعمدا حتى يطلع الفجر. ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك.
وما يوجب القضاء دون الكفارة فثمانية أشياء:
الإقدام على الأكل والشرب أو الجماع قبل أن يرصد الفجر مع القدرة عليه ويكون
طالعا. وترك القبول عمن قال: إن الفجر قد طلع. والإقدام على تناول ما ذكرناه ويكون
الفجر قد طلع. وتقليد الغير في أن الفجر لم يطلع مع قدرته على مراعاته ويكون قد طلع.
وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته والإقدام على الإفطار لعارض يعرض
في السماء من ظلمة ثم تبين أن الليل لم يدخل. ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل أن
يغتسل من جنابة ولم ينتبه حتى يطلع الفجر. ودخول الماء إلى الحلق لمن تبرد بتناوله
دون المضمضة والاستنشاق للصلاة. والحقنة بالمايعات.
وأما ما لا يتعين صومه فمتى صادفه شئ مما ذكرناه، بطل صوم ذلك اليوم ولا يلزم
به كفارة وذلك مثل قضاء الصوم أو صوم النافلة وما أشبه ذلك.
وأما ما يوجب الإمساك عنه وإن لم يفسده، فهو جميع المحرمات والقبائح التي هي
سوى ما ذكرناه، فإنه يتأكد وجوب الامتناع منها لمكان الصوم.
وأما المندوبات فاثنا عشر شيئا:
السعوط والكحل الذي فيه من الصبر والمسك وإخراج الدم على وجه يضعفه
ودخول الحمام المؤدى إلى ذلك. وشم النرجس والرياحين. واستدخال الأشياف الجامدة.
وتقطير الدهن في الإذن. وبل الثوب على الجسد. والقبلة، وملاعبة النساء ومباشرتهن
بشهوة.
152

فصل في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه الصوم
وهي خمسة أضرب: مفروض ومسنون، وقبيح. وصوم إذن وصوم تأديب.
فالمفروض على ضربين: مطلق من غير سبب وواجب عند سبب. فالمطلق من غير
سبب صوم شهر رمضان. وشرائط وجوبه ستة: خمسة مشتركة بين الرجال والنساء، وواحد
يختص بالنساء.
فالمشترك: البلوغ وكمال العقل والصحة، والإقامة، ومن حكمه حكم الإقامة من
المسافرين. وما يختص بالنساء فكونها طاهرا. فهذه شروط في صحة الأداء.
وأما القضاء فلوجوبه ثلاثة شروط: الاسلام، وكمال العقل، والبلوغ. ووقت وجوبه
دخول شهر رمضان، وعلامة دخوله رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته دون العدد.
ومن يلزمه الصوم في السفر عشرة:
من نقص سفره عن ثمانية فراسخ. ومن كان سفره معصية الله تعالى. ومن كان
سفره لصيد اللهو والبطر. ومن كان سفره أكثر من حضره. وحده أن لا يقيم في بلده عشرة
أيام: كالمكاري، والملاح والداعي والبدوي والذي يدور في إمارته والذي يدور في تجارته
من سوق إلى سوق والبريد.
والواجب عند سبب أحد عشر قسما: قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من
مرض أو غيره. وصوم النذر وصوم كفارة قتل الخطأ وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة
اليمين وصوم كفارة كفارة أذى حلق الرأس، وصوم جزاء الصيد وصوم دم المتعة وصوم
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر
رمضان متعمدا بعد الزوال. وصوم الاعتكاف.
وينقسم هذه الواجبات ثلاثة أقسام: مضيق ومرتب ومخير.
فالمضيق ثلاثة: صوم النذر. وصوم الاعتكاف. وصوم قضاء ما يفوت من شهر
رمضان لعذر. والمخير أربعة: صوم كفارة أذى حلق الرأس. وصوم كفارة من أفطر يوما
من شهر رمضان متعمدا على خلاف فيه بين الطائفة. وصوم كفارة من أفطر يوما من
قضاء شهر رمضان بعد الزوال. وصوم جزاء الصيد.
والمرتب أربعة: صوم كفارة اليمين وصوم كفارة قتل الخاء وصوم كفارة الظهار
وصوم دم الهدي.
153

وقد بينا كيفية الأجناس الباقية من الصوم الواجب والتخيير والترتيب في النهاية
مستوفيا.
وينقسم الصوم قسمين آخرين: أحدهما يتعلق بإفطاره متعمدا من غير ضرورة
قضاء وكفارة والآخر لا يتعلق به ذلك. فالأول أربة أجناس: صوم شهر رمضان. وصوم النذر
المعين بيوم أو أيام. وصوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال. وصوم الاعتكاف.
وما لا يتعلق بإفطاره كفارة، الثمانية الأجناس الباقية من الصوم الواجب.
وهذه الواجبات تنقسم قسمين آخرين: أحدهما يراعى فيه التتابع، والآخر
لا يراعى فيه ذلك فالأول على ضربين: أحدهما: متى أفطر في حال دون حال بنى عليه
، والآخر يستأنف على كل حال:
فالأول ستة مواضع:
من وجب عليه صوم شهرين متتابعين إما في قتل الخطأ أو الظهار، أو بإفطار يوم من
شهر رمضان وما يجري مجراه من النذر المعين بيوم أو أيام، أو وجب عليه صوم شهرين
متتابعين بنذر غير معين. فمتى صادف الإفطار في الشهر الأول أو قبل أن يصوم من الثاني
شيئا من غير عذر من مرض أو حيض استأنف.
وإن كان إفطاره بعد أن صام من الثاني ولو يوما واحدا أو كان إفطاره في الشهر
الأول لمرض أو حيض يبني على كل حال وكذلك من أفطر يوما في شهر نذر صومه متتابعا
أو وجب عليه ذلك في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا قبل أن يصوم خمسة
عشر يوما من غير عذر من مرض أو حيض استأنف. وإن كان بعد أن صام خمسة عشر يوما
أو كان إفطاره قبل ذلك لمرض أو حيض بنى على كل حال. وصوم ثلاثة أيام في دم المتعة
إن صام يومين ثم أفطر بنى، وإن صام يوما ثم أفطر أعاد.
وما يوجب الاستيناف على كل حال ثلاثة مواضع: صوم كفارة اليمين. وصوم
الاعتكاف. وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
وما لا يراعى فيه التتابع أربع مواضع: سبعة الأيام في دم المتعة. وصوم النذر إذا لم
يشرط التتابع. وصوم جزاء الصيد. وصوم قضاء شهر رمضان لمن أفطر لعذر.
وأما المسنون، فجميع أيام السنة إلا أيام التي يحرم فيها الصوم. غير أن فيها ما هو
أشد تأكيدا وهي ستة عشر قسما: ثلاثة أيام من كل شهر: أول خميس في العشر الأول وأول
أربعاء في العشر الثاني وآخر خميس في العشر الأخير. وصوم يوم الغدير وهو يوم الثامن عشر
154

من ذي الحجة. وصوم المبعث: وهو يوم السابع والعشرين من رجب. وصوم يوم مولد النبي
صلى الله عليه وآله: وهو يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول. وصوم يوم دحو الأرض من
تحت الكعبة وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة. وصوم يوم عاشوراء على وجه
الحزن والمصيبة. وصوم يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء. وأول يوم من ذي الحجة وأول
يوم من رجب. ورجب كله وشعبان كله. وصيام أيام الليال البيض من كل شهر: وهو يوم
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وأما الصوم القبيح فعشرة أقسام: صوم يوم الفطر يوم الأضحى ويوم الشك على أنه
من شهر رمضان. وثلاثة أيام التشريق لمن كان بمنى. وصوم نذر المعصية. وصوم الصمت
وصوم الوصال. وصوم الدهر لأنه يدخل فيه العيدان والتشريق.
وصوم الأذن ثلاثة أنواع: صوم المرأة تطوعا بإذن زوجها، والمملوك كذلك بإذن
مولاه، والضيف كذلك بإذن مضيفه.
وصوم التأديب خمسة: المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر أمسك بقية النهار. وكذلك
الحائض إذا طهرت والمريض إذا برئ والكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ.
فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام
المريض لا يجوز له أن يصوم. ويجب عليه الإفطار. وحد المرض الذي يجب معه
الإفطار ما لا يقدر معه على الصوم أو يخاف الزيادة في مرضه. والإنسان على نفسه بصيرة
وله أحوال ثلاثة في ما بعد: إما أن يبرأ أو يموت، أو يستمر به المرض إلى رمضان آخر. فإن
برئ وجب عليه القضاء. فإن لم يقض ومات على وليه القضاء عنه. والولي هو أكبر أولاده
الذكور. فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به بعضهم
فيسقط عن الباقين. فإن لم يمت وفي عزمه القضاة من غير توان ولحقه رمضان آخر صام
الحاضر وقضى الأول ولا كفارة عليه. وإن أخره توانيا صام الحاضر وقضى الأول وتصدق عن
كل يوم بمدين من طعام وأقله مد واحد وإن لم يبرأ حتى يلحقه رمضان آخر، صام الحاضر
وتصدق عن الأول، ولا قضاء عليه. وحكم ما زاد على رمضانين حكمهما سواء.
وإن مات من مرضه ذلك، صام وليه عنه ما فاته استحبابا وكل صوم كان واجبا على
المريض بأحد الأسباب الموجبة له ثم مات، تصدق عنه أو يصوم عنه وليه.
155

والعاجز عن الصوم على ضربين: أحدهما يكفر ولا قضاء عليه. والثاني يكفر ثم
يقضي: فالأول ثلاثة: الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة. والشاب الذي به لا يرجى زواله.
والثاني ثلاثة: الحامل المقرب التي تخاف على الولد والمرضعة القليلة اللبن. ومن به عطاش
يرجى زواله.
فصل في حكم المسافرين
المسافر لا يجوز له أن يصوم رمضان ولا شيئا من الواجبات الأخر إلا النذر
المقيد صومه بحال السفر فيلزمه الوفاء به، وصوم ثلاثة أيام لدم المتعة. وما عداهما يجب عليه
الإفطار فيه فإن صام مع العلم لم يجزه.
والسفر الذي يجب فيه الإفطار يحتاج إلى ثلاثة شروط: أن لا يكون معصية. وأن
تكون المسافة بريدين، ثمانية فراسخ، أربعة وعشرين ميلا. ولا يكون المسافر سفره أكثر
من حضره وقد ذكرنا من يجب عليه الصوم في حال السفر في ما مضى وعند تكامل هذه
الشروط يجب التقصير في الصلاة والصوم ولا يجوز التقصير والإفطار إلا أن يخرج عن
بلده ويتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره.
ومن شرط صحة الإفطار خاصة تبييت النية للسفر من الليل. فإن لم يبيتها وحدث له
رأي في السفر صام ذلك اليوم ولا قضاء عليه. وإن بيت النية من الليل ولم يخرج إلى بعد
الزوال تمم وقضى ذلك اليوم.
فصل في ذكر الاعتكاف وأحكامه
الاعتكاف في الشرع عبارة عن اللبث في مكان مخصوص للعبادة ولا يصح إلا
بشروط ثلاثة. أحدها أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة المسجد الحرام أو مسجد النبي
عليه السلام أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة وثانيها: أن ينوي ثلاثة أيام. فإنه
لا يصح أقل من ثلاثة أيام وثالثها أن يصوم هذه الأيام فإنه لا يصح إلا بصوم ويجب
عليه تجنب كل ما يجب على المحرم تجنبه من النساء والطيب والممارات والجدال. ويزيد
عليه سبعة أشياء:
156

البيع والشراء والخروج عن المسجد إلا لضرورة والمشي تحت الظلال مع الاختيار.
والقعود في غيره مع الاختيار. والصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه
يصلى كيف شاء وأين شاء. ومتى جامع نهارا لزمته كفارتان. وإن جامع ليلا لزمته كفارة
واحدة مثل ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان. وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة
خرجا من المسجد ثم يعيدان الاعتكاف والصوم.
157

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
159

كتاب الصوم
ذكر: أقسام الصوم:
الصوم على أربعة أضرب: واجب وندب ومكروه ومحظور.
فالأول: صوم شهر رمضان وصوم النذر وصوم الكفارة والصوم عن دم المتعة وصوم
الاعتكاف.
والثاني: على ضربين: معين وغير معين.
فالمعين: صوم الأيام الثلاثة من كل شهر وهي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر، وستة أيام من شوال من ثاني الفطر، وصيام الأربعة الأيام في السنة وهي يوم
مولد النبي صلى الله عليه وآله وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ويوم مبعثه وهو السابع
والعشرون من رجب ويوم دحيت الأرض وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة
ويوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة، وصوم عشر ذي الحجة، وصوم عرفة لمن لم
يتم العشر، وصوم رجب أو صوم أول يوم منه والثاني أو سبعة أو ثمانية أو خمسة عشر على
ما ورد به الرسم، وصوم شعبان.
والثاني: هو ما ليس بمعين وهو سائر الأيام التي لم ينه عن صومها، فإنه قد ندب الانسان
إلى الاستكثار من الخير.
161

فأما المكروه: فما يضعف من الصيام عن العبادة، وصوم الضيف بغير إذن مضيفه،
وصوم النافلة في السفر، وصوم العبد والمرأة نفلا بغير إذن مولاه وزوجها.
وأما المحظور: فصوم العيدين، وأيام التشريق الثلاثة، وصوم يوم الشك على أنه من شهر
رمضان، وصوم الصمت، وصوم الوصال، وصوم الدهر، وصوم نذر المعصية، وصوم السفر
إذا كان السفر طاعة أو مباحا وكان الصوم واجبا، وصوم المرض الذي يزيد فيه.
ذكر: أحكام صوم شهر رمضان:
أحكامه على ضربين: واجب وندب. فالواجب معرفة ما يعرف به دخول شهر رمضان
وما يعرف به تصرمه وهو رؤية الأهلة إذا تظاهرت أو شهد بها في أوله واحد عدل وفي آخره
اثنان عدلان، فإن تعذرت رؤية الأهلة فالعدد. والنية نية القربة ونية واحدة كافية في صيام
الشهر كله والكف عن كل ما يفسد الصيام، ومعرفة دخول النهار والليل الذي رسم أن
يمسك ويفطر فيهما وهو من طلوع الفجر الثاني في أفق الإقليم إلى سقوط الشمس فيه،
واجتناب المحظور فيه.
وأما الندب: فغض الطرف عن المحارم، واشتغال اللسان بالذكر والقرآن
والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وترك سماع اللهو، وهجر المقال والسحور، وقيام
ألف ركعة، والدعاء الذي بينها، والإكثار من البر، والغسل فسبع ليال منه
أول ليلة منه وليلة النصف منه وليلة سبع عشر وهي ليلة الفرقان. وليلة تسع عشر وليلة إحدى
وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، وليلة الفطر، وأن يقرأ في ليلة ثلاث وعشرين منه " إنا
أنزلناه في ليلة القدر " ألف مرة، وسورة العنكبوت والروم.
فأما صوم النذر وما بعده فنذكره في أبوابه إن شاء الله تعالى.
ذكر: أحكام الإفطار في واجب صوم:
وهو على ضربين: نسيان وعمد. فالنسيان عفي عنه، فأما العمد فعلى
ضربين: باضطرار وغير اضطرار.
162

فالمضطر على ثلاثة أضرب:
أحدها يجب عليه في كل يوم مد من الطعام وهو الشيخ الهم الذي يطيق الصوم
بمشقة عظيمة، والحامل والمرضع اللتان تخافان على ولدهما، والشاب ذو العطاش.
والآخر يفطر من غير كفارة وهو الشيخ الهم الذي لا يطيق الصوم وذو العطاش الذي
لا يرجى برؤه.
والثالث من يجب عليه القضاء وهو كل من أفطر لعذر غير ما ذكرناه كمن أفطر لمرض
أو سفر في طاعة أو مباح، ويكون حضره أكثر من سفره.
ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا صيام الثلاثة الأيام لدم المتعة، وصوم النذر إذا
علقه بوقت حضر في السفر، وصوم الثلاثة الأيام للحاجة أربعاء وخميسا وجمعة. وقد روي
جواز صوم التطوع في السفر.
ومن أغمي عليه قبل استهلال الشهر ومضى له أيام ثم أفاق فعليه القضاء. والمريض
إذا كان صومه يزيد في مرضه زيادة بينة أفطر وعليه القضاء. ومن سأل غيره فخبره بأنه
ما طلع وأتى بما يفطر ثم ظهر أنه كان طلع لزمه القضاء. ومن أجنب في ليل شهر رمضان فنام
ناويا للغسل ثم انتبه ثم نام ناويا للغسل في ليلة ثم انتبه وقد طلع الفجر فعليه القضاء.
ومن كان في ليل شهر رمضان يأكل أو يشرب أو يجامع فخبر بطلوع الفجر فلم يكف لظنه
أنه كذبه وكان قد طلع فعليه القضاء. ومن ظن أن الشمس قد غابت وأفطر ثم ظهر له أنها
لم تكن غابت فعليه القضاء. ومن تمضمض أو استنشق لغير الوضوء فوصل الماء إلى جوفه
فعليه القضاء. ومن نظر إلى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.
وأما العمد بغير اضطرار وعذر فهو من أكل أو شرب أو جامع أو أنزل أو تسعط أو تعمد
البقاء على الجنابة من الليل إلى النهار وانتبه مرتين فلم يغتسل ثم أصبح جنبا كل ذلك
بالعمد، فعليه مع القضاء الكفارة. وهي تذكر في كتاب الكفارات.
ذكر: الاعتكاف:
الاعتكاف: لبث في موضع مخصوص على وجه مخصوص، وصوم فيه. فأما اللبث
163

فأقله ثلاثة أيام وله شروط منها:
الصوم، وترك الجماع في الليل والنهار، وأنه متى خرج من موضعه لتشييع جنازة
أو عيادة مريض أو أمر ضروري فلا يقعدن تحت سقف حتى يعود.
وأما الموضع المخصوص فهو أحد أربعة مواضع لا يجوز الاعتكاف إلا فيها: المسجد
الحرام، ومسجد النبي ص، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة.
فمن أفطر في أيام الاعتكاف أو جامع في نهاره أو ليله فعليه كفارة إفطار يوم من شهر
رمضان.
164

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
165

باب مسائل يتعلق بالصوم
مسألة: إذا صام الانسان يوم الشك بنية أنه من شهر رمضان هل يجزيه ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجزيه ذلك، لأنه مما نهي عن صومه على هذا الوجه والنهي يقتضي فساد
المنهي عنه.
مسألة: إذا كان محبوسا أو أسيرا وهو بحيث لا يعلم شهر رمضان من جملة
الشهود السنة على التعيين ما الذي يجب عليه؟
الجواب: يصوم شهرا. فإن وافق ذلك شهر رمضان أجزأته وإن كان بعد شهر
رمضان كان مجزيا عنه. وإن كان قبله كان عليه الإعادة لأن صومه بعده يقع موقع القضاء
وهذا لا يجوز قبله مطلقا.
مسألة: إذا جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع الفجر وهو مخالط. ما حكمه؟
الجواب: يجب عليه التخلص مما هو فيه ويغتسل ويتمم صومه ولا شئ عليه. لأنه لم
يتعمد ذلك في زمان الصوم.
مسألة: إذا قلد غيره في أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع، ثم تناول ما
يفطره. ما حكمه؟
الجواب: يجب عليه القضاء، لأنه مكلف بمراعاة ذلك، وكشفه بنفسه إذا كان
167

متمكنا من ذلك.
مسألة: إذا طعنه غيره فوصل السنان إلى جوفه هل يفطر بذلك أم لا؟
الجواب: لا يفطر. لأن ذلك حدث به من غير قصد منه إليه وهو الاختيار ولا اختيار
له في ذلك.
مسألة: إذا طعن بنفسه فوصل ما طعنها به إلى جوفه هل يفطر أم لا؟
الجواب: يفطر. لأن ذلك حدث عن قصده وتعمده.
مسألة: من أقدم على فعل ما يوجب عليه الكفارة في أول النهار ثم تجدد له السفر أو
حدث به مرض يجوز له معه الإفطار هل يجب عليه كفارة عن ذلك أم لا؟
الجواب: يجب الكفارة عليه لأنه أقدم على ذلك وتعمده في الزمان الذي ليس له أن
يقدم عليه ولا أن يتعمده في مثله.
مسألة: إذا أفطر متعمدا في نهار شهر رمضان من غير عذر يبيح له ذلك وسئل: هل
عليك في ذلك حرج، أم لا؟ فقال: لا. ما الذي يجب عليه؟
الجواب: إذا سئل عن ذلك فقال لا حرج علي في ذلك، كان عليه القتل ولمن قال
علي فيه حرج عزره الإمام بغليظ العقوبة. فإن أقدم على ذلك ثلاث مرات أو أكثر، عزر
فيها دفعتين وقتل بعد ذلك.
مسألة: إذا أكره زوجته على الجماع هل يجب عليه الكفارة أم لا؟
الجواب: إذا أكرهها على ذلك، لم يجب الكفارة عليها بل يجب ذلك على الزوج
فيكون عليه كفارتان، الواحدة عنه والأخرى عنها، لأن ذلك حدث عن قصده واختياره له.
مسألة: إذا أكره من لا يحل له وطؤها، على الجماع هل يلزم كفارتها كما لزمته في
وطئه لزوجته أم لا؟
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أصحابنا والأظهر أنه يلزمه كفارتها لأن
الاحتياط تقتضيه.
مسألة: إذا نذر صوم يوم معين وافق ذلك شهر رمضان. هل يجوز صومه بنية النذر أم
لا؟
168

الجواب: لا يصح صومه له نذرا إذا كان حاضرا أو في حكم الحاضر، لأن صوم شهر
رمضان ممن هذا حكمه لا يصح عن غيره ولا يصح إلا عنه.
مسألة: إذا نذر صوم يوم معين ووافق ذلك شهر رمضان وكان مسافرا، فصامه بنية
النذر. هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: يصح له ذلك. لأن صوم شهر رمضان لا يجب عليه فجاز وقوع صوم هذا
اليوم عن غير شهر رمضان وقد وردت الرواية بأنه لا يجوز الصوم الواجب في السفر وعلى
ذلك لا يصح هذا الصوم جملة والاحتياط يقتضي ما ذكرناه أولا.
مسألة: إذا نذر أنه إن تمكن عن وطء من لا يحل وطؤه أو قتل من لا يحل قتله كان
عليه صوم هل يلزمه هذا الصوم إذا تمكن من ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه هذا الصوم لأنه قبيح من حيث أنه نذر في معصيته
والصوم إنما يقع صحيحا بأن يتقرب به إلى الله تعالى والقبيح لا يتقرب به إلى الله.
مسألة: إذا نذر صوم يوم معين فوافق ذلك اليوم يوم عيد. هل يجب عليه القضاء أم
لا؟
الجواب: لا يجب عليه ذلك وذهب بعض أصحابنا إلى أن القضاء يجب عليه وكان
يقول إن علق النذر النذر بيوم العيد فقط، فلا قضاء عليه وإن علقه بغير ذلك ووافق يوم
العيد كان عليه القضاء. وعندي أنه لا فرق بين الموضعين لأن يوم العيد عندنا جميعا ليس
بزمان يصح انعقاد النذر عليه وإذا كان كذلك، فلو كان القضاء يجب عن إفطاره لهذا
اليوم لكان مما يصح صومه وقد علمنا خلافه وأيضا فإن القضاء يتبع وجوبه في وجوب
المقضى فإذا كان كذلك وكان يوم العيد، لا يصح صومه، لم يجب القضاء عنه.
فإن قيل: فالحائض والمسافر يجب عليها قضاء اليوم الذي تحيض فيه الحائض
ويسافر فيه المسافر وإن كان لا يصح صومه.
قلنا: الفرق بين الأمرين أن اليوم الذي ذكرته كان يصح صومه بأن لا يكون
الحائض حاضت فيه وكذلك المسافر وليس كذلك يوم العيد لأنه لا يصح صومه على كل
حال فافترق الأمران.
169

مسألة: إذا نذر أن يصوم يوم يقدم انسان ذكره من سفره فقدم هذا الانسان ليلا.
هل يجب عليه هذا الصوم أم لا؟
الجواب: لا يلزمه ذلك، لأنه شرط صوم يوم وإذا قدم ليلا فالشرط لم يحصل. وإذا لم
يحصل شرطه لم يلزمه الصوم.
مسألة: إذا نذر أن يصوم يوم يقدم انسان عينه، من سفره فقدم في بعض نهار
ذلك اليوم هل يجب عليه الصوم أم لا؟
الجواب: إن كان قدوم الانسان حصل قبل الزوال ولم يكن الناذر تناول ما يفطر
كان عليه الصوم وإن كان قدم بعد الزوال لم يجب عليه صومه ولا قضاؤه لأن بعض النهار لا
يكون صوما.
مسألة: إذا كان كافرا وأسلم في بعض شهر أو في بعض يوم من أيامه، هل يجب
عليه القضاء لما فاته أم لا؟
الجواب: يجب عليه القضاء لما فاته لأنه لا خلاف في أن الكافر لا يجب عليه قضاء ما
فرط فيه في أيام كفره وأما بعض اليوم فإنه يمسك في باقي نهاره عن تناول ما يفطر عليه
على وجه التأديب.
مسألة: إذا كان معتكفا وزوجته كذلك وجامعها. ما حكمها في ذلك؟
الجواب: إن وطأها ساهيا أو ناسيا لم يكن عليه شئ. وكذلك المرأة، فإن كان هو
ساهيا أو ناسيا وليست المرأة كذلك، لم يجب عليه الكفارة وكان عليها الكفارة عن نفسها
فإن تعمدا جميعا الجماع، في نهار الصوم كان على كل واحد منهما كفارتان وكفارة للصوم
وكفارة للاعتكاف. فإن أكرهها على ذلك وكان اعتكافها بأمره، لم تلزمها كفارة بل ينتقل
كفارتها بالإكراه إليه فيكون عليه أربع كفارات. وإن كانت معتكفة بغير إذنه لم يلزمه غير
كفارتين عن نفسه وإن كان الوطء ليلا، كان عليه الكفارة واحدة للاعتكاف فإن طاوعته
المرأة إلى ذلك، كان عليها أيضا كفارة واحدة. فإن أكرهها على ذلك وكان اعتكافها باذنه،
كان عليه كفارتان ولم يلزمها شئ.
مسألة: إذا كان معتكفا وباع شيئا،
هل يصح بيعه أو شراءه أو لا يصح؟
170

الجواب: لا يصح بيعه ولا شراءه لأنه منهي عن ذلك والنهي يقتضي فساد المنهي
عنه.
مسألة: إذا كانت مأذنة المسجد خارجة منه وبينها وبينه فسحة وفضاء، هل يجوز
للمعتكف الخروج من المسجد إليها ليؤذن فيها أم لا يجوز له الخروج منه؟
الجواب: يجوز له ذلك ولا يبطل اعتكافه لأن الأخبار عندنا واردة بالحث على الأذان
وليست متضمنة لتفصيل ذلك من غيره فوجب حملها على عمومها.
مسألة: إذا كان ممن يتعين عليه إقامة الشهادة وخرج من المسجد ليقيمها، هل
يبطل بذلك اعتكافه أم لا؟
الجواب: لا يبطل اعتكافه بذلك، لأن الأصل جوازه ولا دليل يفضى إلى العلم
بالمنع منه فيقال به وأيضا قوله سبحانه: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولم يتضمن تفضيلا
للمعتكف من غيره.
مسألة: إذا كان معتكفا ثم ارتد. هل يبطل الاعتكاف أم لا؟
الجواب: إذا كان إسلامه عن كفر أصلي ثم ارتد فقد صار بالارتداد كافرا وحكم
بنجاسته ولا يجوز له المقام في المسجد ولا تصح العبادة منه وذلك مناف للاعتكاف وإن
كان إسلامه أصليا ثم ارتد، فهذا يقتل على كل حال ولا يصح اعتكافه مع كونه أيضا
محكوما بنجاسته لأجل كفره على أنه ينبغي على أصولنا في أن الكفر لا يتعقب الإيمان أن
يحكم بأن إسلامه المتقدم على الارتداد لم يكن صحيحا وإذا لم يكن صحيحا، لم يصح
اعتكافه على كل حال.
مسألة: إذا سكر وهو معتكف، هل يبطل اعتكافه أم لا؟
الجواب: يبطل اعتكافه لأن الاعتكاف هو اللبث المتطاول لعبادة مخصوصة فإذا
سكر فقد فسق وخرج بسكره عن كونه لابثا في المدة المذكورة للعبادة ومستمرا عليها
وذلك ينقض الحقيقة في كونه معتكفا.
171

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
173

كتاب الصيام
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله ولعلكم تشكرون، وروي عن النبي ص أنه قال
في خطبة خطبها في آخر شعبان: أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه
ليلة القدر العمل فيها خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان
كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهذا شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة
شهر يزاد فيه رزق المؤمنين، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار
وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه قال: صوم رمضان جنة من النار.
والصوم على ثلاثة أضرب: واجب ومندوب ومحرم، فأما الواجب فهو على ضربين:
أحدهما يجب من غير سبب والآخر يجب عند سبب والذي يجب من غير سبب هو شهر
رمضان والذي يجب عند سبب هو قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض أو غيره،
وصوم النذر والعهد وصوم الكفارة لذلك وصوم الظهار وصوم قتل الخطأ وصوم كفارة من
أفطر في يوم يقضيه من شهر رمضان، وصوم اليمين بالله سبحانه والبراءة وصوم جز المرأة
شعرها في مصاب وصوم أذى حلق الرأس وصوم دم المتعة وصوم جزاء الصيد وصوم من
175

فاتته صلاة العشاء الآخرة وصوم الاعتكاف وأما المندوب فهو ضربان: أحدهما
مشدد فيه على التأكيد والآخر غير مشدد، فيه فأما المشدد فيه فهو صوم رجب كله وأول يوم
منه واليوم السابع والعشرون منه وهو يوم المبعث، والثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين عليه
السلام، وشعبان كله ويوم النصف منه ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول مولد النبي
ص ويوم عرفة وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم ع ويوم
الثامن عشر منه وهو يوم الغدير، والأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع
عشر والخامس عشر وثلاثة أيام من كل شهر: أربعاء وخميسين أول خميس في الشهر وأول
أربعاء يكون في العشر الثاني وآخر خميس في الشهر ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة
وهو يوم دحو الأرض، وصوم الإذن وصوم التأديب وصوم يوم عاشوراء على جهة الحزن
بمصاب أهل البيت ع وصوم ثلاثة أيام للاستسقاء وصوم الشكر.
وأما ما ليس بمشدد فيه فهو باقي أيام السنة بعد الذي ذكرناه إلا الأيام المحرمة فهو:
يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق بمنى ويوم الشك على أنه من شهر رمضان، وصوم
الوصال وصوم الدهر كله وصوم النذر المعصية وصوم الصمت.
باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله:
علامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال مع زوال العوارض، فإذا رأيته فلا تشر إليه
بيدك واستقبل القبلة وارفع يدك للدعاء واقصده بكلامك وقل:
ربي وربك الله رب العالمين، ثم قل: اللهم أهله علينا وعلى بيوتنا وأشياعنا وإخواننا
بأمن وإيمان وسلامة وإسلام وبر وتقوى وعافية ورزق واسع وحسن وفراغ من الشغل
واكفنا فيه بالقليل من النوم ومسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه، اللهم بارك لنا في هذا
العهد وارزقنا بركته وخيره وعونه وغنمه وفوزه واصرف عنا شره وضره وبلاءه وفتنته
اللهم ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل أو مغفرة أو رحمة فاجعل نصيبنا فيه
الأكبر وحظنا فيه الأوفر إنك على كل شئ قدير.
176

ثم أصبح صائما من غد يومك، فإن لم تر الهلال لتركك النظر إليه والتصدي لرؤيته
ورآه الناس رؤية شائعة في البلد الذي أنت فيه وجب أيضا الصوم من الغد وإن لم يره
أهل البلد وكان في السماء علة ورآه خمسون رجلا وجب أيضا الصوم وإذا لم يره من ذكرناه
ورآه واحد أو اثنان وجب الصوم على من رآه في حق نفسه ولم يجب الصوم على
غيره، وإذا كان في السماء علة ولم يره أحد من أهل البلد ورآه من خارجه شاهدان عدلان
وجب الصوم، ومتى لم يكن في السماء علة وتصدى الناس لرؤيته فلم يروه لم يجب الصوم فإن
شهد من خارج البلد خمسون رجلا برؤيته وجب الصوم وإذا لم يشاهد أحد الهلال ولا ورد
خبر من خارج البلد برؤيته عددت بشهر الماضي ثلاثين يوما وصمت بنية الوجوب فإن ثبت
بعد ذلك بينة عادلة برؤيته قبل يوم صيامك بنية الوجوب بيوم، كان عليك قضاؤه.
والأفضل أن تصوم يوم الشك بنية أنه من شعبان فإن ثبت بعد ذلك ببينة عادلة أنه
كان من شهر رمضان أجزأك صومه ولم يلزم قضاؤه وإن لم تصمه لم يكن عليك شئ إلا أن
يكون في حكم المفطر ويثبت أنه كان من شهر رمضان فيكون عليك صيام يوم بدله، وليس
بجائز لأحد أن يعمل في الصوم على العدد بالجدول ولا غيره، وإذا غم هلال
شهر رمضان فينبغي أن بعد شعبان ثلاثين يوما ثم يصوم بعد ذلك بنية شهر رمضان فإذا
غم هلال شعبان فيعد رجب ثلاثين يوما فإن رأى بعد ذلك هلال شوال ليلة تسع وعشرين
من شهر رمضان قضى يوما لأن الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما فإذا غم جميع
شهور السنة ولم يحقق المكلف هلال شهر واحد منها فينبغي أن يعد من السنة الماضية خمسة
أيام ويصوم اليوم الخامس لأن الشهور لا تخرج جميعا كاملة، وقد ذكر أنه ينبغي أن يعد كل
شهر منها ثلاثين يوما ويصوم.
وإذا كانت البلدان متقاربة ولم ير الهلال في البلد، ورئي من خارجه على ما قدمنا بيانه
في الشهادة وجب العمل به، هذا إذا لم يكن في السماء علة وكانت الموانع مرتفعة أو كانت
البلدان كما ذكرناه متقاربة حتى لو رؤي الهلال في أحدها لرئي في الآخر مثل طرابلس
وصور ومثل صور والرملة ومثل حلب وطرابلس ومثل واسط وبغداد وواسط والبصرة،
وأما إذا كانت البلدان متباعدة مثل طرابلس وبغداد وخراسان ومصر وبغداد وفلسطين
177

والقيروان وما جرى هذا المجرى فإن لكل بلد حكم سقعه ونفسه ولا يجب على أهل بلد
مما ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الآخر.
والوقت الذي يجب الإمساك فيه عما يفطر من طعام وشراب وجماع وغير ذلك هو من
طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس، وذلك مباح للإنسان في الليل فإن طلع الفجر وهو على
حال أكل وشرب وجب عليه قطعه والإمساك عنه وإن كان في فمه منه شئ وجب أن يلفظه
ويمتنع بلع شئ يبقى في فيه منه، وإن أراد الجماع في هذه الحال وجب عليه الامتناع منه فإن
طلع الفجر عليه وهو مخالط وجب عليه الإمساك عن الحركة لترك ذلك بنية التخلص منه متى
لم يفعل ما ذكرنا فقد أخطأ وأفسد صوم يومه ولزمه القضاء والكفارة، وسنذكر ما يفسد
الصوم وما لا يفسده وما يوجب القضاء والكفارة وما لا يوجب ذلك فيما بعد إن شاء الله
تعالى، وعلامة غروب الشمس زوال الحمرة من أفق المشرق وهو وقت الإفطار الذي لا يجوز
ذلك قبله، ومن رأى القرص وقد غاب عن بصره ثم رأى الشمس على رؤوس الجبال،
والشفق الذي ذكرناه باقيا لم يزل فليس يجوز له الإفطار.
باب في ذكر ما ينبغي للصائم الإمساك عنه:
الذي ينبغي للصائم الإمساك عنه على ضربين: واجب ومكروه، والواجب على
ضربين: أحدهما يفسده والآخر لا يفسده، والذي يفسده على ضربين: أحدهما يوجب
القضاء والكفارة والآخر يوجب القضاء دون الكفارة، ونحن نذكر جميع ذلك في أبوابه
بمشيئة الله تعالى.
باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة:
الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة الأكل والشرب في نهاره متعمدا
والجماع كذلك وإن لم يكن معه إنزال واستنزال الماء الدافق في كل حال، والكذب على الله
تعالى ورسوله أو أحد الأئمة ع، وازدراد ما لا يؤكل ولا يشرب والبقاء على حال
الجنابة متعمدا من غير ضرورة حتى يطلع الفجر والنوم على حال الجنابة إلى أن يطلع الفجر
178

بعد الانتباه مرتين، وإيصال الأدوية إلى الجوف من غير مرض يضطر إلى ذلك والارتماس في
الماء على التعمد وشم الرائحة الغليظة التي تدخل إلى الحلق، وجلوس النساء إلى
أوساطهن في الماء مع الاختيار لذلك.
باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة:
الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة هو النوم إلى الفجر على حال
الجنابة بعد الانتباه مرة واحدة والحقنة في المرض المحوج إليها والسعوط كذلك وتعمد
القئ وبلع ما يحصل منه في الفم ووصول الماء إلى الحلق عند المضمضة والاستنشاق للتبرد
والإقدام على تناول ما يفطر عند طلوع الفجر من غير رصد له ثم يعلم أنه كان طالعا، وترك
الامتناع مما يفطر عند طلوع الفجر ممن أخبره غيره بطلوعه فلم يمتنع والتقليد للغير في أن
الفجر لم يطلع ثم يعلم أنه كان طالعا أو تناول ما يفطر ممن شك في دخول الليل لوجود
عارض ولا يعلم ولا غلب على ظنه دخوله وجلوس النساء إلى أواسطهن في الماء من غير
تعمد لذلك، واعلم أن جميع ما عددناه في هذين البابين متى وقع من الانسان شئ منه سهوا
أو نسيانا فإنه لا يجب عليه شئ وعليه المضي في صومه، فأما الكفارات عن ذلك فسنذكرها
في باب الكفارات فيما بعد إن شاء الله تعالى.
باب ما يجب الإمساك عنه مما لا يفسد الصوم:
الذي يجب الإمساك عنه بعد ما ذكرناه في البابين المقدم ذكرهما وإن لم يكن مفسدا
للصوم هو الإصغاء إلى استماع ما لا يحل استماعه من الأغاني وأصوات العيدان والطنابير
وغير ذلك من المناهي، وقول الفحش والكلام بما لا يجوز التكلم به كالنميمة والكذب
وما جرى مجرى ذلك، ولمس ما لا يحل ملامسته والسعي فيما يحرم السعي فيه من القبائح
والسعي أيضا إلى المواضع المنهي عنها وتعمد النظر إلى ما لا يحل النظر إليه والعزم على
القبائح والإرادة لها
179

باب ما يكره للصائم الإمساك عنه:
يكره للصائم ترك زمان الصوم خاليا عن قراءة القرآن وذكر الله تعالى وتمجيده
وتسبيحه والصلاة على النبي وآله ع والاجتهاد في العبادة، وأن لا يفضل من
قدر عليه من أهل الإيمان وأن لا يبر من يمكن من بره من الإخوان وأن لا يصل رحمه وترك
السحور وأن يكتحل بشئ فيه صبر أو ما جرى مجرى ذلك، وبشم المسك والزعفران
والرياحين وآكدها النرجس، والسواك الرطب ومضغ العلك والفصد والحجامة ودخول
الحمام على وجه يضعفه، والاحتقان بالأشياء الجامدة مع الإمكان وملاعبة النساء ولباس
الثوب المبلول للتبرد والمضمضة للتبرد بها وتقطير الأدهان في الأذن.
باب حكم المسافر في الصوم:
المسافر في شهر رمضان ومن هو في حكم المسافر فرضه الإفطار ولا يجوز له الصيام في
شئ من هذا لشهر، وحد السفر الذي يجب التقصير في الصوم أو الإتمام هو الحد الذي
يجب معه التقصير في الصلاة أو إتمامها وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة.
ويكره للإنسان الخروج للسفر في هذا الشهر إلا أن يضطر إلى ذلك فإذا انقضى جميع
الشهر وقد ذكر: ثلاث وعشرون منه جاز له الخروج على كل حال، وينبغي للمسافر فيه أن
لا يمتلئ من الطعام والشراب وأن لا يجامع إلا عند الضرورة الشديدة إليه والأحوط ترك
الجماع بالكل.
وإذا كان المسافر عالما بأن الإفطار واجب عليه ثم صام لم يجزئه صومه وعليه القضاء
وإن لم يكن عالما بذلك لم يكن عليه قضاء وكان صيامه مجزئا، وإذا نوى السفر من الليل
وخرج بعد طلوع الفجر أي وقت من النهار ففرضه الإفطار وإن لم يكن نوى ذلك من الليل
ثم خرج بعد طلوع الفجر فعليه إتمام الصيام ولا قضاء عليه، وإذا خرج قبل طلوع الفجر
كان فرضه الإفطار سواء نوى السفر من الليل أو لم ينو ذلك وكان عليه القضاء، وإن نوى
السفر من الليل ولم يتم له الخروج إلا بعد زوال الشمس فعليه الإمساك عن الإفطار باقي
النهار والقضاء بعد ذلك،
180

ولا يجوز للمسافر أن يصوم شيئا من الصوم الواجب في سفره إلا الثلاثة أيام في
الحج التي هي من جملة العشرة المخصوصة بدم المتعة، والنذر المشروط صيامه في
السفر والحضر وإن لم يكن شرط ذلك، وكان نذر يوما معينا أو شهرا معينا واتفق له ذلك في
السفر لم يصمه وكان عليه القضاء لذلك.
فأما الصوم التطوع فمكروه في السفر إلا ثلاثة أيام مخصوصة لصلاة الحاجة عند
قبر رسول ص وهي: أربعاء وخميس وجمعة، فأما ما عدا ذلك من جميع وجوه
الصيام فلا يجوز للمسافر صومه في السفر فمن أراد صوم ذلك صبر إلى أن يقدم إلى أهله
ويصوم، فإن نوى المقام في بلد عشرة أيام أو أكثر جاز له أن يصوم.
ومن فاته شئ من الصوم في السفر وتمكن من القضاء له فلم يقضه ثم مات كان على
وليه صيام ذلك عنه ولا فرق في هذا بين أن يكون من فاته ذلك رجلا أو امرأة، وإذا قدم
المسافر على أهله وكان قد أفطر فليمسك باقي النهار عن الإفطار وعليه القضاء وإن لم يكن
أفطر فليمسك عن ذلك باقي النهار ولا قضاء عليه، وإذا طلع الفجر عليه في اليوم
الذي يصل فيه إلى بلده قبل وصوله إليه فهو مخير بين أن يمسك عن الإفطار ثم إذا دخل
البلد تمم صوم ذلك اليوم ولا قضاء عليه، وبين أن يفطر فإذا دخل إليه أمسك بقية النهار
وعليه القضاء.
باب المريض والعاجز عن الصيام:
حد المرض الذي يلزم معه الإفطار هو أن يعلم الانسان من نفسه أن لا يقدر على
الصيام معه فإنه إن صام زاد ذلك في مضرته ومشقته، فإذا حصل الانسان على هذا الحد
من المرض أفطر كان له ذلك لأن فرضه حينئذ الإفطار وعليه القضاء بعد زوال مرضه، ومتى
صام وهذه حاله لم يجزئه صومه وكان عليه القضاء بعد برئه من المرض، وإذا فاته صوم
شهر رمضان وبعده لمرض كان به واستمر مرضه إلى شهر رمضان آخر ولم يصح بينهما كان
عليه أن يصوم الحاضرة ويتصدق عن الشهر الأول بمدين من طعام عن كل يوم، فإن لم يتمكن من
ذلك تصدق عن كل يوم بمد فإن لم يقدر لم يلزمه قضاء ولا غيره، فإن صح بين الشهرين ولم
181

يقض مما فاته وكان عازما على القضاء قبل الشهر الثاني ثم مرض كان عليه أن يصوم
الثاني ويقضي الأول ولا كفارة عليه، فإن ترك ذلك بعد صحته من مرضه توانيا كان عليه
صوم الشهر الثاني والصدقة عن الأول وقضاؤه مع ذلك وكذلك الحكم فيما زاد عن
شهر رمضان.
وإذا أفطر المريض في أول النهار وصح في بعضه لزمه الإمساك عن الإفطار بقية النهار
وقضاء ذلك اليوم، وإن صح في بعضه وقدر على الصوم ولم يكن أفطر تمم صيام ذلك وإذا لم
يصح المريض من مرضه الذي أفطر فيه ومات فعلى ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه
ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا فإن لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء، وصوم ذلك
ندب واستحباب، فإن صح من مرضه ولم يقض ما عليه فعلى من ذكرناه قضاء ذلك وجوبا
وإن مات ولم يكن له من الأولاد إلا توأمان كانا مخيرين أيهما شاء قضى عنه فإن تشاحا
في ذلك أقرع بينهما.
والمريض إذا مات وقد كان وجب عليه صوم شهرين متتابعين صام عنه وليه شهرا
وتصدق عن شهر، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون المريض رجلا أو امرأة، وأما من أغمي
عليه لجنة أو غيرها فإنه إن عرض له ذلك قبل استهلال الشهر واستمر به ذلك حتى دخل
فيه يوم وأيام ثم أفاق، فإن عليه القضاء لما فاته وقد ذكر أنه لا قضاء عليه وهو مذهب الشيخ
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله، فإن استهل عليه الشهر ونوى صيامه ثم
عرض له ذلك و استمر به حتى دخل من الشهر أيضا يوم وأيام ثم أفاق فإنه إذا لا قضاء
عليه، والشيخ والمرأة الكبيرة إذا كبرا وعجزا عن الصيام وأفطرا كان ذلك لهما وعليهما
أن يتصدقا عن كل يوم بمدين من طعام أو مد إذا لم يقدرا على المدين وليس عليهما قضاء.
ومن عرض له عطاش لا يقدر معه على الصوم وأفطر كان له ذلك وعليه أن يتصدق
عن كل يوم بمدين من طعام أو مد إن لم يقدر ذلك ولا قضاء عليه، هذا إذا كان العطاش
العارض لا يرجى زواله فأما إن كان يرجى زواله فعليه الصدقة مع القضاء إذا زال عنه
وصح منه، والمرأة الحامل والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا من أن يضر الصوم بولديهما
وأفطرتا كان لهما ذلك وعليهما الصدقة عن كل يوم بمثل ما ذكرناه متقدما من المدين والمد
182

حسب القدرة على ذلك وعليهما القضاء، وجميع ما ذكرنا هاهنا جواز الإفطار له لا يجوز له
الجماع ولا الشبع من الطعام ولا الري من الشراب في نهار الصوم بل يكون أكلهم
وشربهم دون الشبع والري وإن كان يسيرا يسيرا فهو أفضل.
باب حكم الحائض والنفساء في الصوم:
إذا أفطرت الحائض في نهار الصوم كان لها ذلك ولا ينبغي أن تمتلئ من طعام
ولا شراب وعليها القضاء، وإذا طهرت في وسط النهار أمسكت فيما بقي منه عن الأكل
والشرب أدبا وعليها القضاء ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد أفطرت قبل أن تطهر أو لم
تفطر، وإذا رأت دم الحيض في بعض نهار الصوم أمسكت أيضا بقية ذلك اليوم أدبا
وعليها القضاء لذلك اليوم ولكل ما فاتها من أيام الصوم بحيضها، ولو رأت الدم قبل
سقوط قرص الشمس بلحظة كان عليها القضاء، وإذا فاتها شئ من الصوم الواجب
بالحيض وماتت فليس يجب على أحد القضاء عنها إلا أن يكون قد تمكنت من الصوم فلم
تقض ذلك فإنه يجب على ولدها الأكبر أن يقضي عنها ذلك، فإن لم يكن لها ولد فالأولى بها
من النساء وحكم النفساء مثل حكمها.
باب حكم الكافر إذا أسلم في الصوم والصبي إذا بلغ فيه:
الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ الحلم وقد استهل عليهما شهر رمضان فإنه يجب
عليهما صيامه ولا قضاء عليهما لما فرطا فيه فيما سلف قبل الاسلام والبلوغ، فإن أسلم
الكافر أو بلغ الصبي في بعض أيام الشهر كان عليهما صيام الباقي منه ولا قضاء عليهما لما
مضى عليه من أيامه فإن حصل الاسلام للكافر أو البلوغ من الصبي في بعض نهار يوم
من أيامه أمسك باقي نهاره أدبا ولا قضاء عليهما لذلك اليوم، فإن حصل ذلك منهما قبل
الفجر كان عليهما صوم ذلك اليوم فإن لم يصوماه وجب عليهما القضاء له.
183

باب صوم النذر:
إذا نذر الانسان صوم يوم معين مثل يوم جمعة أو سبت أو ما جرى مجرى ذلك من الأيام أو
شهر مثل شهر رجب أو شعبان أو ما أشبه ذلك من الشهور كان عليه صيام ما عينه من ذلك
إلا أن يوافق ما عينه شهر رمضان أو يوما من أيامه أو يوم عيد أو أيام تشريق بمنى فإنه إذا
وافق شيئا من ذلك لم يجز له صومه ولا قضاء عليه، وكذلك إذا كان مسافرا ولم يكن نذر صيامه في كل
حال من حضر أو سفر، فإن كان نذر صيامه في حال الحضر والسفر وشرط ذلك كان عليه
صومه في السفر، فإن نذر صوما مبهما مثل أن ينذر صوم حين من الزمان فعليه صيام ستة
أشهر فإن نذر صوم زمان كان عليه صوم خمسة أشهر، فإن نذر صوم شئ من الصيام في
موضع معين مثل مكة أو مدينة النبي ص أو بعض المواضع الشريفة والأمكنة
المعظمة كان عليه الوفاء بذلك في الموضع الذي نذر الصيام فيه وعينه له فإن حضر في ذلك
الموضع وصام بعض ما نذره ثم لم يقدر على المقام به إلى أن يتم ما عليه من ذلك جاز له
الخروج إلى بلده وقضائه بعد وصوله إليه على التمام.
ومن نذر صوم شهر بالإطلاق فعليه صوم شهر أي شهر من السنة كان، فإن أفطر قبل
أن يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة كان عليه استئناف الصوم فإن كان إفطاره
لضرورة، جاز له البناء على ما تقدم، وإن كان إفطاره بعد
جواز نصفه تممه ولم يجب عليه استئنافه، وإذا شرط الناذر في الصوم النذر الموالات وجب
عليه ذلك، فإن صامه متفرقا لم يجزئه وكان عليه الابتداء به متواليا فإن كان فرق ذلك
لضرورة كان له أن يبني على ما تقدم ولم يكن عليه شئ.
ومن أفطر في يوم نذر صيامه لغير ضرورة فعليه أن يقضي ذلك اليوم، وكفارة من أفطر
يوما من شهر رمضان وقد ذكر أنه كان إفطاره لضرورة يتمكن معها من الصيام بمشقة كان
عليه مع القضاء إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام وإذا لم يتمكن معها من الصيام لم
يكن عليه القضاء لما أفطره، ومن عجز عن صوم ما نذره فليتصدق عن كل يوم بمدين من
طعام أو مد، وصوم العهد يجري هذا المجرى، ومن نذر الاعتكاف كان الوفاء عليه بذلك
واجبا.
184

باب صوم الظهار وصوم كفارة القتل وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان،
وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان، وصوم
كفارة نقض النذر والعهد وصوم كفارة اليمين بالبراءة، وصوم كفارة جز المرأة
شعرها في مصاب، وصوم كفارة فسخ الاعتكاف:
صوم ما ذكرناه من هذه الكفارات شهران متتابعان يجب صومهما فإن أفطر في الأثناء
لضرورة جاز له أن يبني على ما تقدم وإن كان لغير ضرورة فإما أن يكون صام من الثاني شيئا
وإما أن لا يكون صام منه شيئا، فإن كان صام منه شيئا فقد أخطأ وجاز له البناء على ما تقدم
وإن لم يكن صام منه شيئا كان عليه استئناف الصوم من أوله، ومن وجب عليه صومهما
وهو مسافر فلينتظر بذلك وصوله إلى بلده فإذا وصل ابتدأ بصومهما ولا يبتدئ بذلك في
السفر ولا يبتدئ أيضا بصومهما من أول شعبان لأن شهر رمضان يمنع من المتابعة بين شعبان
وبين شهر آخر، فإن قدم على شعبان صوم شئ من الأيام جاز له ذلك لأنه عند آخر شعبان
يكون قد زاد على الشهر فيكون حينئذ متتابعا بين شهرين ثم يبني على ما تقدم بعد انقضاء
شهر رمضان، ولا يجوز له أيضا الابتداء بصومهما من أول شوال لدخول العيد في جملة
الشهر وهو مما لا يجوز صومه فإن ابتدأ بذلك بعده كان جائزا، ولا الابتداء بصومهما من أول
ذي الحجة لدخول يوم العيد أيضا في جملة الشهر ولدخول أيام التشريق أيضا فيه على من
كان بمنى فإن ابتدأ بذلك بعد أيام التشريق إن كان بمنى أو بعد العيد أن كان
في غيرها كان جائزا.
فأما صوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان فإن الحكم فيه أنه إن كان
تعمد الإفطار قبل الزوال فقد أخطأ وليس عليه غير صوم يوم بدله وإن كان تعمد ذلك بعد
الزوال كان عليه كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وفي أصحابنا من أوجب عليه
كفارة يمين وقد ذكرنا ذلك فيما سلف.
185

