الكتاب: كتاب الحج
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٥
المطبعة:
الناشر: دار القرآن الكريم للعناية بطبعه ونشر علومه - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤)

كتاب الحج
تقرير أبحاث
فقيه العصر سماحة آية الله العظمى
السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
دام ظله الوارف
الجزء الثاني
تأليف
أحمد صابري الهمداني
عام 1405 ه‍
1

دار القرآن الكريم
للعناية بطبعه ونشر علومه
إيران - قم المقدسة صندوق البريد 24
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع منازل العلماء وفضل مدادهم على دماء
الشهداء والصلاة والسلام على أفضل السفراء وخاتم الأنبياء
وعلى ابن عمه وصهره على أمير المؤمنين سيد الأوصياء وأولاده الأئمة
الأمناء واللعن على أعدائهم أعداء الله من الآن إلى يوم الجزاء
وبعد فإن شرف العلم لا يخفى وفضله لا يحصى قد ورثه أهله
من الأنبياء وفازوا في تحصيله برتب الأولياء وممن سلك
سبيل السلف وصرف عمره الشريف في تحصيله جناب العلامة
حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ أحمد الصابري الهمداني
دامت بركاته مجدا مجتهدا حتى نال بحمد الله مراتب عالية
من العلم ومدارج سامية من الفضل والكمال وقد حضر أبحاثنا
العالية في الفقه والأصول حضور تفهم وتحقيق وتعمق
وتدقيق وقام بضبطها وتدوينها ومنها ما كتبه في كتاب
الحج وسرحت النظر فيه فألفيته وافيا بالمراد حسن الأسلوب
والتبويب واستجازني في طبعه فأجزت له فلله دره
وعليه سبحانه أجره وكثره في العلماء العاملين أمثاله
والسلام عليه وعلى سائر العلماء والفضلاء ورحمة
الله وبركاته 23 / شعبان المعظم سنة 1400
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
3

منشورات
دار القرآن الكريم
4

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
المقصد الخامس في تروك الاحرام
وهي محرمات ومكروهات
أما المحرمات، فهي - كما قال صاحب الشرايع - عشرون شيئا، وعن
الدروس ثلاثة وعشرون، وعن بعض ثمانية عشر، وعن التبصرة والنافع أربعة
عشر شيئا ويعلم التفصيل في طي البحث إن شاء الله
منها - صيد البر، اصطيادا قتلا ذبحا رميا وأكلا إشارة ودلالة واغلاقا
وبيعا وشراء وامساكا، فإن كل ذلك محرم على المحرم، فلو صاده المحل وذبحه
المحرم أو ذبحه المحل وأكله المحرم حرم عليه أيضا
وعن كنز العرفان، إن حرمة جميع ذلك تستفاد من الآيات الكريمة
قال الأستاذ مد ظله: إن استفادة حرمة جميع ما ذكر من الآيات، وإن
كانت محتملة إلا أنها ليست ظاهرة فيه، حتى يكون دليلا مستقلا، نعم يستفاد حرمة
بعضها منها، والباقي من النصوص الواردة في المقام، والاجماع المدعى في
كلام الأصحاب
5

أما الآيات (فمنها) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ
من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك
فله عذاب أليم) (1)
وهي كما ترى تدل على حرمة تناول الصيد وأخذه وأنه حرام على المحرم،
وأما حرمة أكل لحمه إذا ذبحه بعد الأخذ، أو ذبحه المحل وأكله المحرم فلا تستفاد
منها ولو فرض دلالتها عليها، لأمكن القول أيضا بأن له أن يأكله بعد الاحلال،
فالمتيقن من الآية حرمة التناول وأخذ الصيد حال الاحرام لا جميع ما أشير إليه على
أنها بسياقها لا تشمل المحرم خاصة بخلاف الآيات التي بعدها
و (منها) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن
قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة) (2)
وهذه الآية تدل على حرمة قتل الصيد حال الاحرام كما أن الآية الأولى
تدل على حرمة أخذه ويمكن أن يكون القيد المذكور في الآية الثانية قيدا للآية
الأولى أيضا فتختص حرمة الأخذ بما يؤكل لحمه (3)
وتوضيح ذلك أن الآية الأولى تدل على حرمة أخذ الصيد وقتله سواء كان
مأكول اللحم أو غيره، والآية الثانية حيث إن النهي فيها مخصوص بحال الاحرام،
ويرتفع بالاحلال ويحل جميع ما يتعلق بالصيد حال الاحلال يعلم أن هذا الحكم
مخصوص بما يؤكل لحمه من الصيد وتتقيد الآية الأولى به أيضا
ويمكن أن يقال أيضا إن المراد من الآيتين أن حرمة ما كان حلالا من الصيد
قبل الاحرام من الأخذ والقتل والإشارة بالنسبة إلى مطلق الصيد ومن الأكل في
صيد المأكول لحمه، جميع ذلك مختص بحال الاحرام فعلى هذا يبقى اطلاق الآية
الأولى بحالها أيضا ولا يختص بما يؤكل لحمه وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله تعالى

1 - سورة المائدة (5) الآية 94
2 - سورة المائدة (5) الآية 95.
6

وأما النهي عن القتل حال الاحرام فيوجب كون المصيد ميتة فلا يجوز أكله مطلقا
ولو للمحل، بناء على تمامية الدلالة كما يأتي
و (منها) قوله تعالى: (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي
إليه تحشرون (1)
والمراد من الصيد في هذه الآية المصيد ومن الحرام حرمة أكله كما هو
الظاهر فعلى هذا دلالة الآيات على حرمة قتل الصيد حال الاحرام صريحة، وأما
حرمة الأكل والاصطياد فهي ظاهرة فيها ولكن حرمة الزائد على تلك الثلاثة من
امساك الصيد والدلالة عليه والإشارة إليه وبيعه وشرائه فلا تستفاد من الآيات
نعم
يظهر من الروايات حرمة أكثر ما ذكره الفقهاء من تروك الاحرام فالمهم في المقام
نقل الروايات والتأمل في مفادها إن شاء الله تعالى
(منها) ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تستحلن شيئا من الصيد
وأنت حرام ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ولا تشر
إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده " (2)
ويأتي الكلام في ثبوت الفداء في قتل الصيد على من نسي أو جهل وكذا
الفرق بين الإشارات في الحرمة وعدمها
و (منها) رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (ليبلونكم
الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورما حكم... الآية) قال: " حشرت لرسول الله صلى الله عليه وآله
عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها أيديهم ورماحهم " (3)
وفي رواية أحمد بن محمد في قوله تعالى (تناله أيديكم ورما حكم قال:

1 - سورة المائدة (5) الآية 96
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
7

" ما تناله الأيدي البيض والفراخ، وما تناله الرماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي " (1)
ومنها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال: " المحرم لا يدل
على الصيد فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء " (2)
ومنها رواية عمر بن يزيد عن أبي عبيد الله عليه السلام قال: " واجتنب في احرامك صيد
البر كله ولا تأكل مما صاده غيرك ولا تشر إليه فيصيده " (3)
وهذه الرواية صريحة في حرمة الإشارة إلى الصيد ليصيده الصياد وحرمة
أكله على المحرم ولو صاده غيره محلا كان أو محرما
(ومنها) رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال: " إذا فرض على نفسه الحج
ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ووجب عليه في فعله ما يجب على
المحرم " (4)
العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد الله في قوله تعالى (ليبلونكم الله
بشئ من الصيد) قال: " ابتلاهم الله بالوحش فركبتهم من كل مكان " (5)
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تأكل شيئا من الصيد
وأنت محرم وإن صاده حلال " (6)
هذه الطائفة من الروايات المروية في كتب الأصحاب تدل على حرمة الصيد
وأكله والإشارة إليه والدلالة عليه على المحرم ما دام محرما ويعلم من قوله عليه السلام في
رواية الحلبي: (ولا تشر إليه فيستحل من أجلك) أن كل ما يوجب استحلال الصيد

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 7
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 9
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 2 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
8

الغير فهو حرام على المحرم، ويشمل ذلك الأغلال ونظائره، بل يعلم أن كل
ما له تأثير جزئي في استحلال الصيد وإن لم يكن مؤثرا تاما فهو أيضا حرام، إذ
الإشارة كما هو واضح ليست مؤثرا تاما في استحلال الصيد وقتله وأخذه وسببا أقوى
من المباشر، كما لو أشير إلى مال شخص فأخذه شخص آخر لا يكون المشير ضامنا له
ولا يكون في نظر العرف سببا أقوى من المباشر، ولكن الإشارة إلى الصيد في المقام
محرمة بما هي إشارة، لا بما أنها سبب أقوى من المباشر، نعم لو أشار إلى الصيد
للتوجه إليه والنظر إلى حسنه ولطفه وشدة عدوه لا لاستحلاله وأخذه لا يكون حراما
ولا كفارة عليه.
والحاصل أن المستفاد من الآيات والروايات واجماع العلماء حرمة الصيد
على المحرم قتله وذبحه وأكله وامساكه واغلاقه والدلالة عليه والإشارة إليه،
وكل ما يؤثر في اصطياده وإن لم يكن مؤثرا تاما وسببا أقوى ولا يهمنا البحث في
ذلك، وإنما المهم بيان مصاديق الصيد وموارد الشبهة، وإن الصيد إذا قتله المحرم
فهل هو ميتة أو بحكم الميتة لا ينتفع منه أصلا، أو ليس كذلك ونشرح كل هذا في
طي أمور إن شاء الله.
9

(اختصاص الحرمة بصيد البر)
الأمر الأول إن ما تقدم من حرمة الصيد حال الاحرام وقتله وأكله وكل ما
يؤثر في اصطياده إنما هو يختص بصيد البر وأما الصيد البحري فهو حلال على
المحرم كما تدل عليه الآية والروايات والاجماع ولا خلاف بين المسلمين في ذلك
أما الآية الكريمة فهي قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم
وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون) (1)
وأما الروايات فهي كثيرة نذكرها عند التعرض لبيان الضابطة في الصيد
البري والبحري وتشخيص مصاديقه
الأمر الثاني لو صاد محرم صيدا وذبحه حال الاحرام فالمشهور أن ذبيحته
ميتة حرام على المحرم والمحل سواء ذبحه في الحرم أم في الحل ونقل عن
الصدوق أنه يحل على المحل إن لم يذبحه في الحرم وعن المفيد وابن الجنيد و
المرتضى أيضا كذلك ومنشأ الخلاف الروايات الواردة في المقام وكيفية الجمع
بينها فلا بد من نقلها والتأمل فيها وما يستفاد منها فإن طائفة منها تدل على أن ما ذبحه

1 - سورة المائدة (5) الآية " 98 ".
10

المحرم ميتة وحرام، وقد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك وخص به الباب العاشر
من أبواب تروك الاحرام وقال: باب إن ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة حرام
على المحل والمحرم وكذا وما ذبح منه في الحرم انتهى.
وتدل طائفة أخرى على جواز أكل المحل من صيد المحرم وهذه
الطائفة تعارض الطائفة الأولى وهي مستند فتوى المرتضى وابن الجنيد والصدوق
(قدس سرهم).
ونقل صاحب الوسائل هذه الطائفة من الروايات في الباب الثالث من تروك
الاحرام وقال: باب جواز أكل المحل مما صاده المحرم في الحل إذا ذبحه محل
فيه ويلزم الفداء المحرم انتهى
وكأنه قدس سره لم ير تعارضا وتمانعا بين الطائفتين وحمل الطائفة الأولى
من الروايات على ما ذبحه المحرم من الصيد سواء ذبحه في الحل أم في الحرم و
الطائفة الثانية على ما صاده المحرم في الحل وذبحه محل فيه فالمهم ذكر النصوص
في المقامين
أما الطائفة الأولى
(فمنا) ما رواه خلاد السري عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ذبح حمامة من
حمام الحرم، قال: عليه الفداء قلت: فيأكله؟ قال: لا، قلت: فيطرحه قال: إذا
طرحه فعليه فداء آخر، قلت فما يصنع به؟ قال: يدفنه " (1)
2 - محمد بن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قلت له المحرم
يصيب الصيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما
يصنع به؟ قال: يدفنه " (2)
3 - عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: " إذا ذبح المحرم الصيد
لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث (2)
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
11

ذبحه أو حرام " (1)
محمد بن الحسن الصفار باسناده عن إسحاق عن جعفر إن عليا عليه السلام كان يقول
: " إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم وإذا ذبح
المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم " (2)
والمستفاد من هذه الطائفة صريحا أن ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة
وحرام لا يجوز الانتفاع منه ولا طرحه بل يجب عليه دفنه لكي لا يأخذه غيره
وأما الطائفة الثانية التي يحتمل أن تكون معارضة للطائفة الأولى.
(فمنها) ما رواه منصور بن حازم، " قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أصاب
من صيد أصابه محرم وهو حلال؟ قال: فليأكل منه الحلال وليس عليه شئ
أنما الفداء على المحرم " (3)
والإصابة في الرواية يحتمل أن تكون بمعنى أخذ الصيد أو ذبحه واحتمل
الشيخ كونه بمعنى إصابة الرمي، وعلى كل حال الرواية صريحة في أن ما أصابه
المحرم من الصيد يجوز للحلال أكله، ولكن الفداء على المحرم الذي أصابه
2 - (منها) رواية معاوية بن عمار قال " قال أبو عبد الله: إذا أصاب المحرم
الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه، ولا يأكله أحد، وإذا أصاب
في الحل فإن الحلال يأكله وعليه الفداء " (4)
والظاهر من الإصابة في الحرم الذبح أو ما يشمل الذبح وغيره وقوله عليه السلام
ينبغي له أن يدفنه وإن كان يشعر بالاستحباب، إلا أن الدفن حيث إنه ليس مستحبا
إذا كان الصيد حلالا كما هو المقطوع يعلم أنه حرام ويجب دفنه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
12

وأما الإصابة في الحل المذكور في الرواية فهو أيضا ظاهر في الذبح
بقرينة جواز أكله للحلال. ويمكن أن يراد منه الاصطياد، وأكله بعد الذبح و
الطبخ.
3 - ومنها رواية منصور بن حازم قال: " قلت لأبي عبد الله: رجل أصاب
صيدا وهو محرم آكل منه وأنا حلال؟ قال عليه السلام: أنا كنت فاعلا، قلت له فرجل
أصاب مالا حراما، فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك الله " إن ذلك عليه (1)
4 - ورواية حريز قال: " قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن محرم أصاب
صيدا أيأكل منه المحل؟ فقال: ليس على المحل شئ، إنما الفداء على
المحرم " (2)
وهذه الرواية ليست صريحة في جواز الأكل للمحل والمصرح به عدم
الفداء عليه (3).
5 - ومثلها رواية عمار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب
صيدا وهو محرم أيأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنما الفداء على
المحرم ". (4)

1 - وسائل الشيعة (الجزء 9) الباب 3 من تروك الاحرام الحديث 3 - 4
2 - وسائل الشيعة (الجزء 9) الباب 3 من تروك الاحرام الحديث 3 - 4
3 - لا يخفى ظهور الرواية بل صراحتها في جواز أكل ما أصابه المحرم من
الصيد للمحل وإنما وقع السؤال عنه أيضا بقوله أيأكل المحل ولم يسئل عن الفداء و
جوابه (ع) عنه بقوله ليس على المحل شئ وإنما الفداء على المحرم تأكيد أو تقريب
لجواز أكله وأنه ليس عليه شئ، وأن المؤاخذ في ذلك هو المحرم فقط لا المحل
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الاحرام الحديث (5).
13

وهذه الطائفة من الأخبار تدل على جواز أكل صيد المحرم للحلال وهي
كما ترى أظهر دلالة من الطائفة الأولى، وبعضها أصح سندا، ولا يمكن
الخدشة فيها من جهة السند والدلالة ورفع اليد عنها في مقام التعارض بين
الطائفتين من النصوص.
وأما الجمع بينها بحمل قوله عليه السلام - أصاب صيدا على مجرد الاصطياد و
الأخذ دون الذبح ووقوع الذبح على يد المحل أو على إصابة رمى المحرم
إلى الصيد ثم يأخذه المحل ويذبحه كما احتمله الشيخ (قدس سره) خلاف الظاهر،
بل قول ثالث فإن الفقهاء بين قولين، أحدهما أن ما ذبحه المحرم ميتة حرام مطلقا
والثاني أنه حلال للمحل مطلقا كما نقل عن الصدوقين، أو التفصيل بين التذكية
بالرمي والتذكية بالذبح بأن الثاني ميتة بخلاف الأول إذا أخذه المحل وذبحه
قول ثالث.
والذي يسهل الخطب والأمر، أن تلك الأخبار مع صحة سندها وظهور
دلالتها قد أعرض عنها المشهور، ولم يفت بمضمونها إلا المفيد والمرتضى
وابن الجنيد (قدس سرهم) حتى أن صاحب الجواهر، مع أنه قال: ما ذهب إليه
المفيد والمرتضى لا يخلو من قوة، رجح القول المشهور، ووجه وأول الطائفة
الثانية وحملها على غير الذبح والقتل مع تصريحه بصحتها، وكذا صاحب المدارك
مع ميله إلى ما اختاره الصدوق والتصريح بصحة سند تلك الأخبار، وجرح
رواة الطائفة الأولى وتضعيف بعضهم، قال: فكيف كان الاقتصار على إباحة غير
المذبوح من الصيد كما ذكره الشيخان أولى، والأحوط الاجتناب عن الجميع
انتهى مضافا إلى أن بعض تلك الأخبار غير صريح في خلاف ما اختاره المشهور
كما احتمله في الجواهر أيضا لاحتمال إرادة غير القتل من الإصابة، وإن المحل
14

ذبح ما رماه المحرم.
ولكن المهم والمعتمد عليه في المقام ولا يمكن الغمض عنه هو أن الروايتين
المرويتين عن علي عليه السلام، الدالتين على أن ما ذبحه المحرم فهو ميتة - قد أفتى
المشهور بمضمونها مع ضعف السند فيهما، فإن وهب الواقع في سند الرواية
مشترك بين الضعيف وغيره وكذا الحسن بن موسى الخشاب غير موثق.
ومع ذلك كله فقد أفتى المشهور بمضمونهما وعمل بهما الأصحاب وأعرضوا
عما يدل على حلية صيد المحرم مع قوة السند وصراحة الدلالة وهذا الأمر مما
يوجب وهنا في تلك الطائفة من الروايات من جهة الصدور.
15

(في ترتب جميع الآثار على صيد المحرم)
الأمر الثاني ثم إنه بناء على أن ما ذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل يترتب
عليه جميع الآثار المترتبة على الميتة، من عدم جواز الانتفاع بجلده وأنه لا يقبل
الدبغ وعدم جواز الصلاة فيه وبيعه وشرائه،، أو لا يترتب عليه إلا حرمة أكله وأما
غيره فلا يترتب عليه، بل هو مذكى طاهر كما هو كذلك بناء على ما ذهب إليه الصدوق
والمرتضى وابن الجنيد من جواز الأكل للمحل مما ذبحه المحرم، وكما لو صاده
المحل وذبحه فإنه حرام على المحرم أكله، ولكنه ليس ميتة ونجسا، وجهان.
ومنشأهما كيفية الاستفادة من لسان التنزيل، فإن استفدنا منه التنزيل في الحكم
والآثار لا أن التذكية الواقعة على الصيد غير مؤثرة، فيؤخذ بالقدر المتيقن من
الحكم والأثر الظاهر، وهو في المقام عدم جواز الأكل وأما غيره من الآثار
المترتبة على الميتة كالنجاسة وعدم جواز الصلاة في جلده وغير ذلك فمشكوك
فيه والأصل عدم ترتب تلك الآثار على ذبيحة المحرم.
وأما لو قلنا إن المستفاد من لسان التنزيل في الرواية، إن تذكية المحرم
16

كالعدم، فالمعنى أن ذبيحة المحرم ميتة حقيقة فحينئذ يترتب عليه جميع الآثار
المترتبة على الميتة لكونه ميتة واقعا لا تنزيلا في الحكم والآثار ويشعر بذلك ما
ورد أن الشخص لو اضطر إلى أكل الميتة أو الصيد فهل يقدم الميتة أو الصيد الذي
ذبحه المحرم، أنه يقدم الميتة ويترك الصيد، فيعلم أن الصيد الذي ذبحه المحرم
ميتة بل أشد حكما منها، لتضمنه المخالفة للشعائر العظيمة الاسلامية أيضا.
عن عبد الغفار الجازي، قال: " سألت أبا عبد الله عن المحرم إذا اضطر إلى
ميتة فوجدها ووجد صيدا فقال: يأكل الميتة ويترك الصيد " (1).
عن إسحاق عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول إذا اضطر المحرم إلى
الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له (2).
ويعارضهما عدة روايات تدل على أن المحرم المضطر إلى أكل الميتة لو
وجد صيدا يأكل منه، ولا يجوز له أكل الميتة، فلو عملنا بها، وحكمنا بأن
الميتة حرام على المحرم المضطر إذا وجد صيدا وقدمنا تلك النصوص على ما
تقدم مما تدل على كون صيدا المحرم ميتة، للزم القول بأن صيد المحرم مذكى،
وليس بميتة، غاية الأمر يحرم أكله عند الاختيار دون الاضطرار، اعتمادا على
تلك النصوص.
ولكن هذا الكلام أيضا غير تام، لأن تقديم الصيد على الميتة لا يستلزم
كونه مذكى وغير ميتة إذ من المحتمل أن يكون الصيد أيضا ميتة لا مذكى إلا أنه
أقل ضرر ومفسدة ومنقصة بخلاف الميتة التي ماتت حتف أنفها فيقدم الصيد
عليها لوقوع فرى الأوداج عليه، وإن لم يكن مؤثرا في التذكية المعتبرة شرعا،
فيدفع المضطر اضطراره ويسد جوعه بما هو أخف خطرا وأقل ضررا،

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 12
2 - وسائل الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 11.
17

ويمكن أن يكون التقديم لما ذكر من التعليل فيما يأتي.
وعلى كل حال فالروايات الدالة على تقديم الصيد على الميتة كما يلي:
1 - (منها) صحيحة الحلبي، قال: " سألت أبا عبد الله عن المحرم يضطر
فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، أليس هو بالخيار، أما
يجب أن يأكل؟ قلت: بلى، قال: إنما عليه الفداء، فليأكل وليفده ". (1)
2 - ورواية يونس بن يعقوب، قال: " سألت أبا عبد الله عن المضطر إلى
الميتة وهو يجد الصيد؟ قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله عز وجل قد أحل له
الميتة إذا اضطر إليها، ولم يحل له الصيد، قال: تأكل من مالك أحب إليك
أو ميتة؟ قلت من مالي، قال: هو مالك، لأن عليك فداؤه، قلت لم يكن عندي
مال، قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك ". (2)
3 - عن ابن بكير وزرارة جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل اضطر
إلى ميتة وصيد وهو محرم؟ قال: يأكل الصيد ويفدي ". (3)
4 - عن منصور بن حازم قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: محرم اضطر إلى
صيد وإلى ميتة من أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، قلت: أليس قد أحل الله
الميتة لمن اضطر إليها؟ قال: بلى، ولكن يفدي، ألا ترى أنه إنما يأكل من
ماله فيأكل الصيد، وعليه فداؤه " - (4)
5 - عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: " سألته عن
المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة؟ وقلت: إن الله عز وجل حرم الصيد و

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 3
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 7.
18

أحل الميتة، قال: يأكل ويفديه فإنما يأكل ماله ". (1)
وغيرها من الروايات التي نقلها صاحب الوسائل في كفارات الصيد في
الباب الثالث والأربعين من كتاب الوسائل كلها بهذا المضمون وذلك التعليل.
وعلى هذا، القدر المتيقن من التنزيل والآثار المترتبة عليه، بعد ملاحظة
الأخبار المتقدمة الواردة في المحرم المضطر إلى الميتة، المتحدة مضمونا،
الحكم بأن ما ذبحه المحرم من الصيد إنما هو بمنزلة الميتة في عدم جواز أكله
فقط، لا أنه ميتة وغير مذكى، بحيث لا ينتفع بجلده ويكون نجسا ولا تصح
الصلاة فيه، ولا بيعه ولا شرائه، ولكن الأحوط الوجه الثاني، والحكم بترتب
جميع آثار الميتة عليه لما تقدم عن علي عليه السلام من تقدم الميتة على الصيد (2)
وقد يؤيد ذلك بل يستدل له، بأن التذكية شرعا إنما يتحقق بذكر اسم الله
حين الذبح، ولا معنى لذكره تعالى على ما حرمه الله ويبغضه فلا يكون مؤثرا في
التذكية بل يكون لغوا.
ولكن ينتقض بالحيوان المغصوب الذي يذبحه الغاصب مسميا لذكره تعالى
عليه، مع أن فعله والتصرف في مال الغير بغير إذنه حرام ومبغوض لديه تعالى،
فلا تنافي بين التسمية وذكر الله تعالى الذي هر شرط في التذكية وتأثيره في
المشروط من جهة، وبين كون الفعل حراما ومبغوضا من جهة أخرى، فيؤثر
الذكر أثره في التذكية ويترتب على الفعل أثره الآخر من القبح والعقوبة،

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 5
2 - لا وجه لهذا الاحتياط المستلزم لتضييع المال بعد تحقق التذكية بالشرائط
المعتبرة، وبعد العلم بملاك الحكم الثابت على المحرم بالنسبة إلى صيده، وهو حفظ
الصيد من الآفات في موسم الحج وحفظ حرمة الله وجواره، الذي يحصل بعدم جواز الأكل ولا يستفاد من الرواية أكثر من هذا ولا يشترط القربة في التسمية أيضا.
19

ولا يشمله قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن
الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم (1)
وبالجملة فإن استفدنا من دليل التزيل وساير الروايات إن صيد المحرم في
جميع الآثار كالميتة، أو في عدم جواز الأكل فقط نعمل به، وإن وقع الشك و
الاجمال في الدليل فالمرجع في المقام الأصل الجاري فيه وهو عدم تحقق التذكية
شرعا التي تترتب عليها جواز الأكل وطهارة الجلد وغيره من الآثار المترتبة على
المذكى شرعا (2)
هذا فيما إذا صاده المحرم وذبحه في الحرم أو في الحل وأما لو ذبحه

1 - سورة الأنعام الآية 120
2 - هذا مخالف لما تقدم من الأستاذ في ص 19 من أن الأصل عند الشك عدم
ترتب آثار الميتة على ما ذبحه المحرم ولعل نظر الأستاذ مد ظله هنا إلى أن التذكية أمر
معنوي يتحصل من فرى الأوداج الأربعة وغيره من الشرائط فإذا شك في تحقق التذكية
شرعا لاحتمال حصول هذه الأمور بيد غير المحرم، يكون الشك في المحصل والأصل
عدم تحقق المحصل بفتح الصاد) ولكنه غير تام فإن المستفاد من أدلة التذكية اعتبار
فرى الأوداج الأربعة مع الشرائط الأخرى ولا شك في تحقق تلك الشرائط وحصول
التذكية شرعا إلا أدلة حرمة صيد المحرم وإنه بمنزلة الميتة، بعد شمول دليل التذكية
له، ولا يرفع اليد عن دليل التذكية وترتيب الآثار، إلا بمخصص معتبر ودليل شرعي،
وبعد اجمال المخصص وتردده بين كون صيد المحرم ميتة في جميع الآثار، أو في عدم جواز
الأكل فقط، نأخذ بالقدر المتيقن وهو عدم جواز الأكل فقط لا جميع الآثار الميتة، ولا دليل
على رفع اليد عن عموم دليل التذكية بعد تحقق جميع ما يشترط فيها من الاستقبال والتسمية
وفري الأوداج الأربعة، إذ لولا أدلة حرمة الصيد لحكمنا بكونه مذكى ولا نرفع اليد عنه
إلا بما يسعه الدليل المقرر.
20

المحل فيأتي حكمه
(الأمر الثالث) - لو ذبح المحل صيدا في الحرم، سواء صاده في الحل
أو في الحرم، فهل هو مثل ما ذبحه المحرم، في كونه ميتة في عدم جواز الأكل،
أو في جميع الآثار على ما تقدم، فيحرم على المحرم والمحل أكله، أو ليس
كذلك، فقد ادعى الاتفاق على حرمته وصرح به غير واحد، وتدل عليه أيضا
روايات مروية في كتب الأصحاب.
1 - (منها) - صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام " في حمام ذبح
في الحل، قال: لا يأكله محرم، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، وإذا أدخل
الحرم حيا ثم ذبح في الحرم، فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه " (1)
2 - عن حماد عن الحلبي قال: " سئل أبو عبد الله عن صيد رمي في الحل
ثم أدخل الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وامساكه، وقال: لا تشتره في الحرم
إلا مذبوحا قد ذبح في الحل، ثم دخل الحرم فلا بأس به " ورواه الكليني إلا أنه زاد
فلا بأس به للحلال (2)
ورواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: " إذا ذبح المحرم الصيد
لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال
ذبحه أو حرام (3)
ويشمل اطلاق الرواية ما أخذ من الحرم أو خارجه، وهي وإن كانت ضعيفة
السند كما تقدم، إلا أنه مجبور بعمل الأصحاب والفتوى على مضمونها، وأشير في
المسألة السابقة أيضا إن التنزيل بمنزلة الميتة يمكن أن يكون في جميع الآثار كما
يحتمل أن يكون مثلها في الأثر الظاهر، وعدم جواز الأكل، ولا فرق في ذلك

1 - وسائل الشيعة الجزء (9) الباب (5) من تروك الاحرام - الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء (9) الباب (5) من أبواب تروك الاحرام، الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 10 من تروك الاحرام الحديث 4.
21

بين التعبير بأنه ميتة أو كالميتة، فإنه تفنن في العبارة والتعبير، والمعنى واحد.
(الأمر الرابع) لو صاد المحل وذبحه في الحل ثم أدخله الحرم يجوز
للمحل أكله، وادعى عدم الخلاف والاشكال فيه وتدل عليه الروايات السابقة
كصحيحة الحلبي وأما المحرم فلا يجوز له أكله.
ويستفاد من بعض الأدلة عدم جواز أكله للمحل أيضا وأنه إذا أكله يجب
عليه ثمنه
عن صفوان عن منصور بن حازم قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير
مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت فأي شئ تقول أنت؟
قال: عليهم ثمنه (1)
ويظهر من التعبير بأن أهل مكة لا يرى به بأسا حليته للمحلين وأنهم لا يرون
بذلك بأسا حيث إنهم كانوا محلين غالبا، بخلاف المحرم، فإن عدم جواز الأكل
له كان أيضا " معلوما عندهم، إلا أن الظاهر من ايجاب الثمن عليهم عدم جواز الأخذ
المرادف لحرمة الأكل للمحلين من أهل مكة أيضا.
هذا ولكن الرواية حملت على ما ذبح الصيد في الحرم وإن أهل الحرم
لم يكونوا عالمين به وعلى أي حال فقد تقدم ما يدل صريحا على حليته، كما في
صحيحة الحلبي في قوله: " لا تشتره إلا مذبوحا ذبح بالحل فلا بأس به ".
فتحصل من جميع ما تقدم من الروايات إن ما أخذ من الحرم وذبح فهو
حرام أكله للمحل والمحرم. وأما ما أخذ من خارج الحرم وذبح فيه أيضا وأدخل
الحرم بعده فهو حلال للمحل دون المحرم وأما لو شك في أنه ذبح في الحرم أو
في خارجه سيأتي حكمه في المسألة الآتية

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5.
22

(الأمر الخامس) - لو وجد مذبوح يباع بسوق مكة وشك في أنه أخذ من
الحرم وذبح فيه حتى يكون حراما على المحل، أو أخذ من الحل وذبح فيه فيكون
حلالا عليه، كما فصلناه في المسألة السابقة فيه وجهان
فإن قلنا: إن المستفاد من الأدلة المتقدمة، من النصوص والفتاوى الدالة
على حرمة صيد المحرم والحرم إنه ميتة وغير مذكى فمع قطع النظر عن يد المسلم
وسوق المسلمين، الأصل عدم تحقق التذكية شرعا إذا شك في أنه ذبح في الحرم،
أو خارجه، فإن الشرع كما جعل فري الأوداج الأربعة، والقبلة شرطا لحصول
التذكية، فكذلك جعل في الصيد عدم ذبحه في الحرم أو ذبحه في خارجه شرطا
لحلية أكل لحمه للمحل، فإذا شك في تحقق هذا الشرط، أو شرط آخر، فالأصل
عدم تحقق التذكية عند الشرع، والحكم بحرمة المشكوك ذبحه كما في سائر
الموارد (1).
هذا مع قطع النظر عن يد المسلم وحمل فعله على الصحيح في البيع و
غيره، وإلا فيمكن أن يقال أنه إذا باعه مسلم وعامل معاملة المذكى واحتملنا
احرازه الطهارة والحلية، فيده حجة، وقوله دليل على التذكية، ويقبل في ذلك
وفعله محمول على الصحة.
وأما قلنا إن الصيد المذبوح في الحرم ليس ميتة وغير مذكى، بل يحرم
أكله تعبدا على المحرم كما اختاره عدة ويدل عليه بعض الروايات المتقدمة،
فلو شك في أن ما يباع من الطيور الوحشي في سوق مكة أو المدينة، أو أثناء
الطريق، هل ذبح في الحرم أو في خارجه، أو ذبحه المحرم حتى يحرم أكله لا
تكون يد المسلم أمارة للحلية، وطريقا لجواز الأكل، إذ ليس الشك في التذكية

1 - قد تقدم الاشكال في استفاده هذا الشرط بعد تحقق شرائط التذكية لولا حرمة
الصيد على المحرم. بالنسبة إلى غير الأكل.
23

وعدمها، للعلم بوقوع التذكية عليه، وإنما الشك في أن هذا المذكى حرام على
المحل؟ لاحتمال وقوع الذبح في الحرم، أو حلال عليه لوقوعه في الحل،
ويد المسلم في هذا المورد ليست حجة وأمارة على جواز الأكل وحليته، نعم
يقبل قول ذي اليد في المورد، إذا أخبر بأنه لم يذبح في الحرم، أو لم يذبحه
المحرم، ولكن الكلام فيما إذا لم يخبر به ولم يعترف عليه، فحينئذ هل يمكن
ويصح أن يقال: إن اليد وحدها حجة وأمارة على عدم وقوع الذبح في الحرم،
أم لا؟ الظاهر أنه مشكل، وحمل فعل المسلم على الصحة، لا يلازم ذلك أيضا،
كما لو تكلم رجل بكلام لم يعلم أنه كان سلاما يجب رده، أو فحشا وسبا، يحمل
فعله على الصحة، ولا يصح مؤاخذته، ولكن لا ينثبت به كونه سلاما ليجب رده،
وكذا بمعونة اليد وحمل فعل المسلم البالغ على الصحة يحكم بأنه لم يرتكب
الحرام في بيعه وشرائه وأما اثبات أن هذا الطير المذبوح الذي يباع في السوق
لم يذبح في الحرم، أو ذبح في خارجه، خارج عن دائرة قدرتها وسلطنتها،
فإن كان في المقام أصل موضوعي، أو حكمي، أو حكم كلي عام شامل للمورد
يؤخذ به، فعلى هذا لو قيل إن هذا اللحم كان أكله حراما في حال حياة الصيد
الذي وقع عليه الذبح ويشك في كيفيته، فيستصحب الحرمة ويحكم ببقائها. إذا
شك في وقوع الذبح في الحرم وخارجه.
والقول بأن الحرمة الثابتة في حال الحياة نوع خاص، وهي بعد وقوع
الذبح نوع آخر، لا يضر بالاستصحاب، ويمكن أن يدعى ويقال أن الحرمة
السابقة الثابتة حال حياة الصيد، قد ارتفعت وزالت بوقوع الذبح والتذكية قطعا
فهي مرتفعة بالوجدان، والحرمة العارضة عليه بعد الذبح مشكوك فيها ولا يمكن
استصحابها لعدم الحالة السابقة لها، كما لو علمنا بوجود انسان متحقق في ضمن
وجود زيد في الدار، وقطعنا بخروجه منها ولكن يحتمل أن يدخل عمرو الدار
24

مقارنا لخروج زيد منها، فإن أمكن لنا الاستصحاب الكلي والحكم بوجود انسان
كلي في الدار، ففي المقام أيضا - يستصحب الحرمة الكلية المتحققة حال حياة
الصيد المحتمل بقاؤها بنحو الكلي في ضمن حرمة تعبدية أخرى مقارنة لزوال الحرمة
الأولى لكن الالتزام به مشكل نعم يمكن أن يتمسك بقاعدة الحلية في المقام لقوله عليه السلام:
" كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ".
وأحسن من الجميع أن يحتاط المسلم في دينه، ولا يأكل مما يشك في
حليته وحرمته، يستريح من عتاب الشك والشبهة.
بقي هنا شئ لا بأس بالإشارة إليه، وهو أنه إذا قلنا إن ما ذبحه المحرم من
الصيد بحكم الميتة تعبدا في عدم جواز الأكل، فالحكم ما تقدم من حجية اليد
والاستصحاب وغيره عند الشك وأما بناءا على أنه ميتة في جميع الآثار، فإن
اخترنا أن الميتة أمر عدمي عبارة عن عدم تحقق التذكية شرعا فالأصل الجاري
في المقام وهو استصحاب عدم التذكية، أو أصالة عدمها يكفي في اثبات كونه
ميتة، ويترتب عليه جميع الآثار، وأما إذا اخترنا أن الميتة أمر وجودي متأصل،
فيشكل اثباته بالأصل والاستصحاب، وإن حكمنا بحرمة الأكل:
(الأمر السادس) لو علم أنه صاد صيدا وذبحه، ولكن لا يعلم أنه صاده
حال الاحرام وذبحه فيه فيحرم أكله، أو صاده حلالا وذبحه محلا فيجوز أكله،
فإن علم تاريخ الذبح بأن تيقن أنه ذبحه يوم الجمعة مثلا، وشك في أنه أحرم قبل
هذا التاريخ أو بعده، فيستصحب عدم الاحرام إلى حين الذبح ويحكم بحليته
وجواز الأكل، وإن علم تاريخ الاحرام فقط دون الصيد والذبح، فيستصحب
عدم الصيد والذبح إلى زمان الاحرام، ويحكم بعدم وقوع الذبح قبله، ويكفي
دليلا " لحرمة الأكل، أصالة عدم التذكية ولكن لا يثبت وقوع الذبح بعد الاحرام
إلا على القول بحجية الأصول المثبتة
25

وأما إذا جهل تاريخهما أي الاحرام والذبح معا، فالحكم ما تقدم في الأمر
الخامس، من التمسك بالاستصحاب أو قاعدة الحلية.
قد يقال إن هذا اللحم قبل الذبح كان محكوما بالحرمة، ونشك في تأثير
الذبح الواقع عليه في حليته، فتستصحب الحرمة السابقة.
ويجاب عنه بأنه يشترط إن كان يكون المتيقن والمشكوك متحدا في اجراء
الاستصحاب وأن يراهما العرف شيئا واحدا وحكما فاردا، وليس المقام كذلك،
فإن الحرمة الثابتة قبل الذبح نوع خاص، وهي بعده لأجل الشك في وقوع
الذبح في الحرم أو خارجه نوع آخر.
ودعوى أن هذا المقدار من الاختلاف لا يضر باجزاء الاستصحاب غير
مسموعة، للعلم بارتفاع الحكم السابق المتحقق حال حياة الحيوان، ولا شك فيه
وإنما الشك في الحرمة المجعولة بسبب الاحرام ووقوع الذبح في الحرم وعدمه،
والحكم بها لا يعد ابقاء للحكم السابق ولا عدمه نقضا له، إلا أن يلتزم بصحة
الاستصحاب الكلي وجريانه في المقام، كما لو علم بوجود انسان متحقق في وجود
زيد في الدار، وعلم بخروج زيد منها، ولكن يحتمل دخول عمرو الدار مقارنا
لخروج زيد، فيستصحب الانسان الكلي ويحكم ببقائه، فيقال في المسألة ببقاء
الحرمة الكلية في البين ولكنه مشكل نعم يمكن أن يتمسك بقاعدة الحلية (كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) ويحكم
بحلية أكل ما شك في حليته وأشير إليه فيما سبق وإنما أعدناه توضيحا للمسألة.
26

(الأمر السابع) في مفهوم الصيد، وهو بحسب المفهوم العام عند
العرف يشمل ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه منه. فقوله تعالى: (حرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما) (1) و (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (2) يشمل السباع
والوحوش والغزلان والطيور مما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، يقال لمن صاد غزالا
أو حمامة صاد، ولمن صاد أسدا أو ثعلبا أو خنزيرا صاد، إذا كان وحشيا بالذات،
وإن صار أهليا بالعرض، وأما لو كان أهليا بالذات ثم صار وحشيا بالعرض فلا يصدق
عليه الصيد، هذا هو المفهوم المتبادر من الصيد عند العرف، وأما الآية الكريمة
المذكور فيها الصيد، فيمكن أن يقال إنه منصرف إلى ما يؤكل لحمه، بمناسبة الحكم
والموضوع، إذ المستفاد منها أن الاحرام مانع عن الصيد وذبحه وأكله، بحيث أنه
لولا الاحرام لم يكن مانع من أكله وكذا التقييد في قوله تعالى (ما دمتم حرما) فإن
اختصاص الحرمة بحال الاحرام، يدل على انتهاء الحكم وارتفاع النهي بالاحلال
فيجوز الصيد وأخذه وذبحه وأكله بعده، الذي كان محرما عليه قبله، ولا
يستفاد الدوام والتأبيد، من الآية كما في قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير) (3) فسياق الآية في حكم الصيد يدل على أنه لو لم يكن الاحرام موجبا
لحرمته والنهي عن الاستفادة منه كان أكله حلالا، وجائزا بالحكم الأولى المجعول
من الشرع، والصيد الذي لا يؤكل لحمه في الشرع بل هو حرام بالجعل الأولى
ليس كذلك إذ لو لم يأخذه المحرم حال احرامه لكان حراما أيضا وإن صاده في
الحل، فالآية الكريمة منصرفة إلى مأكول اللحم من الصيد البري، ولا تشمل

1 - سورة المائدة - الآية 96
2 - سورة المائدة - الآية 95
3 - سورة المائدة - الآية 5.
27

غير المأكول، ولو شك في الانصراف، لكان القدر المتيقن من مفادها هو الأول،
فعلى هذا اثبات حرمة صيد ما لا يؤكل لحمه وأخذه وقتله، والحكم بالكفارة
على من صاده وقتله، يحتاج إلى دليل آخر غير الآية، وإن كان في الأخبار غنى
وكفاية، إلا أن الآية مع قطع النظر عن الرواية لا يشمل عمومها له نعم قد تفسر
الروايات الآية، في سعة الشمول وعدمها، إلا أنه لا تنافي بينه وبين ما ذكرناه
من انصراف طبع الآية وسياقها إلى ما يؤكل لحمه، ويؤيد ما ادعيناه أن جميع
الأسئلة الواردة في النصوص إنما وقعت عن الغزال والحمام والنعامة وغيرها مما
يؤكل لحمه، فالآية إما منصرفة إليه أو هو القدر المتيقن منها بشهادة السياق و
الحرمة المجعولة حال الاحرام، المرتفعة بالاحلال. (1)
(الأمر الثامن) أنه بعد ما فرغ صاحب الشرائع عن بيان الصيد أكلا
واصطيادا وإشارة وذبحا قال: وكذا يحرم فرخه وبيضه.
لو قيل: إن الامتناع والفرار يعتبر في مفهوم الصيد فلا تشمل الآية الفرخ
لعدم قدرته عليهما.

1 - التحقيق في المقام أن يقال إن ما يستفاد من قوله تعالى حرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما حرمة ما يؤكل لحمه من الصيد بالقتل والأخذ والرمي، إما بالانصراف إليه كما
جاء في كلام الأستاذ مد ظله، أو بدعوى أنه المتقين من الآية، وأما قوله تبارك وتعالى: ولا تقتلوا
الصيد وأنتم حرم فلا يبعد دعوى شموله للصنفين من الصيد، المأكول لحمه وغيره
بل من المحتمل القريب أن الآية الثانية أظهر في العموم من دعوى الانصراف في
الآية الأولى إلى ما يؤكل لحمه ومثلها في الظهور في العموم قوله تعالى ليبلونكم الله
بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم.
28

يقال: إن المعتبر القدرة على الفرار والامتناع بالذات لا بالفعل، إذ لو
كسر رجل صيد، أو مرض بحيث لا يتمكن من الفرار لا يخرج عن كونه صيدا،
وكذا لو لم يتمكن منه لصغر السن وضعف القوة والعدو، فلا قصور في شمول
الآية للفرخ، مضافا إلى النصوص الواردة في المقام.
1 - (منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله عليه السلام " في
قيمة الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف درهم وفي البيض ربع درهم ". (1)
ويعلم من تعيين القيمة إن أخذ الفرخ والبيض حرام على المحرم.
2 - وعن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن رجل أكل من
بيض حمام الحرم وهو محرم، قال عليه لكل بيضة دم وعليه ثمنها سدس أو ربع
درهم (الوهم من صالح الراوي عن الحرث) ثم قال إن الدماء لزمته لأكله وهو
محرم، وإن الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحر ". (2)
3 - عن حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في الحمام درهم وفي
الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم ". (3)
4 - عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكة محل، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت
جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة ولم
أذكر الحرم فذبحتهما، فقال: تصدق بثمنهما، فقلت فكم ثمنهما؟ فقال درهم
خير من ثمنها " (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 5
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 7.
29

5 عن حريز عن محمد قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه
حمام أهلي جيئ به وهو في الحرم محل، قال إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه
بنحو من ثمنه ". (1)
6 - عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة
وإن قتل فراخه ففيه حمل وإن وطئ البيض فعليه درهم ". (2)
في الرواية الأولى لحريز وقع السؤال عن رجل وهو في الحرم، والظاهر
أنه كان محلا أصاب شيئا من الحمام في الحرم، وأما روايته الثانية فقد وردت
في حق المحرم كما في روايته الثالثة.
7 - عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال " وإن وطئ المحرم بيضة كسرها فعليه
درهم وكل هذا يتصدق به بمكة ومنى وهو قول الله تعالى تناله أيديكم و
رماحكم ". (3)
8 - عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال " سألته عن رجل كسر بيض حمام و
في البيض فراخ قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، و
يتصدق بلحومها إن كان محرما وإن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشترى
به علفا يطرح لحمام الحرم ". (4)
يستفاد من مجموع هذه الروايات إن الفرخ والبيض أيضا حرام على المحرم
كما أن الصيد حرام عليه وأما ترتب الكفارة وتفصيلها وأنها لأي قسم من الصيد
فسيأتي إن شاء الله في الكفارات

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 7
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيد - الحديث 8.
30

الأمر التاسع في الجراد وقع الخلاف بين الأعلام من الشيعة والسنة في أن
الجراد من صيد البر أو البحر، أوله صنفان صنف بري وصنف بحري، وكان المناسب
أن نتعرض لهذا البحث بعد توضيح الكلام في مفهوم صيد البحر ونقل الأقوال
فيه، ولكن الأستاذ مد ظله العالي تعرض لذلك في المقام تبعا للمحقق قدس سره.
قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بحرمة البيض والفرخ: " إن الجراد
في معنى الصيد البري، عندنا كما في الجواهر.
وعن المنتهى والتذكرة أنه قول علمائنا وأكثر العامة، وادعى عدم الخلاف
فيه، كما عن المسالك، خلافا لأبي سعيد الخدري والشافعي وأحمد، فذهبا إلى
كونه بحريا زعما بأنه متولد من مدفوع السمك.
وأما علماؤنا كما أشير إليه فلا خلاف بينهم في ذلك، إلا أنهم قالوا: " الجراد
على صنفين، صنف منه بحري، وصنف بري " ولعل تعرض المحقق لبيان حكم
الجراد في ضمن حكم الصيد البري إنما هو لذلك، ولعل الروايات المتفرقة
الدالة على أن الجراد كله بري، وردت في بيان حكم ما كان يبتلي به الحاج في
أثناء السير، لاجتماع الجراد في الطريق الذي يكون غالبا من الصنف البري،
لا البحري، فعلى هذا، الصنف البري حرام أخذه وقتله وأكله على المحرم،
وأما البحري فهو حلال، يشمله قوله تعالى: أحل لكم صيد البحر، فالمهم في
المقام نقل النصوص الواردة في المسألة، والتأمل في مضامينها لكي يتضح الحال
ويكمل المقال، ويعلم أن الجراد كله بري، أو بحري، أو مختلف.
1 - (منها) ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: مر علي عليه السلام
على قوم يأكلون جرادا، فقال سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا إنما هو من
صيد البحر، فقال لهم ارمسوه في الماء إذا (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
31

إذا المستفاد من الرواية، من قوله عليه السلام ارمسوه في الماء أن الجراد لو كان
يعيش في الماء كان بحريا وحيث أنه لا يعيش إلا في البر فهو بري.
2 - عن حريز عن زرارة عن أحدهما قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان
على الطريق فإن لم يجد بدا فقتل فلا شئ عليه. (1)
3 - عن أبي بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من
غير تعمد لقتله أو يمرون به في الطريق فيطأونه قال: إن وجدت معدلا فاعدل عنه
فإن قتلته غير متعمد فلا بأس. (2)
4 - معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا
يقتله. (3)
5 - عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجراد أيأكله
المحرم، قال: لا (4).
6 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: المحرم لا يأكل الجراد (5)
7 - عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله: الجراد من البحر، وقال كل
شئ أصله في البحر، ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله
فعليه الجزاء كما قال الله تعالى (6)
هذه الروايات تدل على أن الجراد على نحو العموم من صيد البر وإن كان
أصله وتكونه من البحر، ولم تذكر فيها نوع آخر بحري من الجراد، وقد صرح

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الاحرام - الحديث 4
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الاحرام - الحديث 5 - 6
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الاحرام - الحديث 5 - 6
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من تروك الاحرام الحديث 2.
32

في رواية محمد بن مسلم بأنه لو كان من صيد البحر لعاش في الماء فما لم يتمكن
من أن يعيش فيه فهو بري كما أن ما لا يتمكن من أن يعيش في البر فهو بحري وأما إذا
تمكن من أن يعيش في البر والبحر معا فهو أيضا بري وإن كان أصله من الماء، وهذا هو
المراد من كلام الشيخ (قدس سره) حيث قال: وأما لو كان في البر والبحر وإن كان
أصله من الماء فهو البري كما في رواية عمار المتقدمة فمثل بعض السلحفاة التي
تعيش في البر والبحر بحيث تتمكن من الحياة في البر من دون حاجة ملزمة إلى
العيش في الماء، كما في السمك فهو أيضا من الصيد البري الذي يحرم على المحرم
قتله، وأما التي لا تعيش من السلحفاة إلا في الماء فهي بحرية.
وبالجملة المستفاد من الروايات إن الجراد على نحو العموم من صيد البر
يحرم قتله وأكله لقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم نعم لو اجتمع الجراد في
طريق المحرم وتجمع فيه وسد الطريق بحيث لا يمكن السير بدون قتله ولا التوقف
حتى ينتشر ويطير، فإن أمكن الطرد فيطرد ويبعد من الطريق، وإلا فلا اشكال في
اتلافه بالراكب والمركب، كما في صورة الاضطرار وأما في غير تلك الصور فلا
يجوز قتل الجراد وطرده كما أشير إليه.
33

(في صيد البحر)
الأمر العاشر لا يحرم على المحرم صيد البحر مطلقا وهو كما في الشرايع
ما يبيض ويفرخ في الماء.
أما أصل الحكم فلا اشكال فيه ولا خلاف، بل ادعى اجماع المسلمين عليه
ويدل عليه قوله تعالى وأحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة. (1)
وأما تعريف صيد البحر بأنه ما يبيض ويفرخ في الماء فلا بد من بسط الكلام
فيه، فأقول: البيض والفرخ، وإن كانا بحسب الظهور العرفي مختصين بما يطير،
ويستعمل فيه من دون تمهل ومؤنة، ولكن قد يراد منه الأعم، كما قد يعبر عن الأولاد
بالفرخ، فبناء على إرادة الأعم، كل ما يتولد ويتكون في البحر فهو بحري، وما يتكون
ويتولد في البر فهو بري، سواء كان بالبيض أو بالولادة، ولعل هذا مراد المحقق
أيضا وأما لو كان مراده ما هو الظاهر من البيض والفرخ من اختصاصهما بما يطير دون
الأعم، فلا مناص من التأمل في أخبار الباب في أن المستفاد منها، إن المراد مما

1 - المائدة 96.
34

يبيض ويفرخ ما هو الظاهر عند العرف، وهو المعيار والملاك في كون الصيد بحريا
أو بريا، أو المراد منه الأعم كما اخترناه حتى يعد كل ما يتكون ويتولد في البحر
بحريا وما يتكون في البر بريا، إذ لولاه لأشكل عد الكلب البحري والفرس
البحري بحريا لعدم تكونهما من البيضة ولا يطلق عليها الفرخ، وعلى كل حال،
المتبع في المقام الأخبار المروية عنهم عليهم السلام، وفقه مضامينها بالتأمل التام.
1 - منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (والسمك لا بأس بأكله
طرية ومالحة ويتزود، قال الله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم و
وللسيارة، قال: فليتخير الذين يأكلون وقال: فصل بما بينها كل طير يكون في
الآجام يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر وما كان من صيد البر يكون
في البر ويبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).
المستفاد من هذه الرواية، إن كل ما يبيض في البحر فهو بحري، وإن
كان يعيش في البر أيضا فالطير الذي يبيض في البحر ولكنه يعيش في البر فهو
بحري، وهي نظير ما تقدم من معاوية بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام
(كل شئ أصله في البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن:
قتله فعليه الجزاء) (2) إلا أنها جعل الميزان فيها كون الأصل في البحر وهذه الرواية
جعل الملاك، فيها أن يبيض ويفرخ في البحر ويمكن حمل هذه على الطير وما
تقدم على الأعم منه ومن غيره.
2 - وعن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بأن يصيد المحرم
السمك ويأكل مالحه وطريه ويتزود، قال الله: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
35

لكم، قال: مالحه الذي تأكلون، وفصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض
في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر وما كان من صيد البر يكون في البر و
يبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).
هذه الرواية تدل على أن كل ما يبيض في البحر فهو بحري فيقيد به ما يدل
على أن كل شئ أصله في البحر فهو بحري هذا في الطير، وأما غيره فكل ما لا
يعيش في الماء فهو بري كما هو مقتضى قوله عليه السلام ارمسوه في الماء.
الأمر الحادي عشر لو كان حيوان يراه العرف بريا ويعده منه، ولكنه
يبيض في البحر، فهل المتبع هنا نظر العرف أو الميزان الذي استفيد من الأخبار
لتشخيص صيد البحر فيحكم بجواز صيده وأكله اعتمادا على الميزان؟.
يمكن أن يقال بل يستدل بأن الروايات إنما وردت لتشخيص موارد الشك
والاشتباه عند العرف، دون المعلوم عنده فإذا رأى العرف حيوانا من صيد البر يلزمه
حكمه ويحكم بحرمة صيده وقتله وأكله إذ الروايات ناظرة إلى الفرد المشكوك و
تشخيصه بالميزان المذكور فيها، ويشهد لذلك أن قوله تعالى حرم عليكم صيد
البر خطاب عرفي عام وجه إلى المكلفين فإذا رأى العرف حيوانا بريا يتحتم
عليه التكليف ولا يبقى له شك حتى يتوسل بالميزان الشرعي المذكور وتخطئة
العرف والقول بأن الروايات إنما وردت في مقام التخطئة للعرف في بعض مصاديق
الصيد وابطال حكمهم فيه مشكل جدا وكلام علي عليه السلام مع قوم كانوا يأكلون
الجراد وهم محرمون مستدلين بأنه من صيد البحر، لم يكن تخطئة لهم في المصداق
بل كان رد استدلالهم واستنباطهم، ولذا قال عليه السلام ارمسوه في الماء ادا، لا أنهم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
36

أخطأوا في تشخيصهم، والحاصل أن ما جعل ميزانا لتشخيص صيد البحر وامتيازه و
فصله عن صيد البر إنما هو فيما لا يكون مشخصا ومميزا عند العرف، وأنه داخل
في أي صنف من الصيد البري أو البحري، فعند ذا يقال: إن كان يبيض في البحر
فهو من مصاديق صيد البحر وإن كان يبيض في البر فهو من مصاديق صيد البر، وأما
إذا كان معلوما عندهم من جهة المصداق ويراه العرف مثلا داخلا في صيد البر أو
البحر فلا حاجة إلى اعمال الميزان المجعول للتشخيص في صورة الشك والشبهة.
بقي هنا فرعان ينبغي الإشارة إليهما لتكميل البحث في المقام
الأول لو كان حيوان له صنفان، صنف يعيش في الماء، وصنف يعيش
في البر كالسلحفاة فلكل صنف حكمه الخاص به، فما يعيش في البر بري يحرم
صيده وقتله وما في البحر فبحري يجوز صيده كالكلب البري البحري.
الثاني لو شك في فرد من الحيوان أنه من صيد البحر أو من صيد البر،
ولم يعلم دخوله في أي صنف من الصيد لشبهة في المصداق لا الحكم والعنوان،
كما إذا رأى صيدا من بعيد ولم يعلم أنه بحري أو بري، فإن قلنا: بجواز التمسك
بالعام في الشبهة المصداقية، يتمسك بعموم حرم عليكم صيد البر ويشمله أيضا عموم
أحل لكم صيد البحر، فيتصادقان في مورد واحد ويغلب جانب الحرمة فيحكم بحرمة
قتله وأكله، ولكن المتأخرين لا يجوزون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما
هو الأقوى، وعليه فيحكم بعدم حرمته للأصل، لأنه شك في التكليف، ولقوله
عليه السلام كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه
هذا فيما إذا كان الشك من جهة المصداق والموضوع، مع العلم بأنه إما
مصداق لصيد البر، أو مصداق للصيد البحري، المعلوم حكمهما لا أنه مصداق
لثالث مغاير حكمه لحكمها.
وما لو كان الشك من جهة صدق عنوان البري والبحري مع صدق الصيد
عليه، بمعنى أنه يشمله الصيد ولكن لا يصدق ولا يطلق عليه البحري فقط، ولا البري
37

كذلك لوجود الآثار المختلفة والمتضادة فيه، بأنه يبيض في البحر تارة، وفي
البر أخرى، أو يتمكن من أن يعيش في الماء دائما، كما أنه يتمكن من إدامة
الحياة في البر كذلك، أو للشك في مفهوم البحر من جهة السعة والضيق (1)
فهل يتمسك في مثل المورد بعموم حرم عليكم صيد البر فيحكم بالحرمة، أو بعموم
أحل لكم صيد البحر فيجوز قتله وأكله، فيه تردد
ومنشأه أنه إن قيل إن العام في حرمة الصيد إنما قيد بكونه غير بحري لقوله
تعالى أحل لكم صيد البحر، فكان الحرام من الصيد متقيد بكونه غير بحري، ولا
علم لهذا القيد إلا بعد احراز كونه بريا، فإذا شك في وجود القيد وتقيد الصيد به
يشمله العموم لعدم انعقاد الظهور للعام إلا فيما هو بري قطعا، فلا يكون حراما على
المحرم.
وإن قلنا إن الصيد حرام على المحرم قتله وأكله على نحو العموم الساري
في جميع مصاديق الصيد، لقوله تعالى ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، الظاهر في
حرمة كل من الصنفين، ولكن المخصص المنفصل الآخر، أخرج صيد البحر
عن تحت حكم العام، وحكم بحليته، وخصص الحرمة بالبري من الصيد وقد
تقرر في الأصول أن المخصص إذا كان مجملا بحسب المفهوم، لا يجوز تخصيص
العام إلا بما هو المتيقن دخوله تحت عموم المخصص، ويبقى غيره سليما عن
التخصيص والمعارض، ولا يسري الاجمال في دليل المخصص إلى العام،
لانفصاله عنه، وعدم اتصاله به، وانعقاد الظهور فيه، كما لو قال أكرم العلماء
ثم ورود دليل آخر، لا تكرم الفساق منهم، وتردد الفسق بين مرتكب الكبيرة
والصغيرة، يؤخذ بالقدر المتيقن من المخصص وهو مرتكب الكبيرة، ويبقى
مرتكب الصغيرة تحت عموم العام ويتبع ظهوره فيه، وما نحن فيه أيضا كذلك

1 - لا وجه للشك في مفهوم البحر ولا أثر له أصلا إذ الملاك، الحياة والعيشة في
الماء سواء كان بحرا أو نهرا أو شطا أو غديرا كما قال (ع) ارمسوه في الماء.
38

فيحكم بحلية ما هو المتيقن دخوله تحت صيد البحر، عند الشك في صدق العنوان،
ويبقى غيره تحت عموم قوله تعالى ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم.
هذا إذا كانت الشبهة حكيمة كما أشير إليه، وأما لو كانت مصداقية بأن
اشتبه عليه إن ما يراه بعيدا من الصيد، بحري أو بري، يجوز قتله بناء على الأول و
يحرم على الثاني، ولا يصح التمسك بعموم المخصص بالكسر ولا المخصص
بالفتح إلا بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، وأما بناء
على عدم الجواز كما هو الحق، فالمرجع عند الشك، الأصل الجاري في المورد
وقد مر أنه عدم الحرمة على احتمال.
39

حرمة النساء على المحرم
الثاني مما يحرم على المحرم النساء وطيا ولمسا، وعقدا، وشهادة وتقبيلا
ونظرا إذا كانا بشهوة. أما حرمة الجماع قبلا ودبرا فهو اجماعي لا خلاف فيه، وادعى
الاجماع بقسميه عليه، نعم قد وقع الخلاف في بعض الموارد من جهة افساد الحج
وعدمه ولكن أصل الحرمة في الوطي لم يخالف فيه أحد، وتدل عليه الآية و
الرواية بتعابير مختلفة كحرمة الوقاع، والجماع، والغشيان، واتيان الأهل، والرفث
بالصراحة والكناية.
أما الآية، فقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله). (1) والرفث هو
الجماع كما في قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (2)

1 - سورة البقرة - الآية 194
2 - سورة البقرة - 184.
40

ومن النصوص المفسرة للرفث بالجماع.
1 - ما رواه معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله (ع): (إذا أحرمت فعليك
بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام إلا بالخير، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء
لسانه إلا من خير، كما قال الله عز وجل، فإن الله يقول فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج، فالرفث الجماع، والفسوق الكذب والسباب،
والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله). (1)
ونفي تلك الأمور، وعدم وجوده في الحج، يدل على أنها منتفية شرعا،
ومحرمة شديدة، لبيان الحكم بنفي ما هو الحرام في الخارج، وهو آكد في الحرمة.
2 - عن علي بن جعفر قال: (سألت أخي موسى عليه السلام عن الرفث والفسوق
والجدال ما هو، وما على من فعله، فقال: الرفث جماع النساء والفسوق الكذب،
والمفاخرة، والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله...) الحديث. (2)
3 - عن زيد الشحام، قال: (سألت أبا عبد الله عن الرفث والفسوق والجدال،
قال: أما الرفث فالجماع، وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، والجدال هو
قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وسباب الرجل الرجل). (3)
4 عن العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله في تفسير الآية
قال: (فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال قول الرجل لا والله وبلى
والله). (4)

1 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8
4 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
41

فهذه روايات وردت في تفسير الآية ذكرناها بتمامها ليعلم الاختلاف في
مضامينها بالزيادة والنقيصة ويتبين أن الأمور المذكورة فيها محرمة ولا يمكن القول
بكراهتها.
وأما ترتب الكفارة على من ارتكبها فتدل عليه روايات
منها - ما عن علي بن جعفر عن أخيه في حديث، قال: (فمن رفث فعليه
بدنة ينحرها وإن لم يجد فشاة وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم). (1)
يستفاد من الرواية حرمة الرفث وترتب الكفارة عليه وسنتعرض له ولحكم
الكفارة مفصلا إن شاء الله تعالى.
مسائل
الأولى - أنه لا فرق بين أقسام الجماع في الحرمة، وقد وردت في الروايات
المفسرة للرفث المذكور في الآية تعبيرات مختلفة كالجماع، واتيان الأهل، و
الغشيان، والوقاع، ومباشرة النساء.
أما الجماع فهو وإن كان ظاهرا في الوطي في القبل، ومنصرفا عن الوطي
في الدبر، إلا أن الاجماع على عدم الفرق بينهما في الحرمة وترتب الكفارة
ونظر الاجماع، أما إلى أن الجماع وضع بحسب الوضع الأولى للأعم
من الوطي في القبل والدبر، أو المراد منه في الروايات هو الأعم، وإن كان
موضوعا للقسم الخاص منه فقط، لما ورد في الروايات إن الدبر أحد المأتيين
يجب فيه الغسل والمهر والعدة، فعلى هذا إرادة الأعم من الجماع حكم تعبدي.
ويظهر من بعض الروايات عدم الفرق بين المأتيين وشمول الحكم لكل
واحد منهما وترتب الكفارة عليهما كرواية معاوية بن عمار.

