الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

ينابيع الفقهية
الوقوف والصدقات
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
الوقوف والصدقات
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

كتاب الوقوف والصدقات
فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب الوصية للميت
واعلم أن الوصية حق واجب على كل مسلم، ويستحب أن يوصي الرجل لقرابته
ممن لا يرث شيئا من ماله - قل أم كثر - وإن لم يفعل فقد ختم عمله بالمعصية.
ومن أوصى بماله أو ببعضه في سبيل الله - من حج أو عتق أو صدقة أو ما كان من
أبواب الخير - فإن الوصية جائزة لا يحل تبديلها لأن الله تعالى يقول: فمن بدله بعد ما سمعه
فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.
فإن أوصى في غير حق أو في غير سنة فلا حرج أن يرده إلى حق وسنة. فإن أوصى
رجل بربع ماله فهو أحب إلي من أن يوصي بثلثه، وإن أوصى بالثلث فهو الغاية في
الوصية، فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله. ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى به.
وإذا أوصى رجل إلى رجل - وهو شاهد - فله أن يمتنع من قبول الوصية وإن كان
الموصى إليه غائبا ومات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه فإن الوصية لازمة
للموصى إليه.
ويجوز شهادة كافرين في الوصية إذا لم يكن هناك مسلمان، ويجوز شهادة امرأة في ربع
الوصية إذا لم يكن معها غيرها، ويجوز شهادة المرأة وحدها في مولود يولد فيموت من
ساعته.
وإذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كل واحد منهما بنصف التركة
وعليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت. وإذا أوصى رجل لرجل بصندوق أو سفينة
3

وكان في الصندوق أو السفينة متاع أو غيره فهو مع ما فيه لمن أوصي له إلا أن يكون قد
استثنى بما فيه. وإذا أوصى لرجل بسكنى داره فلازم للورثة أن يمضوا وصيته، وإذا مات
الموصى له رجعت الدار ميراثا لورثة الميت.
وإذا أوصى رجل لرجل بجزء من ماله فهو واحد من عشرة لقوله تعالى: ثم اجعل
على كل جبل منهن جزءا، وكانت الجبال عشرة، وروي جزء من سبعة لقوله تعالى: لها سبعة
أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.
فإن أوصى بسهم من ماله فهو سهم من ستة أسهم وكذلك إذا أوصى بشئ من ماله
غير معلوم فهو واحد من ستة.
وإذا وصى رجل إلى امرأة وغلام غير مدرك فجائز للمرأة أن تنفذ الوصية ولا
تنتظر بلوغ الغلام، وليس للغلام - إذا أرادت هي، وأدرك الغلام - أن يرجع في شئ مما
أنفذته المرأة إلا ما كان من تغيير أو تبديل.
فإن أوصى بمال في سبيل الله ولم يسم السبيل فإن شاء جعله لإمام المسلمين، وإن شاء
جعله في حج أو فرقه على قوم مؤمنين. ولا بأس للرجل إذا كان له أولاد أن يفضل بعضهم
على بعض. وإن أوصى لمملوكه بثلث ماله قوم المملوك قيمة عادلة فإن كانت قيمته أكثر من
الثلث استسعى في الفضلة ثم أعتق.
وإن أوصى بحج وكان صرورة حج عنه من جميع ماله، وإن كان قد حج فمن
الثلث، فإن لم يبلغ ماله ما يحج عنه من بلدته حج عنه من حيث تتهيأ، وإن أوصى بثلث ماله
في حج وعتق وصدقة تمضى وصيته، وإن لم يبلغ ثلث ماله ما يحج عنه ويعتق به ويتصدق منه
بدئ بالحج فإنه فريضة وما بقي جعل في عتق أو صدقة إن شاء الله.
4

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
5

باب الوصايا
اعلم أن الوصية حق على كل مسلم، ويستحب أن يوصي الرجل لقرابته بشئ
من ماله قل أم كثر وأول شئ يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث،
وعلى الزوج كفن امرأته إذا ماتت. فإن أوصى بشئ من ماله فهو واحد من ستة، وإن أوصى
بجزء من ماله فهو واحد من عشرة، وإن أوصى بسهم من ماله فهو واحد من ستة، وإن
أوصى بمال كثير فهو ثمانون دينارا لأن الله عز وجل يقول: لقد نصركم الله في مواطن
كثيرة وكانت ثمانين موطنا، وقال رسول الله ص: من ختم له بلا إله إلا الله
دخل الجنة، ومن ختم له بصدقة يريد بها وجه الله دخل الجنة.
ولا يجوز تغيير الوصية وتبديلها، لأن الله عز وجل يقول: فمن بدله بعد ما سمعه
فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم. فإن أوصى في غير حق ولا سنة فلا حرج
على الوصي أن يرده إلى الحق والسنة فإن أوصى بربع ماله فهو أحب إلى من أن يوصي
بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك.
وإذا دعا رجل ابنه إلى قبول وصيته، فليس له أن يأبى، وإذا أوصى الرجل بمال في
سبيل الله، فإن شاء جعله لإمام المسلمين، وإن شاء جعله في حج، وإن شاء فرقه على قوم
مؤمنين.
وإذا أوصى الرجل بحج وكان صرورة حج عنه من جميع ماله، وإن كان قد حج
فمن الثلث، وإن لم يكن ماله يبلغ ما يحج عنه من بلده حج عنه من حيث تهيأ. فإن أوصى
7

بثلث ماله في حج أو عتق أو صدقة يمضى وصيته، فإن لم يبلغ ثلث ماله ما يحج به عنه ويعتق
ويتصدق، بدئ بالحج فإنه فريضة، وما يبقى بعضه في العتق
وبعضه في الصدقة.
وإذا أوصى الرجل إلى امرأة وغلام غير مدرك، فجائز للمرأة أن تنفذ الوصية ولا تنتظر
بلوغ الغلام، وليس للغلام إذا أدرك أن يرجع في شئ مما أنفذته المرأة، إلا ما كان من
تغيير أو تبديل فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت. ولا بأس للرجل أن يفضل بعض
أولاده على بعض في الميراث.
وإن أوصى رجل بثلث ماله ثم قتل خطأ، فإن ثلث ديته داخل وصيته، وإذا أعتق
الرجل غلاما وأوصى بوصية، وكان أكثر من ذلك فإن عتق الغلام يمضى ويكون النقصان
فيما بقي. وسئل الصادق ع عن الرجل أوصى بماله في سبيل الله، فقال: أعطه
إلى من أوصي له به وإن كان يهوديا أو نصرانيا فإن الله يقول: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما
إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.
وإذا كان للرجل مماليك وأوصى بعتق ثلثهم قرع بينهم. وسئل الصادق عليه
السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه المال فتبرئه منه في مرضها قال: لا ولكن إن وهبت له
جازما وهبت له من ثلثها. وإذا أقر الرجل وهو مريض لوارث بدين، فإنه يجوز إذا كان
الذي أقر به دون الثلث.
وإن أوصى أن يعتق عنه نسمة من ثلثه بخمسمائة درهم، فاشترى الوصي نسمة
بأقل من خمسمائة درهم وفضلت فضلة، فإن الفضلة تدفع إلى النسمة من قبل أن يعتق ثم
يعتق عن الميت.
وقضى أمير المؤمنين ع في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة مسماة من ماله
ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو أكثر، ثم قتل الموصي بعد ذلك فأخذت ديته، فقضى في وصيته:
أنها تنفذ من ماله وديته كما أوصى.
ومن أوصى إلى آخر شاهدا كان أم غائبا، فتوفي الموصى له قبل الذي أوصى فإن
الوصية لوارث الذي أوصي له إن لم يرجع في وصيته قبل أن يموت، وإذا أوصى لرجل بوصية
ومات قبل أن يقبضها فاطلب له وارثا وأجهد، فإن لم تجد وعلم الله منك الجهد فتصدق
بها.
8

وإذا أعتق الرجل مملوكا ليس له غيره، وأبي الورثة أن يجيزوا ذلك، فما يعتق منه
إلا ثلثه.
وإن أوصى لرجل بصندوق أو سفينة، وكان فيهما متاع أو مال أو غير ذلك فهو مع
ما فيه لمن أوصي له، إلا أن يستثني ما فيه. وإذا أوصى لرجل سكنى داره فلازم للورثة إمضاء
الوصية، فإذا مات الموصى له رجعت الدار ميراثا.
وإذا أوصى رجل إلى رجل وهو شاهد فله أن يمتنع من قبول وصيته، فإن كان الموصى
إليه غائبا، ومات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه، فإن الوصية لازمة للموصى إليه
ويجوز شهادة كافرين في الوصية إذا لم يكن هناك مسلمان، ويجوز شهادة المرأة في
مولود يولد فيموت من ساعته، وتجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا لم يكن معها غيرها.
وكتب إلى بعض موالينا ع: ميت أوصى بأن يجري على رجل ما بقي من
ثلثه، ولم يأمر بإنفاذ ثلثه هل للوصي أن يوقف ثلث الميت بسبب الإجراء؟ فكتب عليه السلام:
ينفذ ثلثه ولا يوقف.
وإذا مات رجل وترك عيالا وعليه دين فإن كان الدين يحيط بجميع المال فلا ينفق
عليهم شيئا، وإن لم يحط بجميع المال فلينفق على عياله من وسط المال.
وكتب إلى بعض الأئمة ع: امرأة ماتت وأوصت إلى امرأة دفعت إليها
خمسمائة درهم ولها زوج وولد، فأوصتها أن تدفع سهما منها إلى بعض بناتها وتصرف الباقي
إلى الإمام، فكتب ع: يصرف الثلث من ذلك إلى الإمام والباقي يقسم على سهام
الله بين الورثة.
فإن قال رجل عند موته: لفلان أو لفلان لأحدهما عندي ألف درهم، ثم مات على
تلك الحال فأيهما أقام البينة فله المال، وإن لم يقم أحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان.
فإن أوصى بوصية ولم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها، فإن الأبواب الباقية تجعل
في البر، وإذا مات الرجل ولا وارث له ولا عصبة، فإنه يوصي بماله حيث شاء في المسلمين
والمساكين وابن السبيل.
9

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
11

باب الوصايا
قال رسول الله ص: أول ما يبدأ به من تركة الميت الكفن، ثم الدين،
ثم الوصية ثم الميراث.
وقال الصادق ع: الوصية حق على كل مسلم، ويستحب أن يوصي
الرجل لذوي قرابته ممن لا يرث، بشئ قل أم كثر، ومن لم يفعل فقد ختم عمله بمعصية.
وقال: ليس للميت من ماله إلا الثلث، فإن أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث.
وإذا أوصى بجزء من ماله فالجزء واحد من سبعة لقول الله تعالى: لها سبعة أبواب
لكل باب منهم جزء مقسوم. وقد روي أن الجزء واحدة من عشرة، لقوله عز وجل: ثم اجعل
على كل جبل منهن جزءا. وكانت الجبال عشرة.
فإذا أوصى بسهم من ماله أو بشئ من ماله فهو واحد من ستة، فإذا أوصى بمال كثير
فالكثير ثمانون وما زاد لقوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة. وكانت ثمانين
موطنا.
وسئل عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا
ذلك، قال: ما يعتق منه إلا ثلثه. وعن رجل قال: هذه السفينة لفلان، ولم يسم ما فيها وفيها
طعام، قال: هي للذي أوصي له بها وبما فيها، إلا أن يكون صاحبها استثنى ما فيها، وليس
للورثة فيها شئ.
وسئل عن رجل أوصى لرجل بصندوق فيه مال، فقال: الصندوق بما فيه له.
13

وسئل عن رجل أوصى بماله في سبيل الله، قال: سبيل الله شيعتنا، وروي أنه قال: اصرفه في
الحج فإني لا أعرف سبيلا من سبله أفضل من الحج. وسئل الصادق ع عن
رجل أوصى لرجل بسيف كان له في جفنة وعليه حليته، فقال له الورثة: إنما لك النصل،
فقال: السيف بما فيه له.
باب الوقف
الوقف على ثلاثة وجوه أحدها: أن يذكر فيها الحج، والثاني: ما يذكر فيها للإمام،
والثالث: ما يذكر فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهذه الوقوف مؤبدة جائزة وكل
[من] وقف إلى غير وقت معلوم، فهو غير جائز مردود على الورثة.
وللرجل أن يرجع في الوقف ما لم يقبض منه، وكذلك في الصدقة والهبة، وله أن
يرجع في وصيته متى ما شاء إلى أن يموت.
14

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
15

باب الوقوف والصدقات
والوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف عليهم
ما يمنع الشرع من معونتهم والقربة إلى الله تعالى بصلتهم أو يكون تغير الشرط في الوقت
إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله.
وإذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقفه عليه لم يجز له الرجوع في شئ منه
ولا يغير شرائطه ولا نقله من وجوهه وسبله. ومتى شرط الواقف في الوقف أنه إن احتاج
إليه في حياته لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه ليس لأرباب الوقف بعد وفاة
الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع أو هبة، ولا يغيروا شيئا من شروطه إلا أن يخرب الوقف
ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ
بيعه والانتفاع بثمنه، وكذلك إن حصلت بهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله، ولا يجوز
ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات.
ومن أسكن إنسانا دارا مدة حياته فله ذلك فإذا مات الساكن رجعت إلى صاحبها
وكذلك إن جعل له ولولده من بعده سكناها لم يكن له الرجوع في ذلك إلا أن يكون
أسكنهم فيها على غير وجه الصدقة والمبرة لوجه الله عز وجل، فإن أسكنهم لضرب من
التدبير الدنياوي ولم يرد بذلك الصدقة عليهم كان له الرجوع فيه أي وقت شاء وله أن
يسكن داره شهرا وسنة لوجه الله عز وجل ولا يجوز له نقل الساكن حتى يمضى ما شرطه له.
وإذا تصدق الانسان على غيره بدار أو أرض أو ثمرة أو غرض من الأغراض لم يجز
17

له تملكه منه ولا من غيره بهبة أو صدقة، ولا بأس أن يملكه منه بميراثه عنه من بعد، ووقف
المشاع جائز وهبته أيضا والصدقة به.
وإذا أوقف الانسان ملكا على ولده ولم يخص بعضا من بعض بالذكر والتعين كان
لولده الذكور والإناث وولد ولدهم، وإذا لم يشترط فيه قسمة كان بينهم بالسوية وإذا تصدق
على جيرانه أو أوصى لهم بشئ ولم يسمهم بأسمائهم ولا ميزهم من غيرهم بالصفات كان
مصروفا إلى من يلي داره إلى أربعين ذراعا من أربعة جوانبها وليس لمن بعد عن هذه
المسافة شئ.
ولا بأس أن يقف المسلم على أبويه وإن كانا كافرين، وعلى ذوي أرحامه من
الكفار، ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه وإن وقف مسلم شيئا على عمارة بيعة
أو كنيسة أو بيت نار كان الوقف باطلا، وإذا وقف الذمي ذلك جاز وقفه.
وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة فبطل رسمها جعل ذلك في وجوه البر، وإذا
وقف على وجوه البر ولم يسم شيئا بعينه كان للفقراء والمساكين ومصالح
المسلمين، وإذا وقفه على العلوية كان لولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
وولد ولده من الذكور والإناث، فإن وقفه على الطالبيين كان على ولد أبي طالب رحمه الله
وولد ولده من الذكور والإناث، فإن وقفه على الهاشميين كان في ولد هاشم بن عبد مناف
وولد ولده من الذكور والإناث.
فإن وقفه على المسلمين كان على جميع من أقر بالله تعالى ونبيه وصلى إلى الكعبة
الصلوات الخمس واعتقد صيام شهر رمضان وزكاة الأموال ودان بالحج إلى البيت الحرام
وإن اختلفوا في المذاهب والآراء فإن وقفه على المؤمنين كان على مجتنبي الكبائر من
الشيعة الإمامية خاصة دون فساقهم وغيرهم من كافة الناس وسائر أهل الاسلام، فإن وقفه
على الشيعة ولم يميز كان على الإمامية والجارودية من الزيدية دون التبرية ومن عداهم من
كافة الناس، فإن وفقه على الإمامية كان على القائلين بإمامة الاثني عشر من آل محمد صلى
الله عليه وآله دون من خالفهم في ذلك من الأنام، فإن وقفه على الزيدية كان على كل
القائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين ع وإمامة كل من خرج بالسيف بعده من
ولد فاطمة ع من ذوي الرأي والعلم والصلاح.
وإذا وقف الانسان شيئا على قومه ولم يسم كان على جماعة أهل لغته من الذكور
18

دون الإناث، فإن وقفه على عشيرته كان على الخاص من قومه الذين هم أقرب الناس إليه
في نسبه، وإذا وقفه على مستحقي الزكاة ولم يعين كان على الثمانية الأصناف الذين جعل
الله تعالى لهم ذلك في القرآن من ذوي الستر والصلاة من الإمامية دون من سواهم من
الناس اللهم إلا أن يعرف مراد الواقف والموصي ومن عناه بالذكر بمذهب له يدل على ذلك
أو عادة له في الخطاب فيحكم عليه بذلك دون ما وصفناه.
فإن وقف انسان شيئا على ولده وولد ولده ولم يذكر شرطا فيه بعد انقراضهم كان
متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد راجعا ميراثا على أقرب الناس من آخر المنقرضين من
أرباب الوقف.
ولا يجوز الوقف على من لم يوجد إلا بعد وقفه على موجود ولا بد في ذكر الوزن من
شرط الصدقة به والقربة إلى الله تعالى بذلك فإن لم يذكر فيه شرط الصدقة خرج عن أن
يكون حبسا مطلقا ووقفا دائما.
وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله وغلامه في خدمة البيت الحرام وبعيره في حمل
معونة الحاج والزوار وإذا فعل ذلك لوجه الله عز وجل لم يجز له تغييره، فإن دبرت الدابة و
عجزت أو مرض الغلام وعجز عن الخدمة سقط عنه فرضها فإن عاد إلى الصحة كان
الشرط فيه قائما حتى يموت العبد أو تنفق الدابة والله الموفق للصواب.
باب النحلة والهبة:
والهبة على ضربين: أحدهما ماض لا رجوع فيه وهو الهبة لذي الرحم وإذا كان
مقبوضا، والآخر الهبة للأجنبي وهو على ضربين: أحدهما أن تكون هبة لم يتعوض الواهب
من الموهوب لها شيئا فله الرجوع فيه ما كانت عينه قائمة، والآخر أن يتعوض الواهب من
الموهوب عنه فليس له رجوع فيه، وإذا استهلكت الهبة لم يكن للواهب سبيل إلى الرجوع
فيها وكذلك إن أحدث الموهوب له فيها حدثا لم يكن للواهب ارتجاعها وإذا نحل الوالد
ولده شيئا ولم يقبضه الولد وكان كبيرا لم تستقر الهبة وكان للأب الرجوع فيها، وكذلك
القول فيها يهبه لذوي أرحامه كلهم، فإن كان الولد صغيرا مضت الهبة وكان قبض الوالد قبضا
للولد، وإن وهب لصغير من ذوي أرحامه شيئا فلم يقبضه وليه كان له الرجوع فيه فإن
19

قبضه الولي مضت الهبة ولم يجز له الرجوع فيها. ولا بأس أن يفضل الانسان بعض ولده على بعض وينحله ما أحب وإذا نحل
الرجل ولده شيئا في صحة من عقله وجواز من أمره لم يكن لباقي ولده وسائر ورثته
معارضته فيه، وإن كان نحله إياه في مرضه فإن كتب له به كتاب ابتياع ليستظهر له بذلك
فطالبه باقي الورثة باليمين أنه دفع ثمنه وخاف إن لم يحلف خروجه عن يده بحكم جائر
عليه فليحلف ويوري في نفسه ما يخرجه بالنية عن الكذب ولا شئ عليه في يمينه.
باب الإقرار في المرض:
وإقرار العاقل في مرضه للأجنبي والوارث سواء وهو ماض واجب لمن أقر له به، و
إذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة فأقر لقوم آخرين بدين مضاف إلى ذلك
كان إقراره ماضيا عليه وللقوم أن يحاصوا باقي الغرماء فيما يتركه بعد
وفاته.
وإذا كان عليه دين يحيط بما في يديه فأقر بأنه وديعة لوارث أو غيره قبل إقراره إن
كان عدلا مأمونا وإن كان متهما لم يقبل إقراره.
ولا بأس أن يفضل الانسان بعض ولده على بعض فينحله شيئا في صحته ومرضه
ويقر له به وإن كره ذلك الورثة، وإذا خاف الانسان من اعتراض الورثة على من يريد الإقرار له
بشئ أو الهبة لم يكن بأس بأن يكتب له بحق ابتياع منه للاحتياط له من قضاء من لا يرى
إمضاء الإقرار له وعلى الذي كتب له أن يحوزه دون من سواه، فإن استحلفوه على أنه دفع
الثمن على ما في الكتاب جاز له أن يحلف لهم ليحفظ ماله من الضياع، وكذلك من
استوثق لنفسه في دفع شفعة الجوار عنه بذكر ثمن فيما ابتاع لم يدفعه أو ابتياع سهم منه
مخصوص بثمن مذكور وابتياع الباقي بدونه كما يفعل ذلك كثير من الناس فاستحلفه
المطالب بالشفعة بالجوار عليه جاز له أن يحلف إذا خاف من الامتناع من اليمين الحكم
عليه بخلاف الحق في إيجاب الشفعة بالجوار. وقد تقدم القول في هذا المعنى ونظائره في باب
الإيمان.
20

باب الوصية ووجوبها:
قال الله عز وجل: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين: وقال رسول الله ص: الوصية
حق على كل مسلم. وقال ص: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة
إلا ووصيته تحت رأسه: وقال ع: من مات بغير وصية فقد مات ميتة جاهلية.
فينبغي للمرء المسلم أن يتحرز من خلاف الله تعالى وخلاف رسوله صلى الله عليه وآله
في ترك الوصية وإهمالها، ويستظهر لدينه ويحتاط لنفسه بالوصية لأهله وإخوانه بتقوى الله
تعالى والطاعة واجتناب معاصيه وما يجب أن يصنعوه في غسله وتحنيطه وتكفيه عند
وفاته ومواراته والصدقة عنه والتدبير لتركته ويسند ذلك إلى ثقة في نفسه ليقوم به ولا يهمل
ذلك ولا يفرط فيه إن شاء الله تعالى.
باب الإشهاد على الوصية:
وينبغي لمن أراد الوصية أن يشهد عليها شاهدين مسلمين عدلين لئلا يعترض
الورثة على الوصي من بعده، وإن أشهد أكثر من اثنين كان أوكد لعمله، وإذا حضرته الوفاة
وهو مسافر فلم يجد مسلما يشهده على وصيته فليشهد رجلين من أهل الذمة مأمونين عند
أهل المعرفة بهما من أهل دينهما.
وإذا أشهد من سميناه على وصيته والحال فيها ما ذكرناه حكم بشهادتهما، وإذا لم
يحضر الوصية إلا امرأة أجيزت شهادتها في الربع مما شهدت به إذا كانت مأمونة، ولا تقبل
شهادة أهل الذمة في وصية انسان مات في بلاد المسلمين وإنما تقبل مع الضرورة إذا لم يوجد
شاهد من المسلمين.
21

باب وصية الصبي والمحجور عليه:
وإذا بلغ الصبي عشر سنين جازت وصيته في المعروف من وجوه البر، وكذلك
المحجور عليه لسفهه إذا وصى في بر ومعروف جازت وصيته ولم يكن لوليه الحجر عليه
في ذلك، ولا يجوز وصية الصبي والمحجور عليه فيما يخرج عن وجوه البر والمعروف وهبتهما
باطلة ووقفهما وصدقتهما كوصيتهما جائزة إذا وقعا موقع المعروف.
باب الأوصياء:
وينبغي أن يكون الوصي: عاقلا مسلما عدلا لبيبا حكيما حرا. ولا بأس بالوصية إلى
امرأة إذا كانت عاقلة مأمونة ولا يجوز الوصية إلى السفيه ولا إلى الفاسق ولا يوصي إلى
العبد لأنه لا يملك مع سيده أمرا.
ولا بأس بالوصية إلى المدبر والمكاتب، ولا بأس أن يوصي الانسان إلى اثنين أحدهما
صبي بعد أن يكون الآخر كاملا عاقلا ويجعل للعاقل النظر وللصبي إذا بلغ، وإن شرط
نظرهما جميعا في شئ يجوز تأخر النظر فيه إلى عند بلوغ الصبي جاز ذلك، وإن مات
الصبي قبل البلوغ أو فسد عقله كان للعاقل الإمضاء والتصرف، وإذا كانت الوصية إلى
انسان كامل وصبي فللكامل إنفاذ الوصية قبل بلوغ الصبي وليس للصبي عند بلوغه
نقض شئ أمضاه الكامل إلا أن يكون باطلا مخالفا لشرط الوصية والإسلام.
وإذا أوصى الذمي إلى ذمي مثله مضت وصيته فإن أوصى مسلم إلى ذمي بطلت
وصيته.
باب الرجوع في الوصية:
وللموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا وتغييرها كيف شاء وليس لوارث ولا غيره
معارضته في ذلك. فإذا أوصى الانسان بوصية ثم أوصى بأخرى بعدها نظر فيهما فإن أمكن
العمل بها جميعا فهما بمنزلة وصية واحدة وإن لم يكن ذلك عمل بالأخرى منهما وكانت ناسخة للأولى.
22

وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيا، فإذا مضى لسبيله لم يكن لأحد أن يغير
وصيته ولا يستبدل بالأوصياء، فإن ظهر من الوصي بعد حياته كان للناظر في أمور المسلمين أن
يعزله ويقيم أمينا مقامه فإن لم يظهر منه خيانة، لكنه ظهر منه ضعفه في القيام بالوصية كان
للناظر في أمور المسلمين أن يقيم معه أمينا متيقظا ضابطا بعينه على تنفيذ الوصية ولم يكن له
عزله لضعفه.
باب الوصية بالثلث وأقل وأكثر:
والوصية بالربع عند آل محمد ص أحب إليهم من الوصية بالثلث وهي
بالخمس أحب إليهم من الوصية بالربع، ومن وصى بالثلث فقد بلغ الغاية فيما له أن يوصي
به، ولا وصية بأكثر من الثلث فإن وصى موص بالنصف ونحوه مما زاد على الثلث ردت
الوصية إلى الثلث وبطلت فيما فوقه إلا أن يمضى ذلك الورثة بعد الموت، فإن أمضوه في الحياة
كان لهم الرجوع فيه بعد الموت، وإن أمضوه بعد الموت لم يكن لهم الرجوع فيه بعد
ذلك.
باب الوصية للوارث:
ولا بأس بالوصية للوارث، قال الله عز وجل: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت
إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين. وهذا صريح فيما
ذكرناه وقد زعم قوم من العامة أنها خاصة في الوالدين والأقربين إذا لم يكونوا ورثة
لكفرهم وهذا تحكم في القرآن وعموم الآي يبطل التحكم به.
وقد روي عن النبي ص أنه قال: لا وصية لوارث، وهذا حديث
باطل موضوع لم يثبت عند نقاد الآثار وكتاب الله أولى من الحديث والحكم به على الأخبار
أولى من الحكم بالإخبار عليه، ولا يجوز الوصية للوارث ولا غيره بأكثر من الثلث. ويستحب
أن يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث مع ورثته الذين يحجبونه عن الميراث.
23

باب الوصية والهبة في المرض:
والوصية في الصحة والمرض بالثلث فيما دونه جائزة ولا يجوز بأكثر مما ذكرناه في
كلا الحالين.
وإذا وهب في مرضه أو تصدق جاز ذلك له في جميع ماله ولم يكن لأحد معارضته في
ذلك، والبيع في المرض صحيح كالهبة والصدقة إذا كان الانسان عاقلا مالكا لرأيه، فإن كان
المرض مضرا بعقله متهما له في رأيه جاز منه ما فعله من ذلك في وجوه البر والمعروف وبطل
ما فعله فيما سواه.
باب الوصية لأهل الضلال:
وإذا وصى الانسان لغيره بشئ من ثلثه وجب أن يدفع ذلك إليه حسب ما وصى به الموصي و
إن كان الموصى له كافرا. قال الله عز وجل: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين
يبدلونه إن الله سميع تصدق بماله على كافر وكان من ذوي أرحامه مضت صدقته
لما يجب من صلة الرحم، وإن كان المتصدق عليه ليس بينه وبينه رحم وهو كافر بطلت
صدقته وكانت راجعة إلى ماله ومقسومة بين ورثته.
ومن وهب في مرضه ثم مات ولم يقبض الموهوب له الهبة حتى مات رجعت ميراثا.
باب نكاح المريض وطلاقه:
وللمريض أن ينكح في مرضه ويغالى في المهور ونكاحه جائز وليس له أن يطلق في
المرض فإن طلق وهو مريض فللمرأة الميراث منه ما بين طلاقه وبين سنة ما لم يصح في تلك
السنة أو تتزوج المرأة، فإن صح من مرضه ذلك فلم يراجع وعاد إليه المرض أو مرض مرضا
آخر أو مات فجأة لم يكن لها ميراثه وأن تزوجت قبل انقضاء السنة فلا ميراث لها منه.
24

باب قبول الوصية:
وإذا أوصى الانسان إلى غيره كان بالخيار في قبول الوصية وردها إلا أن يكون بين
الموصي وبين الموصى إليه مسافة فله أن يردها ما كان الموصي حيا فإن لم يبلغه خبره حتى
مات وقد كان وصى إليه فليس له رد الوصية بعد موته.
باب وصية القاتل لنفسه:
ومن أحدث في نفسه حدث القتل من جراح أو شرب سم ونحو ذلك ثم وصى كانت
وصيته مردودة، فإن وصى قبل أن يحدث في نفسه شيئا من أسباب القتل ثم أحدث بعد
الوصية ذلك كانت وصيته ممضاة، فإن فعل به غيره فعلا يسري إلى هلاك نفسه كانت
وصيته مقبولة في ثلثه سواء كانت بعد فعل غيره به أو قبله، وليس يجري الحكم في هذا الباب
مجرى حكم القاتل نفسه لفرق ما بين الأمرين.
باب اختلاف الأوصياء:
وإذا كانت الوصية إلى نفسين وأكثر من ذلك على الاجتماع دون الانفراد لم يجز لأحدهم أن
ينفرد بشئ منها دون الشركاء فإن تشاحوا في الانفراد وتصرف واحد منهم نظر فيما
تصرف فيه فإن كان تصرفه في ابتياع مأكول للورثة أو كسوة أو ما لا بد منه جاز
تصرفه، فإن كان فيما لهم منه بد وعنه غناء في الحال لم يمض تصرفه، فإن آل أمرهم في
المشاحة إلى الإضرار بالورثة ومنعهم ما يحتاجون إليه استبدل بهم الناظر في أمور المسلمين
واقتصر منهم على ما يرى في نظره الصلاح دون ما عداه.
باب الوصية المبهمة:
وإذا وصى الانسان بجزء من ماله ولم يسمه كان السبع من المال، قال الله عز وجل:
25

لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.
وإن وصى بسهم من ماله ولم يبين ما الذي أراد حتى مات كان الثمن من ماله، قال
الله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. وهم ثمانية أصناف لكل صنف منهم سهم من
الصدقات، والسهام ثمانية واحدها الثمن.
وإن وصى بشئ من ماله ولم يسم كان السدس من ماله، قال الله عز وجل: ولقد
خلقنا الانسان من سلالة من طين إلى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
فخلق الانسان من ستة أشياء فالشئ واحد من ستة وهو السدس.
وإن وصى باخراج ثلثه في سبيل الله أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال
والكافرين، فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله وضع في أبواب البر من معونة الفقراء
والمساكين وابن السبيل وصلة آل الرسول ص بل يصرف أكثره في فقراء
آل محمد ص ومساكينهم وأبناء سبيلهم ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه
البر.
وإن أوصى رجل إلى رجل بوصية وجعلها أبوابا فنسي الوصي بابا من الأبواب
فليجعل ذلك السهم في وجوه البر.
وإذا وصى الانسان لإنسان بصندوق مقفل وكان في الصندوق متاع فالصندوق
بما فيه للموصى له ألا أن يستثنيه الموصي، وكذلك إن وصى له بسفينة فيها طعام فالسفينة بما
فيها للموصى له إلا أن يستثني ما فيها، وكذلك إن وصى له بجراب مشدود ووعاء مختوم
فالجراب والوعاء وما فيهما للموصى له حسب ما قدمناه.
وإذا أوصى الانسان بثلث ماله لقرابته ولم يسم أحدا كان في جميع ذوي نسبه
الراجعين إلى آخر أب له وأم في الاسلام ولا يرجع على من يتعلق بمن نأى عنهم في الجاهلية
ويكون ذلك بين الجماعة بالسوية، وقد ذكرنا الحكم في الجيران والقوم والعشيرة فيما سلف
فأغنى عن تكراره في هذا المكان.
فإن أوصى لمنتظر غير موجود كانت الوصية باطلة، وأن وصى للحمل كانت الوصية
ماضية فإن أسقط الحمل رجع ما وصى به ميراثا فإن وضعته أمه حيا ثم مات كان ما وصى له
به راجعا إلى أقرب الناس منه وأحقهم بميراثه.
26

باب الوصي يوصي إلى غيره:
وليس للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يشترط ذلك الموصي فإن لم يشترط له ذلك لم
يكن له الإيصاء في الوصية فإن مات كان الناظر في أمور المسلمين يتولى إنفاذ الوصية على
حسب ما كان يجب على الموصي أن ينفذها وليس للورثة أن يتولوا ذلك بأنفسهم وإذا عدم
السلطان العادل فيما ذكرناه من هذه الأبواب كان لفقهاء أهل الحق العدول من ذوي الرأي
والعقل والفضل أن يتولوا ما تولاه السلطان فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا تبعة عليهم فيه
وبالله التوفيق.
باب وصية الانسان لعبده وعتقه له قبل موته:
وإذا أوصى الانسان لعبده بثلث ماله نظر في قيمة العبد فإن كانت أقل من الثلث أعتق
وأعطي ما فضل عن قيمته من جملة ما وصى له به، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث بمقدار
السدس والربع والثلث ونحو ذلك أعتق منه بمقدار ما وصى له به واستسعى في الباقي، وإن
كان قيمته على الضعف من الثلث الذي وصى له به بطلت الوصية له وكان ميراثا بين الورثة
وإن وصى الرجل بعتق ثلث عبده أو نصفه عند الموت مضت وصيته واستسعى العبد فيما بقي
منه.
وإن وصى انسان بعتق ثلث عبيده ولم يبين أعتق ثلثهم بالقرعة. وإذا كان على الانسان
دين ولم يخلف إلا عبدا أو عبيدا فأعتقهم عند الموت نظر في قيمة العبد أو العبيد وما عليه
من الدين، فإن كان أكثر من قيمة العبيد بطل العتق وبيع العبيد وتحاص الغرماء بثمنهم،
وكذلك إن استوت القيمة والدين فإن كانت قيمة العبيد أكثر من الدين بالسدس أو الثلث
ونحو ذلك بيع العبيد وبطل العتق، فإن كانت قيمة العبيد ضعف الدين كان للغرماء
النصف منهم وللورثة الثلث وعتق منهم السدس لأن لصاحبهم الثلث من تركته يصنع به
ما شاء فوصيته نافذة في ثلث ما يملكه وهو السدس. بهذا جاء الأثر عن آل محمد صلى الله عليه
وآله وإذا أوصى لعبد له كاتبه جاز مما أوصي له بحساب ما أعتق منه ورجع الباقي إلى مال
27

الورثة. ومن كان وصى بحجة الاسلام وعتق رقبة عبد وصدقة فلم يبلغ الثلث من ماله ذلك
بدئ بالحج لأنه فريضة من فرائض الله عز وجل وجعل ما يتبقى على سهمين: أحدهما في
العتق، والآخر في الصدقة. فإن وصى بثلث ماله لجماعة سماهم وجعل لكل واحد منهم
قسطا عينه فلم يبلغ الثلث ذلك بدئ بالأول فالأول منهم وجعل النقصان لآخرهم، فإن لم
يسمهم على التفضيل فض النقصان على جماعتهم وبالله التوفيق.
باب الموصى له بشئ يموت قبل الموصي:
وإذا وصى الانسان لغيره بشئ من ماله فمات الموصى له قبل الموصي بذلك كان ما وصى به
راجعا على ورثته، فإن لم يكن له ورثة رجع إلى مال الموصي وتركته في الحكم وكان ميراثا بين
ورثة الموصي من جملة ما خلف وليس لأحد منع ورثة الموصى له مما وصى لصاحبهم إلا أن
يكون صاحب الوصية رجع عنها فرجوعه حينئذ يغير حكمها، ولصاحب الوصية إذا مات
الموصى له قبله أن يرجع فيما وصى له به فإن لم يرجع كان ميراثا لمخلفي الموصى له.
مختصر رسم كتاب وصية:
وإذا أراد الانسان أن يثبت وصية له قبل وفاته يعمل عليها الوصي من بعده فليكتب
أو يمل:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان بن فلان في صحة من عقله وجواز من
أمره، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا ص عبده
ورسوله، ختم به المرسلين وتعبد بشريعته إلى يوم الدين، وأن الجنة حق
والنار حق والحساب حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وأوصى أهله وولده وجميع إخوانه بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله
اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا،
واتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مرضاته، ويوفروا على طاعته ويتجنبوا معاصيه ويحذروا
28

من نقماته، ويستمسكوا بالعروة الوثقى من ولاية أوليائه، ولا يأخذهم لومة لائم في عداوة
أعدائه فإنه جل وعز يقول: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله
ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، وقال تعالى: ولو كانوا يؤمنون
بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء.
وأن يخلصوا النصيحة للمؤمنين، ويستيقظوا من رقدة الغافلين ويستعدوا
ليوم المعاد زاد الصالحين من العمل والإخلاص فيه ليوم الدين، فإن
الله جل اسمه يقول: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب. وأوصى إن
حدث به حادث الموت الذي حتمه الله عز وجل على العباد أن يبتدئوا بالنظر في غسله
وتكفينيه وتحنيطه، وينفق عليه في ذلك من أطيب ماله وأزكاه، ويتولى غسله وتكفينه
ومواراته في قبره صالح من إخوانه عارف بالسنة في جهازه إلى ربه عز وجل.
وينظر في تركته وهو يوم كتب وصيته هذا كيت وكيت وكذا وكذا فيخرج السدس من
جميعها أو الخمس أو الربع إن شاء وأكثره الثلث فيذكر ما أحب من ذلك فيقسم على أربعة
أسهم:
سهم منه يصرف في كفارات وأيمان وعهود ونذور عنه فيبتاع منه خبز نقي
ويصرف في كفارات الأيمان عنه إلى عشرة مساكين لكل مسكين منهم مد منه ويكون معه
ما يتأدم المسكين به وأدناه الملح، ويصرف في كفارات العهود عنه وأمثالها إلى ستين مسكينا
بحسب ما انصرف في كفارة الإيمان لكل مسكين مد من طعام بأدمه فإن اتسع هذا الربع في
عدة كفارات صرف على هذا الترتيب وإلا صرف بحسابه.
ويصرف الربع الآخر إلى فلان وفلانة ويذكر من قراباته وذوي أرحامه من
لا يستحق ميراثه يحجب من هو أولى منه عنه فيسمي لكل واحد منهم شيئا على حسب
ما يراه من مصالحهم.
ويصرف الربع الثالث إلى مستحقي الخمس من مساكين آل الرسول صلى الله
عليه وآله وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
ويصرف الربع الرابع إلى الفقراء والمساكين من المؤمنين وأيتامهم وأبناء سبيلهم
بحسب ما يراه الوصي القائم بوصيته هذه من تفضيل بعضهم على بعض أو تسوية بعضهم
ببعض وتخصيص الغائب دون الحاضر أو عموم الجماعة به.
29

ثم يقسم باقي تركته على ورثته وهم يوم كتب وصيته هذا فلان وفلان وفلانة
وفلانة، ويسمى الورثة بأسمائهم وأسماء آبائهم فيعطى كل واحد منهم سهمه الذي
حكم الله تعالى له به في كتابه وسنة نبيه ص حتى يستوفي كل ذي حق حقه،
وأوصى أهله وولده وإخوانه من المؤمنين وسألهم أن يكثروا له من الاستغفار في حياته وبعد
وفاته ويهدوا إليه شيئا من مبار أعمالهم ويشركوه في تطوعهم فإن الله جل وعز يجزل ثوابهم
على ذلك ولا ينقصهم به شيئا من أجورهم.
وقد أسند فلان بن فلان وصيته هذه إلى فلان بن فلان وسأله القيام بها فقبل ذلك
وضمن القيام به في صحة منه وجواز أمر شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على إقرار
فلان بن فلان بجميع ما ضمنه هذا الكتاب من الوصية المذكورة على فلان بن فلان وعلى
قبول فلان بن فلان بعد أن قرئ هذا الكتاب عليهما وعرفا معانيه وأقرا بفهمه ومعرفة
معانيه في صحة من عقولهما وجواز أمرهما طائعين غير مكرهين وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
فصل: وإن أراد الانسان أن يذكر دينا عليه في وصيته فليقل بعد فراغه من ذكر تغسيله
وتجهيزه والنفقة عليه في ذلك، ثم ليخرج من تركته ما يقضي به دينه وهو يوم كتب وصيته
هذه كذا وكذا لفلان وفلان وفلانة وفلانة ويسمى دين كل واحد منهم ثم ليسألوا إحلاله
من تأخيره عنهم شيئا من حقوقهم ويستطابوا وسائر من عرف من معامليه بما بينهم وبينه
من تبعة إن كانت لحقته في معاملتهم.
فصل: وإن كان عليه حجة الاسلام فليوص بها من صلب ماله ويشترط في القيام بها عنه
عن معرفة النائب بدين الله عز وجل والصلاح والتقوى والعلم بالمناسك وإن كان يريد
الحج تطوعا عنه فليوص بذلك من ثلثه فإن قصر الثلث عن نفقة الحج فليكن ذلك عنه
من ميقات بلده، وإن كان عليه كفارة يعرفها أو نذر يتحققه فليذكره بعينه وليوص به
ليخرج عنه.
وكذلك إن كان عليه صوم فليوص أكبر أولاده من الذكور، فإن لم يكن له ذكر
فأكبرهم من الإناث فإن لم يكن له ولد فأقرب أهله إليه من الذكور أو الإناث ليقضوا عنه
حق الله تعالى إن شاء الله.
30

مختصر كتاب وقف: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تصدق به فلان بن فلان في صحة
من عقله وجواز أمره تقربا إلى الله جل اسمه وابتغاء ثوابه يوم تبيض وجوه
وتسود وجوه تصدق بجميع أرضه التي من أرض كذا من رستاق كذا، وأحد حدود جماعة هذه الأرض
ينتهي إلى كذا، والحد الثاني ينتهي إلى كذا، والحد الثالث ينتهي إلى كذا، والحد الرابع
ينتهي إلى كذا، بجميع أرضها وبنائها وسفلها وعلوها ونخلها وشجرها ومشاربها
ومغائضها وطرقها التي هي لها ومرافقها التي من حقوقها، وكل حق هو لها داخل فيها
وخارج منها صدقة موقوفة لله تعالى حبسا مؤبدا محرما بتا بتلا لا رجوع فيها ولا استثناء،
لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا تملك بشئ من سبل الأملاك ولا يتلف قائمة على أصولها أبدا
حتى يرثها الله الذي له ميراث السماوات والأرض وهو خير الوارثين، وأخرجها من ملكه
وأمضاها لأهلها وفي سبيلها ووجوهها التماس ما عند الله بها والدار الآخرة ليصرف الله
وجهه عن النار ويصرف النار عن وجهه يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون
ودفعها إلى فلان بن فلان ليليها بنفسه وغيره ممن تصدق بها عليه على ما شرط وسمي في
هذا الكتاب من الوجوه والسبل والحقوق المذكورة فيها لأهلها على أن يبدأ القائم بها فينظر
ما أخرج الله جل اسمه من غلات هذه الأرض المحدودة الموقوفة المذكورة في هذا الكتاب
في مستقبل الأوقات في كل سنة فيخرج منه النفقة عليها في عمارتها ومصالحها وفي كل ما فيه
المستزاد فيها وفي غلاتها والصلاح لأهلها وما ينصرف في أرزاق قوامها وكلائها وأجور
أكرتها والعملة فيها ومؤنة المختلف إليها في تعاهدها ومصالحها نفقة بالمعروف والإصلاح
في ذلك كله على ما يراه من ذلك في كل أيان، فما فضل من جميعها بعد هذه النفقات
والمسميات في هذا الكتاب فهو لولده أو لإخوته أو لفلان وفلان على حسب ما يريد من
الصدقة إلى من يحبوه بذلك ويختاره له ويذكر المساواة بينهم إن شاء أو المفاضلة على ما يختار
من ذلك، فإن انقرضوا جميعا ولم يبق منهم أحد كان ما جعل لهم من هذه الصدقة راجعا إلى
فقراء آل محمد ص وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وإن شاء جعلها في
الفقراء على العموم أو الخصوص أو في من شاء من أقاربه وذوي أرحامه، والأفضل أن
يجعل منها قسطا لفقراء آل محمد ص وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم
وقسطا في مصالح مشاهد آل محمد ص وقسطا لفقراء المؤمنين ومساكينهم
وأبناء السبيل يقوم بذلك المتولي لهذه الصدقة ما لم يتعد الحق إلى غيره، فإن ضعف عن
31

ولايتها أو وفت أمانته فيها فتعدى شيئا من شروطها وليها من أهل الوقف فلان بن فلان
وكانت يده فيها ما قوي عليها وأدى الأمانة، فإن ضعف عنها أو تغيرت أمانته فلا ولاية له
فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة، ثم كل قرن صارت هذه الصدقة
إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة، فإن تغيرت حال أحد ممن وليها بضعف أو قلة أمانة
نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه هذه الصدقة قوة وأمانة فإن حدث قرن ليس فيهم
ذو قوة وأمانة من أهل هذه الصدقة ولاها الحاكم العدل من يحتمل ولايتها بالقوة والأمانة
من أقرب الناس رحما إلى موقفها، فإن لم يكن فيهم فمن مواليه وموالي آبائه الذين أنعموا
عليهم، فإن لم يكن فيهم من أهل القوة والأمانة أحد جعلها إلى من كان قويا أمينا من
المسلمين، وعلى من ولى هذه الصدقة من سائر الناس أن يعمرها ويصلحها ويقوم بجميع
ما سمى ووصف في أمرها لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغير هذه الصدقة
ولا يحولها عن منزلتها ولا يبدل شيئا منها ولا من شروطها ولا يطعن فيها بشئ من وارث
ولا سلطان ولا قاض ولا أحد من الناس كلهم حتى يرثها الله الذي له ميراث السماوات
والأرض وهو خير الوارثين. فمن غير منها شيئا أو من شروطها أو طعن فيها بشئ يبتغي به
توهينها أو تغيير شئ منها فقد باء بإثمه فيها وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وقد
جعل فلان بن فلان - ويذكر الذي أسند الوقف إليه - جريه ووكيله في حياته ووصيه بعد
وفاته في القيام بأمر هذه الصدقة الموقوفة المحدودة الموصوف أمرها في هذا الكتاب وفي
إنفاذ ما يخرج الله من غلاتها في أهلها وسبلها المسماة الموصوفة فيه، ووصيته بعد وفاته في
جميع ذلك على ما اشترط من قوته وأمانته فليس لقاض من قضاة المسلمين ولا لوال منهم
ولا لأحد أن يخرجها من يده ما كان قويا أمينا عليها ولا من يد أحد ممن تصير إليه ولايتها
ما أمضي شروطها على واجباتها ولم يغير شيئا منها وقد قبل فلان بن فلان من فلان بن فلان
ما ولاه من ذلك وتولى القيام به ودفع فلان بن فلان جميع هذه الأرض الصدقة الموصوفة
المحدودة في هذا الكتاب بحدودها كلها وجميع حقوقها إلى فلان بن فلان وقبض ذلك كله
فلان بن فلان منه وصار في يده دون فلان بن فلان ودون الناس كلهم بحق الصدقة
الموصوف أمرها في هذا الكتاب. شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب على فلان بن فلان
وفلان بن فلان بجميع ما تضمنه مما سمى ووصفه فيه بعد أن قرئ عليهما بمحضر
من الشهود وسمعناه وعرفا جميع ما فيه وأقرا بفهمه وأشهدا على أنفسهما في صحة من
32

عقولهما وجواز من أمورهما طائعين غير مكرهين لا يولي على مثلهما وذلك في شهر كذا من
سنة كذا.
فصل:
وإن كان الوقف دارا أو حانوتا ذكر باسمه وموضعه وحدوده ويذكر الواقف
شروطه في وقفه على ما يختاره ويؤثره في أهل الوقف ويبينه ويجتهد في إيضاح أغراضه
بإثبات ما يزول الإشكال معه وبيانه إن شاء الله.
33

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
35

مسائل شتى من الهبات والوقوف
مسألة في الهبة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من وهب شيئا لغيره غير قاصد به ثواب
الله تعالى ووجهه جاز له الرجوع فيه ما لم يتعوض عنه، ولا فرق في ذلك بين الأجنبي وذي
الرحم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا وهب لذي الرحم
المحرم لم يرجع، وإن وهب لامرأته لم يرجع، وكذلك المرأة لزوجها، وإن وهب لأجنبي رجع
إن شاء ما لم يثب عنها أو يزيد الشئ في نفسه. وذكر هشام عن محمد عن أبي حنيفة: إذا علم
الموهوب له المملوك القرآن أو الخبر فله أن يرجع فيه. وقال محمد: لا يرجع، قال محمد
وكذلك لو كان كافرا فأسلم أو كان عليه دين فأداه الموهوب له. وقال الحسن عن زفر
إن علمها الموهوب له القرآن أو الكتابة أو المشط فحذقت ذلك فله أن يرجع فيها. وقال أبو
يوسف: لا يرجع. وقال عثمان البستي: في الرجل يعطي الرجل العطية لا يبين أنه متقرب
مستغزر فعطيته جائزة وليس له أن يرجع فيها. وقال مالك: من نحل ولدا له نحلا أو
أعطاه عطاء ليس بصدقة فله أن يقبضها إن شاء ما لم يستحدث الولد دينا من أجل العطاء
فإذا صار عليه الديون لم يكن للوالد أن يقبض من ذلك شيئا.
وكذلك إذا زوج الفتاة بذلك المال أو كانت جاريته فتزوجت بذلك فليس للأب أن
يقبض من ذلك شيئا. وقال مالك: والأمر المجمع عليه عندنا في بلدنا أن الهبة إذا تغيرت
عند الموهوب له بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها
37

وقال مالك: في الواهب يكون لورثته مثل ما كان له من الثواب إن اتبعوه. وروى
الثوري عن ابن أبي ليلى قال: للواهب أن يرجع في هبته دون القاضي، وعند أصحاب أبي
حنيفة لا يرجع إلا بنقصانها ويرد الموهوب له. وقال الثوري كقول أصحاب أبي حنيفة في
جميع ذلك. وقال الأوزاعي: لا يرجع فيما وهب لمولى ولا تابع له ولا لذي رحم ولا لامرأته
ولا السلطان لمن دونه ويرجع فيما سوى ذلك فإن كانت الهبة قد نمت وزادت عند أصحابها
فقيمتها يوم وهبها وترجع المرأة فيما وهبت لزوجها.
وقال الحسن بن حي: إذا لم يرد بالهبة ثواب الدنيا لم يرجع إذا قبض ولا يرجع فيما
وهب لذي رحم محرم، فإذا وهب لغير ذي رحم محرم ويريد بها ثواب الدنيا فله أن يرجع
فيها. وقال الليث: إذا وهب للثواب رجع فيها مثل قول مالك، ولا ترجع المرأة فيما وهبت لزوجها
إلا أن يكون سألها أن تهب له ثم طلقها مكانه أو بعد ذلك بيوم أو نحوه.
وقال الشافعي: لا يرجع في الهبة إلا الوالد فيما وهبه لولده. وقال داود بن علي: كل من
وهب شيئا لغيره لم يجز الرجوع فيه، ولا فرق في ذلك بين البعيد والقريب.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد إنا قد علمنا بإجماع من الأمة
ولا اعتبار بداود، فإن الاجماع قد تقدمه وسبقه بأن عقد الهبة وإن قارنه القبض غير مانع من
الرجوع وإنما اختلفوا في موضع جواز الرجوع، فذهب قوم إلى أن الرجوع إنما يجوز مع ذوي
الأرحام دون ذوي الأجانب وذهب الآخرون إلى أنه يجوز مع الأجانب دون ذوي الأرحام
، وذهبت الإمامية إلى أنه يجوز في المواضع كلها فقد بان بالاتفاق على أن قبض الهبة غير مانع
من الرجوع على كل حال. فمن ادعى أنه مانع من الرجوع في موضع دون آخر فعليه
الدليل الشرعي على اختصاص ذلك الموضع بهذا الحكم ولا دليل لمن خصص موضعا
دون آخر، لأن تعويلهم على أخبار آحاد وقياس يقتضي الظن ولا معول على مثله في ثبوت
الأحكام الشرعية فثبت بهذا الاعتبار جواز الرجوع في المواضع كلها، وأن ليس بعضها
بذلك أحق من بعض.
فإن قالوا: لو جاز الرجوع في الهبة لجاز في البيع وفي سائر العقود.
قلنا سائر العقود ما أجمعت عليه الأمة على جواز الرجوع فيها على الجملة، وإنما
اختلفوا في التفصيل وعقد الهبة قد بينا الاجماع على سبيل الجملة على جواز الرجوع فيه
وإنما اختلفوا في مواضعه.
38

فإن احتج المخالف بما يروونه عن النبي ص من قوله:
الراجع في هبته كالراجع في قيئه، وبلفظ آخر: الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه.
فالجواب عن ذلك: أن هذه كلها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ولا يثبت بمثلها
الأحكام، وهذا الخبر معارض بأخبار كثيرة يروونها عن النبي ص من جواز
الرجوع في الهبة، وإذا سلم هذا الخبر على ما فيه فالمراد به الاستقذار لا التحريم، لأن ذلك
مستقذر مستهجن، ألا ترى أن الكلب لا تحريم عليه؟ فأما الخبر الآخر الذي يتضمن ذكر
الكلب فهو وإن كان مطلقا يرجع إلى الكلب لأن الألف واللام يحملان على العهد، وليس
هاهنا جنس يعهد منه الرجوع في قيئه إلا الكلب فلا فرق بين أن يقول: كالعائد في قيئه،
وبين أن يقول: كالكلب يعود في قيئه، على أنا لو حملنا لفظة " العائد " على الجنس والعموم
لدخل فيه الكلب لا محالة فلا يجوز حمل العود على التحريم، لأن ذلك لا يتأتى في الكلب فلا بد
من حمله على الاستقذار والاستهجان وهو متأت في كل عائد.
فإن قيل: كيف يجوز أن يجتمع جواز الرجوع في الهبة مع القول بأنها تملك بالقبض؟
قلنا: غير ممتنع اجتماع ذلك، كما أن المبيع إذا شرط فيه الخيار مدة معلومة كان
مملوكا بالعقد، وإن كان حق الرجوع فيه ثابتا.
فإن قالوا: الملك مع ثبوت حق الخيار ناقص أو غير مستقر.
قلنا: نحن نقول في ملك الموهوب مع ثبوت حق الرجوع مثل ما يقولونه حرفا
بحرف.
مسألة في الهبة أيضا: ومما انفردت به الإمامية: أن من وهب شيئا في مرضه الذي مات فيه إذا
كان عاقلا مميزا تصح هبته ولا يكون من ثلثه، بل يكون من صلب ماله.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى أن الهبة في مرض الموت محسوبة من الثلث،
دليلنا الاجماع المتردد، ولأن تصرف العاقل في ماله جائز وما تعلق للورثة بماله وهو حي حق
فهبته جائزة، ولذلك صح بلا خلاف نفقة جميع ماله على نفسه في مأكل ومشرب.
فإن قيل: أي فرق بين الهبة في المرض والوصية في المرض؟
قلنا: الهبة حكمها منجز في الحال وما تعلق في حال الحياة حق لوارث المال المورث،
والوصية حكمها موقوف على الوفاة، وبعد الوفاة يتعلق حق الورثة بمال المورث فوجب أن
39

تكون محسوبة من الثلث. مسألة: ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من وقف وقفا جاز له أن يشرط أنه
إن احتاج إليه في حال حياته كان له بيعه والانتفاع بثمنه، والقول أيضا: بأن الوقف متى
حصل له من الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه،
وإن أرباب الوقوف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه ولا يجوز لهم ذلك مع
فقد الضرورة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يجيزوا اشتراط الواقف لنفسه ما أجزناه ولا بيع
الوقوف على حال من الأحوال إلا ما رواه بشر عن أبي يوسف في سنة تسع وسبعين أنه إن جعل
الواقف الخيار لنفسه في بيع الوقف، وأن يجعل ذلك في وقف أفضل منه فهو جائز، وإن مات
قبل أن يختار إبطاله مضى الوقف على سبيله.
قال: وقال أبو يوسف: بعد ذلك لا يجوز الاستثناء في إبطال الوقف والوقف جائز
نافذ.
دليلنا اتفاق الطائفة، ولأن كون الشئ وقفا تابع لاختيار الواقف وما يشترط فيه فإذا شرط
لنفسه ما ذكرناه كان كسائر ما يشرطه وليس لهم أن يقولوا: هذا شرط ينقض كونه وقفا
وحبسا وخارجا من ملكه، وليس كذلك باقي الشروط لأنه لا تنافي بينها وبين كون ذلك وقفا.
قلنا: ليس ذلك يناقض كونه وقفا لأنه متى لم يجز الرجوع فهو ماض على سبيله ومتى
مات قبل العود نفذ أيضا نفوذا تاما، وهذا حكم ما كان مستفادا قبل عقد الوقف، وكيف
يكون ذلك نقضا لحكمه وقد بينا أن الحكم باق.
فإن قيل: لو جاز دخول هذا الشرط في الوقف لجاز دخول مثله في العتق.
قلنا: هذا قياس وقد بينا أن القياس لا يصح إثبات الأحكام الشرعية به، وبعد فإن
الفرق بين العتق والوقف: أن العتق عندنا لا يجوز دخول شئ من الشروط فيه، وليس كذلك
الوقف لأن الشرائط تدخله مثل أن يقول: هذا وقف على فلان فإن مات فعلى فلان، وما جرى
هذا المجرى، وإذا دخلته الشروط جاز دخول الشرط الذي ذكرناه.
فإن قيل: فقد خالف أبو علي بن الجنيد فيما ذكرتموه وذكر أنه لا يجوز للواقف أن
40

يشترط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه، وكذلك في من هو وقف عليه أنه لا يجوز له أن
يبيعه.
قلنا: لا اعتبار بابن الجنيد وقد تقدمه إجماع الطائفة وتأخر أيضا عنه وإنما عول في
ذلك على ظنون له وحسبان وأخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها.
فأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو ادعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدة
فقرهم، فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد
انتقض الغرض فيه ولم يبق منفعة فيه إلا من الوجه الذي ذكرناه.
41

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
43

المسألة المائتان
العمرى والرقبى يجريان مجرى العارية إلا إذا قيدنا بذكر العقب.
الذي نذهب إليه أن الرجل إذا جعل لغيره داره سكنى أو عمري أو رقبى، فإن
الرقبى يجري مجرى العمرى كانت له كذلك مدة حياة المالك، ثم هي بعد موت المعطى
راجعة إلى ورثة المعطى وتجري مجرى العارية والإجارة التي يملك فيها المنافع دون الرقبة. فإن
قال: هي لك ولعقبك من بعدك، كانت كذلك حياة المعطى ولم يكن لعقب المعطى البيع
ولا الهبة فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك. قال الشافعي: إذا قال أعمرتك هذه الدار
ولعقبك من بعدك ثم انقرض هو وعقبه انتقل ذلك إلى بيت المال كسائر الأموال التي
لا وارث لها.
وقال مالك: يعود إلى المعطى وذهب الشافعي إلى أن حكم الرقبى كحكم العمرى
وصفتها أن يقول: جعلت لك داري في حياتي فإن مت قبلي رجعت إلى وإن مت قبلك كانت
لك يرثها منك ورثتك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: الرقبى لا يلزم وللمرقب الرجوع فيها. وقال الشافعي في
الجديد: إذا قال أعمرتك هذه الدار، ولم يقل: ولعقبك من بعدك، يكون لعقبه من بعده ثم
لبيت المال كالقسم الذي ذكرناه وهو قول أبي حنيفة.
وقال مالك: يكون للمعمر مدة حياته فإذا مات عادت إلى المعطى وحكى أبو
إسحاق المروزي عن الشافعي في القول القديم مثل قول مالك، وحكى أيضا عنه في القديم
45

أن العمرى تبطل ولا يستحقها المعمر ولا عقبه.
الدليل على صحة ما ذهبنا إليه ووافقنا عليه مالك الاجماع المتردد ذكره وأيضا فإن
العمرى إنما هي تمليك المنافع مدة عمر المعطى وإذا جعلها لعقبه فعلى هذا الوجه، وتمليك
المنافع لا تتعدى إلى الرقبة ولا بد أن يعود عند انقضاء المدة المضروبة إلى المالك، فكيف يجوز
ما قاله الشافعي ووافقه عليه أبو حنيفة؟
فإن تعلقوا بما رواه جابر من أن النبي ع قال: فإن أحدا عمر عمري له
ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطي عطاء وقعت فيه المواريث.
وفي خبر آخر: لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله سبيل المواريث.
فالجواب عنه: أن العمرى لا ترجع إلى الذي أعطاها قبل انقضاء مدتها وترجع بعد
انقضاء المدة كالإجارة وإنما ورث الوارث هذه المنافع كما يرثون منافع الإجارة وليس دخول
الميراث فيها دلالة على ملك الرقبة دون ملك المنفعة.
46

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
374 - 447 ه‍ ق
47

فصل في الوصايا
الوصية واجبة على كل مكلف وجوبا موسعا مع ظهور إمارات البقاء، ومضيقا مع
ظهور إمارات الموت، وتقديمها أولى على كل حال وأحوط في الدين.
والواجب منها الإقرار بجمل التكليفين عقلا وسمعا ليظهر ذلك من حال الموصي
فيعتقده فيه من لم تتقدم له معرفة، ويتأكد اعتقاد العارف. وإن كان عليه حقوق دينية
كالنذور والكفارات والخمس والأنفال والصدقات، أو دنيوية كالديون وقيم المتلفات
وأروش الجنايات والإجارات وغير ذلك، بدأ بذكره ثم بحجة الاسلام، وليس ذلك من الثلث.
فإن لم يكن له مال يوفي بما عليه من الحقوق فليوص إلى أوليائه وإخوانه ليقوموا بها
من حقوق أموالهم أو يتبرعوا عليه به.
فإن لم تكن عليه حقوق يعلمها فهو مرغب في الوصية من ثلثه بجزء في النذور
والكفارات، وجزء في الحج التطوع، وجزء في الزيارات، وجزء يصرف إلى من لا يرث من
ذوي أرحامه، وجزء في فقراء آل محمد ص وأيتامهم وأبناء سبيلهم، وجزء في
فقراء المؤمنين.
وإن لم يكن له مال اقتصر على ما ذكرناه من الإقرار بجمل التكاليف والوصية لمن
حضره غاب عنه بتقوى الله تعالى والتمسك بما هو عليه من الحق وليرغب فيه ويخوف من
خلافه، ويأمر في وصيته بتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه على السنة.
وليشر من يتولى ذلك من ذوي البصيرة والورع، وليستند وصيته إلى من يعلم
49

عدالته ومعرفته بالدين واطلاعه بما يستند إليه وليشهد عليها من أمكن إشهاده من عدول
أهل الإيمان أدناه رجلين، ويجوز إشهاد النساء في الوصية عند عدم الرجال ومع وجودهم.
فإن كان بحيث لا يجد مسلما ولا مسلمة فليشهد ذوي العدالة من أهل الكتاب
ويجوز تغيير الوصية والاستبدال بالأوصياء، ولا يجوز ذلك لأحد بعد وفاته.
فإذا قبض الموصي فليخرج ما أوصى به من الحقوق الواجبة في حياته من أصل
التركة وإن لم يوص بها، وما عدا ذلك من الثلث، وإن تجاوز الوصية به الثلث
رد إلى الثلث، فإن استغرقت الوصية جملة التركة أمضي منها الثلث، والوصية ماضية للوارث كالأجنبي.
وإذا مات الوصي فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن ينصب بدلا منه وإن ضعف
فليضم إليه غيره.
وإذا نظر الوصي للورثة بالمعروف مضى نظره، فإن خالفه أو تعدى المشروع وإن
كان أنفع للورثة بطل ما فعله.
وإذا كان الوصي فقيرا فقطعه النظر فيما أسند إليه عن التكسب فله أجره مثله من مال
الورثة بالمعروف، ويحل له مثل ذلك وإن كان غنيا، والتنزه عنه أفضل.
فصل في النحلة:
النحلة وجه لإباحة التصرف في المنحول ويعبر عنها بالهبة، وتفتقر صحة تملكها إلى
قبض المنحول أو وليه فيما يصح قبضه ورفع الحظر عما لا يصح قبضه، والقبول له، وهي على
ضربين: مقصود بها وجه الله تعالى ومقصود بها التكرم أو التقرب إلى المنحول.
القسم الأول: مختص بمن يصح التقرب بصلته من أهل الإيمان وذوي الأرحام دون
الأجانب من الكفار والفساق المعلنين، وإذا قبضت لم يجز الرجوع فيها ولا التعوض عنها.
القسم الثاني: على ضربين: لذي رحم وأجنبي، فنحلة ذي الرحم مملوكة بالقبض أو
ما يقوم مقامه من قبض الولي، وإذا كان الموهوب له في حجر الواهب فإمضاؤه لها وعزلها
ورفع الحظر عنها ينوب مناب قبضه أو غيره من الأولياء، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها على
حال.
ونحلة الأجنبي معتاض عنها وغير معتاض، فالمعتاض عنها لا يجوز الرجوع فيه على
50

وجه، وغير المعتاض منه على ضربين: قائم العين ومستهلك، فالقائم العين يصح الرجوع
فيه، والمستهلك لا يصح الرجوع فيه.
فصل في المنحة:
المنحة جهة لإطلاق الانتفاع بالممنوح، وصفتها أن يمنح المرء غيره الشاة أو البقرة
أو الناقة يحلبها مدة معلومة، فإن قصد بذلك وجه الله تعالى مع من يصح التقرب إليه
سبحانه بمعونته فعليه الوفاء بالمدة، وإن كان لغير ذلك فله الرجوع أي وقت شاء، والوفاء
أفضل.
فإن هلكت المنحة أو نقصت من غير تعد من الممنوع ولا تفريط لم يضمن، و إن
تعدى أو فرط ضمن قيمة هلاكها وأرش نقصانها.
فصل في الصدقة:
الصدقة وجه لتحريم التصرف على المتصدق وإباحته للمتصدق عليه، وإنما يكون
كذلك بأن يقع بما يصح التصرف فيه بملك أو إذن، على من تصح القربة فيه، بشرط
القبض أو ما يقوم مقامه، وإيقاعها للوجه الذي له شرعت، مخلصا بها لله تعالى. فإذا
تكاملت هذه الشروط فهي صدقة ماضية لا يجوز الرجوع فيها، وإن اختل شرط فهي على
ملك المتصدق.
وهي على ضربين: أحدهما يقتضي تمليك الرقبة، والثاني إباحة المنافع
. فالأول: أن يتصدق المرء بما يصح تصرفه من الإعراض والأموال أو الحيوان أو
الرباع أو الأرض قاصدا إلى تمليك الرقبة من غير شرط، فتقبض أو يرتفع الحظر ويقبل
فيخرج عن ملك المتصدق إلى ملك المتصدق عليه إن شاء أمسك وإن شاء باع أو وهب.
والثاني على ضربين: مشترط ومؤبد.
والمشترط على ضروب:
منها: أن يتصدق بمنافع داره أو أرضه أو رقيقه أو دابته على شخص معين مدة معلومة
51

ثم ذلك راجع إلى ملكه أو إلى جهة من الجهات، فهي على شروطها.
أو يتصدق على أقاربه أو غيرهم بذلك مطلقا ويجعل إليهم بيع الرقبة عند الحاجة
أو عند خرابها بالصدقة دون حالتي الغنى وعمارتها.
أو يتصدق بمنافع الدار والأرض على قوم بشرط أن لا يفسقوا في الجملة، أو فسقا
مخصوصا، أو ينتقلوا عن بلد، أو مذهب فمتى اختل الشرط رجعت الصدقة ملكا، أو
انتقلت إلى جهة غير ذلك من وجوه الاشتراط، فالحكم إيقاف الصدقة على ما شرط
المتصدق.
والمؤبد أن يحبس الرقبة ويجعل منافعها لموجود معين من نسله أو غيرهم من الأقارب
أو الأجانب وعلى من يتجدد من ولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا أو إلى غاية معلومة فإذا
انقرضوا أو انتهوا إلى الغاية فذلك راجع إلى بنى على أو حسين أو جعفر ع أو
إلى جهة من أبواب البر.
ويشترط ما شاء من مساواة في المنافع بين أهلها، أو تفضيل بعض على بعض، أو
ترتيب الأعلى على الأدنى أو تساويهم. ويؤبدها ويحرم بيعها ونقلها عن جهاتها وتغيير
شروطها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها وحرم تغيير
شئ منها.
وإذا تصدق على أحد الوجوه المذكورة وأشهد على نفسه بذلك ومات قبل التسليم
فكانت الصدقة على مسجد أو مصلحة فهي ماضية، وإن كانت على من يصح قبضه أو
وليه فهي وصية يحكم فيها بأحكام الوصايا.
وإذا تصدق على من لم يوجد فقال: هذه الدار أو القرية أو الأرض على من يولد لي أو
لفلان لم تمض الصدقة، وإن تعلقت بموجود وبمن لم يوجد كقوله: على فلان - وهو حي - وعلى
ولده من بعده، مضت الصدقة.
ولا يحل لمسلم محق أن يتصدق على مخالف للإسلام أو معاند للحق إلا أن يكون ذا
رحم، ولا يوقف على شئ من مصالحهم، ولا على بيعة ولا على كنيسة ولا بيت نار إلى غير
ذلك من معابد الضلال ومجامعهم، فإن فعل لم يمض فعله ووجب على الناظر في مصالح
الدين فسخه
ويجوز لأهل النحل الفاسدة من اليهود والنصارى والمجبرة والمشبهة وغيرهم أن
52

يتصدق بعضهم على بعض وعلى مصالحهم وبيوت عباداتهم.
وإذا اقتضى شرط صدقة المسلم المحق مصيرها إلى من لا يجوز القربة بصلته، أو
تغيرت حال أهلها أو بعضهم عن صفة من تحل معها بشرط الصدقة أو حكم الملة صلته
بطل استحقاقه وصار حكمه حكم الميت.
وإذا تصدق على الإطلاق، أو حبس شيئا على ولده ولم يخص بالذكر درجة من درجة،
ولا ذكرا من أنثى، فهي على جميع ولد الصلب وولدهم وإن سفلوا، ذكرانهم وإناثهم
بينهم بالسوية، لدخول الكل تحت اسم الولادة والبنوة لغة وشرعا، وإن خص بعضا من
بعض، أو رتبهم فهي على ما شرط.
وإن تصدق على جيرانه ولا يعين ولا علم قصده فهي على من يلي داره من جميع
الجهات إلى أربعين ذراعا.
وإن عرف أهل الصدقة باب كعلي أو الحسن أو عباس أو ربيعة أو قرارة أو حمير،
أو بلد كمصر أو بغداد، أو محلة كالكرخ وباب الطاق، أو صناعة كالنجارة، أو مذهب
كالإمامية أو الزيدية، أو طريقة كالعدالة، أو حفظ القرآن، أو العلم بشئ مخصوص، أو
ملازمة مشهد أو مسجد أو عبادة متميزة، وجب صرف صدقته إلى من تسوع في الملة معونته
من جميع جيرانه وبني الأب وأهل المصر والمحلة وأرباب الصناعة ومنتحلي المذهب
وذوي الطريقة والمحاورة المنسوب إليها الموجودين من الذكور والإناث بالسوية، إلا أن
يخص بعضا من بعض، أو يفضل بعضا على بعض، فيعمل فيها بموجب شرطه.
وإذا تصدق على قومه أو عشيرته عمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصوده
عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق وصرفت الصدقة إلى من يصح ذلك فيه
منهم.
وإذا تصدق على أهل الخمس والزكاة فهي لمن بيناه من المستحقين لذلك من أهل
بلده إلا أن يشترط صرفها إلى غيرهم أو مشاركتهم فيعمل بمقتضى شرطه.
فصل في الهدية:
من وكيد السنة وكريم الأخلاق الإهداء. وقبول الهدية على ضروب ثلاثة:
53

أحدها: أن يدعو إليها داعي الولاية الدينية فيقصد بها وجهها قربة إليه سبحانه
فيلزم في السنة قبولها، ويخرج بالقبول عن يد المهدي ويحرم الرجوع فيها والتعوض عنها،
وإن لم يقبلها خالف السنة، وللمهدي التصرف فيها وإن كان قد فصلها عن ماله
وليست كالصدقة.
وثانيها: أن يدعو إليها داعي المودة الدنيوية والتكرم، فيحسن قبولها إذا عريت
من وجوه القبح، ويقبح القبول مع ثبوته، ويخرج بالقبول عن يد المهدي وله الرجوع فيها
ما لم يتصرف فيها من أهديت إليه وإمضاؤها أفضل، ولا تجب المكافاة عليها، وفعلها أفضل.
وثالثها: أن تدعو إليها الرغبة في العوض عنها، وهي مختصة بهدية للأدنى الأعلى في
الدنيا، فهو مخير في قبولها وردها، فإن قبلها لزمه العوض عنها، بمثلها، والزيادة أفضل،
ولا يجوز له التصرف فيها ولما يعوض عنها أو يعزم على ذلك، وإذا عوض عنها وقبل
المهدي العوض لم يكن له الرجوع فيها وإن كان دونها، وإن لم يقبل العوض فله الرجوع
فيها ما دامت عينها قائمة وإن بذل له زيادة عليها، فإن تصرف فيها فعليه قيمتها إلا أن
يتبرع بالفضل.
فصل في السكنى والرقبى والعمرى:
إسكان المرء غيره ورقباه وتعميره وجوه يحسن لها التصرف، وكل من ذلك على
ضربين: أحدهما يصح الرجوع فيه وهو ما يفعل تكرما أو لبعض الأغراض الدنيوية،
والثاني لا يصح الرجوع فيه وهو ما يفعل لوجه الله تعالى.
والسكنى: أن يسكن المالك غيره في داره مدة معلومة بغير أجر فإذا انقضت المدة
رجعت الدار إليه.
والرقبى: أن يسكنه فيها مدة حياته، فإذا مات المالك انتقلت إلى ورثته، فإن شاؤوا
أقروا المراقب على الرقبى وإن شاؤوا فسخوا.
والعمرى: أن يسكنه فيها بغير أجر طول عمره، فإذا مات المعمر والمالك حي
رجعت إليه، وإن مات قبل المعمر لم ينفسخ التعمير حتى يموت هو، فرجع الدار إلى ورثة المعمر.
وهذا الحكم في السكنى والرقبى والعمرى مختص بما يقصد به وجه الله تعالى، ومن
54

شرطه أن يتعلق بذي رحم أو من يصح القربة بمعونته من المسلمين، وما عدا ذلك يجوز
فسخه أي وقت شاء المالك أو من يقوم مقامه من الورثة، ويصح مثل ذلك في الأراضي وكل
ما يصح الانتفاع به من العروض والحيوان تكرما لبعض الأغراض الدنيوية ولوجه
الله تعالى، بحيث يصح ذلك فيه، وحكم الفسخ والإمضاء ما تقدم في المساكن.
فصل في الوصية:
قد بينا في كتاب العبادات وجوب الوصية ودخولها في جملة ما ابتدأ الله تعالى التعبد
به كغيره، وكيفية الوصية، وما يفتقر إليه من إشهاد وقيم بها، وما يجب أن تكون عليه من
الصفة، وما معه تصح وتفسد، لدخولها في العبادات وذكرناها هاهنا لكونها سببا مبيحا
للتصرف بما هي وصية به من مال الموصي.
وهي ماضية في الصحة والمرض مع سلامة الرأي لوارث وغيره، ولا يمضى من
وصية من لم يبلغ عشر سنين والمحجور عليه إلا ما تعلق بأبواب البر، وإذا أوصى لكافر
لا رحم بينه وبينه على جهة الصدقة الواجبة أو المسنونة لم تمض الوصية، وإن كان ذا رحم
مضت إذا كان تبرعا بصلته، ولا تمضى الواجبة بحال، وإن أطلق الوصية للكافر الأجنبي
ولم يجعلها صدقة أو صرح بكونها مكافاة على مكرمة دنيوية أو مبتدئا بها فهي ماضية.
ولا تمضى وصية من جرح نفسه أو فعل بها ما تلف لأجله بعد حدثه، وتمضى إذا كانت
قبل الحدث.
وإذا أوصى لغيره بصندوق مقفل أو جراب مشدود أو كيس مختوم أو سفينة فيها
غلة فالوعاء وما فيه للموصى له إلا أن يستثنيه أو يزيد ما فيه على الثلث فتكون الزيادة
ميراثا. وتمضى الوصية للحمل فإن ولد حيا فهي له، وأن مات بعد الاستهلال فلورثته، وإن
ولد ميتا فهي ميراث.
وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو أوصى له بثلث ماله وكانت قيمة العبد الثلث
فما دونه عتق وأعطي ما يفضل له عن قيمته من الثلث، وإن كانت قيمته أكثر عتق منه
بحساب ثلث التركة واستسعى في الباقي.
55

وإذا أوصى بعتق واحد من عبيده أو اثنين أو أكثر من ذلك أو ربعهم أو ثلثهم ولم يعين
أعتق المبلغ المذكور في الوصية بالقرعة.
وإذا أوصى بحجة أو دين أو كفارة أو مال زكاة أو خمس أو نفل أو غير ذلك من
الحقوق الواجبة عليه في حياته فهي من أصل التركة، وإن كان متبرعا بشئ من ذلك فهي
من الثلث.
وإذا أوصى بثلث ماله في عدة أبواب من البر فلكل باب منها مثل ما للآخر إلا أن
يشترط ترجيحا فيحكم به.
وإذا أوصى لجماعة بأقساط مسماة لكل منهم فلم يف الثلث بما سمى به وكان قد
رتبهم في التسمية فليبدأ بالأول ثم الثاني حتى ينتهي إلى تكميل الثلث فإن لم يرتبهم كأن قال:
أعطوا كل واحد من هؤلاء - وأشار إلى جماعة معينة - مائة درهم فهم متساوون في الثلث.
وإذا أوصى إلى غيره وهو حاضر فقبل الوصية ولم يجز له الرجوع، وإن أباها لم يلزمه
القيام بها، وإن كان غائبا فبلغه استنادها إليه والموصي حي فهو بالخيار في قبولها وردها،
وإن لم يبلغه حتى مات الموصي أو أباها في حياته ولم يبلغ الموصي فالقيام بها لازم له.
وإذا كان الوصي ضعيفا فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن يعضده بمأمون قوي
ولا يعزله، وإن كانا اثنين فما زاد لم يجز لأحدهم التفرد بشئ من النظر إلا أن يجعل ذلك له
الموصي، فإن تشاحوا رد الناظر في المصالح الأمر في التنفيذ إلى أعلمهم به وأقواهم فيه
وجعل الباقين تبعا له.
ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يجعل له الموصي، فإن مات الوصي فعلى
الناظر في المصالح رد القيام بما كان إليه إلى من يراه أهلا لذلك.
وإذا مات الموصى له والموصي حي لم يغير الوصية ثم مات بعده لم تنتقض الوصية،
وإن رجع الموصي فيها بعد موت الموصى له بطلت.
وللموصي ما دام حيا تغيير الوصية بالزيادة والنقصان وتغيير الشروط والأوصياء،
ولا يجوز ذلك لأحد بعد وفاته، وإذا فقد الناظر العادل فلفقهاء الحق المأمونين النظر في ذلك
إذا تمكنوا، وإذا فقد التمكن سقط فرض ذلك عنهم.
56

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
57

كتاب الوقوف والصدقات
باب الوقوف وأحكامها:
شرائط الوقوف شيئان: أحدهما أن يكون ما يقفه ملكا للواقف يجوز له التصرف
فيه والثاني أن يقبض الوقف ويخرجه من يده.
فمتى وقف ما لا يملكه كان الوقف باطلا، وإن وقف ما يملك ولا يخرجه من يده ولم
يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنهم لم يصح أيضا الوقف وكان باقيا على ما كان عليه
من الملك فإن مات والحال ما ذكرناه كان ميراثا.
وإذا وقف على ولده الكبار فلا بد من تقبيضهم الوقف وإلا لم يصح على ما بيناه في
الأجنبي، وإن كان أولاده صغارا جاز الوقف وإن لم يقبضهم إياه لأنه الذي يتولى القبض
عنهم.
وإذا وقف ملكا وأخرجه عن يده وملكه لم يجز له بعد ذلك الرجوع فيه ولا تغيير
شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله. ومتى شرط الواقف أنه متى احتاج إلى شئ منه كان له
بيعه والتصرف فيه كان الشرط صحيحا وكان له أن يفعل ما شرط إلا أنه إذا مات والحال
ما ذكرناه رجع ميراثا ولم يمض الوقف.
ولا يصح الوقف إلا بعد أن يذكر الموقوف عليه فإن لم يذكر الموقوف عليه كان
الوقف باطلا. وكل ما يملكه الانسان جاز له أن يقفه سواء كان مشاعا أو مقسوما وعلى كل
حال.
والوقف والصدقة شئ واحد ولا يصح شئ منهما إلا ما يتقرب به إلى الله تعالى،
59

فإن لم يقصد بذلك وجه الله لم يصح الوقف، والوقف لا بد أن يكون مؤبدا ولا يجوز أن
يكون موقتا، فإن جعله موقتا لم يصح إلا أن يجعله سكنى على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.
والوقف يجري على حسب ما يقفه الانسان ويشترط فيه، فإن وقف على قوم
مخصوصين كان لهم ذلك وليس لغيرهم معهم شئ على حال، وإن وقف عاما كان على حسب
ذلك أيضا يجري على من يتناوله ذلك الاسم.
ولا يجوز أن يقف على من لم يوجد بعد فإن وقف كذلك كان الوقف باطلا، فإن وقف
على ولده الموجودين وكانوا صغارا ثم رزق بعد ذلك أولادا جاز أن يدخلهم معهم فيه
ولا يجوز له أن ينقله عنهم بالكلية إليهم.
وإذا وقف الوقف على ولده وكانوا ذكورا وإناثا فإن شرط تفضيل بعضهم على
بعض كان على حسب ما شرط، وإن لم يذكر شيئا من ذلك كان الذكر والأنثى فيه سواء من
ولده وولد ولده لتناول الاسم لهم، فإن قال: الوقف بينهم على كتاب الله كان بينهم للذكر مثل
حظ الأنثيين. وإذا وقف على والديه كان أيضا مثل ذلك يكون بينهما بالسوية إلا أن يفضل
أحدهما على الآخر بالتعيين.
ولا بأس أن يقف المسلم على والديه أو ولده أو من بينه وبينه رحم وإن كانوا
كفارا، ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه على حال، وكذلك إن أوصى لهم بشئ كان
ذلك جائزا.
ولا بأس أن يقف الانسان على المساجد والكعبة والمشاهد والمواضع التي يتقرب
فيها إلى الله تعالى على مصالحها ومراعاة أحوالها وسكانها، ولا يجوز وقف المسلم على
البيع والكنائس وبيوت النيران ومواضع قرب سائر أصناف الكفار.
وإذا وقف الكافر على أحد المواضع التي يتقربون فيها إلى الله تعالى كان وقفه
صحيحا، وإذا وقف الكافر وقفا على الفقراء كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل ملته دون
غيرهم من سائر أصناف الفقراء. وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من
أقر بالشهادتين وأركان الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وإن
اختلفوا في الآراء والديانات.
فإن وقف على المؤمنين كان ذلك خاصا لمجتنبي الكبائر من أهل المعرفة بالإمامة
دون غيرهم ولا يكون للفساق منهم معهم شئ على حال.
60

وإذا وقف على الشيعة ولم يميز منهم قوما دون قوم كان ذلك ماضيا في الإمامية
والجارودية دون البترية ويدخل معهم سائر فرق الإمامية من الكيسانية والناووسية والفطحية
والواقفة والاثني عشرية.
فإن وقفه على الإمامية خاصة كان ذلك في من قال بإمامة الاثني عشر منهم، وإن وقف
على الزيدية كان على القائلين بإمامة زيد بن علي وإمامة كل من خرج بالسيف من ولد
فاطمة ع.
وإذا وقف على الهاشميين كان ذلك على ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده الذكور
منهم والإناث وإذا وقفه على الطالبيين كان ذلك على أولاد أبي طالب رحمة الله عليه وولد
ولده من الذكور والإناث، وإذا وقفه على العلوية كان ذلك على ولد أمير المؤمنين عليه
السلام من الحسنية والحسينية والمحمدية والعباسية والعمرية وولد ولدهم الذكور منهم
والإناث.
فإن وقفه على ولد فاطمة كان ذلك على ولد الحسن والحسين ع الذكور
منهم والإناث، فإن وقفه على الحسنية لم يكن للحسينية معهم شئ، وإن وقف على الحسينية
لم يكن للحسنية معهم شئ على حال، فإن وقفه على الموسوية كان ذلك على أولاد موسى
بن جعفر ع، الذكور منهم والإناث.
وإذا وقف الانسان شيئا على جيرانه أو أوصى بشئ ولم يسمهم بأسمائهم ولا
ميزهم بصفاتهم كان مصروفا إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها وليس لمن بعد عن هذا
الحد شئ، وإن وقف على قومه ولم يسمهم كان ذلك على جماعة أهل لغته من الذكور دون
الإناث، فإن وقفه على عشيرته كان على الخاص من قومه الذين هم أقرب الناس إليه في
نسبه.
فإن وقفه على مستحق الخمس كان ذلك على ولد أمير المؤمنين ع وولد
العباس وجعفر وعقيل، فإن وقفه على مستحق الزكاة كان ذلك على الثمانية أصناف
المذكورة في القرآن.
ومتى وقف الانسان على أحد الأجناس ممن ذكرناهم وكانوا كثيرين في البلاد
منتشرين كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف دون غيره من
البلدان.
61

ومتى وقف الانسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم ولم يشترط بعد
انقراضهم عوده على شئ بعينه فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف إلى ورثة
الواقف.
ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصدقة به إلا أن يخاف على الوقف هلاكه أو
فساده أو كان بأرباب الوقف حاجة ضرورية كان معها بيع الوقف أصلح لهم وأرد عليهم أو
يخاف وقوع خلاف بينهم فيؤدى ذلك إلى وقوع فساد بينهم فحينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه
فيهم على ما يستحقونه من الوقف ولا يجوز بيع الوقف مع عدم شئ من ذلك.
وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة فبطل رسمها جعل في وجه البر، وإذا وقف
في وجوه البر، ولم يسم شيئا بعينه، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين.
وإذا وقف انسان مسكنا جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليه وليس له أن يسكن
غيره فيه.
باب السكنى والعمرى والرقبى والحبيس:
لا بأس أن يجعل الانسان داره أو منزله أو ضيعته أو عقاره سكنى لإنسان حسب ما أراد،
فإن جعله له مدة من الزمان كان ذلك ماضيا ولم يجز له نقله عنه إلا بعد مضى تلك المدة،
وكذلك لا يجوز له بيعه إلا بعد انقضاء المدة أو يشترط على المشتري مقدار ذلك الزمان،
ومتى مات، والحال ما ذكرناه لم يكن لورثته نقل الساكن عنه إلا بعد أن تمضى المدة المذكورة.
ومتى أسكنه إياه مدة عمره كان ذلك ماضيا مقدار زمان حياته، فإذا مات كان
لورثته نقل الساكن عن المسكن، وإن مات الساكن وله ورثة كان لورثته ذلك إلى أن يمضى
زمان حياة المسكن، وإن جعل له السكنى مدة حياة الساكن كان ذلك ماضيا إلى أن يتوفاه
الله تعالى، فإذا مات رجع إليه أو إلى ورثته إن كان مات، وإن مات الذي جعل السكنى لم
يكن لورثته إزعاجه إلا بعد أن تمضى مدة حياته ومتى أسكنه ولم يذكر شيئا كان له اخراجه
أي وقت شاء.
وإذا أسكن انسان غيره لم يجز للساكن أن يسكن معه غيره إلا ولده
وأهله ولا يجوز له سواهم، ولا يجوز للساكن أيضا أن يؤاجره ولا أن ينتقل عنه فيسكن
62

غيره إلا بإذن صاحب المسكن.
وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام
وبعيره في معونة الحاج والزوار، وإذا فعل ذلك لوجه الله لم يجز له تغييره، فإن عجزت الدابة
أو دبرت أو مرض الغلام أو الجارية وعجزا عن الخدمة سقط عنه فرضها، فإن عادا إلى
الصحة كان الشرط فيها قائما حتى يموت العبد وتنفق الدابة.
وإذا جعل الانسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدة من الزمان ثم هو حر بعد ذلك كان
ذلك جائزا وكان على المملوك الخدمة في تلك المدة، فإذا مضت المدة صار حرا، فإن
أبق العبد هذه المدة ثم ظفر به من جعل له خدمته لم يكن له بعد انقضاء تلك المدة عليه
سبيل، وإن كان صاحب الغلام أو الجارية جعل خدمته لنفسه مدة من الزمان ثم هو حر
بعد ذلك وأبق المملوك انتقض ذلك التدبير، فإن وجده بعد ذلك كان مملوكا له يعمل به
ما شاء.
باب النحل والهبة:
الهبة على ضربين: ضرب منها لصاحبها الرجوع فيها، وضرب ليس له الرجوع
فيه.
فأما الذي ليس له فيه رجوع فهو كل هبة وهبها الانسان لذي رحمه ولدا كان أو
غيره إذا كان مقبوضا، فإن لم يكن مقبوضا جاز له الرجوع فيه، وإن مات كان ميراثا إلا أن
تكون الهبة على ولده ويكونون صغارا فإنه لا يكون له فيها رجوع على حال لأن قبضه
قبضهم، فأما إذا كانوا كبارا أو يكونون غير أولاده وإن كانوا صغارا فإن له الرجوع فيها
ما لم يقبض، فإن وهب للصغير من ذوي أرحامه وقبضه وليه لم يكن له بعد ذلك رجوع
فيها على حال.
وأما الضرب الآخر وهو الذي له الرجوع فيه فهو كل هبة كانت على أجنبي ولم
يتعوض منها وكانت عينه قائمة فإن له الرجوع في ذلك وإن كان قد قبضها، وإن تعوض
عنها لم يكن له الرجوع فيها بعد ذلك سواء كان ما تعوض عنها قليلا أو كثيرا، وإن لم
يتعوض منها واستهلكت الهبة أو تصرف فيها الموهوب له لم يكن أيضا للواهب الرجوع
63

فيها على حال.
ويكره أن يرجع الانسان فيما يهبه لزوجته وكذلك يكره للمرأة الرجوع فيما تهبه
لزوجها، وما يهبه الانسان لوجه الله فلا يجوز له الرجوع فيه على حال، وما تصدق الانسان به
لوجه الله فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة وإن رجع إليه بالميراث كان جائزا.
وإذا أخرج الانسان شيئا لوجه الله يتصدق به ففاته من يريد إعطاءه فليتصدق به على غيره
ولا يرده في ماله.
ولا بأس أن يفضل الانسان بعض ولده على بعض بالهبة والنحلة إلا أنه يكره ذلك
في حال المرض إذا كان الواهب معسرا، فإذا كان موسرا لم يكن به بأس.
وإذا وهب الانسان لبعض ولده شيئا وكتب له بذلك كتاب ابتياع ذكر فيه أنه قبض
الثمن ثم مات وطالبه الورثة بالثمن أو اليمين بالله تعالى: أنه سلم الثمن على الكمال،
جاز له أن يحلف: أنه قد سلم الثمن، ويوري في نفسه ما يخرج به عن الكذب عند الله تعالى
وليس عليه في ذلك شئ على حال.
64

كتاب الوصايا
باب الحث على الوصية:
قال الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين بالمعروف حقا على المتقين.
وروي عن رسول الله ص أنه قال: من مات بغير وصية مات ميتة
جاهلية. وقال ص: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت
رأسه.
وروى أبو الصباح الكناني وأبو أسامة زيد الشحام جميعا عن أبي عبد الله ع
أنه قال: الوصية حق على كل مسلم. وروي عنه أيضا ع أنه قال: ما من
ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية أخذ الوصية أو ترك
وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم. وروى مسعدة بن صدقة
ووهب بن وهب جميعا عن أبي عبد الله ع أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: الوصية تمام ما نقص من الزكاة.
وروى السكوني عن أبي عبد الله ع أنه قال: من لم يوص عند موته لذوي
قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.
وعنه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي ع أنه قال: من أوصى
ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته وقال: ما أبالي أضررت بورثتي وسرقتهم
ذلك المال.
65

وروى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي عبد الله ع أنه قال: قال رسول الله
ص: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله.
باب الأوصياء:
ينبغي للمسلم أن يختار لوصيته عاقلا مسلما عدلا حكيما، ولا يوصي إلى سفيه
ولا إلى فاسق ولا يوصي إلى عبد وإن كان عدلا مرضيا لأنه لا يملك مع سيده شيئا. ولا بأس أن
يوصي إلى اثنين أحدهما صغير والآخر كبير بعد أن يكون الكبير كاملا عاقلا ويجعل
للعاقل النظر في الحال، وللصبي إذا بلغ، فإن مات الصبي أو بلغ وكان فاسد العقل كان
للعاقل إنفاذ الوصية، وإذا أنفذ البالغ الكامل الوصية كان ذلك جائزا. فإن بلغ الصبي ولم
يرض بذلك لم يكن له ذلك إلا أن يكون الكبير خالف شرط الوصية. ولا يجوز وصية المسلم
إلى كافر على حال ويجوز وصية الكفار بعضهم إلى بعض، ولا بأس أن يوصي الانسان إلى
امرأة إذا كانت عاقلة مأمونة.
وإذا وصى الانسان إلى نفسين وشرط أن لا يمضيا الوصية إلا بعد أن يجتمعا لم يكن
لكل واحد منهما الاستبداد بما يصيبه، فإن تشاحا في الوصية والاجتماع لم ينفذ شئ مما
يتصرفان فيه إلا ما يعود بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول وعلى الناظر في أمر
المسلمين حملهم على الاجتماع على تنفيذ الوصية أو الاستبدال بهم إن رأى ذلك أصلح في
الحال. وإن لم يكن الموصي قد اشترط عليهما ذلك جاز لكل واحد منهما أن يستبد بما يصيبه
ويطالب صاحبه بقسمة الوصية.
ولا بأس أن يوصي الانسان إلى أولاده أو إلى من يرثه أو إلى زوجته، فإن أوصى إليهم
وكان فيهم صغار وكبار كان للأكابر إنفاذ الوصية وأن لا ينتظروا بلوغ الصغار إلا أن
يكون الموصي قد اشترط إيقاف الوصية إلى وقت بلوغ الصغار، وكان الشئ الذي أوصى
به يجوز تأخيره، فإن كان كذلك لم يجز لهم أن ينفذوا شيئا منها إلا بعد بلوغ الأصاغر منهم.
وإذا وصى الانسان إلى غيره كان بالخيار في قبول الوصية وردها إذا كان حاضرا
شاهدا، فإن كان الموصى إليه غائبا كان له رد الوصية ما دام الموصي حيا، فإذا مات الموصي
قبل أن يبلغ إليه الامتناع من قبول الوصية لم يكن للوصي الغائب الامتناع من القيام بها.
66

وإذا حضر الوصي الوفاة وأراد أن يوصي إلى غيره جاز له أن يوصي إليه بما كان
يتصرف فيه من الوصية ويلزم الموصى إليه القيام بذلك. وقال بعض أصحابنا: أنه ليس له
أن يوصي إلى غيره بما كان يتصرف فيه، فإذا مات كان على الناظر في أمر المسلمين أن يقيم
من ينظر في ذلك، فإن لم يكن هناك إمام كان لفقهاء آل محمد العدول وذوي الآراء منهم أن
يتصرفوا في ذلك إذا تمكنوا منه فإن لم يتمكنوا فليس عليهم شئ، ولست أعرف بهذا
حديثا مرويا.
وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيا، فإذا مضى لسبيله لم يكن لأحد أن يغير
وصيته ولا يستبدل بأوصيائه، فإن ظهر من الوصي بعده خيانة كان على الناظر في أمر
المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه وإن لم تظهر منه خيانة إلا أنه ظهر منه ضعف وعجز
عن القيام بالوصية كان للناظر في أمر المسلمين أن يقيم معه أمينا ضابطا يعينه على تنفيذ
الوصية ولم يكن له عزله لضعفه. والوصي إذا خالف ما أمر به كان ضامنا للمال.
وإذا أمر الموصي الوصي أن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها ويأخذ نصف
الربح كان ذلك جائزا وحلال له نصف الربح.
وإذا كان للوصي على الميت مال لم يجز له أن يأخذه من تحت يده إلا ما تقوم له به
البينة. ومتى باع الوصي شيئا من التركة لمصلحة الورثة وأراد أن يشتريه لنفسه جاز له
ذلك إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان.
وإذا مات انسان من غير وصية كان على الناظر في أمر المسلمين أن يقيم له ناظرا
ينظر في مصلحة الورثة ويبيع لهم ويشترى ويكون ذلك جائزا. فإن لم يكن السلطان الذي
يتولى ذلك أو يأمر به جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قبل نفسه ويستعمل فيه الأمانة
ويؤديها من غير إصرار بالورثة ويكون ما يفعله صحيحا ماضيا.
باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح:
الوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع وهي بالربع أفضل منها بالثلث، ولا يجوز
الوصية بأكثر من الثلث، فإن وصى انسان بأكثر من الثلث لم تمض الوصية إلا في الثلث
وترد فيما زاد عليه إلا أن يرضى الورثة بذلك، فإن وصى بأكثر من الثلث ورضي به الورثة لم
67

يكن لهم بعد ذلك امتناع من إنفاذها لا في حال حياته ولا بعد وفاته.
وللإنسان أن يرجع في وصيته ما دام فيه روح ويغير شرائطها وينقلها من شئ إلى
شئ ومن انسان إلى غيره وليس لأحد عليه فيه اعتراض.
وإذا دبر مملوكه كان ذلك مثل الوصية يجوز له الرجوع فيه، فإن لم يرجع فيه كان من
الثلث فإن أعتقه في الحال مضى العتق وليس لأحد عليه سبيل.
وإذا أوصى الانسان بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بها جميعا وجب
العمل بهما وإن لم يمكن العمل بهما كان العمل على الأخيرة دون الأولى.
وإذا أوصى بوصية فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به ولا تغيير شئ من شرائطها إلا
أن يكون قد وصى بما لا يجوز له أن يوصي به مثل أن يكون قد وصى بماله في غير مرضاة الله
أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي من قتل النفوس وسلب الأموال أو إعطائه الكفار أو
إنفاقه على مواضع قربهم من البيع والكنائس وبيوت النيران، فإن فعل شيئا من ذلك كان
للوصي مخالفته في جميع ذلك وصرف الوصية إلى الحق وكان على إمام المسلمين معاونته على
ذلك.
فإن أوصى الانسان لأحد أبويه أو بعض قرابته شيئا من ثلثه وجب إيصاله إليهم وإن
كانوا كفارا ضلالا. ولا بأس بالوصية للوارث إذا لم يكن بأكثر
من الثلث فإن كانت بأكثر منه ردت إلى الثلث.
وإذا أوصى بوصية ثم قتل نفسه كانت وصيته ماضية لم يكن لأحد ردها فإن جرح
نفسه بما فيه هلاكها ثم وصى كانت وصيته مردودة لا يجوز العمل عليها وإذا أوصى بوصية ثم
قتله غيره خطأ كانت وصيته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته، وإن جرحه غيره ثم وصى كان
الحكم أيضا فيه مثل ذلك في أنه تمضى الوصية في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح.
وإذا وصى الانسان لعبده بثلث ماله نظر في قيمة العبد قيمة عادلة فإن كانت قيمته
أقل من الثلث أعتق وأعطي الباقي، وإن كانت مثله أعتق وليس له شئ ولا عليه شئ،
وإن كانت القيمة أكثر من الثلث بمقدار السدس أو الربع أو الثلث أعتق بمقدار ذلك
واستسعى في الباقي لورثته وإن كانت قيمته على الضعف من ثلثه كانت الوصية باطلة.
وإذا أوصى الانسان بعتق مملوك له وكان عليه دين فإن كان قيمة العبد ضعفي الدين
استسعى العبد في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للديان وسهمان للورثة وسهم له، وإن
68

كانت قيمته أقل من ذلك بطلت الوصية.
ومن وصى لعبد غيره لم تصح وصيته، فإن وصى لمكاتب مشروط عليه كان أيضا
مثل ذلك، فإن لم يكن مشروطا عليه جازت الوصية له بمقدار ما أدى من كتابته لا أكثر من
ذلك. وإذا أوصى لأم ولده أعتقت من نصيب ولدها وأعطيت ما أوصي لها به.
وإذا أوصى الموصي باخراج بعض الورثة من الميراث لم يلتفت إلى وصيته وقوله إذا
كان مقرا به قبل ذلك أو كان مولودا على فراشه لم يكن قد انتفى منه في حال حياته.
باب شرائط الوصية
من شرط الوصية أن يكون الموصي عاقلا حرا ثابت العقل سواء كان صغيرا أو
كبيرا، فإن بلغ عشر سنين ولم يكن قد كمل عقله غير أنه لا يضع الشئ إلا في موضعه كانت
وصيته ماضية في المعروف من وجوه البر ومردودة فيما لم يكن كذلك. ومتى كان سنة أقل من
ذلك لم يجز وصيته وقد روي أنه إذا كان ابن ثماني سنين جازت وصيته في الشئ اليسير
في أبواب البر. والأول أحوط وأظهر في الروايات.
وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف وفي
وجه البر وأما ما يكون خارجا عن ذلك فليس بممضاة على حال.
وحد بلوغ الصبي إما أن يحتلم أو يشعر أو يكمل عقله. فمتى حصل فيه شئ
من هذه الأوصاف فقد دخل في حد الكمال ووجب على وليه تسليم ماله إليه وتمكينه من
التصرف فيه إلا أن يكون سفيها ضعيف العقل فإنه لا يمكن من التصرف على حال.
وحد بلوغ المرأة تسع سنين فإذا بلغت ذلك جاز تصرفها في مالها بسائر أنواع
التصرف وأمرها نافذ فيه إلا أن تكون ضعيفة العقل سفيهة فإذا كانت كذلك فإنها
لا تمكن من المال.
ومن شرط الوصية أن يشهد عليها الموصي نفسين عدلين مرضيين لئلا يعترض فيها
الورثة، فإن لم يشهد أصلا وأمكن الوصي إنفاذ الوصية جاز له إنفاذها على ما أوصى به إليه.
ولا يجوز شهادة من ليس على ظاهر الاسلام في الوصية إلا عند الضرورة وفقد
المسلم بأن يكون الموصي في موضع لا يجد فيه أحدا من المسلمين ليشهده على وصيته فإنه
69

يجوز والحال هذه أن يشهد نفسين من أهل الذمة ممن ظاهره الأمانة عند أهل ملته، ولا يجوز
شهادة غير أهل الذمة على حال.
ويجوز شهادة النساء في الوصية عند عدم الرجال، فإن لم تحضر إلا امرأة واحدة
جازت شهادتها في ربع الوصية، فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النصف ثم على هذا
الحساب.
وإذا أشهد انسان عبدين له على حمل بجارية أنه منه وأعتقهما فشهدا عند الورثة
بذلك فلم يقبلوا شهادتهما واسترقوهما وبيعا ثم أدركهما العتاق فشهد للمولود بالنسب
قبلت شهادتهما على الورثة ولا يسترقهما المولود على حال.
باب الوصية المبهمة والوصية بالعتق والحج:
إذا أوصى الانسان بجزء من ماله ولم يبينه كان ذلك سبعا من ماله، وقد روي أنه
يكون العشر، والأول أوضح. فإن أوصى بسهم من ماله كان ذلك الثمن من جميع تركته
وقد روي: أنه سهم من عشرة، والأول أكثر في الرواية. وإن أوصى بشئ ولم يبين كان ذلك
السدس من ماله.
فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسم أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال
والكافرين، فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله وضع في أبواب البر من معونة الفقراء
والمساكين وأبناء السبيل وصلة آل الرسول بل يصرف أكثره في فقراء آل محمد ع
ومساكينهم وأبناء سبيلهم ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه البر.
فإن أوصى بوصية وجعلها أبوابا مسماة فنسي الوصي بابا منها فليجعل ذلك السهم
في وجوه البر.
وإذا أوصى الانسان لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية كان السيف له بما فيه
وعليه، وإذا أوصى بصندوق لغيره وكان فيه مال كان الصندوق بما فيه للذي أوصي له به
وكذلك إن أوصي له بسفينة وكان فيها متاع كانت السفينة بما فيها للموصى له، وكذلك إن
وصى بجراب وكان فيه متاع كان الجراب بما فيه للموصى له إلا أن يستثني ما فيه هذا إذا
كان الموصي عدلا مأمونا، فإن لم يكن عدلا وكان متهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه من
70

الصندوق والسفينة والسيف والجراب وما فيها.
وإذا أوصى الانسان بشئ معين لأعمامه وأخواله كان لأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث
فإن أوصى انسان لأولاده وكانوا ذكورا وإناثا ولم يذكر كيفية القسمة فيهم كان ذلك بينهم
بالسوية، فإن قال: هو بينهم على كتاب الله، كان للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا أوصى بثلث ماله لقرابته ولم يسم أحدا كان ذلك في جميع ذوي نسبه الراجعين
إلى آخر أب له وأم له في الاسلام ويكون ذلك بين الجماعة بالسوية.
والوصية للجيران والعشيرة والقوم على ما ذكرناه في باب الوقوف على السواء
والقول فيما يوصي للمسلمين أو المؤمنين أو العلويين أو الطالبيين أو غيرهم ممن يتناولهم
الاسم العام على ما ذكرناه في باب الوقوف على السواء.
ومن وصى لحمل غير موجود كانت الوصية ماضية، فإن سقط الحمل أو مات رجع
ميراثا على ورثة الموصي، فإن وضعته أمه حيا واستهل وصاح ثم مات ما كان أوصي له به ميراثا
لورثته دون ورثة الموصي، ومن أوصى لمعدوم غير موجود كانت الوصية باطلة.
فإذا أوصى الانسان بثلث ماله في مواليه وكان له موال ولأبيه موال كانت الوصية
لمواليه خاصة دون موالي أبيه، فإن سمى لمواليه شيئا ولموالي أبيه شيئا آخر ولم يبلغ ثلثه ذلك
كان النقصان داخلا على موالي أبيه ويوفي مواليه ما سمى لهم على الكمال.
وإذا وصى المسلم بثلث ماله للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين خاصة، فإن أوصى
الكافر للفقراء كان ذلك لفقراء أهل ملته دون غيرهم، وإذا أوصى الانسان بثلث ماله في
صدقة وعتق وحج ولم يبلغ الثلث ذلك بدئ بالحج لأنه فريضة من فرائض الله تعالى وما
فضل بعد ذلك جعل طائفة في العتق وطائفة في الصدقة.
وإذا أوصى بعتق مملوك وبشئ لقرابته ولم يبلغ الثلث ذلك بدئ بعتق المملوك وما
فضل بعد ذلك كان لمن وصى له به، وإذا وصى بعتق ثلث عبيده وكان له عبيد جماعة
استخرج ثلثهم بالقرعة وأعتقوا وإذا قال: فلان وفلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتى
وكانت قيمتهم أكثر من الثلث بدئ بالأول فالأول إلى أن يستوفى الثلث وكان النقصان
في من ذكرهم أخيرا. فإن ذكر جماعة من عبيده معدودين ولم يميزهم بصفة ولا رتبهم في
القول استخرجوا بالقرعة وأعتقوا.
وإذا أعتق مملوكا له عند موته ولا يملك غيره انعتق ثلثه واستسعى فيما يبقى لورثته،
وكذلك إن أعتق ثلث عبده استسعى فيما يبقى للورثة إذا لم يكن له مال غيره، فإن كان له
71

موثوقا بعدالته ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار ويكون ما أقر به من أصل المال فإن كان غير
موثوق به وكان متهما طولب المقر له بالبينة، فإن كانت معه بينة، أعطي من أصل المال وإن لم
يكن معه بينة أعطي من الثلث إن بلغ ذلك، فإن لم يبلغ فليس له أكثر منه.
ومتى أقر الانسان بشئ وقال لوصيه: سلمه إليه فإنه له وطالب الورثة الوصي بذلك،
فإن كان المقر مرضيا عند الوصي جاز له أن ينكره ويحلف عليه ويسلم الشئ إلى من أقر
له به، وإن لم يكن مرضيا لم يجز له ذلك وعليه أن يظهره وعلى المقر له البينة بأنه له، فإن لم
يكن معه بينة كان ميراثا للورثة.
وإذا كان عليه دين فأقر أن جميع ما في ملكه لبعض ورثته لم يقبل إقراره إلا ببينة،
فإن لم تكن مع المقر له بينة أعطي صاحب الدين حقه أولا ثم ما يبقى يكون ميراثا.
وإذا قال: لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم، فمن أقام البينة منهما كان الحق له،
فإن لم يكن مع واحد منهما بينة كانت الألف بينهما نصفين.
وإذا أقر بعض الورثة بدين على الميت جاز إقراره على نفسه ولزمه بمقدار ما يخصه
من الميراث لا أكثر من ذلك، فإن أقر اثنان بالدين وكانا مرضيين قبلت شهادتهما وأجيزت
على باقي الورثة، وإن لم يكونا مرضيين ألزما من الدين بمقدار ما يصيبهما من الميراث.
وأول ما يبدأ به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث.
وإذا كان على الميت دين وخلف مالا دون ذلك قضي بما ترك دينه وليس هناك وصية
ولا ميراث ويكون ذلك بين أصحاب الدين بالحصص، فإن وجد متاع بعض الديان بعينه
وكان فيما بقي من تركته وفاء لدين الباقين رد عليه متاعه بعينه وقضي دين الباقين من
التركة، وإن لم يخلف غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء يقتسمون
بينهم على قدر أموالهم. وإذا قتل الانسان وعليه دين وجب على أوليائه أن يقضوا دينه من
ديته سواء كان قد قتل خطأ أو عمدا، فإن كان قد قتل عمدا وأراد أولياؤه القود أو العفو لم
يكن لهم ذلك إلا بعد أن يرضوا أصحاب الديون أولا ثم إن شاؤوا بعد ذلك قتلوه وإن شاؤوا
عفوا عنه وإن شاؤوا قبلوا الدية.
وإذا قال الموصي لوصيه: اقض عني ديني، وجب عليه أن يبدأ به قبل الميراث، فإن
تمكن من قضائه ولم يقضه وهلك المال كان ضامنا له وليس على الورثة لصاحب الدين
سبيل، وإن كان قد عزل من أصل المال ولم يتمكن من إعطائه أصحاب الديون وهلك من
72

مال غيره أعتق الباقي من ثلثه.
وإذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة ولم يوجد كذلك جاز أن تعتق من أفناء الناس ممن
لا يعرف بنصب ولا عداوة، فإن وجدت مؤمنة لم يجز غيرها، فإن اشترى نسمة على أنها
مؤمنة وأعتقت ثم ظهر بعد ذلك أنها لم تكن كذلك فقد مضى العتق وأجزأ عن الوصي.
ومن أوصى بعتق رقبة جاز أن يعتق عنه نسمة رجلا كان أو امرأة صغيرا كان أو
كبيرا، وإذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم فلم يوجد بذلك القدر ووجد بأكثر منه لم
يجب شراؤه وتركت الوصية إلى وقت ما يوجد بالثمن المذكور، وإن وجد بأقل من ذلك
اشترى وأعطي الباقي ثم أعتق.
وإذا أوصى الانسان بعتق جميع مماليكه وله مماليك يخصونه ومماليك بينه وبين غيره
أعتق من كان في ملكه وقوم من كان في الشركة وأعطي شريكه حقه إن كان ثلثه يحتمل،
فإن لم يحتمل أعتق منهم بقدر ما يحتمله.
وإذا أوصى الانسان أن يحج عنه ولم يبين كم يحج عنه فإنه يجب أن يحج عنه ما بقي
من ثلثه شئ، وإذا أوصى أن يحج عنه كل سنة من ارتفاع ضيعة بعينها فلم يرتفع كل سنة
مقدار ما يحج به عنه جاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاثة لسنة واحدة وحج به عنه، وإذا قال:
حجوا عني حجة واحدة، فإن كانت حجة الاسلام حج عنه من أصل المال، وإن كانت
تطوعا حج عنه من الثلث، فإن لم يبلغ الثلث مقدار ما يحج عنه من الموضع حج به عنه من
الموضع الذي يمكن ذلك فيه.
وإذا قال الموصي: أعط إنسانا كل سنة شيئا معلوما فمات الموصى له كان ما أوصي
له لورثته إلا أن يرجع فيه الموصي، فإن رجع فيه كان ذلك له سواء رجع فيه قبل موت
الموصى له أو بعد موته فإن لم يرجع في وصيته حتى يموت ولم يخلف الموصى له أحدا رجعت
الوصية على ورثة الموصي.
وإذا قال الموصي: أعطوا فلانا كذا، ولم يقل إنه له ولا أمره فيه بأمر وجب تسليمه
إليه وكان الأمر في ذلك إليه إن شاء أخذه لنفسه وإن شاء تصدق به عنه، كل ذلك جائز له.
باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك:
إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبي وللوارث على كل حال إذا كان مرضيا
73

غير تفريط من جهته كان لصاحب الدين مطالبة الورثة بالدين من الذي أخذوه.
ومن أقر أن عليه زكاة سنين كثيرة وأمر بإخراجها عنه وجب أن تخرج من جميع
المال لأنه بمنزلة الدين وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا، فإن كان عليه شئ من الزكاة وكان
قد وجب عليه حجة الاسلام ففرط فيها وخلف دون ما تقضى عنه به الحجة والزكاة حج عنه
من أقرب المواضع ويجعل ما بقي في أرباب الزكاة.
وإذا أقر المريض بأن بعض مماليكه ولده ولم يصفه بصفة ولا عينه بذكر ثم مات
أخرج بالقرعة واحد منهم ويلحق به ويورث.
وإذا لم يخلف الميت إلا مقدار ما يكفن به كفن به ولم يقض به الدين، فإن تبرع
انسان بتكفينه كان ما خلف يقضي به الدين.
والهبة في حال المرض صحيحة إذا قبضها ولم يكن للورثة الرجوع فيها، فإن لم
يقبضها ومات كان ما وهب راجعا إلى الميراث وكذلك ما يتصدق به في حال حياته.
والبيع في حال المرض صحيح كصحته في حال الصحة إذا كان المريض مالكا
لرأيه وعقله، فإن كان المرض غالبا على عقله كان ذلك باطلا.
والمريض إذا تزوج كان عقده صحيحا ويلزمه المهر قليلا كان أو كثيرا إذا دخل
بالمرأة، فإن لم يدخل بها كان العقد باطلا.
وطلاق المريض غير جائز فإن طلق ورثته المرأة ما بينه وبين سنة إذا لم يبرأ المريض
من مرضه ولا تتزوج المرأة، فإن برأ المريض ثم مرض بعد ذلك ومات لم ترثه المرأة، وكذلك
إن تزوجت المرأة بعد انقضاء عدتها لم يكن لها ميراث. وإن لم تتزوج ومضى بها سنة ويوم لم
يكن لها بعد ذلك ميراث ويرث هو المرأة ما دامت في العدة، فإذا خرجت من عدتها لم يكن له
منها ميراث، ولا فرق بين أن تكون التطليقة أولى أو ثانية أو ثالثة وعلى كل حال.
والوصية ماضية إذا تكلم بها الموصي وكان ثابت العقل، فإن اعتقل لسانه وكان
ممن يحسن أن يكتب كتبها ثم أمضيت على حسب ذلك، فإن لم يقدر أن يكتب وأومئ بها
وفهم بذلك غرضه منه أمضيت أيضا بحسب ذلك، فإن قال له انسان: تقول كذا وكذا
وتأمر بكذا وكذا، فأشار برأسه: أن نعم، كان ذلك أيضا جائزا إذا كان عقله ثابتا. فإن كان
عقله زائلا في شئ من هذه الأحوال لم يلتفت إلى شئ من ذلك.
وإذا وجدت وصية بخط الميت ولم يكن أشهد عليها ولا أمر بها كان الورثة بالخيار
بين العمل بها وبين ردها وإبطالها، فإن عملوا بشئ منها لزمهم العمل بجميعها.
74

وإذا كان على انسان دين لغيره ومات صاحبه لم يجز له أن يعطيه لبعض ورثته إلا
باتفاق الباقين، فإن أعطاه كان ضامنا لحصة الباقين وقد سقط عنه نصيبه وكان له
مطالبته بما أخذ من نصيبهم.
وإذا غاب رجل عن أهله وترك لهم نفقة سنة ثم مات بعد شهر كان على أهله أن
يردوا ما فضل عن نفقة الشهر الذي مضى إلى الميراث.
75

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
77

ذكر أحكام الوقوف والصدقات
الوقوف والصدقات، لا يجوز الرجوع فيها، مع إطلاق الوقف وبقاء الموقوف عليهم
على ما لا يمنع الشرع من معونتهم به. فهي على ضربين: مشروط وغير مشروط.
فالمشروط: يلزم فيه كل ما شرطه الواقف ولا يتجاوزه، وإن اشترط رجوعه فيه عند
فقره كان له ذلك إذا افتقر.
ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف
فيها، أو يتغير الحال. فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا -
تغيير شئ من أحواله. وإن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه كان، أو
يلحق بالموقوف عليهم حاجة شديدة، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع.
ثم لا يخلو الواقف أن يعين بالتفضيل في الموقوف عليهم بعضهم على بعض، أو لا
يعين. فإن عين لزم ذلك، وإن لم يعين فللذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن وقف على جيرانه ولم يسم كان لمن داره إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها.
ولا يخلو أن يقف المؤمن على مؤمن مثله أو على مخالفه أو يوقف كافر على كافر،
فوقف المؤمن على المؤمن والكافر على الكافر ماض، وأما وقف المؤمن على الكافر فباطل،
وقد روي: أنه إن كان الكافر أحد أبوي الواقف أو من ذوي رحمه، كان جائزا. والأول أثبت.
والواقف لا يخلو أن يعين من يوقف عليه أو لا يعين. فإن عين أمضي ما عين عليه، وإن
لم يعين وقال: على وجوه البر، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين. وإن قال:
79

للعلوية، كان لولد علي بن أبي طالب ع. وإن قال: للطالبيين، كان لولد أبي
طالب عاما وإن قال: للهاشميين كان لولد هاشم. وإن وقفه على المسلمين كان لجميع من
صلى إلى القبلة. وإن قال: على المؤمنين، فهو للإمامية
وإن قال: على الشيعة، كان للإمامية والجارودية من الزيدية. وإن قال: للإمامية، فهو لمن قال بإمامة الاثني عشر ع
وإن قال: على قومي، كان على جماعة أهل لغته وإن قال: لعشيرتي، كان لمن هو أقرب إليه
في نسبه، وإن أطلق ولم يذكر ما يصنع فيه بعد انقراض من وقف عليه كان - إذا انقرضوا -
ميراثا لأقرب الناس إليه.
ولا يجوز الوقوف على من لم يوجد إلا بعد تعليقه بالوجود. وللإنسان أن يتصدق
بسكنى داره مدة حياة المتصدق عليه، فإذا مات رجعت إلى المالك.
وإن جعل فرسه حبسا في سبيل الله تعالى وغلامه في خدمة البيت الحرام، ويعين في
حمل ما يعين الحاج ففيه فضل كبير. ولا يجوز خروج شئ من ذلك مما حده ما دام حيا
صحيحا.
ذكر أحكام الهبة:
الهبة على ضربين: هبة لذوي الرحم، وهبة للأجنبيين. وهبة ذوي الأرحام على ضربين:
مقبوضة وغير مقبوضة. فالمقبوضة لا يجوز الرجوع فيها وهي على ضربين: مقبوض بيد
الموهوب له، ومقبوض بيد وليه إذا كان صغيرا، وكلاهما لا يجوز الرجوع فيه، وغير
المقبوض يجوز الرجوع فيه.
والهبة للأجنبي على ضربين: هبة ما يستهلك، وهبة غيره. فما كان مما يستهلك
كالمواكيل واستهلك فلا رجوع فيه. وما لم يكن من ذلك فعلى ضربين: معوض عنه وغير
معوض عنه. فما عوض عنه لا يجوز الرجوع فيه. وما لم يعوض عنه فله الرجوع وإن كان
مكروها.
80

ذكر: الإقرار في المرض:
من كان عاقلا يملك أمره فيما يأتي ويذره، فإقراره في مرضه كإقراره في
صحته. ونكاحه في المرض جائز. فأما الطلاق في المرض فمكروه جدا. فإن طلق ورثته
المطلقة إن مات في مرضه الذي طلق فيه ما بينه وبين سنة فقط. فإن صح ثم مرض ومات
أو تزوجت المرأة لم ترثه.
ذكر أحكام الوصية:
الوصية عقد يحتاج فيه إلى إيجاب وقبول. وهي واجبة. وتطلب في الأوصياء:
العدالة والعقل والحجى. فإن لم يوجد من هذه صفته فليوص إلى السفيه والفاسق،
ولا يوصي إلى العبيد إلا من كان منهم مكاتبا أو مدبرا.
ويجوز أن يوصي إلى اثنين على الاجتماع والانفراد، فإن أوصى إلى رجل
وصبي، فللرجل أن ينفذ الوصية قبل بلوغ الصبي. وليس للصبي - إذا بلغ - التنفيذ من
دون الرجل. ولا يجوز أن يوصي مسلم إلى ذمي.
وينبغي أن يشهد على الوصية رجلين عدلين مسلمين أو أكثر، فإن كان مسافرا أو
لم يجد مسلما يشهده فليشهد رجلين من أهل الذمة مأمونين في أهل دينهما، فإن عدم
الرجال ولم يحضر إلا امرأة مأمونة قبلت شهادتها في ربع ما شهدت به.
واعلم أن ما يدخل تحت هذا الباب، أقسام ثمانية:
أولها: ما تنعقد به الوصية، ومن يوصي إليه، ومن تقبل وصيته، وما المبلغ الذي
تقبل الوصية فيه، ومن يجوز
أن يوصي له، وهل يجوز الرجوع في الوصية، وهل يجوز أن يوصي الموصي إلى غيره، وما حكم من يوصي له بشئ فمات قبل الموصي.
فأما الأولان فقد ذكرناهما. وأما من تقبل وصيته فعلى ضربين: بالغ وغير بالغ.
فالبالغ على ضربين: سفيه وعاقل. فالسفيه لا تقبل وصيته إلا في وجوه البر والمعروف
خاصة، والعاقل تمضى وصيته إذا كانت على الشرائط الشرعية. وفي غير ذلك مما رسمته
الشريعة.
81

والصبي غير البالغ على ضربين: أحدهما قد بلغ عشر سنين، والآخر لم يبلغها. فمن
بلغها جازت وصيته أيضا في البر والمعروف خاصة، ولا تمضى هبته ولا وقفه، وكذلك
السفيه.
فأما المبلغ فأكثره الثلث وهو بالربع أولى، وبالخمس أولى من الربع فإن أمضى
الورثة في حياة الموصي ما زاد على الثلث جاز لهم الرجوع فيه بعد الوفاة، فإن أمضوا
بعد الوفاة فلا رجوع.
فأما من يوصي له، فهو على ضربين: وارث وغير وارث. فالوارث يجوز أن يوصي
له، وغير الوارث على ضربين: قريب وأجنبي. فالقريب يستحب أن يوصي له بشئ ما لأنه
محجوب وأما الأجنبي فضال عن الدين وغير ضال. فالضال قد روي جواز الوصية له.
وروي خلافه، وهو الأثبت. وغير الضال على ضربين: عبد الموصي، وغير عبده. فالعبد
على ضربين: مكاتب وغير مكاتب. فالمكاتب يجوز فيما أوصى بحساب ما أعتق منه
ويرجع الباقي إلى الورثة وإن كان غير مكاتب ينظر في قيمته، فإن كانت أقل من الثلث
أعتق وأعطي ما فضل. وإن كانت أكثر بمقدار الربع والثلث أعتق منه بمقدار الثلث
واستسعى في الباقي.
وإن كان له عبيد جماعة فوصى بعتق ثلثهم من غير تعيين أعتق بالقرعة.
وأما غير المكاتب فتجوز الوصية لهم بالمبلغ المرسوم.
وأما الرجوع عن الوصية، فللموصي أن يرجع عنها وبغيرها كيف شاء ويغير
الأوصياء. وإذا أوصى بوصية بعد أخرى، فإن أمكن العمل بهما عمل بهما وإلا عمل
بالثانية، فأما الموصي يوصي إلى غيره فليس له ذلك إلا أن يكون الموصي شرط له ذلك.
فإن مات الوصي تولى الناظر في أمر المسلمين بتنفيذ الوصية، فإن لم يتمكن
تولى ذلك الفقهاء إذا تمكنوا. فأما إذا مات الموصي فإنه يتنقل إلى ورثته إذا لم ينقض
ذلك الموصي.
واعلم أن الوصية على ضربين: بلفظ يدل على قدر معلوم، ولفظ لا يدل على ذلك.
فما دل عمل به، وما لم يدل ينقسم فإن كان بجزء من ماله كان بالسبع وإن كان
بسهم كان بالثمن. وإن كان بشئ من ماله كان بالسدس وقد مضى العقود.
82