باب صوم كفارة اليمين وأذى حلق الرأس:
صوم كفارة اليمين هو صوم ثلاثة أيام متوالية بعد العجز عما نذكره من هذه الكفارات
في باب الكفارات إن شاء الله تعالى، فإن فرق انسان بين صوم هذه الثلاثة أيام لغير ضرورة
كان عليه استئناف الصوم فإن كان لضرورة جاز له البناء على ما تقدم، فأما صوم أذى
حلق الرأس فهو صوم ثلاثة أيام متوالية أيضا يجب صومها كذلك على من كان محرما
ويؤذي بشعر رأسه فحلقه، وإن فرق صومها مختارا كان عليه استئناف الصوم وإن كان
ذلك لضرورة جاز له أن يبني على ما تقدم منه.
باب صوم دم المتعة:
هذا الصوم هو عشرة أيام يلزم المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يقدر على هدي التمتع:
ثلاثة منها في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، والثلاثة التي في الحج هي يوم قبل التروية ويوم
التروية ويوم عرفة ويجب صومها متواليا، فمن فرقها لضرورة جاز له البناء على ما تقدم،
وإن كان مختارا كان عليه استئناف صومها. ومن فاته صوم اليوم الأول منها صام ما يليه
ثم صام بدل اليوم الذي فاته يوما بعد أيام التشريق، فإن صام يوم التروية فلا يصم يوم
عرفة بل يصوم الثلاثة بعد أيام التشريق يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده، فإن فاته
ذلك فليصم في بقية ذي الحجة فإن لم يصمها حتى دخل الحرم كان عليه دم سنذكره في
كتاب الحج من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
وقد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة الأيام من أول العشر وكذلك في تأخيرها
إلى بعد أيام التشريق لمن أن صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام للمناسك، ومن لم
يصمها عقيب أيام التشريق ثم خرج إلى بلده فليصمها في طريقه فإن لم يتمكن من ذلك
صامها مع السبعة الأيام إذا رجع إلى أهله. والسبعة ينبغي أن تصام متوالية وقد ورد جواز
تفريقها وما ذكرناه أحوط، فإن لم يعد من وجب عليه صيامها إلى بلده وأقام بمكة فلينظر
مضي المدة التي في مثلها يصل إلى بلده ثم يصومها.
186

باب صوم جزاء الصيد ومن فاتته صلاة العشاء الآخرة:
صوم جزاء الصيد على ضروب: منها ستون يوما ومنها ثمانية عشر يوما ومنها ثلاثون
يوما ومنها تسعة أيام ومنها عشرة أيام ومنها ثلاثة أيام ومنها يوم واحد ومنها ما يتضاعف.
فأما الستون فيجب على من أصاب نعامة ولم يتمكن من الإطعام على ما سنذكره في
كتاب الحج إن شاء الله تعالى، وأما الثمانية عشر فيجب إذا لم يقدر على صيام هذه الستين
يوما، وأما الثلاثون فيجب على من أصاب بقرة وحش أو حمار وحش إذا لم يتمكن من
الإطعام على ما يأتي ذكره أيضا في كتاب الحج بعون الله سبحانه، وأما التسعة فيجب إذا لم
يقدر على صوم هذه الثلاثين يوما، وأما العشرة فيجب على من أصاب غزالا وما أشبه مما
سنذكره هناك أيضا إذا لم يقدر على الإطعام حسب ما نبينه في موضعه من كتاب الحج، وأما
الثلاثة فيجب على من لا يتمكن من صوم هذه العشرة، وأما اليوم الواحد فيجب على كل
نصف صاع من البر مما لا مثل له من النعم، على ما نذكره في كتاب الحج إن شاء الله تعالى
أيضا، وأما الذي يتضاعف فيجب على المحرم إذا أصاب صيدا في الحرم، وهذا الصوم
لا يلزم فيه التتابع بل المكلف مخير بين المتابعة والتفريق والأفضل المتابعة، فأما صوم من
فاتته عشاء الآخرة فهو صوم اليوم الذي يصبح فيه من فرط في هذه الصلاة حتى جاز
النصف الأول من الليل.
باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غير مرض:
إذا فات الانسان شئ من صيام شهر رمضان أو غيره من الصوم الواجب فإنه يجب
عليه قضاؤه فإن صامه جاز له التطوع بالصوم ويجب عليه الفور بالقضاء مع التمكن من
ذلك فإذا أراده فلينو به القضاء، وإن كان فاته شئ من شهر رمضان جاز له قضاؤه في أي
شهر كان إلا أن يكون مسافرا فإن لا يجوز له حينئذ القضاء حتى يرجع إلى بلده أو
يعزم على المقام في غيره عشرة أيام أو أكثر فإذا عزم على ذلك كان عليه القضاء في ذلك
الموضع، والفائت من الصيام يجوز قضاؤه متتابعا ومتفرقا والأفضل التتابع، فإن لم يرد
قضاءه متتابعا وكان عليه عشرة أيام أو أكثر فليتابع بين ستة أيام ويفرق الباقي، وتجديد
187

النية للقضاء ممن يصبح بنية الإفطار يصح إلى قبل الزوال فإذا زالت لم يجز له تجديدها
وكذلك الحكم في من أراد تجديدها لصوم التطوع.
ومن طلع عليه الفجر وأجنب متعمدا لذلك أو غير متعمد لم يجز له صوم ذلك لا على
جهة القضاء ولا غيره بل يفرط (كذا) ثم يصوم يوما غيره قضاء له، ومن أجنب في شهر رمضان
ولم يغتسل متعمدا أو غير متعمد ثم صام الشهر كله وصلى كان عليه الغسل وقضاء
الصوم والصلاة، ومن أفطر من يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان ناسيا تمم صيامه
ولا شئ عليه، وإن أفطر متعمدا وكان ذلك قبل زوال الشمس لم يكن عليه شئ غير صوم
يوم بدله وإن كان ذلك بعد زوال الشمس كان عليه مع القضاء الكفارة وهي كفارة يمين
وذكر أن عليه كفارة من أفطر من يوم من شهر رمضان وهو الذي يقتضيه الاحتياط،
والمستحاضة إذا لم تفعل في أيام استحاضتها مما يجب فعله في الاستحاضة فإن عليها القضاء
وكذلك يجب عليها إذا فعلت ذلك وصامت في الأيام التي كان يعتاد فيها الحيض، فأما
ما يتعلق بالحائض والنفساء فقد تقدم ذكره.
باب الاعتكاف وصيامه:
الاعتكاف في الشرع لبث متطاول في مسجد معين لعبادة معينة لا تثبت صحته إلا
بصوم فإذا أراد الانسان الاعتكاف فينبغي أن يقصد النية كذلك ويصوم لأنه لا يصح إلا
بصوم كما ذكرناه ويجتنب ما يجتنبه ما يجتنبه المحرم، ويعتكف في أحد أربعة مساجد وهي:
مسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة ولا يجوز الاعتكاف في
غير هذه المساجد، وأقل الاعتكاف ثلاثة أيام فإن اعتكف يومين وأراد أن يفسخ
الاعتكاف لم يكن له ذلك وعليه أن يتم ثلاثة أيام لأنه إنما يجوز له الفسخ إذا لم يتمم يومين.
ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لضرورة تدعوه إلى ذلك من عيادة مريض من
المؤمنين أو تشييع جنازة لهم أو ما جرى مجرى ذلك، ولا يصلى إلا في المسجد الذي يعتكف
فيه إلا أن يكون بمكة خاصة فإنه إن كان بها جاز له ذلك في أي موضع شاء منها وإذا عرض
له مرض وخرج من المسجد لأجله فعليه أن يقضي الاعتكاف والصوم بعد برئه من
188

المرض، وإن كان المعتكف امرأة وحاضت فعليها مثل ذلك بعد طهرها من حيضها.
وإذا وطأ المعتكف ليلا كان عليه كفارة من تعمد الإفطار في يوم من شهر رمضان ويجب
على المرأة إذا كانت معتكفة وطاوعته مثل ذلك، وإذا وطأ نهارا كان عليه كفارتان وكذلك
يجب على المرأة إذا طاوعته إلى ذلك وهي معتكفة، فإن لم تطاوعه إلى ذلك انقلبت كفارتها
إليه ولم يجب عليها شئ فإن وطأها نهارا وهي معتكفة مكرها لها على ذلك كان عليه أربع
كفارات فإن وطأها على هذا الوجه ليلا كان عليه كفارتان.
ويستحب للمعتكف أن يشترط على الله سبحانه الرجوع إن عرض له مرض فمتى لم
يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الرجوع عن الاعتكاف إلا أن يكون لم يتمم يومين
كما ذكرناه فيما سلف، وأفضل الاعتكاف ما كان في العشرة الأخيرة من شهر رمضان، وإذا
مات المعتكف قبل أن يقضي مدة اعتكافه فقد ذكر بعض أصحابنا أن وليه يقضي عنه ذلك
أو يخرج من ماله ما يكون فيه كفاية لمن ينوب عنه فإن عمل على ذلك لم يكن به بأس.
والاعتكاف ينقسم إلى الواجب والمندوب، والمندوب يجب بالدخول فيه ولا يجوز
فسخه له كما لا يجوز فسخ الواجب منه وقد ذكرنا أن المعتكف لا يجوز أن يخرج من المسجد
لغير ضرورة فمتى فعل ذلك أفسد الاعتكاف وكان عليه استئنافه ويفسده أيضا السكر
والارتداد، وإذا رجع المرتد على حال ارتداده لم يجز له البناء عليه. ولا يصح الاعتكاف ممن
عليه ولاية إلا بإذن من يلي أمره كالزوجة مع زوجها والعبد مع سيده والمكاتب قبل حال
حريته والمدبر والضيف والأجير، ومن وجب عليه قضاء شئ من الاعتكاف وجب عليه
ذلك على الفور دون التراخي.
والمرأة إذا طلقها زوجها وهي معتكفة أو مات عنها وهي كذلك فخرجت واعتدت في
بيتها كان عليها استئناف الاعتكاف وإذا أذن الوالي المعتكف بالصلاة فقال له: الصلاة
أيها الأمير، وما جرى مجرى هذا اللفظ بطل اعتكافه، ومن كان معتكفا وعليه دين يقدر على
قضائه وأخرجه الحاكم لأجله بطل اعتكافه وإن كان لا يقدر على ذلك لم يبطل اعتكافه،
والسلطان إذا أخرج المعتكف من المسجد ظلما له لم يبطل اعتكافه، ومن كان عليه قضاء
شئ من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور والبدار دون التراخي، وأما ما يتعلق به
189

الاعتكاف بالنذر فسنذكره فيما يأتي من باب النذر بعون الله سبحانه.
190

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
191

كتاب الصوم
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم:
فقوله " كتب عليكم " يقتضي الوجوب من وجهين: أحدهما " كتب " وهو في الشرع
يفيد الإيجاب، كما قيل المكتوبة في فريضة الصلوات، والثاني " عليكم " لأنه ينبئ عن
الإيجاب أيضا كقوله: ولله على الناس حج البيت، وإذا جمع بينهما فالدلالة على الإيجاب
أوكد.
ومعنى " كتب " فرض وأوجب، وعبر عن الفرض بالكتب لأن المكتوب أبقى وأثبت،
ويجوز أن يكون معناه كتب في اللوح المحفوظ أنكم تتعبدون بذلك، والمراد فرض عليكم
الصوم أياما معدودة كما فرض على من كان قبلكم أياما معدودة وإن زاد ونقص واختلفت
الأيام، فالتشبيه واقع على جملة أمر الصوم لا على جميع أوقاته وأحكامه.
واتقوا النار التي أعدت للكافرين، أي توقوا أنفسكم عذاب النار فالصوم جنة،
فأوجب الله فرض الصيام على جميع المؤمنين بعموم اللفظ المنتظم للجميع، وعم به جميع
المؤمنات لمعرفة تغليب المذكر على المؤنث إذا اجتمعوا وبقرينة الاجماع إلا من
خصه من الجميع في الآية التي تعقب ما تلوناه وما يتبعها من السنة على لسان رسول الله عليه السلام،
193

ثم قال مفسرا ما أجمله ضربا من التفسير: أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر، الآية، فبين أن الفرض متعلق بأزمان مخصوصة وكشف عما يختص
بالخروج عن فرضه في الحال من المرضى والمسافرين وإن كان ألزمهم إياه بعد الحال.
فصل:
ثم قال: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، رخص في صدر الاسلام
للمشاهدين له من أهل السلامة والصحة من الأمراض إفطاره على التعمد على شرط
قيامهم بفدية للإفطار من الإطعام، ودل على أن الصوم له مع ذلك أفضل عنده وأولى من
الفدية للإفطار، ثم نسخ تعالى ذلك بما أردفه من الذكر من القرآن، فقال: شهر رمضان الذي
أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر
فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم
العسر، الآية، فأوضح بها عن بقية تفسير الاجمال فيما أنزله أولا من فرض الصيام وبين أنه
في أيام معدودات يجب فعله في شهر على التمام بما ذكره في العدة من فرض الكمال، وحظر
ما كان أباحه من قبل من الإفطار للفدية مع طاقة الصيام بإلزامه الفرض للشاهد في الزمان
مع السلامة من العلل والأمراض، وأكد خروج المرضى والمسافرين من فرضه في الحال
بتكرار ذكرهم للبصيرة والبيان، وأبان عن علة خروجهم بما وصف من أرادتهم به تعالى لهم
اليسر وكراهة العسر عليهم زيادة منه في البرهان.
وجاء في التفسير أن ما جاء في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " فإنها مدنية وما فيه " يا أيها
الناس " مكية.
والصوم شرعا إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة، ومن شرط انعقاده النية،
ولأن تفسير الصوم بالصبر أولى، لقوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة، فقد قال
المفسرون أن الصبر في الآية هو الصوم ولا يوهم أنه ترك.
194

باب في تفصيل ما أجملناه:
قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، وفيه ثلاثة أقوال:
أحسنها أنه كتب عليكم صيام أيام، كما كتب عليهم صيام أيام، وكما محله نصب صفة مصدر
محذوف أي فرض عليكم فرضا مثل ما فرض على الذين من قبلكم، ويحتمل أن يكون نصبا
على الحال من الصيام، وتقديره كتب عليكم الصيام مفروضا في هذه الحال، والثاني
ما قاله الحسن أنه فرض علينا شهر رمضان كما كان فرض شهر رمضان على النصارى،
وإنما زادوا فيه وحولوه إلى زمان الربيع، والثالث ما قاله جماعة أنه كان الصوم من العتمة
إلى العتمة، لا يحل بعد النوم مأكل ولا مشرب ولا منكح ثم نسخ والأول هو المعتمد.
وقال مجاهد: المعنى بالذين من قبلكم أهل الكتاب، وقوله " لعلكم تتقون " أي لكي
تتقوا المعاصي بفعل الصوم، وقال السدي: لتتقوا ما حرم عليكم من المأكل والمشرب، وقال
قوم: معناه لتكونوا أتقياء مما لطف بكم في الصيام لأنه لو لم يلطف بكم لم تكونوا أتقياء، وإنما
قلنا أن الأول أصح لأنه يصح ذلك في اللغة إذا فرض عليهم صيام أيام كما فرض علينا صيام
أيام وإن اختلف ذلك بالزيادة والنقصان.
وقوله " أياما معدودات " قال الفراء إنه مفعول كقولك " أعطى زيد المال " وقال الزجاج
هو ظرف كأنه قيل الصيام في أيام معدودات، وإذا كان المفروض في الحقيقة هو الصيام
دون الأيام فلا يجوز ما قاله الفراء إلا على سعة الكلام.
وقال عطاء وابن عباس: " أياما معدودات " ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ، وقال ابن
أبي ليلى: المعنى به شهر رمضان وإنما كان صيام ثلاثة أيام تطوعا،
وروي عن أبي جعفر ع أن شهر رمضان كان واجبا صومه على كل نبي دون
أمته، وإنما أوجب على أمة نبينا ص فحسب.
فصل:
وقوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، تقديره فعليه
عدة من أيام أخر، وهذه الآية فيها دلالة على أن المسافر والمريض يجب عليهما الإفطار لأنه
195

تعالى أوجب القضاء عليهما مطلقا، وكل من أوجب القضاء بنفس السفر والمرض أوجب
الإفطار، وأوجب داود القضاء وخير في الإفطار، فإن قدروا في الآية فأفطر على تقدير، فمن
كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، كان ذلك خلاف ظاهر الآية
وخروجا عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل، وبوجوب الإفطار في السفر قال عمر بن
عبد العزيز وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعروة بن
الزبير، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
وروي عن عمر أن رجلا صام في السفر فأمره أن يعيد صومه، وروى يوسف بن الحكم:
سألت ابن عمر عن الصوم في السفر؟ قال: أ رأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها
عليك ألا تغضب، فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم، وقال ابن عباس: الإفطار في
السفر عزيمة، وروى ابن عوف عن النبي ص: الصائم في السفر كالمفطر في
الحضر، وروى عطاء عن المحرز بن أبي هريرة قال: كنت مع أبي في سفر في شهر رمضان
فكنت أصوم ويفطر، فقال أبي: أما إنك إذا أقمت قضيت وصام رجل في السفر فأمره عروة
أن يقضي، وقال الباقر ع: كان أبي ع لا يصوم في السفر وينهى عنه،
وقال الطبري إنه لم ينقطع العذر برواية صحيحة أنه كان ههنا صوم متعبد فنسخه الله بشهر
رمضان.
فصل:
وقوله تعالى " وعلى الذين يطيقونه " الهاء عائدة على الصوم، وقيل عائدة على
الفداء لأنه معلوم وإن لم يجر له ذكر والأول أقوى، وقال الحسن وأكثر أهل التأويل: إن هذا
الحكم كان في المراضع والحوامل والشيخ الكبير، فنسخ من الآية المراضع والحوامل وبقي
الشيخ الكبير، وقال أبو عبد الله ع: ذلك في الشيخ الكبير يطعم لكل يوم مسكينا
منهم من قال نصف صاع وهم أهل العراق، وقال الشافعي مد عن كل يوم وعندنا مدان
إن كان قادرا، وإن لم يقدر إلا على مد أجزأه، وعن الصادق ع: معناه على الذين
يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش وشبه ذلك فعليهم كل يوم مد.
196

قال السدي: لم تنسخ، أنه كان في من يطيقه فصار إلى حال العجز عنه، وإنما المعنى
وعلى الذين يطيقونه ثم صاروا بحيث لا يطيقونه.
وقوله " ومن تطوع خيرا " أي ومن جمع بين الصوم والصدقة، وقيل من أعطي أكثر
من مسكين.
والمعنى بقوله " وعلى الذين يطيقونه " أنه سائر الناس، كان في أول الاسلام من شاء
صام ومن شاء أفطر وافتدى لكل يوم طعام مسكين حتى نسخ ذلك، و " من تطوع " من
للجزاء أو بمعنى الذي، وقوله " فدية طعام مسكين " أي لكل يوم يفطر طعام مسكين، ومن
أضاف وجمع المساكين فمعنى قراءته يؤول إليه أيضا، لأنه إذا قيل إطعام مساكين للأيام بمعنى
لكل يوم إطعام مسكين صار المعنى واحدا.
وأن تصوموا خير لكم، أي وصومه خير لكم من الإفطار والفدية وكان هذا مع جواز
الفدية، فأما بعد النسخ فلا يجوز أن يقال الصوم خير من الفدية مع أن الإفطار لا يجوز له
أصلا.
فصل:
وقوله: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان
فمن شهد منكم الشهر فليصمه، قيل في معناه قولان: أحدهما من شاهد منكم الشهر
مقيما فليصمه، وثانيهما من شهده بأن حضره ولم يغب، لأنه يقال شاهد بمعنى حاضر ويقال
بمعنى مشاهد،
وعندنا أن من دخل عليه الشهر كره له أن يسافر حتى يمضى ثلاثة وعشرون من
الشهر إلا أن يكون سفرا واجبا كالحج أو تطوعا كالزيارة، فإن لم يفعل وخرج قبل ذلك في
مباح أيضا كان عليه الإفطار ولم يجزئه الصوم.
وقال أكثر المفسرين: فمن شهد الشهر - بأن دخل عليه شهر رمضان وهو حاضر -
فعليه أن يصوم الشهر كله، وشهر رمضان خبر مبتدأ، أي هو شهر رمضان يدل عليه أياما
معدودات، وقيل بدل من قوله " الصيام "، وتقديره كتب عليكم شهر رمضان أو صوم شهر
197

رمضان على حذف المضاف.
وقوله " أنزل فيه القرآن " قال الصادق ع: إن الله أنزل جميع القرآن في ليلة
القدر إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي ص بعد ذلك نجوما.
وقيل ابتدئ إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان،
فإن قيل: كيف يجوز أن يقال أنزل في ليلة واحدة وفي الآية إخبار عما كان، ولا يصلح
ذلك قبل أن يكون؟
قلنا: يجوز ذلك كما قال تعالى: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، أي إذا كان يوم
القيامة نادى أصحاب الجنة أصحاب النار، ومثله: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، و: لقد
نصركم الله في مواطن كثيرة، على أنه إذا كان وقت كذا أنزل لقد نصركم الله، والحكمة في
إثباته على اللوح المحفوظ ليكون لطفا للملائكة.
وعلى هذا مسألة وهي أن بيان الأحكام الشرعية إنما يكون بالمواضعة وبما يتبع ذلك،
فالأول مثاله الكلام والكتابة والثاني هو الإشارة والأفعال، فالنبي ع يصح أن
يبين الأحكام بالوجوه الأربعة ولا يصح البيان من الله إلا بالكلام والكتابة، فإن الإشارة
لا تجوز عليه، والأفعال التي تكون بيانا تقتضي مشاهدة فاعلها على بعض الوجوه وذلك
يقتضي مشاهدته، أما الكتابة فقد بين الله تعالى للملائكة بها في اللوح المحفوظ.
وقوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ناسخ للفدية على قول من قال بالتخيير
على ما تقدم، وناسخ للفدية أيضا في المراضيع والحوامل عند من ذهب إليه، وبقي الشيخ له
أن يطعم ولم ينسخ، وعندنا أن المرضعة والحامل إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وكفرتا وكان
عليهما القضاء فيما بعد إذا زال العذر وبه قال جماعة من المفسرين كالطبري وغيره.
فصل:
وقوله: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، قد بينا أنه يدل على
وجوب الإفطار في السفر، لأنه أوجب القضاء بنفس السفر والمرض، وكل من قال ذلك
198

أوجب الإفطار ومن قدر في الآية فأفطر فعدة من أيام أخر زاد في الظاهر ما ليس منه.
فإن قيل: هذا كقوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام،
فمعناه فحلق ففدية من صيام.
قلنا: إنما قدرنا هناك فحلق للإجماع على ذلك وليس هنا إجماع، فيجب أن لا يترك
الظاهر ولا نزيد فيه ما ليس منه.
وسئل أبو عبد الله ع عن حد المرض الذي على صاحبه فيه الإفطار فقال: هو
مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة فليصم، كان المريض على
ما كان بل الانسان على نفسه بصيرة.
وروي أن ذلك كل مرض لا يقدر معه على القيام بمقدار زمان صلاة، وقيل: ما يخاف
الانسان معه الزيادة المفرطة في مرضه.
فصل:
وقوله: يريد الله بكم اليسر، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: اليسر في
الآية الإفطار في السفر والعسر الصوم فيه وفي المرض، والعدة المأمور بإكمالها المراد بها أيام
السفر أو المرض التي أمر بالإفطار فيها.
وقوله " ولتكملوا العدة " عطف على تأويل محذوف دل عليه ما تقدم من الكلام، لأنه
لما قال " يريد الله بكم اليسر " دل على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم، فجاز ولتكملوا العدة.
وقيل: هو عطف جملة على جملة لأن بعده محذوفا، كأنه قال ولتكملوا العدة شرع ذلك
أو أريد ذلك، ومثله قوله: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من
الموقنين، أي وليكون من الموقنين بما أريناه، هذا قول الفراء والأول قول الزجاج، وهو أجود،
لأن العطف يعتمد على ما قبله لا على ما بعده، وعطف الظرف على الاسم في قوله " ومن كان
مريضا أو على سفر " جائز، لأنه بمعنى الاسم، وتقديره أو مسافرا، ومثله " دعانا لجنبه أو قاعدا
أو قائما " كأنه قال دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.
199

فصل:
وقوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، أراد تعالى من شهد الشهر وهو ممن
يتوجه إليه الخطاب، فعلى هذا الصبي إذا احتلم في نصف يوم من شهر رمضان أمسك
ما بقي تأديبا ولا قضاء عليه فيما مضى، ويمسك الكافر أيضا إذا أسلم في نهار رمضان
للتأديب، والمجنون والمغمى عليه في الشهر كله لا قضاء عليهم عندنا بدلالة قوله " فمن
شهد " وتقديره فمن كان شاهدا الشهر ويتوجه الخطاب إليه، والمجنون والمغمى عليه
ليسا بعاقلين حتى يتناولهما الخطاب، والكافر وإن كان مخاطبا بالشرعيات فقد سامح الله
معه إذا أسلم.
وقسم هذا الكلام بعض أصحابنا فقال: من نوى الصوم في أول الشهر ثم أغمي عليه
واستمر به أياما فهو بحكم الصائم لم يلزمه قضاء، وإن لم يكن مفيقا في أول الشهر وجب
عليه القضاء، وإنما يحمل هذا على الاستحباب لأنه تعالى قال: وما جعل عليكم في الدين من
حرج.
باب من له عذر وما يجري مجرى العذر:
قال الله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر، المراد به إذا كان مريضا عليلا فلا يطيق
الصوم أو يخاف على نفسه منه فيلزمه عدة من الأيام الأخر، واعلم أن من فاته رمضان بعذر
من مرض وغيره فعليه قضاؤه، ووقت القضاء ما بين رمضانين الذي تركه والذي بعده، فإن
أخر القضاء إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته، وإن كان تأخيره
لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفارة عليه، وإن تركه مع القدرة كفر عن كل يوم بمد
من طعام يدل عليه - بعد إجماع الطائفة والاحتياط - قوله: فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر، وهذا هو القضاء والأمر على الفور إلا لقرينة.
ثم الظاهر أن الفدية على من أطاق القضاء، وإن كان الخطاب راجعا إلى القضاء
والأداء معا، فالظاهر أنه منهما إلا أن تقوم دلالة على تركه، وقال أهل العراق الحامل والمرضع
اللتان تخافان على ولديهما تفطران ولا تقضيان يوما مكانه ولا صدقة عليهما ولا كفارة وبه
200

قال قوم من أصحابنا، وقال الشافعي - في رواية المزني - عليهما القضاء ويطعمان لكل يوم
مدا، وهو مذهبنا المعمول عليه، والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويتصدق مكان
كل يوم نصف صاع في قول أهل العراق وهو مذهبنا.
فصل:
قال المرتضى: من بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم وجب عليه الإفطار
بلا كفارة ولا فدية، ولو كان من ذكرنا حاله لو تكلف الصوم لتأتى منه لكن بمشقة شديدة
يخشى المرض منها والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام...
قال: ومما يجوز أن يستدل به على أن الشيخ الذي لا يطيق الصوم يجوز له الإفطار من
غير فدية، قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإذا لم يكن في وسع الشيخ الصوم
خرج من الخطاب به ولا فدية عليه إذا أفطر، لأن الفدية إنما تكون عن تقصير وإذا لم يطق
الشيخ الصوم فلا تقصير وقع منه.
ويدل على أن من أطاق من الشيوخ الصوم لكن بمشقة شديدة يخشى منها المرض يجوز
له أن يفطر ويفدي، قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية، ومعنى الآية أن الفدية تلزم مع
الإفطار، وكان الله خير في ابتداء الأمر بهذه الآية الناس كلهم بين الصوم وبين الإفطار
والفدية، ثم نسخ ذلك بقوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، وأجمعوا على تناول هذه
الآية لكل من عدا الشيخ الهرم ممن لا يشق عليه الصوم ولم يقم دليل على الشيخ إذا كان
الضرر في هذه الآية، فهو إذا يدخل تحت حكم الآية الأولى.
فصل:
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام بعد أن ذكر كلام الشيخ المفيد،
وهو أن: الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصيام وعجزا عنه فقد سقط عنهما
فرضه ووسعهما الإفطار ولا كفارة عليهما، وإذا أطاقاه بمشقة عظيمة وكان مرضهما يضر بهما
ضررا بينا وسعهما الإفطار وعليهما أن يكفرا عن كل يوم بمد من طعام، قال: وهذا الذي
201

فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لا يطيقه أصلا، لم أجد به حديثا مفصلا،
والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا عنه.
والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على وجوب
الصوم، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة، لأنه
لا يحسن تكليفه للصيام وحاله هذه، وقد قال الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وهذا
ليس بصحيح لأن وجوب الكفارة ليس بمبني على وجوب الصوم، لأنه ما كان يمتنع أن
يقول الله: متى لم تطيقوا الصيام فصار مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب الصوم
عنكم وليس لأحدهما تعلق بالآخر.
والذي ورد في الأحاديث من ذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله ع قال:
سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان. فقال: يتصدق بما يجزئ عنه طعام
مسكين لكل يوم.
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع في قول الله: وعلى الذين يطيقونه
فدية طعام مسكين، قال: الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش، وفي رواية أخرى: ولا قضاء
عليهما، فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما، وفي رواية أنه قال: يتصدق كل واحد بمدين من طعام،
وهذا ليس بمضاد للرواية التي تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسكين، لأن هذا الحكم يختلف
بحسب اختلاف أحوال المكلفين، فمن أطاق مدين يلزمه ذلك، ومن لم يطق إلا إطعام مد
فعل ذلك، ومن لم يقدر على شئ منه فليس عليه شئ حسب ما قدمناه، ومقدار المد
ثلاثمائة سوى سبعة دراهم ونصف درهم.
باب:
في النية وفي علامة أول الشهر وآخره:
من شرط صحة الصوم النية، قال الله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين، والإخلاص لله بالديانة هو أن يتقرب إليه بذلك من غير رياء ولا سمعة، وهذا
التقرب لا يصح إلا بالنية له وقال النبي ص " الأعمال بالنيات "، ويكفي في النية أن
202

التقرب لا يصح إلا بالنية له وقال النبي ص " الأعمال بالنيات "، ويكفي في النية أن
يعزم أنه يصوم شهر رمضان كله من أوله إلى آخره مع ارتفاع ما يوجب إفطاره، والنية
إرادة مخصوصة ولا تتعلق إلا بحادث ونحوه، وههنا لا تتعلق بالإمساك وإنما تتعلق بكراهة
تناول المفطرات وقد ذكرنا ذلك مستوفى في كتاب " النيات في جميع العبادات "، وإذا نوى
الانسان في أول شهر رمضان صوم الشهر كله إلى آخره قال بعد النية في قلبه إنشاء الله، فإن
الله تعالى يقول " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ".
والصيام كما ذكرنا هو الكف عن تناول أشياء والصبر عليه، وقد ورد الأمر من الله
بالكف عنها في أزمان مخصوصة مما يجب أن يمسك عنه الصائم مما إن أقدم عليه يوجب
القضاء سبعة عشر شيئا، فإذا كف العبد عنها في أوقات الصيام المحدودة بنية الكف عنها
لوجه الله كان آتيا، بالصيام، وقد حظر الله على الصائم تناول جميع ما ينقض صومه من
حد بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود وهو بياض الفجر عند انسلاخ الليل، فإذا طلع
الفجر فقد دخل وقت فرض الصيام وحل وقت فريضة الصلاة، ثم الحظر ممتد إلى دخول
الليل وحد دخوله مغيب قرص الشمس، وعلامة سقوط القرص عدم الحمرة من المشرق،
فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر ودخل وقت الإفطار بغروبه من الأكل والشرب
والجماع وسائر ما يتبع ذلك ويختص حظره بحال الصيام.
ولا يلزم الكفارة مع القضاء إلا في تسعة مما قدمناه مجملا على أنه يجب الإمساك عن جميع
المحرمات والقبائح التي هي سوى التسعة الموجبة للقضاء والكفارة والثمانية الموجبة
للقضاء دون الكفارة. ويتأكد وجوب الامتناع عنها لمكان الصوم.
فصل:
قال الله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، جعل الله الأهلة
علامات الشهور ودلائل أزمان الفروض ومواقيت للناس في الحج والصوم وحلول آجال
الدين ومحل الكفارات وفعل الواجب والمندوب إليه،
وسئل أبو عبد الله ع عن الأهلة في قوله " يسألونك عن الأهلة "، فقال: هي
203

أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر وليس بالرأي والتظني، ويسمى
هلالا لليلتين - قاله الزجاج: فإن قيل: عما ذا وقع السؤال من حال الأهلة؟
قيل: عن زيادتها ونقصانها، وما وجه الحكمة في ذلك؟ فأجيب بأن مقاديرها يحتاج
إليها الناس في صومهم وفطرهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل ديونهم وغير ذلك، وفيها
دلالة واضحة على أن الصوم لا يثبت بعدد الجدوليين وأنه يثبت بالهلال، لأن عددهم لو كان
مراعى لما أحيل في مواقيت الناس في الحج على ذلك بل أحيل على العدد، والميقات منتهى
الوقت، والآخرة منتهى الخلق، والإهلال ميقات الشهر.
فصل:
ومن قال: إن قوله تعالى " ولتكملوا العدة " يدل على أن شهر رمضان لا ينقص أبدا،
فقد أبعد من وجهين: أحدهما لأن قوله " ولتكملوا العدة " معناه ولتكملوا عدة الشهر سواء
كان الشهر تاما أو ناقصا، أعني ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما، والثاني أن ذلك راجع
إلى القضاء لأنه قال عقيب ذكر السفر والمرض: فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة، يعني عدة ما فاته وهذا بين.
فالهلال علامة الشهر وبه وجبت العبادة في الصيام والإفطار والحج وسائر ما يتعلق
بالشهور على أهل الشرع، وربما خفي لعارض أو استتر من أهل مصر لعلة وظهر لأهل غير
ذلك المصر، ولكن الفرض إنما تعلق على العباد به إذا هو العلم دون غيره بما قدمناه من آي
القرآن.
فإن قيل: أي تعلق لقوله تعالى: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، بسؤال قدم
عن الأهلة؟
قلنا: لأنه لما بين ما فيه من وجه الحكمة اقتضى لتعملوا على أمور متعددة ولتجروا أموركم
على استقامة، فإنما البر أن تتبعوا أمر الله وأن تأتوا البيوت من أبوابها أي ائتوا البر من
وجهه الذي أمر الله به ورغب فيه، وهذا عام في كل شئ حتى في الصوم والإفطار، فإنه يجب
أن لا يصام فرضا من عند رؤية هلال شعبان إلا بعد أن يقضي ثلاثون يوما مع العلة في
204

السماء، ولا يفطر إلا بالرؤية أو بعد انقضاء ثلاثين يوما من عند رؤية هلال شهر رمضان إذا
كان في آخره علة في السماء لا يصح معها الترائي قبله إن كان.
باب أقسام الصوم الواجب:
الصوم الواجب على ضربين: مطلق من غير سبب وهو شهر رمضان، قال تعالى: شهر
رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم
الشهر فليصمه. والثاني ما هو واجب أوجه ووجوبها كوجوب شهر رمضان.
ف‍ أ: صوم شهرين متتابعين في كفارة الظهار، قال الله تعالى: والذين يظاهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون
خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
ب: صيام شهرين متتابعين في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، قال الله تعالى
" فعدة من أيام أخر " وقال " وما آتيكم الرسول فخذوه ".
ج: صيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ ممن لم يجد العتق، قال الله تعالى: ومن قتل
مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، إلى قوله: فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين توبة من الله ".
د: صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام والكسوة والعتق، قال الله تعالى:
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، كل ذلك متتابع وليس بمفترق.
ه‍: صيام أذى حلق الرأس، قال تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فصاحبها مخير إن شاء صام ثلاثا أو تصدق أو نسك.
و: صوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي، قال الله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة.
ز: صوم جزاء الصيد، قال الله تعالى: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما.
205

ح: صوم النذر، سواء كان متعينا أو غير متعين، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود، وقال " يوفون بالنذر ".
ط: صوم الاعتكاف، وقال تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد.
ي: صوم قضاء ما فات من شهر رمضان والنذر، قال الله تعالى " فعدة من أيام أخر "
ويلحق بها صوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال، فإنه أيضا واجب.
فأما بيان آية صوم شهر رمضان فقد مضى، ونحن نبين الآن ما يتعلق بالوجوه الأخر من
الصوم الواجب، ونفرد لكل واحد فصلا مفردا إنشاء الله تعالى.
الفصل الأول: في الصوم الذي هو كفارة الظهار:
قال تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم، إلى قوله " فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، يقول فمن لم يجد الرقبة - يعني عجز عنها -
فالصيام والتتابع فيه أن يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما، وعند قوم
إن بدأ من نصف شهر لا يفطر فيما بينهما، فإن أفطر لا لعذر استأنف فإن أفطر لعذر من
مرض اختلفوا فمنهم من قال يستأنف من عذر وغير عذر وقال قوم يبني، وأجمعوا على أن
المرأة إذا أفطرت للحيض في الشهرين المتتابعين في كفارة قتل الخطأ أنها تبني، فقاسوا
عليه المظاهر، وروى أصحابنا أنه إذا صام شهرا ومن الثاني بعضه ولو يوما ثم أفطر لغير
عذر فقد أخطأ إلا أنه يبني، فإن أفطر قبل ذلك بغير عذر استأنف وإن كان لعذر يبني، قال
تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، ثم قال: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
الفصل الثاني: في صوم كفارة قتل الخطأ:
قال الله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، إلى قوله: فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين توبة من الله، يعني فمن لم يجد الرقبة المؤمنة كفارة عن قتله المؤمن
لإعساره فعليه صيام شهرين متتابعين، واختلفوا في معناه فقال قوم مثل ما قلناه ذهب إليه
مجاهد، وقال قوم فمن لم يجد الدية فعليه صوم الشهرين عن الرقبة والدية، وتأويل الآية
206

فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين، ذهب إليه
مسروق،
والأول هو الصحيح، لأن دية قتل الخطأ على العاقلة - على ما نذكره في بابه - والكفارة
على القاتل بإجماع الأمة على ذلك.
وصفة التتابع في الصوم أن يتابع الشهرين لا يفصل بينهما بإفطار يوم، وقال
أصحابنا: إذا صام شهرا وزيادة ثم أفطر خطأ جاز له البناء كالتفصيل الذي ذكرناه في
الفصل الأول، وقوله " توبة من الله " أي رحمة من الله لكم إلى التيسير عليكم بتخفيفه
عنكم من فرض تحرير رقبة مؤمنة بإيجاب صوم الشهرين المتتابعين.
الفصل الثالث: في صوم كفارة اليمين:
قال الله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، إلى قوله: فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، فحد من لم يكن بواجد هو من ليس عنده ما يفضل
عن فوته وقوت عياله يومه وليلته، وهو قول قتادة والشافعي أيضا، فصوم هذه الثلاثة الأيام
متتابع، فأما إذا قال القائل " إذا فعلت كذا فلله على أن أتصدق بمائة دينار أو أصوم يوم كذا "
فهذا عندنا نذر، وعند أكثر الفقهاء يلزمه مائة دينار أو الصوم، وقال أبو علي عليه كفارة
يمين، لقوله " ذلك كفارة أيمانكم، وهو عام في جميع الأيمان وعندنا هذا ليس بيمين بل هو نذر
يلزمه الوفاء به، لقوله " أوفوا بالعقود " ولقوله " وليوفوا نذورهم " ولقوله " يوفون بالنذر "،
والوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه، والوفاء إمضاء العقد على الأمر الذي يدعو إليه
العقد، ومنه قوله: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، أي العقود الصحيحة لأنه لا يلزم أحدا
أن يفي بعقد فاسد وكل عقد صحيح يجب الوفاء به.
الفصل الرابع: في صيام أذى حلق الرأس:
قال الله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة
أو نسك، أمر الله تعالى أن لا يزيلوا شعور رؤوسهم من أول ذي القعدة حتى ينتهي الهدي إلى
207

المكان الذي يحل نحره فيه، فمن مرض أو قمل رأسه أو تأذى به فعليه فدية من صيام،
فالذي رواه أصحابنا أن الصيام ثلاثة أيام أو صدقة ستة مساكين وروي عشرة مساكين،
والنسك شاة وروي عن كعب بن عجرة الأنصاري ومجاهد وعلقمة وإبراهيم والربيع.
واختار الجبائي مثل ما قلناه أن الصوم ثلاثة أيام، وقال الحسن وعكرمة صوم عشرة أيام.
الفصل الخامس: في صوم دم المتعة:
قال الله تعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، فالهدي واجب على المتمتع فإن لم يجد الهدي
ولا ثمنه صام ثلاثة أيام في الحج، وعندنا أن وقت صوم هذه الثلاثة الأيام يوم قبل التروية
ويوم التروية ويوم عرفة، فإن صام في أول العشر جاز ذلك رخصة وإن صام يوم التروية
ويوم عرفة قضى يوما آخر بعد التشريق، فإن فاته يوم التروية فلا يصوم يوم عرفة لذلك بل
يصوم بعد انقضاء أيام التشريق ثلاثة أيام متتابعات وصوم السبعة أيام إذا رجع إلى أهله،
فأما أيام التشريق فلا يجوز صومها عندنا لمن كان بمنى وبمكة حاجا لصوم دم المتعة وغيره.
الفصل السادس: في صوم جزاء الصيد:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، إلى قوله أو عدل ذلك
صياما، قيل في معناه قولان:
أحدهما: لا تقتلوا الصيد محرمين فمن صاد فعليه الجزاء أو الصدقة أو أن يقوم عدله
من النعم ثم يجعل قيمته طعاما في قول عطاء وهو مذهبنا، وقال قتادة: يقوم نفس الصيد
المقتول حيا ثم يجعل قيمته طعاما، ونصب " صياما " على التمييز، وفي معناه قولان:
أحدهما يقوم ذلك المقتول بدراهم وتفض على الطعام ثم يصام لكل مد من الطعام
يوم عن عطاء، وقال غيره عن كل يوم مدين وهو مذهبنا، وقال سعيد بن جبير يصوم ثلاثة
أيام إلى عشرة أيام، وعن الزهري في قوله " أو عدل ذلك صياما " قال: لي علي بن الحسين
ع: أو تدري كيف كان عدل ذلك صياما فقلت لا، قال: يقوم الصيد قيمة ثم
208

تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا: فيصوم لكل نصف صاع يوما،
هذا إذا أصابه المحل في الحرم.
الفصل السابع: في صوم النذر:
قال الله تعالى: وليوفوا نذورهم، وقال: أوفوا بالعقود، يقال وفي بعهده وأو في لغة
أهل الحجاز وهي لغة القرآن وقد ذكرنا ما في الوفاء بالنذر، أما العقود فجمع العقد بمعنى
المعقود وهو أوكد العهود، والفرق بين العهد والعقد أن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد
ولا يكون إلا بين متعاقدين و العهد قد ينفرد به الواحد، فكل عهد عقد ولا يكون كل عقد
عهدا.
خاطب الله تعالى المؤمنين وتقديره يا أيها المؤمنون وهو اسم تعظيم وتكريم " أوفوا
بالعقود "، والأمر على الوجوب شرعا فعلى هذا من نذر صوم يوم بعينه فعليه الوفاء به واجبا،
واختلفوا في هذه العهود على أربعة أقوال
: أحدها أن المراد بها العقود التي يتعاقد الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد
الأيمان والنذور وعقد العهد وعقد البيع.
وثانيها أنها العهود التي أخذها الله على العباد مما أحل وحرم.
وثالثها أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا على النصرة
والمؤازرة على من حاول ظلمه.
ورابعها أن ذلك أمر من الله لأهل الكتاب. قالوا فإنما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في
التوراة والإنجيل في تصديق نبينا ع، والأقوى أن يكون على العموم فإن ذلك
بعرف الشرع يحمل على العموم والاستغراق وجوبا، فيدخل تحته الصوم والصلاة
والحج وغير ذلك.
الفصل الثامن: في صوم الاعتكاف:
قال الله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، قيل في معناه قولان:
209

أحدهما أنه أراد به الجماع عن ابن عباس وغيره، والثاني أنه أراد به الجماع وكل ما كان
دونه من قبلة وغيرها وهو مذهبنا.
وقوله: وأنتم عاكفون في المساجد، فعندنا الاعتكاف هو اللبث في أحد المساجد الأربعة
للعبادة من غير اشتغال بما يجوز تركه من أمور الدنيا، وله شرائط مذكورة في كتب الفقه
وأصله اللزوم.
وقوله: تلك حدود الله، أي فرائضه والحد منتهى الشئ، ولا يجوز الاعتكاف
إلا بالصوم وبه قال أبو حنيفة ومالك بن أنس ودلت الآية من فحواها على الصوم
الواجب في الاعتكاف، والدليل القاطع من القرآن قوله: وما آتيكم الرسول فخذوه، وإن
كان على الجملة، وعندنا لا يكون أقل من ثلاثة أيام وبه قال أهل المدينة.
وقيل: إن هذه الآية من أولها: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، نزلت في
شأن أبي قيس بن صرمة وكان يعمل في أرض له، فأراد الأكل فقالت امرأته نصلح لك
شيئا فغلبت عيناه ثم قدمت إليه الطعام فلم يأكل، فلما أصبح لاقى جهدا فأخبر رسول
الله ص بذلك، فنزلت الآية، وروي أن عمر أراد أن يواقع زوجته في شهر
رمضان بالليل، فقالت أنى نمت، فظن أنها تعتل عليه فوقع عليها، ثم أخبر النبي عليه
السلام من الغد، فنزلت الآية فيهما، وعن الصادق ع: إنها نزلت في خوات
بن جبير بمثل قصة أبي قيس بن صرمة، وكان ذلك يوم الخندق.
الفصل التاسع:
في صوم قضاء ما فات من شهر رمضان لعذر:
قال الله تعالى: فعدة من أيام أخر، وتقديره فمن كان منكم في سفر - يعني مسافرا -
فليصم عدة من أيام أخر، والأمر على الإيجاب في الشرع فعلم أن قضاء ما يفوت من شهر
رمضان لعذر واجب يجوز متتابعا ومتفرقا والتتابع أفضل، وبه قال الشافعي ومالك وقال
أهل العراق هو مخير.
وروى عبد خير قال: قلت لأبي الحسن أمير المؤمنين ع: إن على أياما من
210

شهر رمضان أ فيجوز أن أقضيها متفرقة؟ قال: اقضها إن شئت متتابعة وإن شئت تترى،
قال: فقلت إن بعضهم قال لا تجزى إلا متتابعة قال: بل تجزى تترى لأنه تعالى قال: فعدة من
أيام أخر، ولو أرادها متتابعة لبين التتابع كما قال: فصيام شهرين متتابعين، في الكفارة.
وقال المرتضى: يخير أصحابنا للقاضي لصوم شهر رمضان إذا فاته بين التفريق
والمتابعة ولي في ذلك تأمل، والأقوى أن يلزمه متتابعا إذا لم يكن له عذر لأن الواجبات عندنا
هي على الفور شرعا دون التراخي، والقول بتخييره في ذلك يدفع هذا الأصل، فأما عند
العذر فلا خلاف أنه يجوز التفريق.
ومعنى قوله " تترى " أي متواترة، تقول العرب: جاءت الخيل متتابعة إذا جاء بعضها في
أثر بعض بلا فصل، وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل، والعامة يوهمون فيقولون
للمتتابع متواتر، وأما صيام النذر فإن كان الناذر نذر أن يصوم يوما بعينه في سفر أو حضر ثم
وافق ذلك اليوم أن يكون مسافرا كان أو حاضرا فإنه يجب الصيام في حال السفر أيضا،
فإن اتفق أن يكون ذلك اليوم يوم عيد أو يكون الناذر مريضا فعليه الإفطار والقضاء، وقد
نص على قضاء ما يفوت من صيام النذر لعذر رسول الله ص تفصيلا ونص عليه القرآن جملة، كما قال تعالى: وما آتيكم الرسول فخذوه.
الفصل العاشر: في صيام شهرين متتابعين على من أفطر يوما من شهر رمضان
متعمدا:
من أفطر في شهر رمضان متعمدا بالجماع في الفرج لزمه القضاء والكفارة عندنا،
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وعليه إجماع الطائفة
المحقة، والدليل عليه على سبيل التفصيل إنما يكون من السنة، ومن القرآن إنما يكون
على الجملة، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، وقد بينها رسول الله
ص، وقال مالك: هو بالخيار في ذلك، واعتمد الشيخ في الجمل والعقود على
هذه الرواية، وقال في غير موضع الكفارة: وفيه عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وعول على هذه
211

الرواية وقال: ومن أصحابنا من قال بالأول.
فمن أكل أو شرب أو جامع في نهار شهر رمضان متعمدا لزمه القضاء والكفارة
عندنا، ومتى فعل شيئا منها ناسيا فلا شئ عليه وكذلك حكم من فعل شيئا منها في يوم قد
نذر صومه عمده كعمده ونسيانه كنسيانه.
باب مسائل شتى من ذلك:
من صام في السفر واجبا يجب عليه الإعادة غير النذر المقيد صومه بالسفر وغير
الثلاثة الأيام في الحج بدل هدي المتعة، والحجة لقولنا - زائدا على الاجماع المكرر - قوله: فمن
كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، فأوجب الله القضاء بنفس السفر.
فإن قيل: فيجب أن تقولوا مثل ذلك في قوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه، ولا تضمروا فحلق، قلنا: هكذا يقتضي الظاهر، ولو خلينا وإياه لم نضمر شيئا، لكن
أضمرناه بالإجماع، ولا دليل ولا إجماع نقطع به في الموضع الذي اختلفنا فيه والشئ إذا تكرر
تقرر.
ومن تمضمض لطهارة فوصل الماء إلى جوفه لا شئ عليه من قضاء ولا غيره، وإن
وصل لغير طهارة من تبرد أو غيره ففيه القضاء خاصة ويمكن أن نتعلق للحجة في الأول -
بعد الاجماع المتردد - بقوله: ما جعل عليكم في الدين من حرج، وكل الحرج أن يأمرنا
بالمضمضة في الطهارة ثم يلزمنا القضاء إذا سبق الماء إلى أجوافنا من غير اعتماد في حال
الصوم، ولا يلزم على ذلك التبرد بالمضمضة لأنه مكروه في الصوم والامتناع منه أولى، وقد
كره بعض أصحابنا أن يتمضمض في الطهارة في الصوم الفرض، وقال: من تمضمض فيها
فينبغي أن يرمي بماء الفم بعده ثلاث مرات.
فصل:
قال الله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، الرفث الجماع ههنا
بلا خلاف وروي عنهما ع كراهية الجماع في أول كل شهر إلا أول ليلة من شهر
212

رمضان لمكان الآية، ويمكن أن يقال: الوجه في ذلك تكسير الشهوة لسائر الشهر وإرضاء
النفس اللوامة، والأشبه أن يكون المراد بليلة الصيام ليالي الشهر كله وإنما ذكر بلفظ
التوحيد لأنه اسم جنس دل على الكثير.
وقوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، معناه أنهم كانوا لما حرم عليهم
الجماع في شهر رمضان بعد النوم خالفوا في ذلك، فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي
نسخت تلك الفريضة، فإن قيل: أ ليس الخيانة انتقاض الحق عن جهة المساترة، فكيف
يساتر الانسان نفسه؟
قلنا عنه جوابان: أحدهما أن بعضهم كان يساتر بعضا فيه فصار كأنه يساتر نفسه لأن
ضرر النقص والمساترة داخل عليه، والثاني أنه يعمل عمل المساتر له فهو يعمل لنفسه
عمل الخائن له.
وقوله تعالى: وعفا عنكم: أي أزال تحريم ذلك عنكم وذلك عفو عن تحريمه عنهم " فالآن
باشروهن " أي جامعوهن ومعناه الإباحة دون الأمر، " وابتغوا ما كتب الله لكم " في معناه
قولان: أحدهما قال الحسن يعني طلب الولد، والثاني قال قتادة يعني الحلال الذي بينه الله
في كتابه بقوله " كلوا واشربوا " إباحة للأكل والشرب حتى يظهر بياض الفجر من سواد
الليل، وقيل خيط الفجر الثاني مما كان في موضعه من الظلام، وقيل النهار من الليل فأول
النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياءا، وقوله تعالى: " من الفجر " يحتمل من معنيين:
التبعيض لأن المعنى بعض الفجر وليس الفجر كله، أو التبيين أي حتى يتبين الخيط الأبيض
الذي هو الفجر.
فصل:
وقوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل، والليل هو بعد غروب الشمس وعلامة دخوله
على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق وإقبال السواد منه، وإلا فإذا غابت
الشمس مع ظهور الآفاق في الأرض المبسوطة وعدم الجبال والروابي فقد دخل الليل.
وقوله: وكلوا واشربوا، يمكن أن يقال هو أمر على الوجوب يتناول ما هو قوام البدن،
213