1 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
42

قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج،
قال: عليه بدنة، وليس عليه الحج من قابل، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع
فعليها مثل ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليه الحج من قابل). (1)
أطلق الجماع في هذه الرواية على المواقعة فيما دون الفرج، وحكم
بحرمتها وترتب الكفارة عليها.
لو فرض أن اطلاق الجماع على الوطي في الدبر غير قطعي، وشك في
شموله له، فلا ينبغي أن يشك في شمول الوقاع له واطلاقه عليه كما يطلق على
الوطي في القبل. (2)
هذا تمام الكلام في الحرمة التكليفية وأما الوضعية بمعنى فساد الحج و
بطلانه بالوطي في القبل والدبر حال الاحرام وترتب الكفارة على كل منهما
فالرواية صريحة في الفساد وترتب الكفارة على الوطي في كل من المأتيين أيضا
نعم لو ادعى أن المتيقن من الأدلة على حرمة الجماع على المحرم وترتب
الكفارة عليه هو الوطي في القبل، وأما الدبر فمشكوك فيه، ولا نعمل بخبر الواحد
ولا يعتنى بالاجماع المدعى في المقام وبفتاوى الفقهاء، لأمكن القول بأن المرجع
عند ذاك هو البراءة وكذا لو شك في فساد الحج بالوطي في الدبر وعدمه فالأصل
عدمه.
ولكن الحكم واضح لا شبهة فيه، لفتاوى الفقهاء، والاجماع المدعى. هذا
حكم الوقاع والجماع، وأما اللمس والنظر والتقبيل فسيأتي حكم كل منها في
المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
الثانية أفتى المحقق قدس سره بحرمة لمس النساء على المحرم وكذا النظر

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2 - الظاهر أن الجماع والوقاع وغشيان النساء واتيان الأهل كلها في الانصراف
إلى الوطي في القبل أو شموله للأعم سواء في الجميع ولا خصوصية في كلمة الوقاع.
43

والتقبيل بشهوة ولكن لم يقيد اللمس بشهوة.
ونقل صاحب الجواهر كلام المحقق في اللمس وقيده بشهوة ولعله استفاد
اعتبار الشهوة في حرمة اللمس من الأخبار الواردة في المقام كما سيأتي.
وأما النظر فقد اعتبر المحقق في حرمته على المحرم كونه بشهوة لا مطلقا،
واختاره صاحب الحدائق والمستند.
وحكي عن الصدوق جواز النظر إلى امرأته بشهوة، ومال إليه في كشف
اللثام مستدلا بالأصل.
ومنشأ الاختلاف النصوص الواردة في المقام، فالمهم نقلها وفقهها بالتأمل
التام فمنها:
1 - ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم نظر
إلى امرأته فأمنى، أو أمذى، وهو محرم قال: لا شئ عليه ولكن ليغتسل ويستغفر ربه،
وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى وهو محرم فلا شئ عليه، وإن حملها أو
مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، وقال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو
ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال عليه بدنة. (1)
قد ذكر في الرواية النظر واللمس والحمل وقيد الثاني والثالث، بكونهما
عن شهوة، وأما النظر فقد يستظهر من قوله (ع): نظر إلى امرأته فأمنى، إن النظر
إنما كان عن شهوة حيث تعقب بالانزال، وصار سببا له، وهو مشكل فلا بد من أن
يحمل على النظر بغير شهوة ولو بمعونة رواية أخرى وردت في المسألة، وبقرينة
الفقرة الأخيرة في ذيل الرواية وهي قوله فإن حملها من غيره شهوة فأمنى أو أمذى
وهو محرم فلا شئ عليه، إذ من المحتمل أن الفقرة الأولى أيضا في مقام
بيان حكم من نظر إلى امرأته بغير شهوة كما يقتضيه السياق ويأتي البحث في

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
44

النظر مفصلا إن شاء الله تعالى.
وأما لمس المرأة فقد قيد الحرمة فيه بكونه عن شهوة كما هو المصرح به
في رواية عمار المتقدمة، وبها يقيد ما تدل على حرمته مطلقا ولعلها مستند صاحب
الحدائق والمستند والجواهر أيضا حيث اشترطوا الشهوة في حرمة مس المرأة
ولمسها، فكل مس ولمس لا يكون بشهوة فلا شئ عليه وإن أمنى أو أمذى، وتدل
على ذلك روايات أخرى.
1 - منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المحرم يضع يده
من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها و
محملها قلت: أفيمسها وهي محرمة، قال: نعم) (1) وهذه الرواية صريحة في جواز
مس المرأة حال الاحرام إذا لم يكن بشهوة وتدل على بطلان القول بحرمته
مطلقا كما هو ظاهر عبارة المحقق في الشرايع، ولذلك قيدها الشارح بكونه
عن شهوة.
2 ورواية أبي سيار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (ومن مس امرأته بيده وهو
محرم على شهوة فعليه دم شاة ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور
ومن مس امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شئ عليه). (2)
3 - ورواية أخرى للحلبي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (المحرم يضع يده
على امرأته قال لا بأس، قلت: فيتنزلها من المحمل ويضمها إليه، قال: لا بأس، قلت:
فإنه إن أراد أن ينزلها من المحل فلما ضمها إليه أدركته الشهوة، قال: ليس عليه
شئ إلا أن يكون طلب ذلك). (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
45

4 - ورواية حريز عن محمد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حمل امرأته
وهو محرم فأمنى أو أمذى، قال: إن كان حملها أو مسها بشئ من الشهوة فأمنى
أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسها لغير شهوة فأمنى أو
أمذى فليس عليه شئ). (1)
والمستفاد من الرواية أن المحرم إذا مس امرأته أو حملها وضمها إليه بغير
شهوة ليس عليه شئ سواء أمنى بذلك أو لم يمن، وأما إذا مسها أو حملها بشهوة
فهو حرام مطلقا سواء أمنى أو أمذى، أو لم يمن ولم يمذ، إذا الظاهر أن ملاك الحرمة
والجواز، المس بشهوة، وغير شهوة وهو الموضوع للحكم، ولا أثر للامناء و
عدمه في ذلك، ومنه يعلم أن الامناء المذكور في رواية عمار المتقدمة بقوله
(إن مسها بشهوة فأمنى) ليس قيدا للحكم وشرطا فيه بل هو الأثر الطبيعي الذي قد
يترتب على المس قهرا، وما هو الشرط والقيد كون المس عن شهوة.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
46

حكم التقبيل
وأما التقبيل فهو أيضا حرام على المحرم كالنظر ومس المرأة ولكنه وقع
الخلاف في اعتبار الشهوة فيه وعدمه، ونقل عن بعض القول بالحرمة مطلقا وعدم
اشتراط الشهوة فيه، ولعله ظاهر كلام المحقق قدس سره في الشرايع، ولكن
صاحب الجواهر جعل قوله بشهوة: قيدا للنظر والتقبيل معا، والمهم في هذه
المسألة الأخبار الواردة ونقلها.
1 - منها ما روي عن الحلبي عن أبي عبد الله في رواية قلت: (المحرم يضع يده
بشهوة قال يهريق دم شاة، قلت فإن قبل، قال: هذا أشد ينحر بدنة). (1)
2 - عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن رجل قبل
امرأته وهو محرم، قال عليه بدنة وإن لم ينزل وليس أن يأكل منها). (2)

1 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
47

3 - عن العلاء بن فضيل قال سألت: (أبا عبد الله عن رجل وامرأة تمتعا جميعا
فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها، قال: يهريق دما وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى
كل واحد منهما أن يهريق دما). (1)
4 - عن مسمع أبي سيار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (يا أبا سيار إن حال المحرم
ضيقة فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ومن قبل امرأته
على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه). (2)
والمستفاد من مجموع روايات الباب أن تقبيل المحرم امرأته حرام عليه
مطلقا، بشهوة كان أو بغيرها وإن كان يمكن أن يقال إن تقبيل الرجل امرأته لا ينفك
غالبا عن الشهوة.
الثالثة إن الروايات الدالة على أن النظر إلى المرأة ومسها وحملها حرام على
المحرم، إنما وردت في محرم نظر إلى امرأته وزوجته، وفي مسها وحملها، و
أما النظر إلى الأجنبية ومسها فلا إشارة إليها في النصوص، فهل الأجنبية، مثل
الزوجة في الحرمة وترتب الكفارة، إذا نظر إليها بشهوة أو مسها أو حملها كذلك
أو يمكن أن يختلف حكمها ولا يتحد مع حكم الزوجة، وجهان.
أما الحرمة التكليفية فلا يمكن القول بالتفكيك بينهما فيها بداهة أنه إذا كان
النظر إلى الزوجة حراما حال الاحرام، فغيرها أولى بالحرمة والمبغوضية، وذكر
المرأة والزوجة في الروايات إنما هو من جهة كثرة الابتلاء بها، لمرافقتها و
ملازمتها لزوجها غالبا، لا لدخالتها في الحكم وموضوعيتها فيه.
وأما الكفارة فهي أيضا كذلك، لاستبعاد القول بأن المحرم إذا نظر إلى
امرأته أو مسها بشهوة يجب عليه الكفارة دون الأجنبية لو نظر إليها كذلك،

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
48

لاستيحاش العرف منه، وانكار الذوق السليم، له وعدم التزام الفقيه به، ولذا أفتى
فقهاؤنا بتعميم الحكم، وعدم الفرق بين الزوجة والأجنبية في حرمة النظر والمس
بشهوة، وترتب الكفارة على ذلك وهذا لا اشكال فيه.
وإنما الكلام فيما إذا مس محرم أجنبية بغير شهوة وصافحها كما هو
الشايع المعروف بين الغربيين وبعض المتجددين ووجه الاشكال أنه إذا مس
المحرم زوجته بغير شهوة لا بأس عليه ولا كفارة فيه فهل الأجنبية أيضا كذلك، في
عدم البأس والكفارة إذا مسها بغير شهوة لعدم شمول دليل الحرمة لها، وعدم
الأولوية التي أشير إليها، أو يمكن أن يقال، إن مس الأجنبية لأجل كونه حراما
الأجنبي يوجب الكفارة إذا مسها المحرم.
اللهم إلا أن يقال إن البحث في المقام إنما هو في بيان ما يحرم على المحرم
بهذا العنوان حال الاحرام بحيث يصح بعده من تروك الاحرام، وأما الحرام الذي
لم يؤخذ الاحرام موضوعا له فهو خارج عن البحث ومغاير له، كالسرقة، والغيبة حال
الاحرام، فإن حرمتها ووجوب قطع يد السارق، لا يلازم كونهما من تروك الاحرام
كما أن قطع اليد لم يترتب على الحرمة بهذه الجهة، نعم قد تشتد العقوبة
لخصوصية في الزمان والمكان على حسب نظر الحاكم الاسلامي، كما أنه قد
يكون الشئ المحرم على جميع المكلفين حراما على المحرم بهذا العنوان ويصير
موضوعا لآثار خاصة ويعد من تروك الاحرام أيضا كما في الرفث الشامل للجماع
مع الأجنبية، والفسوق والجدال، التي أخذت موضوعات لأحكام خاصة ثابتة
بعنوان المحرم لقوله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج). (1)
والحاصل أنه لا مانع من القول بعدم ثبوت الكفارة على المحرم إذا مس

1 - سورة البقرة الآية - 197.
49

أجنبية بغير شهوة، لعدم الدليل عليه كما في مس امرأته لو مسها بغير
شهوة، إذ المذكور في الأدلة، إن ما يوجب الكفارة هو المس بشهوة، حلالا
كان عليه أو حراما كما في الأجنبية، ولا تنافي بين الحرمة الأولية المجعولة للمس
الأجنبية على المحرم وغيره، وبين ما اخترناه من عدم ثبوت الكفارة لو مسها
محرم لعدم شمول دليل الكفارة للمورد.
المسألة الرابعة إن مس المحارم كالأخت والخالة والعمة كمس الزوجة
فيحرم مسهن إذا كان بشهوة وإلا فلا.
أما المس بشهوة فيمكن استفادة حرمته من حكم مس الزوجة بالأولوية،
فإنه إذا كان مس المحرم امرأته بشهوة حراما عليه، وموجبا للكفارة وهي زوجته
وحليلته، فغيرها أولى بالحرمة وإن كانت من المحارم كما قلنا في الأجنبية.
وأما المس من غير شهوة، فلا يستفاد حكمه من الروايات الواردة في مس
المحرم امرأته، لا بالفحوى والأولوية، ولا بالغاء الخصوصية، فلا بد من استفادة
حكمه من روايات أخرى ولم نجد رواية خاصة في ذلك. (1)
وأما حمل المرأة وضمها وملازمتها إذا كان بشهوة فقد ذكرت في الروايات
ولكن لم أجد في عبارات الفقهاء فتوى منهم في ذلك، فإن كان مرادهم من المس
ما يشمل الضم والحمل والملازمة، يشكل إرادة ذلك منه لظهوره في مس الجسد
والبدن، لامس الثياب وأما الروايات فقد تقدمت الإشارة إليها منها رواية عمار وفيها
وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. (2)

1 - يمكن استفادة حكم مس المحارم من رواية الحسين بن حماد. قال سألت أبا عبد الله عن المحرم بقبل أمه قال (ع) لا بأس به هذه قبلة رحمة إنما تكره قبلة الشهوة
(الوسائل).
وجه الدلالة أن التقبيل أحد مصاديق المس فشمله الدليل.
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
50

وفي رواية حريز في رجل محرم حمل امرأته إلى أن قال إن كان حملها
أو مسها بشئ من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم. (1)
وفي رواية أبي سيار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام من مس امرأته أو لازمها
عن غير شهوة فلا شئ عليه. (2)

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 6 - 3.
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 6 - 3.
51

حرمة النظر
وأما النظر وحرمته على المحرم فقد وعدنا أن نتعرض له تفصيلا وأشير إليه
في المسألة الثانية.
قال الأستاذ الفقيه الكبير مد ظله: قد اعتبر المحقق في حرمة نظر المحرم
إلى امرأته، كونه بشهوة، واختاره صاحب الحدائق والمستند قدس سرهما.
ونقل عن بعض عدم الحرمة في امرأته وغيرها، إلا أنه يحرم النظر إلى غير
أهله من جهة النظر إلى الأجنبية لا بعنوان المحرم.
ونقل عن ظاهر عبارات بعض الفقهاء حرمة النظر مطلقا بشهوة كان أو
بغيرها.
وعن الصدوق جواز نظر المحرم إلى امرأته، ولو بشهوة وعن كشف
اللثام الميل إليه أيضا.
52

ومنشأ الخلاف كما تقدم، كيفية الجمع بين النصوص الواردة في
المسألة، وبالمضامين المختلفة، ومداليل متعددة، التي ينبغي أن يتأمل فيها وفي
الجمع بينها.
منها، رواية معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن محرم
نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال لا شئ عليه ولكن ليغتسل ويستغفر ربه
يحتمل أن يكون السؤال عن حكم النظر بلا قصد للامناء، ولكن أدركه الامناء
من دون إرادة منه، ولا طلب له، فالمعنى أن المحرم إذا نظر إلى امرأته، فأمنى من
دون قصد واردة لذلك لا يكون عليه شئ، لا حرمة ولا كفارة.
لو قيل: إن الرواية مطلقة تشمل باطلاقها ما لو قصد الامناء فتكون معارضة
لما تدل على حرمة الامناء وقصده والاستمناء بالنظر، فيقال، بناء على ثبوت الاطلاق
فيها، وشموله النظر بقصد الامناء، لا بد أن يؤخذ بالقدر المتيقن من مفادها، و
هو ما لم يكن النظر بذاك القصد، وطلبا له، حتى ترتفع المعارضة بينها وبين ما
تدل على حرمة النظر للامناء، والاستمناء.
ثم إنه بناء على عدم شمول الرواية باطلاقها لمن قصد الامناء بالنظر إلى
امرأته، والاستمناء به، فهل يستفاد منها جواز النظر بشهوة، أو بغيرها إذا لم يقصد
الامناء به أولا، فكل منهما محتمل.
أما النظر بغير شهوة فيستفاد جوازه من الرواية وإن أمنى قهرا، فإن المسلم
من مورد الرواية ومدلولها بعد اخراج صورة قصد الامناء، هو هذا المورد والحكم
بجواز النظر بغير شهوة إذ لولاه لا يبقى مورد لها.
وأما النظر بشهوة فلا يستفاد منها جوازه، ويشهد له ذيل الرواية على احتمال
أيضا حيث قال عليه السلام في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال:
عليه بدنة. (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
53

وقوله بشهوة يمكن ويحتمل أن يكون قيد الانزال، فالمعنى أن انزال
المرأة عن محملها بشهوة حتى يمنى يوجب الكفارة، كما يحتمل كونه قيدا للنظر،
فحينئذ، يكون مفاد الرواية إن النظر بشهوة إذا صار سببا للانزال فيه بدنة ويحتمل
كونه قيدا لكل منهما.
ثم إن ثبوت الكفارة على الاحتمال الثاني، يمكن أن يكون للنظر بشهوة
فقط، ويترتب عليه من دون دخل للامناء، كما يحتمل أن تكون الكفارة مترتبة على
الامناء فقط من دون دخل للنظر، ولكن القدر المتيقن من الاحتمالين إن الكفارة
إنما تترتب على النظر بشهوة مع تعقبه بالامناء لا على مجرد النظر بشهوة، ولا
على الامناء فقط، فمعنى الرواية حرمة الامناء وثبوت الكفارة على من نظر إلى
امرأته بشهوة فأمنى إذا طلب ذلك.
منها رواية أبي سيار المتقدمة قال: قال لي أبو عبد الله: (يا أبا سيار: إن حال
المحرم ضيقة إلى أن قال: من نظر إلى امرأته شهوة فأمنى فعليه جزور)
الخبر (1).
والمتيقن من هذه الرواية والمصرح بها حرمة النظر بشهوة حتى يمنى لا
النظر الخالي من الشهوة، ولا النظر بشهوة من غير امناء، فلا تكون دليلا على
حرمة النظر بغير شهوة، ولا على حرمته بشهوة من دون امناء.
ورواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن رجل قال
لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق ولم يطف ولم يسع بين الصفا والمروة: اطرحي
ثوبك، فنظر إلى فرجها، قال لا شئ عليه، إذا لم يكن غير النظر). (2)
وهذه الرواية بظاهرها تدل على جواز النظر بغير شهوة بل على جوازه
بشهوة مع عدم الامناء، فإن النظر إلى الفرج لا ينفك عن شهوة.

1 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
54

قد يقال: إن المنفى في الرواية هو الكفارة لا الحرمة التكليفية والمعنى أن
من نظر إلى فرج امرأته من دون امناء لا كفارة عليه ولا ينافي ذلك حرمة النظر
تكليفا إذا كان بشهوة ولكن الظاهر المتبادر منها، هو عدم حرمة النظر مطلقا ولو
عن شهوة لما أشير إليه من أن النظر إلى الفرج لا ينفك عنها، وعن التلذذ غالبا.
ومنها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في محرم نظر إلى امرأته
بشهوة فأمنى، قال ليس عليه شئ. (1)
ومفاد هذه الرواية نفي الحرمة والكفارة، حتى مع الامناء على ما هو
الظاهر، ولكن لم يعمل به، حملها الشيخ قدس سره على صورة السهو والنسيان
دون العمد، كما في الصوم، أو على غير الاختيار والإرادة، كمن كان من عادته أن
لا يمني بالنظر إلى امرأته بشهوة، فنظر اعتمادا على تلك العادة، فأمنى من غير توقع
وانتظار، وطلب واختيار، فلا يصح الاستدلال بها لجواز النظر بشهوة إذا لم
يكن مأمونا من الامناء.
هذا تمام الكلام في المحرم إذا نظر إلى أهله وامرأته، وأما لو نظر إلى غير
أهله فسيأتي حكمه.
مسألة - لو نظر محرم إلى غير أهله من: (النساء اللاتي يحرم النظر إليهن،
ويجب غض البصر عنهن، فقد ورد فيه روايات، وهي العمدة في المسألة.
منها ما رواه حريز عن زرارة قال: (سألت أبا جعفر عن رجل محرم نظر إلى
غير أهله فأنزل، قال: عليه جزور، أو بقرة، فإن لم يجد فشاة). (1)
الظاهر من هذه الرواية حرمة النظر إلى غير الأهل بشهوة مع الانزال وهذا
هو القدر المتيقن منها، وأما النظر بشهوة لا عن امناء فلا تدل على حرمته كما هو
مورد البحث.
ورواية أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل محرم نظر إلى ساق امرأة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
55

فأمنى فقال إن كان موسرا فعليه بدنة، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن كان فقيرا
فعليه شاة، ثم قال: أما إني لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لأنه
نظر إلى ما لا يحل له ورواها الصدوق أيضا باسناده عن أبي بصير إلا أن فيها نظر
إلى ساق امرأة أو فرجها (1)
والرواية هي المستند لمن أفتى بحرمة النظر بشهوة، لظهور التعليل في
أن الكفارة لم تجعل من جهة الانزال، بل إنما جعلت لأجل النظر إلى ما كان
حراما على المحرم نظره.
لكن التحقيق أن يقال إن حرمة النظر المعلل بها ثبوت الكفارة في الرواية،
هل هي الحرمة الثابتة بعنوان الاحرام، أي الحرام الذي يعد من محرماته وتروكه،
الذي نحن بصدده ونبحث عنه في المقام، أو الحرمة المجعولة لا بذاك العنوان،
بل مع قطع النظر عن الاحرام وعنوان المحرم، فإن حرمة النظر إلى الأجنبية و
ساقها ثابتة على المحرم وغيره وليس مما يختص بحال الاحرام وعنوان المحرم،
بأن يعد من تروكه.
فإن كان المقصود هو الأول، فلا يناسبه التعليل بقوله لأنه نظر إلى ما لا يحل
له، إذ البحث في المقام اثبات حرمة النظر والامناء حتى إلى أهله وامرأته التي
تحل له، وقد تقدم ما يدل على حرمة النظر إلى امرأته وزوجته مع الامناء
فكيف يصح القول بعدم حرمة الامناء، وقد عرفت صراحة رواية أبي سيار المتقدمة
فيها.
وأما لو كان المقصود هو الثاني، أي الحرمة الثابتة مع قطع النظر عن الاحرام
وعنوان المحرم، بل لأنه نظر إلى ما لا يحل له فأمنى، فلازمه القول بعدم شئ

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من كفارات الاستمتاع الحديث 2.
56

عليه إذا نظر إلى ما يحل له فأمنى كما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة التي حملها
الشيخ على صورة السهو النسيان، دون العمد.
وبالجملة الأخذ بظاهر التعليل المذكور في رواية أبي بصير المتقدمة لا يناسب
ما سلف من صراحة بعض الروايات بوجوب الكفارة على المحرم إذا نظر إلى
امرأته فأمنى، وقد بينا فيما تقدم أيضا إن الامناء إذا حصل من النظر بشهوة، يوجب
الكفارة قطعا، والنظر إلى ساق المرأة كما في هذه الرواية لأبي بصير، أو إلى
فرجها بناء على نقل الصدوق، لا ينفك عن الشهوة، فعلى هذا، التعليل المذكور
في الرواية، غير معمول به، بل معرض عنه.
لا يبعد أن يقال: إن المستفاد من التعليل حرمة النظر وعدم جوازه إذا كان
بشهوة، وهذا لا شبهة في استفادته من التعليل في الرواية، وإن لم تكن معمولا بها
في نفي الكفارة على الامناء، فلا مانع من التمسك بها لحرمة النظر بشهوة، إن لم
يكن لها معارض أقوى، وإلا فيشكل التمسك بها فيما ذكر أيضا بل لا يبعد أن
يستفاد منها إن النظر بشهوة إلى الأجنبية حتى ينزل من محرمات الاحرام وتروكه
زائدا على الحرمة الأصلية.
ومثلها رواية أخرى لأبي بصير رواها خالد بن إسماعيل عمن ذكره عن أبي
بصير (1).
ومنها ما رواه ابن عمير عن معاوية بن عمار في محرم نظر إلى غير أهله
فأنزل، قال (ع): عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحل له وإن لم يكن أنزل فليتق الله
ولا يعد وليس عليه شئ (2)

1 - كان أستاذنا الأعظم الفقيه الفقيد البروجردي رضوان الله عليه، يعد أمثال هذه
الرواية التي نقلت بطرق مختلفة رواية واحدة نقلها الراوي الأول عن المعصوم وسأل
المسألة منه عليه السلام مرة واحدة ثم ذكرها لأفراد عديدة لا أنه سئل الإمام عنها مرارا
وكرارا
2 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
57

وقد رتب الكفارة في هذه الرواية على النظر مع الانزال وأما بدونه فليس
عليه شئ، ولا يبعد أن تكون هذه الرواية مفسرة لرواية حريز وأبي بصير المتقدمتين
وشارحة لهما، بتقريب إن النظر إذا كان سببا للانزال ومتعقبا به يحرم على المحرم
بما أنه محرم ومعنون به، ويعد من تروكه وعليه دم وإلا فلا شئ عليه، وحيث
إن الرواية صريحة في أن الكفارة إنما جعلت للانزال والامناء لا للنظر فقط، تكون
مبينة أيضا إنها جعلت للامناء كما في رواية أبي بصير، لكن باعتبار السبب الموجد له
والموجب إياه وهو النظر إلى ما يحل له، سواء كان هذا السبب حراما على
المحرم قبل احرامه وتعنونه بهذا العنوان، أو محرما عليه بهذا العنوان.
فتحصل من جميع ما يستفاد من الروايات - بمعونة ضم بعضها إلى بعض،
وتفسير البعض للبعض - إن كل مورد يكون النظر فيه حراما بأي عنوان كان إذا
نظر محرم إليه فأمنى فعليه الكفارة، لارتكابه حراما من تروك الاحرام، ولا يستفاد
منها أكثر من ذلك، ولا الحرمة التكليفية إذا لم ينزل، إذ لم نجد في الأجنبية و
غيرها ما دل صريحا على حرمة النظر على المحرم بما هو محرم ما لم يكن موجبا
للانزال والامناء، ولا على ترتب الكفارة عليه، نعم الحرمة التكليفية السابقة على
الاحرام المحمولة على شئ بعنوانه الأولى والأصلي، باقية على حالتها الأولى،
ولكنها ليست من تروك الاحرام، ومع ذلك كله فالأحوط ثبوت الكفارة إذا نظر بشهوة
وإن لم يمن، بل الأقوى ذلك على ما استظهرناه من بعض الروايات السابقة (1).
تذييل
صرح بعض الفقهاء - كما في المستند - إن من محرمات الاحرام النساء
والاستمتاع بهن على الرجال، وكذا الاستمتاع بالرجال على النساء المحرمات
حال الاحرام.
لا اشكال ولا شبهة في هذا الحكم، إذ كما يحرم على الرجال حال الاحرام
الاستمتاع بالنساء واتيانهن، فكذا يحرم على النساء الاستمتاع بالرجال، واعمال

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
58

الغريزة الجنسية حال الاحرام مع بعولتهن، وكذا يحرم على المحرمة عقد النكاح
والشهادة عليه حال الاحرام ويشهد لما ذكر، التفصيل الواقع في الروايات الواردة
في مباشرة المحرم امرأته.
في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل باشر
امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ فقال إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة
الرجل فعليهما الهدي جميعا إلى أن قال وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها
صاحبها فليس عليها شئ. (1)
عن علي بن أبي حمزه قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله إلى
أن قال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها
بدنه (2).
وفي رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل أحل من احرامه، و
لم تحل امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها (3)
وغيرها من الروايات الدالة على التفصيل كرواية معاوية بن عمار وغيرها
هذا حكم المواقعة.
وأما المس فلو مست امرأة زوجها وهي محرمة، فهل يجري التفصيل
المتقدم في مس المحرم امرأته هنا أيضا، بأن يقال المحرمة إذا مست زوجها بشهوة
فهو حرام وإذا مسته بغير شهوة فلا شئ عليها أو لا يأتي التفصيل هنا، بل يقال إن
النصوص إنما وردت لبيان حكم المحرم إذا مس امرأته، ولم تتعرض لحكم المرأة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
59

المحرمة، لو مست زوجها أو نظرت إليه، أو قبلته، فيختص الحكم بالمحرم ولا
يشمل المحرمة، وجهان.
والذي يقتضيه التحقيق في المقام أن يقال إن الحكم المجعول على المحرم
إن علم أنه جعل بلحاظ الاحرام من حيث هو، فلا يفرق فيه بين المحرم والمحرمة،
فيحرم على المحرمة ما يحرم على المحرم، لتحقق الملاك فيها أيضا وأما إذا لم يعلم
ذلك، فإن أمكن الغاء الخصوصية عن مورد السؤال والجواب، وتسرية الحكم
إلى غيره، كما لو قيل: رجل شك بين الثلاث والأربع أو محرم في ثوبه دم،
يشمل الحكم، المحرم والمحرمة.
ولكن السؤال وكيفيته الجواب في النصوص الواردة في المقام ليس
كذلك لوضوح الفرق بين قول الراوي: رجل شك بين الثلاث والأربع، أو محرم
في ثوبه دم، وبين قوله محرم نظر إلى امرأته بشهوة أو نظر إلى ساق امرأة بشهوة
فأمنى، إذا لعرف لا يرى خصوصية في السؤال الأول بين المرء والمرأة في حكم
الشك ونجاسة الدم، بخلاف الثاني لاحتمال دخالة خصوصية الرجل في الحكم
المجعول حال الاحرام، فلا يمكن الغاء الخصوصية، ولا يعلم من قول الإمام: المحرم
إذا قبل امرأته فعليه كذا، تسرية الحكم إلى المرأة، بالغاء الخصوصية، وأنها إذا
قبلت زوجها بشهوة أو نظرت إليه كذلك فعليها أيضا ما على زوجها لو نظر إليها
فبناء على عدم امكان الغاء الخصوصية من الروايات، فهل يحكم باشتراك
المحرم والمحرمة في الحرمة التكليفية، كما هو كذلك في ترتب الكفارة إذا طاوعت
زوجها على المواقعة، أولا يمكن، وجهان.
ولكن الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم استفادوا الاشتراك بينهما وكأنهم رجحوا
الغاء الخصوصية وتسرية الحكم من المحرم إلى المحرمة قال النراقي قدس سره في
المستند: تحرم النساء على الرجال والرجال على النساء حال الاحرام، فكأنهم يستلمون ذلك
60

ولا يرونه محتاجا إلى التعرض والتصريح كما في تفصيل الكفارة ولعلهم فهموا
من الأدلة إن الحكم إنما جعل المحرم من جهة الاحرام وعقده له، فإن حصل
الاطمينان بذلك وإن الحكم في المحرم والمحرمة متحد، وإلا فالأصل البراءة،
وعدم فساد الحج، في الثاني.
61

حرمة التزويج والعقد على المحرم
ومن المحرمات على المحرم العقد لنفسه ولغيره، مباشرة أو تسبيبا
أما العقد لنفسه مباشرة فلا خلاف في حرمته وادعى الاجماع بقسميه عليه - وتدل
النصوص أيضا على ذلك وإن عقده باطل لا يؤثر في حقه وكذا في حق غيره إذا
عقد له.
وكذا يحرم عليه توكيله للغير، إذا عقد الغير حال احرام الموكل، سواء
وكله قبل الاحرام أو حاله، وسواء كان الوكيل محلا أو محرما.
ويحرم أيضا إجازة العقد الفضولي له، سواء كان العقد واقعا حال احرامه
أو قبله، وقلنا إن الإجازة كاشفة أو ناقلة، نعم لو قيل إن الإجازة كاشفة حقيقة لا حكما
يمكن أن يقال إنها حينئذ بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد سابقا، ولا تأثير لها أصلا
في ايجاد العلقة الزوجية، فلا يكون العقد حراما، وإن كان ذلك أيضا لا يخلو
من اشكال، لامكان القول بأن الإجازة بناء على الكشف الحقيقي إنما تكون
62

بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد قبلا، إذا صدرت عمن يصح منه العقد في ذلك الحال
دون غيره.
وكذا يحرم على المحرم والمحرمة ايقاع العقد لغيرهما، وكالة عنه أو
فضولة، سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما.
ويحرم على الغير أيضا ايقاع العقد للمحرم والمحرمة وكالة، أو فضولة،
وكذا يحرم على الولي ايقاع العقد للمولى عليه، إذا كان المولى عليه محرما،
بالمباشرة، أو بالتوكيل، وكذا إجازة، العقد الفضولي للمولى عليه، أو للموكل
حال الاحرام إذا وكله الموكل على نحو الاطلاق، حتى لإجازة العقد الفضولي
للموكل وإن كان من وقع العقد له محلا حال وقوع العقد، ويستفاد ذلك من
النصوص المعتبرة المستفيضة.
منها المروى عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال: " ليس للمحرم أن يتزوج
ولا يزوج، وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل " (1)
ورواه الصدوق باسناده عن عبد الله بن سنان مثله وزاد " وإن رجلا من الأنصار
تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله نكاحه ". (2)
وعن أبي الصباح الكناني قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم يتزوج قال
نكاحه باطل ". (3)
عن عبد الله بن سان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم
أن يتزوج ولا يزوج محلا ". (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
63

وعن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله قال: " المحرم لا ينكح
ولا ينكح ولا يشهد فإن نكح فنكاحه باطل " وزاد الكليني ولا يخطب. (1)
وعن معاوية بن عمار قال: " المحرم لا يتزوج ولا يزوج فإن فعل فنكاحه
باطل " (2).
وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا ينبغي للرجل الحلال أن
يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له: قلت، فإن فعل فدخل بها المحرم؟ فقال إن
كانا عالمين فإن على كل واحد منهما بدنة وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة وإن
لم تكن محرمة فلا شئ عليها إلا أن تكون هي قد علمت أن الذي تزوجها محرم
فإن كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة ". (3)
ثم إنه كما تقدم لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين كونه بالمباشرة
أو بالتسبيب والتوكيل كما صرح به غير واحد، لكن العلامة في القواعد قرب
توكيل الجد المحرم محلا في تزويج المولى عليه المحل، ولم يعلم وجه اختصاص
الجد بذلك.
وأما تقريب أصل الجواز فلعله لأن التوكيل في حد نفسه ليس نكاحا،
فإذا كان الوكيل والمولى عليه محلين لا يكون العقد تزويجا منهيا عنه، ولا يشمله
النص والاجماع وأورد عليه في الجواهر بقوله وفيه ما لا يخفى عليك فيما أوقعه
الوكيل حال الاحرام (أي حال احرام الجد) إذ الوكيل نائب عن الموكل ولا
نيابة فيما ليس له فعله، من التزويج المنهى عنه في النصوص، الذي يشمل التوكيل
حال الاحرام.
والظاهر أن الايراد في محله فإن الإجازة للعقد الفضولي حتى بناء على

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 9
3 - وسائل الشيعة ج 9 - الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 10.
64

الكشف الحقيقي لا يصح من المحرم، فكيف بالتوكيل، وبعبارة أوفى، إن توكيل
المحرم للعقد لا يقل عن إجازته لما وقع فضوليا، وعن شهادته للعقد، التي لا تجوز
بلا خلاف كما ادعى بل نسبته إلى قطع الأصحاب.
مضافا إلى ما أفاده من أن ظاهر جعل الولاية والوكالة لشخص، إنه
بمنزلته ونائب عنه فيما له أن يفعله، وليس مثل الوصي الذي هو مستقل في أمره،
فإذا لم يكن التزويج الصادر من الجد الموكل المحرم صحيحا، لو باشره بنفسه
فكيف يصح من وكيله الذي لا يقوم بذلك إلا بإذنه ولا يصح عقده إلا لاستناده إلى
الموكل، وكون عقده عقدا له.
وبالجملة لا اشكال في أن العقد في حال الاحرام لا يصح من المحرم، و
ادعى عليه الاجماع من الخاصة، ونقل عن أبي حنيفة والثوري جواز النكاح
لنفسه فضلا عن غيره، ولا يعبأ ولا يعتنى به.
إنما الكلام والاشكال في أن العقد الصادر من المحرم هل يوجب الحرمة
الأبدية أيضا، أو لا يوجب إلا بطلان العقد، وعدم تأثيره لنفسه ولغيره، وهل
يشترط في ذلك العلم، والدخول، أم لا يشترط.
عقد صاحب الوسائل، بابا لذلك، وقال: باب أن من تزوج محرما
عامدا عالما بالتحريم، وجب عليه مفارقتها، ولم تحل له أبدا، وعليه المهر
إن كان دخل، وإن كان جاهلا حل له تزويجها بعد الاحلال.
ويعلم من عنوان الباب اشتراط العمد والعلم في نشر الحرمة الأبدية، وروي
في ذاك الباب نصوصا
منها ما روي عن إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن المحرم إذا
تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا ". (1)
وعن أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن المحرم إذا تزوج

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
65

وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا والذي يتزوج المرآة ولها زوج يفرق
بينهما ولا يتعاودان أبدا " (1).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
رجل ملك بضع امرأة وهو محرم، قبل أن يحل، فقضى أن يخلى سبيلها، ولم
يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها إن شاء وإن شاء أهلها زوجوه وإن شاؤوا
لم يزوجوه ". (2)
ومضمون الرواية الأخيرة عدم الحرمة الأبدية إلا أنها حملت على الجاهل
بالحكم جمعا بينها وبين غيرها من النصوص الآتية.
عن الصدوق قال قال عليه السلام: " من تزوج امرأة في احرامه فرق بينهما ولم تحل
له ". (3)
وبإسناده عن سماعة عنه عليه السلام قال: " لها المهران كان دخل بها "
عن زرارة وداود بن سرحان عنه عليه السلام في حديث: " والمحرم إذا تزوج وهو
يعلم أنه حرام لم تحل له أبدا (4)
والمستفاد من الروايات المتقدمة كرواية ابن سنان وأبي الصباح الكناني
ومرسلة الحسن بن علي وصحيحة معاوية بن عمار وسماعة بن مهران إن نكاح
المحرم باطل، ولكن لا يستفاد منها الحرمة الأبدية، فتلك الطائفة من النصوص
ساكتة عن الدلالة عليها، بل يدل بعضها على العدم، كرواية محمد بن قيس
في قضاء علي عليه السلام. (5)

1 - وسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5
4 - وسائل الشيعة الجزء 14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
66

وأما ما يستفاد من الطائفة الثانية، هي الحرمة الأبدية وأنها لا تحل له أبدا،
ويفرق بينهما، ولا يتعاودان.
قد يجمع بين تلك النصوص، بجمل الطائفة الأولى على الجاهل بالحكم
والثانية على من كان يعلم ذلك ودخل بها، ويجعل الشاهد على هذا لجمع، رواية
سماعة عنه عليه السلام لها المهران كان دخل بها (1).
وفي الجواهر بعد نقل رواية محمد بن قيس في قضاء على الدالة على بطلان
نكاح المحرم وأنه إذا أحل خطبها إن شاء، قال وهو محمول على الجاهل به،
جمعا بينه وبين قول الصادق في خبري الخزاعي وإبراهيم بن الحسن المتقدمين
إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا، بشهادة خبر داود بن
سرحان وزرارة المحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام لم يحل له أبدا المعتضد
بالنسبة إلى علمائنا بل هو مفروغ عنه في كتاب النكاح كما تعرفه إن شاء الله فوسوسة
بعض الناس في غير محلها، كما أن ما عن أبي حنيفة والثوري والحكم، من جواز
نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة احداثهم في الدين.
والتحقيق أن يقال إن مقتضى الجمع والتوفيق بين النصوص، القول
بالحرمة الأبدية مع الدخول إذ المراد من التفريق في قوله فرق بينهما، ليس
الانفصال والتفريق الاعتباري، بمعنى الحكم بفساد العقد والعلقة الزوجية بينهما
67

فإنه حاصل بنفس بطلان العقد، وعدم انعقاد العلقة الزوجية، بل المراد منه التفريق
الخارجي العملي، والارتباط كذلك وهذا لا ينفك غالبا عن الدخول واعمال
الغريزة الجنسية، وعلى هذا يكون مفاد تلك الأخبار خاصا، بالنسبة إلى ما تدل
على بطلان العقد فقط حال الاحرام، وجواز التزويج بعد الاحلال مطلقا، دخل
بها أو لم يدخل، فيقدم الخاص، ويحكم بالحرمة الأبدية، إذا دخل بها ويبقى
التزويج قبل الدخول باقيا تحت عموم العام فلا تعارض بين الطائفتين من النصوص
التي مفادها ما ذكرناه - وأما غيرها مما يستفاد منها اعتبار العلم بالحرمة مع الدخول
في الحرمة الأبدية وبين ما تدل على الحرمة الأبدية بالدخول فقط المستفاد من
التفريق من غير دخالة للعلم فيه، فلا بد من رفع هذا التعارض أيضا.
أقول النسبة بين ما يدل على عدم الحرمة الأبدية إذا كان التزويج حال الاحرام
عن جهل المستفاد من مفهوم اعتبار العلم في الحرمة الأبدية وبين ما يدل على
الحرمة الأبدية مع الدخول عالما كان أو جاهلا عام وخاص من وجه مورد الافتراق
هو العقد حال الاحرام مع الجهل والدخول وحيث إن المفهوم الدال على اعتبار
العلم في الحرمة الأبدية ضعيف بالنسبة إلى المنطوق الصريح في عدة من النصوص
الدالة على وجوب التفريق بينهما وإنهما لا يتعاودان أبدا إذا أدخل بها مطلقا فيرفع
اليد عن المفهوم تقديما لظهور المنطوق عليه ويحكم بالحرمة الأبدية إذا تزوج
حال الاحرام ودخل بها وإن كان جاهلا بذلك الحكم.
وعلى هذا، اللازم من التوافق بين النصوص بما تقدم من كيفية الجمع
بينها على نحوين، الحكم بالحرمة الأبدية إذا كان عالما بالحكم سواء دخل بها
أم لا، كما هو صريح بعض النصوص، وكذا الحكم بها إن دخل سواء علم به
أم جهل كما هو المستفاد من عموم قوله فرق بينهما فتكون المسألة نطير النكاح
في العدة.
نعم يبقى في المورد اشكال، وهو أن قضاء علي عليه السلام في رجل ملك بضع
68

امرأة وهو محرم، بتخلية سبيلها حتى يحل فإذا أحل إن شاء خطبها، مطلق شامل
لصورة العلم والجهل والدخول وعدم الدخول، ولكنه يدفع بأن القدر
المتيقن من مورد القضاء أيضا هو صورة الجهل بالحكم وعدم الدخول، ولم يثبت
كونه عالما به، أو دخل بها، حتى يكون معارضا لما اخترناه من الجمع،
بمنطوقه مع احتمال أن يكون عدم ذكر العلم أو الدخول إنما هو من جهة التقية (1)
فروع ذكرها في العروة لا بأس بالإشارة إلى بعضها لعدم خلوها عن الفائدة،
الأول قال السيد لا يجوز للمحرم أن يتزوج محرمة سواء كان بالمباشرة
أو بالتوكيل إلى أن قال لو كان الزوج محلا وكانت الزوجة محرمة فلا اشكال في
بطلان العقد، لكن هل يوجب الحرمة الأبدية فيه قولان، الأحوط الحرمة الأبدية
بل لا يخلو عن قوة.
الظاهر أن ملاك الحكم في المسئلتين واحد وهو أنه إن قلنا إن المحرم
المذكور في الروايات إنما كان من باب المثال نظير إذا شك الرجل بين الثلاث
والأربع، فلا اشكال في الحرمة الأبدية إذا كانت الزوجة محرمة وإن كان الزوج
محلا، وأما إذا قلنا إن ذكر المحرم إنما هو من جهة الخصوصية والقيدية، أو
قلنا إن القدر المتقين من مضمون الروايات هو المحرم فاللازم بطلان عقد المحرم
دون المحرمة ولكن الأقوى ما قواه من الحكم بالحرمة الأبدية فيما إذا كانت الزوجة

1 - هذا ما أفاده الأستاذ مد ظله في الجمع بين النصوص ورفع التنافي بين ما
ذهب إليه وبين رواية محمد بن قيس في قضاء علي (ع).
ولكن الانصاف أن قوله (ع) ملك بضع امرأة ظاهر في الدخول مضافا إلى أن الحمل
على التقية بعيد فإن العامة يجوزون النكاح في حال الاحرام كما تقدم عن أبي حنيفة،
مع أن التقية في زمان حكومة على وبسط يده كانت قليلة بالنسبة إلى الفروع إلا أن هذا
الجمع حسن نظرا إلى ما ورد في المسئلة من الروايات كرواية زرارة وداود بن سرحان و
غيرهما وأما قضاء علي (ع) فلا مناص من القول بأن خصوصية المورد غير واضحة.
69

محرمة كما صرح به في الخلاف مستدلا بالأخبار والاجماع، على عدم الفرق
بين المحرم والمحرمة.
ثم إنه بناء على اعتبار العلم في الحكم بالحرمة الأبدية هل هو العلم بالحكم
فقط، أو العلم بالموضوع وهو كونه محرما أو كون المرأة محرمة، أو يعتبر العلم
بكليهما، فإن جهل أحدهما لا يصدق أنه كان عالما بحرمة العقد الصادر منه فكل
منهما محتمل.
فلو كان الزوج جاهلا والعاقد عالما بالحرمة فالظاهر أن الدليل لا يشمله
إذا الاعتبار على علم الزوج والزوجة لا الغير، ويشترط أن يكون الامضاء للعقد
الفضولي الواقع للمحرم أيضا في حال العلم بالحكم إذا قلنا إن الإجازة للعقد
كنفس العقد وإلا لا يكفي كما في غيره.
فلو كان الولي جاهلا بالحكم فهل جهله مثل جهل من له العقد، أم لا،
الظاهر أن اطلاق الأدلة لا يشمله، اللهم أن يقال بعدم الفرق بينهما، وإن الولي
الذي له الولاية على العقد كالمولى عليه في المقام.
الثاني لو تزوج حال الاحرام فبان بطلان العقد من غير جهة الاحرام كتزويج
أخت الزوجة أو الخامسة فهل يوجب التحريم الأبدي أيضا مع فساد العقد من جهة
أخرى، الظاهر ذلك لصدق التزويج المنهى في حال الاحرام، وتبين البطلان
لفقد شرطه أو غيره ولا يضر ولا يمنع عن شمول الأدلة له. (1)

1 - الظاهر من الأدلة بطلان العقد بالتزويج حال الاحرام والذي لولا النهي عن ذلك
كان العقد مؤثرا وصحيحا فلا يشمل ما كان باطلا حتى في غير حال الاحرام لدليل آخر
كما في الصيد لما يؤكل لحمه وما لا يؤكل فإن أدلة حرمة الأكل بالاحرام منصرفة عن الثاني.
70

حكم التوكيل في العقد
أما التوكيل في العقد فعلى صور، منها أن يوكل محرم محرما آخر في
التزويج له من دون تقييد بزمان الاحرام فأوقع الوكيل العقد بعد احلالهما، فالظاهر
أنه لا اشكال في صحة الوكالة والعقد له لعدم شمول الأدلة الناهية عن التزويج حال
الاحرام، للمقام، وعدم المانع عن شمول الأدلة العامة للوكالة.
قد يشكل بأن الوكالة في حال الاحرام في التزويج الذي لا يصح صدوره
من الموكل غير صحيحة، وإن وقع العقد بعد الاحلال، نعم لو قيد الوكالة المطلقة
بالتزويج له بعد الاحلال، فلا مانع منه لتقييد العمل بزمان يصح صدور الفعل
من الموكل أيضا ولا حظر في إنشاء الوكالة لعمل، يتأخر زمانه عن زمان انشاء الوكالة
من دون تعليق فيه.
ويجاب عن أصل الاشكال بأن الوكالة على نحو اطلاق في حال الاحرام
ينحل إلى وكالة متعددة في أزمنة عديدة وحيث إن التزويج والعقد في حال الاحرام
71

منهي شرعا، يبطل الوكالة فيه فقط ولا تمنع ذلك عن صحتها في زمان يصح
فيه التزويج ويجوز فيه العقد، نظير الوكالة في بيع الخمر والخل أو ما يملك و
ما لا يملك، فيبطل في الخمر وبيع ما لا يملك، ويصح في غيرهما ولا حاجة للتقيد.
ومنها أن يوكل محل محرما في العقد له من دون تقييد بزمان الاحرام فأوقع
الوكيل العقد له بعد احلاله، الظاهر عدم الاشكال فيه، وصحة الوكالة والعقد
كليهما نعم لو عقد له حال احرامه يبطل العقد، ولكن لا يوجب الحرمة الأبدية على
الموكل (1) قد يشكل في صحة التوكيل في المقام على نحو الاطلاق، لعدم
صحة صدور العقد من الوكيل حال احرامه، ويجاب عنه بما تقدم في الفرض
السابق بل الأمر هنا أهون لعدم المنع من ناحية الموكل شرعا.
ومنها أن يوكل محرم محلا في العقد له من دون تقييد بزمان الاحرام فأوقع
الوكيل العقد بعد الاحلال، فالظاهر عدم الاشكال في ذلك، لأن التوكيل ليس
عقدا منهيا عنه، والفرض إن العقد إنما وقع بعد الاحلال نعم قد يشكل فيه أيضا
بما تقدم ويجاب عنه بما سبق.
ومنها أن يوكل محل محلا ثم أحرما أو أحرم أحدهما وأوقع الوكيل العقد
بعد الاحلال فلا اشكال في صحة الوكالة والعقد ولا يأتي الاشكال المتقدم فيه.

1 - يمكن أن يقال إن القول بصحة الوكالة مطلقا من دون تقييد بحال الاحلال يوجب
الحرمة الأبدية إذا عقد الوكيل لموكله حال الاحرام لصحة الوكالة.
72

(في الشهادة على العقد)
كما يحرم على المحرم العقد حال الاحرام يحرم عليه أيضا الشهادة عليه،
سواء كان الزوجان محلين، أو محرمين أو مختلفين، بلا خلاف أجده بل في
المدارك أنه مقطوع بين الأصحاب، وادعى الاجماع عليه في الخلاف، ومحتمل
الغنية، وإن لم يتعرض له بعض الأصحاب في كتبهم، لكن المسألة مما لا خلاف
فيها وتدل على الحكم روايات منها.
مرسلة ابن شجرة (أبي شجرة) عمن ذكر عن أبي عبد الله عليه السلام (في المحرم،
يشهد على نكاح محلين، قال: لا يشهد: ثم قال يجوز للمحرم أن يشير بصيد
على محل. (1)
نقل الشيخ الحر العاملي إن الشيخ والصدوق قالا إن هذا انكار وتنبيه على أنه لا يجوز.

1 - الوسائل ج 9 الباب 1 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 8.
73

وفي مرسلة الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال
المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد فإن نكح فنكاحه باطل (1)
قد يخدش في الاستدلال بالروايتين بكونهما مرسلتين، وعدم دلالتهما على
عدم جواز الشهادة على العقد وذلك لأن لفظة على في الرواية لم يذكر في بعض
النسخ فيمكن زيادتها في رواية أبي شجرة.
ولكن الخدشة غير واردة أما الارسال فيهما فبان في الرواية الأولى عثمان بن
عيسى الذي لا يروي إلا عن ثقة وفي الرواية الثانية الحسن بن علي بن فضال وهو
ثقة في روايته مضافا إلى انجبار الروايتين بعمل الأصحاب وفتاويهم حتى أنه عمل
بها من ليس من مذهبه العمل بأخبار الآحاد كابن إدريس والشيخ رحمهما الله.
وأما الخدشة من جهة احتمال زيادة لفظة على في النسخة فهي أيضا غير
واردة، فإن الزيادة وأصالتها ليست أمرا غالبيا يعتنى به عند العقلاء، لدقة الناس
ومراقبتهم نعم الاسقاط والنقصان يمكن ادعاء الغلبة فيهما، في كثير من الناس
كما نشاهده في كثير من النسخ، وكذا الايراد بأن قوله يشهد يمكن أن يكون
بناء للمفعول لا الفاعل ولا ترجيح في البين حتى كون دليلا للمسألة، غير وارد،
لكونه خلاف الظاهر أولا، وعدم الفرق بينهما ثانيا، فإن المناط عدم الحضور في
مجلس العقد سواء حضره بقصد الشهادة أو اتفاقا.
مسألة: لا يجوز أداء الشهادة على النكاح حال الاحرام وإن تحملها قبل
احرامه، كما عن المبسوط والسرائر والرياض ونسب إلى المشهور بل ظاهر الحدائق
اتفاق الأصحاب عليه، ولم أجد مدركا لهم إلا ما في رواية أبي شجرة عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يشهد على نكاح محلين قال لا يشهد ورواية الحسن بن علي عن أبي عبد الله (ع) قال المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد بناء على أن يكون المراد

1 - الوسائل ج 9 الباب 14 من تروك الاحرام الحديث 7.
74

من الشهادة على النكاح أداء الشهادة لا شهادة أصل النكاح والحضور فيه، أو للتعليل
الوارد في رواية أبي شجرة بقوله يجوز للمحرم أن يشير بصيد في مقام الانكار
المستفاد منه أن كل ما له دخل في أمر النكاح والتزويج للمحرم فهو غير جايز،
ولكن الأول خلاف الظاهر، والثاني كذلك إذ لا يستفاد من التعليل، عدم جواز
أداء الشهادة فإن أداء الشهادة ما يثبت به العقد الواقع سابقا، لا أنه يتحقق به ويرتبط
عليه الحضور والشهادة في مجلس العقد هذا إذا لم توجب ترك أداء الشهادة تضييع
حق وفوت واجب وإلا فالأحوط أداء الشهادة أيضا.
فرع: لو تزوج المحرم غافلا عن احرامه، أو ناسيا له فنكاحه باطل وفي
كونه موجبا للحرمة الأبدية اشكال والأحوط ذلك.
فرع، لو شك في أن العقد وقع حال الاحرام أو قبله بنى على عدم وقوعه
في حال الاحرام، وكذا لو شك في وقوعه قبل الاحلال، أو بعده، لأصالة الصحة
في المعل بعد الفراغ عنه، وكذا لو اختلف الزوجان في وقوع العقد حال الاحرام
وعدمه يقدم قول مدعي الصحة من غير فرق بين العلم بتاريخي الاحرام والعقد
والجهل بهما.
فرع: لو شك في الاحلال وعدمه بعد ما كان محرما لا يجوز له الترويج
لاستصحاب بقاء الاحرام، فلو تزوج مع الشك في الاحلال، يبطل النكاح ويوجب
الحرمة الأبدية أيضا.
فرع، بعد القول ببطلان النكاح والعقد الواقع حال الاحرام، يسقط ما
اقتضاه من المهر قبل الدخول، مع اتفاقهما على وقوع العقد حال الاحرام، سواء
كانا عالمين أو جاهلين أو مختلفين، وأما مع الدخول فلها مهر المثل إذا كانت
جاهلة بالحكم، وإلا فلا مهر لها، لكونها بغية حينئذ.
فرع، لو اختلف الزوجان وادعى أحدهما وقوع العقد حال الاحرام
حتى يكون باطلا وأنكره الآخر، فالقول قول من يدعي وقوعه حال الاحلال
75

ترجيحا لجانب الصحة كما في الشرائع.
وزاد الجواهر، المحمول عليها فعل المسلم، في صورة النزاع وغيره،
من أحوال الشك، في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه، كما في غير المقام
من صور مدعي الصحة والفساد، التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها
على أن مدعي الفساد يدعي وصفا زائدا يقتضي الفساد وهو وقوع العقد حال الاحرام
فالقول قول المنكر بيمينه لأنه منكر للمفسد (انتهى)
أقول: إن من يوافق قوله الأصل، يكون مدعيا، والمخالف يكون منكرا
كغيره من موارد النزاع، هذا إذا كان في البين تنازع وتخاصم، وأما لو كان الادعاء
من المدعي والمنكر، لتشخيص الوظيفة الشرعية وبيان الحكم التكليفي بالعقد
الواقع بينهما فلا يبعد التمسك بالاستصحاب الجاري في المقام فيما لا تجري فيه
أصالة الصحة.
وتوضيح ذلك أنه قد يكون تاريخ الاحرام ومدته معلوما، مثلا يعلم أنه
أحرم من يوم السبت إلى يوم الخميس ويشك في أن العقد وقع في تلك الأيام
أو بعدها فيستصحب عدم تحقق العقد إلى انقضاء الأيام فيحكم بصحة العقد.
وقد يقال إنه لا حاجة إلى الاستصحاب أصلا، فإن أصالة الصحة بعد
الفراغ عن العمل كافية في الحكم بالصحة، هذا وإن كان في محله، إلا أنه قد يدعى
أن التمسك بأصل الصحة وقاعدة الفراغ بعد العمل، إنما يجري إذا كان حين العمل
أذكر ومتوجها إلى كيفية العمل، حتى يأتي به على وجه صحيح، لا فيما كان غافلا
عنه، كما قيل في الفروع المشابهة للمقام مثل ما إذا شك في وصول الماء إلى
البشرة وعدمه لوجود الحاجب وعدمه.
قال السيد في العروة في مسألة الشك في وجود الحاجب من وصول الماء:
إن شك بعد الفراغ في أنه كان موجودا أم لا، بنى على عدمه ويصح وضوئه، وكذا
إذا تيقن أنه كان موجودا وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في
الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل، إذا علم لم يكن ملتفتا إليه حين
76

الغسل ولكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان
قاعدة الفراغ فيه.
ونظيره فرع آخر ذكره أيضا في العروة قال: إذا علم بوجود مانع وعلم
زمان حدوثه، وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، يبنى على الصحة
لقاعدة الفراغ إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء، واختاره صاحب المدارك
أيضا واشتراط احتمال التوجه والالتفات في جريان القاعدة.
لكن التحقيق إن قاعدة الفراغ وأصالة الصحة بعد الفراغ إنما هي حجة من
باب الأمارة والكاشفية ولا يحتاج إلى تذكر والتفات شخصي حين العمل، بل
يكفي في حجيتها الغلبة النوعية، لكن هذا صحيح إذا احتمل الالتفات إلى المشكوك،
إذ تلك الغلبة فيما التفت إلى العمل، وأما مع القطع بعدم الالتفات أصلا لا تكون
حجة ولا أمارية لها.
نعم لو قلنا: إن المستفاد من الأخبار، هو البناء على الصحة تعبدا في المورد
لا من باب الأمارية والكاشفية والغلبة النوعية، كما لا يبعد ظهور بعض الأخبار في
ذلك، تجري القاعدة حتى مع القطع بعدم الالتفات، وبالغفلة عنه.
وناقش صاحب المدارك في المسألة، بأن الحمل على الصحة إنما إذا كان المدعي
لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما " بفساد ذلك العقد، أما مع اعترافهما بالجهل
فلا وجه للحمل على الصحة، وبان كلا من المدعي والمنكر يدعي وصفا زائدا
ينكره الآخر، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل.
وأجاب عنه في الجواهر بأن أصل الصحة في العقد ونحوه لا يعتبر فيه
العلم، لاطلاق دليله، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم،
وهو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح.
وبان مدعي الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول اقراره
على الصحة، يدعي وقوع العقد حال الاحرام والآخر ينكره، وإن كان يلزمه كونه
77

واقعا حال الاحلال ولا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد لحال الاحرام وذلك
كاف في اثبات صحته من غير حاجة إلى اثبات كونه حال الاحلال انتهى.
قال الأستاذ مد ظله: إن ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره غير كاف في
اثبات الصحة لأن مجرد عدم مقارنة العقد لحال الاحرام بحكم الأصل، لا يجعله
من المصاديق الصحيحة، إذ العقد الصحيح المترتب عليه الأثر الشرعي إنما هو
العقد الواقع في حال الاحلال كما أن العقد الباطل ما وقع في حال الاحرام،
فالعقد في الحالتين إنما يتعنون بعنوان خاص، لا بد من اثباته وأما عدم تعنونه بأحد
العنوانين تمسكا بالأصل، لا يجعله معنونا بغيره ولا يثبته، هذا إذا كان تاريخ
الاحرام معلوما ومعينا.
وأما لو جهل، فقد قال في المدارك يحتمل تقديم قول من يدعي الفساد،
لأصالة عدم تحقق الزوجية، إلى أن تثبت شرعا.
ويحتمل أيضا تقديم قول من يدعي تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه
بأصالة عدم التقدم والمسألة محل تردد.
وأورد عليه في الجواهر بأنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى
الفساد بوقوعه في الاحرام ودعوى الصحة بعدم كونه كذلك، من غير تعرض للتقديم
والتأخير، وبأنه لا وجه لاحتمال تقديم مدعي الفساد فيما فرضه، مع فرض كون مدعي
الصحة يدعي تأخره عن حال الاحرام الذي هو مقتضى الأصل اللهم أن يكون ذلك
من الأصول المثبتة، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه.
والحق أن يقال إن أصالة العدم إن كان من الأصول العقلائية المعتبرة في أمورهم،
وأصلا مستقلا على حدة، لا استصحابا للعدم الأزلي، فالمرجع في المقام هو الأصل
ويترتب عليه آثاره من الصحة، وإلا يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون
للمستصحب أثر شرعي حتى يستصحب من دون فرق بين المقام وما ذكره سابقا
من أن كلا من المدعي والمنكر يدعي صفة زائدة ينكرها الآخر.
78

فرع، قال المحقق إن كان المنكر المرأة، كان لها نصف المهر قبل الدخول،
لاعترافها بما يمنع من الوطؤ، ولو قيل لها المهر كله كان حسنا.
وتوضيحه أنه هل تملك المرأة جميع المهر بالعقد، ويرد النصف بالطلاق قبل
الدخول، أو لا تملك بالعقد إلا نصف المهر، وأما النصف الثاني فتملكه بالدخول
وجهان.
والظاهر من الأدلة الأول، فعلى هذا يكون القول بأن لها المهر كله حسنا.
وفي كشف اللثام بعد أن حكم بأن لها المهر كاملا دخل بها أم لا، قال: لا
أن يطلقها قبل الدخول باستدعائها فإنه يلزم به حينئذ، وإن كان الطلاق بزعمه في
الظاهر لغوا، ويكون طلاقا صحيحا شرعيا بزعمها فإذا بعدم الدخول ينتصف المهر
وأما إذا لم تستدع الطلاق وصبرت، فلها المهر كاملا، وإن طلقها قبل الدخول،
فإنه بزعمه لغو، والعقد الصحيح مملك لها المهر كاملا.
وأورد عليه بأن استدعاء المرأة الطلاق وعدمه، لا مدخلية في ذلك إذ الطلاق
إن كان صحيحا ممن يدعي الفساد في حق مدعي الصحة، يترتب حكمه، وإلا
فلا كما هو واضح، هذا إذا كانت المرأة هي المنكرة للفساد وأما إذا كان الرجل هو المنكر
له فليس لها المطالبة بشئ من المهر قبل الدخول مع عدم قبضه، كما أنه ليس
له المطالبة برد شئ منه مع قبضه أخذا لهما باقرارهما، نعم لو دخل بها أو أكرهها
على ذلك أو جهلت بالفساد أو الاحرام فلها المطالبة بأقل من المهر المسمى، أو
مهر المثل والاحتياط بالمصالحة في الزائد منه حسن وقد تقدم في رواية سماعة أن
لها المهر إن دخل بها، المنزلة على صورة الجهل أو الاكراه.
فرع لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين الدائم والمنقطع وكذا بين
احرام الحج، والعمرة لنفسه، أو لغيره، نيابة أو تبرعا، وكذا بين العمرة المتمتع بها
إلى الحج، والعمرة المفردة لشمول الدليل لجميع ذلك.
فرع حكي عن المبسوط والوسيلة الحكم بكراهة الخطبة على المحرم
79

لنفسه، أو لغيره، محلا كان الغير، أم محرما، وبه أفتى في القواعد والتذكرة،
واستدل له برواية الحسن المتقدمة، وفيها المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد وزاد
الكليني ولا يخطب. (1)
ولا يخفى أن ظاهر الرواية بقرينة السياق حرمة الخطبة كالشهادة التي أفتوا
بحرمتها، ولعل كانت بأيديهم قرائن تدل على إرادة الكراهة في الخطبة دون
الشهادة، وإلا الظاهر من وحدة السياق الحرمة في الجميع وحكي عن أبي على
القول بالحرمة في الخطبة أيضا وهو الأحوط، وأما ما ذكره في التذكرة من الفرق
بين الخطبة، في العدة، وفي المقام استحسان عقلي، لا يثبت به حكم شرعي، من
الكراهة أو الحرمة (2)
فرع: لا يحرم الطلاق على المحرم بلا خلاف في المسألة للأصل ولما رواه
أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله يقول المحرم يطلق ولا يتزوج (3) ورواه الشيخ عن
عاصم بن حميد إلا أنه قال للمحرم أن يطلق ولا يتزوج.
ورواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن المحرم يطلق
قال نعم. (4)
فرع ويجوز للمحرم حال احرامه مراجعة المطلقة الرجعية، ولو كانت محرمة
لعدم كون الرجوع تزويجا، حتى يكون منهيا، فالأصل يقتضي جواز الرجوع،
مضافا إلى شمول قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن.
(في شراء الأمة حال الاحرام)
يجوز للمحرم شراء الأمة حال احرامه وبيعها للأصل، بعد عدم شمول

1 - وسائل الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7
2 - لم يكن التذكرة عندي فأراجع وأذكر الفرق الذي ذكره
3 - الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الاحرام الحديث (1)
4 - الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الاحرام " الحديث (2).
80

الأخبار الناهية عن التزويج للشراء، وإن كان لقصد التسري، وإن حرم عليه المباشرة
لهن حال الاحرام ولصحيح سعد بن سعد عن بي الحسن الرضا عليه السلام قال المحرم
يشري الجواري ويبيعها قال نعم (1)
وما روى محمد بن قيس في قضاء على في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم
قبل أن يحل فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا، (2) لا يدل على بطلان
الشراء لكونه واردا في التزويج بالنكاح وما نحن فيه، ملك خاص لا يشمله اخبار
التزويج.

1 - الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب تروك الاحرام الحديث (1)
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث (3).
81

في حكم القبلة والاستمتاع من النساء
يحرم على المحرم تقبيل النساء بشهوة كان أو بدونها، لصراحة النصوص في
ذلك وما نقل عن الذخيرة من تقييد الحرمة بالشهوة وتبعه في الرياض، فهو غير
وجيه، لما تسمع من دلالة الأخبار وصراحتها فيما تقدم.
فمنها، عن أبي سيار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا سيار إن حال المحرم
ضيقة إن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم، فعليه دم شاة وإن قبل امرأته على
شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه (1)
عن الحلبي أنه قال سألت عن متمتع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقبل
امرأته قبل أن يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه وإن كان الجماع فعليه جزورا و بقرة (2)
وعن عمران الحلبي أنه سأل أبا عبد الله، عن رجل طاف بالبيت و بالصفا و
المروة وقد تمتع، ثم عجل فقبل امرأته، قبل أن يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2 - الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
82

وإن جامع فعليه جزور أو بقرة (1)
عن العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد الله عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت
امرأته ولم يقصر فقبلها قال يهريق دما وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما
أن يهريق دما. (2)
وتدل على الحكم أيضا روايات أخرى لم نذكرها وكيف كان فإن قبل
امرأته بشهوة، ففيه اشكال قطعا ولا يجوز كما هو صريح الأخبار المتقدمة، وأما
إذا قبلها لا عن شهوة فظاهر رواية حماد المتقدمة جوازه ولكن يجمع بينها وبين
غيرها بحملها على تقبيل غير المرأة التي يمكن أن يخلو من الشهوة كالأم والخالة
وأما امرأته فتقبيلها لا يخلو عن شهوة غالبا فيحرم مطلقا قصد الشهوة أم لا،

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
83

في حرمة الطيب على المحرم
ومما يحرم على المحرم الطيب اجماعا بين المسلمين وهذا مما لا يحتاج
إلى البحث وتجشم الاستدلال
وإنما المهم بيان مصاديق الطيب وأنه هل يختص
بالأربعة أو الخمسة المذكورة في الأخبار، أو يعم كل طيب يشم رائحته، ويستعمل
في التعطير والتطيب.
وقد عقد في الوسائل بابا لذلك وقال باب تحريم الطيب على المحرم و
المحرمة، وهو المسك والعنبر والزعفران والورس والكافور ويكره له بقية
الطيب، ويجوز له النظر إليه، فالمهم أن نتعرض لذكر الأخبار المأثورة عن
الأئمة عليهم السلام.
منها ما رواه الكليني بسنده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت
أبا الحسن عليه السلام كشف بين يديه طيب لينظر إليه، وهو محرم فأمسك بيده على أنفه
بثوبه من رائحته (ريحه خ د) (1)

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
84

وعن حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الملح فيه،
زعفران للمحرم، قال عليه السلام لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران ولا يطعم شيئا
من الطيب. (1)
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تمس ريحانا وأنت محرم
ولا شيئا فيه زعفران ولا تطعم طعاما فيه زعفران (2)
والنهي عن مس الريحان في هذه الرواية حمل على الكراهة وإن كان ظاهرا
في الحرمة إلا أن يكون عطره شديدا بحيث يصعد إلى المحرم بالمس
وعن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله إني جعلت ثوبي احرامي مع أثواب
قد جمرت فأخذ من ريحها قال عليه السلام فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها (3)
فهل المراد من الرواية كل طيب وإن لم يكن من الأربعة أو الخمسة أو
الطيب المخصوص الذي كان جعله في ثوبه، والظاهر أنه كان طيبا مخصوصا و
ولا يعم جميع الطيب.
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال لا تمس شيئا من الطيب ولا من
الدهن في احرامك واتق الطيب في طعامك وامسك على أنفك من الرائحة الطيبة
ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي لك أن يتلذذ بريح طيبة (4)
ودلالة الرواية على حرمة مطلق الطيب بجميع أقسامه وأنواعه تامة لا خفاء فيها،
ومثله رواية حريز في الدلالة على حرمة الطيب على نحو العموم من غير اختصاص
بالزعفران والكافور ونحوه (5)
روى حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يمس المحرم شيئا

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث (2)
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث (3)
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 4
4 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 6.
5 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 6.
85

من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به، ولا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر
ما صنع قدر سعته وفي رواية أخرى لحريز بقدر شعبه يعني من الطعام (1)
وتلك الأخبار دالة على حرمة الطيب على المحرم ووجوب امساك أنفه
عنه وحرمة أكل الطعام الذي فيه طيب مطلقا من أي قسم كان وفي قبالها أخبار أخر
تدل على اختصاص الحرمة بأربعة أشياء المسك والعنبر والورس والزعفران وأما
غيرها فيكره مسه والالتذاذ به.
منها ما روي عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تمس شيئا من الطيب وأنت
محرم ولا من الدهن وامسك على أنفك من الريح الطيبة ولا يمسك عليها من الريح
المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة واتق الطيب في زادك فمن ابتلي بشئ
من ذلك فليعد غسله وليتصدق بقدر ما صنع وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء
المسك والعنبر والورس والزعفران غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا المضطر
إلى الزيت أو شبهه يتداوى به. (2)
والصدر في الرواية وإن كان عاما شاملا لجميع أنواع الطيب إلا أن الذيل
يخصصه بالأربعة.
وفي رواية ابن يعفور عن أبي عبد الله قال الطيب المسك والعنبر والزعفران
والعود (3)
وعن عبد الغفار قال سمعت أبا عبد الله، يقول الطيب المسك والعنبر والزعفران
والورس (4)
وفي مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم
المسك والعنبر والزعفران والورس ويكره من الأدهان الطيبة الريح (5)

1 - الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 11
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8 - 14
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 15
4 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 16
5 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 19.
86

والتحقيق في الجمع بين الطائفتين من النصوص أن يقال إن الحصر بالأربعة
في الأخبار إنما هو من جهة الغلبة لكثرة استعمالها في التطييب والتلذذ بها، أو
لوجوب الكفارة فيها دون غيرها، وأما القول باختصاص الحرمة بالأربعة كما
عن الصدوق، أو الخمسة كما عن الجمل والمهذب والاصباح والإشارة، والكراهة
في غيرها، تحكيما لأدلة الأربعة على العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب،
غير سديد، بل لا يبعد دعوى الاجماع على حرمة الطيب على العموم، وفاقا للمقنعة
وكما عن السرائر والمبسوط والكافي وبه ينجبر ضعف بعض الأخبار الناهية عن مس
الطيب مطلقا، ولا يضر بما ذكرنا التعبير بلفظة لا ينبغي في بعضها لظهورها أولا
في الحرمة، ولا أقل من التساوي مع الكراهة، مضافا إلى استفادة الحرمة من
النهي الوارد في بعضها.
وتدل على عموم الحرمة أخبار أخرى متفرقة في أبواب الفقه، مثل ما نص
على أن الميت المحرم لا يمس شيئا من الطيب ولا يحنط كرواية ابن أبي
حمزة عن أبي الحسن عليه السلام في المحرم يموت قال: يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا
يحنط ولا يمس شيئا من الطيب (1)
ومثل ما روي عن النضر بن سويد عن الكاظم عليه السلام أن المرأة المحرمة لا
تمس طيبا. (2)
وتعليل عدم البأس، بالفواكه الطيبة، بأنها ليست بطيب كما في رواية
عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم يأكل الأترج قال عليه السلام
نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب. (3)

1 - الوسائل الجزء 2 الباب 13 - من أبواب غسل الميت الحديث 7
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 26 من تروك الاحرام الحديث 2.
87

في معنى الطيب
ثم إن المراد من الطيب هل هو كل جسم فيه رائحة طيبة، أو ما يتخذ للشم
لا للأكل وغيره وبناء على الثاني هل المعتبر أن يكون في زمان صدور الروايات
كذلك، أو يكفي اتخاذه للشم ولو في عصرنا، وإن لم يكن في عصر صدور النص
موجودا أو مخصوصا للشم، فلكل وجه، الظاهر هو الثاني.
قال الشهيد في الدروس الطيب جسم ذو رائحة طيبة يتخذ للشم غالبا، غير
الرياحين كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور فيخرج به ما كان الغرض
منه الأكل والتداوي لا التطيب به كالدارصين والمصطكي والقرنفل فلا يحرم شمه
ومسه
وقال العلامة في التذكرة: الطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك،
والزعفران، والكافور وماء الورد والأدهان الطيبة، كدهن البنفسج و
الورس، ويعلم منه أن الاعتبار في الطيب أن يكون معظم الغرض والقصد من
88

الطيب شمه، والتطييب به، لا الأكل والتداوي.
ثم إن الزعفران المذكور في الروايات، فهل حرمته من جهة الطيب و
شمه، بحيث لو زالت رائحته لا يحرم أكله، ولا شمه أو هو حرام بنفسه لا من جهة
الطيب فلا يجوز أكله وإن زالت رائحته وجهان.
الظاهر أن ذكر المسك والزعفران وغيره، في الروايات كما أشرنا إليه
من باب المثال، وأنه من مصاديق الطيب، لا الخصوصية فيهما، كما، عن الشهيد
حيث مثل لما يتخذ للطيب، بالمسك، والزعفران والعنبر والورس، وهو الظاهر
من رواية حماد أيضا، الدالة على حرمة مس كل شئ من الطيب، ولكن استعمال
كل شئ بحسبه، فإن كان الطيب للأكل، فاستعماله أكله، أو للشم فشمه، و
التطييب به، وعلى كل حال لو زالت رائحة الزعفران بحيث لم يبق منها شئ و
لا أثر لا يصدق استعمال الطيب على شمه وكذا لو استهلك في الطعام بحيث لم ير منه
شئ لا يصدق عليه أكل الزعفران فحينئذ يجوز أكله.
وأما الفواكه الطيبة، فقد ورد النهي عن أكله على المحرم في بعض الأخبار
وعدم البأس في بعض آخر، حتى أنه علل بأنه ليس من الطيب، ويقتضي الجمع
بينهما حمل النهي على ا لكراهة، ونفي البأس على الجواز بالمعنى الأعم.
فتحصل من جميع ما قدمناه، إن ذكر الأربعة أو الخمسة في الروايات إنما
هو من باب المثال، ولا يختص الحرمة بها، بل يعم كل طيب من أنواع الطيب،
والأجسام الطيبة الريح عدا ما استثني كخلوق الكعبة، أو ما ليس داخلا في الطيب
كالريحان على احتمال، والفواكه الطيبة، فعلي هذا ما ذكره في كشف اللثام من
التفصيل بين الأجسام الطيبة الريح، على ما نقله في الجواهر فليس تفصيلا شايعا
ولا جامعا ولم يعرف القائل به ولا مأخذ لبعض الوجوه من الوجوه التسعة الآتية.
الأول حرمتها أي الأجسام الطيبة الريح مطلقا، والثاني حرمتها إلا الفواكه،
89

الثالث حرمتها إلا الرياحين الرابع حرمتها إلا الفواكه والرياحين، والخامس حرمتها
إلا الفواكه والرياحين وما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منها الطيب، وهي نبات الصحراء
ولا ذخر والأبازير خلا الزعفران، السادس حرمتها إلا الفواكه والأبازير غير الزعفران،
وما لا يقصد به، الطيب ولا يتخذ منه، والسادس إباحتها إلا ستة، والثامن إباحتها
إلا أربعة، والتاسع إباحتها إلا خمسة، ونقل عن العلامة تفصيل آخر، وكذا في محكى
المبسوط، نقله في الجواهر من أراد التفصيل فليراجع.
90

(فيما استثني من الطيب)
استثني من حرمة استعمال الطيب خلوق الكعبة سواء كان فيه الزعفران أو
المسك وغيرهما أم لا، وهو ضرب من الطيب مايع فيه صفرة، استثناه المحقق
وغير واحد ونقل عليه الاجماع وتدل النصوص عليه أيضا.
منها ما عن عبد الله بن سنان، قال سألت أبا عبد الله عن خلوق الكعبة يصيب
ثوب المحرم قال لا بأس ولا يغسله فإنه طهور. (1)
وعن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم يصيب ثيابه
الزعفران من الكعبة قال لا يضره ولا يغسله (2)
عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد الله عن خلوق الكعبة وخلوق القبر
يكون في ثوب الاحرام فقال لا بأس بهما هما طهوران (3)

