الكتاب: كتاب الطهارة
المؤلف: السيد الخوئي
الجزء: ٧
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١١
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: لطفي
ردمك:
ملاحظات: تقريراً لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (وفاة ١٤١١)

التنقيح
في شرح العروة الوثقى
1

هوية الكتاب
الكتاب: التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث
آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي
دام ظله العالي (الجزء السابع)
المؤلف: العلامة الحجة الميرزا علي التبريزي الغروي
الناشر: لطفي
المطبعة: العلمية - قم
عدد الطبع: الطبعة الثانية
العدد: 3000
السعر: 1100 ريال
التاريخ: جمادى الأولى 1411
2

منشورات
مدرسة دار العلم
(19)
التنقيح
في شرح العروة الوثقى
تقرير البحث آية الله العظمى
السيد أبو القاسم الخوئي
دام ظله العالي
للمحقق حجة الاسلام والمسلمين
الميرزا علي الغروي التبريزي
دامت بركاته
الجزء السابع
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
محمد وآله وأوصيائه الطيبين الطاهرين.
وبعد فهذا هو الجزء السابع من كتابنا (التنقيح) في شرح العروة
الوثقى وقد وفقنا الله للشروع وطبعه ونسأله تعالى أن يوفقنا لاتمامه
واكمال بقية أجزائه فإنه خير موفق ومعين.
5

فصل في الاستحاضة
دم الاستحاضة من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل
إذا خرج إلى خارج الفرج ولو بمقدار رأس أبرة،
ويستمر حدثها ما دام في الباطن باقيا، بل الأحوط اجراء
7

أحكامها إن خرج من العرق المسمى بالعاذل إلى فضاء
الفرج وإن لم يخرج إلى خارجه، وهو في الأغلب أصفر
بارد رقيق يخرج بغير قوة ولذع وحرقة بعكس الحيض
وقد يكون بصفة الحيض وليس لقليله ولا لكثيره حد،
وكل دم ليس من القرح أو الجرح ولم يحكم بحيضيته فهو
محكوم بالاستحاضة بل لو شك فيه ولم يعلم بالأمارات
كونه من غيرها يحكم عليه بها على الأحوط.
8

هل يوجد فاصل بين الدمين:
ولا بد من التكلم في أنه هل يمكن أن يكون الدم الخارج من المرأة
غير متصف بالحيض ولا بدم القرحة أو الجرح ولا بالاستحاضة، فلا
يجب على المرأة شئ من الأحكام المترتبة على الحيض والأحكام المترتبة
على الاستحاضة أو أنه لا فاصل بينهما وأن كل دم لم يكن بدم حيض
وقرحة فهو استحاضة؟
ذكر المحقق (قده) في شرائعه أن كل دم تراه المرأة ولم يكن
بحيض ولا بدم قرح ولا جرح فهو استحاضة.
وأورد عليه السيد (قده) في المدارك بأن هذه الكلية إنما تتم فيما
إذا قيدت بغير دم النفاس وذلك لأنه دم ليس بحيض ولا قرح ولا
جرح ومع ذلك ليس باستحاضة.
وما أفاده (قده) وإن كان صحيحا لكنه غير وارد على المحقق
لأن نظره إلى غير دم الولادة وهو ظاهر ثم ذكر أن الكلية المذكورة
لا بد من تقييدها بما إذا كان الدم واجدا لأوصاف الاستحاضة من كونه
باردا وأصفر ونحوهما من الأوصاف
ولازم هذا التقييد تحقق الفاصل بين دمي الحيض والاستحاضة كما
إذا رأت المرأة الدم بعد العشرة أسود فإنه ليس بحيض لأن أكثره
عشرة أيام وليس باستحاضة لعدم اتصافه بأوصافها لفرض كونه أسود.
وكذلك الحال فيما إذا رأت ذات العادة دما أسود أقل من ثلاثة
أيام فإن مثله لا يكون حيضا لكونه أقل من ثلاثة أيام ولا يكون
9

استحاضة لعدم كونه واجدا لأوصافها.
وقد بنينا على أن دم الاستحاضة لا بد من أن يكون واجدا لأوصافها
والفاقد ليس باستحاضة إلا أن يدل دليل على أنه استحاضة كما هو الحال
في الحيض لاشتراطه بأن يكون واجدا للصفات ولا يحكم على الفاقد
بالحيضية إلا أن يدل دليل على أنه حيض كالصفرة التي تراها ذات
العادة في أيام عادتها لأنها حيض بمقتضى النص الدال على أن ما تراه المرأة
في أيام عادتها من حمرة أو صفرة فهو حيض (1)، هذا.
ولا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه لأنه مخالف لما هو المتسالم عليه
بين الأصحاب من الحكم بالاستحاضة في الموارد المذكورة وما ادعاه من
أن الأخبار تدل على ذلك غير صحيح إذ لا دلالة في الروايات على أن
دم الاستحاضة مطلقا لا بد من أن يكون واجدا لأوصاف الاستحاضة
المذكورة وإنما دلت الأخبار على أن في موارد دوران الدم بين كونه
حيضا أو استحاضة إذا كان واجدا لأوصاف الحيض يحكم بحيضيته وإذا
كان واجدا لأوصاف الاستحاضة يحكم بكونه استحاضة، لا أنها تدل
على أن دم الاستحاضة دائما لا بد أن يكون واجدا لتلك الأوصاف،
وإليك بعضها:
صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (ع) (إن دم
الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحدا، إن دم الاستحاضة
بارد وإن دم الحيض حار) (2).
وحسنة حفص بن البختري قال: دخلت على أبي عبد الله (ع)

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 3 من أبواب الحيض ح 1.
10

امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟
قال: فقال لها: (إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة
ودم الاستحاضة أصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع
الصلاة) قال: فخرجت وهي تقول: والله لو كان امرأة ما زاد
على هذا (1).
ومعتبرة إسحاق بن جرير حيث ورد فيها: (دم الحيض ليس به
خفاء هو دم حار تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد
بارد..) (2)
ومرسلة يونس عن غير واحد وقد ورد فيها (أن دم الحيض أسود
يعرف وأن المرأة إذا اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير
عليها الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته) وغير ذلك
من الجملات (3).
وهي - ولا سيما الأخيرة حيث إن النبي صلى الله عليه وآله بين فيها السنة
الأولى وأن ذات العادة تأخذ بعادتها، وبعد ذلك بين أوصاف الاستحاضة
وأن بها يحكم بالاستحاضة عند دوران الأمر بينهما - كما تراها واردة في
مقام دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة وأن تلك الأوصاف والعلائم
إنما يحكم بها بالاستحاضة في هذا الموارد، ولا دلالة لها على أن الاستحاضة
ملازمة لتلك الصفات وأنه لا يحكم على الفاقد لها بالاستحاضة حتى فيما
إذا لم تحتمل الحيضية هناك كما في المثالين المتقدمين.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 3 من أبواب الحيض ح 2.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 3 من أبواب الحيض ح 3.
(3) الوسائل: جزء 2 باب 3 من أبواب الحيض ح 4.
11

ذكرنا أن الفقهاء - قدس الله أسرارهم - ذكروا أن كل دم يخرج
من المرأة بطبعها ولم يكن دم حيض أو من القرح أو الجرح فهو
استحاضة ولم يستثنوا دم النفاس ولعله مستند إلى وضوحه أو إلى أن دم
النفاس عندهم هو دم الحيض لأنه حيض محتبس فحكمه حكمه.
وكذا لم يتعرضوا لدم العذرة لوضوح عدم كونه من الحيض
والاستحاضة على ما بينوه عند اشتباه دم الحيض بدم العذرة.
ويمكن أن يقال أن تقييد الدم الخارج من المرأة بكونه خارجا بحسب
طبعها يغني عن استثناء دم الولادة والعذرة والقرح لأنها لا يخرج من
المرأة بطبعها وإنما تخرج منها بسبب من الأسباب فالدم الخارج عن
المرأة بحسب الطبع منحصر في الحيض والاستحاضة.
وحاصل كلامهم: إن الدم الذي لا يحكم بحيضيته ملازم لكونه استحاضة.
وقد ناقش فيه بعضهم - كما مر - من جهة أن الاستحاضة لها
أمارات وصفات ومع عدم وجدان الدم لها لا يحكم عليه بكونه استحاضة
وإن لم يكن بحيض أيضا.
ويدفعها ما ذكرناه من أن الأخبار الواردة في اثبات صفات
الاستحاضة لا دلالة لها على أن الاستحاضة لا يمكن انفكاكها عن الصفرة
مثلا وإنما دلت على أن الصفرة تلازم الاستحاضة عند اشتباه الحيض
بالاستحاضة ودوران الأمر بينهما لا أن الاستحاضة تلازم الصفرة - مثلا -
دائما وفي جميع الموارد مما أفاد المناقش لا يمكن المساعدة عليه وهذا
كله في المقدمة.
وبعد ذلك يقع الكلام في أنه هل هناك تلازم بين الأمرين واقعا
وأن الدم إذا لم يكن حيضا أو غيره من المستثنيات فهو استحاضة واقعا
12

أو يمكن أن يوجد دم ليس بحيض ولا هو باستحاضة؟
ظاهر كلماتهم الذي ادعوا عليه الاجماع هو التلازم الدائمي وأن
كل دم لم يحكم بحيضيته فهو استحاضة واقعا بلا فرق في ذلك بين
أقسام المرأة حتى اليائسة والصغيرة التي هي قابلة لأن ترى الاستحاضة
كما إذا لم تكن مرتصعة فيقع الكلام حينئذ في صحة الملازمة المدعاة
وثبوت كلتيها فنقول:
المستحاضة الواردة في الأخبار المتقدمة هي المستحاضة لغة - أعني
المرأة التي لا ترى الطهر كما في بعض الروايات وهي المعبر عنها بالمستمرة
الدم - ولا اشكال في أن حكمها هو الذي اشتملت عليه الأخبار
المتقدمة من مراعاة الأوصاف والأمارات وأن الدم غير الواجد لصفات
الحيض وأماراته ككونه في أيام العادة فهو استحاضة يترتب عليه جميع
الآثار المترتبة على دم الاستحاضة من وجوب الغسل لكل صلاة أو
الغسل مرة في كل يوم أو التوضؤ لكل واحدة من صلواتها.
إلا أن الاستحاضة المعنونة في كلمات الفقهاء ليست هي الاستحاضة
اللغوية أعني مستمرة الدم وإنما يراد بها الدم الذي لا يحكم بحيضيته ولا
يكون من بقية الأقسام المستثناة وإن لم يستمر دمها كما إذا رأت الدم
بعد عادتها وقبل انقضاء أقل الطهر فإنه لا بد وأن يكون استحاضة
سواء أكان لونه أسود أم كان أصفر مع عدم كون المرأة مستمرة الدم
- وهذه هي الاستحاضة الاصطلاحية واجراء الأحكام المترتبة على
المستحاضة اللغوية على المستحاضة الاصطلاحية يحتاج إلى دلالة الدليل عليه
13

التحاق الاستحاضة الاصطلاحية باللغوية:
ولا بد من التكلم في أن الدليل هل دل على التحاق المستحاضة
المصطلحة بالمستحاضة اللغوية أم لم يدل؟
أما المرأة التي هي في سن من تحيض أعني غير الصغيرة واليائسة
فلا ينبغي الاشكال في أنها إذا رأت دما ولم يحكم بحيضيته فهو استحاضة
وإن لم تكن المرأة مستمرة الدم لأجل الملازمة الواقعية على ما تدل
عليه الأخبار الآتية، وما ادعوه من التلازم بين الأمرين صحيح في
مثلها، فإذا رأت بعد عادتها وقبل انقضاء أقل الطهر دما فلا مناص
من الحكم عليه بالاستحاضة وإن لم يكن واجدا لأوصافها كما إذا كان
أسود وإن لم تكن المرأة مستمرة الدم وذلك لدلالة جملة من الأخبار
الواردة في حيض الحامل على التلازم المدعى بين الأمرين في مثلها:
(منها): صحيحة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن المرأة الحبلى ترى الدم يوما أو يومين، قال: (إن كان دما
عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل
صلاة) (1). وقد تعرضنا سابقا لهذه الرواية وقلنا: إن ما ربما يتوهم من كونها
منافية للأخبار الدالة على أن أقل الحيض ثلاثة أيام لقوله (ع)
(ترى الدم اليوم واليومين)، مندفع بأنها ناظرة إلى حكم المرأة حين
رؤيتها الدم وتدل على أن وظيفتها الظاهرية هي أن تترك الصلاة إذا

(1) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 6.
14

كان الدم عبيطا، وأما بحسب الواقع فهو متوقف على أن يكون الدم
مستمرا ثلاثة أيام ومع عدمه يستكشف عدم كونه حيضا فلا اشكال
في الرواية من هذه الجهة.
وقد دلت هذه الرواية على أن الدم في أمثال الحامل ممن تحيض
إذا لم يمكن أن يكون حيضا لعدم كونه عبيطا مثلا فهو استحاضة يجب
معها أن تغتسل عند كل صلاتين وإنما عبرت بالصفرة من جهة خصوصية
المورد ودورانه بين الأحمر والأصفر لا لأن الصفرة لازم غير مفارق
للاستحاضة، فالحكم بوجوب الصلاة والغسل مترتب على عدم كون
الدم دم حيض بأن لا يكون عبيطا.
و (منها): صحيحة أبي المغراء قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم قال:
(تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلين وإن كان قليلا فلتغتسل
عند كل صلاة) (1).
وهو أيضا تدل على أن الدم الذي لا يمكن الحكم بحيضيته لعدم
كونه واجدا لأوصافه وأماراته يجب معه الغسل والصلاة بمعنى أن ما لا
يمكن أن يكون حيضا فهو استحاضة.
و (منها): وهي أظهر من سابقتيها صحيحة الحسين الصحاف
قال: قلت لأبي عبد الله (ع) إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل
كيف تصنع الصلاة؟ قال: فقال لي: إذا رأت الحامل الدم بعد ما
يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر
الذي كانت تعقد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ

(1) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 5.
15

وتحتشي.) (1).
حيث تدل بتعليلها على أن كل دم لم يكن بحيض فهو استحاضة
حيث قال (فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث) فعلم من ذلك
أن الدم الخارج من المرأة التي في سن من تحيض إذا لم يكن بحيض
فهو استحاضة.
والوجه في كونها أظهر من سابقتيها اشتمالها على كلمة فاء التفريع
حيث فرعت وجوب التوضؤ والاحتشاء على مجرد رؤية الدم لأنه
قال (ع): (إذا رأت الحامل الدم - ليس من الرحم ولا من
الطمث فلتتوضأ) حيث تفرع وجوب الوضوء على مجرد رؤية الدم،
والدم الذي يوجب تحققه الوضوء منحصر في دم الاستحاضة.
فهذه الروايات تدلنا على وجود الملازمة الواقعية بين عدم كون
الدم حيضا - إذا كان الدم ممن هي في سن من تحيض وبين كونه
استحاضة، وإن حكم الاستحاضة المصطلحة هو حكم الاستحاضة اللغوية.
وأما الصغيرة واليائسة فالحكم بالاستحاضة فيهما وإن كان مورد
التسالم بين الأصحاب إلا أنه مما لا يمكن المساعدة عليه لأن مدرك
حكمهم بأن الدم الذي لا يكون بحيض فهو استحاضة حتى في حق
الصغيرة واليائسة هو السيرة وجريان عادتهم على معاملة الاستحاضة مع
الدم غير المتصف بالحيضية.
ويدفعه: أن السيرة لا يمكن احرازها في المسائل التي يقل الابتلاء
بها ومن الظاهر أن رؤية الصغيرة واليائسة الدم غير المتصف بالحيضية
إنما يتحقق مرة في عشرة آلاف أو أقل أو أكثر ولا مجال للسيرة في مثله

(1) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 3.
16

وإن اعتمدوا على الاجماع المنقول في ذلك فهو - مضافا إلى عدم حجيته
يقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو المرأة في سن من تحيض.
وإن أرادوا الحكم بالاستحاضة في الصغيرة واليائسة بالأخبار المتقدمة
فدون تتميمه خرط القتاد، وذلك لأنها بأجمعها واردة فيمن يمكن
أن تكون حائضا تارة ويمكن أن تكون مستحاضة أخرى ودار أمر
الدم بين الحيض والاستحاضة ولم يكن واجدا لأوصاف الحيض وأماراته
فقد دلت في ذلك على أن الدم استحاضة.
ويظهر صدق ما ذكرنا بالتأمل في الأخبار المتقدمة ولا سيما صحيحة
الصحاف حيث دلت على أن النفساء بعد ما مضى عليها عشرون يوما
من وقت حيضها في الشهر الذي ترى فيه الدم إذا رأت دما فلتتوضأ
وتحتشي.
ومن الظاهر أن الحامل يمكن أن تكون حائضا كما يمكن أن تكون
مستحاضة ودلت في مثلها على أن الدم إذا لم يمكن أن يكون حيضا
بالامكان القياسي بأن لم يكن واجدا لأوصافه وشروطه حكم عليه
بأنه استحاضة.
وكذلك الحال في روايتي أبي المغرا وإسحاق بن عمار حيث دلتا
على أن الحامل التي قد ترى الحيض وقد ترى الاستحاضة إذا رأت
فإن كان واجدا للأمارات المعتبرة في الحيض من الكثرة الملازمة للحمرة
والسواد المعبر عنه بالدم البحراني أو كونه عبيطا فهو حيض إذا دام
ثلاثة أيام، وإذا لم يمكن أن يكون حيضا بالامكان القياسي لعدم
وجدانه الشروط والقيود المعتبرة في الحيض فهو استحاضة.
وكيف كان: فالأخبار الدالة على الملازمة الواقعية بين عدم كون
17

الدم حيضا وكونه استحاضة مختصة بالمرأة القابلة للاتصاف بالحيض
والاستحاضة ودار أمر الدم بينهما فلا تشمل الصغيرة واليائسة اللتين
لا يحتمل فيهما الحيض بوجه وهما غير قابلتين للاتصاف بالتحيض لاشتراط
الحيض بالبلوغ وعدم اليأس، ومعه لا يدور أمر الدم فيهما بين الحيض
والاستحاضة ليقال أنه استحاضة لعدم امكان أن يكون حيضا بالامكان القياسي
على أن بعض (1) الروايات مشتملة على لفظ المرأة والصغيرة
ليست بمرأة، واليائسة وإن كانت كذلك إلا أن مقتضى الأخبار المتقدمة
أن مورد الحكم بالاستحاضة ليست هي مطلق المرأة بل المرأة القابلة
لأن تحيض تارة وتستحيض أخرى واليائسة ليست كذلك.
نعم: يمكن الحكم بالاستحاضة في اليائسة بالأخبار الواردة في
الاستحاضة وأن المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين
وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل مرة لكل يوم والوضوء لكل
صلاة (2) وغيرها من الأخبار المشتملة على أحكام المستحاضة.
وذلك لما قدمناه من أن المراد بالاستحاضة في الأخبار هو الاستحاضة
لغة - أعني كون المرأة مستمرة الدم - وعليه فإذا فرضنا أن اليائسة
استمر بها الدم شهرا أو شهرين أو ثلاثة أشهر فهي مستحاضة لغة
وتشملها اطلاق الروايات المتكفلة لبيان وظائف المستحاضة اللغوية.
ولا يجري هذا البيان في الصغيرة فيما إذا رأت الدم شهرا أو شهرين
أو أكثر وذلك لأن الاستحاضة لغة وإن كانت صادقة على ذلك في

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة
حديث 4 و 2 و 3 وغيرها.
(2) راجع الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
18

نفسها، إلا أن الأخبار الواردة في المستحاضة بعضها مقيد بالمرأة والصغيرة
ليست كذلك على أن الاستحاضة من الحيض فمع عدم امكان الحيض
من الصغيرة لا معنى لكونها مستحاضة.
بل يمكن الحكم باستحاضتها ووجوب ترتيب آثارها على نفسها
حتى فيما إذا كانت مستحاضة اصطلاحا ولم يستمر دمها شهرا أو شهرين
أو أكثر، بالأخبار (1) الدالة على أن المرأة إذا رأت الدم بعد أيام
النفاس أو الحيض فهو استحاضة تصلي وتغتسل وترتب على نفسها آثار
المستحاضة بضميمة عدم القول بالفصل القطعي.
وذلك كما إذا فرضنا أن المرأة رأت الدم بعد حيضها الذي تكون
يائسة بعدها أو رأته بعد نفاسها الذي تتصف باليأس بعده فإنها
مشمولة لتلك الأخبار الدالة على أن الحائض أو النفساء إذا رأت الدم
بعد أيام حيضها أو نفاسها فهو استحاضة يجب معها الاغتسال والوضوء
فإذا وجب على اليائسة أحكام المستحاضة واتصفت بكونها مستحاضة
في هذه الصورة حكم عليها بالاستحاضة في بقية الصور بعدم القول
بالفصل القطعي هذا كله في اليائسة.
وأما الصغيرة فلا دليل على أن ما تراه من الدم استحاضة وقد
عرفت أن الأخبار المتقدمة موردها ما إذا كانت المرأة قابلة لأن تحيض تارة ولأن
تستحيض أخرى ولم يمكن أن يكون الدم حيضا بالامكان القياسي، والصغيرة
ليست كذلك كما عرفت، على أن بعض الروايات (2) مشتملة على

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة
وباب 3 من أبواب النفاس وغيرهما.
(1) تقدم ذكرها في نفس المسألة.
19

لفظ المرأة والصغيرة ليست بمرأة. اللهم إلا أن يقوم اجماع قطعي
على أن ما تراه الصغيرة من الدم استحاضة، وإلا فما يظهر من كلماتهم
من التسالم على استحاضتها قابل للمناقشة كما مر.
هذا كله في غير دم الجرح والقرح.
دم القرح والجرح:
أما دم القرح والجرح فلا اشكال في أن دم القرح الواقع في فضاء
الفرج كدم القرحة الخارجة عن فضائه في عدم كونه استحاضة فإنه
كالدم الخارج من القرحة في يدها.
وإنما الكلام في الدم الخارج من القرحة في داخل الرحم فهل يحكم
عليه بالاستحاضة أو لا؟
قد يقال إنه من الاستحاضة تمسكا باطلاق (1) الأخبار الواردة
في أن الدم الخارج من المرأة إذا لم يكن حيضا بأن كان صفرة فهو
استحاضة فإنها شاملة للدم الخارج من القرحة في الرحم فإنه دم ليس بحيض
أو أنه دم أصفر فهو استحاضة لا محالة هذا
ولكنا لم نقف على هذا الاطلاق في الروايات وذلك لأنها بأجمعها
وردت في المرأة القابلة لأن ترى الحيض تارة ولا تراه أخرى وأنه إذا
لم يكن واجدا لأوصاف الحيض فهو استحاضة بمعنى أن نفس الدم
الذي كنا نحكم بحيضيته لو كان واجدا للصفات هو الذي نحكم بكونه

(1) راجع الوسائل جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض، 1 و 4
و 7 و 8 وغيرها.
20

استحاضة إذا لم يشتمل على تلك الصفات عند دوران الأمر بين الحيض
والاستحاضة.
ومن الظاهر أن دم القرحة ليس كذلك لأنه لو كان واجدا لأوصاف
الحيض لم يكن بحيض ولا يكون أمر الدم حينئذ دائرا بين الحيض
والاستحاضة ليحكم باستحاضته إذا نفي عنه الحيضية للعلم بأنه دم
القرحة، ومعه كيف يحكم بكونه استحاضة إذا لم يكن واجفا لأوصاف الحيض.
نعم: هناك رواية واحدة قد يتوهم اطلاقها وشمولها للدم الخارج
من القرح الداخلي وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال، (إذا أرادت الحائض أن تغسل فلتستدخل قطنة فإن خرج
فيها شئ من الدم فلا تغتسل وإن لم تر شيئا فلتغتسل وإن رأت بعد
ذلك (صفرة) فلتتوضأ ولتصل) (1).
بدعوى أن قوله (ع) وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ)
غير مقيد بشئ فيشمل الصفرة الخارجة من القرحة الداخلية.
وهذه الرواية قد تقدم الكلام فيها في بعض الأبحاث السابقة وقلنا
أن نسخة الوسائل غير مشتملة على كلمة الصفرة وهي موجودة في
الكافي والتهذيب فليراجع، وذكرنا أيضا إن هذه الرواية من الأدلة
الدالة على أن الاغتسال إنما يجب بانقطاع الدم من الخارج والداخل
ولا يجب مع وجوده في المجرى وفضاء الفرج.
وكيف كان: هي أيضا لا اطلاق لها لعين ما قدمناه في الجواب عن
دعوى الاطلاق في الأخبار، على أن قوله (ع) (وإن رأت بعد
ذلك صفرة فلتتوضأ) إنما هو في قبال ما إذا خرج فيها شئ من الدم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 17 من أبواب الحيض ح 1.
21

فلا تغتسل ومعناه أنها مع الصفرة لا تعتني باحتمال الحيض فالجملة
المذكورة مسوقة لبيان ذلك لا أنها مسوقة لبيان أن ما كان من الصفرة
ولو من القرح والجرح فهو استحاضة.
مع أن الرواية محمولة على ما إذا رأت الصفرة قبل انقضاء عشرة
أيام وذلك لأنها لو كانت خارجة بعدها لم يفرق في الحكم بعدم كونها
حيضا وبوجوب الوضوء والصلاة بين كونه أصفر وكونه أحمر،
فالتقييد بكونه أصفر إنما يصح فيما إذا كان قبل العشرة إذ لو كان
الدم الخارج قبلها أحمر لحكم بحيضيته لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو
من الحيضة الأولى.
وأما إذا رأت صفرة بعد رؤيتها الدم أيام عادتها وقبل انقضاء
العشرة فهي استحاضة لأن الصفرة في غير أيام العادة ليست بحيض
وإذا كان الأمر كذلك فيظهر أن الحكم بالاستحاضة في الصفرة إنما
هو فيما إذا كانت الصفرة متبدلة بالحمرة لحكمنا بكونها حيضا وهذا
غير متحقق في الدم الخارج من القرح الداخلي لأنه لو كان في أهلي
مراتب الحمرة أيضا لم نقل بحيضيته للعلم بأنه من القرح فكيف يحكم
باستحاضته إذا لم يكن واجدا لأوصاف الحيض. هذا كله في واقع
الدم الخارج من المرأة.
الشك في أن الدم استحاضة:
وقد تلخص من جميع ما ذكرناه في المقام أن الدم الخارج من المرأة
- بحسب الواقع ونفس الأمر - منحصر في دم الحيض والاستحاضة
22

والعذرة والقرحة والولادة.
وأما إذا شك في أن الدم الخارج استحاضة أوليس باستحاضة
فيما إذا علمنا بعدم كونه حيضا بأن دار أمر الدم بين الاستحاضة ودم
القرح مثلا. وأما مع الشك في كونه حيضا أيضا فقد قدمنا الكلام
عليه في بحث الحيض فلا نعيد، فهل مقتضى الأصل العملي أو الدليل
الاجتهادي الحكم بكونه استحاضة أو أن مقتضاهما أمر آخر؟ فله صورتان:
الصورة الأولى:
ما إذا شك في أنه دم حيض أو استحاضة، وقد تكلمنا في هذا
مفصلا في بحث الحيض وقلنا أن المستفاد من الأخبار أنه لا بد من الرجوع
إلى الأمارات والصفات فإن كان الدم واجدا لصفات الحيض وشروطه
بأن كان الدم في أيام العادة أو غيرها وكان أحمر واستمر ثلاثة أيام إلى
ما لا يزيد على عشرة أيام وقد تخلل بينه وبين الحيض السابق أقل الطهر
فهو حيض.
وأما إذا لم يكن واجدا لصفات الحيض المذكورة أي لم يمكن أن
يكون حيضا بالامكان القياسي وبالنظر إلى الشروط والصفات فهو ليس
بحيض، والحكم بعدم كونه حيضا ملازم واقعا لكونه دم استحاضة لما
مر هناك.
ويكفي في الحكم بالاستحاضة حينئذ ما ذكرناه هناك أيضا من التمسك
باطلاق ما دل على وجوب الصلوات الخمسة وغيرها من الواجبات على
كل مكلف فإن الخارج من تلك المطلقات هو المرأة الحائض - أعني
23

ما إذا علمنا بأن الدم حيض - وأما إذا شككنا في ذلك فمقتضى الاطلاقات
وجوب الصلاة والصيام وغيرها على المرأة.
نعم: لا بد حينئذ من أن تغتسل إذ لو صلت ولم تغتسل لعلمنا
ببطلان صلاتها على كل تقدير، وذلك لأنها إما كانت حائضا أو
مستحاضة والاغتسال واجب على كلتا الصورتين ومع تركه يقطع ببطلان
صلاتها كما مر في محله وإنما ذكرناه في المقام للإشارة والتنبيه.
الصورة الثانية:
ما إذا علمنا بعدم كون الدم حيضا ولكن شك في أنه دم استحاضة
أو دم قرح أو غيرهما.
ولهذه الصورة أيضا صورتان:
(إحداهما): ما إذا لم يعلم وجود السبب لمثل دم القرح أو الجرح
ولكن المرأة احتملت أن يكون الدم الخارج منها استحاضة أو دم قرحة
في باطنها وإن لم تعلم بوجود القرحة.
و (ثانيتهما): ما إذا علمت بوجود السبب لدم القرح أو غيره
كما لو كانت عالمة بأن في رحمها قرحة لكنها لا تدري أن الدم الخارج
استحاضة اقتضاها طبعها أو أنه دم يخرج من القرحة الموجودة في رحمها.
24

إذا لم يعلم السبب للدم الخارج:
أما الصورة الأولى فمقتضى القاعدة والأصل عدم الحكم بكونه
استحاضة حينئذ وذلك لعدم امكان التمسك في الحكم باستحاضته بالأخبار
المتقدمة لورودها بأجمعها - كما ذكرنا - فيما إذا تردد الدم بين الحيض
والاستحاضة، وأما إذا علمنا بعدم كونه حيضا وتردد الدم بين
الاستحاضة وغيرها فلا دلالة في الأخبار على أنه استحاضة فالأخبار غير
شاملة للمقام.
وحيث إن الشبهة مصداقية وموضوعية فلا يمكن التمسك فيها بما ورد
في أحكام المستحاضة من الاغتسال لكل صلاتين أو لكل يوم ونحو ذلك لعدم
العلم بكونه دم استحاضة كما أن الأصل يقتضي عدم ترتيب آثار الحدث عليه
لأن المرأة إما أن تكون طاهرة قبل خروج الدم المشكوك وإما أن
تكون محدثة، فإن كان طاهرة وشككنا في صيرورتها محدثة بهذا
الدم أو عدمها فالأصل يقتضي بقاء طهارتها وعدم صيرورتها محدثة
وإذا كانت محدثة فتشك في حدوث سبب ثان للحدث في حقها وعدمه
والأصل يقتضي عدم تحقق سبب آخر للحدث في حقها. هذا
ولكن الصحيح - وفاقا لأكثر الفقهاء - هو الحكم على الدم
بالاستحاضة حينئذ وذلك للسيرة العقلائية الجارية على البناء على السلامة
في كل شئ شك في سلامته وهو المعبر عنه بأصالة السلامة فإذا شكت
المرأة في أنها سليمة أو أنها ذات قرحة وعلة فلا مناص من البناء على
سلامتها عن العيب والعلة وهكذا الأمر في غير القرح مما يعد عيبا
25

وعلى خلاف السلامة والخلقة الأصلية.
فإذا ثبت شرعا أنها ليست بذات قرحة وعلة فلا محالة يتعين أن
يكون الدم استحاضة لدوران الأمر بينهما على الفرض، والاستحاضة
وإن كانت مسببة عن علة - لا محالة - فإن المرأة لو كانت سليمة وغير
ذات علة وإن لم توجد إلا نادرا، لا تبتلي بالاستحاضة أبدا فهي على
خلاف الخلقة الأصلية إلا أنها لما كانت كثيرة التحقق في أكثر النساء
بل جميعهن فلذا لا تعد الاستحاضة عيبا فكأنها صارت طبيعة ثانية للنساء
لا يمكن دفع احتمالها بأصالة السلامة.
ونظير ذلك ما ذكروه في الأغلف من العبيد المجلوبين من بلاد
الكفر: من أن الغلفة وإن كانت زائدة على الخلقة الأصلية إلا أنها
لتحققها في الأكثر أو الجميع عدت طبيعة ثانوية ولا تعد نقصا وعيبا.
وكيف كان فمقتضى أصالة السلامة - التي هي أصل عقلائي - هو
الحكم بكون الدم استحاضة حينئذ، ويدل على ذلك أيضا سكوت
الأخبار الواردة في المقام - على كثرتها - عن التعرض لما إذا احتمل
أن يكون الدم من القرحة حيث لا تعرض فيها لحكمه لا من الأئمة (ع)
ولا من الرواة فلو كان له حكم آخر غير أحكام الاستحاضة التي
رتبوها على ما إذا لم يكن الدم حيضا لبينه الأئمة (سلام الله عليهم)
وتعرضوا له لا محالة.
فسكوتهم عن ذلك دليل على أن احتمال كون الدم من القرح ونحوه
ملغى في نظرهم.
بل في مرسلة يونس القصيرة تعرضوا لكون الدم من القرحة فيما
إذا رأت الدم يوما أو يومين وانقطع ولم تر الدم بعد ذلك إلى عشرة
26

أيام حيث قال: (لم يكن من الحيض إنما كان من علة إما قرحة في
جوفها وإما من الجوف فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي
تركتها لأنها لم تكن حائضا.) (1) إلا أنها صرحت إن حكمها
حينئذ حكم الاستحاضة حيث نفت عنها الحيض وأوجبت عليها القضاء
وهذا لا يتحقق إلا في المستحاضة ومعناه أن كون الدم من القرح لا أثر
له وإنما هو محسوب من الاستحاضة.
هذا كله في الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية: فقد اتضح أن مقتضى الأصل والقاعدة عدم
الحكم بالاستحاضة حينئذ ولا تجري في هذه الصورة أصالة السلامة
للقطع بوجود العيب في المرأة.
وأما استصحاب عدم كون الدم دما آخر ففيه:
أولا: إنه لا مجرى له في نفسه إذ لا أثر شرعي يترتب على عدم
كون الدم دما آخر، اللهم إلا أن يريد به اثبات الاستحاضة وهو من
الأصول المثبتة ولا اعتبار به.
وثانيا: إنها معارضة بأصالة عدم كون الدم استحاضة إما على نحو
العدم الأزلي وأن المرأة لم تكن متصفة بالاستحاضة قبل خلقتها والأصل
عدم اتصافها بها بعد وجودها، وإما على نحو العدم النعتي واستصحاب
عدم خروج الدم من رحمها للقطع بعدم خروج الدم من رحمها قبل ذلك
والأصل أنه الآن كما كان.
وأصالة عدم الاستحاضة مما لها أثر شرعي وهو عدم ترتب شئ من
آثار الاستحاضة عليها فلولا المعارضة لم يكن مانع من جريانها، وهذا

(1) الوسائل: جزء 2 باب 12 من أبواب الحيض ح 2.
27

(مسألة 1): الاستحاضة ثلاثة أقسام: قليلة ومتوسطة
وكثيرة، فالأولى أن تتلوث القطنة بالدم من غير غمس
فيها وحكمها وجوب الوضوء لكل صلاة (1)
بخلاف أصالة عدم كون خروج دم آخر فإنه لا يجري في نفسه لعدم
ترتب أثر شرعي عليه مع قطع النظر عن المعارضة.
أقسام الاستحاضة وهي ثلاثة: القليلة:
(1) يعني حكم الاستحاضة للقليلة وهو أمران:
(أحدهما): إنها تبدل القطنة لكل صلاة -
((ثانيهما): إنها تتوضأ لكل صلاة.
فالمستحاضة كالمسلوس والمبطون إذا تطهرا من الحدث السابق على
الصلاة فما يخرج بعد طهارتهم من البول والغائط والدم في حال الصلاة
لا يكون حدثا ناقضا للطهارة.
أما وجوب تبديل القطنة عليها فلم يرد ذلك في نص، إلا أن
المعروف بين الأصحاب ذلك وقد استدلوا عليه بوجوه.
(منها): دعوى الاجماع على أن المستحاضة يجب عليها أن تبدل
القطنة لكل صلاة.
وفيه. أن الاجماع غير متحقق في المسألة لذهاب الأكثر من
المتأخرين إلى عدم الوجوب على أنه على تقدير تمامية الاجماع ليس اجماعا
تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (ع) وإنما هو معلوم المدرك أو
28

محتملة وهو الوجهان الآتيان في الاستدلال ولا يمكن الاعتماد على مثله.
و (منها): إن دم الاستحاضة مما لا يجوز الصلاة في قليل منه
كما هو الحال في دم الحيض والنفاس ولأجل ذلك لا بد من تبديل القطنة
لكل صلاة حتى لا تبطل صلاتها. وفيه:
(أولا): إن كون دم الاستحاضة مانعا عن الصلاة بقليله
وكثيره ليس بثابت إذا لم يرد فيه رواية، وإنما وردت الرواية (1) في
دم الحيض، والأصحاب ألحقوا المستحاضة والنفساء بالحائض من دون
أن تشملهما الرواية، والحكم في الحيض غير تام لضعف الرواية فضلا
عما ألحق به.
و (ثانيا،: لو سلمنا أن دم الاستحاضة والحيض سيان من هذه
الجهة فالمقدار الثابت هو عدم جواز الصلاة في ثبوت فيه شئ من هذه
الدماء ولو قليلا إذا كان الثوب مما تتم فيه الصلاة منفردا، وأما ما لا
تتم فيه الصلاة فمقتضى الرواية الدالة على أن ما لا تتم فيه الصلاة
وحده لا بأس بالصلاة فيه ولو كان متنجسا: عدم كون دم الحيض
والاستحاضة فيما لا تتم فيه الصلاة مانعا عن الصحة.
فإن قلت: أن الرواية الدالة على أن ما لا تتم فيه الصلاة تجوز
الصلاة فيه لو كان نجسا معارض بما دل على أن دم الحيض وما ألحق
به مانع عن الصلاة بقليله وكثيره، ومع المعارضة لا يمكن الاعتماد عليها.
قلت: لو سلمنا ثبوت الرواية الدالة على مانعية دم الاستحاضة
عن الصلاة كما إذا ألحقناه بدم الحيض وأغمضنا عن سند الرواية الواردة

(1) الوسائل: جزء 2 باب 21 من أبواب النجاسات ح 1،
وهي ضعيفة بأبي سعيد المكاري.
29

فيه، فالمعارضة بينهما بالعموم من وجه، ومعه إن قدمنا الرواية الدالة
على جواز الصلاة فيما لا يتم فيه الصلاة ولو كان متنجسا على معارضها
بدعوى أنها مشتملة على أداة العموم - أعني قوله (ع): كلما لا تتم
فيه الصلاة - والعام متقدم على المطلق فهو.
وإذا لم نقل بذلك من جهة أن العموم فيها من جهة افراد ما لا
تتم فيه الصلاة لا بالنظر إلى النجاسة والحكم المترتب على ما لا تتم فيه
الصلاة، فالقاعدة تقتضي تساقطهما، والرجوع إلى الدليل الفوق
- وهو قد دل على جواز الصلاة فيما دون الدرهم من الدم - ولا
مخصص لا طلاقه لسقوط المقيد عن الحجية بالمعارضة.
و (ثالثا،: لو أغمضنا عن تمام ذلك وقلنا أن دم الاستحاضة
بقليله وكثيره مانع عن الصلاة بلا فرق ذلك بين ما تتم فيه الصلاة
وما لا تتم فيه الصلاة، لم يمكن الاستدلال بذلك في المقام وذلك لأن
القطنة ليست من قبيل ما تصلي فيه ليقال إنها مما تتم فيه الصلاة أو
مما لا تتم فيه، وإنما هي محمولة، والمحمول المتنجس ولو بدم الاستحاضة
لا يمنع عن الصلاة، إذ لا يصدق أنها صلت في القطنة.
و (رابعا): لو أغمضنا عن ذلك أيضا وقلنا أن دم الاستحاضة
مانع عن الصلاة فيه حتى فيما هو من قبيل المحمول منعنا عن كونه
كذلك في المقام، لأنه إنما يكون مانعا فيما إذا كان المصلي طاهرا من
الدم، وأما في مثل المقام فلا يمنع لأنها ذات الدم على الفرض وإذا
بدلت القطنة تتلوث القطنة الجديدة بدم الاستحاضة إذ لو لم يجر فيها
الدم فهي طاهرة وليست بمستحاضة والمفروض أن دم الاستحاضة مانع
عن الصلاة، فما فائدة التبديل حينئذ؟ وحيث إن الدم في القطنة
30

المتبدلة غير مانع عن الصلاة عندهم، فمن هنا يستكشف أن دم
الاستحاضة غير مانع عن صلاة المستحاضة فيما تحمله من القطنة
فهذا الوجه غير تام أيضا.
و (منها): أن الدليل على وجوب تبديل القطنة في الاستحاضة
القليلة إنما هو النص (1) الوارد على وجوبه في المستحاضة الكثيرة
وذلك لعدم امكان التفكيك بين أقسام الاستحاضة في ذلك بعد ورود
النص عليه في قسم منها. هذا
وفيه: أن النص الدال على وجوب التبديل في الاستحاضة الكثيرة
لو تم ولم نناقش في دلالته فهو مختص بالكثيرة ولا وجه للتعدي عنها
إلى غيرها.
ودعوى أنه لا يمكن التفكيك بين أقسام الاستحاضة.
مدفوعة: بأنه قياس، إذ بأي ملازمة عقلية يثبت حكم الكثيرة في
القليلة مع أنا نرى أن أحكامها مختلفة فإن المستحاضة القليلة يجوز
لها الدخول في المساجد والمرور من المسجدين ويجوز لزوجها أن يأتيها
وهذا بخلاف المستحاضة بالكثيرة فهي مورد الخلاف في تلك الأحكام.
وعليه فالصحيح أنه لا دليل على وجوب تبديل القطنة في الاستحاضة
القليلة وإنما هو حكم مشهوري والشهرة في الفتوى لا تكون دليلا على
الحكم الشرعي - مضافا إلى أن تبديل القطنة في المستحاضة القليلة لو
كان واجبا في حقها لأشير إليه في شئ من تلك الأخبار الواردة في
مقام البيان فسكوتهم (ع) وعدم تعرضهم لذلك أقوى دليل على
عدم الوجوب.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 3 و 10.
31

هذا كله في الحكم الأول على المستحاضة بالقليلة.
وأما وجوب الوضوء عليها لكل صلاة فهو مما تسالم عليه الأصحاب
(قدهم) ولم ينسب الخلاف فيه إلا إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد
حيث نسب إلى ابن أبي عقيل أن الاستحاضة القليلة ليست من الأحداث
أصلا ولا يجب فيها شئ لا الغسل ولا الوضوء.
وذكر أن المستحاضة إذا ثقب دمها الكرسف يجب عليها الغسل
لكل صلاة أو لكل صلاتين إذا جمعت بينهما، وأما إذا لم يثقب
الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء أو أنه ليس من الأحداث فلو كانت
متطهرة قبل خروج ذلك الدم فطهارتها لا ترتفع بذلك.
وذهب ابن الجنيد إلى أن الاستحاضة القليلة التي لا تثقب الكرسف
توجب غسلا واحدا في اليوم والليلة، والاستحاضة الموجبة لثقب
الكرسف يجب لها الغسل لكل صلاة أو صلاتين إذا جمعت بينهما.
فابن أبي عقيل وابن الجنيد اختلفا في المستحاضة بالقليلة حيث أوجب
الثاني فيها الغسل ولم يوجب الأول فيها غسلا ولا وضوءا، واتفقا
على أن الاستحاضة منحصرة في القسمين: الكثيرة والقليلة، ولا
متوسطة فيهما.
أما ما ذهب إليه ابن أبي عقيل فكأنه من جهة حمل الأوامر الواردة
في الأخبار بالتوضئ على المستحاضة القليلة على التوضؤ من جهة
سائر الأحداث - كما في غير المستحاضة - وناظر إلى نفي وجوب الغسل
عنها لا أنها تثبت عليها حكما زائدا على بقية المحدثين.
والصحيح ما ذهب إليه المشهور من أن الاستحاضة القليلة توجب
الوضوء لكل صلاة وذلك للأخبار الدالة على ذلك - ومنها صحيحة
32

الصحاف المتقدمة حيث ورد فيها: (فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك
فلتغتسل ولتصل وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي
ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصلي الظهر
والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف
عنها، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل.)
الحديث (1).
فإنها - مضافا إلى اشتمالها على كلمة (الفاء) في صدرها (فإن
ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ..) (2) وهي تدل
على أن وجوب الوضوء متفرع على رؤية الدم لا على حدث آخر - دلت
في ذيلها على أن الدم إذا لم يسل من القطنة والكرسف يجب عليها أن
تتوضأ وتصلي عند وقت كل صلاة.
هذا على أن وضوءها لو كان من جهة الحدث لم يجب عليها إلا
وضوء واحد ما لم تحدث ولم يكن وجه لوجوبه عليها عند كل صلاة
على أن المرأة في مفروض الرواية قد اغتسلت من الحيض وهي طاهرة
لا حدث لها لتتوضأ فلو لم تكن الاستحاضة القليلة من الأحداث لما
وجب الوضوء عليها لكل صلاة.
وأما ما ذكره ابن الجنيد فهو مخالف لصريح الصحيحة حيث دلت
على وجوب الوضوء على المستحاضة إذا لم يسل الدم من القطنة كما
أوجبت عليها الغسل إذا سال الدم ولم تدل على وجوب الغسل عليها

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
(2) راجع الوسائل: جزء 2 باب 3 من أبواب الحيض ح 3.
33

في كلتا الصورتين.
إضافة وإعادة:
ذكرنا أن المعروف في الاستحاضة القليلة وجوب الوضوء على
المستحاضة عند كل صلاة وقد خالف في ذلك ابن أبي عقيل وابن الجنيد
وحاصل كلامهما انكار الاستحاضة المتوسطة فابن أبي عقيل ذهب إلى
أن الاستحاضة القليلة ليست حدثا ولا توجب غسلا ولا وضوءا ولكن
إذا ثقب الدم الكرسف - سواء سال أم لم يسل أعني الاستحاضة
المتوسطة والكثيرة - يجب معها الغسل لكل صلاة أو صلاتين، وذكرنا
أن ما ذهب إليه ابن أبي عقيل يدفعه صريح الأخبار الواردة في المقام.
(منها): صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال:
(المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت
أيامها ورأت الدم يثبت الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه
وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه وتغتسل
للصبح وتحتشي وتستثفر ولا تحنى (تحيى) وتضم فخذيها في المسجد
وسائر جسدها خارج ولا يأتيها بعلها أيام قرءها، وإن كان الدم
لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء
وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها) (1).
و (منها): صحيحة ابن نعيم الصحاف عن أبي عبد الله (ع)،
وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت ترى الدم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
34

فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصلي الظهر والعصر
ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف
عنها فسال الدم وجب عليها الغسل وإن طرحت الكرسف عنها ولم
يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها..) (1).
وتقريب الاستدلال بهاتين الصحيحتين من وجوه ثلاثة:
(الأول):
أنهما جعلتا المستحاضة القليلة - وهي التي لا يثقب دمها الكرسف -
في قبال المستحاضة الكثيرة - وهي التي يثقب دمها الكرسف ويسيل -
ودلتا على وجوب التوضي عند كل صلاة في الأولى وعلى وجوب
الغسل عند كل صلاة في الثانية وجعلها في مقابل الكثيرة يدل على أنها
من الأحداث كالكثيرة إلا أن الواجب فيها الوضوء.
(الثاني):
أنهما اشتملتا على الجملة الشرطية حيث ورد في الصحيحة الأولى
(وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت) وفي الثانية (فإن كان
الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل)
والجمل الشرطية ظاهرة الدلالة على تفرع الجزاء على الشرط أي حدوث
الجزاء عند حدوث الشرط وأنه مستند إلى تحقق شرطه لا إلى أمر آخر

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
35

وعليه فهما تدلان على أن وجوب الوضوء مستند إلى رؤية دم الاستحاضة
لا إلى سبب آخر من أسباب الوضوء.
(الثالث):
أنهما دلتا على وجوب الوضوء عند كل صلاة، ومن الواضح أن
الوضوء لو كان مستندا إلى سائر أسبابه لم يجب عند كل صلاة بل
يكفيها الوضوء مرة واحدة في جميع صلواتها ما دامت لم تنقضه، فمن
ذلك يظهر أن موجب الوضوء في حقها ليس هو سائر الأسباب وإنما
الموجب هو الاستحاضة وأنها حدث موجب للوضوء عند كل صلاة.
ومن جملة الأخبار الدالة على ما ذكرناه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
(إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شئ
من الدم فلا تغتسل وإن لم تر شيئا فلتغتسل وإن رأت بعد ذلك فلتتوضأ
ولتصل) (1).
وقد قدمنا اختلاف النسخ فيها وبعضها مشتمل على كلمة (الصفرة،
بعد قوله (بعد ذلك) وعلى كل حال تدل على أن وجوب الوضوء
متفرع على رؤية الدم أو الصفرة لا أنه مستند إلى أسباب الوضوء.
ومنها غير ذلك من الروايات. هذا
وقد يستدل في المقام بما عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال:
سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: (تستظهر
بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل

(1) الوسائل: جزء 2 باب 17 من أبواب الحيض ح 1.
36

صلاة بوضوء ما لم ينفذ (يثقب) الدم فإذا نفذ اغتسلت وصلت، (1).
ودلالة الرواية على المدعى ظاهرة إلا أنها ضعيفة السند لاشتمالها
على (محمد بن خالد الأشعري) الذي لم يوثق في الرجال فلا يمكن
الاستدلال بها في المقام وإن وصفت بالموثقة في كلام شيخنا الهمداني (قده)
وغيره. هذا
أدلة ابن أبي عقيل:
وقد استدل لما ذهب إليه أبي عقيل بوجوه:
(منها): الأخبار (2) الواردة في حصر نواقض الوضوء في
الست حيث إنها واردة في مقام بيان ما هو ناقض للوضوء ومع ذلك لم
يذكر الاستحاضة فسكوته (ع) في تلك الأخبار عن ذكرها وعدم
عدها من النواقض وهو في مقام البيان أقوى دليل على عدم كون
الاستحاضة من الأحداث الموجبة للوضوء.
وفيه: أن غاية ما هناك دلالة هذه الأخبار على المدعى باطلاقها
وسكوتها في مقام البيان ولا مانع من رفع اليد عن ذلك الاطلاق بالأخبار
المعتبرة الدالة على أن الاستحاضة من نواقض الوضوء.
وقد ذكر المحقق النائيني (قده) أن أقوى اطلاق عثرنا عليه في
الأبواب الفقهية قوله (ع) (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب

(1) الوسائل: جزء 2 باب 13 من أبواب الحيض ح 13.
(2) راجع الوسائل: جزء 1 باب 1 و 2 من أبواب نواقض الوضوء.
37

أربع خصال أو ثلاث: الأكل والشرب والنساء والارتماس في الماء) (1)
والوجه في التردد بين الأربع والثلاث هو التردد في عد الأكل والشرب
واحدا أو اثنين، ومع ذلك رفعنا اليد عن اطلاقه بما ورد في بقية
المفطرات من الروايات. هذا
وقد يقال - وهو حسن لا بأس به -: إن النظر في أخبار حصر
النواقض إنما هو إلى النواقض العامة غير المختصة بطائفة ولا سيما بلحاظ
أن السائل من الرجال ولا نظر فيها إلى النواقض المختصة بالنساء حيث
إن الاستحاضة مختصة بهن فلا تنافي بينها وبين ما دل على أن الاستحاضة
من نواقض الوضوء.
وكيف كان: فلا يمكننا رفع اليد عن الأخبار المتقدمة الصحيحة
المعتبرة والظاهرة بل الصريحة من حيث الدلالة في قبال الاطلاق في
أخبار حصر النواقض.
و (منها): صحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلي؟
فقال: (تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا
اغتسلت واحتشت واستثفرت (واستذفرت) وصلت فإن جاز الدم
الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر
بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل
واحد..) (2)،
بتقريب أنها واردة في مقام البيان ومع ذلك سكتت عن وجوب

(1) الوسائل: جزء 7 باب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5،
وهي صحيحة.
38

الوضوء على المستحاضة فلو كان الوضوء واجبا على المستحاضة كالغسل
تعرضت لبيانه، ومن عدم تعرضها لوجوب الوضوء يستكشف عدم
وجوبه على المستحاضة.
والاستدلال بهذه الرواية حسن من جهة وفاسد من جهة، وذلك
لأن دلالتها على عدم وجوب الوضوء على المستحاضة مع وجوب الغسل
في حقها وإن كانت صحيحة كما ذكر، إلا أنها لا تدل على عدم
وجوب الوضوء عليها في الاستحاضة القليلة لوضوح أنها سكتت عن
ايجاب الوضوء عليها حينما وجب عليها الغسل، وأما عدم وجوب
الوضوء عليها عند عدم تكليفها بالغسل كما في المستحاضة القليلة فلا دلالة
لها عليه بوجه ولا أنها واردة لبيانه.
و (منها): ما عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال:
(المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإذا هي رأت
طهرا (الطهر) اغتسلت، وإن هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت
ولا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر
(طهر) أعادت الغسل وأعادت الكرسف (1).
نظر إلى دلالتها على أن المستحاضة ما دام لم يظهر دمها على
الكرسف أي تجاوز عنه لا يجب عليها شئ بل تصلي بالغسل الذي
اغتسلت عن حيضها وإنما يجب عليها الغسل بعد ما ظهر دمها على
الكرسف فهي قبل تجاوز الدم عن الكرسف ليست بذات حدث
موجب لشئ، وبعده يجب الغسل دون الوضوء.
والاستدلال بهذه الرواية مخدوش بحسب الدلالة والسند.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 10.
39

أما سندا فلوقوع القاسم بن محمد الجوهري في سنده وهو ممن لم
تثبت وثاقته.
وأما دلالة فلأنها إنما وردت لبيان أن المستحاضة بعد ما اغتسلت عن
حيضها لا يجب في حقها غسل آخر ما دام لم يظهر الدم على الكرسف
أما أنها إذا لم يظهر دمها على الكرسف لا يجب الوضوء عليها فهو
مما لا يكاد يستفاد منها بوجه.
هذا كله في الجواب عما ذهب إليه ابن أبي عقيل.
أدلة ابن الجنيد:
وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن دم الاستحاضة إن كان ثقب
الكرسف وتجاوز عنه وجب على المرأة أن تغتسل لكل صلاة أو صلاتين
وإذا لم يتجاوز عنه - سواء لم يثقبه أو ثقبه ولم يتجاوز عنه - فيجب
الغسل لكل نهار وليلة مرة واحدة، وعليه فليس هناك استحاضة متوسطة
وكثيرة وقليلة بل يدور الأمر بين وجوب الغسل لكل صلاة والغسل
لكل يوم مرة واحدة، فقد استدل له بروايتين:
(إحداهما): موثقة سماعه قال: قال (المستحاضة إذا ثقب
الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم
الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة) (1)
وذلك لاطلاق قوله (وإن لم يجز الدم الكرسف) وشموله لكل من
صورتي ثقبه وعدم تجاوز عنه وصورة عدم ثقبه أصلا.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
40

وهي - كما ترى - تدل على أن أمر المستحاضة يدور بين الغسل
لكل صلاة كما إذا ثقب الدم الكرسف وتجاوز عنه، وبين الغسل
لكل يوم وليلة مرة واحده كما إذا لم يثقبه أصلا أو ثقبه ولم يتجاوز عنه.
و (ثانيتها): صحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى
تصلي؟ فقال: (تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم
وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت (استذفرت) وصلت فإن جاز
الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل، والظهر
والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف
صلت بغسل واحد..) (1).
وذلك بعين التقريب المتقدم في الموثقة، وعليه فليس لنا استحاضة
يجب فيها الوضوء لكل صلاة بل الأمر يدور في الأمرين المتقدمين. هذا
ويمكن الجواب عما استدل به على ذلك المسلك بأن مراد ابن الجنيد
إن كان دم الاستحاضة - سواء كان دمها أحمر وأسود أم كان أصفر -
لا يجب معها الوضوء لكل صلاة بل دم الاستحاضة على اطلاقه إما أن
يجب معه الغسل لكل صلاة وإما أن يجب معه الغسل مرة واحدة في
كل يوم.
فيدفعه صريح الموثقة المتقدمة حيث ورد في ذيلها (هذا إن كان
دمها عبيطا وإن كان صفرة فعليها الوضوء) وهي - كما ترى - صريحة
في أن دم الاستحاضة إذا كان صفرة لا يجب معها سوى الوضوء
فالموثقة تدل على خلاف مراده لا أنها دليل له.
وإن أراد بما ذكره أن دم الاستحاضة الأحمر أو الأسود على قسمين:

