الكتاب: أحكام البنوك والأسهم والسندات والأسواق المالية (البورصة)
المؤلف: الشيخ محمد إسحاق الفياض
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: أمير – قم
الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمد إسحاق الفياض
ردمك:
ملاحظات:

أحكام البنوك
والأسهم والسندات
والأسواق المالية (البورصة)
تأليف:
آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله)
1

أحكام البنوك
والأسهم والسندات والأسواق المالية (البورصة)
تأليف: آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله)
الناشر:
مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله) قم
المطبعة: أمير الطبعة: الأولى
الكمية: 1000 نسخة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد
وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعنة الأبدية
على أعدائهم أعداء الدين أجمعين.
5

موضوعات الكتاب:
1 - معالجات مشكلة المعاملات الربوية في البنوك و
المؤسسات النقدية، وتحويلها نظريا إلى المعاملات
المشروعة في الاسلام.
2 - تطبيق هذه النظرية مرتبط بالعناصر التالية:
أ - عملية التحويل لا تقلل من دور البنوك في طبيعة الحياة
الاقتصادية، ونشاطاتها في الحركة التجارية وفوائدها المالية.
ب - عملية التطبيق وظيفة المسلمين ككل بحكم اعتقادهم
بالإسلام، ومسؤوليتهم امام الله تعالى.
ج - عملية التطبيق تدل على اصالة المسلمين واستقلالهم في
تشريعاتهم المستمدة من الكتاب والسنة.
3 - الخدمات البنكية التقليدية في مختلف جوانب الحياة
الاقتصادية للإنسان الاجتماعية والفردية، وتخريج هذه
الخدمات من الناحية الشرعية.
4 - الأسهم والسندات: وهي متمثلة في الأوراق المالية التي
تصدرها الشركات المساهمة بقيمة اسمية محددة، وتتغير
7

أسعارها كسائر السلع، وتخريج احكام تداولها من الناحية
الشرعية.
5 - التعامل في الأسواق المالية (البورصات) وحكمه من
وجهة النظر الشرعية.
8

مقدمة:
المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك والمصارف، هل
هي ودائع بالمعنى الفقهي، أو انها قروض ربوية تملكها البنوك
والمصارف على وجه الضمان بالمثل؟
والجواب: انه لابد لنا من ملاحظة مفهوم الوديعة بالمعنى
الفقهي وحدوده سعة وضيقا، فنقول ان الوديعة بالمعنى
الفقهي عبارة عن ايداع مال عند الأمين المسمى بالودعي بغاية
الحفاظ عليه مع بقاء عينه في ملك مالكه، وهي بهذا المفهوم
المحدد لا تنطبق على الأموال المودعة لدى البنوك، على أساس
ان البنوك مسموحة من قبل أصحابها بالتصرف بها ما شاءت و
تبديلها بأعيان اخرى، وهذا لا ينسجم مع مفهوم الوديعة
بالمعنى الفقهي.
9

ومن هنا ذكر بعض الاعلام ان الودائع المصرفية لا يمكن
تصوير كونها ودائع حقيقية، بحيث تخرج فوائدها عن كونها
فوائد ربوية على القرض، وذلك لان المالك يأذن للبنك
بالتصرف بها، ولا يراد بهذا الاذن السماح للبنك بالتصرف مع
بقاء الوديعة في ملك صاحبها، والا لزم حينئذ ان يعود الثمن و
الربح إلى المالك بقانون المعاوضة لا إلى البنك، بل يراد بالاذن
المذكور السماح للبنك بتملك الوديعة على وجه الضمان
بالمثل، وهو معنى القرض، وعليه فتكون الفوائد التي يدفعها
البنك إلى المودع فوائد على القرض، وبكلمة ان إباحة
التصرف للبنك في الأموال المودعة عنده من قبل أصحابها، انما
هي إباحة في تملك تلك الأموال بضمان مثلها، فان صاحب
المال إذا اذن للأمين وسمح له بالتصرف فيه تصرفا ناقلا، كان
معناه الاذن منه بتملك المال على وجه الضمان بالمثل.
ثم إن تملك البنك للأموال المودعة عنده يكون بأحد
الطريقين التاليين:
الأول: ان المودع من البداية كان يقصد اقراض البنك
للوديعة، اي: تمليكها له على وجه الضمان بالمثل، وهذا
المعنى هو المرتكز في أذهان كل مودع أودع ماله في البنك؛ لأن
10

الدافع من ورائه تضمينه بالمثل لا بقاء عينه في ملكه.
الثاني: ان المودع بما انه قد اذن للبنك بالتصرف في
الوديعة حتى التصرف الناقل، فلا محالة يكون مرده إلى الاذن و
السماح له بالتملك على وجه الضمان بالمثل لا مجانا.
والخلاصة: ان الودائع المصرفية جميعا أي: سواء أكانت
من الودائع المتحركة أم الثابتة، فهي ليست بودائع حقيقة، بل
هي قروض ربوية للبنك فيملكها البنك على وجه الضمان، و
اطلاق الودائع عليها انما هو بالعناية وبدافع اغراء الناس في
ايداع أموالهم فيه حفظا لها من التلف وتعويدا لهم بالادخار.
نعم، يمكن تصوير ان هذه الودائع، ودائع بالمعنى
الفقهي ثبوتا وباقية في ملك أصحابها، وان الاذن بالتصرف فيها
انما هو مع الاحتفاظ بملكية المودع للوديعة من طريق ضمان
البنك الودائع، لا بالقرض لكي تخرج عن ملك أصحابها، ولا
بمعنى النقل من ذمة إلى ذمة، فإنه لا يتصور الا في الدين، بل
بمعنى تعهد البنك وجعلها في مسؤوليته مع بقائها على ملك
المودع، وهذا نحو من الضمان المعاملي؛ فإنه على نحوين:
أحدهما: مختص بباب الديون، ويعبر عنه بنقل الدين
من ذمة إلى ذمة.
11

وثانيهما: لا يختص بها، بل يشمل الأعيان الخارجية
أيضا، وهو التعهد بشيء وجعله في عهدة الشخص، وفي
المقام يقوم البنك بانشاء التعهد وتعاقده مع المودعين على
ذلك، فإذا قام البنك بذلك تصبح الودائع في عهدته ومسؤوليته
مع بقائها على ملك المودعين، ونتيجة هذا التعهد هي ان
خسارتها على ذمة البنك لو تلفت.
ولكن هذا التصوير لا ينسجم مع النظام التقليدي الربوي
في البنوك والمصارف، فان مقتضى ذلك النظام ان الودائع
المتوفرة لديها جميعا قروض ربوية، وخارجة عن ملك
المودعين وداخلة في ملك البنوك على وجه الضمان بالمثل، و
لا يمكن أن تكون ودائع حقيقة وبالمعنى الفقهي، إذ لازم كونها
ودائع حقيقة ان يعود ثمنها وربحها إلى المودع لا إلى البنك،
فان عوده إلى البنك مع بقاء نفسها في ملك المودع بحاجة إلى
عناية زائدة، وهي وقوع شرط في ضمن عقد الضمان أو اي
عقد آخر بين البنك والمودع، بان يشترط البنك في ضمنه على
المودع ان يكون الثمن ملكا له بنحو شرط النتيجة، بمعنى انه
ينتقل اليه في طول انتقاله إلى المودع، لا بمعنى انه ينتقل اليه
ابتداء، فإنه باطل ومخالف لقانون المعاوضة، وايضا لابد على
12

هذا من استثناء المبلغ الذي دفعه البنك إلى المودع، بمعنى: انه
يشترط عليه ان يكون مالكا لما يزيد على المبلغ المذكور.
فالنتيجة: ان افتراض تطبيق هذا التصوير والنظرية
يستدعي تبديل النظام البنكي التقليدي بنظام جديد؛ إذ مع
فرض بقاء ذلك النظام في البنوك لا يمكن تطبيق هذه النظرية.
نعم، تصلح هذه النظرية أن تكون بديلة عن النظام
التقليدي الربوي في البنوك والمصارف، وعلى هذا فبامكاننا
تبديل النظام البنكي التقليدي ببدائل جديدة مطابقة للشرع،
وهي متمثلة في الصيغ التالية:
1 - عقد المضاربة.
2 - عقد المشاركة.
3 - عقد المرابحة.
4 - عقد الوكالة.
5 - عقد السلم.
6 - بيع الأوراق النقدية الشخصية بمثلها الكلي في الذمة
وغيرها، ويأتي شرح الجميع في ضمن البحوث القادمة.
يتلخص من ذلك ان البنوك والمصارف بنظامها التقليدي
الربوي تملك الأموال المودعة عندها على نحو الضمان.
13

وقد تسأل ان البنك إذا كان حكوميا فيرتبط تملكه للمال
بتملك الحكومة، على أساس انه فرع من فروعها، والمفروض
ان الحكومة لا تملك ولا نقول بذلك.
والجواب: ان البنك جهة مالية ذات شخصية مستقلة،
فيملك المال بنفسه وباسمه لا بعنوان الوكالة عن غيره أو
الولاية عليه، لكي يتوقف نفوذ تصرفه وتملكه على اثبات
الوكالة أو الولاية، وعلى هذا فلا يتوقف تملك البنك للمال
على اي مقدمة، وبكلمة: ان البنك في نفسه قابل لان يتملك
شيئا، سواء أكان بالتمليك أم بالاستيلاء وبذل الجهد، ولا
يكون ذلك مشروطا بشيء، ولا هناك مانع يمنع عنه.
وهذا بخلاف الحكومة فإنها شخصية آلية تعمل بعنوان
الوكالة عن الملة والرعية والممثلة لهم، أو بعنوان الولاية
عليهم، فمن اجل ذلك يتوقف اما على أساس ان الحكومة وكيلة
من قبلهم جميعا، أو على أساس انها ولية عليهم، كذلك نفوذ
تصرفاتها وتملكها للمال سواء أكان بالتمليك من قبل الغير، أم
بالاستيلاء من الاحياء، أو الحيازة ونحوهما يتوقف على توفر
أحد هذين العنصرين فيها: اما الوكالة أو الولاية، وحيث إن شيئا
منهما غير متوفر في الحكومات الحاضرة في البلاد الاسلامية
14

فعلا، فلا تكون تصرفاتها نافذة، سواء أكانت في الميادين
الاقتصادية، كاحياء الأراضي وانشاء السدود لحيازة المياه و
استخراج المعادن الطبيعية من الظاهرية والباطنية وحيازة
الثروات الطبيعية وانشاء المعامل والمصانع وغيرهما، أم كانت
في الميادين الإدارية، كاستخدام الاشخاص واستئجارهم في
مختلف مرافق الحكومة، فان نفوذ تلك التصرفات وضعا و
تكليفا منوط اما بالوكالة عنهم جميعا أو بالولاية عليهم كذلك،
وإلا فلا قيمة لها من وجهة النظر الشرعية.
نعم إذا كانت الحكومة حكومة اسلامية بأن يكون على
رأسها الولي الفقيه الجامع للشروط منها الأعلمية، كانت
تصرفاتها في حدود دائرة الشرع، التي قد حددت من قبل الولي
الفقيه، على أساس الخطوط العامة للإسلام المستمدة من
الكتاب والسنة نافذة مطلقا، أي: وضعا وتكليفا.
فالنتيجة: ان البنك جهة مالية مستقلة وملحوظ كالمعنى
الإسمي، بينما الحكومة جهة آلية غير مستقلة وملحوظة
كالمعنى الحرفي، بنكتة انها ممثلة من قبل الشعب، وهي اما
بالوكالة أو الولاية، وعلى هذا فلا شبهة في أن البنوك و
المصارف تملك الودائع المودعة عندها على وجه الضمان
15

بالمثل، وهو معنى القرض، ولها حرية التصرف فيها
بالاقراض والمنحة وغيرها، ويترتب على ذلك ان المال
المأخوذ عن البنك قرضا كان أو منحة ليس من المال المجهول
مالكه، بل ملك للآخذ بتمليك البنك اما على وجه الضمان كما
في القرض أو مجانا كما في المنحة، ولا يترتب عليه احكام
مجهول المالك، وبكلمة ان ترتيب احكام مجهول المالك عليه
منوط بكون الودائع عنده ودائع حقيقة وباقية في ملك
أصحابها، وقد مر انه لا يمكن تصوير ذلك على ضوء النظام
البنكي التقليدي في البنوك والمصارف.
نعم، تكون أموال البنك مختلطة بالحرام من ناحية أخرى،
وهي ان الفوائد التي أخذها البنك على القروض، فهي باقية في
ملك أصحابها، وعليه فتكون أمواله مختلطة بها، وحيث إن
نسبة تلك الفوائد إلى رؤس الأموال قليلة، فتكون نتيجة ذلك
ان المال المأخوذ من البنك ان كان قرضا، فان علم المقترض
بوجود الحرام فيه بطل القرض بالنسبة اليه فحسب، وعلى
المقترض حينئذ ان يعامل معه معاملة المجهول مالكه، فإن كان
غنيا تصدق به للفقراء، وان كان فقيرا فله ان بقبله صدقة من قبل
صاحبه، وان لم يعلم بوجود الحرام فيه صح القرض في كله
16

ولا شيء عليه، وإن كان منحة، فان علم بوجود الحرام فيها
تصدق به إن كان غنيا، والا قبله صدقة، وإن لم يعلم بوجود
الحرام فيه فلا شيء عليه، وهذا يختلف باختلاف الموارد
وليس لذلك ضابط كلي.
17

البدائل الشرعية للمعاملات
الربوية
19

البدائل الشرعية للمعاملات الربوية التقليدية
للبنوك والمؤسسات النقدية
نظرة سريعة ومعمقة في احكام البنوك والمصارف على
ضوء التخريجات الفقهية الاسلامية:
لا ريب في أن البنوك والمصارف النقدية من أهم وأكبر
المؤسسات المالية في العالم ككل، ولها دور أساسي في تدعيم
الحركات التجارية وتصويرها شكلا وعمقا، وفي تنمية الحياة
الاقتصادية من التجارة والصناعة والزراعة وغيرها، وتقديم
خدمات وتسهيلات لعملائها بكافة ألوانها واشكالها لتحقيق
أهدافها الرئيسية المادية، وحيث إن مجموعة من خدماتها
الاقتصادية لا تتفق مع طبيعة الشريعة الاسلامية واحكامها،
21

فلذلك نحاول بشكل جاد إيجاد البدائل لها التي تتفق مع
الشريعة من ناحية، وتخريج خدماتها فقهيا من وجهة النظر
الشرعية من ناحية أخرى، هذا من دون ان يقلل من شأنها في
نشاطاتها الاقتصادية وتنميتها وحركاتها التجارية وتحقيق
أهدافها المطلوبة.
ويمكن تقسيم الوظائف والخدمات الأساسية التي
تمارسها البنوك والمصارف إلى نوعين:
النوع الأول:
تقديم البنوك القروض الربوية لعملائها بمختلف
أشكالها وألوانها، وهي من أكبر خدماتها وأكثرها انتشارا في
عالم اليوم.
النوع الثاني:
تقديمها خدمات تسهيلية لعملائها والمستثمرين في
مختلف الميادين الاقتصادية، والإستثمارات التجارية أو
الصناعية أو الزراعية أو الإنشائية أو غيرها، ومنها الخدمات
المصرفية المساعدة مثل الحوالات والشيكات السياحية و
الحسابات الداخلية أو الخارجية، وفتح الاعتمادات واصدار
بطاقة الائتمان وغيرها.
22

النوع الأول
تقديم البنوك القروض الربوية لعملائها
بمختلف أشكالها
اتجهت انظار فقهاء الإسلام منذ زمن إلى ايجاد بدائل
مطابقة للشرع في البنوك والمصارف بديلا عن النظام التقليدي
الربوي المخالف للشرع، وبامكاننا تبديل هذا النظام التقليدي
الربوي في البنوك والمصارف في البلاد الاسلامية بمجموعة
من البدائل الموافقة للشرع بالتخريج الاسلامي وهي كما يلي:
البديل الأول
عقد المضاربة وهو أول ما اتجهت اليه انظار علماء
23

المسلمين في بحوثهم عن وجود بدائل للنظام التقليدي
الربوي في البنوك والمصارف، وقد نقل ان هذه الفكرة قد
تلقت نجاحا كبيرا في بعض البنوك الإسلامية. ونجاحه يتطلب
دراسة عدة نقاط:
الأولى:
ان عقد المضاربة في المصطلح الفقهي الاسلامي عقد
خاص بين المالك وهو رب المال والعامل المستثمر، فإنهما
يقومان بانشاء عقد تجارة يكون رأس مالها من الأول والعمل
من الثاني بشروط، ويحددان حصة كل منهما من الربح بنسبة
مئوية، وغالبا يكون انشاء هذا العقد بين المالك والعامل
مباشرة، وقد يكون بواسطة ثالث وهو الوسيط بينهما، ووكيل
عن المالك في انشاء هذا العقد بينه وبين العامل، وفي المقام
يكون البنك هو الوسيط، فإنه وكيل عن المودع في تقديم
أمواله للعملاء لقعد المضاربة بينهم وبين المودع بشروط، و
تعيين حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية.
الثانية:
ان نجاح عقد المقاربة - بوصف كونه بديلا عن النظام
التقليدي الربوي في تنمية الحياة الاقتصادية والصناعية و
24

الزراعية وغيرها - مرتبط بتعزير عنصر الثقة والأمانة بين
الأعضاء الثلاثة:
المالك، والعامل، والوسيط، وتذليل العقبات والعوائق
دون تطبيقها، وهو مرتبط بفرض شروط إئتمانية بين الأعضاء
الثلاثة.
الأول: ان يكون البنك جاهدا بتوفير المناخ المناسب
لعقود المضاربة مع عملائه، ولا يتجاهل في تهيئة الفرص
المتاحة له لانشاء تلك العقود وايجادها، ولا يتسامح في تأخير
استثمار الأموال المودعة عنده.
الثاني: مراقبة البنك بدقة لأوضاع السوق في العرض و
الطلب وتقلبات الأسعار فيها محليا وعالميا، وتحسن
أوضاعها في المستقبل في إنشاء العقود معهم.
الثالث: تجزئة رؤوس أموال المضاربة على فترات
للتأكد على جدية المضارب وإتقانه في العمل وأمانته.
الرابع: تعزيز عنصر الثقة والأمانة في العامل المضارب
لدى البنك الممول، وإلا فمن كان يضمنه ضد الخيانة في
التجارة والغش والتزوير والتقصير والتعدي واخفاء الأرباح،
فان القوانين وحدها لا تكفي ما لم تتوفر فيه حدود معقولة من
25

الاخلاق والأمانة والوثاقة التي تحافظ على أموال الغير
كمحافظتها على أمواله.
الخامس: أن تكون للعامل خبرة سابقة في مجال التجارة
والصناعة والاستثمار المهني والحرفي.
السادس: ان يقدم البنك دراسة متكاملة عن مفهوم
التجارة وحدوده سعة وضيقا، تصديرا واستيرادا، ودراسة
أوضاع السوق في العرض والطلب والمؤشرات التي تشير إلى
تحسن أوضاعها، وعلى العامل المضارب ان يتبادل مع البنك ما
لديه من الخبرة في أوضاع السوق، وان يخضع لما يملي البنك
عليه من الشروط والقيود لكي تكون باستطاعة البنك ان يقدر
نتائجها ويسيطر عليها للتجنب من المخاطر فيها.
السابع: ان يلزم البنك المودع بملزم شرعي بابقاء وديعته
مدة لا تقل عن سنة مثلا تحت تصرفه لكي يتيح له الفرصة
لتقديمها للمضاربة مع رجل عمل، وتلعب دورها في
الاستثمار.
الثامن: تقييد البنك المحول للعامل في المضاربة، بان لا
تتجاوز المصارف والأجور عن حد معين ومعقول يتم الاتفاق
عليه، وإلا فعليه ضمان الزائد.
26

التاسع: يشترط البنك على العامل تزويده بكافة
المعلومات عن سير دورة عملية المضاربة من ساعة تنفيذها إلى
ساعة شراء البضائع والمادة، وعن حدود سعرها وقت الشراء
والتفاوت بين السعرين وكميتها وكيفيتها إلى انتهاء مدة عقود
المضاربة، وبامكان البنك المحافظة على هذه المعلومات و
السيطرة عليها بالوسائل الآلية الحديثة المتوفرة لديه من ناحية،
وعلى أوضاع السوق في هذه المدة صعودا ونزولا من ناحية
أخرى، وللبنك ان يزيد في الشروط إذا رأى مصلحة.
الثالثة:
ان البنك كما أنه وكيل من قبل المودعين في انجاز عقود
المضاربة، وكيل من قبلهم في انشاء الشركة بين ودائعهم جميعا
بنحو الإشاعة، وبعد ذلك يقوم بعقد المضاربة من مجموع
الودائع، وحينئذ فيكون رأس المال في كل عقد مضاربة مشتركا
بين الكل، وهذا يعزز ثقة المودعين بنجاح المضاربة وتقليل
مخاطرها، على أساس ان احتمال الخسران في تمام هذه العقود
غير محتمل عادة، وبكلمة ان وديعة كل مودع وان كانت تظل
محتفظة بملكية صاحبها لها، ولا تنتقل ملكيتها إلى البنك كما
هو الحال في البنوك الربوية، إلا انها لا تبقى منعزلة عن ودائع
27

الآخرين، بل البنك بمقتضى وكالته عن أصحابها ككل يقوم
بالاجراء الشرعي، وهو جعل مجموع الودائع ملكا مشاعا
لمجموع المودعين، وعليه فتكون حصة كل مودع من هذا
المجموع بنسبة وديعته، ونتيجة ذلك ان رأس مال كل مضاربة
مشترك بين الجميع بنسبة وديعته.
الرابعة:
ان الوديعة في البنوك الربوية مضمونة، على أساس ان
الودائع التي تحصل عليها تلك البنوك ليست في الحقيقة ودائع
بالمعنى الفقهي، وإنما هي قروض، فإذا كانت كذلك فهي
مضمونة بمثلها في الذمة، ولهذا تصبح المبالغ التي يتقاضاها
المودعون عليها فوائد على القرض، واما في البنوك اللاربوية
فبما انها ودائع بالمعنى الفقهي وباقية في ملك أصحابها، فلا
تكون مضمونة من هذه الناحية، ولكن للبنك لأجل تعزيز ثقة
المودعين بنظامه الاسلامي، ان يقوم بضمان الوديعة بقيمتها
الكاملة للمودع في حالة خسارة رأس مال المشروع، ولا مانع
من قيام البنك بذلك، باعتبار انه يلعب دور الوسيط لا دور
العامل لكي يقال بعدم جواز ضمان العامل رأس المال في عقد
المضاربة، ونقصد بهذا الضمان تعهد البنك للمودع بقيمة
28

الوديعة عند وقوع الخسارة عليها في عقد المضاربة، أو تلفت
بدون تفريط من العامل وتقصيره.
وبكلمة: ان الضمان المعاملي يتصور على نحوين:
أحدهما: نقل الدين من ذمة إلى ذمة وهذا هو المشهور
بين الفقهاء والمرتكز في الأذهان، ومورده الدين خاصة، و
الآخر التعهد بشيء وجعله في مسؤولية الشخص، ومرده في
نهاية المطاف إلى اشتغال ذمته ببدله على تقدير التلف من المثل
أو القيمة، وهذا معنى آخر للضمان عرفا، وهو يتصور في
الديون والأعيان معا.
أما في الأولى: فليس معناه نقل الدين من ذمة المدين إلى
ذمة الضامن ولا ضم ذمة إلى ذمة، فإنه باطل شرعا، بل معناه
التعهد بأداء الدين مع بقائه في ذمة المدين، ومن هذا القبيل
قبول البنك للشيكات، فإنه لا يقصد به نقل الدين من ذمة
المدين إلى ذمته، ولا الضم لأنه باطل، بل يقصد به معنى آخر
للضمان وهو تعهده بأداء الدين إلى الدائن خارجا مع بقائه في
ذمة المدين وعدم انتقاله إلى ذمته، ونتيجة هذا التعهد ان للدائن
ان يرجع إلى البنك إذا امتنع المدين عن الأداء ومطالبته بذلك
على أساس تعهده به.
29

واما في الثانية فلان معناه تعهد الشخص بتكفل الخسارة
للعين وتداركها في حالة وقوعها عليها، لان مقتضى القاعدة
كون تلف المال يعتبر خسارة على المالك لا على غيره، ولكن
إذا تعهد غيره بتكفل خسارته وتداركها إذا وقعت، كان عليه لا
على مالكه، وما نحن فيه من هذا القبيل، فان البنك يتعهد
للمودع بتكفل خسارة وديعته في حال وقوعها وبدلها في حال
تلفه من دون تقصير من العامل، فإذا تعهد البنك الوسيط لذلك
فقد عززت ثقة المودع، بان وديعته مضمونة ولا ترد الخسارة
عليه في حالة تلفها.
هذا نظير الضمان في باب الغصب، فان الغاصب ملزم
شرعا بأداء نفس العين المغصوبة إلى مالكها ما دامت موجودة،
وبدلها من المثل أو القيمة في حالة تلفها، غاية الأمر ان الضمان
في باب الغصب يكون على القاعدة، وفى المقام يكون بالجعل
والشرط لا على القاعدة.
الخامسة:
ان الفوائد التي تتقاضاها البنوك اللاربوية على استثمار
الودائع بعقود المضاربة مع عملائها والمستثمرين على ضوء
الشروط المتقدمة، لا تقل عن الفوائد التي تتقاضاها البنوك
30

الربوية على قروض عملائها، ولا سيما إذا كانت الظروف
الاقتصادية العالمية أو المحلية في تحسن، وهذا المقدار يكفي
في جلب الناس لإيداع أموالهم في البنوك اللاربوية مضافا إلى
العامل الديني النفسي.
تقسيم الأرباح
تقسم الأرباح بين المالك والعامل بمقتضى عقد
المضاربة بنسبة مئوية، واما البنك فحيث انه ليس طرفا للعقد،
فلا يتطلب العقد اشتراكه في الأرباح، ولكن بما ان قيامه بعملية
المضاربة بين المالك والعامل وإنجازها والاشراف عليها إلى
نهايتها عمل محترم، فمن حقه أن يأخذ عمولة لقاء هذا العمل،
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بوجوه:
الأول: ان يكون ذلك على أساس عقد الجعالة، فان
المودع يطلب من البنك قيامه بعملية المضاربة لودائعه و
انجازها والاشراف عليها لقاء جعل محدد ولا مانع من ذلك، و
حينئذ فإن كان الجعل من ماله الخارجي المملوك له بالفعل فلا
اشكال فيه، وان كان حصة من الربح فقد يشكل فيه تارة بأنه
مجهول وأخرى بأنه معدوم فعلا، ولكن كلا الاشكالين لا اثر له
31

في المقام، اما الأول فلان كون الجعل مجهول القدر لا يضر
بصحة عقد الجعالة، إذ لا يعتبر فيها كون الجعل معلوم القدر.
نعم، يعتبر ان لا يكون أصل وجوده مجهولا، كما يعتبر ان لا
يكون من المجهول المطلق كالشئ.
واما الثاني: فلانه لا يعتبر في صحة عقد الجعالة ان يكون
الجعل قابلا للتمليك حين العقد، اما بان يكون شيئا موجودا في
الخارج ومملوكا للجاعل بالفعل فيملكه المجعول له بالجعالة،
أو يكون شيئا ثابتا في الذمة، وذلك لان المجعول له لا يملك
الجعل بنفس عقد الجعالة من الجاعل، وانما يملك بعد انجاز
العمل المأمور به خارجا، وفي هذا الظرف لابد أن يكون
الجعل قابلا للتمليك من الجاعل، وان لم يكن قابلا له حين
العقد، والمفروض في المقام ان المودع كان يجعل للبنك
حصة من الربح إذا انجز المضاربة وواصل الاشراف عليها إلى
انتهاء مدتها، وفي هذا الظرف تكون الحصة من الربح موجودة
في الخارج ومملوكه للجاعل فعلا وقابله للتمليك كذلك.
وقد تسأل: ان الربح لا يكون مضمونا، فإنه قد يتحقق و
قد لا يتحقق، فلا يصح للمودع ان يجعل حصة منه جعلا في
عقد الجعالة؟
32

والجواب: ان الربح بالنسبة إلى كل مضاربة مستقلة وان
كان مشكوكا وغير مضمون، الا انه بالنسبة إلى مجموع عقود
المضاربة التي قام البنك بانجازها كان مضمونا عادة، وقد تسأل
هل يمكن جعل حصة من الربح للبنك على أساس عقد
المضاربة أو لا؟
والجواب: انه لا يمكن؛ لان عقد المضاربة انما هو بين
المودع والعامل والبنك ليس طرفا له، وانما هو وسيط بينهما
في انجازه والاشراف عليه، وحينئذ فمن الطبيعي يكون مفاده
اشتراك العامل مع المودع في الربح بنسبة مئوية دون غيره،
كالبنك الذي هو خارج عن طرفي العقد، وافتراض عقد
مضاربة جديدة بينه وبين المودع خلف.
الثاني: ان يكون ذلك على أساس الإجارة، فيستأجر
المودع البنك للقيام بعملية المضاربة لأمواله والاشراف عليها
إلى نهايتها لقاء اجرة معينة، ولكن هذا التخريج انما يتم إذا جعل
المودع الأجرة من المال القابل للتمليك حين عقد الإجارة، بان
يكون شيئا خارجيا مملوكا له بالفعل، أو شيئا ثابتا في ذمته، ولا
يتم هذا التخريج إذا جعل الأجرة حصة من الربح لسببين:
الأول: ان الحصة من الربح بنسبة مئوية مجهولة، ويعتبر
33

في الإجارة معلومية الأجرة.
الثاني: ان الأجرة لابد أن تكون قابلة للتمليك من قبل
المودع حين العقد، على أساس ان الأجير انما يملك الأجرة
بنفس العقد، والمفروض ان الربح غير موجود حين العقد حتى
يملكه المودع للأجير، فالأجرة لابد اما أن تكون شيئا ثابتا في
الخارج المملوك للمودع بالفعل، أو شيئا ثابتا في الذمة، وإلا
فلا تصلح أجرة.
الثالث: أن يكون ذلك على أساس شرط النتيجة،
فيشترط البنك على المودع في عقد ما ان يكون مالكا لحصة
معينة من الربح إذا ظهر، ولا بأس بهذا الشرط؛ لان معناه ليس
دخول الحصة من الربح في ملكه في ظرف ظهوره ابتداء لكي
يقال إنه غير معقول وخلاف قانون المعاوضة، بل معناه
دخولها في ملكه في طول دخولها في ملك المودع بمقتضى
الشرط ولا مانع من ذلك.
الرابع: ان يكون ذلك على أساس شرط الفعل، فيشترط
البنك على المودع ان يعطي مبلغا معينا من الربح إزاء ما قام له
من الخدمات، وهي قيامه بعقد المضاربة على أمواله وانجازها
والاشراف عليها.
34

الخامس: ان يكون ذلك على أساس أجرة المثل التي
يتقاضاها الاجراء للقيام بمثل هذا العمل. ثم إن من حق البنك ان
يطلب من العامل المضارب أيضا عمولة لقاء ما قدمه له من
الخدمة، وهي تقديم الأموال له للمضاربة والاستثمار وإتاحة
الفرص وتوفير المناخ المناسب لنجاحها، وتقديم المعلومات
له عن أوضاع السوق ومؤشراته، ويمكن تخريج ذلك فقهيا
أيضا بأحد الوجوه المتقدمة، وهناك جوانب اخرى:
(منها) تعيين الوقت لعقد المضاربة مع عملائه وتمديده
في كل أسبوع أو شهر مثلا مرة حسب الظروف المالية والودائع
المجمعة عنده، واعلان ذلك لعملائه، وطلب حضورهم فيه
بشروط محددة.
(ومنها) تحديد أرباح المضاربات التي تمت بواسطتها
في نهاية مدتها ومعرفتها.
(ومنها) كيفية توزيعها على نسبة رؤوس الأموال
للمضاربة.
(ومنها) غير ذلك.
وأما تطبيق هذه الجوانب وغيرها عمليا في الخارج، فهو
بيد أهل الفن والخبرة في هذه الأمور، وحينئذ فبإمكان البنك
35

اللاربوي استخدام هيئة فنية في تطبيق تلك الجوانب من عقود
المضاربة، كما أن بامكانه استخدام هيئة كذلك للمراقبة
بالوسائل الحديثة المتوفرة عنده.
هذه فكرة كبروية سريعة عن عقد المضاربة في البنوك و
المصارف بديلا عن القروض الربوية المحرمة شرعا.
البديل الثاني:
عقد الوكالة، فان البنك بصفة كونه وكيلا عن المودعين
في التصرف في أموالهم المودعة عنده حسب ما يراه فيه من
المصلحة، فله بدلا عن أن يقرض عميله من الودائع بفائدة
ربوية يقدم اليه أموالا، ويوكله في شراء متطلباته الشخصية أو
التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو غيرها من قبله، وبعد الشراء
والقبض يبيعها وكالة منه على نفسه بثمن موجل يتضمن ربحا
لا يقل عن سعر الفائدة في القرض الربوي.
وتطبيق هذا البديل في النظام المصرفي بديلا عن التعامل
الربوي فيه يبتني على توفر أمور:
الأول:
عنصر الثقة والأمانة في العميل الوكيل في الشراء، أو
36

هناك طرف ثالث يضمن رأس المال.
الثاني:
اشراف البنك على عملية الشراء واطلاعه على أوضاع
السوق وتقلباته.
الثالث:
إذا لم تكن له خبرة في عملية الشراء أو في معرفة
الأجناس، فعلى البنك ان يرسل معه من أهل الخبرة في ذلك، و
حينئذ فاما ان يكون شراؤه بنظره أو هو يقوم بالشراء لمتطلباته
من الأجناس والبضائع من قبل البنك، ثم يبيعها عليه بربح
مؤجل.
الرابع:
تقييد عمله بزمن معين أو مكان كذلك أو شركة خاصة
لتجنب المخاطر وغيرها مما يراه البنك دخيلا في تعزيز الثقة و
الأمانة.
البديل الثالث:
بيع المرابحة، وهو ان البنك بدلا عن أن يقرض عملاءه
بفائدة ربوية لكي يقوموا بشراء حاجياتهم الشخصية أو
37

التجارية، يقوم البنك بنفسه بشراء تلك الحاجيات نقدا ثم
يبيعها عليهم بثمن مؤجل يتضمن ربحا، وتطبيق هذه العملية
لا يتطلب أن تكون للبنك مخازن ومستودعات تفي بكافة
متطلبات عملائه من المواد الشخصية والتجارية أو الانشائية أو
المهنية أو الصناعية أو غيرها، وذلك لان البنك لا يقوم بشرائها
الا بعد مطالبة العميل بذلك، وحينئذ فإذا لم يرغب العميل في
اتمام الشراء من البنك، فله ان يبيع البضاعة إلى طرف ثالث، و
إذا خسر في هذا البيع، فهل الخسارة على العميل؟
والجواب: ان الشراء حيث كان بأمره وطلبه كانت
الخسارة على ذمته، وبذلك تتفادى مشكلة تراجع العملاء عن
الوفاء بعهودهم مع البنك، فان وعد الشراء منه وان كان غير
ملزم لهم إذا لم يكن شرطا في ضمن عقد لازم، الا ان قيام البنك
بشراء السلعة والبضاعة لما كان بأمر منهم وطلبهم كان موجبا
للضمان، فان الامر بالعمل الذي له قيمة مالية في نفسه، سواء
أكان بالامر الخاص أم العام موجب للضمان، لأنه ملاك الضمان
في باب الجعالة، باعتبار ان الضمان فيه ضمان الغرامة لا ضمان
المعاوضة، وعلى هذا فإذا امر العميل البنك بشراء السلع و
البضائع متعهدا على نفسه شراءها منه بفائدة نسبية محددة، و
38