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 21 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الاحرام الحديث 3.
91

وعن سماعة أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة
هو محرم فقال لا بأس به، هو طهور فلا تتقه أن تصيبك. (1)
وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله قال سئل عن خلوق
الكعبة للمحرم أيغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال إن بثوبي منه لطخا (2)
والظاهر من تلك الروايات أنه لا مانع من إصابة الخلوق ثوب المحرم ويده
ولا يجب غسله أيضا لكونه خارجا عن حكم الطيب المحرم استعماله، وشمه،
على المحرم، وهذا هو الظاهر من الأدلة ولكن الكلام في أن المراد من الخلوق
المركب من الزعفران وغيره ما كان متصلا بالكعبة وأصاب ثوب المحرم من غير
تعمد في ذلك، لا ما كان خارجا عنها، أو المراد إن كل طيب متصل بالكعبة و
إن لم يكن خلوقا لا مانع منه وإنما ذكر الخلوق من باب المثال ولتعارف استعماله
فيها لا لخصوصية فيه.
والظاهر وكذا القدر المتيقن من الأدلة المخصصة لحكم العموم الدال على
حرمة مس الطيب، ما كان متصلا بالكعبة ولم يكن مسه عن عمد بل لاقاه قهرا أو نسيانا
ولكن الظاهر من قوله: طهور جواز مسه عمدا والأصل موافق له.
فرع لو اضطر إلى أكل ما فيه طيب ولمسه يجب عليه أن يقبض على أنفه
فإن الضرورة تتقدر بقدرها ولا اضطرار إلى الشم، ويدل على ذلك روايات،
منها ما عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الطبيب الذي يعالجني وصف
لي سعوطا فيه مسك فقال اسعط به (3)
والرواية صريحة في جواز السعوط بما فيه مسك عند الاضطرار ولم يفصل
فيها بين ما كان العلاج والتداوي منحصرا به أم لا
ولإسماعيل رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا تدل على جواز السعوط للمحرم

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - الوسائل الجزء 9 - الباب 21 من تروك الاحرام الحديث 5
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 19 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
92

وفيه طيب من دون تقييد، بالاضطرار، ولكن الشيخ حملها على الاضطرار (1)
والحاصل أن مس الطيب وشمه وأكله عند الاضطرار إليه، لا مانع منه
ولا اشكال فيه، إذا انحصر الاضطرار بذلك، أو لم ينحصر على ما استظهرناه
فلو ارتفع الاضطرار يجب عليه إزالة الطيب وغسله فورا، لحرمة الاستدامة كالابتداء
كما صرح به بعض ولظاهر قوله صلى الله عليه وآله لمن رأى عليه طيبا اغسل عنك الطيب. (2)
ثم إنه هل يجب عليه أن يزيله بآلة أو بيد غيره، أو يجوز له إزالته بنفسه، و
جهان، فعن الدروس أنه يزيله بآلة، أو أمر المحل بغسله، وعن المنتهى والتحرير
التصريح بجواز إزالته بنفسه ولعله لكونه مقدمة للغسل والإزالة، لا أنه متطيب به، ولما
روى في مرسل ابن أبي عمير عن أحدهما عليه السلام في محرم أصابه طيب فقال لا بأس أن
يمسحه بيده أو يغسله (3)
فرع لو لم يمكن إزالة الطيب إلا بغسله، ولم يكن عنده من الماء ما يكفي
للغسل وللطهارة، فهل يصرف الماء في إزالة الطيب وغسله، أو يصرفه في الطهارة،
وجهان، ففي المدارك يصرفه لغسله، ويتيمم للطهارة وقال: لأن للطهارة المائية بدلا
ولا بدل للغسل الواجب وعن الدروس إن صرف الماء في غسل الطيب، أولى من
صرفه في الطهارة وإزالة النجاسة، وهو صريح في عدم الفرق بين الحدث والخبث
الذي لا بدل له أيضا،
واحتمل صاحب المدارك وجوب الطهارة المائية وصرف الماء فيها، لأن
وجوبها قطعي، ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثنائه للضرورة

1 - يقول المقرر إن لإسماعيل ثلث روايات نقلها الوسائل ولكن التأمل يشهد على
اتحادها وأنها رواية واحدة نقلت متعددة ومتكررة لا أن إسماعيل سأل أبا عبد الله عليه السلام
ثلاث مرات عن حكم مسألة واحدة
2 - صحيح مسلم الجزء 4 ص 4
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 22 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
93

كما في الكعبة والمسعى.
وأورد الجواهر بقوله لا يخفى عليك ما في ذلك كله والمتجه التخيير، ولكن
الحق ما ذهب إليه الدروس ضرورة أن الوضوء إنما يجب إذا كان الماء موجودا
فإذا وجب غسل الطيب لا يبقى ماء حتى يجب الوضوء ولو وقع التزاحم بينهما تعين
الغسل ويتيمم، ولا يحتاج إلى احراز الأهمية فيه بل يكشف من الاثبات إن مقام
الثبوت أيضا كذلك ولا وجه لما اختاره صاحب الجواهر من القول بالتخيير، ولما
احتمله المدارك، من وجوب صرف الماء في الطهارة.
ثم إنه لا فرق في حرمة استعمال الطيب ومسه بين الظاهر والباطن كالاكتحال
بما فيه طيب، وكالاحتقان به.
وأما الجلوس في حانوت فيه طيبه فالظاهر انصراف الأدلة منه، وإن كان
الاحتياط الاجتناب عنه، نعم لو كان الريح الطيب شديدا بحيث يشمه كل من
يجلس فيه، فلا اشكال في عدم جوازه.
وأما الاجتياز من سوق العطارين فلا اشكال في جوازه ولا اختصاص بالسوق
السابق بين الصفا والمروة بل يعم كل سوق يباع فيه الطيب لعدم شمول الأدلة
لذلك كله.
94

(في الرائحة الكريهة)
قد أفتى المشهور بحرمة امساك الأنف عن شمها بل نفي الخلاف فيه، و
قال بعض الأحوط عدم الامساك عنها ونقل صاحب المدارك عن الدروس الحكم
بالتحريم.
ومنشأ الاختلاف، ما يستفاد من الأخبار من جهة كيفية الدلالة فإنها تدل على
أن المحرم لا يمسك أنفه عن الرائحة الكريهة وتعرضت لخصوص الجيفة والرائحة
المنتنة ولأجل أنها من الصحاح لا يمكن الخدشة في سندها، ولكن قد يخدش من
جهة كيفية الدلالة، فتارة، يحمل النهي على الحرمة كما هو الظاهر منه في غير المورد
وأخرى يقال إن النهي في المقام وارد مورد توهم الوجوب فكما أن الأمر في مقام
توهم الحظر لا يكون ظاهرا في الوجوب فكذلك النهي في مقام توهم الوجوب
والالزام لا يكون ظاهرا في الحرمة فإن الأخبار بعد ما دلت على وجوب الامساك
عن الرائحة الطيبة وأن يمسك المحرم أنفه عنها، وأن لا يمس شيئا منها، فقد وردت
عدة أخبار تدل على أن المحرم لا يمسك أنفه عن الرائحة الكريهة والمنتنة وسيأتي
95

بعضها، فيمكن حمل تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب الامساك عن الرائحة المنتنة
قبال ما تدل على وجوب الامساك عن الرائحة الطيبة فلا يكون النهي الوارد مورد
توهم الأمر ظاهرا في الحرمة، بل يكون ظاهرا في رفع الالزام والوجوب.
ولكن التحقيق إن قياس المقام وتنظيره بمورد توهم الحظر في مقام الأمر،
قياس مع الفارق، فإن الأمر الوارد في مقام توهم الحظر إنما يكون إذا نهى عن
شئ يمكن أن يكون شئ آخر منهيا عنه أيضا لتساويهما في الجهة المقتضية للنهي،
فإذا ورد أمر متعلق بذلك الشئ الآخر لا يكون ظاهرا في الوجوب، بل يكون
ظاهرا في عدم شمول النهي الوارد له، إذا توهم واحتمل شموله له، فحينئذ يقال
الأمر وارد في مقام توهم الحظر وكذا النهي الوارد مورد توهم الأمر ضرورة أنه
إنما يصح إذا أمر بوجوب شئ أو أشياء واحتمل أن يكون شئ آخر واجبا
أيضا لتساويهما في الجهة المقتضية للأمر، فإذا ورد نهي في مثل المورد لا يكون
ظاهرا في الحرمة، بل المتبادر منه، عدم شمول الأمر والالزام له، ويقال إن النهي
وارد مورد توهم الأمر، وما نحن فيه ليس كذلك فإن الأخبار الدالة على
وجوب الامساك عن الرائحة الطيبة وعن كل طيب التذاذ فيه أو بهجة له، لا يحتمل
شموله للرائحة الكريهة والجيفة المنتنة أصلا، لعدم الالتذاذ بها والنشاط فيها،
فإذا ورد نهي يدل على أن المحرم لا يمسك أنفه عن الجيفة، لا يصح أن يقال إن
النهي هنا وارد مورد توهم الأمر والالزام إذ لا توهم لشمول الأمر للمقام للفرق بين
المقامين، فالخدشة من تلك الجهة مخدوشة، فلا بد من نقل الأخبار ثم التأمل فيها
وقد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك وقال باب أنه يجب على المحرم أن يمسك
على أنفه من الرائحة الطيبة، ولا يجوز له أن يمسك على أنفه من الرائحة الكريهة
ويعلم من عنوان الباب إن صاحب الوسائل إنما استفاد من النصوص عدم جواز
الامساك من الرائحة الكريهة.
1 - (منها) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المحرم يمسك على
96

أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك من الريح الخبيثة " (1)
2 - وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تمس شيئا من الطيب
احرامك، وامسك على أنفك من الرائحة الطيبة، ولا تمسك عليه من الرائحة
المنتنة " (2)
3 - وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المحرم إذا مر على جيفة
فلا يمسك على أنفه " (3)
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في النهي ولا مجال لما ادعى من أنها في
مقام توهم الأمر، أو أن الجملة الخبرية لا تدل على الوجوب والالزام كما هو
مذاق صاحب المستند، وهو وإن كان بعيدا عن التحقيق لما قيل إن الجملة الخبرية
آكد في الوجوب من الصيغ الانشائية ولكنه يلتزم، به، ويوجه بالنسبة إلى الوجوب
والالزام كوجوب الامساك عن الرائحة الطيبة، إذا أدى بالجملة الخبرية كما في
بعض النصوص وأما الرائحة الكريهة فلا وجه لهذا الكلام فيها لورود النهي الصريح
عن الامساك عنها.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3.
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 3.
97

لبس المخيط للرجال
ومنها لبس المخيط للرجال لا خلاف في حرمته على الرجال بل ادعى الاجماع
عليه في الجواهر، وعن المنتهى اجماع العلماء كافة عليه، وعن عبد البر أنه لا يجوز
لبس شئ من المخيط عند جميع أهل العلم، ولكنه كما قال عدة من العلماء لم
نقف على خبر دال على حرمة لبس المخيط بهذا العنوان على المحرم، وإنما نهى
عن لبس الثوب والقميص والسراويل ونحوها
وفي التذكرة يحرم على المحرم لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار،
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص
والعمامة والسراويل والخف والبرنس لما روى العامة أن رجلا سأل رسول الله ما
يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات
ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل
من الكعبين (1)

1 - سنن البيهقي الجزء 5 ص 49.
98

ويظهر من استشهاد العلامة بقول ابن المنذر متعقبا بالنبوي أنه استفاد حرمة
لبس المخيط من المصاديق المنهية من الثياب مثل القميص والسراويل، ولم يستند
إلى خبر دال على حرمة المخيط بهذا العنوان، إذ لم نجد فيما بأيدينا من النصوص
ما ينهى عن لبس المخيط بما هو مخيط، إلا ما نقله صاحب المستدرك عن دعائم
الاسلام قال روينا عن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي بن الحسين وجعفر بن محمد
عليهم السلام: " إن المحرم ممنوع من الصيد والجماع والطيب والثياب المخيطة، وعن جعفر
ابن محمد عليهما السلام أنه نهى المحرم عن تغطية من أراد الاحرام إلى أن قال وأن يمس
طيبا أو يلبس قميصا أو سراويل أو عمامة أو قلنسوة أو خفا أو جوربا أو قفازا أو برقعا
أو ثوبا مخيطا ما كان " (1)
ولكن رواية دعائم الاسلام لا يعتمد عليها إذا كانت متفردة نعم قد يذكر تأييدا
لغيرها. وأما الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة إنما نهي فيها عن أثواب
مخصوصة مثل السراويل والقميص من دون ذكر المخيط كصحيح معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم، ولا ثوبا تدرعه، ولا سراويل إلا
أن لا يكون لك إزار ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلين " (2)
وفي صحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم
إلا أن تنكسه " (3)
ورواية يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يلبس الطيلسان
المزرور فقال نعم وفي كتاب علي (ع) لا تلبس طيلسانا حتى ينتزع أزراره فحدثني
أبي أنه، كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل " (4)

1 - مستدرك الوسائل ج 2 ص 122
2 - الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الاحرام الحديث (1)
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
4 - الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
99

ومثلها رواية حماد عن الحلبي عنه عليه السلام وزاد فيها (فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه) (1)
فهل متعلق النهي في الروايات وموضوع الحكم، المخيط بما هو مخيط
أو الثوب المخيط بحيث إذا صدق الثوب ولم يكن مخيطا أو كان مخيطا ولم يصدق
عليه الثوب لا يكون حراما، أو الموضوع هو كل واحد من عنوان الثوب والمخيط
كالثوب والمخيط كل واحد منهما بنفسه متعلق للنهي فكل محتمل.
والظاهر أنه يعتبر أن يكون لباس المحرم ممتازا عن لباس غيره، وأن لا
يلبس ما يلبسه المحل، فعلى هذا إن أمكن القول بأن عنوان المخيط في كلمات
الفقهاء إنما هو إشارة إلى الثياب المتعارفة فيكون الملاك في الحكم بالحرمة لبس
الثياب المعمولة، المتعارفة بين الناس، وإن قلنا إن المخيط بما هو مخيط
المخيط بما هو فخيط هو المناط والملاك للحكم، فيحرم كل مخيط وإن لم يصدق
عليه، الثوب ولم يكن من الثياب المتعارفة، وفي صورة الشك والاجمال وعدم
التشخيص فالقدر المتيقن اعتبار تحقق العنوانين في متعلق الحكم، والحرمة، بأن
يكون ثوبا مخيطا متعارفا بينهم، فإن الأدلة العامة والصحاح، لا تشمل ما كان خارجا
عن المتعارف وإن كان مخيطا، إلا أن يتمسك بما رواه الدعائم مدعيا انجباره بالاجماع
وعمل الأصحاب بحرمة المخيط مطلقا، أو يقال إن في مثل السراويل والقباء يمكن
التمسك باطلاق الدليل، ودعوى شموله لما لا يكون مخيطا بعد صدق الثوب،
وأما في ثوبي الاحرام فحيث إن السيرة مستمرة على كونهما غير مخيطين فيحرم
لبس ما كان مخيطا، وإن قلت خياطته، ولم يصدق عليه الثوب عند العرف، من
دون حاجة إلى دليل آخر وبالجملة إذا كان اطلاق في البين بالنسبة إلى ما يلبسه
المحرم يؤخذ به، وإلا فالقدر المتيقن أن يجتمع فيه عنوان الثوب والمخيط، بل
الظاهر من رواية الدعائم أيضا ذلك حيث عبر فيها بالثياب المخيطة.
وأما الطيلسان الذي لا خياطة فيه ولكنه مزرور فهل يصدق عليه المخيط أم لا

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
100

، يمكن القول بأن مورد الاجماع الثوب المخيط ولا يصدق المخيط على ما له
أزرار فقط كما عن المراسم حيث قال إن المنصرف من الدليل الثوب المخيط.
روى يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام قال: " سألته عن المحرم يلبس الطيلسان
المزرور فقال نعم، وفي كتاب على لا يلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي
أنه إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه، فأما الفقيه فلا بأس عليه " (1)
يستفاد من قوله عليه السلام إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل، إن المنع
التنزيهي إنما هو من جهة شده على جسده لا من جهة اللبس لعدم كونه من الثياب
المتعارفة وعدم صدق المخيط على ما له أزرار فقط، وملخص ما تقدم من البحث
إنه من الممكن أن يكون المنهى عنه هو الثوب المخيط لا نفس المخيط وبذلك يظهر
لك وجه الحاق الأصحاب بالمخيط من الثوب ما يشبهه كالدرع المنسوج والملصق
بعضه على بعض واللبد.
وأما الهميان فيجوز شده على الوسط وإن كان مخيطا لعدم كونه من الثياب
المتعارفة وانصراف كلمات الأصحاب عنه، وعدم شمول الأدلة له مضافا إلى الأخبار
المأثورة في المقام.
1 - منها: ما عن يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يصير
الدراهم في ثوبه قال نعم ويلبس المنطقة والهميان " (2)
2 - ورواية يعقوب بن سالم قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يكون معي الدراهم فيها
تماثيل وأنا محرم فاجعلها في هميان وأشده في وسطى فقال لا بأس أو ليس هي نفقتك
وعليها اعتمادك بعد الله، عز وجل " (3)
وأما العمامة فليس من الثياب المتعارفة ولا من المخيط المحرم إذا شده على

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
101

وسطه أو على كتفه وليس في الأخبار ما يدل على حرمته بل يظهر من بعضها جوازه
كما عن عمران الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المحرم يشد على بطنه العمامة وإن
شاء يعصبها على موضع الإزار ولا يرفعها إلى صدره " (1)
وما روي عن أبي بصير المرادي من عدم الجواز فهو محمول على الكراهة
أو على رفع العمامة إلى الصدر، أو على كونها حريرا قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المحرم سيشد على بطنه العمامة قال لا " (2)
وقد حمل على ما ذكر فلا تعارض ما تقدم عن عمران الحلبي مضافا إلى عدم
شمول الأدلة العامة لها فإن العمامة إذا شدت على البطن ولم ترفع إلى الصدر لا تشبه،
بالثياب المتعارفة
وأما التوشح والتدثر فالظاهر صدق الثياب عليه فيكون حراما بخلاف الافراش
بالمخيط وما يشبه الرداء وغيره من البطانية ونحوها
هذا تمام الكلام في لبس المخيط بالنسبة إلى الرجال وأما حكم المخيط
بالنسبة إلى النساء فسيأتي إن شاء الله تعالى.

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
102

حكم المخيط بالنسبة إلى المحرمة
هل يحرم على النساء المحرمات لبس المخيط
كما يحرم على الرجال
ففيه خلاف قال المحقق الأظهر الجواز اضطرار أو اختيارا، وفي الجواهر
بل هو المشهور شهرة عظيمة ولا يبعد دعوى الاجماع في المسألة لندرة المخالف
ومعروفية نسبه كالشيخ في النهاية، التي بناؤه فيها ذكر متون الأخبار لا اجتهاداته، مضافا
إلى أنه قد رجع عنه في ظاهر المبسوط في القميص بل عن موضع آخر منه في مطلق
المخيط، على أن عبارة النهاية غير صريحة فيما نقل عنه.
قد يستدل للجواز باختصاص المنع بالرجال وعدم ذكر المرأة في النصوص
ولكنه مدفوع بأن المذكور في الأخبار هو عنوان المحرم، وهو عام شامل للرجال
والنساء إلا أن يقال إن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي الفرق بينهما، فلا يشمل
المحرم للنساء المحرمات ولا أقل من الاجمال في الأدلة لذلك الاحتمال، كما
أن الاستدلال بقاعدة الاشتراك مع احتمال الفرق كذلك، ولو سلمنا القاعدة أو
103

دعوى إرادة الجنس من المحرم يكون المتبع الأخبار الدالة على جواز لبس المخيط
للنساء.
ومنها رواية يعقوب بن شعيب قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام، المرأة تلبس القميص
تزره عليها وتلبس الحرير والخز والديباج فقال نعم لا بأس به وتلبس الخلخالين،
والمسك " (1)
ورواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن المحرمة أي
شئ تلبس من الثياب، قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران، والورس
ولا تلبس القفازين " (2)
ورواية أبي عيينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته ما يحل للمرأة أن تلبس وهي
محرمة، فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير، قلت: أتلبس الخز
قال: نعم " (3)
وعن عيص بن القاسم قال قال أبو عبد الله عليه السلام: " المرأة المحرمة تلبس ما شائت
من الثياب غير الحرير والقفازين " (4)
فهذه الأخبار تدل على جواز لبس المخيط للنساء
وأما الجورب فهل هو من الثياب أم لا فإن كان من الثياب تشمله الأدلة
الدالة على جواز لبس الثياب كلها للنساء، وإن كان المنع من جهة ستره ظهر القدم
شاملا له أيضا، إذ يخصص ذلك بما تقدم من الأخبار (5)

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 9
3 - الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 9
4 - الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 9
5 - لو كان الجورب من الثياب المعمولة تدل على جواز لبسه الأخبار الدالة على أن النساء يلبس الثياب كلها وأما لو شككنا في ذلك فلا يجوز لبسه لشمول الدليل المانع
عن لبس ما يستر ظهر القدم.
104

ويستفاد من تلك الأخبار حكمان آخران، أحدهما جواز لبس الحرير للنساء،
وقد تقدم الكلام فيه، والثاني حرمة لبس القفازين لهن، كما هو ظاهر النهي.
والمراد بالقفازين ما يعمل لليدين يحشى بقطن، ويكون له أزرار تزر على
الساعدين حفظا من البرد تلبسه المرأة في يديها.
وعن الأزهري القفازان شئ تلبسه نساء الأعراب في أيديهن يغطي أصابعهن
وأيديهن مع الكف، والظاهر من التعاريف إن القفازين ما يسمى بالفارسية به
دستكش، تلبسه المرأة حفظا عن البرد.
وقد يقال إن معنى القفازين غير واضح لاختلاف معناه عند أهل اللغة، وقد
قيل إن القفازين من جنس الزينة يعمل لليدين ولذا نقل عن المستند أنه مع الشك
في حقيقة معنى القفازين لا يكون الخبر دليلا على النهي والحرمة.
ولكنه غير وجيه لأنه بعد العلم اجمالا بحرمة أحد المصداقين تقتضي القاعدة
الاحتياط، بالاجتناب عن كليهما مضافا إلى أنه قد تسالم الفقهاء على أنهما مثل ما يقال
له بالفارسية دستكش يلبسه الناس غالبا في أيديهم فلا اجمال في معناه فيكون حراما
لبسه كما ادعى الاجماع عليه في صريح الخلاف والغنية ولا يمنع عن الحكم
بالحرمة التعبير بالكراهة في بعض الروايات لإرادة الحرمة منها أيضا.
ثم إنه قد ردف القفازين بالبرقع في الحكم بالحرمة في الروايات كرواية
أبي عيينة عن الصادق عليه السلام كما تقدم وفي رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه كره للمرأة المحرمة البرقع والقفارين (1)
وعن العلامة في التذكرة أنه يحرم عليها البرقع فيعلم أنه استفاد الحرمة من
الكراهة أيضا في أحد الخبرين ولكن في الجواهر أنه لم يحضرني إلى الآن موافق
له، على التحريم، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه، مع ضعف
الخبرين وعدم اجتماع شرائط الحجية فيهما

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6.
105

يمكن أن يقال إن التسامح في أدلة السنن إذا كان جاريا في الكراهة أيضا
يصح القول بكراهة البرقع للنساء، وإلا فمقتضى السياق حرمته كما في القفارين إلا
أن يتمسك بالاجماع على الكراهة، هذا إذا لم يكن البرقع لحفظ نظر الأجنبي،
وإلا فلا اشكال فيه.
فرع: يجوز لبس الغلالة للحائض وهو ثوب رقيق يلبس تحت الثياب صونا
لإصابة دم الحيض الثياب، بلا خلاف بل ادعي الاجماع حتى ممن منع المخيط
لهن كالرجال، واستدل له بالأصل، وتدل الرواية أيضا على جواز لبسها.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " تلبس المحرمة الحائض تحب ثيابها
غلالة ". (1)
وأما السراويل فيجوز لهن لبسه ولا خلاف فيه.
وأما الرجل فيجوز، له لبسه إذا لم يجد إزارا وذلك أيضا لا خلاف فيه
بل اجماع العلماء عليه، وتدل الأخبار عليه أيضا.
وهذا لا كلام فيه وإنما البحث في أنه هل يجب عليه، شق السراويل ثم
لبسه إذا لم يجد إزارا كالخف إذا اضطر إلى لبسه يشق ظهر القدمين أم لا الظاهر
هو الثاني، لعمومية الدليل، ثم إنه إذا كان له رداء طويل يستر ظهر القدمين فهل
يجوز أيضا لبس السروايل عوضا عن الإزار أم لا، الظاهر الأول لشمول اطلاق
الأدلة فعلى هذا يكون كمن ليس له إزار أصلا فيلبس السراويل بدلا عن الإزار بناء
على وجوب لبس الثوبين فيكون من باب العزيمة لا الرخصة وقد تقدم في الجزء
الأول ما ينفع في المقام فراجع

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 52 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
106

حكم الخنثى المحرم في لبس المخيط
وأما الخنثى فقيل كما عن جماعة يجوز له لبس المخيط للشك في كونه
مصداقا للرجل لكن الظاهر أنه يجب عليه ترك كل ما يختص حرمته بالمحرم وكذا
ما يختص بالمحرمة وما يشترك بينهما للعلم الاجمالي الموجب لذلك وتوضيحه إن
الخنثى المحرم يعلم إما بحرمة لبس المخيط عليه أو ستر الوجه فيجب عليه أن يترك
المخيط وأن لا يستر وجهه لأن احرام المرأة في وجهها ويحتمل كونه امرأة فيجمع
بين تكليف المرأة والرجل.
وأما ستر الرأس الذي يجب على المرأة ويحرم على الرجل حال الاحرام
فيتخير بين الوظيفتين إلا أن يوجد ما يوجب تقديم أحدهما كما لو كان ناظر أجنبي
ينظر إليه فيقدم جانب الحرمة ويستر رأسه
وأما القول بوجوب ستر الرأس دائما واعطاء الكفارة فغير صحيح فإن ستر الرأس
حرام على المحرم ذاتا كما في حنث النذر مع ترتب الكفارة عليه ولا يجوز
107

ارتكابه من دون مجوز وأمر أهم
وقد يقال إن محرمات الاحرام ثابتة على المحرم على نحو العموم خرجت
منه المرأة فيتمسك بعموم الحرمة في الخنثى للشك في كونه امرأة
وهذا الاستدلال إنما يتم إذا كان الشك في مفهوم المخصص كما إذا شك
في أن مفهوم الفاسق هو المرتكب للكبيرة فقط أو يشمل مرتكب الصغيرة أيضا
فعند ذا يتمسك بعموم أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم في ما إذا شك أنه فاسق أم
لا للاجمال في معناه.
وأما إذا علمنا المفهوم من المخصص وشككنا في مصداقه كما لو علمنا في
المثال المذكور إن زيدا عادل وإن عمروا فاسق ولكن لم يتبين أن هذا عمرو أو زيد
فحينئذ لا يمكن أن يتمسك بالعام وليس هذا إلا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية الذي
لا يرتضيه المحققون ولا يقبلونه إلا بعض منهم.
والشك في حكم الخنثى في المقام من مصاديق الشبهة المصداقية إذ لاجمال
في مفهوم الرجل والمرأة، والخنثى ليس طبيعة ثالثة بل هو إما من جنس المرأة أو
من جنس الرجل ولذا كان الإمام أمير المؤمنين يرجع في تشخيص المصداق إلى العلائم
ولا يصح التمسك بالعام لتعيين المصداق إذ كل عام بعد ورود التخصيص عليه ينحل
إلى خاصين يحتاج كل واحد منها في العمل بهما إلى صدق الموضوع وتعيينه كما
في أقيموا الصلاة بعد تقسيمه إلى الحاضر والمسافر فإن كان في المقام قدر متيقن
من المخصص يؤخذ به ويبقى الزائد تحت العام وأما في الشبهة الابتدائية فيرجع إلى
الأصل وأما في مثل المورد وتعلق العلم الاجمالي بأن الخنثى إما رجل أو امرأة
فيجب العمل بمقتضاه وهو الجمع بين الوظيفتين والعمل بهما مع التمكن منهما
وإلا فيتخير أو يقدم الأهم منهما كما أشير إليه هذا حكم المختار وأما المضطر إلى لبس
المخيط فسيأتي حكمه
108

(حكم الاضطرار إلى لبس المخيط)
يجوز للمضطر أن يلبس المخيط كما إذا لم يكن له إزار يتزر به فإنه يجوز
له أن يلبس السراويل عوضا عن الإزار كما تدل عليه النصوص:
1 - ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تلبس وأنت تريد
الاحرام ثوبا تزره وتدرعه ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك أزرار ولا خفين إلا
أن لا يكون لك نعلان " (1)
2 - وخبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: " المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن
معه إزار ويلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل " (2)
ويبحث حول الروايتين من جهتين الأولى أنه هل يجب عليه أن يشق
السراويل بحيث يخرجه عن صدق عنوان الثوب عليه ويكون مثل الإزار كما يجب

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 51 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
2 - الوسائل الجزء 9 الباب 50 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
109

شق الخفين أو لا يجب ذلك؟ الظاهر أن الروايتين مطلقتان في الدلالة على جواز،
لبس السراويل ولا ذكر فيهما من شقها نعم نقل عن بعض وجوب شقها عليه بحيث
تخرج عن هيئة السراويل ويكون كالإزار
الجهة الثانية إن اطلاق الروايتين هل يشمل من كان له رداء طويل يستر
الركبتين بحيث لا يحتاج في ستر العورتين إلى شئ آخر ولكن من جهة اعتبار الثوبين
في الاحرام يحتاج إلى إزار أو لا يشمل هذا المورد؟ الظاهر أن اطلاقهما يشمل المقام
ثم إن جواز لبس السراويل إذا لم يكن معه إزار هل هو من باب الترخيص
والتخصيص للروايات الدالة على حرمة لبس الثياب أو الظاهر من الروايتين ايجاب
اللبس والزامه عليه بدلا عن الإزار بعد ما يجب لبس الثوبين في الاحرام؟
الظاهر هو الثاني لأن فتاوى العلماء ليست صريحة في جواز اللبس فقط
بل هو يقولون بلبس السراويل عوضا عن الإزار المعتبر في الاحرام والثوبين
الواجبين فيه وليس كالخف الذي يشق ويلبس عند عدم النعل لعدم كونه من ثياب
الاحرام بخلاف المقام فإن الرداء والإزار من ثيابه ومما لا بد منه فيه وأما الخف
يمكن أن يلبسه وله أن يمشي حافيا ولا يلبسه
(في حكم عقد الرداء والإزار)
هل يجوز عقد الرداء والإزار من ثياب الاحرام أم لا وقد تعرضنا للمسألة
في الشرائط المعتبرة في ثوبي الاحرام في الجزء الأول إلا أن بعض المريدين لزيارة
بيت الله الحرام طلب أن يبحث حولها في المقام لكي يتضح الحال على حسب ما
يساعده المجال فأقول:
أما العقد فقد اختلف فيه فقال بعض بالجواز مطلقا وآخر بعدمه كذلك ولكن
كثيرا من الأصحاب اختاروا عدم الجواز في الرداء وأما الإزار فذهبوا إلى جواز
عقده ومنشأ الخلاف الأخبار الواردة في المقام ولا بد من التأمل فيها دلالة وسندا
110

وقد عقد صاحب الوسائل بابا للمسألة وقال باب عدم جواز عقد المحرم ثوبه إلا إذا
اضطر إلى ذلك لقصره
ويعلم من كلامه إن عقد المحرم ثوبه لا يجوز إلا للمضطر ولم يفرق بين
الرداء والإزار وكيفية العقد ومحله والمهم نقل الأخبار:
1 - منها: رواية سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد الله عليه عن المحرم يعقد إزاره
في عنقه قال لا (1)
وفي الرواية احتمالان أحدهما إن المراد من الإزار هو الرداء بقرينة إن
عقد الإزار في العنق مما لا يتعارف ولا ربط له بالعنق ولا يناسبه بل هو يشد في الوسط
والاحتمال الثاني إن المقصود من الإزار ما هو المعمول والمتعارف و
يمكن عقده في العنق إذا كان طويلا وعريضا.
ثم إن عقد ثوب الاحرام سواء كان رداءا أو إزارا قد يكون بعد العقد كالقميص
ويشبه الثوب المتعارف غير حال الاحرام كما يتحقق في الرداء فحكمه حكم الثوب
الممنوع لبسه حال الاحرام ولا يكون العقد بما هو عقد حراما نعم يبعد تحقق ذلك
في الإزار إلا إذا كان طويلا ولفه على عنقه وألقى بعض أطرافه على كتفه وستر ذيله
الركبتين أيضا فحينئذ: يشبه بالرداء ويخرج عن كونه إزارا
وأما لو عقد الإزار في الوسط وألقى طرفيه أو طرفا منه على عنقه لا يعد رداءا
ولكن يجيئ الكلام في أنه هل يخرج بذلك عن شكل الإزار وهيئته ويكون
كالأثواب المتعارفة أو يبقى على حاله فبناء على الأول يكون النهي متعلقا بالعقد لأجل
تغييره شكل الإزار وهيئته لا لنفسه وأما بناء على الثاني يكون العقد بما هو عقد حراما
ومتعلقا للنهي ولا يبعد دعوى الثاني وإن الظاهر كون العقد منهيا عنه بنفسه وذاته
ثم إنه بناء على حرمة العقد بنفسه هل يختص بالعقد في العنق كما ذكر في
رواية سعيد الأعرج أو المراد حرمة العقد في ثوب الاحرام سواء عقده في العنق

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
111

أو غيره؟ الظاهر أنه بعد ما اخترناه من أن العقد في العنق لا يخرج الإزار عن هيئته ولا
يجعله ولا الرداء كالثوب المتعارف وإن الحرمة لأجل نفس العقد لا يبعد القول بحرمته
في ثوبي الاحرام سواء عقده في العنق أو في غيره وذكر العنق في الرواية إنما
هو لكونه أنسب لهذا الأمر وأسهل له لا لخصوصية فيه موجبة للحرمة.
ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا
بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه وإن كان محرما (1)
المستفاد من المفهوم في الرواية إن ثوب الاحرام إذا لم يكن قصيرا لا يجوز
عقده فإن تمت دلالة المفهوم يكشف عن أن عقد ثوب الاحرام إنما يجوز إذا اضطر إليه
لأجل ستر العورة وغيره لا حال الاختيار
وأما قصر الثوب من جهة الطول لعله لا يحتاج إلى العقد بل إنما يحتاج و
يضطر إليه إذا كان العرض قليلا ولا يلتقي الطرفان على قدر ما يستر العورة في جميع
الحالات في السجدة وغيرها من عقد فيعقد في الوسط بين الرجلين حتى يستر ما
هناك كما في رواية الاحتجاج الآتية فعلى هذا تحمل الرواية على صورة الاضطرار
وعدم التمكن من الصلاة وستر العورة بدون عقد الإزار.
ورواية الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن
صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه
على عنقه (عقبه) بالطول ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما
ويخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ويشد طرفيه
إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب
الرجل جمله يكشف ما هناك وهذا أستر فأجاب عليه السلام جائز. أن يتزر الانسان كيف
شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا إبرة تخرجه به عن حد المئزر وغرزه
غرزا ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض وإذا غطى سرته وركبته كلاهما فإن السنة

1 - الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
112

المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين والأحب إلينا والأفضل لكل أحد
شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله تعالى (1)
ويعلم من الرواية أمران أحدهما إن اخراج الإزار عن حد المئزر لا يجوز
بأي نحو كان ولا دخل بالإبرة والمقراض في ذلك ولا خصوصية لهما إلا أنهما من
الآلات المعمولة في هذا الطريق وكذا يعلم أن العقد لا يجوز في غير الضرورة لقوله
عليه السلام ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام أنه سأله هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة
فأجاب عليه السلام لا يجوز شد المئزر بشئ سواه من تكة أو غيرها (2)
ورواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:
المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده (3)
أما التكة المذكورة في رواية الحميري التي لا يجوز شد الإزار بها فهل كانت
متصلة بالإزار كما هو المعمول عند العجم وكانت مشدودة عليه فغير معلوم وأما
القاء الإزار على الرقبة والكنف الذي تدل على عدم جوازه رواية علي بن جعفر لا بد
من حمله على ما يخرج الإزار عن شكله به كما هو كذلك إذا كان الإزار طويلا
وأما عقده فرواية سعيد المتقدمة صريحة في عدم جوازه
وأما ما يستفاد من رواية ابن ميمون القداح من أن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا
بعقد الثوب إذا قصر فإن كان مطلقا فيعارض ما يدل على عدم جواز العقد ويحمل
على الكراهة بناء على تكافؤ السند في الروايات المانعة وأما إذا كان مقيدا بصورة
الاضطرار كما أشير إليه فلا تعارض في البين ويقال بحرمته العقد حال الاختيار و
بالجواز عند الاضطرار وعلى كل حال ترك العقد إن لم يكن أقوى فهو أحوط ولا

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 53 من تروك الاحرام الحديث 5.
113

فرق بين الإزار والرداء في ذلك
ثم إنه لو قلنا باجمال الأدلة أو تعارضها في المقام أو عدم ظهورها في الحرمة
وشك في حرمة العقد وعدمه فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاحتياط وجوه
فإن كان الشك في أن العقد حرام أم لا بمعنى أن لبس الإزار المعقود حال
الاحرام حرام تكليفا أم ليس كذلك فالأصل الجاري في المقام البراءة من التكليف
للشك فيه وعدم الدليل عليه وهذا يتحقق بعد الاحرام
وأما إذا كان الشك في أن الثوب الواجب لبسه في الاحرام هل يشترط فيه
أن يكون غير معقود أو لا يشترط فيه ذلك فعلى قسمين
تارة يشك حين ما يريد الاحرام في أن الثوب المعقود إزارا كان أو رداء هل
يصح الاحرام فيه أم لا لاشتراط كونه غير معقود احتمالا
وأخرى يشك بعد القطع بانعقاد الاحرام في أن ثوب الاحرام يشترط بكونه
غير معقود زائدا على ما يشترط ويعتبر في انعقاد الاحرام فعلى الثاني يكون الشك
في الأقل والأكثر الارتباطي يأتي فيه ما يجري هناك
وأما على الأول فالأصل الاحتياط بناء على أن الاحرام مسبب عن أمور
عديدة وجودية وعدمية والشك في إحديها يستلزم الشك في حصول المسبب.
114

في الاكتحال
ومما يحرم حال الاحرام الاكتحال وبه قال جمع من الفقهاء ومنهم المفيد
والشيخ وابن إدريس وابن حمزة وغيرهم وعن بعض القول بالكراهة وفي المسألة
تفصيل آخر يأتي أثناء البحث إن شاء الله.
لا بد قبل الورود لنقل الأخبار والأقوال من تقديم بيان وهو أن الاكتحال على
ثلاثة أقسام فإنه قد يكون بالسواد الذي يعد زينة عرفا وقد يكون بما فيه طيب
ورائحة طيبة وثالثا يكون بما لا يعد زينة عند العرف وليس فيه طيب وهل الخلاف
في حكم جميع الأقسام الثلاثة أو في بعضها
وما يمكن أن يقال بجوازه قطعا هو القسم الثالث إذ لم يقل أحد بحرمته وأما القسم
الأول أي الاكحال بالذي يعد زينة فقال بعض إنه حرام مطلقا قصد الزينة به أم لا و
فصل بعض بين ما قصد به التزين وما لم يقصده به فحكم بالحرمة في الأول دون
الثاني ونقل عن الاقتصاد والجمل والعقود والخلاف والغنية والنافع أنه مكروه
للأصل بعد حمل النهي عنه في الروايات على الكراهة بل نقل عن الشيخ دعوى
115

الاجماع عليه.
وفصل بعض بين الاختيار والاضطرار والحاجة إليه فجوز في الثاني دون الأول.
وأما القسم الثاني أي الاكتحال بما فيه طيب فالمشهور أنه حرام وعن التذكرة
والمنتهى الاجماع عليه بل قيل قد تعطى النهاية والمبسوط الحرمة وإن اضطر إليه.
ونقل عن الإسكافي والشيخ والقاضي القول بالكراهة مستدلين له بالأصل
بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا لاختصاصه بالظواهر وفي الجواهر بعد
نقله ذلك منهم قال وهو واضح الضعف للاجماع بقسميه على حرمة مسه ولو بالباطن
ولكفاية النص الخاص في المقام
ثم إنه هل يختص الحرمة في الاكتحال بما فيه طيب بالأربعة المذكورة
في الروايات المسك والعنبر والزعفران والورس أو يجري البحث في كل طيب وإن
زال ريحه وجوه بل أقوال ومستند الجميع الأخبار الواردة في المقام وكيفية الاستفادة
منها فلا بد من ذكرها لكي يتضح الحكم بالحرمة أو الكراهة واختصاصهما بالاختيار
وغيره
ولا يخفى أن البحث في المقام من جهة الاكتحال فقط لا من جهة التزين فإنه
بحث آخر سيجيئ إن شاء الله
يمكن الاستدلال لحرمة الاكتحال بما فيه طيب بالعمومات الدالة على حرمة
مس الطيب على المحرم سواء كان عاما أو منحصرا بالأربعة أو الخمسة بإضافة
الكافور على ما ذكر مضافا إلى النصوص الخاصة.
ودعوى انصراف العمومات عن استعمال الطيب في الباطن مثل العين
ضعيفة جدا لا سيما إذا كانت الرائحة بارزة يشمها الغير ولم نجد من ادعى ذلك
صريحا.
نعم استعماله في الباطن بحيث لا يظهر ولا يوجد منه أثر في الخارج كالاحتقان
بما فيه طيب كما في الجواهر والتزريق بالإبرة المعمولة في التداوي والمعالجات
116

الطبية يمكن دعوى الانصراف عن مثلهما وأما عن مثل العين فهي بعيدة
وأما النصوص الخاصة فقد عقد في الوسائل بابا لذلك وقال باب تحريم
اكتحال المحرم والمحرمة بما فيه طيب وبالكحل الأسود للزينة وجواز اكتحالهما
بما سواهما وبهما للضرورة.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن يكتحل وهو
محرم ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا (1)
الرواية ظاهرة في أن الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم
على ما يستفاد من المفهوم، وعدم وجود الرائحة مطلق يشمل ما لا رائحة له طبيعتا
أو زالت لعارض
وأما للزينة وبقصد التزين فصريح المنطوق النهي عنه وأما إذا لم يكن
لزينة فالظاهر أن ما يكتحل به عادة للزينة وبعد في العرف تزينا فهو حرام ولا أثر
للقصد وعدمه فيه كما يظهر من الروايات الآتية أيضا.
في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله إلا
الكحل الأسود للزينة (2).
وظاهر الصحيحة حرمة الاكتحال بالأسود إذا كان بقصد التزين به لا بدونه
فإن دل دليل على حرمة الاكتحال بالأسود مطلقا ولو لم يقصد التزين به يرفع اليد
عن ظاهرها.
ثم إن الصحيحة هل تشمل كل الكحل حتى ما كان فيه طيب أم لا الظاهر أن
قوله عليه السلام بالكحل كله عام شامل لجميع أقسام أنواع الطيب حتى ما يوجد ريحه
فيقيد بما تقدم في رواية معاوية بن عمار من قوله ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 3.
117

ورواية عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام يقول يكتحل المحرم إن
هو رمد يكحل ليس فيه زعفران (1)
ورواية هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يكحل المحرم عينيه بكحل
فيه زعفران وليكحل بكحل فارسي (2)
ورواية أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه
فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب (3)
ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال يكتحل المحرم عينه إن شاء بصبر
ليس فيه زعفران ولا ورس (4)
وكل هذه الروايات تدل على منع الاكتحال وحرمته على المحرم والمحرمة
وأنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وذكر المحرم في بعض الروايات إنما أريد به
الجنس الشامل للرجل والمرأة لا خصوص الرجل نعم يظهر من رواية أبي بصير
الفرق بين المحرم والمحرمة ولكنها لا تقاوم ما تقدم من الأخبار العامة والخاصة
المصرحة فيها بعدم الفرق بينهما.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل
ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه وتكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله
إلا كحل أسود لزينة (5).
ثم إن تلك الروايات جلها إنما تدل على حرمة الاكتحال بما فيه طيب وهنا
روايات أخرى يظهر منها إن ملاك الحرمة في الاكتحال هو الزينة والتزين به فمنها

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 9
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 12
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 13.
118

رواية حريز عن أبي عبد الله قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد إن السواد
زينته (1)
وقد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قوله فأما للزينة
فلا وفي صحيحة زرارة المتقدمة وتكتحل المرأة بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة
وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الكحل للمحرم فقال
أما بالسواد فلا ولكن بالصير والحضض (2)
تحقيق المقام
ثم إنه بعد الإشارة إلى ما تقدم من النصوص الواردة في الاكتحال بالطيب
الذي يوجد ريحه وبالسواد للزينة لا بد أن يبحث في أن الاكتحال بما فيه طيب هل
هو حرام لأجل الاكتحال بما هو اكتحال أو لأجل أنه استعمال للطيب الذي لا يجوز
للمحرم أن يستعمله على ما تدل عليه الروايات العامة مثل رواية معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن و
أمسك على أنفك من الريح الطيبة (3)
وإنما ذكر الكحل بالخصوص في كثير من الروايات لئلا يتوهم أن استعمال
الطيب في الباطن كالعينين لا تشمله الأدلة العامة فبناء على هذا الاحتمال يكون الحكم
في الاكتحال هو الحكم في الطيب الذي مضى البحث فيه مفصلا من
اختصاصه بالأربعة المذكورة في الروايات أو الخمسة أو الأعم منها كالمسك و
الزعفران والعنبر والورس أو هي بإضافة الكافور أو الجميع بإضافة العود أو كل ما
يعد طيبا وإن لم يكن مما ذكر
فإن قلنا إن الأربعة الأولى من مصاديق الطيب لها موضوعية في الحكم والحرمة

1 - وسائل الشيعة 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 7
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 8.
119

تدور مدارها فيجب الالتزام به في الاكتحال أيضا سواء كان بالسواد أو بغيره ولا يفرق
فيه بين الرجل والمرأة وتخصيص المحرمة بالذكر في رواية أبي بصير والنهي عن
كحل أسود إنما لغلبة أن الاكتحال به كثيرا ما يختص بالنساء لا الرجال كما أن غير
الأسود يستعمل في التداوي والعلاج لا للزينة.
ولكن حققنا في مسألة الطيب إن الحكم لا يختص بما ذكر في الروايات
بل يعم كل طيب والأربعة المذكورة في الروايات من مصاديقه لا لخصوصية فيها
بل يمكن يقال إن العرف في ذلك الزمان كانوا يتطيبون به ففيما نحن فيه أيضا كذلك
فالاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم سواء كان وردا أو ورسا
أو مسكا أو غيرها مما ذكر في النصوص نعم الأحوط ترك الأربعة أو الخمسة
المذكورة وإن لم يوجد ريحها للتصريح بها ويظهر من بعض الروايات إن الاكتحال
إنما يحرم لأجل أنه من الزينة كما تقدم
وأما الزينة بما هي لم تذكر في عداد محرمات الاحرام سواء كانت أربع
وعشرين أو أقل وإنما ذكرت مصاديق منها كالحناء إذا بقي أثره بعد الاحرام أو الحلي
إذا كانت خارجة عن المعتاد والنظر إلى المرآة والتختم لا بقصد السنة والتدهين بما فيه
طيب والتطيب بما يوجد ريحه
ولعل ذكر هذه الأمور لأجل أن المرء لا يمكن له التزين أو الاكتحال إلا بها
وفي المرأة يتحقق بها وبالخلخال وغيرها وأما المنظار فقد ذكروه في المسألة وعده
بعض من الزينة وبناء على هذا الاحتمال هل يمكن أن يقال إن ما هو المحرم حال
الاحرام بالأصالة هي الزينة نظرا إلى التعليل المذكور بعد النهي عن بعض تلك
الأمور في الروايات منقولة إن السواد زينة أو الاكحل أسود لزينة أو أن السواد
من الزينة.
أو لا يمكن القول به والتعدي من الموارد المنصوصة إلى كل ما يعد زينة
فإن الفقهاء رضوان الله عليهم لم يذكروا الزينة بما هي هي من محرمات الاحرام
120

بل ذكروا المصاديق نعم قيدوها بالزينة فقالوا مثلا لبس الخاتم للزينة أو لبس المرأة
الحلي للزينة وهنا احتمال ثالث وهو أن يقال إن الزينة الحاصلة من تلك الأمور
حرام على المحرم لا غيرها (1)
في الاضطرار إلى الاكتحال
يجوز الاكتحال عند الضرورة والحاجة إليه وما يظهر عن بعض من الحرمة
هو واضح الضعف ويدل عليه رواية أبان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب (2)
ورواية عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأله رجل ضرير
وأنا حاضر فقال اكتحل إذا أحرمت قال: لا ولم تكتحل قال: إني ضرير البصر
وإذا أنا اكتحلت نفعني، وإن لم أكتحل ضرني قال: فاكتحل، قال فإني أجعل مع
الكحل غيره، قال وما هو، قال آخذ خرقتين فأربعهما فأجعل على كل عين خرقة و
أعصبهما بعصابة إلى قفاي فإذا فعلت ذلك نفعني وإذا تركته ضرني قال فاصنعه (3)

1 - ويظهر من الروايات الواردة في النظر إلى المرآة والتعليل المذكور في
بعضها إن الزينة علة الحرمة كما سيأتي إن شاء الله
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 9
3 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 10.
121

في النظر إلى المرآة
لا يجوز للمحرم والمحرمة النظر إلى المرآة على الأشهر كما عن الصدوق
والشيخ وابن إدريس وغيرهم بل نسبه غير واحد من الأصحاب إلى الأكثر وقال
بعض أنه مكروه
واختلف أيضا في أن النظر إلى المرآة حرام مطلقا أو إذا كان للزينة وحيث
إن المسألة مبتلى بها في عصرنا لوجود المرآة في السيارات والطائرة ووقوع نظر
المسافرين عليها ينبغي البحث حولها بالتفصيل والمستند للجميع النصوص الموجودة
في المقام منها.
رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تنظر في المرآة وأنت
محرم فإنه من الزينة (1)
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة في

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الاحرام الحديث.
122

المرآة للزينة (1)
وفي رواية حريز عن أبي عبد الله لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من
الزينة (2)
ورواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله لا ينظر المحرم في المرآة لزينة
فإن نظر فليلب (3)
فهل المراد من مدلول الروايات إن المرآة زينة أو النظر إليها بنفسها زينة
أما المرآة فليست بزينة بل هي مقدمة لها باعتبار أن من يريد الزينة في العرف
ينظر إليها ليرى ما فيه من الغبار والدرن.
وأما النظر بما هو نظر لا يحسب زينة أيضا بل هو مقدمة لها فلا يتعلق النهي
التكليفي به كما لا يتعلق بنفس المرآة بما هي آلة شفافة حاكية
نعم غاية ما يمكن أن يقال إن الزينة المطلوبة لا تتحقق إلا بالنظر إلى المرآة
ولتكميل ما هو المطلوب ورفع النقص الموجود نهى الشارع عن المقدمات أيضا
لئلا يقع المكلف في الحرمة، وهي الزينة والتزين حال الاحرام، كما نهى عن شرب
الخمر ونهى أيضا عن بيع العنب وغرسه وساقيه وغيره من المقدمات، وكذا في النهي
عن الربا وحرمته حرم الكتابة والشهادة، وفي المقام حرم الزينة ولأجل أن لا يقع المحرم
في الحرام نهى تكليفا عن النظر إلى المرآة للزينة، لا للتداوي أو رفع ما يوجب
الزحمة والنفرة في الوجه والعين وغيره، كما أنه في المقدمات العقلية إلى الحرام
لا يكون النهي متعلقا بها إلا إذا قصد التوصل، ولهذا قيد والنظر إلى المرآة بالزينة
وقصد التزين لأجل أن لا يتحقق في الخارج ما هو المبغوض عند المولى وأما وجوب
التلبية بعد النظر إلى المرآة كما ورد في رواية معاوية بن عمار من قوله فإن نظر

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الاحرام الحديث
2 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 34 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الاحرام الحديث 4.
123

فليلب كما تقدم فهو الظاهر من الأمر بها ولكن الاجماع على عدم الوجوب
فيحمل على الندب.
وبالجملة المعمول والمتعارف من النظر إلى المرآة إنما هو للزينة كما أن المرآة
يستعمل غالبا في ايجادها مثل ما ينصب في الدكاكين وغيرها نعم النظر إليها لغسل الوجه
أو التداوي لا يعد زينة كما أشير إليه وأما النصوص التي تقدمت ففي بعضها لا تنظر
في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة وفي آخر للزينة.
قد يقال إنها مطلق ومقيد فإن المستفاد من قوله إنه من الزينة حرمة النظر
ولو لم يقصدها وأما مفاد قوله للزينة حرمة النظر إلى المرأة قاصدا به الزينة فهل
يقيد الاطلاق في الأول بالثاني أم لا
قال صاحب الذخيرة بعد ذكر أصل المسألة: ولا يبعد اختصاص الحرمة بالنظر
للزينة جمعا بين الروايات وحمل المطلق على المقيد، ويظهر من بعض الأعلام القول
بحرمة مطلق النظر كما يظهر من عدة القول بالكراهة.
وحيث إنا أخذنا بظاهر النهي في الحرمة وحملناها عليها فهل يصح تقييد
اطلاق العلة كساير الاطلاق أم لا مثلا إذا ورد إن ظاهرت أعتق رقبة ثم قال إن ظاهرت
أعتق رقبة مؤمنة يقيد الرقبة بالايمان بعد العلم بوحدة المطلوب وأما لو قيل إن ظاهرت
أعتق رقبة لأنه مطلوب لله ثم ورد أعتق رقبة مؤمنة فهل يصح تقييد الاطلاق في
العلة فيكون المعنى أن عتق الرقبة المؤمنة مطلوب لله أم لا فعلى الصحة لا يبقى اطلاق
في العلة ويناسب هذا الاعتبار في المقام أيضا بعد رجوع الضمير في (أنه من الزينة)
إلى النظر لوضوح أن الزينة في الرواية إنما استعملت في المعنى المصدري لا اسم
المصدر، بمعنى أن النظر إلى المرأة تزيين لا زينة حاصلة من أمور أخرى وبناء عليه
لا يكون النظر تزينيا بالمعنى المصدري بالشروع فيه إلا إذا قصد به التزئين وإلا لو نظر
لأخذ الشعر من عينه أو لرفع الأذى لا يصدق عليه التزيين أصلا فالاطلاق في كلام
الإمام لعله باعتبار أن النظر إلى المرآة إذا لم يكن للتداوي وغيره إنما هو للزينة
124

فالرواية لا تشمل غير ما قصد به الزينة.
وبتعبير آخر أن الرواية منصرفة عن النظر لغير الزينة فلا اطلاق لها ولو
سلمنا الاطلاق ليقيد بما ذكر في رواية معاوية بن عمار من قوله للزينة وليس ظهور
رواية حريز في الاطلاق أقوى من ظهور رواية عمار في التقييد ثم إنه لا فرق في
النظر للزينة بين ما صنع للنظر كالمرآة وبين غيرها حتى أن النظر إلى الماء الصافي
وكل جسم صيقلي كالنظر إلى المرآة في الحكم، كما أن النظر من وراء المنظار
إليها كذلك كما في النظر إلى الأجنبية حيث لا يفرق في الحرمة بين النظر إليها
بالمنظار أو غيره
125

في لبس الخفين
ويحرم لبس الخفين والجوربين وكل ما يستر ظهر القدمين على الرجال على
المشهور بل عن الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين وعن المدارك إلى الأصحاب
وادعي عدم الخلاف فيه بين الأصحاب كما عن الغنية بل ظاهره نفي الخلاف
بين المسلمين فضلا عن إرادة الاجماع منه وهذا مما لا بحث فيه وإنما الكلام في أن
لبس الخف حرام بما هو خف أو لكونه مخيطا أو لأجل أنه لباس متعارف معمول
كما عبر باللبس أو لكونه مما يستر ظهر القدمين.
فإن قلنا إنه حرام لكونه مخيطا يمكن أن يقال بجواز لبس ما يصنع بالصياغة
والقوالب في الفابريكات وأما لو قلنا بحرمته من جهة كونه لباسا متعارفا يحرم
مطلقا ولو لم يكن مخيطا بل لو كان من لبد كما اخترناه في اللباس المتعارف
وأما إذا كان حراما بما هو خف فلا يفرق فيه أيضا بين المخيط وغيره
وهو بالنسبة إلى الرجال كالقفازين بالنسبة إلى النساء في حرمة لبسهما فيحرم لبس
126

الخفين على المحرم كما يحرم لبس القفازين على المحرمة.
ويمكن أن يكون حرمة لبسهما من جهة أن الخف يستر ظهر القدمين ففي
الحقيقة تعلق النهي بلبس كل ما يستر ظهرهما سواء كان مخيطا ومتعارفا أم لا، ولعله
يستظهر من بعض الروايات الدالة على جواز لبس الخفين عند الاضطرار ووجوب
شق ظهر القدمين فعلى هذا لو كان خف لا يستر ظهرهما لا يكون لبسه حراما وقد اختار
بعض الفقهاء الأخير من الاحتمالات وأفتى بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين
والمهم نقل الأخبار والتأمل في أن الخفين والجوربين إنما ذكرا من باب المثال أو
لهما خصوصية في الحكم.
وقد عقد صاحب الوسائل بابا في المسألة وقال: باب تحريم لبس الخفين
والجوربين على المحرم إلا في الضرورة فيشق عن ظهر القدم ثم نقل أخبارا و
منها.
رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال ولا تلبس سراويل
إلا أن لا يكون لك إزار ولا خفين إلا أن يكون لك نعلان (1)
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال وأي محرم هلكت نعلاه فلم يكن
له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى
لبسهما (2).
وظاهر النهي في الرواية الأولى حرمة لبس الخفين كما في لبس السراويل
إلا إذا لم يجد نعلا واضطر إلى لبسهما
ومفاد الرواية الثانية جواز لبسهما إذا هلكت نعلاه والظاهر من هلاك النعل
عدمه واحتياجه إلى اللبس لا العدم بعد الوجود فيكون مقيدا لاطلاق الرواية الأولى
إذ يبعد القول بأن من كان له نعل ثم هلك يجوز له لبس الخفين دون من لم يكن له

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الاحرام الحديث 2.
127

نعل من الأول.
وكذا الظاهر من صحيحة الحلبي بل الصريح جواز لبس الجوربين إذا
اضطر إليه ومفاد ذلك عدم جواز اللبس عند الاختيار وظاهره الحرمة لا الكراهة
ويدل بعض الروايات على أن المحرم إذا اضطر إلى لبس الخفين يجب
عليه أن يشق ظهر القدم.
روى الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل هلكت
نعلاه ولم يقدر على نعلين قال له أن يلبس الخفين إن اضطر إلى ذلك فيشق عن
ظهر القدم (1).
روى الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المحرم
يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم (1)
والمراد من الشق عن ظهر القدم قطع الخفين عن الساق طويلا كان أو قصيرا
لا شق الظهر كما يفصح عنه لفظة عن أي حرف الذي هو للمجاوزة (2).
ولكن الرواية الثانية تدل على وجوب شق ظهر القدم فهل المستفاد من مجموع
الروايات المتقدمة إن حرمة لبس الخفين لأجل أنهما لباسان متعارفان يلبسهما الناس
قبل الاحرام أو لأجل كون الخفين مخيطة أو لسترهما ظهر القدمين وجوه بل أقوال
ولكن السياق في الروايات كقوله لا يلبس السراويل ولا الخفين يشهد للقول الأول
وإن الخفين كالسراويل وإن كان القدر المتيقن منها الخف والجور بين إلا أن تناسب
الحكم والموضوع يؤيد القول الأول وإن اقتصر بعض العلماء بالخفين وأما الجوربان
فلا يستفاد من جواز لبسهما في الضرورة الحرمة حال الاختيار مع امكان الخدشة
في روايته أيضا.
وقال بعض إن رواية الخفين والجوربين معتبرة سندا ودلالة فأفتى بحرمة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الاحرام الحديث 5.
128

لبسهما فقط ولم يتعد إلى غيرهما مما يشابههما في ستر ظهر القدمين وذهب بعض إلى
القول الثالث والتعدي من الخفين والجوربين إلى كل ما يستر ظهر القدمين كما
يظهر من صاحب الجواهر قدس سره ونقله عن جمع من القدماء أيضا كما أشير
إليه ثم قال نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساتر الظهر القدم بتمامه فلا
يحرم الساتر لبعضه وإلا لم يجز النعل.
لا يخفى أن استفادة حرمة لبس الخفين على المحرم من الرواية والتعدي منه إلى كل
ما يستر ظهر القدمين مشكل حتى مع القول بوجوب شق الظهر لاحتمال أن يكون
شق الظهر لتغيير هيئة الخفين واخراجها عن اللباس المتعارف كما في لبس القباء
منكوسا أو مقلوبا حتى يعلم أن لابسها محرم ويكون شعارا كما في تقليد الهدي وشق
أذنه
ويحتمل أن يكون الشق للستر فيشق ظهر القدمين لئلا يستر الجميع بناء على
عدم حرمة ستر البعض ولكنه لا ترجيح للاحتمال الثاني على الأول بل العكس أولى
فلا يقطع بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين.
ثم إنه لو قلنا بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين فلا اشكال في القاء ثوب
الاحرام على رجله وظهر قدميه أو القاء ملحفة أو ستر ظهر القدم باليد والرجل
وأما ستر بعض القدم فأفتى صاحب الجواهر قدس سره بعدم حرمته وقال لا يحرم
الساتر لبعضه وإلا لم يجز النعل، ودعوى أن حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض
ممنوعة بعد إن كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض انتهى
ولا يخفى ما في استدلاله قدس سره أما الأول فلا مانع من القول باستثناء
لبس النعل كما يظهر من بعض الروايات إن هذا المقدار من النعل كان لبسه جائزا
كما يشعر به قوله رواية الحلبي هلكت نعلاه وفي رواية أبي بصير ولم يقدر على
نعلين وأما الدليل الثاني فاستفادة ستر مجموع ظهر القدمين على وصف المجموع
بعيد عن الرواية نعم القدر المتيقن في الخفين والجوربين ستر مجموع ظهر القدم
129

وأما استظهار ذلك في غيرهما بناء على التعدي منهما فلا يستفاد.
" في وجوب شق الخفين وعدمه إذا اضطر إلى لبسهما "
قيل يجب شق ظهر القدم من الخفين وكل ما يستره كما عن محكى المبسوط و
الوسيلة والمختلف وعن الشهيدين والكركي خلافا للمحقق في الشرايع بل عن ابن
إدريس الاجماع عليه ويظهر من بعض الأخبار كروايتي عمار المتقدمة والحلبي و
رفاعة بن موسى جواز اللبس مطلقا من دون وجوب الشق
قد يقال إن الاطلاق في هذه الروايات يقيد بروايتي أبي بصير ومحمد بن
مسلم الدالتين على وجوب الشق فيقدم التقييد على الاطلاق ولكنهما ضعيفان لعدم عمل
الأصحاب بهما وعدم التزامهم بوجوب الشق إلا ما نقل عن الشيخ وابني حمزة وغيرهما
وإن كان قد يعبر عن رواية الحلبي بالصحيحة مضافا إلى الاجماع على عدم وجوب
الشق كما ادعاه صاحب الجواهر قدس سره في كتابه وإلى أن وجوب الشق موافق
للعامة ومنهم أبو حنيفة
وروى الجمهور عن علي عليه السلام عدم وجوب الشق بل رووا أنه عليه السلام قال: قطع
الخفين فساد يلبسهما كما هما وروي عن عائشة أن النبي رخص للمحرم أن يلبس الخفين
ولا يقطعهما (1)
وعن صفية كان ابن عمر يفتي بقطعهما فلما أخبرته بحديث عائشة رجع (2)
وقد يقال إن حديث القطع منسوخ فإنه كان بالمدنية وما روته عائشة كان
بالعرفات.
تلك الأمور من الموجبات لتضعيف التقيد ووهنه فإن كان ذلك قابلا للاعتماد
وإلا فلا وجه لرفع اليد عن المقيدات وعدم تقييد الاطلاقات بها ولذا قال صاحب

1 - سنن أبي داود ج 1 ص 425 المطبوعة عام 1371 إلا أن فيه رخص للنساء
في الخفين
2 - سنن الدارقطني ج 2 ص 272 الرقم 170.
130

الحدائق أي قاعدة تقتضي رفع اليد عن قواعد الفقه وهي تقتضي تقييد الاطلاق
بالمقيد إلى أن تقوم حجة في المقام نعم لو ثبت اجماع على العدم كما ادعاه صاحب
الجواهر عليه الرحمة نعمل به إلا فمقتضى الأخبار والاحتياط الشق ولزومه.
في كيفية الشق
ثم إن الشق واجبا كان أو ندبا على نحوين أحدهما قطع الخفين من ظهر
القدمين أي من القبة بحيث لا يبقى لهما ساقان والثاني شقهما من الظهر إلى ما دون
قبة القدم ولو جمع بينهما بأن قطعهما من الساق ثم شق ظهر القدم إلى ما دون القدم
لكان أولى.
وليعلم أن لبس الخفين وما يستر ظهر القدمين مع الشق إنما في حال
الاضطرار كما إذا لم يجد نعلا وأما في حال الاختيار فلا يجوز لبسهما وإن شق
ظهرهما كما هو الظاهر بل الصريح من كلامهم.
ويمكن أن يشكل عليهم بأنه إذا كان الحرام لبس ما يستر جميع القدم فلم
لا يجوز لبسه مع شق الظهر بحيث لا يستر الجميع
وأجيب عنه بأن الحرام ما من شأنه أن يستر جميع القدم من غير علاج
وتصرف، فلا يجوز لبسه حال الاختيار ولو شق ظهره كما يورد على هذا المبنى
أن لازم ذلك أن يجوز لبس النعال المتعارف لبسهما في الصيف التي لا يستر جميع
القدم بل يستر الأنامل وهو مشكل لما أشير إلى أن الممنوع من لبسه هو اللباس
المتعارف الذي كان الناس يلبسونه قبل الاحرام وهذا النوع من النعال لباس متعارف
بين الناس نعم بناء على ما استظهرناه من أن حرمة لبس الخفين من أجل كونهما
لباسا متعارفا لا يرد الاشكال فإن بشق الظهر لا يخرج عن كونه لباسا متعارفا لكنه إذا
اضطر إلى لبسه يشقه اشعارا بأنه محرم كما في قلب القباء ولبسه منكوسا إذا لم
131

يجد رداء وأما ما يتعارف لبسه في الصيف فهو حرام وإن لم يستر جميع القدم.
(في تعميم الحكم للرجال والنساء)
إن حرمة لبس الخفين اختيارا وجوازه مع الشق عند الاضطرار هل يختص
بالمحرم أو يعم المحرمة الظاهر هو الثاني فإن ما ذكر في الرواية بلفظة المحرم أو
الرجل جنس شامل لكليهما كما لو سئل عن رجل أصابه بول أو محرم أصابه دم
فأجيب بحكم خاص يعلم منه شموله للرجل والمرأة نعم لو سئل الراوي عن الرجل
المحرم هل يلبس مثلا الحرير أو القميص فأجاب الإمام عليه السلام المحرم لا يلبس كذا يمكن
تقييده بالرجل واختصاص الحكم به بخلاف ما لو سئل عن المحرم فقط إذ يعلم منه
أنه حكم تكليفي شامل للكل كما إذا قيل لو ترك المصلي كذا فعليه كذا إذا لم
يكن في البين ما يمنع عن الشمول والاشتراك ولا يبعد ادعاء وجوده في المقام فإن
البحث فيه حكم لبس الثياب وقد تقدم الفرق بين المحرم والمحرمة فيما روي
المرأة تلبس الثياب كلها واستثني منها المصبوغ بالزعفران والقفازان والبرقع و
لم يستثنى الخفان ولعل هذا يقطع الشركة بينها وبين الرجل مع احتمال أن يقال
إن الخفين إنما يختص لبسهما بالرجال والنساء لا يلبسنهما إلا إذا كن من المجاهدات
والغازيات.
والحرمة المجعولة على المحرم في لبس الخفين ليست كالأحكام المجعولة
للمصلي من وجوب القراءة والطمأنينة والقيلة والطهارة المشتركة بين الرجل و
المرأة بل الحكم في المقام من جهة الستر واللباس الذي فرق الشرع في حكمه
بينهما كما أشير إليه فلا يشمل قوله عليه السلام المحرم لا يلبس الخفين المرأة المحرمة
لاحتمال اختصاص الحكم بالرجل ولو سلم اطلاق يمكن تقييده بما روي أن المرأة
132

تلبس الثياب كلها إلا ما استثني بناء على صدق الثياب على الخفين وأما الجوربان
فلا اشكال في صدق اللباس عليهما وتستثنى المحرمة عن حرمة اللبس.
ولو أشكل في جميع ما ذكر لأمكن القول بأن دليل الاشتراك في الحكم
بين الرجل والمرأة لا يشمل حرمة لبس الخفين على المحرمة من الأصل ولو شك في
الشمول يكفي الشك في الحرمة في اجراء الأصل الموجود في المقام وهو عدم
التكليف والبراءة منه وعدم الحرمة
133

في الفسوق وحكمه حال الاحرام
لا اشكال في حرمة الفسوق على المحرم وإن وقع الخلاف في معناه كما
يأتي ويدل عليه قوله تعالى الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج. (1)
وظاهر الآية الكريمة نفي وجود الفسوق خارجا وأنه يجب أن يكون الحج
وأعماله خاليا عنه وإن الفسوق مانع عن عنوان الحج المطلوب ولازمه بطلانه به
وكونه حكما وضعيا لا تكليفيا فقط.
ولكن المستفاد من المضامين المختلفة في الروايات من ترتب الكفارة على
الفسوق في بعض الموارد وعدم إعادة الحج أو إعادة التلبية أنه غير مفسد للحج مضافا
إلى الاجماع على عدم البطلان وأنه حرام تكليفي فقط فما نقل عن المفيد قدس
سره من فساد الحج به واضح الضعف.