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
83

باب مسائل يتعلق بالوقف والصدقة والهبة وما يلحق بذلك
مسألة: إذا وقف غلاما وشرط أن يكون نفقته من كسبه أو في شئ آخر وأطلق هل
يصح ذلك أم لا؟
الجواب: إذا شرط ذلك كان صحيحا ويكون نفقة الغلام في كسبه وغيره وحسب
ما شرطه وإن أطلق كانت في كسبه لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه وإنما يمكنه
ذلك ببقاء عين الوقف، وعينه إنما يبقى بالنفقة فيصير كأنه قد شرطها في كسبه.
مسألة: إذا كان المملوك وقفا وجنى ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا جنى هذا المملوك جناية وكانت جنايته عمدا يوجب القصاص أو
خطأ يوجب المال، وإن كانت جناية عمد وجبت عليه القصاص، وإن كانت قتلا قتل به
وبطل الوقف فيه، وإن كانت قطعا قطع وبقي الباقي وقفا كما كان وإن كانت جناية خطأ
توجب المال كان المال غير متعلق برقبته لأنه إنما تعلق برقبة من يباع فيه، فأما من لا يباع
فالأرش لا يتعلق بها ويكون المال على بيت المال وغير ذلك وهو أقوى.
مسألة: إذا كانت المملوكة وقفا هل يجوز تزويجها أم لا؟ وإن كان جائزا فما
الذي يفعل بمهرها؟
الجواب: تزويج هذه المملوكة جائز لأنه عقد معاوضة على منفعتها وهو يجري مجرى
إعادتها، وأما مهرها فهو الذي وقف عليه لأن ذلك من كسبها وكسبها للموقوف عليه.
مسألة: إذا قال: تصدقت بكذا، هل يفيد ذلك الوقف أم لا؟
85

الجواب: لا يفيد ذلك الوقف لأنه يحتمل صدقة التمليك المطوع بها كما يحتمل صدقة
الوقف ويحتمل أيضا الصدقة المفروضة، فإذا قرن بقرينة تدل على الوقف صح ذلك
والقرينة أن يقول: وقفت، وهذا صريح في الوقف أو حبست أو تصدقت صدقة موقفة أو
محبسة أو مبتلة أو مؤبدة أو محرمة أو يقول: صدقة لا تباع ولا تورث ولا توهب، فمع هذه
الألفاظ كلها تنصرف إلى الوقف.
مسألة: إذا وقف المسلم وقفا على كنيسة أو بيعة هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا الوقف لا يجوز بغير خلاف لأن هذه المواضع مدارس الكفر وسب
الأنبياء ع والمسلمين والوقف عليهما وقف على معصية وذلك لا يجوز.
مسألة: إذا وقف وقفا وشرط أن يبيعه متى أراد هل يصح الوقف أم لا؟
الجواب: لا يصح هذا الوقف أنه خلاف مقتضاه لأن الوقف لا يباع وهذا قد شرط
بيعه وذلك لا يجوز.
مسألة: إذا وهب انسان شيئا لغيره ومات الواهب قبل قبضه هل تبطل الهبة أم
لا؟
الجواب: لا يبطل هذا العقد بموت الواهب قبل قبضه كالبيع في أنه لا يبطل في مدة
الخيار.
مسألة: إذا قال لغيره في العمرى: هذه الدار لك عمرك ولعقبك هل يصح ذلك
أم لا؟
الجواب: هذا صحيح لقول النبي ص أيما رجل أعمر عمري له
ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها لا يرجع للذي أعطاها فإنه أعطي عطاء وقعت فيه المواريث.
مسألة: إذا أطلق أيضا في العمرى ولم يذكر العقب فقال: هذه الدار لك عمرك فإذا
مت رجعت إلى، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: إذا أعمر ذلك كان صحيحا ويكون الدار للمعمر حياته فإذا مات عادت
إلى المعمر وإلى ورثته إن كان قد مات، وقد قال بعض الناس بخلاف ذلك والصحيح
ما ذهبنا إليه لأن العمل بين الطائفة به وفيها الحجة.
86

باب مسائل يتعلق بالوصايا:
مسألة: إذا كان لإنسان بنت واحدة فقال: أوصيت لزيد مثل نصيب بنتي ما
الذي يجب لزيد؟
الجواب: إذا أوصى بذلك كان لزيد النصف عندنا إن أجازه الوارث وإن لم يجز
ذلك كان له الثلث لأن المال كله للبنت لو انفردت.
مسألة: إذا كان له ابنان فقال: أوصيت لزيد بمثل نصيب أحد ابني ما الذي يجب له.
الجواب: إذا أوصى على ما ذكر كان للموصى له الثلث ويكون المال بينهم أثلاثا لأن
الموصى له مضاف إلى الاثنين.
مسألة: إذا كان له تسعة بنين فقال: أوصيت لزيد بمثل نصيب ولدي، ما الذي
يجب له؟
الجواب: إذا أوصى كذلك وكان المال كله، عندنا للبنت النصف بالتسمية
والباقي بالرد كان له مثل نصيبها فصار لها النصف وللموصى له النصف فإن
أجازت البنت الوصية أخذه وإن لم تجزها كان له الثلث لأن الوصية بأكثر من الثلث لا يجوز
إلا أن يجيزها الورثة.
مسألة: انسان ترك بنتا وبنت ابنة وأربع زوجات وقال: أوصيت لزيد بمثل
نصيب ورثتي، ما الذي يجب للموصى له؟
الجواب: للموصى له سهم مما نذكره، هذه المسألة تصح من اثنين وثلاثين
للزوجات الثمن، من ذلك أربعة لكل واحدة منهم سهم وللموصى له سهم لأن أقل
نصيبها هنا نصيب الزوجة وهو ربع الثمن سهم واحد وبقي سبعة وعشرون للبنت ولا
شئ لبنت الابن لأنها محجوبة بولد
مسألة: إذا كان له ابن فقال: أوصيت لزيد بنصيب ابني، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا لا يصح لأن قوله: نصيب ابني، كأنه قال: ما يستحق ابني، وما
يستحقه ابنه لا يصح أن يستحقه غيره.
مسألة: إذا كان لإنسان مملوك لا مال له سواه فأعتقه في مرضه الذي مات فيه ما
حكمه؟
87

الجواب: الحكم فيه أن الورثة إن جازت عتقه مضى وإن لم يجزه بطل العتق في ثلثيه
وصح في الثلث الباقي ويكون الولاء في الثلث للمعتق وينتقل إلى عصبته.
مسألة: إذا أوصى لوارث بثلث ماله وأوصى لأجنبي بثلث آخر من ماله ثم قال: إن
جازت الورثة ذلك فهو لكما وإن لم يجزه فنصيب الوارث لهذا الأجنبي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أجاز الورثة الوصية للوارث والأجنبي كان ذلك لهما وإن لم يجيزوهما
كان للأجنبي الثلث لأنه قد حصل الثلث له مطلقا وجعل نصيب الآخر ثلثه.
مسألة: إذا أوصى انسان لحمل امرأة فقال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران وإن
كان أنثى فله دينار، فولدت ولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى هل يكون لهما ما وصى به أم
لا؟
الجواب: إذا وصى بما ذكر في المسألة فولدت ذكرا كان له ديناران وإن أتت بأنثى
كان لها دينار وإن أتت بذكر وأنثى لم يكن لهما شئ من ذلك لأنه لما قال: إن كان الذي في
بطنها ذكرا أراد كلما في بطنها ذكر وكلما في بطنها كذا فإذا كان كلما في بطنها ذكر وأنثى كان
بخلاف ما أراد وشرطه لم يكن كلما في بطنها أنثى يوجب مثل ما ذكرناه.
مسألة: المسألة بعينها إذا وصى بحمل هذه المرأة فقال: إن كان في بطنها ذكر فله
ديناران وإن كان أنثى فله دينار، فاتت بذكر وأنثى هل يجب لها ذلك أم لا؟
الجواب: إذا أوصي لها بذلك وأتت المرأة بذكر وأنثى كان كل ما وصى به من
الدينارين للذكر والدينار للأنثى لأنه قال: إن كان في بطنها ذكر كان له كذا وإن كان أنثى فله
كذا وقد كان ذكر وأنثى فوجب لهما ذلك والفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة أن في تلك
حيث قال: إن كان الذي في بطنها ذكرا أراد كل ما في بطنها على ما ذكرناه هناك وفي هذه
المسألة أراد إن كان ذكرا فله كذا أو أنثى فلها كذا وقد كان ذلك وبان ما ذكرناه.
مسألة: إذا أوصى فقال: لزيد شطر مالي، ما الذي يجب له؟
الجواب: إن أوصى بذلك كان للموصى له نصف المال لأن لهذه اللفظة في العرف
معنيين أحدهما النصف والآخر الجهة قال الله تبارك وتعالى: فول وجهك شطر المسجد
الحرام والجهة في الوصية لا يصح أن يراد فلم يبق إلا النصف كما ذكرناه.
مسألة: إذا أوصى فقال: لزيد من ماله بشئ بجزء أو بسهم أو ببعض ولم يعين ما
النهي ما الذي يجب للموصى له؟
88

الجواب: الذي يقتضيه الظاهر أنه متى أخرج الوصي للموصى له أي قدر كان " فقد
أنجز " الوصية لأن ذلك القدر المخرج يتناوله في اللغة العربية والعرف الشرعي اسم شئ
وجزء وسهم وبعض لكن قد روى أصحابنا روايات بأنه إن أوصى بشئ من ماله ولم يعين
كان ذلك السدس لقوله سبحانه: ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، الآية: فخلق الله
تعالى الانسان من ستة أشياء فالشئ، واحد من ستة، وإذا أوصى بجزء من ماله كان ذلك
السبع لقوله سبحانه: لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء، مقسوم، وإذا أوصى بسهم من
ماله كان الثمن لقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين، حتى ذكر أصناف
الثمانية فمن عمل بذلك لم يكن به بأس.
مسألة: إذا أوصى فقال: أعطوا زيدا شاة من غنمي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إن لم يكن لهذا الموصي غنم كانت هذه الوصية باطلة لأنها شاة علقها
بصفة ليست حاصلة وإذا كان له غنم دفع إليه منها شاة.
مسألة: المسألة بعينها إذا أوصى فقال: أعطوه شاة من مالي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أوصى بذلك وكانت له ماشية دفع إليه منها شاة وإن لم يكن له ذلك
اشترى من ماله مثله ودفعت إليه، ولم تبطل الوصية ههنا لأجل أن ليس له غنم كما بطلت في
المسألة الأولى لأنه في الأولى علق الوصية بنفس الغنم فإذا لم يكن له ذلك كانت باطلة وفي
هذا علقها بالمال والمال حاصل فصح ما ذكرناه.
مسألة: إذا أوصى فقال: ادفعوا إلى زيد كلبا من مالي، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان له كلاب يصح الانتفاع بها مثل كلاب الصيد أو الماشية دفع
إليه من ذلك، وإن كان غير ذلك كانت الوصية باطلة لأن غير ذلك لا ينتفع به وإن لم يكن له ما
ذكرناه كانت الوصية أيضا باطلة ولا يجوز وإن علق ذلك بماله أن يشترى له كلب من ماله إن
ابتياع الكلب محظور.
مسألة: إذا أوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث آخر لوارث ولم يجز الورثة ذلك لمن
يكون الثلث منها؟
الجواب: إذا لم يجز الورثة ذلك كان الثلث للذي ابتدأ به أولا فإن كان الأجنبي
الأول كان الثلث له وبطل الثلث للوارث، وإن كان الأول هو الوارث كان الثلث له وبطل
الأجنبي ولأن الوصية عندنا للوارث جائزة.
89

مسألة: المسألة بعينها إذا أوصي لهما بما ذكرناه ولم يتعين الأول منهما من الثاني ما الحكم
فيهما؟
الجواب: إذا لم يتعين الأول منهما من الثاني واستعملت القرعة فيهما فمن خرج
اسمه أنه الأول دفع الثلث إليه ولم يدفع إلى الآخر شئ لأن القرعة تستعمل عندنا في كل
أمر ملتبس.
مسألة: إذا قال: أعتقوا بثلث مالي رقابا، كم يجب أن يعتق من المماليك؟
الجواب: إذا أوصى بذلك وجب أن يشترى بالثلث ثلاثة ويعتقوا لأن الثلاثة أقل من
الجمع وإن كانت في الثلث ثمن أكثر من ثلاثة اشتروا به وعتقوا.
مسألة: المسألة بعينها إن كان في الثلث ثمن ثلاثة وزيادة لا تفي بثمن رابع كيف
يفعل في ذلك؟
الجواب: إذا لم يكن في الثلث ثمن أربعة فكان فيه ثمن ثلاثة وزيادة لا تفي بثمن
رابع جعل الثمن في الاثنين أكثر ولم يفضل من المال شئ.
مسألة: إذا أوصى فقال لوارثه: أعتق عني عبدا ومات واشترى الوارث عبدا من
التركة وأعتقه فلما أعتقه ثبت على الموصي دين يحيط بتركته، ما الحكم في ذلك
؟ الجواب: إذا كان العبد اشتراه الموصى إليه بثمن في الذمة كان شراء صحيحا
وعتقه ويكون الثمن في ذمة الذي اشتراه فإن أخذ في ذلك شيئا من نفس التركة كان عليه
ضمانه وإن كان اشتراه بعين التركة كان الشراء والعتق باطلا لأنه لما مات انتقل حق
الغرماء المستحقين للدين في ذمته إلى تركته وتعلق حقهم بها واشترى العبد بشئ قد تعلق
به حق الغير وإن كان الشراء باطلا وبطل العتق لذلك.
مسألة: إذا أوصى بأن يحج عنه بعشرة دنانير من ثلث ماله وأوصى بما يبقى من
الثلث لإنسان وأوصى لإنسان آخر بثلث ماله، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أوصى بذلك كانت الوصية بأن يحج عنه بالعشرة دنانير وما وصى به
مما يبقى من الثلث صحيحان ماضيان لأن الوصية بالثلث جائزة وقد وصى بذلك وإن كان
قد وصى به من وجهين ولم تصح الوصية بثلث آخر لأن الوصية بأكثر من الثلث لا يصح
إلا على الوجه الذي يثبت معه إجازة الورثة له.
مسألة: المسألة بعينها ولم يجز الورثة الوصية بالثلث الآخر والتبست الحال في
90

الذي وصى له بقية الثلث ولم يتعين أحدهما من الآخر، ما الذي يحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك أقرع بينهما فمن - خرج ببقية الباقي من الثلث
دفعناه إليه.
مسألة: إذا جمع بين عطية منجزة وعطية مؤخرة دفعة واحدة ولم تخرجا من الثلث،
كيف يفعل فيهما؟
الجواب: إذا جمع بين ذلك ولم تخرجا من الثلث قدمت العطية المنجزة لأنها سابقة
ويلزمه في حق المعطى فيجب فيها ما ذكرناه من التقديم على المؤخرة التي لم تلزم.
مسألة: إذا أوصى الانسان بثلث ماله، هل المعتبر في ذلك حال الوصية أو حال
الموت؟
الجواب: المعتبر في ذلك حال الموت لا حال الوصية لأن الوصية يلزم بالموت دون
حال الوصية فيجب أن يكون المعتبر ههنا بما ذكرناه.
باب مسائل يتعلق بالإقرار:
مسألة: إذا قال زيد لعمرو: أ ليس لي عليك مائة دينار - أو - ألف درهم
فقال له: نعم، هل يكون ذلك إقرارا له بالمال أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك إقرارا بالمال لأن الجواب في هذا الموضع وما يجري مجراه
لا يكون إلا ببلى لقوله سبحانه: أ لست بربكم قالوا بلى ونعم ها هنا يكون إنكارا لأن تقدير
ذلك لست بربنا فتقدير قول عمرو في جوابه ما سأل عنه: ليس لك على شئ.
مسألة: إذا أقر إقرارا مبهما مثل أن يقول لغيره لك على شئ ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أقر على هذا الوجه كان إقرارا صحيحا ويرجع في تفسير ذلك إليه
فمهما فسره به ألزم القيام به لخصمه وإن لم يفسر قلنا له: إن فسرت وإلا جعلناك ناكلا
ورددنا اليمين على خصمك فإن حلف ألزمناك القيام بما حلف عليه. فإن لم يفسر رددنا
اليمين على خصمه، فإن حلف ألزمناه وإن نكل عن اليمين صرفا جميعا.
مسألة: المسألة بعينها إن فسر بما لا يصح تملكه مثل الخمر والميتة والدم ولحم
الخنزير وما جرى مجرى ذلك هل يقبل منه ذلك أم لا؟
91

الجواب: لا يقبل ذلك منه هذا التفسير ويطالب بتفسير ما يصح تملكه لأن لفظ
الإقرار لفظ التزام والخمر وما يجري مجراها مما لا يلتزمه أحد لغيره.
مسألة: المسألة بعينها إن فسر ذلك بما لا يتمول في العادة مثل قشر جوزة أو
لوزة أو ما أشبه ذلك هل يقبل تفسيره أم لا؟
الجواب: لا يقبل منه ذلك لأنه أقر بلفظ الالتزام والمذكور مما لا يتمول في العادة
ولا يجب لأحد على غيره.
مسألة: المسألة بعينها إذا فسر بما يتملك واختلفا في المقدار أو الجنس ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا فسر ذلك بمقدار مثل أن يقر بدينار وكذبه المقر له ويقول له أكثر من
ذلك فالقول قول المقر مع يمينه فإن حلف سقطت الدعوى وإن لم يحلف ردت اليمين على
المقر له فإن حلف حكم له ذلك وأما الجنس فإنه إذا فسر ذلك مثل أن يقول لك على دراهم
وكذبه المقر له ويقول: بلى لي عليك دنانير، فإنه يبطل إقراره بالدراهم لأنه أقر بما لا يدعيه
وهو مدعي للدنانير عليه فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا حلف سقطت الدعوى وإن لم
يحلف ردت اليمين على المدعي فإذا حلف ثبت له ما يدعيه.
مسألة: إذا قال: لزيد علي مال، وفسر ذلك بجلود الميتة أو السرجين أو ما جرى
مجرى ذلك هل يصح الإقرار بالمال المبهم وما فسره به أم لا؟
الجواب: إذا قال: له علي مال، كان إقراره صحيحا وقبل تفسيره له بالقليل
والكثير من المال بغير خلاف، فإن فسره بما ذكر في المسألة لم يقبل منه هذا التفسير لأن ذلك
لا يتناوله اسم المال ولا يسمى به ولا يجري مجرى قوله: له علي شئ، لأن اسم شئ يشتمل
على المال وغيره واسم المال لا يتناول إلا ما يتمول دون ما لا يتمول.
مسألة: إذا أقر لغيره فقال له علي أكثر من مال زيد ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن ينظر مال زيد فيلزم هذا المقر بمبلغه ويرجع في تفسير
ذلك إليه فإن فسره بمثله لم يقبل منه ذلك لأن لفظ أكثر في اللغة يقتضي الزيادة على ذلك.
مسألة: إذا أقر لغيره فقال له علي أكثر من مال زيد عددا ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إن أقر أنه عرف مال زيد وأنه ألف في العدد وجب عليه ذلك المبلغ وزيادة
ويقبل قوله في تفسير هذه الزيادة ولو فسرها بحبة واحدة بغير خلاف، وإن كان مال زيد
92

ألفا وقال: ما كان عندي بأنه ألف وإنما اعتقدت أنه عشرة وأردت بالزيادة درهما واحدا،
كان القول في ذلك قوله. فإن ادعى المقر له أن المال ألف وأقام بذلك بينة لم يجب عليه أكثر
من غير أحد عشر درهما حسب ما فسره لأن مبلغ مال زيد لم يعرف حقيقة لأن المال ظاهر
وباطن وقد يملك الانسان مالا كثيرا في الباطن ويعتقد فيه أنه قليل المال فدعواه وشهادة
البينة تجريان مجرى واحدة في جواز أن يكونا صادقين أو كاذبين أو يكونا صادقين ويكون
كاذبا، لأن حقيقة مبلغ المال لا يعرفه إلا صاحبه وربما خفي على غيره فلذلك لا يحكم إلا بما
أقر به من المقدار الذي اعتقده ويكون القول قوله مع يمينه في الزيادة متى ادعاها المقر له.
مسألة: إذا أقر انسان لغيره بألف مبهم فقال له: علي ألف، ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا أقر كذلك لزمه لمن أقر له ألف ويرجع في تفسير ذلك إليه فمهما
فسره به مما يتملك قبل فيه قوله ولو كان تفسيره بالحبوب.
مسألة: إذا قال له: علي ألف درهم ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان عليه ألف درهم لأنه فسر " ألف " بالإضافة إلى الدرهم
وكذلك يجري الأمر إذا قال: له علي مائة درهم أو عشرة دراهم، وما أشبه ذلك.
مسألة: إذا أقر فقال: له علي مائة وخمسون درهما، هل يكون عليه مائة وخمسون
درهما أو يكون عليه خمسون درهما ويرجع في تفسيره المائة إليه؟
الجواب: إذا أقر كذلك لزمه مائة وخمسون درهما لأنه قد ميز العددين معا بقوله:
درهما، فقول من يقول: درهما، يكون تفسير الخمسين دون المائة وإن المائة مبهمة ليس
بصحيح لأنا لو قلنا بأن ذلك يكون تفسيرا للثاني الذي هو الخمسون لبقي الأول بلا تفسير
وذلك لا يجوز ولا يجري ذلك مجرى قوله: له علي ألف ودرهم، لأن قوله: ودرهم، معه حرف
عطف وهو " الواو " ولا يجوز أن يكون تفسيرا للألف لأن المفسر لا يكون هكذا.
مسألة: إذا أقر وقال: له علي ألف ودرهمان، هل يلزمه الكل دراهم أولا؟
الجواب: إذا قال ذلك لم يلزمه من الدراهم غير درهمين ويرجع في تفسير الألف إليه
وجرى ذلك مجرى ما قدمناه من قوله: ألف ودرهم، لأنه يفيد مع حرف العطف زيادة في العدد
ولا يقبل التفسير.
مسألة: إذا قال: له علي درهم وألف ما الذي يجب عليه؟
الجواب: إذا قال ذلك وجب عليه درهم وألف، ويرجع في تفسيره لألف إليه على ما
93

قدمناه كما لو قال: له علي ألف ودرهم، لا فرق بين أن يقدم المعلوم على المجهول أو يقدم
المجهول على المعلوم.
مسألة: إذا قال: له علي درهم ودرهم إلا درهما، ما الذي يلزمه من ذلك؟
الجواب: الذي يلزمه من ذلك درهم واحد لأن الاستثناء إذا تعقبت جملا معطوفا
بعضها على بعض بالواو فإنه يرجع إلى الجميع، وإذا رجع إلى الجميع الذي هو درهم
ودرهم خرج بالاستثناء درهم فكان مقرا بدرهم، ومن لا يقول بالذي ذكرناه يوجب عليه درهمين.
مسألة: إذا قال له: علي مائة إلا درهمين، أو قال: له علي مائة إلا درهمان، هل يجب
عليه ذلك من الوجهين جميعا ثمانية وتسعون درهما أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه ذلك من الوجهين جميعا وإنما يجب عليه ذلك من الوجه الأول
لأنه إذا قال: له علي مائة إلا درهمان، كان إقرارا بمائة درهم ودرهمين لأن إلا بمعنى واو العطف
وإذا قال: مائة إلا درهمين، كان إقرارا بثمانية وتسعين لأن المعنى: له علي مائة غير درهمين.
مسألة: إذا قال: له عندي قميص في منديل، أو قال: له عندي تمر في جراب، هل
يكون ذلك إقرارا منه بالمنديل والجراب أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك كان إقرارا بالقميص والتمر دون المنديل والجراب لأنه يحتمل في
منديل أو في جراب، وإذا احتمل ذلك لم يلزم من إقراره إلا ما هو اليقين دون ما يشك فيه لأن
الأصل براءة الذمة إلا أن يتبين فيقول: منديل وجراب له.
مسألة: إذا قال: غصبتك طائرا في شبكة - أو - قفص هل يكون غاصبا في الشبكة
أو القفص أم لا؟
الجواب: هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة لها وكذلك كل ما يجري هذا المجرى.
مسألة: إذا قال: علي كذا، هل يلزمه شئ أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك وأطلق كان عليه كما لو قال: له علي شئ ويرجع في التفسير
لذلك إليه فيما فسره به مما يتملك قبل منه دون ما لا يتملك ولا ينتفع به، وإن لم يطلق بل قيده
بالدراهم ونصب فقال: كذا درهما، كان عليه درهم واحد لأنه أخرجه مخرج التفسير كأنه
لما قال: كذا، قيل له: فسر، قال: أعني درهما، فكان تفسيرا لكذا، فإن رفع فقال: درهم
واحد، يكون معناه كذا هو درهم أي الذي أقررت به درهما وإن كسر فقال: درهم، كان عليه
دون الدرهم، وبأي شئ فسره قبل منه لأنه يحتمل أن يريد بعض درهم كان عليه لأن " كذا "
عبارة عن البعض وعن الجملة. وذهب بعض الناس إلى أنه يجب عليه درهم واحد
94

والصحيح ما قدمناه للاحتمال الذي ذكرناه.
مسألة: إذا أقر لغيره بعشرة مماليك إلا واحدا هل يكون ذلك إقرارا بالتسعة أم لا؟
الجواب: إذا أقر بذلك فقال: هؤلاء المماليك لفلان إلا واحدا، صح له إقرارا بالتسعة
لأن جهالة الاستثناء لا تمنع من ذلك وعليه تعيين المقر بهم لأن حق الغير تعلق بهم وهو مخير
بين أن يعين التسعة أو يعين الواحد الذي هو له لأنه إذا عين أحدهما أو ميزه تعين الآخر
وتميزوا.
مسألة: المسألة بعينها إذا عين واحدا لنفسه وصدقه المقر له أو كذبه ما الحكم
فيه؟
الجواب: إذا صدقه في ذلك فلا كلام وإن كذبه كان القول قول المقر مع يمينه لأنه
أعلم بما أقر به ولأنه في يده فيجب أن يكون القول قوله مع يمينه.
مسألة: إذا قال: غصبت هذه الدار من زيد وملكتها لعمرو، ما الواجب عليه؟
الجواب: الواجب عليه تسليم الدار إلى المغصوب منه لأنه أقر له باليد وللآخر
بالملك وقد يكون في يده حق وإن كان ملكها لغيره مثل أن يكون في يده رهنا أو إجارة.
مسألة: إذا قال: له عندي ألف درهم عارية، هل تقبل منه ذلك أم لا؟
الجواب: تقبل منه ذلك وتكون مضمونة لأن الدراهم والدنانير مضمونة في العارية
بغير شرط.
مسألة: إذا قال: لك عندي ألف درهم إن شئت، هل يكون ذلك إقرار أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك إقرارا لأن الإقرار إخبار عن حق واجب وما كان واجبا عليه
قبل إقراره لا يجوز أن يعلق وجوبه بشرط مستقبل.
مسألة: إذا قال: لك علي ألف درهم إن شهد لك شاهدان، هل يكون ذلك إقرارا أم
لا؟
الجواب: جواب هذه المسألة مثل جواب المسألة المتقدمة.
مسألة: إذا قال: إن شهد لك شاهدان علي بالألف فهما صادقان، هل يلزمه الإقرار
بألف أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك لزمه الإقرار بالألف في الحال لأن الشاهدين إذا صدقا في
شهادتهما عليه بالألف فالحق واجب عليه شهدا أو لم يشهدا.
مسألة: إذا كان في يده مملوك فأقر به لزيد وصدقه زيد على إقراره، وأقر العبد بنفسه
95

لعمرو وصدقه عمرو على إقراره، هل الصحيح إقرار السيد أو إقرار العبد؟
الجواب: إقرار السيد هو الصحيح دون إقرار العبد لأن يد السيد ثابتة على العبد
لأنه ملكه ويد العبد ليست ثابتة على نفسه لأنه لا يملك حكم نفسه وكان إقرار العبد إقرار بمال
السيد عليه ولا يقبل هذا إذا صدق السيد المقر له فأما إن كذبه انعتق العبد لأن الذي كان في
يده أقر بأنه ليس له والذي أقر له به قد أنكر وإقرار العبد لم يصح فما ثبت عليه ملك
لأحد فينبغي أن يكون معتقا وقد ذكر أنه يبقى رقا والصحيح ما ذكرناه.
مسألة: إذا ادعى انسان على غيره بأنه مملوكه وأنكر المدعى عليه ذلك ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك كان القول قول المدعى عليه مع يمينه لأن الظاهر
من حاله الحرية، فإن لم ينكر ذلك وأقر بما ادعاه من الرق ثم ادعى أنه أعتقه وأنكر السيد ذلك
كان القول قول السيد مع يمينه لأن الأصل أنه لم يعتقه.
مسألة: إذا التقط انسان لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه مملوك لزيد، هل يقبل هذا
الإقرار منه أم لا؟
الجواب: لا يقبل هذا الإقرار منه لأن الظاهر من اللقيط الحرية.
مسألة: إذا قال: له عندي درهم ودرهم، أو قال: درهم ودرهم ودرهم، أو قال: درهم
ثم درهم ثم درهم، فما الذي يجب عليه من ذلك؟
الجواب: أما قوله: له عندي درهم ودرهم، فإنه يلزمه درهمان لأن الثاني معطوف
على الأول بواو وكذلك القول في الثلاثة، والقول في قوله: درهم ثم درهم، كالقول في درهم
ودرهم وإن كان لفظة ثم تقتضي المهلة لكن لا معنى لها هاهنا، والقول في الثلاثة مع لفظة ثم
مثل القول في الثلاثة ثم مع لفظة العطف بالواو، ويجري هذا المجرى القول بأن: له علي
درهم فدرهم، للتعقيب ولا معنى له هاهنا وفي الناس من قال: يلزمه درهم واحد، والذي قلناه
هو الظاهر الأصح.
مسألة: إذا قال: له علي درهم لا بل درهمان، أو قال: قفيز حنطة لا بل قفيزان، ما
الذي يلزمه من ذلك؟
الجواب: الذي يلزمه من ذلك درهمان ومن الحنطة قفيزان لأن " لا بل " للإضراب
عن الأول والاقتصار على الثاني.
مسألة: إذا قال: له علي قفيز حنطة لا بل قفيز شعير ما الذي يلزمه من ذلك؟
96

الجواب: الذي يلزمه هاهنا قفيز حنطة وقفيز شعير لأنه أقر بجنس آخر ولا يقبل
منه نفي الأول.
مسألة: إذا كان بين يديه جملتان حاضرتان من دراهم فقال مشيرا إليهما: لزيد علي
إحديهما أو عينها، ثم قال: لا بل هذه الأخرى، ما الذي يلزمه من ذلك؟
الجواب: إذا قال ذلك لزمه الجملتان معا ولم يصح رجوعه لأن أحد الجملتين
لا تدخل في الأخرى، ولا يلزم على ذلك لو قال: له علي عشرة لا بل عشرون، لأن العشرة
داخلة في العشرين إذا لم تكن معينة.
مسألة: إذا قال: يوم الخميس لزيد علي درهم من ثمن مملوك، وقال يوم الجمعة: له
علي درهم من ثمن قميص، ما الذي يلزمه من ذلك؟
الجواب: الذي يلزمه درهمان لأن ثمن المملوك غير ثمن القميص وليس يجري
ذلك مجرى قوله إذا أطلق ذلك من غير إضافة إلى السبب لأن ذلك يحتمل التكرار وهذا
لا يحتمل التكرار وكذلك إذا أضاف لكل واحد من الإقرارين إلى سبب غير السبب الذي
أضاف الآخر إليه.
مسألة: إذا قال: لزيد على درهم لا بل درهم، ما الذي يلزمه؟
الجواب: الذي يلزمه درهم واحد لأنه أمسك ليستدرك ثم تذكر أنه ليس عليه إلا ذلك.
مسألة: إذا قال: له على عشرة لا بل تسعة، ما الذي يلزمه؟
الجواب: الذي يلزمه عشرة لأنه نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء ولم
يقبل منه ذلك ولا يجري هذا مجرى قوله لو قال: له عشرة إلا درهما، في أنه يقبل منه لأن
للتسعة عبارتين أحدهما بلفظ التسعة والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد فبأيهما أتى فقد أتى
بعبارة التسعة وليس كذلك قوله: على عشرة لا بل تسعة، لأنه أقر بالعشرة ثم رجع
عن بعضها فلم يصح رجوعه، يوضح ما ذكرناه أنه لو قال: على دينار إلا درهم، صح ذلك
واستثنى قدر الدرهم ولو قال: له على دينار لا بل درهم، لزمه الدرهم والدينار جميعا.
مسألة: إذا قال: لزيد على ما بين الدرهم والعشرة، ما الذي يجب عليه من ذلك؟
الجواب: الذي يجب عليه تسعة لأن الأولى داخل فيه لأن " من " لابتداء الغاية والغاية
لا تدخل فيه وفي الناس من قال: يلزمه ثمانية، والذي ذكرناه أصح من ذلك.
مسألة: إذا قال لغيره: هذه الدار أو هذا البيت لك هبة أو عارية أو هبة سكنى
ما الحكم فيه؟
97

الجواب: إذا قال له ذلك كان له اخراجه منهما أي وقت أراد لأن ذلك إقرار بعارية
وهبة منفعتها ما سكنه فقد قبضه وما لم يسكنه لم يقبضه فله الرجوع أي وقت أراد كما
قدمناه.
مسألة: إذا قال: لزيد على من مالي ألف أو مائة، هل يكون ذلك إقرارا أم لا؟ وهل
له تفسيره لما أراد أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك لم يكن هذا الإطلاق إقرارا لأنه أضاف المال إلى نفسه وجعل
له ألفا منه أو مائة وهذا يقتضي أن يكون هبة لأن ماله لا يكون لغيره إلا على هذا الوجه وله
تفسيره بالهبة.
مسألة: إذا قال: لزيد الميت على حق وهذا ولده وهذه امرأته، وأوجبتم عليه دفع
الحق إليهما من حيث أقر بأنه لا يستحقه غيرهما فما جوابكم إذا قال: لزيد الميت على حق
وهذا الطفل ولده وهذا وصيه. هل ترجحون دفعه إليهما أم لا ما الجواب عن ذلك؟
الجواب: أما الأول فلا يشتبه في صحة تسليم ما أقر به إلى ولد الميت وزوجته لإقراره بأنه
لا يستحق له غيرهما، وأما الثاني فلا يجوز التسليم إلى الوصي لأنه لا يأمن من إنكار الطفل
عند بلوغه لكونه وصيا فإذا أنكر ذلك سمع منه ويجوز تسليمه إلى الحاكم لأن له على الطفل
ولاية لا يمكنه إنكارها وولاية الوصي لا تثبت إلا ببينة.
مسألة: إذا كان لإنسان مملوكة فوطئها رجل واختلفا فقال سيدها للرجل بعتكها
والجارية مملوكة لك وعليك ثمنها وقال الرجل زوجتنيها والجارية لك وعلى مهرها ما الحكم
بينهما في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على الوجه المذكور كان كل واحد منهما مدعيا على الآخر
عقدا ينكر دعواه عليه ولكل واحد منهما أن يحلف وتنفى يمينه ما يدعيه الآخر عليه، فإن
حلف السيد أنه ما زوجها وحلف الواطئ أنه ما اشتراها عادت الجارية إلى سيدها لأن
الواطئ إذا حلف إني ما اشتراها سقط الابتياع، وإذا حلف السيد أنه ما زوجها سقط
النكاح، فإن حلف سيدها أنه ما زوجها ونكل الواطئ عن اليمين ردت اليمين على
السيد فحلف أنه باعها منه فإذا حلف على ذلك ثبتت الجارية في الحكم ملكا للواطئ ولزمه
اليمين لسيدها لأنه قد أثبت بيمينه أنه ابتاعها منه، وإن حلف الواطئ أنه ما ابتاعها ونكل
سيدها عن اليمين ردت اليمين على الواطئ فيحلف أنه تزوجها فتثبت الزوجية فترجع
لسيدها بالملك لرقبتها، فإذا زال النكاح بينها وبين الواطئ جاز حينئذ لسيدها وطؤها هذا
98

في الحكم بالظاهر وأما في الباطن فهو على ما يعلمه من نفسه، فإن كان صادقا في دعواه لم
يجز له وطؤها أيضا إلا على الوجه الذي يحل له وطء مثلها.
مسألة: إذا ادعى زيد على عمرو مالا في مجلس الحكم فقال عمرو: لا أقر ولا أنكر، أو
قال: لا أدري ما يقول، أو قال: أنا مقر أو منكر. هل يكون ذلك جوابا صحيحا أم
لا وما الحكم فيه؟
الجواب: إذا ذكر ذلك بين يدي الحاكم لم يكن جوابا صحيحا وكان على الحاكم أن
يقول له: إن أجبت بجواب صحيح وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك. فإن
لم يجب بجواب صحيح وهو يقول: أنا مقر أو أنا منكر، جعله الحاكم ناكلا ورد اليمين على
خصمه وإنما جعل ناكلا لأنه لو أجاب بجواب صحيح وامتنع من اليمين لجعل ناكلا وإذا
امتنع من الجواب واليمين فأولى أن يكون ناكلا وإنما لم يكن قوله: لا أقر ولا أنكر، جوابا
صحيحا لاحتماله أن يريد أقر فيما بعد أو أقر بوحدانية الله تعالى وكذلك قوله: لا أنكر
يحتمل لا أنكر وحدانية الله تعالى أو لا أنكر فضلك، وإذا كان ذلك محتملا لم يصح الجواب
به حتى يجيب بما يزول معه الاحتمال مما قدمناه ذكره وقوله: لا أدري ما يقول، إنما لم يكن جوابا
صحيحا لأنه أعلم بما يقول خصمه وكيف يقول لا أدري به وقوله: أنا مقر أو منكر، إنما
يجري مجرى ما تقدم في أنه ليس بجواب صحيح لمثل ما ذكرناه في الوحدانية وغيرها.
مسألة: إذا قال: لزيد على مائة، ثم سكت ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، أو قال:
له على مائة من ثمن مبيع، ثم سكت ثم قال: لم أقبضه، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا قال الأول لم يقبل منه المبيع لأنه أقر بالمائة وفسر ذلك بما يسقط إقراره
وأما الثاني فلا يجري مجرى الأول لأنه إذا قال: له على مائة من ثمن مبيع، ثم يسكت ثم قال
لم أقبضه، قبل ذلك منه لأن قوله بعد السكوت: لم أقبضه، غير مناف له إقرارا الأول لأنه قد
يكون عليه مائة دينار ثمنا ولا يلزمه تسليمها حتى يقبض المبيع ولأن الأصل عدم القبض.
مسألة: إذا شهد على انسان شهود بإقراره ولم يقولوا هو صحيح العقل هل يصح
ذلك أم لا؟
الجواب: تصح الشهادة بذلك لأن الظاهر صحة إقراره ولأن الظاهر أيضا أن
الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل، فإن ادعى المشهود عليه بالإقرار أنه أقر
وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الجنون ولأن الشهود
99

يشهدون على ظاهر الحال فيجوز أن يخفى جنونه ويكون المقر له عالما بذلك.
مسألة: إذا قال: له درهم في عشرة كم يكون المقر له؟
الجواب: إن أراد بما ذكره ضرب الحساب وجب عليه عشرة دراهم لأن واحد في
عشرة عشرة وإن لم يرد ضرب الحساب لم يلزمه غير درهم واحد لأنه يكون معناه له درهم في
عشرة دراهم لي ويجري ذلك مجرى ما قدمناه في القول له قميص في منديل.
مسألة: إذا قال: له عندي درهم ودرهمان كم يجب عليه؟
الجواب: يجب عليه ثلاثة دراهم لأن الدرهمين معطوفان على الدرهم فإذا كان قد
عطف الدرهمين على الدرهم وكان من حق المعطوف أن يكون غير معطوف عليه لزمه
ما ذكرناه.
مسألة: إذا ادعي على صبي البلوغ وأنكر الصبي ذلك ما حكمه؟
الجواب: على المدعي لبلوغ الصبي البينة بما ادعاه، فإن لم يكن له بينة لم يلزم
الصبي يمين وكان القول في ذلك قوله لأن إلزامه اليمين يؤدى إلى نفيها وإسقاطها عنه لأنه
إذا حلف أنه صبي وحكم له بالصبا إن طلبا يمينه لأن يمين الصبي غير صحيحة وكلما أدى
إثباته إلى نفي لم يكن لإثباته معنى يعول عليه.
مسألة: إذا أقر انسان لمملوك غيره بمال هل يصح ذلك الإقرار أم لا؟ وإن صح
فهل يكون إقرارا للمملوك أو لسيده؟
الجواب: هذا الإقرار صحيح وهو إقرار لسيد المملوك لأن المملوك لا يصح أن
يكون له مال بالاكتساب أو غيره فإذا أثبت ذلك كان لسيده.
مسألة: إذا هلك انسان وخلف ابنا فأقر هذا الابن بأخ له من أبيه ثم أقرا جميعا
بثالث ثم إن الثالث أنكر نسب الثاني ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أقرا جميعا بثالث ثبت نسب الثالث، وإذا أنكر الثالث الثاني لم يثبت
نسبه لأنه لم يشهد له اثنان بذلك والثالث قد شهد له اثنان فصح ذلك نسبه ولم يصح
الثاني والمال الموروث يكون بين الأول والثالث ويأخذ الثاني من الأول الذي أورثه ثلث
ما بقي في يده لأنه مقر به وبغيره.
مسألة: إذا هلك وترك أخ زوجة فأقرت الزوجة لابن لزوجها المتوفى وأنكر الأخ
ما الحكم في ذلك؟
100

الجواب: إذا أقرت الزوجة بهذا الابن وأنكره الأخ لم يثبت نسبه وأما المال الموروث
فإنه إن كان في يد الأخ لم تأخذ الزوجة منه إلا الثمن لأنه القبال الذي تدعيه وإن كان
في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه لأنه العقر الذي يدعيه لأنه بقول إنه ليس لزوجها ابن فيبقي
في يدها الربع وهي مدعية لنصفه لأنها تقول إن لزوجها ابنا فيكون نصف هذا الربع وهو
الثمن لها والباقي ترده على الذي ادعت أنه ابن زوجها.
مسألة: إذا هلك انسان وخلف ابنين وأقر الواحد منهما بأخ وأنكره الآخر هل
يثبت نسبه أم لا؟ فإن قلتم: يثبت، قيل لكم: هذا خلاف مذهبكم لأن عندكم لا يثبت نسبه
إلا بشهادة اثنين. فإن قلتم: لا يثبت، قيل لكم: فإن مات المنكر وورث أخوه جميع المال هل
يجب عليه مقاسمة الذي أقر به أم لا؟ وإن خلف المنكر ابنا فوافق عمه فيما أقر به من
أخوة الذي أنكره أبوه هل يثبت نسبه أم لا؟
الجواب: إذا ورث الأخ جميع ما خلفه أخوه وجب عليه المقاسمة لمن أقر وليس له
جحده بعد ذلك، فإذا لم يكن له جحده بعد إقراره به كما ذكرناه لزمه أن يقاسمه المال، فأما
ثبوت نسبه لموافقة ابن المنكر له فصحيح لأن الأخ إذا كان قد أقر به وشهد ابن أخيه له بمثل
ذلك فلا بد من ثبوت النسب والميراث له لأنهما اثنان وقد شهدا له بذلك.
مسألة: إذا هلك وترك ابنين أحدهما قاتل ما الحكم فيه وفي الآخر إن أقر بأخ
وأنكره الآخر؟
الجواب: إذا ترك ابنين أحدهما قاتل كان المال كله للذي ليس بقاتل، وإن أقر
الذي صار له الميراث بأخ له آخر غير القاتل كان عليه إن يقاسمه المال لأنه مقر بنسبه وإن
أنكره القاتل لم يكن لإنكاره تأثير وإن أقر به لم يثبت نسبه لأنه لا يجوز أن يرث من هذا
الميراث شيئا.
مسألة: إذا هلك انسان وترك ابنين أحدهما كافر والآخر مسلم ما الحكم فيه وفي
الآخر إن أقر بأخ وأنكره الآخر؟
الجواب: إذا ترك ابنين أحدهما كافر والآخر مسلم كان المال للمسلم دون الكافر
فإن أقر أحدهما بأخ آخر وكان المقر هو المسلم كان عليه مقاسمة المال لأنه أقر به، وإن كان
المقر هو الكافر لا يثبت نسبه لأنه لا يجوز أن يرث من هذا الميراث شيئا، وإن أنكره لم يكن
لإنكاره ها هنا تأثير.
101

مسألة: إذا أقر الوارث بوارث آخر أ هو والى منهما كيف حكمه؟
الجواب: إذا أقر بوارث غيره هو إلى ثلثه كان عليه أن يدفع جميع المال إليه
لأنه أقر به.
مسألة: إذا أقر بوارث آخر يكون ثالثا له والذي أقر به كيف يكون حكمه؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان عليه أن يغرم له مثل الميراث لأنه أقر به.
مسألة: المسألة بعينها إذا أقر بهذا الذي هو ثالث له والذي أقر به وجحده المقر له
أولا كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان كذلك عليه أن يغرم له الميراث كما قدمناه وأما جحده الذي أقر
به أولا فلا يصح جحده له بعد الإقرار به.
مسألة: إذا أقر للميتة زوج كيف حكمه؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان عليه أن يدفع إليه مقدار ما كان يجب له من سهمه.
مسألة: المسألة بعينها إذا أقر بزوج آخر ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان عليه أن يدفع إليه مقدار ما يجب له من سهمه.
مسألة: المسألة بعينها إذا أقر بزوج آخر ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان إقراره باطلا لأن الزوجين هاهنا لا يتعددان فإن كذب
نفسه هي في الإقرار الأول كان عليه أن يغرم للثاني سهمه ولا سبيل له على الأول.
مسألة: إذا أقر الولد بزوجة للميت كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أقر بذلك كان عليه أن يدفع إليها ثمن ما كان في يده.
مسألة: المسألة بعينها وأقر بعد ذلك بزوجة ثانية هل يجب عليه أن يدفع إليها شيئا أم لا؟
الجواب: يجب عليه أن يدفع إليها نصف ثمن ما في يده.
مسألة: المسألة بعينها وأقر بعد ذلك بزوجة ثالثة وبعد الثالثة أقر برابعة وبعد
الرابعة أقر بخامسة ما الحكم فيهن؟
الجواب: إذا أقر بعد ذلك بثالثة كان عليه أن يدفع إليها ثلث ثمن ما في يده، فإذا
أقر بعد ذلك برابعة عليه أن يدفع إليها ربع ثمن ما في يده، فإذا أقر بعد ذلك بخامسة كان
إقراره بها باطلا، وإن أنكر واحدة ممن كان أقر بها منهن كان إنكاره باطلا ووجب عليه أن
يغرم للذي أقر بها بعد ذلك ما يجب لها، وإن لم ينكر واحدة منهن كان إقراره بالخامسة باطلا
102

على ما قدمناه.
مسألة: إذا أقر بأربع زوجات في وقت واحد ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا كان كذلك كان لجميعهن عليه الثمن ويكون بينهن بالسوية.
103

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍. ق
105

كتاب الوقوف والصدقات والعطايا والهبات
باب الترغيب في فعل المعروف:
روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: تصدقت يوما بدينار، فقال لي
رسول الله ص: يا علي أما علمت أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك
عنها لحى سبعين شيطانا. وعنه أن النبي ص قال: إن صدقة السر تطفئ
غضب الرب فإذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها من شماله.
وعن الباقر ع أنه قال: اصطناع المعروف يدفع مصارع السوء وكل
معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأول من يدخل الجنة
أهل المعروف.
وعن الصادق ع: ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن
ولا مؤمنة يتصدق بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند الله إلا دفع الله بها عنه من شر ما ينزل
من السماء في ذلك اليوم.
وعن الباقر ع: أن الصدقة يضاعف في يوم الجمعة.
وعن علي ع: الصدقة والحبس ذخيرتان، فدعوهما ليومهما.
107

باب الوقوف والصدقات:
الوقف في الأصل صدقة، ويثبت صحته بأمرين: أحدهما: صحة التصرف فيما يقفه
الانسان أما بملك أو إذن، والآخر: أن يقبضه ويخرجه عن يده إلى من هو وقف عليه أو لمن
يتولى عنه ذلك أو يقوم مقامه في قبضه. فإذا وقف على خلاف ذلك كان باطلا، فإن مات
الواقف والحال فيما وقفه وحبسه على ما ذكرناه كان ميراثا لورثته، وليس يجوز الوقف
إلا فيما يحصل به الانتفاع على الاستمرار وعينه قائمة أو فيما يكون له أصل ثابت وإن لم
يستمر الانتفاع به إلا في أوقات مخصوصة،
فأما الأول: فهو كالدور والمساكن والضياع والأراضي والرقيق والحلي وكتب العلوم
والمصاحف وما جرى مجرى ذلك، وآلات الحرب إذا وقف ذلك في الجهاد مثل السيوف
والدروع والخيل وما جرى هذا المجرى.
وأما الثاني: فهو كالنخل لأنه يصح وقف ثمرته والأصل ثابت وكذلك جميع
ما جرى هذا المجرى، ولا يجوز وقف ما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه، كالدنانير والدراهم
وما يؤكل ويشرب وما أشبه ذلك.
والصدقة ضربان: مطلقة وغير مطلقة، فالمطلقة: هي كل صدقة حصلت عارية من
جميع الشروط، والذي ليس بمطلق منها ضربان: مشروط ومؤبد، والمشروط: كل صدقة علق
الانتفاع بها بشرط لا يفيد التأبيد، وأما المؤبد: فهو كل صدقة شرط إيصال الانتفاع بها إلى
أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
والصدقة المطلقة تقتضي التمليك لرقبة الملك المتصدق به ويصح من المتصدق
عليه به التصرف في ذلك بالبيع والهبة وغير ذلك من وجوه التصرف.
وأما الصدقة المشروطة فإنها إذا وقعت كذلك اقتضت تمليك الانتفاع بمنافعها
دون رقبة الملك، ولا يصح تصرف المتصدق عليه بها في رقبة الملك بل له التصرف في
المنافع بحسب ما يقتضيه الشرط الحاصل فيها.
وأما المؤبد فإذا وقعت الصدقة عليه كانت وقفا وحبسا واقتضت صحة التصرف
108

في منافعها من الموقوف عليه إلى حين انقراضه ثم ينتقل ذلك إلى من شرط رجوع ذلك إليه
من بعده.
فإن وقف انسان وقفا فيجب أن يذكر الموقوف عليه ويقصد به وجه الله تعالى، فإن
وقفه ولم يذكر الموقوف عليه ولا قصد به وجه الله لم يصح الوقف، وليس يجوز أن يقف إلا ما
يملكه، فإن وقف ما لا يملكه كان باطلا.
وإذا وقف وقفا ولم يخرجه من يده ولم يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنه ذلك
كان باطلا أيضا، فإن مات المالك والحال فيما وقفه على ما ذكرناه كان ميراثا.
وإذا كان لإنسان أولاد صغار أو كبار ووقف على الكبار لم يكن بد من أن يقبضهم ما
وقفه عليهم وإن لم يقبضهم ذلك لم يصح الوقف وجروا في ذلك مجرى الأجنبي في أنه إذا
وقف عليه ولم يقبضه كان الوقف باطلا، فإن وقف على الصغار كان وقفه صحيحا وإن لم
يصح منهم القبض لذلك في حال صغرهم لأنه هو الذي يتولى عنهم ذلك وتوليه لهم يقوم
مقام قبضهم له.
وإذا وقف الانسان شيئا ثم أخرجه من يده وملكه لم يجز له تغيير شئ من شروطه
ولا الرجوع فيه ولا في شئ منه ولا نقله عن وجوهه ولا عن شئ منها.
وإذا وقف شيئا فينبغي أن ينوي به وجه الله فإن لم يفعل ذلك كان باطلا كما قدمناه،
وإذا لم يقصد بالصدقة التي ليست وقفا ذلك أيضا لم تصح الصدقة.
وقف المفتوحة عنوة:
ولا يجوز أن يقف شيئا مما افتتحه المسلمون عنوة إلا أن يصطفي الإمام شيئا منه
لنفسه ثم يملكه ذلك أو يقطعه إياه، وليس يجوز أن يقف الانسان شيئا على من لم يوجد بعد
وليس معه موجود فإن فعل ذلك كان الوقف باطلا، ولا يجوز لمسلم أن يقف وقفا على أحد
من الكفار فإن وقف ذلك كان باطلا، وقد ذكر جواز ذلك في الأبوين إذا كانا كافرين
والظاهر ما ذكرناه.
109

والوقف يجب أن يجري على ما يقفه الواقف ويشترط فيه، ولا يجوز لأحد تغيير شئ
من سائر شروطه اللهم إلا أن يكون شرطا يتعلق بوجه قبح فإنه يجب تغييره لذلك.
وإذا وقف انسان على ولد له موجود وهو صغير ثم ولد له بعده غيره وأراد أن يدخله
في الوقف مع الأول كان جائزا إلا أن يكون قد خص الولد الموجود بذلك وقصره عليه
وشرط أنه له دون غيره ممن عسى أن يرزقه الله من الأولاد فإنه لا يجوز أن يدخل غيره في
ذلك.
وإذا وقف انسان على ولده وكان منهم ذكور وإناث وشرط تفضيل البعض منهم على
البعض كان جائزا وأجرى على حسب ما شرطه، وإن لم يشترط ذلك كان الذكر والأنثى فيه
سواء من ولده وولد ولده لأن الاسم يتناول جميعهم.
وإن شرطه أن يكون الوقف بينهم على كتاب الله، أو قال: على فرائض الله، كان بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن وقف شيئا على أبويه كان الحكم فيهما أيضا على مثل ما قدمناه،
وإذا وقف انسان شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من أقر بالشهادتين وأركان الشريعة من
الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
فإن وقفه على المؤمنين كان ذلك لمجتنبي الكبائر من أهل الحق والمعرفة بالإمامة
دون غيرهم ودون الفساق منهم، فإن وقفه على الشيعة ولم يعين منهم فرقة دون أخرى
ولا قوما دون قوم كان ذلك جاريا على الشيعة الإمامية والجارودية وجميع فرق الشيعة من
الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفية والاثني عشرية إلا البترية فإنهم لا يدخلون
معهم جملة.
فإن وقفه على الإمامية كان جاريا على القائلين بإمامة الاثني عشر، فإن وقفه على
الزيدية كان جاريا على القائلين بإمامة زيد بن علي وإمامة كل من خرج بالسيف من ولد
فاطمة ع.
110

تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه:
وإن وقفه على الهاشميين كان جاريا على ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده
الذكور منهم والإناث. فإن وقفه على الطالبيين كان جاريا على أولاد أبي طالب وولد ولده
من الذكور والإناث. فإن وقفه على العلويين كان جاريا على ولد على ع من
الحسنيين والحسينيين والعباسيين والمحمديين والعمريين وولد ولدهم الذكور والإناث. فإن
وقفه على ولد فاطمة كان جاريا على ولد الحسن والحسين ع الذكور والإناث.
فإن وقفه على الحسنيين لم يكن للحسينيين معهم في ذلك شئ وكان جاريا على
أولاد الحسن الذكور منهم والإناث. فإن وقفه على الحسينية لم يكن للحسنية معهم شئ على
حال. فإن وقفه على الموسويين كان جاريا على أولاد موسى بن جعفر ع الذكور
والإناث.
فإن وقفه على جيرانه، ولم يذكرهم بأسمائهم ولا عينهم بصفاتهم كان جاريا على
من بين داره وبين دارهم أربعون ذراعا من أربع جوانبها ولم يكن لمن خرج عن هذا التحديد
من الجيران في ذلك شئ. فإن وقف ذلك على قومه ولم يذكر أسماءهم كان ذلك جاريا على
أهل لغتهم من الذكور دون الإناث. فإن وقفه على عشيرته كان جاريا على الخاص من قومه
الذين هم أقرب إليه في نفسه.
وإن وقفه على مستحق الخمس كان جاريا على ولد أمير المؤمنين ع وولد
جعفر وعقيل والعباس. فإن وقفه على مستحق الزكاة كان جاريا على الثمانية الأصناف
الذين تقدم ذكرهم في باب الزكاة. فإن وقفه على أحد الأجناس الذين ذكرناهم وكانوا
كثيرين في البلاد ومتفرقين فيها كان ذلك جاريا على من يكون حاضرا في البلد الذي فيه
الوقف دون ما عداه من البلد.
فإن وقفه على وجه من الوجوه في البر أو على قوم معينون ولم يشرط رجوعه على شئ
معين بعد انقراض من ذكره ثم انقرض الموقوف عليه كان راجعا إلى ذرية الواقف.
فإن وقفه على المساجد أو الكعبة أو المشاهد أو ما جرى مجرى ذلك من مواضع
111

العبادات التي يتقرب فيها المسلمون إلى الله تعالى أو وقفه على شئ من مصالحها
أو سكانها والمقيمين بها أو أحوالهم وأحوالها كان جاريا على ذلك.
تقسيم الوقف حسب الواقف:
فإن وقف المسلم شيئا على البيع والكنائس أو شئ من بيوت عبادات الكفار على
اختلافهم كان باطلا، فإن وقفها الكافر على ذلك كان ماضيا صحيحا، فإن وقف الكافر
أيضا شيئا على الفقراء كان جاريا على فقراء أهل ملته دون من عداهم من فقراء الملل
المخالفة لملته.
وإذا كان الشئ وقفا على قوم ومن بعدهم على غيرهم وكان الواقف قد اشترط
رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها لم يجوز بيعه على وجه من
الوجوه. وإن كان وقفا على قوم مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم
حسب ما قدمناه وحصل الخوف من هلاكه وإفساده أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون
بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم أو يخاف من وقوع خلاف بينهم يؤدى إلى فساد فإنه يجوز
حينئذ بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم فإن لم يحصل شئ من
ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه.
ولا يجوز هبة الوقف ولا الصدقة به أيضا.
وإذ وقف انسان شيئا على مصلحة فانقرضت أو بطل رسمها جعلت منافعها على
وجه من وجوه البر، وإذا ذكر شيئا على وجه من وجوه البر ولم يذكره على التعيين كان
جاريا على الفقراء والمساكين ومصالح المسلمين.
ومن وقف شيئا لم يجز له أن يأكل منه ولا أن يسكن فيه فإن أكل منه شيئا كان عليه
قيمته وإن سكن كان عليه أجرته، هذا إذا كان قد وقفه على قوم معينين من ولده أو غيرهم.
فإن لم يكن وقفه على قوم مخصوصين بل وقفه عاما وكان ذلك مسجدا أو ساقية كان له
الصلاة في المسجد والشرب من الساقية، وكذلك لجميع الفقراء والأغنياء. وإن كان ثمرة
112

ملك أو غلة وافتقر حتى احتاج إلى ذلك وكان الوقف عاما كان حكمه كحكم غيره من
الفقراء والمساكين، وإن لم يكن عاما وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك، وإن كان ما
وقفه دارا أو منزلا وكان وقفه كذلك عاما في سائر الناس مثل الدور التي ينزلها الحاج
والخانات جاز له النزول فيها، وإن لم يكن كذلك لم يجز له.
ومن وقف شيئا وشرط أنه متى احتاج إليه كان له بيعه أو كان أحق به كان ذلك ما
شرطه فإن مات كان ميراثا لورثته ولم يثبت كونه وقفا ساريا بعد موته.
في الوقف المشاع:
والوقف والصدقة التي ليست وقفا يصحان في المشاع كما يصحان فيما ليس
بمشاع كما ذكرناه، وإذا كان المشاع بين شريكين أو أكثر جاز لكل واحد أن يقف بما يملكه
منه أو يتصدق به على من شاء على أي وجه اختاره. ومن تصدق بصدقة لم يجز له
استرجاعها ببيع ولا غيره، فإن رجعت إليه بالميراث كان جائزا وصح التصرف فيها
بالملك.
وإذا حبس انسان مملوكه في خدمة البيت أو معونة الحاج والزوار أو فرسه في الجهاد
أو دابته في سبيل الله وعجز المملوك عن ذلك لمرض أو غيره أو عجزت الدابة أو دبرت أو
مرضت سقط عن المملوك فرض القيام بما حبس فيه، فإن عاد كل واحد من ذلك إلى
الصحة كان الشرط فيه قائما إلى أن يموت المملوك أو ينفق الدابة.
وإذا كان على رجل مهر لزوجته لها أولاد صغار وله أولاد فتصدق بجميع ما يملكه
على أولاده فرارا من المهر كانت الصدقة ماضية والمهر في ذمته يجب عليه الوفاء به
والمطالبة حتى يبرأ ذمته، وإذا تصدقت الزوجة على زوجها بصداقها أو ببعضه كان ذلك
جائزا.
وإذا وقف انسان حصته من أرض كان صحيحا كما قدمناه ولم يثبت لشريكه في
ذلك شفعة لأن الوقف ليس ببيع والشفعة إنما تثبت في البيع.
113

فإن وقف حصته من عبد كان جائزا، فإن أعتقه الواقف بعد ذلك لم يصح عتقه
لأن ملكه بالوقف قد زال عنه، وإذا جنى العبد الموقوف جناية عمد وكانت قتلا قتل وبطل
الوقف، وإن كان قطعا قطع وبقي الباقي وقفا كما كان، فإن كانت الجناية خطأ يوجب المال
كان ذلك في ماله ولم يتعلق المال برقبته لأنه إنما يتعلق برقبة من يباع فيه وهذا لا يصح بيعه،
فإن جنى عليه فقتل وجبت قيمته لأنه يضمن بالغصب.
وإذا وقف جارية صح تزويجها لأن ذلك عقد معاوضة على منفعتها وجرى ذلك مجرى
إجارتها في الصحة لما ذكرناه وعلى هذا يكون المهر لمن هو وقف عليه لأنه من كسبها، فإن
أتت بولد كان حرا إذا زوجت بحر وإن كان مملوكا كان بينهما.
باب النحلة والهبة:
الهبة ضربان: أحدهما يجوز للواهب الرجوع فيه، والآخر لا يجوز له الرجوع فيه
والذي يجوز له الرجوع فيه هو كل هبة وهبها الانسان لأجنبي وكانت قائمة العين ولم
يتعوض عنها عوضا، وإن كانت قد قبضت فإن كان قد تعوض عنها شئ قليلا كان أو كثيرا
لم يجز له الرجوع في شئ منها، وكل هبة كانت لذي رحم منه ولم يقبضها الموهوب له والذي
لا يجوز له الرجوع فيه من ذلك كل هبة وهبها لأولاده الأصاغر لأن قبضه قبضهم فلا يجوز له
الرجوع في ذلك، وكل هبة كانت لذي رحمه أولادا كانوا أو غير أولاد وكانت قد قبضت،
فإن لم يكن قبضت كان الرجوع فيها جائزا والأفضل له أن لا يرجع فيها، وإن مات قبل
قبضها كان ميراثا.
وإذا وهب الانسان لصغير من ذوي أرحامه الذي ليسوا بولد له وقبضه وليه لم يجز
له الرجوع فيه، وإذا لم يتعوض الواهب من الهبة وهلك أو تصرف الموهوب له فيها لم يجز
للواهب الرجوع فيها ولا في شئ منها.
114

الهبة عقد جائز
وإذا وهب الانسان هبة صحيحة وباعها قبل القبض كان البيع ماضيا وانفسخت
الهبة، وإن كان بعد القبض كان البيع باطلا، فإن كانت الهبة فاسدة وباعها قبل القبض
كان البيع صحيحا، وإن كان البيع بعد القبض وكان يعتقد أنها صحيحة وأن الموهوب له
قد ملكها صحت ولم يصح بيعها لأن ذلك صار ملكه.
وإذا كانت الهبة إنما يلزم بالقبض وقبضها الموهوب له بإذن الواهب صحت وثبت
له الملك من حين القبض، فإن قبضها بغير إذن الواهب له في قبضها كان القبض فاسدا
ووجب عليه ردها.
وإذا وهب شيئا وقبل الموهوب له الهبة ومات الواهب قبل القبض لم يبطل العقد
بموته وقام الوارث مقامه في ذلك. وإذا وهب لغيره هبة وقبل الموهوب له ذلك وأذن الواهب
له في قبضها ثم رجع عن ذلك قبل القبض لم يجز للموهوب له قبضها، فإن قبضها
بعد الرجوع لم يكن قبضه لها صحيحا، وإن يرجع الواهب بعد القبض كان الهبة صحيحة
ولزم العقد ولم ينفعه رجوعه بعد ذلك.
وإذا قال: وهبت لك هذا الشئ، وقبل الهبة وأقبضته إياها كان العقد صحيحا ولزم
بإقراره ولا فرق في ذلك بين أن تكون الهبة في يد الواهب أو في يد الموهوب له لأن كونه في يد
الواهب لا يدل على أنه ما أقبضه من حيث أنه يجوز أن يكون أقبضه ثم رجع إليه بسبب
آخر، فإن قال بعد ذلك: ما كنت أقبضته إياها وإنما كنت وعدته بالقبض، لم يقبل رجوعه
عن إقراره لأنه يكذب نفسه فيما تقدم من إقراره، فإن أراد يمينه على أنه كان أقبضه كان له
ذلك.
وإذا قال: وهبت له هذا الشئ وخرجت إليه منه، لم يكن ذلك صريحا في القبض،
فإن كان في يد الموهوب له كان ذلك جائزا وإقرارا بالقبض ويكون ذلك إمارة على أنه أراد
به القبض، وإن كان في يد الواهب لم يلزمه الإقرار بالقبض ويكون معنى قوله: خرجت إليه
منه، أنه أذن له في القبض ولم يقبض ذلك بعد.
115

وإذا قال الموهوب له: وهبت لي هذا الشئ وأقبضتنيه وملكته، فقال له الواهب
" نعم " كان ذلك إقرارا بلزوم الهبة، فكأنه قال: وهبت لك وأقبضتكه وملكته، لأن لفظة نعم
يرجع إلى جميع ذلك على وجه التصديق ولهذا لو قال انسان: لي عليك ألف درهم، فقال
" نعم " يلزمه ألف درهم.
وإذا وهب انسان شيئا لاثنين فقبلا ذلك وقبضاه تمت الهبة في الجميع، وإن قبل
أحدهما وقبض تمت الهبة في حقه دون صاحبه لأنه بمنزلة العقدين لأن العقد الواحد مع الاثنين
بمنزلة العقدين والصفقتين إذا انفردتا.
ما هي النحلة:
وأما النحلة فهي العطية وهي للولد وذوي الرحم والقرابة أفضل، ويستحب إذا
أعطى الانسان ولده أن يقسم بينهم ويسوي بين جميعهم ولا يفضل بعضهم على بعض سواء
كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا، فإن خالف ذلك وفضل بعضهم على بعض أو أعطى
بعضا منهم وحرم بعضا كان جائرا ويكون تاركا للأفضل، وصدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة
في جميع الأحكام ومن شرطها القبول والإيجاب ولا يلزم إلا بالقبض، ومن له الرجوع في الهبة
له الرجوع في الصدقة.
باب الهدية:
من السنة ومكارم الأخلاق الهدية وقبولها.
وروي عن النبي ص أنه قال: تصافحوا وتهادوا فإن المصافحة
تزيد في المودة والهدية تذهب الغل.
وعن علي ع أنه قال: خصوا بألطافكم خواصكم وإخوانكم. وقال: إذا
أكرم أحدكم أخاه بالكرامة فليقبلها فإن كان ذا حاجة صرفها في حاجته وإن لم يكن محتاجا
116

وضعها في موضع حاجة صاحبها ومن كان عنده جزاء فليجزه ومن لم يكن عنده جزاء فثناء
حسن.
وعنه ع: أن النبي ص قال: لو دعيت إلى ذراع شاة لأجبت
ولو دعيت إلى كراع لقبلت.
أقسام الهدية:
والهدية ثلاثة أضرب:
أولها: أن يكون السبب الداعي إليها الولاية والدين فيقصد بها ذلك قربة إلى الله
تعالى، فإذا فعلت لذلك وجب قبولها ولم يجز الرجوع منها ولا التعويض عنها وبالقبول لها
يخرج من ملك المهدي، وإذا لم يقبلها من أهديت إليه كان مخالفا للسنة وجاز لصاحبها
التصرف فيها وليست تجري مجرى الصدقة.
وثانيها: أن يكون السبب الذي دعا إليها المودة في الدنيا والتكرم، فإذا فعل ذلك
وكانت عارية من وجوه القبح حسن قبولها، وإذا قبلت خرجت بذلك من ملك المهدي
أيضا وله الرجوع فيها ما لم يكن المهدي إليه قد تصرف فيها، والأفضل ترك الرجوع فيها
والمكافأة عليها غير واجبة وإن كافأ عنها من أهديت إليه كان أفضل.
وثالثها: أن يكون السبب الداعي إليها الإيثار للتعويض عنها، وإذا فعلت لذلك
كان المهدي إليه مخيرا بين قبولها وردها، فإن قبلها كان عليها العوض عنها مثلها والزيادة
على ذلك أفضل، ولا يجوز للمهدي إليه التصرف فيها إذا كانت هدية على هذا الوجه
إلا بعد أن يعوض عنها أو يعزم على ذلك، وإذا عوض عنها وقبل المهدي العوض سواء كان
أقل منها أو أكثر لم يجز له الرجوع فيها، وإذا لم يقبل ذلك المهدي العوض وكانت عين الهدية
قائمة كان له الرجوع فيها، وإن دفع إليه أكثر منها فإن تصرف فيها المهدي إليه والحال
هذه كان عليه القيمة.
117

باب السكنى والعمرى والرقبى
هذه الثلاثة بمنزلة واحدة وإنما يتميز بعضها بعض من بشروط نذكرها ليفهم معناها.
أما السكنى: فهي إسكان الانسان غيره داره أو ما يجري مجراها أو ضيعته أو عقاره
مدة معينة إباحة بغير عوض.
وأما العمرى: فهي أن يقول الانسان لغيره: أعمرتك هذه الدار، أو جعلتها لك
عمرك، أو هي لك ما حييت أو بقيت أو عشت، وما أشبه بذلك مما يكون هذا معناه.
وأما الرقبى: فهو أن يقول الانسان لغيره: أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة
حياتي. وذهب بعض أصحابنا في الرقبى إلى أنها هي قول الانسان لغيره: جعلت لك
خدمة هذا العبد مدة حياتك أو مدة حياتي، وذلك مأخوذ من رقبة العبد، والأول مأخوذ من
رقبة الملك، والذي ذكرناه أولا هو الظاهر من المذهب والمعول عليه.
والعمرى يفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول ولزومها يفتقر إلى القبض كغيره من
الهبات وذلك عقد جائز، فإذا قال لغيره: هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك، كان
جائزا لما روي عن النبي ص أنه قال: أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه، فإنما
هي للذي يعطاها لا يرجع إلى الذي أعطاها فإنه أعطي عطاء وقعت فيه المواريث.
فإن أطلق القول فقال: هذه الدار لك عمرك فإذا مت رجعت إلى، ولم يذكر فيه عقبا
118

كان للمعمر ما دام حيا فإذا مات رجعت إلى المعمر أو إلى وارثه إن كان مات، ويفتقر الرقبى
أيضا في صحتها إلى الإيجاب والقبول كالعمرى، ويلزم مدة حياة من علقها به ويرجع ملكها
بعد موته على ما يشرطه.
وحدة المعنى في الثلاثة:
وقد قلنا أن المعنى في السكنى والعمرى والرقبى واحد ولا فرق عندنا بين العمرى
والرقبى، وما يفرق به بعض الناس بينهما ليس بمذهب لنا. فإذا أسكن الانسان غيره رقبى
وشرط في ذلك موت أحدهما كان جائزا، وإذا مات الواحد منهما رجع الموضع إلى أهل
المسكن، وإذا أسكن غيره مدة من الزمان، كان صحيحا ولم يجز للمسكن نقل الساكن من
ذلك إلا بعد انقضاء مدته التي وقع التعيين عليها، فإن أسكنه كذلك وأراد بيع المكان لم يجز
له بيعه إلا بعد أن تنقض المدة أو يشترط على المشتري بقاء الساكن إلى أن يستوفى مدته،
وإذا مات المسكن والساكن على هذه الحال لم يجز لورثته نقله حتى تنقضي مدته.
ومن أسكن غيره شيئا مما ذكرناه مدة عمره كان ذلك ماضيا في زمان حياته وإن كان
لورثته نقل الساكن من المكان، فإن مات الساكن وله ورثة كان ذلك لورثته إلى أن يموت
المسكن، فإن جعل السكنى مدة حياة الساكن كان ذلك ماضيا إلى أن يموت، فإذا مات رجع
إليه أو إلى وارثه إن كان قد مات، فإن أسكنه بشرط أنه إن مات أحدهما بطل السكنى كان
جائزا، فمتى مات أحدهما رجع المنزل إلى أهله، ومن أسكن غيره ما ذكرناه ولم يذكر شيئا
من ذلك لم يجز للساكن أن يسكن معه غيره فيه إلا أن يكون ولده وأهله، فأما غيرهم
فلا يجوز له إسكانه معه وكذلك لا يجوز له أن يؤجر لغيره ولا أن ينتقل عنه ويسكنه لغيره
بغير أجرة إلا أن يكون المالك قد أذن له في ذلك.
119

كتاب الوصايا
باب الأمر بالوصية والحث عليها:
الوصية جائزة قال الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين. الآية.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية
اثنان ذوا عدل منكم. الآية.
وكرر ذكر الوصية فقال: ولأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين وقال: فلهن
الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين. وقال فهم شركاء في الثلث من بعد وصية
يوصى بها أو دين.
وروي عن النبي ص أنه قال: من مات بغير وصية مات ميتة
جاهلية.
وقال: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة - وذكر ليلتين - إلا ووصيته تحت
رأسه.
وروي عن الصادق ع أنه قال: ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه
من سمعه وبصره وعقله للوصية ترك الوصية أو فعل لأن الوصية حق على كل مسلم.
وعنه قال النبي ص: الوصية تمام ما نقص من الزكاة. وقال: من أوصى ولم
120

يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته. وقال: قال النبي ص: من لم
يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته وعقله.
وقال علي ع: ينبغي لمن أحسن بالموت أن يعهد عهده ويجدد وصيته.
وعن عامر بن سعد عن أبيه: أنه مرض بمكة مرضا أشفى فيه فعاده رسول الله
ص فقال: يا رسول الله ليس يرثني إلا البنت أ فأوصي بثلثي مالي؟ فقال: لا،
فقال: أ فأوصي بنصف مالي؟ فقال: لا، فقال: أ فأوصي بثلث مالي؟ فقال: الثلث والثلث
كثير. وقال ع إن تدع أولادهم أغنياء خير لهم من أن تدعهم عالة يتكففون
الناس.
وروى أبو قتادة أن النبي ص: لما قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور
فقيل له: يا رسول الله إنه هلك وقد أوصى لك بثلث ماله، فقبل رسول الله ذلك ثم رده على
ورثته.
باب ما صح من الوصايا وما لا يصح:
الوصية بالخمس أو الربع أفضل من الوصية بالثلث لا سيما إن كان الموصي قليل
المال لأنه إذا كان كذلك كان توفيره لماله على ورثته أولى من أن ينقصه عليهم بالوصية،
والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع، والوصية بالثلث غاية فيما يوصى به الانسان من
ماله، فمن أوصى بأكثر من الثلث لم يصح ذلك إلا أن يجيزه الورثة.
وإذا أوصى بجميع ماله أو بما يكون أكثر من الثلث أمضي من ذلك الثلث ولم يمض
ما زاد عليه، وإذا أوصى بوصية كان له أن يغير شروطها ويرجع فيها وينقلها من انسان إلى
آخر ومن وجه إلى وجه غيره.
فإذا أوصى بوصية ثم أوصى بوصية أخرى وكان العمل بهما ممكنا عمل بهما جميعا،
وإن كان العمل بهما جميعا غير ممكن كان العمل بالأخيرة أولى.
وإذا دبر انسان مملوكه كان له الرجوع في تدبيره لأنه يجري مجرى الوصية، فإن لم
121

يرجع في ذلك كان من الثلث، فإن أعتقه في الحال كان عتقه ماضيا ولم يكن لأحد عليه سبيل
وإذا وصى انسان بوصية لم يكن لأحد مخالفته فيما أوصى به ولا تغيير شئ من شروط
وصيته إلا أن يكون قد أوصى بإنفاق ماله فيما لا يرضى الله تعالى أو شئ من المعاصي مثل قتل
نفس أو إنفاقه على مواضع قرب الكفار أو في مصالح بيوت عباداتهم مثل الكنائس
وبيوت النيران فإنه متى فعل ذلك كان على الوصي مخالفته في ذلك ورد الوصية إلى الحق.
وإذا أوصى انسان لأبويه أو لواحد منهما أو لبعض أقاربه بوصية كانت صحيحة، وذكر
أنه إن وصى لبعض أقاربه وكان الموصى له كافرا كانت الوصية ماضية والصحيح أنه
لا يوصى لكافر.
وإذا أوصى باخراج بعض الورثة من الميراث وكان قد أقر به قبل ذلك أو كان قد
ولد على فراشه ولم يكن انتفى منه في حال الحياة كانت وصيته باخراجه باطلة.
وإذا وصى بالثلث للوارث كان ذلك جائزا إذا لم يكن بأكثر منه، فإن زادت على
ذلك ردت إلى الثلث كما قدمناه.
وإذا جرح انسان نفسه بما يكون منه هلاكه وأوصى بعد ذلك بشئ كانت وصيته
باطلة، فإن أوصى ثم قتل نفسه كانت وصيته ماضية في ثلث ماله أو ثلث ديته، فإن جرحه
غيره ثم وصى بعد ذلك كانت وصيته في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح ماضية
وإذا أوصى انسان لمملوك غيره أو وصى لمكاتب مشروط عليه كانت وصيته باطلة،
فإن وصى لمكاتب غير مشروط عليه كانت الوصية جائزة بمقدار ما أدى من كتابته.
وإذا أوصى لمملوكه بثلث ماله وكانت قيمة هذا المملوك أقل من الثلث أعتق ودفع
إليه الباقي، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث بمقدار السدس أو الربع أو الثلث أعتق بمقدار
ذلك واستسعى في الباقي للوارث، فإن كان قيمته على الضعف من الثلث كانت الوصية
باطلة.
وإذا أوصى بعتق مملوكه وكان عليه دين وكانت قيمة المملوك ضعفي الدين استسعى
في خمسة أسداس قيمته لأصحاب الدين ثلاثة أسهم وللورثة سهمان وله سهم، فإن كانت
قيمته أقل من ذلك كانت الوصية باطلة.
122

وإذا أوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث آخر للوارث كان العمل على الأول منهما، فإن
التبست الحال في ذلك استعملت القرعة، فإن أجاز الورثة جميعها كان ذلك صحيحا وعمل
بهما جميعا.
وإذا أوصى انسان لغيره فقال: إن مت قبل موته أوصيت له بثلث مالي وإن مت بعد
موته فلزيد، فإن مات قبل موته فالوصية للأول وإن مات بعد موته كانت لزيد.
وإذا أوصى لذكر كان ما وصى به للذكر وكذلك الحكم إن أوصى لأنثى فإن وصى
لذكر وأنثى كان بينهما بالسوية.
الوصية للحمل:
وإذا أوصى لحمل امرأة فقال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران وإن كان أنثى فله
دينار، فإن وضعت ذكرا كان له ديناران وإن وضعت أنثى كان لها دينار وإن وضعت ذكرا
وأنثى كان لهما ثلاثة دنانير.
وإذا أوصى فقال: إن كان الذي في بطنها ذكرا فله ديناران وإن كان أنثى فله دينار،
فوضعت ذكرا كان له ديناران وإن وضعت أنثى كان لها دينار وإن وضعت ذكرا وأنثى لم يكن
لهما شئ، والفصل بين هذه المسألة والتي تقدمتها أنه قال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران
وإن كان أنثى فلها دينار، وقد كان ذكر وأنثى، وليس في المسألة الثانية كذلك لأنه قال: إن
كان الذي في بطنها ذكرا فله ديناران، أراد إن كان كل الذي في بطنها ذكرا وكل الذي في
بطنها أنثى، وما وجدت هذه الصفة بل كان ذكرا وأنثى،
وإذا أوصى لعبد نفسه أو لعبد ورثته كان ذلك صحيحا لأن الوصية للوارث عندنا
تصح وكذلك إن أوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كانت الوصية صحيحة وكذلك إذا وصى
لأم الولد صحت الوصية أيضا.
وإذا أوصى لعبد الأجنبي لم تصح الوصية لما ورد الخبر في ذلك، وإذا قال: أوصيت لما
تحمل هذه الجارية، لم تصح الوصية لأن الحمل ليس بموجود في الحال.
123

وإذا قال: أوصيت لزيد بما تحمل هذه الجارية أو هذه الشجرة، كانت الوصية
صحيحة، والفرق بين هذه المسألة والمتقدمة أنه إذا أوصى لما تحمل هذه الجارية أن المملك
معدوم غير موجود وفي هذه المسألة المملك موجود غير معدوم وهو الموصى له، ولا ضرر في
الشئ الموصى به له إذا كان معدوما لأن الاعتبار بوجود المملك.
وإذا أوصى انسان بثمرة نخل لغيره واحتاج ذلك إلى السقي لم يجب ذلك على
واحد منهما لأن الموصى له يقول: ليست الرقبة لي فلا يجب على سقيها ولا للورثة لأنها تقول:
المنفعة للغير ولا أملك الثمرة فلأي وجه يلزمني السقي؟ فإن تطوع أحدهما بالسقي كان
له ذلك.
وإذا قال: أعطوا زيدا من رقيقي رأسا، كان ذلك وصية صحيحة والوراث مخيرون
في أي رأس يدفعونه إليه أقل ما يقع عليه اسم الرقيق سواء كان معيبا أو صحيحا كبيرا
أو صغيرا، فإن هلكت الرقيق إلا رأسا واحدا دفع ذلك العبد لأنه أوصي له برأس لا يعينه
وعلقه بصفة غير موجودة ويجري ذلك مجرى وصيته له بدار وليس له دار.
وإذا أوصى بشاة من غنمه كانت الوصية صحيحة وللورثة أن يعطوا أي شاة يقع
عليها اسم الشاة سواء كانت كبيرة أو صغيرة ضائنة أو ماعزة سليمة أو معيبة فإن قال:
أعطوه شاة من مالي، وكان له ماشية، أعطي منها شاة كما قدمناه، وللورثة أن يشتروا من
ماله شاة ويدفع إليه.
وإذا قال: ادفعوا له جملا، كان ذلك ذكرا. وإن قال: بقرة، كان أنثى. وإن قال: بقرا،
كان ذكرا. فإن قال: أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات، أعطي الإناث دون الذكور لأنه اسم
للإناث.
وإن قال: أعطوه عشرة من الإبل، أعطي ذكورا لأن الهاء لا تدخل إلا على عدد
المذكر، فإن قال: أعطوه دابة من دوابي، أعطوه فرسا، وقيل: يعطونه ما أراد من الخيل ذكرا
كان أو أنثى أو من البغال والحمير. ولا يعطي من الإبل والبقر بغير خلاف لأن ذلك في
العرف لا يسمى دابة فإن كان في لفظه ما يدل على أنه حمل عليه مثل قوله: أعطوه دابة
ليغزو عليها، فإنه يحمل على الخيل لا غير، فإن قال: دابة لينتفع بظهرها ونسلها، أعطي
124

من الخيل والحمير ولا يعطي من البغال لأنه لا نسل لها، فإن قال: لينتفع بظهرها ودرها
أعطي من الخيل لأن الحمير لا در لها.
فإن قال: أعطوه كلبا من كلابي، كانت الوصية باطلة إلا أن يكون له كلاب صيد أو
حائط فإنه تصح فيها ويعطي منها، وإذا أوصى بأن، يعطي جرة خمر وطبلا من طبوله
أو عودا من عيدانه وكانت الجرة فيها خمر والطبل والعود هما اللذان للعب واللهو كانت
الوصية باطلة، فإن لم يكن في الجرة خمر، وكانت الطبول طبول الحرب والعود من الأخشاب
التي تستعمل في تسقيف البيوت أو ما جرى مجراها صحت الوصية.
وإذا أوصى فقال: اجعلوا ثلث مالي في الرقاب، كان جائزا وصرف في المكاتبين
والعبيد بأن يشتروا به.
وإذا أوصى بعتق عبد بثمن معين فوجد بأقل منه أعطي الباقي وأعتق، ولا فرق في
ذلك بين أن يكون صغيرا أو كبيرا أو شابا أو شيخا.
وإذا قال: أعتقوا بثلث مالي رقابا وجب أن يبتاع بذلك ثلاثة أعبد ويعتقون لأن ذلك
أقل الجميع، فإن وجد بالثلث أربعة إلى ما زاد على ذلك اشترى الأكثر وأعتق، فإن لم يبلغ
الثلث ثمن أربعة وكان يزيد على ثلاثة جعل ثمن الاثنين للأكثر ولا يفضل شيئا.
الإيصاء بالحج:
وإذا أوصى بأن يحج عنه ولم يكن حج حجة الاسلام فإنه يبتدئ بالحج على جميع
الوصايا إن كان معه وصية غيره من الوصايا، وكذلك يفعل في الواجبات من الكفارات
وغيرها، فإن فضل من الثلث فضل كان فيما بقي.
وإذا أوصى بأن يحج عنه، ولم يكن حج حجة الاسلام أخرج عنه ذلك من رأس المال،
وكذلك إن كان عليه زكاة أو شئ واجب فإن كان تطوعا أخرج من الثلث من تركته حيث
بلغ.
وإذا أوصى أن يحج عنه فالأفضل أن يحج عنه من كان قد حج وإن حج عنه صرورة
125

كان جائزا. وإذا أوصى بالحج فإنه يحج عنه من بلده إذا كان في النفقة فضل لذلك، فإن خرج
حاجا فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه فإنه يحج من الموضع الذي مات فيه، فإن
كان له أوطان مختلفة ومات في السفر وأوصى بأن يحج عنه فإنه يحج عنه من أقرب أوطانه
إلى مكة، فإن لم يكن له وطن بأن يكون من أهل البادية أو من الركاظة منه والذين
لا يستوطنون موضعا فإنه يحج عنه من حيث مات.
وإذا أوصى بالحج وعين له شيئا لا يكفي من يحج عنه من بلده حج عنه من بعض
المواقيت أو من مكة، وإذا أوصى بأن يحج عنه بمائة درهم من ثلث ماله وأوصى بما بقي من
الثلث لرجل معين وأوصى لإنسان آخر بثلث ماله كانت الوصية الأولى والثانية صحيحة
والأخيرة باطلة فإن حصل في ذلك اشتباه استعملت القرعة، وإذا أوصى بثلث ماله لزيد
وعمرو ثم إن زيدا لم يقبل الوصية فإنها تعود إلى الورثة ولا يستحق عمرو أكثر من نصف
الثلث لأنه إذا أوصى لهما بالثلث فكأنه أوصى لكل واحد منهما بنصفه على الانفراد، فإذا رد
الواحد منهما نصيبه رجع إلى الوارث.
حكم الإيصاء للأقرباء
وإذا أوصى فقال: أعطوا ثلث مالي لقرابتي أو لأقربائي أو لذي رحمي، كان حكم
الكل واحدا ودخل في ذلك جميع من يعرف بالعادة أنه من قرابته وارثا كان أو غير وارث، وذكر
بعض أصحابنا أنه يصرف بمن يقرب منه إلى آخر أب وأم له في الاسلام، والذي قدمناه هو
الأظهر وليس على المذهب الذي حكيناه دليل ولا نص ولا شاهد يعضده.
وإذا أوصى فقال: أعطوا ثلث مالي أقرب أقاربي وأقرب أقربائي أو إلى أقربهم
بي رحما، فإن لم يكن له والد ولا أم كان أقرب القرابة إليه ولده ذكرا كان أو أنثى ثم ولده
وولد ولده وإن سفل وارثا كان أو غير وارث، فإن لم يكن له ولد وله ولد ولد كان أحق بها لأنه
أقرب الناس إلى ولده، فإن اجتمع الوالد والولد كانا في ذلك سواءا لأن كل واحد منهما يدلي
126

نفسه وليس بينهما واسطة وعلى هذا يكون الأب أولى من ولد الولد، فإن لم يكن والد ولا ولد
كان الجد أولى مع عدم الإخوة لأنه أقرب إليه، فإن لم يكن جد وكان له أخ كان الأخ أولى لأنه
أقرب ثم يكون الأخ من الأب والأم أولى من الأخ للأب أو للأم لأنه يدني بسببين والأخ
للأب والأخ للأم واحد لأن كل واحد منهما كالآخر في القرابة، والأخ للأب أولى من ابن
الأخ للأب والأم فمتى تساويا في الدرجة كان من يدني إليه بأبيه وأمه أولى، فإن اختلفا في
الدرجة كان الأقرب أولى، فإن اجتمع الجد والأخ كانا متساويين كما نقوله في الميراث، فإن لم
يكن جد ولا أخوة ولا أولاد أخوة فالأعمام ثم بنو الأعمام، وعلى هذا فمتى تساووا في
الدرجة كان ولد الأب والأم أحق وأولى، وإن اختلفوا في الدرجة كان الأقرب أحق وأولى.
وإذا أوصى بثلث ماله لجماعة من أقربائه وكان قد أوصى لثلاثة أنفس من أقربائه،
فإن كان هناك ثلاثة في درجة واحدة مثل ثلاثة بنين أو ثلاث بنات أو ثلاثة أخوة صرف ذلك
إليهم، فإن كان في الدرجة الأولى اثنان وفي الثانية واحد مثل ابنين وابن ابن دفع إلى كل
واحد من الأولين ثلث الثلث وإلى من في الدرجة الثانية باقي الثلث لأنه أوصى لجماعة
ولا يعطي بعضهم ذلك.
باب الأوصياء:
إذا أراد الانسان الوصية فليوص إلى رجل مسلم عاقل مأمون حكيم، ويجوز أن
يوصي إلى المرأة الحرة العاقلة المأمونة، والأفضل أن يوصي إلى ولده وأهله دون الأجنبي،
ولا يجوز الوصية إلى سفيه ولا كافر ولا فاسق ولا عبد وإن كان عدلا لأنه لا يملك شيئا مع سيده.
ويجوز وصية الكفار بعضهم لبعض وإلى بعض، ويجوز أن يوصي الرجل إلى اثنين،
فإن كانا بالغين وجعل إليهما أن لا يمضيا الوصية إلا بأن يكونا مجتمعين لم يكن لكل واحد
منهما أن يمضى شيئا حتى يجتمع مع الآخر، وإذا تشاح هذان الوصيان في الاجتماع في الوصية
لم ينفذ منهما شئ إلا ما يعود بمصلحة الورثة وكسوتهم ومأكولهم، وعلى الحاكم أن يحملهما
على الاجتماع على تنفيذ الوصية أو الاستبدال بهما إن رأى ذلك صلاحا، وإن وصى إلى اثنين
127

بالغين ولم يجعل لهما تنفيذ الوصية على الاجتماع منهما ولا شرط ذلك لكان لكل واحد منهما
الاستبداد بما يصيبه ومطالبة الآخر بقسمة الوصية.
فإن أوصى إلى اثنين أحدهما رجل والآخر صبي وجعل إلى الرجل النظر في الحال
وللصبي إذا بلغ كان جائزا، فإن بلغ الصبي فكان فاسد العقل أو مات كان للرجل تنفيذ
الوصية، وإذا نفذ الرجل الوصية وبلغ الصبي ولم يرض بذلك لم يلتفت إليه وكان فعل
الرجل ماضيا، ومتى خالف الرجل شرط الوصية لم يصح ما فعله.
ويجوز أن يوصي الرجل إلى زوجته، فإن أوصى إلى أهله وكان منهم كبار وصغار
كان للكبار تنفيذ الوصية من غير انتظار لبلوغ الصغار، وإن كان الموصي قد شرط تأخير
ذلك إلى حين بلوغ الصغار ولم يجز للكبار تنفيذ شئ منها إلى حين بلوغهم.
الإيصاء للحاضر والغائب:
ومن أوصى إلى غيره وكان هذا الوصي حاضرا كان مخيرا بين قبول الوصية وردها،
وإن كان غائبا وكان قد بلغ إليه خبر الوصية والموصي حي كان مخيرا بين قبولها وردها ما دام
الموصي حيا، وإن كان ذلك بلغ إليه بعد موت الموصي لم يكن له ردها والامتناع منها، وكذلك
إن كان موصى حثا وامتنع الوصي منها ولم يبلغ خبر الامتناع منها إلى الموصي إلا بعد موته لم
يكن أيضا للوصي الامتناع منها ووجب عليه القيام بها على كل حال.
ومن كان وصيا لغيره وحضرته الوفاة وأراد أن يوصي إلى غيره جاز له أن يوصي
إليه بما كان متصرفا فيه من الوصية ويجب على الموصى إليه القيام بذلك.
وللموصي الاستبدال بالوصي ما دام حيا، فإذا مات لم يجز لأحد تغيير وصيته
ولا الاستبدال بأوصيائه، فإن ظهر من الموصي بعده جناية كان على الناظر في أمر المسلمين
عزله وإقامة أمين مقامه، وإن لم يظهر منه جناية إلا أنه بان منه عجز وضعف عن القيام
بالوصية كان للناظر في أمور المسلمين أن ينصب معه أمينا يعينه على تنفيذ الوصية ولم يجوز
له أن يعزله لأجل ضعفه.
128

وإذا مات انسان عن غير وصية كان على الناظر في أمر المسلمين أن يقيم من ينظر في
مصالح ورثته، فإن لم يكن السلطان الذي يتولى ذلك أو من يأمر به جاز لبعض المؤمنين أن
ينظر في ذلك ويعتمد فيه الأمانة ويؤديها من غير إضرار بالوارث وما فعله كان ماضيا.
وإذا أمر الانسان وصيه بأن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها وله على ذلك نصف
الربح كان جائزا.
وإذا كان انسان وصيا لغيره ومات الموصي وللوصي عليه مال لم يجز له أن يأخذ من
ماله شيئا من تحت يده ولا يجوز أن يأخذ إلا ما تقوم له البينة به، وإذا باع الوصي شيئا من
التركة التي هو وصى به عليها لمصلحة الورثة وأراد أن يشتريها لنفسه كان جائزا إذا أخذها
بالقيمة العدل من غير نقصان من ذلك، فإن باع الوصي من هذا واشترى لنفسه بنقص أو
زيادة لم يجز له ذلك وإذا خالف الوصي ما أمر به أو شرط عليه فيما هو وصى عليه من المال كان
عليه ضمان ذلك.
وإذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية ولم يكن له مال يرجع إليه ويستضئ به في ذلك
بطلت الوصية.
وإذا قال الموصي لوصيه: اقض عني ديني، وجب عليه الابتداء بذلك من أصل
تركته قبل الميراث، فإن تمكن من قضائه ولم يقضه وهلك المال كان ضامنا له ولم يكن
لصاحب الدين على الوارث سبيل. وإن كان قد عزل ذلك من أصل تركته ولم يتمكن من
دفعه إلى صاحب الدين وهلك من غير تفريط من جهته كان مطالبة الورثة بالدين من جهة
الميراث الذي انتقل إليهم عن ميتهم الذي كان الدين عليه.
باب شروط الوصايا:
الوصية لا تصح من أحد حتى يكون حرا كامل العقل، فإن كان صغيرا وكان سنه
قد بلغ عشر سنين ولم يكمل عقله وكان ممن يضع الشئ في موضعه كانت وصيته ماضية في
المعروف من وجوه البر وغير ماضية فيما سوى ذلك، وإن كان سنه دون ذلك لم يجز وصيته في شئ.
129

وصدقة الصبي إذا بلغ عشر سنين وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف وفي وجوه البر
على ما قدمناه جائز، فإن كان في القبيح لم يجز. وحد بلوغ الغلام احتلامه أو كمال عقله
أو أن يشعر، وحد بلوغ المرأة تسع سنين فإذا حصل الغلام على أحد هذه الوجوه فقد
حصل في حد الكمال ووجب على وليه تسليم ماله إليه وتمكينه منه ومن التصرف فيه إلا
أن يكون ناقص العقل أو به سفه فإنه لا يدفع ذلك إليه ولا يمكنه من التصرف فيه.
وإذا بلغت المرأة تسع سنين جاز تصرفها في مالها وكان أمرها فيه ماضيا على سائر
الوجوه إلا أن تكون أيضا ناقصة العقل أو سفيهة فإنها لا تمكن من ذلك.
الإشهاد على الوصية:
والإشهاد على الوصية من شروطها، فإن وصى انسان بوصية فيشهد عليها شاهدين
عدلين، فإن لم يفعل ذلك وكان الوصي قادرا على تنفيذ الوصية كان له تنفيذها في وجوهها
التي تضمنتها الوصية، ويجوز شهادة النساء فيها مع فقد الرجال وعدم التمكن منهم،
وشهادة الواحدة منهن جائزة في ربع الوصية وشهادة اثنتين منهن جائزة في نصفها،
وشهادة الثلاث منهن جائزة في نصفها وربعها، وعلى هذا الحساب.
ومن كان له عبدان وجارية حاملة فأشهد العبدين على أن حمل الجارية منه ثم
أعتقها وشهدا عند وراثه بذلك فلم يقبلوا شهادتهما واسترقوهما وبيعا وعتقا بعد ذلك
وشهدا للمولود بالنسب قبلت شهادتهما على الوارث ولا يسترقهما الولد الذي شهد له
على حال.
وكل من لم يكن على ظاهر الاسلام من سائر الأديان فإنه لا يجوز قبول شهادته في
الوصية إلا أن يكون ذميا ويكون الموصي في حال ضرورة لا يتمكن فيها من مسلم يشهده
على ذلك فإنه إذا كانت الحال ما ذكرناه وأشهد رجلين من أهل الذمة ممن هو على ظاهر
الأمانة عند أهل ملته على الوصية قبلت شهادتهما، وإن لم يكن الحال حال ضرورة على
ما قدمناه وأشهدهما على ذلك لم يجز قبول شهادتهما ولا سماعها وكانت باطلة.
130

وإذا شهد من الورثة اثنان عدلان في الوصية أمضيت ولزم باقي الورثة إنفاذها، فإن
أثبتا لأنفسهما فيها حقا أو تبرءا من حق لم يجز شهادتهما.
وإذا شهد وصيان بأن الميت أوصى إلى ثالث، منهما، فإن ادعى الثالث ذلك وصدقهما
في ذلك كان شريكا لهما، وإذا أنكر ذلك لم يجز لهما أن ينفردا بها لأنهما قد اعترفا بأن الميت لم
يرض بهما إلا مع ثالث.
131

كتاب الإقرار
إذا أقر الحر البالغ الكامل العقل الذي ليس بمولى عليه المطلق التصرف على
نفسه بشئ كان إقراره ماضيا وحكم عليه به، فإن لم يكن مطلق التصرف كالمحجور عليه
فنحن نبين حكمه:
إن أقر وهو محجور عليه لسفه بمال لم يصح وإن أقر بحد صح وإن أقر بخلع
أو طلاق صح. وإن كان محجورا عليه للرق وأقر على نفسه بشئ كان حكمه حكم المحجور
عليه للسفه إلا في موضع واحد وهو أن إقرار العبد لازم له في ذمته، فإذا أعتق صحت
مطالبته بما أقر به فإن أقر بحد لم يقبل إقراره به لأن في ذلك إتلاف مال الغير الذي هو مولاه.
وإن كان محجورا عليه لتفليس كان إقراره مقبولا عليه على كل حال، وإن كان
محجورا عليه لمرض كان إقراره مقبولا على ما نبينه في موضعه في ما بعد بمشيئة الله تعالى
فهذه جملة القول في من كان تصرفه غير مطلق.
في الإقرار المصرح والمبهم وتفسيره:
وإذا أقر انسان لغيره بشئ إقرارا مصرحا غير مبهم مثل أن يقول: له على مائة
دينار أو مائة درهم أو دينار أو درهم، أو ما أشبه ذلك كان إقراره بذلك صحيحا وحكم عليه
للمقر له بما أقر له به.
132

فإن أقر به إقرارا مبهما مثل أن يقول: لي على شئ، كان إقراره أيضا بذلك صحيحا
ثم يرجع في تفسيره الذي أقر به إليه دون المقر له، فإن فسره بما يصح تملكه ويتمول في العادة
مثل دينار أو درهم أو أقل من ذلك أو أكثر أو بجنس غير ذلك مما يتمول كان تفسيره مقبولا،
فإن صدقه المقر له على تفسيره وجب عليه الخروج إليه منه، وإن كذبه وكان تكذيبه له في
الجنس مثل أن يكون المقر قد فسر ما أقر به بثوب أو كتاب أو درهم أو دراهم فيقول المقر له:
لي عليه دنانير، فإذا جرى الأمر بينهما على هذا بطل إقرار المقر بالثياب أو الدراهم لأنه يكون
قد أقر بما لم يدعه عليه خصمه وهو مدع للدنانير عليه فيكون القول قوله مع يمينه فإن حلف
سقطت الدعوى وإن نكل ردت اليمين على المدعي فإذا حلف استحق ما ادعاه.
وإن كان تكذيبه له في المقدار مثل أن يفسر بدرهم فيقول المقر له: لي عليه درهمان
أو أكثر من ذلك، فيكون مدعيا لما زاد على الدرهم، فإذا كان ذلك القول قول المقر مع
يمينه فإذا حلف سقطت دعوى خصمه وإن لم يحلف ردت اليمين على المقر له، فإذا حلف
وجب له ما ادعاه.
فإن فسر المقر إقراره بما لا يتملك مثل الخمر ولحم الخنزير أو ما أشبه ذلك لم يقبل منه
هذا التفسير لأنه مما لا يتملك ولا ينتفع به، ولفظ الإقرار لفظ الالتزام والخمر وما أشبه غير لازم
لأحد.
وإذا أقر انسان لغيره فقال: له على مال قبل إقراره ورجع إليه في التفسير لذلك،
فإن فسره بقليل من المال أو كثير سمع منه ذلك، وإن فسره بجلد ميتة أو سرجين أو ما جرى
مجرى ذلك لم يلتفت إلى هذا التفسير ولم يقبل منه شئ من ذلك لأنه لا يسمى مالا ولا يجري
مجرى ذلك الإقرار بشئ لأن الشئ يتناول المال وغيره والمال اسم لما يتمول دون ما لا يتمول
فإن أقر لغيره فقال: له على مال كثير، حكم عليه بثمانين فإن قال: له على مال
خطير أو عظيم أو ما جرى مجرى ذلك، لم يكن لذلك مقدار يقال به فأي شئ فسره به قبل
ذلك منه. فإن قال: له على ما أكثر من مال زيد، لزمه مثل مال زيد ويرجع إليه في تفسير
الزائد على ذلك فما فسره به قبل ذلك منه قليلا كان أو كثيرا. وإذا أقر بأنه غصب زيدا
شيئا وفسره بما يتمول لزمه ذلك وإن فسره بما لا يتمول لم يقبل ذلك منه، فإن أقر بمائة وخمسين
133

درهما لزمه لأن قوله " درهما " يميز العددين جميعا.
فإن قال: له على ألف دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك، لزمه القيام بما أقر به. فإن قال: له
على ألف ودينار، وجب عليه دينار ورجع إليه في تفسير الألف فبأي شئ فسره سمع ذلك
منه وهكذا الحكم سواء إذا قال: له على ألف ودرهم أو ألف وثوب أو ألف ودابة أو ألف ودور
أو ألف وعبد وما أشبه ذلك.
الاستثناء من الجمل وأقسامه:
وإذا حملنا الاستثناء على حقيقة وأقر بأن لزيد عنده مائة درهم إلا درهما كان
صحيحا ويكون مقرا بتسعة وتسعين درهما ويلزمه ذلك، فإن استثنى مجهولا من معلوم مثل
أن يقول: له عندي مائة درهم إلا ثوبا، أو يقول: له عندي مائة دينار إلا سيفا، فإنه تلزم المائة
درهم أو المائة دينار وعليه تفسير الثوب والسيف بالقيمة، فإن قوم ذلك بما يبقى بعده من
المائة شئ قبل ذلك منه وإن قومه بما يستغرق المائة لم يقبل منه ذلك لأنه يكون كمن أقر
بشئ واستثنى جميعه وذلك لا يصح.
الاستثناء من الاستثناء:
فإن استثنى مرتين وعطف الثاني على الأول بواو العطف فإنهما يكونان جميعا من
الجملة الأولى المستثنى منها، وإن لم يعطف الثاني على الأول بواو العطف كان الاستثناء الثاني
عائدا إلى ما يليه من الاستثناء. فأما ما يكون بينهما واو العطف فمثل أن يقول له على
عشرة إلا ثلاثة وإلا اثنين فيكون ذلك استثناء الخمسة من العشرة، فإن لم يعطف الثاني على
الأول فمثل أن يقول: له على عشرة إلا خمسة إلا اثنين، فإنه يكون استثناء الاثنين من
الخمسة فبقي ثلاثة فيكون قد استثنى ثلاثة من العشرة فيلزمه سبعة.
فإذا أقر فقال: لزيد هذه الدار إلا هذا البيت منها، كان ذلك استثناء البيت وكذلك
استثناء الفص من الخاتم وذلك صحيح، فإن قال: هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي،
أو قال: هذا الخاتم له والفص منه لي، فإن ذلك يكون بمنزلة الاستثناء لأنه في معناه وأوضح
134

منه لأنه صرح بمعنى الاستثناء هذا إذا وصل الاستثناء، فأما إن فصل بينهما بسكتة طويلة
فإن الاستثناء لا يصح ويكون جميع الدار والخاتم مع فصه للمقر له.
وإذا قال: له على مائة إلا درهمين، كان مقرا بثمانية وتسعين درهما. فإن قال: عندي
مائة إلا درهمان، كان مقرا بمائة لأن المعنى عندي مائة غير درهمين. وهكذا لو قال: له على مائة
مثل درهمين، جاز أن يكون المعنى المائة مثل درهمين، وهكذا: له على مائة مثل ألف، كان
عليه ألف لأن غيرا نقض مثلا.
وإذا قلت: ماله عندي مائة إلا درهمين، وأردت أن تقر بما بعد إلا رفعته لأنك إذا قلت:
ماله عندي مائة إلا درهمان، فإنما رفعت درهمين بأن جعلته بدلا من مائة فكأنك قلت: ماله
عندي إلا درهمان. وإذا نصبت فقلت: ماله عندي مائة إلا درهمين، فما أقررت بشئ لأن
" عندي " لم ترفع شيئا فثبت له عندك، وكأنك قلت: ماله عندي ثمانية وتسعون درهما.
الإقرار بالمظروف ليس إقرارا بالظرف:
وإذا قال: له ثوب في منديل، أو قال: له عندي تمر في جراب أو حنطة في غرارة،
أو عسل في عكة، أو ما أشبه ذلك لم يلزمه إلا اليقين وهو الثوب أو التمر أو الحنطة أو العسل،
فأما المنديل أو الجراب أو الغرارة أو العكة فلا يلزمه شئ من ذلك لما قلناه من أنه لما يلزمه
اليقين ويطرح الشك لأن الأصل براءة الذمة.
وإذا قال: له عندي عبد عليه عمامة، دخلت العمامة في الإقرار. ولو قال: له عندي
دابة عليها سرج، لم يدخل السرج في الإقرار، والفرق بين ذلك أن يد العبد تثبت على ما هو
عليه فيكون لسيده المقر له، والدابة لا يثبت لها يد على ما عليها فلا يكون ما عليها لصاحبها
إلا بالإقرار، وقوله: عليها سرج، ليس إقرارا بالسرج.
ومن كان صحيحا من المرض وأقر بدين آخر نظر في ماله فإن كان فيه وفاء بجميع
الدينين استوفيا منه وإن لم يكن فيه وفاء لجميعها قسم الحاصل منه على قدر الدينين.
135

الإقرار بالحمل:
وإذا كان لرجل جارية ولها ولد فأقر بأن ذلك الولد ولده منها كان إقراره صحيحا
بين كيفية الاستيلاء منها أو لم يبين ذلك. وإذا أقر الانسان لحمل بدين في ذمته أو غيره في يده
وبين لذلك سببا صحيحا مثل أن يقول: لحمل هذه المرأة على دين من جهة وصية أو ميراث،
كان إقراره صحيحا وإن بين له سببا غير صحيح فغير صحيح مثل أن يقول: له ذلك على
من جناية جنيتها عليه من قلع عين أو ما جرى مجراها، أو: هو له على من معاملته، كان
كذلك باطلا.
فإن أطلق الإقرار ولم يبين شيئا مما ذكرناه كان صحيحا فإن بينه بعد ذلك بشئ مما
ذكرناه فالقول فيه على ما تقدم. وإن كان حكم الإقرار للحمل صحيحا على ما قدمناه فيجب
أن ينظر فيه، فإن انفصل من حين الإقرار حيا لأقل من ستة أشهر كان الإقرار صحيحا لأن
وجوده حين الإقرار كان متيقنا فصح بذلك أنه إقرار لموجود، وإن انفصل لأكثر من تسعة
أشهر لم يصح الإقرار لأنا نتيقن بذلك أنه لم يكن موجودا والإقرار إنما يصح لموجود فأما
المعدوم فلا يصح الإقرار له. فإن انفصل لستة أشهر وأكثر وتسعة أشهر وأقل نظر في حال
المرأة فإن كان لها زوج يطأها أو مولى كان الإقرار باطلا لأنه يجوز أن يكون حدث بعد الإقرار
له فلا يلزمه الإقرار وإذا احتمل لم يلزمه شئ بالشك، وإن لم يكن لها زوج يطأها ولا مولى
كان الإقرار صحيحا لأنا نعلم بذلك أن الولد من ذلك الوقت.
ثم ينظر في الحمل فإن كان واحدا وانفصل حيا فالإقرار له صحيح كما قدمناه وإن
كان اثنين أحدهما ذكر والآخر أنثى وكان الإقرار عن وصية تساويا في قسمته بينهما وإن كان
عن ميراث كان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان الحمل الذكرين أو الأنثيين كان ذلك بينهما
بالسوية. فإن كان ذكرا وأنثى ولدي أم كان بينهما أيضا بالسوية لأن كلالة الأم تساوى في
الميراث. وهذا الحكم في الحمل إذا انفصل حيا، فإن انفصل ميتا كان الإقرار له باطلا لأنه
إنما يكون له حكم إذا انفصل حيا، فإن انفصل ميتا فإنه يكون في معنى المعدوم وذلك
مما لا يصح الإقرار له.
وإذا كان عند انسان عشرة من العبيد فأقر لغيره بهم فقال: هؤلاء العبيد لزيد
136

إلا واحدا، كان الإقرار صحيحا ويرجع في تبين الواحد إليه. فإن بين التسعة المقر بهم كان
كافيا في بيان الواحد، وإن بين الواحد كان كافيا في ذلك لأنه إذا بين أحد الوجهين وعينه
تبين الآخر وتعين. فإذا اختلفا في الواحد فكذب المقر له للمقر كان القول قول المقر مع يمينه،
لأنه أعلم بما أقر به وبما استثناه ولأنه أيضا في يده.
وإذا أقر انسان بغصب فقال: غصبت هذه الدار من زيد وملكتها لعمرو، لزمه
الإقرار وكان عليه تسليم الدار إلى زيد الذي أقر أنه غصبه إياها لأنه أقر له باليد وقد تكون
في يده بإجارة أو رهن. فأما إقراره بأنها ملك لعمرو فلا يصح الإقرار بما هو في يد غيره
ويجري ذلك مجرى قوله: الدار التي في يد فلان لفلان، فإن ذلك لا يصح وشهادته بذلك
لا تقبل لأنه غاصب، وإذا كان كذلك وجب عليه تسليم الدار إلى زيد وتكون الخصومة فيها
بين زيد وبين عمرو الذي أقر بأنها ملكه، وليس على هذا الغاصب ضمان في الدار لعمرو
بإقراره بأنها ملكه لأنه ما أقر له بشئ ثم حال بينه وبينه وإنما أقر لواحد منهما باليد وللآخر
بالملك وقد يجوز أن يكون في يد أحدهما بإجارة أو رهن كما قدمناه ويكون ملكا للآخر.
الإعراض بعد الإقرار:
وإذا قال انسان: هذه الدار لزيد لا بل لعمر، أو قال: غصبتها من زيد لا بل من
عمرو، فإن إقراره بها للأول لازم وعليه غرامتها للثاني لأنه حال بينه وبين ما أقر به له ويجري
ذلك مجرى أن يتلف له مالا ثم يقر به لغيره في لزوم غرامته له.
وإذا كان العبد مأذونا له في التجارة وأقر بما يوجب حقا على سيده لم يقبل إقراره
وإن أقر بما يوجب مالا وكان ذلك لا تعلق له بما أذن له فيه من التجارة مثل أن يقول: أهلكت
مال زيد، أو: غصبته مالا، لم يقبل إقراره بذلك.
فإن قال: اقترضت منه مالا كان ذلك في ذمته إلى أن يعتق ويطالب به. وإن كان
إقراره بما يتعلق بمال التجارة مثل أرش المعيب أو ثمن مبيع أو ما جرى مجرى ذلك فإن
إقراره بذلك مقبول لأن المالك لشئ يملك الإقرار به فإن كان الإقرار بقدر ما في يده من مال
التجارة قبل وقضي منه، وإن كان أكثر من ذلك كان الفاضل في يده يطالب به إذا أعتق.
137

وإذا قال رجل: لزيد عندي ألف درهم وديعة شرط على ضمانها، ثبت إقراره
بالوديعة ولم يجب عليه ضمانها. وإذا قال:
لزيد علي ألف درهم في ذمتي، ثم جاء بألف وقال: كان الألف الذي أقررت به لك وديعة عندي وهذا بدلها، كان ذلك جائزا لأنه يجوز أن يكون
قد هلكت بتفريط منه فأحضرا العوض عنها.
وإذا قال زيد لعمرو: لك على ألف درهم، ثم قال: كانت لك عندي وديعة وكان
عندي أنها باقية فأقررت بها لك فإذا بها تالفة في ذلك الوقت، لم يقبل ذلك منه لأنه تكذيب
إقراره بعده، ولو ادعى هلاكها بعد الإقرار قبل منه لأنه ما فسره إقرار بوديعة ولم يكذب
إقراره وإنما ادعى هلاك ما أقر به بعد ثبوته بإقراره.
فإذا كان في يد انسان عبد فأقر أنه لزيد وصدقه العبد وعلى ذلك صح إقرار السيد
ولم يصح إقرار العبد لأن يد السيد ثابتة على العبد لأنه يملكه ويد العبد غير ثابتة على نفسه
لأنه لا يملكها، ولأن إقرار العبد أيضا إقرار بمال السيد عليه وإنما يقبل إقراره في الجنايات التي
تتعلق برقبته أو إتلاف المال، فإن كذب السيد في إقراره فالصحيح أن العبد ينعتق لأن
الذي كان في يده أقر بأنه ليس له والذي أقر له به أنكره وإقرار العبد لم يصح فلم يثبت
عليه لأحد ملك فينبغي أن ينعتق كما قدمناه.
وإذا التقط انسان لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه عبد لزيد لم يقبل إقراره لأن الظاهر
في اللقيط الحرية. وإذا ادعى انسان على غيره أنه مملوكه وأنكر العبد ذلك كان القول قول
المدعى عليه مع يمينه لأن الظاهر من الحال الحرية، فإن لم ينكر دعواه وأقر بما ادعاه من الرق
ثم ادعى أنه أعتقه وأنكر سيده ذلك كان القول قول السيد لأن الأصل هي نفي العتق.
وإذا أقر فقال: لزيد عندي درهم ودرهم، لزمه درهمان وكذلك لو قال: لزيد عندي
درهم ودرهم ودرهم، لزمه ثلاثة دراهم، وكذلك إذا عطف درهما على درهم بلفظ " ثم " فإن
قال: له عندي درهم فدرهم، لزمه درهمان لأن الفاء من حروف العطف فهي وإن أفادت
التعقيب فليس هاهنا فائدة.
وإذا أقر فقال: لفلان عندي قفيز لا بل قفيزان، لزمه قفيزان وكذلك لو قال: درهم
لا بل درهمان، لأن " بل " للإضراب عن الأول والاقتصار على الثاني. فإن قال: درهم لا بل
138

أكثر منه، لزمه درهم وزيادة عليه فإن قال: له على قفيز حنطة لا بل قفيز
شعير، لزمه قفيز حنطة وقفيز شعير لأنه أقر بجنس آخر فلا يقبل منه النفي للأول.
وإذا قال انسان يوم الخميس: لزيد علي درهم، ثم قال يوم الجمعة: له على درهم،
وجب عليه درهم واحد ويرجع في التفسير إليه. فإن قال يوم الخميس: لزيد على درهم من
ثمن مملوك، وقال يوم الجمعة: له على درهم من ثمن ثوب، وجب عليه درهمان لأن ثمن
المملوك غير ثمن الثوب، وكذلك الحكم في كل إقرارين أضيف كل واحد منهما إلى سبب
غير السبب الذي يضاف الآخر إليه.
وإذا قال: لزيد على درهم لا بل درهم، وجب عليه درهم واحد لأنه أمسك ليستدرك
ولم يذكر فليس عليه غير ذلك. ولو قال لزيد على عشرة لا بل تسعة وجب عليه عشرة لأنه
نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء فلم يقبل منه ولا يجري ذلك مجرى قوله: له
على عشرة إلا درهم، في أنه يقبل ذلك منه لأن للتسعة عبارتين: الواحدة بلفظ التسعة
والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد فبأيهما أتى فقد أتى بعبارة التسعة، فليس كذلك
قوله: على عشرة لا بل تسعة، لأنه أقر بالعشرة ورجع عن بعضها فلم يصح رجوعه.
وإذا أقر رجل لميت بحق وقال: هذه امرأته وهذا ابنه ولا وارث له غيرهما، وجب
عليه دفع المال إليهما لأنه أقر بأنه لا يستحق المال غيرهما. فإن قال: هذا المال لزيد الميت،
أو قال: لزيد الميت على مال وهذا الصبي ولده وهذا وصيه، لم يجب عليه دفع المال إلى
الوصي لأنه لا يأمن من أن يبلغ الصبي فينكر وصية الوصي وإذا أنكر سمع ذلك منه، ويجوز
تسليم المال إلى الحاكم لأن له على الصبي ولاية ولا يتمكن من إنكارها ولا تثبت ولاية
للطفل إلا ببينة.
وإذا ادعى انسان على غيره مالا في مجلس الحاكم فقال المدعى عليه: لا أقر ولا
أنكر، ألزمه الحاكم أن يأتي بجواب صحيح ويقول: هذا ليس بجواب صحيح فإن أجبت
بصحيح وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك، فإن لم يأت بجواب صحيح
استحب للحاكم أن يكرر ذلك عليه ثلاث مرات، فإن لم يجب بجواب صحيح جعله ناكلا
ورد اليمين على خصمه. فإن قال: لا أدري ما يقول، لم يكن جوابا صحيحا مع علمه بما يقول.
139

فإن قال: أنا مقر أو منكر، لم يكن أيضا جوابا صحيحا. فإذا قال: أنا مقر بما يدعيه
ومنكر لما يدعيه، كان ذلك جوابا صحيحا وحكم الحاكم عليه. وإذا قال انسان: لزيد على
ألف درهم، وسكت ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، وجب عليه الألف ولم يسمع منه ما ادعاه
من المبيع لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقط ولا يقبل إقراره به. فإن قال: لزيد على ألف
درهم، وسكت ثم قال: قد قبضها، كان جاريا مجرى الأول. فإن قال: لزيد على ألف درهم
من ثمن مبيع، وسكت ثم قال: لم أقبضه، سمع منه ذلك لأن قوله بعد سكوته " لم أقبضه "
غير مناف لإقراره المتقدم لأنه يجوز أن يكون عليه ألف درهم ثمنا ولا يجب عليه تسليمها
حتى يقبض المبيع، وأيضا فإن الأصل أن لا قبض. فإن قال: لزيد على ألف درهم مؤجلا
إلى الوقت الفلاني، وجب عليه ذلك في الأجل المذكور.
وإذا شهد شهود على انسان بإقراره ولم يقولوا: وهو صحيح العقل، كانت الشهادة
صحيحة بذلك الإقرار لأن الظاهر أن الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل ولأن
الظاهر صحة إقراره أيضا. فإن شهدوا وقالوا: وهو صحيح العقل، كان ذلك منهم تأكيدا
وإذا كان الأمر في الشهادة بالإقرار على ما ذكرناه وادعى المشهود عليه أنه أقر وهو مجنون
وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل فقد الجنون وعدمه.
فإن ادعى أنه أكره على الإقرار لم يسمع منه ذلك لأن الأصل فقد الإكراه، فإن أتيت
بينة على أنه كان مقيدا أو محبوسا وادعى الإكراه قبل ذلك منه لأن الظاهر من حال المقيد
والمحبوس أنه كان مكرها على التصرف والإقرار.
وإذا قال انسان: لزيد على دينار في عشرة، أو درهم في عشرة، وكان يريد بذلك
ضرب الحساب وجب عليه عشرة دنانير أو عشرة دراهم لأن الواحد في عشرة عشرة، وإن لم
يرد ضرب الحساب وجب عليه دينار واحد أو درهم واحد لأنه يكون المعنى فيه " له دينار في
عشرة لي " ويجري ذلك مجرى القول بأن له على عمامة في صندوق، أو قميص في منديل،
وما أشبه ذلك.
وإذا ادعى انسان على صبي البلوغ وقال الصبي: لم أبلغ، كان على المدعي البينة
فيما ادعاه من بلوغ الصبي: إما بأن شهد شهود بأنه ولد في سنة معينة ثم ينظر فيه من هذه
140

السنة إلى السنة التي ادعي عليه فيها البلوغ فيكون خمسة عشرة سنة أو يقر الصبي
بالبلوغ أو شاهد منه الإنزال، فإن عدم المدعي البينة على ما ادعاه من ذلك وطلب يمين
الصبي على أنه لم يبلغ لم يجب له ذلك وكان القول قول الصبي بغير يمين لأن إثبات يمينه
يقتضي إبطالها ونفيها لأن الصبي إذا حلف على أنه صبي وحكمنا بصباه أبطلنا يمينه لأن
يمين الصبي غير صحيحة.
فإن أقر الصبي بالبلوغ ووجد لم يبلغ القدر الذي يمكن البلوغ فيه لم يلتفت إلى
إقراره، وإن كان قد بلغ ذلك القدر كان إقراره صحيحا وحكم عليه بالبلوغ لأنه أقر بما يمكن
كونه صادقا فيه ولا يجوز المطالبة له بيمين على ما أقربه لأنه لا يتعلق بذلك حق لغيره وإنما
يتعلق به حق لنفسه. والصبية إذا أقرت بأنها قد حاضت كان الحكم فيما أقرت به من
ذلك كالحكم الذي ذكرناه في إقرار الصبي بالبلوغ.
وإذا قال انسان: لزيد على درهم ودرهمان أو دينار وديناران، وجب عليه ثلاثة
دراهم أو ثلاثة دنانير لأنه عطف الدرهمين على الدرهم، وكذلك الدينارين على الدينار
والمعطوف غير المعطوف عليه.
وإذا قال الانسان: تملكت هذه الدار من زيد، كان ذلك إقرارا منه بالدار لزيد وفيه
الدعوى منه بأن ملك زيد قد زال عنها وملكها هو، فإذا كان كذلك وخالفه زيد في ذلك كان
القول قول زيد المقر له مع يمينه. فإن قال: هذه الدار قبضتها من يد زيد، فإنه يكون مقرا
لزيد باليد ويجب عليه تسليم الدار إليه وعليه البينة فيما ادعاه من سقوط حق اليد وانتقاله
إليه، فإن لم يكن له بينة كان القول قول المقر له مع يمينه.
فإن قال: هذه الدار قبضتها على يد زيد، أو ملكتها على يد زيد، لم يكن ذلك إقرارا
بيده ولا ملكه لأن ظاهر هذا اللفظ أنه قبضها أو ابتاعها بوساطته أو معونته.
وإذا قال انسان: علي لبهيمة زيد مائة درهم، أو عشرة دنانير، أو ما أشبه ذلك كان
هذا الإقرار باطلا لأن البهيمة لا يثبت لها مال. ولو قال: علي بسبب هذه البهيمة مائة درهم،
وما أشبه ذلك كان هذا الإقرار صحيحا لأن معنى السبب أن يكون ذلك المال ثبت عليه من
أجرة منافعها أو من جناية عليها أو ما جرى مجرى ذلك. فإن قال: لعبد زيد على مال، كان
141

ذلك صحيحا ويكون إقرارا لسيد العبد لأن العبد يصح له أن يثبت له مال من اكتساب أو
غيره فإذا ثبت له ذلك ثبت لسيده.
وإذا أقر انسان بأن غيره والده أو والدته وصدقه ذلك الغير فيما أقر به كان إقراره
مقبولا وتوارثا، فإن لم يصدقه في ذلك كان إقراره باطلا.
فإن أقر بأن غيره ولده وكان المقر به مشهورا بالنسبة إلى غير المقر به كان إقراره
أيضا باطلا، وإن لم يكن مشهورا بذلك قبل إقراره وألحق الوالد به سواء صدقه الولد في
ذلك أو لم يصدقه وتوارث.
فإن أقر بزوجة وصدقته في ذلك قبل إقراره وتوارث، وإن لم تصدقه كان إقراره
باطلا، فإن أثبت بينة بما أقر به حكم له بها، وإن لم يثبت له بينة بذلك لم يلتفت إلى إقراره فإن
أقرت المرأة بزوج كان الحكم فيها كالحكم في الرجل سواء.
فإن أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك من ذوي الأرحام قريبا كان أو بعيدا وكان
للمقر ورثة مشهوري النسب لم يقبل إقراره إلا ببينة ولم يتوارثا سواء صدقه المقر به أو لم
يصدقه.
وإن لم يكن له ورثة غير الذي أقر به وصدقه في ذلك قبل إقراره وتوارثا، وإن لم
يصدقه كان إقراره باطلا.
فإن هلك انسان وخلف وارثا فأقر بعضهم بوارث آخر وكان المقر به أولى من المقر
بالميراث سلم إليه المقر جميع ما حصل في يده من الميراث، وإن كان مثله دفع إليه مقدار
ما كان نصيبه من سهمه بغير زيادة ولا نقص.
فإن أقر بوارث جماعة كان الحكم فيهم مثل ما تقدم، فإن أقر بوارثين هما جميعا أولى
منه بالميراث والواحد منهما أولى من الآخر بذلك دفع المقر إلى الأولى منهما ما في يده من الميراث
ولم يكن للآخر شئ، فإن أقر بأكثر من وارث وكان المقر لهم متساوين في الميراث وتناكروهم
فيما بينهم ذلك النسب لم يلتفت إلى إنكارهم وقبل إقراره لهم، فإذا أنكروا إقراره لم يكن لهم
من الميراث شئ وإن أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا بينهم إن كان المقر له والدا أو ولدا
فإن كان غيرهما من ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وإن صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم فيه
إلى مال الميت.
142