حينئذ فان امتنع عن الشراء لسبب ما وخسر البنك في ذلك،
كان العميل ضامنا للخسارة بموجب امره، وبكلمة: يمكن
تخريج الضمان في المقام فقهيا على أساس الجعالة بلحاظ ان
حقيقة الجعالة تنحل إلى جزئين:
أحدهما: الامر بالعمل الذي له قيمة مالية، والآخر:
تعيين الأجرة بإزاء ذلك العمل وتحديدها، وفي المقام يشكل
امر العميل البنك بشراء السلع الجزء الأول من الجعالة، وتعهده
بشرائها منه بربح نسبي يشكل الجزء الثاني منها، فمن أجل
ذلك إذا تراجع العميل عن الشراء منه، ضمن اجرة مثل عمله من
ناحية، والخسارة على تقدير وقوعها من ناحية أخرى، و
الاول بموجب عقد الجعالة والثاني بموجب أمره، وبكلمة ان
بامكان البنك بدلا عن تلبية العملاء بالأقراض الربوية، تلبيتهم
بشراء الاغراض الشخصية والاجتماعية من السلع المطلوبة
كالسيارات والبيوت السكنية والأثاث المنزلية والأدوات
الانشائية وغيرها، فإنهم في حالة الحاجة إليها يطلبوا من البنك
شراءها لنفسه نقدا، ثم يبيعها عليهم بتكليفها مع إضافة ربح لا
يقل عن سعر الفائدة، وبذلك يصلح ان يكون بيع المرابحة
بديلا عن القروض الربوية في كثير من الموارد.
39

البديل الرابع:
بيع السلم وهو عقد بيع يعجل فيه الثمن، ويؤجل فيه
تسليم المبيع إلى اجل محدود، وعلى هذا فبدلا عن أن يقرض
البنك عملاءه بفائدة ربوية لشراء السلع بغاية الاستثمار و
الاتجار أو لحاجة شخصية سلما، يقوم البنك بشرائها كذلك، و
بعد نهاية المدة وقبض السلع يبيعها عليهم بثمن التكليف
مؤجلا مع إضافة ربح محدد يقوم مقام سعر الفائدة، ومن هنا
يقوم عقد السلم مقام القرض الربوي كوسيلة لتوفير التمويل
للشركات التجارية أو المؤسسات الصناعية أو الزراعية أو
الانشائية عن طريق قيام البنك بشراء منتجات تلك الشركات و
المؤسسات سلما، ودفع الثمن إليها نقدا لتمويلها بدلا عن
إقراضها ربويا، فإذا نتجت الشركات قام أصحابها ببيع منتجاتها
لعملائها وكالة عن البنك، ويدفع ثمنها اليه، وبذلك يكون
شراء البنك منتجاتها من أصحابها بثمن نقدي سلما، بديلا عن
القروض الربوية.
البديل الخامس:
الشركة وهي عقد بين شخصين أو أكثر، ومقتضاه ان
40

يساهم كل منهم في مشروع معين تجاري أو صناعي أو زراعي،
بتقديم حصة من المال لاستثمارها بهدف الربح والفائدة، و
الشركة بدلا عن أن تقترض من البنك بفائدة ربوية تطلب منه
تمويل الشركة بحصة من المال، وتمثل هذه الحصة مساهمة
منه في المشاركة، فيكون البنك من أحد الشركاء، وعلى هذا
فيتكون رأس مال الشركة من مجموع حصة من البنك و
العميل، وتحدد حصة كل من الشركاء بنسبة مئوية، وتقسم
الأرباح عليهم بهذه النسبة، ومن الطبيعي ان الفائدة التي يحصل
عليها البنك من المساهمة والمشاركة في الشركات التجارية أو
الصناعية أو الزراعية أو غيرها، لا تقل من الفائدة التي يحصل
عليها من تقديم القروض الربوية لعملائه، على أساس ان البنك
لا يقدم على المشاركة والمساهمة في الشركات الاستثمارية
اعتباطا، وانما يقدم عليها بعد دراسة حدود نجاحها ومعرفة
المساهمين فيها، وانهم من ذوي سمعة جيدة في المجالات
التجارية أو الصناعية أو غيرها، وبامكان البنك عندئذ ان يجعل
نفس العميل وكيلا عنه في إدارة الشركة، أو يجعل شخصا آخر
وكيلا عنه في ادارتها مع العميل، وفي كلتها الحالتين لا يكون
الوكيل مسؤولا وضامنا للخسارة الا مع التعدي والتفريط.
41

البديل السادس:
تحويل القرض في البنوك والمصارف إلى البيع، فيخرج
بذلك عن كونه ربويا مثلا، فالبنك بدلا عن أن يقرض مائة دينار
مثلا لعميله بمائة وعشرة إلى ستة اشهر، يبيع المائة عليه بمائة
وعشرة إلى ستة اشهر، ولا يكون في ذلك ربا.
بيان ذلك: ان الأوراق النقدية المالية بما انها لا تكون من
الذهب والفضة، ولا انها نائبة عنهما لكي تكون محكومة
بحكمهما، ولا من المكيل والموزون، فلذلك لا تعتبر
المساواة بين الثمن والمثمن منها مع أنها معتبرة في بيع الذهب
بالذهب والفضة بالفضة، كما انها معتبرة في بيع المكيل
بالمكيل والموزون بالموزون، وعلى هذا فلا مانع من بيع
تلك الأوراق نقدا بأزيد منها في الذمة مؤجلا، كما إذا اشترى
شخص عشرين دينارا خارجيا مثلا بخمسة وعشرين دينارا
كليا في الذمة إلى ثلاثة أشهر. هذا وهنا اشكالان:
أحدهما:
انه قرض واقعا ولكنه البس ثوب البيع؛ لان المعتبر في
البيع المغايرة بين الثمن والمثمن ولا مغايرة بعينهما في المقام
، على أساس ان الثمن - وهو الكلي في الذمة - ينطبق على
42

المثمن في الخارج.
والجواب: انه يكفي في صدق البيع عرفا المغايرة الناشئة
من كون المثمن عينا خارجية والثمن امرا كليا في الذمة، و
مجرد كون الثمن منطبقا على المثمن في الخارج، لا ينافي
المغايرة بينهما الناشئة من كون أحدهما كليا في الذمة والاخر
عينا خارجية، والمفروض في المقام ان الثمن هو الكلي الثابت
في الذمة، لا خصوص الحصة المنطبقة منه على المثمن في
الخارج، لكي يقال إنه لا مغايرة بينهما، ومن هنا لا اشكال عرفا
في صدق البيع على بيع الشيء القيمي الخارجي بجنسه الكلي
في الذمة بزيادة، كبيع فرس معين خارجا بفرسين في الذمة إلى
اجل محدد فإنه منصوص، وهذا يدل على أن هذا المقدار من
المغايرة يكفي في صدق البيع.
وبكلمة: ان مفهوم البيع غير مفهوم القرض؛ فان مفهوم
البيع متمثل في تمليك مال بعوض، ولهذا يعتبر في صدقه ان
يكون العوض غير المعوض والثمن غير المثمن، ومفهوم
القرض متمثل في تمليك مال خارجي على وجه الضمان بمثله
بدون النظر إلى المبادلة والمعاوضة بينهما، ومجرد كون مالهما
واحدا في المقام لا يجعل البيع قرضا؛ لان المعيار في صدق
43

البيع انما هو بانشاء مفهومه عن جد وان كان قد يفيد فائدة
القرض، ومن هنا يكون الصلح عقدا مستقلا باعتبار ان مفهومه
مغاير لمفهوم البيع ومفهوم القرض مع أنه قد يفيد فائدة البيع و
قد يفيد فائدة القرض.
ثانيهما:
ان القرض بمقتضى الارتكاز العقلائي تبديل المال
المثلي الخارجي بمثلة في الذمة، فيصدق عنوان القرض عرفا
على كل معاملة تتكفل لهذا التبديل ولو كان المنشأ فيها عنوان
التمليك بعوض، ولا يريد العرف من كلمة القرض الا المعاملة
التي تؤدي إلى ذلك النحو من التبديل.
والجواب: الظاهر أن الامر ليس كذلك، فان المرتكز
لدى العرف العام، ان صدق عنوان البيع أو القرض أو غيره من
المعاملات منوط بكون المنشأ فيه عن جد مفهومه، فإن كان
مفهوم البيع كان بيعا وليس بقرض ولا غيره، وان كان مفهوم
القرض فهو قرض وليس ببيع ولا غيره، وهكذا.
وبكلمة: ان مفهوم القرض يتوقف على كون المال
المقترض مثليا خارجيا، فإنه إذا كان كذلك وقصد تضمينه
بمثله في الذمة من دون لحاظ كون أحدهما ثمنا والآخر مثمنا
44

فهو قرض، ومفهوم البيع لا يتوقف على ذلك؛ فإنه عبارة عن
تمليك عين بعوض وان لم تكن العين أو العوض موجودة في
الخارج، فإذا قصد تمليك مائة دينار خارجي مثلا بمائة وعشرة
دنانير كلية في الذمة إلى ستة اشهر بجعل أحدهما ثمنا والآخر
مثمنا كان بيعا، ولا يصدق عليه عنوان القرض.
ويتلخص: انه لا مانع من صحة بيع الأوراق النقدية
الشخصية بالكلي منها في الذمة، كبيع ألف دينار مثلا نقدا بألف
وخمسين دينار في الذمة إلى أجل معين، وبيع ثمانية دنانير
مثلا بعشرة في الذمة إلى ثلاثة اشهر وهكذا، فإنه لا يصدق على
ذلك عنوان القرض، على أساس انه لوحظ أحدهما ثمنا و
الآخر مثمنا وقصد المعاوضة بينهما، ولا يصدق على هذا الا
عنوان البيع، ومفهومه دون مفهوم القرض.
وعلى هذا فبامكان كل من البنك والعميل تحويل
القرض في البنوك بالبيع، فيخرج بذلك عن النظام التقليدي
الربوي.
ولو سلمنا ان تبديل القرض بالبيع لا يمكن في عملة
واحدة على النحو الذي عرفته، باعتبار انه قرض في الواقع
بصورة البيع، الا انه لا مانع منه بين عملتين كالدينار والتومان و
45

الدينار والدولار ونحوهما، بان يبيع ثمانين دينارا مثلا بألفي
تومان مؤجلا بدلا عن أن بيع الثمانين بمائة دينار كذلك، على
أساس ان احكام بيع الصرف لا تجرى على بيع النقود الورقية،
فلا يجب فيه التقابض في المجلس، بل يجوز ان يكون الثمن
مؤجلا، وحينئذ ففي نهاية الاجل يمكن للبائع ان يتقاضى من
المشتري الفي تومان أو ما يساوي ذلك من الدنانير العراقية و
هو مائة دينار من باب وفاء الدين بغير جنسه، وهكذا تحصل
نفس النتيجة المطلوبة لمن يريد ان يقرض من البنك ربويا.
وبكلمة: ان البنك بدلا عن أن يبيع أربعين دينار مثلا
بخمسين دينارا مؤجلا إلى ثلاثة اشهر، يبيع الأربعين بألف
تومان مؤجلا إلى نفس المدة، ولو قيل في بيع أربعين دينارا
بخمسين انه قرض واقعا وان البس ثوب البيع صورة، فلا يقال
هذا في بيع أربعين دينارا بألف تومان؛ لعدم المماثلة بين الثمن
والمثمن، وكذلك العميل، فإنه بدلا عن أن يبيع أربعين دينارا
مثلا للبنك بخمسين دينار مؤجلا، يبيع الأربعين بألف تومان،
وفي نهاية المدة يمكن له ان يتقاضى من البنك الف تومان أو ما
يساوي ذلك من الدنانير وهو خمسون دينارا مثلا.
ودعوى: ان النظر العرفي في باب النقود إلى ماليتها دون
46

خصوصياتها، فالمنظور اليه عرفا من بيع أربعين دينارا بألف
تومان، هو تبديل مالية بمالية، فإذا كان النظر العرفي إلى مالية
الدنانير والتوامين التي وقعت ثمنا ومثمنا، فلا تغاير بين الثمن
والمثمن حينئذ الا في كون أحدهما امرا خارجيا والآخر امرا
ذميا، وهذا معنى تبديل الشيء إلى مثله الذي هو معنى القرض.
مدفوعة: بان المنظور اليه في باب النقود وان كان المالية،
الا انه المالية الخاصة، فان النظر العرفي إلى مالية الدينار في
ضمن الدينار لا مطلقا، والى مالية التومان في ضمن التومان و
مالية الدولار في ضمن الدولار وهكذا، وعلى هذا ففي بيع
الدينار بالتومان يكون النظر العرفي إلى تبديل مالية الدينار
بمالية التومان، لا إلى تبديل مالية بمالية من دون خصوصية
للدينار والتومان، فاذن يكون الثمن مغايرا للمثمن ولا مماثلة
بينهما.
وقد يقال: ان هذا البديل لا يحقق كل فوائد القرض
الربوي المحرم شرعا، وذلك لان الشخص إذا أخذ عشرين
دينارا مثلا من البنك مؤجلا إلى شهرين، فإن كان اخذها على
أساس القرض الربوي، فان وفى خلال الشهرين فهو، وإلا كان
البنك يلزمه بفائدة جديدة عن التأخير، وان كان اخذها على
أساس البيع، لم يجز له الزامه بفائدة جديدة مقابل التأخير. وان
47

شئت قلت: ان تأخر المدين عن السداد في البنوك التقليدية
لا يمثل معضلة كبرى، طالما ان الضمانات كافية لسداد قيمة
الدين، وكلما تأخر المدين عن السداد والوفاء أضيفت فوائد
التأخير إلى مديونيته، وبتكرار التأخير تتضاعف الفائدة على
رأس المال، واما في البنوك غير الربوية فلا يجوز الزام المدين
بفائدة جديدة مقابل التأخير لأنه ربا.
والجواب: ان بإمكاننا علاج هذه المعضلة بالتقريب
التالي، وهو ان يشترط البنك على عميله المشتري في عقد
البيع ان يدفع دينارا مثلا عن كل شهر إذا لم يسدد الدين في
موعده، ولا يكون هذا ربا، فان الزام البنك المدين انما يكون
بحكم الشرط في ضمن البيع لا في ضمن القرض حتى يكون
ربا. نعم، لو اشترط ان يكون له الدينار في كل شهر في مقابل
التأجيل والتأخير لكان من اشتراط الربا. وبكلمة كما أن بامكان
البائع ان يشترط على المشتري في ضمن البيع ان يخيط له في
كل شهر ثوبا إلى سنة أو أكثر، أو ان يهب له في كل شهر دينارا
إلى ستة اشهر مثلا، كذلك بامكانه ان يشترط عليه في عقد البيع
ان يدفع دينارا في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن المقرر من
حين حلول موعدة، وحيث إن الزام المدين هنا بدفع الدينار
48

يكون بحكم البيع لا بحكم عقد القرض، ولا في مقابل الاجل،
فلا يكون من اشتراط الربا.
وهناك بدائل اخرى منها الإجارة المنتهية إلى التمليك، و
منها الاستصناع، ومنها غير ذلك؛ إذ بامكان البنك اللاربوي
القيام بكل معاملة مشروعة مع عملائه حسب ما يراه فيها من
المصلحة والفائدة للطرفين.
الخلاصة:
استعرضنا الآن البدائل التي يمكن تطبيقها عمليا في
الاعمال المصرفية وتطويرها في البنوك والمصارف بديلا عن
النظام التقليدي الربوي، ولا يقل دور مجموع هذا البدائل و
تطبيقها عمليا في تنمية الاقتصاد والحركة التجارية أو الصناعية
أو الزراعية أو غيرها عن دور القروض الربوية، ومن هنا قد
الغى الاسلام بشكل جاد وقاطع النظام الربوي عن الاقتصاد
الاسلامي نصا وروحا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان
الاسلام بقدر ما يؤكد في نظامه الاقتصادي على الجانب المادي
نصا وروحا، يؤكد على الجانب المعنوي أيضا، على أساس ان
الاسلام هو الدين الوحيد الذي يزود الانسان بطاقات نفسية و
49

ملكات فاضلة واخلاق سامية لمعالجة مشاكل الإنسان الكبرى
المعقدة في مختلف مجالات الحياة الفردية والعائلية و
الاجتماعية، وهو يرتبط بين الدوافع الذاتية والميول الطبيعية
الذاتية للانسان والمصالح الكبرى، وهي العدالة الاجتماعية
التي قد اهتم الاسلام بايجادها وايجاد المجتمع الفاضل،
فلذلك يكون الدين الاسلامي هو الوسيلة الوحيدة لحل
التناقضات بين الدوافع الذاتية لمصالح شخصية وبين المصالح
النوعية، وهو يجهز الانسان بطاقات غريزة الدين ودوافعه
المتمثلة في الايمان بالله العظيم، وبذلك تصبح المصالح العامة
للمجتمع الانساني على طبق الميول الطبيعية والدوافع الذاتية،
ومن هنا يكون الانسان المسلم بحكم غريزة الدين التي
أصبحت ميولا ذاتية له يقدم بأقصى درجة الحب والميل و
الرغبة على بذل أعز ما لديه، وهذا معنى حل الدين الاسلامي
مشكلة الانسان الكبرى.
وتطبيق هذه البدائل عمليا مرتبط بعدة عوامل:
الأول: العامل النفسي وهو ان المسلمين - بحكم ضرورة
تبعيتهم للدين الاسلامي ومسؤوليتهم امام الله تعالى - ملزمون
باستخدام هذه البدائل في طريق التعامل المصرفي بديلا عن
50

النظام التقليدي الربوي المحرم بالضرورة من الشرع.
الثاني: ان تطبيق تلك البدائل عمليا المتمثلة في النظام
اللاربوي بديلا عن النظام التقليدي الربوي في البنوك و
المصارف، يدل على اصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم
التشريعية المستقلة المستمدة من الكتاب والسنة من ناحية، و
على النظام الاقتصادي الاسلامي في حدود دائرة الشرع من
ناحية اخرى.
الثالث: ان دور هذه البدائل في الحركات التجارية و
الصناعية والزراعية وغيرها لا يقل عن دور القروض الربوية.
51

النوع الثاني
الخدمات البنكية المصرفية في مختلف جوانب
الحياة الاقتصادية
1 - معالجة الديون الميتة المتعثرة
وهي الديون التي تظل من دون سداد من المدين في
البنك ويمكن علاج هذه المعضلة بأحد وجوه:
الأول: ان احتمال بقاء الديون في حسبان البنك، على
أساس النظام البنكي اللاربوي ضعيف جدا، لما تقدم من أن
البنك لا يقدم على اعمال البدائل في البنوك والمصارف عوضا
عن النظام العملي الربوي فيها، الا بعد توفر عنصر الثقة والأمانة
52

الكاملة لديه في العملاء المستثمرين وخبرويتهم
المسبقة في الأمور التجارية، وتزويدهم بكافة المعلومات عن
أوضاع السوق وتقلباته ومؤشراته والاشراف عليها، ومن
الطبيعي ان التأكيد على ذلك كفيل عادة على عدم ضياع رأس
المال والضمان له.
الثاني: ان من حق البنك ان يطلب من عميله التأمين على
المال الذي يقدمه له للاتجار به والمداولة، فان أتى بالكفيل و
المؤمن فهو المطلوب، والا فله الامتناع عن التقديم، وعلى
هذا فبامكان البنك ان يقوم بنفسه بالتأمين لقاء عمولة معينة،
كما أن له ان يطلب منه بضمان من شركة التأمين، فإذا أمنت
الشركة وقبلت التأمين، قدم البنك له المبلغ المقرر، وعليه
حينئذ ان يدفع أجور التأمين، فإن كان المؤمن البنك فعليه ان
يدفع أجور التأمين له، وان كان الشركة فعليه ان يدفع أجوره لها
، فإذا وقعت خسارة عندئذ في رؤوس الأموال لسبب أو آخر أو
تلفت، فهي على المؤمن سواء أكان البنك أم الشركة.
الثالث: ان للبنك ان يأخذ مبلغا من كل فائدة لأجل
التعويض عن الديون الميتة، فان البنك يقدر على أساس
احصاءات سابقة والظروف المالية الاقتصادية، ان نسبة معينة
53

من الديون تظل دون وفاء، فيعوض عنها بذلك، ويمكن
تخريج ذلك فقهيا بما يلي:
ان من حق البنك ان يأخذ اجرة على كتابة الدين وشراء
أدوات الكتابة وضبط الحسابات وهكذا، فان له الامتناع عن
ذلك مجانا، كما أن بامكان الدائن ان يمتنع عن تحمل هذه
الأجرة، فيتحملها المدين توصلا إلى أخذ المبلغ.
إلى هنا قد تبين ان بامكان البنك التخلص من الديون
الميتة والوقوع في خسارتها باختيار أحد هذه الوجوه.
54

2 - عقد التأمين
عملية التأمين تشتمل على أركان أربعة:
1 - الايجاب من طالب التأمين.
2 - القبول من المؤمن (الشركة أو البنك).
3 - المؤمن عليه (النفس أو المال أو غير ذلك).
4 - مبلغ التأمين.
فالتعاقد بين طالب التأمين والمؤمن وهو الشركة، اما ان
يكون بنحو من الضمان المعاملي، بمعنى ان الشركة قد أنشأت
تعهدا بتحمل الخسارة وتداركها على تقدير وقوعها بشروط،
فإذا قبل طالب التأمين ذلك تحقق عقد الضمان بينهما، أو يكون
من الهبة المعوضة، بمعنى أن طالب التأمين - وهو العميل في
المقام - يهب مبلغا محددا في رأس كل شهر للمؤمن - وهو
55

الشركة أو البنك - مشروطا، بان يتحمل الخسارة في رؤوس
الأموال على تقدير وقوعها بسبب من الأسباب، فإذا قبل
المؤمن المبلغ الموهوب مشروطا بذلك تحقق الهبة المعوضة،
أو يكون عقدا مستقلا بين طالب التأمين والشركة أو البنك،
فلا يكون داخلا لا في الهبة المعوضة ولا في الضمان العقدي،
ولا ينطبق عليه عنوان آخر من عناوين المعاملات الخاصة.
ودعوى انه على هذا لا يمكن الحكم بصحته، مدفوعة
بأنه وان لم يكن مشمولا لاطلاق الأدلة الخاصة التي تدل على
صحة المعاملات وامضائها بأسمائها المخصوصة، الا انه يكفي
في الحكم بصحته عموم قوله تعالى: (الا أن تكون تجارة عن
تراض) فإنه مشمول له، وسيأتي شرح عقد التأمين بصورة
أوسع وأشمل في ضمن البحوث الآتية.
56

3 - تحصيل قيمة الشيكات
يقوم البنك بتحصيل قيمة الشيكات لمصلحة المستفيد
بالطرق التالية:
الأول: الشيك الصادر من العميل المدين لمصلحة دائنه
المستفيد على البنك المدين له، وفي هذه الحالة تواجه البنك
المدين في تحصيل قيمة الشيك حوالة واحدة من محرر
الشيك لدائنه المستفيد، فالدائن المستفيد - بموجب هذه
الحوالة - يملك قيمة الشيك في ذمة البنك المحول عليه، وعلى
هذا فبامكان المستفيد ان يبيع قيمة الشيك في ذمة البنك من
شخص نقدا، ويكون هذا من بيع الدين بنقد ولا مانع منه شرعا
، حتى فيما إذا كان الثمن والمثمن من عملة واحدة لما مر من أنه
يكفي في صدق البيع وجود المغايرة بينهما الناجمة من كون أحدهما
57

شخصيا خارجيا والآخر كليا في الذمة، ويرجع
المشتري حينئذ إلى البنك ويطلب منه تقييد قيمة الشيك في
حسابه أو تسليمها اليه نقدا.
نعم، إذا اشترط البنك المدين على عملائه الدائنين من
الأول في ضمن عقد ما بعدم الحوالة عليه، فعندئذ كان من حقه
ان لا يقبل الحوالة إذا كان من دون اذنه الا لقاء عمولة. هذا إذا كان
البنك مدينا لصاحب الشيك، واما إذا لم يكن مدينا له، فتدخل
الحوالة عليه من الحوالة على البري، وصحة هذه الحوالة
مرتبطة بقبولها، فان قبل صحت وأصبح البنك مدينا للدائن
المستفيد، والا بطلت، كما أن له في هذه الحالة أن لا يقبل
الحوالة الا لقاء عمولة.
الثاني: ان العميل المدين قد أصدر شيكا لمصلحة دائنه
المستفيد على فرع من فروع البنك المدين له، وفي هذه الحالة
لا توجد أيضا إلا حوالة واحدة، على أساس ان للبنك ذمة واحدة
في كافة فروعه في انحاء البلاد، مثال ذلك بنك مركزي في
بغداد أو طهران مثلا، وله فروع في جميع انحاء العراق أو إيران
، وتلك الفروع كلها وكلاء للجهة العامة التي تملك البنك، وكل
فرع منه في اي مكان وبلد كان، فهو وكيل لتلك الجهة العامة، و
58

كل مال مودع في فرع من فروعه، فهو في الحقيقة دين على
تلك الجهة العامة، فإذا سحب العميل شيكا على فرع من فروعه
لصالح دائنه، فقد حول في الحقيقة دائنه عليها، فلذلك كانت
الحوالة حوالة واحدة لوحدة المدين وهو الجهة العامة، وعلى
هذا فإذا كان الفرع المسحوب عليه الشيك في النجف الأشرف
والفرع المطالب بتحصيل قيمة الشيك في البصرة مثلا، فهل
بامكان الفرع في البصرة ان يطالب عمولة على تحصيل قيمة
الشيك وتسديدها أو لا؟
والجواب: ان المدين لصاحب الشيك وان كان نفس
البنك من دون فرق بين فرع وفرع منه في جميع انحاء البلاد،
فإذا أودع ماله في فرع منه كان المدين له نفس البنك، الا انه غير
ملزم بدفع الدين إلى الدائن المستفيد الا في المكان الذي وقع
عقد القرض فيه. وبكلمة ان البنك هو المدين وكل فرع من
فروعه وكيل عنه، ولكنه غير ملزم بتسديد الدين للدائن في
غير مكانه، فإن كان مكانه النجف الأشرف مثلا كان عليه
تسديده فيه دون مكان آخر كالحلة أو بغداد أو البصرة مثلا، و
على هذا فإذا كان للعميل حساب جاري مع فرع النجف ولكنه
أصدر شيكا لصالح دائنه على فرع البصرة، ففي مثل ذلك لا يكون فرع
59

البصرة ملزما - بعنوان انه وكيل عن البنك - بتحصيل
قيمة الشيك وتسديدها فيها؛ لان مكان وقوع القرض هو
الأصل في مكان الوفاء، وعليه فيكون من حق البنك ان يطالب
المستفيد بعمولة لقاء قيامه بتسديد الدين في مكان آخر غير
مكان القرض، وكذلك الحال إذا أصدر العميل شيكا لدائنه
المستفيد على نفس المركز، فإنه غير ملزم بتسديد الدين في
غير مكان عقد الدين، ومن هذا القبيل ما إذا سلم شخص مبلغا
في فرع منه في مكان كالنجف الأشرف مثلا ويطلب منه
الحوالة على فرعه في البصرة أو مكان آخر داخل العراق، فإنه
غير ملزم بقبول الحوالة مجانا، وبامكانه في هذه الحالة ان
يطالب لقاء ذلك عمولة.
الثالث: ان العميل المدين إذا سحب شيكا لصالح دائنه
على بنك آخر لا على فرع من فروع البنك الاول، وتقدم الدائن
المستفيد بالشيك إلى البنك الأول ليقوم بتحصيل قيمة الشيك
من البنك الثاني وتقييدها في رصيده، ففي هذه الحالة فقد
حول العميل دائنه على البنك المسحوب عليه الشيك كبنك
التجارة مثلا، وبموجب هذه الحوالة صار البنك المذكور مدينا
للمستفيد، ولكن المستفيد بسبب أو آخر يرجع إلى البنك الأول
كبنك الزراعة مثلا، ويطالب منه تحصيل قيمة الشيك، وعلى
60

هذا فإن كان بين البنك الاول والبنك الثاني قرار ومعاهدة
على أن بامكان دائن كل منهما ان يرجع إلى الآخر للوفاء بدينه و
تسديده، كان رجوعه إلى البنك الأول حوالة ثانية من البنك
الثاني، فهنا حوالتان:
الأولى: حوالة العميل دائنه المستفيد على البنك الثاني.
الثانية: حوالة البنك الثاني دائنه على البنك الأول، ولا
فرق في صحة الحوالة الثانية بين ان يكون البنك الأول مدينا
للبنك الثاني أو لا، لان صحتها مرتبطة بالمعاهدة بينهما على
ذلك، لا بكون البنك المحول عليه مدينا له، واما إذا لم تكن
معاهدة بينهما كذلك، فلا يكون رجوع الدائن المستفيد إلى
البنك الأول حوالة من البنك الثاني، بل رجوعه اليه بملاك انه
كان يعلم من الخارج ان البنك الأول عند رجوعه اليه يقوم
بتحصيل قيمة الشيك ولو عن طريق اتصاله بالبنك المسحوب
عليه بعد التأكد من صحة الشيك، وفي هذه الحالة بامكان
المستفيد بدلا عن الرجوع إلى البنك الأول لتحصيل قيمة
الشيك أن يقوم ببيع ما ملكه بموجب الحوالة في ذمة البنك
الثاني على البنك الأول نقدا، ولا مانع من هذا لأنه من بيع الدين بالنقد.
ثم إنه هل يجوز للبنك الأول (المحصل) ان يطالب عمولة
61

من المستفيد لقاء قيامه بتحصيل قيمة الشيك من البنك
الثاني المسحوب عليه، باعتبار ان ذلك عمل محترم، فيجوز له
أخذ الأجرة عليه أو لا؟
والجواب: ان في ذلك تفصيلا، فإنه ان كانت بينهما
معاهدة على أن بامكان دائن كل منهما ان يرجع إلى الآخر
لاستيفاء حقه منه، لم يجز للبنك المحصل ان يطالب عمولة
لقاء ذلك، على أساس انه ملزم بالقيام بهذه الخدمة بموجب
المعاهدة بينهما، ولا فرق في ذلك بين ان يكون البنك
المحصل مدينا للبنك الثاني أو لا، وان لم تكن معاهدة بينهما
كذلك، كان من حقه ان يطالب منه عمولة لقاء قيامه بهذا العمل،
ولا فرق في ذلك بين ان يكون البنك المحصل مدينا للبنك
الثاني أو لا، باعتبار ان رجوعه إلى البنك المحصل ليس
بموجب حوالة البنك الثاني عليه، بل من جهة انه كان يعلم بأنه
إذا رجع اليه وهو يقوم بتحصيل قيمة الشيك من البنك
المسحوب عليه، وله حينئذ ان يطالبه بعمولة لقاء هذه الخدمة.
الرابع: إذا كان الشيك مسحوبا من المدين للدائن
المستفيد على بنك في البلد، ولكن المستفيد يطلب من البنك
دفع قيمة الشيك في خارج البلد بعملة أجنبية، كما إذا فرض ان
62

المستفيد يسافر إلى ذلك البلد لسبب أو آخر ويحتاج إلى عملة
أجنبية، مثال ذلك: شخص مريض أراد ان يسافر إلى لندن مثلا
للعلاج، وعنده شيك يتضمن مبلغا من المال على بنك في
داخل البلد، يراجع البنك ويطلب منه تحويل المبلغ بعملة
أجنبية بسعر الصرف في البلد إلى الخارج كلندن، ففي مثل ذلك
يمكن تكييف العملية بأحد وجوه:
الأول: ان يبيع الدائن المستفيد ما ملكه بموجب الحوالة
على ذمة البنك من العملة الداخلية عليه بعملة أجنبية كالدولار
مثلا، وبذلك يصبح البنك مدينا للمستفيد بعملة أجنبية بديلا
عن العملة الداخلية، ثم يقوم البنك بتزويد الدائن بالحوالة على
خارج البلاد من طريق ممثله ان كان له فرع فيه، وإلا فعلى بنك
آخر هناك، ولكن هذا الوجه غير صحيح شرعا؛ لأنه من بيع
الدين بالدين وهو باطل.
الثاني: ان الدائن يتقدم بالشيك إلى البنك المدين لمحرره
ويطالب منه تسليم قيمة الشيك المسحوب عليه، فإذا تسلم
القيمة باعها منه بعملة أجنبية على ذمته، وبذلك يصبح البنك
مدينا للمستفيد بعملة أجنبية، وحينئذ فان اشترط المستفيد
على البنك في عقد البيع تزويده بالحوالة بتلك العملة الأجنبية
63

في الخارج فعليه ذلك، وعلى هذا فإن كان له فرع منه أصدر
خطابا اليه بتسديد دين دائنه المستفيد، وحيث انه لا ذمة للفرع
في مقابل الأصل، فلا يصبح مديونا للمستفيد؛ لما مر من أن
فروع البنك جميعا وكلاء له، فلا ذمة لهم في مقابل الأصل، وان
لم يكن له فرع ممثل له في الخارج فعليه ان يزوده بالحوالة على
بنك آخر هناك، فإذا أحاله عليه أصبح البنك مدينا للمستفيد
بموجب الحوالة، وعندئذ فإذا سدد دينه في الخارج قيد المبلغ
المسدود في حساب البنك المحول، هذا إذا كان للبنك المحول
رصيد مالي عنده، واما إذا لم يكن فهو من الحوالة على البري،
فان قبلها صحت وأصبح مدينا للمستفيد، والا بطلت.
نعم له ان يطالب عمولة لقاء قبوله الحوالة ولا مانع شرعا
من اخذ العمولة لقاء ذلك؛ لان المال المأخوذ انما هو بإزاء
قبول الدين لا على الدين، والممنوع انما هو الثاني، لانه ربا
دون الأول، واما إذا لم يشترط المستفيد على البنك الحوالة
على بلد آخر في ضمن البيع، فلا يجب على البنك قبول
الحوالة منه مجانا، وله ان يتقاضى منه عمولة في هذا التحويل
لقاء قبوله بالدفع في مكان آخر.
الثالث: ان البنك يقوم بموجب طلب المستفيد من
64

الشيك تزويده بالحوالة بعملة أجنبية في دولة أخرى، يريد
المستفيد ان يسافر إليها بسبب أو آخر أو يستورد السلع منها أو
غير ذلك، فإذا وافق البنك بتنفيذ طلبه وزوده بالحوالة بها هناك
، أصبح المستفيد مدينا للبنك بعملة أجنبية، والبنك مدين له
بعملة داخلية، فلذلك لا يسقط الدينان بالتهاتر؛ لعدم التماثل
بينهما، ولكن بامكان كل منهما اسقاط ماله على ذمة الآخر،
غاية الأمر إذا كانت مالية أحدهما أزيد من الآخر طولب بالزائد.
وبكلمة: انه لا مانع من هذه الحوالة شرعا، سواء أكانت على
فرع له هناك أم كانت على بنك آخر على تفصيل قد مر، و
يمكن للبنك حينئذ ان يتقاضى عمولة من المستفيد لقاء قبوله
الحوالة هناك، على أساس انه لا يجب عليه تسديد الدين في
غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض ما لم يشترط ذلك في
عقد ما، ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: ان ذلك يكون في باب الجعالة، فان الدائن يقول
للبنك: إذا سددت قيمة الشيك بعملة أجنبية في خارج البلد
فلك كذا مبلغا من المال، وحينئذ فإذا قام البنك بالعملية وسدد
قيمته بها في الخارج استحق الجعل.
الثاني: ان يكون ذلك بعقد الإجارة، بان يقوم الدائن
65

المستفيد باستئجار البنك على القيام بهذا العمل، وهو تزويده
بالحوالة على خارج البلد بعملة أجنبية لقاء اجرة محددة، فإذا
قبل ذلك وتحقق العقد بينهما استحق الأجرة.
الثالث: ان يكون ذلك من باب أجرة المثل التي يتقاضاها
الاجراء للقيام بمثل هذا العمل بدون تحديدها بعقد الجعالة أو
الإجارة.
66

4 - التحويل الداخلي
شخص في بلد كالنجف مثلا مدين لشخص في بلد آخر
كالبصرة وأراد ان يسدد دينه في بلده المقيم فيه، فلذلك طرق:
الاول:
ان الشخص المدين قد أصدر خطابا إلى البنك مباشرة،
ويتضمن امره بدفع مبلغ معين لدائنه المستفيد في بلده المقيم
فيه، وحينئذ فإن كان للبنك المدين للعميل الآمر فرع ممثل له
في بلده اتصل به ويأمره بدفع قيمة الدين له، وان لم يكن له
فرع في بلده، فله ان يتصل ببنك آخر هناك ويأمره بدفع قيمة
الدين للمستفيد، فإذا دفعها له هناك ضمن البنك الآمر ما دفعه
من قيمة الدين بموجب امره بالدفع، وفي هذه الحالة إذا كان
للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور، جاز للبنك المأمور
67