1 - سورة البقرة الآية 197.
134

والأمور المذكورة في الآية بعضها ومنه الفسوق وإن كان حراما في غير حال
الحج أيضا ولا يختص حرمته بالمحرم إلا أن ذكره في عداد محرمات الاحرام أما
لأجل إن وجوده يؤثر في ايجاد النقص في الحج المطلوب عند المولى أو أن تركه
موجب لكمال فيه مطلوب بالنص إذ الحج مع ترك الفسوق مطلوب أولا وبالذات
ومع الاتيان بالفسق مطلوب على نحو تعدد المطلوب فلا منافاة بين كونه حراما في غير
حال الاحرام عموما وفي حال الاحرام خصوصا بخلاف بعض المحرمات والموانع
الموجب لبطلان الحج إذا وجد.
في معنى الفسوق
وقع الخلاف في معنى الفسوق وقيل هو الكذب كما في الشرايع ونقل
ذلك عن المقنع والنهاية والمبسوط والاقتصاد والسرائر والجامع والنافع وعن
ظاهر المقنعة والكافي ويظهر من بعض الروايات أيضا.
وعن الدروس والمختلف وجمل العلم والعمل أنه الكذب والسباب وقيل هو
الكذب والمفاخرة وعن آخر هو مطلق المنهيات والمحرمات وقد يدعى أن الفسوق
هو الذي حرم بالاحرام فقط كالصيد والطيب ونظائرهما كما ادعي أنه الكذب على
الله ورسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام واستظهر بعض هذه المعاني أو استأنس له من
النصوص الواردة في المقام فالمهم نقلها والتأمل في جمعها فمنها.
رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله: إذا أحرمت فعليك بتقوى الله
وذكر الله وقلة الكلام إلا بخير فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من
خير كما قال الله عز وجل فإن الله يقول فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق
ولا جدال في الحج فالرفث الجماع و الفسوق الكذب والسباب والجدال قول
الرجل لا والله وبلى والله (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 1.
135

والسب والكذب وإن كان حراما في جميع الحالات إلا أن ظاهر قوله عليه السلام إذا
أحرمت فعليك بتقوى الله إلى آخر الرواية أن جميع ما ذكر ومنه السب والكذب
من محرمات الاحرام أيضا ولا فرق في ذلك بين احرام الحج أو العمرة متمتعة بها
إلى الحج أو مفردة كما لا فرق بين التمتع والقران والافراد من أنواع الحج و
تخصيص بعض العلماء حرمة تلك الأمور بالحج دون العمرة في غير محله ويدل
عليه رواية عبد الله بن سنان في قول الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله قال اتمامها
أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. (1)
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام الفسوق الكذب والمفاخرة (2)
وفي رواية زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله عن الرفث والفسوق والجدال
قال أما الرفث فالجماع وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة الخبر. (3)
وعن تفسير العياشي الفسوق هو الكذب وأما استشهاد الإمام عليه السلام بالآية في
معنى الفسوق نظير الاستدلال بقوله تعالى لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، لبيان معنى
الكثير وإلا فقد صرح في الرواية بأنه الكذب وأما السباب والمفاخرة من معنى الفسوق
فقد ذكر في رواية معاوية بن عمار وعلي بن جعفر. وقال صاحب الجواهر بعد ذكر
الروايات المتقدمة في معنى الفسوق: وما أدري ما السبب الداعي إلى الاعراض
عن النصوص التي يمكن الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب
والسباب والمفاخرة على الوجه المحرم.
ثم قال ومن الغريب ما في المدارك من أن الجمع بين الصحيحتين (أي

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 6
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 8.
136

صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة علي بن جعفر) يقتضي المصير إلى أن الفسوق
هو الكذب خاصة لاقتضاء الأولى نفي المفاخرة والثانية نفي السباب فالمتفق عليه
هو الكذب.
وأورد عليه في الجواهر بعدم كونه جمعا بل هو طرح لكل منهما مضافا إلى
أن نفي غير الكذب في الصحيحتين ليس إلا بالمفهوم الضعيف وهو مفهوم اللقب
لا بمثل مفهوم الشرط أو الوصف وهو لا يعارض المنطوق الصريح في الصحيحتين
الدال على أن السباب والمفاخرة من مصاديق الفسوق والسكوت عن شئ في
دليل ليس نفيا له ولا يصح التعارض بين المنطوق والسكوت فاللازم الأخذ بمنطوق
الصحيحتين وطرح المفهوم لكونه أظهر وأصرح فلو فرض التعارض بين الروايات
وتكافؤ السند فيها فالقاعدة التساقط وعند عدم التكافؤ يرجع إلى المرجح.
(ايراد آخر على المدارك)
ثم إن صاحب المدارك قدس سره بعد أن حكى الاجماع على تحريم الفسوق
وأن الأصل فيه الآية الكريمة قال: ويتحقق الحج بالتلبس باحرامه بل بالتلبس
باحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج انتهى.
وأورد عليه صاحب الجواهر رحمه الله بأن المستفاد من الفتاوى ومعاقد الاجماعات
بل وبعض النصوص كونه من محرمات الاحرام ولو للعمرة المفردة (1)
ويمكن أن يجاب عن ايراد الجواهر ودفعه عن المدارك بأن الأصل في حرمة
الفسوق إذا كان هو الآية الكريمة لا يشمل غير الحج للتصريح فيها بالحج لقوله تعالى
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. (2)
نعم وعمرة التمتع شروع في الحج لا المفردة إلا أن يستدل بما

1 - وبعض النصوص رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) إذا أحرمت الخبر
2 - البقرة الآية 197.
137

روي عن ابن سنان عن الإمام عليه السلام في تفسير قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لا قال:
اتمامها أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (1) والحج يطلق على العمرة كما
يستفاد من الرواية أيضا
بقي الكلام في أن الكذب والسباب والمفاخرة إنما يحرم في الحج مطلقا أو
إذا كان حراما وتوضيح ذلك أن الكذب والسباب والمفاخرة لها موضوعية في
الحكم بالحرمة في الحج وإن لم تكن حراما في نفسها كالكذب النافع الواجب
أو المندوب أو السباب للنهي عن المنكر إذا توقف عليه أو المفاخرة المطلوبة في
الحرب أو ليست كذلك بل إنما تحرم إذا وقعت حراما الظاهر أن مصاديق الفسوق
سواء كانت كذبا أو سبابا أو مفاخرة إنما تحرم إذا كانت محرمة قبل التلبس بالحج
والكذب النافع المندوب أو الواجب وكذا السباب والمفاخرة فيما ذكر لبست
مما تعلق النهي بها فلا تكون داخلة في الآية.
قد يتوهم أن ما ذكره صاحب الجواهر من القيد المتعلق بالمفاخرة من قوله
والمفاخرة على الوجه المحرم إنما يفيد ذلك ويدل على ما اخترناه لكنه ليس بصحيح
ما يكون حراما فإن مراده من ذكر القيد بيان المصداق المحرم لأن المفاخرة لها
مصداقان أحدهما قبل الحج أيضا والآخر ما ليس بحرام أصلا بل هو حلال دائما من
دون حاجة إلى مجوز آخر.
والحاصل أن المفاخرة إن كانت مصداقا للكذب فهو حرام وإن كانت صادقة
فإن كانت مستلزمة لتوهين مؤمن أو نقيصة عليه فهو حرام في الحج وغيره وإن لم
يثبت كونها من مصاديق الفسوق المحرم حال الاحرام.
وأما السباب أي سب المؤمن فهو حرام دائما سواء كان منهيا عنه في الحج
بما هو حج أو لم يكن كذلك كما عليه المدارك حيث خص النهي بالكذب وأنه معنى
الفسوق المنهى عنه في الآية وعلى كل حال لا يترتب الكفارة على واحدة منها ولا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 6.
138

تظهر التمرة في البحث عن ذلك إلا في النذر والعهد كما اختاره صاحب الجواهر
ولا يخفى ما فيه.
يمكن أن يقال تظهر التمرة في النيابة للحج والاستيجار مثلا لو استأجر
شخصا لأعمال الحج وشرط عليه أن يأتي بالواجبات كلها وأن يترك كل ما هو حرام
فيه فإن كانت المفاخرة من المنهيات فيه يجب عليه تركها وكذا السباب وإن لم
يترك لا يستحق الأجرة.
مسألة هل يجوز أن يستناب العاجز عن القادر أم لا مثلا من لم يقدر على
الصلاة إلا قاعدا أهل يجوز له أن بنوب عن الصحيح وكذا من لم يتمكن عن ترك
بعض المحرمات في الحج كالاستظلال هل يصح له النيابة أم لا وجهان مبنيان على أن تروك المحرمات من أجزاء الحج كالواجبات أو من وظائف المحرم الظاهر
هو الثاني فيستحق الأجرة ولو ارتكب حراما إلا أن يشترط عليه فلا يستحق الأجرة
ولكن ذمة الميت يبرأ على كل حال
(في عدم فساد الحج بالفسوق)
لا يفسد الحج بارتكاب الفسوق بأي معنى كان خلافا للمفيد قدس سره حيث
قال إن الفرث والفسوق والجدال مفسد للحج ولعل نظره إلى أن تلك الأمور كانت
حراما قبل الحج ولا معنى لحرمتها في الحج إلا افسادها له.
وأجاب عنه الجواهر بأنه لا تنافي بين الحرمة قبل الحج وعدم افسادها له
مع كونها منهيات فيه بدعوى أن عدم هذه الأمور موثرة في كمال الحج وتمامه
أو أن وجودها مزاحمة للكمال المطلوب على نحو التعدد لا مبطل لأصل الحج مضافا
إلى الاجماع القائم على عدم البطلان وإلى أن من ارتكبها في الحج فليس عليه
إلا الاستغفار أو الكلام الطيب.
139

في حكم الجدال في الحج
ويحرم الجدال على المحرم ويدل عليه الكتاب والسنة والاجماع بقسميه كما
في الجواهر وهذا ما لا كلام فيه وإنما المهم بيان أمور.
الأول: في ماهية الجدال وما يتحقق به وهو لغة الخصومة أو التشديد فيها وأما
الجدال المحرم في الحج المذكور في الآية فقد فسر في كلمات الفقهاء وفي أكثر كتب
الأصحاب وفي الأخبار بقول الرجل لا والله وبلى والله وقال بعض بشرط أن يكون تأكيد
الخصومة المسبوقة وذهب آخر إلى أن ذاك القول إنما هو مثال للقسم والحلف
فلو حلف بغير لا والله وبلى والله لكان جدالا محرما ولا يعتبر في تحققه لفظ الجلالة
بل يكفي القسم بالرحمن والرحيم.
الثاني هل يعتبر أن يكون الجدال ولا والله وبلى والله معصية لله حتى يكون
حراما في الحج أو يعم كل جدال ولو كان الحلف صادقا والجدال حلالا
140

الثالث إن المناط في حرمة الجدال هل هي الخصومة التي بلغت حد التأكيد
وإن لم يكن فيه قسم وحلف فملاك الحرمة التنازع والجدال الشديد لا القسم والحلف
بلفظ الجلالة وغيره.
أما الأمر الأول فقد ادعى الاجماع على أن الجدال المذكور في الآية المحرم
حال الاحرام قول الرجل لا والله وبلى والله كما حكي عن السيد وعن كشف اللثام
لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بهما وعن الغنية والجدال وهو قول الرجل
لا والله وبلى والله بدليل اجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.
وأورد على ما ذكر بأنه ليس في لغة العرب إن الجدال هو اليمين المذكور فقط
وأجاب بعض العلماء عن الايراد المذكور بأنه لا مانع من أن يكون للجدال عند
الشرع معنى يغايره ما في اللغة كما في بعض الكلمات مثل الغائط فإنه موضوع لغة
للأرض المنحدر إلا أنه عند العرف اسم لشئ خاص يغاير الوضع اللغوي.
وفيه أن استعمال لفظ عند الشرع في معنى مغاير للمعنى اللغوي وإن كان
صحيحا وواردا في استعمالات الشرع كما أشار إليه المجيب إلا أن المورد ليس مثل
ما ذكر فإن الروايات إنما وردت في بيان معنى الجدال وأنه ذو مراتب ضعيفة وشديدة
وما هو الحرام في الحج ما بلغ حد لا والله وبلى والله وأما أصل معنى الجدال وهي
الخصومة فمحفوظ فيه دائما ولا يرفع اليد عنه بل ولا يصح ذلك ونشير إليه في
الأمر الثالث.
مضافا إلى ما ورد في النصوص من التصريح بأن القسم في بعض الموارد
لا يكون جدالا ولو أدى بلفظ لا والله وبلى والله بل يكون اكراما ومحبة لمؤمن كما
في رواية أبي بصير قال سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه:
والله لا تعمله فيقول: والله لأعملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال قال: لا إنما
141

أراد بهذا اكرام أخيه إنما كان ذلك ما كان لله عز وجل فيه معصية (1)
ويمكن أن يستدل بما روي عن زيد الشحام في معنى الجدال عن أبي
عبد الله في حديث قال: والجدال هو قول الرجل لا والله وبلى والله وسباب الرجل (2)
إذ يعلم منه أن الحلف و القسم في الجدال ما يقع في الخصومة كما هو
المرتكز في ذهن الناس ويستأنس له من قوله عليه السلام سباب الرجل لأن ذكر هذه
الجملة بعد لا والله وبلى والله إنما هو لبيان أن الخصومة ما يوجب الجدال والسب و
القسم والتأكيد لا أن نفس القسم جدال وخرج منه ما كان في اكرام الأخ بل مفهوم
الخصومة مما يوجد في جميع موارد الجدال ويعتبر فيه كما أن نفس الخصومة
بدون لا والله وبلى والله لا يكفي في تحقق الجدال
قد يقال إن الروايات الدالة على أن الجدال هو قول الرجل لا والله وبلى والله
مطلقة لا قيد فيها من الخصومة أو غيرها إلا أنه خرج من عموم القسم ما يقال في اكرام
المؤمن والمحبة له كما نقل عن صاحب المستند.
وفيه أن جميع الروايات واردة في تفسير الآية المباركة والجدال المذكور
فيها وأن الجدال ما كان مقرونا بالقسم لا أن القسم وحده هو المراد من الجدال من
غير دخل للخصومة فيه التي يتبادر إلى الذهن منه وإن أنكرت الظهور في الخصومة
فلا أقل من احتفافها بما يصلح للقرينية الذي يشترط القطع بعدم وجوده في الأخذ
بالاطلاق في كل مقام فإن السؤال عن الجدال المذكور في الآية وجوابه عليه السلام:
قول الرجل لا والله وبلى والله صالح لأن يكون قرينة لإرادة القسم الخاص والنوع
المخصوص من الجدال بعد ما يعرف الناس ويفهم منه مطلق الخصومة فلا يصح
التمسك بالاطلاق لعدم تمامية مقدمات التمسك به ويستظهر ذلك من رواية أبي بصير

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 8.
142

المتقدمة الواردة في محرم يحلف لصاحبه أن يعمل عملا له (1)
الأمر الرابع هل يعتبر أن يكون الجدال مع الحلف معصية في نفسه أم لا
يعتبر ذلك بل يكفي ولو كان لأمر حق في كونه حراما على المحرم وإن لم يكن
الحلف كاذبا بل كان صادقا لاثبات أمر شرعي.
ذهب بعض إلى الاطلاق وإن الجدال مع الحلف حرام وإن كان صادقا و
حقا فعلى هذا يقع البحث في ارتفاع الحرمة عند الاضطرار إليه ثم في ثبوت
الكفارة وعدمه.
واستظهر صاحب الجواهر قدس سره من روايتي يونس بن يعقوب وأبي
بصير المتقدمتين اشتراط الجدال بكونه معصية وأن يكون الحلف كاذبا
وعن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يقول: لا والله
وبلى والله وهو صادق عليه شئ قال: لا (2)
ولكن الشيخ رحمه الله حمل الرواية على نفي الكفارة فيما دون الثالث فعلى
هذا لا يدل على اشتراط المعصية إذ يمكن أن يكون الجدال حراما مطلقا ولكن الكفارة
لا يترتب على ما دون الثلث كما ورد في التفصيل بين اليمين الصادقة واليمين الكاذبة
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو
محرم فعليه دم يهريقه وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه (3)
وأما الرواية الثانية التي استظهر منها صاحب الجواهر اشتراط المعصية

1 - وسائل الشيعة ج 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 1 من بقية كفارات الاحرام الحديث 8
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 - من بقية كفارات الاحرام الحديث 7.
143

في الجدال رواية أبي بصير المتقدمة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريدان
أن يعمل العمل فيقول له صاحبه والله لا تعمله فيقول والله لأعملنه فيحالفه مرارا يلزمه
ما يلزم الجدال قال: لا إنما أراد بهذا اكرام أخيه إنما كان ذلك ما كان لله عز وجل فيه
معصية. (1)
وظاهر الرواية الجدال الذي ليس فيه معصية لا يكون مما يحرم على
المحرم كما استظهر قدس سره ولكن الكلام في أن النفي هل يرجع إلى الكفارة
وأنه لا يلزمه ما يلزم الجدال من ترتب الكفارة أو يرجع إلى أن هذا النوع من الجدال
لا بأس به من جهة الحرمة.
ثم إن صاحب الجواهر أيد ما استظهره بأصل البراءة وبنفي الضرر والحرج
في الدين وبأنه ربما وجب عقلا وشرعا فلا يصح القول بحرمة الجدال مطلقا ولذا
نقل عن الجعفي أن الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية لكنه اختار في آخر
كلامه غير ما استظهره وقال بعد ما ذكر: إلا أن عموم النص والفتوى وخصوص نص
الكفارة على الصادق بخلافه.
ومعنى كلامه إن العمومات أظهر في التعميم وعدم اعتبار قيد المعصية
من الروايتين المتقدمتين الظاهر منهما اعتباره كما اختار ذلك صاحب المستند و
حكم بحرمة الجدال مطلقا استنادا بالعمومات الدالة على ذلك كما أشير إليه واستثني
من العموم ما كان في طاعة الله كاكرام الأخ المؤمن وأورد على الاستدلال بآخر
رواية أبي بصير إنما ذلك ما كان لله عز وجل فيه معصية) بأنه لا يدل على اعتبار كون
الجدال في معصية بل يدل على اعتبار أن يكون فيه معصية والفرق بينهما واضح
وتوضيحه أن المقسم له قد يكون منهيا عنه وفعله إثما وحراما فالجدال في
مثل ذلك يكون في معصية كما لو قال والله لأشرب الخمر وأشتمك وأضربك أو
أو قيل بلى والله لأسبك وأشتمك.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الاحرام الحديث 7.
144

وأخرى لا يكون المقسم له معصية في نفسه بل قد يكون طاعة أو مباحا كما
لو قال والله لأصلي الصلاة وأقرأ القرآن وبلى والله لأفعلهما وهذا النوع من الجدال
إنما يكون في طاعة ولا يكون فيه معصية وإثم إلا إذا لم يكن في طاعة فمثل اكرام
الأخ ونحوه الذي ليس فيه معصية خارج عن الجدال المحرم والرواية تدل على أن الجدال المنهى في الحج ما كان معصية بتعلق النهي عليه ولو بنفس هذا النهي
كما يظهر من صاحب المستند قدس سره. الظاهر أن ما استظهره صاحب الجواهر
من اعتبار كون القسم في المعصية أقرب إلى التحقيق إذا لظاهر من قوله عليه السلام إنما
ذلك ما كان لله فيه معصية أن يكون كذلك قبل تعلق النهي عليه بسبب الاحرام وقطع
النظر عن قوله تعالى ولا جدال ولا فسوق نعم بناء على القول بأن كل قسم حرام
صادقا كان أو كاذبا لقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم لا يحتاج إلى هذا الشرط
بل يكون كل قسم حراما ومنهيا عنه في الحج إلا ما كان في طاعة كالكرام الأخ.
وهنا احتمال ثالث وهو أن الجدال المحرم في المقام ليس النزاع والجدال
في الحرب بل لاظهار التفوق على الغير في اثبات المطلب وفهمه وتصغير الغير و
تحقيره وأما لو أكد ما يريد اظهاره بالقسم من دون أن يحاول ما تقدم من التحقير و
والتصغير فلا يعد جدالا كما في الآيات الكريمة التي أقسم الله تعالى تأكيدا للمطلب
ورفعا للشبهات المحتملة أن تعتري على قلوب الضعفاء من المخاطبين.
ثم إنه بناء على ما استظهره صاحب الجواهر من اعتبار المعصية في الجدال
قبل تعلق النهي به لا يرفع اليد عن عموم النهي إلا بأدلة حاكمة عليه مثل الضرر و
الحرج والاضطرار لو كان وإلا فلا بد من رعاية الأهم في المقام من تقديم الواجب
على الحرام أو العكس كما في غير المورد من التزاحم بين الواجبين أو بين الحرامين
أو الواجب والحرام.
وأما بناء على ما اختاره المستند من حرمة كل جدال إلا ما كان في طاعة
الله فلا يحتاج إلى دليل حاكم فلو توقف اثبات حق أو ابطال بدعة على الجدال و
145

القسم والتأكيد يجوز له الجدال من دون حاجة إلى لا ضرر ولا حرج أو الاضطرار
ولكن صاحب المستند قدس سره استدل في بعض الموارد بنفي الحرج والضرر
فلا بد من فرضه موردا لا يكون ندبا وطاعة حتى يرفع الحكم عن الجدال بما ذكر
من العناوين الثانوية.
الأمر الخامس إن المعتبر في الجدال تحقق لفظين لا والله وبلى والله ولو من
شخص واحد أو يشترط صدورهما من شخصين بأن يقول أحدهما لا والله والآخر
بلى والله الظاهر عدم صدق الجدال على ما يصدر من شخص واحد لو قال شخص
لا والله وبلى والله لأفعل كذا أو لا أفعل كذا ولا يقال إنه مجادل ولو فرضنا صدقه عليه
يمكن أن يقال إن الأدلة منصرفة عنه.
الأمر السادس هل يشترط حضور الخصمين في صدق الجدال أو يكفي أداء
اللفظين (لا والله وبلى والله) في غياب الخصم مثلا لو قال شخص لا والله وقال الآخر
بلى والله مع عدم حضورهما هل كان جدالا محرما فيه تردد ولا يبعد دعوى انصراف
الأدلة عنه.
الأمر السابع هل يعتبر أن يقول أحد المتخاصمين لا والله والآخر بلى والله
أو يكفي أحد اللفظين من أحدهما الظاهر أن الكلمتين عبارة عن الرد والنقد والاعتراض
لا أنه يجب أن يقولهما المتخاصمان بدعوى عدم صحة النفي والاثبات من
واحد فيكفي الجدال بلا والله من واحد وإن أنكر الآخر بقسم آخر ولم يقل بلى
والله.
الأمر الثامن هل يشترط في تحقق الجدال أن يكون القسم كذبا أو اليمين
الصادق والكاذب متحدان في الحكم يظهر من بعض الأول ولكن المستفاد من
الروايات الاطلاق كما عليه العامة أيضا.
وأما الرواية المفصلة بين اليمين الصادقة والكاذبة كرواية أبي بصير المتقدمة
فإنما هي في التفصيل بين ترتب الكفارة وعدمه لا في أصل الجدال كما أن ما ورد في
146

التفصيل بين المرة والمرتين هو أيضا كذلك فإنه ناظر إلى ثبوت الكفارة وعدمه
إذ لا مانع من صدق الجدال على اليمين الصادق وعلى المرة وعدم ترتب الكفارة
إلا على اليمين الكاذب وعلى المرتين.
الأمر التاسع لا فرق في حرمة الجدال بين المحرم والمحرمة وإن ورد في
الرواية أن الجدال قول الرجل لا والله وبلى والله أو وقع السؤال عن المحرم إلا أنهما من
باب المئال لا القيد والخصوصية والآية الكريمة شاملة لكل منها قال تبارك وتعالى فمن
فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.
147

في حكم قتل الهوام وطردها عن الجسد
ويحرم على المحرم قتل هوام الجسد حتى القمل كما في الشرايع
والهوام جمع هامة وفي المسالك لا يطلق إلا على المخوف من ذلك النوع
الظاهر عدم الفرق بين كونه في الثوب أو في الجسد بل في جسد الغير كما
هو المحتمل في عبارة الشرايع ويمكن شمول الحكم لما لم يكن في الثوب
أو الجسد أصلا بل كان على الأرض ولا فرق في القتل بين المباشرة والتسبيب أو
استعمال دواء سمي لافناء الهوام وأما لو استعمل دواء قبل الاحرام حتى يقتل ما
يوجد من بعد ففيه وجهان.
أما استعمال الدواء قبل الاحرام بحيث لا تتكون ولا توجد هامة في ثوبه أو
جسده فالظاهر عدم شمول الروايات له أو انصرافها منه. ثم المشهور في المسألة هو
الحكم بالحرمة كما نقل عن المدارك والذخيرة ونقل عن أبي حمزه والشيخ في
المبسوط الحكم بالكراهة ومنشأ الخلاف الجمع بين النصوص الدالة على الجواز
148

وبين ما تدل على النهي والحرمة فحمل المشهور الطائفة الأولى على صورة الأذى
والضرر كما أن غير المشهور حملوا الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة الطائفة الأولى
فالمهم نقل الأخبار والتأمل فيها
ومنها ما عن أبي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة
وهو محرم قال بئس ما صنع قال: فما فدائها قال: لا فداء لها (1)
فهل قوله بئس ما صنع ظاهر في الحرمة أو الكراهة، لا يبعد دعوى ظهوره
في الأول وإن ورد ما يخالفه فلا بد من الجمع بينهما وعلى كل حال الرواية مطلقة
ولا يختص بصورة الاضطرار والأذى ولعل السؤال إنما وقع عن أمر كلي فرضه
السائل كما في كثير من سؤالات زرارة لا أنه سئل عن أمر وقع في الخارج
ومنها رواية زرارة قال سألت أبا عبد الله هل يحك المحرم رأسه قال يحك
رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2)
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: المحرم يلقي عنه
الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده وإن أراد أن يحول قملة من مكان إلى مكان
فلا يضره (3)
والتعليل بقوله عليه السلام فإنها من جسده يفيد أن كل دابة يتكون من جسد المحرم
لا يجوز طرده والقائه وأما نقله من مكان آخر لا مانع منه سواء كان المكان الثاني
مساويا للمكان الأول أو مرجوحا أو راجحا.
واستفادة حرمة القتل من الرواية لا بد أن يكون بالأولوية وإلا فهي واردة في
الطرح والالقاء.
ومثلها رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يرم المحرم
القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا فإن فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما،

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 5.
149

قلت كم قال كفا واحدا (1)
فإن ثبت الأولوية في المقام صح الاستدلال بها على الحرمة في القتل وإلا
فلا ولا يبعد الالتزام بها فإنه إذا لم يكن الطرد جائزا لكونه أذى للدابة وخلافا
للأمن العام حال الاحرام فالقتل أو لي بذلك كما في قوله ولا تقل لهما أف.
ورواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في محرم قتل قملة
قال لا شئ عليه في القمل ولا ينبغي أن يتعمد قتلها (2)
واستدل القائلون بالكراهة بقوله عليه السلام لا ينبغي أن يتعمد قتلها لظهوره فيها
وأما القائلون بالحرمة يدعون أن الجملة تستعمل في الحرمة أيضا فتحمل عليها
بقرينة روايات تدل على الحرمة.
ويقابلها روايات يظهر منها جواز قتل القملة وطردها منها رواية صفوان بن
يحيى عن مرة مولى خالد قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يلقي القملة فقال:
ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة (3)
ورواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بقتل البرغوث والقملة و
البقة في الحرم (4)
إن كان المورد في رواية صفوان متحدا لما تقدم من الروايات الناهية يمكن
أن يقال إنها تحمل على الكراهة بقرينة هذه الرواية فيجمع بينهما بذلك ولكن يمكن
أن يقال أيضا إن موردها صورة الأذى والضرر كما حملها الشيخ على مورد الأذى
والضرر
وأما رواية زرارة الدالة على جواز قتل القملة في الحرم فدلالتها على جواز
القتل وصحة الاستدلال بها له إما بدعوى الانصراف إلى المحرم أو الاطلاق و

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 6
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الاحرام الحديث 2.
150

الشمول للمحرم والمحل
وأما دعوى الانصراف فهو مشكل إذ من الممكن والمحتمل تكون الرواية
ناظرة إلى أن الروايات الدالة على أن الحرم محل أمن للحيوانات وأنه لا يصح
صيدها وطردها لا يشمل مثل القملة والبراغيث والبقة
وأما الاطلاق فلو ثبت فيقيد بما يدل على عدم جواز قتل القملة للمحرم
خارج الحرم فضلا عن داخله فلا يشمل إلا المحل ويختص به.
والمحصل مما قدمناه إن خبر أبي الجارود ظاهر في حرمة قتل الدابة وكذا
صحيحة زرارة لقوله عليه السلام يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة.
والقدر المتيقن من الدابة هنا القمل ويمكن شمولها للبرغوث والبق وإن كان
المسلم هو الأول
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: ثم اتق قتل
الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة (1)
والظاهر أن الدواب في الرواية يشمل كل ما يكون في الجسد وغيره ودعوى
أن المراد منها ما هو خارج الجسد بقرينة الاستثناء غير صحيحة بعد شمولها للجميع
كما هو الظاهر في صحيحة زرارة أيضا بل يمكن أن يقال إن الاستثناء يؤيد إرادة العموم
من لفظة الدابة بدعوى أن الدابة إن كانت موجبة للأذى الخارج عن التعارف يجوز
قتلها وإلا فلا فيشمل جميع الدواب في الجسد وخارجه (2)
ويدل على عدم جواز القتل أيضا ما ورد في النهي عن طرح القملة كما في
رواية الحسين بن أبي العلاء فإنه يدل على عدم جواز القتل بالمفهوم الموافقة
ولا يقال إن عدم جواز الطرح لعله من جهة ايذاء الغير ونقل الجراثيم كما احتمله

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 81 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - الظاهر أن التأييد أخص من المدعى إذ الكلام في جواز القتل وعدمه مطلقا
فإن كان المراد أن الدابة إذا كانت مثل العقرب في ايجاد الزحمة والأذى الخارج من
المتعارف فلا يشمل القمل والبرغوث أيضا لعدم كونهما من ذلك النوع.
151

بعض فلا يتحد المناط في القتل، فإنه يقال إن حرمة القتل المستفادة من النهي عن
الطرد ليست لأجل اتحاد المناط واحراز وحدة الملاك في الحكم وأولويته في القتل
بل الظاهر والمتبادر إلى الذهن من نفس الأدلة ذلك كما أن المفهوم في الشرط
ظهور اللفظ فيه والأخذ به فإن قول القائل إن جائك زيد فأكرمه ظاهر في عدم
وجوب الاكرام عند عدم المجئ ولا يحتاج إلى احراز الملاك ووحدته
وتعارض الأخبار الدالة على حرمة قتل القمل وهو أم الجسد روايات يظهر
منها جوازه التي يعتمد على بعضها غاية الاعتماد ومنها
رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة
في الحرم (1)
ورواية أخرى لزرارة عن أحدهما عليه السلام قال سألته عن المحرم يقتل البقة
والبرغوث إذا رآه قال: نعم (2)
ورواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في محرم قتل قملة
قال لا شئ عليه في القمل ولا ينبغي أن يتعمد قتلها (3)
الرواية الأولى تدل على جواز القتل للمحرم وغيره ونسبتها مع صحيحة
عمار الدالة على اتقاء قتل الدواب كلها التي تشمل بعمومها القمل وغيره العام و
الخاص من وجه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 2.
152

في حكم ساير الدواب
وقع الخلاف في حكم البرغوث فألحقه بعض بالقملة في عدم جواز قتله
وعدم جواز القائه عن الجسد حال الاحرام وعن القاضي حرمة قتله والبق وما أشبه
ذلك إذا كان في الحرم وجوزه في غيره ونقل عن ابني سعيد وزهرة مثل ذلك
وقوى بعض آخر عدم كون البرغوث من القملة
ولعل مستند القول الأول رواية زرارة المتقدمة قال سألته عن المحرم هل
يحك رأسه أو يغتسل بالماء قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (1)
وأما عدم جواز طرح القاء البرغوث لعله يستفاد من التعليل الوارد في صحيحة
ابن سنان في جواز طرح القراد والحلمة فيقوله إنهما رقيا في غير مرقاهما والبرغوث
في جسد الانسان ليس إلا في مرقاه والتعليل يشعر بأن كل ما يكون جسد الانسان
مأوى له ومرقاه لا يجوز القائه وطرحه
ويمكن أن يقال إن المراد من المرقى محل الذي تتكون فيه الدابة والبرغوث

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الاحرام الحديث 4.
153

لا يتكون في بدن الانسان بل مما ينشأ ويتكون من الحيوان وبدنه فإذا وجد في بدن
الانسان فقد رقى غير مرقاه فيجوز طرحه والقائه ولو سلم أنه يتكون من جسد
الانسان يمكن الاستدلال لجواز القاء البرغوث برواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده (1)
وظاهر الرواية أن البرغوث داخل في المستثنى منه مضافا إلى أن الأصل
الجاري في المقام هي البراءة عن الحرمة والتكليف إذا لم يمكن الحاقه بالقملة
في حكم القراد والحلم
وأما القراد على وزن غراب ما يتعلق بالبعير ونحوه وهو كالقمل للانسان و
الحلم بالتحريك القراد الضخم والواحدة حلمة على التشبيه برأس الثدي
وعن الأصمعي أول ما يكون القراد يكون قمقاما ثم جمنانا ثم قرادا ثم حلما
ويظهر من الأخبار ما ينافي ذلك وعلى كل حال يجوز طرح القراد عن البدن والبعير
أما عن البدن فلما تقدم من أن كل ما يرقى غير مرقاه يجوز طرحه كما في رواية
ابن سنان (2)
وأما الطرح عن البعير ففي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال عليه السلام إن
ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ولا يلقي الحلمة (3)
ويعلم من الرواية أن القراد ليس من البعير ومما يعيش في جسده بخلاف
الحلمة فإنها من جسد البعير فلا يجوز القائها وطرحها وهذا ينافي ما تقدم من المعنى
اللغوي للحلمة ويظهر من بعض الروايات أيضا أن الحلمة في البعير بمنزلة القملة
من جسد الانسان كما في رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن القراد ليس من

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 78 من تروك الاحرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الاحرام الحديث 1.
154

البعير والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها والق القراد (1)
وظاهر الرواية أن الحلمة إذا وجدت في جسد البعير فهي بمنزلة القملة في
جسد الانسان ولا يجوز القائها وطردها من بعيره فهل يستفاد منه عدم جواز القائها
من بعير غيره ولو لم بكن ذلك الغير محرما، أو لا يستفاد وجهان فإن قلنا إن ما يتبادر
إلى الذهن من أحكام الاحرام ويستفاد منها أن يكون كل شئ في الحرم من الشجر
والدواب مأمونا من الأذى والتلف إلا ما كان مؤذيا ومتعديا عن مرقاه فلا يجوز
القاء الحلمة من جسد كل حيوان سواء كان مركبا للمحرم أو غيره.
ويعارض ما تقدم خبر أبي عبد الرحمن سئل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يعالج
دبر الجمل قال، فقال عليه السلام: يلقي عنه الدواب ولا يدميه (2)
وظاهره جواز القاء كل دابة من البعير وهو معارض لما تدل على المنع إلا
أن يحمل على الضرورة كما هو المتبادر وإن كان من الممكن أن يقال إن معالجة
الحيوانات واصلاحها أمر متعارف عادي لا يبلغ كثيرا ما إلى حد الاضطرار والاضرار
وأما الصئبان وهو ما يطلق عليه بالفارسية رشك فهو من الجسد وإن لم
يكن دابة فلا يجوز القائه لشمول التعليل له في قوله فإنه من جسده وإن كان
بيض القمل.
وأما القتل فالرواية كلها في مورد القمل واستفادة العموم مشكل كما عن
صاحب الحدائق واستشكل صاحب الجواهر قدس سره بأن نصوص الحرمة موافقة
للعامة بخلاف نصوص الجواز وفيه أن صرف الموافقة للعامة لا يوجب الصدور
تقيه مضافا إلى عمل الأصحاب في الجملة على الروايات وعلى كل حال الحكم
بجواز قتل البرغوث والقائه غير مشكل
وأما البق والجراد والزنبور وما يتولد من الحيوانات فلا اشكال في جواز
قتلها والقائها واجراء الأصل عند الشك

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الاحرام الحديث 6.
155

في لبس الخاتم
ومن المحرمات حل الاحرام لبس الخاتم للزينة لا للسنة
قال المحقق قدس سره في الشرايع يحرم لبس الخاتم للزينة وعن الارشاد
للزينة لا للسنة وقال لا أعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين وفي الجواهر قطع
به الأكثر على ما كشف اللثام.
لا خلاف ولا كلام في أصل الحكم وإنما هو في تشخيص اللبس للزينة وما
هو للسنة والمعروف أن الفارق هو النية فإن لبس الخاتم قاصدا للزينة فهو غير جائز
وإن نوى السنة به فلا اشكال فيه.
قد يشكل بأن السنة قد تكون هي الزينة كما في قوله تعالى خذوا زينتكم
عند كل مسجد (1)
ومع قطع النظر عن الآية الكريمة لبس الخاتم عند العرف إنما هو للزينة
إذ ليس هو أمرا عباديا في حد نفسه بل زينة بطبعه كغيره مما يسر الناظرين إذا نظر

1 - سورة الأعراف آية 31.
156

إليه ويرى المتلبس به متزينا إلا أن الشرع نهى عن لبس الخاتم من الذهب الذي
هو أبرز مصاديق الزينة وترك غيره على حاله
ولكن يمكن أن يقال إن لبس الخاتم الذي يعد زينة عند العرف. قد يكون
لارائة الغير واظهار الزينة للناس وقد يكون لا لذلك كمن يلبس الخاتم في حال
الصلاة وبالليل للتهجد مترقبا للثواب والأجر به من دون أن يراه أحد ولا ناويا له كما
يمكن أن يجعل الأمر المباح عبادة بالنية والقصد فكذلك في لبس الخاتم والنظافة
ولا يبعد حمل كلمات القوم على ما ذكر.
ثم إن الحكم في المسألة وإن ادعي فيه عدم الخلاف فيه وإن مقطوع بين
الأصحاب إلا أن المستند والمعتمد هي الأخبار الواصلة إلينا عن أهل بيت النبي
عليهم السلام فاللازم ذكرها والتأمل فيها ومنها.
رواية مسمع عن أبي عبد الله في حديث قال وسألته أيلبس المحرم الخاتم
قال: لا يلبسه للزينة (1)
ومثلها رواية أخرى وقد تقدم إن لبس الخاتم إنما هو زينة بالطبع الأولى
وبالذات فيشمله ما تدل على حرمة الزينة على المحرم كرواية حريز وحماد.
عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله
إلا الكحل الأسود للزينة (2)
عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد
إن السواد زينة (3)
وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تنظر في المرآة وأنت محرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 4.
157

فإنه من الزينة (1)
ويستفاد من تلك الروايات أن الزينة حرام على المحرم على نحو العموم
والاطلاق ومنها لبس الخاتم إذ لا شبهة في أنه من مصاديق الزينة عند العرف لكن
النصوص الخاصة قيد حرمة لبسه بكونه لارائة الغير واظهار الزينة لا للسنة وتحصيل
الثواب والأجر.
ومنها: رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت على أبي الحسن الرضا عليه السلام
وهو محرم خاتما (2)
ورواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم من
ذهب (3)
والجمع بين الروايتين على جواز لبس الخاتم للمحرم وبين ما
يدل على الحرمة مؤيدا بما أشير إليه من العمومات الدالة على حرمة مطلق الزينة
على المحرم يقتضي أن تحمل الطائفة الأولى على ما لبس لغير الزينة بل للسنة و
عليه يحمل فعل أبي الحسن الرضا عليه السلام وكذا لبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب
إذ يجوز لها لبس الذهب في غير حال الاحرام وأما في حال الاحرام لا بد أن يكون
للسنة لا للزينة عملا بالطائفة الأولى من النصوص لما تقدم من أن لبس الخاتم زينة
دائما وليس مما يمكن أن يكون تارة زينة وأخرى غيرها كما قد يقال في الأسنان
من الذهب من الفرق بين ما إذا كان في الطاحنة وما يكون في الثغر فإذا صنع
ذلك بقصد الزينة يكون حراما دون ما إذا أراد استحكام السن وحفظه من الفساد
على ما قيل وقال هناك بعض بحرمة الزينة مطلقا قصدها أو لم يقصدها والقاعدة في
المقام بعد كون لبس الخاتم زينة مطلقا يقتضي حرمته مطلقا للعمومات الدالة عليه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الاحرام الحديث 5.
158

إلا أن النصوص الخاصة كما أشير إليها قد الحرمة بكونه للزينة لا للسنة.
هنا فرع أشار إليه صاحب الجواهر قدس سره بعد ما اختار إن ملاك الحرمة
في لبس الخاتم القصد وينبغي التعرض له وهو ذا.
لو لبس الخاتم وقصد الزينة والسنة معا فهل يغلب جانب الحرمة أو الحلية
ففي الجواهر يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة وإن قصد معها
غيرها على وجه الضم. بل وعلى وجه الاستقلالية أيضا أما إذا كانا معا العلة فقد
يقال بالجواز للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة والله العالم انتهى.
وحكم المسألة موقوف على كيفية الاستفادة من نصوص الباب فإن استفيد
أن لبس الخاتم للزينة فقط لا لشئ آخر وإن لم يكن الغير علة تامة حرام فلا يشمل
الدليل ما إذا قصد الزينة والسنة معا لعدم تحقق موضوع الحرمة وهو قصد الزينة
لا غير فلا يكون حراما.
وأما لو قلنا المستفاد من روايات الباب إن قصد الزينة موجب للحرمة مطلقا
سواء قصد معها السنة أم لا سواء كان كل واحد منها علة تامة أم جزءا لها فحينئذ يحكم
بحرمة اللبس ويشمله أيضا دليل الجواز ويقع التعارض بين الدليلين إذا قلنا إن
مقتضى دليل الجواز عند قصد السنة هو الاستحباب عن اقتضاء ومصلحة موجبة
للاستحباب بخلاف ما لو قيل إن مورد الجواز عبارة عن اللا اقتضاء وعدم وجود
ما يوجب حكما من الأحكام وفي الصورة الأولى أيضا لا يقع التزاحم بين الحرمة
والندب بل يسقط دليل الندب نعم عند تزاحم الوجوب والحرام يقع التعارض ولا يمكن
الجمع بينهما بناء على عدم اجتماع الأمر والنهي ويقدم الأهم على المهم.
159

في لبس الحلي
والحلي أعم من الخاتم والقرط والسوار والمسك التي تتزين به والأثواب
المصبوغة وكل ما هو مخصوص للزينة ولو لم يكن لباسا إذا كان ظاهرا بخلاف
ما لو كان خفيا كما لو وضع الساعة من الذهب في جيبه دون ما ألقيه على عنقه إذ
لا يصدق عليه التزيين.
والحلي على أقسام ثلاثة منها ما هو المشهور للزينة والظاهر فيها ومنها
ما يعتاد لبسه للنساء ومنها ما ليس مشهورا وظاهرا للزينة ولا معتادا لبسه لهن
وقد تشتت كلمات القوم في حكم المسألة وأطال الأستاذ طال بقاه البحث
فيه أيضا وأنا أشير إلى ما هو المحصل منه والملخص له.
قال المحقق قدس سره في الشرايع ويحرم لبس المرأة الحلي للزينة وما لم
يعتد لبسه منه على الأولى ولا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليه اظهاره
160

لزوجها انتهى واختار بعض الفقهاء التحريم وقال آخر بالكراهة مطلقا.
التحقيق في المقام إن المستفاد من النصوص الواردة في موارد متفرقة إن
الزينة حرام مطلقا على المحرم والمحرمة إلا أنه خرج من تلك العموم بعض
مصاديقها كلبس الخاتم إذا كان للسنة وتشمل الأدلة للمحرمة لاطلاق المحرم المذكور
في الرواية وشموله لها فما لم يثبت خروج فرد من المصاديق من العموم يحكم
بحرمة اللبس.
أما المشهور من الحلي أي الذي هو ظاهر في الزينة في العرف فيدل على حرمته
رواية حريز ومعاوية بن عمار الواردتين في الاكتحال والنظر إلى المرآة والمعلل
بأن السواد زينته وبأن النظر إلى المرآة من الزينة (1)
وأما ما يعتاد لبسه من الحلي فيستدل لجواز لبسه وخروجه عن تحت العموم
بعدة روايات.
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة
يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه و
هو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله
قال: تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها. (2)
والمستفاد من الصحيحة إن كل زينة كانت تتلبس بها المرأة في بيتها عادة
يجوز لها أن تلبسها حال الاحرام ولا يجب عليها أن تنزعها بشرط أن لا تظهرها
للرجال.
ويمكن أن يقال إنها إذا لم يظهرها للرجال لا تعد زينة وإن كانت مصنوعة
لها ومعمولة لأجلها في العرف وتكون تلك الأشياء محمولة ولا بأس بحملها حال
الاحرام بخلاف ما لو أظهرها للرجال أو النساء وقيد الرجال في الرواية واختصاصهم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 و 34 من تروك الاحرام الحديث 4 - 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث 1.
161

بالذكر لغلبسة الدواعي وكثرتها فيهم دون النساء فلا فرق في اظهار الزينة للغير
بين المرأة والمرء كما لا فرق في الرجال بين الأجانب وزوجها وغيره من المحارم
ويمكن أن يستدل لجواز لبس الحلي المعتاد برواية محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله قال: الحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة (1)
والقدر المتيقن من المستثنى منه الحلي المعتاد لبسه الذي لا يعد التلبس به
تزينا وتجملا.
ومثلها رواية نضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن المرأة المحرمة
أي شئ تلبس من الثياب قال تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس
ولا تلبس القفازين ولا حليا تتزين به لزوجها (2)
وأما غير المعتاد من الحلي يمكن أن يستدل لعدم جواز لبسه برواية الجلي عن
أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلي ولا المصبغات إلا صبغا لا يردع (2)
وهذه الرواية تحمل على غير المعتاد لبسه جمعا بينها وبين صحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج المتقدمة الصريحة في جواز لبس المحرمة ما كانت تلبسه في بيتها
نعم لو قلنا إن مفاد الصحيحة أن المعتاد لبسه لا يعد زينة فلا بد من حمل رواية
الحلبي على التزين بعد الاحرام أو اظهارها للغير المنهى عنه في ذيل الصحيحة
وبالجملة المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الباب أمور لا بد من
التوجه إليها في استنباط حكم المسألة والأقسام الثلاثة التي أشير إليها من أقسام الحلي
الأمر الأول أن الأدلة العامة الصادرة عن الأئمة المعصومين عليه السلام إن الزينة
محرمة على المحرم سواء كان بالنظر إلى المرآة أو الاكتحال بالسواد ولعله يتحد
مع الأمر الثاني.
الأمر الثاني أن الحلي المشهور للزينة لا يجوز لبسه كما في رواية محمد بن
مسلم المتقدمة وهي مطلقة سواء قصد التزين به أم لا
الأمر الثالث أن الحلي الذي كانت المرأة المحرمة تلبسه في بيتها يجوز لها

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث 2.
162

لبسه إذا لم تظهره للرجال في مركبها ومسيرها ولعله المراد من رواية حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليتها (1)
الأمر الرابع أن الحرمة لا يجوز لها أن تلبس حليا تتزين به لزوجها
كما في رواية النضر بن سويد والرواية مطلقة تشمل المعتاد لبسه وغيره ولعله يتحد
مع الأمر الثالث لعدم الفرق بين الزوج وغيره في حرمة اظهار الزينة له بل للنساء
وقال صاحب الجواهر قدس سره بعد شرح كلام المحقق ونقل الروايات:
وعلى كل حال يكون الحاصل حرمة احداث الزينة لها حال الاحرام وحرمة
اظهار ما كانت متزينة به قبل الاحرام للرجال في مركبها ومسيرها ثم قال وربما
يرجع إلى ذلك ما في اللمعة قال والتختم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتاده من الحلي
واظهار المعتاد منه للزوج فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم
والله العالم انتهى.
وتقدم كلام المحقق في الشرايع حيث قال ولبس المرأة الحلي للزينة و
ما لم يعتاد لبسه منه على الأولى ولا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليها اظهاره
لزوجها انتهى.
ولفظة الأولى في كلام المحقق راجعة إلى الجملة الثانية والمعنى أن ما لم
يعتاد لبسه من الحلي يحرم عليها على الأولى وإن لم يكن للزينة إذ لا يصح أن
يقال إن لبس الحلي للزينة حرام على الأولى لعدم الشبهة في حرمته وحمل ما ورد
في الرواية من حرمة ما تحدثه المحرمة من الحلي للاحرام على قصد الزينة إذ قل
ما يوجد الداعي لاحداث الحلي لغير الزينة وأما لبس ما لم يعتاد لبسه لغير الزينة
لا تشمله الرواية بالصراحة ولأجل ذا قال المحقق قدس سره الأولى أن يكون هو
حراما لأنه لم يفهم حرمته من الرواية جزما مع احتمال دخوله في عموم ما يستفاد من
قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة، المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث 9.
163

مشهور للزينة
وأما قوله ولا بأس بما كان معتادا لها فهل المراد استثناء المعتاد واخراجه
عن الحلي المحرم قبل ذلك حتى مع قصد الزينة، الظاهر أن إرادة ذلك مشكل
للتصريح أولا بحرمة الحلي للزينة فلا بد من حمل كلامه على ما يعتاد لبسه من غير
قصد الزينة واظهارها للغير ولا أولوية في هذا الفرع كما في ما لم يعتد لبسه
والمعتمد عليه في كلام الجواهر وما اختاره ثلاثة طوائف من الأخبار.
الطائفة الأولى ما تدل على حرمة الزينة ولبس الحلي لها والمشهور للزينة
مطلقا معتادا كان لبسه أم لا سواء كان مقصد الزينة أم لا.
والطائفة الثانية تدل على جواز لبس ما كانت المحرمة تلبسها في بيتها
مطلقا سواء كان للزينة أم لا بشرط أن لا تظهره لغيرها.
والطائفة الثالثة ندل على حرمة ما أحدثته المحرمة من الحلي وهذه الطائفة
مطلقة تشمل ما كان بقصد الزينة وما كان لغيرها.
والنسبة بين الطائفة الأولى والثانية عام وخاص من وجه ومادة الاتفاق ما
لبست المحرمة الحلي المعتاد لبسه في بيتها بقصد الزينة فهي يحكم بالحرمة عملا
بالعموم الدال عليها وتقديما للطائفة الأولى وترجيحا لها على الطائفة الثانية أو
يحكم بالجواز عملا بالطائفة الثانية التي تدل على جواز لبس المعتاد من الحلي.
يمكن أن يقال إن اطلاق الطائفة الأولى يقيد بما ورد في جواز لبس المعتاد
فالمشهور للزينة إنما يحرم إذا كان غير معتاد لا معتادا كما يمكن أن يقال إن اطلاق
الطائفة الثانية يقيد بما ذكر في الطائفة الأولى من قوله عليه السلام إلا حليا مشهورا للزينة
أو يقال يتعارض الدليلان فيسقطان فيرجع إلى الأصل الجاري في المورد
وأما ترجيح إحدى الطائفتين من جهة السند والشهرة فلا مجال له لتحقيق الشهرة
في كلتيهما وعلى كل حال كل محتمل.
وأما غير المعتاد لبسه فقد نقل صاحب الجواهر القول بالكراهة فيه من محكى
164

الاقتصاد والاستبصار والتهذيب والجمل والعقود والجامع ثم قال: ولعل الكراهة
مع فرض عدم قصد الزينة للأصل واطلاق ما دل على جواز لبسها الحلي وخصوص
خبر مصدق بن صدقة عن عمار عن أبي عبد الله قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم
من ذهب. (1)
وقال في آخر كلامه ولعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا وإن
لم تقصده لما سمعته من مفهوم تعليل الكحل والمرآة ولا ينافيه قوله عليه السلام تتزين
به لزوجها بناء على ظهوره في القصد، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد المصاديق
ولا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة وحينئذ يكون المحرم عليه كلما قصدت
به الزينة حال الاحرام ولو المعتاد وكلما كان زينة في نفسه وإن لم تقصده انتهى
كلامه رفع مقامه.
ولكن الانصاف إن لبس غير المعتاد إذا لم يقصد به الزينة يدل على جوازه
مفهوم قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم إلا حليا مشهورا للزينة وأما إذا كان بنفسه
زينة يقع التعارض بين ما يدل على حرمة مطلق الزينة وبين ما يدل على جواز
لبس غير المعتاد فإن لم يكن في البين ترجيح سندي أو شهرة فتوائية لأحد المتعارضين
أو ظهور قوي له. يتساقطان ويكون المرجع الأصل هذا غاية ما تحرينا في تنقيح
حكم المسألة وقد عرفت كلام صاحب الجواهر من أن المسألة في غاية التشويش
ولم يكن بحث الأستاذ مد ظله خاليا عنه أيضا وقد بذلت الجهد في المسألة وترتيبها
والإشارة إلى ما هو المؤثر في تقليل التشويش ولكني أرجو الله تبارك وتعالى أن
لا أكون مخالفا للفقهاء الصلحاء من السلف في المواضع أيضا.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الاحرام الحديث 5.
165

في استعمال الدهن الذي فيه طيب
ومما يحرم على المحرم بعد الاحرام استعمال دهن فيه طيب وقال المحقق
في الشرائع: واستعمال دهن فيه طيب محرم بعد الاحرام.
وشرح صاحب الجواهر عبارة الشرائع وجعل قول الماتن: محرم، خبرا
للاستعمال فالمعنى الدهن الذي فيه طيب، يحرم استعماله بعد الاحرام، واحتمل
بعض إن كلمة محرم صفة للطيب، يعني الطيب المحرم إذا كان في دهن يحرم
استعمال ذاك الدهن بعد الاحرام على المحرم.
وعلى كل حال الاستعمال في المقام كما احتمله صاحب الجواهر هو
الادهان، لا الأكل والاسراج، ولا الاستعمال في اللباس أو حمله لكي تفوح رائحته،
ولا شمه، فعلى هذا يكون الشم داخلا تحت عموم حرمة الطيب التي أشير إليها في
المسائل المتقدمة، وليس داخلا في مصاديق ما نحن فيه، وهو الادهان، ويمكن
أن يكون الادهان خارجا من مفهوم الاستعمال والأول أولى ويحتمل أن يكون
الاستعمال والدهن كلاهما موضوعا للحكم ولكن المنصرف من الاستعمال والمتبادر
166

منه هنا هو الادهان فقط كما في بعض الروايات كما يأتي
وعلى كل استعمال الدهن إذا كان فيه طيب حرام على المحرم ولا يجوز
الادهان به وادعى الاجماع عليه وأنه قول عامة أهل العلم وتدل عليه الروايات منها
ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك
ولا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم وادهن بما شئت من الدهن
حين تريد أن تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (1)
وما ورد في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله أنه كان يكره للمحرم الأدهان
الطيبة الريح، محمول على الحرمة بعد النهي الصريح (2)
وأما الادهان قبل الاحرام بما فيه طيب إذا بقي أثره إلى الاحرام فهو أيضا
حرام وتدل عليه الصحيحة المتقدمة للحلبي وعن المدارك نسبته إلى الأكثر فإن
الطيب كما يحرم على المحرم ابتداء، يحرم عليه استدامته، بل يجب إزالته.
وتدل عليه أيضا خبر علي بن أبي حمزة قال سألته عن الرجل يدهن بدهن
فيه طيب وهو يريد أن يحرم فقال لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر
يبقى ريحه في رأسك (3)
وهذا لا كلام فيه وإنما هو في أن الادهان الذي يحرم قبل الاحرام كيف
يتحقق وبأي نحو يتصور.
قال سيد المدارك: لا يخفى أن حرمة الادهان بما فيه طيب قبل الاحرام،
إنما يتحقق إذا وجب الاحرام وضاق الوقت، وإلا لا يكون الادهان حراما وإن بقي
أثره إلى حين الاحرام، نعم يحرم عليه انشاء الاحرام قبل زوال الأثر، بل يجب
عليه إزالة الأثر أو يصبر حتى يزول بنفسه وأما الادهان لم يكن محرما، بخلاف

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 1.
167

ما إذا ضاق وقت الاحرام ووجب عليه فحينئذ يحرم عليه الادهان بالطيب الذي يبقى
أثره وتبعه صاحب الجواهر وقال كما هو واضح.
فهل المقصود من حرمة الادهان قبل الاحرام إذا بقي ريحه، إن الادهان
بما يبقى أثره إلى حال الاحرام، حرام تكليفا، وتعلق النهي به مستقلا، فهذا لا فرق
فيه بين أن يكون الاحرام واجبا مضيقا وقته أم لا، فإنه بعد الادهان إما يصبر حتى
يزول الأثر، أو يزيله، فلو ادهن فعل حراما وإن كانت الحكمة فيه بقاء الأثر ولو
أزاله يكون بمنزلة التوبة فعلى هذا الادهان حرام مستقلا وإزالة الأثر الباقي
واجب عليه.
وأما لو كان المقصود إن الادهان قبل الاحرام بما يبقى ريحه ليس حراما
مستقلا نفسيا ذاتيا، بل إنما تعلق النهي به بلحاظ النظر إلى حرام آخر، واستلزامه
له، وهو حرمة إدامة الطيب حال الاحرام، لو بقي الريح، كما تدل عليه الرواية
بقوله عليه السلام: من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم (1)
فعلى هذا ليس الادهان بما هو حراما، بل بقاء الأثر بعد الاحرام حرام و
منهي عنه فلو لم يتمكن بعد الادهان من إزالة الأثر لضيق الوقت أو غيره، يكون
الادهان مستلزما للحرام، لا حراما بنفسه، ومتعلقا للنهي مستقلا.
وما يقال إن في سعة الوقت لا يكون الادهان حراما، ولكنه يحرم انشاء الاحرام
قبل زوال الأثر، فهو أيضا غير سديد، فإنه إن كان المراد من حرمة الاحرام الحرمة
التكليفية، فاللازم بطلان الاحرام، وعدم صحته، لكونه أمرا عباديا لا يتحقق مع
النهي، ولم أر من صرح بذلك، على ما لاحظت الجواهر والمدارك وغيرها.
وإن كان المقصود إن الاحرام حال بقاء أثر الطيب حرام من جهة الابتلاء
باستدامة الطيب وكونه علة لذلك، فيكون أيضا حراما وباطلا لكونه منهيا عنه
ولا يصح التقرب به، فإن قصد التشريع بالاحرام يقع باطلا وفاسدا للتشريع

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 1.
168

المحرم، وإن لم يقصد التشريع فهو لغو وباطل.
و بالجملة القول بحرمة الاحرام تكليفا وصحته وضعا، يوجب تخصيص قاعدة
إن النهي في العبادات يوجب للبطلان.
فلا بد من توجيه الكلمات بأن يقال إن الادهان كما أنه حرام وغير موجب
للبطلان وفساد الاحرام، لكونه تكليفا مستقلا منهيا عنه، و الاحرام واجبا مستقلا
وتكليفا آخر ولا يؤثر الادهان بالتطيب فيه، فكذلك ابقاء أثر الطيب في البدن و
استدامته حال الاحرام، لا يؤثر في بطلان عمل آخر واجب مستقل، فإن استدامة
أثر الطيب الذي تعلق به النهي عمل مستقل معنون بعنوان، وانشاء الاحرام واجب
مستقل تعلق به الأمر، ولا يوجب حرمة فعل بطلان عمل آخر واجب مستقل، كما لو
أحرم للصلاة وعمل حراما، وارتكب منهيا غير متحد مع الصلاة، بأن نظر إلى
الأجنبية، لوضوح أن النظر إلى الأجنبية حال تكبيرة الاحرام لا يوجب فساده فكذلك
في المقام.
اشكال أخر
بقي في المقام اشكال، وهو أنه كيف يتمشى النية للاحرام ممن يعلم أنه
يرتكب تروك الاحرام أو واحدة منها فمن أحرم بعد الادهان بما فيه طيب والأثر
باق كيف يمكن أن ينوى ترك محرمات الاحرام كما قاله في المدارك وتعرضنا له
في من أراد الاحرام في القميص والمخيط، وقلنا: كيف يتصور القصد لترك
المحرمات مع لبس القميص عند انشاء الاحرام الذي ليس هو إلا القصد والعزم
على تركها.
وقد أجبنا عن الاشكال في ذلك المقام، بأن الاحرام عبارة عن إنشاء الالتزام
بترك المحرمات، مثل انشاء البيع والنكاح الذي يمكن ايجادهما اعتبارا مع القصد
والعزم على غصب المبيع وعدم العمل في الخارج بالمنشأ والمحرم الذي يعلم أنه
يرتكب بعضا من المحرمات، لا مانع من إنشائه الاحرام أي الالتزام بالترك اعتبارا
169

مع ارتكابه لبعض التروك، إذ هو أمر اعتباري انشائي.
وما قاله صاحب المدارك وتبعه في الجواهر، لم يقبل منهما (1)
ولا يمكن حمل الروايات الواردة في تلك المسألة على عدم تحقق الاحرام أيضا
فتحصل من جميع ما ذكر أن الادهان بما فيه طيب حرام بعد الاحرام وكذا قبله
لو بقي ريحه إلى حال الاحرام.
وأما الادهان قبل الاحرام بما ليس فيه طيب لا اشكال فيه قبل الغسل وبعده،
وكذا لو زال أثر الطيب قبل الاحرام لو ادهن بما فيه طيب
وقد يقال إن الادهان بما ليس فيه طيب نظير الادهان بالمتطيب في حصول
البشاشة والطلاقة والتلؤلؤ بعد الاحرام إذا بقي عليه والحال إن الله تبارك يحب
الحاج أن يكون أغبر وأشعث
وفيه أنه اجتهاد في مقابل النص وواضح الضعف كما اعترف به صاحب
الجواهر بل عن التذكرة الاجماع عليه مضافا إلى تصريح الأخبار بعدم البأس به
وكذلك الادهان بالمتطيب لو زال أثره وريحه قبل الاحرام ولو بقي تلؤلؤه و
البشاشة فيه.