(1) تقدم ذكرها في أدلة ابن أبي عقيل.
41

قسم يجب معه الغسل لكل صلاة وقسم يجب معه الغسل مرة واحدة
لكل يوم وليلة ولا قسم ثالث في دم الاستحاضة الأحمر أو الأسود
يجب معه الوضوء، فهو بظاهره مما لا بأس به ويمكن الاستدلال
عليه بالموثقة والصحيحة المتقدمتين.
ما ذهب إليه المحقق الخراساني (ره):
بل هذا هو الذي ذهب إليه المحقق الخراساني (ره) في فقهه مستدلا
عليه بالروايتين المتقدمتين ومعترضا بهما على المشهور في جعلهم الاستحاضة
مطلقا على أقسام ثلاثة وايجابهم الوضوء فيما إذا لم يثقب الكرسف مع
أن الروايتين تدلان على أن دم الاستحاضة الأحمر أو الأسود يدور
أمره بين وجوب الغسل معه لكل صلاة وبين وجوب الغسل مرة واحدة
في كل يوم وليلة وليس هناك دم استحاضة أحمر أو أسود يجب فيه
الوضوء. هذا
ولكن يمكن المناقشة في الاستدلال بتلك الموثقة على ذلك بأنها ليست
مسوقة لبيان أن حكم الاستحاضة يختلف باختلاف كيفية الدم ولونه
وأنه إذا كان أحمر أو أسود يدور أمره بين القسمين المتقدمين وإذا
كان أصفر يجب فيه الوضوء، وإنما هي مسوقة لبيان اختلاف حكم
دم الاستحاضة باختلاف كيفية الدم وقلته وكثرته أصفر بمعنى أنه إذا كان
كثيرا على نحو يثقب الكرسف ويتجاوز عنه يجب الغسل لكل صلاة،
وإذا كان كثيرا على نحو يثقب الكرسف ولم يتجاوز عنه يجب الغسل لكل
يوم وليلة مرة واحدة، وإذا كان قليلا بمقدار يعد عرفا من الطواري
42

والعوارض ولا يعد دما ولو كان أحمر أو أسود لقلته وضعفه حيث لم
يثقب الكرسف يجب فيه الوضوء فالمراد بالصفرة هو الدم القليل المعد
من الطواري والأعراض ولو كان أحمر.
ويشهد لذلك أمران:
(أحدهما): إنه لم يقل: وإن كان دما أصفر، ليتوهم أنها
بصدد تقسيم الدم من حيث الصفرة وغيرها، بل قال: وإن كان
صفرة، إشارة إلى أن الدم لو كان من القلة بمكان لا يعد دما عرفا
بل يعد من الأعراض يجب معه الوضوء ولو كان أحمر أو أسود فهي
مسوقة لبيان اختلاف حكم الاستحاضة باختلاف كمية الدم من حيث
الكثرة والقلة ولا نظر لها إلى تقسيمه من حيث الكيفية واللون.
(ثانيهما): إن الرواية لو كانت واردة لبيان تقسيم الدم بحسب
الكيفية واللون فقد تعرضت في الدم الأحمر لصورتين:
الصورة الأولى: ما إذا ثقب الدم الكرسف وتجاوز عنه.
الصورة الثانية: ما إذا ثقبه ولم يتجاوز عنه.
وهناك صورة ثالثة من الدم الأحمر لم يتعرض لحكمها وهي ما إذا لم
يثقبه أصلا.
وهذا بخلاف ما إذا حملناها على كونها واردة لبيان كمية الدم وأنه
إذا كان كثيرا قد يثقب فقط وقد يثقب ويتجاوز، وهما صورتان،
وقد يكون قليلا لا يثقب ولا يتجاوز عن الكرسف وهي التي يجب
الوضوء فيها هذا كله.
على أنا لو سلمنا أن الروايتين مطلقتان من حيث كون الدم غير
المتجاوز ثاقبا من غير تجاوز وما إذا لم يكن ثاقبا أصلا، وقد دلتا
43

على أن الواجب في صورة عدم تجاوز الدم عن الكرسف هو الغسل
مرة واحدة لكل يوم وليلة سواء ثقبه أم لم يثقبه، فلا مناص من
رفع اليد عن اطلاقهما وتقييدهما بما إذا كان الدم ثاقبا بمقتضى صريح
صحيحة الصحاف حيث ورد فيها.
(ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ ولتصل وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها
فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل وإن طرحت
الكرسف عنها ولم يسل الدم فلتوضأ ولتصل ولا غسل عليها (قال:
وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا
لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات. إلى
أن قال: وكذلك تفعل المستحاضة (1).
حيث صرحت بأن دم الاستحاضة إذا لم يسل من خلف الكرسف
أي لم يثقبه وجب على المستحاضة أن تتوضأ وتصلي ولا يجب عليها
الغسل حينئذ، وبها نقيد اطلاق قوله (ع) (وإن لم يجز الدم
الكرسف فعليها الغسل) بما إذا لم يثقبه فإن اللازم حينئذ هو التوضؤ
دون الاغتسال.
هذا كله فيما ذهب إليه المحقق الخراساني (قده) عند كون دم
الاستحاضة أحمر أو أسود حيث ذكر دورانه بين القسمين المتقدمين من
غير أن يكون له قسم ثالث يجب فيه الوضوء.
وأما إذا كان صفرة فقد ذكر أن أمر الدم الأصفر يدور بين قسمين
لا ثالث لهما فإنها إن كانت قليلة وجب معها الوضوء وإن كانت كثيرة

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
44

يجب معها الغسل.
واستدل على ذلك بجملة من الأخبار الدالة على أن المستحاضة إذا
رأت صفرة فلتتوضأ (منها): الموثقة المتقدمة، ومنها صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه.. (ما دامت ترى الصفرة فلتتوضأ من
الصفرة وتصلي ولا غسل عليها من صفرة تراها) (1) و (منها):
صحيحة محمد بن مسلم الفاقدة لكلمة الصفرة (2) (ومنها): صحيحته
الأخرى (3).
(ومنها): رواية علي بن جعفر الأخرى: (فإن رأت صفرة
بعد غسلها فلا غسل عليها يجزيها الوضوء عند كل صلاة وتصلي) (4)
ومنها غير ذلك من الأخبار.
وبإزاء هذه الأخبار روايتان تدلان على أن المستحاضة إذا رأت
صفرة وجب عليها أن تغتسل:
(إحداهما): صحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال: (إن كانت دما عبيطا
فلا تصلي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين) (5).
و (ثانيتهما): صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت
أبا إبراهيم (ع) عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ثم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض ح 8.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 17 من أبواب الحيض ح 1.
(3) الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض ح 1.
(4) الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض ح 7.
(5) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 6.
45

طهرت وصلت ثم رأت دما أو صفرة، قال: (إن كان صفرة
فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة) (1).
وهاتان الطائفتان متعارضتان لدلالة إحداهما على وجوب الوضوء مع
الدم الأصفر ودلالة ثانيتهما على وجوب الغسل معه، إلا أن هناك شاهد
جمع بينهما وهو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: سألته
عن الحبلي قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم، قال:
(تلك الهراقة من الدم إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، وإن كان
قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء (2).
حيث تدل على أن وجوب الوضوء مع رؤية الدم الأصفر مختص
بما إذا كان قليلا، وأما مع الكثرة فالواجب في حقها الاغتسال،
وبهذا يرتفع التعارض بين الطائفتين.
والنتيجة أنه ليس هناك قسم ثالث في الاستحاضة لا فيما إذا كان
الدم أحمر ولا فيما إذا كان أصفر. هذا
والصحيح ما ذهب إليه المشهور من تقسيم الاستحاضة إلى أقسام
ثلاثة: إما أن لا يثقب الدم الكرسف ويجب الوضوء معه، وإما أن
يثقب الدم الكرسف ولا يتجاوز عنه فيجب غسل واحد، وإما أن
يثقب ويتجاوز الدم عن الكرسف فتجب أغسال ثلاثة ولا يعتمد على
ما فصله المحقق الخراساني (قده) كما عرفت.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 5 من أبواب النفاس ح 2.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 16.
46

توضيح المقال في جواب المحقق الخراساني (قده):
وتوضيح الكلام في الجواب عما أفاده يقع في مقامين: - (أحدهما):
في الدم الأحمر. و (ثانيهما): في الدم الأصفر. فنقول أولا في
الدم الأحمر.
المقام الأول:
إن صريح صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال:
(المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت
أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه
وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه، وتغتسل للصبح
وتحتشي وتستثفر ولا تحني (تحيى) وتضم فخذيها في المسجد وسائر
جسدها خارج ولا يأتيها بعلها أيام قرءها، وإن كان الدم لا يثقب
الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء) (1)
أن حكم المستحاضة يختلف باختلاف ثقب الدم الكرسف وعدمه
فمع الثقب تجب الأغسال الثلاثة ومع عدم الثقب يجب الوضوء
فالثقب له موضوعية في حكم المستحاضة وأنه المدار في اختلاف أحكامها
بمعنى أن الدم الذي يثقب الكرسف يجب معه الأغسال ولكنه هو
بعينه لو خرج ولم يثقب وجب معه الوضوء فالدم الواحد الذي يحكم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
47

معه بوجوب الأغسال إذا ثقب هو الذي يحكم معه بوجوب الوضوء لو
لم يكن ثاقبا فلا وجه لتقسيم دم الاستحاضة إلى الصفرة أو الحمرة.
وليس المدار في اختلاف حكمها هو اختلاف لون الدم من الحمرة
والصفرة بل سواء أكان دمها أحمر أم كان أصفر إذا ثقب الكرسف
وجبت معه الأغسال الثلاثة وإذا لم يثقبها وجب معه الوضوء، فما
أفاده (قده) من اختلاف حكم المستحاضة باختلاف لون الدم مخالف
لصريح الصحيحة كما عرفت.
نعم هي توافق المحقق المزبور في أن دلالتها على وجوب الأغسال
الثلاثة مع الثقب على نحو الاطلاق سواء أكان متجاوزا أيضا أم لم يكن، إلا أنه
لا بد من تقييد اطلاقها من هذه الجهة بصحيحة زرارة الدالة على أن وجوب
الأغسال الثلاثة إنما هو فيما إذا كان الثقب مع التجاوز، وأما مع عدم
التجاوز فالواجب غسل واحد لكل يوم وليلة.
قال: قلت له: النفساء متى تصلي؟ فقال: (تقعد بقدر حيضها
وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم إلا اغتسلت واحتشت واستثفرت
(واستذفرت) وصلت فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم
صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل،
وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد (1).
وروايته الأخرى عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن الطامث
تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: (تستظهر بيوم أو يومين ثم
هي استحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
48

ما لم ينفذ (يثقب) الدم فإذا نفذ اغتسلت وصلت) (1). إلا أنها
ضعيفة بمحمد بن خالد الأشعري فهي صالحة للتأييد دون الاستدلال بها.
وكيف كان فبدلالة صحيحة زرارة صريحا يقيد اطلاق قوله (ع)
في الصحيحة المتقدمة: (ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت
للظهر..) بما إذا كان متجاوزا، وأما مع الثقب من دون تجاوز
فالواجب في حقها غسل واحد، فالصحيحتان تدلان على المسلك المشهور
من انقسام المستحاضة إلى أقسام ثلاثة، ووجوب الوضوء مع عدم
الثقب، والغسل الواحد مع الثقب من دون تجاوز والأغسال الثلاثة
مع الثقب والتجاوز.
وبإزائهما موثقة (2) سماعة المتقدمة وما هو بمضمونها - التي اعتمد
عليها المحقق الخراساني (قده) وذلك بتقريب أن قوله (ع) (إذا
ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين.) مطلق يشمل
ما إذا كان الثقب مع التجاوز وما إذا لم يكن متجاوزا، فتدل هذه
الجملة على وجوب الأغسال الثلاثة مع الثقب من دون فرق بين
المتجاوز وغيره.
ثم إن قوله (ع) في الجملة الثانية (وإن لم يجز الدم الكرسف
فعليها الغسل لكل يوم مرة) تصريح بالمفهوم المستفاد من الجملة
السابقة، ومعناه: (وإن لم يثقب الدم الكرسف فعليها الغسل) لأن
مفهوم قوله (ع) (إذا ثقب): (إذا لم يثقب).
وعليه فالموثقة تدلنا على أن أمر الدم الأحمر الذي تراه المستحاضة

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
49

مردد بين أمرين: لأنه إما أن لا يثقب فالواجب فيه غسل واحد لكل
يوم، وإما أن يثقب فالواجب فيه الأغسال الثلاثة - تجاوز الدم أم لم
يتجاوز - فليس للمستحاضة التي ترى الدم الأحمر أقسام ثلاثة يجب في
أحدها الوضوء هذا.
وجوه المناقشة في الاستدلال بالموثقة:
ولكن للمناقشة في الاستدلال بالموثقة مجال واسع، وهي من وجوه:
(الأول): إنا لو سلمنا أن الجملة الثانية تصرح بالمفهوم المستفاد
من الجملة السابقة (يدور الأمر بين ارتكاب أحد أمرين كلاهما خلاف
الظاهر، وذلك لأن المفهوم هو عبارة عن نفي ما ورد في المنطوق،
ومنطوق الموثقة (إذا ثقب الدم الكرسف) والمذكور في الجملة الثانية
(وإن لم يجز الدم.) والمفروض أنه مفهوم الجملة الأولى ولا يمكن
ابقاؤهما على حقيقتهما والعمل على أصالة الحقيقة في كليهما، فإما أن
يراد من الثقب التجاوز فيصير معنى (إذا ثقب): (إذا تجاوز)
ليصح كون الجملة الثانية مفهوما للجملة الأولى وحينئذ تدل الموثقة على
أن الدم إذا تجاوز الكرسف فيجب فيه الأغسال الثلاثة وإذا لم يتجاوز
يجب فيه غسل واحد.
وهذا خلاف ما يدعيه المحقق الخراساني وهو عين ما التزم به المشهور
في الدم المتجاوز والدم الثاقب غير المتجاوز - وإما أن يعكس الأمر
ويتصرف في الجملة الثانية بحمل التجاوز على الثقب أي إذا لم يثقب
الدم وجب عليها غسل واحد - وهو ما ادعاه (قده) في المقام وبما
50

أنه لا قرينة على تعيين أحد التصرفين وارتكاب أحد المخالفتين للظاهر
ولا مرجح له تصبح الموثقة المذكورة مجملة لا محالة.
(الثاني): إن الجملة الثانية ليست تصريحا بمفهوم الجملة الأولى
بل الظاهر المستفاد من الموثقة أن الجملة الأولى مطلقة وقد دلت باطلاقها
على وجوب الأغسال الثلاثة مع الثقب تجاوز أم لم يتجاوز، والجملة
الثانية بيان ومقيد لاطلاق الجملة الثانية وتدل على أن وجوب الأغسال
الثلاثة إنما هو إذا ثقب الدم وتجاوز، وأما إذا ثقب ولم يتجاوز
فالواجب غسل واحد.
ولا بأس بالاطلاق في الجملة المتقدمة مع بيان القيد في الجملات
المتأخرة بل هو كلام فصيح وقد وقع نظيره في كلام الله سبحانه كما
في قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) فإنه - باطلاقه -
شامل للجنب وغيره ثم أتى بمقيده بقوله - عز من قائل) - (وإن كنتم
جنبا فاطهروا) فإنه مقيد لاطلاق الجملة السابقة ودال على أن وجوب
الوضوء إنما هو في حق غير الجنب وأما الجنب فحكمه أن يتطهر.
وعليه فالموثقة تدل على مذهب المشهور، غاية الأمر أن نضيف
عليها الحكم بوجوب الوضوء مع عدم الثقب أصلا بمقتضى صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة.
ويدل على ما ذكرناه موثقة أخرى لسماعة مسندة عن أبي عبد الله (ع)
بخلاف هذه الموثقة فإنها مضمرة - قال: (غسل الجنابة واجب وغسل
الحائض إذا طهرت واجب وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت
بالكرسف وجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل

(1) المائدة: 6.
51

وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل
صلاة.. (1) فإنها صريحة فيما ذكرناه حيث عبرت بتجاوز الدم
وبعدم تجاوز، والراوي عن سماعة في كلتا الروايتين شخص واحد
وهو عثمان بن عيسى والوجه في الاستدلال بها: إن من البعيد أن تكون
هذه الرواية متضمنة لمطلب آخر غير الرواية بل الظاهر أنهما متكلفتان
لمطلب واحد عبر في إحداهما بتعبير وفي الأخرى بتعبير آخر.
(الثالث): هب إنا سلمنا أن الجملة الثانية مفهوم للجملة السابقة
إلا أن الالتزام بمدلولها وأن الدم الثاقب مطلقا يجب معه الأغسال الثلاثة
- تجاوز أم لم يتجاوز - وغير الثاقب يجب معه غسل واحد إنما هو
فيما إذا كانت الرواية منحصرة بالموثقة.
وليس الأمر كذلك لما عرفت من الصحيحتين، فلا بد من التصرف
في الموثقة بقرينتهما، وحمل الثاقب على المتجاوز بتقييد اطلاقها، والحكم
في الثاقب غير المتجاوز بالغسل الواحد وفي غير الثاقب أصلا بوجوب
الوضوء بمقتضى صريح الصحيحتين لأن التجاوز في مثلهما ليس بمجمل
وإنما يراد به التجاوز عن الكرسف ولا يحتمل أن يراد به الثقب.
فتدلنا الصحيحتان وغيرهما من الأخبار على أن الدم مع الثقب
والتجاوز يجب فيه الأغسال الثلاثة، ومع الثقب غير المتجاوز يجب
غسل واحد ومعه تكون هاتان الروايتان قرينة على أن المتعين في الموثقة
أن يتصرف في الثقب بحمله على التجاوز لا أن يتصرف في التجاوز
بحمله على الثقب.
هذا كله في الدم الأحمر.

(1) الوسائل: جزء 1 باب 1 من أبواب الجنابة ح 3.
52

المقام الثاني:
في الدم الأصفر، وقد عرفت أنه (قده) فصل فيه بين الكثير
العرفي وأوجب فيه الوضوء وبين القليل العرفي وحكم فيه بوجوب
الوضوء وقال: إنه لا ثالث لهما في البين. واستدل عليه بالطائفة الدالة (1)
على أن المستحاضة إذا رأت صفرة تتوضأ وتصلي، وبما (2) دل على
أن المستحاضة إذا رأت صفرة تغتسل وتصلي بدعوى أنهما متعارضتان
بالتباين وهناك شاهد جمع بينهما - أعني ما رواه (3) محمد بن مسلم حيث دلت على وجوب الوضوء مع كون الدم قليلا أصفر.
ولكن يرد عليه أن ما أقامه شاهدا للجمع بين الطائفتين ضعيف
السند لارساله.
(إعادة وتتميم):
ذكرنا أن المحقق الخراساني (قده) خالف المشهور في المقام وذهب
إلى التفصيل في دم الاستحاضة بين الأحمر والأصفر وذكر أن الدم

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض ح 1 و 7 و 8
وباب 6 ح 3 وباب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 6 وباب
5 ح 2.
(3) الوسائل: جزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 16.
53

الأحمر يدور أمره بين وجوب الأغسال الثلاثة فيما إذا تجاوز الدم عن
الكرسف، ووجوب غسل واحد فيما إذا ثقب الدم الكرسف من غير
أن يتجاوز، واستدل عليه بموثقة (1) سماعة المتقدمة بالتقريب السابق.
وأما الدم الأصفر فقد ذكر أنه إذا كان كثيرا - عرفيا لا بحسب الاصطلاح
الذي هو بمعنى تجاوز الدم عن الكرسف - وجب فيه والغسل، وإذا
كان قليلا عرفا وجب فيه الوضوء.
وذكر أنه - على ذلك - تكون الاستحاضة المتوسطة المصطلحة داخلة
في الاستحاضة القليلة عنده لأن كون الدم بحيث يوجب الثقب فحسب
لا يعد دما كثيرا عرفا بل هو من الدم القليل فيجب فيه الوضوء،
بل بعض أقسام الاستحاضة الكثيرة يدخل في القليلة عنده كما إذا ثقب
الكرسف وتجاوز عنه بشئ يسير فإن مثله لا يعد كثيرا عرفا بل هو
قليل فيجب فيه الوضوء، إلا أن يكون سائلا على وجه يعد كثيرا عرفا. هذا
وقد قدمنا أن ما أفاده في الدم الأحمر غير تام لصحيحة معاوية
ابن عمار (2) الدالة بصراحتها على أن المدار في اختلاف أحكام
المستحاضة إنما هو الثقب وعدمه وأن الدم الثاقب يجب معه الأغسال
الثلاثة وغير الثاقب يجب معه الوضوء - بمعنى أن الدم الذي يجب
معه الغسل إذا كان ثاقبا هو الذي يجب معه الوضوء إذا كان غير
ثاقب، وعليه فلا عبرة بحمرة الدم وصفرته بل المدار إنما هو بثقب الدم
وعدم ثقبه.
ولما كانت الصحيحة مطلقة من حيث دلالتها على وجوب الأغسال

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
54

الثلاثة مع الثقب سواء أكان متجاوزا أم لم يكن فلا بد من تقييدها
بصحيحة زرارة (1) الدالة على أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما هو
مع تجاوز الدم الثاقب، وأما الدم الثاقب غير المتجاوز فإنما يجب معه
غسل واحد، وعليه فالصحيحتان بعد تقييد مطلقهما بمقيدهما صريحتان
في مسلك المشهور. هذا
مناقشات المحقق الخراساني (قده):
وللمحقق الخراساني (قده) مناقشات في الاستدلال بالصحيحة على
المسلك المشهور بين الأصحاب:
(المناقشة الأولى):
أن الصحيحة وإن دلت على وجوب الوضوء عند عدم كون الدم
ثاقبا إلا أنها لا تدل على عدم وجوب الغسل حينئذ لعدم كونها في
مقام البيان من هذه الجهة - أي من جهة وجوب الغسل وعدمه،
وإنما وردت للدلالة على وجوب الوضوء حينئذ - فلا يمكن التمسك
باطلاقها في الحكم بعدم وجوب الغسل حينئذ.
وهذه المناقشة منه (قده) عجيبة، وذلك لأنه مع ورود الرواية
لبيان ما يجب على المستحاضة حسب اختلاف حالاتها ووجوب الغسل
عليها ثلاث مرات مع الثقب، كيف لا تكون بصدد البيان عند عدم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
55

ثقبه إذ لو لم تكن بصدد بيان الغسل الواجب عليها لم تتعرض لوجوبه
مع الثقب أيضا، وكونها مع الثقب في مقام البيان وعدم كونها كذلك
عند عدم الثقب الذي هو مفروض الرواية في الجملة الثانية منها عجيب غايته.
(المناقشة الثانية):
أن المراد بالتوضؤ في قوله (ع) (وإن كان الدم لا يثقب
الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء) لم يعلم
أنه الوضوء المصطلح عليه بل المراد به هو الاغتسال من التنظيف والتطهير
إذ لو أريد به الوضوء المصطلح عليه للزم التكرار في الرواية حيث
ذكرت وجوب الوضوء عليها في آخر الرواية (وصلت كل صلاة
بوضوء) وعليه فتكون الصحيحة موافقة لمسلكه (قده) من وجوب
الغسل الواحد عند عدم ثقب الدم.
وهذه المناقشة أيضا غريبة وذلك لأن التوضؤ بمعناه اللغوي المعبر
عنه ب‍ (شست وشو) وإن كان قد يستعمل في كلامهم إلا أنه بمعنى
الغسل مما لم يعهد استعماله بوجه. بل الظاهر إرادة الوضوء المصطلح
عليه منه.
ودعوى أنه يلزم التكرار حينئذ واضحة الدفع لأن قوله (ع)
(وصلت كل صلاة بوضوء) إنما هو لبيان أن المستحاضة ليست كبقية
المكلفين في جواز اكتفائها بوضوء واحد في جميع صلواتها بل يجب عليها
أن تتوضأ لكل صلاة وليس معناه وجوب أصل الوضوء عند حدث
الاستحاضة ليلزم التكرار.
56

(المناقشة الثالثة):
أن دلالة الصحيحة على عدم وجوب الغسل عند عدم ثقب الكرسف
إنما هي بالاطلاق بعد قطع النظر عن المناقشتين المتقدمتين، نظرا إلى
أنها في مقام البيان ومعه تعرضت لوجوب الوضوء على المستحاضة
حينئذ ولم تتعرض لوجوب الغسل في حقها فمن سكوتها في مقام البيان
يستكشف عدم وجوبه.
إلا أنه لا مانع من رفع اليد عن اطلاقها وتقييدها بموثقة سماعة
الدالة على أنه مع عدم ثقب الدم يجب عليها الغسل مرة واحدة بناءا
على ما قدمناه في تقريب دلالتها وأن قوله (ع) (وإن لم يجز الدم)
معناه (أن الدم إذا لم يثقب).
وعليه يقال: إن مقتضى الصحيحة وإن كان وجوب الوضوء على
المستحاضة مع عدم الثقب، إلا أن الموثقة تدل على أنه مع الوضوء
يجب عليها الاغتسال وبضم إحداهما إلى الأخرى يستفاد أن وظيفة
المستحاضة عند عدم ثقب الكرسف هو الغسل لواحد والوضوء لكل
صلاة لأنها حينئذ محدثة بالحدث الأصغر وبالحدث الأكبر فيجب عليها
الوضوء - والاغتسال - كما هو مسلكه (قده).
وهذه المناقشة لا بأس بها فيما إذا تم ما ذكره في تقريب استدلاله
بالموثقة بأن يكون قوله (ع): (وإن لم يجز الدم الكرسف)
مفهوما للجملة السابقة عليه، وأن يكون بمعنى عدم كون الدم ثاقبا
فإنه لا مناص مما أفاده لاطلاق الصحيحة من حيث وجوب الغسل حينئذ
57

فيرفع عنه اليد بدلالة الموثقة على وجوب الغسل معه.
إلا أنك عرفت أن ما أفاده (قده) ليس بتام لعدم كون الجملة
الثانية مفهوما للجملة المتقدمة عليها بل الظاهر أنها مقيدة لاطلاق الجملة
الأولى نظير قوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا) المقيد لاطلاق قوله
عز من قائل (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم..) (1)
ومع الغض عنه فإن كون (إن لم يجز) بمعنى (إن لم يثقب) وإن
كان محتملا حينئذ إلا أنه يحتمل أن يكون قوله (إذا ثقب الدم)
بمعنى (إذا تجاوز الدم) فإن اللازم هو أحد هذين التصرفين في الجملتين
بناءا على أن الجملة الثانية مفهوم للجملة السابقة عليها، وأما تعيين
خصوص الأول فهو مما لا مرجح له.
ومعه تصبح الموثقة مجملة لو لم نقل برجحان المحتمل الثاني لدلالة
سائر الروايات كصحيحة زرارة على أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما
هو مع تجاوز الدم عن الكرسف لا مع كون الدم ثاقبا فقط، فإن التجاوز
والثقب لو كان مجملا فإنما هو كذلك في هذه الرواية، وأما بقية الروايات
فلا اجمال في شئ منهما، وهو ظاهر.
(المناقشة الرابعة:
مع الغض عن جميع المناقشات المتقدمة لا دلالة في الصحيحة على أن
ايجاب الوضوء عند عدم كون الدم ثاقبا إنما هو فيما إذا كان الدم أحمر
بل الصحيحة مطلقة من هذه الجهة فأي مانع من حملها على الدم الأصفر

(1) المائدة: 6.
58

بقرينة موثقة سماعة الدالة على أن الدم الأحمر إذا لم يثقب الكرسف
وجب فيه الغسل حيث ورد في ذيلها (هذا إن كان دمها عبيطا).
وبه ترتفع المنافاة بينهما وتكون الأخبار الواردة في المقام بعد تقييد
مطلقها بمقيدها وارجاع بعضها إلى بعض دالة على أن الدم الأحمر يدور
أمره بين وجوب الأغسال الثلاثة معه كما إذا كان ثاقبا. وبين وجوب
الغسل الواحد كما إذا لم يثقب، وأما الدم الأصفر فيفصل فيه بين
الكثير العرفي والقليل العرفي بوجوب الغسل في الأول والوضوء في
الثاني. هذا
ولا يخفى أن هذه المناقشة كسابقتها وذلك لما ظهر مما ذكرناه من
أن صحيحة معاوية بن عمار صريحة في أنه لا عبرة بحمرة الدم وصفرته
وإنما المدار على ثقب الدم وعدمه وأن الدم الذي يجب معه الأغسال
الثلاثة مع الثقب هو الدم الذي يجب فيه الغسل الواحد إذا لم يثقب
سواء كان الدم أحمر أم أصفر، والدم الأصفر لو ثقب لم يكن عنده
موجبا للغسل لأنه قليل عرفا فضلا عما إذا لم يثقب، على أن اطلاق
الدم منصرف إلى الدم الأحمر ولا يمكن حمله على الأصفر فإنه جعل في
بعض الأخبار في قبال الدم) إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة (1)
ومعه كيف يحمل الدم في الصحيحة على الأصفر هذا كله.
مضافا إلى أنه لا موجب أصلا لتقييد الصحيحة بالموثقة إذا لا تنافي
بينهما ولا تماس، وذلك لأن الموضوع في الموثقة على ما فسرناه إنما هو
الدم الثاقب وأنه مع التجاوز تجب فيه الأغسال الثلاثة ومع عدم التجاوز
يجب فيه غسل واحد، وأما الدم غير الثاقب فهو مما لم يتعرض له

(1) الوسائل: جزء 2 باب 8 من أبواب الحيض ح 4.
59

في الموثقة أصلا، والصحيحة متعرضة لحكمه، ومع عدم التماس بينهما
في الدم غير الثاقب لا موجب لجعل إحداهما مقيدة لاطلاق الآخر.
وعليه فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من أن الاستحاضة إذا كانت
قليلة أي لم يكن الدم ثاقبا للكرسف وجب معه الوضوء لكل صلاة،
وإذا كانت متوسطة أي كان الدم ثاقبا للكرسف وجب عليها أن تتوضأ
لكل صلاة ويجب أن تغتسل غسلا واحدا لكل يوم وليلة لاجتماع الحدث
الأصغر مع الحدث الأكبر حينئذ، وإذا كانت كثيرة أي كان الدم
ثاقبا ومتجاوزا عن الكرسف وجب الوضوء والغسل لكل صلاة وذلك
لصحيحتي معاوية وزرارة المتقدمين.
هذا كله في الدم الأحمر، وبقي الكلام في الدم الأصفر: -
الكلام في الدم الأصفر:
وقد ذكر أن دم الاستحاضة إذا كان أصفر فإن كان كثير عرفا
بأن سال عن الكرسف فيجب معه الأغسال الثلاثة وإذا كان قليلا عرفا
بأن لم يثقب الكرسف أو تجاوز عنه ولم يسل فيجب فيها الوضوء فلا
قسم ثالث بينهما.
فهو (قده) وإن التزم بوجوب الأغسال الثلاثة في مورد ووجوب
غسل واحد في مورد آخر ووجوب الوضوء في مورد ثالث إلا أنه على
ترتيب آخر غير الترتيب الذي سلكه المشهور لأنه التزم بوجوب الأغسال
الثلاثة فيما إذا تجاوز الدم عن الكرسف وفيما إذا كان الدم أحمر، وإذا
سال وعد كثيرا عرفا فيما إذا كان صفرة وبوجوب غسل واحد في
60

خصوص الدم الأحمر غير المتجاوز عن الكرسف - ثقب أم لم يثقب -
وبوجوب الوضوء في الدم الأصفر القليل عرفا.
واستدل على ما ذهب إليه بما ورد في جملة من الروايات من أن
المرأة إذا رأت الدم الأصفر وجب عليها الأغسال الثلاثة وما ورد من
أنها إذا رأت صفرة تتوضأ وتصلي كما نقلناهما (1) سابقا.
فإنهما متعارضين بالتباين لدلالة إحداهما على وجوب الأغسال الثلاثة
مع الصفرة مطلقا ودلالة الأخرى على وجوب الوضوء معها مطلقا،
إلا أن هناك شاهد جمع وهو ما رواه محمد بن مسلم في الحامل قد استبان
حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم قال: (تلك الهراقة من الدم،
إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها
إلا الوضوء (2).
حيث يدل على أن الوضوء في الدم الأصفر إنما يجب فيما إذا كان
قليلا، وأما إذا كان كثيرا فمقتضى الطائفة الأولى أن يحكم فيه بوجوب
الاغتسال. هذا
ولا يمكن المساعدة على ما أفاده بوجه وذلك لضعف الرواية التي
جعلها شاهد جمع بين الطائفتين بارسالها فتبقى الطائفتان على تعارضهما.
والصحيح أن يقال: إن الطائفتين وإن كانتا متعارضتين بالتباين
كما مر، إلا أن الطائفة الدالة على وجوب الاغتسال مع الصفرة لا بد
من حملها على ما إذا كانت الاستحاضة - أي الدم الأصفر - كثيرة بحسب
الاصطلاح بأن ثقبت الكرسف وتجاوزت عنه فإنها لو كانت قليلة - أي
غير ثاقبة أصلا - لا يحتمل كونها موجبة للأغسال الثلاثة لأن الصفرة

(1) تقدم ذكر جميعها في نفس المسألة.
(2) تقدم ذكر جميعها في نفس المسألة.
61

لا تزيد على الدم الأحمر، والدم الأحمر غير الثاقب أعني الاستحاضة
القليلة - لا توجب الأغسال الثلاثة فكيف توجبها الصفرة؟
وكذلك الحال في الدم الأصفر المتوسطة بحسب الاصطلاح على مسلك
صاحب الكفاية لأنها على مسلكه لو كان أحمر لم تكن موجبة للأغسال
الثلاثة فكيف تكون الاستحاضة مع الصفرة موجبة للأغسال الثلاثة.
فهذه القرينة الخارجية - أعني العلم بعدم كون الأصفر أشد من الدم
الأحمر بحسب الحكم - توجب اختصاص الأخبار الآمرة بالأغسال الثلاثة
على الاستحاضة الكثيرة أي الصفرة فيما إذا كانت كثيرة بحسب الاصطلاح
ومعه تنقلب النسبة من التباين إلى العموم المطلق.
فالطائفة الثانية تدل على وجوب الوضوء مع الصفرة في جميع
الأقسام الثلاثة المتقدمة، والطائفة الأولى تدل على وجوب الغسل في
الدم الأصفر الكثير، ومعه فالقاعدة تقتضي تخصيص الأولى بالثانية
والحكم في المستحاضة الكثيرة - عند الصفرة - بوجوب الأغسال الثلاثة
وأما في المتوسطة والقليلة فيجب فيهما الوضوء.
إلا أن تلك الطائفة الآمرة بالوضوء في المتوسطة والقليلة معارضة
بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. قال: سألت أبا إبراهيم (ع)
عن المرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ثم طهرت وصلت ثم
رأت دما أو صفرة، قال: (إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا
تمسك عن الصلاة) (1).
لدلالتها على وجوب الغسل مع الصفرة من غير تقييده بالمرة الواحدة
أو بثلاث مرات ولا بشئ من أقسام الاستحاضة، والنسبة بينهما عموم

(1) الوسائل: جزء 2 باب 5 من أبواب النفاس ح 2.
62

من وجه، وذلك لأن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وإن كانت
مطلقة إلا أنه لا بد من اخراج المستحاضة القليلة عن اطلاقها للقرينة
المتقدمة من أن الصفرة لا يحتمل أن يكون حكمها أشد من الأحمر،
وقد تقدم أن الاستحاضة القليلة في الدم الأحمر لم تكن موجبة للاغتسال
فكيف بالاستحاضة القليلة في الدم الأصفر؟
فالصحيحة تختص بالاستحاضة الكثيرة والمتوسطة كما أن الأخبار
الدالة على الوضوء مختصة بالمتوسطة والقليلة، فالاستحاضة المتوسطة
بالأصفر مورد للتعارض بين الروايتين فالصحيحة تدل على وجوب
الغسل فيها والطائفة الثانية تدل على وجوب الوضوء فيها.
فإن أمكننا الجمع بينهما بالأخذ بكلتا الطائفتين فنأخذ بهما ونحكم بأن
في المتوسطة الأصفر يجب الغسل والوضوء - كما هو مسلك المشهور -
وتكون النتيجة بعد الجمع بين الأخبار وجوب الأغسال الثلاثة في
الاستحاضة الكثيرة ووجوب الغسل الواحد والوضوء في المتوسطة ووجوب
الوضوء خاصة في القليلة.
وإن لم يمكننا الجمع بينهما نظرا إلى أن الصحيحة تدل على جواز
الاقتصار بالغسل في صحة الصلاة وإن لم تتوضأ، والطائفة الثانية تدل
على جواز الاقتصار على الوضوء فحسب وإن لم تغتسل، فلا يمكن
الجمع بينهما فلا مناص من الحكم بتساقطهما.
لأن تعارضهما بالاطلاق وبعد التساقط نرجع إلى صحيحة معاوية
ابن عمار وصحيحة زرارة المتقدمتين لأنهما الأصل في الاستحاضة وقد
عرفت دلالتهما على أن العبرة في الاستحاضة بكمية الدم لا بكيفيته من
الحمرة والصفرة فإنه إذا ثقب الكرسف مع التجاوز - أي كان كثيرا
63

أحمر كان أو أصفر - ففيها الأغسال الثلاثة، وإذا ثقب من غير تجاوز
الكرسف ففيها غسل واحد، وإذا لم يثقب ولم يتجاوز ففيها وضوء
واحد فإن الروايتين لا معارض لهما بعد تساقط الطائفتين المتقدمتين بالتعارض.
وبهذا يتضح أن ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح.
بقي الكلام في موثقة سماعة حيث إن ظاهرها أو صريحها أن بين
الدم الأحمر والأصفر فرقا وتفاوتا بحسب الحكم حيث قال (هذا إن
كان دمها عبيطا وإن كان صفرة فعليها الوضوء) (1).
والجواب عن ذلك أنه لا مناص من حمل الموثقة على إرادة الكمية
دون الكيفية بمعنى أن هذا إنما هو فيما إذا كان الدم كثيرا وأما إذا
كان قليلا بمثابة عده من الأعراض عرفا بحيث يرى صفرة ولو كان
أحمر حقيقة لقلته فلا يجب فيه إلا الوضوء.
وذلك بقرينة الأخبار الأخر الدالة على وجوب الغسل مع الصفرة
إذا كانت ثاقبة الكرسف، بل حمل الموثقة على ذلك مما لا مناص عنه حتى
بناءا على ما سلكه المحقق الخراساني (قده) وذلك للأخبار الواردة في
وجوب الأغسال الثلاثة فيما إذا كانت الصفرة كثيرة لأنه ملتزم بذلك
كما عرفت، فالمراد بالصفرة هو الدم القليل لا الدم الأصفر كما عرفت.

(1) الوسائل جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
64

فريضة كانت أو نافلة (1) وتبديل القطنة أو تطهيرها.
التسوية بين الفريضة والنافلة:
(1) بعد ما عرفت أن في الاستحاضة القليلة والمتوسطة يجب الوضوء
لكل صلاة.
يقع الكلام في أن هذا الحكم هل يختص بالفرائض - كما نسب ذلك
إلى الشيخ في مبسوطه من أن المستحاضة إذا توضأت للفرض جاز لها
أن تصلي من النوافل ما شاءت - أو يعم النوافل؟ فيجب أن تتوضأ
لكل صلاة من النوافل كما يجب أن تتوضأ لكل صلاة من الفرائض؟
هذا هو المعروف بينهم.
وقد يقال: إن القاعدة أيضا تقتضي ذلك لأن الاستحاضة من
الأحداث ومقتضى القاعدة سقوط الصلاة عن المستحاضة لأنها ذات حدث
إلا أن الأخبار (1) دلت على أنها مع كونها محدثة لا تسقط عنها
الصلاة، ومعه لا بد في الخروج عن مقتضى القاعدة من الاقتصار على
المورد المتيقن وهو ما إذا توضأت لكل صلاة.
وأما إذا لم تتوضأ لصلاة ولو نافلة فلا مناص من الحكم ببطلانها
لأنها ذات حدث ولم يعلم الترخيص لها في تلك الصلاة التي تأتي بها
من دون أن تتوضأ لها. هذا

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 1 و 4 من أبواب الاستحاضة
وغيرها من الموارد.
65

وفيه: أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام أن صحة الصلاة
من المستحاضة مع التوضؤ إنما هي من جهة أنها طاهرة حينذاك وإن
طهرها هو الوضوء عند الصلاة فصحة صلاتها ليس أمرا تعبديا على
خلاف القاعدة ومن باب التخصيص فيما دل على بطلان الصلاة مع الحدث
بل هي من جهة كونها طاهرة ومن باب التخصيص في أدلة النواقض
وأن الدم الخارج منها بعد توضؤها لا يكون ناقضا لطهارتها.
كما ذكرنا لك في المسلوس والمبطون وقلنا أن طهارتهما هو توضؤهما
وأن ما يخرج منهما بعد الوضوء لا يكون ناقضا تخصيصا في أدلة النواقض
لا أن صحة صلاتهما من باب التخصيص فيما دل على اعتبار الطهارة في
الصلاة وبطلانها مع الحدث، وإذا حكمت المستحاضة بالطهارة لا يفرق
معها بين أن تصلي صلاة واحدة أو صلاتين أو أكثر.
وقد يدعى أن مقتضى القاعدة عدم اعتبار التوضؤ في النوافل وذلك
لأنا إذا لم نعتبر فورية الصلاة على المستحاضة بعد توضؤها وقلنا بجواز
التأخير والفصل بينهما على المستحاضة ولا سيما فيما إذا اشتغلت بما هو
من مقدمات الصلاة وبالأخص فيما إذا كانت المقدمة من المقدمات الشرعية
كالنوافل لم يحتمل أن يكون وجود النافلة مبطلا للوضوء لما فرضنا من
أنها لو سكتت بعد توضؤها دقيقة أو دقيقتين مثلا وصلت بعد ذلك
صحت صلاتها وتوضؤها فإذا أتت بالنافلة بدل السكوت كيف يحكم
ببطلان وضوئها؟
وهل يكون وجود النافلة مبطلا له مع عدم بطلانه بالسكوت لعدم
وجوب الفورية على الفرض؟! فلا مانع من أن تتوضأ وتصلي النافلة
ثم تصلي الفريضة.
66

وكذا الحال فيما إذا أتت بالنافلة بعد الفريضة كما في صلاة المغرب
لأن التأخير بمقدار فعل النافلة لا يكون موجبا لبطلان الوضوء كما عرفت
فمقتضى القاعدة عدم وجوب التوضؤ لكل نافلة.
وهذا - كسابقه - مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك لأن المدعى ليس
هو أن الفصل الزماني بين الوضوء والفريضة موجب لبطلانه حتى ينتقض
بما إذا سكت بعد الوضوء ولم تشتغل بشئ وصلت بعد ذلك، وإلا
للزم الالتزام بصحة الاكتفاء بالوضوء الواحد فيما إذا توضأت لأداء
فريضة وأتت قبلها بفريضة أخرى قضاءا، فإن وجود الصلاة المأتي
بها قضاءا لا يحتمل أن يكون ناقضا لتوضؤها بعد عدم كون السكوت
بهذا المقدار مبطلا له.
مع أن هذا مما لا يلتزم به أحد لأنهم يدعون لزوم التوضؤ لكل
فريضة الأعم من الأداء والقضاء.
بل المدعى اعتبار التوضؤ لكل صلاة الأعم من الفريضة والنافلة،
وهذا لا يندفع بما ذكر.
ودعوى أن الصلاة منصرفة إلى الفرائض غير مسموعة لأن الصلاة
صلاة ولا يفرق بين نفلها وفرضها وإلا لأمكن دعوى انصرافها إلى الأداء دون
القضاء مع أنه مما لا يلتزم به القائل باختصاص الحكم بالفرائض لأنه
يلتزم بوجوب الوضوء لكل فريضة في وقتها أو في خارج وقتها.
فلا بد في تحقيق الحال من مراجعة الروايات وهي على طائفتين:
ففي إحداهما: وجوب الوضوء على المستحاضة بالقليلة في وقت
كل صلاة - كما في صحيحة الصحاف حيث قال: (فلتتوضأ ولتصل
67

عند وقت كل صلاة) - (1).
وفي ثانيتهما: وجوب الوضوء عند كل صلاه - كما في صحيحة
معاوية بن عمار (وصلت كل صلاة بوضوء) (2) ورواية زرارة
(وتصلي كل صلاة بوضوء) - (3).
ولا دلالة للطائفة الأولى على جواز الاقتصار على وضوء واحد في
أكثر من صلاة واحدة من غير جهة اطلاقها، نعم مقتضى اطلاقها
أنها تتوضأ في وقت كل صلاة - سواء أتت بصلاة واحدة أم بصلاتين
أم بأكثر.
إلا أن من المعلوم أن اطلاقها لا يعبأ به في مقابل العموم المصرح به
في صحيحة معاوية (وصلت كل صلاة بوضوء) ولأجله يحمل الاطلاق
في الصحيحة على الغالب فإن أغلب النساء لا يأتين في وقت الصلاة إلا
بالفريضة ولا يصلين متعددا ولأجله اكتفى عليه السلام بالاطلاق ولم يقيد
بقوله (توضأت لكل صلاة) مثلا.
إذن فالصحيح أن في الاستحاضة القليلة يعتبر الوضوء لكل صلاة
أعم من الفريضة والنافلة.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
(3) الوسائل جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 9.
68

والثانية: أن يغمس الدم في القطنة ولا يسيل إلى خارجها
من الخرقة ويكفي الغمس في بعض أطرافها، وحكمها
- مضافا إلى ما ذكر - غسل قبل صلاة الغداة (1).
الاستحاضة المتوسطة:
(1) ذكروا أن حكم الاستحاضة المتوسطة - مضافا إلى تبديل القطنة
والتوضؤ لكل صلاة - غسل واحد في اليوم والليلة.
أما تبديل القطنة فقد يقال - كما تقدم - أن وجوبه واعتباره على
طبق القاعدة لأن دم الاستحاضة كدم الحيض والنفاس لا يعفى عن
قليله ولا عن كثيره في الصلاة ومع عدم تبديل القطنة تبطل صلاتها.
وقد عرفت الجواب عن ذلك في الاستحاضة القليلة وأنه لم يدل
دليل على مانعية دم الاستحاضة بقليلها في الصلاة إلى آخر الأجوبة
المتقدمة هناك ولا نعيد.
وقد يقال: إن وجوب تبديل القطنة للتعبد الخاص بالنص لا من
جهة اقتضاء القاعدة ذلك وذلك لما ورد في صحيحة أو موثقة (أبان
ابن عثمان) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله حيث ورد فيها: (فإن
ظهر عن (على) الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي)
لدلالة قوله (ثم تضع كرسفا آخر) على وجوب تبديل القطنة
واعتباره في صحه صلاة المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة.
ولكن للمناقشة في دلالتها على المدعى مجال واسع، وذلك:
69

أولا: لاحتمال أنه (ع) كان بصدد بيان أمر عادي حيث إن
الكرسف المملو من الدم لا يرجعنه النساء عادة إلى محله بعد الاغتسال
لقذارته بل يطرح - إذ لا قيمة له - ويوضع كرسف جديد، لا أن
هذا أمر معتبر شرعا في حقها.
وثانيا: لاحتمال أن يكون ذلك من جهة أن ارجاع الكرسف السابق
إلى المحل يوجب تنجس المحل لامتلائه بالدم على الفرض من كون الدم
قد ثقبه ووضع مثله على المحل يوجب التنجس قهرا، وأما إنه من
جهة اعتبار ذلك في حق المستحاضة فلا.
وثالثا: مع الغض عن المناقشتين السابقتين فلأجل أن غاية ما يستفاد
من الرواية أنه يجب أن يوضع على المحل كرسف جديد ولو لأجل أن
لا يتنجس أطراف المحل بوضع الكرسف الأول، وأما إن وضع الكرسف
السابق ولو مع ذلك الكرسف الجديد مانع عن صحة صلاتها كما هو
محل البحث في المقام فلا يستفاد من الرواية بوجه.
رابعا: فلأنا لو أغمضنا عن جميع المناقشات السابقة فغاية ما هناك
أن نقتصر على ذلك في خصوص مورد الرواية وهو ما إذا أخرجت
المرأة كرسفها، فهب أنه حينئذ يعتبر أن لا ترجعه إلى محله، وأما إذا
اغتسلت وبدلت القطنة في الزوال - مثلا - ولم تخرج الكرسف عن
محله إلى آخر اليوم وليله فلا يعتبر في حقها تبديلها لأن مورد الرواية
هو لزوم تبديل القطنة مع الاخراج أي على تقدير الاخراج ولا دلالة
لها على وجوب الاخراج على المرأة.
وعليه فلا دلالة للرواية على وجوب تبديل القطنة أو تطهيرها على
المرأة فبقي نحن ومقتضى القاعدة وقد بينا في محله أن المحمول المتنجس
70

ولا سيما إذا كان باطنيا - كما في المقام - غير مانع عن الصلاة، والكرسف
من قبيل المحمول فلا يكون دم الكرسف مانعا عن الصلاة حتى بناء على
أن دم الاستحاضة مانع عن الصلاة بقليله وكثيره.
وذلك لأنه إنما هو فيما إذا لم يتنجس الكرسف الآخر - على تقدير
تبديله - بعين ذلك الدم، وأما مع تنجسه بذلك لفرض عدم انقطاع
دم الاستحاضة فتبديل الكرسف من اللغو الظاهر حينئذ، هذا كله
في تبديل القطنة.
وأما وجوب الغسل عليها مرة واحدة فهو الذي ذهب إليه المشهور
كما مر وخالف في ذلك العماني والإسكافي والمحقق والعلامة وغيرهم من
المتأخرين (قدهم) حيث ذهبوا إلى وجوب الأغسال الثلاثة حينئذ،
وذكروا أنه لا فرق بين تجاوز الدم عن الكرسف وعدمه بل الدم
بمجرد أن ثقب الكرسف وجب على المرأة ثلاثة أغسال.
ولعل الوجه في ذلك صحيحة معاوية بن عمار (1) الدالة على أن
الدم إذا ثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر وغسلا للمغرب والعشاء
وغسلا لصلاة الصبح وغيرها من المطلقات: إلا أن دلالتها على وجوب
الأغسال الثلاثة في الاستحاضة المتوسطة إنما هي بالاطلاق ولا مناص من
تقييده أو بصحيحة زرارة (2) الدالة على أن وجوب الأغسال الثلاثة
إنما هو مع تجاوز الدم مع الكرسف، وأما إذا ثقب ولم يتجاوز عنه
فلا يجب عليه إلا غسل واحد.
وهذه الرواية غير قابلة للمناقشة في دلالتها ولا في سندها ومعه

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
71

لا بد من تقييد صحيحة معاوية بن عمار وغيرها من المطلقات بما إذا
كان الثقب مع التجاوز.
تعيين محل الاغتسال:
وبعد ما ظهر لك أن الواجب في الاستحاضة المتوسطة غسل واحد
يقع الكلام في محله وأنها تغتسل في أي موضع فإن غاية ما يستفاد من
الأخبار الواردة في المقام أن الغسل شرط لواحدة من صلواتها فلها أن
تأتي به بعد صلاة المغرب إذ به يتحقق الشرط فلزوم الاتيان به قبل
صلاة الغداة كما ذهب إليه المشهور أمر لا موجب له.
وقد يقال: أن الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أن الاجماع قام على
لزوم الاتيان به قبل الغداة فيما إذا استحاضت قبلها وهو المقيد لاطلاقات
الأخبار. هذا
ولا يخفى أنه يمكن استفادة ما ذهب إليه المشهور من لزوم الغسل
قبل الغداة فيما إذا كانت الاستحاضة قبلها من نفس صحيحة زرارة
من دون حاجة في ذلك إلى الاجماع، وذلك لقوله (ع) (فإن جاز
الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر
بغسل والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف صلت
بغسل واحد.
وذلك بتقريب أن قوله (ع) (مع تجاوز الدم) إنها صلت
الغداة بغسل معناه أنها تغتسل قبل صلاة الصبح وإلا لو اغتسلت بعدها
لم يصدق أنها صلت الغداة بغسل، وهكذا الحال في صلاتي الظهرين
72

وصلاتي المغرب والعشاء.
وعليه فمع تجاوز الدم وجب عليها أغسال ثلاثة قبل الصلوات،
وأما مع عدم تجاوز الدم فلم يوجب عليها إلا غسل واحد لقوله (صلت
بغسل واحد) ومعناه في قبال ما تقدم عند تجاوز الدم أنها أتت بالغسل
قبل الصلاة وصلت تلك الصلوات التي وجب أن تأتي بها مع تجاوز
الدم بثلاثة أغسال قبلها بغسل واحد قبلها ولا يلزم التعدد في الغسل
مع عدم التجاوز وإنما يجب أن تأتي بالصلوات بغسل واحد.
وعليه فيستفاد من الرواية لزوم اغتسالها قبل صلاة الغداة ليصدق
أنها أتت بصلاتها بغسل واحد ومعه يكون الغسل من قبيل الشرط
المتقدم لصلوات المستحاضة في القسم المتوسط منها ولا يكون من قبيل
الشرط المتأخر لها ولا شرط الواحدة من صلواتها.
بل يمكن استفادة ذلك من الموثقة (1) أيضا فإن المستفاد من قوله (ع)
(وإن لم يجز الدم فعليها الغسل لكل يوم مرة) في قبال ما تقدمه من
قوله (ع) (إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا) بقرينة ما ارتكز في الأذهان من أن الغسل كالوضوء شرط
متقدم على الصلاة أن عليها غسلا واحدا لصلواتها اليومية أي يجب عليها
أن تغتسل مرة واحدة قبل صلواتها اليومية.
ولأن المراد بذلك الغسل هو الغسل الواجب ثلاث مرات في الكثيرة
وغاية الأمر أن التعدد غير واجب في المتوسطة وقد عرفت أن الغسل
في الأغسال الثلاثة معتبر من باب الشرط المتقدم فيكون الغسل الواحد
في المتوسطة كذلك.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
73

فتحصل: أن الغسل الواحد يعتبر أن تأتي به المرأة فيما بين استحاضتها
وأول صلاة تأتي بها فإذا كانت استحاضتها قبل الغداة فتأتي به بين
استحاضتها وبين صلاة الغداة وإذا كانت واقعة قبل الزوال تأتي
بالغسل بعد استحاضتها وقبل صلاة الظهر وهكذا هذا كله فيما ذكروه
من وجوب الغسل على المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة.
وجوب الوضوء لكل صلاة:
بقي الكلام فيما ذكروه من وجوب الوضوء عليها لكل صلاة مع
أن صحيحة زرارة (1) لم تتعرض لوجوب الوضوء عليها لكل صلاة
وكذا صحيحة معاوية (2) لأنها إنما دلت على أنها تتوضأ فحسب وأما
أنها تتوضأ لكل صلاة فلا دلالة لها عليه.
هذا والصحيح ما ذكره المشهور من وجوب الوضوء عليها لكل
صلاة، لأمرين.
(أحدهما): صحيحة زرارة من جهة القرينة الخارجية وذلك
لبعد أن تبقى المستحاضة على طهارتها من أول للصبح إلى آخر وقت
العشاء لأنه لا يتحقق أصلا أو يتحقق نادرا، ومع كونها محدثة بشئ
من الأحداث بعد غسلها أول الصبح إما أن تصلي مع الحدث وإما أن
يجب عليها الوضوء والصلاة والأول لا يمكن الالتزام به فيتعين الثاني

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
(2) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1. وفي
ذيلها وصلت كل صلاة بوضوء.
74

والثالثة: أن يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة ويجب
وهو المطلوب وقوله (صلت بغسل واحد) لأنظر له إلى عدم وجوب
الوضوء مع الغسل بل هو قبال الغسل المتعدد ويدل على أن الغسل لا يجب
تعدده عليها.
وهذا الوجه يمكن المناقشة فيه بأن بقاء المستحاضة إلى آخر العشاء
على طهارتها وإن كان بعيدا إلا أنها تتمكن من البقاء عليها بمقدار
صلاتين فمع طهارتها لماذا يجب عليها الوضوء للصلاة الثانية أو ننقل
الكلام إلى صلاة الغداة التي اغتسلت قبلها لأي وجه يجب عليها أن
تتوضأ لصلاة الغداة؟
(الثاني): وهو العمدة موثقة سماعة (وإن لم يجز الدم الكرسف
فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة) (1) لما تقدم من
أن حمل (لم يجز) على (لم يثقب) خلاف الظاهر ولا يمكن الالتزام
به بل هو باق بمعناه وهو مقيد لاطلاق الجملة السابقة عليه (إذا ثقب
الدم الكرسف) نظير قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة.. وإن
كنتم جنبا فاطهروا) (2) وقد مر الكلام فيه مفصلا).
وهذا تخصيص لما قدمناه من أن كل غسل يغني عن الوضوء وأشرنا
إلى أن الاستحاضة المتوسطة خارجة عن ذلك بالنصوص الخاصة المعتبرة.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
(2) المائدة: 6.
75

فيها - مضافا إلى ما ذكر وإلى تبديل الخرقة أو تطهيرها - (1)
غسل آخر للظهرين تجمع بينهما وغسل للعشاءين تجمع بينهما
والأولى كونه في آخر وقت فضيلة الأولى حتى يكون كل
من الصلاتين في وقت الفضيلة.
الاستحاضة الكثيرة:
(1) وقد ذكروا أن المرأة في الاستحاضة الكثيرة يجب عليها تبديل
القطنة والخرقة، ويجب عليها الاغتسال ثلاث مرات لصلاة الغداة
والظهرين والعشاءين، ويجب عليها الوضوء لكل صلاة.
أما تبديل القطنة فإن قلنا بوجوبه في المتوسطة فلا بد من الالتزام به
في الكثيرة بطريق أولى لأنها لا تنقص عن المتوسطة لكثرة دمها، وأما
إذا لم نقل بوجوبه في المتوسطة فهل يجب الالتزام به في الكثيرة؟
قد يقال: إن وجوبه مطابق القاعدة وقد عرفت الجواب عنه.
وقد يقال: بوجوبه من جهة النص وهو صحيح صفوان عن
أبي الحسن (ع) قال: قلت له: (إذا مكثت المرأة عشرة أيام
ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك
أتمسك عن الصلاة قال: (لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة
بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها بعلها إن أراد) حيث

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2.
76

دلت على وجوب استدخال قطنة بعد قطنة.
وفيه:
أولا: إن غاية ما يمكن استفادته من الرواية وجوب ادخال القطنة
بعد القطنة، وأما وجوب اخراج القطنة الأولى فلا دلالة لها عليه بل
للمرأة أن تستدخل قطنة أخرى على القطنة الأولى وتستدخل قطنة ثالثة
بعد الثانية ورابعة بعد الثالثة بمقدار يسعه المحل، إذ لم تدل الرواية
على وجوب اخراج القطنة السابقة.
وثانيا: إن الرواية لم تدل على وجوب ادخال القطنة بعد القطنة
للصلاة كما هو المدعى وإنما هي بصدد بيان الوظيفة للمستحاضة في نفسها
ولو لغير الصلاة وذلك دفعا لخروج الدم وتنجس أطراف المحل واللباس
فلا دلالة لها على المدعى، فتبقى نحن ومقتضى القاعدة وقد ذكرنا عدم
البأس بالصلاة في المحمول المتنجس الباطني فإن القطنة محمولة في الباطن.
فهذا الحكم لا دليل عليه بمعنى أن بطلان الصلاة حينئذ يتوقف
على القول بأن دم الاستحاضة ولو في المحمول الباطني يقتضي بطلان الصلاة.
وأيضا ربما يستدل على وجوب تبديل القطنة عليها برواية الجعفي
عن أبي جعفر (ع) قال: (المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط
بيوم أو يومين فإذا هي رأت طهرا اغتسلت وإن هي لم تر طهرا
اغتسلت واحتشت ولا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على
الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت القطنة) (1).
إلا أنها ضعيفة السند أولا بقاسم بن محمد الجوهري.