ان يدفع قيمة الدين من رصيد البنك الآمر، على أساس ان امره
للبنك هناك بدفع قيمة الدين للمستفيد في بلد اقامته، يدل على
اذنه وسماحه له بدفعها من رصيده عنده.
الثاني:
ان العميل المديون يحيل دائنه المستفيد على البنك و
يصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للمستفيد، على أساس
ان معناها نقل الدين من ذمة إلى ذمة، وحينئذ فان أحال البنك
المستفيد على فرعه في بلدة المقيم فيه لم يكن هذا حوالة ثانية
بالمعنى الفقهي، على أساس ما مر من أن الفرع ممثل للبنك
ووكيل من قبله وليس له ذمة أخرى لكي يحال عليها من
جديد، فاذن يكون في المقام حوالة واحدة، وان أحال البنك
المستفيد على بنك آخر في بلده كان هذا حوالة ثانية، فهنا
حوالتان:
الأولى: من العميل المدين للمستفيد على البنك.
الثانية: من البنك المدين للمستفيد على بنك آخر في
بلده، وعندئذ فإن كان البنك الآخر مدينا للبنك المحول وجب
عليه قبول الحوالة، وكذلك إذا كانت بينهما معاهدة على ذلك،
وان لم يكن مدينا له ولا معاهدة بينهما كان هذا حوالة على
68

البري، فان قبل صحت، وإلا فلا.
الثالث:
ان البنك بوصف كونه مدينا لعميله، فيحيل العميل على
بنك آخر، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للعميل، و
حينئذ فان أحال العميل دائنه في بلده على البنك المدين له كان
هذا حوالة ثانية، الأولى من البنك لعملية الدائن على بنك آخر،
والثانية من العميل لدائنه المستفيد على ذلك البنك.
والخلاصة ان هذه العملية بكل تخريجاتها صحيحة و
جائزة شرعا.
وهل يجوز اخذ العمولة عليها أو لا؟
والجواب: ان ذلك يقوم على أساس مجموعة من
الضوابط:
1 - ان من حق الدائن ان يطالب المدين بتسديد الدين في
المكان الذي وقع فيه عقد القرض، من دون فرق في ذلك بين
ان يكون الدائن متمثلا في الجهة العامة كالبنك أو في الجهة
الخاصة، ولا يسمح شرعا للمدين ان يمتنع عن ذلك الا إذا
تنازل الدائن عن حقه، وعلى هذا فيجوز للدائن ان يتقاضى
عمولة لقاء تنازله عن حقه، وقبول الوفاء بالدين في مكان
69

آخر.
2 - ان من حق الدائن ان يطالب المدين بتسديد الدين كما
استدان، فان استدان نقدا فمن حقه ان يطالبه بتسديده نقدا ولا
يقبل الحوالة، وان استدان حوالة فله ان يطالبه بتسديده كذلك،
ولا يقبل تسديده نقدا، كما أن من حق المدين ان لا يقبل
الحوالة إذا استدان نقدا، أو لا يقبل التسديد نقدا إذا استدان
حوالة، ويسوغ لكل منهما ان يتقاضى عمولة لقاء تنازله عن
حقه.
3 - ان من حق المدين الامتناع عن أداء الدين في غير
المكان الذي وقع فيه عقد القرض، ولا يحق للدائن ان يطالب
منه الوفاء في غير مكان العقد، وله ان يتقاضى عمولة لقاء
التنازل عن حقه وقبوله الوفاء في مكان آخر.
وعلى ضوء هذه الضوابط يظهر انه يسوغ للبنك من
الناحية الشرعية ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية بكافة
تخريجاتها.
واما تخريجها على الطريق الأول، فلان العميل إذا أمر
البنك بتسديد قيمة الدين لدائنه المستفيد في بلده المقيم فيه،
كان من حق البنك ان يطلب منه عمولة لقاء تسديد دينه في غير
70

بلد القرض؛ إذ لا يجب عليه ان يلعب دور الاتصال بفرعه هناك
أو بنك آخر، ويأمره بدفع قيمة الدين تطبيقا لتنفيذ أمر العميل
مجانا، بل له ان لا يقوم بهذا الدور والخدمة بدون اجرة و
عمولة، على أساس ان البنك غير ملزم بتسديد الدين في أي
مكان يقترحه الدائن تطبيقا للضابط الثالث، وعلى هذا فان أراد
الدائن من المدين الوفاء بدينه في مكان آخر غير مكان القرض،
كان من حق المدين ان يتقاضى منه عمولة لقاء التنازل عن
حقه.
واما تخريجها على الطريق الثاني، فلان العميل حيث إنه
أحال دائنه على البنك، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة
مدينا لدائنه المستفيد، ولكن لا يجب على البنك ان يسدد دينه
الا في مكان الحوالة وهو مكان الدين، ولا يكون ملزما بدفعه
في بلد الدائن المقيم فيه، وإذا أراد الدائن ذلك، كان من حقه ان
يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور.
واما تخريجها على الطريق الثالث، فلان البنك المدين
لعميله الآمر بالتحويل غير ملزم بان يلعب دور الحوالة، بان
يحيل عميله على البنك في بلد المستفيد؛ لأنه ملزم بالأداء في
مكان الدين لا في كل مكان أراد الدائن، وعلى هذا فإذا امر
71

العميل البنك بالتحويل على البنك في بلد المستفيد، فمن حق
البنك المأمور ان لا يقبل ذلك مجانا وبدون عمولة.
يتحصل من ذلك أنه يجوز للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء
قيامه بهذه العملية بكل تخريجاتها وتكييفاتها الشرعية.
72

5 - التحويل الخارجي
شخص في بلد كالعراق مثلا مدين لشخص في بلد آخر
كالهند، وأراد تسديد دينه والوفاء به في بلده هناك المقيم فيه
فما هو طريقه؟
والجواب: ان لذلك عدة طرق:
الاول:
ان الشخص المدين يصدر خطابا إلى البنك المدين له
مباشرة، ويتضمن الخطاب الامر بدفع قيمة الدين بعملة أجنبية
لدائنه المستفيد في بلده الهند المقيم فيه بواسطة ممثله هناك ان
كان، والا فبواسطة بنك آخر، فإذا قبل البنك ذلك وقام بالعملية
ولعب دورها فادى إلى وصول الدين للمستفيد هناك بأحد
الطريقين، أصبح الشخص العميل مدينا للبنك بعملة أجنبية، و
73

هو مدين للعميل بعملة داخلية، وبما انه لا مماثلة بين الدينين،
فلا يسقطان بالتهاتر.
نعم بامكان كل منهما اسقاط ما في ذمة الآخر، الا إذا كانت
قيمة أحدهما أزيد من قيمة الآخر فيطالب بالزائد، هذا من
ناحية، ومن ناحية أخرى إذا كان للبنك فرع في بلد المستفيد و
أمره بدفع دين المستفيد هناك بعملة أجنبية فدفعه، لم يضمن
البنك ما دفعه؛ لما مر من أن فرعه ممثل له ووكيل عنه فدفعه
دفع البنك، لا دفع جديد في مقابل دفعه، واما إذا لم يكن له في
بلده هناك فرع، فله ان يتصل ببنك آخر فيه ويأمره بدفع دين
المستفيد هناك، فإذا دفعه ضمن البنك الآمر ما دفعه البنك
المأمور بموجب هذا الامر، فيصبح بذلك مدينا له. هذا إذا
لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور هناك، والا
فهو يدفعه من رصيده، وحينئذ فلا ضمان.
وهل بامكان البنك من الناحية الشرعية ان يتقاضى
عمولة لقاء قيامه بهذه العملية أو لا؟
والجواب: نعم فان بامكانه ذلك على أساس انه غير ملزم
بدفع قيمة الدين بعملة أجنبية، ولا ببلدة أخرى غير بلدة
القرض، كما أن للبنك في بلد المستفيد إذا لم يكن للبنك الآمر
74

رصيد مالي عنده، ولا قرار ومعاهدة بينهما على ذلك، ان
يتقاضى عمولة لقاء قبوله الامر منه وتنفيذه بدفع قيمة الدين
للمستفيد في بلده من ماله.
الثاني:
ان العميل المدين للمستفيد في خارج البلد يقوم ببيع
ماله في ذمة البنك من العملة الداخلية بعد قبضها منه اصالة أو
وكالة عليه بالعملة الأجنبية، فيصبح البنك بذلك مدينا لعميله
بالعملة الأجنبية، ثم يأمر العميل البنك بالحوالة، فيقوم البنك
بموجب امر عميله بدور الحوالة، فاحاله على فرع من فروعه
في الخارج الممثل له، ولكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى
الفقهي، على أساس ما مر من أنه ليس للفرع ذمة أخرى في
مقابل ذمة الأصل ليحال عليها، واما إذا لم يكن له فرع فيه،
فيحيله على بنك آخر هناك، ويكون هذا حوالة بالمعنى
الفقهي؛ إذ بها ينتقل الدين من ذمة البنك المحول إلى ذمة البنك
المحول عليه، فيصبح البنك المحول عليه بموجب هذه
الحوالة مدينا للعميل الآمر، وحينئذ فبامكان العميل ان يحيل
دائنه المستفيد على البنك المحول عليه، ويكون هذا حوالة
ثانية وبموجبها يصبح البنك المحول عليه مدينا للمستفيد و
تبرأ ذمة العميل عنه. هذا إذا كان
75

البنك المحول عليه مدينا للبنك المحول، والا فصحة الحوالة
مشروطة بالقبول؛ باعتبار انها حوالة على البري. وهل بامكان
البنك من الناحية الشرعية ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه
بالحوالة أو لا؟
والجواب: نعم، فان له ذلك، على أساس انه غير ملزم
بحوالة الدائن في بلد آخر، وله ان يطالب عمولة لقاء تنازله عن
هذا الحق وقبوله الحوالة.
الثالث:
ان العميل المدين بعد عملية بيع العملة الداخلية بالعملة
الأجنبية مع البنك، يطلب منه ان يدفع العملة الأجنبية للمستفيد
بواسطة فرع من فروعه في الخارج أو بنك آخر، فإذا قام البنك
بالعملية وتمت، برأت ذمة العميل من المستفيد وذمة البنك
من العميل، واشتغلت ذمته، أي: البنك الآمر للبنك المأمور،
هذا إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور، والا
فهو يدفع من رصيده وحينئذ فلا ضمان، وهل للبنك حينئذ أن
يتقاضى عمولة شرعا لقاء قيامه بهذه العملية أو لا؟
والجواب: نعم، فان له ذلك؛ إذ لا يجب عليه تسديد
الدين في بلد آخر غير بلد القرض، وله حق الامتناع عن ذلك و
76

عدم القبول بدون عمولة.
التحويل إلى غير الدائن
قد يقوم البنك بتحويل عميله غير الدائن على فرعه في
بلد آخر أو بنك فيه، ولكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى الفقهي،
بل هو في الحقيقة اقراض من بنك ذلك العميل أو التبرع و
الاهداء له، فلذلك لا يكون المحول له مالكا لقيمة الحوالة ما لم
يقبضها نقدا، وهذه الحوالة جائزة شرعا، شريطة ان لا تكون
ربوية باعتبار انها ليست بحوالة، بل هي اقراض.
77

6 - خصم الكمبيالات أو تنزيلها
يراد بالخصم والتنزيل ان يدفع البنك أو غيره قيمة
الكمبيالة قبل الموعد المحدد لها مقابل استقطاع مبلغ معين.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بوجوه:
الوجه الاول:
بيع الكمبياله نقدا بأقل مما تضمنتها من المبلغ.
بيان ذلك: ان الكمبيالة المتداولة في الأسواق لم تعتبر لها
مالية، وانما هي مجرد وثيقة لاثبات ان المبلغ الذي تضمنته
دين في ذمة موقعها لمن كتبت باسمه، وهذا بخلاف الأوراق
النقدية، فان لها قيمة مالية، على أساس ان الجهة المصدرة لتلك
الأوراق اعتبرتها مالا بديلا عن الذهب والفضة، لا مجرد انها
78

وثيقة، ومن هنا إذا دفع المشتري الكمبيالة للبائع لم يدفع ثمن
البضاعة، ولو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه
مال ولم تفرع ذمة المشتري، بينما ان المشتري إذا دفع له ورقة
نقدية فقد دفع ثمن البضاعة وبرأت ذمته منه، وإذا تلفت عنده
بعد ذلك وضاعت فقد تلفت ماله، وبعد ذلك نقول إن
المستفيد من الكمبيالة الذي عرضها على البنك طالبا منه
خصمها ببيع الدين الذي تمثله في ذمة محررها مؤجلا بأقل منه
نقدا، كما إذا كان الدين مائة دينار مثلا، فباعه المستفيد بخمسة
وتسعين دينارا نقدا، فإذا قبل البنك ذلك واشترى ملك الدين
الذي كان المستفيد يملكه في ذمة موقعها لقاء الثمن الذي
يدفعه اليه حالا بموجب هذا البيع، فيكون هذا من بيع الدين
نقدا بأقل منه.
وقد تسأل: هل هذا البيع جائز أو لا؟
والجواب: ان المشهور بين الفقهاء جوازه إذا لم يكن
الدين من الذهب والفضة أو المكيل والموزون، وحيث إن
الدين الذي تمثله الكمبيالة ليس من الذهب أو الفضة، فيجوز
بيعه بأقل منه نقدا، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدم
جوازه، وذلك للنصوص الخاصة الظاهرة في عدم جواز ذلك.
79

منها:
صحيحة محمد بن الفضيل، قال: قلت للرضا (عليه السلام): رجل
اشترى دينا على رجل، ثم ذهب إلى صاحب الدين، فقال له:
ادفع الي ما لفلان عليك، فقد اشتريته منه، قال: " يدفع اليه قيمة
ما دفع إلى صاحب الدين، وبرىء الذي عليه المال من جميع ما
بقي عليه " (1).
فإنها ظاهرة في أن المدين غير ملزم بدفع أكثر من المبلغ
الذي دفعه المشتري إلى المستفيد، وانه لا يستحق أكثر مما
دفعه، ويعتبر الزائد عليه ساقطا عن ذمة المدين رأسا، ولا
تشتغل ذمته بأكثر منه. وبكلمة ان المستفاد من الرواية أمور:
الاول: بطلان بيع الدين نقدا بأقل منه.
الثاني: براءة ذمة المدين من الدائن المستفيد.
الثالث: اشتغال ذمته للمشتري بمقدار ما دفعه إلى
المستفيد دون الأكثر.
ودعوى: ان الرواية ساقطة باعراض المشهور عنها،
مدفوعة: بان سقوط الرواية باعراض المشهور منوط بتوفر
امرين:

1. الوسائل: باب 15 من أبواب الدين والقرض، الحديث: 3
80

أحدهما: ان يكون الاعراض من قدماء الأصحاب الذين
يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة (عليهم السلام).
والآخر: ان يكون تعبديا، بمعنى انه وصل إليهم من
أصحاب الأئمة (عليهم السلام) يدا بيد وطبقة بعد طبقة، ولكن ليس
بإمكاننا احراز توفر كلا الامرين معا، كما حققناه في علم
الأصول، فإذا لا اثر لإعراض المشهور، ولا يكشف عن سقوط
الرواية عن الاعتبار.
وقد يقال: انه لم يفرض في الروايات شراء الدين باقل
منه؟
والجواب: ان الروايات ظاهرة في ذلك عرفا بمناسبة
الحكم والموضوع الارتكازية، ومع الاغماض عن هذا، فلا
شبهة في اطلاقها وشمولها لصورة شراء الدين نقدا بالأقل منه.
وعلى هذا فليس بإمكاننا من الناحية الشرعية تخريج عملية
خصم الكمبيالات فقهيا على أساس شراء الدين بأقل منه نقدا.
الوجه الثاني:
يمكن تكييف عملية خصم الكمبيالات فقهيا على
أساس اشتراط البنك على المستفيد في عقد الشراء هبة مبلغ محدد من
81

قيمة الكمبيالة، بان يقول له: اشتري منك الدين الذي
تمثله الكمبيالة بنفس قيمته بدون اى نقيصة مشروطا، بان تهب
لي من قيمتها مبلغا محددا بعد الشراء نقدا، وحينئذ فان وفى
بالشرط فهو المطلوب، وإلا فله فسخ الشراء، ولا بأس بهذا
التكييف والتخريج شرعا.
الوجه الثالث:
ان بإمكاننا تكييف هذه العملية وتخريجها فقهيا، على
أساس ان المشتري - كالبنك - يشترط على المستفيد في عقد
الشراء عملا، كخياطة ثوب أو كتابة شيء أو قراءة القرآن أو غير
ذلك لقاء شرائه الدين الذي تضمنته الكمبيالة بنفس قيمته من
دون اي نقص فيها، فان قبل المستفيد الشرط وجب عليه الوفاء
به، وإلا كان له فسخ الشراء.
الوجه الرابع:
ان البنك يشتري الدين الذي تضمنته الكمبيالة بما
يساوي قيمته، ولكنه يقتطع من القيمة مبلغا معينا، كعمولة لقاء
الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ إذا كان يدفع في مكان آخر؛ لان العمولة
82

لقاء الخدمة - كأجرة كتابة الدين وتسجيله في
السجلات وحفظه - جائزة، ولهذا يكون بامكان البنك ان
يتقاضاها في كل قرض يقدمه لقاء تلك الخدمة، وحينئذ
فيجوز هنا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء تحصيل قيمة الكمبيالة
وتسجيلها بعنوان اجرة الكتابة وغير ذلك.
الكمبيالات الصورية (المجاملية)
قد تعارف بين الناس ان يكتب شخص لآخر من دون أن تكون
ذمته مشغولة له ورقة (الكمبيالة)، تفيد بأنه مديون له
بملبغ كذا كمائة دينار مثلا، فمن اجل ذلك اطلق عليها (كمبيالة
مجاملة) وحيث انها لا تتضمن دينا في ذمة محررها، فلا يصح
بيعها؛ لأنها في نفسها لا مالية لها ولا تمثل مالا، وانما كتبت
لتمكين المستفيد من خصمها فحسب، وعلى هذا فيمكن
تكييف عملية الخصم في المقام على أساس أحد أمرين:
الأول: القرض.
الثاني: البيع.
اما الأول، فلان المستفيد قد ينوي القرض من الطرف
الثالث كالبنك على ذمته، فيستقرض خمسة وتسعين دينارا
83

مثلا منه بمائة دينار مؤجلة لمدة خمسة اشهر مثلا، وبعد
تمامية عقد القرض قام المستفيد بتحويل الطرف الثالث على
الموقع للكمبيالة لكي يقبض منه المبلغ عند الاجل، وهذا
الحوالة ان كانت على البري في الواقع، الا انه بموجب توقيعه
للكمبيالة وتعهده كان قد قبلها، وإذا قام بعملية تسديد المبلغ و
سدده، أصبحت ذمة المستفيد مشغولة له بنفس المبلغ، وقد
ينوي القرض من الطرف الثالث في ذمة الموقع للكمبيالة
بالوكالة، فيستقرض منه خمسة وتسعين دينارا بمائة دينار
على ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، وبعد تمامية عقد القرض
استقرض المستفيد منه هذا المبلغ وهو خمسة وتسعون دينارا
وكالة بمائة دينار على ذمته مؤجلة، ولكن لا يمكن تكييف هذه
العملية من الناحية الشرعية، على أساس القرض؛ لأنه ربوي
في كلا الفرضين.
واما الثاني، فيمكن تخريجه فقهيا على أساس صورتين
تاليتين:
الأولى: ان المستفيد يشتري من الطرف الثالث، كالبنك
مثلا مبلغا قدره خمسة وتسعون دينارا بمائة دينار على ذمته
مؤجلة لمدة خمسة اشهر، وبعد تكميل عملية البيع بين
84

الطرفين يقوم المستفيد بعملية التحويل، فيحول الطرف الثالث
على الموقع للكمبيالة ليتسلم المائة دينار عند الاستحقاق، ولا
يمكن للموقع ان لا يقبل هذه الحوالة، فإنها وان كانت حوالة
على البري في الواقع، إلا انه قد قبلها بتوقيعه لها، فاذن يكون
بموجب قبول هذه الحوالة مدينا للطرف الثالث فإذا قام بتسديد
المبلغ إلى الطرف الثالث، أصبح المستفيد مدينا له بنفس المبلغ
وهو المائة دينار، وعلى هذا فلا اشكال في هذه العملية من
الناحية الشرعية.
الثانية: ان المستفيد - بموجب هذه الكمبيالة - وكيل من
قبل الموقع في تنفيذ عملية الخصم مع الطرف الثالث، وعليه
فيقوم المستفيد - بموجب هذه الوكالة - ببيع مبلغ قدره مائة
دينار مثلا على ذمة موكله مؤجلة لمدة خمسة اشهر بمبلغ قدره
خمسة وتسعون دينارا نقدا، وبعد تكميل هذه المعاملة البيعية
، يكون الموقع مدينا للطرف الثالث بمائة دينار مؤجلة في
مقابل خمسة وتسعين دينارا نقدا، وهذا المبلغ حيث إنه ملك
للموقع، فلا يجوز للمستفيد ان يتصرف فيه، وحينئذ فعليه ان
يجري معاملة جديدة مع الموقع وكالة، فيشتري منه المبلغ
المذكور وهو خمسة وتسعون دينارا نقدا بمبلغ قدره مائة
دينار في الذمة
85

مؤجلة لخمسة اشهر، فإذا تم هذا البيع بينهما
أصبح المستفيد مالكا للمبلغ نقدا ومدينا للموقع مؤجلا، و
هذه العملية لا اشكال فيها شرعا.
قد يقال - كما قيل -: ان شرعية كلتا العمليتين مبنية على
صحة بيع الأوراق النقدية الشخصية بالكلي منها في الذمة، كبيع
خمسة وتسعين دينارا مثلا نقدا بمائة دينار في الذمة مؤجلة، و
صحته موضع البحث والاشكال.
والجواب: ما مر من أن الأظهر صحة ذلك، ومع
الاغماض عنه وتسليم ان هذا قرض واقعا بلباس البيع، ولكن
بإمكاننا تخريج ذلك من الناحية الشرعية بطريقة اخرى، وهي
ان للمستفيد أن يقوم ببيع عملة أجنبية على ذمته مؤجلة من
الناحية الشرعية بطريقة أخرى، وهي ان للمستفيد أن يقوم ببيع
عملة أجنبية على ذمته مؤجلة للطرف الثالث، كالبنك مثلا
بعملة داخلية نقدية، كما إذا باع الف تومان مثلا على ذمته
مؤجلا للبنك بثمانية وأربعين دينارا نقدا، ولا اشكال في أن
هذا بيع واقعا لمكان التباين بين الثمن والمثمن وعدم انطباق
أحدهما على الآخر، ثم إن المستفيد يقوم بإحالة البنك على
الموقع للكمبيالة بما يساوي قيمة المبيع (ألف تومان) من الدينار
86

العراقي وهو خمسون دينارا مع التراضي بينهما على
ذلك، ويكشف عن هذا التراضي قبول البنك الكمبيالة بما
تضمنته من العملة وقبول الموقع الحوالة بتوقيعه لها.
كما أن بامكان المستفيد ان يبيع الف تومان على ذمة
الموقع وكالة عنه للبنك بثمانية وأربعين دينارا نقدا، وبعد
عملية البيع يقدم المستفيد الكمبيالة إلى المشتري وهو البنك
في المثال، فإذا قبلها المشتري فمعناه انه رضى بما تضمنته من
المبلغ المساوي لقيمة المبيع في ذمة الموقع (الف تومان) و
هو خمسون دينارا عراقيا. ثم ان المستفيد يجري مع الموقع
معاملة جديدة فيشتري منه المبلغ المذكور وهو ثمانية و
أربعون دينارا نقدا بألف تومان مؤجلا.
87

7 - تحصيل الشيكات التجارية
يقوم البنك بتحصيل قيمة الشيكات من المدينين
لحساب الدائنين، فإنه قبل حلول موعد استحقاق الشيك بأيام
أخطر المدين، ويوضح فيه رقم الشيك وتاريخ استحقاقه وما
تضمنه من المبلغ، وبعد الحصول على قيمته من الدين يدفعها
إلى المستفيد إذا طلب ذلك أو يقيدها في رصيده بعد خصم
مصارف التحصيل، وهذه العملية جائزة شرعا ولا اشكال فيها
. نعم، لابد من الاقتصار على تحصيل نفس قيمة الشيك، فلا
يجوز تحصيل فوائدها الربوية، وهل بامكان البنك ان يتقاضى
عمولة إزاء قيامه بهذه الخدمة أو لا؟
والجواب: نعم إذ لا يجب عليه ان يقوم بتلك الخدمة
مجانا.
88

ومن هذا القبيل الشيكات التي يقدمها المستفيد إلى
البنك وهي غير محولة عليه ابتداء، ويطلب منه تحصيل
قيمتها عند الاستحقاق ودفعها اليه نقدا، أو تقييدها في رصيده،
ويجوز للبنك اخذ عمولة لقاء هذه الخدمة، كاتصاله بالمدين
ومطالبته بالوفاء. نعم لو كانت الشيكات محولة على البنك
ابتداء من عميله الدائن، لم يجز له أخذ عمولة على الوفاء بها؛
لان البنك يصبح بموجب حوالة محرر الشيك عليه مدينا
للمستفيد بقيمة الشيك، باعتبار ان للمحرر رصيدا دائنا فيه، و
التحويل من الدائن على مدينه نافذ من دون حاجة إلى قبول
المدين، الا إذا اشترط على الدائن في عقد القرض عدم الحوالة
عليه، وعملية الوفاء بالدين وان توقفت على بذل جهد وانفاق
عمل، فلا يستحق المدين عليها عمولة.
يتضح من ذلك ان بامكان البنك ان يأخذ عمولة على
تحصيل الشيكات والكمبيالات إذا لم تكن محولة عليه ابتداء،
ويمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بوجوه:
الأول: أن تكون العمولة من باب أجرة المثل من دون أن تكون
بينهما معاقدة على الأجرة المحددة.
الثاني: أن تكون العمولة جعالة، بتقريب ان المستفيد
89

يجعل جعلا للبنك إذا قام بتحصيل قيمة الشيك والصك من
المدين، وبعد التحصيل يستحق البنك العمولة على المستفيد.
الثالث: أن تكون إجارة، فان المستفيد يستأجر البنك
على القيام بهذه العملية والخدمة لقاء اجرة معينة، فتكون
الإجارة على نفس العمل، وعلى هذا فصحة الإجارة منوطة
بكون البنك قادرا على تحصيل الدين وتسليمه إلى الدائن، و
إلا فالإجارة باطلة؛ لان الأجير لا يمكن ان يملك ما ليس من
منافعه المملوكة.
وبكلمة: ان قدرة الأجير على الفعل معتبرة في صحة
الإجارة؛ لسببين:
الأول: ان القدرة دخيلة في مالكية الأجير للمنفعة التي
يملكها للمستأجر في عقد الإجارة مثلا إذا لم يكن الشخص
قادرا على الخياطة، فلا يكون مالكا لهذه المنفعة لكي يصح منه
تمليكها لغيره.
الثاني: ان القدرة على التسليم معتبرة في صحة الإجارة،
بلا فرق بين أن تكون الإجارة على الأعمال أو على منافع
الأموال، فإذا عجز الأجير عن العمل المستأجر عليه فقد أخل
بشرطية القدرة على التسليم.
90

وقد تسأل: هل يحكم بصحة الإجارة مع الشك في قدرة
البنك على تحصيل الدين أو لا؟
والجواب: ان الإجارة الواقعة مع الشك في القدرة تتبع
الواقع، فتصح إذا كان البنك قادرا على تحصيل الدين واقعا، و
تبطل إذا كان عاجزا عنه كذلك، وحينئذ فلا يستحق البنك
الأجرة بالمطالبة، باعتبار ان الإجارة لم تقع عليها وانما وقعت
على تحصيل الدين، فان تسلم الدين واخذه من المدين ودفعه
إلى الدائن أو قيده في رصيده كشف ذلك عن قدرته على العمل
المستأجر عليه، وبالتالي عن صحة الإجارة واستحقاقه الأجرة
، وإلا كشف عن عدم قدرته عليه وبالتالي عن بطلان الإجارة و
عدم استحقاق الأجرة.
فالنتيجة ان البنك يستحق الأجرة على ضوء الوجه الأول
والثاني بعد العمل المستأجر عليه وهو تحصيل الدين من
المدين، وعلى الوجه الثالث بعد تمامية العقد واكماله إذا كان
قادرا على تحصيل الدين. نعم، لو كانت الجعالة أو الإجارة على
المطالبة، فان البنك يستحق الأجرة على الجعالة بعد المطالبة و
الالحاح، سواء أدى إلى تحصيل الدين أم لا، وعلى الإجارة من
حين العقد وان لم يكن قادرا على تحصيل الدين إذا كان قادرا
على المطالبة.
91

8 - قبول البنك الأوراق التجارية بتوقيعه
عليها الشيكات والكمبيالات
وهو على نحوين:
أحدهما: ان البنك يقبل الورقة التجارية، بمعنى انه
يتحمل مسئووليتها امام المستفيد من الورقة ويجعلها في
عهدته، والآخر انه يقبلها ولكنه لا يتحمل أي مسؤولية امام
المستفيد، وانما يؤكد على وجود رصيد مالي له أي: لمحرر
الورقة التجارية باسم الشيك أو الكمبيالة عنده يصلح لان
تخصم منه قيمة تلك الورقة، اما الأول فهو جائز شرعا، وهل
هو على أساس عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف لدى
فقهاء الإمامية، وهو نقل دين من ذمة إلى ذمة، لا ضم ذمة إلى
ذمة الذي هو باطل، أو على أساس التعهد بوفاء المدين بدينه؟
والجواب: انه على أساس التعهد لا على أساس عقد
92

الضمان بمعناه المعروف، إذ من الواضح ان البنك لا يقصد
بقبوله الورقة التجارية باسم الكمبيالة أو الشيك نقل الدين من
ذمة المدين إلى ذمته، بل يقصد به معنى آخر للضمان، وهو
تعهده بوفاء المدين دينه، فالضمان هنا ليس ضمانا لنفس مبلغ
الدين بديلا عن المدين، بل هو ضمان لأدائه مع بقاء الدين في
ذمة المدين الأصلي، ونتيجة ذلك أنه لو تخلف المدين عن
الوفاء، فعلى البنك المتعهد الوفاء به، وهذا يعني ان المستفيد
من الورقة يرجع اليه ويأخذ قيمتها منه.
واما الثاني: - وهو قبول البنك الورقة وتوقيعه لها
بدون ان يتحمل مسؤولية الوفاء امام المستفيد، وانما يقصد به
التأكيد على وجود رصيد مالي لمحرر الورقة يكفى لخصم
قيمتها منه - فهو أيضا جائز شرعا ولا مانع منه أصلا، وحيث إن
ذمة المحرر قد اكتسبت من قبول البنك الورقة وتوقيعه لها
اعتبارا وثقة بين الناس، فبامكان البنك ان يأخذ عمولة على هذا
القبول.
93

9 - خطابات الضمان (الكفالات)
الكفالة (خطاب الضمان) ذات أطراف ثلاثة:
1 - المكفول: وهو المتعهد والمقاول.
2 - المكفول له: وهو المتعهد له المستفيد سواء كان جهة
حكومية عامة أم خاصة أم أهلية كذلك.
3 - الكفيل: وهو البنك.
المتعهدون المقاولون الذين يتولون مشروعا بالمناقصة،
كبناء مستشفى أو مصنع أو معمل أو إحداث طرق أو تبليطها أو
مجمع سكني أو مسجد أو غير ذلك لجهة حكومية أو شركة
أهلية على المواصفات المعينة وفي فترة زمنية محددة، فإذا
تمت المقاولة والمعاهدة بينهما بمواصفاتها وشروطها وجب
عليهم القيام بالعمل وتنفيذ المشروع، وقد تشترط تلك الجهة
94

على المقاولين في ضمن عقد المقاولة والمعاهدة ان يدفعوا
مبلغا معينا من المال في حالة عدم انجاز المشروع وعدم اكماله
في موعده المحدد، أو الانسحاب عنه دون الاتمام، ولتعزيز
عنصر الثقة والأمانة للوفاء بالشرط تطلب الجهة المستفيدة من
المقاولين ضمانات وكفالات مالية لذلك، فالمقاولون من اجل
تعزيز هذا العنصر يلجأون إلى البنك ويطلبون منه الضمان و
التعهد لتلك الجهة بالمبلغ المذكور، فإذا وافق البنك على ذلك
أصدر خطاب ضمان يتعهد فيه للجهة المستفيدة بالمبلغ
المقرر في حالة تخلف المقاولين عن القيام بتعهداتهم.
وهذا الشرط صحيح شرعا ونافذ ويجب الوفاء به ما دام
واقعا في عقد صحيح كعقد الايجار مثلا، ومقتضى صحته ان
للجهة المستفيدة حقا شرعيا ان ترجع إلى البنك وتطلب منه
المبلغ المشروط في حالة تخلف المقاولين عن القيام
بتعهداتهم والامتناع عن دفع المبلغ لها، واما إذا كان تخلف
المقاولين من جهة بطلان العقد فلا يستحق الجهة المستفيدة ان
تطالب المقاولين بالمبلغ المشروط، لفرض ان الشرط قد بطل
ببطلان العقد، وذلك كما إذا كان العقد عقد إجارة وكان مورد
الإجارة المنفعة الخارجية لا المنفعة في الذمة، ففي مثل ذلك إذا كان
95

الأجير عاجزا عن ممارسة العمل المستأجر عليه، فمعنى
هذا بطلان أصل الإجارة، لانكشاف ذلك عن كون تلك المنفعة
ليست من منافع الأجير، وحينئذ فيبطل الشرط المفروض في
عقد الإجارة بالتبع. ثم إن هذا الشرط هل يمكن ان يكون بنحو
شرط النتيجة، بمعنى: ان الجهة المستفيدة (وهي المكفول و
المتعهد له) تشترط على المقاول أن تكون مالكة كذا مبلغا في
ذمته إذا تخلف عن تعهداته أو لا؟
والجواب: ان شرط النتيجة في المقام غير صحيح؛ لان
النتيجة المشترطة - وهي اشتغال ذمة المقاول كذا مبلغا من
المال ابتداء - ليست من المضامين المعاملية المشروعة، وأدلة
نفوذ الشرط لا تكون مشرعة لأصل المضمون، وانما هي
متكفلة لبيان صلاحية الشرط لان ينشأ به المضمون المشروع
في نفسه.
والخلاصة: ان الشرط في المقام لا يمكن ان يكون بنحو
شرط النتيجة، بل لابد ان يكون بنحو شرط الفعل، بان تشترط
الجهة المستفيدة على المقاول ان يملك لها كذا مبلغا من المال
في حالة تخلفه عن تعهداته، ولا فرق في صحة هذا الشرط بين
ان يكون الفعل المشترط خصوص فعل المقاول أو الأعم منه و
من فعل غيره كالبنك.
96

وقد تسأل: ما هو المراد من الضمان في خطابات
الضمان؟
والجواب: ان المراد منه التعهد بشيء وجعله في عهدة
الشخص، لا نقل الدين من ذمة إلى ذمة ولا ضم ذمة إلى ذمة،
فإنه باطل، ومن هنا قلنا: ان قبول البنك للكمبيالة انما هو
بمعنى تعهده لاداء الدين وجعل نفسه مسؤولة عنه، لا بمعنى
نقل الدين من ذمة إلى ذمة، فالمدين مسؤول ومشغول الذمة
بذات المبلغ، والضامن - كالبنك - مسؤول عن أداء ذلك المبلغ،
أي: انه مسؤول عن خروج المدين عن عهدة مسؤوليته و
تفريغ ذمته، وعليه فليس للدائن ان يرجع ابتداء على الضامن
بهذا المعنى، وانما يرجع اليه إذا امتنع المدين عن الوفاء، فان
معنى هذا الامتناع ان ما تعهد به الضامن - وهو أداء المدين
الدين - لم يتحقق، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الأداء وهي قيمة
الدين، باعتبار ان الأداء في نفسه لا مالية له الا بلحاظ مالية نفس
الدين، وعلى هذا الأساس فمعنى خطاب الضمان هو تعهد
البنك بأداء الشرط وجعله في عهدته كتعهده بأداء الدين على
حد أداء العين المغصوبة على عهدة الغاصب، غاية الأمر ان أداء
العين المغصوبة على عهدة الغاصب امر قهري، واما أداء الشرط أو
97