1 - بعد ما راجعت المدارك والجواهر لم أجد كلامهما مخالفا لما أفاده الأستاذ مد ظله
بل ما اختاره المدارك وقواه صاحب الجواهر موافق له وهذا نصهما قال صاحب المدارك
في مسألة من أحرم في قميصه: لو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب أنه
لا يبطل احرامه وإن أثم وهو حسن
وفي الجواهر بعد نقل كلامه: ونحوه عن الكركي وثاني الشهيدين ولعله الأقوى
وفاقا لمن عرفت بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا ما سمعته من الإسكافي ولا ريب في
ضعفه انتهى
وهذا كما ترى موافق لما اختاره الأستاذ مد ظله ولم أجد في مسألة النية أيضا
ما يخالفه ولم أدر من أين نقل عن المدارك.
170

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تدهن حين تريد أن تحرم
بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم وادهن
بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى
تحل. (1)
عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله عن الرجل المحرم يدهن
بعد الغسل قال نعم فادهنا عنده بسليخة بان وذكر أن أباه كان يدهن بعد ما يغتسل
للاحرام وأنه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر (2)
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم
يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل للاحرام (3)
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة وتدهن
وتغتسل بعد هذا كله للاحرام. (4)
عن محمد بن مسلم قال أبو عبد الله لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل
للاحرام وبعده وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى (5)
وأما الادهان بعد الاحرام بما لا طيب فيه فهو حرام لا يجوز للمحرم أن يدهن
به ونقل عن ظاهر بعض الاجماع عليه وتدل بعض النصوص المتقدمة المفصلة
بين ما فيه طيب وغيره.
ففي صحيحة الحلبي فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (6)
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تمس شيئا من الطيب ولا من

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 1 - 2
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 1 - 2
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 3
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 1.
171

الدهن في احرامك (1)
وفي رواية أخرى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تمس شيئا
من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن (2)
وذهب جمع من العلماء إلى أن الادهان بعد الاحرام بما لا طيب فيه ليس
بحرام، بل هو مكروه ومستند هؤلاء ظواهر أخبار يمكن حملها على صورة
الاضطرار منها.
رواية ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال له ابن أبي يعفور ما تقول في
دهنه بعد الغسل للاحرام فقال قبل وبعد ومع ليس به بأس قال ثم دعا بقارورة بان
سليخة ليس فيها شئ فأمرنا فأدهنا منها. (3)
عن الحلبي أنه سأل عن دهن الحناء والبنفسج أندهن به إذا أردنا أن نحرم
فقال نعم (4)
وقد حمل القائلون بالحرمة، تلك الأخبار على الضرورة والحاجة إلى الادهان
كما أن جمعا من العلماء أخذوا بظواهرها وأفتوا بالجواز مع الكراهة هذا تمام الكلام
في الادهان بعد الاحرام اختيارا وأما الاضطرار فسيأتي.
(في جواز الادهان عند الضرورة)
لو اضطر المحرم إلى الادهان بما فيه طيب يجوز له ذلك للضرورة مع
الكفارة وادعى الاجماع عليه وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار في محرم كانت
به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين وإن كان

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 6
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الاحرام الحديث 7.
172

تعمد فعليه دم شاة يهريقه (1)
عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو
الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت (2)
عن محمد بن مسلم عن أحدهما سألته عن محرم تشققت يداه قال: فقال يدهنها
بزيت أو بسمن أو اهالة (3)
وظاهر الروايتين صورة الاضطرار والحاجة إلى التداوي بدهن فيه طيب.
ورواية سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال
اجعل عليه بنفسج وأشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة (4)
في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفري عن صاحب الزمان عليه السلام
أنه كتب إليه يسأله عن المحرم هل يجوز له أن يصير إلى إبطيه المرتك أو التوتيا
لريح العرق أم لا يجوز فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وبالله التوفيق (5)
وبمعونة هذه الأخبار الواردة في صورة الاضطرار يحمل ما دل على جواز الادهان
للمحرم مطلقا على الاضطرار ولا يصح الأخذ باطلاقها بل تتقيد بصورة الاضطرار و
الحاجة، أو يحمل على الادهان قبل الغسل أو بعد الغسل للاحرام كما أن كلمة
يكره تحمل على الحرمة في قوله عليه السلام وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى، أو يكره
للمحرم الأدهان الطيبة. (6) بعد ورود النهي عن الادهان بما يبقى أثره إلى الاحرام،
وبعد دلالة الروايات على حرمة الادهان بعد الاحرام مطلقا.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من بقية كفارات احرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الاحرام الحديث 2
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 - الباب 31 من تروك الحرام الحديث 3
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الاحرام الحديث 4
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الاحرام الحديث 4.
173

في حكم إزالة الشعر
ومما يحرم على المحرم إزالة الشعر وقال في الشرايع قليله وكثيره ومع
الضرورة لا أثم إنتهى ولكنه لم يصرح بالرأس وغيره فيمكن أن يكون إزالة الشعر
عن جميع البدن كما يحتمل أن يكون من بدن المحرم ومن بدن الغير، سواء كان
ذلك الغير محرما أو محلا كما يشمل القليل والكثير وصرح في الجواهر ولو بشعرة
ونصفه.
إزالة الشعر كما هو المتبادر الظاهر، عبارة عن إزالة الشعر عن الأصل وأما
قطعه من النصف وتنصيفه بالتقصير فيبعد استفادته من لفظة الإزالة وأن يكون المراد
من عبارة الشرايع ذلك، بل هو فتوى صاحب الجواهر واجتهاده نعم لو وجد
في الأخبار ما يشمل القطع يشمل قطع النصف كما لو قطع نصف الشجرة يقال
قطعها وكذلك لو قطعها من الأصل
ثم إن الإزالة لا فرق بين أنحائها من النتف والقطع بالدواء والحلق والاحراق
174

والقص وغيرها.
وتدل على الحرمة الآيات والروايات مضافا إلى ما ادعاه في الجواهر من
عدم الخلاف فيه بل الاجماع عليه بقسميه فإن أمكن تحصيل الاجماع لأحد، فيها،
وإلا ففي الآية والرواية كفاية وغنى.
أما الآية قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا آمنتم فمن
تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي الآية (1)
وهي تدل على حرمة حلق الرأس إلى أن يبلغ الهدي محله ثم يجب الحلق
على الحاج في ذاك المحل وهو منى.
ويستفاد من قوله تعالى فمن كان منكم مريضا إن حلق الشعر لا يجوز إلا
للمضطر إليه ومن لا يتمكن من الصبر إلى أن يبلغ الهدي محله فيحلق ويفدي
وإلا يجب عليه الصبر، ولا يختص وجوب الحلق بالمحصور، فإن رسول الله مع عدم
كونه محصورا لم يقصر، بل حلق لأنه كان ساق الهدي، فالحكم المستفاد من الآية عام
شامل للمحصور وغير المحصور وأما إزالة الشعر من البدن، أو بدن غيره، بحلق
كان أو بغيره، وكذا إزالة المحرم الشعر من بدن غيره سواء كان محلا ذلك الغير
أو محرما، فلا بد من بيان الأخبار الواردة في تفسير الآية في حكم جميع ذلك.
منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم، قال:
لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم (2)
كان المعمول بينهم أن يحلقوا مكان المحاجم إذا كثر الشعر ومع ضرورة
الحجامة وجوازها لم يجوز الإمام عليه السلام إزالة الشعر عن مكانها.
عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن يخاف

1 - البقرة الآية 196
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 1.
175

التلف ولا يستطيع الصلاة وقال: إذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق
الشعر. (1)
والمراد من حلق الشعر في الرواية إزالة الشعر عن مكان المحاجم كما في
الرواية السابقة لكنه لا خصوصية له بل هو لإزالة الشعر وحلقه مطلقا.
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو
يقطع الشعر (2)
في صحيح معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم يحك رأسه
فتسقط منه القملة والثتثان، قال: لا شئ عليه ولا يعود، قلت: كيف يحك رأسه،
قال: بأظافيره ما لم يدم ولا يقطع الشعر (3)
فهل يمكن الاستفادة من لفظة يقطع الشعر قطع النصف منه أم لا لأجل أن
الحك بالأظافير إنما يقطع من الأصل لا من النصف، ولكن القطع في حده يشمله،
ويمكن أن يتجه كلام الجواهر بما ذكر إذ المقصود أن لا يزاحم المحرم الشعر
ويقطعه ويزيله ولولا ذلك لما يستفاد من تعبير الفقهاء بإزالة الشعر حرمة قطعه نصفا
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق
الشعر ويحك الجسد ما لم يدمه (4)
والقاء الشعر المذكور في الرواية شامل لقطع الشعر نصفا وإزالته من الأصل
ورواية علي بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه
ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه ومن فعله متعمدا فعليه دم (5)
والظاهر من ترتب الكفارة على شئ، حرمته، وأنه منهي عنه وفي خبر آخر

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من كفارات الاحرام الحديث 2
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الاحرام الحديث 2
5 - وسائل الشيعة الجزء 10 من كفارات الاحرام الحديث 1.
176

من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه (1)
والمفهوم من الرواية إن من فعل ذلك لا عن سهو ونسيان فعليه شئ.
عن زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه
ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة (2)
حريز عن أبي عبد الله (خ ل) جعفر عليه السلام قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام
فعليه دم (3)
ورواية عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله في محرم نتف إبطه قال يطعم ثلاثة
مساكين (4)
والمذكور في تلك الروايات إزالة الشعر عن الرأس والإبط ومحل الحجامة
ولا يبعد التعدي منها إلى كل مورد من البدن والحكم بحرمة إزالة الشعر عنه كما
يستفاد من روايات أخرى، منها
رواية منصور عن أبي عبد الله في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال
يطعم كفا من طعام أو كفين (5)
معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة
والثنتان قال يطعم شيئا (6)
عن الحسن بن هارون قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أولع بلحيتي وأنا محرم
فتسقط الشعرات قال إذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به فإن تمرة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الاحرام الحديث 1
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الاحرام الحديث 2
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 1
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 2.
177

خير من شعرة. (1)
عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله: إذا وضع أحدكم يده على رأسه
أو لحيته وهو محرم فسقط شئ من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من
سويق. (2)
هذا حكم إزالة الشعر وقطعه من الرأس والإبط وساير البدن وأما سقوط
الشعر من دون نتف عمد فلا اشكال فيه كما في عدة روايات منها.
ما رواه المفضل بن عمر قال دخل الساجبي على أبي عبد الله فقال ما تقول في
محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال أبو عبد الله لو مسست لحيتي فسقط منها
عشر شعرات ما كان على شئ. (3)
عن الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد
اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشئ ما جعل عليكم
في الدين من حرج. (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 7
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الاحرام الحديث 6.
178

في حكم إزالة الشعر عند الضرورة
قد تقدم إن إزالة الشعر وقطعه حرام على المحرم اختيارا وأما عند الضرورة
والحاجة فلا اشكال فيه ولا أثم عليه كما في الشرائع، وفسر صاحب الجواهر
الضرورة بقوله من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك مدعيا عدم
وجدان الخلاف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل وعموم أدلتها
وإلى نفي العسر والحرج والضرر والضرار والآية وصحيح حريز انتهى والضرورة
شاملة للمريض وغيره ممن يحتاج إلى إزالة شعره لدفع الضرورة من الأذى وغيره
كما في الآية الكريمة.
أما الآية فقوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك الآية. (1)
والمراد من المريض في الآية الكريمة، من يتضرر بعدم حلق الرأس، وإلا
لو كان مريضا ولكن لا يتضرر من وجود الشعر وعدمه على رأسه أصلا، لا تشمله

1 - البقرة الآية - 196.
179

الآية ولا الأدلة الأخرى كما يشهد لذلك مناسبة الحكم للموضوع لوضوح أن
المريض المحرم الذي يجوز له إزالة الشعر عن رأسه وحلقه، هو الذي يرتبط
مرضه بوجود الشعر أو يتوقف علاجه بإزالته بحيث إن للشعر وعدمه دخالة وتأثيرا
في برئه وعدمه كما لو قيل، يجوز للمريض أن يفطر، إذ يعلم منه أن المرض الذي
يضر بالصائم وأن الامساك الذي بوجوب ذلك مجوز للافطار وإلا لو كان المرض
بحيث لا يضر الصائم أصلا أو كان علاجه بالامساك عن الطعام والشراب ومفيدا فيه،
لا يجوز له الافطار، وفي المقام أيضا كذلك، فالمرض الذي يقتضي كشف الرأس
وإزالة الشعر أو قطعه يجوز إزالته للمحرم عن رأسه أو ساير بدنه إذا تضرر به، وإلا فلا
وأما الأذى في الرأس يمكن أن يكون من جهة المرض فحكمه ما تقدم أو
غيره كما في قضية الأنصاري فيجوز إزالة الشعر لدفع القمل والأذى نعم لو تولد القمل
من البدن كما في بعض الأمراض فهو داخل في المرض وكذا البراغيث والحاصل
أن الأذى في مقابل المرض والجامع بينهما هو الموجب لجواز إزالة الشعر عن
الرأس أو جميع البدن وتدل عليه الآية المتقدمة والروايات والأصل والاجماع و
ادعى عدم الخلاف فيه
أما الآية قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك البقرة الآية 196.
وأما الرواية فمنها ما رواه حريز عن أبي عبد الله قال مر رسول الله على كعب
بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم، فقال أيؤذيك هوامك
فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
الآية.
فأمره رسول الله بحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام والصدقة على سنين
مساكين لكل مسكين مدان والنسك شاة (1)
وفي رواية أخرى مر النبي صلى الله عليه وآله على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الاحرام الحديث 1.
180

وقد أكل القمل رأسه وحاجبه وعينيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كنت أرى أن الأمر يبلغ
ما أرى فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه لقول الله عز وجل فمن كان منكم مريضا
الآية (1)
وأما الاجماع فقد ادعي بقسميه، وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه، و
عن المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع
الأذى جاز له الحلق اجماعا
وأما الأصل فتوضيحه أنه يمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من أدلة حرمة
إزالة الشعر على المحرم هو المختار وغير المتأذي من الشعر، وأما المضطر لو
شككنا فيه فيجري الأصل فيه ويحكم بعدم الحرمة مضافا إلى عموم أدلة الاضطرار
ورفع ما اضطروا إليه وعموم رفع العسر والحرج.
ويمكن أن يقال في الفرق بين المرض والعسر والحرج إن الحرج إنما
يرفع الحكم إذا كان التكليف وتحمله حرجا ذا مشقة، بخلاف المرض إذ قد
يوجد مورد يقتضي المرض رفع الحكم ويشمله دليله ولكنه قابل للتحمل ولا يكون
حرجيا ولا يشمله دليل العسر والحرج، فالتمسك بدليل الحرج إنما يتبع المشقة
والحرج، بخلاف المرض فإنه تابع للضرر وعدمه وإن لم يكن حرجيا.
ثم إنه هل يقتصر في الحكم بجواز إزالة الشعر عن الرأس وثبوت الفدية،
بما ذكر في الآية من المرض والأذى في الرأس بكثرة القمل أو يتعدى إلى كل
مرض وأذية واضطرار وحاجة، أما جواز إزالة الشعر بالمرض والأذى لا يختص
بالرأس بل يشمل جميع موارد الضرورة والحاجة ولا يختص بمورد الآية
وأما الفدية فنقتصر في اثباتها بما ذكر في الآية من المرض والأذى وقيل
لا تنحصر الفدية أيضا بما ذكر بل هي ثابتة في كل مورد مثله فعلى كل حال إن
اقتصرنا في الفدية وثبوتها على مورد الآية تحكم بها فيه كما هو مختار صاحب

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الاحرام الحديث 4.
181

المدارك، ولا يثبت في غيره.
وقد فصل بعض بين ثبوت الفدية في مورد الآية وعدم ثبوتها في غيره كما
عن المنتهى والتذكرة والدروس وكشف اللثام بنحو آخر حيث قالوا: إن كان
الأذى في الرأس مستندا إلى كثرة الشعر أو وجوده لا فدية وإن كان بأمر خارج
لا يزول إلا بإزالة الشعر تجب الفدية كما لو نبتت شعرة في العين أو سقط شعر من
الحاجب على العين كما لو كان الأذى من جهة القمل الذي لا يندفع إلا بحلق الشعر
وإزالته فيجوز له الحلق وتجب الدية وشبهوا ذلك ونظروه بالصيد في أنه تارة
يصول ويحمل على المحرم ويريد الاضرار به وهلاكه، فيدفع عن نفسه ويهلكه
ويقتله وحينئذ لا يجب الفدية، وأخرى يقتله لدفع اضطرار آخر، وضرورة أخرى
كما لو اضطر إلى أكل صيد لحفظ نفسه وسد جوعه لا لدفع الضرر الناشئ من
الصيد فيقتله ويأكله ولكن تجب الفدية عليه، إذا الصيد لم يكن مزاحما له بنفسه و
ومعاندا ومضرا به، بل ما كان يؤذيه ويضره هو الجوع الذي لا يمكن دفعه إلا بقتل
الصيد وأكل لحمه.
لكن كلامهم قدس الله أسرارهم لا يصح دليلا لما ذكر إن لم يوجد في
المقام دليل آخر، ولا يقاس المقام بالصيد ولا تعليل في البين حتى يسري الحكم
إلى غيره، فلا بد من ملاحظة دليل نفس الحكم فإن قلنا إن الظاهر من الآية والرواية
حصر الأذى بالرأس من جهة الصداع وكثرة الشعر فيها وإلا فلا يختص الحكم بما
ذكر في الآية.
والحاصل أنه تارة يستفاد من الآية إن الحكم يختص بالرأس ولا يشمل العين
وغيره من ساير البدن كما عليه السيد في المدارك وأخرى يقال إنه لا يختص بالرأس
بل يشمل العين وساير البدن إذا تأذى من وجود الشعر وكثرته فعلى هذا ما الوجه
في التفصيل في ثبوت الفدية بأن كان من جهة الشعر فقط فلا فدية كما
لو نبت في عينه شعر، وإن كان الأذى من غير الشعر ولكن لا يتمكن من إزالة الأذى
182

إلا بحلق الشعر وجبت الفدية، فهل استفيد ذاك التفصيل من الآية أو من غيرها
الظاهر أنه ليس في الآية ما يدل على التفصيل، وما يوجبه، ولا نفهم ذلك منها.
اللهم إلا أن يوجه كلامهم في التفصيل بما يأتي.
بأن يقال إن الموضوع والمورد في جعل الحكم الشرعي ووضعه فيه قد
يكون بحيث يقتضي أن يتعلق به حكم تحريمي أو وجوبي بمعنى أن الموضوع
يقتضي ذلك ويوجبه ولكن مانعا يمنع عنه ويزاحمه فحينئذ يرفع اليد عن فعلية
الحكم ويتدارك بالفدية أو بغيرها كما لو زاحم ومنع الضر الخارجي العارض،
الحكم المجعول للشعر النابت في الرأس، فعند ذا يرفع اليد عن حرمة إزالة الشعر
ويحكم بجواز الحلق ويتدارك المصلحة الفائتة أو المنقصة الحاصلة بالفدية والكفارة
كما لو كانت الصلاة في وقت معين ذا مصلحة موجبة لوجوبها ولكن الموانع من
الاغماء وغيره صدت عن الاتيان بها فيرفع اليد عن الوجوب في الوقت ويتدارك
بالقضاء خارجه.
وقد يكون المورد غير صالح لوضع الحكم وجعله فيه حتى يرتفع بالضرر
وغيره ويتدارك بالفدية والكفارة كالشعر النابت في العين المانع عن الابصار إذ
لا يصلح وضع الحكم وجعل الحرمة على إزالته حتى يقال يجوز للمحرم إزالته
ويجب عليه الفدية والكفارة عند الأذى والضرر كالصلاة التي لا مصلحة في جعل
الوجوب فيها حتى يرتفع الالزام عند الضرر ويتدارك ما فات من المصلحة بالقضاء
بعده كما في صلاة الحائض إذ ليس فيها مصلحة كساير الصلاة حتى يجب القضاء
بعد الطهر وحصول النقاء.
وعلى أي حال إن صلح هذا التوجيه فبها، وإلا فما ذكره بعض من
اطلاق دليل الكفارة وجيه، وإن كان كلامه أيضا لا يخلو من اشكال لتخصيصه
الحكم والكفارة بالرأس وصورة المرض، لعمومية الحكم لجميع البدن وشموله
له، هذا تمام الكلام في حكم الاضطرار إلى إزالة الشعر من الرأس أو ساير البدن
وأما إزالة الشعر عن بدن الغير فسيأتي حكمه.
183

في حكم إزالة الشعر عن بدن الغير
هل يجوز للمحرم أن يزيل الشعر من بدن غيره أو يحرم عليه كإزالته عن
نفسه.
قد يقال إذا كان الغير محرما لا يجوز للمحرم إزالة شعره وعن المدارك
الاجماع عليه، وفي الجواهر لعله كذلك مضافا إلى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز
وقوع ذلك من أي مباشر كان انتهى.
أما الاجماع فإن كان المراد منه الاستناد إلى كلام المعصوم، وإن الحكم
مستند إلى الإمام وإن لم يوجد له مدرك من الأدلة الموجودة فنعم وإلا فتحصيل
الاجماع مشكل.
ثم إن المقصود من كلام الجواهر في قوله من عدم جواز ذلك من أي مباشر
كان، أنه لا يجوز للمحرم أن يزيل شعره بأي سبب كان بمباشرة نفسه أو بسبب غيره
سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما، فإن كان المراد ذلك فالمعنى أن المحرم
يجب عليه أن يترك شعره ويخليه في بدنه، ولا يزيله ولو بمباشرة غيره وهذا غير
ما نحن بصدده.
184

أو المراد أن إزالة شعر المحرم حرام فالمعنى أن إزالة شعره حرام على
المزيل محرما كان أو محلا، فهذه الحرمة لا يختص بالمحرم بل يشمل المحل،
وأما حرمة إزالة الشعر عن الغير المحل على المحرم الذي يزيل الشعر فلا يستفاد
مما ذكر نعم يستفاد حرمة إزالة الشعر عن الغير المحرم لكنه لا يختص به بل يحرم
على المحل بدليل المباشرة الذي ذكره صاحب الجواهر ولا يمكن عد هذا من
محرمات الاحرام وتروكه، التي نحن بصدد بيانها من حرمة إزالة الشعر عن بدن
الغير على المحرم سواء كان الغير محلا أو محرما وأما ايقاع المحرم في الحرام
وإن كان حراما على المحرم والمحل إلا أنه مطلب آخر
إلا أن يقال إن التسبيب حرام كما لو قلنا إن الارتماس حرام على المحرم
فلو رمسه الغير في الماء لكان حراما أيضا ولكن هذا فيما إذا كان الغير لم يسلب
عنه القدرة ولم نقل بعدم الحرمة في صورة الاكراه وإن كان من الممكن أن يقال
بعدم الفرق كما في الصائم المكره على الافطار الذي يحرم على المكره بالكسر
لكونه سببا لتحقق المبغوض عند الشارع في الخارج (1)
هذا ولكن المهم في المقام وعمدة الأدلة في المسألة الروايات المصرحة
فيها بأن المحرم لا يجوز له أن يأخذ من شعر الحلال فيعلم حرمة أخذ الشعر من
بدن الغير المحرم بالأولوية.
منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال: لا يأخذ المحرم من شعر
الحلال (2)

1 - لم يتضح لي مراد الأستاذ مد ظله من الاستثناء فإن حرمة التسبيب ليست من
محرمات الاحرام بما هو احرام على كل حال
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الاحرام الحديث 1.
185

ومرسلة الصدوق قال: قال عليه السلام لا يأخذ الحرام من شعر الحلال (1)
والروايتان تدلان على حرمة أخذ الشعر من الحلال بالقطع أو الجز أو
النتف على المحرم ويعلم حرمة أخذه من المحرم بطريق أولى، ويكفي هذا في
المقام دليلا.
وهنا فروع ينبغي الإشارة إليها
أول - بعد ما تبين أن المحرم المضطر إلى أخذ الشعر من رأسه أو بدنه
يجوز له إزالته، فهل يجوز للغير محرما كان أو محلا أن يتصدى ذلك ويزيل الشعر
عن بدن المضطر، أو لا يجوز إلا للمحل دون المحرم، لعدم كونه مضطرا إليه،
وأما اضطرار صاحب الشعر الذي جوز له ذلك، لا يقتضيه لغيره ولا يوجب جوازه
له أيضا، فلو لم يوجد المحل فهل يتحمل ويصبر أم لا.
الثاني: لو لم يوجد المحل بناء على عدم جواز الأخذ للمحرم فهل يصبر
المحرم المضطر ويتحمل المشقة والأذى، والتعب والشدة إلى أن يوجد المحل،
وليس للمحرم الحاضر أن يدفع عن أخيه المحرم الضرر والألم إلا أن يقع في خطر
عظيم وتهلكة نفس فيجب إزالة شعره حفظا لنفسه، وأما لو لم يكن في خطر التهلكة
فيصبر المضطر ويتحمل الأذى حتى يجد محلا يأخذ شعره، فكل محتمل.
وأما أمر الرسول صلى الله عليه وآله بإزالة الشعر وحلق الرأس في قضية
الأنصاري لو علمنا أنه صلى الله عليه وآله أمر محرما ليزيل الشعر عنه لقلنا به ولكنه غير معلوم، بل
أمر صلى الله عليه وآله الأنصاري بحلق رأسه وإزالة شعره وأن يتداركه بالفدية، وكان جائزا له،
ومباحا في حقه، ولم يثبت أنه أمر محرما ليزيل الشعر عن الرجل الأنصاري المتساقط
عن رأسه القمل.
اللهم أن يقال بعد جواز إزالة الشعر للمحرم عن رأسه للضرورة يجوز للغير
أيضا ذلك بالملازمة كما لو قيل لامرأة يجب عليها ستر البدن والرأس عن الأجنبي،

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الاحرام الحديث 2.
186

أنه يجوز كشف الرأس عند الضرورة والحاجة، يعلم منه أن عدم وجوب الستر
وجواز كشف البدن عند الاضطرار ملازم لجواز نظر الغير ومسه له كما في الاضطرار
إلى الطبيب، إذ لو لم يجز للطبيب النظر والمس، لزم نقض الغرض نعم يصح
هذا لو كان الطبيب منحصرا بالأجنبي، وإلا يرفع الاضطرار بالطبيب الذي هو من
محارم المريض، ويداوى هو ويعالج ولا يحتاج إلى الأجنبي.
وفي المقام أيضا يقال بعد ما ثبت جواز حلق الشعر للمحرم عند الاضطرار
إليه، يعلم منه جواز إزالته للغير أيضا محرما كان الغير أو محلا، ولكن هذا فيما
انحصر الحلاق بالمحرم، ولا يوجد المحل، كما إذا اضطر في بادية إلى حلق رأسه
والناس كلهم محرمون مثله ولم يتمكن من الصبر إلى الاحلال أو وجدان المحل،
فيحلق المحرم رأس المضطر وأما إذا وجد المحل لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر
من المضطر.
ومن هذا يعلم أيضا أن أمر النبي صلى الله عليه وآله بحلق رأس الرجل
الأنصاري لا يكون دليلا لجواز إزالة المحرم الشعر عن بدن الغير إلا بعد احراز
وجود المحل حينذاك وعدم الانحصار بالمحرم ولو شككنا في ذلك، ولم نعلم
أن المحل كان موجودا حين ما تصدى المحرم حلق شعر الأنصاري بأمر الرسول
أم لا، لا يكون دليلا لنا.
ثم إن صاحب الجواهر قدس سره بعد ما ذكر جواز إزالة المحرم
شعر محرم غيره قال: والظاهر أن مثله قتل الهوام، ومراده أن قتل الهوام كما
يحرم ولا يفرق بين أن يقتله المحرم من بدنه أو بدن غيره، فكذلك إزالة الشعر
لا يفرق بين إزالته من نفسه أو من غيره المحرم والمحل:
واستدل بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال: لا يأخذ المحرم من شعر
الحلال (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
187

ونقل عن التهذيب عدم الجواز مستدلا بالصحيحة وقواه وقال نعم قد يشك
في الفدية التي مقتضى الأصل عدمها، بعد ظهور الأدلة في غير ذلك انتهى.
(تحقيق من الأستاذ مد ظله)
قال الأستاذ مد ظله: الروايات الواردة في المقام، كلها ظاهرة في حرمة
إزالة الشعر على المحرم من نفسه وبدنه لعود الضمير إلى شخص المحرم في الآية
والرواية، وليس فيها اطلاق شامل له ولغيره، ولو كان فهو أيضا منصرف إلى
المحرم كما في قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ومن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه، مخصوص برؤوس المحرمين، ولا نظر فيها إلى
غيرهم أصلا حتى يكون المعنى لا تحلقوا رؤوس غيركم ولا تزيلوا الشعر عنهم،
ولا أقل من الانصراف إلى المحرمين، وما قيل: إن الانصراف بدوي غير وجيه،
إذ لو لم تكن صحيحة عمار " يأخذ المحرم من شعر الحلال " لما توجهنا إلى حرمة
إزالة الشعر من الغير أصلا من الآية والرواية بل لم نفهم منهما إلا اختصاص
الحرمة بالمحرمين وإزالة الشعر عن رؤوسهم وأبدانهم.
ولو كان الحكم في المقام، مثل قبل الهوام، كما في جواهر الكلام لكان
اللازم أن يفتوا بحرمة إزالة الشعر على المحرم حتى عن بدن الحيوانات، كما
أفتوا في قتل الهوام حتى في القائه من بدن الحيوانات، ولم أر من أفتى بعدم جواز
القاء الشعر من بدن الحيوان، فما ذهب إليه صاحب الجواهر قدس سره من التنظير
غير وجيه، إلا أن يكون المراد أن الشعر في بدن المحرم مثل الهوام يتبع حكمه
ولكنه أيضا يحتاج إلى دليل عام مفقود في المقام وما هو المتعمد في المسئلة صحيحة
عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (1)
ومرسلة الصدوق، المستفاد منهما حرمة شعر الحرام بالأولوية.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
188

الفرع الثاني في وضع اليد على اللحية وتسريحها الملازم لسقوط
الشعر غالبا، هذا الفرع مورد للابتلاء، لو أيقن المحرم أنه يسقط الشعر بالتسريح
ووضع اليد لا يجوز له ذلك وكذا لو شك في السقوط كما في الصوم الضروري إذ لو
جاز ذلك ليتحقق ويوجد المنهى عنه وفي مثل المورد يجب الاحتياط ولا يصح
اجراء البراءة أو القول بأنه إذا اطمئن بالسقوط وزوال الشعر لا يفعل ولا يضع يده
على اللحية بل المورد يقتضي عكس ذلك بأن يقال لا يمس لحيته إلا مع الاطمينان
بعدم السقوط، وإلا يكون كمن رمى سهما ليختبر أنه يقتل شخصا أو حيوانا، أو
كمن يلاعب امرأته في شهر الصيام ليختبر أنه ينزل أم لا ومعلوم أن في مثل الموارد
لا يجري أصل البراءة ولو فعل من دون اطمينان على عدم تحقق الفعل المنهى عنه
يكون كمن تعمد ذلك.
فما اختاره صاحب الجواهر من اجراء أصالة البراءة والقول بأنه لا بأس
بالتسريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه وإن اتفق، لا يخلو من اشكال، ولذا
قال بعد ما ذكر: الأولى والأحوط اجتنابه (1)
وقد ورد في الوضوء وغيره أيضا روايات تؤيد ما ذكرناه منها:
رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم إذا مس لحيته فوقع
منها شعرة قال يطعم كفا من طعام أو كفين. (2)
عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها
الشعرة والثنتان قال يطعم شيئا (3).
عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله إذا وضع أحدكم يده على رأسه

1 - هذا ما استفدناه من الأستاذ مد ظله بناء على ما ضبطناه من أبحاثه ولكن صاحب
الجواهر أجرى البراءة بالنسبة إلى الفدية والكفارة لا الحرمة التكليفية
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 2.
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 2.
189

أو لحيته وهو محرم فسقط شئ من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف
من سويق (1).
نعم ورد في الوضوء ما يدل على عدم البأس للزوم الحرج مثل رواية
الهيثم بن عروة قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط
من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشئ ما جعل عليكم في الدين من حرج (2).
وأما ما تدل على عدم البأس مطلقا فقد حمل على عدم التعمد أو على نفي
العقاب بعد الكفارة.
الفرع الثالث لو علم وأيقن أن الشعر لا يسقط بالمس فمسح لحيته فسقط
الشعر أو سقط بغير العمد، فإن علم أنه نتف الشعر يجب عليه الكفارة، وإن علم
أن الشعر كان ساقطا من الأصل ولكنه ألقى بالمس فلا شئ عليه لعدم كونه نتفا
بل هو القاء وهو ليس بحرام.
وأما لو شك في أن الشعرة الملقاة كانت نابتة فسقط بالمس أو كانت
منسلة ومنقطعة من الأصل فعن الدروس الأقرب الفدية، وفي الجواهر، وفيه
نظر للأصل، ولعل الدليل على قول الشهيد بعد عدم صدق النتف في مورد الشك.
هو الاستصحاب بتقريب أن الشعر كان متصلا ونابتا فيستصحب إلى حين الالقاء
بالمس فيصدق الإزالة والنتف إذ لو حكم شرعا باتصال الشعر على الوجه عند
الشك فيه بالاستصحاب يترتب عليه الأثر شرعا ولا يجوز القائه وإزالته فإذا سقط
بمس اللحية تترتب عليه الكفارة.
يمكن أن يقال إن موضوع الحرمة والكفارة نتف الشعر واستصحاب
الاتصال إلى حين السقوط إنما يثبت عقلا تحقق الموضوع بمعنى أن الشعر إذا
كان متصلا إلى حين السقوط ولم يكن منسلا من قبل يحكم العقل بأنه نتف وسقط،
وهذا مثبت، فعلى هذا، ما اختاره الجواهر هو الأقوى.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية تروك الاحرام الحديث 6.
190

الفرع الرابع هل يصدق إزالة الشعر بقطع العضو كما إذا قطع إصبعا فيه شعر
الظاهر أنه لا يصدق عليه النتف كما عن التذكرة والمنتهى، ولا كفارة فيه وما ورد
في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف إنما هو تعبد خاص في محله،
ولا تعبد في المقام ولا دليل على صدق الإزالة لقطع العضو الذي فيه الشعر، فتردد
الشهيد قدس في المسألة في غير محله لوضوح أن النتف والجز لا يصدق على
العضو المقطوع الذي فيه الشعر كما لا يطلق الحلق على الرأس المقطوع وكذا
لو نزع وقلع جلده فيه شعر.
191

في تغطية الرأس
يحرم على المحرم تغطية الرأس للرجال وتخميره بناء على التعابير
المختلفة في كلمات الأصحاب والروايات وتفصيل الكلام في المقام في ضمن أمور
الأمر الأول، أنه لا اشكال في حرمة أصل التغطية وتخمير الرأس اجماعا
وادعي عدم الخلاف فيه وتدل عليه الروايات المستفيضة إن لم تكن متواترة وهذا
مما لا كلام فيه، وإنما هو فيما يتحقق به التغطية والتخمير وإصابة الرأس، وفي
مصداق الرأس ومقداره، وأنه جميع الرأس من الرقبة، كما يطلق عليه في ذبح
رأس الحيوان، أو منابت الشعر فقط، وأن الأذن من الرأس أم لا، فلا بد في تبين
جميع ذلك وتفصيله من التأمل في النصوص الواردة في الباب.
الأمر الثاني أنه قد يطلق الرأس ويراد منه ما فوق الرقبة ويشمل الوجه و
الأذن كما في ذبح الرأس، وقد يراد منه منابت الشعر فقط كما يقال حلق رأسه أي
منابت الشعر فقط ولا يشمل الوجه، وقد ورد في بعض الروايات كما يأتي، أن
192

المحرم لا يخمر رأسه، فهل المراد منه ما فوق الرقبة، الظاهر لا، لما ورد في بعض
النصوص الصحيحة، إن السائل سئل، هل المحرم يغطي وجهه، فأجيب لا بأس
ولكن لا يخمر رأسه، لوضوح أنه لم يرد من الرأس ما فوق الرقبة بحيث يشمل
الوجه وورد أيضا أن احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه
كخبر القداح (1)
إذ بمقابلة الوجه والرأس يعلم أن المراد من الرأس ليس ما فوق الرقبة بل
أريد منه منابت الشعر كما ورد التحديد بها في بعض الروايات كرواية علي بن جعفر
عن أبيه عن علي عليه السلام قال المحرم يغطي وجهه عند النوم والغبار إلى طرار شعره (2)
فبناء على هذا التحديد لا حرمة لتغطية غير منابت الشعر سواء كان أذنين أو
الجبهة، ولكن ورد في الروايات حرمة تغطيه الأذنين وسترهما أيضا، فهل هذا
من باب التعبد وأن الرأس هو منابت الشعر لغة، أو لأجل أن الرأس يطلق على
ما اشتمل على الأذنين فيحرم تغطيتها أيضا، وبناء على الأول كان المناسب أن يقال
إن من المحرمات تغطية الرأس والأذنين، ولكن بمناسبة أن الأذنين ملازمان للرأس
لم يفردهما بالذكر وإن كان الرأس منابت الشعر وعلى كل حال ورد في حكم
الأذنين رواية خاصة.
عن عبد الرحمن قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه
يغطيهما، قال: لا (3)
ويعلم منها أن الأذنين لا يجوز تغطيتهما حتى حال البرد والحاجة وأن تغطية
الرأس عبارة عن ستره والأذنين.
ثم إن الرأس ومنابت الشعر بحسب المتعارف دون النادر على حد الافراط

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
193

والتفريط، نعم خلف الرقبة المشتملة على الشعر النابت فيها عادتا يجب أن لا يستر
ولا يغطى، فلا بد أن يلقى ثوب الاحرام على المنكبين ولا يلقى على فوق الرقبة و
أعلاها لكي لا يغطى بعض الرقبة المشتملة على الشعر، هذا هو البحث في معنى
الرأس، وأما ما يتحقق به الستر فيأتي تفصيلا.
الأمر الثالث: لا فرق في حرمة التغطية بين ستر جميع الرأس كله وبين
ستر بعضه كما يظهر من النصوص وصرح به الفاضل والشهيد نعم لا بأس بعصام
القربة اختيارا.
ونقل عن المنتهى أنه استدل على حرمة تغطية بعض الرأس بأنه إذا نهى عن
وجود شئ وتحققه في الخارج يستلزم حرمة البعض وايجاده فيه والنهي عن تخمير
الرأس وتغطيته ملازم لحرمة تخمير البعض وستره.
وفيه أن النهي عن الشئ وتحققه وفي الخارج لا يستلزم النهي عن بعضه في
جميع الموارد، أما ترى لو نهي عن صنع مجسمة الانسان لا يستلزم حرمة صنع
بعض أعضائه كاليد والرجل والعين، وليس المراد أن الشئ قد يكون منهيا عنه
على نحو المجموع من حيث هو كما في ارتماس الرأس في الماء، وأن المقام كذلك
بل الاشكال في أن النهي عن شئ لا يلازم النهي عن بعضه مضافا إلى لزوم استعمال
اللفظ في أكثر من معنى، بأن يراد من الرأس تارة مجموعه، وأخرى بعضه، و
بالجملة استدلال صاحب المنتهى قدس سره غير صحيح، وإن كان استحسنه صاحب
المدارك، ولكن في الروايات ما يغني عن ذلك ولا يحتاج إلى مثل هذا لاستدلال
أصلا.
منها رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: المحرم يغطي
وجهه عند النوم والغبار إلى طرار شعره (1).
ورواية عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي وشكى إليه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8.
194

حر الشمس وهو محرم يتأذى به، فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك
ما لم يصبك رأسك (1).
يستفاد منها ومن التحديد إلى طرار الشعر في الرواية الأولى إن ستر بعض
شعر الرأس كتغطية الرأس في الحرمة والنهي.
وبالجملة الدليل على حرمة تغطية بعض الرأس هو النص ولولاه ليشكل
إرادة البعض من اطلاق الرأس تارة، والمجموع أخرى، إذ ليس هذا الاستعمال
لفظ واحد في أكثر من معنى واحد، ولو قيل: لا يقطع الرأس، لما يشمل قطع
الأذن وكذا لو قيل لا يقطع رأس الحيوان قبل زهاق الروح، لا يشمل قطع الأذن،
أو بعض الأعضاء، فلا بد من إرادة المجموع فقط أو البعض فقط إذا كان هناك
قرينة على إرادته من اطلاق الرأس، وليس هو اسم الجنس، كالماء حتى يشمل
المجموع من الماء والبعض منه على حد سواء، بل الظاهر المتبادر هو المجموع كما في
قوله تعالى لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله.
إذا المستفاد من الآية أن الهدي إذ بلغ محله وهو منى فاحلقوا رؤوسكم و
ظاهر ذلك حلق جميع الرأس لا البعض منه وقال بعض على ما سمعناه بكفاية حلق
بعض الرأس ولكن لم أر من أفتى به في الرسالة العملية وهذا بعيد جدا إلا أن يدل
دليل خارجي على إرادة البعض من الكل كما في إرادة الكف من اليد، أو على إرادة
الكل من البعض كقوله أعتق رقبة مؤمنة، أما إرادة المعنيين، أي الكل والبعض في
استعمال واحد فغير صحيح، والدليل الذي أقامه العلامة قدس سره لصحة ذلك
فهو غير وجيه وغير سديد.
ثم إنه بناء على صحة إرادة البعض والجزء من اطلاق الرأس وحرمة تغطيته،
أو لدلالة النصوص الخاصة خرج منه عصام القربة التي توضع على الرأس ويغطى
بعضه بدليل خاص وارد في المقام وإلا لما يجوز.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
195

عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يضع عصام القربة
على رأسه إذا استسقى، فقال نعم (1).
وقد استثني عن حكم تغطية الرأس وحرمته عصابة الرأس للصداع عن
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع (2).
فمن ابتلي بالصداع واحتاج إلى عصابة الرأس، يدع وسط الرأس مكشوفا
ويشد على أطرافه.
قال ابن حمزة: التغطية منصرف عن ذلك، ولا يشمله قوله عليه السلام لا يخمر رأسه،
ولكنه مشكل.
وقال آخرون إن تغطية بعض الرأس حرام والخارج عنه يحتاج إلى دليل
خاص، وهو موجود حال الضرورة والصداع.
الأمر الرابع - إن المراد من التغطية التي تحرم على المحرم هل التغطية
للرأس وستره بما هو متعارف ومعمول الستر به، أو بكل ما يحصل به التغطية وإن
كان غير متعارف وخارجا عن المعمول العرفي، وعن المعتاد عند الناس.
فعلى الأول يحرم التغطية بالخمار والعمامة والمقنعة والعباء وغيرها مما
يتعارف ستر الرأس به، وعلى الثاني يحرم الستر باليد والحناء والطين وورق
الشجر ووضع الزنبيل والظرف على الرأس والطست والقدح ويكون كل ذلك
منهيا عنه.
ولكن ما ورد في الروايات هو النهي عن التغطية بما هو معتاد ومتعارف،
مثل قوله لا يخمر رأسه (3)، وإن كان معنى التخمير في اللغة الستر ولكنه بلحاظ
الخمار المعمول بين الناس كما في قوله تعالى وليضربن بخمرهن على جيوبهن

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 57 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 56 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
196

يشمل المتعارف لا غيره.
وفي رواية رجل نسي وغطى رأسه قال يلقي القناع (1).
وعن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما
فقال يلبي إذا ذكر (2).
وفي رواية عبد الله بن سنان المتقدمة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي
وشكى إليه حر الشمس وهو محرم يتأذى به فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي، قال
لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (3)
وبالجملة المذكور في تلك الروايات وغيرها تغطية الرأس بما هو معتاد
لذلك ومعد له، ولم يذكر غير المعتاد والمتعارف، ولذا أفتى العلامة صريحا بأن
الحرام من التغطية هو الستر بالمعتاد والمتعارف، ولو لم يكن المذكور في الروايات
المتعارف مما يغطى به الرأس من القناع والخمار، لكانت منصرفة إليه أيضا.
تفصيل الكلام في المقام
وقع الخلاف في حرمة تغطية الرأس بغير المعتاد على المحرم وعدمها،
وذهب الأكثر من العلماء إلى الحرمة، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا، وفي
الجواهر بل لا أجد فيه خلافا، ولكن صاحب المدارك بعد نقل الحرمة عن المنتهى
والتحرير قال: وهو غير واضح. لأن المنهى عنه في الروايات المعتبرة تخمير
الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب ونحوه لا مطلق الستر مع أن النهي لو
تعلق به لوجب حمله على المتعارف منه فلا اطلاق في الروايات حتى تشمل التغطية
بالحناء والطين.
وتبعه في ذلك صاحب الذخيرة وهو لا يبعد عن الصحة لعدم الاطلاق في

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
197

الروايات، وإن كان يظهر من بعضها ذلك مثل قوله المحرم لا يغطي رأسه إلا أن
هذا الاطلاق ورد في سؤال السائلين وذكر في قسم من الروايات لفظ الخمار و
العمامة والثوب، ففي المقام بحثان.
البحث الأول في ثبوت الاطلاق في الروايات فبناء عليه الحكم واضح
ويحرم التغطية ولو بغير المعتاد والمتعارف
وقد يتمسك للاطلاق بقوله عليه السلام المحرمة لا تتنقب لأن احرام المرأة في
وجهها واحرام المرء في رأسه (1)
إذ المستفاد من الرواية أنه كما يجب أن يكون وجه المحرمة مكشوفا كذلك
يجب أن يكون الرأس في المحرم مكشوفا وغير مستور بشئ.
التحقيق أن يقال إن كان المراد من قوله احرام المرأة في وجهها، أنه يجب
عليها أن لا تستر الوجه بشئ من الثياب وغيره من المتعارف وغيره، كان الاستدلال
صحيحا وفي مورده.
وأما لو قيل إن المراد من الرواية الغاء ما هو المتعارف مما يستر به الوجه
في المرأة المحرمة، ففي المحرم وتغطية الرأس أيضا كذلك يعني يجب على
المحرم أن يلغي عن رأسه ما هو المتعارف مما يستر به الرأس، فحيث إن كلا
من المعنيين محتمل في الرواية لا يصح أن يستدل بها للمدعى، اللهم إلا أن يدعى
أن الظاهر منها، أنه يجب أن يكون الوجه في المحرمة والرأس في المحرم مكشوفا
وظاهرا، وإن كان من الممكن أيضا أن يقال إن التستر بمثل الحناء والطين لا ينافي
الظهور والكشف، بمعنى أن المرأة إذا سترت وجهها بمثل الحناء يصدق عليه الكشف
والظهور، فكذلك الرأس إلا أن يدعى أن المراد من الرواية عدم تستر الوجه و
الرأس بشئ أصلا ولو كان غير متعارف.
ويشهد لذلك ما ورد أن التغطية بالمروحة لا يجوز للمرأة والحال أنها ليست

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
198

مما يتعارف الستر به، وتعبير صاحب الجواهر، بناء على أنها من غير المتأرف
يشعر بأنه من الممكن أن تعد المروحة أيضا من المتعارف، إذ كثيرا ما يسترن النساء
وجوههن بها عند نظر الأجنبي إليهن، وعلى أي حال لو كانت المروحة والتستر
بها من غير المتعارف يعلم منه إن وجه المرأة لا بد أن لا يستر ولا يغطى ولو بشئ
غير متعارف.
قد يستدل للاطلاق باستثناء حبل القراب ووضعه على الرأس لأن حبل
القراب ليس مما يستر به الرأس متعارفا فباستثنائه عن عموم حرمة التغطية يعلم أن
الحكم عام شامل للمتعارف وغيره، وإلا لا يصح الاستثناء.
وفيه أن العموم لم يذكر في رواية حتى يكون حبل القرب مستثنى منه،
بل ورد الحبل في سؤال السائل، وأجاب الإمام بعدم البأس فيه، فهو حكم خاص
سئله السائل، وأجابه القائل. ولم يكن داخلا في العموم على نحو الجزم والقطع،
إذ كما يمكن أن يقال ويحتمل أن بكون التستر بالمتعارف وغيره حراما، ويكون
حبل القرب مستثنى منه، فكذلك يحتمل أن يكون غير المتعارف جائزا من الأصل
وغير داخل في العموم، ويكون حبل القرب أحد مصاديق غير المتعارف الذي
جاء في كلام الراوي، والاستثناء إنما يدل على العموم والشمول إذا كان الكلام مثل
جائني القوم إلا زيد، وأما إذا سئل شخص عن مجيئ زيد، وقال: لا، لا يستفاد منه
العام، ولا يدل على الشمول.
نعم يمكن أن يقال: إن الراوي إنما فهم شمول الحكم للمتعارف وغيره
ودخول حبل القرب فيه، ولولا ذلك لما سئل عن حكمه، هذا وإن كان صحيحا،
إلا أنه استدلال بفهم الراوي وحدسه، كما أنه لو كان شاكا في شمول الحكم
للمتعارف وغيره وسئل عن حكم مورد خاص، وأجيب بعدم البأس فيه، لما كان
يفهم منه العموم، وإن المسؤول عنه كان داخلا فيه، بل إنما سئل عن حكم خاص
للابتلاء به كما في الارتماس في الماء أو لاحتمال كونه تغطية.
199

وأما المروحة فبناء على كونها غير المتعارف يشكل الفرق بينها وبين غيرها
بأن يجوز وضع حبل القراب على الرأس جائزا دون المروحة، إلا أن يقال إنه
يحتمل كونها مما يتعارف به الستر، كما احتمله صاحب الجواهر، وهو أيضا
مشكل، نعم المروحة تكون مانعة عن النظر إلى المرأة، كما لو وضعت رأسها
على الجدار ووجهها عليه عند نظر الأجنبي إليها. وعلى كل حال يعلم من النهي
عن تستر الوجه بالمروحة للنساء ومن الأمر بالاسدال عند وجود الناظر، بأن يكون
الوجه مكشوفا وغير مستور، ويكون الاسدال مانعا عن النظر، إن التستر بالمروحة
غير جائز وأنه تغطية أيضا.
وقد يستدل للاطلاق بحرمة الارتماس في الماء على المحرم وواضح
أن الماء ليس مما يتعارف به التغطية وستر الرأس.
وفي صحيح حريز عن الصادق عليه السلام لا يرتمس المحرم في الماء (1)
عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله قال: لا يرتمس المحرم في الماء و
لا الصائم (2).
عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله هل يدخل الرجل الصائم
رأسه في الماء قال: لا ولا المحرم (3).
وفيه، أن عطف المحرم على الصائم في حكم الارتماس يقتضي الاتحاد
بينهما، والحال أن الفرق واضح والتفاوت فاحش لوضوح أن الحرام على الصائم
ارتماس جميع الرأس في الماء وادخاله فيه وأما ارتماس بعض الرأس لا اشكال
ولا حرمة فيه، حتى أنه لو لم يبق من الرأس خارج الماء إلا قمته لما كان حراما،
بخلاف التغطية إذ بناء على أن ستر الرأس ولو بالماء حرام يلزم أن يكون ارتماس

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الاحرام الحديث 6.
200

بعض الرأس في الماء أيضا حراما، إذا صدق عليه التغطية كما في الستر بالمتعارف
وبالجملة لو كان الارتماس حراما على المحرم، لحرمة ستر الرأس ولو بغير
المتعارف، كان اللازم القول بحرمة ارتماس بعضه في الماء، والحال أن المنهى
عنه هو الارتماس، وهو ظاهر في ارتماس الجميع، فالاستدلال للاطلاق بحرمة
الارتماس غير تام نعم يمكن أن يقال إن الارتماس في الماء حرام على المحرم لا
من جهة ستر لرأس وتغطيته، إلا أن يدعى عمومية الحكم للمتعارف وغيره عن
طريق آخر والقول بأن الارتماس في الماء أحد مصاديق غير المتعارف.
" في معنى التغطية "
ثم إن التغطية كما في كلمات الفقهاء الصاق الشئ بالشئ ولذا حكموا
بوجوب الاسدال على المحرمة، إذا كان ناظر ينظر إليها، ولا يجوزون الالصاق
بالوجه، ومثله الرأس في المحرم، فلو لم يلصق شئ بالرأس لا يكون تغطية،
فلو أمسك فوق رأسه شمسية، أو مروحة ولم يلصقها برأسه لا يصدق عليه التغطية
وإن كان حراما من جهة التظليل.
الأمر الخامس إن الستر باليد بوضعها على الرأس أو على الوجه في المحرمة
ومسح الرأس في الوضوء وصب الماء عليه فهو جائز كما عن المبسوط والمنتهى
والتذكرة.
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يضع المحرم ذراعه
على وجهه من حر الشمس ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض. (1)
وقد يستدل بذلك لجواز التغطية بغير المتعارف ولكنه غير تام لاحتمال عدم
صدق التغطية بما ذكر، ولذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة مضافا
إلى دوران الأمر في المقام بين التخصيص والتخصص والثاني هو الأولى.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
201

وتوضيحه إنا نعلم جواز مسح الرأس ووضع اليد على الوجه حال الاحرام،
ولكن نشك في أن هذا تغطية خرج عن حكم العموم الدال على حرمة الستر، أو ليس
تغطية أصلا، وخروجه من باب التخصص لا التخصيص، فإذا دار الأمر بين التخصيص
والتخصص، الثاني أولى مثلا لو ورد أكرم العلماء ونعلم عدم وجوب اكرام العالم
بالعروض بقوله لا تكرم عالما عروضيا، وشككنا في أن خروج العالم بالعروض
من باب التخصيص بعد شمول العام له، أو لم يكن العام شاملا له من الأصل،
بل كان خروجه من جهة التخصص، وواضح أن الثاني أولى حفظا للمفهوم العام
للعلماء وفي المقام أيضا كذلك، لما ورد أن المحرم لا يغطي رأسه وورد أيضا جواز
حك الرأس بالأصابع أو ستر البدن بعضه ببعض، أو غيره من موارد الجواز،
لكن الشك في أن تلك الموارد تغطية خرجت عن تحت الحكم العام فيكون تخصيصا
أو ليست تغطية لاختصاص العموم بالتغطية بالمتعارف لا غيره وإن كان مانعا
عن الرؤية وعلى هذا خروجها إنما هو من جهة التخصص، ولا خفاء في أن الثاني
الولي بالقواعد وأنسب بها.
الأمر السادس إن التلبيد بأن يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر
ويتلبد هل هو مثل التغطية، فلا يجوز أو ليس كذلك، فعن التحرير والمنتهى
جواز التلبيد وحكاه الدروس عن الحنابلة.
وفي الجواهر: لا ريب أن الأحوط إن لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث
يستر بعض الرأس انتهى.
والتلبيد إن كان بحيث يستر الرأس، أو مقدارا منه بجمع الشعرات وضم
بعضها على بعض، وخارجا عن التعارف كما في المسح على الشعرات المجتمعة
في الرأس فيمكن أن يقال إنه تغطية وتستر لكنه بغير المتعارف مما يتحقق به الستر
فيشمله حكمه، ولكنه خرج عنه بالدليل.
202

روى ابن عمر قال رأيت رسول الله يهل ملبدا. (1)
وقد يشعر صحيح زرارة بمعروفية ذلك سابقا قال سألت أبا عبد الله هل يغتسل
المحرم بالماء، قال: لا بأس أن يغتسل بالماء ويصب على رأسه ما لم يكن ملبدا
فإن كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من الاحتلام. (2)
ولعل منع الملبد عن الصب للاحتراز عن سقوط الشعر كما احتمله في
الجواهر.
الأمر السابع قد أشير إلى الارتماس اجمالا، والتفصيل فيه أنه هل هو حرام
على المحرم لأجل أنه من مصاديق التغطية المحرمة عليه، أو أنه حرام بنفسه لا
من جهة التغطية.
قال المحقق في الشرايع بعد ذكر التغطية: وفي معناه الارتماس، والظاهر
أنه عده من مصاديق التغطية ولعل نظر الأكثر أيضا على ذلك، إذ لم أر من صرح
بحرمته مستقلا، ولكن المستفاد من الروايات حرمة الارتماس على المحرم بنفسه
ومستقلا لا من جهة كونه تغطية.
منها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لا تمس
الريحان وأنت محرم إلى أن قال ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك (3)
عن حريز عن أبي عبد الله في حديث قال: ولا يرتمس المحرم في الماء ولا
الصائم (4).
عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن محمد بن خالد عن إسماعيل
بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء قال:
لا، ولا المحرم وقال ومررت ببركة بني فلان وفيها قوم محرمون يترامسون

1 - صحيح مسلم الجزء 4 ص 8
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الاحرام الحديث 1
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الاحرام الحديث 3.
203

فوقفت عليهم فقلت لهم إنكم تصنعون ما لا يحل لكم. (1)
وهذه الروايات تدل على أن الارتماس منهى عنه حال الاحرام، وعطف
الصائم على المحرم بشعر بأنه حرام عليه بما هو ارتماس وفي حد ذاته، لا أنه
يغطي الرأس ويستره وعلى ذا لا يتحقق الحرمة إلا بغمس جميع الرأس في الماء
كما في الصائم، وأما بناء على أنه من مصاديق التغطية وأحد أفراده، يكفي غمس
البعض في الماء ويحرم إذا ستر بعض الرأس، فلو فرض أن للارتماس كفارة، وللتغطية
كفارة، يجب عليه كفارتان، ولكن ظاهر الروايات حرمته في حد نفسه بما هو هو،
لا بما هو تغطية.
وتظهر الثمرة أيضا فيها لو ارتمس في غير الماء فبناء على الأول لا مانع
في الارتماس فيه كما لو ارتمس في ماء الورد وماء الليمون كما في الصوم، وإن
احتاطوا في الصائم إذا ارتمس في ماء الورد والماء المضاف، وأما غيرهما من
المايعات فلا اشكال في الارتماس فيها في الصوم، فكذلك في المقام، لعدم صدق
الارتماس في الماء، وأما بناء على الثاني يجيئ البحث في حكم التغطية بالمتعارف
وغيره.
وأما صب الماء على الرأس لا يصدق عليه الارتماس ولا التغطية أصلا، ولو
صدق عليه الستر والتغطية دل الدليل على جوازه، واستثني عن الحكم العام الدال
على حرمتهما.
عن زرارة عن أبي عبد الله في حديث قال سألته هل يغتسل المحرم بالماء قال
لا بأس أن يغتسل بالماء ويصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فإن كان ملبدا فلا يفيض
على رأسه الماء إلا من الاحتلام. (2)
عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يغتسل فقال نعم يفيض

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 6
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 3.
204

الماء على رأسه ولا يدلكه. (1)
وأما الماء المصبوب شديدا لو كان كثيرا وضخيما يستر الرأس جميعا
يصدق الارتماس والتغطية.
الأمر الثامن قد تقدمت الإشارة في الأمر الخامس إلى الستر باليد ووضعها
على الرأس وحكمه اجمالا وملخص الكلام فيه أن الستر ببعض البدن فقد تدل
الروايات على جواز حك الرأس وصب الماء في الغسل بضم الغين وفتحه الملازم
لوضع اليد على الرأس ويستفاد منه جواز الستر ببعض البدن ولعله لاحتياج
التغطية إلى الاستقرار وحتى لو حك الرأس بالكف ليقال بجوازه أيضا.
فإن كان وضع اليد على الرأس تغطية واستثني من الحكم بأدلة خاصة فالقدر
المتيقن من الأدلة الغسل بضم الغين مستحبا كان أو واجبا، إلا أن يقال إن الغسل
بفتح الغين لا يصدق عليه التغطية أصلا وإن كان مكروها لما ورد أن الله يحب أن
يرى الحاج أشعث وأغبر.
الأمر التاسع لا اشكال في جواز تغطية الوجه للمحرم دون المحرمة، وفي
الجواهر المشهور جوازه، بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه.
عن ابن أبي عقيل إنه حرام وعليه كفارة.
والقول الثالث أنه جائز اختيارا ولكن عليه كفارة ونقل هذا عن الشيخ في
التهذيب وهو تفصيل في المسألة فإنه قدس سره أجاز ستر الوجه إذا نوى تأدية
الكفارة ولم يجزه إذا نوى عدم التأدية ومنشأ الخلاف النصوص الواردة بمضامين
مختلفة وكيفية الجمع بينها، من حمل بعضها على الكراهة أو الضرورة
منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله قال: المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا
في يده (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 4.
205

هذه الرواية مستند ابن أبي عقيل ومثله، في الحكم بحرمة تغطية الوجه لملازمة
الكفارة لها.
ونقل شيخنا الحر العاملي الرواية في الوسائل وحمل الكفارة على الاستحباب
كما أنه نقل بدل وجهه رأسه ولكن الموجود في التهذيب إذا غطى وجهه (1)
وأفتى الشيخ بمضمونها وقال يجوز تغطية الوجه للمحرم إذا أطعم مسكينا
استنادا إلى الروايات الأخرى الدالة على الجواز
واستدل انتصارا لابن أبي عقيل في القول بالحرمة بصحيحة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله قال يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه ولا بأس أن يمد المحرم
ثوبه حتى يبلغ أنفه. (2)
وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنه يكره للمحرم أن يجوز
ثوبه أنفه من أسفل وقال اضح لمن أحرمت له. (3)
وقد حمل المستدل الكراهة في الرواية على التحريم كما أنه استفاد من
الأمر وجوب الاضحاء، وعدم جواز ستر الوجه.
وأما جواز تغطية الوجه للمحرم وهو القول المشهور، كما تقدم قال
صاحب الجواهر قدس سره: المشهور جوازه بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى
الاجماع عليه، للأصل والنصوص السابقة.
أقول أما الأصل فهو دليل حيث لا دليل، فالمهم التأمل التام، في النصوص
الواردة في المقام.
منها ما رواه عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال المحرمة لا تتنقب،

1 - الموجود في الوسائل المطبوع جديدا إذا غطى وجهه كما في التهذيب
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الاحرام الحديث 2.
206

لأن احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه. (1)
وظاهر الرواية من التقابل في الحكم بين الرجل والمرأة، وقطع الشركة
بينهما، إن ستر الوجه جائز للمحرم دون المحرمة كما أن التغطية للرأس حرام
عليه، دونها، فلو كان ستر الوجه حراما على المحرم أيضا لما كان فرق بينه وبين
المرأة المحرمة، فلقطع الاشتراك بينهما في الاحرام ونفيه يستفاد أن تغطية الوجه
للمحرم ليست بحرام مضافا إلى أن حصر الحرمة بالرأس في المحرم يكفي في عدم
حرمة ستر الوجه، لأنه مقتضى الأصل والشك في الحرمة كاف في جريان الأصل.
ومنها رواية منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام وقد توضأ وهو
محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه (2)
ووجه الاستدلال أنه لو كانت التغطية للوجه حراما لما مسح أبو عبد الله
وجهه بالمنديل، الذي يغطيه ويستره.
وأوضح من هذه الرواية، وأظهر منها، ما رواه عبد الملك القمي قال: قلت
لأبي عبد الله (ع). الرجل يتوضأ ثم يخلل وجهه بالمنديل يخمره كله، قال:
لا بأس. (3)
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال سألته عن المحرم هل يصلح له أن
يطرح الثوب على وجهه من الذباب وينام قال: لا بأس. (4)
ورواية زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد
النوم يغطي وجهه، قال: نعم ولا يخمر رأسه والمرأة المحرمة لا بأس بأن يغطي

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك احرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الاحرام الحديث 2
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الاحرام الحديث 3.
207

وجهها كله عند النوم (1)
وهذه الأخبار كما ترى صريحة في جواز تغطية الوجه للمحرم عند النوم
وغيره فلا بد من حمل الأخبار الدالة على عدم جواز التغطية كصحيحة معاوية بن
عمار وهشام بن الحكيم والحلبي المتقدمة في صدر المسألة على الكراهة لا الحرمة
كما اختاره ابن أبي عقيل، فإن استعمال الكراهة في الحرمة وإن كان كثيرا، بمعنى
أن الكراهة قد يكون في مقابل الجواز والإباحة إلا أن استعمالها في قبال المستحب
أيضا ليس بحيث لا يمكن حملها على التنزيه سيما بعد دلالة الأخبار على الجواز.
مضافا إلى ما في صحيحة الحلبي من نقل غطى رأسه، بدل غطى وجهه،
وإن كان الموجود في التهذيب هو الثاني، وإلى أن ثبوت الكفارة لا يلازم
الحرمة، إذ لا تنافي بين ثبوتها في مورد وعدم الحرمة، لامكان ترتب الكفارة
على المكروهات والتنزيهيات، لرفع الخصاصة والنقيصة غير الملزمة للترك، إذ
المستفاد من النصوص إن الله تعالى يحب أن يرى الحاج أشعث وأغبر وضاحيا
وإن اشراق الشمس عليه محبوب عند الله، فمن ستر وجهه ومنع عن اشراق الشمس
عليه، فقد منع عن تلك الفضيلة والمحبوبية ولأجل ذلك جعل عليه الكفارة وليس
هذا من جهة التظليل إذ لا يصدق التظليل على من نام مقابل الشمس مع اللباس
وستر الوجه بل إنما هو للمنع عن اشراق الشمس للوجه والاضحاء، فالجمع
بين الطائفتين من النصوص أن التغطية المحرمة على المحرم هو الرأس وأما الوجه
فستره ليس بحرام بل هو مكروه، ولا وجه لحمل الكراهة على الحرمة بعد دلالة
الصحاح الثلاثة المتقدمة على الجواز، ولذا يحمل الكفارة على الاستحباب.
وأما ما ورد في النصوص من جواز الستر عند النوم أو من الذباب، فإنما
وقع السؤال عنه من جهة الابتلاء به والحاجة إليه، إذ لا حاجة لستر الوجه في غير
حال النوم، فالفرق بين الرأس والوجه في التغطية عند النوم، للفرق بينهما في
الحكم، لا لأجل النوم، كما أن ذكر الذباب ومنعه بستر الوجه أيضا لبيان الحاجة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الاحرام الحديث 1.
208

والابتلاء بالستر، لا لأجل الضرورة، وإلا لا يفرق بين الستر للرأس وستر الوجه
لاشتراك الأذية فيهما.
وأما المحرمة فتغطية رأسها واجبة عليها وأما الوجه فيجب أن يكون بارزا لأن احرام
المرأة في وجهها كما أن احرام الرجل في رأسه.
عن المنتهى أنه قول علماء الأمصار وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه، وهذا الحكم مخصوص بحال الاحرام ومختص به بما
هو حال الاحرام مع قطع النظر عما يوجب وجوب الستر عن الأجنبي أو الاسدال،
فلو كان أجنبي ناظر إليها يجب عليها الاسدال حتى تكون محفوظة عن النظر أو
تجلس تحت خيمة ويكون الوجه مكشوفا وعن نظر الأجنبي محفوظة فإن الستر
والتغطية لا يتحقق بالجلوس في مكان ولو كان تحت خباء أو في محمل، أو وراء
جدار لاشتراط الملاصقة في صدق التغطية، وبهذا يكشف أهمية الحجاب للمرأة
والتحفظ عن الأجانب، ولا يصح الاستدلال بعدم جواز ستر الوجه للمحرمة،
وإن احرامها في وجهها حال الاحرام، لاستثناء الوجه والكفين عن حكم العام
الدال على أن المرأة عورة كلها، إذ لو كان الوجه مستثنى عنه، لما حكموا بوجوب
الاسدال عليها بأن تجعل حائلا بين الغير وبين نفسها بالقاء الستر أو بالمروحة بحيث
لا يلتصق بالوجه ويبقى بارزا ولقد قوينا في تعليقنا على العروة في تلك المسألة
وجوب ستر الوجه على المرأة، وتعرضت هنا للتذكار على الذين يحتملون استثناء
الوجه لكي يراجعوا ويتأملوا فيه. (1)

1 - أقول ينبغي أن يحرر الكلام في مقامين، الأول وجوب ستر الوجه والكفين
على المرأة، والثاني عدم إعانتها على الحرمة إذا كان الناظر إليها موجودا، واثبات
وجوب الاسدال للحفظ عن النظر لا يلازم اثبات الوجوب في المقام الأول، وأدلة الاحرام
لا يبدل واجبا شرعيا ثابتا قبل الاحرام نعم يؤكد حراما أو مباحا وكذا حرمة النظر
مع الريب إلى الوجه أمر آخر، وبالحملة حرمة الإعانة على الإثم ووجوب الاسدال و
حرمة النظر إلى الأجنبية مع الريب، غير ملازم لوجوب ستر الوجه على المرأة بالعنوان
الأولى الذاتي، فلا بد في اثباته من دليل آخر غير الإعانة على الإثم.
209

ثم إن المراد من الكشف الواجب للرأس على المحرم وللوجه على المحرمة،
كالستر الواجب على المصلي والمصلية حال الصلاة الذي تبطل الصلاة بالكشف
ولو آنا ما، أو المراد منه أن لا يتخذ المحرم لباسا لرأسه والمحرمة لباسا لوجهها،
وجهان.
فعلى الأول يجب أن يكون الرأس والوجه في المحرم والمحرمة مكشوفا
ولا يجوز سترهما بجميع أقسام التغطية ولو بحك الرأس والوجه ومسحهما بالمنديل
وغيره، ولو آنا ما كما في الكشف المبطل للصلاة والستر الواجب فيها إذا كان
عن عمد.
وعلى الثاني يكون المعنى أن المحرم يجب عليه أن لا يتخذ لرأسه لباسا
وكذا المحرمة يجب عليها أن لا يتخذ لوجهها لباسا كما في غير حال الاحرام فلا بد
من التأمل في الروايات الواردة في المسألة وفي كلمات القوم.
أما الفقهاء رضوان الله عليهم فلم يثبت عنهم أنهم يرون المقام مثل الستر
حال الصلاة، حتى تحرم تغطية الوجه والرأس ولو آنا ما بالحك والمسح بالمنديل
وغيره، على نحو العموم، إلا أن يدل دليل على جواز فرد من الستر، كما في
النوم على الوجه، أو المسح بالمنديل بحيث لو لم يكن دليل خاص لقلنا بحرمتهما
أيضا، كما أنه لم يثبت ولم يتحقق عنهم الاختيار للثاني في كشف الرأس والوجه،
بعدم اتخاذ الستر لهما، فالمهم نقل الأخبار في المقام.
وقبل نقل الأخبار لا بد من الإشارة إلى أن ما يدل جواز المسح للوجه
بالمنديل أو النوم على الوجه أو حك الرأس والوجه يمكن أن يكون المفاد أن
تلك الموارد إنما استثنيت من العام الدال على حرمة التغطية ولو بمثل هذه الأمور،
210

كما يحتمل أن تكون تلك الأمور وذكرها لأجل التنبيه إلى أنها لم تكن داخلة
في العام، في مثل قوله عليه السلام لا تخمر رأسك ولا تغطيه، لانصراف التخمير والتغطية
إلى ما هو المتعارف من الخمار والقناع، لا ما هو خارج عن التعارف، كما
في البحث في الستر والساتر من أنه يتحقق بالطين والحناء أو لا بد أن يكون الساتر
مما هو متعارف الستر به وبما هو معد له.
ومن النصوص ما رواه حماد عن حريز قال سألت أبا عبد الله عن محرم غطى
رأسه ناسيا، قال: يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شئ عليه. (1)
ظاهر الرواية أن الإمام عليه السلام استفاد من التغطية في كلام السائل التغطية بالقناع،
ولذا قال يلقي القناع عن رأسه ويعبر عن كل ما يستر الرأس بالقناع والمقنع.
ورواية الحلبي قال: المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده. (2)
وهذه الرواية لا تشمل التغطية للوجه بوضع اليد عليه أو تجفيفه
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد
النوم يغطي وجهه، قال: نعم، ولا يخمر رأسه، والمرأة المحرمة لا بأس بأن يغطي
كله وجهها عند النوم. (3)
وهذه الرواية تدل على أن تخمير الرأس بالقاء القناع عليه، أو اللحاف
حين النوم لا يجوز وإن كان لدفع الذباب وأما عدم جواز تجفيف الرأس بالمنديل
وغيره فلا يستفاد منها.
أما جواز تغطية المرأة وجهها كما أشير إليه في ذيل الرواية يمكن حمله
على ما لا ينافي قوله عليه السلام: احرام المرأة في وجهها
ورواية حريز قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم غطى رأسه ناسيا قال

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الاحرام الحديث 1.
211

يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شئ عليه. (1)
وظاهر التغطية بالنسيان إن الستر كان بما هو المتعارف، ويبعد شمولها
لما نحن بصدده من اعتبار الكشف الذي يقابل الستر في تغطية العورتين وسترهما
في باب الصلاة حتى يحرم التغطية بوضع اليد على الرأس في المحرم ومسح
الوجه بالدلك والمنديل في المحرمة.
وفرق بين الدلك والتغطية بما يقال في ضرب الجبهة على الأرض في السجدة
وارتفاعها قهرا، من أنه لو تمكن من امساك الرأس بعد الرفع يعد سجدة واحدة،
وقد أشكلنا هناك بأن الضرب لا يصدق عليه مفهوم السجدة فإنها عبارة عن وضع
الجبهة على الأرض، وفي المقام أيضا كذلك إذ المفهوم من الدلك غير الستر
والتغطية، ولا يطلقان عليه.
ورواية الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما
فقال يلبي إذا ذكر. (2)
ويظهر من الرواية أيضا أن التغطية والستر إنما كان بما هو المتعارف.
ورواية زرارة أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن المحرم يقع الذباب على وجهه
حين يريد النوم فيمنعه من النوم أيغطي وجهه إذا أراد أن ينام قال: نعم. (3)
عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: المحرم يغطي وجهه عند النوم والغبار
إلى طراز شعره. (4)
والمستفاد من الروايتين أن تغطية الوجه جالا حرمة فيها، ولكن الكلام
في أن الجواز يختص بحال الاضطرار والضرورة كما عليه ابن أبي عقيل، وأما

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من كفارات الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 7
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 8.
212

في غيرها فتحرم تغطية الوجه بدليل ثبوت الكفارة عليها كما في بعض الروايات
المتقدمة، أولا يختص به
لكن الظاهر من عدم ذكر الرأس عند النوم والغبار إن تغطية الوجه لا تحرم
أصلا لا من جهة ايذاء الذباب والغبار عند النوم وغيره، إذ لا فرق في الاضطرار
والحاجة الشديدة إلى التغطية، بين الرأس والوجه، فيجوز تغطية الرأس كما
يجوز تغطية الوجه في ذلك الحال ومقابلة الوجه للرأس في الرواية وعدم ذكر
الرأس فيها إنما لبيان الداعي إلى العمل، وإن ستر الوجه إنما يحتاج إليه المرء
عادة حين ما يريد النوم، لا لبيان الشرطية والقيدية مضافا إلى أن تحقق الاضطرار
بمثل الغبار وايذاء الذباب مشكل، إلا إذا كان الذباب كبيرا كما شاهدناه.
وأما الشيخ فالتزامه بالكفارة عند تغطية الوجه كما في رواية الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا فقد (1) حمل على الاستحباب
ولم يعملوا بظاهر الرواية مع احتمال أن تكون النسخة غطى رأسه كما في نقل
آخر رواه صاحب الوسائل في باب الكفارات (2)
والحاصل أن تغطية الوجه جائز للمحرم دون الرأس وأما إعادة التلبية إذا
غطاه ناسيا وإن كان الظاهر من قوله عليه السلام يلبي هو الوجوب كما هو ظاهر الشيخ
في التهذيب ولكن غيره من الفقهاء أجمعوا على استحباب التلبية بعد التغطية،
كما في الكفارة.
تذييل
بقي مطلب لم يتعرض له في الروايات، وإنما ذكر الفقهاء في كتبهم،
وهو وضع الرأس على الوسادة فهل تصدق عليه التغطية بستر بعض الرأس بذلك

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الاحرام الحديث 1.
213

أم لا، ذهب العلماء بأجمعهم إلى الجواز لعدم صدق التغطية عرفا، كما أوضحناه
من أن الظاهر من التغطية أن لا يتخذ ثوبا لرأسه بمثل القناع والتخمير، لا مثل الستر
الواجب في الصلاة بحيث يحصل بجميع أقسام الستر بالورق واليد والطين و
يقابله الكشف بهذا المعنى ولو لحظة
ويؤيد ما ذكر جواز وضع الرأس على العمامة إذا كانت ملفوفة، ويصدق
عليه إن الرأس مكشوف لا مستور، فكذلك الوسادة ووضع الرأس عليها، مضافا
إلى السيرة المستمرة التي يمكن أن تعدد ليلا مستقلا، فإنها جرت بذلك، فإن النبي
صلى الله عليه وآله وأصحابه كانوا يضعون رؤوسهم على الوسادة والأرض، ولا أقل على الأرض،
لضرورة طبيعية يقتضي ذلك بل توجبه إذ لا يمكن امساك الرأس في الهواء في مدة
الاحرام، وعدم وضعه على الأرض وغيرها وهذه الضرورة الطبيعية ليست كساير
الضرورات حتى تتقدر بقدرها، ويكتفى بأقلها.
وأما تغطية المحرمة وجهها عند النوم يدل على جوازها بعض الروايات
كرواية زرارة المتقدمة قال قلت لأبي جعفر الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه
من الذباب: قال نعم. ولا يخمر رأسه والمرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله (1)
وقد تقدم تفصيلا إن احرام المرأة في وجهها، ويجب عليها أن تسفر عن
وجهها بلا خلاف، بل الاجماع عليه بقسميه كما في الجواهر وعن المنتهى أنه قول
علماء الأمصار.
وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام مر أبو جعفر بامرأة متنقبة وهي محرمة
فقال: احرمي واسفري الخبر (2)
وفي رواية مر أبو جعفر بامرأة محرمة وقد استترت بمروحة فأماط المروحة
بنفسه عن وجهها (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 4.
214

فعلى هذا لا يجوز للمحرمة تغطية وجهها إلا إذا كانت لضرورة كما إذا كان
ناظر أجنبي ينظر إليها فيجوز أو يجب الاسدال عليها لأنها عورة يلزمها الستر من
الرجال الأجانب
وأما تغطية الوجه حال النوم فقد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز
تغطية المحرمة وجهها كله ونفي البأس عنه قال صاحب الجواهر قدس سره ولم أقف
على راد له كما أني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية انتهى.
وفي حاشية التهذيب المطبوع قديما بعد نقل الرواية قال أجمع العلماء على
أن احرام المرأة في وجهها فلا بد من حمل الرواية على الضرورة، واحتمل أن
رمز الحاشية للمجلسي عليه الرحمة
وقال صاحب الجواهر بعد نقل الرواية ويمكن إرادة التغطية بما يرجع إلى
السدل أو ما يقرب منه فتدبر هذا
الظاهر أن الحمل على السدل بعيد سيما في حال النوم، وأما الاضطرار
يحتمل أن يتحقق فيه لأجل أن المرأة إذا كانت في غير حال النوم تستر وجهها باليد
والمروحة أو الاسدال عن ناظر أجنبي إليها وأما حالة النوم حيث إنها في معرض
النظر فلا يبعد أن تكون التغطية لوجهها جائزة لها حفظا عن الرجال الأجانب نعم
لو كانت في بيت لا يقع النظر إليها أصلا، لا يجوز تغطية الوجه وستره هذا تمام
الكلام في التغطية أما التظليل فسيأتي إن شاء الله حكمه
215

في حكم التظليل
ويحرم على الرجل المحرم التظليل عليه حال السير والحركة إلى مكة و
إلى عرفات بأن يجلس في محمل أو قبة أو عمارية، وأما السير في ظل الحمل أو
الجدار فليس من التظليل المحرم
لا خلاف في الحرمة اجمالا، بل ادعي الاجماع عليها، ولم يحك الخلاف
إلا عن الإسكافي حيث قال: يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه لأن السنة بذلك
جرت، ولكن العبارة ليست صريحة في ذلك إذ قد يعبر بالجواز عند الضرورة
المحتمل لحرمة التظليل في غيرها، أو عدم الاستحباب عندها، والعمدة في المقام
الأخبار المروية في المسألة وإن كان أصل الحكم ثابتا لا شبهة فيه، إلا أن الخلاف
إنما وقع في كيفية التظليل، كظل المحمل والجدار، وإن المراد وقوع الظل على
الرأس أو جعل شئ فوقه وإن لم يوجد ظل كما في الليل وحال الغيم وإن الظل
ما هو الحاصل من الشمس، أو يعم ظل القمر والنجوم، أو أن المراد من السير هو
السير في الطريق، ويقابله التوقف، أو المشي والحركة، لو كان في المنزل والدار
216

أو السوق كما لو أراد المحرم أن يشتري شيئا من السوق أو من الحانوت حين ما
يتوقف عن السير وإن التظليل يصدق في الليل وفي السيارة المسقفة أو الطائرة
كما هو المبتلى به في عصرنا أو لا يصدق، فعلى كل حال لا بد من التأمل في مفاد
الأخبار المروية في المسألة
وقد عقد شيخنا الحر العاملي في الوسائل بابا في المسألة وقال باب تحريم
تظليل الرجل المحرم على نفسه سائرا ونقل أخبارا كثيرة حول المسألة منها
رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سألته عن المحرم يركب القبة
فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة قال: نعم (1)
والقبة كانت مرسومة ومعدة لايجاد الظل على الراكب السائر، وكلمة لا ظاهرة
في عدم جواز ركوب القبة بل صريحة فيه
عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يركب في القبة، قال ما
يعجبني إلا أن يكون مريضا، قلت: فالنساء قال: نعم (2)
وهذه الرواية وكلمة ما يعجبني ليست صريحة في التحريم بحيث لا يحتمله
الشك، ويمكن حملها على التقية
عن عبد الله بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول أظلل وأنا محرم قال:
لا، قلت: أفأظلل وأكفر، قال: لا: قلت: فإن مرضت، قال: ظلل وكفر، ثم قال
أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من حاج يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس إلا
غابت عنه ذنوبه معها (3)
هذه الرواية في مقام بيان ترتب الثواب على عمل الحاج إذا كان يضحي
ملبيا ولا تستفاد منه الحرمة التكليفية وعدم جواز التظليل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 3.
217