وأمر على الاستحباب بأكل السحور فإنه عون على الصوم وخلاف على اليهود واقتداء
بالرسول، فإنه ع قال: " يستحب السحور ولو بشربة من ماء وأفضله التمر ".
وروي أن عدي بن حاتم قال للنبي ع: إني وضعت خيطين من شعر أبيض
وأسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبينان، فضحك رسول الله ع حتى رئي نواجذه
وقال: يا بن حاتم إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل، فابتدئ الصوم من هذا الوقت، وقد
بين سبحانه الانتهاء أيضا بقوله " ثم أتموا الصيام إلى الليل " أي من وقت طلوع الفجر
الثاني، وهو الفجر الصادق المستطير المعترض الذي يأخذ الأفق ويجب عنده الصلاة إلى
وقت دخول الليل على ما حددناه.
فصل:
وقوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم، قيل: معناه لتبلون بالعبادات في أنفسكم
كالصلاة والصيام وغيرهما، وفي أموالكم من الزكوات والأخماس والإنفاق في سبيل الله
ليتميز المطيع من العاصي، ويقال لشهر رمضان " شهر الصبر " لصبر صائمة عن الطعام
والشراب نهارا وصبره إياهم عن المأكول والمشروب، أي كفه إياهم وحبسه لهم عن ذلك،
قال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة، أي بالصوم والصلاة وهو خطاب لجميع من
هو بشرائط التكليف، لفقد الدلالة على التخصيص واقتضاء العموم لذلك، والصبر
هو منع النفس عن محابها وكفها عن هواها وكان النبي ع إذا أحزنه أمر استعان
بالصبر والصلاة.
واعلم أن من تحري الفجر فلم يره فتسحر ثم علم بعد ذلك أنه كان طالعا لم يكن
عليه قضاء بدلالة قوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج، إذا كان الصوم فرضا كشهر
رمضان، فأما إن كان قضاءا لشهر رمضان أو نافلة فلا يصح صوم ذلك اليوم، وقوله:
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإن لم يكن تحري الفجر وأقدم على التسحر قبل تحريه وقد
طلع الفجر حينئذ وجب عليه القضاء لما كان منه من تفريطه في فرض الصيام.
214

فصل:
وقد جرى ذكر النسخ في المسح على الخفين بسورة المائدة ونسخ القبلة من بيت
المقدس إلى الكعبة، وكذا في آية الصوم ذكرنا دليلا على جوازه وقال تعالى: ما ننسخ من
آية أو ننسها نأت بخير منها، فالنسخ حقيقته كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم
الثابت بالنص الأول غير ثابت فيما بعد على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه
عنه، والنسخ في الشرع على ثلاثة أقسام: نسخ الحكم دون اللفظ ونسخ اللفظ دون الحكم
ونسخهما معا.
فالأول كقوله: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون
يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن
خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، فكان
الفرض الأول وجوب ثبوت الواحد للعشرة فنسخ بثبوت الواحد للاثنين، فحكم الآية
الأولى منسوخ وتلاوتها ثابتة ونحوها آية العدة والفدية وغير ذلك.
والثاني كآية الرجم، فقد روي أنها كانت منزلة " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما
البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فرفع لفظها وبقي
حكمها.
والثالث ما هو مجوز ولم يقطع بأنه كان وقد روي عن أبي بكر أنه قال: كنا نقرأ
" لا ترغبوا عن آبائكم فهو كفر "، واعلم أن سبيل النسخ سبيل سائر ما تعبد الله به وشرعه
على حسب ما يعلم من المصلحة فيه، فإذا زال الوقت الذي تكون المصلحة مقرونة به
زال بزواله، وذلك مشروط بما في المعلوم من المصلحة به وهذا كاف في إبطال قول من أبي
النسخ، ومعنى الآية: ما نبدل من آية أو نتركها أو نؤخرها نأت بخير منها لكم في التسهيل
كالأمر بالقتال أو مثلها كالتوجه إلى الكعبة.
باب الزيادات:
سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله ع عن علة الصيام فقال: إنما فرض الله
215

الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم
الفقير لأن كلها أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله أن يسوي بين خلقه
وأن يذيق الغني مس الجوع ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.
مسألة:
من قرأ " فدية طعام مسكين " فطعام مسكين عطف بيان لقوله " فدية "، ومن أضاف
الفدية إلى طعام فهو كإضافة البعض إلى ما هو بعض له، فإنه سمى الطعام الذي يفدي به
فدية، ثم أضاف الفدية إلى الطعام الذي يعم الفدية وغيرها، وهذا كقولهم " خاتم حديد ".
مسألة:
وقوله " فعدة من أيام أخر " أي فعليه عدة، ارتفاعه على الابتداء ويجوز أن يكون خبر
ابتداء أي فالذي ينويه عدة من أيام أخر.
فإن قيل: كيف قيل " فعدة " على التنكير ولم يقل فعدتها؟
قلنا: لما قيل " فعدة " فالعدة بمعنى المعدودة فأمر بأن يصوم أياما معدودة مكانها إن
أفطر بعض الشهر فبعضه وإن أفطر الكل فالكل، واختلفوا في العدة من الأيام الأخر: فقال
الحسن هي على التضييق إذا برئ المريض أو قدم المسافر وعندنا موقت فيما بين رمضانين
فإن فرط فعلى ما ذكرناه.
مسألة:
عن أبي عبد الله ع في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية، قال: من مرض في
شهر رمضان فأفطر ثم صح ولم يقض ما فاته متوانيا حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه أن
يتصدق لكل يوم بمد من طعام وأن يقضي بعده.
216

مسألة:
وقوله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، عن الصادق
ع: لم يكن رسول الله ص يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة منذ
نزلت هذه الآية بكراع الغميم عند صلاة الهجير، فدعا رسول الله ص بإناء
فشرب وأمر الناس أن يفطروا فقال قوم: لو تممنا يومنا هذا فسماهم النبي عليه السلام
العصاة، فلم يزالوا يسمون بذلك الاسم حتى قبض عليه السلام.
مسألة:
وقوله: أنزل فيه القرآن، أي أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق القرآن، فيكون
" فيه " بمعنى في فرضه، كما يقول القائل: أنزل الله في الزكاة كذا، يريد في فرضها، وقد ذكرنا له
معنى آخر والمراد بالهدى الأولى الهداية من الضلالة وبالهدى الثانية بيان الحلال والحرام،
وعن أبي عبد الله ع: القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الذي يجب العمل
بظاهره.
مسألة:
وقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه، الألف واللام في الشهر للعهد والمراد به
شهر رمضان وينتصب على أنه ظرف لا على أنه مفعول به، لأنه لو كان مفعولا به للزم صومه
المسافر كما يلزم المقيم من حيث أن المسافر يشهد الشهر كما يشهده المقيم، فلما لم يلزم
المسافر علمنا أن معناه فمن شهد منكم المصر في الشهر فليصمه أي فليصم جميعه
ولا يكون الشهر مفعولا به.
فإن قيل: كيف جاء ضميره متصلا في قوله " فليصمه " إذا لم يكن الشهر مفعولا به؟
قلنا: قد حذف منه المضاف على ما ذكرنا، وقيل: إن الاتساع وقع فيه بعد أن استعمل
ظرفا على ما تقدم بيان أمثاله في مواضع.
217

مسألة:
وقوله: ولتكملوا العدة، اللام فيه يجوز أن يكون للأمر، كقراءة، من قرأ " فبذلك
فلتفرحوا " بالتاء، وإنما أورد اللام في أمر المخاطب هنا إشعارا أن النبي ع وأمته
الحاضرين والغائبين داخلون تحت هذا الخطاب.
مسألة:
وقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر، إشارة إلى جواز غير التتابع في قضاء تلك العدة
وإن كانت شهرا أو أياما إلا أنه لا بد من قضائها جميعا.
مسألة:
وقوله تعالى: ولتكبروا الله على ما هداكم، المراد به تكبير ليلة الفطر ويومه عقيب
أربع صلوات المغرب والعشاء والغداة وصلاة العيد على مذهبنا.
مسألة:
وقوله تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، يسأل فيقال:
لم زيد قوله " من الفجر " وهلا اختصر به على الاستعارة؟ قلنا: لأن من شرط المستعار أن
يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر " من الفجر " لم يعلم أن الخيطين مستعاران فزيد " من
الفجر " فكان تشبيها بليغا، على أن مع هذا البيان التبس على العربي الفصيح مثل عدي
بن حاتم.
مسألة:
أما قوله: كما كتب على الذين من قبلكم، فقد روي عن أمير المؤمنين ع:
أولهم آدم ع، يعني أن الصوم عبادة قديمة ما أخلا الله نبيا ولا أمة من افتراضها
عليهم، لم يفرضها عليكم وحدكم " لعلكم تتقون " المعاصي، لأن الصائم أظلف لنفسه
218

والمعنى كتب عليكم كما كتب عليهم أن تتقوا المفطر بعد أن تصلوا العشاء وبعد أن تناموا،
ثم نسخ ذلك بقوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، ومعنى " معدودات "
مؤقتات بعدد معلوم أو قلائل كقوله: دراهم معدودة.
219

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
221

كتاب الصيام
يحتاج في الصوم إلى العلم بأقسامه وشروطه وما يفسده وما يتعلق بذلك من
الأحكام.
أما أقسامه فعلى ضروب ثلاث: واجب ومندوب ومحظور، والواجب على ضربين:
أحدهما يجب مطلقا من غير سبب والثاني يجب عن سبب، فالأول صوم شهر رمضان
وشروطه على ضربين: أحدهما يشترك فيه الوجوب وصحة الأداء والثاني يختص صحة
الأداء، فالأول: البلوغ وكمال العقل والسلامة من المرض والكبر والسفر ودخول الوقت،
والثاني: الاسلام والنية والطهارة من الجنابة على تفصيل نذكره، ومن الحيض
والاستحاضة المخصوصة والنفاس.
وعلامة دخوله أعني الشهر رؤية الهلال وبها يعلم انقضاؤه بدليل الاجماع من الأمة
بأسرها من الشيعة وغيرها على ذلك، وعملهم به من زمن النبي صلى الله عليه وآله
وما بعده إلى أن حدث خلاف قوم من أصحابنا فاعتبروا العدد دون الرؤية وتركوا ظواهر
القرآن والمتواتر من روايات أصحابنا وعولوا على ما لا يجوز الاعتماد عليه من أخبار آحاد
شاذة ومن الجدول الذي وضعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ونسبه إلى
الصادق ع، والخلاف الحادث لا يؤثر في دلالة الاجماع السابق وكما لا يؤثر
223

حدوث خلاف الخوارج في رجم الزاني المحصن في دلالة الاجماع على ذلك فكذلك حدوث
خلاف هؤلاء، وهذا عبد الله بن معاوية مقدوح في عدالته بما هو مشهور من سوء طريقته
مطعون في جدوله بما تضمنه من قبيح مناقضته ولو سلم من ذلك كله لكان واحدا لا يجوز في
الشرع العمل بروايته.
ويدل أيضا على أصل المسألة قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس
والحج، وهذا نص صريح بأن الأهلة هي الدلالة على أوائل الشهور وأيضا قوله سبحانه: هو
الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وهذا
أيضا نص ظاهر على أن العلم بعدد السنين والحساب مستفاد من زيادة القمر ونقصانه،
ويعارض المخالف بما روي من قوله ع: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم
عليكم فعدوا ثلاثين، وقوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون أياما معدودات، لا يدل على ما ظنه المخالف على صحة مذهبه في العمل بالعدد
دون الرؤية ولا على أن رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما على ما يزعمه لأنه يفيد أن أيام الصيام
معدودة وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيما به يعلم أول هذا المعدود وآخره،
وليس في الآية ما يدل عليه على أن المراد بقوله تعالى: معدودات، أنها قليلات
كما قال تعالى: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة، وقال: حكاية عن الكفار وقالوا: لن
تمسنا النار إلا أياما معدودة، والفائدة في ذلك التسهيل لفرض الصيام وأنه سبحانه لم
يكلف العباد ما لا يطيقون، وإذا كان ذلك هو المراد لم يكن لهم فيها دلالة على أنه لا يمتنع أن
يكون للمعدود حدان لا يتجاوز أكثرهما ولا ينقص عن أقلهما كما نقول في أيام الحيض:
إنها معدودة محصورة وإن كان لأكثرها حد لا يزيد عليه وهو عشرة أيام ولأقلها حد
لا ينقص عنه وهو ثلاثة أيام فكذلك أيام شهر رمضان لا يمتنع أن يسمى معدودة، ولها حدان
أعلاهما ثلاثون وأدناهما تسعة وعشرون على أن أهل التفسير قد قالوا: أن المراد بهذه الأيام
عشر المحرم وأنه تعالى كان كتب صيامها وجعل على من أفطر مع القدرة على الصوم
فدية من طعام ثم نسخ ذلك بما فرضه عقيبه بلا فصل من صوم شهر رمضان، وإذا كانت
الآية منسوخة بطل التعلق بها على كل حال.
224

وقوله تعالى: ولتكملوا العدة، لا يدل على وجوب إكمال رمضان ثلاثين يوما على ما ظنوه
لأن الله سبحانه محال أن يتعبد المكلفين بفعل الأيام وإكمالها وإنما تعبدهم بإكمال العمل فيها،
وذلك بأن يصام إلى آخرها سواء كانت ثلاثين أو تسعة وعشرين، كما أن إكمال العدة
للمعتدة بالشهور إذا طلقها أو مات عنها زوجها إنما هو باستيفاء أيام الشهور سواء كان كل
واحد منها ثلاثين أو تسعة وعشرين، وقد قال تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين، فأطلق عليهما اسم الكمال مع جواز أن يزيد أحدهما على الآخر يوما واحدا عند
المخالف لأنه يقول: إن ذي الحجة يكون ثلاثين يوما إذا كانت السنة كبيسة، فدل ذلك على
أن المراد بالكمال الاستيفاء في العمل لا الزيادة في العدد على أن سياق الكلام في الآية يدل
على أن المراد كمال العدد في قضاء الفائت كائنا ما كان: لأنه تعالى قال: ومن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا
العدة، ويكون المراد بقوله: ولتكبروا الله على ما هداكم، الأمر بتعظيمه وما يجب من شكره
وذلك يكون بألفاظ كثيرة يجوز أن يعبر عند الأمر بها بأحدها وإن لم يكن المقصود ذلك
الواحد بعينه.
وإذا رأى الهلال قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة بدليل الاجماع المتردد لأن من
خالف من أصحابنا في ذلك لم يؤثر خلافه في دلالة الاجماع ويعارض المخالف من غيرهم
بما روي من قوله ع: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، وهذا يدل
على أن الصوم بعد الرؤية لا قبلها، وكذا قوله ع: صوموا لرؤيته، فظاهر
الاستعمال يدل على أن الصوم بعد الرؤية. كما دل قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك
الشمس، على أن الصلاة بعد الدلوك.
ويقوم مقام رؤية الهلال شهادة عدلين مع وجود العوارض من غيم أو غيره ومع انتفائها
شهادة خمسين، فإن فقد الأمران وجب تكميل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم الصوم بنية
الفرض بدليل الاجماع المتكرر، ويعارض المخالف في شهادة الواحد بما روي من
طرقهم من قوله ع: فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين فإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا، رواه
الدارقطني ولا تقبل في ذلك شهادة النساء بدليل الاجماع المشار إليه.
225

ويستحب صوم يوم الشك بنية أنه من شعبان بدليل الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط
لأنه إن كان من رمضان أجزأ عندنا عن الفرض وإن كان من شعبان أحرز الأجر به وأيضا
قوله تعالى: وأن تصوموا خير لكم، ولا يخرج من ذلك إلا ما أخرجه دليل قاطع وأيضا قوله
ع: الصوم جنة من النار، ولم يفرق وأيضا قول أمير المؤمنين ع: لأن
أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان، وأيضا فإنه يوم في الحكم من
شعبان بدليل قوله ع: فإن غم عليكم فعدوا شعبان ثلاثين، فجاز صومه بهذه
النية وما رواه المخالف من النهي عن صوم يوم الشك أخبار آحاد ثم إنا نحمل ذلك على
النهي عن صومه بنية أنه من رمضان أو من غير نية أصلا، كما حمله مالك والشافعي على
النهي عن صومه منفردا مما قبله أو لمن لم يوافق عادة له أو نذرا، وحمله أبو حنيفة على ما إذا لم
ينو به التطوع وحمله أحمد على ما إذا كان صحوا.
ونية الصوم يجب أن تتعلق بكراهة المفطرات التي نذكرها من حيث كانت إرادة
والإرادة لا تتعلق إلا بحدوث الفعل ولا تتعلق بأن لا يفعل الشئ على ما دل عليه في غير
موضع وكان المرجع بالإمساك عن المفطرات إلى أن لا يفعل فلا بد من فعل تتعلق النية به
وليس إلا الكراهة على ما قلناه.
ووقت النية من أول الليل إلى طلوع الفجر بدليل الاجماع الماضي ذكره وإنما سقط
وجوب المقارنة هاهنا رفعا للحرج، ويجوز لمن فاتته ليلا تجديدها إلى قبل الزوال بدليل
الاجماع المتردد وقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ولم يذكر مقارنة النية
ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من أنه صلى الله عليه بعث إلى أهل السواد في يوم
عاشوراء فقال: من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك بقية يومه، وكان صوم عاشوراء
واجبا وما يرويه المخالف من قوله ع: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل،
خبر واحد ويعارضه ما قدمناه ويجوز حمله على نفي الفضيلة والكمال، لقوله ع:
ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا صدقة وذو رحم محتاج.
فأما الصوم النفل فيجوز النية له إلى ما بعد الزوال بدليل ما قدمناه من الاجماع
المتكرر وأيضا قوله تعالى: وأن تصوموا خير لكم، لأنه يتناول ما قبل الزوال وبعده، وليس
226

لأحد من المخالفين أن يقول: كيف تؤثر النية المتأخرة فيما مضى من النهار حاليا منها؟ لأن
ما مضى يلحق في الحكم بما يأتي كما يقوله الأكثر منهم في من ينوي التطوع قبل الزوال، وليس
لهم أن يقولوا قبل الزوال مضى أقل العبادة وليس كذلك بعد الزوال لأن النية إذا أثرت
فيما مضى خاليا منها حكما فلا فرق بين الأكثر والأقل. وقد أجاز أبو حنيفة والشافعي وغيرهما
أن يصير لصلاة المفرد حكم الجماعة بالنية المستأنفة ولم يفرقوا بين مضى الأكثر منها والأقل
فما أنكروا من مثل ذلك هاهنا، ولا يلزم جواز النية في آخر جزء من اليوم لأنها يجب أن
تكون بحيث يصح وقوع الصوم بعدها وهذا لا يتأتى في آخر جزء.
ونية القربة تجزئ في صوم رمضان ولا يفتقر إلى نية التعيين بدليل الاجماع الماضي ذكره
وأيضا قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه فأمر بالإمساك فيه، ومن أمسك مع نية
القربة ممتثل للمأمور به فيجب أن تجزئه وأيضا فنية التعيين يفتقر إليها في زمان الصوم
الذي يصح أن يقع الصوم فيه على وجهين كالصوم الواجب في الذمة مثل صوم القضاء
والنذر وغير متعين بيوم مخصوص وغير ذلك من أنواع الصوم الواجب، وكصوم النفل.
فأما شهر رمضان فلا يصح أن يقع الصوم فيه إلا عن الشهر حتى أنه لو نوى صوم
آخر من قضاء أو نفل لم يقع إلا عن رمضان وإذا كان كذلك لم يحتج إلى نية التعيين فيه، ونية
واحدة في أول شهر رمضان تكفي لجميعه وتجديدها لكل يوم أفضل بدليل الاجماع المشار
إليه ولأن حرمة الشهر حرمة واحدة فأثرت في جميعه النية الواقعة في ابتدائه كما أثرت في جميع
اليوم إذا وقعت في ابتدائه.
وما يفسد الصوم فيه على ضربين: أحدهما يوجب مع القضاء الكفارة والثاني
لا يوجبها، فالأول ما يصل إلى جوف الصائم مع ذكره للصوم عن عمد منه واختيار سواء
كان بأكل أو شرب أو شم أو ازدراد لما لا يؤكل في العادة، أو حقنة في مرض ولا يلجأ إليها وأن
يحصل جنبا في نهار الصوم مع الشرط الذي ذكرناه سواء كان ذلك بجماع أو غيره
وسواء كان مبتدئا بذلك فيه أو مستمرا عليه من الليل، ويجري مجرى ذلك إدراك الفجر له
جنبا بعد الانتباه مرتين وترك الغسل من غير ضرورة وتعمده الكذب على
الله تعالى أو على رسوله أو أحد الأئمة ع وتعمده الارتماس في الماء إن كان رجلا وإن كان امرأة
227

فجلوسها فيه إلى وسطها كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط واليقين
ببراءة الذمة، ويعارض المخالف في الكفارة في غير الجماع بما روي من طرقهم من قوله صلى
الله عليه وآله: من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر ولم يفصل، وبما روي من أن رجلا
قال: يا رسول الله إني أفطرت في رمضان، فقال ع: أعتق رقبة والسؤال يصير
مضمرا في الجواب فكأنه قال: أعتق رقبة لأنك أفطرت ولم يفصل، ويعارض المخالف في
الفطر في البقاء على الجنابة بما روي عن أبي هريرة من قوله: من أصبح جنبا فلا صوم له ما أنا
قلته قاله محمد ورب الكعبة، وحملهم ذلك على من أصبح مجامعا ترك لظاهره وقولهم: حكم
الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة ما إذا احتلم نهارا غير لازم لأنا لم نبطل الصوم للمنافاة بل
لاعتماد الجنابة في النهار.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخير في ذلك بدليل
الاجماع الماضي ذكره، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من أنه ص أمر من
أفطر في شهر رمضان أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.
ولفظة أو للتخيير وحملها على معنى الواو في الخبر يحتاج إلى دليل ولا دليل للمخالف على
ذلك.
والضرب الثاني الذي يوجب القضاء، وحده إدراك الفجر لمن نام جنبا بعد الانتباه
مرة واحدة والحقنة والسعوط في المرض من المحوج إليهما وتعمد القئ وبلع ما يحصل في
الفم والحلق منه إذا ذرعه، ووصول الماء إلى الجوف بالمضمضة والاستنشاق للتبرد بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وتناول ما يفطر مع الشك في دخول الليل ولم يكن
داخلا أو طلوع الفجر وكان طالعا أو لإخبار الغير بأنه لم يطلع بدليل الاجماع الماضي ذكره
وطريقة الاحتياط وأيضا قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، وقوله: وكلوا واشربوا حتى
يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهذا لم يصم إلى الليل وأفطر ولم
يتبين له الفجر فوجب عليه القضاء، وهذا حكم من أقدم على الإفطار من غير رصد للفجر
ومن لم يترك تناول ما يفطر مع إخبار الغير له بطلوعه.
ويوجب القضاء السفر الذي بيناه أنه يوجب قصر الصلاة والمرض الذي
228

لا يستطاع معه الصوم أو يستطاع بمشقة تظهر بها الزيادة في المرض بدليل الاجماع المشار
إليه وقوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، لأنه سبحانه علق
القضاء بنفس المرض والسفر، ومن أضمر في الآية فأفطر يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.
فصل:
واعلم أن الشاب الذي به عطاش لا يرجى زواله يفطر ويكفر عن كل يوم بإطعام
مدين أو مد من طعام وهذا حكم الشيخ الكبير إذا أطاق الصوم بمشقة تدخل عليه الضرر
العظيم، فأما إذا لم يطقه أصلا فلا خلاف في أنه لا صوم ولا كفارة عليه، والحامل والمرضع
إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وكفرتا عن كل يوم بما ذكرناه وعليهما القضاء، ويوجبه على
النساء بلا خلاف خروج دم الحيض والنفاس ولا حكم لشئ مما ذكرنا أنه يفطر مع النسيان
للصوم أو الاضطرار إلا ما يضطر إليه من المرض والحيض والنفاس بلا خلاف.
ويكره للصائم الاكتحال بما فيه صبر أو ما أشبهه وتقطير الدهن في الأذن وشم المسك
والزعفران والرياحين وآكدها النرجس، والسواك الرطب والحقنة بالجامد مع الإمكان
ولبس الثوب المبلول للتبرد والمضمضة والاستنشاق كذلك، وإخراج الدم ودخول الحمام
على وجه يضعف وملاعبة الحلال من النساء بدليل الاجماع الماضي ذكره.
فصل:
وأما الضرب الثاني من واجب الصيام فصوم القضاء للفائت وصوم كفارة من
أفطر يوما من رمضان وصوم النذر والعهد بلا خلاف وصوم كفارة الفطر فيهما بدليل الاجماع
المذكور وطريقة الاحتياط، وصوم جزاء الصيد وصوم دم المتعة وصوم كفارة حلق الرأس
وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة قتل الخطأ وصوم كفارة اليمين بلا خلاف وصوم كفارة
من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان، وصوم كفارة البراءة وصوم كفارة جز المرأة شعرها
في مصاب وصوم المفوت لعشاء الآخرة وصوم الاعتكاف وصوم كفارة فسخ الاعتكاف
بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة.
229

فصل:
وأما القضاء فهو مثل المقضى ويلزم على الفور ويفتقر إلى نية التعيين ويجوز تفريقه
وموالاته أفضل، ومن دخل عليه رمضان ثان وعليه من الأول شئ لم يتمكن من قضائه قدم
صيام الحاضر وقضى الفائت بعده، وإن كان تمكن من القضاء ففرط لزمه مع القضاء أن يكفر
عن كل يوم بإطعام مسكين، ومن أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان قبل الزوال أثم وإن
كان بعد الزوال تضاعف إثمه ووجب عليه صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين كل
ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط، ومن أصحابنا من قال: إن كان الإفطار
في قضاء وجب لإفطار يجب به الكفارة لزم فيه مثلها.
وقد قدمنا أن صوم كفارة المفطر في شهر رمضان شهران ويجب التتابع فيهما وتكميلهما
فلا يصام شعبان لأجل رمضان ولا شوال لأجل يوم العيد ولا ذو القعدة لأجل يوم النحر وأيام
التشريق في ذي الحجة، ومن أفطر في شئ من الشهرين مضطرا بنى على ما صامه ولو كان
يوما واحدا، وإن كان مختارا في الشهر الأول استأنف الصوم وإن كان في الشهر الثاني أثم
وجاز له البناء ولو كان بعد صيام يوم واحد منه بدليل الاجماع الماضي ذكره وقوله تعالى:
وما جعل عليكم في الدين من حرج، يدل على سقوط الاستئناف في الموضع الذي أجزنا فيه
البناء، والولي يقضي الصوم عن الميت على ما بيناه في قضاء الصلاة.
فصل:
وأما صوم النذر والعهد فعلى حسبهما وقد أوجبهما الله تعالى لقوله: أوفوا بالعقود،
وقوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، فإن كان ما نذره أو عاهد عليه معينا بزمان مخصوص
لا مثل له ككل جمعة أو أول جمعة من الشهر الفلاني لزمه ذلك بعينه وكذا إن كان له مثل
كيوم جمعة ما أو شهر محرم ما، وإن كان غير معين بزمان مخصوص كيوم ما أو شهر ما كان
مخيرا في الأيام والشهور، فإن أفطر فيما تعين ولا مثل له مختارا فعليه ما على المفطر في يوم من
رمضان من القضاء والكفارة وإن كان له مثل أثم وعليه القضاء، فإن شرط في صوم الشهر
الموالاة ففرق مضطرا بنى على ما مضى، وإن كان مختارا لزمه الاستئناف على كل حال، وإن لم
يشرط الموالاة فأفطر مضطرا، بنى وإن كان مختارا في النصف الأول استأنف وإن كان في النصف
230

الثاني أثم وجاز له البناء، وإن شرط أداء ذلك في مكان مخصوص لزم فعله فيه مع التمكن
كل ذلك بدليل الاجماع المتكرر ذكره وطريقة الاحتياط ورفع الحرج في الدين تسقط
الاستئناف في الموضع الذي أجزنا فيه البناء.
وإن اتفق النذر المعين أو العهد في شهر رمضان سقط فرضه وكذا إن اتفق في يوم يحرم
صومه ولم يلزم كفارة ولا قضاء لشئ من ذلك لأن النذر أو العهد لا يدخلان على ما ذكرناه
من حيث كان صوم رمضان واجبا قبلهما وصوم المحرم معصية، وقد ذكر أن من أفطر
فيما تعين صومه من ذلك ولا مثل له لضرورة يطيق معها الصوم بمشقة فعليه مع القضاء أن
يكفر بإطعامه عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام.
فصل:
في صوم كفارة جزاء الصيد.
الأصل في وجوب ذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن
قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة
أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما.
فمن قتل صيدا وكان محرما في الحل وعجز عن الفداء بالمثل والإطعام وجب عليه
الصوم، وهو يختلف على حسب اختلاف الصيد ففي النعامة ستون يوما فمن لم يستطع
فثمانية عشر يوما وفي حمار الوحش أو بقرة الوحش ثلاثون يوما فمن لم يتمكن فتسعة أيام
وفي الغزال وما أشبهه ثلاثة أيام، وفيما لا مثل له من النعم صيام يوم لكل نصف صاع بر من
قيمته.
وإن كان محرما في الحرم فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم، والمتابعة فيه أفضل من
التفريق والدليل على هذا التفصيل الاجماع المتكرر وطريقة الاحتياط، فإن قيل: ظاهر
الآية التي تلوتموها يدل على أن هذه الكفارة مخير فيها وأنتم قد قلتم أنها على الترتيب!
قلنا: نعدل عن ظاهر لفظة أو للدليل كما عدلنا كلنا عن ظاهر الواو في قوله تعالى: فانكحوا
ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
231

فصل: في صوم دم المتعة:
الأصل في وجوبه قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، والثلاثة في الحج
يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة، ومن فرق صومها عن اختيار استأنف وإن كان
عن اضطرار وكان قد صام يومين قبل النحر صام الثالث بعد أيام التشريق وإن صام قبله
يوما واحدا صام الثلاثة بعد أيام التشريق، ومن لم يتمكن من صومها بعد أيام التشريق
جاز له صومها في طريقه فإن لم يقدر صامها مع السبعة الباقية إذا رجع إلى أهله، والتتابع
واجب أيضا في السبعة ولا يجوز أن يصام في السفر من الصوم الواجب إلا هذه الثلاثة
الأيام، والنذر المشروط صيامه في السفر والحضر فإن جاوز بمكة أو صد عن بلده صام السبعة
إذا مضى من المدة ما يصل في مثله إليه وكل هذا التفصيل بدليل الاجماع المشار إليه
وطريقة الاحتياط.
فصل:
وأما صوم كفارة حلق الرأس فثلاثة أيام وكذا صوم كفارة اليمين، والأصل في
وجوبهما قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام، وقوله
سبحانه: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، إلى قوله:
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ويجب التتابع في كل ذلك فمن فرق مختارا استأنف ومن
فرق مضطرا بنى بدليل ما قدمناه.
فصل:
في الاعتكاف وما يتعلق به من صوم وغيره:
من شروط انعقاده الصوم بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط لأن من أوجب
على نفسه الاعتكاف بنذر أو عهد لا بد أن يتيقن براءة ذمته منه ولا خلاف في براءة ذمته
إذا صام، وليس كذلك إذا لم يصم وأيضا قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
232

المساجد، ولفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك وعلى كل
حال يفتقر فيه إلى بيان، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول
وإذا وجدناه ع لم يعتكف إلا بصوم كان فعله بيانا وفعله إذا وقع على وجه البيان
كان كالموجود في لفظ الآية، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص:
لا اعتكاف إلا بصوم، وقوله لعمر: اعتكف وصم.
ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي ص أو إمام عدل
بعده الجمعة وذلك أربعة: المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة،
بدليل الاجماع المتكرر وطريقة الاحتياط لأنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة
وليس على انعقاده في غيرها دليل، وقوله تعالى: وأنتم عاكفون في المساجد، لا ينافي
ما ذكرناه لأن اللفظ مجمل ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد لمثل ما قدمناه من الاجماع وطريقة
الاحتياط وتعلق المخالف في ذلك بظاهر قوله تعالى: وأنتم عاكفون في المساجد، وأنه يتناول
ما نقص عن ثلاثة أيام لا يصح لأنا قد بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا
له شروط شرعية، فلا بد من الرجوع إلى الشرع إما في الاسم أو في الشروط فعليهم أن يدلوا
على أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم ويكمل له الشروط الشرعية حتى
يصح تناول الآية له.
وملازمة المسجد شرط في صحة الاعتكاف بلا خلاف إلا لعذر ضروري من إرادة بول
أو غائط أو إزالة حدث الاحتلام أو أداء فرض تعين من شهادة أو غيرها وعندنا يجوز أن
يخرج لعيادة المريض وتشييع الجنازة بدليل الاجماع المتكرر، ويعارض المخالف بما ورد من
الحث على ذلك لأنه على عمومه لا يجوز لمن خرج لعذر أن يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود
إلى المسجد ولا التجارة بالبيع والشراء على كل حال بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة
الاحتياط.
وإذا أفطر المعتكف نهارا أو جامع ليلا انفسخ اعتكافه ووجب عليه استئنافه وكفارة
من أفطر يوما من شهر رمضان بدليل ما قدمناه في المسألة الأولى وأيضا قوله تعالى:
233

ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، لأنه لم يفصل بين الليل والنهار، وإن جامع نهارا
كان عليه كفارتان: إحديهما لإفساد الصوم والأخرى لإفساد الاعتكاف، وإن أكره زوجته
على الجماع وهي معتكفة انتقلت كفارتها إليه.
والاعتكاف المتطوع به يجب بالدخول فيه المضي فيه ثلاثة أيام وهو في الزيادة عليها
بالاختيار إلا أن يمضى له يومان فيلزم تكميل ثلاثة أخر للإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط،
ومن أصحابنا من قال: إذا اضطر المعتكف إلى الخروج من المسجد لمرض خرج وقضى
إذا صح الاعتكاف ومنهم من قال: يبني على ما مضى، والأول أحوط.
فصل:
وصوم مفوت العشاء الآخرة هو اليوم الذي يلي ليلة الفوات وليس على من أفطر
إلا التوبة والاستغفار وما عدا ما ذكرناه من الكفارات شهران متتابعان، وحكم المفطر
فيهما في الاستئناف والبناء حكم المفطر في الكفارة عن شهر رمضان، وقد بيناه.
فصل:
وأما الصوم المندوب فعلى ضربين: معين وغير معين، فالأول صوم رجب كله وصوم
أول يوم منه وصوم الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين ع والسابع والعشرين منه
مبعث النبي ص، وشعبان كله ويوم النصف منه ويوم السابع عشر من ربيع الأول
مولد النبي ع وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم ع ويوم عرفة لمن
لا يضعفه عن الدعاء ويوم الغدير ويوم دحوة الأرض وهو الخامس والعشرون من ذي
القعدة، وثلاثة أيام في كل شهر: أول خميس منه وأول أربعاء في العشر الأوسط منه وآخر
خميس منه، وأيام البيض منه وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، صوم
عاشوراء على وجه الحزن وثلاثة أيام لاستسقاء ولغيره من الحوائج والشكر.
ويستحب للكافر إذا أسلم في يوم من شهر رمضان وللمريض إذا برئ أو للمسافر
إذا قدم، وللغلام إذا بلغ وللمرأة إذا طهرت من الحيض والنفاس أن يمسكوا بقية ذلك اليوم
وهذا هو صوم التأديب.
234

وأما غير المعين فما عدا ما ذكرناه من الأيام إلا المحرمة.
ويستحب للمرأة أن لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، وكذا العبد مع مولاه والضيف
مع مضيفه، وهذا هو صوم الإذن بدليل الاجماع المشار إليه وطريقه قوله تعالى: وأن تصوموا
خير لكم وقوله: وافعلوا الخير.
وأما الصوم المحرم: فصوم العيدين وأيام التشريق بمنى ويوم الشك على أنه من
رمضان وصوم الوصال وهو أن يجعل عشاءه سحوره، وصوم الصمت وصوم الدهر وصوم
نذر المعصية بدليل الاجماع الماضي ذكره. وأما ما يتعلق بالصوم من الأحكام فقد بيناه في
ضمن فصوله.
235

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمرة الطوسي
المعروف بابن حمزة
237

كتاب الصوم
الصوم في اللغة هو الإمساك، وخص في الشريعة بإمساك مخصوص أو حكمه ممن
يكون على صفة مخصوصة عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص،
إذا قارنته النية فعلا أو حكما، وهو ضربان: متعين بزمان مخصوص وغير متعين فالمتعين
ضربان: إما تعين من جهة الله تعالى أو من المكلف نفسه، فالأول: صوم شهر رمضان والثاني:
صوم النذر المعين بيوم أو أيام، وصوم شهر رمضان يصح بنية القربة ونية التعيين أفضل
ويجوز أن تكون نية القربة متقدمة.
وصوم غير رمضان لا يصح إلا بنية التعيين والمقارنة، وإذا أصبح صائما في شهر
رمضان لم يخل من أربعة أوجه: إما نوى بالليل أو ترك النية عمدا على نية الإفطار، أو نسيانا
أو نوى صوم غير رمضان سهوا على اختلافه، فالأول: يصح صومه، والثاني: يجدد النية
ويصوم ويقضي يوما بدله، فإن أفطر ذاكرا لزمه القضاء والكفارة وإن أفطر ناسيا لزمه
القضاء وحده، والثالث: يجدد النية إلى زوال الشمس، فإن جدد صح صومه وإن لم يجدد
حتى تزول الشمس صام يومه وقضى يوما بدله، والرابع: يجزئ صومه عن شهر رمضان.
وحكم النذر المعين كذلك وإن نسي النية في صوم واجب غير معين جدد ما بينه وبين
زوال الشمس وإن نسيها في صوم نافلة جدد أيضا بعد الزوال إلى أن يبقى من النهار مقدار
239

ما يكون الصائم فيه ممسكا، ومن يصوم رمضان لم يخل: إما تيقن حال اليوم الأول أو شك
فيه، فإن تيقن صام على اليقين وإن شك ونوى شهر رمضان لم يجزئ ولزمه القضاء إن
تحقق بعد ذلك أنه من شهر رمضان، وإن نوى صوم غير رمضان أو صوم رمضان إن كان منه
وصوم غيره إن لم يكن أجزأ.
فصل في بيان أقسام الصوم:
الصوم ثلاثة أضرب: فريضة ومندوب إليه ومحظور، والفريضة مطلق ومسبب،
فالمطلق صوم شهر رمضان وشرائط وجوبه أربعة للرجال والنساء وواحدة خاصة للنساء.
فالأربعة: البلوغ وكمال العقل والصحة والإقامة أو حكمها، والخاصة للنساء كونها
طاهرا، وشرائط الصحة أربعة: الاسلام أو حكمه والصحة والإقامة أو حكمها وكونه طاهرا
من الجنابة والحيض.
ويعرف دخول شهر رمضان مع فقد العذر برؤية الهلال ومع العذر بانقضاء ثلاثين يوما
من هلال شعبان، فإن لم ير هلال شعبان عد ستون يوما من هلال رجب، ورؤية هلال رمضان
لم يخل من ستة أوجه: إما رآه واحد أو أكثر أو رئي في البلد مع عذر أو مع فقده أو خارج البلد
مع وجود عذر أو فقده،
فالأول: إن رآه حقيقة لزمه الصوم وحده، وقال أبو يعلى: يلزم الكافة والثاني: لم يخل
إما يرى رؤية شائعة أو غير شائعة، فالأول: يلزم الصيام الكافة والثاني: إن رآه اثنان
أو أكثر وكان بالسماء علة وجب الصوم، وهو القسم الثالث، والرابع: لا يثبت إلا بشهادة
خمسين نفر، والخامس: والسادس: مثل الثاني والثالث، وروي في السادس: أنه يقبل فيه
شهادة رجلين ولا تقبل فيه شهادة ثلاثة: المرأة والفاسق والصبي. وإذا رئي الهلال بالنهار
كان لليلة المستقبلة ولا اعتداد بصغر الهلال وكبره وإذا رئي في بلد ولم ير في آخر، فإن كانا
متقاربين لزم الصوم أهليهما معا وإن كانا متباعدين مثل بغداد ومصر أو بلاد خراسان لم يلزم أهل الآخر.
ووقت الصوم من ابتداء الفجر الثاني إلى الليل، ووقت صلاة المغرب والإفطار واحد
240

والابتداء بالصلاة أفضل إلا إذا حصل أحد ثلاثة أشياء: شدة الجوع أو العطش أو انتظار
قوم على مائدة، فإذا غابت الشمس أفطر من غير إفطار وجاز له تناول المفطرات إلى طلوع
الفجر الثاني إلا الجماع فإنه يجوز له إلى أن يمكنه الإتيان بالغسل قبل طلوع الفجر.
وما يجب الإمساك عنه ضربان: واجب ومستحب، فالأول: على خمسة أضرب: أحدها:
يفطر ويوجب القضاء والكفارة إجماعا بين الطائفة، والثاني: يفطر عند
بعض ولا يفطر عند بعض، والثالث: يفطر ويوجب القضاء والكفارة إن قصد به الإفطار، وإن لم يقصد به الإفطار
أوجب القضاء الكفارة عند قوم من أصحابنا وكليهما عند آخرين، والرابع: يوجب
القضاء دون الكفارة، والخامس: لا يفطر وإن وجب الاجتناب عنه.
فالأول ثمانية أشياء: الأكل والشرب للطعام والشراب وأكل غير المعتاد مثل التراب
والحجر وشرب غير المعتاد والجماع في أحد الفرجين وإن لم ينزل، وإنزال المني عمدا وإن
كان بالملاعبة والملامسة والمقام على الجنابة عمدا من غير ضرورة حتى يطلع الفجر ومعاودة
النوم بعد انتباهتين إلى طلوع الفجر.
والثاني: أربعة أشياء: تعمد الكذب على الله تعالى وعلى
رسوله صلوات الله عليه وعلى الأئمة عليهم السلام، والارتماس في الماء.
والثالث ثلاثة أشياء: إيصال الغبار الغليظ والرائحة الغليظة إلى الحلق وازدراد
ما لا يؤكل مثل الخرزة والجوهر والفضة.
والرابع تسعة عشر شيئا: الإقدام على الأكل والشرب من غير أن يرصد الفجر قادرا
عليه وهو يظن أنه لم يطلع وقد طلع، والإقدام على الجماع وهو يظن تمكنه من الغسل قبل
طلوع الفجر ولم يتمكن من غير أن يرصد الفجر على الأكل والشرب وهو شاك في طلوع
الفجر ثم تبين بعد طلوعه، وتقليد الغير في دخول الليل وهو يقدر على مراعاته والإقدام على
الإفطار وتقليد الغير في أن الفجر لم يطلع مع القدرة على مراعاته، والإقدام على ما يفطر من
غير مراعاته، وترك القبول عمن أخبر بطلوع الفجر لسبب، والإقدام على ما يفطر، والإقدام
على الإفطار من غير أمارة تغلب على الظن لعارض في السماء ظنا بدخول الليل ولم
يدخل، وتعمد القئ وابتلاع ما ذرعه منه، ومعاودة النوم وهو جنب بعد انتباهة واحدة إلى
241

طلوع الفجر، ووصول الماء من غير قصد إلى حلق من يتبرد به والحقنة بالمائع
وتقطير المائع في الإحليل بحيث يبلغ إلى الجوف، وابتلاع الخلالة عامدا مع إمكان التحرز وخروج المني
عند النظر، والإصغاء إلى ما يحرم عليه أو حديث يشتهيه، وابتلاع ما استجلب من الريق وله
طعم وابتلاع ما فضل من الفم من الريق.
والخامس سبعة أشياء: التكلم بالفواحش والنظر إلى المحرمات والاستماع إلى
المنهيات والسعي إلى المحظورات والإفطار على الطعام الغصب، و تناول الحرام وارتكاب
المنهي.
والمكروه ثلاثة عشر شيئا: ملاعبة النساء ومماستهن بشهوة والقبلة للشاب، وإخراج
الدم إذا أدى إلى الضعف واستدخال الشياف الجامدة وتقطير الدهن في الأذن، والاستنقاع
في الماء للنساء وبل الثوب على الجسد للتبريد، وشم المسك أو ما يجري مجراه، وشم الرياحين
والنرجس أشد كراهة، والسعوط إذا لم يبلغ إلى الحلق فإن بلغ فطر ولزم القضاء، وقال
أبو يعلى: والكفارة أيضا، والاكتحال بما فيه صبر أو مسك ودخول الحمام إذا أدى إلى الضعف.
والصوم المسبب ضربان: نذر، وغير نذر، فالنذر خمسة أضرب: نذر في معصية ونذر
غير معين في طاعة ومعين غير مقيد بحال السفر، ومقيد به ونذر يوم لا ينعقد فيه الصوم.
فالأول غير لازم، والثاني: يلزم فإن أتى به على الفور كان أفضل، وأن أخر لا يلزم
بتأخيره الكفارة حتى يموت وإن أفطر إذا شرع فيه لم تلزمه الكفارة، والثالث: حكمه حكم
صوم شهر رمضان في وجوب الإفطار في السفر وقضاء يوم بدله، والرابع: لا يجوز إفطاره
مسافرا، والخامس: لا ينعقد بحال مثل صيام ثلاثة أيام التشريق بمنى وصوم يوم العيد، فإن
نذر يوما بعينه ووافق ذلك اليوم يوم العيد والتشريق أفطر وقضى. وحكم النذر المعين حكم
صوم رمضان في جميع الأحكام إلا في النية على ما ذكرنا، وفي لزوم القضاء والكفارة أو القضاء
وغير ذلك.
وغير النذر ضربان: كفارة، وغير كفارة، فالكفارة تسعة أجناس: كفارة قتل الخطأ
وكفارة الظهار وكفارة من أفطر يوما من صيام الاعتكاف وكفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان عمدا وكفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان عمدا بعد الزوال وكفارة من
242

أفطر يوما من صيام النذر المعين، وكفارة اليمين وكفارة أذى حلق الرأس وكفارة جزاء
الصيد.
وغير الكفارة ثلاثة أضرب: قضاء وبدل نسك مثل صوم دم المتعة وشرط صحة عبادة
مثل صيام الاعتكاف، وينقسم الجميع إلى ماله بدل وإلى مالا بدل له، فالأول تسعة أجناس وهي الكفارات، والثاني ثلاثة أجناس
وهي ما سوى ذلك.
وينقسم ثلاثة أقسام أخر: مضيق ومخير فيه ومرتب، فالمضيق أربعة: صوم النذر وقضاء
ما يفوت من شهر رمضان وقضاء النذر المعين وصوم الاعتكاف، والمخير خمسة: صوم كفارة
أذى حلق الرأس وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أو أفطر صوم النذر
المعين متعمدا أو أفطر قضاء شهر رمضان بعد الزوال متعمدا وصوم جزاء الصيد، والمرتب
أربعة: صوم كفارة اليمين وكفارة قتل الخطأ وكفارة الظهار وصوم دم المتعة.
وينقسم ثلاثة: أقسام أخر: إما يراعى فيه التتابع على جميع الأحوال أو في بعض الأحوال
أو لا يراعى فيه التتابع، فالأول ثلاثة أصناف: كفارة اليمين وصوم الاعتكاف وصوم كفارة
من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
والثاني تسعة: من وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ أو الظهار،
أو إفطار يوم من شهر رمضان بغير عذر، أو من النذر المعين، أو إفساد صوم الاعتكاف،
أو يوم من جملة شهرين نذر صومهما متتابعا، أو من جملة شهر نذر صومه متتابعا بنذر غير
معين في الموضعين، أو في إفطار يوم من جملة شهر لزم المملوك من كفارة الظهار، أو قتل الخطأ
أو الإفطار، أو وجب عليه صيام ثلاثة أيام لدم المتعة. وجميع ذلك لم يخل إما أفطر لعذر أو لغير
عذر، فالأول يبني عليه على كل حال ما لم يكن العذر سفرا، وإن أفطر لغير عذر أو لجهة
السفر لم يخل إما صام النصف الأول ومن الثاني شيئا أو لم يصم كذلك، فإن صام بنى وإن لم
يصم استأنف.
والثالث أربعة: صوم النذر إذا لم يشترط التتابع وصوم جزاء الصيد والسبعة الأيام لدم
المتعة وصوم قضاء شهر رمضان، فإن صام ثمانية أيام أو ستة متواليا ت وفرق الأخر كان
أفضل.
243

وينقسم قسمين آخرين: إما يتعلق بإفطاره قضاء وكفارة أو لا يتعلق به ذلك، فالأول
أربعة أجناس: صوم شهر رمضان والنذر المعين وصوم قضاء شهر رمضان على ما ذكرناه
وصوم الاعتكاف، والثاني ما سوى ذلك. وإن باشر شيئا من المفطرات سهوا، أو نسيانا لم
يفسد الصوم بحال.
والكفارة أحد ثلاثة أشياء: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا
فإن أفطر شهر رمضان بأحد المحرمات وجب عليه ثلاث كفارات وإن أكره الزوجة على
الجماع وجب عليه كفارتان وضرب خمسين سوطا، وبالتكرر في يوم واحد لا تتكرر الكفارة
وفي أكثر تكرر، وإن عجز عن الكفارات الثلاث وأمكنه صيام ثمانية عشر يوما صام وإن لم
يمكنه استغفر ولم يعد فإن عجز في كفارة النذر عن صيام شهرين وعن بدله وعن صيام
ثمانية عشر يوما صام ثلاثة أيام فإن عجز استغفر، وكفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر
رمضان بعد الزوال إن أفطر استخفافا به مثل كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان وإن
أفطر لغير ذلك فكفارته صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين وإن عجز لم يلزمه شئ،
وأما بقية صيام الكفارات فسنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وأما صوم النفل فأربعة أضرب: صوم الإذن وصوم الأدب وصوم الكفارة وصيام التطوع.
فالأول ثلاثة: صوم المرأة تطوعا والعبد والضيف ينبغي أن يكون بإذن الزوج والسيد
والمضيف.
والثاني خمسة: صوم المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر في الطريق والصبي إذا بلغ
نصف النهار وقد أفطر والمريض إذا برئ والكافر إذا أسلم والحائض إذا طهرت، فكلهم
يمسك بقية النهار تأديبا ويقضي، والصبي إن لم يفطر وبلغ صام واجبا والمسافر إذا قدم أهله
قبل الزوال ولم يفطر وجب عليه الصوم ولم يقض.
والثالث: صوم كفارة من نام عن صلاة العشاء متعمدا حتى أصبح، فإنه يستحب له أن
يصوم ذلك اليوم، وروي أنه يجب.
والرابع: صيام جميع السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وفيها ما هو أكثر تأكيدا
وهو خمسة عشر نوعا: صوم الأربعاء بين الخميسين والأيام البيض والأربعة الأيام من السنة: يوم
244

مولد النبي ص ويوم المبعث ويوم دحو الأرض ويوم الغدير، وصوم أول يوم
من ذي الحجة ويوم عرفة إذا لم يضعف عن الدعاء ورجب كله، أو خمسة عشر يوما أو ثمانية
أو سبعة أو يومين من أوله أو أيام البيض منه وأقله اليوم الأول، وشعبان كله.
فأما الصوم المحظور فعشرة: صوم نذر المعصية ويوم الشك بنية رمضان وصوم
الصمت والوصال، ويوم الفطر والأضحى وأيام التشريق لمن كان بمنى إلا لقاتل العمد في
الأشهر الحرام، وصوم الدهر لدخول العيدين والتشريق فيه.
فصل في بيان الصوم في السفر:
السفر ضربان: معصية وغير معصية، فالأول لا يجوز فيه الإفطار والثاني ضربان:
إما يكون السفر في حكم الحضر ولا يجوز فيه الإفطار أو لا يكون كذلك ويجب فيه الإفطار
إذا بلغ حد التقصير سواء كان السفر طاعة أو مباحا. هذا إذا كان الصوم صوم شهر
رمضان أو النذر غير المقيد بحال السفر، فإن كان نذرا مقيدا بحال السفر أو صوم الكفارة
التي يلزم التتابع فيها وإفطاره يوجب الاستئناف، أو صوم ثلاثة أيام لدم المتعة أو صيام
كفارة قتل العمد في الأشهر الحرم وهو يصوم فيها، واتفق له سفر وجب عليه أن يصوم في
السفر، وما سوى ذلك من الصيام المفروض وجب فيه الإفطار في السفر، فإن لم يفطر
وعلم وجوب الإفطار لزمه القضاء وأتم وإن لم يعلم صح صومه ولم يلزمه القضاء ولم يأثم.
وأما صيام النفل فضربان: مستحب وجائز، فالأول: صيام ثلاثة أيام عند قبر النبي
ص لصلاة الحاجة، والثاني: ما سوى ذلك، وروي كراهية صوم النافلة في
السفر والأول أثبت، وإذا أفطر في السفر تشبه بالصائمين ولم يتملأ من الطعام والشراب
ولم يقرب الجماع إلا إذا اشتدت حاجته إليه.
والمسافر لم يخل من أربعة أوجه: إما خرج قبل الصبح من منزله أو بعد الصبح قبل
الزوال ناويا للسفر من الليل أو غير ناو أو خرج بعد الزوال فالأول: يفطر إذا خفي عليه أذان
مصره أو توارى عنه جدران بلده، والثاني: يفطر ويقضي، والثالث: لا يفطر ولا يقضي،
والرابع: يصوم ويقضي، وإذا وصل إلى البلد لم يخل من ستة أوجه: إما وصل قبل الصبح
245