أداء الدين في عهدة البنك انما هو بسبب انشائه هذا
التعهد اختيارا النافذ بمقتضى الارتكاز العقلائي الممضى شرعا
، بل هو مشمول لعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) باعتبار
انه عقد بين اثنين، وكما أن العين المغصوبة إذا تلفت اشتغلت
ذمة الغاصب ببدلها من المثل أو القيمة، كذلك أداء الشرط أو أداء
الدين، ومعنى تلف أداء الشرط أو الدين: امتناع المشروط عليه
والمدين عن الأداء، فاذن تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال
الذمة بقيمة أداء الشرط أو أداء الدين الذي هو قيمة نفس الشرط
والدين وبالتالي بالشرط والدين.
وهنا إشكال، وهو: ان تعهد البنك بأداء الدين وان كان
يؤدي إلى اشتغال ذمته بالأداء عنه امتناع المدين عنه وبالتالي
بالدين، على أساس ان الدين مملوك للدائن الا ان تعهده بأداء
الشرط في المقام لا يؤدي إلى اشتغال ذمته بالأداء عند امتناع
المشروط عليه عنه وبالتالي بنفس الشرط، باعتبار ان المشترط
لا يكون مالكا للشرط في ذمة المشترط عليه، وفى المقام ان
الجهة المستفيدة التي تشترط على المقاول بنحو شرط الفعل ان
يدفع إليها ألف دينار مثلا إذا تخلف عن تعهداته، لا تكون مالكة
لألف دينار في ذمته لان مفاد الاشتراط في موارد شرط الفعل هو
98

ان المشروط عليه يلتزم للمشروط له بالفعل كالخياطة أو
تمليك مبلغ من المال أو غير ذلك، لا انه يلتزم بان الفعل
للمشروط له وملك له، وعلى هذا فلا يمكن افتراض ان تعهد
البنك بالشرط يؤدي إلى تملك الجهة المستفيدة للشيء في
ذمته، رغم انها لم تملك شيئا بسبب الشرط في ذمة المقاول و
المتعهد.
والجواب: ان المشروط له وان كان لا يملك العمل في
ذمة المشروط عليه، إلا انه لا شبهة في أن الشرط بما هو شرط
حق للمشروط له وله مالية، ولهذا يبذل بإزاء اسقاطه المال،
فإذا كانت للشرط مالية كان يضمن بالتفويت، وعلى هذا فإذا
تعهد البنك بأداء الشرط من المشروط عليه كان مرجعه إلى
ضمان قيمته عند تفويته، وتفويته انما هو بامتناع المشروط
عليه عن الأداء والوفاء به، وحيث إن قيمة الأداء انما هي بلحاظ
قيمة الفعل لا في نفسه، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الفعل، ودعوى
انه لا معنى للضمان بالتفويت والإتلاف إذا لم يكن المفوت و
المتلف مملوكا، والمفروض ان الفعل المشروط لا يكون
مملوكا للمشروط له حتى يضمن بالاتلاف والتفويت.
مدفوعة بأنه لا موجب لتخصيص الضمان بالتفويت والإتلاف
بما إذا كان المفوت والمتلف مملوكا لغير المفوت والمتلف،
99

بل يكفي في ذلك كونه مضافا إلى غيره ولو بنحو من الحقية
التي لها مالية عرفا، لكي يكون مشمولا لدليل الضمان في نظر
العرف والعقلاء.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم انه لا معنى للضمان و
الاتلاف إذا لم يكن المفوت والمتلف مملوكا، ولكن بإمكاننا
ان نقول: ان معنى تعهد البنك بأداء الشرط: التزامه به على تقدير
تخلف المشروط عليه وعدم الأداء، وهذا يعني ان البنك تعهد
ان المقاول إذا لم يف بالشرط ولم يؤد وامتنع عن الأداء فهو
يفي به ويؤديه، فيكون وجوب الوفاء عليه كوجوب الوفاء
على المشروط عليه، بمعنى انه تكليفي من دون أن تكون ذمته
مشغولة بشيء، ولا مانع من صحة هذا التعهد بمقتضى أدلة
وجوب الوفاء بالعقود، وبما ذكرناه ظهر انه لا وجه لمحاولة
تطبيق الكفالة بمعناها المعروف لدى الفقهاء، وهو كفالة
النفس على خطابات الضمان للبنك وكفالاته للمقاولين، ثم
الأشكال على أن هذه الكفالة لا تقتضي الضمان المالي، فان
أثرها احضار نفس المكفول فقط لا غير، وجه الظهور ما مر من أن
كفالة البنك انما هي بمعنى الضمان المالي، لكن لا بمعنى
نقل الدين من ذمة إلى ذمة، ولا ضم ذمة إلى ذمة، بل بمعنى
التعهد بأداء الدين أو
100

الشرط كما مر، لا بمعنى احضار نفس
المكفول، ثم ان الطرف الثالث كالبنك إذا أصدر خطاب ضمان
وتعهد بموجب امر طالب الضمان للجهة المستفيدة بالمبلغ
المقرر في حالة تخلف المقاول عن تعهداته والتزاماته، فإن كان
ذلك الخطاب مرتبطا بالعقد الواقع بينها وبين المقاول، أو
كان في ضمن عقد آخر لازم، كان من خطاب الضمان النهائي،
فيجب عليه الوفاء به إذا تخلف المقاول عن تعهداته ولم يف
بالشرط عليه عند التخلف، وان لم يكن مرتبطا بالعقد اللازم لا
بالعقد الواقع بينهما ولا بعقد آخر، فهو من الضمان الابتدائي،
فلا يجب الوفاء به؛ لأنه وعد ابتدائي من الطرف الثالث وغير
ملزم.
العمولة على الكفالة
للبنك ان يتقاضى عمولة من المقاولين لقاء كفالته للجهة
المستفيدة، ويمكن تخريج ذلك من الناحية الشرعية بوجوه:
الأول: يمكن ان يكون ذلك من باب أجرة المثل التي
يتقاضاها الاجراء للقيام بمثل هذا العمل من دون أي عقد بينهما
على الأجرة.
الثاني: يمكن ان يكون ذلك من باب الجعالة، فان
101

المقاول جعل للبنك جعلا بإزاء كفالته، ويكون ملزما بدفعه له
بعد صدور خطاب الكفالة والضمان من البنك.
الثالث: يمكن ان يكون ذلك من باب المصالحة و
التراضي بينهما على أجرة محددة.
رجوع البنك على المقاول فيما دفعه عنه
الظاهر أن بامكان البنك الرجوع على المقاول ومطالبته
بما دفعه من المبلغ المشروط في عقد المقاولة للجهة
المستفيدة، على أساس ان ذلك انما يكون بأمر المقاول وطلب
منه، وعليه فإذا قام البنك بالأداء بموجب أمره وطلبه وأداه،
فعليه ضمانه، ويتلخص من ذلك أن ذمة المقاول تشتغل للبنك
إذا قام البنك وأدى الشرط بموجب امره.
نعم، إذا كانت كفالته للمقاول بدون أمره وطلبه، فليس
من حقه أن يرجع إليه ويطالبه بما دفعه عنه.
102

10 - فتح الاعتماد
يعرف فتح الاعتماد بأنه عقد وتعهد بين البنك والعميل،
ويضع البنك بموجب هذا العقد والتعهد مبلغا تحت تصرف
العميل في فترة محددة، وله ان يسحب مبلغ الاعتماد دفعة
واحدة أو على فترات أو بالشكل المتفق عليه في طول تلك
الفترة، واثره تعهد البنك والتزامه بايجاد الاعتماد والائتمان
للعميل، واما العميل فهو لا يكون ملزما باستعماله، فإذا
استخدم العميل مبلغ الاعتماد فعلا أصبح العقد لازما من
الطرفين، وعلى العميل حينئذ ان يرد المبالغ التي يسحبها من
الاعتماد ويدفع فوائدها، واما إذا لم يضطر في عملياته
التجارية إلى سحب الأموال الموضوعة تحت تصرفه، فلا يلزم
بدفع فائدة عنها؛ لعدم تحقق عملية القرض، على أساس انها مشروطة
103

بقبض المال المقترض وما لم يتحقق القبض فلا قرض.
والخلاصة: ان فتح الاعتماد يتمثل في وضع البنك مبلغا
من المال المحدد تحت تصرف عميله في فترة زمنية محددة، و
له استخدامه في عملياته التجارية دفعة واحدة أو تدريجا إذا لم
يكن هناك شرط، وحيث إن استخدامه للمال اقتراض مع
الفائدة فلا يجوز.
وقد تسأل: هل يمكن تكييف هذه الفائدة فقهيا بفائدة
غير ربوية أو لا؟
والجواب: قد يقال بإمكان ذلك، بتقريب ان من حق
البنك ان يتقاضى عمولة من العميل لقاء قيامه بعملية عقد فتح
الاعتماد، وهو وضع مقدار من ماله تحت تصرفه متى شاء،
على أساس ان هذه العملية ليست عملية الاقتراض التي تتمثل
في دفع المقرض نفس المال إلى المقترض.
نعم، إذا قام العميل بسحب ذلك المال من البنك كلا أو
بعضا تحقق القرض بالنسبة إلى المال المقبوض، وما دام لم
يسحب منه فلا قرض.
ويمكن المناقشة في هذا التقريب بأنه ليس لدى العرف
والعقلاء لهذه العملية مالية إضافية وراء مالية نفس المال الذي
104

وضع تحت يده وتصرفه، بل ماليتها هي مالية نفس ذلك المال،
ولهذا لا تقبل الضمان ولا تصح الجعالة عليها ولا الإجارة. و
على هذا فاخذ العمولة عليها في الحقيقة اخذ العمولة على
المال المسحوب والمقترض وهو ربا محرم، وعلى هذا فلا
يمكن هذا التكييف الشرعي.
نعم يمكن تحويل هذه الفائدة الربوية إلى فائدة غير
ربوية باشتراط العميل على البنك القيام بتلك العملية في ضمن
ايقاع عقد معه كهبة أو بيع أو صلح مع اخذ نسبة الفائدة فيه بعين
الاعتبار.
105

11 - فتح الاعتماد المستندي
تعريفه: وهو عقد يتعهد البنك بموجبه ويلتزم على
عاتقه ان يدفع ثمن البضاعة نقدا أو يقبل الشيكات عند تسلم
المستندات من المصدر بكامل شروطها المتفق عليها مسبقا،
وذلك بموجب طلب فاتح الاعتماد - وهو المشتري المستورد
- من البنك ذلك لصالح المصدر بالخارج مقابل عمولة محددة،
فإذا تم الاتفاق على ذلك أصدر البنك خطاب ضمان وتعهد إلى
المصدر، وأصدر خطاب ضمان وتعهد إلى المستورد،
ويتعهد فيها بجميع ما في الاعتماد المستند من الشروط، مثال
ذلك:
تاجر عراقي إذا أراد استيراد البضائع الأجنبية من الخارج
عن طريق البنوك، يصدر أوامره وتعليماته إلى أحد البنوك
المحلية في العراق بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر
106

الأجنبي، ويذكر فيه كافة التفاصيل التي يجب ان تظهر في
المستندات التي يطلب من المصدر قبل ان يدفع له الثمن، و
حينئذ يقوم البنك في العراق بالاتصال مع بنك مراسل الذي
يعمل كوكيل له في بلد المصدر، ويرسل إلى البنك المراسل
إشعارا بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر، فيقوم البنك
المراسل بتقديم الاشعار إلى المصدر ويحتفظ بنسخة منه، و
ذلك فيما يسمى في عالم البنوك بخطاب الاعتماد، وإذا تسلم
المصدر خطاب الاعتماد من البنك الوكيل، كان يطمئن بدفع
ثمن البضاعة، ومن ثم يبدأ في تحضير البضاعة المباعة واتخاذ
اجراءات لتصديرها بحرا أو برا أو جوا، وعند ذلك يقدم للبنك
المراسل مستندات البضاعة المتمثلة في سند الشحن ووثيقة
التأمين وفاتورة الثمن، ويطلب منه تسليم الثمن المتفق عليه
في عقد البيع والمذكور في الاعتماد المستندي المفتوح
لصالحه، ويقوم البنك في هذا الوقت بفحص المستندات بدقة
كاملة وفقا لشروط الاعتماد المستندي، فان وجدها سليمة و
مطابقة لجميع الشروط والمواصفات الواردة في الاعتماد
المستندي قام بدفع الثمن للمصدر.
وبكلمة: ان البنك الوكيل مأمور - بموجب ما تلقاه من
107

التعليمات من البنك الأصلي في بلد المستورد - بفحص
المستندات بكامل الدقة، ومطابقتها لشروط الاعتماد
المستندي قبل دفع قيمة البضاعة، فان تم كل ذلك حسب
الشروط، فان البنك الوكيل يدفع القيمة للمصدر، ثم يقوم
بارسال المستندات إلى البنك الأصلي، واثر فتح الاعتماد
المستندي تعزيز عنصر الثقة المتبادلة بين المصدرين و
المستوردين، فالمصدر البائع قد لا يعرف المستورد المشتري
في البلد الأجنبي وبالعكس، أو يعرفه ولكنه لا يدري مدى
قدرته المالية وثقته، وفي هذه الحالة لا يرغب المصدر التخلي
عن المستندات التي تمثل ملكية البضاعة حتى يكون واثقا و
مطمئنا إلى دفع الثمن، ولا المستورد الدفع إلى البائع المصدر
ما لم يكن مطمئنا بسلامة المستندات، وهنا يأتي دور البنك
بموجب طلب المستورد المشتري منه فتح الاعتماد المستندي
لصالح المصدر الأجنبي حتى يمنح كل منهما الثقة المطلوبة
بالآخر ويعززها، ويفي برغبات كل من المصدر والمستورد
في البيوع المتبادلة بينهما، ومن هنا قد يطلب المصدر من
البنك الوكيل ان يدفع ثمن البضاعة بواسطة كمبيالة مسحوبة
على البنك الأصلي في بلد المستورد مباشرة، وعلى المستورد
الذي قد لا يكون معروفا
108

في البلد الأجنبي.
ومن ثم قد أصبح فتح الاعتماد المستندي من أهم
الوسائل والطرق للتجارات الخارجية وأكثرها انتشارا في
العالم لتسوية المبادلات الدولية وغيرها؛ لما يوفره من ثقة و
طمأنينة لأطراف الصفقات التجارية بعضم ببعض، ويجوز
استخدامه في البيوع والتجارات الداخلية أيضا، وان شئت قلت
: ان البنك إذا طلب منه أحد عملائه فتح اعتماد مستندي أصدر
خطاب اعتماد إلى المصدر ويتعهد فيه بدفع ثمن البضاعة،
شريطة ان يقدم المصدر المستندات التي تمثل بضاعة منقولة أو
معدة للنقل مطابقة لتمام شروط الاعتماد المستندي و
مواصفاته حرفيا، وإلا فان البنك يمتنع عن الدفع، وأصدر
خطاب اعتماد إلى المستورد، ويتعهد فيه بعدم دفع الثمن ما لم
يستلم المستندات مطابقة لجميع الشروط والمواصفات
الواردة في عقد الاعتماد، وعلى ضوء هذا الأساس فالبنك
بموجب عقد فتح الاعتماد المستندي متعهد لزوما بدفع ثمن
البضاعة للمصدر البائع إذا تسلم الفاتورة، والمستندات التي
تمثل البضاعة مطابقة للمواصفات والشروط الواردة في
الاعتماد المستندي، وقد يكون عقد فتح الاعتماد جائزا، و
يسمى في عالم البنوك
109

بالاعتماد القابل للإلغاء أو بالاعتماد غير
المؤيد، ويقتصر دور البنك في هذا النوع من الاعتماد على
مجرد اخطار المصدر المستفيد بأنه قد فتح الاعتماد لحسابه
بناء على طلب الآمر اعتمادا في حدود مبلغ معين من دون اي
التزام أو مسؤولية من جانب الآمر، وهذا النوع من الاعتماد غير
مرضي في التبادل التجاري بين المصدر والمستورد إلا في
حالات خاصة، وهي ما إذا كان عنصر الثقة بين البائع و
المشتري وطيدا، فان في مثل هذه الحالة اختار هذا النوع من
الاعتماد، على أساس انه رخيص وقليل التكاليف، فلا داعي
لاختيار الاعتماد غير القابل للإلغاء والمؤيد.
وهنا حالتان اخريان:
الأولى: ان المعيار في الاعتماد قد يكون بقبول المستورد
المستندات واعتماده عليها دون البنك، وفي هذه الحالة لا
يكون البنك ملزما بدفع الثمن بمجرد تسلم المستندات من
المصدر ومطابقتها للشروط المتفق عليها مسبقا قبل ارسالها
إلى المستورد، بل عليه ان يرسل تلك المستندات اليه، فإذا
وافق عليها ووجدها مطابقة للشروط المسبقة كان على البنك
ان يدفع الثمن إلى المصدر.
110

الثانية: ان المصدر قد يقوم بارسال المستندات للبضائع
بمواصفاتها الخاصة كما وكيفا إلى البنك من دون معاملة مسبقة
بينه وبين المشتري في بلد البنك، وارسال تعليمات تتضمن
الامر بعرض المستندات على المستثمرين ورجال الاعمال و
شروطها، وحينئذ فيقوم البنك بعرض تلك المستندات عليهم
في بلد البنك، فان رغب منهم في شراء تلك البضائع وقبل
المستندات يطلب من البنك فتح الاعتماد، وحينئذ يقوم البنك
المستورد بالاتصال مع البنك المراسل في بلد المصدر ويرسل
اليه اشعارا بالبيع وبفتح الاعتماد لصالحه، ويأمره بارسال
البضائع بطريق البر أو البحر أو الجو، فإذا قام بارسالها وشحنها
دفع البنك المراسل ثمنها اليه.
وفتح الاعتماد المستندي بتمام اشكاله المشار إليها و
صوره جائز من الناحية الشرعية، ولا مانع شرعا من قيام البنك
بدور الضمان والتعهد للبائع المصدر بدفع ثمن البضاعة عند
تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط، وبدوره للمشتري
بعدم دفع الثمن ما لم يتسلم المستندات بكامل شروطها و
مواصفاتها، وكما يجوز شرعا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء
قيامه بهذا الدور الذي يوسع مجال المبادلات التجارية الدولية،
111

كذلك يسهل المعاملات في العالم ككل، ويعزز عنصر الثقة و
الأمانة بين المصدرين والمستوردين؛ لأنها اجرة على العمل
الحلال، ولمزيد من التعرف على حكم هذه المسألة - فتح
الاعتماد المستندي - من الناحية الشرعية نذكر فيما يلي عددا
من الحالات:
الحالة الأولى:
ما إذا كان للمستورد رصيد مالي لدى البنك في بلده، و
حينئذ فيقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد
المصدر بدفع قيمة البضاعة بعد تسلم المستندات مطابقة لتمام
الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ثم يقوم البنك الأصيل
بخصم القيمة من رصيده المالي بسعر الوقت، ويمكن تخريج
ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: ان البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة للمصدر
بواسطة البنك المراسل في بلده بعملة أجنبية بموجب تعهده
بذلك في عقد الاعتماد، وحيث إن هذا الدفع كان بأمر
المستورد، فبطبيعة الحال يضمن تلك العملة ويصبح بذلك
مدينا للبنك بعملة أجنبية، والبنك مدين له بعملة محلية، وبما
ان فتح الاعتماد
112

يتضمن توكيل البنك في أن يخصم قيمة
البضاعة من حسابه الجاري لديه، فبامكانه ان يأخذ عملة محلية
من حسابه بديلا عن العملة الأجنبية بسعر الوقت، وهذا جائز
شرعا، كما يجوز له أخذ العمولة عليه، على أساس ان الدائن امر
المدين بأداء دينه في غير مكانه الطبيعي، وله ان لا يقبل ذلك
من دون عمولة.
الثاني: ان المشتري المستورد يقوم بخصم مبلغ من
رصيده لدى البنك المساوي لثمن البضاعة، ثم يقوم ببيعه على
البنك بعملة أجنبية، فإذا باع أصبح مالكا في ذمة البنك عملة
أجنبية، وبعد ذلك يقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل
في بلد المصدر بدفع الثمن اليه بالعملة الأجنبية، وهذا جائز
شرعا لأنه من بيع عملة محلية حاضرة بعملة أجنبية في الذمة.
نعم، لا يجوز للمستورد ان يبيع ما في ذمة البنك من العملة
المحلية بعملة أجنبية في ذمته لأنه من بيع الدين بالدين وهو
غير جائز، كما أن للبنك ان يأخذ عمولة لقاء تسديد الدين في
غير مكانه الطبيعي.
الثالث: ان البنك في بلد المستورد يقوم بإحالته على
البنك المراسل في بلد المصدر الأجنبي، وبموجب هذه
113

الحوالة أصبح ذلك البنك في بلد المصدر مدينا للمستورد
بعملة أجنبية، وحينئذ فيحيل المستورد دائنه المصدر على
البنك المراسل المدين له، فتكون هنا حوالتان متعاقبتان، و
كلتاهما من الحوالة على المدين، وتكون صحتها على القاعدة،
وكما يجوز للبنك أخذ العمولة على هذه الحوالة، على أساس
انها تتضمن أداء الدين في غير مكانه الطبيعي بموجب طلب
الدائن.
الحالة الثانية:
ما إذا لم يكن للمستورد رصيد مالي لدى البنك، ولكن
البنك بموجب اعتماده عليه وثقته به قبل طلبه بفتح الاعتماد
المستندي، وأصدر خطاب ضمان وتعهد للبائع بدفع الثمن
الأجنبي له في بلده من ماله الخاص عند تسلم المستندات
بكامل شروطها، وحينئذ فإذا قام البنك بدوره بتكليف البنك
المراسل بدفع الثمن له ضمن المستورد قيمة الثمن بموجب
امره بالدفع، وأصبح مدينا له، وهذه العملية في نفسها جائزة
شرعا، ويجوز اخذ عمولة عليها كذلك.
نعم ان هذه العملية تتبع فائدة ربوية في حالتين:
إحداهما: ان البنك - بموجب نظامه التقليدي الربوي -
114

يحسب فائدة على المستورد مقابل الدين في ذمته.
والأخرى ان البنك إذا اخر دفع الثمن الذي يستحقه
المصدر على المستورد عن وقت الدفع إلى فترة يحسب له
فائدة، وحيث انها فائدة على تأخير الدين فهي ربوية،
فلا يجوز اخذها.
وهل بإمكاننا تكييف هذه الفائدة في كلتا الحالتين فقهيا
إلى فائدة غير ربوية أو لا؟
والجواب: نعم، فان بإمكاننا ذلك.
أما في الحالة الأولى، فيمكن للبنك ان يضيف هذه
الفائدة المجددة إلى عمولة فتح الاعتماد، فإنه حينما قبل فتح
الاعتماد بموجب طلب عميله في مقابل عمولة يضيف إليها
تلك الفائدة ولا يحسب على الدين، كما ان بامكانه ان يأخذ
الفائدة المذكورة بعنوان اجرة الكتابة والتسجيل وغيرهما مما
تتطلبه هذه العملية من الخدمات، فإذا لا ربا في القرض.
واما في الحالة الثانية فيمكن للمصدر ان يشترط في عقد
البيع على المستورد ان يدفع دينارا مثلا عن كل شهر يسبق
تحصيل الثمن، فان المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع دينار
عن كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن وليس ذلك الزاما بالربا
115

المحرم؛ لأن ذلك الالزام انما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد
القرض حتى يكون ربا.
نعم، إذا اشترط عليه ان يكون له دينار في كل شهر يتأخر
فيه عن دفع الثمن بنحو شرط النتيجة، لم يجز وان كان في عقد
البيع؛ لان المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع الدينار للمصدر،
على أساس انه مالك له في مقابل الاجل، وهو من اشتراط الربا،
وهذا بخلاف ما إذا كان ذلك بنحو شرط الفعل، فان الزام
المستورد به انما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض، و
لا بحكم كونه عوضا مملوكا في مقابل الأجل، كما في شرط
النتيجة.
والخلاصة: ان الشرط المدعى في المقام بما انه غير واقع
في عقد القرض لكي يكون قرضا ربويا، ولا هو من اشتراط
كون المال في مقابل الأجل بنحو شرط النتيجة لكي يكون من
اشتراط الربا، بل هو واقع في عقد البيع بنحو شرط الفعل و
الالزام به بملاك انه في عقد البيع.
الحالة الثالثة:
يجوز للبنك ان يتقاضى عمولة على عملية الاعتماد
116

المستندي، على أساس انها تتطلب قيامه بدور الاتصال مع
البنك المراسل في بلد المصدر، واطلاعه بفتح الاعتماد و
تكليفه بدفع الثمن عندما تسلم مستندات البضاعة مطابقة
بجميع الشروط والمواصفات الواردة في الاعتماد المستندي.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: ان يكون ذلك من باب الجعالة، فان المستورد
- بموجب طلبه من البنك فتح الاعتماد - يقول له، ان قمت بهذه
العملية ومتطلباتها فلك كذا وكذا مبلغا محددا من المال، و
حينئذ فان وافق البنك على ذلك وقام بدوره بكامل متطلباته،
استحق الجعل المحدد له في العقد.
الثاني: ان يكون ذلك من باب الإجارة، فان المستورد
يقوم باستئجار البنك للقيام بعملية الاعتماد مقابل أجرة معينة،
فإذا قبل البنك ذلك ووافق استحق الأجرة.
الثالث: ان يكون ذلك من باب أجرة المثل التي تتقاضاها
الأجراء عادة بالقيام بمثل هذا العمل، فإنه إذا لم تحدد الأجرة
بالعقد لا بعقد الإجارة ولا بالجعالة، فالمتعين أجرة المثل.
117

الحالة الرابعة:
ان ديون البنوك على المستثمرين ورجال الاعمال الذين
يقومون باستيراد البضائع من الدول الأجنبية أو تصديرها إليها
بواسطة الاعتماد المستندي لديها على نحوين:
أحدهما: أن تكون الديون بموجب عقد القرض الواقع
بين المستورد والبنك، فان المستورد في هذه الحالة يرجع إلى
البنك ويقترض منه مباشرة مبلغا محددا، ثم بعد عملية القرض
سلم المبلغ إلى البنك لكي يقوم البنك بدوره بتكليف البنك
المراسل في بلد المصدر بدفع الثمن اليه عندما تسلم مستندات
ملكية البضاعة بكاملها.
الثاني: ان المستورد لا يرجع إلى البنك لا بنفسه ولا
بوكيله، بل يتصل به من مكتبه ويطلب منه الاعتماد المستندي و
دفع ثمن البضاعة للمصدر في بلد اقامته عند تسلم المستندات
منه، وبذلك يصبح المستورد مدينا للبنك بقيمة ثمن البضاعة،
ولا فرق بين الحالتين من هذه الناحية، وانما الفرق بينهما من
ناحية أخرى، وهي ان سبب الدين في الحالة الأولى عملية
القرض، وفي الحالة الثانية الأمر بالاتلاف، على أساس ان
المستورد إذا أمر البنك بدفع دينه للمصدر في بلده الأجنبي و
118

هو ثمن البضاعة، وقام البنك بدوره وادى دينه من ماله
الخاص، ضمن المستورد قيمة التالف، باعتبار انه كان بأمره، و
لا مانع من وفاء دين شخص بمال شخص آخر حتى تبرعا،
فضلا عما إذا كان بأمر الشخص المدين.
وقد تسأل: هل هناك فرق بين الزيادة على الدين في
الحالة الأولى والزيادة عليه في الحالة الثانية أو لا؟
قد يقال بالفرق بينهما، بتقريب ان الزيادة في الحالة
الأولى زيادة على المال المقترض في عقد القرض فتكون ربا،
وفي الحالة الثانية لا تكون كذلك؛ إذ ليس فيها عقد قرض بين
المستورد والبنك لكي تكون الزيادة على المال المقترض في
عقد القرض، بل فيها ضمان غرامة للمال التالف بسبب امره
بالاتلاف، ولا يكون هذا الضمان ضمانا قرضيا، بل هو ضمان
اتلاف، وعلى هذا فالزيادة المشترطة على المستورد على ما
دفعه البنك للمصدر من ثمن البضاعة ليست زيادة على المال
المقترض في عقد القرض لكي تكون ربا، ولا يصدق عنوان
القرض على ضمان الغرامة، فإنه لا يتضمن تمليكا معامليا،
لا التمليك على وجه الضمان بالمثل ولا غيره.
وبكلمة: ان الربا المحرم انما يكون في المعاملة كعقد
119

القرض أو البيع، واما ضمان الغرامة فإنه ضمان ابتداء بموجب
الامر بالاتلاف، ولا يتضمن اي تمليك عقدي، فلهذا لا يجري
فيه الربا.
ويمكن المناقشة في ذلك:
اولا: فلان المتفاهم العرفي من ادلة حرمة الربا - بمناسبة
الحكم والموضوع الارتكازية - هو حرمة الزام الدائن مدينه
بالزيادة على مقدار الدين، سواء أكان الدين حاصلا بالقرض أم
بالامر بالاتلاف، حيث لا يرى العرف خصوصية لعنوان
القرض وموضوعية له الا كونه سببا للدين واشتغال الذمة، بل إن
هذا هو مقتضى اطلاق بعض روايات المسألة أيضا، وعلى
هذا فلا فرق بين ان يكون الشخص مدينا بموجب عقد القرض
أو بموجب الامر بالاتلاف، فعلى كلا التقديرين لا يجوز
للدائن ان يلزم مدينه بالزيادة على مقدار الدين.
وثانيا: لو سلمنا اختصاص الربا المحرم في عقد القرض
لا مطلقا، ولا يكون الزام الدائن مدينه بالزيادة في الحالة الثانية
محرما، الا ان ذلك بحاجة إلى موجب وسبب يجعل المدين
ملزما بدفع الزيادة كاشتراطها في ضمن عقد، والمفروض انه لا
عقد هنا غير الامر بالاتلاف، فاذن لا يكون اشتراطها عليه من
120

الشرط في ضمن العقد لكي يجب الوفاء به، بل هو من الشرط
الابتدائي الذي لا دليل على صحته ونفوذه. نعم، بامكان البنك
ان يقوم في هذه الحالة بعملية اشتراط الزيادة في ضمن عقد
الجعالة، على أساس ان من حق البنك أن لا يقبل تسديد دين
المستورد بموجب طلبه للمصدر في بلد اقامته من دون جعل و
عمولة، فإذا وافق على ذلك وحدد الجعل لقاء قيامه بعملية
التسديد، فإذا قام بها استحق الجعل المحدد بموجب عقد
الجعالة وقيمة الدين بقانون ضمان الاتلاف.
والحاصل: ان البنك بعد قيامه بالعملية المذكورة استحق
أمرين:
أحدهما: قيمة الدين بموجب الامر بالاتلاف.
والآخر: الجعل بموجب عقد الجعالة.
وقد يناقش في صحة الجعالة في المقام، بتقريب ان
صحتها مبنية على أن تكون للعمل المجعول عليه قيمة مالية
لدى العرف والعقلاء، على أساس ان الجعالة مركبة من جزئين:
أحدهما: الأمر بالعمل الذي تكون له أجرة المثل في
نفسه وقابل للضمان. والآخر: تعيين الجعل والأجر بإزاء ذلك
العمل.
121

والجزء الأول من الجعالة: هو ملاك الضمان، والضمان
فيها من قبيل ضمان الغرامة، لا الضمان المعاوضي.
والجزء الثاني: يحدد قيمة العمل المضمون بضمان
الغرامة، حيث إن الأصل في الضمان هو أجرة المثل ما لم
يحصل الاتفاق على الضمان بغيرها. وحيث انه ليس لعملية
تسديد الدين مالية وراء مالية نفس المال المسدد، فلا يحق
للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بعملية التسديد زائدة على
قيمة المال المسدد، فإنه إذا لم تكن للعملية مالية زائدة على
مالية نفس المال المسدد، فلا يتحمل المورد الا ضمانا واحدا،
وهو ضمان المال المسدد، ولا يعقل ضمانا آخر وهو ضمان
عملية التسديد في مقابل الضمان الأول؛ لعدم الموضوع له و
هو المالية، فمن اجل ذلك لا يعقل الجعالة؛ لأنها لا تنشىء
الضمان وانما تحدده في الاجر المعين.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة في المقام: بان العميل
المديون هنا فبما انه يطلب من البنك القيام بتسديد دينه لدائنه
في البلد الأجنبي، فمن الواضح انه يتطلب بذل جهد وعمل
زائد على مجرد دفع المال إلى الدائن، وحينئذ فيكون من حقه
ان يتقاضى عمولة على ذلك إذا طلب منه القيام به، على أساس
122

ان لعملية التسديد عندئذ قيمة مالية زائدة على القيمة المالية
للمال المسدد.
والخلاصة:
ان المدين المستورد إذا طلب من البنك القيام بعملية
التسديد للمصدر الدائن في بلد اقامته، فبما انه يتطلب بذل
جهد وعمل زائد كاتصاله بالبنك المراسل واصدار خطاب اليه
بدفع دينه في بلده، فله ان لا يقبل ذلك بدون عمولة، فإذا لا
مانع من عقد الجعالة عليها، باعتبار انها مضمونة بضمان آخر
غير ضمان المال المسدد، ويحدد الضمان في الاجر المعين
بموجب عقد الجعالة.
نعم، إذا لم تتطلب عملية تسديد الدين بذل جهد وعمل
زائد على نفس دفع المال إلى الدائن، كما إذا كانت العملية في
نفس بلد البنك، فلا تصح الجعالة عليها لأنه لا ضمان لهما في
مقابل ضمان المال المسدد لكي تقبل الجعالة.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة، وهي ان اشتراط
الزيادة في كلتا الحالتين المذكورتين من اشتراط الربا، الا إذا كان
ذلك الاشتراط في عقد الجعالة أو الإجارة.
وقد تسأل: هل بإمكاننا تحويل شرط الزيادة الربوية إلى
123

غيرها أو لا؟
والجواب: نعم، اما في الحالة الأولى فبامكاننا هذا
التحويل بالطريق التالي:
وهو ان المستورد يقوم بعملية الاقتراض من البنك مبلغا
محددا، وبعد القبض يقدم البنك على شراء المبلغ منه بعملة
أجنبية في ذمته، ويضيف إلى المبلغ مقدار الفائدة بدلا عما إذا
اشترطها عليه في عقد القرض، فتحول الفائدة بذلك من
الربوية إلى غيرها عن طريق البيع والشراء، ويصبح البنك
حينئذ مدينا للمستورد بعملة أجنبية، ثم يقوم البنك بعملية
التسديد من طريق البنك المراسل في الخارج، ويجوز للبنك
عندئذ ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بالعملية بتخريجين:
أحدهما: انها تتطلب بذل عمل زائد، والآخر: انها بمثل
تأدية الدين في غير مكانه الطبيعي.
واما في الحالة الثانية بإمكاننا تخريج ذلك بالنحو التالي:
وهو ان المستورد يوكل البنك من اقراضه مبلغا معينا من
ماله الخاص، ثم يقبضه بالوكالة عنه، وبعد تمامية عملية
القرض بالقبض والاقباض، يقوم البنك ببيع ذلك المبلغ لنفسه
وكالة منه بعملة أجنبية في ذمته، ويضيف اليه مقدار الفائدة،
124

فتحول الفائدة الربوية إلى غيرها من طريق البيع والشراء، كما أن
للبنك ان لا يقبل طلب المستورد تسديد دينه للمصدر في
بلد اقامته بدون عمولة، على أساس انه تسديد الدين في غير
مكانه، مضافا إلى أنه يتطلب مؤنة زائدة.
الحالة الخامسة:
ان الربا المحرم هو اشتراط الفائدة على المدين بإزاء
الدين، سواء أكان الدين بعقد القرض أم كان بضمان الغرامة كما
مر.
واما إذا كانت الفائدة لقاء عمل له مالية وراء مالية نفس
المال المقترض، فهل يجوز اخذها ولا يكون ربا أو لا؟
والجواب: نعم، يجوز اخذها، على أساس انها ليست
لقاء المال المقترض لكي تكون ربا، بل لقاء عمل له قيمة مالية
زائدة على القيمة المالية لنفس المال المقترض، فإذا افترض ان
لعملية الاقراض مالية وراء مالية المال المقترض - كما إذا طلب
العميل من البنك الاقراض في بلد أجنبي - فإنه لما تطلب بذل
عمل وجهد زائد على مجرد دفع المال إلى المقترض، فله ان لا
يقبل ذلك بدون عمولة.
125