ويمكن أن يقال إنها في مقام الجواب عن السؤال من التظليل وترتب الكفارة
عليه، وقوله عليه السلام بعد كلام السائل أظلل وأنا محرم: لا: ظاهر في الحرمة، و
اشتمال الرواية على ترتب الثواب على الاضحاء لا يمنع عن الظهور فيها
نعم يستفاد من الرواية أن ما هو الواجب على المحرم الاضحاء، وأن يكون
معرضا لشعاع الشمس وحرها ولا يستر نفسه عنها حتى تغيب الشمس، فعلى هذا
فهل يستفاد منها جواز التظليل وركوب القبة أو ركوب السيارات المسقفة بالليل،
لعدم صدق الاضحاء إذا لم يركبها، أو لا يستفاد ذلك، فيحتاج إلى التأمل في
الروايات للابتلاء به في عصرنا وكثرة السؤال عنه، حتى يعلم أن فيها تعرض بالليل
أم لا.
عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يركب في الكنيسة،
قال: لا، وهو في النساء جائزة (1)
وعن الحلبي أيضا قال سألت أبا عبد الله على عن المحرم يركب في القبة،
فقال ما يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا (2)
والتعبير بعدم الاعجاب يمكن أن يكون للتقية لا لله لالة على الجواز وكراهة
التظليل، فإن العامة يرونه جائزا.
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرحل المحرم
كان إذا أصابته الشمس شق عليه وصدع فيستتر منها فقال: هو أعلم بنفسه إذا علم
أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها (3).
وهذه الرواية تدل على جواز التظليل عند الاضطرار والحاجة الشديدة
إليه.
عن محمد بن منصور عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الظلال للمحرم فقال:

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 6.
218

لا يظلل إلا من علة أو مرض (1).
عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن المحرم يظلل عليه
وهو محرم قال: لا: إلا مريض أو من به علة والذي لا يطيق حر الشمس. (2)
عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله هل يستتر المحرم من الشمس
فقال: لا. إلا أن يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علة. (3)
وروى الحميري في قرب الأستاذ مثله إلا أنه قال شيخا فانيا.
عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالظلال للنساء وقد
رخص فيه للرجل (4).
وهذه الرواية حملها الشيخ الطوسي قدس سره على الضرورة واحتمل صدورها
للتقية.
عن عبد الله بن مغيرة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظلال للمحرم فقال:
اضح لمن أحرمت له قلت: إني محرور وإن الحر يشتد على فقال: أما عملت أن
الشمس تغرب بذنوب المجرمين (5)
عن قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال عن أبي جعفر عليه السلام كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم (6)
ولا يستفاد من فعل الإمام عليه السلام حرمة الاستظلال وإن كان الحكم اجماعيا نعم
يستفاد منه أهمية الموضوع ومطلوبية ترك الاستظلال وترتب الثواب عليه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 8
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 7
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 9
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 10
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 11
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 12.
219

عن عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام أن علي بن
شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم، فقال: إن كان كما زعم فليظلل
وأما أنت فاضح لمن أحرمت له (1)
عن زرارة قال سألته عن المحرم أيتغطى قال: أما من الحر والبرد فلا (2)
هذه الرواية المذكورة في باب التظليل في الوسائل مربوطة بالتغطية لا
التظليل.
فهذه عدة روايات وردت في حكم التظليل وأنه حرام على المحرم حال
السير.
هل المقصود منها إن التظليل بالمعنى الحقيقي اللغوي حرام بأن يمنع عن
اشراق الشمس عليه بالجلوس تحت القبة في المحمل أو بايجاد مظلة أخرى
كالشمسية وغيرها فلو لم يكن شمس تشرق عليه كما في الليل أو الغيم فلا بأس بالجلوس
تحت القبة ونحوها.
أو المراد أن ايجاد الشئ فوق الرأس سواء كان قبة أو مظلة أخرى بنفسه
حرام سواء كان هنا تظليل بالمعنى الحقيقي أم لا فعلى هذا جعل الشمسية فوق الرأس
بالليل، أو النهار حال الغيم، أو الجلوس في المحمل المسقف بالليل أو السيارة
كذلك يحرم على المحرم حال السير، وجهان.
قال في الدروس: فرع هل التحريم في الظل لقوات الضحى أو لمكان الستر
فيه نظر، لقوله عليه السلام اضح لمن أحرمت له والفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا
الشمس، وفيمن تظلل به وليس فيه وفي كشف اللثام يغبى يجوز الأول على الثاني
دون الأول والثاني بالعكس.
وقال صاحب الجواهر قدس سره يمكن كون التظليل محرما لنفسه وإن لم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 13
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 14.
220

يفت صحة الضحى للشمس، أي البروز بما أحرم به لها ولذا حرم حيث لا تكون
شمس وإن أبيت ذلك فليس إلا الاحتمال الأول ضرورة أن الستر لا أثر له في النصوص
سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة على الستر المخصوص و
أما الأول أي الاضحاء فقد عرفت تكرار الأمر به في النصوص المزبورة على وجه
يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء انتهى موضع الحاجة.
فعلى ما استفاده صاحب الجواهر لكان ما ذهب إليه الدروس أقوى من أنه
لو جلس تحت القبة وأخرج رأسه إلى الشمس لا اشكال فيه، وكذا لو جلس
تحت الخيمة وأخرج رأسه لا يصدق عليه التظليل إذ لم يتحقق التظليل خارجا
كما إذا لم تكن شمس كما في الغيم أو الليل، لوضوح الفرق بين ما لو قيل لا:
تجعل على رأسك شمسية أو شيئا آخرا، وبين ما إذا قيل لا تظلل على رأسك،
إذ لا يتحقق التظليل إلا مع وجود الشمس وجعل المانع عن اشراقها لكي يوجد الظل.
نعم هنا روايتان تدلان على حرمة التظليل من المطر والبرد أيضا وظاهرهما
النهي عن الجلوس تحت القبة وجعل المانع عن إصابة المطر وتأثير البرودة و
إن لم يكن تظليلا بالمعنى الحقيقي.
ولكنهما أيضا تدلان على حرمة التظليل عن المطر والبرودة بجعل المانع
عنهما ولا تدلان على حرمة جعل شئ فوق الرأس بالليل أو حين الغيم وإن يكن
اضحاء ولا حر من الشمس لو لم يفعل ذلك.
عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان وسئل
عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتل،
فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1)
عن زرارة قال سألته عن المحرم أيتغطى قال أما من الحر والبرد فلا. (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 13
ولا يبعد ظهورها في تغطية الرأس لا التظليل الذي نحن فيه.
221

والحاصل أنه لم نجد في الروايات والأخبار وكذا في فتاوى العلماء اسم
الليل مع التظليل، مع أنهم يذكرون المصاديق النادرة في المسائل التي يبحث عنها
كما في الدخول الموجب للغسل يصرحون، حيا كان أو ميتا، وكان المناسب
في المقام أيضا أن يقال: التظليل حرام ليلا كان أو نهارا والحال أنهم لم يتعرضوا
له أصلا.
ثم إن عدم تعرض القوم لما ذكر وسكوتهم عنه، فهل كان من جهة الاعتماد
والاتكال على ظهور كلمة التظليل الذي يتحقق مع وجود الشمس وبروزها لا عند
غروبها أو غيابها تحت غيم، لوضوح أنه لو قيل لا تسر تحت الشمس، فلا يستفاد
منه إلا اختصاص الحكم بالنهار ووجود الشمس، ولا يناسب أن يقال ليلا كان
أو نهارا، ولفظة التظليل أيضا كذلك.
نعم لو كان المراد من التظليل المذكور في الروايات ايجاد شئ يمنع عن
اشراق الشمس إذا تحققت وطلعت لأمكن أن يقال إن التظليل على النهج المذكور
غير جائز سواء كان ليلا أو نهارا
وبعبارة أخرى إن كان المراد من التظليل أنه لا يجوز للمحرم أن يصنع شيئا
يكون مانعا عن اشراق الشمس عليه حينما طلعت فحينئذ يحرم الجلوس تحت القبة
والخباء والكنيسة والسيارة المسقفة بالليل سائرا أو حال الغيم مطلقا، وأما إذا كان المراد
أن المحرم لا يجوز له أن يمنع عن اشراق الشمس عليه وعن الاضحاء، فلا يصح
الاطلاق إذ لا يتحقق هذا المعنى إلا في النهار ووجود الشمس من دون غيم لا مطلقا
ولم أجد من أطلق من العلماء حرمة التظليل ليلا كان أو نهارا غيما كانا وغير غيم
نعم قال صاحب الجواهر عند ذكر كلام الدروس كما تقدم: يمكن أن يكون
التظليل في حد نفسه حراما وإن لم يفت منه الضحى للشمس، ويكون الاضحاء
واجبا آخر مستقلا، ويتفرع عليه أنه، لو جلس تحت الخيمة بالليل أو النهار حين
ما كانت الشمس مستورة بالسحاب وغير ظاهرة بسبب الغيم يكون حراما من جهة
222

التظليل لا من جهة فوت الاضحاء وكذا لو أخرج رأسه من الخيمة بالنهار حين
ظهور الشمس.
وهذا الاحتمال صحيح لو كان ما ذكر في الروايات من لفظة الخيمة والخباء
والكنيسة على نحو الموضوعية لا الطريقية، حتى يكون الجلوس في القبة حراما،
وإن أخرج رأسه منها وأشرق عليه الشمس، ولو كان كذلك لاقتضت القاعدة و
العادة في بيان المسائل وشقوقها أن يصرحوا به ويقولوا ليلا كان أو نهارا غيما كان
أو غيره، أو يذكروا من محرمات الاحرام شيئين، التظليل وترك الاضحاء
وبالجملة المقصود من بيان الاحتمالات وذكرها أن المسألة ليست اجماعية
وخالية عن النقض والابرام حتى يعد القائل بعدم حرمة التظليل بالليل أو حال الغيم،
مخالفا له، إذ الفقهاء رضوان الله عليهم عبروا في المقام بالتظليل ولم يذكروا
التفصيل، ولا القمر والليل مضافا إلى ما في الروايات من قوله صلى الله عليه وآله ما من حاج
يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت عنه ذنوبه معها وقوله عليه السلام أما علمت أن
الشمس تغرب بذنوب المجرمين (1)
وذكر المحمل والقبة والخباء في الروايات ليس من باب الموضوعية
والخصوصية. بل هو للمنع عن الشمس والاضحاء، ولايجاد الظل على المحرم
فالجزم بشمول الحكم للتظليل بالليل وحال الغيم مشكل وإن قوينا في السابق أن
الاحتياط أن لا يظلل بالليل ولم نجرأ أن نقول بجواز الاستظلال وركوب السيارة
بالليل سائرا ولكن لو استظل بالليل لا تجب عليه الكفارة ولو شك الأصل فالبراءة
والاحتياط حسن هذا تمام الكلام فيما لو جعل الظل فوق الرأس سائرا وأما غيره
فيأتي حكمه في ضمن مسائل إن شاء الله

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الاحرام الحديث 3 - و 11.
223

مسائل
المسألة الأولى قد اختلفت كلمات الفقهاء من أصحابنا فيمن نزل عن القبة
ومشى في ظل المحمل سائرا أو مشى في ظل جدار أثناء السير أو ألقى ثوبا على
جانب المحمل حتى يوجد الظل ويمشي فيه، أو يستر بعض جسده ببعض وأكثرهم
على الجواز في جميع ذلك ويستفاد من بعض الأخبار أيضا وينبغي ذكرها
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام هل يجوز
للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل فكتب نعم (1)
وقوله يمشي تحت الظل ظاهر في أنه لم يكن على رأسه بحيث يمشي تحت
المحمل ويكون هو فوق رأسه
عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يستتر المحرم عن الشمس
بثوب ولا بأس أن يستر بعضه ببعض (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 5.
224

معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه
على وجهه من حر الشمس ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض (1)
عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي وشكا إليه حر الشمس
وهو محرم وهو يتأذى به فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي، قال: لا بأس بذلك
ما لم يصب رأسك (2)
عن الإحتجاج للطبرسي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب
إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية
أو الكنيسة ويرفع الجناحين أم لا فكتب إليه في الجواب: لا شئ عليه في تركه
رفع الخشب (3)
مفاد الرواية أن المحرم كان رفع الظل الحاصل من الفوق برفع المظلة و
ترك الخشب الواقع في الفوق والجناحين فكتب عليه السلام لا شئ عليه في تركه رفع
الخشب ولم يبين حكم الخشب الواقع في الجناحين فإن كل محمل يتركب من
ثلاثة أقسام الفوق والجناحان وقد يحتاج إلى أربعة قطعات أو خمسة بإضافة المقدم
والمؤخر، ونفي البأس عن رفع الخشب وتركه يمكن أن يكون مع الظلال و
يحتمل أن يكون مختصا بالخشب لا الظلال فإن رفع الظلال إنما كان واضحا
فأحيل في الجواب إلى الوضوح وأما الجناحان فلم يعلم الوجه في السكوت عنهما
ويصير مجملا من هذه الجهة
ولكن الظاهر أن الراوي سئل عن الظلال الحاصل من المظلة المصنوعة
للمحامل والخشب المركب في صنعها، وأجيب بأنه لا مانع في ترك الخشب الموجود
في العمارية والكنيسة إذا رفع الظلال والثياب منها وبقي الهيكل مجردا عن الستارة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من كفارات الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 6.
225

وفي رواية أخرى عن الحميري أنه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع
أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل
ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1)
ومورد الرواية صورة الغيم وعدم بروز الشمس وصرح فيها أن التظليل في
المحمل غير جائز، وأما في غير المحمل بأن يمشي في جانب المحمل واستظل
به فلا بأس به، هذا هو الظاهر من الرواية ولكنها تحتاج إلى تصحيح السند وتقوية
الدلالة ولا أقل من اعتماد العلماء عليها وإن كان المشي في ظل المحمل قد صرح
في الرواية بجوازه
وأما الجلوس في المحمل الذي يقع الظل من خشب الجناح على المحرم
فهو مجمل لا يستفاد حكمه من الرواية فإن استفدنا من جواز المشي في ظل المحل
أن الظل الواقع على المحرم إذا لم يكن فوق الرأس لا مانع منه فيجوز أن يجلس
في المحمل مع وقوع الظل عليه من الجناحين لا من فوق الرأس
وأما إذا قلنا إنه فرق بين الجلوس في المحمل وبين المشي في ظل المحمل
كما فرق الإمام عليه السلام بينهما في رواية الحميري فيصح أن يقال إن الموافق للاحتياط
رفع الحاجبين والجناحين إذا كان جالسا في المحمل ووقع الظل عليه منهما
لاجمال الرواية وعدم الصراحة فيها بالنسبة إلى غير المشي وكان صاحب الوسائل
قدس سره استفاد جواز ذلك فقط وقال: باب جواز مشي المحرم تحت ظل
المحمل ولم يتعرض للجلوس فيه وقد تقدم أن جعل النطع على رأسه في المحمل
خوفا من المطر عليه دم كما في رواية الحميري وقد تعرضنا للرواية فيما سبق اجمالا
ونذكرها هنا ونبحث حولها تفصيلا.
عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه سئل صاحب الزمان عليه السلام عن
المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الاحرام الحديث 7.
226

فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1)
والظاهر من الرواية أن جعل المظلة على الرأس لدفع الضرورة والمشقة
جائز فإن تحملها وقبولها ليس بواجب شرعا، مثل الحرارة الشديدة الحاصلة من
الشمس إذا أضرت بالمحرم، وأما لغير الضرورة ليس بجائز، وعدم الجواز وإن لم
يصرح به في الرواية، بل قال لو فعل ذلك في طريقه فعليه دم لكنه بناء على ملازمة
الكفارة للحرمة يعلم عدم جواز الاستظلال حال الاختيار، ويعلم أيضا إن جعل
النطع وغيره فوق الرأس غير جائز ولو في حال الغيم وعدم ظهور الشمس، و
لازم ذلك حرمة الاستظلال في الليل أيضا
ولكن في الرواية احتمالين أحدهما أن يكون الحكم بالحرمة من جهة التظليل
وإيجاد المظلة فوق الرأس حتى حال الغيم وعدم وجود الشمس
وثانيهما أن المنع عن المطر موجب للدم، بمعنى أنه يجب عليه تحمل المطر
كما ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السلام من استحباب تحمل المشقة، إلا عند الضرورة
فيمنع عن المطر ولكن يجب عليه الكفارة
والحاصل أنه يحتمل أن يطلق على جعل النطع فوق الرأس التظليل والاستظلال
حتى حال المطر والغيم كما يقال الشمسية إذا جعلها على رأسه بالليل مع عدم
وجود الشمس فكذلك التظليل بالليل أو في الخباء بالنطع وغيره مع عدم الشمس
أصلا.
ويحتمل أن يكون المراد من الاستظلال ما هو التظليل الحالي والحقيقي.
فعلى الأول دلالة رواية الحميري على حرمة الاستظلال بالليل وحال الغيم
بالتقريب الذي تقدم على الثاني لزوم الدم في الرواية إنما هو من جهة وجوب
تحمل المطر وعدم المنع عنه إلا عند الضرورة فلو لم يكن بالليل أو حال الغيم
مطر لا مانع من جعل الشئ من النطع وغيره فوق الرأس كما احتمله بعض المتأخرين

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 7.
227

المسألة الثانية القدر المتيقن من النصوص أن الجلوس في المحمل
المستور أعلاه لا يجوز للمحرم إذا كان الستر مانعا عن شعاع الشمس فهل يشمل
ما لو كان المحمل أو السيارة مستورا أو مسقفا بالزجاج بحيث لا يمنع عن الشعاع
والحرارة، أو لا يشمل وجهان.
ومنشأ الترديد أن الزجاج لا يمنع عن شعاع الشمس والحرارة بل قد يكون
الحرارة أشد، فإن كان المقصود من عدم التظليل ووجوب الاضحاء، اشراق الشمس
والتأذي به فهو حاصل ويصدقان عليه
وأما لو كان المراد الاشراق بلا واسطة وعدم حيلولة شئ فلا يصدق الاضحاء،
ولا أقل من الشك في المورد كما أن الشك حاصل في مطهرية الشمس إذا أشرقت
من وراء الزجاج على المتنجس، والاحتياط وكذا الاستصحاب يقتضي النجاسة
إذا لم يعلم الحكم
ومثله كراهة المقابلة والمواجهة للسراج فقد صرحوا بعدم البأس إذا كان بينه
وبين المصلى مانع، لما قد يشك في أن الزجاج وغيره من الأجسام الشفافة التي
لا تمنع من الضوء والحرارة هل يعد مانعا أم لا وكذا في الحيلولة بين الصفين
في الجماعة إذا كان الحائل مما ذكر ويختلف الحكم باختلاف الموارد، وفيما
نحن فيه لا يبعد أن يكون الأصل البراءة من التكليف فإن القدر المتيقن من الاستظلال
المحرم، أن يمنع عن الشمس وشعاعها والحرارة الحاصلة منها والزجاج ليس
كذلك إذا لم يعلم وجوب اشراقها عليه بلا واسطة شئ، وإن لم يكن مانعا عنه
المسألة الثالثة يجوز للمحرم حال السير أن يستر بعض جسده ببعضه كما
ورد أن رسول الله كان لا يركب المحمل ولكن يستر بعض جسده ببعضه.
روى جعفر بن محمد المثنى في رواية عن أبي الحسن عليه السلام كان رسول الله
يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض وربما
228

يستر وجهه بيده وإذا نزل استظل بالخباء وفي البيت وبالجدار (1)
يستفاد منها إن وضع اليد على الرأس للمنع عن اشراق الشمس لا بأس به
لصدق البعض على ذلك
عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب
ولا بأس أن يستر بعضه ببعض (2)
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه
على وجهه من حر الشمس ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض (3)
واطلاق الرواية يشمل حال كونه راكبا أو راجلا وإن وضع اليد على الوجه
لستر الشمس عنه لا اشكال فيه وكذا لو وضع يده على رأسه من جهة الاستظلال
وأما من جهة تغطية الرأس فلا يجوز لو قلنا بشمول الروايات الدالة على حرمة
التغطية للرأس بمثل اليد
ويخالف ما تقدم، ويعارضه ما روي عن سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده قال: لا إلا من علة (4)
ومفاد الرواية أن ستر البدن من الشمس باليد أو العود لا يجوز للمحرم
فلا بد من حملها على الكراهة في الستر باليد لما تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستر بعض
جسده ببعضه ولأجل أن تحمل المشقة والزحمة وحر الشمس مندوب وأن الله يحب
الحاج الأغبر والاضحاء يوجب المغفرة
وأما العود فتارة يكون صغيرا فهو مثل اليد في الحكم وأخرى يكون كبيرا
وعريضا بحيث يوجب الظل ويكون كالاستظلال فلا يجوز كما إذا جعل على رأسه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 3
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 69 من تروك الاحرام الحديث 5.
229

عودا عريضا
وأما الستر بالثوب فالروايات فيه أيضا مختلفة
عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يستتر المحرم من الشمس
بثوب ولا مانع أن يستر بعضه ببعض (1).
عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله يقول لأبي وشكا إليه حر الشمس
وهو محرم وهو يتأذى به فقال ترى أن أستتر بطرف ثوبي قال بأس بذلك ما
لم يصب رأسك (2).
ويجمع بين الروايتين بحمل ما تدل على الجواز على الضرورة ولعل
اختصاص الوجه بذلك أنما لدفع الضرر به وعدم الحاجة إلى الزائد مع حفظ
الرأس عن التغطية التي تحرم حال الاحرام أو عدم كون الظل على فوق الرأس بل
على اليمين واليسار كما نشير إليه
المسألة الرابعة قد تقدم أن المشي تحت ظل المحمل لا اشكال فيه كما
في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة
قال كتبت إلى الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل
فكتب عليه السلام نعم الحديث (3)
الرواية صريحة في جواز المشي تحت ظل المحمل والاستفادة منه بهذا
النحو، فهل يمكن شمول اطلاقها للمشي تحت المحمل بحيث يقع فوق رأسه،
إذا لم يكن للجناح ظل مثلا، أو هي مخصوصة بالمشي في الظل الحادث من
المحمل في جوانبه من دون أن يكون المحمل فوق رأسه ولكل وجه
فقد جد واجتهد بعض العلماء في أن التظليل المحرم على المحرم هو

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 1.
230

احداث الظل وايجاده، لا الاستفادة من الظل الموجود فلو مر من تحت السقف
أو الشجرة لا يصدق عليه التظليل وأما المحمل والكنيسة إنما صنعا للجلوس فيه
لا للاستظلال.
لكن تصديق هذا الاجتهاد مشكل، إذ الظاهر من التظليل المحرم على
المحرم حال السير أن لا يسير تحت الظل، سواء أحدثه نفسه أو غيره كما لو أراد
أن يسير بالسيارة المسقفة فإنه يصدق عليه التظليل وإن كان لم يوجده بل استفاد من
ظل موجود.
وعلى كل حال لو استفدنا من رواية ابن بزيع المتقدمة الاطلاق وقلنا
بجواز الاستظلال بالمشي تحت المحمل يكون الاستظلال المحرم في الرواية مختصا
بالراكب لا الراجل كما ذكره بعض الأعاظم من العلماء
وفي رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله قال عليه السلام لا يستتر المحرم من
الشمس بثوب ولا بأس أن يستر بعضه ببعض (1)
وهذه الرواية شاملة باطلاقها الراكب والراجل وكذا ما لو جعل الثوب فوق
الرأس حتى يقع الظل عليه وما جعل وألقى في جانب المحمل حتى يقع الظل من
الجناح فعلى هذا مفاد الرواية الأولى جواز المشي في ظل المحمل ومفاد الثانية
عدم جواز التظليل في المحمل بمثل الثوب
يمكن الجمع بينهما بحمل الأولى على الظل الحادث من المحمل فيجوز و
الثانية على الظل الذي يوجد بأعمال سبب آخر مثل الثوب كما يمكن أن يقال إن
الجواز يختص بما إذا كان الظل حادثا من الجناح وعدم الجواز بما إذا وقع الظل
من فوق الرأس فلو ألقى الثوب على الجناح وحدث الظل من اليمين أو
اليسار فلا حرمة في الاستظلال به أو يقال إن جواز الاستظلال إنما هو للماشي وأما
الراكب فلا يجوز له الاستظلال بالثوب وغيره كما هو الظاهر من رواية الحميري

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 2.
231

المتقدمة (1)
المسألة الخامسة أن حرمة التظليل على المحرم إنما يختص بحال السير
والحركة ولا يحرم في المنزل حال التوقف أثناء السير وهذا الحكم متفق عليه عند
علمائنا والفارق النص من المعصومين عليه السلام وعمل النبي صلى الله عليه وآله والايراد والنقض
فيه إنما هو اجتهاد في مقابل النص واعمال القياس في الدين - وقد وقع البحث
فيه بين أئمتنا عليه السلام وبين المخالفين
عن الاحتجاج قال سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى بن جعفر بمحضر
من الرشيد وهم بمكة فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله، فقال له
موسى عليه السلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن
يمشي تحت الظلال مختارا فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك
فقال له أبو الحسن عليه السلام أتعجب من سنة النبي صلى الله عليه وآله وتستهزئ بها، إن رسول الله
كشف ظلاله في احرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم أن أحكام الله يا محمد لا تقاس
فمن قاس بعضها على بعض فقد ظل سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع (2)
ورواه المفيد في الارشاد عن أبي زيد عبد الحميد
عن عيون الأخبار باسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال
أبو يوسف للمهدي وعنده موسى بن جعفر عليه السلام: أتأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس
عنده فيها شئ فقال له: نعم فقال لموسى بن جعفر عليه السلام أسألك وقال: نعم، قال:
ما تقول في التظليل للمحرم قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل
البيت، قال: نعم قال فما الفرق بين هذين قال أبو الحسن: ما تقول في الطامث
أتقضي الصلاة قال: لا قال فتقضي الصوم قال: نعم. قال: ولم، قال: هكذا جاء
فقال أبو الحسن: وهكذا جاء هذا، فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الاحرام الحديث 6.
232

قال رماني بحجر دامغ (1)
وعن محمد بن الفضيل قال كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة وكان هناك
أبو الحسن موسى عليه السلام وأبو يوسف. فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه، فقال
يا أبا الحسن: جعلت فداك المحرم يظلل، قال: لا، قال: فيستظل بالجدار والمحمل
ويدخل البيت والخباء قال نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له
أبو الحسن يا أبا يوسف: إن الدين ليس بقياس كقياسك وقياس أصحابك إن الله
عز وجل أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه شاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين وأمر في
كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله وأبطلتم شاهدين
فيما أكد الله عز وجل وأجزتم طلاق المجنون والسكران حج رسول الله فأحرم ولم
يظلل ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار فعلنا (فقلنا) كما فعل رسول -
الله فسكت (2)
عن جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل وبشير بن -
إسماعيل قال: قال لي محمد: ألا أبشرك (أسرك) يا ابن مثنى، فقلت: بلى، فقمت
إليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السلام، ثم أقبل عليه فقال
يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل فقال له: لا، قال فيستظل في
الخباء فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق
بين هذا، فقال يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون إنا صنعنا
كما صنع رسول الله وقلنا كما قال رسول الله، كان رسول الله يركب راحلته فلا
يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض وربما يستر وجهه بيده وإذا
نزل استظل بالخباء وفي البيت وبالجدار (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الاحرام الحديث 1.
233

والمستفاد من الروايات المتقدمة كما ترى أن الإمام عليه السلام استدل على الخصم
بفعل الرسول وعمله، وأنه صلى الله عليه وآله كان إذا نزل يستظل بالخباء والجدار ولا يستظل
حين ما يركب ويستفاد منه جواز الاستظلال بمثل الخباء والجدار في المنزل
ولا كلام في ذلك وإنما الكلام في أنه هل يقتصر في الحكم بالجواز على ما ذكر
في الروايات ولا يتعدى منه إلى غيره كما هو مقتضى الفعل بدعوى الخصوصية
فيه، الموجبة للحصر والاقتصار
أو ليس الأمر كما ذكر بل يستفاد من الروايات أن استظلال المنهى عنه،
والمحرم على المحرم، إنما هو حال السير فقط دون المنزل، وإن الحرمة مختصة
بالأول دون الثاني، فعلى هذا ذكر الخباء والجدار إنما هو من باب المثال، وإنهما
مما يتعارف الاستظلال بها في المنازل فلا يبعد استفادة التعميم وتسرية جواز
الاستظلال في المنزل بكل ما يمكن الاستظلال به بالشمسية والثوب وغيرهما و
الاستيحاش من الفرق بين السير والمنزل واستبعاده إنما هو من اعمال القياس و
ليس هو من مذهبنا والسنة إذا قيست ضيعت، كما في رواية البزنطي عن الرضا قال:
قال أبو حنيفة، أيش فرق بين ظلال المحرم والخباء، فقال أبو عبد الله عليه السلام إن السنة
لا تقاس (1)
والظاهر المتبادر من جواب الإمام عليه السلام في رواية أبي يوسف بقوله عليه السلام
حج رسول الله فأحرم ولم يظلل ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار
وكذا الظاهر من قول أبي الحسن عليه السلام بمحضر من الرشيد: إن رسول الله كشف
ظلاله في احرامه ومشى تحت الظلال، إن هذا حكم جعله الله لحكمة وشرعه
لمصلحة ولا يصح القياس فيه هذا ما هو الظاهر
ويحتمل أن تكون الروايات وإرادة في مقام الفرق بين الراكب والماشي
لا بين السير والمنزل بمعنى أنه صلى الله عليه وآله يكشف ظلاله حين ما كان راكبا ويستظل حين

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الاحرام الحديث 5.
234

ما يمشي، ولكن الظاهر هو الأول، وإن كان المستفاد من رواية ابن بزيع المتقدمة
جواز الاستظلال ماشيا أيضا كما في رواية الحميري
وبالجملة لو استفدنا من روايات الباب عموم النهي واطلاقه فلا بد من الاكتفاء
بالقدر المتيقن من المخرج والحكم بحرمة الاستظلال في غيره دون ما إذا لم يكن
لأدلة النهي عن التظليل عموم أو اطلاق فيكتفي في شمول النهي بما هو الثابت
دخوله تحت العام وهو الاستظلال بالخيمة ولو لكنيسة والمشي تحت ظلال الجدار
ولكن يعلم من استدلال الإمام عليه السلام مع المخالفين إن حكم مختص بحال السير
ولا يشمل المنزل وهذا هو الوجه في اتفاق الأصحاب على جواز الاستظلال للمحرم
إذا نزل وتوقف عن السير كما صرح به صاحب الجواهر في نجاة العباد بأنه لا مانع
من استظلال المحرم في المنزل هذا بالنسبة إلى حال السير في قبال العامة الذين
لا يقولون بحرمة الاستظلال أصلا
وأما بناء على ما اختاره أصحابنا من حرمة الاستظلال حال السير فهل يمكن
استفادة الخصوصية من فعل النبي صلى الله عليه وآله وأنه مختص بالخيمة والكنيسة والخباء
فمشكل إذ الظاهر من النصوص إن ذكر تلك الأمور إنما هو من باب مصاديق
الاستظلال لا لأجل خصوصية فيها فعلى هذا يشمل النهي جميع انحاء الاستظلال
بأي وجه اتفق إلا أن يدل دليل خاص على الجواز
(تفصيل الكلام في المقام وتتميمه)
قد وقع الحكم بحرمة الاستظلال في النصوص بتعابير مختلفة يختلف بعضها
عن بعض من جهة الدلالة سعة وضيقا وينبغي الإشارة إليها وإن قدمنا الروايات و
تكلمنا حولها وقلنا إن المشهور حرمة الاستظلال على المحرم خلافا للعامة حيث
أفتوا بجوازه وتمسكوا في ذلك بالقياس وعدم الفرق بين السير والمنزل في الجواز
وعدم الجواز فيجوز الاستظلال حال السير كما يجوز في المنزل وقد رد الأئمة عليه السلام
235

ذلك وقالوا إن الدين لا يقاس فإن رسول الله كشف الظلال حال السير والركوب
ودخل الخباء والخيمة في المنزل ونحن نعمل كما عمل رسول الله ونصنع كما صنع
وتدل النصوص على ذلك بتعابير مختلفة كما أشير إليه
ونقل عن بعض أصحابنا جواز الاستظلال كالإسكافي ولكن كلامه ليس
صريحا فيما ذكر ولا يضرنا ذلك فإن لنا في النصوص غنى وكفاية وإن كانت التعابير
مختلفة.
ففي رواية محمد بن مسلم المتقدمة عن أحدهما قال سألته عن المحرم يركب
القبة فقال: لا، قلت فالمرأة قال نعم، وفي رواية يركب الكنيسة
فهل المراد أن الركوب في القبة بما هي قبة حرام أو لأجل أنها مصداق
للاستظلال فلكل وجه وكذا الاحتمال في الكنيسة
وورد في بعض الروايات كلمة التظليل والظلال والاستظلال كما في رواية
عبد الله بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام أظلل وأنا محرم قال: لا قلت
أفأظلل وأكفر قال: لا قلت فإن مرضت قال ظلل وكفر ثم قال أما علمت أن رسول -
الله صلى الله عليه وآله قال ما من حاج يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها (1)
وفي رواية أخرى له قال: سألت أبا الحسن عن الظلال للمحرم فقال: اضح
لمن أحرمت
وفي رواية محمد بن الفضيل في مناظرة أبي يوسف مع أبي الحسن قال
أبو يوسف يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل، فقال: لا، قال
فيستظل في الخباء قال نعم، الخبر
وفي ذيل الرواية كان رسول الله يركب راحلته فلا يستظل عليها وفي رواية
قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من أبي جعفر عليه السلام
كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 3.
236

وفي رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يستتر المحرم
من الشمس فقال لا إلا أن يكون شيخا كبيرا (1)
فهذه تعابير مختلفة واردة في الروايات التي منها القبة والخباء والكنيسة و
الخيمة والظلال والتظليل والاضحاء وعدم الاستتار من الشمس والاستظلال والظل
فهل الأربعة الأولى محرمة على المحرم بما هي أو بما أنها مصاديق للتظليل
فالمحرم عليه هو التظليل ولا خصوصية للخيمة ونظائرها والظاهر كما تقدم أن الالتزام
بالخصوصية فيما ذكر مشكل
ثم إن المراد من التظليل هو أن يجعل على رأسه مظلة من قبة وشمسية
أو المراد كونه في الظل مطلقا أو المقصود أن لا يستر نفسه عن الشمس بأي سبب
كان فعلى هذا يجب عليه الاضحاء إذا كانت الشمس ظاهرة فلا يصدق التظليل في
الليل وفي حالة الغيم نعم لو قلنا إن المراد أن لا يجعل على رأسه مظلة أي ما يمنع
به عن الشمس يشمل الليل وحال الغيم ولكن استفادة العموم من هذه الجهة مشكل
فيشكل الجزم بالحكم في ركوب السيارات المسقفة بالليل أو حال الغيم نعم ورد
في رواية الحميري أنه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا
على ثيابه وما في محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل
في طريقه فعليه دم (2)
وظاهرها إن صنع المظلة حين ما لا تكون الشمس ظاهرة وفي حال المطر
غير جائز للمحرم بل هو حرام وموجب للكفارة ولكنه يمكن أن يقال إن
ايجاد المانع عن المطر بنفسه ممنوع لا من جهة الاستظلال كما ورد في زيارة
سيد الشهداء عليه السلام من أصابه المطر فله كذا والتعبير بالاستظلال إنما وقع مجازا و
المحذور في الواقع هو المنع عن المطر فتأمل وعلى كل حال لو استفدنا من

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 9
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 7.
237

الأدلة عموم النهي وشموله لمطلق التظليل راكبا وماشيا يمينا ويسارا لنحكمنا به إلا
ما قطع بخروجه من العموم كما في النساء وفي المنزل وأما لو كان الدليل مجملا
فيؤخذ بالقدر المتيقن دخوله تحت العام والرجوع إلى البراءة في غيره ولكن
المستفاد منها العموم فيرجع في المشكوك إلى العام، نعم لم يعلم أن المراد من
النهي هو جعل المظلة فوق الرأس ولو لم تكن الشمس ظاهرة أو بالليل أو الاضحاء
كما ورد اضح لمن أحرمت له فلا يستفاد العموم من هذه الجهة وإن كان الظاهر من
الكل أو المتيقن منه الاستظلال من الشمس والمنع عن شعاعها
238

فيما خرج عن العموم وحكم بجواز الاستظلال
ثم إنه بناء على استفادة عموم النهي عن التظليل والاستظلال خرج منه
موارد لا بد من الإشارة إليها
منها المحرمة يجوز للنساء الاستظلال حال الاحرام بلا خلاف وتدل عليه
الروايات وادعي الاجماع أيضا ولكن قال بعض العلماء: الأفضل أن لا تجلس
المحرمة تحت القبة ولكن الرواية لم تشر إلى تلك الأفضلية
قد يوجه كلام هذا البعض بأن الدليل العام الذي يدل على حرمة التظليل
على المحرم يشمل المرء والمرأة إلا أن الترخيص ورد بالنسبة إلى المحرمة فرفع
الالزام بترك التظليل وبقي أصله كما لو ورد أمر الزامي بوجوب شئ ثم رفع
الالزام فيقال ببقاء الاستحباب وما نحن فيه أيضا كذلك
إذ بعد رفع الحرمة عن التظليل للحرمة يبقى التظليل مكروها وتركه مستحب
وفيه أن هذا البيان يدل على كراهية الاستظلال على المرأة لا على أفضلية ترك التظليل
لها مضافا إلى أن الوجه المذكور إنما يتم لو قلنا إن المحرم يشمل المرء والمرأة
239

وهو أعم منهما وأما لو قلنا إنه يعلم من الاستثناءات أن المراد من لفظة المحرم
في الروايات هو المرء فقط فلا دليل على الكراهة في المحرمة
نعم يمكن استفادة أفضلية ترك الاستظلال بالنسبة إلى المحرمة من الأمر
بالاضحاء في عدة من الروايات وأنه ما من حاج يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس
إلا غابت ذنوبه معها وهذا يشمل كلا من المرء والمرأة وإن ترك الاستظلال مطلوب
من كل منهما لكن المرأة لأجل ضعفها والارفاق بها رخص الشارع لها أن تستظل
ورفع الحرمة عنها وبقيت المطلوبية على حالها كما في صلاتها في المسجد فإن
الصلاة في المسجد مستحب لكل من المرء والمرأة ولكن ورد أن مسجد المرأة
بيتها بحيث رخص الشارع لربة البيت أن تصلي في بيتها وتكتسب ثواب المسجد
والأجر الحاصل من الصلاة فيه وهذا لا ينافي مطلوبية الصلاة في المسجد أيضا
هذا هو الوجه في توجيه كلام البعض القائل بأفضلية ترك الاستظلال بالنسبة إلى
المحرم وإلا فلا يستفاد من أدلة الاستثناء إلا جواز التظليل
وأما الروايات فمنها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن
المحرم يركب القبة قال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم (1)
ورواية هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يركب في الكنيسة
قال: لا، وهو في النساء جائزه (2)
ورواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله قال: لا بأس بالظلال للنساء (3)
وعن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم
محرمون (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 10
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الاحرام الحديث 1.
240

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال
وهي محرمة قال: نعم (3)
والمستفاد من مجموع الروايات جواز التظليل للنساء وأما أفضلية ترك
التظليل لها كما ذهب إليه بعض فلا يستفاد إلا بالتقريب المتقدم.
ومنها المنزل، يجوز للمحرم التظليل في المنزل إذا وقف عن السير وادعي
الاجماع عليه بقسميه وتدل عليه الروايات وهذا لا اشكال فيه ولا كلام إذا وقف
الحاج عن السير ونزل وجلس تحت خيمة أو مظلة وأما التظليل حال التردد في
المنزل أو حال التوقف في أثناء الطريق لانتظار الرفيق أو للتفتيش أو لاصلاح السيارة
فيه توقف
قال صاحب الجواهر لا خلاف في جوازه (أي التظليل) للرجل حال النزول
بل الاجماع عليه بقسميه مضافا إلى النصوص السابقة وبذلك يقيد اطلاق غيرها،
نعم قد يتوقف في تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل ونحوه فالأحوط
إن لم يكن أقوى اجتنابه انتهى وعن كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا
في المنزل، قال: وهل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو اصلاح شئ أو انتظار
رفيق أو نحوها كذلك، احتمال
وفي الجواهر بعد نقل كلام كشف اللثام ومقتضاه احتمال عدم الجواز
أيضا فيه وإن كان التحقيق خلافه إلا أنه أحوط لا يبعد دعوى شمول اطلاق أدلة
التحريم للموارد فإن القدر المتيقن من الخارج ما إذا كان النزول والتوقف لأجل
الاستراحة كما هو المعمول، بخلاف ما لو توقف المحرم لأمر آخر مثل
التفتيش عن اسمه ووطنه واستظل حينئذ نعم لو نزل وتوقف عن السير ومشى
إلى قضاء حوائجه أو وقف على المركب كالسيارة وغيرها ولم ينزل على الأرض
أصلا وأكل الغذاء فيه فالظاهر أنه كالمنزل وتوقف عن الحركة وأما إذا لم يتوقف

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الاحرام الحديث 2.
241

للاستراحة والتغدي أو التعشي ولو على المركب فيشكل القول بجواز التظليل و
إن الحرمة يختص بحال السير والمشي في الطريق فقط لا غيره، وإن لم يكن نازلا
للاستراحة.
ثم إنه لو نزل خارج مكة وتردد إلى المسجد الحرام قبل أن يأتي بأعمال
العمرة فهل له أن يستظل في طريقه إلى المسجد وهو محرم أم لا هذه المسألة
مبتلى بها في زماننا فإن كثيرا من الحجاج قد ينزلون خارج مكة ويذهبون إلى
المسجد بالسيارة فهل يجب أن لا يستظلوا في الذهاب إلى المسجد الحرام بأن
يسيروا بالسيارات التي لا سقف لها أو الحكم في المقام حكم المنزل لانتهاء السفر
بالوصول إلى مكة بهذا الحد، كل محتمل ولا يبعد القول بحرمة التظليل في السير
إلى المسجد إلا إذا كان محل النزول قريبا منه بحيث يعد المسجد من توابع المنزل
أو هو من توابعه.
ومنها - المشي في ظل المحمل تقدم الكلام فيه ولكنه اختلفت كلمات الفقهاء
في المراد منه قد يقال إن المراد هو المشي في الظلال حال السير إذا نزل عن المركب
ومشى راجلا فإنه يجوز له الاستظلال بظل المحمل أو غيره بخلاف ما إذا كان
راكبا فعلى هذا وقع تخصيص آخر على عموم أدلة التحريم الدالة على حرمة التظليل
حال السير.
وقد يقال إن المقصود من المسألة أن المحرم إذا نزل أي توقف عن الحركة
والسير ونزل في المنزل لأجل الاستراحة يجوز له المشي تحت ظلال المحمل و
غيره من الظلال وهذا هو البحث الواقع بين الخاصة والعامة حيث أنكر علماؤهم
على الأئمة الطاهرين عليهم السلام ذلك وقاسوا الاستظلال حال السير بالجلوس في الخيمة
والخباء في المنزل والمشي في الظلال وحكموا بجواز الاستظلال مطلقا ورد أئمة
الدين كلامهم بأنا صنعنا كما صنع الرسول صلى الله عليه وآله وأن الدين لا يقاس كما تقدمت
الإشارة إليه والرواية فيه.
242

فعلى هذا ليس هذا استثناء آخر وتخصيصا أكثر من التخصيص والاستثناء
في المنزل فيكون المورد متحدا مع المنزل والمهم التأمل في أخبار الباب ليعلم
ما في كلمات الأعلام فإن الموضوع غير منقح في كتب الأصحاب
عن المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل فلا
يقدح فيه المشي في ظل المحمل ونحوه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه وإن كان
قد يطلق عليه التظليل لغة وإنما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الحمل و
المحمل جاز انتهى
عن الروضة في شرح قول الشهيد: (والتظليل للرجل الصحيح سائرا) أنه
قال: فلا يحرم نازلا اجماعا ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه، والمعتبر منه
ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس إلى أحد
جانبيه.
وعن كشف اللثام بعد أن حكى جواز المشي تحت الظلال عن بعض قال و
هل معنى ذلك أنه إذا نزل المنزل جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة والبيت
وغيرهما لا في سيره، أو جوازه في السير أيضا حتى أن حرم الاستظلال يكون
مخصوصا بالراكب كما يظهر من المسالك، أو المعنى المشي أن في الظل سائرا
لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه أوجه ثم وجه الأول وقال وهو أحوط لاطلاق
كثير من الأخبار النهي عن التظليل ثم الأحوط هو الأخير انتهى والمستند في ذلك
رواية إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت
ظل المحمل فكتب نعم (1)
ظاهر الرواية المشي تحت الظل حال السير لا في المنزل إلا أن الظل له
احتمالان أحدهما أن يمشي في أحد جانبي المحمل ويقع الظل الحادث منه عليه و
ثانيهما أن يكون مرتفعا ويمشي تحت المحمل ووقع ظله عليه ويكون المحمل فوق

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 1.
243

رأسه ولكن القدر المتيقن من التخصيص أن لا يكون المحمل فوقه وأن يمشي في
ظل المحمل الحادث في أحد الجانبين فعلى هذا تخصص أدلة النهي بالمشي في
ظل المحمل سائرا كما هي مخصوصة بالاستظلال حين كان في المنزل
ومنها الاضطرار لاشكال في جواز الاستظلال إذا كان المحرم مضطرا إليه لمرض
أو شدة الحر وغيره وادعي الاجماع عليه وتدل النصوص عليه بتعابير مختلفة
تقدم بعضها
ففي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يركب في القبة فقال
ما يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا (1)
وفي رواية عبد الله بن المغيرة المتقدمة عن أبي الحسن الأول إلى أن قال
قلت فإن مرضت قال ظلل وكفر
وفي رواية محمد بن منصور عنه عليه السلام لا يظلل إلا من علة أو مرض وفي رواية
إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام إلى أن قال: إلا أن يكون شيخا كبيرا
وفي نسخة شيخا فانيا وفي أخرى ذا علة عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه وصدع فيستتر
منها فقال عليه السلام: هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل
منها (2)
وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن قال سألته عن المحرم يظلل
عليه وهو محرم قال لا إلا مريض أو من به علة والذي لا يطيق حر الشمس (3)
فهل المراد من التعابير المذكورة الحرج الشديد والاضطرار الأكيد الذي
يصح التمسك في رفع حرمة الاستظلال بأدلة الاضطرار ولا حرج ولا يحتاج إلى

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 2 و 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الاحرام الحديث 7.
244

أدلة خاصة أو الأعم منه وأوسع من ذلك بحيث يمكن أن لا يشمله دليل الحرج و
قوله عليه السلام وما اضطروا إليه ولكن يرفع الحكم بالحرمة بالأدلة الخاصة
فعلى الأول لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن خروجه عن حرمة التظليل في
المرض والعلة وحر الشمس وعدم الطاقة ولا يصح الاستدلال بعموم الأدلة الخاصة
واطلاقها في رفع الحكم بل المرفوع في الواقع ليس إلا ما رفع بالحرج و
الاضطرار، ولا تفيد تلك العمومات شيئا زائدا عليه فالأمر يدور مدار الحرج و
الحكم أيضا يتبعه
وأما بناء على الثاني وإن المرض والعلة وعدم الطاقة لحرارة الشمس
المذكور في الرواية منزل على العرف لا على الحرج الشديد الموضوع في قاعدة
لا حرج فيرفع الحكم بالحرمة بما يكون خارجا عن الحد المتعارف الذي يتحمله
كثير من الناس في شؤونهم وإن لم يصل إلى حد الحرج الذي لا يتحمله كثير من
الناس وإن تحمله قليل منهم
والظاهر من التعابير الاحتمال الثاني كما يلوح من قوله عليه السلام إلا أن يكون
شيخا فانيا أو لا يطيق حر الشمس أو إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس إذ تلك
الأمور والموارد ليست بحيث يوجب حرجا شديدا خارجا عن القدرة ولا يستطيع
أن يتحمله الشخص بل نظير احتمال الضرر في الصوم زائدا على ما يوجبه أصل
الصوم من التعب والألم
قد يشاهد في الحجاج أن بعضا منهم أثرت الشمس في رأسهم حتى جرح
ولكن ليس أمرا حرجيا لا يطيقه، نعم هو خارج عن التعارف
ومنها الاستظلال والاستتار بالثوب إذا لم يكن فوق الرأس بل يقع الظل
من الجانبين على المحرم وهذه المسألة أيضا غير منقحة في كلمات الأصحاب
قال صاحب الجواهر أما الاستتار بالثوب ونحوه عن الشمس سائرا على
وجه لا يكون على رأسه، فعن الخلاف والمنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير
245

نسبته إلى جميع أهل العلم حيث قال جاز أن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا
ونازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع
أهل العلم انتهى كلامه
روى معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يستتر المحرم من الشمس
بثوب ولا بأس أن يستر بعضه ببعض (1)
عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله يقول لأبي وشكا إليه حر الشمس
وهو محرم وهو يتأذى به فقال ترى أن أستتر بطرف قال لا بأس بذلك ما لم يصبك
رأسك (2)
هنا روايتان تدل إحداهما على عدم جواز التستر والأخرى على الجواز إذا
لم يصب الثوب الرأس
فهل مراد العلماء جواز التستر في حال الضرورة أو مطلقا كما نقل عن المنتهى
فغير منقح إلا أن رواية ابن سنان تدل على الجواز عند الضرورة والتأذي من الشمس
ولكنها أيضا مجملة من أجل أن المقصود من قوله عليه السلام ما لم يصبك رأسك هو أن
لا تحصل التغطية للرأس التي هي حرمة أيضا فحينئذ لا فرق بين فوق الرأس وغيره
أو المراد ما لم يكن الثوب فوق الرأس بل يكون من الجانبين كما صرح به في كلام
الجواهر وغيره فكل محتمل
ولم يعلم أن مستند العلماء في الفرق بين ما كان الثوب فوق الرأس أو اليمين
واليسار رواية عبد الله بن سنان أو غيرها ولكن استفادة الفرق المذكور من الرواية
مشكل، وبناء على الاستفادة يكون تخصيصا آخرا للأدلة العامة الدالة على تحريم
الاستظلال على المحرم، ومع ذلك القدر المتيقن من التخصيص الاختصاص

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الاحرام الحديث 4.
246

بالضرورة، وأن لا يكون الظل فوق الرأس إذا لم يكن مضطرا إلى ذلك (1)
مسألة لو زامل المحرم الصحيح شخصا يجوز له التظليل لعذر من الأعذار
أو لكونه امرأة فهل يجوز للمحرم الصحيح أن يستظل هو أيضا كما يستظل زميله
أو لا يجوز له ففيه روايتان
قال المحقق قدس سره لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختص العليل و
المرأة بجواز التظليل وقال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه لاطلاق الأدلة و
خصوص خبر بكر بن صالح أو صحيحه.
قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني أن عمتي معي وهي زميلتي ويشتد عليها
الحر إذا أحرمت أفترى أن أظلل على وعليها فكتبت عليه السلام ظلل عليها وحدها (2)
هذه الرواية صريحة في اختصاص التظليل بمن كان الاستظلال له جائزا
ولا يجوز للزميل الصحيح
ويعارضها رواية عباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(الرضا - خ) قال سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أله أن يستظل
فقال نعم (3)
وقع الخبر موردا للنقاش والخلاف في أن الضمير (في أله أن يستظل) يرجع
إلى المحرم، أو إلى الزميل العليل فعلى الأول تعارض الرواية الأولى الدالة على
عدم جواز استظلال المحرم الصحيح وأما على الثاني فالمعنى للزميل العليل أن

1 - يمكن أن يقال إن اختصاص جواز التستر من الشمس من اليمين أو اليسار
دون فوق كما في كلمات بعض الفقهاء إنما هو لعدم صدق التظليل إذا لم يكن فوق الرأس
كما هو المتبادر
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الاحرام الحديث 2.
247

يستظل فلا تعارض في البين كما استظهره صاحب الوسائل قدس سره حيث قال بعد
نقل الرواية المراد أن للعليل أن يستظل، لا للصحيح إذ ليس بصريح في غير ذلك
قاله الشيخ وغيره ويحتمل التقية والضرورة انتهى
أما الضرورة فاحتمالها بعيد للتصريح بأن الزميل هو الذي يشتد عليه الحر
ويضطر إلى التظليل ولكن في الرواية احتمالين آخرين أحدهما أن يكون صنع
المحمل بحيث لا ينفك عن الظل على المحرم الصحيح ولا يخلو عنه فعند ذلك له
أن يستظل وإن كان فوق رأسه.
وثانيهما أن السائل سئل عن الظل الحادث على المحرم من زميله العليل و
محمله ومكانه، فأجاب الإمام بعدم المنع عنه وعلى هذا يوافق ما ورد من جواز المشي
تحت ظل المحمل وفي جانب اليمين واليسار وعلى الاحتمالين لا ينفك المورد
عن الضرورة لصعوبة الاجتناب عن الظل الحادث وعدم الامكان للمحرم أن يترك
المحمل.
والحاصل أن الرواية ليست صريحة في جواز استظلال الزميل الصحيح
مطلقا فالقدر المتيقن من الرواية إما صورة الاضطرار وعدم امكان الاجتناب من
الاستظلال أو فرض المسألة في الظل الحاصل من اليمين أو اليسار والقول بعدم
حرمته كما نقل عن بعض فيما تقدم ولكن استفادة ذلك من الرواية مشكلة.
ومن المستثنيات عن عموم أدلة تحريم الاستظلال على المحرم الصبيان فإنه
يجوز لهم الاستظلال مطلقا بلا خلاف كما في الجواهر وتدل عليه صحيحة حريز
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون (1)
هذا آخر ما أردناه في حكم التظليل وغاية ما رمناه ولكن بعض الموارد ما

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الاحرام الحديث 1.
248

أشرنا إليه لم يكن منقحا في كتب الفقه كالاستظلال من الجانبين والمشي تحت
المحمل أو الحمل أو وقف المحرم عن السير لاصلاح أمر أو للتفتيش والقرانطينة
أو لمنع البليس ونحو ذلك فلا بد في جميع تلك الموارد من الأخذ بالقدر المتيقن
الخارج عن عموم أدلة حرمة التظليل، والحكم بالحرمة في غيره لعمومية أدلة
النهي كما نقله الجواهر عن المنتهى ففي كل مورد يقطع بخروجه عن عموم الأدلة
يحكم بجواز الاستظلال وفي غيره بالحرمة
249

في حكم الادماء واخراج الدم
ومما يحرم على المحرم والمحرمة الادماء واخراج الدم بأي سبب كان
بالحجامة وقلع الضرس وحك الجسد والمسواك وغير ذلك إلا عند الضرورة كما
عليه كثير من الفقهاء وعن المقنعة وجمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط وغيرها
لم نجد رواية تدل على حرمة الادماء واخراج الدم على نحو العموم نعم
وردت نصوص خاصة في الحجامة وحك الجسد والسواك والنهي عنهما إذا كانا
ملازمين للادماء ولعله لهذا ذكر بعض الحجامة أولا ثم عطف عليها اخراج الدم
ولو بالسواك
وفي الجواهر قد يقال إن مقتضى الأصل جواز اخراج الدم بغير ما عرفت
(أي المنصوص في الرواية) كعصر الدمل وقلع الضرس وغير ذلك مما لا يدخل في
النصوص مضافا إلى خبر الصيقل أنه سأل أبا عبد الله عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه
قال نعم لا بأس (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الاحرام الحديث 2.
250

وإن كان يمكن حمله على الضرورة إلا أنه يكفي في الجواز الأصل بعد
عدم ما يدل على حرمة مطلق الادماء إلا ما تسمعه إن شاء الله ولكن مع ذلك لا ينبغي
ترك الاحتياط انتهى
لا بد من ذكر النصوص أولا والتأمل فيما يستفاد منها من اختصاص الحرمة
بالنصوص فيها أو شمولها لمطلق الادماء واخراج الدم
عقد صاحب الوسائل بابا لحكم الحجامة وقال في الباب الثاني والستين من
تروك الاحرام: باب تحريم الحجامة على المحرم إلا للضرورة فيحتجم بغير حلق
ولا جز.
وقال في الباب الحادي والسبعين من هذه المسألة باب تحريم مطلق اخراج
الدم وإزالة الشعر للمحرم إلا في الضرورة ونقل في باب الحجامة إحدى عشر رواية
على حسب ترتيبه وفي الباب الثاني ثلاث روايات.
أما الحجامة فمن النصوص الواردة فيها رواية الحلبي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المحرم يحتجم قال: لا، إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان
المحاجم (1)
عن زرارة عن أبي جعفر قال لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه
أن لا يستطيع الصلاة (2)
عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن يخاف
التلف ولا يستطيع الصلاة وقال إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر (3)
والروايات الثلاث ظاهرة بل صريحة في حرمة الاحتجام على المحرم إلا عند
الضرورة والحاجة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 3.
251

وتقابلها روايات أخر تستظهر منها الكراهة أو تدل على الجواز منها
رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يحتجم قال لا أحبه (1)
رواية حريز عن أبي عبد الله قال لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو
يقطع الشعر (2)
ومرسلة الصدوق قال احتجم الحسن (الحسين) بن علي وهو محرم (3)
عن مقاتل بن مقاتل قال رأيت أبا الحسن عليه السلام في يوم الجمعة في وقت الزوال
على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم (4)
عن الفضل بن شاذان قال سمعت الرضا عليه السلام يحدث عن أبيه عن آبائه عن
علي عليه السلام قال: إن رسول الله احتجم وهو صائم محرم (5)
والظاهر من الرواية الأولى من كلمة (لا أحب) هو الكراهة التي يمكن
اجتماعها مع الحرمة الثابتة بالأدلة المعتبرة فلا يقع التعارض بين الطائفتين، وأما
لو قلنا إن كلمة لا أحب صريح في الكراهة مقابل الحرمة فلا بد من حمل الرواية
على صورة الاضطرار ولكن سند الرواية ضعيف
وأما رواية حريز الدالة على نفي البأس عن الاحتجام ما لم يقطع الشعر وإن
كانت مطلقة تشتمل صورتي الاضطرار والاختيار إلا أنها تقيد بما ورد من تقييد
الجواز بصورة الحاجة والاضطرار فتحمل عليها
ويشهد بذلك الجمع خبر إسماعيل بن عمار عن أبي الحسن وفيه وإن كان
أحدكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به (6)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 7
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 9
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 10
6 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 6.
252

ومثله رواية ذريح أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم فقال: نعم
إذا حشي الدم (1).
فالأخبار التي تدل على عدم البأس بالاحتجام للمحرم مطلقا لا بد أن تحمل
على صورة الاضطرار والحاجة إليه، والخوف من التلف، إن لم يحتجم.
وأما الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الأولى على الكراهة والثانية على
أصل الجواز فقد اختاره الشيخ في محكى الخلاف وعن المحقق في النافع وعن
المصباح أيضا وقال صاحب الجواهر وهو لا يخلو عن وجه لولا الشهرة التي ترجح
الجمع الأول بالتقييد الضرورة مع عدم اجتماع شرائط الحجية فيما يدل على
الجواز مطلقا، وعدم ظهور لا أحب المذكور في صحيح حريز في الكراهة، نحو
لا ينبغي المستعمل في الحرمة والكراهة معا.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 8.
253

في حكم اخراج الدم والادماء
وأما اخراج الدم والادماء على النحو الكلي فكلمات القوم فيه مختلفة بل
مضطربة لم يتعرض لها الأستاذ مد ظله إلا اجمالا ولكني أنقل ما ظفرت عليه ليكون
القارئ على زيادة بصيرة واطلاع
قال المحقق قدس سره في الشرايع فالمحرمات عشرون شيئا إلى أن قال و
اخراج الدم إلا عند الضرورة وقيل يكره وكذا قيل في حك الجلد المفضى إلى
ادمائه، وكذا السواك والكراهة أظهر انتهى موضع الحاجة
وقال صاحب الجواهر في شرح الكلام المحقق قدس سره: ويحرم على المحرم
(اخراج الدم) في الجملة " إلا عند الضرورة " كما في المقنعة وجمل العلم والعمل
والنهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والاقتصار والكافي والغنية والمراسم و
السرائر والمهذب والجامع انتهى
ولم يذكر الشرائع الاحتجام خاصة بل درجه في اخراج الدم واستدل
254

صاحب الجواهر له برواية الصيقل الواردة في الاحتجام (1)
وأما قول المصنف: " وقيل يكره " فقد شرحه الجواهر هكذا وقيل والقائل
الشيخ في محكى الخلاف " يكره " الاحتجام وتبعه المصنف في النافع وعن
المصباح ومختصره كراهيته والفصد، ولعله للجمع بين ما سمعت وبين صحيح
حريز عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر،
وخبر يونس بن يعقوب ثم قال: وهو لا يخلو من وجه لولا الشهرة المزبورة التي
ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة انتهى
وأما حك الجلد فقد شرح قول المصنف بما يأتي (وكذا) الكلام على ما
(قيل في حك الجلد المفضي إلى ادمائه) الذي اقتصر عليه في محكى الاقتصار و
الكافي ثم استدل للحرمة بخبر عمر بن يزيد ويحك الجسد ما لم يدمه وصحيح
معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عن المحرم كيف يحك رأسه قال بأظافيره ما لم
يدم أو يقطع الشعر (2)
(في حكم السواك)
وأما السواك فقد شرح قول المصنف (وكذا السواك) بما يأتي وكذا الكلام
في السواك المفضي إلى الادماء الذي عن القاضي الاقتصار عليه وعلى الحك، كما
عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع ذكرها مع الاحتجام خاصة وعن المقنعة
معه والاقتصار وعن جمل العلم والعمل ذكر الاحتجام والاقتصار وحك الجلد
حتى يدمى
وحمل قوله (الكراهة أظهر) على حك الجلد والسواك واستدل له مضافا
إلى الأصل برواية معاوية بن عمار. قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المحرم يستاك

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الاحرام الحديث 1.
255

قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك قال: نعم هو من السنة (1)
والتحقيق أن استفادة الحرمة لاخراج الدم والادماء على النحو الكلي وكذا
الكراهة كذلك من النصوص مشكلة فإن استفدنا ذلك فلا بد من حمل ما تدل على
الجواز على الاضطرار بناء على الأول أو على التقية والضرورة أيضا بناء على
الثاني وكذا بناء على عدم استفادة الكلية حرمة كانت أو الكراهة نأخذ بالمصاديق
المذكورة في الرواية ونحمل ما تدل على عدم البأس فيها على الاضطرار أو التقية
فأما ما تدل على الجواز مطلقا فمنها:
رواية معاوية بن عمار المتقدمة قال قلت لأبي عبد الله المحرم يستاك قال نعم،
قلت فإن أدمى يستاك، قال نعم هو من السنة (2)
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن المحرم هل
يصلح له أن يستاك قال لا بأس ولا ينبغي أن يدمى فيه (3)
أما الرواية التي استدل بها للكراهة لا بد من حملها على الضرورة فإن السواك
مع الادماء ليس من السنة اجماعا إذا قصد الادماء فهي متروك الظاهر إلا أن
يقال إنه استاك ناويا للسنة فأدمى من غير اختيار فحينئذ لا بأس به
وأما رواية علي بن جعفر إنما تدل على الكراهة إذا كان كلمة لا ينبغي أن
يدمى فيه ظاهرة في الكراهة ومستعملة فيها فتقدم على ما تدل على الحرمة بحمل
النهي فيها أيضا على الكراهة إلا أنها تستعمل في المعنيين الحرمة والكراهة ولا رجحان
لإرادة الثاني منها بل يمكن أن يراد منها الحرمة فتكون موافقة للروايات الدالة
على الحرمة لا معارضة لها
وأما الروايات الواردة في الدمل والجرب وجواز قطع رأسها الملازم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الاحرام الحديث 5.
256

لاخراج الدم فهي أيضا محمولة على الضرورة
روى علي بن جعفر عن أخيه قال سألته عن المحرم تكون به البثرة تؤذيه
هل يصلح له أن يقطع رأسها قال لا بأس (1)
عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المحرم يكون به الجرب
فيؤذيه قال يحكه فإن سال الدم فلا بأس (2)
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المحرم يعصر الدمل
ويربط على القرحة قال لا بأس (3)
ورواية حسن الصيقل أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أيقلعه
فقال: نعم لا بأس به (4)
وهذه الروايات ونظائرها كلها قابلة للحمل على الضرورة والحاجة لا
الاختيار فلا يكون دليلا على الجواز مطلقا
وأما القائلون بكراهة اخراج الدم مطلقا إنما يقولون إن تلك الأخبار لا ذكر
فيها من الضرورة والاضطرار بل شاملة للاختيار وغيره فيحكم بجواز اخراج الدم
للمحرم مطلقا ويحتمل كل ما يدل على المنع وعدم الجواز على الكراهة فيجمع
بذلك بين النصوص ويرتفع التعارض ولكن كما أشير إليه استفادة الكلية والعموم
بالنسبة إلى الكراهة أو الحرمة مشكل وإن نفى صاحب الجواهر العموم في الحرمة
وقال يكفي في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الادماء إلا ما تسمعه
ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط انتهى كلامه قدس سره
والانصاف إن اختصاص الحرمة بما ذكر في النصوص في الحجامة والسواك

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الاحرام الحديث 9
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الاحرام الحديث 5
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الاحرام الحديث 2.
257

وغيره مشكل فلا يبعد استفادة حرمة اخراج الدم مطلقا إلا ما خرج بالدليل
ويشهد لما ذكرنا ما ورد في حك الرأس وغيره إذ يبعد الالتزام بالخصوصية
في مثل المورد
عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عن المحرم كيف يحك رأسه قال:
بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر (1)
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر
ويحك الجسد ما لم يدمه (2)
الظاهر من الروايتين أن مطلق الادماء واخراج الدم من جميع الجسد مبغوض
لا أن الادماء بخصوص الأظافر من خصوص الرأس أو الوجه مبغوض وعنه منهى،
إذ يبعد جدا أن يعلم السائل إن الادماء مثلا بالسكين وغيره جائز، ولم يعلم حكم
الإدماء بالأظافر وسئل عنه، بل المقطوع أنه سئل عن اخراج الدم وحكمه، بأي
وجه اتفق وفي أي عضو من البدن وقع، لا خصوص الرأس واللحية، فعلى هذا
لا يبعد القول بعدم جواز اخراج الدم مطلقا، إلا في الاضطرار، هذا فيما أخرج
المحرم الدم من بدنه وأما من بدن غيره فسيأتي إن شاء الله حكمه
ثم إنه بناء على القول بالحرمة أو الكراهة فهل يحرم على المحرم اخراج
الدم من بدن غيره انسانا كان أو حيوانا كما يحرم من بدنه أو يختص الحكم ببدنه
لم أعثر على رواية خاصة في ذلك إلا ما ورد في علاج دبر الجمل
روى الكليني قدس سره عن أبي على الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي
عن العباس بن عامر عن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن سعيد قال سأل أبو عبد الرحمن
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال: فقال: يلقي عنه الدواب ولا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الاحرام الحديث 2.
258

يدميه (1)
فهل المستفاد أن الحكم من جهة الايذاء أو لأجل الادماء فعلى كل حال
يكون الادماء من الانسان أيضا كذلك بطريق أولى فإن كان لأجل الايذاء فلو رضى
انسان باخراج الدم من بدنه هل يجوز أم لا فالرواية ساكتة عن جميع ذلك و
الأصل البراءة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الاحرام الحديث 6.
259

في بيان
حد الاضطرار الموجب لجواز اخراج الدم
قد تقدم إن النهي عن اخراج الدم والاحتجام تحريما كان أو أن تنزيها يرفع
عند الضرورة والحاجة وقد بين حد الاضطرار الموجب لجواز الادماء واخراج
الدم بثلاثة تعابير أو أربعة
أحدها الخوف من التلف والثاني إذا أخشى الدم ولعله يتحد مع الأول
الثالث إذا لم يستطع الصلاة والرابع إذا أذاه الدم
عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عن المحرم يحتجم قال: لا، إلا أن
يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة وقال إذا أذاه الدم فلا بأس به وفي رواية ذريح
إذا خشي الدم (1 و 2)
وقد عبر عن هذه الثلاثة بالحاجة إلى اخراج الدم كما في رواية إسماعيل بن
عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال سألناه إلى أن قال وإن كان أحدكم يحتاج إلى الحجامة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 3 و 8.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 3 و 8.
260

فلا بأس به الخبر (1)
فهل العناوين المذكورة يكفي وجود كل واحد منها في تحقق الاضطرار أو
يشترط في ذلك اجتماع جميع العناوين في مورد واحد.
أما الخوف من التلف فظاهره الخوف على النفس من الموت وهو أشد من
الحرج وعدم الاستطاعة للصلاة ومن التأذي وهل تعقب العناوين الثلاثة في رواية
الصيقل بقوله عليه السلام إذا أذاه الدم تنزل عن الأشد بالأدون أو المراد منه بقرينة الصدر
الخوف من التلف كما أن قوله إذا خشي الدم نزل عليه إذ قد يتحقق التأذي من
غير خوف التلف وكذا العكس كما يمكن أن يصل الأذى إلى حد يخاف على
نفسه وخشي الدم ولا يستطيع الصلاة.
وبالجملة هل المعيار في رفع الحكم المتعلق باخراج الدم تحقق العناوين
الثلاثة المذكورة أو يكفي الأذى بقرينة المقابلة وتحقق كل واحد من العناوين كما
في تقصير الصلاة إذا خفي الأذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر فقد وقع البحث
هناك أيضا إن الشرط في جواز تقصير الصلاة تحقق خفاء الأذان والجدران معا،
أو المعتبر تحقق واحد منها.
ثم إنه بناء على كفاية التأذي فهل يشترط أن يبلغ الأذى إلى حد يخاف التلف
ولا يستطيع الصلاة أو يكفي أقل مرتبة الأذى وإن لم يصل إلى ذاك الحد فكل محتمل
ولكن لا يبعد أن يقال المستفاد من قوله عليه السلام إذا خاف التلف لا بأس به،
أنه يكفي في رفع الحكم سواء تأذى أو لم يتأذ واستطاع الصلاة أو لم يستطع.
وكذا الظاهر من لا يستطيع الصلاة الاكتفاء به سواء خاف التلف أو لم
يخف وتأذى أو لم يتأذ فكل واحد من العناوين علة مستقلة للحكم بالجواز ولا يتقيد
بوجود غيره أو الجامع بينها لو فرض لا ما يكون خارجا عنها فعلى هذا لا مانع من
أن يقال إن التأذي الذي يوجب رفع الحكم هو المرادف لخوف التلف وعديله
لا نفسه فلا يعتبر أن يصل إلى حد خوف التلف أو عدم الاستطاعة للصلاة.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الاحرام الحديث 2.
261

في قص الأظفار
ومما يحرم على المحرم قص الأظفار وقطعها، وعبر المحقق بقص الأظفار
وادعى عدم الخلاف فيه بل الاجماع بقسميه وعن المنتهى والتذكرة نسبته إلى
علماء الأمصار
والمراد من القص كما صرح به بعض العلماء الإزالة مطلقا ولا يشترط أن يكون بالمقراض والمذكور في الروايات القص والقلم
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال سألته عن الرجل المحرم تطول
أظفاره قال لا يقص شيئا منها إن استطاع فإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل
ظفر قبضة من طعام (1)
عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن رجل نسي أن يقلم
أظفاره قال، فقال: يدعها، قال قلت إنها طوال قال: وإن كانت، قلت: فإن رجلا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الاحرام الحديث 1.
262