فإن أقر بوارث هو أولى منه بالميراث كان عليه أن يدفع المال إليه كما قدمناه، فإن
أقر بوارث - بعد ذلك - هو أولى منهما كان عليه أن يغرم للثاني مثل الذي دفعه إلى الأول
وهكذا يجب عليه إن أقر بوارث ثالث أو رابع أو خامس أو أكثر من ذلك بالغا ما بلغ إقراره
به، فإن أقر بوارث أولى منه بالميراث وسلم إليه ما في يده منه ثم أقر بعد ذلك بوارث مساو
للمقر له في الميراث كان عليه أن يغرم له مثل ما كان يستحقه من أصل الميراث
. فإن أقر بوارث يساويه في الميراث وقاسمه إياه ثم أقر بوارث هو أولى منهما وجب
عليه أن يغرم له مثل جميع المال، فإن كانت الميت امرأة وأقر هذا المقر بزوج لها وجب عليه
أن يدفع إلى الزوج ما كان نصيبه من سهمه وإن أقر بزوج آخر كان إقراره باطلا فإن
أكذب نفسه في الإقرار بالزوج الأول وجب عليه أن يغرم للزوج الثاني ما يستحقه من
الميراث ولم يكن له على الأول سبيل.
فإن كان المقر ولدا فأقر بزوجة للميت وجب عليه أن يدفع إلى الزوجة ثمن ما كان
في يده من الميراث فإن أقر بزوجة ثالثة دفع إليها ثلث ثمن ما في يده من الميراث أيضا، فإن
أقر برابعة دفع إليها ثمن ذلك، فإن أقر بخامسة وقال بأن واحدة ممن كان أقر منهن ليست
زوجة لم يلتفت إلى نفيه لها ووجب عليه أن يغرم للتي أقر بها قبل ذلك، فإن لم ينكر واحدة
من الأربع لم يلتفت إلى إقراره بالخامسة، فإن أقر في دفعة واحدة للأربع نسوة يكن لهن أكثر
من الثمن يقسم بينهن بالسوية.
فإن أقر اثنان من الوارث بوارث وكانا مرضيي العدالة قبلت شهادتهما للمقر له
وألحق بنسب الميت وقاسم الوارث إلا أن يكون مشهورا بالنسب للآخر فإنه حينئذ
لا يلتفت إلى شهادتهما، فإن لم يكونا مرضيي العدالة لم يثبت له النسب ولم يلحق بالميت
ولزمها في نصيبهما مقدار ما كان نصيبه من سهمهما من غير زيادة ولا نقص في ذلك، فإن
خلف الميت زوجة وأخا وأقرت الزوجة بابن للأخ وأنكره الآخر لم يثبت نسبه إلا أنه يقاسمها
والمرأة تدعي أن لها الثمن لأن لمورثها ابنا، فإن كان في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه لأنه
هو القدر الذي يدعيه فيقول " لها الربع " لأنه ليس لمورثها ابن فبقي في يدها الربع وهي
تدعي نصفه فيكون لها والباقي ترده على الابن.
143

فإن ترك الميت ابنين أحدهما عاقل والآخر مجنون فإن أقر العاقل بنسب أخ لم
يثبت النسب بإقراره لأنه واحد فإن أفاق المجنون ووافق أخاه على إقراره بالأخ الآخر
ثبت النسب والميراث وإن خالفه في ذلك لم يثبت نسبه وشاركه في مقدار ما يخصه، فإن
مات وهو مجنون فإن ورثه المقر جميع ماله قاسم المقر به فإن ترك الميت ابنين أحدهما كافر
والآخر مسلم فأقر أحدهما بأخ وكان الميت كافرا فميراثه للمسلم فإن أقر بنسب قاسم
المقر به إن كان مسلما وإن لم يكن مسلما أخذ بجميع الميراث ولم يكن لجحود الكافر لذلك
اعتبار لأنه لا يرث شيئا وجميع المال للمسلم.
وإذا خلف الميت ابنين أحدهما قاتل كان المال كله للذي ليس بقاتل وإن أقر بنسب
أخ شاركه في الميراث وإن أقر القاتل لم يثبت له لأنه ليس يستحق شيئا من الميراث.
وإذا أقر الانسان وهو مريض - وكان في حال إقراره كامل العقل موثقا بعدالته
مأمونا غير متهم - للوارث أو الأجنبي بشئ كان إقراره ماضيا ويكون ما أقر به من أصل
ماله، فإن كان متهما وغير موثق به طولب للمقر ببينة تشهد له بذلك، فإن أثبت بينة به سلم
إليه ذلك من أصل المال، وإن لم تكن له بينه دفع ذلك إليه من الثلث إن بلغ ذلك، فإن لم
يبلغه لم يدفع إليه أكثر منه.
وإذا كان على انسان دين فأقر بأن جميع ما يملكه لبعض وراثه لم يقبل منه ذلك
إلا ببينة تثبت للمقر له بذلك فإن لم تكن له بينة به دفع إلى صاحب الدين ماله وكان الباقي
ميراثا بين وراثه.
وإذا أقر بشئ وقال لوصيه: ادفعه إلى زيد، فهو له وطالب الوارث الوصي بذلك، فإن كان
المقر عنده مرضيا مأمونا جاز له أن ينكر ذلك ويحلف عليه ويسلمه إلى المقر له، وإن كان
عنده غير مرضي ولا مأمون لم يجز له ذلك ويجب عليه إظهاره ويلزم المقر له إثباته ببينة، فإن
أثبت له بينة سلم إليه وإن لم تثبت له بينه كان ميراثا.
وإذا قال: لفلان ولفلان أحدهما على مائة دينار، طولبا بالبينة على ذلك فمن ثبت
له البينة سلمت المائة إليه وإن لم تثبت لأحدهما بينة قسمت بينهما نصفين.
وإذا أقر بعض الوارث على الميت بدين كان إقراره جائزا على نفسه ولزمه من ذلك
144

بمقدار ما يخصه من الميراث بغير زيادة على ذلك، فإن أقر بالدين اثنان من الوارث وكانا
مرضيي العدالة موثوقا بهما قبلت شهادتهما وأمضيت على باقي الوارث، وإن لم يكونا
مرضيين وجب عليهما من الدين الذي أقر به بمقدار ما يصيبهما من الميراث.
فإن كان على الميت دين وترك مالا دون الدين قضي به الدين ولم يكن هناك وصية
ولا ميراث وتقسم ما تركه على أصحاب الدين بحسب حصصهم إن كانوا أكثر من
واحد، وإن كان واحدا سلم إليه ذلك فإن وجد متاع بعض أصحاب الدين بعينه وكان فيما
بقي من التركة وفاء لدين الباقي من الديان سلم المتاع إلى صاحبه وقضي دين الباقين مما
بقي من التركة. وإن لم يترك الميت غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء
يقتسمونه فيما بينهم على حسب حصصهم.
وإذا أقر المريض بأن بعض مماليكه ولده ولم يعينه ولا ميزه من غيره بصفة ومات
أخرج منهم واحد بالقرعة وألحق به وورث ماله.
وإذا أقر انسان بأن عليه زكاة لعدة سنين وأمر بإخراجهما عنه وجب اخراجها من
أصل المال لأنها بمنزلة الدين ويكون الباقي ميراثا، فإن كان عليه شئ من الزكاة وكانت
حجة الاسلام قد وجبت عليه وفرط فيها وخلف دون ما يقضي به الحجة والزكاة حج عنه من
أقرب المواضع وصرف ما بقي في أرباب الزكاة.
ومن قتل وعليه دين وجب على وليه أن يقضي دينه من ديته سواء كان قتله عمدا
أو خطأ فإن كان قتله عمدا وأراد أولياؤه القود أو العفو لم يجز لهم ذلك إلا بعد أن يرضوا
أصحاب الدين فإن أرضوهم كان لهم بعد ذلك القود أو العفو.
في منجزات المريض:
وإذا وهب المريض في حال مرضه شيئا وأقبضه كانت الهبة صحيحة ولم يكن
للوارث الرجوع فيها، وإن لم يكن قبضها ومات كانت ميراثا وكذلك حكم ما يتصدق به في
حال حياته، وبيعه في حال مرضه صحيح إذا كان ثابت العقل مالكا لرأيه فإن كان المرض
قد غلب على عقله كان ذلك باطلا.
145

وإذا تلفظ الموصي بالوصية وكان ثابت العقل كانت وصيته ماضية فإن اعتقل لسانه
وكان ممن يحسن الكتابة كتبها وأمضيت بحسب ذلك، فإن لم يقدر على الكتابة وأو ما بها
وفهم مراده من ذلك أمضيت أيضا على حسب ما يومئ به ويفهم منه، فإن قال له انسان
" تقول كذا وكذا وتأمر بكذا وكذا " فأشار برأسه كما يفيد إشارته به " نعم " كان ذلك جائزا
بشرط ثبوت عقله كما قدمناه.
وأول ما يبدأ به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وإذا لم يترك الميت
إلا مقدار الكفن كفن به ولم يقض به دين فإن تبرع انسان بتكفينه صرف ما تركه في الدين.
وإذا غاب رجل عن أهله وترك لهم نفقة سنة ومات بعد شهر وجب على أهله رد ما فضل عن
نفقة الشهر إلى الميراث وكان من جملته.
146

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
147

كتاب الوقوف والصدقات
قال الله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
لما نزلت هذه الآية عمد كثير من الصحابة إلى نفائس أموالهم فتصدقوا بها زيادة على
الزكوات الواجبة، كما روي عن أبي طلحة أنه قال: يا رسول الله إن لي حائطا وقد جعلته
صدقة، فقال: اجعله صدقة على فقراء أهلك، فجعله بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب.
وقد ورد في القرآن آي كثيرة تحت على الوقوف والصدقات بظواهرها، قال الله
تعالى: وافعلوا الخير، وهو أمر بالطاعات والقربات
فإن قيل: ما أنكرتم من فساد الاستدلال بذلك من جهة أن الخير لا نهاية له، ومحال
أن يوجب الله علينا ما لا يصح أن نفعله، وإذا لم يصح إيجاب الجميع فليس البعض بذلك
أولى من البعض وبطل الاستدلال بالآية.
قلنا: لا شبهة في أن إيجاب ما لا يتناهى لا يصح، غير أنا نفرض المسألة فنقول: قد
ثبت أن من وقف وتصدق على بعض فقراء المؤمنين يكون فاعلا للخير، وفعل المرة صحيح
غير محال، فيجب تناول الآية له، وهكذا يفرض في كل مسألة. وموضع استدلالنا بعموم هذه
الآية وأمثالها على استحباب شئ من العبادات أو وجوب شئ من القربات هو أن نعين
على ما يصح تناول الإيجاب والاستحباب له ثم ندخله في عموم الآية.
149

باب كيفية الوقف وأحكامه:
قال الله تعالى: وأقرضوا الله قرضا حسنا، نزلت حين وقف بعض الأنصار
نخيلا، وسمى تعالى ذلك قرضا تلطفا في القول لأن الله تعالى من حيث أنه يجازيهم على ذلك
بالثواب فكأنه استقرض لرد منهم عوضه، وإنما قال: " حسنا " أي على وجه لا يكون فيه وجه
من وجوه القبح.
و: ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، أي ما تعطوا الفقراء والمساكين تجدوا
ثوابه وجزاءه.
ثم اعلم أن وجوه العطايا ثلاثة، اثنان منها في الحياة وواحد بعد الوفاة، فالذي بعد
الوفاة هو الوصية ولها كتاب مفرد نذكره فيما بعد، وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة
والوقف، وللهبة باب مفرد يجئ بعد هذا.
وأما الوقف فهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وجمعه وقوف وأوقاف يقال:
وقفت، ولا يقال: أوقفت، إلا شاذا نادرا، ويقال: حبست وأحبست. فإذا وقف شيئا من
أملاكه زال ملكه عنه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه، وإن لم يقبض لم يمض الوقف
ولم يلزم. فهذان شرطان في صحة الوقف. فمتى لم يقبض الوقف ولم يخرجه من يده أو وقف
ما لا يملكه كان الوقف باطلا، فإذا قبض الوقف فلا يجوز الرجوع له فيه بعد ذلك
ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا غيرها، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه.
فصل: وما روي عن النبي ص أنه قال: لا أحبس بعد سورة النساء، فلا يدل
على حظر الوقف أو كراهيته، وإنما المعنى في ذلك أحد أمرين:
أحدهما: أراد حبس الزانية التي ذكرها الله في قوله تعالى: فأمسكوهن في البيوت
حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، فإن الله نسخ هذا الحكم على لسان رسوله ع
بقوله ع: البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
والثاني: أراد الحبس الذي كان يفعله الجاهلية في نفي السائبة والبحيرة والوصيلة
والحام، قال الله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.
150

فالسائبة: هي الناقة تلد عشرة بطون كلها إناث فتسيب تلك الناقة فلا تركب ولا
تحلب إلا لضيف.
والبحيرة: هي ولدها الذي تجئ به في البطن الحادي عشر، فإن كان أنثى بحروا
أذنها أي شقوها فهي البحيرة.
وأما الوصيلة، فهي الشاة تلد خمس بطون في كل بطن اثنان فإذا ولدت البطن السادس
ذكرا وأنثى قيل: وصلت أخاها، فما بعد ذلك يكون حلالا للذكور وحراما على الإناث.
وأما الحام: فهو الفحل ينتج من صلبه عشرة أبطن فكان لا يركب.
وكذلك يحمل على الوجهين ما روي عن شريح أنه قال: جاء محمد بإطلاق الحبس.
فصل: يجوز وقف الأراضي والعقار والرقيق والماشية والسلاح وكل عين يبقى بقاءا
متصلا ويمكن الانتفاع بها، فأما إذا كانت في الذمة أو كانت مطلقة وهو أن يقول: وقفت
فرسا أو عبدا فإن ذلك لا يجوز لأنه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعين ولا يمكن تسليمه
ولا القبض.
ويجوز وقف المشاع، كما يصح بيعه، وألفاظ الوقف ستة: تصدقت ووقفت وحبست
وسبلت وحرمت وأبدت، فإذا قال: تصدقت بداري أو بكذا، لم ينصرف إلى الوقف لأن
التصدق يحتمل الوقف ويحتمل صدقة التمليك المتطوع بها ويحتمل الصدقة المفروضة،
فإذا قرنه بقرينة تدل على الوقف انصرف إلى الوقف وزال الاحتمال.
والقرينة أن يقول: تصدقت موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة، أو قال:
صدقة لا تباع أو لا توهب أو لا تورث، لأن هذه كلها لا تصرف إلا إلى الوقف.
وإذا قال: حبست أو سبلت، رجع إلى الوقف وصار صريحا فيه لأن الشرع ورد بهما،
قال النبي ص لعمر: حبس الأصل وسبل الثمرة. وعرف الشرع آكد من
عرف العادة. والأقوى عندنا أن صريح الوقف عندنا قول واحد، وهو " وقفت " لا غير وبه يحكم
بالوقف، فأما غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلا بدليل.
ولا يجوز أن يقف شيئا على حمل هذه الجارية ولم ينفصل الحمل بعد. ولا ينتقض
بالوقف على لأولاد ما تناسلوا لأن الاعتبار بما ولد، فإذا صح في حقه صح في حق الباقين على
151

وجه التبع لهم.
وإذا وقف دارا وقبض فإنه يزول ملك الواقف كما يزول بالبيع وينتقل إلى الموقوف
عليه وهو الصحيح. وقال قوم: ينتقل إلى الله تعالى. وإنما قلنا ذلك لأنه يثبت عليه اليد
وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على كل حال وإنما يملك بيعه على وجه عندنا، وهو إذا
خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة أو لا يقدرون على القيام به أو يخاف
وقوع خلاف بينهم يؤدى إلى فساد يجوز لهم بيعه، ومع عدم ذلك كله لا يجوز
. والوقف على المساجد وما فيه مصالح المؤمنين إنما يصح وإن كانت هذه الأشياء
لا تملك لأن الوقف عليها لمصالح المسلمين فالوقف عليها وقف على المسلمين والمسلمون
يملكون. فإن وقف انسان شيئا على قومه ولم يسمهم كان ذلك وقفا على جماعة أهل لغته من
الذكور دون الإناث، لقوله تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء
من نساء، فدل على أن لفظ القوم لا يقع على النساء.
فصل: والعمرى نوع من الهبات تفتقر في صحتها إلى إيجاب وقبول، ويفتقر لزومها إلى
قبض كسائر الهبات. وهي مشتقة من العمر، وصورتها أن يقول الرجل لآخر: أعمرتك هذه
الدار أو جعلتها لك عمرك أو هي لك ما حييت. وهذا عقد جائز، فإن قال: هذه الدار لك
عمرك ولعقبك من بعدك، فإنه جائز وإنما هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها.
وإما إذا أطلق ذلك ولم يذكر العقب فإن العمرى يصح ويكون للمعمر حياته، فإذا
مات رجع إلى المعمر أو إلى ورثته إن كان مات وهو الصحيح، ولا فرق عندنا سواء علقه
بموت المعمر أو المعمر.
والرقبى جائزة عندنا وصورتها صورة العمرى إلا أن اللفظ يختلف. ومن أصحابنا
من قال: الرقبى أن تقول: جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي. وهو مأخوذ
من رقبة العبد.
باب الهبة وأحكامها:
الهبة جائزة لكتاب الله وللسنة، فالكتاب قوله تعالى: تعاونوا على البر والتقوى
152

ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. والهبة من البر، وقوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله إلى قوله: وآتى المال على حبه ذوي القربى
واليتامى والمساكين. والسنة أكثر من أن تحصى.
والهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب بالهبة إلى الله
سميت صدقة، وإذا قصد بها التودد والمواصلة سميت هدية. وكان النبي ص يقبل
الهدية ويأكلها ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها. فإذا ثبت هذا فإنه لا يلزم شئ منها إلا بالقبض.
فصل: الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن هو فوق الواهب، وهبة لمن هو دونه، وهبة لمن هو
مثله. ويقتضي كل واحد منها الثواب عندنا على بعض الوجوه. وصدقة التطوع عندنا
بمنزلة الهبة في جميع الأحكام، ومن شرطها الإيجاب والقبول، ولا يلزم إلا بالقبض وما يجري
مجراه.
وكل من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة وإذا كان لإنسان في ذمة رجل مال
فوهبه له كان ذلك إبراء بلفظ الهبة. وقال قوم: من شرط صحته قبوله، وهذا حسن لأن في
إبرائه من الحق الذي عليه منة عليه ولا يجبر على قبول المنة. وقال آخرون: إنه يصح شاء
من عليه الحق أو أبي، لقوله: فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم، فاعتبر مجرد الصدقة
ولم يعتبر القبول، وقال تعالى: ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فأسقط الدية لمجرد
التصدق ولم يعتبر القبول. وهذا أيضا قوي ظاهر.
باب الزيادات:
قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى
المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام
الصلاة وآتى الزكاة.
فالبر العطف والإحسان وهو مصدر، وقد يكون بمعنى البار، أي الواسع الإحسان
وأصله من الاتساع.
بين سبحانه أن البر كله ليس في الصلاة وإنما هي مصلحة من المصالح
153

الدينية، والتقدير ولكن البر بر من آمن بالله، أي ولكن ذا البر من آمن بالله، أي صدق
بالله. ويدخل فيه جميع ما لا يتم معرفة الله إلا به.
" واليوم الآخر " يعني القيامة، وأن الملائكة عباد الله والكتب المنزلة وأنبيائه كلهم.
" وأعطى المال على حبه " أي حب المال، والإيتاء أو حب الله، وهذا أبلغ.
و " ذوي القربى " قرابة المعطى، وقيل: قرابة الرسول ع. قال ابن عباس:
في المال حقوق سوى الزكاة ويدخل فيها ما يتطوع به الانسان قربة إلى الله من الوقوف
والصدقات والهبات لأن ذلك كله من البر. قال: ولا يجوز حمله على الزكاة المفروضة لأنه عطف
عليه الزكاة.
وإنما خص هؤلاء لأن الغالب أنه لا يوجد الاضطرار إلا في هؤلاء، ولئلا يظن إنه
مستحق الزكاة الواجبة لا يجوز أن يعطي ما يتصدق به تطوعا، والآية تعمها.
وشرائط الوقوف شيئان: أن يخرج الوقف من يده ويقبضه الموقوف عليه أو من
يتولى عنه، ويكون ملكا للواقف.
والوقف والصدقة شئ واحد ولا يصحان إلا بالقربة إلى الله تعالى. والوقف لا بد
أن يكون مؤبدا.
154

كتاب الوصايا
الوصية مشتقة من وصاء النبت إذا اتصل بعضه ببعض، وكل وصية أمر وليس كل
أمر وصية، فعلى هذا معنى الوصية وصل الأمر بمثله أو بغيره مما يؤكد. قال أبو علي النحوي:
كان الموصي وصل جل أمره بالموصى إليه. فقال: وصى فلان وأوصى، إذا وصل تصرف ما
قبل الموت بما يكون بعد الموت. والتوصية أبلغ من الإيصاء لأنها لمرار كثيرة.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة، أما الكتاب فقد قال الله تعالى: يوصيكم الله في
أولادكم، فذكر هاهنا الوصية في أربعة مواضع: أحدها قوله: فلأمه السدس من بعد وصية.
الثاني في فرض الزوج، قال تعالى: فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين.
الثالث في فرض الزوجة، قال تعالى: فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها
أو دين. الرابع قوله: فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين. فثبت بذلك أن
الوصية لها حكم في الشرع.
فإذا ثبت هذا فالناس في الوصية على ثلاثة أضرب:
منهم من لا يصح له الوصية بحال، وهو الكافر الذي لا رحم له مع الميت وعند
المخالف الوارث.
والثاني: من يصح له الوصية بلا خلاف، مثل الأجانب فإنه يستحب لهم الوصية،
وعندنا الوارث تصح له الوصية أيضا.
والثالث: من هو مختلف فيه، وهو على ضربين: منهم الأقرباء الذين لا يرثونه بوجه
155

مثل ذوي الأرحام عند من لم يورث ذوي الأرحام مثل بنت الأخ وبنت العم والخالة والعمة.
والضرب الآخر يرثون لكن ربما يكون معهم من يحجبهم، مثل الأخت مع الأب والولد، فإنه
يستحب أن يوصي لهم وليس بواجب.
وعندنا أن الوصية لهؤلاء كلهم مستحبة.
باب الحث على الوصية:
قال الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين بالمعروف حقا على المتقين. فمعنى كتب فرض إلا أنه هاهنا معناه الحث
والترغيب دون الفرض والإيجاب.
وفي الآية دلالة على أن الوصية للوارث جائزة لأنه تعالى قال: للوالدين والأقربين،
والوالدان وارثان بلا خلاف إذا كانا مسلمين حرين غير قاتلين عمدا وظلما، ومن خص
الآية بالكافرين فقد قال قولا بلا دليل، ومن ادعى نسخ الآية فلا نسلم له ذلك بلا دليل.
وبمثل ما قلناه قال محمد بن جرير الطبري سواء، فإن ادعوا الاجماع على نسخها كان ذلك
دعوى باطلة ونحن نخالف في ذلك، وقد خالف في نسخها طاووس، فإنه خصها
بالكافرين لمكان الخبر ولم يحملها على النسخ، وقد قال أبو مسلم محمد بن بحر: إن هذه
الآية مجملة وآية المواريث مفصلة وليست نسخا، فمع هذا الخلاف كيف يدعي الاجماع
على نسخها؟
ومن ادعى نسخها بقوله ع: لا وصية لوارث، فقد أبعد لأن هذا أولا خبر
واحد لا يجوز نسخ القرآن به إجماعا، ولو سلمنا الخبر لجاز أن نحمله على أنه لا وصية
لوارث فيما زاد على الثلث، لأنا لو خلينا وظاهر الآية لأجزنا الوصية بجميع ما يملك
للوالدين والأقربين.
فأما من قال: إن الآية منسوخة بآية المواريث فقوله أيضا بعيد من الصواب لأن
الشئ إنما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجميع بينهما، فأما إذا لم يكن بينهما تناف ولا تضاد بل يمكن
الجمع بينهما فلا يجب حمل الآية على النسخ، ولا تنافي بين ذكر ما فرض الله للوالدين
وغيرهما من الميراث وبين الأمر للوصية لهم على جهة الخصوص، فلم يجب حمل الآية على النسخ.
156

وقول من قال: حصول الاجماع على أن الوصية ليست فرضا يدل على أنها
منسوخة، باطل أيضا لأن إجماعهم على أنا لا تفيد الفرض لا يمنع من كونها مندوبا إليها
ومرغبا فيها، ولأجل ذلك كانت الوصية للأقربين الذين ليسوا بوارثين ثابتة بالآية ولم يقل
أحد: إنها منسوخة في حيزهم.
ومن قال: إن النسخ في الآية ما يتعلق بالوالدين - وهو قول الحسن - فقد قال قولا
ينافي ما قاله مدعو نسخ الآية على كل حال، ومع ذلك فليس الأمر على ما قال لأنه لا دليل
على دعواه.
وقال طاووس: إذا أوصى لغير ذي قرابته لم تجز وصيته. وقال الحسن: ليست
الوصية إلا للأقربين. وهذا الذي قالاه عندنا وإن كان غير صحيح فهو مبطل قول من يدعي
نسخ الآية، وإنما قلنا إنه ليس بصحيح لأن الوصية لغير الوالدين والأقربين عندنا جائزة،
ولا خلاف بين الفقهاء في جوازها.
والوصية لا تجوز بأكثر من الثلث إجماعا، والأفضل أن تكون بأقل من الثلث لقوله
ع: والثلث كثير.
وأحق من وصى له من كان أقرب للميت إذا كانوا فقراء، وإن كانوا أغنياء فقال
الحسن: هم أحق بها، وقال ابن مسعود: الأحق بها الأحوج فالأحوج من القرابة.
فصل: وقوله تعالى: إن ترك خيرا، يعني مالا، واختلفوا في مقدار ما الذي يستحب الوصية
عنده: فقال الزهري: كلما وقع ع اسم مال من قليل أو كثير، وقال إبراهيم النخعي:
ألف درهم إلى خمسمائة.
وروي أن عليا ع دخل على مولى له في مرضه وله سبعمائة درهم أو ستمائة،
فقال: إلا أوصى؟ فقال ع: لا، إنما قال سبحانه: إن ترك خيرا، وليس لك كثير
مال. وبهذا نأخذ لأن قوله ع عندنا حجة.
والوصية مرفوعة ب‍ " كتب " ويجوز أن تكون مبتدأ وخبره للوالدين، والجملة في موضع
رفع على الحكاية بمنزلة قيل لكم الوصية للوالدين.
وفي إعراب " إذا " والعامل فيه قولان: أحدهما كتب، على معنى إذا حضر أحدكم
الموت، أي عند المرض. والوجه الآخر قال الزجاج: لأنه رغب في حال صحته أن يوصي،
157

فتقديره: كتب عليكم الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف في حال الصحة قائلين إذا
حضرنا الموت فلفلان كذا.
و " المعروف " هو الذي لا يجوز أن ينكر ولا حيف فيه ولا جور.
والحضور وجود الشئ بحيث يمكن أن يدرك، وليس معناه في الآية إذا حضره
الموت أي إذا عاين الموت لأنه في تلك الحال في شغل عن الوصية، لكن المعنى كتب عليكم
أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الانسان: إذا حضرني الموت - يعني إذا أنا مت -
فلفلان كذا.
والحق هو الذي لا يجوز إنكاره، وقيل: ما علم صحته سواء كان قولا أو فعلا أو
اعتقادا، وهو مصدر حق يحق حقا، وانتصب في الآية على المصدر وتقديره أحق حقا وقد
استعمل على وجه الصفة بمعنى ذي الحق كما وصف بالعدل.
وقوله: " بالمعروف " معناه بالشئ الذي يعرف ذوو التمييز أنه لا حيف فيه ولا جور
على قدر التركة وحال الموصى له. وقيل: معنى المعروف بالحق الذي لا يجوز أن ينكر، وقيل:
أي لا يوصي بماله للغني ويدع الفقير. وقال ابن مسعود: الوصية للأخل فالأخل، أي للأحوج فالأحوج على ما قدمناه.
ومعنى حضره الموت: حضرته إماراته ومقدماته.
فصل: ثم قال: فمن بدله بعد ما سمعه. الهاء عائدة على الوصية وإنما ذكر حملا على المعنى
لأن الإيصاء والوصية واحدة. والهاء في قوله " فإنما إثمه " عائدة على التبديل الذي دل عليه
قوله " فمن بدله بعد ما سمعه ". وقال الطبري: الهاء تعود على محذوف لأن عودها على
الوصية المذكورة لا يجوز لأن التبديل إنما يكون لوصية الموصي، فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر
هو ولا غيره أن يبدله.
قال الرماني: وهذا باطل لأن ذكر الله للوصية إنما هو لوصية الموصي فكأنه قيل كتب
عليكم وصية مفروضة عليكم، فالهاء تعود إلى الوصية المفروضة التي يفعلها الموصي.
وقوله " فمن بدله " فالتبديل هو تغيير الشئ عن الحق فيه، والبدل هو وضع شئ
مكان آخر.
ومن أوصى وصية في ضرار فبدلها الوصي لم يأثم بذلك. قال ابن عباس: من أوصى في
158

ضرار لم تجز وصيته لقوله " غير مضار ". والوصي إذا بدل الوصية لم ينقص من أجر
الموصي شئ كما لو لم يبدلها لأنه لا يجازى أحد على عمل غيره، لكن يجوز أن يلحقه منافع
الدعاء والإحسان الواصل إلى الموصى له على غير وجه الأجر له.
وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول: إن الوصي أو الوارث إذا لم يقض دين
الميت فإنه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة، إذ لا إثم عليه بتبديل غيره فأما إن قضي عنه من
غير أن أوصى به فإن الله تعالى يتفضل بإسقاط العقاب عنه إن شاء الله.
ثم قال تعالى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه. لما
حذر في الآية الأولى الوصي من تبديل أمر الوصية وأوعده أن يجاوز ما أمر به أعقب ذلك بما
للوصي أن يفعله فيما جعل إليه من الوصية، لأن الأولى كالعموم وهذا تخصيص له، فكأنه
قال: ليس للوصي أن يبدل أمر الوصية بعد سماعه إلا أن يخاف من الموصي أنه أمر بغير
المعروف مخالفا لأمر الله، فحينئذ للوصي أن يبدل ويصلح لأنه رد إلى أمر الله.
وقال المرتضى: لا تصح الوصية في حال الصحة والمرض جميعا بأكثر من الثلث
وكذلك كل تمليك يستحق لموت المملك وإذا أوصى الانسان بأكثر من الثلث
يرد إلى الثلث على ما نذكره.
فصل: فإن قيل: كيف قال تعالى: فمن خاف من موص، لما قد وقع والخوف إنما يكون لما
لم يقع؟
قلنا: فيه قولان:
أحدهما: أنه خاف أن يكون قد زل في وصيته فالخوف للمستقبل وذلك الخوف هو أن
يظهر ما يدل على أنه قد زل لأنه من جهة غالب الظن.
والثاني: لما اشتمل على الواقع ولم يقع جاز فيه خلاف ذلك فيأمره بما فيه الصلاح
وما وقع رده إلى العدل بعد موته.
والجنف الجور وهو الميل عن الحق. قال الحسن: هو أن يوصي في غير القرابة، قال:
فمن أوصى لغير قرابته رد إلى أن يجعل للقرابة الثلثان ولمن أوصي له الثلث. وهذا باطل
عندنا لأن الوصية لا يجوز صرفها عمن وصى له وإنما قال الحسن ذلك لقوله إن الوصية
للقرابة واجبة، وعندنا أن الأمر بخلافه على ما بيناه.
159

وإذا خاف الموصي في وصيته فللوصي أن يردها إلى العدل، وهو المروي عن أبي عبد
الله ع.
وقال قوم: أي فمن خاف من موص في حال مرضه الذي يريد أن يوصي فيه
ويعطي بعضا ويضر ببعض فلا إثم عليه أن يشير عليه بالحق ويرده إلى الصواب ويشرع في
الإصلاح بين الموصي والورثة والموصى له حتى يكون الكل راضين ولا يحصل حيف ولا
ظلم ويكون ذا صلح بينهم يريد فيما يخاف من حدوث الخلاف فيه فيما بعده، ويكون قوله
" فمن خاف " على ظاهره فيكون الخوف مترقبا غير واقع. وهذا قريب أيضا غير أن الأول
أصوب.
وإنما قيل للمتوسط بالإصلاح: ليس عليه إثم، ولم يقل: فله الأجر على الإصلاح، لأن
المتوسط إنما يجري أمره في الغالب على أن ينقص صاحب الحق بعض حقه بسؤاله إياه،
فاحتاج أن يبين الله تعالى لنا أنه لا إثم عليه في ذلك إذا قصد الإصلاح.
والضمير في قوله " بينهم " عائد إلى الموصى له ومن ينازعه لأن الكلام عليهم، وقيل:
يعود إلى الوالدين والأقربين. وقوله " فلا إثم عليه " قد ذكرنا أن الضمير عائد إلى المصلح
المذكور في " من " وقيل الضمير عائد إلى الوصي.
والجنف في الوصية على جهة الخطأ لأنه لا يدري أنه لا يجوز، والإثم أن يتعمد ذلك،
روي ذلك عن الباقر ع. وقيل: الجنف أن يوصي بأكثر من الثلث أو يوصي بمال
في معصية أو إنفاق في غير مرضاة الله، فإن ذلك كله يرد ولا ينفذ.
فإما أن يوصي الرجل لابن بنته وله أولاد أو يوصي لزوج بنته وله أولاد، فلا يجوز
رده على وجه عندنا، وكذا إن وصى للبعيد دون القريب لا ترد وصيته.
باب: الوصية للوارث وغيره من القرابات وأحكام الأوصياء:
الوصية للوارث جائزة بدلالة قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن
ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، وهذا نص في موضع الخلاف على ما قدمناه. وقولهم:
إن هذه الآية منسوخة من غير دليل على نسخها لا يغني شيئا.
وأيضا قوله تعالى: من بعد وصية يوصي بها أو دين، وهذا عام في الأقارب والأجانب
160

فمن خص به الأجانب دون الأقارب فقد عدل عن الظاهر بغير دليل.
فإن قالوا: إن الآية منسوخة بآية المواريث الجواب: إن النسخ إنما يكون إذا تنافي
العمل بموجبهما ولا تنافي بين آية الوصية وآية المواريث والعمل بمقتضاهما سائغ،
فكيف يجوز أن يدعي النسخ في ذلك مع فقد التنافي؟ ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظن
كتاب الله الذي يوجب العمل، وإذا كنا لا نخصص كتاب الله بأخبار الآحاد فالأولى أن
لا ننسخه بها.
وقال تعالى: وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه
وقولوا لهم قولا معروفا، عن ابن عباس: إن الخطاب بقوله " فارزقوهم " متوجه إلى من
حضرته الوفاة وأراد الوصية فإنه ينبغي لهم أن يوصوا لمن لا يرث من الأقرباء بشئ من
أموالهم إن كانوا أغنياء ويعتذرون إليه إن كانوا فقراء. ورزق الانسان غيره يكون على معنى
التمليك.
ثم قال تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم
فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا. وقيل في معنى الآية أربعة أقوال:
أحدها: النهي عن الوصية بما يجحف بالورثة ويضر بهم.
الثاني: قال الحسن: كان الرجل يكون عند الميت يقول له أوص بأكثر من الثلث
من مالك فنهاه الله عن ذلك.
الثالث: قال ابن عباس: إنه خاطب لولي اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام
بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم مثل ذلك.
الرابع: قال ميثم: هي في حرمان ذوي القربى أن يوصي لهم، بأن يقول الحاضر
للوصية لا توص لأقاربك ووفر على ورثتك.
ومعنى الآية: أنه ينبغي للمؤمن الذي لو ترك ذرية ضعافا بعد موته خاف عليهم
الفقر والضياع أن يخشى على ورثة غيره من الفقر والضياع ولا يقول لمن يحضر وصيته أن
يوصي بما يضر بورثته وليتق الإضرار بورثة المؤمن.
فصل: ثم خوف الله تعالى الأوصياء وأوعدهم بقوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
إنما يأكلون في بطونهم نارا، وإنما علق سبحانه الوعيد في الآية بمن يأكل أموال اليتامى
161

ظلما لأنه قد يأكله على وجه الاستحقاق بأن يأخذ الوصي منه وغيره أجرة المثل على ما
قلناه أو يأكل منه بالمعروف على ما فسرناه أو يأخذه قرضا على نفسه.
فإن قيل: إذا أخذه قرضا على نفسه أو أجرة المثل على ما قلناه فلا يكون أكل مال
اليتيم وإنما أكل مال نفسه.
قلنا: ليس الأمر على ذلك لأنه يكون أكل مال اليتيم لكنه على وجه التزم عوضه في
ذمته أو استحقه بالعمل في ماله فلم يخرج بذلك من استحقاق الاسم بأنه مال اليتيم،
ولو سلم ذلك لجاز أن يكون المراد بذلك ضربا من التأكيد وبيانا لأنه لا يكون أكل مال
اليتيم [لا ظلما، و " ظلما " نصب على المصدر وأكل مال اليتيم] وغصبه يتساويان في توجه الوعيد إليه.
وقال تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده. نهى
سبحانه جميع المكلفين أن يتصرفوا في أموال اليتامى بل يحفظوا على اليتيم ماله ويثمروه
على ما لا يشك أنه أصلح له، فأما بغير ذلك فلا يجوز لأحد التصرف فيه. وإنما خص اليتيم
بذلك - وإن كان التصرف في مال الغير بغير إذنه لا يجوز أيضا - لأن اليتيم إلى
ذلك أحوج والطمع في ذلك أكثر.
" حتى يبلغ أشده " أي " حتى يبلغ الحلم، وقيل: حتى يبلغ كمال العقل ويؤنس منه الرشد.
وقال تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب. هذا خطاب
لأوصياء اليتامى أمرهم الله بأن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا الحلم وأونس منهم الرشد
وسماهم يتامى بعد البلوغ مجازا لأنه ع قال: لا يتم بعد حلم.
وقيل: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ،
قال لهم: لا تتبدلوا الخبيث بالطيب، أي لا تستبدلوا ما حرمه الله عليكم من أموالهم بما أحله
لكم من أموالكم " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " أي لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم
فتأكلوهما جميعا، فأما خلط مال اليتيم بمال نفسه إذا لم يظلمه فلا بأس به.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فأنزل الله:
ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من
المصلح ولو شاء الله لأعنتكم. وهو المروي عنهما ع.
وقال في سورة الأنعام: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.
162

المراد بالقرب التصرف فيه على ما قدمناه، وإنما خص اليتيم لأنه لما كان لا يدفع عن نفسه
ولا له والد يدفع عنه وكان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله: " إلا بالتي
هي أحسن " أي بحفظه عليه إلى أن يكبر أو بتثميره بالتجارة.
باب: ما على وصي اليتيم
قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم. قال ابن جبير: يعني بأموالكم أموالهم،
كما قال: ولا تقتلوا أنفسكم، قال: وهم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم وارزقوهم فيها
واكسوهم.
والأولى حمل الآية على الأمرين لأن العموم يقتضي ذلك فلا يجوز أن يعطي السفيه
الذي يفسد المال ولا اليتيم الذي لم يبلغ ولا الذي بلغ ولم يؤنس منه الرشد ولا أن يوصي
إلى سفيه ولا يخص بعض دون بعض، فالموصي إذا كان عاقلا حرا ثابت العقل لا يوصي
إلى سفيه ولا إلى فاسق ولا إلى عبد لأنه لا يملك مع سيده شيئا، بل يختار لوصيته عاقلا مسلما
عدلا حكيما، وإنما تكون إضافة مال اليتامى إلى من له القيام بأمرهم على ضرب من المجاز
أو لأنه لا يعطي الأولياء ما يخصهم لمن هو سفيه.
ويجري ذلك مجرى قول القائل لواحد: يا فلان أكلتم أموالكم بينكم بالباطل.
فيخاطب الواحد بخطاب الجميع ويريد به أنك وأصحابك أكلتم. والتقدير في الآية: لا
تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم فتضيعوها.
ومعنى قوله: وقولوا لهم قولا معروفا، أي يا معشر ولاة السفهاء قولوا للسفهاء إن
صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وقال الزجاج: علموهم مع إطعامكم إياهم
وكسوتكم إياهم أمر دينهم.
وفي الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ ولم يؤنس منه الرشد لأنه منع
تعالى من دفع المال إلى السفهاء. وفيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كان الورثة
سفهاء، لأن ترك الوصية بمنزلة إعطاء المال في حال الحياة إلى من هو سفيه، وإنما سمي
الناقص العقل سفيها وإن لم يكن عاصيا لأن السفه هو خفة الحلم.
163

فصل: ثم قال تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم. هذا خطاب لأولياء اليتامى. أمر الله أن يختبروا عقول اليتامى في
أفهامهم وصلاحهم في أديانهم وإصلاح أموالهم.
وقوله: حتى إذا بلغوا النكاح، معناه حتى يبلغوا الحد الذي يقدر على مجامعة
النساء وينزل، وليس المراد الاحتلام لأن في الناس من لا يحتلم أو يتأخر احتلامه.
ومن المفسرين من قال: إذا كمل عقله وأونس منه الرشد سلم إليه ماله،
وهو الأقوى. ومنهم من قال: لا يسلم إليه حتى يكمل له خمس عشر سنة إذا كان عاقلا لأن
هذا حكم شرعي وبكمال العقل يلزمه المعارف لا غير.
" فإن آنستم منهم رشدا " أي وجدتم منهم صلاحا وعقلا ودينا وإصلاح المال فادفعوا
إليهم أموالهم، والأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل، وإصلاح المال هو المروي عن أبي
جعفر ع للإجماع على أن من يكون كذلك لا يجوز عليه الحجر في ماله وإن كان
فاجرا في دينه، فإذا كان ذلك إجماعا فكذلك إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه أو في يد حاكم
قد ولى ماله وجب عليه أن يسلم إليه ماله إذا كان عاقلا مصلحا لماله وإن كان فاسقا في
دينه.
وفي الآية دلالة على جواز الحجر على العاقل إذا كان مفسدا في ماله من حيث أنه
إذا كان عند البلوغ يجوز منعه المال إذا كان مفسدا له فكذلك في حال كمال العقل إذا صار
بحيث يفسد المال جاز الحجر عليه، وهو المشهور في أخبارنا.
ثم قال: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا " خطاب لأولياء اليتيم أيضا، أي
لا تأكلوها بغير ما أباحه الله لكم ولا مبادرة منهم ببلوغهم وإيناس الرشد منهم حذرا أن يبلغوا
فيلزمهم ردها إليهم. وموضع " أن يكبروا " نصب بالمبادرة، والمعنى لا تأكلوها مبادرة
كبرهم.
ومن كان من ولاة أموال اليتامى غنيا فليستعفف بماله عن أكلها، ومن كان فقيرا
فليأكل بالقرض، وهو المروي عن أبي جعفر ع ألا ترى أنه قال: فإذا دفعتم إليهم
أموالهم فأشهدوا عليهم.
وقال الحسن: يأخذ ما سد الجوعة ووارى العورة ولا قضاء عليه ولم يوجب أجرة
المثل، قال: لأن أجرة المثل ربما كان أكثر من قدر الحاجة، والظاهر في أخبارنا أن له أجرة
164

المثل سواء كان قدر كفايته أو لم يكن.
واختلفوا في هل للفقير من أولياء اليتيم أن يأكل من ماله هو وعياله؟ فقال
بعضهم: ليس له ذلك لقوله: فليأكل، فخصه بالأكل، وقال غيره: له ذلك لأن قوله
" بالمعروف " يقتضي أن يأكل هو وعياله على ما جرت به العادة في أمثاله. وقال: إن كان المال
واسعا كان له أن يأخذ قدر كفايته له ولمن يلزمه نفقته من غير إسراف، وإن كان قليلا كان
له أجرة المثل لا غير. وإنما لم يجعل له أجرة المثل إذا كان المال كثيرا لأنه ربما كان أجرة المثل
أكثر من نفقته من غير إسراف، وإن كان قليلا كان له أجرة المثل من نفقته بالمعروف على
ما قلناه من أن له أجرة المثل سقط بهذا الاعتبار.
ثم أمر الأولياء أن يحتاطوا لأنفسهم أيضا بالإشهاد عليهم إذا دفعوا إليهم أموالهم
لئلا يقع منهم جحودهم ويكون أبعد من التهمة، وسواء كان ذلك في أيديهم أو استقرضوه دينا
على أنفسهم، فإن الإشهاد يقتضيه الاحتياط وليس بواجب، " وكفى بالله شهيدا " بإيصال
الحق إلى صاحبه.
وولي اليتيم المأمور بابتلائه هو الذي جعل إليه القيام به من وصي أو حاكم أو أمين
ينصبه الحاكم، وأصحابنا إنما أجازوا الاستقراض من مال اليتيم إذا كان مليا.
باب: الوصية المبهمة
عن معاوية بن عمار: سألت أبا عبد الله ع عن رجل أوصى بجزء من ماله.
قال: جزء من عشرة، قال الله تعالى: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، وكانت الجبال
عشرة أجبل.
وعن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا ع في الرجل أوصى بجزء
من ماله. قال: الجزء من سبعة، قال تعالى " لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ".
والوجه في الجمع بينهما أن يحمل الجزء على أنه يجب أن ينفذ في واحد من العشرة،
ويستحب للورثة أن ينفذوا في واحد من السبعة.
وعن صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر: سألنا الرضا ع عن رجل
أوصى لك بسهم من ماله ولا ندري السهم أي شئ هو؟ فقال: ليس عندكم فيما بلغكم
165

عن جعفر ولا عن أبي جعفر فيها شئ؟ قلنا له: ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا
عن آبائك. فقال: السهم [واحد] من ثمانية. فقلنا: فكيف واحد من ثمانية؟ فقال: أما
تقرأون كتاب الله؟ قلت: إني لأقرأه ولكن لا أدري أي موضع هو؟ فقال: قول الله: إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، ثم عقد بيده ثمانية.
وإذا أوصى انسان لغيره بكثير من ماله أو نذر أن يتصدق بمال كثير فالكثير
ثمانون فما زاد لقول الله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، وكانت ثمانين
موطنا.
والأحسن أن نقيد الكلام فنقول المال الكثير ثمانون درهما إلا إذا كان مضافا إلى
جنس فإذا يكون منه خاصة. وقد روي عن أمير المؤمنين ع أن من أوصى بشئ
من ماله كان ذلك السدس. وعن الحسين بن عمر: قلت لأبي عبد الله ع: إن رجلا
أوصى إلى بشئ في سبيل الله قال: اصرف إلى الحج فإني لا أعلم شيئا من سبله أفضل من
الحج. وعن الحسن بن راشد: سألت العسكري ع بالمدينة عن رجل أوصى بمال
في سبيل الله. فقال: سبيل الله شيعتنا.
ذكر أبو جعفر ابن بابويه رحمة الله عليه الوجه في الجمع بين الخبرين أن المعنى في ذلك
أن يعطي المال لرجل من الشيعة ليحج به، فقد انصرف في الوجهين معا وسلم الخبران من
التناقض، وهذا وجه حسن.
على أنه إن أوصى انسان بثلث ماله في سبيل الله ولم يسم أخرج في معونة
المجاهدين لأهل الضلال، فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله يصرف أكثره في فقراء آل محمد
ع ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ثم يصرف ما بقي بعد ذلك في معونة
الفقراء والمساكين وأبناء السبيل عامة وفي جميع وجوه البر.
وإن أوصى انسان لأولاده شيئا وقال: هو بينهم على كتاب الله، كان للذكر مثل حظ
الأنثيين، وإن أبهم ولم يبين كيفية القسمة بينهم أصلا كان بينهم بالسوية.
وإذا وصى المسلم للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين وإن أوصى الكافر كان ذلك
لفقراء أهل ذمته، فقد حدث أبو طالب [عن] عبد الله بن الصلت قال: كتب الخليل ابن
هاشم إلى ذي الرئاستين وهو والى نيسابور: إن رجلا من المجوس مات وأوصى للفقراء
166

بشئ من ماله فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين [فكتب
الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك] فسأل المأمون عن ذلك، فقال: ليس عندي في ذلك
شئ، فسأل أبا الحسن الرضا ع فقال: إن المجوسي لم يوص للفقراء المسلمين
ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيرد على فقراء المجوس إن الله
تعالى يقول: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.
باب: الوصية التي يقال لها راحة الموت
قال الله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب، أي وصى إبراهيم ويعقوب عليهما
السلام بنيهما بلزوم ملة إبراهيم التي هي الاسلام، وقالا: إن الله رضيه لكم دينا فلا تفارقوه
ما عشتم.
وجاء في التفسير: إن إبراهيم جمع ولده وأسباطه وقال: إن الاسلام دين الله الذي
تعبدكم به فألزموه ولا تعدلوا عنه ولو نشرتم بالمناشير وقرضتم بالمقاريض وأحرقتم
بالنار.
" وجعلها كلمة باقية في عقبه " أي جعل هذه الوصية بقيت في عقبه يذكرونها،
وكان في وصيته: يا بني عليكم أن تظهروا كل حسنة وجدتم من غيركم وأن تستروا كل سيئة
وفاحشة وإياكم أن تشيعوها.
وقوله " ولا تموتن " وإن كان على لفظ النهي فما نهوا عن الموت وإنما نهوا في
الحقيقة عن ترك الاسلام لئلا يصادفهم الموت عليه، وتقديره لا تتعرضوا للموت على ترك
الاسلام بفعل الكفر، ومثله في كلام العرب: لا أرينك هاهنا، فالنهي للمتكلم في اللفظ وإنما
هو في الحقيقة للمخاطب فكأنه قال: لا تتعرض لأن أراك بكونك هاهنا
" وأنتم مسلمون " جملة في موضع الحال أي لا تموتن إلا مسلمين.
واقتصروا على تفعله في مصدر وصي فقالوا وصى توصية، ورفضوا تفعيلا لئلا
تجتمع ثلاث ياءات، ومعنى وصي أمر وعهد. والفرق بينهما أن الأمر يحصل بلفظ الأمر [ولو
مرة، والوصية وصل لفظة الأمر بمثله] أو بغيره مما يؤكده على ما قدمناه.
وقال أمير المؤمنين ع: من أوصى ولم يحف ولم يضار كمن تصدق به في
167

حياته، ومن لم يوص عند موته لذي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية، قال الله
تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين
بالمعروف حقا على المتقين.
وقال النبي ع: الوصية تمام ما نقص من الزكاة ومن لم يحسن وصيته عند
الموت كان نقصا في مروته وعقله. وقالوا: يا رسول الله فكيف الوصية؟ قال: إذا حضرته
الوفاة قال: اللهم إني أعهد إليك أني أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن
القول كما حدث، اللهم أنت ثقتي وعدتي صل على محمد وآل محمد وآنس في قبري وحشتي
واجعل لي عندك عهدا يوم ألقاك.
وقال الصادق ع: وتصديق هذا في سورة مريم، قول الله تعالى: لا يملكون
الشفاعة إلا من اتخذ الرحمن عهدا، وهذا هو العهد.
باب: من تجوز شهادته في الوصية وشرائط الوصية
من شرط الوصية أن يشهد الموصى عليه نفسين عدلين لئلا يعترض فيه الورثة، فإن
لم يشهد وأمكن الوصي إنفاذ الوصية جاز له إنفاذها على ما أوصى به إليه، قال الله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم
أو آخران من غيركم.
قال حمزة بن حمران: سألت أبا عبد الله ع عن هذه الآية. فقال: اللذان
منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب. ثم قال: إذا مات الرجل المسلم
بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على
وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم.
وعن يحيى بن محمد عن الصادق ع قال: سألته عن قوله: يا أيها الذين
آمنوا شهادة بينكم، الآية. قال: اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب،
فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس لأن رسول الله ع شبه المجوس
بأهل الكتاب في الجزية. فقال: وإذا مات في أرض غربة فلم يجد مسلمين أشهد رجلين من
أهل الكتاب.
168

تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان
ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين. قال: وذلك إن ارتاب ولي الميت في شهادتهما.
" فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أي شهدا بالباطل فآخران يقومان مقامهما
من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا
إنا إذا لمن الظالمين. فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأولين وجازت شهادة الآخرين، لقول
الله عز وجل: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد
أيمانهم.
فصل: وقد تقدم بيان هذه الآية في باب الشهادة ونزيدها إيضاحا هاهنا فنقول: إن قوله
" اثنان " ارتفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو " شهادة بينكم "، أو على أنه فاعل " شهادة
بينكم " على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، و " إذا حضر " ظرف للشهادة و " حين
الوصية " بدل منه.
وحضور الموت مشارفته وظهور إمارات بلوغ الأجل، وقيل: " منكم " أي من
أقاربكم و " من غيركم " أي من أجانبكم. فعلى هذا معناه: إن وقع الموت في السفر ولم يكن
معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية. وجعل الأقارب أولى لأنهم
أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح، والأصح ما قدمناه أن قوله: " منكم " أي من المسلمين و " من غيركم " أي
من أهل الذمة.
وقوله: " إن ارتبتم " اعتراض بين القسم والمقسم عليه، أي إن اتهمتموهما
فحلفوهما، والضمير في " به " للقسم وفي " كان " للمقسم له، يعني لا نستبدل بصحة القسم
بالله عرضا من الدنيا، أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا منا.
وقوله: " شهادة الله " أي الشهادة التي أمر الله بتعظيمها وحفظها.
وقوله: " تحبسونهما " تقفونهما وتصيرونهما للحلف من بعد الصلاة. وقيل:
اللام في الصلاة للجنس، والقصد بالتحليف على أثرها أن تكون الصلاة لطفا في النطق
بالصدق وناهية عن الكذب، فإن اطلع على أنهما فعلا ما أوجب إثما واستوجبا أن يقال
لهما إنهما من الآثمين.
" فشاهدان آخران " من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت و " الأوليان " اللاحقان
169

بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفاعهما على " هما " الأوليان، كأنه قيل: ومن هما؟ فقيل:
الأوليان. وقيل: " هما " بدل من الضمير في " يقومان " أو " من آخران "، وقرئ: " الأولين " على
أنه وصف للذين استحق عليهم.
ومعنى الأولية: التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها، ذلك الذي يقدم
من بيان الحكم " أدنى أن تأتوا بالشهادة " على نحو تلك الحادثة إن تكرر أيمان شهود آخرين
بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم، كما جرى في قصة بديل على ما تقدم.
ويجوز شهادة النساء عند عدم الرجال، فإن لم تحضر إلا امرأة جازت شهادتها في
ربع الوصية، فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النصف، والثلاث في النصف
والربع، والأربع في كل الوصية إذا كانت بالثلث فما دونه.
والعدالة معتبرة في المواضع كلها.
باب نادر
عن سلمى مولاة ولد أبي عبد الله ع: كنت عنده حين حضرته
الوفاة، فأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن الحسين بن علي - وهو
الأفطس - سبعين دينارا. قلت: أ تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة؟ قال: ويحك أما تقرئين
القرآن؟ قلت بلى. قال: أما سمعت قول الله تعالى: الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب!
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال: سأله أبي وأنا حاضر عن
قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى قال: الاحتلام. قال: فقال يحتلم في ست عشرة سنة وسبع
عشرة ونحوها. فقال: لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه
السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال: وما السفيه؟ فقال: الذي يشترى
ما بالدرهم بأضعافه. قال: وما الضعيف؟ فقال: الأبله.
وعن العيص بن القاسم قال: سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال: إذا
علمت أنها لا تفسد ولا تضيع. فسألته: إن كانت تزوجت؟ فقال: إذا تزوجت فقد انقطع
ملك الوصي عنها.
170

وقال: إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب
فإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين ولا يدخل بالجارية
حتى يأتي بها تسع سنين أو عشر سنين.
وقوله تعالى: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " يمكن أن
يقال: أن المعنى للآية إن للرجال وللنساء نصيبا مما اكتسبوا، وهو الثلث من أموالهم الذي
يصح لهم أن يوصوا به في صدقة أو صلة إن أشرفوا على الموت، فإذا وصوا بثلث من أموالهم
يجب أن يمضى وينفذ ذلك فإنه نصيبهم.
باب الإقرار
إقرار الحر البالغ الثابت العقل غير المولى عليه جائز على نفسه للكتاب والسنة:
أما الكتاب فقوله تعالى: أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل. أي فليقر وليه
بالحق غير زائد ولا ناقص، وهو العدل.
وأيضا فقوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم، والشهادة على
النفس هو الإقرار بما عليها.
وقوله: فاعترفوا بذنبهم، وقوله: فاعترفنا بذنوبنا، و: آخرون اعترفوا
بذنوبهم. والإقرار والاعتراف واحد.
وأيضا قوله: أ لست بربكم قالوا بلى، وقوله: أ لم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا
نذير.
ولا يجوز أن يكون الجواب في مثل هذا إلا ببلى، ولو قال نعم كان إنكارا ولم يكن
إقرارا ويكون تقديره نعم لست ربنا ولم يأتنا نذير، ولهذا يقول الفقهاء: إذا قال رجل لآخر:
أ ليس لي عليك ألف درهم؟ فقال: بلى، كان إقرارا وإن قال نعم لم يكن إقرارا، ومعناه ليس
لك على.
171

باب الزيادات
روى السكوني عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن رجل يوصي بسهم من
ماله. فقال: السهم واحد من ثمانية، لقول الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء
والمساكين. الآية. وقد روي أن السهم واحد من ستة والحديثان متفقان لا تناقض بينهما
فتمضي الوصية على ما يظهر من مراد الموصي، فمتى أوصى بسهم من سهام الزكاة كان
السهم واحدا من ثمانية ومتى أوصى بسهم من سهام المواريث فالسهم واحد من ستة.
وعن علي بن مزيد صاحب السابري قال: أوصى إلى رجل بتركته وأمرني أن أحج
بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا شئ يسير لا يكون للحج، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل
الكوفة فقالوا: تصدق بها عنه، فلما لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف سألته، فقال: هذا
جعفر بن محمد في الحجر فسله، فدخلت الحجر فإذا هو تحت الميزاب، فقلت: أوصى إلى
رجل أن أحج عنه بتركته فلم تكف فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها.
فقال ع: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها عنه. فقال: ضمنت إلا أن لا يكون مبلغ
ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، وإن كان بلغ ما يحج
به من مكة فأنت ضامن.
وسئل ع أيضا عن رجل أوصى بحجة فجعلها وصية في نسمة. فقال:
يغرمها وصية ويجعلها في حجة كما أوصى به، فإن الله تعالى يقول: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما
إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. والله أعلم.
172

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
173

فصل في الوقف:
تفتقر صحة الوقف إلى شروط:
منها أن يكون الواقف مختارا مالكا للتبرع فلو وقف وهو محجور عليه لفلس لم يصح.
ومنها أن يكون متلفظا بصريحه قاصدا له وللتقرب به إلى الله تعالى، والصريح من
ألفاظه: وقفت وحبست وسبلت، فأما قوله: تصدقت فإنه يحتمل الوقف وغيره وكذا:
حرمت وأبدت مع أنه لم يرد بهما عرف الشرع فلا يحمل على الوقف إلا بدليل، ومن أصحابنا
من اختار القول بأنه لا صريح في الوقف إلا قوله: وقفت. ولو قال: تصدقت ونوى به الوقف
صح فيما بينه وبين الله تعالى لكن لا يصح في الحكم لما ذكرناه من الاحتمال.
ومنها أن يكون الموقوف معلوما مقدورا على تسليمه يصح الانتفاع به مع بقاء عينه في يد
الموقوف عليه وسواء في ذلك المنقول وغيره والمشاع والمقسوم بدليل إجماع الطائفة، ويحتج
على المخالف في وقف المنقول بخبر أم معقل فإنها قالت: يا رسول الله إن أبا معقل جعل
ناضحه في سبيل الله وأنا أريد الحج فأركبه؟ فقال ص: اركبيه فإن الحج
والعمرة من سبيل الله، وفي وقف المشاع بقوله ع لعمر في سهام خيبر: حبس
الأصل وسبل الثمرة، والسهام كانت مشاعة لأن النبي ص ما قسم خيبر
وإنما عدل السهام. ولا يجوز وقف الدراهم والدنانير بلا خلاف ممن يعتد به لأن الموقوف عليه
175

لا ينتفع بها مع بقاء عينها في يده.
ومنها أن يكون الموقوف عليه غير الواقف فلو وقف على نفسه لم يصح وفي ذلك
خلاف، فأما إذا وقف شيئا على المسلمين عامة فإنه يجوز له الانتفاع به بلا خلاف لأنه يعود
إلى أصل الإباحة فيكون هو وغيره فيه سواء.
ومنها أن يكون معروفا متميزا يصح التقرب إلى الله تعالى بالوقف عليه وهو ممن يملك
المنفعة حالة الوقف، فلا يصح أن يقف على شئ من معابد أهل الضلال ولا على مخالف
للإسلام أو معاند للحق إلا أن يكون ذا رحم له ولا على أولاده ولا ولد له ولا على الحمل قبل
انفصاله ولا على عبد بلا خلاف، ولو وقف على أولاده وفيهم موجود صح ودخل في الوقف
من سيولد له على وجه التبع لأن الاعتبار باتصال الوقف في ابتدائه بمن هو من أهل الملك.
ويصح الوقف على المساجد والقناطر وغيرهما لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين وهم
يملكون الانتفاع.
ومنها أن يكون الوقف مؤبدا غير منقطع فلو قال: وقفت كذا سنة، لم يصح فأما قبض
الموقوف عليه أو من يقوم مقامه في ذلك فشرط في اللزوم.
ويدل على صحة ما اعتبرنا من الشروط بعد إجماع الطائفة أنه لا خلاف في صحة
الوقف ولزومه إذا تكاملت وليس على صحته ولزومه إذا لم تتكامل دليل، وإذا تكاملت هذه
الشروط زال ملك الواقف ولم يجز له الرجوع في الوقف ولا تغييره عن وجوهه ولا سبله
إلا على وجه نذكره بدليل الاجماع المشار إليه ولأنه لا خلاف في انقطاع تصرف الواقف في
الرقبة والمنفعة وهذا هو معنى زوال الملك به وينتقل الملك إلى الموقوف عليه لأنه يملك
التصرف فيه وقبض منافعه وهذا هو فائدة الملك.
وتعلق المخالف بالمنع من بيعه لا يدل على انتفاء الملك لأن الراهن ممنوع من بيع
المرهون وإن كان مالكا له والسيد ممنوع من بيع أم الولد. في حال عندنا وعندهم في كل
حال. وهو مالك لها، على أنه يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي
نفعا وخيف خرابه أو كانت بأربابه حاجة شديدة ودعتهم الضرورة إلى بيعه بدليل إجماع
الطائفة ولأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم يبق له منفعة إلا من الوجه الذي
176

ذكرناه جاز، ويتبع في الوقف ما يشرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى واشتراكهما
أو تفضيل في المنافع أو مساواة فيها إلى غير ذلك بلا خلاف.
وإذا وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيهم ولد البنات بدليل الاجماع المشار إليه
ولأن اسم الولد يقع عليهم لغة وشرعا وقد أجمع المسلمون على أن عيسى ع ولد
آدم وهو من ولد ابنته، وقد قال النبي ص في الحسن والحسين: ابناي هذان
إمامان قاما أو قعدا، وإذا وقف على نسله أو عقبه أو ذريته فهذا حكمه بدليل قوله تعالى:
ومن ذريته داود وسليمان، إلى قوله: وعيسى وإلياس، فجعل عيسى من ذريته وهو ينسب إليه
من الأم، وإن وقف على عترته فهم ذريته بدليل الاجماع المشار إليه وقد نص على ذلك ثعلب
وابن الأعرابي من أهل اللغة، وإذا وقف على عشيرته أو على قومه ولم يعينهم بصفة عمل
بعرف قومه في ذلك الإطلاق وروي أنه إذا وقف على عشيرته كان ذلك على الخاص من قومه
الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه، وإذا وقف على قومه كان ذلك على جميع أهل لغته من
الذكور دون الإناث، وإذا وقف على جيرانه ولم يسمهم كان ذلك على من يلي داره من جميع
الجهات إلى أربعين ذراعا بدليل إجماع الطائفة. ومتى بطل رسم المصلحة التي الوقف
عليها أو انقرض أربابه جعل ذلك في وجوه البر، وروي أنه يرجع إلى ورثة الواقف والأول
أحوط
فصل في الهبة:
تفتقر صحة الهبة إلى الإيجاب والقبول وهي على ضربين: أحدهما لا يجوز الرجوع
فيه على حال والثاني يجوز. والأول أن تكون الهبة مستهلكة أو قد تعوض عنها أو يكون لذي
رحم ويقبضها هو أو وليه سواء قصد بها وجه الله تعالى أم لا أو لم تقبض وقد قصد بها وجه
الله تعالى ويكون الموهوب له ممن يصح التقرب إلى الله تعالى بصلته، والضرب الثاني
ما عدا ما ذكرناه. ويدل على ذلك الاجماع، وقول المخالف جواز الرجوع في الهبة ينافي القول
بأنها تملك بالقبض يبطل بالمبيع في مدة الخيار فإنه يجوز الرجوع فيه وإن ملك بالعقد ومهما
اعتذروا به عن ذلك قوبلوا بمثله، وتعلقهم بما يروونه من قوله ع: الراجع في هبته
177

كالراجع في قيئه، لا يصح لأنه خبر واحد، ثم هو معارض بأخبار واردة من طرقهم في جواز
الرجوع على أن الألف واللام إن كانتا للجنس دخل الكلب في من أريد باللفظ وإن كانتا
للعهد فالمراد الكلب خاصة لأنه لا يعهد الرجوع في القئ إلا له، وعلى الوجهين لا يجوز أن
يكون المستفاد بالخبر التحريم لأن الكلب لا تحريم عليه بل يكون المراد الاستقذار
والاستهجان، وقد روي من طريق آخر: الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه، وذلك
يصح ما قلناه على أنه لو دل على التحريم خصصناه بالموضع الذي يذهب إليه
بالدليل.
والهبة في المرض المتصل بالموت محسوبة من أصل المال لا من الثلث بدليل الاجماع
المشار إليه، ولا تجري الهبة مجرى الوصية لأن حكم الهبة منجز في حال الحياة وحق الورثة
لا يتعلق بالمال في تلك الحال وحكم الوصية موقوف إلى بعد الوفاة وحق الورثة يتعلق بالمال
في ذلك الوقف فكانت محسوبة من الثلث.
وهبة المشاع جائزة بدليل الاجماع المشار إليه ولأن الأصل الجواز والمنع يفتقر إلى دليل،
ويحتج على المخالف بالأخبار الواردة في جواز الهبة لأنه لا فصل فيهما بين المشاع وغيره.
ولو قبض الهبة من غير إذن الواهب لم يصح ولزمه الرد لأنه لا خلاف في صحة ذلك مع
الإذن وليس على صحته من دونه دليل،
وإذا وهب ما يستحقه في الذمة كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ويعتبر قبول من عليه الحق
لأنه في إبرائه منه منة عليه ولا يجبر على قبول المنة.
ومن منح غيره ناقة أو بقرة أو شاة لينتفع بلبنها مدة لزمه الوفاء بذلك إذا قصد به وجه
الله تعالى وكان ذلك الغير ممن يصح التقرب إلى الله تعالى ببره، ويضمن هلاك المنيحة
ونقصانها بالتعدي.
وكذا لا يجوز الرجوع في السكنى والرقبى والعمرى إذا كانت مدتها محدودة وقصد بها
وجه الله تعالى والرقبى والعمرى سواء وإنما يختلفان بالتسمية فالرقبي أن يقول: أرقبتك
هذه الدار مدة حياتك أو حياتي، والعمرى أن يقول: أعمرتك كذلك. وإذا علق المالك ذلك
بموته رجع إلى ورثته إذا مات، فإن مات الساكن قبله فلورثته السكنى إلى أن يموت المالك،
178

فإن علقه بموت الساكن يرجع إليه إذا مات، فإن مات المالك قبله فله السكنى إلى أن يموت،
ومتى لم يعلق ذلك بمدة كان له اخراجه متى شاء. ولا يجوز أن يسكن من جعل ذلك له من
عدا ولده وأهله إلا بإذن المالك ومن شرط صحة ذلك كله الإيجاب والقبول على ما قدمناه.
ومن السنة الإهداء وقبول الهدية إذا عريت من وجوه القبح، ومتى قصد بها وجه الله
تعالى وقبلت لم يجز له الرجوع فيها ولا التعويض عنها وكذا إن قصد بها التكرم والمودة
الدنيوية وتصرف فيها من أهديت إليه، وكذا إن قصد بها العوض عنها فدفع وقبله المهدي
وهو مخير في قبول هذه الهدية وردها ويلزم العوض عنها إذا قبلت بمثلها والزيادة أفضل،
ولا يجوز التصرف فيها إلا بعد التعويض أو العزم عليه، ومن أراد عطية أولاده فالأولى أن
يسوي بينهم ولو كانوا ذكورا وإناثا وإن فضل بعضهم على بعض جاز ذلك بدليل إجماع
الطائفة وفيه الحجة.
فصل في الوصية:
قال رسول الله ص: الوصية حق على كل مسلم. وقال: ما ينبغي
لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه، وقال: من مات بغير وصية مات ميتة
جاهلية، والواجب منها البداية بالإقرار على جهة الجملة بما أوجب الله سبحانه علمه والعمل
به، ثم الوصية بالاستمساك بذلك وبتقوى الله ولزوم طاعته ومجانبة معاصيه، ويعين من ذلك
ما يجب من غسله وتكفينه ومواراته، ثم الوصية بقضاء ما عليه من حق واجب ديني
أو دنيوي، ويخرج ذلك من أصل التركة إن أطلق ولم يقيد بالثلث.
فإن لم يكن عليه حق استحب له أن يوصي بجزء من ثلثه ويصرف في النذور
والكفارات وجزء في الحج والزيارات وجزء يصرف إلى مستحقي الخمس وجزء إلى
مستحقي الزكاة وجزء إلى من لا يرثه من ذوي أرحامه. وتصح الوصية من المحجور عليه
للسفه ومن بلغ عشر سنين فصاعدا من الصبيان فيما يتعلق بأبواب البر خاصة.
ومن شرط صحتها حصول الإيجاب من الموصي والقبول من المسند إليه، ومن شرطه
179

أن يكون حرا مسلما بالغا عاقلا عدلا بصيرا بالقيام بما أسند إليه، رجلا كان أو امرأة، كل
ذلك بدليل إجماع الطائفة. ويجوز للمسند إليه القبول في الحال ويجوز له تأخير ذلك لأن
الوصية بمنزلة الوكالة وهي عقد منجز في الحال فجاز القبول فيها بخلاف قبول الموصى له
فإنه لا يعتد به إلا بعد الوفاة لأن الوصية تقتضي تمليكا له في تلك الحال فتأخر القبول إليها.
وللموصي الرجوع في الوصية وتغييرها بالزيادة والنقصان والاستبدال بالأوصياء ما دام
حيا، ولا يجوز للمسند إليه ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد موت الموصي ولا ترك القيام
بما فوض إليه من ذلك إذا لم يقبل ورد فلم يبلغ الموصي ذلك حتى مات بدليل إجماع
الطائفة، ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يجعل له ذلك الموصي.
وإذا ضعف الوصي عما أسند إليه فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن يعضده بقوي
أمين ولا يعزله، فإن مات أقام مقامه من يراه لذلك أهلا.
والوصية المستحبة والمتبرع بها محسوبة من الثلث سواء كانت في حال الصحة أو في
حال المرض، وتبطل فيما زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بلا خلاف.
ويصح للوارث في المرض المتصل بالموت بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى:
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، وهذا نص في
موضع الخلاف، ولا يمكن أن يدعي نسخ هذه الآية بآية المواريث لأنه لا تنافي بينهما وإذا أمكن
العمل بمقتضاهما لم تصح دعوى النسخ، وقولهم نخص الآية بالوالدين والأقربين إذا كانوا
كفارا يفتقر إلى دليل ولا دليل لهم على ذلك، وما يروونه من قوله: لا وصية لوارث، قد نص
أصحاب الحديث على تضعيف رواته، ثم هو مخالف لظاهر القرآن المعلوم ولا يجوز ترك
المعلوم للمظنون، ولو سلم من ذلك كله لكان خبر واحد وقد بينا أنه لا يجوز العمل بذلك في
الشرعيات.
ولا تصح الوصية للكافر إلا أن يكون ذا رحم للموصي بدليل إجماع الطائفة، وأيضا
فلا خلاف في جوازها له إذا كان ذا رحم وليس على جوازها إذا لم يكن كذلك دليل. وتجوز
الوصية للحمل فإن ولد ميتا فهو لورثة الموصي.
وإذا وصى بثلث ماله في أبواب البر فلم يذكر تفصيلا كان لكل باب منها مثل الآخر،
180

وكذا إن أوصى لجماعة ولم يرتبهم ولا سمى لكل واحد منهم شيئا معينا، وإن رتبهم وعين
ما لكل واحد منهم بدأ بالأول ثم الثاني إلى تكميل الثلث ثم لا شئ لمن بقي منهم.
ومن أوصى بوصايا من ثلثه وعين منها الحج وكانت عليه حجة الاسلام وجب تقديم
الحج على الوصايا الأخر وإن لم يبق لها شئ من الثلث لأن الحج واجب وما هو متبرع به
ويستأجر للنيابة عنه من ميقات الإحرام بدليل إجماع الطائفة.
ومن أوصى بسهم من ماله أو شئ من ماله كان ذلك السدس، فإن أوصى بجزء منه
كان ذلك السبع بدليل إجماع الطائفة على ذلك كله، وقد روي عن إياس بن معاوية في
السهم أنه قال: هو في اللغة السدس، وروي عن ابن مسعود أن رجلا أوصى بسهم من ماله
فأعطاه النبي ص السدس.
ومن أوصى لقرابته دخل في ذلك كل من تقرب إليه إلى آخر أب وأم في الاسلام، ومن
أوصى بثلثه في سبيل الله صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين مثل بناء المساجد والقناطر
والحج والزيارة وما أشبه ذلك بدليل الاجماع المشار إليه ولأن ما ذكرناه طرق إلى الله تعالى
وإذا كان كذلك فالأولى حمل لفظة " سبيل " على عمومها.
181

فصل في الإقرار
لا يصح الإقرار على كل حال إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه أو رق، فلو أقر
المحجور عليه للسفه بما يوجب حقا في ماله لم يصح ويقبل إقراره فيما يوجب حقا على
بدنه كالقصاص والقطع والجلد، ولا يقبل إقرار العبد على مولاه بما يوجب حقا في ماله من
قرض أو أرش جناية بل يلزمه ذلك في ذمته يطالب به إذا عتق إلا أن يكون مأذونا له في
التجارة فيقبل فيما يتعلق بها خاصة نحو أن يقر بثمن مبيع أو أرش عيب أو ما أشبه ذلك
ولا يقبل إقراره بما يوجب حقا على بدنه بدليل إجماع الطائفة ولأن في ذلك إتلافا لمال الغير
وهو السيد وذلك لا يجوز، ومتى صدقه السيد قبل إقراره في كل ذلك بلا خلاف. ويصح إقرار
المحجور عليه لفلس وإقرار المريض للوارث وغيره بدليل الاجماع المشار إليه وأيضا قوله
تعالى: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم، والشهادة على النفس هي
الإقرار ولم يفصل، وعلى من ادعى التخصيص الدليل.
ويصح إقرار المبهم مثل أن يقول: لفلان على شئ، ولا تصح الدعوى المبهمة لأنا
إذا رددنا الدعوى المبهمة كان للمدعي ما يدعوه إلى تصحيحها وليس كذلك الإقرار لأنا
إذا رددناه لا نأمن أن لا يقر ثانيا والمرجع في تفسير المبهم إلى المقر ويقبل تفسيره بأقل
ما يتمول في العادة وإن لم يفسره جعلناه ناكلا ورددنا اليمين على المقر له فيحلف على
ما يقول ويأخذه، فإن لم يحلف فلا حق له، وإذا قال: له علي مال عظيم أو جليل أو نفيس أو
خطير، لم يقدر ذلك بشئ ويرجع في تفسيره إلى المقر ويقبل تفسيره بالقليل والكثير لأنه
182

لا دليل على مقدار معين والأصل براءة الذمة وما يفسر به مقطوع عليه فوجب الرجوع إليه،
ويحتمل أن يكون أراد به عظيم عند الله تعالى من جهة وأنه نفيس جليل عند الضرورة إليه
وإن كان قليل المقدار، وإذا احتمل ذلك وجب أن يرجع إليه في تفسيره لأن الأصل براءة
الذمة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه ولأنه يقتضي ألا يؤخذ منه أكثر ما يفسر به.
وإذا قال: له علي مال كثير، كان إقرارا بثمانين بدليل إجماع الطائفة، وروي في
تفسير قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، أنها كانت ثمانين موطنا.
وإذا قال علي ألف ودرهم، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه لأنها مبهمة
والأصل براءة الذمة، وقوله " ودرهم " زيادة معطوفة على الألف وليست بتفسير لها لأن المفسر
لا يكون بواو العطف. وكذا الحكم لو قال: ألف ودرهمان، فأما إذا قال: وثلاثة دراهم أو ألف
وخمسون درهما أو خمسون ألف درهم أو ما أشبه ذلك، فالظاهر أن الكل دراهم لأن ما بعده تفسير.
وإذا قال: له علي عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة فإن قال: إلا درهم، بالرفع كان
إقرارا بعشرة لأن المعنى غير درهم، وإن قال: ماله علي عشرة إلا درهما، لم يكن مقرا بشئ لأن
المعنى ماله علي، تسعة ولو قال: ماله علي عشرة إلا درهم، كان إقرارا بدرهم لأن رفعه بالبدل
من العشرة فكأنه قال: ماله علي إلا درهم، فإذا قال: له علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهما، كان
إقرارا بثمانية لأن المراد إلا ثلاثة لا يجب إلا درهما من الثلاثة يجب لأن الاستثناء من الإيجاب
نفي ومن النفي إيجاب واستثناء الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط ولا يجوز أن يرجع إلى جميع
ما تقدم لسقوط الفائدة على ما بيناه في أصول الفقه، وإذا كان الاستثناء الثاني معطوفا على
الأول كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى فلو قال: علي عشرة إلا ثلاثة وإلا درهما، كان
إقرارا بستة، وإذا استثنى بما لا يبقى معه من المستثنى منه شئ كان باطلا لأنه يكون بمنزلة
الرجوع عن الإقرار فلا يقبل، وإن استثنى مجهول القيمة: كقوله علي عشرة إلا ثوبا، فإن
فسر قيمته بما يبقى معه من العشرة شئ وإلا كان باطلا.
ويجوز استثناء الأكثر من الأقل بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي وابن حنبل
ويدل على صحته قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين
183

وقال حكاية عن إبليس فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، فاستثنى من
عباده الغاوين مرة والمخلصين أخرى، ولا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.
وإذا قال: علي كذا درهم، بالرفع لزمه درهم لأن التقدير هو درهم أي الذي أقررت
به درهم، وإن قال: كذا درهم، بالخفض لزمه مائة درهم لأن ذلك أقل عدد يخفض ما بعده
ولا يلزم أن يكون إقرارا بدون الدرهم لأنه أقل ما يضاف إلى الدرهم لأن ذلك ليس بعدد
صحيح وإنما هو كسور وإن قال: كذا درهما، لزمه عشرون درهما لأنه أقل عدد ينتصب
ما بعده، وإن قال: كذا كذا درهما، لزمه أحد عشر لأن ذلك أقل عددين ركبا وانتصب ما
بعدهما، وإن قال: كذا وكذا درهما، كان إقرارا بأحد وعشرين لأن ذلك أقل عددين عطف
أحدهما على الآخر وانتصب الدرهم بعدهما.
وإذا أقر بشئ وأضرب عنه واستدرك غيره فإن كان مشتملا على الأول بأن يكون
من جنسه وزائدا عليه وغير متعين لزمه دون الأول، كقوله: علي درهم لا بل درهمان، وإن كان
ناقصا عنه لزمه الأول دون الثاني كقوله: علي عشرة لا بل تسعة، لأنه أقر بالعشرة ثم رجع
عن بعضها فلم يصح رجوعه. ويفارق ذلك ما إذا قال: له علي عشرة إلا درهما، لأن عن
التسعة عبارتين أحدهما لفظ التسعة والآخر لفظ العشرة مع استثناء الواحد فبأيهما أتى فقد
عبر عن التسعة وإن كان ما استدركه من غير جنس الأول كقوله: علي درهم لا بل دينار أو
قفيز حنطة لا بل قفيز شعير، لزمه الأمران معا لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول فلا يسقط
برجوعه عنه وإن كان ما أقر به أولا وما استدركه معينين فبالإشارة إليهما أو بغيرهما مما
يقتضي التعريف لزمه أيضا الأمران سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين أو متساويين في
المقدار أو مختلفين لأن أحدهما والحال هذه لا يدخل في الآخر فلا يقبل رجوعه عما أقر به
أولا كقوله: هذا الدرهم لفلان لا بل هذا الدينار، أو هذه الجملة من الدراهم لا بل هذه
الأخرى.
وإذا قال: له علي ثوب في منديل لم يدخل المنديل في الإقرار لأنه يحتمل أن يريد في
منديل لي ولا يلزم من الإقرار إلا المتعين دون المشكوك فيه لأن الأصل براءة الذمة وكذا القول
في كل ما جرى هذا المجرى.
وإذا قال: له علي ألف درهم وديعة، قبل منه لأن لفظة علي للإيجاب وكما يكون الحق في
184

ذمته فيجب عليه تسليمه بإقراره كذلك يكون في يده فيجب عليه رده وتسليمه إلى المقر له
بإقراره.
ولو ادعى التلف بعد الإقرار قبل لأنه لم يكذب إقراره وإنما ادعى تلف ما أقر به بعد
ثبوته بإقراره بخلاف ما إذا ادعى التلف وقت الإقرار بأن يقول: كان عندي أنها باقية
فأقررت لك بها وكانت تالفة في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقبل منه لأنه يكذب إقراره المتقدم
من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد تسقط حق المودع.
وإذا قال: له علي ألف درهم إن شئت، لم يكن إقرارا لأن الإقرار إخبار عن حق
واجب سابق له وما كان كذلك لم يصح تعليقه بشرط مستقبل. وإذا قال: له من ميراثي من
أبي ألف درهم، لم يكن إقرارا لأنه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل له منه جزء ولا يكون له
جزء من ماله إلا على وجه الهبة. ولو قال: له من ميراث أبي ألف، كان إقرارا بدين في
تركته، وكذا لو قال: داري هذه لفلان، لم يكن إقرارا لمثل ما قدمناه.
ولو قال: هذه الدار التي في يدي لفلان، كان إقرارا لأنها قد تكون في يده بإجارة أو
عارية أو غصب.
ويصح إقرار المطلق للحمل لأنه يحتمل أن يكون من جهة صحيحة مثل ميراث أو
وصية لأن الميراث يوقف له ويصح له الوصية والظاهر من الإقرار عندنا الصحة فوجب
حمله عليه، ومن أقر بدين في حال صحته ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح، ولا
يقدم دين الصحة على دين المرض إذا ضاق المال عن الجميع بل يقسم على قدر الدينين
بدليل قوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، من غير فصل ولأن الأصل تساويهما في
الاستيفاء من حيث تساويا في الاستحقاق وعلى من ادعى تقديم أحدهما على الآخر
الدليل.
185

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
187

كتاب الوقوف والصدقات والوصايا والنحل والهبات
العطية تقع على ثلاثة أضرب: عطية في الحياة وعطية بعد الوفاة وعطية في حال
الحياة وبعد الوفاة معا. فالأول يقع بأحد أربعة أشياء: الهبات والصدقات والأعمار والأقارب.
والثاني: يقع بشئ واحد وهو الوصية. والثالث: يقع بأحد ثلاثة أشياء: بالوقف والإسكان
والحبيس.
فصل: في بيان الوقف وأحكامه
الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على وجه من سبل البر وإنما يصح بثمانية
أشياء: كون الواقف نافذ التصرف في ماله، والوقف ملكا له، وصحة البقاء على الوقف
بقاء متصلا يمكن الانتفاع به إلا الدراهم والدنانير، وأن يفعل ذلك تقربا إلى الله تعالى،
وتسليم الوقف من الموقوف عليه أو من وليه إلا إذا جعل ولاية الوقف لنفسه مدة حياته
أو يكون الموقوف عليه ولده الصغير، ويعين الموقوف عليه، وأن يكون الموقوف عليه ممن
يملك المنفعة في الحال من الأحرار الموجودين أو ممن يكون تبعا لهم من أولادهم، أو منفعة لهم
فيه كالمساجد والقناطر وسائر متعلقات مصالحهم، وأن لا يعلق الوقف بوجه منقرض فإن
علق على وجه يصح كان عمري أو رقبى أو سكنى أو حبيسا بلفظ الوقف.
والوقف ضربان: مطلق ومشروط فإذا أطلق كان للموقوف عليه التصرف في
منافعه على حسب مشيئته، وإن شرط فيه شرطا، لم يسع أحدا خلافه ولا بد من إجرائه على
ما شرط ولا يجوز بيعه إلا بأحد شرطين: الخوف من خرابة أو حاجة بالموقوف عليه شديدة
لا يمكنه معها القيام به.
189

بأحد شرطين: الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به.
ولا يجوز الوقف على أربعة عشر: على العبيد، والمعدوم، والحمل، ولا على المجهول
ولا وقف مدة معينة، ولا على بني فلان وهم غير محصورين في البلاد، ولا على نفسه خاصة
ولا المشروط بأن يبيعه متى شاء، أو يخرجه من الموقوف عليهم من شاء، أو يفضل البعض
على البعض إن شاء، أو يسوي بينهم إن شاء أو يقول: إذا جاء رأس الشهر وقفت على فلان
ولا على الكافر، ولا على مواضع قرباتهم من المسلم إلا على ذوي قرابته.
وإذا عين الموقوف عليهم لم يخل: إما عينهم بالأسماء أو بالصفات.
فإن عين بالأسماء وقال: على فلان وفلان، وقصر عليه كان إعمارا بلفظ الوقف
فإذا مات الموقوف عليه رجع الوقف إلى الواقف أو إلى وارثه إن مات هو، وإن لم يقصر
عليه وقال: على فلان وبعده على ولده وبعد ولده وولد ولده على فقراء المسلمين، لم يكن
لولده معه نصيب ولا للفقراء مع ولده وولد ولده وكان لولده بعده وللفقراء بعد ولده. وإن
قال: عليه وعلى ولده وولد ولده، كان لولده وولد ولده معه نصيب بالسوية ذكرا كان
أو أنثى. وإن قال: على كتاب الله، كان للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن عينهم بالصفات استحق من فيه الصفة المعينة، فإن عينهم بالإسلام كان لمن
أقر بالشهادتين ولمن هو في حكمه من أطفالهم ومجانينهم، وإن عينهم بالإيمان كان للظاهر العدالة
من الإمامية، وإن عينهم بالنسب وقال: على بني فلان، لم يدخل فيه البنات. وإن قال: على
ولده، دخل الأبناء والبنات فيه على سواء. وإن قال: على المنتسبين إلى فلان، دخل فيه بنات
صلبه دون أولادهما. وإن قال: على العلوية، كان على ولد علي من فاطمة عليهما السلام
دون غيرها. وإن قال: على ولد رسول الله ص، كان على ولد علي من فاطمة
وأولاد أولادهما ع. والشيعة تعم جميع فرقها ما عدا البترية من الزيدية. وقومه
ذكر أن أهل لغته. وجيرانه على الإطلاق الذين يكون داره من أربع جوانب إلى أربعين
ذراعا. وسبيل الله المجاهدون. وسبيل البر الحج والعمرة والغزو ومصالح المسلمين
ومعونة الضعفاء.
وإذا وقف على مولاه اختص بموالي نفسه دون موالي أبيه وبمولاه الذي أعتقه دون
مولى نعمته إلا إذا لم يكن له مولى عتق وكان له مولى نعمة. وإن قال: على موالي دخل فيه
مولى العتاقة ومولى النعمة. وإن قال: على أقرب الناس إلى كان على من هو أولى بميراثه
190

فإن كان له جماعة من ذوي القرابات في درجة استحقوا كلهم.
فإذا علق بصفة وزالت زال الاستحقاق فإن عادت الصفة عاد الاستحقاق،
وإن وقف على مصلحة واندرس رسمها صرف في وجوه البر، وإن جعل الولاية إلى أحد
وكان غير ثقة لم تصح ولايته فإن كان ثقة ضعيفا ضم الحاكم إليه أمينا قويا وإن تغير
بالفسق عزله، وإن كان ثقة مستقلا قرره عليها، وإن وقف على جماعة معينة وهم منتشرون
في البلاد كان مقصورا على من حضر بلده.
فصل: في بيان أحكام الوصية وما يتعلق بها:
الوصية صلة ما بعد الموت تجيز إلى ما قبله.
والموصي لم يخل من أربعة أوجه: أما أوصى في حال الصحة أو في مرض مخوف أو
غير مخوف أو مشتبه. فإن أوصى في حال الصحة أو في المرض غير المخوف أو المشتبه
ونجز كان من أصل المال وإن لم ينجز كان من الثلث، وإن أوصى في مرض مخوف وأشرف
على الموت لم تصح وإن لم يشرف كان من الثلث ويحتاج إلى بيان ستة أشياء: بيان الموصي والموصى
إليه والموصى له ومن يستحب أن يوصى له والموصى به وكيفية الوصية
فأما الموصي فإنما تصح وصيته باجتماع أربعة أشياء: الحرية، والبلوغ، وكمال
العقل أو حكمه، ونفاذ تصرفه في ماله. وحكم كمال العقل يكون للمراهق الذي لم يضع
الأشياء في غير مواضعها فإن وصيته وصدقته وعتقه وهبته بالمعروف ماضية دون غيرها.
ويستحب الإشهاد عليها وتثبت بعدلين وبرجل وامرأتين وبأربع نسوة، وبثلاث
نسوة ثلاثة أرباعها، وبامرأتين نصفها، وبواحدة ربعها، وبذميين عدلين عند أهل نحلتهما
ممن ظاهره الأمانة إذا كان الموصي بحيث لا يجد أحدا من المسلمين، فإن لم يجد الوصي
البينة وأمكنه الإنفاذ لزمه.
ولم يخل الموصي: إما أوصى إلى الموصى إليه بحفظ المال على الموصى له أو بصرفه
فيما أوصى إليه فيه.
فالأول: يصح ممن له الولاية على الموصى له حال حياته دون من لم يكن له ذلك من
الأم وذوي القرابة والأجنبي إذا كان طفلا أو سفيها، فإن كان الموصى له بالغا رشيدا لم يكن
191

لأحد الولاية عليه في ماله ولا التولية في حال حياته ولا بعد وفاته.
والثاني تصح وصيته إليه على كل حال.
وإما من يصح أن يوصى إليه ممن اجتمع فيه خمس صفات: الاسلام وكمال العقل
والحرية الكاملة والعدالة والبلوغ، إذا أوصى بإنفاذ الوصية في الحال وله أن يعزله مدة حياته
والاستبدال به، فإذا أوصى إليه لم يخل: إما كان حاضرا أو غائبا. فإن كان حاضرا كان مخيرا
بين قبول الوصية وردها، وإن كان غائبا لزمه القبول إلا إذا كان الموصي حيا وأمكنه إعلام
الرد إياه.
وإذا قبل الوصية لم يخل: إما يقوى على إنفاذ الوصية أو لم يقو. فإن قوي وكان ثقة
لزم إبقاؤه، وإن لم يقو ضم إليه من يمكنه القيام بالأمر فإن تغير حاله بالفسق عزل وأقيم
غيره مقامه.
وإذا حضر وفاة الوصي لم يخل: إما جعل إليه الموصي أن يقيم آخر مقامه ويجوز له
ذلك أو لم يجعل إليه، ولأصحابنا في ذلك قولان.
وإن أوصى إلى اثنين لم يخل من ثلاثة أوجه: إما يكون كلاهما بالغين
أو غير بالغين أو يكون أحدهما بالغا والآخر صبيا.
فإن كان كلاهما بالغين لم يخل: إما جعل الأمر إليهما على الاجتماع أو على الانفراد
والاجتماع معا أو أطلق القول. فالأول والثالث: لا يكون لأحدهما الاستبداد بالأمر فإن
تشاحا لم ينفذ تصرفهما إلا فيما يتعلق بمصالح الورثة، فإن أقاما على الخلاف أمرهما الحاكم
بالاتفاق وإنفاذ الوصية فإن لم يتفقا استبدل بهما. والثاني: لا يكون لأحدهما الاعتراض على
الآخر إلا إذا خالف الوصية فإن تشاحا قسم الحاكم التركة بينهما قسمة مقاربة وتصرف
كل واحد منهما في نصيبه من غير انقطاع تصرف صاحبه فيه.
وإن كان كلاهما غير بالغين وقال: إذا بلغا أنفذا الوصية، فإن لم يحتمل الأمر
التأخير نصب الحاكم أمينا يقوم بالأمر حتى يبلغا ولم يخل حالهما من تسعة أوجه:
فإن بلغا رشيدين سلم منهما، وإن بلغا سفيهين عزلها وأقام مقامهما غيرهما، وإن
بلغا عاجزين قواهما بمن يعينهما، وإن مات أحدهما قبل البلوغ أو بلغ سفيها أقام غيره
مقامه، وإن ماتا معا قبل البلوغ أو بلغ أحدهما سفيها فكذلك، وإن فسقا بعد الرشد عزلهما،
وإن فسق أحدهما أو بلغ سفيها إن شاء الحاكم فوض جميع الأمر إلى الآخر وإن شاء أقام
192

عيره مقامه كما يراه صلاحا، وإذا اقتضى المصلحة بيع ملك الطفل أو متاعه وأراد الوصي
ابتياعه لنفسه جاز ذلك بقيمة عادلة، وإن كان له على الموصي مال لم يأخذه من التركة إلا
ببينة ويلزمه الانفاق على الطفل بالمعروف فإن زاد عليه غرم الزائد.
فإذا بلغ الطفل واختلفا في مقدار مدة الانفاق أو في الانفاق بالزيادة على المعروف كان
القول (قول) المنفق عليه في الأول وقول المنفق في الثاني إذا كان الانفاق والزائد غير معلومين
فإن كانا معلومين غرم الزائد (فإن) خلطه بنفسه وعياله جاز وكان كأحدهم (فإن) سامح
له كان أفضل وإن أخذ عليه فضلة لم يجز.
ومن مات عن أطفال من غير نصب وصى عليهم نصب الحاكم من يقوم بأودهم
فإن فقد وقام بأمرهم بعض صلحاء المؤمنين وحفظ الأمانة كان ما فعله ماضيا من غير
اعتراض عليه لأحد.
وأما من يصح أن يوصى له فعشرة: كل مسلم أجنبيا كان أو ذا قرابة إذا كان غير
محجوب عن إرثه بغيره، ومن هو في حكم المسلم من أطفالهم ومجانينهم، وذو رحمه من
الكفار، وعبده وأمته، ومكاتبه، ومدبره، وأم ولده، ومكاتب غيره إذا تحرر بعضه ولزم له من
المال بقدر ما تحرر منه.
وأما من لا يصح أن يوصى له فأربعة: مملوك الغير ومكاتبه المشروط عليه ومدبره
والكافر غير ذي الرحم.
فأما من يستحب أن يوصى له فكل ذي رحم له محجوب عن ميراثه بغيره ولولاه
لورثه. وأما الموصى به فإنما الكلام فيه على وجهين: أحدهما جنس ما يوصى به وهو كل
ما يصح تملكه أو الانتفاع به والثاني قدر ماله أن يوصى به وهو الثلث.
ولم يخل حال ورثة الموصي من ثلاثة أوجه: إما كانوا أغنياء أو فقراء أو متوسطين
فإن كانوا أغنياء كانت الوصية بالثلث أولى وإن كانوا فقراء فبالخمس، وإن كانوا
متوسطين فبالربع. فإن أوصى بأكثر من الثلث ورضي الورثة بعد الموت بها نفذ وإن رضوا به
في حال حياته كان لهم الرجوع بعد وفاته، وقيل: لم يكن لهم ذلك، ولا يخلو من ثلاثة أوجه:
أما أوصى لواحد أو جماعة دفعة أو لواحد بعد واحد.
فإن أوصى لواحد ولم يرجع عنها لم يخل: إما يموت الموصى له قبل الموصي أو يبقى
بعده. فالأول يكون لورثة الموصى له وإن رجع بطل والثاني يكون لمن أوصي له ويستحقها
193

بموته إذا خرج الموصى به من الثلث وإن لم يخرج استحق بقدر الثلث.
وإن أوصى لجماعة دفعة وخرج من الثلث استحقوه بالسوية ذكورا كانوا أو إناثا أو
ذكورا وإناثا فإن قال: على كتاب الله كان للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن أوصى لواحد بعد واحد لم يخل من وجهين: إما عطف التالي بحرف العطف أو
أوصى بكرة لواحد وضحوة لآخر أو غدا، فالأول إن خرج الجميع من الثلث استحقوه وإن لم
يخرج قدم الأول فالأول حتى يستوفى الثلث فإن اشتبه أخرج بالقرعة، والثاني إن خرج من
الثلث استحقوا الجميع وإن لم يخرج قدم الأخير، والإجازة إمضاء عقد متقدم.
وإن أوصى لحمل صح بشرطين: بكونه مخلوقا حال الوصية وخروجه حيا، وإن
أوصى به صح على كل حال، وإن أوصى بدرهم لحمل إن كان ذكرا وبأقل منه أو بأكثر إن
كان أنثى وولدت توأمين لم يستحقا شيئا، وإن أوصى بناقة أو جمل أو ثوب أو غير ذلك وقال:
من نوقي أو جمالي أو ثيابي، وكان له ذلك لزم واحد مما كان له فإن لم يكن له شئ منه بطل،
وإن أوصى من غير نسبة إلى ماله وخرج من الثلث لزم سواء كان له ذلك أو لم يكن.
وإن أوصى بشئ من نوع فيه ما لا يصح تملكه كانت الوصية بما يصح تملكه مثل
من أوصى بكلب فإنه يستحق كلب صيد أو زرع أو ماشية، أو بطبل فإنه يستحق طبل
حرب، وإن أوصى بعود لم يصح وإن أوصى بشئ من العود استحق مما يتبخر به، وإن أوصى
بقوس استحق قوسا عجمية أو عربية أو قوس حسبان دون الجلاهق وقوس الندف إلا أن
قال: قوسا من قياسي، ولم يكن له غير قوس الندف والجلاهق.
ومن أوصى بعبد له لغيره ولآخر بتمام الثلث صحت الوصية وتعلق بها ستة مسائل:
أحدهما: أن يبقى العبد سليما إلى بعد وفاته فإن وافقت قيمة الثلث بطلت الثانية.
والثانية: أن ينقص قيمته عن الثلث ويستحق الثاني تمام الثلث.
والثالث: أن تزيد قيمته على الثلث ويستحق الأول بقدره وتبطل الثانية.
والرابع: أن يموت العبد بعده قبل التسليم وتبطل الوصية في العبد دون الثاني ويقوم
بقيمته يوم التلف ويحاسب عليه.
والخامس: أن يموت في حياة الموصي وتبطل الوصية به دون الثاني.
والسادس: أن يعيب العبد ويستحقه معيبا ويقوم بقيمته صحيحا فإن زادت قيمته
صحيحا على الثلث أو نقصت عنه أو وافقته كان الحكم فيه على ما ذكرنا.
194

وإن أوصى بجارية له حامل بولد مملوك لم يخل من خمسة أوجه: فإن ولدت قبل وفاة
الموصي كان الولد رقا له، وإن ولدت بعد وفاته كان رقا للموصى له، وإن رد الوصية قبل
وفاة الموصي لم يصح الرد، وإن رد بعد وفاته قبل القبض صح وعادت رقا للورثة، وإن رد
بعد القبض لم يصح بحال.
وإن أوصى بحجة الاسلام كان من ثلث المال، فإن أوصى بها من الثلث جاز، وإن
أوصى بحجة متطوع بها كان من الثلث، وإن أوصى بمال لفلان ولبني فلان كان بين فلان
وبني فلان نصفين، وإن أوصى لجماعة ورد بعضهم كان المردود راجعا إلى ورثته وإن أوصى
لأقرب الناس إليه كان لمن يستحق ميراثه من ذوي الأنساب، فإن أوصى بشئ فيه متاع أو
عليه حلية أو بحيوان حامل ولم يستثن كان الشئ بما فيه أو عليه له إذا خرج من الثلث،
فإن أقر بذلك وكان أمينا صح على ما ذكرنا وإن كان مبهما ولم يكن للمقر له بينة ولم يخرج
من الثلث استحق بمقدار الثلث.
وإذا أوصى لأحد بشئ ولم يبين الوجه فيه كان الموصى له مخيرا بين أن يأخذ لنفسه
وبين أن يصرفه في وجوه البر، وإن أوصى بجزء من ماله أو بسهم أو بشئ أو بكثير أو بحظ
أو نصيب كان الأول وصية بالسبع والثاني بالثمن والثالث بالسدس والرابع بثمانين
والخامس والسادس يكون الأمر فيهما إلى رأي الورثة.
وحكم الجيران والمسلم والمؤمن والعلوية والمنسوبين إلى أحد أو إلى شئ على
ما ذكرناه في فصل الوقف. وتصرف الموصي في الموصى به بالبيع أو الهبة أو الوقف أو
التغيير عن حاله رجوع عن الوصية وله ذلك ما دام حيا عاقلا، والعترة الذرية، والذرية
الولد وولد الولد، وأهل البيت الأب وإن علا والولد وإن نزل ولد فلان ولده من الصلب.
فصل: في بيان الهبات.
الهبة العطية وتصح بخمسة شروط: بالإيجاب والقبول وجواز تصرف الواهب فيه
وكونه ملكا له ومما يتملك. ويصح بهذه الشروط ويلزم بالإقباض أو قبض المتهب باذنه وله
الرجوع فيها قبل الإقباض، فإن وهب من غيره أو باع أو أخرجه عن ملكه أو رهن قبل
القبض كان جميع ذلك رجوعا.
195

وإذا وهب لم يخل: إما شرط عليه ثوابا أو لم يشرط.
فإن شرط ثوابا صح ولزم فإن أثاب سقط رجوعه عنها، وإن لم يثب وكانت باقية
على ملكه بحالها كان مخيرا بين طلب الثواب والرجوع فيها، وإن تلفت كان له المطالبة
بالثواب.
وإن لم يشرط ثوابا لم يخل: إما وهب من ذي قرابة أو أجنبي. فالأول لم يخل من ثلاثة
أوجه: إما وهب من الوالدين وإن علوا أو من الولد وإن نزلوا أو من غيرهم.
فإن وهب من الوالدين وإن علوا أو من الولد وإن نزلوا وأقبض لم يكن له الرجوع
وإن كان الولد طفلا كان قبضه قبضا عنه.
وإن وهب من غيرهما من ذوي الرحم ففيه قولان: أحدهما أن يكون حكمه حكم
الوالد والولد والآخر أن يكون حكمه حكم الأجنبي.
وإن وهب من الأجنبي وأقبض لم يخل: إما عوضه منها بقليل أو كثير ولا يكون له
الرجوع، أو لم يعوضه ولم يخل: إما تلفت ولا رجوع بالعوض عليه أو بقيت ولم يخل: إما
خرجت عن ملكه أو لم تخرج، فإن خرجت عن ملكه سقط رجوعه فيها وإن عادت إليه
وإن لم تخرج عن ملكه ووهبها وبيعت أو كانت عبدا فكاتبه مشروطا وبيع الرهن في الدين
ولم يعجز العبد عن الثمن وأدى سقط رجوعه، فإن انفك الرهن أو عجز العبد كان له
الرجوع فيهما إن بقي الرهن بحاله.
فإن لم تبق الهبة بحالها وتصرف فيها المتهب بأن تكون شجرا فاتخذ منها بابا أو
سريرا أو يكون ثوبا خاما فقصره أو أمة فوطئها لم يكن له الرجوع.
وإن لم يتصرف فيها لم يخل: إما كانت الهبة حيوانا فحمل أو شجرا فأثمر أو غير
ذلك فإن كان غير ذلك كان له الرجوع فيها وإن كان ذلك لم يخل: إما كان الشجر مثمرا أو
الحيوان حاملا حال الهبة أو لم يكونا، فإن كانا كان له الرجوع في الأصل والنماء، وإن لم
يكونا كذلك كان له الرجوع في الأصل دون النماء إلا إذا كان الحيوان لم يضع الحمل فإن له
الرجوع فيهما.
والزوجان يكره لكل واحد منهما الرجوع على الآخر في الهبة وكسب العبد لا رجوع
فيه.
196

فصل: في بيان العمرى والرقبى والسكنى والحبيس:
هذه أنواع من الهبات تحتاج في صحتها إلى ما تحتاج إليه الهبة.
والعمرى: أن يجعل انسان منفعة دار أو ضيعة لغيره مدة حياة أحدهما.
والرقبى: أن يجعل رقبته لغيره مدة معلومة.
والسكنى: أن يجعل مسكنا لغيره مدة عمر أحدهما.
والحبيس: حبس الفرس في سبيل الله والبعير في معونة الحاج والزوار والعبد في
خدمة البيت الحرام أو خدمة تربة الرسول ع.
فإن جعل المنافع له مدة عمره ومات المعمر لم يبطل وإن مات من جعل له بطل وإنما
يبطل بموت من علق بموته، فإذا مات من علق بموته رجع إلى المعمر إن كان حيا وإلى ورثته
إن كان ميتا، والرقبى كذلك بعد انقضاء المدة المضروبة، والسكنى إن أوجبها وعلق بموت
أحدهما كان حكمهما حكم العمرى وإن لم يوجبها كان له متى شاء إرجاعها، والحبيس إذا
عجز عن العمل أو الخدمة سقط عنه فإن عاد إلى الاستطاعة عاد العمل، فإن أطلق
الحبيس لزمه العمل ما بقي حيا، وإن عين مدة يعمل أو يخدم فيها وفعل تلك المدة عاد إلى
صاحبه إن كان حيا وإلى ورثته إن مات، وعلى هذا الحديث المشهور: قضى علي عليه
السلام برد الحبيس وإنفاذ المواريث.
وجميع هذه الأنواع لا تصح إلا لوجه الله تعالى.
197

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
199

كتاب الوقف
الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. وشروط صحته:
أن يكون الواقف مختارا مالكا للتبرع فلو وقف وهو محجور عليه لإفلاس لم يصح،
وأن يتلفظ بصريحه قاصدا له وللتقرب به إلى الله تعالى والصريح من ألفاظه:
وقفت وحبست وسبلت وأما تصدقت وحرمت وأبدت فذلك يحتمل الوقف وغيره
فلا يحمل عليه إلا بدليل، وقال بعض أصحابنا: لا صريح في الوقف إلا قوله: وقفت.
ولو قال: تصدقت ونوى به الوقف صح فيما بينه وبين الله تعالى ولكن لا يصح في الاحتمال.
وأن يكون الموقوف معلوما مقدورا على تسليمه ويصح الانتفاع به مع بقاء عينه في
يد الموقوف عليه وسواء في ذلك المنقول وغيره والمشاع والمقسوم، ولا يجوز وقف الدراهم
والدنانير لأن الموقوف عليه له لا ينتفع بها مع بقاء عينها في يده.
وأن يكون الموقوف عليه غير الواقف فلو وقف على نفسه لم يصح، وأما إذا وقف
شيئا على المسلمين عامة جاز له الانتفاع به لأنه يعود إلى أصل الإباحة فيكون هو وغيره
سواء.
وأن يكون معروفا متميزا ليصح التقرب إلى الله تعالى بالوقف عليه وهو ممن يملك
المنفعة حالة الوقف، فلا يصح أن يقف على شئ من معابد أهل الضلال ولا على مخالف
201

الاسلام ولا على معاند للحق إلا أن يكون ذا رحم ولا على أولاده ولا ولد له ولا على الحمل
قبل انفصاله ولا على عبد. ولو وقف على أولاده وفيهم موجود صح ودخل في الوقف من
سيولد له على وجه المتبع لأن الاعتبار باتصال الوقف في ابتدائه بمن هو من أهل الملك،
ويصح الوقف على المساجد والقناطر وغيرهما لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين وهم
يملكون الانتفاع.
وأن يكون الوقف مؤبدا غير منقطع فلو قال: وقفت كذا سنة، لم يصح. فأما قبض
الموقوف عليه أو من يقوم مقام ذلك فشرط في اللزوم.
وإذا تكاملت هذه الشروط زال ملك الواقف ولم يجز له الرجوع في الوقف
ولا يتغيره من وجوهه إلا على وجه نذكره.
وينتقل الملك إلى الموقوف عليه، ويجوز للموقوف عليه بيع الوقف إذا صار بحيث لا
يجدي نفعا وخيف خرابه وكانت بأربابه حاجة شديدة ودعتهم الضرورة إلى بيعه، ويتبع في
الوقف ما يشرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى واشتراكهما أو تفضيل في المنافع
أو مساواة فيها إلى غير ذلك.
وإذا وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيهم ولد البنات لوقوع اسم الولد
عليهن لغة وشرعا، وكذا إذا وقف على نسله أو عقبه أو ذريته.
وإن وقف على عترته وهم ذريته وإذا وقف على عشيرته أو قومه ولم يعينهم بصفة
عمل بعرف في ذلك الإطلاق، وروي أنه إذا وقف على عشيرته كان ذلك على الخاص من
قومه الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه.
وإذا وقف على قومه كان ذلك على جميع أهل لغته من ذكور دون إناث، وإذا وقف
على: جيرانه ولم يسمهم كان ذلك على من يلي داره من جميع الجهات إلى أربعين ذراعا.
ومتى بطل رسم المصلحة التي وقف إليها أو انقراض أربابه جعل ذلك في وجوه
البر، وروي: أنه يرجع إلى ورثة الواقف، والأول أحوط.
وإذا وقف على ولده الصغار فالذي يتولى عنهم القبض هو لا غير إذا علق الوقف
بما ينقرض كأن يقول: وقفته على أولادي وأولاد أولادي، وسكت على ذلك قال بعض
202

أصحابنا: أنه لم يصح، وقال الباقون: إنه يصح ويرجع الموقوف عند انقراض الموقوف
عليه إلى الواقف إن كان حيا فإن كان ميتا فإلى ورثته.
وإذا وقف وقفا وشرط أن يبيعه متى شاء أو أن يخرج من شاء معهم بطل الوقف إلا
فيما سبق من ضم الولد الغير الموجود بعد إلى الموجود في الحال.
إذا وقف على قوم وجعل النظر إلى نفسه أو إلى غيره كان كما جعل الوقف في المرض
المخوف وصدقة التمليك والهبة فيه وروي أن ذلك من الثلث وروي أنه منجز في الحال.
إذا قال: إذا جاء الشتاء أو دخل شهر كذا أو سنة كذا فقد وقفت هذه الدار على
فلان، لم يصح. إذا وقف على ولده ثم على الفقراء والمساكين بعد انقراضهم كان وقفا على
أولاد صلبه دون ولد الولد وقيل: إنه إذا وقف على ولده دخل فيه ولد الولد، وقيل: إنه إذا
دخل على ولده دخل الكافر فيه وكذا الولد من البنين والبنات البطن الثاني والثالث فما
زاد عليه. إذا وقف الكافر على الفقراء مضى في فقراء أهل ملته لا غير. والله أعلم.
203

كتاب الهبة
الهبة تفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول. وهي ضربان: ما لا يجوز الرجوع فيه
وما يجوز.
فالأول أن تكون الهبة مستهلكة أو قد يعوض عنها أو يكون لذي رحم ويقبضها هو
أو وليه سواء قصد بها وجه الله تعالى أو لا أو لم يقبض وقد قصد بها وجه الله تعالى، ويكون
الموهوب له ممن يصح التقرب إلى الله تعالى بصلته.
والثاني ما عدا ذلك.
والهبة في المرض المتصل بالموت محسوبة من أصل المال لا من الثلث، وقيل: من
الثلث. وهبة المشاع جائزة ولو قبض الهبة من غير إذن الواهب لم يصح ولزمه الرد. وإذا
مات الواهب قبل القبض بعد قبول الموهوب له الهبة لم يبطل عقد الهبة. وإذا وهب المودع
للمودع وديعة لم يحتج الموهوب إلى إذنه في قبضه، و يجوز هبة الجارية المزوجة والدار
المستأجرة.
إذا كان له في ذمة رجل مال فوهبه له كان ذلك إبراء بلفظ الهبة، ومن شرط صحته
قبول الموهوب له فإن لم يقبل لم يصح، فأما إذا وهبه لغيره صح ولم يلزم إلا بالقبض.
من أخرج شيئا يتصدق به على مؤمن لوجه الله تعالى فلم يجده فليتصدق به على
204

غيره ولا يرده في ماله.
من وهب له حيوان فظهر بها في يده حمل ووضعت عنده أو كان شجرا فجنى ثمرته
كان للواهب الرجوع في الأصل دون الفرع ما لم يتصرف الموهوب له في ذلك بإجارة
أو إعارة أو قصارة أو عتق أو تزويج أو وطئ أو غير ذلك، فإن تصرف بطل حكم الرجوع.
ويجوز أن يهب شيئا ويشترط على الموهوب له عوضا معلوما أو مجهولا
ومن ومنح غيره ناقة أو بقرة أو شاة لينتفع بلبنها مدة معلومة لزمه الوفاء بذلك إذا
قصد به وجه الله تعالى وكان الغير ممن يصح التقرب إلى الله تعالى ببره، ويضمن هلاك
المنحة ونقصانها بالتعدي، وكذا لا يجوز الرجوع في السكنى والرقبى والعمرى إذا كانت
مدتها محدودة وقصد بها وجه الله تعالى.
والرقبى والعمرى سواء وإنما يختلفان في التسمية، فالرقبي أن يقول: أرقبتك هذه
الدار مدة حياتك أو حياتي. والعمرى أن يقول: أعمرتك كذلك، وقيل: أن الرقبى من رقبة
العبد وهو أن يقول: جعلت لك خدمة هذا العبد مدة حياتك. وإذا علق المالك ذلك بموته رجع
إلى ورثته إذا مات وإن مات الساكن قبله فلورثته السكنى إلى أن يموت المالك، فإن علقه
بموت الساكن رجع إليه إذا مات فإن مات المالك قبله فله السكنى إلى أن يموت، ومتى لم
يعلق ذلك بمدة كان له اخراجه متى شاء، ولا يجوز أن يسكن من جعل ذلك له من عدا ولده
وأهله إلا بإذن المالك، ومن شرط صحته ذلك كله الإيجاب والقبول.
وإذا حبس فرسه في سبيل الله وغلامه وجاريته في خدمة البيت الحرام وبعيره في
معونة الحاج والزوار لوجه الله تعالى جاز ولم يجز له تغييره بعد ذلك، فإذا قال: جعلت خدمة
عبدي لفلان مدة كذا ثم هو حر بعد ذلك، جاز وصار حرا إذا خدم تلك المدة، فإن أبق
العبد إلى انقضاء المدة فلا سبيل عليه للمستخدم، وإن كان مالكه جعل خدمته لنفسه قبل
تحريره انتقض التدبير بالإباق وصار ملكا.
ومن السنة الإهداء وقبول الهدية إذا عريت من وجوه القبح، ومتى قصد بها وجه الله
تعالى وقبلت لم يجز الرجوع فيها ولا العوض عنها وكذا إن قصد بها التكرم والمودة الدنيوية
وتصرف فيها من أهديت إليه، وكذا إن قصد بها العوض عنها فدفع وقبله المهدي وهو
205

مخير في قبول هذه الهدية وردها ويلزم العوض عنها إذا قبلت بمثلها والزيادة أفضل، ولا يجوز
التصرف فيها إلا بعد التعويض أو الغرم عليه.
ومن أراد عطية أولاده فالأولى أن يسوي بينهم ولو كانوا ذكورا أو إناثا وإن فضل
بعضهم على بعض جاز.
206

كتاب الوصية
لا يجوز أن يوصي المسلم لكافر حربي ولا ذمي لا رحم له منه ويجوز لغيرهما،
والوصية بأكثر من الثلث لا تمضى إلا برضا الورثة وإذا رضوا فلا امتناع لهم بعد ولو بعد
وفاة الموصي.
ويجوز الوصية للحمل المخلوق حال وصيته إذا خرج حيا وإذا خرج ميتا فلا تصح
ويكون المال لورثة الموصي.
إذا أوصى لعبده بثلث ماله، فإن كانت قيمته أقل من الثلث أعتق وأعطي الباقي،
وإن كانت مثله أعتق لا له ولا عليه، وإن كانت، أكثر منه ولم يبلغ ضعفي الثلث أعتق
واستسعى في الباقي، وإن كانت ضعفي الثلث بطلت الوصية.
إذا أوصى بعتق عبده وعليه دين، فإن كانت قيمة العبد ضعفي الدين استسعى في
خمسة أسداس قيمته ثلاثة للديان وسهمان للورثة، وإن كانت أقل منه بطلت الوصية.
ومن أوصى لعبد أو مكاتب لغيره لم يرد من مكاتبته شيئا مشروطا كان أو لا لم
تصح، وإن لم يكن مشروطا وقد أدى شيئا جازت له الوصية بمقدار ما أدى لا غير.
وللإنسان أن يرجع في وصيته ما دام حيا وبغير شرائطها وينقلها من شئ إلى شئ
ومن شخص إلى آخر. وتدبير العبد كالوصية في أنه من الثلث وصحة الرجوع فيه.
207

ومن شرائط الوصية كون الموصي ثابت العقل حرا، وابن عشر سنين إذا لم يضع
الأشياء إلا في مواضعها أمضت وصيته في وجوه البر لا غير، وكذا يجوز صدقته وهبته
بالمعروف. ومن أوصى بماله في غير مرضاة الله تعالى كان للوصي مخالفته في ذلك وصرفها
فيما يرضاه الله تعالى، وإذا جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم يجز العمل على وصيته، فإن
أوصى ثم قتل نفسه مضت وصيته.
إذا أوصى ثم قتل أو جرح مضت وصيته في ثلث ماله وثلث ديته أو ثلث أرش جراحته.
وتنفذ وصية المرأة وغيرها من التصرف في مالها إذا كانت حرة عاقلة قد بلغت تسع سنين
ولم تكن سفيهة ولا ضعيفة العقل. ومن شرط الوصية أن يشهد الموصى عليها عدلين فإن لم
يشهد وأمكن الوصي إنفاذها جاز ذلك.
فصل: لا تصح الوصية إلا لمن جمع خمس صفات: البلوغ وكمال العقل والإسلام والعدالة
والحرية. وتبطل الوصية باختلال إحديها إذ لا حكم لكلام الصبي والمجنون ولا الكافر
والفاسق لأنه لا أمانة لهما والوصية أمانة، والمملوك لا يملك التصرف وحكم المدبر وأم
الولد والمكاتب ومن انعتق بعضه حكم العبد، ويعتبر هذه الصفات حال الوصية لا حال
القبول وحال الوفاة لأنها حال التصرف.
ويصح وصية الكافر إلى المسلم وإلى الكافر ذميا كان أو عابد وثن إلا أن يكون
غير رشيد في ملته فإذا لا تصح. وتصح الوصية إلى المرأة المتصفة بالصفات المذكورة.
وإذا تغير حال الوصي بكبر أو مرض أضيف إليه أمين آخر ولا يخرج من يده وإن
تغير بفسق أو ارتداد أخرجت من يده.
إذا أوصى إلى رجلين وجعل التصرف إليهما على الانفراد والاجتماع فاجتمعا على
التصرف أو انفرد أحدهما بذلك جاز ولم يضر تغير حال أحدهما بشئ، مما سبق، وإن أوصى
إليهما مطلقا أو نهى كلا منهما على الانفراد بالتصرف رد تصرف المنفرد إلا ما يعود
بمصلحة الورثة، وعلى الناظر في المسلمين حملهما على الاجتماع أو الاستبدال بهما، وكذا إن
تغير حالهما وإن تغير حال أحدهما أقام الناظر مقامه آخر.
208

إذا تشاح الوصيان وخالفا قسم بينهما التركة قسمة المقاربة لا قسمة العدل وجعل
في يد كل منهما نصفه ليتصرف، هذا في الصورة التي أوصى إلى كل منهما مجتمعا ومنفردا
خاصة.
ولا بأس أن يوصي إلى عاقل وصبي ويجعل للعاقل النظر في الحال وللصبي إذا بلغ
فإن مات قبل البلوغ أو بلغ فاسد العقل أنفذها العاقل وإن أنفذها قبل بلوغه جاز ولم يكن
للصبي إذا بلغ النزاع فيه إلا أن يكون الكبير خالف شرط الوصية.
إذا أوصى إلى ورثته الصغار والكبار كان للكبار إنفاذ الوصية إلا إذا اشترط
الموصي إيقاف الوصية إلى وقت بلوغ الصغار ويكون الموصى به مما يجوز تأخيره فإذن
لا يجوز، والوصي بالخيار بين قبول الوصية وردها ولا يجوز له ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد
موت الموصي ولا ترك القيام بما فرض إليه من ذلك.
إذا لم يقبل فرد ولم يبلغ الموصي ذلك حتى مات إذا أوصى إلى شخص ولم يقل له: إذا
مت فوض إلى غيرك، هل يجوز له أن يوصي إلى غيره؟ فيه قولان.
ولا يجوز للوصي صرف شئ من مال الوصية في غير الوجه المأمور به فإن فعل أو
اختار ضمن المال وعلى الناظر في أمر المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه، وكذا إن مات
من غير وصية فعلى الناظر أن يقيم أمينا ينظر في مصلحة ورثته، وإن نظر في ذلك مؤمن من
قبل نفسه واستعمل الأمانة مع فقد السلطان جاز، وإذا عجز الوصي عن القيام بتنفيذ
الوصية أقام الناظر معه معينا أمينا ولم يعزله.
وإن أمره الوصي بأن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها ويأخذ نصف الربح
جاز وحل له ذلك، وإن كان للوصي على الميت مال لم يجز له أن يأخذ من تحت يده بل عليه إقامة
البينة بذلك، ولا يصح أن يوصي إلا على الأولاد الصغار مع عدم الأب والجد ومع وجودهما
لا يوصى عليهم إلا في قدر الثلث وقضاء الديون، وكذلك لا يوصى على من عداهم إلا فيما
ذكرناه. والأم لا تلى على أطفالها إلا أن يكون الأب أوصى إليها. ولا يصح وصية المرأة
إلى رجل أجنبي بالنظر في أموال أطفالها.
209

فصل: من أوصى لغيره بمثل نصيب أحد ورثته كان له نصيب أقلهم قسما ما لم يزد على
الثلث فإن زاد عليه رد عليهم.
إذا قال:
أوصيت له بنصيب ابني، بطل لأن نصيب ابنه لا يستحق غيره.
إذا قال: له حظ من مالي أو نصيب أو قليل، يقال للورثة: أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك إلا أن يدعي
الموصى له أكثر من ذلك أو يدعي عليهم بذلك فإن القول قولهم مع يمينهم.
إذا قال له جزء من مالي، فله سبع ماله، وروي عشر ماله، ويؤول لفظ الكثير بثمانين
والسهم بالثمن والشئ بالسدس. إذا قال: لزيد ثلث مالي ولعمر وربع مالي ولبكر نصف
مالي، في وصية واحدة وأجازته الورثة بدئ بالأول فالأول ويدخل النقصان على الأخير
وإن لم يخيروه ففي الأول ثلثه وسقط الباقون.
إذا أوصى لرجل بثلث ماله ثم أوصى لآخر بثلث ماله نسخت الثانية الأولى، وعلى
هذا إذا أوصى بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بها وإلا
فبالأخير لا غير.
إذا أوصى بعتق جماعة من عبيده دفعة واحدة وزادت قيمتهم على الثلث استخرج
الثلث بالقرعة وأعتق. إذا أوصى بعتق رقبة مؤمنة ولم يوجد كذلك جاز أن يعتق من
لا يعرف بنصب ولا عداوة، فإن أعتقت نسمة على أنها مؤمنة ثم ظهر أنها لم تكن كذلك
أجزأه عن الموصي.
إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معلوم فلم يوجد إلا بأقل منه اشترى وأعطي ما بقي من
ثمنه وأعتق وإن لم يوجد إلا بأكثر منه توقف فيه إلى وقت وجوده بالثمن المذكور أو أقل.
ويجوز الوصية بالحمل كأن يكون جارية حبلت من زوج شرط عليه استرقاق الولد
أو حبلت من الزنى. إذا أوصى لغيره بجارية فاتت بعد الوصية بولد مملوك إما من زنا أو من
زوج شرط عليه ذلك فإن كان قبل موت الموصي فالولد له وأما بعده فالولد مع أمه للموصى
له.
إذا أعتق في مرضه المخوف جارية حبلى ثم مات انعتقت الجارية وسرى العتق إلى
الحمل لأنه كالجزء منها إن خرجت من الثلث وإلا انعتق الثلث منهما ويقومان معا، فإن كان
210