(1) الوسائل: جزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 10.
والقاسم بن محمد الجوهري ثقة لوجوده في اسناد كامل الزيارات.
77

وقاصرة الدلالة ثانيا، وذلك لأن غاية ما هناك أن تدل على وجوب
تجديد الكرسف على تقدير اخراجه لئلا يتنجس به أطراف المحل عند
إعادته، وأما إذا لم تخرجه فلا يجب عليها التجديد إلا لا دلالة لها على
وجوب اخراج الكرسف على المرأة وعليه فهذا الحكم مبني على الاحتياط
ولا دليل عليه.
وأما وجوب الغسل عليها للفجر والظهرين والعشاءين فقد ظهر
الوجه فيه مما قدمناه في الاستحاضة القليلة والمتوسطة فلا نعيده.
وأما وجوب الوضوء عليها لكل صلاة فقد التزم به المشهور،
والظاهر المستفاد من كلماتهم أن القول به وبعدمه غير مبتن على اجزاء
كل غسل عن الوضوء وعدم اجزائه فإن السيد المرتضى وغيره ممن
قالوا باغناء كل غسل عن الوضوء التزموا بوجوب الوضوء على المستحاضة
في المقام لكل صلاة.
ولكن الصحيح عدم وجوب الوضوء وذلك لعدم دلالة شئ من
الأخبار الواردة في المقام - في الاستحاضة الكثيرة - سوى المطلقات (1)
الواردة في أن المستحاضة تتوضأ أو مطلقات الآمر بالوضوء كقوله تعالى
(إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم..) (2) والاطلاقات
الدالة على أن من نام أو بال يتوضأ فإنها شاملة للمستحاضة في المقام
وأما غير المطلقات فلا دليل على وجوب الوضوء لكل صلاة في
الاستحاضة الكثيرة.

(1) راجع الوسائل: جزء 2 باب 4 من أبواب الحيض، ح
1 و 7 و 8 وباب 5 ح 1 وباب 1 من أبواب الاستحاضة ح 13. (2) المائدة: 6.
78

إلا أن هذه المطلقات لا بد من الخروج عنها بالأدلة الخاصة النافية
لوجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة.
وذلك كصحيحة معاوية بن عمار حيث دلت على أن المستحاضة إن
ثقب دمها الكرسف وجبت الأغسال الثلاثة عليها وإذا لم يثقب الكرسف
وجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة.
والوجه في دلالتها أن التفصيل قاطع للشركة وهي قد فصلت بين
الدم الثاقب والدم غير الثاقب ودلت على وجوب الوضوء في الثاني
وعلى وجوب الأغسال الثلاثة في الأول وهي تدل على أن الأول غير
مكلف بالوضوء.
وموثقة سماعة حيث دلت على أن المستحاضة إذا ثقب دمها الكرسف
اغتسلت للغداة وللظهرين والعشاءين وإذا لم يتجاوز اغتسلت غسلا واحدا
وتوضأت لكل صلاة.
وذلك لعين التقريب الذي مر في صحيحة معاوية حيث إنها فصلت
بين الدم الثاقب المتجاوز فأوجبت فيه أغسالا ثلاثة وبين الدم الثاقب
غير المتجاوز فأوجبت فيه غسلا واحدا مع الوضوء لكل صلاة،
وتفصيلها هذا يدل على أن المرأة عند ثقب دمها الكرسف وتجاوزه غير
مكلفة بالوضوء.
ويؤيده ما قدمناه من القاعدة الثانوية من أن كل غسل يغني عن
الوضوء ومع اغتسال المرأة لا تحتاج إلى الوضوء. هذا
وعن الجملة أن الأخبار الواردة في الاستحاضة الكثيرة قد دلت على
وجوب الأغسال الثلاثة في حقها وسكتت عن وجوب الوضوء عليها
لكل صلاة وسكوتها عن وجوبه وهي في مقام البيان يدلنا على عدم
79

وجوب الوضوء في حقها.
على أن في جملة من الأخبار - كموثقتي سماعة وصحيحة معاوية
فصل بين الاستحاضة الكثيرة والمتوسطة أو بين الكثيرة والقليلة وحكم
بوجوب الوضوء على المتوسطة والقليلة ولم يحكم بوجوبه في الكثيرة بل
حكم بوجوب الأغسال الثلاثة في حقها.
وحيث إن التفصيل قاطع للشركة فيعلم من ذلك عدم وجوب
الوضوء في الاستحاضة الكثيرة، هذا كله.
مضافا إلى ما ذكرناه من أن الغسل يغني عن الوضوء وإنما خرجنا
عنه في الاستحاضة المتوسطة بالنص الخاص كما مر.
ولكنه قد يقال: إن وجوب الوضوء لكل صلاة في المستحاضة
الكثيرة مستند إلى النص - كما استند إليه في المتوسطة - وهذا النص هو
مرسلة يونس الطويلة حيث ورد فيها (وسأل عن المستحاضة فقال:
إنما ذلك عرق عابر (عايذ) أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة
أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة قيل: وإن سال؟ قال:
وإن سال مثل المثقب (مجرى الماء) (1).
وقد ذكرنا أن الرواية معتبرة وخارجة عن حكم الارسال، وقد
ادعى صراحتها بحسب الدلالة على وجوب الوضوء لكل صلاة في
المستحاضة الكثيرة.
وفيه: أن المرسلة لا دلالة لها على وجوب الوضوء في الاستحاضة
الكثيرة إلا بالاطلاق فحالها حال بقية المطلقات المتقدمة، وأما قوله (وإن
سال مثل المثقب) فهو غير ناظر إلى أن وجوب الوضوء للمستحاضة

(1) الوسائل: جزء 2 باب 5 من أبواب الحيض ح 1.
80

ثابت حتى فيما إذا سال دمها مثل المثقب بل هو ناظر إلى وجوب الصلاة
عليها حتى إذا سال دمها مثل المثقب، وذلك لأن الرواية إنما هي
بصدد بيان أن المرأة ذات الدم متى يجب عليها الصلاة ومتى لا تجب.
ومن هنا قسمتها إلى قسمين - أعني الحائض والمستحاضة - وأوجبت
الصلاة على الثانية بمعنى أنها قسمت المرأة ذات الدم إلى ذات العادة
فدلت على أنها ترجع إلى عادتها وإلى واجد الصفات فأوجبت رجوعها
إلى الصفات وتمييز الحيض عن الاستحاضة بصفاتهما، وإلى غير
واجد الصفات فأرجعتها إلى العدد - أعني الستة أو السبعة.
وعلى الجملة: إن هذه الرواية لا دلالة لها على أن المستحاضة يجب
عليها أن تغتسل وتتوضأ لكل صلاة في الاستحاضة الكثيرة لما عرفت
من أن قوله (ع) (وإن سال مثل المثقب) راجع إلى وجوب
الصلاة على المرأة لا إلى وجوب الوضوء لكل صلاة لعدم كونها ناظرة
إلى أحكام الاستحاضة وأما هي واردة لبيان وجوب الصلاة عليها فحسب،
ولكن الإمام (ع) لما حكم بعدم وجوب الصلاة عليها في أيام
أقرائها وحكم بوجوبها عليها في الاستحاضة وتعجب السائل من وجوبها
عليها حتى في الكثيرة وفيما إذا سال منها الدم - نظرا إلى أن حال المرأة
حينئذ كحالها حال أقرائها من حيث كثرة الدم في كليهما - قال: وإن
سال؟ فأجابه (ع) بقوله: (وإن سال مثل المثقب) إشارة إلى
أن الاستحاضة لا تقاس بالحيض.
نعم هذه الرواية من الأخبار الدالة على وجوب الوضوء على الاستحاضة
مطلقا وذلك لأن المراد بالاغتسال في قوله (ثم تغتسل وتتوضأ لكل
صلاة) هو للغسل من الحيض أي تغتسل بعد أيام أقرائها - كما في
81

الرواية حيث قال (ع): فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل - وليس
المراد به غسل الاستحاضة.
ويؤيده، إنه إن أريد به غسل الاستحاضة وجب الغسل لكل صلاة
بمقتضى قوله: (تغتسل وتتوضأ لكل صلاة) مع أنك عرفت أن الغسل
لا يجب لكل صلاة في المستحاضة حتى في الكثيرة بل لكل صلاتين غسل
واحد - كما تقدم - ولا يجب الغسل لكل صلاة، فإذا كان الغسل فيها
غسل الحيض فالرواية تدل على وجوب الوضوء لكل صلاة في حق
المستحاضة مطلقا.
وقد خرجنا عن اطلاقها في المتوسطة لما دل من الأخبار على أن
المستحاضة في المتوسطة لا يجوز لها أن تكتفي بالوضوء فقط بل تغتسل
في اليوم والليلة مرة واحدة وتتوضأ لكل صلاة.
وكذلك تخرج من اطلاقها في الكثيرة بما دل على أن المستحاضة
بالكثيرة تغتسل ثلاث مرات ولا يجب عليها الوضوء لكل صلاة للاكتفاء
بذلك في مقام البيان وبقرينة التقابل والتقسيم.
ومن جملة تلك الروايات ذيل هذه الرواية حيث قال (فقال:
احتشي كرسفا فقالت: إنه أشد من ذلك، إني أثجته ثجا فقال:
تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي
غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين واغتسلي للفجر
غسلا وأخري الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا، وأخرى المغرب
وعجلي العشاء واغتسلي غسلا) (1).
وكيف كان فمحط نظر الرواية إلى تشخيص أن ذات الدم أين

(1) الوسائل: ج 2 باب 8 من أبواب الحيض ح 3.
82

تجب عليها الصلاة وأين لا تجب؟ ولا نظر لها إلى بيان أوصاف
المستحاضة وأقسامها وأحكامها من غير جهة الصلاة، ومعه يكون قوله
(عليه السلام) (وإن سال مثل المثقب) ناظرا إلى ما تقدمه من
وجوب الصلاة عليها وأنها واجبة في حقها وإن سال مثل المثقب،
ومعه لا تعرض للرواية لخصوص الاستحاضة الكثيرة بوجه.
والذي يدلنا على ذلك أن الإمام عليه السلام تعرض بعد ذلك
لحكم المستحاضة الكثيرة وأوجب عليها أغسالا ثلاثة من دون أن يوجب
الوضوء عليها فلو كانت الرواية في هذا المقام أيضا ناظرة إلى بيان
أحكام المستحاضة ودالة على وجوب الوضوء في حقها لكانت الرواية
بصدرها وذيلها متناقضان.
وجوب الجمع بين الصلاتين:
بقي الكلام في وجوب الجمع بين الصلاتين في الاستحاضة الكثيرة
- كما هو المشهور - إلا أنه واجب شرطي للاكتفاء بغسل واحد للصلاتين
وليس واجبا نفسيا بل للمرأة أن تفصل بينهما ويغتسل لكل منهما غسلا
والحكم بوجوب الجمع بين الصلاتين بناءا على لزوم الفورية وعدم
جواز تأخير الصلاة عن الأغسال في حق المستحاضة واضح.
وذلك لعدم جواز تأخير الصلاة الثانية عن الاغتسال إلا بمقدار
الصلاة الأولى فحسب على ما يستفاد من الأخبار من جواز الاكتفاء
بغسل واحد إذا جمعت بين الصلاتين وأما زائدا على مقدار الصلاة
الأولى فالتأخير مانع عن الاكتفاء بذلك الغسل، وأما إذا لم نقل
83

بالفورية وجوزنا التأخير والفصل بين الاغتسال والصلاة فلا بد للحكم
بوجوب الجمع بين الصلاتين من إقامة الدليل عليه.
ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار الواردة (1) في المقام المصرحة بأنها
تغتسل وتجمع بين الصلاتين بتقديم هذه وتأخير تلك.
بل يمكن أن يستدل بها على وجوب الفورية وعدم جواز التأخير
بين الغسل والصلاة وذلك لأن التأخير إذا لم يجز في الصلاة الثانية
- لدلالة الرويات على أنها لا بد من أن تجمع بينهما ولا يجوز أن تؤخر
الثانية عن الأولى - لم يجز التأخير في الصلاة الأولى أيضا بعين ذلك
الملاك للقطع بعدم الفرق بينهما من هذه الجهة.
وكذا يمكن الاستدلال على وجوب الفور بما دل على وجوب
الغسل ثلاث مرات على كلمة (عنده) كما في صحيحة عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: (المرأة
المستحاضة التي لا تطهر تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر
ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح
فتصلي الفجر. (2)
وذلك لأن ظاهر كلمة (عند) التي هي من الظروف الزمانية
هو المقارنة الحقيقية وبما أنها غير ممكنة في المقام إذ لا يمكن الاغتسال
حال الصلاة فلتحمل على المقارنة العرفية وهي بأن تتصل الصلاة
بالاغتسال نظير قولنا: اغسل يدك عند الأكل أو ادع بالدعاء الكذائي
عند النوم ونحو ذلك لوضوح أن المراد به هو الاقتران العرفي لعدم

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 4.
84

ويجوز تفريق الصلوات والاتيان بخمسة أغسال (1).
ولا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد.
امكان المقارنة الحقيقية.
والوجه في حمله على الاقتران العرفي - أعني الاتصال - هو أنه لو
غسل يده أو قرأ الدعاء الكذائي في ساعة ثم أكل بعد ست ساعات
أو نام بعدها لا يقال عرفا ولا عقلا أنه غسل يده أو دعى بالدعاء
الكذائي عند الأكل أو النوم، بل يمكن استفادة لزوم الفورية من كلمة
الفاء في قوله (ع) (تغتسل.. فتصلي) لأنها ظاهرة في التفريع
وكون الصلاة عقيب الاغتسال من غير فصل.
جواز التفريق بين الصلوات للمستحاضة:
(1) ذكرنا أن المستحاضة في الكثيرة إذا أرادت أن تجمع بين
الفريضتين اقتصرت على غسل واحد لهما وأما إذا أرادت التفريق فاغتسلت
وصلت الظهر ثم بعد فاصل زماني أرادت أن تصلي العصر فإن لم تحدث
بحدث بين الصلاتين فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها
للثانية لأنها متطهرة ولم يحدث منها محدث مبطل لها - مع قطع النظر
عن الأخبار الواردة في المقام.
اللهم إلا أن نقول بوجوب المبادرة فإنه يقتضي عدم جواز اقتصارها
على غسلها قبل صلاة الظهر، وأما مع قطع النظر عن الأخبار ووجوب
المبادرة فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها للصلاة الثانية.
85

وأما إذا أحدثت بينهما بحدث فمقتضى القاعدة وجوب الغسل عليها
للثانية مع قطع النظر عن الأخبار وعن وجوب المبادرة في حقها.
وذلك لأنها بعد ما أحدثت: إما أن تأتي بالعصر مثلا من دون
غسل ولا وضوء وهذا غير محتمل لاشتراط الصلاة بالطهارة والمستحاضة
محدثة حينئذ لارتفاع طهارتها بالحدث حسب الفرض، وإما أن تأتي
بالصلاة مع الوضوء وهو غير مشروع في حقها لدلالة الأخبار على أن
الاكتفاء بالوضوء في الصلاة بعد الغسل مختص بما إذا كان الدم ثاقبا
من دون تجاوزه عن الكرسف فلا يشرع في الاستحاضة الكثيرة،
وإما أن تأتي بالصلاة مع الاغتسال وهذا هو المطلوب. هذا.
ويمكن استفادة وجوب الأغسال الخمسة - أعني الغسل لكل صلاة
عند التفرقة بين الصلوات - من المطلقات الواردة في المقام وهذا كما
في صحيحة يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد الله (ع): امرأة رأت
الدم في حيضها حتى جاز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال: (تنتظر
.، إلى أن قال: فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل
صلاة) (1).
وصحيحة محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن
المرأة تستحاض.. إلى أن قال (تغتسل المرأة المدمية بين كل
صلاتين (2).
فإن مقتضاهما وجوب الغسل على المستحاضة خمس مرات فتغتسل
بين الفجر والظهر وبين الظهر والعصر وبين العصر والمغرب وبين

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 11.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2.
86

نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض (1).
المغرب والعشاء وبين العشاء والفجر أو تغتسل عند وقت كل صلاة،
واطلاقهما شامل للمقام أيضا.
وقد خرجنا عن اطلاقهما فيما إذا أرادت الجمع بين الصلاتين فالواجب
حينئذ الغسل ثلاث مرات وهذا تخصيص وتقييد للمطلقتين لأنهما يقتضيان
وجوب الغسل خمس مرات حتى فيما إذا جمعت بينهما. إلا أن الأخبار (1)
الدالة على جواز اقتصارها على غسل واحد عند الجمع بينهما مقيدة
ومخصصة لاطلاقهما، وهي تدل على وجوب الغسل خمس مرات في كل
يوم إلا فيما إذا أرادت الجمع فالواجب عليها ثلاثة أغسال، وفي غير
هذه الصورة يبقى تحت الاطلاقين ولا بد من الغسل لكل صلاة.
النوافل يكفيها أغسال الفرائض:
(1) قدمنا أن في المستحاضة بالقليلة لا بد لها من أن تتوضأ لكل
صلاة من غير فرق بين الفرائض والنوافل، وأما وجوب الغسل في
المستحاضة بالكثيرة ثلاث مرات فهل يختص بالفرائض ولا تحتاج إلى
الغسل في النوافل بحيث إذا اغتسلت للصبح تأتي بها وبنافلتها وكذا
في الظهرين والعشاءين، أو لا بد من أن تغتسل للنوافل أيضا؟
والصحيح عدم وجوب الغسل للنوافل، وقد يتوهم أنه لا دليل
على ذلك سوى الاجماعات المدعاة على أن المستحاضة إذا فعلت ما يلزمها

(1) راجع الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
87

من الوضوء والغسل وغيرهما كانت بحكم الطاهرة.
ولا يمكن استفادة ذلك من النصوص إلا أن الأمر ليس كما توهم
وذلك لامكان استفادة ذلك من نفس الأخبار ويكفي ذلك المطلقات (1)
الدالة على وجوب الوضوء على كل مكلف يريد الصلاة.
والمطلقات (2) الدالة على وجوب الوضوء على المستحاضة لأنها
تدل على أن المستحاضة كغيرها تتمكن من الاكتفاء بالوضوء في صلواتها
وذلك كقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم..) (3).
حيث دل على أن كل مكلف محدث يريد الصلاة له أن يكتفي
بالوضوء فقط، خرج عنه الجنب لقوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا)
لدلالته على أن الجنب ليس له أن يكتفي بالوضوء، بل لا بد من أن
يغتسل للصلاة.
وخرجنا عنه في المستحاضة الكثيرة وفي مس الميت وغيرهما لما دل
على أن الغسل يغني عن الوضوء وأما غير ذلك من الموارد - كما إذا
أرادت المستحاضة أن تصلي نافلة - فمقتضى اطلاق الآية المباركة وغيرها
من المطلقات: أن المستحاضة يمكنها أن تكتفي بالوضوء فحسب.
وكذلك يمكن استفادة عدم وجوب الغسل للنوافل من النصوص الواردة
في أن المستحاضة بالكثيرة تغتسل ثلاث مرات وذلك لأنها على طوائف: -
(منها ما دل على أنها تغتسل للفجر وغسلا للظهرين وغسلا

(1) راجع الوسائل: ج 1 باب 1، 2 من أبواب الوضوء،
(2) تقدم ذكرها في أوائل هذا القسم من الاستحاضة الكثيرة.
(3) المائدة: 6.
88

للعشائين كما في صحيحة معاوية بن عمار (1) ومرسلة يونس (2)
الطويلة المتقدمة وغيرهما.
و (منها): ما دل على أنها تغتسل عند صلاة الظهر وعند
المغرب وعند صلاة الصبح كما في صحيح ابن سنان (3).
و (منها): ما دل على أنها تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات
كما في صحيحة الصحاف (4).
وهي بأجمعها تدل على أن الغسل إنما يجب في الفرائض فقط عند
الجمع بين الظهرين والعشاءين ولا يجب في غير الفرائض وإلا لوجب
أن تتعرض الأخبار لوجوبها في النوافل لأنها في مقام البيان.
والنوافل كانت موردا لابتلائهم في الأزمنة السابقة أكثر من الأزمنة
المتأخرة لأنهم كانوا ملتزمين بها كالتزامهم بالفرائض، ومع الابتلاء
بها لا وجه لعدم تعرضهم لوجوب الغسل فيها سوى عدم كونه واجبا
في النوافل.
ولا سيما صحيحة الصحاف التي صرحت بأن الواجب من الغسل
في كل يوم وليلة ثلاث مرات إذ لو كان الغسل واجبا في النوافل أيضا
لكان الواجب في اليوم والليلة - أكثر من ثلاث مرات.
وأظهر من الجميع ما ورد في طائفة أخرى وهي ما دل على وجوب
الغسل عند وقت كل صلاة كما في صحيحة يونس بن يعقوب حيث ورد

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 2 باب 8 من أبواب الحيض، ح 3
(3) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 4.
(4) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
89

فيها (فإن رأت الدم صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة) (1) وهو
ثلاثة أوقات بعد الفجر فإنه وقت صلاة الصبح وبعد الزوال فإنه
وقت الظهرين وبعد المغرب فإنه وقت العشاءين.
ومقتضى اطلاقها أنها لو اغتسلت في هذه الأوقات الثلاثة كفتها
في صلواتها الفرض والندب لدلالتها على أن اللازم هو الغسل في وقت
الفريضة أتت بنافلة معها أم لم تأت بها، وعليه لو اغتسلت للفرائض
أمكنها اتيان النوافل أيضا، إلا أنها لا بد من أن تتوضأ للنافلة.
ثم إن في رواية إسماعيل بن عبد الخالق ورد: (فإذا كان صلاة
الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ثم تصلي
الغداة..) (2) وقد توهم من ذلك دلالتها على أن الاغتسال للفريضة
كاف لفعل النافلة أيضا.
وفيه: أن الرواية لا دلالة لها على عدم وجوب الغسل للنوافل بوجه
وذلك لأنها إنما دلت على أنها لو اغتسلت للصبح جاز لها أن تأتي بها
وبنافلتها وهو خارج عن محل الكلام لأن مقتضى الأخبار المتقدمة أن
المستحاضة تتمكن من الجمع بين الصلاتين بغسل واحد سواء أكانتا
فريضتين أم نافلتين أم فريضة ونافلة ومن المعلوم أن الصبح ونافلتها
صلاتان فأمكن الجمع بينهما بغسل واحد، ومثل ذلك خارج عن
محل الكلام.
بل البحث فيما لو اغتسلت المستحاضة للفريضة هل تتمكن من أكثر
من صلاتين كما لو اغتسلت للظهرين فهل يسوغ لها الاتيان بهما وبنافلتهما

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 11.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة. ح 15.
90

ولكن يجب لكل ركعتين منها وضوء (1).
- والمجموع عشر صلوات - أو لا يسوغ؟ ولا دلالة للرواية على
جوازه أو عدمه.
مضافا إلى أن سندها غير تام بمحمد بن خالد الطيالسي الواقع في سندها (1).
والصحيح في الاستدلال ما قدمناه، وعليه إذا اغتسلت المستحاضة
للفريضة أمكنها الاتيان بالفريضة مع الاتيان بأية نافلة أرادت - قلت
أو كثرت - من دون الاغتسال للنافلة.
وجوب الوضوء لكل ركعتين منها:
(1) قدمنا أن المرأة في الاستحاضة الكثيرة يجب أن تغتسل في كل
يوم وليلة ثلاث مرات وهي مختصة بالفرائض ولا تجب الاغتسال
للنوافل وهل يكفي غسلها للفرائض عن التوضي النوافل بحيث إذا
اغتسلت للمغرب جاز أن تنتقل للمغرب من دون وضوء وكذا في صلاة
الصبح أو يجب أن تتوضأ لنوافلها ولا يغني الغسل عنه؟.
الصحيح هو الأخير وذلك لأنا وأن بنينا على أن كل غسل يغني عن الوضوء
إلا أن غسل المرأة عن الاستحاضة الكثيرة لا يجزي عن الوضوء للنافلة
وذلك لأن النافلة إما أن تكون متأخرة عن الفريضة كما في صلاتي المغرب
والعشاء، وإما أن تكون متقدمة عليها كما في صلوات الصبح والظهرين

(1) الطيالسي موجود في كامل الزيارات فالرواية معتبرة على مسلك
سيدنا الأستاذ - دام ظله -.
91

أما النافلة المتأخرة عن الفريضة فلا ينبغي التردد في عدم كفاية
الغسل للفريضة عن التوضي لها وذلك لأن المستفاد من الأدلة الدالة
على أن المستحاضة تغتسل وتصلي أو تغتسل وتتوضأ وتصلي أن الغسل
والوضوء طهارة في حقها وأنها تصلي عن طهارة وهي مخصصة للأدلة
الدالة على ناقضية الحدث للطهارة.
بمعنى أن الدم الخارج منها بعدها إلى آخر الصلاة لا يكون ناقضا
لطهارتها، كما ذكرنا نظيره في المبطون والمسلوس لا أن تلك الأدلة
مخصصة للأدلة الدالة على اشتراط الصلاة بالطهور وأن المستحاضة أو
المبطون والمسلوس مع كونهم محدثين فتجوز الصلاة في حقهم.
وذلك للقطع بأن المستحاضة لو أحدثت بالنوم أو البول والمبطون
والمسلوس لو أحدثا بالنوم ونحوه لم يشرع في حقهم الصلاة بوجه وإن
اغتسلوا أو توضؤا قبله.
وكيف كان فالاغتسال والتوضؤ طهارة في حق المستحاضة والدم
الخارج منها بعد اغتسالها ليس بناقض لطهارتها، إلا أن المقدار الثابت
من التخصيص في أدلة النواقض، إما هو مقدار فريضة واحدة كما في
صلاة الصبح أو مقدار فريضتين كما في الظهرين أو العشاءين على تقدير
الجمع بينهما فالدم الخارج منها إلى آخر الفريضة أو الفريضتين محكوم
بعدم الناقضية بمقتضى الأخبار.
وأما إذا اغتسلت فصلت الفريضة الواحدة ثم أتت بعدها بنافلة
فلا دليل على عدم ناقضية الدم الخارج بعد الفريضة والمفروض استمرار
الدم فالدم الخارج منها أثناء النافلة أو قبلها - أي بعد الفريضة -
ناقض للطهارة بمقتضى أدلة النواقض فلا تتمكن المرأة من الاتيان
92

بالنافلة بعد الفريضة بالغسل الذي أتت به لأجل الفريضة.
وأما النافلة المتقدمة على الفريضة فهي أيضا كذلك ولا يجوز
للمستحاضة أن تأتي بها بالغسل الذي أتت به قبل النافلة لأجل الفريضة
وذلك لما أسلفناه من وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الاغتسال ومع
التراخي - كما إذا اغتسلت وأتت بالنافلة وبعدها أرادت الاتيان بالفريضة -
لا تصح صلاتها ولا غسلها.
فإن الغسل الصحيح هو الذي يتعقب بالفريضة من دون تأخير
وأما معه فلا دليل على مشروعية الغسل بوجه إلا أن يقوم دليل على
عدم قادحية التأخير باتيان النافلة بين الغسل والفريضة ورواية إسماعيل
ابن عبد الخالق المتقدمة المشتملة على قوله (ع) (فإذا كان صلاة
الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ثم تصلي
الغداة) (1) وإن كانت واردة فيما نحن فيه ولا اشكال في دلالتها على
الجواز وصحة اتيان النافلة بالغسل الذي أتت به الفريضة إلا أنها ضعيفة
السند بمحمد بن خالد الطيالسي فلا يمكن الاعتماد عليها في شئ (2)،
ومع بطلان غسلها لا معنى لكونه مجزءا عن الوضوء لأن الذي يغني
عن الوضوء هو الغسل المأمور به دون غيره، وعليه فالمرأة المستحاضة
لا تتمكن من الاتيان بالنوافل إلا بوضوء بمقتضى اطلاق ما دل على
أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة أو أنها تتوضأ وتصلي.
نعم إذا انقطع دمها وطهرت فلا مانع من أن تأتي بنافلتها بالغسل
الذي أتت به للفرائض وذلك لما قدمناه من اغناء كل غسل عن للوضوء.

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
(2) وتقدم أن محمد بن خالد الطيالسي ثقة لوجوده في اسناد كامل الزيارات.
93

(مسألة 2): إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر
لا يجب الغسل لها (1) وهل يجب الغسل للظهرين أم لا؟
هذا كله في النوافل.
وأما قضاء الأجزاء المنسية فلأنها أجزاء الصلاة التي اغتسلت لأجلها
غاية الأمر أن موضعها تبدل إلى مكان آخر ومع الاغتسال للصلاة
لا وجه للاغتسال أو التوضؤ ثانية لأجزائها المنسية.
وأما صلاة الاحتياط فلأن الصلاة المأتي بها إما ناقصة في الواقع
فالركعتان المأتي بهما في صلاة الاحتياط هما من أجزاء الصلاة التي اغتسلت
لأجلها فلا حاجة فيهما إلى شئ من الغسل أو الوضوء.
وأما هي تامة في الواقع فتكون صلاة الاحتياط أمرا زائدا
لا يضر بطلانها بصحة الصلاة المأتي بها بوجه. وعلى أي تقدير لا يجب
فيها الغسل ولا الوضوء.
وأما سجدتا السهو فالصحيح أنهما واجبتان مستقلتان لا يعتبر فيهما
غسل ولا وضوء.
فتحصل أن قضاء الأجزاء المنسية كالسجدة الواحدة والتشهد ونحوهما
وصلاة الاحتياط وسجدتا السهو الظاهر أنها لا تحتاج إلى غسل أو وضوء.
إذا حدثت المتوسطة بعد فريضة الفجر:
(1) مع كونها طاهرة قبل صلاة الفجر وفي أثناءها أو كونها
مستحاضة بالقليلة وبعدها صلوات استحاضتها متوسطة لا ينبغي الاشكال
94

الأقوى وجوبه، وإذا حدثت بعدهما فللعشاءين، فالمتوسطة
توجب غسلا واحدا فإن كانت قبل صلاة الفجر وجب
لها وإن حدثت بعدها فللظهرين وإن حدثت بعدهما فللعشاءين
في صحة صلاتها المتقدمة - أعني صلاة الفجر - لوقوعها في وقتها
مع الطهارة.
واحتمال أن تكون مشروطة بالاغتسال على تقدير استحاضتها بعدها
بنحو الشرط المتأخر بحيث لو لم يغتسل بعدها بطلت صلاتها السابقة.
مندفع بأن اشتراطها بالغسل على نحو الشرط المتأخر لا دليل عليه
فإذا أتت بفريضة الوقت في وقتها تامة الأجزاء والشرائط حكم بصحتها
وعدم وجوب إعادتها ولا قضائها.
إنما الكلام في الفرائض التي بعد استحاضتها فهل يجب عليها أن
تغتسل للفرائض الآتية أو لا يجب؟ بسبب إلى ظاهر كلماتهم عدم
الوجوب بل لم يستبعد بعضهم تحقق الاجماع في المسألة نظرا إلى أنهم
ذكروا أن الغسل يجب قبل صلاة الفجر وظاهره أن الاستحاضة إذا
وقعت بعدها لم يجب عليها الاغتسال حينئذ.
بل تعجب صاحب الجواهر (قده) من صاحب الرياض (قده)
حيث ذهب إلى وجوب الغسل عليها في مفروض الكلام.
ولكن الظاهر - وفاقا لكل من وقفنا على كلامه من المحققين بعده -
وجوب الغسل على المستحاضة مطلقا سواء حدثت الاستحاضة قبل الفجر
أو قبل الظهرين أو قبل العشاءين أو بعدها، وذلك لاطلاقات الأخبار
وعدم اختصاصها بما إذا كانت استحاضتها واقعة قبل صلاة الفجر.
95

وذلك لأن ما دل على وجوب الغسل الواحد في الاستحاضة المتوسطة
منحصر في روايات أربعة: اثنتان منها موثقتا سماعة (1) وقد تضمنتا
أن الدم إذا لم يثقب للكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة. وهما
- كما ترى - مطلقة ولا تقييد فيهما بما إذا كان الثقب قبل صلاة الفجر.
والثانية صحيحة زرارة (2) وقد ورد فيها (وإن لم يجز الدم
الكرسف صلت بغسل واحد واطلاقها غير خفي، وأظهر من الجميع:
الرواية الرابعة وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا
إبراهيم (ع) عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ثم طهرت
وصلت ثم رأت دما أو صفرة قال: (إن كانت صفرة فلتغتسل
ولتصل ولا تمسك عن الصلاة (3).
وقد أشرنا سابقا إلى أنها من المطلقات الدالة على وجوب الغسل
في الاستحاضة من دون تقييدها بالمتوسطة ولا الكثيرة ولا التقييد بالغسل
مرة واحدة أو أكثر.
إلا أنه لا بد من الخروج عن اطلاقها في الاستحاضة القليلة بما دل
على أن الواجب في صحتها هو الوضوء فتختص بالمتوسطة والكثيرة
وعليه فتدل على أن في المتوسطة والكثيرة لا بد من الغسل مرة واحدة
من غير تقييده بما إذا حدثت الاستحاضة قبل صلاة الفجر أو بعدها.
كما أن مقتضى مفهومها أن المرأة في مفروض الرواية لو رأت دما

(1) الوسائل: ج 1 باب 1 من أبواب الجنابة، ح 3 و ج 2
باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6،
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 5.
(3) الوسائل: ج 2 باب 5 من أبواب النفاس، ح 2.
96

كما أنه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصيانا
أو نسيانا وجب للظهرين (1) وإن انقطعت قبل وقتهما بل
أحمر لم يجب في حقها الاغتسال، بل لا بد من الرجوع إلى أدلة التمييز
والبناء على كونه حيضا لأنه دم رأته بعد نفاسها بثلاثين يوما ومع كونه
واجدا للصفات يحكم بحيضيته.
فتحصل - إلى هنا - أن وجوب الغسل الواحد في المتوسطة من
آثار ثقب الدم الكرسف من دون فرق بين حدوث الاستحاضة قبل
صلاة الفجر أو بعدها، وما ربما يظهر من كلام صاحب الجواهر (قده)
من تسالمهم على عدم الوجوب في غير محله.
هذا كله في الاستحاضة المتوسطة وكذلك الحال في الاستحاضة
الكثيرة لأن مقتضى اطلاق ما دل (1) على أنها تغتسل للصبح والظهرين
وللعشاءين عدم الفرق في ذلك - أي عدم الفرق بين حدوث الاستحاضة
الكثيرة قبل صلاة الفجر أو بعدها، فإذا حدثت قبل صلاة الظهرين
وجب أن تغتسل لهما وللعشاءين وهكذا الأمر فيما إذا حدثت قبل صلاة المغرب.
لو حدثت المتوسطة قبل الفريضة ولم تغتسل لها:
(1) لأن المستفاد من الروايات أن الغسل الواحد مشروط في جميع
الفرائض اليومية ولا يختص اشتراطه بصلاة الفجر فقط، وعليه فلو

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
97

قبل الفجر أيضا (1)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
98

وإذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم
غسلان (1) وإن حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشائين.
(مسألة 3): إذا حدثت الكثيرة أو المتوسطة قبل
الفجر يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده (2)
99

تأتي المرأة بغسل الاستحاضة ولو قبل وقت الصلاة وتكتفي به بعد دخوله
وأما الصورة الثانية: فالصحيح عدم جواز الاتيان فيها بالغسل قبل الوقت
لأن المستفاد من الأخبار أن المقدمة هو الغسل الواقع بعد الوقت لا الواقع
قبله وذلك لقوله (ع) (تغتسل عند الصبح أو عند الظهر أو عند
وقت كل صلاة (1).
فإن المستفاد من كلمة (عند) اعتبار المقارنة بين الصلاة والغسل
وهذا إنما يتحقق فيما إذا اغتسلت في وقتها وأما اغتسالها قبل وقت
الصلاة فهو لا يوجب صدق أنها اغتسلت عند الظهر أو عند وقت
الصلاة بل يقال إنها اغتسلت قبل الوقت وقبل الصلاة.
وكذلك ما دل (2) على أنها تؤخر هذه وتقدم تلك أو تؤخر الصلاة
إلى الصلاة ثم تصلي صلاتين بغسل واحد فإنها تدل على اعتبار وقوع
الغسل بعد وقت الصلاة. هذا
بل رواية إسماعيل بن عبد الخالق صريحة في ذلك لما ورد فيها (فإذا
كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل
الغداة ثم تصلي الغداة) (3) فإنها صريحة في لزوم كون الغسل بعد
الفجر إلا أنها ضعيفة السند كما مر.
هذا كله فيما إذا لم يكن بين غسلها قبل الوقت وصلاتها فصل زماني كما
إذا اغتسلت في آخر جزء من الزمان المتصل بالوقت بحيث لو اغتسلت

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 4.
(2) راجع الوسائل: نفس الباب المتقدم.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 15،
وتقدم أنها معتبرة.
100

فلا يجوز قبله إلا إذا أرادت صلاة الليل فيجوز لها أن
تغتسل قبلها (1).
101

(مسألة 4): يجب على المستحاضة اختبار حالها (1)
وأنها من أي قسم من الأقسام الثلاثة بادخال قطنة والصبر
الفقه الرضوي الدالة على (أن المرأة في الاستحاضة القليلة يجب عليها
أن تتوضأ لكل صلاة وفي المتوسطة تغتسل غسلا واحدا وتتوضأ لكل
صلاة وفي الكثيرة تغتسل لكل صلاتين فغسل للظهرين وغسل للعشائين
وغسل لصلاتي الليل والفجر) (1) فالمسألة منصوصة.

(1) مستدرك الوسائل: الجزء 1 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
102

قليلا ثم اخراجها وملاحظتها لتعمل بمقتضى وظيفتها وإذا
صلت من غير اختبار بطلت إلا مع مطابقة الواقع وحصول قصد القربة كما في حالة الغفلة.
غير أيام العادة وإما لكونه أصفر ولم تعلم المرأة أنه من أي قسم من
الأقسام الثلاثة وأنه هل يجب عليها الغسل مرة أو ثلاث مرات أو
لا يجب أصلا؟
ذكروا أن الفحص واجب عليها حينئذ لتعمل بمقتضى حالها. والكلام
في ذلك يقع في مقامين:
(أحدهما) فيما تقتضيه القاعدة.
و (ثانيهما): فيما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام.
أما المقام الأول:
قد يقال أن مقتضى القاعدة وجوب الفحص والاختبار لأن الرجوع
إلى البراءة أو غيرها من الأصول النافية في أمثال المقام موجب للعلم
بوقوع المكلفات في مخالفة الواقع كثيرا، وقد نسب إلى المشهور في
جملة من الشبهات الموضوعية القول بوجوب الفحص دون اجراء البراءة
مع أن المورد مورد البراءة لأجل ما أشرنا إليه من أن الرجوع فيها إلى
الأصول النافية مستلزم للعلم بوقوع أكثر المكلفين في مخالفة الواقع كثيرا.
كما إذا شك في الاستطاعة أو بلوغ المال النصاب أو في زيادته على
المؤنة ونحوها، وفي المقام أيضا لا بد من القول بوجوب الفحص وإن
103

كانت الشبهة موضوعية وموردا للبراءة في نفسه وذلك لوقوع النساء في
مخالفة الواقع لو جرت الأصول عند الشك في أقسام الاستحاضة. هذا
وقد أجبنا عن ذلك في محله بأن اطلاقات أدلة الأصول لا يمكن
تقييدها بهذا الوجه الاعتباري لأن العلم بوقوع المكلفين في مخالفة الواقع
لو كان مانعا عن اجراء الأصول لم يمكن اجراء شئ منها في مواردها
فإن مثل أصالة الطهارة لا اشكال في مخالفتها للواقع في بعض الموارد
بالإضافة إلى المكلفين لعدم احتمال مطابقتها الواقع دائما في حق كل
من شك في طهارة شئ.
غاية الأمر أن موارد المخالفة في مثل أصالة الطهارة أقل من البراءة
في موارد الشك في الاستطاعة ونحوها، إلا أن قلة موارد المخالفة
وكثرتها لا تكون فارقة في المقام فهذا لا يكون مانعا عن جريان الأصول.
نعم لو علم المكلف أنه يقع بنفسه في مخالفة الواقع على تقدير اجرائه
الأصل ولو في بعض الموارد كان هذا مانعا عن جريانه للعلم بالمخالفة
القطعية حينئذ وهذا ما سنشير إليه في القريب.
وأما العلم بأنه وغيره من المكلفين يقع في مخالفة الواقع فهو لا يمنع
عن جريان الأصل بالإضافة إلى المكلف الشاك في التكليف فهذا
الوجه ساقط.
والصحيح في المقام أن يقال أن المرأة إذا كانت ملتفتة إلى حالها
وأنها تبتلي بالاستحاضة بعد ذلك أيضا مرات كثيرة في عمرها فلو
أجرت الأصول النافية من البراءة عن وجوب الغسل أو الأغسال أو
استصحاب عدم ثقب الدم أو عدم تجاوزه معه في جميع أيام استحاضتها
لوقعت في مخالفة الواقع في بعض الموارد فمقتضى علمها الاجمالي هذا
104

وجوب الفحص والاختبار في حقها وعدم جريان الأصول في أطرافه
وذلك لما بيناه في محله من أن تنجيز العلم الاجمالي وعدم جريان الأصل
في أطرافه لا يختص بما إذا كانت الأطراف دفعية بل إذا كانت تدريجية
أيضا لم تجر فيها الأصول.
كما لا يفرق في التدريجية بين ما إذا كان متعلق الحكم تدريجيا وما
إذا كان للحكم تدريجيا في نفسه كما في المقام على ما أسلفناه في محله.
وأما إذا لم تلتفت إلى ذلك - أي إلى أنها تستحاض كثيرا في عمرها
أو التفتت إلى ذلك إلا أنها احتملت مطابقة الأصول الجارية فيها للواقع
ولم يحصل لها علم اجمالي بالمخالفة - ولم تعلم أنها تقع في مخالفة الواقع
على تقدير اجرائها الأصول النافية.
فمقتضى البراءة عدم وجوب الغسل في حقها - لا مرة ولا ثلاثا -
كما أن مقتضى الأصل عدم ثقب الدم وعدم تجاوزه لأن المتيقن إنما هو
كون المرأة مستحاضة، وأما ثقب الدم أو تجاوزه فهو مشكوك فيه
فيدفع بالأصل، فهذا الوجه لا يكون دليلا في المقام لأنه أخص من
المدعى فالعمدة هي الأخبار.
وأما المقام الثاني:
فلا اشكال في وجوب الفحص في حقها بالنظر إلى الأخبار، لما
ورد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع)
قال، سألته عن المستحاضة.. إلى أن قال: (ولتستدخل قطنة فإن
105

ظهر عن (على) الكرسف فلتغتسل.) (1).
وفي الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن
أبي جعفر (ع) في الحائض إذا رأت دما.. إلى أن قال: (ثم
تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين
بغسل.. (2)، حيث دلتا على أن - المستحاضة أي التي رأت الدم
بعد حيضها - يجب أن تختبر حالها بادخال الكرسف والقطنة.
كما دلتا على عدم جريان استصحاب عدم زيادة الدم أو تجاوزه
وثقبه وهذا تخصيص في أدله الأصول وإلحاق للشبهة الموضوعية
بالشبهات الحكمية.
هل الفحص واجب نفسي؟
وإنما الكلام في أنه واجب نفسي أو أنه واجب شرطي أو أن وجوبه
طريقي، والاحتمالان الأولان في طرفي النقيض.
لأن مقتضى الأول أنها لو اغتسلت وتوضأت رجاءا أو توضأت
فقط وعلمت بمطابقة صلاتها للواقع لكون استحاضتها متوسطة أو
كثيرة أو كونها قليلة ولكنها لم تفحص عن حالها صحت صلاتها ولكنها
عصت لتركها الفحص الواجب في حقها.
ومقتضى الاحتمال الثاني أن صلاتها حينئذ باطلة لعدم كونها واجدة
للشروط وهو الفحص.

(1) الوسائل. الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 8.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 14.
106

وأما الوجوب الطريقي فهو بمعنى أن الفحص منجز للواقع وطريق
إليه نظير وجوب التعلم للأحكام بحيث إنها لو لم تفحص وكانت صلاتها
على خلاف الواقع استحقت العقاب، وأما إذا تركت الفحص إلا أنها
اغتسلت وتوضأت رجاءا وكانت صلاتها مطابقة للواقع فصلاتها صحيحة
ولا عقاب في حقها فهذه احتمالات ثلاثة.
وعلى احتمال أنه واجب طريقي يقع الكلام في أنه شرط مطلقا حتى
مع الاحتياط والاتيان بالغسل والوضوء رجاءا أو أنه يختص بغير
هذه الصورة.
الصحيح أن الفحص واجب طريقي وأنه منجز للواقع فحسب،
وذلك لأنه الظاهر من الروايتين حيث فرع فيهما وجوب الاغتسال على
الاختبار وادخال الكرسف أو القطنة وهو ظاهر في أن الاختبار إنما هو
مقدمة للعلم بما هو الوظيفة في حقها من الاغتسال وغيره لا أنه واجب
نفسا أو شرطا.
وعليه فلو تركت الفحص وتوضأت وصلت وكانت صلاتها
صحيحة في الواقع لكون الاستحاضة قليلة لم تستحق العقاب لأن الاختبار
طريق إلى معرفة الحال والاتيان بالفريضة والواجبات، ومع الاتيان بهما
لا حاجة إلى الاختبار.
وهل وجوب الاختبار مطلق حتى في صورة الاحتياط؟ بحيث ليس
للمرأة أن تحتاط في أعمالها بل لا بد لها من الفحص والاختبار، أو أنه
غير مانع عن الاحتياط؟!
الصحيح هو الثاني لأن الوجوب الطريقي غير مناف للاحتياط
لأنه وجب مقدمة للامتثال والاتيان بالواجب الواقعي ومع التمكن من
107

اتيانه بطريق آخر لا وجه للوجوب الطريقي.
اللهم إلا أن نقول أن الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي
والمكلف مع التمكن من الامتثال التفصيلي بالاختبار ليس لها الاختبار
على الامتثال الاجمالي إلا أنا لم نبن علي ذلك وقلنا أنهما على حد سواء،
فالوجوب الطريقي لا يكون مانعا عن الاحتياط.
نعم: هناك أمر آخر وهو أن الاحتياط في المقام ممكن في نفسه
أو غير ممكن؟ وهو بحث صغروي، والظاهر عدم امكانه في المقام
إلا بالتكرار بناءا على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة
الكثيرة، وذلك لما ذكرناه سابقا من لزوم المبادرة إلى الصلاة في حق
المستحاضة بعد الطهارة وأن الفصل بينهما مانع عن صحتهما:
فعلى ذلك: لو توضأت المرأة واغتسلت ثم صلت، فعملها هذا وإن
كان موافقا لاحتمال الاستحاضة المتوسطة والكثيرة إلا أنه لا يوافق
الاستحاضة القليلة لتخلل الغسل حينئذ بين الطهارة والصلاة وهو أمر
أجنبي فصل بينهما فتبطل طهارتها وصلاتها.
ولو أنها عكست الأمر فاغتسلت أولا ثم توضأت فقد وافقت احتمال
الاستحاضة القليلة وخالفت لاحتمال الاستحاضة الكثيرة عندنا لاعتبار
اتصال الغسل فيهما بالصلاة لكلمة (الفاء) الواردة في رواياتها (1)
و (أنها اغتسلت فصلت) فلا يمكنها الاتيان بصلاة واحدة مستجمعة
لاحتمالات القليلة والمتوسطة والكثيرة ومع الاحتمال لا يمكنها الاقتصار
على ما أتت به.
نعم: بناءا على مسلك المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لا مانع

(1) راجع الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 4.
108

من الاحتياط، وكذلك في المتوسطة لما يأتي من أن المرأة في موارد
وجوب الجمع بين الوضوء والاغتسال تتخير في تقديم كل منهما وتأخيره.
نعم لها أن تكرر الصلاة فتصلي بالوضوء مرة ثم تتوضأ وتغتسل
وتصلي مرة أخرى وبذلك تقطع بفراغ ذمتها على جميع التقادير المحتملة
في حقها. هذا
ثم إن الاختبار المستفاد من الروايتين المتقدمتين (1) غير الاختبار
الذي أوجبه الفقهاء في كلماتهم لأنهم أوجبوا الاختبار عند كل صلاة
مع أن الروايتين تدلان على وجوب الفحص في حقها مرة واحدة فلا
مانع من استصحاب حالتها السابقة الثابتة بالاختبار عند الصلوات
الأخرى وما ذكروه من وجوب الاختبار عند كل صلاة غير ظاهر الدليل.
ثم إنه إذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن
وهو الوضوء لكل صلاة بناءا على ما سلكه المشهور من وجوبه لكل
صلاة في كل من القليلة والمتوسطة والكثيرة بزيادة الغسل الواحد لكل
يوم وليلة في المتوسطة، والأغسال الثلاثة أو الخمسة - على تقدير عدم
الجمع - في الكثيرة فالوضوء لكل صلاة هو القدر المتيقن حينئذ.
وأما بناءا على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة
الكثيرة وانحصار وظيفتها في الأغسال المتعددة فكون الوضوء قدرا
متيقنا إنما هو إذا دار الأمر بين الاستحاضة القليلة والمتوسطة، وأما إذا
دار الأمر بين القليلة والكثيرة فهما من المتباينين لوجوب الوضوء في
أحدهما ووجوب الغسل في الآخر.