أو بعده قبل الزوال وقد كان يعلم أنه يصل كذلك أو لم يعلم وقد وصل قبل الزوال ولم
يفطر أو وصل مفطرا قبل الزوال أو بعده أو وصل إلى غير بلده ولم ينو فيه مقام عشرة أو نوى
مقام عشرة فيه، فالأول: يلزمه الصوم، والثاني: يستحب له أن لا يفطر فإذا وصل نوى
وصام وأجزأ، والثالث: ينوي ويصوم، والرابع: أمسك بقية النهار تأديبا، والخامس: يكون مسافرا، والسادس: يكون
حكمه حكم من يصل إلى بلده.
فصل في بيان أحكام المريض والعاجز عن الصيام:
المريض عشرة أضرب: إما يكون زائل العقل بالإغماء والجنون وغيرهما أو غير زائل
العقل ويقدر على الصوم من غير ضرر يعود إليه، أو يقدر ويخاف الزيادة في مرضه أو ضررا
آخر أو لا يقدر أصلا أو يموت من ذلك المرض أو لا يموت وبقي مريضا إلى رمضان آخر،
أو برئ منه ولا يقدر على قضائه حتى يدخل آخر أو يبرأ منه ولا يقضي ثم يمرض ويموت
أو يبرأ منه ولا يقضي من غير توان أو لا يقضي توانيا.
فالأول: يسقط عنه الصوم ولا يلزمه القضاء بحال، وقال المفيد رضي الله عنه: يلزمه
القضاء إذا كان غير مفيق في أول الشهر، والثاني: يلزمه الصوم، والثالث: يلزمه الإفطار
فإن لم يفطر وصام أثم ولزمه القضاء، والرابع: كذلك، والخامس: يلزم وليه القضاء عنه
استحبابا، والسادس: إن قدر على الصوم صام الحاضر وسقط عنه قضاء الفائت وتصدق
عن كل يوم بمدين من طعام إن قدر عليه وبمد إن لم يقدر، والسابع: كذلك، والثامن: يلزم
وليه القضاء عنه وجوبا، والولي هو أكبر أولاده الذكور فإن كان له جماعة أولاد في سن
واحد قضوا عنه بالحصص وإن خلف البنت وترك مالا فدت عنه بما ذكرنا، والتاسع:
يصوم الحاضر ويقضي الأول ولا صدقة عليه، والعاشر: يصوم الحاضر ويقضي الأول
ويتصدق عن كل يوم بما ذكرنا.
والعاجز عن الصيام أربعة نفر: الحامل المقرب والمرضعة والشيخ الهم ومن به
العطاش، فالأول والثاني: إن خافتا على أنفسهما أو على الولد أفطرتا وقضتا وتصدقتا
بما ذكرنا، والثالث: يسقط عنه الصوم والقضاء وفي الصدقة روايتان، والرابع: إن رجا زواله
246

أفطر وقضى وتصدق وإن لم يرج سقط عنه الصوم والقضاء، وفي الصدقة قولان.
كتاب الاعتكاف
الاعتكاف في اللغة هو اللبث الممتد، وفي الشريعة: خص باللبث في مكان
مخصوص وعلى وجه مخصوص مدة مخصوصة للعبادة، وأصله الاستحباب ويجب بالنذر
ممن يصح منه، ويحتاج ذلك إلى بيان اثني عشر شيئا: من يصح منه الاعتكاف مطلقا ومن
يصح منه إذا أذن له غيره ومن لا يصح منه بحال، والموضع الذي يصح فيه وقدر المدة
التي يصح بها، وما يبطل الاعتكاف وما يلزم بإبطاله والوقت الذي لا يصح فيه،
وما يستحب للمعتكف أن يفعل وما لا يجوز له فعله إذا خرج من الموضع الذي اعتكف فيه
لعذر، والعذر الذي يجوز له الخروج لأجله وما يحرم عليه.
فالأول: كل حر بالغ مسلم مالك أمره غير ضعيف إذا لم يكن واجبا عليه بالنذر،
والثاني سبعة نفر: المرأة ذات الزوج والعبد والمدبر والمكاتب والمعتق المشروط عليه والأجير
والضيف على ما ذكرنا، والثالث خمسة نفر: الكافر والصبي والمجنون والحائض والناذر
لا لوجه الله تعالى، والرابع: كل مسجد قد صلى فيه النبي ص أو الإمام عليه
السلام صلاة الجمعة بالناس وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله
عليه وسلم ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وروي مسجد المدائن أيضا، والخامس: ثلاثة
أيام فصاعدا ولا يصح بأقل منها، والسادس ستة أشياء: الجماع وإنزال المني والخروج
من المسجد لغير عذر والسكر والارتداد والحيض للنساء والنفاس، والسابع: الكفارة إن
أفسدها بالجماع أو بإنزال المني والقضاء.
ولم يخل حال المرأة إذا جامعها من سبعة أوجه: إما كانت غير معتكفة أو معتكفة بغير
إذنه وطاوعته أو أكرهها أو كانت معتكفة باذنه وطاوعته أو أكرهها وجامعها ليلا أو نهارا،
فالأول: لزم الرجل الكفارة دونها، والثاني: لزم كل واحد منهما الكفارة، والثالث: لزم
الرجل الكفارة دونها ويبطل اعتكافه خاصة، والرابع: لزم كل واحد منهما الكفارة،
247

والخامس: لزم الرجل كفارة نفسه وكفارة زوجه، والسادس: تلزم كفارة واحدة، والسابع:
تلزم كفارتان، إحديهما من جهة الاعتكاف والأخرى من جهة الصوم، فإن جامع الرجل
المعتكف زوجته المعتكفة باذنه قهرا نهارا لزمته أربع كفارات.
والثامن: من قسمة الأولى العيدان وأيام التشريق لمن يكون بمنى، والتاسع: أن يشرط
على ربه الرجوع إن عرض له عارض، فإن شرط وعرض له ذلك جاز له الخروج على كل
حال وإن لم يشرط وقد صام يوما فكذلك، وإن صام يومين لم يجز له الخروج حتى يتم، والعاشر
أربعة أشياء: أن لا يجلس في موضع ولا يمشي تحت ظل مختارا ولا يقف فيه إلا للضرورة
ولا يصلى في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يجوز له أن يصلى فيها في أي
بيوتها شاء، والحادي عشر تسعة أشياء: البول والغائط وحضور الجنازة وعيادة المؤمن
وتشييع الأخ في الله تعالى وإقامة الشهادة وتحملها إذا تعينا عليه، والمرض والخوف على
النفس أو المال، وإذا خرج من جهة المرض أو الخوف وقد مضى يومان عاد إليه إذا زال في
الوقت الذي خرج فيه منه وبنى عليه وإن لم يمض يومان أو مضيا وخرج لغير عذر استأنف،
والثاني عشر: البيع والشراء وجميع ما يحرم على المحرم.
248

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
249

كتاب الصوم
فصل: الصوم إمساك مخصوص على وجه مخصوص في وقت مخصوص من ذي
وصف مخصوص. أعني الإمساك عن الطعام والشراب وغيرهما مما نذكر بعد، على وجه
العمد دون النسيان، وفي النهار دون الليل، ممن كان طاهرا ليس بجنب ولا حائض ومؤمنا
ليس بكافر، مقيما ليس بمسافر. ومن شرط انعقاده النية المقارنة له فعلا أو حكما كالنائم
طول شهر رمضان والمغمى عليه فإنه لا نية لهما وقد صح صومهما. ومن شرط وجوبه كمال
العقل والطاقة والبلوغ، وليس من شرط الوجوب الاسلام لأن الكافر متعبد بالشرائع إلا أنه
لا يلزمه القضاء إذا أسلم لأن القضاء فرض ثان، ومن صام غير عارف بالحق ثم استبصر
فلا إعادة عليه، والمرتد إذا أسلم يلزمه قضاء ما فاته في حال الارتداد ولا يبطل صومه
بنفس الارتداد ما لم يفعل ما يفطره، وأما زوال العقل، إن كان بما يفعله المكلف بنفسه على
وجه يرجى زواله بمجرى العادة كالسكر وغيره فإنه يلزمه قضاء ما فاته حينئذ من
العبادات، وإن زال عقله بجناية على وجه لا يعود كأن صار مجنونا مطبقا أو بفعل من الله
فلا قضاء، فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه أو مجنون أو نائم وبقي
251

كذلك أياما - أفاق في بعضها أو لا - فلا قضاء عليه إلا لما أفطر فيه، أو طرح في حلقه دواء وهو
مفيق، وحد البلوغ الاحتلام في الرجال، والحيض في النساء، والإنبات فيهما، أو كمال خمس
عشرة سنة في الرجال وفي النساء عشر سنين، ويستحب أخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه
من تسع سنين تمرينا له.
فصل:
الصوم على خمسة أقسام: مفروض، ومسنون، وصوم إذن، وصوم تأديب، وصوم
قبيح.
فالمفروض ضربان: مطلق من غير سبب، وواجب عند السبب.
فالمطلق صوم شهر رمضان، وشرائط وجوبه ستة: البلوغ، وكمال العقل، والصحة،
والإقامة أو حكمها، والطهارة من الحيض وغيره، ومن شرط صحة الأداء هي والإسلام،
وشرائط وجوب القضاء ثلاثة: البلوغ وكمال العقل، والإسلام.
والواجب عند سبب ضربان: ما كان سببه تفريطا أو عصيانا، وما لم يكن كذلك.
فالأول ستة: صوم كفارة الظهار، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا،
وكفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال، وكفارة القتل عمدا، وجزاء
الصيد، وكفارة اليمين.
والثاني ستة أنواع: قضاء ما فات من شهر رمضان لعذر من مرض أو سفر أو حيض،
وصوم النذر، وصوم كفارة أذى حلق الرأس، وصوم دم متعة الحج، وصوم الاعتكاف،
وكفارة قتل الخطأ.
وتنقسم هذه الواجبات ثلاثة أقسام: مضيق ومخير ومرتب.
فالمضيق خمسة: صوم شهر رمضان، وقضاء ما فات منه، وصوم النذر، وصوم كفارة
قتل العمد، وصوم الاعتكاف.
والمخير أربعة: صوم كفارة أذى حلق الرأس، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان
متعمدا على خلاف فيه بين الطائفة في كونه مخيرا أو مرتبا، وصوم كفارة من أفطر يوما من
252

قضاء شهر رمضان بعد الزوال متعمدا بلا عذر، وصوم جزاء الصيد.
والمرتب أربعة: صوم كفارة اليمين، وصوم كفارة قتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار،
وصوم دم الهدي.
وينقسم الواجب قسمين آخرين: أحدهما يتعلق بإفطاره متعمدا بلا ضرورة قضاء
وكفارة وهو أربعة: صوم شهر رمضان، وصوم النذر المعين بزمان، وصوم قضاء رمضان إذا
أفطر بعد الزوال، وصوم الاعتكاف، والثاني لا يتعلق به كفارة وهو ما عدا ما ذكرنا.
وينقسم الواجب أيضا قسمين آخرين: أحدهما يراعى فيه التتابع، والآخر لا يراعى.
فالأول ضربان:
منه ما إذا أفطر في حال دون حال بنى وهو سبعة: من وجب عليه صوم شهرين
متتابعين إما في قتل العمد أو قتل الخطأ أو الظهار أو إفطار يوم من شهر رمضان. أو نذر معين
بيوم، أو وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر غير معين فمتى أفطر في الشهر الأول أو قبل
أن يصوم من الثاني شيئا ولو يوما واحدا بلا عذر من مرض أو حيض استأنف، وإن كان
إفطاره بعد أن صام من الثاني ولو يوما واحدا، أو كان إفطاره في الشهر الأول بمرض أو حيض
بنى على كل حال، وكذا من أفطر يوما من شهر نذر صومه متتابعا، أو وجب عليه ذلك في
كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا قبل أن يصوم خمسة عشر يوما بلا عذر من مرض
أو حيض استأنف، وإن كان بعد أن صام خمسة عشر يوما أو كان إفطاره قبل ذلك لمرض
أو حيض بنى، وصوم ثلاثة أيام لدم المتعة فإن صام يومين ثم أفطر بنى، فإن صام يوما ثم أفطر
أعاد.
ومنه ما يوجب استئناف على كل حال وهو ثلاثة مواضع: صوم كفارة اليمين، وصوم
الاعتكاف، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
والقسم الثاني وهو ما لا يراعى فيه التتابع، أربعة مواضع: السبعة الأيام في دم المتعة،
وصوم النذر إذا لم يشرط التتابع، وصوم جزاء الصيد، وصوم قضاء رمضان لمرض أو سفر
أو حيض وإن كان التتابع فيه أفضل.
ولا يجوز الصوم الواجب في السفر، ولا في يوم العيدين، ولا لمن كان بمنى في أيام
253

التشريق، إلا القاتل في الشهر الحرام فإنه يجب عليه صوم شهرين متتابعين من الأشهر الحرم
وإن دخل فيه صوم يوم العيدين والتشريق، ومن وجب عليه صوم شهرين متتابعين في أول
شعبان تركه إلى انقضاء شهر رمضان، فإن صام شعبان وشهر رمضان لم يجزئه إلا أن يكون
قد صام من رجب شيئا مع شعبان فيكون قد زاد على الشهر فيبني عليه بعد رمضان.
وأما الصوم المسنون فجميع أيام السنة إلا ما يحرم فيه الصوم إلا أن فيها ما هو أشد
تأكيدا على ما عد في كتب العبادات.
وأما صوم الإذن فثلاثة: لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها فإن صامت بغير إذنه
لم ينعقد صومها وكان له تفطيرها، ولا المملوك إلا بإذن سيده، ولا الضيف إلا بإذن مضيفه،
كل ذلك في التطوع خاصة
وأما صوم التأديب فخمسة: المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر، والحائض إذا
طهرت، والمريض إذا برأ، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ كل منهم يمسك بقية نهاره
تطوعا.
وأما الصوم القبيح فعشرة: يوم الشك على أنه من رمضان، ويوم الفطر، ويوم
الأضحى، وثلاثة أيام التشريق لمن كان بمنى، وصوم نذر المعصية، وصوم الصمت، وصوم
الوصال. وهو أن يجعل عشاءه سحوره أو يطوي يومين من غير أن يفطر بينها، وصوم الدهر
لأنه يدخل فيه العيدان، والتشريق.
فصل:
علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته دون العدد، فمن لم يره وقد
رئي في البلد رؤية شائعة وجب عليه الصوم، وكذا إن كان في السماء غيم أو غبار وشهد
عدلان مسلمان برؤيته من أهل البلد أو من خارجه وجب الصوم، ومع فقد العلة لا يقبل
إلا بشهادة خمسين رجلا من البلد أو الخارج، ومتى لم ير في البلد ورئي في بلد آخر
أو في البراري وجب العمل به إذا كان البلد الذي رئي فيه بحيث لو كانت السماء مصحية
والموانع مرتفعة لرئي في الموضعين معا لتقاربهما، وأما إذا بعدت فلكل بلد حكم نفسه،
254

ولا يجب على أحدهما العمل بما رئي في الآخر، ولا يقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، على
الانفراد ولا مع الرجال، ولا شهادة الفساق والصبيان والكافر إلا إذا بلغت حد التواتر،
ومتى لم ير هلال لا مضان عد شعبان ثلاثين يوما وصام بعده بنية رمضان، فإن غم شعبان
أيضا عد رجبا ثلاثين وصام فرضا بعد الستين، فإن روي هلال شوال ليلة تسع وعشرين من
رمضان قضى يوما واحدا لا غير لأن الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما فإن لم
يتحقق هلال شهر من شهور السنة سوى الأول نظر اليوم الذي صام من السنة الماضية وعد
خمسة أيام وصام اليوم الخامس لأن شهور السنة لا تكون كلها تامة، ولا اعتبار بتطوق الهلال
أو غيابه بعد الشفق أو رؤيته قبل الزوال أو بعده بل يجب العمل بالرؤية، ويوم الشك
يصومه على أنه من شعبان وقد أجزأه وإن كان من رمضان، وإن صام بنية رمضان بلا إعادة
يجب عليه القضاء متى صح أنه كان من رمضان، ويجوز أن ينوي الفرض إن كان من رمضان
والنفل إن كان من شعبان غير قاطع على أحدهما، ومتى عد شعبان ثلاثين يوما وصام بعده
ثم قامت البينة بأنه رئي الهلال قبله بيوم قضى يوما بدله لا غير، ومتى قامت البينة على
هلال شوال بعد الزوال في الليلة الماضية وجب الإفطار، ومن كان أسيرا أو محبوسا بحيث
لا يهتدي إلى العلم بشهر رمضان فليتوخ شهرا فليصمه بنية القربة فإن وافق شهر
رمضان فقد أجزأه، وكذا إن كان بعده كان قضاء، وإن كان قبله فعليه القضاء.
الوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطعام والشراب هو طلوع الفجر الثاني، فإن
طلع وفي فيه طعام أو شراب لفظه وتم صومه، فإن شك في الفجر وأكله وبقي على شكه
فلا شئ، فإن علم بعد أنه كان طالعا فعليه القضاء، ويجوز الجماع إلى أن يبقى إلى طلوع
الفجر قدر إمكان الغسل، فإن جامع بعده فعليه القضاء والكفارة، وإن جامع ظانا امتداد
الوقت إلى الفجر فطلع وهو يجامع امتنع واغتسل وقد صح صومه، وإن تحرك حركة تعين
على الجماع لا على الامتناع فقد أفطر، وكذا إن غلب في ظنه أن الفجر قد قرب أو علم ذلك
وأقدم على الجماع فطلع عليه مجامعا فعليه القضاء والكفارة، ووقت الإفطار أول وقت
المغرب وقد مر.
255

فصل:
صوم شهر رمضان يكفي فيه نية القربة ولا يحتاج في انعقاده إلى نية التعيين، ونية
القربة أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله تعالى، ونية التعيين أن يعين أنه يصوم شهر
رمضان والجمع بينهما أفضل، وإذا كان بنيته أن يصوم الشهر إذا حضر ولم يجددها عند
دخول الشهر لسهو أو نوم أو إغماء صح صومه، ويجوز في نية القربة أن تكون متقدمة،
والأفضل أن تكون مقارنة يأتي بها ليلا لشهر من أولها إلى آخرها متى شاء، ويجزيه أن ينوي
ليلة الشهر صوم الشهر كله، والأفضل أن يجددها كل ليلة، ومتى نوى بصوم شهر رمضان
النذر أو القضاء أو نفلا لم يقع إلا عن رمضان.
إذا صام الشاك أول الشهر بنية النفل أجزأه، وأما بنية الفرض فلا، فإن لم ينو إلى
قبيل الزوال لسهو أو فقد علم بدخول الشهر صح، وكذا في غير رمضان من الصوم
المفروض، وإذا أخر النية إلى بعد الزوال في رمضان لعدم علمه بدخوله جددها وقضى إن
كان أصبح بنية الإفطار، وإن كان صائما بنية النفل يجزئه متى جددها، وإن أصبح بنية
الإفطار مع العلم بأنه من الشهر ثم جدد النية لم ينعقد وعليه القضاء، ومن هو في سفر
التقصير إذا صام بنية رمضان لم يجزئه وبنية التطوع يجزئ، ومن نذر أياما فوافق شهر
رمضان فصام عن أيهما شاء حاضرا فقد أجزأه عن كليهما، وإن كان مسافرا وكان قد نذر
أنه يصوم مسافرا كان أو حاضرا فذلك للنذر لم يجز وعليه القضاء لرمضان، وإن لم يكن قيد
النذر لم يجز عن أحدهما لأن ما عداه من واجب الصوم لا يصح في السفر، وما عدا
ما ذكرناه من مفروض الصوم ومسنونة لا يجزئ فيه نية القربة عن التعيين، ووقت النية في
ذلك ليلة الصوم من أولها إلى طلوع الفجر الثاني لا تجزى المتقدمة عليه، ويجوز تجديدها إلى
الزوال فإن زالت فقد فات الوقت إلا في النوافل إذ قد روي تجديد النية فيها إلى أن يبقى
من النهار ما يمكن أن يكون صوما، ويصح من الصبي نية الصوم.
لا يؤثر في الصوم المنعقد نية الإفطار حتى يتناول مفطرا ولا كراهة الامتناع من
الأشياء المخصوصة. ونية الصوم يجب أن يتعلق بكراهة المفطرات من حيث كانت
إرادة، والإرادة يتعلق بحدوث الشئ ولا يتعلق بأن لا يفعل الشئ وليس هناك
256

إلا الكراهة وقيل: إنما هي تتعلق بإحداث توطين النفس وقهرها على الامتناع بتجديد
الخوف من العقاب والرجاء للثواب وغير ذلك.
فصل:
ما يجب على الصائم الإمساك عنه ضربان: واجب وندب، والواجب ضربان:
أحدهما فعله يفسد الصوم، والآخر لا يفسد. وما يفسده إما أن يقع في صوم شهر رمضان
والنذر المعين بزمان مخصوص، أو في غيرهما مما لا يتعين فما يقع فيهما ضربان: أحدهما
يوجب القضاء والكفارة، والآخر يوجب القضاء دون الكفارة. فما يوجبهما جميعا تسعة:
الأكل والشرب لكل ما يكون به آكلا وشاربا، والجماع في الفرج أنزل أو لا قبلا أو دبرا فرج
امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وقد روي أن الوطء في الدبر بلا إنزال لا ينقض الصوم وأن
المفعول به لا ينقض صومه بحال، والأول أظهر وأحوط. وإنزال الماء الدافق متعمدا،
والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ع متعمدا مع العلم بأنه
كذب، والارتماس في الماء، وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق كغبار الدقيق والتراب
ونحوهما، وفي أصحابنا من قال: إن الارتماس والكذب المذكور لا يفطران وإن الغبار
يوجب القضاء دون الكفارة. والبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر متعمدا بلا ضرورة،
ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر متعمدا.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين
مدان وأقله مد مخيرا في ذلك، وروي أنها مرتبة، والتخيير أظهر وأشيع، وروي أنه إذا أفطر
يوما من رمضان بمحظور كالخمر والزنى لزمه الجمع بين هذه الكفارات الثلاث. ومن أفطر
يوما معينا نذر صومه فحكمه حكم رمضان، وروي أن عليه كفارة اليمين، وذلك محمول على
من لا يقدر إلا عليها، وروي أنه لا شئ عليه، وذلك محمول على من لا يقدر أصلا. وتكرار
الفعل يوجب تكرار الكفارة سواء كان ذلك في يومين أو في رمضانين وسواء كفر عن الأول أو
لا. وإذا تكرر في يوم واحد ففي وجوب التكرار قولان، والأظهر أنه يتكرر، وإذا طاوعت
المرأة زوجها في جماعها في نهار شهر رمضان كان عليها أيضا القضاء والكفارة ويضرب
257

كل واحد منهما خمسة وعشرين سوطا، وإن أكرهها الزوج فعليه كفارتان ويضرب خمسين
سوطا. ومن وجبت عليه الكفارة ولم يقدر على شئ منها صام ثمانية عشر يوما، وكذا من
وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر أو غيره، فإن عجز عن ذلك استغفر الله ولم يعد ومن
وجبت عليه كفارة فتبرع عنه انسان بها جاز، ومن أفطر في شهر رمضان متعمدا بلا عذر
وقال: لا حرج علي في ذلك، وجب قتله، فإن قال: علي فيه حرج، عزره الإمام مغلظا وإن
عاد ثالثا بعد تعزيره دفعتين قتل.
فأما ما يوجب القضاء دون الكفارة فثمانية عشر شيئا: الإقدام على الأكل والشرب
والجماع وإنزال الماء [الدافق] قبل أن يرصد الفجر مع القدرة عليه ويكون طالعا وترك
القبول عمن قال أن الفجر قد طلع وكان طالعا، والإقدام على ما مر أو الجماع ونحوه وتقليد
الغير في أن الفجر لم يطلع مع القدرة على مراعاته، والإقدام على ما سبق وقد طلع الفجر
وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته، والإقدام على الإفطار بدخوله ولم
يدخل، وكذا الإقدام على الإفطار لما يعرض في السماء من ظلمة بلا احتياط ثم تبين أن الليل
لم يدخل، ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة على الجنابة ولم ينتبه حتى يطلع الفجر، ودخول
الماء إلى الحلق من غير قصد إليه للتبرد به دون المضمضة، والنظر إلى ما لا يحل بشهوة حتى
أنزل، وتعمد القئ وابتلاع ما يحصل في فيه من قئ ذرعه ولم يتعمده مع الاختيار، وابتلاع
ما يخرج من بين أسنانه بالتخلل متعمدا، وابتلاع ما ينزل من رأسه من الرطوبة أو ما
يصعد إلى فيه من صدره ومن النخامة أو الدم وغيرهما مع إمكان التحرز، وابتلاع ما
وضعه في فيه من خرز وذهب وغيرهما بلا حاجة إليه ناسيا، وابتلاع الريق الذي انفصل
من الفم، والسعوط الذي يصل إلى الحلق، والاحتقان بالمائعات، وصب الدواء في الإحليل
حتى وصل إلى الجوف، واستجلاب ما له طعم ويجري مجرى الغذاء كالكندر في إحدى
الروايتين، وفي الأخرى أنه لا يفطر، قال الشيخ: والأول هو الاحتياط ومتى وقع شئ من ذلك
في غير ما ذكرناه من الصوم أبطله ويوجب القضاء إن كان فرضا، وإن وقع في قضاء شهر
رمضان بعد الزوال فعليه مع صيام يوم بدله إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام
متواليات، ومن فعل شيئا من جميع ذلك ناسيا في أي صوم كان فلا شئ عليه وصح
258

صومه، وإن فعل شيئا من ذلك ناسيا في صوم معين ثم اعتقد أن ذلك يفطر فأكل أو شرب
أو أتى بمفطر آخر فعليه القضاء والكفارة، وقيل: عليه القضاء لا غير. وأما ما يجب الإمساك
عنه وإن لم يفسد الصوم فجميع المحرمات والقبائح سوى ما سبق.
وما يكره للصائم فعله اثنا عشر شيئا: السعوط الذي لم ينزل إلى الحلق سواء بلغ
الدماع أو لا، والكحل الذي فيه شئ من المسك والصبر، وإخراج الدم على وجه يضعفه،
ودخول الحمام المؤدى إلى الضعف، وشم الرياحين كلها وأشد كراهية النرجس، واستدخال
الأشياء الجامدة، وتقطير الدهن في الأذن، وبل الثوب على الجسد، واستنقاع المرأة في الماء إلى
الحلق، والقبلة، وملاعبة النساء المحللات، ومباشرتهن ما لم يؤد شئ من ذلك إلى الإمناء،
ولا بأس أن يزق الصائم الطائر ويمضغ الطعام للصبي أو يذوق المرقة إذا لم يبلع شيئا.
فصل:
من نذر أن يصوم شهرا بعينه لزمه الوفاء سواء كان تاما أو ناقصا، وإن علقه
بوقت قدوم زيد مثلا فوافق بعض الشهر لزمه أن يصوم ثلاثين يوما، وإن أطلق النذر ولم
يعينه كان مخيرا بين أن يصوم شهرا بين هلالين أو ثلاثين يوما، وكذا إذا نذر أن يصوم
شهرين أو أكثر، وإن نذر أن يصوم مسافرا كان أو حاضرا لزمه صومه، وإن كان مسافرا
فوافق ما نذر صومه معينا يوم العيد أفطر وقضى، وإن علق صومه بيوم العيد أفطر ولا قضاء
لأنه نذر في معصية، وإن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا أو نهارا بعد أن أفطر فلا
شئ عليه، وإن قدم قبل الزوال ولم يفطر جدد النية وصام، وإن نذر صوما وعلقه
بشرط فلم يعين مقدار الصوم صام أقل ما يكون صائما إذا حصل الشرط وهو يوم
واحد، والزمان خمسة أشهر، والحين ستة أشهر. ومن نذر أن يصوم ببلد بعينه شهرا وجب
عليه أن يحضر ويصوم فإن حضره وصام بعضه ثم لم يمكنه المقام خرج وقضى الباقي إذا عاد
إلى أهله أو حيث عزم المقام فيه عشرة أيام فصاعدا. ومتى عجز عن صيام ما نذر فيه
يصدق عن كل يوم بمد من الطعام. ومتى نذر أن يصوم غدا وكان يوم الأضحى ولم يعلم
أفطر ولا قضاء، والأفضل أن يقضيه. ومن نذر أن يصوم لا على وجه القربة بل على وجه
259

التمرين ومنع النفس لم ينعقد نذره. ومن صام بنية التطوع جاز له أن يفطر متى شاء إلا بعد
الزوال فإنه مكروه إلا أن يدعوه إلى ذلك أخ مؤمن فحينئذ الإفطار أفضل.
فصل:
كل سفر يجب فيه قصر الصلاة يجب فيه الإفطار، والشرائط هنا كهي ثم ومتى كان
السفر أربع فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه لم يجز له الإفطار، ومن صام في سفر يجب فيه
الإفطار فعليه الإعادة إذا كان عالما بوجوب الإفطار وإلا فلا.
من يبيت للسفر وخرج قبل الزوال أفطر وقضى، وإن خرج بعد الزوال لم يفطر
وقضى، وإن لم يبيت النية للسفر وتجدد له رأي فيه أتم ذلك اليوم ولا قضاء، فإن جامع
وأفطر فيه فعليه القضاء والكفارة، ولا يجوز الإفطار بعد تكامل الشروط إلا بعد أن يخرج
وتتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره. وواجب الصوم لا يجوز في السفر إلا
النذر المقيد صومه بحال السفر وصوم الأيام الثلاثة لدم المتعة، وصوم التطوع مكروه فيه.
ويكره للمختار إنشاء السفر في رمضان إلا بعد مضى ثلاث وعشرين يوما منه، وإذا قدم
المسافر أهله نهارا وقد أكل في صدره أمسك عما يفطر بقية النهار أدبا ويقضي، وكذا إذا ورد
بلدا يريد فيه المقام عشرا، وإن دخله ولم يفطر في صدر النهار وجب عليه أن يمتنع ويجدد النية
إن كان قبل الزوال ولا قضاء، وإن كان بعد الزوال أمسك وقضى، والأفضل لمن يعلم
وصوله إلى البلد أن يبيت صوم يومه ذاك.
فصل:
كل مرض لا يقدر صاحبه على الصوم أو يخاف الزيادة في مرضه يجب معه الإفطار
ولو كان قبل الغروب بساعة، فإن صام والحال هذه أعاد واجبا، وإن برأ وسط النهار وكان
قد تناول مفطرا أمسك بقية النهار أدبا وقضى، وإن لم يتناول جدد قبل الزوال، وإن كان بعد
الزوال قضى تناول أو لا، والحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بهما الصوم
وخافتا على الولد أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمدين من طعام فإن لم تقدرا فبمد ثم
260

تقضيانه، وكذا من به عطاش يرجى زواله، وأما من لم يرج زوال عطاشه والشيخ الكبير
والمرأة الكبيرة إذا عجزوا عن الصوم أفطروا وتصدقوا بما مر ولا قضاء. وكل من أبيح له
إفطار لا ينبغي أن يتملأ من الطعام ويروى من الشراب ولا يجوز له أن يجامع، ومن كان
مفيقا في أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه أياما فلا قضاء عليه ما لم يفطر، وكذا إن
كان مغمى عليه في أول الشهر لأن النية المتقدمة كافية. ومن جن أياما متوالية ثم أفاق فلا
قضاء عليه وإن أفطر لأنه ليس بمكلف، ومن بقي نائما قبل دخول الشهر أو بعده أياما وقد
سبق منه نية القربة فلا قضاء عليه، وكذا من أصبح صائما ثم جن في بقية يومه أو أغمي
عليه.
فصل:
من فاته شئ من شهر رمضان لمرض واستمر به المرض إلى رمضان آخر صام
الحاضر وتصدق عن الأول ولا قضاء، وكذا حكم ما زاد على رمضانين. وإن برأ من مرضه
قبل لحوق رمضان آخر وجب عليه القضاء، وإن لم يقض ثم مات قضى عنه وليه وهو أكبر
أولاده الذكور، فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به
بعضهم فيسقط عن الباقين، فإن لم يخلف من الأولاد إلا الإناث لم يلزمهن القضاء وكان
الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام وأقله مد، فإن لم يمت وفي عزمه القضاء
من غير توان ويجيئه رمضان آخر صام الحاضر وقضى الأول ولا كفارة، وإن أخره توانيا صام
الحاضر وقضى الأول وتصدق عن كل يوم بما مر، وإذا لم يبرأ ومات صام عنه وليه ندبا، وكل
من مات وقد فاته صوم واجب وتمكن منه فلم يصمه يصوم عنه وليه أو يتصدق عنه من
أصل تركته إذا لم يكن له ولي، وإن كان قد اجتمع على الميت الصوم والكفارة صام الولي
وتصدق من تركته بما مر، فإن لم يكن له ولي فلكل يوم كفارتان، وكذا حكم المرأة الحائض
إذا طهرت في بعض النهار أمسكت أدبا وقضت سواء أفطرت أو لا، والأفضل أن يقضي
ما فاته من صيام رمضان متتابعا، وإن تتابع ستة أيام أو ثمانية وفرق الباقي جاز، والأول
أحوط.
261

ولا يجزئ قضاء فائت الصوم الواجب في سفر يجب فيه التقصير، ومن أفطر يوما
يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال قضاه وكفر بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام،
وروي أن عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان والصحيح الأول، وروي أن لا شئ
عليه، [وذلك] محمول على من لا يتمكن، وأما قبل الزوال فلا شئ عليه، ومن أصبح جنبا
عامدا أو ناسيا فلا يصم ذلك اليوم لا قضاء ولا تطوعا، ومن أجنب في أول الشهر ونسي
الغسل ثم ذكر الغسل اغتسل وقضى ما أتى [به] بينهما من الصلاة والصوم، وإن اتفق
له بينهما غسل يرفع الحدث قضى ما سبق ذلك الغسل، ومتى كان عليه قضاء صوم واجب لم
يجز له أن يتطوع بالصيام. وما ندب إليه من صيام ثلاثة أيام في كل شهر أربعاء بين
خميسين يجوز - لمن لا يقدر عليه - تأخيره من شهر إلى آخر ومن الصيف إلى الشتاء وقضاه، فإن
لم يقدر تصدق عن كل يوم بدرهم أو مد من طعام وإلا فلا شئ.
فصل:
الاعتكاف هو اللبث للعبادة، وشروطه أن يكون المعتكف مسلما بالغا عاقلا، وأن
ينوي ثلاثة أيام لا يصح أقل منها، وأن يكون صائما مدة اعتكافه، وأن يعتكف في
مسجد صلى فيه نبي أو إمام عادل جمعة بشرائطها، ولا يكون كذلك إلا أحد المساجد الأربعة:
المسجد الحرام، ومسجد النبي ص، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة.
والمرأة في ذلك كالرجل. والاعتكاف أما واجب وهو ما يوجبه الانسان على نفسه بالنذر أو
العهد، وأما مندوب، ومتى شرط المعتكف على ربه أنه متى عرض له عارض رجع فيه كان
له الرجوع إلا إذا مضى يومان فإن عليه إتمام الثلاثة إذا، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول
فيه إتمام ثلاثة، ولا يصح الاعتكاف ممن عليه ولاية كالزوجة والعبد والأجير والضيف إلا
بإذن من له الولاية من الزوج والسيد والمستأجر والمضيف، وحكم المدبر والمكاتب حكم
العبد إذا لم يستكمل حريته ومن أذن له الولي مدة معينة لم يكن له فسخه عليه إلا بعد
مضيها، فإن كان أطلق في الإذن لم يلزمه الصبر عليه أكثر من ثلاثة أيام وهو أقل مدة
الاعتكاف.
262

يجوز الاعتكاف في جميع أيام السنة إلا ما لا يصح صومه كالعيدين، وأفضل أوقاته
العشرة الأخيرة من رمضان. ولا حد لأكثر أيامه، فإن زاد على الثلاثة يومين لزمه إتمام ثلاثة
أيام أخر، ومتى نذر أن يعتكف يوما أو يومين لم ينعقد نذره. ويصح الاعتكاف في الأيام
مفردة عن الليالي ولا يصح بالعكس لأنه لا يصح إلا مع الصوم، وإذا نذر الاعتكاف
شهرا ولم يشترط التتابع جاز له التفريق غير أنه لا يكون كل فرق أقل من ثلاثة أيام، وإن
شرط التتابع لزمه ذلك، فإن فرق يجب عليه الاستئناف، فإن كان معلقا بوقت فخالفه
وخرج بطل مقدار ما يخرج دون ما اعتكف إذا لم ينقص عن ثلاثة، فإن نقص بطل الجميع.
ولا يجب الاعتكاف باليمين ومنع النفس إلا إذا تقرب به إلى الله تعالى.
ويحرم على المعتكف الوطء وسائر ضروب المباشرة والقبلة والملامسة، واستنزال
الماء بجميع أسبابه، والبيع والشراء، والخروج من حيث اعتكف فيه إلا لضرورة كالبول
والغائط والغسل من الاحتلام، أو لأداء فريضة أو قربة وعبادة كحضور جنازة وعيادة
مريض وقضاء حاجة مؤمن غير أنه لا يمشي تحت الظلال ولا يجلس حيث يدخله ولا يصلى
إلا حيث اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يجوز أن يصلى في أي بيوتها شاء، وإذا تعينت عليه إقامة
شهادة خرج لإقامتها ولا يجلس حتى يعود إليه، ويجوز أن ينكح وينكح ويشم الطيب ويأكل
اللحم وينظر في أمر معيشته ويتحدث بما شاء من الكلام المباح، وإن انهدم المسجد كله أتم
اعتكافه في عرصته، وحكم الليل حكم النهار إلا في الصوم.
الخروج من المسجد بغير عذر وطاعة يفسد الاعتكاف، ويفسده السكر، وكذا
الجماع والمباشرة المؤدية إلى الإنزال عمدا، ويجب بهذين القضاء والكفارة، وقيل: يجب بما
عدا الجماع القضاء دون الكفارة. ومتى جامع نهارا لزمته كفارتان، وأما ليلا فواحدة، وإن
أكره امرأته على الجماع وهي معتكفة بأمره نهارا لزمته أربع كفارات، وليلا كفارتان على
قول بعض أصحابنا، وإن كان اعتكافها بغير إذنه لم يلزمه إلا كفارة نفسه، والكفارة هي
التي تجب في إفطار يوم من شهر رمضان على خلاف في كونها مخيرة أو مرتبة.
ومتى وطأ ليلا أو نهارا أو أكل نهارا أو خرج من المسجد ساهيا لم يفسد اعتكافه،
ومتى خرج المعتكف لعذر من مرض أو خوف أو نحو ذلك عاد إذا زال عذره، وبنى عليه إن
263

كان خروجه بعد مضى أكثر مدة الاعتكاف، وإن كان قبل ذلك استأنفه واجبا كان
الاعتكاف أو ندبا، ومن خرج من الاعتكاف بلا عذر وجب عليه قضاؤه واجبا كان أو
ندبا، ومن مات قبل انقضاء مدة اعتكافه قيل: يقضي عنه وليه أو يخرج من ماله إلى من
ينوب عنه قدر كفايته، ولا ينعقد البيع والشرى في حال الاعتكاف، ولا يفسد الاعتكاف
جدال وسباب، والنظر في العلم ومذاكرة أهله في حال الاعتكاف أفضل من الصلاة
تطوعا.
264

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
265

كتاب الصيام
باب حقيقة الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه:
الصوم في اللغة هو الإمساك والكف يقال: صام الماء إذا سكن وصام النهار إذا قام
في وقت الظهيرة. قال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما.
وقال آخر: صام النهار وقالت العفر. وفي الشرع هو إمساك مخصوص على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو
على صفة مخصوصة:
ومن شرط انعقاده النية المقارنة فعلا أو حكما، لأنه لو لم ينو وأمسك عن جميع ذلك لم
يكن صائما.
وقولنا: إمساك مخصوص، أردنا الإمساك عن المفطرات التي سنذكرها وأردنا على وجه
مخصوص العمد دون النسيان، لأنه لو تناول جميع ذلك ناسيا لم يبطل صومه. وقولنا: في زمان
مخصوص، أردنا به النهار دون الليل فإن الإمساك عن جميع ذلك ليلا لا يسمى صوما. وقولنا:
ممن هو على صفة مخصوصة، أردنا به من كان مسلما لأن الكافر لو أمسك عن جميع ذلك لم يكن
صوما وأردنا به أيضا ألا يكون حائضا لأنها لا يصح منها الصوم وكذلك لا يكون مسافرا سفرا
مخصوصا عندنا لأن المسافر لا ينعقد صومه الفرض. وقولنا: من شرطه مقارنة النية له فعلا
267

أو حكما، معناه أن يفعل النية في الوقت الذي يجب فعلها فيه وحكما أن يكون ممسكا عن
جميع ذلك وإن لم يفعل النية كالنائم طول شهر رمضان والمغمى عليه فإنه لا نية لهما ومع ذلك
يصح صومهما، وكذلك من أمسكه غيره عن جميع ما يجب إمساكه يكون في حكم الصائم إذا
نوى وإن لم يكن في الحقيقة ممتنعا، لأنه لا يتمكن منها. هذا جميعه ذكره شيخنا أبو جعفر
الطوسي رحمه الله في مبسوطه. والذي يلوح لي ويقوى في نفسي أن النائم الذي ذكره والمغمى
عليه غير مكلفين بالصيام ولا هما صائمان صياما شرعيا فذكره لهما غير واضح وسيأتي
الكلام في باب المغمى عليه ونذكر ما عندنا في ذلك واختلاف أصحابنا فيه.
والنية وإن كانت إرادة لا تتعلق إلا بالحدوث بأن يكون الشئ فإنها تتعلق في الصوم
بإحداث توطين النفس وقهرها على الامتناع بتجديد الخوف من عقاب الله وغير ذلك
أو بفعل كراهة لحدوث هذه الأشياء فتكون متعلقة على هذا الوجه فلا ينافي الأصول. وقال
السيد المرتضى رحمه الله الصوم الشرعي هو توطين النفس على الكف عن تناول ما يفسد
الصيام من أكل وشرب وجماع وما أشبه ذلك. وقال شيخنا المفيد رحمه الله الصوم في
الشرع هو كف الجوارح عما حظر على العبد استعماله منه حال الصيام.
ومن شرط وجوبه: كمال العقل والطاقة، وليس الاسلام شرطا في الوجوب لأن الكافر
عندنا تجب عليه العبادات الشرعية وإن لم يكن مسلما، إلا أن الأداء لا يصح منه لأن النية
للقربة من شرطه، وهذا شئ يرجع إليه لأن في مقدوره أن يسلم ويعرف من يتقرب إليه فهو
كالمحدث إذا دخل وقت الصلاة فإنه مكلف بالصلاة ولا يصح منه الأداء، لأن إزالة
الحدث في مقدوره لا لأمر راجع إلى غيره لا يصح منه فعله إلا أنه لا يلزمه القضاء متى أسلم
لأن القضاء فرض ثان ومن شرطه الاسلام وكمال العقل.
وأما المرتد عن الاسلام إذا رجع فإنه يلزمه قضاء الصوم وجميع ما فاته من
العبادات في حال ارتداده لأنه كان بحكم الاسلام لالتزامه له أو لا فلأجل ذلك وجب عليه
القضاء، فأما إن ارتد ثم عاد إلى الاسلام قبل أن يفعل ما يفطره فلا يبطل صومه بالارتداد،
لأنه لا دليل عليه.
فأما كمال العقل شرط في وجوبه عليه لأن من ليس كذلك لا يكون مكلفا من
268

المجانين وغيرهم، ولا فرق بين أن يكون كامل العقل في الأصل أو يزول عقله فيما بعد في أن
التكليف يزول عنه اللهم إلا أن يزول عقله بفعل يفعله على وجه يقتضي زواله بمجرى
العادة، فإنه إذا كان كذلك لزمه قضاء جميع ما يفوته في تلك الأحوال وذلك مثل السكران
وغيره فإنه يلزمه قضاء ما فاته من العبادات كلها.
وإن كان جنى جناية زال معها عقله على وجه لا يعود بأن يصير مجنونا مطبقا فإنه لا يلزمه
قضاء ما يفوته، وأما إذا زال عقله بفعل الله مثل الإغماء والجنون وغير ذلك فإنه لا يلزمه
قضاء ما يفوته في تلك الأحوال. فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه أو
مجنون أو نائم وبقي كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شئ مما
مر به سواء أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه المداواة له فإنه لا يلزمه القضاء حينئذ.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: لا يلزمه القضاء لشئ مما مر به إلا ما
أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه المداواة له فإنه يلزمه حينئذ القضاء لأن ذلك لمصلحته و
منفعته وسواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق فإن الحال لا يختلف فيه، وما ذكره رحمه الله كلام
المخالفين فلا يظن ظان أنه قوله واعتقاده لأن هذا ينافي أصول المذهب لأن الخطاب بالعبادات
لا يتوجه إلا إلى كاملي العقول، وأيضا القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل شرعي في إثباته فإن
القضاء غير مانع للمقضي لأنه يحتاج إلى دليل شرعي.
وأما البلوغ فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية وحده في الرجل إما بالاحتلام
أو بلوغ خمس عشرة سنة أو الإنبات وهو خشون العانة. والمرأة يعرف بلوغها من خمس
طرائق: أما الاحتلام أو الإنبات أو بلوغ تسع سنين.
وذكر شيخنا أبو جعفر رحمه الله في مبسوطه في كتاب الصوم: عشر سنين، وفي نهايته: تسع
سنين، وهو الصحيح الظاهر في المذهب لأنه لا خلاف بينهم أن حد بلوغ المرأة تسع سنين،
فإذا بلغتها وكانت رشيدة سلم الوصي إليها مالها وهو بلوغها الوقت الذي يصح أن تعقد
على نفسها عقدة النكاح ويحل للبعل الدخول بها بغير خلاف بين الشيعة الاثني عشرية.
والحيض والحمل.
هكذا يذكر في الكتب. والمحصل من هذا بلوغ التسع السنين لأنها لا تحيض قبل ذلك
269

ولا تحمل قبل ذلك فعاد الأمر إلى بلوغ التسع السنين وإنما أوردنا ما أورده غيرنا من المصنفين،
فأما قبل ذلك فإنما يستحب أخذه به على وجه التمرين له والتعليم.
والصوم على ضربين: مفروض ومسنون:
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: الصوم على خمسة أقسام: واجب ومندوب وصوم إذن
وصوم تأديب وصوم قبيح وهذا ما لا حاجة إليه لأنا نحد الصوم الشرعي وما هو تكليف لنا
والصوم القبيح غير شرعي ولا هو تكليف لنا. فأما صوم الإذن وصوم التأديب، فداخلان في
صوم المسنون، فعاد الأمر على هذا التحرير إلى أن الصوم الشرعي على ضربين: واجب
ومندوب لا قسم لهما ثالث.
فإذا تقرر ذلك فالمفروض على ضربين: ضرب منهما واجب من غير سبب وهو صوم
شهر رمضان فحسب، والضرب الآخر واجب عند سبب، وهذا الضرب نحو من خمسة
عشر قسما.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في جمله وعقوده: أحد عشر قسما أوردها فهي معلومة
فأما المزيد عليها من الأقسام فهو كفارة خلاف النذر و كفارة خلاف العهد وصوم من أفاض
من عرفة قبل غروب الشمس متعمدا ولم يجد الجزور فإنه يجب عليه أن يصوم بدله ثمانية
عشر يوما، والمفروض على ضربين أيضا بطريقة أخرى: متعين وغير متعين، فالمتعين على
ضربين: متعين بزمان ومتعين بصفة، والمتعين بزمان على ضربين: أحدهما لا يمكن أن يقع فيه
غير ذلك الصوم والشرع على ما هو عليه، والآخر يمكن ذلك فيه أو كان يمكن، هذا تقسيم
شيخنا أبي جعفر في مبسوطه. وتقسيمه في الجمل والعقود قال: فإن كان الصوم متعينا بزمان
مخصوص على كل حال مثل شهر رمضان فيكفي فيه نية القربة دون نية التعيين، وإن لم يكن
متعينا أو كان يجوز ذلك فيه احتاج إلى نية التعيين وذلك كل صوم عدا شهر رمضان، و
احترازه في العبارتين بقوله: والآخر يمكن ذلك فيه أو كان يمكن، وبقوله في جمله وعقوده: وإن لم
يكن متعينا أو كان يجوز ذلك فيه، مقصوده ومراده بقوله: وإن لم يكن متعينا، النذر غير
المتعين بيوم وبقوله: أو كان يجوز ذلك فيه، النذر المتعين بيوم ويريد به كان يجوز ألا ينذره ناذره
فلا يكون متعينا بيوم أو أيام.
270

فالأول صوم شهر رمضان فإنه لا يمكن أن يقع فيه غيره إذا كان مقيما في بلده أو بلده غير
بلده إذا كان قد نوى مقام عشرة أيام.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: وما هذه حاله لا يحتاج في انعقاده إلى نية التعيين ويكفي
فيه نية القربة، وقال في مبسوطه: ومعنى نية القربة أن ينوي أنه صائم شهر رمضان، وقال في
مسائل الخلاف: ونية القربة يكفي أن ينوي أنه يصوم متقربا به إلى الله تعالى، وإن أراد الفضل
نوى أنه يصوم غدا شهر رمضان ونية التعيين أن ينوي الصوم الذي يريده ويعينه بالنية. والذي
ذكره في مسائل خلافه هو الصحيح إذا زاد فيه واجبا مثل أن ينوي أنه يصوم واجبا متقربا به إلى الله
تعالى، ولا يظن ظان أنه إذا نوى واجبا فقد عين، لأن الواجب يشتمل على ضروب من الصيام
الواجب وما ذكره في مبسوطه من كيفية نية القربة غير واضح وهو مذهب الشافعي فلا يظن
ظان أنه قوله واعتقاده، لأنه قد ذكره عنه وحكاه عنه في مسائل الخلاف، لأن القول بذلك يؤد
إلى أنه لا فرق بين نية التعيين ونية القربة لأن نية القربة لا تعين المنوي بل تتقرب بالصوم إلى
الله سبحانه، لأنه زمان لا يقع فيه غير الصوم الذي هو واجب فيه فعلى ما أورده في مبسوطه
جمع بين نية القربة ونية التعيين لأنه قال: ينوي أنه صائم شهر رمضان، وجملة الأمر وعقد الباب
أن ما عدا شهر رمضان عند هذا الفقيه رحمه الله لا بد له من نية التعيين ونية القربة معا
ورمضان يكفي فيه نية القربة فحسب دون نية التعيين.
والصحيح ما ذهب سيدنا المرتضى - رحمه الله - إليه من أن كل زمان يتعين فيه الصوم كشهر
رمضان والنذر المعين بيوم أو أيام لا يجب فيه نية التعيين بل نية القربة فيه كافية حتى لو نوى
صومه من غيره لم يقع إلا عنه وإنما يفتقر إلى تعيين النية في الزمان الذي لا يتعين فيه الصوم و
ذكر السيد المرتضى في جواب مسألة من جملة المسائل الطرابلسيات الثالثة ما قوله: حرس الله
مدته في من نذر أن يصوم يوما يبلغ فيه مرادا واتفق ذلك اليوم يوم عيد أو يوما قد تعين صومه
عليه بنذر آخر هل يجزئه صوم اليوم الذي تقدم وجوب صومه عليه بالنذر المتقدم عن يوم
يجعله بدلا منه إذا اتفق في النذر الثاني أم لا، وهل يسقط عنه صوم اليوم الذي اتفق يوم عيد
بغير بدل منه أم ببدل؟ فأجاب المرتضى بأن قال: إذا نذر صوم يوم عليه ببعض الشروط
واتفق حصول ذلك الشرط في يوم قد يتعين عليه صومه بنذر متقدم لنذر لا هذا فالأولى أن
271

لا قضاء عليه لأن نذره تعلق بما يستحيل فلم ينعقد، وإذا لم ينعقد فلا قضاء وإنما قلنا: إنه
مستحيل، لأن صوم ذلك اليوم قد تعين صومه بنذر سابق يستحيل أن يجب بسبب آخر فكأنه
نذر ما يستحيل وقوعه وجرى مجرى أن يعلق نذره باجتماع الضدين، والذي يكشف عن
استحالة ما نذره أنه إذا قال: علي أن أصوم يوم قدوم فلان، فكأنه نذر صيام هذا اليوم على
وجه يكون صيامه مستحقا بقدوم ذلك القادم وهذا اليوم الذي فرضنا أنه متعين
صومه بسبب متقدم يستحيل فيه أن يستحق صومه بسبب آخر من الأسباب وهذا بين هذا
آخر كلام المرتضى رحمه الله. والمقصود من هذا أنه جعله كرمضان وأنه يستحيل أن يقع فيه
صوم غيره وذلك إنما يحتاج إلى النية المعينة للصوم في الزمان الذي ليس بمعين حتى يعينه وهذا
الزمان في نفسه معين فهو كرمضان سواء. وقول شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله: أو كان
يجوز ذلك فيه، يريد به أن النذر المعين كان يجوز ألا يكون معينا على ما تقدمت الإشارة منا في
تفسيره.
فلقائل أن يقول له: وكان يجوز أن لا يكلفنا الله تعالى صيام رمضان ولا يوجبه علينا،
فما لزمنا في النذر المعين من الجواب يلزمه مثله حذو النعل فاحترازه بما احترز غير مجد عليه
نفعا، فرمضان عنده يمتاز من سائر ضروب الصيام الواجب بثلاثة أحكام أحدها أن نية
القربة كافية فيه ونية واحدة تجزئ للشهر جميعه، ويجوز أن تتقدمه على بعض
الوجوه، على ما يذهب إليه شيخنا أبو جعفر من طريق أخبار الآحاد بأن يعزم في شعبان أنه إذا
حضر رمضان صامه ثم حضر رمضان وعلمه ثم نسي وصام ذلك أجزأته تلك النية المتقدمة
وكان صومه صحيحا مجزئا عنه.
فأما من لم يعلم باستهلال الشهر وأصبح صائما بنية التطوع، فإنه يجزئه صيامه
سواء علم قبل الزوال أو بعد الزوال، فأما من أصبح بنية الإفطار ثم قامت عنده البينة
بدخول الشهر، فإن كان ذلك قبل الزوال ولم يتناول ما يفسد الصيام فيجدد النية وقد تم
صومه ولا قضاء عليه، وإن كان ذلك بعد الزوال فيجب عليه الإمساك باقي نهاره ويجب
عليه القضاء، فإن لم يمسك باقي نهاره وأفطر فإنه يجب عليه مع القضاء الكفارة لأنه قد أكل
في نهار رمضان بعد حصول علمه به.
ووقت النية ليلة الصوم من أولها إلى طلوع الفجر فأي وقت نوى الصوم فقد
272