الموصي أعتق الحمل أولا ثم أمه ولم يخرجا من الثلث وكان قيمة الولد بقدر الثلث عتق
الولد لا غير لأنه أسبق في العتق، وإن كانت أكثر من الثلث عتق بقدر ذلك، وإن كانت أقل
عتق الولد والأم بقدر ما بقي من الثلث، وإن أتت بتوأمين ولم يخرجوا من الثلث وله الولدان
أخرج أحد الولدين بالقرعة وأعتق.
والقرعة: أن يكتب رقعتان إحديهما بالحرية والأخرى بالرق أو ثلاث رقاع إحديهما
بالحرية والباقي بالرق فمن أخرج باسمه رقعة الحرية عتق.
إذا قال: أعتقوا بثلث مالي موالي وموالي أبي، ولم يبلغ الثلث ذلك كان النقصان
داخلا على موالي أبيه.
إذا قتلت أم الولد مولاها والولد باق انعتقت من نصيب ولدها وإن كان مولاها
أوصى لها بشئ لم تمنع لمكان القتل، وكذا المدبر إذا قتل مولاه لم ينقض تدبيره لأن التدبير
وصية والوصية للقاتل جائزة، ولا يجوز الوصية بجميع ما يملكه وإن كان لا يرثه أحد.
إذا أوصى ولم يملك شيئا في الحال ثم ملك قبل الوفاة لزمت الوصية بالموت وكذا إذا
زال ماله بعد الوصاية لزم الوصية في الجميع.
إذا باع في مرضه عبدا قيمته مائتان بمائة وبرأ لزم البيع وإن مات في مرضه صح إن
خرج من الثلث على إحدى الروايتين، وإن لم يخرج لزم البيع في نصف العبد وفي ثلثه
بالمحاباة ولم يلزم في سدسه إلا بإجازة الورثة.
إذا أنفذ الوصي الوصية من الشرى والبيع والعتق وغير ذلك ثم ظهر بعد ذلك دين
على الموصي يحيط بجميع التركة بطل جميع ما أنفذه لأن الوصية إنما تصح في الثلث فما
دونه بعد قضاء الديون وأداء ما فرط فيه من الحج والزكاة والكفارة وغيرها من فرائض
الشريعة المحتاج أداؤها إلى المال.
إذا أوصى بحج مطلقا حج عنه من رأس ماله، وإن أوصى به من الثلث ولم يبلغه الثلث يحج
بالزيادة عليه هذا في حجة الاسلام خاصة، فأما في التطوع فإنه يحج من الثلث من حيث
أمكن.
إذا أوصى بحجة الاسلام وحجة التطوع وغيرهما من القربات حج عنه حجة
211

الاسلام من أصل المال وما عداها من ثلث ما بقي من التركة فإن لم يسع الثلث بذلك بدئ
بحجة التطوع ثم بغيرها.
إذا قال: حجوا عني بثلث مالي، ولم يقل كم حجة يحج عنه ما يبقى من الثلث شئ،
ولا يجوز أن يستأجر من يحج عنه بأكثر من أجرة المثل، فإن فضل من الحج ما لا يمكن أن
يحج به أخرى أعطي الورثة أو صرف في وجوه البر.
إذا أوصى أن يحج عنه في كل سنة من ارتفاع ضيعة بعينها على وجه التأبيد فلم
يرتفع كل سنة مقدار ما يحج به جاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلث لسنة واحدة، ويجوز أيضا
أن يوصي بغلة داره أو ثمرة بستانه أو خدمة عبده المعين أبدا ما لم يتجاوز ثمن الملك
والغلة ثلث التركة في الحال، وكذلك يجوز أن يوصي بذلك مدة معينة لكن هاهنا لا يقوم
إلا المنفعة لأن الرقبة مردودة بعد انقضاء تلك المدة إلى الورثة.
إذا مات الموصي ولزمت الوصية ثم مات الموصى له قبل قبوله قام ورثته مقامه في
القبول، والوصية بالثلث المشاع جائزة.
إذا أوصى بثلث ماله للفقراء صرف إلى فقراء ذلك البلد ويعم الكل استحبابا، فإن
خص بعضهم لم يجز أن ينقص من أقل الجمع وهو ثلاثة أفراد إذا أوصى لقرابته أو لذي رحمه
دخل فيه كل من يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الاسلام وقيل: يصرف إلى من كان
يعرف بثبوت قرابة بينه وبين الموصي وارثا كان أولا. إذا أوصى الكافر بشئ للفقراء كان
لفقراء أهل ملته لا غير. إذا أوصى لأهل بيته أو ذريته فأهل بيته هم الآباء والأجداد وبنوهم
والأولاد، وذريته أولاده وأولاد أولاده، وأولاد الأولاد يدخل في الولد.
إذا أوصى بصندوق أو جراب معين وفيه مال ولم يستثن شيئا كان بما فيه للموصى له
إن كان الموصي عدلا وإلا فالثلث. إذا نسي الوصي بابا من أبواب الوصية صرف سهمه في
وجوه البر.
تصرف الموصي في الموصى به كالبيع والعتق والهبة وطهو الطعام وعجن الدقيق
ونحو ذلك رجوع عن الوصية.
كل ما أوصى به لأولاده ولم يذكر كيفية القسمة يستوي الذكر والأنثى فيه وما أوصى
212

لأعمامه وأخواله روي: أن للأعمام الثلثين وللأخوال الثلث.
من اعتقل لسانه فكتب وصيته أو أومأ بما يفهم به غرضه أو قيل له: أ تأمر بكذا
وكذا؟ فأومأ برأسه أن نعم وكان ثابت العقل صح جميع ذلك، وإذا وجدت وصية بخط
الميت ولم يكن أشهد عليها ولا أقر بها قبل ذلك فالورثة بالخيار بين العمل بها وردها، فإن
عملوا ببعضها لزمهم العمل بجميعها.
من كان عليه دين فأقر بجميع ما يملكه لبعض ورثته لم يقبل إقراره ألا ببينة فإن
لم يكن مع المقر له بينة أعطي صاحب الدين حقه ويكون الباقي ميراثا. إذا قال: لزيد وعمرو
لأحدهما عندي ألف درهم، ولم يبين كان لصاحب البينة منهما فإن فقداها كان بينهما
نصفين.
أول ما تبدأ به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث.
إذا قال لوصية: اقض عني ديني، وأعلمه بصاحب الدين ومقداره ولم يقضه مع
التمكن وفقد الأعذار وهلك المال كان ضامنا له وإن لم يكن للدائن على الورثة سبيل، وإن
كان عزله من الميراث ولم يتمكن من إعطائه الدائن وهلك بلا تفريط منه فللدائن مطالبة
الورثة بالدين.
والزكاة الواجبة في ذمة الموصى بها يجب اخراجها من أصل المال لأنها كالدين،
ومن اجتمع عليه حجة الاسلام والزكاة الواجبة ولم يف المال بذلك حج عنه من أقرب
المواضع ويصرف الباقي إلى الزكاة، والوصية بقضاء ما عليه من حق واجب ديني
أو دنياوي يخرج ذلك من أصل التركة إن أطلق ولم يقيد بالثلث، وأما الوصية المستحبة
والمتبرع بها فمحسوبة من الثلث سواء كانت في حال الصحة والمرض، وتبطل فيما زاد
عليه إلا بإجازة الورثة كما سبق، ومن أوصى بثلث ماله في أبواب البر ولم يفصل كان لكل
باب منها مثل الآخر، ومن أوصى بثلث ماله في سبيل الله صرف في جميع مصالح المسلمين
كبناء المساجد والقناطر والحج والزيارة وما أشبه ذلك.
213

كتاب الإقرار
لا يصح الإقرار إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه أو رق، فلو أقر المحجور عليه
[للسفه] بما يوجب حقا في ماله لم يصح، ويقبل إقراره فيما يوجب حقا على بدنه
كالقصاص والقطع والجلد.
ولا يقبل إقرار العبد على مولاه بما يوجب حقا في ماله من إقراض أو أرش جناية بل
يلزمه ذلك في ذمته يطالب به إذا أعتق إلا أن يكون مأذونا له في التجارة فيقبل فيما يتعلق بها
خاصة، نحو أن يقر بثمن مبيع أو أرش عيب أو ما أشبه ذلك، ولا يقبل إقراره بما يوجب حقا
على بدنه للإجماع ولأن فيه إتلافا لمال السيد، ومتى صدقه السيد قبل إقراره في كل ذلك.
ويصح إقرار المحجور عليه لإفلاس وإقرار المريض للوارث وغيره، ويصح
الإقرار بالمبهم كأن يقول: لفلان علي شئ. ولا تصح الدعوى المبهمة لأنا إذا رددنا
الدعوى المبهمة كان للمدعي ما يدعوه إلى تصحيحها، وليس كذلك الإقرار لأنا إذا رددناه
لا نأمن إلا يقر ثانيا والمرجع في تفسير المبهم إلى المقر ويقبل تفسيره [بأقل] ما يتمول في
العادة وإن [يفسر] جعلناه ناكلا ورددنا اليمين على المقر له فيحلف [علي] ما يقول ويأخذه
فإن لم يحلف فلا حق له.
إذا قال: له علي مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير، لم يقدر ذلك بشئ ويرجع في
214

تفسيره إلى المقر ويقبل تفسيره بالقليل والكثير لأنه لا دليل على مقدار معين والأصل براءة
الذمة، وإذا أقر بمال كثير كان إقراره بثمانين لإجماع الطائفة. وروي في قوله تعالى: في
مواطن كثيرة، أنها كانت ثمانين موطنا.
إذا قال: له علي ألف ودرهم، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه لأنها مبهمة
والأصل براءة الذمة، وكذا لو قال: ألف ودرهمان. فأما إذا قال: وثلاثة دراهم، أو: ألف
وخمسون درهما، أو: خمسون وألف درهم، وما أشبه ذلك فالظاهر أن الكل دراهم لأن ما بعده
تفسير.
وإذا قال: له علي عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة، فإن قال: إلا درهم، بالرفع
كان إقرارا بعشرة لأن المعنى غير درهم، فإن قال: ماله علي عشرة إلا درهما، لم يكن مقرا بشئ لأن
المعنى ماله علي تسعة، ولو قال: ماله علي عشرة إلا درهم، كان إقرارا بدرهم لأن رفعه
بالبدل من العشرة فكأنه قال: ماله علي إلا درهم.
وإذا قال: له علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهما، كان إقرارا بثمانية لأن المراد إلا ثلاثة
لا يجب إلا درهما من الثلاثة يجب لأن الاستثناء من الإيجاب نفي ومن النفي إيجاب واستثناء
الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط، ولا يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم لسقوط الفائدة، وإذا كان
الاستثناء الثاني معطوفا على الأول كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى فلو قال: علي عشرة
إلا ثلاثة وإلا درهما، كان إقرارا بستة.
وإذا استثنى بما لا يبقى معه من المستثنى منه شئ بطل لأنه بمنزلة الرجوع عن الإقرار
فلا يقبل، وإن استثنى لمجهول القيمة كقوله: علي عشرة إلا ثوبا، فإن فسر قيمته بما يبقى
[معه] من العشرة شئ [صح] وإلا بطل، ويجوز استثناء الأكثر من الأقل وفي القرآن: إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين، وفيه: فبعزتك لأغوينهم أجمعين
إلا عبادك منهم المخلصين، فاستثنى من عبادة الغاوين مرة والمخلصين أخرى ولا بد أن
يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.
إذا قال: له [علي] كذا [درهم] بالرفع لزمه درهم واحد لأن التقدير هو درهم أي
الذي أقررت به درهم. وإن قال: كذا درهما فقيل: لزمه درهم واحد لأن درهما أخرجه مخرج
215

اليقين وقيل: لزمه عشرون درهما لأن ذلك أقل عدد انتصب الدرهم بعده فيجب حمله
عليه. وإن قال: كذا درهم، بالخفض لزمه أقل من درهم فبأي قدر فسره قبل منة لأنه يحتمل
أن يريد بعض درهم لأن " كذا " عبارة عن البعض وعن الجملة وقيل: لزمه مائة درهم لأن
ذلك أقل عدد يخفض بعد الدرهم، وقيل: يلزمه درهم واحد، ولي في جواز خفض المعدود
بعد " كذا " وهل هو مستعمل أم لا نظر.
وإن قال: كذا كذا درهما، لزمه أحد عشر لأن ذلك أقل عددين [ركبا وانتصب
ما بعدهما. فإن قال: كذا وكذا درهما، كان إقرارا بأحد وعشرين لأن ذلك أقل عددين]
عطف أحدهما على الآخر وانتصب الدرهم بعدهما.
إذا أقر بشئ وأضرب عنه واستدرك غيرا فإن كان مشتملا على الأول بأن يكون من
جنسه وزائدا عليه وغير متعين لزمه دون الأول كقوله: علي درهم لا بل درهمان، وإن كان
ناقصا عنه لزمه الأول دون الثاني كقوله: علي عشرة لا بل تسعة [لأنه إقرار بالعشرة ثم
رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه] ويفارق ذلك قوله: له علي عشرة إلا درهما، لأن عن
للتسعة عبارتين أحدهما لفظ التسعة، والآخر لفظ العشرة مع استثناء الواحد فبأيهما أتى فقد
عبر عن التسعة وإن كان [ما] استدركه من غير جنس الأول كقوله: علي درهم لا بل دينار،
أو قفيز حنطة لا بل قفيز شعير، لزمه الأمران معا لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول فلا يسقط
برجوعه عنه وإن كان ما أقر به أولا [وما] استدركه متعينين بالإشارة إليهما أو بغيرهما مما
يقتضي التعريف لزمه أيضا الأمران سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين أو متساوين في
المقدار أو مختلفين لأن أحدهما والحال هذه لا يدخل في الآخر فلا يقبل رجوعه عما أقر به أولا
كقوله: هذا الدرهم لفلان لا بل هذا الدينار، أو هذه الجملة من الدراهم لا بل هذه الأخرى.
وإذا قال: له علي ثوب في منديل، لم يدخل المنديل في الإقرار لأنه يحتمل أن يريد في
منديل لي ولا يلزم من الإقرار إلا لمتعين دون المشكوك فيه إذ الأصل براءة الذمة.
إذا قال: له علي ألف درهم وديعة، قبل منه لأن لفظة " علي " للإيجاب وكما يكون
الحق في ذمته فيجب عليه تسليمه بإقراره كذلك يكون في يده فيجب [عليه] رده وتسليمه
إلى المقر له بإقراره، ولو ادعى التلف بعد الإقرار قبل لأنه لم يكذب إقراره وإنما ادعى تلف
216

[ما أقر به بعد ثبوته بإقراره بخلاف ما إذا ادعى التلف] وقت الإقرار بأن يقول: كان في
علمي أنها باقية فأقررت لك بها وكانت تالفة في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقبل منه لأنه
يكذب إقراره المتقدم من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد يسقط حق المودع.
وإذا قال: له علي ألف درهم إن شئت، لم يكن إقرارا لأن الإقرار إخبار عن حق
واجب سابق له وما كان كذلك لم يصح تعليقه بشرط مستقبل.
وإذا قال: له من ميراثي من أبي ألف درهم، لم يكن إقرارا لأنه أضاف الميراث إلى
نفسه ثم جعل له منه جزءا ولا يكون [له جزء] من ماله إلا على وجه الهبة. ولو قال: له من
ميراث أبي ألف كان إقرارا بدين في تركته، وكذا لو قال: داري هذه لفلان، لم يكن إقرارا لما
سبق. ولو قال: هذه الدار التي في يدي لفلان كان إقرارا لأنها قد تكون في يده بإجارة أو
عارية أو غصب.
ويصح الإقرار المطلق للحمل إذ يحتمل أن يكون من جهة صحيحة كميراث أو
وصية. ومن أقر بدين في حالة صحته ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح، ولا يقدم
دين الصحة على دين المرض إذا ضاق المال عن الجميع بل يقسم على قدر الدينين.
فصل:
لا يثبت النسب بالإقرار إلا بشروط ثلاثة: أن يمكن كون المقر به ولدا للمقر بنقصان
السن وهو خمس عشرة سنة، أو يكون مجهول النسب، وأن لا ينازعه فيه غيره لأن مع المنازعة
لا يثبت النسب إلا ببينة، هذا في المقر به الصغير وفي الكبير العاقل شرط رابع وهو أن
يصدقه المقر به في الإقرار. ومن ثبت نسبه بذلك إذا بلغ وأنكر أن يكون ولدا له لم يقبل منه
ولم يسمع دعواه.
وثبوت النسب يحتاج إلى الشروط المذكورة سواء أقر على نفسه بالنسب أو على
غيره كأن يقر بأخ له أو أخت أو عم أو خال، ويراعى في ذلك إقرار رجلين عدلين أو رجل
وامرأتين من الورثة ولا يثبت إلا بذلك، فإن كان المقر واحدا أو كانا غير عدلين [يثبت له
الميراث بقدر ما يخص المقر مما في يده وإن كان المقر له أولى فله جميع ما في يد المقر، ولو مات
217

المقر له لم يرثه المقر لأنه لم يثبت نسبه إلا أن يكون قد صدقه المقر له وكان عاقلا بالغا
ولا يتعدى منهما إلى غيرهما إلا إلى أولادهما، فإن مات وخلف ابنا فأقر بأخ ثم
أقرا بثالث ثم أنكر الثالث الثاني سقط نسبه إذ لم ينسبه اثنان من الورثة وإنما أقر به الأول فيكون المال بين
الأول والثالث ويأخذ الثاني من الأول ثلث ما في يده لأنه مقر به وبغيره.
إذا خلف ثلاثة بنين فأقر اثنان بأخ آخر وجحد الثالث، فإن كانا مرضيين ثبت
نسبه بإقرارهما، وإن كانا غير عدلين] لم يثبت وقاسم الاثنين على حصتهما
إذا أقر لوارثين فصاعدا متساويين في استحقاق الميراث وتناكروا هم ذلك النسب
لم يلتفت إلى إنكارهم وقبل إقراره لهم، فإن أنكروا إقراره أيضا لم يكن لهم ميراث، وإن
أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا بينهم إذا كان المقر [له] ولدا أو والدا وإن كان غيرهما من
ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وإن صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم فيه مال الميت بحال.
ومتى أقر بوارث أولى منه بالميراث وأعطاه ثم أقرا بآخر أولى منهما لزمه أن يغرم له
مثل المال ثم هكذا، وإن أقر بوارث مساو للمقر له في الميراث يغرم له [مثل] نصيبه.
إذا أقر بزوج للميتة أعطي نصيبه فإن أقر بعده بزوج آخر بطل إقراره إلا أن
يكذب نفسه في [الإقرار] الأول فحينئذ يغرم للثاني نصيبه بلا رجوع على الأول.
إذا أقر الولد بزوجة للميت أعطاها ثمن ما في يده من التركة، فإن أقر بأخرى
أعطاها نصف الثمن، فإن أقر بثالثة أعطاها ثلث ثمن ذلك، فإن أقر برابعة أعطاها ربع
ثمن ذلك، فإن أقر بخامسة وقال: إن إحدى من أقررت لها ليست بزوجة لأبي، لم يلتفت
إلى إنكاره ولزمه أن يغرم للمقر لها بعد، وإن لم ينكر واحدة من الأربع بطل إقراره بالخامسة
إذا خلف زوجة وأخا فأقرت الزوجة بابن للميت وأنكره الأخ لم يثبت نسبه إلا أنه
يقاسمها فيأخذ منها ما فضل من نصيبها وهو الثمن مع وجود الولد لأنها أقرت بابن
لمورثها، ومع فقد الولد كان لها الربع فيكون ما في يدها من الربع بين الابن وبينها نصفين.
إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ وجحد الآخر فإن نسب المقر به لا يثبت، فإن مات
الجاحد ورثه المقر والمقر به وكان المال بينهما نصفين، وإن كان الجاحد خلف ابنا فوافق
عمه على إقراره ثبت النسب والميراث لإقرارهما ويرث هو نصيب أبيه.
218

إذا خلف ابنين عاقلا ومجنونا فأقر العاقل بنسب أخ لم يثبت النسب بإقراره فإن
أفاق المجنون ووافقه على إقراره ثبت النسب والميراث وإن خالفه أو لم يفق فكما سبق، وإن
خلف كافر أو مسلم ابنين كافرا ومسلما فالميراث للمسلم دون الكافر فإن أقر المسلم بأخ
مسلم قاسمه ولا اعتبار بجحود الكافر ولا بإقراره.
إذا أقر ببنوة صبي لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه لأنه يحتمل أن يكون الولد من
نكاح فاسد أو من وطء شبهة.
إذا مات صبي وله مال فأقر رجل بنسبه ثبت وورثه باعتبار الشروط السابقة
وكذلك إن كان الميت كبيرا ولا يراعى هنا تصديقه.
219

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
221

كتاب الوقوف والصدقات
وجوه العطايا ثلاثة: اثنان منها في حال الحياة وواحد بعد الوفاة، فالذي بعد الوفاة
الوصية ولها كتاب منفرد نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، وأما اللذان في حال الحياة فهما
الهبة والوقف فإن قيل: والصدقة، قلنا: الوقوف في الأصل صدقات فلأجل هذا لم يذكرها،
والهبة لها باب منفرد يجئ فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما الوقوف فهذا موضعها فإذا ثبت هذا فالوقف: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة،
وجمعه وقوف وأوقاف ويقال وقفت ولا يقال: أوقفت إلا شاذا نادرا، ويقال: حبست
وأحبست.
فإذا وقف شيئا زال ملكه عنه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه وإن لم
يقبض لم يمض الوقف ولم يلزم، فإذا قبض الوقف فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه
ببيع ولا هبة ولا غيرهما، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه سواء أحدث الموقوف عليه
ما يمنع الشرع من معونته أو لم يحدث لأنه بعد قبضه قد صار ملكا من أملاكه ومالا من أمواله فله
حكم سائر أمواله.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث
الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والقربة إلى الله بصلتهم أو يكون تغيير الشرط في
223

الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله. والذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه
وتقبيضه لا يجوز الرجوع فيه ولا تغييره عن وجوهه وسبله ولا بيعه سواء كان بيعه أرد عليهم أم
لا وسواء أضر به الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره أو يحصل بحيث
لا يجدي نفعا لأنا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف وأنه لا يجوز حله ولا تغييره عن وجوهه وسبله
فمن ادعى غير ذلك فقد ادعى حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي لأنه لا إجماع
منا على ذلك لأن بعض أصحابنا يذهب إليه والباقين يمنعون منه فقد حصل الاجماع المنعقد
على كونه وقفا ولم يجمعوا على خروجه من الوقف بحال من الأحوال، ولا يرجع في مثل هذا
الاجماع والأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
فإن شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه: مسألة: إذا خرب الوقف ولا يرجى عوده في أصحابنا
من قال: يجوز بيعه وإذا لم يختل لم يجز، وبه قال أحمد بن حنبل وقال الشافعي: لا يجوز بيعه على
حال، دليلنا الأخبار المروية عن الأئمة ع. هذا آخر كلامه في المسألة فاعتبر أيها
المسترشد قوله واستدلاله فإنه قال: وفي أصحابنا من قال يجوز بيعه، ولم يستدل بالإجماع لأنهم ما
أجمعوا على بيعه بعد خرابه واختلاله وذكر ما لا دليل فيه من أخبار آحاد لا توجب علما
ولا عملا، هذا الخلاف الذي حكيناه من أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين
وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم، فأما إذا كان الوقف على قوم وعلى من أحدهم على
غيرهم وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله الأرض لم يجز بيعه على
وجه من الوجوه بغير خلاف من أصحابنا.
قد قلنا: أنه إذا قبض الوقف زال ملك الواقف عنه وصار ملكا للموقوف عليه فإذا
ثبت أنه يزول وهو الصحيح فإنه ينتقل إلى الموقوف عليه وهو الصحيح.
وقال قوم: ينتقل إلى الله ولا ينتقل إلى الموقوف عليه وإنما قلنا: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه لأنه
يضمن بالغصب ويثبت عليه اليد وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على حال ومنع البيع
لا يدل على أنه لم يملكه لأن الشئ المرهون ملك للراهن ولا يجوز بيعه وكذلك أم الولد ملك
لسيدها بلا خلاف ولا يجوز له بيعها ما دام ولدها حيا عند أصحابنا فعلى هذا التحرير فهل يقبل
في الوقف شاهد واحد ويمين المدعي أم لا؟ من قال: ينتقل إلى الله، قال: لا يقبل في ذلك إلا
224

شهادة شاهدين. ومن قال: ينتقل إلى الموقوف عليه، قال: تقبل في ذلك شهادة واحد ويمين
المدعي الذي هو الموقوف عليه، لأن شهادة الواحد ويمين المدعي يقبل عندنا في كل ما كان مالا
أو المقصود منه المال والوقف مال أو المقصود منه المال بغير خلاف.
يجوز وقف الأراضي والعقار والدور والرقيق والماشية والسلاح وكل عين تبقى بقاء
متصلا ويمكن الانتفاع بها خلافا لأبي يوسف فإنه لا يجوز الوقف إلا في الدور والأراضي
والكراع والسلاح والغلمان تبعا للصيغة الموقوفة، وكل عين جاز بيعها ويمكن الانتفاع بها
مع بقائها المتصل فإنه يجوز وقفها إذا كانت معينة، فأما إذا كانت في الذمة أو كانت مطلقة
وهو أن يقول: وقفت فرسا أو عبدا، فإن ذلك لا يجوز لأنه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعين
ولا يمكن تسليمه ولا يمكن فيه القبض ومن شرط لزومه القبض، فأما الدنانير والدراهم
فلا يصح وقفهما بلا خلاف وإنما قلنا: لا يجوز، لأنها لا منفعة لهما مقصودة غير التصرف فيهما،
فأما إذا كانت حليا مباحا فلا يمنع من وقفها مانع، فأما ما عدا الدنانير والدراهم من الأواني
والفرش والدواب والبهائم فإنه يجوز وقفها لما ذكرناه.
ويجوز وقف المشاع كما يجوز وقف المقسوم ويصح قبضه كما يصح قبضه في البيع.
وجملة القول: إنه يفتقر صحة الوقف إلى شروط:
منها: أن يكون الواقف مختارا مالكا للتبرع فلو وقف محجور عليه لفلس لم يصح.
ومنها: أن يكون متلفظا بصريحه قاصدا له وللتقرب به إلى الله تعالى، والتصريح من
ألفاظه: وقفت وحبست وسلبت. فأما قوله: تصدقت، فإنه يحتمل الوقف وغيره إلا أن يقرن
إليه قرينة تدل على أنه وقف مثل قوله: تصدقت صدقة لا تباع ولا توهب وغير ذلك، وكذلك
قوله: حرمت وأبدت، لا يدل على صريح الوقف إلا أن يضم إلى ذلك ضميمة مع أنهما لم يرد
بهما عرف الشرع فلا يحمل على الوقف إلا بدليل، ومن أصحابنا من اختار القول بأنه
لا صريح في الوقف إلا قوله: وقفت دون حبست وسبلت وهو الذي يقوى في نفسي لأن الاجماع
منعقد على أن ذلك صريح في الوقف وليس كذلك ما عداه، ولو قال: تصدقت، ونوى به
الوقف صح فيما بينه وبين الله تعالى لكن لا يصح في الحكم لما ذكرناه من الاحتمال.
ومنها: أن يكون الموقوف معلوما مقدورا على تسليمه يصح الانتفاع به مع بقاء عينه
225

في يد الموقوف عليه على ما قدمناه فيما مضى.
ومنها: أن يكون الموقوف عليه غير الواقف فلو وقف على نفسه لم يصح فأما إذا وقف
شيئا على المسلمين عامة فإنه يجوز له الانتفاع به عند بعض أصحابنا قال: لأنه يعود إلى أصل
الإباحة فيكون هو وغيره فيه سواء، هذا إذا كان الوقف عاما كان حكمه كحكم غيره من
الناس الفقراء والمساكين، وإن لم يكن عاما وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك، وإن
كان ما وقفه دارا أو منزلا وكان وقفه لذلك عاما في سائر الناس مثل الدور التي ينزلها الحاج
والخانات جاز له النزول فيها، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك على حال والذي يقوى عندي
أن الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه على حال لما بيناه وأجمعنا عليه من أنه لا يصح وقفه
على نفسه وأنه بالوقف قد خرج عن ملكه فلا يجوز عوده إليه بحال.
ومنها: أن يكون معروفا مميزا يصح التقرب إلى الله تعالى بالوقف عليه وهو ممن يملك
المنفعة حالة الوقف، فعلى هذا لا يصح أن يقف الانسان على شئ من معابد أهل الضلال
ولا على مخالف للإسلام أو معاند للحق غير معتقد له إلا أن يكون أحد والديه لقوله تعالى:
وصاحبهما في الدنيا معروفا، وما عداهما من الأهل والقرابات الكفار والمعاندين للحق فلا يجوز
الوقف عليهم بحال لأنا قد بينا إن شرط صحة الوقف التقرب به إلى الله تعالى. ولا يصح
الوقف على من لم يوجد من أولاده ولا ولد لهم ولا على الحمل قبل انفصاله ولا على عبده
بلا خلاف، ولو وقف على أولاده وفيهم موجود ولم ينو تعيين الوقف بالموجود ولا شرطه
للموجود وحده صح ودخل في الوقف من سيولد له على وجه التبع لأن الاعتبار باتصال
الوقف في ابتدائه بموجود هو من أهل الملك، فإن شرط أنه للموجود دون من سيولد فلا
يدخل مع الموجود من سيولد فيما بعد بغير خلاف. ويصح الوقف على المساجد والقناطر
وغيرهما لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين وهم يملكون الانتفاع.
ومنها: أن يكون الوقف مؤبدا غير منقطع فلو قال: وقفت هذا سنة، لم يصح فأما
قبض الموقوف عليه أو من يقوم مقامه في ذلك فشرط في اللزوم والصحة.
ومنها: أن لا يدخله شرط خيار الواقف في الرجوع فيه ولا أن يتولاه هو بنفسه أو
يغيره هو متى شاء وينقله في وجوهه وسبله، فمتى شرط ذلك كان الوقف باطلا على
226

الصحيح من أقوال أصحابنا لأنه لا خلاف في صحة ما ذكرناه وفيما عداه خلاف.
وتعليق الوقف بشرائط في الترتيب جائز ولا يجوز ذلك في الوقف نفسه على
ما قدمناه،
وذهب السيد المرتضى إلى: أن من وقف وقفا جاز له أن يشرط أنه إن احتاج إليه في حال حياته
كان له بيعه والانتفاع بثمنه، وما اخترناه من القول الأول هو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي
وجلة مشيختنا، ودليله ما قدمناه من أنه لا خلاف في صحة الوقف إذا خلا من الشرط
المخالف فيه، والخلاف في صحته مع الشرط المذكور ويدل على صحته ما اعتبرناه من الشروط
بعد إجماع أصحابنا لأنه لا خلاف في صحة الوقف ولزومه إذا تكاملت وليس على صحته
ولزومه إذا لم يتكامل دليل.
ويتبع في الوقف ما يشترطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى أو اشتراكهما
أو تفضيل في المنافع أو المساواة فيها إلى غير ذلك بلا خلاف، وإذا وقف على أولاده وأولاد
أولاده أو على أولاده فحسب ولم يقل: لصلبه، دخل فيهم أولاد أولاده ولد البنات
والبنين.
بدليل إجماع أصحابنا ولأن اسم الولد يقع عليهم لغة وشرعا، وقد أجمع المسلمون على أن
عيسى ع ولد آدم وهو ولد ابنته، وقد قال النبي ص في الحسن و
الحسين: ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا، ولا خلاف بين المسلمين في أن الانسان لا يحل له
نكاح بنت بنته مع قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم، فبنت البنت بنت بغير
خلاف وأيضا دعا رسول الله ع الحسن ابنا وهو ابن بنته فقال: لا تزرموا على ابني،
" بالزاء المعجمة المسكنة والراء غير المعجمة المكسورة والميم " أي لا تقطعوا عليه بوله وكان
قد بال في حجره فهموا بأخذه فقال لهم ذلك.
فأما استشهاد المخالف على خلاف ما ذكرناه بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإنه مخالف لقول الرسول ع وقول الأمة والمعقول فوجب رده وأن لا يقضي بهذا
البيت من الشعر على القرآن و الاجماع على أنه أراد الشاعر بذلك الانتساب لأن أولاد البنت
227

لا ينتسبون إلى أمهم وإنما ينتسبون إلى أبيهم وكلامنا على غير الانتساب. وأما قولهم ولد
الهاشمي من العامية هاشمي وولد العامي من الهاشمية عامي فالجواب عنه: إن ذلك في
الانتساب وليس كلامنا فيه بل كلامنا في الولادة وهي متحققة من جهة الأم بغير خلاف.
ويكون الذكر والأنثى فيه سواء إلا أن يشرط الواقف تفضيل بعضهم على بعض.
وإذا وقف على نسله أو عقبه أو ذريته فهذا حكمه بدليل قوله تعالى: ومن ذريته داود
وسليمان، إلى قوله: وعيسى وإلياس، فجعل عيسى من ذريته وهو ينتسب إليه من الأم وإن
وقف على عترته فهم الأخص به من قومه وعشيرته،
وقد نص على ذلك ثعلب وابن الأعرابي من أهل اللغة ولا يلتفت إلى قول القتيبي في ذلك
وما تعلق به من حديث أبي بكر في قوله: نحن عترة رسول الله، لأن هذا الحديث لم يصححه
نقاد الآثار ونقلة الأخبار.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى شرط الواقف أنه متى احتاج إلى شئ منه كان له بيعه
والتصرف فيه كان الشرط صحيحا وكان له أن يفعل ما شرط إلا أنه إذا مات والحال
ما ذكرناه رجع ميراثا ولم يمض الوقف.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: لو كان الوقف صحيحا لم يرجع ميراثا ولكان يمضى الوقف فيه
بعد موته بل الشرط الذي أفسده لأنا قد بينا أنه متى شرط العود في نفس الوقف كان الوقف
باطلا فلأجل ذلك رجع ميراثا وشيخنا أبو جعفر ذهب إلى أن دخول الشرط في نفس الوقف
يبطله، ذكر ذلك في مبسوطه وفي مسائل خلافه في كتاب البيوع لأن عقد الوقف عقد لازم من
الطرفين مثل عقد النكاح.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والوقف والصدقة شئ واحد لا يصح شئ منها
إلا ما يتقرب به إلى الله تعالى فإن لم يقصد بذلك وجه الله تعالى لم يصح الوقف إلا أن الوقف
يمتاز من الصدقة بأنه لا بد أن يكون مؤبدا ولا يصح بيعه على ما قدمناه والصدقة يصح بيعها
ساعة قبضها وليس من شرطها أن تكون مؤبدة والوقف لا يصح إلا أن يكون مؤبدا على
ما قدمناه ولا يصح أن يكون موقتا. فإن جعله كذلك لم يصح إلا أن يجعله سكنى أو عمري
أو رقبى على ما نبينه عند المصير إليه إن شاء الله.
228

قد قلنا: إنه إذا وقف على ولده الذكر والأنثى فيه سواء إلا أن يشرط تفضيل بعض
منهم على بعض. فإن قال: الوقف بينهم على كتاب الله، كان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا وقف أيضا على والديه كان أيضا مثل ذلك يكون بينهما بالسوية إلا أن يفضل
أحدهما على الآخر إما بتعيين أو بقرينة تدل على ذلك.
وقال شيخنا في نهايته: ولا بأس أن يقف المسلم على والديه أو ولده أو من بينه وبينه رحم وإن
كانوا كفارا ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه على حال وكذلك إن أوصى لهم بشئ
كان ذلك جائزا، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس رحمه الله أما وقف المسلم على والديه الكافرين فصحيح لقوله تعالى:
وصاحبهما في الدنيا معروفا، على ما قدمناه فأما ما عدا الوالدين من الأهل والقرابات وغيرهم
فلا يجوز ولا يصح الوقف عليهم بحال لأنا قد بينا أن من شرط صحة الوقف القربة به إلى الله
تعالى ولا يصح التقرب إلى الله تعالى بالوقف على الكافر لأن شيخنا قد حكينا عنه في نهايته
أنه قال: الوقف والصدقة شئ واحد لا يصح شئ منهما إلا ما يتقرب به إلى الله تعالى وإن لم
يقصد بذلك وجه الله لم يصح الوقف، ثم يقول بعده ما حكيناه عنه من صحة الوقف على
الكافر. وإنما هذه أخبار آحاد يجدها فيوردها بألفاظها إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثالها وإن
كان غير عامل بها ولا معتقد لصحتها والأولى عندي أن جميع ذوي أرحامه الكفار يجرون
مجرى أبويه الكافرين في جواز الوقف عليهم لحثه ع على صلة الأرحام وبهذا أفتى.
فأما صحة الوصية لمن ذكر فإنه على ما ذهب إليه لأنا لا نراعي في الوصية القربة بها إلى الله
سبحانه فلهذا صحة الوصية لهم دون الوقف لما بيناه فليلحظ ذلك ويتأمل.
وإذا وقف الكافر على كافر مثله أو على البيع والكنائس والمواضع التي يتقربون بها
إلى الله تعالى كان وقفه صحيحا لأنه يرى ذلك تدينا عنده، وإذا وقف الكافر وقفا على
الفقراء كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل نحلته دون غيرهم من سائر أصناف الفقراء
لأن شاهد حاله وفحوى خطابه يخصص إطلاق قوله وعمومه لأن من العلوم بشاهد الحال أنه ما أراد
إلا فقراء ملته دون غيرهم والحكم في قول جميع أهل الآراء ووقفهم ما حكيناه فليلحظ ذلك.
إذا وقف المسلم المحق شيئا على المسلمين كان ذلك للمحقين من المسلمين لما دللنا
229

عليه من فحوى الخطاب وشاهد الحال،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من
أقر بالشهادتين وأركان الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وإن اختلفوا
في الآراء والديانات، وهذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا لأنا وإياه نراعي في صحة الوقف
التقرب به إلى الله تعالى وبعض هؤلاء لا يتقرب الانسان المحق بوقفه عليه.
وقال أيضا في نهايته: فإن وقف على المؤمنين كان ذلك خاصا لمجتنبي الكبائر من أهل
المعرفة بالإمامة دون غيرهم ولا يكون للفساق منهم معهم شئ على حال.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الصحيح أنه يكون لجميع المؤمنين من العدل والفاسق لأن كل
خطاب خوطب به المؤمنون يدخل الفساق من المؤمنين في ذلك الخطاب في جميع القرآن
والسنة والأحكام بغير خلاف مثل قوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة، وكقوله: فتحرير رقبة
مؤمنة، وغير ذلك من الآيات ولم يرد العدل بغير خلاف. وقد ذكر السيد المرتضى في جواب
المسائل الناصريات في المسألة السابعة والسبعين والمائة: والفاسق عندنا في حال فسقه
مؤمن يجتمع له الإيمان والفسق ويسمى باسمهما وكل خطاب دخل فيه المؤمنون دخل فيه من
جمع بين الفسق والإيمان، هذا آخر كلام المرتضى رضي الله عنه وإنما هذه أخبار آحاد يوردها
شيخنا في كتابه النهاية إيرادا لأنه كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر فإنه رحمه الله قد رجع في
كتبه كتب البحث عن معظم ما ذكره في نهايته مثل مسائل خلافه ومبسوطه وغير ذلك من
كتبه فلا يتوهم أحد وينسبه منه إلى تقصير وقلة تحقيق وإنما العذر له فيما ذكرناه وقد أفصح
عن ذلك وأبان واعتذر لنفسه في خطبة مبسوطه على ما حكيناه عنه في خطبة كتابنا هذا
فليلحظ من هناك. وقد رجع شيخنا أبو جعفر عما قاله في نهايته في كتاب التبيان فقال في
تفسير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، فقال: هذا الخطاب
يرجع إلى جميع المؤمنين ويدخل فيه الفساق بأفعال الجوارح وغيرها لأن الإيمان لا ينفي الفسق
عندنا وعند المعتزلة أنه خطاب لمجتنبي الكبائر. هذا آخر كلامه رحمه الله في التبيان.
وإذا وقف على الشيعة ولم يميز فيهم قوما دون قوم كان ذلك الوقف ماضيا في الإمامية
والجارودية من الزيدية دون البترية.
230

والبترية فرقة تنسب إلى كثير النوا وكان أبتر اليد.
ويدخل معهم سائر فرق الإمامة من الكيسانية
وهم القائلون بإمامة محمد بن الحنفية وأنه اليوم حي وهو المهدي الذي يظهر.
والناووسية
القائلون بأن جعفر بن محمد ع لم يمت وهو المهدي
والفطحية
القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق وقيل: إنه كان أفطح الرجلين.
والواقفة
وهم القائلون بأن موسى بن جعفر الكاظم ع لم يمت وأنه المهدي
والاثني عشرية
على ما روي وأورده شيخنا في نهايته وقد قلنا ما عندنا في أمثال ذلك: وهو أن نية القربة معتبرة
في صحة الوقف فإن كان الواقف من إحدى هذه الفرق حمل كلامه العام على شاهد حاله
وفحوى قوله وخصص وصرف في أهل نحلته دون من عداهم من سائر المنطوق به لما دللنا عليه
فيما مضى وأنما هذه أخبار آحاد رواها المحق والمبطل من الشيعة فأوردها شيخنا في
نهايته كما هي بألفاظها.
فإن وقفه على الإمامية خاصة كان في من قال بإمامة الاثني عشر منهم. فإن وقفه على الزيدية
وكان الواقف زيديا كان على القائلين: بإمامة زيد بن علي بن الحسين وإمامة كل من خرج
بالسيف من ولد فاطمة ع من أهل الرأي والعلم والصلاح، فإن كان الواقف
إماميا لم يصح الوقف على ما حررناه لعدم نية القربة التي هي شرط في صحة الوقف
وشيخنا أطلق هذا الموضع إطلاقا. فإن وقفه على الهاشميين كان مصروفا في ولد أبي
طالب وولد العباس بن عبد المطلب وولد أبي لهب وولد الحارث بن عبد المطلب فإنه لا عقب
لهاشم إلا من هؤلاء الذكور منهم والإناث على ما قدمناه بالسوية إلا أن يشرط التفضيل.
وإذا وقفه على الطالبيين كان ذلك على أولاد أبي طالب رحمة الله عليه ورضوانه.
وإذا وقفه على العلويين كان ذلك على ولد على أمير المؤمنين ع وولد ولده الذكور
231

والإناث الفاطمي وغير الفاطمي بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء فإن وقفه على ولد فاطمة
ع كان ذلك على ولد الحسن والحسين ع الذكور منهم والإناث
بالسوية، فإن وقفه على الحسنية لم يكن للحسينية معهم شئ على حال، فإن وقفه على
الحسينية لم يكن للحسنية معهم شئ على حال، فإن وقفه على الموسوية كان ذلك على أولاد
موسى بن جعفر ع.
وإذا وقف الانسان شيئا على جيرانه أو أوصى لهم بشئ ولم يسمهم بأسمائهم
ولا ميزهم بصفاتهم كان ذلك مصروفا إلى من يلي داره إلى أربعين ذراعا من أربعة
جوانبها إلا من منع دين الواقف وشاهد حاله وفحوى قوله من الوقف عليه على ما حررناه
فيما مضى، وليس لمن بعد عن هذا الحد شئ،
وروي: إلى أربعين دارا، والأول هو الأظهر والمعول عليه.
وروي: أنه إذا وقف على قومه ولم يسمهم كان ذلك على جماعة أهل لغته من الذكور
دون الإناث،
والذي يقتضيه أصول المذهب وتشهد بصحته الأدلة القاهرة أنه يكون مصروفا إلى الرجال
من قبيلته ممن ينطلق العرف بأنهم أهله وعشيرته دون من سواهم هذا الذي تشهد به اللغة
وعرف العادة وفحوى الخطاب قال الشاعر:
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإذا رميت يصيبني سهمي
فأما الدليل على أن القوم ينطلق على الرجال دون النساء قوله تعالى: لا يسخر قوم من قوم
ولا نساء من نساء وقول زهير:
ما أدري وسوف أخال أدري
أقوم آل حصن أم نساء
وأما الرواية التي وردت بأن ذلك على جميع أهل لغته فهي خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا
من غير دليل يعضدها من إجماع أو كتاب أو سنة أو دليل أصل فإذا عدم جميع ذلك وورد
خطاب مطلق حمل على العرف والعرف ما اخترناه.
فإن وقفه على عشيرته كان ذلك على الخاص من أهله الذين هم أقرب الناس إليه
في نسبه،
232

فإن وقفه على مستحقي الخمس كان ذلك على ولد هاشم وقد بيناهم فيما مضى
وذكرناهم فلا وجه لإعادتهم،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن وقفه على مستحقي الخمس كان ذلك على ولد أمير
المؤمنين ع وولد العباس وجعفر وعقيل ثم لم يذكر غير ذلك وليس اقتصاره على
ذكر من ذكر دليلا على أنه لا يستحق غير المذكورين الذين هم بقية ولد هاشم المستحقين
للخمس شيئا من هذا الوقف لأن هذا دليل الخطاب.
فإن وقفه على مستحق الزكاة كان ذلك على الثمانية الأصناف المذكورة في
القرآن.
ومتى وقف الانسان على أحد الأجناس ممن ذكرناهم، فإن كانوا كثيرين في البلاد
منتشرين كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف دون غيره من البلدان.
ومتى وقف الانسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم ولم يشرط بعد
انقراضهم عوده على شئ بعينه كان متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد راجعا ميراثا على
أقرب الناس من آخر المنقرضين من أرباب الموقوف عليهم لأنه مال من أموال الموقوف
عليهم يورث كما يورث سائر الأملاك والأموال ولا يجوز عوده على ورثة الواقف ولا على
الواقف نفسه بحال من الأحوال لأنه بالوقف خرج من ملكه وانتقل إلى ملك الموقوف عليه
بغير خلاف بيننا فعوده إليه بعد ذلك يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة
ولا إجماع منعقد وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في مقنعته.
وقال أبو جعفر في نهايته: ومتى وقف الانسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم
ولم يشرط بعد انقراضهم عوده على شئ بعينه فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف على
ورثة الواقف. وهذا قول مرغوب عنه لأنه لا دليل عليه بحال.
وقال رحمه الله في مسائل خلافه: مسألة: إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة مثل أن
يقف على ولده وولد ولده وسكت على ذلك فمن أصحابنا من قال: لا يصح الوقف، ومنهم
من قال: يصح، فإذا انقرض الموقوف عليه رجع إلى الواقف إن كان حيا، وإن كان ميتا رجع
إلى ورثته، وبه قال أبو يوسف. وللشافعي فيه قولان: أحدهما لا يصح والآخر يصح فإذا
233

انقرضوا رجع إلى أبواب البر ولا يعود إليه ولا إلى ورثته دليلنا أن عوده إلى البر بعد انقراض
الموقوف عليه يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه والأصل بقاء الملك عليه أو على
ولده. هذا آخر المسألة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: انظر أرشدك الله إلى ما قاله شيخنا في المسألة فإنه ما تعرض
للإجماع ولا الأخبار لأن الطريقين مفقودان هاهنا إنما دل بما يقضى عليه وهو محجوج به وهو قوله:
دليلنا أن عوده إلى البر بعد انقراض الموقوف عليهم يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل
عليه. وكذا نقول نحن له رحمه الله: أن عوده إلى الواقف أو إلى ورثته بعد انقراض الموقوف
عليهم يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه والأصل بقاؤه وقفا فمن أخرجه من
كونه وقفا يحتاج إلى دليل ولن يجده ونكيل له بصاعه حرفا فحرفا والله الموفق للصواب.
وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة فبطل رسمها يجعل في وجه البر بلا خلاف
ولا يجوز عوده على الواقف ولا على ورثته وهذا أيضا دليل على صحة المسألة المتقدمة
وفساد قول المخالف فيها.
وإذا وقف في وجوه البر ولم يسم شيئا بعينه كان للفقراء أو المساكين ومصالح
المسلمين من بناء المساجد والقناطر وتكفين الموتى والحاج والزوار وغير ذلك.
وقال شيخنا في نهايته: إذا وقف انسان مسكنا جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليه وليس له
أن يسكن فيه غيره. وهذا على إطلاقه لا يصح وقد قلنا ما عندنا في ذلك وهو: إنه إن كان
الوقف عاما على جميع المسلمين جاز ذلك على ما حكيناه عن بعض أصحابنا وإن كان خاصا على
قوم بأعيانهم لا يجوز للواقف أن يسكن فيه مع من وقفه عليه لأنه بالوقف خرج من ملك
الواقف وصار ملكا للموقف عليه.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: يجوز الوقف على أهل الذمة إذا كانوا أقاربه،
وقال الشافعي: يجوز ذلك مطلقا، ولم يخص دليلنا إجماع الفرقة وأيضا فإن ما قلنا مجمع على
جوازه وما ذكروه ليس عليه دليل، هذا آخر كلامه في المسألة. وقد قلنا ما عندنا في مثل هذه
المسألة من أنه لا يجوز الوقف على الكفرة إلا أن يكون الكافر أحد الوالدين لأن من صحة
الوقف وشرطه نية القربة فيه.
234

إذا وقف على مواليه وله موليان: مولى من فوق ومعناه المنعم عليه وله مولى آخر من
أسفل ومعناه من أنعم هو عليه فأعتقه ولم يبين انصرف الوقف إليهما لأن اسم المولى يتناولهما.
إذا بنى مسجدا وأذن للناس فصلوا فيه أو عمل مقبرة فأذن في الدفن فيها فدفنوا
ولم يقل: إن ذلك وقف، ولم يوجبه على نفسه بالقول أو النطق بالوقفية لم يزل ملكه عن ذلك
لأن الأصل الملكية وزوالها يحتاج إلى دليل والوقف حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي.
فإن وقف مسجدا وقفا صحيحا ثم إنه خرب وخربت البلدة التي هو فيها لم يعد إلى
ملكه لأن ملكه قد زال بلا خلاف وعوده إليه يحتاج إلى دليل.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا انقلعت نخلة من بستان وقف أو انكسرت جاز
بيعها، واستدل بأن قال: دليلنا أنه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلا على هذا الوجه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها وهو أن يعمل جسرا
أو زروقا إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها وقد بينا أن الوقف لا يجوز بيعه فعلى هذا
التحرير لا يجوز بيعها وينتفع بها من هي وقف عليه بغير البيع فليلحظ ذلك.
باب العمرى والرقبى والسكنى والحبيس:
العمرى نوع من الهبات يفتقر صحتها إلى إيجاب وقبول ويفتقر لزومها إلى قبض
كسائر الهبات وهي مشتقة من العمر وصورتها أن يقول الرجل للرجل: أعمرتك هذه الدار
وجعلتها لك عمرك، أو: هي لك ما حييت، أو: ما بقيت، أو: ما عشت، وما أشبه ذلك مما في
معناه وهي عقد جائز فإذا ثبت جوازها فلا يخلو من أربعة أحوال:
إما أن يقول: هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك عمرهم، أو يطلق ذلك فيقول:
هذه الدار لك عمرك فإذا مت رجعت إلى، أو يقول: هذه الدار لك عمري، أو يقول: هذه الدار
لك مدة عمري.
فإذا قال: عمرك ولعقبك، فإنها جائزة عندنا فإذا انقرض العقب عادت إلى
المعمر إن كان حيا أو إلى ورثته إن كان ميتا. فإن قال: لك عمرك، فإذا مات رجعت إلى
235

المعمر أيضا. فإن قال: هذه لك مدة عمري، فليس له أن يخرجه منها ما دام حيا فإذا مات
كان للوارث اخراجه منها فإن مات المعمر دون من أعمره وخلف ورثة كان لهم سكناها إلى
أن يموت من أعمر أباهم. فأما إن قال: هذه الدار عمري لك، ولم يقل: مدة عمري ولا مدة
عمرك، فإن هذا مجهول لا يلزم به شئ بحال.
والرقبى أيضا جائزة عندنا وصورتها صورة العمرى إلا أن اللفظ يختلف وإن كان
المعنى يتفق لأنه يقول في العمرى: أعمرتك هذه الدار مدة حياتي، أو: مدة حياتك، أو: مدة
عمري، أو: مدة عمرك. والرقبى يحتاج أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة
حياتي، وفي أصحابنا من قال: الرقبى أن يقول: جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك
أو مدة حياتي، وهي مأخوذ من رقبة العبد والأول مأخوذ من رقبة الملك، وهو الأظهر إلا أن
الاشتقاق المحقق أنها مصدر من رقب كل واحد منهما موت صاحبه يرقبه رقبى، ويحتاج
أيضا إلى الإيجاب والقبول والقبض من صحة لزومها وقد قلنا: إنه لا فرق بين العمرى
والرقبى في الحكم والمعنى سواء علقه بموت المرقب أو المرقب، فإن علقه بموت المرقب فإن
مات المرقب رجع إلى ورثته وإن مات المرقب أولا كان لورثته إلى أن يموت المرقب، فإن
علقه بموت المرقب ومات المرقب لم يكن لورثته عليه سبيل حتى يموت فإذا مات رجع إليهم،
وإن مات المرقب أولا لم يكن لورثته شئ ورجع إلى المرقب مثل ما ذكرناه في العمرى حرفا
فحرفا.
فأما السكنى فلا بأس أن يجعل الانسان داره أو منزله أو ضيعته أو عقاره
سكنى لإنسان حسبما أراد، فإن جعله له مدة من الزمان كان ذلك ماضيا ولم يجز له نقله عنه
إلا بعد مضى تلك المدة وكذلك لا يجوز له بيعه إلا بعد انقضاء المدة أو يشترط على المشتري
مقدار ذلك الزمان.
ومتى مات والحال ما وصفناه لم يكن لورثته نقل الساكن عنه إلا بعد أن تمضى المدة
المذكورة، ومتى أسكنه إياه مدة عمره فهي العمرى وقد ذكرناها مستوفاة، ومتى أسكنه ولم
يذكر مدة كان له اخراجه أي وقت شاء.
وإذا أسكن الانسان غيره لم يجز للساكن أن يسكن معه غيره إلا ولده وأهله يعني
236

امرأته ولا يجوز له سواهم، ولا يجوز للساكن أيضا أن يؤاجره ولا أن ينتقل عنه فيسكن غيره
إلا بإذن صاحب المسكن
على ما ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته والذي يقتضيه أصول المذهب أن له جميع ذلك و
خلافه وإجارته وانتقاله عنه وإسكان غيره معه سوى ولده وامرأته سواء أذن له في ذلك أو لم
يأذن إذا كان أول ما أسكنه قد أطلق السكنى لأن منفعة هذه الدار استحقها وصارت مالا من
أمواله وحقا من حقوقه فله استيفاؤها كيف شاء بنفسه وبغيره.
وما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته فلا شك أنه خبر واحد وقليلا ما يورده أصحابنا في كتبهم
فشيخنا المفيد لم يورده في مقنعته ولا السيد المرتضى ولا المحصلون من أصحابنا.
وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام
وبعيره في معونة الحاج والزوار، فإذا فعل ذلك لوجه الله تعالى لم يجز له تغييره ولا تبديله
فإنه قد خرج عن ملكه، فإن عجزت الدابة أو دبرت.
يعني صار بها دبر - بفتح الدال والباء - أي عقر لأن الدبر في لسان العرب العقر، فروي أن
بعض الأعراب قال لعمر بن الخطاب وكان أتاه فشكا إليه نقب إبله ودبرها فكذبه عمر
وحلف بأنه كاذب واستحمله فلم يحمله فأنشأ يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر
ما مسها من نقب ولا دبر
النقب الجرب
فإن مرض الغلام أو الجارية وعجزا عن الخدمة سقط عنهما فرضهما فإن عادا إلى
الصحة كان الشرط فيهما قائما حتى يموت العبد وتنفق الدابة، فأما إن حبس ملكه على
بعض الآدميين إلى مدة موت الحابس فإنه إذا مات عاد الملك إلى ورثة الحابس وأنفذت فيه
المواريث، فهذا معنى ما روي عن أمير المؤمنين ع: أنه قضى برد الحبيس وإنفاذ
المواريث.
فأما الحبيس على بيت الله ونحو ذلك فلا يعود إلى ملك الحابس ولا إلى ورثته بعده
بحال فهذا فرق ما بين الحبيسين والمسألتين فليلحظ ذلك ويتأمل فربما اشتبه على كثير من
المتفقهة.
237

وروي أنه إذا جعل الانسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدة من الزمان ثم هو حر بعد
ذلك كان ذلك جائزا وكان على المملوك الخدمة في تلك المدة فإذا مضت المدة صار حرا، فإن
أبق العبد هذه المدة ثم ظفر به من جعل له خدمته لم يكن له بعد انقضاء تلك المدة عليه
سبيل، وإن كان صاحب الغلام أو الجارية جعل خدمته لنفسه مدة من الزمان ثم هو حر بعد
ذلك وأبق المملوك انتقض ذلك التدبير فإن وجده بعد ذلك كان مملوكا يعمل به ما شاء،
أوردها لهذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته وهي من أضعف أخبار الآحاد لأنها مخالفة
لأصول المذهب لأن التدبير عند أصحابنا بأجمعهم لا يكون إلا بعد موت المولى الذي هو المعتق
المباشر للعتق ويكون بمنزلة الوصية يخرج من الثلث هذا لا خلاف بينهم فيه، فمن ادعى
حكما شرعيا آخر غير هذا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا يرجع إلى أخبار الآحاد في
مثل ذلك لأنها لا توجب علما ولا عملا على ما بيناه ثم إنه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا إلا الشاذ
التابع لمسطور شيخنا أبي جعفر في نهايته فإنه رحمه الله لم يذكر ذلك في مسائل خلافه ولا في
مبسوطه ولا في معظم كتبه المصنفة سوى الكتب الأخبارية لأنه من طريق أخبار الآحاد
فيذكرها في جمل الأخبار وأوردها إيرادا لا اعتقادا على ما اعتذر به لنفسه.
باب الهبات والنحل:
الهبة والنحلة جائزتان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فالكتاب قوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم
والعدوان. والهبة من البر وكذلك النحلة.
والسنة ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي ص قال: كل
معروف مرغب فيه. وروى أبو هريرة أن النبي ع قال: لو أهدي إلى ذراع لقبلت
ولو دعيت إلى كراع لأجبت. وروت عائشة: أن رسول الله ع كان يقبل الهدية
ولا يقبل الصدقة. أما صدقة الواجب فكانت حراما عليه وعلى بني هاشم وأما صدقة
الندب فهي حلال عندنا عليه وعلى بني هاشم وإنما كان يتنزه عنها على جهة الاستحباب
238

دون الفرض والإيجاب. وروي: أن جعفر بن محمد ع كان يشرب من السقايات
التي بين مكة والمدينة فقيل له في ذلك فقال: إنما حرمت علينا صدقة الفرض.
وأما الاجماع فقد اجتمعت الأمة على جواز الهبة واستحبابها.
إذا تقرر هذا فالهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد، غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب
بالهبة إلى الله تعالى سميت صدقة فإذا أقبضها لا يجوز له الرجوع فيها بعد الإقباض على
كل من تصدق عليه بها، وإذا قصد بها التودد والمواصلة لا التقرب إلى الله تعالى سميت
هدية وهبة وهي على ضربين: هبة يجوز للواهب الرجوع فيها بعد قبض الموهوب لها، وهبة
لا يجوز للواهب الرجوع فيها بعد قبض الموهوب لها.
فالموهوب على ضربين: ذي رحم وأجنبي. وذو الرحم على ضربين: ولد وغير ولد.
والولد على ضربين: صغير وكبير. فإذا كان كبيرا بالغا فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بعد
قبضها على حال سواء أضاف الولد إلى القبض شيئا آخر أو لم يضف وكذلك الولد
الصغير لأن قبض الوالد قبض عنه فلا يحتاج إلى قبض والولد الكبير يحتاج إلى قبض في هبته
ولزومها فهذا الضرب من الهبة الذي لا يجوز بعد القبض الرجوع فيها بحال فأما ذو الرحم
غير الولد.
فبعض أصحابنا يجريه مجرى الولد الأكبر ويذهب إلى أنه لا يجوز للواهب الرجوع في الهبة بعد
إقباضها إياه وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته، وبعض يذهب إلى أن له الرجوع بعد
القبض ويجريه مجرى الأجنبي وهو الذي يذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه وهذا
الذي يقوى في نفسي.
فأما الضرب
الهبة بعد الإقباض فهي الهبة للأجنبي ولذي الرحم
غير الولد على الأظهر الأصح عند أصحابنا، فإذا وهب الأجنبي وقبضه إياها فللواهب
الرجوع فيها ما لم يضف الموهوب له إلى القبض أحد ثلاثة أشياء: أما أن يعوض عنها
الواهب سواء كان العوض مثلها أو أقل منها أو أكثر، أو يتصرف فيها، أو يستهلك عينها.
فمتى أضاف إلى القبض أحد الثلاثة الأشياء فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بحال
لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به وما عدا هذا الموضع مما يجوز للواهب
239

الرجوع في هبته أخرجناه بدليل وهو الاجماع من أصحابنا، فإذا تقرر هذا فهي من العقود
الجائزة تحتاج إلى إيجاب وقبول ومن شرط لزومها الإقباض، وذهب الأكثرون من أصحابنا
إلى أن من شرط انعقادها وصحته وصحة الإقباض إذن الواهب فمتى قبضها الموهوب له بغير
إذن الواهب كان القبض فاسدا.
ويكره أن يرجع الانسان فيما يهبه لزوجته وكذلك يكره للمرأة الرجوع فيما تهبه
لزوجها وقد قلنا: إنه لا يجوز للإنسان أن يرجع فيما يهبه لوجه الله تعالى بعد الإقباض على
حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وما تصدق الانسان به لوجه الله فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع
والهبة والشراء فإن رجع إليه بالميراث كان جائزا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: لا بأس أن يعود إليه بأمر شرعي إما بالبيع أو الهبة أو الشراء
وغير ذلك وإنما هذا خبر واحد أورده إيرادا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع لأن
المتصدق عليه قد ملك الصدقة وله بيعها على من شاء من الناس سواء باعها على المتصدق
بها أو على غيره بغير خلاف، وشيخنا فقد رجع عما قاله في مسائل خلافه في الجزء الأول من
كتاب الزكاة قال: مسألة: يكره للإنسان أن يشترى ما أخرجه في الصدقة وليس بمحظور، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: البيع مفسوخ. دليلنا قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم
الربا، وهذا بيع فمن ادعى فسخه فعليه الدلالة. هذا آخر كلامه رحمه الله في مسألته فانظر
إلى قوله هاهنا وإلى قوله في نهايته يشعرك أن تلك أخبار آحاد يوردها إيرادا على ما يجدها
بألفاظها من غير اعتقاد لصحتها.
وروي أنه إذا أخرج الانسان شيئا لوجه الله تعالى يتصدق به ففاته من يريد إعطاءه
فليتصدق به على غيره ولا يرده في ماله وذلك على طريق الاستحباب دون الفرض
والإيجاب.
ولا بأس أن يفضل الانسان بعض ولده على بعض بالهبة والنحلة إلا أنه يكره ذلك
في حال المرض إذا كان الواهب معسرا فإذا كان موسرا لم يكره ذلك.
إذا وهب الوالد لولده وإن علا الوالد أو الأم لولدها وإن علت وقبضوا إن كانوا
240

كبارا أو كانوا صغارا لم يكن لهما الرجوع فيه،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه، والذي يقتضيه مذهبنا أن هبة الوالد تكون كما قال
وذكر رحمه الله وإن علا الوالد، فأما هبة الأم للولد الكبير البالغ فإذا قبض فليس لها رجوع،
وأما هبتها لولدها الصغير فلا بد من تقبيض وليه، فإذا قبض الولي الهبة أما أبوه أو وصيه
فليس لها رجوع، فإذا لم يقبض فلها الرجوع بخلاف الأب لأن قبض الأب قبضه وليس كذلك
الأم فليلحظ ذلك.
وقال شيخنا في مسائل الخلاف مسألة: إذا وهب لأجنبي وقبضه أو لذي رحم غير الولد كان
له الرجوع فيه ويكره الرجوع في الهبة لذي الرحم، وهذا الذي اخترناه ونصرناه. ومذهبه
في نهايته بخلاف هذا فإنه يجعل ذا الرحم بمنزلة الولد البالغ وهو خيرة شيخنا المفيد أيضا في
مقنعته وهو قوي يمكن اعتماده لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، فأما للأجنبي فأخرجناه من عموم
الآية بالإجماع.
الهبة عندنا لا تقتضي الثواب الذي هو العوض عنها إلا أن يشرطه الواهب على
الموهوب له.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه، مسألة: الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن فوقه وهبة
لمن دونه وهبة لمن هو مثله، فكلها يقتضي الثواب ولم يدل على ذلك شئ يعتمد.
وأما دليلنا نحن على أنها لا تقتضي الثواب الذي هو العوض عنها إلا بالشرط فالأصل براءة
الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل وإجماع أصحابنا عليه فإن أحدا منهم لم يذكر ذلك
في مسطور.
إذا شرط الثواب فإن كان مجهولا صح لأنه وافق ما يقتضيه الإطلاق وإن كان معلوما
كان أيضا صحيحا لأنه لا مانع منه،
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: مسألة: إذا وهب ثوبا خاما لمن له الرجوع في هبته
فقصره الموهوب له لم يكن للواهب الرجوع فيه، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم على أنه إذا تصرف الموهوب له في الهبة لم يكن للواهب الرجوع فيها وهذا قد
تصرف ولأن إثبات الرجوع في هذا الموضع يحتاج إلى دليل هذا آخر استدلاله ونعم ما
241

استدل به رحمه الله.
إذا وهب في مرضه المخوف شيئا وأقبضه ثم مات.
فمن أصحابنا من قال: تلزم الهبة في جميع الشئ الموهوب سواء كان الثلث
أو أكثر من الثلث وهو الصحيح من المذهب الذي يقتضيه الأصول. ومنهم من قال: يلزم في الثلث ويبطل فيما
زاد عليه.
إذا كان له في ذمة انسان مال فوهبه له كان ذلك إبراء بلفظ الهبة، وهل من شرط
صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا؟
قال قوم: من شرط صحته قبوله فلا يصح حتى يقبل وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله، وهو
الذي نختاره ونقول به لأن في إبرائه من الحق الذي له عليه منة عليه وغضاضة ولا يجبر على
قبول المنة وتحمل الغضاضة فإذا لم يعتبر قبوله أجبرناه على ذلك كما نقول في هبة العين له
أنها لا تصح إلا إذا قبل. وقال قوم: إن ذلك يصح شاء من عليه الحق أو أبي لقوله تعالى:
فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم، فاعتبر مجرد الصدقة ولم يعتبر القبول وقال تعالى:
ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فأسقط الدية بمجرد التصدق ولم يعتبر القبول والتصدق
في هذا الموضع الإبراء.
قلنا: أما التمسك بهذا فضعيف عندنا لأنه دليل الخطاب ودليل الخطاب عند المحصلين من
أصحابنا المتكلمين في أصول الفقه لا يعملون به.
هذا إذا وهبة لمن عليه الحق فإن وهبه لغيره صح ذلك إلا أنه لا يلزم إلا بالقبض.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام من شرطها
الإيجاب والقبول ولا يلزم إلا بالقبض وكل من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه،
هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا غير واضح ولا مستقيم لأن صدقة التطوع بعد إقباضها
المصدق بها عليه لا يجوز ولا يحل العود والرجوع بها على من كانت من الناس بغير خلاف
بيننا وليس كذلك الهبة على ما حررناه.
إذا أهدى لرجل شيئا على يد رسوله فإنه على ملكه بعد وإن مات المهدي إليه كان
242

له استرجاعه وإن مات المهدي كان لوارثه الخيار، وإذا وصلت الهدية إلى المهدي إليه لم
يملكها بالوصول ولم تلزم ويكون ذلك إباحة من المهدي، فمن أراد الهدية ولزومها وانتقال
الملك فيها إلى المهدي إليه الغائب فليوكل رسوله في عقد الهدية معه فإذا مضى وأوجب له
وقبل المهدي إليه وأقبضه إياها لزمه العقد ويملك المهدي إليه الهدية.
ومن وكيد السنة وكريم الأخلاق الإهداء وقبول الهدية إذا دعا إلهيا داعي المودة
الدنيوية والتكرم، فيحسن قبولها إذا عريت من وجوه القبح، ويقبح القبول مع ثبوته، ويخرج
بالقبول والإقباض عن ملك المهدي وله الرجوع فيها ما لم يتصرف فيها من أهديت إليه
أو يعوض عنها أو تهلك عينها، وإمضاؤها أفضل ولا يجب المكافاة عليها وفعلها أفضل.
وقد جاء في الترغيب لقبولها أخبار ورخص وجاء في كراهية قبولها وذمها أشياء فمن جملة ما
في الترغيب فيها ما روي عنه ع أنه قال: تهادوا تحابوا، وروي أن أم حكيم بنت
وداع الخزاعية قالت له: يا رسول الله أ تكره رد الهدية؟ فقال: ما أقبح رد الهدية ولو أهدى
إلي ذراع لقبلته ولو دعيت إلى ذراع لأجبت، وروي أن بعض نسائه ع سألته
فقالت: يا رسول الله أن لي جارتين فإلى أيتهما أهدي، فقال ص: إلى
أقربهما منك بابا.
وروي أن سليمان بن داود ع أمر الريح فعدلت عن عش قنبرة فيه فراخ لها فجاءت
القنبرة فرفرفت على رأسه ثم ألقت إليه جرادة فقيل لسليمان ع في ذلك فقال: كل
يهدي على قدره. وروي عنه ع أنه قال: نعم الشئ الهدية بين يدي الحاجة.
فأما ما روي في ذمها وكراهيتها ما روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: هدايا العمال
غلول. قال: ووصى بعض الولاة أحد كفاته فقال: إياك والهدية وليست بحرام عليك ولكني
أخاف عليك القالة، وسأل رجل مسروقا حاجة فقضاها فأهدى له هدية فردها وحلف أن
لا يقضى له حاجة قال: فقال القوم لمسروق: يا أبا عائشة ما كنا نرى أن بهذا بأسا فقال
مسروق: هذا السحت وأهدى إلى عمر بن عبد العزيز تفاح فرده فقيل له: أن رسول الله
ص كان يقبل الهدية، فقال: كانت هدية النبي صلى الله عليه وعلى آله
هدية وهي اليوم لنا رشوة. وكان يقال: الهدية تعور عين الحكم وقيل: أهدى رجل إلى صديق
243

له هدية فجزع لها فعاتبه أصحابه فقال: كيف لا أجزع والمراد بالهدية أحد حالتين: أما
تطويق منة أو مكافاة على معروف وما فيهما إلا ما يجزع.
قال محمد بن إدريس رحمه الله ما ورد في الاستحباب وما ورد في الكراهية المرجع فيه إلى قرائن
الأحوال والأغراض والأزمان وشاهد الحال فليعمل عليه ويعتبر به وقد عمل بالأخبار جميعها
فهذا وجه الجمع بينها.
244

كتاب الوصايا
الوصية مشتقة من وصى يصي وهو الوصل قال الشاعر ذو الرمة:
نصي الليل بالأيام حتى صلاتنا
مقاسمة يشتق أنصافها السفر
ومعناه أنه يصل تصرفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت ويقال منه: أوصى يوصي
إيصاء ووصى يوصي توصية والاسم الوصية والوصاءة.
إذا ثبت هذا فالأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين
بالمعروف حقا على المتقين: وقال رسول الله ص: الوصية حق على كل
مسلم. وقال ع: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه من
سمعه وبصره وعقله للوصية أخذ الوصية أو ترك وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت وهي
حق على كل مسلم.
وروي عن الرسول ع أنه قال: من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية. معنى قوله
ع: مات ميتة جاهلية المراد به أن أهل الجاهلية ما كانوا يرون الوصية، فإذا لم يوص
245

المسلم فقد عمل كعملهم وشابههم أو من تركها معتقدا أنها غير مشروعة ولا مسنونة فهذا
جاحد للنص القرآني حكمه حكم الكفار والمرتدين.
وروي عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي ع أنه قال: من أوصى ولم يحف ولم
يضار كان كمن صدق به في حياته. وقال: ما أبالي أضررت بورثتي أو سرفتهم ذلك المال.
سرفتهم بالسين غير المعجمة والراء غير المعجمة المكسورة والفاء ومعناه أخطأتهم وأغفلتهم
لأن السرف الإغفال والخطأ وقد سرفت الشئ بالكسر إذا أغفلته وجهلته، وحكى الأصمعي،
عن بعض الأعراب: وواعده أصحاب له من المسجد مكانا فأخلفهم فقيل له في ذلك فقال:
مررت بكم فسرفتكم أي أخطأتكم وأغفلتكم ومنه قول جرير:
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية
ما في عطائهم من ولا سرف
أي إغفال وخطأ أي لا يخطئون موضع العطاء بأن يعطوه من لا يستحق ويحرموه المستحق
هكذا نص عليه جماعة أهل اللغة ذكره الجوهري في كتاب الصحاح وأبو عبيد الهروي في
غريب الحديث وغيرهما من اللغويين فأما من قال في الحديث: سرقتهم ذلك المال - بالقاف -
فقد صحف لأن سرقت لا يتعدى إلى مفعولين إلا بحرف الجر يقال: سرقت منه مالا وسرقت
بالفاء يتعدى إلى المفعولين بغير حرف الجر فليلحظ ذلك.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: قال رسول الله ص: من لم
يحسن وصيته عند الموت كان ذلك نقصا في مروته وعقله. فينبغي للمرء المسلم أن يتحرز
من خلاف الله عز وجل وخلاف رسوله ع في ترك الوصية وإهمالها ويستظهر لدينه
ويحتاط لنفسه بالوصية لأهله وإخوانه بتقوى الله والطاعة له واجتناب معاصيه وما يجب أن
يصنعوه في غسله وتحنيطه وتكفينه عند وفاته ومواراته وقضاء ديونه والصدقة عنه والتدبير
لتركته والنظر في أمر أطفاله ويسند ذلك إلى ثقة عدل في نفسه ليقوم به ولا يفرط فيه إن شاء
الله.
والواجب فيها البداءة بالإقرار على جهة الجملة بما أوجب الله تعالى عليه، والعمل
به ثم الوصية بالاستمساك بذلك وبتقوى الله تعالى ولزوم طاعته ومجانبة معصيته، ويعين
من ذلك ما يجب من غسله وتكفينه ومواراته، ثم الوصية بما عليه من حق واجب ديني أو
246

دنيوي ويخرج ذلك من أصل تركته أن أطلق ولم يقيده بالثلث، فإن لم يكن عليه حق استحب له
أن يوصي بجزء من ثلثه يصرف في النذور والكفارات وجزء في الحج والزيارات وجزء
يصرف إلى مستحقي الخمس وجزء إلى مستحقي الذلوات وجزء إلى من لا يرثه من الأهل
والقرابات.
وجملة الأمر وعقد الباب على جهة الجملة دون التفصيل أن من شرط صحتها حصول
الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى إليه، ومن شرطه أن يكون حرا مسلما بالغا عاقلا
عدلا بصيرا بالقيام بما أسند إليه رجلا كان أو امرأة ويجوز للمسند إليه القبول في الحال
ويجوز له تأخير ذلك لأن الوصية بمنزلة الوكالة،
قال بعض أصحابنا: هي عقد منجز في الحال فجاز القبول فيها بخلاف قبول الموصى له فإنه
لا يعتد به إلا بعد الوفاة لأن الوصية تقتضي تمليكه في تلك الحال فتأخر القبول إليها، هذا آخر كلام من
حكينا قوله، ولا أرى بأسا بقبوله قبل الموت وبعده وعلى كل حال لأنه لا مانع منه.
وللموصي الرجوع في الوصية وتغييرها بالزيادة والنقصان والاستبدال بالأوصياء ما دام
حيا، ولا يجوز للمسند إليه ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد موت الموصي ولا ترك القيام بما
فوض إليه من ذلك إذا لم يقبل ورد فلم يبلغ الموصي ذلك حتى مات.
ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يفوض ذلك الموصى إليه فأما إذا أطلق
الوصية فلا يجوز له ذلك،
على الصحيح من المذهب وهو اختيار شيخنا المفيد وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي: يصح
ذلك، والأول هو الأظهر لأن ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر يحتاج إلى دليل لأنه حكم شرعي
يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
وإذا ضعف الوصي عما أسند إليه فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن يعضده بقوي
أمين وليس له عزله فإن مات أو فسق أقام مقامه من يراه لذلك أهلا. والوصية المستحبة
والتبرع بها محسوبة من الثلث سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض وتبطل فيما
زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بعد موته لا قبل الموت.
على الأظهر من أقوال أصحابنا وقد ذهب بعضهم إلى أن الإجازة من الورثة لهم سواء
247

أجازوا قبل الموت أو بعده وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله والأول اختيار
شيخنا المفيد وهو الذي يقوى في نفسي لأنها إجازة في غير ما لا يستحقونه بعد فلا يلزمهم ذلك
بحال
وتصح الوصية عندنا للوارث في المرض المتصل بالموت
بدليل إجماع أصحابنا وأيضا قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين، وهذا نص في موضع الخلاف ولا يمكن أن يدعي نسخ هذه الآية
بآية المواريث لأنه لا تنافي بينهما وإذا أمكن العمل بمقتضاهما لم يصح دعوى النسخ وقولهم:
نخص الآية بالوالدين والأقربين إذا كانوا كفارا، يفتقر إلى دليل ولا دليل لهم على ذلك
وما يروونه من قوله ع: لا وصية لوارث قد نص أصحاب الحديث على تضعيف
روايته ثم هو مخالف لظاهر القرآن المعلوم ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون ولو سلم من ذلك
كله لكان خبرا واحدا وقد بينا أنه لا يجوز العمل بذلك عند أصحابنا في الشرعيات.
والوصية تصح للكافر سواء كان ذا رحم أو غير ذلك لأنها عطية بعد الموت وليس
من شرطها نية القربة ولا من مصححاتها وذهب بعض أصحابنا إلى أن الوصية للكافر
لا تصح إلا أن يكون ذا رحم للموصي.
ويجوز الوصية للحمل فإن ولد ميتا فهي لورثة الموصي دون ورثة الموصى له.
وإذا أوصى بثلث ماله في أبواب من البر ولم يذكر تفصيلا كان لكل باب منها مثل
الآخر، وكذلك إذا أوصى لجماعة ولم يرتبهم ولا سمى لكل واحد منهم شيئا معينا، وإن
رتبهم وسمى ما لكل واحد منهم بدئ بالأول ثم الثاني إلى تكميل الثلث ولا شئ لمن بقي
منهم.
ومن أوصى بوصايا من ثلثه وعين منها الحج وكانت عليه حجة الاسلام وجب تقديم
الحج على الوصايا الأخر وإن لم يبق لها شئ من الثلث لأن الحج واجب وليس بمتبرع به،
ويستأجر للنيابة عنه من بلده فإن لم يف الثلث بذلك تمم من أصل المال واستؤجر من بلده،
فإن لم يف الجميع بذلك استؤجر من ميقات أهله.
وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يستأجر للنيابة عنه من ميقات أهله، والأول هو الأظهر وهو
248

اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته وبه تواترت الأخبار عن الأئمة الأبرار. والثاني خيرة شيخنا
أيضا في مبسوطه.
ومن أوصى بسهم من ماله كان ذلك الثمن، ومن أوصى بجزء من ماله كان ذلك السبع
على الأظهر من أقوال أصحابنا والأظهر من أخبارهم وقد وردت رواية شاذة وقال بها بعض
أصحابنا: إلى أن الجزء يكون العشر، والأول هو الصحيح.
ومن أوصى بشئ من ماله كان ذلك السدس بغير خلاف،
وذهب بعض أصحابنا إلى أن من أوصى بسهم من ماله يكون السدس والأول هو الأظهر
المعمول عليه. ومن أوصى لقرابته دخل في ذلك من كان معروفا بنسبه وأهله في
العادة والعرف دون من سواهم
وقد روي رواية شاذة إلا أنه يدخل في ذلك كل من يقرب إليه إلى آخر أب وأم في الاسلام،
أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته وما اخترناه اختياره في مسائل خلافه ودل على صحته
وذهب إليه في نهايته.
ومن أوصى في سبيل الله صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين مثل بناء المساجد والقناطر
وتكفين الموتى ومعونة الحاج والزوار وما أشبه ذلك بدليل إجماع أصحابنا ولأن ما ذكرناه طرق إلى
الله سبحانه فإذا كان كذلك فالأولى حمل لفظة سبيل على عمومها.
ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل خلافه في كتاب الإقرار إلى أنه من قال: له
عندي مال كثير، فإنه يكون إقرارا بثمانين على الرواية التي تضمنت بأن الوصية بالمال
الكثير بثمانين ثم قال: وعليه إجماع الطائفة في تفسير الكثير بثمانين.
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب: قول شيخنا على الرواية التي تضمنت
بأن الوصية بالمال الكثير تكون بثمانين فيه تسامح وتجاوز إنما الرواية وردت في من نذر أن
يتصدق بمال كثير وما وردت بالوصية جملة وافية ولا أوردها أحد من أصحابنا في الوصايا،
والذي يقتضيه أصول المذهب وتحكم به الأدلة والاعتبار أن لا يتجاوز بالرواية ما وردت فيه
فحسب ولا تعديها إلى غير النذر ويرجع في تفسير الكثير إلى المقر وكذلك في الوصية يرجع
إليهم في تفسير الكثير وكذلك يرجع إلى العرف والعادة في كثير الجراد في من قتله وهو. محرم
249

وكذلك كثير الشعر ونلزم الأصول فإن تعديناها نصير قائسين والقياس باطل على مذهبنا قد
ذكرنا هذه الجملة، والآن تذكر الأبواب وتفصيل كل شئ في بابه وتأليف كل شئ على
المألوف في التصنيف.
باب الأوصياء:
ينبغي للمسلم أن يختار لوصيته من يثق بديانته ولا يصح الوصية إلا إلى من جمع
صفات خمسة: البلوغ والعقل والإسلام والعدالة والحرية. فمتى أخل بشئ منها بطلت
الوصية.
وإنما راعينا البلوغ لأن الصبي لا يجوز أن يكون وصيا لقوله ع: رفع
القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم، وفي بعضها: حتى يبلغ. وإذا كان كذلك لم يكن
لكلامه حكم، ومن كان كذلك لا يجوز أن يكون وصيا لأنه مولى عليه في نفسه فلا يجوز أن
يكون وصيا لغيره.
وراعينا العقل لأن من ليس بعاقل ليس بمكلف ومن لا يكون مكلفا لا يجوز أن يكون
وصيا.
والإسلام لا بد منه لأن الكافر فاسق والمسلم لا يجوز أن يوصي إلى كافر ولا فاسق
لأنهما ليسا من أهل الأمانة والوصية أمانة.
ويجب أن يكون عدلا لأن الوصية أمانة ولا يؤمن إلا العدل.
والحرية شرط لأن المملوك لا يملك من نفسه التصرف، وحكم المدبر وأم الولد
والمكاتب حكم العبد القن.
وذهب شيخنا المفيد في مقنعته: إلى أنه تجوز الوصية إلى المدبر والمكاتب، والأول هو الذي
يقتضيه أصول مذهبنا دون ما سواه
وتعتبر هذه الأوصاف في الحالين معا حال الوصية وحال الموت.
والذي يقتضيه مذهبنا ويشهد به أصولنا ورواياتنا: أن العدالة في الوصي ليست شرطا في
250

صحة الوصية إليه وإنما ذلك على جهة الأولى والمستحب دون أن يكون شرطا في الصحة
ولا خلاف أن الانسان يجوز أن يودع الفاسق وديعة وهي أمانة ويجعله أمينه في حفظها فكذلك
الوصية.
والوصي إذا تغيرت حاله نظرت فإن كان تغير بالكبر والمرض فإن الحاكم يضيف
إليه أمينا آخر ولا يخرج من يده لأن الكبر والمرض لا ينافيان الأمانة، وإن كان تغير حاله
بفسق أخرجت الوصية من يده لأن الفاسق لا يكون أمينا.
على ما أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وهذا الكتاب معظمه فروع المخالفين وكلام
الشافعي وتخريجاته ولم يورد أصحابنا في ذلك شيئا لا رواية ولا تصنيفا والأصل صحة الوصية
إليه والاعتماد عليه مع قوله تعالى: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه،
وعزله عن الوصية وإخراجه منها تبديل وتغيير بلا خلاف.
والمرأة تصح أن تكون وصية على ما قدمناه وكذلك الأعمى، ولا بأس أن يوصي إلى اثنين
أحدهما صغير والآخر كبير بعد أن يكون الكبير من جمع الأوصاف الخمس ويجعل للكامل
النظر في الحال وللصبي إذا بلغ.
فإن مات الصبي أو بلغ وكان فاسد الرأي كان للعاقل إنفاذ الوصية، فإذا أنفذ
البالغ الكامل الوصية كان ذلك جائزا فإذا بلغ الصبي ولم يرض بذلك لم يكن له الفسخ لما
أنفذه البالغ الكامل إلا أن يكون الكبير خالف شرط الوصية، فإن أوصى إلى كاملين
فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أما أن يطلق الوصية إليهما أو يقيدها بأن لا يمضى أحدهما شيئا
إلا باتفاق الآخر أو يقيدها بأن كل واحد يمضى على الاجتماع والانفراد.
فالقسمان الأولان لا يجوز لأحدهما التصرف إلا باتفاق الآخر لأنه ما رضي بأمانة
أحدهما دون الآخر.
فأما القسم الثالث فإنه يجوز أن يتصرف كل واحد منهما على الاجتماع وعلى
الانفراد، فإن أطلق الوصية أو قيدها بالاجتماع لم يكن لكل واحد منهما الاستبداد بما
يصيبه، فإن تشاحا في الوصية والاجتماع لم ينفذ شئ مما يتصرفان فيه إلا ما يعود
بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول على ما روي، وللناظر في أمر المسلمين الاستبدال بهما
251

لأنهما حينئذ قد فسقا لأنهما أخلا بما وجب عليهما القيام به وقد قدمنا أن بالفسق تخرج
الوصية من يده.
ولا بأس أن يوصي الانسان إلى أولاده وإلى من يرثه وإلى زوجته فإن أوصى إليهم
وكان فيهم صغار وكبار كان للكبار إنفاذ الوصية وأن لا ينتظروا بلوغ الصغار إلا أن
يكون الموصي قد اشترط إيقاف الوصية إلى وقت بلوغ الصغار وكان الشئ الذي أوصى
به يجوز تأخيره، فإن كان كذلك لم يجز لهم أن ينفذوا شيئا منها إلا بعد بلوغ الصغار منهم.
وإذا أوصى الانسان إلى غيره كان بالخيار في قبول الوصية وردها إذا كان حاضرا
شاهدا، فإن كان الموصى إليه غائبا فإن له رد الوصية ما دام الموصي حيا، فإذا مات
الموصي قبل أن يبلغ إليه الامتناع من قبول الوصية لم يكن. للموصى إليه الغائب الامتناع
من القيام بها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا حضر الوصي الوفاة وأراد أن يوصي إلى غيره جاز له أن
يوصي إليه بما كان يتصرف فيه من الوصية ويلزم الموصى إليه القيام بذلك.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: وليس للموصي أن يوصي إلى غيره ألا أن يشترط ذلك الموصي فإن لم
يشترط له ذلك لم يكن له في الوصية فإن مات كان للناظر في أمور المسلمين بتولي إنفاذ
الوصية على حسب ما كان يجب على الوصي أن ينفذها وليس للورثة أن يتولوا ذلك بأنفسهم،
وإذا عدم السلطان العادل فيما ذكرناه من ذلك كان لفقهاء أهل الحق العدول من ذوي الرأي
والفضل أن يتولوا ما يتولاه السلطان فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا تبعة عليهم فيه.
وهذا الذي اختاره وأعمل عليه وأفتى به وقد قدمنا ذلك وأجملناه فيما مضى.
وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيا صحيح العقل لا يولي على مثله، فإذا مضى
لسبيله لم يكن لأحد أن يغير وصيته ولا يستبدل بأوصيائه، فإن ظهر منه خيانة كان على
الناظر في أمور المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه على ما قدمناه، وإن لم يظهر منه خيانة إلا
أنه ظهر منه عجز وضعف عن القيام بالوصية كان للناظر في أمر المسلمين أن يقيم أمينا
ضابطا يعينه على تنفيذ الوصية ولم يكن له عزله لضعفه.
والوصي إذا خالف ما أمر به كان ضامنا للمال.
252

وقد روي: أنه إذا أمر الموصي الوصي أن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها ويأخذ نصف
الربح كان ذلك جائزا وحلال له نصف الربح، أورد ذلك شيخنا في نهايته إلا أن الوصية
لا تنفذ إلا في ثلث ما كان يملكه الميت قبل موته والربح تجدد بعد موته فكيف تنفذ وصيته
وقوله فيه وفي الرواية نظر؟
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كان للوصي على الميت مال لم يجز له أن يأخذ من
تحت يده إلا ما تقوم له به البينة. وهذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا، والذي يقتضيه
أصول مذهبنا أنه يأخذ مما له في يده لأن من له على انسان مال ولا بينة له عليه ولا يقدر على
استخلاصه ظاهرا فله أخذ حقه باطنا لأنه يكون بأخذ ماله من غير زيادة عليه محسنا لا مسيئا
وقد قال الله تعالى: ما على المحسنين من سبيل.
وقال شيخنا في نهايته: ومتى باع الوصي شيئا من التركة لمصلحة الورثة وأراد أن يشتريه
لنفسه جاز له ذلك إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان. والذي يقتضيه مذهبنا أنه
لا يجوز له أن يشتريه لنفسه بحال لأن الانسان لا يكون موجبا قابلا في عقد واحد لأن العقد
يكون بين اثنين فلا يصح ذلك إلا ما خرج بإجماعنا من الوالد إذا اشترى من مال ولده
الصغير فلا نقيس غيره عليه بحال لأنا لا نقول بالقياس في الشرعيات إلا أن شيخنا
أبا جعفر رجع عما ذكره في نهايته وقال بخلافه في مسائل خلافه في كتاب الوكالة في الجزء
الثاني فقال: مسألة: جميع من يبيع مال غيره ستة أنفس الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمين
الحاكم والوكيل لا يصح لأحد منهم أن يبتاع المال الذي في يده من نفسه إلا الاثنين الأب
والجد ولا يصح لغيرهما ثم استدل فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم على أنه يجوز للأب
أن يقوم جارية ابنه الصغير على نفسه ويستبيح وطأها بعد ذلك وروي أن رجلا أوصى إلى
رجل في بيع فرس له فاشتراه الوصي لنفسه واستفتى عبد الله بن مسعود فقال: ليس له ذلك،
ولا يعرف له مخالف. هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر.
وإذا مات الانسان من غير وصية كان على الناظر في أمور المسلمين أن يقيم له ناظرا
ينظر في مصلحة الورثة ويبيع لهم ويشترى ويكون ذلك جائزا، فإن لم يكن السلطان الذي
يتولى ذلك أو يأمر به جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قبل نفسه ويستعمل فيه الأمانة
253

فيؤديها من غير إضرار بالورثة ويكون ما يفعله صحيحا ماضيا.
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه المذهب أنه إذا لم يكن سلطان يتولى
ذلك فالأمر فيه إلى فقهاء شيعته ع من ذوي الرأي والصلاح فإنهم عليهم
السلام قد ولوهم هذه الأمور فلا يجوز لمن ليس بفقيه تولى ذلك بحال فإن تولاه فإنه لا يمضى
شئ مما يفعله لأنه ليس له ذلك بحال فأما إن تولاه الفقيه مما يفعله صحيح جائز ماض.
باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح:
الوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع وهي بالربع أفضل منها بالثلث، ومن
أوصى بالثلث فقد بلغ الغاية، ولا يجوز الوصية بأكثر من الثلث على حال فإن أوصى بأكثر
من الثلث ردت إلى الثلث إلا أن يجيزها الورثة بعد الموت، فإن أجازت ما فوق الثلث قبل
الموت كان لها ردها بعد الموت.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته على ما حكيناه عنه فيما مضى: سواء أجازت الورثة ما زاد على
الثلث في حال الحياة أو بعد الوفاة ليس لها رجوع. والمذهب الأول لأن ما ذهب إليه حكم شرعي
يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد في مقنعته على ما حكيناه
عنه فيما مضى.
وقد قلنا: إن للإنسان أن يرجع في وصيته ما دام فيه الروح وعقله ثابت عليه،
وبعض أصحابنا يطلق ذلك ويقول: وللإنسان أن يرجع في وصيته ما دام فيه روح. وإطلاق
ذلك غير مستقيم لأنه قد يكون فيه روح إلا أن عقله قد زال والأولى تقييده بما قيدناه.
فإذا كان كذلك فله تغييرها وتبديلها ونقلها من شئ إلى شئ ومن انسان إلى
غيره وليس لأحد فيه اعتراض، فإن دبر مملوكه كان ذلك مثل الوصية بل هي عند أصحابنا
يجوز له الرجوع فيه، فإن لم يرجع فيه كان من الثلث فإن أعتقه في الحال مضى العتق وليس
لأحد عليه سبيل سواء كان عليه دين بأضعافه أو أقل أو أكثر أو لم يكن بخلاف التدبير.
وإذا أوصى الانسان بثلث ماله لشخص بعد ذلك أوصى بثلث ماله لغير ذلك
254

الشخص كان الثلث لمن أوصى له أخيرا وكانت الوصية الأخيرة ناسخة للأولى ورافعة
لحكمها لأن الانسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا ثلث ماله.
فإذا أوصى به لإنسان ثم يوصي بعد ذلك به لإنسان آخر فقد نقل الثلث الذي
يستحقه من الأول إلى الثاني لأنه يعلم أنه لا يستحق سوى الثلث، فإذا وصى به ثم وصى به فقد
رجع عن الوصية الأولى.
وللإنسان أن يرجع عن وصيته ويبدلها ويغير أحكامها ما دام حيا ثابت العقل
فليلحظ ذلك.
فهذا معنى قول أصحابنا وما يوجد في الكتب: أنه إذا أوصى الانسان بوصية ثم أوصى بأخرى
فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بهما وإن لم يمكن العمل بهما كان العمل على الأخيرة
دون الأولى.
فأما إذا أوصى بشئ ولم يقل: بثلثي، ثم أوصى بشئ آخر
ولم يذكر الثلث وأوصى بشئ آخر ولم يذكر الثلث.
فإن مذهب أصحابنا أن يبدأ بالأول فالأول ويكون النقصان إن لم يف الثلث داخلا على من
ذكر أخيرا لأنه لما أوصى للأول ما قال: أوصيت له بثلثي، وكذلك الثاني والثالث فظن أن ثلثه
يبلغ مقداره جميع من ذكره ويفي بما ذكر ولم ينقل عن الأول ما أوصي له به وكذلك الثاني فلو
علم أنه قد استوفى ثلث ماله لمن أوصي له به ما أوصى عبده بشئ آخر لأنه يعلم أنه ليس له
بعد موته سوى الثلث فإذا استوفاه فيكون النقصان داخلا على من ذكره أخيرا فهذا الفرق
بين المسألتين فلا يظن ظان أن المسألتين واحدة وأن بينهما تناقضا أو مذهب أصحابنا أن
الوصية الثانية ناسخة للأولى في جميع المواضع أو أن الواجب البدأة بالأول فالأول بل إذا وجد في بعض
الكتب أن الأخير ناسخة للأولى ففقه ذلك ما ذكرناه، وإذا وجد في الكتب أن الواجب أن يبدأ
بالأول فالأول ويكون النقصان داخلا على من ذكر أخيرا ففقهه ما ذكرناه فليلحظ ويتأمل
ويعمل فيه بما قررناه. والذي يدلك على ما حررناه ما ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه
ومسائل خلافه فإنه قال في مبسوطه: إذا أوصى الرجل بثلث ماله ثم أوصى لآخر بثلث ماله
فهاتان وصيتان بثلثي ماله وهكذا إذا أوصى بعبد بعينه لرجل ثم أوصى لرجل آخر بذلك
255

العبد بعينه فهما وصيتان ويكون الثاني رجوعا عن الأولى ومنهم من قال: لا يكون رجوعا، وفيه
خلاف. فمن قال: ليس برجوع قال ننظر فإن أجاز الورثة يكون لكل واحد منهما ثلث ماله،
وكذلك نقول. ومن قال: هو رجوع فإن أجازوه قالوا: المال بينهما نصفان وإن لم يجيزوه
نظرت فإن كان قيمة العبد قدر الثلث فإنه يكون بينهما ولا يحتاج إلى إجازة الورثة وإن كان
قيمة العبد أكثر من الثلث فللوارث أن يمنعوا الزيادة على الثلث فأما الثلث فلا ويكون الثلث بينهما
نصفين هذا إذا قبلا جميعا الوصية وإن رد أحدهما وقبل الآخر فإن جميع الثلث لمن قبل
لأنه قد أوصى لكل واحد منهما بجميع الثلث وعلى ما قلناه من أن في الثاني رجوعا عن الأول -
ينظر فإن رجع الأول فلا تأثير لرجوعه لأن الوصية له قد بطلت بالوصية للثاني وإن رجع الثاني
ولم يقبلها رجع المال إلى الورثة لأن الوصية للأول كان قد بطلت بالوصية للثاني هذا آخر كلامه
في مبسوطه. وقال رحمه الله في موضع آخر في هذا الفصل في مبسوطه أيضا: فأما العطية
المؤخرة إذا أوصى بعتق أو أوصى بمحاباة دفعة واحدة نظرت، فإن لم يكن فيه عتق فإنه
يسوي بينهم لأن حال استحقاق وجوبه واحدة وهو بعد الموت فإن خرج كله من الثلث صح
الكل، وإن لم يخرج من الثلث عندنا تقدم الأول فالأول ويدخل النقص على الأخير، وإن
اشتبهوا أقرع بينهم وعند المخالف يسقط عليهم، فهذا آخر كلامه فانظر أيدك الله بتوفيقه
إلى كلامه في المسألة الأولى وإلى كلامه في هذه المسألة لا وجه له إلا ما حررناه.
وإذا أوصى الانسان بوصية فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به ولا تغيير شئ من
شرائطها على ما قدمناه إلا أن يكون قد وصى بما لا يجوز له أن يوصي به مثل أن يكون قد
أوصى بماله في غير مرضاة الله أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي من قتل النفوس وسلب
الأموال أو إعطائه الكفار أو إنفاقه على مواضع قربهم من البيع والكنائس وبيوت النيران،
فإن فعل شيئا من ذلك وجب على الوصي مخالفته في جميع ذلك وصرف الوصية إلى الحق وكان
على إمام المسلمين معاونته على ذلك.
فإن أوصى الانسان لأحد أبويه أو بعض قرابته بشئ من ثلثه وجب إيصاله إليهم
وإن كانوا كفارا ضلالا وكذلك من لا بينه وبينهم قرابة من الكفار على ما قدمناه،
وقد ذهب بعض أصحابنا أنه لا يصح الوصية للكفار إلا لمن بينه وبينه رحم والأول هو
256

الأظهر لأنا لا نراعي في الوصية القربة ويعضد ذلك قوله تعالى: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما
إثمه على الذين يبدلونه، وهذا عام.
ولا بأس بالوصية للوارث عندنا إذا لم يكن بأكثر من الثلث، فإن كانت بأكثر من
الثلث ردت إليه إلا أن يجيزه الوارث على ما قدمناه، وإذا أوصى بوصية ثم قتل نفسه كانت
وصيته ماضية لم يكن لأحد ردها، فإن جرح نفسه بما فيه هلاكها على غالب العادات ثم وصى
كانت وصيته مردودة لا يجوز العمل عليها،
على ما رواه بعض أصحابنا في بعض الأخبار، والذي تقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا
أن وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتا عليه لأنه لا مانع من ذلك ويعضده قوله تعالى:
فمن بدله بعد ما سمعه، ولا دليل على إبطال هذه الوصية من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع.
وإذا أوصى بوصية ثم قتله غيره خطأ كانت وصيته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته
على ما رواه أصحابنا، وإذا جرحه غيره ثم وصى كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك في أنه يمضى
الوصية في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح.
وإذا أوصى الانسان لعبده بثلث ماله فإن كان الثلث وفق قيمة العبد عتق ولا شئ له
ولا عليه، وإن كان أكثر عتق أيضا وأعطي بقية الثلث، وإن كانت قيمته أقل من الثلث بأي
شئ كان أقل عتق منه بمقدار الثلث واستسعى في الفاضل عن الثلث لأن الانسان يملك بعد
موته ثلث ماله فقد انعتق على كل حال ما يملكه وهو ثلث العبد،
وقد رويت رواية شاذة أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا لصحتها لأنه رجع
عنها في مسائل خلافه فقال في نهايته: وإذا أوصى الانسان لعبده بثلث ماله نظر في قيمة
العبد قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أقل من الثلث أعتق وأعطي الباقي، وإن كانت مثله
أعتق وليس له شئ ولا عليه شئ، وإن كانت القيمة أكثر من الثلث بمقدار السدس أو الربع
أو الثلث أعتق بمقدار ذلك واستسعى في الباقي لورثته، وإن كانت قيمته على الضعف من ثلثه
كانت الوصية باطلة. وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع لأنه عاد عن
ذلك في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا أوصى لعبد نفسه صحت الوصية وقوم العبد وأعتق إذا
كان ثمنه أقل من الثلث فإن كان ثمنه أكثر من الثلث استسعى فيما يفضل للورثة. هذا آخر
257

كلام شيخنا في مسائل خلافه واستدل عليه بإجماع الفرقة وإلى هذا يذهب ابن بابويه في
رسالته.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا أوصى الانسان بعتق مملوك له وكان عليه دين فإن كان قيمة العبد
ضعفي الدين استسعى العبد في خمسة أسداس قيمته ثلاثة أسهم للديان وسهمان للورثة وسهم
له، وإن كانت قيمته أقل من ذلك بطلت الوصية على ما روي في أخبارنا وأورده شيخنا
أبو جعفر في نهايته.
والذي يقتضيه المذهب أنه لا وصية قبل قضاء الدين بل الدين مقدم على الوصية والتدبير
عندنا وصية فلا تمضى الوصية إلا بعد قضاء الدين، فإن عمل عامل بهذه الرواية يلزمه أن
يستسعي العبد سواء كانت قيمته ضعفي الدين أو أقل من ذلك لأنه متى كانت قيمته أكثر من
الدين بأي شئ كانت فإن الميت الموصي قد استحق في الذي فضل عن الدين ثلثه فيمضي
وصيته في ذلك الثلث ويعتق العبد ويستسعي في دين الغرماء وما فضل عن ثلث الباقي للورثة
ولي في ذلك نظر، فإن أعتقه في الحال وبت عتقه قبل موته مضى العتق وليس لأحد من الديان
ولا للورثة عليه سبيل لأن ذلك ليس بتدبير وأنما ذلك عطية منجزة في الحال وعطاياه المنجزة
صحيحة على الصحيح من المذهب لا تحسب من الثلث بل من أصل المال.
ومن وصى لعبد غيره لم تصح وصيته، فإن وصى لمكاتب مشروط عليه كان أيضا
مثل ذلك، فإن لم يكن مشروطا عليه جازت الوصية له بمقدار ما أدى من كتابته لا أكثر من
ذلك، وإذا أوصى
لأم ولده أعتقت من نصيب ولدها وأعطيت ما أوصي لها به على ما روي في الأخبار وأورده
شيخنا أبو جعفر في نهايته والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنها تنعتق بالوصية إن كانت وفق
قيمتها وما بقي بعد رقبتها يكون بين ولدها وباقي الورثة على كتاب الله تعالى وإن كانت
الوصية بأكثر من قيمتها ويخرج من الثلث فتعتق أيضا بالوصية ويسلم إليها ذلك الأكثر وإن
كانت الوصية أقل من قيمتها عتقت بمقدارها بالوصية وباقيها من سهم ولدها وجعل باقيها
من نصيبه لأن الله تعالى قال: من بعد وصية توصون بها أو دين، فجعل تعالى استحقاق الإرث بعد
الوصية والدين بغير خلاف بين أصحابنا فإذا أعتقناها من سهم ابنها دون الوصية فقد قدمنا
258

الإرث على الوصية وهذا بخلاف القرآن وهذه الرواية خبر واحد وقد قدمنا أن أخبار الآحاد
لا تعمل بها في الشرعيات لأنها لا توجب علما ولا عملا.
وإذا أوصى الموصي باخراج بعض الورثة من الميراث لم يلتفت إلى وصيته وقوله إذا كان
مقرا به قبل ذلك أو كان مولودا على فراشه، لم يكن قد انتفى منه في حال حياته بلعان امرأته.
تصرف المريض فيما زاد على الثلث إذا لم يكن منجزا لا يصح بلا خلاف وإن كان
منجزا مثل العتاق والهبة المقبوضة.
فلأصحابنا فيه روايتان إحديهما: أنه يصح وهو الأظهر في المذهب الذي تعضده الأدلة
والأخرى لا يصح وهو مذهب جميع من خالفنا.
إذا أوصى انسان بغلة بستانه أو ثمرة نخلته أو خدمة عبده أبدا لإنسان على وجه التأبيد
فإن غلة البستان وثمرة النخلة إن كانت الثمرة والغلة موجودة في وقت موته ولم يخلف
غير البستان أو غير النخلة فإن البستان أو النخلة يقومان ويعطي الموصى له بالغلة
والثمرة بقدر ثلث جميع ما قوم، فإن كانت الثمرة بقدر الثلث فقد استوفى فيما وصى له به،
فإن نقصت عن الثلث استوفى في المستقبل من الثمرة تمام الثلث ويعود ملك الأصول إلى
الورثة بعد استيفاء جميع ثلث ما كان في ملك الميت الذي ذكرنا أنه يقوم بعد الموت.
وأما خدمة العبد فإن العبد أيضا يقوم وقت الموت ويستخدمه الموصى له بخدمته
مدة يكون إجارتها بمقدار الثلث، فإذا استوفى الثلث عادت رقبة العبد إلى الورثة، هذا إذا لم
يخلف الميت ثلثين كل ثلث بقدر قيمة الغلة أو الثمرة أو قيمة العبد سوى الثلث الذي هو
قيمة الغلة أو الثمرة أو قيمة العبد.
وإن كانت الثمرة أو الغلة معدومة فإن الجميع يقوم ويأخذ في المستقبل الموصى له
بقدر الثلث مما يخرج البستان أو النخلة إلى أن يستوفى قدر الثلث ويرجعان إلى الورثة.
إذا كان عليه حجة الاسلام وأوصى أن يحج عنه من ثلث ماله وأوصى بوصايا أخر
قدم الحج على غيره من الوصايا، فإن كانت الحجة تطوعا فلا دلالة على تقديمها وروي في
أخبارنا أن الانسان إذا وصى بأن يشترى بثلث ماله عبيد ويعتقوهم فينبغي أن يشترى بالثلث ثلاثة
فصاعدا لأنهم أقل الجمع إن بلغ الثلث قيمة الثلاثة بلا خلاف، وإن لم يبلغ وبلغ اثنين وجزءا
259

من الثالث فإنه يشترى الاثنان ويعتقان ويعطيان البقية.
والذي تقتضيه الأصول وتشهد بصحته الأدلة أن يشترى بالباقي جزء من عبد ثالث لأنه
يكون قد امتثل المأمور لأن العبد يعتق ويستسعي في باقي قيمته فيكون قد أعتقوا ثلاثة،
والرواية من أخبار الآحاد وقد بينا. أنه لا يعمل بأخبار الآحاد عندنا في الشرعيات لأنها
لا توجب علما ولا عملا.
إذا أوصى لرجل بشئ ثم مات الموصي فإنه ينتقل ما أوصى به إلى ملك الموصى له
بوفاة الموصي لأنه لا يخلو الشئ الموصى به من ثلاثة أحوال: أما أن يبقى على ملك الميت
أو ينتقل إلى ملك الورثة أو ينتقل إلى الموصى له. ولا يجوز أن يبقى على ملك الميت لأنه قد مات
والميت لا يملك بل يزول ملكه بموته، ولا يكون ملكا للورثة لقوله تعالى: من بعد وصية يوصى
بها أو دين، فجعل للورثة الميراث بعد الوصية، فلم يبق إلا أن يكون ملكا للموصى له
بالموت،
هذا الاستدلال شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه لأنه قد يذهب إلى: أن بالموت ينتقل ما أوصى
به إلى ملك الموصى له، والذي يقوى في نفسي أنه لا ينتقل بالموت بل بانضمام القبول من
الموصى له لا بمجرد الموت والذي يدل على صحة ذلك أنه لا خلاف بين أصحابنا أنه إذا رد
الموصى له الوصية بعد موت الموصي فإن الشئ الموصى به يعود إلى الورثة ويقسم قسمة
الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو انتقل إلى ملك الموصى له بالموت ما كان كذلك بل كان
يكون هبة منه وصلة وعطية للورثة فيكون ذكرهم وأنثاهم فيها سواء، وأيضا فإنه يبعد أن
يدخل الشئ في ملك مالك بغير قبوله واختياره لأنه ليس في أصول مذهبنا ذلك ولا لأصحابنا
فتوى بذلك ولا وردت به أخبار عن الأئمة الأطهار ولا وضعه مصنف منهم في كتابه ولا أودعه
تصنيفه ولا أجمعوا عليه، والأصل أن لا ملك فمن ادعى دخول الأشياء في الأملاك بغير رضا
المالكين ولا قبولهم فإنه يحتاج إلى دليل قاهر والذي يمكن أن يقال على استدلال شيخنا أبي
جعفر وتفصيله: من أنه ليس بملك للميت ولا للورثة، فما بقي إلا أن يكون داخلا في ملك
الموصى له يقال ما تقول في التركة إذا كان على الميت دين يحيط بها؟ فإنها بلا خلاف بيننا
لا تدخل في ملك الغرماء ولا ملك الورثة والميت فقد انقطع ملكه وزوال فتبقى موقوفة على
260

انقضاء الدين فالشئ الموصى به بعد موت الموصي وقبل قبول الموصى له يبقى موقوفا على
القبول لا يدخل في ملك أحد مثل التركة سواء، وقد رجع شيخنا في الجزء الأول في كتاب
الفطرة.
إذا قال انسان: قد أوصيت لفلان بثلث هذا العبد أو ثلث هذه الدار أو الثوب، ثم
مات الموصي وخرج ثلثا ذلك العبد أو تلك الدار مستحقا فإن الوصية تصح في الثلث
الباقي في جميعه إذا خرج من الثلث،
وذهب بعض المخالفين إلى أن الوصية أنما تصح في ثلث ذلك الثلث الباقي الذي لم يخرج
مستحقا والدليل على ما اخترناه أنه إذا قال: أوصيت لفلان بثلث هذه الدار، فإنه أوصى له بما
يملكه ألا ترى أنه إذا قال: بعت ثلث هذه الدار، فإن ذلك ينصرف إلى الثلث الذي يملكه منها،
فإذا كان أوصى له بما يملك وخرج من الثلث وجب أن يصح كما لو أوصى له بعبد يملكه.
إذا أوصى بأن يصرف ثلثه في سبيل الله فسبيل الله يدخل فيه الجهاد وغيره من بناء
المساجد والقناطر وجميع ما يتقرب به إلى الله سبحانه. إذا أوصى الانسان أن تساوى بين
ورثته النساء والرجال وأن يكونوا في الميراث سواء هل ذلك جائز له وهل هو في فعله على
صواب أو خطأ؟ فالجواب عن ذلك أنه يجوز ما لم يزد تفضيل البنات على ثلث ماله فإن زاد
على ذلك بطل الزائد ورد إلى الثلث.
نكاح المريض جائز إذا دخل بها وإن لم يدخل ولم يصح من مرضه ذلك ومات فيه
قبل الصحة وقبل الدخول لم يصح النكاح وكان باطلا عند أصحابنا بغير خلاف بينهم
ولا يجب عليها عدة ولا لها ميراث وهذا إجماع من أصحابنا.
الوصية للقاتل جائزة لأنها ليس بميراث.
إذا أوصى لمواليه ولأبيه موال وله موال كان ذلك مصروفا إلى مواليه دون موالي
أبيه.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: لا يجوز أن يوصى إلى أجنبي بأن يتولى أمر أولاده
الصغار مع وجود أبيه ومتى فعل لم تصح الوصية لأن الجد أولى ولي في ذلك نظر.
الأم عندنا لا تلى على أولادها بنفسها إلا بوصية من أبيهم.
261

إذا أوصى الانسان إلى رجل بجهة من الجهات فليس له أن يتصرف في غيرها من الجهات.
إذا أوصى بثلث ماله اعتبر حال الموت لا حال الوصية.
من ليس له وارث قريب أو بعيد ولا مولى نعمة لا يصح أن يوصي بجميع ماله
ولا يوصي بأكثر من الثلث.
إذا قال: أعطوا فلانا رأسا من رقيقي، فإن هذه وصية صحيحة والورثة بالخيار
يعطون أي رأس من عبيده شاؤوا أقل ما يقع عليه اسم الرقيق سواء كان معيبا أو صحيحا
صغيرا أو كبيرا، فإن هلك الرقيق إلا رأسا واحدا فإنه يعطي ذلك العبد لأنه أوصى له لا بعينه
وعلقه بصفة والصفة موجودة هاهنا. فأما إن قال: أعطوه رأسا من رقيقي، ولم يكن له
رقيق أصلا فإن الوصية باطلة لأنه علقه بصفة ليست موجودة كما لو أوصى له بدار ولم يكن
له دار.
وإذا أوصى له بشاة من غنمه فالوصية صحيحة وللورثة أن يعطوا أي شاة وقع
عليها اسم الشاة سواء كانت صغيرة أو كبيرة ضأنية أو ماعزة معيبة أو سليمة، فإن كانت
غنمه كلها إناثا أعطي أنثى وإن كانت ذكرانا أعطي ذكرا وإن كانت ذكرانا وإناثا فالورثة
بالخيار بين إعطائه الذكر أو الأنثى لأن الاسم يتناول ذلك.
إذا قال: أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات، أعطي الإناث لا الذكور لأنه اسم
الإناث. فإن قال: أعطوه عشرة من الإبل، الأقوى والأظهر أن يقال: يجب أن يعطي ذكورا
لأن الهاء لا تدخل ألا على عدد المذكر دون المؤنث.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: فإن أوصى فقال: أعطوه دفا من دفوفي، فإنه تصح الوصية
لأن الدف له منفعة مباحة لما روي عنه ع أنه قال: أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه
بالدف، وعلى مذهبنا لا يصح لأن ذلك محظور استعماله هذا آخر كلامه رحمه الله ونعم ما قال
لأنه من اللهو واللعب وإن كان قد روي رواية شاذة بأنه مكروه وليس بمحظور.
إذا قال: أعطوه قوسا من قسيي، وله قسي
قوس نشاب وهو قوس العجم، وقوس نبل وهو القوس العربي، أو يكون له قوس حسبان
262

- بضم الحاء غير المعجمة وسكون السين غير المعجمة وفتح الباء المنقطة من تحتها نقطة
واحدة - وهي سهام قصار الواحدة حسبانة، هذا قول الجوهري في كتاب الصحاح، وقال
شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: قوس حسبان وهو الذي يدفع النشاب في مجرى وهو الوتر مع
المجرى ويرمي به. وقال في كتابه كتاب التبيان في تفسير قوله تعالى: حسبانا من السماء،
قال ابن عباس وقتادة: معناه عذابا وقيل: نارا من السماء تحرقها، وقيل: أصل الحسبان
السهام التي ترمى بمجرى في طلق واحد وكان ذلك من رمى الأساورة، هذا آخر كلامه في التبيان.
أو يكون للميت قوس جلاهق أو يكون له قوس النداف،
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: فإن هذا بالإطلاق يحمل على قوس النشاب والنبل
والحسبان فالورثة بالخيار يعطون أي قوس من هذه الثلاثة شاؤوا ثم قال رحمه الله: فأما إذا لم
يكن له شئ إلا الجلاهق وقوس النداف فالورثة بالخيار يعطون أي القوسين شاؤوا قال محمد
بن إدريس رحمه الله: أرى أن الورثة بالخيار في إعطائهم ما شاؤوا من الخمسة الأقواس
وتخصيص كلام الموصي العام يحتاج إلى دليل، والجلاهق البندق الواحدة جلاهقة.
باب شرائط الوصية:
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: من شرط الوصية أن يكون الموصي عاقلا حرا ثابت
العقل سواء كان صغيرا أو كبيرا، فإن بلغ عشر سنين ولم يكن قد كمل عقله غير أنه لا يضع
الشئ إلا في موضعه كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البر ومردودة فيما لم يكن
كذلك، ومتى كان سنة أقل من ذلك لم تجز وصيته وقد روي أنه إذا كان ابن ثماني سنين
جازت وصيته في الشئ اليسير في أبواب البر والأول أحوط وأظهر في الروايات وكذلك يجوز
صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف في وجوه البر فأما ما يكون
خارجا عن ذلك فليس بممضاة على حال، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: يقتضيه أصول مذهبنا أن وصية غير المكلف البالغ غير
صحيحة ولا ممضاة سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر وكذلك صدقته وعتقه وهبته لأن
263

وجود كلام الصبي غير البالغ كعدمه ولأنه بلا خلاف محجور عليه غير ماض فعله في
التصرف في أمواله بغير خلاف بين الأمة وأيضا قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا
النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، فأمرنا بالدفع للأموال إليهم بعد البلوغ
وهو في الرجال الاحتلام أو الإنبات أو خمس عشرة سنة وفي النساء الاحتلام أيضا أو الإنبات
أو بلوغ تسع سنين أو الحمل أو الحيض مع إيناس الرشد، وحده أن يكون مصلحا لماله
مصلحا لدينه، ومن أجاز شيخنا وصيته وعتقه وهبته ليس كذلك وأيضا قوله ع:
رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم، ورفع القلم عنه يدل على أنه لا حكم لكلامه
وإنما هذه أخبار آحاد يوردها في كتابه النهاية إيرادا وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما
ولا عملا وقد بينا في كتاب الحجر من كتابنا هذا حد البلوغ.
ومتى يفك الحجر عن الأطفال ويسلم إليهم أموالهم فلا معنى لإعادته وليس من شرط
صحة الوصية إلى الموصى إليه أن يشهد الموصى عليها شاهدين عدلين بل الأولى أن
يشهدهما لئلا تعرض فيهما الورثة فإن لم يشهد أصلا وأمكن الوصي إنفاذ الوصية وجب
عليه إنفاذها على ما أوصى به إليه.
ولا يجوز غير شهادة المسلمين العدول في الوصية إلا عند الضرورة وفقد العدول فإنه
يجوز والحال هذه أن يشهد نفسين من أهل الذمة ممن ظاهره الأمانة عند أهل ملته. ولا يجوز
شهادة غير أهل الذمة على حال فإن لم يحضر إلا امرأة مسلمة عادلة جازت شهادتها في ربع
الوصية فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النصف ثم على هذا الحساب.
وإذا أشهد انسان عبدين له على حمل جارية له أنه منه وأعتقهما فشهدا عند الورثة
بذلك فلم يقبلوا شهادتهما واسترقوهما وبيعا أو أعتقا فشهدا للمولود بالنسب قبل
شهادتهما على الورثة وقد حققنا ذلك وحررناه في كتاب الشهادات.
باب الوصية المبهمة والوصية بالعتق والحج:
إذا أوصى الانسان بجزء من ماله ولم يبينه كان ذلك السبع من ماله وروي: أنه يكون
264

العشر، والأول هو المذهب وعليه العمل على ما قدمناه. فإن أوصى بسهم من ماله كان ذلك
الثمن وذهب بعض أصحابنا إلى: أنه يكون السدس والأول هو الأظهر وعليه العمل.
وإذا أوصى بشئ من ماله ولم يبين مقداره كان ذلك السدس من ماله على ما قدمناه
وأجملناه فيما مضى،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسم أخرج في معونة
المجاهدين لأهل الضلال والكافرين، والصحيح من المذهب أنه يصرف في كل ما يتقرب به
إلى الله سبحانه لأنه سبيل الله هو الطريق التي يتقرب بها إليه سبحانه، ويدخل في ذلك
الجهاد وغيره من وجوه البر مثل بناء المساجد والقناطر ومعونة الحاج والزوار وتكفين الموتى
وغير ذلك على ما قدمناه فيما مضى إلا أن شيخنا رجع في مسائل خلافه في الجزء الثاني في
كتاب قسمة الصدقات فإنه قال: مسألة: سبيل الله يدخل فيه الغزاة في الجهاد والحج وقضاء
الديون عن الأموات وبناء القناطر وجميع المصالح، وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: أن
يختص المجاهدين وقال أحمد: سبيل الله هو الحج فيصرف ثمن الصدقة في الحج دليلنا
إجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى: وفي سبيل الله، فإنه يدخل فيه جميع ذلك لأن المصالح من
سبيل الله، هذا آخر كلامه في المسألة.
فإن أوصى الانسان بوصية وجعلها أبوابا مسماة فنسي الوصي بابا منها فليجعل ذلك
السهم في وجوه البر على ما روي في بعض الأخبار،
أورده شيخنا في نهايته وقال شيخنا في جواب الحائريات: إذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية
فإنها تعود ميراثا للورثة، فنعم ما قال وأجاب فإن كان على تلك الرواية إجماع وإلا فالأولى أن
تعود الباب المنسية ميراثا للورثة.
وإذا أوصى الانسان لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية كان السيف له بما فيه
وعليه إذا خرج من الثلث على ما رواه أصحابنا.
وإذا أوصى بصندوق لغيره وكان فيه مال كان الصندوق بما فيه للذي أوصي له به
إذا خرج من الثلث على ما رواه أصحابنا، وكذلك إن أوصى له بسفينة وكان فيها متاع
كانت السفينة بما فيها للموصى له إذا خرج أيضا من الثلث إلا أن يستثني ما فيها، وكذلك
265

إذا أوصى بجراب - بكسر الجيم - وكان فيه متاع كان الجراب بما فيه للموصى له سواء كان
الموصي عدلا أو فاسقا متهما على الورثة أو غير متهم لأنا لا نراعي في الموصي العدالة بل ثبوت
العقل، فإذا كان عاقلا تمضى وصيته في ثلث ماله ولا تمضى في أكثر من ثلث ماله سواء كان
عدلا أو فاسقا،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته بعد إيراده الوصية بالصندوق والسفينة والسيف:
والجراب، ولم يقيد إن ذلك يجوز إذا خرج من الثلث بل قال: كان الجراب بما فيه للموصى له
هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا فإن لم يكن عدلا وكان متهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه
من الصندوق والسفينة والسيف والجراب وما فيها، وقد قلنا ما عندنا في ذلك فليلحظ وإلى
ما اخترناه ذهب شيخنا المفيد في مقنعته فإنه قال: وإذا وصى انسان لإنسان بصندوق مقفل
وكان في الصندوق متاع بقدر الثلث أو دونه من تركته فالصندوق بما فيه للموصى له إلا أن
يستثنيه الموصى به وكذلك إن وصى له بسفينة فيها طعام فالسفينة بما فيها للموصى له إلا أن
يستثني ما فيها، وكذلك إن وصى له بجراب مشدود ووعاء مختوم فالجراب والوعاء وما فيهما
للموصى له حسب ما قدمناه. هذا آخر كلام شيخنا المفيد في مقنعته فإنه قيد بأن ما في
الصندوق يكون بقدر الثلث أو دونه من تركته وكذلك في السفينة والجراب ولم تجز الوصية
فيما زاد على الثلث بحال سواء كان عدلا مرضيا أو فاسقا متهما، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا
وإجماعنا منعقد عليه لا خلاف بين أصحابنا فيه من أنه لا تجوز الوصية من كل أحد بأكثر من
الثلث سواء كان عدلا أو فاسقا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا وصى الانسان بشئ معين لأعمامه وأخواله كان
لأعمامه الثلثان وللأخوال الثلث،
والذي يقتضيه مذهبنا أن لكل واحد من أخواله مثل كل واحد من أعمامه يكون جماعة
الموصى لهم من الأعمام والأخوال في الوصية سواء لأن ذلك ليس بميراث وما ذكره رحمه الله خبر
واحد أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ثم قال رحمه الله بعد ذلك: فإن أوصى الانسان لأولاده وكانوا ذكورا وإناثا ولم يذكر
كيفية القسمة فيه كان ذلك بينهم بالسوية فإن قال: هو بينهم على كتاب الله تعالى كان للذكر
266

مثل حظ الأنثيين.
إذا أوصى فقال: أعطوا ثلث مالي لقرابتي، فإن الوصية تكون للمعروفين من أقاربه في
العرف فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من قرابته سواء كان وارثا أو غير وارث لأن
العرف يشهد بذلك وشاهد الحال وفحوى الخطاب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته اتباعا لشيخه المفيد في مقنعته: وإذا أوصى بثلث ماله لقرابته
ولم يسم أحدا كان ذلك في جميع ذوي نسبه الراجعين إلى آخر أب وأم له في الاسلام ويكون
ذلك بين الجماعة بالسوية، إلا أنه رجع في مسائل خلافه وفي مبسوطه فقال في مبسوطه: إذا
أوصى فقال: أعطوا ثلث مالي لقرابتي أو لأقربائي أو لذي رحمي فالحكم في الكل واحد فقال
قوم: هذه الوصية للمعروفين من أقاربه في العرف فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من
قرابته سواء كان وارثا أو غير وارث، وهو الذي يقوى في نفسي. وقال قوم: إنه يدخل فيه كل
ذي رحم محرم فأما من ليس بمحرم له فلا يدخل فيه وإن كان له رحم مثل بني الأعمام وغيرهم.
وقال قوم: إنها للوارث من الأقارب فأما من ليس بوارث فإنه لا يدخل فيه، والأول أقوى لأن
العرف يشهد به وينبغي أن يصرف في جميعهم ومن وافقنا على ذلك قال: يصرف في جميعهم
إلا الوارث فإن إجازته الورثة إليهم أيضا ويكون الذكر والأنثى فيه سواء وفي أصحابنا من
قال: يصرف ذلك إلى آخر أب وأم له في الاسلام ولم أجد به نصا ولا عليه دليلا مستخرجا
ولا به شاهدا هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطه.
وقال في نهايته: يصرف ذلك إلى آخر أب وأم له في الاسلام، ألا ترى أرشدك الله قوله
رحمه الله: ولم أجد به نصا ولا عليه دليلا مستخرجا ولا به شاهدا، فالركون إلى ما يوجد في
نهايته ويورده فيها إذا لم تعضده الأدلة خطأ لا يجوز ولا يحل الركون إليه وإنما يورد أخبار آحاد
وما يجده في مصنفات أصحابنا إيرادا لا اعتقدا لصحته والعمل به
والوصية للجيران والعشيرة والقوم والمسلمين أو المؤمنين أو الهاشميين أو العلويين
وغيرهم ممن يتناولهم الاسم العام على ما ذكرناه في باب الوقوف على السواء لا يختلف
الحال في ذلك.
ومتى وصى لحمل غير منفصل بل موجود في بطن أمه غير منفصل موجود في الأرض
267