فالنتيجة: انه لا يجوز للمقرض بنكا كان أم غيره اخذ
فائدة على المال المقترض، ويجوز له اخذها لقاء عملية
الأقراض إذا تطلبت مؤنة زائدة مضمونة ولا يؤدي إلى الربا.
نعم، إذا لم تتطلب مؤنة زائدة على مجرد دفع المال إلى
المقترض - كما إذا كانت العملية في مكان المقرض - فلا مالية
لها زائدة على مالية نفس المال المقترض كما مر، وحينئذ فلا
يجوز اخذ العمولة عليها، لان اخذها عليها أخذ فائدة على
المال المقترض فيكون ربا، ولهذا لا تصح الجعالة عليه أيضا.
الحالة السادسة:
ان اقتراض المستورد من البنك إذا كان ربويا، فهل يجوز
للبنك ان يقوم بعملية تسديد دينه المستحق عليه للمصدر في
البلد الأجنبي ويتقاضى منه عمولة لقاء ذلك، على أساس ان
العملية بحاجة إلى مؤنة زائدة أو لا؟
والجواب: انه جائز بناء على ما هو الصحيح من عدم
بطلان عقد القرض الربوي، والباطل انما هو الربا، اي: الزيادة،
وحينئذ فالمقترض مالك لأصل المال المقترض، وانما لا
يملك الزيادة فقط، وعلى هذا فيجوز للبنك ان يقوم بعملية
126

تسديد دينه من ماله المقترض، وإذا كانت العملية بحاجة إلى
مؤنة زائدة، جاز له ان يأخذ عمولة عليها.
نعم، لو قلنا ببطلان القرض الربوي وعدم كون
المقترض مالكا للمال المقترض، فلا يكون البنك حينئذ وكيلا
ومخولا من قبله في تسديد دينه من ماله المقترض لفرض انه
لم ينتقل اليه على أساس بطلان القرض.
الحالة السابعة:
ان دور البنك في الاعتماد المستندي بالنسبة إلى البائع
المصدر المستفيد هو في الواقع دور ضمان، لا بمعنى نقل دين
من ذمة إلى ذمة، ولا بمعنى ضم ذمة إلى ذمة، فان الثاني باطل، و
الأول ليس مقصودا منه في المقام، بل بمعنى: تعهد البنك بدفع
ثمن البضاعة الذي يستحقه البائع المصدر على المشتري
المستورد عند تسلم المستندات من البائع مطابقة لجميع
الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ولا يكون تعهده
مشروطا بامتناع المشتري عن الوفاء بالثمن، بل يكون مطلقا،
فان البائع ملزم بتسليم مستندات البضاعة منها سند الشحن
للبنك المراسل، والبنك المراسل ملزم بدفع الثمن اليه إذا وجد
127

المستندات مطابقة للشروط، وهذا معنى آخر للضمان عند
العقلاء يتصور في الديون والأعيان الخارجية معا.
واما دوره بالنسبة إلى المشتري المستورد، فهو في
الواقع أيضا تعهد منه بتسليم المستندات بكاملها من البائع و
فحصها بدقة، فان كانت مطابقة لتمام المواصفات والشروط
المقيدة في الاعتماد المستندي قام بدفع الثمن اليه، وإلا فلا.
الحالة الثامنة:
ان المشتري المستورد إذا تقاعس عن الوفاء بالتزاماته و
تخلف لسبب أو آخر، وامتنع عن تسلم المستندات التي تمثل
نقل البضاعة أو عن الوفاء بالثمن، فللبنك ان يحبس
المستندات إلى فترة محددة من تاريخ اخطاره بوصول
المستندات المطابقة للشروط، فإن لم يدفع الثمن خلال هذه
الفترة يقوم البنك ببيع البضاعة في الأسواق؛ لاستيفاء ما دفعه
إلى البائع من الثمن.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجهين:
الأول: ان دفع البنك ثمن البضاعة لما كان بأمر المشتري
فهو ضامن له بضمان الغرامة وهي ضمان الاتلاف، باعتبار ان
الاتلاف كان بأمره، وحيث انه ممتنع عن الأداء، فللبنك ان يقوم
128

ببيع البضاعة لاستيفاء ما دفعه إلى البائع من الثمن تقاصا.
نعم لو كان بامكان البنك تحصيل الثمن منه بطريق آخر
كالرجوع إلى المحاكم والقضاة، لم يجز بيعها لاستيفاء ما دفعه
تقاصا، واما إذا انحصر الطريق بالتقاص فيجوز.
الثاني: ان جواز بيع البضاعة في هذه الحالة، انما هو على
أساس الشرط الضمني من البنك على المستورد في ضمن عقد
فتح الاعتماد المستندي، فان المرتكز فيه ان المستورد إذا امتنع
عن الوفاء بالتزاماته ودفع الثمن، فالبنك لا يصبر إلى الأبد، فلا
محالة يتحرك ويقوم ببيعها بعد فترة محددة من تاريخ الاخطار
بوصول المستندات، وحينئذ فيجوز للغير الشراء.
129

12 - الاعتماد الشخصي
هو ان العميل قد يطلب من البنك تزويده بخطاب
الاعتماد الشخصي باسمه في الخارج لدى فرع من فروعه أو
مراسله هناك، وحينئذ يقوم البنك بعملية اصدار خطاب
الاعتماد لصالحه بموجب طلبه، ويحدد المبلغ في ظهر
الخطاب، وهل للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه الخدمة
أو لا؟
والجواب: نعم.
وهل فرق بين ان يكون للعميل رصيد مالي لدى البنك أو
لا يكون؟
والجواب: انه لا فرق بين الحالتين في جواز اخذ
العمولة.
130

أخذ العمولة في الحالة الأولى
يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: ان يكون خطاب الوثيقة بمثابة التوكيل للعميل
الدائن في استيفاء دينه من حساب البنك في الخارج بجنس
الدين كان أم بغير جنسه، وحيث انه لا يجب على البنك المدين
تسديد الدين في غير مكانه الطبيعي، فإذا طلب الدائن منه ذلك،
فله ان لا يقبل بدون عمولة.
الثاني: انه لا يجب على المدين أداء الدين من غير
جنسه، فإذا طلب الدائن منه ذلك، كان من حقه ان لا يقبله من
دون عمولة.
الثالث: ان البنك يقوم بشراء عملة محلية حاضرة من
عميله بعملة أجنبية في ذمته بسعر الوقت ويضيف إليها مقدار
حق العمل، وبعد عملية البيع والشراء أصبح العميل مالكا
للعملة الأجنبية في ذمة البنك بديلا عن العملة المحلية، و
حينئذ فالبنك اما ان يقوم بإحالة العميل الدائن على فرع من
فروعه هناك أو على بنك آخر، فإن كان على الفرع فبما انه بمثل
نفس ذمته، فلا تكون هذه العملية حوالة بالمعنى الفقهي، بل
هي اختلاف في شكل عملية الأداء، على أساس ان الذمة واحدة
131

، وان كان على بنك آخر هناك فهو حوالة بالمعنى الفقهي، و
حينئذ فإن كان البنك الآخر مدينا للبنك الأول كانت الحوالة
على المدين، وإلا فعلى البري.
والخلاصة ان بيع العملة الأجنبية بالمحلية جائز شرعا،
وحينئذ فيجوز للبنك ان يضيف إلى الثمن حق العمل أو
يتقاضاه من العميل لقاء قيامه بتزويده بخطاب الحوالة في
خارج البلد، فان له ان لا يقبل ذلك بدون عمولة.
أخذ العمولة في الحالة الثانية
يمكن تخريج ذلك فقهيا بما يلي:
ان مرد خطاب الوثيقة من البنك إلى عميله في خارج البلد
إلى اقراضه، وحيث إن القرض لا يتم الا بالقبض، فإذا قبض
العميل المبلغ المحدد على ظهر خطاب الاعتماد أصبح مديونا
للبنك، وعلى هذا فالفائدة التي يتقاضاها البنك من العميل ان
كانت على القرض فهي فائدة ربوية محرمة، وان كانت لقاء
قيامه بعملية الاقراض في الخارج التي تتطلب جهدا وعملا
زائدا على عملية الاقراض في نفس البلد فهي جائزة، وعلى
هذا فبامكان البنك ان يتقاضى فائدة في تلك الحالة لقاء قيامه
132

بهذه العملية لا لقاء المال المقترض، هذا من ناحية، ومن ناحية
أخرى ان العميل إذا قام بتسديد دين البنك في مكان القرض،
فليس من حق البنك ان لا يقبل ذلك، وان قام بتسديده في بلد
آخر لا في مكان القرض كان من حق البنك ان لا يقبل ذلك
مجانا وبدون عمولة.
133

13 - تخزين البضائع
تخزين البنك البضائع تارة يكون على حساب المصدر و
أخرى على حساب المستورد.
اما الاول: فلان المصدر إذا قام بتصدير البضائع المحلية
بواسطة أحد البنوك، فبطبيعة الحال يقوم البنك بعملية التخزين
في المخازن المخصصة لذلك إلى موعد شحنها، وهذه العملية
جائزة شرعا، ويجوز للبنك ان يأخذ عمولة عليها زائدة على
اجرة المخازن وغيرها من المصارف.
واما الثاني: فلان البضائع إذا وصلت إلى الجمارك
يتحرك البنك للقيام بتخزينها في المخازن المخصصة عند
تأخر المشتري المستورد عن تسلم البضائع أو امتناعه عنه
لسبب أو آخر، فان صلة تلك البضائع قد انقطعت عن المصدر بتسلم
134

البنك المراسل المستندات منه ودفع الثمن اليه، فيكون
التخزين على حساب المستورد فقط، وعملية التخزين جائزة
شرعا، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة لقاء قيامه بها.
وقد تسأل: هل يجوز للبنك إذا لم يقم المستورد بتسلم
البضائع خلال فترة محددة من تاريخ اخطاره بوصول تلك
البضائع مطابقة لتمام المواصفات والشروط الواردة في
الاعتماد المستندي، أن يقوم ببيعها بالمزاد العلني أو من
مستثمر آخر
أو لا؟
والجواب: يجوز له ذلك، على أساس ان تخزين البنك
البضائع المستوردة في مخازن متخصصة انما هو في فترة
محددة، وبعد انتهاء تلك الفترة يقوم البنك ببيعها ويعلم
التاجر المستورد بهذه الشروط، ومع هذا إذا امتنع عن تسلم
البضائع خلال تلك الفترة عامدا وملتفتا، فمعناه انه راض ببيعها
؛ لان ذلك شرط في ضمن العقد الذي يوقع عليه التاجر
الحاصل بينه وبين البنك، بل هو من أحد الشروط الواردة في
هذا العقد.
والخلاصة: ان التاجر المستورد إذا لم يسلم البضاعة
خلال الفترة المحددة، سواء أكان من جهة إنخفاظ أسعارها في
السوق بشكل لا يفي ثمنها لأجور المخازن ومصارف الجمارك و
135

النقل أم كان بسبب آخر، فيجوز للبنك حينئذ ان
يبيعها بموجب الشرط المذكور، وكذلك الحال إذا استورد
التاجر البضائع من الدول الأجنبية مباشرة، وفي كلتا الحالتين
يجوز للغير ان يقوم بشرائها والتصرف فيها، فإنها إذا وصلت
إلى الجمارك وأخطر التاجر بوصول البضائع، ومع هذا إذا امتنع
عن تسلمها خلال فترة محددة، جاز للجمارك ان تقوم ببيعها
بنفس ذلك الملاك وهو الشرط الضمني مباشرة ومن دون
واسطة البنك.
واما العمولة التي يأخذها البنك لقاء عملية التخزين
فيمكن تكييفها بأحد وجهين:
الأول: ان يكون ذلك على أساس الجعالة، بان يأمر التاجر
البنك بالقيام بعملية التخزين لقاء مبلغ محدد، فإذا قبل البنك
ذلك وقام بالعملية استحق المبلغ المحدد.
الثاني: ان يكون على أساس الإجارة، بان يستأجر التاجر
البنك على ممارسة هذه العملية مقابل اجر معين، فإذا وافق
البنك على ذلك استحق الاجر.
136

14 - خصم الأوراق التجارية
وهو لون من ألوان التسليف المصرفي؛ إذ المستفيد
يتقدم بالورقة التجارية ذات الاجل المحدود قبل حلول موعد
وفائها إلى بنك معين بغرض تحصيل قيمتها، فيقوم البنك بدفع
قيمتها له بعد خصم مبلغ معين بعنوان فائدة القرض من يوم
الدفع إلى يوم الوفاء، وإذا كانت هناك خدمة أخرى كان للبنك
ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها، كما إذا كانت الورقة تدفع في
مكان آخر غير المكان الموجود به.
وإذا حل الأجل أخطر البنك محرر الشيك بحلول موعد
الوفاء وطلب منه قيمته، وفي حالة تخلف المحرر المدين عن
دفع قيمة الشيك المستحقة عليه يرجع إلى المستفيد من الشيك
الذي خصم له البنك الورقة، فإنه المسؤول امام البنك عن دفع
137

المبلغ، على أساس تعهده بذلك في عقد القرض، وفى حالة
الاتفاق على تأخر الدفع بعد حلول الأجل، فان البنك يحتسب
فائدة على مدة التأخير، على أساس النظام التقليدي للفائدة على
القرض، ويتقاضى هذه الفائدة من المحرر المدين للشيك.
تكييف هذه العملية
ان خصم الورقة التجارية وتكييف هذه العملية يتمثل في
تقديم قرض من البنك للمستفيد من الورقة مع تحويل
المستفيد البنك الدائن على محرر الورقة، وهذا التحويل من
الحوالة على المدين وفي جانب القرض، والتحويل عنصر
ثالث، وهو تعهد المستفيد لدى البنك بوفاء محرر الورقة عند
حلول اجلها، ونتيجة ذلك ان المستفيد يصبح مالكا للمبلغ
المقترض وهو المبلغ الذي خصم البنك به الشيك بحكم
القرض، ويصبح محرر ذلك الشيك مدينا للبنك بحكم
الحوالة، ويصبح المستفيد مسؤولا ومطالبا بتسديد قيمة
الشيك إذا تخلف محرره عن الوفاء بها عند حلول الأجل بحكم
تعهده به في حالة التخلف، وبحكم كون المحرر مدينا للبنك
يتقاضى البنك منه فوائد على تأخير الدين عن موعده المحدد. وعلى
138

أساس هذا التكييف فهنا صورتان ربويتان:
الأولى: ان ما يقتطعه البنك من قيمة الشيك مبلغا محددا
لقاء المدة الباقية من موعد الدفع، ممثل للفائدة التي يتقاضاها
على تقديم القرض إلى المستفيد وهو محرم لأنه ربا.
الثانية: ان ما يتقاضاه من الفائدة على تأخير دفع الدين
عن موعده المحدد ربا محرم، نعم إذا كان تحصيل قيمة الشيك
في مكان آخر فمن حق البنك ان يتقاضى منه عمولة لقاء قبوله
قيمته في ذلك المكان، على أساس أن البنك بخصم قيمة
الشيك قد أصبح دائنا للمستفيد الذي خصم له الشيك بعقد
القرض، فإذا طلب منه قبول الدين في غير مكان القرض، فله ان
لا يقبل مجانا ومن دون عمولة.
وهل يمكن تكييف هذه العملية من الناحية الشرعية
أو لا؟
والجواب: نعم، فان بامكان البنك ان ما يقتطعه من قيمة
الشيك يعتبره اجرة لما يقدمه له من الخدمات كأجرة الكاتب و
غيرها من المتطلبات لذلك، بدلا عن أن يعتبره لقاء الاجل
الباقي، حيث إن للبنك ان يشترط في عقد القرض على
المقترض العميل ان يدفع له اجرة معقولة مقابل تسجيل الدين
139

وحفظه وغير ذلك من الخدمات.
ولكن بهذا الوجه لا يمكن تكييف العملية شرعا في
الصورة الثانية، وذلك لأنه ليس بامكان البنك في هذه الصورة
ان يأخذ من محرر الشيك بدلا عن الفائدة على تأخير دفع
الدين مبلغا مماثلا بعنوان الأجرة، باعتبار ان المحرر أصبح
مدينا للبنك بموجب حوالة ضمنية من المستفيد للبنك عليه
من دون انشاء اي عقد بينهما، لكي يشترط البنك في ضمن
ذلك العقد الأجرة عليه.
نعم يمكن تكييفها شرعا في هذه الصورة بالطريقة التالية
: وهي ان المستفيد من الشيك بعد اقتراض قيمته من البنك
بعملية الخصم، يقوم بتوكيل البنك في تحصيل قيمة الشيك
من محرره عند حلول الأجل لا بإحالته عليه، ونتيجة ذلك ان
محرر الشيك يظل مدينا للمستفيد الذي خصم الشيك لصالحه
لا للبنك، وانما البنك دائن للمستفيد ووكيل عنه في تحصيل
قيمة الشيك عند حلول الأجل، وحينئذ فللبنك ان يشترط في
اقراضه للمستفيد ان يدفع له أجرة معقوله (أجرة المثل) لقاء
كتابة الدين وتسجيله وما تتطلبه من النفقات.
ثم إن هنا طريقا آخر ذكره الفقهاء، وهو تكييف عملية
140

خصم الشيك، على أساس بيع الدين الذي يمثله الشيك بأقل
منه حاضرا.
مثلا إذا كان الشيك يمثل خمسة آلاف دينار، فالمستفيد
يقوم ببيعه بأربعة آلاف وتسعمائة دينار حاضرا، وبموجب
هذا البيع يملك البنك الدين الذي كان المستفيد مالكا له في ذمة
موقع الشيك لقاء الثمن الذي يدفعه اليه نقدا، فيكون من بيع
الدين بأقل منه، وحيث إن الدين المباع بأقل منه نقدا، على
أساس عملية الخصم ليس من النقود الذهبية أو الفضية ولا من
المكيل أو الموزون، بل هو من النقود الورقية، فلا مانع من
بيعها بأقل منها؛ لان احكام الصرف من التماثل والقبض في
المجلس لا تترتب عليها، هذا وان كان معروفا ومشهورا بين
الأصحاب ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدم جوازه
للنص الخاص الدال على أن الدائن إذا باع دينه بأقل منه، فلا
يستحق المشتري من المدين إلا بقدر ما دفع إلى البائع، ويعتبر
الزائد ساقطا من ذمة المدين رأسا، وسوف نشير إلى شرح ذلك
بأوسع من هذا.
141

15 - القروض والتسليفات
تقديم البنوك القروض والتسليفات لعملائها بأشكالها
المختلفة من طويلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل:
إذا تقدم العميل بطلب إلى البنك لمبلغ محدد إلى أجل
معين، فإذا تأكد البنك على ذلك وعزر ثقته به قام بدفع مبلغ له
قرضا إلى أجل محدد طويلا كان أم قصيرا، ويتقاضى منه فائدة
على هذا القرض، وتعتبر هذه الفائدة فائدة ربوية محرمة.
وقد تسأل هنا: هل يمكن تخريج هذه الفائدة من الناحية
الشرعية وتحويلها إلى فائدة غير ربوية أو لا؟
والجواب: انه يمكن تخريج ذلك بوجوه:
الأول: يمكن تحويل القروض والتسليفات الربوية إلى
بدائل مشروعة كالمضاربات ونحوها كما تقدم تفصيل ذلك.
142

الثاني: ان بامكان العميل ان يشتري من البنك شيئا و
يضيف إلى ثمنه مقدار الفائدة، ويشترط منه القرض عليه
بمبلغ معين.
الثالث: ان للبنك ان يتقاضى من عملائه أجرة معقولة
لقاء قيامه بالخدمات التي تتطلبها تقديم القروض لهم، كأجرة
الكاتب والحارس والمحاسب والعمال الفنيين وغيرهم، و
قيمة الدفاتر والسجلات التقليدية أو التقنية وغير ذلك.
وبكلمة: ان من أهم خدمات المصارف والبنوك وأكثرها
انتشارا في البلاد تقديم القروض والتسليفات بأشكالها
المختلفة وأحجامها المتعددة لعملائها، ومن الواضح ان قيام
البنوك بهذه العمليات يتطلب وجود كاتب وحارس ومحاسب
ودفاتر وسجلات وغيرها، وحينئذ فللبنوك بدلا عما يتقاضى
عمولة على هذه القروض، يتقاضى اجرة معقولة منهم لقاء ما
تتطلبه العمليات من الخدمات.
143

16 - صرف العملات الأجنبية
تقوم البنوك بصرف العملات الأجنبية لرجال الاعمال و
المستثمرين من افراد دول متعددة، على أساس الديون التي
تتولد بينهم بتصدير البضاعة إلى الخارج أو استيرادها منه، فان
المستورد للبضاعة من بلدة يكون مدينا لقيمتها بعملة تلك
البلدة، والمصدر من دولة يكون دائنا لقيمتها بعملة منها، و
حينئذ فالمدين بعملة أجنبية بدلا عن أن يشتري من سوق
الصرف مبلغا من تلك العملة بالمقدار الكافي لتسديد دينه ثم
يرسله إلى دائنه في الخارج، يرجع إلى البنك ويطلب منه القيام
بعملية الصرف وتأدية الدين، على أساس ان البنوك و
المصارف قد تطورت في عمليات الصرف وتأدية الديون
الخارجية من طريق اصدار الشيكات والحوالات وغيره من
144

الطرق والوسائل التقنية الحديثة بدون نقل اي نقد من بلد إلى
بد آخر، فلذلك استطاعت السيطرة على عمليات التأدية في
داخل البلاد وخارجها، واتسعت رقعتها باتساع الاعمال
والتبادلات الخارجية، وتطورت بتطورها، وأصبحت من
الوسائل والأدوات الإطمئنانية، فإذا استورد رجل عراقي
بضاعة من دولة أجنبية بقيمة عشرة آلاف دولار مثلا، أصبح
مدينا بالمبلغ من مصدر تلك الدولة، وحينئذ فبامكانه تسديد
دينه من طريق شيك تجاري يأخذه من بنك عراقي على بنك
أجنبي بقيمة الدين من الدولارات، فهنا حوالتان:
الأولى: حوالة من المستورد دائنه المصدر الأجنبي على
بنك عراقي، وبذلك يصبح المصدر الأجنبي مالكا قيمة
البضاعة في ذمة البنك العراقي.
الثانية: حوالة من البنك العراقي دائنه الأجنبي على بنك
خارجي يكون له حساب جار عنده.
وكلتا الحوالتين صحيحة شرعا.
145

17 - بيع العملات الأجنبية وشراؤها
تقوم البنوك والمصارف ببيع العملات الأجنبية وشرائها
للتسهيلات المصرفية المؤثرة في تطور التجارات الخارجية
لعملائها يوما بعد يوم، وبغرض الحصول على ربح من تفاوت
بين سعر الشراء وسعر البيع أو بداعي توفير النقود والعملات
الأجنبية عنده، ولهذا تقوم ببيع وشراء العملات الأجنبية التي
يحملها السياح الأجانب أو السياح العائدون من الخارج.
نعم، في العصر الحاضر قد استطاعت البنوك ان تقلل إلى
درجة كبيرة من أهمية هذه الخدمة على المستوى العام، بايجاد
بديل لها أكثر تطورا وهو البطاقات الإئتمانية وتزويد عملائها
بها، فإنها قد أصبحت من أهم الخدمات المصرفية في العالم، و
تحقق أمانا كبيرا للانسان على أمواله في السفر والحضر، فان
146

السواح بدلا عن أن يحملوا معهم في السفر نقودا أو شيكات
التي لا تخصم الا في البنوك والمصارف، يحملوا البطاقة
الإئتمانية ويستعملونها لتوفير متطلباتهم متى شاؤوا، كقطع
التذاكر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسيارات و
الخدمات في المحطات وغيرها، ويستغني حاملها من
عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية وخصم الشيكات في
البنوك والمصارف، وعملية بيع وشراء العملات الأجنبية و
تبادل بعضها مع بعضها الآخر جائزة شرعا، سواء أكانت نقدية
أم مؤجلة، كما إذا قام البنك بشراء عملة أجنبية من البنوك
الخارجية مؤجلة إلى شهر مثلا بثمن حاضر لسبب أو آخر ما لم
يكن الثمن أيضا مؤجلا، والا فهو محل اشكال بل منع لأنه من
بيع الدين بالدين.
147

18 - التحويل المصرفي الخارجي
التحويل المصرفي الخارجي من أهم أسباب التعامل
بالتجارات الخارجية واسلم الوسائل، فان المستورد إذا استورد
بضاعة أجنبية أصبح مدينا لمصدر أجنبي، وفي هذه الحالة
يلجأ إلى البنك ويطلب منه الحوالة لصالح المصدر الأجنبي
الدائن على البنك المراسل في بلده، فإذا قبل البنك الحوالة قام
العميل المدين بدفع قيمة الحوالة اليه بعملة بلده اما نقدا أو
بالخصم من رصيده.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول:
ان عملية التحويل المصرفي الخارجي تقوم على أساس
148

ان البنك يبيع ما يملكه من عملة أجنبية في ذمة البنك المراسل
في خارج البلد بما يملكه المستورد من عملة محلية حاضرة
عنده (البنك) في الداخل.
وبذلك تصبح ذمة البنك المراسل في الخارج مدينة
للمستورد، وحينئذ يقوم المستورد بتحويل دائنه المصدر
على ذلك البنك الأجنبي.
مثال ذلك:
ان البنك في الداخل مدين للمستورد بعملة محلية وفي
الخارج مالك للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل، وحينئذ
فيقوم البنك ببيع ما يملكه من العملة الخارجية بما يملكه
العميل المستورد من العملة الداخلية عنده، وبموجب هذا
البيع يصبح العميل المستورد مالكا للعملة الأجنبية من ذمة
البنك الأجنبي مقابل ما ملكه البنك الداخلي من رصيده من
العملة الداخلية، وعندئذ فبامكان المستورد ان يحيل دائنه
المصدر على ذلك البنك الأجنبي المراسل فتكون هنا عمليتان:
الأولى: بيع الدين.
والثانية: حوالة الدين.
وكل ذلك جائز شرعا، ويجوز للبنك ان يأخذ عمولة
149

لقاء قيامه بعملية بيع عملة أجنبية بعملة محلية، على أساس انها
بحاجة إلى مؤنة زائدة على ما تتطلبه طبيعة البيع، وبامكانه ان
يضيف العمولة إلى الثمن في عملية البيع.
الثاني:
ان البنك يقوم بتسديد دين عميله المستورد لدائنه
الأجنبي بغير جنسه في الخارج بواسطة فرعه أو بنك مراسل، و
هذا جائز شرعا مع رضا الدائن به، وله ان يتقاضى عمولة لقاء
تسديد دينه في غير مكانه الطبيعي إذا طلب منه ذلك كما هو
المفروض في المقام.
الثالث:
ان العميل المدين يحيل دائنه المصدر على البنك في
الداخل بعملة أجنبية، وحيث إن البنك لا يكون مدينا له بهذه
العملة، وانما هو مدين له بعملة داخلية، فيكون هذا من
الحوالة على البري، فان قبل البنك صحت وإلا فلا. ويجوز
للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قبوله الحوالة.
نعم قد تكون الحوالة المصرفية مجرد اصدار امر من
150

البنك إلى البنك المراسل في الخارج بدفع مبلغ محدد للمصدر
، وهذا ليس حوالة بالمعنى الفقهي، فان المصدر لا يصبح
بذلك مالكا لقيمة التحويل في ذمة البنك المراسل، فإنه انما
يملك المبلغ بالتسليم والقبض مباشرة أو بالتوكيل، وهذه
العملية جائزة شرعا، وللبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها
إذا طلب منه ذلك.
151

19 - قبول البنك الودائع
وهي على اقسام:
الأول: الودائع الثابتة
وهي رؤوس أموال يقوم عملاء البنك بتقديمها اليه في
فترة زمنية محددة بدافع الادخار والاستثمار، وليس من حقهم
المطالبة بها في تلك الفترة المحددة.
الثاني: الودائع المتحركة
وهي ودائع تحت الطلب التي يطلق عليها اسم الحساب
الجاري، ولمودعها الحق في أن يسحب اي مبلغ على ذلك
البنك، شريطة ان لا تزيد قيمة المبلغ المسحوب عما هو له من
152

الرصيد عنده.
نعم قد يسمح البنك له في أن يسحب مبالغ يعين البنك
مقدارها، على أساس عنصر الثقة بينهما، ويسمى ذلك
بالسحب على المكشوف.
الثالث: ودائع التوفير
ولا فرق بين القسم الثاني والثالث؛ فان كليهما تحت
الطلب، والمودع متى شاء قادر على السحب، الا ان البنك
بموجب نظامه التقليدي ملتزم بتقديم الفائدة على ودائع
التوفير ولو بنسبة ضئيلة.
هذا بحسب مصطلحات البنوك والمصارف الربوية.
واما بالنظر إلى مفهوم الوديعة في الفقه الاسلامي، فلا
يمكن أن تكون الأموال وديعة عند البنوك حتى تخرج فوائدها
عن كونها فوائد ربوية على القرض؛ لأن المودعين يسمحون
للبنك التصرف فيها بكامل حريته وسلطنته من التصرفات
الاعتبارية والخارجية، ومن الواضح انه لا يراد بهذا الاذن
السماح له بالتصرف مع بقاء الوديعة في ملك صاحبها، وإلا لزم
حينئذ ان يعود الثمن والربح معا إلى المالك بقانون المعاوضة
153

لا إلى البنك، بل يراد بالاذن المذكور السماح للبنك بتملك
الوديعة على وجه الضمان بالمثل، وهو معنى القرض، وعليه
فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودعين فوائد على
القرض.
نعم، قد ذكرنا في مقدمة الكتاب ان الأموال المودعة لدى
البنك وان أمكن كونها وديعة بالمعنى الفقهي، الا انه مجرد
تصوير نظري امكانا ولا واقع موضوعي له خارجا، وعلى هذا
فتلك الأموال ليست وديعة فقهية، بل هي قروض ربوية، و
المبالغ التي يتقاضاها المودعون فوائد على القرض وهي
محرمة، وهل بإمكاننا ايجاد بديل لهذه الفوائد والتخلص من
كونها فوائد ربوية أو لا؟
والجواب: نعم، انه ممكن شريطة ان لا يتقيد البنك
بنظامه التقليدي الربوي، ويمارس عملياته على طبق النظام
الاسلامي؛ إذ حينئذ بامكانه ان يقوم بهبة مبلغ للمودع مسبقة، و
يشترط في ضمنها الاقراض بمبلغ معين إلى فترة محددة، و
يلحظ في الهبة نسبة الفائدة الربوية على القرض بعين الاعتبار،
ولا مانع من ذلك شريطة أن تكون الهبة بينهما واقعية لا صورية
، وان كان الدافع من ورائها القرض المماثل، الا ان ذلك كما لا
154

يجعل الهبة صورية كذلك لا يجعل القرض ربويا، كما أن
بامكان البنك ان يقوم بعملية بيع شيء للمودع بثمن أقل مسبقا،
واشتراط قرض مبلغ معين عليه في مدة محددة، أو يقوم
بالمصالحة كذلك.
والخلاصة: ان بامكان كل من البنك والمودع ايجاد
البديل الاسلامي للفائدة الربوية والتعامل به بدلا عن التعامل
بالفائدة على القرض التي هي محرمة.
155

20 - الشيكات المصرفية
كما قد يسحب العميل صاحب الحساب الجاري لدى
البنك شيكا عليه، كذلك قد يسحب البنك نفسه شيكا لصالح
عميله على البنك المراسل في البلد الأجنبي، فيقدم العميل
الشيك إلى البنك المسحوب عليه لتسلم قيمته، وتؤخذ قيمة
الشيك من حساب البنك الساحب لدى البنك المسحوب عليه،
وهنا حالتان:
الأولى: ان لا يكون للعميل المستفيد رصيد مالي بالعملة
الداخلية عند البنك الساحب.
الثانية: ان يكون له رصيد مالي كذلك.
ففي الحالة الأولى بما ان الشيك مجرد تسهيل مصرفي
للعميل دون غطاء ورصيد مالي، فيمكن تخريج ذلك بأحد
156

وجوه:
الأول:
ان يعتبر الشيك من البنك الساحب امرا منه للبنك
المسحوب عليه باقراض العميل من رصيده الدائن لديه، فإذا
تمت عملية القرض أصبح العميل المستفيد مدينا للبنك
الساحب.
وهذه العملية جائزة شرعا، ويجوز أخذ العمولة عليها
من الناحية الشرعية، على أساس أحد تخريجين:
الأول: ان للبنك الساحب ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه
بعملية اقراض العميل في الخارج بواسطة البنك المراسل بعملة
أجنبية، على أساس ان هذه العملية بحاجة إلى بذل جهد وعمل
زائد على مجرد دفع المال المقترض إلى المقترض، ولها قيمة
مالية زائدة على قيمة نفس المال المقترض. نعم، إذا لم تتوقف
عملية الاقراض على بذل جهد زائد على مجرد دفع المال
المقترض، فليست لها قيمة مالية زائدة على المال المقترض، و
لا يجوز اخذ العمولة عليها.
والخلاصة: ان عملية الاقراض إذا توقفت على بذل عمل
وجهد زائد كما إذا طلب العميل الاقراض في مكان آخر كان من
157

حق المقرض ان يأخذ عمولة لقاء تحمله الجهد الزائد.
الثاني:
ان العميل المستفيد بما انه أصبح مدينا للبنك الساحب
بعملة أجنبية، فللبنك الساحب ان يبيعها عليه بعملة داخلية
حاضرة ويضيف إليها مقدار الفائدة على القرض، ولا مانع من
ذلك، على أساس ان احكام الصرف لا تترتب على الأوراق
النقدية.
الثالث:
ان الشيك الصادر من البنك الساحب يعتبر امرا للبنك
المسحوب عليه باقراض العميل قيمة الشيك من ماله الخاص
بضمان البنك الساحب، وبذلك يصبح العميل مدينا للبنك
المسحوب عليه، وهذه العملية جائزة شرعا، وإذا طلب من
البنك القيام بها كان له ان يأخذ عمولة لقاء ذلك ولا يقبل القيام
بها مجانا، حيث لا يجب عليه ان يقوم باصدار شيك على بنك
أجنبي في الخارج باقراض عميله بعملة أجنبية مع الضمان و
التعهد بالأداء مجانا وبدون عمولة. نعم، ليس للبنك
المسحوب عليه ان يأخذ عمولة لقاء قيامه بعملية الاقراض،
على أساس ان قيامه بها لا يتوقف على بذل جهد زائد على دفع
158

نفس المال إلى الشخص المقترض لان مالية الاقراض في نظر
العرف والعقلاء انما هي مالية المال المقترض، وليس لنفس
عمل الاقراض بما هو عمل مالية زائدة ما لم يتوقف على بذل
جهد وعمل زائد، وعلى هذا فإذا أخذ البنك المسحوب عليه
عمولة من العميل المستفيد لقاء قيامه بعملية الاقراض له، فهي
زيادة على المال المقترض ومحرمة.
الرابع:
ان البنك الساحب يبيع ما يملكه في ذمة البنك
المسحوب عليه من عملة أجنبية بسعر مساو لقيمة الشيك في
ذمة العميل المستفيد بالعملة الداخلية الحاضرة، ويضيف على
الثمن مقدار الفائدة على القرض.
وهذا العمل جائز شرعا، ولا بأس بهذه الزيادة ما دامت
العملية عملية البيع والشراء دون القرض.
وفي الحالة الثانية: يمكن تخريج الشيك المصرفي من
الناحية الشرعية بأحد وجوه:
الأول:
ان البنك الساحب يقوم ببيع في حدود قيمة الشيك من
العملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بالعملة المحلية التي
159

يملكها العميل المستفيد في ذمته، وبذلك يصبح المستفيد
مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بدلا عما يملكه
البنك الساحب ما يساوي قيمة الشيك من العملة المحلية من
رصيد العميل عنده، وهذه العملية جائزة شرعا، شريطة ان لا
يكون الثمن مؤجلا أيضا في عقد البيع حتى لا يكون من بيع
الدين بالدين، ويجوز للبنك ان يأخذ من العميل المستفيد
عمولة لقاء تسديد دينه في بلد آخر غير بلد القرض.
الثاني:
ان بامكان البنك الساحب ان يحيل دائنه المستفيد على
البنك المراسل، وحيث إن البنك مدين للمستفيد بعملة
داخلية، فلابد أن تكون هذه الحوالة مسبوقة ضمنا بعقد بيع بين
العملتين لكي يكون البنك مدينا للمستفيد بعملة خارجية، و
حينئذ فيتاح له ان يحيل المستفيد على البنك المراسل المدين
له بالعملة الأجنبية حتى يكون من حوالة الدائن على المدين.
وكل ذلك جائز شرعا، وكذا يجوز للبنك ان يأخذ
عمولة من المستفيد لقاء قيامه بتسديد دينه في غير مكان
القرض.
الثالث:
ان للبنك الساحب ان يفوض عميله الدائن المستفيد من
160