(1) وهما صحيحتا عبد الرحمان بن أبي عبد الله ومحمد بن مسلم
المذكورة في المشيخة وتقدم ذكرهما في صدر المقام.
109

ومعه لا بد من الاحتياط ولو بتكرار الصلاة مع الوضوء تارة ومع
الغسل تارة أخرى كما قدمناه.
نعم: يمكن تصوير القدر المتيقن منهما من جهة الموضوع وإن كان
بالنظر إلى أحكامهما متباينين وذلك لوضوح أن الدم في القليلة أقل من
المتوسطة والكثيرة، هو في المتوسطة أكثر من القليلة وفي الكثيرة
أكثر من المتوسطة فالمقدار المتيقن من الدم هو المقدار الأقل والزائد
المشكوك فيه مورد لأصالة عدم الزيادة.
وبذلك - أي باستصحاب عدم خروج الدم الزائد يحرز أن
الاستحاضة من القليلة - فتترتب عليها أحكامها - ولكن اجراء هذا
الاستصحاب متوقف على لحاظ أن وجوب الفحص مختص بحال التمكن
فلا يجب مع التعذر، أو أن الوجوب يعم كلتا الحالتين فعلى الأول
لا مانع من جريانه دون الثاني.
وذلك لما مر أن أدلة وجوب الفحص دلت على تخصيص أدلة
الأصول وألحقت الشبهة الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية ومعه
لا مناص من الاحتياط عند دوران أمر الدم بين الاستحاضة القليلة
والكثيرة لدوران الأمر حينئذ بين المتباينين فنقول:
إذا بنينا على أن الاختبار واجب نفسي وأنه المستفاد من الروايتين
فلا ينبغي الاشكال في سقوطه عند عدم التمكن من الاختبار لعدم وجود
القطنة عندها أو لكون يديها مربوطتين أو لغير ذلك من الأسباب وذلك
لاستحالة التكليف بما لا يطاق.
وأما إذا بنينا على أنه واجب شرطي فلا موجب لاختصاصه بحالة
الاختيار والتمكن لما ذكرناه غير مرة من أن الأدلة المثبتة للأجزاء
110

والشرائط من قبيل القضايا الخبرية فما دل على النهي عن الصلاة فيما
لا يؤكل لحمه أو الأمر بالصلاة إلى القبلة، معناه: أن الصلاة يعتبر
فيها أن لا تقع فيما لا يؤكل لحمه أو يعتبر أن تكون واقعة إلى القبلة
ومعه لا داعي إلى تخصيص الشرطية أو الجزئية بحال التمكن بل
مقتضى اطلاقها ثبوت الشرطية والمانعية والجزئية حتى في حال العجز
وعدم التمكن، ونتيجة ذلك سقوط الأمر بالمركب رأسا عند عدم
التمكن من شئ من أجزائه أو شرائطه.
فمقتضى القاعدة في المقام عدم وجوب الصلاة على المرأة عند عدم
تمكنها من الاختبار إلا أن يثبت بالاجماع وقوله (ع) (لا تدعي
الصلاة بحال، (1) وحينئذ يقتصر على المقدار المتمكن منه من المركب
ومن هنا قلنا أن احتمالي الوجوب النفسي والشرطي على طرفي النقيض
فإن وجوب الاختبار ساقط على الأول عند عدم التمكن منه، وغير
ساقط على الثاني.
وأما إذا بنينا على ما ذكرناه من أن الاختبار واجب طريقي فقد
عرفت أن معناه تنجيز الواقع وتخصيص أدلة الأصول الحاقا للشبهة
الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية فمع الشك في اختصاص ذلك
بحال التمكن يشك في أن أدلة الأصول هل هي مخصصة بالإضافة إلى
حال التمكن فقط، أو أنها مخصصة بالإضافة إلى حال عدم التمكن أيضا.
فإذا رجع الشك إلى الشك في التخصيص الزائد فلا مناص من
الاقتصار فيه على المقدار المتيقن وفي المقدار الزائد يرجع إلى اطلاق
أو عموم أدلة الأصول، ومقتضاها جريان الأصول في صورة عدم تمكن

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
111

المرأة من الاختبار ولا وجه حينئذ للقول بعدم سقوط الوجوب وذلك
لأنه ليس من الوجوب الشرطي حتى لا يسقط وإنما هو وجوب طريقي
كما عرفت، فإذا جاز للمرأة أن ترجع إلى الأصول حينئذ فيقع الكلام
في أنها ترجع إلى أي أصل؟
تعيين الأصل المرجع للمرأة:
وقد ذكر الماتن (قده) أنها تأخذ بالمقدار المتيقن - أي تدفع
احتمال الزائد باستصحاب عدمه - إلا أن تكون لها حالة سابقة من
القلة أو التوسط فتأخذ بها.. الخ.
وتوضيح الكلام في المقام أن التردد في أن الاستحاضة من أي
الأقسام الثلاثة قد يكون في الأثناء - يعني أنها قد تكون مستحاضة في
أول الصبح مثلا وتعلم أنها قليلة أو متوسطة أو كثيرة وبعد ذلك تشك
ظهرا في أنها هل بقيت على حالتها السابقة أو أنها تبدلت إلى غيرها -
ولا مناص من الرجوع إلى حالتها السابقة وتستصحب قلتها أو كثرتها
أو كونها متوسطة كما في السابق فيتم ما أفاده (قده).
وقد يكون الشك في حال الاستحاضة من الابتداء - لا من الأثناء -
وهذا على قسمين:
فإن المرأة ربما تكون محكومة بالحيض كما إذا رأت الدم أيام عادتها
أو رأت الدم الأحمر وحكم بكونه حيضا بالصفات إلى سبعة أيام أو
أقل أو أكثر ثم بعد ذلك طهرت يوما أو يومين أو أكثر وبعد ذلك
رأت دما آخر وهو محكوم بالاستحاضة لأنه بعد أيام العادة وإن لم
112

يتجاوز العشرة أو لأنه بعد العشرة إلا أنه من أول حدوثه تردد بين
الأقسام الثلاثة.
فيتم أيضا ما أفاده (قده) وما ذكرناه من أنها تأخذ بالمقدار المتيقن
وترجع في المقدار الزائد إلى استصحاب عدم خروج الدم الزائد كما ذكرناه.
وأخرى ترى المرأة الدم ويحكم بكونه حيضا إما لأنه في أيام العادة، أو
لأنه واجد للصفات أو لغير ذلك من الأمور وبعد أيام العادة أو بعد
عشرة أيام ترى الدم مستمرا من غير فصل ويحكم عليه بالاستحاضة لأنه
بعد أيام العادة أو لأنه بعد عشرة أيام والحيض لا يزيد عليها.
وعلى أي حال ترى دما متصلا واحدا مع الحكم عليه في مقدار
من الزمن - كأيام العادة أو عشرة أيام - بالحيض والحكم عليه بالاستحاضة
بعد ذلك الزمان من غير فصل بينهما.
وحينئذ ما معنى لأخذها بالمقدار المتيقن ورجوعها في الزائد إلى
الأصل؟ بل لا معنى للرجوع إلى حالتها السابقة.
وذلك لأن الموجود دم واحد متصل وهو موضوع واحد إنما اختلف
حكمه الشرعي باختلاف الزمان لا أنه من قبيل التعدد في الموضوع.
ونظيره المسافر فإنه مع كونه موضوعا واحدا يحكم عليه بوجوب
القصر بعد حد الترخص وبعدم جوازه قبله أو يحكم عليه بوجوب القصر
ما دام غير قاصد للمعصية وبعدمه بعد قصدها، إلى غير ذلك من الموارد
التي يترتب حكمان متغايران على موضوع واحد عرفي باختلاف حالاته وأوقاته.
ومع كون الموضوع واحدا باقيا بحاله لا معنى للرجوع إلى الأصل
بل لا بد من ملاحظة حاله حيثما حكم بحيضيته فإن كان قليلا فهو الآن
قليل أيضا، وإن كان متوسطا أو كثيرا فهو كذلك الآن لأنه موضوع
113

واحد متصل.
إعادة وتوضيح:
أن المتحصل من الروايتين المتقدمتين (1) أن الاختبار واجب طريقي
والوجوب الطريقي لا ينافي الاحتياط واحراز الواقع بل للمرأة أن تحتاط
حينئذ بأن تغتسل وتتوضأ فتصلي فيما إذا دار أمرها بين القليلة والمتوسطة
فإن ذلك يوجب القطع بالاتيان بالوظيفة الواقعية.
حيث إنها لو كانت متوسطة فقد اغتسلت وتوضأت وصلت كما
أنها لو كانت قليلة فقد توضأت وصلت، ويأتي أن في المتوسطة وكذا
الكثيرة بناءا على ما هو المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لكل
صلاة - لا فرق بين تقديم الغسل على الوضوء أو تأخيره عنه فإذا
قدمت الغسل على الوضوء فقد احتاطت وأتت بالوظيفة الواقعية على
كل تقدير.
وكذلك الحال فيما إذا دار أمرها بين القليلة والكثيرة - بناءا على
وجوب الوضوء فيها لكل صلاة على ما هو المشهور، لأنها إذا اغتسلت
وتوضأت فصلت أحرزت الواقع على كل تقدير.
وأما بناءا على ما ذكرناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة
الكثيرة فلا تتمكن المرأة من الاحتياط عند دوران الأمر بين القليلة
والكثيرة لأنها إذا اغتسلت وتوضأت فصلت لم تأت بوظيفة الاستحاضة
الكثيرة إذ يعتبر مقارنة الغسل مع الصلاة والمبادرة إليها بعده، والوضوء

(1) تقدم ذكرهما في صدر المقام.
114

وإذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن (1)
متخلل بينهما ومانع من صدق المبادرة، إلا أن يكون بحيث لا يمنع عن
صدق المبادرة عرفا أو توضأت حال المشي من مكان الغسل إلى مكان
الصلاة بحيث لا يشغل زمانا زائدا على ما يشغله المشي إليه.
ما هو الوظيفة عند العجز عن الاختبار:
(1) ذكر (قده) أن المرأة إذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها
أن تحتاط بالأخذ بالقدر المتيقن في مقام الامتثال وهو المحتمل الأكثر
وهو الذي عبر عنه صاحب الجواهر (قده) بأسوء الاحتمالات، فمع
دوران الأمر بين القليلة والكثيرة تأخذ بالكثيرة، إذا دار الأمر بين
القليلة والمتوسطة تأخذ بالمتوسطة إلا أن تكون لها حالة سابقة فتأخذ
بها حينئذ.
وما أفاده (قده) لم يظهر لنا وجهه وذلك لأنه إذا قلنا بأن
الاختبار واجب طريقي وهو الذي اختاره الماتن (قده) حيث ذكر
أنها إذا صلت من غير اختبار بطلت إلا مع مطابقة الواقع، فإن الاختبار
لو كان واجبا شرطيا بطلت صلاتها عند عدم الاختبار مطلقا لفقدها
الشرط.
فإما أن نقول أن الوجوب الطريقي يختص بحال التمكن لأنه الظاهر
من قوله (تستدخل أو تمسك القطنة) (1) فإن الوجوب الطريقي

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2 و 3
وغيرهما - والحديث 14.
115

إلا أن تكون لها حالة سابقة من القلة أو التوسط فتأخذ بها.
كالوجوب النفسي مشتمل على البعث والتحريك وإن كان البعث في
الواجب الطريقي بداعي أمر آخر غير الاتيان به في نفسه.
وقد ذكرنا أن الوجوب النفسي يختص بحال الاختبار فيكون الوجوب
الطريقي كذلك ومعه لا مانع من الرجوع إلى الأصول العملية في حال
عدم التمكن من الاختبار لأن ما دل على وجوب الاختبار دل على
تخصيص أدلة الأصول الحاقا للشبهة الموضوعية في المقام بالشبهة الحكمية.
إلا أن ذلك إنما هو في موارد وجوب للاختبار وقد فرضنا اختصاصه
بحال الاختبار وحيث لا وجوب للاختبار في حال التعذر فلا مانع من
الرجوع في تلك الحالة إلى الأصول، وعليه فلا وجه لقوله بوجوب
الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقن في مقام الامتثال.
بل مقتضى الأصل عدم كون الاستحاضة متوسطة أو كثيرة وذلك
لوضوح أن الدم إنما يخرج عن المرأة تدريجا فيصيب الدم ظاهر الكرسف
ابتداءا ثم يثقبه ثم يتجاوز عنه لاستحالة الطفرة وهو ظاهر.
فإذا علمنا بخروج الدم وشككنا في ثقبه أو تجاوزه، فبما أنهما
عنوانان وجوديان مسبوقان بالعدم فنستصحب عدمهما وبه يحكم على عدم
كون الاستحاضة متوسطة أو كثيرة فلا وجه للاحتياط.
وأما إذا قلنا بأن الوجوب الطريقي كالوجوب الشرطي غير مختص
بحال التمكن بل ثابتان حتى في حال عدم التمكن من الاختبار فيصح
ما أفاده (قده) من الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقن في مقام الامتثال
لأن أدلة وجوب الفحص مانعة عن جريان الأصول تخصيصا في أدلتها
كما قدمناه.
116

إلا أنه لا يجتمع مع ما استثناه بقوله (إلا أن تكون لها حالة سابقة)
وذلك لما عرفت من أن المرأة دائما لها حالة سابقة أي سابقة القلة - إلا
فيما إذا كانت الاستحاضة متصلة بالحيض وكان الحيض كثيرا فترجع
إلى استصحاب الكثرة.
بمعنى أنها وإن كانت تعلم بكون الدم الخارج منها في زمان الشك
ابتداءا قليلا - أي إنما أصاب القطنة فقط - لكنها لا تدري أنها تتعقب
بالقطرات الأخرى حتى تكون كثيرة أو لا تتعقب بالقطرات الأخرى،
وبما أنها كانت سابقا متعقبة بالقطرات الأخرى فيصدق عرفا أن المرأة
كان دمها كثيرا سابقا والآن كما كان سابقا، والوجه في أن لها حالة
سابقة القلة هو أن خروج الدم تدريجي لا محالة وقد فرضنا أن أدلة
الاختبار شاملة لصورة عدم التمكن منه وهي مخصصة لأدلة الأصول
في كلتا الحالتين فما معنى رجوعها إلى حالتها السابقة، فما أفاده غير تام.
والصحيح ما ذكرنا من اختصاص الوجوب الطريقي بحال التمكن
ومعه إذا لم يمكنها الاختبار تأخذ بالمقدار المتيقن في مقام التكليف
- لا الامتثال - وهو المحتمل الأقل لاستصحاب عدم ثقب الدم
الكرسف أو عدم تجاوزه عنه.
117

ولا يكفي الاختبار قبل الوقت (1) إلا إذا علمت بعدم
تغير حالها إلى ما بعد الوقت.
(مسألة 5): يجب على المستحاضة (2) تجديد الوضوء
لكل صلاة ولو نافلة وكذا تبديل القطنة أو تطهيرها،
وكذا الخرقة إذا تلوثت، وغسل ظاهر الفرج إذا أصابه الدم،

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 8 و 14.
118

لكن لا يجب تجديد هذه الأعمال للأجزاء المنسية (1) ولا
لسجود السهو إذا أتي به متصلا بالصلاة (2) بل ولا لركعات الاحتياط
للشكوك (3) بل يكفيها أعمالها لأصل الصلاة.
119

هذا الحكم هو الذي يشك في الاتيان بالركعات بشرط أن لا يكون آتيا
لها في الواقع فالذي يشك في الاتيان ولم يكن آتيا لها واقعا فوظيفته
بحسب الواقع هو الصلاة مع الانفصال والاتيان ببعض ركعاتها منفصلا.
لا أن ذلك مجرد حكم ظاهري (والشك) في الاتيان بالركعات أمر
وجداني فإذا أحرز بوجدانه أنه شاك في الاتيان فيمكنه احراز عدم اتيانه
لها واقعا بالاستصحاب فبضم الوجدان إلى الأصل يثبت أن الركعات
الاحتياطية جزء حقيقي من الصلاة.
ومع كونها من أجزاء الصلاة التي توضأت أو اغتسلت (المستحاضة)
لأجلها لا وجه للاغتسال أو التوضؤ لها ثانيا فركعات الاحتياط لا تحتاج
إلى تجديد الغسل ولا الوضوء بلا فرق في ذلك بين صورتي عدم انكشاف
الخلاف في الاستصحاب - أعني استصحاب عدم الاتيان بالركعات
المشكوكة - وانكشافه.
لأن صلاة الاحتياط إذا ظهر بعدها أن المكلف كان آتيا بالركعات
المشكوك فيها وإن كانت تقع نافلة لا محالة والنافلة صلاة مستقلة لا بد
لها من الوضوء والغسل إلا أنها لا تحتاج إليهما في خصوص المقام
وذلك لقصور الدليل عن الشمول لما حكم بكونه نافلة بعد الاتيان به
- كما في المقام -
لأن صلاة الاحتياط إنما يحكم بكونها نافلة بعد ما ينكشف عدم
نقصان الصلاة وأما قبل ذلك فلا لأنها كانت من الابتداء محكومة
بكونها جزءا من الصلاة بحكم الاستصحاب لما ذكرناه من أن مقتضى
الاستصحاب عدم الاتيان بالركعة المشكوك فيها واقعا، ومعه يجب
عليها أن تأتي بها مع الانفصال.
120

نعم لو أرادت إعادتها احتياطا أو جماعة وجب تجديدها (1).
121

ركوعها بعد ما دخلت في السجود فإن مقتضى قاعدة التجاوز والفراغ
وإن كان صحة ما أتت به إلا أن التحفظ عن البطلان الواقعي بترك
الركوع والاحتياط مستحب في نفسه.
أما المعادة الواجبة فلا ينبغي الاشكال في أنها هي الصلاة الأولية
المحكومة بالبطلان وليست صلاة مغايرة لها، فعلى تقدير القول بعدم
وجوب المبادرة إلى الصلاة فلا شبهة في عدم وجوب الوضوء أو الغسل لها.
وإذا قلنا بوجوبها فلا يبعد عدم وجوب تجديدهما أيضا وذلك لأن
المراد بالمبادرة ليس هو المبادرة الحقيقية الفعلية بل المراد بها هي الفورية
العرفية وعدم التواني في الامتثال، ومن ثمة لا يجب عليها الصلاة في
المغتسل بعد غسلها بل يجوز لها أن تأتي إلى غرفتها وتصلي فيها فالاشتغال
بالمقدمات العادية أو الشرعية للصلاة ليس مانعا عن صدق المبادرة بوجه.
وعليه فاشتغالها بالصلاة المحكومة بالبطلان بعدها لا يعد منافيا للمبادرة
الواجبة بوجه لعدم توانيها في الامتثال فحالها حال المقدمات.
وأظهر من ذلك ما لو حكم ببطلانها في أثناء الصلاة كما لو شكت
بين الثنتين والثلاث قبل اتمام السجدتين فإن مثله لا يكون مانعا عن
صدق المبادرة يقينا فلا يجب عليها إعادة الوضوء والغسل ثانيا، نعم
إذا فصلت بينهما بزمان كما إذا أعادت بعد ساعة أو ساعتين وجب
عليها الوضوء والغسل جديدا.
وأما المعادة استحبابا فهي على عكس المعادة الواجبة ولا اشكال في
وجوب تجديد الغسل أو الوضوء لها على كل حال - قلنا بوجوب
المبادرة أم لم نقل - وذلك لأنها صلاة مستحبة مغايرة للصلاة التي
122

اغتسلت أو توضأت لأجلها، وقد دلت الأخبار (1) المتقدمة على
وجوبهما لكل صلاة.
وسيأتي الوجه في توضيح وجوب الغسل لها مع أن النوافل
لا يجب فيها الغسل في الاستحاضة وإنما يجب فيها الوضوء لكل صلاة فقط.
اللهم إلا على مسلك فاسد وهو جواز تبديل الامتثال بالامتثال
وأن المكلف متمكن من رفع امتثاله السابق وجعله كالعدم بالامتثال
الجديد فإن الصلاة المعادة هي الصلاة الأولية فيبتني وجوب الغسل أو
الوضوء لها على القول بوجوب المبادرة وعدمه ويأتي فيه ما قدمناه.
إلا أنا ذكرنا في بحث الأجزاء أن الامتثال بعد الاتيان بالمأمور به
أمر عقلي وليس اختياره بيد المكلف ليرفعه ويبدله فالامتثال غير قابل
للتبديل بوجه.
وأما الصلاة المعادة جماعة إماما أو مأموما فقد ظهر حكمها مما بيناه
فإنها صلاة مستحبة مغايرة للصلاة التي اغتسلت أو توضأت لأجلها فلا
مناص من الوضوء أو الغسل لها مطلقا - قلنا بوجوب المبادرة أم لم
نقل - اللهم إلا على القول بجواز تبديل الامتثال بالامتثال وقد
عرفت ما فيه
وتوضيح ما ذكرناه أن الصلاة المعادة المستحبة فرادى كانت أم
جماعة إماما أو مأموما وإن كانت نافلة ولا يجب الغسل للنوافل كما مر
بل يجب فيها الوضوء فقط، إلا أنها تمتاز في المقام عن بقية النوافل
بما ستعرفه فنقول:
أن الصلاة المعادة استحبابا إن كان قد فصل بينها وبين الصلاة المأتي بها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
123

وجوبا فصلا زمانيا فلا اشكال في لزوم إعادة الوضوء والغسل لها.
أما الوضوء فلأنه معتبر لكل صلاة - فريضة كانت أم نافلة - وما
أتت به من الوضوء للفريضة غير كاف للنافلة لوجوب المبادرة والمفروض
أنها فصلت بينهما زمانا.
وأما الغسل فلأن النوافل وإن كان لا يجب فيها الاغتسال كما مر
إلا أن النافلة في المقام إنما يؤتى بها احتياطا وبداعي التحفظ على المأمور
به الواقعي على تقدير وجود خلل في الصلاة المأتي بها واقعا فهي نافلة
معنونة بعنوان صلاة الظهر مثلا وأتي بها بعنوان كونها تداركا للواقع
وعليه فلا بد أن تشتمل على جميع الأمور المعتبرة في الواجبة من الغسل
والوضوء وغيرهما، إذ مع كونها فاقدة للغسل أو لغيره لا يمكن أن
تكون موجبا للتحفظ على الواقع وتداركا له بل لا يصح اطلاق
الاحتياط عليها.
وأما إذا لم يفصل بينها وبين الصلاة الواجبة فصلا زمانيا فيحتمل
أيضا وجوب إعادة كل من الغسل والوضوء للمعادة احتياطا، وذلك
لما أشرنا إليه من أنها وإن كانت نافلة إلا أنها معنونة بعنوان كونها
صلاة الظهر مثلا على تقدير وجود خلل في المأتي به فلا يمكن أن
تكون تداركا وموجبا للتحفظ على للواجب الواقعي إلا فيما إذا كانت
مشتملة على جميع الأمور المعتبرة في الواجب من للغسل والوضوء.
وبعبارة أخرى: إن لصلاة الظهرين فردين منها وجوبية ومنها صلاة
ظهر استحبابية ومقتضى اطلاق ما دل (1) على أنها تغتسل لصلاة
الظهر أو الظهرين عدم الفرق بين الظهر الواجبة والمستحبة ولهذا تجب

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
124

(مسألة 6): إنما يجب تجديد الوضوء والأعمال
المذكورة إذا استمر الدم (1) فلو فرض انقطاع الدم قبل
صلاة الظهر يجب الأعمال المذكورة لها فقط ولا تجب
للعصر ولا للمغرب والعشاء، وإن انقطع بعد الظهر وجبت
للعصر فقط وهكذا. بل إذا بقي وضوؤها للظهر إلى
المغرب لا يجب تجديده أيضا مع فرض انقطاع الدم قبل
الوضوء للظهر.
125

أو يكفي الغسل أو مع الوضوء للفريضة الواقعة بعدها فحسب؟.
(ثانيهما): إن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة مثلا قبل
صلاة الفجر فاغتسلت وتوضأت لها فصلت ثم بعد ذلك أنقطع دمها
فهل يجب عليها الاغتسال للفريضة الواقعة بعدها أو لا يجب؟
أما المسألة الثانية: فيأتي التعرض لها في كلام الماتن (قده) ونلتزم
فيها بالوجوب لاطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت
أبا إبراهيم (ع) عن امرأة نفست إلى أن قال: وإن كانت صفرة
فلتغتسل ولتصل) (1) وصحيحة ابن نعيم الصحاف حيث ورد فيها:
(فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف
فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة) (2) فإن مفهومها المصرح به
بعد ذلك بقوله (فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها
الغسل) يدل على أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة بين الظهر
والمغرب وجب عليها الاغتسال للمغرب ولا تكتفي فيها بالوضوء وهو
الذي يقتضيه اطلاق الصحيحة الأولى أيضا كما عرفت (تؤخر هذه
وتغتسل لهما غسلا واحدا).
وأما المسألة الأولى: فهي التي تعرض لها في المقام فنقول: ذهب
صاحب الجواهر (قده) إلى أن رؤية الاستحاضة لحظة كافية في
وجوب الأغسال الثلاثة أو الخمسة في الاستحاضة الكثيرة لولا مخافة
خرق الاجماع وذلك لاطلاق الأخبار فإن المستفاد منها أن الاستحاضة
حدث تحققه يقتضي الأغسال الثلاثة أو الخمسة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 5 من أبواب النفاس ح 2.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب من أبواب الاستحاضة ح 7.
126

ولكن الصحيح أن الاستحاضة لا توجب حينئذ إلا غسل الانقطاع
ولا تجب معها الأغسال الثلاثة بوجه وذلك لأن الموضوع لوجوب
الأغسال الثلاثة في جملة من الأخبار (1) هو المرأة المستحاضة - لا ذات
المرأة - وهي غير صادقة مع الانقطاع، نعم ورد في بعض الأخبار
أن المرأة إذا رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة (2).
ويمكن أن يقال: إن مقتضى اطلاقها وجوب الأغسال الثلاثة بمجرد
روية الاستحاضة ولو آنا ما - ولكن يرده أن الأخبار الدالة على أن
الأغسال الثلاثة من وظائف المستحاضة قرينة على أن المراد بالمرأة إذا
رأت الدم صبيبا في هذه الرواية هو المرأة ذات الدم والمستحاضة
لا مجرد الرؤية ولو آنا ما.
وثانيا: إن التمسك باطلاق الرواية أمر لا محصل له، أفهل يمكن
أن يقال: إن مجرد رؤية الاستحاضة ولو آنا ما موجبة للأغسال الثلاثة
إلى الأبد كما هو ظاهر الرواية؟ فالاطلاق غير مراد قطعا وتقييده بيوم
أو يومين أو أكثر لا معنى له فيتعين أن يكون المراد بالمرأة في الرواية هي
المستحاضة ذات الدم كما ذكرناه بل يدل على ذلك ما ورد في بعض (3)
الروايات (من أنها تقدم هذه وتؤخر هذه)، إذ لو كان الدم منقطعا لم
يكن أي موجب لتقديمها الصلاة وتأخيرها الصلاة الأخرى بل لها
الاتيان بها في أي وقت شاءت، ومنه يعلم أن الأغسال وظيفة المرأة

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) الوسائل الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 11.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1 وغيره.
(4) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
127

(مسألة 7): في كل مورد يجب عليها الغسل والوضوء
يجوز لها تقديم كل منهما (1) لكن الأولى تقديم الوضوء (2).

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 33 من أبواب الجنابة ح 5 و 6 و 9 و 10.
128

البدعة الأولى تقديم الوضوء على الغسل وذلك لما قدمناه من عدم
تماميته فليراجع.
وعلى تقدير تماميته فالنسبة بينه وبين ما دل على جواز الجمع بين
الغسل والوضوء في الاستحاضة نسبة العموم والخصوص المطلق لدلالة
الاعتبار على عدم حرمه الوضوء بعد الغسل في المقام فإن العبرة باطلاق
دليل المخصص لا العام وهو قد دل على جواز الوضوء قبل الغسل
وبعده في الاستحاضة.
وتوضيح ذلك: أن المراد بجملة أن الوضوء بعد الغسل بدعة إن
أريد بها أن الغسل يغني عن الوضوء فالوضوء الواقع بعد الغسل لا أمر
له فيقع بدعه لا محالة كما هو الظاهر منها.
فهي أجنبية عن محل الكلام لما عرفت من دلالة الأخبار على عدم اغناء
الغسل عن الوضوء في المقام فهو تخصيص من عموم اغناء الغسل عن
الوضوء فلا دلالة لها على بطلان الوضوء الواقع بعد الغسل في الاستحاضة.
وإن أريد بها أن الغسل يشترط في صحته أن يقع بعد الوضوء فلو
وقع الوضوء بعده وقع الغسل باطلا مع وقوع الوضوء صحيحا لعدم
اشتراطه بشئ.
ففيه: أن اللازم على تقدير إرادة ذلك أن يقال الغسل قبل الوضوء بدعة
لا أن الوضوء بعد الغسل بدعة فلا وجه لاحتمال إرادة ذلك من تلكم الجملة.
وأما إذا أريد بها أن الوضوء يشترط في صحته أن يقع قبل الغسل
بحيث لو وقع بعده بطل لعدم الأمر به فحينئذ وإن أمكن إرادته من
الجملة المذكورة إلا أنا نسأل عن أن المكلف إذا اغتسل قبل للوضوء
وتوضأ بعد ذلك فهل يجب إعادة الغسل الأول أو لا يجب لوقوعه صحيحا.
129

فإن قلنا بوجوب إعادة الغسل فهو يرجع إلى الاحتمال المتقدم من
اشتراط كون الغسل واقعا بعد الوضوء بحيث لو وقع قبل الوضوء بطل
وقد عرفت فساد إرادته من الجملة المذكورة.
وإن قلنا بعدم وجوب إعادة الغسل لأنه غير مشروط بشئ بل وقع
صحيحا والمشروط هو الوضوء فامتنع امتثال الأمر بالوضوء واستحال
التكليف به لأنه تكليف بما لا يطاق حيث لا يتمكن المكلف من امتثاله إذ المفروض
أنه اغتسل قبل الوضوء فلا يمكنه ايقاع الوضوء قبل الغسل لأنه تحقق
أولا، وحكمنا بصحته فلو توضأ بعد ذلك فهو من الوضوء بعد الاغتسال.
فتحصل أن الجملة المذكورة لا يمكن أن يراد بها سوى أن الغسل يغني
عن الوضوء.
وعليه فهي أجنبية عن المقام لدلالة الأخبار على عدم اغناء الغسل
في الاستحاضة عن الوضوء وعدم كون الوضوء بدعة.
هذا كله فيما إذا أوجبنا الوضوء مع الغسل وأما إذا لم نفت بالوجوب
بل اعتبرناه احتياطا كما في الاستحاضة الكثيرة إذا قلنا بالاحتياط فلا
يجوز تقديم الغسل على الوضوء وهذا لا من جهة أن الوضوء بعد الغسل
بدعة إذ معه يمكن الاتيان به رجاءا ولا يكون الوضوء بدعة.
بل لما اعتبرناه من المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة فإنه يحتمل أن
لا يكون الوضوء واجبا مع الغسل في الكثيرة واقعا ومعه لا تتحقق
المبادرة لتخلل الوضوء بينها وبين الاغتسال.
130

(مسألة 8): قد عرفت أنه يجب بعد الوضوء والغسل
المبادرة إلى الصلاة، لكن لا ينافي ذلك اتيان الأذان (1)
والإقامة والأدعية المأثورة، وكذا يجوز لها اتيان المستحبات
في الصلاة ولا يجب الاقتصار على الواجبات، فإذا توضأت
واغتسلت أول الوقت وأخرت الصلاة لا تصح صلاتها إلا
إذا علمت بعدم خروج الدم وعدم كونه في فضاء الفرج (2)
أيضا من حين الوضوء إلى ذلك الوقت بمعنى انقطاعه ولو
كان انقطاع فترة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1 غيره.
131

(مسألة 9): يجب عليها بعد الوضوء والغسل التحفظ
من خروج الدم (1) بحشو الفرج بقطنة أو غيرها وشدها بخرقة
فإن احتبس الدم وإلا فبالاستثفار أي شد وسطها بتكة
(مثلا) وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما
إنما تجب تحفظا على خروج الدم زائدا على المقدار المعلوم تخصيصه من
ناقضية الدم.
فإن الدم الخارج من المستحاضة حدث ناقض للطهارة وإنما خصصنا
ناقضيته بمقدار اغتسال المرأة وتوضؤها وصلاتها، ومعه لا بد من
الاقتصار على المتيقن تخصيصه وهو صورة اتيانها بالصلاة بعد طهارتها
من غير تأخير وتوان دون ما إذا أخرتها.
وهذا إنما يختص بصورة خروج الدم من المستحاضة وأما إذا انقطع
ساعة أو أقل أو أكثر ولو انقطاع فترة فلا حدث ولا ناقض لطهارتها
ليكتفي في الخروج عن ناقضيته بالمقدار المتيقن، ومعه لا دليل على
وجوب المبادرة فلها أن تؤخر صلاتها إلى ساعة أو أقل أو أكثر وتصلي
بعد ذلك بالغسل أو الوضوء السابقين.
وجوب التحفظ من خروج الدم: -
(1) استدل عليه بالأخبار (1) الآمرة بالاحتشاء والاستثفار وادخال

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
132

قدامها والأخرى خلفها وتشدهما بالتكة - أو غير ذلك مما
قطنة بعد قطنة وغيرها مما هو بهذا المضمون. وذكروا أنها إذا قصرت
في الاحتفاظ فخرج منها الدم بطلت صلاتها بل وغسلها أيضا. هذا
والظاهر عدم وجوب ذلك بخصوصه على المرأة لأن الأمر
بالاحتشاء والاستثفار وغيرهما لا يحتمل أن يكون أمرا مولويا نفسيا
بأن يكون ذلك من الواجبات النفسية في حق المرأة تعاقب على تركها
ولا نعهد قائلا بذلك أيضا، وإنما هو ارشاد إلى عدم خروج الدم من
المستحاضة وهذا لعله مما لا كلام فيه.
وإنما الكلام في أن الدم بنفسه وبما هو هو مانع عن الصلاة بحيث
لو خرج عن المرأة من دون أن يصيب شيئا من بدنها وثيابها أوجب
بطلان صلاتها، أو أن خروج الدم إنما يوجب البطلان من جهة مانعية
النجاسة في الصلاة لاشتراطها بالطهارة الحدثية والخبثية معا.
والظاهر من الأخبار الآمرة بالاحتشاء في المقام والذي يساعد عليه
الارتكاز هو الثاني وأن خروج الدم بما هو دم لا يضر بحالها وإنما
يضرها من جهة تلويثه بدنها ولباسها، والأخبار إما ظاهرة في ذلك
وإما أنها محملة لذلك وأما كونها ظاهرة في أن خروج الدم بما هو
مانع عن الصلاة فلا.
وعلى ذلك فليس هذا شرطا مختصا بالمستحاضة بل هي كغيرها
من المكلفين وهذا لا نحتاج في اشتراطه إلى الاستدلال بالروايات بل لو
لم تكن هناك رواية كنا نلتزم بذلك لاشتراط الصلاة بالطهارة الخبثية
لا أن صلاة المستحاضة تزيد على صلاة غيرها.
133

يحبس الدم فلو قصرت وخرج الدم أعادت الصلاة (1)
بل الأحوط إعادة الغسل (2) أيضا، والأحوط كون
134

ذلك بعد الغسل (1) والمحافظة عليه بقدر الامكان تمام
النهار إذا كانت صائمة (2).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
135

فيها أن تأتي بأغسالها ومع خروج الدم في أثناء النهار يبطل غسلها
فيبطل صومها.
ففيه: إن ذلك أخص من المدعى لأنا إذا فرضنا أن الدم خرج
قبل صلاة الظهر بأن اغتسلت للفجر وصلت وبعد ذلك خرج منها
الدم فوظيفتها حينئذ ليست إلا الاغتسال للظهرين والعشائين ولا يجب
عليها الاغتسال لصلاة الفجر ليكون بطلانه موجبا لبطلان صومه.
وكذا الحال فيما إذا قلنا أن خروج الدم لا يوجب بطلان غسلها
- كما بنينا عليه - فإنه لا يبطل غسلها ليبطل صومها، بل لو قلنا بأنه
يقتضي بطلان غسلها أيضا لا نلتزم ببطلان صومها بل هذا يقتضي أن تعيد
غسلها ثانيا لا أنه يقتضي بطلان صومها.
وإن كان نظرهم في ذلك إلى أن دم الاستحاضة حدث ناقض للصوم
كدم الحيض والتعمد للبقاء على الجنابة ومع خروجه يبطل صومها فيجب
عليها قضاؤه.
فيدفعه: إن قياس دم الاستحاضة بدم الحيض مع الفارق لأن
الحائض غير مكلفة بالصيام ليكون الدم ناقضا لصيامها، والمستحاضة
مأمورة بالصلاة والصيام.
وقياسه بتعمد البقاء على الجنابة يحتاج إلى دليل ولا دليل على أنه
مثله موجب للانتقاض بل الدليل على عدم الانتقاض موجود وهو اطلاق
أدلة (1) حصر النواقض وأن الصائم لا يضره ما صنع إذا إجتنب
أربع خصال، وليس منها خروج الدم ففي المقدار الذي دل الدليل
على ناقضيته نرفع اليد عن اطلاقها، ويبقى - بالإضافة إلى غيره -

(1) الوسائل: الجزء 7 باب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.
136

(مسألة 10): إذا قدمت غسل الفجر عليه لصلاة
الليل فالأحوط تأخيرها إلى قريب الفجر فتصلي بلا فاصلة (1).
137

(مسألة 11): إذا اغتسلت قبل الفجر لغاية أخرى
ثم دخل الوقت من غير فصل يجوز لها الاكتفاء به
للصلاة (1).
(مسألة 12): يشترط في صحة صوم المستحاضة على
بعد الوقت يجوز الاكتفاء بالغسل قبله:
138

الأحوط إتيانها للأغسال النهارية (1) فلو تركتها فكما
تبطل صلاتها يبطل صومها أيضا على الأحوط وأما غسل
العشائين فلا يكون شرطا في الصوم وإن كان الأحوط
مراعاته أيضا وأما الوضوءات فلا دخل لها بالصوم.
شرطية الأغسال النهارية في صحة صومها:
(1) يشترط - على المشهور بين الأصحاب - لصحة صوم المستحاضة
وصلاتها أن تأتي بما هو وظيفتها من الأغسال، وإذا أخلت بها فكما
تبطل صلاتها يبطل صومها أيضا فالأغسال شرط في صحة الصيام،
والمسألة لعلها مورد التسالم والاتفاق. وأما الكلام في مدركها.
فنقول: قد يستدل على شرطية الأغسال لصوم المستحاضة بالاجماع
والتسالم ولا اشكال في ذلك على تقدير تمامية الاجماع إلا أن تحقق
الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (ع) في المقام بعيد
غايته، ومن المحتمل أن يكون مدرك التسالم في المسألة صحيحة علي بن
مهزيار الآتية فلا يكون الاجماع تعبديا بوجه.
وأخرى يستدل على الشرطية بصحيحة علي بن مهزيار قال: كتبت
إليه - ع - في امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من
شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز (يصح)
صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب (ع) (تقضي صومها ولا تقضي
139

صلاتها لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر (فاطمة و) المؤمنات من
نسائه بذلك) (1).
حيث دلت على اشتراط صحة صومها بالاتيان بما هو وظيفة
المستحاضة من الأغسال، ومن هنا حكم بوجوب قضائها له عند تركها
الأغسال لبطلان الصوم بدونها.
وقد يناقش في الاستدلال بها من جهة اضمارها، ويدفعه أن جلالة
مقام علي بن مهزيار تأبى عن السؤال من غير الإمام (ع) فلا اشكال
فيها من تلك الجهة.
وأخرى: يناقش فيها من حيث الدلالة وذلك بوجهين:
أحدهما: إن مقتضى الأخبار الواردة في حق فاطمة (ع) وكذلك
العلم الخارجي أنها طاهرة مطهرة لا تستحيض فما معنى أمر النبي صلى الله عليه وآله
لفاطمة أن تقضي صومها ولا تقضي صلاتها إذا انقطع حيضها أول يوم
من شهر رمضان وصارت مستحاضة.
وثانيهما: إن اشتراط صحة صلاة المستحاضة بالاتيان بوظيفتها أعني
الأغسال الثلاثة - مما كان يكون من المسائل الضرورية فما معنى قوله صلى الله عليه وآله
(لا تقضي صلاتها).
أما المناقشة الأولى فتندفع:
أولا: بأن فاطمة (ع) إنما ذكرت في بعض النسخ وبعضها خال
عن ذكرها (ع).
وثانيا: إن الرواية لا دلالة لها على أن النبي صلى الله عليه وآله أمرها وسائر

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 41 من أبواب الحيض، ح 7 و ج 7 باب 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 1.
140

النساء بذلك لأنه عملهن، ولعلها أمرها بذلك تعليما لسائر النساء
وبيانها لأحكامهن لا أنه أمرها لكي تأني به في عمل نفسها وهذا هو
الصحيح في الجواب.
وأما دعوى أن فاطمة (ع) لعلها غير بنت النبي صلى الله عليه وآله كبنت
جحيش أو غيره ففيها أن اللفظة متى أطلقت تنصرف إلى الفرد المشهور
والمعروف وعلى ذلك تجري في الرجال فلا وجه لدعوى إرادة
غير المشهور.
والعمدة هي المناقشة الثانية.
وقد ذكروا في تأويل الصحيحة وجوها واحتمالات.
ويحتمل أن يكون في الصحيحة تقديما وتأخيرا وكأنها (تقضي صلاتها
ولا تقضي صومها) لعدم اشتراطه بالأغسال وقد وقع الاشتباه من
الراوي أو النساخ.
نعم هذا مجرد احتمال كبقية الاحتمالات التي ذكرت في المقام.
وتوهم أن الرواية إذا اشتملت على جملتين أو أكثر وكانت جملة
أو جملتين منها على خلاف الدليل القطعي لا مانع من رفع اليد عن
تلك الجملة وطرحها وهذا لا يضر بغيرها من الجملات ففي المقام نطرح
قوله (ولا تقضي صلاتها) لأنه خلاف للضرورة والمستفاد من الأخبار
وهو غير مانع الأخذ بقوله (وتقضي صيامها).
مندفع: بأن ذلك إنما هو فيما إذا لم تكن الجملتان متصلتين ومرتبطتين
على نحو عدتا عرفا جملة واحدة وأما إذا كانتا مرتبطتين كذلك فلا
مورد لهذا الكلام، والأمر في المقام كذلك لأنهما من الارتباط بمكان
يعدان جملة واحدة فإن قوله (ع) (لا تقضي صلاتها وتقضي صيامها)
141

حكم واحد عرفا فالتفكيك غير ممكن.
والظاهر أن في الرواية سقطا لا ندري أنه أي شئ، والديل على
ذلك على مناسبة التعليل المعلل به في الرواية وذلك لأن ظاهر التعليل
- أعني قوله (لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر.) - أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان مستمرا في أمره ذلك ولا يزال
لكثرة ابتلاء النساء بذلك وسؤالهن عن وظيفتهن والنبي صلى الله عليه وآله كان
يأمرهن بذلك.
وهذا لا بأس بتطبيقه على الحائض والنفساء لأن الحيض والنفاس
أمران كثيرا التحقق والابتلاء ويصح أن يقال فيهما: إن النبي صلى الله عليه وآله
كان يأمرهن.. وذلك لأمره صلى الله عليه وآله الحائض بقضاء صومها دون
صلاتها في غير واحد من الأخبار (1) وعلل في بعضها (2) بأن الصوم
في السنة إنما يجب مرة واحدة بخلاف الصلاة،
وأما في المستحاضة التي ينقطع حيضها أول يوم من شهر رمضان
وتستحاض منه فلا لأنه أمر نادر جدا ولا يصح أن يعلل في مثله بأن
النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر.. لظهوره في أن ذلك كأنه شغل النبي صلى الله عليه وآله
وأنه لا يزال مستمرا عليه.
على أنه صلى الله عليه وآله في أي مورد أمر فاطمة (ع) وسائر المؤمنات
بذلك فلا يوجد منه مورد في الروايات وبهذا نستكشف أن في الرواية
سقطا ولا ندري أنه أي شئ؟
وعليه فلا يمكن الاعتماد على الصحيحة لكونها مشوشة فلا دليل

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 41 من أبواب الحيض، ح 2 و 6.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 41 من أبواب الحيض، ح 12 و 8.
142

حينئذ على اشتراط صحة صوم المستحاضة بالأغسال الواجبة في حقها.
فالمتحصل أن صحيحة علي بن مهزيار لا يمكن الاستدلال بها على
شرطية الغسل في المستحاضة لصومها وذلك لعدم مناسبة التعليل الظاهر
في أن مورده من المسائل عامة البلوي مع المعلل به لأنه أمر نادر بل
لا نعلم بتحققه أصلا بأن ينقطع حيضها أو يوم من شهر رمضان
وتستحاض وتصوم وتصلي من غير أن تأتي بوظائف المستحاضة ثم تسأل
عن حكمها.
ومن المحتمل القوي بل المطمأن به أن في الرواية سقطا وأن يكون
الحكم فيها حكم الحائض والنفساء دون المستحاضة، فالحكم بشرطية
الأغسال للصوم مبني على الاحتياط كما صنعه الماتن (قده).
ثم إنه بناءا على صحة الرواية دلالة لا بد من تخصيص الاشتراط
بالمستحاضة الكثيرة دون المتوسطة والقليلة، أما القليلة فظاهرة، وأما
المتوسطة فلأن الصحيحة اشتملت على قوله (من الغسل لكل صلاتين))
ومن الواضح أنه وظيفة المستحاضة الكثيرة إذ لا يجب في المتوسطة
الغسل لكل صلاتين بل يجب فيها الغسل لصلاة الفجر فقط.
نعم قد تكلف المستحاضة المتوسطة بالغسل لصلاة الظهرين كما إذا
أحدثت به الفجر وصلاته إلا أنه لا بعنوان وجوب الغسل لكل صلاتين
فيختص اعتبار الغسل في صحة صوم المستحاضة بالكثيرة فحسب.
كما أن مقتضى الجمود على ظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بغير
الغسل للفجر لأن الوارد فيها هو الغسل لكل صلاتين وليس في الفجر
غسل للظهرين.
فعلى ذلك لو اقتصرت المستحاضة بالغسل للظهرين والعشائين وتركت
143

الغسل للفجر صح صومها، كما أنها لو عكست واغتسلت للفجر دون
الظهرين والعشائين فسد صومها.
عدم وجوب مجموع الأغسال الليلية والنهارية:
وهل يجب عليها مجموع الأغسال من الغسل في الليلة السابقة والغسل
للظهرين في النهار والغسل للعشائين في الليلة الآتية بحيث لو تركت
شيئا واحدا منها بطل صومها أو أن الواجب هو الغسل الواحد
على البدل؟
أما الغسل لليلة الآتية فلا ينبغي التأمل في عدم مدخليته في صحة
صومها لا بالاستقلال ولا بالجزئية وذلك لأن الشرط المتأخر وإن كان
أمرا معقولا بل واقعا في بعض الموارد أيضا إلا أن الأذهان العرفية
منصرفة عن مثله فلا يستفيدونه من ظواهر الأدلة إلا مع نصب القرينة
عليه فالغسل لليلة الآتية (غير معتبر) في صحة صوم المستحاضة لليوم
الماضي لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الجزئية، فيدور الأمر بين الغسل
في الليلة السابقة والأغسال النهارية.
أما الأغسال النهارية فلعله القدر المتيقن من الغسل في الصحيحة
لأن موضوع الحكم فيها هو الصائمة المستحاضة وهي إنما تكون صائمة
في النهار.
على أن المرأة إذا استحاضت في النهار وصامت من غير اغتسال
للظهرين يصدق عليها أنها امرأة مستحاضة وصامت من دون أن تعمل
عمل المستحاضة فالغسل النهاري لا اشكال في إرادته من الرواية الصحيحة.
144

وأما الغسل في الليلة السابقة فهو أيضا مشمول للرواية لأن السائل
إنما سأل عن حكم المرأة المستحاضة لما سبق إلى ذهنه من أن الاستحاضة
كالجنابة والحيض فكما أن المرأة لا بد أن تكون طاهرة منهما عند طلوع
الفجر وهي شرط في صحة صومها فكذلك الغسل من الاستحاضة،
والإمام (ع) لم يردعه عن هذا الارتكاز بل حكم ببطلان صومها
على تقدير تركها عمل المستحاضة من الغسل.
وعليه فيعتبر في صحة صومها الغسل في الليلة السابقة وفي النهار
اعتبار المجموع من الغسلين:
وهل الواجب هو مجموعهما بحيث لو تركت أحدهما فسد صومها أو
المعتبر أحدهما على البدل؟
مقتضى ملاحظة مورد الرواية - وإن كان هو الحكم بوجوب أحدهما
لأن المفروض فيها أنها تركت ما تعمله المستحاضة وهذا يتحقق بترك
أحد الغسلين أيضا ولا يتوقف على تركهما معا، إلا أن السائل كما ذكرنا
سأل الإمام (ع) عن حكم المستحاضة بتوهم أنها كالجنابة والحيض
ولم يردعه الإمام (ع) عن ذلك، وعليه فكما أن الواجب هو غسل
الجنابة والحيض متصلا لأغسل واحد على البدل - أي اللازم هو تحصيل
الطهارة منهما - فكذا الحال في المقام فالواجب هو الغسل لكل صلاتين
أي المجموع بحيث لو تركت أحدهما فسد صومها لا أن الواجب أحدهما
على البدل.
145

هذا كله في اشتراط صحة صوم المستحاضة بالغسل
اعتبار الوضوء في صوم المستحاضة:
وأما الوضوء فهل يعتبر في صحة صومها أو يعتبر؟ أما بناءا على عدم
وجوب الوضوء في المستحاضة الكثيرة فلا اشكال في عدم اعتباره في صومها.
وأما بناءا على القول بوجوبه في الكثيرة فالظاهر اعتباره في صحة
صومها وذلك لأنها لو تركت وضوئها واغتسلت وصلت فلا اشكال
في بطلان صلاتها لعدم اتيانها بما هو وظيفتها فإذا بطلت صلاتها فتارة
تعيدها مع الوضوء من دون اخلال بالمبادرة الفورية وهذا لا يجب فيه
إعادة الغسل ولا يشترط الوضوء في مثله في صوم المستحاضة.
وأخرى: لا تعيدها إلا بعد مدة كشهر كما في مورد الرواية حيث
إنها لم تعد صلاتها الواقعة من غير غسل ولا غيره حتى خرج شهر
رمضان كما هو مقتضى قوله - فصلت وصامت شهر رمضان كله من
غير أن تعمل.. (1) وفي مثله بما أن المبادرة الفورية غير متحققة
فلا بد عند إعادة صلاتها من أن تعيد غسلها أيضا للاخلال بالمبادرة.
هذا معنى اشتراط الوضوء في صحة صومها فإنها لم لم تتوضأ بطلت
صلاتها ومع بطلانها والاخلال بالمبادرة يبطل غسلها ومع بطلانه
يبطل صومها.
فيشترط في صحة صومها أن تتوضأ ومجرد اتيانها الغسل من دون
أن تأتي بالصلاة لا يقتضي صحة صومها فإن المأمور به أنها هو الغسل

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 41 من أبواب الحيض ح 7.
146

(مسألة 13): إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد
ذلك إلى آخر الوقت انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع
الصلاة وجب عليها تأخيرها إلى ذلك الوقت فلو بادرت
إلى الصلاة بطلت إلا إذا حصل منها قصد القربة وانكشف
عدم الانقطاع (1).
147

الاضطرارية فإن خروج دم الاستحاضة ولو آنا ما كاف في الحدث بلا
فرق في ذلك بين تأخيرها الصلاة وعدمه.
نعم: إنما يفرق الحال في قلة الدم وكثرته إلا أن الطهارة الاضطرارية
لا يفرق فيها بين كون دم الاستحاضة الخارج من المرأة كثيرا وبين
كونه قليلا.
فوجوب التأخير غير ثابت على المستحاضة حينئذ بل التأخير غير
جائز في حقها لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة والتأخير اخلال
بالمبادرة العرفية ومعه تبطل صلاتها وطهارتها فهذا الاحتمال مما لا يمكن
نسبته إلى الماتن (قده).
و (ثانيهما): أن يراد بالفترة فترة تسع كلا من الطهارة والصلاة
ويراد بقوله: (بعد ذلك) أي بعد كونها مستحاضة فهل يجب عليها
تأخير صلاتها حينئذ إذا علمت بانقطاع دمها كذلك أو لا يجب؟
ذهب جماعة من المحققين - ومنهم الماتن - (قده) - إلى وجوب
تأخيرها، والظاهر أن الحكم كذلك وهو يتوقف على بيان أمرين: -
أحدهما: أن طهارة المستحاضة وصلاتها صلاة وطهارة اضطرارية
وليست اختيارية - بمعنى أن تكليف المستحاضة تكليف اضطراري -
وذلك لأنا وإن أسلفنا أن ما دل على وجوب الصلاة في حقها ليس
تخصيصا في أدلة اشتراط الصلاة بالطهارة لأنها من الأركان التي تبطل
بفقدانها وإنما هو تخصيص في أدلة ناقضية الدم كما هو الحال في المسلوس
والمبطون إلا أنه لا اشكال في أن طهارتها بالاغتسال والتوضؤ طهارة
اضطرارية وليست اختيارية بوجه، ويدل على ذلك أمور:
(منها): قوله (ع) في بعض الروايات المتقدمة (تقدم هذه
148

وتؤخر هذه) (1).
و (منها): قوله (ع) (تتوضأ لكل صلاة) (2) كما في
المتوسطة بل وفي الكثيرة أيضا على مسلك المشهور وذلك لأن طهارتها
لو كانت اختيارية لم تكن أي حاجة إلى الجمع بين الصلاتين ولا إلى
تجديد الوضوء لكل صلاة بل كان يجوز لها أن تفرق بينهما وأن تكتفي
بوضوء واحد في الجميع ما لم تحدث بحدث آخر.
فوجوب الجمع بين الصلاتين ووجوب تجديد الوضوء عليها لكل
صلاة يدلان على أن في المستحاضة اقتضاء الحدث وإنما لا يكون ناقضا
في المقدار الثابت بالدليل - أعني زمان غسلها وطهارتها وجمعها بين
الصلاتين - وفي المقدار الزائد على ذلك يؤثر المقتضي أثره وهو النقض.
و (منها): صحيحة زرارة حيث ورد فيها الأمر بالصلاة في
حق المستحاضة والنهي عن تركها لها بقوله: (لا تدعي للصلاة بحال
فإنها عماد دينكم) (3).
فهذا كالصريح في أن المستحاضة فيها المقتضي لترك الصلاة إلا أنها
لا تتركها لأنها عماد الدين فيجوز لها الغسل والوضوء والجمع بين
الصلاتين بالمقدار الذي دل عليه الدليل.
و (منها): ما ورد في مرسلة يونس الطويلة من قول السائل (وإن
سال؟) قال: (وإن سال مثل المثقب) (4) لدلالته على أن حدثية

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
(4) الوسائل: الجزء 2 باب 5 من أبواب الحيض ح 1.
149

الاستحاضة كالحيض أمر ثابت في الأذهان ومن هنا سأله السائل بقوله
(وإن سال؟) إلا أنه (ع) أمر بوجوب الصلاة في حقها وأن
الاستحاضة غير الحيض.
فهذه الوجوه المذكورة تدلنا على أن تكليف المستحاضة تكليف
اضطراري وأن طهارتها من غسل ووضوء طهارة اضطرارية نظير
طهارة المتيمم أو المسلوس والمبطون أو الغسل والوضوء مع الجبيرة وغير
ذلك من ذوي الأعذار وليست طهارة اختيارية، ولعلها ظاهرة.
وثانيهما: إن المرتكز في أذهان كل ملتفت أن الأمر بالبدل الاضطراري.
إنما هو مع عدم التمكن من المبدل منه الاختياري (وأن التكليف
الاضطراري يرتفع مع التمكن من الاختياري) فمع تمكن المكلف من الوصول
إلى الماء بعد ساعة ولو في قعر بئر لا يراه المتشرعة مكلفا بالتيمم لأنه
متمكن من الوضوء مع قطع النظر من أي رواية ودليل.
وعليه فإذا كانت المستحاضة متمكنة من الصلاة والطهارة الاختياريتين
- أي مع الطهارة الواقعية - لا تكون مأمورة بالطهارة والصلاة
الاضطراريتين بالارتكاز.
وهذه القرينة المتصلة - أعني الارتكاز - لا تبقي مجالا للتمسك حينئذ
باطلاقات (1) الأخبار الآمرة بأنها تتوضأ وتغتسل وتصلي من غير
تفصيل بين صورتي علمها بانقطاع دمها بعد ذلك وعدمه بل لا بد من
حملها على صورة عدم علم المستحاضة بحدوث فترة تسع طهارتها وصلاتها.
ودعوى: أن حمل المطلقات على المرأة غير العالمة بالانقطاع حمل
لها على مورد نادر لأن الغالب في المستحاضة علمها بانقطاع دمها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
150

في شئ من الأزمنة.
دعوى عجيبة إذ أية مستحاضة تعلم بالانقطاع؟ إلا في بعض الموارد
نعم المستحاضة تحتمل الانقطاع وأما إنها تعلم به فلا.
هذا على أنه لا اطلاق في الأخبار في نفسها لأن ظاهرها إرادة
مستمرة الدم وأنها التي تغتسل لكل صلاة أو تتوضأ لها ومع الانقطاع
لا موضوع للروايات.
وأما ما عن بعضهم من أن الانقطاع إذا كان انقطاع فترة - الابراء -
فهو كزمان عدم الانقطاع محكوم بالحدث والاستحاضة فإن الطهر بين
الاستحاضة كالطهر الأقل من عشرة أيام الواقع بين الحيضة الواحدة
ملحق بالاستحاضة والحيض، ومع كون المرأة مستحاضة حتى في حال
الانقطاع لا وجه لوجوب التأخير في حقها.
فمندفع: بأن أيام الطهر خارجة عن الاستحاضة والمرأة فيها غير
محكومة بالاستحاضة ولا يجب عليها مع الطهر أن تغتسل لكل صلاتين
أو تتوضأ لكل صلاة، وإنما قلنا بأن الطهر بين الحيضة الواحدة بحكم
الحيض للدليل الدال على أن المرأة إذا رأت الحيض ثلاثة أيام ثم انقطع
يوما مثلا ثم رأت الدم بعد ذلك أيضا فهو من الحيض ولا دليل على
ذلك في المقام فالمرأة في أيام الانقطاع - ولو لفترة - طاهرة حقيقة.
هذا كله في صورة العلم بالانقطاع، فتحصل أنها في صورة العلم
بالبرء أو الفترة الواسعة لا يجوز أن تقدم صلاتها وسائر أعمالها بل لا بد
من تأخيرها إلى تلك الفترة فلو صلت قبل ذلك بطلت.
اللهم إلا أن تغفل فتتمشى منها قصد القربة فيحكم حينئذ بصحة
صلاتها إذا انكشف عدم الانقطاع واقعا، وأما إذا كان منقطعا فلا
151