أفتاه أن يقلمها ويغسل ويعيد احرامه ففعل قال: عليه دم (1)
يظهر من الرواية إن من قلم أظفاره جاهلا بالحكم عليه دم وهو مشكل لعدم
وجوب الكفارة على الجاهل
ويمكن ارجاع الضمير في عليه إلى من أفتى ولولا ذلك يعارضها ما تدل
على عدم وجوب الكفارة على الناسي والساهي والجاهل كما في رواية زرارة عن
أبي جعفر قال من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه ومن فعله متعمدا
فعليه دم (2)
ويرفع التعارض بما تقدم من امكان ارجاع الضمير في عليه دم إلى من أفتى
كما ورد في رواية أخرى
عن إسحاق الصيرفي قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام إن رجلا أحرم فقلم أظفاره
وكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه
فقال على الذي أفتى شاة (3 و 4)
هذا حكم المختار وأما المضطر فيجوز له قص الظفر وقطعه وإن كان عليه
الكفارة.
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره
قال لا يقص شيئا منها إن استطاع فإن كان تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر
قبضة من طعام (5)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية الكفارات الاحرام الحديث 2 - 5
3 - يمكن أن يكون الخبر ناظرا إلى الادماء لا القص فقط إلا أن الكفارة يجب
على الذي أفتى
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 13 من كفارات الاحرام الحديث 1
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الاحرام الحديث 1.
263

والمستفاد من قوله إن استطاع أنه يجب عليه أن لا يقص الظفر وأنه حرام
عليه ما دام له استطاعة عرفية وقدرة عادية نعم إذا لم يستطع كذلك وكانت له مشقة
وزحمة وحرجا عليه يرفع التكليف كما في الحرج
وأما المستفاد من قوله إن كانت تؤذيه فهو أخف وأدون من الحرج إذ
الظاهر من التأذي أنه قابل للتحمل عرفا وليس فيه مشقة كثيرة بالغة حد الحرج
الموجب لرفع التكليف
فهنا جملتان متفاوتتان من حيث المضمون فهل المدار في جواز قص الأظفار
وعدمه على الاستطاعة وعدمها فيحمل التأذي والأذى عليها أيضا فالمعنى إذا تأذى
بحيث لا يستطيع الصبر يجوز له القص
أو يقال إذا استطاع بحيث لا يتأذى لا يجوز القص وأما إذا استطاع مع
التأذي يجوز قلم الأظفار هذا إذا أمكن الجمع بينهما
وأما إذا لم يمكن الجمع بين الجملتين ولا الترجيح فيهما فلا بد من الأخذ
بالقدر المتيقن من المخصص، لاتصاله بالعام قد يقال إن اللازم فيما إذا لم يمكن
الترجيح الأخذ بالقدر المتيقن من العام الذي تدل على حرمة قص الأظفار وهو ما لم
يكن المحرم متأذيا عن ترك الأظفار فإن اجمال المخصص يسري إلى العام إذا كان
متصلا فلا ينعقد للعام ظهور في جميع الأفراد، والداخل فيه يقينا ما كان خاليا عن
التأذي ويكون حراما
اللهم إلا أن يقال إن الرواية المخصصة لعموم النهي مجملة ومرددة بين الأقل
والأكثر ومنفصلة عما تدل على حمرة قص الأظفار من الروايات فيؤخذ بالقدر
المتيقن من الاستثناء ويدخل الفرد المشكوك في عموم العام إن كان
ثم إنه يستفاد من الروايات الواردة في باب الكفارات أنه لا فرق في الحرمة
وترتب الكفارة على قص الظفر بين إصبع واحد والأصابع وإن اختلف الكفارة
باتحاد المجلس واختلافه
264

عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في
مكان واحد فعليه دم واحد وإن كانتا متفرقتين فعليه دمان (1)
عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام في محرم قلم ظفرا قال: يتصدق
بكف من طعام قلت ظفرين قال كفين قلت ثلاثة أكف قلت أربعة قال
أربعة أكف قلت خمسة قال: عليه دم يهريقه فإن قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس
عليه إلا دم يهريقه (2)
وآخر الرواية محمول على اتحاد المجلس لما مر

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارات الاحرام الحديث 6
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارات الاحرام الحديث 5.
265

في حكم قطع الشجر والحشيش في الحرم وخارجه
ويحرم على المحرم وغيره قطع الشجر والحشيش من الحرم عطفه الشرائع
على قص الأظفار وأضاف الجواهر يحرم على المحرم وغيره قطع الشجر و
الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد.
ولعل عدم جواز قطع الشجر لغير المحرم أيضا لحفظ حرمة الحرم وهو
أربعة فراسخ في أربعة فراسخ
ولا فرق في حرمة القطع بين قطع أصل الشجر أو فرعه وورقه وكذا لا فرق
بين القلع والنزع وبين الرطب واليابس وإن وقع الخلاف في بعض ما ذكر
كما يأتي
وادعي الاجماع وعدم الخلاف فيه ولكن دليلهم أيضا الروايات الواردة
في المقام وعقد صاحب الوسائل في المسألة خمسة أبواب في تروك الاحرام وبابا
واحدا في الكفارات
قال في الباب السادس والثمانين من أبواب تروك الاحرام باب تحريم قطع الحشيش
266

والشجر من الحرم للمحل والمحرم وقلعه فإن فعل وجب إعادتها وجوازه في غير
الحرم لهما
أما جواز قطع الشجر في الحل فتدل عليه روايات منها رواية عبد الله بن
سنان قال قلت لأبي عبد الله المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته قال: نعم، قلت له أن
يحتش لدابته وبعيره، قال نعم ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا
دخل الحرم فلا (1)
ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قلت المحرم ينزع الحشيش من
غير الحرم قال نعم قلت فمن الحرم قال لا (2)
وأما عدم جواز قطع الشجر من الحرم للمحرم فتدل عليه مضافا إلى الاجماع
المدعى والروايتين المتقدمتين نصوص أخرى منها:
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على
الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت وغرسته (3)
عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال رآني علي بن الحسين وأنا أقلع
الحشيش من حول الفساطيط، فقال يا بني إن هذا لا يقلع (4)
يعلم من ارشاد الإمام علي بن الحسين عليه السلام للإمام الصادق عليه السلام إن قلع
الحشيش ما كان مطلقا للمحرم قال صاحب الوسائل قدس سره بعد نقل الرواية هذا
محمول على كون القطع قبل التكليف والنهي للتنزيه بالنسبة إليه
ولم يعلم وجه ما حمله على ذلك فإن توجيه الحكم بالنسبة إلى الصغير و
الكبير متساو واختصاص النهي التنزيهي بالنسبة إلى الإمام عليه السلام مشكل وكذا الحمل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الاحرام الحديث 4
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الاحرام الحديث 2.
267

على ما قبل التكليف فإن الأئمة المعصومين عليه السلام عالمون بالأحكام الدينية في الصغر
كما بعد التكليف
عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن علي بن الحسين عليه السلام كان
يتقى الطاقة من العشب ينتفها من الحرم قال: ورأيته وقد نتف طاقة وهو يطلب
أن يعيدها مكانها (1)
فهذه روايات تدل على حرمة قطع الشجر والحشيش على المحرم في الحرم
فهل هي ناظرة إلى الخضر منهما أو يشمل اليابس أيضا وكذا يشمل الأخذ
من الشجر الذي قطعه غيره أو قلع بأمر طبيعي، أو يختص الحكم بما يكون نابتا
وثابتا على الأرض لا مقطوعا، وكذا الكلام في قطع الفرع الذي أصله في الحرم
وهو خارجه، أو العكس أي الفرع الذي في الحرم والصل الشجر خارج عنه،
فلا بد من التأمل في جميع ذلك وفي حكم الثمر فهنا مسائل لا بد من الإشارة إليها
والتأمل فيها
وقد يستدل لحرمة قطع الشجر والحشيش بجميع الأنحاء والأقسام برواية
حريز المتقدمة وهي أشمل الروايات وأعمها وفيها قال: أبو عبد الله كل شئ ينبت
في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت وغرسته (2)
تدل الرواية على أن كل نبات في الحرم يحرم قطعه وهو مطلق شامل للرطب
واليابس والورق والثمر واللحاء على الناس أجمعين، محلين كانوا، أو محرمين،
وكذا يشمل القطع والنزع والكسر، لعدم ذكر متعلق الحرمة فيها، كما أنه يشمل
الأصل والفرع مطلقا إذا كان الأصل نابتا في الحرم وإن كان الفرع خارجا عنه،
وأما لمس اليد ومسه فلا يستفاد من الرواية كالاعتماد على الشجر والجلوس تحته
في المنزل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الاحرام الحديث 4.
268

مسألة الظاهر أنه لا فرق بين الرطب واليابس من الغصن والورق ما دام متصلا
بالشجرة والحشيش
وعن الدروس والتذكرة والتحرير الاشكال في قطع اليابس بل نقل جواز
قطعه وعن المسالك جواز القطع وإن كان متصلا بالأخضر لأنه كقطع أعضاء الميتة
من الصيد
وعن التذكرة نعم لا يجوز قلعه فإن قلعه فعليه الضمان لأنه لو لم يقلع لنبت
ثانيا ولكن عن المنتهى لا بأس بقلع اليابس من الشجر والحشيش لأنه ميت فلم
تبق له حرمة وهذا مناف لما نقل عن التذكرة إلا أن يحمل على يابس لا ينبت
وأورد الجواهر على التعليل المذكور في المنتهى بأنه لا يوافق أصولنا
ولا يصح الفرق بين الرطب واليابس إذ لا دليل عد ما يتوهم من لفظ الخلاء في
رواية زرارة على اختصاص الحكم بالرطب وهو غير تام كما يأتي
عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول حرم الله حرمه بريدا في بريد أن
يختلي خلاه أو يعضد شجرة إلا الإذخر أو يصاد طيره (1)
وهذه الرواية بناء على أن الخلاء الرطب لا يعارض غيره لعدم الصراحة
بجواز قطع اليابس مضافا إلى أن بعض أهل اللغة ذكر أن معنى الخلاء هو الحشيش
اليابس.
قال الجوهري الخلا مقصورا الحشيش اليابس هذا ملخص كلام الجوهري
ولكنه خلاف الظاهر إذ لو كان كل من الرطب واليابس حراما على المحرم
فذكر البعض دون الآخر خلاف التعارف وظهور المقام مثلا لو كان اللوز قسمين
الحلو والمر وكان كل نوع منه حلالا فأراد المتكلم بيان ذلك وقال الحلو حلال
يفهم منه أن غير الحلو ليس بحلال نعم المانع عن المعارضة اجمال كلمة الخلاء
وتردده بين معنيين أحدهما الحشيش اليابس كما عن الجوهري والثاني الرطب

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 7.
269

فعن النهاية الخلا مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا
وفي مجمع البحرين في حديث لا يختلي خلاه أي لا يجتز نبتها الرقيق ما دام
رطبا وإذا يبس سمي حشيشا
فعلى هذا لو ثبت كون الخلاء هو الرطب يقيد به العموم الدال على حرمة
كل ما نبت في الحرم مطلقا وأما إذا لم يثبت أنه النبات الرطب بل يطلق على كل
نبات، فيكون خبر الخلا أيضا أحد أفراد العموم الدال على الحرمة مطلقا لا
مقيدا له.
وأما التعليل المنقول عن المنتهى لجواز قطع اليابس، بأنه لقطع أعضاء
الميتة من الصيد فالمقصود أن قطع عضو ميت ليس صيدا كما إذا أرى صيدا مغلولا
على شجر فأخذه ففكه أو رأى عضوا منه عليلا فقطعه ليريحه فكذلك المقام، لكنه
غير وجيه، بل ليس إلا قياسا لا نقبله، ولا يكون دليلا مع أنه قياس فارق
وقد يوجه جواز قطع اليابس في الحرم، بأن الظاهر من قوله عليه السلام كل
شئ ينبت في الحرم، ما له روح نباتي وقوة نامية لا ما سلبت منه ذلك كالغصن
المنكسر الملقى على الأرض الذي تسالم القوم على الانتفاع منه
وقد فصل بعض في الغصن المنكسر بأنه لو قطعه آدمي لا يجوز الانتفاع
منه وأخذه، وأما لو انكسر بغيره فيجوز ووجهه بأنه لو قطعه آدمي محلا كان
أو محرما يكون كصيد اصطاده محرم فلا يجوز أكله ولو لغير المحرم بخلاف ما لو
انقطع وكسر بنفسه
لكن الوجه غير وجيه، فإن الدليل الخاص الوارد في الصيد ألزمنا بما ذكر
ولا يكون دليلا للمقام، والقياس ليس مما يرام
ولكن المتراءى والمتبادر من النصوص إن كل شجر وحشيش في الحرم
قائم وثابت على الأرض فهو محرم على الناس لا ما قطع وألقي عليها تهب عليه
الرياح ولا دليل على حرمته ويلزم أيضا بناء على العموم أن يكون كل حطب وشجر
270

في المكة حراما إلا ما علم أنه من الخارج
نعم لو علمنا بالسيرة المستمرة والاجماع المدعى أن المقطوع من نبات
الحرم غير حرام فينصرف العموم إلى ما كان متصلا بالشجر وأما إذا لم نعلم ذلك
واستفدنا العموم من الأدلة وشموله للمقطوع وغيره فلا يفرق بين ما قطعه آدمي أو
غير آدمي.
مسألة ثم إنه بناء على جواز قطع اليابس فهل يفرق بينه وبين القلع أو
الحكم متحد فيهما
نقل عن بعض الشافعية اختصاص الجواز بالقطع دون القلع ونقل عن
العلامة قدس سره في التذكرة عدم جواز القلع فإن قلعه فعليه الضمان، وعلله بأنه
لو لم يقلع لنبت ثانيا وقال في الجواهر لا بأس به
ونقل عن العلامة في المنتهى ما يخالف قوله في التذكرة حيث قال لا بأس
بقلع اليابس من الشجر والحشيش لأنه ميت فلم تبق له حرمة
ويمكن أن يحمل كلامه الأول على ما لم ييبس الأصل بحيث لو لم يقلع
لنبت ثانيا وكلامه الثاني إلى ما سلبت منه الروح النباتية والنمو بحيث لا ينبت و
لو لم يقلع
ولكن الحق ما تقدم منا في الفرق بين اليابس والرطب من أن العموم لو
شمل المورد لا يفرق بينهما وفي المقام أيضا كذلك فإن قلنا إن المراد من قوله كل
شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الشئ الخارجي والمصداق
المتحقق في الحرم على نحو الإشارة والمرآتية فيحرم كل شئ من أشجار الحرم
ونباته رطبها ويابسها قلعها وقطعها وأخذها فلو قطع شئ منها وألقي على الأرض
أو يبس يجب تركه حتى تذروه الرياح ويصير هباء منثورا ورميما وترابا ولا فرق
في ذلك بين القلع والقطع وأما لو قيل إن المتبادر منه كما أشير إليه في المسألة
السابقة إن كل ما في الحرم، مما فيه القوة النامية والنباتية من النباتات والأشجار
271

فهو حرام فحينئذ يجوز قطع كل يابس وقلعه ونزعه حتى لو يبس غصن على
شجرة أو يبس من الأصل إذ لا دليل على حرمة القلع والقطع بعد عدم شمول العام
نعم لو قيل إن كل شئ من أشجار الحرم ونباته ما دام قائما على الأصل
فهو حرام على الناس لا يجوز قطع الغصن اليابس إلا إذا ألقي على الأرض فيجوز
أخذه كما تسالم الفقهاء على الانتفاع منه ولا فرق بين ما قطعه آدمي أو قطع بأمر
طبيعي كالرياح الشديدة وغيرها كما أشير إليه في المسألة السابقة
مسألة هل الثمر إذا أينعت مثل الورق والشجر يحرم قطعه وأكله على المحرم
أم ليس كذلك لانصراف الأدلة عنه
الظاهر أنه لولا الاجماع على عدم الفرق بين الثمر وغيره يشكل استفادة
العموم من الأدلة بالنسبة إليه نعم لو ألقي الثمر على الأرض وسقط من الشجر لا
اشكال في جواز أخذه وأكله
272

فيما خرج عن العموم
بناء على استفادة عموم الحرمة لكل ما نبت في الحرم لا بد من التخصيص
فيه لما ورد من النصوص الدالة على جواز قطع بعض الأشجار في الحرم
وينبغي الإشارة إلى الخلاف أيضا في بعض النباتات منها الكماة والفقع
نقل عن التذكرة وغيرها جواز أخذ الكماة والفقع من الحرم وقال صاحب
الجواهر هو في الأول في محله للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له
بخلاف الثاني لأنه شئ ينبت في الأرض ويكون له ساق فيشمله الدليل
ومنشأ الخلاف إن الكماة والفقع هل هما من نبات الأرض يتكونان من
باطن الأرض أو هما شئ يوجد فوق الأرض بضم المواد بعضها إلى بعض و
التراكم في محل واحد
قال الطريحي قدس سره في مجمع البحرين الكمأة بفتح الكاف وسكون الميم و
فتح الهمزة والعامة لا تهمز شئ أبيض مثل الشحم ينبت من الأرض يقال له شحم
الأرض ليس هو المنزل على بني إسرائيل فإنه شئ كان يسقط عليهم واحدها كم ء
273

والجمع اكموء انتهى
وأما الفقع ففي كتب اللغة أنه نوع من الكمأة وفي المجمع ضرب من
الكمأة وهي البيضاء الرخوة
وفي لسان العرب الفقع، والفقع بالفتح والكسر الأبيض الرخو من الكمأة
وهو أردأها
قال ابن الأثير الفقع ضرب من أردأ الكمأة قال أبو حنيفة الفقع يطلع من
الأرض فيظهر أبيض وهو ردئ والجيد ما حفر عنه ويستخرج
فالمستفاد من كلمات القوم إن الفقع نوع من الكمأة وهو رديه لا غيره فما
في الجواهر من الفرق بينهما وإن الفقع شئ ينبت في الأرض ويكون له ساق وإن
الكمأة تخلق في الأرض كالثمرة الملقاة عليها في غير محله
فمرجع الكلام إلى أن الكمأ والفقع من النبات أم لا فإن قيل وادعي أن
النبات ظاهر فيما كان له أصل وساق فالكمأ المعبر عنه في الفارسية بالقارچ ليس
له ساق واصل فلا يكون نباتا وأن تتكون من الأرض كالعقيق والذهب وأما لو قيل إن
هذا التكون إنما هو بقوة داخلية في الأرض وحركة باطنية فيها، فلا يبعد اطلاق
النبات عليه وأنه نوع منها فعلى هذا يحتاج خروجه عن العموم إلى مخصص ومخرج
خاص ولولاه يكون قطع الكمأ والفقع من الحرم حراما كغيرهما وبالجملة الحكم
بحرمة قطع الكمأ والفقع يدور مدار صدق النبات عليهما وعدمه نعم فرق صاحب
الجواهر بينهما وقال أما الفقع شئ ينبت في الأرض وله ساق فيندرج في صحيحة
حريز بخلاف الكمأ وقد عرفت الكلام فيه
مسألة لو كان شجر أصله في الحرم وفرعه خارجه فهل يجوز قطع الفرع
أم لا الظاهر أنه لا يجوز قطعه لأنه من نبات الحرم يشمله العموم مضافا إلى رواية
خاصة تدل عليه
274

عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله من شجرة أصلها في الحرم وفرعها
في الحل فقال عليه السلام: حرم فرعها لمكان أصلها قال قلت فإن أصلها في الحل و
فرعها في الحرم فقال حرم أصلها لمكان فرعها (1)
ويستفاد من ذيل الرواية إن الفرع إذا كان في الحرم والأصل في الحل يحرم
قطع الفرع والأصل وإن لم يصدق عليه أنه من نبات الحرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 90 من تروك الاحرام الحديث 1.
275

في استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم
ثم إنه قد ورد استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم
منها: ما إذا كان الشجر في منزله في الحرم ولكن الشرائع قال إلا أن ينبت في ملكه
وفي الوسائل أيضا ما يوافقه
وفي الحدائق بعد نقل الأخبار الواردة في المسألة، المستفاد منها أنه إن
سبق الملك على نبت الشجرة يجوز قلعها وإلا فلا
وهذا التعبير موافق لتعبير المحقق قدس سره ولكنه ليس في الروايات عنوان
الملك وما فيها إنما هو الدار أو المنزل والمضرب فالمهم نقل النصوص
ومنها عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقلع الشجرة
من مضربه أو داره في الحرم فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو
يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها وإن كانت طرية عليه فله قلعها (1)
والمستفاد من هذه الرواية إن ما هو المعتبر في جواز قطع الشجرة تقدم
الدار والمنزل والمضرب عليها، وهو أعم من ملكية الدار والمضرب وكذا ملكية

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 2.
276

الشجرة إذ من المتعارف أن تكون السكنى بالإجارة أو الوقف حتى الغصب أو
التبرع ويؤيده أن المضرب وهو محل الخيام كثيرا ما لا يكون ملكا لصاحب الخيمة
وساكنيها كما في عرفات ومنى والمشعر، مضافا إلى أن مكة وأراضيها مفتوحة
بالعنوة ولا يملكها أحد إلا بتبع الآثار، والخيمة والمضرب ليس مما يوجب الملكية
بل الانتفاع فقط، اللهم إلا أن يقال إن نظر المحقق ومراده من الملكية للدار جواز
التصرف فيها وإباحتها له وهذا أيضا لا دليل له كما أن القول بأن الرواية ناظرة
إلى مكان كان معمورا سابقا وكان ملكا لشخص ثم انتقل إلى آخر تخصيص بلا دليل
وترجيح بلا مرجح
ورواية أخرى لحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في الشجرة يقلعها الرجل
من منزله في الحرم فقال عليه السلام إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وإن
كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها (1)
ونقلت هذه الرواية بألفاظها بسند آخر عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام وهي
أقوى ما تدل على اعتبار الملكية بناء على أن ضمير هو راجع إلى المنزل وإن
اللام يفيد الملكية لا الاختصاص إلا أن الظاهر والغالب فيمن نزل مكة المعنى الثاني
لا الأول كما في الخيمة والمضرب فلا تدل الرواية على أنه بنى المنزل أو اشتراه
حتى تكون دليلا على اعتبار الملكية مضافا إلى أن بعض النسخة وهي له
وبناء على تلك النسخة يجب أن يأول بأن المراد من المنزل عبارة عن الدار
أو يرجع ضمير هي إلى الشجرة فالمعنى إن كانت الشجرة هي له فليقلعها فعلى
النسخة الثانية يشترط أن تكون الشجرة ملكا له لا المنزل فالقدر المتيقن من المخصص
بناء على الملكية أن يكون المنزل والشجرة ملكا للمحرم أو غيره وإذا لم يثبت إحدى
النسختين، وملك الدار فقط أو الشجرة يشك في دخوله في المخصص فيمسك
بعموم كل ما ينبت في الحرم فهو محرم على الناس
وإن قيل إن الاجمال في المخصص يسري إلى العام فيكون مجملا، ولا يصح

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 3.
277

التمسك به عند الشك إذ نعلم بخروج أحد الفردين عن العموم إما في صورة كونه
مالكا للدار وإما حال كونه مالكا للشجرة فيجب الاحتياط حينئذ كما لو علم بنجاسة
أحد الإنائين وطهارة الآخر إلا إذا خرج أحد الطرفين عن مورد الابتلاء فيجري
الأصل في الطرف الباقي
لكن كل هذا إذا قلنا باعتبار الملكية وتردد الأمر بين مالكية الدار أو
الشجرة على اختلاف النسختين وقد قلنا إن الرواية ليست ظاهرة في اعتبار الملك
أصلا بل يمكن ولا يبعد أن تكون اللام للاختصاص فقط كما يؤيده ذكر المضرب
بعد المنزل
ولعل نظر المحقق في اعتبار الملك أيضا إلى القدر المتيقن الذي أشير إليه
إلا أن يقال إن نظره إلى مالكية الدار أو المنزل، أما الشجرة تابعة لهما فتكون
هي أيضا ملكا لصاحب المنزل والدار هذا كله فيما إذا نبتت الشجرة وأما الانبات
فيأتي حكمه
ثم إنه بناء على اعتبار الملكية فهل الموضوع في الحكم الملك وإن لم
يكن له دار، أو منزل، بل إنما ذكر المنزل والمضرب والدار مشيرا إليه، أو الموضوع
الدار المقيد بكونها ملكا له وقد تقدم إن استفادة ملكية الدار والمنزل والمضرب
مشكل، وأما كفاية الملك وحده فهو الظاهر من الشرايع والجواهر فعليه لو كان
له ملك في مورد من الحرم ونزل فيه وإن لم يكن له دار ومضرب يكفي في جواز قطع
الشجر والنبات، ولكنه كما أشير إليه مشكل جدا إذ المستفاد من النصوص صدق
الدار والمنزل لا الملك وحده، وهنا فروع ينبغي الإشارة إليها
الفرع الأول أن ما هو المذكور في النصوص جواز قطع الشجرة في المنزل
فهل لها خصوصية ودخل في الحكم، أو المراد كل نبات نبتت في المنزل،
وذكر الشجرة إنما هو من باب المثال كما اختاره الشرايع الراجح هو الثاني،
فإن الظاهر كما قدمنا إن كل نبات في الحرم هو حرام على الناس على ما صرحت
278

به رواية حريز ولا يصح رفع اليد عن هذا العموم إلا بدليل خاص صريح في رفع
الحكم، وما هو إلا في الشجرة فقط التي يحتمل قويا الخصوصية فيها، ولا يمكن
أن يقال جزما كل نبات في المنزل والدار فهو مثلها، هذا ما يقتضيه ظاهر الأدلة
وقال صاحب الجواهر قدس سره الخبران (رواية حماد وإسحاق) وإن كانا
مشتملين على الشجرة خصوصها، إلا أنه لا قائل بالفرق بينه وبين غيره بل لعل ظاهر
النصوص كون المدار على النبات سابقا ولاحقا انتهى موضع الحاجة
يستفاد من كلامه إن التفصيل بين الشجر وغيره من النبات الداخل على المنزل
في جواز القطع قول ثالث لم يقله أحد فإن الأمر بين قولين جواز القطع مطلقا
وعدمه بذلك، بعبارة أخرى ورود التخصيص على العموم وعدمه، فيكون التفصيل
قولا ثالثا.
والتحقيق في المقام أن يقال إن مستند الفقهاء في عدم التفصيل وعدم قول
ثالث هو الاجماع والتسالم من الجميع على ذلك، يمكن أو يجب الالتزام به،
لكنه من المحتمل قريبا أنهم رضوان الله عليهم استفادوا ذلك من الروايات الواردة في
المسألة وكيفية دلالتها وفقهها، فلا يكون الاجماع على القولين دليلا على نفي قول
ثالث، فالمستند في المقام هو النصوص.
فإن الشيخ قدس سره بعد ما نقل رواية حريز مع ذيلها (إلا ما أنبته أنت و
غرسته) قال متصلا به: وكل ما دخل على الانسان فلا بأس بقلعه فإن بنى هو في
موضع يكون فيه نبت لا يجوز قلعه
احتمل صاحب الجواهر أن يكون قوله في التهذيب (كل ما دخل) من تتمة
الحديث، وأن يكون فتواه التي استفاده من الخبرين واستظهره منها
ويؤيد الاحتمال الثاني إن الشيخ بعد ما ذكره قال روى سعد بن عبد الله عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في قطع عودي المحالة (وهي
البكرة التي يستقى بها) من شجر الحرم والإذخر كما هو دأبه في الكتاب يذكر
279

فتواه أولا ثم يقول روى فلان فيعلم أنه عليه الرحمة استفاد من الروايات عدم
الخصوصية للشجر وأن الحرمة للسابق على الدار والمنزل، دون اللاحق وأن
ما يدخل على الدار يجوز قطعه دون ما يدخل عليه المحرم ومن الممكن القريب
أن يكون هذا مستند الاجماع على عدم قول ثالث وإن لم نجزم به.
الفرع الثاني بعد الحكم بجواز قطع الشجر إذ دخل الدار فهل يعتبر
أن يكون ملكا لصاحب المنزل أم لا.
فمن ذهب إلى اشتراط ذلك لعله استفاده من قوله عليه السلام في رواية حماد (و
هي له) المحتمل رجوع ضمير هي إلى الشجرة المذكورة في الرواية على بناء النسخة
المقروة، على المجلسي عليه الرحمة ولكن في النسخة الأخرى كما في الوسائل
والتهذيب المطبوع جديدا وهو له الظاهر رجوعه إلى المنزل.
الثالث بناء على جواز قطع الشجرة التي نبت في الدار أو المضرب تحت
أي شرط كان فهل يختص الجواز لصاحب الدار بالمباشرة فقط أو يعمه والتسبيب
فلو أمر غيره بقلعها يجوز له ذلك أيضا أم لا.
لا يبعد أن يقال إن الظاهر من قوله عليه السلام فله قلعها، أو فليقلعها أعم من المباشرة
والتسبيب إلا أن الكلام في أنه إذا قلنا بشمول الدليل للغير، فهل، يتبدل حكم الغير
الذي كان عليه حراما أيضا أن يقلعه، بحيث لو أمره من كان له أن يقطع الشجر
الداخل عليه يجوز للمأمور قلعه وقطعه أو لا يتغير الحكم الثابت على الغير بل هو
باق عليه الظاهر هو الثاني.
إذ غاية ما يستفاد من الدليل أن الشجر الوارد على المنزل ليس له حرمة
بالنسبة إلى المورود وأما عدم الحرمة مطلقا حتى بالنسبة إلى من يعيش بعيدا عنه
ولم يرد عليه فلا يستفاد منه حتى يتغير الحكم ولو بالتسبيب، نعم لو علم أن كل
شجرة أو نبات إذا نبتت بعد بناء المنزل لا حرمة لها بالنسبة إلى من يسكن البيت
وغيره فينقلب الحكم ويجوز القطع للغير.
280

ومن المستثنيات عن حكم العموم ما أنبته وغرسه الانسان كما قواه صاحب
الجواهر قدس سره والدليل على ذلك رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل شئ
ينبت في الحرم فهو حرام إلا ما أنبته أنت وغرسته على ما رواه الشيخ في التهذيب
والصدوق وأما الكليني قدس سره فقد رواه بدون الذيل
وأما المحقق في الشرايع فقد قال إلا ما ينبت في ملكه الظاهر أنه لم يجعل
ما أنبته وغرسه الانسان خارجا عن العموم بعنوان الانبات مستقلا بل الملاك أن
يكون النبات في ملكه سواء غرسه وأنبته أو نبت في ملكه بأمر غير اختياري.
ويمكن أن يقال إن من اشترط الملكية فقط ولم يذكر الانبات لعله لأجل
الملازمة بين الملك وانبات المالك غالبا فاكتفي بذكر أحد المتلازمين ولم يعتبر
ولم يشترط القيد الوارد مورد الغالب وأما غيره كالشيخ في التهذيب والنهاية و
المبسوط والسرائر جعلوا ما أنبته وغرسه عنوانا خاصا وخصصوا به العام الدال
على حرمة قطع نبات الحرم ولا فرق في ذلك بين ما أنبته في ملكه أو غيره كما نقله
الجواهر عن الكتب المتقدمة ثم قال فما عن ابني زهرة والبراج والكيدري من
التقييد بملكه في غير محله، وقال المدارك بعد نقل رواية حريز لا اشكال في جواز
قلع ما أنبته الانسان على كل حال
تحقيق روائي
إذا حملنا القيد الوارد في إحدى روايتي حريز (إلا ما أنبته وغرسته) على
الغالب كما فعله المحقق في الشرايع فلا اشكال ولا بحث، وإلا فيدور الأمر بين
الزيادة والنقص في نقل الرواية إذ الظاهر أن ما روي عن حريز بسندين رواية واحدة
وهما متحدان نقلت مرة بدون الذيل وأخرى معه فهل وقع النقص على نسخة
الكافي أو الزيادة على التهذيب ونقل الصدوق وإذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة
في حديث أو غيره يقولون الأولى الالتزام بالنقيصة كما هو دأب الأعلام والمتعارف
بينهم لوقوع النقص في النقل كثيرا لسهو أو غيره مما يوجب ذلك، وأما الزيادة
281

فهي خلاف العادة سيما مثل تلك الجملة الطويلة التي لا تقل عن ثلث الخبر، مضافا
إلى أن الفحول من العلماء الذين لا يفتون إلا بما هو حجة بينهم وبين الله، أفتوا
بمضمون الذيل ونقلوه في كتبهم المعدة لنقل الأحاديث، وبالجملة تمسك القائلين
باستثناء ما أنبته الانسان وغرسه برواية حريز يدل على أن الرواية صدرت مع الذيل
ولو بالالتزام بأن حريز رواها عن الإمام تارة مع الذيل وأخرى بدونه واحتمال
اتحادهما واستبعاد كونها روايتين ليس إلا استبعادا محضا واحتمالا أو ظنا، وإن الظن
لا يغني من الحق شيئا، فعلى هذا يكون كل ما زرعه الانسان وغرسه وأنبته مستثنى
من العموم ويجوز قطعه وقلعه.
ثم إن الاستثناء في قوله عليه السلام إلا ما أنبته أنت، بناء على ثبوت الزيادة متصل
أو منقطع فكل محتمل.
إن قلنا إن الظاهر من قوله عليه السلام (كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام) ما ينبت
بنفسه طبيعيا من دون أن يغرسه آدمي أو يزرعه، فالاستثناء منقطع ولا يشمل العموم
ما أنبته آدمي وغرسه ولو لم تثبت الزيادة أصلا.
وأما لو قلنا إن كل شئ ينبت في الحرم ليس ظاهرا فيما نبت بنفسه طبيعيا
ولا يختص به بل يشمله وما أنبته الانسان فالاستثناء متصل ولا بد من اثبات الزيادة
في الرواية وإلا يحرم كل نبات سواء غرسه آدمي أو لا.
فرع - بعد البناء على ثبوت الزيادة في الرواية وإن الاستثناء أيضا متصل،
يقع البحث في أن جواز القطع هل يختص بالغارس والمنبت فقط، أو يجوز لغيره
أيضا أن يقطع ويقلع ما أنبته انسان آخر غاية الأمر أنه إن كان ذلك بإذنه لا ضمان
عليه ولا حرمة ولا كفارة وإلا فعليه الضمان فقط.
الظاهر أن شمول الدليل لغير من أنبت وغرس مشكل بل يختص الجواز
بالذي أنبت كما في قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
عن تراض إذ لا يفهم منه إلا حلية الأكل للمتراضيين وبعبارة أخرى حلية الأكل
282

الذي يفهم من هذا الدليل تختص بالمتراضيين الذين اتجرا ولا يتعدى منهما إلى
غيرهما كما لو قيل اقطع ما في منزلك إذا لا يفهم منه إلا جواز القطع لصاحب المنزل
لا غيره إذا ورد منزله وعند الشك يؤخذ بالقدر المتيقن خروجه من عموم العام وهو
الغارس وشخص المنبت لا غيرهما، ولا فرق فيما أنبت بين ما من شأنه أن ينبته الآدمي
وغيره بل يشمل ما يخرج مع ذرعه الذي أنبته. فرع قد ورد في النصوص جواز قطع
الشجر إذا كان داخلا على البيت فهل المراد من دخول الشجر ووروده كون
الأصل في البيت أو يكفي دخول الغصن في جواز قطعه أو لا يكفي ذلك لأن الأصل
كان خارج البيت ثم دخل البيت غصن منه المتبع في المقام النصوص الواردة في
المسألة.
فمنها رواية حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقلع الشجرة من
مضر به أو داره في الحرم فقال إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو
يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها وإن كانت طرية عليه فله قلعها (1)
ظاهر هذه الرواية إن أصل الشجرة إذا كانت قبل بناء الدار لا يجوز قلعها
وأما إذا طرأت عليه ووجدت بعده فلا وأما النص ودخوله بعده فلا يستفاد من
الرواية ولا يكفي في رفع اليد عن العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم
وأصرح من هذه روايته الأخرى وفيها إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له
أن يقلعها وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها (2)
وفي رواية إسحاق بن يزيد المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام سأله عن الرجل يدخل
مكة فيقطع من شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك
عليك (3)
هل المراد من الشجر الداخل أصله وتمامه بأن يكون في الدار قبل أن يسكنها
المحرم أو يبنيها، أو أعم منه ومن الأغصان الداخلة عليه في البيت فكل واحد

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 6.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 6.
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 6.
283

منهما محتمل.
فإن كان المفاد هو الثاني فيجوز قطع ما دخل البيت ويراد من الدخول
معنى جامع شامل لكليهما بخلاف الأول.
ومن المستثنيات قلع شجر الفواكه والإذخر والنخل وعودي المحالة كما
في الشرائع وادعى في الجواهر عدم الخلاف في الثلاثة الأول وفي عودي المحالة
على رواية على ما في كلام المحقق.
وعن التهذيب والجامع الفتوى بها بل تبعها غير واحد من المتأخرين ولكن
الرواية فيها جهل وارسال ولا جابر لها على وجه يعتد أو يخص بها ما سمعت من
العموم وأما الإذخر وشجر الفواكه ففيها روايات:
منها رواية عبد الكريم عمن ذكره عن أبي عبد الله قال لا ينزع من شجر مكة
إلا النخل وشجر الفاكهة (1)
ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله أيضا أنه قال لا ينزع من شجر مكة
شئ إلا النخل وشجر الفاكهة (2)
وفي حديث فتح مكة قال رسول الله عز وجل حرم مكة يوم خلق
السماوات والأرض ولا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط
لقطتها إلا لمنشد فقام إليه العباس بن عبد المطلب فقال يا رسول الله إلا الإذخر فإنه
للقبر ولسقوف بيوتنا فسكت رسول الله ساعة وندم العباس على ما قال ثم قال رسول -
الله إلا الإذخر (3)
ثم إنه استثنى في كلام الفقهاء من عموم الحرمة رعي الإبل من نبات الحرم،
وهو مردد بين التخصيص والتخصص من أجل إن دليل حرمة قطع الشجر إن شمل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 9
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الاحرام الحديث 4.
284

القطع بالرعي والتسبيب فجواز رعي الإبل تخصيص من العموم وأما لو كان مفاد
رواية حريز المتقدمة حرمة القطع على المحرم نفسه لا القطع برعي الإبل فهي في
مقام بيان إن هذا الفرد ليس من مصاديق العام ولا يشمله الحكم.
قال صاحب الجواهر قدس سره لا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره إبله
ترعى الإبل في الحشيش مثلا وإن حرم عليه قطعه للأصل، بعد عدم تناول النصوص
لذلك والسيرة القطعية التي هي فوق الاجماع، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: تخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء (1)
عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد الله عن النبت الذي في أرض الحرم
أينزع فقال: أما شئ تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه (2)
أما الاستدلال بالأصل فإنما يصح إذا لم يشمل الدليل الأول للمورد إذ بعد
شمول عموم رواية حريز (كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس) لرعي
الإبل يعلم أن تخلية الإبل لقطع نبات الحرم خلاف الاحترام ومناف لحرمة الحرم
وعمدة الأدلة في المقام هي السيرة المستمرة كما عبر صاحب الجواهر
لوضوح إن عمل المسلمين من زماننا إلى زمان الرسول صلى الله عليه وآله على عدم منع الناس
دوابهم من الإبل وغيره عن أكل نبات الحرم ولأجل ذا لم يتعرض صاحب الشرايع
للمسألة أصلا ولعل نظره إلى ما أشار إليه في الجواهر من عدم تناول الحكم له من
الأصل لما ذكر.
فرع بعد الفراغ عن جواز ترك الإبل وتخليته للرعي فهل يجوز للمحرم أن
يقطع النبات والشجر له، أم اللازم أن لا يتصدى ذلك بنفسه بل يخلي الإبل فقط
ويتركه للرعي فيقطع ويأكل وجهان
وفي المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا الأصل و

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الاحرام الحديث 2.
285

صحيح جميل ومحمد بن حمران.
وعن الإسكافي لا أختار الرعي لأن البعير ربما جذب النبت من أصله فأما
ما حصده الانسان وبقي أصله فلا بأس.
وعقد صاحب الوسائل قدس سره بابا في المسألة ولم يذكر فيه الروايتين
أحدهما ما رواه حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال تخلى عن البعير في الحرم
يأكل ما شاء (1)
ومحمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم
أينزع قال أما شئ تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه (2)
وأما الرواية فتدل على جواز ترك الإبل صريحا وبها يرد قول الإسكافي
بعدم اختيار الرعي.
وأما الرواية الثانية فإن كان الضمير فيقوله إن تنزعه راجعا إلى السائل و
يكون هو المخاطب، على أن يكون الفعل فعل خطاب مذكر، فتدل الرواية أيضا
على جواز قطع النبات ونزعه لتعليف الإبل وغيره وأما إذا كان تنزعه فعلا غائبا
مؤنثا يرجع الضمير فيه إلى الإبل فلا تدل إلا على جواز نزع الإبل نبات الحرم
إذا خلي وترك، ولا يستفاد منه جواز القطع بالنسبة إلى الانسان وصاحب الإبل.
وبعبارة أخرى أنه لو استفيد من الرواية أنه لا حرمة لذاك النبات فلا يفرق
في جواز القطع بين الانسان وغيره وأما لو قلنا إن حرمة نبات الحرم لم يثبت
بالنسبة إلى الحيوان فلا يستفاد منه رفع الحرمة مطلقا حتى من الانسان.
" تحقيق أصولي "
لو ورد عام يدل على حكم تحريمي أو غيره ثم وردت مخصصات عديدة
أو تقييدات فإن كان كل واحد من المخصصات مباينا لغيره يرد جميع التخصيصات

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من كفارات الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الاحرام الحديث 2.
286

على العام في عرض واحد كما في التخصيص بشجر الفواكه والنخل وأما لو كان
كل واحد من المخصص عاما وأمكن تقييد بعض ببعض آخر فهل يرد التخصيص
هنا أيضا على العام في عرض واحد أو يقيد بعض المخصصات ببعضها الآخر ثم
يرد التخصيص على العموم مثلا لو دل دليل على حرمة نبات الحرم بقوله عليه السلام كل
شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ثم ورد التخصيص بما ينبت
في منزله بقوله عليه السلام وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها وكذا ورد التخصيص
بشجر الفواكه والنخل والإذخر وبما أنبته المحرم وغرسه، فحينئذ هل يخصص
قوله عليه السلام فهو حرام على الناس أجمعين بكل واحد من مضامين المخصصات ويخرج
كل واحد منها عن العموم سواء كان شجر الفواكه أو الإذخر في المنزل أم لا وسواء
كان مما أنبته وغرسه أم لا.
أو يمكن أن يقال إن جميع المخصصات المطلقة يتقيد بالأخص مضمونا
منها فيتقيد شجر الفواكه والإذخر وما أنبته بكونها في المنزل إذا كان أخص من
الجميع أو يتقيد الجميع بكونه مما أنبت.
والظاهر أن شمول الخاص وظهور اطلاق المخصص في جميع المصاديق
مطلقا أقوى من ظهور العام الدال على الحرمة، مثلا لو قال أكرم العلماء ثم قال
لا تكرم زيدا يكون اطلاق المخصص وشموله لزيد حال القيام والقعود أقوى من
ظهور العام فيه فلا يتقيد المخصص بحال دون حال وفيما نحن فيه أيضا كذلك
فلا يتقيد اطلاق الفواكه والإذخر بكونه في المنزل أو غير ذلك.
نعم قد يقال إن الاستثناء بإلا يفيد الحصر ويؤكد ظهور العام في غير الخارج
لكنه إنما يصح لو قال مثلا أكرم العلماء إلا زيدا ثم قال إلا عمروا بخلاف ما لو
ورد مخصص مطلق وآخر مقيد يمكن تقييد الأول بالثاني ويمكن تخصيص كل
واحد منهما العام الأول كما في المقام. (1)

1 - لا يخفى أن المخصص في المقام أيضا مثل الأول أي مثل أكرم العلماء إلا زيدا
وإلا عمرو كقوله إلا الإذخر وفي رواية إلا النخل وشجر الفاكهة وفي أخرى إلا ما أنبته أنت
نعم بعض المخصص ورد بغير الاستثناء بإلا ولعل نظر الأستاذ مد ظله العالي ذاك البعض
287

واستثني من عموم الحرمة الإذخر وعودي المحالة وعودي الناضح كما
أشير إليه.
أما الإذخر بكسر الهمزة والخاء نبات معروف عريض الأوراق طيب الرائحة
يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب والفحم قاله الطريحي.
والمحالة بفتح الميم هي البكرة العظيمة التي يستقى بها وفي المجمع قال
الأصمعي: إن كانت البكرة على ركية متوح فهي بكرة وإن كانت على ركية
حرور فهي محالة يقال متح الدلو يمتحها متحا إذا جذبها مستقيا لها الماتح المستسقى
من البئر من أعلاها وبالياء الذي يكون في أسفل البئر يملأ الدلو.
قال صاحب الجواهر يجوز قطع الإذخر والنخل بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به غير واحد بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع عليه وهو الحجة انتهى.
وتدل على جواز قطع الإذخر صحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلي خلاه أو يعضد شجرة إلا الإذخر أو يصاد
طيره وحرم رسول الله المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في
بريد أن يختلي خلاها ويعضد شجرها إلا عودي الناضح. (1)
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال قال رسول الله إلا أن الله عز وجل
قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة
لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلا خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس:
يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر والبيوت فقال رسول الله إلا الإذخر (2)
وفي حديث آخر فإنه للقبر ولسقوف بيوتنا وفي ثالث لصاغتنا وقبورنا وفي

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الاحرام الحديث 1.
288

رابع لقينهم ولبيوتهم فقال رسول الله إلا الإذخر (1)
وأما عودي المحالة والناضح إن كان متحدا فيدل على جواز قطعه رواية
زرارة عن أبي جعفر قال رخص رسول الله قطع عودي المحالة وهي البكرة التي
يستقى بها من شجر الحرم والإذخر (2)
ويمكن أن يستدل على جواز قطع عودي الناضح بناء على عدم اتحاده مع
المحالة بما روي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث حرم رسول الله صلى الله عليه وآله
المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلي خلاها ويعضد
شجرها إلا عودي الناضح (3)
الرواية وإن كانت في نبات حرم المدينة إلا أنه بعدم القول بالفصل بين
حرم المدينة ومكة بالنسبة إلى ذلك تدل على جواز القطع في بنات حرم مكة
وأما استثناء عصا الراعي فقد ورد في رواية دعائم الاسلام التي لا يصح الاعتماد
عليها إذا كان متفردا في نقلها وإن كان الاحتياط تركها كما أن الاحتياط في قطع
عودي المحالة الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة
فرع هل المستفاد من أدلة حرمة قطع نبات الحرم أنه حرام مطلقا حتى بعد
القطع والكسر واليبس فلازم ذلك أن لا يجوز لأحد أن يتملكه وأما لو قيل إن نبات
الحرم حرام قطعه ما دام قائما على الأصل ومتصلا به وأما بعد القطع والكسر
فلا يشمله دليل الحرمة فيأتي البحث في أنه هل يجوز تملكه أم لا والظاهر عدم المنع
منه بل هو كساير المباحات الأولية

1 - مسند أحمد الجزء 4 ص 75 - و 321
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الاحرام الحديث 4.
289

في حكم لبس السلاح حال الاحرام
المشهور أن المحرم يحرم عليه لبس السلاح من دون ضرورة وقيل بالكراهة
وهو مختار المحقق في الشرائع.
وقال صاحب الجواهر لم تعرف القائل قبل المصنف أنه يكره نعم هو خيرة
الفاضل عن جملة من كتبه وتبعها غيرهما.
والبحث في المقام تارة في لبس السلاح وأخرى في حمله والاشهار به أما
الأول فلبس كل شئ بحسبه مثلا الدرع يلبس كالقميص والسيف يعلق ويقال لبس
السيف كما يقال لبس الخاتم ومثله الاشهار للسيف وحمله ولو كان مستورا وخفيا
أما الحمل للسيف ظاهرا كان أو مخفيا فالقول بالحرمة فيه نادر والمشهور فيه
الكراهة وقال بعض بالحرمة إذا كان السلاح ظاهرا ومنشأ الخلاف النصوص
الواردة في المسألة في حمل السلاح ولبسه واشهاره.
منها رواية عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المحرم إذا خاف
290

العدو ويلبس السلاح فلا كفارة عليه (1)
والمستفاد من المفهوم في الرواية أن المحرم إذا لم يخف العدو ولبس
السلاح فعليه الكفارة الملازمة للحرمة.
وأورد على الاستدلال بأن القول بوجوب الكفارة في لبس السلاح نادر حتى
أن القائلين بحرمته لم يقولوا بوجوب الكفارة وصرحوا بعدمها ولأجل ذا حملوا
الرواية على ما يوجب لبسه تغطية الرأس كالمغفر أو على لبس الدرع الذي يشبه
بالقميص المحرم لبسه وقد سمعت أن بعض الحجاج من المسلمين يشقون ثوب
الاحرام من الوسط ويلقونه على أعناقهم زعما أنه ليس بمخيط وغفلوا عن أنه
يشبه بالقميص المحرم لبسه وعليه يجب على العلماء الطلاب الذين يحجون أن يرشدوا
هؤلاء الجهال إن ساعدت الحكومة ولم يأتوا بدين جديد ونبي جديد.
ورواية عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أيحمل السلاح المحرم
فقال إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح. (2)
والرواية لا يورد عليها ما أورد على الرواية الأولى من ثبوت الكفارة ولكن
الكلام في أن السائل سئل الإمام عليه السلام عن حمل السلاح مطلقا وأجاب الإمام بجواز
اللبس إذا خاف عدوا أو سرقا فهل لهذا الشرط مفهوم معتبر يدل على نفي الحكم
عند انتفاء القيد أم لا.
نقل صاحب المدارك عن المنتهى أنه لو كان هناك مفهوم فهو مفهوم الخطاب
الذي هو ضعيف في دلالته ولهذا حملها بعض على الكراهة.
قد يقال في حجية المفهوم إن القيد المذكور في كلام الحكيم المتكلم المريد
للتفهيم إذا لم يكن له فائدة إلا انتفاء الحكم المجعول في كلامه عند انتفاء القيد
يكون مفهومه حجة ودليلا كمنطوقه فلا بد في المقام من التأمل في أن القيد المذكور

1 - وسائل الشيعة الجزء الباب 54 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 54 من تروك الاحرام الحديث 2.
291

(إذا خاف المحرم عدوا) هل له فائدة غير انتفاء الحكم عند انتفائه أم لا وعلى
الأول لا يتحقق المفهوم بل إنما ذكر القيد لأمر آخر قال العلامة في المنتهى إن فائدة
القيد في رواية ابن سنان بيان الحاجة إلى لبس السلاح والداعي إليه نظير ما لو
قيل إذا رزقت ولدا فاختنه إذ لو لم يرزق ولدا لا يتحقق موضوع الختان وينتفي
الحكم بانتفاء موضوعه فإن لبس السلاح وحمله إنما يكون فيما إذا خاف من عدو
أو سرق إذ لولا الخوف والوحشة من أمر لا يحتاج الشخص إلى لبس السلاح
وحمله، ولا داعي له إليه وإن كان الموضوع ممكنا عقلا وطبعا ويفارق قول
القائل إذا رزقت ولدا فاختنه لانتفاء الموضوع هناك حقيقة عند عدم الولد، وانتقائه
هنا عادة لا عقلا، فالتقييد في المقام إنما ذكر لبيان الحاجة إلى لبس السلاح وحمله
والداعي إليه غالبا نظير القيد الوارد مورد الغالب فلا تدل الرواية على حرمة لبس
السلاح عند عدم الخوف. (1)
ولكن المشهور حملوا الرواية على الكراهة والخوف على الخوف النوعي
فإن حمل السلاح في الأزمنة السالفة كان من المتعارف بين الناس والخوف النوعي
أيضا محققا.
ثم إن السائل سئل عن حكم حمل السلاح كما أشير إليه وأجاب الإمام عليه السلام
عن اللبس ولم يجب عن حكم الحمل أصلا ويعلم من ذلك أن حمله لم يكن به
بأس ولا اشكال فيه كما في رواية أخرى.
ومثلها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه
سلاحه إذا خاف العدو. (2)

1 - خلافا لصاحب الجواهر حيث قال إن هذه الدعوى كما ترى لا تستاهل جوابا
ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال خصوصا بعد فهم المشهور فالأصح
حينئذ الحرمة.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارات الاحرام الحديث 5.
292

ولا يخفى ظهور كلمة وعليه سلاحه في اللبس إما بعد الاحرام، أو يحرم
وعليه السلاح فكل منهما محتمل، وأما المفهوم المستفاد منها فهو مثل ما تقدم في
الرواية السابقة، من أن القيد إنما هو لبيان الحاجة والداعي، ولكن الانصاف إن
التعابير الواردة في النصوص والتقييد بالخوف ظاهرة في دخالة القيد في الحكم،
وأنه إذا لم يخف العدو لا يجوز له لبس السلاح.
وأما حمل السلاح على وجه لا يعد متسلحا به فالقول بحرمته نادر كما ادعاه
صاحب الجواهر ووردت روايات يمكن حملها على الكراهة بل لا يختص بالمحرم
والحرم.
وأما الاشتهار بالسلاح فإن ثبت أنه حرام فيعم المحرم وغيره وكذا الكراهة.
عن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر الأربعمأة المروي في الخصال: لا تخرجوا
بالسيوف إلى الحرم (1)
عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله
في جوالق أو يغيبه يعني يلف على الحديد شيئا (2)
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يريد مكة أو المدينة
يكره أن يخرج معه بالسلاح فقال: لا بأس بأن يخرج بالسلاح من بلده ولكن إذا
دخل مكة لم يظهره (3)
وظاهر الرواية الأخيرة حرمة اشهار السيف واظهاره كما عن الحلبيين
ولكن لا يختص بالمحرم بل يعمه وغيره ولكن النصوص حملت على الكراهة
بقرينة لا ينبغي المذكور في خبر حريز واعراض المشهور عن الافتاء بالحرمة و
الاحتياط الترك في الجميع.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2.
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2.
293

في تغسيل المحرم بالكافور
يحرم تغسيل المحرم بالكافور لو مات قبل الطواف هذا الحكم من خصائص
المحرم بالنسبة إلى حكم الأحياء إذ يحرم عليهم تغسيله بالكافور وأما الميت فلا
تكليف عليه محرما كان أو غير محرم.
لا خلاف في أصل الحكم وادعي عليه الاجماع مضافا إلى النصوص
المستفيضة الواردة في كتاب الطهارة في تغسيل الميت وفي المقام
منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن المحرم إذا مات كيف يصنع
به قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا (1)
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة المحرمة
تموت وهي طامث، قال لا تمس الطيب وإن كن معها نسوة حلال. (2)
وعن سماعة قال سألته عن المحرم يموت فقال يغسل ويكفن بالثياب كلها

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 83 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 9.
294

ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب. (1)
وعن ابن أبي حمزة عن أبي الحسن في المحرم يموت قال يغسل ويكفن
ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا من الطيب. (2)
ورواية عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يموت كيف
يصنع به فحدثني أن عبد الرحمن بن الحسن بن علي مات بالأبواء مع الحسين
ابن علي عليه السلام وهو محرم ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر فصنع
به كما صنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وذلك في كتاب على. (3)
والمذكور في النصوص كما ترى عدم جواز مس الطيب للمحرم الذي
مات مطلقا لكن العلماء تعرضوا للكافور والحنوط فقط مع أن في الكافور بحث
في أنه من الطيب أم لا لعدم ذكره في الرواية التي تدل على حصر الطيب في
أربع، ولكن تقدم هناك إن الظاهر من الأخبار أن الكافور في الأزمنة السابقة كان
بعد من الطيب المتعارف المعمول بين الناس وأنه كان منهيا عنه حال الاحرام فعلى
هذا تشمله تلك النصوص الدالة على عدم جواز مس الطيب من المحرم الذي
يموت.
هذا بالنسبة إلى الكافور الذي تسالم عليه الفقهاء ولكن لم يذكروا غيره من
الطيب ولعل الوجه في اختصاصهم الكافور بالذكر دون غيره أن ما هو المبتلى
به في تغسيل الميت وأحكامه الكافور وتحنيط الميت به، وأما غيره من أنواع
الطيب فلم يكن موردا للابتلاء حين التغسيل، فالتصريح بأن المحرم الذي
يموت لا يغسل بالكافور إنما هو لبيان تخصيص الأدلة الدالة على وجوب تغسيل
الميت بالكافور، والإشارة إلى ذلك، وأما غير التغسيل بالكافور فهو كغير المحرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 6
3 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 3.
295

في جميع الأحكام مثل التغطية للوجه والتكفين بالأثواب ولولا ذلك الوجه كان
الأنسب كما في النصوص ذكر الطيب مطلقا لا الكافور فقط.
وعلى كل حال الطيب الذي كان حراما على المحرم لا يقرب إليه بعد الموت
وأما الطيب الذي كان مباحا له كخلوق الكعبة فهل يجوز مسه من المحرم بعد موته
أم لا، الظاهر أن الالتزام بجواز تقريبه منه مشكل، فإن الاحتراز عن خلوق الكعبة
حين الطواف لما كان متعسرا على المحرم أجاز الشرع مسه، ولم يوجب التحرز
عنه، وهذا غير متحقق في الميت، إذ لا عسر ولا مشقة في عدم تقريبه منه نعم لا يبعد
أن يقال إذا تطيب ثوب الاحرام بخلوق الكعبة حين الطواف يجوز كفن المحرم
به إذا مات ولكنه أيضا مشكل لما أشير إليه.
ويمكن أن يقال إن التطيب بخلوق الكعبة كان مباحا للمحرم ولم يكن
ممنوعا عنه بل كان مستثنى من العموم الدال على حرمة الطيب إلا أن هذا الحكم
كان حال حياته وكونه مكلفا، والمحرم بعد الموت لا تكليف له، ولكن الأحياء
يعلمون أن تقريب الطيب إلى المحرم بعد الموت غير جائز، ويشكون في خلوق
الكعبة ومسه لميت هل هو حرام أم لا؟ فالأصل البراءة.
فرع: الظاهر أنه بعد عدم جواز التغسيل للمحرم بالكافور شرعا فهل هو
بمنزلة التعذر العقلي وعدم وجدان الكافور في أنه يجب تغسيله بالماء القراح ثلاثا
لتعذر الامتثال في أحد الأغسال الثلاثة ولا يكون رافعا للحدث ولا يمنع عن وجوب
غسل مس الميت إذا مسه الحي، أو ليس الأمر كذلك بل الغسل تام ورافع للحدث
ولا يوجب المس الغسل بعد التغسيل من دون كافور، لأن الشرع إذا أمر بعدم
تقريب الكافور منه ووجوب التغسيل بالسدر والماء القراح يعلم أن التكليف
الشرعي في حق المحرم إذا مات قبل الفراغ عن العمل ليس إلا ذاك، ولا يصح
غيره كالحاضر والمسافر فكأن المعنى يجب تغسيل كل ميت بالكافور والسدر
والماء القراح إلا المحرم فيكفي التغسيل بالسدر والماء القراح عن ثلاثة أغسال.
الظاهر أن التغسيل من غير كافور في المقام نظير الأغسال ثلاثة التامة عند
296

التمكن في حصول الطهارة وعدم ايجاب الغسل للمس بعده فإن التزاحم والتعذر
من امتثال التكليفين قد يكون من جهة التزاحم الطبيعي والعقلي فيرفع اليد عن أحد
المتزاحمين ويقدم الأهم منهما وإن كانت المصلحة الملزمة في غيره أيضا موجودة
إلا أن عدم القدرة على الامتثال صار سببا لتفويت مصلحة غير الأهم من دون جعل
حكم ظاهري فيهما، ويأتي بحث الترتب هنا إذا ترك الأهم وأتى بالمهم، بخلاف
ما لو كان التعذر شرعيا، وجعل الشرع في صورة التزاحم حكما مستقلا آخر كما
في المقام فإنه اكتفي في تغسيل المحرم بغير الكافور ولم ير له مصلحة في حق
المحرم، ولا مجال لبحث الترتب حينئذ ولا يصح التغسيل بالكافور لو خالف و
عصى لانحصار الحكم هنا في الماء القراح بل يجب إزالته ثم التغسيل بالماء إذ
كما يحرم الطيب احداثا يحرم إدامة كما في المحرم الحي، نعم لو غسل بالكافور
وكفن ودفن فهل يجب نبش القبر ثم التغسيل بالماء فمورد للاشكال.
297

في مكروهات الاحرام
وهي عشرة على ما ذكره في الشرائع وقد تقدمت الإشارة إليه في الجزء
الأول اجمالا ونتعرض لها هنا تفصيلا إن شاء الله.
أولها - الاحرام في الثياب المصبوغة بالسواد كما في الكتب الفقهية، فهل
المراد أن الاحرام بالثوب المصبوغ بالسواد مكروه أو الكراهة تختص بالسواد
وإن لم يكن بالصبغ بأن كان الثوب أسود من الأصل كما إذا نسج من الصوف
السواد والوبر كذلك.
قال بعض إن المكروه هو الأسود وإن لم يكن بالصبغ ولكن المحقق قدس
سره عبر في الشرايع بالثياب المصبوغة ولعل نظره إلى أن السواد بالصبغ أحد
مصاديق السواد لا أنه موضوع للحكم فقط دون غيره.
ونقل عن المبسوط والنهاية والخلاف والوسيلة عدم جواز الاحرام فيه ولكن
صاحب الجواهر أورد عليه وقال فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة كما
عن ابن إدريس حمله على ذلك ومستند القول بالحرمة رواية الحسين بن المختار
298

المعبر عنها بالموثقة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يحرم الرجل بالثوب الأسود قال:
لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به الميت (1)
تمسك الشيخ بظاهر الرواية وحمل لا على النهي الدال على الحرمة كما
هو الظاهر من النهي وحمل صاحب الجواهر النهي على الكراهة بقرينة التكفين
المجمع على جوازه في الثوب الأسود وقال هو في نفسه غير صالح لاثبات الحرمة
فضلا عن أن يخصص به ما دل على جواز الاحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الاجماع
بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود انتهى.
وأيد الجواهر نظره في ظهور النهي الوارد في الموثق في الكراهة، بالنهي
عن لبس السواد وأنه لباس فرعون وبما روي عن الصادق عليه السلام قال يكره السواد
إلا في ثلاثة الخف والعمامة والكساء (2)
والتحقيق في المقام كما هو مقتضى الصناعة العلمية أنه لا يصح رفع اليد عن
ظهور النهي في الحرمة بما ذكره في الجواهر لأن مجرد المقابلة بين الاحرام و
التكفين لا يوجب صرف النهي عن ظهوره في الحرمة فيها نعم لو ورد دليل على
كراهة أحد المتقابلين يرفع اليد عن ظهوره فيه فقط كما لو قيل اغتسل للجمعة و
الجنابة إذ لا ينكر ظهور الأمر في الوجوب ولكن نرفع اليد عن وجوب الغسل يوم
الجمعة بدليل آخر يدل على استحبابه
وأما تخصيص العام الدال على جواز الاحرام في كل ما يجوز الصلاة فيه
والثوب الأسود مما يجوز الصلاة فيه ويصح فلا اشكال ولا مانع من التخصيص له
إذا ثبت أن النهي الوارد في الخبر ظاهر في تحريم الاحرام بالثياب المصبوغة
بالسواد كغيره من العمومات التي يرد عليه التخصيص.
وأما الاجماع على جواز الصلاة في الثياب السود وإن كل ثوب تصلى فيه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 19 من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
299

فلا بأس أن تحرم فيه كما ورد في الرواية فيقبل في الصلاة فقط ولا اشكال فيه بقسميه
أي الاجماع ولكن لم يتحقق ذلك لاجماع في الاحرام بل هو أول الكلام فإذا
لا مانع من حمل النهي الوارد في موثق الحسين بن المختار على ما هو الظاهر فيه
وهو التحريم لا الكراهة.
وسلك صاحب المستند في حمل النهي على الكراهة طريقا غير ما اختاره
صاحب الجواهر فإنه بعد ما ذكر أنه يكره الاحرام في الثياب الوسخة قال وفي
الثياب السود لرواية الحسين القاصرة عن إفادة الحرمة للجملة الخبرية.
ولعل نظره قدس سره إلى أن قوله لا يحرم في الثوب الأسود جملة نافية لا ناهية
والجملة النافية الخبرية لا تفيد الحرمة كالنهي ولا الوجوب كالأمر إذا كانت موجبة
قد يقال إن الجملة الخبرية آكد في الوجوب والحرمة من صيغة الأمر و
النهي خلافا لصاحب المستند فإن المتكلم يبعث المأمور بصيغة الأمر إلى ايجاد
الفعل في الخارج ويزجره عن الفعل بالنهي عنه وأما الجملة الخبرية المستعملة
في مقام الأمر فكان المتكلم يري المأمور به متحققا في الخارج والامتثال واقعا
وفي النهي أيضا كذلك بمعنى أنه في مقام النهي عن شئ يخبر بعدم وقوعه في
الخارج بالتزام العبد ترك المنهى عنه وأنه لا يخالف مولاه فيما نهاه عنه ولذا عبر
عن النهي بالجملة الخبرية اشعارا بما ذكر وقوله لا يحرم في الثوب الأسود من هذا
القبيل لو كان نفيا مع احتمال كونه نهيا ظاهرا في الحرمة، مضافا إلى أن أصل البحث
إنما يجري في أفعل بصيغة الأمر ويفعل على نحو الاخبار ولا يجري في النهي
بصيغته والجملة الخبرية النافية، على أن الظاهر من سؤال السائل في الرواية أيحرم
الرجل بالثوب الأسود وجواب الإمام عليه السلام لا يحرم في الثوب الأسود هو النهي
الدال على الحرمة صريحا، ولا ظهور في كون الجملة خبرية حتى يشكل فيه بما
ذكر في المستند اللهم إلا أن يقال إنها مرددة بين النهي والخبر فلا يدل على الحرمة
جزما لعدم الدلالة على الحرمة بناء على الخبرية على مذاق صاحب المستند ولكن
300

يدل على أصل المرجوحية وإن كان المتراءى من كلامه غير ما ذكرناه، فإنه يستفيد
النفي بقرينة السؤال هذا غاية تقريب كلامه في عدم دلالة الرواية على التحريم و
هو غير تام.
نعم يمكن أن يقال إن ما يضعف دلالتها على الحرمة أن المشهور ما أفتوا
بها فهي معرض عنها بحسب الفتوى، وأما يظهر من الشيخ وصاحب الوسيلة من
القول بالحرمة فلا يجبر الضعف ولا يزيد قوة فيها مضافا إلى ما في الجواهر من
احتمال حمل عبارتهما على الكراهة وامكان ذلك في كلامهما حيث عبرا بعدم الجواز
القابل للحمل عليها.
ويرد عليه أن المشهور من الفقهاء لم يعرضوا عن الرواية لضعف في سندها
حتى يوجب وهنا فيها، بل أفتوا على طبقها بما استفادوا منها من الكراهة بقرينة
المقابلة للتكفين بالثياب السود، على ما أدى إليه نظرهم وساق إليه فهمهم وألزمهم
عليه رأيهم، ولا يضر ذلك ولا يمنع عن العمل بها والفتوى بالحرمة لو تمت الدلالة
في نظر غيرهم ورأيهم وفهمهم.
اللهم أن يقال إن السلف من فقهائنا والمشهور منهم قدس الله أسرارهم
كانوا ذوي علم ودراية ودقة بل كانوا أكثر دقة وجودة منا مع تبحرهم في العربية
والأدبية، فإذا لم يفهموا من الرواية إلا الكراهة يكشف به إنها كانت محفوفة
بقرينة أو ملفوفة بضميمة تفيد الكراهة وتمنع النهي عن ظاهره وصرفه عما يتبادر
منه، لأن خطأ الجميع في فهم الرواية بعيد وعدم التوجه إلى ما هو الظاهر من
النهي أبعد، ويوجد نظير ذلك في فقهنا كثيرا كما في الارغام في السجدة.
فقد روي عن علي عليه السلام لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين (1)
وعن أبي عبد الله عليه السلام لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 4.
301

وغيرهما من الروايات الظاهرة أو الصريحة في وجوب الارغام لولا اعراض
المشهور عنها وافتاء الفقهاء بالاستحباب وكلما قويت تلك الروايات ازدادت ضعفا
لاعراض الأصحاب عنها بحيث لا يتمكن أحد من الافتاء على ظاهرها، إلا من كان
جسورا في الفتوى، فإن تخطئتهم في فهم ظاهر تلك الروايات بعيد غايته، مع
كونهم أقرب إلى زمان صدورها وأعرف بالأدبيات وغيرها وأتقى في التعبد بالشرع
ثم إنه لا مجال للتمسك بقاعدة التسامح في أدلة السنن في اثبات الكراهة
في الاحرام بالثوب الأسود، لاختصاصها بالمستحبات ولا يمكن ولا يصح تسريتها
إلى المكروهات كما يشهد عليه قوله عليه السلام من بلغه شئ من الثواب.
نعم العلماء في طريقتهم في استنباط الأحكام الشرعية لشدة الاعتناء بالحرمة
والوجوب يلتزمون بوجود دليل معتبر قطعي يدل عليهما ولا يتسامحون في ذلك
ولكنهم بالنسبة إلى الندب والكراهة لا يتعبدون بهذه الدقة بل قد يتسامحون فيما
يدل عليهما، حتى لو ثبت الاعراض عن الرواية من جهة السند، إذا لحكم
بالمرجوحية والكراهة في شئ حيث إنه لا الزام فيه بل يجوز الارتكاب والترك
لا يحتاج إلى الاهتمام التام، والدقة الكاملة في المقام، فعلى هذا طرح شرط في
رواية من شرائط الحجية، أولى من طرحها رأسا وكلا، مضافا إلى أن القول بالكراهة
في رواية الحسين بن مختار يوجب الجمع بين الروايات ولا يلزم التخصيص في
العمومات أيضا، فإن رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام تدل على جواز الاحرام في
كل ما يجوز الصلاة فيه قال عليه السلام كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (1)
فهذه الرواية تدل على عدم البأس بالاحرام في كل ثوب أبيض أو أسود أو غيره
وعدم البأس يجتمع مع الكراهة والإباحة والندب فلو حملت رواية الحسين بن
مختار على الكراهة ولم تطرح من الأصل لحصل الجمع بينهما ويرتفع التعارض

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 27 من أبواب الاحرام الحديث 1.
302

ولا يلزم التخصيص في عموم رواية حريز أيضا.
الثاني الثياب المصبوغة بالعصفر أي شديد الحمرة أو الصفرة وقال في
الجواهر هو شئ معروف وشبهه مما يفيد الشهرة ولو زعفرانا أو ورسا بعد زوال
ريحهما.
هل البحث في المقام ونظر العلماء فيه في نفس اللون المعصفر، أو من جهة
بقاء أثر الطيب في الثوب بعد الصبغ، أو لأجل إن هذا اللون كان سببا للشهرة
بين الحجاج لقلة لابسيه أو لأمر آخر، فعلى هذا هل يكره كل لون معصفر أو يكره
كل لون يوجب الشهرة وإن لم يكن معصفرا فكل هذه توجد في كلمات القوم و
النصوص، فالمهم نقل الأخبار المروية في المسألة.
ومنها خبر أبان بن تغلب قال سأل أخي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن الثوب
يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل، ألبسه وأنا محرم، قال: نعم، ليس العصفر من
الطيب، ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس. (1)
يعلم من هذه الرواية أن المصبوغ بالعصفر من جهة أصل اللون لا اشكال
فيه ولكن لأجل كونه سببا للاشتهار بين الناس يكره لبسه، ولازم ذلك كراهة كل
لون يكون سببا لذلك.
ورواية عامر بن جذاعة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام مصبغات الثياب يلبسها
المحرم فقال لا بأس به، إلا المقدم المشهور والقلادة المشهورة (2)
ورواية عبد الله بن هلال قال سئل أبو عبد الله عن الثوب يكون مصبوغا
بالعصفر ثم يغسل ألبسه وأنا محرم قال: نعم، ليس العصفر من الطيب ولكن أكره
أن تلبس ما يشهرك به الناس (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 2.
303