الشيك بتسلم قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه وفاء لما
يملكه في ذمة البنك الساحب من العملة الداخلية، ولا مانع من
ذلك، لأنه من وفاء الدين بغير جنسه وهو جائز شرعا برضا
الدائن. ويجوز للبنك ان يأخذ عمولة من العميل المستفيد لقاء
دفع دينه في غير مكانه بموجب طلبه.
161

21 - بطاقات الائتمان
ان بطاقة الائتمان من أهم الخدمات المصرفية في العالم
في العصر الحاضر، فانها تحقق أمانا كبيرا للانسان على أمواله
من حملها معه في السفر والحضر، حيث إن في حملها خطرا
على المال من الضياع والسرقة، بل على النفس إضافة إلى
متاعب أخرى، فالانسان بدلا عن أن يحمل النقود معه لتوفير
متطلباته وحاجياته في حال السفر والحضر، يحمل معه
البطاقة ويستعملها في توفير حاجياته من التسويق اليومي و
قطع التذاكر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسيارات و
الخدمات في المحطات للقطارات والبنزين وغيرها و
المحلات التجارية لشراء السلع والبضائع وسحب النقود من
البنوك أو أجهزة الصرف الآلي إذا دعت الحاجة إليها ونحوها
من الحوائج، كل
162

ذلك شريطة ان لا تتجاوز عن الحد الأعلى للائتمان الذي توفره
له البطاقة.
البطاقة الإئتمانية علاقة بين الأطراف الثلاثة الرئيسية
الطرف الأول: الجهة التي تصدر البطاقة، وهي في الغالب
البنوك والمصارف، وقد تكون جهة أخرى كالشركات العامة
أو الخاصة أو المنظمات.
الطرف الثاني: الجهة التي تحمل البطاقة، وهي عملاء
شراء البطاقة.
الطرف الثالث: الجهة التي تقبل البطاقة، وهي عملاء
البيع بالبطاقة.
فحامل البطاقة عندما يرغب شراء سلعة أو خدمة أو
الحصول على نقود أو غير ذلك، فما عليه إلا ان يبرز تلك
البطاقة للطرف الثالث المسمى بالتاجر، فإذا أبرزها له قدم
التاجر اليه ما اراده من السلعة أو الخدمة أو النقود أو غير ذلك،
ثم يسجل رقم بطاقته وتوقيعه على قسيمة تبين ثمن السلعة أو
الخدمة بعد التأكد من صحة البطاقة وتاريخ انتهاء صلاحيتها،
ثم يقوم التاجر بتقديم تلك القسيمة إلى الطرف الأول (مصدر
163

البطاقة) مباشرة أو بالواسطة، فيحصل على المبلغ المدون
عليها مطروحا منه رسم يتراوح بين 1 إلى 4 أو أكثر على
اختلاف البطاقات الإئتمانية باختلاف الشركات التي تصدرها،
والجهة المصدرة ملتزمة بدفع المبلغ بمجرد التأكد من دقة
البيانات، بقطع النظر عما إذا كان حامل البطاقة قد سدد الثمن
للبنك أولا، باعتبار ان ذمتها قد اشتغلت به بقبولها الحوالة تجاه
التاجر. ثم يقوم بارسال فاتورة إلى حامل البطاقة في كل شهر
مرة تتضمن تمام مشترياته بالبطاقة في فترة شهر واحد، و
تطالبه بدفع ما تضمنته الفاتورة من المبلغ.
164

22 - أنواع البطاقات الإئتمانية
النوع الأول:
بطاقة الائتمان باسم الخصوم أو المدينة، وهو متمثل في
بطاقة يصدرها البنك مشروطا بان يكون للعميل حساب
مصرفي عنده أو عند أي بنك آخر، ولا يكون حسابه أقل من
الحد الاعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة وهو ما يسمى
بالخط الائتماني، ولا يسمح له بان ينخفض رصيد حسابه
المذكور عن ذلك المبلغ، وهذا نوع من الضمان النقدي،
وعلى هذا فكلما استخدم العميل البطاقة في شراء حاجياته و
توفير متطلباته، يقوم البنك المصدر بالسحب من رصيده
مباشرة لتسديد قيمة الفاتورة المرسلة إليه من التاجر، وهذا
النوع من البطاقات متواجد في كثير من الدول النامية.
165

النوع الثاني:
بطاقة الائتمان العادية، وهذه البطاقة تمتاز عن النوع
الأول في عدم اشتراط الجهة المصدرة لها، بان يفتح العميل
حسابا ماليا عندها لا يقل عن الحد الأعلى للائتمان الذي توفره
له البطاقة، فالحصول عليها لا يكون منوطا بوجود مثل ذلك
الحساب، وعلى هذا فعندما يقوم الفرد باستخدام البطاقة لشراء
السلع أو الخدمة من التاجر، فيحصل بصورة اتوماتيكية على
قرض ائتمان مساو لقيمة السلعة أو الخدمة من البنك المصدر،
ويحدد الحد الأعلى للقرض لكل عميل الحد الأعلى من
الائتمان الذي توفر له البطاقة المسمى بخط الائتمان. وفي هذه
الحالة يلتزم حامل البطاقة طبقا لشروط الاصدار بتسديد كامل
مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ
استلامه لها، وفي حالة المماطلة يقوم المصدر بالغاء عضوية
حامل البطاقة وسحبها منه وملاحقته قضائيا لتسديد ما تعلق
بذمته من المبلغ المذكور.
النوع الثالث:
بطاقة الائتمان القرضية، وتمتاز هذه البطاقة عن النوع
166

السابق في نقطة، وهي ان الائتمان الذي تخلقه هو عدم الزام
حامل البطاقة بدفع المبلغ تماما عند تسلمه للفاتورة الشهرية،
والغالب الزامه بدفع نسبة ضئيلة منه، ويظل الباقي في ذمته،
ويقوم شهريا بدفع فوائد التأخير، وتحسب الفوائد بصفة
يومية على المبالغ المتبقية، وأشهر أنواع هذه البطاقة (بطاقة
فيزا) وهناك أنواع أخرى من البطاقة الإئتمانية التي تستخدم في
جهات خاصة، ولكن حيث إنه لا دخل لها في حكم البطاقة من
وجهة النظر الشرعية فلا مبرر للدخول في تفصيلاتها، كما أن
امتياز بعض اقسام البطاقات عن بعض اقسامها الأخرى غير
دخيل في حكمها كبطاقة فيزا، فانها على ثلاثة أقسام:
الأول: بطاقة الفيزا الفضية.
الثاني: بطاقة الفيزا الذهبية.
الثالث: بطاقة الفيزا الإلكترونية.
وتمتاز الاولى عن الثانية في نقطة، وهي ان الأولى ذات
حدود إئتمانية منخفضة نسبيا، والثانية ذات حدود ائتمانية
عالية، فإنها إضافة إلى الخدمات المتوفرة للبطاقة السابقة تأمينا
على الحياة وخدمات أخرى دولية فريدة، كأولوية الحجز في
مكاتب السفر والفنادق والتأمين الصحي والخدمات القانونية،
167

واما الأخيرة فهي تستخدم في جهة خاصة، وهي أجهزة
الصرف الآلي الدولي.
طبيعة العلاقة بين الأطراف الثلاثة للبطاقة الإئتمانية
1 - إن العلاقة بين الجهة المصدرة للبطاقة وبين
حاملها يمكن تفسيرها على أساس أحد أمرين:
الأول:
على أساس الضمان العقدي، ونريد به تعهد الجهة
المصدرة للبطاقة لأداء ديون حاملها تجاه التاجر الذي يشتري
منه حاجياته بابرازه البطاقة له وجعلته في مسؤوليتها، لا نقل
الدين من ذمة إلى ذمة، بل الدين قد ظل في ذمة الحامل للبطاقة،
والجهة المصدرة جعلت نفسها مسؤولة عن الأداء، فإذا قامت
بأدائه وأدته اشتغلت ذمة الحامل بنفس المبلغ لتلك الجهة، و
برأت ذمته عن التاجر.
الثاني:
على أساس تعهد الجهة المصدرة للبطاقة لقبول الحوالة
من حاملها المدين للتاجر الذي اشترى منه السلع والبضائع
بابراز البطاقة له، فإنه بعد الشراء يحيله على تلك الجهة، وهي
168

ملزمة بقبولها على أثر تعهدها في عقد البطاقة وان لم يكن له
رصيد مالي عندها، ثم إن الظاهر منهما التفسير الثاني، وعليه
فالعلاقة بينهما متمثلة في تعهد الجهة المصدرة بقبول الحوالة
من العضو الحامل للبطاقة لثمن المشتريات بها، والامارة على
الحوالة هي توقيع الحامل على القسيمة.
وقد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على
أساس الوكالة، بان تكون الجهة المصدرة - وهي البنك - وكيلة
عن حامل البطاقة في أداء دينه تجاه التاجر أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما
على أساس الوكالة في جميع أنواع البطاقات الإئتمانية.
نعم، ان العلاقة بينهما في النوع الأول من البطاقة
الإئتمانية، وهو ما إذا كان لحامل البطاقة رصيد مالي عنده لا
تبعد أن تكون بنحو الوكالة، بان يكون البنك وكيلا عنه في أداء
دينه تجاه التاجر من رصيده، واما في النوعين الآخرين فهي
بعيدة وبحاجة إلى مؤنة زائدة.
وقد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على
أساس عقد القرض، بان تقوم الجهة المصدرة باقراض العميل
الحامل للبطاقة بمقدار ما اشتغلت به ذمته تجاه التاجر اتوماتيكيا،
169

وهذا يعني: ان العميل يحصل بصرف استخدامه
للبطاقة على قرض اوتوماتيكي من الجهة المصدرة أو لا؟
والجواب: انه لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما من باب
القرض؛ فان المعتبر في صحة القرض وتحققه ان يقبض
المقترض مبلغ القرض، وهذا لا يوجد في شيء من صيغ
البطاقة الإئتمانية، إلا إذا فرض ان العميل وكل البنك في قبض
مبلغ القرض منه وكالة، ثم يؤدي دينه كذلك، ولكن هذا مجرد
افتراض وخارج عن مرتكزات المتعاملين بها.
والخلاصة: ان العلاقة بينهما على أساس التعهد والالتزام
من الجهة المصدرة بقبول الحوالة من الحامل في عقد البطاقة،
وهذا المعنى هو المتبادر في الأذهان والمرتكز في أعماق
نفوسهم، حيث إن العميل عندما يبرز بطقاته للتاجر، فإنه بعد
التأكد من صحتها يحصل له اليقين بان الجهة المصدرة متعهدة
بأداء ثمن البضائع أو الخدمات.
2 - العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:
الظاهر أن هذه العلاقة بينهما متمثلة في عقد الحوالة، فان
العميل الحامل للبطاقة عندما يشتري سلعة أو خدمة من التاجر
170

باستخدامه البطاقة تشتغل ذمته بقيمتها له، فيكون العميل
حينئذ مدينا والتاجر دائنا، ويقوم العميل المدين عندئذ لعملية
الحوالة فيميل التاجر الدائن على الجهة المصدرة للبطاقة، و
يكون توقيعه على الفاتورة المرسلة إلى تلك الجهة يدل على
الأحالة، والتاجر يقبلها فيرسل الفاتورة إلى الجهة المصدرة
التي تقوم بدفع المبلغ له، ولا فرق في ذلك بين أن تكون تلك
الجهة مدينة لحامل البطاقة أو لا، فان الحوالة على الثاني وان
كانت حوالة على البريء، الا ان اصدارها البطاقة الإئتمانية
بمثابة قبولها الحوالة، فعلى كلا التقديرين فهي ملزمة بقبولها
الحوالة، وحينئذ فتصبح بموجب هذه الحوالة مدينة للتاجر
بديلا عن حامل البطاقة.
ويمكن ان نتصور بان العلاقة بينهما وكالة، فحامل
البطاقة يجعل التاجر وكيلا عنه في الاقتراض من البنك، أي:
البنك المصدر للبطاقة باسمه، ثم يقوم بتسديد دين الحامل
وكالة عنه لنفسه، ولكن هذا التصور بعيد عن أذهان المتعاملين
بالبطاقة.
171

3 - العلاقة بين التاجر والجهة المصدرة للبطاقة:
هي علاقة المحال والمحال عليه، على أساس ان حامل
البطاقة يحيل التاجر على تلك الجهة ويترتب على ذلك كون
الجهة المصدرة مدينة للتاجر، هذا إضافة إلى أن التاجر من
عملاء البيع بالبطاقة أو خدمة أخرى، فتكون علاقته بالجهة
المصدرة علاقة العميل، ومعنى ذلك: انه قبل تمام شروط
البطاقة منها اقتطاع الجهة المصدرة من ثمن البضائع عند
تسديده بنسبة مئوية محددة. قد يقال - كما قيل - ان الفاتورة
التي وقع عليها المشتري أي: حامل البطاقة، هي كمبيالة
مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك المصدر، فاذن
تكون علاقة التاجر مع البنك المصدر علاقة البيع والشراء، فان
التاجر يقوم ببيع قيمة الفاتورة في ذمة المشتري للبنك نقدا
باقل منها، فيكون من بيع الدين نقدا بالأقل.
والجواب: أولا: أن الفاتورة ليست من الأوراق التجارية
كالكمبيالة، بل هي قائمة لقيمة الأشياء المشتريات، وتوقيع
المشتري عليها امارة على الحوالة لا على أنها كمبيالة، فإذا لا
وجود للبيع والشراء.
وثانيا: مع الاغماض عن ذلك وتسليم انها كمبيالة،
172

ولكن قد مر ان الأظهر بطلان بيع الدين نقدا بالأقل منه، واما
اقتطاع البنك من الثمن بنسبة مئوية فهو على أساس القرار بينه
وبين التاجر لقاء ما قدمه البنك المصدر من الخدمة له وقبول
التاجر ذلك، ولهذا لا إشكال فيه شرعا.
العمولة على البطاقات الائتمانية وتخريجاتها الفقهية
من حق الجهة المصدرة للبطاقات الائتمانية وتوفيرها
للعملاء المستثمرين ورجال الأعمال والسياحة ان تتقاضى
عمولة لقاء قيامها بهذه الخدمة القيمة التي هي أمان للانسان
على ماله ونفسه، ولا يحتاج مع وجودها إلى حمل اي نقود
معه، مع أن ما في حمل النقود من خطر السرقة والضياع و
عوائق ومتاعب أخرى، وانها توفر له الراحة والطمأنينة والثقة
، وتسهل له الحصول على ما يرغب اليه من شراء سلعة أو
خدمة أو نقود؛ إذ ليس عليه حينئذ إلا ابراز البطاقة للتاجر.
ويمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بأحد
وجوه:
الأول:
أن تكون من باب أجرة المثل، على أساس ان تزويد
173

العميل بالبطاقة انما كان بأمره وطلبه من ناحيته، وعدم تحديد
الأجرة في عقد من ناحية أخرى.
الثاني:
أن تكون من باب الجعالة، بمعنى: ان العميل يجعل أجرا
وجعلا للمصدر لقاء قيامه بهذه الخدمة، بأن يقول له إن
زودتني بالبطاقة الائتمانية فلك كذا مبلغا من المال في رأس كل
شهر، وحينئذ فإذا قام وزوده بالبطاقة استحق الجعل حسب ما
عين وحدد.
وبكلمة: ان استحقاق الجعل المحدد في الجعالة ليس
في الحقيقة إلا بملاك ضمان عمل غيره بأمره به لا على وجه
التبرع، فإذا أمرت الخياط مثلا بان يخيط ثوبك كذا أو الكاتب
بان يكتب لك الدفتر الفلاني، فإذا خاط أو كتب فعليك قيمة
عمله من الخياطة أو الكتابة، بمعنى: ان ذمتك تشتغل بأجرة
المثل، وهذا قسم من ضمان الغرامة في الاعمال على حد
ضمان الغرامة في الأموال، وفي هذه الحالة بإمكانك ان تحول
أجرة المثل منذ البدء إلى مقدار محدد، فتقول: من خاط ثوبي
الفلاني فله دينار، وحينئذ فيكون الضمان بمقدار ما حدد في
هذا الجعل، ويسمى هذا جعالة، فالجعالة في الحقيقة تنحل
174

إلى جزئين:
أحدهما: الأمر الخاص أو العام بالعمل الذي له قيمة.
والآخر: تعيين مبلغ معين بإزاء ذلك، فالجزء الأول من
الجعالة هو ملاك الضمان، أي: ضمان الغرامة لا الضمان
المعاوضي.
والجزء الثاني يحدد قيمة العمل المضمون، فاجرة المثل
هي الأصل في الضمان ما لم يحصل الاتفاق على غيرها، وعلى
هذا الأساس فان عين العميل الأجرة للجهة المصدرة لقاء
تزويده بالبطاقة ضمن نفس الأجرة المحددة، وإلا فأجرة المثل.
الثالث:
انها عوض في المعاقدة بينهما بالتراضي، فإنهما يتفقان
على أن تقوم الجهة المصدرة باصدار البطاقة له وتزويده بها
مقابل مبلغ محدد بنسبة مئوية في رأس كل شهر، ولا بأس
بهذه المعاقدة بينهما شرعا، فإنه وان لم ينطبق عليها شيء من
العناوين الخاصة للمعاملات، الا انه يكفي في صحتها شرعا
عموم قوله تعالى (الا أن تكون تجارة عن تراض) على أساس
ان عنوان التجارة عن تراض يصدق عليها.
وقيل: انه لا يجوز شرعا استخدام هذه البطاقات،
175

بدعوى: ان المبالغ التي تحصل عليها الجهة المصدرة للبطاقة،
كالبنك أو الشركة بطريق الحسم من أثمان البضائع والخدمات
عند سداد قيمتها عن أصحابها، ما هي في الحقيقة إلا فائدة
يدفعها حامل البطاقة إلى الجهة المصدرة، وهذه الفائدة تعتبر
مقابلا لاقراض الجهة المصدرة المبلغ له بالسداد نيابة عنه إلى أن
يقوم الحامل بدفع القرض لها، وهذه فائدة ربوية محرمة.
والجواب: ان اقتطاع مصدر البطاقة عن أثمان البضائع و
الخدمات عند سداد قيمتها بنسبة 2 % إلى 4 % ثم اخذ هذه النسبة
من حامل البطاقة ليس بملاك فائدة على الدين؛ لان حامل
البطاقة وان أصبح مدينا للجهة المصدرة إذا لم يكن له رصيد
مالي لديها عندما قامت الجهة لدفع أثمان البضائع والخدمات
للتاجر، سواء أكان قيامها لذلك بالوكالة والنيابة عنه أم بالحوالة
عليها، ولكنه مدين بقدر ما دفعته إلى التاجر دون الزائد، واما
أخذ الزائد فهو ليس بعنوان الفائدة على الدين، بل من اجل
تزويده بالبطاقة وحصوله عليها، ولكنه مدين بقدر ما دفعته
إلى التاجر دون الزائد، واما اخذ الزائد فهو ليس بعنوان الفائدة
على الدين، بل من اجل تزويده بالبطاقة وحصوله عليها،
حيث إنها خدمة كبيرة له.
176

وبكلمة: ان تقديم البنك أو الشركة البطاقة للعميل ليس
على وجه التبرع، بل لقاء ما اقتطعه من أثمان السلع والخدمات
بنسبة مئوية محددة، والعميل يأخذها في مقابل ذلك، وهذا
هو المرتكز في أذهان المتعاملين ببطاقات الائتمان، فاذن ما
اقتطعه من الأثمان ليس فائدة على الدين، هذا إضافة إلى أن ذلك
لا يتم إذا كان للعميل رصيد مالي لدى المصدر؛ إذ حينئذ
لا موضوع للدين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان الظاهر
من استخدام العميل البطاقة لشراء السلع أو الخدمات أو
الحصول على النقود من الطرف الثالث، هو احالته على
المصدر من باب إحالة الدائن على المدين أو على من تعهد
بقبول الحوالة لا التوكيل والاستنابة في أداء الدين عنه.
والحاصل: ان الظاهر والمرتكز في الذهن هو ان
استخدام العميل البطاقة في شراء السلع أو الخدمات أو غير ذلك
من الطرف الثالث، إحالة لذلك الطرف أتوماتيكيا على الجهة
المصدرة في اخذ أثمان البضائع والخدمات منها بلا فرق في
ذلك بين ان يكون له رصيد مالي عندها أو لا، باعتبار ان معنى
تزويدها العميل بالبطاقة تعهد منها بتسديد الأثمان وان لم يكن
للعميل رصيد مالي لديها، ونتيجة ذلك ان العميل إذا استخدم
177

البطاقة لشراء البضائع أو الخدمات واشتراها ووقع على فاتورة
المشتريات، فهذه منه حوالة على تلك الجهة تلقائيا.
والخلاصة: ان المرتكز من البطاقات الائتمانية والتعامل
بها ان الزيادة انما هي في مقابل تمتع العميل بالبطاقة لا في
مقابل الدين.
نعم، هنا اشكال في خصوص النوع الثاني من البطاقة
الائتمانية والنوع الثالث، اما في النوع الثاني فلان حاملها ملتزم
بدفع ما عليه من أثمان البضائع أو الخدمات خلال ثلاثين يوما و
إلا تقوم الجهة المصدرة بالغاء عضويته في البطاقة الائتمانية و
ملاحقته عند أجهزة القضاء والأمن لإرغامه على الدفع، و
تنص عقود هذا النوع من البطاقات على أن العضو ملتزم بدفع
الفوائد على المبالغ المتأخرة ابتداء من تاريخ الغاء عضويته، و
هذا شرط ربوي.
واما في النوع الثالث فعقده لا يوجب الزام العميل بدفع
ما عليه من الديون خلال ثلاثين يوما عند تسلمه الفاتورة
الشهرية، ولكنه ملزم بدفع فائدة على التأخير، وتحسب
الفوائد يوميا على المبالغ المتبقية على ذمة العميل وهذا ربا.
وقد تسأل: هل يمكن تخريج ذلك فقهيا من الناحية
178

الشرعية أو لا؟
والجواب: يمكن ذلك بأحد وجهين:
الأول:
ان البنك المصدر يجعل العميل في عقد البطاقة وكيلا عنه
في شراء السلع أو الخدمات على ذمته، ثم يقوم ببيعها وكالة عنه
على نفسه، ويشترط في ضمن هذا البيع على نفسه من قبل
البنك وكالة ان يدفع له دينارا في رأس كل شهر يتأخر فيه عن
دفع الثمن، ولا مانع من ذلك لأنه ليس ربا، فان الزامه بدفع
الدينار انما هو بحكم البيع لا بحكم عقد القرض، وليس في
مقابل الأجل.
نعم، لو شرط ان يكون له دينار في مقابل التأجيل بنحو
شرط النتيجة، لم يصح، لأنه من اشتراط الربا.
وبكلمة: كما يمكن للبائع ان يشترط على المشتري ان
يهب له دينارا في كل شهر إلى ستة اشهر مثلا، كذلك له ان
يشترط عليه ان يدفع له دينارا في كل شهر يتأخر فيه عن دفع
الثمن. ثم إن هذا التخريج الفقهي مبني على أن يشترط العميل
على البنك في عقد البطاقة ان يكون وكيلا عنه في شراء البضائع
أو الخدمات بالبطاقة على ذمته، ثم يبيعها على نفسه وكالة منه،
179

وإلا فلا تخريج له شرعا.
الثاني:
ان البنك المصدر يتعهد في ضمن عقد البطاقة ان لا يقبل
الحوالة من العميل إذا لم يكن له رصيد مالي عنده، الا لقاء
عمولة يقتطعها من الفاتورة الشهرية بنسبة مئوية لا مجانا؛ إذ
من حقه ان لا يقبل بدون عمولة إذا كان بريئا، واما إذا كان مدينا
للعميل، فهو ملزم بقبول الحوالة شرعا، ولا يجوز له ان
يتقاضى عمولة لقاء ذلك، كما ليس له ان يتقاضى عمولة إزاء
عملية أداء الدين، فإنها وظيفة المدين وهو ملزم بها شرعا وان
استلزمت مزيد جهد وانفاق عمل، واما إذا كان البنك وكيلا عن
العميل في تسديد ديونه، فله ان لا يقبل الوكالة عنه إلا لقاء
عمولة محددة، حتى فيما إذا كان له رصيد مالي عنده إذ لا يكون
ملزما بقبول الوكالة عنه في أداء دينه لدائنه ولو من ماله عنده
مجانا، ولكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن اشتراط الفوائد
على تأخير الديون المتبقية على ذمة العميل؛ لأنه من اشتراط
الربا، وانما يدفع الاشكال عن اشتراطها على أصل الديون،
على أساس امكان تبديل ذلك باخذ تلك الفائدة بعنوان العمولة
لقاء قبول الحوالة أو الوكالة، ويمكن تخريج ذلك فقهيا بالنسبة
180

إلى خصوص تعامل حامل البطاقة بها فحسب دون مصدرها،
فإنه يجوز للعميل الدخول في عضوية عقود البطاقة واشتراكه
فيها وحصوله عليها إذا كان ملتزما بالدفع خلال الفترة
المسموح بها، أو كان له رصيد مالي عند المصدر لا يقل عن
الحد الأعلى من الائتمان الذي يمكن ان توفره له البطاقة.
واما إذا كان العضو الحامل غير ملتزم بالدفع خلال الفترة
المسموح بها، فهل يجوز له الدخول في عضوية عقد البطاقة
في النوع الثالث من البطاقات الائتمانية أو لا؟
والجواب: انه لا مانع من دخوله فيها وحصوله على
البطاقة والتعامل بها، واما اشتراط المصدر الفائدة على تأخير
الدين الثابت في ذمته فهو وان كان شرطا ربويا، إلا ان بامكان
حامل البطاقة عدم الالتزام به، بل وظيفته ذلك وفساده لا
يوجب فساد العقد حتى لو قلنا بان الشرط الفاسد مفسد، فان
هذا الشرط ليس شرطا للعقد أي: عقد البطاقة الواقع بين
المصدر والعميل، بل هو اشتراط فائدة محددة على تأخير
الدين على ذمة العميل عن الفترة المسموح بها بموجب الحوالة
، هذا نظير من باع داره مثلا من شخص واشترط عليه أن يكون
له مبلغ من المال في مقابل تأجيل الثمن بنحو شرط النتيجة،
فان فساد هذا
181

الشرط لا يرتبط بالبيع أصلا؛ لأنه لا يكون من
شؤون البيع ولا من شؤون المبيع ولا الثمن، بل هو شرط بإزاء
التأجيل والتأخير للثمن، وحيث إن هذا الشرط فاسد،
فلا يكون العميل ملزما به إلا إذا كان مجبورا أو كان يتبرع به ولو
بداعي ان لا تلغي الشركة المصدرة عضويته في عقد البطاقة، و
في هذه الحالة فلا شيء عليه.
نتيجة بحوث البطاقات الائتمانية
النتائج من وجهة النظر الشرعية أمور:
الأول: انه يجوز للعميل ان يدخل في عضوية عقود
البطاقة والحصول عليها بدون فرق في ذلك بين أنواعها.
الثاني: ان من حق الجهة المصدرة للبطاقة ان تتقاضى
عمولة من العميل لقاء قيامها بعملية تزويدة بالبطاقة؛ لأنها
خدمة، فلا يجب عليها القيام بها مجانا وبدون اجرة.
الثالث: ان الأجرة التي تتقاضاها لا تخلو من أن تكون من
باب أجرة المثل، على أساس ان تزويد العميل بها انما هو بأمره
وطلبه، وهو يوجب الضمان بها أو من باب الجعالة أو المعاقدة
والمصالحة على ما تقدم شرحه.
182

الرابع: ان الزيادة التي تأخذها الجهة المصدرة من حامل
البطاقة ليست فائدة على الدين كما مر، بل هي اجرة لما قدمته
من الخدمة له، فإذا لا ربا.
الخامس: ان الفائدة على تأخير الدين عن المدة المقررة
وان كانت ربا، الا ان بامكان حامل البطاقة عدم الالتزام بهذا
الشرط الباطل، وهذا لا يضر بصحة عقد البطاقة الواقع بينه و
بين الجهة المصدرة، وحينئذ فان أجبر على دفعها فلا شيء
عليه، وإلا لم يجز الا بعنوان الهبة والتبرع.
السادس: يجوز للجهة المصدرة للبطاقة ان تقطع من
أثمان البضائع والسلع والخدمات عند تسديدها للتاجر بنسبة
مئوية محددة، على أساس قبوله والتزامه بشروط البطاقة.
السابع: ان المتحصل من كل ذلك، انه لا مانع شرعا من
التعامل بالبطاقات بأنواعها في السفر والحضر في اقسام
المعاملات والخدمات السائغة من الناحية الشرعية.
183

الأسهم والسندات
185

السهم وتعريفه:
هو أوراقه مالية ذات قيمة اسمية محددة تكتب عليها،
وهي تعادل حصة من رأس المال للشركة.
الشركة المساهمة:
هي التي تتكون من رؤوس أموال محددة تقسم إلى أسهم
عديدة، ولهذه الأسهم خصائص مميزة، منها تساوي قيمتها
حسبما يحددها قانون الشركة، ومنها تساوي حقوقها، ومنها
ان مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، ومنها قابليتها
للتداول في الأسواق، ويتم تداولها وفق أنظمة وإجراءات
محددة في أسواق البورصة.
وتترتب على ملكية الأسهم حقوق والتزامات، منها حق
187

بقاء مالكها في الشركة، ومنها حق الأولوية في الاكتتاب، ومنها
حق اقتسام موجودات الشركة، ومنها حق التدخل في قرارات
الشركة، ومنها غير ذلك.
اقسام الشركة المساهمة:
القسم الأول:
الشركة المساهمة التي رأس مالها حلال وتتعامل
بالحلال بكل نشاطاتها الاستثمارية، على أساس ان نظامها
التأسيسي ينص على أنها تتعامل في حدود دائرة الحلال وذلك
كشركة الكهرباء المساهمة وشركة السمنت والزراعة و
المعادن والنفط والصناعة التوليدية وغيرها، شريطة ان تقتصر
تلك الشركات على اعمالها الاستثمارية في حدود دائرتها
المحللة، ولا تتعامل بالربا اقراضا واقتراضا ولا غيره من
الأعمال المحرمة.
القسم الثاني:
الشركة المساهمة التي رأس مالها حرام أو مخلوط
بالحرام، وتتعامل على الحلال والحرام كتوليد الخمور وبيعها
188

والربا وغير ذلك، ولا تتقيد بالحلال.
القسم الثالث:
الشركة المساهمة التي رأس مالها حلال، ولكنها لا تتقيد
بنص نظامها التأسيسي على أن تتعامل بالحلال لا بالحرام.
المشاركة في تلك الشركات من الناحية الشرعية
1 - يجوز المشاركة والمساهمة في القسم الأول من
الشركات المساهمة باكتتاب أسهمه وشرائها والاستفادة من
الأرباح التي تحصل الشركة عليها.
وما قيل من: ان الأسهم بما انها جزء من النظام الرأسمالي
فلا تتفق جملة وتفصيلا مع الاسلام غريب جدا، وذلك لان
المراد من النظام الاقتصادي الرأسمالي هو ان لا يتقيد بحدود
دائرة الشرع التي يتبناها الاسلام بنصوصه التشريعية المستمدة
من الكتاب والسنة، والمراد من النظام الاقتصادي الاسلامي
هو ما يتقيد بحدود دائرة الشرع التي يتبناها الاسلام في جميع
نشاطاته الاقتصادية إنتاجية كانت أم تبادلية، ولا يعترف بأي
نشاط اقتصادي خارج عن هذه الدائرة، ولهذا قد الغى الاسلام
189

التعامل بالربا بكل ألوانه عن الاقتصاد الاسلامي نصا وروحا، و
كذلك التعامل بالخمور وإنتاجها ولحوم الميتة والخنزير و
غيرها.
وعلى هذا فلا مانع من شراء أسهم القسم الأول من
الشركة والدخول في عضويته.
2 - لا تجوز المشاركة في القسم الثاني من الشركات
المساهمة بالقيام بعملية اكتتاب أسهمه وشرائها والدخول في
عضويته والاستفادة من الأرباح والفوائد التي تحصل عليها
الشركة، على أساس انها جميعا تعامل وانتفاع بالمال الحرام أو
المخلوط به وهو غير جائز.
واما القسم الثالث من تلك الشركات فهل تجوز
المساهمة والمشاركة فيها أو لا؟
والجواب: لا تجوز، لأن رأس ماله وان كان حلالا، الا
انها لا تتقيد - بموجب قراراتها التقليدية بالتعامل من طريق
الحلال، فإنها - كما تتعامل من هذا الطريق تتعامل من طريق
الحرام أيضا، فمن اجل ذلك لا يجوز شراء أسهمها بغرض
العضوية والمساهمة فيها والاستفادة من أرباحها التي تحصل
عليها من طريق الحلال والحرام معا.
190

وبكلمة: ان اسمهما الأولية وان كانت من أموال الحلال
ولا مانع من التصرف فيها في نفسها، إلا ان شراءها بغرض
المساهمة والعضوية فيها غير جائز، على أساس انه يعلم بان
الشركة لا تتقيد بالتعامل بها على الحلال، والمفروض انه
- بموجب كونه عضوا فيها - شريك في هذه العمليات، ولا
فرق في ذلك بين ان يكون شراؤها بقصد المساهمة والعضوية
أو لا؛ حيث إنه يعلم بكونه قد أصبح عضوا تلقائيا بمجرد
الشراء، وان كان حين الشراء غافلا عن ذلك وغير قاصد، و
حينئذ يكون شريكا في جميع معاملاتها السوقية وفوائدها ولو
في فترة قليلة.
سوق الأوراق المالية أو سوق تداول الأسهم والسندات:
ينقسم سوق الأوراق المالية إلى قسمين:
1 - السوق غير المنظم
ويطلق عليه السوق غير الرسمي أو السوق المفتوح أو
سوق فوق الحاجز، وكل ذلك تعبيرات عن شيء واحد، وهو
السوق غير الخاضع للنظم، ولا تتوفر فيه كفاءة التداول من
191

حيث عدالة الأسعار، فان لسلوكيات الوسطاء والسماسرة و
المستثمرين والمضاربين تأثير كبير في تحديد الأسعار هبوطا
وصعودا، وفي عدم الموازنة بين العرض والطلب.
2 - السوق المنظم
وهو ما يعرف (بالبورصة) حيث إنها سوق منظم
للأوراق المالية، ومكان تنعقد في ردهته صفقات تداول
الأسهم والسندات وتبادلها بالبيع والشراء بطريقة منظمة، و
يتم فيها تداول الأسهم والسندات المسجلة بها فقط لا مطلقا، و
يكون تداولها خاضعا لقوانين واجراءات رسمية، وفي أوقات
محددة، ويتم التداول فيها بواسطة الوسطاء المتخصصين
المسجلين لدى إدارة السوق بالتعامل في هذه الأسواق
كالسماسرة ونحوهم، حيث إنهم يقومون بتنفيذ أوامر
عملائهم بيعا وشراء، ويكون التداول فيها بشكل وبصورة
مسموعة ومقروءة، ويتم التداول فيها بدون ان يكون هناك
تماس بين السماسرة والعملاء، وتشرف على نشاطات السوق
هيئه رقاية متخصصة، ومن اجل ان للبورصة هذه المزايا و
الخصوصيات تكون سوقا مثاليا لبيع وشراء الأسهم والسندات
192

المالية، وحيث انها تخضع لرقابة شديدة فتستبعد امكانية
تواجد اتفاقات سرية وحدوث سلوكيات غير قانونية،
كالتلاعب بالأسعار واستغلال المعلومات. ثم إن المستثمر
يستعين بأحد الوسطاء لتحقيق رغبته في التعامل بالأسهم
بأفضل الشروط في وقت مناسب، والوسيط - بحكم عمله و
تخصصه وإلمامه بأوامر العرض والطلب المتاحة له في السوق
- يمكنه ان يحقق آمال المستثمر في البيع أو الشراء، ومن هنا
كان لكل سوق من أسواق الأوراق المالية وسطاء (سماسرة)
سواء أكان من البورصات أم كان من أسواق فوق الحاجز و
الوسيط، يتمثل في الشخص المصرح له الإذن بممارسة تداول
الأسهم والسندات لحساب عملائه، وقد يكون الوسيط همزة
وصل بين المستثمرين والسماسرة، وقد يمارس مهمة
السمسرة أحيانا، والمستثمر له حرية اختيار الوسيط وتحديد
الشروط والأسعار التي يرغبها لإجراء التداول، ولا يجوز له
التعدي عما حدده المستثمر من الشروط والأسعار.
نعم، انه قد يعول الاختيار وتحديد الأسعار للوسيط
لثقته فيه، وعلى هذا الأساس فان العملاء الذين يرغبون في
التعامل بالأوراق والأسهم المالية يتصلون بالوسطاء، كالبنك اما بالهاتف
193