بل يجب التأخير مع رجاء الانقطاع (1) بأحد الوجهين
حتى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصلاة لكن الأحوط
اتمامها ثم الصبر إلى الانقطاع.
- كما يظهر مما ذكرناه آنفا -.
152

(مسألة 14): إذا انقطع دمها فإما أن يكون انقطاع
برء أو فترة تعلم عوده أو تشك في كونه لبرء أو فترة،

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 22 من أبواب التيمم ح 1، 3، 4.
153

إما أن يكون قبل الشروع في الأعمال أو بعده أو بعد
الصلاة، فإن كان انقطاع برء وقبل الأعمال يجب عليها
الوضوء فقط مع الغسل والاتيان بالصلاة. وإن كان بعد
الشروع استأنفت. وإن كان بعد الصلاة إعادته إلا إذا
تبين كون الانقطاع قبل الشروع في الوضوء والغسل.
أما إذا حصلا قبل أن تأتي بوظائفها فلا اشكال في أنها لا بد أن
تأتي بها في زمان الفترة أو البرء.
وأما إذا حصلا في الأثناء فلا بد من أن تستأنف أعمالها وذلك لما
أسلفنا من أن دم الاستحاضة على ما يستفاد من الأخبار حدث رافع
للطهارة وناقض لها وإنما خرجنا عن اطلاق دليل الناقضية في مستمرة
الدم إذا توضأت واغتسلت وصلت وأما مع الانقطاع وعدم استمرار
الدم فلا دليل على عدم كون الدم الخارج في الأثناء ناقضا لطهارتها
بل مقتضى اطلاق الدليل هو الانتقاض ومعه لا بد من أن تستأنف أعمالها
في زمان البرء أو الفترة.
وأما إذا حصلا بعد اتيانها بوظائفها وذلك إما لقطعها بعدم حصول
البرء أو الفترة الواسعة إلى آخر الوقت أو لغفلتها أو للتمسك باستصحاب
بقاء عجزها عن الاتيان بصلاتها طاهرة ولذا شرعت في أعمالها ثم بعد
ذلك انكشف الخلاف.
فهل تجب عليها إعادة أعمالها - كما بنى عليه الماتن وجماعة - أو لا
تجب عليها الإعادة كما عن صاحب الجواهر وشيخنا الأنصاري وغيرهما؟
154

فيه خلاف والوجه في الحكم بالإعادة في المستحاضة أنها إنما أتت بأعمالها
حسب الأمر التخيلي أو الظاهري ومع انكشاف الخلاف لا وجه لعدم
وجوب الإعادة عليها حيث لا دليل على اجزاء الاتيان بالمأمور به
الخيالي أو الظاهري عن الواجب الواقعي. هذا.
والصحيح عدم وجوب الإعادة وذلك لا لاجزاء الأمر التخيلي
أو الظاهري عن المأمور به الواقعي بل للأمر الواقعي الاضطراري،
فإن قوله (ع) (تقدم هذه وتؤخر هذه) (1) تجويز للبدار في حق
المستحاضة لأنه بمعنى الجمع بين الصلاتين لدرك وقت الفضيلة.
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين كون المرأة شاكة في انقطاع
دمها لبرء أو فترة وبين كونها عالمة بعدم الانقطاع أو كانت
غافلة وذلك للاطلاق.
نعم قلنا أن صورة العلم بالانقطاع خارجة عن الاطلاقات بقرينة
الارتكاز كما مر.
هذا على أن حصول الانقطاع بعد الاتيان بالطهارة والصلاة أمر
متعارف كحصوله قبل الاتيان بهما أو في أثناءهما إذ ليس للانقطاع
وقت معين فقد ينقطع في أول الوقت قبل الطهارة والصلاة وقد ينقطع
في أثنائهما وقد ينقطع في آخر الوقت بل لعله الغالب في الليل لأن الغالب
اتيان الصلاة في أوله فالانقطاع لو حصل فإنما يحصل غالبا بعد الصلاة
فلا مانع من شمول الاطلاق لتلك الصورة.
بل عدم تعرضهم لوجوب الإعادة حينئذ مع كون الانقطاع بعد
الصلاة أمرا متعارفا يكشف عن عدم وجوب الإعادة حينئذ وأن الاتيان

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ج 1.
155

وإن كان انقطاع فترة واسعة فكذلك على الأحوط (1)
وإن كانت شاكة في سعتها أو في كون الانقطاع لبرء أم
فترة لا يجب الاستئناف أو الإعادة (2)، إلا إذا تبين
بعد ذلك سعتها أو كونه لبرء.
بالواجب الاضطراري مجزء عن المأمور به الاختياري.
فالحكم بعدم وجوب الإعادة إنما هو لذلك لا لكون الأمر الخيالي
أو الظاهري مجزيا عن الواقع فعلى ذلك لا يبعد الحكم بعدم وجوب
الإعادة وإن كان وجوبها أحوط كما أشرنا إليه في التعليقة.
(1) لأنها كانقطاع برء، والمرأة فيها محكومة بالطهارة وليس
حكمها حكم النقاء المتخلل أثناء الحيضة الواحدة في كونه ملحقا بالحيض
لأنه إنما كان الدليل ولا دليل عليه في المقام، والمستحاضة بمعنى مستمرة
الدم ومع الانقطاع لا تكون مستحاضة بوجه.
بل الحال كذلك لغة لأن الاستحاضة من الحيض الذي هو بمعنى
الدم ومعه عدمه لا استحاضة في البين فحكم الفترة الواسعة حكم البرء.
صور الشك في سعة الفترة:
(2) للشك في سعة فترة الانقطاع صور ثلاثة:
(الأولى): أن تعلم بالانقطاع وتشك في أنه انقطاع برء أو
انقطاع فترة واسعة.
156

وهذه الصورة خارجة عن محل الكلام لأن الفترة كالبرء فهي عالمة
بطهارتها بمقدار يسع الصلاة والطهارة.
(الثانية): أن يحصل لها الانقطاع ولكنها شكت في أنه انقطاع
برء حتى تتمكن من الطهارة والصلاة مع الطهارة من الدم، أو أنه
انقطاع فترة غير واسعة فلا تتمكن منهما في حالة الطهر.
(الثالثة): أن يحصل لها الانقطاع وتعلم أنه ليس بانقطاع برء
وإنما هو فترة ولكنها شكت في أنها تسع للطهارة والصلاة أو أنها
مضيقة لا تسعهما.
وهاتان الصورتان هما محل الكلام في المقام وقد حكم (قده) بعدم
وجوب الإعادة لو كان بعد الصلاة وعدم وجوب الاستئناف لو كان
في أثنائها.
ولعله (قده) يرى أن المقام من موارد الشك في التكليف حيث
إن المرأة بعد ما أتت بوظيفتها أو شرعت فيها تشك في أنها مكلفة
بتكليف زائد وهو التكليف بالطهارة والصلاة بعد ذلك أو لم يتوجه
عليها تكليف زائد من الوضوء أو الغسل أو الصلاة، ومع الشك في
التكليف يرجع إلى البراءة عن التكليف المحتمل فلا يجب عليها الإعادة
ولا الاستيناف. هذا.
والصحيح وجوبهما عند الشك أيضا وذلك للاستصحاب حيث إن
المرأة في أول آن الانقطاع طاهرة قطعا سواء أكان الانقطاع انقطاع
برء أو فترة فإذا شكت في أن طهارتها باقية مطلقا إذا احتملت البرء
أو بمقدر تسع الطهارة والصلاة إذا احتملت الفترة.
فمقتضى الاستصحاب بقاء طهارتها مطلقا أو بمقدار تتمكن المرأة
157

(مسألة 15): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى
الأعلى - كما إذا انقلبت القليلة متوسطة أو كثيرة أو المتوسطة
كثيرة - فإن الأعمال فلا اشكال (1)
158

فتعمل عمل الأعلى وكذا إن كان بعد الصلاة فلا يجب
إعادتها، وأما إن كان بعد الشروع قبل تمامها فعليها
الاستئناف والعمل على الأعلى حتى إذا كان الانتقال من
المتوسطة إلى الكثيرة فيما كانت المتوسطة محتاجة إلى
الغسل وأتت به أيضا فيكون أعمالها حينئذ مثل أعمال
الكثيرة لكن مع ذلك يجب الاستئناف، وإن ضاق الوقت
عن الغسل والوضوء أو أحدهما تتيمم بدله، وإن ضاق
عن التيمم أيضا استمرت على عملها لكن عليها القضاء
على الأحوط.
وقد تتبدل حالاتها وتنقلب.
والتبدل قد يكون من الأدنى إلى الأعلى كالقليلة تتبدل بالكثيرة
أو المتوسطة.
أو المتوسطة تتبدل بالكثيرة وهي ثلاث صور.
وقد تكون من الأعلى إلا الأدنى كما إذا تبدلت الكثيرة بالمتوسطة
أو بالقليلة أو تبدلت المتوسطة بالقليلة فهذه صور ستة.
تبدل القليلة بالكثيرة:
الصورة الأولى: ما إذا تبدلت القليلة بالكثيرة فإن كان ذلك قبل
أن تشرع في أعمالها فلا اشكال في وجوب أعمال المستحاضة الكثيرة في
159

وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى استمرت على عملها
لصلاة واحدة ثم تعمل عمل الأدنى فلو تبدلت الكثيرة
متوسطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل
للظهر عمل الكثيرة فتتوضأ وتغتسل وتصلي لكن للعصر
والعشائين يكفي الوضوء، وإن أخرت العصر عن الظهر
أو العشاء عن المغرب. نعم لو لم تغتسل للظهر عصيانا
أو نسيانا يجب عليها للعصر إذا لم يبق إلا وقتها، وإلا
فيجب إعادة الظهر بعد الغسل وإن لم تغتسل لها فللمغرب
وإن لم تغتسل لها فللعشاء إذا ضاق الوقت وبقي مقدار
العشاء.
حقها لارتفاع القليلة على الفرض ولا أثر لها بعد تحقق الكثيرة بوجه
لأن دمها ثقب الكرسف وتجاوز عنه فيشملها اطلاق وجوب الغسل
لكل صلاتين أو مع الوضوء بناءا على وجوبه في الكثيرة.
وأما إذا تبدلت بعد الاتيان بأعمالها فلا تجب إعادة أعمالها بوجه لأن
المرأة أتت بوظائفها وهي طاهرة، والحدث المتأخر لا يوجب بطلان
الأعمال السابقة، نعم أثرها يظهر في الأعمال اللاحقة بعد الحدث.
وأما إذا تبدلت في أثناء عملها من الوضوء والصلاة - ولو في آخر
جزء من الصلاة - فهل يجب عليها استئناف صلاتها والاتيان بها مع
الغسل أو لا يجب؟
160

لا ينبغي الاشكال في أن ما دل على وجوب التوضي (1) في حق
المرأة المستحاضة لكل صلاة أما هو مقيد بما إذا كانت الاستحاضة
قليلة فإذا ارتفعت وتبدلت إلى الكثيرة لا يكفي الوضوء في صلاتها ولو
في المقدار الباقي منها بل يشملها اطلاق (2) ما دل على وجوب الغسل
لكل صلاتين ومعه لا بد من استئناف صلاتها فتأتي بها مع الغسل أو مع
الغسل والوضوء.
هذا كله فيما إذا كان الوقت واسعا للإعادة والاغتسال.
وأما إذا كان الوقت ضيقا فإن كانت متمكنة من التيمم والصلاة فوظيفتها
التيمم والصلاة لأجل ضيق الوقت، وإن لم يسع الوقت للغسل ولا
للتيمم فذكر الماتن (قده) أنها تستمر في عملها وتقتضي بعد ذلك على الأحوط.
ولم يظهر لنا وجه ذلك لأن المرأة بعد ما تبدلت استحاضتها كثيرة
ووجب عليها الغسل لكل صلاتين ولم تتمكن من الغسل ولا من التيمم
فهي فاقدة للطهورين، والوضوء الذي أتت به قبل تبدل استحاضتها
ليس بطهور في حقها.
وبناؤه (قده) في فاقد الطهورين على سقوط الصلاة عنه كما هو
الصحيح، وعلى ذلك لا يجب على المرأة أن تستمر في عملها بل لها
أن ترفع اليد عن عملها وتقتضيها بعد ذلك.
ومعه فالصحيح أن يعكس الأمر ويقول: (تستمر على عملها - على
الأحوط - وتقتضيها خارج الوقت على الأقوى) لا ما صنعه هنا،
هذا كله في تبدل القليلة بالكثيرة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1، 7، 9.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
161

الصورة الثانية: وهي ما إذا تبدلت القليلة بالمتوسطة فقد يكون
قبل إتيانها بشئ من وظائفها ومعه يجب عليها أن تأتي بأعمال المتوسطة
لارتفاع القليلة وشمول أدلة المتوسطة لها.
وقد يكون بعد الاتيان بأعمالها ولا تجب معه الإعادة بوجه.
وإما أن تتبدل في الأثناء ومعه يجب أن ترفع اليد عن عملها
وتستأنف غسلا ووضوءا ولا تكتفي بالوضوء الذي أتت به قبل التبدل
حيث إن مقتضى الأخبار أنها بنفسها مقتضية للوضوء فلا يمكنها الاكتفاء
بالوضوء السابق بوجه، ومع ضيق الوقت الكلام هو الكلام في الكثيرة بعينه.
الصورة الثالثة: وهي ما إذا تبدلت المتوسطة بالكثيرة ففي صورة
تقدم ذلك على أعمالها وتأخره عنها لا اشكال ولا كلام.
وأما إذا تبدلت في الأثناء فيجب عليها أن ترفع اليد عن عملها
وتستأنفها مع الغسل كما هو مقتضى اطلاق ما ورد في الكثيرة.
توضيح الكلام في الصور الثلاث:
وتوضيح الكلام في جميع الصور الثلاثة أن القليلة إذا تبدلت بالكثيرة
قبل العمل أو في أثنائه فإن كانت أتت بالوضوء فيحكم ببطلانه بحدوث
الاستحاضة الكثيرة فإن قلنا في الكثيرة بوجوب الوضوء فلا بد من
اتيانها الغسل والوضوء وليس لها الاكتفاء بوضوئها السابق.
لأن ظاهر الدليل أن الكثيرة بنفسها سبب للغسل والوضوء فلا بد
من أن تأتي بهما بعد التبدل وعلى القول بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة
تأتي بالغسل فقط:
162

وأما إذا لم تتوضأ قبل التبدل فهل يجب بعد التبدل أن تغتسل
للكثيرة وتتوضأ من جهة تحقق القليلة قبل ذلك وهي حدث موجب
للوضوء ولا مسقط عنه أو لا يجب؟.
الظاهر عدم الوجوب وذلك لأن القليلة وإن كانت سببا للوضوء
إلا أنا ذكرنا في محله أن كل غسل يغني عن الوضوء فالغسل للكثيرة
يكفي عن الوضوء.
هذا على أن في نفس الأخبار الواردة في القليلة دلالة على عدم
وجوب الوضوء في المقام وذلك لأنها علقت وجوب الوضوء عند كل
صلاة على عدم تجاوز الدم وعدم ثقبه، وأما مع التجاوز ولو بعد
ساعات فوظيفتها الاغتسال لكل صلاتين دون الوضوء.
وذلك لأن كل كثيرة مسبوقة - لا محالة - بالقلة لأن الطفرة - على
ما يقولون - مستحيلة أو لو كانت ممكنة فهي غير واقعة خارجا أفهل
يحتمل وجوب الوضوء للقليلة في جميع الاستحاضات الكثيرة. وليس هذا
إلا من جهة أن وجوب الوضوء للقليلة مقيد بأن لا يتجاوز
دمها الكرسف ورواية ابن النعيم صريحة في ذلك حيث ورد فيها
ما مضمونه أنها تنظر ما بين المغرب وبينها إن كان الدم يسيل (1)
. الخ فلاحظ.
وأما إذا تبدلت القليلة بالمتوسطة قبل العمل أو في أثنائه فإن
توضأت قبل ذلك فوضوؤها باطل ليس لها الاكتفاء به لأن المتوسطة
بنفسها مقتض للغسل والوضوء.
وأما إذا لم تأت بالوضوء قبل ذلك فلا اشكال في أنها تغتسل

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
163

وتتوضأ وهو كاف عن الوضوء للقليلة.
أو لو قلنا بأن المتوسطة سبب مستقل للوضوء وهو لا يكفي عن
غيره فنقول أن وجوبه في القليلة كما عرفت - مغيى بعدم ثقب الدم
وقد ثقب فلا يجب الوضوء للقليلة.
وأما إذا تبدلت المتوسطة بالكثيرة فإن اغتسلت وتوضأت فلا بد من
الحكم ببطلانهما بالتبدل وحدوث الكثيرة وليس لها أن تكتفي بهما لأن
الكثيرة بنفسها سبب مستقل للغسل والوضوء - على تقدير القول بوجوب
الوضوء فيها.
وأما إذا لم تأت بالوضوء فإن قلنا إن الكثيرة يجب فيها الوضوء
لكل صلاة فلا يظهر فرق بينها وبين المتوسطة في الصلاة الأولى بعد
التبدل بالكثيرة لأنها لا بد أن تغتسل وتتوضأ كانت متوسطة أم كثيرة.
نعم إنما يظهر الأثر بينهما في الصلوات غيرها فعلى الكثيرة يجب أن
تغتسل لكل صلاتين وعلى المتوسطة تكتفي بالوضوء فقط.
وأما إذا قلنا بعدم وجوب الوضوء في الكثيرة فهل يجب عليها أن
تتوضأ أيضا لتحقق سببها وهو المتوسطة ولا مسقط له والكثيرة ليست
مقتضية لعدم الوضوء بل لا اقتضاء لها بوجوبه؟
الصحيح عدم وجوب الوضوء لوجهين:
(أحدهما): إن مقتضى الأدلة (1) الواردة في وجوب الغسل
والوضوء في المتوسطة وإن كان وجوبهما حتى فيما إذا تبدلت بالكثيرة
لاطلاقها من حيث تقدمها أو تأخرها بالكثيرة وعدمه كما أن مقتضى

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
164

اطلاق ما ورد (1) في وجوب الغسل لكل صلاتين عند تجاوز دمها
الكرسف وجوب الغسل في حقها لكل صلاتين فحسب سواء سبقتها
المتوسطة أم لم تسبقها.
وهذان الاطلاقان متدافعان لأن مقتضى الأول وجوب الوضوء
ومقتضى الثاني عدمه وبعد التساقط لا بد من الرجوع إلى عموم العام وهو
يدل على اغناء كل غسل عن الوضوء.
و (ثانيهما): إن نفس ما ورد في وجوب الغسل والوضوء على
المتوسطة والغسل في الكثيرة يدلنا على عدم وجوب الوضوء في الكثيرة
لأن وجوب الوضوء في المتوسطة مقيد بعدم تجاوز الدم عن الكرسف
ولو فيما بينها وبين المغرب ومع التجاوز لا يجب الوضوء.
وتوضيحه: إن كل كثيرة مسبوقه بالتوسط لا محالة فعدم وجوب
الوضوء في جميع موارد الكثيرة إنما هو من جهة أنه مقيد بعدم تجاوز
الدم، والأخبار (2) الواردة في الكثيرة إنما دلت على وجوب الغسل
فقط ولم يتعرض لوجوب الوضوء بوجه ومعه يحكم بعدم وجوب الوضوء
على المستحاضة، هذا كل في صورة التبدل من الأدنى إلى الأعلى،
ومنه ظهر الحال في الصور الآتية فلاحظ.
الصورة الرابعة وهي ما إذا تبدلت من الأعلى إلا الأدنى فإن الكثيرة
إذا تبدلت بالمتوسطة ليس لها الاكتفاء بالغسل الواحد مع الوضوء بل
لا بد لها من الاتيان بوظائف الكثيرة لصدق أنها امرأة تجاوز دمها
الكرسف والاستحاضة الكثيرة آنا ما كافية في ثبوت أحكامها.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) الوسائل: نفس الباب المتقدم.
165

(مسألة 16): يجب على المستحاضة الكثيرة والمتوسطة
إذا انقطع عنها بالمرة الغسل للانقطاع (1) إلا إذا فرض
عدم خروج الدم منها من حين الشروع في غسلها السابق
للصلاة السابقة.
166

الدم وجب عليها الغسل) (1) ولو كان ذلك في أثناء غسلها أو صلاتها
وهي صريحة في المدعى حيث صرحت بأنها إذا رأت الدم فيما بينها
وبين المغرب أيضا وجب عليها الوضوء إن لم يسل والغسل إن سال:
ويدل عليه المطلقات الواردة في المقام كموثقة سماعة (2) وغيرها من
أن الدم إذا ثقب الكرسف أو تجاوز عنه وجب عليها الاغتسال مرة
أو لكل صلاتين فإن اطلاقها يشمل ما إذا كان ذلك في أثناء غسلها وصلاتها.
فالمتحصل: إن المستحاضة لا بد لها من الاغتسال للانقطاع وليس
لها الاكتفاء بغسلها الذي خرج دم في أثنائه أو بعده أو أثناء صلاتها
لعدم حصول الطهارة لها بذلك مطلقا وإلا لم تكن حاجة إلى الوضوء
لكل صلاة أو الغسل لكل صلاتين بعد ذلك، هذا كله في المتوسطة والكثيرة.
ومنه يظهر الحال في القليلة وأنها إذا لم يخرج منها دم في أثناء
وضوئها وصلاتها فلا تحتاج إلى وضوء بعد ذلك وأما إذا خرج في
أثناءهما وانقطع بعد ذلك فلا بد لها من أن تتوضأ للصلاة التي بعدها لما
عرفت من عدم ارتفاع حدثها بما أتت به من الوضوء.
المناقشة في كلام المشهور:
ويمكن أن يقال: إن الحكم بوجوب الغسل للانقطاع وإن كان هو
المشهور إلا أنه مورد المناقشة في المتوسطة وذلك لقصور المقتضي حيث

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 7.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6
وغيرها من روايات الباب.
167

أن غاية ما تدل عليه الأخبار الواردة في المقام أن حدوث المتوسطة
موجب للغسل الواحد في حقها والمفروض أنها أتت بوظيفتها واغتسلت.
وأما إنها إذا انقطعت ثم عادت أيضا موجبة للحدث والاغتسال فهو
محتاج إلى الدليل ولا يكاد يستفاد من الأخبار، وبعبارة أخرى أن
حدوث دم الاستحاضة المتوسطة هو الذي يستفاد من الأخبار كونه
موجبا للاغتسال دون بقائه.
وعليه لا يمكن الاستدلال على وجوب الغسل للانقطاع بالاطلاقات
كما لا مجال للتشبث بالصحيحة المتقدمة لأنها أجنبية عما نحن فيه حيث
إنها تدل على أن طرو دم الاستحاضة وحدوثه فيما بينها وبين المغرب
موجب للاغتسال في حقها.
وأما إنه إذا انقطع ثم عاد أيضا موجب للاغتسال فهي أجنبية عن
ذلك رأسا.
وعليه ففي الاستحاضة المتوسطة إذا اغتسلت وصلت ثم عاد دمها
لا يجب عليها الغسل للانقطاع لأنه بلا موجب حيث إنها أتت بما هو
وظيفة المستحاضة المتوسطة أعني الغسل الواحد ليومها وليلتها فلا يجب
عليها الغسل ثانيا للانقطاع.
كيف؟ فلو لم ينقطع دمها لم يجب عليها غسل آخر فكيف بما
إذا انقطع ثم عاد.
نعم يجب عليها بعد عود دمها أن تتوضأ للصلوات الآتية لاطلاق
ما دل على أن المستحاضة المتوسطة يجب عليها الوضوء لكل صلاة
وبما أنها رأت الدم بصفة المتوسطة فهي مستحاضة متوسطة يجب
عليها الوضوء للصلوات الآتية، هذا كله في المتوسطة.
168

(مسألة 17): المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد
الوضوء لكل صلاة ما دامت مستمرة، كذلك يجب عليها
تجديده لكل مشروط بالطهارة كالطواف الواجب ومس

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) تقدم ذكرها في صدر المسألة.
169

كتابة القرآن إن وجب (1)
170

على أن الاجماع غير محقق لوجود المخالف في المسألة.
وثالثا: إن ما حكي عنهم من أن المستحاضة (إذا فعلت ذلك
كانت بحكم الطاهرة مجهول المراد فإنه يحتمل أمورا:
المحتملات في أن المستحاضة بحكم الطاهرة:
(الأول): وهو أظهر الاحتمالات أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها
فهي بحكم الطاهرة بالإضافة إلى صلاتها وذلك دفعا لما ربما يتوهم من
أن الدم الخارج منها أثناء صلاتها مانع عن صلاتها ومعنى ذلك أن
المرأة طاهرة حينئذ وكأن الدم لم يخرج أصلا.
وعلى هذا لا يستفاد منع عدم حاجتها إلى الوضوء بالنسبة إلى الطواف
أو المس.
(الثاني): أن يقال: إن المرأة إذا أتت بوظائفها فهي طاهرة
إلا أن طهارتها مؤقتة بما إذا كانت مشتغلة بأعمالها التي منها الصلاة
بحمل كلمة (إذا) على التوقيت دون الاشتراط.
وهذا ذهب إليه المحقق الهمداني (قده) وذكر أن معنى تلك
الجملة أنها طاهرة ما دامت مشغولة بصلاتها.
واستدل عليه بأنها لو كانت طاهرة مطلقا لم يكن وجه لما ذهب
إليه المشهور من أن صحة صوم المستحاضة مشترطة باغتسالها قبل الفجر
وذلك لأنها قد اغتسلت للعشائين وأتت بوظيفتها وهي طاهرة فلماذا
أوجبوا الغسل عليها قبل الفجر لصحة صوم الغد؟
وما أفاده (قده) وإن كان لا بأس به إلا أن حمل (إذا) على
171

التوقيت خلاف الظاهر بل لا بد من حمله على الاشتراط فمعناه أنها
إذا عملت بوظائفها فهي طاهرة بالإضافة إلى صلاتها وحسب.
وكيف كان: فالأظهر هو الاحتمال الأولى والثاني دونه في الظهور.
(الثالث): أن يراد به أن كل امرأة مستحاضة أتت بوظائفها
فهي طاهرة مطلقا بالنسبة إلى جميع الأعمال المشروطة بالطهارة فلا يجب
على المستحاضة بعد توضؤها للصلاة أن تتوضأ للطواف أو المس.
وهذا مجرد احتمال لا دليل مثبت له.
فالمتحصل إن قولهم: (إذا فعلت وظائفها كانت بحكم الطاهرة)
غير ظاهر المراد والاجماع على تقدير تحققه عليه لا يثمر شيئا فالمقدار
للمتيقن الثابت أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بالإضافة إلى صلاتها طاهرة
وأن الدم الخارج حال الوضوء أو بعده أو أثناء الصلاة غير مضر،
ووضوؤها كاف بالنسبة إلى صلاتها.
وأما غيرها من الأفعال المشروطة بالطهارة فنحن ومقتضى القاعدة
وهي تقتضي الوضوء للطواف والمس الواجبين لعدم العلم بكفاية وضوئها
حتى لغير صلاتها.
ومع الشك في الكفاية لا بد من الاتيان بالوضوء حيث إن احتمال
عدم وجوب الطواف والمس على المستحاضة مقطوع العدم لأن حالها
حال سائر النساء كيف والطواف واجب على الحائض غايته إذا لم
تتمكن منه استنابت فكيف بالمستحاضة.
كما أن احتمال عدم شرطية الطهارة لهما كذلك إذ لا مخصص
لأدلة شرطية الطهارة لهما ومع وجوبهما على المستحاضة وهما مشروطان
بالطهارة ولا دليل على كفاية الوضوء للفريضة عنهما، فمقتضى القاعدة
172

وليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الأحوط،
وإن كان ذلك الوضوء للصلاة فيجب عليها تكراره بتكرارها
حتى في المس يجب عليها ذلك لكل مس على الأحوط (1)
هو أن تأتي بالوضوء لأجلهما.
والوجه فيما ذكرناه أن الطواف والمس أمران تبتلي بهما النساء ذوات
الدم فلو لم تجب على المستحاضة أو لم تشترط في طوافهن الطهارة
لأشير إليه في شئ من الأخبار لا محالة.
بقي الكلام في أن المستحاضة بالإضافة إلى صلاة الطواف هل تحتاج
إلى وضوء لها أو أن وضوئها لصلاتها كاف لصلاة الطواف أيضا.
لم أر من تعرض لهذه المسألة ولكن ظهر حكمها مما بيناه آنفا وحاصله:
أن الوضوء لما لم يقم دليل على كفايته لغير صلاتها الفريضة فمقتضى
القاعدة أن تتوضأ لغيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة من الطواف
والمس وصلاة الطواف وغيرها، مضافا إلى عموم قوله (ع)، (فلتتوضأ
لكل صلاة) (1) فإنه شامل لصلاة الطواف وغيرها.
تكرار الوضوء لكل مس:
(1) بل هذا هو الظاهر وذلك لأن مقتضى قوله تعالى (لا يمسه

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1 و 4.
173

نعم لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد والمكث فيها،
بل ولو تركت الوضوء للصلاة أيضا.
(مسألة 18): المستحاضة الكثيرة والمتوسطة إذا عملت
بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة حتى دخول

(1) سورة الواقعة: الآية 79.
174

المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ومس كتابة القرآن (1)
ويجوز وطؤها، وإذا أخلت بشئ من الأعمال حتى تغيير
القطنة بطلت صلاتها وأما المذكورات سوى المس فتتوقف
على الغسل فقط، فلو أخلت بالأغسال الصلاتية لا يجوز
لها الدخول والمكث والوطي وقراءة العزائم على الأحوط
175

ولا يجب لها الغسل مستقلا بعد الأغسال الصلاتية وإن كان
أحوط. نعم إذا أرادت شيئا من ذلك قبل الوقت وجب
عليها الغسل مستقلا على الأحوط.
الجهة الأولى: في اشتراط جواز وطي المستحاضة باغتسالها وعدمه.
الجهة الثانية: في اشتراط قراءتها العزائم به - أي بالاغتسال -.
الجهة الثالثة: في اشتراطه في جواز دخولها المسجدين والمكث
في المساجد.
الجهة الرابعة: في اشتراط الغسل لمسها الكتاب العزيز وعدمه.
أما الجهة الأولى: فمقتضى الأخبار (1) المتقدمة في جواز وطي
الحائض بعد انقطاع دمها أن الوطي للزوجة إنما يحرم ما دام الحيض
باقيا فإذا انقطع دم الحيض منها وصارت طاهرة منه جاز وطؤها وإن
كانت مستحاضة بالمتوسطة أو الكثيرة ولا دلالة في تلكم الروايات على
اشتراط وطي المستحاضة باغتسالها.
وعليه لو فرضنا أن المرأة لا تصلي أو أنها تصلي من غير غسل لجهلها
أو لغير ذلك فلا مانع من اتيان زوجها لها.
وليس في قبال هذه الأخبار سوى موثقة لسماعة (وإن أراد زوجها
أن يأتيها فحين تغتسل) (2) واستدل بها على أن وطئ المستحاضة
لا بد أن يكون بعد الاغتسال حملا لقوله (ع) (حين تغتسل) على

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب الاستحاضة.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
176

معنى بعد الاغتسال، والموثقة مروية بطريقين والجملة المذكورة وردت
في أحد الطريقين دون الآخر - وهو الذي نقله عنه صاحب الوسائل
في الباب الأول من الجنابة في الحديث الثالث:
إلا أن حمل قوله (ع) (حين تغتسل) على ما بعد الاغتسال
خلاف ظاهر الحديث جدا ولا وجه للالتزام به فالاستدلال بها مما
لا وجه له.
وبما أن الالتزام بظاهر الموثقة غير ممكن لأنها إنما تدل على جواز
وطي المستحاضة حال الاغتسال أو في الآن المتصل بغسلها ولا يمكن
الالتزام به - لأنه غير مراد قطعا فإن لازمه الحكم بعدم جواز وطي
المستحاضة بعد حال اغتسالها وهذا مما لا يمكن التفوه به ولا سيما في
المتوسطة التي اغتسلت قبل الفجر ولا يجب عليها إلا الغسل مرة واحدة.
لأن الموثقة مشتملة على حكم المتوسطة والكثيرة أيضا وكيف يمكن
الالتزام بعدم جواز وطي المستحاضة المتوسطة وإن اغتسلت قبل ذلك.
فلا مناص من حملها على محمل أقرب من حملها على ما بعد الاغتسال
وهو أن يقال: إن الرواية وردت ارشادا إلى أمر غير شرعي وأن
المراد بالجملة المذكورة هو ما قبل الاغتسال لئلا يجب على المرأة اغتسالان
بل يأتيها زوجها قبل غسلها حتى يكفيها غسل واحد، فالموثقة وردت
للارشاد إلى أن غسل الجنابة يغني عن غسل الاستحاضة وأن المرأة
يأتيها زوجها قبل اغتسالها حتى لا يتكرر الاغتسال في حقها.
وهذا وإن كان خلاف ظاهر الحديث إلا أنه أقرب المحامل، وعليه
لا معارض للأخبار (1) الدالة على جواز وطي المستحاضة وإن لم تغتسل

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب الاستحاضة.
177

لا سيما أن بعضها مشتمل على قوله (إذا شاء (1) فالاغتسال غير معتبر
في وطي المستحاضة.
أما الجهة الثانية والثالثة: فالأمر فيهما أيضا كذلك حيث لم يقم دليل
على حرمة قراءة العزائم أو الدخول في المسجدين أو المكث في المساجد
على المستحاضة حتى تغتسل وإنما دلت الأخبار (2) على حرمة تلكم الأمور
على الحائض وحسب فدعوى أن هذه الأمور يعتبر الاغتسال لها في حق
المستحاضة تحتاج إلى دليل.
نعم ذهب جماعة إلى حرمة تلك الأفعال على المستحاضة ما لم تغتسل
لصلاتها أو لتلك الأفعال وقد حكى شيخنا الأنصاري (قده) عن
المصابيح أنه قد تحقق أن مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة
العزائم على المستحاضة قبل الغسل، واستظهر من ذلك الاجماع على
توقف الأمور المذكورة على غسلها.
وفيه: أن دعواهم للاجماع في المسألة لم تثبت أولا.
وثانيا: إنه من الاجماع المنقول.
وثالثا: إنه ظاهر البطلان لو كان مراد صاحب المصابيح هو الاجماع
بل هو مقطوع الخلاف لذهاب جملة من الأصحاب كالشيخ والعلامة
والأردبيلي وصاحبي المدارك والذخيرة إلى الجواز وعدم توقفها على
الاغتسال ومعه كيف يمكن دعوى الاجماع في المسألة.
نعم: قد يقال إن الحرمة وتوقف الأفعال المذكورة على الاغتسال
مقتضى الاستصحاب فيما إذا كانت الاستحاضة مسبوقة بالحيض لحرمتها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 4.
(2) تقدم ذكر الأخبار في البحث عن أحكام الحائض.
178

على الحائض فتستصحب.
المناقشات في التمسك بالاستصحاب في المقام:
ولكن فيه وجوه من المناقشات وذلك:
أولا: لأنه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية وقد مر هنا
المناقشة في جريانه مرارا.
وثانيا: فلو أغمضنا عن ذلك فالاستصحاب لا يجري في خصوص
المقام لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة لأن الحيض والاستحاضة
متقابلان في الأخبار، والحرمة قد ثبتت في حق الحائض وبعد انقطاع
الحيض وارتفاعه ارتفعت الحرمة الثانية لأجله لا محالة والمستحاضة موضوع
ثان آخر نشك في حرمة تلك الأفعال في حقها بحيث لو قلنا فيها
بالحرمة لكانت حرمة مغايرة لتلك الحرمة الثابتة على الحائض.
ومما يؤيد ذلك أنا لم نر ولم نسمع من أحد بحكم بوجوب الكفارة
في وطي المستحاضة ولو مع القول بحرمته في حقها ما لم تغتسل مع أن
القائل بوجوب الكفارة في وطي الحائض موجود.
فهذا يدلنا على أن الحرمة - على تقدير القول بها في المستحاضة -
هي حرمة أخرى غير الحرمة الثابتة في حق الحائض، ومع عدم اتحاد
القضيتين لا مجرى للاستصحاب.
وثالثا: لو أغمضنا عن ذلك فمقتضى اطلاق الآية الكريمة والروايات
جواز وطي المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال وذلك لقوله تعالى
179

(ولا تقربوهن حتى يطهرن) (1) أو (يطهرن) بالتشديد فإن للغاية
مفهوما فتدل على عدم الحرمة بعد انقطاع الدم أو الاغتسال من الحيض.
وفي حالة الاستحاضة يجوز وطؤها بمقتضى الآية المباركة.
كما أن مقتضى الأخبار (2) ذلك بل بعضها عام وبدل على أن
المستحاضة يأتيها زوجها متى شاء (3).
ومن الظاهر أن مع وجود الاطلاق والدليل الاجتهادي لا مجال
للتمسك بالاستصحاب.
ورابعا: إن الاستصحاب لو جرى فإنما يختص بما إذا حدثت
الاستحاضة قبل غسل الحيض أو في أثنائه، وأما إذا حدثت بعد
الاغتسال من الحيض فمقتضى الاستصحاب جواز وطؤها لا حرمته وذلك
لأن الأزمنة ثلاثة:
أحدها: زمان القطع بالحرمة وهو ما قبل اغتسالها.
وثانيها: زمان القطع بالجواز وهو ما بعد اغتسالها.
وثالثها: زمان الشك في الحرمة وهو زمان حدوث الاستحاضة
ومع تخلل اليقين بالجواز بين اليقين بالحرمة والشك فيها لا مجال لاستصحاب
الحرمة بوجه. هذا
بل لو قلنا بجواز الوطي بعد الانقطاع وقبل الاغتسال يلزم في
استصحاب الحرمة أن تكون الاستحاضة متصلة بدم الحيض إذ مع الفصل
- كما إذا حدثت في زمن اغتسالها أو بعده - يتخلل زمان القطع بالجواز

(1) سورة البقرة الآية: 222.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب الاستحاضة.
(3) تقدم الكلام في هذه الرواية قريبا في الجهة الأولى فلاحظ.
180

بين زماني القطع بالحرمة والشك في الجواز، وهذا في الأحكام المترتبة
على انقطاع الدم كما في الوطي والطلاق دون ما يترتب على الغسل كدخول
المسجدين ونحو ذلك.
فالمتحصل: إنه لا وجه للقول يتوقف الأفعال المذكورة في حق
المستحاضة على الاغتسال لأنه محتاج إلى دليل ولا دليل عليه. هذا
وعن الوسيلة التفصيل بين الكعبة فلا يجوز للمستحاضة دخولها وبين
سائر المساجد حتى المسجدين فيجوز، إلا أنه مما لم نقف له على مستند
سوى مرسلة يونس بن يعقوب عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) قال:
(المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة) (1) وهي لضعفها
وارسالها لا يمكن الاعتماد عليها.
وهذا كله في غير الطواف والمس.
أما الطواف فمقتضى الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الطواف أو
استحبابه جوازه على المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال كما أن ذلك
مقتضى النصوص الخاصة الواردة في أن المستحاضة لها أن تطوف بالبيت
ومن جملتها خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال (ع):
(تقعد قرءها. وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها
ولتطف بالبيت) (2).
وقد ذكر صاحب الحدائق (قده) أنها صحيحة السند وهي تدل
على الملازمة بين استحلال الصلاة في حقها وجواز الوطي والطواف

(1) الوسائل: الجزء 9 باب 91 من أبواب الطواف ح 2.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 8.
181

وحينئذ لا بد من ملاحظة معنى الاستحلال وهل المراد به المشروعية
- أعني الحلية الشأنية والطبعية كما هو الظاهر - أو أن المراد به الحلية الفعلية؟
وعلى الأول: تدل على جواز الوطي والطواف من غير غسل لخلية
الصلاة ومشروعيتها في حق المستحاضة من غير حاجة إلى غسلها لأن
الغسل مما لا يتوقف عليه أمرها وتكليفها بالصلاة وإنما له مدخلية في
صحة صلاتها، وبعبارة أخرى الغسل ليس من شروط أمرها بالصلاة
وتكليفها بها وإنما هو شرط من شروط المأمور به - أعني الصلاة.
وعلى الثاني: تدل على عدم جواز وطئها وطوافها إلا بعد الغسل
لأن حلية الصلاة فعلا تتوقف على غسلها ولولا اغتسالها لم يصح صلاتها
والظاهر هو الأول لأنها بصدد بيان أن المستحاضة حكمها حكم
باقي المكلفين الذين يشرع في حقهم الصلاة وهي ممن من شأنه أن تصح
صلاتها، وليست بصدد بيان أن حكمها يتوقف على صحة صلاتها فعلا
وإلا فلصحتها وحليتها الفعلية شروط أخرى لا يحتمل دخلها في جواز
وطئها أو طوافها كدخول الوقت وطهارة ثوبها وبدنها.
مع أنه لا يحتمل أن يكون طوافها أو وطؤها مشروطا بدخول
الوقت أو طهارة الثوب والبدن وكذلك الوضوء الذي هو شرط في
صلاة المستحاضة - أي في بعض أقسامها - مع أنه غير معتبر في جواز
وطئها قطعا، فلا يكاد يشك في أن المراد بالحلية هو الحلية الشأنية وأنها
مأمورة بالصلاة لا الحلية الفعلية - أعني صحة صلاتها فعلا -.
182

ما هو الشرط لطواف المستحاضة:
بقي الكلام في أن الطواف يشترط فيه الطهارة وأن طهارة المستحاضة
في الطواف هل هي الوضوء فقط أو الغسل فقط أو الغسل والوضوء معا؟
ربما يستشعر من عبارة الماتن (قده) أن طهارتها هي الغسل للطواف
ولكن الصحيح أن المستحاضة يكفيها الوضوء للطواف ولا يعتبر الاغتسال
في حقها لأن الأخبار دلت على أن وظيفة المستحاضة هي الغسل مرة
واحدة أو ثلاث مرات فلا دليل على وجوب غسل آخر في حقها ولا
على مشروعيته.
بل إن مقتضى الأخبار الواردة في اشتراط الطواف بالوضوء (إلا
في الطواف المندوب) (1) عدم صحته ممن لا وضوء له، نعم علمنا
خارجا أن الجنب ونظيره من المكلفين بالاغتسال يكفيهم الغسل عن
الوضوء وأما المستحاضة فلم يدلنا دليل على أن غسلها الواحد أو أغسالها
كافية عن الوضوء لأن غاية ما تدل عليه الأخبار أن غسل المستحاضة
الواحد أو المكرر مما تستبيح به الصلاة في حقها وأما إنه كغيره من
الأغسال في الاغناء عن الوضوء فهو محتاج إلى دليل.
وعليه فمقتضى اطلاق ما دل على اشتراط الطواف بالوضوء لزوم
التوضي للمستحاضة إذا أرادت الطواف فحال الطواف حال الصلاة في
حقها فكما أنها تتوضأ لكل صلاة من غير الفرائض الخمسة فكذا تتوضأ
للطواف أيضا.

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 5 من أبواب الوضوء و ج 9 باب 38
من أبواب الطواف.
183

وأما المس فيتوقف على الوضوء والغسل ويكفيه الغسل
للصلاة (1) نعم إذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء
والغسل على الأحوط بل الأحوط ترك المس لها مطلقا.
ما هو الشرط للمس من المستحاضة:
(1) هذه هي الجهة الرابعة: من الكلام وحاصله أن المس قد يكون
واجبا وقد يكون مندوبا كما تعرضنا له في المستحاضة القليلة وأوضحنا
حكم الواجب وبقي حكم المندوب منه ويظهر إن شاء الله أن حكم المس
المندوب في الاستحاضة القليلة وغيرها على حد سواء:
أما المس الواجب كما إذا كان المصحف في مكان موجب لهتكه فيجب
مسه لرفعه عن ذلك المكان فمقتضى الأدلة التي دلت على اشتراط
المس بالطهارة - والعمدة فيه قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) (1)
بضميمة ما ورد (2) في تفسيرها لأنها بنفسها لا تدل على ذلك لأنه من
المحتمل بل الظاهر من (المطهرون) هو من طهرهم الله سبحانه كما
في قوله تعالى (ويطهركم تطهيرا) (3) والمراد بالمس فهم الكتاب

(1) سورة الواقعة: الآية 79.
(2) وهي موثقة إبراهيم بن عبد الحميد، الوسائل: الجزء 1 باب
12 من أبواب الوضوء ح 3.
(3) الأحزاب: الآية 33 و 53.
184

ودرك حقائقه دون المس الظاهري لكتابته إلا أن الرواية فسرتها بالمس
الظاهري، وأيضا دل عليه صحيحة أو موثقة أبي بصير قال: سألت
أبا عبد الله - ع - عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء - طهر -؟
قال: لا بأس ولا يمس الكتاب (1) عدم جواز المس للمستحاضة
وغيرها ممن لا طهارة له.
ومقتضى دليل وجوب المس وجوبها على المستحاضة، والجمع بينهما
يقتضي الحكم بوجوب الوضوء والمس على المستحاضة إذا لم يكن نقاء
المصحف في مدة التوضي مستلزما للهتك وإلا فتمسه من دون وضوء.
وأما المس المندوب فمقتضى أدلة اشتراط المس بالطهارة: عدم
جوازه على المستحاضة - كما عرفت - ولا دليل على كفاية وضوئها أو
غسلها في الطهارة بالإضافة إلى المس المستحب ومن هنا لا بد من أن
تتوضأ للصلاة الأخرى أو تغتسل لها كما في الكثيرة.
وأما الاجماع على أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة
فقد قدمنا ما فيه وذكرنا أن المراد به أنها بحكم الطاهرة بالإضافة إلى
صلاتها بمعنى أن الدم الخارج منها بعد الاتيان بوظائفها لا يكون حدثا
ناقضا لصلاتها وطهارتها في حال الصلاة وأما إنها بحكم الطاهرة بالإضافة
إلى كل فعل مشروط بالطهارة فهو محتاج إلى الدليل.
وغاية ما يمكن استفادته من الأخبار أن تلك الأفعال منها موجبة
لاستباحة الصلاة في حقها، وعليه فالمس المستحب في نفسه مورد
الاشكال في حقها.

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 12 من أبواب الوضوء ح 1. وليس
فيها كلمة (على غير طهر).
185

(مسألة 19): يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع
الوضوء والغسل وسائر الأعمال لكل صلاة، ويحتمل جواز
اكتفائها بالغسل للصلوات الأدائية لكنه مشكل (1) والأحوط
ترك القضاء إلى النقاء.
186

وبعبارة أخرى: إن صلاة المستحاضة اضطرارية من جهة عدم
طهارتها من الحدث والقضاء واجب موسع له أفراد اختيارية فكيف
تأتي بالفرد الاضطراري مع التمكن من الأفراد الاختيارية ولا سيما في
المستحاضة المبتلاة بنجاسة البدن غالبا وصلاتها اضطرارية من هذه الجهة
أيضا مع أنه لم يقم دليل على عدم مانعية دم الاستحاضة في قضائها
فلا بد من أن تصبر حتى ترتفع استحاضتها.
(الجهة الثانية): لو بنينا على مشروعية القضاء في حقها إلا أن
الوقت ضاق ولو لأجل اطمئنانها أو ظنها بالموت بعد ذلك بحيث
لا تتمكن من الصلاة الاختيارية بوجه فطهارتها لصلاة القضاء ما هي؟
احتمل الماتن وجهين في المسألة:
(أحدهما): أن تأتي بقضاء الفوائت مع الوظائف المقررة للمستحاضة
فكما أنها إذا اغتسلت وأتت بباقي وظائفها المتقدمة كتبديل القطنة
جازت الفرائض اليومية لها كذلك جاز لها قضاء ما فاتها من الصلوات
لأن الأغسال طهارة في حقها.
و (ثانيهما): أن تأتي بالقضاء بالوضوء والغسل مستقلين فكما أنها
تغتسل لفرائضها الأدائية كذلك تغتسل غسلا على حدة وتأتي به القضاء،
أما الاحتمال الأول فيدفعه أن غسلها للفرائض إنما يستباح به الصلاة
فحسب ولا يكون موجبا لطهارتها حتى يصح منها القضاء بل هي محدثة
مع اغتسالها ومن ثمة لا بد أن تتوضأ أو تغتسل للصلاة الثانية والثالثة.
ولا وجه لتوهم كون الغسل موجبا لطهارتها سوى الاجماع المتقدم
من أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها فهي بحكم الطاهرة إلا أنك عرفت
أن معناه أنها طاهرة بالإضافة إلى صلواتها الفرائض الأدائية وأن الدم
187

الخارج منها أثناء غسلها أو بعده أو أثناء صلاتها لا يكون ناقضا لصلاتها
لا أنها بحكم الطاهرة بالإضافة إلى كل فعل مشروط بالطهارة.
كيف وقد مر أنها مكلفة بالوضوء والاغتسال لصلواتها الثانية والثالثة
فهذا الوجه لا دليل عليه وبذلك يترجح الوجه الثاني وهو أن يقال.
أن الغسل كما أنه طهارة في حقها بالإضافة إلى صلواتها الأدائية
فهو طهارة بالإضافة إلى صلواتها القضائية أيضا لأنها فرائض غاية
الأمر أنها قضائية فتغتسل للقضاء وتقضي صلواتها، إلا أنه أيضا مما
لا يمكن المساعدة عليه لعدم قيام الدليل على أن الغسل طهارة في حق
المستحاضة وإنما دلت الأخبار على أن غسلها طهارة لفرائضها الأدائية
وحسب فلم يقم دليل على وجوب الغسل في حقها للقضاء.
بل مقتضى عموم موثقة سماعة وغيرها (تتوضأ لكل صلاة) (1)
أن طهارتها للصلاة إنما هي الوضوء فإن القضاء أيضا صلاة فتتوضأ لها
ويأتي بالقضاء، ومن هنا قلنا أنها تأتي بالنوافل مع الوضوء لكل نافلة.
وأما من جهة نجاسة بدنها من تقليلها بالمقدار الممكن وهذا
لا فرق فيه بين المستحاضة وغيرها ومن هنا يظهر الحال في حكم المسألة
الآتية أيضا.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
188

(مسألة 20): المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات (1)
وتفعل لها كما تفعل لليومية (2) ولا تجمع بينهما بغسل وإن
اتفقت في وقتها.
(مسألة 21): إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل
لا يضر بغسلها على الأقوى (3) لكن يجب عليها الوضوء
بعده وإن توضأت قبله.

(1) الوسائل: الجزء 5 باب 1 و 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 6.
189

كانا موجبين لطهارتها بالإضافة إلى صلاتها وهما يرفعان حدثها للصلاة
إلا أنه لا يحتمل أن يكون وضوئها السابق على اغتسالها - على تقدير
كونها تتوضأ قبله - موجبا لارتفاع حدثها الأصغر الواقع بعده في أثناء
غسلها إذ الوضوء أنها يرفع الأثر الحادث قبله لا بعده ولذا ورد (إذا
بلت فتوضأ) (1).
فلا بد من أن ترفعه بالوضوء بعد اغتسالها ولم يقم دليل على كون
الحدث الأصغر ناقضا لغسلها، فيتم غسلها في مفروض الكلام وتأتي
بالوضوء بعده من جهة البول الواقع في أثناء غسلها.
ولا ينافي ما ذكرناه في المقام من أن الحدث الأصغر الواقع في
أثناء غسل الاستحاضة غير ناقض له لما قدمناه في غسل الجنابة من أن
الجنب لو أحدث بالأصغر في أثنائه بطل غسله ولا بد من استئنافه وذلك
لقيام الدليل على انتقاض غسل الجنابة بالحدث الأصغر في أثنائه بخلاف
غسل الاستحاضة، والدليل كما أسلفناه قوله تعالى (وإن قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وإن كنتم جنبا فاطهروا) (2).
لأنه يدل على أن المحدث على قسمين: جنب وغير جنب فإن كان
جنبا وجب عليه أن يغتسل وإن كان غير جنب وجب عليه أن يتوضأ
فكل محدث ليس جنبا يجب عليه أن يتوضأ وقد خرجنا عنه في غسل
مس الميت والحيض والاستحاضة ونحوها بالدليل الذي دل على أنهم
لا بد أن يغتسلوا.