كانت الوصية ماضية، فإن سقط الحمل أو مات قبل وضعه وانفصاله من بطن أمه رجعت
الوصية ميراثا على ورثة الموصي دون ورثة الموصى له، فإن وضعته أمه حيا واستهل وصاح ثم
مات كان ما أوصي له به ميراثا لورثته دون ورثة الموصي هذا إذا قبل وارث الحمل المستهل
الوصية بعد استهلاله على ما قررناه من أنه متى تنتقل الوصية بموت الموصي أو بموته وقبول
الموصى له الوصية فقد بيناه.
ومن أوصى لا لحمل بل لمعدوم غير موجود في بطن أمه كانت الوصية باطلة.
وإذا أوصى المسلم بثلثه للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين دون من عداهم من
الناس وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب اللهم إلا أن يعرف مراد الواقف إن كان وقفا
أو الموصي ومن عناه بالذكر بمذهب له يدل على ذلك أو عادة له في الخطاب فيحكم عليه
بذلك دون ما وصفناه من العموم فعلى هذا إذا أوصى الكافر للفقراء كان ذلك لفقراء أهل
ملته دون غيرهم.
وروى أصحابنا: أنه إذا أوصى بوصايا وكان في جملتها الحج بدئ به لأنه فريضة وقد قدمنا
ذلك وحررناه.
وإذا أوصى بعتق مملوك وبشئ لقرابته ولم يبلغ ثلثه ذلك بدئ بالمملوك لأنه أول وما
فضل بعد ذلك كان لمن أوصي له به.
وإذا أوصى بعتق ثلث عبيده وكان له عبيد جماعة استخرج ثلثهم عندنا بالقرعة
وأعتقوا، وإذا قال: فلان وفلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتى، وكانت قيمتهم أكثر من
الثلث بدئ بالأول فالأول إلى أن يستوفى الثلث وكان النقصان في من ذكرهم أخيرا، فإن
ذكر جماعة من عبيده معدودين ولم يميزهم بصفة ولا رتبهم في القول استخرجوا بالقرعة
وأعتقوا،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا أعتق مملوكا له عند موته ولا يملك غيره أعتق ثلثه
واستسعى فيما بقي لورثته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إن أراد رحمه الله بأنه بت عتقه في حال حياته ولم يجعله مدبرا
بعد موته فإنه ينعتق جميعه ولا يستسعي في شئ لأن هذه عطية منجزة في الحال وليس هو تدبيرا
268

بعد الموت على الصحيح من المذهب، إلا على مذهب من قال من أصحابنا: إن العطية المنجزة
تكون أيضا مثل المؤخرة تخرج من الثلث إذا كانت في مرضة الموت، والأول هو الأظهر بين
الطائفة وعليه الفتوى وبه العمل لأن للإنسان التصرف في ماله ونفقته جميعه في مرضة موته
بغير خلاف. وإن أراد رحمه الله " بعند موته " بعد موته وجعله تدبيرا فنعم ما قال وذهب.
وروي: أنه إذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة ولم يوجد ذلك جاز أن يعتق من أمناء الناس
ممن لا يعرف بنصب ولا عداوة، فإن وجدت مؤمنة لم يجز غيرها والأظهر أنه لا يجزئه غير
المؤمنة على كل حال لقوله تعالى: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.
فإن اشترى نسمة على أنها مؤمنة وكان ظاهرها ذلك فأعتقت ثم ظهر بعد ذلك أنها لم
تكن كذلك فقد مضى العتق وأجزأ عن الوصي لأنه المتعبد المكلف المخاطب بذلك وأجزأ،
أيضا عن الموصي.
وروي: أنه إذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم فلم يوجد بذلك القدر ووجد
بأكثر منه لم يجب شراؤه وتركت الوصية إلى وقت ما يوجد بالثمن المذكور، فإن وجد بأقل
من ذلك اشترى وأعطي الباقي ثم أعتق.
وروي: أنه إذا أوصى الانسان بعتق جميع مماليكه وله مماليك يخصونه ومماليك بينه
وبين غيره أعتق من كان في ملكه وقوم من كان في الشركة وأعطي شريكه حقه إن كان ثلثه
يحتمل ذلك وإن لم يحتمل أعتق منهم بقدر ما يحتمله،
والذي يقوى عندي أنه لا يقوم من في الشركة بل يعتق منهم بقدر ما يملكه ولا يعطي شريكه
ثمن حصته وإن كان ثلثه يحتمل ذلك لأنه بعد موته لا يملك الثلث إذا لم يوص به لأن الموت
يزول به ملكه إلا ما استثنى من ثلثه وهذا ما استثنى شيئا.
إذا أوصى انسان فقال: حجوا عني بثلثي حجة، ومات فقد أوصى بأن يحج عنه بجميع ثلثه
فينظر فيه، فإن كان ثلث ماله بقدر أجرة من يحج عنه فإن للوصي أن يستأجر من يحج عنه
سواء كان وارثا أو أجنبيا بلا خلاف وإن كان ثلث ماله أكثر مما يحج به من أجرة المثل
فكذلك عندنا وعند المخالف يستأجر من يحج عنه بجميع ثلثه إذا كان أجنبيا ولا يجوز أن
يستأجروا وارثا لأن ما زاد على أجرة المثل وصية بالمحاباة وذلك لا يصح للوارث وعندنا أن ذلك يصح
269

وإن قال: حجوا عني بثلثي، ولم يقل: حجة واحدة، فقد أوصى أن يحج عنه بثلثه
فينظر في ذلك فإن كان ثلثه بقدر ما يحج به حجة واحدة استؤجر من يحج عنه سواء كان
وارثا أو غير وارث، وإن كان ثلث ماله أكثر من أجرة مثله فإنه لا يجوز أن يستأجر عنه بأكثر
منه، وينظر في الزيادة فإن أمكن أن يستأجر بها من يحج عنه حجة أخرى فعل وإن لم يكن
ردت الزيادة إلى الورثة لأن الوصية متى لم تصح في الوجه الذي صرفه فيه رجعت إلى
الورثة. والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن فيما قبلها أوصى أن يحج عنه حجة واحدة
بجميع ثلثه فلأجل هذا لم تراع أجرة المثل.
إذا أوصى الانسان أن يحج عنه ولم يقل: بثلثي، ولم يبين كم يحج عنه فإنه يجب أن يحج
عنه حجة واحدة لأنه قد امتثل المأمور به.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إذا أوصى الانسان أن يحج عنه ولم يبين كم يحج عنه فإنه يجب
أن يحج عنه ما بقي من ثلثه شئ، وهذا غير واضح إلا أن يقيده بالثلث بأن يقول: حجوا
عني بثلثي، على ما قدمناه وحررناه، إلا أن شيخنا رجع عنه في مبسوطه وحرره كما حررناه.
وإذا أوصى أن يحج عنه في كل سنة من ارتفاع ضيعة بعينها فلم يرتفع كل سنة
مقدار ما يحج به عنه جاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاث لسنة واحدة وحج به عنه.
وفقه هذا على ما قدمناه من أن من أوصى بغلة صيغة له أو بستان أو ثمرة نخلة لإنسان على
التأبيد فإن ارتفاع الضيعة إن كان موجودا في وقت موته ولم يخلف غير الضيعة المعينة فإن
الضيعة تقوم ويؤخذ للحج بقدر ثلث جميع ما قوم، فإن كان الارتفاع بقدر الثلث فقد استوفى
وحج به كل سنة إلى أن ينفذ، وإن نقص الارتفاع عن الثلث استوفى في المستقبل من
الارتفاع تمام الثلث ويعود ملك الضيعة إلى الورثة بعد استيفاء ثلث جميع ما كان في ملك الميت
الذي ذكرناه أنه يقوم بعد الموت، هذا إذا لم يخلف الميت ثلثين كل ثلث بقدر قيمة الارتفاع
المذكور الموجود غير الثلث الذي هو الارتفاع المذكور الموجود فإن كان الارتفاع معدوما
وقت موت الموصي فإن الجميع يقوم ويؤخذ في المستقبل بقدر الثلث مما تخرج الضيعة إلى أن
يستوفى قدر الثلث فيحج به وترجع الضيعة إلى الورثة بعد ذلك فليلحظ هذا الموضع ويحصل
ما قلناه فإنه غامض ملتبس فليفهم عنا ما حررناه.
270

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا قال حجوا عني حجة واحدة فإن كانت حجة
الاسلام حج عنه من أصل المال وإن كانت تطوعا حج عنه من الثلث فإن لم يبلغ الثلث
مقدار ما يحج عنه من الموضع حج عنه من الموضع الذي يمكن ذلك فيه. وذهب في مبسوطه
إلى: أنه لا يجب أن يحج عنه سواء كانت الحجة واجبة أو مندوبة ولا يلزم الورثة الأجرة
والاستئجار إلا من ميقات أهله الذي هو ميقات الإحرام.
وما ذكره في نهايته هو الصحيح الذي تشهد به الروايات عن الأئمة ع ولأن
الحج يجب على المال والبدن ويجب عليه الخروج من بلده والنفقة لمسافته من مصره وبلدته
فإذا عدم البدن سقط عنه وبقي في المال من الموضع الذي كان يجب عليه النفقة منه لو كان
حيا.
وإذا قال الموصي لوصية: أعط إنسانا كل سنة شيئا معينا، فمات الموصى له كان ما
أوصي له لورثته إلا أن يرجع فيه الموصي، فإن رجع فيه كان ذلك له سواء رجع فيه قبل موت
الموصى له أو بعد موته، فإن لم يرجع في وصيته حتى يموت ولم يخلف الموصى له أحدا رجعت
الوصية على ورثة الموصي،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لإمام المسلمين مع
قبوله للوصية لأن الانسان لا بد له من وارث أما من ذوي الأنساب أو من ذوي الأسباب فليتأمل
ذلك.
وإذا قال الموصي: أعطوا فلانا كذا، ولم يقل أنه له ولا أمره فيه بأمر وجب تسليمه إليه وكان
الأمر في ذلك إليه إن شاء أخذه لنفسه وإن شاء تصدق به عنه كل ذلك جائز له فعله.
باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك:
إقرار المريض على نفسه جائز للأجنبي وللوارث وعلى كل حال إذا كان عقله ثابتا
في حال الإقرار ويكون ما أقر به من أصل المال سواء كان عدلا أو فاسقا متهما على الورثة
أو غير متهم وعلى كل حال سواء كانت مع المقر له بينة أو لم تكن لإجماع أصحابنا المنعقد أن
271

إقرار العقلاء جائز فيما يوجب حكما في شريعة الاسلام.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إقرار المريض على نفسه جائز للأجنبي وللوارث على كل
حال إذا كان مرضيا موثوقا بعدالته ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار ويكون ما أقر به من أصل
المال فإن كان غير موثوق به وكان متهما طولب المقر له بالبينة فإن كانت معه بينة أعطي من
أصل المال وإن لم يكن معه بينة أعطي من الثلث إن بلغ ذلك فإن لم يبلغ فليس له
أكثر منه، هذا آخر كلامه رحمه الله وقد قلنا ما عندنا في ذلك إلا أن شيخنا رجع عن ذلك في
مبسوطه ومسائل خلافه في كتاب الإقرار قال مسألة: إذا أقر بدين في حال صحته ثم مرض
فأقر بدين آخر في حال مرضه نظر فإن اتسع المال لهما استوفيا معا وإن عجز المال قسم
الموجود منه على قدر الدينين، ثم قال أيضا مسألة:
يصح الإقرار للوارث في حال المرض، ثم استدل فقال: دليلنا أنه لا مانع يمنع منه والأصل
جوازه وأيضا قوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين
والأقربين، والشهادة على النفس هو الإقرار وذلك عام في جميع الأحوال لكل أحد
والتخصيص يحتاج إلى دلالة وأيضا قوله تعالى: قالوا أقررنا قال فاشهدوا، وهذه أيضا
عامة وعلى المسألة إجماع الفرقة، هذا آخر كلامه واستدلاله.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى أقر الانسان بشئ وقال الوصية: سلمه إليه
فإنه له، وطالب الورثة الموصي بذلك فإن كان المقر مرضيا عند الوصي جاز له أن ينكر
ويحلف عليه ويسلم الشئ إلى من أقر له به وإن لم يكن مرضيا لم يجز ذلك له وعليه أن
يظهره وعلى المقر له البينة بأنه له فإن لم يكن معه بينة كان ميراثا للورثة هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا غير مستقيم وأصول مذهبنا بخلافه وقد دللنا على صحة
ذلك فيما مضى والواجب على الوصي أن يسلمه إلى من أقر له سواء كان المقر مرضيا أو غير
مرضي لأن إقرار العاقل الحر جائز على نفسه، وشيخنا أبو جعفر قد رجع عن مثل هذا في
مسائل خلافه على ما حكيناه عنه واستدل على صحة ما قد أوردناه عنه فلا معنى لإعادته وهذه
أخبار آحاد أوردها في كتابه النهاية على ما وجدها.
وقال شيخنا في نهايته: وإذا كان عليه دين فأقر أن جميع ما في ملكه لبعض ورثته لم
272

يقبل إقراره إلا ببينة فإن لم يكن مع المقر له بينة أعطي صاحب الدين حقه أولا ثم ما يبقى
يكون ميراثا.
ما ذكره رحمه الله صحيح إذا أضافه إلى نفسه ولم يقل بأمر حق واجب فأما إن أطلق إقراره ولم
يقل: جميع ما في ملكي، أو هذه داري لفلان، بل قال: هذه الدار لفلان، أو جميع هذا الشئ
لفلان، كان ذلك صحيحا سواء كان المقر له وارثا أو غير وارث في صحة كان إقراره أو مرض
وعلى جميع الأحوال إذا كان عاقلا ثابت الرأي وقد دللنا على صحة ذلك وإنما لم تصح المسألة
الأولى التي ذكرها شيخنا وحكيناها عنه لأنه أضافه إلى نفسه بأن قال: جميع ما في ملكي فأضافه
إليه فكيف يصح أن يكون ملكه لغيره إلا بانتقال شرعي لأنه يكون في قوله: هذه داري
لفلان، مناقضا وقد دللنا على ذلك وشرحناه وحررناه في كتاب الإقرار فليلحظ من هناك.
وإذا قال: لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم، فمن أقام البينة منهما كان الحق
له فإن لم يكن مع أحد منهما بينة كان الألف بينهما نصفين على ما روي في بعض الأخبار،
والذي يقتضيه مذهبنا استعمال القرعة في ذلك دون قسمته نصفين لإجماع أصحابنا المنعقد
أن كل أمر مشكل يستعمل فيه القرعة وإن قلنا: يرجع في التفسير إلى الورثة، كان قويا
معتمدا.
وإذا أقر بعض الورثة بدين على الميت جاز إقراره على نفسه ولزمه بمقدار ما يخصه
إذا كان غير مرضي،
وقد حررنا هذا القول وأشبعناه في باب قضاء الدين عن الميت وقلنا ما عندنا فيه فليرجع إليه
ويعتمد ما أومأنا إليه من الأدلة فهي العمدة.
وكذلك إن كان المقرون جماعة وليس فيهم مقبول الشهادة، فأما إن كان أقر واحد وهو
مرضي فإن المقر له يحلف مع شهادته وقد استحق جميع ما شهد له به لأنا عندنا نقبل الشاهد
ويمين المدعي في المال وكلما المقصود منه المال وهذا مال.
وأول ما يبدأ به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث، وإذا كان على
الميت دين وخلف مالا دون ذلك قضي بما ترك دينه وليس هناك وصية ولا ميراث ويكون
ذلك بين أصحاب الديون بالحصص، فإن وجد متاع بعض الديان بعينه وكان فيما بقي من
273

تركته وفاء لديون الباقين رد عليه متاعه بعينه بنمائه المتصل دون نمائه المنفصل، هذا إذا
اختار ذلك وقضى دين الباقين من التركة فإن لم يخلف غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره
من الديان فيه سواء يقتسمون بينهم على قدر أموالهم.
وإذا قتل انسان وعليه دين وجب على أوليائه أن يقضوا دينه من ديته إذا كان القتل
يوجب المال وقد روي أنه سواء كان قد قتل خطأ أو عمدا، فإن كان قد قتل عمدا على هذه
الرواية وأرادوا أولياؤه القود أو العفو لم يكن لهم ذلك إلا بعد أن يرضوا أصحاب الديون أولا
ثم إن شاؤوا بعد ذلك قتلوا وإن شاؤوا عفوا عنه وإن شاؤوا قبلوا الدية،
هذه الأحكام عند من عمل بهذه الرواية من أصحابنا، ومن لم يعمل بها قال: أنا أحملها على
قتل الخطأ الذي يوجب المال دون القتل الذي يوجب القود لأنه على مذهبنا موجبه شئ واحد
وهو القود دون المال ولأن الرواية إذا لم تخص بالقتل الذي يوجب المال ضادت القرآن وهو
قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، فالعامل بها لم يجعل
له سلطانا جملة وأيضا تقف الأحكام لأن للولي أن يقول: ما أوصي إليك يا صاحب الدين ما لك،
ويقول له صاحب الدين: لا أمكنك من القود: وللقاتل إذا طولب بالدية ليقضي الدين عن
الميت أن يمتنع من الأداء لأنه ما يجب عليه إلا القود عندنا دون المال بلا خلاف بيننا فتعطل
حينئذ الأحكام وقد شرحنا ذلك فيما مضى في كتاب الديون وبسطناه وحررناه.
وإذا قال الموصي لوصيه: اقض عني ديني، وجب عليه أن يبدأ به قبل الميراث فإن
تمكن من قضائه ولم يقضه وهلك المال كان ضامنا له، وليس على الورثة لصاحب الدين
سبيل إن كان قد صار إليهم من التركة حقهم فإن كان قد عزله الوصي من أصل المال
وقسم الباقي بينهم ولم يتمكن من إعطائه أصحاب الديون وهلك من غير تفريط من جهته
كان لصاحب الدين مطالبة الورثة بالدين من الذي صار إليهم وأخذوه واقتسموه.
ومن أقر أن عليه زكاة سنين كثيرة وأمر بإخراجها عنه وجب أن يخرج من جميع المال
لأنه بمنزلة الدين وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا، فإن كان عليه شئ من الزكاة وكان قد
وجب عليه حجة الاسلام ففرط فيها وخلف دون ما يقضى به عنه الحجة والزكاة حج عنه من
أقرب المواضع ويجعل ما يبقى في أرباب الزكاة.
274

وإذا أقر المريض أن بعض مماليكه ولده ولم يصفه بصفة ولا عينه بذكر ثم مات
أخرج بالقرعة واحد منهم ويلحق به ويورث منه، وإذا لم يخلف الميت إلا مقدار ما يكفن به
كفن بذلك ولم يقض به دينه، فإن تبرع انسان بتكفينه كان ما خلف يقضى به الدين.
والهبة في حال المرض صحيحة إذا قبضها ولم يكن للورثة الرجوع فيها فإن لم
يقبضها ومات كانت راجعة إلى الميراث وكذلك حكم ما يتصدق به في حال حياته.
والبيع في حال المرض صحيح كصحته في حال الصحة إذا كان المريض مالكا
لاختياره ورأيه ثابت العقل، فإن كان المرض غالبا على عقله كان ذلك باطلا، والمريض إذا
تزوج كان عقده صحيحا ويلزمه المهر قليلا كان أو كثيرا إذا دخل بالمرأة أو برئ من ذلك
المرض، فإن لم يدخل بها ولا برئ من ذلك المرض ومات فيه قبل الدخول بها كان العقد
باطلا ولا يلزمها عدة ولا لها ميراث لإجماع أصحابنا على ذلك فليس عليها من الأدلة سوى
الاجماع من أصحابنا.
وطلاق المريض مكروه شديد الكراهة حتى أن بعض أصحابنا يقول: طلاق
المريض غير جائز، لأجل شدة الكراهة فإن طلق ورثته المرأة ما بينها وبين سنة إذا لم يبرأ من
مرضه الذي طلقها فيه ولا تزوجت المرأة فإن برئ المريض ثم مرض بعد ذلك ومات لم نرثه
المرأة وكذلك إن تزوجت بعد انقضاء عدتها لم يكن لها ميراث فإن لم تتزوج ومضى لها سنة
فبعدتها لم يكن لها ميراث ويرث هو المرأة ما دامت في العدة الرجعية دون العدة البائنة على
الصحيح من المذهب والأقوال والروايات لأنه الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا فرق بين أن تكون التطليقة أولى أو ثانية أو ثالثة وعلى كل
حال إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه وقال: لا يرثها الزوج إلا ما دامت في العدة الرجعية
دون العدة التي لا له عليها رجعة، على ما حكيناه عنه أولا وقدمناه.
والوصية ماضية إذا تكلم بها الموصي وكان ثابت العقل فإن اعتقل لسانه وكان
ممن يحسن أن يكتب كتبها ثم أمضيت أيضا بحسب ذلك، فإن لم يقدر أن يكتب وأومأ بها
وفهم بذلك غرضه منه أمضيت أيضا بحسب ذلك فإن قال له: انسان يقول كذا وكذا،
ويأمر بكذا وكذا فأشار برأسه أي نعم كان أيضا ذلك جائزا إذا علم ذلك من شاهد حاله وكان
275

عقله ثابتا عليه فإن كان عقله زائلا في شئ من هذه الأحوال لم يلتفت إلى شئ من ذلك.
وقد روي: أنه إذا وجدت وصية بخط الميت ولم يكن أشهد عليها ولا أمر بها فإن
الورثة بالخيار بين العمل بها وبين ردها وإبطالها فإن عملوا بشئ منها لزمهم العمل بها
جميعا،
على ما روي في بعض الأخبار وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول
مذهبنا أنهم إذا أقروا بشئ منها وعملوا به وقالوا: إن هذا حسب صحيح أوصى به دون
ما عداه مما في هذا المكتوب، فإنه لا يلزمهم العمل بجميع ما في المكتوب إلا بما أقروا به دون
ما عداه، وإنما هذه رواية وخبر واحد أوردها شيخنا إيرادا وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يجوز
العمل عليها في الشرعيات لأنها لا توجب علما ولا عملا.
وإذا كان على انسان دين لغيره ومات صاحبه لم يجز له أن يعطيه لبعض ورثته
إلا باتفاق الباقين، فإن أعطاه جميعه وأعلمه أنه لجماعة الورثة كان القاضي الذي هو المعطى
ضامنا لحصة الباقين وقد سقط عنه نصيبه ولا يرجع عليه إن تلف بغير تفريط منه وكان
قد وكله في القضاء عنه والتسليم إليهم، فإن كان قد فرط في حفاظه وتلف فإنه يرجع عليه،
فإن كان قد أقر وقت تسليمه إليه وقال: خذ هذا فهو لك أو نصيبك من الدين الذي كان
لمورثك على، فإنه لا يجوز له أن يعود عليه بشئ بحال.
وإذا غاب رجل عن أهله وترك لهم نفقة سنة أو أكثر من ذلك ثم مات بعد شهر كان
على امرأته ومن يجب عليه نفقته أن يردوا ما فضل عن نفقة الشهر الذي مضى إلى الميراث.
276

باب الإقرار:
إقرار الحر البالغ الثابت العقل غير المولى عليه جائز على نفسه للكتاب والسنة
والإجماع، فإذا ثبت ذلك فلا يصح الإقرار على كل حال إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه
أو رق، فلو أقر المحجور عليه لسفه بما يوجب حقا في ماله لم يصح ويقبل إقراره بما يوجب
حقا على بدنه كالقصاص والقطع والجلد.
فأما إن كان محجورا عليه لجنون أو صغر فلا يصح إقراره على ماله ولا على بدنه،
وإن كان محجورا عليه لفلس يصح إقراره في ماله وعلى بدنه
عند بعض أصحابنا والأولى عندي أنه لا يصح إقراره في أعيان أمواله بعد الحجر عليه، فأما
إن أقر بشئ في ذمته لا في أعيان أمواله فإن إقراره يصح ويقاسم المقر له الغرماء في أعيان
الأموال لأنا إن قبلنا إقراره بعد الحجر في أعيان أمواله فلا فائدة في حجر الحاكم ولا تأثير لذلك
لأن ذلك يكون إقرارا بشئ قد تعلق به حق الغير فلا يقبل منه. فأما إن أقر بدين في ذمته فإنه
يقبل إقراره، فأما إقراره على بدنه فمقبول على كل حال.
فأما إن كان محجورا عليه لرق فإنه لا يقبل إقراره،
عند أصحابنا لا في مال في يديه ولا على بدنه سواء أقر بقتل العمد أو بقتل الخطأ لأن ذلك إقرار
على الغير لكنه يتبع به إذا لحقه العتاق، ومتى صدقه السيد قبل إقراره في جميع ذلك بلا خلاف
277

ويصح إقرار المريض الثابت العقل للوارث وغيره سواء كان بالثلث أو أكثر منه
وإجماع أصحابنا منعقد على ذلك وأيضا قوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو
على أنفسكم، والشهادة على النفس هي الإقرار ولم يفصل وعلى من ادعى التخصيص
الدليل، ويصح الإقرار المبهم مثل أن يقول: لفلان على شئ، ويرجع في تفسيره إليه فمهما
فسره به قبل إذا كان مما يتمول ويملكه المسلمون قليلا كان أو كثيرا.
ولا تصح الدعوى المبهمة لأنا إذا رددنا الدعوى المبهمة كان للمدعي ما يدعوه إلى
تصحيحها وليس كذلك الإقرار لأنا إذا رددناه لا نأمن ألا يقر ثانيا، والمرجع في تفسير المبهم
إلى المقر على ما قدمناه ويقبل تفسيره بأقل ما يتمول في العادة، فإن لم يقر جعلنا ناكلا ورددنا
اليمين على المقر له فيحلف على ما يقول ويأخذه فإن لم يحلف فلا حق له،
وإذا قال: له على مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير، لم يقدر ذلك بشئ ويرجع في
تفسيره إلى المقر ويقبل تفسيره بالقليل والكثير،
لأنه لا دليل على مقدر معين والأصل براءة الذمة وما يقر به مقطوع عليه فوجب
الرجوع إليه، ويحتمل أن يكون أراد عظيم عند الله تعالى من جهة المظلمة وأنه
جليل نفيس عند الضرورة إليه وإن كان قليل المقدار، وإذا احتمل ذلك وجب
أن يرجع إلى تفسيره لأن الأصل براءة الذمة ولا نعلق عليها شيئا محتملا. ويحتج
على المخالف بما روي من قوله ع: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه، لأنه يقتضي ألا يؤخذ منه أكثر مما أقر به.
وإذا قال: له على مال كثير، كان إقرارا بثمانين،
لما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه، وروي في تفسير قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة،
أنها كانت ثمانين موطنا، والأولى عندي أنه يرجع في التفسير إليه لأن هذا قول مبهم محتمل
ولا نعلق على الذمم شيئا بأمر محتمل، وإنما ورد في أخبار أصحابنا وأجمعوا عليه في النذر
فحسب ولم يذهب أحد منهم إلى تعديته إلى الإقرار والوصية سوى شيخنا أبي جعفر رحمه الله في
فروع المخالفين المبسوط ومسائل الخلاف، والقياس عندنا باطل فمن عداه غير النذر
الذي ورد فيه يحتاج إلى دليل، ثم لا خلاف بين أصحابنا بل بين المسلمين أنه إذا باع دارا بمال
278

كثير يكون البيع باطلا لأن الثمن مجهول المقدار فلو كان الشارع قد جعل حد الكثير ثمانين
في كل شئ لما كان البيع باطلا، وكذلك إذا باع الدار بجزء من ماله وكان ماله معلوم المقدار
يكون البيع باطلا بلا خلاف وإن كان الجزء هو التبع في الوصية فحسب ولا تعدية إلى غيرها
بغير خلاف.
وإذا قال: له على ألف ودرهم، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه لأنها مبهمة
والأصل براءة الذمة وقوله " ودرهم " زيادة معطوفة على الألف وليست بتفسير لها لأن المفسر
لا يكون بواو العطف وكذا الحكم لو قال: ألف ودرهمان فأما إذا قال: ألف وثلاثة دراهم، أو: ألف
وخمسون درهما، وما أشبه ذلك فالظاهر أن الكل دراهم لأن ما بعده تفسير له.
وإذا قال: له على عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة، فإن قال: إلا درهم، بالرفع كان
إقرارا بعشرة لأن المعنى غير درهم، وإن قال: ماله على عشرة إلا درهما، لم يكن مقرا بشئ
لأن المعنى ما على تسعة، ولو قال: ماله على عشرة إلا درهم، كان إقرارا بدرهم لأن رفعه
بالبدل من العشرة فكأنه قال: ماله على إلا درهم.
وإذا قال: له على عشرة إلا ثلاثة إلا درهما، كان إقرارا بثمانية لأن المراد " إلا ثلاثة "
لا يجب إلا درهما من الثلاثة يجب لأن الاستثناء من الإيجاب نفي ومن النفي إيجاب واستثناء
الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط إذا لم يكن بواو العطف ولا يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم
لسقوط الفائدة.
إذا قال: ماله عندي عشرون إلا خمسة، فأنت تريد ما لك إلا خمسة ويقول: لك على
عشرة إلا خمسة ما خلا درهما، فالذي له ستة وكل استثناء مما يليه فالأول حط والثاني زيادة
وكذلك جميع العدد فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار المستثنى أربعة، هذه المسائل ذكرها
ابن البراج في أصوله.
إذا قال: على عشرة إلا ثلاثة وإلا اثنين، كان ذلك استثناء الخمسة من العشرة، وإذا
لم يعطف الثاني على الأول مثل أن يقول: له على عشرة إلا خمسة إلا اثنين، فيكون قد استثنى
الاثنين من الخمسة فيبقي ثلاثة فيكون قد استثنى ثلاثة من العشرة فلزمه سبعة ولا يجوز أن يعود
هاهنا إلى الجملتين معا بل الجملة التي تليه لأنه كان يكون لا فائدة فيه لأن الكلام موضوع
279

للإفادة كما إذا قال: له على درهم ودرهم إلا درهما، فقد أسقط الاستثناء من الدرهمين، درهما فلو
رجع إلى الجملتين معا من الكلام صار عبثا ولغوا كما لو قال: له على درهم إلا درهما، فلا
يقبل استثناؤه ذلك لأن الاستثناء يخرج من الجمل ما لولاه لصح دخوله تحته أو لوجب
دخوله تحته على العبارتين واختلاف المقالتين بين من تكلم في أصول الفقه، وإذا كان
الاستثناء الثاني معطوفا على الأول كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى فلو قال: على عشرة
إلا ثلاثة وإلا درهما، كان إقرارا بستة.
وإذا استثنى بما لا يبقى معه من المستثنى منه شئ كان باطلا على ما قدمناه لأنه يكون
بمنزلة الرجوع عن الإقرار فلا يقبل وإن استثنى بمجهول القيمة كقوله: على عشرة إلا ثوبا، فإن
فسر قيمته بما يبقى معه من العشرة شئ وإلا كان باطلا، ويجوز استثناء الأكثر من الأقل
بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي وابن حنبل، ويدل على صحته قوله تعالى: إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين، وقال حكاية عن إبليس:
فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، فاستثنى من عباده الغاوين مرة
والمخلصين أخرى ولا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.
إذا قال: على كذا درهم، بالرفع لزمه درهم واحد لأن التقدير هو درهم أي الذي أقررت به
درهم، وإن قال: كذا درهم، بالخفض لزمه مائة درهم لأن ذلك أقل عدد يخفض ما بعده ولا
يكون إقرارا بدون الدرهم لأنه أقل ما يضاف إلى الدرهم لأن ذلك ليس بعدد صحيح وإنما هو
كسور، وإن قال: كذا درهما، لزمه عشرون درهما لأنه أقل عدد واحد ينصب ما بعده، وإن
قال: كذا كذا درهما، لزمه أحد عشر درهما لأن ذلك أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما،
وإن قال: كذا وكذا، وأدخل بينهما الواو كان إقرارا بأحد وعشرين درهما لأن ذلك أقل
عددين عطف أحدهما على الآخر وانتصب الدرهم بعدهما،
والأولى عندي في هذه المسائل جميعها أن يرجع في التفسير إلى المقر لأن " كذا " لفظ مبهم محتمل
ولا نعلق على الذمم شيئا بأمر محتمل والأصل براءة الذمة ولم يذكر هذه المسائل أحد من
أصحابنا إلا شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه وهذان الكتابان بعضهما فروع
المخالفين وتخريجاتهم وأخبارنا خالية من ذلك وكذلك مصنفات أصحابنا إلا من اتبع
280

تصنيف شيخنا أبي جعفر فليلحظ ذلك ويتأمل.
وإذا قال: على دراهم، فإنه يلزمه ثلاثة دراهم.
وإذا أقر بشئ وأضرب عنه واستدرك غيره،
فإن كان مشتملا على الأول الأول بأن يكون من جنسه وزائدا عليه وغير متعين لزمه
دون الأول بل يدخل الأول فيه كقوله: على درهم لا بل درهمان، ولا يلزمه ثلاثة دراهم لأن
الأول دخل في الثاني لأنه إذا قال: له درهم، فقد أخبر بدرهم عليه، وقوله بعد هذا: لا بل
درهمان، إخبار بالدرهم الذي أقر به أولا، ثانيا لأنه يصح أن يخبر عنه ثم يخبر عنه فكأنه
نفى الاقتصار عليه فأخبر به وبغيره مرة أخرى.
وإن كان ناقصا عنه لزمه الأول دون الثاني كقوله: على عشرة دراهم لا بل تسعة دراهم،
لأنه أقر بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه ويفارق ذلك إذا قال: له على
عشرة دراهم إلا درهما، لأن للتسعة عبارتين إحداهما لفظ التسعة والأخرى لفظ العشرة مع
استثناء الواحد فبأيهما أتى فقد عبر عن التسعة
إذا قال: لفلان على درهم ودرهم إلا درهما، فعلى ما يذهب إليه أن الاستثناء إذا
تعقب جملا معطوفة بعضها على بعض بالواو وإنه يرجع إلى الجميع يجب أن يقول إنه يصح
ويكون إقرارا بدرهم، ومن قال: يرجع إلى ما يليه، فإنه يبطل الاستثناء ويكون إقرارا
بدرهمين لأنه إذا رجع إلى ما يليه وهو درهم لا يجوز أن يستثني درهما من درهم لأن ذلك استثناء
الجميع وذلك فاسد فيبطل الاستثناء ويبقى ما أقر به وهو درهم ودرهم الذي عطف عليه
وإن كان ما استدركه من غير جنس الأول كقوله: على درهم لا بل دينار، أو قفيز حنطة لا بل
قفيز شعير، لزمه الإقراران معا لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول فلا يسقط برجوعه عنه
لأنه غير داخل فيه وإن كان ما أقر به أولا وما استدركه متعينين بالإشارة إليهما أو بغيرها مما
يقتضي التعريف لزمه أيضا الإقرار سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين أو متساويين في
المقدار أو مختلفين لأن أحدهما والحال هذه لا يدخل في الآخر ولا يقبل رجوعه عما أقر به أولا
كقوله: هذه الدراهم لفلان لا بل هذا الدينار، أو هذه الجملة من الدراهم لا بل هذه
الأخرى.
281

وإذا قال: له على ثوب في منديل، لم يدخل المنديل في الإقرار لأنه يحتمل أن يريد
في منديل لي فلا يلزم من الإقرار إلا المتقين دون المشكوك فيه لأن الأصل براءة الذمة، وكذا
القول في كل ما جرى هذا المجرى مثل أن يقول: غصبته سمنا في ظرف أو حنطة في غرارة،
وما أشبه ذلك.
وإذا قال: له على ألف درهم وديعة، قبل منه لأن لفظة " على " للإيجاب وكما يكون الحق
في ذمته فيجب عليه تسليمه بإقراره كذلك يكون في يده فيجب عليه رده وتسليمه إلى
المقر له بإقراره، ولو ادعى التلف بعد الإقرار قبل لأنه لم يكذب إقراره وإنما ادعى تلف ما أقر
به بعد ثبوته بإقراره بخلاف ما إذا ادعى التلف وقت الإقرار بأن يقول: كان عندي أنها
باقية فأقررت لك بها. وكانت تالفة في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقبل منه لأنه يكذب إقراره
المتقدم من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد يسقط حق المودع،
والذي يقوى في نفسي أنه إذا قال: له على ألف درهم وديعة، لا يقبل منه لأن لفظة " على "
الإيجاب والالتزام والوديعة غير لازمة له ولا واجبة في ذمته ولا في يده فيجب تسليمها إلا بعد
مطالبة المودع فحينئذ يجب وقبل ذلك لا يجب، فإذن التمسك الأول غير معتمد بل لو قال: له:
عندي ألف درهم وديعة، قبل منه لأن " عندي " لفظة غير موجبة ولا لازمة وإن كان قد ذكر
الأول بعض أصحابنا وسطره في كتابه فإنه من تخاريج المخالفين واستحساناتهم فأما كلام
العرب الذي نزل القرآن بلغتهم يقتضي ما ذكرناه إذ لا نص على خلاف ما ذهبنا إليه
ولا إجماع.
وإذا قال: له على ألف درهم إن شئت، لم يكن لكلامه حكم لأن الإقرار إخبار عن
حق واجب سابق له وما كان كذلك لم يصح تعلقه بشرط مستقبل.
وإذا قال: له من ميراثي من أبي ألف درهم، لم يكن أيضا إقرارا لأنه أضاف الميراث
إلى نفسه ثم جعل له منه جزءا ولا يكون له جزء من ماله إلا على وجه الهبة أو الصدقة، ولو
قال: له من ميراث أبي ألف درهم، كان ذلك إقرارا بدين في تركته، وهكذا لو قال: داري
هذه لفلان، لم يكن ذلك لمثل ما قدمناه لأن هذا ما قبضه كيف يكون داره لفلان في حال ما هي
له. ولو قال: هذه الدار، ولم يصفها إليه بل قال: هذه الدار التي في يدي أو هذه الدار لفلان،
282

من غير إضافة إليه كان إقرارا لأنها قد تكون في يده بإجارة أو عارية أو غصب. فأما إذا
قال: هذه داري أو داري لفلان بأمر حق ثابت، كان إقرارا أيضا صحيحا لأن قوله: بأمر حق
ثابت، يجوز أن يكون له حق وجعل داره في مقابلة ذلك الحق وإن كان قد أضافها إلى نفسه.
ويصح الإقرار المطلق للحمل لأنه يحتمل أن يكون من جهة صحيحة مثل ميراث أو
وصية لأن الميراث يوقف له، وتصح الوصية عندنا للحمل فالظاهر من الإقرار الصحة
فوجب حمله عليه.
ومن أقر بدين في حال صحته ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح ولا يقدم
دين الصحة على دين المرض بل هما سواء، ولا يكلف من أقر له في حال المرض إقامة بينة
على أن إقراره له عن حق كان له عليه سواء كان مرضيا موثوقا بعدالته أو غير موثوق
بعدالته متهما على الورثة أو غير متهم ويعطي من أصل المال دون الثلث مثل الدين الذي
أقر به في حال صحته لا فرق بينهما إذا كان عقله ثابتا عليه.
لأنا قد بينا أن إقرار العقلاء الغير مولى عليهم جائز على نفوسهم والدليل على ذلك قوله
تعالى: من بعد وصية. يوصى بها أو دين، من غير فصل لأن الأصل تساويهما في الاستيفاء
من حيث تساويا في الاستحقاق فعلى من ادعى تقديم أحدهما على الآخر الدليل، ولا يلتفت
إلى ما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته فإنه قال: إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبي
وللوارث على كل حال إذا كان مرضيا موثوقا بعدالته ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار ويكون
ما أقر به من أصل المال فإن كان غير موثوق به وكان متهما طولب المقر له بالبينة فإن كانت معه
بينة أعطي من أصل المال وإن لم يكن معه بينة أعطي من الثلث إن بلغ ذلك فإن لم يبلغ فليس
له أكثر منه هذا. آخر كلامه رحمه الله في نهايته إلا أنه رجع عنه في مسائل خلافه وفي
مبسوطه فقال في مسائل خلافه في الجزء الثاني من كتاب الإقرار مسألة: إذا أقر بدين في حال
صحته ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه نظر فإن اتسع المال لهما استوفيا معا وإن عجز
المال قسم الموجود منه على قدر الدينين وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا ضاق المال قدم
دين الصحة على دين المرض فإن فضل شئ صرف إلى دين المرض دليلنا قوله تعالى: من
بعد وصية يوصى بها أو دين، ولم يفضل أحد الدينين على الآخر فوجب أن يتساويا في
283

الاستيفاء فيه وأيضا فإنهما دينان ثبتا في الذمة فوجب أن يتساويا في الاستيفاء لأن تقديم
أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل. هذا آخر المسألة من كلام شيخنا رحمه الله.
إذا قال: له عندي عبد عليه عمامة، دخلت العمامة في الإقرار. وإذا قال: له عندي
دابة عليها سرج، لم يدخل السرج في الإقرار، والفرق بينهما أن العبد تثبت يده على ما عليها
فيكون لمولاه المقر له والدابة لا تثبت لها يد على ما عليها فلا يكون ما عليها لصاحبها إلا بالإقرار،
وقوله: عليها سرج، ليس بإقرار بالسرج فافترقا.
إذا قال: هذه الدار لفلان لا بل لفلان، أو قال: غصبتها من زيد لا بل من عمرو،
فإن إقراره الأول لازم وتكون الدار للأول ويغرم قيمتها للثاني لأنه حال بينه وبين ما أقر له به فهو
كما لو ذبح شاة له وأكلها ثم أقر له بها أو أتلف مالا ثم أقر به لفلان فإنه يلزمه غرامته،
فكذلك هذا وهذا كما يقول في الشاهدين إذا شهد على رجل بإعتاق عبده أو طلاق امرأته
الغير المدخول بها وحكم الحاكم بذلك ثم رجعا عن الشهادة كان عليهما غرامة قيمة العبد
وغرامة المهر لأنهما حالا بينه وبين ملكه ولا تنقض حكم الحاكم بغير خلاف.
وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في المبسوط في كتاب الإقرار وكتاب الشهادات.
وإذا باع شيئا ثم أقر البائع أن ذلك المبيع لفلان فإن الغرامة تلزمه ولا ينفذ إقراره
في حق المشتري.
إذا قال: لفلان على ألف درهم، فجاء بألف وقال: هذه التي أقررت لك
بها كانت لك عندي وديعة، وكان القول في ذلك قوله عند بعض الناس.
والأظهر أنه لا يقبل قوله في ذلك ويلزم بما أقر به لأنا قد بينا من قبل إن لفظة " على " لفظة إيجاب
وإلزام والوديعة غير لازمة له إلا أن يعقب قوله: وديعة فرطت فيها.
إذا قال: له على ألف درهم وديعة شرط على أني ضامن لها، كان ذلك إقرارا بالوديعة
ولم يلزمه الضمان الذي شرطه عليه لأن ما كان أصله أمانة لا يصير مضمونا بالشرط
وما يكون مضمونا لا يصير أمانة بشرط لأنه لو شرط على المستام أن يكون مال السوم أمانة لم
يصر أمانة بالشرط.
إذا شهد شاهدان على رجل بأنه أعتق عبده الذي في يده، فإن كانا عدلين حكم
284

بعتق العبد وإن لم يكونا عدلين فردت شهادتهما ثم اشتريا ذلك العبد من المشهود عليه صح
الشراء وعتق عليهما، ويفارق ذلك إذا قال رجل لامرأة: أنت أختي، فأنكرت المرأة ثم إنه
تزوج بها في أنه لا يصح العقد لأنه قد أقر أن فرجها حرام عليه فإذا تزوج بها لم يقصد إلا
المقام على الفرج الحرام فلذلك لم يصح، وليس كذلك إذا اشتريا العبد لأنهما يقصدان
غرضا صحيحا وهو استنقاذه من الرق فافترقا.
إذا قال: له على ألف دينار من ضرب كذا أو سكة كذا، وكذلك إذا قال: له على درهم
من ضرب كذا وسكة كذا وفقد كذا، قبل منه تفسيره إذا انطلق عليهما اسم الذهب المتعامل به
وكذلك الدراهم المتعامل بها وإن كانت رديئة، فإن كانت دراهم لا فضة فيها بحال لا يقبل
منه وكذلك حكم الدنانير هذا إذا كان تفسيره بالصفة متصلا بالإقرار، فأما إن كان
منفصلا لا يقبل منه ذلك التفسير بل يرجع في إطلاق إقراره إلى نقد البلد الذي هو فيه
وغالبه.
إذا قال: يوم السبت لفلان على درهم، ثم قال: يوم الأحد له على درهم، لم يلزمه إلا درهم
واحد ويرجع إليه في التفسير. فأما إذا قال: يوم السبت لفلان على درهم من ثمن عبد، ثم
قال: يوم الأحد له درهم من ثمن ثوب، لزمه درهمان لأن ثمن العبد غير ثمن الثوب
ويفارق ذلك إذا قال مطلقا من غير إضافة إلى سبب لأنه يحتمل للتكرار وكذلك إذا أضاف
كل واحد من الإقرارين إلى سبب غير السبب الذي أضاف إليه الآخر.
إذا قال: له على ما بين الدرهم إلى العشرة، لزمه ثمانية لأنه أقر بما بين الواحد
والعاشر والذي بينهما ثمانية، وكذلك إذا قال: له على من درهم إلى عشرة، وقال بعض
الناس: يلزمه تسعة، والأول هو الصحيح لأنه اليقين وهذا محتمل فلا يعلق على الذمة شيئا
بأمر محتمل.
إذا ادعى عليه رجل مالا بين يدي الحاكم وقال: لا أقر ولا أنكر، قال له الحاكم: هذا
ليس بجواب فأجب بجواب صحيح فإن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على
خصمك، فإن لم يجب بجواب صحيح فالمستحب أن يكرر ذلك عليه ثلاث مرات فإن لم
يجب بجواب صحيح جعله ناكلا ورد اليمين على صاحبه، وإن رد اليمين بعد المرة الأولى
285

جاز لأنه هو القدر الواجب. وإنما جعلناه ناكلا بذلك لأنه لو أجاب بجواب صحيح ثم امتنع
عن اليمين حصل ناكلا فإذا امتنع عن الجواب واليمين فأولى أن يكون ناكلا.
فأما إذا قال: لي عليك ألف درهم، فقال: نعم، أو قال: أجل، كان ذلك إقرارا.
إذا قال لامرأته: قد طلقتك بألف وقبلت ذلك وبذلتيه لي لأجل أنك كرهت المقام
معي، فأنكرت كان القول قولها مع يمينها، فإذا حلفت سقطت الدعوى ولزمه الطلاق البائن
بإقراره ولم يثبت له الرجعة.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا أقر ببنوة صبي لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه، ثم
قال: دليلنا أنه يحتمل أن يكون الولد من نكاح صحيح ويحتمل أن يكون من نكاح فاسد
أو وطء شبهة وإذا احتمل الوجوه لم يحمل على الصحيح دون غيره وقوله باطل ببنوة أخيه،
هذا آخر كلام شيخنا.
قال محمد بن إدريس: معنى قوله رحمه الله " وقوله " يريد قول الخصم باطل ببنوة أخيه يريد
بذلك أن رجلا آخر أقر بولد آخر أخ لهذا المقر به من أمه فإنه يلزم على قول من ذهب من
المخالفين أن ذلك يكون إقرارا بزوجية أمه أن تكون المرأة أم الوالدين اللذين قد أقر رجل
ببنوة أحدهما وأقر آخر ببنوة الآخر زوجة للمقرين معا في حال ما أقرا بالوالدين وهذا
لا يقوله أحد: إن امرأة واحدة تكون زوجة لرجلين في حال واحدة فليتأمل ذلك فقول شيخنا
فيه غموض وإجمال يحتاج إلى بيان.
وإذا قال: لفلان على ألف درهم، ثم سكت ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، لزمه
الألف ولم يقبل منه ما ادعاه من البيع لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقطه، وكذلك لو قال:
لفلان على ألف درهم، وسكت ثم قال: وقد قبضها، وكذلك إذا قال: لفلان على ألف
درهم من ثمن مبيع، ثم سكت ثم قال: لم أقبضه، لا فرق بين الموضعين سواء وصل قوله
بثمن مبيع ثم قال: لم أقبضه أو فصله لا فرق بين الموضعين لأنه أقر بمال لآدمي،
ولفظ الإقرار لفظ التزام وإيجاب متقدم وإذا ثبت حق الآدمي فلا دلالة على إسقاطه وتعقيبه بما
وصله لا يسقطه لأنه على غير جهة الاستثناء لأن الاستثناء هو المسقط لبعض ما اشتمل عليه
لأنه يخرج من الجمل ما لولاه لوجب دخوله تحته أو لصلح دخوله تحته على أحد القولين
286

وليس لنا ما يسقط من الجمل والكلام إذا تعقبه إلا الاستثناء فحسب لأنه ثبت من اللسان
والعرف الشرعي واللغوي فقلنا به مع أنه لا يجوز أن يسقط جميع الجملة ومتى استثنى جميع
الجملة كان الاستثناء باطلا ومن ذهب إلى خلاف ما نحن عليه يسقطه جملة لأن الشافعي
يذهب إلى أنه إذا قال: لفلان على ألف درهم من ثمن مبيع، ثم سكت ثم قال: لم أقبضه، قبل
منه لأن قوله بعد السكوت " لم أقبضه " لا ينافي إقراره الأول لأنه قد يكون عليه ألف درهم ثمنا
ولا يجب عليه تسليمها حتى يقبض المبيع ولأن الأصل عدم القبض فإذا قال: على ألف درهم
من ثمن مبيع لم أقبضه، لم يلزمه ولا فرق بين أن يعين المبيع أو يطلقه، هذا قول الشافعي. وقال
أبو حنيفة: إذا عينه قبل منه وصل أو فصل وإن أطلقه لم يقبل منه ولزمه الألف. واستدل
الشافعي أنه أقر بحق في مقابلة حق لا ينفك أحدهما عن الآخر فإذا لم يسلم ماله لم يلزمه
ما عليه. واختار شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه وفي مبسوطه قول الشافعي وزاد على
استدلال الشافعي بأن قال: إن الأصل براءة الذمة ولا دليل على أنه يلزمه، هذا آخر كلامه
واستدلاله ولم يتمسك بإجماع الفرقة ولا بالأخبار ولا بكتاب الله تعالى لأن ذلك لا إجماع عليه
ولا سنة متواترة ولا كتاب الله سبحانه، فأما قوله رضي الله عنه: الأصل براءة الذمة، فصحيح
من قبل أن يقر المقر بحق الآدمي فأما بعد الإقرار فقد انتقل من ذلك الأصل وعاد الأصل
بثبوت حق الآدمي فمن أسقطه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع
بل هذا من تخريجات المخالفين واستحساناتهم ومقاييسهم واجتهاداتهم وآرائهم وقد كفينا -
بحمد الله - جميع ذلك من لزوم الأصول وإن إقرار العقلاء جائز على نفوسهم بما يوجب حكما
في شريعة الاسلام وأنه لا يجوز له الرجوع عنه ولا إسقاطه ولا اسقاط شئ منه إلا بما قد أجمعنا
عليه من اسقاط بعضه بالاستثناء فحسب لما دللنا عليه ولم يذهب أحد من أصحابنا إلى هذا
المقال ولا أودعه في كتاب سوى شيخنا أبي جعفر في هذين الكتابين المشار إليهما وهما مسائل
الخلاف والمبسوط لأنهما فروع المخالفين وما عداهما من سائر كتبه لم يتعرض لذلك بقول،
وقلده ونقل من مسطورة ابن البراج كما قلده في غير ذلك مما أجمعنا على خلافه من أن الانسان
إذا باع جارية حاملا لا يجوز له أن يستثني الحمل لأنه يجري مجرى بعض أعضائها وقد دللنا
على فساد ذلك فيما مضى.
287

ولا فرق بين أن يقول ذلك ويقبل منه وبين أن يقول: له على ألف درهم قضيتها أو
وألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو من ثمن مبيع لم أقبضه أو تلف قبل القبض،
فإن شيخنا أبا جعفر في مبسوطه قال: فمتى أقر بكفالة بشرط الخيار أو بضمان بشرط الخيار
مثل أن يقول: تكفلت لك بدين فلان، أو: ضمنت لك مالك على فلان على أني بالخيار ثلاثة
أيام، فقد أقر بالكفالة ووصل إقراره بما يسقطها فلا يقبل إلا ببينة. وكذلك إذا قال: له على
ألف درهم قبضتها، أو ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو من ثمن مبيع تلف قبل
القبض. فهذا جميعه أورده شيخنا مستدلا على أنه: إذا أقر بشئ ووصل إقراره بما يسقطه فإنه
لا يقبل قوله إلا ببينة، فيلزمه مثل ذلك فيما اختاره من أنه يقبل قوله إذا وصل إقراره بقوله:
له على ألف من ثمن مبيع، ثم قال: لم أقبضه، إذا أفرق بينهما وهو قائل في أحدهما بغير
ما قال في الآخر، واستدلاله قاض عليه وهو محجوج بقوله الذي قال فيه: إذا أقر بشئ ووصل
إقراره بما يسقطه فلا يقبل قوله إلا ببينة.
وإذا قال: لفلان على ألف درهم مؤجلا إلى وقت كذا، لزمته الألف ولا يثبت
لتأجيل،
ولشيخنا أبي جعفر في ذلك قولان: أحدهما أنه يثبت التأجيل ويقول في موضع آخر: لا يثبت
التأجيل، وهذا الذي يقوى في نفسي لما دللنا عليه أولا.
الإقرار بالعجمية يصح كما يصح بالعربية لأنها لغة ولأنها تنبئ عما في النفس من
الضمير كالعربية، فإذا أقر بالعجمية عربي أو أقر بالعربية عجمي، فإن كان عالما بمعنى
ما يقوله لزمه إقراره، وإن قال: قلت ذلك ولا أعرف معناه، فإن صدقه المقر له لم يلزمه شئ
وإن كذبه فالقول قول المقر مع يمينه أنه لم يدر معناه لأن الظاهر في حال العربي أنه لا يعرف
العجمية ومن حال العجمي أنه لا يعرف العربية فقدم قوله لهذا الظاهر.
إذا شهد عليه شهود بإقراره ولم يقولوا: وهو صحيح العقل، صحت الشهادة بذلك
الإقرار لأن الظاهر صحة إقراره ولأن الظاهر أنهم لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل
فإن ادعى المقر المشهود عليه أنه أقر وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه
لأن الأصل عدم الجنون.
288

فأما إذا شهد عليه الشهود بالإقرار فادعى أنه كان مكرها على ذلك لم يقبل منه لأن
الأصل عدم الإكراه، فإن أقام البينة على أنه كان محبوسا أو مقيدا وادعى الإكراه قبل منه ذلك
وكان القول قوله مع يمينه في ذلك لأن الظاهر من حال المحبوس والمقيد أنه مكره على
تصرفه وإقراره.
إذا أقر الصبي على نفسه بالبلوغ نظر، فإن لم يبلغ بعد القدر الذي يجوز أن يبلغ
فيه لم يقبل إقراره، وإن كان بلغ القدر الذي يبلغ فيه صح إقراره وحكم ببلوغه لأنه أقر بما
يمكن صدقه فيه.
الإقرار بالنسب لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون المقر بالنسب مقرا على نفسه
بنسب أو غيره، فإن كان على نفسه مثل أن يقر بأنه ابنه نظر فإن كان المقر به صغيرا اعتبر
فيه ثلاثة شروط: أحدها أن يمكن أن يكون ولدا له وإن لم يمكن أن يكون ولدا له فلا يثبت
مثل أن يقر به وللمقر ست عشرة سنة وللمقر به عشر سنين، والثاني أن يكون مجهول
النسب لأنه إذا كان معروف النسب فلا يثبت، والثالث لا ينازعه فيه غيره لأنه إذا نازعه فيه
غيره لم يثبت ما يقول إلا ببينة فإذا حصلت هذه الشروط الثلاثة ثبت النسب.
إذا أذن الرجل لعبده في النكاح فتزوج بامرأة بمهر وضمن السيد ذلك المهر ثم إنه
باع العبد منها بقدر المهر الذي لزمه لم يصح البيع لأن إثباته يؤدى إلى إسقاطه،
والمسألة مفروضة إذا اشترته زوجته قبل الدخول بها لأنا إذا صححنا ذلك البيع ملكت المرأة
زوجها وإذا ملكته انفسخ النكاح وإذا انفسخ النكاح سقط المهر لأنه فسخ جاء من قبلها قبل
الدخول، وكل فسخ جاء من قبل النساء قبل الدخول سقط جميع المهر فإذا سقط المهر عري
البيع عن الثمن و البيع لا يصح إلا بالثمن فلما كان إثباته يؤدي إلى إسقاطه لم يثبت المقر
له ما حصل الإقرار به واستحق ببعض وجوه الاستحقاقات نزع من يده وسلم إلى
مستحقه ولا درك للمقر له على المقر لاختصاص فائدة الإقرار بإسقاط حق المقر فحسب فإن
اقترن بإقراره ضمان الدرك فمنع مانع من التسليم واستحق بعده فعليه دركه من حيث
كان ضمان المقر للدرك دلالة للحاكم على أن الإقرار حصل عن استحقاق يقتضي ضمان
الدرك، وإن كان الإقرار بعد تقدم دعوى بقائم العين كالدار والفرس أو بمعين في الذمة كالدين
289

وثمن المبيع والأجرة والأرش وما أشبه ذلك فعلى الحاكم إلزامه بالخروج إلى المقر له مما يتعلق
بذمته وتسليم ما في يده من الأعيان القائمة، فإن قامت بينة بعد التسليم باستحقاق عين المقر
به فعلى الحاكم نزعه من يد المقر له به ولا ضمان عليه إلا أن يقترن الإقرار بالضمان أو يكون من
حقوق الذمم كالديون وغيرها فيضمن على كل حال فليلحظ هذه الجملة ويتأمل.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب الإقرار: إذا أعتق رجل عبدين في حال صحته
فادعى عليه رجل أنه غصبهما منه وأنهما مملوكان له فأنكر ذلك المعتق فشهد له المعتقان
بذلك لم يقبل شهادتهما لأن إثبات شهادتهما يؤدى إلى اسقاطها لأنه إذا حكم بشهادتهما لم ينفذ
العتق وإذا لم ينفذ العتق بقيا على رقهما وإذا بقيا على رقهما لم تصح شهادتهما فلما كان إثباتها
يؤدى إلى اسقاطها لم يحكم بها، قال رحمه الله: وهذا على مذهبنا أيضا لا يقبل شهادتهما لأنا لو
قبلناها لرجعا رقين ويكون شهادتهما على المولى وشهادة العبد لا تقبل على مولاه فلذلك بطل
لا لما قالوه، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس: ما ذهب إليه شيخنا - رحمه الله - في ذلك غير واضح بل هو ضد لما عليه
إجماعنا وتواتر أخبارنا بغير خلاف وقد أورد ذلك في نهايته: إن شهادتهما مقبولة، وما اعتل
به غير مستقيم لأنهما في حال شهادتهما وإقامتها وسماع الحاكم لها لم يكونا عبدين بل كانا
حرين على ظاهر الحال بغير خلاف مما شهدا في حال ما شهدا وأقاما إلا على غير سيدهما فلا
يؤثر بعد ذلك مما يتعقب الشهادة لأن المؤثرات في وجوه الأحكام لا يكون لها حكم إلا أن تكون
مقارنة غير متأخرة بل إن قيل: إن شهادتها لسيدهما لا عليه، كان صحيحا، مثل هذه المسألة
بل هي بعينها من الحكم منصوصة لأصحابنا الرواية بها متواترة لا يتعاجم في ذلك اثنان من
أصحابنا، وأيضا فالشاهد إذا شهد عند الحاكم وكان وقت شهادته مقبول الشهادة لا يؤثر بعد
ذلك ما يطرأ عليه من تجدد فسق بل يجب على الحاكم بشهادته، فلو شرب بعد إقامة شهادته
بلا فصل خمرا وقبل الحكم بها فإن الحاكم يحكم بها ولا يطرحها بغير خلاف بيننا إلا أن
يرجع الشاهد عنها قبل الحكم بها فيطرحها الحاكم إذا كان رجوعه قبل الحكم بها، فأما إذا
كان رجوعه عنها بعد الحكم بها فلا يرجع الحاكم عن الحكم بها ولا ينقض حكمه.
290

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
291

كتاب الوقف
والنظر في العقد والشرائط واللواحق:
النظر الأول: في العقد:
الوقف عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة. واللفظ الصريح فيه: وقفت
لا غير، أما حرمت وتصدقت فلا يحمل على الوقف إلا مع القرينة لاحتمالها مع الانفراد غير
الوقف. ولو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيته. نعم، لو أقر أنه قصد ذلك حكم
عليه بظاهر الإقرار.
ولو قال: حبست وسبلت، قيل: يصير وقفا وإن تجرد لقوله ع: حبس
الأصل وسبل الثمرة وقيل: لا يكون وقفا إلا مع القرينة إذ ليس ذلك عزما مستقرا بحيث
يفهم مع الإطلاق، وهذا أشبه.
ولا يلزم إلا بالإقباض. وإذا تم كان لازما لا يجوز الرجوع فيه، إذا وقع في زمان
الصحة.
أما لو وقف في مرض الموت، فإن أجاز الورثة، وإلا اعتبر من الثلث كالهبة
والمحاباة في البيع. وقيل: يمضى من أصل التركة، والأول أشبه.
ولو وقف ووهب وأعتق وباع وحابى، ولم يجز الورثة، فإن خرج ذلك من الثلث صح.
وإن عجز بدئ بالأول فالأول، حتى يستوفى قدر الثلث، ثم يبطل ما زاد وهكذا لو أوصى
بوصايا. ولو جهل المتقدم، قيل: يقسم على الجميع بالحصص، ولو اعتبر ذلك بالقرعة كان
حسنا.
وإذا وقف شاة، كان صوفها ولبنها الموجود داخلا في الوقف، ما لم يستثنه نظرا إلى
293

العرف، كما لو باعها.
النظر الثاني: في الشرائط:
وهي أربعة أقسام:
القسم الأول: في شرائط الموقوف
وهي أربعة: أن يكون عينا، مملوكة، ينتفع بها مع بقائها، ويصح إقباضها.
فلا يصح وقف ما ليس بعين كالدين، وكذا لو قال: وقفت فرسا أو ناصحا أو دارا،
ولم يعين. ويصح وقف العقار والثياب والأثاث والآلات المباحة، وضابطه كل ما يصح
الانتفاع به منفعة محللة مع بقاء عينه، وكذا يصح وقف الكلب المملوك والسنور لإمكان
الانتفاع به، ولا يصح وقف الخنزير لأنه لا يملكه المسلم، ولا وقف الآبق لتعذر التسليم.
وهل يصح وقف الدنانير والدراهم؟ قيل: لا، وهو الأظهر لأنه لا نفع لها إلا
بالتصرف فيها، وقيل: ويصح، لأنه قد يفرض لها نفع مع بقائها ولو وقف ما لا يملكه لم يصح
وقفه، ولو أجاز المالك قيل: يصح لأنه كالوقف المستأنف وهو حسن، ويصح وقف المشاع
وقبضه كقبضه في البيع.
القسم الثاني: في شرائط الواقف:
ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل، وجواز التصرف. وفي وقف من بلغ عشرا تردد
والمروي جواز صدقته والأولى المنع لتوقف رفع الحجر على البلوغ والرشد.
ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه ولغيره فإن لم يعين الناظر كان النظر إلى
الموقوف عليه بناء على القول بالملك.
القسم الثالث: في شرائط الموقوف عليه:
ويعتبر في الموقوف عليه شروط ثلاثة: أن يكون موجودا ممن يصح أن يملك، وأن
294

يكون معينا، وأن لا يكون الوقف عليه محرما ولو وقف على معدوم ابتداء لم يصح كمن يقف
على من سيولد له أو على حمل لم ينفصل.
أما لو وقف على معدوم تبعا لموجود فإنه يصح، ولو بدأ بالمعدوم ثم بعده على
الموجود، قيل: لا يصح، وقيل: يصح على الموجود، والأول أشبه. وكذا لو وقف على من
لا يملك ثم على من يملك وفيه تردد والمنع أشبه. ولا يصح على المملوك ولا ينصرف الوقف
إلى مولاه لأنه لم يقصده بالوقفية.
ويصح الوقف على المصالح كالقناطر والمساجد لأن الوقف في الحقيقة على
المسلمين لكن هو صرف إلى بعض مصالحهم.
ولا يقف المسلم على الحربي ولو كان رحما، ويقف على الذمي ولو كان أجنبيا.
ولو وقف على الكنائس والبيع لم يصح، وكذا لو وقف على معونة الزناة أو قطاع
الطريق أو شاربي الخمر، وكذا لو وقف على كتب ما يسمى الآن بالتوراة والإنجيل لأنها
محرفة، ولو وقف الكافر جاز.
والمسلم إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين دون غيرهم، ولو وقف
الكافر كذلك انصرف إلى فقراء نحلته، ولو وقف على المسلمين انصرف إلى من صلى إلى
القبلة، ولو وقف على المؤمنين انصرف إلى الاثني عشرية وقيل: إلى مجتنبي الكبائر، والأول أشبه.
ولو وقف على الشيعة فهو الإمامية والجارودية دون غيرهم من فرق الزيدية.
وهكذا إذا وصف الموقوف عليه بنسبة دخل فيها كل من أطلقت عليه فلو وقف
على الإمامية كان للاثني عشرية، ولو وقف على الزيدية كان للقائلين بإمامة زيد بن علي
ع، وكذا لو علقهم بنسبة إلى أب كان لكل من انتسب إليه بالأبوة.
كالهاشميين: فهو لمن انتسب إلى هاشم من ولد أبي طالب ع والحارث
والعباس وأبي لهب.
والطالبيين: فهو لمن ولده أبو طالب ع، ويشترك الذكور والإناث
المنسوبون إليه من جهة الأب نظرا إلى العرف وفيه خلاف للأصحاب.
ولو وقف على الجيران رجع إلى العرف، وقيل: لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا، وهو
حسن، وقيل: إلى أربعين دارا من كل جانب وهو مطرح.
ولو وقف على مصلحة فبطل رسمها صرف في وجوه البر، ولو وقف في وجوه
295

البر وأطلق صرف في الفقراء والمساكين، وكل مصلحة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى:
ولو وقف على بني تميم صح ويصرف إلى من يوجد منهم وقيل: لا يصح لأنهم
مجهولون، والأول هو المذهب.
ولو وقف على الذمي جاز لأن الوقف تمليك فهو كإباحة المنفعة، وقيل: لا يصح لأنه
يشترط فيه نية القربة إلا على أحد الأبوين وقيل: يصح على ذوي القرابة، والأول أشبه.
وكذا يصح على المرتد، وفي الحربي تردد أشبهه المنع.
ولو وقف ولم يذكر المصرف بطل الوقف، وكذا لو وقف على غير معين كأن يقول:
على أحد هذين أو على أحد المشهدين أو الفريقين فالكل باطل.
وإذا وقف على أولاده أو إخوته أو ذوي قرابته اقتضى الإطلاق اشتراك الذكور
والإناث والأدنى والأبعد والتساوي في القسمة إلا أن يشترط ترتيبا أو اختصاصا أو تفضيلا
ولو وقف على أخواله وأعمامه تساووا جميعا، وإذا وقف على أقرب الناس إليه فهم
الأبوان والولد وإن سلفوا، فلا يكون لأحد من ذوي القرابة شئ ما لم يعدم المذكورون ثم
الأجداد والإخوة وإن نزلوا ثم الأعمام والأخوال على ترتيب الإرث، لكن يتساوون في
الاستحقاق إلا أن يعين التفضيل.
القسم الرابع: في شرائط الوقف:
وهي أربعة: الدوام والتنجيز والإقباض وإخراجه عن نفسه.
فلو قرنه بمدة بطل، وكذا لو علقه بصفة متوقعة، وكذا لو جعله لمن ينقرض غالبا
كأن يقفه على زيد ويقتصر أو يسوقه إلى بطون تنقرض غالبا أو يطلقه في عقبه ولا يذكر ما
يصنع به بعد الانقراض. ولو فعل ذلك قيل: يبطل الوقف، وقيل: يجب إجراؤه حتى
ينقرض المسمون، وهو الأشبه. فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف، وقيل: إلى ورثة
الموقوف عليهم، والأول أظهر:
ولو قال: وقفت إذا جاء رأس الشهر أو إن قدم زيد، لم يصح، والقبض شرط في
صحته، فلو وقف ولم يقبض ثم مات كان ميراثا، ولو وقف على أولاده الأصاغر كان قبضه
قبضا عنهم، وكذا الجد للأب، وفي الوصي تردد أظهره الصحة.
296

ولو وقف على نفسه لم يصح، وكذا لو وقف على نفسه ثم على غيره، وقيل: يبطل في
حق نفسه ويصح في حق غيره، والأول أشبه وكذا لو وقف على غيره وشرط قضاء ديونه أو
إدرار مؤونته لم يصح أما لو وقف على الفقراء ثم صار فقيرا أو على الفقهاء ثم صار فقيها،
صح له المشاركة في الانتفاع.
ولو شرط عوده إليه عند حاجته صح الشرط وبطل الوقف وصار حبسا يعود إليه مع
الحاجة ويورث، ولو شرط اخراج من يريد بطل الوقف، ولو شرط إدخال من سيولد مع
الموقوف عليهم جاز سواء وقف على أولاده أو على غيرهم:
أما لو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيولد لم يجز وبطل الوقف، وقيل: إذا
وقف على أولاده الأصاغر جاز أن يشرك معهم وإن لم يشترط، وليس بمعتمد.
والقبض معتبر في الموقوف عليهم أولا ويسقط اعتبار ذلك في بقية الطبقات، ولو
وقف على الفقراء أو على الفقهاء، فلا بد من نصب قيم لقبض الوقف، ولو كان الوقف
على مصلحة كفى إيقاع الوقف عن اشتراط القبول وكان القبض إلى الناظر في تلك
المصلحة:
ولو وقف مسجدا صح الوقف ولو صلى فيه واحد، وكذا لو وقف مقبرة تصير وقفا
بالدفن فيها ولو واحدا. ولو صرف الناس في الصلاة في المسجد أو في الدفن ولم يتلفظ
بالوقف لم يخرج عن ملكه، وكذا لو تلفظ ولم يقبضه.
النظر الثالث: في اللواحق:
وفيه مسائل:
الأولى: الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه لأن فائدة الملك موجودة فيه والمنع من
البيع لا ينافيه كما في أم الولد، وقد يصح بيعه على وجه. فلو وقف حصة من عبد ثم أعتقه
لم يصح العتق لخروجه عن ملكه، ولو أعتقه الموقوف عليه لم يصح أيضا لتعلق حق
البطون به، ولو أعتقه الشريك مضى العتق في حصته ولم يقوم عليه لأن العتق لا ينفذ فيه
مباشرة فأولى أن لا ينفذ فيه سراية، ويلزم من القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم افتكاكه
من الرق ويفرق بين العتق مباشرة وبينه سراية بأن العتق مباشرة يتوقف على انحصار
297

الملك في المباشر أو فيه وفي شريكه، وليس كذلك افتكاكه فإنه إزالة للرق شرعا فيسري في
باقيه فيضمن الشريك القيمة لأنه يجري مجرى الإتلاف، وفيه تردد.
الثانية: إذا وقف مملوكا، كانت نفقته في كسبه اشترط ذلك أو لم يشترط، ولو عجز
عن الاكتساب كانت نفقته على الموقوف عليهم، ولو قيل في المسألتين كذلك، كان أشبه لأن
نفقة المملوك تلزم الملك، ولو صار مقعدا انعتق عندنا وسقطت عنه الخدمة وعن مولاه
نفقته.
الثالثة: لو جنى العبد الموقوف عمدا لزمه القصاص، فإنه كانت دون النفس
بقي الباقي وقفا، وإن كانت نفسا اقتص منه وبطل الوقف وليس للمجني عليه
استرقاقه، وإن كانت الجناية خطأ تعلقت بمال الموقوف عليه لتعذر استيفائه من
رقبته، وقيل: يتعلق بكسبه، لأن المولى لا يعقل عبدا. ولا يجوز إهدار الجناية ولا طريق إلى
عتقه فيتوقع وهو أشبه.
أما لو جنى عليه فإن أوجبت الجناية أرشا فللموجودين من الموقوف عليهم، وإن
كانت نفسا توجب القصاص فإليهم، وإن أوجبت دية أخذت من الجاني. وهل يقام بها
مقامه؟ قيل: نعم، لأن الدية عوض رقبته وهي ملك للبطون، وقيل: لا، بل تكون للموجودين
من الموقوف عليهم، وهو أشبه لأن الوقف لم يتناول القيمة.
الرابعة: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى ما يكون وصلة إلى الثواب كالغزا
والحج والعمرة وبناء المساجد والقناطر، وكذا لو قال: في سبيل الله وسبيل
الثواب وسبيل الخير، كان واحدا ولا يجب قسمة الفائدة أثلاثا.
الخامسة: إذا كان له موال من أعلى وهم المعتقون له، وموال من أسفل وهم
الذين أعتقهم، ثم وقف على مواليه فإن علم أنه أراد أحدهما انصرف الوقف إليه وإن لم
يعلم انصرف إليهما.
السادسة: إذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين والبنات ذكورهم
وإناثهم من غير تفضيل، أما لو قال: من انتسب إلى منهم، لم يدخل أولاد البنات. ولو وقف
على أولاده انصرف إلى أولاده لصلبه ولم يدخل معهم أولاد الأولاد، وقيل: بل يشترك
الجميع، والأول أظهر لأن ولد الولد لا يفهم من إطلاق لفظ الولد. ولو قال: على أولادي
وأولاد أولادي، اختص بالبطنين. ولو قال: على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد
298

أولادي فعلى الفقراء، فالوقف لأولاده فإذا انقرضوا، قيل: يصرف إلى أولاد أولاده، فإذا
انقرضوا فإلى الفقراء وقيل: لا يصرف إلى أولاد الأولاد لأن الوقف لم يتناولهم لكن يكون
انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء، وهو أشبه.
السابعة: إذا وقف مسجدا فخرب، أو خربت القرية أو المحلة لم يعد إلى ملك
الواقف ولا تخرج العرصة عن الوقف، ولو أخذ السيل ميتا، فيئس منه كان الكفن للورثة.
الثامنة: لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها، ولو وقع
بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه، ولو لم يقع خلف ولا يخشى خرابه
بل كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز بيعه، والوجه المنع. ولو انقلعت نخلة من الوقف، قيل
: يجوز بيعها لتعذر الانتفاع إلا بالبيع، وقيل: لا يجوز لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف
وشبهة، وهو أشبه.
التاسعة: إذا آجر البطن الأول الوقف مدة ثم انقرضوا في أثنائها، فإن قلنا: الموت
يبطل الإجارة فلا كلام، وإن لم نقل فهل يبطل هنا؟ فيه تردد، أظهره البطلان، لأنا بينا أن
هذه المدة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي وبين
الفسخ فيه، ويرجع المستأجر على تركة الأولين بما قابل المتخلف.
العاشرة: إذا وقف على الفقراء، انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره، وكذا لو
وقف على العلويين، وكذا لو وقف على بني أب منتشرين صرف إلى الموجودين، ولا يجب
تتبع من لم يحضر لموضع المشقة. ولا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة لأنه لا يختص
بملكها، ولو أولدها كان الولد حرا ولا قيمة عليه لأنه لا يجب له على نفسه غرم، وهل تصير
أم ولد؟ قيل: نعم وتنعتق بموته وتؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون، وفيه تردد.
ويجوز تزويج الأمة الموقوفة ومهرها للموجودين من أرباب الوقف لأنه فائدة كأجرة الدار،
وكذا ولدها من نمائها إذا كان من مملوك أو من زنى ويختص به البطن الذين يولد معهم، فإن
كان من حر بوطئ صحيح كان حرا إلا أن يشترطوا رقيته في العقد، ولو وطأها الحر بشبهة
كان ولدها حرا وعليه قيمته للموقوف عليهم، ولو وطأها الواقف كان كالأجنبي.
299

كتاب العطية
وأما الصدقة فهي: عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وإقباض. ولو قبضها المعطى
له من غير رضا المالك لم تنتقل إليه، ومن شرطها نية القربة ولا يجوز الرجوع فيها بعد
القبض على الأصح لأن المقصود بها الأجر وقد حصل فهي كالمعوض عنها.
والصدقة المفروضة محرمة على بني هاشم إلا صدقة الهاشمي أو صدقة غيره عند
الاضطرار ولا بأس بالصدقة المندوبة عليهم.
مسائل ثلاث:
الأولى: لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض سواء عوض عنها أو لم يعوض
لرحم كانت أو لأجنبي على الأصح.
الثانية: يجوز الصدقة على الذمي وإن كان أجنبيا لقوله ع: على كل كبد
حري أجر. ولقوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين.
الثالثة: صدقة السر أفضل من الجهر إلا أن يتهم في ترك المواساة فيظهرها دفعا
للتهمة.
300

كتاب السكنى والحبس
السكنى والحبس:
وهي عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض: وفائدتها التسليط على استيفاء
المنفعة مع بقاء الملك على مالكه، ويختلف عليها الأسماء بحسب اختلاف الإضافة، فإذا
اقترنت بالعمر قيل عمري، وبالإسكان قيل سكنى، وبالمدة قيل: رقبى، أما من الارتقاب أو
من رقبة الملك
والعبارة عن العقد أن يقول: أسكنتك أو أعمرتك أو أرقبتك أو ما جرى مجرى ذلك
هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا المسكن عمرك وعمري أو مدة معينة فيلزم بالقبض، وقيل
لا يلزم، وقيل: يلزم إن قصد به القربة، والأول أشهر.
ولو قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت جاز ويرجع إلى المسكن بعد موت
الساكن، على الأشبه. أما لو قال: فإذا مت رجعت إلى فإنها ترجع قطعا. ولو قال: أعمرتك
هذه الدار لك ولعقبك، كان عمري ولم تنتقل إلى المعمر، وكان كما لو لم يذكر العقب على
الأشبه.
وإذا عين للسكنى مدة لزمت بالقبض ولا يجوز الرجوع فيها إلا بعد انقضائها،
وكذا لو جعلها عمر المالك لم ترجع، وإن مات المعمر وينتقل ما كان له إلى ورثته حتى يموت
المالك، ولو قرنها بعمر المعمر ثم مات لم تكن لوارثه ورجعت إلى المالك:
ولو أطلق المدة ولم يعينها كان له الرجوع متى شاء، وكل ما يصح وقفه يصح
إعماره من دار ومملوك وأثاث، ولا تبطل بالبيع بل يجب أن يوفي المعمر ما شرط له.
301

وإطلاق السكنى يقتضي أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده، ولا يجوز أن يسكن
غيرهم إلا أن يشترط ذلك، ولا يجوز أن يؤجر السكنى، كما لا يجوز أن يسكن غيره إلا بإذن
المسكن.
وإذا حبس فرسه في سبيل الله تعالى أو غلامه في خدمة البيت أو المسجد لزم ذلك،
ولم يجز تغييره ما دامت العين باقية. أما لو حبس شيئا على رجل ولم يعين وقتا ثم مات
الحابس كان ميراثا، وكذا لو عين مدة وانقضت كان ميراثا لورثة الحابس:
302

كتاب الهبات
والنظر في الحقيقة والحكم:
النظر الأول: في الحقيقة
الهبة: هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجزا مجردا عن القربة،
وقد يعبر عنها بالنحلة والعطية. وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض.
فالإيجاب: كل لفظ قصد به التمليك المذكور كقوله مثلا: وهبتك وملكتك، ولا
يصح العقد إلا من بالغ كامل العقل جائر التصرف، ولو وهب ما في الذمة فإن كانت
لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه لأنها مشروطة بالقبض، وإن كانت له صح
وصرفت إلى الإبراء ولا يشترط في الإبراء القبول على الأصح
ولا حكم للهبة ما لم تقبض، ولو أقر بالهبة والإقباض حكم عليه بإقراره ولو كانت في
يد الواهب، ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل ولو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض كانت ميراثا.
ويشترط في صحة القبض إذن الواهب، فلو قبض الموهوب من غير إذنه لم ينتقل إلى
الموهوب له، ولو وهب ما هو في يد الموهوب له صح ولم يفتقر إلى إذن الواهب في القبض ولا
أن يمضى زمان يمكن فيه القبض وربما صار إلى ذلك بعض الأصحاب، وكذا لو وهب الأب أو
الجد للولد الصغير لزم بالعقد لأن قبض الولي قبض عنه، ولو وهبه غير الأب أو الجد لم
يكن له بد من القبض عنه سواء كان له ولاية أو لم تكن وبتولي ذلك الولي
أو الحاكم.
وهبة المشاع جائزة وقبضه كقبضه في البيع.
يكن له بد من القبض عنه سواء كان له ولاية أو لم تكن وبتولي ذلك الولي أو الحاكم.
ولو وهب لاثنين شيئا فقبلا وقبضا ملك كل واحد منهما ما وهب له، فإن قبل
أحدهما وقبض وامتنع الآخر صحت الهبة للقابض:
303

ويجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية وإذا قبضت الهبة فإن
كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعا، وكذا إن كان ذا رحم غيرهما وفيه خلاف.
وإن كان أجنبيا فله الرجوع ما دامت العين باقية فإن تلفت فلا رجوع، وكذا إن
عوض عنها ولو كان العوض يسيرا وهل يلزم بالتصرف؟ قيل: نعم، وقيل: لا يلزم، وهو الأشبه.
ويستحب: العطية لذوي الرحم ويتأكد في الولد والوالد والتسوية بين الأولاد في
العطية، ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها والزوج لزوجته، وقيل: يجريان مجرى ذوي الرحم، والأول أشبه.
النظر الثاني: في حكم الهبات: وهي مسائل:
الأولى: لو وهب فأقبض ثم باع من آخر فإن كان الموهوب له رحما لم يصح البيع،
وكذا إن كان أجنبيا وقد عوض، أما لو كان أجنبيا ولم يعوض قيل: يبطل لأنه باع ما لا
يملك، وقيل: يصح لأن له الرجوع، والأول أشبه. ولو كانت الهبة فاسدة صح البيع على
الأحوال، وكذا القول في من باع مال مورثه وهو يعتقد بقاءه، وكذا إذا أوصى برقبة معتقة وظهر
فساد عتقه.
الثانية: إذا تراخي القبض عن العقد ثم أقبض حكم بانتقال الملك من حين
القبض لا من حين العقد، وليس كذلك الوصية فإنه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول وإن
تأخر.
الثالثة: لو قال: وهبت ولم أقبضه، كان القول قوله وللمقر له إحلافه إن ادعى
الإقباض، وكذا لو قال: وهبته وملكته ثم أنكر القبض لأنه يمكن أن يخبر عن وهمه.
الرابعة: إذا رجع في الهبة وقد عابت لم يرجع بالأرش، وإن زادت زيادة متصلة
فللواهب، وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد فإن كانت متجددة كانت للموهوب له،
وإن كانت حاصلة وقت العقد كانت للواهب.
الخامسة: إذا وهب وأطلق لم تكن الهبة مشروطة بالثواب، فإن أثاب لم يكن
للواهب الرجوع، وإن شرط الثواب صح أطلق أو عين وله الرجوع ما لم يدفع إليه ما شرط،
304

ومع الاشتراط من غير تقدير يدفع ما شاء ولو كان يسيرا ولم يكن للواهب مع قبضه
الرجوع. ولا يجبر الموهوب له على دفع المشترط بل يكون بالخيار، ولو تلفت والحال هذه أو
عابت لم يضمن الموهوب له لأن ذلك حدث في ملكه، وفيه تردد.
السادسة: إذا صبغ الموهوب له الثوب، فإن قلنا: التصرف يمنع من الرجوع فلا
رجوع للواهب، وإن قلنا: لا يمنع إذا كان الموهوب له أجنبيا، كان شريكا بقيمة الصبغ:
السابعة: إذا وهب في مرضه المخوف وبرئ صحت الهبة، وإن مات في مرضه ولم تجز
الورثة اعتبرت من الثلث على الأظهر.
305

كتاب الوصايا
والنظر في ذلك يستدعي فصولا:
الأول: في الوصية:
وهي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة، ويفتقر إلى إيجاب وقبول.
والإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد، كقوله: أعطوا فلانا بعد وفاتي، أو لفلان كذا
بعد وفاتي، أو أوصيت له. وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له ولا
ينتقل بالموت منفردا عن القبول على الأظهر.
ولو قبل الوفاة جاز وبعد الوفاة آكد وإن تأخر القبول عن الوفاة ما لم يرد،
فإن رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته إذ لا حكم لذلك الرد، وإن رد بعد الموت
وقبل القبول بطلت، وكذا لو رد بعد القبض وقبل القبول.
ولو رد بعد الموت والقبول وقبل القبض، قيل: تبطل، وقيل: لا تبطل، وهو أشبه.
أما لو قبل وقبض ثم رد لم تبطل إجماعا لتحقق الملك واستقراره. ولو رد بعضا
وقبل بعضا صح فيما قبله، ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية.
فرع: لو أوصى بجارية وحملها لزوجها وهي حامل منه فمات قبل القبول كان القبول
للوارث، فإذا قبل ملك الوارث الولد إن كان ممن يصح له تملكه ولا ينعتق على الموصى له
لأنه لا يملك بعد الوفاة ولا يرث أباه لأنه رق إلا أن يكون ممن ينعتق على الوارث ويكونوا
جماعة فيرث لعتقه قبل القسمة.
306

ولا تصح الوصية في معصية، فلو أوصى بمال للكنائس أو البيع أو كتابة ما يسمى
الآن توراة أو إنجيلا أو في مساعدة ظالم بطلت الوصية.
والوصية عقد جائز من طرف الموصي ما دام حيا سواء كانت بمال أو ولاية، ويتحقق
الرجوع بالتصريح أو بفعل ما ينافي الوصية، فلو باع ما أوصى به أو أوصى ببيعه أو وهبه أو
قبضه أو رهنه كان رجوعا، وكذا لو تصرف فيه تصرفا أخرجه عن مسماه كما إذا أوصى
بطعام فطحنه أو بدقيق فعجنه أو خبزه، وكذا لو أوصى بزيت فخلطه بما هو أجود منه أو
بطعام فمزجه بغيره حتى لا يتميز. أما لو أوصى بخبز فدقه فتيتا لم يكن رجوعا.
الثاني: في الموصي:
ويعتبر فيه: كمال العقل والحرية. فلا تصح وصية المجنون ولا الصبي ما لم يبلغ
عشرا، فإن بلغها فوصيته جائزة في وجوه المعروف لأقاربه وغيرهم على الأشهر إذا كان
بصيرا، وقيل: تصح وإن بلغ ثمان، والرواية به شاذة.
ولو جرح الموصي نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم تقبل وصيته، ولو أوصى ثم قتل
نفسه قبلت. ولا تصح الوصية بالولاية على الأطفال إلا من الأب أو الجد للأب خاصة ولا
ولاية للأم، ولا تصح منها الوصية عليهم، ولو أوصت لهم بمال ونصبت وصيا صح تصرفه
في ثلث تركتها وفي اخراج ما عليها من الحقوق ولم تمض على الأولاد.
الثالث: في الموصى به:
وفيه أطراف:
الطرف الأول: في متعلق الوصية:
وهو إما عين أو منفعة. ويعتبر فيها الملك فلا تصح بالخمر ولا الخنزير ولا كلب
الهراش ولا ما لا نفع فيه. ويتقدر كل واحد منهما بقدر ثلث التركة فما دون، ولو أوصى بما
307

زاد بطلت في الزائد خاصة إلا أن يجيز الوارث، ولو كانوا جماعة فأجاز بعضهم نفذت
الإجازة في قدر حصته من الزيادة.
وإجازة الوارث تعتبر بعد الوفاة وهل تصح قبل الوفاة؟ فيه روايتان أشهرهما
أنه يلزم الوارث. وإذا وقعت بعد الوفاة كان ذلك إجازة لفعل الموصي وليس بابتداء هبة فلا
تفتقر صحتها إلى قبض. ويجب العمل بما رسمه الموصي إذا لم يكن منافيا للمشروع.
ويعتبر الثلث وقت الوفاة لا وقت الوصاية، فلو أوصى بشئ وكان موسرا في حال
الوصية ثم افتقر عند الوفاة لم يكن بإيساره اعتبار، وكذلك لو كان في حال الوصية فقيرا
ثم أيسر وقت الوفاة كان الاعتبار بحال إيساره.
ولو أوصى ثم قتله قاتل أو جرحه كانت وصيته ماضية من ثلث تركته وديته وأرش
جراحته، ولو أوصى إلى انسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه وبين ورثته
نصفان صح وربما يشترط كونه قدر الثلث فأقل، والأول مروي.
ولو أوصى بواجب وغيره، فإن وسع الثلث عمل بالجميع، وإن قصر ولم يجز
الورثة بدئ بالواجب من الأصل وكان الباقي من الثلث ويبدأ بالأول فالأول، ولو كان الكل
غير واجب، بدء بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث.
ولو أوصى لشخص بثلث ولآخر بربع ولآخر بسدس ولم يجز الورثة أعطي الأول
وبطلت الوصية لمن عداه. ولو أوصى بثلثه لواحد وبثلثه لآخر كان ذلك رجوعا عن الأول
إلى الثاني، ولو اشتبه الأول استخرج بالقرعة.
ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك من يملكه منفردا ومن يملك بعضه وأعتق
نصيبه حسب، وقيل: يقوم عليه حصة شريكه إن احتمل ثلثه لذلك وإلا أعتق منهم ما
يحتمله الثلث، وبه رواية فيها ضعف.
ولو أوصى بشئ واحد لاثنين وهو يزيد عن الثلث ولم يجز الورثة كان لهما ما يحتمله
الثلث. ولو جعل لكل واحد منهما شيئا بدئ بعطية الأول وكان النقص على الثاني منهما. ولو
أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثم قالوا: ظننا أنه قليل قضي عليهم بما ظنوه وأحلفوا
على الزائد، وفيه تردد. أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية ثم ادعوا أنهم ظنوا أن
308

ذلك بقدر الثلث أو أزيد بيسير لم يلتفت إلى دعواهم لأن الإجازة هنا تضمنت معلوما.
وإذا أوصى بثلث ماله مثلا مشاعا كان للموصى له من كل شئ ثلثه، وإن أوصى بشئ
معين وكان بقدر الثلث فقد ملكه الموصى له بالموت ولا اعتراض فيه للورثة. ولو كان له
مال غائب أخذ من تلك العين ما يحتمله الثلث من المال الحاضر ويقف الباقي حتى
يحصل من الغائب لأن الغائب معرض للتلف.
فرع: لو أوصى بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا انصرفت الوصية إلى الثلث الباقي
تحصيلا لإمكان العمل بالوصية.
ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم انصرف إلى المحلل تحصينا لقصد
المسلم عن المحرم، كما إذا أوصى بعود من عيدانه. ولو لم يكن له عود إلا عود اللهو، قيل:
يبطل، وقيل: يصح، وتزال عنه الصفة المحرمة، أما لو لم يكن فيه منفعة إلا المحرمة
بطلت الوصية. وتصح الوصية بالكلاب المملوكة ككلب الصيد والماشية والحائط
والزرع.
الطرف الثاني: في الوصية المبهمة:
من أوصى بجزء من ماله فيه روايتان أشهرهما العشر، وفي رواية سبع الثلث. ولو
كان بسهم كان ثمنا ولو كان بشئ كان سدسا. ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها جعله
في وجوه البر وقيل: يرجع ميراثا. ولو أوصى بسيف معين وهو في جفن دخل الجفن والحلية
في الوصية، وكذا لو أوصى بصندوق وفيه ثياب أو سفينة وفيها متاع أو جراب وفيه
قماش فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية، وفيه قول آخر بعيد.
ولو أوصى باخراج بعض ولده من تركته لم يصح، وهل يلغو اللفظ؟ فيه تردد
بين البطلان وبين إجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد فتمضي في الثلث
ويكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة، والوجه الأول، وفيه رواية بوجه آخر
مهجورة.
309

وإذا أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع رجع في تفسيره إلى الوارث كقوله: أعطوه
حظا من مالي أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا، ولو قال: أعطوه
كثيرا، قيل: يعطي ثمانين درهما كما في النذر، وقيل: يختص هذا التفسير بالنذر اقتصارا
على موضع النقل. والوصية بما دون الثلث أفضل حتى أنها بالربع أفضل من الثلث
وبالخمس أفضل من الربع.
تفريع: إذا عين الموصى له شيئا وادعى الموصي قصده من هذه الألفاظ وأنكر الوارث كان
القول قول الوارث مع يمينه إن ادعى عليه العلم وإلا فلا يمين.
الطرف الثالث: في أحكام الوصية:
إذا أوصى بوصية ثم أوصى بأخرى مضادة للأولى عمل بالأخيرة،
ولو أوصى بحمل فجاءت به لأقل من ستة أشهر صحت الوصية به، ولو كانت
لعشرة أشهر من حين الوصية لم تصح، وإن جاءت لمدة بين الستة والعشرة وكانت خالية
من مولى وزوج حكم به للموصى له، وإن كان لها زوج أو مولى لم يحكم به للموصى له لاحتمال
توهم الحمل في حال الوصية وتجدده بعدها.
ولو قال: إن كان في بطن هذه ذكر فله درهمان وإن كان أنثى فلها درهم، فإن خرج
ذكر وأنثى كان لهما ثلاثة دراهم. أما لو قال: إن كان الذي في بطنها ذكر فكذا وإن كان أنثى
فكذا، فخرج ذكر وأنثى لم يكن لهما شئ.
وتصح الوصية بالحمل وبما تحمله المملوكة والشجرة كما تصح الوصية بسكنى
الدار مدة مستقبلة. ولو أوصى بخدمة عبد أو ثمرة بستان أو سكنى دار أو غير ذلك من
المنافع على التأبيد أو مدة معينة قومت المنفعة، فإن خرجت من الثلث وإلا كان للموصى له
ما يحتمله الثلث.
وإذا أوصى بخدمة عبده مدة معينة فنفقته على الورثة لأنها تابعة للملك وللموصى
310

له التصرف في المنفعة وللورثة التصرف في الرقبة ببيع وعتق وغيره ولا يبطل حق الموصى
له بذلك.
ولو أوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب والنبل والحسبان إلا مع قرينة
تدل على غيرها. وكل لفظ وقع على أشياء وقوعا متساويا فللورثة الخيار في تعيين ما شاؤوا
منها، أما لو قال: أعطوه قوسي، ولا قوس له ألا واحدة انصرفت الوصية إليها من أي
الأجناس كانت.
ولو أوصى برأس من مماليكه كان الخيار في التعيين إلى الورثة، ويجوز أن يعطوا
صغيرا أو كبيرا صحيحا أو معيبا، ولو هلك مماليكه بعد وفاته إلا واحدا تعين للعطية، فإن
ماتوا بطلت الوصية، فإن قتلوا لم تبطل وكان للورثة أن يعينوا له من شاؤوا أو يدفعوا قيمته
إن صارت إليهم وإلا أخذها من الجاني.
وتثبت الوصية بشاهدين مسلمين عدلين ومع الضرورة وعدم عدول المسلمين يقبل
شهادة أهل الذمة خاصة. ويقبل في الوصية بالمال شهادة واحد مع اليمين أو شاهد
وامرأتين، ويقبل شهادة الواحدة في ربع ما شهدت به، وشهادة اثنتين في النصف، وثلاث
في ثلاثة الأرباع، وشهادة الأربع في الجميع.
ولا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين ولا تقبل شهادة النساء في ذلك، وهل تقبل
شهادة شاهد مع اليمين؟ فيه تردد أظهره المنع. ولو أشهد انسان عبدين له على حمل أمته
أنه منه ثم مات فأعتقا وشهدا بذلك قبلت شهادتهما ولا يسترقهما المولود. وقيل: يكره،
وهو أشبه.
ولا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه ولا ما يجر به نفعا أو يستفيد منه ولاية،
ولو كان وصيا في اخراج مال معين فشهد للميت بما يخرج به ذلك المال من الثلث لم يقبل.
مسائل أربع:
الأولى: إذا أوصى بعتق عبيده وليس له سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة، ولو رتبهم
أعتق الأول فالأول حتى يستوفى الثلث وتبطل الوصية في من بقي، ولو أوصى بعتق عدد
311

مخصوص من عبيده استخرج ذلك العدد بالقرعة، وقيل: يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر
ذلك العدد والقرعة على الاستحباب، وهو حسن.
الثانية: لو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا وليس له سواه قيل: أعتق كله، وقيل:
ينعتق ثلثه ويسعى للورثة في باقي قيمته، وهو أشهر. ولو أعتق ثلثه يسعى في باقيه، ولو كان
له مال غيره أعتق الباقي من ثلث تركته.
الثالثة: لو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب، فإن لم تجد أعتق من لا يعرف بنصب،
ولو ظنها مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلاف ذلك أجزأت عن الموصي.
الرابعة: لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجد به لم يجب شراؤها وتوقع وجودها
بما عين له، ولو وجدها بأقل اشتراها وأعتقها ودفع إليها ما بقي.
الرابع: في الموصى له:
ويشترط فيه الوجود، فلو كان معدوما لم تصح الوصية له كما لو أوصى لميت أو لمن
ظن وجوده فبان ميتا عند الوصية، وكذا لو أوصى لما تحمله المرأة أو لمن يوجد من أولاد
فلان.
وتصح الوصية للأجنبي والوارث وتصح الوصية للذمي ولو كان أجنبيا، وقيل: لا
يجوز مطلقا. ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام والأول أشبه. وفي الوصية للحربي تردد
أظهره المنع.
ولا تصح الوصية لمملوك الأجنبي ولا لمدبرة الأجنبي ولا لأم ولده ولا لمكاتبه
المشروط أو الذي لم يؤد من مكاتبه شيئا ولو أجازه مولاه، وتصح لعبد الموصي ولمدبره
ومكاتبه وأم ولده.
ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان
الموصى به للورثة، وإن كانت قيمته أقل أعطي الفاضل، وإن كانت أكثر سعي للورثة فيما
بقي ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصي له به، فإن بلغت ذلك بطلت الوصية وقيل: تصح
312

ويسعى في الباقي كيف كان، وهو حسن.
وإذا أوصى بعتق مملوكه وعليه دين، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق
المملوك ويسعى في خمسة أسداس قيمته، وإن كانت قيمته أقل بطلت الوصية بعتقه،
والوجه أن الدين يقدم على الوصية فيبدأ به ويعتق منه الثلث مما فضل عن الدين، أما لو
نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرنا أولا عملا برواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه
السلام.
ولو أوصى لمكاتب غيره المطلق وقد أدى بعض مكاتبه كان له من الوصية بقدر ما
أداه. ولو أوصى الانسان لأم ولده صحت الوصية من الثلث، وهل تعتق من الوصية أو من
نصيب ولدها؟ قيل: تعتق من نصيب ولدها وتكون لها الوصية. وقيل: بل تعتق من
الوصية لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية.
وإطلاق الوصية يقتضي التسوية فإذا أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث فهم فيه سواء
وكذا لأخواله وخالاته أو لأعمامه وعماته، وكذا لو أوصى لأخواله وأعمامه كانوا سواء على
الأصح، وفيه رواية مهجورة. أما لو نص على التفضيل اتبع.
وإذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه مصيرا إلى العرف، وقيل: كان لمن
يتقرب إليه آخر أب وأم له في الاسلام وهو غير مستند إلى شاهد.
ولو أوصى لقومه قيل: هو لأهل لغته، ولو قال: لأهل بيته، دخل فيهم الأولاد والآباء
والأجداد، ولو قال: لعشيرته، كان لأقرب الناس إليه في نسبه، ولو قال: لجيرانه، قيل: كان
لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب، وفيه قول آخر مستبعد.
وتصح الوصية للحمل الموجود وتستقر بانفصاله حيا، ولو وضعته ميتا بطلت
الوصية، ولو وقع حيا ثم مات كانت الوصية لورثته. وإذا أوصى المسلم للفقراء كان لفقراء
ملته، ولو كان كافرا انصرف إلى فقراء نحلته.
ولو أوصى لإنسان فمات قبل الموصي، قيل: بطلت الوصية، وقيل: إن رجع الموصي
بطلت الوصية سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده، وإن لم يرجع كانت الوصية لورثة
الموصى له، وهو أشهر الروايتين. ولو لم يخلف الموصى له أحدا رجعت إلى ورثة الموصي. ولو
قال: أعطوا فلانا كذا ولم يبين الوجه، وجب صرفه إليه يصنع به ما شاء. ولو أوصى في
313

سبيل الله صرف إلى ما فيه أجر، وقيل: يختص بالغزاة، والأول أشبه.
وتستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره، وإذا أوصى للأقرب نزل على
مراتب الإرث ولا يعطي الأبعد مع وجود الأقرب.
الخامس: في الأوصياء:
ويعتبر في الوصي العقل والإسلام، وهل تعتبر العدالة؟ قيل: نعم، لأن الفاسق لا
أمانة له، وقيل: لا، لأن المسلم محل للأمانة كما في الوكالة والاستيداع ولأنها ولاية تابعة
لاختيار الموصي فيتحقق بتعيينه.
أما لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موت الموصي أمكن القول ببطلان وصيته لأن
الوثوق ربما كان باعتبار صلاحه فلم يتحقق عند زواله فحينئذ يعزله الحاكم ويستنيب
مكانه.
ولا يجوز الوصية إلى المملوك إلا بإذن مولاه، ولا تصح الوصية إلى الصبي منفردا
وتصح منضما إلى البالغ لكن لا يتصرف إلا بعد بلوغه.
ولو أوصى إلى اثنين أحدهما صغير تصرف الكبير منفردا حتى يبلغ الصغير
وعند بلوغه لا يجوز للبالغ التفرد، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للعاقل
الانفراد بالوصية ولم يداخله الحاكم لأن للميت وصيا، ولو تصرف البالغ ثم بلغ الصبي لم
يكن له نقض شئ مما أبرمه إلا أن يكون مخالفا لمقتضى الوصية، ولا يجوز الوصية إلى
الكافر ولو كان رحما، نعم، يجوز أن يوصى إليه مثله. وتجوز الوصية إلى المرأة إذا جمعت
الشرائط.
ولو أوصى إلى اثنين فإن أطلق أو شرط اجتماعهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد عن
صاحبه بشئ من التصرف، ولو تشاحا لم يمض ما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه إلا
ما لا بد منه مثل كسوة اليتيم ومأكوله وللحاكم جبرهما على الاجتماع، فإن تعاسر أجاز له
الاستبدال بهما، ولو أراد قسمة المال بينهما لم يجز، ولو مرض أحدهما أو عجز ضم إليه
الحاكم من يقويه، أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم إلى الآخر وجاز له الانفراد لأنه لا ولاية
314

للحاكم مع وجود الوصي، وفيه تردد.
ولو شرط لهما الاجتماع والانفراد كان تصرف كل واحد منهما ماضيا ولو انفرد،
ويجوز أن يقتسما المال ويتصرف كل واحد منهما فيما يصيبه كما يجوز انفراده قبل
القسمة.
وللموصى إليه أن يرد الوصية ما دام الموصي حيا بشرط أن يبلغه الرد، ولو مات
قبل الرد أو بعده ولم يبلغه لم يكن للرد أثر وكانت الوصية لازمة للموصي.
ولو ظهر من الوصي عجز ضم إليه مساعد، وإن ظهر منه خيانة وجب على الحاكم
عزله ويقيم مقامه أمينا. والوصي أمين لا يضمن ما يتلف، إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو
تفريط. ولو كان للوصي دين على الميت جاز أن يستوفي مما في يده من غير إذن حاكم إذا لم
يكن له حجة، وقيل: يجوز مطلقا. وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد أشبهه الجواز إذا أخذ
بالقيمة العدل.
وإذا أذن الموصي للوصي أن يوصي جاز إجماعا، وإن لم يأذن له لكن لم يمنعه فهل له
أن يوصي؟ فيه خلاف أظهره المنع ويكون النظر بعده إلى الحاكم، وكذا لو مات انسان ولا
وصي له كان للحاكم النظر في تركته، ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولاه من
المؤمنين من يوثق به، وفي هذا تردد.
ولو أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب لم يصح وكانت الولاية إلى جد
اليتيم دون الوصي، وقيل: يصح ذلك في قدر الثلث مما ترك وفي أداء الحقوق.
وإذا أوصى بالنظر في شئ معين اختصت ولايته به، ولا يجوز له التصرف في غيره
وجرى مجرى الوكيل في الاقتصار على ما يوكل فيه.
مسائل ثلاث:
الأولى: الصفات المراعاة في الوصي تعتبر حال الوصية، وقيل: حين الوفاة. فلو
أوصى إلى صبي فبلغ ثم مات الوصي صحت الوصية، وكذا الكلام في الحرية والعقل، والأول
أشبه.
315

الثانية: تصح الوصية على كل من للموصى عليه ولاية شرعية كالولد وإن نزلوا
بشرط الصغر، فلو أوصى على أولاده الكبار والعقلاء أو على أبيه أو على أقاربه لم تمض
الوصية عليهم، ولو أوصى بالنظر في المال الذي تركه لهم لم يصح له التصرف لا في ثلثه
ولا في اخراج الحقوق عن الموصي كالديون والصدقات.
الثالثة: يجوز لمن يتولى أموال اليتيم، أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله،
وقيل: يأخذ قدر كفايته، وقيل: أقل الأمرين، والأول أظهر.
السادس: في اللواحق:
وفيه قسمان:
القسم الأول: وفيه مسائل:
الأولى: إذا أوصى لأجنبي بمثل نصيب ابنه وليس له إلا واحد فقد شرك بينهما في
تركته فللموصى له النصف، فإن لم يجز الوارث فله الثلث، ولو كان له ابنان كانت الوصية
بالثلث، ولو كان له ثلاثة كان له الربع. والضابط أنه يضاف إلى الوارث ويجعل كأحدهم إن
كانوا متساوين، وإن اختلفت سهامهم جعل مثل أضعفهم سهما إلا أن يقول: مثل
أعظمهم، فيعمل بمقتضى وصيته.
فلو قال: له مثل نصيب بنتي فعندنا يكون له النصف إذا لم يكن وارث سواها
ويرد إلى الثلث إذا لم تجز. ولو كان له بنتان كان له الثلث لأن المال عندنا للبنتين دون
العصبة فيكون الموصى له كثالثة.
ولو كان له ثلاث أخوات من أم وأخوة ثلاثة من أب فأوصى لأجنبي بمثل نصيب
أحد ورثته كان كواحدة من الأخوات فيكون له سهم من عشرة وللأخوات ثلاثة وللأخوة
ستة.
ولو كان له زوجة وبنت وقال: مثل نصيب بنتي، فأجاز الورثة، كان له سبعة أسهم
وللبنت مثلها وللزوجة سهمان، ولو قيل: لها سهم واحد من خمسة عشر، كان أولى.
316

ولو كان له أربع زوجات وبنت فأوصى بمثل نصيب إحداهن كانت الفريضة من
اثنين وثلاثين فيكون للزوجات الثمن أربعة بينهن بالسوية وله سهم كواحدة ويبقى سبعة
وعشرون للبنت. ولو قيل: من ثلاثة وثلاثين، كان أشبه.
الثانية: لو أوصى لأجنبي بنصيب ولده قيل: تبطل الوصية لأنها وصية بمستحقة،
وقيل: تصح، فيكون كما لو أوصى بمثل نصيبه وهو أشبه. ولو كان له ابن قاتل فأوصى
بمثل نصيبه، قيل: صحت الوصية، وقيل: لا تصح لأنه لا نصيب له، وهو أشبه.
الثالثة: إذا أوصى بضعف نصيب ولده كان له مثلاه، ولو قال: ضعفاه، كان له
أربعة، وقيل: ثلاثة، وهو أشبه أخذا بالمتيقن. وكذا لو قال: ضعف ضعف نصيبه.
الرابعة: إذا أوصى بثلثه للفقراء وله أموال متفرقة جاز صرف كل ما في بلد إلى
فقرائه، ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي جاز أيضا ويدفع إلى الموجودين في البلد
فلا يجب تتبع من غاب، وهل يجب أن يعطي ثلاثة فصاعدا؟ قيل: نعم، وهو الأشبه عملا
بمقتضى اللفظ. وكذا لو قال: أعتقوا رقابا، وجب أن يعتق ثلاثة فما زاد إلا أن يقصر ثلث
مال الموصي.
الخامسة: إذا أوصى لإنسان بعبد معين ولآخر بتمام الثلث ثم حدث في العبد عيب
قبل تسليمه إلى الموصى له كان للموصى له الآخر تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد
صحيحا لأنه قصد عطية التكملة والعبد صحيح، وكذا لو مات العبد قبل موت الموصي بطلت
الوصية وأعطي الآخر ما زاد عن قيمة العبد الصحيح، ولو كانت قيمة العبد بقدر الثلث
بطلت الوصية للآخر.
السادسة: إذا أوصي له بأبيه فقبل الوصية وهو مريض عتق عليه من أصل
المال إجماعا منا لأنه إنما يعتبر من الثلث ما يخرجه عن ملكه وهنا لم يخرجه بل بالقبول
ملكه وانعتق عليه تبعا لملكه.
السابعة: إذا أوصي له بدار فانهدمت وصارت براحا ثم مات الموصي بطلت
الوصية لأنها خرجت عن اسم الدار، وفيه تردد.
الثامنة: إذا قال: أعطوا زيدا والفقراء كذا، كان لزيد النصف من الوصية.
وقيل: الربع، والأول أشبه.
317

القسم الثاني: في تصرفات المريض:
وهي نوعان مؤجلة ومنجزة
فالمؤجلة: حكمها حكم الوصية إجماعا وقد سلفت، وكذا تصرفات الصحيح
إذا قرنت بما بعد الموت.
والمنجزة: أما منجزات المريض إذا كانت تبرعا كالمحاباة في المعاوضات والهبة
والعتق والوقف، فقد قيل: إنها من أصل المال، وقيل: من الثلث واتفق القائلان على
أنه لو برئ لزمت من جهته وجهة الوارث أيضا والخلاف فيما لو مات في ذلك المرض،
ولا بد من الإشارة إلى المرض الذي معه يتحقق وقوف التصرف على الثلث فنقول: كل
مرض لا يؤمن معه من الموت غالبا فهو مخوف كحمى الدف والسل وقذف الدم والأورام
السودائية والدموية والإسهال المنتن والذي يمازجه دهنية أو براز أسود يغلي على الأرض
وما شاكله.
وأما الأمراض التي الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحة كحمى يوم
وكالصداع عن مادة أو غير مادة والدمل والرمد والسلاق. وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى
العفن والزحير والأورام البلغمية.
ولو قيل: يتعلق الحكم بالمرض الذي يتفق به الموت سواء كان مخوفا في العادة أو لم
يكن، لكان حسنا. أما وقت المراماة في الحرب والطلق للمرأة وتزاحم الأمواج في البحر فلا
أرى الحكم يتعلق بها، لتجردها عن إطلاق اسم المرض.
وهاهنا مسائل:
الأولى: إذا وهب وحابى فإن وسعهما الثلث فلا كلام، وإن قصر بدئ بالأول فالأول
حتى يستوفى الثلث وكان النقص على الأخير.
الثانية: إذا جمع بين عطية منجزة ومؤخرة قدمت المنجزة فإن اتسع الثلث للباقي
وإلا صح فيما يحتمله الثلث وبطل فيما قصر عنه.
318

الثالثة: إذا باع كرا من طعام قيمته ستة دنانير وليس له سواه بكر ردئ قيمته
ثلاثة دنانير فالمحاباة هنا بنصف تركته فيمضي في قدر الثلث. فلو رددنا السدس على
الورثة لكان رياء والوجه في تصحيحه أن يرد على الورثة ثلث كرهم ويرد على المشتري
ثلث كره فيبقي مع الورثة ثلثا كر قيمتهما ديناران ومع المشتري ثلثا كر قيمتهما أربعة،
فيفضل معه ديناران وهي قدر الثلث من ستة.
الرابعة: لو باع عبدا قيمته مائتان بمائة وبرئ لزم العقد، وإن مات ولم يجز الورثة
صح البيع في النصف في مقابلة ما دفع وهي ثلاثة أسهم من ستة. وفي السدسين بالمحاباة
وهي سهمان هما الثلث من ستة فيكون ذلك خمسة أسداس العبد، وبطل في الزائد وهو
سدس فيرجع على الورثة، والمشتري بالخيار إن شاء فسخ لتبعض الصفقة وإن شاء أجاز،
ولو بذل العوض عن السدس كان الورثة بالخيار بين الامتناع والإجابة لأن حقهم منحصر
في العين.
الخامسة: إذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها صح العقد والعتق وورثته
إن أخرجت من الثلث، وإن لم تخرج فعلى ما مر من الخلاف في المنجزات.
السادسة: لو أعتق أمته وقيمتها ثلث تركته ثم أصدقها الثلث الآخر ودخل ثم
مات فالنكاح صحيح وبطل المسمى لأنه زائد على الثلث وترثه، وفي ثبوت مهر المثل تردد،
وعلى القول الآخر يصح الجميع.
319

كتاب الإقرار
والنظر في الأركان واللواحق وأركانه أربعة:
الأول: في الصيغة:
وفيها مقاصد: المقصد الأول: في الصيغة الصريحة:
وهي اللفظ المتضمن للإخبار عن حق واجب كقوله: لك على أو عندي أو في ذمتي،
أو ما أشبهه. ويصح الإقرار بغير العربية اضطرارا واختيارا. ولو قال: لك على كذا إن
شئت أو إن شئت، لم يكن إقرارا، وكذا لو قال: إن قدم زيد، وكذا إن رضي فلان أو إن شهد.
ولو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق، لزمه الإقرار في الحال لأنه إذا صدق وجب الحق وإن لم
يشهد.
وإطلاق الإقرار بالموزون ينصرف إلى ميزان البلد، وكذا المكيل وكذا إطلاق
الذهب والفضة ينصرف إلى النقد الغالب في بلد الإقرار. ولو كان نقدان غالبان أو وزنان
مختلفان وهما في الاستعمال سواء رجع في التعيين إلى المقر.
ولو قال: له على درهم ودرهم، لزمه اثنان، وكذا: ثم درهم، أو قال: درهم فدرهم.
أما لو قال: فوق درهم أو مع درهم أو قبل درهم أو بعده، لزمه درهم واحد لاحتمال أن يكون
أراد مع درهم لي فيقتصر على المتيقن، وكذا لو قال: درهم في عشرة، ولم يرد الضرب.
ولو قال: غصبته ثوبا في منديل أو حنطة في سفينة أو ثيابا في عيبة، لم يدخل
الظرف في الإقرار. ولو قال: له عبد عليه عمامة، كان إقرارا بهما لأن له أهلية الإمساك وليس
كذلك لو قال: دابة عليها سرج. ولو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير، لزمه القفيزان، وكذا
لو قال: له هذا الثوب بل هذا الثوب. أما لو قال: له قفيز بل قفيزان، لزمه القفيزان حسب،
ولو قال: له درهم بل درهم، لزمه درهم واحد،
320

ولو أقر لميت بمال وقال: لا وارث له غير هذا، ألزم التسليم إليه. ولو قال: له على
ألف إذا جاء رأس الشهر، لزمه الألف. وكذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر فله على ألف،
ومنهم من فرق وليس شيئا.
ولو قال المالك: بعتك أباك، فإذا حلف الولد انعتق المملوك ولم يلزمه الثمن. ولو
قال: ملكت هذه الدار من فلان أو غصبتها منه أو قبضتها منه، كان إقرارا له بالدار،
وليس كذلك لو قال: تملكتها على يده، لأنه يحتمل المعونة. ولو قال: كان لفلان على ألف،
لزمه الإقرار لأنه إخبار عن تقدم الاستحقاق فلا يقبل دعواه في السقوط.
المقصد الثاني: في المبهمة:
وفيها مسائل:
الأولى: إذا قال: له على مال، ألزم التفسير، فإن فسر بما يتمول قبل ولو كان قليلا،
ولو فسر بما لم تجر العادة بتموله كقشر اللوزة والجوزة لم يقبل، وكذا لو فسر المسلم بما لا
يملكه ولا ينتفع به كالخمر والخنزير وجلد الميتة لأنه لا يعد مالا، وكذا لو فسره بما ينتفع به ولا
يملك كالسرجين النجس والكلب العقور. أما لو فسره بكلب الصيد أو الماشية أو كلب
الزرع قبل. ولو فسره برد السلام لم يقبل لأنه لم تجر العادة بالإخبار عن ثبوت مثله في الذمة
الثانية: إذا قال: له على شئ، ففسره بجلد الميتة أو السرجين النجس، قيل:
يقبل لأنه شئ، ولو قيل: لا يقبل لأنه لا يثبت في الذمة كان حسنا. ولو قال: مال جليل أو
عظيم أو خطير أو نفيس، قبل تفسيره ولو بالقليل. ولو قال: كثير، قال الشيخ: يكون
ثمانين، رجوعا في تفسير الكثرة إلى رواية النذر وربما خصها بعض الأصحاب بموضع
الورود وهو حسن. وكذا لو قال: عظيم جدا، كان كقوله: عظيم، وفيه تردد. ولو قال: أكثر
من مال فلان، ألزم بقدره وزيادة ويرجع في تلك الزيادة إلى المقر. ولو قال: كنت أظن ماله
عشرة، قبل ما بنى عليه إقراره ولو ثبت أن مال فلان يزيد عن ذلك لأن الانسان يخبر عن
وهمه والمال قد يخفى على غير صاحبه. ولو قال: غصبتك شيئا، وقال: أردت نفسك، لم
يقبل.
الثالثة: الجمع المنكر يحمل على الثلاثة كقوله: له على دراهم أو دنانير. ولو قال:
321

ثلاثة آلاف، واقتصر كان بيان الجنس إليه إذا فسر بما يصح تملكه.
الرابعة: إذا قال: له ألف ودرهم، ثبت الدرهم ويرجع في تفسير الألف إليه، وكذا لو
قال: ألف ودرهمان، وكذا لو قال: مائة ودرهم أو عشرة ودرهم. أما لو قال: مائة وخمسون
درهما، كان الجميع دراهم بخلاف مائة درهم، وكذا لو قال: ألف وثلاثة دراهم، وكذا لو
قال: ألف ومائة درهم أو ألف وثلاثة وثلاثون درهما.
ولو قال: على درهم وألف، كانت الألف مجهولة.
الخامسة: لو قال: له على كذا، كان إليه التفسير كما لو قال: شئ. ولو فسره
بالدرهم نصبا أو رفعا كان إقرارا بدرهم. وقيل: إن نصب كان له عشرون وقد يمكن هذا
مع الاطلاع على القصد، وإن خفض احتمل بعض الدرهم وإليه تفسير البعضية، وقيل:
يلزمه مائة درهم مراعاة لتجنب الكسر. ولست أدري من أين نشأ هذا الشرط ولو قال: كذا
كذا، فإن اقتصر فإليه التفسير، وإن اتبعه بالدرهم نصبا أو رفعا لزمه درهم. وقيل: إن
نصب لزمه أحد عشر درهما. ولو قال: كذا وكذا درهما، نصبا أو رفعا لزمه درهم، وقيل:
إن نصبه لزمه أحد وعشرون، والوجه الاقتصار على اليقين إلا مع العلم بالقصد.
السادسة: إذا قال: هذه الدار لأحد هذين، ألزم البيان: فإن عين قبل، ولو ادعاها
الآخر كانا خصمين، ولو ادعى على المقر العلم كان له إحلافه، ولو أقر للآخر لزمه
الضمان، وإن قال: لا أعلم، دفعها إليهما وكانا خصمين، و لو ادعيا أو أحدهما علمه كان
القول قوله مع يمينه.
السابعة: إذا قال: هذا الثوب أو هذا العبد لزيد، فإن عين قبل منه، وإن أنكر المقر
له كان القول قول المقر مع يمينه وللحاكم انتزاع ما أقر به وله إقراره في يده.
الثامنة: إذا قال: لفلان على ألف، ثم دفع إليه، وقال: هذه التي كنت أقررت بها
كانت وديعة، فإن أنكر المقر له كان القول قول المقر مع يمينه، وكذا لو قال: لك في ذمتي ألف،
وجاء بها وقال: هي وديعة وهذه بدلها. أما لو قال: لك في ذمتي ألف وهذه هي التي أقررت بها
كانت وديعة، لم يقبل لأن ما في الذمة لا يكون وديعة وليست كالأولى ولا كالوسطى. ولو قال
له على ألف، ودفعها وقال: كانت وديعة وكنت أظنها باقية فبانت تالفة، لم يقبل لأنه مكذب
إقراره. أما لو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل.
التاسعة: إذا قال: له في هذه الدار مائة، قبل ورجع في تفسير الكيفية إليه، فإن
322

أنكر المقر له شيئا من تفسيره كان القول قول المقر مع يمينه.
العاشرة: إذا قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي مائة، كان إقرارا، ولو قال: في
ميراثي من أبي أو من ميراثي من أبي، لم يكن إقرارا وكان كالوعد بالهبة، وكذا لو قال: له
من هذه الدار، صح. ولو قال: من داري، لم يقبل. ولو قال: له في مالي ألف، لم يقبل. ومن
الناس من فرق بين " له في مالي " وبين " له في داري " بأن بعض الدار لا يسمى دارا وبعض
المال يسمى مالا. ولو قال في هذه المسائل بحق واجب أو بسبب صحيح أو ما جرى
مجراه، صح في الجميع.
المقصد الثالث: في الإقرار المستفاد من الجواب:
فلو قال: لي عليك ألف، فقال: رددتها أو أقبضتها، كان إقرارا. ولو قال: زنها، لم
يكن إقرارا. ولو قال: نعم أو أجل أو بلى، كان إقرارا. ولو قال: أنا مقر به، لزمه. ولو قال: أنا
مقر، واقتصر لم يلزمه لتطرق الاحتمال. ولو قال: اشتريت مني أو استوهبت، فقال: نعم،
فهو إقرار. ولو قال: أ ليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، كان إقرارا. ولو قال: نعم، لم يكن
إقرارا وفيه تردد من حيث يستعمل الأمران استعمالا ظاهرا.
المقصد الرابع: في صيغ الاستثناء: وقواعده ثلاث:
الأولى: الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات.
الثانية: الاستثناء من الجنس جائز ومن غير الجنس على تردد.
الثالثة: يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعد الاستثناء بقية سواء كانت أقل أو
أكثر.
التفريع على القاعدة الأولى:
إذا قال: له على عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة ونفيا للدرهم. ولو قال: إلا
323

درهم كان إقرارا بالعشرة. ولو قال: ماله عندي شئ إلا درهم، كان إقرارا بدرهم، وكذا
لو قال: ماله عندي عشرة إلا درهم، كان إقرارا بدرهم. ولو قال: إلا درهما، لم يكن إقرارا
بشئ. ولو قال: له خمسة إلا اثنين وإلا واحدا، كان إقرارا باثنين. ولو قال: عشرة إلا خمسة
إلا ثلاثة، كان إقرارا بثمانية، ولو كان الاستثناء الأخير بقدر الأول رجعا جميعا إلى المستثنى
منه كقوله: له عشرة إلا واحدا إلا واحدا، فيسقطان من الجملة الأولى.
ولو قال: لفلان هذا الثوب إلا ثلثه، أو هذه الدار إلا هذا البيت أو الخاتم إلا هذا
الفص، صح وكان كالاستثناء بل أظهر، وكذا لو قال: هذه الدار لفلان والبيت لي أو الخاتم
والفص لي، إذا اتصل الكلام. ولو قال: هذه العبيد لزيد إلا واحدا كلف البيان فإن عين
صح. ولو أنكر المقر له كان القول قول المقر مع يمينه، وكذا لو مات أحدهم وعين الميت قبل
منه. ومع المنازعة فالقول قول المقر مع يمينه.
التفريع على الثانية:
إذا قال: له ألف إلا درهما، فإن منعنا الاستثناء من غير الجنس فهو إقرار بتسعمائة
وتسعة وتسعين درهما. وإن أجزناه كان تفسير الألف إليه، فإن فسرها بشئ يصح وضع
قيمة الدرهم منه صح. فإن كان يستوعبه قيل: يبطل الاستثناء لأنه عقب الإقرار بما يبطله
فيصح الإقرار ويبطل المبطل، وقيل: لا يبطل، ويكلف تفسيره بما يبقى منه بقية بعد اخراج
قيمة الدرهم.
ولو قال: ألف درهم إلا ثوبا، فإن اعتبرنا الجنس بطل الاستثناء وإن لم نعتبره كلفنا
المقر بيان قيمة الثوب، فإن بقي بعد قيمته شئ من الألف صح وإلا كان فيه الوجهان، ولو
كانا مجهولين كقوله: له ألف إلا شيئا، كلف تفسيرهما وكان النظر فيهما كما قلناه.
التفريع على الثالثة:
لو قال: له درهم إلا درهما لم يقبل الاستثناء. ولو قال: درهم ودرهم إلا درهما، فإن
قلنا الاستثناء يرجع إلى الجملتين كان إقرارا بدرهم، وإن قلنا يرجع إلى الجملة الأخيرة -
324

وهو الصحيح - كان إقرارا بدرهمين وبطل الاستثناء.
النظر الثاني: في المقر:
ولا بد أن يكون: مكلفا حرا مختارا جائز التصرف، ولا تعتبر عدالته.
فالصبي لا يقبل إقراره ولو كان بإذن وليه أما لو أقر بما له أن يفعله كالوصية صح.
ولو أقر المجنون لم يصح، وكذا المكره والسكران، وأما المحجور عليه للسفه فإن أقر
بمال لم يقبل ويقبل فيما عداه كالخلع والطلاق، ولو أقر بسرقة قبل في الحد لا في المال.
ولا يقبل إقرار المملوك بمال ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا، و لو أقر
بمال تبع به إذا أعتق، ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل لأنه يملك التصرف
فيملك الإقرار ويؤخذ ما أقر به مما في يده وإن كان أكثر لم يضمنه مولاه ويتبع به إذا أعتق.
ويقبل إقرار المفلس، وهل يشارك المقر له الغرماء أو يأخذ حقه من الفاضل؟
فيه تردد. وتقبل وصية المريض في الثلث وإن لم يجز الورثة، وكذا إقراره للوارث وللأجنبي
مع التهمة على أظهر القولين، ويقبل الإقرار بالمبهم ويلزم المقر بيانه، فإن امتنع حبس وضيق
عليه حتى يبين، وقال الشيخ رحمه الله: يقال له: إن لم تفسير جعلت ناكلا فإن أصر أحلف
المقر له. ولا يقبل إقرار الصبي بالبلوغ حتى يبلغ الحد الذي يحتمل البلوغ.
النظر الثالث: في المقر له:
وهو أن يكون له أهلية التملك، فلو أقر لبهيمة لم يقبل، ولو قال: بسببها صح
ويكون الإقرار للمالك وفيه إشكال إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك كأروش الجنايات
على سائقها أو راكبها.
ولو أقر لعبد صح ويكون المقر به لمولاه لأن للعبد أهلية التصرف. ولو أقر لحمل صح
سواء أطلق أو بين سببا محتملا كالإرث أو الوصية. ولو نسب الإقرار إلى السبب الباطل
كالجناية عليه فالوجه الصحة نظرا إلى مبدأ الإقرار وإلغاء لما يبطله.
ويملك الحمل ما أقر به بعد وجوده حيا، ولو سقط ميتا، فإن فسره بالميراث رجع إلى
325