أو بالفاكس أو يصدرون أوامر البيع وشراء الأسهم
إليهم، والبنك بعد التأكد وتحصيل الاطمئنان والوثوق
بالمسألة ووجود أرصدة لهم عنده يقبل التوسط، ويبدأ
بالاتصال بالبورصة للوقوف والاطلاع على سير الأسعار، فإذا
كانت الأسعار بالنحو المرغوب فيها للعميل، قام بانجاز الشراء
أو البيع من طريق سماسرة الأوراق والأسهم المالية أو ممثل
خاص له.
وبكلمة: ان المستثمر إذا رغب التعامل بالأوراق و
الأسهم المالية في السوق المنظم (البورصة)، فبما انه ليس
بامكانه ذلك من طريق مباشر فيلتجأ إلى ذلك من طريق
الوسطاء (السماسرة) الذين هم مرخصون في القيام بتنفيذ
أوامر عملائهم بيعا وشراء فيه على ضوء الشروط المحددة.
نعم بامكانه التعامل بالأسهم في السوق غير المنظم و
المفتوح من طريق مباشر بدون وسيط، كما أن هناك سوقا آخر
يتم فيه تداول الأسهم في شركات الاستثمار بطريق مباشر، ولا
يتقيد بان يكون من طريق الوسطاء.
194

تكييف عمليات تداول الأسهم من الناحية الشرعية
فهنا مقامات:
1 - عملية تداول أسهم القسم
الأول من الشركات المساهمة:
يمكن تخريج هذه العملية فقهيا وتطبيقها على العقود
الشرعية بما يلي:
الوجه الأول:
ان يتم تداول الأسهم في السوق المالي أو البورصة بين
المتعاقدين عاجلا، بان يلتزم كل منهما بتنفيذ العقود بينهما
حالا بتسليم البائع الأسهم المالية والمشتري ثمنها أو في مدة
195

لا تتجاوز اليوم.
وفي هذه الحالة قد يحتفظ المشتري بها بأمل تحسن
وضع السوق وارتفاع الأسعار، فإذا ارتفعت قام ببيعها ويحقق
بذلك ربحا، وقد يخسر لإنخفاظ الأسعار بسبب قلة الطلب و
كثرة العرض، وعلى كل حال فهذا بيع عاجل بكامل الثمن و
المثمن.
الوجه الثاني:
ان يتم العقد بين المتعاقدين في السوق بتسليم المثمن و
- هو الأسهم - بعد شهر مثلا، وتسلم الثمن عاجلا وفي هذه
الحالة إذا تم العقد بينهما، فعلى المشتري ان يقوم بتسليم الثمن
إلى البائع حالا، وعلى البائع ان يقوم بتسليم الأسهم عند حلول
الأجل، وهذا يكون من بيع السلم ولا إشكال في صحته.
الوجه الثالث:
ان العقد يتم بينهما في أسواق البورصة بتسليم الثمن بعد
شهر وتسليم المثمن عاجلا على عكس الأول، وعندئذ
فيجب على البائع ان يقوم بتسليم المثمن - وهو الأسهم - إلى المشتري
196

حالا وعلى المشتري ان يقوم بتسليم الثمن اليه عند
حلول الموعد، وهذا يكون من عقد النسيئة، ولا ريب في
صحته شرعا.
الوجه الرابع:
ان تتم المبادلة بين الثمن والأسهم بتسليم كل منهما بعد
فترة زمينة محددة، كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر، وحينئذ
فعلى كل من المتعاقدين أن يقوم بالتسليم والتسلم وتصفية
الحساب في الموعد المعين المتفق عليه.
وقد تسأل هل يمكن الحكم بصحة هذه المبادلة و
المعاقدة على الرغم من انه لا يصدق عليها عنوان عقد السلم و
لا النسيئة أو لا؟
والجواب: نعم، يمكن الحكم بصحتها، على أساس ان
صحة العقد لا تتوقف على أن يكون من أحد العقود الخاصة في
الشريعة المقدسة، بل يكفي في صحته ومشروعيته انطباق
عنوان عام التجارة عن تراض عليه، والمفروض انطباق هذا
العنوان على المبادلة المذكورة، وبذلك تكون مشمولة لإطلاق
قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
197

تجارة عن تراض)، فإذا لا مانع من الحكم بصحتها شرعا.
وبكلمة: ان نصوص امضاء المعاملات من الكتاب و
السنة على نوعين:
النوع الأول:
ما يدل على امضاء المعاملات بعناوينها الخاصة، كالبيع و
الصلح والإجارة والمضاربة ونحوها.
النوع الثاني:
ما يدل على الامضاء بعنوان عام، كعنوان العقود والتجارة
عن تراض، وحيث إن ذلك العنوان العام يصدق على هذه
المعاملة، فهي محكومة بالصحة شرعا؛ لأنها معاملة مستقلة و
مشمولة لاطلاق الآية الشريفة.
وقد تسأل: هل للبائع أو المشتري ان يجعل لنفسه خيار
التنازل عن حق الأجل أو لا؟ ونتيجة ذلك: ان المشتري عندما
يرى مؤشرات لهبوط الأسعار في السوق، فيتنازل عن حق
الأجل، ويطلب من البائع تسليم الأسهم المالية المتفق عليها، و
حينئذ فان كانت الأسهم موجودة عنده قام بتسليمها إلى
المشتري، وإلا فيضطر إلى شرائها من السوق بسعر العاجل، و
المشتري يقوم ببيعها قبل موعد التصفية عن طريق وسيط، واما
198

البائع فعندما يرى مؤشرات لارتفاع الأسعار في السوق
فيتنازل عن حق الأجل ويطلب من المشتري تسليم الثمن
المتفق عليه، فإذا تسلم البائع الثمن قام بشراء الأسهم من
السوق بسعر العاجل.
والجواب: انه لا مانع من جعل كل من البائع والمشتري
هذا الخيار لنفسه في ضمن العقد، فإذا جعل كان متمتعا به، وله
ان يقوم باعماله.
وقد تسأل: هل يجوز لكل من البائع والمشتري ان
يجعل لنفسه الخيار في عدم تنفيذ المعاملة التي تمت بينهما
آجلا، وفسخها مقابل مبلغ من المال يتم عليه الاتفاق أو لا؟
والجواب: نعم، يجوز ذلك ولا بأس به.
الوجه الخامس:
يجوز شراء الأسهم معجلة بسعر وموجلة بسعر آخر،
كما هو الحال في سائر السلع والبضائع.
الوجه السادس:
ان شراء الأسهم قد يكون بكامل الثمن، بان يدفع
199

المستثمر تمام قيمة الأسهم المالية إلى البائع، وهذا النوع من
المعاملة قليل التداول في الأسواق والبورصات؛ إذ الغالب فيها
التأجيل، فالذي يجري في أكثر تلك الأسواق، هو ان المستثمر
يفتح حسابا مع الوسطاء كالسماسرة، مثل الحساب الجاري في
البنك، يودع فيه المبلغ الذي يرغب في أن يستخدمه الوسيط
لشراء الأسهم، والأوراق المالية لصالحه، ويودع الوسيط ما
يحصل للمستثمر من الأرباح والفوائد في حسابه، وحكم هذا
النوع إذا كان الشراء بكامل الثمن أو من حسابه الجاري عند
الوسطاء هو الصحة.
وقد يكون الشراء بجزء من الثمن، بان يدفع المشتري
جزء من الثمن للبائع ويستدين الباقي من السماسرة أو من
مصادر تحويل أخرى لهذا الغرض، والجزء الذي يعين على
المستثمر توفيره من الأول لشراء الأسهم يطلق عليه بالهامش،
ولذلك يسمى هذا الشراء الشراء بالهامش، وتختلف نسبة
الهامش من بورصة إلى بورصة أخرى، بل في بورصة واحدة
تختلف من فترة إلى أخرى، وقد تمثل النسبة في بورصة أو في
فترة من بورصة واحدة 60 % من قيمة السهام، وقد تمثل 40 %
من قيمة السهام وهكذا، مثال ذلك مستثمر اشترى مائة سهم
200

كل سهم بمائة دولار مثلا، ودفع للسماسرة ستة آلاف دولار
فقط، واقترض منه أو من مصدر آخر الباقي من الثمن أربعة
آلاف دولار بالفائدة، وحينئذ يحتفظ السماسرة بالأسهم رهينة
على الدين، فالهامش الابتدائي في المثال هو 60 %، وإذا
انخفضت الأسعار وأصبحت قيمة كل سهم ثمانين دولارا،
صارت قيمة مجموع السهام ثمانية آلاف دولار، ارتفعت نسبة
القرض من السماسرة إلى مجموع الثمن 50 % والهامش 50 %،
فما هو حكم هذا النوع من الشراء من الناحية الشرعية؟
والجواب: ان حكمه الجواز من وجهة النظر الشرعية؛ إذ
لا مانع من التداول بالأسهم بهذه الطريقة والكيفية في أسواق
المال والبورصات شرعا، شريطة ان لا تكون الأسهم من أسهم
الشركات المحظورة من الناحية الشرعية. نعم يحرم عليه
الاقتراض بالفائدة؛ لأنه ربا ومحرم.
الوجه السابع:
البيع القصير، ونريد به بيع أسهم في فترة قصيرة، حيث
يتم شراؤها مرة أخرى.
بيان ذلك: ان المستثمر عندما يتوقع ويتكهن بسبب أو
201

آخر ارتفاع أسعار الأسهم في السوق في وقت لاحق، فيقوم
باقتراض عدد من الأسهم من الشركات أو ممثليها في السوق
بواسطة الوسطاء ويحتفظ بها، فإذا ارتفعت أسعارها وتحققت
توقعاته قام ببيعها بالسعر السائد في السوق، ثم يعيد شراءها منه
عندما انخفضت الأسعار، وبعد ذلك يرجع السهام إلى صاحبها
الأصلي تسديدا للقرض، ويستفيد المستثمر من خلال هذه
العمليات من الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء، والوسيط من
أرباح الأسهم للشركة في الفترة ما بين العمليتين، مضافا إلى ما
يحصل عليه مقابل خدماته الإدارية، والمالك المقرض للأسهم
من نسبة ربح العمليتين بدون ان يتحمل أي مخاطرة، فلو اتفق
انخفاض الأسعار على خلاف ما تكهن المستقرض، فان
المستقرض وحده يتحمل مخاطرة هذا التصرف وخسارته.
والخلاصة ان هاهنا عمليتين:
الأولى: عملية القرض.
الثانية: عملية البيع والشراء في فترة قصيرة.
اما حكم عملية القرض من الناحية الشرعية فعدم الجواز،
على أساس انها قرض ربوي وهو محرم شرعا.
واما حكم عملية البيع من وجهة النظر الشرعية فالجواز و
202

الصحة.
ودعوى ان صحة هذه العملية بيعا وشراء، تقوم على
أساس أن تكون عملية عقد القرض صحيحة حتى يكون
المستثمر مالكا للأسهم المقترضة، وحيث إن العملية ربوية
فلا تصح، وبالتالي لا يكون المستثمر مالكا للأسهم، مدفوعة
بان أصل عقد القرض صحيح شرعا، والباطل انما هو الربا أي:
مقدار الزيادة، وعلى هذا فلا مانع من صحة البيع والشراء.
ثم إن السمسار إذا قام بعملية البيع والشراء بعد قبض
السهام من المقرض، فلا اشكال في الصحة، واما إذا قام
بالعملية قبل القبض فهل تصح أو لا؟
والجواب: انها لا تصح، على أساس ان صحة القرض
متوقفة على القبض، وما لم يقبض السهام وكالة عن المستثمر
لم يكن المستثمر مالكا لها، وعندئذ يكون هذا البيع من بيع ما
لا يملك وهو باطل، إذا لم يكن البيع على ما تعهد به السمسار
في الذمة، وإلا فهو صحيح.
ثم إن التراضي بين المتعاملين في الأسواق أو البورصات
موجود بتصرف كل واحد منهم في مال الآخر بموجب قوانينها
وأنظمتها التأسيسية وان كانت المعاملات الواقعة بينهم باطلة
203

من وجهة النظر الشرعية، والمقام داخل في هذه الكبرى على
تقدير بطلان البيع.
الوجه الثامن:
البيع الطويل، ونريد به شراء الأسهم بدافع الاحتفاظ بها،
بأمل ان يحصل على الأرباح من الشركة أو يقوم ببيعها إذا
ارتفعت أسعارها، وحكم هذا النوع من البيع من الناحية
الشرعية الجواز وان كان بغرض المشاركة والمساهمة في
الشركة، على أساس ما مر من أنه لا مانع من المشاركة في
الشركة التي تتقيد بتعاملاتها على الحلال ولا تتعامل بالحرام.
الوجه التاسع:
قد تسأل: هل يجوز للبائع أن يقوم ببيع الأسهم التي
اشتراها قبل أن يقبضها أو لا؟
والجواب: نعم، يجوز إذا لم يكن المبيع من المكيل أو
الموزون، واما إذا كان منه فلا يجوز إلا برأس ماله.
وقد تسأل أن البائع قد يقوم ببيع الأسهم للعميل قبل ان
يشتريها من الشركة المصدرة لتسليم شهر مثلا، ولكنه في وقت
204

التسليم والتحويل يقوم بشرائها بغرض تسليمها إلى المشتري
، فما هو حكم هذا البيع من الناحية الشرعية؟
والجواب: أن بيع المعدوم بما هو معدوم وان كان غير
معقول وغير عقلائي، واما بيع شيء موجود في وقت التسليم
والتحويل، ولكنه كان معدوما في وقت انشاء العقد فهل هو
جائز أو لا؟ الأظهر الجواز؛ إذ لا مانع من انشاء ملكية الأسهم
التي كان يملكها في وقت متأخر من الآن في ذلك الوقت، ثم
يقوم بتسليمها المبيع، ولا يلزم منه محذور، وانفكاك زمان
المنشأ والمجعول عن زمان الإنشاء والجعل امر اعتيادي ولا
محذور فيه، على أساس ان فعلية المنشأ تتوقف على فعلية
موضوعه في الخارج، ولا ترتبط بالإنشاء.
وبكلمة: ان المنشأ - بوجوده الانشائي - يستحيل ان
ينفك عنه، باعتبار انه عين الإنشاء، فلا اثنينية بينهما، واما
بوجوده الفعلي فلا مانع منه، ولهذا يكون للحكم مرتبتان:
إحداهما: مرتبة الانشاء والجعل، والأخرى: مرتبة
المنشأ والمجعول، وهي مرتبة فعليته التي توجد بوجود
موضوعه في الخارج لا بوجود الإنشاء، هذا إضافة إلى أن
المتعارف والمرتكز في مثل ذلك، هو ان البائع يبيع الأسهم
205

التي تعهد بتسليمها بعد شهر والمشتري يقوم بشراء ما تعهد به
من الأسهم، وحينئذ فلا اشكال في صحته.
والخلاصة: ان الشركة المساهمة إذا كانت من القسم
الأول جازت المساهمة والمشاركة فيها بقصد العضوية و
الاستفادة من أرباحها التي تحصل عليها، وكذلك يجوز شراء
أسهمها بدافع التداول والإتجار بها كسلع في الأسواق المالية أو
البورصات من يد إلى يد والاستفادة من فوارق الأسعار التي
تطرأ عليها يوميا لسبب أو آخر.
2 - عملية تداول أسهم القسم
الثاني من الشركات المساهمة
تقدم انه لا تجوز المساهمة والمشاركة في هذا القسم من
الشركات التي يكون رأس مالها حراما أو مخلوطا بالحرام
باكتتاب أسهمها وشرائها بغرض العضوية، على أساس ان
السهم جزء من رأس المال وهو حرام أو مخلوط به، فلا يجوز
شراؤه، وكذلك لا تجوز عملية تداول أسهمها في الأسواق
بغرض الاستثمار والاتجار بها من يد إلى يد، والاستفادة من
فوارق أسعارها، باعتبار ان كل سهم من أسهمها يمثل جزء من
206

رأس مالها، وحيث انه حرام أو مخلوط بالحرام، فلا يجوز
التصرف فيه بالبيع والشراء، كما لا يجوز التعامل بها على
الحرام.
3 - عملية تداول أسهم القسم
الثالث من الشركات المساهمة
مر انه لا يسوغ المساهمة والمشاركة في هذا القسم من
الشركات أيضا، على أساس انها لا تتقيد بتعاملاتها في حدود
الحلال، وتقوم بالأعمال الاستثمارية من طريق الحلال و
الحرام.
وهل يجوز تداول أسهمها في أسواق البورصة بالبيع و
الشراء لا بدافع العضوية والاستفادة من أرباح الشركة، بل
بدافع الاتجار بها كسلع في السوق والاستفادة من فوارق
أسعارها التي تعرض عليها يوميا أم لا؟
والجواب: لا يجوز؛ لسببين:
الأول: ان المشتري للأسهم بصرف الشراء أصبح من أحد
الأعضاء المساهمين للشركة تلقائيا بموجب قوانينها الصارمة
وان كان غرضه من الشراء بيعها كسلع للاستفادة من الفرق بين
سعر الشراء وسعر البيع لا العضوية، وقد سبق انه لا تجوز
207

المساهمة فيها ولو بفترة زمنية يسيرة، على أساس ان
المعاملات الواقعة في الشركة في هذه الفترة من المعاملات
المحرمة أو المحللة فهو شريك فيها.
الثاني: ان السهم يمثل جزء من رأس مال الشركة، و
رأس مالها في مرحلة تكوينها وان كان حلالا، الا انه بدأ
بالاختلاط بالحرام من لحظة شروع الشركة بالتعامل و
الاستثمار الخارجي، على أساس انها - بحسب نظامها التقليدي
- تتعامل بالحلال والحرام كالربا والخمور وغيرهما، ولا
تتقيد بالحلال، فمن اجل ذلك لا يجوز التعامل بأسهمها كسلع
في الأسواق والبورصات؛ لان التعامل بها - بموجب انها جزء
من رأس مالها - تعامل بالمال المختلط بالحرام.
ودعوى: ان قيمة الأسهم بعد عملية الاكتتاب في الشركة
بقيمتها الأسمية يحددها السوق، ولم تبق لتلك القيمة بعد
الاكتتاب أية أهمية، فان قيمتها في السوق قد تصل إلى اضعاف
قيمتها الأسمية المحددة، وقد تصل دونها بل إلى جزء بسيط
منها، وهذا يدل على أن قيمتها في الأسواق لا ترتبط برؤس
أموال الشركة.
مدفوعة: بان ارتفاع قيمة الأسهم أو انخفاضها في
208

الأسواق مرتبط بارتفاع مالية الشركة أو انخفاضها بشكل مباشر
، وذلك لان الارتفاع أو الانخفاض فيها مرتبط بعدة عوامل:
الأول: قوى العرض والطلب.
الثاني: المركز المالي للشركة، فإن كان قويا ارتفعت
أسعار أسهمها، وإلا انخفضت.
الثالث: ديون الشركة كثرة وقلة، وعلى هذا فالسهم إذا
ارتفعت قيمته في السوق، فمعنى ذلك ان مالية الشركة قد
زادت، وحيث إن الشركة لا تتقيد بان تتعامل في حدود الحلال،
فلا محالة اختلط رأس مالها بالحرام، فاذن لا يجوز التعامل به؛
لأنه من التعامل بالمال المختلط بالحرام وهو غير جائز.
يتلخص: ان الشركة المساهمة إذا كانت تتقيد - بموجب
أنظمتها التأسيسية - على أن لا تتعامل الا في حدود الحلال جاز
الدخول في عضويتها والمساهمة فيها والاستفادة من أرباحها
التي تدر عليها، وكذلك يجوز تداول أسهمها بيعا وشراء كسلع
في الأسواق والبورصات بغرض الاتجار بها والاستفادة من
فوارق أسعارها، وإذا كانت لا تتقيد - بموجب قراراتها التقليدية
- بان تتعامل في الحلال وأنها حرة في القيام باستثماراتها من
طريق الحلال والحرام، لم يجز الدخول فيها والمساهمة، ولا
209

تداول أسهمها للإتجار بها كسلع في السوق، بلا فرق في ذلك
بين ان يكون رأس مالها من بدء تكوينها حراما أو حلالا كما مر.
وقد تسأل: ان المستثمر إذا لم يعلم أن ما اشتراه من
الأسهم هل هو من أسهم القسم الأول من الشركة المساهمة أو
من الثاني أو الثالث فماذا يصنع؟
والجواب: انه يجوز ما لم يعلم بوجود الحرام ولا قيمة
للشك.
نعم، إذا علم اجمالا بان الأسهم التي تباع في السوق منها
أسهم محرمة فحينئذ إذا لم يكن جميع أطراف العلم الاجمالي
مورد ابتلائه، بمعنى: ان ما يكون مورد ابتلائه كان واثقا و
مطمئنا بعدم وجود الحرام فيه، جاز له الشراء والبيع في ذلك
المورد، وإلا فلا.
هذا كله في الأسهم العادية، واما إذا كان بعض أسهم
الشركة عادية وبعضها ممتازه، وحينئذ فإن كان امتيازها في
نسبة الربح الذي تحصل عليه الشركة، بان يجعل من الربح
حصة أصحاب الأسهم الممتازة بنسبة 10 % من قيمة السهم، و
حصة أصحاب الأسهم العادية بنسبة 5 % من القيمة، فلا بأس
بهذا الامتياز إذا كان ذلك بالجعل والقرار في عقد الشركة بنحو
التراضي، وعلى هذا فالأرباح تقسم على الأعضاء من الصنفين
210

بنسبة متفاوتة، وان كان امتيازها بان أصحاب الأسهم الممتازة
يحصلون على نسبة معينة من القيمة الاسمية لأسهمهم 10 %
مثلا من صافي الأرباح، وقبل توزيع اي ربح على بقية الأسهم
الأخرى العادية، ثم يوزع ما تبقى من الأرباح بعد ذلك اما على
الأسهم العادية فقط أو على كل الأسهم من العادية والممتازة، و
لهذا قد يتفق ان لا يبقى من الربح ما يوزع عليهما، ففيه ان ذلك
غير صحيح، حيث إنه على خلاف مقتضى عقد الشركة، فان
مقتضاه ان كل عضو من أعضائها شريك في الربح بنسبة سهمه
بنحو الإشاعة، ولا يمكن تصحيح ذلك بنحو شرط النتيجة؛
لأن صحة شرط النتيجة من أصحاب الأسهم الممتازة على
الشركة متوقفة على أن تكون الأرباح ملكا لها ابتداء لا لكل من
المساهمين، ولكن الامر ليس كذلك، فان الأرباح تدخل في
ملكهم من البداية، والشرط المذكور لا يقتضي دخول ما يكون
ملكا لهم في ملكهم في طول دخوله في ملك هؤلاء لا ابتداء،
الا إذا كان هذا الشرط منهم عليهم في عقد الشركة وهو بعيد.
هذا كله في احكام الأسهم المالية في الشركات المساهمة
المؤسسة في البلاد الاسلامية، أو كانت رؤوس أموالها من
المسلمين.
211

الشركات المساهمة في البلاد الأجنبية غير الإسلامية
وهي على أقسام:
1 - أن تكون الشركة قائمة على الإستثمارات المحرمة
فقط، كتوليد الخمور وأنواع المسكرات المشروبة والتعامل
بالربا.
2 - أن تكون قائمة على الإستثمارات المحللة والمحرمة
معا.
3 - أن تكون قائمة على الإستثمارات المحللة فقط،
كشركة الكهرباء المساهمة والنفط والمعادن ونحوها من
الشركات الزراعية والتصنيعية والانشائية، شريطه اقتصارها
على اعمالها المحددة.
212

حكم المساهمة في هذه الشركات من الناحية الشرعية:
لا تجوز المساهمة والمشاركة في القسم الأول بشراء
أسهمه والقيام بعملياته الاستثمارية المحرمة، ولا في القسم
الثاني بنفس الملاك. نعم تجوز في القسم الثالث ومزاولة
اعماله والقيام بنشاطاته.
حكم التداول والاتجار باسهم هذه الشركات
كسلع من وجهة النظر الشرعية:
لا يجوز شراء أسهم القسم الأول والثاني، لان المشتري
بصرف الشراء أصبح من المساهمين في الشركة، والمشاركين
في تكوين اعمالها الاستثمارية المحرمة، وذلك غير جائز.
نعم بامكانه التخلص من ذلك، بجعل الشراء وسيلة
للاستيلاء على الأسهم منهما واخذها استنقاذا لا أخذها شراء،
فإذا أخذها كذلك، جاز له ان يقوم ببيعها في الأسواق والاتجار
بها والاستفادة من فوارق أسعارها، واما أسهم القسم الثالث فلا
اشكال في جواز شرائها والتداول بها بيعا وشراء في السوق
بغرض الاستفادة من فوارق الأسعار.
213

نذكر فيما يلي نتائج البحث:
1 - تجوز المساهمة والمشاركة في الشركات التي تتقيد
بموجب قراراتها التأسيسية بأن لا تتعامل الا في حدود دائرة
الشرع بغرض الاستفادة من أرباحها التي تحصل عليها. كما
يجوز شراء اسهمها بدافع التداول والاتجار بها بيعا وشراء في
السوق كسلع والاستفادة من فوارق الأسعار التي تعرض عليها
يوميا.
2 - لا تجوز المساهمة والمشاركة في الشركات التي لا
تتقيد بالتعامل في حدود شرع الله تعالى، كما لا يجوز شراء
اسهمها بغرض الأتجار بها كسلع.
3 - يجوز تداول الأسهم في الأسواق مباشرة أو بواسطة
الوسطاء بكل اشكال البيع والشراء من العاجل أو الآجل أو
السلم.
4 - يجوز شراء الأسهم من السوق لتسليم الثمن والمثمن
لفترة زمنية محددة كشهر أو شهرين أو أقل.
5 - يجوز قيام البائع ببيع الأسهم في السوق لتسليم شهر
قبل ان يشتريها من الشركة، وحين حلول الشهر يشتريها و
يسلمها إلى المشتري وقد تقدم وجه ذلك.
214

السندات وأنواعها
1 - سندات الدولة تصدرها في الأسواق لتمويل الانفاق
العام.
2 - سندات الهيئات العامة كالبنوك الدولية، فإنها تصدرها
بدافع تمويل مشاريعها.
3 - سندات الهيئات الخاصة كالبنوك المحلية رسمية
كانت أم غير رسمية.
4 - سندات المؤسسات الحكومية الخاصة التي تصدرها
لتمويل مشاريعها والانفاق عليها.
5 - سندات الشركات التجارية أو الصناعية أو الخدمية أو
غيرها.
215

تعريف السند:
هو صك يمثل جزء من المال المحدد في ذمة الجهة
المصدرة ووثيقة عليه.
جدول المفارقة والمشاركة بين السند والسهم
المشاركة:
1 - يشترك السند مع السهم في تساوي القيمة الاسمية
لكل فئة.
2 - يشترك في القابلية للتداول في الأسواق المالية.
3 - يشترك في عدم القابلية للتجزؤ والتقسيم.
المفارقة:
1 - ان السند يعتبر شهادة ووثيقة دين على الشركة وليس
جزء من رأس مالها، بينما يعتبر السهم جزء من رأس مالها.
2 - صاحب السند يحصل على فائدة ربحت الشركة أم
خسرت، بينما صاحب السهم يحصل على فائدة إذا ربحت
الشركة ويخسر إذا خسرت.
216

3 - صاحب السند لا يشارك أصحاب الشركة في ادارتها،
باعتبار انه ليس من أحدهم، بينما كان صاحب السهم يشاركهم
في الإدارة، باعتبار انه من أحد الشركاء.
الاتجار بالسند:
السند - كسائر السلع - تتغير أسعاره بتغير أوضاع السوق
هبوطا وصعودا، فإذا رغب رجال الاعمال والمستثمرون على
شرائها بغرض الاستثمار والربح من الفرق بين سعر الشراء و
سعر البيع اتصلوا بالوسطاء في السوق كالبنك أو السماسرة، و
الوسيط بعد التأكد وجدية الامر ووجود أرصدة مالية لهم عنده
، يبدأ بالاتصال بالبورصة للاطلاع على سير الأسعار فيها و
وضع السوق، فإذا كان الوضع بالنحو المرغوب فيه للعميل قام
بانجاز البيع والشراء.
وهاهنا مسألتان:
الأولى: مسألة تداول السندات وتبادلها من وجهة النظر
الشرعية.
الثانية: مسأله أخذ الوسيط العمولة على ذلك من الناحية
الشرعية.
217

اما المسألة الأولى فبامكاننا تفسيرها على أساس امرين:
الأول: ان عملية تبادل السندات وتعاطيها تقوم على
أساس عقد القرض، فان الجهة المصدرة للسند التي تصدره
بقيمة اسمية محددة - نفرضها مائة دولار وتبيعه مؤجلة إلى
ستة أشهر مثلا 95 دولارا نقدا - تمارس في الحقيقة عملية
الاقتراض، اي انها تقترض 95 دولارا نقدا بمائة دولار مؤجلة،
وتدفع إلى المقرض السند على أساس انه وثيقة دين، وفي
نهاية المدة تعتبر ما دفعته من الزيادة (خمسة دولارات) فائدة
ربوية على القرض.
وعلى هذا فلا يجوز تداول السندات لأنه في الواقع
تداول قرض ربوي.
الثاني: ان هذه العملية تقوم على أساس عقد البيع و
الشراء بتأجيل المثمن إلى وقت معين، وذلك لان الجهة
المصدرة للسند في المثال تقوم ببيع مائة دولار مؤجلة إلى ستة
اشهر بخمسة وتسعين دولارا نقدا، والمعتبر في البيع ان يكون
الثمن والمثمن مختلفين، والفرض انهما مختلفان في المقام؛
فان الثمن عين خارجية والمثمن امر كلي في الذمة، وهذا
المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع.
218

ودعوى: ان تفسير هذه العملية بالبيع تغطية لفظية فقط؛
لأنها في طبيعتها الواقعية قرض، فان ملاك القرض هو ان يملك
شخص مالا من شخص وتصبح ذمته مشغولة بمثله، وهذا هو
تماما ينطبق على عمليات بيع وشراء السندات.
مدفوعة: بان مفهوم البيع يختلف عن مفهوم القرض،
فان مفهوم البيع تمليك عين بعوض، ومفهوم القرض تمليك
عين على وجه الضمان بمثلها، وعلى هذا فان قصدت الجهة
المصدرة تمليك ما في ذمتها من المبلغ بعوض خارجي، فهو
بيع وان كانت نتيجته نتيجة القرض وان قصدت تملك شيء
بالضمان بمثله فهو قرض.
والخلاصة:
ان عملية تبادل السندات وتداولها في الأسواق المالية أو
البورصات لا يبعد أن تكون قائمة على أساس عملية البيع و
الشراء، بان تقوم الجهة المصدرة للسندات ببيع قيمتها في
الذمة إلى اجل بعين خارجية، لا على أساس عملية القرض، بان
تجعل السند وسيلة لان تقترض مبلغا على وجه الضمان بمثله
إلى مدة محددة، ويكون السند بمثابة الوثيقة على القرض،
ومع ذلك فالاحتياط في المسألة لا يترك.
219

نعم، ان بإمكاننا التخلص عن فكرة ان هذه العملية مجرد
تغطية لفظية عن عملية القرض إلى فكرة أخرى، وهي القيام
بعملية تبادل السندات وتداولها بعملات أجنبية، فإذا كانت
قيمة السند بعملة محلية كالدينار مثلا تبيعها بعملة أجنبية
كالدولار أو التومان تزيد قيمتها على الدنانير بحسب أسعار
الصرف بمقدار الفائدة، ولا اشكال في أن هذه العملية عملية
بيع واقعا وصورة.
واما المسألة الثانية فإن كان قيام الوسيط بدور التوسط في
بيع وشراء السندات المالية في الأسواق جائزا شرعا، فمن حقه
ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور؛ لأنها اجرة على العمل
السائغ.
نعم لو كانت هذه العملية بطبيعتها عملية اقتراض
وان كان بصورة البيع والشراء لم يجز قيام الوسيط بهذه الدور؛
لان العملية حينئذ غير مسموح بها شرعا، فلا يجوز له ان
يتقاضى عمولة عليها، ولا فرق في ذلك بين أنواع السندات
التي يتعامل بها في الأسواق المالية أو البورصات.
ثم إن هناك طرقا أخرى للتخلص من مظنة الربا في تبادل
السندات وهي كما يلي:
220

أما في السندات الحكومية:
فبامكان المستثمر حينما يتسلم السند من الجهة
الحكومية أن ينوي تسلمه كوثيقة على الدين غير ربوي،
ولا ينوي الزيادة كشرط وان علم أن الحكومة ملتزمة
بذلك، فإذا تسلم الزيادة تسلم بعنوان المال المجهول مالكه
أو مال لا مالك له، وعلى الأول يتصدق بمقدار نصفها أو ثلثها
للفقراء.
وأما في سندات الشركات الأهلية:
فحيث ان المستثمر يعلم بان صاحب الشركة متعهد بدفع
الزيادة له على كل حال ومن طيب نفسه بموجب قوانين
الشركة الصارمة عند حلول الأجل، فبامكانه التخلص من الربا
بعدم اشتراطها عليه في أعماق نفسه، بمعنى ان يكون جادا في
التزامه نفسيا بعدم المطالبة بها إذا لم يدفعها لسبب أو آخر، و
حينئذ فإذا دفعها اليه جاز له اخذها بملاك أنه يرضى بالتصرف
فيها، واما في سندات الشركات المشتركة بين الحكومية و
الأهلية فيمكن له التخلص من الربا فيها بنفس الطريقة في
السندات الحكومية فقط.
221

سندات المقارضة (المضاربة)
وهي صكوك استثمارية مثل كل صك منها جزء من رأس
مال المضاربة بنحو المشاع، ومن يملك من هذه الصكوك و
السندات صكا أو صكين أو أكثر، فهو يملك بقدره من رأس
مال المضاربة وشريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة
المحددة له، وعلى ذلك فيجوز بيع هذه السندات والصكوك
في الأسواق المالية وشرائها، ولا مانع من ذلك؛ لان كل من
يملك من رأس مال المشروع بنسبة مئوية معينة، فله ان يبيع ما
يملكه من النسبة، على أساس ان صكوك المقارضة (المضاربة)
قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب، وحينئذ فإن كان
البيع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال اعتبر
المعاملة نقدا بنقد، باعتبار ان رأس ماله لا يزال نقودا، ولا مانع
من ذلك؛ لان المغايرة بين الثمن والمثمن موجودة؛ لان الثمن
نقد خارجي معين والمثمن نقد خارجي مشاع، ولا فرق بين
ان يكونا متساويين أو متفاضلين وان كان بعد المباشرة في
العمل، وحينئذ قد يكون المثمن عينا خارجية وقد يكون دينا
وقد يكون مركبا منهما فقط وقد يكون مركبا منهما ومن النقد
جميعا، فان البيع وشراء الصكوك في تمام هذه الصور صحيح
222

شرعا، شريطة أن تكون المضاربة على المعاملات المشروعة
في شرع الإسلام.
223

التعامل في الأسواق المالية
(البورصات)
225

التعامل في الأسواق المالية والبورصات بما يلي:
1 - النقود الذهبية والفضية.
2 - النقود الورقية.
3 - السلع.
4 - الطعام.
227

1 - النقود الذهبية والفضية
التعامل بالنقود الذهبية والفضية في السوق ان كان ببيع
الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فالمعتبر فيه امر واحد وهو
التماثل بين الثمن والمثمن وعدم زيادة أحدهما على الآخر، و
اما التقابض بينهما في مجلس العقد فالأظهر عندي عدم
اعتباره، وهذا بلا فرق بين ان يكونا مسكوكين، وان كان ببيع
الذهب بالفضة والفضة بالذهب، فالمعتبر فيه أمر واحد وهو
التقابض في المجلس، فلو افترق البائع والمشتري قبل القبض
بطل البيع، فلا يجوز حينئذ تصرف كل منهما في مال الآخر، إلا
إذا كان بينهما التراضي على ذلك، حتى إذا كان البيع باطلا، واما
التساوي في الكمية فهو غير معتبر فيه، وان كان ببيع الذهب أو
228