انعقد صومه، ومتى لم ينو متعمدا مع العلم بأنه شهر رمضان حتى يصبح فقد فسد صومه و
عليه القضاء، وإن لم يعلم أنه من شهر رمضان لعدم رؤيته أو لشبهة ثم علم بعد أن أصبح
جاز له أن يجدد النية إلى الزوال وصح صومه ولا إعادة عليه، وإن فاتت إلى بعد الزوال
أمسك بقية النهار وكان عليه القضاء كما قدمنا. وجملة الأمر وعقد الباب أن
الصوم المتعين مع الذكر له يجب أن ينوي مكلفة من الليل وجميع الليل محل لنيته، فإن
تركها متعمدا فإنه يجب عليه القضاء، وإن تركها ساهيا أو بأن لا يعلمه فله أن ينوي ما بينه
وبين زوال الشمس، فإن زالت فقد فاتته ويجب عليه القضاء.
والذي ينبغي تحصيل ما يوجد في الكتب من أن رمضان لو صام الانسان فيه بنية
النذر أو بنية الكفارة أو القضاء أو الندب وقع عن رمضان لأنه زمان لا يصح أن يقع فيه
صوم سوى صوم رمضان، والذي يجب فيه أن يقال: هذا مع عدم علم المكلف بأنه رمضان
وصام بنية صيام غيره وقع عنه وأجزء، فأما إذا علمه وحققه فلا يجزئه إلا أن ينوي لأن
النية تحتاج أن تطابق المنوي لقول الرسول ع: الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ
ما نوى، فكيف يجزئ صوم النفل عن الصوم الواجب الذي قد علمه المكلف وحقق
زمانه وإنما يجزئ ذلك الناسي وغير العالم.
فإطلاق ما يوجد في كتب أصحابنا راجع إلى غير العالم المتحقق لزمان رمضان،
فأما العالم فلا بد له مع ذكره لنية القربة من نية الوجوب فحسب دون نية التعيين لأن
الواجب على ضروب، فإذا نوى أصوم واجبا فلم يعين، فإذا قال: أصوم
واجبا رمضان، فقد عين فلا يظن ظان أنه إذا قال: أصوم واجبا فقد عين. وأما الصوم غير
المتعين فمحل النية طول ليلة نهاره وإلى قبل زوال الشمس من يومه سواء تركها عامدا
أو ناسيا. فهذا الفرق بين ضربي الصوم الواجب.
فأما صوم التطوع فله أن ينوي ما دام في نهاره سواء كان بعد الزوال أو قبله على
الصحيح من الأقوال والأخبار،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: ومتى فاتت إلى بعد الزوال فقد فات
وقتها إلا في النوافل خاصة فإنه روي في بعض الروايات جواز تجديدها بعد الزوال و
273

تحقيقها أنه يجوز تجديدها إلى أن يبقى من النهار زمان بعدها يمكن أن يكون صوما. فأما
إذا كان انتهاء النية مع انتهاء النهار فلا صوم بعده على حال، وهذا القول منه رحمه الله يدل
على تضعيفه للرواية لأنه قال: فإنه روي في بعض الروايات، جعله رواية، ثم قال: في بعض
زاده ضعفا آخر والصحيح ما قدمناه واخترناه لأنه إجماع من الفرقة على ذلك وهو مذهب
السيد المرتضى يناظر عليه المخالف له في الانتصار.
وإذا جدد نية الإفطار في خلال النهار وكان قد عقد الصوم في أوله فإنه لا يصير
مفطرا حتى يتناول ما يفطر، وكذلك إن كره الامتناع من الأشياء المخصوصة لأنه لا دليل
على ذلك.
وقال السيد المرتضى: ووقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال
الشمس وفي صيام التطوع إلى بعد الزوال.
والذي يقع الإمساك عنه على ضربين: واجب ومندوب. فالواجب على ضربين:
أحدهما إذا لم يمسك عنه لا يجب عليه قضاء ولا كفارة بل كان مأثوما وإن لم يبطل
ذلك صومه وهو: المشي إلى المواضع المنهي عنها والكذب على غير الله تعالى وغير
رسوله وأئمته ع والغناء وقول الفحش والنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه
والحسد.
وقال بعض أصحابنا: التحاسد الأولى الإمساك عنه، والصحيح أنه داخل فيما يجب الإمساك
عنه.
والضرب الآخر من قسمي الواجب ينقسم إلى قسمين: أحدهما يوجب القضاء
والكفارة معا والآخر يوجب القضاء دون الكفارة. فما يوجب القضاء والكفارة،
اختلف أصحابنا فيه، فقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجمل والعقود: تسعة أشياء:
الأكل، والشرب، والجماع في الفرج، وإنزال الماء الذي هو المني - وشيخنا قيده بالدافق
ولا حاجة بنا على مذهبنا إلى هذا التقيد لأنا نراعي خروج المني عامدا سواء كان دافقا أو غير
دافق في جميع ما نراعي من الاغتسال وغير ذلك - والكذب على الله وعلى رسوله والأئمة
ع متعمدا، والارتماس في الماء وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا مثل
274

غبار الدقيق وغبار النفض وما جرى مجراه، والمقام على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر،
ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر.
وما يوجب القضاء دون الكفارة فثمانية أشياء: الإقدام على الأكل أو الشرب أو الجماع
قبل أن يرصد الفجر مع القدرة على مراعاته ويكون طالعا وترك القبول عن من قال: أن
الفجر طلع، والإقدام على تناول ما ذكرناه ويكون قد طلع، وتقليد الغير في أن الفجر لم
يطلع مع قدرته على مراعاته ويكون قد طلع، وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على
مراعاته، والإقدام على الإفطار ولم يدخل وكذلك الإقدام على الإفطار لعارض يعرض في
السماء من ظلمة ثم تبين أن الليل لم يدخل، ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل أن
يغتسل من جنابة ولم ينتبه حتى يطلع الفجر، ودخول الماء إلى الحلق لمن يتبرد بتناوله دون
المضمضة للطهارة سواء كانت الطهارة للصلاة أو لما يستحب فعلها من الكون عليها غير
ذلك.
وقال شيخنا: دون المضمضة للصلاة، ذكره في هذا المختصر أعني جمله وعقوده وقال في
نهايته: ومن تمضمض للتبرد دون الطهارة وهو الصحيح.
والحقنة بالمائعات. هذه الأحكام في الصوم الذي يتعين صومه مثل شهر رمضان والنذر
المعين.
وقال السيد المرتضى: من تعمد الأكل أو الشرب أو استنزال الماء الدافق: بجماع أو غيره أو
غيب فرجه في فرج حيوان محرم أو محلل له أفطر وكان عليه القضاء والكفارة - قال: وقد ألحق
قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة تعمد الكذب على الله تعالى وعلى
رسوله ص وعلى الأئمة ع. والارتماس في الماء والحقنة والتعمد
للقئ والسعوط وبلع ما لا يؤكل كالحصى وغيره. قال وقال قوم: إن ذلك ينقض الصوم وإن لم
يبطله. قال: وهو الأشبه وقالوا: في تعمد الحقنة وما تيقن وصوله إلى الجوف من السعوط وفي
تعمد القئ وبلع الحصى أنه يوجب القضاء من غير كفارة. وقد روي: أن من أجنب في ليل
شهر رمضان وتعمد البقاء إلى الصباح من غير اغتسال كان عليه القضاء والكفارة. وروي:
275

أن عليه القضاء دون الكفارة ولا خلاف أنه لا شئ عليه إذا لم يتعمد ذلك وغلبه النوم إلى أن
يصبح. ومن ظن أن الشمس قد غربت فأفطر وظهر فيما بعد طلوعها فعليه القضاء خاصة.
ومن تمضمض للطهارة فوصل الماء إلى جوفه فلا شئ عليه وإن فعل ذلك متبردا كان عليه القضاء
خاصة. هذا آخر قول السيد المرتضى رضي الله عنه أوردته على وجهه، والذي يقوى في نفسي
وأفتي به وأعتقد صحته ما ذهب إليه المرتضى إلا ما أستثنيه لأن الأصل براءة الذمة. فمن علق
عليها شيئا يحتاج إلى دليل شرعي. وشيخنا أبو جعفر رحمه الله رجع عما قال وذهب إليه في
الارتماس، وقال في الاستبصار: لأنه لا يمتنع أن يكون الفعل محظورا لا يجوز ارتكابه وإن لم
يوجب القضاء والكفارة. ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما
على من ارتمس في الماء هذا قول الشيخ أبي جعفر في الاستبصار. وقال في مبسوطه في وجوب
القضاء والكفارة: والارتماس في الماء على أظهر الروايات وفي أصحابنا من قال: إنه لا يفطر.
قال محمد بن إدريس رحمه الله ينبغي للعاقل أن يتعجب من اختلاف قوليه اللذين ذكرهما
في كتابيه الاستبصار والمبسوط فإنه قال في استبصاره: ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء
والكفارة أو إيجاب أحدهما، ثم قال في مبسوطه: يجب القضاء والكفارة على أظهر الروايات
فإذا لم يعرف حديثا بها أي روايات تبقى حتى تكون ظاهرة وهذا فيه مع الفكر والإنصاف
وترك التقليد وحسن الرأي بالرجال ما فيه والله المستعان والمعصوم من عصمه الله فإذا لم
يجد حديثا ولا ورد به خبر والإجماع من الفرقة غير حاصل بل هي مسألة خلاف بينهم فما
بقي لوجوب الكفارة والقضاء دليل يعتمد عليه ولا شئ يستند إليه بل بقي الأصل براءة
الذمة من أن يعلق عليها شئ إلا بدليل شرعي ولا دليل شرعي على ذلك لأن ما تعرف به
المسائل الشرعية أربع طرق: أما كتاب الله تعالى أو السنة المتواترة أو الاجماع أو دليل العقل،
فإذا فقدنا الثلاث بقي الرابع وهو دليل العقل.
وأما الكذب على الله سبحانه وعلى رسوله والأئمة ع متعمدا.
فقد قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: وفي أصحابنا من قال: إن ذلك لا يفطر وإنما ينقض.
وقال في مبسوطه: والارتماس في الماء على أظهر الروايات. وفي أصحابنا من قال: لا يفطر مع ما
قال في استبصاره من أنه ما وجدت به حديثا، وفي هذا تناقض ظاهر وقول غير واضح.
276

فأما غبار النفض فالذي يقوى في نفسي أنه يوجب القضاء دون الكفارة إذا تعمد
الكون في تلك البقعة من غير ضرورة فأما إذا كان مضطرا إلى الكون في تلك البقعة ويحفظ
ويحتاط في التحفظ فلا شئ عليه من قضاء وغيره لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة وبين
أصحابنا في ذلك خلاف والقضاء مجمع عليه.
فأما المقام على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر فالأقوى عندي وجوب القضاء
والكفارة للإجماع على ذلك من الفرقة ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف في ذلك وكذلك يقوى في
نفسي القضاء والكفارة على من ازدرد شيئا يقصد به إفساد الصوم سواء كان مطعوما
معتادا مثل الخبز واللحم أو لا يكون معتادا مثل التراب والحجر والحصى والخرق والبرد
وغير ذلك لأنه إجماع من الفرقة.
ومن ظن أن الشمس قد غابت لعارض يعرض في السماء من ظلمة أو قتام ولم يغلب
على ظنه ذلك ثم تبين الشمس بعد ذلك فالواجب عليه القضاء دون الكفارة، فإن كان مع
ظنه غلبة قوية فلا شئ عليه من قضاء ولا كفارة لأن ذلك فرضه لأن الدليل قد فقده فصار
تكليفه في عبادته غلبة ظنه، فإن أفطر لا عن أمارة ولا ظن فيجب عليه القضاء والكفارة.
ومن تمضمض للتبرد فوصل الماء إلى جوفه فعليه القضاء دون الكفارة للإجماع على
ذلك.
فقد اختلف في ذلك، من أصحابنا من يوجب القضاء فحسب ومنهم من لا يوجبه وهو الذي
أراه وأفتى به لأن الأصل براءة الذمة والإجماع فغير حاصل عليه،
وكذلك تعمد القئ والسعوط وتقطير الدهن في الأذن، ومن طعن بطنه فوصل السنان إلى
جوفه.
والكفارة اللازمة عتق رقبة مؤمنة.
وبعض أصحابنا لا يعتبر الإيمان في الرقبة إلا في قتل الخطأ فحسب والصحيح من المذهب
اعتبار الإيمان في الرقاب في جميع الكفارات. فإن قيل: فما قيد بالإيمان إلا في كفارة قتل
الخطأ؟ قلنا: فقد قال سبحانه: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، والعتق من جملة الانفاق
والكافر خبيث بغير خلاف فقد نهانا عن إنفاقه الذي هو إعتاقه والنهي يدل على فساد
277

المنهي عنه شرعا بغير خلاف بيننا، وهذا مذهب السيد المرتضى وغيره من أصحابنا. وشيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله لا يعتبر الإيمان إلا في كفارة قتل الخطأ وما قدمناه واخترناه أظهر
وإبراء للذمم وفيه الاحتياط لأنه إذا أعتق مؤمنة فبالإجماع قد برأت ذمته مما تعلق عليها
ولا إجماع إذا خالف ذلك.
أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد.
على الصحيح من المذهب لأن الأصل براءة الذمة مما زاد على المد. وذهب بعض أصحابنا إلى
المدين، ولا يجزئ اخراج القيم في الكفارات ويجوز اخراج القيم في الزكوات عندنا
ومستحقها هو مستحق زكاة الأموال.
أو صيام شهرين متتابعين.
واختلف أصحابنا، منهم من قال: إن هذه الكفارة مرتبة ومنهم من قال: إنها مخير فيها، وهو
الأقوى والأظهر.
فمن لم يقدر على أحد ما ذكرناه فليصم ثمانية عشر يوما،
وذهب بعض أصحابنا وهو السيد المرتضى إلى أن الثمانية عشر يوما متتابعات.
فإن لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع.
وأما المندوب مما يقع الإمساك عنه فإنشاد الشعر وما يجري مجرى ذلك مما نبينه في
موضعه إن شاء الله وصوم شهر رمضان يلزم صيامه سائر المكلفين من الرجال والنساء
والعبيد والأحرار إلا من لم يطقه لمرض أو عجز من كبر أو غيره والحائض والنفساء والمسافر
سفرا مخصوصا عندنا.
والذين يجب عليهم الصيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمدا من غير عذر
أباحه ذلك وجب عليه القضاء والكفارة أو القضاء لصاحب العذر، ومنهم من لا يجب عليه
ذلك فالذين يجب عليهم ذلك كل من كان ظاهره ظاهر الاسلام، والذين لا يجب عليهم ذلك
هم الكفار من سائر أصناف من خالف الاسلام.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: فإنه وإن كان الصوم واجبا عليهم فإنما
يجب بشرط الاسلام. قال محمد بن إدريس رحمه الله: إن أراد بقوله: فإنما يجب بشرط الاسلام،
278

الصيام فغير واضح لأن عندنا العبادات أجمع واجبة على الكفار، وإن أراد بقوله: فإنما يجب
بشرط الاسلام، القضاء والكفارة فصحيح لأن القضاء فرض ثان والكفارة. وقول الرسول
ع: الاسلام يجب ما قبله يسقطهما. والأصل أيضا براءة الذمة وشغلها يحتاج
إلى دليل.
فأما الأداء فلا يصح منهم لشئ يرجع إليهم لأنه في مقدورهم على ما بيناه فيما
أسلفناه.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: إذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة فإن أولج ولم
ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن يقتضي المذهب أن عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه، فأما
الكفارة فلا تلزمه لأن الأصل براءة الذمة وليس في وجوبها دلالة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب: لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي
دفع به الكفارة به يدفع القضاء مع قوله لا نص لأصحابنا فيه وإذا لم يكن نص مع قولهم عليهم
السلام: أسكتوا عما سكت الله عنه، فقد كلفه القضاء بغير دليل وأي مذهب لنا يقتضي
وجوب القضاء بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة
والخبر المجمع عليه.
باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت
الإفطار:
علامة الشهور رؤية الأهلة مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال وجب
عليك الصوم سواء ردت شهادتك أو لم ترد شهد معك غيرك أو لم يشهد. فإن خفي عليك
وشهد عندك من قامت الدلالة على صدقه وجب أيضا عليك الصوم، وكذلك إن تواتر
الخبر برؤيته وشاع ذلك وجب أيضا الصوم، وكذلك إن شهد برؤيته شاهدان عدلان
وجب عليك الصوم، سواء كانت السماء مصحية أو فيها علة أو كان من خارج البلد أو
داخله وعلى كل حال.
279

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته إلى أن قال: فإن كان في السماء علة ولم يره
جميع أهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب أيضا الصوم، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد واثنان
بل يلزم فرضه لمن رآه حسب وليس على غيره شئ، ومتى كان في السماء علة ولم ير في البلد
الهلال أصلا ورآه خارج البلد شاهدان عدلان وجب أيضا الصوم، وإن لم يكن هناك علة
وطلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنهم رأوه. قال
محمد بن إدريس رحمه الله: والأول هو الصحيح والأظهر بين الطائفة والذي يدل عليه أصول
المذهب لأن الأحكام في الشريعة جميعها موقوفة على شهادة الشاهدين العدلين إلا ما خرج
بالدليل من حد الزنى واللواط والسحق، والأيدي تقطع بشهادة الشاهدين وتستباح الفروج
وتعتق الرقاب وتقتل الأنفس وتستباح الأموال وغير ذلك ويحكم بالكفر والإيمان، وهو مذهب
السيد المرتضى رضي الله عنه ذكره في جمل العلم والعمل، ومذهب شيخنا المفيد محمد بن
محمد النعمان ذكره في المقنعة وهي رأس تصنيفه في الفقه وجميع أصحابنا إلا من شذ وقلد كتابا
يجده أو خبر واحد يعتمده، وقد بينا أنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد لأنها لا تثمر علما
ولا عملا والعمل بها خلاف مذهب أهل البيت ع، ومذهب شيخنا أبي جعفر
الطوسي رحمه الله في مسائل خلافه وفي جمله وعقوده لأنه قال في الجمل والعقود: وعلامة دخوله
رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته فأطلق كلامه وقال: البينة والإطلاق يرجع إلى المعهود
الشرعي والبينة في الشريعة المعهودة هي شهادة الشاهدين إلا ما خرج الدليل والكلام يرد
ويحمل على الشامل العام دون النادر الشاذ. فأما قوله في مسائل خلافه فمفصل غير مجمل
قال مسألة: علامة شهر رمضان ووجوب صومه أحد شيئين إما رؤية الهلال أو شهادة
شاهدين، ثم قال: دليلنا الأخبار المتواترة عن النبي وعن الأئمة ع ذكرناها في
تهذيب الأحكام وبينا القول فيما يعارضها من شواذ الأخبار فجعل عمدة الدليل الأخبار
المتواترة ولم يلتفت إلى أخبار الآحاد فدل على أن الأخبار بشهادة الشاهدين متواترة وليس
هي بشهادة الخمسين كذلك، وإنما أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا على ما اعتذرنا له من قبل
لأن هذا الكتاب أعني كتاب النهاية أورد فيه ألفاظ الأحاديث المتواترة والآحاد وإنما هي رواية
شاذة ومن أخبار الآحاد الضعيفة عن يونس بن عبد الرحمن عن حبيب الجماعي ويونس بن
280

عبد الرحمن قد وردت أخبار عن الرضا ع بذمه ومع هذا فإنه واحد وقد بينا أن
أخبار الآحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها عند أصحابنا المحصلين والخلاف بين أصحابنا
الشاذ منهم إنما هو في هلال رمضان، فأما غيره من الشهور فلا خلاف بينهم في أنه يثبت بشهادة
الشاهدين على كل حال. قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف مسألة:
لا يقبل في هلال شوال إلا شاهدان وبه قال جميع الفقهاء. وقال أبو ثور: يثبت بشاهد واحد دليلنا
الاجماع. فإن خلاف أبي ثور لا يعتد به ومع ذلك انقرض خلافه وسبقه الاجماع وأيضا بشهادة
الشاهدين يجوز الإفطار بلا خلاف هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله. وذكر في مسائل
الخلاف مسألة لا توافق ما ذكره في نهايته ولا توافق مذهب أصحابنا ولا المسألة التي حكيناها
عنه قبل هذا: من أن علامة شهر رمضان ووجوب صومه أحد شيئين: إما رؤية الهلال
أو شهادة شاهدين، فقال مسألة: لا يقبل في رؤية هلال رمضان إلا بشهادة شاهدين فأما
الواحد فلا يقبل فيه هذا مع الغيم فأما مع الصحو فلا يقبل إلا شهادة خمسين قسامة أو اثنين
من خارج البلد فقبل الشاهدين وعمل بشهادتهما مع الغيم ومع الصحو أيضا عمل
بشهادتهما إذا كانا من خارج البلد، فأما إذا كان من داخل البلد مع الصحو فلا تقبل
إلا شهادة الخمسين قسامة. وفي نهايته: مع الصحو لا تقبل إلا شهادة الخمسين سواء كانوا
من خارج البلد أو داخله. ومع الغيم إذا كانوا من داخل البلد أيضا لا تقبل إلا شهادة
الخمسين فأما من خارجه مع الغيم فتقبل شهادة الشاهدين، وهذا يدل على اضطراب
الفتوى والقول عنده رحمه الله في المسألة وفي اختلاف أقواله فيها ما فيه فلينصف من يقف
على قولي هذا ويطرح التقليد جانبا وذكر القديم والمتقدم. ثم قال رحمه الله في دليل المسألة:
دليلنا إجماع الفرقة والأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما وأيضا فلا خلاف أن
شاهدين يقبلان فدل رحمه الله بإجماع الفرقة وأراد على الشاهدين لا على الخمسين بدلالة
قوله وأيضا فلا خلاف أن شاهدين يقبلان. وأيضا فكتابه كتاب الاستبصار عمله لما اختلف
فيه من الأخبار بحيث يتوسط ويلائم بين الأخبار وما أورد فيه أخبار الخمسين ولا ذكرها رأسا
بل أورد أخبار الشاهدين وقواها واعتمد عليها ورد على من خالفها من العدد والحساب
والجدول وغير ذلك فدل على أنه رحمه الله غير قائل بالخمسين.
281

قال محمد بن إدريس رحمه الله: فإن فقد المكلف للصيام جميع الدلائل التي قدمناها
عد من الشهر الماضي ثلاثين يوما وصام بعد ذلك بنية الفرض، فإن ثبت بعد ذلك ببينة
عادلة أنه كان قد رئي الهلال قبله بيوم قضيت يوما بدله.
والأفضل أن يصوم الانسان يوم الشك على أنه من شعبان، فإن قامت له البينة بعد
ذلك أنه كان من رمضان فقد وفق له وأجزأه عنه ولم يكن عليه قضاء وإن لم يصمه فليس
عليه شئ، ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنه من شهر رمضان ولا أن يصومه وهو
شاك فيه لا ينوي به صيام يوم غير رمضان فإن صام على هذا الوجه ثم انكشف له أنه كان
من شهر رمضان لم يجزئ عنه وكان عليه القضاء لأنه منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي
عنه.
والنية واجبة على ما قدمنا القول فيه وأسلفناه وشرحناه، ويكفي في نية صيام الشهر
كله أن ينوي في أول الشهر ويعزم على أن يصوم الشهر كله فإن جدد النية كل يوم على
الاستئناف كان أفضل، وإن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر وذكر قبل الزوال
جدد النية وقد أجزأه، وإن كان الذكر بعد الزوال فإنه يجب عليه قضاء ذلك اليوم.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: وذكر في بعض النهار جدد النية وقد
أجزأه، وهذا غير واضح لأن بعد الزوال بعض النهار فلا بد من تقييد البعض ولا يجوز إطلاقه
من غير تقييد.
ومن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر فتوخى شهرا فصامه فوافق ذلك
شهر رمضان أو كان بعده فقد أجزأه عن الفرض، وإن انكشف له أنه كان قد صام قبل
شهر رمضان وجب عليه استئناف الصوم وقضاؤه.
والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب هو طلوع الفجر
المعترض الذي يجب عنده الصلاة وقد بيناه في كتاب الصلاة وأوضحناه ومحلل الأكل
والشرب إلى ذلك الوقت، فأما الجماع فإنه محلل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكن الانسان من
الاغتسال، فإن غلب على ظنه وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل لم يحل له ذلك، فإن
غلب على ظنه خلاف ذلك ثم واقع أهله وطلع الفجر وهو مخالط لأهله فالواجب عليه
282

النزوع، فإن تحرك حركة تعينه على الدخول والجماع فإنه يجب عليه القضاء والكفارة.
ووقت الإفطار سقوط القرص وعلامته ما قدمناه من زوال الشفق الذي هو الحمرة من
ناحية المشرق وهو الوقت الذي يجب فيه الصلاة، والأفضل أن لا يفطر الانسان إلا بعد
صلاة المغرب، فإن لم يستطع الصبر على ذلك صلى الفرض وأفطر ثم عاد فيصلي نوافله
فإن لم يمكنه ذلك أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه قدم الإفطار إذا كان في أول الوقت
فإنه أفضل والحال ما وصفناه، فإن خاف فوات الفريضة فالواجب عليه الإتيان بالصلاة
لا يجوز له غيره.
باب ما يجب على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسد والفرق بين ما يلزم
بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم من القضاء دون الكفارة:
قد ذكرنا طرفا من ذلك وجملة مقنعة في باب حقيقة الصوم وقسمنا أقساما وذكرنا
اختلاف أصحابنا فيما يوجب القضاء والكفارة وما يوجب القضاء دون الكفارة، ودللنا على
الصحيح من ذلك وبيناه وأوضحناه، ونحن الآن ذاكرون ما جانس ذلك مما لم نذكره هناك
على الاستيفاء والبيان.
متى وطئ الانسان زوجته نهارا في شهر رمضان كان عليها القضاء والكفارة إن كانت
طاوعته على ذلك، وإن كان أكرهها لم يكن عليها شئ وكان عليه كفارتان وقضاء واحد
عن نفسه فحسب لأن صومها صحيح، فإن كانت أمته والحال ما وصفناه فلا يلزمه غير كفارة
واحدة وحملها على الزوجة قياس لا نقول به في الأحكام الشرعية وكذلك إن كان يزني بها،
وجميع ما ذكرناه في ذلك الباب متى فعله الانسان ناسيا أو ساهيا أو جاهلا غير عالم بالحكم لم
يكن عليه شئ، ومتى فعله متعمدا وجب عليه ما قدمناه وكان على الإمام أن يعزره
بحسب ما يراه، فإن تعمد الإفطار ثلاث مرات يرفع فيها إلى الإمام، فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه
قتله في الثالثة وإن لم يكن عالما لم يكن عليه شئ.
ويكره للصائم الكحل إذا كان فيه مسك أو شئ من الصبر، فإن لم يكن فيه ذلك لم
283

يكن به بأس، ولا بأس أن يحتجم ويفتصد إذا احتاج إلى ذلك ما لم يخف الضعف، فإن خاف
ذلك كره له فعله إلا عند الضرورة الداعية إليه، ويكره له تقطير الدهن في أذنه إلا عند
الحاجة إليه، ويكره له أن يبل الثوب على جسده، ولا بأس أن يستنقع في الماء إلى عنقه
ولا يرتمس فيه فإنه محظور لا يجوز حسب ما قدمناه، ولا يمتنع أن يكون الفعل محظورا وإن لم
يجب فيه القضاء والكفارة. ويكره الاستنقاع في الماء للنساء،
على الصحيح من الأقوال وإن كان بعض أصحابنا قد ذهب إلى حظره ولزوم الكفارة
والقضاء وهو ابن البراج والأظهر ما قدمناه، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل
ولا دليل من إجماع وغيره على ذلك.
ويكره للصائم السعوط وكذلك الحقنة بالجامدات.
ولا يجوز الاحتقان بالمائعات فإن فعل ذلك كان مخطا مأثوما ولا يجب عليه القضاء،
وهو مذهب المرتضى وشيخنا أبي جعفر الطوسي رضي الله عنهما في الاستبصار وفي نهايته
وهو الصحيح وإن كان قد ذهب إلى وجوب القضاء في الجمل والعقود.
ولا يجوز له أن يتقيأ متعمدا، فإن فعل ذلك كان مخطا ولا يجب عليه القضاء،
على الصحيح من المذهب وهو قول السيد المرتضى وغيره من أصحابنا وإن كان قد ذهب إلى
وجوب القضاء قوم من جملتهم شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله، وإنما اخترنا ما ذكرناه، لأن
الاجماع غير حاصل في المسألة فما بقي معنا إلا دليل الأصل وهو براءة الذمة.
فإن ذرعه القئ بالذال المعجمة لم يكن عليه شئ وليبصق ما يحصل في فيه، فإن
بلعه متعمدا بعد خروجه من حلقه قاصدا إفساد صومه وأكله فإنه يجب عليه القضاء
والكفارة، لأنه قد أكل أو ازدرد متعمدا في نهار صيامه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: عليه القضاء ولم يذكر الكفارة وليس هذا
دليلا على أنه لا يوجبها عليه لأن تركه لذكرها لا يدل على أنه غير قابل بأنها واجبة عليه.
وقال ابن بابويه في رسالته: لا ينقض الرعاف ولا القلس ولا القئ إلا أن يتقيأ متعمدا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: القلس بفتح القاف واللام والسين غير المعجمة ما خرج من
الحلق مل ء الفم أو دونه وليس بقئ فإن عاد فهو القئ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب
284

الصحاح عن الخليل. وقال اليزيدي: القلس خروج الطعام أو الشراب إلى الفم من البطن
أعاده صاحبه أو ألقاه وهذا أقوى مما قال الجوهري. وقال ابن فارس في المجمل: القلس
القئ قلس إذا قاء فهو قالس والقلس بفتح القاف وسكون اللام مصدر قلس قلسا إذا قاء.
قال ابن دريد: القلس من الحبال ما أدري ما صحته. وقال الجوهري: القلس حبل عظيم من
ليف أو خوص من قلوس السفن فهذا جملة ما قيل في القاف واللام والسين.
ويكره دخول الحمام إذا خاف الضعف فإن لم يخف فليس بمكروه، ولا بأس بالسواك -
بكسر السين - للصائم بالرطب منه واليابس، فإن كان يابسا فلا بأس أن يبله أيضا بالماء
وليحفظ نفسه من ابتلاع ما يحصل في فيه من رطوبته، ويكره شم النرجس وغيره من
الرياحين وليس كراهية شم النرجس مثل الرياحين بل هي آكد، ولا بأس أن يدهن
بالأدهان الطيبة وغير الطيبة، ويكره له شم المسك وما يجري مجراه، ولا بأس بالكحل ما لم
يكن ممسكا أو حادا مثل الذرور أو فيه شئ من الصبر بكسر الباء.
قال ابن بابويه في رسالته: ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسكا، وقد روي فيه رخصة لأنه يخرج
على عكرة لسانه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: العكدة بالعين غير المعجمة المفتوحة والكاف المفتوح والدال
غير المعجمة المفتوحة وهي أصل اللسان، والعكرة بالراء أيضا ففي بعض النسخ العكدة
بالدال وفي بعضها بالراء وكلاهما صحيحان.
ويكره للصائم أيضا القبلة وكذلك مباشرة النساء وملاعبتهن، فإن باشرهن بما دون
الجماع أو لاعبهن بشهوة فأمذى لم يكن عليه شئ، فإن أمنى كان عليه ما على المجامع، فإن
أمنى من غير ملامسة بل لسماع كلام أو نظر لم يكن عليه شئ ولا يعود إلى ذلك.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه إن نظر إلى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى كان عليه القضاء
دون الكفارة. والصحيح أنه لا قضاء عليه لأنه لا دليل على ذلك والأصل براءة الذمة.
ولا بأس بالصائم أن يزق الطائر والطباخ أن يذوق المرق والمرأة أن تمضغ الطعام
للصبي ولا تبلع شيئا من ذلك. ولا ينبغي للصائم مضغ العلك وكل ماله طعم، وقال بعض
285

أصحابنا: عليه القضاء، والأظهر أن لا قضاء عليه،
ولا بأس به أن يمص ما ليس له طعم مثل الخرز والخاتم وما أشبه ذلك.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: من جامع في نهار رمضان متعمدا من غير عذر
وجب القضاء والكفارة ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة، ثم استشهد بأخبار من جملتها ما رواه
أبو هريرة، قال: أتى رجل النبي ع فقال: هلكت. فقال: ما شأنك؟. قال: وقعت على
امرأتي في رمضان. فقال: تجد ما تعتق رقبة قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين
متتابعين؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا قال: اجلس. فأتى
النبي ع بعرق فيه تمر فقال: تصدق به. قال محمد بن إدريس رحمه الله: العرق بالعين
غير المعجمة المفتوحة والراء غير المعجمة المفتوحة والقاف الزنبيل قد ذكره الهروي في غريب
الحديث، وأهل اللغة في باب العين والراء والقاف، وسمعت بعض أصحابنا صحف الكلمة
فقال: العذق بالذال المعجمة فالعذق بكسر العين والذال المسكنة الكباسة، وهي العرجون
بما فيه من الشماريخ، وبفتح العين النخلة، نفسها فليلحظ ذلك فالغرض التنبيه لئلا تصحف
الكلمة.
باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام وغير ذلك:
شروط السفر الذي يوجب الإفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة
والصفة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها، فإن
تكلف المسافر الصوم مع العلم بسقوطه عنه حرج وأثم ووجب عليه القضاء على كل
حال وإن لم يكن عالما به كان صومه ماضيا.
ويكره للإنسان السفر في شهر رمضان إلا عند الضرورة الداعية له إلى ذلك من حج
أو عمرة أو الخوف من تلف مال أو هلاك أخ أو ما يجري مجراه أو زيارة بعض المشاهد المقدسة،
فإذا مضى ثلاثة وعشرون يوما من الشهر جاز له الخروج إلى حيث شاء ولم يكن سفره
مكروها، ومتى كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع فيه من يومه لم يجز له الإفطار ويجب
عليه الصيام وكذلك يجب عليه إتمام الصلاة.
286

وقد وردت رواية شاذة بأنه يكون مخيرا بين إتمام الصلاة وبين قصرها وهو الذي أورده
شيخنا أبو جعفر في نهايته. وذهب شيخنا المفيد إلى التخيير في الصلاة والصوم والأول هو
المعتمد وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب الصلاة.
وإذا خرج الانسان إلى السفر بعد طلوع الفجر أي وقت كان من النهار وكان قد بيت
نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار بغير خلاف بين أصحابنا، وإن لم يكن قد بيت نيته
من الليل للسفر ثم خرج بعد طلوع الفجر،
فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك، فذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: إلى أنه يجب عليه
إتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاؤه فإن أفطر فيه وجب عليه القضاء والكفارة ويستدل بقوله
تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، والذي يقال في ذلك: إن هذا خطاب لمن يجب عليه الصيام
ومكلف به في جميع يومه ويخرج المسافر من تلك الآية قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا
أو على سفر فعدة من أيام أخر، وأيضا فالحائض في وسط النهار يجب عليها أن تعتقد أنها
مفطرة بغير خلاف وخرجت من الآية وما وجب عليها الإتمام، وكذلك من بيت نيته للسفر من
الليل هو قبل خروجه من منزله وقبل أن يغيب عنه أذان مصره مخاطب بالصيام مكلف به
لا يجوز له الإفطار فإذا توارى عنه الأذان يجب عليه الإفطار، وما وجب عليه الإتمام للصيام الذي
كان واجبا عليه الإمساك والصيام قبل خروجه، وبالإجماع يجب عليه الإفطار ولم يجب عليه
الإتمام فقد أخرج من عموم الآية المستدل بها وخصص فإذا ساع له التخصيص ساغ
لخصمه ذلك وبطل استدلاله بالعموم لأنه المستدل به وما سلم له وكل من استدل بعموم
ولم يسلم له وخصصه ساع لخصمه تخصيصه لأنه ما هو أولى بالتخصيص من خصمه
ويبطل استدلاله بالعموم.
وذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله إلى أنه: متى خرج إلى السفر قبل
الزوال فإنه يجب عليه الإفطار فإن صامه لا يجزئه صيامه ووجب عليه القضاء، وإلى هذا القول
أذهب وبه أفتى لأنه موافق لظاهر التنزيل والمتواتر من الأخبار. وقال ابن بابويه في رسالته:
يجب عليه الإفطار وإن خرج بعد العصر والزوال، وهذا القول عندي أوضح من جميع
ما قدمته من الأقوال، لأن أصحابنا مختلفون في ذلك وليس على المسألة والأقوال فيها إجماع منعقد
287

ولا أخبار مفصلة متواترة بالتفصيل والتخصيص. وإذا كان كذلك فالتمسك بالقرآن
أولى لأن هذا مسافر بلا خلاف ومخاطب بخطاب المسافرين من تقصير صلاة وغير ذلك.
وإذا خرج الرجل والمكلف بالصيام إلى السفر فلا يتناول شيئا من الطعام أو الشراب
أو غير ذلك من المفطرات إلى أن يغيب عنه أذان مصره، وقد روي: أو يتوارى عنه جدران
بلده، والاعتماد على الأذان المتوسط، ويكره أن يمتلئ من الطعام ويروى من الشراب وتزيد
الكراهة ويتأكد في قرب الجماع إلا عند الحاجة الشديدة إلى ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: ولا يجوز له أن يقرب الجماع وهذا اللفظ الذي هو
" لا يجوز " يحتمل تغليظ الكراهة ويحتمل الحظر. ولا دليل على الحظر لأنه غير مكلف بالصيام
وهو داخل في قوله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، وغير ذلك من الآيات
المقتضية للإباحة والشئ إذا كان شديد الكراهة عندهم قالوا: لا يجوز، وهذا شئ يعرف
بالقرائن والضمائم.
ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال،
وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته واستبصاره، ومذهب شيخنا المفيد
رحمه الله فإنه ذكر في مقنعته فقال: ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا، ثم قال: وقد روي
حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام وجاءت أخبار بكراهية ذلك منها أنه ليس من
البر الصيام في السفر وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن عمل على أكثر
الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه كان أولى
بالحق والله الموفق للصواب. هذا آخر كلام المفيد، وهذا القول هو الحق والصواب لأن
الأصل براءة الذمة من الواجب والمندوب. فمن ادعى تكليفا مندوبا أو واجبا فإنه يحتاج في
إثباته إلى دليل شرعي وإلا فالأصل عدم تكليف وهو أيضا مذهب جلة المشيخة الفقهاء من
أصحابنا المحصلين فإذا كان دليل الاجماع على المسألة مفقودا لأنهم يختلفون فيها، بقي أن
الأصل براءة الذمة من التكليف فمن شغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل.
وصيام الثلاثة الأيام في الحج واجب في السفر كما قال الله تعالى: فصيام ثلاثة أيام في
الحج، وقد وردت الرغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة.
288

ومن كان عليه صيام فريضة أو قضاء شهر رمضان أو كفارة قتل الخطأ أو غير ذلك من
وجوه الصيام المفروضة لم يجز له إن يصومه في السفر، فإن فعل في السفر شيئا يلزمه به
الصيام انتظر قدومه إلى بلده ولا يصوم في السفر، فإن نوى مقام عشرة أيام فصاعدا في
بلد غير بلده جاز له حينئذ الصيام.
وأما صيام النذر فإن كان الناذر قد نذر أن يصوم أياما بأعيانها أو يوما بعينه ووافق
ذلك اليوم أو الأيام أن يكون مسافرا وجب عليه الإفطار وكان عليه القضاء، وكذلك إن اتفق
أن يكون ذلك اليوم يوم عيد وجب عليه الإفطار ولا قضاء عليه على الصحيح من الأقوال،
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى وجوب القضاء في نهايته ورجع عنه في مبسوطه
لأن القضاء عما انعقد عليه النذر ويوم العيد لا يجوز نذره ولا ينعقد وهو مستثنى من الأيام. وإلى
ما اخترناه ذهب ابن البراج وغيره من أصحابنا، وما أورده شيخنا في نهايته خبر واحد
لا يوجب علما ولا عملا وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة عند أهل البيت
ع وإنما أورده إيرادا لا اعتقادا على ما ذكرناه من الاعتذار.
وإن كان الناذر نذر أن يصوم ذلك اليوم أو الأيام على كل حال مسافرا كان أو حاضرا
فإنه يجب عليه الصيام في حال السفر، ويجوز صيام الاعتكاف في حال السفر وكذلك صيام
الثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل غروب الشمس عامدا ولم يجد الجزور،
والمريض الذي لا يقدر على الصيام أو يضر به يجب عليه الإفطار ولا يجزئ عنه إن صامه بعد
تقدم علمه بوجوب الإفطار، فإن لم يتقدم له العلم بذلك ولا عرف الحكم فيه وصام فإن
صيامه صحيح ولا يجب عليه القضاء، فإن أفطر في أول النهار ثم صح فيما بقي منه أمسك
تأديبا وكان عليه القضاء، فإن لم يصح المريض ومات من مرضه الذي أفطر فيه يستحب
لولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من الصيام وليس ذلك بواجب عليه، فإن برئ
من مرضه ذلك ولم يقض ما فاته ثم مات وجب على وليه أن يقضي عنه، وكذلك إن كان قد
فاته شئ من الصيام في السفر ثم مات قبل أن يقضي وكان متمكنا من القضاء وجب على
وليه أن يصوم عنه، فإن فات المريض صوم شهر رمضان واستمر به المرض إلى رمضان
آخر ولم يصح فيما بينهما صام الحاضر وقضى الأول.
289

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: إلى أنه يتصدق عن الأول عن كل يوم بمدين من
طعام فإن لم يمكنه فبمد منه فإن لم يتمكن لم يكن عليه شئ وليس عليه قضاء. والأول يعضده
ظواهر التنزيل وهو قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر،
فأوجب على المريض القضاء فمن أسقطه يحتاج إلى دليل ولا إجماع معنا في المسألة، والقائل
بما ذهب إليه شيخنا قليل، فبقي ظاهر التنزيل فلا يجوز العدول عنه بغير دليل وإنما ورد به
أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
وذهب ابن بابويه في رسالته إلى أن الرجل إذا مرض وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه
إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل فعليه أن يصوم الذي دخل ويتصدق عن الأول عن
كل يوم بمدين من طعام وليس عليه القضاء إلا أن يكون صح فيما بين شهري رمضان فإن كان
كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام
الثاني قضى الأول بعده. فإن فاته شهرا رمضان حتى دخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن
يصوم الذي دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني. هذا آخر كلامه
ألا تراه قد أوجب عليه قضاء الثاني مع استمرار المرض.
وبالجملة أن المسألة فيها خلاف وليس على ترك القضاء إجماع منعقد فإن صح فيما بين
الرمضانين ولم يقض ما عليه وكان عزمه القضاء قبل رمضان الثاني ثم مرض صام الثاني
وقضى الأول وليس عليه كفارة، وإن أخر قضاءه بعد الصحة توانيا وجب عليه أن يصوم
الثاني ويتصدق عن الأول ويقضيه أيضا بعد ذلك وحكم ما زاد على رمضانين حكم رمضانين
على السواء، وكذلك لا يختلف الحكم في أن الذي فاته الشهر كله أو بعضه بل الحكم فيه
سواء،
هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته وجمله وعقوده إلا أنه لم يذكر في
مسألة من كان في عزمه القضاء قبل رمضان الثاني ثم مرض فرقا.
وقال محمد بن إدريس: وجه الفتوى في التواني والعزم على ما أورده رحمه الله أنه: إذا كان
عازما على أدائه وقضائه قبل تضيق أيامه وأوقاته ثم لما تضيق مرض في الزمان المضيق حتى
استهل رمضان الثاني فلا يجب عليه الكفارة، فأما إذا لم يمرض في زمان التضييق فإنه يجب
290

عليه الكفارة لأنه متوان ولا ينفعه عزمه لأنه فرض مضيق فلا يكون العزم بدلا منه، فافترق الأمر
بين المسألتين، وشئ آخر وهو أن العزم بدل من فعل الواجب الموسع فإذا تركه فقد أخل
بالواجب الذي هو العزم فيجب عليه الكفارة لأجل تركه الواجب الذي هو العزم.
فأما إذا عزم وضاق الوقت وترك الصوم فقد توانى فيه فيجب عليه الكفارة لأنه صار واجبا
مضيقا فما بقي يفيده العزم، فأما إذا عزم وضاق الوقت ومرض فلا تجب الكفارة لأنه ما أخل
بالواجب الذي هو العزم، فأما إذا لم يعزم ومرض في الزمان الذي قد تضيق عليه فيجب أيضا
عليه الكفارة لإخلاله بالواجب الذي هو العزم، فهذا يمكن أن يكون وجه الفتيا على ما أورده
شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله. والذي اعتقده وأفتى به سقوط الكفارة عن من أوجبها
عليه لأن الأصل براءة الذمة من العبادات والتكاليف وإخراج الأموال إلا بالدليل الشرعي
القاطع للأعذار، والقرآن خال عن هذه الكفارة والسنة المتواترة خالية أيضا والإجماع غير
منعقد على وجوب هذه الكفارة، لأن أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ولا يوردونها في كتبهم
مثل الفقيه سلار والسيد المرتضى وغيرهما، ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة إلا شيخنا
المفيد محمد بن محمد النعمان في الجزء الثاني من مقنعته ولم يذكرها في كتاب الصيام فيها ولا في
غيرها من كتبه وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله ومن تابعهما وقلد كتبهما. ويتعلق بأخبار
الآحاد التي ليست عند أهل البيت ع حجة على ما شرحناه فلم يبق في المسألة
إلا لزوم دليل الأصل وهو براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل له
على ذلك.
والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات تصدق عنه عن شهر
ويقضي عنه وليه شهرا آخر،
هذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته، وقال في جمله وعقوده: كل صوم كان واجبا على
المريض بأحد الأسباب الموجبة له ثم مات تصدق عنه وليه وهذا أولى مما ذكره في نهايته.
وقال السيد المرتضى في انتصاره: يتصدق عنه لكل يوم بمد من طعام فإن لم يكن له مال صام
عنه وليه فإن كان له وليان فأكبرهما. وقال شيخنا المفيد في كتاب الأركان: يجب على وليه أن
يقضي عنه كل صيام فرط فيه من نذر أو كفارة أو قضاء رمضان. قال مصنف هذا الكتاب:
291

والذي أقوله في ذلك إن هذين الشهرين إن كانا نذرا وقدر على الإتيان بهما فلم يفعل
فالواجب على وليه وهو أكبر أولاده الذكور الصيام للشهرين ويكون تكليفه ذلك لا يجزئه
غيره وإن كان عليه كفارة مخيرة فيها فإنه مخير في أن يصوم شهرين أو يكفر من ماله قبل
قسمة تركته أعني الولي ولا يتعين عليه الصيام ولا يجزئه إلا أن يفعل من الكفارة جنسا
واحدا إما صياما أو إطعاما هذا إذا كانت الكفارة مخيرا فيها فليتأمل ما قلناه من فقه المسألة.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي: والمرأة أيضا حكمها ما ذكرناه في أن ما يفوتها من الصيام
بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن تكون قد تمكنت من القضاء فلم تقضه
فإنه يجب القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسب ما قدمناه في حكم الرجال هكذا أورده شيخنا
أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته. والصحيح من المذهب والأقوال أن إلحاق المرأة في هذا
الحكم بالرجال يحتاج إلى دليل وإنما إجماعنا منعقد على الوالد بتحمل ولده الأكبر ما فرط فيه
من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد، وكذلك ما يفوته من صلاة مرضته التي توفي فيها يجب
على الولد الأكبر الذكر قضاء ذلك عنه، فأما ما فاته من الصلوات في زمانه كله سواء كان
صحيحا أو مريضا لا يجب على الولد القضاء عنه إلا ما فاته في مرضته التي مات فيها على
ما بيناه، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وإنما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا وأورده في جمله
وعقوده فقال: فإن برئ المريض وجب عليه القضاء وإن لم يقض ومات وجب على وليه
القضاء والولي هو أكبر أولاده الذكور فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء
بالحصص. قال: أو يقوم به بعضهم فيسقط عن الباقين، وهذا غير واضح لأن هذا تكليف كل
واحد بعينه وليس هو من فروض الكفايات بل من فروض الأعيان، فإذا صام واحد منهم
ما يجب على جميعهم لم تبرأ إلا ذمة من صام ما وجب عليه فحسب وذمم الباقين مرتهنة حتى
يصوموا ما تعين عليهم ووجب في ذمة كل واحد بانفراده والذي تقتضيه الأدلة ويجب
تحصيله في هذه الفتيا أنه لا يجب على واحد منهم قضاء ذلك لأن الأصل براءة الذمة والإجماع
غير منعقد على ذلك، والقائل بهذا شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله والموافق له من أصحابنا
المصنفين قليل جدا. السيد المرتضى لم يتعرض لذلك وكذلك شيخنا المفيد محمد بن محمد بن
النعمان وغيرهما من المشيخة الجلة، وإنما أجمعنا على تكليف الولد الأكبر وليس هاهنا ولد أكبر،
292

والتعليل غير قائم هاهنا من استحقاقهم السيف والمصحف وثياب البدن فجميع ما قيل
وورد في عين مسألة الولد الأكبر لم يصح في الجماعة
وحد المرض الذي يجب معه الإفطار إذا علم الانسان من حال نفسه أنه إن صام زاد
ذلك في مرضه أو أضر به والإنسان على نفسه بصيرة، وسواء الحكم أن يكون المرض في
الجسم أو يكون رمدا أو وجع الأضراس فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من
الضرر.
والعاجز عن الصيام على ثلاثة أضرب:
الأول: لا يجب عليه قضاء ولا كفارة وهو الشيخ الهم والشيخة كذلك اللذان لو تكلفا
الصوم بمشقة لما أطاقاه.
الثاني: يكفر ولا قضاء عليه وهو الشيخ الذي إذا لو تكلفه أطاقه لكن بمشقة شديدة
يخشى المرض فيها والضرر العظيم فإن له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام، وكذلك
الشاب إذا كان به العطاش الذي لا يرجى شفاؤه، فإن كان العطاش عارضا يتوقع زواله
ويرجى برؤه أفطر ولا كفارة عليه فإذا برئ وجب عليه القضاء.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: يجب على هذا الذي يرجى برؤه ويتوقع زواله
القضاء والكفارة، وهذا القول غير واضح لأنه بخلاف القرآن وإجماع الطائفة وما اخترناه
مذهب السيد المرتضى وشيخنا المفيد رضي الله عنهما وهو الصحيح لأن هذا مريض والمريض
بالإجماع يجب عليه الإفطار فإذا برئ يجب عليه القضاء من غير كفارة بغير خلاف في ذلك
فمن أوجب الكفارة هاهنا يحتاج إلى دليل.
والثالث: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا على ولدهما من الصوم
الضرر أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام وتقضيان ذلك اليوم،
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى: أنه لا قضاء عليهما، وهو الفقيه سلار. والأول هو الأظهر الذي
يقتضيه أصول المذهب ويشهد بصحته ظاهر القرآن.
وكل هؤلاء الذين ذكرناهم وأنهم يجوز لهم الإفطار فليس لهم أن يأكلوا شبعا من
الطعام ولا أن يشربوا ريا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النساء.
293

هكذا أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والصحيح أن ذلك مكروه شديد الكراهة دون أن يكون محرما
محظورا لأنا قد بينا فيما سلف أن الشئ إذا كان شديد الكراهة قالوا: لا يجوز،
فلفظة " لا يجوز " تحتمل الكراهة والحظر.
باب حكم من أسلم في شهر رمضان. ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله
والحائض إذا طهرت والمريض إذا برئ:
من أسلم في شهر رمضان وقد مضت منه أيام فليس عليه قضاء شئ مما فاته من الصيام وعليه
صيام ما يستأنف من الأيام، وحكم اليوم الذي يسلم فيه إن أسلم قبل طلوع الفجر كان
عليه صيام ذلك اليوم فإذا لم يصمه وكان عالما بوجوب الصيام كان عليه القضاء
والكفارة، وإن لم يكن عالما بوجوب الصيام عليه لم يكن عليه إلا القضاء فحسب، وإن
أسلم بعد طلوع الفجر لم يجب عليه صيام ذلك اليوم وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر
النهار ولا يجب عليه قضاء ذلك الصوم، وكذلك الغلام إذا احتلم والجارية إذا بلغت
أوان الحيض وهو تسع سنين على ما أسلفنا القول فيه.
والسيد المرتضى وشيخنا المفيد يقولان: والجارية إذا بلغت الحيض - يريدان بذلك إذا بلغت
أوان الحيض لأن الحائض يسقط عنها الصيام - فإنها ليست مكلفة بالصيام في أنهما يجب
عليهما صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغها وليس عليهما قضاء ما قد مضى مما لم يكونا بلغا فيه.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الأول من مسائل خلافه في كتاب الصلاة مسألة:
الصبي إذا دخل في الصلاة أو الصوم ثم بلغ في خلال الصلاة أو خلال الصوم بالنهار بما
لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات دون الاحتلام الذي يفسد الصلاة
ينظر فيه، فإن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها، وإن كان ماضيا لم يكن عليه شئ،
وأما الصوم فإنه يمسك فيه بقية النهار تأديبا وليس عليه قضاء، ثم استدل فقال: دليلنا على
وجوب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت أنه يخاطب بها بعد البلوغ، وإذا كان الوقت باقيا
294