(1) مضمون هذه الجملة موجودة في الوسائل: الجزء 1 باب 2
من أبواب نواقض الوضوء، وغيرها من الموارد.
(2) سورة المائدة: الآية 6.
190

(مسألة 22): إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مست
ميتا استأنفت غسلا واحدا لهما ويجوز لها اتمام غسلها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة.
191

بعد غسل الاستحاضة (1) وإذا حدثت الكبرى في أثناء
غسل المتوسطة استأنفت للكبرى (2).
192

(مسألة): قد يجب على صاحبة الكثيرة بل
المتوسطة أيضا خمسة أغسال (1) كما إذا رأت أحد الدمين
قبل صلاة الفجر ثم انقطع ثم رأته قبل صلاة الظهر ثم
انقطع ثم رأته عند العصر ثم انقطع، وهكذا بالنسبة إلى
المغرب والعشاء.
193

صلواتها - يجب عليها أغسال خمسة لأن ذلك مختص بالكثيرة وكلامه
في المقام أعم منها ومن المتوسطة - كما أوضحه في المتن - بأن رأت أحد
الدمين من المتوسط أو الكثير قبل الفجر واغتسلت له وصلت ثم انقطع
وعاد ثانيا قبل صلاة الظهر واغتسلت له وصلت الظهر ثم انقطع وعاد
قبل صلاة العصر وهكذا في المغرب والعشاء.
وليعلم أن انقطاع الدم قد يفرض بعد الصلاة وقبل خروج الوقت
في زمان يسع الصلاة مع الطهارة وفي هذه الصورة لا اشكال في أنها
يجب أن تعيد صلاتها وغسلها كما تقدم في حكم الفترة الواسعة.
إلا أنه خارج عن محل الكلام لأنه ليس من باب وجوب الأغسال خمس
مرات بل من جهة انكشاف بطلان غسلها وصلاتها السابقين لكشف
الانقطاع عن عدم كونهما مأمورا بهما وكونها مصلية عن طهر لأن ما أتت
به كان صلاة اضطرارية ومع التمكن من الفرد الاختياري لا أمر
بالاضطراري.
بلا فرق في ذلك بين المتوسطة والكثيرة وبين أن تغتسل غسلا
واحدا أو غسلين وصلت صلاة واحدة أو صلاتين كما في الظهرين
والعشائين فهذه الصورة خارجة عن محل الكلام.
فالمراد بالانقطاع - في كلام الماتن - لا بد أن يراد انقطاع الدم
في الوقت مع عدم كون الزمان واسعا للصلاة مع الطهارة كما إذا رأت
الدم قبل صلاة الفجر واغتسلت وصلت فانقطع قبيل طلوع الشمس
بزمان لا يسع الصلاة والطهارة معا ثم عاد قبل صلاة الظهر واغتسلت
وصلت فانقطع قبل خروج وقتها بزمان غير واسع وهكذا في العصر
والمغرب والعشاء.
194

أو يراد به الانقطاع بعد الوقت كما إذا رأته قبل صلاة الفجر
واغتسلت وصلت وبعد طلوع الشمس انقطع ثم عاد قبل صلاة الظهر
وانقطع بعد خروج وقتها وهكذا.
وإما أن يراد به الانقطاع قبل العمل كما إذا رأته قبل الفجر على
صفة التوسط أو الكثرة وانقطع قبل صلاة الفجر وهكذا في الظهر
وغيره حيث يجب عليها في تلك الفروض خمسة أغسال للانحلال فإن كل
دم تراه فينقطع موضوع مستقل يجب معه الغسل. هذا.
ولكن لا يمكن المساعدة عليه وذلك.
(أما أولا) فلاطلاق ما دل على وجوب غسل واحد للاستحاضة
المتوسطة لأول صلاة بعده ليومها وليلتها، وثلاثة أغسال للكثيرة على
تقدير جمعها بين الصلوات فإنه مطلق من حيث انقطاع الدم واستمراره.
وأما ثانيا: فلأن انقطاع دم الاستحاضة لا يمكن أن يكون أشد
حكما من استمراره حسب المرتكز العرفي بمعنى إن كون الانقطاع موجبا
للغسل دون الاستمرار على خلاف المرتكز العرفي فكيف يمكن أن يقال:
إن دم الاستحاضة المتوسطة لو استمر في جريانه فلا يجب إلا غسل
واحد وأما إذا انقطع ثم عاد فيجب خمسة أغسال أو أنه إذا استمر في
الكثيرة يجب ثلاثة أغسال مع الجمع بين الصلوات وأما مع الانقطاع
فيجب خمسة أغسال لأنه خلاف المرتكز العرفي.
على أنا ذكرنا أن استمرار دم الاستحاضة بحيث لا ينقطع ولو دقيقة
قليل جدا أو لا يتفق أصلا فإن الانقطاع أمر عادي للنساء ولا يجري
منهن الدم دائما، ومع ذلك لم تؤمر المستحاضة إلا بغسل واحد أو
بثلاثة فلو كان الانقطاع موجبا للغسل لكان اللازم وجوب الغسل على
195

ويقوم التيمم مقامه إذا لم تتمكن منه (1) ففي الفرض
المزبور عليها خمسة تيممات وإن لم تتمكن من الوضوء أيضا
فعشرة، كما أن في غير هذه إذا كانت وظيفتها التيمم ففي
القليلة خمسة تيممات وفي المتوسطة ستة وفي الكثيرة ثمانية
إذا جمعت بين الصلاتين وإلا فعشرة.
المستحاضة متعددا بعدد الانقطاع، فما أفاده الماتن (قده) من وجوب
خمسة أغسال مبني على الاحتياط ولا دليل عليه.
بدلية التيمم عن طهارتها المائية:
(1) لدليل بدلية التيمم عن الغسل والوضوء وعليه ففي القليلة لو
لم تتمكن من الوضوء يجب عليها التيمم بدلا عنه لكل صلاة، وفي
المتوسطة يجب عليها التيمم مرة بدلا عن غسلها وتتوضأ لكل صلاة
إن تمكنت وإلا تيممت لكل صلاة بدلا عن وضوئها فيكون الواجب
في حقها مع العجز عن الغسل والوضوء ستة تيممات.
وفي الكثيرة تجب ثلاثة تيممات بدلا عن ثلاثة أغسال على تقدير
جمعها بين الصلوات كما تجب خمسة تيممات على تقدير التفريق بينها.
هذا فيما إذا لم نوجب عليها الوضوء لكل صلاة نظرا إلى عدم تعرضهم
له في الأخبار وهي في مقام البيان ومع سكوتها عن وجوب الوضوء
عليها نستكشف عدم وجوبه في حقها - وكانت متطهرة.
196

وأما إذا قلنا بوجوب الوضوء في حقها لكل صلاة أو أنها أحدثت
بالصغرى بأن نامت أو بالت فيجب عليها خمسة تيممات أخرى بدلا
عن خمسة وضوءات.
ولا ينافيه ما بنينا عليه من أن كل غسل - ومنه غسل الاستحاضة
الكثيرة - يغني عن الوضوء بحيث لو كانت الكثيرة متمكنة من الغسل لم
يجب عليها إلا خمسة أغسال على تقدير التفريق من غير حاجة إلى خمسة
وضوءات أو تيممات والتيمم بدل عن ذلك الغسل فلماذا تجب عليها
خمسة تيممات أخرى بدلا عن الوضوء.
والوجه في عدم التنافي: إن أدلة (1) البدلية دلت على أن التيمم
أو التراب طهور ويكفيك عشر سنين ومعناه أنه بدل عن الغسل في
الطهارة وحسب وأما إذا كان الغسل أثر آخر غير الطهارة كالاغناء عن
الوضوء فلا دليل على كون التيمم قائما مقامه في ذلك الأثر فيجب
على المستحاضة عشرة تيممات خمسة بدلا عن الوضوءات الخمسة وخمسة
أخرى بدل عن الأغسال الخمسة في فرض تفريقها بين الصلوات أو
على تقدير صحة ما أفاده الماتن (قده) في فروض المتن من وجوب
خمسة أغسال هذا تمام الكلام في الاستحاضة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 23 و 24 من أبواب التيمم.
197

(فصل في النفاس)
وهو دم يخرج مع ظهور أول جزء من الولد أو بعده

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 2 من أبواب النفاس.
198

مترتبة على الدم ولا أثر للولادة المجردة عن الدم وإن قيل إنها اتفقت
في زمان النبي صلى الله عليه وآله وأن امرأة ولدت من غير دم، نعم لها أثر آخر
أجنبي عن المقام وهو انقضاء العدة بتحققها وإن لم يكن معها دم.
وأما الجهة الثانية: أعني الدم الخارج قبل الولادة إذا كان واجدا
للصفات فقد يتخلل بينه وبين الولادة والنفاس أقل الطهر وهو عشرة
أيام فهو محكوم بالحيضية بقاعدة الامكان القياسي لما تقدم من امكان
الحيض في الحامل وأنها قد ترى الحيض، وهذا لا كلام فيه. إنما
الكلام فيما إذا لم يتخلل أقل الطهر بين الدم والولادة فهل يحكم بحيضيته
أم لا يحكم؟
قد يقال: إنه ليس بحيض لاعتبار تخلل أقل الطهر بينه وبين النفاس
ويستدل عليه بوجوه:
(منها): اطلاق كلماتهم والنصوص (1) من أن الطهر لا يكون
أقل من عشرة أيام فإذا لم يتحقق أقله بين الحيض والنفاس فإما أن
لا يكون الثاني نفاسا أو لا يكون الأول حيضا وحيث إن الثاني نفاس
بالوجدان لخروجه بالولادة أو بعدها فيستكشف أن الأول ليس بحيض.
و (منها): أن النفاس حيض محتبس كما يستفاد من الأخبار (2)
فحكمه حكمه فكما يعتبر تخلل أقل الطهر بين الحيضتين يعتبر أقله بين
النفاس والحيض.
و (منها): صحيحة عبد الله بن المغيرة (3) الدالة على أن النفساء.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 11 من أبواب الحيض.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 13 و 14.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 5 من أبواب النفاس ح 1.
199

إذا رأت الدم بعد ثلاثين يوما من نفاسها حكم بكونه حيضا معللة بأن
أيام عادتها وطهرها قد انقضت فكما يعتبر في حيضية الدم المتأخر عن
الولادة أن يتخلل بينه وبين النفاس أقل الطهر بمقتضى الصحيحة كذلك
يعتبر تخلله بينهما في الدم السابق على الولادة لعدم القول بالفصل.
و (منها): النصوص الواردة في المقام - وعمدتها - موثقة عمار
المروية عن الصادق (ع) في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يومين فترى
الصفرة أو دما قال: (تصلي ما لم تلد فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة
لم تقدر أن تصليها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر (1).
حيث دلت على أن الدم المرئي قبل الولادة ليس بحيض مع كونه
واجدا للصفات لقوله (دما أو صفرة) ولا تسقط بسببه الصلاة
عن المرأة.
هذا ولكن شيئا من تلك الأدلة لا تتم:
أما اطلاق النصوص وكلمات الأصحاب فهي وإن كانت كما ادعيت
إلا أن أقل الطهر الذي هو عشرة أيام إنما يعتبر بين حيضتين لا بين
حيض ونفاس أو بين نفاسين كما يتفق في التوأمين فتلد أحدهما في يوم
وبعد أيام تلد الثاني من غير تخلل أقل الطهر بينهما، ولم يقم دليل
على اعتبار أقل الطهر بين مطلق الحدثين.
وأما دعوى أن الحيض والنفاس واحد لأن النفاس حيض محتبس
ففيه أن بعض الأخبار وإن دلت على أن الله سبحانه يحبس الدم في رحم
المرأة رزقا للولد إلا أنه لا دلالة في شئ من الأخبار على أن أحكام
الحيض مترتبة على النفاس - ومنها اعتبار تخلل أقل الطهر بين النفاسين

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس ح 1 و 3.
200

بل بين الحيض والنفاس - لأنها موضوعان متغايران لدى العرف
والمتشرعة ولكل منهما أحكام خاصة لا يقاس أحدهما بالآخر.
وأما صحيحة ابن المغيرة فهي وإن دلت على اعتبار التخلل بأقل
الطهر بين النفاس والدم المتأخر عنه ونلتزم به في المتأخر لدلالة الدليل
إلا أنها لا تدل على اعتبار ذلك في الدم المتقدم على الولادة واسراء
حكم المتأخر إلى المتقدم قياس ولم يقم اجماع على اتحادهما فدعوى عدم
القول بالفصل ساقطة جزما.
وأما النصوص التي عمدتها موثقة عمار فهي أخص من المدعي
لاختصاصها بأيام الطلق - أي أيام أخذ الوجع بالمرأة للولادة - وقد
دلت على أن الدم المرئي في تلك الأيام ليس بحيض والقرينة قائمة على
أن الدم حينئذ مقدمة للولادة وليس حيضا وأين هذا من محل الكلام
وهو الدم المرئي قبل طلقها وقبل تخلل أقل الطهر بينه وبين النفاس.
فعلى ذلك: نفصل في الدم المرئي قبل الولادة بين أيام الطلق وغيرها
ونحكم بعدم الحيضية في أيام الطلق للنصوص ونحكم بالحيضية في غيرها
لقاعدة الامكان القياسي.
ثم إنه أولى بالحكم بالحيضية ما إذا رأت الدم في أيام عادتها ثم
انقطع ثم نفست فإنه محكوم بالحيضية وإن لم يكن واجدا للصفات لما
دل (1) على أن ما تراه المرأة من الدم في أيام عادتها فهو حيض.
وأولى من ذلك ما إذا كان مجموع الدم المرئي قبل النفاس والنقاء
بعده والدم في النفاس غير زائد على العشرة كما إذا رأت الدم ثلاثة
أيام بصفة الحيض ثم انقطع يوما ثم ولدت ونفست خمسة أيام وذلك

(1) الوسائل: الجزء: 2 باب 4 من أبواب الحيض.
201

لأنه دم واحد والنقاء المتخلل بينه أيضا بحكم الحيض حتى بناءا على
اعتبار تخلل أقل الطهر بين الحيض والنفاس لاختصاص ذلك بصورة
تعدد الدمين.
وأما الدم الواحد كمثالنا فلا يعتبر فيه ذلك بل النقاء في أثنائه
بحكم الحيض كما مر.
وأما الجهة الثالثة: أعني الدم الخارج بعد الولادة فلا شبهة في
أنه دم النفاس وهو القدر المتيقن منه فيترتب عليه أحكامه وهذا مما
لا كلام فيه، وإنما الكلام فيما إذا تأخر الدم عن الولادة بأن انقطع
ثم عاد فهل يحكم بكونه نفاسا أو لا يحكم؟
المعروف أن الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة نفاس فيما إذا خرج
فيما بين الولادة وعشرة أيام وأما بعد العشرة فهو ليس بنفاس وإنما
هو حيض إذا كان واجدا للصفات، وهذا لا دليل عليه.
والظاهر أن منشأ حكمهم هذا هو ما دل (1) على أن أكثر النفاس
عشرة أيام وبذلك حكموا على الدم المرئي بعد العشرة من الولادة بأنه
ليس نفاسا لأن أكثره عشرة أيام وهو مبني على احتساب العشرة من
زمن الولادة.
ولا يمكن المساعدة عليه لأن احتساب أكثر النفاس الذي هو عشرة
أيام على المشهور أو ثمانية عشر كما قيل، إنما هو من زمان رؤية الدم
لا الولادة إذا النفاس اسم للدم دون الولادة.
فإذا رأت الدم بعد الولادة بيوم أو نصف يوم فإن الدم المرئي
حينئذ دم نفاس فتحسب العشرة من ذلك الوقت فتتم العشرة بعد

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس.
202

إحدى عشر يوما من للولادة والدم الذي رأته في اليوم العاشر من الولادة
دم قبيل العشرة.
وعلى هذا لا فرق بين الدم المرئي بعد العشرة من الولادة وقبلها
لأنه إن علم أنه مستند إلى النفاس فهو نفاس في كلتا الصورتين وإن
كانت نفاسية الدم بعد العشرة بعيدا لبعد انقطاع النفاس وعوده إلى أكثر
من عشرة أيام.
وإذا لم يعلم استناده إلى النفاس أو شك في كونه منه حكم بعدم
كونه نفاسا في كلتا الصورتين لأنهما بعد العشرة من رؤية الدم فلا عبرة
بكون الدم قبل العشرة أو بعدها بل المدار على كون الدم مستندا
إلى النفاس.
وأما الجهة الرابعة: والدم الخارج في أثناء الولادة لأنها قد تطول
بأن يخرج رأس الولد ولا يخرج بدنه إلى ساعة أو يوم أو أقل أو
أكثر ويخرج الدم في تلك المدة فهل هو من النفاس أو أنه مختص بالخارج
بعد الولادة؟
المشهور عدم الفرق بين الخارج في أثناء الولادة وبعدها، وهذا
هو الصحيح لما ورد في موثقة عمار المتقدمة من قوله - ع - (تصلي
ما لم تلد) (1) لأنه بمعني (ما لم تأخذ بالولادة) لا (ما لم تفرغ
منها) لأنها بعد ما أخذت بالولادة يصدق أنها ولدت ولكنه لم يتم
هذا هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع لأنها مقتضى إرادة ذلك
منه لأن قوله (ما لم تلد) بيان لحكم الدم الذي تراه بعد الولادة.
فهو في مقابل الدم الذي تراه قبلها، والمقابل له هو الدم الذي تراه

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس، ح 1، 3.
203

سواء كان تام الخلقة أو لا كالسقط وإن لم تلج فيه الروح (1)
المرأة بعد الأخذ بالولادة وبعد اتمامها لا خصوص ما بعد اتمامها فالرواية
بمناسبة الحكم والموضوع ظاهرة في إرادة الأخذ بالولادة.
وعلى الجملة: إن الرواية جعلت الدم على قسمين: أعني الدم الخارج
قبل الولادة والدم الخارج بعد الولادة، والثاني - في مقابل الأول -
يعم الدم الخارج في أثناء الولادة وما يخرج بعدها.
وما في كلمات بعضهم من أن النفاس هو الخارج عقيب الولادة
لا يراد منه الدم الخارج بعد تمامية الولادة بل يحمل على إرادة الخارج
عقيب الأخذ بالولادة وإن لم تتم، إذ معه يصدق أن المرأة ولدت
ولكنه لم تتم الولادة.
قد دلت على ذلك صريحا موثقة السكوني (1) ورواية زريق (2)
إلا أنها لضعفها سندا غير قابلة للاستدلال بها في المقام، نعم نجعلها
مؤيدة للمدعي.
يبقى الكلام في الولادة الموجبة للنفاس وأنه هل يعتبر فيها خروج
الولد تاما أو لا يعتبر؟
ما هي الولادة الموجبة للنفاس؟
(1) وذلك لأن الموضوع للأحكام إنما هو النفاس أو النفساء أو

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس، ح 2
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 30 من أبواب الحيض، ح 17
وهي ضعيفة بزريق بن العباس الخلقاني.
204

بل ولو كان مضغة أو علقة (1) بشرط العلم
بكونها مبدأ نشوء الانسان ولو شهدت أربع قوابل بكونها مبدء
نشوء انسان كفي. ولو شك في الولادة أو في كون
الساقط مبدأ نشوء الانسان لم يحكم بالنفاس ولا يلزم
الفحص أيضا.
الولادة كما في موثقة عمار (1) المتقدمة وهي صادقة على المرأة عندما
كان الولد ناقص الخلقة وميتا لصدق أنها ولدت ولدا ميتا أو ناقص
الخلقة وبه تترتب أحكام النفساء عليها.
(1) وفيه: أن الموضوع للأحكام - كما مر - هو النفاس أو النفساء
أو الولادة والأولان مترتبان على صدق الولادة لأن النفاس اسم للدم
الخارج عند الولادة ولا تصدق الولادة على اسقاط المضغة والعلقة ولا
يقال إنها ولدت -
نعم يصح أن يقال: إنها أسقطت أو وضعت حملها ومن هنا
يترتب عليه الحكم بانقضاء العدة عنها لترتبها على وضع الحمل، إلا
إنهما ليسا موضوعا للأحكام.
وأما ما عن شيخنا المحقق الهمداني (قده) من أن الموضوع هو
وضع الحمل فهو مما لا دليل عليه لعدم وروده في شئ من الأخبار
وإنما الوارد فيها النفاس والنفساء والولادة، وهو أعرف بما أفاده (قده)
نعم حكي عن العلامة (قده) الاجماع على الحاقهما بالولادة وترتب

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس، ح 1، 3.
205

وأما الدم الخارج قبل ظهور أو جزء من الولد فليس
بنفاس. نعم لو كان فيه شرائط الحيض كأن يكون
مستمرا من ثلاثة أيام فهو حيض وإن لم يفصل بينه وبين
دم النفاس أقل الطهر على الأقوى خصوصا إذا كان في
عادة الحيض أو متصلا بالنفاس ولم يزد مجموعهما عن عشرة
أيام كأن ترى قبل الولادة ثلاثة أيام وبعدها سبعة مثلا،
لكن الأحوط مع عدم الفصل بأقل الطهر مراعاة الاحتياط
خصوصا في غير الصورتين من كونه في العادة أو متصلا
بدم النفاس
أحكام النفاس باسقاطهما، وهو لو تم فهو وإلا فالمناقشة في الحكم بالنفاس
باسقاطهما مجال واسع لعدم صدق الولادة عليه وتحقق الاجماع بعيد.
ثم لو قلنا بثبوت الحكم عند اسقاط العلقة - التي هي الدم المتكون
بعد أربعين يوما من استقرار النطفة في الرحم كما قيل - فضلا عن
المضغة - التي هي قطعة لحم تتكون بعد مضي أربعين يوما على صيرورتها
علقة - لا بد من التعدي إلى اسقاط النطفة أيضا لصدق وضع الحمل
باسقاطها كما يصدق بحملها أن المرأة حامل.
نعم يشترط في ذلك استمرار النطفة في الرحم وإلا فكل مني
هو مبدء نشوء آدمي، فالمدار في صدق الحامل على المرأة هو أن
يكون بعد استقرار المني في رحم المرأة فبمجرد دخول النطفة فيه
لا يصيرها حاملا.
206

(مسألة 1): ليس لأقل النفاس حد بل يمكن
أن يكون مقدار لحظة بين العشرة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 2 و 3 من أبواب النفاس.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب النفاس ح 51 والرواية
من جهة مفضل بن صالح ضعيفة وأما أحمد بن عبدوس فهو واقع في
اسناد كامل الزيارات.
207

ولو لم تر دما فليس لها نفاس أصلا، وكذا لو رأته بعد
العشرة من الولادة (1) وأكثره عشرة أيام (2)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس.
208

استحاضة كما في الحيض، وهذان للأخبار (1) الدالة على أن النفساء
كالحائض في جميع تلك الأحكام والرجوع إلى العادة وغيرها مما ذكرناه
في المقام.
والكلام فيما إذا زاد نفاسها عن عادتها ولم يتجاوز العشرة فهل يكون
المجموع نفاسا أو ترجع إلى عادتها والزائد استحاضة كما إذا تجاوز الدم
عن العشرة؟
قد يقال بالثاني لكن المعروف هو الأول - وأن المجموع نفاس -
وهذا هو الصحيح.
ويدل عليه ما ورد (2) في الاستظهار من أن ذات العادة إذا تجاوز
دمها عادتها فهي تستظهر بيوم أو يومين أو بثلاثة أيام أو بعشرة - أي
إلى عشرة أيام - فهذه كالصريح في أن الدم إلى العشرة نفاس لأن معنى
الاستظهار تركها الصلاة إلى أن يظهر أن الدم الخارج يتجاوز العشرة
حتى ترجع إلى عادتها وتجعل الزائد استحاضة وتقضي ما فاتتها من
الصلوات، وإذا لم يتجاوز العشرة فلا فلو لم يكن الدم نفاسا إلى العشرة
لم يبق للاستظهار معنى صحيح، هذا كله في ذات العادة.
وأما غير ذات العادة: فإن رأت الدم ولم يتجاوز العشرة فمجموعه
نفاس لأنها كالحائض كما مر، وأما إذا تجاوز عنها فهل يحكم بكونه
نفاسا - وهو يبتني على أن أكثر النفاس عشرة أيام أو أن أكثره ثمانية

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5 وباب
39 من أبواب النفاس.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5 وباب
3 من أبواب النفاس، ح 2 و 3 و 4 و 5 و 11.
209

عشر يوما، وفيه خلاف ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة
في ذلك.
ففي جملة (1) منها أن النفساء تكف عن الصلاة وتقعد ثمانية عشر يوما
أو سبعة عشر يوما أو سبع عشرة ليلة مستشهدا في بعضها بما حكم به
النبي صلى الله عليه وآله في قضية أسماء بنت عميس حيث أمرها النبي صلى الله عليه وآله
بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية عشر يوما.
وهذه الأخبار حملت على غير ذات العادة جمعا بينها وبين الأخبار (2)
الواردة في أن النفساء تقعد أيام عادتها وتجعل الزائد عن العشرة
استحاضة - كما في الحيض - لأنها تخصص الأخبار المتقدمة بغير ذات
العادة لا محالة.
فينتج الجمع بينهما أن ذات العادة أكثر نفاسها عشرة أيام كما أن
أكثر الحيض عشرة وغير ذات العادة ثمانية عشر يوما إذ لم يرد في
غير ذات العادة رواية - ولو ضعيفة - على خلاف الأخبار الدالة على
أن أكثر النفاس ثمانية عشر يوما كما ورد في ذات العادة إلا مرسلة
المفيد (قده): روي أنها تقعد ثمانية عشر يوما (2).
وقد ذكر المحقق الهمداني (قده) أن الرواية التي اعتمد عليها
مثل الشيخ المفيد لا تقصر عن الروايات التي اعتمد عليها مثل ابن
أبي عمير فإذا تعارض الأخبار الدالة على أن أكثر النفاس ثمانية عشر

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 6 و 15
و 19 و 23 و 24 و 12 و 14.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب المتقدم.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 26.
210

يوما. إلا أنا لا نرى وجها لاعتبار هذه المرسلة لأنها كبقية المراسيل
لا يمكن الاعتماد عليها إذ لم يعلم أن المفيد يروي عن أي شخص.
والمظنون بل المطمأن به أنه فتوى المفيد واجتهاد منه (قده)
استنبطه من الأخبار ومعه كيف تعارض الأخبار المتقدمة. هذا.
ولكن الصحيح أن أكثر النفاس عشرة أيام مطلقا بلا فرق بين
ذات العادة وغيرها.
ويدل عليه الأخبار (1) الواردة في الاستظهار حيث دلت على أن
النفساء تستظهر بيوم أو يومين أو العشرة - أي إلى عشرة أيام - وهذا
لا بمعنى الاستظهار عشرة أيام بعد النقاء لأنه مما لم يقل به أحد ولا
هو محتمل في نفسه بل المراد عشرة أيام من أول رؤية الدم.
والوجه في دلالتها على أن أكثر النفاس عشرة أيام: أن الاستظهار
بمعنى طلب الحال والاحتياط مع الاحتمال فتدل الأخبار على أن النفاس
لا يحتمل في الزائد عن العشرة وإلا لأمرها (ع) بالاستظهار بأكثر
من العشرة وكان الأمر به إلى العشرة لغوا لاحتمال النفاس في الزائد
عليها، ومن هنا يستكشف أن أكثر النفاس عشرة أيام.
وهذه الأخبار وإن كانت واردة في ذات العادة إلا أن مقتضى للفهم
العرفي أنه من باب تطبيق الكلي على الفرد لا تطبيق الحكم على مورده
كما يدل على ذلك الشهرة الفتوائية أيضا على ما استدللنا به في جملة
من الموارد.
منها: الإقامة حيث إن الأخبار الواردة فيها غير قاصرة الدلالة

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 2، 3،
4، 5، 11 وباب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 5.
211

على الوجوب إلا أنا رفعنا اليد عن الوجوب لشهرة استحبابها إذ لو
كانت الإقامة واجبة كيف أمكن خفاؤها على الأصحاب بل لانتشر
وذاع - وكذلك نقول في المقام لأن الصلاة مما تبتلي به مرات في اليوم
فلو كانت محرمة على النفساء زائدا على عشرة أيام لم يكن ذلك خفيا على
أصحاب الأئمة والعلماء ولم يكن انتهاؤها إلى عشرة أيام مشهورا عندهم.
والشهرة الفتوائية وإن لم تكن حجة في نفسها إلا أن كون المسألة
عامة البلوى متسالما عليها يدلنا على أن أكثر النفاس عشرة أيام لذا لو
كان أكثره زائدا عليها لم يكن يخفى على الأصحاب، هذا.
ثم إن القول بأن أكثره عشرة أيام هو الموافق للأصل الجاري في
المقام لو لم يقم على خلافه دليل وذلك لأن مقتضى العمومات والاطلاقات
وجوب الصلاة والصيام وجواز وطي الزوج زوجته متى شاء وقد خرجنا
عنهما في النفساء بمقتضى الأدلة الدالة على عدم وجوبهما في حقها وعدم
جواز وطيها، إلا أن الأمر في المخصص مردد بين الأقل والأكثر،
ومقتضى القاعدة حينئذ أن يؤخذ بالمقدار المتيقن وهو الأقل ويرجع في
المقدار الزائد إلى العموم والاطلاقات.
والأقل في المقام هو عشرة أيام لأنه القدر المتيقن الذي يلتزم به
جميع المسلمين الخاصة - منهم والعامة إذ العامة يذهبون إلى أن النفاس
يمتد إلى أربعين يوما وعن الشافعية والمالكية امتداده إلى ستين يوما وعن
بعضهم امتداده إلى مدة رؤية الدم - على ما في التذكرة - فعليه يتحد
الحيض والنفاس في طرف الكثرة وهو عشرة أيام.
212

سرد الأخبار المحددة بثمانية عشر يوما:
وأما القول بأن أكثر النفاس ثمانية عشر يوما فقد نسب إلى السيد
المرتضى وجماعة واستدل عليه بالأخبار (1) المتضمنة لقصة أسماء بنت
عميس وأن النبي صلى الله عليه وآله أمرها بالصلاة والصيام والطواف بعد ثمانية
عشر يوما.
إلا أن هذه الأخبار في نفسها قاصرة الدلالة على المدعى لأنها تدل
على أن للنفاس لا يزيد على ثمانية عشر يوما وإلا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وآله
بالعبادة بعدها وأما أن أكثر النفاس ثمانية عشر يوما فلا تدل عليه
لاحتمال أنها لو سألت النبي صلى الله عليه وآله بعد خمسة عشر يوما أو أقل أو
أكثر أيضا أمرها النبي صلى الله عليه وآله بالعبادة فمجرد أمر النبي صلى الله عليه وآله
ذلك بعد ثمانية عشر يوما لا دلالة له على أن أكثر النفاس ذلك.
ويؤيد ذلك مرفوعة (2) إبراهيم بن هاشم حيث دلت على أن
أمره صلى الله عليه وآله أسماء بنت عميس بالعبادة بعد ثمانية عشر يوما لم يكن
للتحديد وإنما هو قضية في واقعة فلو سألته قبل ذلك لأمرها بذلك أيضا.
إلا أنها ضعيفة السند لا تصلح إلا للتأييد وقد تقدم أن الرواية في
نفسها قاصرة الدلالة - كانت هناك مرفوعة أم لم تكن.
ونحوها ما رواه (3) العياشي الجوهري الذي اسمه أحمد بن محمد

(1) تقدم ذكرها في أوائل المسألة.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 7.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 11.
213

ابن عبيد الله في كتاب المسائل لأنها دلت على أن الأخبار المتضمنة لقصة
بنت عميس ليست واردة للتحديد إلا أنها أيضا ضعيفة السند وذلك
لعدم توثيق الجوهري.
لأن الشيخ ذكره من دون أن يذكر في حقه مدحا ولا قدحا،
وتعرض له النجاشي وقال: إن شيوخنا قد ضعفوه وقال: إنه اضطرب
في أمره وقد أدركته في أواخر عمره وكان صديقا لي، ثم ذكر في
آخر كلامه: رحمه الله وسامحه (1).
وهل المراد أنه اضطرب في دينه أو في حديثه؟ العبارة ساكتة عنه.
وذكر الشيخ (قده) إنه اختل، وهل اختل في عقله أو في دينه؟
وهو أمر غير معلوم.
ولا دلالة في ترحم النجاشي على حسنه لو لم يدل (سامحه) على
قدحه لأن ظاهره أنه ارتكب بعض الأفعال فيدعو الله سبحانه له ليسامحه
في تلك الأفعال إذن فالرواية ضعيفة لا تصلح إلا للتأييد.
إلا أن تلك الروايات - كما عرفت - قاصرة الدلالة في أنفسها على
المدعى نعم صحيحة محمد بن مسلم ظاهرة في التحديد حسب المتفاهم
العرفي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن النفساء كم تقعد؟ فقال:
(إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل لثمان عشرة
ولا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين) (2).
وله صحيحة (3) غيرها لم تشتمل على الأمر بالاستظهار وقصة

(1) راجع ترجمة: أحمد بن محمد بن عبد الله رجال النجاشي ص 67
ومعجم رجال الحديث ج 2 ص 295.
(2) (3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 15 - 12.
214

أسماء، فإنه لو لم يكن أكثر النفاس عشر يوما كان ذكره (ع)
قضية أسماء بنت عميس في مقام السؤال عن أكثر النفاس لغوا
ظاهرا. إلا أنها أيضا لا يمكن الاعتماد عليها وذلك:
أما أولا: فلاختلاف متن الرواية وقد نقلها في الوسائل هكذا
(لثمان عشرة، وظاهره ثمان عشر ليلة لأن الأعداد إلى العشرة تذكر
في المؤنث وتؤنث في المذكر.
وهو مما لم يقل به أحد من السنة لما سبق من أنهم يرون امتداد
النفاس إلى أربعين أو ستين أو ما دام الدم يرى، ولا من الشيعة لأن
الذي لا يلتزم بكون أكثر النفاس عشرة أيام يرى أن أكثره ثمانية عشر
يوما لا ثمان عشر ليلة لأنها إما أن تنقص عن ثمانية عشر يوما بيوم
- كما إذا ولدت في الليل - وإما تزيد على ثمانية عشر يوما بليلة - كما
إذا ولدت في النهار.
فلا مناص من حملها على التقية لا بمعنى أن الرواية توافق أقوال
العامة لما عرفت أن العامة بين قائل بالأربعين وقائل بالستين وقائل بما
دامت ترى الدم فالأربعون هو المتسالم عليه فيما بينهم.
بل حملها على التقية بمعنى أن الإمام (ع) لم يبين الحكم الواقعي
تقية لمخالفته العامة وإنما ذكر قصة أسماء بنت عميس لأنها - على
ما يظهر من الأخبار - كانت مسلمة عندهم فلم يكن في ذكرها بأس
ومحذور. وفي الوافي: نقلها هكذا (ثمانية عشر) وهي وإن التزم
بها بعضهم كما تقدم إلا أنها ساقطة عن الاعتبار من جهة اختلاف
نسخ الحديث وكونه مشبوها لعدم العلم بأن المروي هذا أو ذاك فلا
مناص من حمل الأخبار الدالة على التقية.
215

وأما ثانيا: فلاشتمالها على الأمر بالاستظهار بيوم أو يومين وقد
تقدم أن الاستظهار معناه طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال
فالصحيحة تدل حينئذ على أن النفاس يمكن استمراره إلى عشرين يوما
وهو مما لا قائل به فلا بد من حملها على التقية.
فالصحيح أن أكثر النفاس عشرة أيام. هذا:
على أن الصحيحة مشتملة على عقدين ايجابي وسلبي وهي إنما تنظر
إلى عقدها الايجابي وهو كون أكثر النفاس ثمانية عشر يوما وتدل
بالالتزام على العقد السلبي وهو عدم كون أكثره أقل من ثمانية عشر
وهذا خلاف الأخبار الواردة لبيان أن الحيض أكثره عشرة حيث دلت
ابتداءا على أنه لا يكون أكثر من عشرة أيام ودلت بالالتزام على أن
أكثره عشرة.
وكيف كان: فالصحيحة لو كانت بصدد بيان الحكم الواقعي للزم
تخصيصها بذات العادة لدلالة الأخبار على أنها ترجع إلى عادتها - كما
مر - وهي آبية عن التخصيص بذلك لأن ذوات العادة من النساء - كما
قالوا - أكثر من غيرهن ومعه كيف يمكن حمل الصحيحة الواردة لبيان
أكثر النفاس على غير الغالب من النساء ولا تكون متعرضة للغالب منهن
وهي في مقام البيان، وهذا يؤيد حملها على التقية أيضا.
ومن الأخبار الدالة على تحديد أكثر النفاس بثمانية عشر يوما صحيحة
أخرى لمحمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (ع) كم تقعد النفساء حتى
تصلي؟ قال: (ثمان عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلي) (1).
والاستدلال بهذه الصحيحة أفحش من سابقتها لأن النفساء على

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 12.
216

هذه الصحيحة - مخيرة بين القعود ثمان عشرة ليلة والقعود سبع عشرة
ليلة فإذا فرضنا أنها ولدت في الليل كان آخر أيام نفاسها في اليوم
السادس عشر، وهذا مما لم يلتزم به أحد فلا مناص من حملها على
التقية كسابقتها مضافا إلى لزوم محذور تخصيصها بذات العادة - كما
مر في الصحيحة المتقدمة -.
ومنها: صحيحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:
(تقعد النفساء سبع عشرة ليلة فإن رأت دما صنعت كما تصنع
المستحاضة) (1) وقد ظهر الجواب عنها بما قدمناه في الصحيحتين
المتقدمتين فلا نعيده.
ومنها: مرسلة الصدوق (قده) فقد روى أنه صار حد قعود
النفساء عن الصلاة ثمانية عشر يوما لأن أقل أيام الحيض ثلاثة أيام
وأكثرها عشرة أيام وأوسطها خمسة أيام فجعل الله عز وجل للنفساء
أقل الحيض وأوسطه وأكثره (2).
وهي - مضافا إلى ارسالها - سخيفة التعليل لأن كون أكثر الحيض
وأوسطه وأقله ثمانية عشر يوما أجنبي عن أكثر النفاس فبأي وجه كان
أكثره مجموع الأعداد المذكورة في الحيض ولم يكن غيره؟
على أن وسط الحيض ليس خمسة أيام إذ ما بين الثلاثة والعشرة
سبعة فوسط الحيض ستة أيام ونصف المركبة من الثلاثة التي هي أقل
الحيض ونصف السبعة التي هي بين الثلاثة والعشرة ولا يمكن الحكم بأن
وسط الحيض خمسة أيام لأن الحيض ليس محسوبا من اليوم الأول

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 14،
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 22.
217

بل من اليوم الرابع وبعد الثلاثة، فهذه قرينة تلوح منها التقية:
ومنها: مرسلة المقنع قال: روي أنها تقعد ثمانية عشر يوما (1)
وهي ليس رواية أخرى غير الأخبار المتقدمة الواردة في المسألة على
ما نظن، بل المطمأن به أنها ليست رواية أخرى ثم على تقدير كونها
رواية مستقلة فهي ساقطة عن الاعتبار لارسالها.
ومنها: رواية حنان بن سدير قال (قلت) لأي علة أعطيت
النفساء ثمانية عشر يوما؟ وذكر نحو المرسلة المتقدمة عن الصدوق (2)
وقد ظهر الجواب عنها مما قدمناه في المرسلة مضافا إلى أنها ضعيفة
السند بالحسين بن الوليد ويمكن المناقشة في سندها بغير ذلك أيضا فليراجع
ومنها: ما في كتاب الرضا (ع) إلى المأمون قال: (والنفساء
لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فإن طهرت قبل ذلك
صلت وإن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وعملت بما
تعمل المستحاضة) (3).
وقد تقدم أن القرينة على التقية فيها موجودة وهي كون السائل هو
المأمون فلا مناص من حملها على التقية.
وفي بعض (4) الأخبار أن النفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما
إلا أن تطهر قبل ذلك فإن لم تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت
وعملت عمل المستحاضة.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 26.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 23.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 24.
(4) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 25.
218

وهي أيضا مما لم يقل بمضمونها أحد من العامة والخاصة فلا مناص
من حملها على التقية.
مضافا إلى ضعف سندها لأنها مروية عن الصدوق باسناده عن
الأعمش وطريقه إليه لم يعلم أنه صحيح أو ضعيف. هذا.
سرد الأخبار المحددة بثلاثين يوما فصاعدا:
ثم إنه ورد في جملة من الروايات أن النفساء تقعد ثلاثين يوما أو
أربعين أو خمسين أو ما بينهما.
(منها): مرسلة المقنع قال: وقد روي أنها تقعد ما بين أربعين
يوما إلى خمسين يوما (1).
وهي ضعيفة السند بارسالها ولا قائل بمضمونها من الأصحاب.
ويحتمل التورية فيها بإرادة عشرة أيام لأن ما بين الأربعين يوما إلى
الخمسين هو عشرة أيام كما ذكره صاحب الوسائل (قده) في الرواية
الآتية ولا بعد فيه.
و (منها): رواية محمد بن يحيى الخثعمي قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن النفساء فقال: (كما كانت تكون مع ما مضى
من أولادها وما جربت قلت: فلم تلد فيما مضى قال: بين الأربعين
إلى الخمسين) وقد فصلت بين ذات العادة وغيرها إلا أنها قابلة
للتورية كما مر ولا قائل بمضمونها من أصحابنا.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب النفاس، ح 28.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 18.
219

مضافا إلى ضعف سندها بالقاسم به محمد.
و (منها) ما رواه حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليه السلام) قال: (النفساء تقعد أربعين يوما فإن طهرت وإلا
اغتسلت وصلت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلي) (1).
وهي كسابقتها محمولة على التقية إذ لا قائل بها من أصحابنا.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال:
(تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما إلى خمسين (2).
وهي وإن كانت صحيحة سندا إلا أنها موافقة لمذهب العامة من
جهة الأربعين والخمسين فلا مناص من حملها على التقية كغيرها.
وفي بعضها أنها تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط كما في رواية
علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الماضي (ع) عن النفساء
كم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال، (تدع الصلاة ما دامت ترى الدم
العبيط إلى ثلاثين يوما فإن رق وكانت صفرة اغتسلت وصلت إن شاء الله) (3).
وهي موافقة لبعض أقوال العامة ولا قائل بمضمونها من أصحابنا
ولا المشهور من الجمهور فلا بد من حملها على التقية، مضافا إلى
المناقشة في سندها فليراجع لعدم ثبوت وثاقة أحمد بن محمد بن يحيي.
إلى هنا تحصل وتلحظ أن أكثر النفاس عشرة أيام وإن كان
الاحتياط إلى ثمانية عشر يوما في محله.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 17.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 13.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 16.
220

وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط بعدها أو بعد العادة
إلى ثمانية عشر يوما من الولادة، والليلة الأخيرة خارجة (1).
وأما الليلة الأولى إن ولدت في الليل فهي جزء من
النفاس وإن لم تكن محسوبة من العشرة، ولو اتفقت
الولادة في وسط النهار يلفق من اليوم الحادي عشر لا من
ليلته (2) وابتداء الحساب بعد تمامية الولادة وإن طالت (3)
لا من حين الشروع وإن كان اجراء الأحكام من حين
خروج الليلة الأخيرة:
(1) أيام العادة أو عشرة أيام في النفساء إنما تحتسب من اليوم
والليلة الأولى إذا ولدت فيها، وكذا الليلة الأخيرة - أعني ليلة الحادي
عشرة أو ليلة اليوم السابع - إذا كانت عادتها ستة أيام خارجتان
عن الحساب.
وذلك لأن المدار على الأيام أي أيام العادة أو عشرة أيام إلا أن
بين الليلتين فرقا وهو أن الدم في الليلة الأولى نفاس لأنه دم الولادة
أما في الليلة الأخيرة فهو دم استحاضة لا يترتب عليه أحكام النفاس
(2) لأن المدار كما عرفت على اليوم ولا اعتبار بالليلة.
(3) الكلام في ذلك يقع في جهتين:
221

الشروع إذا رأت الدم إلى تمام العشرة من حين تمام
الولادة.
احتساب أيام النفاس بعد تمامية الولادة:
(الجهة الأولى): (إن المرأة إذا ولدت ولم تتم ولادتها - كما إذا
خرج رأس الولد (ورأت الدم) إلا أنه لم يخرج بتمامه - لا اشكال
في أن الدم المرئي حالتئذ نفاس كما قدمناه وإن لم يكن الدم المرئي قبل
الولادة نفاسا.
حيث إنه مستند إلى الولادة فترتب عليه أحكامه إلا أن عشرة أيام
أو أيام العادة لا تحسب إلا بعد تمامية الولادة لا من حين الأخذ
بالشروع وذلك للاعتبار المطابق للواقع والأخبار.
أما الاعتبار فهو أنا لو فرضنا أن الولد خرج رأسه ولم يخرج
تمامه إلى سبعة أيام وهي أيام عادتها فوضعته بعد سبعة أيام فهل يمكن
أن يقال أن المرأة لا نفاس لها حينئذ لأن أيام عادتها قد انقضت أو
أنها تعتبر نفساء بعد ذلك؟
لا سبيل إلى الأول بوجه فلا بد من أن تحسب العشرة أو أيام العادة
بعد الولادة وإن كان الدم المرئي محكوما بكونه نفاسا من أثناء الولادة.
وأما الأخبار (1) فلأنها دلت على أن النفساء تقعد أيام عادتها أو
عشرة أيام فالحكم بالقعود مترتب على النفساء، والنفساء هي المرأة التي

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب النفاس.
222

تلد ولا تصدق المرأة الوالدة إلا بعد تماميتها وأما قبلها فلا يقال إنها
ولدت حتى تكون نفساء ويترتب عليها القعود أيام عادتها أو عشرة أيام.
وأما الحكم سابقا بأن قوله في موثقة عمار (1) ما لم تلد أعم من
الأخذ بالولادة فهو مستند إلى مناسبة الحكم والموضوع والقرينة الموجودة
في الرواية - وهي كونه مقابلا للدم الخارج قبل الولادة، لا أن معنى
تلد هو الأعم فعشرة أيام تحسب بعد الولادة لا من حين الأخذ بها
وكذلك أيام العادة.
إذا تأخرت رؤية الدم عن الولادة:
الجهة الثانية: أن رؤية الدم إذا تأخرت عن الولادة - كما إذا
ولدت ولم تر دما إلا بعد يوم أو يومين لا يبعد أن يكون مبدء العشرة
أو أيام العادة زمان رؤية الدم دون الولادة بل هذا هو الظاهر.
وذلك: لأن الأحكام المستفادة من الأخبار إنما هي مترتبة على رؤية
الدم في النفاس المستند إلى الولادة فالموضوع لها مركب من الولادة
والدم المستند إليها، ومن هنا قدمنا أو الولادة المجردة عن الدم لا
يترتب عليها أثر فإذا رأت الدم حكم عليها بآثار النفاس وتحسب العشرة
من ذلك الوقت.
وكذا أيام عادتها لدلالة على أن النفساء تقعد أيام عادتها
فإذا فرضنا عادتها ستة أيام ورأت الدم بعد الولادة بيومين فاحتسبت
الستة من حين ولادتها فمعناه الحكم بقعودها من حين الولادة مع أنها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس، ح 1 و 3.
223

(مسألة 2): إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها
فكل ما رأته نفاس سواء رأت تمام العشرة أو البعض الأول
لم تر دما، وظاهر أيام العادة هو قعودها بمقدار العادة من
أيام الدم.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 7 من أبواب النفاس، ح 1:
(2) كذا أفاده أولا ولكنه عدل عن ذلك وبنى على اعتبار طريقه
إليه كما مر مضافا إلى أن في هذه الرواية بخصوصها طريق معتبر آخر
للشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال يظهر من المراجعة إلى التهذيب.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1، 3 من أبواب النفاس.
224

أو البعض الأخير أو الوسط أو الطرفين (1) أو يوما
ويوما لا، وفي الطهر المتخلل بين الدم تحتاط بالجمع بين
إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها:
(1) قد عرفت أن الدم الذي تراه المرأة أيام عادتها بعد الولادة
أو إلى عشرة أيام نفاس ويترتب عليه أحكامه بلا فرق في ذلك بين
استمراره وعدمه.
وإنما للكلام في النقاء المتخلل وأنها إذا رأت يوما وطهرت يوما
وهكذا فهل يكون الطهر المتخلل بحكم النفاس أو أنها إذا رأت الدم حكم
بنفاسه وإذا طهرت فهي بحكم الطاهرة.
لعل المشهور بينهم أن النقاء المتخلل بحكم النفاس نظرا إلى اطلاق ما
دل على أن أقل الطهر عشرة أيام فإذا كان أقل فهو بحكم الحيض
في الحيض والنفاس في النفاس.
والصحيح أن الأمر ليس كذلك إذ لم نعثر على رواية تدل على أن
أقل الطهر عشرة أيام مطلقا وإنما استفدنا ذلك في الحيض من مثل
قوله (ع) (ما تراه المرأة قبيل العشرة فهو من الحيضة الأولى وما
تراه بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة (1) ومما يدل على أن أكثر
الحيض عشرة أيام (2) وغير ذلك مما قدمناه في محله.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 12 من أبواب الحيض، ح 1.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 10 من أبواب الحيض.
225

بين أعمال النفساء والطاهر ولا فرق في ذلك بين ذات العادة
العشرة أو أقل وغير ذات العادة.
لدلالته على أن الحيض لا يتحقق إلا بعد الطهر بعشرة أيام وأما
في غيره كالحيض والنفاس أو في النفاسين فلا دليل على أن أقل الطهر
بينهما عشرة أيام بل يمكن أن تلد أحد التوأمين وتنقضي مدة نفاسها
كخمسة أيام مثلا وبعد ذلك بيوم تلد الآخر.
وأما ما ورد في رواية يونس من قوله (ع) (أدنى الطهر عشرة
أيام أو لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام) (1) فهي إنما وردت في
الحائض ومن ثمة فرعت عليه قوله (ع) (فإذا حاضت المرأة وكان
حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت فإن رأت الدم بعد
ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض.
على أنها ضعيفة بالارسال وهي غير مرسلته الطويلة التي اعتمدنا
عليها في بحوث الحيض.
فالصحيح أن يستدل على ذلك بالمطلقات الدالة على) أن النفساء
تقعد أيامها التي كانت تقعد فيها في حيضها أو أيام قرئها) (2) فإن
مقتضى هذه المطلقات أن النفساء لا بد من أن تقعد سبعة أيام مثلا من
يوم رأت الدم إذا كانت عادتها في الحيض سبعة أيام.
بلا فرق في ذلك بين استمرار دمها في تلك الأيام من غير انقطاع
وبين انقطاعه في الوسط يوما أو أقل أو أكثر وذلك لأن انقطاع الدم

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 12 من أبواب الحيض، ح 2.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب النفاس.
226

وإن لم تر دما في العشرة فلا نفاس لها (1) وإن رأت في
العشرة وتجاوزها فإن كانت ذات عادة في الحيض أخذت
في أيام العادة ثم عوده لو لم يكن أكثريا في النساء فلا أقل من كونه
أمرا متعارفا فلا محالة تشمله الاطلاقات ولا سيما فيما إذا كانت مدة
الانقطاع قليلة - كما بين الطلوعين ونحوه.
ففي النقاء المتخلل بين النفاس أيضا لا بد من أن تعمل عمل النفساء
بمقتضى الاطلاقات. هذا في النفساء ذات العادة، فإذا كان النقاء
المتخلل بحكم النفاس في ذات العادة كانت الحكم كذلك في غير ذات
العادة لعدم الفرق بينهما من حيث النقاء
لا نفاس لها إذا لم تر دما في العشرة:
(1) أما على مسلكه (قده) من أن مبدء الحساب في العشرة وفي أيام
العادة هو الولادة فلأن أيام النفاس قد انقضت ورأت الدم بعد العشرة
فلا نفاس لها.
وأما بناءا على أن مبدء الحساب زمان رؤية الدم - كما هو الصحيح -
لأن الأحكام مترتبة على رؤيته ولا أثر للولادة المجردة فلأن الأحكام
مترتبة على رؤية دم النفاس - أي الدم المستند إلى الولادة - ومن المطمأن
به أن الدم الخارج بعد الولادة بعشرة أيام غير مستند إلى الولادة وإنما
يستند إلى الاستحاضة وغيرها ولا أقل من الشك في استناده إلى الولادة
ومعه لا بحكم عليه بالأحكام المترتبة على النفاس.
227

بعادتها (1) سواء كانت عشرة أو أقل وعملت بعدها
عمل المستحاضة. وإن كان الأحوط الجمع إلى ثمانية عشر
كما مر.
إذا تجاوز دمها عن العشرة:
(1) وذلك أما في ذات العادة فللأخبار الدالة (1) على أن النفساء
تقعد أيامها التي كانت تقعد فيها في حيضها أو أيام قرئها وهذا ظاهر:
وأما غير ذات العادة كما إذا ولدت من غير أن ترى الحيض وإن
كان بعيدا أو ترى الحيض إلا أنها غير مستقرة العادة فنفاسها
عشرة أيام.
والحكم في غير ذات العادة بأن نفاسها عشرة أيام مع أنه لم يرد في
شئ من النصوص - والأخبار المتقدمة دلت على أن الزائد عن العشرة
ليس بنفاس ولم تدل على أن نفاس غير ذات العادة عشرة أيام - إنما
هو من جهة أن المطلقات (2) الواردة في أن النفساء تترك صلاتها
وصيامها قد أثبتت الحكم على عنوان النفساء من غير أن تحدد النفساء
بشئ، واللازم حينئذ الرجوع في تعيين موضوع النفساء إلى العرف
ولا اشكال في صدقه على المرأة إلى عشرة أيام والعشرة هي القدر

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 2 من أبواب النفاس.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 6 و 1 و 3 من أبواب النفاس وغيرها.
228

المتيقن بين جميع المسلمين كما مر.
بل لولا الأخبار الواردة في التحديد وأن النفاس لا يزيد على العشرة
كنا نرجع إلى الصدق العرفي في الزائد عن العشرة أيضا فإن (النفساء)
يصدق على الوالدة إلى شهر بل إلى شهرين إذا استمر دمها وإنما لا يرجع
إليه في الزائد للأخبار المحددة.
وحيث لا تحديد في غير الزائد فلا مناص من الرجوع إلى العرف
فالحكم بالنفاس إلى عشرة أيام لا يحتاج إلى دليل فإذا تحققت الصغرى
بالصدق العرفي انضمت إليها الكبرى المتقدمة وبهما يحكم على أن النفاس
في غير ذات العادة عشرة أيام.
وعلى الجملة: أن الحكم بالنفاس إلى عشرة لا يحتاج إلى دليل وإنما
المحتاج إلى الدليل هو الحكم به فيما زاد على العشرة - وإن كان الأحوط
هو الجمع إلى ثمانية عشر يوما كما مر.
هذا بحسب الفتوى والأحوط في غير ذات العادة أن ترجع إلى عادة
نسائها من أمها وأختها ثم تحتاط إلى العشرة.
والوجه في ذلك: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال:
(النفساء) إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس
قبل ذلك فاستظهرت بمثل ثلثي أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما
تصنع المستحاضة وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل
أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع
المستحاضة تحتشي وتغتسل) (1).
حيث دلت على أن المبتدئة ترجع إلى عادة نسائها. إلا أنها غير

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 20.
229

قابلة للاستدلال بها على الوجوب لضعف سندها بيعقوب الأحمر وبعدم
توثيق سند الشيخ إلى علي بن حسن بن فضال (1)، ومدلولها يشتمل
على أمرين لا يلتزم بهما المشهور بل لا قائل بأحدهما من أصحابنا - فيما
نعلم -.
(أحدهما): اشتمالها على أنها تستظهر بثلثي أيامها فإنه قد يستلزم
زيادة نفاسها على عشرة أيام كما إذا كانت عادتها تسعة أيام فإنها إذا
انضمت إلى الستة التي هي ثلثا أيامها كانت أيام نفاسها خمسة عشر يوما
وهو خلاف المشهور كما مر.
و (ثانيهما): اشتمالها على أنها ترجع إلى أيام عادتها في النفاس
- لا في الحيض - حيث قال (وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها. الخ)
لدلالته على أن المراد بالأيام في الرواية هو أيام النفاس دون الحيض،
وهو مما لا قائل به فيما نعلم وإن كان ظاهر صاحب الوسائل أنه يقول به.
وقد ورد ذلك في رواية محمد بن يحيى الخثعمي قال: سألت أبا
عبد الله (ع) عن النفساء فقال: كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها
وما جريت، قلت: فلم تلد فيما مضى قال: بين الأربعين إلى الخمسين (2)
إلا أنها ضعيفة السند بالقاسم بن محمد الجوهري (2) ولأجله احتطنا
برجوع غير ذات العادة إلى عادة نسائها ثم الاحتياط بالجمع إلى العشرة

(1) وقد عرفت الكلام في ذلك قريبا.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 18.
(3) وقد عدل عن ذلك (دام ظله) أخيرا وبنى على وثاقة كل
من وقع في أسانيد كامل الزيارات والقاسم بن محمد الجوهري كذلك.
230

وإن لم تكن ذات عادة كالمبتدئة والمضطربة فنفاسها عشرة
أيام وتعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتياط
المذكور.
(مسألة 3): صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلا (3)
231

ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها على الأقوى (1)
فهما نفاس والحكم في النقاء المتخلل بينهما ما قدمناه فلا نعيد، وهذا لعله
ظاهر ولم يتعرض له الماتن (قده).
وأما إذا رأت الدم في البعض الآخر من عادتها فيأتي الكلام عليه
بعد التعليقة الآتية إن شاء الله.
(1) مع العلم باستناد الدم إلى الولادة، وهذه المسألة مبتنية على
الخلاف في أن حساب مبدء العشرة أو أيام العادة من زمان الولادة أو
زمان رؤية الدم:
فعلى مسلك المصنف (قده) من أنهما يحسبان من يوم الولادة
فالأمر كما أفاده لأنه دم رأته المرأة بعد أيام عادتها وبعد العشرة وقد
تجاوز أيام نفاسها ورجوع ذات العادة إلى عادتها عند تجاوز دمها
العشرة إنما هو فيما إذا رأت الدم في عادتها وتجاوز العشرة دون ما إذا
لم تر في عادتها دما وإنما رأته بعدها.
وأما بناءا على ما قويناه من أنهما يحسبان من يوم رؤية الدم فلا
فرق بين تجاوز الدم العشرة من الولادة وعدمه فإن المدار على مضي
العشرة أو أيام العادة بعد زمان الدم ولو تجاوز العشرة أو أيام العادة
بعد الولادة لأنها لا أثر لها، والأثر مترتب على أيام العادة أو العشرة
بعد زمان الدم.
والمفروض عدم تجاوزهما وكون الدم مستندا إلى الولادة على الفرض
فما رأته ذات العادة بعد أيامها من الولادة وتجاوز العشرة أيضا نفاس
إذا لم يتجاوزهما من زمان رؤية الدم.
232

وإن كان الأحوط الجمع إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر
مع الاستمرار إليها، وإن رأت بعض العادة (1)
(1) هذه هي الصورة الثانية من الصورتين المتقدمتين - أعني ما إذا
رأت ذات العادة الدم في البعض الآخر من أيامها وتجاوز العشرة.
وقد ذكر الماتن (قده) أنها تأخذ بما رأته في البعض الآخر من
أيامها نفاسا وتكمل عدد أيامها بعده إلى العشرة.
مثلا إذا كانت عادتها سبعة ورأت الدم من اليوم الثاني من الولادة
وتجاوز العشرة جعلت اليوم الثامن أيضا نفاسا لأنه به يكمل عدد أيامها
فلو رأت الدم من اليوم الثالث جعلت اليوم التاسع نفاسا ولو رأته
من اليوم الرابع جعلت اليوم العاشر نفاسا، وأما إذا رأته من اليوم
الخامس فتجعل نفاسها إلى العشرة ولا تكمل عدد أيامها من اليوم
الحادي عشر.
وهذا الذي أفاده لا يتم على مسلكنا ولا على مسلكه (قده) - أما
على مسلكنا لا يتم فلما تقدم من أن الدار على زمان رؤية الدم ومنه
تحسب أيام العادة أو العشرة لا من يوم الولادة وعليه فقد رأت الدم
في مجموع أيام عادتها في المثال لا في بعضها الآخر وهذا ظاهر.
وأما على مسلكه (قده) لا يتم فلأن لازمه الاقتصار في النفاسية
بما رأته في البعض الآخر من عادتها ولا موجب للاكمال إلى العشرة
إذ بانقضاء عدد أيامها من يوم الولادة تنقضي عادتها، والدم الذي
رأته المرأة بعد عادتها مع التجاوز عن العشرة لا يحسب نفاسا كما مر.
وإن جعل (قده) المبدء هو اليوم الذي رأت فيه الدم فلماذا لم
233