الفضة بالنقود الورقية، فلا يعتبر فيه شيء من الأمرين، على
أساس ان احكام الصرف لا تترتب على النقود الورقية.
229

2 - النقود الورقية
التعامل بالنقود الورقية ان كان من طريق البيع والشراء
النقدي لمختلف العمولات، فلا اشكال فيه من الناحية
الشرعية، وان كان من طريق البيع والشراء سلما أو مؤجلا
لتسليم أسبوعين أو شهر مثلا فأيضا لا اشكال في صحته شرعا،
لا من ناحية الربا، باعتبار ان هذا التعامل انما هو على أساس
عملية البيع والشراء، لا على أساس عملية القرض والاقتراض،
ولا من ناحية احكام الصرف؛ لأن احكام الصرف - كاعتبار
التقابض في المجلس أو التماثل بين العوضين - لا تجري على
النقود الورقية.
وقد يتم التعاقد بينهما من طريق التحويلات البريدية أو
230

البرقية أو السفاتج (الحوالات) وأكثر التعامل في سوق الورق
النقدية يتم من الخارج، واما تكلفة الارسال فهي على حسب
الاتفاق الواقع بين المتعاقدين، ولا فرق في الصحة بين ان
يكون التعامل بالمباشرة أو بالحوالة من الخارج، وقد يتم
تداول العملات في البورصة بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا بتسليم
شهر مثلا، وهل تصح هذه العقود من الناحية الشرعية أو لا؟
والجواب: نعم، انها تصح كما مر، لا بملاك انها من
مصاديق العقود الخاصة، لما عرفت من أنها ليست من
مصاديقها، بل بملاك انها من مصاديق التجارة عن تراض، و
عليه فتكون مشمولة لاطلاق قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض)، بل لا يبعد
كونها مشمولة لاطلاق قوله تعالى: (أوفوا بالعقود).
هذا إضافة إلى وجود التراضي بينهما في تصرف كل
منهما في مال الآخر حتى ولو كان العقد باطلا بموجب قوانين
السوق الصارمة.
231

3 - السلع
التعامل بأنواع السلع الخارجي في أسواق البورصة و
غيرها كالأقمشة والمواد الانشائية والكهربائية والتصنيعية و
غيرها، ويمكن تكييفه بأحد الانحاء التالية:
1 - يتم التعامل بكمية محددة من تلك الأنواع بأوصافها
المعينة وشروطها الخاصة بعقود معجلة ثمنا ومثمنا.
2 - يتم التعامل بها بالبيع والشراء بعقود نقدا ثمنا و
مؤجلة مثمنا، بان يتم الاتفاق بين البائع والمشتري بتحويل
المبيع بعد عشرة أيام أو أسبوعين أو أكثر.
3 - يتم التعامل بها بعقود معجلة مثمنا ومؤجلة ثمنا، ولا
اشكال في صحة هذه العقود باقسامها الثلاثة.
232

4 - يتم التعامل بها بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا، وقد تقدم
ان هذه العقود وان لم تكن مشمولة لأدلة الامضاء الخاصة، الا
انها مشمولة لاطلاق قوله تعالى: (الا أن تكون تجارة عن
تراض) بل لا يبعد أن تكون مشمولة لاطلاق قوله تعالى:
(أوفوا بالعقود).
هذا إضافة إلى وجود التراضي بينهما حتى فيما إذا كانت
المعاملة باطلة.
وقد تسأل: انه إذا قام الشخص ببيع سلع في السوق
لتسليم شهر بدون ان يكون مالكا له حين البيع، ولكنه إذا حل
الاجل اشتراه من السوق وسلمه إلى المشتري، فهل هذا البيع
صحيح أو لا؟
والجواب: ان بيع ما لا يملك وان كان باطلا في نفسه،
ولكن البائع إذا كان يملك المبيع عند حلول الأجل وقادرا على
تحويله إلى المشتري في وقته، فبالامكان تصحيح ذلك بأحد
وجهين:
الأول:
ما تقدم من أنه لا مانع من أن يقوم شخص بانشاء ملكية ما
يملكه في وقت متأخر من الآن، فيكون الانشاء فعليا والمنشأ
233

متأخرا، ونقصد بالانشاء الوجود الانشائي وهو بطبيعة الحال
يكون فعليا، ولا يتصور فيه التعليق، وبالمنشأ الوجود الفعلي
له بفعلية موضوعه، ومن هنا لا محذور في تأخر المنشأ عن
الانشاء، باعتبار انه يتوقف على فعلية موضوعه في الخارج.
الثاني:
الظاهر أن البائع في مثل هذه الحالة يبيع ما تعهد على
نفسه، والمشتري يقوم بشراء ما تعهد به لا المعدوم في
الخارج، هذا إضافة إلى أن كلا منهما كان يرضى بتصرف الآخر
في ماله حتى إذا كان البيع باطلا شرعا كما مر.
234

4 - الطعام
التعامل بالطعام كالحنطة والشعير والأرز ونحوها، فإن كان
الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والشعير بالحنطة و
هكذا، اعتبر فيه التماثل حتى إذا كان أحد العوضين أجود من
الآخر، فلا يجوز بيع خمسين كيلوا من الحنطة الجيدة بستين
كيلوا من الحنطة الرديئة وان كانتا متساويتين في القيمة، ولا
فرق في ذلك بين ان يكون التعامل بالعقود المعجلة أو المؤجلة
، وان كان التعامل بها بالنقود الورقية أو الذهبية أو الفضية فلا
اشكال فيه سواء أكان بالعقد العاجل أم الآجل، بل يجوز ذلك
حتى إذا كان كل من الثمن والمثمن مؤجلا؛ لما مر من أن مثل
هذه المعاملة صحيحة في نفسها بلحاظ انطباق عنوان التجارة
عن تراض عليها.
235

سوق الاختيارات أو البيع والشراء بالخيار
نريد به حق شراء أو بيع أسهم أو سلع في فترة زمنية
محددة بسعر متفق عليه بين البائع والمشتري سلفا، ويكون
من له هذا الحق مخيرا بين امرين، اما ان يقوم بعملية صفقة البيع
أو الشراء، أو لا يقوم بها.
وهذا الاتفاق يكون بين البائع والمشتري على الأسس
التالية:
الأول:
ان يقوم البائع باعطاء مشتريه حق شراء عدد من أسهمه أو
سلعه بسعر معين متفق عليه مسبقا يسمى سعر الممارسة خلال
فترة زمنية محددة، كستة اشهر مثلا.
236

الثاني:
ان المشتري يدفع ثمن حق الخيار فقط إلى البائع دون
ثمن الأسهم أو السلع، باعتبار انه لم يقدم على شرائها بعد،
وانما يأخذ التصميم على الشراء أو عدمه خلال تلك الفترة،
وهي فترة الخيار لسبب أو آخر، وثمن حق الخيار لا يقل عن
10 % من القيمة السوقية للسهم أو السلعة.
الثالث:
ان يكون الحق للمشتري في تنفيذ عملية شراء الأسهم
بنفس القيمة السوقية المتفق عليها خلال فترة الخيار، سواء
ارتفعت قيمتها بعد ذلك أم لا، ويلزم على بائعه ان يقوم ببيع
تلك الأسهم أو السلع عند طلب المشتري إياه خلال تلك
الفترة، وإذا لم يمارس المشتري حقه في تنفيذ عملية الشراء
إلى نهاية الفترة سقط حقه في ذلك اتوماتيكيا، ويخسر حينئذ
قيمة الخيار فقط التي دفعها مقدما.
الرابع:
لا يحق للبائع ان يتصرف في أسهمه المباع خيارها
بموجب هذا الاتفاق خلال فترة الخيار، ويتعين عليه الاحتفاظ
بأسهمه حتى نهاية الفترة أو حتى ممارسة المشتري حقه في
237

تنفيذ عملية الشراء خلال المدة، والهدف من وراء ممارسة هذا
السلوك الإستثماري وهو شراء حق الخيار أحد عاملين:
الأول: ان بعض المستثمرين يلجأ إلى ممارسة ذلك
السلوك، على أساس ان رأس ماله قليل لا يفي بشراء عدد كبير
من الأسهم أو السلع، فبدلا عن أن يشتري الف سهم قليل بقيمة
خمسين دولارا لسهم واحد بما عنده من المال، يشتري حق
الخيار لشراء عشرة آلاف سهم في فترة محددة بثمن لا يقل عن
10 % من القيمة السوقية ويدفع ثمن الخيار فقط، وحينئذ فإذا
ارتفعت أسعار الأسهم أو السلع قام ببيع حق الخيار من شخص
آخر، ويستفيد من الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، وهكذا
يقوم بالاتجار به والتداول في الأسواق، ويستفيد من الفروق
بين الأسعار.
الثاني: ان المستثمرين إذا توقعوا اتجاه أسعار الأسهم
نحو الارتفاع إلى حد يسمح بتحقق ربح جيد لهم قاموا
بممارسة هذه العملية، مثلا لو توقع المشتري وتكهن ان قيمة
الأسهم ترتفع في المستقبل القريب بنسبة 20 % قام بشراء حق
الخيار لتلك الأسهم خلال فترة محددة، وحينئذ فان ارتفعت
أسعارها بتلك النسبة خلال شهر أو شهرين، فإنه حتما يمارس
238

حقه في تنفيذ عملية الشراء بالسعر المتفق عليه سلفا، ويطالب
البائع بيع أسهمه بذلك السعر له بموجب الاتفاق بينهما و
تعهده بذلك، وإذا كان هذا العقد اي عقد الخيار بواسطة
الوسطاء كما في البورصات الرئيسية كلجنة السوق أو
السماسرة كان الوسيط هو الضامن لوفاء الطرفين بتعهداتهما،
ولو انخفضت الأسعار السوقية بنسبة 20 % فإنه حينئذ حتما
سيفضل عدم القيام بتنفيذ الصفقة وشراء الأسهم تجنبا من
الخسارة بأزيد من قيمة حق الخيار، ومن مميزات شراء حق
الخيار انه يعطي للمشتري الامكانيات التالية:
1 - امكانية تخفيض نسبة الخسارة عن الحد الأقصى، و
هو ما يساوي قيمة الخيار.
2 - امكانية زيادة الربح بنسبة غير محددة طبقا للحد الذي
يصل اليه ارتفاع الأسعار.
3 - امكانية عدم تجاوز الحد الأقصى للخسارة، وهو ما
يدفعه مقدما لقاء حق الخيار، هذا كله بالنسبة إلى خيار
المشتري.
واما خيار البائع فهو عندما يتوقع المستثمر اتجاه أسعار
الأسهم أو السلع نحو الانخفاض بموجب مؤشرات على ذلك،
239

يقوم بعرض أسهمه في السوق للبيع بالخيار على الاعتبارات
التالية:
الأول: انه يتكهن انخفاض قيمة الأسهم السوقية خلال
اشهر قادمة بنسبة 20 % من القيمة.
الثاني: انه لا يرغب في بيع أسهمه بأقل من القيمة السوقية
الحالية وهي خمسون دولارا.
الثالث: انه لو ارتفعت الأسعار السوقية فهو راغب في
بيعها، وإلا فهو يفضل الاحتفاظ بها.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات إذا توقع انخفاض الأسعار
السوقية خلال الأشهر القادمة لجأ إلى شراء حق خيار البيع بثمن
لا يقل عن 10 % من القيمة السوقية، فإذا عرض مائة سهم في
الأسواق للبيع بالخيار بقيمة مائة دولار لسهم واحد، فسيدفع
إلى المشتري الف دولار مقابل ان يعطيه المشتري حق خيار
البيع لمدة ستة اشهر، وحينئذ فان انخفضت الأسعار بنسبة
20 % من القيمة السوقية ووصل سعر سهم واحد ثمانين دولارا
، فان البائع سيقوم حتما بممارسة حقه وتنفيذ بيع أسهمه على
المشتري بالقيمة السوقية المتفق عليها وهي مائة دولار لسهم
واحد تفاديا عن بيعها بالسعر المنخفض، ولو حدث ان ارتفعت
240

الأسعار السوقية على عكس توقعاته فمن حق البائع الاحتفاظ
بأسهمه وعدم القيام ببيعها بالقيمة السابقة وهي أقل من القيمة
الحالية.
241

تكييف حق خيار الشراء من الناحية الشرعية
يمكن تكييف ذلك شرعا على أساس امرين:
الأول:
على أساس عقد البيع، فان المالك المساهم سواء أكان
جهة عامة أم خاصة، بما انه يملك حق بيع أسهمه أو سلعه لكل
من أراد شراءها أو لمشتري خاص أو لمشتري لها بالخيار،
فبامكانه ان يعطي هذا الحق لمن أراد شراءها بالخيار بإزاء ثمن
لا يقل عن نسبة 10 % من القيمة السوقية خلال فترة محددة، فإذا
اتفقا وتعاهدا على أن يكون للمشتري هذا الحق خلال تلك
الفترة مقابل ما دفعه من الثمن تحقق البيع والمبادلة وتمتع
المشتري به، وليس للبائع حينئذ الامتناع والتخلف عن تعهده
242

واعطاء الحق للمشتري إذا طلب منه ذلك خلال الفترة.
وبكلمة: ان تمتع العميل المشتري بحق خيار الشراء
باعطاء المالك المساهم انما يكون على الأسس التالية:
الأول: ان يكون ذلك لقاء عمولة لا مجانا، ويحدد
العمولة بان لا تكون أقل من نسبة 10 % من القيمة السوقية
للسهم أو السلعة.
الثاني: ان تمتعه به يكون في فترة خاصة محددة كستة
اشهر مثلا.
الثالث: ان على العميل فعلا هو دفع ثمن الحق فقط إلى
المالك دون الأسهم أو السلع، فان تصميمه على شرائها أو عدم
الشراء انما يتخذ خلال تلك الفترة.
الرابع: ان المالك متعهد في ضمن عقد الخيار بتنفيذ بيع
الأسهم أو السلع إذا طلب العميل منه ذلك خلال المدة، كما أنه
متعهد بالاحتفاظ بالأسهم أو السلع المباع خيارها وعدم
التصرف فيها حتى نهاية المدة، وحيث إن هذه العمليات
تجري في أسواق البورصة بواسطة الوسطاء، فهم ضامنون
لوفاء كل منهما بتعهداته.
فالنتيجة: انه لا مانع من تكييف ثبوت هذا الحق للعميل
243

على أساس عقد البيع.
الثاني:
يمكن ان يكون ذلك على أساس تنازل المالك عن حقه
لقاء عمولة محددة، فان قبول المالك بيع أسهمه أو سلعه
للعميل خلال فترة زمنية محددة وبسعر معين متفق عليه سلفا
وتعهده به إذا طلب منه ذلك تنازل منه عن حقه، فان له ان لا
يقبل ذلك مجانا، ولا يكون ملزما بقبوله كذلك، وحينئذ
يتقاضى عمولة لقائه.
وبكلمة: ان المالك المساهم إذا قبل بيع أسهمه أو سلعه
من العميل بالخيار في فترة معينة، وتنازل عن حقه في تلك
الفترة، فنتيجته ثبوت هذا الحق للعميل وتمتعه به خلال الفترة
المذكورة، وعندئذ فيجوز شرعا له ان يأخذ عمولة معينة من
العميل لقاء منح هذا الحق.
244

تكييف حق خيار البيع من الناحية الشرعية
يمكن تكييف ذلك شرعا أيضا على أساس امرين:
الأول:
ان يكون ذلك على أساس شراء حق خيار البيع من
العميل، فان البائع بدافع من الدوافع يطلب من العميل ان يعطي
له حق خيار بيع أسهمه أو سلعه منه خلال فترة محددة وبسعر
متفق عليه مقابل عمولة محددة لا تقل عن نسبة 10 % من القيمة
السوقية، فإذا قبل العميل ذلك ووافق عليه تحقق عقد البيع و
تمتع البائع بهذا الحق خلال الفترة، وبموجب هذا الاتفاق
تعهد العميل بالشراء إذا طلب البائع منه ذلك خلال تلك الفترة،
ولا يجوز له شرعا التخلف عنه.
245

الثاني:
ان البائع يدفع إلى العميل مبلغا محددا لقاء تنازل العميل
عن حقه، فان من حقه عدم قبول الشراء مجانا متى طلب منه
ذلك خلال مدة معينة، وله ان يتقاضى منه عمولة لقائه.
فالنتيجة: انه يجوز شرعا للعميل ان يأخذ عمولة لقاء قبوله
الشراء من البائع إذا طلب منه ذلك خلال فترة محددة.
وقيل: ان عقد الاختيار شراء وبيعا يكون نوع من القمار؛
لأن ضابط القمار هو ان يكون كل واحد من المتعاقدين اما
غانما أو غارما، واما البيع الذي أحله الله تعالى فان كل واحد من
المتعاقدين يكون غانما لحصوله على العوض.
والجواب: أولا ان القمار لغة وعرفا مأخوذ من المقامرة
وهي الرهن على اللعب بشيء من الآلات.
نعم، اللعب بالآلة المخصوصة والورق الخاص قمار و
هو محرم شرعا وان لم يكن مع رهن، واما اللعب إذا كان مع
الرهن فهو قمار عرفا وان لم يكن بالآلات المخصوصة، ومن
هنا يطلق عرفا القمار على كل لعب يشترط فيه ان يأخذ الغالب
من المغلوب شيئا، سواء أكان اللعب بالورق أم كان بغيره، ومن
الواضح انه لا يصدق على هذه المعاملة التي يكون كل واحد من
246

المتعاملين فيها اما خاسرا أو رابحا، فان غاية ما يمكن ان يقال:
ان هذه المعاملة معاملة سفهية وغير عقلائية، لا انها قمار و
محرمة شرعا.
وبكلمة: ان القمار الذي ألغاه الاسلام عن الشرع نصا و
روحا انما هو بمعناه العرفي وليس له معنى شرعي في مقابل
ذلك، والمفروض انه بمعناه العرفي لا يصدق على اي معاملة و
ان افترض ان كلا من المتعاملين فيها اما ان يكون غانما أو غارما
لان المأخوذ في القمار الغلبة والرهانة عرفا، وشئ من
الامرين غير مأخوذ في المعاملات.
وثانيا: ان عقد الاختيارات من الناحية النظرية والتطبيقية
كعقد الأسهم والسندات وغيرها، فلا فرق بينهما من هذه
الجهة اما من الناحية النظرية فلان الدافع من وراء جميع هذه
العقود بدون فرق بين عقد الاختيار وغيره هو ان القيمة
الاحتمالية للربح فيها أكبر من القيمة الاحتمالية للخسران،
لوضوح ان المستثمر لا يقدم على التعامل بعقد الاختيار، الا إذا
كان احتمال الربح فيه أكبر من احتمال الخسران كما هو الحال
في غيره.
واما من الناحية التطبيقية، فكما ان في عقد الأسهم أو
السلع أو غيرها قد يخسر البائع ويربح المشتري، وقد يكون
247

الامر بالعكس، وقد لا يربح اي منهما ولا يخسر، فكذلك
الحال في عقد الاختيار، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا،
فاذن لا يدور امر المتعاملين فيه بين الغانم والخاسر.
والخلاصة: انه لا شبهة في أن عقد الاختيار من العقود
العقلائية، ولهذا شاع وأصبح سوقه من أهم أسواق المال بين
المستثمرين ورجال الاعمال.
248

شروط صحة عقد الاختيار
وهي متمثلة في امرين:
الأول:
ان يكون بيع وشراء الأموال التي هي محل الاختيار و
موضوعه كالأسهم أو السندات أو السلع جائزا شرعا، والا لم
يجز عقد خيارها، وعليه فإذا افترضنا ان بيع السند غير جائز في
الشرع، باعتبار انه ليس في الواقع قرضا ربويا وان كان بيعا
صورة، فلا يجوز عقد خياره أيضا.
الثاني:
ان الأسهم التي تباع وثيقة اختيارها لابد أن تكون من
الأسهم الواقعية الحقيقية، فلا يصح بيع خيار الأسهم التي
249

لا وجود لها في الواقع، كما لا يصح بيع نفس تلك الأسهم.
نعم لو تعهد الوسيط من قبل البائع والمشتري في عقد
الخيار بشراء الأسهم عند الطلب صح، ولا يلزم ان يكون مالكا
لها حين عقد الخيار، ثم إن التعامل بعقود الاختيار في خارج
السوق المنظم أو البنوك المتخصصة بما انه قليل، فيقع التعامل
بها نوعا في أسواق المال والبورصات وهي الأسواق المنظمة
التي تشرف عليها هيئات حكومية متخصصة، وتكون العقود
فيها نمطية في كل شيء من الأسهم والسندات والسلع والطعام
والعملات والمعادن والاختيارات عدا السعر الذي يخضع
لعوامل العرض والطلب، ويسمح فيها للوسطاء المتخصصين
المسجلين لدى إدارة السوق بالتعامل في هذه الأسواق، وهؤلاء
الوسطاء يقومون بعقود الاختيارات بين البائع والمشتري وان
لم يكن أحدهم معروفا عند الآخر، ويعبر عنهم بالهيئة الضامنة
، ودور هذه الهيئة هو دور الوكيل عن طرفي العقد، فإنها تتولى
العقد وكالة عن المشتري في القبول وعن البائع في الايجاب،
وضامنة لوفاء كل منهما بتعهداته، وتحسب لهما الربح
والخسارة في المعاملات، ولا يجب على الهيئة ان تقوم بهذا
الدور مجانا، بل لها ان تتقاضى عمولة لقاء قيامها به، شريطة ان
250

يتوفر فيه الشرطان المذكوران، وإلا لم يجز قيامها به، فإذا لم
يكن جائزا شرعا اعتبر التوسط فيه توسطا في امر غير جائز، و
لا يجوز اخذ الأجرة عليه.
251

الاختيار على العملة الأجنبية
نقصد به بطاقة شهادة تصدرها الشركة تعطي صاحبها
الحق في الحصول على مبلغ معين من عملة أجنبية بسعر معين
في فترة محددة كستة اشهر أو أكثر، وحيث إن أسعار العملات
الأجنبية تكون في تقلب هبوطا وصعودا، فقد يتحققه ذلك
الربح لصاحبها.
حكم شراء الاختيار على العملة الأجنبية
الظاهر جواز شرائه؛ لأن هذه العملية عقد بين الشركة و
صاحب البطاقة، فان الشركة تبيع له عملة أجنبية بعملة محلية
بسعر معين إلى فترة محددة.
252

ودعوى: انه لا يجوز في النقود إلا يدا بيد، مدفوعة بان
ذلك انما هو في النقود الذهبية أو الفضية، ولا تجري احكامها
على النقود الورقية، فان تلك النقود لا تكون نائبة عنها، بل
تمثل تعهدا من الدولة المصدرة بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب
، وهذا مجرد التزام من الدولة يكسب بذلك الورقة قيمة مالية
في المجتمع للوثوق بوفاء الدولة بتعهداتها، لا انها مجرد وثيقة
وسند على اشتغال ذمة الدولة بقيمة الورقة من الذهب أو الفضة
؛ إذ من الواضح ان التعامل بهذه الأوراق بين الناس، انما هو على
أساس ان لها قيمة مالية في نفسها، لا انها كالأوراق التجارية من
سندات وكمبيالات، فان استهلاك السند أو سقوطه عن
الاعتبار لا يعني تلاشي الدين وسقوطه، كما أن استلامه لا
يكون استلاما للدين، وهذا بخلاف الأوراق النقدية، فان
استلامها استلام للدين، وإذا تلاشت بعد الاستلام، فلا يحق
للدائن ان يرجع إلى المدين ثانيا.
فالنتيجة: أن احكام الصرف لا تجرى على النقود الورقية
.
253

العقود المستقبلية
تعقد هذه العقود في سوق منظمة أنشئت بدافع التعامل
بها، وتسمى سوق تبادل السلع، ومن يحب ان يتعامل في
المستقبليات يلزم ان يكون عضوا لهذا السوق، وان العضوية
تتكون من منتجي عدة سلع، وتاجر بها، ومن مؤسسات
السماسرة، ومن أراد ان يتعامل في هذا السوق دون ان يكون
عضوا فيها فإنما يستطيع عن طريق السماسرة الأعضاء، وعلى
المتعامل فيها ان يفتح حسابا عند إدارة السوق كضمان لتصفية
التعامل حسب قواعد ومقررات السوق ولا يزيد حسابه عادة
على 10 % من قيمة العقد عند التوقيع، والغرض من ذلك تغطية
الخسارة المحتملة في حال تخلف أحد الفريقين عن الوفاء بما
254

التزمه، وبعد فتح الحساب يجوز للعضو ان يبيع ويشتري
كمية معينه من السلع لتسليم شهر مثلا، وعقود هذا السوق
عقود نمطية بمعنى: ان كميات السلع المتعامل بها مقسمة على
وحدات تجارية كل وحدة منها عبارة عن كمية خاصة من تلك
السلعة المعروفة، فلا يقع التعامل فيه بكمية أدنى من هذه
الكمية، فالوحدة المعتبرة في القمح مثلا هي خمسة آلاف
كيس، فلا يباع بكمية أدنى من هذه الكمية، وكذلك أنواع
السلعة وصفاتها محددة بدقة من حيث جودتها وردائتها، و
يشار إلى هذه الأنواع بأرقام الدرجات، الدرجة الأولى و
الدرجة الثانية والدرجة الثالثة، وعلى هذا فمن أراد بيع وحدة
من قمح الدرجة الأولى مثلا يقدم عرضه إلى إدارة السوق، و
المشتري يقبل هذا العرض عن طريق الإدارة، ولا يحتاج اي
منهما إلى الالتقاء بالآخر أو معرفته، والإدارة تتكفل ذلك و
تقوم بتسليم السلعة من قبل البائع والثمن من قبل المشتري
عند حلول تاريخ التسليم.
ثم إن المشتري لا ينتظر وقت التسليم، وانما يظل هذا
العقد من الآن إلى تاريخ التسليم محل بيع وشراء في كل يوم بل
عشرات البيوع يوميا، مثلا لو باع زيد على عمرو وحدة من
255

القمح إلى اجل محدد، فان عمروا يبيعها بعد ذلك إلى خالد و
خالد إلى بكر وبكر إلى حامد وهكذا كل واحد منهم بثمن، و
يختلف عن الثمن الأول، والفارق بين سعر المبيع وسعر
الشراء هو الربح، وكل من اشترى بسعر أقل وباعه بسعر أكثر،
فإنه يستحق ان يطالب بفرق السعرين كربح له دون ان يدفع
الثمن كمشتري أو يسلم المبيع كبائع، ففي المثال المذكور لو
اشترى عمرو من زيد وحدة القمح لتسليم ثلاثة اشهر بعشرة
آلاف دولار مثلا وباعها عمرو من خالد بأحد عشر الف دولار،
فإنه لا يدفع الثمن إلى زيد ولا يسلم المبيع إلى خالد، وانما
يستحق الف دولار كالربح الحاصل على تعامله، وتقوم إدارة
السوق بانجاز هذه العمليات المسجلة في غرفة المقاصة، و
تتولى تصفية جميع الالتزامات في آخر النهار كل يوم، وإذا جاء
وقت التسليم يصدر من قبل إدارة السوق اخطار للمشتري
الأخير بحلول تاريخ التسليم، وباستفساره هل يرغب في
استلام المبيع في التاريخ المتفق عليه أو يريد بيع هذا العقد، فان
رغب في استلام المبيع فان البائع يسلم السلعة المبيعة إلى
مستودعات معينة، ويسلم وثيقة الادخال إلى المستودع، و
يحصل في مقابلها على الثمن، وان لم يرغب المشتري الأخير
256

في استلام السلعة ورغب في بيع العقد، فإنه يبيعه من البائع
الأول مرة أخرى حينئذ، فان المعاملة تقضى على أساس دفع
فوارق السعر كما هو الحال في البيوع السابقة التي تم انجازها
قبل التاريخ، وحينئذ لا يقع التسليم والتسلم حتى في المعاملة
الأخيرة.
ومن هنا لا يريد المتعاملون في هذا السوق النمطي شراء
السلع وبيعها بغرض الحصول على المبيع أو الثمن، وانما
يريدون الحصول على الأرباح والفوائد التي تتكون من فروق
أسعار البيع والشراء، على أساس ان الكمية المتداول لها بيعا و
شراء بما انها كبيرة، فالتفاوت اليسير في ارتفاع السعر يؤدي إلى
ربح كبير، وحيث انهم على ثقة من خبرتهم بتقلبات الأسعار،
فلذلك يقومون بشراء المستقبليات على امل انهم سوف
يبيعونها بسعر أكثر، ويتخلص لهم ربح من وراء هذه العملية
بدون ان يخضعوا في استلام المبيع وتسليمه.
257

تخريجات فقهية للعقود المستقبلية
والهدف من هذه التخريجات تحويل هذه العقود إلى
عقود شرعية.
نذكر فيما يلي أهم ما يمكن ان يقال أو قيل من المناقشة
في مشروعية هذه العقود وعدم مطابقتها للشرع.
الأول:
ان العقود الجارية في هذا السوق النمطي تقوم نوعا على
بيع ما لا يملكه الانسان، فان التاجر المستورد أو ملتج السلعة
يقدم عرضه إلى السوق ببيع وحدة أو وحدتين من السلع
كالقمح أو النفط مثلا لتسليم ثلاثة اشهر من تاريخ البيع بينما هو
لا يملك هذه الوحدة أو الوحدتين فعلا، فيكون من بيع ما لا
258

يملك وهو باطل شرعا، فإذا بطل هذا البيع بطلت البيوع
اللاحقة جميعا، ويمكن علاج هذه المناقشة بوجهين:
1 - ان البائع الذي يبيع كمية من السلع في هذا السوق وان
كان لا يملكها حين انشاء البيع، الا ان إدارة السوق التي تقوم
بعملية البيع لا تقوم ببيع الكمية المعدومة، فإنه غير عقلائي، بل
تقوم ببيع ما تعهدت لتسليمه للمشتري ثلاثة اشهر، و
المشتري يقوم بشراء ما تعهدت به الإدارة، وهذا جائز شرعا.
2 - ان بيع ما لا يملك بما هو لا يملك وان كان غير معقول
الا ان بيع ما لا يملكه البائع فعلا وكان يملكه في وقت التسليم
لا مانع منه، فان البائع حينئذ يقوم بانشاء ملكية ما كان يملكه في
وقت متأخر للمشتري من الآن ولا محذور فيه؛، لان الانشاء
فعلي والمنشأ - وهو فعلية ملكية البيع للمشتري - متأخر، و
هذا ليس من انفكاك الانشاء عن المنشأ ولا من تعليق الانشاء،
اما الأول فلان المستحيل هو انفكاك الحكم الانشائي بوجوده
الانشائي عن الانشاء، بلحاظ انه عين الانشاء مثل الايجاد
والوجود في الأمور التكوينية، فلا اثنينية بينهما، واما الحكم
الانشائي بوجوده الفعلي، فلا مانع من تأخيره، لان فعليته تتبع
فعلية موضوعه في الخارج ولا ترتبط بالانشاء والجعل،
259

فالمراد من المنشأ في مقابل الانشاء هو الحكم الفعلي، ومن
هنا تكون للحكم مرتبتان:
1 - مرتبة الجعل والانشاء.
2 - مرتبة المجعول والمنشأ.
والخلاصة: انه لا مانع من أن يبيع من لا يملك السلع
فعلا، ولكنه يملكه في وقت متأخر بانشاء ملكيته للمشتري في
زمن تملكه له، فيكون الانشاء من الآن والمنشأ متأخر، وهذا
لا مانع منه، واما التعليق في الانشاء فهو غير معقول، هذا إضافة
إلى انا لو افترضنا ان هذه العقود باطلة شرعا، ولكن بطلانها لا
يمنع من تصرف المتعاملين في السوق في الثمن ولا المثمن و
لا في الربح، على أساس التراضي الموجود بينهم في هذا
التصرف بموجب قوانين السوق ومقرراته الصارمة. نعم لو
كانت قوانين السوق ومقرراته مبنية على طبق الأحكام الشرعية
فعندئذ لو كانت العقود المذكورة باطلة لم يجز تصرفهم في
السوق إذا لم يحرز الرضا.
الثاني:
ان العقود المستقبلية بما انها تقوم على أساس تأجيل
الثمن والمثمن معا، فلا تدخل في عقد السلم؛ لان المعتبر فيه
260

تعجيل الثمن بكامله ولا في النسيئة، فاذن لا يمكن الحكم
بصحتها شرعا.
ويمكن علاج هذه المناقشة: أولا: بان الحكم بصحة
عقد لا يدور مدار كونه داخلا في أحد العقود الخاصة، بل يكفي
في صحته انطباق عنوان التجارة عن تراض عليه، وبذلك يكون
مشمولا لاطلاق قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
الا أن تكون تجارة عن تراض)، وعلى هذا فتلك العقود و
ان لم ينطبق عليها عنوان بيع السلم ولا النسيئة، الا انه مع ذلك
لا مانع من الحكم بصحتها بملاك انها من التجارة عن تراض،
بل لا يبعد أن تكون مشمولة لاطلاق قوله تعالى: (أوفوا
بالعقود).
ثانيا: لو سلمنا ان العقود المستقبلية جميعا باطلة شرعا،
إلا انه مع ذلك لا مانع من التصرف في السوق، على أساس
وجود التراضي بين المتعاملين فيه كما مر.
الثالث:
261

+ + + + +
الرابع
ان البيوع اللاحقة في تلك العقود التي يتعامل بها يوميا في
السوق، بما انها بيوع تتم قبل قبض السلعة المبيعة، فلا تجوز و
كذلك البيع الاول.
والجواب: ان هذه المناقشة تامة إذا كان المبيع من المكيل
أو الموزون كالقمح والأرز والنفط ونحوها، فإنه حينئذ لا
يجوز بيعه قبل قبضه الا برأس ماله فقط، واما إذا لم يكن المبيع
من المكيل أو الموزون، فلا مانع من بيعه قبل قبضه، ولا يعتبر
في صحته القبض، فالنتيجة انه يجوز التعامل في سوق
المستقبليات بالبيع والشراء إذا لم يكن المبيع من المكيل أو
الموزون، واما إذا كان منه فلا يجوز إلا برأس ماله، واما التعامل
بالنقود الذهبية والفضية فيها، فإن كان الذهب بالذهب أو الفضة
بالفضة فالمعتبر فيه التماثل والمساواة بينهما، واما التقابض في
المجلس فالأظهر عدم اعتباره كما مر. وان كان الذهب بالفضة
262

أو الفضة بالذهب فالمعتبر فيه التقابض في المجلس دون
التماثل والمساواة، وعليه فلا يصح التعامل بهما كذلك بالعقود
المستقبلية.
ودعوى ان البيوع اللاحقة بيوع صورية وليست بواقعية
، فإنها مجرد وسيلة للاستفادة من فوارق الأسعار في فترة زمنية
محددة، حيث لا تسليم ولا تسلم فيها، ومثل هذه البيوع لا
تكون مشمولة لأدلة الامضاء.
مدفوعة: بان تلك البيوع بيوع حقيقية واقعية، غاية الأمر
ان نظر البائع والمشتري إلى المبيع والثمن في المبادلة بينهما
تارة يكون بالمعنى الاسمي، وأخرى بالمعنى الحرفي، و
الغرض هو الاستفادة من فروق أسعارهما لا التسليم والتسلم،
وقوام البيع انما هو بانشاء المبادلة بينهما عن جد، وهو
موجود لا بالتسليم والتسلم؛ فإنه ليس من مقدماته.
يتلخص:
ان المستثنى من العقود المستقبليات في أسواق البورصة
أمران:
أحدهما:
ان المبيع إذا كان من المكيل أو الموزون، فبما انه لا يصح
263

بيعه قبل قبضه الا برأس ماله، فلذلك لا تصح العقود اللاحقة
المترتبة على العقد الأول بل العقد الأول أيضا، باعتبار انها
جميعا قبل القبض، ولكن مع هذا يجوز التصرف في الربح على
أساس التراضي كما مر.
الثاني:
ان المبيع إذا كان من الذهب والثمن من الفضة أو بالعكس
لم يصح التعامل بهما في سوق المستقبليات الا بتراضي كل
منهما بالتصرف في مال الآخر.
264