وجب عليه فعلها وما فعله قبل البلوغ لم يكن واجبا عليه وإنما كان مندوبا إليه ولا يجزئ
المندوب عن الواجب. وأما الصوم فلا يجب عليه إعادته لأن أول النهار لم يكن مكلفا به
فيجب عليه العبادة وبقية النهار لا يصح صومه، ووجوب الإعادة عليه يحتاج إلى دليل،
والأصل براءة الذمة. ثم قال في هذا الجزء نفسه في كتاب الصيام مسألة: الصبي إذا بلغ
والكافر إذا أسلم والمريض إذا برئ وقد أفطروا أول النهار أمسكوا بقية النهار تأديبا،
ولا يجب ذلك بحال فإن كان الصبي نوى الصوم من أوله وجب عليه الإمساك، وإن كان
المريض نوى ذلك لم يصح لأن صوم المريض لا يصح عندنا. ثم استدل فقال: دليلنا إجماع
الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة ولا نوجب عليها شيئا إلا بدليل.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: المسألة التي ذكرها في كتاب الصلاة هي الصحيحة ودليلها
ما استدل به رحمه الله، فأما المسألة الأخيرة ووجوب الإمساك على الصبي إذا بلغ فلا دليل
على ذلك بل إجماع أصحابنا منعقد على خلافها وإنما يستحب له الإمساك، ولا يجب على
الصبي إذا بلغ في خلال الصوم الإمساك وإنما هذه من فروع المخالفين فلا يلتفت إليها
لأنها مخالفة لأصول مذهبنا.
والمسافر إذا قدم أهله وكان قد أفطر قبل قدومه. فلا فرق بين أن يصل قبل الزوال أو
بعد الزوال في أنه لا يجب عليه صيام ذلك اليوم بل يمسك تأديبا لا فرضا ووجوبا، فأما إذا لم
يكن قد تناول ما يفسد الصيام وقدم أهله، فإن كان قدومه قبل الزوال إلى مكان يسمع فيه
أذان مصره فالواجب عليه تجديد النية وصيام ذلك اليوم وجوبا لا مندوبا ويجزئه ولا يجب
عليه القضاء، فإن لم يصمه والحال ما وصفناه وأفطر فإنه يجب عليه القضاء والكفارة لأنه
أفطر متعمدا في زمان الصيام، وإن قدم إلى المكان الذي يسمع فيه أذان مصره بعد الزوال
فإنه يمسك تأديبا لا وجوبا وعليه قضاء ذلك اليوم.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والمسافر إذا قدم أهله وكان قد أفطر فعليه أن يمسك بقية
النهار تأديبا وكان عليه القضاء، فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصوم وجب عليه الإمساك
ولم يكن عليه القضاء. ولم يفصل ما فصلناه، ولا قال: بعد الزوال أو قبل الزوال، بل أطلق
ذلك ولم يقيده فعلى إطلاقه أنه إذا قدم بعد الزوال ولم يكن قد تناول ما يفسد الصيام يجب
295

عليه الإمساك ولا يجب عليه القضاء. وهذا بخلاف الاجماع وقد رجع عن هذا القول في
مبسوطه وفصل ما فصلناه وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه بين أصحابنا والأصل الذي
يقتضيه المذهب لأن بعد الزوال خرج محل النية وفات وقتها بغير خلاف على ما شرحنا فيما
مضى.
فإن طلع الفجر وهو بعد خارج البلد كان مخيرا بين الإمساك مما ينقض الصوم ويدخل
بلده ويتمم صومه ذلك اليوم وبين أن يفطر، فإذا دخل في بلده أمسك بقية نهاره تأديبا ثم
قضاه حسب ما قدمناه، والأفضل أنه إذا علم أنه يصل إلى بلده أن يمسك عما ينقض
الصيام، فإذا دخل بلده تمم صومه ولم يكن عليه قضاء.
والحائض إذا طهرت - يقال: بفتح الطاء والهاء وهو الأفصح وطهرت بفتح الطاء
وضم الهاء - في وسط النهار أمسكت بقيته تأديبا وكان عليها القضاء سواء كانت أفطرت
قبل ذلك أو لم تفطر ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصيام في أيام حيضها.
والمريض إذا برئ في وسط النهار أو قدر على الصوم وكان قد تناول ما يفسد الصوم
كان عليه الإمساك بقية نهاره تأديبا وعليه القضاء وإن لم يكن قد فعل شيئا مما يفسد
الصيام فحكمه حكم المسافر في اعتبار برئه قبل الزوال أو بعد الزوال، فإن كان قبل
الزوال وجب عليه تجديد النية والصيام وأجزأه صيامه ولا يجب عليه القضاء، فإن لم
يصمه والحال ما وصفناه وجب عليه القضاء والكفارة، وإن كان برؤه بعد الزوال أمسك
بقية نهاره تأديبا وعليه القضاء.
وشيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عند أورد المسألة في نهايته إيرادا غير واضح بل فيه إبهام
فقال: والمريض إذا برئ في وسط النهار وقدر على الصوم وكان قد تناول ما يفسد الصوم كان
عليه الإمساك بقية نهاره تأديبا وعليه القضاء، وإن لم يكن قد فعل شيئا مما يفسد الصيام
أمسك بقية يومه وقد تم صومه وليس عليه القضاء.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا على ما تراه غير واضح ووسط النهار الذي عناه لا يخلو
إما أن يكون قبل الزوال أو بعده، فإن كان قبله ولم يكن قد تناول ما يفسد الصيام فيصح
ما قاله، وإن كان بعد الزوال فلا يصح ما قاله، ووسط النهار أيضا لا يتقدر ولا يتصور هاهنا
296

لأن وسط الشئ لا بد من أن يكون بعض نصفه الأول وبعض نصفه الثاني لأنه ليس وسط
النهار هاهنا شيئا خارجا عن النصفين فيقال به، فإن كان برؤه في النصف الأول فهو قبل
الزوال وإن كان برؤه في النصف الثاني فهو بعد الزوال وذهب في مبسوطه إلى ما قلناه
واخترناه بأن قال: وحكم المريض إذا برئ حكم المسافر إذا قدم أهله. وقال في موضع آخر في
مبسوطه: والمريض إذا برئ في وسط النهار أو قدر على الصوم وكان قد تناول ما يفسد الصيام
أمسك بقية النهار تأديبا وعليه القضاء وإن لم يكن فعل ما يفطر أمسك بقية النهار وقد تم
صومه إذا كان قبل الزوال فإن كان بعده وجب عليه القضاء.
باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد والنسيان:
من فاته شئ من شهر رمضان بمرض أو سفر أو شئ من الأسباب التي توجب الإفطار
فليقضه أي زمان أمكنه إلا زمان السفر، ولا يجوز له أن يبتدئ بصيام تطوع وعليه شئ من
صيام شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب حتى يأتي به، وإذا أراد قضاء ما فاته من
رمضان فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك.
فبعض يذهب إلى أن الأفضل الإتيان به متتابعا وبعض يقول: الأفضل أن يأتي به متفرقا ومنهم
من قال يقول: إن كان الذي فاته عشرة أيام أو ثمانية فليتابع بين ثمانية أو بين ستة ويفرق
الباقي، والأول هو الأظهر بين الطائفة وبه أفتى لأن الأصل يقتضيه وإلى ذلك ذهب شيخنا
أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه، وإن فرقه كان أيضا جائزا.
ولا بأس أن يقضي ما فاته من شهر رمضان في أي شهر كان فإن اتفق أن يكون مسافرا
انتظر وصوله إلى بلده أو المقام في بلد بنية المقام عشرة أيام ثم يقضيه إن شاء.
ومن أكل أو شرب أو فعل ما ينقض الصيام في يوم يقضيه من شهر رمضان ناسيا تمم
صيامه وليس عليه شئ وكذلك حكم المتطوع بصيامه، فإن فعله متعمدا وكان قبل الزوال
أفطر يومه ذلك ثم يقضيه، يعني اليوم الفائت الأصلي الذي أفطره في رمضان وكثيرا يطلق في
الكتب ويوجد ما أنا ذاكره، وإن فعل ذلك بعد الزوال قضى ذلك اليوم يعني اليوم الذي
297

أفطره في رمضان فإن أريد قضى ذلك اليوم، أن الإشارة راجعة إلى يوم القضاء الذي ليس
من شهر رمضان فكان يجب عليه قضاء يومين لأن يوم أداء شهر رمضان الذي أفطر فيه يجب
عليه القضاء أيضا - وهذا لا يقوله أحد من الفقهاء - وكان عليه بعد القضاء
أو قبل القضاء الكفارة لأنهما فرضان اجتمعا بأيهما شاء بدأ، وهي إطعام عشرة مساكين فإن لم يتمكن كان
عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.
وقال بعض أصحابنا: إن عليه كفارة اليمين. وقال ابن البراج رحمه الله: يجب عليه كفارة من
أفطر يوما أداء من شهر رمضان
ومتى أصبح الرجل جنبا وقد طلع الفجر عامدا كان أو ناسيا فليفطر ذلك اليوم
ولا يصمه ويصوم غيره من الأيام على ما روي في الأخبار، وليس كذلك قضاء يوم نذر صومه
فأفطر فأخذ في القضاء فأفطر فإنه لا يجب عليه كفارة سواء أفطر قبل الزوال أو بعده لأن
حمله على من أفطر يوما يقضيه من رمضان قياس ولا يقول به.
ومن أصبح صائما متطوعا جاز له أن يفطر أي وقت شاء إلا أن يدعوه أخوه المؤمن
فإن الأفضل له الإفطار إذا لم يعلمه بأنه صائم ومن أصبح بنية الإفطار جاز له أن يجدد النية
لقضاء شهر رمضان ما بينه وبين نصف النهار، فإذا زالت الشمس لم يجز له تجديد النية
للصوم الواجب، فأما المندوب فله أن يجدد النية إلى آخر النهار بمقدار ما يمر عليه زمان
يكون ممسكا فيه على ما قدمناه.
والحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الأيام في شهر رمضان، فإن كانت مستحاضة في
شهر رمضان فإنها يجب عليها الصيام إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، فإذا لم تفعل ما تفعله
المستحاضة وأمسكت وصامت فإنها يجب عليها القضاء بغير كفارة، فإن لم تمسك عن
المفطرات فإنها يجب عليها مع القضاء الكفارة لأنها أفطرت في زمان يجب عليها الإمساك
وهي مخاطبة بالصيام، فإذا جاءت أيام عادتها بالحيض تركت الصيام ثم تقضي تلك
الأيام.
ومتى أصبحت المرأة صائمة ثم رأت الدم فقد أفطرت، وإن كان ذلك بعد
العصر أو قبل غيبوبة الشمس بقليل أمسكت تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، ومتى أصبحت بنية
298

الإفطار ثم طهرت في بقية يومها أمسكت ما بقي من النهار وكان عليها القضاء.
ومن أجنب في أول الشهر ونسي أن يغتسل وصام الشهر كله وصلى وجب عليه
الاغتسال وقضاء الصلاة بغير خلاف، فأما الصوم فلا يجب عليه قضاؤه لأنه ليس من
شرط صحة الصوم في الرجال الطهارة إلا إذا تركها الانسان متعمدا من غير اضطرار من
الليل إلى النهار وهذا ما تركها متعمدا،
وذهب بعض أصحابنا في كتاب له وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه إلى وجوب قضاء
الصوم عليه ولم يقل بذلك أحد من محققي أصحابنا لأنه لا دليل عليه والأصل براءة
الذمة. وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في مبسوطه في فصل في حكم قضاء
ما فات من الصوم قال: من فاته شئ من شهر رمضان لمرض لا يخلو حاله من ثلاثة أقسام:
إما أن يبرأ من مرضه أو يموت فيه أو يستمر به المرض إلى رمضان آخر، فإن برئ وجب عليه
القضاء فإن لم يقض ومات فيما بعد كان على وليه القضاء عنه والولي هو أكبر أولاده الذكور،
فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به بعضهم فيسقط عن
الباقين، وإن كانوا إناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين
من طعام وأقله مد. قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما قوله رضي الله عنه: أو يقوم به بعضهم
فيسقط عن الباقين، فقد قلنا فيما تقدم ما عندنا فيه. وأما قوله: وإن كانوا إناثا لم يلزمهن
القضاء، فنعم ما قال وذهب إليه فإنه الصحيح من الأقوال. وذهب شيخنا المفيد إلى خلاف
ذلك وأوجب على الكبرى منهن مثل ما أوجب على الأكبر من الذكور، والأظهر الأول لأن الأصل
براءة الذمة من التكاليف. فأما قوله: وكان الواجب الفدية فغير واضح لأن الأصل براءة
الذمة ولم يقل به أحد من أصحابنا المحققين. وقال السيد المرتضى في انتصاره: يتصدق عنه
لكل يوم بمد من طعام فإن لم يكن له مال صام عنه وليه فإن كان له وليان فأكبرهما.
قال محمد بن إدريس: أما الصدقة فلا تجب لأن الميت ما وجبت عليه كفارة بل صوم لا بدل له
والولي هو المكلف بقضائه لا يجزئه غيره والإجماع منعقد من أصحابنا على ذلك ولم يذهب إلى
ما قاله السيد غيره.
والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه واستمر به
299

أياما لم يلزمه قضاء شئ فاته، وإن لم يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب
عليه القضاء،
على قول بعض أصحابنا منهم السيد المرتضى والشيخ المفيد. وذهب شيخنا أبو جعفر
الطوسي: إلى أنه لا قضاء عليه أصلا. وعندي أن الصحيح ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر
رضي الله عنه والدليل على صحة قوله أن هذا المغمى عليه غير مكلف بالعبادات، لأن عقله
زائل بغير خلاف والخطاب يتوجه إلى العقلاء المكلفين بالصيام وليس هذا بداخل تحت
خطابهم. فإن قيل: فهذا مريض ويجب على المريض قضاء ما فاته في حال مرضه لأن الله تعالى
قال: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، فأوجب على المريض عدة من
أيام أخر بعدد ما فاته فهذا داخل في عموم هذه الآية. قلنا: العموم قد يخص بالأدلة بغير
خلاف ومن جملة مخصصات العموم أدلة العقول وقد علمنا بعقولنا أن الله تعالى لا يكلف
إلا من أكمل شروط التكليف فيه ومن جملة شروط التكليف كمال العقل، وهذا مثل قوله
تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم، فعلمنا أن الأمر بالعبادة في الآية متوجه إلى العقلاء دون
الصبيان والمجانين وإن كانا داخلين في عموم الآية لأنهما من جملة الناس.
والمريض على ضربين: مريض يكون مرضه قد أزال عقله، ومريض يكون مرضه غير
مزيل لعقله، فهذا هو المخاطب في الآية بالقضاء دون الأول وخصصنا الأول بالدليل
العقلي.
واحتج شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله على صحة ما ذهب إليه من سقوط القضاء عنه بأن
قال في مبسوطه: وعندي لا قضاء عليه أصلا لأن نيته المتقدمة كافية في هذا الباب وإنما يجب
ذلك على مذهب من راعى تعيين النية أو مقارنة النية التي هي القربة ولسنا نراعي ذلك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا لا حاجة بنا إليه لأنه غير واضح وإلا يحسم للشغب
ما استدللنا به لأنه لا اعتراض عليه ولا استدراك فيه ولا طريق للخصم بالطعن إليه، وهب أنا
ألزمنا تعيين النية أو مقارنة النية أي شئ كان يلزمنا على استدلالنا نحن، فأما على استدلال
شيخنا فيتجه عليه إلزام الخصم بوجوب القضاء لأنه لا يخلو إما أن يلتزم بأنه مكلف عاقل
أعني المغمى عليه، أو لا يلتزم بأنه مكلف بالصيام فإن التزم بأنه مكلف عاقل فإنه يحتاج
إلى ما قال وإن لم يلتزم بأنه مكلف بالصوم فلا حاجة به إلى ما قال رحمه الله.
300

وقال ابن بابويه في رسالته: وإذا قضيت شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار
إلى زوال الشمس، فإذا أفطرت بعد الزوال فعليك الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من
شهر رمضان.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما من أفطر في قضاء نذر بعد الزوال فليس عليه من الكفارة
مثل ما على من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال لأن حمل قضاء النذر على قضاء رمضان
قياس والقياس عندنا باطل بغير خلاف والأصل براءة الذمة من الكفارة ولا دليل عليها
بحال، فأما مقدار كفارة من أفطر في قضاء رمضان بعد الزوال فكفارة يمين على الصحيح
من أقوال أصحابنا ويقوى ذلك أن الأصل براءة الذمة.
باب ما يجري مجرى شهر رمضان في وجوب الصوم وما حكم من أفطر فيه على
العمد أو النسيان بكسر النون وسكون السين:
الذي يجري مجراه صيام شهرين متتابعين في من قتل خطأ إذا لم يجد العتق، وصيام
شهرين متتابعين على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا إذا لم يختر العتق ولا الإطعام،
وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار على من لم يجد عتق رقبة، فمن وجب عليه شئ
من هذا الصيام وجب عليه أن يصومه متتابعا كما قال سبحانه مع ارتفاع المرض
والحيض، فإن أفطر مختارا من غير مرض أو حيض في الشهر الأول أو الثاني قبل أن يصوم
منه يوما واحدا كان عليه الاستئناف بغير خلاف، وإن كان إفطاره بعد أن صام من الثاني
ولو يوما واحدا كان مخطئا وجاز له البناء.
ولا يجوز لأحد من أصحابنا أن يقول حد البناء في الشهرين المتتابعين أن يصوم الشهر
الأول ومن الثاني شيئا بل حد التتابع أن يصوم الشهرين متتابعين كما قال تعالى. وأجمعنا
على أنه يجوز له البناء إذا صام من الثاني شيئا وإن كان مخطئا في إفطاره مع اختياره وغير
ممتنع أن يكون مخطئا بإفطاره، ويجوز له البناء على ما صام. ولا يجوز لأحد وجب عليه صيام
هذه الأشياء أن يصومه في السفر ولا أن يصومه أيام العيدين ولا أيام التشريق إذا كان
301

بمنى، فإن وافق صومه أحد هذه الأيام وجب عليه أن يفطر ويقضي يوما مكانه إذا كان إفطاره
بعد صيام الأول ومن الثاني يوما واحدا، وإن كان إفطاره قبل ذلك وجب عليه الاستئناف،
وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله أطلق ذلك في نهايته فقال: وجب عليه أن يفطر ثم
ليقض يوما مكانه ولا بد من التقييد في هذا الحكم. قال شيخنا أبو جعفر: إلا أن يكون الذي
وجب عليه الصيام القاتل في الأشهر الحرم فإنه يجب عليه صيام شهرين متتابعين من الأشهر الحرم
وإن دخل فيهما صيام يوم العيد وأيام التشريق. وقد أورد هذا من طريق الخبر وهو في حيز
الآحاد دون التواتر لأن الاجماع والتواتر منعقد على أن صيام يوم العيد محرم فمن أجاز صيامه
يحتاج في جوازه في هذه الكفارة إلى دليل وإجماع منعقد مثل ذلك الاجماع الذي انعقد على
تحريمه. وذهب شيخنا المفيد إلى جواز صوم الكفارة في حال السفر. والأظهر بين الطائفة أن
الصوم الواجب لا يجوز في السفر سواء كان صوم رمضان أو غيره من الصيام الواجب
إلا ما أخرجه الدليل من النذر المقيد بحال السفر.
وصيام ثلاثة أيام بدل هدي المتمتع، وصيام الاعتكاف المنذور، وصيام كفارة من أفاض
من عرفات قبل مغيب الشمس عامدا ولم يجد الجزور وهو ثمانية عشر يوما.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أول شعبان فليتركه إلى انقضاء شهر
رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين بعد العيد، فإن صام شعبان ورمضان لم يجزئه إلا أن
يكون قد صام مع شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر فيجوز له البناء
عليه ويتم شهرين.
ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا فصام خمسة عشر يوما وأفطر جاز له البناء، وإن لم
يكن زاد على النصف شيئا آخر وفي الشهرين لا بد أن يكون قد زاد على النصف شيئا
آخر من الشهر الثاني، وهذا فرق تواترت به الأخبار عن أئمة آل محمد الأطهار ولا يتعدى
إلى غير هذين الحكمين.
وقد ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في جمله وعقوده: إلى أن العبد إذا كانت
كفارته صيام شهر فصام نصفه جاز له التفريق للباقي والبناء على ما مضى حملا على الشهر
المنذور أو خبر واحد قد ورد بذلك. والأظهر ما أجمعنا عليه وترك التعرض لما عداه وأن يعمل
302

فيه على ما تقتضيه أصول المذهب وعموم الآي والنصوص.
وأما صيام النذر فقد بينا حكمه فيما تقدم. فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمدا
وجب عليه ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكينا، فإن لم يتمكن صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر تصدق بما يتمكن
منه فإن لم يستطع استغفر الله وليس عليه شئ.
ومن نذر أن يصوم حينا من الزمان وجب عليه أن يصوم ستة أشهر، وإن نذر
أن يصوم زمانا كان عليه أن يصوم خمسة أشهر، ومن نذر أن يصوم بمكة أو بالمدينة
أو أحد المواضع المعينة شهرا بعينه فحضره وصام بعضه ولم تمكن من المقام جاز له أن يخرج،
فإذا رجع إلى بلده قضاه متمما له وبانيا على ما صامه ولا يجب عليه استئنافه، وإن كان
الشهر غير معين بزمان فإنه يجب عليه صيامه في ذلك البلد إذا تمكن من المقام لا يجزئه غير
ذلك مع الاختيار للخروج من البلد فإن نذره متتابعا وخرج من البلد مختارا فإنه لا يجزئه
ما صامه ولا يجوز له البناء عليه وإن لم يتمكن من المقام، فإن كان صام نصف الشهر فله
البناء على التمام في بلده لأن من نذر صيام شهر متتابعا وصام نصفه وأفطر فله البناء عليه.
وإن كان خروجه قبل صيام النصف فلا يجوز له البناء، لأن السفر عندنا يقطع التتابع
سواء كان مضطرا إليه أو مختارا. فأما إذا لم يكن الشهر المنذور لا متعينا ولا متتابعا بالشرط
فلا يجزئه إلا أن يصومه في البلد الذي عينه فيه أي وقت قدر عليه.
ومتى عجز الانسان عن صيام ما نذر فيه تصدق عن كل يوم بمد من الطعام.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته وهذا ينبغي أن يقيد ويقال متى عجز
بمرض يرجى برؤه وشفاؤه فلا يكون هذا حكمه بل يجب عليه قضاؤه بلا كفارة إذا برئ لأنه
لا يجب عليه بإفطاره في حال مرضه في الصوم المعين كفارة بل يجب عليه القضاء إذا برئ
فحسب بغير خلاف، فأما إذا كان العجز بكبر أو بمرض لا يرجى برؤه ولا شفاؤه فيكون
الحكم ما قاله شيخنا فلا قضاء عليه فليتأمل ذلك ففقهه ما ذكرناه.
وصوم كفارة اليمين واجب أيضا وهو ثلاثة أيام متتابعات لا يجوز الفصل بينهما
بالإفطار مختارا إلا أن يعرض مرض أو حيض فيجوز البناء على ما صام سواء كان جاوز أكثر
303

من النصف أو أقل من ذلك، فأما إذا فصل بين الثلاثة الأيام بغير حيض أو مرض فإنه
يجب عليه الاستئناف، والحر والعبد في هذا الحكم سواء.
وصيام أذى حلق الرأس واجب إذا لم ينسك ولم يتصدق، وصيام ثلاثة أيام لمن لم يجد دم
المتعة في الحج متتابعات وهي بدل الهدي مع عدمه لا بدل ثمنه.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن الصيام بدل الثمن لأن عند هذا القائل أنه لا يجزئه الصيام
مع وجود الثمن والأول أظهر، لأن الله سبحانه نقلنا مع عدم الهدي إلى الصيام ولم يجعل بينهما
واسطة، فمن ادعاها خالف ظاهر التنزيل.
ولا يجوز التفريق بين الثلاثة الأيام إلا في موضع واحد، وهو إذا صام يوم التروية ويوم
عرفة فإنه يبني على صيامه بعد أيام التشريق، فأما إذا لم يكن المانع من التتابع العيد أو كان
المانع العيد ولم يحصل صيام يومين قبله فلا يجوز التفريق بحال.
وشيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده جعله قسم الصيام الذي إذا أفطر المكلف به في حال دون
حال بنى، فقال: وصوم ثلاثة أيام في دم المتعة إن صام يومين ثم أفطر بنى وإن صام يوما وأفطر
أعاد، وهذا الإطلاق لا يصح إلا في موضع واحد وهو أن يكون قد صام يوم التروية ويوم عرفة
فإنه يبني بعد أيام التشريق.
فأما إذا لم يكن صام اليومين المذكورين وصام بعد أيام التشريق فإنه لا يبني إذا صام
يومين ثم أفطر. فأما صيام السبعة الأيام فإذا عاد ورجع إلى وطنه يصومهن إن شاء متتابعة
وإن شاء متفرقة، ولا يجب عليه التتابع ولا يجوز له أن يصومهن إلا إذا رجع، ولا يجوز
صيامهن في الطريق والسفر، فإن جاور بمكة انتظر قدوم أهل بلده إلى بلدهم إذا كان ذلك
دون الشهر، فإن كان أكثر من ذلك انتظر شهرا ثم صام بعد ذلك، فإن مات المكلف بهذا
الصيام مع القدرة عليه،
قال بعض أصحابنا: لا يجب على وليه القضاء عنه، والأولى أنه يجب ذلك على الولي لأن الاجماع
منعقد على أن كل صوم كان واجبا على الميت وقدر عليه ولم يفعل فالواجب على الولي القيام
به.
وصوم جزاء الصيد بحسب قيمة جزائه متفرقا ومتتابعا ولا يجوز صيامه في السفر.
304

وقال ابن بابويه في رسالته: يجوز صيامه في السفر والأظهر بين أصحابنا الأول.
وصيام الاعتكاف المنذور واجب أيضا، فأما الاعتكاف المندوب فصيامه مندوب
بغير خلاف من محصل وسنشبع الكلام في باب الاعتكاف إن شاء الله تعالى.
وصيام النذر له ثلاث مسائل ينبغي أن تحقق وقد اطلع على فقه النذر وهن: إذا نذر
الانسان صيام شهر معين مثلا رجب أو شعبان. الثانية إذا نذر صيام شهر متتابع إلا أنه غير
معين بزمان بل موصوف بصفة وهي التتابع. الثالثة إذا نذر صيام شهر ولم يعينه ولا وصفه
بصفة.
فأما الأولى: فإنه إذا صام بعضه سواء كان ذلك البعض النصف أو أقل من النصف
أو أكثر من النصف وعلى كل حال فإنه يبني ولا يستأنف بل يجب عليه القضاء لما أفطره
والكفارة.
فأما الثانية: إذا أفطر فلا يخلو إفطاره إما أن يكون قبل النصف أو بعد النصف، فإن
كان قبل النصف فإنه يجب عليه الاستئناف ولا يعتد بما صام ولا يجب عليه فيما أفطر كفارة
ولا قضاء بل يجب عليه الاستئناف للصيام، فأما إن كان أفطر بعد النصف فإنه يبني
ولا يستأنف ولا يجب عليه الكفارة في الحالين معا.
فأما الثالثة: فإنه يبني على كل حال سواء كان إفطاره قبل النصف أو بعده ولا كفارة
عليه لأن نذره غير معين بزمان ولا موصوف بصفة وهي التتابع.
ومن تعين عليه صيام شهرين متتابعين لأحد ما ذكرناه من إفطاره يوما من شهر رمضان
عامدا أو نذر معين أو اعتكاف معين أو ظهار أو غير ذلك مما أشبهه أو نذر صومها وجب عليه
أن يبتدئ شهرين عربيين يمكن الموالاة بينهما دون شعبان لأجل شهر رمضان، ودون شوال
لأجل يوم الفطر، ودون ذي الحجة فإذا دخل في الصوم وجب عليه المضي فيه حتى يكمل
الشهرين. فإن أفطر في شئ منهما مضطرا بنى على ما صام ولو كان يوما واحدا، وإن كان
مختارا في الشهر الأول وقبل أن يدخل في الثاني استأنف الصيام من أوله، وإن أفطر بعد أن
صام من الثاني يوما واحدا فما زاد تمم على ذلك وجاز له البناء على ما مضى.
ومن مات وعليه شئ من ضروب الصيام لم يؤده مع تعين فرضه عليه وتفريطه فيه
305

فعلى وليه القضاء عنه، وإن لم يتعين ذلك عليه لم يتعين الصوم على وليه ولا يجب على الولي
الصيام وقد قدمناه طرفا من ذلك فيما تقدم، وكذلك صيام الشهرين المتتابعين وأعدناه
هاهنا تأكيدا وشرح بيان.
ومن نذر أن يصوم يوما ويفطر يوما صوم داود ع فوالى الصوم فإنه يجب
عليه كفارة خلاف النذر، وقد بيناها لأنه نذر أن يفطر فصام، وإن والى الإفطار مختارا لم
يجزئه ولزمه القضاء لأيام الصوم، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عن كل يوم أفطره
وكان يجب عليه صيامه ويجب عليه القضاء على ما قدمناه لأن زمان القضاء مستثنى على
ما قدمناه في نذر الدهر.
باب صيام التطوع وما يكون صاحبه فيه بالخيار وصوم التأديب والأذان
وما لا يجوز صيامه:
أما المسنون من الصيام فجميع أيام السنة إلا الأيام التي يحرم صيامها غير أن فيها
ما هو أشد تأكيدا، فمن ذلك صوم ثلاثة أيام في كل شهر مستحب مندوب إليه مؤكد فيه
وهو أول خميس في العشر الأول وأول أربعاء في العشر الثاني وآخر خميس في العشر الأخير،
فإن اتفق خميسان في الأخير فالخميس الأخير منهما هو المؤكد صيامه دون الأول، فإن جاء
الشهر ناقصا فلا شئ عليه فينبغي أن لا يتركه الانسان مع الاختيار، فإن لم يقدر على
صيام هذه الأيام في أوقاتها جاز له تأخيرها من شهر إلى شهر ثم يقضيها، وكذلك لا بأس أن
يؤخرها من الصيف إلى الشتاء ثم يقضيها بحسب ما فاته، فإن عجز عن الصيام جاز له
أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو بمد من طعام.
ويستحب صيام الأربعة الأيام في السنة وهو يوم السابع والعشرين من رجب وهو يوم
مبعث النبي ص، ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو يوم مولده
ع، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحيت فيه الأرض من تحت
الكعبة ومعنى دحيت سطحت وبسطت، ويوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير
306

نصب فيه رسول الله ع عليا أمير المؤمنين ع إماما للأنام، وفي هذا اليوم
بعينه قتل عثمان بن عفان وبايع الناس - المهاجرون والأنصار عليا ع طائعين
مختارين ما خلا أربعة أنفس منهم، عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص
وأسامة بن زيد، وفي هذا اليوم فلج موسى بن عمران ع على السحرة وأخزى الله
عز وجل فرعون وجنوده، وفيه نجى الله تعالى إبراهيم ع من النار، وفيه نصب
موسى وصيه يوشع بن نون ونطق بفضله على رؤوس الأشهاد، وفيه أظهر عيسى وصيه
شمعون الصفا، وفيه أشهد سليمان بن داود سائر رعيته على استخلاف آصف وصيه، فهو
يوم عظيم كثير البركات.
وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة بأهل رسول الله ص بأمير المؤمنين
والحسن والحسين وفاطمة ع نصارى نجران وفيه تصدق أمير المؤمنين عليه
السلام بخاتمه، وفي اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة
والحسن والحسين ع هل أتى، وفي اليوم السادس والعشرين منه سنة ثلاث
وعشرين من الهجرة طعن عمر بن الخطاب، وفي التاسع والعشرين منه قبض عمر بن
الخطاب، فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام فإن فيها فضلا كثيرا وثوابا جزيلا. وقد
يلتبس على بعض أصحابنا يوم قبض عمر بن الخطاب فيظن أنه يوم التاسع من ربيع الأول
وهذا خطأ من قائله بإجماع أهل التاريخ والسير وقد حقق ذلك شيخنا المفيد في كتابه
التواريخ وذهب إلى ما قلناه.
ويستحب صيام أول يوم غرة ذي الحجة وهو يوم ولد فيه إبراهيم الخليل عليه السلام
ويستحب صيام يوم عرفة إذا حقق هلال ذي الحجة فأما إذا لم يحقق وشك فيه والتبست
معرفته فإن صيام عرفة والحال ما وصفناه مكروه لأن الانسان لا يأمن من قيام البينة بأنه يوم
عيد، ويستحب صيام رجب بأسره فإن لم يتمكن فما تيسر منه وكذلك شعبان ويصله
بشهر رمضان فهو شهر شريف وصيامه سنة من سنن الرسول ع، وفي اليوم الثاني
منه سنة اثنتين من الهجرة نزل فرض صيام شهر رمضان فعلى هذا التقدير والتاريخ يكون
قد صام الرسول ع ثماني رمضانات على التحقيق، وأيام البيض من كل شهر،
307

وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
قال محمد بن إدريس رحمه الله يقال: هذه أيام البيض أي أيام الليالي البيض وسميت هذه
الليالي بيضا لطلوع القمر من أولها إلى آخرها والعامة تقول: الأيام البيض حتى أن بعض
أصحابنا جرى في كتبه المصنفة على عادات العوام في ذلك وهو خطأ لأن الأيام كلها بيض.
وصوم يوم عاشوراء على وجه الحزن بمصاب آل الرسول عليهم السلام.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: إلى أن صيام أيام الليالي البيض وصيام عرفة
وصيام عاشوراء من القسم المخير دون القسم المؤكد لأنه عدد المؤكد ثم قال بعد ذلك:
والصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار كذا وكذا.
وأما صوم الأذان فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، فإن صامت من غير إذنه
فلا ينعقد صومها ولا يكون شرعيا وله مواقعتها فيه وإلزامها الإفطار ويجب عليها مطاوعته،
فإن كانت صائمة من الواجبات فليس له عليها ولاية ولا يجوز له منعها من ذلك، ولا ينعقد
نذرها بصيام ما دامت في حبال بعلها فإن كانت قد نذرت الصيام قبل عقده عليها فقد
صح وانعقد وليس له منعها منه، وكذلك النذر بالحج منها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن
مولاه، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن مضيفه، فإن صاما من غير إذن فلا ينعقد لهما صيام
شرعي ويكونان مأزورين ولا يكونان مأجورين. وأما صوم التأديب فإن يؤخذ الصبي إذا
راهق بالصوم تأديبا - ومعنى راهق قارب البلوغ ودنا منه - وكذلك من أفطر لمرض في أول
النهار ثم قوي بقية نهاره أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا
أفطر أول النهار ثم قدم أهله أمسك بقية يومه تأديبا، وكذلك الحائض إذا أفطرت في أول
النهار أو لم تفطر ثم طهرت في بقية يومها أمسكت تأديبا وعليها قضاؤه.
وأما الذي لا يجوز صومه بحال: فيوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق لمن كان
بمنى وصوم يوم الشك بنية أنه من رمضان وصوم الوصال وهو أن يصوم يومين من غير أن
يفطر بينهما ليلا وفسره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته بغير هذا فقال: وهو أن
يجعل عشاءه سحوره، والأول هو الأظهر والأصح وإليه ذهب في اقتصاده. وصوم الصمت
وصوم نذر المعصية وصوم الدهر.
308

باب الاعتكاف:
الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل. وفي عرف الشرع هو طول اللبث للعبادة وله
شروط ثلاثة: أحدها يرجع إلى الفاعل وثانيها يرجع إلى الفعل وثالثها يرجع إلى البقعة.
فالراجع إلى الفاعل هو أن يكون مسلما بالغا عاقلا لأن من كان بخلاف ذلك
لا يصح اعتكافه.
وما يرجع إلى الفعل فهو أن يكون مع طول اللبث صائما فإن كان الاعتكاف واجبا
كان الصوم واجبا لأنه من توابعه وشروطه، وإن كان مندوبا كان الصوم مندوبا. وقد
يشتبه على كثير من المتفقهة من أصحابنا فيظن أن صوم الاعتكاف على كل حال واجب
لأن الصوم شرط في انعقاد الاعتكاف.
والراجع إلى البقعة هو أن يكون الاعتكاف في مساجد مخصوصة وهي أربعة مساجد:
المسجد الحرام ومسجد النبي ع ومسجد الكوفة ومسجد البصرة.
وقد ذهب بعض أصحابنا وهو ابن بابويه: إلى أن أحد الأربعة مسجد المدائن وجعل مسجد
البصرة رواية، ويحسن في هذا الموضع اقلب تصب لأن الأظهر بين الطائفة ما قلناه أولا، فإن
كانت قد رويت بمسجد المدائن رواية فهي في حيز الآحاد ومن شاذ الأحاديث.
ولا ينعقد الاعتكاف في غير هذه المساجد لأن من شرط المسجد الذي ينعقد فيه
الاعتكاف عند أصحابنا أن يكون صلى فيه نبي أو إمام عادل جمعة بشرائطها وليست
إلا هذه التي ذكرناها.
وحكم المرأة وحكم الرجل في هذا الباب سواء، ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها.
قال السيد المرتضى في كتابه الانتصار: ومما انفردت به الإمامية القول بأن الاعتكاف لا ينعقد
إلا في مسجد صلى فيه إمام عادل بالناس الجمعة وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد
المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، ثم
ذكر أقاويلهم ثم قال: وذهب حذيفة إلى أن الاعتكاف لا يصح إلا في ثلاثة مساجد: المسجد
الحرام ومسجد الرسول ص ومسجد إبراهيم ع.
309

والاعتكاف أصل في نفسه في الشرع دون أن يكون له أصل يرد إليه، والاعتكاف على
ضربين: واجب وندب. فالواجب ما أوجبه الانسان على نفسه بالنذر أو العهد، والمندوب هو
ما يبتدئه من غير إيجاب على نفسه.
فالمندوب لا يجب المضي فيه بعد الدخول والتلبس به بل أي وقت أراد الرجوع فيه
جاز له ذلك، ويكون الصوم له بنية الندب دون نية الوجوب لأن عندنا العبادة المندوب
إليها لا تجب بالدخول فيها بخلاف ما يذهب إليه أبو حنيفة: ما خلا الحج المندوب فإنه
يجب بالدخول فيه وحمل باقي المندوبات عليه قياس ونحن لا نقول به.
وأما الواجب من قسمي الاعتكاف فإنه على ضربين: مقيد نذره بزمان وغير مقيد نذره
بزمان. فالمقيد بزمان إذا شرط ناذره العود فيه إن عرض له ما يمنعه منه وعرض ذلك فله
العود فيه والرجوع ولا يجب عليه إتمامه ولا قضاؤه ولا كفارة عليه لأن شرطه لم يصادف
صفته فما حصل شرط النذر على صفته، فأما إذا لم يشرط فيه العود إن عرض العارض
فحينئذ يجب عليه إتمامه ولا يجب عليه استئنافه ولا يجب عليه كفارة، فأما إذا لم يكن
اعتكافه ونذره مقيدا بزمان بعينه بل شرط فيه التتابع، فإن شرط على ربه تعالى فله البناء
والإتمام دون الاستئناف، وإن لم يشرط وعرض العارض فيجب عليه استئنافه دون البناء
عليه ولا يجب عليه كفارة، فإن كان نذره غير متعين بزمان ولا شرط فيه التتابع بل أطلقه من
الأمرين معا، فمتى اعتكف أقل من ثلاثة أيام متتابعة فيجب عليه الاستئناف ويراعى
ثلاثة ثلاثة ولا كفارة عليه إذا أفطر فيه.
ومتى أراد الانسان أن يعتكف فلا يعتكف أقل من ثلاثة أيام فإنه لا اعتكاف في الشريعة
أقل من ذلك وأكثره لا حد له إذا كان الزمان يصح فيه. ومن شرط صحته الصوم سواء
كان الصوم واجبا أو مندوبا. فإن كان الاعتكاف واجبا كان الصوم واجبا مثله، وإن كان
الاعتكاف مندوبا فالصوم يكون مندوبا.
وقد يلتبس على كثير من أصحابنا هذه المسألة ويذهب إلى أن الصوم في الاعتكاف واجب
سواء كان الاعتكاف واجبا أو مندوبا لأجل مسطور ولفظ محتمل يجده في النهاية، فإن شيخنا
أبا جعفر الطوسي رحمه الله قال: ولا بد أن يصوم واجبا لأنه لا اعتكاف إلا بصوم، ولما عدد في
310

الجمل والعقود الصوم الواجب، قال: وصوم الاعتكاف واجب، وهذا كلام محتمل ولفظ عام
والعموم قد يخص بالأدلة، فنخص قوله: أن الاعتكاف إذا كان منذورا واجبا كان الصوم
واجبا. وقد رجع شيخنا في مسائل الخلاف وحقق القول في المسألة فقال: مسألة: لا يصح
الاعتكاف إلا بصوم أي صوم كان عن نذر أو رمضان أو تطوعا، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة،
فدل بالإجماع على المسألة فعلم أنه أراد في نهايته ما قلناه.
وقال السيد المرتضى في المسائل الطبريات المسألة الخامسة والثلاثون والمائة: من شرع في
الاعتكاف ثم أفسده لزمه القضاء، قال السيد المرتضى: الذي نقوله في هذه المسألة ليس يخلو
الاعتكاف من أن يكون واجبا بالنذر أو تطوعا فإن كان واجبا لزم مع إفساده القضاء وإن
كان تطوعا لم يلزمه القضاء لأن التطوع لا يجب عندنا بالدخول فيه هذا آخر كلام المرتضى
رضي الله عنه. فإذا تحقق وتقرر ما شرحناه فما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في
نهايته ومبسوطه من قوله: فمن اعتكف ثلاثة أيام كان فيما زاد بالخيار إن أراد أن يزداد
ازداد وإن أراد أن يرجع رجع، فإن صام بعد الثلاثة الأيام يومين آخرين لم يجز له الرجوع
وكان عليه إتمام ثلاثة أيام أخر، وإن كان قد زاد يوما واحدا جاز له أن يفسخ الاعتكاف،
وهذه أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها.
وينبغي للمعتكف أن يشرط على ربه في حال ما يعزم على الاعتكاف يشرط في
حال الإحرام بأنه إن عرض له عارض جاز له أن يرجع فيه أي وقت شاء، فإن لم يشرط لم
يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين، فإن مضى عليه يومان وجب عليه تمام ثلاثة
أيام حسب ما قدمناه، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في النهاية والأصل ما قدمناه وشرحناه
وحررناه.
والأولى بالمعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم إلا ما خرج بالدليل من النساء
والطيب والرياحين والكلام الفحش والمماراة والبيع والشراء ولا يفعل شيئا من ذلك،
قال شيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده: ويجب عليه تجنب ما يجب على المحرم تجنبه. وقال في
مبسوطه: وقد روي أنه يتجنب ما يجتنبه المحرم وذلك مخصوص بما قلناه. لأن لحم الصيد
لا يحرم عليه وعقد النكاح مثله، هذا آخر كلامه في مبسوطه فجعله رواية وفي الجمل والعقود
311

جعله دراية والأولى أن لا يحرم عليه ما يحرم على المحرم إلا ما قام الدليل عليه.
ولا يجوز له أن يخرج من المسجد الذي اعتكف فيه إلا لضرورة تدعوه إلى ذلك من
تشييع أخ مؤمن أو جنازة أو عيادة مريض أو قضاء حاجة لا بد له منها، فمتى خرج لشئ من
الأشياء التي ذكرناه فلا يقعد في موضع ولا يمشي تحت الظلال ولا يقف فيها إلا عند ضرورة إلى
ذلك إلى أن يعود إلى المسجد، ولا يصلى المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة
خاصة فإنه يجوز له أن يصلى بمكة في أي بيوتها شاء.
ومتى اعتل المعتكف فله أن يخرج من المسجد إلى بيته فإذا برئ قضى اعتكافه وصومه
على التفصيل الذي فصلناه أولا وشرحناه.
واعتكاف المرأة كاعتكاف الرجل سواء وحكمها حكمه في جميع الأشياء، فإن حاضت
خرجت من المسجد فإذا طهرت عادت وقضت الاعتكاف والصوم. ولا يجوز للمعتكف
مواقعة النساء لا بالليل ولا بالنهار، فمتى واقع الرجل امرأته وهو معتكف ليلا كان عليه
ما على من أفطر من شهر رمضان، فإن كانت مواقعته لها بالنهار في شهر رمضان أو في غيره
كان عليه كفارتان، فإن كانت المرأة معتكفة باذنه ووطئها ليلا مكرها لها كان عليه كفارتان
ولا يبطل اعتكافها ولا كفارة عليها، وإن كانت مطاوعة له كان عليها كفارة وفسد
اعتكافها وعليه مثلها، وإن كان وطؤه لها بالنهار مكرها لها كان عليه أربع كفارات، وإن
كانت مطاوعة له على الفعال لم يتحمل كفارتها وكان عليها كفارتان وعليه كفارتان وفسد
اعتكافهما ووجب عليهما استئنافه.
ولا يجوز للمرأة أن تعتكف تطوعا إلا بإذن زوجها ولا العبد والأمة إلا بإذن السيد، وإذا
مرض المعتكف واضطر إلى الخروج منه خرج فإن زال العذر رجع فبنى على ما مضى من
اعتكافه، وإذا باع المعتكف فالظاهر أنه لا ينعقد لأنه منهي عنه، والنظر في العلم ومذاكرة
أهله لا يبطل الاعتكاف وهو أفضل من الصلاة تطوعا عند جميع الفقهاء.
ولا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب ولا بيع ولا شراء وإن كان لا يجوز له
فعل ذلك أجمع،
هكذا أورده شيخنا في مبسوطه. والأولى عندي أن جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل
312

به من المعاصي والسيئات يفسد اعتكافه، فأما ما يضطر إليه من أمور الدنيا من الأفعال
المباحات فلا يفسد به اعتكافه لأن حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع هو اللبث للعبادة،
والمعتكف اللابث للعبادة إذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة وخرج من
حقيقة المعتكف اللابث للعبادة، وإنما أورد شيخنا في مبسوطه كلام المخالفين وفروعهم
وما يصح عندهم ويقتضيه مذهبهم لأن هذا الكتاب معظمه فروع المخالفين.
313

إشارة السبق
إلى معرفة الحق
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي
315

كتاب الصوم
أما الكلام في ركن الصوم فإنه إما واجب فمطلق وهو صوم شهر رمضان.
وشرائط وجوبه: البلوغ وكمال العقل والوقت والخلو من السفر الموجب للتقصير
والصحة من مرض أو كبر يوجبان الفطر ويزداد عليها في شروط صحة أدائه الاسلام والنية
والطهارة من الجنابة ومن الحيض والاستحاضة المخصوصة للنساء. ويثبت العلم بدخول
شهر رمضان ولزوم صومه برؤية الهلال أو ما يقوم مقامها من قيام البينة أو التواتر بها فإن
كانت الرؤية له نهارا فهو لمستقبل ليلته لا لماضيها. وأول ليلة منه هي أول وقت ابتدأ فيه
نيته فإن أخرها إلى النهار جاز تجديدها إلى ما قبل الزوال لا إلى بعده ولو حصل بنية جميعه
في أول ليلة منه لأجزأت وإنما الأفضل تجديدها كل ليلة. ولو نرى به القرية خاصة لأجزأ وأغنى
عن التعيين وإن كان لا بد في غيره من اعتبار الأمرين في النية فرضا كان أو نفلا أو سببا وهو
ما عداه فمنه صوم القضاء والنذر والعهد والاعتكاف ودم المتعة والكفارات على اختلافها
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ومن أفطر في يوم يقضيه عن يوم منه ومن أفطر في نذر
أو عهد تعينا وكفارة قتل الخطأ واليمين البراءة والظهار وحلق الرأس وجزاء الصيد
317

القضاء والكفارة ولو اضطر إلى تفرقة صومهما بنى ولم يلزمه استئناف إلا مع الاختيار وإذا لم
يشترط متابعة ولا ألجأت ضرورة إلى غيرها فلا بناء إلا بعد الإتيان بالنصف وما زاد عليه
وإلا فلا اختيار لإفطاره فيه قبل بلوغه بوجوب الاستئناف ولو اتفقا في يوم يكون صومه محرما
أو في شهر رمضان لم ينعقدا ولا يلزم بهما شئ.
وصوم الاعتكاف قد يكون واجبا بنذر أو عهد أو كفارة وقد يكون ندبا إذا لم يكن
بأحدها وأقله ثلاثة أيام والصوم مشروط فيه لا يصح إلا به. وكذا مواضعه المختصة به
وهي المساجد الأربع مسجدا مكة والمدينة ومسجد الكوفة والبصرة لا ينعقد إلا في أحدها
ومن شرط صحته ملازمة المسجد فلا خروج منه إلا لما لا مندوحة عنه من الحدث وغيره أو
لما لا بد منه من أداء فرض معين أو إحياء سنة متبعة ومع ذلك لا يجوز جلوسه اختيارا تحت
سقف وكذا اجتنابه كل ما يجتنبه المحرم من النساء شرط فيه ويزيد عليه باجتناب البيع
والشراء ومتى فسخ اعتكافه بإفطار أو جماع في ليل أو نهار فعليه مع استئنافه الكفارة إلا
أنها تتضاعف عليه إن كان جماعه نهارا وتنتقل كفارة زوجته المعتكفة بإكراهها على
الجماع إليه ويلزم بدخوله فيه تطوعا مضيه ثلاثة أيام فإن أراد الزيادة عليها كان مخيرا فيها
إلى مضى يومين بعدها فيلزمه تكميلها ثلاثة. وهل إذا اضطر إلى فسخه لمرض محوج إلى
الفطر والخروج عن موضعه وارتفعت الضرورة يبني أو يستأنف؟ فيه خلاف.
وصوم دم المتعة لمن لا يجد الهدي ولا موثوقا على ثمنه ليشتريه في العام القابل و
يذبحه عنه أو يجده ولا يقدر على ثمنه ثلاثة أيام في الحج وهي ما قبل يوم النحر وسبعة إذا
رجع إلى أهله وهذه الثلاثة مما يجب صومها في السفر ولا بد من التتابع فيها وتفريقها
اختيارا يستأنف معه على كل حال واضطرارا لا يستأنف إلا إذا لم يصم غير يوم واحد
فأما لو صام يومين وأفطر الثالث اضطرارا لبنى عليه بعد خروج أيام التشريق. وكذا
استئنافه أو تأخير صومها إلى بعد يوم النحر لا يكون إلا بعدها ولو عجز عن صومها كذلك
لجاز له أن يصومها في طريقه أي وقت أمكنه فإن تعذر عليه ذلك صامها مع التسعة الباقية
عليه وأداها في بلده متوالية ولو صد عن مأمنه أو جاور في أحد الحرمين لصامها بعد مضى
مدة يصل في مثلها إلى أهله.
318

وجز المرأة شعرها في مصاب ونتفه وإفساد الاعتكاف وتفويت صلاة العشاء الآخرة
فالقضاء يتبع المقضى ويلزم على الفور ويفتقر إلى نية التعيين ومتابعته أفضل من تفريقه وهو
إما بسفر موجب للقصر وقد بيناه أو مرض لا يطاق معه صوم أو أنه يريده ويفوته أو
حيض أو نفاس أو عطش مفرط يرجى زواله أو حمل أو رضاع يخشى معهما على الولد أو
تفويت النية إلى بعد الزوال أو استعمال ما يفطر عمدا من أكل أو غيره أو لالتباس دخول
الليل ولم يكن دخل، أو ظن بقاءه وكان الفجر قد طلع. وكذا الحكم في الإقدام على تناول
المفطرات تقليدا لإخبار من أخبر أنه لم يطلع واستبان بعد ذلك طلوعه. وكذا في الإقدام عليها
من غير رصد له مع القدرة عليه وترك القبول ممن أخبر بطلوعه وتعمد القئ وابتلاع ما
يحصل منه في الفم غالبا وبلع ماء مضمضة التبرد واستنشاقه وما احتيج إليه من حقنه أو
سعوط. والنوم على الجنابة ليلا بعد الانتباه مرة إلى حيث يطلع الفجر فالقضاء لازم بكل
واحد من ذلك ولا كفارة في شئ منه إلا على ذي المرض إذا لحقه رمضان آخر وفرط في قضاء
ما عليه أولا، فإن كفارته عن كل يوم إطعام مسكين ولا كفارة عليه إذا لم يكن منه تفريط إما
باستمرار المرض أو بغيره من الموانع وعلى ذي العطاش المرجى زواله فإن كفارته عن كل
يوم إطعام مدين أو مد من طعام وكذا حكم صوم الحامل المقرب والمرضع مع خوفهما على
ولديهما فأما من به عطاش زوال له والشيخ أو المرأة الكبيران فلا قضاء عليهما مما ذكرناه
من الكفارة وقيل: في الكبير الفاني أنها تلزمه إن استطاع الصوم بمشقة تشربه ضررا
زائدا وإلا متى عجز عن الاستطاعة ولم يطقه أصلا ولم يلزمه شئ ومتى وقع شئ مما يلزم منه
القضاء خاصة أو القضاء والكفارة سهوا أو نسيانا لم يكن له حكم وصوم النذر أو العهد
بحسبهما إن أطلقا من تعيين الوقت وتخصيص موضع يقعا فيه تساوت الأوقات التي
يصح صومها والأماكن في الابتداء بهما ولا فسحة مع زوال الأعذار في تأخيرهما وإن قيدا
بوقت معين لا مثل له وجبا فيه بعينه فإن خرج ولم يقعا فيه لضرورة محوجة لم تلزم كفارة بل
القضاء وحده وإن كان عن اختيار لزما فيه جميعا وإن كان له مثل فالقضاء مع الفوات إن
كان اضطرارا ويتبعه الإثم إن كان اختيارا ولا كفارة فيه به ومتى شرط فيهما التتابع لم يجز
التفريق. وكذا لو شرط صومهما سفرا وحضرا وجب الوفاء بذلك ولزم بتعمد الإخلال به
319