ولم تر البعض من الطرف الأول وتجاوز العشرة أتمتها بما
بعدها إلى العشرة دون ما بعدها فلو كانت عادتها سبعة
ولم تر إلى اليوم الثامن فلا نفاس، وإن لم تر اليوم الأول
جعلت الثامن أيضا نفاسا وإن لم تر اليوم الثاني أيضا
فنفاسها إلى التاسع، وإن لم تر إلى الرابع أو الخامس أو
السادس فنفاسها إلى العشرة ولا تأخذ التتمة من الحادي
عشر فصاعدا. لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة إلى
العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها.
يحكم بالتكميل بعد العشرة أيضا؟ إذ على ذلك لم تنقضي أيام عادتها
فلا بد من اكمالها بعد العشرة أيضا، فالجمع بين الاكمال إلى العشرة
وعدمه بعد العشرة غير ممكن على مسلكه (قده).
نعم هناك شئ وعليه اعتمد الماتن (قده) فيما أفاده من غير اشكال
وهو أن مبدأ الحساب في العشرة هو زمان الولادة وأما في أيام العادة
فالمبدأ هو زمان رؤية الدم استظهارا من الأخبار (1) الدالة على أن
النفساء تقعد أيامها أي من زمان ظهور الدم، وعليه يتم ما أفاده من
الحكم بالتتميم إلى العشرة وعدمه بعد العشرة ولكن يرد عليه:
أولا: إنه على ذلك لا بد من الحكم بالنفاس فيما إذا رأت ذات العادة
بعد أيامها من الولادة إلى العشرة مع أنه حكم (قده) في المسألة
السابقة بأنها إذا رأته بعد أيامها من الولادة وتجاوز العشرة لا نفاس

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب الحيض.
234

لها، لأن المبدأ إنما هو زمان رؤية الدم على الفرض ولم تنقض عشرة
أيام من زمان رؤية الدم.
وثانيا: إن الدليل على أن النفاس لا يزيد على عشرة أيام هو
بعينه الدليل الذي دل على أن ذات العادة تقعد أيامها وقرأها وذلك
لما قدمناه من أنه لا دليل على عدم كون النفاس زائدا على العشرة إلا
ما ورد (1) من أن ذات العادة تقعد أيامها وتستظهر بيوم أو يومين
أو بعشرة لدلالتها على أن النفاس لا يزيد على عشرة أيام.
وهذه الأخبار واردة في ذات العادة التي تقعد أيامها والمفروض أن
مبدأ حسابها يوم رأت فيه الدم ومع الوحدة في الدليل كيف يمكن
جعل مبدأ الحساب في ذات العادة من يوم رؤية الدم وجعل منتهى
العشرة من يوم الولادة.
إذا ربما يكون أيام عادتها التي مبدؤها يوم رؤية الدم مع ما تقدمه
من أيام الولادة زائدا عن العشرة كما إذا رأت الدم في اليوم الرابع من
عادتها وكانت عادتها سبعة أيام لأنها إذا احتسبت من يوم الدم بالإضافة
إلى عادتها ومن يوم الولادة بالإضافة إلى عشرة أيام لكان المجموع إحدى
عشر يوما مع أن أكثر النفاس عشرة أيام.
وعلى الجملة: مع وحدة الدليل كيف يصح التفكيك في مبدأ الحساب بين
العشرة وأيام العادة؟ اللهم إلا أن يقال: إن الاجماع قائم على عدم
النفاس بعد العشرة من الولادة بخلاف أيام العادة.
ولكن فيه: أن تحصيل الاجماع التعبدي في المسألة غير متيسر،
على أن المسألة ليست باجماعية لما قدمناه من أن جملة من الأصحاب ذهبوا

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس ح 2 و 3 و 4 و 5
وباب 1 من أبواب الاستحاضة ح 5.
235

(مسألة 4): اعتبر مشهور العلماء فصل أقل الطهر
بين الحيض المتقدم والنفاس. وكذا بين النفاس والحيض
المتأخر فلا يحكم بحيضية الدم السابق على الولادة وإن كان
بصفة الحيض أو في أيام العادة إذا لم يفصل بينه وبين
النفاس عشرة أيام وكذا في الدم المتأخر. والأقوى عدم
اعتباره في الحيض المتقدم كما مر (1).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 11 من أبواب الحيض.
236

نعم لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر (1) لكن الأحوط
مراعاة الاحتياط.
بينه وبين النفاس أقل الطهر أو لا يشترط فيه ذلك ندفعه باطلاق
أدلة (1) الصفات الدالة على أن ما كان بصفة الحيض حيض فالدم
الأول حيض كما أن الدم الثاني نفاس بناءا على أن الحامل قد تحيض.
وأما إذا لم نقل بذلك فلا يحكم بحيضية الدم الأول من هذه الجهة
لا لأجل اعتبار الفصل بأقل الطهر بينه وبين النفاس.
وإنما يستثنى عن ذلك صورة واحدة وهي ما إذا كانت الدم الواجد
للصفات خارجا في أيام المخاض والطلق لدلالة الدليل (2) على أنه
لا يكون حيضا لوجود القرينة على أنه مستند إلى الولادة وليس من الحيض.
(1) لولا صحيحة عبد الله بن المغيرة لقلنا بعدم اشتراط الفصل
بين النفاس والحيض المتأخر بأقل الطهر لعدم دلالة الدليل عليه وحكمنا
بأن الأول نفاس والمتأخر حيض وإن لم يفصل بينهما أقل الطهر.
إلا أن الصحيحة المذكورة دلت بتدليلها على أن الفصل بأقل الطهر
معتبر بين الحيض المتأخر والنفاس حيث روى عن أبي الحسن الأول (ع)
في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما ثم طهرت ثم رأت الدم
بعد ذلك قال: تدع الصلاة لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب الحيض.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 4 من أبواب النفاس ح 1.
237

(مسألة 5): إذا خرج بعض الطفل وطالت المدة
إلى أن خرج تمامه فالنفاس من حين خروج ذلك البعض إذا

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 5 من أبواب النفاس ح 1.
238

كان معه دم وإن كان مبدء العشرة من حين التمام كما مر (1)
239

مستقل له حكمه من النفاس بعدها أيام العادة أو عشرة أيام.
فما نسب إلى ظاهر كلام بعضهم من كونها بمنزلة نفاس واحد مما
لا يمكن المساعدة عليه وكان ينبغي أن يتعرض المصنف لهذه المسألة
قبل ما بيدنا من المسألة، إلا أنه تعرض لها في المسألة الآتية.
ثم إن النقاء بين الولادتين إن كان عشرة أيام أو أكثر فلا اشكال
في أنه بحكم الطهر لعدم الدليل على كونه بحكم النفاس مع المطلقات
الدالة على ثبوت التكليف بالصلاة والصيام وغيرهما على كل مكلف
- ومنه المرأة في مفروض الكلام - ولم يقم دليل على تقييدها إلا في
المرأة النفساء، وأما المرأة التي لا ترى الدم فلا دليل مخرج لها بوجه.
وأما إذا كان النقاء المتخلل بين الولادتين أو بين ولادة قطعة وقطعة
أخرى أقل من عشرة أيام فله صورتان:
(إحداهما): ما إذا لم يكن الدم الثاني قابلا في نفسه للالتحاق
بالدم الأول في النفاس ومع قطع النظر عن الولادة الثانية بحيث لو لم
تكن ولادة أيضا كان الدم المرئي ملحقا بالنفاس الأول.
(ثانيتهما): ما إذا كان قابلا للانضمام إليه وكونه نفاسا في نفسه
وإن لم تكن هناك ولادة أصلا.
أما الصورة الأولى: فكما إذا ولدت ورأت الدم سبعة أيام ثم طهرت
ثلاثة أيام وبعد ذلك ولدت ولدا ثانيا ورأت الدم فإن الدم الثاني غير
قابل للالتحاق بالأول إذ لازمه أن يزيد النفاس عن عشرة أيام.
وكذا إذا ولدت وتنفست عشرة أيام ثم نقت يوما ثم ولدت الولد
الثاني في اليوم الثاني عشر فإن مفروضنا أن الدم الأول والنقاء بمقدار
عشرة أيام فلو حكمنا بالحاق الدم الثاني به لزاد عن العشرة وهو ظاهر.
240

وهذا هو الذي قدمنا الكلام فيه وقلنا أن النقاء بأقل للطهر بين
النفاسين بحكم الطهر إذ لا دليل على كونه بحكم النفاس وما دل على أن
أقل الطهر معتبر بين الحيضين فهو مختص بالحيض كما مر، وقد عرفت
إن مقتضى المطلقات وجوب الصلاة والصيام وغيرهما من الواجبات على
كل مكلف - ومنه المرأة في مفروض المقام - ولم يخرج عنها إلا المرأة
النفساء وأما المرأة التي لا ترى الدم لأنها في أيام النقاء فلم يقم دليل
على خروجها عن المطلقات.
وأما الصورة الثانية: فكما إذا ولدت ورأت الدم خمسة أيام ثم نقت
ثلاثة أيام وولدت بعد ثمانية أيام ورأت الدم فإن الدم الثاني
حينئذ قابل في ذاته للانضمام إلى النفاس الأول إذ لا يلزم من كونه
من النفاس الأول كونه زائدا على العشرة فهل يتداخل النفاسان في
مثل اليومين أو أكثر ليلزمه أن يكون النقاء المتخلل بين الدمين كالنقاء
المتخلل بين نفاس واحد.
أو أن الولادة الثانية قد قطعت النفاس الأول وهو نفاس ثان فلا
تداخل والنقاء بينهما من النقاء بين النفاسين الذي هو بحكم الطهر كما
مر، والتداخل من دون تخلل النقاء - كما فيما مثلناه به - لا أثر له وإنما
الأثر في التداخل مع تخلل النقاء؟
الصحيح أن النقاء حينئذ بحكم الطهر وليس كالنقاء المتخلل بين
نفاس واحد ولك لأنا إنما ألحقنا النقاء في أثناء نفاس واحد بالنفاس
بمقتضى الأخبار الآمرة بقعود ذات العادة أيام عادتها وتعدينا عنها
إلى غير ذات العادة للقطع بعدم الفصل بينهما وهذا لا يأتي في المقام.
إذ لا قطع لنا بعدم الفصل بين النقاء المتخلل في أثناء نفاس واحد
241

والنقاء المتخلل بين نفاسين كالمرأة التي ولدت ثانيا بعد ثمانية أيام من
ولادتها الأولى لأنها غير المرأة التي رأت الدم في النفاس الواحد
وتخلل بينه نقاء أقل من عشرة أيام.
والدليل مختص بالنقاء في أثناء أيام العادة فلا يعم النقاء بين
الدمين فإنه من النقاء بعد النفاس والدم الثاني نفاس آخر وقد تقدم
أن النقاء المتخلل بين النفاسين بحكم الطهر لعدم الدليل على الحاقه
بالنفاس، واطلاق أدلة التكاليف من وجوب الصلاة والصيام وجواز
اتيان الزوج زوجته.
ومن هذا يظهر الحال في النقاء بين الولادة الثانية ورؤية الدم
كما إذا ولدت ولم تر دما إلى يوم أو نصف يوم ورأته بعد ذلك لأن
الدم الثاني إذا لم يكن قابلا للالحاق بالنفاس الأول فهو من النقاء
المتخلل بين النفاسين وقد عرفت أنه بحكم الطهر، وإذا كان قابلا
للالحاق فقد تقدم أن الأظهر عدم التداخل فإن الولادة الثانية موضوع
جديد قاطع للنفاس الأول أيضا يكون النقاء بحكم الطهر.
كما ظهر من ذلك حكم النقاء في أثناء الولادة الواحدة كما إذا
طالت المدة فرأت الدم ثم انقطع ثم رأت بعد الولادة أو قبلها فإنه محكوم بحكم
الطهر لأن الدليل إنما دل على أن النقاء المتخلل في أيام العادة المحسوبة
من بعد الولادة ورؤية الدم بحكم النفاس وأما النقاء قبل الولادة فهو
غير مشمول للدليل بل هو بحكم الطهر بمقتضى مطلقات التكليف
كما مر.
(المسألة الثانية): ما إذا تعددت الولادات إلا أنها لم تكن ولادة
مستقلة كما إذا خرج الطفل قطعة قطعة فهل يترتب على وضع كل قطعة
242

أحكام الولادة المستقلة ولكل منهما نفاس.
لا يبعد أن يقال إن حالها حال الولادات المستقلة وذلك لصدق
الولادة عند وضع قطعة من الولد وهذا بخلاف ما إذا كان الولد متصلا
لأن الاتصال مساوق للوحدة ومن هنا لو خرج رأس الولد فماتت يقال
أنها ولدت رأس الولد فماتت وأما إذا خرج رأس الولد وهو متصل
الأجزاء فماتت يقال: إنها ماتت في أثناء الولادة.
إذ يصدق أنها ولدت قطعة من الولد، واطلاق الدليل إذ لم يقيد
الولادة بأن يكون الولد تاما فلكل منهما نفاس وتحسب العشرة في كل
منهما بعد رؤية الدم وقد تتداخل ولادتان أو أكثر في مقدار من العشرة
أو أيام العادة كما عرفت في الولادة المستقلة.
وعلى ما قربناه يترتب على كل قطعه وضعتها المرأة حكم الولادة
المستقلة والنقاء المتخلل بين وضع قطعة وأخرى حكم النقاء الذي تراه
المرأة بين الولادتين المستقلتين كما تقدم وكذلك النقاء في أيام العادة أو
عشرة أيام من وضع كل قطعة فإنه من النقاء في أثناء نفاس واحد
وهو بحكم النفاس كما هو الحال في الولادة المستقلة.
وأما بناءا على أن وضع كل قطعة ليس من الولادة في شئ فالأثر
من حساب أيام العادة أو عشرة أيام إنما هو بعد وضع مجموع القطعات
وعليه ربما يطول وضعها شهرا أو أكثر أو أقل إلا أنه نفاس واحد
والنقاء المتخلل بين وضع للقطعات كالنقاء في أثناء الولادة التامة بحكم
الطهر لعدم كونه بعد رؤية الدم والولادة، والنقاء الذي هو بحكم النفاس
إنما هو النقاء بعد رؤية الدم وتمامية الولادة كما تقدم.
(المسألة الثالثة): إن ما ذكرناه من أن أكثر النفاس عشرة أيام
243

(مسألة 6): إذا ولدت اثنين أو أزيد فلكل واحد
منهما نفاس مستقل فإن فصل بينهما عشرة أيام واستمر الدم.
إنما هو عند رؤية الدم عقيب الولادة فإن أكثره عشرة.
وأما الدم المرئي في أثناء الولادة قبل تمامها فهو وإن كان نفاسا كما
سبق إلا أنه لا يحسب من العشرة فإن مبدأها الدم المرئي بعد الولادة.
وقد يكون النفاس في أثناء الولادة أكثر من عشرة أيام كما إذا
خرج رأس الولد وطالت المدة إلى أن خرج تمامه فإن الدم المرئي حينئذ
نفاس وإن طال عشرة أيام أو أقل أو أكثر.
ثم إنها إذا رأت الدم عند خروج رأس الولد ثم انقطع ولم تر إلا بعد
تمامية الولادة أو بعد مدة وقبل تماميتها فهل النقاء المتخلل بين الدمين
محكوم بالنفاس كالنقاء المتخلل بعد تمامية الولادة ورؤية الدم أو أنه
ليس محكوما بحكم النفاس؟
الصحيح عدم الحاقه بالنفاس وذلك لأن الدليل على احتسابه من
النفاس إنما هو الاطلاقات (1) الواردة في أن النفساء تقعد أيامها وقد
تقدم أن أيامها إنما تحسب بعد تمامية الولادة ورؤية الدم ولا تحسب من
أثنائها فالنقاء المتخلل بين الدمين في أثناء الولادة مما لم يقم دليل على
كونه نفاسا فلا يترتب عليه أحكامه.
لأن المطلقات الدالة على وجوب الصلاة والصيام وجواز اتيان
الزوج زوجته تقتضي ثبوت تلك الأحكام ما لم يقم دليل على تقييدها
وهو إنما قام على التقييد في خصوص النقاء بين نفاس واحد كما مر.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 و 3 من أبواب النفاس.
244

فنفاسها عشرون يوما لكل واحد عشرة أيام وإن كان
الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض
المدة، وإن فصل بينهما نقاء عشرة أيام كان طهرا، بل
وكذا لو كان أقل من عشرة على الأقوى من عدم اعتبار
العشرة بين النفاسين وإن كان الأحوط مراعاة الاحتياط
في النقاء الأقل كما في قطعات الولد الواحد (1).
(مسألة 7): إذا استمر الدم إلى شهر أو أزيد فبعد
مضي أيام العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها محكوم
بالاستحاضة (2).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 5 من أبواب النفاس، ح 1.
245

وإن كان في أيام العادة إلا مع فصل أقل الطهر عشرة أيام
بين دم النفاس وذلك الدم، وحينئذ فإن كان في العادة
يحكم عليه بالحيضية وإن لم يكن فيها فترجع إلى التمييز
بناءا على ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بين النفاس
والحيض المتأخر وعدم الحكم بالحيض مع عدمه وإن صادف
أيام العادة، لكن قد عرفت أن مراعاة الاحتياط في هذه
الصورة أولى.
(مسألة 8): يجب على النفساء إذا انقطع دمها في
الظاهر الاستظهار بادخال قطنة أو نحوها والصبر قليلا
واخراجها وملاحظتها على نحو ما مر في الحيض (1).
246

(أحدها) أن النفساء كالحائض تعلم بتوجه عدة تكاليف إلزامية
إليها كوجوب الصوم والصلاة على تقدير انقطاع دمها وحرمة ذلك في
حقها إذا لم ينقطع بناءا على أن حرمة الصوم والصلاة ذاتية.
فلا مناص من أن تستخبر حالة بالفحص والاستظهار حتى تخرج
عن عهدة ما علمت بتوجهه إليها اجمالا، ولا سيما في موارد دوران
الأمر بين المحذورين إذا قلنا بحرمة العبادة في حقها ذاتا لدوران أمرها
بين وجوب الصلاة في حقها وحرمتها.
ويرد على هذا الوجه: إن الشبهة موضوعية ومقتضى استصحاب
عدم انقطاع دمها في الباطن والمجري - وإن انقطع دمها في الظاهر -
أنها نفساء، ومعه لا أثر للعلم الاجمالي في حقها.
(الثاني): إن النفاس والحيض واحد وحكمه حكمه فكما أن الاستظهار
واجب على الحائض فكذلك يجب في حق النفساء.
ويندفع هذا الوجه بما يأتي عن قريب من أنه لا دليل على دعوى
اتحادهما كلية:
(الثالث): روايتي يونس وسماعة (1) الواردتين في المرأة التي
انقطع دمها ولا تدري أطهرت أم لم تطهر حيث دلتا على أنها تستظهر
وتقوم قائما وتستدخل قطنة فلو خرجت ملونة بالدم فلم تطهر، وحيث

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 17 من أبواب الحيض، ح 2 - 4
والثانية معتبرة لعين ما ذكر السيد الأستاذ (دام ظله) في تصحيح طريق
الشيخ (قده) إلى أحمد بن محمد بن عيسى، وحاصل ذلك.
إن الشيخ يروي جميع روايات وكتب محمد بن علي بن محبوب بطريق
آخر معتبر فضعف هذا الطريق لا يضر.
247

(مسألة 9): إذا استمر الدم إلى ما بعد العادة في
الحيض يستحب لها الاستظهار بترك العبادة (1) يوما أو
يومين أو إلى العشرة على نحو ما مر في الحيض.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 17 من أبواب الحيض، ح 1.
248

بعشرة لأنه الذي يقتضيه الجمع بين الأخبار الدالة على أنها تستظهر
بيوم أو بيومين أو بثلاثة أو بعشرة.
ودعوى: أن اختلاف الأخبار في التحديد يكشف عن استحباب
الاستظهار في حقها.
مندفعة: بأن ما دل منها على وجوب الاستظهار عليها بيوم واحد
رواية معتبرة لا معارض لها بوجه فلا مناص من الأخذ بها، نعم في
الزائد على اليوم يحكم فيه بالاستحباب جميعا بين الأخبار.
وهكذا الكلام في النفاس لدلالة الأخبار على أنها تستظهر بيوم أو
بيومين فالاستظهار واجب بيوم ومستحب في ما عداه.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار.
(منها): ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال.. عن
مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (ع) عن النفساء يغشاها
زوجها وهي في نفاسها من الدم قال: (نعم إذا مضى لها منذ يوم
وضعت بقدر أيام عدة حيضها تستظهر بيوم.. (1).
وإنا وإن ذكرنا أن طريق الشيخ إلى ابن فضال ضعيف إلا أنه
فيما إذا روى الشيخ عنه في كتابه من غير واسطة فإن طريقه إليه - على
ما ذكره في المشيخة - ضعيف لاشتماله على أحمد بن عبدون وابن الزبير
وأما إذا روى الشيخ عنه في نفس الكتاب بطريق معتبر فلا
كلام في اعتبار الرواية حينئذ لدلالته على أن للشيخ إليه في هذه الرواية
طريقين أحدهما معتبر على الفرض، والأمر في المقام كذلك كما لا يخفى

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 و 7 من أبواب النفاس، ح 4، 1.
249

على من راجع الوافي والتهذيب (1) فلا اشكال في الرواية من حيث السند.
ودلالتها ظاهرة.
و (منها): صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على أن النفساء
أكثر نفاسها ثمان عشر، حيث ورد في ذيلها (ولا بأس بأن تستظهر
بيوم أو بيومين) (2).
وهي وإن حملنا على التقية بالإضافة إلى أكثر النفاس نظرا إلى
اختلاف نسخها إلى أنه غير مستلزم لحملها على التقية في هذا الحكم
أيضا حيث إنها مشتملة على حكمين ولا مناص من حملها في أحدهما على
التقية وأما في الآخر فلا موجب لرفع اليد عنه بوجه.
و (منها): صحيحة زرارة عن أحدهما (ع) قال: (النفساء
تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما
تعمل المستحاضة) (3).
وذلك لأنها عبرت بالمكث وأن النفساء تكف عن الصلاة أيامها
التي كانت تمكث فيها ولم تعبر بأيامها أو بعادتها، ومن الظاهر أن

(1) والطريق الآخر أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى،
عن أحمد بن محمد بن سعيد، التهذيب: ج 1 ص 176 ح 505، وأما
الطريق المذكور في الفهرست والمشيخة فإنه ضعيف بابن الزبير وأما
أحمد بن عبدون فإنه ثقة على الأظهر لأنه من مشايخ النجاشي (ره)
هذا مضافا إلى ما تقدم مرارا من تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضال
من جهة طريق النجاشي إليه.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 15.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 1.
250

(مسألة 10): النفساء كالحائض (1) في وجوب الغسل
بعد الانقطاع أو بعد العادة أو العشرة في غير ذات العادة
الحائض يجب عليها المكث يوما واحدا للاستظهار فهو من أيام مكثها
بمعنى أن دمها إذا تجاوز عن عادتها في شهرين أو أزيد ومكثت يوما
واحدا للاستظهار صدق أنه يوم كانت تمكث فيه في الحيض فلا بد من
أن تمكث فيه في النفاس أيضا. إذن دلت الصحيحة على أن النفساء
كما تمكث أيام عادتها تمكث يوما واحدا بعدها للاستظهار.
نعم بين الاستظهار في الحيض والنفاس فرق: وهو أن الاستظهار
بثلاثة أيام غير وارد في رواية معتبرة في النفاس لكنه وردت رواية
معتبرة فيه في الحائض، وعليه فالنفساء مخيرة في الاستظهار بين يومين
أو عشرة أيام.
وأما الحائض فهي مخيرة بين الاستظهار بيومين وثلاثة وعشرة.
نعم ورد الاستظهار في حق النفساء بثلاثة أيام في رواية المنتقى عن
الجوهري (1) وهي ضعيفة ما تقدم فلا دليل على استحباب الاستظهار
لها بثلاثة أيام.
النفساء كالحائض:
(1) الحكم بأن النفساء كالحائض إن كان مستندا إلى الاجماع
فيدفعه: إن تحصيل الاجماع التعبدي غير ممكن في المسألة، والاجماعات

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 11.
251

ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة وعدم جواز وطئها
وطلاقها ومس كتابة القرآن واسم الله وقراءة آيات
السجدة ودخول المساجد والمكث فيها وكذا في كراهة
الوطئ بعد الانقطاع وقبل الغسل وكذا في كراهة الخضاب
وقراءة القرآن ونحو ذلك
المنقولة لا اعتبار بها.
وإن كان مستندا إلى ما ورد في بعض (1) الأخبار من أن الحائض
مثل النفساء سواء.
ففيه: إن الرواية الدالة على ذلك وإن كانت معتبرة من حيث السند
إلا أن دلالتها على المدعى قابلة للمناقشة من جهتين:
(إحداهما): إنها لو دلت فإنما تدل على أن الحائض مثل النفساء
سواء فيترتب على الحائض ما كان يترتب على النفساء لا أن النفساء مثل
الحائض ليترتب عليها ما يترتب على الحائض كما هو المدعى.
(ثانيتهما): إنا لو سلمنا دلالتها على ذلك فغاية ما يستفاد منها
أنهما سواء في الحكم الذي ورد في الرواية حيث إن زرارة سأله عن
النفساء متى تصلي فقال: (تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن
انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت (استذفرت) وصلت
فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل
والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن يجز الدم الكرسف

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 5.
252

صلت بغسل واحد، قلت: والحائض؟ قال (مثل ذلك سواء) (1)
فلا يستفاد منها سوى اتحادهما في الحكم المذكور من وجوب الصلاة
والغسل عليها لكل صلاتين وللغداة وغير ذلك مما ذكرته الرواية، إلا
أنها لا تدل على أن أي حكم ثبت لأحدهما يثبت للآخر أيضا.
وإن استند في ذلك إلى رواية مقرن عن أبي عبد الله (ع) قال:
سأل سلمان (ره) عليا (ع) عن رزق الولد في بطن أمه فقال (ع)
(إن الله تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقة في بطن أمه) (2).
ففيه: أن الرواية - مضافا إلى ضعف سندها بغير واحد من رجاله
كمقرن لجهالته ومحمد بن علي الكوفي وغيرهما - مخدوشة بحسب الدلالة
لأنها دلت على أن الحيض يحبس في بطن المرأة رزقا لولدها وإما أن
الخارج بعد الولادة حيض فلا دلالة فيها على ذلك بوجه ولو ضعيفا
إذ الحيض إنما يحبس في بطنها بمقدار يرتزق به الولد لا الزائد على
ذلك حتى يكون الخارج بعد الولادة حيضا وإنما هو نفاس مستند
إلى الولادة.
إذن: لا دليل على الكبرى المدعاة من أن النفساء كالحائض في أحكامها
ولا بد في كل حكم من التبعية لدليله فنقول:
لا اشكال في أن النفساء لا تجب عليها الصلاة ولا قضاؤها، كما
لا يجب عليها الصيام ولكن تقضيه بعد نفاسها، وكذا يحرم وطؤها
ما دام لم ينقطع دمها.

(1) المصدر المتقدم.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 30 من أبواب الحيض، ح 13.
253

كل ذلك لدلالة الأخبار المعتبرة عليه (1)،
وكذا لا اشكال في عدم جواز مس النفساء الكتاب العزيز لما
قدمناه في مبحث الحيض من أن ذلك لا يختص بالحيض والجنابة وإنما
هو حكم لمطلق المحدث، لما دل على النهي عن مسه من غير طهر
مستشهدا بقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون).
وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سندا كما مر، إلا أن الرواية
غير منحصرة بها لدلالة غيرها من الأخبار المعتبرة على عدم جواز
مس الكتاب من غير وضوء وقد قلنا: إن مقتضى ذلك عدم جواز
مسه من دونه مطلقا ولو مع الاغتسال إلا أن الأدلة الدالة على اغناء
الغسل عن الوضوء دلتا على جوازه مع الغسل أيضا وحيث إن النفساء
لا يصح منها الوضوء ولا هي مغتسلة فلا يجوز لها مس الكتاب كالحائض.
وأما حرمة قراءة العزائم ودخول المسجدين والمكث في بقية المساجد
فلم يثبت شئ منها في النفساء لاختصاص دليلها بالحائض والجنب فالحكم
بالحرمة فيها مبني على الاحتياط - استحبابا لا وجوبا - لضعف ما دل
على اشتراك الحائض والنفساء في أحكامهما، وقد تقدم اشتراكهما
في الاستظهار.
ولا اشكال في اشتراكهما في عدم جواز الطلاق لدلالة الأدلة (2)
على اشتراط كونها في الطهر، والنفساء ليست كذلك.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1، 3، 6، 7 من أبواب النفاس
وغيرها من الموارد.
(2) الوسائل: الجزء 15 باب 24، 25، 26 من أبواب مقدمات
الطلاق وشرائطه.
254

وأما كراهة وطئها بعد الانقطاع وقبل الغسل وكراهة غيره مما
ذكره في المتن فلم يقم دليل معتبر على اعتبارها في حق النفساء بل تبتني
على التساوي بينها وبين الحائض وقد عرفت منعه.
نعم ورد فيما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال أن المرأة
تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل فلزوجها أن
يأتيها قبل إن تغتسل؟ قال (لا حتى تغتسل) (1).
وقد حملت على الكراهة بقرينة الأخبار المجوزة وهي مطلقة تشمل
النفساء أيضا.
إلا أنها ضعيفة لضعف طريق الشيخ إلى ابن فضال فالحكم بكراهة
وطئها حينئذ مبني على التسامح في أدلة السنن على نحو يشمل المكروهات
أيضا. وكذلك الحال في غيره من المكروهات الواقعة في كلامه (قده)
فإنها مما لا دليل معتبر عليه.
(استدراك):
ذكرنا أن كراهة وطي النفساء بعد انقطاع دمها وقبل الاغتسال لم
يثبت بدليل معتبر وذلك لأن ما دل على المنع عن وطيها قبل الاغتسال
رواية معتبرة وهي ما رواه الشيخ عن ابن فضال بطريق معتبر وقد
دلت على أن النفساء يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أحب (1).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب النفاس، ح 3، وتقدم
اعتبار طريق الشيخ إلى ابن فضال.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 7 من أبواب النفاس، ح 1. وتقدم
وجه اعتباره في أول هذه المسألة.
255

وما ادعي دلالته على جوازه قبل الاغتسال فهو روايتان كلتاهما عن
الشيخ عن ابن فضال وفي إحداهما عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا
عن علي بن يقطين عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا انقطع الدم
ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء) (1).
وفي الأخرى: عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) من غير
واسطة، ولأجلهما حمل المنع في الرواية المانعة على الكراهة جمعا بينهما
كما صنعوا في الحيض مثل ذلك.
إلا أن الروايتين ضعيفتان: أما الأولى فلأن الشيخ رواها عن ابن
فضال بطريق معتبر إلا أنها ضعيفة بالارسال.
وأما الثانية فلأن الشيخ رواها عن ابن فضال بطريقه الضعيف الذي
فيه (ابن عبدون) و (ابن الزبير) هذا على أنهما إنما وردتا في الحائض.
وأما ما صعبه صاحب الوسائل (قده) من نقلهما في النفساء فلم يظهر لنا
وجهه فإن الروايتين اشتملنا على ضمير (ها) من غير تصريخ
بالحائض ولا النفساء وإنما قلنا باختصاصهما بالحائض من جهة أن الشيخ
نقلهما في الحائض واستدل بهما على جواز وطيها قبل الاغتسال وهو
قرينة اختصاصها بالحائض.
ثم لو أبيت عن ذلك فالروايتان مجملتان لعدم الدليل على ورودهما
في الحائض أو في النفساء فلا يبقى مجال للاستدلال بها على الجواز
ليجمع بينها وبين الخبر المانع بحمله على الكراهة - كما في الحيض - فالحكم
بالكراهة لا دليل عليه.
ولكنا مع ذلك - أي مع اعتبار دليل المنع - نلتزم بجواز وطيها

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 7 من أبواب النفاس، ح 2.
256

وكذا في استحباب الوضوء في أوقات الصلاة والجلوس
في المصلي والاشتغال بذكر الله بقدر الصلاة، وألحقها
بعضهم بالحائض في وجوب الكفارة إذا وطأها وهو أحوط
لكن الأقوى عدمه (1)
قبل الاغتسال كما في الحائض (لا على كراهة) وذلك لما ذكرناه في
مبحث الحيض من جريان السيرة بين أصحاب الأئمة (ع) والمتدينين
على وطي الحائض والنفساء قبل الغسل وذلك لأن الإماء والجواري
كانت متداولة في تلك الأعصار من غير شبهة وقد كانت جملة منهن
نصرانية أو مجوسية أو غيرهما من الفرق والأديان وهن لا يغتسلن بعد
الحيض والنفاس ولو اغتسلن فلا يصح منهن الاغتسال ومع ذلك
لا نحتمل اجتنابهم عن الإماء بعد رؤيتهن الحيض مرة أو ولادتهن
كذلك لعدم اغتسالهن أو بطلانه وبهذه السيرة نحكم بجواز وطيهما قبل الاغتسال.
الحاق النفساء بالحائض في وجوب الكفارة بوطيها:
(1) ألحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفارة إذا وطأها
زوجها والمصنف استقوى عدم الالحاق وإن كان أحوط مع أنه (قده)
التزم بالالحاق ومن ثمة حكم على النفساء بحرمة الدخول في المسجدين
والمكث في المساجد وغير ذلك مع أنه لم يقم دليل معتبر على حرمة
ذلك على النفساء.
257

والصحيح ما أفاده (قده) لعدم امكان الالحاق في الكفارة وإن
قلنا بالالحاق في غيرها وذلك لأن العمدة في الالحاق هو الاجماع وما
دل على أنها والحائض سواء كما مر (1)، لضعف الرواية (2) الثانية
التساوي المستدل بها على الالحاق من حيث الدلالة أو بحسب الدلالة والسند كما مر.
والنظر في كلمات الأصحاب والتأمل فيها يشهد على أن مرادهم من
التساوي بينهما إنما هو في الأحكام المرتبة على الحائض وأن ما يحرم عليها يحرم
عليها وما يجب عليها يجب عليها وما يكره لها يكره لها وهكذا وكذلك الرواية
دلت على تساويهما في وجوب الغسل لكل صلاتين ونحوه مما ذكر في الرواية.
وأما التساوي من حيث وطي الزوج في الحكم المتعلق بغير
النفساء وأن زوج النفساء كزوج الحائض في ترتب الكفارة على
وطيه فهو أمر أجنبي عن مفاد كلماتهم وعن الرواية ولم يقم عليه دليل.
نعم لو قلنا بالتساوي لم يجز للنفساء التمكين لزوجها كالحائض إلا
أن زوجها إذا كان مجنونا أو صغيرا أو أجبرها على الوطي وجب عليه
الكفارة أو استحبت وهو حكم آخر مترتب على الحائض دون النفساء
ويحتاج إلى دليل، وعلى الجملة أن الحكم بالكراهة أو الوجوب أو
الاستحباب في تلك الموارد مبني على الالحاق وقد عرفت أنه لا دليل
معتبر عليه.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الاستحاضة، ح 5.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 30 من أبواب الحيض ح 13.
258

(مسألة 11): كيفية غسلها كغسل الجنابة (1) إلا أنه
لا يغني عن الوضوء (2) بل يجب قبله أو بعده كسائر الأغسال.

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 26 من أبواب الجنابة.
259

وإذا أراد الاحتياط بالتوضؤ فليتوضأ قبل الاغتسال حتى لا يحتمل
كونه بدعة بعد الاغتسال.
هذا تمام الكلام في النفاس والحمد لله رب العالمين.
260

فصل في غسل مس الميت
يجب بمس ميت الانسان بعد برده وقبل غسله (1)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 1.
(2) الوسائل: الجزء باب 1 من أبواب غسل المس ح 3.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 4.
(4) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 5 وغيرها
من روايات الباب.
261

ومع ذلك حكي عن السبزواري في الذخيرة من قوله بعد نقل جملة
من الروايات: ولا يخفى أن الأمر ما بمعناه في أخبارنا غير واضح
الدلالة على الوجوب، فالاستناد إلى هذه الأخبار في اثبات الوجوب
لا يخلو عن الاشكال.
وتعبيره ب‍ (لا يخفى) يدل على أن عدم دلالة الأخبار على الوجوب
كأنه من الأمور الواضحة مع أن الأخبار - كما عرفت - مصرحة
بالوجوب بمختلف أنحاء صيغ الوجوب وقل مسألة ترد فيها النصوص
المصرحة بالوجوب مثل المقام فما الذي دعاه إلى الاشكال والاستشكال
في دلالتها والله العالم به؟! وهذا منه (قده) على دقته وتحقيقه غريب. هذا
ونسب إلى السيد المرتضى (قده) استحباب الغسل من مس الميت
واستدل غيره له بوجوه:
الوجوه المستدل بها على استحباب غسل المس:
(منها): إنه ذكر في سياق جملة من المندوبات وأنه (اغتسل
للفطر والأضحى والجمعة وإذا مسست ميتا) (1) وقد ذكر في بعض
النصوص (2) أن الفرض منها غسل الجنابة.
ويدفعه: ما ذكرناه في محله: من أن الوجوب ليس مدلولا لصيغة
الأمر وإنما هي تدل على الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب وإنما
يستفاد الوجوب من عدم قيام القرينة على الترخيص في الترك، كما أن

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة، وباب 4 من أبواب غسل المس ح 2.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة، وباب 4 من أبواب غسل المس ح 2.
262

الاستحباب يستفاد من قيامها على الترخيص في الترك وحث قامت
القرينة على الوجوب في غسل مس الميت حكمنا بوجوبه دون غيره
وهذا لا يستلزم استعمال الصيغة في معنيين بل معناها واحد كما مر.
على أنا لو سلمنا ذلك فغاية ما يستفاد من ذلك أن الصيغة لم تستعمل
في الوجوب وأما إنها استعملت في الاستحباب فهو محتاج إلى الدليل
وعليه فالرواية لا تدل على وجوب الغسل كما لا تدل على استحبابه
لتعارض سائر الأخبار.
وأما ما ورد في بعضها من أن الفرض غسل الجنابة ففيه: أن الفرض
بمعنى ما أوجبه الله تعالى في كتابه في قبال السنة التي هي بمعنى ما أوجبه
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) وغسل الجنابة قد أمر به في موردين
من الكتاب وهما قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (1) وقوله
تعالى: (إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (2) وهذا بخلاف غسل
مس الميت ونحوه.
وقد ورد في صحيحة زرارة الدالة على أن الصلاة لا تعاد إلا من
خمس. (3) أن التشهد سنة أي واجب أوجبه النبي والأئمة (ع)
وغير مذكور في الكتاب العزيز فليس (سنة) في قبال (واجب)
كما توهم.
و (منها): ما ورد (4) من السؤال عن أن أمير المؤمنين (ع)

(1) سورة المائدة: 6.
(2) سورة النساء: 43.
(3) الوسائل: الجزء 5 باب
(4) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 7.
263

هل اغتسل حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته؟ فأجابه الصادق
عليه السلام: (النبي صلى الله عليه وآله طاهر مطهر ولكن فعل أمير المؤمنين (ع)
وجرت به السنة) لدلالتها على أن غسل مس الميت لم يكن واجبا قبل
فعل أمير المؤمنين (ع) وإنما فعله وجرت به السنة فهو أمر مستحب وفيه:
أولا: إن الرواية ضعيفة السند لأن الشيخ رواها في التهذيب في
موضعين:
أحدهما: باب الأغسال الواجبة والمندوبة عن محمد بن الحسن الصفار
عن محمد بن عيسى عن القاسم بن الصيقل (1) من الأغسال المفترضات
والمندوبات.
وثانيهما: في آخر باب الزيادات من تلقين المختصرين عن الصفار
عن محمد بن عيسى العبيدي عن الحسين بن عبيد.
وهما ضعيفتان الأولى بالقاسم بن الصيقل والثانية بالحسين بن عبيد
كما في نسخة التهذيب وأما الحسن بن عبيد (كما في الوسائل) فلم
يذكر في الرجال أصلا.
وأما ما في الوسائل من نقل الرواية عن الشيخ بطريقين أحدهما بطريق
الصفار عن محمد بن عيسى المتقدم وثانيهما عن المفيد عن أحمد بن محمد عن
أبيه عن الصفار عن محمد بن عيسى... فلم نقف على طريقه الثاني
في التهذيب.
وثانيا: إن الرواية غير تامة من حيث الدلالة إذا لم تدل على أن
كونه سنة معلولا لفعل أمير المؤمنين (ع) بل جرى السنة وفعله (ع)
في عرض واحد بمعنى أنه أتى به وجري به السنة حيث لم يقل (فعله

(1) في الاستبصار وفي بعض نسخ التهذيب القاسم الصيقل.
264

فجرى به السنة) بل قال: (فعل وجرت به السنة).
على أنها تدل على أن وجوب غسل مس الميت كان أمرا مفروغا عنه
في تلك الأزمنة ومن هنا لم يسأل الراوي عن أصل وجوبه وإنما سأل
عن اغتسال علي (ع) عن مسه بدن النبي صلى الله عليه وآله خاصة لأنه طاهر
مطهر ولا قذارة فيه لتسري إلى علي (ع) ويجب عليه الاغتسال.
أضف إلى ذلك أنا لو سلمنا دلالتها على استحباب الغسل فهي
مختصة بمثل بدن النبي صلى الله عليه وآله الذي كان طاهرا مطهرا، هب أن في مس
كل بدن طاهر مطهر كأبدان الأئمة (ع) يستحب الاغتسال ولا يجب
وأما فيمن مس بدن الميت الذي ليس بطاهر ولا مطهر فلا يستفاد
منها استحباب الغسل فيه أيضا.
و (منها): التوقيع المروي في الاحتجاج في إمام صلاة حدث
عليه حدث وأنه يؤخر ويتقدم بعض المأمومين ويتم صلاتهم: أن من
مسه ليس عليه إلا غسل اليد، (1)، حيث دل على عدم وجوب الغسل
من مس الميت. ويدفعه:
أولا: إنها ضعيفة السند لما ذكرناه غير مرة أن الطريق إلى الاحتجاج
لم تثبت وثاقته.
وثانيا: إن وجوب الغسل من المس إنما هو بعد برده لامع حرارته
والإمام الميت لا يبرد بدنه بعد موته بدقيقة أو نصفها أي حال مسه
ليؤخره فإن الصلاة يعتبر فيها الموالاة فلا مناص من تأخيره في زمان
قليل ولا يبرد بدنه حالئذ.
ويوضح ما ذكرناه: التوقيع الثاني المروي في الاحتجاج حيث قال:

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 4.
265

وكتب إليه وروي عن العالم أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن
مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا
بحرارة بدنه فالعمل في ذلك على ما هو، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه
فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع: (إن مسه في هذه الحال لم يكن
عليه إلا غسل يده) (1) حيث إنها ناظرة إلى الرواية الأولى وشارحة
لها وأن مس الميت في حالة الحرارة لا يوجب إلا غسل اليد دون
الاغتسال ومن هنا ورد أن الصادق (ع) كان يقبل ولده إسماعيل بعد
موته وقيل له: إنه يوجب الغسل قال (ع) إنما ذاك إذا برد (2).
وقد استدل للسيد (قده) برواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي
عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: الغسل من سبعة من الجنابة
وهو واجب ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزأك) (3).
بدعوى أن ذيلها يدل على كفاية تطهير البدن في مس الميت من
غير حاجة إلى الاغتسال.
وفيه: مضافا إلى تشويش الرواية دلالة لعدم استعمال التطهر في تطهير البدن
ومن المحتمل أن يراد به الاغتسال من مس الميت وأنه يجزء عن الوضوء
لأن التطهر استعمل في الاغتسال كما في قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا
فاطهروا) (4).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 5.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 2.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 8.
(4) سورة المائدة: 6.
266

دون ميت غير الانسان (1)
مخدوشة سندا بالحسين بن علوان لأنه عامي لم يوثق (1) بل قد
يناقش في عمرو بن خالد أيضا إذا لم يوثقه سوى ابن فضال وقد وقع الكلام
في توثيقه إلا أن الصحيح أنه موثق ولا بأس بتوثيق ابن فضال (2)
فتحصل أنه لم يقم دليل على استحباب غسل مس الميت فتبقى الأدلة
المتقدمة الدالة على الوجوب سليمة عن المعارض.
عدم وجوب الغسل بمس ميت غير الانسان:
(1) لجملة من النصوص كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
في رجل مس ميتة أعليه الغسل قال (ع): (لا، إنما ذلك من
الانسان) (3) وغيرها. فمس ميتة غير الآدمي إنما يوجب الغسل إذا
كانت الملاقاة مع رطوبة وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث نجاسة الميتة
لذهاب بعضهم إلى وجوب الغسل بملاقاتها ولو كانت من غير رطوبة
أيضا - كما مر - في محله.

(1) رجع (دام ظله) عن ذلك في معجم الرجال ج 6 ص 32 وبنى
على وثاقته.
(2) على أن عمرو بن خالد ورد في أسانيد كامل الزيارات أيضا فلاحظ.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 6 من أبواب غسل المس ح 1 وغيره.
267

أو هو قبل برده (1) أو بعد غسله (2)
عدم وجوب الغسل بالمس قبل برد الميت:
(1) للنصوص كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: دخلت على
أبي عبد الله (ع) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو
ميت فقلت: جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت
ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال: (أما بحرارته فلا بأس إنما ذاك
إذا برد) (1) وغيرها من الروايات. ولعله مما لا كلام فيه وإنما وقع
الكلام في مسه وقد برد بعض جسده دون تمامه، ويأتي عليه الكلام
بعد قليل إن شاء الله.
عدم وجوب الغسل بالمس بعد غسله:
(2) وذلك للنصوص أيضا منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: (مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس
بها بأس) (2) وغيرها.
وأما موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: (يغتسل الذي غسل

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 2 وغيره.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 1 وغيره.
268

الميت وكل من مس ميتا فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل) (1)
فهي إنما تدل على وجوب الغسل حتى بعد غسل الميت بالظهور فنرفع
اليد عن ظهوره بالنصوص المصرحة بعدم الوجوب إذا مسه بعد تغسيله.
وبذلك نحمل الموثقة على الاستحباب فالاغتسال من المس بعد تغسيل
الميت الممسوس أحد الأغسال المستحبة.
وبهذا يظهر الجواب عما استدل به على وجوب الغسل مطلقا كحسنة
حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: (من غسل ميتا فليغتسل وإن مسه
ما دام حارا فلا غسل عليه وإذا برد ثم مسه فليغتسل قلت: فمن
أدخله القبر؟ قال: (لا غسل عليه إنما يمس الثياب) (2) وغيرها
مما هو بهذا المضمون.
نظرا إلى أن مس الميت بعد غسله لو لم يكن موجبا للاغتسال فما
معنى تعليله (ع) عدم وجوب الغسل بأنه مس ثياب الميت فإن معناه
أنه لو مسه ببدنه لوجب عليه الاغتسال.
والجواب عنه إنها وإن كانت ظاهرة في ذلك إلا أن الظهور يرفع
عنه اليد بالنصوص المصرحة بالعدم وتحمل على استحباب غسل المس
إذا مس بعد الاغتسال.
وهذا هو الصحيح في الجواب لأحمل الرواية على مورد لم يغسل
الميت حين دفنه لعدم الماء - كما في البراري أو للنسيان أو عصيانا.
وذلك لأنها فروض نادرة والغالب في الميت حال دفنه هو تغسيله
ولا حملها على صورة فساد تغسيله - كما عن المحقق الهمداني (قده)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 3.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 14.
269

والمناط برد تمام جسده فلا يوجب برد بعضه ولو كان
وذلك لأنه خلاف مقتضى أصالة الصحة الجارية في تغسيل المغسل للميت.
ما هو المناط في وجوب الغسل:
(1) إذا برد بعض جسد الميت دون بعضه مقتضى القاعدة وجوب
الاغتسال بمسه لأن المطلقات دلت على وجوب الاغتسال من مس الميت
مطلقا وقد خرجنا عنها فيما إذا مسه وهو حار بمقتضى النصوص المتقدمة
والقدر المتيقن من تلك المقيدات ما إذا كان حارا بتمامه.
وأما إذا برد بعضه وشككنا في وجوب الغسل بمسه حينئذ وعدمه
- وكما إذا لم يكن للمقيد اطلاق - فلا مناص من أن نرجع إلى المطلقات
وهي تقتضي وجوب الاغتسال ولا محل للرجوع إلى الأصل مع وجودها.
إلا أن ظاهر بعض المقيدات عدم وجوب الغسل ما دام لم يبرد
الميت بتمامه - كما في صحيحة (1) إسماعيل بن جابر المتقدمة حيث إن ظاهر
كلمة (للبرد): برد الميت بتمامه، إذ مع برد البعض دون بعض لا يصدق
أن الميت برد، وكلمة (إنما) تفيد الحصر، وعليه تدل الصحيحة
على أن وجوب الغسل بالمس منحصر بما إذا لم يبرد الميت بتمامه.
وكذلك صحيحة علي بن جعفر (ع) (وإن كان قد برد فعليه
الغسل إذا مسه) (2) فمع عدم البرد بتمام جسد الميت لا غسل واجب

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 2.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 18.
270

هو الممسوس والمعتبر في الغسل تمام الأغسال الثلاثة (1)
فلو بقي من الغسل الثالث شئ لا يسقط الغسل بمسه (2)
وإن كان الممسوس العضو المغسول منه (3) ويكفي في
سقوط الغسل إذا كانت الأغسال الثلاثة كلها بالماء القراح
لفقد السدر والكافور (4)
وإن مس العضو الذي قد برد.
(1) لأنه مقتضى ظهور غسل الميت في الأخبار المتقدمة الدالة على
وجوب غسل مس الميت إذا لم يغسل الميت بعد، فإن غسل الميت
ظاهر في الغسل الشرعي المأمور به وهو ملفق من ثلاثة أغسال.
(2) لعدم تمامية الغسل المأمور به.
(3) في الغسل الثالث كما إذا مس رأس الميت بعد ما غسل في الغسل
الثالث وقبل تماميته - أي قبل غسل البدن في الغسل الثالث، وذلك
لعدم تمامية الغسل المأمور به.
ما يكفي في سقوط الغسل لدى العذر:
(4) قد تقدم أن غسل مس الميت إنما يجب فيما إذا كان المس قبل
التغسيل ولا يجب بعده والغسل الواجب في الميت ثلاث لأنه لا بد من
تغسيله أولا بالماء القراح ثم بالسدر ثم بالكافور فمع عدم تمامية الأغسال
يكون المس موجبا للغسل كما مر. هذا في صورة التمكن والاختيار.
271

بل الأقوى كفاية التيمم (1) أو كون الغاسل هو الكافر
بأمر المسلم لفقد المماثل لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما
وأما إذا لم يوجد السدر والكافور وغسل الميت بالماء القراح ثلاثا
فهل يكفي ذلك في سقوط الغسل فلا يجب بمسه أو لا؟
الصحيح هو السقوط وذلك لاطلاقات الأخبار (1) الدالة على
عدم وجوب الغسل إذا مسه بعد تغسيله لأن ظاهرها أن المس بعد
الغسل المأمور به لا يوجب الغسل وأن الغسل المأمور به يختلف باختلاف الحالات
ومع التمكن يجب تغسيل الميت بالسدر والكافور ولا يجب ذلك في
صورة عدم التمكن منه لسقوط الشرط بالتعذر واختصاصه بحال التمكن منه.
فإذا غسل بالماء القراح ثلاثا فقد تم غسل الميت المأمور به شرعا
فلا يكون مسه بعدئذ موجبا للغسل لعدم التقييد في الأخبار بما إذا
غسل بالسدر والكافور وإنما دلت على نفي الغسل بعد تغسيله الميت
وهذا ظاهر.
نعم في مشروعية التغسيل بالماء القراح ثلاثا عند عدم السدر
والكافور أو وجوب التيمم حينئذ كلام يأتي التعرض له في البحث
عن وجوب غسل الميت، وكلامنا في المقام بعد الحكم بوجوب تغسيله
بالماء القراح ثلاث مرات.
(1) إذا لم يوجد الماء أو لم يتمكن من تغسيل الميت به فيمم فهل
يجب غسل مس الميت على من مسه بعد التيمم أو لا يجب؟

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس.
272

الظاهر هو الوجوب، وهذا لا لما قد يناقش به في بدلية التيمم
عن الغسل في المقام بأن غاية ما ثبت من الأخبار الواردة في البدلية إنما
هو بدلية التراب عن الماء لقوله (ع) (رب التراب أو الصعيد ورب
الماء واحد) (1) وأما بدليته عن السدر والكافور فلم تثبت بدليل
وقد عرفت أن الميت يجب تغسيله بالماء القراح وبالسدر والكافور.
وقد يجاب عن هذه المناقشة: بأن الواجب هو الغسل بالماء وكونه
بالسدر والكافور من الشرائط، ومن ثمة يشترط في الخليط أن لا يكون
كثيرا على نحو يخرج الماء عن الاطلاق فالواجب هو الغسل بالماء المطلق
وإن كان له شروط نظير شرائط الغسل والوضوء.
وفيه: إن المستفاد من الروايات إنما هو بدلية التراب عن طبيعي
الماء وأما بدليته عن الحصة منه وهو الماء المشروط بكونه مخلوطا
بالسدر أو الكافور فلم يقم عليها دليل.
نعم الماء في الأغسال الثلاثة لا بد أن يكون ماء مطلقا كما أفيد إلا
أن المأمور به بالآخرة هو الحصة الخاصة منه مع بقائه على إطلاقه،
والأدلة دلت على أن التيمم أو التراب إنما هو بدل عن طبيعي الماء
ولم يقم على بدليته عن الحصة الخاصة منه دليل.
والصحيح في الجواب عن هذه المناقشة أن يقال:
أن الأخبار الواردة في البدلية غير مختصة بما دل على تنزيل التراب
منزلة الماء فإن قوله (ع) التيمم أحد الطهورين) (2) مطلق لاطلاق
الطهور الثاني فهو يعم طبيعي الماء والحصة الخاصة منه - كما في المقام -

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 14 من أبواب التيمم ح 14 و 15.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب التيمم ح 1.
273

ومقتضاه قيام التيمم مقام التغسيل بالسدر والكافور أيضا لدلالته على
أنه يقوم مقام مطلق الطهور.
هذا على أنا لو سلمنا أن الأدلة دلت على تنزيل التراب منزلة الماء
أيضا لا مانع من شمولها للمقام لأن التيمم حينئذ بناءا على مشروعية
الأغسال الثلاثة بالماء القراح وعدم انتقال الأمر إلى التيمم - بدل عن
الماء المطلق وطبيعي الماء، لا أنه بدل عن الحصة الخاصة فالتيمم بدل
عن الأغسال الثلاثة بالماء القراح التي هي بدل عن الغسل بالسدر
والكافور فلا اشكال من هذه الجهة.
وعلى الجملة: لا اشكال في شمول أدلة البدلية للمقام لاطلاقها.
وأما الاستدلال على بدلية التيمم عن غسل الميت برواية عمرو بن خالد
في ميت مجذور كيف يصنع بغسله؟ قال (ع) (ييمم) (1) بدعوى
دلالتها على أن من لم يمكن تغسيله يكفي التيمم في حقه.
فيندفع: بأن الرواية ضعيفة السند لوجود عدة مجاهيل في السند.
ودعوى: انجبار ضعفها بعمل الأصحاب لأنهم أخذوا التمثيل بالمجدور
في كلماتهم فيظن أنهم أخذوا الحكم من تلك الرواية - كما عن المحقق
الهمداني (قده).
مندفعة: بأن ذلك لا دلالة له على استنادهم إلى الرواية ومن ثمة لم
يخصصوا الحكم بالمجدور بل ذهبوا إلى كفاية التيمم في مطلق من لم
يمكن تغسيله (وكروا المجدور من باب المثال ولعدم التمكن من
غسله بالماء لتناثر لحمه بإصابته) مع أن الرواية مختصة بالمجدور.
على أن كبرى الانجبار بعمل المشهور غير ثابتة كما ذكرنا في محله

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 16 من أبواب غسل الميت ج 3.
274