باقي الورثة، وإن قال: هو وصية، رجع إلى ورثة الموصي، وإن أجمل طولب ببيانه.
ويحكم بالمال للحمل بعد سقوطه حيا لدون ستة أشهر من حين الإقرار ويبطل
استحقاقه لو ولد لأكثر من مدة الحمل، ولو وضع فيما بين الأقل والأكثر ولم يكن للمرأة زوج
ولا مالك حكم له به لتحققه حملا وقت الإقرار، ولو كان لها زوج أو مولى قيل: لا يحكم له
لعدم اليقين بوجوده. ولو قيل: يكون له بناء على غالب العوائد، كان حسنا.
ولو كان الحمل ذكرين تساويا فيما أقر به، ولو وضع أحدهما ميتا كان ما أقر به
للآخر لأن الميت كالمعدوم، وإذا أقر بولد لم يكن إقرارا بزوجية أمه ولو كانت مشهورة
بالحرية.
النظر الرابع: في اللواحق:
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: في تعقيب الإقرار بالإقرار:
إذا كان في يده دار على ظاهر التملك فقال: هذه لفلان بل لفلان، قضي بها للأول
وغرم قيمتها للثاني لأنه حال بينه وبينها فهو كالمتلف، وكذا لو قال: غصبتها من فلان بل
من فلان. أما لو قال: غصبتها من فلان وهي لفلان، لزمه تسليمها إلى المغصوب منه ثم
لا يضمن. ولا يحكم للمقر له بالملك كما لو كانت دار في يد فلان وأقر بها الخارج لآخر، وكذا
لو قال: هذه لزيد غصبتها من عمرو.
ولو أقر بعبد لإنسان فأنكر المقر له، قال الشيخ: يعتق، لأن كل واحد منهما أنكر
ملكيته، فبقي بغير مالك، ولو قيل: يبقى على الرقية المجهولة المالك، كان حسنا.
ولو أقر أن المولى أعتق عبده ثم اشتراه، قال الشيخ: صح الشراء، ولو قيل: يكون
ذلك استنقاذا لا شراء، كان حسنا وينعتق لأن بالشراء سقط عنه لواحق ملك الأول.
ولو مات هذا العبد كان للمشتري من تركته قدر الثمن مقاصة، لأن المشتري إن
كان صادقا فالولاء للمولى إن لم يكن وارث سواه. وإن كان كاذبا فما ترك للمشتري فهو
مستحق على هذا التقدير قدر الثمن على اليقين وما فضل يكون موقوفا.
326

المقصد الثاني: في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الإبطال:
وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال: له عندي وديعة وقد هلكت، لم يقبل. أما لو قال: كان له عندي، فإنه
يقبل، ولو قال: له على مال من ثمن خمر أو خنزير، لزمه المال.
الثانية: إذا قال: له على ألف، وقطع ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، لزمه
الألف، ولو وصل فقال: له على ألف من ثمن مبيع، وقطع ثم قال: لم أقبضه، قبل سواء
عين المبيع أو لم يعينه وفيه احتمال للتسوية بين الصورتين ولعله الأشبه.
الثالثة: لو قال: ابتعت بخيار أو كفلت بخيار أو ضمنت بخيار، قبل إقراره
بالعقد ولم يثبت الخيار.
الرابعة: إذا قال: له على دراهم ناقصة، صح إذا اتصل بالإقرار كالاستثناء
ويرجع في قدر النقيصة إليه، وكذا لو قال: دراهم زيف، لكن يقبل تفسيره بما فيه فضة، ولو
فسره بما لا فضة فيه لم يقبل.
الخامسة: إذا قال: له على عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة. وليس كذلك لو قال:
عشرة إلا واحدا.
السادسة: إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر فيما بعد وادعى أنه أشهد تبعا
للعادة ولم يقبض، قيل: لا يقبل دعواه لأنه مكذب لإقراره. وقيل: يقبل لأنه ادعى ما هو
معتاد، وهو أشبه. إذ ليس هو مكذبا للإقرار بل هو مدعيا شيئا آخر فيكون على المشتري
اليمين، وليس كذلك لو شهد الشاهدان بإيقاع البيع ومشاهدة القبض فإنه لا يقبل
إنكاره ولا يتوجه اليمين لأنه إكذاب للبينة.
المقصد الثالث: في الإقرار بالنسب:
وفيه مسائل:
الأولى: لا يثبت الإقرار بنسب الولد الصغير حتى تكون البنوة ممكنة ويكون المقر
به مجهولا ولا ينازعه فيه منازع فهذه قيود ثلاثة، فلو انتفى إمكان الولادة لم يقبل كالإقرار
327

ببنوة من هو أكبر منه أو مثله في السن أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادته لمثله. أو أقر ببنوة
امرأة له وبينهما مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمره، وكذا لو كان الطفل معلوم
النسب لم يقبل إقراره، وكذا لو نازعه منازع في بنوته لم يقبل إلا ببينة ولا يعتبر تصديق
الصغير. وهل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية: لا، وفي المبسوط: يعتبر، وهو
الأشبه. فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب. ولا يثبت النسب في غير الولد إلا بتصديق المقر به،
وإذا أقر بغير الولد للصلب ولا ورثة له وصدقه المقر به توارثا بينهما ولا يتعدى التوارث
إلى غيرهما. ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب.
الثانية: إذا أقر بولد صغير ثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره لتحقق
النسب سابقا على الانكار.
الثالثة: إذا أقر ولد الميت بولد له آخر فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث إن كانا
عدلين، ولو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني لكن يأخذ الثالث نصف التركة
ويأخذ الأول ثلث التركة والثاني السدس وهو تكملة نصيب الأول. ولو كان الاثنان معلومي
النسب فأقرا بثالث، ثبت نسبه إن كانا عدلين. ولو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه
وكانت التركة بينهم أثلاثا.
الرابعة: لو كان للميت إخوة وزوجة فأقرت له بولد كان لها الثمن، فإن صدقها
الإخوة كان الباقي للولد دون الإخوة، وكذا كل وارث في الظاهر أقر بمن هو أقرب منه دفع
إليه جميع ما في يده، ولو كان مثله دفع إليه من نصيبه بنسبة نصيبه، وإن أنكر الإخوة كان
لهم ثلاثة الأرباع وللزوجة الثمن وباقي حصتها للولد.
الخامسة: إذا مات صبي مجهول النسب فأقر انسان ببنوته ثبت نسبه صغيرا كان
أو كبيرا سواء كان له مال أو لم يكن وكان ميراثه للمقر ولا يقدح في ذلك احتمال التهمة كما
لو كان حيا وله مال. ويسقط اعتبار التصديق في طرف الميت ولو كان كبيرا لأنه في معنى
الصغير، وكذا لو أقر ببنوة مجنون فإنه يسقط اعتبار تصديقه لأنه لا حكم لكلامه.
السادسة: إذا ولدت أمته ولدا فأقر ببنوته لحق به وحكم بحريته بشرط أن لا يكون
لها زوج، ولو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه، لحق به، ولو ادعت الأخرى أن ولدها هو الذي
أقر به فالقول قول المقر مع يمينه، ولو لم يعين ومات قال الشيخ: يعين الوارث فإن امتنع
أقرع بينهما. ولو قيل باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقا كان حسنا.
328

السابعة: لو كان له أولاد ثلاثة من أمة فأقر ببنوة أحدهم فأيهم عينه كان حرا
والآخر رقا. ولو اشتبه المعين ومات أو لم يعين استخرج بالقرعة.
الثامنة: لا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين ولا يثبت بشهادة رجل
وامرأتين على الأظهر ولا بشهادة رجل ويمين ولا بشهادة فاسقين ولو كانا وارثين.
التاسعة: لو شهد الأخوان - وكانا عدلين - بابن للميت ثبت نسبه وميراثه ولا
يكون ذلك دورا، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب ولكن يستحق دونهما الإرث.
العاشرة: لو أقر بوارثين أولى منه فصدقه كل واحد منهما عن نفسه لم يثبت النسب
ويثبت الميراث ودفع إليهما ما في يده، ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما، ولو أقر بوارث
أولى منه ثم أقر بآخر أولى منهما فإن صدقه المقر له الأول دفع المال إلى الثاني، وإن كذبه
دفع المقر إلى الأول المال وغرمه للثاني، ولو كان الثاني مساويا للمقر له أولا ولم يصدقه
الأول دفع المقر إلى الثاني مثل نصف ما حصل للأول.
الحادية عشرة: لو أقر بزوج للميتة ولها ولد أعطاه ربع نصيبه وإن لم يكن ولد
أعطاه نصفه، ولو أقر بزوج آخر لم يقبل: ولو أكذب إقراره للأول أغرم للثاني مثل ما
حصل للأول، ولو أقر بزوجة وله ولد أعطاها ثمن ما في يده، وإن لم يكن ولد أعطاها الربع
وإن أقر بأخرى غرم لها مثل نصف نصيب الأولى إذا لم تصدقه الأولى ولو أقر بثالثة
أعطاها ثلث النصيب، ولو أقر برابعة أعطاها الربع من نصيب الزوجية، ولو أقر
بخامسة وأنكر إحدى الأول لم يلتفت إليه وغرم لها مثل نصيب واحد منهن.
329

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
331

كتاب الوقوف والصدقات والهبات
أما الوقف: فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة. ولفظه الصريح: وقفت، وما عداه
يفتقر إلى القرينة الدالة على التأبيد. ويعتبر فيه القبض. ولو كان مصلحة كالقناطر أو موضع
عبادة كالمساجد قبضه الناظر فيها. ولو كان على طفل قبضه الولي، كالأب والجد للأب أو
الوصي، ولو وقف عليه الأب أو الجد صح لأنه مقبوض بيده.
والنظر أما في الشروط أو اللواحق:
والشروط أربعة أقسام:
الأول: في الوقف: ويشترط فيه التنجيز والدوام والإقباض وإخراجه عن نفسه. فلو
كان إلى أمد كان حبسا، ولو جعله لمن ينقرض غالبا صح ويرجع بعد موت الموقوف عليه إلى
ورثة الواقف طلقا، وقيل: ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه، والأول مروي. ولو شرط
عوده عند الحاجة، فقولان أشبههما البطلان.
الثاني: في الموقوف: ويشترط أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها انتفاعا محللا،
ويصح إقباضها مشاعة كانت أو مقسومة.
الثالث: في الواقف: ويشترط فيه: البلوغ وكمال العقل وجواز التصرف.
وفي وقف من بلغ عشرا تردد، المروي: جواز صدقته والأولى المنع. ويجوز أن يجعل
333

الواقف النظر لنفسه على الأشبه وإن أطلق فالنظر لأرباب الوقف.
الرابع: في الموقوف عليه: ويشترط وجوده وتعيينه، وأن يكون ممن يملك، وألا يكون
الوقف عليه محرما. فلو وقف على من سيوجد لم يصح. ولو وقف على موجود وبعد على من
يوجد صح. والوقف على البر يصرف إلى الفقراء ووجه القرب.
ولا يصح وقف المسلم على البيع والكناس، ولو وقف على ذلك الكافر صح، وفيه
وجه آخر. ولا يقف المسلم على الحربي ولو كان رحما ويقف على الذمي ولو كان أجنبيا ولو
وقف المسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين، ولو كان كافرا انصرف إلى فقراء
نحلته.
والمسلمون من صلى إلى القبلة، والمؤمنون الاثنا عشرية وهم الإمامية. وقيل: مجتنبو
علي بن جعفر خاصة. والشيعة: الإمامية والجارودية والزيدية: من قال بإمامة زيد. والفطحية: من قال
بالأفطح والإسماعيلية: من قال بإسماعيل بن جعفر ع والناووسية: من وقف
بن محمد والواقفية: من وقف على موسى بن جعفر ع. والكيسانية: من
قال بإمامة محمد بن الحنفية.
ولو وصفهم بنسبة إلى عالم كان لمن دان بمقالته كالحنفية ولو نسبهم إلى أب كان لمن
انتسب إليه بالأبناء دون البنات على الخلاف كالعلوية و الهاشمية. ويتساوى فيه الذكور
والإناث. وقومه أهل لغته، وعشيرته الأدنون في نسبه ويرجع بالجيران إلى العرف وقيل: بمن
يلي داره إلى أربعين ذراعا، وقيل: إلى أربعين دارا، وهو مطرح.
ولو وقف على مصلحة فبطلت قيل: يصرف إلى البر، وإذا شرط إدخال من يوجد
مع الموجود صح. ولو أطلق الوقف وأقبض لم يصح إدخال غيرهم معهم أولادا كانوا أو
أجانب. وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف، والجواز مروي. أما النقل عنهم فغير
جائز.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى القرب كالحج والجهاد والعمرة وبناء
المساجد.
334

الثانية: إذا وقف على مواليه دخل الأعلون والأدنون.
الثالثة: إذا وقف على أولاده اشترك أولاده البنون والبنات الذكور والإناث
بالسوية.
الرابعة: إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره. وكذا كل
قبيل متبدد كالعلوية والهاشمية والتميمية. ولا يجب تتبع من لم يحضره.
الخامسة: لا يجوز اخراج الوقف عن شرطه ولا بيعه إلا أن يقع خلف يؤدى إلى
فساده على تردد.
السادسة: إطلاق الوقف يقتضي التسوية فإن فضل لزم.
السابعة: إذا وقف على الفقراء وكان منهم جاز أن يشركهم.
ومن اللواحق: مسائل السكنى والعمرى
وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض. وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة
تبرعا مع بقاء الملك للمالك وتلزم لو عين المدة وإن مات المالك، وكذا لو قال: له عمرك، لم تبطل
بموت المالك وتبطل بموت الساكن. ولو قال: حياة المالك، لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما
كان له إلى ورثته.
وإن أطلق ولم يعين مدة ولا عمرا تخير المالك في اخراجه مطلقا، ولو مات المالك -
والحال هذه - كان المسكن ميراثا لورثته وبطلت السكنى، ويسكن الساكن معه من جرت
العادة به كالولد والزوجة والخادم. وليس له أن يسكن معه غيره إلا بإذن المالك، ولو باع
المالك الأصل لم تبطل السكنى إن وقتت بأمد أو عمر. ويجوز حبس الفرس والبعير في سبيل
الله، والغلام والجارية في خدمة بيوت العبادة، ويلزم ذلك ما دامت العين باقية.
وأما الصدقة: فهي التطوع بتمليك العين بغير عوض، ولا حكم لها ما لم تقبض بإذن
المالك، وتلزم بعد القبض وإن لم يعوض عنها، ومفروضها محرم على بني هاشم إلا صدقة
أمثالهم أو مع الضرورة ولا بأس بالمندوبة.
والصدقة سرا أفضل منها جهرا إلا أن يتهم.
وأما الهبة: فهي تمليك العين تبرعا مجردا عن القربة، ولا بد فيها من الإيجاب والقبول
335

والقبض، ويشترط إذن الواهب في القبض. ولو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه
مقبوض بيد الولي وهبة المشاع جائزة كالمقسوم. ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد
القبض، وفي غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف. ولو وهب أحد الزوجين الآخر ففي
الرجوع تردد أشبهه الكراهية. ويرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين باقية ما لم يعوض عنها
وفي الرجوع مع التصرف قولان أشبههما الجواز.
336

كتاب الوصايا
وهي تستدعي فصولا:
الأول: الوصية تمليك عين أو منفعة أو تسليط على تصرف بعد الوفاة. ويفتقر إلى
الإيجاب والقبول. وتكفي الإشارة الدالة على القصد، ولا تكفي الكتابة ما لم تنضم القرينة
الدالة على الإرادة. ولا يجب العمل بما يوجد بخط الميت. وقيل إن عمل الورثة ببعضها
لزمهم العمل بجميعها، وهو ضعيف. ولا تصح الوصية بمعصية كمساعدة الظالم، وكذا
وصية المسلم للبيعة والكنيسة.
الثاني: في الموصي: ويعتبر فيه كمال العقل والحرية. وفي وصية من بلغ عشرا في البر
تردد، والمروي: الجواز. ولو جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم تقبل، ولو أوصى ثم جرح
قبلت.
وللموصي الرجوع في الوصية متى شاء.
الثالث: في الموصى له: ويشترط وجوده. فلا تصح لمعدوم، ولا لمن ظن بقائه وقت
الوصية فبان ميتا. وتصح الوصية للوارث كما تصح للأجنبي، وللحمل بشرط وقوعه حيا.
وللذمي ولو كان أجنبيا وفيه أقوال. ولا تصح للحربي ولا لمملوك غير الموصي ولو كان
مدبرا أو أم ولد، نعم لو أوصى لمكاتب قد تحرر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من
لحرية.
وتصح لعبد الموصي ومدبره ومكاتبه وأم ولده، ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد
337

خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة، وإن زاد أعطي العبد
الزائد، وإن نقص عن قيمته سعى في الباقي. وقيل: إن كانت قيمته ضعف الوصية بطلت،
وفي المستند ضعف. ولو أعتقه عند موته وليس غيره وعليه دين، فإن كان قيمته بقدر الدين
مرتين صح العتق وإلا بطل، وفيه وجه آخر ضعيف.
ولو أوصى لأم ولده صح، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب الولد؟ قولان. فإن
أعتقت من نصيب الولد كان لها الوصية. وفي رواية أخرى تعتق من الثلث ولها الوصية،
وإطلاق الوصية يقتضي التسوية ما لم ينص على التفضيل. وفي الوصية لأخواله وأعمامه
رواية بالتفضيل كالميراث، والأشبه التسوية.
وإذا أوصى لقرابته فهم المعروفون بنسبه، وقيل: لمن يتقرب إليه بآخر أب في
الاسلام، ولو أوصى لأهل بيته دخل الأولاد والآباء، والقول في العشيرة والجيران والسبيل
والبر والفقراء كما مر في الوقف.
وإذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان إلى ورثته ما لم يرجع الموصي على
الأشهر. ولو لم يخلف وارثا رجعت إلى ورثة الموصي، وإذا قال: أعطوا فلانا، دفع إليه يصنع
به ما شاء. ويستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره.
الرابع: في الأوصياء: ويعتبر التكليف والإسلام. وفي اعتبار العدالة تردد أشبهه أنها
لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته. ولا يوصى إلى المملوك إلا بإذن مولاه،
ويصح إلى الصبي منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي ثم
يشتركان وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه.
ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر وتصح من مثله، وتصح الوصية إلى
المرأة، ولو أوصى إلى اثنين وأطلق أو شرط الاجتماع فليس لأحدهما الانفراد. ولو تشاحا
لم يمض إلا ما لا بد منه، كمؤونة اليتيم، وللحاكم جبرهما على الاجتماع. فإن تعذر جاز
الاستبدال، ولو التمسا القسمة لم يجز، ولو عجز أحدهما ضم إليه، أما لو شرط لهم الانفراد
تصرف كل واحد منهما وإن انفرد ويجوز أن يقتسما.
وللموصي تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية، ويصح إن بلغ الرد. ولو مات
الموصي قبل بلوغه لزمت الوصية، وإذا ظهر من الوصي خيانة استبدل به. والوصي أمين لا
يضمن إلا مع تعد أو تفريط، ويجوز أن يستوفي دينه مما في يده وأن يقوم مال اليتيم على نفسه
338

وأن يقترضه إذا كان مليئا.
وتختص ولاية الوصي بما عين له الموصي عموما كان أو خصوصا. ويأخذ الوصي
أجرة المثل، وقيل: قدر الكفاية، هذا مع الحاجة. وإذا أذن له في الوصية جاز، ولو لم يؤذن
فقولان أشبههما: أنه لا يصح، ومن لا وصي له فالحاكم وصي تركته.
الخامس: في الموصى به:
وفيه أطراف:
الأول: في متعلق الوصية:
ويعتبر فيه الملك، فلا تصح بالخمر ولا بآلات اللهو، ويوصى بالثلث فما نقص.
ولو أوصى بزيادة عن الثلث صح في الثلث وبطل الزائد، فإن أجاز الورثة بعد
الوفاة صح، وإن أجاز بعض صح في حصته، وإن أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان،
المروي: اللزوم. ويملك الموصى به بعد الموت.
وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر، ولو أوصى بواجب وغيره أخرج
الواجب من الأصل والباقي من الثلث، ولو حصر الجميع في الثلث بدئ بالواجب، ولو
أوصى بأشياء تطوعا فإن رتبه بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث وبطل ما زاد. وإن جمع
أخرجت من الثلث ووزع النقص، وإذا أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد والمشترك.
الثاني: في المبهمة: من أوصى بجزء من ماله كان العشر، وفي رواية السبع، وفي أخرى
سبع الثلث. ولو أوصى بسهم كان ثمنا، ولو كان بشئ كان سدسا، ولو أوصى
بوجوه فنسي الوصي وجها صرف في البر، وقيل: يرجع ميراثا. ولو أوصى بسيف وهو في
جفن وعليه حلية، دخل الجميع في الوصية على رواية، يجبر ضعفها الشهرة. وكذا لو أوصى
بصندوق وفيه مال دخل المال في الوصية، وكذا قيل لو أوصى بسفينة وفيها طعام
استنادا إلى فحوى رواية. ولا يجوز اخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية
مطرحة.
الطرف الثالث: في أحكام الوصية:
وفيه مسائل:
الأولى: إذا أوصى بوصية ثم عقبها بمضادة لها عمل بالأخيرة ولو لم يضادها عمل
بالجميع، فإن قصر الثلث، بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث.
339

الثانية: تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين، وبشهادة أربع نساء، وبشهادة
الواحدة في الربع. وفي ثبوتها بشاهد ويمين تردد. أما الولاية فلا تثبت إلا بشهادة رجلين.
الثالثة: لو أشهد عبدين له على أن حمل المملوكة منه ثم ورثهما غير الحمل فأعتقا
فشهدا للحمل بالبنوة صح وحكم له، ويكره له تملكهما.
الرابعة: لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، وتقبل للموصي في غير ذلك.
الخامسة: إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه انعتق ثلثه،
ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال أعتق الباقي من ثلثه، ولو أعتق مماليكه عند الوفاة أو
أوصى بعتقهم ولا مال سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة، ولو رتبهم أعتق الأول فالأول حتى
يستوفى الثلث، وبطل ما زاد.
السادسة: إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر والأنثى، الصغير والكبير. ولو قال:
مؤمنة، لزم. فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب. ولو ظنها مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه
أجزأت.
السابعة: إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معين، فإن لم يجد توقع. وإن وجد بأقل أعتقها
ودفع إليها الفاضل.
الثامنة: تصرفات المريض إن كانت مشروطة بالوفاة فهي من الثلث، وإن
كانت منجزة وكان فيها محاباة أو عطية محضة فقولان، أشبههما: أنها من الثلث. أما الإقرار
للأجنبي فإن كان متهما على الورثة فهو من الثلث وإلا فهو من الأصل، وللوارث من الثلث
على التقديرين، ومنهم من سوى بين القسمين.
التاسعة: أرش الجراح ودية النفس يتعلق بهما الديون والوصايا كسائر أموال
الميت.
340

كتاب الإقرار
والنظر في الأركان واللواحق:
والأركان أربعة:
الركن الأول: الإقرار: وهو إخبار الانسان بحق لازم له، ولا يختص لفظا وتقوم مقامه
الإشارة. لو قال: لي عليك كذا، فقال: نعم أو أجل، فهو إقرار، وكذا لو قال: أ ليس لي عليك
كذا فقال: بلى، ولو قال: نعم، قال الشيخ: لا يكون إقرارا وفيه تردد. ولو قال: أنا مقر، لم
يلزمه إلا أن يقول به. ولو قال: بعينه أو هبنيه، فهو إقرار. وله قال: لي عليك كذا، فقال:
اتزن أو انتقد، لم يكن شيئا. وكذا لو قال: اتزنها أو انتقدها. أما لو قال: أجلتني بها أو
قضيتكها فقد أقر وانقلب المقر مدعيا.
الركن الثاني: المقر: ولا بد من كونه. مكلفا حرا مختارا جائز التصرف. فلا يقبل إقرار
الصغير ولا المجنون ولا العبد بماله، ولا حد ولا جناية ولو أوجبت قصاصا.
الركن الثالث: في المقر له: ويشترط فيه أهلية التملك ويقبل لو أقر للحمل تنزيلا على
الاحتمال وإن بعد، وكذا لو أقر لعبد ويكون للمولى.
الركن الرابع: في المقر به: ولو قال: له على مال، قبل تفسيره بما يملك وإن قل. ولو قال:
شئ، فلا بد من تفسيره بما يثبت في الذمة. ولو قال: ألف ودرهم، رجع في تفسير الألف إليه.
ولو قال: مائة وعشرون درهما، فالكل دراهم. وكذا كنايته عن الشئ فلو قال: كذا درهم،
فالإقرار بدرهم. وقال الشيخ: لو قال: كذا كذا درهما، لم يقبل تفسيره بأقل من أحد عشر.
ولو قال: كذا وكذا لم يقبل أقل من أحد وعشرين والأقرب الرجوع في تفسيره إلى المقر ولا
يقبل أقل من درهم ولو أقر بشئ مؤجلا فأنكر الغريم الأجل لزمه حالا وعلى الغريم اليمين.
341

واللواحق ثلاثة:
الأول: في الاستثناء: ومن شروطه الاتصال العادي، ولا يشترط الجنسي
ولا نقصان المستثنى عن المستثنى منه، فلو قال: له على عشرة إلا ستة، لزمه أربعة. ولو
قال: ينتقص ستة، لم تقبل منه. ولو قال: له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة، لزمه ثمانية. ولو قال:
له عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة، كان الإقرار بالأربعة. ولو قال: درهم ودرهم إلا درهمان، لزمه
درهمان. ولو قال: له عشرة إلا ثوبا، سقط من العشرة قيمة الثوب ويرجع إليه تفسير القيمة
ما لم يستغرق العشرة.
الثاني: في تعقيب الإقرار بما ينافيه: فلو قال: هذا لفلان بل لفلان فهو للأول ويغرم
القيمة للثاني. ولو قال: له على مال من ثمن خمر، لزمه المال. ولو قال: ابتعت بخيار، وأنكر
البائع الخيار قبل إقراره في البيع دون الخيار. وكذا لو قال: من ثمن مبيع لم أقبضه.
الثالث: الإقرار بالنسب: ويشترط في الإقرار بالولد الصغير إمكان البنوة وجهالة
نسب الصغير وعدم المنازع ولا يشترط التصديق لعدم الأهلية. ولو بلغ فأنكر لم يقبل. ولا بد
في التكبير من التصديق وكذا في غيره من الأنساب. وإذا تصادقا توارثا بينهما ولا يتعدى
المتصادقين، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل إقراره بالنسب ولو تصادقا فإذا أقر
الوارث بآخر وكان أولى منه دفع إليه ما في يده، وإن كان مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه
من الأصل. ولو أقر باثنتين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما. ولو أقر بأولى منه ثم بمن هو أولى
من المقر له فإن صدقه الأول دفع إلى الثاني وإن كذبه ضمن المقر ما كان نصيبه. ولو أقر
بمساو له فشاركه ثم أقر بمن هو أولى منهما فإن صدقه المساوي دفعا إليه ما معهما، وإن أنكر
غرم للثاني ما كان في يده ولو أقر للميتة بزوج دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه. ولو أقر
بآخر لم يقبل إلا أن يكذب نفسه فيغرم له إن أنكر الأول، وكذا الحكم في الزوجات إذا أقر
بخامسة. ولو أقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث، ولو لم يكونا
مرضيين لم يثبت النسب ودفعا إليه مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة.
342

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
343

باب الوقف
الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، ويصح في كل ما يصح الانتفاع به مع بقاء
عينه متصلا كالأرض والنخل والشجر والسلاح والكتب والحيوان والحلي وشبهها، ولا
يصح وقف الدراهم والدنانير والطعام.
ولا يصح الوقف إلا من مالك مطلق التصرف، وشرطه التلفظ بصريحه وهو:
وقفت وأحبست وسبلت وتصدقت صدقة لا تباع ولا توهب، وأن يقبضه الموقوف عليه
أو وليه فإن وقف على ولده الطفل صح.
والوقف لازم لا يجوز للواقف الرجوع فيه حيا ولا لورثته بعده حكم الحاكم به أم لم
يحكم. وقيل: ينتقل الوقف إلى الموقوف عليهم وإن لم يجز لهم بيعه، فعلى هذا لو أقام
الموقوف عليه شاهدا واحدا وحلف معه حكم به. وقيل: يصير لله تعالى ولا يملكونه، ولا
خلاف أنه يضمن بقيمته فإن حال الحول على أربعين شاة موقوفة لم يجب فيها زكاة.
ولا يصح الوقف على الكافر إلا ذا الرحم ولا مواضع قربهم كالبيعة والكنيسة ولا
على المعدوم والحمل إلا أن يعلق بموجود فإن قال: وقفت كذا، ولم يذكر الموقوف عليه أو ذكر
شخصا أو جماعة مجهولين أو عبيدا في الذمة أو عبدا من العبيد لم يصح، ولا
على نفسه ولا على عبد ولا بهيمة فإن عقله على مشيئته، أو على مشيئة غيره أو على وقت مستقبل لم
يصح.
ويصح الوقف على المساجد والقناطر وهو على المسلمين مختصا بهذه الجهة.
345

ويصح في سبيل الله وهو الجهاد والحج والعمرة ومصالح المسلمين ومعونة الفقراء، فإن
وقف الوقف إلى سنة مثلا لم يصح وكان إعمارا يرجع إليه أو إلى ورثته، ومن شرطه أن
يقفه على من لا ينقرض ليتأبد، أو على معين ويشرط عند انقراضه جهة لا تنقرض.
فإن وقفه على جماعة معينة فقط كان إعمارا وإذا انقرضوا عاد إلى الواقف، أو ورثته
طلقا، فإن وقف على ميت أو مجهول أو معدوم ثم على جهة لا تنقرض كالفقراء والجوامع
بطل في المبدأ وصح في الباقي وصرف إليه في الحال.
وإن وقف على عبد أو على نفسه ثم على الجهة المؤبدة غالبا لم يصح على المبدأ لما
سلف ولا على المنتهى. وقيل: يصح ويصرف إليه في الحال، وهو الأولى.
وإذا وقفه على شخص ثم على الفقراء فرده بطل في حقه وصرف إلى الفقراء،
وقيل: يبطل في الكل. وإذا وقف على مصلحة تبقى غالبا فبطل رسمها صرف في وجوه
البر.
ومن شرط صحة الوقف النية والتقرب به إلى الله، ولا يصح الوقف على كتب
التوراة والإنجيل وكتب الكفر كالزندقة. ويصح وقف المسلم على المسلمين وهم من
شهد الشهادتين ومن كان بحكمهم من أطفالهم.
فإن وقف على المؤمنين فعلى الإمامية القائلين بإمامة الاثني عشر. وإن قال: على
الشيعة، فعلى جميع فرقها ولا تدخل الزيدية الصالحية فيه. وإن قال: على العلوية، فأولاد
على الحسنية والحسينية والعباسية والمحمدية والعمرية. وإن قال: على بني هاشم، فعلى
ولد العباس بن عبد المطلب وأبي طالب والحارث وأبي لهب. وإن قال: على بني فلان، لم تدخل
الإناث فيه. فإن قال: على ولده، دخل الإناث والذكور.
فإن وقفه على ولده وولد ولده يصير عليهما، وقيل: يدخل في الوقف على الولد،
ولد الولد من بنت، أو ابن أبدا، فإن وقف على أبيه لم يدخل جده، وإن قال: على المنتسبين
إلى فلان، فأولاد صلبه دون ولد البنات، فإن وقفه على عترته فهم نسله ورهطه الأدنون،
وإن وقفه على ذريته فهم نسله وإن نزلوا، وإن وقفه على أهل بيته فهم الوالدان وإن علوا
ومن هو عنهما، والولد وإن نزلوا.
والوقف على القوم يختص بالذكور دون الإناث، فإن قال: على جيرانه، فعلى من يلي
داره إلى أربعين ذراعا، وروي: إلى أربعين دارا، والذكر، والأنثى سواء إلا أن يفصل، أو
346

يقول: على كتاب الله، فإن عين صفة أو مذهبنا فعلى من كان بها، فإن خرج منها فاخرج، فإن
عاد أدخل.
وإن شرط في الوقف أن يليه بنفسه جاز، فإن لم يذكر واليا ولاه الحاكم إن كان
الوقف عاما كالوقف على المساجد والجوامع أو الفقراء، وإن كان على معين أولاد هو رشيد
ولى بنفسه وإلا فوليه، فإن عين شخصا يليه ثقة جلدا صح، وإن عين أمينا عاجزا ضم إليه
آخر، وإن عين خائنا بطل تعيينه، وإن وقفه على جماعة منتشرين في البلاد. فلمن حضره،
وإن قدم غيرهم شاركهم، وإن وقف على مولاه فهو لمولاه دون مولى ابنه وإن لم يكن له مولى
سواه كان له وإن ذكر مواليه دخل الفريقان. فإن رتب في الوقف طبقة على طبقة لم
يشتركوا، وإن ذكرهم بواو العطف اشتركوا.
ولا يصح بيع الوقف ولا اخراجه عن وجوهه وسبله التي نص عليها الواقف، فإن
خيف خرابه أو كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة بينهم تجتاح فيها الأنفس جاز
بيعه.
وإن شرط فيه خيارا لنفسه أو غيره بطل، فإن شرط أن يخرج الموقوف عليهم منه
ويدخل غيرهم بطل، فإن شرط أن يفضل بعضهم على بعض إن شاء فكذلك. وإن شرط أن
يدخل في الوقف فيما بعد من يولد له أو من يختاره جاز، فإن وقف عليه من ينعتق عليه لم
ينعتق.
ولا يجوز له وطء الجارية الموقوفة عليه، فإن وطأ لم يحد، فإن حملت فالولد حر ولا
مهر عليه ولا قيمة ولده.
وإن وطأها الواقف فكالأجنبي، ويجوز للموقوف عليه تزويجها والمهر له، وقيل: لا
يجوز لأنه ينقص القيمة، ويخاف من الحبل موتها فبطل حق البطن الثاني، وإن قتل العبد
الموقوف عمدا فللموقوف عليه القصاص والعفو على مال، وإن قتل خطأ فالدية،
وقيل: يختص به. وقيل: يشترى بدله فيكون وقفا، ولو قطعت يده فنصف قيمته له أو
يشترى بها شقص من عبد يكون وقفا.
ويصح وقف المشاع كالهبة والصدقة ويصح قسمته مع صاحب الطلق، ولا يرد
صاحب الطلق، ولا يصح قسمة الوقف بين الموقوف عليهم لأن بها تغيره.
وإن جنى العبد الموقوف عمدا اقتص منه وبطل الوقف إن كان نفسا، وإن جنى خطأ
347

أو شبهه لم يتعلق برقبته لأنه لا يصح بيعه، وقيل: يكون على بيت المال، وقيل: في كسبه،
وقيل: على الواقف، وقيل: على الموقوف عليه، وهو ضعيف.
فإن شرط أن يبيع الوقف متى شاء لم يصح الوقف، ويصح الوقف على الوارث
والأجنبي في المرض إذا أقبضه ويكون من أصل المال فإن أوصى بالوقف صح من الثلث.
ويصح وقف الذمي على أهل دينه وعلى المسلمين وعلى مواضع عبادتهم، وإذا
وقف على الفقراء صرف إلى فقراء أهل دينه، وإذا وقف وقفا عاما جاز له أن ينتفع به
كغيره، وإذا بنى مسجدا وأذن في الصلاة فيه لم يزل ملكه حتى يتلفظ ببعض ألفاظ الوقف،
فإن خرب لم يعد إلى ملكه.
348

باب الهبة والصدقة
والسكنى والعمرى والرقبى والحبس
الهبة والنحلة واحد، وهي: عقد على مال بغير عوض، وشرط صحته الإيجاب
والقبول، وإقباض الموهوب الموهوب له أو وليه كالوصي والأب والجد، فإن وهب ولده
الطفل صحت الهبة لأنه القابض عنه، ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب، فإن قبض بغير
إذنه لم يصح، فإن وهبه ما في يده وأذن له في قبضه ومضى زمان يمكن القبض فيه صحت
الهبة. وقيل: يصح في الحال لأنه قابض وإن لم يأذن.
ويصح هبة المشاع مما ينقسم ومما لا ينقسم كالبيع، ويصح هبة الواحد
لشخصين وبالعكس، فإن قبض أحدهما صح في النصف. ويصح بلفظ الهبة والنحلة وما
في المعنى، ولا تصح هبة المعدوم والحمل ولا ما في ذمة غير الموهوب له، ولا المجهول كشاة
من قطيع، فإن وهبه ما في ذمته صح وكان إبراء ولا يفتقر إلى قبول المبرأ ولا رجوع فيه.
ولا يصح هبة ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء والدهن
في السمسم. ولو وهب للصغير فقبضت أمه أو من يربيه أو قبض هو لم يصح فإن مات
الواهب قبل القبض فهي ميراث لورثته، وإذا وهبه هبة فتلفت في يد الموهوب له واستحقت
فرجع عليه بقيمتها أو مثلها، ولم يرجع على الواهب لأنه متبرع.
وإذا وهبه الأمة والدابة إلا حمليهما صحت الهبة والحمل خارج عنهما، وللواهب
الرجوع في هبته على كراهية وخاصة في هبة أحد الزوجين زوجة إذا كانت عينها قائمة،
وإن كانت تالفة أو تصرف فيها الموهوب له كقصر الثوب وركوب الدابة وتقبيل الجارية
349

فلا رجوع، وإن عوض عنها فلا رجوع له، وإن لم يشترط العوض لم يلزم، وإن شرطه مجهولا
لم يصح، وإن عين له العوض ولم يعوضه إياه فله الرجوع، وإن فعل فبان العوض
مستحقا أو بعضه فكذلك. وإن مات الموهوب له فلا رجوع وملكها وارثه وكذلك الواهب
على ما قيل.
وإن وهب ذا رحم له وأقبضه فلا رجوع أيضا وقد بينا القبض في البيع. وإن وهب
حصته في دار فالقبض التخلية، وإن كان مما ينقل كالعبد لم يجز إقباضه إلا بإذن الشريك،
وإن رضي الشريك أن يسلمه إلى الموهوب له نصفه عن الهبة ونصفه وديعة له، أو رضي
الموهوب له أن يكون الشريك وكيله في القبض جاز، وإن أبيا نصب الحاكم قابضا للكل،
نصفه عن هبة ونصفه عن أمانة للشريك.
ويستحب للمريض أن يسوي بين أولاده في العطية فإن فاضل جاز ولا بأس به إن
كان صحيحا أو موسر أو يرجع في الهبة في الموضع المجوز رجوعه إن كانت بحالها أو
نقصت وبنمائها المتصل كالسمن والصنعة دون المنفصل لأنه في ملك الموهوب له.
ومتى وهب للغاصب المغصوب صحت الهبة بالإذن له في القبض ومضى زمان
يمكن قبضها ويبرأ من الغصب، فإن وهبها غيره لم يصح لأنه لم يقبضه، فإن أذن له في
قبضه وكان أقوى يدا من الغاصب فقبضها منه صحت الهبة.
وتصح هبة الجارية لمستعيرها على الشرطين ولغيره باذنه في القبض ولم يجز
للمستعير الانتفاع بها. ويصح هبة الدار المستأجرة لمستأجرها وغيره إن أمكنه المستأجر
منها ولا تبطل الإجارة. وإذا وهب في مرضه وأقبض صحت الهبة ما كانت إذا برئ، وإن
مات في مرضه صحت من الثلث عند قوم وعند آخرين من أصل المال. وإذا قال: وهبت
له الشئ وأقبضته حكم بصحة إقراره. وإن قال: وهبته له وملكته من غير إقباض، لا
يلزمه إقراره. ولو وهب ذا رحم وأذن له في القبض ثم رجع قبل القبض لم تصح الهبة،
فإن رجع بعده لزمت الهبة فإن باعها بعد القبض لم يصح البيع، وإن باعها قبله صح.
وإذا وهب هبة فاسدة يعتقد صحتها فباعها صح البيع لأنه ملكه، وقيل: لا يصح،
وكذا لو باع ملك أبيه ولم يعلم موته وكان ميتا. ولو قال: إذا جاء زيد فقد رجعت في الهبة، لم
يصح الرجوع، أو: فقد وهبته كذا، لم تصح الهبة، ويجوز أن يتأخر قبول الهبة وقبضها عن
الإيجاب.
350

والشرط في الصدقة: الإيجاب والقبول والقبض بإذن المتصدق. ولا رجوع فيها لأنها
لله تعالى وقد حصل ثوابها. وتصح الصدقة بأي لفظ أنبأ عنها كالهبة ومن غير لفظ،
ويتصرف الفقير فيها.
وإذا جعل سكنى داره أو عقاره لغيره ولم يذكر شيئا فله اخراجه متى شاء وإن
أسكنه حياة نفسه لم يخرج منها حتى يموت مسكنه فإن مات الساكن سكنها وارثه، فإن
أسكنه حياة الساكن فحين يموت الساكن إذا قصد بذلك وجه الله، فإن لم يقصده فله
اخراجه متى شاء. ويجوز أن يبيع الدار مالكها ووارثه بعد موته إذا كان إلى مدة معلومة، ولا
تبطل السكنى بذلك.
والعمرى: أن يقيد ذلك بعمر المالك أو عمر الساكن.
والرقبى: أن يقيد ذلك برقبته أو رقبة الساكن وهما بحكم السكنى.
وإن أحبس فرسا أو عبدا أو جارية في سبيل الله أو خدمة مسجد أو بعيرا في معونة
الحاج أو الزوار أو المجاهدين صرف في ذلك. فإن عجزت الدابة أو دبرت أو مرض العبد
أو الجارية فحين يصح ويقدر. والإنفاق عليها من كسبها، فإن لم يكفها فمن بيت
المال. وقال بعض أصحابنا: لا يؤجر المسكن المسكن، ولا يسكن غيره، ولا معه سوى
أهله وولده، وإذا أحبس على شخص حياته ثم مات المحبس عليه رجع إلى وارث
المحبس وهو معنى حديث أبي جعفر رضي الله عنه. قضى على ع برد الحبيس
وإنفاذ المواريث.
351

كتاب الوصية
يجب الوصية على من عليه حقوق. ويستحب لمن لا حق عليه ببعض
ماله، وينبغي أن يعدها لأنه لا يأمن الفجأة، وليختر لوصيته رجلا عاقلا عدلا قواما، ويجوز
إلى المرأة العاقلة الرشيدة.
ولا يوصى إلى سفيه وفاسق وكافر وعبد ومدبر ومكاتب إلا بإذن السادة، ويوصي
الكافر إلى مثله.
فإن أوصى إلى صبي تولى أمره الحاكم حتى يبلغ رشيدا، فإن أوصى إليه وإلى عاقل
وشرط وقفها إلى بلوغه أنفذ العاقل ما لا بد من إنفاذه كالدين ونفقة الطفل حتى يبلغ
الصبي، فإن مات الصبي أو بلغ سفيها أنفذها العاقل، فإن بلغ رشيدا لم ينقض ما فعله
الوصي إلا أن يكون غير شرط الموصي.
فإن أوصى إلى اثنين وشرط اجتماعهما لم يصح إلا ما اجتمعا عليه، وإن سوغ
الانفراد جاز، وإن أطلق فكالثانية، وقيل: كالأولى. فإن تشاح الوصيان حملا على الاجتماع
وإلا عزلهما، وإن طلب واحد القسمة لم يلزم الآخر إجابته، وإن ظهر منه خيانة عزله الحاكم
وقام بالأمر، وإن ضعف قواه بجلد عدل ولم يعزله، وللوصي الإيصاء إلى غيره لأنه من نظره
إلا أن ينهاه الموصي فيتولى حينئذ الحاكم.
فإن مات ذو الأطفال ولم يوص تولاهم الحاكم، فإن تعذر فبعض صلحاء المؤمنين، فإن
تولاهم غيرهما ضمن المال وإن أنفقه على الطفل. وينفق الوصي بالمعروف فإن زاد ضمن
352

الزياد، ويجوز شراؤه من مال الطفل لمصلحته بثمن مثله فأما بدونه فلا.
وإن بلغ الصبي ورشد سلم إليه ماله، فإن ادعى التسليم ولا بينة أو خالفه في مدة
الانفاق حلف الصبي، وإن خالفه الصبي في قدر الانفاق أو أصله ولا بينة حلف الوصي
للخرج.
وللوصي الفقير أجرة قيامه أو أقل الأمرين من الأمرين من الأجرة والكفاية وله
خلط اليتيم بنفسه وعياله والسماح له أفضل، وعليه قبيح.
وإذا قبل الوصي الوصية أو لم يحضرها وبلغته بعد الموت أو قبله ولم يردها لزمته، فإن
ردها في وجه الموصي صح الرد، ولو ردها في غيبته ولم يبلغها الرد لم يصح. ويستحب الإشهاد
على الوصية، ويثبت الإيصاء إليه عند الحاكم بشاهدين عدلين، فإن كانت بمال تثبت بما
يثبت به المال، وبامرأة واحدة في الربع، وباثنتين في النصف، وبثلاث في الثلاثة
الأرباع، وبأربع في كله.
فإن تعذر المسلم العدل قبل فيها شهادة اثنين كتابيين عدلين في دينهما، فإن لم يجد
فمن المجوسي في سفر أو حضر، وإن أمره أن يتجر بالمال لأطفاله وله نصف الربح
جاز، وإن كان له دين على الميت أخذ من تحت يده، فإن أظهر ذلك افتقر إلى بينة. فإن خالف
الوصي ما أمر به الموصي أو أمره باخراج حق عليه وتمكن من اخراجه ولم يفعل حتى تلف
المال ضمن، فإن لم يتمكن من مستحقه فعزله فتلف بلا تفريط رجع المستحق على الورثة في
ما أخذوه.
وتصح الوصية من البالغ العاقل أو بحكمه وهو الصبي بلغ عشر سنين
لا يضع الشئ إلا في موضعه في المعروف من وجوه البر وصدقته وإعتاقه خاصة، فإن لم يشهد
لوصية الوصي وأمكنه إنفاذها وجب عليه، فإن أظهر ذلك احتاج إلى بينة.
وإذا ترك وارثا كالأخ وعبدين وجارية حاملا فأعتقهما الوارث وولدت فشهدا على
إقرار الميت أن الحمل منه قبلت شهادتهما ورجعا رقين إن لم يذكرا أن الميت أعتقهما، فإن
ذكرا ذلك كره للولد أن يسترقهما لأنهما أثبتا نسبه.
والوصية بالخمس أفضل منهما بالربع وبالربع أفضل منها بالثلث، والغاية
الثلث، فإن أجاز الوارث الزيادة عليه بعد موت الموصي جاز ويكون بناء على فعل الموصي
وقيل: إن لم يكن له وارث جاز، والأصل خلافه، فإن أجازوه حياته فلهم إباؤه بعد
353

موته. وروي ليس لهم. وله الرجوع في الوصية والإيصاء وتغييرها، فإن وصى بشئ فباعه أو
وهبه أو رهنه أو بدار فجعلها عرصة أو حنطة فطحنها بطلت الوصية، أو دبر العبد أو كاتبه أو
أعتقه كذلك.
فإن أوصى بوصايا يمكن العمل بها عمل، وإن لم يخرج من الثلث بدئ بالثلث
ووقف ما زاد على الإجازة. فإن أوصى بعبد لزيد ثم أوصى به لعمرو فعلى الآخر فإن أوصى
بوصايا وأشكل المتقدم أخرج بالقرعة، فإن كان فيها قرض بدئ به وإن أخره، وإن أوصى
في المعاصي كقتل النفس وسلب المال وعمارة البيع والكنائس وبيت النار وكان مسلما
بطلت الوصية والمال للورثة.
ويجوز الوصية للكافر والوارث والقاتل وعبد نفسه ومدبره ومكاتبه وللحمل بأن
يكون مخلوقا في الحال ويسقط حيا، فإن سقط ميتا بطلت. ويستحب الوصية للمحجوب عن
إرثه منه بغيره.
وتصح بحمل الجارية والنخلة وبما تحمل وبثوب من ثيابه ومتاع من متاعه مجهول
وعلى الورثة إعطاء واحد منها. فإن لم يكن له ذلك بطلت، فإن نسب ذلك إلى ماله ابتيع له
ذلك، ولا يصح لما تحمل المرأة والوصية ممن جرح نفسه بما فيه هلاكها، فإن أوصى ثم قتل
نفسه صحت، فإن أوصى ثم قتل أو جرح خطأ مضت وصيته في الثلث من مال ودية، فإن
جرحه غيره ثم وصى وعقله كامل صحت وصيته في ثلث ماله وأرش جرحه.
وتصح الوصية للمكاتب بحسب ما تحرر منه وتبطل في الباقي، فإن كان مشروطا
أو مطلقا لم يؤد شيئا، أو مدبرا لم يصح إلا من سيده. وإن أوصى لأم ولده أعتقت من
الوصية، فإن أعوز فمن نصيب ولدها، فإن أوصى ألا يورث ولده لم يقبل منه.
وروى صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير، قال: سألته عن المخلوع
تبرأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته، لمن ميراثه؟ قال: قال على ع
هو لأقرب الناس إلى أبيه.
ولا يصح الإيصاء على وارث لا يلي عليه الموصي حال حياته كعقلاء أولاده،
والصغير والكبير من غير أولاده كالأخ والعم إلا في الثلث وقضاء الدين. ولا يصح
الإيصاء إلى أجنبي على أطفاله وله أب أو جد إلا في ما ذكرناه.
والوصية بجزء بالسبع، وروي: العشر، وبسهم بالثمن، وبشئ بالسدس، وبالحظ
354

والنصيب، والكثير على رأي الورثة فإن أوصى بثلثه في سبيل الله ففي الحج والجهاد
وشبههما، وإن أوصى في أشياء سماها فنسي الوصي بعضها جعله في وجه البر.
والوصية بالسيف والصندوق والسفينة والجراب وصية بها وبما فيها، وبحلية
السيف وجفنة إلا أن يستثنيهما ويعتبر من الثلث، ويتساوى الأولاد في الوصية إلا أن
يفصل باللفظ أو يقول على كتاب الله.
والوصية للقرابة: لمن هو من قبيل أبيه وأمه ومن نسبه وللجيران والعشيرة والقوم
وأهل بيته وعترته وذريته ولقبيلة معروفة، ومن أب معروف كما ذكرنا في الوقف، فإن أوصى
لمولاه لم يكن لمولى أبيه، فإن أوصى لمولاه ومولى أبيه ولم يخرجا من الثلث بدئ بالأول.
ووصية المسلم والكافر للفقراء يخص فقراء ملتيهما، فإن قسمها القاضي على فقراء
المسلمين والموصي مجوسي أخذ من الصدقة قدرها فيقسم على فقراء المجوس.
فإن أوصى بعتق عبيد سماهم مرتبا ولم يسعهم الثلث بدئ بالأول فالأول إلى
الثلث، وإن لم يترتب أخرج بالقرعة، فإن أوصى بعتق ثلث عبد وله مال غيره أعتق باقيه من
ثلثه، فإن لم يكن له مال غيره أعتق ثلثه وسعى في الباقي للورثة، فإن أوصى بعتق نصيبه من
عبد مشترك قوم وسلم إلى شريكه حقه إن كان ثلثه احتمله وإلا فقدر ما يحتمله.
وإن أوصى بعتق نسمة مؤمنة أعتق من لا يعرف بعداوة، فإن ظهر خلافه أو تغير
رشده أجزأت فإن عينها بثمن فلم يوجد إلا بأكثر منه ترك حتى يوجد، فإن وجد بدونه
اشترى وأعطي الباقي ثم أعتق.
وإذا قال: أعطوا فلانا كذا، فإن شاء أخذه لنفسه أو تصدق به، وإذا أوصى له بشئ
فمات الموصى له كان ذلك لوارثه إلا أن يرجع الموصي، وإن لم يجد له وارثا اجتهد في طلبه
فإن لم يجد تصدق به. فإن قال الموصي: أعطوا زيدا كل سنة دينارا من ثلثي ومات الموصي
فسلم إلى الموصى له ذلك مدة ثم مات فهو لورثته.
وإقرار ذي المرض المخيف وبيعه وهبته وصدقته إذا أقبضها حال حياته لأجنبي
ووارث، وتصرفه المنجز صحيح كزمان الصحة. ولا يقدم دين الصحة عليه ويمضى من
أصل المال كما ينفقه على نفسه في مرضه وما أوصى به من الثلث في صحة أو مرض. وروي: إن
كان المقر مرضيا نفذ إقراره، وإن كان متهما على الورثة كان من الثلث إلا أن يقيم المقر له
بينة باستحقاقه، وفي المرأة تهب صداقها زوجها وليس لها غيره يبرأ من الثلث.
355

وإذا أعتق عبده عند موته عتق ثلثه، وإذا صح من مرضه لزم إقراره وتصرفه بلا
خلاف، وحمى يوم أو يومين والشلل والانفلاج ووجع الضرس والصداع كالصحة في
الحكم.
وإذا قال: لأحد هذين عندي كذا، حكم لذي البينة منهما، فإن لم يكن بينة
فبينهما، رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي ع.
ويجب أن يبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الإرث ومن أقر أن بعض مماليكه
ولده ولم يعينه باسم ولا صفة والإشارة أخرج بالقرعة، وذكرنا حكم نكاح المريض
وطلاقه في النكاح والطلاق وحكم الوصية بالعتق والحج في كتابي العتق والحج.
ومن أعتقل لسانه فكتب أو أومأ بما فهم به غرضه، حكم بحسبه فإن قال له غيره:
أ تقول كذا أو تأمر كذا؟ فأشار برأسه فكذلك مع كمال عقله.
ويجوز للورثة العمل بوصية في كتاب لم يشهد بها وببعضها وتركها، ومن مات وله
دين على غريم ثم سلم إلى كل ذي حق نصيبه، فإن سلم الكل إلى واحد بإذن الباقين
جاز، فإن سلم إليه من دون إذن فحق الباقين باق عليه ورجع هو على القابض بما زاد على
حقه. ومن خلف نفقة لعياله لمدة ومات قبل مضيها فباقيها ميراث.
وروى الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير قال: سئل
أبو عبد الله عن رجل كان عنده مضاربة أو وديعة أو أموال أيتام، وبضائع وعليه سلف لقوم
فهلك فترك ألف درهم أو أكثر من ذلك والذي عليه للناس أكثر مما ترك، فقال: يقسم لهؤلاء
الذين ذكرت كلهم على قدر حصص أموالهم.
وبالإسناد سأله عن رجل معه مال مضاربة فمات وعليه دين فأوصى أن هذا الدين
الذي ترك لأهل المضاربة، أ يجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كان مصدقا.
ومن عليه حجة الاسلام وأوصى بها وعليه زكاة واجبة فمات وخلف مالا يفي
بالزكاة حج عنه من أقرب المواضع والباقي في الزكاة. ومن أوصى للكعبة بشئ قسم على
زوار البيت ممن انقطع به لذهاب نفقته أو هلاك راحلته أو عجز عن الرجوع إلى أهله. ومن
أوصى بشئ لأعمامه وأخواله فلأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث على الرواية. ومن أوصى بشئ في
الحج يسير يمكن الحج به من مكة حج به فإن تصدق به ضمنه وإن لم يمكن تصدق به. وإن
أوصى لزيد وأولاد جعفر بدينار، كان بينه وبينهم نصفين.
356

وتملك الوصية بموت الموصي ولا حكم للرد والقبول في حياته لأنه ليس بزمان
ملك، فإن ردها في حياته فله أخذها بعد وفاته وإن ردها بعد وفاته كانت ميراثا، فإن قبلها ثم
ردها كانت هبة تملك بالقبض.
وإذا أوصى لزيد بنصيب ابنه كانت باطلة، فإن أوصى له بمثل نصيب ابنه كان له
النصف إن أجازه وإلا فالثلث، وإن أوصى له بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث وقد
صيره كولد آخر، فإن أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله نصيب أقلهم سهما، فإن أوصى
له بمثل نصيب أعظمهم سهما جاز، فإن زاد على الثلث وقف الزائد على الإجازة، فإن أوصى
بمال ولم يكن له مال ثم كسب بعد ذلك ومات نفذت فيه الوصية. فإن قال: ثلثي بين زيد
وعمرو وكان أحدهما ميتا فالنصف للحي.
فإن أوصى له بألف معينة وباقي مال الموصي دين أعطي من الألف ثلثها، وكل
ما حصل من الدين شئ أخذ منها بحساب الثلث.
فإن أوصى له بثلث ماله مشاعا أخذ ثلث الموجود، وإذا حصل غيره أخذ ثلثه، فإن
كانت له بنت فأوصى لأجنبي بمثل نصيبها فالمال بينهما نصفان إن أجازت فإن لم تجز فله
الثلث ولها الثلثان. فإن أوصى لشخص بكل ماله ولآخر بثلثه فإن أجاز الوارث الكل
أخذه، وإن لم يجزه أخذ الثلث وسقط الآخر.
فإن أوصى لشخص بثلث ماله ولشخص بنصفه ولآخر بربعه ولم يجيزوا فللأول
الثلث وسقط من بعده فإن أجازوا فللأول الثلث وللثاني النصف وللثالث السدس، وقال
المخالف: تعول من اثني عشر إلى ثلاثة عشر. فإن أوصى لشخص بمثل نصيب ولده الذكر
مع بنته ولم يجيزا صحت من تسعة للبنت سهمان وللابن أربعة وللموصى له ثلاثة. فإن أجازوا
فمن خمسة: للبنت سهم وأربعة بينهما، فإن أجاز الابن صحت من خمسة وأربعين: للموصى
له سبعة عشر وللابن ثمانية عشر وللبنت عشرة، وإن أجازت البنت فلها تسعة وللابن
عشرون والباقي للموصى له.
وتصح الوصية بخدمة عبده وثمرة شجرته وسكنى داره مدة معلومة
ومجهولة، فالمعلومة: كأن يوصي بذلك عشر سنين، فيقوم المنفعة في المدة تحسب من الثلث
لإمكان تقويمها ويعود الملك إلى الورثة بعد انقضائها لأنه غير مسلوب المنفعة لأن المنفعة تعود
إليه بعد انقضاء المدة والمجهولة: كأن يوصي بذلك أبدا فيقوم الملك بمنفعته على الموصي
357

لتعذر تقويم المنفعة المؤبدة وحدها لجهالتها، فإن خرج الملك من الثلث أو دونه لزمت
الوصية في منفعته، فإن لم يخرج من الثلث لزمت في منفعته ما يخرج منه، والملك بلا منفعة
لا قيمة له إذ المقصود من الملك المنفعة.
358

باب الإقرار
إقرار العاقل غير المحجور عليه صحيح عدلا وفاسقا مريضا وصحيحا لأجنبي
ووارث ودين الصحة كدين المرض. ولا يصح إقرار الصبي والنائم والمجنون والمكره
والسكران. ولا يصح إقرار المحجور عليه لسفه بالمال، ويصح في الطلاق والحد
والقصاص، ويصح إقرار المحجور عليه لفلس بالحد والقصاص، فإن أقر بالمال قيل:
لا يجوز في الحال، وقيل: يجوز.
ولا يجوز إقرار العبد بحد ولا قصاص ولا مال ويجوز بالطلاق ويتبع بالمال بعد
العتق ويقبل إقرار المولى عليه بجناية الخطأ ولا يقبل في الحد والطلاق والقصاص: فإن
أقر لعبد بمال فلمولاه، ولو أقر لبهيمة بطل.
ويصح الإقرار للحمل مطلقا ومعزوا إلى إرث أو وصية، فإن سقط ميتا بطل، وإن
ألقته حيا ثم مات ورث ذلك وارثه، وإن ألقت حيا وميتا فللحي. فإن أقر ثم ادعى إنه كان
غير بالغ ولا بينة للمدعي فعلى المقر له اليمين.
ويصح الإقرار بالعربية من الأعجمي وبالعكس، فإن ادعيا إنهما لم يعرفا قبل منهما
مع اليمين. وإذا أقر لآدمي بحق ثم رجع لم يقبل رجوعه، وإن أقر بحد فيه القتل ثم رجع
قبل، وإن أقر لآدمي بحق فكذبه ترك ذلك في يده. وإن قال عقيب الدعوى: أنا مقر بما
يدعيه، أو: لا أنكر ما يدعيه، لزمه. وإن قال: أنا مقر أو: أنا أقر بما يدعيه، لم يلزمه.
وإن قال: له على درهم إن شاء الله أو شئت أو شاء زيد أو إذا دخل الشهر أو على
359

الدرهم إذا دخل الشهر، لم يلزمه. فإن أقر له بشئ وفسره بما يتمول في العادة قبل منه، وإن
فسره بما لا يتمول في العادة كقشر جوزة أو بخمر أو خنزير لم يقبل، وإن فسره بحق شفعة
أو حد قذف قبل. وإن أقر بمال عظيم وجليل وخطير، فسره بما قل أو كثر فإن أقر له بدرهم اليوم
ثم أقر له بدرهم غدا لم يتكرر، فإن عزا كل درهم إلى سبب لزمه درهمان. فإن قال: له على
درهم فدرهم أو ثم درهم أو درهم، لزمه درهمان.
وإن قال: درهم قبل درهم أو بعده، فدرهمان، فإن قال: درهم تحت درهم أو
فوقه، فواحد. فإن قال: درهم في عشرة، فدرهم إلا أن يريد الحساب. فإن قال: درهم أو
دينار، فأحدهما ويكلف التعيين. فإن قال: له عندي عسل في ظرف، لم يلزمه الظرف. فإن
قال: عبد عليه ثوب، فالثوب لصاحب العبد. فإن قال: بهيمة عليها جل، لم يدخل الجل في
الإقرار.
فإن قال: له درهم بل دينار، أخذ بهما. فإن قال: درهم لا بل درهمان، فدرهمان، فإن
أشار إلى الثلاثة لزمته. فإن قال له على ألف من ثمن خمر أو ألف قضيتها، لزمه ذلك. فإن
قال: ألف مؤجلة إلى سنة، لزمه مؤجلا، وقيل: يلزمه حالا لأن التأجيل دعوى لا صفة. فإن
قال: له ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، لم يلزمه حتى يقبضه.
وإطلاق إقراره بالدرهم يرجع إلى دراهم البلد الذي أقر فيه فإن اختلف فغالبها
وإن تساوت كلف تفسيرها. فإن قال: إن شهد على شاهدان له بألف فهما صادقان، لزمه في
الحال. فإن قال: إن شهد شاهدان فعلى ألف، لم يلزمه في الحال. فإن قال: له كذا درهم، بالرفع
فدرهم، وبالخفض دونه، وقيل: درهم، وقيل مائة، وإن نصبه فدرهم، وإن قال: كذا كذا درهما
فدرهم، أو: كذا وكذا درهما، فدرهمان، وقال بعض الفقهاء: إذا قال: كذا درهما، فعشرون، وإن
قال: كذا كذا، فأحد عشر، وإن قال: كذا وكذا، فأحد وعشرون. والصحيح الرجوع في ذلك
إلى تفسير المقر.
وإن قال: مال كثير، فإلى تفسيره. وإن قال: له على عشرة إلا درهمين إلا
درهما، فالأول نفي والثاني إثبات وعلى هذا قوله تعالى: إلا آل لوط، ثم قال: إلا امرأته. وإن كرر
الاستثناء بالواو فالكل حط.
وإن قال: له على عشرة إلا عشرة فعليه عشرة. وإن قال: له ألف إلا ثوبا وقيمته
دون الألف قبل منه، وقيل: لا يصح الاستثناء فإن قال: له على ألف ودرهم، فسر الألف. فإن
360

قال: ألف وخمسون درهما، فالكل دراهم. فإن قال: له على ألف في ذمتي، ثم فسرها بوديعة
عنده لم يقبل منه لأن " على " للإيجاب و " عنده " للأمانة. فإن قال: هذه داري لزيد، لم يصح
فإن أقر لزيد بمال ثم قال: بل لعمرو، أو باع ملكا أقر به لغيره فعليه الغرم للثاني.
ويجوز استثناء أكثر المائة وأقلها يقول: له على مائة إلا تسعين، ومائة إلا واحدا. وإن
قال: كان له على درهم، لم يكن إقرارا لأنه لو قال عند الحاكم: كان له عليه درهم، لم تسمع
الدعوى، وقيل: يكون إقرارا. ولو قال لغيره: لي عليك ألف درهم، فقال: نعم، كان مقرا بها.
ولو قال: أ ليس لي عليك ألف درهم؟ فقال: نعم، لم يكن مقرا، ولو قال: بلى، لكان
مقرا. ولو قال: أنا قاتل زيد غدا، أو قاتل زيدا، بالنصب لم يكن مقرا بالقتل. وإن ادعي
على صبي البلوغ فأنكر لم يحلف، فإن بلغ حدا يمكن بلوغه فادعى البلوغ قبل منه، فإن لم
يبلغه لم يقبل منه.
فإن أقر للحمل وولد لدون ستة أشهر مذ وقت إقراره صح الإقرار، وإن ولد لأكثر
من سنة لم يصح، وإن ولد لأكثر من ستة أشهر ودون تسعة أشهر ولها زوج أو مولى لم يصح
الإقرار لعدم تيقن وجوده حالة الإقرار، وإن لم يكن لها زوج ولا مولى صح. ويصح الإقرار
بالحمل.
فإن قال: له على مائة إلا درهمين، فثمانية وتسعون، وإن رفعهما فمائة.
فإن قال: ماله عشرة إلا درهما بالنصب لم يكن مقرا، وإن رفعه فقد أقر بدرهم. ولا فرق
بين قوله: هذه الدار له إلا هذا البيت، وبين قوله: هي له ولي هذا البيت منها، وإنما يكون
للاستثناء حكم إذا كان متصلا بالمستثنى منه، أو في حكم المتصل وإن أقر له بمال أكثر
من مال زيد فعليه مثل ماله وتفسير الزيادة. فإن أقر له بدراهم لزمه ثلاثة.
فإن قال: له على ما بين الدرهم والعشرة، لزمه ثمانية، فإن قال: من درهم إلى
عشرة، لزمه تسعة وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية، وإن قال: عشرة بل تسعة، لزمه عشرة.
وإذا أقر بدين للميت وأن هذا الطفل ولده وهذا وصيه لم يلزمه تسليمه إلى الوصي لأنه لا
يأمن أن يبلغ فيجحد الوصية ولا بينة له.
وإن شهد أن هذا العبد حر فردت شهادته ثم اشتراه تحرر، ولو قال: هذه أختي ثم
تزوجها حكمنا بفساد نكاحه. وإذا أقر اللقيط بعد بلوغه أنه عبد لفلان صح، وإن ادعى
عليه بحق فقال: أبرئه أو أجله على أو قضيته إياه، فهو إقرار به.
361

فإن أقر له بالبيت إلا بناه، فله العرصة والبناء لدخوله في إقراره بالمعنى والاستثناء
يصح في الملفوظ.
فصل: إذا أقر على نفسه بنسب كأن يقر بابن له وكان صغيرا أو كبيرا مجنونا أو ميتا وكان
بحيث يمكن أن يكون ولده والابن مجهول النسب وتفرد بدعوته ثبت نسبه.
فإن لم يمكن كونه ولده بأن يكون للمقر ست عشرة سنة وللمقر به عشر سنين، أو
كان نسبه معلوما أو نازعه فيه غيره لم يثبت نسبه ويحتاج عند منازعة غيره إلى بينة فإذا كبر
الولد فأنكر أو جحده المقر بعد إقراره به لم يقبل منهما ولا يقال أنه متهم في استلحاقه بعد
موته للإرث لأن ذلك قد يكون في الحياة إذا كان الولد موسرا بالمال ولا يضر.
وإن كان الولد كبيرا عاقلا اعتبر مع هذه الشروط تصديقه وكذلك لو أقر بوالد أو
والدة وإقراره في جميع ما ذكرناه في صحته ومرضه سواء، فإن أقر على غيره بنسب كأن
يقول: هذا أخي فعلى الشرائط المذكورة فإن مات فأقر وارثه بوارث مثله، فإن كان المقر
بذلك ذكرين عدلين ثبت نسبه وإن أنكر باقي الورثة، وإن كان المقر واحدا أو اثنين فاسقين
لم يثبت نسبه وقاسمه الواحد على نصف ما في يده والاثنان على الثلث. فإن صدقهما أو
صدق الواحد توارثا وتعدى إلى أولادهما خاصة، فأما غيرهما من ذوي النسب فلا يثبت
ميراثهما منه إلا بإقرار منهم أو تصديق.
فإن خلف أخا فأقر بابن للميت لم يثبت نسبه وأعطاه المال لإقراره له
باستحقاقه. فإن خلف زوجة وأخا فأقرت الزوجة بابن للميت وحصل في يده الربع
أخذت حقها الثمن وأعطته الباقي. وإن خلف أخا فأقر بأخ، ثم أقرا - وهما عدلان -
بثالث ثبت نسبه، ثم أنكر الثالث المقر به سقط نسبه كان المال بين الأول والثالث وقاسم
الأول الثاني على ثلث ما في يده. فإن خلف ثلاثة بنين فأقر اثنان عدلان بأخ ثبت نسبه وإن
أنكره الثالث، وإن لم يكونا عدلين قاسماه على قدر حصته.
فإن خلف أخوين كافرا ومسلما أو قاتلا وغير قاتل فإن أقر القاتل أو الكافر بأخ لم
يقبل منه لأنه ليس بوارث. فإن خلف اثنين عاقلا ومجنونا فأقر العاقل بأخ ومات الأخ على
جنونه فورثه العاقل جميع ماله قاسم عليه من كان أقر به.
وإذا قال لمن هو أكبر منه: أنت ابني، وهو مملوكه لم يعتق عليه لأنه يعلم كذبه في
362

الدعوى. فإن أقرت المرأة بولد وصدقها الزوج أو شهدت القابلة بولادته فلحق بالفراش
صح، فإن لم يكن لها زوج أو كان وأكذبها لحق بها خاصة ويقبل إقرارها بالزوج والوالدين
والمولى. فإن أقر الولد بزوجة للميت أعطاها ثمن ما في يده، فإن أقر بأربع فالثمن بينهن،
فإذا أقر لولد بزوج لأمه أعطاه الربع.
والأمة إذا أقر مولاها بوطئها فهي فراش يلحق به ولدها، وإذا أقر أن أحد ولدي
هاتين الأمتين ولدي وليس لهما زوجان - فإنه إن كان لهما زوجان لم يلحقا إلا بالزوجين مع
الإمكان - ولا يكون السيد أقر بوطئهما فكان يجب إلحاقهما به - صح ويكلف التعيين، فإن لم
يعين حتى مات فإنه يقرع بينهما، والأمة التي عين ولدها أو خرجت عليه القرعة بعد موته يحكم
بأنها أم ولده استولدها في ملكه، أو في نكاح لأن الولد يتبع الحر من أبويه أو في وطئ شبهة
ويعتق من نصيب الولد، فإن عين فادعت عليه الأخرى أنها هي هي حلف لها.
فإن مات انسان فادعى شخص أنه وارثه وأقام بينة لم يسمع حتى يبين أي وارث
هو وإنهما لا يعلمان له وارثا سواه ويكونا من أهل الخبرة الباطنة به.
ولا يجوز أن يكلفا أن يشهدا قطعا أن لا وارث له سواه، فإن شهدا بذلك فقد كذبا،
فإذا شهدا بما ذكرنا فإن كان الوارث ممن لا يحجب عن الإرث كالزوجين أعطي الزوج
الربع والزوجة ربع الثمن، فإن كان ممن لا فرض له كالابن، أو ممن يجوز أن يكون وارثا
وغير وارث كالأخ بحث الحاكم عن الحال وسأل، فإذا لم يظهر شئ، أعطي الابن أو الأخ
المال كله وكفل بهما احتياطا. وإذا تزوج العبد بإذن سيده وضمن المهر للزوجة ثم باعها
السيد العبد بالمهر قبل الدخول فالبيع باطل، لأنه لو صح لملكه فانفسخ النكاح فلزم من
انفساخه قبل الدخول بها من جهتها بطلان مهرها فعرى البيع عن ثمن فبطل.
363

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
365

كتاب الوقوف والعطايا
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: الوقف: وفيه فصول:
الفصل الأول في أركانه: وهي ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الصيغة:
الوقف عقد يفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ولفظه الصريح: وقفت وحبست
وسبلت على رأي وغيره حرمت وتصدقت وأبدت، فإن قرن إحدى هذه الثلاثة بإحدى
الثلاثة السابقة أو بما يدل على المعنى مثل: أن لا يباع ولا يوهب ولا يورث أو صدقة مؤبدة أو
محرمة أو بالنية، فصار كالصريح وإلا لم يحمل على الوقف ويدين بنيته لو ادعاه أو ادعى
ضده ويحكم عليه بظاهر إقراره بقصده.
أما الموقوف عليه فيشترط قبضه في صحة الوقف فلو رده بطل ولو سكت ففي
اشتراط قبوله إشكال أقربه ذلك وكذا الولي، أما البطن الثاني فلا يشترط قبوله ولا يرتد عنه برده
بل برد الأول، ولو كان الوقف على المصالح لم يشترط
القبول نعم يشترط القبض ويشترط أهلية الواقف للتصرف، ولا يحصل الوقف بالفعل كبناء مسجد وإن أذن في الصلاة فيه
أو صلى فيه ما لم يقل: جعلته مسجدا.
وإذا تم الوقف بالإقباض كان لازما لا يقبل الفسخ وإن تراضيا، ويشترط تنجيزه
ودوامه وإخراجه عن نفسه ونية التقرب، فلو علقه بصفة أو شرط أو قرنه بمدة لم يقع، ولو
وقفه على من ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف كما لو وقف على أولاده واقتصر أو ساقه إلى
بطون تنقرض غالبا فالأقرب أنه حبس يرجع إليه أو إلى ورثته بعد انقراضهم، ولو أبد على
367

أحد التقديرين دون الآخر مثل أن يقف على أولاده وعقبهم ما تعاقبوا، فإن انقرض العقب
ولا عقب له فعلى الفقراء وإن انقرض الأولاد ولا عقب لهم فعلى إخوته واقتصر كان حبسا
على التقدير الثاني وفي الأول إشكال ولو وقف على من سيولد له ثم على المساكين أو على
عبده ثم على المساكين فهو منقطع الأول فيحتمل الصحة كمنقطع الآخر والبطلان إذ
لا مقر له في الحال.
والقبض شرط في صحته، فلو وقف ولم يسلم الوقف ثم مات كان ميراثا، ولو وقف
على أولاده الأصاغر كان قبضه قبضا عنهم وكذا الجد والوصي، وفي اشتراط فوريته إشكال
وإنما يشترط القبض في البطن الأول، ولو كان الوقف على الفقراء فلا بد من نصب قيم
يقبض الوقف، ولو كان على مصلحة تولى القبض الناظر فيها، ولو وقف مسجدا أو
مقبرة لزم إذا صلى فيه واحد أو دفن صلاة صحيحة للإقباض والأقرب أن قبض الحاكم
كذلك، ولو وقف على نفسه بطل، ولو وقف على نفسه ثم على غيره فهو منقطع الأول، ولو
عطف بالواو فالأقرب اختصاص الغير بالنصف وبطلان النصف في حقه، ولو شرط
قضاء ديونه أو إدرار مؤنه أو الانتفاع به بطل الوقف بخلاف ما لو وقف على الفقهاء وهو
منهم أو على الفقراء فصار فقيرا فإنه يشارك، ولو شرط عوده إليه عند الحاجة صح الشرط
وصار حبسا وبطل وقفا بل يرجع إليه مع الحاجة ويورث، ولو شرط الخيار في الرجوع عنه
بطل الشرط والوقف.
ويجب اتباع كل شرط لا ينافي مقتضى العقد، ولو شرط اخراج من يريده بطل، ولو
شرط إدخال من يولد أو من يريد مع الموقوف عليهم جاز سواء كان الوقف على أولاده، أو
غيرهم، ولو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد بطل على إشكال وكذا الإشكال
لو قال: على أولادي سنة ثم على الفقراء.
ولو وقف على أصاغر أولاده لم يجز له أن يشاركهم غيرهم مع الإطلاق على رأي،
ويجوز أن يشرط النظر لنفسه وللموقوف عليه ولأجنبي فإن لم يعين كان إلى الموقوف عليه إن
قلنا بالانتقال إليه، ولو شرط بيعه متى شاء أو هبته أو الرجوع فيه بطل الوقف، ولو شرط
أكل أهله منه صح الشرط.
368

المطلب الثاني: في المتعاقدين:
أما الواقف فيشترط فيه: البلوغ والعقل وجواز التصرف. فلا يصح وقف
الصبي وإن بلغ عشرا ولا المجنون ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ولا المكره
ولا الفضولي، ويصح وقوعه من المالك ووكيله، ولو وقف في مرض الموت خرج من الثلث
مع عدم الإجازة وكذا لو جمع بينه وبين غيره ويبدأ بالأول فالأول، ولو قال: هو وقف بعد موتى،
احتمل البطلان لأنه تعليق والحكم يصرفه إلى الوصية بالوقف.
وأما الموقوف عليه فيشترط فيه أمور أربعة: الوجود والتعيين وصحة التملك وتسويغ
الوقف عليه. فلو وقف على المعدوم ابتداء أو على الحمل كذلك لم يصح ولو وقف عليهما تبعا
للموجود صح، ولو وقف على أحد الشخصين أو إحدى القبيلتين أو على رجل غير معين أو
امرأة بطل. ولو وقف على قبيلة عظيمة كقريش وبني تميم صح.
ولو قال: وقفت أو هذه صدقة موقوفة ولم يذكر المصرف بطل، ولو وقف على
المسلمين فهو لمن صلى إلى القبلة ويحرم الخوارج والغلاة، ولو وقف على المؤمنين فهو للاثني
عشرية وقيل: لمجتنبي الكبائر، والشيعة: كل من قدم عليا ع كالإمامية والجارودية
من الزيدية والكيسانية وغيرهم، والزيدية: كل من قال بإمامة زيد بن علي، والهاشميون:
كل من انتسب إلى هاشم من ولد أبي طالب والحارث والعباس وأبي لهب، والطالبيون: من
ولده أبو طالب.
وإذا وقف على قبيلة أو علق بالنسبة إلى أب دخل فيهم الذكور والإناث بالسوية إلا
أن يعين أو يفضل ويندرج فيهم كل من انتسب بالأب دون الأم خاصة، كالعلوية فإنه يندرج
تحته كل من انتسب إلى على ع من جهة الأب ولا يعطي من انتسب إليه بالأم
خاصة على رأي، ولو وقف على من اتصف بصفة أو دان بمقالة اشترك فيه كل من يصدق
عليه النسبة كالشافعية يندرج فيهم كل من اعتقد مذهب الشافعي من الذكور والإناث،
ولو وقف على الجيران فهو لكل من يصدق عليه عرفا أنه جار، وقيل: لمن يلي داره أربعين
ذراعا من كل جانب، وقيل: أربعين دارا.
369

ولو وقف على من لا يملك بطل كالمملوك القن ولا ينصرف الوقف إلى مولاه
ولا على أم الولد ولا المدبر ولا الميت ولا على الملك والجن ولا المكاتب ولو عتق بعضه صح فيما
قابل الحرية.
ولو وقف على المصالح كالقناطر والمساجد والمشاهد صح لأنه في الحقيقة وقف على
المسلمين لكن هو صرف إلى بعض مصالحهم بخلاف الوقف على البيع فإنه لا ينصرف
إلى مصالح أهل الذمة، ولو وقف على البيع والكنائس أو معونة الزناة وقطاع الطريق أو
على كتبة التوراة والإنجيل لم يصح ويصح من الكافر، وفي وقفه على الذمي خلاف
والأقرب المنع في الحربي والصحة في المرتد عن غير فطرة، ويصح على الفاسق والغني.
ولو وقف على أقاربه اشترك الذكور والإناث بالسوية والأقرب والأبعد ويحمل على
من يعرف بأنه قرابة له، ولو شرط الترتيب أو التفضيل أو الاختصاص لزم، ولو وقف على
أخواله وأعمامه تساووا ولو وقف على أقرب الناس إليه ترتبوا كالميراث لكن يتساوون في
الاستحقاق إلا أن يفضل.
ولو وقف في وجوه البر وأطلق فهو للفقراء والمساكين وكل مصلحة يتقرب بها إلى
الله تعالى ويصرف الوقف على المنتشرين إلى من يوجد منهم، ولو وقف المسلم على
الفقراء اختص بفقراء المسلمين ولو وقف الكافر اختص بفقراء نحلته، ولو وقف على
مصلحة فبطل رسمها صرف في وجوه البر.
المطلب الثالث: الموقوف:
وشروطه أربعة: أن يكون عينا مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها ويمكن
إقباضها.
فلا يصح وقف الدين، ولا المطلق كفرس غير معين وعبد في الذمة أو ملك مطلق،
ولا ما لا يصح تملكه كالخنزير نعم لو وقفه الكافر على مثله فالأقرب الصحة، ولا الحر
نفسه، ولا ما لا يملكه الواقف كملك الغير وإن أجاز المالك فالأقرب اللزوم، ولا المستأجر،
370

ولا الموصي بخدمته، ولا وقف الطعام واللحم والشمع وفي الدراهم والدنانير إشكال،
ولا وقف الآبق لتعذر تسليمه.
ويصح وقف المشاع ومن ينعتق على الموقوف عليه فيبقي وقفا وقبضه كقبض
البيع، ويصح وقف كل ما ينتفع به منفعة محللة مع بقائه كالعقار والثياب والأثاث والآلات
المباحة والحلي والسلاح والكلب المملوك والسنور والشجر والشاة والأمة والعبد دون
المستولدة ولو جعل علو داره مسجدا دون السفل أو بالعكس أو جعل وسط داره ولم يذكر
الاستطراق جاز.
الفصل الثاني: في الأحكام:
الوقف إذا تم زال ملك الواقف عنه، ثم إن كان مسجدا فهو فك ملك كالتحرير،
وإن كان على معين فالأقرب أنه يملكه، وإن كان على جهة عامة فالأقرب أن الملك لله تعالى،
ولو وقف الشريك حصته ثم أعتقها لم يصح العتق وكذا لو أعتقها الموقوف عليه ولو
أعتق الآخر لم يقوم عليه الوقف.
ويملك الموقوف عليه المنافع المتجددة ملكا تاما كالصوف واللبن والنتاج وعوض
البضع وأجرة الدابة والدار والعبد، ولو شرط دخول النتاج في الوقف فهو وقف ويملك
الموقوف عليه الصوف واللبن الموجودين وقت الوقف ما لم يستثنه.
ولا يصح بيع الوقف ولا هبته ولا نقله ولو خربت الدار لم يخرج العرصة عن الوقف
ولم يجز بيعها، ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه، ولو لم يقع
خلف ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه أيضا على رأي، ولو انقلعت نخلة
قيل: جاز بيعها، والأولى المنع مع تحقق المنفعة بالإجارة للتسقيف وشبهه، ولو شرط بيعه عند
التضرر به كزيادة خراج وشبهه وشراء غيره بثمنه أو عند خرابه وعطلته أو خروجه عن
حد الانتفاع أو قلة نفعه ففي صحة الشرط إشكال، ومع البطلان ففي إبطال الوقف نظر.
ونفقة المملوك على الموقوف عليهم وإن كان ذا كسب على رأي، ولو أقعد أو عمي
371

أو جذم عتق وسقطت النفقة، ولو قتل قصاصا بطل الوقف، ولو قطع فالباقي وقف، ولو
أوجبت مالا تعلق بكسبه إن قلنا بعدم الانتقال، وكذا إن كان على المساكين أو على المعسر
وإلا فعلى الموقوف عليه لتعذر بيعه على إشكال ينشأ من أن المولى لا يعقل عبدا والأقرب
الكسب وليس للمجني عليه استرقاقه في العمد على إشكال، ولو جنى عليه بما يوجب المال
احتمل اختصاص الموجودين به فلهم العفو وشراء عبد أو شقص عبد بها يكون وقفا
سواء أوجبت أرشا أو دية فليس للموجودين العفو حينئذ، ولو جنى عليه عبد بما يوجب
القصاص فإن اقتص الموقوف عليه استوفى وإن عفا فهل لمن بعده من البطون
الاستيفاء؟ الأقرب ذلك إن لم يكن نفسا، ولو استرق الجاني أو بعضه فهل يختص به
أو يكون وقفا؟ إشكال، ولو اتفق هو ومولاه على الفداء فهل يختص به أو يشترى به عبد
يكون وقفا؟ إشكال.
ولو وقف مسجدا فخرب وخربت القرية أو المحلة لم يجز بيعه ولم يعد إلى الواقف،
ولو أخذ السيل ميتا فالكفن للورثة، ولو مات البطن الأول قبل انقضاء مدة الإجارة فالأقرب
البطلان هنا ويرجع المستأجر على ورثة الموتى بما قابل مع الدفع.
ولا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة فإن فعل فلا مهر ولو ولدت فهو حر ولا قيمة عليه
وفي صيرورتها أم ولد إشكال ومعه تنعتق بموته وتؤخذ من تركته قيمتها لمن يليه من البطون
على إشكال.
ويجوز تزويج الموقوفة ومهرها للموجودين وكذا ولدها إن كان من مملوك أو زنا
ويختص به الموجودون وقت الولادة على رأي، ولو كان من حر بوطئ صحيح فالولد حر
إلا مع شرط الرقية، ولو كان بشبهة فالولد حر وعليه قيمته للموقوف عليهم ولو وطئها
الواقف فكالأجنبي.
الفصل الثالث: في اللواحق:
لو وقف مسجدا على قوم بأعيانهم كالفقهاء فالأقرب عدم التخصيص بخلاف
372

المدرسة والرباط والمقبرة، ولو وقف في سبيل الله انصرف إلى ما يتقرب به إلى الله تعالى
كالجهاد والحج والعمرة وبناء القناطر وعمارة المساجد وكذا لو قال: في سبيل الله وسبيل
الخير وسبيل الثواب، ولا يجب القسمة أثلاثا.
وإذا وقف على أولاده اشترك البنون والبنات والخناثى ولا يدخل الحفدة على رأي
إلا مع قرينة الإرادة مثل أن يقول: والأعلى يفضل على الأسفل، أو قال الأعلى فالأعلى، أو لو
قال: وقفت على أولاد فلان، وليس له ولد الصلب كما لو قال: وقفت على أولاد هاشم.
ولو قال: على أولادي وأولاد أولادي، اختص بالبطنين الأولين على رأي. ولو قال:
على أولاد أولادي، اشترك أولاد البنين وأولاد البنات بالسوية. ولو قال: على من انتسب
إلى، لم يدخل أولاد البنات على رأي ولا يدخل تحت الولد الجنين إلا بعد انفصاله حيا
ولا يدخل الخناثى تحت البنين والبنات إلا مع الجمع.
ولو قال: على ذريتي أو عقبي أو نسلي، دخل أحفاد من أولاد البنين والبنات. ولو
قال: على أولادي وأولاد أولادي، فهو التشريك ولا يختص الأقرب إلا بالشرط ولو عطف
بثم أو بالفاء اقتضى الترتيب وكذا لو قال: الأعلى فالأعلى، ولا يستحق البطن الثاني شيئا
حتى ينقرض البطن الأول أجمع فلو بقي ولو واحدا كان الجميع له.
ولو قال: وقفت على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا على أن من مات منهم عن ولد
فلولده نصيبه، اقتضى الترتيب بين الأدنى ووالده والتشريك بين الولد وعمه ولو رتب
البعض وشرك البعض شرك في من شرك بينهم ورتب في من رتب كقوله: وقفت على
أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا. أو: وقفت على أولادي وأولاد
أولادي ثم على أولادهم ما تعاقبوا الأعلى فالأعلى.
ولو قال: وقفت على أولادي الثلاثة ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وعن
غير ولد فنصيبه لأهل الوقف، فلو خلف أحدهم ولدين فنصيبه لهما، فلو مات الثاني عن
غير ولد فنصيبه بين الثالث والوالدين أثلاثا، ثم إن مات أحد الولدين عن غير ولد
فنصيبه لأخيه وعمه، ولو مات أحد الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابني أخ له فنصيبه
لأخويه خاصة، فإن مات أبوهما صار نصيبه لهما وصار ما خلفه الأول أثلاثا.
373

ولو قال: وقفت على أولادي على أن يكون للبنات ألف والباقي للذكور، لم يستحق
الذكور شيئا حتى يستوفي البنات ولو شرط اخراج بعضهم بصفة أورده بها جاز كقوله: من
تزوج منهن فلا نصيب له، فلو تزوجت سقط نصيبها فإن طلقت عاد وإن كان رجعيا على
إشكال.
وإذا وقفت على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره، ولو غاب أحدهم لم
يجب التربص بسهمه بل تجوز قسمته على غيره والأقرب أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من
ثلاثة، وكذا على كل قبيلة منتشرة أما المنحصرة فيجب التسوية والاستيعاب فيهم،
ولو أمكن في ابتداء الوقف استيعابهم ثم انتشروا فالأقرب وجوب التعميم في من يمكن
والتسوية لأن الواقف أراد التسوية والتعميم لإمكانه، فإذا تعذر بعد ذلك وجب العمل
بما أمكن بخلاف المنتشرين ابتداء.
ولو وقف على مستحق الزكاة فرق في الثمانية وأعطوا كما يعطون هناك، فيعطى
الفقير والمسكين ما يتم به غناه، والغارم قدر الدين، والمكاتب ما يؤدى به الكتابة، وابن
السبيل ما يبلغه، والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كان غنيا.
ولو وقف على من يجوز الوقف عليه ثم على من لا يجوز فهو منقطع الانتهاء يرجع
إلى ورثته ميراثا بعد انقراض من يجوز عليه، ولو انعكس فهو منقطع الابتداء وفيه قولان،
فإن قلنا بالصحة فإن كان الأول ممن لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول والكنائس
صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه، وإن أمكن اعتبار انقراضه كالعبد والحربي ففي
الانتقال في الحال أو بعد الانقراض احتمال وكذا البحث إذا كان صحيح الطرفين منقطع
الوسط أو بالعكس.
ولو وقف المريض على ابنه وبنته ولا وارث غيرهما دفعة دارا هي تركته فإن أجازا
لزم وإلا صح الثلث وقفا بينهما بالسوية على ما شرط والباقي طلقا، وكذا لو وقف على وارثه
الواحد جميع تركته كان لازما في الأصل مع الإجارة ومن الثلث مع عدمها، ويصح من
ثمانية عشر للابن ثلاثة وقفا وثمانية ملكا وللبنت ثلاثة وقفا وأربعة ملكا، ولو اختار
الابن إبطال التسوية دون إبطال الوقف بطل الوقف في التسع ورجع إليه ملكا فيصير له
374

النصف وقفا والتسع ملكا، وللبنت السدس والتسعان وقفا إن أجازت الوقف أيضا لأن
للابن إبطال الوقف فيما له دون ما لغيره.
ولو قال: وقفت على زيد والمساكين، فلزيد النصف. ولو قال: وقفت على
زيد وعمرو والمساكين، فلزيد وعمرو ثلثان. ولو وقف على مواليه صرف إلى الموجودين من
الأعلى أو الأدون فإن اجتمعا فإلى من يعين منهما فإن أطلق فالأقرب البطلان وقيل:
بالتشريك.
ولو وقف على أولاده فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولاده فعلى الفقراء قيل:
يصرف بعد أولاده إلى أولاد أولاده، وليس بمعتمد بل يكون منقطع الوسط، فإذا انقرض
أولاد أولاده عاد إلى الفقراء والنماء قبل انقراض أولاد أولاده لورثته الواقف على
إشكال.
وليس له غرس شجرة في المسجد لنفسه، وهل له ذلك للوقف؟ الأقرب المنع مع
التضرر بها وإلا فلا، والفاضل من حصر المسجد وآلاته يصرف في مسجد آخر بخلاف
المشاهد.
ويصح قسمة الوقف من الطلق إلا أن يتضمن ردا إلى الطلق منه، وهل يجوز
قسمة الوقف على نفرين؟ الأقرب المنع مع اتحاد الواقف والموقوف عليه أما لو تعدد
الواقف والموقوف عليه فإشكال، ولو اندرس شرط الواقف قسم بالسوية، فإن لم يعرف
الأرباب صرف في البر ولو آجر المتولي بأجرة المثل في الحال فظهر من يزيد لم ينفسخ ولو
أجر زيادة على المدة المشترطة فالأقرب البطلان في الزائد خاصة، ولو خلق حصر
المسجد وخرج عن الانتفاع به فيه أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق
فالأقرب بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسجد.
375

المقصد الثاني في السكنى والصدقة والهبة
وفيه فصول:
الفصل الأول: في السكنى
: ولا بد فيها من إيجاب وقبول وقبض ونية التقرب، وليست ناقلة للملك بل فائدتها
تسلط الساكن على استيفاء المنفعة المدة المشترطة فإن قرنت بالعمر سميت عمري وإن
قرنت بالإسكان قيل: سكنى، وبالمدة يقال: رقبى. إما من ارتقاب أو من رقبة الملك.
والإيجاب أن يقول: أسكنتك أو أعمرتك أو أرقبتك، أو شبه ذلك: هذه الدار أو
الأرض مدة عمرك أو عمري أو سنة. ويلزم بالقبض على رأي. ولو قال: لك سكنى الدار
ما بقيت أو حييت، صح ويرجع إلى المسكن بعد موت الساكن. ولو قال: أعمرتك هذه الدار
ولعقبك، رجعت إليه بعد العقب ولا تنتقل إلى المعمر وإن لم يشرط رجوعها إليه بعده.
وكل ما تصح وقفه صح إعماره من العقار والحيوان والأثاث وغير ذلك، ولو قرن الهبة
بمدة بطلت، وإذا وقت السكنى لم يجز له الرجوع قبل الانقضاء مع القبض، وكذا لو قرنت
بعمر المالك فإن مات الساكن فلورثته السكنى حتى ينقض المدة أو عمر المالك، ولو قرنت
بعمر الساكن فمات المالك لم يكن لورثته إزعاجه قبل وفاته مطلقا على رأي، ولو مات
الساكن لم يكن لورثته السكنى، ولو لم يعين مدة كان له اخراجه متى شاء.
ولا تبطل السكنى بالبيع بل يجب توفية ما شرط له ثم يتخير المشتري مع جهله بين
الرضا مجانا والفسخ، ولو قرنت السكنى بالعمر بطل البيع على إشكال، وإطلاق السكنى
376

يقتضي أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده وليس له إسكان غيرهم إلا مع الشرط ولا أن يؤجر
المسكن إلا مع الإذن، ولا تجب العمارة على أحدهما ولا له منع الآخر من غير المضر منها.
وإذا حبس فرسه في سبيل الله أو غلامه في خدمة البيت أو المشاهد أو المسجد لزم
ولا يجوز تغييره ما دامت العين باقية، ولو حبس شيئا على رجل فإن عين وقتا لزم ويرجع إلى
الحابس أو ورثته بعد المدة وإن لم يعين كان له الرجوع متى شاء.
الفصل الثاني: في الصدقة:
ولا بد فيها من إيجاب وقبول وقبض ونية القربة، وتلزم مع الإقباض ولو قبض
بدون إذن المالك لم يملك به وإذا تمت لم يجز له الرجوع فيها مطلقا، وصدقة السر أفضل من
الجهر إلا مع التهمة بترك المواساة، والمفروضة من الزكاة محرمة على بني هاشم إلا منهم أو
عند الضرورة ولا بأس بالمندوبة وغير الزكاة كالمنذورة، والأقرب جواز الصدقة على الذمي
فيتأكد الصدقة المندوبة في شهر رمضان والجيران أفضل من غيرهم والأقارب أفضل من
الأجانب، ومن احتاج إليه لعياله لم يستحب له التصدق ولا ينبغي أن يتصدق بجميع ماله.
الفصل الثالث: في الهبة: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في أركانها وهي ثلاثة:
العقد: ولا بد فيه من الإيجاب وهو اللفظ الدال على تمليك العين من غير عوض
منجزا كقوله: وهبتك وملكتك وأهديت إليك، وكذا: أعطيتك وهذا لك، مع النية. ومن قبول
وهو اللفظ الدال على الرضا كقوله: قبلت. ومن قبض. ويشترط صدورهما من مكلف جائز
التصرف.
وهبة ما في الذمة لمن عليه إبراء لا يشترط فيه القبول ولا يصح لغيره على رأي،
وللولي عن الطفل القبول مع الغبطة فلو وهب أباه الفقير العاجز لم يصح قبوله حذرا
377

من وجوب الانفاق، ولا يكفي المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب نعم يباح التصرف
والهدية كالهبة في الإيجاب والقبول والقبض ولا يصح تعليق العقد ولا توقيته ولا تأخر
القبول عن الإيجاب بحيث يخرج عن كونه جوابا.
المطلب الثاني: الموهوب:
وكل ما صح بيعه جاز هبته مشاعا كان أو مقسوما من الشريك وغيره، ولا تصح
هبة المجهول كأحد العبدين لا بعينه والحمل واللبن في الضرع، ويصح في الصوف على
الظهر وكل معلوم العين وإن جهل قدره، ولا تصح هبة دهن السمسم قبل عصره ولا هبة
المعدوم كالثمرة المتجددة وما تحمله الدابة، وتصح هبة المغصوب من الغاصب وغيره
والمستأجر من غير المستأجر والآبق والضال والكلب المملوك، ولو وهب المرهون فإن بيع
ظهر البطلان وإن انفك فللراهن الخيار في الإقباض، وفي صحة الإقباض حالة الرهن من
دون إذن المرتهن إشكال فإن سوغناه لم يحصل به الملك فإن فك صحت الهبة.
ولا تصح هبة الدين لغير من عليه لامتناع قبضه وهبة الحامل لا تقتضي هبة
الحمل، وتصح البراءة من المجهول ولو علمه المديون وخشي من عدم الإبراء لو أن قبض
ووهب ظهره لم يصح الإبراء، ولو أبرأه من مائة معتقدا أنه لا حق له وكان له مائة ففي صحة
الإبراء إشكال.
المطلب الثالث: في القبض:
وهو شرط في صحة الهبة وشرطه إذن الواهب وايقاع القبض للهبة،
فلو قبض من دون إذنه لم ينتقل الملك إليه وإن كانا في المجلس وكذا لو أقبضه الواهب
لا للهبة، ويقبل قوله في القصد، ولو أقر بالهبة والإقباض حكم عليه وإن كان في يد الواهب
وله الإحلاف لو ادعى المواطاة ولا يقبل إنكاره، ولو مات الواهب قبله بطلت الهبة وإن كان
378

بعد الإذن في القبض، ولو وهب ما في يد المتهب صحت ولم يفتقر إلى تجديد قبض ولا إذن
ولا مضى زمان يمكن فيه القبض وكذا لو وهب ولي الطفل ماله الذي في يده، ولو كان
مغصوبا أو مستأجرا أو مستعارا على إشكال افتقر إلى القبض بخلاف ما في يد وكيله،
ولو وهبه غيره افتقر إلى قبض الولي أو الحاكم وقبض المشاع هنا كقبضه في البيع.
ولو وهب اثنين فقبلا وقبضا صحت لهما ولو قبل أحدهما وقبض صحت في نصيبه
خاصة ولا يشترط فورية الإقباض على إشكال، ويحكم بالملك من حين القبض لا من حين
العقد، ولا فرق في اشتراط القبض بين المكيل والموزون وغيرهما، والقبض فيما لا ينتقل
التخلية والنقل فيما ينقل، وفي المشاع بتسليم الكل إليه فإن امتنع الشريك قيل للمتهب:
وكل الشريك في القبض لك ونقله، فإن امتنع نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله
ليحصل القبض، ولو قبضه من دون إذن الشريك ففي اعتباره نظر وكذا في كل قبض منهي
عنه.
المطلب الثاني: في الأحكام:
المتهب إن كان ذا رحم لم يجز الرجوع بعد الإقباض وكذا إن كان أجنبيا وعوض
وإن كان ببعضها أو قصد الأجر أو تلف العين أو تصرف على رأي وإن لم يكن لازما
وإلا فللواهب الرجوع، ويكره لأحد الزوجين الرجوع على رأي، وإفلاس المتهب لا يبطل
حق الرجوع ومع الحجر إشكال، أما جناية الهبة فالأقرب أنها تبطل حق رجوع الواهب
ولو جوزنا الرجوع مع التصرف فإن كان لازما كالكتابة والإجارة فهو باق على حاله ولو
باع أو أعتق فلا رجوع ولو كان جائزا بطل كالتدبير والوصية والهبة قبل القبض.
والرجوع يكون باللفظ مثل: رجعت أو ارتجعت أو أبطلت أو رددت، أو فسخت،
وغيرها من الألفاظ الدالة على الرجوع. وبالفعل مثل: أن يبيع أو يعتق أو يهب، وهل يكون
ذلك فسخا لا غير أو فسخا وعقدا؟ الأقرب الثاني والأقرب أن الأخذ ليس فسخا. وإذا رجع
وهي معيبة لم يرجع بالأرش وإن كان بفعل المتهب، وإن زادت زيادة متصلة فهي للواهب
وإن كانت بفعله إن سوغنا الرجوع مع التصرف، وإن كانت منفصلة كالولد واللبن فهي للمتهب.
379

ولو صبغ الثوب فهو شريك بقيمة الصبغ ولكل منهما القلع وفي الأرش إشكال
والأقرب عدم انتقال حق الرجوع إلى الوارث، ولو مات المتهب لم يرجع الواهب ولو جن
فالأقرب جواز رجوع الولي مع الغبطة.
ويكره تفضيل بعض الولد على بعض في العطية ويستحب التسوية والعطية لذي
الرحم ويتأكد في الولد والوالد، وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة وصح
لا معه على رأي، ولو كانت فاسدة صح إجماعا، ولو باع مال مورثه معتقدا بقائه أو أوصى
بمن أعتقه وظهر بطلان عتقه فكذلك، ولو أنكر القبض صدق باليمين وإن اعترف بالهبة،
ولو أنكره عقيب قوله: وهبته وملكته، فكذلك إن اعتقد رأي مالك:
ولا يستلزم الهبة العوض من دون شرط مطلقا على رأي، فإن عوض لم يكن للمالك
الرجوع ولا يجب على الواهب القبول مع الإطلاق، فإن دفع عوضا مع عدم شرطه فهي هبة
أخرى، وإن شرطه صح مطلقا ومعينا وله الرجوع ما لم يدفع المشروط، ولا يجب على المتهب
دفعه لكن إن امتنع فللواهب الرجوع، فلو تلف الموهوب أو عاب قبل دفع المشترط وقبل
الرجوع ففي التضمين نظر، فإن أوجبناه فالأقرب مع التلف ضمان أقل الأمرين من العوض
وقيمة الموهوب.
وإذا أطلق العوض دفع المتهب ما شاء فإن رضي الواهب وقبضه لم يكن له الرجوع
وإن لم يرض تخير المتهب بين دفع الموهوب وعوض المثل، ولو خرج العوض أو بعضه
مستحقا أخذه مالكه ثم إن كانت الهبة مطلقة لم يجب دفع بدله لكن للواهب الرجوع، وإن
شرطت بالعوض دفع المتهب مثله أو قيمته مع التعيين أو العين أو ما شاء إن رضي الواهب مع
الإطلاق، ولو كان معيبا ألزم بالأرش أو دفع العين في المعينة لا المطلقة، ولو ظهر استحقاق
نصف العين رجع بنصف العوض، ولو ظهر استحقاقها بعد تلفها في يد المتهب فالأقرب
رجوعه على الواهب بما غرمه من القيمة، وإن زادت عن العوض أو خلت عنه، ولو وهبه
عصيرا فصار خمرا ثم عاد خلا فله الرجوع على إشكال منشأه الإشكال في الغاصب
وأحد احتماليه، ولو انفك الرهن أو بطلت الكتابة فكذلك إن سوغناه مع التصرف،
ولو عاد الملك بعد زواله احتمل الرجوع.
380

المقصد الثالث: في الإقرار: وفيه فصول:
الفصل الأول: في أركانه: وفيه مطالب:
المطلب الأول: الصيغة:
إقرار إخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا بنفسه بل يكشف عن سبقه، ولفظه
الصريح: لك عندي أو على أو في ذمتي، أو هذا وما أدى معناه بالعربية وغيرها، ويشترط
تنجيزه فلو علقه بشرط كقوله: لك كذا إن شئت، أو: إن قدم زيد، أو: إن رضي فلان، أو: إن
شهد، لم يصح ولو فتح أن لزم. ولو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق، أو:
فهو حق، أو: صدق، أو: صحيح، لزمه وإن لم يشهد. ولو قال: إن شهد لك صدقته أو: لزمني، أو: أديته، لم
يكن مقرا. ولو قال: له على ألف إذا جاء رأس الشهر، لزمه إن لم يقصد الشرط بل الأجل،
وكذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر فله على ألف. ولو قال: كان له على ألف، لزمه ولا يقبل
دعواه في السقوط. ولو قال: لي عليك ألف فقال: نعم أو أجل أو بلى أو صدقت أو بررت
أو قلت حقا أو صدقا أو أنا مقر به أو بدعواك أو بما ادعيت أو لست منكرا له أو رددتها أو
قبضتها أو قضيتكها أو أبرأتني منها، فهو إقرار. ولو قال: أ ليس لي عليك كذا، فقال: بلى،
كان إقرارا. ولو قال: نعم، لم يكن إقرارا على رأي والإقرار بالإقرار إقرار.
ولو قال: لي عليك ألف، فقال: أنا مقر، ولم يقل: به - على الأقوى - أو زنه أو خذه أو
انتقد أو زن أو خذ لم يكن إقرارا. ولو قال: أنا أقر به، احتمل الوعد. ولو قال: اشتر مني هذا
العبد أو استوهبه، فقال: نعم، فهو إقرار وكذا لو قال: بعني أو ملكني أو هبني. ولو قال: ملكت
381

هذه الدار من فلان أو غصبتها منه أو قبضتها منه، فهو إقرار بخلاف تملكتها على يده.
ولو قال: بعتك أباك، فحلف عتق ولا ثمن. ولو قال: لك على ألف في علمي أو فيما
أعلم أو في علم الله تعالى، لزمه. ولو قال: لك على ألف إن شاء الله، فالأقرب عدم اللزوم.
ولو قال: أنا قاتل زيد، فهو إقرار لا مع النصب والوجه التسوية في عدم الإقرار.
المطلب الثاني: المقر:
وهو قسمان: مطلق ومحجور.
فالمطلق ينفذ إقراره بكل ما يقدر على إنشائه، ولا يشترط عدالته فيقبل إقرار
الفاسق والكافر، وإقرار الأخرس مقبول مع فهم إشارته ويفتقر الحاكم إلى مترجمين عدلين
وكذا في الأعجمي، وكل من ملك شيئا ملك الإقرار به.
والمحجور عليه سبعة:
أ: الصبي لا يقبل إقراره وإن أذن له الولي سواء كان مراهقا أو لا ولو جوزنا
وصيته في المعروف جوزنا إقراره بها، ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدق من
غير يمين وإلا دار، ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة، ولو أقر المراهق ثم اختلف هو والمقر له في
البلوغ فالقول قوله من غير يمين إلا أن تقوم بينة ببلوغه.
ب: المجنون وهو مسلوب القول مطلقا وفي حكمه النائم والمغمى عليه والمبرسم
والسكران وشارب المرقد وإن تعمد لغير حاجة، ولو ادعى زوال العقل حال إقراره لم يقبل
دعواه إلا بالبينة، وإن كان له حالة جنون فالأقرب سماع قوله ولو شهد الشهود بإقراره لم
يفتقر إلى أن يقولوا طوعا في صحة من عقله.
ج: المكره ولا ينفذ إقراره فيما أكره على الإقرار به ولو أقر بغير ما أكره عليه صح،
382

ولو أكره على أداء مال فباع شيئا من ماله ليؤديه صح البيع مع عدم حصر السبب، ولو
ادعى الإكراه حالة الإقرار لم يقبل إلا بالبينة وإن أقر عند السلطان إلا مع قرينة دالة عليه
كالقيد أو الحبس أو التوكل به فيصدق مع اليمين.
د: المفلس.
ه‍: المبذر، وقد مضى حكمهما.
و: المريض ويقبل إقراره إن برأ مطلقا وإن مات في مرض الإقرار فكذلك إن لم يكن
متهما وإلا فمن الثلث، ولو أقر بدين مستغرق ولا تهمة وثبت بالبينة آخر مستغرق أو أقر
الوارث به على إشكال ثبت التحاص ولا فرق بين الإقرار للوارث وغيره على رأي، ولو أقر
لزوجته بمهر مثلها أو دونه صح.
[ولو أقر بزائد أو بغيره نفذ من الثلث مع التهمة ومن الأصل بدونها].
ولو أقر لاثنين متهم في حق أحدهما اختص بالتشقيص، ولو أقر بعين ماله وبدين في
الذمة للآخر ولا تهمة فلا شئ للثاني وكذا لو قدم الثاني، ولو أقر بوارث فالأقرب اعتبار
التهمة وعدمها وكذا إقراره بإحبال الأمة أو إعتاق أخيه المملوك له وله عم، ولو أقر الوارث
بدين على الميت ولا تركة لم يلزمه، ولو خلف تركة تخير في التسليم من التركة وغيرها فيلزمه
أقل الأمرين من الدين والتركة، ولو تعدد الوارث أدى كل واحد بقدر ميراثه، ولو أقر
أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه فلو كانا اثنتين لزمه أقل الأمرين من نصف التركة
ونصف الدين.
ك‍: العبد ولا يقبل إقراره بمال ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا إلا أن
يصدقه السيد ويتبع بعد العتق بالمال، ولو قيل: يقبل ويتبع به وإن لم يصدقه السيد، كان
وجها. ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل ويؤخذ بما أقر به مما في يده وإن كان
383

أكثر لم يضمنه المولى بل يتبع بعد العتق ولا يصح إقرار المولى عليه بحد ولا غيره، ولو أقر
عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله ويجب المال ويتعلق برقبته لا في حق العبد كفك الإرث
فينعتق بقيمته وإن قصرت على القولين، ولا يقبل إقراره بالرق لغير من هو في يده ومن
تحرر نصفه نفذ نصف إقراره ويتبع بالباقي.
المطلب الثالث: المقر له:
وله شرطان:
الأول: أهلية التملك فلو أقر لدابة أو لحائط لم يصح، وإن قال: بسبب الدابة،
قيل: يكون إقرارا للمالك على تقدير الاستئجار، وفيه نظر إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه
المالك كأرش الجناية على سائقها وراكبها، نعم لو قال: لمالكها أو لزيد على بسببها، لزم.
ولو قال: بسبب حبلها، لم يلزمه شئ إذ لا يمكن إيجاب شئ بسبب الحمل.
ولو أقر لميت صح وانتقل إلى ورثته، ولو قال: لا وارث له سوى هذا، ألزم التسليم
إليه إن كان دينا وفي العين نظر أقربه وجوب البحث، ولو أقر للعبد صح وكان للمولى، ولو
أقر لحمل فلانة وعزاه إلى الوصية أو ميراث صح فإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما على
حسب استحقاقهما، ولو عزاه إلى سبب ممتنع كالجناية عليه والمعاملة له فالأقرب اللزوم
وإلغاء المبطل، ولو أطلق فالوجه الصحة تنزيلا على المحتمل ويكون بين الذكر والأنثى
نصفين.
ويملك الحمل ما أقر له به بعد وجوده حيا لدون ستة أشهر من حين الإقرار، ولو ولد
لأكثر من مدة الحمل بطل، ولو وضع فيما بينهما ولا زوج ولا مالك حكم له لتحققه وقت
الإقرار، ولو كان لها زوج أو مولى ففي الحكم له إشكال ينشأ من عدم اليقين بوجوده ومن
صحة الإقرار وللعادة، ولو سقط ميتا فإن عزا إلى إرث أو وصية عاد إلى مورث الطفل
والموصي وإن أطلق كلف السبب وعمل بقوله وإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل الإقرار
كمن أقر لرجل لا يعرف، ولو ولدت اثنين أحدهما ميت فالمال للآخر، ولو أقر لمسجد أو
384

مشهد أو مقبرة أو مصنع أو طريق وعزاه إلى سبب صحيح مثل أن يقول: من غلة وقفه،
صح وإن أطلق أو عزاه إلى سبب باطل فالوجهان.
الثاني: عدم التكذيب فلو قال: هذه الدار لزيد، فكذبه لم يسلم إليه ثم إما أن يترك
في يد المقر أو القاضي فإن رجع المقر له عن الانكار سلم إليه فإن رجع المقر في حال الانكار
فالأقرب عدم القبول لأنه أثبت الحق لغيره بخلاف المقر له فإنه اقتصر على الانكار. ولو
أقر العبد بنكاح أو تعزير قذف فكذب السيد فالأقرب اللزوم بخلاف ما لو كذب العبد إذ
لا حق للسيد هنا. ولو أنكر المقر له بعبد قيل: يعتق، وليس بجيد بل يبقى على الرقية
المجهولة المالك ويحتمل الحرية إن ادعاها العبد.
المطلب الرابع: في المقر به:
وهو إما مال أو نسب أو حق. ولا يشترط في المال العلم فيقبل بالمجهول ثم يطالب
بالبيان، ولا أن يكون ملكا للمقر بل لو كان بطل.
فلو قال: داري لفلان أو مالي أو ملكي أو عبدي أو ثوبي لفلان، بطل للتناقض ولو
شهد الشاهد بأنه أقر له بدار كانت ملك المقر إلى أن أقر فالشهادة باطلة. ولو قال: هذه
الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار، لم تسمع الضميمة وصح إقراره نعم يشترط أن
يكون المقر به تحت يده وتصرفه فلو قال: الدار التي في يدي أو تحت تصرفي لزيد، لزم
ولو قال: له في ميراث أبي، أو من ميراث أبي مائة، صح وكان إقرارا بدين على التركة ولو قال:
في ميراثي من أبي، أو: من ميراثي من أبي، لم يكن إقرارا.
ويصح لو قال: له من هذه الدار، بخلاف من داري أو في مالي ألف، ولو قال في ذلك
كله: بحق واجب أو سبب صحيح، وما جرى مجراه صح. وإذا قال: له في هذه الدار مائة،
صح وطولب بالبيان فإن أنكر المقر له تفسيره صدق المقر مع اليمين. ولو أقر بحرية
عبد في يد غيره لم يقبل فإن اشتراه صح تعويلا على قول صاحب اليد والأقرب أنه فداء في
385

طرفه بيع في طرف البائع فلا يثبت فيه خيار المجلس والشرط والحيوان بالنسبة إلى
المشتري كما لا يثبت في بيع من يعتق على المشتري ولا يثبت للبائع ولاء ولا للمشتري فإذا
مات العبد أخذ المشتري من تركته الثمن والفاضل يكون موقوفا.
الفصل الثاني: في الأقارير المجهولة:
وهي أحد عشر بحثا:
أ: إذا قال: له على شئ، ألزم البيان ويقبل تفسيره وإن قل، ولو فسر بما لم يجر في
العادة تملكه كقشر جوزة، أو حبة حنطة، أو بما لا يتملك في شرع الاسلام مع إسلامه كالخمر
والخنزير وجلد الميتة، أو بالكلب العقور والسرجين النجس وإن انتفع بهما، أو برد السلام أو
العيادة لم يقبل.
ولو قال: غصبته شيئا ففسره بالخمر والخنزير قبل مع كفر المقر له ومع الاسلام
إشكال. ولو قال: أردت نفسه، لم يقبل لأنه جعل له مفعولين الثاني منهما شيئا فيجب مغايرته
للأول، أما لو قال: غصبته، ثم قال: أردت نفسه، قبل وكذا لو قال: غبنته لأنه قد يغصب
ويغبن في غير المال.
ولو قال: له عندي شئ، لم يقبل بهما لإفادة " اللام " الملك، ولو امتنع من التفسير
حبس حتى يبين وقيل: يجعل ناكلا فيحلف المدعي، ولو فسره بكلب يجوز اقتناؤه قبل وكذا
لو فسر بحد قذف أو حق شفعة، ولو فسره بدرهم فقال المدعي: بل أردت بقولك عشرة، لم
يقبل دعوى الإرادة بل عليه أن يدعي نفس العشرة والقول قول المقر في عدم
الإرادة وعدم اللزوم، ولو مات قبل التفسير طولب الورثة أن خلف تركة، ولو ادعى المقر له جنسا غير
ما فسره أو لم يدع شيئا بطل الإقرار.
ب: لو قال له على مال، قبل تفسيره بقليله وكثيره ولا يقبل بغيره كحد القذف
والشفعة والكلب العقور ويقبل بالمستولدة. ولو قال: مال جزيل أو جليل أو عظيم أو نفيس
386

أو خطير أو عظيم جدا أو عظيم، قبل تفسيره بالقليل أيضا. ولو قال: كثير، قيل يكون
ثمانين والأقرب المساواة. ولو قال: أكثر مما لفلان، وفسره بأكثر عددا أو قدرا ألزم بمثله
ورجع في الزيادة إليه. ولو قال: كنت أظن ماله عشرة، فثبت بالبينة مائة قبل تفسيره لخفاء
المال أما لو شهد بالقدر ثم أقر بالأكثرية لم يسمع. ولو فسر بالبقاء أو المنفعة أو البركة وكان
أقل في القدر والعدد بأن يقول: الدين أكثر بقاء من العين أو الحلال أكثر من الحرام أو أنفع،
ففي السماع نظر. ولو قال: لي عليك ألف دينار، فقال: لك على أكثر من ذلك لزم الألف
وزيادة. ولو فسر بأكثر فلوسا أو حب حنطة أو دخن فالأقرب عدم القبول.
ج: إذا قال: له على كذا، فهو كالشئ. ولو قال: كذا كذا، فهو تكرار، ولو فسر
المفرد بدرهم نصبا لزمه درهم على التمييز وقيل: يلزمه عشرون، ولو رفعه فكذلك
وتقديره شئ هو درهم فجعل الدرهم بدلا من كذا، ولو جره لزمه جزء درهم ويرجع إليه
في تفسيره والتقدير جزء درهم وكذا كناية عنه وقيل: يلزمه مائة. ولو وقف قبل تفسيره
بجزء درهم وكذا لو كرر بغير عطف ولا يقتضي الزيادة كأنه قال شئ شئ، وفي الجر
يحتمل أنه أضاف جزءا إلى جزء ثم أضاف الآخر إلى الدرهم كنصف تسع درهم.
وكذا لو قال: كذا كذا كذا، وقيل: يلزمه مع النصب أحد عشر، ولو عطف ورفع
لزمه درهم لأنه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما فكأنه قال: هما درهم، ولو نصب احتمل
لزوم درهم لأن " كذا " يحتمل أقل من درهم، فإذا عطف مثله وفسرها بدرهم جاز ودرهمين
لأنه ذكر جملتين وفسر بدرهم فيعود إلى الجميع كمائة وعشرين درهما يعود التفسير إلى
الجميع وأكثر من درهم بناء على أن الدرهم تفسير للأخير ويبقى الأول على إبهامه، وقيل:
يلزمه أحد وعشرون.
ولو قال: ألف ودرهم أو درهمان، فالألف مبهم يقبل تفسيره بما قل وكثر، ولو قال:
ألف وثلاثة دراهم أو وخمسون درهما أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما أو خمسة
عشر درهما أو ألف ومائة درهم، فالجميع دراهم على إشكال. ولو قال: على ثلاثة دراهم
وألف أو عشرون درهما وألف، فالألف مجهولة، ولو قال: درهم ونصف فالأقرب حمل
387

النصف على السابق.
د: إطلاق الإقرار بالمكيل والموزون ينصرف إلى ميزان البلد وكيله وكذا الذهب
والفضة ينصرف إلى نقده الغالب سواء كان نقدهم مغشوشا أو لا وسواء كان الوزن
ناقصا أو لا فإن تعدد النقد أو الوزن متساويا رجع إليه في التعيين ولو فسره بالناقص
النادر قبل مع اتصاله، وكذا لو فسر بالمغشوشة مع اشتمالها على الفضة لا بالفلوس،
ولو قال: على دريهمات أو دراهم صغار وفسره بالناقص لم يقبل إلا مع الاتصال.
ه‍: الجمع يحمل على أقله وهو ثلاثة سواء كان جمع قلة أو كثرة وسواء كان معرفا
بلام الجنس أو منكرا وسواء وصفه بالقلة أو الكثرة أولا، فلو قال: له على دراهم، لزمه ثلاثة
وكذا لو قال: الدراهم أو دراهم كثيرة أو وافرة أو قليلة. ولو قال: ثلاثة آلاف، واقتصر ألزم
بتفسير الجنس بما يصح تملكه مما يصدق عليه ذلك العدد.
و: لو قال: على ما بين درهم وعشرة، لزمه ثمانية. ولو قال: من درهم إلى عشرة،
احتمل دخول الطرفين وخروجهما وخروج الغاية. ولو قال: أردت المجموع، لزمه
خمسة وخمسون لأنك تزيد أول العدد وهو الواحد على آخره وهو العشرة ثم تضرب
المجموع في نصف العشرة ولو قال: له درهم في عشرة، ولم يرد الحساب لزمه واحد.
ولو قال: درهمان في عشرة، وأراد الحساب لزمه عشرون، ولو أراد درهمين مع
عشرة قبل ولزمه اثنا عشر ويقبل منه هذا التفسير وإن كان من أهل الحساب على إشكال
لأن كثيرا من العامة يريدون هذا المعنى. ولو قال: أردت درهمين في عشرة لي، قبل ولزمه
درهمان. ولو قال: درهمان في دينار، لم يحتمل الحساب وسئل فإن فسر بالعطف لزمه
درهمان ودينار وإن قال: أسلمتهما في دينار، فصدقه المقر له بطل إقراره لأن السلم
لا يصح في الصرف وإن كذبه صدق المقر له مع اليمين.
ولو قال: له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد أو كيس في صندوق أو فص في
388

خاتم أو غصبت منه ثوبا في منديل، لم يدخل الظرف. ولو قال: له عندي غمد فيه سيف
أو جرة فيها زيت، لم يدخل المظروف وكذا: له خاتم فيه فص أو عمامة في رأس عبد.
ولو قال: له عندي خاتم، وأطلق أو ثوب مطرز، لزمه الخاتم بفضه على إشكال والطراز.
ولو قال: له عندي جارية، فجاء بها وهي حامل احتمل صحة استثناء الحمل
بخلاف ما لو قال: له خاتم، وجاء به وفيه فص واستثناه فإن الظاهر عدم قبوله.
ولو قال: له دار مفروشة أو دابة مسرجة أو عبد عليه عمامة، احتمل الأمرين. ولو
قال: دابة بسرجها أو دار بفرشها أو سفينة بطعامها أو عبد بعمامته، لزم الجميع. ولو قال:
له ألف في هذا الكيس، ولم يكن فيه شئ لزمه الألف ولو كان الألف ناقصا احتمل إلزامه
الإتمام. ولو قال: الألف الذي في الكيس، لم يلزمه الإتمام ولو لم يكن فيه شئ ففي لزوم
الألف وجهان.
ولو قال: له في هذا العبد ألف، قبل تفسيره بأرش الجناية وبكونه مرهونا وبأنه
وزن في شراء عشره ألفا واشتريت أنا جميع الباقي بألف ولم يلزمه إلا عشر العبد. ولو
قال: نقد عني في ثمنه ألفا، كان قرضا. ولو قال: نقد ألفا في ثمنه وأنا ألفا، بإيجاب واحد
فقد أقر بالنصف. ولو قال: وزنت أنا ألفين، فقد أقر بالثلث. ولو قال: أوصي له بألف من
ثمنه، بيع وصرف إليه ألف. ولو أراد إعطاء ألف من ماله من غير الثمن لم يجب القبول.
ولو قال: له في هذا المال أو ميراث أبي ألف، لزمه بخلاف: له في مالي أو في
ميراثي من أبي.
ز: لو قال: له على درهم درهم درهم، لزمه واحد. ولو قال: درهم ودرهم أو ثم درهم،
لزمه اثنان. ولو قال: فدرهم، لزمه واحد وتقديره فدرهم لازم. ولو قال: درهم ودرهمان،
لزمه ثلاثة وكذا: درهم ودرهم ودرهم، ولو قال: أردت بالثالث تأكيد الثاني، قبل. ولو قال:
أردت بالثاني تأكيد الأول، لم يقبل. وكذا تجب الثلاثة لو قال: درهم ودرهم ثم درهم، أو
بالعكس لاختلاف حرفي العطف.
ولو قال: له على درهم قبله درهم أو بعده درهم أو قبل درهم أو بعد درهم، لزمه
درهمان. ولو قال: قبله وبعده، لزمه ثلاثة إذا القبلية والبعدية لا يحتمل إلا الوجوب. ولو
389

قال: له درهم مع درهم أو فوق درهم أو تحت درهم أو معه أو فوقه أو تحته، لزمه واحد
لاحتمال فوق درهم لي في الجودة.
ح: لو أقر بدرهم في مجلسين أو بلغتين أو شهد عليه بذلك في تاريخين فهما
واحد إلا أن يختلف السبب ولو أطلقه في أحدهما وقيده في الآخر حمل المطلق على
المقيد وكذا لو قيده بقيدين يمكن جمعهما، أما لو قيده في أحد المجلسين بقيد يضاد
ما قيد به في الآخر فهما اثنان، ولو شهد واحد بإقرار بتأريخ وآخر بإقرار في تاريخ آخر
جمع بينهما لاتحاد المخبر عنه ولا يجمع في الأفعال.
ط: لو قال: هذه الدار لأحد هذين وهي في يده، ألزم البيان فإن عين قبل وللآخر
إحلافه وإحلاف الآخر، فإن أقر للآخر غرم للثاني إلا أن يصدقه الأول وهل له إحلاف
الأول؟ إشكال وللثاني إحلافه. ولو أقر لزيد فشهد اثنان بسبق إقراره لعمرو فكذبهما زيد
فلا غرم ولو قال: لا أعلم دفعها إليهما وكانا خصمين ولكل منهما إحلافه لو ادعيا علمه،
ولو قال: لزيد أو الحائط كذا، ففي صحة الإقرار نظر. ولو قال: لزيد والحائط كذا، فالأقوى
صحة النصف خاصة لزيد، ولو صدق أحد المدعيين بما يوجب الاشتراك كالإرث والابتياع
صفقة في النصف دون اشتراك السبب فهو لهما ولو لم يوجب الشركة لم يشاركه الآخر فإن
أقر بالجميع لأحدهما فإن اعترف المقر له للآخر سلم إليه النصف وإلا فإن ادعى الجميع
بعد ذلك فهو له.
ي: لو قال: أحد هذين العبدين لزيد، طولب بالبيان فإن عين قبل فإن أنكر
زيد حلف المقر ثم يقر الحاكم ما أقر به في يده أو ينتزعه إلى أن يدعيه زيد. ولو قال: لزيد
عندي درهم أو دينار، فهو إقرار بأحدهما فيطالب بالتفسير. ولو قال: إما درهم أو درهمان
ثبت الدرهم وطولب بالجواب عن الثاني. ولو قال: لزيد في هذا المال شركة قبل تفسيره
بأقل من النصف.
390