وصوم الكفارات إما شهران متتابعان فيلزمه مع القضاء من تعمد الإفطار في نهار
شهر رمضان بجميع ما يفطر سواء كان بأكل أو بشرب أو ازدراد أو جماع أو استمناء أو
حقنة لا حاجة إليها أو ارتماس رجل في ماء أو امرأة إلى وسطها أو استدخال ما غلظ من
غبار نقض أو غيره أو تعمد كذب على الله أو على رسوله أو أحد الحجج ع أو
إذا أدرك الفجر للجنب بعد انتباهتين ونومه مع القدرة على الغسل حتى يدركه طلوعه وهو
مخير بين العتق والإطعام والصوم وهذه كفارة اختيار الفطر في صوم النذر والعهد المعينين
بوقت لا مثل له وكفارة تعمد فسخ الاعتكاف وكفارة البراءة وكفارة جز المرأة شعرها في
المصاب أو نتفه وهي كفارة جزاء الصيد إن كان نعامة وهي كفارة القتل والظهار إلا
أنهما على الترتيب وأما دون ذلك فكفارة قتل المحرم البقرة أو الحمار الوحشيين ثلاثون
يوما إن استطاع وإلا فتسعة أيام وله إذا عجز عن صوم الستين يوما في قتل النعامة أن
يصوم ثمانية عشر يوما وفي الظبي وما في حكمه ثلاثة أيام. وكذا في كل بيضة من بيض
النعام لم يتحرك فيها الفرخ ولا لمن جنى بكسرها أو أكلها إبل وما لا مثل له من النعم عن
كل نصف صاع بر من قيمته صيام يوم هذا إذا كان في الحل وأما في الحرم فعليه مع الكفارة
القيمة أو مضاعفتها وكفارة حلق الرأس أيضا ثلاثة أيام وهي كفارة اليمين في غير
البراءة. وكفارة من أفطر في يوم أراد قضاءه عن يوم من شهر رمضان بعد الزوال.
وأما كفارة مفوت صلاة العتمة فاليوم الذي يلي ليلة فواتها وليس في تعمد فطره إلا
التوبة وكل صوم وجب متتابعا حكمه في وجوب الاستئناف أو البناء ما أشرنا إليه أو ندب
جميع أيام السنة عدا ما يحرم صومه منها وتتفاضل بعضها على بعض في تأكيد الندبية وعظيم
المثوبة فرجب كله ويتأكد أوله وثالثه وسابع وعشرين منه وشعبان كله ويوم النصف منه
أشد تأكيدا وتسع ذي الحجة وأوله وتاسعه لمن لم يضعف عن الدعاء وثامن عشر وخامس
العشرين من ذي القعدة وعاشر المحرم للحزن والمصيبة وسابع عشر ربيع الأول والثلاثة
الأيام من كل شهر أول خميس من العشر الأول وأول أربعاء في عشر الثاني وآخر خميس
في عشر الأخير والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الأيام البيض منه والأيام الثلاثة
المختصة بالاستسقاء أو بالحاجة والشكر أو أدب فإمساك من اتفق بلوغه أو طهره من
320

حيض أو غيره أو قدومه من سفر أو إسلامه بعد كفره أو برؤه من سقمه في يوم من شهر
رمضان بقيته. وقضاء يوم بدله. أو محظور وهو صوم العيدين ويوم الشك على أنه من رمضان
وأيام التشريق بمنى ونذر المعصية والوصال بجعل العشاء سحورا والصمت بأن لا
يتكلم فيه والدهر إذا لم يستثن فيه ما هو محرم. أو مكروه وهو صوم الزوجة والعبد والضيف
تطوعا إلا بإذن الزوج والسيد والمضيف. فجملة أقسام الصوم على ما ذكرناه خمسة:
واجب وندب وأدب ومحظور ومكروه.
والواجب إما مضيق، فصوم شهر رمضان والقضاء والنذر والعهد وصوم
الاعتكاف. أو مرتب فصوم دم الهدي وكفارة حلق الرأس والظهار والقتل. أو مخير وهو ما
عدا ما ذكرناه.
وينبغي للصائم تجنب المسموعات القبيحة والمشمومات الذكية وأكدها النرجس
والتسوك بالرطب وبل الثوب على الجسد للتبرد والتمضمض والتنشق كذلك وقطر
الدهن في الأذن وتنقيص الدم ودخول حمام يضعفه دخولها وملاعبة النساء ومباشرتهن
بشهوة والكحل بما فيه صبر أو مسك وما أشبهه والحقنة بالجوامد مع المكنة والنظر إلى كل
منهي عنه والخوض بالحديث في كل ما لا يحل. فإن ذلك وإن لم يكن مفسدا للصوم إلا أن
فيه ما يتأكد حظره وفيه ما يتأكد كراهته لحرمة الصوم وينبغي قطع زمانه بالطاعات
والقربات دون غيرها.
321

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
323

كتاب الصوم
والنظر في أركانه وأقسامه ولواحقه:
وأركانه أربعة:
الأول: الصوم:
وهو الكف عن المفطرات مع النية، فهي: إما ركن فيه وإما شرط في صحته وهي
بالشرط أشبه، ويكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله، وهل يكفي ذلك في النذر
المعين؟ قيل: نعم وقيل: لا، وهو الأشبه. ولا بد فيما عداهما من نية التعيين وهو القصد إلى
الصوم المخصوص فلو اقتصر على نية القربة وذهل عن تعيينه لم يصح، ولا بد من
حضورها عند أول جزء من الصوم أو تبييتها مستمرا على حكمها، ولو نسيها ليلا جددها
نهارا ما بينه وبين الزوال، فلو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم أو ندبا، وقيل:
يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة والأول أشهر، وقيل: يختص رمضان بجواز تقديم
نيته عليه، ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية وكذا قيل: تجزى نية واحدة
لصيام الشهر كله.
ولا يقع في رمضان صوم غيره، ولو نوى غيره واجبا كان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون
ما نواه، ولا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا، ولو نوى
325

الوجوب آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان
إذا انكشف أنه منه ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا، قيل:
يجزئ وقيل: لا يجزئ وعليه الإعادة وهو الأشبه، ولو أصبح بنية الإفطار ثم بان أنه من الشهر
جدد النية واجتزأ به فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.
فروع ثلاثة:
الأول: لو نوى الإفطار في يوم رمضان ثم جدد قبل الزوال قيل: لا ينعقد وعليه القضاء
ولو قيل: بانعقاده كان أشبه.
الثاني: لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا.
الثالث: نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي.
الثاني: ما يمسك عنه الصائم: وفيه مقاصد:
المقصد الأول: ما يجب الإمساك عنه:
يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان كالخبز والفواكه أو غير معتاد كالحصى
والبرد، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا كمياه الأنهار وعصارة الأشجار، وعن الجماع
في القبل إجماعا وفي دبر المرأة على الأظهر ويفسد صوم المرأة، وفي فساد الصوم بوطئ
الغلام والدابة تردد وإن حرم وكذا القول في فساد صوم الموطوء والأشبه أنه يتبع وجوب
الغسل، وعن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ع، وهل يفسد
الصوم بذلك؟ قيل: نعم وقيل: لا وهو الأشبه، وعن الارتماس وقيل: لا يحرم بل يكره
والأول أشبه، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا، وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف الأظهر
التحريم وفساد الصوم، وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة
على الأشهر.
ولو أجنب فنام غير ناو للغسل فطلع الفجر فسد الصوم ولو كان نوى الغسل صح
326

صومه، ولو انتبه ثم نام ناويا للغسل فأصبح نائما فسد صومه وعليه قضاؤه، ولو استمنى
أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه وكذا لو نظر
إلى امرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى، والحقنة بالجامد جائزة وبالمائع محرمة ويفسد
بها الصوم على تردد.
مسألتان:
الأولى: كل ما ذكرنا أنه يفسد الصيام إنما يفسده إذا وقع عمدا سواء كان عالما
أو جاهلا، ولو كان سهوا لم يفسد سواء كان الصوم واجبا أو ندبا وكذا لو أكره على الإفطار
أو وجر في حلقة.
الثانية: لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق
والاستنقاع في الماء للرجال، ويستحب السواك للصلاة بالرطب واليابس.
المقصد الثاني: فيما يترتب على ذلك:
وفيه مسائل:
الأولى: تجب مع القضاء الكفارة بسبعة أشياء: الأكل والشرب المعتاد وغيره، والجماع
حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر وكذا
لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر والاستمناء وإيصال الغبار إلى الحلق.
الثانية: لا تجب الكفارة إلا في صوم رمضان، وقضائه بعد الزوال والنذر المعين وفي
صوم الاعتكاف إذا وجب،
وما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارات والنذر الغير معين والمندوب وإن
فسد الصوم.
327

تفريع: من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه قضاؤه وفي وجوب
الكفارة تردد الأشبه الوجوب، ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار لم يفسد
صومه، ولو خوف فأفطر وجب القضاء على تردد ولا كفارة.
الثالثة: الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا مخيرا في ذلك، وقيل: بل هي على الترتيب وقيل: يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث
كفارات وبالمحلل كفارة والأول أكثر.
الرابعة: إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة
وقيل: كفارة يمين والأول أظهر.
الخامسة: الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ع حرام على
الصائم وغيره وإن تأكد في الصائم لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة، على الأشبه.
السادسة: الارتماس حرام على الأظهر ولا تجب به كفارة ولا قضاء وقيل: يجبان به
والأول أشبه.
السابعة: لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح ويحرم بالمائع ويجب به القضاء على
الأظهر.
الثامنة: من أجنب ونام ناويا للغسل ثم انتبه ثم نام كذلك ثم انتبه ونام ثالثة ناويا
حتى طلع الفجر لزمته الكفارة على قول مشهور وفيه تردد.
التاسعة: يجب القضاء في الصوم الواجب المتعين بتسعة أشياء: فعل المفطر قبل
مراعاة الفجر مع القدرة والإفطار إخلادا إلى من أخبره أن الفجر لم يطلع مع القدرة على
عرفانه ويكون طالعا، وترك العمل بقول المخبر بطلوعه، والإفطار لظنه كذبه، وكذا الإفطار
تقليدا أن الليل دخل ثم تبين فساد الخبر، والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل فلو غلب
على ظنه لم يفطر، وتعمد القئ ولو ذرعه لم يفطر، والحقنة بالمائع، ودخول الماء إلى الحلق
للتبرد دون التمضمض به للطهارة، ومعاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر ناويا
للغسل.
328

ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى قيل: عليه القضاء، وقيل: لا يجب
وهو الأشبه، وكذا لو كانت محللة لم يجب.
فروع:
الأول: لو تمضمض متداويا أو طرح في فمه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى
حلقه لم يفسد صومه ولو فعل ذلك عبثا قيل: عليه القضاء، وقيل: لا وهو الأشبه.
الثاني: ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم فإن ابتلعه
عمدا وجب عليه القضاء والأشبه القضاء والكفارة وفي السهو لا شئ عليه.
الثالث: لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع وقيل:
صب الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده وفيه تردد.
الرابع: لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمدا ما لم ينفصل عن
الفم، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد
الصوم، ولو تعمد ابتلاعه أفسد.
الخامس: ماله طعم كالعلك قيل: يفسد الصوم، وقيل: لا يفسده وهو الأشبه.
السادس: إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه، ولو ابتلعه فسد صومه وعليه مع القضاء
الكفارة.
السابع: المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر وجب عليه القضاء والكفارة.
المسألة العاشرة: يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل،
ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صومه وعليه الكفارة ولو فعل ذلك ظانا سعته، فإن كان
مع المراعاة لم يكن عليه شئ وإن أهمله فعليه القضاء.
المسألة الحادية عشرة: تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم
يتعلق به الكفارة وإن كان في يوم واحد، قيل: تكرر مطلقا وقيل:
إن تخلله التكفير وقيل: لا تتكرر وهو الأشبه، سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.
329

فرع:
من فعل ما يجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حيض وشبهه، قيل:
تسقط الكفارة وقيل: لا وهو الأشبه.
المسألة الثانية عشرة: من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا عزر مرة، فإن عاد
كذلك عزر ثانيا فإن عاد قتل.
المسألة الثالثة عشرة: من وطأ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرها لها كان
عليه كفارتان ولا كفارة عليها، فإن طاوعته فسد صومها وعلى كل واحد منهما كفارة عن
نفسه ويعزر بخمسة وعشرين سوطا، وكذا لو كان الإكراه لأجنبية وقيل: لا يتحمل هنا
وهو الأشبه.
المسألة الرابعة عشرة: كل من وجب عليه شهران متتابعان فعجز عن صومهما صام
ثمانية عشر يوما، ولو عجز عن الصوم أصلا استغفر الله فهو كفارته.
المسألة الخامسة عشرة: لو تبرع متبرع بالتكفير عن من وجبت عليه الكفارة جاز،
لكن يراعى في الصوم الوفاة.
المقصد الثالث: فيما يكره للصائم:
وهو تسعة أشياء: مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة، والاكتحال بما فيه صبر
أو مسك، وإخراج الدم المضعف ودخول الحمام كذلك، والسعوط بما لا يتعدى الحلق وشم
الرياحين ويتأكد في النرجس، والاحتقان بالجامد وبل الثوب على الجسد وجلوس المرأة في الماء.
الثالث: في الزمان الذي يصح فيه الصوم:
وهو النهار دون الليل ولو نذر الصيام ليلا لم ينعقد وكذا لو ضمه إلى النهار،
ولا يصح صوم العيدين ولو نذر صومهما لم ينعقد ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم
يصح صومه، وهل يجب قضاؤه؟ قيل: نعم وقيل: لا وهو الأشبه، وكذا البحث في أيام
التشريق لمن كان بمنى.
330

الرابع: من يصح منه الصوم:
وهو العاقل المسلم، فلا يصح صوم الكافر وإن وجب عليه ولا المجنون
ولا المغمى عليه، وقيل: إذا سبقت من المغمى عليه النية كان بحكم الصائم والأول أشبه،
ويصح صوم الصبي المميز والنائم إذا سبقت منه النية ولو استمر إلى الليل، ولو لم يعقد
صومه بالنية مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما واستمر حتى زالت الشمس فعليه
القضاء، ولا يصح صوم الحائض ولا النفساء سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع
بعد الفجر، ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل.
ولا يصح الصوم الواجب من مسافر يلزمه التقصير إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي
وثمانية عشر يوما في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا، والنذر
المشروط سفرا وحضرا على قول مشهور، وهل يصوم مندوبا؟ قيل لا وقيل: نعم، وقيل:
يكره وهو الأشبه، ويصح كل ذلك ممن له حكم المقيم.
ولا يصح من الجنب إذا ترك الغسل عامدا مع القدرة حتى يطلع الفجر، ولو استيقظ
جنبا بعد الفجر لم ينعقد صومه قضاء عن رمضان، وقيل: ولا ندبا، فإن كان في رمضان
فصومه صحيح وكذا في النذر المعين، ويصح من المريض ما لم يستضر به.
مسألتان:
الأولى: البلوغ الذي يجب معه العبادات: الاحتلام أو الإنبات أو بلوغ خمس عشرة
سنة في الرجال على الأظهر وتسع في النساء.
الثانية: يمرن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ ويشدد عليهما لسبع مع
الطاقة.
331

النظر الثاني: في أقسامه:
وهي أربعة: واجب وندب ومكروه ومحظور.
الأول: الواجب:
والواجب ستة: صوم شهر رمضان والكفارات ودم المتعة والنذر وما في معناه
والاعتكاف على وجه وقضاء الواجب.
القول في شهر رمضان:
والكلام في علامته وشروطه وأحكامه:
أما الأول:
فيعلم الشهر برؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه الصوم ولو انفرد برؤيته، وكذا
لو شهد فردت شهادته وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوال، ومن لم يره لا يجب عليه الصوم
إلا أن يمضى من شعبان ثلاثون يوما أو يرى رؤية شائعة، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان
قيل: لا تقبل، وقيل: تقبل مع العلة، وقبل: تقبل مطلقا وهو الأظهر سواء كانا من البلد
أو خارجه، وإذا رئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيهما أجمع
دون المتباعدة كالعراق وخراسان بل يلزم حيث رئي، ولا يثبت بشهادة الواحد على الأصح
ولا بشهادة النساء ولا اعتبار بالجدول ولا بالعدد، ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ولا برؤيته
يوم الثلاثين قبل الزوال ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية..
ويستحب صوم الثلاثين من شعبان بنية الندب، فإن انكشف من الشهر أجزأ
ولو صامه بنية رمضان لإمارة قيل: يجزئه، وقيل: لا وهو الأشبه، وإن أفطره فأهل شوال ليلة
التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه وكذا لو قامت بينة برؤية ليلة الثلاثين من
شعبان، وكل شهر يشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين، ولو غمت شهور السنة عد كل شهر منهما
ثلاثين وقيل: ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة، وقيل: يعمل في ذلك برواية الخمسة
332

والأول أشبه، ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهرا تغليبا، فإن استمر
الاشتباه فهو برئ وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه وإن كان قبله قضاه.
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني ووقت الإفطار غروب الشمس وحده ذهاب الحمرة
من المشرق، ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلى المغرب إلا أن تنازعه نفسه أو يكون من
يتوقعه للإفطار.
الثاني: في الشروط: وهي قسمان:
الأول: ما باعتباره يجب الصوم وهو سبعة: البلوغ وكمال العقل: فلا يجب على
الصبي ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على
الأظهر، وكذا المغمى عليه وقيل: إن نوى الصوم قبل الإغماء صح وإلا كان عليه القضاء
والأول أشبه. والصحة من المرض: فإن برئ قبل الزوال ولم يتناول وجب الصوم، وإن
كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحبابا ولزمه القضاء. والإقامة أو حكمها:
فلا يجب على المسافر، ولا يصح منه بل يلزمه القضاء ولو صام لم يجزئه مع العلم ويجزئه مع
الجهل، ولو حضر بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة أيام كان حكمه حكم برء المريض في
الوجوب وعدمه، وفي حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري والملاح وشبههما ما لم يحصل لهم
الإقامة عشرة أيام. والخلو من الحيض والنفاس: فلا يجب عليهما
ولا يصح منهما وعليهما القضاء.
الثاني: ما باعتباره يجب القضاء وهو ثلاثة شروط: البلوغ وكمال العقل والإسلام
فلا يجب على الصبي القضاء إلا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره وكذا المجنون،
والكافر وإن وجب عليه لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلما ولو أسلم في أثناء
اليوم أمسك استحبابا ويصوم ما يستقبله وجوبا، وقيل: يصوم إذا أسلم قبل الزوال وإن
ترك قضى والأول أشبه.
333

الثالث: ما يلحقه من الأحكام:
من فاته شهر رمضان أو شئ منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه، وكذا
إن فاته لإغماء وقيل: يقضي ما لم ينو قبل إغمائه والأول أظهر، ويجب القضاء على المرتد سواء
كان عن فطرة أو عن كفر، والحائض والنفساء وكل تارك له بعد وجوبه عليه إذا لم يقم
مقامه غيره، ويستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة وقيل: بل يستحب التفريق
للفرق، وقيل: يتابع في ستة ويفرق الباقي للرواية والأول أشبه.
وفي هذا الباب مسائل:
الأولى: من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا
ويستحب، وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط عنه قضاؤه على الأظهر وكفر عن
كل يوم من السالف بمد من الطعام، وإن برئ بينهما وأخره عازما على القضاء قضاه
ولا كفارة وإن تركه تهاونا قضاه وكفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام.
الثانية: يجب على الولي أن يقضي ما فات من الميت من صيام واجب رمضان كان
أو غيره سواء فات لمرض أو غيره، ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله
إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضي ولو مات مسافرا على رواية، والولي هو أكبر أولاده الذكور
ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء، ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن
تساووا في القضاء وفيه تردد، ولو تبرع بالقضاء بعض سقط، وهل يقضى عن المرأة
ما فاتها؟ فيه تردد.
الثالثة: إذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء وقيل: يتصدق عنه عن كل
يوم بمد من تركته، ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من مال الميت
عن شهر.
الرابعة: القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره ويحرم
بعده، ويجب معه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام، فإن لم يمكنه
صام ثلاثة أيام.
334

الخامسة: إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله قيل: يقضي الصلاة
والصوم، وقيل: يقضي الصلاة حسب وهو الأشبه.
السادسة: إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما وثبتت الرؤية في الماضية
أفطر وصلى العيد، وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.
القول في صوم الكفارات:
وهو اثنا عشر وينقسم على أربعة أقسام:
الأول: ما يجب فيه الصوم مع غيره، وهو كفارة القتل العمد فإن خصالها الثلاث
تجب جميعا وألحق بذلك، من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية.
الثاني: ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره، وهو ستة: صوم كفارة قتل الخطأ
والظهار والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال وكفارة اليمين والإفاضة من عرفات
عامدا قبل الغروب، وفي كفارة جزاء الصيد تردد وتنزيلها على الترتيب أظهر، وألحق
بهذه كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، و كفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر
رأسها.
الثالث: ما يكون الصائم مخيرا فيه بينه وبين غيره، وهو خمسة: صوم كفارة من أفطر في
يوم من شهر رمضان عامدا وكفارة خلف النذر والعهد والاعتكاف الواجب وكفارة حلق
الرأس في حال الإحرام وألحق بذلك كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب.
الرابع: ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره، وهو كفارة الواطئ أمته
المحرمة باذنه.
وكل صوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة: صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين
أو عهد، وصوم القضاء وصوم جزاء الصيد والسبعة في بدل الهدي، وكل ما يشترط فيه
التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله وإن أفطر لغير عذر استأنف، إلا ثلاثة مواضع:
الأول: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما
بنى ولو كان قبل ذلك استأنف. الثاني: ومن وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة
335

عشر يوما ثم أفطر لم يبطل صومه وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف. الثالث: وفي
صوم ثلاثة أيام عن الهدي إن صام يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء
أيام التشريق ولو كان أقل من ذلك استأنف، وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار
غير العيد، استأنف أيضا، وألحق به من وجب عليه صوم شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار
لكونه مملوكا وفيه تردد.
وكل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زمانا لا يسلم فيه، فمن وجب عليه
شهران متتابعان لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما، ولا شوالا مع يوم من ذي
القعدة ويقتصر، وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر، وقيل: القاتل في أشهر الحرم
يصوم شهرين منها، ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق لرواية زرارة والأول أشبه.
الثاني: الندب:
والندب من الصوم قد لا يختص وقتا: كصيام أيام السنة فإنه جنة من النار، وقد
يختص وقتا.
والمؤكد منه أربعة عشر قسما: صوم ثلاثة أيام من كل شهر أول خميس منه وآخر خميس
منه، وأول أربعاء من العشر الثاني، ومن أخرها استحب له القضاء ويجوز تأخيرها اختيارا
من الصيف إلى الشتاء، وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد من
طعام، وصوم أيام البيض وهي الثالث عشر و الرابع عشر والخامس عشر، وصوم يوم
الغدير وصوم يوم مولد النبي ع ويوم مبعثه ويوم دحو الأرض، وصوم يوم عرفة لمن
لم يضعفه من الدعاء وتحقق الهلال وصوم عاشوراء على وجه الحزن ويوم المباهلة وصوم يوم
كل خميس وكل جمعة وأول ذي الحجة، وصوم رجب وصوم شعبان.
ويستحب الإمساك تأديبا وإن لم يكن صوما في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله
أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرا فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، وكذا المريض إذا برئ،
وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ،
والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.
336

ولا يجب صوم النافلة بالدخول فيه وله الإفطار أي وقت شاء، ويكره بعد الزوال.
الثالث: المكروه:
والمكروهات أربعة: صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء ومع الشك في الهلال، وصوم
النافلة في السفر عدا ثلاثة أيام في المدينة للحاجة، وصوم الضيف نافلة من غير إذن مضيفه
والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي، وكذا يكره صوم الولد من غير إذن والده والصوم ندبا لمن
دعي إلى طعام.
الرابع: المحظور:
والمحظورات تسعة: صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر، وصوم
يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض وصوم نذر المعصية وصوم الصمت وصوم الوصال،
وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر وقيل: هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وأن تصوم
المرأة ندبا بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها، وكذا المملوك وصوم الواجب سفرا عدا
ما استثني.
النظر الثالث: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة بالصوم، ويبني في ذلك
على ما يعلمه من نفسه أو يظنه لأمارة كقول عارف: ولو صام مع تحقق الضرر متكلفا قضاه.
الثانية: المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب ولو صام عالما بوجوبه قضاه،
وإن كان جاهلا لم يقض.
الثالثة: الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ويزيد على ذلك
تبييت النية، وقيل: لا يعتبر بل يكفي خروجه قبل الزوال، وقيل: لا يعتبر أيضا بل يجب
القصر ولو خرج قبل الغروب والأول أشبه، وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب
قصر الصوم وبالعكس إلا لصيد التجارة على قول.
337

الرابعة: الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفرا يلزمهم الصوم، وهم الذين سفرهم أكثر
من حضرهم ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره، وقيل: يلزمهم الإتمام
مطلقا عدا المكاري.
الخامسة: لا يفطر المسافر حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره،
فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة.
السادسة: الهم والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من
طعام ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط، وقيل: إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير
كما يسقط الصوم وإن أطاقا بمشقة كفرا والأول أظهر.
السابعة: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان وتقضيان
مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.
الثامنة: من نام في رمضان واستمر نومه فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه وإن لم
ينو فعليه القضاء، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء سواء عرض ذلك
أياما أو بعض يوم وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على
الأشبه.
التاسعة: من يسوع له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب
وكذا الجماع، وقيل: يحرم والأول أشبه.
كتاب الاعتكاف
والكلام فيه وفي أقسامه وأحكامه:
الأول: الكلام فيه:
الاعتكاف: هو اللبث المتطاول للعبادة، ولا يصح إلا من مكلف مسلم،
وشرائط ستة:
338

الأول: النية، ويجب فيه نية القربة ثم إن كان منذورا نواه واجبا وإن كان مندوبا نوى
الندب، وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر وجدد نية الوجوب.
الثاني: الصوم فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممن يصح منه، فإن اعتكف في
العيدين لم يصح وكذا لو اعتكفت الحائض والنفساء.
الثالث: العدد، لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام، فمن نذر اعتكافا مطلقا وجب أن يأتي
عليه بثلاثة وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم
، ومن ابتدأ اعتكافا مندوبا كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع فإن اعتكف يومين وجب
الثالث وكذا لو اعتكف ثلاثا ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس، ولو دخل في
الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصح، ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها قيل:
يصح، وقيل: لا، لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم، ولا يجب
التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة بل لا بد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد إلا أن
يشترط التتابع لفظا أو معنى.
الرابع: المكان، فلا يصح إلا في مسجد جامع، وقيل: لا يصح إلا في المساجد الأربعة:
مسجد مكة ومسجد النبي ع ومسجد الجامع بالكوفة ومسجد البصرة، وقائل:
جعل موضعه مسجد المدائن، وضابطه كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة، ومنهم من
قال: جمعة، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
الخامس: إذن من له ولاية: كالمولى لعبده والزوج لزوجته، وإذا أذن من له ولاية
كان له المنع قبل الشرع وبعده ما لم يمض يومان أو يكون واجبا بنذر وشبهه.
فرعان:
الأول: المملوك إذا هايأه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه.
الثاني: إذا أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه إلا أن يكون شرع فيه بإذن
المولى.
السادس: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه طوعا
339

خرج أو كرها، فإن لم يمض ثلاثة أيام بطل الاعتكاف وإن مضت فهي صحيحة إلى حين
خروجه، ولو نذر اعتكاف أيام معينة ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع
ويستأنف، ويجوز الخروج للأمور الضرورية كقضاء الحاجة والاغتسال وشهادة الجنازة
وعيادة المريض وتشييع المؤمن وإقامة الشهادة، وإذا خرج لشئ من ذلك لم يجز له الجلوس
ولا المشي تحت الظلال ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة فإنه يصلى بها أين شاء،
ولو خرج من المسجد ساهيا لم يبطل اعتكافه.
فروع:
الأول: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يشترط التتابع فاعتكف بعضا وأخل بالباقي،
صح ما فعل وقضى ما أهمل ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف.
الثاني: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج كالمحبوس والناسي،
قضاه.
الثالث: إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل بيوم قضاه لكن يفتقر أن يضم إليه آخرين
ليصح الإتيان به.
الرابع: إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح
ويضيف إليه آخرين.
الثاني: في أقسامه:
وأما أقسامه فإنه ينقسم إلى: واجب وندب، فالواجب ما وجب بنذر وشبهه
والمندوب ما تبرع به، فالأول يجب بالشروع والثاني: لا يجب المضي فيه حتى يمضى يومان
فيجب الثالث، وقيل: لا يجب والأول أظهر، ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له
ذلك أي وقت شاء ولا قضاء. ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.
340

الثالث: في أحكامه:
وأما أحكامه: فقسمان:
القسم الأول: ما يحرم عليه:
إنما يحرم على المعتكف ستة: النساء لمسا وتقبيلا وجماعا، وشم الطيب على الأظهر
واستدعاء المني والبيع والشراء، والمماراة
وقيل: يحرم عليه ما يحرم على المحرم ولم يثبت. فلا يحرم عليه لبس المخيط ولا إزالة
الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح، ويجوز له النظر في أمور معاشه والخوض في المباح،
وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه ليلا عدا الإفطار.
ومن مات قبل انقضاء الاعتكاف الواجب قيل: يجب على الولي القيام به، وقيل:
يستأجر من يقوم به والأول أشبه.
القسم الثاني: فيما يفسده: وفيه مسائل:
الأولى: كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف كالجماع والأكل والشرب والاستمناء،
فمتى أفطر في اليوم الأول والثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجبا وإن أفطر في الثالث
وجب الكفارة، ومنهم من خص الكفارة بالجماع حسب واقتصر في غيره من المفطرات
على القضاء وهو الأشبه، ويجب كفارة واحدة إن جامع ليلا وكذا لو جامع نهارا في غير
رمضان ولو كان فيه لزمه كفارتان.
الثانية: الارتداد موجب للخروج من المسجد ويبطل الاعتكاف، وقيل: لا يبطل وإن
عاد بنى والأول أشبه.
الثالثة: قيل: إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه
أربع كفارات، وقيل: يلزمه كفارتان وهو الأشبه.
الرابعة: إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها ثم قضت واجبا إن كان واجبا
341

أو مضى يومان وإلا ندبا.
الخامسة: إذا باع أو اشترى قيل يبطل اعتكافه، وقيل: يأثم ولا يبطل وهو الأشبه
. السادسة: إذا اعتكف ثلاثة متفرقة قيل: يصح لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط،
وقيل: لا وهو الأصح.
342

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
343

كتاب الصوم
وهو يستدعي بيان أمور:
الأول: الصوم:
وهو الكف عن المفطرات مع النية ويكفي في شهر رمضان نية القربة وغيره يفتقر إلى
التعيين وفي النذر المعين تردد، ووقتها ليلا، ويجوز تجديدها في شهر رمضان إلى الزوال وكذا
في القضاء، ثم يفوت وقتها، وفي وقتها للمندوب روايتان أصحهما مساواة الواجب، وقيل:
يجوز تقديم نية شهر رمضان على الهلال ويجزئ فيه نية واحدة، ويصام يوم الثلاثين من
شعبان بنية الندب، ولو اتفق من رمضان أجزأ ولو صام بنية الواجب لم يجر وكذا لو ردد
نيته وللشيخ قول آخر، ولو أصبح بنية الإفطار فبان من رمضان جدد نية الوجوب ما لم تزل
الشمس وأجزأه، ولو كان بعد الزوال أمسك واجبا وقضاه.
الثاني: فيما يمسك عنه الصائم: وفيه مقصدان:
الأول:
يجب الإمساك عن تسعة: الأكل والشرب المعتاد وغيره، والجماع والاستمناء
وإيصال الغبار إلى الحلق متعديا والبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر ومعاودة النوم جنبا
والكذب على الله ورسوله والأئمة ع، والارتماس في الماء، وقيل يكره، وفي
345

السعوط ومضغ العلك تردد أشبهه الكراهية، وفي الحقنة قولان، أشبههما التحريم بالمائع.
والذي يبطل الصوم إنما يبطله عمدا اختيارا، فلا يفسد بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي
وزق الطائر، وضابطه ما لا يتعدى الحلق، ولا استنقاع الرجل في الماء، والسواك في الصوم
مستحب ولو بالرطب.
ويكره مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة، والاكتحال بما فيه صبر أو مسك وإخراج
الدم المضعف ودخول الحمام كذلك وشم الرياحين ويتأكد في النرجس، والاحتقان بالجامد
وبل الثوب على الجسد وجلوس المرأة في الماء.
المقصد الثاني: وفيه مسائل:
الأولى: تجب الكفارة والقضاء بتعمد الأكل والشرب والجماع قبلا ودبرا على الأظهر
، والإمناء بالملاعبة والملامسة وإيصال الغبار إلى الحلق، وفي الكذب على الله والرسول
والأئمة ع، وفي الارتماس قولان أشبههما أنه لا كفارة، وفي تعمد البقاء على
الجنابة إلى الفجر روايتان، أشهرهما الوجوب، وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى طلع الفجر.
الثانية: الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وقيل هي
مرتبة، وفي رواية يجب على الإفطار بالمحرم كفارة الجمع.
الثالثة: لا تجب الكفارة في شئ من الصيام عدا شهر رمضان والنذر المعين وقضاء
شهر رمضان بعد الزوال والاعتكاف على وجه.
الرابعة: من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا قضاء ولا كفارة، ولو انتبه
ثم نام ثانيا فعليه القضاء، ولو انتبه ثم نام ثالثة قال الشيخان: عليه القضاء والكفارة.
الخامسة: يجب القضاء دون الكفارة في الصوم الواجب المتعين بسبعة أشياء: فعل
المفطر والفجر طالع ظانا بقاء الليل مع القدرة على مراعاته. وكذا مع الإخلاد إلى المخبر
ببقاء الليل مع القدرة على المراعاة والفجر طالع، وكذا لو ترك قول المخبر بالفجر لظنه
كذبه ويكون صادقا، كذا لو أخلد إليه في دخول الليل فأفطر وبان كذبه مع القدرة على
المراعاة والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، ولو غاب على ظنه دخول الليل لم يقض
346

وتعمد القئ ولو ذرعه لم يقض وإيصال الماء إلى الحلق متعديا لا للصلاة، وفي إيجاب
القضاء بالحقنة قولان أشبههما أنه لا قضاء، وكذا من نظر إلى امرأة فأمنى.
السادسة: تتكرر الكفارة مع تغاير الأيام، وهل تتكرر بتكرر الوطء في اليوم
الواحد؟ قيل: نعم، والأشبه أنها لا تتكرر، ويعزر من أفطر لا مستحلا مرة وثانية فإن عاد
ثالثة قتل.
السابعة: من وطأ زوجته مكرها لها لزمه كفارتان ويعزر دونها، ولو طاوعته كان على
كل منهما كفارة ويعزران.
الثالث: من يصح منه:
ويعتبر في الرجل العقل والإسلام وكذا في المرأة مع اعتبار الخلو من الحيض
والنفاس، فلا يصح من الكافر وإن وجب عليه ولا من المجنون والمغمى عليه ولو سبقت
منه النية على الأشبه، ولا من الحائض والنفساء ولو صادف ذلك أول جزء من النهار أو آخر
جزء منه ولا يصح من الصبي غير المميز، ويصح من الصبي المميز ومن المستحاضة مع
فعل ما يجب عليها من الأغسال، ويصح من المسافر في النذر المعين المشترط سفرا وحضرا
على قول مشهور، وفي ثلاثة أيام لدم المتعة وفي بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل
الغروب، عامدا، ولا تصح في واجب غير ذلك على الأظهر إلا أن يكون سفره أكثر من
حضره أو يعزم الإقامة عشرة، والصبي المميز يؤخذ بالواجب لسبع استحبابا مع الطاقة
ويلزم به عند البلوغ إلى نفسه، فلا يصح من المريض مع التضرر به ويصح لو لم يتضرر
ويرجع في ذلك.
الرابع: في أقسامه:
وهي أربعة: واجب وندب ومكروه ومحظور.
فالواجب ستة: شهر رمضان والكفارة ودم المتعة والنذر وما في معناه،
والاعتكاف على وجه وقضاء الواجب المعين.
347

أما شهر رمضان فالنظر في علامته وشروطه وأحكامه:
الأول: أما علامته فهي رؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه ولو انفرد بالرؤية،
ولو رئي شائعا أو مضى من شعبان ثلاثون وجب الصوم عاما، ولو لم يتفق ذلك قيل: يقبل
الواحد احتياطا للصوم خاصة، وقيل: لا يقبل مع الصحو إلا خمسون نفسا أو اثنان من
خارج، وقيل: يقبل شاهدان كيف كان وهو أظهر.
ولا اعتبار بالجدول ولا بالعدد ولا بالغيبوبة بعد الشفق ولا بالتطوق ولا بعد خمسة أيام
من هلال الماضية، وفي العمل برؤيته قبل الزوال تردد، ومن كان بحيث لا يعلم الأهلة
توخى صيام شهر، فإن استمر الاشتباه أجزأه وكذا إن صادف أو كان بعده، ولو كان قبله
استأنف.
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني فيحل الأكل والشرب حتى يتبين خيطه، والجماع
حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع والاغتسال، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة المشرقية،
ويستحب تقديم الصلاة على الإفطار إلا أن تنازع نفسه أو يكون من يتوقع إفطاره.
أما شروطه فقسمان:
الأول: شرائط الوجوب، وهي ستة: البلوغ وكمال العقل فلو، بلغ الصبي أو أفاق
المجنون أو المغمى عليه لم يجب على أحدهم الصوم إلا ما أدرك فجره كاملا، والصحة من
المرض، والإقامة أو حكمها، ولو زال السبب قبل الزوال ولم يتناول أمسك واجبا وأجزأه
ولو كان بعد الزوال أو قبله وقد تناول أمسك ندبا وعليه القضاء، والخلو من الحيض
والنفاس.
الثاني: شرائط القضاء، وهي ثلاثة: البلوغ وكمال العقل والإسلام، فلا يقضي ما فاته لصغر
أو جنون أو إغماء أو كفر، والمرتد يقضي ما فاته وكذا كل تارك عدا الأربعة عامدا أو ناسيا.
وأما أحكامه ففيه مسائل:
الأولى: المريض إذا استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط القضاء على الأظهر
348

وتصدق عن الماضي عن كل يوم بمد، ولو برئ وكان في عزمه القضاء ولم يقض صام الحاضر
وقضى الأول ولا كفارة، ولو ترك القضاء تهاونا صام الحاضر وقضى الأول وكفر عن كل يوم
منه بمد.
الثانية: يقضي عن الميت أكبر ولده ما تركه من صيام لمرض وغيره مما تمكن من قضائه
ولم يقضه، ولو مات في مرضه لم تقض عنه وجوبا واستحب، وروي القضاء عن المسافر
ولو مات في ذلك السفر، والأولى مراعاة التمكن ليتحقق الاستقرار، ولو كان وليان قضيا
بالحصص ولو تبرع بعض صح، ويقضى عن المرأة ما تركته على تردد.
الثالثة: إذا كان الأكبر أنثى فلا قضاء، وقيل: يتصدق من التركة عن كل يوم بمد،
ولو كان عليه شهران متتابعان جاز أن يقضي الولي شهرا ويتصدق عن شهر.
الرابعة: قاضي رمضان مخير حتى تزول الشمس ثم يلزمه المضي، فإن أفطر لغير عذر
أطعم عشرة مساكين ولو عجز صام ثلاثة أيام.
الخامسة: من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر فالمروي قضاء الصلاة والصوم
والأشبه قضاء الصلاة حسب.
وأما بقية أقسام الصوم فستأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى.
والندب من الصوم منه ما لا يختص وقتا فإن الصوم جنة من النار، ومنه ما يختص
وقتا، والمؤكد منه أربعة عشرة: صوم أول خميس من الشهر وأول أربعاء من العشر الثاني
وآخر خميس من العشر الأخير، ويجوز تأخيرها مع المشقة من الصيف إلى الشتاء ولو عجز
تصدق عن كل يوم بمد، وصوم أيام البيض ويوم الغدير ومولد النبي عليه الصلاة والسلام
ومبعثه، ودحو الأرض ويوم عرفة لمن لم يضعفه الدعاء مع تحقق الهلال، وصوم عاشوراء حزنا
ويوم المباهلة وكل خميس وجمعة وأول ذي الحجة ورجب كله وشعبان كله.
ويستحب الإمساك في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة
بعد الزوال أو قبله وقد تناول، وكذا المريض إذا برئ، وتمسك الحائض والنفساء والكافر
والصبي والمجنون والمغمى عليه إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، ولو لم يتناولوا،
ولا يصح صوم الضيف ندبا من غير إذن مضيفه ولا المرأة من غير إذن الزوج ولا الولد من
349

غير إذن الوالد ولا المملوك بدون إذن مولاه، ومن صام ندبا ودعي إلى الطعام فالأفضل
الإفطار.
والمحظور صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، وقيل: القاتل في أشهر الحرم
يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق لرواية زرارة والمشهور عموم المنع،
وصوم آخر شعبان بنية الفرض ونذر المعصية والصمت والوصال، وهو أن يجعل عشاءه
سحوره، وصوم الواجب سفرا عدا ما استثني.
الخامس: في اللواحق: وهي مسائل:
الأولى: المريض يلزمه الإفطار مع ظن به الضرر ولو تكلفه لم يجزئه.
الثانية: المسافر يلزمه الإفطار ولو صام عالما بوجوبه قضاه ولو كان جاهلا لم يقض.
الثالثة: الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ويشترط في قصر
الصوم تبييت النية، وقيل: الشرط خروجه قبل الزوال، وقيل: يقصر ولو خرج
قبل الغروب، وعلى التقديرات لا يفطر إلا حيث يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه
أو يخفى أذانه.
الرابعة: الشيخ والشيخة إذا عجزا تصدقا عن كل يوم بمد، وقيل: لا يجب عليهما مع
العجز ويتصدقان مع المشقة، وذو العطاش يفطر ويتصدق عن كل يوم بمد ثم إن برئ قضى،
والحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لهما الإفطار ويتصدقان عن كل يوم بمد ويقضيان.
الخامسة: لا يجب صوم النافلة بالشروع فيه ويكره إفطاره بعد الزوال.
السادسة: كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر بنى، وإن أفطر لا لعذر استأنف
إلا ثلاثة مواضع:
من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني شيئا، ومن وجب
عليه شهر بنذر فصام خمسة عشر يوما، وفي الثلاثة الأيام عن هدي التمتع إذا صام يومين
وكان الثالث العيد أفطر وأتم الثالث بعد أيام التشريق إن كان بمنى، ولا يبني لو كان
الفاصل غيره.
350

كتاب الاعتكاف
والنظر في شروطه وأقسامه وأحكامه:
أما الشروط فخمسة:
النية، والصوم فلا يصح إلا في زمان يصح صومه ممن يصح منه. والعدد وهو ثلاثة أيام،
والمكان وهو كل مسجد جامع، وقيل: لا يصح إلا في أحد المساجد الأربعة: مكة والمدينة
وجامع الكوفة والبصرة، والإقامة في موضع الاعتكاف، فلو خرج أبطله إلا لضرورة أو طاعة
مثل تشييع جنازة مؤمن أو عيادة مريض أو شهادة، ولا يجلس لو خرج ولا يمشي تحت ظل
ولا يصلى خارج المسجد إلا بمكة.
وأما أقسامه فهو واجب وندب:
فالواجب ما وجب بنذر وشبهه وهو ما يلزم بالشروع، والمندوب ما يتبرع به ولا يجب
بالشروع، فإذا مضى يومان ففي وجوب الثالث قولان، المروي أنه يجب، وقيل: لو اعتكف
ثلاثا فهو بالخيار في الزائد، فإن اعتكف يومين آخرين وجب الثالث.
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: يستحب للمعتكف أن يشترط كالمحرم فإن شرط جاز له الرجوع ولم يجب
القضاء، ولو لم يشترط ثم مضى يومان وجب الإتمام على الرواية ولو عرض عارض خرج فإذا
زال وجب القضاء.
الثانية: يحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء والبيع والشراء وشم الطيب، وقيل
يحرم عليه ما يحرم على المحرم ولم يثبت.
الثالثة: يفسد الاعتكاف ما يفسد الصوم ويجب الكفارة بالجماع فيه مثل كفارة شهر
رمضان ليلا كان أو نهارا، ولو كان في نهار شهر رمضان لزمه كفارتان، ولو كان بغير الجماع
مما يوجب الكفارة في شهر رمضان، فإن وجب بالنذر المعين لزمت الكفارة وإن لم يكن معينا
351

أو كان تبرعا فقد أطلق الشيخان لزوم الكفارة، ولو خصا ذلك بالثالث كان أليق بمذهبهما.
352

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
353

كتاب الصوم
باب حقيقة الصوم وشروطه وأقسامه وعلامة الشهر ووقت الصوم والإفطار
والمفطرات وما يستحب للصائم ويكره ويجوز:
الصوم: إمساك بالنهار عن المفطرات بالنية وهو ضربان: واجب وندب والواجب
مطلق ومسبب، فالمطلق صوم شهر رمضان ووجوبه على كل انسان بالغ كامل العقل
صحيح، مقيم أو من هو بحكمه طاهر من حيض ونفاس في المرأة، وبلوغ المرأة والرجل
بالاحتلام وإنبات العانة، وتختص المرأة بالحيض وبلوغ عشر سنين والرجل بخمس
عشرة سنة، ويستحب أخذ غير البالغ بالصوم إن أطاقه، وشرط القضاء: الاسلام والبلوغ
وكمال العقل، ويقضي المرتد والسكران.
وعلامة الشهر: رؤية الهلال فإن رآه وحده صام فإن أفطر قضى وكفر، وإن شهد به
شاهدا عدل وجب الصوم والفطر بهما، ولا يقبل فيها شهادة الواحد ولا شهادة النساء،
فإن تواتر برؤيته من لا يكذبون وجب ولو كانوا فسقة وكفرة ونساء، فإن غم الهلال عد
شعبان ثلاثين وصام بعده وإن صام يوم الثلاثين بنية شعبان ثم بان أنه من شهر رمضان
أجزأه وإن صامه شاكا فيه أو بنية شهر رمضان لم يجزئه وإن رأى الهلال نهارا فهو لليلة
المستقبلة صغر أو كبر قبل الزوال أو بعده ولا عبرة بتطوقه، ولا رؤية ظل الشخص فيه
355

وغيابه بعد الشفق، ويصوم ما بين الهلالين ولا عبرة بالعدد والجدول وغيرهما.
وإذا رأى في بلد فما قاربه بحكمه وما باعده كمصر وبغداد فليس بحكمه، وما
روي أنه إذا حقق هلال العام الماضي عد خمسة أيام وصام يوم الخامس أو حقق هلال رجب
عد منه تسعة وخمسين يوما وصام يوم الستين فمحمول على صومه بنية شعبان، وإن غمت
أهله السنة كلها فعند بعض أصحابنا يعمل بالرواية لأن الشهور لا يكون كلها تامة، وقال
آخرون يعدها ثلاثين ثلاثين.
والنية واجبة، ويكفي نية القربة في شهر رمضان ونية واحدة في كله ولا تعتبر مقارنة النية
فيه وتجديد النية في كل ليلة أفضل، فإن أصبح ولم ينو مع علمه أنه يوم صوم بطل صومه،
وغيره من الصوم يحتاج إلى نية التعيين المقارنة له ومحلها ليلة الصوم وينوي كل ليلة، فإن
أصبح يوم الثلاثين من شعبان بنية الفطر ثم بان أنه من شهر رمضان جدد النية إلى الزوال،
وكذلك في كل صوم، وروي في الصوم النفل يجددها إلى الغروب ويحمل على أنه قد بقي
من النهار ما يمسك فيه، فإن زالت الشمس في الواجبات لم يجزئ تجديدها وأمسك وقضى
بدله في شهر رمضان والنذر المعين وإن كان أفطر في أول النهار فلا كفارة عليه، وإن أصبح
بنية الصوم من شعبان ثم بان فيما بعد أنه من شهر رمضان أجزأه.
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني، ووقت الإفطار غروب الشمس وعلامته زوال
الحمرة المشرقية، ويحل له الأكل والشرب من الغروب إلى طلوع الفجر والجماع إلى أن
يبقى من الليل قدر الغسل، فإن غلب في ظنه ذلك ثم طلع الفجر وهو مولج نزع وأتم
صومه وإن ظن أنه لم يبق قدر ذلك فجامع ثم طلع الفجر عليه مولجا فسد صومه وإن طلع
الفجر وفي فمه طعام ألقاه وأتم صومه. والمحبوس إذا توخى شهرا فصامه ووافق شهر
رمضان أو بعده أجزأه، وإن صام قبله لم يجزئه. والأفضل أن يصلى قبل أن يفطر إلا أن يكون
عنده من يفطر وينتظره أو تكون به حاجة شديدة إلى الإفطار.
والمفطرات ضربان:
ضرب: يوجب القضاء والكفارة وهو: الأكل والشرب عالما، والجماع في قبل أو دبر
356

عالما بالتحريم فإن طاوعته زوجته الصائمة على ذلك فعليها مثل ما عليه وإن أكرهها
فصومها صحيح وعليه كفارة أخرى فإن جهل فلا شئ عليه، والاستمناء بيده أو عند ملاعبة
ومباشرة فإن أمذى بسماع أو مشاهدة أو أمنى فلا شئ عليه، وتعمد المقام على الجنابة
والغسل ممكن حتى يطلع الفجر، ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين حتى طلع الفجر،
وأضاف إلى ذلك بعض أصحابنا تعمد الارتماس في الماء وتعمد الكذب على الله ورسوله
والأئمة وإيصال غبار الغليظ وشبهه إلى الحلق، وشرط بعضهم أن يكون له منه بد.
والكفارة: عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل
مسكين مد من طعام، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، وكل
من وجب عليه صوم شهرين في كفارة فعجز صام ذلك، فإن أفطر على حرام أو جامع حراما
فعليه الثلاثة جميعا، فإن كرر الجماع في يومه تكررت الكفارة نصا، وإن كرر الأكل أو
الشرب أو أكل ثم جامع أو شرب فكفارة واحدة لأنه أفطر بالأول لا بالثاني.
والضرب الثاني: يوجب القضاء دون الكفارة وهو: من معاودة النوم جنبا بعد
انتباهة واحدة وطلع الفجر، والأكل والشرب والجماع ولم يرصد الفجر مع قدرته على رصده
وبان أنه كان طالعا، والصوم على نسيان الجنابة الشهر أو بعضه.
وتعمد القئ والحقنة بالمائع وازدراد ما لا يؤكل كالجوهر على قول، و تواني الحائض
بعد انقطاع دمها عن الغسل حتى أصبحت صائمة على الرواية، وترك المستحاضة ذات
الدم الكثيرة الاغتسال وصامت، ودخول الماء حلقه بلا قصد وقد تمضمض لعطش أو لعب،
فإن كان للصلاة فلا شئ عليه، وروي: إن كان لصلاة فرض لم تقض وإن كان لنفل
قضى، والإفطار لظلمة شديدة ثم طلعت الشمس والأولى أن لا قضاء عليه.
وجميع ما ذكرناه مفطرا إذا وقع نسيانا أو بإكراه لم يفطر في نفل ولا فرض. وإنما تفطر
هذه وتوجب القضاء والكفارة أو القضاء في صوم متعين وهو صوم شهر رمضان وقضاؤه بعد
الزوال وصوم الاعتكاف والنذر المعين، وأن وقعت في غيرها أفسدته فقط، وإذا نام الجنب
بنية الغسل قبل الصبح فاستمر به إلى طلوعه فلا شئ عليه، والصائم إذا ارتد ثم رجع
357