ولا فرق في الميت بين المسلم والكافر (1)
فالصحيح في الاستدلال هو التمسك باطلاق أدلة البدلية كما تقدم.
بل الوجه في المنع عن كفاية التيمم عن وجوب غسل المس هو أن
الأدلة الواردة في بدلية التيمم عن الماء إنما تدل على أنه طهور في حق
المتيمم وأنه متطهر كالمتطهر بالماء ولكنه في هذه الحال، وأما الشخص
الآخر وأن حكم مسه حكم المس بعد التغسيل فهو محتاج إلى الدليل أي
محتاج إلى عناية زائدة في الكلام ولا يمكن استفادته من بدلية التيمم
عن الغسل بالإضافة إلى المحدث والميت.
وهذا نظير ما إذا كان بدن الميت متنجسا ثم ييمم فإن أدلة البدلية
لا تدل على أن مسه بالرطوبة غير موجب للتنجس لأنه كمس بدنه بعد
بعد التغسيل ولعله ظاهر.
التسوية بين أقسام الميت:
(1) لأن الأخبار الواردة في المقام الدالة على أن من غسل الميت
يجب عليه الاغتسال وإن لم تشمل الكافر لاختصاصها بمن يجب غسله
بعد موته والكافر لا يغسل ولا دليل على مشروعيته في حقه، إلا أن
من الأخبار ما يشمل المقام.
كصحيحة محمد بن مسلم (1) الدالة على أن من غمض عيني الميت
يغتسل فإن غمض العين لا يختص بالمسلم ويشمل الكافر أيضا.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 1.
275

والكبير والصغير (1) حتى السقط (2) إذا تم له
وكذا صحيحة إسماعيل بن جابر (1) الدالة على أن مس الميت
بعد برده موجب للاغتسال لاطلاقها وعدم اختصاصها بالمسلم وإن
كان موردها هو المسلم، وكذا غيرهما مما دل على وجوب الغسل بتقبيل
الميت فإنها مطلقة تعم الكافر لا محالة.
وأما الأخبار الأخرى فغايتها أنها لا تدل على وجوب الغسل بمس
الكافر الميت لا أنها تدل على عدم الوجوب.
وأما ما حكي عن العلامة (قده) من أن مس الكافر كمس
ميتة البهيمة.
ففيه: أن يشبه كلام العامة لأنه قياس فإنه عدم وجوب الاغتسال
من مس البهيمة لا يستلزم عدم وجوبه في مس ميت الانسان وهما أمران
أحدهما غير الآخر وإن كان الكفار كالبهائم حقيقة بل هم أضل سبيلا.
إلا أن حكمهما مختلف ومن ثمة يجوز وطي الكافرة دون البهيمة.
مضافا إلى أنه اجتهاد في قبال النص لدلالة الأخبار المتقدمة باطلاقها
على وجوب الغسل بمس ميت الكافر أيضا ودلالتها على عدم وجوب
الغسل بمس الميت الحيواني كما تقدم فالقياس مع الفارق.
(1) لاطلاق الأخبار فإن الموضوع لوجوب غسل المس إنما هو
مس الميت الانساني بلا فرق في ذلك بين الصغير والكبير.
(2) أي إذا ولجته الروح وذلك لصدق الميت الانساني عليه وهو ظاهر.
وإنما الكلام في السقط الذي لم تتم له أربعة أشهر أي قبل ولوج

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 1 من أبواب غسل المس ح 2.
276

أربعة أشهر بل الأحوط الغسل بمسه ولو قبل تمام أربعة
أشهر أيضا وإن كان الأقوى عدمه.
الروح فيه هل يوجب مسه الغسل أو لا يوجبه؟
فيه خلاف بين الأعلام، والصحيح عدم وجوب الغسل بمسه لأن
الموضوع - كما مر - هو مس الميت الانساني، وإنما يصدق الميت فيما
إذا سبقته الروح والحياة فالمراد به خصوص الميت بعد الحياة لا مطلق
ما لا روح فيه فلا يصدق الميت على السقط قبل ولوج الروح فيه.
ويؤيده ما رواه الصدوق في العلل عن ابن شاذان وعن محمد بن سنان
عن الرضا (ع) (إنما أمر من يغسل الميت لعلة الطهارة مما
أصابه من نضح الميت لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته) (1).
لدلالته على أن الميت الذي يجب الغسل بمسه هو الميت الذي له
روح تخرج منه دون الميت الذي لا روح له من الابتداء.
نعم يبقى الكلام في أنه إذا لم تصدق (الميتة) أو (الميت) على
ما لا روح فيه من الابتداء فبأي وجه تحكمون على السقط بالنجاسة حينئذ
لعدم كونه ميتة على الفرض مع أن نجاستها مما لا خلاف فيها.
إلا أنا قدمنا في مبحث النجاسات: إن موضوع الحكم بالنجاسة
لا يختص بالميتة لأن الجيفة أيضا نجسة فالموضوع أعم من الميتة، لما في
بعض (2) الأخبار من النهي عن التوضي بالماء الذي تغيرت ريحه
بريح الجيف.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 11 و 12.
(2) الوسائل: الجزء 1 باب 3 من أبواب الماء المطلق.
277

ولا اشكال في أن السقط قبل ولوج الروح فيه يصدق عليه (الجيفة)
بل هو أظهر مصاديقها فهو نجس من هذه الجهة.
وأما الاستدلال على نجاسته بأنه القطعات المبانة من الحي والقطعة
المبانة بحكم الميتة ونجسة.
فمندفع: بأن الظاهر من القطعة المبانة كون الشئ المبان قبل أن بيان
جزءا من الحيوان، ومن الظاهر أن السقط والولد ليسا جزءا من الأم
لأن حالهما حال البيضة في بطن الدجاجة فالبطن وعاء للسقط ليس هو
جزءا من بدن الأم فلا يصدق عليه عنوان (القطعة المبانة من الحي)
على أنه لو كان من القطعات المبانة من الحي لزم الالتزام بوجوب
غسل المس بمسه بناءا على ما هو المشهور من أن للقطعة المبانة من الحي
إذا كانت مشتملة على العظم وجب الغسل بمسه، والسقط قبل تمام
أربعة أشهر مشتمل على العظم والمفروض أنا لا نلتزم بوجوب الغسل بمسه،
ويؤيد ما ذكرناه اتفاقهم على نجاسة الجنين كما تقدم لأنه يؤكد كون
الموضوع في الحكم بالنجاسة أعم من الميتة كما مر.
وأما ما استدل به المحقق الهمداني (قده) على نجاسة السقط حينئذ
بالأخبار (1) الدالة على أن ذكاة الجنين ذكاة أمه بتقريب (أنها تدل
على أن الجنين قابل للتذكية وأنه مذكى عن تذكية أمه فإذا لم تقع عليه
التذكية ولم يذك أمه فهو ميتة إذ لا واسطة بين الميتة وغير المذكي
واقعا) وبعبارة أخرى: إنها تدل على أن الأم إذا ذبحت فجنينها أيضا
طاهر محلل الأكل لكفاية ذبح الأم في تذكية الجنين، وأما إذا لم تذبح
الأم فخرج جنينها فهو ليس بمذكى ولا يجوز أكله فإذا لم يكن مذكى

(1) الوسائل: 16، باب 18 من أبواب الذبائح.
278

(مسألة 1): في الماس والممسوس لا فرق بين أن
يكون مما تحله الحياة أو لا (1) كالعظم والظفر، وكذا
279

لا فرق فيهما بين الباطن والظاهر (1) نعم المس بالشعر
لا يوجبه وكذا مس الشعر (2)
280

(مسألة 2): مس القطعة المبانة من الميت أو الحي

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل الميت، ح 5 و 3.
(2) المصدر المتقدم.
281

إذا اشتملت على العظم (1) يوجب الغسل دون المجرد عنه
مس القطعة المبانة:
(1) لا فرق في وجوب الغسل بالمس بين كون الميت تام الاجزاء
وناقصها كما إذا قطعت يده، ولا بين كونه ذا لحم وعدمه كما إذا
تناثر لحمه وبقيت عظامه متصلة غير متلاشية حتى يصدق عليه الميت،
وهذا كله للاطلاق وصدق مس الميت بمسه، وإنما يجب الغسل فيما
لو مس القطعة من الانسان بعد برودتها وقبل تغسيل الميت لأن القطعة
لا تزيد على الجسد وقد عرفت أن مس جسد الميت بحرارته أو بعد
تغسيله لا يوجب الاغتسال. وإنما الكلام يقع في مس القطعة المبانة
من الانسان وأنه هل يوجب الغسل أو لا يوجبه؟
والكلام يقع في مقامين:
مس القطعة المبانة من الحي
المقام الأول: في مس القطعة المبانة من الحي، والمشهور فيه الوجوب
أي يجب غسل المس بمسها، وقد استدل له بالاجماع المحكي عن الشيخ
في الخلاف وبمرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد الله (ع) (إذا
قطع من الرجل قطعة فهي ميتة) (1).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب غسل المس، ح 1.
282

وبرواية الجعفي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن مس عظم
الميت قال إذا جاز سنة فليس به بأس (1).
ولا يصلح شئ منهما للاستدلال به:
أما الاجماع فهو اجماع منقول لا اعتبار به مطلقا ولا سيما في الاجماعات
المنقولة عن الشيخ (قده) على أن الاجماع لم يتحقق في نفسه لما عن
المحقق في المعتبر من أن العمل بالرواية قليل ودعوى الشيخ في الخلاف
الاجماع لم يثبت.
ومن الواضح أن شهادة مثل المحقق بعدم تحقق الاجماع يوهن دعوى
الاجماع وهو ظاهر.
وأما الرواية الأولى: فهي ضعيفة بالارسال.
وأما الرواية الثانية: فهي أيضا كذلك إذ قد وقع في سندها عبد الوهاب
ومحمد بن أبي حمزة وهما ضعيفان (2).
ودعوى انجبار ضعفهما بعمل الأصحاب مندفعة صغرى وكبرى.
أما بحسب الكبرى فقد مر غير مرة، وأما بحسب الصغرى فلما
عرفته من المحقق من أن العامل بالرواية قليل ومعه كيف تثبت شهرة
العمل بها؟ فإن مرادنا من انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور هو
مشهور المتقدمين وهي منتفية حسب نقل المعتبر، وأما الشهرة بين
المتأخرين فهي وإن كانت حاصلة إلا أنها غير جابرة بوجه.
وقد يستدل على وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي بالملازمة

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب غسل المس، ح 2.
(2) وفي الرواية الثانية كلام من حيث المتن والسند يأتي قريبا
إن شاء الله.
283

بين وجوب التغسيل ووجوب الغسل بالمس وحيث إن القطعة المبانة من
الحي المشتملة على العظم واجبة التغسيل - كما يأتي إن شاء الله تعالى -
ونبين أن وجوب التغسيل لا يختص بالميت بل يجب تغسيل للقطعة المبانة
أيضا فهو يدل على وجوب الغسل بمسها لما ورد من أن من غسل
الميت فعليه الاغتسال.
وفيه: - أن القطعة المبانة وإن كان يجب تغسيلها إلا أنه لا ملازمة
بينه وبين وجوب الغسل بمسها لأن موضوع ذلك مس الميت حيث
إن الرواية دلت على أن من غسل الميت اغتسل.
وهذا لا يصدق على مس القطعة المبانة من الحي لأنها ليست بميت
بل هي جزء من بدن الانسان وصاحبها حي يرزق، ومع عدم صدقه
لا موجب للغسل بمسها، وإن كان يجب تغسيلها، فلا ملازمة بين
وجوب تغسيل أي شئ ووجوب الاغتسال بمسه بل الملازمة بين تغسيل
الميت والاغتسال بمسه.
إذن لا يمكن الحكم بوجوب غسل المس بمس القطعة المبانة من
الحي وإن كان الغسل أحوط ولو لأجل الاجماع للذي ادعاه الشيخ (قده)
وذهاب مشهور المتأخرين إليه.
هذا كله في القطعة المبانة من الحي المشتملة على العظم.
وأما العظم المجرد فالمعروف بينهم عدم وجوب الغسل بمسه.
وعن جماعة - منهم الشهيدان (قدهما) وجوبه بدعوى أن العظم
هو المناط في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة والحكم يدور مداره
إذ لولاه لم يحكم بوجوب الغسل بمس اللحم المجرد - كما يأتي - وعليه
فالأمر في مس نفس للعظم أيضا كذلك.
284

وأما مس العظم المجرد ففي ايجابه للغسل إشكال والأحوط
الغسل بمسه خصوصا إذا لم يمض عليه سنة، كما أن
الأحوط في السن المنفصل من الميت أيضا الغسل بخلاف
المنفصل من الحي إذا لم يكن معه لحم معتد به، نعم اللحم
الجزئي لا اعتناء به.
285

المترتب على المركب يترتب على كل واحد من أجزائه حسب المتفاهم
العرفي وإذا قيل: مس الميت موجب للغسل فمعناه أن مس يده أو رجله
أو غيرهما من أجزائه موجب للغسل بلا فرق في ذلك بين اتصالها وانفصالها.
وقد قالوا وقلنا في مبحث النجاسات أن الدليل الدال على نجاسة
الكلب مثلا هو الذي يدل على أن شعر الكلب أو رجله أو يده نجسة
وإن كانت منفصلة لأن النجاسة المترتبة على المركب مترتبة على أجزائه أيضا.
وباستصحاب وجوب الغسل بمسها لأن تلك القطعة المنفصلة كان
مسها قيل انفصالها موجبا للغسل والأصل أنها بعد انفصالها كذلك
يوجب الغسل.
لأنه لو لم يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الميت لزم الالتزام
بعدم وجوبه فيما إذا مس جميع القطعات المنفصلة عن الميت فيما إذا كان
متقطعا - كما إذا قطع ثلاثة أقسام وقد مس جميعها - وهذا مما لا يمكن
الالتزام به.
ولا يخفى ما في هذه الوجوه: -
أما الأول: فلأن المتفاهم العرفي في الحكم المترتب على المركب وإن
كان ثبوته لكل واحد من أجزائه إلا أن موضوع الحكم في المقام إنما
هو مس للميت كما تقدم، ولا يصدق ذلك بمس جزء من أجزاء الميت
لأنه ليس مسا للميت وإنما هو مس جزء منه.
ولا يقاس المقام بمثل ما دل على نجاسة الكلب الذي قلنا أنه ينحل
إلى نجاسة كل جزء من أجزائه لأن مقتضى الارتكاز والفهم العرفي في
مثله أن الكلب أخذ عنوانا مشيرا إلى حقيقته وهي ليست إلا شعره
ورجله ويده ولو منفصلة لعدم اعتبار الهيئة الاتصالية في الحكم
286

بالنجاسة بالارتكاز.
وبعبارة أخرى: الحكم رتب على الكلب لا بما أنه كلب ليقال إنه
غير صادق على يده أو رجله مثلا، والسر في ذلك واضح للقطع بأن
تقطيع الكلب ليس مطهرا له بدعوى أن يده ليست بكلب فطاهرة
وهكذا شعره ورجله فالهيئة الاتصالية غير دخيلة في الحكم بنجاسته.
إذن فالحكم ينحل إلى أجزاء الكلب متصلة كانت أم منفصلة،
فإذا قيل الكلب نجس فيفهم منه أن شعره وبقية أعضائه نجسة ولو
كانت منفصلة لأنه ليس إلا هي.
وهذا بخلاف المقام لأن الموضوع فيه بحسب النص هو مس الميت
وهو لا يصدق بمس جزء من أجزائه.
وأما الثاني: فلأنه من الاستصحابات التعليقية لتوقف الحكم
بوجوب الغسل حال كون الجزء متصلا على مسه وأنه لو مسها وجب
الغسل وهو حكم تعليقي فلا حكم فعلي في البين، وقد بنينا في محله
على عدم جريان الاستصحاب في التعليقات.
على أنا لو قلنا بجريانها فالموضوع غير باق لأنه - كما عرفت -
عبارة عن مس الميت وقد كان مس القطعة حال اتصالها من مس الميت
بلا كلام، وهذا بخلاف ما إذا كانت منفصلة إذ لا يصدق مس الميت
على مسها واتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة فيها مما لا بد منه في جريان
الاستصحاب كما هو ظاهر.
وأما الوجه الثالث: - فلأنه لو لم يصدق على مس تمام القطعات
من الميت المنقطع أجزاؤه (مس الميت) التزمنا بعدم وجوب الغسل
بمسها أيضا، إلا أنه يصدق (مس الميت) عرفا بمس تمام القطعات
287

ومعه لا مناص من الالتزام بوجوب الاغتسال حينئذ، وأين هذا من
مس قطعة مبانة من الميت فإنه لا يصدق عليه (مس الميت) كما مر
فهذه الوجوه ساقطة.
وأما مس العظم المجرد المنفصل عن الميت فالمعروف وجوب الغسل
بمسه وقد استدلوا على وجوب الغسل به بما تقدم في العظم المنفصل
عن الحي من أنه المناط في الحكم بوجوب الغسل في مس القطعة المبانة
وغيره من الوجوه الثلاثة الأخيرة في مس القطعة المبانة من الميت.
وقد عرفت المناقشة فيها ولا نعيد.
ونزيدها في المقام: أن مس العظم المجرد المنفصل عن الميت لو كان
موجبا للاغتسال لتلك الوجوه المتقدمة لم يكن مناص من الالتزام
بوجوبه في مس اللحم المجرد منه أيضا لجريان الوجوه الثلاثة فيه إذ
لا فرق فيها بين كون الجزء عظما أو لحما فإن الاستصحاب أو دلالة
الأدلة على انحلال الحكم على كل واحد من أجزاء الميت لا يختصان
بالعظم وكذلك الوجه الثالث.
اللهم إلا أن يقال: إن مقتضى الوجوه المذكورة وإن كان وجوب
الغسل يمس اللحم أيضا إلا أن الاجماع التعبدي قائم على عدم وجوبه
بمس اللحم المجرد.
ولكن دعوى الاجماع التعبدي بعيدة غايته.
وقد يستدل برواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (ع) قال:
سألته عن مس عظم الميت قال: (إذا جاز سنة فليس به بأس) (1)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب غسل المس، ح 2.
288

إلا أنها ضعيفة السند بعبد الوهاب ومحمد بن حمزة (1) فلا يمكن الاعتماد
عليها بوجه.
ودعوى: انجبار ضعفها بعمل الأصحاب:
مندفع: بأن الرواية غير معمول بها عندهم لاشتمالها على التفصيل بين
تجاوز السنة على العظم فلا يجب وبين عدم تجاوزها فيجب الغسل
بمسه وهو مما لا يقول به أحد من أصحابنا.
نعم ذهب أبو علي إلى التفصيل بين تجاوز السنة وعدمه إلا أنه في
القطعة المبانة دون العظم المجرد وإن كان ما فعله غير ظاهر الدليل
أيضا، اللهم إلا أن نتأول في الرواية بما ذكره صاحب الوسائل (قده)
من أن العظم قبل السنة لا يخلو عن اللحم وأما بعد تجاوز السنة عليه
فيتناثر لحمه ويبقى مجردا، ومن هنا لم يجب الغسل بمسه بعد
تجاوزها. وفيه:
أولا: إنه لا ملازمة بين تجاوز السنة وتناثر اللحم أو قبل تجاوزها
وعدم تناثره لأن العظم قد يذهب لحمه بعد يومين أو شهر لا كل
السبع أو رطوبة المكان والعظم وقد يبقى بعد السنة أيضا.
وثانيا: إن الرواية على هذا التقدير من أدلة وجوب الغسل بمس
القطعة المبانة من الحي ولا تدل على وجوب الغسل بمس العظم المجرد.
وعلى الجملة: الرواية ضعيفة وغير قابله للاستدلال بها في المقام ولا
في مس القطعة المبانة.
فقد تلخص أن القطعة المبانة من الميت كالمبانة من الحي في عدم

(1) محمد بن أبي حمزة وقع في أسانيد كامل الزيارات وقد حكى
وثاقته عن حمدويه أيضا. فليلاحظ.
289

(مسألة 3): إذا شك في تحقق المس وعدمه (1).

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 2 من أبواب غسل المس، ح 1.
290

أو شك في أن الممسوس كان انسانا أو غيره. (1)

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 37 من أبواب النجاسات ح 1
وغيره من الموارد.
291

أو كان ميتا أو حيا (1) أو كان قبل برده أو بعده
292

- كما في المثال الذي بعده - بأن علم أنه مس ميتا انسانيا يقينا إلا أنه
يشك في أنه بعد برودته ليجب عليه الغسل أو قبله فلا يجب عليه الغسل.
أو يشك في أنه مسه بعد برودته أو قبل أن يموت، وهذا الشك
له صور.
لأن هناك حادثين أحدهما المس والآخر البرودة أو الموت فقد يكون
تاريخ المس معلوما وتاريخهما مجهولا، وقد يكون تاريخهما معلوما وتاريخ
المس مجهولا، وثالثة يكون كلا التاريخين مجهولا:
صور الشك في المس بعد البرد أو قبل الموت:
الصورة الأولى: ما إذا كان تاريخ المس معلوما دون تاريخ البرودة
والموت فمقتضى استصحاب عدم البرودة - أي الحرارة - أو استصحاب
الحياة وعدم الموت إلى حين المس وفي زمانه هو عدم وجوب الغسل
في حقه لعدم تحقق البرودة أو الموت في زمان المس مع أن الموضوع
هو كونهما في زمانه - أعني المس بالبرودة أو مع الموت -.
الصورة ا لثانية: ما إذا كان تاريخ البرودة والموت معلوما وتاريخ
المس مجهولا فالصحيح عدم وجوب الغسل في حقه وذلك لاستصحاب
عدم تحقق المس بعد البرودة أو الموت الذي هو الموضوع المرتب عليه
وجوب الغسل.
للصحيحة (1) المتقدمة الدالة على وجوب الغسل بالمس بعد ما برد.
والسر في جريانه أن وقوع المس قبل البرودة أو الموت أو عدم

(1) الوسائل: الجزء. باب 1 من أبواب غسل المس ح 2 وغيره.
293

أو في أنه كان شهيدا أم غيره. (1)
وقوعه مما لا أثر له شرعا لأن الأثر إنما هو للمس الواقع بعد الحياة أو
الحرارة. إذن فاستصحاب عدم المس إلى حين البرودة أو الموت غير
جار لأنه لا أثر له إلا بلحاظ لازمه العقلي وهو وقوعه بعد البرودة أو
الموت إلا أنه من الأصل المثبت ولا نقول به، ومع عدم جريانه
نشك في تحقق الموضوع لوجوب الاغتسال والأصل عدمه وهو غير
معارض بشئ.
الصورة الثالثة: ما إذا كان التاريخان مجهولين معا ولا بد حينئذ من الحكم
بعدم وجوب الغسل لاستصحاب عدم تحقق المس بعد البرودة أو الموت
وذلك لعدم كونه معارضا باستصحاب عدم تحققه قبلهما لأنه لا أثر له
كما عرفت.
إذا شك في أن الممسوس شهيد أو غيره:
(1) يقع الكلام في ذلك في مقامين:
(أحدهما): في الحكم الواقعي وأن مس الشهيد كمس غيره موجب
للغسل أو لا يترتب على مسه وجوب الغسل، وهذا لم يتعرض له
المصنف (قده) وكأنه مفروغ عنه وأمر مسلم عنده.
و (ثانيهما): فيما إذا شك في أن الميت شهيد أو غير شهيد فهل
يجب غسل المس أو لا يجب؟
أما المقام الأول: فقد استدل على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد
294

بأمرين: (أحدهما): إن وجوب الغسل يختص بما إذا كان الميت ممن
يجب تغسيله لقوله (ع) (من غسل ميتا فعليه الغسل) وأما الميت
الذي لا يجب تغسيله فلا دليل على وجوب الغسل بمسه، ومن الظاهر
أن الشهيد لا يغسل ولا يكفن - كما يأتي إن شاء الله -.
ويدفعه: إن غاية ما تدل عليه تلك الروايات وجوب الغسل بمس
الميت الذي يجب تغسيله أما إن الميت الذي لا يجب تغسيله فلا يجب
الغسل بمسه فلا دلالة لها عليه بوجه.
كما أشرنا إلى ذلك في وجوب الغسل بمس الميت الكافر وقلنا أنه
وإن لم يجب تغسيله إلا أن ما دل على أن من غسل ميتا فعليه الغسل
لا يدل على الملازمة بين الأمرين وعدم وجوبه فيما إذا لم يجب تغسيل
الميت ومع عدم الدلالة على النفي والتقييد تبقى المطلقات الدالة على
وجوب الغسل بمس الميت بعد البرودة أو بعد ما برد بحالها وهي
تقتضي الوجوب.
فعلى ذلك: لا فرق بين الكافر والشهيد من هذه الجهة - أي من جهة
عدم وجوب التغسيل وإن كان عدم وجوب التغسيل في الشهيد لعلو شأنه
وتجليله حتى يلقى الله على تلك الحالة التي استشهد عليها ومتلطخا
بدمه، وفي الكافر مستندا إلى فسقه وعدم قبوله الطهارة بالغسل، فكما
أن مقتضى المطلقات في الكافر وجوب الغسل بمسه كذلك الحال في الشهيد.
و (ثانيهما): إن الشهيد طاهر من الحدث والخبث ولذا لا يجب
تغسيله ولا إزالة دماؤه بل يدفن متلطخا بدمه، والأخبار الواردة في
وجوب الغسل بالمس ظاهرة في استناده إلى وجود أثر في الممسوس من
295

الحدث والخبث.
كما يشير إليه ما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان وعن محمد بن
سنان عن الرضا (ع) (إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة
مما أصابه من فضح الميت لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر
آفته) (1) وحيث إن الموت لا يؤثر في الشهيد بالحدث أو الخبث
فلذا لا يغسل فلا يدخل تحت تلك للنصوص.
ويرد على ذلك: أولا: إنه لم يقم دليل على أن الشهيد طاهر
من الخبث والحدث بل يمكن أن يكون محدثا وذا خبث، إذ لا يمكن
الحكم بأن من أصابت يده بدن الشهيد المتلطخ بالدم لا يجب عليه تطهير
يده إذ لا خبث في الشهيد، كما أن مقتضى ما ورد (2) من أن الميت
تخرج منه النطفة حال موته أن الشهيد أيضا محدث إذ لا فرق فيه بين
الشهيد وغيره.
وثانيا: لو سلمنا طهارة الشهيد من الحدث والخبث لا دليل على
أن من كان كذلك لا يجب الغسل بمسه.
وما ورد في الروايتين المتقدمتين من أن وجوب الغسل والتغسيل
من جهة حدث الميت أو خبثه إنما هو من قبيل الحكمة وليس علة له
كيف؟ والأئمة المعصومون (ع) طاهرون مطهرون ومع ذلك يجب
تغسيلهم ويغسل بمسهم وكذلك النبي صلى الله عليه وآله كما ورد في رواية
الصفار (3) على ما قدمناه حيث ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان طاهرا

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 11 و 12.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل الميت.
(3) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 7.
296

مطهرا ولكن فعل أمير المؤمنين (ع) وجرت به السنة أن مقتضى
العمومات وجوب الغسل بمس الشهيد وإن لم يجب تغسيل الشهيد
تجليلا لمقامه.
وقد يستدل على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد: بأن الشهيد
ومسه كان موردا للابتلاء به في تلك الأزمنة لكثرة الحروب في عصر
النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) ومعه لم ينقل لنا وجوب الغسل
بمسه وهذا يكشف عن عدم وجوب الغسل بمس الشهيد وإلا لنقل
إلينا لا محالة.
وهذا لا يمكن المساعدة عليه أيضا، لأنه بعد ورود حكم مس
الشهيد في المطلقات الدالة على أن مس الميت موجب للغسل لا يلزم
بيان حكم مس الشهيد بخصوصه.
والذي يدلنا على ذلك: إنا لو قلنا بذلك فهو مختص بالشهيد
الذي لا يغسل وهو الشهيد الذي لم يدركه المسلمون حيا وأما الذي
به رمق وأدركه المسلمون حيا لو حملوه على رحله فمات هناك فهذا
واجب التغسيل كما يأتي - إن شاء الله تعالى - فمسه موجب للغسل.
وهذا أيضا كان كثير الابتلاء به إذ لم يكن كل من سقط في المعركة
شهيدا كذلك أي من غير أن يدركه المسلمون حيا - بل كان بعضهم
ممن يدركه المسلمون كذلك قطعا.
ومع هذا لم يرد في وجوب الغسل بمسه رواية ولم ينقل وجوبه
إلينا مع أنه واجب ولا وجه له إلا كفاية المطلقات الواردة الدالة على
وجوب الغسل بالمس في ذلك من غير حاجة إلى نقل وجوبه في الشهيد
بخصوصه هذا كله في المقام الأول.
297

وأما المقام الثاني: فعلى ما قدمناه لا أثر للشك في أن الميت الممسوس
شهيد أو غيره لوجوب الغسل بالمس في مطلق الميت.
وأما بناءا على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد فلو شك في أن
الممسوس شهيد أو غيره فمقتضى الأصل وجوب الغسل بمسه لأن الشهادة
واستناد الموت إليها أمر حادث مسبوق بالعدم فهو ميت بالوجدان وليس
شهيد بالاستصحاب فلا بد من الغسل بمسه وإن لم يثبت هذا الاستصحاب
أن موته مستند إلى شئ آخر، إلا أنه غير لازم في الحكم بوجوب
الغسل بالمس للاطلاقات.
حيث لم يخرج عنها إلا الشهيد، فإذا أثبتنا عدم كونه شهيدا
بالاستصحاب وأحرزنا مسه بالوجدان شملته العمومات والاطلاقات
ومعه لا وجه لما أفاده الماتن (قده) من عدم وجوب الغسل فيما إذا
شك في أن الميت شهيد أوليس بشهيد.
قتيل المعركة:
نعم: في صورة واحدة وفي مورد من موارد الشك في الشهادة
نلتزم بعدم وجوب الغسل بالمس وهو القتيل في المعركة كما يأتي في كلام
الماتن (قده) عند الكلام على وجوب تغسيل الميت فإنه إذا رأينا أحدا
في المعركة وهو قتيل ولم ندر أن موته مستند إلى الشهادة أو إلى غيرها
كما إذا كان في المعركة وأصابه سهمه فمات من غير أن يكون من المتحاربين.
ذكروا أنه ملحق بالشهيد ولا يجب تغسيله ولا يجب الغسل بمسه
وهذا لأمرين:
298

(أحدهما): ظهور الحال لأن من كان في المعركة وفيه آثار
الحرب ظاهره أنه مات بالشهادة والمحاربة واحتمال أنه مات لخوفه أو
لمرضه مما لا يعتني به فظاهر الحال يشهد بشهادته.
ويمكن المناقشة في ذلك: بأن الظهور لم يقم دليل على حجيته في
غير باب الألفاظ لأنه لا يفيد سوى الظن والظن لا اعتبار به شرعا.
و (ثانيهما): الأخبار الواردة (1) في أن القتيل بين الصفوف
لا يغسل ولا يجب الغسل بمسه فنلتزم بعدم وجوب الغسل بمسه وإن كان
مشكوك الشهادة واقعا.
وأما في مطلق المشكوك في شهادته - كما إذا رأينا قتيلا في غير
المعركة واحتملنا أنه شهيد أصابه الجرح في المعركة فهرب وسقط في هذا
المكان أو أنه قتله لص أو عدو لم يمكننا الحكم بعدم وجوب الغسل
بمسه لما عرفته من استصحاب عدم استناد موته إلى الشهادة كما لا يمكن
الحكم بعدم وجوب تغسيله.
ويحتمل أن يكون مراد الماتن (قده) من الحكم بعدم وجوب
الغسل بمس الميت المردد بين الشهيد وغيره خصوص القتيل في المعركة
المشكوك كونه شهيدا أو غير شهيد. هذا
ولكن الصحيح أن القتيل في المعركة كغيره ممن يشك في شهادته
وعدمها وذلك لأن ما دل على أنه يحكم الشهيد ولا يغسل ولا يكفن
ويترتب عليه بقية آثار الشهيد رواية ضعيفة بغير واحد ممن وقع في سندها كما
لعله يأتي عليه الكلام فما أفاده (قده) في هذه الصورة مما لا أساس
له بوجه.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 14 من أبواب غسل الميت ح 3.
299

أو كان الممسوس بدنه أو لباسه أو كان شعره (1) أو بدنه
لا يجب الغسل في شئ من هذه الصور. نعم إذا علم بالمس
وشك في أنه كان بعد الغسل أو قبله (2) وجب الغسل
(1) فيما إذا كان شعره طويلا لا يصدق مس الميت بمسه، والوجه
في عدم وجوب الغسل حينئذ هو الشك في تحقق الموضوع للحكم بوجوب
الغسل - أعني مس بدن الانسان - والأصل أن الممسوس غير مضاف
إلى بدن الانسان.
أو نرجع إلى استصحاب عدم وقع المس على بدن الانسان أو إلى
استصحاب الحالة السابقة في المكلف من الحدث وأنه لم يتبدل إلى الحدث
الأكبر أو الطهارة وأنها لم تنتقض بالحدث الأكبر ولم ترتفع، أو إلى
البراعة عن وجوب الأكثر - كما مر تقريبه.
إذا شك في أن المس وقع قبل الغسل أو بعده:
(2) هذه المسألة لها صور:
(الأولى): أن يشك في أصل الغسل وعدمه ولا اشكال في هذه
الصورة في أن مقتضى الأصل عدم تحقق الغسل في الممسوس ومعه
يجب الغسل على الماس لأن المس وجداني وعدم كونه مغسلا بالاستصحاب.
(الثانية): أن يعلم بحدوث كل من الغسل والمس ويشك في المتقدم
والمتأخر منهما وهذا أيضا له صور:
(الأولى): ما إذا علم تاريخ المس كأول الصبح أو يوم السبت
300

ويشك في أن التغسيل وقع يوم الجمعة أو يوم الأحد وهذه الصورة
لا اشكال فيها في وجوب الغسل لأصالة عدم تحقق التغسيل قبل المس
فالمس وجداني وعدم كون الممسوس مغسلا بالوجدان فيحكم عليه
بوجوب غسل المس.
(الثانية): عكس الأولى وهي ما إذا علم تاريخ التغسيل كيوم
السبت وجهل تاريخ المس فقد يقال في هذه الصورة أن أصالة عدم
تحقق المس قبل التغسيل يقتضي انتفاء موضوع الوجوب وهو المس قبل
الغسل وبه يحكم على عدم وجوب الغسل على الماس.
وكذا في الصورة (الثالثة): وهي ما إذا جهل تأريخهما وذلك
لتعارض أصالة عدم تحقق المس قبل الغسل بأصالة عدم الغسل قبل المس
وتساقطهما فيرجع إلى استصحاب طهارة الماس أو استصحاب عدم مس
الميت الذي لم يغسل.
ولأجل هذا يحمل كلام الماتن (قده) على الصورة الأولى - أعني
ما إذا شك في أصل التغسيل - كما يؤيده ما فرعه عليه من الاشكال في
مس العظام المجردة المعلوم كونها من الانسان للشك في وقع الغسل
عليها إلا أن يكون أمارة عليه ككونها في مقابر المسلمين. هذا.
والصحيح وجوب الغسل في جميع تلك الصور.
أما الأوليتان فواضحتان.
وأما الثالثة والرابعة: فللأخبار الواردة في المقام التي دلت على وجوب
الغسل بمس الميت مطلقا بل في بعضها لفظة (كل) وأن كل من
مس ميتا فعليه الغسل (1) ومقتضى تلك الأخبار عدم الفرق في وجوب

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 3.
301

الغسل بين مسه قبل التغسيل وعدمه.
وقد خرجنا عن عمومها أو اطلاقها بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع) (مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها
بأس) (1) وغيرها من الأخبار.
فالخارج عن العموم أو الاطلاق عنوان وجودي (وهو المس الذي
يكون بعد الغسل، والموضوع لوجوب غسل المس (المس الذي لا يكون
بعد الغسل) ومن الظاهر أن أصالة عدم المس قبل التغسيل لا أثر
لها حينئذ لأن الأثر مترتب على المس بعد الغسل أو المس المتصف
بالوصف العدمي وهو ما لا يكون بعد الغسل ففي الأول لا يجب الغسل
ويجب في الثاني.
وأصالة عدم المس قبل التغسيل ليس لها أثر بنفسها إلا بلحاظ اثبات
أن المس بعد التغسيل إلا أنه من الأصول المثبتة لأن نفي أحد الضدين
لا يثبت الآخر فأصالة عدم المس قبل الغسل غير جارية في نفسها.
وحيث إنا علمنا بالمس خارجا ولم نحرز تحقق العنوان المستثنى
عن العموم أو الاطلاق فلا مناص من الحكم بوجوب الاغتسال للشك
في تحقق المس بعد الغسل والأصل عدمه ومجمل الكلام في المقام أنه
ورد في صحيحة الصفار (إذا أصاب بدنك جسد الميت قبل أن يغسل
فقد يجب عليك الغسل) (2) وظاهرها أن الموضوع لوجوب الغسل
هو المس الذي قبل التغسيل - أي المقيد بالعنوان الوجودي لا العدمي
كما ذكرناه.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 1.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 5.
302

ومعه يمكننا نفي هذا الموضوع بالأصل ونقول الأصل أن المس لم
يتحقق قبل التغسيل فلا يجب الغسل في الصورتين الأخيرتين.
إلا أن ظاهر الصحيحة غير مراد قطعا، لأن لازمها عدم وجوب
الغسل بمس الميت إذا لم يقع بعد المس تغسيله إلى يوم القيامة لعدم
تحقق المس قبل الغسل لأن القبلية والبعدية متضايقتان فلو لم يقع غسل
بعد المس لم يتصف المس بالقبلية فلا يجب الغسل بالمس حينئذ مع أنه مما
لا يمكن الالتزام به.
فلا مناص من التأويل في الصحيحة بحملها - أي بحمل القبلية -
على المعية والاقتران، كما التزمنا بذلك فيما ورد من أن هذه قبل هذه (1)
لأن صلاة الظهر لا يشترط في صحتها أن تقع العصر بعدها مع أن لازم
الرواية اعتبار كونها واقعة قبل العصر، والعصر واقعة بعد الظهر
للتضايف بين القبلية والبعدية مع أنه لو صلى الظهر ولم يصل العصر
أصلا أو صلى العصر قبل الظهر وقعت صلاة الظهر صحيحة وإنما
تبطل العصر فقط.
ومن هنا حملناها على إرادة وقوع العصر لا مع الظهر وكذلك القول
في المقام إلا أنا نحتمل أن يراد بالمس قبل الغسل: المس الذي لا يكون
بعد الغسل.
توضيح هذا المجمل:
أن في المقام ضدين (المس قبل الغسل) و (المس بعد الغسل)

(1) الوسائل: الجزء 3 باب 4 من أبواب المواقيت.
303

وغسل المس إذا وجب في أحدهما لا يكون واجبا في الآخر لا محالة
وليس لهما ثالث في المقام، وبما أن المس بعد الغسل لا يجب معه غسل
المس قطعا فيكون المس قبل الغسل محكوما بوجوب غسل المس معه
وحيث إن القبلية - كما عرفت - لا يمكن أن تؤخذ في موضوع وجوب
الغسل فيمكن أن يراد بالقبل غير المس الواقع بعد الغسل.
ومعه يكون الموضوع لوجوب غسل المس هو المس الذي لا يكون
بعد الغسل واطلاق أحد الضدين الذين لا ثالث لهما واردة غير الضد
الآخر أمر ممكن، ومعه لا يجري أصالة عدم المس قبل التغسيل إذ لا
أثر لها في نفسها، وبهذا تصبح الصحيحة مجملة ولا يمكن الاعتماد
عليها في الاستدلال.
وحاصل ما ذكرناه في المقام: أن المس الذي أخذ موضوعا لوجوب
غسل المس مقيد بأن لا يكون واقعا بعد الغسل، والخارج أمر وجودي
وهو المس بعد الغسل ومعه لا بد من الحكم بوجوب الغسل في جميع
الصور المتقدمة كان تاريخ المس مجهولا والتغسيل معلوما أم انعكس أو
كان كلا التاريخين مجهولا.
وذلك لأن المس معلوم بالوجدان ونشك في أنه واقع بعد الغسل
أوليس بواقع بعده، ومقتضى الأصل عدم كونه واقعا بعد الغسل
فهو مس بالوجدان وليس واقعا بعد الغسل بالتعبد - أي ليس من
القسم الخارج بالتعبد لأن الخارج أمر وجودي يمكن أن يحرز عدمه
بالأصل - فلا مناص من الحكم معه بوجوب غسل المس مطلقا.
وهذا بخلاف ما إذا كان المس مقيدا بقيد عدمي آخر وهو - أن
لا يكون معه غسل - فإنه على ذلك لا نلتزم بوجوب الغسل فيما إذا كان
304

تاريخ المس مجهولا وكان تاريخ التغسيل معلوما.
فإن مقتضى استصحاب عدم كون المس واقعا قبل الغسل: عدم
تحقق موضوع الحكم بوجوب الاغتسال - أعني المس الذي ليس معه
غسل - لأنه ينفي وجود المس قبل التغسيل فليس هناك مس لا يكون
معه غسل فلا يجب غسل المس حينئذ بخلاف بقية الصور.
فإذا عرفت الفارق بين القيدين العدميين والمدعى، فنقول:
اثبات ذلك:
أن المطلقات دلت على وجوب الغسل بالمس مطلقا، وقد دلت
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) على أن المس بعد التغسيل لا بأس به،
وإذا انضم هذا إلى المطلقات دلتا على أن المس الواجب معه الغسل هو
المس الذي لا يكون بعد الغسل ومعه بما أن المس معلوم بالوجدان
وعدم كونه بعد الغسل بالاستصحاب لا بد من الحكم بوجوب الغسل في
جميع الصور المتقدمة.
نعم: ورد في صحيحة الصفار (2): أن المس قبل الغسل موجب للغسل، إلا
أن ظاهرها وهو كون المس مشروطا وجوبه بالتغسيل بعده على نحو
الشرط المتأخر أمر غير محتمل لاستلزامه أن لا يجب المس فيما إذا لم
يقع تغسيل إلى يوم القيامة وهو مما لا يمكن الالتزام به.
ومعه إما أن يراد بالقبل عدم الغسل بمعنى أن المس الذي ليس
معه غسل موضوع للوجوب، ومعه تجري أصالة عدم تحقق المس قبل
التغسيل في صورة العلم بتاريخ الغسل وبه ننفي وجود الموضوع لوجوب

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 1.
(2) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 5.
305

وعلى هذا يشكل مس العظام المجردة المعلوم كونها من
الانسان (1) في المقابر أو غيرها، نعم لو كانت المقبرة
للمسلمين يمكن الحمل على أنها مغسلة.
الاغتسال دون بقية الصور - كما مر -.
وإما أن يراد به عدم كون المس واقعا بعد الغسل نظرا إلى الواقع
لأن المس إما أن يقع قبل الغسل وإما أن يقع بعد الغسل ولا ثالث
فإذا لم يمكن إرادة القبلية قطعا فلا مناص من حمل القبل على إرادة أن
لا يكون المس هو الضد الآخر الذي لا يجب فيه الغسل - أي المس
الذي لا يكون بعد الغسل - وهو القيد العدمي الذي ذكرناه، ومعه
يحكم بوجوب غسل المس في جميع الصور - كما مر -.
وحيث إن الصحيحة لا قرينة فيها على أحد الأمرين فتصبح مجملة
والمجمل يحمل على المبين وهو صحيحة محمد بن مسلم الدالة على أن
المس بعد الغسل لا يجب معه الغسل ومعه يكون المس مقيدا بأن لا يقع
بعده غسل كما بيناه.
مس العظام المجردة:
(1) فهل يحكم بوجوب الغسل بمسها لأن المس محرز بالوجدان
وعدم كونه بعد الغسل بالاستصحاب أو لا يحكم به لأن الظاهر كون
الميت في مقابر المسلمين مغسلا لا محالة؟
306

(مسألة 4): إذا كان هناك قطعتان يعلم اجمالا أن
إحداهما من ميت الانسان فإن مسهما معا وجب عليه الغسل
307

وإن مس أحدهما (1) ففي وجوبه اشكال والأحوط الغسل.
العلم الاجمالي بأن إحدى القطعتين من الانسان:
(1) الصحيح أن حكم المسألة يختلف باختلاف زمان العلم الاجمالي
لأن العلم بأن أحد الميتين ميت انساني أو أن أحدهما غير مغسل قد يتحقق
قبل المس لأحدهما كما إذا علم اجمالا بذلك ووجب عليه تغسيل كل
منهما ودفنهما وغير ذلك من الأحكام المترتبة على الميت الانساني في نفسه
من دون ضميمة بمقتضى العلم الاجمالي وبعد ما تنجزت عليه الأحكام
وسقطت الأصول في أطرافه مس أحدهما.
وفي هذه الصورة لا يجب غسل المس لعدم بوقوع المس على
الميت الانساني، ومقتضى استصحاب عدم وقوع المس على الانسان أو
البراءة من التكليف الزائد عما علم اجمالا عدم وجوب المس حينئذ لأنهما
غير معارضين بشئ وهو من الشك البدوي، كما ذكرنا نظيره في ملاقي
أحد أطراف الشبهة بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما.
وقد يحصل المس أولا ثم بعد ذلك يتحقق العلم الاجمالي بأن أحدهما
ميت انساني، وحينئذ قد يكون للطرف الآخر غير الممسوس حكما
الزاميا - كما إذا مس أحدهما ودفن، والميت الآخر غير مدفون وبعد
ذلك حصل له العلم الاجمالي بأن أحدهما ميت انساني - فإنه يجب غسل
المس حينئذ.
لأن هذا العلم الاجمالي ينحل إلى علمين أحدهما إن أحد الميتين ميت
308

(مسألة 5): لا فرق بين كون المس اختياريا أو اضطراريا (1)
في اليقظة أو في النوم كان الماس صغيرا أو مجنونا أو كبيرا
عاقلا، فيجب على الصغير الغسل بعد البلوغ، والأقوى

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس.
309

صحته قبله أيضا (1) إذا كان مميزا، وعلى المجنون بعد الإفاقة.
310

(مسألة 6): في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة
من الحي لا فرق بين أن يكون الماس نفسه أو غيره (1).
(مسألة 7): ذكر بعضهم أن في ايجاب مس القطعة
المبانة من الحي للغسل لا فرق بين أن يكون قبل بردها
أو بعده (2) وهو أحوط.

(1) الوسائل ج 3 باب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(2) الوسائل: ج 2 باب 2 من أبواب غسل المس ح 1.
(3) الوسائل: ج 2 باب 2 من أبواب غسل المس ح 1.
311

حالة البرودة والحرارة إنما هو في الميت لا في القطعة المبانة. هذا
ولا يمكن المساعدة عليه بل بناءا على الاعتماد على المرسلة والقول
بوجوب الغسل بمس القطعة المبانة لا بد من التفصيل بين حرارتها
وبرودتها وذلك لأن الحكم في المرسلة بوجوب الغسل بمس القطعة المبانة
إنما هو من جهة تنزيلها منزلة الميت فيثبت لها ما كان ثبت للميت،
وذلك لأن قوله (ع) في المرسلة (إذا قطع من الرجل قطعة
فهي ميتة) (1) لا يراد به تنزيل القطعة المبانة منزلة مطلق الميتة وإلا
لم يكن وجه لما فرعه عليه بقوله (فإذا مسه انسان..) إذ ليس من
أحكام مطلق الميتة وجوب الغسل يمسها وإنما من أحكامها النجاسة
ووجوب الغسل بملاقاتها.
بل المرات تنزيل القطعة المبانة منزلة الميت الآدمي وهذا بدلالة (فاء)
التفريع إذ لولا لفظة الفاء لأمكن أن يقال: إن المرسلة مشتملة على حكمين
أحدهما: إن القطعة المبانة كالميتة على اطلاقها.
وثانيهما: إن مسها موجب للاغتسال تعبدا من غير أن يترتب عليها
بقية آثار الميت الانساني فلفظة الفاء تدلنا على أن الحكم بوجوب
الغسل بمس القطعة متفرع على تنزيلها منزلة الميت الانساني ومن ثمة
يترتب عليها ما كان يترتب عليه.
وعليه فالمرسلة تدل على أن القطعة المبانة كالميت وأن الميت لا فرق
في وجوب الغسل بمسه بين أن يكون تاما وبين أن يكون ناقصا مشروطا
بأن يكون مشتملا على العظم فما كان يترتب على المقام يترتب على
الناقص أيضا بمقتضى التنزيل

(1) المصدر المتقدم في ص 311.
312

(مسألة 8): في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة
طفل ميت بمجرد مماسته لفرجها اشكال (1) وكذا في
العكس بأن تولد الطفل من المرأة الميتة؟ فالأحوط غسلها
في الأول وغسله بعد البلوغ في الثاني.

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب غسل المس.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 1.
313

(مسألة 9): مس فضلات الميت من الوسخ والعرق
والدم ونحوها لا يوجب الغسل (1) وإن كان أحوط.

(1) الوسائل: الجزء 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 2 و 3 و 8 وغيرها.
314

(مسألة 10): الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب الغسل (1)

(1) الوسائل: ج 1 باب 6 من أبواب الجنابة.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب غسل المس.
315

ويتداخل مع الجنابة (1).
(مسألة 11): مس المقتول بقصاص أو حد إذا
اغتسل قبل القتل غسل الميت لا يوجب الغسل (2).
316

(مسألة 12): مس سرة الطفل بعد قطعها لا يوجب
الغسل (1).
(مسألة 13): إذا يبس عضو من أعضاء الحي
وخرج منه الروح بالمرة مسه ما دام متصلة ببدنه لا يوجب
بل الدليل دل على أن الميت بعد موته لو غسل لا يجب الغسل بمسه
والميت لم يغسل في المقام بعد موته وإنما يدفن من غير غسل بعد الموت كالشهيد
نعم قد يتوهم أن وجوب غسل المس إنما هو من جهة الحدث أو الخبث الكائن
على بدن الميت فإذا اغتسل قبل موته كان طاهرا من الحدث والخبث
فلا يكون مسه موجبا للاغتسال.
إلا أنك عرفت اندفاعه بحسب الكبرى والصغرى لأنه لم يقم دليل
على أن بدن الشهيد أو الذي يقدم غسله على موته طاهر من الحدث
والخبث بل مقتضى العمومات والاطلاقات أنه محدث ومشتمل على الخبث
إذا أصابه شئ من النجاسات، هذا بحسب الصغرى.
وأما بحسب الكبرى فلعدم قيام الدليل على أن مس الطاهر من
الأموات غير موجب للاغتسال، كيف؟ والأئمة المعصومون (ع)
كلهم طاهرون مطهرون على ما نطقت به النصوص، ومع ذلك يجب
تغسيلهم ويجب الغسل بمس أبدانهم الطاهرة بعد موتهم.
(1) لعدم كونه ميتا تاما، ولا قطعة مبانة من الحي مشتملة على
العظم بناءا على أن مسها موجب الغسل على الخلاف.
317

مثلا الغسل (1) وكذا إذا قطع عضو منه واتصل ببدنه
بجلدة.
نعم بعد الانفصال إذا مسه وجب الغسل بشرط أن
يكون مشتملا على العظم (2).
(مسألة 14): مس الميت ينقض الوضوء (3) فيجب
الوضوء مع الغسل.
318

(مسألة 15): كيفية غسل المس مثل غسل الجنابة (1)

(1) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 1.
319

إلا أنه يفتقر إلى الوضوء أيضا (1).
(مسألة 16): يجب هذا الغسل لكل واجب مشروط
بالطهارة من الحدث الأصغر ويشترط فيما يشترط فيه
الطهارة (2).

(1) الوسائل: ج 2 باب 3 من أبواب غسل المس ح 3.
320

من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (1) حيث قلنا في محله إنها ارشاد إلى
أمرين: نجاسة البول أو غيره من النجاسات وأن نجاسته لا تزول
إلا بالغسل.
وذلك لأنه مقتضى الفهم العرفي في مثلها ولا يستفاد منها الوجوب
النفسي والأمر المولوي بوجه، وعليه يكون وجوب الغسل بالمس
وجوبا شرطيا بمعنى أنه من جهة رفع الحدث وتحصيل الطهارة التي
هي شرط في الصلاة ونحوها.
ومن هنا لم ينسب الوجوب النفسي إلى المشهور في المقام وإنما حكي
عن بعضهم المناقشة في كونه واجبا شرطيا، ولكنه على خلاف المستفاد
من الأخبار فاحتمال أنه واجب نفسي مقطوع العدم وعلى خلاف
المشهور أو المتفق عليه بينهم.
وهذا يدل على أنهم أيضا فهموا من الأخبار الارشاد - كما فهمناه -.
ويؤكد ما ذكرناه ما ورد في بعض الأخبار (2) ما أنه لو مس
الميت قبل برودته لم يضره، لدلالته على أنه إذا مسه بعد ذلك ففيه
الضرر، والضرر المتصور في المقام ليس إلا كونه محدثا وغير متمكن من
الدخول فيما يشترط فيه الطهارة إلا بالاغتسال.
وهذا لا يتحقق إلا بناءا على أنه واجب شرطي إذ لو كان واجبا

(1) الوسائل: ج 2 باب 8 من أبواب النجاسات ح 2 و 3.
(2) الوسائل: ج 2 باب 6 من أبواب غسل المس ح 4 وموردها
غير الآدمي.
نعم: ورد في بعض الروايات أنه لا بأس مس الميت بحرارته أو
بعد الغسل.
321

نفسيا لم يكن فيه أي ضرر لتمكنه من الدخول في الصلاة حينئذ ولو
بغير الاغتسال.
ويؤيده ما عن الفقه الرضوي من قوله: (وإن نسبت الغسل
فذكرته بعد ما صليت فاغتسل وأعد صلاتك) (1) إذ لا وجه له سوى
كون الغسل واجبا شرطيا لعدم بطلان الصلاة بالاخلال به على تقدير
كونه واجبا نفسيا.
ويؤيده أيضا ما تقدم من رواية (2) الصدوق عن الفضل بن شاذان
ومحمد بن سنان من أن وجوب غسل المس لعلة الطهارة، وعليه لا يكون
الغسل واجبا نفسيا بوجه.
ولا يمكن قياسه بالأوامر الواردة في غسل الجمعة أو لدخول الكعبة
أو الحرم أو المسجد الحرام ونحوه وذلك لعدم احتمال كون الدخول في
يوم الجمعة أو الكعبة ونحوهما من الأسباب الموجبة للحدث.
وحيث لا نحتمل فيها الحدث فلا يمكننا حمل الأوامر فيها على الارشاد
بل يؤخذ بظهورها في المولوية وتحمل على الاستحباب.
وأين هذا مما علق فيه الأمر بالغسل على شئ آخر كمس الميت أو
الجنابة أو الحيض ونحوها لأنها ظاهرة في الارشاد كما مر. وهذا
بخلاف المقام وغيره من الموارد التي قامت فيها القرينة على الارشاد
واحتمل فيها الحدث.

(1) الفقه الرضوي ص 19.
(2) الوسائل: ج 2 باب 1 من أبواب غسل المس ح 11 و 12.
322

(مسألة 17): يجوز للماس قبل الغسل دخول المساجد
والمشاهد (1) المكث فيها وقراءة العزائم وطؤها إن
كانت امرأة فحال المس حال الحدث الأصغر إلا في ايجاب
الغسل للصلاة ونحوها.
(مسألة 18): الحدث الأصغر والأكبر في أثناء هذا
الغسل لا يضر بصحته (2).
323

نعم لو مس في أثنائه ميتا وجب استئنافه (1).
(مسألة 19): تكرار المس لا يوجب تكرر الغسل
324

ولو كان الميت متعددا كسائر الأحداث (1).
(مسألة 20): لا فرق في ايجاب المس للغسل بين
أن يكون مع الرطوبة أو لا (2) نعم في ايجابه للنجاسة
يشترط أن يكون مع الرطوبة على الأقوى (3) وإن كان

(1) الوسائل: الجزء 1 باب 34 من أبواب النجاسات. وغيره.
325

الأحوط الاجتناب إذا مس مع اليبوسة، خصوصا في
ميت الانسان ولا فرق النجاسة مع الرطوبة بين أن
يكون بعد البرد أو قبله (1). وظهر من هذا أن مس الميت
قد يوجب الغسل والغسل كما إذا كان بعد البرد
وقبل الغسل مع الرطوبة (2)، وقد لا يوجب شيئا كما
إذا كان بعد الغسل أو قبل البرد رطوبة، وقد يوجب
الغسل دون الغسل كما إذا كان بعد البرد وقبل الغسل بلا
رطوبة، وقد يكون بالعكس كما إذا كان قبل البرد مع الرطوبة.
326