يا: لو قال: لزيد مائة ونصف ما لعمر ولعمرو مائة ونصف ما لزيد، فلزيد شئ ولعمرو
مائة ونصف شئ فلزيد مائة وخمسون وربع شئ يعدل شيئا فالباقي بعد اسقاط الربع بمثله
يعدل ثلاثة أرباع شئ فلكل مائتان، ولو ذكر الثلث فلكل مائة وخمسون لأن لزيد شيئا
ولعمرو مائة وثلث شئ فلزيد مائة وثلث مائة وتسع شئ يعدل شيئا فيسقط تسع شئ بمثله
فمائة وثلث يعدل ثمانية اتساع شئ فالشئ مائة وخمسون.
ولو قال: لزيد عشرة ونصف ما لعمرو ولعمرو عشرة وثلث ما لزيد، فلزيد شئ
ولعمرو عشرة وثلث شئ فلزيد خمسة عشر وسدس شئ يعدل شيئا يسقط السدس بمثله
يبقى خمسة عشر يعدل خمسة أسداس شئ فالشئ ثمانية عشر هي ما لزيد ولعمرو ستة عشر.
ولو قال: لزيد ستة ونصف ما لعمرو ولعمرو اثنا عشر ونصف ما لزيد، فلزيد ستة
عشر ولعمرو عشرون ولو ذكر هنا عوض النصف في عمرو الثلث فلزيد أربعة عشر
وخمسان ولعمرو ستة عشر وأربعة أخماس.
الفصل الثالث: في تعقيب الإقرار بما ينافيه: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في الاستثناء: وقواعده خمس:
أ: حكم الاستثناء والمستثنى منه متناقضان فالاستثناء من النفي إثبات ومن
الإثبات نفي.
ب: الاستثناء المتكرر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه وكذا لو زاد اللاحق
على السابق أو ساواه وبدونه يرجع اللاحق إلى السابق.
ج: الأقرب عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة إلا مع القرينة.
د: الاستثناء من الجنس جائز إجماعا ومن غيره على الأقوى.
391

ه‍: الاستثناء المستوعب باطل ويجوز إبقاء فرد واحد على الأقوى.
فإذا قال: له عشرة دراهم إلا تسعة، لزمه واحد ولو قال: له عشرة إلا تسعة
إلا ثمانية، فهو إقرار بتسعة ولو عد إلى الواحد فهو إقرار بخمسة والضابط اسقاط جملة
المنفي من جملة المثبت بعد جمعهما فالمقر به الباقي. ولو قال: له على عشرة إلا اثنين وإلا
واحدا، فهو إقرار بسبعة. ولو قال: له عشرة إلا اثنين إلا اثنين، لزمه ستة. ولو قال: له ألف
إلا درهما، فإن سوغنا المنفصل طولب بتفسير الألف وقبل إذا بقي بعد الاستثناء شئ ولو
لم يبق احتمل بطلان التفسير أو الاستثناء وإلا فالجميع دراهم.
ولو قال: له ألف درهم، إلا ثوبا فإن منعنا المنقطع وجب الألف وإلا طولب بذكر قيمة
الثوب فإن استوعب بطل التفسير فيطالب بغيره أو الاستثناء على الاحتمال، ولو قال:
ألف إلا شيئا، كلف تفسيرهما. ولو قال: له ثلاثة إلا ثلاثة، بطل الاستثناء وكذا: له درهم
إلا درهما. ولو قال: درهم ودرهم إلا درهما، قيل: إن حكم بعوده إلى الأخير بطل وإلا صح
وليس بمعتمد أما لو قال: له ثلاثة ودرهمان إلا درهمين فإنه يصح والأقرب صحة له درهمان
ودرهمان إلا درهمين لأن الاستثناء إنما يرجع إلى الأخير لو لم يوجد قرينة الرجوع إلى الجميع.
ولو قال: له ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما، احتمل قويا بطلان الأخير وضعيفا
الجميع. ولو قال له: ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين، احتمل بطلان الأول المستوعب والثاني
المتفرع عليه وبطلان الأول خاصة فيعود الثاني إلى المستثنى منه لبطلان ما بينهما فيلزمه درهم
وصحتها فيلزمه درهمان لأن ثلاثة إلا درهمين في مقام درهم هو المستثنى من الإقرار،
والاستثناء من العين صحيح كقوله: هذه الدار لزيد إلا هذا البيت وهذا الخاتم إلا فصه.
ولو قال: له هذه العبيد إلا واحدا، فله التعيين فلو ماتوا إلا واحدا فقال: هو المستثنى
قبل. ولو قال: له على عشرة إلا درهم، بالرفع لزمه عشرة. ولو قال: ماله عندي عشرة إلا
درهم، فهو إقرار بدرهم ولو نصب لم يكن إقرارا بشئ. ولو قال: هذه الدار لزيد وهذا
البيت لي، فهو كالاستثناء ولا فرق بين أدوات الاستثناء مثل: له عشرة سوى درهم،
أو ليس أو خلا أو عدا أو ما خلا أو ما عدا أو لا يكون أو غير درهم بالنصب. ولو رفع فهو
وصف إن كان عارفا وإلا لزمه تسعة، ويشترط في الاستثناء كله الاتصال.
392

ولو قال: لزيد ستة إلا نصف ما لبكر ولبكر ستة إلا نصف ما لزيد فلزيد شئ ولبكر
ستة إلا نصف شئ فلزيد ستة إلا ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شئ لأنك تسقط الربع
في مقابلة الربع المستثنى، فإذا جبرت وقابلت صار ستة يعدل ثلاثة وثلاثة
أرباع شئ، فإذا أسقطت ثلاثة بمثلها بقي ثلاثة يعدل ثلاثة أرباع شئ فالشئ أربعة فلكل منهما أربعة.
ولو قال: لزيد عشرة إلا نصف ما لبكر ولبكر عشرة إلا ثلث ما لزيد، فلزيد شئ
ولبكر عشرة إلا ثلث شئ فلزيد عشرة إلا خمسة يعدل خمسة أسداس شئ، فإذا (جبرت
وقابلت صار عشرة تعدل خمسة وخمسة أسداس شئ) فإذا أسقطت خمسة بمثلها بقي خمسة
يعدل خمسة أسداس شئ فالشئ يعدل ستة فهي لزيد ولبكر ثمانية.
ولو قال: لزيد عشرة إلا ثلث ما لبكر ولبكر خمسة عشر إلا نصف ما لزيد، فلزيد
شئ ولبكر خمسة عشر إلا نصف شئ فلزيد عشرة وسدس شئ إلا خمسة يعدل شيئا
يسقط السدس بمثله يبقى خمسة يعدل خمسة أسداس شئ فالشئ ستة لزيد ولبكر اثنا عشر
فلو أقر لأحدهما بمثل الآخر وعطف في أحدهما بالنصف واستثناه من الآخر فلذي العطف
ثلاثة أمثال مال الآخر.
المطلب الثاني: فيما عدا الاستثناء: وهو سبعة:
أ: إذا عطف ببل فإن كانا معينين أو مختلفين لم يقبل إضرابه ولزمه الأمران ولو كانا
مطلقين أو أحدهما لزمه واحد أو الأكثر، فلو قال: له هذا الدرهم بل هذا أو قفيز حنطة بل
قفيز شعير، لزمه الدرهمان والقفيزان. ولو قال: له هذا الدرهم بل درهم أو درهم بل هذا
الدرهم، لزمه المعين ويحتمل لزوم الدرهمين. ولو قال: له درهم بل درهم، لزمه واحد ويحتمل
اثنين لاستدعاء الإضراب المغايرة. ولو قال: درهم بل درهمان، لزمه درهمان. ولو قال: له
هذا الدرهم بل هذان، لزمه الثلاثة وكذا لو قال: له قفيز شعير بل قفيزان حنطة. ولو قال:
له عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة بخلاف الاستثناء ولو عطف ب‍ " لكن " لزمه ما بعدها إذ
لا يعطف بها إلا بعد النفي فلو قال: ماله عشرة لكن خمسة لزمه خمسة.
393

ب: إذا كان في يده شئ على ظاهر التملك فقال: هذا الشئ لزيد بل لعمرو، قضي
به للأول وغرم قيمته للثاني وكذا: غصبته من زيد بل من عمرو، على إشكال أو غصبته
من زيد لا بل من عمرو أو: غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو، وكذا: استودعته من
زيد بل من عمرو، وسواء اتصل الكلام أو انفصل.
ولو قال: لزيد بل لعمرو بل لخالد حكم للأول وغرم لكل من الباقيين كمال القيمة.
ولو قال: بل لعمرو وخالد، فقيمة واحدة لهما. ولو قال: لزيد وعمرو نصفين بل لخالد غرم
لخالد الجميع. ولو قال: بل ولخالد فالثلث ولو قال: بل لزيد وخالد، فالنصف ولو صدقه
الأول في ذلك كله فلا غرم. ولو قال: غصبته من زيد وملكه لعمرو أو هو لعمرو، لزمه الدفع
إلى زيد ولا يغرم لعمرو لأنه يجوز أن يكون في يد زيد بحق إجارة أو وصية أو عارية فلا ينافي
ملكية عمرو ولم يوجد منه تفريط يوجب الضمان بخلاف: هذا لزيد بل لعمرو، لأنه أقر للثاني
بما أقر به للأول فكان الثاني رجوعا عن الأول بخلاف ما قلناه ولا يحكم بالملك لعمرو إذ هو
بمنزلة من أقر لغيره بما في يد الآخر ويحتمل الضمان وكذا لو قال: هذا لزيد وغصبته من
عمرو، فإنه يلزمه دفعه إلى زيد ويغرم لعمرو على إشكال.
ج: هل يصح البدل كالاستثناء؟ الأقرب ذلك إن لم يرفع مقتضى الإقرار كما لو قال:
له هذه الدار هبة أو صدقة، أما لو قال: له هذه الدار عارية أو سكنى ففيه نظر ينشأ من كونه
رفعا لمقتضى الإقرار ومن صحة البدل الاشتمال لغة. ولو قال: له هذه الدار ثلثها أو ربعها،
ففيه إشكال.
د: لو قال: كان له على ألف وقضيته أو قضيت منها خمسمائة، لم يقبل قوله في القضاء
إلا ببينة. ولو قال: لي عليك مائة، فقال: قضيتك منها خمسين، فالأقرب لزوم الخمسين خاصة
لاحتمال قوله منها مما يدعيه. ولو قال: أخذت منه ألف درهم من ديني أو من وديعتي عنده،
فأنكر السبب وادعى التملك حكم للمقر له بعد الإحلاف.
394

ه‍: لو قال: له على ألف من ثمن خمر أو خنزير أو ثمن مبيع هلك قبل قبضه أو لم
أقبضه أو ثمن بيع فاسد لم أقبضه أو ضمنت به على أني بالخيار، لزمه الألف ولم يقبل قوله في
المسقط. ولو قال: له على ألف لا يلزم، لزمه. ولو قال: على ألف، ثم سكت ثم قال: من ثمن
مبيع لم أقبضه، لزمه ألف. ولو قال: على ألف من ثمن مبيع، ثم سكت ثم قال: لم أقبضه،
احتمل القبول إن سمع مع الاتصال أو التصديق واللزوم. ولو قال: على ألف من ثمن
عبد إن سلم سلمت، احتمل لزوم الألف معجلا وبعد تسليم العبد. ولو قال: له ألف مؤجلة
أو زيوف أو ناقصة، لم يقبل مع الانفصال ومع الاتصال إشكال. ولو قال: له ألف مؤجل
من جهة تحمل العقل، قبل قطعا. ولو قال: من حيث القرض، لم يقبل قطعا. ولو قال: ابتعت
بخيار أو كفلت بخيار، لم يقبل تفسيره. ولو أقر العجمي بالعربي ثم قال: لقنت، فإن كان
لا يفهم سمعت دعواه وإلا فلا.
و: لو قال: له عندي دراهم وديعة، قبل تفسيره سواء اتصل كلامه أو انفصل ولو
ادعى المالك أنها دين فالقول قوله مع اليمين بخلاف ما لو قال: أمانة. ولو قال: له عندي
وديعة وقد هلكت أو رددتها إليه، لم يقبل منه أما لو قال: كان له عندي، قبل. ولو قال: له
على ألف وديعة، لم يقبل تفسيره ويلزمه لو ادعى التلف. ولو قال: لك على ألف، وأحضرها
وقال: هذه التي أقررت بها وهي وديعة كانت لك عندي، فقال المقر له: هذه وديعة والتي
أقررت بها غيرها وهي دين عليك، احتمل تقديم قول المقر لإمكان الضمان بالتعدي
ولا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف وتقديم قول المقر له وكذا لو قال: لك في ذمتي
ألف، وجاء بها وقال: هي وديعة وهذه بدلها، أما لو قال: لك في ذمتي ألف وهذه التي أقررت
بها كانت وديعة، لم يقبل. ولو قال: له على ألف، ودفعها ثم قال: كانت وديعة وكنت أظنها
باقية فبانت تالفة، لم يقبل لأنه مكذب لإقراره أما لو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل بالبينة. ولو
قال: له عندي وديعة دينا أو مضاربة دينا، صح ولزمه الضمان لأنه قد يتعدى فيها فيكون دينا
ولو قال أردت أنه شرط على ضمانها، لم يقبل. ولو قال: أودعني مائة فلم أقبضها أو
أقرضني مائة فلم آخذها، قبل مع الاتصال على إشكال.
395

ز: لو أقر بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر وادعى الإشهاد تبعا للعادة من غير قبض
فالأقرب سماع دعواه فيحلف المشتري وكذا لو أقر بالاقتراض ثم ادعى الإشهاد في
الصك قبل القبض حلف المقرض أما لو شهد الشاهدان بمشاهدة القبض في الموضعين لم
تسمع دعواه ولا يمين على المدعي.
الفصل الرابع: في الإقرار بالنسب:
المقر به إما ولد أو غيره.
أما الولد فيشترط في الإقرار به: عدم تكذيب الحس والشرع والمقر به وعدم المنازع.
فلو أقر ببنوة من هو أكبر منه سنا أو مساو أو أصغر بما لم تجر العادة بتولده عنه أو بمن بينه وبين
أمه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها أو ببنوة مشهور النسب بغيره أو بمن
كذبه الولد البالغ لم يثبت، ولو نازعه غيره لم يلحق بأحدهما إلا بالبينة أو القرعة، وهل حكم
المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر.
ولا يعتبر تصديق الصغير ولو أنكر بعد بلوغه لم يلتفت إلى إنكاره لسبق ثبوت
نسبه، ولو مات الصغير ورثه الأب. ولو اعترف ببنوة ميت مجهول ثبت نسبه وورثه وإن
كان كبيرا ذا مال مع عدم وارث غيره، وكذا المجنون لا يعتبر تصديقه والأقرب اشتراط
التصديق في الكبير العاقل وليس الإقرار بالولد إقرارا بزوجية أمه وإن كانت مشهورة
بالحرية.
ولو أقر ببنوة ولد أمته لحق به وكان حرا إن لم يكن لها زوج، ولو أقر ببنوة ولد إحدى
أمتيه وعينه لحق به وكان الآخر رقا وكذا إن كانا من أم واحدة فإذا ادعت الأخرى أن
ولدها هو المقر به قدم قوله مع اليمين ولو لم يعين ومات فالأقرب القرعة، وهل يقبل تعيين
الورثة إشكال. ولو عين واشتبه ومات أو لم يعين استخرج بالقرعة وكان الآخر رقا ويثبت
الاستيلاد لأم من أخرجته القرعة، ولو كان لهما زوجان بطل إقراره به، ولو كان لإحداهما
زوج انصرف الإقرار إلى ولد الأخرى.
396

وأما غير الولد فيشترط التصديق أو البينة. وإن كان ولد ولد فإن أقر بوالد أو أخ
أو غيرهما ولا وارث صدق المقر به توارثا بينهما ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما، ولو كان له
ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب وإن تصادفا، وإذا أقر أحد الولدين خاصة
ولا وارث غيرهما بثالث لم يثبت نسبه في حق المنكر ولا المقر لعدم تبعض النسب بل يشارك
بالنسبة إلى حصة المقر فيأخذ ثلث ما في يده وهو فضل ما في يد المقر عن ميراثه.
ولو كان الإقرار ببنت لزمه دفع خمس ما في يده، ولو أقرا معا ثبت للمقر له كمال
حصته، ولو أقر اثنان من الورثة بنسب للميت وكانا عدلين ثبت النسب والميراث
وإلا أخذ من حصتهما بالنسبة، ولو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين ثبت نسبه وجاز
الميراث ولا دور، ولو كانا فاسقين أخذ الميراث ولم يثبت النسب وإنما يثبت النسب بشهادة
رجلين عدلين لا بشهادة رجل وامرأتين ورجل ويمين ولا بشهادة فاسقين وإن كانا وارثين.
فروع:
أ: لو أقر الولد بآخر فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث مع عدالتهما، فلو أنكر الثالث
الثاني لم يثبت نسب الثاني ويأخذ السدس والثالث النصف والأول الثلث، فإن مات
الثالث عن ابن مقر دفع السدس إلى الثاني أيضا، ولو كان الأولان معلومي النسب لم يلتفت
إلى إنكاره لأحدهما وكانت التركة أثلاثا، ولو أنكر الأول وكان معلوم النسب لم يلتفت إلى
إنكاره وإلا فله النصف وللأول السدس إن صدقه الثاني.
ب: لو أقر الوارث بمن هو أولى منه كان المال للمقر له، ولو أقر العم بأخ سلم إليه
التركة، فإن أقر الأخ بولد سلمت التركة إلى الولد، فلو كان المقر العم بعد إقراره بالأخ فإن
صدقه الأخ فالتركة للولد وإن كذبه فالتركة للأخ ويغرم العم التركة للولد إن نفى وارثا غيره
وإلا فإشكال.
397

ج: لو أقر الأخ بولد للميت فالمال للولد فإن أقر بآخر فإن صدقه الأول فالتركة بينهما
وإن كذبه فالتركة للأول ويغرم النصف للثاني، وإن أنكر الثاني الأول فإن
أقر بثالث فإن صدقه الأول فله النصف وإن كذبه غرم المقر الثلث، ولو أقر بولد ثم بآخر فصدقه الأول
وأنكر الثاني الأول، فالتركة للثاني ولا غرم.
د: لو أقرت الزوجة مع الإخوة بولد فإن صدقها الإخوة فالمال للولد وكذا كل وارث
ظاهر أقر بأولى ولو أقر بمساو دفع بنسبة نصيبه ولو كذبها الإخوة فلهم ثلاثة الأرباع وللولد
الثمن وللزوجة الثمن.
ه‍: لو أقر الأخ بولدين دفعة فصدقة كل واحد عن نفسه لم يثبت النسب ويثبت
الميراث فيأخذ كل واحد النصف ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى تناكرهما، ولو أقر أحد
الأخوين بولد وكذبه الآخر أخذ الولد نصيب المقر خاصة فإن أقر المنكر بآخر دفع إليه
ما في يده.
و: لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده ولو لم يكن ولدا أعطاه النصف
، فإن أقر بزوج آخر لم يقبل فإن أكذب إقراره للأول غرم للثاني ما دفع الأول وهل يثبت
الغرم بمجرد الإقرار أو بالتكذيب؟ الظاهر من كلام الأصحاب الثاني، ولو أقر بزوجة لذي
الولد أعطاها ثمن ما في يده ولو خلا عن الولد أعطاها الربع، فإن أقر بأخرى فإن صدقته
الأولى اقتسمتا وإلا غرم لها نصف ما أخذت الأولى من حصته، ولو أقر بثالثة أعطاها
الثلث فإن أقر برابعة أعطاها الربع فإن أقر بخامسة لم يلتفت إليه على إشكال، فإن أنكر
إحدى الأربع غرم لها ربع الثمن أو الربع، ولو كان إقراره بالأربع دفعة ثبت نصيب
الزوجية لهن ولا غرم سواء تصادقن أو لا.
ز: لو أقر الأخ من الأب بأخ من الأم أعطى السدس فإن أقر الأخ من الأم بأخوين
398

منها وصدقه الأول سلم الأخ من الأم إليهما ثلث السدس بينهما بالسوية ويبقى معه
الثلثان، وسلم إليهما الأخ من الأب سدسا آخر ويحتمل أن يسلم الأخ من الأم الثلثين ويرجع
كل منهم على الأخ من الأب بثلث السدس، ولو كذبه فعلى الأول للأول ثلثا السدس ولهما
الثلث وعلى الثاني السدس بينهم أثلاثا.
ح: لو اعترف الولد بالزوجة أعطاها الثمن فإن أقر بأخرى أعطاها نصف
الثمن إذا كذبته الأولى فإن أقر بثالثة واعترفت الأولتان بها واعترفت الثانية بالأولى
استعاد من الأولى نصف الثمن ومن الثانية سدسه فيصير معه ثلثا الثمن يسلم إلى
الثالثة منه ثلثا ويبقى له ثلث آخر.
ط: لو كان أحد الولدين عبدا أو كافرا فأقر الحر المسلم بآخر فأعتق العبد أو أسلم
الكافر قبل القسمة شارك وإلا فلا ولو كذب بعد زوال المانع أو قبله الثاني فلا شئ له إلا أن
يرجع إلى التصديق، ولو كان أحدهما غير مكلف فأقر المكلف بآخر عزل لغير المكلف
النصف فإن اعترف بعد زوال المانع دفع الفاضل عن نصيبه وإن كذب ملك المعزول ولو
مات قبل الكمال وقد تخلف السدس خاصة فإن كان قد أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمقر له
وإلا فثلثاه.
ي: لو أقر أحد الولدين بابن وأنكر الثاني ثم مات المنكر عن ابن مصدق فالأقرب
ثبوت نسب العم ويحتمل العدم لكن يأخذ من تركة الميت ما فضل عن نصيبه، ولو أقر
الولد بزوجة وللميت أخرى فإن صدقته الأخرى فالثمن بينهما وإلا فللأخرى ولا غرم على
إشكال، ولو أقر الأخ من الأم بأخ إما من الأب أو من الأم أو منهما فكذبه الأخ من الأب فللمقر
حصته كملا وكذا لو أقر بأخوين من الأب أو منهما، ولو كانا من الأم فإنه يدفع إليهما ثلث
السدس لاعترافه بأنهما شريكان في الثلث لكل منهم تسع وفي يده تسع ونصف تسع
فيفضل في يده نصف تسع، ولو أقر الأخوان من الأم بأخ منها دفعا إليه ثلث ما في يدهما سواء
399

صدقهما الأخ من الأب أو كذبهما، ولو أقر به أحدهما خاصة دفع الثلث ما في يده ولا اعتبار
لتصديق الأخ من الأب أو تكذيبه لكن لو صدق وكان عدلا كان شاهدا فإن كان المقر عدلا
ثبت النسب وإلا فلا.
400

المقصد الرابع: في الوصايا: وفيه فصول:
الفصل الأول: في أركانها: ومطالبه أربعة:
المطلب الأول: الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الموت وتفتقر إلى:
إيجاب وهو كل لفظ دال على ذلك القصد نحو: أوصيت بكذا، أو: افعلوا كذا، أو:
أعطوا فلانا بعد وفاتي أو لفلان كذا بعد وفاتي، أو: جعلت له كذا. ولو قال: هو له، فهو إقرار
في الحال لا يقبل منه حمله على الإيصاء إلا أن يقرنه بما يفسد الإقرار كما لو قال: هو من مالي،
له فهو وصية. ولو قال: عينت له كذا، فهو كناية تنفذ مع النية. ولو قال: وهبته،
وقصد الوصية لا التنجيز فالأقرب صحة التفسير لأنه بمنزلة " ملكت ".
وقبول بعد الموت ولا أثر له لو تقدم وبهما ينتقل الملك مع موت الموصي ولا يكفي
الموت بدون القبول وبالعكس، ولا يشترط القبول لفظا بل يكفي الفعل الدال عليه،
ولا اتصال القبول فلو قبل بعد الموت بمدة أو في الحياة بعد مدة صح ما لم يرد، فإن رد في
حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته إذ لا اعتبار بذلك الرد، ولو رد بعد الموت قبل القبول
بطلت وإن كان بعد القبض، وبعده لا يبطل وإن كان قبل القبض على رأي، ولو كان بعده لم
تبطل إجماعا ولو رد بعضها صح فيما قبله، وفي رد رأس العبد مثلا إشكال ينشأ من بطلان
إفراده فيبطل الرد أو الوصية.
ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ولا يدخل في ملك الميت، فلو
401

أوصى بالحامل والحمل من الزوج له فمات قبل القبول فقبل الوارث لم ينعتق عليه
ولا على الوارث إلا أن يكون ممن ينعتق عليه ولا يرث إلا أن يكون جماعة ولو انعتق على
بعضهم كما لو كان الوارث ابنا وبنتا والحمل أنثى انعتق ثلثاها وورثت ثلثي سهم بنت مما
عداها خاصة بخلاف ما لو انعتق ثلثاه قبل الوفاة، ولو قبل أحد الوارثين ورد الآخر صح
في نصيب القابل فإن كان من ينعتق عليه عتق عليه وقوم الباقي.
وتصح مطلقة مثل: إن مت فثلثي للمساكين. ومقيدة مثل: إن مت في مرضي هذا
أو سفري هذا أو سنتي هذه أو بلدي فثلثي للمساكين. فإن برأ أو قدم أو خرجت السنة عليه
حيا أو خرج من بلده فمات بطلت المقيدة لا المطلقة.
ولو عجز عن النطق كفت الإشارة الدالة على المراد ولا يكفي الكتابة بدون الإشارة
أو اللفظ وإن عمل الورثة ببعضها على رأي سواء شوهد كاتبا أو اعترف بأنه خطه أو عرف.
ولو كب وصية وقال: اشهدوا علي بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي
فاشهدوا على بها، لم يجز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر به. فأما إن قرأه
الشاهد مع نفسه فقال له الموصي: قد عرفت ما فيه فاشهد على به، فالأقرب القبول وكذا
البحث في المقر.
وإذا رد الوصية رجع المال إلى التركة فإن عين بالرد واحدا وقصد تخصيصه
بالمردود لم يكن له ذلك أما لو رده في موضع يمنع فيه الرد فإن له تخصيص من شاء هبة
ويحصل الرد بقوله: رددت الوصية، أو: لا أقبلها، وما أدى معناه.
ولو كانت الوصية لغير معين كفى في التمليك الإيجاب والموت ولا يتوقف على القبول
كمن أوصى للفقراء وكذا لو أوصى للمصالح كعمارة مسجد، وهل القبول كاشف عن
انتقال الملك إلى الموصى له بعد الموت أو سبب فيه، إشكال ينشأ من انتفاء الملك عن الميت
وعدم دخوله في ملك الورثة لقوله تعالى: من بعد وصية، فلو لم ينتقل إلى الموصى له بقي بغير
مالك ومن كون القبول إما جزءا من السبب أو شرطا كقبول البيع، وانتفاء الملك عن الميت
ممنوع كما لو قتل وكالمديون وكما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته والآية يراد بها من
بعد وصية مقبولة والأقرب، الأول، ونمنع سببية القبول بل هو كاشف عن صحة الوصية
402

وفسادها، والمقتول والمديون ولا يملكان لكن الدين يتعلق بالتركة والدية تعلق الرهن
والصيد لا يملكه الميت فعلى الأول النماء المتجدد بين الموت والقبول للموصى له وللورثة
على الثاني.
ولو أوصي له بزوجته فأولدها بعد الموت وقبل القبول فالولد حر وأمه أم ولد على
الأول وعلى الثاني الولد رق للورثة، ولو مات الموصى له قبل القبول والرد فإن قبل وارثه
ملك الجارية والولد وعتق عليه إن كان ممن يعتق عليه على الثاني على قول الشيخ وتكون
الجارية أم ولد ويرث الولد أباه ويحجب القابل إن كان أخا على الأول ولا دور باعتبار أن
توريثه يمنع كون القابل وارثا فيبطل قبوله فيؤدى توريثه إلى عدمه لأنها نعتبر من هو وارث
حال القبول لولاه كالإقرار ولا يرث على الثاني ولا تصير أمه أم ولد.
ولو أوصي له بأبيه فمات فقبل ابنه فعلى الأول يثبت حريته من حين الموت فيرث
السدس ولا دور من حيث أنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم
بحريته وإذا لم يعتبر لم يعتق فيؤدى توريثه إلى إبطال توريثه لأنه أقر جميع الورثة وهم ابن
الابن بمشارك فيثبت نسبه ويرث وعلى الثاني يعتق الجد على ابن الابن ولا يرث.
ولو كان على الموصى له دين وقبل وارثه قضي منه الدين والوصايا ويعتق
من يعتق عليه على الأول دون الثاني، ولو وطئ الوارث قبل القبول فعليه المهر ولا تصير أم ولد
لو أحبلها على الأول دون الثاني، وزكاة الفطرة على الموصى له لو تخلل الهلال الموت والقبول
على الأول دون الثاني.
المطلب الثاني: في الموصي:
ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية. فلا ينفذ وصية الصبي وإن كان مميزا في
المعروف وغيره على رأي، ولا وصية المجنون مطلقا ولا السكران، ولو جرح الموصي نفسه
بما فيه هلاكها ثم أوصى لم يقبل، ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجها
وتحمل الرواية على عدم استقرار الحياة على إشكال أما لو أوصى ثم قتل نفسه فإنها تمضى.
403

ويصح وصية المبذر والمفلس، ولو أوصى العبد لم تصح فإن عتق وملك ففي النفوذ
إشكال، وينفذ وصية الكافر إلا بخمر أو خنزير لمسلم وفي الذمي إشكال، أو عمارة كنيسة
ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز، وينفذ وصية الأخرس بالإشارة المعقولة ولو عقل لسان
الناطق فعرضت عليه وصيته فأشار بها وفهمت إشارته صحت وصيته، ولو أوصى الفقير ثم
استغنى صحت وصيته، ولو قال العبد: متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان، فالأقرب الجواز.
وكل من عليه حق من مال أو غيره وجب عليه أن يوصي به إذا ظن الموت.
المطلب الثالث: الموصى له:
ويشترط فيه أمران: الوجود وصحة التملك. فلو أوصى لمعدوم لم يصح وكذا
للميت سواء علم بموته أو ظن حياته فبان ميتا أو لما تحمله المرأة أو لمن يوجد من أولاد فلان.
ويصح للحمل الموجود بأن يأتي به لأقل من ستة أشهر أو لأكثر مدة الحمل مع خلوها من
زوج ومولى، ولو كان بينهما وهي ذات زوج أو مولى لم تصح لعدم العلم بوجود حين
الوصية، وتستقر بانفصاله حيا فلو وضعته ميتا بطلت ولو مات بعد انفصاله حيا صحة
وكانت لورثته ويسقط اعتبار القبول هنا على إشكال ولو رد الولي للمصلحة فالأقرب
بطلان الوصية إن رد بعد الموت وكذا لو رد بعد بلوغه، وهل النماء المتجدد بين الوفاة والرد
تابع أو للموصى له إشكال؟
ولا تصح لمملوك الأجنبي ولا لمدبره ولا لأم ولده ولا لمكاتبه المشروط على إشكال
وغير المؤدى وإن أجاز مولاه ولو أعتق عند الاستحقاق ولا تكون وصية للمولى، ولو أدى
المطلق البعض صحة بنسبة الحرية، وفي الوصية للجزء الحر إشكال وتصح بالجزء الشائع
لعبد الموصي ومدبره ومكاتبه وأم ولده ثم يعتبر ما وصى به بعد خروجه من الثلث فإن كان
بقدر قيمته عتق ولا شئ له وكان الموصى به للورثة، وإن كانت قيمته أقل أعتق وأعطي
الفاضل وإن كانت أكثر سعى للورثة في الباقي وإن بلغت الضعف على رأي وفي المعين
إشكال.
404

ولو أوصى للدابة فإن قصد التملك أو أطلق بطل ولو قصد الصرف إلى علفها
فالأقرب الجواز، والأقرب التوقف على قبول المالك وحينئذ ففي الدفع إليه إشكال، فإن دفع
ففي جواز الصرف إلى غير العلف أشكال، والأقرب صحة الوصية للذمي وإن كان أجنبيا
والبطلان للحربي والمرتد، وتصح الوصية للأجنبي والوارث سواء أجاز بقية الورثة أو لا
ولو أوصى لأم ولده فالأقرب أنها تنعتق من الوصية لا من النصيب على رأي.
وإطلاق الوصية تقتضي التساوي في المتعدد فلو أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث
تساووا إلا أن يفضل وكذا لو أوصى لأعمامه وأخواله. ولو قال: على كتاب الله تعالى،
ضعف الأنثى وكذا الوقف.
ولو أوصى لقرابته فهو المعروف بنسبه ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا غنيا
أو فقيرا من قبل أب انتسب إليه أو من قبل أم بعيدا كان أو قريبا بالسوية وقيل: لمن يتقرب
إليه إلى آخر أب وأم له في الاسلام، ومعناه الارتقاء إلى أبعد جد في الاسلام وإلى فروعه
ولا يرتقي إلى آباء الشرك ولا يعطي الكافر وكذا لو قال: لقرابة فلان. ولو قال: لقرابة النبي
ص، فهو لأولاد عبد المطلب ولأولاد هاشم دون بني عبد شمس وبني نوفل
والأقرب دخول بني عبد المطلب هنا.
ولو أوصى لأقرب الناس إليه أو لأقرب أقاربه نزل على مراتب الإرث لكن يتساوى
المستحق فللذكر مثل الأنثى وللمتقرب بالأب مثل المتقرب بالأم وفي تقديم ابن العم من
الأبوين على العم من الأب هنا نظر وفي التسوية بين الأخ من الأم والأخ من الأبوين في العطاء
نظر.
ولو أوصى لجماعة من أقرب الناس إليه ووجد ثلاثة من أقرب الناس إليه فما زاد
في درجة واحدة أعطوا وفي جواز تخصيص ثلاثة به دون الزائد نظر، ولو لم يوجد ثلاثة في
درجة واحدة أكمل من الثانية أو الثالثة، فلو كان له ابن وأخ وعم تساووا، ولو كان له ابن
وثلاثة أخوة دخلوا أجمع في الوصية والأقرب إعطاء الابن الثلث.
ولو أوصى للعصبة دخل فيهم القريب والبعيد دون المتقرب بالأم خاصة، ولو أوصى
لأهل بيت فلان دخل فيه الآباء والأولاد والأجداد والأعمام والأخوال وأولادهم، ولو أوصى
405

لأهل فلان فهو لزوجته ويحتمل من يلزمه نفقته.
والذرية الأولاد وأولادهم ذكورا وإناثا وخناثى، والأختان أزواج البنات، والأصهار
آباء زوجاته وأمهاتهن، والآل القرابة والعترة الأقرب إليه نسبا وقيل: الذرية والعشيرة
القرابة، والقوم أهل لغته، والجيران من يلي داره إلى أربعين ذراعا على رأي.
ولو أوصى لمواليه وله من أحد الطرفين صرف إليه ولا يصرف إلى موالي أبيه ولو
اجتمعا الأعلى والأسفل فالأقرب البطلان ولو لم يكن له مولى ففي استحقاق مولى أبيه نظر
ينشأ من كونه ليس مولى له ومن المصير إلى المجاز عند تعذر الحقيقة، فإن أعطيناه فلو
كان له موال ولأبيه موال فمات مواليه قبله لم يعط مولى أبيه بخلاف ما لو أوصى لأقرب
الناس إليه وله ابن وابن ابن فمات الابن في حياته فإنه لابن الابن.
ولو أوصى المسلم لأهل قرية أو للفقراء فهو للمسلمين من أهل القرية ومن الفقراء
دون الكفار ولو كان جميع القرية كفارا صحت إن كانوا أهل ذمة ولو كان الأكثر أهل ذمة ففي
تخصيص المسلمين نظر.
ولو أوصى الكافر للفقراء صرف إلى فقراء أهل نحلته وكذا لو أوصى لأهل قريته
وإن كانوا كفارا ولو كان فيها مسلمون ففي دخولهم نظر ولو لم يكن فيها إلا المسلمون صرف
إليهم، ولو أوصى للجارح صحت وإن سرت ولا تبطل وكذا القاتل على إشكال وكذا لو
قتلت المستولدة سيدها فإنها تعتق وكذا المدبر وذو الدين المؤجل.
ولو أوصى لأصناف الزكاة ولمستحقيها فالأقرب استحقاق كل صنف ثمن الوصية
والاكتفاء بواحد من كل صنف، ولو أوصى للفقراء دخل فيهم المساكين وبالعكس على
إشكال أما لو أوصى للفقراء بعشر وللمساكين بخمس وجب التمييز ولو مات الموصى له
قبل الموصي قيل: بطلت، وقيل: إن لم يرجع فهي لورثة الموصى له فإن لم يكن له وارث
فلورثته الموصي.
ولو قال: أعطوا فلانا كذا، ولم يبين ما يصنع به صرف إليه يعمل به ما شاء. ولو
أوصى في سبيل الله فالأقرب صرفه إلى ما فيه قربة وقيل: يختص الغزاة ويستحب الوصية
للقرابة وارثا كان أو غيره.
406

فروع:
أ: لو أوصى لعبده برقبته احتمل ضعيفا البطلان والصرف إلى التدبير.
ب: لو أوصى لمكاتبه فالأقرب أنه كالعبد وحينئذ فالأقرب اعتبار أقل الأمرين من
القيمة ومال الكتابة فإن ساواه الموصى به عتق.
ج: لو أوصى لحمل امرأة من زوجها فنفاه باللعان بطلت على إشكال وكذا لو أوصى
لولد فلان وأشار إلى المعين فكذبت النسبة والأقرب البطلان مع تعلق غرضه بها.
د: لو أوصى بعين لحي وميت أو للملك أو للحائط مع علمه احتمل تخصيص الحي
بالجميع أو بالنصف ولو جهل فالنصف وكذا لو مات أحدهما بعد الوصية لهما أو قال:
أوصيت لكل من فلان وفلان بنصف المائة، فإن الحي يستحق النصف.
ه‍: لو أوصى بشئ لزيد وللمساكين احتمل أن يكون لزيد النصف والربع وكواحد
منهم أما المساكين فلا يعطي أقل من ثلاثة.
و: لو قال: اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوهم لم يجز الصرف إلى المكاتبين.
ز: لو أوصى لحمل فاتت به لأقل من ستة أشهر استحق فإن ولدت آخر لأقل من ستة
أشهر من ولادة الأول شاركه لتحقق وجوده وقت الوصية.
ح: لو أوصى للمسجد صرف إلى مصالحه سواء أطلق أو عينه أما لو قصد التملك
فإنه يبطل.
407

ط: لو أوصى لكل وارث بقدر نصيبه فهو لغو ولو خصص كل واحد بعين هي قدر
نصيبه فالأقرب الافتقار إلى الإجازة لظهور الغرض في أعيان الأموال وكذا لو أوصى أن
يباع عين ماله من انسان بنقد بثمن المثل، ولو باع عين ماله من وارثه بثمن المثل نفذ.
ي: في اشتراط التعيين إشكال فإن لم نقل به لو أوصى لأحد هذين احتمل تخيير
الوارث والقرعة وفي التشريك بعد ولو
أوصى لمنكر كرجل تخير الوارث لتعذر القرعة ولو أوصى لمن يصدق عليه بالتواطئ كالرجل ولمن شاء عم.
يا: لو أوصى لمن يتعذر حمل اللفظ عليه حقيقة فالأقرب صرفه إلى المجاز كما لو
أوصى لأولاده وله أولاد أولاد لا غير أو لآبائه وله أجداد إلا في مثل الدابة فإنه لا ينصرف
إلى البليد إلا لقرينة لأن الحقيقة هنا ممكنة أقصى ما في الباب أنه يقتضي بطلان الوصية وهو
حكم شرعي فلا يخرج اللفظ باعتباره عن حقيقته ومن ثم لم تحتمل الوصية للموالي على
المجاز وهو إرادة المعنيين على الأقوى والفرق بين الموالي وبين أحد هذين ظاهر فإن الثاني
متواطئ.
يب: لو أوصى للحمل فوضعت حيا وميتا صرف الجميع إلى الحي مع احتمال
النصف وكذا لو أوصى لأحد هذين وجوزنا الوصية المبهمة ومات أحدهما قبل البيان.
المطلب الرابع: الموصى به:
وهو كل مقصود يقبل النقل ويشترط أن يكون موجودا مختصا بالموصي منتفعا به
غير زائد على الثلث إلا مع إجازة الوارث ولا يشترط كونه مالا ولا معلوما ولا معينا
ولا مقدورا على تسليمه. ولا نعني بالموجود كونه موجودا بالفعل حال الوصية بل ما يمكن
وجوده فلو أوصى بما تحمله الجارية أو الدابة أو الثمرة المتجددة في العام المقبل أو بأجرة
408

سكنى السنة المستقبلة صح لأنها في تقدير الوجود.
ولو أوصى بالمنافع صحت وإن لم يكن مالا لمساواتها له في الانتفاع، ولو أوصى
بالمجهول أو بالآبق أو بالمغصوب صح، ولو أوصى بمال الغير لم يصح لعدم
الاختصاص، ولو أوصى بالمشترك صح في نصيبه لاختصاصه به، ولو أوصى بالخمر
والخنزير وكلب الهراش وطبل اللهو لم يصح، ولو أوصى بما ينتفع به في ثاني الحال كالخمر
المحترمة التي يرجى انقلابها والجر والقابل لتعليم الصيد فالأقرب الجواز وكذا لو أوصى
بالزبل أو المجهول كأحد العبدين أو بالقسط والنصيب وكلما ينتقل إلى الوارث
إلا القصاص وحد القذف فإنه لا يقع للموصى له وإن انتقل إلى الوارث لأن المقصود هو
التشفي يحصل للوارث دونه.
ولو أوصى بكلب ولا كلب له لم تصح لتعذر شرائه إن منعنا بيعه مطلقا وإلا اشترى
له ما يصح بيعه وعلى الأول لو كان له كلاب ولا مال له فوجه اعتباره من الثلث تقدير
القيمة لها ويحتمل التقدير بتقويم المنفعة واعتبار العدد، ويتعذر الأولان لو أوصى ذو الكلب
وطبل اللهو وزق الخمر بأحدها ولا مال سواها ولو كان له سواه نفذت الوصية وإن قل لأنه
خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له.
ولو أوصى بطبل لهو بطل إلا أن يقبل الإصلاح للحرب أو غيره مع بقاء الاسم ولو لم
يصلح إلا برضه لم تصح فإن الوصية لا تنزل على الرضاض لاعتمادها اسم الطبل، ولو
كان الرضاض من ذهب أو عود كان هو المقصود فتنزل الوصية عليه فكأنه أوصى
برضاضة، ولو أوصى
برضاضه صحت كأنه قال: يكسر الطبل ويعطي رضاضه.
ويشترط أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث الموجود عند الموت، ويستحب
التقليل فالربع أفضل من الثلث والخمس أفضل من الربع وهكذا، فلو أوصى بأزيد من
الثلث فإن أجاز الورثة صحت وإن منعوا بطلت ولو أجاز بعض الورثة نفذت الوصية في
قدر حصته من الزيادة ولو أجازوا بعض الزائد صح خاصة.
ولو أوصى ببيع تركته بثمن المثل ففي اشتراط الإجازة إشكال. والإجازة تنفيذ لفعل
الموصي لا ابتداء عطية فلا يفتقر إلى قبض ويكفي أجزت أو أنفذت وشبهه، فلو أعتق عبدا
409

لا مال له سواه أو أوصى بعتقه فأجاز الورثة فالولاء كله لعصبته دون عصبة الوارث،
ولا فرق بين أن يكون الموصي مريضا أو صحيحا، وتنفذ الإجازة إن وقعت بعد الموت إجماعا
وفي نفوذها قبله قولان.
ولا يصح الإجازة إلا من جائز التصرف فلا تنفذ إجازة المجنون والصبي
والسفيه، وتصح من المفلس، ويعتبر الثلث وقت الوفاة لا الوصية سواء كانت الوصية
بمعين أو بجزء مشاع أو لا، فلو أوصى الغني ثم افتقر أو الفقير ثم استغنى فالحكم
بحالة الموت ولو قتل خطأ أو استحق أرشا خرجت الوصية من ثلث تركته وثلث ديته وأرشه
وكذا العمد إذا تراضوا بالدية.
ولو أوصى بالمضاربة بتركته على أن نصف الربح للوارث صح ولو أوصى بواجب
وغيره بدئ بالواجب من صلب المال والباقي من الثلث إن لم يجز الوارث ويبدأ بالأول
فالأول مع القصور، ولو كان الجميع غير واجب بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث
ويبطل الزائد إن لم يجز الوارث.
ولو أوصى لزيد بثلث ولعمرو بربع ولخالد بسدس ولم تجز الورثة صحت وصية زيد
خاصة، ولو أوصى بثلثه لزيد وبثلثه لعمرو كان رجوعا على إشكال، فإن اشتبه الأول أقرع،
ولو أوصى بمعين زائد عن الثلث لاثنين ولم يجز الورثة فلهما منه بقدر الثلث ولو رتب أعطي
الأول وكان النقص على الثاني سواء أوصى لكل منهما بشئ منه أو أوصى لكل منهما بشئ
منفرد، ولو أجازوا وصية النصف ثم ادعوا ظن القلة صدقوا مع اليمين، ولو كانت الوصية
بمعين فادعوا ظن أنه الثلث أو ما زاد بيسير أو أن المال كثير أو أنه لا دين لم يقبل منهم ويحتمل
القبول.
وإذا أوصى بالثلث لزيد كان له من كل شئ ثلثه، ولو أوصى بمعين يخرج من الثلث
ملكه الموصى له بالقبول بعد الموت بغير اختيار الورثة فإن كان هو الحاضر فله التصرف في
الثلث ويقف الباقي حتى يحضر الغائب لأنه معرض للتلف ويحتمل منعه من التصرف وإن
كان مستحقا بكل حال لأن حق الوارث التسلط على ضعف تسلطه وهو غير ممكن هنا.
410

تنبيه:
لو اشتملت الوصية أو المنجز في مرض الموت على كل تقدير التصرف في أكثر من
الثلث احتمل البطلان لأنها وصية بغير المعروف والصحة ويكون النقص كالإتلاف
ونقص السوق كما لو كانت قيمة العين ثلاثين ولا شئ سواها ورجعت بالتشقيص إلى
عشرة أو باعه أو أعتقه فرجع بالشركة في أقل جزء إلى عشرة، وكذا الإشكال لو أوصي له
بأحد مصراعي باب أو أحد زوجي خف قيمتهما معا ستة وكل واحد اثنان ومع البطلان
لا عبرة بإجازة بعض الورثة أما نقص القيمة بتشقيص الورثة فكالإتلاف في الإرث وفي
الوصية فتصح حينئذ وتؤثر الإجازة.
الفصل الثاني: في الأحكام: ومطالبه ثلاثة:
المطلب الأول: الأحكام الراجعة إلى اللفظ: وفيه بحثان:
البحث الأول: الموصى به:
لو أوصى بالحامل لم يدخل الحمل ولو أوصى بالحمل لم تدخل الأم ولو سقط بجناية
جان صحت وعوض الجنين للموصى له بخلاف ما لو أوصى له فانفصل بالجناية ميتا، ولو
سقط ميتا بطلت الوصية به وكانت مؤنة التجهيز على الورثة، ولو تعدد دخلا معا ولا بد من
وجوده حال الوصية فلو شككنا في وجوده بطلت، ويرجع في الأمة إلى ضابط الشرع وأما
البهائم فتختلف باختلاف أجناسها فيرجع فيها إلى العادة. أما لو أوصى بما تحمل لم يشترط
الوجود.
ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم صرف إلى المحلل، ولو أوصى بكلب
نزل على المنتفع به ولو لم يكن له سوى غيره يشترى له، ولو أوصى بطبل من طبوله وله طبل
لهو وطبل حرب نزل على الحرب ولو لم يكن له إلا طبل لهو لا يصلح إلا له بطلت، وكذا لو
أوصى بالمحرم ويمكن إزالته عن صفته المحرمة كالعود أما لو لم يمكن فإنها تبطل، أما لو
411

قال: طبلا من مالي، فإنه يشترى له طبل حرب.
ولو أوصى له بدف صحت وإذا أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو وعود
بناء وعود قوس بطلت لأنه في عود اللهو أظهر. وفيه إشكال والضابط أن كل لفظ يقع على
أشياء وقوعا متساويا - أما لكونه مشتركا أو لكونه متواطئا - فإن للورثة الخيار في تعيين
ما شاؤوا ويحتمل في المشترك القرعة ويحمل على الظاهر كالحقيقة دون المجاز.
ولو أوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب والنبل - وهي العربية - والحسبان
- وهي فارسية لها مجرى من قصب يجعل فيها سهام صغار ويرمى بها - دون قوس الندف
ودون الجلاهق - وهو قوس البندق - ويتخير الوارث ولو وجدت قرينة حملت على ما دلت
عليه، ولو قال: قوس الرمي إلى الطير، أعطي الجلاهق. ولو قال: أعطوه قوسا من قسيي
وله قوس ندف وبندق أعطي قوس البندق لأنه أسبق إلى الفهم ولو لم يكن إلا قوس ندف
أعطي منها. أما لو قال: قوسا، فالأقرب أنه يشترى له والأقرب دخول الوتر إن كان موجودا
وإلا فلا. ولو قال: أعطوه قوسي، ولا قوس له إلا واحدة انصرفت الوصية إليه من أي
الأجناس كان.
ولو أوصى له برأس من مماليكه تخير الوارث في إعطاء الصغير والكبير
والصحيح والمعيب والذكر والأنثى والخنثى والمسلم والكافر فإن امتنع أعطي الأقل فإن
تساووا فالقرعة، وكذا لو قال: اشتروا له من مالي رأسا. ولو قال: أعطوه رأسا من رقيقي،
وماتوا أو قتلوا على إشكال قبل الوفاة بطلت ولو قتلوا بعدها لم تبطل وكان للموصى له
مطالبة الجاني بقيمة من يعينه الوارث، ولو أعتقهم الموصي بطلت ولو بقي واحد تعين
للوصية ولو لم يكن له رقيق حال الوصية بطلت. أما لو قال: أعطوه رأسا من الرقيق
أو اشتروا له من مالي أو أوصيت له بعبد من مالي، لم تبطل. ولو قال: أعطوه عبدا من مالي،
وله عبد تخير الوارث بينه وبين الشراء.
ولو أوصى بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا صرفت الوصية إلى الثلث الباقي
. ولو قال: أعطوه عبدا من عبيدي، ولا عبيد ثم تجدد له قبل الموت احتمل الصحة كما لو قال: أعطوه
ألفا، ولا مال له ثم تجدد، أو: أعطوه ثلث مالي، وله درهم ثم ملك مالا كثيرا والمنع اعتبارا
412

بحال الوصية. وكذا لو كان له مماليك ثم ملك آخرين فإن أبطلنا الأول تعين حقه في الأولين
وإلا تخير الوارث ولو لم يكن له سوى واحد ومات عنه فعلى البطلان يحتمل الصحة هنا.
ولو أوصى له بشاة أجزأ الذكر والأنثى والخنثى - لأن التاء للوحدة وأصلها شاهة لأن
تصغيرها شويهة - والصغير والكبير والصحيح والمعيب والضأن والمعز ولا يجزئ
الظبي. والبعير يدخل فيه الصغير والكبير ففي دخول الأنثى إشكال أقربه كالإنسان، أما
الجمل فكالرجل والناقة كالأنثى والبكرة بمنزلة الفتاة والبكر بمنزلة الفتى، والثور للذكر
والبقرة للأنثى وفي دخول الجاموس في البقر نظر ولا تدخل بقرة الوحش، ولا تدخل في
الكلب ولا في الحمار الأنثى، والدابة اسم للخيل والبغال والحمر فإن تخصص عرف بلد
بالفرس أو بغيره حمل عليه ولا يدخل السرج ولا الثوب في العبد.
ولو أوصى بدار اندرج ما يدخل في البيع فإن انهدمت قبل موته ففي انقطاع
الوصية إشكال ينشأ من عدم تناول الاسم له ومن دخول العرصة والنقض في الوصية،
ولو انهدم بعضها لم تبطل وكذا بعد الموت وإن كان قبل القبول، ولو زاد في عمارتها لم يكن
رجوعا بخلاف طحن الحنطة. والجمع يحمل على الثلاثة فلو قال: أعتقوا رقابا، فأقله ثلاثة
فإن وفي الثلث باثنين وبعض الثالث اشترى البعض على إشكال فإن وفي بخسيسين وبعض
ثالث أو بنفيسين فالأقرب الأول.
تنبيه:
الجمع بصيغة أقله يجزئ فيه الثلاثة مطلقا وكذا بصيغة أكثره مع الإطلاق ومع
التقيد يجب الأزيد إذا احتمله القيد وإن كان أخس فيجب الخمسة الخسيسة ولا يجزئ
عتق الأربعة النفيسة المساوية قيمة.
413

البحث الثاني: في الموصى له:
لو قال: إن كان حملها غلاما أو إن كان الذي في بطنها غلاما أو إن كان ما في بطنها أو
كل حملها فأعطوه، فولدت غلامين أو جاريتين أو جارية أو غلاما وجارية بطلت. ولو قال:
إن كان في بطنها غلام، استحق الغلام دون الجارية. وإن ولدا ولو ولدت غلامين احتمل
تخيير الوارث والتشريك والإيقاف حتى يصطلحا فإنه متداعى بينهما، وكذا لو قال: أوصيت
لأحدهما، ثم مات قبل البيان ويحتمل الفرق هنا.
ولو أوصى للقراء فهو لمن يحفظ جميع القرآن والأقرب عدم اشتراط الحفظ عن ظهر
القلب، والعلماء تنزل على العلماء بعلوم الشريعة فيدخل التفسير والحديث والفقه
ولا يدخل سامع الحديث إذا لم يعلم طريقه ولا الأطباء ولا المنجمون ولا المعبرون ولا الأدباء.
ولو أوصى لزيد ولجبرئيل ع أو لزيد والريح أو الحائط فالنصف لزيد
والباقي باطل ويحتمل صرف الكل إلى زيد في الأخيرين إذ الإضافة إلى الريح والحائط باطلة
بخلاف جبرئيل ع. ولو قال: لزيد ولله، احتمل صرف الكل إلى زيد فيكون ذكر
الله تعالى تأكيدا لقربة الوصية وصرف سهم الله إلى الفقراء فإنهم محل حقوقه.
ولو أوصى لأقارب علوي معين في زمانه ارتقى في بني الأعمام من أقاربه إلى أقرب جد
ينسب إليه الرجل فيرتقي إلى بني علي ع دون بني عبد المطلب وعبد مناف، وبعد
زمانه لا يصرف إلا إلى أولاد ذلك العلوي ومن ينسب إليه لا إلى على ع.
ولو أوصى لأقاربه دخل الوارث وغيره، ولو أوصى لأقارب أقاربه دخل فيه الأب
والابن، ولو أوصى لغير المنحصر كالعلويين صح ولا يعطي أقل من ثلاثة ولا يجب تتبع من
غاب عن البلد وهل يجوز التخصيص إشكال وكذا جواز التفضيل، أما لو أوصى لثلاثة
معينين فإنه يجب التسوية.
ولو أوصى لبني فلان وهم منحصرون اختص بالذكور ولو كانوا منتشرين دخل
الإناث. ولو أوصى للأرامل فهو لمن مات عنهن أزواجهن أو بن عنهم بسبب. ولو أوصى للأخوة
لم تدخل الأخوات، ولو أوصى للأيتام لم يدخل البالغ ولا من له أب، ولو أوصى لورثة فلان ومات
414

عن غير وارث بطلت وفي الموالي إشكال.
ولو قال: لعصبة زيد، فمات الموصي وزيد حي أعطي عصبته، ولو قال: لورثته
بطلت ولو أوصى للشيوخ صرف إلى من جاوز الأربعين، وللشبان إلى من جاوز البلوغ إلى
الثلاثين، وللكهول لمن بلغ الأربعين، وللغلمان والصبيان من لم يبلغ. ولو أوصى لأعقل
الناس صرف إلى الزهاد والعلماء، ولو قال: لأحمقهم، تبع العرف.
المطلب الثاني: في الأحكام المعنوية:
لو أوصى بخدمة عبده أو أجرة داره أو ثمرة بستانه صح من الثلث أيضا وهي
تمليك لا عارية فلو مات الموصى له ورث عنه ويصح إجارته وإعارته ولا يضمن العبد إذ
أتلف في يده بغير تفريط، وإذا أوصى له بمنافعه ملك جميع اكتساب العبد من الاصطياد
والاحتطاب فإن عتق فإشكال. وفي تملك ولد الجارية وعقرها إشكال ينشأ من بطلان
الوصية بمنفعة البضع وكون الولد جزء من الأم يتبعها في الأحكام ومن كون ذلك كله من
المنافع وهل يملك الوطئ؟ الأقرب المنع، ويمنع أيضا الوارث منه فإن وطئ أحدهما فهو شبهة
لا حد عليه وتصير أم ولد لو حملت من الوارث لا من الموصى له، وإذا منعنا من تملك الولد
فالأقرب سقوط الخدمة عنه، ولو وطئت للشبهة فعلى الواطئ العقر للموصى له على
إشكال، وإن أتت بولد فهو حر وعلى الواطئ قيمته. فإن قلنا: الموصى له يملك الولد،
فالقيمة له وإلا فللوارث ولو ولدت من الموصى له فهو حر وعليه القيمة وفي المستحق
ما تقدم، وهل له المسافرة بالعبد الموصى بخدمته؟ الأقرب ذلك وليس للعبد التزويج
إلا برضاهما.
وإذا قتل الموصى بخدمته أبدا ووجب القصاص بطلت الوصية وكان المطالب
بالقصاص الوارث، ولو كان القتل موجبا للقيمة احتمل صرفها إلى الوارث لانتهاء
الوصية بانتهاء العمر وشراء عبد حكمه ذلك وتقسيطها بينهما بأن يقوم المنفعة المؤبدة
والعين المسلوبة المنفعة ويقسط عليهما، ولو قطع طرفه احتمل أرشه التقسيط واختصاص
415

الوارث ولو لم ينقص به المنفعة كالأنملة فللوارث.
ولو جنى العبد قدم حق المجني عليه على الموصى له فإن بيع بطل حقه وإن فداه
الوارث استمر حقه وكذا إن فداه الموصى له، وهل يجبر المجني عليه على القبول؟ إشكال
ينشأ من تعلق حق الموصى له بالعين ومن كونه أجنبيا عن الرقبة التي هي متعلق الجناية
وكذا المرتهن.
وتصح الوصية بالمنفعة مؤبدة بالخدمة من مدة وموقتة ومطلقة والأقرب تخيير
الوارث، ولو قيدها بالعام المقبل فمرض بطلت، ولو قيدها بوقت مطلق كسنة من السنين
تخير الوارث ويعتبر جميع قيمته في الحالين فيخرج التفاوت من الثلث لأنه لا يتعين له سنة
حتى يعتبر منفعتها ولا يملك الوارث بيعه إن كانت مؤبدة أو مجهولة، ولو كانت موقتة جاز
بيعه، وهل يجوز في المؤبدة بيعه من الموصى له؟ نظر، ويملك عتقه مطلقا ولا يخرج استحقاق
الموصى له وفي الاجزاء عن الكفارة إشكال، وفي صحة كتابته إشكال ينشأ من امتناع
الاكتساب عليه لنفسه ومن إمكان أخذ المال من الصدقات، وليس له الوصية بمنفعته
ولا إجارته وله أن يوصي برقبته، وهذه المنافع تحسب من الثلث إجماعا لأنها تنقص قيمة
العين وإن كنا لا نقضي الديون من المنافع المتجددة بعد الموت، ولا تقع موروثة بل يملكها
الوارث،
فإن كانت مؤبدة يحتمل خروج قيمة العين بمنافعها من الثلث لسقوط قيمتها إذا
كانت مسلوبة المنفعة والحيلولة مؤبدة فكأنها الفائتة إذ عبد لا منفعة له وشجرة لا ثمرة لها
لا قيمة لها غالبا، وتقويم الرقبة على الورثة والمنفعة على الموصى له فيقوم العبد بمنفعته فإذا
قيل: مائة، قوم مسلوب المنفعة. فإذا قيل: عشرة، علم أن قيمة المنفعة تسعون.
ولو كانت موقتة قومت مع المنفعة تلك المدة وبدونها فينظر كم قيمتها؟ ولو
اشتمل على منفعتين كالغزل والنساجة وأوصى بإحداهما صح وأمكن هنا التقويم والأقرب
البناء على العادة في استيفاء إحدى المنفعتين، ولو انتفت وقصد الدوام وعدم استيعاب
الأوقات فإشكال. ولو أوصى باللبن دون الصوف قومت المنفعة خاصة لبقاء العين منتفعا
بها وهل يحسب ما يبقى من القيمة للتوفية على الورثة من التركة فيه إشكال ينشأ من
416

الحيلولة المؤبدة، ونفقة العبد والحيوان الموصى بخدمته وفطرته على الوارث في الموقتة وفي
المؤبدة إشكال وبعد العتق على العبد. ولو أسقط الخدمة مطلقا أو موقتة فللوارث.
ولو أوصى لأحدهما بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة عليهما فإن امتنع أحدهما
احتمل إجباره إذ في تركه ضرر وإضاعة للمال وعدمه إذ لا يجبر على الانفاق على مال نفسه
ولا مال غيره، ولو أوصى لأحدهما بفص خاتم ولآخر به فليس لأحدهما الانتفاع بدون
صاحبه ولو طلب صاحب الفص قلعه أجبر عليه. ولو احتاجت النخلة الموصى بثمرتها إلى
السقي أو الدار الموصى بمنفعتها إلى العمارة لم يجبر أحدهما لو امتنع.
ولو أوصى بالرقبة لواحد وبالمنفعة لآخر قومت الرقبة على الأول والمنفعة على
الثاني، ولو أوصى له من غلة داره بدينار وغلتها ديناران صح فإن أراد الوارث بيع نصفها
وترك النصف الذي أجره دينار كان له منعه لجواز نقص الأجرة عن الدينار، ولو لم يخرج
الدار من الثلث فللوارث بيع الزائد وعليهم ترك الثلث، فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهي
للموصى له وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة.
ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين فإن فضل من التركة ما يسع ثلثه قيمة
العبد عتق وإلا عتق ما يحتمله وسعى في الباقي، ولو لم يبق شئ بطلت، وقيل: إن كانت
قيمته ضعف الدين عتق وسعى في خمسة أسداس قيمته ثلاثة للديان وسهمان للورثة وإن
كانت أقل بطلت وكذا لو نجز عتقه في مرض الموت.
ولو أوصى بعتق مماليكه دخل ما يملكه منفردا ومشركا فيعتق النصيب ويقوم عليه
من الثلث على إشكال، ولو أوصى بعتق عبيده ولا تركة غيرهم عتق ثلثهم بالقرعة ولو رتب
بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث. ولو أوصى بعتق عدد معين من عبيده ولم يعينهم
استخرج العدد بالقرعة إلى أن يستوفى الثلث ويحتمل تخيير الورثة ولو أعتق ثلث عبده
منجزا عند الوفاة عتق أجمع إن خرجت قيمته من الثلث وإلا المحتمل ولو أعتقه أجمع
ولا شئ سواه عتق ثلثه.
ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب فإن تعذر قيل: أعتق من لا يعرف بنصب، ولو
أعتق بظن الأيمان فظهر الخلاف أجزأ عن الموصي. ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فتعذر لم
417

يجب الشراء بأزيد ولو وجد بأدون أجزأ عند الضرورة فيعتق ويعطي الباقي. ولو أوصى
بجزء من ماله فالسبع وقيل: العشر، والسهم الثمن والشئ السدس وما عدا ذلك يرجع
إلى تعيين الوارث فيقبل وإن قل كقوله: أعطوه حظا من مالي أو نصيبا أو قسطا أو قليلا
أو جزيلا أو يسيرا أو عظيما أو جليلا أو خطيرا. ولو ادعى الموصى له تعيين الموصي فالقول
قول الوارث مع يمينه إن ادعى علمه وإلا فلا يمين، ولو قال: أعطوه كثيرا، فكذلك وقيل:
يحمل على النذر ولو قال: أعطوه جزء جزء من مالي، احتمل سبع السبع أو عشر العشر
وما يعينه الوارث.
ولو أوصى بأشياء فنسي الوصي شيئا منها صرف قسطه في وجوه البر وقيل: يصير
ميراثا. ولو أوصى بسيف معين دخلت الحلية والجفن إن كان في غمده على إشكال. ولو
أوصى له بسفينة أو صندوق أو جراب قيل: دخل المظروف. ولو أوصى باخراج بعض ولده
من التركة لم يصح وهل يكون وصية لباقي الورثة بالجميع أو يلغوا لفظه؟ إشكال. ولو
قال: حجوا عني بألف، وأجرة المثل أقل فالزيادة وصية للنائب فإن كان معينا صح وكذا
إن كان مطلقا ولو امتنع المعين في الندب احتمل البطلان. ولو قال: اشتروا عشرة أقفزة
بمائة وتصدقوا بها فوجد عشرة أجود أنواعها بثمانين فالعشرون للورثة لا للبائع.
ولو أوصى بثلثه للفقراء وله أموال متفرقة جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه ولو
صرف الجميع في فقراء بلد الموصي أو غيره أجزأ ويدفع إلى الموجودين في البلد ولا يجب تتبع
الغائب. ولو قال: أعتقوا رقابا، وجب ثلاثة إلا أن يقصر الثلث فيعتق من يحتمله، ولو
كان واحدا ولو قصر فالأقرب عتق شقص إن وجد وإلا صرف إلى الورثة أو يتصدق به
على إشكال وكذا الإشكال لو أوصى بشئ في وجه فتعذر صرفه فيه.
ولو أوصى له بعبد ولآخر بتمام الثلث صح، ولو ذهب من المال شئ فالنقص على
الثاني، ولو حدث عيب في العبد قبل تسليمه إلى الموصى له فللثاني تكملة الثلث بعد وضع
قيمة العبد صحيحا لأنه قصد عطية التكملة والعبد صحيح بخلاف رخصه، ولو مات العبد
قبل الموصي بطلت وصيته وأعطي الآخر ما زاد على قيمة العبد الصحيح، ولو كانت قيمته
بقدر الثلث بطلت الثانية، ولو قبل المريض الوصية بأبيه عتق عليه من أصل المال لأنا نعتبر
418

من الثلث ما يخرج من ملكه وهنا لم يخرجه بل بالقبول ملكه وانعتق تبعا لملكه، وكذا لو ملكه
بالإرث أما لو ملكه بالشراء فإنه يعتق من الثلث على الأقوى والأقرب في الاتهاب أنه كالإرث
لأنه عتق مستحق ولا عوض في مقابلته فحينئذ لو اشترى ابنه وهو يساوى ألفا بخمس مائة
فالزائد محاباة حكمه حكم الموهوب.
ولو أوصى بالحج تطوعا فهي من الثلث ولو كان واجبا فهي كالدين لا حاجة فيه
إلى الوصية لكن لو قال: حجوا عني من ثلثي، كانت فائدته زحمة الوصايا بالمضاربة ولا يقدم
على الوصايا في الثلث، ثم إن لم يتم الحج بما حصل من المضاربة كمل من رأس المال
فيدخلها الدور، فإذا كانت التركة ثلاثين وكل من أجرة المثل والوصية عشرة أخرج من
الأصل شئ هو تتمة الأجرة يبقى ثلاثون إلا شيئا ثلثها عشرة إلا ثلث شئ فللموصى له
خمسة إلا سدس شئ، وكذا للحج فإذا ضم إليه الشئ صار للحج خمسة وخمسة أسداس
شئ يعدل عشرة فالشئ ستة فللموصى له أربعة.
المطلب الثالث: في الأحكام المتعلقة بالحساب: وفيه بحثان:
البحث الأول: فيما خلا الاستثناء: وفيه مقامان:
المقام الأول: إذا كان الموصى له واحدا:
إذا أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته وأطلق فإن تساووا فله مثل نصيب أحدهم
مزادا على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن تفاضلوا فله مثل نصيب أقلهم
ميراثا يزاد على فريضتهم، وإن أوصى بمثل نصيب واحد معين فله مثل نصيبه مزادا على
الفريضة فإن زاد على الثلث ولم تجز الورثة أعطي الثلث، فلو كان له ابن أو بنت فأوصى
بمثل نصيبه فإن أجاز فله نصف التركة وإن رد فله الثلث وسواء كان الموصى له أحد
الورثة أو أجنبيا، ولو كان له ابنان فأوصى له بمثل نصيب أحدهما فله الثلث، ولو كانوا
ثلاثة فله الربع، ولو كانوا أربعة فله الخمس وهكذا.
وطريقه أن نصحح مسألة الفريضة ونزيد عليها مثل نصيب من أضيف الوصية إلى
419

نصيبه، فلو كان له ابن وبنت وأوصى بمثل نصيب الابن فله سهمان من خمسة إن أجاز،
ولو قال: مثل نصيب البنت، فله الربع. ولو كان له ثلاثة بنين وثلاث بنات وأوصى له بمثل
سهم بنت أو أحد وارثه فله العشر، ولو قال: مثل نصيب ابن، فله سهمان من أحد عشر.
ولو قال: مثل نصيب بنتي، وله مع البنت زوجة فأجازتا فله سبعة من خمسة عشر وكذا
البنت وللزوجة سهم واحد. ولو قال: مثل نصيب الزوجة، فله التسع ولو كانت الزوجات
أربعا فله سهم من ثلاثة وثلاثين وكذا لو كان مع الزوجات ابن ولو أوصى بمثل نصيبه
فأجاز الورثة ففريضة الورثة من اثنين وثلاثين تضيف إليها ثمانية وعشرين هي سهام
الموصى له فيصير ستين.
ولو أوصى لأجنبي بنصيب ولده احتمل البطلان والصرف إلى المثل، ولو أوصى
بمثل نصيب ابنه وكان قاتلا أو كافرا بطلت على رأي، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ولا ابن
له بطلت، ولو أوصى بمثل نصيب وارث مقدر أعطي ما لو كان موجودا أخذه، فلو خلف
ابنين وأوصى بمثل نصيب ثالث لو كان فله الربع، ولو كانوا ثلاثة فله الخمس ويحتمل أن
يكون له الثلث مع الاثنين والربع مع الثلاثة. ولو قال: مثل نصيب بنت لو كانت، وله ثلاثة
بنين فالثمن.
ولو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن وبنت فإن أجازا فالفريضة من خمسة وإن ردا
فمن تسعة، ولو أجاز أحدهما ورد الآخر ضربت مسألة الإجازة في مسألة الرد يبلغ خمسة
وأربعين، فمن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في مسألة الرد، ومن رد ضربت
نصيبه من مسألة الرد في مسألة الإجازة، فإن أجاز الابن فله ثمانية عشر حاصلة من
ضرب اثنين في تسعة وللبنت عشرة حاصلة من ضرب اثنين في خمسة وتبقى سبعة عشر
للموصى له. ولو أجازت البنت فلها تسعة حاصلة من ضرب واحد في تسعة وللابن عشرون
حصلت من ضرب أربعة في خمسة وللموصى له ستة عشر وهذا ضابط في كل ما يرد من
إجازة البعض ورد الآخرين.
ولو أوصى بجزء معلوم فإن انقسم الباقي على الورثة صحت المسألتان من مسألة
الوصية فإن انكسر فاضرب إحدى المسألتين في الأخرى إن لم يكن بينهما وفق وإلا ضربت
420

جزء الوفق من فريضة الورثة في فريضة الوصية وإن شئت صححت فريضة الورثة ثم انظر
إلى جزء الوصية من أصله وانظر إلى نسبته إلى ما بقي وزد على سهام الورثة مثل تلك النسبة
فما بلغ صحت منه المسألتان.
فلو أوصى بثلث ماله وله ابنان وبنتان ففريضة الوصية ثلاثة أسهم للموصى له
ويبقى اثنان للورثة توافق الفريضة في النصف تضرب جزء الوفق من فريضتهم وهو ثلاثة
في فريضة الوصية يبلغ تسعة للموصى له ثلاثة، وإن شئت صححت الفريضة أولا من ستة ثم
تنظر إلى جزء الوصية وهو ثلث يخرج من ثلاثة فتأخذ جزء الوصية وهو واحد وتنسبه إلى
ما بقي وهو سهمان فإذا هو مثل نصفه وتزيد على فريضة الورثة وهو ستة مثل نصفه يصير تسعة.
ولو كان له ثلاث أخوات من الأبوين وجد من الأم، فعلى الأول يأخذ جزء الوصية
وهو الثلث يبقى سهمان لا ينقسم على الورثة لأنها من تسعة فنضرب تسعة في ثلاثة تبلغ
سبعة وعشرين ومنها تصح المسألتان للموصى له تسعة وللأخوات اثنا عشر وستة للجد،
وعلى الثاني يزيد على التسعة مثل نصفها لأنها نسبة جزء الوصية مما يبقى من مسألة
الوصية وليس للتسعة نصف فتضربه في مخرج النصف يصير ثمانية عشر فنزيد عليه
مثل نصفه يصير سبعة وعشرين، وهكذا الحكم لو أوصى بمثل نصيب ابنين أو أكثر
أو ابن وبنت أو ابن وزوجة وغيرهما.
ولو أوصى بجزء من حصة وارث معين خاصة فهاهنا احتمالات:
آ: وحدة الوصية
ب: تعددها مرتبا مقدما للوارث الآخر.
ج: تقديم الأجنبي.
د: عدم الترتيب فيخرج الثلث ويقسم الباقي على الورثة ويقسط الثلث على النسب
421

المحتملة بحسب الوصية.
فلو أوصى له بنصف حصة ابن وله آخر فإن أجاز الابن تقاسما النصف
بالسوية وللآخر النصف وإلا دفع ثلث حصته على الأول والثاني وعلى الثالث يدفع إلى
الأجنبي الربع وإلى الآخر نصف السدس وعلى الرابع يحتمل هنا التقسيط أخماسا لأن
وصية الأجنبي بالربع وهي الثلاثة من اثني عشر ووصية الابن بتكملة النصف وهي سهمان
والتسوية لأن ما يحصل للمزاحم بعد الوصية يحصل مثله بالميراث للآخر وما زاد وصية
وهما متساويان.
ولو أوصى بالربع من حصة الابن دون البنت فعلى الثلاثة الأول كما تقدم وعلى
الرابع يقسم الثلث من تسعة على ثلاثة عشر بين البنت والموصى له فتضرب إحديهما في
الأخرى يبلغ مائة وسبعة عشر أو تعطى البنت سهما من تسعة بالوصية والموصى له سهمين
والفرق بين الإجازة وعدمها هنا زيادة حقها في الوصية ونقصه في الميراث، وبالعكس
ولو أوصى بمساواة البنت مع الابن احتمل الوحدة فالوصية بالسدس والتعدد فبالربع
وتظهر الفائدة فيما لو أوصى لآخر بتكملة الثلث.
ولو أوصى بنصف حصة الابن بعد الوصية دخلها الدور فللابن شئ وللموصى
له نصف شئ وللبنت نصفهما فالفريضة تسعة والشئ أربعة. ولو أوصى بضعف نصيب
ابنه أعطي مثله مرتين وقيل: مثل واحد، ولو قال: ضعفاه فهو ثلاثة أمثاله ويحتمل أربعة
أمثاله ولو قال: ثلاثة أضعافه أعطي أربعة أمثاله. ولو قال: بخمسة، أعطي الستة هكذا. ولو
قال: ضعفوا لفلان ضعف نصيب ولدي فهو أربعة أمثاله وكذا إذا قال: أعطوه ضعف
الضعف ويحتمل ثلاثة أمثاله.
ولو أوصى له بمثل أحد بنيه الثلاثة وينقص منه نصيب الزوجة فصحح الفريضة
تجدها من أربعة وعشرين للزوجة الثمن ثلاثة ولكل ابن سبعة، أنقص سهم الزوجة من
نصيب ابن يبقى أربعة وهي الوصية، فزدها على أربعة وعشرين للموصى له أربعة وللمرأة
ثمن الباقي ولكل ابن سبعة، فإن أوصى لآخر بربع ما يبقى من ثلث ماله بعد الأولى فخذ
ثلث المال وأنقص منه الوصية الأولى وهي أربعة أنصباء كما تقدم يبقى ثلث مال إلا أربعة
422

أنصباء فهذا باقي ثلث المال، ادفع ربعه إلى الثاني وهو نصف سدس مال إلا نصيبا
يبقى من الثلث ربع مال إلا ثلاثة أنصباء زده على ثلثي المال يكون خمسة أسداس مال
ونصف سدس مال إلا ثلاثة أنصباء يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة وعشرون نصيبا،
فإذا جبرت صار خمسة أسداس مال ونصف سدس مال يعدل سبعة وعشرين نصيبا،
فكمل المال بأن تضرب جميع ما معك في مخرج الكسر وهو اثنا عشر فيكون مال يعدل
ثلاثمائة وأربعة وعشرين سهما ومنها تصح والنصيب أحد عشر.
المقام الثاني: في المتعدد:
ويصح مرتبا ومشتركا كما لو قال: ثلثي لفلان وفلان، ويقتضي التسوية ما لم
يفضل. ولو قال: ثلثي لفلان فإن مات قبلي فهو لفلان، صح، وكذا إن رد فهو لفلان.
ولو قال: ثلثي لفلان فإن قدم الغائب فهو له، فقدم قبل موت الموصي فهو للقادم سواء عاد
إلى الغيبة أو لا لوجود شرط الانتقال إليه فلا ينتقل عنه بعده، ولو مات الموصي قبل قدومه
فهو للأول سواء قدم أو لا ويحتمل تخصيص القادم بالعين ما لم يضف.
ولو أوصى له بثلث ولآخر بربع ولثالث بخمس ولرابع بمثل وصية أحدهم فله
الخمس. ولو قال: فلان شريكهم، فله خمس ما لكل واحد.
ولو أوصى لأحدهم بمائة ولآخر بدار ولآخر بعبد ثم قال: فلان شريكهم، فله نصف
ما لكل واحد لأنه هنا يشارك كل واحد منهم منفردا والشركة تقتضي التسوية وفي الأولى
الجميع مشتركون. ولو قيل: له الربع في الجميع، كان أولى.
ولو خلف ثلاثة بنين وأوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال على ستة إن أجازوا وإن
ردوا فمن تسعة.
ولو أجازوا لواحد وردوا على اثنين فللمردود عليهما التسعان، ويحتمل أمران في
المجاز له: أن يكون له السدس الذي كان له حالة إجازة الجميع فيأخذ السدس والتسعين
من مخرجهما وهو ثمانية عشر ويبقى أحد عشر لا ينقسم فنضرب عدد البنين في ثمانية
423

عشر، وأن نضم المجاز له إلى البنين ويقسم الباقي بعد التسعين عليهم فنضرب أربعة في تسعة.
فإن أجازوا بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد تمام السدس فيصير المال بينهم
أسداسا على الأول وعلى الثاني يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين
إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ويقسمونه على خمسة تنكسر فتضرب خمسة في ستة وثلاثين
يبلغ مائة وثمانين.
ولو أجاز واحد خاصة فللمجيز السدس ثلاثة من ثمانية عشر وللباقين أربعة
اتساع هي ثمانية يبقى سبعة للموصى لهم نضرب ثلاثة في ثمانية عشر.
ولو أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل وهي ثلث سهم من
ثمانية عشر فنضربها في ثلاثة يبلغ أربعة وخمسين. ولو أوصى له بجزء مقدر ولآخر بمثل
نصيب وارث احتمل إعطاء الجزء لصاحبه وقسمة الباقي بين ورثته والموصى له وإعطاء
صاحب النصيب مثل نصيب الوارث كأنه لا وصية غيرها، فلو أوصى له بثلث ماله
ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة فعلى الأول للموصى له بالثلث الثلث والباقي يقسم
أرباعا بين الثاني والبنين، ويصح من ستة فإن ردوا بطلت وصية الثاني وعلى الثاني للأول
الثلث وللآخر الربع مع الإجازة، ويصح من ستة وثلاثين.
ولو زاد الجزء على الثلث كالنصف احتمل وجها ثالثا وهو أن يجعل صاحب
النصيب نصيبه من ثلثين وهو ربعها لأن ثلثين حق الورثة لا يؤخذ منها شئ إلا بإجازتهم
فصاحب النصيب كواحد منهم لا ينقص من السدس شئ إلا برضاه، فعلى الأول
لصاحب الجزء النصف والباقي أرباعا للثاني والورثة ويصح من ثمانية، وعلى الثاني
للأول النصف وللثاني الربع ويبقى الربع بين البنين ويصح من اثني عشر، وعلى الثالث
للأول النصف وللآخر السدس ويبقى الثلث للبنين ويصح من ثمانية عشر.
ولو أوصى لرجل بمثل نصيب وارث ولآخر بجزء ما بقي من المال احتمل أن
يعطي صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى وأن يعطي مثل
نصيبه من ثلثي المال وأن يعطي مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء نصيبه فيدخلها
حينئذ الدور.
424

فلو أوصى لواحد بمثل نصيب ابن وله ثلاثة ولآخر بنصف باقي المال فعلى الأول
لصاحب النصيب الربع وللآخر نصف الباقي وما بقي للبنين ويصح من ثمانية،
وعلى الثاني للأول السدس وللآخر نصف الباقي ويصح من ستة وثلاثين،
وأما الثالث فله طرق:
أحدها: أن نأخذ مخرج النصف فنسقط منه سهما يبقى سهم ثم نزيد على عدد البنين
واحدا يصير أربعة نضربها في المخرج يصير ثمانية تنقص منها سهما يبقى سبعة هي
المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم.
ب: أن نزيد على سهام البنين نصف سهم ونضربها في المخرج يكون سبعة.
ج: نأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فنقول هذا بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت
تكميله زد عليه مثله ثم زد عليه مثل سهم يكون سبعة.
د: أن نجعل المال سهمين ونصيبا وندفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهما
يبقى سهم للبنين يعدل ثلاثة فالمال كله سبعة وبالجبر تأخذ مالا فتلقى منه نصيبا يبقى مال
وتدفع نصف الباقي إلى الموصى له الآخر يبقى نصف مال إلا نصف نصيب يعدل ثلاثة
أنصباء فأجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصفا كاملا يعدل ثلاثة ونصفا
فالمال كله سبعة.
مسائل:
أ: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة ولآخر بنصف ما يبقى من الثلث
425

أخذت مخرج النصف والثلث وهو ستة وتنقص منها واحدا يبقى خمسة فهي النصيب ثم
نزيد واحدا على سهام البنين ونضربها في المخرج يكون أربعة وعشرين ننقص منها ثلاثة
يبقى أحد وعشرون فهو المال يدفع إلى صاحب النصيب خمسة يبقى من الثلث اثنان ندفع
منهما سهما إلى الموصى له الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة.
أو نزيد على سهام البنين نصفا ونضربها في المخرج يكون أحدا وعشرين.
أو نجعل الثلث سهمين ونصيبا وتدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهما
يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع نصيبين إلى ابنين يبقى خمسة من المال فهي
النصيب فإذا بسطتها كانت أحدا وعشرين.
أو نأخذ ثلث مال ندفع منه نصيبا إلى صاحبه يبقى ثلث مال إلا نصيبا ندفع
نصفه وهو سدس مال إلا نصف نصيب إلى صاحبه يبقى سدس مال إلا نصف نصيب نزيد
على ثلثي المال يبقى خمسة أسداس مال إلا نصف نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة ثم
نجبر ونقابل يصير خمسة أسداس يعدل ثلاثة أنصباء ونصفا فالمال يعدل أربعة
أنصباء وخمسا فإذا بسطت بلغت أحدا وعشرين والنصيب خمسة.
ب: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه هم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث بعد
النصيب من الثلث فطريقه أن نجعل ثلث المال ثلاثة ونصيبا مجهولا فالنصيب
المجهول للموصى له بالنصيب بقي ثلاثة، سهم للموصى له بالثلث بقي سهمان من ثلث
المال تضمهما إلى ما بقي فنقول: إذا كان ثلث المال ثلاثة ونصيبا مجهولا فثلثاه ستة
ونصيبان مجهولان ثم نضم إليها من بقي من الثلث وهو سهمان فيصير ثمانية ونصيبين
مجهولين فالنصيبان للابنين بقي ثمانية للابن الثالث فعرفنا أن النصيب المجهول في
الابتداء ثمانية فنقول من رأس: لما قدرنا ثلث المال ثلاثة أسهم ونصيبا مجهولا وقد بان
أن النصيب المجهول ثمانية فإذن ثلث المال أحد عشر فيخرج النصيب ثمانية ويبقى
معنا من الثلث ثلاثة فنعطي الموصى له بثلث ما بقي من الثلث سهما واحدا ويبقى سهمان
نضمهما إلى ثلثي المال وهو اثنان وعشرون لأن الثلث أحد عشر فيصير أربعة وعشرين
426

لكل ابن ثمانية مثل النصيب وإنما يصح هذه الوصية بالثلث مما بقي من الثلث إذا لم
يكن النصيب مستغرقا لثلث المال فلو كان له ابنان بطلت الوصية وإنما يتصور في ثلاثة
بنين أو أكثر.
أو نقول: نجعل ثلث المال عددا إذا أعطينا منه نصيبا يبقى عدد له ثلث فوضعناه
أربعة وأعطينا الموصى له الأول نصيب ابن واحدا، ونعطي الثاني ثلث ما بقي وهو واحد،
يبقى اثنان ضممناهما إلى ثلثي المال وهو ثمانية صارت عشرة فأعطينا كل ابن واحدا كما
فرضنا للموصى له الأول، يبقى سبعة وهو الخطأ الأول زائد فجعلنا ثلث المال خمسة
والنصيب اثنين فأعطينا للموصى له الأول اثنين يبقى ثلاثة للموصى له الثاني واحد،
يبقى اثنان ضممناهما إلى ثلثي المال وهو عشرة صار اثنا عشر فأعطينا كل ابن اثنين، يبقى
ستة وهو الخطأ الثاني زائدا نلقي أقل الخطأين من الأكثر يبقى واحد وهو المقسوم عليه ثم
نضرب العدد الأول المفروض وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو ستة يصير أربعة وعشرين ثم
نضرب العدد الثاني المفروض وهو خمسة في الخطأ الأول وهو سبعة يصير خمسة وثلاثين
نلقي الأقل من الأكثر يبقى أحد عشر وهو ثلث المال المطلوب وتمام المال ثلاثة وثلاثون، وإذا
أردنا النصيب ضربنا النصيب الأول وهو أحد في الخطأ الثاني وهو ستة وضربنا
النصيب الثاني في الخطأ الأول وهو سبعة يصير أربعة عشر نقصنا أقل العددين من
الأكثر يبقى ثمانية وهو النصيب المطلوب.
أو نقول: نأخذ المال كله ثلاثة أنصباء ووصيتين فنسمي الوصيتين وصية فيكون
المال كله ثلاثة أنصباء ووصية فنأخذ ثلث ذلك وهو نصيب وثلث وصية فندفع إلى
الموصى له الأول بوصية نصيبا فيبقي من الثلث ثلث الوصية فندفع إلى الموصى له الثاني
ثلث ذلك وهو تسع وصية فيبقي من الثلث تسعا وصية ونزيد ذلك على الثلثين فيحصل
معنا نصيبان وثمانية اتساع وصية يعدل ذلك أنصباء الورثة وهي ثلاثة أنصباء نسقط
النصيبين بنصيبين فتبقى ثمانية اتساع وصية تعدل نصيبا فنكمل الوصية وهو أن نزيد
على كل واحد من النصيبين مثل ثمنه لأن كل شئ أسقطت تسعة فثمن ما بقي مثل التسع
الساقط فيصير معنا وصية تعدل نصيبا وثمنا وقد كنا جعلنا المال ثلاثة أنصباء ووصية
427

فهو إذن أربعة أنصباء وثمن فنبسط ذلك من جنس الكسر فيصير المال ثلاثة وثلاثين
والنصيب ثمانية.
أو نقول: المال وصية وأربعة أنصباء بأن نزيد نصيب الموصى له على الأنصباء
الورثة ونجعل الوصية الثانية وصية فالثلث نصيب وثلث نصيب وثلث وصية ندفع منه
إلى الموصى له الأول نصيبا فيبقي ثلث نصيب وثلث وصية ندفع بالوصية الثانية ثلث ذلك
وهو تسع نصيب وتسع وصية فيبقي من الثلث بعد الوصيتين تسعا نصيب وتسعا وصية
نزيد ذلك على الثلاثين وذلك نصيبان وثلثان وثلثا وصية فيحصل معنا نصيبان وثمانية
اتساع نصيب وثمانية اتساع وصية تعدل ذلك أنصباء الورثة وهي ثلاثة أنصباء
فتسقط نصيبين وثمانية اتساع نصيب بمثلها فيبقي تسع نصيب تعدل ثمانية اتساع
وصية، فالنصيب الكامل يعدل ثماني وصايا فالنصيب ثمانية والوصية واحد وقد
جعلنا المال أربعة أنصباء ووصية فهو ثلاثة وثلاثون.
ج: لو أوصى له بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد بنيه أي بفضل الجزء المذكور من
المال على النصيب ولآخر بثلث ما بقي من الثلث والبنون ثلاثة فنأخذ ثلث المال دفعناه
إلى الموصى له ونستثني منه نصيبا فيبقي معنا من الثلث نصيب ويبقى في يد الموصى له
ثلث مال إلا نصيبا وهو التكملة الموصى بها ثم دفعنا إلى الموصى له الثاني ثلث ما بقي من
الثلث بعد التكملة وهو ثلث نصيب فيبقي من الثلث ثلثا نصيب زدنا ذلك على ثلثي
المال فيصير معنا ثلثا مال وثلثا نصيب تعدل ذلك أنصباء البنين وهي ثلاثة أنصباء فنقابل بأن
تسقط ثلثي نصيب بمثله فيبقي ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثا فنكمل المال وهو أن نزيد على
ما معنا مثل نصفه بأن نضرب ذلك في ثلاثة ونقسمه على اثنين فيحصل معنا مال يعدل
ثلاثة أنصباء ونصفا فتبسطه أنصافا فيصير المال سبعة والنصيب سهمين
والوصيتان من الثلث فنضرب ثلاثة في سبعة فيصير أحدا وعشرين والنصيب ستة
أسهم فإذا أردنا التجزئة أخذنا ثلث المال وهو سبعة دفعنا إلى الموصى له الأول بالتكملة
فضل الثلث على النصيب وهو واحد فيبقي من ثلث المال ستة دفعنا إلى الموصى له الثاني
428

ثلث ذلك سهمين يبقى أربعة نزيد ذلك على الثلثين فيصير ثمانية عشر للبنين لكل ابن
ستة ولولا الوصية الثانية بطلت الأولى وبطريق الخطأين نفرض الثلث أربعة والتكملة
واحدا نسلمه إلى الأول وإلى الثاني آخر ويزاد الباقي على الثلاثين ثم نقسم أثلاثا على
الورثة ونضم التكملة إلى نصيب أحدهم يصير أربعة وثلثا وكان ينبغي أن يكون أربعة
فالثلث الخطأ الأول ثم نفرض خمسة والتكملة اثنين يبقى اثنان بعد الوصيتين نضم إلى
الثلاثين وتقسم المجموع على الورثة لكل أربعة نضم إلى التكملة فالزائد واحد هو الخطأ
الثاني فإذا نقص منه الأول بقي ثلثان هي المقسوم عليه ثم نضرب الخطأ الأول في العدد
الثاني يكون أحدا وثلثين والخطأ الثاني في الأول يصير أربعة يبقى بعد النقص اثنان وثلث
هي ثلث المال فإذا أردت التكملة ضربت التكملة الأولى في الخطأ الثاني يكون واحدا
والثانية في الأول يكون ثلاثين وبعد الإسقاط يبقى ثلث وهو التكملة والمال سبعة وبعد البسط
يكون أحدا وعشرين والتكملة واحدا.
د: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة ولآخر بنصف ما يبقى من الثلث
ولثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان وثلاثة وأربعة فاضرب بعضها في بعض تبلغ
أربعة وعشرين فزد على عدد البنين واحدا يصير أربعة تضربها في أربعة وعشرين تبلغ ستة
وتسعين أسقط منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرين وهو اثنا عشر يبقى أربعة
وثمانون فهي المال ثم انظر الأربعة والعشرين فأنقص سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها
لأجل الوصية (الثالثة) يبقى أربعة عشر فهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب
ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة وإلى الثالث ربع المال أحدا
وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر ويصح من اثني عشر لأنا ندفع وربع المال
إلى الموصى له به ونأخذ ثلث المال ندفع منه نصيبا إلى الموصى له به يبقى ثلث مال
إلا نصيبا ندفع نصفه إلى الموصى له به ونضم الباقي وهو سدس مال إلا نصف نصيب
إلى الباقي من المال فتكمل نصف مال ونصف سدس مال إلا نصف نصيب يعدل ثلاثة
أنصباء، فإذا جبرت وقابلت بقي نصف مال ونصف سدس مال يعدل ثلاثة أنصباء
429

ونصفا، فالنصيب سدس والمال اثنا عشر لأنها مخرج الثلث والربع.
ولو أوصى بمثل أحد بنيه الستة وبخمس ما يبقى من ربعه بعد النصيب ولآخر بمثل
أحدهم إلا ربع ما يبقى من ثلثه بعد النصيب وبعد الوصية الأولى فخذ ربع مال وأنقص منه
نصيبا وأنقص خمس الباقي من الربع فيبقي من الربع خمس مال إلا أربعة أخماس
النصيب وزد عليه نصف سدس مال وهو فضل ما بين الثلث والربع ليكون باقيا من
الثلث فاجعل المال ستين والذي بقي من الربع هو خمس مال إلا أربعة أخماس النصيب
وذلك اثنا عشر إلا أربعة أخماس النصيب فإذا زدت عليه نصف سدس المال وهو خمسة
أسهم صار سبعة عشر إلا أربعة أخماس نصيب فهذا هو الباقي من ثلث المال فأخرج منه
نصيبا للثاني يبقى سبعة عشر إلا نصيبا وأربعة أخماس نصيب ثم استرجع من
النصيب ربع ما بقي من الثلث وذلك أربعة أسهم وربع سهم إلا ربع نصيب وخمس
نصيب وزد ذلك على ما بقي من الثلث يكون أحدا وعشرين سهما وربع سهم إلا نصيبين
وربع نصيب ضم ذلك إلى ثلثي المال وهو أربعون سهما يكون مالا وسدس ثمن مال
إلا نصيبين وربع نصيب يعدل أنصباء البنين وهي ستة فإذا جبرت صار مالا وسدس
ثمن مال يعدل ثمانية أنصباء وربع نصيب فاضرب ذلك في مخرج المال وهو ثمانية
وأربعون يكون ثلاثمائة وستة وتسعين نصيبا والنصيب تسعة وأربعون سهما وهو مثل
عدد ما كان معك من أجزاء المال وسدس ثمن المال وامتحانه أن نأخذ ربع المال وهو تسعة
وتسعون وننقص منه نصيبا وهو تسعة وأربعون يبقى خمسون نخرج خمسها عشرة أسهم
فيكون الوصية الأولى تسعة وخمسين سهما فأنقصها من ثلث المال وهو مائة واثنان وثلاثون
سهما يبقى من الثلث ثلاثة وسبعون سهما فأخرج منه نصيبا للثاني يبقى أربعة وعشرون
سهما استثنى ربع ذلك ستة أسهم يبقى من النصيب ثلاثة وأربعون سهما وهي الوصية
الثانية والوصيتان مائة سهم وسهمان فإذا أخرجتهما من المال يبقى مائتان وأربعة وتسعون
للبنين الستة لكل واحد تسعة وأربعون
ه‍: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر
430

بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أنصباء فادفع إلى الموصى له الأول نصيبا وإلى
الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى اثنين يبقى سبعة للابن
الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة درهمين فالنصيب ستة
والمال سبعة وعشرون.
و: لو أوصى له بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة ولم يزد الثلث
على مائة بطلت وصية التمام وإن زاد على مائة وأجاز الورثة مضت الوصايا، فلو كان له
ثلاثمائة فأوصى له بخمسين ولآخر بتمام الثلث فلكل منهما خمسون فإن رد الأول وصيته
فللثاني خمسون ولو أوصى للأول بمائة فلا شئ للثاني سواء رد الأول أو أجاز.
ز: لو أوصى لزيد بالنصف ولآخر بالربع وقال: لا تقدموا إحديهما على الأخرى
فالأقوى عندي مع عدم الإجازة بسط الثلث على نسبة الجزئين فالفريضة من تسعة ومع
الإجازة من أربعة، فإن أجازوا لأحدهما خاصة ضربت مسألة الرد في مسألة الإجازة وأعطيت
المجاز له سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الرد والمردود عليه سهمه من مسألة
الرد مضروبا في مسألة الإجازة، ولو أجاز بعض الورثة لهما دون البعض أعطيت المجيز
سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد مضروبا في
مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيتين على ثلاثة، ولو كان ماله ثلاثة آلاف فأوصى له
بعد يساوى خمسمائة ولآخر بدار يساوى ألفا ولثالث بخمسمائة ومنع من التقدم ورد
الورثة فلكل واحد منهم نصف ما أوصي له به.
ح: لو أوصى له بنصف ماله ولآخر بثلثه ولآخر بربعه على سبيل العول من غير
تقديم ولا رجوع فقد بينا أن الوجه عندنا الصحة مع إجازة الورثة فيحتمل حينئذ قسمة
المال على ثلاثة عشر سهما للموصى له بالنصف ستة وبالثلث أربعة وبالربع ثلاثة وإعطاء
صاحب النصف خمسة وثلثي سهم وصاحب الثلث ثلاثة وثلثي سهم وصاحب الربع
431

سهمين وثلثي سهم لأن صاحب النصف يفضل صاحب الثلث بسهمين من اثني عشر
فيدفعان إليه وهما يفضلان صاحب الربع كل واحد منهم بسهم فيأخذ أنه فيبقي ثمانية
بينهم أثلاثا فيصح من ستة وثلاثين لصاحب النصف سبعة عشر والثلث أحد عشر
والربع ثمانية.
ط: لو أوصى له بنصيب أحد ولديه ولآخر بنصف الباقي وأجازا فالفريضة من
خمسة لأن للأول نصيبا يبقى مال إلا نصيبا للثاني نصفه يبقى نصف مال إلا نصف
نصيب يعدل نصيبين فإذا جبرت وقابلت بقي نصف مال يعدل نصيبين ونصفا فالمال
يعدل خمسة للأول سهم يبقى أربعة للثاني نصفها ولكل ابن سهم ولو لم يجيزا بطلت الثانية
وكان المال أثلاثا ولو أجاز أحدهما احتمل ضرب ثلاثة في خمسة فللمجيز الخمس ولأخيه
الثلث يبقى سبعة للأول أربعة لأنه مع الإجازة يأخذ ثلاثة ومع عدمها خمسة فإذا أجاز أحدهما
نقص منه بالنسبة وللثاني ثلاثة ويحتمل أن يكون للأول مثل نصيب المجيز لأنه أقل الورثة
سهاما فيصح من خمسة لأن للثاني نصف نصيب المجيز وللأول مثل نصفه أيضا وللآخر
نصيب كامل فالمال يعدل نصيبين ونصفا وللمجيز واحد من خمسة ولكل من الموصى
لهما واحد وللآخر اثنان ويضعفه بأخذه أكثر من الثلث ويحتمل من ستة لتجدد النقص بعد
الوفاة فلم يكن مرادا للموصي فيكون للأول الثلث سهمان ولغير المجيز سهمان وسهم
للمجيز وسهم للثاني والحق الأول لكن لكل من المجيز والأول ثلاثة ولغير المجيز خمسة
وللثاني أربعة.
ولو أوصى له بمثل نصيب أحد أولاده وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من جميع المال
بعد اخراج النصيب فطريقه أن يقدر جميع المال ثلاثة أسهم ونصيبا مجهولا والنصيب
المجهول للموصى له بالنصيب وسهم للموصى له بالثلث بقي سهمان لا ينقسمان على
ثلاثة نضرب ثلاثة في ثلاثة يصير تسعة ونصيبا مجهولا فالنصيب المجهول للموصى له
بالنصيب بقي تسعة ثلاثة للموصى له بالثلث ولكل ابن سهمان فظهر أن النصيب
المجهول سهمان والمسألة من أحد عشر: سهمان للموصى له بالنصيب وثلاثة للموصى له
432

بالثلث ولكل ابن سهمان.
أو نقول: ندفع إلى الموصى له الأول نصيبا يبقى مال إلا نصيبا ندفع ثلثه إلى الثاني
وهو ثلث مال ألا ثلث نصيب يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل ثلاثة أنصباء الورثة
فإذا جبرت وقابلت بقي ثلثا مال يعدل ثلاثة أنصباء وثلثي نصيب فإذا كملت المال بقي
مال يعدل خمسة أنصباء ونصفا فإذا بسطت من جنس الكسر بقي المال أحد عشر
والنصيب اثنان هذا مع إجازة الورثة ولو لم تجز الورثة فالفريضة من تسعة لكل ابن
سهمان وللموصى له بالنصيب سهمان وللآخر سهم لأنا ندفع إلى الأول نصيبا وإلى الثاني
تمام الثلث يبقى ثلثا مال يعدل ثلاثة أنصباء فالثلث نصيب ونصف فالمال بعد البسط
تسعة والنصيب سهمان، ولو أجاز أحدهم ضربت على الاحتمال الأول تسعة في أحد عشر
ثم ثلاثة في المجتمع يصير مائتين وسبعة وتسعين للأول اثنان وستون وللثاني تسعة وأربعون
وللمجيز أربعة وخمسون ولكل من الآخرين ستة وستون وعلى الثاني من أحد عشر لأنا
نجعل المال تسعة ونصيبا ويأخذ الثاني من نصيب المجيز سهما يبقى اثنان فالنصيب
اثنان ويضعف بما تقدم وعلى الثالث للأول تسعة من ستة وثلاثين وللثاني تمام الثلث ثلاثة ومن
المجيز سهمان وله ستة ولكل من الآخرين ثمانية ويحتمل عليه أن يكون للأول اثنان
وعشرون من تسعة وتسعين ولغير المجيز كذلك وللمجيز ثمانية عشر وللثاني خمسة عشر
وعلى المختار للأول من الثلث ثمانية عشر وباقيه وأربعة من المجيز للثاني وللمجيز ثمانية
عشر ولكل من الباقيين اثنان وعشرون ولو قال: إن لم تجز الورثة فلا تقدير لأحدهما، فالوجه
عندي الجواز ويحصل العول فيقسم الثلث على نسبة الإجازة فيجعل المال ثلاثة أسهم
الثلث للموصى لهما لا ينقسم على خمسة وسهمان للورثة لا ينقسم على ثلاثة نضرب ثلاثة في
خمسة ثم ثلاثة في المجتمع يصير خمسة وأربعين ستة للموصى له بالنصيب وتسعة للآخر
ولكل ابن عشرة.
ي: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الخمسة وللآخر بثلث ما يبقى من الربع صح
433

ولو كان البنون ثلاثة لم يصح وإنما يصح في أربعة فصاعدا، وطريقه: أن نجعل ربع المال
ثلاثة أسهم ونصيبا مجهولا. نعطي (النصيب لصاحبه) وواحدا لصاحب الثلث من
الربع يبقى سهمان نضمهما إلى ثلاثة أرباع المال وهو تسعة وثلاثة أنصباء فيصير أحد
عشر سهما وثلاثة أنصباء، فندفع الأنصباء الثلاثة إلى ثلاثة بنين يبقى أحد عشر للابنين
الباقيين لكل واحد خمسة ونصف فعرفنا أن النصيب المجهول في الابتداء خمسة
ونصف، فنقول من رأس: كنا قد جعلنا ربع المال ثلاثة أسهم ونصيبا مجهولا وقد ظهر أن
النصيب خمسة ونصف فالربع ثمانية ونصف، فنبسطها أنصافا فهي سبعة عشر
، للموصى له بالنصيب أحد عشر وهو مبسوط خمسة ونصف وللموصى له بثلث ما يبقى من
الربع سهمان يبقى معنا أربعة نضمها إلى ثلاثة أرباع المال وهو أحد وخمسون يصير خمسة
وخمسين يقسم على خمسة بنين لكل ابن أحد عشر مثل حصة صاحب النصيب.
ولو كان البنون ستة وأوصى لواحد بمثل أحدهم ولآخر بربع ما يبقى من المال بعد
النصيب فنأخذ مالا ونعطي صاحب النصيب منه نصيبا يبقى مال إلا نصيبا نعطي
ربعه للثاني وهو ربع مال إلا ربع نصيب يبقى من المال ثلاثة أرباع إلا ثلاثة أرباع
النصيب تعدل أنصباء البنين الستة فأجبر ذلك بثلاثة أرباع نصيب وزد مثله على
أنصباء البنين يكون ثلاثة أرباع مال يعدل ستة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب فكمل
المال بأن تزيد عليه ثلثه وتزيد على الأنصباء ثلثها يكون مالا كاملا تعدل تسعة أنصباء
والنصيب واحد فأعط صاحب النصيب نصيبا من المال يبقى ثمانية ربعة سهمان
للثاني يبقى ستة لكل ابن سهم.
أو نضرب ستة الأنصباء وثلاثة أرباع النصيب في مخرج المال وهو أربعة يصير
سبعة وعشرين وتجعل النصيب عدد ما كان بقي من أجزاء المال وهو ثلاثة وهذه الطريقة
تطرد في جميع المسائل.
يا: لو ترك ثمانية بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بخمس ما يبقى
من المال بعد النصيب فخذ مالا وأنقص منه نصيبا يبقى مال إلا نصيبا أنقص منه خمسة
434

للثاني وهو خمس مال إلا خمس نصيب يبقى أربعة أخماس مال إلا أربعة أخماس النصيب
تعدل أنصباء البنين وهي ثمانية أجبر ذلك بأربعة أخماس نصيب وزده على الأنصباء
فيصير أربعة أخماس مال يعدل ثمانية أنصباء وأربعة أخماس نصيب فكمل المال بأن
تزيد عليه ربعه فزد على ما معك ربعه فيصير مالا يعدل أحد عشر نصيبا ومنها تصح
والنصيب واحد يدفعه إلى الأول يبقى عشرة يدفع خمسها إلى الثاني يبقى ثمانية بين
البنين أو نضرب الثمانية والأربعة الأخماس الذي هو النصيب في مخرج المال وهو خمسة
يصير أربعة وأربعين ومنها تصح النصيب أجزاء المال الذي هو أربعة ولو كان البنون
أربعة الفريضة من ستة بالطريق الأول، وبالطريق الثاني من أربعة وعشرين والنصيب
أربعة.
يب: لو أوصى له بمثل أحد بنيه الأربعة ولآخر بنصف باقي الثلث بعد النصيب
فخذ ثلث مال وأنقص منه نصيبا يبقى ثلث مال إلا نصيبا تنقص نصفه للثاني يبقى من
الثلث سدس المال إلا نصف نصيب تزيده على ثلثي المال يصير خمسة أسداس المال
إلا نصف نصيب يعدل أنصباء البنين فأجبر يكن خمسة أسداس مال تعدل أربعة
أنصباء ونصفا وكمل المال بأن تزيد على ما معك خمسه يصير مالا يعدل خمسة أنصباء
وخمسي نصيب فابسطها أخماسا يكون سبعة وعشرين فالنصيب خمسة.
يج: لو ترك أبوين وابنين وبنتين وأوصى لرجل بمثل نصيب ابن ولآخر بتكملة
السدس بنصيب بنت ولآخر بتكملة الخمس بنصيب الأم ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث
بعد الوصايا، فالمسألة من ثمانية عشر للأبوين ستة وللابنين ثمانية وللبنتين أربعة، ثم
نجعل التركة شيئا ثم نأخذ السدس وهو سدس شئ فنلقي منه نصيب إحدى البنتين
وذلك سهمان فيبقي سدس شئ إلا نصيبين فهذا هو التكملة الأولى، ثم خذ خمس شئ
فألق منه نصيب الأم وهو ثلاثة أسهم يبقى خمس شئ إلا ثلاثة أنصباء فهذا هو التكملة
الثانية، ثم خذ مثل نصيب أحد الابنين وذلك أربعة أنصباء للموصى له بالمثل ثم اجمع
435

ذلك كله فيكون خمس شئ وسدس شئ إلا نصيبا فألق ذلك من الثلث فيبقي نصيب
إلا ثلث عشر شئ فخذ ثلثه وهو ثلث نصيب إلا تسع عشر شئ فيبقي ثلثا نصيب
إلا تسعي عشر شئ فزد ذلك على ثلثي المال وهو ثلثا شئ فيصير ثمانية وخمسين جزء
من تسعين جزء من شئ وثلثي نصيب فهذا يعدل أنصباء الورثة وهي ثمانية عشر فألق
منه ثلثي نصيب بمثلها يبقى سبعة عشر وثلث نصيب يعدل ثمانية وخمسين جزء من تسعين
جزء من شئ فاضرب جميع ما معك في المخرج وهو تسعون فيصير أنصباء ألف نصيب
وخمسمائة وستين والأشياء ثمانية وخمسين، فاقلب وحول واجعل الشئ ألفا وخمسمائة
وستين والنصيب ثمانية وخمسين وامتحان ذلك أنك إذا أخذت لصاحب المثل نصيبه
وهو مائتان واثنان وثلاثون فهو له ثم تأخذ سدس المال وهو مائتان وستون فألق من ذلك
نصيب بنت وهو مائة وستة عشر فيبقي مائة وأربعة وأربعون فهذا هو التكملة الأولى ثم
تأخذ خمس المال وهو ثلاثمائة واثنا عشر فألق منه نصيب الأم وهو مائة وأربعة وسبعون
فيبقي مائة وثمانية وثلاثون فهو التكملة الثانية، ثم اجمع ذلك كله أعني الوصايا الثلاث
فيكون مجموعها خمسمائة وأربعة عشر فألق ذلك من الثلث وهو خمسمائة وعشرون فأعط
من ذلك ثلثه للموصى له الثالث وذلك اثنان فيبقي أربعة فزدها على ثلثي المال وذلك ألف
وأربعون فيصير ألفا وأربعة فأقسم ذلك بين الورثة على ثمانية عشر فيخرج من
القسمة ثمانية وخمسون كما خرج النصيب أولا فيكون للأم مائة وأربعة وسبعون وللأب مائة
وأربعة وسبعون وللبنتين مائتان واثنان وثلاثون وللابنين أربعمائة وأربعة وستون.
يد: لو أوصى بإجزاء مختلفة من شئ غير مستوعبة يخرج من الثلث لجماعة وبسط
الباقي على تلك النسبة فابسط الشئ على أقل عدد يحصل منه تلك الأجزاء، مثلا:
لو أوصى لزيد بثلث عبده ولآخر بربعه ولثالث بسدسه والفاضل بينهم على النسبة بسطت
العبد اتساعا فإن الأجزاء تخرج عن اثني عشر للأول أربعة وللثاني ثلاثة وللثالث اثنان
الجميع تسعة وكذا الفاضل فنبسط العبد اتساعا للأول منها أربعة وللثاني ثلاثة وللثالث
اثنان، ولو أوصى بالفاضل لغيرهم على النسبة أيضا ضربت ثلثه وفق التسعة مع اثني عشر
436

فيها يصير ستة وثلاثين للأوائل سبعة وعشرون وللآخر تسعة.
يه: لو أوصى له بمثل أحد بنيه الستة ولآخر بثلث ما يبقى من الربع بعد النصيب
ولثالث بنصف ما يبقى من الثلث بعد الوصيتين فخذ ربع مال وأنقص منه نصيبا للأول
يبقى ربع مال إلا نصيبا أنقص ثلثه للثاني وذلك نصف سدس مال إلا ثلث نصيب
يبقى من الربع سدس مال إلا ثلثي نصيب زد عليه نصف سدس المال لأن الربع إذا زدت
عليه نصف سدس يصير ثلثا فيصير هذا والباقي من الربع الباقي من الثلث فيكون
ربع مال إلا ثلثي نصيب هذا هو الباقي من ثلث المال بعد اخراج الوصيتين فأنقص
نصفه للثالث يبقى ثمن مال إلا ثلث نصيب زد على ثلثي المال يكون ثلثي مال وثمن
مال إلا ثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي ستة فإذا جبرت صار ثلثا مال وثمن مال
يعدل ستة أنصباء وثلث نصيب فكمل المال وهو أن تزيد على ما معك خمسة أجزاء من
تسعة عشر جزء فيصير مالا يعدل ثمانية أنصباء فخذ ربعها سهمين وأعط الأول نصيبا
يبقى من الربع سهم أعط ثلثه للثاني فالوصيتان سهم وثلث سهم يبقى من الثلث سهم
وثلث ادفع نصفه وهو ثلثا سهم إلى الثالث فالوصايا الثلاث سهمان يبقى ستة لكل ابن
سهم فإذا أردت أن يزول الكسر ضربت المال الذي هو ثمانية في ثلاثة يكون أربعة
وعشرين والنصيب ثلاثة والوصية الأولى ثلاثة والثانية واحد والثالثة اثنان.
البحث الثاني: فيما اشتمل على الاستثناء:
قاعدة: إذا أوصى بمثل نصيب وارث إلا جزء معينا فابسط المسألة أولا على سهام
صحاح يخرج منه صاحب الفرض والورثة بسهام صحاح ثم تضف إليها للموصى له مثل
سهام من أوصي له بمثله فتضربها في مخرج المستثنى ثم تعطى كل من استثني له من نصيبه
ما استثنى وتعطى كل واحد من باقي الورثة بحساب ذلك من المستثنى وما بقي تقسمه على
جميع سهام الورثة وسهام الموصى له لكل واحد منهم بقدر سهامه وانظر إن كان من استثنى
437

يستغرق الجملة أو أكثرها حتى لا تصح القسمة على الباقي فلا تتعرض للقسمة فإنها
لا تصح ولك طرق في بيان استخراج ما يرد في هذا الباب.
ويشتمل هذا البحث على مقامات:
المقام الأول: إذا كان الاستثناء من أصل المال: وفيه مسائل:
أ: لو ترك أبا وابنين وبنتا وأوصى لأجنبي بمثل نصيب ابن إلا ربع المال فالفريضة
من ستة لكل من الأب والبنت سهم ولكل ابن سهمان فتضيف سهمين للأجنبي فتضرب
الثمانية في أربعة يصير اثنين وثلاثين تعطى لكل ابن ثمانية لأنها الربع المستثنى وتعطى
البنت بحساب ذلك من هذا الاستثناء أربعة وللأب أربعة فالجملة أربعة وعشرون للورثة
غير الموصى له والباقي وهو ثمانية تقسم على سهام الورثة والموصى له لكل ابن سهمان
ولكل من البنت والأب واحد وللموصى له اثنان ولكل من الابنين في أصل المستثنى ثمانية
وفي الباقي سهمان فهي عشرة وللبنت في الأصل أربعة وفي الباقي سهم وللأب كذلك
فللموصى له إذن مثل ما للابن عشرة أسهم إلا ربع المال والربع ثمانية يبقى له سهمان.
أو نقول: ندفع نصيبا من مال ثم نسترد منه ربع المال يبقى مال وربع مال إلا نصيبا
يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة يصير بعد الجبر مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء فالمال
يعدل ثلاثة أنصباء وخمسا فإذا بسطت صارت ستة عشر والنصيب خمسة يسترد منه
أربعة هي ربع المال يبقى للموصى له سهم ولكل ابن خمسة ولكل من البنت والأب اثنان
ونصف فإذا أردت الصحاح بلغت اثنين وثلاثين والنصيب عشرة.
ب: لو أوصى بمثل نصيب ابن وله ثلاثة إلا ربع المال فالوصية صحيحة ولا يتوهم
أن الاستثناء مستغرق من حيث أنه لولاه لكان له الربع وقد استثناه لأنا نقول حقيقة هذه
الوصية: أنه فضل كل ابن علي الموصى له بربع المال فنجعل المال أربعة أسهم ونسلم لكل
438

منهم ربع المال من غير مزاحم وهو الذي ينبغي أن يفضل به كل واحد على الموصى له
فيبقي واحد نقسم على الأولاد والموصى له بالسوية فنضرب أربعة في الأصل فهي ستة عشر
لكل ابن أربعة يبقى أربعة يقسم أرباعا فلكل ابن سهم وللموصى له سهم فكمل لكل
ابن خمسة فتفضل على الموصى له بأربعة هي الربع إذا ضمت إلى سهم الموصى له صار مثل
نصيب ابن فالسهم مثل النصيب إلا ربع المال وبالجبر كالأولى.
ولو كان له ابن فأوصى له بمثل نصيبه إلا نصف المال فقد فضله على الموصى له
بالنصف فاجعل المال نصفين وخص الابن بأحدهما ويقسم الآخر عليهما فللموصى له
ربع المال وهو سهم من أربعة فهو مثل نصيب الابن إلا نصف المال.
ولو كان ابنان فأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا نصف المال فالوصية باطلة
لاستغراق الاستثناء إذ قد فضل كل واحد منهما بنصف المال فإذا سلمنا إلى كل واحد
ما فضل به نفذ المال، وكذا لو أوصى بمثل أحدهم وهم أربعة إلا ربع المال ولو قال: إلا سدس
المال، ضربت خمسة وهي العدد في مخرج الاستثناء تبلغ ثلاثين لكل ابن خمسة وهي ضرب
العدد في نصيبه وهو واحد من أربعة قبل الوصية يبقى عشرة يقسم بينهم أخماسا فيكمل
لكل ابن سبعة للموصى له اثنان فله أيضا سبعة إلا سدس المال.
أو نقول نخرج من المال نصيبا ونسترد منه سدسه فيبقي مال وسدس مال
إلا نصيبا يعدل أنصباء الورثة فبعد الجبر يبقى مال وسدس مال يعدل خمسة أنصباء
فالمال يعدل أربعة أنصباء وسبعي نصيب فللموصى له اثنان ولكل ابن سبعة
. ج: لو ترك أبويه وابنا وثلاث وأوصى له بمثل نصيب الأب إلا ثمن المال فالفريضة
من ثلاثين ونضيف إليها خمسة ونضرب المجموع في ثمانية يصير مائتين وثمانين فلكل
من الأبوين ما استثني وهو الثمن خمسة وثلاثون وهو سبعة أمثال نصيبه من الأصل إذ له في
أصل المسألة خمسة ونعطي الابن سبعة أمثال نصيبه أيضا ستة وخمسين سهما ولكل بنت
ثمانية وعشرون ويبقى سبعون تقسم على سهام الورثة والموصى له وهي خمسة وثلاثون
لكل سهم اثنان فلكل من الأبوين عشرة وللابن ستة عشر ولكل بنت ثمانية وللموصى له
439

عشرة فله ما لأحد الأبوين إلا ثمن المال لأن كلا من الأبوين له في أصل المستثنى وفي الباقي
خمسة وأربعون وللموصى له خمسة وأربعون إلا ثمن المال وهو خمسة وثلاثون فيبقي له
عشرة وللابن في أصل المستثنى وفي الباقي اثنان وسبعون ولكل بنت في الأصل والباقي ستة
وثلاثون.
أو نقول: نأخذ مالا ونخرج منه نصيبا ونسترد من النصيب ثمن المال يبقى مال
وثمن مال إلا نصيبا يعدل أنصباء الورثة وهي ستة يصير المال بعد الجبر والمقابلة
وحذف الثمن الزائد يعدل ستة أنصباء وتسعى نصيب فالوصية تسعا نصيب.
د: لو أوصت بمثل نصيب زوجها مع أب وابنين وثلاث بنات إلا سدس المال
فالفريضة من اثني عشر ونضيف ثلاثة ونضرب الجميع في ستة تصير تسعين فللزوج
ما استثني وهو السدس بثلاثة أسهم خمسة عشر وهو خمسة أمثال نصيبه وللأب عشرة وكذا
لكل ابن ولكل بنت خمسة يبقى ثلاثون تقسمه على الورثة والموصى له بقدر سهام وهي
خمسة عشر لكل ابن سهمان فللزوج من الباقي ستة وللأب أربعة وكذا لكل ابن ولكل بنت
سهمان وللموصى له ستة فكمل للزوج في القسمين أحد وعشرون وللموصى له مثله
إلا سدس المال وسدسه خمسة عشر فيتخلف ستة.
ه‍: لو خلف أبوين وزوجة فأوصى بمثل الأب إلا خمس المال فالفريضة اثنا عشر فزد
عليها خمسة للموصى له ثم تضرب المجموع في خمسة فكل من كان له قسط من سبعة عشر
أعطي مضروبا في خمسة ثم تأخذ سبعة عشر من الموصى له هي خمس المال وتبسطها على
الجميع بالنسبة فله ثلاثة عشر وللأب ثلاثون فله مثل نصيبه إلا خمس المال.
و: لو أوصى بمثل نصيب ابني إلا نصف سدس المال وخلف ابنين وزوجة وأبوين
وبنتا وخنثى فالفريضة من أربعة وعشرين للزوجة ثلاثة ولكل من الأبوين والابنين أربعة
وللبنت سهمان وللخنثى ثلاثة نضيف أربعة ونضربها في اثني عشر مخرج نصف سدس
440

يصير ثلاثمائة وستة وثلاثين فيعطى الورثة ما استثني لكل واحد بحصته فلكل ابن
بحصة في المستثنى لأربعة ثمانية وعشرون وذلك سبعة أمثال حقه وهو نصف سدس المال
وكذا لكل من الأبوين ولكل من الزوجة والخنثى أحد وعشرون وللبنت أربعة عشر يقسم
الباقي وهو مائة وثمانية وستون على الجميع والموصى له وسهامهم ثمانية وعشرون لكل
سهم ستة فلكل ابن أربعة وعشرون وكذا لكل من الأبوين ولكل من الزوجة والخنثى
ثمانية عشر وللبنت اثنا عشر وللموصى له أربعة وعشرون فلكل ابن اثنان وخمسون من
الأصل المستثنى ومن الباقي وللموصى له كذلك إلا نصف سدس المال وهو ثمانية
وعشرون يبقى له أربعة وعشرون.
ز: لو أوصى له بمثل أحد ابنيه مع زوجة إلا ربع المال فالفريضة ستة عشر ونضيف
إليها سبعة ونضرب المجتمع في مخرج الربع فيصير اثنين وتسعين ومنها يصح للموصى له
اثنا عشر ولكل ابن خمسة وثلاثون وللزوجة عشرة لأنا نأخذ مالا ونخرج منه نصيبا
ونستثني منه الربع يبقى مال وربع مال إلا نصيبا يعدل أنصباء الورثة وهي نصيبان
وسبعا نصيب فإذا جبرت وقابلت يصير مالا وربع مال يعدل ثلاثة أنصباء وسبعي
نصيب فالمال يعدل نصيبين وخمسي نصيب وأربعة أخماس وسبعي نصيب فالنصيب
خمسة وثلاثون لأنه مضروب سبعة في خمسة فالمال اثنان وتسعون فإذا استثنيت ربعه وهو
ثلاثة وعشرون من النصيب بقي اثنا عشر، لكن معين الدين المصري قال: فإذا أعطيت
كل ابن بسهامه السبعة الربع المستثنى من هذه المسألة وهو ثلاثة وعشرون انكسرت
السبعة في ثلاثة وعشرين لأنه لا يمكن اخراج حق الزوجة من هذه المسألة على هذا الحساب
صحيحا فاضرب جميع المسألة في سبعة فيصير ستمائة وأربعة وأربعين لكل ابن بسهامه
السبعة الربع مائة وأحد وستون ويعطي الزوجة بحساب سهميها ستة وأربعين يبقى مائتان
وستة وسبعون يقسم على سهام الورثة والموصى له وهو ثلاثة وعشرون لكل سهم اثنا عشر
فيكون للزوجة أربعة وعشرون ولكل واحد من الابنين أربعة وثمانون وللموصى له أربعة
وثمانون فله مثل ما لأحد الابنين إلا ربع المال.
441

ح: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلا مثل ما ينقص نصيب أحدهم
بالوصية جعلنا المال ثلاثة أنصباء ووصية فندفع إلى الموصى له نصيبا ونسترجع منه ثلث
وصية لأن نقصان كل نصيب ثلث وصية فيبقي من المال نصيبان ووصية وثلث يعدل
أنصباء البنين وهي ثلاثة أنصباء فيقابل نصيبين بمثلهما فيبقي نصيب يعدل وصية وثلثا
فالنصيب أربعة والوصية ثلاثة وللموصى له ثلاثة من خمسة عشر ولكل ابن أربعة.
المقام الثاني: أن يكون الاستثناء من الباقي وفيه مسائل:
أ: لو أوصى بمثل نصيب أحد ولديه إلا ثلث ما يبقى بعد اخراج النصيب فطريقه:
أن يجعل المال كله ثلاثة أسهم ونصيبا مجهولا وإنما جعلناه ثلاثة أسهم ليكون له ثلث بعد
النصيب ثم نسترد من النصيب سهما كاملا فإنه ثلث المال ونضمه إلى السهام الثلاثة
فيصير معنا أربعة أسهم نقسمها بين الولدين فظهر أن النصيب المجهول سهمان لأنه
بقدر النصيب ثم نعود فنقول: إن المال كان خمسة أسهم والنصيب منه سهمان فنصرف
إلى الموصى له سهمين يبقى ثلاثة نسترد منه مثل ثلث الباقي بعد النصيب وهو سهم فإن
الباقي بعد النصيب ثلاثة ونضمه إلى الثلاثة فيصير معنا أربعة بين الابنين لكل واحد
سهمان مثل النصيب المخرج ابتداء.
ب: لو قال: أعطوه مثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما يبقى بعد الوصية لا بعد
النصيب والوصية هي التي يتقرر الاستحقاق عليها بعد الاستثناء فطريقه: أن نجعل
المال سهمين ونصيبا مجهولا وإنما جعلناه سهمين ونصيبا بحيث إذا أخرجنا النصيب
يبقى من المال ما إذا زيد عليه مثل نصفه يصير ثلاثة حتى نسترد من النصيب مثل
نصف الباقي بعد النصيب فنكون قد استرجعنا مثل ثلث الباقي بعد الوصية، فإذا
جعلنا المال سهمين ونصيبا مجهولا استرجعنا من النصيب سهما كاملا فصار معنا ثلاثة
ونصيب مجهول فنقسم الثلاثة على الابنين فلكل واحد سهم ونصف فظهر لنا أن
442