إلى الاسلام لم يبطل صومه.
ما يكره للصائم:
ويكره للصائم شم الرياحين والنرجس واستدخال أشياف جامدة، وبل ثوب على
جسده واستنقاع المرأة في الماء ولا بأس به للرجل إلى عنقه، والقبلة للشاب والملاعبة
والمباشرة بالشهوة والكحل فيه مسك أو صبر وإنشاد الشعر ليلا ونهارا وإن كان حقا،
والفصد والحجامة ودخول الحمام لأدائها إلى الضعف، والسعوط وتقطير الدهن في أذنه
والكلام غير المجدي نفعا.
ما يجوز للصائم:
ويجوز له: التطيب وذوق المرق ومضغ الطعام للصبي والفرخ والمضمضة والاستنشاق
ويبصق بعد ذلك مرة وروي: ثلاثا، ومص الخاتم والخرز والسواك رطبه ويابسه، وبل
يابسه أي النهار شاء.
ما يستحب للصائم:
ويستحب له: الاشتغال بالاستغفار والتسبيح والصلاة على محمد وآله والدعاء
وتلاوة القرآن وتفطير الصوام ولو بيسير والإفضال على الإخوان، وصلة الأرحام وتشييع
الجنائز وعيادة المرضى والسحور ولو بشربة ماء، وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر: إذا
صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك، وعدد أشياء غير هذا وقال: لا يكون يوم
صومك كيوم فطرك، وكان النبي ص إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير
وأعطى كل سائل. ويتأكد قبح القبيح في الصوم، وإذا شتم الصائم قال: إني صائم سلام
عليك. وصوم شهر رمضان مضيق ومعناه لا بدل له، والصوم المسبب ما عداه.
فمنه المضيق وهو: قضاء صوم شهر رمضان والنذر وقضاؤه وصوم الاعتكاف وقضاؤه
ومنه المرتب، ومعناه ما لا يفعل إلا بعد تعذر ما قبله وهو: صوم كفارة قتل الخطأ وكفارة
358

الظهار وكفارة اليمين وكفارة نتف المرأة شعر رأسها في المصاب وكفارة لطمها وجهها
حتى يدمي، وكفارة شق الرجل ثوبه في موت زوجته وولده وكفارة إفطار قضاء يوم من شهر
رمضان بعد الزوال وكفارة تعمد الإفاضة من عرفات قبل الغروب، وصوم من كان عليه
بدنة في فداء لم يجدها ولا بدلها وصوم جزاء الصيد ودم المتعة، ومنه المخير، ومعناه ما له فعله
أو فعل بدله وهو: صوم كفارة إفطار شهر رمضان وقيل: على الترتيب، وكفارة إفطار النذر
المعين وكفارة إفطار الاعتكاف، وصوم كفارة حلق المحرم رأسه وجز المرأة شعر رأسها في
مصاب.
وينقسم: إلى ما تجب متابعته وهو كل شهرين وجبا كفارة إلا صوم جزاء النعامة،
وصوم النذر المقيد بالتتابع وصوم شهر العبد في ظهاره وصوم كفارة اليمين، وإفطار قضاء
رمضان ونتف المرأة شعر رأسها في مصاب ولطمها وجهها فيدمى، وصوم دم المتعة إلا إذا
صام يوم التروية والذي يليه، وصوم الاعتكاف وصوم كفارة شق الثوب.
ويجب الجمع في كفارة قتل العمد بين العتق والإطعام وصوم شهرين متتابعين وبحيث
ذكرنا وكل شهرين متتابعين عن كفارة أو نذر مقيد بالتتابع أو شهر كفارة ظهار العبد أو شهر
نذر متتابعا إذا أفطر فيها عن مرض أو حيض بنى وإن أفطر لغير ذلك استأنف إلا إذا صام
من الشهر الثاني ولو يوما أو صام خمسة عشر يوما من الشهر فإنه يبني بكل حال وإن أفطر
في كفارة اليمين وشبهها استأنف بكل حال، وكفارة تعمد تفويت صلاة عشاء الآخرة حتى
مضى نصف الليل أن يصبح صائما على رواية.
وما لا يجب تتابعه: قضاء شهر رمضان والنذر المطلق وقضاء النذر المعين وصوم جزاء
الصيد وصوم حلق المحرم رأسه والسبعة الأيام لدم المتعة ولا تصام هذه
في السفر إلا ثلاثة أيام لدم المتعة، وصوم الإفاضة وصوم من عليه بدنة في فداء والنذر المعين
بالسفر، ولا في يوم العيد وأيام التشريق بمنى ويجوز في غيرها من الأمصار.
وروي في القاتل في أشهر الحرم: يصوم الشهرين فيها العيد وأيام التشريق، وإن نذر
صوم العيد أثم ولا قضاء وإن نذر صوم يوم فوافقه أفطر وقضى ولم يأثم وقيل: لا قضاء، وإن
نذر صوم يوم قدوم زيد لم يصح لاستحالة صوم الفائت، وإن نذر صوما غير معين صام يوما.
359

والصائم المتطوع إن شاء أتمه وإن شاء أفطر، ويكره أن يفطر بعد الزوال إلا أن يدعوه
مؤمن فأجابته من غير أن يعلمه أفضل ولا قضاء عليه، وإذا كان عليه شهران متتابعان في
أول شعبان تركه حتى يخرج شهر رمضان إلا أن يصوم مع شعبان ولو يوما من رجب فيتمه
بعد ويبني عليه.
ونذر صوم الحين ستة أشهر والزمان خمسة أشهر، وإن نذر شهرا صام بين هلالين وإن
صام بعد مضى بعض أشهر عد ثلاثين وقيل: يصوم ما أدرك فيه وبعده ما مضى منه، ومن
نذر أن يصوم بموضع قرية شهرا عينه وجب عليه، فإن صام بعضه ولم يمكنه المقام خرج
وقضى فائته عند أهله، وإذا نذر يوما معلوما فوافق شهر رمضان صام ولا قضاء.
الصوم المسنون:
والمسنون مفصل ومجمل:
فالمفصل: أما لسبب كصوم ثلاثة أيام للحاجة أو لوقت مثل صوم ثلاثة أيام من
الشهر: أول خميس في العشر الأول وأول أربعاء في الثاني وآخر خميس في الثالث، وروي:
خميس بين أربعائين وهن يعدلن صوم الدهر، ويستحب قضاؤها إذا فاتت فإن عجز تصدق
عن كل يوم بدرهم أو بمد، وصوم الغدير والمبعث والمولد وهو سابع عشر شهر ربيع الأول،
وروي أنه الثاني عشر منه، ويوم دحو الأرض من تحت الكعبة خامس وعشرين من ذي
القعدة، ويوم عاشوراء على وجه الحزن وروي: الفطر فيه بعد العصر، ويوم عرفة إذا لم
يضعفه عن الدعاء وأول يوم من ذي الحجة وأول يوم من رجب ورجب كله. وشعبان كله
وأيام البيض من كل شهر: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
والمجمل: ما يمكن منه العبد فقد قال ع: الصوم جنة، وقال: الصوم
يسود وجه الشيطان، وقال، قال الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به.
ويكره صوم الدهر عدا العيدين وأيام التشريق لأنه يضعف عن كثير من العبادة،
وروي: التخيير في صوم الجمعة والخميس وستة أيام من شوال، ولا وصال في صيام وهو:
جعل العشاء سحورا أو صوم يومين لا فطر بينهما، ولا صمت يوم إلى الليل.
360

الصوم الحرام:
ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق بمنى وصوم نذر المعصية ظفرا بها، و إن أراد ردع
نفسه عنها بذلك وجب عليه، وصوم يوم الشك على ما ذكرنا.
ولا تصوم المرأة والعبد والضيف ندبا إلا بإذن السيد والزوج والمضيف ولا استئذان في
الواجب، وإذا أسلم الكافر وحضر المسافر وأفاق المريض وطهرت المرأة وبلغ الصبي
قبل الفجر وجب عليهم الصوم وإن كان ذلك بعد الفجر فلا صوم للحائض، ومن أسلم
ومن بلغ ويمسكون أدبا ويقضي الحائض خاصة، والمريض والمسافر إن لم يكونا أفطرا
إلى قبل الزوال صاما وأجزأهما، فإن كان ذلك منهما بعد الزوال أو قبله وكانا قد أفطرا تأدبا
بالإمساك وقضيا وإن حاضت في بعض النهار تأدبت بالإمساك وقضت.
باب المعذور في الصيام وحكم القضاء:
المرض الذي يخاف بالصوم فيه الهلاك أو الزيادة فيه يجب فيه الإفطار وإن صام لم
يجزئه وإذا برئ قضاه، فإن لم يقضه حتى مات قضى عنه وليه فإن كان له وليان فأكبرهما فإن
استويا فمن بادر إلى القضاء فقد حصل وإلا صاما معا وإن كان الأكبر امرأة لم تصم، وإن
مرض حتى مات لم يقض الولي وإن أوصى إلى من يقضي لم يلزمه القضاء، ويقضي عنه
ما فات بالسفر بكل حال، ويقضى عن المرأة ما فات بالحيض والمرض إذا فرطت في قضائه،
ويصام عنها ما فاتها بالسفر بكل حال.
وإن استمر بالمريض مرضه إلى رمضان آخر صام الحاضر وتصدق عن الأول لكل يوم
بمد لمسكين أو مدين وقيل: يقضي، وإذا برئ المريض فوقت القضاء للصوم بين الرمضانين
فإن توانى حتى دخل الثاني صامه ثم قضى الفائت وتصدق عن كل يوم بمد أو مدين، وإذا
غلب على عقله بجنون أو إغماء أو مرة أو نوم غير معتاد سقط عنه فرض الصوم ولم يجب
القضاء عليه سواء أ كان ذلك قبل الهلال أو بعده.
ومن وجب عليه قضاء شهر رمضان أو بعضه لم يتطوع بصوم حتى يقضيه، وإذا طلع
عليه الفجر جنبا لم يجز أن يصوم عن قضاء ولا نفل، ومتابعة القضاء أفضل من تفريقه،
361

وإن تعمد الإفطار في يوم منه قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين
فإن لم يطق صام ثلاثة أيام، ويستحب للمعذور في الإفطار أن لا يشبع من طعام أو شراب،
ويكره له الجماع كراهية شديدة.
والشيخ والشيخة الكبيران العاجزان عن الصوم يفطران ويتصدقان عن كل يوم بمد
من طعام أو مدين ولا يقضيان وذو العطاش لا يرجى برؤه كذلك، والحامل المقرب والمرضع
القليلة اللبن تفطران وتتصدقان بذلك وتقضيان.
ويكره السفر في شهر رمضان إلا لضرورة، فإن سافر أفطر إذا كان سفره طاعة
أو مباحا وكان إلى مسافة يقصر فيها وقد تقدمت ولم يكن ممن شرع له التمام كالمكاري
وأضرابه ممن ذكرناهم في الصلاة، ولا يقصر حتى يخرج ويتوارى عنه أذان مصره، ويجوز
صوم النفل في السفر، وإذا حضر الشهر وزيارة الحسين ع أقام فصام فهو
أفضل، وإذا عرض له تشييع المؤمن شيعه وقصر فهو أفضل، ومن صام شهر رمضان في
السفر وقد علم وجوب الفطر وجب عليه القضاء والتوبة مما جنى وإن لم يعلم ذلك أجزأه.
ويستحب للمسافر إذا غلب في ظنه أنه يقدم بلده أو بلدا قد نوى فيه المقام عشرا قبل
الزوال أن لا يفطر ليصوم يومه، وإذا لم يدر ما يقيم أفطر إلى شهر ثم صام كما قلنا في
الصلاة، وإذا سافر قبل الفجر أفطر وإن سافر بعده إلى الزوال فكذلك، وإن سافر بعده
صام وأجزأه وقال بعض أصحابنا: إن بيت النية للسفر وخرج في النهار قصر وإن توانى حتى
زالت الشمس وخرج صام وقضى، وإن لم يبيتها ليلا وخرج نهارا صام ولا قضاء بكل
حال، وإذا نوى السفر أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه أفطر وإن لم يرد صام، وقيل:
هو مخير في الصوم والفطر كالصلاة.
باب الاعتكاف:
يصح الاعتكاف من البالغ العاقل المسلم بأن يلبث لبثا طويلا أقله ثلاثة أيام ولا حد
لأكثره صائما في أحد المساجد التي جمع فيها النبي ص أو إمام عدل بالناس
صلاة جمعة، وهي أربعة: مسجد الله ومسجد رسوله ع ومسجد الكوفة
362

ومسجد البصرة، والرجل والمرأة سواء إلا أنها إن كانت ذات زوج لم تتطوع به إلا باذنه،
والعبد والمكاتب والمدبر وأم الولد بإذن السيد. وهو ضربان واجب وندب، فالواجب
ما وجب بنذر أو عهد والندب ما ابتدأ به، فإذا اعتكف يوما جاز له الخروج شرط أم لم يشترط
وإن كمل يومين وشرط فكذلك وإن لم يشرط وجب الثالث، وإن اعتكف بعدها يوما
وخرج جاز وإن اعتكف يومين وجب السادس، والصوم شرط في صحة الاعتكاف ومتى
فسد، وأفضل الأوقات له العشر الأواخر من شهر رمضان، ولا يصح الاعتكاف فيما
لا يصح صومه كالعيدين والليل وحده، وتلزم الليالي والأيام في نذر الشهر، فإن شرط
التتابع تابع وإن أطلق فإن شاء تابع وإن شاء فرق، ولا يكون دون ثلاثة أيام فإن شرط
التتابع فخرج في بعضه وجب الاستئناف.
فإن نذر اعتكاف زمان معين فتركه قضى بدله فإن بقي منه يوم وخرج عاد فاعتكف
وأتم ثلاثة أيام فإن نذر أن يعتكف يوما واحدا أو يومين بطل نذره. فإن نذر الاعتكاف ولم يعين
اعتكف ثلاثة أيام وإن نذره في مسجد من الأربعة أو زمان معين لم يجزئه غيره، وعلى المعتكف
ملازمة المسجد ليلا ونهارا ولا يخرج إلا لحدث ويجوز له الخروج لتشييع الجنازة وعيادة
المريض وإقامة شهادة تعينت عليه وقضاء حاجة مؤمن، ولا يصلى إلا في مسجد اعتكافه
إلا بمكة فإنه، يصلى أين شاء منها، وإذا خرج من المسجد لا يجلس حتى يرجع ولم يقعد تحت
ظلال ولا يحل له الجماع ليلا ونهارا، ولا يشم الطيب ولا يتلذذ بريحان ولا يماري ولا يشترى
ولا يبيع، ويستحب له أن يشترط على ربه الخروج إن عرض له عارض.
وإذا جامع المعتكف كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان، وروي: إن جامع
ليلا فكفارة واحدة وإن جامع نهارا في شهر رمضان فكفارتان، رواه محمد بن سنان عن
عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله ع.
وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة أو نفست خرجوا من المسجد ثم يعودون إذا زال
العارض وروى السكوني بإسناده عن النبي ص قال: اعتكاف عشر في
شهر رمضان بعدل حجتين وعمرتين.
ولا يفسد بيع المعتكف وشراؤه ويأثم به ويجوز له أن يتزوج ويزوج ويتكلم بالمباح
363

ويأكل لحم صيد ويذاكر بالعلم أهله وينظر فيه بل هو أفضل من صلاة التطوع عند جميع
الفقهاء، والاشتغال بالدعاء أفضل منه بصلاة التطوع.
364

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
365

كتاب الصوم
وفيه مقاصد:
الأول: في ماهيته:
الصوم لغة الإمساك وشرعا توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النية وهنا
فصول:
الأول النية: وشرطها القصد إلى الصوم في يوم معين لوجوبه أو ندبه متقربا إلى الله
تعالى ويكفي ذلك إن كان الصوم معينا كرمضان والنذر المعين على رأي، ولو نذر الصوم
غدا عن قضاء رمضان ففي الاكتفاء بالإطلاق نظر وإلا زيد التعيين وهو القصد إلى إيقاع
الصوم عن الكفارة أو النذر المطلق أو غيرهما، ويبطل الصوم بترك النية ولو سهوا وكذا
بترك بعض صفاتها كالتعيين في المطلق، ويشترط فيها الجزم فلو ردد بين الواجب والندب
أو نوى الوجوب يوم الشك أو نوى ليلة الشك صوم غد إن كان من رمضان لم يجزئ، والجزم
ممن لا يعتقد كون اليوم من رمضان لغو وإن ظن ذلك بقول عدل أو امرأة صادقة عنده.
ووقت النية مع الذكر من أول الليل إلى آخره مستدامة الحكم فلا يجوز أن يصبح
إلا ناويا ومع النسيان إلى الزوال وفي النفل قول إلى الغروب، ولو اقترنت النية بأول النهار
أجزأ ولو تقدمت على الغروب لم تجزء ولا يجب تجديدها بعد الأكل ولا بعد الانتباه
ولا يتعرض لرمضان هذه السنة.
367

والمحبوس الجاهل بالأهلة يتوخى شهرا فيصومه متتابعا فإن أفطر في أثنائه استأنف
على إشكال ولا كفارة، وإن غلط بالتأخير لم يقض وبالتقديم يقضي الذي لم يدركه، ولو نذر
صوم الدهر مطلقا وسافر مع الاشتباه لم يتوخ في إفطار شهر رمضان ولا العيدين ويقضي
رمضان ولو كان رمضان ثلاثين لم يكفه شهر ناقص هلالي ولو قدم النية على الشهر ونسي
عنده لم يجزئه على رأي ولا بد في كل ليلة من نية على رأي.
ولو نوى غير رمضان فيه فرضا أو نفلا ففي الاجزاء عن رمضان نظر ولا يجزئ عما
نواه، ولو نوى الندب ليلة الشك على أنه من شعبان أجزأ وإن كان عن رمضان، وإن نوى
الوجوب إن كان من رمضان والندب إن كان من شعبان لم يجزئه ولو نوى الإفطار ثم ظهر أنه
من رمضان قبل الزوال ولم يتناول وجب الإمساك وجدد النية وأجزأه، ولو كان قد تناول
أو علم بعد الزوال وإن لم يتناول وجب الإمساك والقضاء، ولو نواه عن قضاء رمضان وأفطر
بعد الزوال عمدا ثم ظهر أنه من رمضان ففي الكفارة إشكال ومعه في تعيينها إشكال ولو
نوى الإفطار في يوم من رمضان ثم جدد نية الصوم قبل الزوال لم ينعقد على رأي، ولو
تقدمت نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم عاد إلى نية الصوم صح الصوم على
إشكال. الفصل الثاني. في الإمساك: وفيه مطالب:
الأول فيما يمسك عنه: ويجب عن كل مأكول وإن لم يكن معتادا وعن كل مشروب
كذلك وعن الجماع قبلا ودبرا ويفسد الصوم وإن كان فرج الدابة وصوم المفعول به وإن كان
غلاما، وعن إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع
الفجر اختيارا وعن الحقنة بالمائع وفي الإفساد نظر وبالجامد قول بالجواز، وعن الارتماس في
الماء وعن الكذب على الله وعلى رسوله وأئمته ع وفي الإفساد بهما نظر،
ولو أجنب فنام ناويا للغسل صح صومه وإن لم ينتبه حتى يطلع الفجر ولو لم ينو حتى
طلع، فسد ولو أمنى عقيب الاستمناء أو لمس امرأة فسد صومه ولو احتلم نهارا أو أمنى
عقيب النظر إلى امرأة أو الاستمتاع لم يفسد، والناسي والمكره معذوران بخلاف الجاهل
للحكم والناسي له.
ويستحب السواك للصلاة ولو بعد العصر بالرطب وغيره ويجوز مص الخاتم وشبهه
368

ومضغ الطعام وذوقه وزق الطائر والمضمضة للتبرد واستنقاع الرجل في الماء، ويكره للمرأة
والخنثى.
المطلب الثاني فيما يوجب الإفطار: وهو فعل ما أوجبنا الإمساك عنه عمدا اختيارا
عدا الكذب على الله ورسوله وأئمته ع والارتماس على رأي فيهما، والغلط
بعدم طلوع الفجر مع القدرة على المراعاة وبالغروب للتقليد أو للظلمة الموهمة ولو ظن
لم يفطر، والتقليد في عدم الطلوع مع قدرة المراعاة ويكون طالعا وقت تناوله وترك تقليد
المخبر بالطلوع لظن كذبه حالة التناول، وتعمد القئ فلو ذرعه لم يفطر والحقنة بالمائع
ودخول ماء المضمضة للتبرد الحلق دون الصلاة وإن كانت نفلا، ومعاودة الجنب النوم ثانيا
حتى يطلع الفجر مع نية الغسل وعدمها وفي الإفطار بالإمناء عقيب النظر إلى المحرمة
إشكال، وابتلاع بقايا الغذاء من بين الأسنان عمدا وفي إلحاق العابث بالمضمضة أو طرح
الخرز وشبهه في الفم مع ابتلاعه من غير قصد بالمتبرد إشكال وفي إلحاق وصول الدواء إلى
الجوف من الإحليل بالحقنة بالمائع نظر أما لو وصل بغيره كالطعن بالرمح فلا، والسعوط بما
يتعدى الحلق كالابتلاع ولا يفطر بالوصول إلى الدماع خاصة،
ولا يفطر بالاكتحال وإن وجد منه طعما في الحلق ولا بالتقطير في الأذن ما لم يصل
الجوف ولا بالفصد والحجامة نعم يكرهان للضعف بهما، ولا بتشرب الدماع الدهن بالمشام
حتى يصل إلى الجوف ولا بدخول ذبابة من غير قصد ولا بابتلاع الريق وإن جمعه بالعلك
وتغير طعمه في الفم ما لم ينفصل عنه، وكذا المجتمع على اللسان إذا أخرجه معه ولو
تفتت العلك ووصل منه إلى الجوف أفطر، والنخامة إذا لم يحصل في حد الظاهر من الفم لم
يفطر بابتلاعها وكذا لو أنصبت من الدماع في الثقبة النافذة إلى أقصى الفم ولم يقدر على
مجها حتى نزلت إلى الجوف، ولو ابتلعها بعد حصولها إلى قضاء الفم اختيارا بطل صومه
ولو قدر على قطعها من مجراها فتركها حتى نزلت فالأقرب عدم الإفطار، ولو استنشق فدخل
الماء دماغه لم يفطر ولو جرى الريق ببقية طعام في خلل الأسنان فإن قصر في التخليل
فالأقرب القضاء خاصة وإلا فلا شئ ولو تعمد الابتلاع فالقضاء والكفارة.
369

ويكره تقبيل النساء واللمس والملاعبة والاكتحال بما فيه صبر أو مسك وإخراج الدم
ودخول الحمام المضعفان والسعوط بما لا يتعدى إلى الحلق في شم الرياحين ويتأكد النرجس،
والحقنة بالجامد وبل الثوب على الجسد.
المطلب الثالث: فيما يجب بالإفطار: يجب القضاء والكفارة بالأكل والشرب المعتاد
وغيره والجماع الموجب للغسل وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر والنوم عقبها
حتى يطلع الفجر من غير نية الغسل، والاستمناء وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق
متعمدا ومعاودة الجنب لنوم ثالثا عقيب انتباهتين مع تمكنه الغسل فيهما مع نية الغسل حتى
يطلع الفجر وما عداه يجب به القضاء خاصة.
وإنما تجب الكفارة في الصوم المعين كرمضان وقضاؤه بعد الزوال، والنذر المعين
والاعتكاف الواجب دون ما عداه كالنذر المطلق والكفارة، وإن فسد الصوم، ويتكرر
الكفارة بتكرر الموجب في يومين مطلقا وفي يوم مع التغاير أو مع تخلل التكفير ويعزر مع
العلم والتعمد فإن تخلل التعزير مرتين قتل في الثالثة، ولو أكره زوجته على الجماع فعليه
كفارتان ولا يفسد صومها ويفسد لو طاوعته ولا يتحمل الكفارة حينئذ، ويعزر كل منهما
بخمسة وعشرين سوطا والأقرب التحمل عن الأجنبية والأمة المكرهتين ولو تبرع بالتكفير
عن الميت أجزأ عنه لا الحي ولو ظن الآكل ناسيا الفساد فتعمده وجبت الكفارة، ولا يفسد
صوم الناسي ومن وجر في حلقه ومن أكره حتى ارتفع قصده أو خوف على إشكال.
فروع:
أ: لو طلع الفجر لفظ ما في فيه من الطعام فإن ابتلعه كفر.
ب: يجوز الجماع إلى أن يبقى للطلوع مقدار فعله والغسل فإن علم التضيق فواقع
وجبت الكفارة ولو ظن السعة فإن راعى فلا شئ وإلا فالقضاء خاصة.
ج: لو أفطر المنفرد برؤية هلال رمضان وجب القضاء والكفارة عليه.
د: لو سقط فرض الصوم بعد إفساده فالأقرب سقوط الكفارة فلو أعتقت ثم حاضت
370

فالأقرب بطلانه.
ه‍: لو وجب شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما فإن عجز استغفر الله ولو
قدر على أكثر من ثمانية عشر أو على الأقل فالوجه عدم الوجوب، أما لو قدر على العدد
دون الوصف فالوجه وجوب المقدور، ولو صام شهرا فعجز احتمل وجوب تسعة وثمانية
عشر والسقوط.
و: لو أجنب ليلا وتعذر الماء بعد تمكنه من الغسل حتى أصبح فالقضاء على إشكال.
المطلب الرابع: في بقايا مباحث موجبات الإفطار: تجب بالإفطار أربعة:
الأول القضاء: وهو واجب على كل تارك عمدا بردة أو سفر أو مرض أو نوم أو حيض
أو نفاس أو بغير عذر مع وجوبه عليه والمرتد عن فطرة وغيرها سواء، ولا يجب لو فات
بجنون أو صغر أو كفر أصلي أو إغماء وإن لم ينو قبله أو عولج بالمفطر، ويستحب التتابع.
الثاني: الإمساك تشبها بالصائمين وهو واجب على كل متعمد بالإفطار في رمضان وإن
كان إفطاره للشك ولا يجب على من أبيح له الفطر كالمسافر والمريض بعد القدوم
والصحة إذا أفطرا بل يستحب لهما، وللحائض والنفساء إذا طهرتا بعد طلوع الفجر
والكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق وفي معناه المغمى عليه.
الثالث: الكفارة: وهي مخيرة في رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا، ويجب الثلاث في الإفطار بالمحرم على رأي وكفارة قضائه بعد الزوال إطعام
عشرة مساكين لكل مسكين مد فإن عجز صام ثلاثة أيام وكفارة الاعتكاف كرمضان وفي
كفارة النذر المعين قولان.
فروع:
أ: المجنون إذا أكره الزوجة لا يتحمل عنها الكفارة ولا شئ عليها.
ب: المسافر إذا أكره زوجته وجبت الكفارة عليه عنها لا عنه ويحتمل السقوط لكونه
مباحا له غير مفطر لها.
ج: المعسرة المطاوعة يجب عليها الصوم والمكرهة يتحمل عنها الإطعام، وهل يقبل
371

الصوم التحمل؟ الظاهر من فتاوى علمائنا ذلك.
د: لو جامع ثم أنشأ سفرا اختيارا لم يسقط الكفارة ولو كان اضطرارا سقطت على
رأي.
الرابع: الفدية: وهي مد من الطعام عن كل يوم ومصرفها مصرف الصدقات
بإفطار نهار رمضان بأمور ثلاثة:
أ: جبر فضيلة الأداء مع تدارك أصل الصوم بالقضاء في الحامل المقرب المرضعة
القليلة اللبن إذا خافتا على الولد جاز لهما الإفطار في رمضان ويجب عليهما القضاء والفدية،
ولو خافتا على أنفسهما ففي إلحاقهما بالخوف على الولد أو بالمريض إشكال ويجب الفدية في
غير رمضان إن تعين على إشكال، وهل يلحق بهما منقذ الغير من الهلاك مع افتقاره إلى
الإفطار؟ الأقرب العدم.
ب: تأخير القضاء: فمن أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان السنة القابلة فإن كان
مريضا مسافرا أو عازما على القضاء غير متهاون فيه فلا فدية عليه بل القضاء خاصة ولو
تهاون به فعليه مع القضاء عن كل يوم فدية، ولو استمر المرض من الرمضان الأول إلى الثاني
سقط قضاء الأول ووجبت الفدية عن كل يوم مد، ولو استمر إلى أن يبقى نصف الفائت
مثلا تعين القضاء فيه وسقط المتخلف مع الفدية ولو فات رمضان أو بعضه لمرض واستمر
حتى مات لم يجب القضاء عنه بل يستحب ولا الفدية.
وكل صوم واجب رمضان أو غيره فات وتمكن من قضائه ولم يقض حتى مات وجب
على وليه وهو أكبر أولاده الذكور القضاء عنه سواء فات بمرض أو سفر أو غيرهما، ولو فات
بالسفر ومات قبل التمكن من قضائه ففي رواية يجب على الولي قضاؤه ولو كان الأكبر
أنثى لم يجب عليها القضاء وحينئذ يسقط القضاء وقيل: يتصدق عنه من تركته عن كل يوم
بمد وكذا لو لم يكن له ولي، ولو كان وليان فأزيد تساووا في القضاء بالتقسيط وإن اتحد الزمان، وإن كان في
كفارة، التتابع: فإن تبرع بعضهم سقط عن الباقين ولو انكسر يوم فكالواجب على
الكفاية فإن صاماه وأفطرا بعد الزوال دفعة واحدة أو على التعاقب أو أحدهما ففي الكفارة
وجوبا ومحلا إشكال وفي القضاء عن المرأة والعبد إشكال، ولو كان عليه شهران متتابعان
372

صام الولي شهرا وتصدق عنه من مال الميت عن شهر.
ج: العجز عن الأداء في الشيخ والشيخة وذي العطاش فإنهم يفطرون رمضان
ويفدون عن كل يوم فإن أمكن بعد ذلك القضاء وجب وإلا فلا.
فروع:
أ: المريض والمسافر إذا برأ وقدم قبل الزوال ولم يتناولا شيئا وجب عليهما الصوم
وأجزأهما ولو كان بعد الزوال استحب الإمساك ووجب القضاء.
ب: لو نسي غسل الجنابة حتى مضى عليه الشهر أو بعضه قضى الصلاة والصوم على
رواية، وقيل الصلاة خاصة.
ج: يجوز الإفطار في قضاء رمضان قبل الزوال ويحرم بعده والأقرب الاختصاص
بقضاء رمضان.
د: النائم إن سبق منه النية صح صومه وإلا وجب القضاء إن لم يدرك النية قبل الزوال
الفصل الثالث: في وقت الإمساك وشرائطه:
وهو من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس فلا يصح صوم الليل ولو نذره لم
ينعقد وإن ضمه إلى النهار، ولا يصح في الأيام التي حرم صومها كالعيدين وأيام التشريق إن
كان بمنى ناسكا ولو نذر هذه الأيام لم ينعقد ولو نذر يوما فاتفق أحدهما أفطر ولا قضاء على
رأي ولو نذر أيام التشريق بغير منى صح، وإنما يصح من العاقل المسلم الطاهر من
الحيض والنفاس المقيم حقيقة أو حكما الطاهر من الجنابة في أوله السليم من المرض، فلا
ينعقد صوم المجنون ولا المغمى عليه وإن سبقت منه النية ولا الكافر وإن كان واجبا عليه
لكن يسقط بإسلامه، وصوم الصبي المميز صحيح على إشكال،
ولا يصح من الحائض ولا النفساء وإن حصل المانع قبل الغروب بلحظة أو انقطع
بعد الفجر ويصح من المستحاضة فإن أخلت بالغسل أو غسلي النهار مع وجوبهما لم يصح
ووجب القضاء، ولا يصح من المسافر الذي عليه قصر الصلاة كل صوم واجب إلا
373

الثلاثة بدل الهدي والثمانية عشر بدل البدنة في المفيض من عرفة قبل الغروب والنذر
المقيد به والأقرب في المندوب الكراهية.
ولا يصح من الجنب ليلا مع تمكنه من الغسل قبل الفجر فإن لم يعلم بالجنابة في
رمضان أو المعين خاصة أو لم يتمكن من الغسل مطلقا صح الصوم، وكذا يصح لو
احتلم في أثناء النهار مطلقا ولو استيقظ جنبا في أول النهار في غير رمضان والمعين كالنذر
المطلق وقضاء رمضان والنفل بطل الصوم وكذا في الكفارة على إشكال ولا يبطل به
التتابع، ولا يصح من المريض المتضرر به إما بالزيادة في المرض أو بعدم البرء أو بطئه ويحال
في ذلك على علمه بالوجدان أو ظنه بقول عارف وشبهه فإن صام حينئذ وجب القضاء.
تتمة: يستحب تمرين الصبي والصبية بالصوم ويشدد عليهما لسبع مع القدرة
ويلزمان به قهرا عند البلوغ وهو يحصل بالاحتلام أو الإنبات أو بلوغ الصبي خمس عشرة
سنة والأنثى تسعا، ولو صام المسافر مع وجوب القصر عالما وجب القضاء وإلا فلا.
وشرائط قصر الصلاة والصوم واحدة ويزيد اشتراط الخروج قبل الزوال على رأي
وقيل: يشترط التبييت ولو أفطر قبل غيبوبة الجدران والأذان كفر، ويكره لمن يسوغ له
الإفطار الجماع والتملي من الطعام والشراب نهارا.
المقصد الثاني: في أقسامه وفيه مطلبان:
الأول أقسام الصوم أربعة:
واجب، وهو ستة: رمضان والكفارات وبدل الهدي والنذر وشبهه، والاعتكاف
الواجب وقضاء الواجب.
ومندوب: وهو جميع أيام السنة إلا ما نستثني، والمؤكد أول خميس من كل شهر وآخر
خميس منه وأول أربعاء من العشر الثاني ويقضي مع الفوات ويجوز التأخير إلى الشتاء
ويستحب الصدقة عن كل يوم بمد أو درهم مع العجز، وأيام البيض من كل شهر وهي:
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة أيام بعد عيد الفطر ويوم الغدير ومولد
النبي ع ومبعثه ودحو الأرض وعرفه إلا مع الضعف عن الدعاء أو شك الهلال،
374

وعاشوراء حزنا والمباهلة وكل خميس وكل جمعة وأول ذي الحجة ورجب كله
وشعبان كله، ولا يجب بالشروع لكن يكره الإفطار بعد الزوال ولا يشترط خلو الذمة من صوم واجب على
إشكال.
ومكروه وهو خمسة: صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء ومع شك الهلال والنافلة سفرا
إلا ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة، والضيف ندبا بدون إذن المضيف والولد بدون إذن والده
والمدعو إلى طعام.
ومحرم وهو تسعة: صوم العيدين مطلقا وأيام التشريق إن كان بمنى حاجا أو معتمرا، ويوم
الشك بنية رمضان وصوم نذر المعصية والصمت والوصال، والمرأة ندبا مع نهي الزوج
أو عدم إذنه والمملوك بدون إذن مولاه والواجب سفرا عدا ما استثني.
فرع: لو قيد ناذر الدهر بالسفر ففي جواز سفره في رمضان اختيارا إشكال أقربه ذلك
والأداء فإن سوغناه فاتفق في رمضان وجب الإفطار ويقضي لأنه مستثنى كالأصل وفي وجوب
التأخير إلى شعبان إشكال، والواجب إما مضيق كرمضان وقضائه والنذر والاعتكاف
وإما مخير كصوم أذى الحلق وكفارة رمضان وقضاؤه بعد الزوال على رأي، وخلف النذر
والعهد والاعتكاف الواجب وجزاء الصيد على رأي، وإما مرتب وهو: صوم كفارة اليمين
وقتل الخطأ والظهار وبدل الهدي والإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا، وإما مرتب
على غيره مخير بينه وبين غيره وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه.
وأيضا الواجب إما أن يشترط فيه التتابع أولا، والأول: صوم كفارة اليمين والاعتكاف
وكفارة قضاء رمضان، وهذه الثلاثة متى أخل فيها بالتتابع مطلقا أعاد، وصوم كفارة قتل
الخطأ والظهار وإفطار رمضان أو النذر المعين أو نذر شهرين متتابعين غير معين، وهذه
الخمسة متى أفطر في الشهر الأول أو بعده قبل أن يصوم من الثاني شيئا لعذر بنى، وهل تجب
المبادرة بعد زواله؟ فيه نظر، وإذا أكمل مع الأول شهرا ويوما جاز التفريق وإن كان لغير
عذر استأنف، فلو تمكن في المرتبة من العتق وجب إن كان قبل التلبس في الاستئناف
وإلا فلا وإن كان بعد صوم يوم فصاعدا من الثاني بنى وفي إباحته قولان،
وكذا لو نذر شهرا فصام خمسة عشر يوما أو كان عبدا فقتل خطأ أو ظاهر، ولو صام
375

أقل من خمسة عشر استأنف إلا مع العذر والثلاثة في بدل هدي التمتع إن صام يوم التروية
وعرفة صام الثالث بعد أيام التشريق ولو صام غير هذين وأفطر الثالث استأنف والثاني
السبعة في بدل المتعة والنذر المطلق وجزاء الصيد وقضاء رمضان.
ولا يجوز لمن عليه شهران متتابعان صوم ما لا يسلم فيه التتابع كشعبان خاصة
ولو أضاف إليه يوما من رجب صح وكذا من وجب عليه شهرا إذا ابتدأ بسابع عشر شعبان
ولو كان بسادس عشر وكان تاما صح وإلا استأنف.
المطلب الثاني: في شهر رمضان:
ويعلم دخوله برؤية هلاله وإن انفرد وردت شهادته وبعد ثلاثين يوما من شعبان
وبشياع الرؤية وبشهادة العدلين مطلقا على رأي ولا يشترط اتحاد زمان الرؤية مع اتحاد
الليلة ومع التعدد، وتعدد الشهر إن شهد بالأولية فالأقرب وجوب الاستفصال والقبول إن
أسندها إليها أو موافق رأي الحاكم، ولو غم شعبان عد رجب ثلاثين ولو غمت الشهور
فالأقرب العمل بالعدد ولا تثبت بشهادة الواحد على رأي ولا بشهادة النساء ولا عبرة
بالجدول والعدد، وغيبوبة الهلال بعد الشفق ورؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال وتطوقه وعد
خمسة من الماضية وحكم المتقاربة واحد بخلاف المتباعدة.
فلو سافر إلى موضع بعيد لم ير الهلال فيه ليلة الثلاثين تابعهم ولو أصبح معيدا وسار به
المركب إلى موضع لم ير فيه الهلال لقرب الدرج ففي وجوب الإمساك نظر، ولو رأى هلال
رمضان ثم سار إلى موضع لم ير فيه فالأقرب وجوب الصوم يوم أحد وثلاثين وبالعكس
يفطر التاسع والعشرين ولو ثبت هلال شوال قبل الزوال أفطر وصلى العيد وبعده يفطر
ولا صلاة،
ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلى المغرب إلا مع شدة الشوق أو حصول المنتظر،
والسحور وإكثار الصدقة فيه وكثرة الذكر وكف اللسان عن الهذر والاعتكاف في العشر
الأواخر وطلب ليلة القدر.
376

المقصد الثالث: في الاعتكاف وفيه مطالب:
الأول الاعتكاف هو اللبث الطويل للعبادة وهو مستحب خصوصا في العشر الأخير
من رمضان لطلب ليلة القدر، وإنما يجب بالنذر وشبهه أو بمضي يومين فيجب الثالث على
قول ويتعين الواجب بالشروع فيه، ولو شرط في نذره الرجوع متى شاء كان له ذلك ولا قضاء
وبدون الشرط لو رجع استأنف، ولا يجب المندوب بالشروع إلا أن يمضى يومان على قول بل له
الرجوع، ولا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ولا حد لأكثره ولو عين زمانه بالنذر فخرج قبل
الإكمال فإن شرط التتابع استأنف متتابعا وكفر ولو لم يشرط أو لم يعين الزمان كفر وقضى
متفرقا ثلاثة ثلاثة أو متتاليا.
المطلب الثاني: في شرائطه وهي سبعة:
أ: النية ويشترط فيها القصد إلى الفعل على وجهه لوجوبه أو ندبه متقربا إلى الله
تعالى وينوي الوجوب في الثالث بعد نية الندب في الأولين إن قلنا بوجوبه.
ب: الصوم: فلا يصح بدونه فيشترط قبول الزمان له والمكلف له فلا يصح في
العيدين ولا من الحائض ولا النفساء ولا يشترط إصالة الصوم بل يكفي التبعية،
فلو اعتكف في رمضان أو النذر المعين أجزأ ولو كان عليه قضاء صوم أو صوم منذور غير معين
واعتكاف كذلك فنوى بالصوم القضاء أو النذر فالأقرب الاجزاء عنه وعن صوم
الاعتكاف.
ج: الزمان: فلا يصح أقل من ثلاثة أيام فلو نذر اعتكاف وجبت الثلاثة ولو وجب
قضاء يوم افتقر إلى آخرين وينوي فيهما الوجوب أيضا ويتخير في تعيين القضاء
، ولو اعتكف خمسة قيل: وجب السادس ولا يجب الخامس ولو اعتكف قبل العيد بيوم
أو يومين لم يصح ويشترط التوالي، فلو خرج ليلا لم يصح وإن نذر نهار الثلاثة ولو نذر
النهار خاصة بطل النذر ولو اعتكف ثلاثة متفرقة لم يصح.
د: تكليف المعتكف وإسلامه، فلو اعتكف المجنون أو الكافر لم يصح ويصح من
المميز تمرينا.
377

ه‍: المكان: وإنما يصح في أربعة مساجد: مكة والمدينة وجامع الكوفة والبصرة على
رأي، والضابط ما جمع فيه النبي أو وصى له جماعة أو جمعة على رأي سواء الرجل والمرأة.
و: استدامة اللبث: فلو خرج لا لضرورة بطل ولو كرها، ولو خرج لضرورة كقضاء
الحاجة والغسل وصلاة الجنازة وتشييعها وعود مريض وتشييع مؤمن وإقامة شهادة
أو لسهو لم يبطل، ويحرم عليه حينئذ الجلوس والمشي تحت الظلال اختيارا والصلاة خارج
المسجد إلا بمكة فإنه يصلى بها أين شاء.
ز: انتفاء الولاية أو إذن الوالي: فلو اعتكف العبد أو الزوجة لم يصح إلا مع إذن المولى
والزوج ومع الإذن يجوز الرجوع مع الندبية لا الوجوب، فلو أعتقه بعد الإذن لم يجب الإتمام مع
الندبية ولو هايأه جاز أن يعتكف في أيامه وإن لم يأذن مولاه.
المطلب الثالث: في أحكامه:
يحرم عليه النساء لمسا وتقبيلا وجماعا وشم الطيب والاستمناء وعقد البيع إيجابا
وقبولا والمماراة نهارا وليلا والإفطار نهارا، ولا يحرم المخيط ولا التزويج ولا النظر في
المعاش والخوض في المباح، ويفسده كلما يفسد الصوم فإن أفسده مع وجوبه كفر وقضى إن
كان بالجماع ولو ليلا في رمضان وغيره أو كان معينا وإلا فالقضاء، ولو جامع في نهار رمضان
فكفارتان فإن أكره المعتكفة فأربع على رأي ولو ارتد بطل اعتكافه وأخرج فإن
عاد استأنف مع الوجوب، وتخرج المطلقة رجعيا إلى منزلها مع عدم التعيين وتقضيه بعد
العدة مع الوجوب، ولو باع واشترى أثم والأقرب الانعقاد ولو مات قبل انقضاء الواجب
وجب على الولي قضاؤه عنه.
المطلب الرابع: في النذر:
ولا يجب التتالي في المنذور إلا أن يشترطه لفظا أو معنى، فلو نذر اعتكاف ستة جاز أن
يعتكف ثلاثة ثم يترك ثم يأتي بالباقي والأقرب صحة إتيانه بيوم من النذر وآخرين من غيره
وهكذا ست مرات، نعم لا يجوز تفريق الساعات على الأيام، ولو نذر المكان تعين وكذا الزمان
378

والهيئة. فلو نذر أن يعتكف مصليا أو يصوم معتكفا وجب الجمع ولو لم يشترط التتابع في
المتعين فخرج في أثنائه صح ما فعل إن كان ثلاثة فما زاد وأتم ما بقي وقضى ما أهمل وكذا
لو شرطه، وقيل: يستأنف وكفر فيهما، ولو عين شهرا وأخل به كفر وقضى ولا يجب التتابع في
قضائه إلا أن يشترط التتابع على إشكال فلو نذر شهرا متتابعا من غير تعيين وأفطر في أثنائه
استأنف ولا كفارة إلا بالوقاع، ولو نذر اعتكاف شهر كفاه عدة بين هلالين وكذا لو نذر
العشر الأخير فنقص اكتفى بالتسعة وإذا خرج لقضاء حاجة لم يجب قضاؤه ولا إعادة النية
بعد العود،
والحائض والمريض يخرجان ثم يقضيانه مع الوجوب لا بدونه وإلا ندبا، ولو عين زمانا
ولم يعلم به حتى خرج كالناسي والمحبوس قضاه وحكمه في التوخي كرمضان، ولو نذر
اعتكاف أربعة فاعتكف ثلاثة قضى الرابع وضم إليه آخرين وجوبا فإن أفطر الأول كفر
وكذا في أحد الآخرين إن أخرهما وإلا فلا، ولو نذر اعتكاف يوم لا أزيد بطل ولو نذر
اعتكاف يوم صح واعتكف ثلاثة فلو ظهر يوم الثلاثين العيد فالأقرب البطلان.
379

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
381

كتاب الصوم
وهو الكف عن الأكل والشرب مطلقا، والجماع كله والاستمناء وإيصال الغبار
المتعدي والبقاء على الجنابة، ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين فيكفر، ويقضي لو تعمد
الإخلال ويقضي لو عاد بعد انتباهه أو احتقن بالمائع أو ارتمس متعمدا، أو تناول من دون
مراعاة ممكنة فأخطأ سواء كان مستصحب الليل أو النهار، وقيل: لو أفطر لظلمة موهمة
ظانا فلا قضاء، أو تعمد القئ أو أخبر بدخول الليل فأفطر أو ببقائه فتناول ويظهر
الخلاف، أو نظر إلى امرأة أو غلام فأمنى، ولو قصد فالأقرب الكفارة وخصوصا مع
الاعتياد إذ لا ينقص عن الاستمناء بيده أو ملاعبة. وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء أو
تغاير الجنس أو تخلل التكفير أو اختلاف الأيام وإلا فواحدة، ويتحمل عن الزوجة
المكرهة الكفارة، والتعزير بخمسة وعشرين سوطا فيعزر خمسين ولو طاوعته فعليها.
القول في شروطه:
ويعتبر في الوجوب البلوغ والعقل والخلو من الحيض والنفاس والسفر، وفي الصحة
التمييز والخلو منهما ومن الكفر، ويصح من المستحاضة إذا فعلت الواجب من الغسل
ومن المسافر في دم المتعة وبدل البدنة والنذر المقيد به، قيل: وجزاء الصيد. ويمرن
الصبي لسبع وقال ابنا بابويه والشيخ في النهاية: لتسع. والمريض يتبع ظنه فلو تكلفه مع
ظن الضرر قضى. وتجب فيه النية المشتملة على الوجه والقربة لكل ليلة، والمقارنة مجزئة
والناسي يجددها إلى الزوال، والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر، وادعى
383

المرتضى في الوسيلة فيه الاجماع، والأول أولى. ويشترط فيما عدا رمضان التعيين، ويعلم
برؤية الهلال أو شهادة عدلين أو شياع أو مضى ثلاثين من شعبان لا بالواحد في أوله، ولا
تشترط الخمسون مع الصحو، ولا عبرة بالجدول والعدد والعلو والانتفاخ والتطوق والخفاء
ليلتين.
والمحبوس يتوخى فإن ظهر التقدم أعاد، والكف من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب
المشرقية، ولو قدم المسافر أو برأ المريض قبل الزوال ولم يتناولا أجزأهما الصوم بخلاف
الصبي والكافر والحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه فإنه يعتبر زوال العذر قبل
الفجر، ويقضيه كل تارك له عمدا أو سهوا أو لعذر إلا الصبي والمجنون والمغمى عليه
والكافر الأصلي، وتستحب المتابعة في القضاء، ورواية عمار عن الصادق ع
تتضمن استحباب التفريق.
مسائل:
الأولى: من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في الأشهر، ويتخير قاضي رمضان ما بينه
وبين الزوال، فإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
الثانية: الكفارة في شهر رمضان والنذر المعين والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، ولو أفطر على محرم مطلقا فثلاث.
الثالثة: لو استمر المريض إلى رمضان آخر فلا قضاء، ويفدي عن كل يوم بمد، ولو
برأ وتهاون فدى وقضى، ولو لم يتهاون قضى لا غير.
الرابعة: إذا تمكن من القضاء ثم مات قضى عنه أكبر ولده الذكور، وقيل: الولي
مطلقا. وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء، ويقضى
عن المرأة والعبد والأنثى لا تقضي وتتصدق من التركة عن اليوم بمد، ويجوز في الشهرين
المتتابعين صوم شهر والصدقة عن آخر.
الخامسة: لو صام المسافر عالما أعاد، ولو كان جاهلا فلا، والناسي يلحق بالعامد،
وكلما قصرت الصلاة قصر الصوم، إلا أنه يشترط الخروج قبل الزوال.
384

السادسة: الشيخان إذا عجزا فديا بمد ولا قضاء، وذو العطاش المأيوس من برئه
كذلك ولو برأ قضى.
السابعة: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يفطران ويفديان، ولا يجب صوم
النافلة بشروعه فيه، نعم يكره نقضه بعد الزوال إلا لمن يدعى إلى الطعام
. الثامنة: يجب تتابع الصوم إلا أربعة: النذر المطلق وما في معناه، وقضاء الواجب
، وجزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي. وكلما أخل بالمتابعة لعذر بنى ولا له يستأنف إلا
في الشهرين المتتابعين بعد شهر ويوم من الثاني، وفي الشهر بعد خمسة عشر يوما، وفي
ثلاثة المتعة بعد يومين ثالثهما العيد.
التاسعة: لا يفسد الصيام بمص الخاتم وزق الطائر ومضغ الطعام. ويكره مباشرة
النساء والاكتحال بما فيه مسك وإخراج الدم المضعف ودخول الحمام وشم الرياحين
وخصوصا النرجس والاحتقان بالجامد وجلوس المرأة والخنثى في الماء والظاهر أن الخصي
المسوح كذلك وبل الثوب على الجسد والهذر.
العاشرة: يستحب من الصوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه، وأول أربعة من
العشر الأوسط، وأيام البيض ومولد النبي ع، ومبعثه، ويوم الغدير، والدحو،
وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع تحقق الهلال، والمباهلة والخميس، والجمعة، وستة
أيام بعد عيد الفطر، وأول ذي الحجة ورجب كله، وشعبان.
الحادية عشر: يستحب الإمساك في المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول أو بعد
الزوال، ومن سلف من ذوي الأعذار التي يزول في أثناء النهار.
الثانية عشر: لا يصوم الضيف بدون إذن مضيفه، وقيل: بالعكس أيضا، ولا المرأة
والعبد بدون إذن الزوج والمالك ولا الولد بدون إذن الوالد، والأولى عدم انعقاده مع
النهي.
الثالثة عشرة: يحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، وقيده بعض
الأصحاب بالناسك، وصوم يوم الشك بنية الفرض ولو صامه بنية النفل أجزأ إن ظهر
كونه من رمضان، ولو ردد فقولان أقربهما الاجزاء. ويحرم نذر المعصية وصومه والصمت
385

والوصال وصوم الواجب سفرا سوى ما مر.
الرابعة عشرة: يعزر من أفطر في شهر رمضان عامدا عالما لا لعذر، فإن
عاد عزر، فإن عاد قتل، ولو كان مستحلا قتل إن كان ولد على الفطرة واستتيب إن كان عن غيرها.
الخامسة عشرة: البلوغ الذي يجب معه العبادة الاحتلام أو الإنبات أو بلوغ خمسة عشر
سنة في الذكر وتسع في الأنثى، وقال في المبسوط وتبعه ابن حمزة: بلوغها بعشر. قال ابن
إدريس: الاجماع على التسع. ويلحق بذلك الاعتكاف وهو مستحب خصوصا في العشر
الأواخر من شهر رمضان.
ويشترط الصوم، فلا يصح إلا من مكلف يصح منه الصوم في زمان يصح صومه وأقله
ثلاثة أيام، والمسجد الجامع، والحصر في الأربعة أو الخمسة ضعيف، والإقامة بمعتكفه
فتبطل بخروجه إلا لضرورة أو طاعة كعيادة مريض أو شهادة أو تشييع مؤمن، ثم لا
يجلس لو خرج ولا يمشي تحت ظل اختيارا، ولا يصلى إلا بمعتكفه إلا في مكة، ويجب
بالنذر وشبهه وبمضي يومين على الأشهر، وفي المبسوط: يجب بالشروع. ويستحب
الاشتراط كالمحرم فإن شرط وخرج فلا قضاء، ولو لم يشترط ومضى يومان أتم، ويحرم
عليه نهارا ما يحرم على الصائم، وليلا ونهارا الجماع وشم الطيب والاستمتاع بالنساء،
ويفسده ما يفسد الصوم، ويكفر إن فسد الثالث أو كان واجبا، ويجب بالجماع في
الواجب نهارا كفارتان إن كان في شهر رمضان، وقيل: مطلقا. وليلا واحدة فإن أكره
المعتكفة فأربع على الأقوى.
386