النصيب المقدر أولا كان سهما ونصفا، فنعود ونقول: قد ظهر أن المال كله قد كان ثلاثة
أسهم ونصفا فنبسطها أنصافا يصير سبعة والنصيب منها ثلاثة فنصرف إلى الموصى
له ونسترد مثل نصف الباقي بعد النصيب فالباقي بعد النصيب أربعة ومثل نصفه
سهمان فنستردهما ونضمهما إلى الأربعة ونقسمها على ابنين لكل واحد ثلاثة فقد حصل
للموصى له على ثلاثة إلا مثل ثلث الباقي بعد تجرد الوصية وهو سهمان فيبقي له واحد.
ولو أطلق وقال: أعطوه مثل نصيب أحد ولدي إلا ثلث ما يبقى من المال، ولم يقل:
بعد الوصية أو بعد النصيب، نزل على الوصية فإنها الأقل واللفظ متردد.
ج: لو استثنى جزء مقدرا كأن يقول: أعطوه مثل نصيب أحد أولادي الثلاثة
إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد اخراج النصيب فطريقه أن يجعل ثلث المال ثلاثة ونصيبا
مجهولا ثم تسترد من النصيب المجهول سهما كاملا فيحصل معنا أربعة أسهم نضمها إلى
ثلثي المال وهو ستة أسهم ونصيبان يصير عشرة أسهم ونصيبين فنصرف النصيبين
إلى الابنين يبقى عشرة أسهم للابن الثالث فعرفنا أن النصيب كان عشرة فنعود ونقول:
كنا جعلنا ثلث المال ثلاثة أسهم ونصيبا وقد ظهر أن ثلث المال ثلاثة عشر سهما
والنصيب عشرة وثلثاه ستة وعشرون وجملة المال تسعة وثلاثون فنأخذ عشرة من الثلاثة
عشر سهما لصاحب النصيب ونسترد منه ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب وهو واحد
لأن الباقي ثلاثة فيصير معنا أربعة نضمها إلى ثلثي المال فيصير ثلاثين لكل ابن عشرة
مثل النصيب المخرج ابتداء.
ولو قال: ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية فنجعل ثلث المال سهمين ونصيبا
مجهولا ونسترد من النصيب سهما ونضمه إلى سهمين فيصير ثلاثة أسهم فنضمها إلى
ثلثي المال وهو أربعة أسهم ونصيبان فيصير سبعة ونصيبين فيعطى النصيبين ابنين
فيبقي سبعة لابن واحد فظهر أن النصيب كان سبعة فنرجع ونقول: ثلث المال كان تسعة
والنصيب سبعة نخرجه إلى الموصى له ونسترد من النصيب ما إذا ضم إلى الباقي كان له
ثلاثة وهو سهم واحد ونضمه إلى السهمين الباقيين يصير ثلاثة ونضمها إلى ثلثي المال وهو
443

ثمانية عشر فيصير أحدا وعشرين لكل ابن سبعة وهو مثل النصيب المخرج ابتداء
والباقي في يد الموصى له ستة وهو مثل نصيب الابن إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية
وذلك ما أردنا أن نبين أو نقول: نجعل المال ثلاثة أنصباء ووصية فنأخذ ثلث ذلك نصيبا
وثلث وصية وندفع إلى الموصى له نصيبا فيبقي معنا ثلث وصية نسترجع من النصيب
نصف الباقي سدس وصية فيحصل معنا نصف وصية وهو الباقي من الثلث بعد
الوصية ويزيد ذلك على الثلثين فيحصل معنا نصيبان ووصية وسدس وصية يعدل ثلاثة
أنصباء ألق نصيبين بنصيبين فبقي وصية وسدس يعدل نصيبا فالوصية ستة
والنصيب سبعة والمال كله سبعة وعشرون.
ولو قال: مثل نصيب أحدهم إلا ما أنقصت الوصية أحدهم من الثلث فاجعل
ثلث المال نصيبا وشيئا فالشئ هو ما انتقص كل ابن من الثلث فالمال ثلاثة أنصباء
وثلاثة أشياء وأنقص من المال الوصية وهو نصيب إلا شيئا يبقى نصيبان وأربعة أشياء
يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أنصباء فألق نصيبين بنصيبين يبقى نصيب يعدل
أربعة أشياء فالشئ يعدل ربع نصيب فاجعل النصيب أربعة أسهم والشئ سهما وقد كنا
جعلنا المال ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء فهو إذن خمسة عشر سهما للموصى له من ذلك
نصيب إلا شيئا وهو ثلاثة أسهم والشئ هو ما انتقص أحدهم من الثلث سهم واحد فإذا
استثنيته من نصيب أحدهم بقي ثلاثة أسهم وهو الوصية فأنقص الوصية من المال يبقى
اثنا عشر للبنين، وإن شئت أخذت مالا ونقصت منه نصيبا واسترجعت من النصيب
ثلث مال إلا نصيبا وهو ما انتقص أحدهم من الثلث وزدت ذلك على المال فيكون مالا
وثلث مال إلا نصيبين يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة فإذا جبرت صار مالا وثلث مال
يعدل خمسة أنصباء فرد ما معك إلى مال واحد بأن تنقص من الجميع مثل ربعه يبقى مال
يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب فابسطه أرباعا يكون خمسة عشر سهما
والنصيب أربعة أسهم فإذا استثنيت من النصيب ثلث مال إلا نصيبا بقي ثلاثة أسهم
وهو الوصية، فإن أوصى لآخر بربع ما يبقى من الثلث فخذ ثلث مال وأنقص منه نصيبا
واسترجع من النصيب ما انتقص أحدهم من الثلث وهو ثلث مال إلا نصيبا وزد ذلك على
444

باقي الثلث فيصير ثلثي مال إلا نصيبين فإذا دفع ربع ذلك إلى الموصى له بربع باقي
الثلث وذلك سدس مال إلا نصف نصيب يبقى من الثلث نصف مال إلا نصيبا
ونصف نصيب زده على ثلثي المال يكون مالا وسدس مال إلا نصيبا ونصف نصيب يعدل
أنصباء البنين وهي ثلاثة فإذا جبرت صار مالا وسدس مال يعدل أربعة أنصباء ونصفا
فأنقص سبع ما معك ليرجع إلى مال واحد يكون مالا يعدل ثلاثة أنصباء وستة أسباع
نصيب فابسطه أسباعا يكون سبعة وعشرين والنصيب سبعة.
المقام الثالث: أن يكثر الاستثناء:
قاعدة: إذا كانت الوصية لاثنين فما زاد نبسط المسألة على سهام الورثة ونضيف
إليه لكل واحد من الموصى لهم مثل سهام من ذكر له مثله كما تقدم ونضربها في مخرج المستثنى
الأول فما بلغ نضربه في مخرج المستثنى الثاني فما بلغ نضربه في مخرج المستثنى الثالث
وهكذا بالغا ما بلغ ثم نأخذ جميع المستثناة ونجمعه جملة واحدة ونقسمه على من استثني له
من سهامه بنسبتهم ونعطي كل من لم يستثن له من الورثة من باقي السهام بنسبة
ما أعطيت المستثنى له بسهامه وما بقي بعد ذلك نقسمه على الجميع وعلى الموصى لهم أجمعين
كما فعلت في المستثنى المفرد ونجمع سهام الموصى لهم جملة ثم ننظر في سهام واحد واحد فمن
استثني من حقه بشئ فنسقطه وما بقي من جملة سهامه فهو لمن أوصي له بمثل ماله فنعطيه
من تلك الجملة التي عقد بها للموصى لهم واحدا واحدا إلى آخرهم هذا إذا كانت الكسور
لا يدخل بعضها تحت بعض فإن دخل بعضها تحت بعض من غير كسر مثل أن المستثنى من
وصية أحد الموصى لهما ثمن ومن وصية الآخر سدس فإن مخرج الثمن يدخل فيه مخرج
السدس ويدخل فيه أيضا الربع والثلث والنصف إذا كانت سهام الورثة والموصى لهم
أزواجا وغاية ما ينكسر في مخرج النصف نضربها في اثنين أو في الربع تضربها في أربعة
فلا نحتاج إلى أن نضرب في جميع المخارج لكن التقسيم وتميز السهام باق على حاله كما
ذكرناه.
445

وفي هذا المقام مسائل:
أ: لو خلف ابنين وأوصى لواحد بمثل نصيب أحدهما إلا سدس المال ولآخر بمثل
ما للآخر إلا ثمن المال أصل الفريضة سهمان نضيف إليهما للوصية آخرين ثم نضربها في
ستة ثم نضرب المجتمع في ثمانية فيكون مائة واثنين وتسعين ثم نأخذ سدسه وثمنه جملة
نعطي كل ابن نصفها وهو ثمانية وعشرون يبقى مائة وستة وثلاثون نقسم أرباعا لكل
ابن أربعة وثلاثون وللوصيتين ثمانية وستون فللمستثنى منه سدس المال ثلاثون لأن لنظيره
من الولدين في القسمتين اثنين وستين فله مثله إلا سدس المال وسدسه اثنان وثلاثون
يتخلف له ثلاثون وللمستثنى منه الثمن ثمانية وثلاثون لأن لنظيره اثنين وستين فله مثله
إلا ثمن المال وثمنه أربعة وعشرون يتخلف له ثمانية وثلاثون ويمكن قسمتها من ستة
وتسعين بأن نضرب ستة في أربعة ونأخذ ثمن المرتفع وسدسه وهو سبعة لا ينقسم على
الولدين نضرب اثنين في المرتفع يبلغ ثمانية وأربعين ثمنه وسدسه أربعة عشر يتخلف
أربعة وثلاثون لا ينقسم أرباعا نضرب اثنين في ثمانية وأربعين يصير ستة وتسعين لكل
ابن من الثمن والسدس أربعة عشر وله من الباقي سبعة عشر سهما وللمستثنى منه السدس
خمسة عشر لأنها مثل نظيره الذي اجتمع له من القسمتين أحد وثلاثون إلا سدس المال وهو
ستة عشر سهما ويبقى تسعة عشر سهما للآخر لأنه مثل نظيره إلا ثمن المال وهو اثنا عشر.
أو نقول: نأخذ مالا ونخرج منه نصيبين ونسترد منهما إليه سدسه وثمنه يصير
مالا وسدسه وثمنه إلا نصيبين يعدل نصيبين فإذا جبرت صار الجميع وهو مال وثمنه
وسدسه يعدل أربعة أنصباء والمال أربعة وعشرون والمجموع أحد وثلاثون والنصيب
سبعة وثلاثة أرباع فللأول ثلاثة وثلاثة أرباع وللثاني أربعة وثلاثة أرباع ويصح من غير
كسر من ستة وتسعين.
ب: لو أوصى له بمثل نصيب أحد أولاده الثلاثة إلا سدس المال ولآخر بمثل آخر
إلا ثمن المال نضيف سهمين إلى ثلاثة أصل الفريضة ثم نضرب المجتمع في ستة ثم المرتفع
446

في ثمانية يصير مائتين وأربعين ثم نأخذ سدسه وثمنه للولدين لكل ابن خمسة وثلاثون
وللآخر كذلك ويقسم الباقي وهو مائة وخمسة وثلاثون أخماسا لكل ابن سبعة وعشرون
يتكمل له بالقسمتين اثنان وستون وللمستثنى منه السدس اثنان وعشرون لأن له مثل نظيره
إلا سدس المال وسدسه أربعون وللآخر اثنان وثلاثون لأن الثمن وهو ثلاثون إذا أسقط من
اثنين وستين بقي ما قلناه وقد يصح من مائة وعشرين بأن نضرب وفق أحد مخرجي
الاستثناء في الآخر ثم نضرب الخارج في أصل الفريضة تبلغ مائة وعشرين يقسم أخماسا ثم
يؤخذ من المستثنى مائة السدس عشرون ويقسم أخماسا ويؤخذ من المستثنى منه الثمن
خمسة عشر يقسم كذلك فيكمل لكل ابن أحد وثلاثون وللأول أحد عشر هي مثل النصيب
إلا سدس المال وللآخر ستة عشر هي مثل النصيب إلا ثمن المال.
أو نقول: نأخذ مالا ونخرج منه نصيبين ونسترد الثمن والسدس فالمجموع أحد
وثلاثون والنصيب ستة وخمس فللأول اثنان وخمس وللثاني ثلاثة وخمس ويسقط سبعة.
ج: لو أوصى له بمثل أحد أولاده الثلاثة إلا ربع المال وللثاني بمثل آخر إلا سدس المال
ولثالث بمثل آخر إلا ثمن المال فلتضف ثلاثة إلى ثلاثة أصل الفريضة ثم نضرب المجتمع
في أربعة ثم المرتفع في ستة ثم القائم في ثمانية يصير ألفا ومائة واثنين وخمسين ثم نأخذ
المستثنيات وهي الربع والسدس والثمن نقسمها على البنين أثلاثا فلكل ابن مائتان
وثمانية أسهم ويقسم الباقي وهو خمسمائة وثمانية وعشرون على ستة النصف للبنين
لكل ابن ثمانية وثمانون يتكمل له في القسمتين مائتان وستة وتسعون وللمستثنى منه
الربع ثمانية أسهم وللمستثنى منه السدس مائة وأربعة أسهم وللمستثنى منه الثمن مائة
واثنان وخمسون وقد يقوم على الطريقة الثانية التي ذكرناها في الأول هذا المقام من مائة
وأربعة وأربعين أو نقول: نأخذ مالا ونخرج منه ثلاثة أنصباء ونسترد منها ربعه وسدسه
وثمنه فالمجموع بعد الجبر يعدل ستة أنصباء والمال أربعة وعشرون والمجموع سبعة
وثلاثون والنصيب ستة وسدس للأول سدس وللثاني سهمان وسدس وللثالث ثلاثة
وسدس فإذا أردت التصحيح ضربت ستة في أربعة وعشرين ويرجع كل منهم إلى ثمن
447

ما كان له في المسألة الأولى.
ولو كان معهم بنت وأوصى لواحد بمثل ابن إلا ربع ما يبقى من المال بعد اخراج
جميع الوصايا ولآخر بمثل البنت إلا ثمن ما يبقى من ماله بعد نصيب البنت فنقول: الباقي
بعد جميع الوصايا أنصباء الورثة وهي سبعة فخذ ربعه وهو نصيب وثلاثة أرباع نصيب
فأنقصه من نصيب ابن وهو نصيبان يبقى ربع نصيب وهو وصية الأول ثم خذ منه مالا
أو أنقص منه نصيب بنت يبقى مال إلا نصيبا ثم استرجع من نصيب البنت ثمن باقي المال
بعد نصيب البنت وذلك ثمن مال إلا ثمن نصيب وزده على المال يكون مالا وثمن
المال إلا نصيبا وثمن نصيب أنقص منه ربع نصيب الذي هو وصية صاحب الابن يبقى
مال وثمن مال إلا نصيبا وثلاثة أثمان نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي سبعة أنصباء
فإذا جبرت صار مالا وثمن مال يعدل ثمانية أنصباء وثلاثة أثمان نصيب فإذا ضربته
في مخرج الكسر وهو ثمانية يكون سبعة وستين سهما ومنها تصح والنصيب تسعة وهو
ما كان معك من عدد أجزاء المال والثمن وامتحانه أن نخرج من المال نصيب البنت
تسعة يبقى ثمانية وخمسون نأخذ ثمنه سبعة أسهم وربع سهم أنقصها من نصيب
البنت يبقى سهم وثلاثة أرباع سهم وهو وصية صاحب البنت فأخرجها من المال ثم أخرج
ربع نصيب وهو وصية صاحب الابن وذلك سهمان وربع يبقى من المال ثلاثة وستون للبنت
تسعة ولكل ابن ثمانية عشر فاضرب الفريضة في أربعة للكسر يكون مائتين وثمانية
وستين.
د: لو أوصى له بنصيب أحد أبويه مع أربعة بنين إلا ثمن المال وسدس ثمن المال
فالفريضة من ستة ونضيف آخر للوصية ونضربها في ثمانية ثم نضرب المرتفع وهو ستة
وخمسون في مخرج سدس الثمن وهو ثمانية وأربعون تبلغ ألفين وستمائة وثمانية وثمانين
فنأخذ ثمنه وسدس ثمنه وهو ثلاثمائة واثنان وتسعون وتقسم بالسوية بين الأبوين والبنين
الأربعة فيتكمل لهم ألفان وثلاثمائة واثنان وخمسون ويبقى ثلاثمائة وستة وثلاثون يقسم
أسباعا لكل واحد من الورثة ثمانية وأربعون وللموصى له كذلك وله مثل ما لأحد الأبوين
448

إلا ثمن المال وسدس الثمن ويمكن قسمتها من ثلاثمائة وستة وثلاثين بأن نأخذ مالا
ونخرج منه نصيبا ونسترد منه ثمن المال وسدس ثمنه يصير بعد الجبر مالا وثمنه
وسدس ثمنه يعدل سبعة أنصباء والمجموع يعدل خمسة وخمسين والنصيب سبعة وستة
أسباع سهم فللموصى له ستة أسباع سهم والمال ثمانية وأربعون فإذا أردت الصحاح
ضربته في سبعة وإذا ضربت الأصل وهو ستة وخمسون في ستة على الطريقة الثانية فكذلك لأنا
نضرب وفق ثمانية وأربعين مع ستة وخمسين وهو ستة في ستة وخمسين ولأن سدس الثمن
يدخل في الثمن فإن انكسر نضرب في ستة لكن بعض المسائل لا يتأتى فيه ذلك فحينئذ
لكل من الورثة في المستثنى بالثمن وسدس الثمن تسعة وأربعون والباقي بعد ذلك اثنان
وأربعون نقسم على الورثة والموصى له فيكون لكل سهم من سبعة أسهم ستة أسهم
فللموصى له مثل ما لأحد الأبوين خمسة وخمسون إلا ثمن المال وسدس الثمن وهو تسعة
وأربعون فله ستة.
ولو خلف أربعة بنين وأوصى بمثل أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد اخراج
نصيب أحدهم ولآخر بمثل أحدهم إلا ربع ما يبقى من الثلث فمخرج الثلث والربع اثنا
عشر نضرب الثلاثة التي هي مخرج الكسر المنسوب إلى المال فيها تبلغ ستة وثلاثين تزيد
عليه سبعة هي مجموع الثلث والربع من اثني عشر تبلغ ثلاثة وأربعين فهي حصة ابن
واحد ثم نضرب سهام الورثة والموصى لهما وهي ستة في اثني عشر يبلغ اثنين وسبعين تزيد
عليه السبعة تبلغ تسعة وسبعين فهو ثلث المال فما يبقى من الثلث ستة وثلاثون ثلثه اثنا
عشر وربعه تسعة فللموصى له للأول أحد وثلاثون وللثاني أربعة وثلاثون وللبنين الأربعة مائة
واثنان وسبعون فأصل المال مائتان وسبعة وثلاثون والطريق أن نجعل الكسور المنسوبة
إلى ما يبقى متفقة المخرج إن لم تكن ثم نضرب المخرج المنسوب إلى المال في ذلك المخرج
فما بلغ نزيد عليه جميع الكسور المنسوبة إلى ما يبقى من مخرجها المذكور إن كانت الوصايا
مستثناة بتلك الكسور أو ننقصها منه إن كانت زائدة فما بلغ أو بقي فهو نصيب الوارث
الموصى بمثل نصيبه ثم نضرب سهام الورثة والموصى لهم في مخرج الكسور المنسوبة إلى
ما يبقى أيضا فما بلغ نزيد عليه الكسور المنسوبة أيضا أو ننقصها منه كما فعلناه أولا
449

فما حصل فهو عدد الكسر المنسوب إلى المال فإن كان مثل نصيب الوارث أو أقل
فالوصية باطلة وإلا نضربه في مخرجه تبلغ أصل المال أو نجعل ثلث المال نصيبا وشيئا
والشئ اثنا عشر لاجتماع الثلث والربع فيه فالمال ستة وثلاثون وثلاثة أنصباء ندفع
نصيبا إلى الأول ونسترد منه أربعة وإلى الثاني نصيبا ونسترد منه ثلاثة تصير ثلاثة
وأربعين ونصيبا يعدل أنصباء الورثة فالنصيب أربعة عشر وثلث وللأول عشرة وثلث
وللثاني أحد عشر وثلث والمال تسعة وسبعون فإذا أردت الصحاح ضربتها في ثلاثة.
ه‍: قد يتحد المستثنى منه ويكثر الموصى له مختلفا فاضرب مخارج الكسور في الفريضة
واجمع الجميع كما ذكرناه أولا واقسمه على عدد الموصى لهم وأعط الوارث المستثنى من حقه
مثل سهم واحد من الموصى لهم وبقية الورثة بنسبته إن كان معه غيره ثم أضف ما حصل
من المستثنى المجموع إلى ما بقي من الأصل إن بقي منه شئ مرة أخرى واقسمه على
الوارث والموصى لهم واجمع سهام الموصى لهم كما ذكرناه واجمع سهام الوارث المستثنى منه
أولا وآخرا وأسقط من جملته ما استثني من كل واحدا منهم واحدا واحدا فما فضل من
جملته بعد المستثنى فهو لكل واحد من الموصى لهم ذلك القدر المذكور من حقه مثاله:
لو خلف ابنا واحدا وأوصى لواحد بمثل نصيبه إلا سدس المال ولآخر بمثل النصيب
إلا ربع المال ولآخر بمثل النصيب إلا ثمن المال وأجاز الولد فأصلها سهم ونضيف إليه
ثلاثة ونضربها في مخرج الربع ثم المرتفع في مخرج السدس ثم القائم في مخرج الثمن فهي
سبعمائة وثمانية وستون ربعها وسدسها وثمنها أربعمائة وستة عشر نقسمها على عدد سهم
الموصى لهم وهو ثلاثة تنكسر نضرب جملة المسألة في واحد ونصف يكون ألفا ومائة واثنين
وخمسين سهما فالربع والسدس والثمن ستمائة وأربعة وعشرون نقسم على ثلاثة ونعطي
الوارث سهما وهو مائتان وثمانية أسهم يبقى تسعمائة وأربعة وأربعون نقسم على الوارث
والموصى لهم فحق الوارث بالربع من الباقي مائتان وستة وثلاثون سهما نضيفه إلى
ما أعطيته في الأصل فيكون له أولا وأخيرا أربعمائة وأربعة وأربعون وللمستثنى منه الربع مائة
وستة وخمسون فله مثل الابن إلا ربع المال وللمستثنى منه السدس مائتان واثنان وخمسون
450

فله مثل الابن إلا سدس المال وللموصى له المستثنى من حقه الثمن ثلاثمائة سهم وعلى
الطريقة الثانية تخرج من مائتين وثمانية وثمانين سهما وقد تصح من ستة وتسعين بأن
تضرب الستة في الفريضة وهي أربعة ثم وفق الثمانية مع المرتفع فيه تبلغ ستة وتسعين
للابن أربعة وعشرون وكذا كل من الثلاثة ثم نقسم ما في يد المستثنى منه الربع أرباعا له
ربعه وكذا للابن والباقيين ثم نقسم ستة عشر مما في يد المستثنى منه السدس أرباعا ثم نقسم
اثني عشر من يد الثالث فنكمل للابن سبعة وثلاثون وللمستثنى منه الربع ثلاثة عشر هي
مثل ما في يد الابن إلا ربع المال وللمستثنى منه السدس أحد وعشرون وهي مثل ما في يده
إلا سدس المال وللثالث خمسة وعشرون وهي مثل ما في يده إلا ثمن المال أو نقول: نأخذ
مالا وندفع منه ثلاثة أنصباء ونسترجع منه بالكسور ومخرجها أربعة وعشرون والمجموع
سبعة وثلاثون والنصيب تسعة وربع وللأول خمسة وربع وللثاني ثلاثة وربع وللثالث ستة
وربع فإذا أردت الصحاح ضربت أربعة في أربعة وعشرين.
و: لو أوصى له بنصيب أحد ابنيه إلا سدس المال ولآخر بمثله إلا ثمن المال ولآخر
بمثله إلا نصف سدس المال فالفريضة من اثنين نضيف إليهما ثلاثة للأجانب ونضرب
الخمسة في ستة ثم المجتمع في مخرج الثمن ثم المرتفع في نصف السدس يصير ألفين
وثمانمائة وثمانين فسدسها وثمنها ونصف سدسها ألف وثمانون سهما تقسم على عدد
الأوصياء وهم ثلاثة كل سهم ثلاثمائة وستون نعطي كل ابن سهما فالمجموع سبعمائة
وعشرون يبقى ألفان ومائة وستون تقسم أخماسا للولدين وللأوصياء فلكل ابن أربعمائة
واثنان وثلاثون فيكمل مع الأول له سبعمائة واثنان وتسعون سهما وللمستثنى منه السدس
ثلاثمائة واثنا عشر وهو مثل النصيب إلا سدس المال وهو أربعمائة وثمانون وللمستثنى منه
الثمن أربعمائة واثنان وثلاثون وذلك مثل النصيب إلا ثمن المال وهو ثلاثمائة وستون
وللمستثنى منه نصف السدس خمسمائة واثنان وخمسون هو مثل النصيب إلا نصف
سدس المال وهو مائتان وأربعون وعلى الطريقة الثانية ينقسم من مائة وعشرين سهما لكل
ابن ثلاثة وثلاثون سهما وللمستثنى منه السدس ثلاثة عشر وللمستثنى منه الثمن ثمانية
451

عشر وللمستثنى منه نصف السدس ثلاثة وعشرون.
أو نقول: نأخذ مالا وندفع منه ثلاثة أنصباء ونسترد منها سدسه وثمنه ونصف
سدسه فالمجموع يعدل أنصباء الورثة وهي نصيبان وبعد الجبر يعدل المجموع خمسة
أنصباء والمال أربعة وعشرون والمجموع ثلاثة وثلاثون والنصيب ستة وثلاثة أخماس
وللأول اثنان وثلاثة أخماس وللثاني ثلاثة وثلاثة أخماس وللثالث أربعة وثلاثة أخماس فإذا
أردت الصحاح ضربت خمسة في أربعة وعشرين.
ز: لو خلف ثلاثة بنين وثلاث بنات وأوصى لأجنبي بمثل أحد بنيه إلا عشر المال
ولآخر بمثل آخر إلا نصف سدس المال ولآخر بمثل بنت إلا ثلث خمس المال ولآخر بمثل
ما لأحد بنيه وإحدى بناته إلا سدس المال مخرج الكسور ستون ومجموع الكسور منه خمسة
وعشرون وهو ما يخص ثلاث بنين وبنتين وهم الموصى بمثل أنصبائهم فيضاف إليه لبنت
أخرى ثلاثة وثمن يبلغ ثمانية وعشرين وثمنا ويبقى أحد وثلاثون وسبعة أثمان يقسم
على سهام الورثة والموصى لهم وهو سبعة عشر نصيب كل بنت واحد وسبعة أثمان
فيضاف إلى ما أصابها أولا وهو ثلاثة وثمن فيبلغ خمسة وهو نصيب بنت واحدة من ستين
نصيب موصى لهم مجملا بثمانية أسهم منها خمسة عشر فللموصى له بمثل ابن إلا العشر
أربعة وبمثل ابن إلا النصف السدس خمسة وبمثل بنت إلا ثلث الخمس واحد وبمثل ابن
وبنت إلا السدس خمسة فالجميع خمسة عشر.
أو نقول: نأخذ مالا ونخرج منه أربعة أنصباء ونسترد من الأول عشر المال ومن
الثاني نصف سدسه ومن الثالث ثلث خمسه ومن الرابع سدسه فالمال والكسور إلا أربعة
أنصباء يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة ونصف فالمجموع بعد الجبر يعدل ثمانية
أنصباء ونصف فالمال ستون والمجموع خمسة وثمانون والنصيب عشرة وللأول بعد
حذف الكسور أربعة وللثاني خمسة وللثالث واحد وللرابع خمسة
ح: لو أوصت لأجنبي بمثل نصيب ابنها إلا ثمن المال ولآخر بمثل نصيب بنتها
452

إلا عشر المال ولثالث بتمام الثلث ولا وارث سواهما مع الزوج فالفريضة أربعة يعدل ثلثي
المال فهو ستة ثم نضرب وفق مخرج الثمن فيها يبلغ أربعة وعشرين ثم نضرب وفق
العشرة وهو خمسة يبلغ مائة وعشرين للابن من الثلثين أربعون وللزوج عشرون وكذا
للبنت وللموصى له الأول أربعون ونسترد منها خمسة عشر وللثاني عشرون ونسترجع منها
اثني عشر فيبقي من الثلث سبعة فهي للثالث ويحتمل أن يكون للثاني ثلاثة وللثالث اثنا
عشر لأنه استثنى من وصيته عشر المال وهو اثنا عشر والذي بقي من الثلث بعد الأول خمسة
عشر فلم يبق مثل نصيب البنت بل أقل فنخرج المستثنى من الباقي والأول أقوى.
ط: لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنته الستة إلا خمس ما يبقى من الثلث بعد
النصيب ولآخر بمثل نصيب آخر إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد ذلك كله ولآخر بنصف
سدس جميع المال فلنسم الوصايا وصية فيكون المال ستة أنصباء ووصية فنأخذ ثلث ذلك
وهو نصيبان وثلث وصية وندفع منه إلى الموصى له الأول نصيبا فيبقي من الثلث نصيب
وثلث وصية ونسترجع من النصيب خمس ذلك وهو خمس نصيب وثلث خمس وصية
فيكون الباقي من الثلث بعد اخراج الوصية الأولى نصيبا وخمس نصيب وخمسي وصية
لأن ثلث خمس وصية إذا زيد على ثلث وصية بلغ خمسي وصية فندفع من ذلك إلى الموصى له
الثاني نصيبا فيبقي خمس نصيب وخمسا وصية ونسترجع من النصيب الثاني ثلث
الباقي من الثلث وهو ثلث خمس نصيب وثلثا خمس وصية نزيد ذلك على الباقي من
الثلث فيحصل معنا أربعة أجزاء من خمسة عشر جزء من نصيب وثمانية أجزاء من
خمسة عشر جزء من وصية لأن ثلث خمس نصيب هو جزء واحد من خمسة عشر جزء من
نصيب فإذا أضيف إلى خمس نصيب وهو ثلاثة أجزاء من خمسة عشر جزء كان أربعة
أجزاء من خمسة عشر وثلثا خمس وصية وهو سهمان من خمسة عشر جزء من وصية إذا
أضيف إلى خمسي وصية وهو ستة من خمسة عشر صار ثمانية أجزاء من خمسة عشر جزء من
وصية فظهر أن الباقي من الثلث بعد اخراج الوصيين أربعة أجزاء من خمسة عشر جزء من
نصيب وثمانية أجزاء من خمسة عشر جزء من وصية نزيد ذلك على ثلثي المال وهو أربعة
453

أنصباء وثلثا وصية فيحصل أربعة أنصباء وأربعة أجزاء من خمسة عشر جزء من
نصيب ووصية وخمس وصية لأن ثمانية أجزاء من خمسة عشر جزء من وصية إذا أضيف
إلى ثلثي وصية أعني عشرة أجزاء من خمسة عشر جزء من وصية كان المجموع وصية وخمس وصية
فندفع من المجموع وهو أربعة أنصباء وأربعة أجزاء من خمسة عشر جزء من
نصيب ووصية وخمس وصية إلى الموصى له الثالث نصف سدس المال وهو نصف
نصيب ونصف سدس وصية فيبقي ثلاثة أنصباء ونصف وأربعة أجزاء من خمسة عشر
جزء من نصيب ووصية وجزء وثلاثة أرباع جزء من خمسة عشر جزء من وصية لأن نصف
سدس وصية وهو سهم وربع من خمسة عشر جزء من وصية إذا أسقط من خمس وصية وهو
ثلاثة أسهم من خمسة عشر جزء من وصية كان الباقي سهما وثلاثة أرباع سهم فقد احتجنا
إلى نصف نصيب من خمسة عشر التي جعلناها نصيبا ينكسر نضرب اثنين في خمسة
عشر يبلغ ثلاثين فالنصيب نقسمه ثلاثين جزء واحتجنا إلى بسط الوصية إلى ستين حيث
احتجنا إلى ربع جزء من خمسة عشر فظهر أن الباقي بعد الوصايا ثلاثة أنصباء وثلاثة
وعشرون جزء من ثلاثين جزء من نصيب هي نصف نصيب قد كان سبعة ونصف من
خمسة عشر فهو الآن خمسة عشر وأربعة أجزاء من نصيب قد كان من خمسة عشر جزء
فهي الآن ثمانية أجزاء فالمجموع ثلاثة وعشرون جزء من ثلاثين جزء من نصيب وبقي
معنا أيضا وصية وسبعة أجزاء من ستين جزء من وصية قد كان سهما وثلاثة أرباع سهم من
خمسة عشر فتكون من ستين سبعة أسهم وهذا الباقي كله وهو ثلاثة أنصباء وثلاثة
وعشرون جزء من ثلاثين جزء من نصيب ووصية وسبعة أجزاء من ستين جزء من وصية
يعدل أنصباء الورثة وهي ستة أنصباء تسقط ثلاثة أنصباء وثلاثة وعشرين جزء من
ثلاثين جزء من نصيب بمثلها فيبقي نصيبان وسبعة أجزاء من ثلاثين جزء من نصيب
يعدل وصية وسبعة أجزاء من ستين جزء من وصية فإذا الوصية يعدل نصيبين لأن عدد
الأنصباء مثل نصف الوصية فالوصية اثنان والنصيب واحد والمال ستة أنصباء ووصية
فهو إذن ثمانية فنضرب ذلك في ثلاثة لأن المال يجب أن يكون له نصف سدس ومخرجه اثنا عشر
وهي توافق الثمانية بالربع فنضرب ربع أحدهما في الآخر فيصير أربعة وعشرين فنأخذ
454

ثلث المال ثمانية ندفع إلى الموصى له أولا نصيبها وهو ثلاثة فيبقي خمسة نسترجع من
النصيب خمس الباقي وهو واحد ويحصل معنا ستة فندفع إلى الموصى له الثاني نصيبا
وهو ثلاثة فيبقي ثلاثة ونسترجع منه ثلث ذلك وهو واحد فيحصل معنا أربعة زدنا ذلك
على ثلثي المال وهو ستة عشر فصار عشرين ندفع إلى الثالث نصف سدس المال سهمين
بقي ثمانية عشر لكل ابن ثلاثة وقد كان للموصى له الأول سهمان فهي مثل النصيب
إلا خمس الباقي من الثلث بعد النصيب وللموصى له الثاني سهمان وهو مثل النصيب
إلا ثلث الباقي من الثلث وللموصى له الثالث سهمان هي النصف السدس.
ي: لو خلف تسعة بنين وأوصى بنصف ما يبقى من الربع بعد اخراج نصيب ابن
واحد منه ولآخر بثلث ما يبقى ولآخر بربع ما يبقى فمخرج النصف والثلث و الربع اثنا
عشر والنصف والثلث والربع منها ثلاثة عشر نضرب أربعة في اثني عشر يبلغ ثمانية
وأربعين تنقص منها ثلاثة عشر يبقى خمسة وثلاثون وهي نصيب ابن واحد ثم نضرب
التسعة في اثني عشر يبلغ مائة وثمانية تنقص منها ثلاثة عشر يبقى خمسة وتسعون وهي ربع
المال فنصيب الموصى له للأول ثلاثون والثاني عشرون والثالث خمسة عشر وأصل المال
ثلاثمائة وثمانون وقد يصح من ستة وسبعين بأن نأخذ مخرج الكسور وهي اثنا عشر
فنقول: هي ربع مال إلا نصيبا فإذا كملناه بنصيب صار ربعا كاملا فمجموع المال
ثمانية وأربعون وأربعة أنصباء فإذا أخرج النصيب من الربع بقي اثنا عشر للأول ستة
وللثاني أربعة وللثالث ثلاثة يبقى من المال أربعة أنصباء وخمسة وثلاثون ندفع أربعة
أنصباء إلى أربعة من الأولاد ثم نقسم خمسة وثلاثين على خمسة أولاد فلكل ابن سبعة
وللنصيب سبعة والربع تسعة عشر فالمجموع ستة وسبعون هذا إن قصد إعطاء العائل
من أصل المال.
ولو حصره في الربع فالطريق أن نجعل المال أرباعا ندفع ربعا إلا نصيبا إلى
الموصى لهم يبقى ثلاثة أرباع ونصيب للورثة يعدل تسعة أنصباء فالربع نصيبان وثلثان
فالمجموع عشرة وثلثا نصيب نضرب مخرج الكسر وهو ثلاثة في عشرة وثلثين يبلغ اثنين
455

وثلاثين الربع ثمانية والنصيب ثلاثة يبقى خمسة نقسم على ثلاثة عشرة نضرب ثلاثة
عشر في اثنين وثلاثين وإنما طولنا الكلام في هذا الباب وخرجنا فيه عن مناسبة الكتاب لأن
أصحابنا المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين أعطونا القوانين الكلية ولم يتعرضوا لهذه
التفريعات الجزئية فتعرضنا نحن لها ليتمهر الفقيه الحاذق لاستخراج ما يرد عليه من هذا
الباب والله الموفق للصواب.
الفصل الثالث: في تصرفات المريض:
وهي قسمان: منجزة ومعلقة بالموت. أما المؤجلة فكالوصية بالإجماع في اخراجها
من الثلث وكذا تصرفات الصحيح المقترنة بالموت. وإما المعجلة للمريض فإن كانت
تبرعا فالأقرب أنها من الثلث إن مات في مرضه وإن برأ لزمت إجماعا.
فهنا بحثان:
البحث الأول: في بيان مرض الموت:
الأقرب عندي أن كل تصرف وقع في مرض اتفق الموت معه سواء كان مخوفا أو لا
فإنه يخرج من الثلث إن كان تبرعا، وإلا فمن الأصل وقيل: إن كان مخوفا فكذلك وإلا فمن
الأصل كالصحيح ولا بد من الإشارة إلى المرض المخوف فنقول: قد يحصل في الأمراض
تفاوت وله طرفان وواسطة،
أما الطرف الذي يقارن الموت فهو أن يكون قد حصل معه يقين التلف كقطع
الحلقوم والمرئ وشق الجوف وإخراج الحشوة، ففي اعتبار نطقه إشكال ينشأ من عدم
استقرار حياته فلا يجب بقتله حينئذ دية كاملة ولا قصاص في النفس بل حكمه حكم الميت.
الطرف الثاني: مقابله وهو ماله حكم الصحة كوجع العين والضرس وحمى يوم
والفالج والسل المستمر لتطاول زمانهما، فهذا ليس بمخوف.
456

وأما الواسطة: فكل مرض لا يقين معه بالتلف ولا يستبعد معه، كالحمى المطبقة
لا حكمي الربع والغب إلا أن ينضم إليهما برسام أو رعاف دائم أو ذات جنب أو وجع صدر
أو رئة أو قولنج، وكالإسهال المفرط أو المستصحب للزحير أو الدم، وكغلبة الدم أما على
جميع البدن فينتفخ البدن به مع الحمى وهو الطاعون لأنه من شدة الحرارة فتطفئ الحرارة
الغريزية أو على بعض البدن فينتفخ به ذلك العضو، وكغلبة البلغم وهو ابتداء الفالج فإنه
مخوف في الابتداء لأنه يعقل اللسان ويسقط القوة فإن صار فالجا تطاول، وكغلبة المرة
الصفراوية، وكالجرح الواصل إلى جوف الدماع أو البدن أما غير الواصل إليه كالحاصل
في اليد والساق والفخذ فإن حصل منه انتفاخ وألم وضربان أو تأكل مدة فمخوف
وإلا فلا.
وأما ما ينذر بالموت ولا يمس البدن فلا يعد في المرض والتبرعات معه ماضية من
الأصل، كحال المراماة وكالأسير إذا وقع في يد المشركين، وكركوب البحر وقت التموج
وكإقامة الحجة عليه بما يوجب القتل، وكظهور الطاعون والوباء في بلده، وكالحمل قبل
ضرب الطلق وبعده أما لو مات الولد معها فإنه مخوف وهذا التفصيل عندي لا اعتبار به.
البحث الثاني: في حقيقة التبرع:
وهو إزالة الملك عن عين مملوكة يجري الإرث فيها من غير لزوم ولا أخذ عوض يماثلها
فلو باع بثمن المثل لزم وصح وكذا لو اشترى به ولا يمنع من اخراج ما ينتفع به من مأكول
أو ملبوس أو مشروب ولا من ابتياعه بثمن المثل سواء كان عادته ذلك أولا أما لو باع بدون
ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه أو وهب أو أعتق أو وقف أو تصدق فإنه يخرج من الثلث على
الأقوى، والإقرار إن كان مع التهمة من الثلث ولا معها من الأصل فهاهنا مطالب:
457

المطلب الأول: في التبرعات: وفيه مسائل:
أ: الهبة والعتق والوقف والصدقة المندوبة محسوبة من الثلث، ولو نذر الصدقة في
مرض الموت فالأقرب أنه من الثلث وكذا لو وهب صحيحا وأقبض مريضا لأن القبض هو
المزيل للملك وكذا لو أبرأ عن دين أو كاتب عبدا وإن زاد عن ثمن المثل، ولو شرط في الهبة
عوض المثل فمن الأصل ودونه يكون الزائد من الثلث ويمضى من الأصل ما يؤديه من
الديون وأروش الجنايات سواء وقعت في الصحة أو مرض الموت وكذا مهر المثل مع
الدخول أما لو زاد كان الزائد من الثلث، ولو خصص بعض الديون بالقضاء لم يكن لباقي
الديان المشاركة وإن قصرت التركة أما لو أوصى بتخصيصه بالقضاء لم يصح، ويمضى
من الأصل الكفارة الواجبة وأجرة المثل عن حجة الاسلام أو المنذورة في الصحة، وأجرة
الصلاة من الثلث وإن كانت واجبة، وبالجملة كل واجب يخرج من صلب
المال.
ب: لو أخذ عوضا هو ثمن مثل ما بذله من المال فهو من رأس المال كالبيع
وأصناف المعاوضات سواء كان مع أجنبي أو وارث وسواء كان متهما أو لا، ولو باع الوارث
بثمن المثل وأقر بقبض الثمن من غير مشاهدة نفذ البيع وإن كان مستوعبا وكان الإقرار
من الثلث مع التهمة، وما يتغابن الناس بمثله يمضى من الأصل. ولو أوصى أن يكفن بالمرتفع
مضى الزائد عن المجزئ من الثلث ولو اشتمل البيع على المحاباة مضى ما قابل السلعة من
الأصل والزائد من الثلث وكذا لو شرط أقل من عوض المثل في الهبة.
ج: نكاح المريض مشروط بالدخول فإن مات قبله بطل العقد ولا مهر ولا ميراث
ولو ماتت فكذلك وإن دخل صح العقد فإن كان المسمى بقدر مهر المثل أو أقل نفذ من
الأصل وإلا فالزائد من الثلث وله أن ينكح أربعا، ولو زوجت المريضة نفسها فالأقرب
الصحة وعدم اشتراط الدخول فإن كان بدون مهر المثل فالأقرب النفوذ، ويكره للمريض
458

أن يطلق ويمضى لو فعل لكنهما يتوارثان في العدة الرجعية وترثه المرأة إن مات في الحول من
حين الطلاق ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه، فلو مات بعد الحول ولو بساعة أو برأ في أثناء الحول
ثم مات قبل خروجه أو تزوجت في أثنائه وإن طلق الثاني بائنا فلا ميراث، والأقرب انتفاء
الإرث مع الخلع والمباراة وسؤالها الطلاق وكونها كافرة أو أمة وقت الطلاق وإن أسلمت
أو أعتقت في الحول إلا في العدة الرجعية ولو طلق أربعا ونكح بعد العدة أربعا ودخل ثم مات
ورث الثمان نصيب الزوجية بالسوية وكذا لو طلق الأواخر وتزوج أربعا غيرهن ورثه
الجميع وهكذا ولو أعتق أمته في مرض الموت وتزوج بها ودخل صح العتق والعقد وورثت إن
خرجت من الثلث وإلا فبالنسبة ولو أعتق أمته وتزوجها بمهر ودخل صح الجميع إن
خرجت من الثلث وورثت وإلا بطل العتق في الزائد وما قابله من المهر.
د: لو آجر نفسه بأقل من أجرة المثل فهو كما لو نكحت بأقل من مهر المثل ولو آجر
دوابه وعبيده بأقل فهو من الثلث، ولو أوصى بأن يباع عبده من زيد وجب.
المطلب الثاني: في كيفية التنفيذ:
إن كانت العطايا معلقة بالموت مضت من الثلث فإن اتسع لها وإلا بدئ بالأول
فالأول ولا فرق بين العتق وغيره وإن كانت منجزة فكالوصية في خروجها من الثلث
أو إجازة الورثة واعتبار خروجها من الثلث حال الموت وأنه يزاحم بها الوصايا في الثلث
وأنها مع الاجتماع وقصور الثلث يبدأ بالأول منها فالأول، وتفارقها في كونها لازمة في حق
المعطى ليس له الرجوع فيها، وأن قبولها على الفور واشتراط ما يشترط لها في الصحة
كالعلم والتنجيز، وأنها مقدمة على الوصية، وأنها لازمة في حق المعطى والوارث لو برأ.
وإذا وهب وتصدق وحابى فإن وسع الثلث وإلا بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى
الثلث ولو جمع بين المنجزة والمؤخرة قدمت المنجزة فإن وسع الثلث للباقي أخرج
وإلا أخرج ما يحتمله الثلث، ولو أعتق شقصا من عبد ثم شقصا من آخر ولم يخرج من
459

الثلث إلا العبد الأول عتق خاصة ولو أعتق الشقصين دفعه وكان الباقي من كل منهما
يساوى الشقص من الآخر واتسع الثلث للشقصين خاصة فالأقرب عتق الشقصين
خاصة، ولو خرج أحدهما أقرع له ولو ملك من ينعتق عليه بغير عوض كالهبة أو بغير عوض
موروث كما لو آخر نفسه للخدمة به عتق من صلب المال وورث، ولو انتقل بالشراء فالأقرب
أنه كذلك، ولو اشترى بتركته أجمع عتق، ولو اشتراه بأكثر من ثمن المثل فإن خرجت
المحاباة من الثلث فكذلك وإلا نفذت المحاباة من الثلث واستسعى القريب في الباقي،
ولو أوصى له بمن ينعتق عليه فقبله انعتق من صلب المال لأن اعتبار الثلث إنما هو فيما يخرجه
عن ملكه اختيارا وكذا لو وهب أو ورث وكذا المفلس المحجور عليه والمديون المريض.
ولو وهب ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتين وابنا آخر عتق وأخذ مائة، ولو كانت
قيمته مائتين والتركة مائة عتق أجمع وأخذ خمسين، ولو اشترى ابني عم بألف لا يملك سواها
ثم أعتق أحدهما ووهبه الآخر وخلفهما مع مولاه لا ورثة له سواه عتق ثلثا المعتق إلا أن يجيز
المولى ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة فينعتق منه ثمانية اتساعه فيبقي تسعة وثلث أخيه
للمولى ويحتمل عتق جميعه ويرث أخاه لأنه بالإعتاق يصير وارثا لثلثي التركة فتنفذ إجازته
في عتق باقية فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث.
ولو ملك من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه ثم مات ملك نفسه وعتق وأخذ باقي
التركة إن لم يكن هناك وارث ولو كان هناك وارث لم يعتق، وإن كان أبعد فإن أعتقه في
مرضه فإن خرج من الثلث عتق وأخذ التركة وإلا عتق ما يحتمل الثلث وورث بنسبته وكذا
لو كان قد أقر بأنه كان أعتقه في صحته مع التهمة.
وكل ما يلزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه كأرش الجناية وجناية عبده
وما عاوض عليه بثمن المثل أو إتلاف مال الغير ظلما أو غيره، والنكاح بمهر المثل يمضى من
الأصل ولو أعتق المستوعب أو وهبه ثم مات المعتق أو الموهوب قبله احتمل البطلان في
الجميع والصحة فيه، ولو أعتق تبرعا ثم أقر بدين فإن كان متهما نفذ العتق أولا وإن لم
يكن متهما فالأقرب تقديم الدين، ولو باع فحابى فإن أجاز الورثة لزم البيع فإن لم يجيزوا
فاختار المشتري الفسخ فله ذلك لتبعض الصفقة فإن اختار الإمضاء قال علماؤنا: يصح
460

ما قابل الثمن من الأصل والمحاباة من الثلث، والحق عندي مقابلة أجزاء الثمن بإجزاء المبيع
كما في الربوي ولأن فسخ البيع في البعض يقتضي فسخه في قدره من الثمن وكما لا يصح
فسخ البيع في الجميع مع بقاء بعض الثمن كذا لا يصح في البعض مع بقاء جميع الثمن.
فلو باع عبدا لا يملك سواه وقيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى بثلثي ماله فعلى الأول
يأخذ ثلثي العبد بجميع الثمن لأنه استحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وعلى
ما اخترناه يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي لأن فيه مقابلة بعض
المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر جميعه كما لو اشترى قفيزا يساوى تسعة بقفيز يساوى
ثلاثة ولو باعه بخمسة عشر جاز في ثلثيه بثلثي الثمن وعلى الأول في خمسة أسداسه
بالجميع، وطريق هذا أن ينسب الثمن وثلث التركة إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك
النسبة وهو خمسة أسداسه وعلى ما اخترناه نسقط الثمن من قيمته المبيع وينسب للثلث إلى
الباقي فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن أو ننسب الثلث إلى
المحاباة فيصح البيع في قدر تلك النسبة فإن خلف عشرة أخرى فعلى قولنا يصح البيع
في ثمانية اتساعه بثمانية اتساع الثمن وعلى ما اختاره علماؤنا يأخذ المشتري نصفه
وأربعة اتساعه بجميع الثمن ويرد نصف تسعة أو ننسب الثمن إلى المثمن ونستخرج
قدر المحاباة للورثة ضعفها من العبد والثمن فنقول:
في الأولى صح البيع في شئ من العبد بثلث شئ من الثمن فالمحاباة بثلثي شئ
فللورثة شئ وثلث والشئ من العبد فبطل من الثمن ثلث شئ فالثمن في تقدير ثلثي
شئ والعبد في تقدير شيئين فالشئ خمسة عشر فللمشتري خمسة عشر هي نصفه ورجع
إليه من الثمن خمسة وكذا للورثة.
وفي الثانية يصح البيع في شئ بنصف شئ من الثمن فالمحاباة بنصف شئ
فللورثة شئ وقد حصل لهم من الثمن نصف شئ يبقى لهم نصف شئ من العبد
فيبطل البيع في مقابله وهو ربع شئ من الثمن، فالعبد في تقدير شئ ونصف والثمن في
تقدير نصف شئ وربع، فالشئ عشرون.
وفي الثالثة صح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن فللورثة مقابل
461

المحاباة شئ من التركة والثمن وقد حصل لهم نصف شئ من الثمن فالعبد
والعشرة الزائدة في تقدير شئ ونصف فالشئ ستة وعشرون وثلثان.
المطلب الثالث: في مسائل الدورية في هذا الباب: وهي أنواع
: النوع الأول: العتق:
أ: إذا خرجت العطية المنجزة من الثلث حال الموت تبينا صحتها حال العطية وإلا
فما يحتمله الثلث فإن نمى المعطى أو كسب شيئا قسم بين الورثة وبين صاحبه على قدر
مالهما فيه فربما أفضي إلى الدور فلو أعتق عبده ولا شئ سواه فكسب مثل قيمته ثم مات
السيد فللعبد من كسبه بقدر ما عتق وباقيه للسيد فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية فيزداد
حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب فينقص الحرية،
وطريقة استخراج قدر الحرية أن يقول عتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة من
العبد وكسبه شيئان لأن لهم ضعف ما عتق وقد عتق منه شئ ولا يحسب على العبد ما حصل
له من الكسب لأنه استحقه لا من سيده بل من الحرية فالعبد وكسبه نصفان بين الورثة
والعبد فيتحرر نصف العبد وله نصف الكسب
ولو كسب ضعف قيمته فله من كسبه شيئان فصار له ثلاثة أشياء وللورثة شيئان
فيقسم العبد وكسبه خمسة للورثة خمساه وخمسا كسبه.
ولو كسب ثلاثة أمثال قيمته فله ثلاثة أشياء من كسبه مع ما عتق منه وللورثة شيئان
فيعتق ثلثاه وله ثلثا كسبه ولهم الثلث منهما فإن اقترض مولاه مثل قيمته فأتلفه ثم مات عن
ضعف قيمته فإن أبرأه العبد عتق وسلم له باقي كسبه وإلا عتق منه خمسة أسداسه وله من
كسبه وقرضه بالنسبة.
ولو كسب نصف قيمته عتق منه شئ وله نصف شئ ولهم شيئان فالجميع ثلاثة
أشياء ونصف تبسط أنصافا له ثلاثة أسباعها فيعتق ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه
والباقي لهم ولو كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له بإزاء كل دينار شيئا فقد عتق منه
462

مائة شئ وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ فيعتق منه مائة جزء وتسعة
أجزاء من ثلاثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتان من
كسبه.
ولو استغرق دين المولى القيمة والكسب صرف الجميع في الدين وإلا صرف من
العبد وكسبه ما يقضى به الدين والباقي يقسم كالكامل وكسبه، فلو كان كله من الدين
والكسب كالقيمة صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم الباقي نصفين وكذا باقي
الكسب.
ولو كان للسيد مثل قيمته وكسب العبد مثلا آخر قسمت العبد ومثلي قيمته على
الأشياء الأربعة فلكل شئ ثلاثة أرباع فيعتق ثلاثة أرباع العبد وله ثلاثة أرباع كسبه.
ب: لو أعتق عبدا قيمته عشرون ثم آخر عشرة فكسب كل مثل قيمته أكملت الحرية
في الأول فيعتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما
على الأشياء الأربعة فلكل شئ خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة
أرباع كسبه والباقي لهم، ولو بدأ بالأدنى عتق كله وأخذ كسبه واستحق الورثة من الآخر
وكسبه مثلي المعتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين
فيعتق ربعه وله ربع كسبه وترق ثلاثة أرباعه وتتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما انعتق
منهما، ولو أعتقهما دفعة أقرع فمن خرجت قرعته كان حكمه كما لو بدأ به.
ج: لو أعتق ثلاثة قيمتهم سواء وعليه مساوي أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته
أقرع لإخراج الدين فإن وقعت على غير المكتسب بيع في الدين ثم أقرع بين المكتسب
والآخر لأجل الحرية، فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله ورق الآخر وماله لهم، وإن
وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه، وباقي
كسبه والعبد الآخر للورثة، ولو وقع قرعة الدين على المكتسب قضي الدين بنصفه ونصف
كسبه ثم أقرع بين باقيه والآخرين للحرية فإن وقعت على غيره عتق كله وإن وقعت عليه
463

عتق باقيه وأخذ باقي كسبه ثم أقرع بين العبدين لإتمام الثلث فمن وقعت عليه عتق ثلثه،
وكذا لو وهب أحدهم كان للمتهب من العبد وكسبه مثل ما للعبد من نفسه وكسبه في هذه
المسائل.
د: لو أعتق عبدين مستوعبين متساويين دفعة فمات أحدهما فإن وقعت القرعة
عليه فالحي رق وتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثلي نصفه وإن وقعت على الحي
عتق ثلثه ولا يحسب الميت على الورثة، ولو أعتق عبدا مستوعبا قيمته عشرة فمات قبل
سيده وخلف عشرين فهي لسيده، بالولاء وظهر أنه مات حرا، وأن خلف عشرة عتق منه
شئ وله من كسبه شئ ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل شيئين فتبين
أن نصفه حر وباقيه رق والعشرة يستحقها السيد نصفها بالرق والباقي بالولاء، فإن
خلف وارثا قريبا فله من رقبته شئ ومن كسبه شئ فيكون لوارثه ولسيده شيئان فتقسم
العشرة على ثلاثة للوارث ثلثها وللسيد ثلثاها وتبين أنه عتق من العبد ثلثه.
ولو كان المعتق جارية وخلفت زوجها ومعتقها ثم مات السيد قلنا: نجعل للجارية
من تلك العشرة وصية ثم نزيد عليها نصف وصية لأن الراجع إلى السيد من وصية الجارية
نصفها فيكون مع ورثة السيد عشرة إلا نصف وصية وذلك مثل وصيتين فنجيز العشرة
بنصف وصية فيكون مثل وصيتين ونصف فالوصية الواحدة خمسا هذه فأخرج من
العشرة خمسيها وهو أربعة فهي وصية الجارية والباقي سعاية الجارية، وامتحانه أن ندفع من
العشرة التي هي تركته أربعة للوصية يبقى ستة وهي السعاية فاجعلها في أيدي ورثة السيد
ثم اقسم الأربعة بين ورثة الجارية وورثة السيد نصفها للزوج اثنان ونصفها للسيد اثنان
فزدهما على الستة التي كانت في أيديهم فيصير لهم ثمانية وهي مثلا الوصية، لأن الوصية
أبدأ بالثلث.
ولو خلف عشرين فله من كسبه شيئان لوارثه ولسيده شيئان فالعشرون بين السيد
والوارث نصفان وتبين أنه عتق نصفه فإن مات الولد قبل موت السيد وكان ابن معتقة
ورثه السيد لأنا تبينا أن أباه مات حرا لأن السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء
464

ابنه إلى سيده فورثه، ولو لم يكن ابن معتقة لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه، وكذا ينجر
لو خلف الابن عشرين ولم يخلف الأب شيئا أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت فإنه
يرث الولد ولو لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن أباه لم يعتق، وإن عتق بعضه جر
من ولاء ابنه بقدره.
فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فنقول: عتق من العبد شئ وينجر من
ولاء ابنه بمثله ويحصل له من ميراثه شئ مع خمسة وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى
أمه فيقسم بين السيد ومولى الأم نصفين وتبين أنه عتق من العبد نصفه وحصل للسيد
خمسة من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من الأب.
ه‍: لو أعتق جارية قيمتها خمسمائة ثم ماتت وتركت خمسمائة وزوجا وأوصت لرجل
بالثلث ثم مات السيد وعليه خمسون تأخذ خمسمائة وتدفع منها وصية وندفع تلك الوصية
بوصية الجارية ثم ندفع ثلثها إلى الموصى له بالثلث يبقى ثلثا وصية بين الزوج وورثة السيد
نصفان فللزوج ثلث وصية ولورثة السيد ثلث وصية فزدها على خمسمائة التي هي القيمة ثم
ادفع منها دين السيد يبقى أربعمائة وخمسون وثلث وصية وهو مثل ثلاث وصايا فاطرح ثلث
وصية بمثلها فبقي أربعمائة وخمسون مثل وصيتين وثلثي وصية فالوصية الواحدة ثلاثة
أثمانه فيخرج من أربعمائة وخمسين ثلاثة أثمانها وهو مائة وثمانية وستون درهما وثلاثة
أرباع درهم فتلك وصية الجارية وسعايتها تمام القيمة وهي ثلاثمائة وأحد وثلاثون وربع
درهم،
وامتحانه: أن نجعل السعاية في يد ورثة السيد وهي ثلاثمائة وأحد وثلاثون وربع ثم
خذ الوصية وهي مائة وثمانية وستون وثلاثة أرباع درهم فادفع ثلثها في وصية الجارية لأنها
أوصت بثلث مالها فيبقي مائة واثنا عشر ونصف فاجعل للزوج نصف ذلك ستة وخمسون
وربع ولورثة السيد ما بقي وهو ستة وخمسون وربع فنزيدها على ما في أيديهم فيكون ثلاثمائة
وسبعة وثمانين ونصفا فادفع خمسين دين السيد يبقى لهم ثلاثمائة وسبعة وثلاثون ونصف
وهي مثل الوصية مرتين.
465

النوع الثاني: المحاباة:
أما النكاح فلو تزوج وأصدق عشرة مستوعبة ومهر مثلها خمسة فلها مهر المثل
وثلث المحاباة، فإن ماتت قبله فورثها ولم تخلف سوى الصداق دخلها الدور فتصح
المحاباة في شئ فيكون لها خمسة بالصداق وشئ بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة
إلا شيئا ثم رجع إليه بالميراث نصف مالها وهي اثنان ونصف ونصف شئ صار لهم سبعة
ونصف إلا نصف شئ يعدل شيئين، أجبر وقابل يخرج الشئ ثلاثة وكان لها ثمانية
يرجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة، فإن ترك الزوج خمسة
أخرى بقي مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمسة
فيصح لها جميع المحاباة ويرجع ما حاباها به إلى ورثة الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها.
ولو كانت للمرأة خمسة ولا شئ للزوج وبقي مع الزوج عشرة إلا نصف شئ يعدل
شيئين فالشئ أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسة، أربعة عشر يرجع إلى ورثة الزوج
نصفها مع الدينار الذي يبقى لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة، ولو تركت دينارين عاد
إلى الزوج من ميراثها ثلاثة ونصف ونصف شئ صار له ثمانية ونصف إلا نصف
شئ، أجبر وقابل يخرج الشئ ثلاثة وخمسين فصار لورثته ستة وأربعة أخماس ولورثتها
خمسة وخمس.
وأما الخلع: فلو خالعها في مرضها بأكثر من مهرها فالزيادة محاباة تمضى من الثلث
فلو خالعته بثلاثين مستوعبة وصداق مثلها اثنا عشر فله ثمانية عشر اثنا عشر قدر
الصداق وستة ثلث الباقي، ولو كان صداقها ستة فله أربعة عشر، ولو تزوج المريض بمائة
مستوعبة ومهر المثل عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة وهي تركتها فلها مهر مثلها
وشئ بالمحاباة والباقي له ثم يرجع إليه مهر المثل وثلث شئ بالمحاباة فصار بأيديهم
مائة إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر يخرج الشئ ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون
ونصف فصار لها ذلك مع مهر المثل ويرجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف
فيصير لورثته خمسة وسبعون وهو مثلا المحاباة.
466

وأما البيع فقد مضى حكمه ونزيد فنقول: لو باع عبدا مستوعبا قيمته ثلاثمائة بمائة
فأتلفها فعلى ما اخترناه نحن فيما تقدم صح البيع في شئ من العبد بثلث شئ من الثمن
ويبطل في ثلاثمائة إلا شيئا وعلى الورثة دفع تمام المائة لأن البائع أتلفها فصارت دينا وهو
مائة إلا ثلث شئ فيبقي للورثة مائتان إلا ثلثي شئ يعدل مثلي ما جاز بالمحاباة وهو ثلثا
شئ، فإذا جبرت وقابلت صار مائتين تعدل شيئين فالمائة تعدل شيئا وهو الذي صح فيه
البيع من العبد وذلك ثلثه بثلث الثمن وبقي مع الورثة ثلثاه فيردون على المشتري بقية
الثمن وهو ثلثاه فيبقي معهم من العبد بعد الرد مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وهو مثلا ما جاز
بالمحاباة، وعلى قول علمائنا: يصح البيع في خمسة اتساعه بجميع الثمن وقد حصل في
ضمن ذلك المحاباة وبقي للورثة أربعة اتساعه و هو مثلا الجائز بالمحاباة
أو نقول: له بالمائة التي هي الثمن ثلث العبد وله بالمحاباة ثلث الباقي وهو تسعا
العبد فيجتمع له خمسة اتساع العبد بجميع الثمن ويبقى مع الورثة أربعة اتساعه وهو مثلا
المحاباة.
ولو اشترى المريض عبدا قيمته ثلاثمائة بمائة ثم تقايلا ومات المشتري ولا شئ له
سوى العبد فطريقه أن نصحح الإقالة في شئ من الثمن بثلاثة أشياء من العبد يبقى
ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء ورجع إليه شئ من الثمن يبقى ثلاثمائة إلا شيئين يعدل مثلي
المحاباة وذلك أربعة أشياء فيصير بعد الجبر والمقابلة ستة أشياء تعدل ثلاثمائة فالشئ
خمسون وهو الجائز بالإقالة وذلك نصف الثمن فقد صحت الإقالة في نصف العبد بنصف
الثمن وقد حصل في ضمن ذلك المحاباة ويبقى مع الورثة نصف العبد وهو مائة
وخمسون ونصف الثمن بفسخ البيع ومجموعهما مائتان وهو مثلا المحاباة.
وعلى اختيار علمائنا نجيز الإقالة في ثلثي العبد بجميع الثمن وقد حصل في
ضمن ذلك المحاباة فيحصل لهم الثمن بفسخ البيع وثلث العبد مجانا فيجتمع لهم
الثمن كله وثلث العبد وهو مثلا المحاباة، ولو كان المشتري قد خلف ثلاثمائة أخرى
صحت الإقالة في جميع العبد لأنه قد حصل لهم الثلثمائة التي خلفها والمائة الثمن فذلك
أربعمائة وهو مثلا المحاباة.
467

تنبيه: تنفيذ المريض لفعله أو لفعل مورثه كابتدائه وإن كان منجزا، فلو باع صحيحا
ما قيمته ثلاثون بعشرة والخيار له فاختار اللزوم مريضا مضى من الثلث وكذا لو باع
الصحيح بخيار ثم مات فورثه المريض قبل انقضائه اعتبرت إجازته من الثلث على
إشكال، أما إجازته لوصية مورثه أو منجزاته في المرض فمن الثلث قطعا.
النوع الثالث: الهبة والعفو: وفيه مسائل:
أ: لو وهب عبده المستوعب وأقبض وقيمته مائتان وكسب مائة ثم مات الواهب
فنقول: صحة الهبة في شئ وتبعه من كسبه نصف شئ وللورثة شيئان مثلا ما جازت فيه
الهبة فيكون الجميع ثلاثة أشياء ونصفا يعدل الكسب والرقبة وذلك ثلاثمائة فيخرج قيمة
الشئ الواحد خمسة وثمانون وخمسة أسباع وهو ثلاثة أسباع العبد، ويتبعه من الكسب
مثل نصفه اثنان وأربعون وستة أسباع وهو ثلاثة أسباع الكسب ويبقى للورثة من العبد
أربعة أسباعه وذلك مائة وأربعة عشر وسبعان ومن الكسب مثل نصفه سبعة وخمسون
وسبع وهو أربعة أسباعه ومجموع ذلك مائة وأحد وسبعون وثلاثة أسباع وهو مثلا ما جاز
بالهبة.
فإن كان المتهب مريضا وعاد فوهبه من الواهب وماتا ولا مال لهما سواه جازت الهبة
في شئ ويتبعه من كسبه مثل نصفه فيصير شيئا ونصفا فلما عاد ووهبه من الواهب
صحت هبته في ثلث ذلك وهو نصف شئ فزده على ما بقي بيد ورثة الواهب فيصير معهم
ثلاثمائة إلا شيئا وهو يعدل مثلي ما جاز بالهبة وهو شيئان، فإذا جبرت وقابلت صار ثلاثمائة
يعدل ثلاثة أشياء فالشئ الواحد مائة وهو نصف العبد ويتبعه من كسبه مثل نصفه وهو
خمسون ويبقى مع ورثة الواهب نصف العبد ونصف الكسب وذلك مائة وخمسون ورجع
إليهم بالهبة الثانية ثلث ما جاز بالهبة وذلك خمسون فيجتمع معهم مائتان وهو مثلا ما جاز
بالهبة وبقي مع ورثة الموهوب له مائة وهي مثلا ما جازت فيه هبة المتهب.
468

ب: لو وهب أخته مائة لا يملك سواها وأقبض فماتت عنه وعن زوج فقد صحت
الهبة في شئ والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف شئ الذي جازت الهبة فيه صار
معه مائة إلا نصف شئ يعدل شيئين، أجبر وقابل يصير الشئ خمسي ذلك أربعون
ويرجع إلى الواهب منه عشرون فيكمل معه ثمانون وبقي للزوج عشرون، ومن طريق
الباب نأخذ عددا لثلثه نصف وهو ستة فنأخذ ثلثه اثنين ونلقي نصفه سهما يبقى سهم
فهو للأخت ويبقى للواهب أربعة فيقسم المائة على خمسة والسهم المسقط لا يذكر لأنه يرجع
على جميع السهام الباقية بالسوية فيجب اطراحه.
ج: لو وهب مريض مريضا مائة لا يملك سواها ثم عاد المتهب فوهبها للأول ولا يملك
غيرها فقد صحت الهبة في شئ ثم الثانية في ثلثه بقي للموهوب الأول ثلثا شئ يعدل شيئين،
أجبر وقابل يخرج الشئ سبعة وثلاثين ونصفا رجع إلى الواهب ثلثها اثنا عشر ونصف
وبقي للموهوب خمسة وعشرون، ومن طريق الباب نضرب ثلاثة ونسقط من المرتفع سهما
يبقى ثمانية فأقسم المائة عليها لكل سهمين خمسة وعشرون ثم خذ ثلثها ثلاثة أسقط منها
سهما يبقى سهمان فهي للموهوب الأول وذلك هو الربع، ولو خلف الواهب مائة أخرى فقد
بقي مع الواهب مائتان إلا ثلثي شئ تعدل شيئين فالشئ ثلاثة أثمانها وذلك خمسة
وسبعون رجع إلى الواهب ثلثها بقي مع ورثته خمسون.
د: لو وهبه جارية مستوعبة قيمتها ثلاثون ومهر مثلها عشرة فوطئها المتهب ثم مات
الواهب فقد صحت الهبة في شئ وسقط عنه من مهرها ثلث شئ وبقي للواهب أربعون
إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين فبالجبر والمقابلة يخرج الشئ خمس ذلك وعشره وهو اثنا عشر
خمسا الجارية فيصح فيه الهبة ويبقى للواهب ثلاثة أخماسها وله على المتهب ثلاثة أخماس
مهرها ستة، وكذا لو وطئها أجنبي وتكون عليه ثلاثة أخماس المهر للواهب وخمسان
للمتهب إلا أن الهبة إنما ينفذ فيما زاد على الثلث مع حصول المهر من الواطئ فإن لم
يحصل شئ لم تزد الهبة على الثلث وكل ما حصل منه شئ نفذت الهبة في الزيادة على قدر
469

ثلثه ولو وطئها الواهب فعليه عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شئ فيبقي معه
ثلاثون إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين فالشئ تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة
أعشارها لورثة الواطئ وعليهم عقر الذي جازت الهبة فيه ثلاثة فإن أخذ من الجارية
بقدرها صار له خمساها.
ه‍: لو تزوج على مائة مستوعبة ومهر المثل عشرون فلها بالمثل عشرون وبالمحاباة
شئ وللورثة ثمانون إلا شيئا يعدل مثلي ما جاز بالمحاباة وذلك شيئان، أجبر وزد يصير
ثلاثة أشياء تعدل ثمانين فالشئ ستة وعشرون وثلثان وهو الجائز لها بالمحاباة فيجتمع لها
بالمحاباة ومهر المثل ستة وأربعون وثلثان وللورثة ثلاثة وخمسون وثلث مثلا المحاباة
ولا دور، فإن ماتت قبله دخلها الدور فإن المحاباة تزيد لرجوع بعضها إليه بالإرث فنقول:
لها بالمثل عشرون وبالمحاباة شئ وللزوج ثمانون إلا شيئا ورجع إليه نصف ما معها وهو
عشرة ونصف شئ فيجتمع معه تسعون إلا نصف شئ يعدل تسعين ألا نصف شئ
يعدل مثلي ما جاز بالمحاباة وذلك شيئان.
فإذا جبرت وقابلت صار معك شيئان ونصف يعدل تسعين فالشئ ستة وثلاثون
وهو الجائز لها بالمحاباة فيكون لها بالمثل عشرون وبالمحاباة ستة وثلاثون وبقي مع الزوج
أربعة وأربعون ويرجع إليه بالإرث النصف ثمانية وعشرون فيجتمع معه اثنان وسبعون
وهو مثلا الجائز بالمحاباة ويبقى مع ورثتها ثمانية وعشرون، ولو أوصت بثلث مالها فلها
بالمثل عشرون وبالمحاباة شئ والوصية ثلثه وهو ستة وثلثان وثلث شئ فيرجع إلى الزوج
نصف الباقي وهو ستة وثلثان وثلث شئ فزده على ما بقي معه وذلك ثمانون إلا شيئا
فيجتمع معه ستة وثمانون وثلثان إلا ثلثي شئ يعدل مثلي ما جاز بالمحاباة وذلك شيئان.
فإذا جبرت وقابلت صار معك شيئان وثلثا شئ يعدل ستة وثمانين وثلثين فابسط
الجميع أثلاثا تصير الأشياء ثمانية والدراهم مائتين وستين فأقسم الدراهم على الأشياء
يخرج من القسمة اثنان وثلاثون ونصف وهو الشئ وذلك المحاباة فزد ذلك على مهر
المثل وهو عشرون يصير اثنين وخمسين ونصفا فأعط ثلثها للوصية وهو سبعة عشر
470

ونصف وأعط نصف الباقي وهو سبعة عشر ونصف للزوج بالإرث فزد ذلك على ما بقي
معه وهو سبعة وأربعون ونصف يصير معه خمسة وستون وذلك مثلا المحاباة.
فإن كان عليها دين عشرة وأوصت بثلث مالها فلها بالمثل عشرون وبالمحاباة شئ
ويخرج من ذلك للدين عشرة ويبقى عشرة وشئ للوصية ثلثها وثلاثة وثلث وثلث شئ
وللزوج نصف الباقي ثلاثة وثلث وثلث شئ فزد ذلك على ما بقي معه وهو ثمانون
إلا شيئا فيصير معه ثلاثة وثمانون وثلث إلا ثلثي شئ يعدل مثلي ما جاز بالمحاباة وهو
شيئان فيصير بعد الجبر والمقابلة ثلاثة وثمانون وثلث يعدل شيئين وثلثي شئ فإذا
بسطت الجميع أثلاثا صار قيمة الشئ أحدا وثلاثين وربعا وهو الجائز بالمحاباة فزد ذلك
على المثل وهو عشرون فيصير أحدا وخمسين وربعا فأعط الغريم منها عشرة يبقى أحد
وأربعون وربع فأعط ثلثها للوصية وذلك ثلاثة عشر وثلاثة أرباع وأعط الزوج نصف
الباقي وهو ثلاثة عشر وثلاثة أرباع ويبقى ثلاثة عشر وثلاثة أرباع لورثة الزوجة ويحصل
بيد ورثة الزوج ثمانية وأربعون وثلاثة أرباع شقص الصداق وثلاثة عشر وثلاثة أرباع
بالميراث فيجتمع معهم اثنان وستون ونصف وهو مثلا ما جاز بالمحاباة.
و: لو وهبه جارية مستوعبة وقيمتها مائة وعقرها خمسون فوطئها رجل بشبهة ثم
مات فالعقر من جملة الكسب فنقول صحت الهبة في شئ من الجارية وتبعها من العقر مثل
نصفه وللورثة شيئان مثلا الهبة فيصير ثلاثة أشياء ونصفا فأقسم عليها قيمة الجارية
والعقر وهو مائة وخمسون يخرج من القسمة اثنان وأربعون وستة أسباع وهو ثلاثة أسباعها
وفيه صحت الهبة من الجارية ويتبعه من العقر أحد وعشرون وثلاثة أسباع للمتهب ويبقى
للورثة أربعة أسباعها وهو سبعة وخمسون وسبع ومن العقر مثل نصف ذلك ثمانية
وعشرون وأربعة أسباع فذلك خمسة وثمانون وخمسة أسباع وهو مثلا ما صحت فيه الهبة.
ولو وطئها المتهب جازت الهبة من الجارية في شئ وتبعها من العقر مثل نصفه
فيصير شيئا ونصفا فللورثة شيئان مثلا ما صحت فيه الهبة فالمجموع ثلاثة أشياء
ونصف فأقسم عليها مائة وخمسين قيمة الجارية والعقر يخرج بالقسمة اثنان وأربعون وستة
471

أسباع وهو ما صحت فيه الهبة وتبعه مثل نصفه من العقر فيسقط لأنه حصل في ملكه يبقى
لورثة الواهب من الجارية أربعة أسباعها سبعة وخمسون وسبع ويبقى لهم من العقر مثل
نصف ذلك ثمانية وعشرون وأربعة أسباع فيأخذونها من الموهوب له ومجموع ذلك
خمسة وثمانون وخمسة أسباع مثلا الجائز بالهبة.
ولو وطئها الواهب جازت الهبة في شئ وتبعه مثل نصفه ولورثة الواهب شيئان
فأقسم عليها الرقبة وهو مائة ويسقط باقي العقر باستيفاء الواهب له بالوطئ فيخرج من
القسمة ثمانية وعشرون وأربعة أسباع وذلك قدر الهبة وله بالعقر مثل نصف ذلك أربعة
عشر وسبعان ومجموع ذلك اثنان وأربعون وستة أسباع ويبقى لورثة الواهب سبعة
وخمسون وسبع وهو مثلا الهبة ولو وطأها جميعا جازت الهبة في شئ وبطلت في مائة إلا شيئا
وعلى الواهب عقر ما جازت فيه الهبة وهو نصف شئ وعلى الموهوب له عقر ما بطلت فيه
الهبة وهو خمسون إلا نصف شئ فيصير مع الواهب مائة وخمسون إلا شيئين وهو يعدل
مثلي ما صح فيه الهبة وذلك شيئان فإذا جبرت وقابلت صار معك أربعة أشياء تعدل مائة
وخمسين فالشئ يعدل سبعة وثلاثين ونصفا وذلك قدر الهبة وبطلت في اثنين وستين
ونصف وعلى الواهب عقر ما وطئ نصف شئ وذلك ثمانية عشر وثلاثة أرباع وعلى
الموهوب له عقر ما وطئ خمسون إلا نصف شئ وهو واحد وثلاثون وربع فإذا تقاصا بقي
على الموهوب له اثنا عشر ونصف فزدها على ما بقي للواهب فيكون خمسة وسبعين وذلك
مثلا الجائز بالهبة.
ز: لو أعتق جارية قيمتها ثلث التركة ثم تزوجها على ثلث آخر ودخل سقط المسمى
وإلا دار لأن ثبوته يستدعي النكاح المتوقف على صحة العتق في الجميع المتوقف على بطلان
المسمى ليخرج من الثلث، نعم يثبت مهر المثل وإن كان أكثر من المسمى ولا يثبت الأقل منه
ومن مهر المثل لأنه كالأرش فلو كان بقدر ثلث صح العتق في شئ ولها من مهر المثل بإزائه
وللورثة شيئان بإزاء ما عتق فالتركة في تقدير أربعة أشياء شيئان للجارية وشيئان للورثة
فيعتق ثلاثة أرباعها ولها ثلاثة أرباع مهر المثل والباقي للورثة.
472

ولو كان مهرها نصف قيمتها وهي مستوعبة عتق منها شئ ولها بصداقها نصف
شئ وللورثة شيئان بسطت الجميع سبعة فلها ثلاثة ولهم أربعة فيتحرر ثلاثة أسباعها
ولو أراد الورثة أن يدفعوا حصتها من مهرها وهو سبعها ويعتق منها سبعاها ويسترقوا
خمسة أسباعها فلهم ذلك ولو كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها عتق ثلاثة أسباعها
ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال فعتق منها
ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وطريقه أن نقول عتق منها شئ ولها بمهرها نصف شئ
وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشئ سبعاها وسبعا نصف قيمتها
وهو ثلاثة أسباعها فهو الذي عتق منها وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة
أسباعه ولو كان يملك مثل القيمة عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها يبقى للورثة
ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وذلك يعدل مثلي ما عتق منها وطريقه أن نجعل السبعة
الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها وتستحق سبع
الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها وإن كان يملك مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها
لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن لم تسقط عتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع
مهرها وبطل عتق سبعها ونكاحها ولو خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها
وصداقها لأن ذلك يخرج من الثلث ولو زوج أمته عبدا وقبض الصداق وأتلفه ثم أعتقها
فلا خيار لها إذ لو فسخت لارتد المهر ولم يخرج من الثلث فيبطل العتق والخيار ولو أوصى له
ببنته فمات قبل القبول وخلف أخاه فقبل عتقت ولم ترث وإلا لحجبت الأخ فيبطل القبول
فيبطل العتق.
النوع الرابع: الجنايات:
أ: لو وهبه عبدا مستوعبا فقتل العبد الواهب فإن اختار المتهب الدفع دفعه أجمع
نصفه بالجناية ونصفه لانتقاض الهبة فيه لأن العبد قد صار إلى الورثة وهو مثلا نصفه
فتبين صحة الهبة في نصفه وإن اختار الفداء فخلاف قيل: بأقل الأمرين، وقيل: بالأرش،
473

فإن كانت قيمته دية فنقول صحت الهبة في شئ ويدفع إليهم باقي العبد وقيمة ما صحت
الهبة فيه وذلك يعدل شيئين فالشئ نصف العبد، ولو كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية
فاختار فداءه بالدية فقد صحت الهبة في شئ ويفديه بشئ وثلثي شئ فصار مع الورثة
عبد وثلثا شئ يعدل شيئين فالشئ ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ويرجع
إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة
وهو مثلا ما صحت فيه الهبة ولو ترك الواهب مائة دينار ضممتها إلى قيمة العبد فإن اختار
دفع العبد دفع ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة
فيصير للورثة العبد والمائة وهو مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار الفداء وقد علمت أنه
إذا لم يترك شيئا فدى ثلاثة أرباعه فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصير ذلك سبعة أثمان
العبد فيفديه بسبعة أثمان الدية.
ب: لو أعتق عبدا مستوعبا قيمته مائة فقطع إصبع سيده خطأ عتق نصفه وعليه
نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق وأوجبنا نصف
القيمة لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه فنقول عتق منه شئ وعليه شئ للسيد
فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشئ يعدل شيئين فأسقط شيئا بشئ بقي ما معه من العبد
يعدل شيئا مثل ما عتق منه ولو كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لأنه عتق منه شئ وعليه
نصف شئ للسيد فصار للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فيكون بقية العبد
يعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه والشئ الذي أعتق خمساه ولو كانت قيمته خمسين
فما دون عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر وإن كانت قيمته ستين قلنا عتق منه
شئ وعليه شئ وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين فبقية العبد إذن ثلث فيعتق منه
ثلاث أرباعه وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء
ما يقابله من القيمة كما لو دبر عبدا وله دين فكلما قضي من الدين شئ عتق من الموقوف
بقدر ثلثه.
474

ج: لو أعتق عبدين دفعة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأخس على
النفيس جناية تنقصه ثلث قيمته وأرشها كذلك في حياة مولاه ثم مات أقرع بين العبدين
فإن وقعت قرعة الحرية على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته
وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون مثلا ما عتق منه بأن
نقول عتق منه شئ وعليه نصف شئ ولأن جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف
شئ وبقية العبدين تعدل شيئين فعلمنا أن بقية العبدين شئ ونصف فإذا أضيف إلى ذلك
الشئ الذي عتق صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا فالشئ الكامل خمساهما وذلك أربعة
أخماس أحدهما وإن وقعت على المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة
الجاني وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر يضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق
والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق
ثلثه ويرق ثلثاه ولو كانت قيمة أحدهما خمسين وقيمة الآخر ثلاثين فجنى الأدنى على الأعلى
حتى صارت قيمته أربعين فإن وقعت القرعة على الأدنى عتق منه شئ وعليه ثلث شئ يعدل
الثلث وباقي العبدين شيئين فظهر أن العبدين شيئان وثلثان فالشئ ثلاثة أثمانهما
وقيمتهما سبعون فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وثلثه وربع
سدسه وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها
أو يفديه للعتق.
د: لو جنى عبد على حر جناية وقيمته خمسمائة فعفا عن موجبها ثم سرت فلا شئ له
سوى موجبها فإن اختار السيد الدفع فلا بحث لأن موجب الجناية مثلا قيمة العبد فيكون
العبد لورثة المجني عليه وإن اختار الفداء فنقول جاز العفو في شئ من القيمة وبقي
خمسمائة إلا شيئا يفديها السيد بمثلها لأن الدية هي مثلا القيمة فيصير لورثة المجني عليه
ألف إلا شيئين تعدل مثلي ما جاز فيه العفو وهو شيئان فيصير أربعة أشياء تعدل ألفا
فالشئ مائتان وخمسون وهو قدر العفو وذلك نصف العبد ويفدي السيد النصف الآخر
بمثلي قيمته وهو نصف الدية وهو مثلا ما جاز فيه العفو.
475

ولو كانت قيمته ستمائة واختار الفداء جاز العفو في شئ ويفدي السيد الباقي بمثله
ومثل ثلثيه فيصير لورثة المجني عليه ألف إلا شيئا وثلثي شئ يعدل مثلي ما جاز بالعفو
وهو شيئان فإذا جبرت وقابلت صار ثلاثة أشياء وثلثا شئ يعدل ألفا فابسط الجميع أثلاثا
يصير ثلاثة آلاف يعدل أحد عشر شيئا فالشئ الواحد يعدل مائتين واثنين وسبعين
وثمانية أجزاء من أحد عشر جزء من دينار وذلك هو الجائز من العفو وهو خمسة أجزائه من
أحد عشر ويفدي باقيه بمثله ومثل ثلثيه من الدية وذلك خمسمائة وخمسة
وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزء من دينار وذلك مثلا ما جاز فيه العفو.
ولو كانت قيمته سبعمائة فدى السيد الباقي بمثله ومثل ثلاثة أسباعه فيصير ألفا
إلا شيئا وثلاثة أسباع شئ يعدل شيئين فإذا جبرت وقابلت صار ثلاثة أشياء وثلاثة
أسباع شئ يعدل ألفا فالشئ الواحد سدس الألف وثمنه وذلك مائتان وأحد وتسعون
وثلثان وهو الجائز بالعفو من العبد وهو ثلاثة وثلثا ثمنه ويفدي السيد باقيه وهو نصفه
وثلثا ثمنه بمثله من الدية ومثل ثلاثة أسباعه وذلك خمسمائة وثلاثة وثمانون وثلث وهو مثلا
ما جاز فيه العفو من العبد.
ولو كانت قيمة العبد ثمان مائة كان الذي يجوز فيه العفو بموجب ما تقدم من العمل
خمسة أجزاء من ثلاثة عشر ويفدي السيد باقيه بمثله ومثل ربعه من الدية وذلك ثمانية
أجزاء من ثلاثة عشر وهو أربعمائة واثنان وتسعون وأربعة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من
دينار بمثلها ومثل ربعها من الدية وذلك ستمائة وخمس عشرة دينارا وخمسة أجزاء من ثلاثة
عشر جزء من دينار وذلك مثلا ما جاز فيه العفو من العبد لأن الجائز من العبد بالعفو هو خمسة
أجزائه من ثلاثة عشر وذلك ثلاثمائة وسبعة دنانير وتسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من
دينار.
وعلى هذا لو كانت قيمة العبد تسعمائة فإن العفو يجوز في ثلاثمائة وأحد وعشرين
دينارا وثلاثة أسباع دينار وذلك سبعاه ونصف سبعة ويفدي السيد باقيه وذلك نصفه
وسبعة بمثله ومثل تسعة من الدية وذلك خمسة أسباع العبد وهو ستمائة واثنان وأربعون وستة
أسباع دينار وهو مثلا ما جاز فيه العفو.
476

ولو كانت قيمته ألفا استوى الدفع والفداء ولا يدخله الدور لأن العفو يدخل في ثلثه
ويدفع ثلثيه أو يفديه بمثلها من الدية وذلك مثلا ما جاز فيه العفو.
ه‍: لو وهب عبدا مستوعبا قيمته مائة فجنى على الموهوب بنصف قيمته جازت الهبة
في شئ من العبد ويحصل للموهوب نصف ما بطلت فيه الهبة بالجناية وذلك خمسون
إلا نصف شئ ويبقى لورثة الواهب خمسون إلا نصف شئ وذلك مثل مثلا ما جازت فيه
الهبة وهو شيئان فإذا جبرت وقابلت صار خمسين يعدل شيئين ونصفا فالشئ عشرون
وذلك ما جاز فيه الهبة وبطل في ثمانين ورجع على المجني عليه نصفها بالجناية أربعون
فيصير للموهوب له ستون ويبقى للورثة أربعون وهو مثلا ما جاز فيه الهبة.
ولو جنى على الواهب بنصف قيمته جاز بالهبة شئ ويرجع نصفه بالجناية
فيصير للورثة مائة إلا نصف شئ وذلك يعدل مثلي ما جاز فيه الهبة وهو شيئان فإذا
جبرت وقابلت صار معك مائة يعدل شيئين ونصفا فالشئ الواحد أربعون وهو الذي
جازت فيه الهبة ويرجع نصفه بالجناية فيصير مع ورثة الواهب ثمانون مثلا ما جازت فيه الهبة.
ولو أنه جنى على الواهب والموهوب على كل واحد بنصف قيمته جازت الهبة في
شئ ويرجع نصفه بالجناية ويبطل الهبة في مائة إلا شيئا ويرجع نصف ذلك بالجناية فإذا
ترادا بقي مع الموهوب له بعد الأخذ والرد خمسون ومع ورثة الواهب خمسون بعد الأخذ والرد
وذلك يعدل مثلي ما جازت فيه الهبة وذلك شيئان فيكون قيمة الشئ الواحد خمسة
وعشرون وهو الجائز بالهبة ويبطل في خمسة وسبعين فإذا ترادا بقي في يد ورثة الواهب
خمسون مثلا ما جاز فيه الهبة والفروع كثيرة ذكرنا أصولها وطولنا الكلام هنا لأن علماءنا
رضي الله عنهم أجمعين لم يتعرضوا بشئ من هذه الفروع ولا سلكوا هذا الطريق والله ولي
التوفيق.
477

الفصل الرابع: في الوصية بالولاية: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في أركانها: وهي أربعة:
الركن الأول: الموصى فيه:
الوصية بالولاية استنابة بعد الموت في التصرف فيما كان له التصرف فيه من
قضاء ديونه واستيفائها ورد الودائع واسترجاعها، والولاية على أولاده الذين له الولاية
عليهم من الصبيان والمجانين والنظر في أموالهم والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه، وتفريق
الحقوق الواجبة والمتبرع بها وبناء المساجد، ولا يصح في تزويج الأصاغر لعدم الغبطة على
إشكال ويصح في تزويج من بلغ فاسد العقل مع الضرورة إلى النكاح ولا في بناء البيعة
وكتبة التوراة فإنها معصية.
الركن الثاني: الصيغة:
وهو قوله: وصيت إليك أو فوضت إليك أمور أولادي أو نصبتك وصيا لهم أو في حفظ
مالي أو فيما له فعله فلا بد فيه من القبول في حياة الموصي أو بعد موته، ولو قال: أوصيت لك ولم
يقل: لتتصرف في مال الأطفال، احتمل الاقتصار على مجرد الحفظ والتصرف، ولو اعتقل
لسانه فقرئ عليه كتاب الوصية فأشار برأسه بما يدل على الإيجاب كفى ويقتصر على
المأذون، فلو جعل له النظر في مال معين لم يتعد إلى غيره، ولو جعل له النظر في مال الطفل
الموجود لم يكن له النظر في متجددات أمواله، ولو أطلق له النظر في ماله دخل فيه
المتجدد.
الركن الثالث: الموصي:
هو كل من له ولاية على مال أو أطفال أو مجانين شرعا كالأب
478

والجد أما الوصي فليس له إلا الإيصاء إلا أن يأذن له الموصي على رأي فإن لم يأذن كان
النظر إلى الحاكم بعد موت الوصي، وكذا لو مات انسان ولا وصي له كان للحاكم النظر في
تركته فإن لم يكن حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به على إشكال، ولا يجوز
نصب وصي على أولاده الكاملين ولا على غير أولاده وإن كانوا ورثة صغارا أو مجانين
كالإخوة والأعمام نعم له نصب وصي في قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه ولا يجوز له نصب وصي
على ولده الصغير أو المجنون مع الجد للأب بل الولاية للجد وفي بطلانها مطلقا إشكال
نعم يصح في اخراج الحقوق وليس للأم أن توصي على أولادها إن لم يكن لهم أب ولا جد،
وللجد للأب أن يوصي على أولاده إذا لم يكن لهم أب ولو أوصى بثلثه للفقراء ومات وله جد
أطفاله لم يتصرف الجد في الثلث بل الحاكم إذا لم يكن وصي.
الركن الرابع: الوصي: وشروطه ستة:
أ: العقل، فلا يصح الوصية إلى المجنون منضما ومنفردا.
ب: البلوغ، فلا يصح التفويض إلى الطفل منفردا سواء كان مميزا أو لا ويصح
منضما إلى البالغ لكن لا يتصرف حال صغره بل يتصرف الكبير إلى أن يبلغ وحينئذ لا يجوز
للبالغ التفرد، ولو بلغ الصبي فاسد العقل أو مات جاز للكبير الانفراد ولا يداخله الحاكم،
وليس للصبي بعد بلوغه نقض ما فعله الكبير قبله إذا لم يخالف المشروع، وهل يقتصر
البالغ من التصرف على ما لا بد منه؟ نظر.
ج: الاسلام، فلا تصح وصية مسلم إلى كافر وإن كان رحما ويصح أن يوصي إليه
مثله وهل يشترط عدالته في دينه؟ نظر ويصح وصية الكافر إلى المسلم إلا أن يكون تركته
خمرا أو خنزيرا.
479

د: العدالة، وفي اعتبارها خلاف الأقرب ذلك ويشكل الأمر في الأب الفاسق، نعم
لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موته عزله الحاكم ونصب غيره فإن عاد أمينا لم تعد ولايته
والأب تعود ولايته بالتوبة ولا يعود ولاية القاضي والوصي بالإفاقة بعد الجنون.
ه‍: الحرية، فلا يصح الوصية إلى مماليك غيره إلا بإذن مولاه ويجوز الوصية إلى المرأة
والأعمى والوارث.
و: كفاية الوصي واهتداؤه إلى ما فوض إليه فلو قصر عن ذلك نصب الحاكم معه
أمينا وكذا لو تجدد العجز بعد الموت ولا ينعزل بخلاف العدل إذا فسق وهل يعتبر الشروط
حال الوصية أو الوفاة؟ خلاف أقربه الأول، فلو أوصى إلى طفل أو مجنون أو كافر ثم مات بعد
زوال المانع فالأقرب البطلان.
المطلب الثاني: الأحكام:
الوصية بالولاية كالوصية بالمال في أنها عقد جائز لكل من الموصي والوصي
الرجوع لكن الوصي إذا قبل الوصية لم يكن الرد بعد وفاة الموصي وله الرد في حال حياته،
فإن بلغه الرد صح وإلا بطل ولزم حكم الوصية، فإن امتنع أجبره الحاكم على القيام بها،
ولو لم يقبل الوصية ابتداء أو لم يعلم بها حتى مات الموصي ففي إلزامه بها نظر.
والوصي أمين لا يضمن ما يتلف إلا بتعد أو تفريط أو مخالفة شرط الوصية وله أن
يستوفي دينه الذي على الميت مما في يده وإن كان له حجة من غير إذن الحاكم، وأن يشترى
لنفسه من نفسه، وأن يبيع على الطفل من ماله فيكون موجبا قابلا بشرط البيع بثمن المثل،
وأن يقضى ديون الصبي، وأن ينفق عليه بالمعروف وليس له أن يزوج الأطفال وله تزويج
إمائهم وعبيدهم، وليس له أن يشهد للأطفال بحق له فيه ولاية ويجوز في غيره إلا أن يكون
وصيا في الثلث فيشهد بما يتسع له التصرف باتساع الثلث والقول قوله في الانفاق وقدره
480

بالمعروف لا في الزيادة عليه، وفي تلف المال من غير تفريط، وفي عدم الجناية في البيع وغيره،
ولو نازعه في تاريخ موت أبيه إذ به تكثر النفقة أو في دفع المال إليه بعد البلوغ فالقول قول
الصبي مع اليمين.
ولو أوصى إلى اثنين فصاعدا فإن أطلق أو شرط الاجتماع لم يجز لأحدهما التفرد عن
صاحبه بل يجب عليهما التشاور في كل تصرف فإن تشاحا لم ينفذ ما تفرد به أحدهما من
التصرف إلا فيما لا بد منه كأكل اليتيم ولبسه، ويحتمل عندي مع نهيه عن التفرد تضمين
المنفق وحمل قول علمائنا على ما إذا أطلق فإنه يتفرد بالإنفاق خاصة ويجبرهما الحاكم على
الاجتماع فإن تعذر استبدل بهما وليس لهما قسمة المال، ولو مرض أحدهما أو عجز ضم
الحاكم إليه من يعينه، ولو مات أو فسق استبد الآخر بالحكم من غير ضم على إشكال، ولعل
الأقرب عندي وجوب الضم لأنه لم يرض برأي واحد، ولو سوع لهما الاجتماع والانفراد
تصرف كل منهما كيف شاء وإن انفرد، ويجوز أن يقسما المال ويتصرف كل فيما يصيبه
وفيما في يد صاحبه كما يجوز انفراده قبل القسمة، فإن مرض أحدهما أو عجز ضم الحاكم إليه
معينا إن قلنا بالضم مع الاجتماع، ولو خرج عن الوصية بموت أو فسق لم يضم الحاكم،
ولو شرط لأحدهما الانفراد دون الآخر وجب اتباعه، ولو شرط استقلال أحدهما عند موت
الآخر صح شرطه، ولو جعل لأحدهما النظر في قسط المال أو في طائفة من الأولاد أو في المال
خاصة والآخر في الباقي أو في الأولاد صح.
ولو أوصى إلى زيد ثم إلى عمر ولم يكن رجوعا ولو لم يقبل عمرو انفرد زيد ولو قبلا لم
ينفرد أحدهما بالتصرف إلا مع قرينة دالة على الرجوع أو على التفرد، ولو قال لزيد:
أوصيت إليك، ثم قال: ضممت إليك عمرا، فإن قبلا معا لم ينفرد أحدهما وإن لم يقبل عمرو
انفرد زيد، ولو قبل عمرو ضم الحاكم آخر، ولو اختلفنا في التفريق على الفقراء تولى الحاكم
التعيين على ما يراه، ولو اختلفنا في حفظ المال فإن كان في يدهما موضع للحفظ حفظ
وإلا سلماه إلى ثالث يكون نائبا لهما وإلا تولاه الحاكم.
ولو قال: أوصيت إلى زيد فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو، صح ويكون كل منهما
وصيا إلا أن عمرا وصى بعد زيد وكذا: أوصيت إليك فإن كبرا ابني فهو وصيي، ويجوز أن يجعل
481

للوصي جعلا ولو لم يجعل جاز له أخذ أجرة المثل عن نظره في ماله وقيل: قدر الكفاية،
وقيل: أقلهما.
وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شئ منه وإن كان موصوفا بصفات
المستحقين وله إعطاء أهله وأولاده مع الوصف، ولو قال: جعلت لك أن تضع ثلثي في من
شئت أو حيث رأيت، فله أن يأخذ كما يعطي غيره من غير تفضيل، ولو أوصى إليه بتفريق
ثلثه فامتنع الوارث من اخراج ثلث ما في يده فالأقرب اخراج الثلث كله مما في يده تجانس
المال أو اختلف وله أن يقضي ما يعمله من الديون من غير بينة بعد إحلاف أربابها ورد
الوديعة.
الفصل الخامس: فيما به يثبت الوصية وأحكام الرجوع:
يثبت الوصية بالمال بشهادة عدلين ومع عدول المسلمين تقبل شهادة أهل الذمة
خاصة، وشهادة واحد مع اليمين ومع امرأتين وتقبل المرأة في ربع ما شهدت به، وهل يفتقر
إلى اليمين؟ فيه إشكال. وشهادة اثنتين في النصف وثلاث في ثلاثة أرباع وأربع في
الجميع، وهل يثبت النصف أو الربع بشهادة الرجل من غير يمين؟ الأقرب ثبوت الربع إن
لم يوجب اليمين في طرف المرأة والأقرب وجوب اليمين لو شهد عدل وذمي.
ولا يثبت الولاية إلا بشهادة عدلين ولا تقبل شهادة النساء وإن كثرن ولا شاهد
ويمين، وفي قبول أهل الذمة مع عدم عدول المسلمين نظر أقربه عدم القبول، ولو أشهد عبدين
على حمل أمته أنه منه وأنهما حران ثم مات فردت شهادتهما وأخذ التركة غيره ثم أعتقهما
وشهدا قبلت ورجعا رقا ويكره له استرقاقهما، ولا يقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه
ولا فيما يجر به نفعا وإن كان اتساع ولاية.
والوصية عقد جائز من الطرفين يجوز للموصي الرجوع فيها سواء كانت بمال
أو ولاية، ويتحقق الرجوع بالتصريح وبفعل ما ينافي الوصية وينظمها أمور أربعة:
482

أ: صريح الرجوع مثل: رجعت ونقضت وفسخت وهذا لوارثي، ولو قال: هو من
تركتي، فليس برجوع على إشكال. ولو قال: هو ميراثي أو هو
حرام على الموصى له أو هو ميراث أو إرث فهو رجوع.
ب: ما يتضمن الرجوع كالبيع والعتق والكتابة والهبة مع الإقباض وبدونه لكن لا يملك هنا
المتهب وكذا الرهن والوصية بالبيع والكتابة، ولو أوصى به لزيد ثم أوصى به لعمرو فهو
رجوع ما لم يتضمن على التشريك، ولو قال: الذي أوصيت به لزيد فقد أوصيت به لعمرو،
فهو رجوع والتدبير رجوع. ولو أوصى بثلث ماله ثم باع المال لم يكن رجوعا بخلاف ثلث
معين أو عين مخصوصة ولو رجع عن المصرف بأن أوصى لزيد بعين ثم لعمرو بأخرى
وقصر الثلث ثم أوصى بالأول لبكر فالأقرب تقديم وصية عمرو.
ج: مقدمات الأمور التي لو تحققت لنا قضت الوصية كالعرض على البيع ومجرد
الإيجاب في الرهن والهبة أما تزويج العبد والأمة وإجارتهما وختانهما وتعليمهما فليس
برجوع، والوطء مع الاعتزال ليس برجوع وبدونه دليل على قصد الرجوع لأنه تسري،
ولو أوصى له بسكنى دار سنة ثم آجرها سنة لم يفسخ فإن مات فالأقرب أن له سنة كاملة بعد
انقضاء مدة الإجارة.
د: الفعل المبطل للاسم كما لو أوصى له بحنطة وطحنها أو دقيق فعجنه أو غزل
فنسجه أو بقطن فغزله أو بدار فهدمها أو بزيت فخلطه بغيره وكذا الحنطة لو مزجها هذا مع
التعيين، أما لو أوصى له بصاع من صبرة ثم صب عليها غيرها فإنه لا يكون رجوعا إن كان
الممزوج به مماثلا، وإن كان أجود فهو رجوع لأنه أحدث فيه زيادة ولم يرض بالتمليك فيها،
ولو كان أردأ لم يكن رجوعا ولو انهالت عليه حنطة أجود ففي كونه رجوعا إشكال، ولو بنى
عرصة أوصى بها فهو رجوع وكذا لو غرسها وكذا لو أوصى بثوب فقطعه قميصا
أو بخشب فاتخذه بابا أو بشئ فنقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد على إشكال في ذلك
483

كله، فلو أوصى بخبز فجعله فتيتا أو بقطن فحشى به فراشا أو برطب فجففه تمرا أو بلحم
فقدده ففي كونه رجوعا إشكال.
ولو أوصى له بألف ثم أوصى له بألف فهي واحدة وكذا بألف معينة ثم بألف مطلقة
وبالعكس، ولو أوصى بألف ثم بألفين فهي بألفين والرجوع في البعض ليس رجوعا في
الباقي ولو تغير الاسم بغير فعل الموصي كما لو سقط الحب في الأرض فصار زرعا أو
انهدمت الدار فصارت براحا في حياة الموصي بطلت الوصية على إشكال، ولو لم
يكن الانهدام مزيلا لاسم الدار سلمت إليه دون ما انفصل منها على إشكال، وفي كون
الجحود رجوعا إشكال ينشأ من أنه عقد فلا يبطل بجحده كغيره من العقود ومن دلالته
على أنه لا يريد اتصاله إلى الموصى له.
خاتمة تشتمل على مسائل متعددة:
أ: لو أوصى بعبد مستوعب لزيد وبثلث ماله لعمرو ولم يقصد الرجوع ومنع من التقديم
وأجاز الوارث قسم العبد أرباعا ويحتمل أسداسا ولو قصد الرجوع قسم أثلاثا فإن خلف
مع العبد مائتين وقيمة العبد مائة ولم يقصد الرجوع أخذ الثاني على الأول مع الإجازة ثلث
المال وثلثا عائلا من العبد وهو ربعه وللأول ثلاثة أرباعه ولو رد الورثة ما زاد على الثلث فللأول
نصف العبد على الثاني (ويحتمل على الأول أيضا) وللثاني سدس التركة فيأخذ سدس
العبد وسدس المائتين فله من العبد ستة عشر وثلثان ومن باقي التركة ثلاثة وثلاثون وثلث
ويحتمل قويا على الأول اقتسامهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في الإجازة فوصية
صاحب العبد أقل لأنه شرك معه في وصيته غيره ولم يشرك في وصية الثاني غيره فلصاحب
الثلث ثلث المائتين من غير مزاحمة ويشركان في العبد للثاني ثلثه وللآخر جميعه فيصير
أرباعا، وفي حال الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال فتضرب مخرج الثلث في مخرج الربع يكون
اثني عشر في ثلاثة يكون ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية من أربعة
وعشرين وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وهو
484

تسعة تضمها إلى سهام صاحب الثلث فالجميع عشرون ففي الرد نجعل الثلث عشرين
فالمال ستون ولصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية
من الأربعين وهو خمسها وثلاثة من العبد وهي عشرة ونصف عشرة و يحتمل مع عدم الإجازة
ضم سهامه إلى سهام الورثة وبسط باقي العبد والتركة أخماسا فله عشر العبد وخمس المائتين
على الثاني.
ب: لو خلف عبدا مستوعبا قيمته مائة وأوصى به لواحد ولآخر بثلثه ولآخر بسدسه
على جهة العول قسم العبد تسعة ستة لصاحب الكل واثنان لصاحب الثلث وواحد
لصاحب السدس ويحتمل أن يكون للأول تسعة وعشرون من ستة وثلاثين وللثاني خمسة
وللثالث اثنان، ولو جعل العول بين المستوعب والآخرين دونهما فللأول ثلاثة أرباع وللثاني
السدس وللثالث نصفه، ولو رد الوارث قسم الثلث كذلك، ولو كان مع العبد مائتان
وأوصى لواحد به ولآخر بثلث ماله ولآخر بسدسه فلصاحب العبد مع الإجازة ثلثا العبد
ولصاحب الثلث تسعاه وثلث الدراهم ولصاحب السدس تسعة وسدس الدراهم، ومع
الرد يضرب صاحب العبد بمائة وصاحب الثلث بها وصاحب السدس بخمسين وينحصر
حق صاحب العبد فيه، وعلى الاحتمال القوي نجعل الثلث ثمانية عشر للأول ستة من
العبد وللثاني اثنان منه وستة من باقي التركة وللثالث واحد منه وثلثه من باقي التركة.
ج: لو ترك ثلاثة قيمة كل واحد مائة وأوصى بعتق أحدهم ولآخر بثلث ماله على
سبيل العول عتق من العبد ثلاثة أرباعه وكان للموصى له ربعه وثلث العبدين الآخرين مع
الإجازة ومع الرد تبلغ الوصيتين مائتان والثلث مائة وهو مثل نصفه فلكل واحد نصف
ما أوصي له به فيعتق من العبد نصفه ولصاحب الثلث سدس كل عبد ويحتمل ما تقدم.
د: إذا كان مال اليتيم غائبا فولاية التصرف في ماله إلى قاضي بلده لا قاضي بلد
المال مع عدم الوصي، ولو مات صاحب الديون غريبا لم يكن لقاضي بلدة الموت استيفاء
485

ديونه فإن أخذها حفظها على الوارث.
ه‍: للوصي أن يوكل في آحاد التصرفات التي لم تجر عادته أن يتولاها.
و: لو أقام الأب وصيا لأطفاله لم يكن للقاضي تغييره بعد موته إلا أن يتغير حاله،
ولو كان بأجرة ووجد القاضي المتبرع فالأقرب أنه ليس له العزل إن وفي الثلث وإلا جاز لخفة
المؤنة عن الأطفال.
ز: لو أوصى إلى فاسق بتفريق ثلثه فقد سبق بطلان الوصية إليه على رأي فإن فرق
لم يضمن إن كان الثلث لقوم معينين لأنهم لو أخذوه من غير دفع جاز وإن كانوا لغير معينين
ضمن لأن تفريقه عليهم يتعلق بالاجتهاد والفاسق ليس من أهله فيضمن للتعدي، وهل
يقبل قول الأمين في التفرقة؟ الأقرب العدم إن كان على قوم معينين والقبول إن كان على غير
معينين.
ح: لو أوصى بالشقص الذي يستحق به الشفعة فحق الشفعة للوارث لا الموصى له.
ط: لو دفع إليه مالا وقال: اصرف بعضه إلى زيد والباقي لك، فمات قبل الدفع
انعزل.
ولو قال: ادفع إليه بعد موتى، لم ينعزل.
486

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بين الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
487

كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة. ولفظه الصريح: وقفت، وأما: حبست،
وسبلت، وحرمت، وتصدقت، فمفتقر إلى القرينة ولا يلزم بدون القبض بإذن الواقف،
فلو مات قبله بطل. ويدخل في وقف الحيوان لبنه وصوفه الموجودان حال العقد ما لم
يستثنهما، وإذا تم لم يجز الرجوع فيه.
وشرطه التنجيز والدوام والإقباض وإخراجه عن نفسه.
وشرط الموقوف أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها ويمكن إقباضها، ولو وقف
ما لا يملكه وقف على إجازة المالك. ووقف المشاع جائز كالمقسوم، وشرط الواقف
الكمال ويجوز أن يجعل النظر لنفسه ولغيره فإن أطلق فالنظر في الوقف العام إلى الحاكم
وفي غيره إلى الموقوف عليهم.
وشرط الموقوف عليه وجوده وصحة تملكه وإباحة الوقف عليه فلا يصح على المعدوم
ابتداء ويصح تبعا، ولا على العبد وجبرئيل. والوقف على المساجد والقناطر في الحقيقة
على المسلمين إذ هو مصروف إلى مصالحهم، ولا على الزناة والعصاة.
والمسلمون من صلى إلى القبلة إلا الخوارج والغلاة، والشيعة من بايع عليا وقدمه،
والإمامية الاثني عشرية والهاشمية من ولده هاشم بأبيه وكذا كل قبيله، وإطلاق
الوقف يقتضي التسوية ولو فضل لزم.
489

وهنا مسائل:
نفقة العبد الموقوف والحيوان على الموقوف، ولو عمي العبد أو جذم انعتق وبطل
الوقف وسقطت النفقة.
الثانية: لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل قربة، وكذا سبيل الخير وسبيل
الثواب.
الثالثة: إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات بالسوية إلا أن يفضل،
ولو قال: على من انتسب إلى، لم يدخل أولاد البنات.
الرابعة: إذا وقف مسجدا لم ينفك وقفه بخراب القرية، وإذا وقف على الفقراء
والعلوية انصرف إلى من في بلد الواقف منهم ومن حضرهم.
الخامسة: إذا آجر البطن الأول الوقف ثم انقرضوا تبين بطلان الإجارة في المدة
الباقية فيرجع المستأجر على ورثة الآجر إن كان قد قبض الأجرة وخلف تركة.
490

كتاب العطية
وهي أربعة:
الأول: الصدقة: وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض بإذن الموجب، ومن
شرطها القربة فلا يجوز الرجوع فيها بعد القبض، ومفروضها محرم على بني هاشم من
غيرهم إلا مع قصور خمسهم، وتجوز الصدقة على الذمي لا الحربي وصدقة السر أفضل إلا
أن يتهم بالترك.
الثاني: الهبة: وتسمى نحلة وعطية. ويفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض بإذن
الواهب، ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد ولا إذن ولا مضى زمان، وكذا إذا
وهب الولي الصبي ما في يد الولي كفى الإيجاب والقبول، ولا يشترط في الإبراء القبول
ولا في الهبة القربة، ويكره تفضيل بعض الولد على بعض، ويصح الرجوع في الهبة بعد
الإقباض ما لم يتصرف أو يعوض أو يكون رحما، ولو عابت لم يرجع بالأرش على
الموهوب، ولو زادت زيادة متصلة فللواهب والمنفصلة للموهوب له، ولو وهب أو
وقف أو تصدق في مرض موته فهي من الثلث إلا أن يجيز الوارث.
الثالث: السكنى: ولا بد فيها من إيجاب وقبول وقبض. فإن أقتت بأمد أو عمر
أحدهما لزمت وإلا جاز له الرجوع فيها، وإن مات أحدهما بطلت، ويعبر عنها: بالعمرى
والرقبى. وكلما صح وقفه صح إعماره، وإطلاق السكنى تقتضي سكناه بنفسه ومن
جرت عادته به وليس له أن يؤجرها ولا أن يسكن غيره إلا بإذن المسكن.
الرابع: الحبيس: وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد والقبض والتقييد بمدة.
491

وإذا حبس عبده أو فرسه في سبيل الله أو على زيد لزم ذلك ما دامت العين باقية، وكذا
لو حبس عبده أو أمته على خدمة الكعبة أو مشهد أو مسجد، ولو حبس على رجل ولم
يعين وقتا ومات الحابس كان ميراثا.
492

كتاب الوصايا
وفيه فصول:
الفصل الأول: الوصية تمليك عين أو منفعة أو تسلط على تصرف بعد الوفاة. وإيجابها: أوصيت أو
افعلوا كذا بعد وفاتي أو لفلان بعد وفاتي. والقبول: الرضا، تأخر أو قارن ما لم يرد، فإن
رد في حياة الموصي جاز القبول بعد وفاته، وإن رد بعد الوفاة قبل القبول بطلت وإن
قبض، وإن رد بعد القبول لم تبطل وإن لم يقبض وينتقل حق القبول إلى الوارث،
وتصح مطلقة مثل ما تقدم، ومقيدة مثل بعد وفاتي في سنة كذا وفي سفر كذا،
فيتخصص، وتكفي الإشارة مع تعذر اللفظ وكذا الكتابة مع القرينة، والوصية للجهة
العامة مثل الفقراء والمساجد والمدارس لا يحتاج إلى القبول، والظاهر أن القبول كاشف
عن سبق الملك بالموت.
ويشترط في الموصي الكمال، وفي وصية من بلغ عشرا قول مشهور، أما المجنون أو
السكران ومن جرح نفسه بالمهلك فالوصية باطلة، وفي الموصى له الوجود وصحة التملك.
فلو أوصى للحمل اعتبر بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية أو بأقصى الحمل إذا لم
يكن هناك زوج ولا مولى، ولو أوصى للعبد لم يصح إلا أن يكون عبده فينصرف إلى
عتقه، وإن زاد المال عن ثمنه فله، وتصح الوصية للمشقص بالنسبة ولأم الولد فتنعتق من
نصيبه وتأخذ الوصية، والوصية لجماعة تقتضي التسوية إلا مع التفضيل، ولو قال: على
كتاب الله، فللذكر ضعف الأنثى، والقرابة من عرف بنسبه، والجيران لمن يلي داره إلى
493

أربعين ذراعا، وللموالي يحمل على العتيق والمعتق إلا مع القرينة. وقيل: تبطل، وللفقراء
ينصرف إلى فقراء ملة الموصي، ويدخل فيهم المساكين إن جعلناهم مساوين أو أسوأ وإلا
فلا، وكذا العكس.
الفصل الثاني: في متعلق الوصية:
وهي كل مقصود يقبل النقل، ولا يشترط كونه معلوما ولا موجودا حال الوصية
، فتصح الوصية بالقسط والنصيب وشبهه، ويتخير الوارث، أما الجزء فالعشر، وقيل:
السبع. والسهم الثمن والشئ السدس، وتصح الوصية بما ستحمله الأمة أو الشجرة
وبالمنفعة، ولا تصح الوصية بما لا يقبل النقل كحق القصاص وحد القذف والشفعة،
وتصح بأحد الكلاب الأربعة لا بالخنزير وكلب الهراش، ويشترط في الزائد عن الثلث
إجازة الوارث، وتكفي حال حياة الموصي، والمعتبر بالتركة حين الوفاة، فلو قتل فأخذت
ديته حسبت من تركته، ولو أوصى بما يقع اسمه على المحرم والمحلل صرف إلى المحلل
كالعود والطبل.
ويتخير الوارث في المتواطئ كالعبد وفي المشترك كالقوس، والجمع يحمل على
الثلاثة قلة كان كأعبد أو كثرة كالعبيد، ولو أوصى بمنافع العبد دائما أو بثمرة
البستان دائما قومت المنفعة على الموصى له والرقبة على الوارث إن فرض لها قيمة، ولو
أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين وعتق من الفاضل ثلثه، ولو نجز عتقه فإن
كانت قيمته ضعف الدين صح العتق وسعى في نصفه للديان وفي ثلثه للوارث، ولو
أوصى بعتق ثلث عبيده أو عدد منهم استخرج منهم بالقرعة، ولو أوصى بأمور فإن كان
فيها واجب قدم وإلا بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث.
ولو لم يرتب بسط الثلث على الجميع، ولو أجاز الورثة فادعوا ظن القلة فإن كان
الإيصاء بعين لم يقبل منهم، وإن كان بجزء شائع كالنصف قبل مع اليمين.
ويدخل في الوصية بالسيف جفنة وبالصندوق أثوابه وبالسفينة متاعها إلا مع
القرينة، ولو عقب الوصية بمضادها عمل بالأخيرة، ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب،
494

فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب، ولو ظنها مؤمنة كفى وإن ظهر خلافه، ولو أوصى
بعتق رقبة بثمن معين وجب، ولو تعذر إلا بالأقل اشترى وأعتق ودفع إليه ما بقي.
الفصل الثالث: في الأحكام:
تصح الوصية للذمي وإن كان أجنبيا بخلاف الحربي وإن كان رحما وكذا المرتد،
ولو أوصى في سبيل الله فلكل قربة، ولو قال: أعطوا فلانا كذا ولم يبين ما يصنع به،
دفع إليه يصنع به ما شاء.
ويستحب الوصية لذي القرابة وارثا كان أو غيره، ولو أوصى للأقرب نزل على
مراتب الإرث، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه فالنصف إن كان له ابن واحد والثلث إن
كان له ابنان وعلى هذا، ولو قال: مثل سهم أحد وراثي، أعطي مثل سهم الأقل. ولو
أوصى بضعف نصيب ولده فمثلاه وبضعفيه ثلاثة أمثاله، ولو أوصى بثلثه للفقراء جاز
صرف كل ثلث إلى فقراء بلد المال، ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي جاز، ولو
أوصي له بأبيه فقبل وهو مريض ثم مات عتق من صلب ماله.
ولو قال: أعطوا زيدا والفقراء، فلزيد النصف، وقيل: الربع. ولو جمع بين منجزة
ومؤخرة قدمت المنجزة، ويصح الرجوع في الوصية قولا مثل: رجعت أو نقضت أو أبطلت
أو لا تفعلوا كذا، وفعلا مثل بيع العين الموصى بها أو رهنها أو طحن الطعام أو عجن
الدقيق أو خلطه بالأجود.
الفصل الرابع: في الوصاية:
إنما تصح الوصية على الأطفال بالولاية من الأب والجد له أو الوصي المأذون له من
أحدهما. ويعتبر في الوصي الكمال والإسلام إلا أن يوصي الكافر إلى مثله، والعدالة في
قول قوي، والحرية إلا أن يأذن المولى. وتصح الوصية إلى الصبي منضما إلى كامل، وإلى
المرأة والخنثى، ويصح تعدد الوصي فيجتمعان إلا أن يشرط لهما الانفراد، فإن تعاسرا
صح فيما لا بد منه كمؤونة اليتيم وللحاكم إجبارهما على الاجتماع، فإن تعذر استبدل
495

بهما وليس لهما قسمة المال، ولو شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع نظر، ولو نهاهما
عن الاجتماع اتبع، ولو جوز لهما الأمرين أمضي، فلو اقتسما المال جاز، ولو ظهر من
الوصي عجز ضم الحاكم إليه، ولو خان عزله وأقام مكانه.
ويجوز للوصي استيفاء دينه مما في يده وقضاء ديون الميت التي يعلم بقاءها، ولا
يوصي إلا بإذن ويكون النظر بعده إلى الحاكم وكذا من مات ولا وصي له، ومع تعذر
الحاكم بعض عدول المؤمنين، والصفات المعتبرة في الوصي حال الإيصاء، وقيل: من
حين الإيصاء إلى حين الوفاة. وللوصي أجرة المثل عن نظره في مال الموصى عليهم مع
الحاجة، ويصح الرد ما دام حيا، فلو رد ولما يبلغ الرد بطل الرد، ولو لم يعلم بالوصية
إلا بعد وفاة الموصي لزمه القيام بها إلا مع العجز.
496

كتاب الإقرار
وفيه فصول:
الفصل الأول: الصيغة وتوابعها:
وهي: له عندي كذا أو هذا له أو له في ذمتي، وشبهه. ولو علقه بالمشيئة بطل إن
اتصل ويصح بالعربية وغيرها، ولو علقه بشهادة الغير أو قال: إذا شهد فلان فهو صادق،
فالأقرب البطلان، لجواز أن يعتقد استحالة صدقه لاستحالة شهادته عنده. ولا بد من
كون المقر كاملا خاليا من الحجر للسفه.
وإقرار المريض من الثلث مع التهمة وإلا فمن الأصل. وإطلاق الكيل أو الوزن
يحمل على المتعارف في البلد وإن تعدد عين المقر ما لم يغلب فيحمل على الغالب، ولو أقر
بلفظ مبهم صح وألزم بتفسيره كالمال والشئ والجزيل والعظيم والحقير، ولا بد من كونه
مما يتمول لا كقشر جوزة أو حبة دخن، ولا فرق بين كونه عظيما أو كثيرا، وقيل:
الكثير ثمانون. ولو قال: له أكثر من مال فلان وفسره بدونه وادعى ظن القلة حلف. ولو
قال: له على كذا درهم بالحركات الثلاث أو الوقف فواحد، وكذا كذا درهما، وكذا
وكذا درهما كذلك، ولو فسر الجر ببعض درهم جاز، وقيل: يتبع في ذلك موازينه من
الأعداد. ويمكن هذا مع الاطلاع على القصد. ولو قال: لي عليك ألف، فقال: نعم أو
أجل أو بلى أو أنا مقر به، لزمه. ولو قال: زنه أو أنقده أو أنا مقر، لم يكن شيئا. ولو
قال: أ ليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، كان إقرارا. وكذا نعم على الأقوى.
497

الفصل الثاني: في تعقيب الإقرار بما ينافيه:
والمقبول منه الاستثناء إذا لم يستوعب واتصل بما جرت به العادة، فمن الإثبات
نفى ومن النفي إثبات فلو قال: له على مائة إلا تسعين، فهو إقرار بعشرة. ولو قال: إلا
تسعون، فهو إقرار بمائة. ولو قال: ليس له على مائة إلا تسعون، فهو إقرار بتسعين. ولو
قال: إلا تسعين، فليس مقرا.
ولو تعدد الاستثناء وكان بعاطف أو كان الثاني أزيد من الأول أو مساويا له رجعا
جميعا إلى المستثنى منه وإلا رجع التالي إلى متلوه، ولو استثني من غير الجنس صح
وأسقط من المستثنى منه فإذا بقي بقية لزمت وإلا بطل كما لو قال: له على مائة إلا
ثوبا.
والمستغرق باطل كما لو قال: له على مائة إلا مائة. وكذا الإضرار مثل: مائة بل
تسعون، فيلزمه في الموضعين مائة. ولو قال: له على عشرة من ثمن مبيع لم أقبضه، ألزم
بالعشرة. وكذا من ثمن خمر أو خنزير، ولو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير، لزماه. ولو
قال: قفيز حنطة بل قفيزان حنطة، فعليه قفيزان. ولو قال: له هذا الدرهم بل هذا
الدرهم، فعليه الدرهمان. ولو قال: له هذا الدرهم بل درهم، فواحد. ولو قال: هذه الدار
لزيد بل لعمرو، دفعت إلى زيد وغرم لعمرو قيمتها إلا أن يصدقه زيد. ولو أشهد بالبيع
وقبض الثمن ثم ادعى المواطاة أحلف المقر له.
الفصل الثالث: في الإقرار بالنسب:
ويشترط فيه أهلية المقر وإمكان إلحاق المقر به. فلو أقر ببنوة المعروف بنسبه أو ببنوة
من هو أعلى نسبا أو مساويا أو أنقص بما لم تجر العادة بتولده منه بطل.
ويشترط التصديق فيما عدا الولد الصغير والمجنون والميت وعدم المنازع.
فلو تنازعا اعتبرت البينة، ولو تصادق اثنان على نسب غير التولد صح وتوارثا ولم
يتعدهما التوارث ولا عبرة بإنكار الصغير بعد بلوغه.
498

ولو أقر العم بأخ دفع إليه المال فلو أقر العم بعد ذلك بولد وصدقه الأخ دفع إليه وإن
أكذبه أعزم العم له ما دفع إلى الأخ.
ولو أقرت الزوجة بولد فصدقتها الإخوة أخذ المال وإن أكذبوها دفعت إليه الثمن،
ولو انعكس دفعوا إليه ثلاثة الأرباع، ولو أقر الولد بآخر دفع إليه النصف، فإن أقرا
بثالث دفعا إليه الثلث وعلى هذا ومع عدالة اثنين يثبت النسب والميراث وإلا فالميراث
حسب.
ولو أقر بزوج للميتة أعطاه النصف إن كان المقر غير ولدها وإلا فالربع، وإن أقر
بآخر وأكذب نفسه في الأول أغرم له وإلا فلا شئ.
ولو أقر بزوجة للميت فالربع أو الثمن، فإن أقر بأخرى وصدقته الأولى اقتسما، وإن
أكذبتها غرم لها نصيبها وهكذا.
499