ورواية علي بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر عليه السلام يلبس المحرم
الثوب المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس (1).
المستفاد من رواية عبد الله بن هلال كرواية أبان إن الكراهة فيما يوجب لبسه
شهرة بين الناس وأما رواية علي بن جعفر تدل على عدم البأس إذا لم يكن فيه طيب
ولكنه لا ينافي الكراهة لو دل دليل عليها لاجتماع نفي البأس مع الكراهة ولكن
المستفاد من الروايات السابقة إن البأس في الثياب المعصفر من أجل الشهرة بين
الناس لا لأجل اللون الخاص فإن كان الثوب المصبوغ بالعصفر ملازما للشهرة
دائما فلا مانع من القول بالكراهة فيه وإن كانت الشهرة حكمة للحكم لا علة له وأما
إذا لم يكن ملازما لها بأن كان لبس هذا النوع من الثياب غير شاذ بل متعارفا و
معمولا بين الناس لا منكرا ولا مستهجنا فلا كراهة فيه وإن كان مشبعا بالعصفر هذا
ما هو الظاهر من النصوص.
وأما كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم فقد عبروا بالعصفر فهل المراد
مطلق العصفر أو المشبع منه.
ففي الجواهر بعد نقل خبري أبان وعبد الله بن هلال المتقدمتين أنهما لا يدلان
على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه ونقل عن محكى المنتهى
أنه لا بأس بالمعصفر من الثياب ويكره إذا كان مشبعا ما عليه علمائنا وعن التذكرة
ولا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا.
ولكن التحقيق في المقام إن ما يستفاد من النصوص كراهة مطلق الثياب
الملونة بالعصفر ولكنها تختلف شدة وضعفا بسبب شدة اللون وضعفه فبعضه مكروه
شديدا كما إذا كان مشبعا وبعضه مكروه لا على هذا الحد ولعله يشير إليه ما في رواية أبان
المتقدمة في قوله العصفر ليس من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس
وأما الشهرة التي جعلت حكمة لتشريع الكراهة في لبس الثياب المصبوغة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 4.
304

بالعصفر، أما من جهة كونه من اللباس المعمول بين الحجاج إذ المتعارف فيما
بينهم عدم لبس المعصفر إلا شاذا ونادرا ولشذوذ هذا العمل لا ينفك اللابس به عن
الشهرة بين الناس، وجلب التوجه عنهم إليه، أو من جهة العقيدة والتشيع،
لاختصاص جواز لبس العصفر بالذين هم يعتقدون بمذهب أهل البيت، ويأخذون
سنة الرسول عن أهل وأولاده عليهم السلام، وأما غيرهم كأبي حنيفة وأتباعه وبعض
الصحابة كانوا يرون الاحرام في الثوب الملون بدعة كما يظهر ذلك مما جرى
بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعمر بن الخطاب (1).
عن أبي بصير المرادي عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته وهو يقول كان علي عليه السلام
محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان فمر به عمر بن الخطاب، فقال
يا أبا الحسن: ما هذان الثوبان المصبوغان، فقال عليه السلام: ما نريد أحدا يعلمنا السنة
إنما هو ثوبان صبغا بالمشق يعني الطين. (2)
عن العياشي في تفسيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: حج عمر أول
سنة حج وهو خليفة وكان علي عليه السلام قد حج تلك السنة بالحسن والحسين وعبد الله بن

1 - الحنفية قالوا يحرم لبس المصبوغ بالعصفر والورس والزعفران ونحو ذلك
من أنواع الطيب إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة فيجوز لبسه حال الاحرام
المالكية قالوا المصبوغ بما له رائحة يحرم على المحرم وذلك كالمصبوغ بالورس
والزعفران وأما المصبوغ بالعصفر فإن كان صبغه قويا بأن صبغ مرة بعد أخرى حرم لبسه ما لم
يغسل وإن كان صبغه ضعيفا أو كان قويا وغسل فلا يحرم لبسه وإنما يكره لبسه لمن كان له قدوة
لغيره لئلا يكون وسيلة لأن يلبس العوام ما يحرم وهو الطيب
قالت الشافعية أما المصبوغ بما يقصد اللون دون الرائحة كالعصفر والحناء فلبسه لا يحرم
الحنابلة قالوا يحرم على المحرم لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران وأما
المصبوغ بالعصفر فيباح لبسه سواء كان الصبغ قويا أو ضعيفا.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الاحرام الحديث 2.
305

جعفر قال فلما أحرم عبد الله لبس إزارا ورداء ممشقين مصبوغين بطين المشق ثم
أتى فنظر إليه عمر وهو يلبي وعليه الإزار والرداء وهو يسير إلى جنب على، فقال
عمر من خلفهم ما هذه البدعة التي في الحرم فالتفت إليه علي عليه السلام فقال يا عمر:
لا ينبغي لأحد أن يعلمنا السنة فقال عمر صدقت وإليه يا أبا الحسن لا والله ما علمت
أنكم هم الحديث (1).
والذي يستفاد من المحاورة بين الإمام علي عليه السلام وعمر بن الخطاب إن عمر
كان يرى لبس الملون بدعة في حال الاحرام وإن المصبوغ لا يجوز لبسه فلما رد
علي عليه السلام على عمر وقال إنه ممشوق أي مصبوغ بالطين سكت عمر ولم يقل شيئا
وظاهر القضية إن عليا عليه السلام إنما خطاه في الموضوع لا في الحكم بمعنى أنه عليه السلام
لم يقل إن لبس المصبوغ ليس ببدعة بل قال إن ما لبسه عبد الله بن جعفر مصبوغ
بالطين لا بالعصفر والورس وغيره فيعلم أن الاحرام بالثوب المصبوغ ليس بجائز
اللهم أن يقال إن اعتراض ابن الخطاب على عبد الله إنما كان لارتكابه المكروه إذ
المتعارف عند الحجاج والمعمول بينهم أن الوافدين إلى الله ما كانوا يرتكبون مكروها
بل كانوا مراقبين ومواظبين على تركه فلما رأى عمر أن رجلا ارتكب المكروه
بلبس الثوب المصبوغ رآه بدعة وأمرا مستهجنا ومخالفا للسنة فاعترض عليه عمر
ورده علي بن أبي طالب بأن ما لبسه عبد الله ممشوق أي مصبوغ بالطين لا بشئ من
الألوان.
فهل معنى ذلك أن لبس الممشوق بالطين ليس بمكروه أصلا ولو كان
الارتكاب لبيان الجواز كما في جواب علي عليه السلام لعثمان في التلبية والاحرام بالحج
والعمرة معا كما تقدم في ج 1 ص 274 مع أن عبد الله أيضا لم يكن مكلفا (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الاحرام الحديث 4
2 - كون الصبيان الذين كانوا مع علي بن أبي طالب عليه السلام غير مكلفين
لا يفيد شيئا فإن الولي إذا أحرم بالصبيان يجب أن يراعي في الاحرام بهم ما يراعي في
احرام نفسه والحسن والحسين عليهما السلام وكذا عبد الله كانوا في ملازمة على ورعايته
ولا يحرم بهم بما يخالف السنة.
306

ورواية أبي العلاء الخفاف قال رأيت أبا جعفر عليه السلام وعليه برد أخضر وهو
محرم (1).
فهل المستفاد منها أن الاحرام في برد أخضر لا كراهة فيه كما يظهر من
الجواهر إن المصبوغ باللون ومطلق الصبغ لا دليل على كراهته إلا ثوبا يؤثر في
البدن من جهة الطيب أو اللون وإنما المكروه ما كان لا يردع أو كان شديد اللون
وأما ما لبسه أبو جعفر عليه السلام لم يكن منه كما يظهر ذلك من الروايات منها ما روى
عامر بن جذاعة قال سألت أبا عبد الله عن مصبغات الثياب يلبسها المحرم قال لا بأس
به إلا المقدمة المشهورة (2).
عن الحلبي عن الصادق عليه السلام لا تلبس المحرمة الحلي ولا الثياب المصبغات
إلا ثوبا لا يردع (3).
أو تحمل الرواية وفعل الإمام على بيان الجواز ردا على أبي حنيفة كما في
تلبية علي عليه السلام بالحج والعمرة معا ردا على عثمان حين منع عنها ولكن لو ثبت
هذا لا ينفي الكراهة ولا يخالفها فعلى هذا يحمل على الجواز كل ما ورد في النصوص
بلفظة لا بأس أو نعم كرواية سعيد بن يسار قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثوب
المصبوغ بالزعفران أغسله وأحرم فيه، قال: لا بأس به (4).
ورواية علي بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر يلبس المحرم الثوب
المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به. (5)
ورواية عبد الله بن هلال المتقدمة عن الصادق عليه السلام لما سئل عن لبس الثوب

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الاحرام الحديث 3
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الاحرام الحديث 6
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 4.
307

المصبوغ بالعصفر في الاحرام قال: نعم ليس العصفر من الطيب (1).
فهذه الروايات الثلاثة ونظائرها لا تنفي الكراهة لا الشديدة ولا غيرها بل يحمل
نفي البأس على أصل الجواز وكذا قوله عليه السلام نعم، فلا تعارض ما تدل أو يمكن أن
يستدل به على الكراهة كالروايات الآتية ومنها.
رواية الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد الله عن الثوب يصيبه الزعفران
ثم يغسل فلا يذهب أيحرم فيه فقال: لا بأس إذا ذهب ريحه ولو كان مصبوغا كله
إذا ضرب إلى البياض وغسل فلا بأس به (2).
ورواية مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يلبس لحافا إلى أن قال عليه السلام كل ثوب يصبغ ويغسل يجوز الاحرام فيه وإن
لي يغسل فلا. (3)
وحمل النهي الوارد في الرواية الثانية على الكراهة يحتاج إلى التأييد بفتاوى
العلماء وإلا فهو ظاهر في الحرمة وأنه لا يجوز الاحرام في الثوب المصبوغ قبل
الغسل.
والفرق بين الغسل وعدمه، إن الصبغ قبل الغسل يسري إلى البدن ويؤثر
فيه، ولا يسري فيه بعده ولا يردع، كما في رواية الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه السلام
قال: المحرمة لا تلبس الحلي ولا الثياب المصبغات إلا ثوبا لا يرفع (لا يردع)
وعن الوافي لا يردع أي لا ينفض أثره على ما يجاوره ويقال به ردع من
زعفران أو دم أي لطخ وأثر.
وأما التفصيل الواقع في رواية الحسين بن أبي العلاء لا يبعد حملها على

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الاحرام الحديث 4
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الاحرام الحديث.
308

مراتب الكراهة شدة وضعفا أيضا بدلالة الروايات الأخرى المتقدمة بمعنى أن
المصبوغ بالزعفران وغيره إذا غسل ومال إلى البياض الكراهة فيه ضعيفة وأما إذا
لم يغسل أو لم يضرب إلى البياض فالكراهة فيه شديدة وكذا إذا كان مشبوعا
هذا من جهة الصبغ واللون وأما من جهة الطيب فلا بأس فيه إذا غسل وذهب ريحه
في الطيب المحرم ثم إن صاحب الشرائع بعد ما قال المكروهات عشرة أولها
الاحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو العصفر وشبهه عقب ذلك بقوله وتتأكد
في السواد.
ولعل مراده أن المصبوغ بالسواد الذي يعبر عنه في الفارسية ب‍ (رنگين)، مكروه ولكن
تشتد الكراهة فيما كان أسود بالأصل والطبيعة أي أصليا لا عرضيا.
وأورد صاحب الجواهر عليه وقال لم نقف على ما يدل عليه إذ لم يحضرنا
إلا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس
ومراد الجواهر من الخبر رواية الحسين بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام لا يحرم في
الثوب الأسود ولا يكفن به الميت.
ويمكن أن يقال إنه استظهر شدة الكراهة نظرا إلى أن بعض العلماء اختار
الحرمة كما تقدم (1).

1 - هذا الاحتمال لا يدفع الاشكال إذ لو كان السبب ذلك لكان في المصبوغ
بالسواد أيضا كذلك ولم يفرق بين المصبوغ بالسواد وبين السواد من الأصل وذكر في
الرواية الثوب الأسود.
309

في حكم النوم على المصبوغة
الثالث ويكره على المحرم النوم على الثياب المزبورة كما في الشرائع
أي السواد والمصبوغ به والمعصفر وعبر بعض الفقهاء بكراهة النوم في الفراش
المصبوغة، كما عن النهاية والمبسوط والتهذيب والجامع والتذكرة والتحرير و
المنتهى، ولكن ليس في الرواية إلا الأصفر والنوم عليه، على ما روي عن أبي بصير
والمعلى.
فعن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال كره أن ينام المحرم على
فراش أصفر أو على مرفقة صفراء. (1)
وعن أبي بصير عن أبي جعفر قال يكره (أكره خ ل) للمحرم أن ينام على
الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء. (2)
فهل استفادوا الاطلاق وتسرية الحكم إلى كل مصبوغ، من الرواية باعتبار

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الاحرام الحديث 2.
310

أن ذكر الأصفر من باب المثال لا للتقييد والخصوصية.
وقد يقال إن النوم على الفرش الأصفر إذا كان مكروها ففي غيره أولى لشدة
الكراهة في السواد في الاحرام.
وقال بعض إن الحاج ينبغي أن يكون أشعث وأغبر وأن الله يحب ذلك كما
في الرواية وبسط الفرش ينافي ذلك، ويرد عليه أن مقتضى البيان أن يكره النوم
على كل فرش يوجب ترفها، أسود كان أو أصفر أو أحمر، حتى لو كان بياضا
بل يلزم أن يكون البياض أشد كراهة لكونه أقرب إلى النظافة والترفه والتنزه.
واستدل ثالث، بأن كل ما كان الاحرام به مكروها فالنوم عليه أيضا مكروه،
بجعله فرشا ينام عليه، ولكنه أيضا لا يساعده الخبر المزبور.
الرابع من مكروهات الاحرام أن يحرم في ثوب وسخ وإن كانت طاهرة
شرعا، بلا خلاف فيه، وتدل عليه بعض الروايات.
منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سألته عن الرجل يحرم
في ثوب وسخ قال: لا: ولا أقول إنه حرام ولكن تطهيره أحب إلى وطهوره
غسله، ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم حتى يحل وإن توسخ إلا أن تصيبه جنابة
أو شئ فيغسله (1).
ظاهر الرواية أن الاحرام في ثوب وسخ ليس بحرام ولكن التطهير مستحب
كما هو صريحها.
وقد يقال إنها لا تدل على الكراهة بل يستفاد منها إن عدم التطهير أيضا فيه
رجحان وإن كان التطهير أحب وأرجح، لمكان أفعل التفضيل وذكر لفظة لا، و
النهي في صدر الرواية، إنما هو لبيان الأحسن من الفعلين، والارشاد إلى ذلك،
كما لو قيل لا تصل في الدار، والصلاة في المسجد أحب إلى.
يمكن أن يقال: إن كلمة أحب، ليس لبيان التفضيل بل للتعين كما في قوله

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الاحرام الحديث 1.
311

تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، فعلى هذا يكون الغير مكروها
وغير محبوب. (1)
والمهم في المسألة البحث في أن ثوبي الاحرام إذا توسخ، هل يجوز غسله
أم لا، ذهب بعض إلى الحرمة، كما عن الدروس في ظاهر كلامه، واستدل له بصحيح
مسلم المتقدم.
وأورد عليه بأن القول بعدم جواز غسل الثوب الوسخ بعد الاحرام، مناف
للنظافة التي هي من الايمان المأمور بها في الشرع.
ويدفع بأنه لا مانع من تركها هذا المقدار، إلى أن يحل إذا كان ذلك
لترك الزينة والتجمل والرفاه في سبيل الله وطريق الوفد إليه تبارك وتعالى في السير
إلى زيارة بيته، والخلع عن زي المترفين والمرفهين، فإنه نوع من الحرمة
والاحترام نعم لو أصابه شئ أو احتلم يجب غسله كما تدل عليه الروايات منها.
رواية الحلبي قال سألت أبا عبد الله عن المحرم يحول ثيابه، قال، نعم، و
سألته يغسلها إن أصابها شئ، قال: نعم، إذا احتلم فيها فليغسلها (2)
ويدل عليه أيضا ذيل رواية محمد بن مسلم المتقدمة وفيها و لا يغسل الرجل
ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وإن توسخ، إلا أن تصيبه جنابة أو شئ فيغسله (3)
فالنهي عن غسل الثوب بعد الاحرام تحريميا كان أو تنزيهيا إنما هو إذا لم
تصبه نجاسة.

1 - وهذه الرواية تدل على أن التطهير مستحب ومحبوب عنده وأما غيره فليس
مما يحبه وهذا غير ملازم للنقص والمفسدة غير الملزمة فيه، والتصريح بأن التطهير أحب
إلى، يدل على تعيين هذا المصداق للندب وأما الدلالة على كراهة غيره فلا، إلا أن يستفاد
من قوله لا، فإن النهي إذا لم يكن تحريميا فهو تنزيهي.
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الاحرام الحديث 1.
312

الخامس الاحرام في الثياب المعلمة على بناء المفعول أي المخططة
بلونين مختلفين أو الألوان كذلك، فإنه يكره على المحرم لا المحرمة، والمدرك
في المقام هو النص الخاص، ومنه.
ما رواه ليث المرادي قال سألت أبا عبد الله عن الثوب المعلم هل يحرم
فيه الرجل، قال: نعم، إنما يحرم الملحم (1).
هذه الرواية إنما تدل على عدم الحرمة في الثوب المعلم أما الكراهة فهي
ساكتة عنها.
وعن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال
لا بأس. (2)
عن النضر بن سويد عن أبي الحسن في حديث المرأة المحرمة قال: ولا بأس
بالعلم في الثوب (3).
والروايتان كسابقتهما تدلان على نفي البأس في الاحرام بالثوب المعلم
بمعنى عدم الحرمة فيه وأما الكراهة فلا يستفاد منهما، ولعلها تستفاد من رواية معاوية
بن عمار الآتية.
عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب
المعلم وتركه أحب إلي إذا قدر على غيره. (4)
وأما النساء فلا كراهة لهن في الاحرام بالثوب المعلم، وتدل عليه الروايات
أيضا لا حاجة لذكرها بقي الكلام في الثياب الملحمة.
أما الثياب الملحمة أي التي فيه إبريسم فقد تقدم إن الاحرام في الحرير المحض
لا يجوز حتى للنساء، وتدل عليه رواية عيص بن القاسم قال قال أبو عبد الله المرأة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الاحرام الحديث 2
4 - الحديث 3.
313

المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير والقفازين. (1)
ورواية سماعة أنه سأل أبا عبد الله عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح
أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه. (2)
وأما غير الخالص من إبريسم والحرير فيجوز الاحرام فيه ولكنه يكره
ولا يكون حراما وما يدل على الحرمة غير ثابت مضافا إلى عدم الخلاف في المسألة
لحكم المشهور بالكراهة فيه.
السادس من مكروهات الاحرام الحناء وقع الخلاف في أن استعمال
الحناء حرام أو مكروه، المشهور هو الثاني، وعن المدارك وكشف اللثام و
غيرهما عند الأكثر، وحكم الشيخ بالحرمة في بعض كتبه وبالكراهة في بعض آخر
ومنشأ الخلاف إن استعمال الحناء زينة أم لا، فإن كان يعد زينة فهو
حرام، لما تقدم في الاكتحال بالسواد من عدم الجواز معللا بأنه الزينة، وتردد
الأمر أيضا بين كون الاكتحال زينة بنفسه وطبعه وإن لم يقصد التزين به، وبين كونه
أمرا قصديا بمعنى أنه حرام إذا قصد التزين به، يظهر من بعض الأخبار الأول، ومن
بعضها الثاني، وقيد الشرايع كونه أي استعمال الحناء للزينة، كما أن المسالك
والروضة قيد الحرمة فيه بقصده للزينة، وقال فإن كان للسنة فلا اشكال فيه، وأما
للزينة فهو حرام، فالفارق القصد دون العمل.
ولكن الرواية خالية عن هذا القيد نعم ورد في الاكتحال إن السواد من
الزينة، وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يكتحل وهو
محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد فأما للزينة فلا. (3)
وأما النصوص في المقام فهي خالية عن هذا القيد، ومنها.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 7
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الاحرام الحديث 1.
314

رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن امرأة خافت
الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني أن
تفعل. (1)
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال سألته عن الحناء فقال إن المحرم ليمسه
ويداوى به بعيره وما هو بطيب وما به بأس (2)
الرواية الثانية في قبال من يدعي أن الحناء من الطيب وتدل على عدم كونه
منه ولكنها لا تنفي كراهة استعماله مضافا إلى أن مس اليد بالحناء لتداوي البعير
لا يطلق عليه الخضاب والجواب إنما هو من جهة الطيب، وأنه ليس بطيب وما به بأس،
ولم يذكر اسم الخضاب أصلا.
وأما رواية أبي الصباح استفادوا الكراهة منها من قوله عليه السلام ما يعجبني أن
تفعل ولكنها في مورد الحاجة إلى استعمال الحناء والاضطرار إليه للخوف من
الشقاق لولا الحناء.
ويحتمل أن يكون المورد خضابا وزينة كما يشعر قوله إن تخضب يدها
بالحناء، وإلا لكان المناسب أن يعبر باصلاح اليد، وتداوي الشقاق، والمنع عنه،
وعلى كل حال تستفاد الكراهة من قوله عليه السلام ما يعجبني أن تفعل فإن التعبير بهذه
العبارة تعبير ضعيف وغير مناسب.
نعم يستفاد الحرمة من روايات أخرى بناء على أن استعمال الحناء زينة وهذه
الرواية الدالة على الكراهة تحمل على الخضاب قبل الاحرام الذي يبقى أثره بعده.
وأورد عليه أن الزينة إذا كانت محرمة، تكون حراما حدوثا وبقاء مضافا إلى
أنها خضبت يدها حين ما أرادت الاحرام فكيف يمكن حمل الرواية على الكراهة (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الاحرام الحديث 1
3 - لا فرق في الحمل على الكراهة بينما إذا بقي الأثر بعد الاحرام وبين أن تخضب
حين ما أرادت الاحرام قبل أن تحرم، وبين أن تخضب قبل ذلك بيوم أو أيام لوحدة
الملاك والاعتبار وهو بقاء الأثر.
315

وأما الذين قيدوا الحرمة أو الكراهة بقصد الزينة، يدعون أنها لا تصدق بدون
القصد والنية فلا تصدق الزينة لولا النية.
وهو أيضا مشكل فإن الشئ إذا كان عند العرف زينة ويراه الناس كذلك
لا يفرق بين ما نوى الزينة وقصدها أو لم يقصدها، كما في شد الأسنان بالذهب للرجال
إذ لو قلنا بحرمة الزينة بالذهب على الرجال يشكل الحكم بجوازه وإن لم يقصد
ذلك بعد صدق الزينة عرفا، إلا أن يستدل باطلاق أدلة جواز شد الأسنان بالذهب
ويحكم به، فكلام الشهيد قدس سره في المسالك حيث قيد الحرمة بالقصد لا يخلو
من اشكال.
السابع النقاب للمرأة على تردد كما في الشرايع، فهل المراد من النقاب
ما لا يوجب التغطية لما تقدم من أن ستر الوجه حرام، أو مطلقا وإن لم يوجب التغطية،
فيشكل الحكم بالكراهة هنا والحرمة في مسألة ستر الرأس فبناء على هذا لا بد من
اختيار الشق الأول وإن المراد من النقاب كالاسدال الذي لا اشكال في جوازه كما
أشير إليه في المسألة السابقة.
وأما تردد صاحب الشرائع في الكراهة لاحتماله أن يكون النقاب حراما فعلى
هذا يلزم التخصيص في الأدلة الدالة على حرمة ستر الوجه على المحرمة ووجوب
كشف الوجه عليها.
وأما المشهور فقالوا بالحرمة في النقاب، ومنشأ الخلاف الأخبار المختلفة -
الدلالة والمضامين، فإن منها ما تنهى عن تغطية الوجه حتى بالنقاب، ومنها ما ورد
فيه ما يدل على الكراهة، فلا بد من نقلها، منها:
رواية أبي عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته ما يحل للمرأة أن تلبس وهي
محرمة فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير، قلت: أتلبس الخز،
قال: نعم، قلت فإن سداه إبريسم وهو حرير، قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 3.
316

استثناء القفازين والبرقع يدل على عدم جواز لبس النقاب بناء على اتحاد
البرقع معه سواء حصلت التغطية به أم لا، وأما بناء على عدم اتحادهما فالحرمة
في النقاب إنما هو من جهة ستر الوجه والتغطية ولا خصوصية فيه بل يحرم كل،
ما يستر الوجه ولو بغير النقاب.
ورواية عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال: المحرمة لا تتنقب لأن احرام
المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه (1)
ومعنى احرامها في وجهها إن علامة كون الرجل محرما كشف رأسه، و
كون المرأة محرمة، عدم ستر وجهها، للاضحاء المطلوب في الشرع، ووصول
حر الشمس إلى رأس المرء ووجه المرأة، وهذا القيد إنما ذكر لأهميته في الاحرام
وإلا فهو أمر آخر كما تقدم في المجلد الأول.
ورواية عيص بن القاسم قال أبو عبد الله المرأة المحرمة المحرمة تلبس ما شائت من
الثياب غير الحرير والقفازين وكره النقاب وقال تسدل الثوب على وجهها قلت
حد ذلك إلى أين قال إلى طرف الأنف قدر ما تبصر. (2)
وكلمة الكراهة المذكورة في الرواية يمكن أن يكون معناها الحرمة والتحريم
كما اختاره في الوسائل ويمكن أن يكون بمعنى الكراهة المصطلحة، فإن استظهرنا
المعنى الثاني فلا بد أن يحمل ما يدل على وجوب كشف الوجه وعدم جواز
التنقب على الأفضلية والأكملية، إلا أن تقابل احرام المرأة في وجهها بقوله احرام
الرجل في رأسه يبعد هذا الحمل ويضعفه، لوجوب كشف الرأس في المحرمة وحرمة
تغطيه، والسياق يقتضي أن تكون المحرمة كذلك أي يحرم عليها تغطية الوجه إلا
أن ظهور الكراهة في غير التحريم ليس بحيث يعارض الرواية الدالة على التحريم
ويخصصها لكثرة استعمال الكراهة في التحريم على حد لا تعد نادرا أو خارجا عن

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 2.
317

التعارف، وذكر، الاسدال ذيل الرواية يؤيد ما ذكر، لما تقدم من أن الاسدال إنما
يصح إذا لم تصدق عليه التغطية ولم يكن ملاصقا للوجه.
ورواية حماد بن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال مر أبو جعفر بامرأة
متنقبة وهي محرمة، فقال: احرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنك
إن تنقبت لم يتغير لونك، قال رجل إلى أين ترخيه، قال: تغطي عينها قال،
قلت: تبلغ فمها قال نعم. (1)
والارخاء إلى الذقن والفم إن كان بحيث يغطي الوجه، يخالف ما تقدم من
الأدلة الدالة على حرمة التغطية فلا بد من حمله على الاسدال الذي لا يلاصق الوجه
ولا يطلق عليه التغطية.
ورواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر) عن أبي الحسن عليه السلام قال مر أبو جعفر
بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها. (2)
ويعلم من التعبير باسفري، وكذا من قوله استترت إن النقاب والمروحة كان
بحيث تغطي الوجه، ولذلك قال اسفري إذ الاسفار هو الكشف فيعلم أنها غطت
وجهها بالنقاب والمروحة.
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تطوف المرأة بالبيت
وهي متنقبة. (3)
والرواية تدل على أن الطواف يلزم أن يكون من غير نقاب وإن لم تكن
محرمة وهذا غير مرتبط بالاحرام وما يكره فيه أو يحرم، إلا أني لا أعلم هل أفتى
أحد بحرمة الطواف وبطلانه بالنقاب في غير حال الاحرام ولأجل عدم الافتاء بالحرمة
يحمل على الكراهة.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 5.
318

ورواية زرارة عن أبي عبد الله إن الحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها. (1)
وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال تسدل المرأة الثوب
على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة. (2)
هذه الرواية تدل على جواز الاسدال إذا كانت المحرمة راكبة لأجل أنها
حينئذ في معرض النظر والروية فأجيز الاسدال بالثوب وهو غير النقاب المبحوث
عنه.
ويمكن أن يقال إن صاحب الجواهر قدس سره حمل النهي عن التنقب على
الكراهة بقرينة روايتي زرارة ومعاوية بن عمار والتي ذكر فيها لفظ الكراهة كما
في رواية عيص المتقدمة.
وأما غير صاحب الجواهر القائل بحرمة النقاب فقد قدم ظهور النهي عن
التنقب في الحرمة وحمل لفظ الكراهة على الحرمة أيضا لاستعمالها فيها إذ لم يوجد
ما يدل بالصراحة على عدم البأس في النقاب فالقول بالكراهة غير مقطوع به عنده ويظهر
من الشرايع أيضا أنه على تردد فيها والجمع بين كلامه هنا وقوله عليها أن تسفر وجهها
فيما تقدم بأن ما اختاره هنا من جهة ورود التخصيص بوجود الروايتين المتقدمتين.
الثامن دخول الحمام - لا خلاف في كراهته على المحرم ويدل عليه
خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المحرم يدخل الحمام قال:
لا يدخل. (3)
وظاهر الرواية حرمة الدخول في الحمام ولكنها حملت على الكراهة للاجماع
بقسميه على عدم الحرمة، كما اختاره الشيخ وصرح به صاحب الجواهر وتشهد
له روايات منها.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الاحرام الحديث 8
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الاحرام الحديث 2.
319

رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس أن يدخل المحرم الحمام
ولكن لا يتدلك. (1)
ورواية ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله قال لا بأس بأن يدخل
المحرم الحمام ولكن لا يتدلك. (2)
ورواية يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يغتسل فقال:
يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه. (3)
ورواية حريز عن أبي عبد الله قال إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على
رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه ببعض. (4)
وتميز الشعر بالأنامل إشارة إلى أنه لا يدلك الشعر لئلا يسقط.
وعن زرارة في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل يغتسل المحرم
بالماء قال لا بأس أن يغتسل بالماء ويصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فإن كان ملبدا
فلا يفيض على رأسه الماء إلا من الاحتلام. (5)
والظاهر من الرواية إن الدلك حرام كما هو الظاهر من النهي الورد فيها
ولكن العلماء حملوا النهي على الكراهة.
التاسع تلبية من يناديه أي جواب المحرم غيره بالتلبية إذا خاطبة، واستدل
له بالاستحسان العقلي بأنه في مقام التلبية لله تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره
معه فيها، ولكن المعتمد في المقام الرواية المروية عن المعصومين عليهم السلام.
عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس للمحرم أن يلبي من دعاه

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 74 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 1
4 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الاحرام الحديث 2
5 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من أبواب الاحرام الحديث 3.
320

حتى يقضي احرامه قلت: كيف يقول، قال: يقول يا سعد. (1)
وفي مرسلة الصدوق قال الصادق يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي
وهو محرم. (2)
العاشر - استعمال الرياحين، وهو أعم من الأكل والشم والحمل لطيبه
والأخذ باليد والمضغ فيشمل جميع الأقسام، وأما المس والنظر إلى الرياحين
لا يعد استعمالا له كما في الطيب وكل ذلك كما في الشرايع مكروه وعليه جمع من
الأصحاب بل هو المشهور، وعن العلامة في المنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف
وعن المفيد الحكم بالحرمة وقواه في المدارك ونقله صاحب الحدائق عن
الشيخ في بعض كتبه.
والمراد من الرياحين ما هو المعروف عند العجم أيضا بالريحان وهو النبت
الذي له طيب سواء كان في ورده أو ساقه أو ورقه، والخضروات التي لها طيب وعطر،
يطلق عليها الريحان أيضا، والمراد هنا كل نبت فيه طيب.
عن كتاب العين الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، وعن ابن الأثير
هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم، وعن المطرزي عند الفقهاء الريحان
ما لساقه رائحة طيبة كما لورده والورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين
وعن القاموس نبت معروف طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه
وأصله ذو الرائحة، وخص بذي الرائحة الطيبة ثم بالنبت الطيب الرائحة ثم بما
عدا الفواكه والأبازير، وعن التذكرة إن النبات الطيب ثلاثة أقسام وملخص
كلامه هذا.
الأول ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كنبات الصحراء من الإذخر والزنجبيل
والمصطكي والفواكه كالتفاح والنارنج والأترج وهذا كله ليس بحرام.
الثاني ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه كالريحان الفارسي ويكره استعماله

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الاحرام الحديث 2.
321

كما عن الشيخ.
والثالث ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد، الظاهر أن هذا
يحرم شمه ويجب فيه الفدية.
ومنشأ القولين من الحرمة أو الكراهة، الروايات الواردة فمن الطائفة الأولى.
رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يمس المحرم شيئا من
الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به ولا بريح طيبة فمن ابتلي بذلك فليتصدق بقدر ما صنع
قدر سعته. (1)
والالتذاذ من الريحان: أعم من الشم وحمله ليتلذذ به نفسه أو غيره ممن
يصاحبه.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: لا تمس ريحانا وأنت محرم
ولا شيئا فيه زعفران ولا تطعم طعاما فيه زعفران. (2)
والرواية ظاهرة في الحرمة لتقابل الريحان مع غيره من أنواع الطيب المحرم
على الذي أحرم كالزعفران، والطيب بمعناه الأعم وإن كان يشمل الريحان
إلا أن المراد منه هنا ما يتخذ منه الطيب ولا يراد منه إلا ذلك كما أن المراد من الريحان
كل الرياحين ولا يختص بما يسمى بالريحان فقط بالفارسية بل يشمل كل خضروي
له طيب وعطر كما تقدم.
ودلالة تك الروايات على الحرمة تامة ويؤكدها قول أبي عبد الله عليه السلام في
رواية حريز فمن ابتلي بذلك فليتصدق بشئ من الطعام، لعدم وجوب الكفارة
إلا على ما هو محرم. (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 6
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 3
3 - ويظهر من رواية معاوية بن عمار، استعمال تلك الجملة في المكروهات أيضا
ولا تختص الكفارة بالحرام راجع الوسائل ج 9 الباب 18 من تروك الاحرام الحديث 8.
322

وأما القائلون بالكراهة فقد استدلوا بروايات يظهر منها ذلك ومنها.
رواية معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم
والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم. (1)
الإذخر نبات معروف بمكة يستحب مضغه عند الطواف وتقبيل الحجر والخزامي
بضم الخاء نبت زهره من أطيب الأزهار والشيح نبات أنواعه كثيرة كله طيب
الرائحة.
واستدل بالرواية لجواز استعمال الرياحين وعدم حرمته، واستفادوا من
عطف الأشباه على ما ذكر من الإذخر والخزامي في الرواية إن جميع أقسام الرياحين
مما يشبه الإذخر لا بأس فيه على المحرم.
وأورد على الاستدلال بأن وجه الشبه في قوله وأشباهه غير معلوم إذ يمكن أن يكون
الوجه البرية وغير الأهلية أي ما ينبت طبعا لا بعمل الانسان لا الخضروية والطيب
فعلى هذا لا يشمل الرياحين التي ينبتها الانسان وتبقى تحت العموم الناهية عن
استعمال الريحان، فإن عملنا أن وجه الشباهة كون الريحان من الطيب وأنه كالإذخر
والخزامي تحمل العمومات الدالة على التحريم على الكراهة ويجمع بين الطائفتين
من الروايات.
وأما إذا لم نعلم ذلك أو علمنا أن وجه الشبه كون النبات برية يبقى ظهور
العمومات الناهية في الحرمة وكذا لو دار الاستثناء والمخصص بين القليل والكثير
يؤخذ بالقدر المتيقن منه ويبقى غيره تحت العام الدال على الحرمة، لاستقرار
ظهور العام فيها وانفصال المخصص عنه قد يقال وجه الشباهة في كلمة المعطوف
على الإذخر وغيره كونه نابتا في الحرم فالمعنى لا بأس بالإذخر وأشباهه من نبات
الحرم التي ينبت بنفسه وأما ما ينبته الانسان في الحرم أو كان نابتا في خارجه
فتشمله العمومات ويبقى تحتها الدالة على حرمة استعمال الطيب.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من تروك الاحرام الحديث 1.
323

وأورد عليه بأن استعمال الريحان الذي نبت في الحرم إذا كان جائزا فيجوز
غيره بالأولوية لشدة حرمة الحرم وكرامة نباته.
ويدفع بأن الحكمة في ذلك يمكن أن تكون كثرة الابتلاء وعسرة التحرز
عما ينبت في الحرم بخلاف ما ليس كذلك فلا يصح دعوى الأولوية.
ومنها رواية علي بن مهزيار قال سألت ابن أبي عمير عن التفاح والأترج والنبق
وما طاب ريحه قال تمسك عن شمه وتأكله. (1)
ويظهر من الرواية إن أكل التفاح والأترج لا مانع منه إذا أمسك عن شمه
فإن قلنا إن استعمال الطيب عبارة عن التطيب والتعطر منه فلا يعد الأكل استعمالا
له سيما إذا لم يبق أثر من الطيب بعد الأكل ولا يكون داخلا في العموم.
وأما إذا قلنا إن استعمال الطيب والريحان أعم من الأكل والتطيب به ويشمله
العموم، فيخصص الأكل بهذه الرواية ويخرج عنه وأما قوله عليه السلام وما طاب ريحه
فإن كان المراد منه أن كل شئ مما طاب ريحه من المأكول وغيره لا بأس به أكلا
وغيره من سائر الاستعمالات فيكون مخصصا للعموم الدال على حرمة استعمال
الرياحين نعم لو قلنا إن المراد مما طاب ريحه، ما يؤكل منه بقرينة التفاح والأترج
المذكوران في الرواية يقع التخصيص على الأكل فقط ولا يصح حمله على الأعم
لاشتمال الرواية على القرينة الصالحة للمنع عن الاطلاق وصرفه إلى ما يؤكل منه.
والحاصل أن العمومات الناهية عن استعمال الرياحين ظاهرة في الحرمة
بل صريحة فيها، فهل يمكن تخصيصها بما ذكر من الروايات أو حملها على الكراهة،
مع احتمال اختصاصها بما يؤكل، واشتمال المخصص بما يصلح للقرينية وصرفه عن
غيره من الاستعمالات، الظاهر أن الالتزام بذلك مشكل، إذ لا يوجد ما يدل صريحا
على الكراهة، سوى كلمة أشباهه المعطوف على الإذخر المحتمل أن يكون وجه
الشبه كون ما له صنفان من الرياحين التي يؤكل قسم منه دون قسم آخر إذ لا يشمل

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من تروك الاحرام الحديث 1.
324

المخصص بناء على وجوده لما لا يؤكل منه هذا غاية الكلام في المقام.
وهذه العشرة من المكروهات في الاحرام ما ذكره المحقق في الشرايع و
نقل عن الدروس أمور أخرى يكره حال الاحرام.
الأول غسل الرأس بالسدر والخطمي
الثاني خطبة النساء الثالث المبالغة
في السواك ودلك الوجه والرأس في الطهارة الرابع الهذر من الكلام
والخامس الاغتسال للتبرد وعن الحلبي تحريمه السادس الاحتباء في المسجد -
الحرام السابع المصارعة ويظهر من النصوص كراهة غيرها كرواية الشعر كما
يظهر منها الحكمة في كراهة بعضها.
عن علي بن جعفر عن أخيه سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له قال لا تصلح
له مخافة أن يصيبه جراح أو يقع بعض شعره (1)
عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يكره رواية الشعر للصائم
والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن يروى بالليل قال: قلت: وإن كان
شعر حق، قال: وإن كان شعر حق. (2)
والمهم في المقام الذي هو مورد للابتلاء، أن نتعرض لحكم من يريد أن يدخل
مكة وأنه هل يجب عليه الاحرام من إحدى المواقيت وإن لم يرد عمرة أو لا يجب
إلا لاتيان العمرة وكذا البحث حول نذر الاحرام قبل الميقات.
وقد تعرض الأستاذ مد ظله العالي لحكم المسئلتين في المجلد الأول اجمالا
وأشار إليه هنا أيضا وستقف عليه إن شاء الله.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 94 من تروك الاحرام الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 96 من تروك الاحرام الحديث 1.
325

(في حكم دخول الحرم ومكة)
هل يجب الاحرام على كل من يريد دخول الحرم أو مكة، أو لا يجب إلا
على من يريد النسك، أو يجب على غير من خرج من مكة ورجع إليها، أو على
غير من كان منزله في الحرم، وأراد دخول مكة.
ثم إن الاحرام بناء على وجوبه فهل لأداء النسك، أو هو واجب مستقل نفسي،
غاية الأمر لا يحل منه إلا بأعمال العمرة والآتيان بها فهنا فروع.
الفرع الأول لا يجوز الاحرام قبل الميقات بلا خلاف فيه، والنصوص
المتظافرة تدل على ذلك إلا لناذر، وكذا لا يجوز تأخيره عنها إلا لمرض أو مانع
اجماعا ونصوصا.
ويظهر من النصوص الكثيرة أن الاحرام قبل الميقات من دون نذر لا رجحان
فيه وأنه كمن يصلي الظهر أربعا في السفر.
عن ميسرة قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا متغير اللون فقال لي: من
326

أين أحرمت بالحج، فقلت: من موضع كذا وكذا فقال: رب طالب خير يزل
قدمه، ثم قال: أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا، لا، قال: فهو والله
ذاك. (1)
وأما الناذر للاحرام قبل الميقات فيصح احرامه وتدل عليه أيضا نصوص
كثيرة منها.
صحيح الحلبي المروى عن الاستبصار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال فليحرم من الكوفة وليف لله تعالى
بما قال. (2)
وخبر علي بن أبي حمزة قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام عن رجل جعل لله
عليه شكرا أن يحرم من الكوفة، قال: يحرم من الكوفة. (3)
وقد تقدم الكلام في اشتراط انعقاد النذر على أن يكون متعلقه راجحا و
الاشكال في المسألة والجواب عنه والمهم أن نبين حكم من يعلم أنه يضطر إلى
الاستظلال لو نذر الاحرام قبل الميقات.
مسألة لو علم أنه لا يضطر إلى التظليل لو نذر الاحرام قبل الميقات فلا اشكال
في صحة النذر وأما إذا علم أنه لو أحرم قبل الميقات يضطر إلى الاستظلال فهل
يصح النذر حينئذ أم لا، الظاهر هو الأول، فإن الدليل الدال على مشروعية النذر
قبل الاحرام لم يفصل بين ما يضطر المحرم إلى الاستظلال أم لا، بل صرح
الإمام عليه السلام بصحة النذر للاحرام من الكوفة إلى مكة المكرمة والمتعارف ابتلاء
المحرم بالتظليل في تلك المسافة بل المقطوع ذلك. فدليل صحة النذر يوجب

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 11 من المواقيت الحديث 5
2 - وسائل الشيعة الجزء 7 الباب 13 من المواقيت الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 13 من المواقيت الحديث 2.
327

الالزام بما يضطر إليه من محرمات الاحرام فيجب الوفاء به فيه وأما إذا اضطر إلى
التظليل وغيره، فهو تابع لأدلة الاضطرار تكليفا ووضعا، وفي لزوم الكفارة وعدمه،
فالقول بعدم شمول دليل النذر لما يعلم الاضطرار إلى التظليل بعد الاحرام مشكل
جدا، بعد شمول اطلاقه له وبهذا يمكن تقريب حكم العبور بالطائرة من المواقيت
وصحة الاحرام قبلها بالنذر.
328

في حكم دخول مكة المكرمة والحرم
كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما كما في الشرايع وفي الجواهر
بلا خلاف أجده بل عن المدارك ومحكى الخلاف الاجماع عليه.
هل المراد أنه يجب الاحرام لدخول مكة فقط أو لدخول الحرم، وإن لم
يدخل مكة كمن يريد أن يبيع شيئا في الحرم ويرجع، وعلى الأول فهل يجب
الاحرام على من كان خارج مكة أو الحرم دون من كان ساكنا بمكة وخرج منها
ورجع إليها.
ثم إن هذا الاحرام على من يريد النسك والعمرة، أو يجب على كل من يدخل
مكة أو الحرم، غاية الأمر لا يحل منه إلا بأعمال العمرة فعلى هذا يكون الاحرام واجبا
مستقلا نفسيا لا شرطا لغيره، ولكل وجه وفي بعض الوجوه خلاف ولا يتضح الحال
إلا بنقل الأخبار الواردة في الباب.
عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا للمسألة وقال باب إنه لا يجوز دخول
329

مكة ولا الحرام بغير احرام ولو دخل لقتال إلا أن يكون مريضا فلا يجب بل يستحب
أو دخل قبل شهر من احرامه ثم ذكر روايات فمنها.
رواية عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيدخل الحرم أحد إلا
محرما قال: لا، إلا مريض أو مبطون. (1)
ومفاد الرواية أن الحرم لا يجوز لأحد أن يدخله بغير احرام إلا إذا كان
مريضا أو مبطونا، ويجب أن يحمل المرض على ما لا يقدر على الاحرام وعلى اتيان
الأعمال بعد الاحرام، وإن تمكن من النائب كالزائل عقله، وأما المبطون فهو
يقدر على الاحرام ويتمكن من لبس الثوبين والتلبية ولكن لا يتمكن من الاتيان
بالأعمال مع الطهارة، وعدم تنجيس المسجد، فالعلة الموجبة لعدم وجوب
الاحرام عدم القدرة والتمكن من جميع ذلك وإن تمكن من البعض كالاحرام فقط
وإن ورد في بعض الروايات أنه يحرم عنه غيره وينوب عنه النائب.
وعن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام هل يدخل الرجل الحرم بغير
احرام قال: لا، إلا أن يكون مريضا أو به بطن: (2)
ويعارض الروايتين ما روي عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكة حلالا قال لا يدخلها إلا محرما. (3)
ويجمع بين الطائفتين بحمل رواية رفاعة على الاستحباب ويمكن حملها على
المرض والوجع الذي لم تكن شدته بحيث يمنع عن اتيان الأعمال في تمام الأوقات
بل ومن المحتمل أنه كان متمكنا منه في بعض الأيام، وعلى كل حال المستفاد مما
ذكر أن غير المريض وذوي الأعذار يجب عليه الاحرام إذا دخل الحرم مطلقا سواء
كان من أهل مكة وساكني الحرم أم لا، وسواء كان مريدا للنسك أم لا.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 3.
330

عن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث فتح مكة أن النبي قال: ألا
إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار،
إلى أن تقوم الساعة لا يختلي خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل
لقطتها إلا لمنشد، قال ودخل مكة بغير احرام وعليهم السلاح ودخل البيت لم
يدخله في حج ولا عمرة ودخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد على الكعبة فأذن. (1)
وهذه الرواية تدل على عدم جواز دخول مكة بغير احرام وأما الحرم فلا
يستفاد منها.
ويظهر من بعض الروايات إن رسول الله صلى الله عليه وآله استأذن ربه في ذلك ثلاث مرات
وكان موقتا ومخصوصا به صلى الله عليه وآله.
عن كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله استأذن الله عز وجل
في مكة ثلاث مرات من الدهر فأذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت
السماوات والأرض. (2)
والظاهر من الرواية الأخيرة إن دخوله صلى الله عليه وآله مكة بغير احرام إنما كان لأجل
الحرب والفتح ولعله لو دخلها محرما لم يتمكن من ذلك.
ويظهر من بعض الروايات إن الاحرام إنما يجب على من كان على عشرة
أميال من مكة دون غيره.
عن الكافي باسناده عن عبد الله بن مغيرة عن أحمد بن عمر بن سعيد عن وردان عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: من كان من مكة على مسيرة عشرة أميال لم يدخلها
إلا محرما. (3)
يمكن أن يقال إن التقييد بعشرة أميال لأجل تحقق الخروج عن الحرم فلا يعارض

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 12
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 9
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 5.
331

ما تقدم.
عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا إبراهيم عن رجل يدخل مكة في السنة
المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع قال: إذا دخل فليدخل ملبيا وإذا خرج
فليخرج محلا. (1)
وعن السرائر نقلا عن كتاب جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما
في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض حاجته ثم يرجع من يومه قال لا بأس بأن
يدخل مكة بغير احرام. (2)
ويمكن أن تحمل الرواية على من خرج مكة قبل مضي شهر واحد من
احرامه فلا ينافي ما تقدم من الروايات الدالة على وجوب الاحرام على من يدخل مكة
على نحو العام لما سيأتي من الروايات الخاصة الدالة على عدم الوجوب على من
خرج من مكة قبل مضي شهر من احرامه ورجع.
يعلم من جميع ما تقدم من النصوص وجوب الاحرام على ما يدخل مكة
وأنه لا يحل إلا بأعمال العمرة والآتيان بها وهذا مما لا اشكال فيه ولا كلام و
إنما هو في ما استثني من العام، وإن هذا الاحرام هل يجب أن يكون من المواقيت
أم لا، وأنه لدخول الحرم أو مكة، وغيره مما ستقف عليه في ضمن أمور.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 10
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 11.
332

في التنبيه على أمور
الأول يظهر من رواية محمد بن مسلم وعاصم بن حميد المتقدمتين إن
الاحرام إنما يجب لدخول الحرم سواء دخل مكة أم لا ويظهر من بعض آخر أنه
لا يجوز دخول مكة بغير احرام، والنسبة بينهما عام وخاص من وجه إذ قد يدخل
الحرم ومكة معا وقد يدخل الحرم دون مكة وقد يدخل مكة دون الحرم كان خرج
من مكة ثم دخلها من دون أن يخرج من الحرم، فلولا الدليل الدال على وجوب
الاحرام لدخول مكة، لما استفيد مما يدل على وجوبه لدخول الحرم ولا يصح ادعاء
الأولوية.
الأمر الثاني، لا اشكال في حرمة الدخول بغير احرام إذا اجتمع العنوانان
كمن يريد دخول الحرم ومكة معا فيجب عليه الاحرام لشمول الدليلين له
وأما إذا أراد دخول الحرم ولا يريد دخول مكة بل يريد الرجوع منه، فهل
يجب عليه الاحرام أم لا، قد يقال بعدم وجوبه لأجل أن الحرمة إنما هي لمكة
المكرمة باعتبار الكعبة، وفيه أنه لا مانع من أن يلاحظ للحرم أيضا باعتبار المسجد
333

والكعبة حرمة خاصة، فإن كان اجماع على عدم وجوب الاحرام على من يريد أن
يدخل الحرم فقط ولا يدخل مكة، نعمل به وإلا يشملها اطلاق الدليل الدال على حرمة
دخول الحرم بغير احرام.
وقد يدعى انصراف الدليل الوارد في الحرم إلى من يريد دخول مكة
لكنه غير وجيه بعد شمول اطلاق الأدلة لكل من يدخل الحرم وقد صرح في
الروايات إن للحرم شأنا خاصا وفي مرسل الفقيه عن النبي والأئمة عليهم السلام أنه وجب
الاحرام لعلة الحرم (1)
عن العلل باسناده عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: حرم المسجد لعلة الكعبة، وحرم الحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة
الحرم (2).
فلا تنافي بين ثبوت الحرمة لمكة باعتبار المسجد والكعبة وثبوتها للحرم
باعتبار المسجد فلا وجه لدعوى الانصراف المذكور، فعلى هذا يجب الاحرام
لدخول الحرم كما نص عليه في رواية محمد بن مسلم المتقدمة ولا يحل منه إلا بعد
الاتيان بأعمال العمرة.
وبالجملة إذا لم يكن اجماع على عدم وجوب الاحرام على من يدخل الحرم
يؤخذ باطلاق الأدلة العامة والخاصة الناهية عن دخول الحرم بغير احرام، سواء
قصد مكة أم لا، هذا فيما إذا دخل الحرم وكان خارجا عنه.
الثالث لو دخل مكة من خارج الحرم يجب الاحرام لدخولها وأما إذا
خرج أحد من مكة ولم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها هل يدخل باحرام
أم لا.
عن المدارك يدخل بغير احرام، وفي الجواهر وظاهره المفروغية من ذلك

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 5.
334

وهذه المسألة مورد للابتلاء في عصرنا فإن كثيرا من المسؤولين لأمور
الحجاج يخرجون من مكة بعد أعمال العمرة إلى جدة أو إلى النواحي، قد يخرجون
من الحرم وقد لا يخرجون، فهل عليهم أن لا يخرجوا أصلا أو يرجعوا إلى مكة باحرام
إذا خرجوا منها أو إذا خرجوا من الحرم بعد مضي شهر.
قال بعض العلماء لا يجوز لهم الخروج من مكة، وقال آخر: لا يجوز لهم
الخروج من الحرم وأما لو خرج منه ورجع بعد مضي شهر يجب الاحرام لا قبله
وقد تقدم عن المدارك أنه إذا خرج من مكة ولم يخرج من الحرم لا يجب عليه
الاحرام.
وأشكل عليه بأن اطلاق الدليل الدال على وجوب الاحرام على من يريد
دخول مكة يشمل المورد فإن كان هنا اجماع على عدم الاحرام أو سيرة يعمل به
وإلا فمقتضى الدليل وجوبه.
قد يقال إن المراد من مكة في النصوص الدالة على حرمتها ما يشمل الحرم
ولذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد وغيره مما هو من أحكام فمع فرض عدم
الخروج من الحرم لا يجب الاحرام كما لو أراد من يسكن في آخر محلة من محلات
مكة أن يدخل المسجد، إذ لا يجب عليه الاحرام إذا أراد الطواف.
وقد يدعى أن العمرة ليست له ميقات في الحرم فلا يجب على من يعيش في
داخل الحرم أو يسكن في مكة الاحرام إذا لم يخرج عن الحرم لانصراف الدليل
الدال على وجوب الاحرام إلى من يدخل مكة من المواقيت ولا أقل من أدنى
الحل الخارج عن الحرم فالأدلة منصرفة عن الذي لم يخرج من الحرم.
وفيه أن هذا ليس مما يوجب الانصراف فإن من يجب عليه الاحرام يجب
عليه أن يخرج إلى أدنى الحل مع التمكن وإلا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب
عليه الاحرام، فما نحن فيه أيضا كذلك فإنه بعد وجوب الاحرام وشمول الدليل
يخرج إليه ويحرم منه ثم يدخل مكة مع التمكن، إن لم يكن اجماع في البين على
335

عدم الوجوب، وإن كان الاجماع بناء على تحققه أيضا ليس بحيث يقطع على
اشتماله على قول المعصوم، وأنه وصل إلينا صدرا عن صدر وسلفا عن سلف.
غاية ما يمكن أن يقال في المقام دعوى الانصراف بأن يقال إن النصوص
الدالة على وجوب الاحرام على من يدخل مكة منصرف إلى من يدخل مكة من
خارج الحرم، فلا يشمل الذي في الحرم، ومن هو يسكن بمكة فخرج منها ولم
يخرج من الحرم ثم رجع إليها، فإن قطعنا بهذه الدعوى والانصراف نعمل به أو كان
في المقام اجماع، وإلا فالمقام احتياط كما احتطنا في بعض تعليقاتنا في وجوب
الاحرام على من يدخل مكة من الحرم ولم يخرج منه وكذا فيمن يخرج من مكة
بعد أعمال العمرة.
الرابع: إن وجوب الاحرام في دخول الحرم ومكة بناء عليه، هل هو
واجب مستقل نفسي، ولا ربط له بالعمرة ولا الحج، أو هو مقدمة لأعمال العمرة،
فالواجب الأصلي على من يدخل مكة هو الاتيان بأعمال العمرة ونسكها التي
يشترط فيها الاحرام من خارج الحرم، وجهان، بل قولان.
عن المدارك يجب على الداخل فيها أي مكة، أن ينوي باحرامه الحج أو
العمرة، لأن الاحرام عبادة ولا يستقل بنفسه بل إما أن يكون بحح أو عمرة، ويجب
اكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الاحرام.
وأورد عليه صاحب الجواهر بأنه إن كان اجماعا فذاك وإلا أمكن الاستناد
في مشروعيته نفسه إلى اطلاق الأدلة في المقام وغيرها، وكونه جزء من الحج
أو العمرة لا ينافي مشروعيته في نفسه، روي عن النبي والأئمة عليهم السلام أنه وجب
الاحرام لعلة الحرم انتهى. (1)
ثم أورد على ذلك بأن ما دل على عدم حصول الاحلال له إلا بعد الآيتان بالنسك
كاف في عدم ثبوت استقلاله وعدم كونه واجبا نفسيا إذ دعوى أنه يحل بالوصول إلى مكة

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 3.
336

أو بالتقصير باطلة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل التأمل في النصوص
يفيد القطع بتوقف الاحلال من الاحرام في غير المصدود ونحوه على اتمام النسك
وليس إلا أفعال عمرة أو حجة.
الخامس، ثم بناء على وجوب الاحرام مقدمة للاتيان بالنسك، فهل يجب
عليه القضاء إذا أخل به الداخل، أو ليس عليه إلا الإثم فيه قولان.
فعن التذكرة وحاشية الكركي والمسالك والمدارك عدم الوجوب وحكي
عن الشافعي أيضا، للأصل.
وعن أبي حنيفة، عليه أن يأتي بحج أو عمرة، فإن أتى في سنته بحج الاسلام
أو منذوره أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا وإن لم يحج من سنته استقر
القضاء.
ويمكن أن يورد على ما ادعاه أبو حنيفة، بأن القضاء تابع الأمر جديد ودليل
آخر وإنما سقط الأمر الأول بالعصيان، ولا دليل غيره ونحن نتبع الدليل،
والاستحسان لا يحسب دليلا عندنا والقضاء فرض مستأنف يتوقف على الدليل كما
في المدارك أيضا.
وعن التذكرة الاجماع على وجوب القضاء إذا أخل بالاحرام عمدا ولم
يرجع إلى الميقات لانشاء الاحرام، وعن المسالك الجزم بذلك على ما نقله صاحب
الجواهر قدس سره. (1)
وفي الجواهر في مسألة تارك الاحرام عمدا من الميقات، والأصح سقوط
القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه بالأصل وإن الاحرام مشروع لتحية
البقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد وهو حسن.
واستدل في المقام ردا على ما اختاره أبو حنيفة من وجوب القضاء بأنه لا
دليل عليه مع فرض عدم وجوبها (أي العمرة) عليه ولا ابطال، كي يتجه الوجوب

1 - الجواهر الجزء 18 ص 441.
337

عليه فإنه إنما يتحقق بفعل المنافي لما تلبس به، بخلاف الفرض الذي أثم بعدم الآيتان
به لابطاله انتهى ويمكن أن يقال إن الواجب من الحج والعمرة سواء كان الوجوب
بالأصل أو بالنذر أو لدخول مكة، كالدين الثابت على المكلف، كما يستفاد من
الآية الكريمة، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، وكما في المروى
عن الرسول صلى الله عليه وآله أرأيت لو كان عليه دين فيؤدي عنه غيره أو أنت.
ولا يسقط هذا الدين إلا بأدائه وإذا أفسد العمل أو تركه يجب عليه قضائه
كما جزم به صاحب المسالك وغيره فعلى هذا يكون وجوب القضاء بحسب الدليل
لا بالاجماع المدعى في كلمات الفقهاء.
السادس اطلاق الدليل في وجوب الاحرام على كل من يدخل الحرم أو
مكة، يشمل الحر والعبد من غير فرق بينهما، ولكن أصحابنا من الفقهاء أفتوا
بعدم وجوب الاحرام على العبد.
واستدل له في المنتهى بأن العبد وأوقاته ملك لمولاه والتصرف في أوقاته
المملوكة له موكول إلى إذنه، ولا يصح صرفها في غير مصالح مولاه، مضافا إلى
أن العبد إذا ارتفع عنه الوجوب في حجة الاسلام مع كونه مستطيعا، وبقائه مندوبا
محتاج إلى إذن المولى، ففي غيره يرفع الوجوب بالأولوية إذا دخل مكة أو الحرم.
وهذا الاستدلال يحتاج إلى استفادة الأولوية من الأدلة كما في قوله تعالى ولا تقل
لهما أف حيث إنه يستفاد منه حرمة الضرب والشتم بالأولوية القطعية وأما المقام فهل
يستفاد من الدليل الدال على اشتراط الحرية في وجوب الحج بالاستطاعة إن كل
احرام واجب كذلك بالأولوية، وهل يفهم العرف ذلك منه كما يفهم حرمة الضرب
والشتم من قوله ولا تقل لهما من أف، الظاهر أنه مشكل.
ووجه اشكال إن وجوب الاحرام لدخول الحرم أو مكة إنما هو لرعاية
حرمة البيت والحرم، وما وجب إلا تعظيما لحقه واجلالا لشأنه وتفخيما لأمره، ولا
فرق بين الحر والعبد والمالك والمملوك عند العقل، ولا يستفاد أيضا من اللفظ و
338

النقل، فلا مانع من شمول الاطلاق لها بالسوية.
نعم قد يمكن أن يقال بعد شمول الاطلاق للعبد، هل يشترط إذن المولى في
وجوب الاحرام عليه أو لا يشترط.
لكن الظاهر ومقتضى التحقيق إن حق المولى لا يمنع من الوجوب بأي وجه
بعد شمول الدليل، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما اشتراط الحرية في وجوب حجة الاسلام عند الاستطاعة ليس من جهة
حق المولى ولزوم رعايته عند التعارض والتزاحم، بل الأخبار تدل على ذلك وإن
الحرية كالاستطاعة شرط في وجوب الحج عليه ولا ربط له بالمولى وحقه، حتى
لو أمره مولاه بالحج بعد الاستطاعة لا يجزي عن حجة الاسلام إذا أعتق بل يجب عليه
الحج بعد العتق وحصول الحرية إذا بقيت استطاعته أو صار مستطيعا فالحرية شرط
للمشروعية لا الوجوب فقط. (1)
فعلى ما ذكر لو أمر المولى عبده بدخول الحرم يجب عليه الاحرام ولا يزاحم
أمره ذلك، كما لو أمره بالعمل من طلوع الشمس إلى غروبها فإنه لا يمنع عن أداء
الصلاة ولا يزاحمه أصلا ولا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا نهى عنه وسيأتي
إن شاء الله.
فرع لو منع المولى عبده عن دخول الحرم فعصى ودخله، فهل
يجب عليه الاحرام مع كونه عاصيا في عمله أو لا يجب بل يبطل عمله، كما إذا
نهاه عن الحج والعمرة إذا كان داخلا الحرم أو مكة فوجهان، إن قلنا إن
النهي الصادر من المولى بالنسبة إلى الاحرام ملازم لنهي الله تعالى عنه وتعلقه به
فلا يجوز الاحرام ويبطل وأما إذا قلنا إنه غير ملازم له فلا اشكال في وجوب
الاحرام عليه.
الظاهر أنه إذا لم يشترط الحرية في احرام العبد في غير حجة الاسلام لا يكون

1 - وفيه، لا يخفى إذا الاستطاعة شرط للوجوب لا المشروعية.
339

الاحرام منهيا عنه عند الشرع بالنهي الصادر من مولاه، بعد شمول اطلاق الأدلة وعمومها في وجوب الاحرام على كل من يدخل مكة، ولا يؤثر نهي المولى في
الحكم المتوجه إلى عبده، وإن كان عاصيا بمخالفته، كما لو نذر أن لا يدخل الحرم
إلا بإذن والده فدخل بدون الإذن أو آجر نفسه لعمل إلى الغروب ثم دخل الحرم
فيجب عليه الاحرام في المقامين كليهما.
340

في من يجوز له دخول الحرم ومكة بغير احرام
قد خرج عن عموم كل من دخل مكة أو الحرم يجب أن يكون محرما، كما في
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة موارد نشير إليها إن شاء الله تعالى.
الأول المريض كما في رواية عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
يدخل أحد الحرم إلا محرما قال لا إلا مريض أو مبطون. (1)
وعن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر هل يدخل الرجل الحرم بغير
احرام قال: لا، إلا أن يكون مريضا أو به بطن. (2)
والرواية المخالفة للروايتين الدالة على وجوب الاحرام على المريض محمولة
على الاستحباب، أو على من يقدر على الاتيان بأعمال العمرة كما أشير إليه.
الثاني من مضى عليه أقل من شهر واحد من احرامه سواء كان احرامه للحج

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 2.
341

أو العمرة، فمن دخل مكة محرما باحرام الحج أو العمرة، وبعد اتمام النسك خرج
منها ورجع قبل مضي الشهر يدخل بغير احرام بلا خلاف فيه.
قد تعرض الأستاذ مد ظله للمسألة في الجزء الأول اجمالا وبين حكم
المسألة هناك بالتفصيل وحيث إن مورد البحث مبتلى به كثيرا في عصرنا لخروج
كثير من المسؤولين لأمور الحجاج بعد أعمال العمرة من مكة ورجوعهم إليها بعد
قضاء الوطر وقبل مضي الشهر، ينبغي أن نبحث حول المسألة مشروحا وقبل نقل
الأخبار نتعرض لنقل الفتاوى حتى يتضح ويتبين موضوعها من أن المراد من
الشهر شهر الاهلال، أو الاحلال، أو الخروج.
عن النافع ولو خرج بعد احرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأ عنه وإن عاد
في غيره أحرم ثانيا.
وعن النهاية في المتمتع، فإن خرج من مكة بغير احرام ثم عاد فإن كان
عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره أن يدخل مكة بغير احرام، وإن دخل
في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج وتكون عمرته
الأخيرة.
وظاهر العبارات المتقدمة إن المراد من الشهر شهر الخروج لا شهر التمتع
أو الاحلال ثم إن هذا الحكم هل هو ثابت لكل من خرج من مكة بعد أعمال العمرة
ثم رجع، أو يختص بمن له شغل وحاجة خارج مكة، وكذا هل يختص بعمرة
التمتع وحجه أو يعم الافراد والعمرة المفردة، فلبيان جميع ذلك ووضوحه، لا بد
أولا من نقل الأخبار الواردة في المقام ومنها.
رواية ميمون قال خرجنا مع أبي جعفر عليه السلام إلى أرض بطيبة ومعه عمر بن دينار
وأناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء الله إلى أن قال ثم دخل مكة ودخلنا معه بغير
احرام. (1)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 1.
342

عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله في الرجل يخرج إلى جدة في الحاجة
قال يدخل مكة بغير احرام. (1)
الروايتان وإن كانتا مطلقتين إلا أن في المقام ما يقيدهما بالرجوع قبل مضي
شهر كرواية أبان وغيرها.
عن أبان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله في الرجل يخرج في الحاجة
من الحرم قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير احرام فإن دخل في
غيره دخل باحرام. (2)
والرواية صريحة في أن المراد من الشهر هو الشهر الذي خرج فيه من مكة
لا شهر الاحرام أو الاحلال.
وفي مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من
مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه
لا يفوته الحج وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا وإن دخلها
في غير ذلك الشهر دخلها محرما. (3)
وعن إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عن المتمتع يجيئ فيقضي متعته
ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال:
يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة
وهو مرتهن بالحج، قلت فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال كان أبي مجاورا
هنا فخرج يتلقى (ملتقيا): بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات
عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج. (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 4
3 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 10
4 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 8.
343

لا شبهة في أن المصرح به في صدر الرواية شهر التمتع، ولكن الكلام في أن المراد من شهر التمتع هل هو شهر شوال وذي القعدة وذي الحجة التي يشترط
وقوع العمرة المتمتع بها إلى الحج فيها، أو الشهر الهلالي أو الشهر الذي خرج
فيه من الاحرام وتمتع والتذ فيه وأطلق عليه شهر التمتع بتلك المناسبة، فعلى
هذا يكون الاعتبار بشهر الاحلال، ويظهر من التعليل المذكور في الرواية بقوله
لأن لكل شهر عمرة، إن المراد من الشهر هو الشهر الهلالي الذي يستحب فيه
عمرة واحدة، ولكنه يخالف ما قيل إنه يجب الفصل بين العمرتين بثلاثين يوما أو
عشرة أيام أو ثلاثة أيام، نعم قال بعض لا يشترط الفصل بينهما أصلا.
فبناء على ما هو الظاهر من التعليل لو أحرم في آخر شهر شوال وخرج
من مكة ورجع في أول ذي القعدة يجب الاحرام فإنه رجع في غير الشهر
الذي تمتع فيه.
ولكن الراوي بعد ما أجاب الإمام عليه السلام بأنه يرجع إلى مكة بعمرة إن كان
في غير الشهر الذي تمتع فيه غير سؤاله الأول وقال إنه دخل في الشهر الذي
خرج فيه، فهل كان مقصوده إن مورد سؤاله لم يكن شهر التمتع الذي أجاب عنه
الإمام عليه السلام بل كان غير الشهر الذي تمتع، أو المقصود أنه بعد ما علم حكم الرجوع
في الشهر الذي تمتع فيه وأنه لا يرجع محرما بعمرة بل يدخل مكة محلا، سأل
الإمام عليه السلام عن فرع آخر وهو ما إذا دخل في الشهر الذي خرج وإن لم يكن في
الشهر الذي تمتع فيه فأجاب الإمام عليه السلام عن هذا السؤال وقال: كان أبي
مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات
عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج.
ويشكل هذا أيضا بأن السائل سأل عن حكم المتمتع وأنه إذا خرج من
مكة ورجع إليها ما يصنع وما يعمل ولكن الإمام عليه السلام أجابه عن حكم المجاور
الذي يغاير حكمه حكم المتمتع.
344

ويمكن أن يقال إن السؤال الثاني إنما كان من جهة حكم دخول مكة بعد
الخروج عنها سواء كان ساكنا ومجاورا أو متمتعا والرجوع إليها قبل مضي شهر
من الخروج، فأجاب عليه السلام بأن أباه كان مجاورا وخرج ولما رجع وبلغ ذات عرق
أحرم بالحج ودخل وهو محرم به وعلى هذا يكون المراد من الحج العمرة.
ويمكن أيضا إن أباه عليه السلام كان متمتعا وخرج من مكة ولما رجع إليها أحرم
بالحج خارج مكة، وعلى هذا يكون المقام مستثنى عن وجوب الاحرام بالحج
من بطن مكة تعبدا، وإن كان عليه التجديد بمكة كما نقل عن الدروس أو يستحب
على ما نقل عن التذكرة لو خرج من مكة بغير احرام وعاد في الشهر الذي
خرج فيه استصعب له أن يدخلها محرما بالحج، ولكنه خلاف الظاهر من الرواية.
ويحتمل أيضا أن يكون المراد من الحج العمرة والرجوع إلى مكة في الشهر
الذي تمتع والاحرام في مثل المورد وإن لم يكن واجبا عليه لدخوله في شهر
التمتع إلا أنه جائز ومستحب فاحرامه كان مستحبا.
لكن هذا المعنى أيضا لا يناسب صدر الرواية وذيلها، أما الصدر فلما صرح
فيه بعدم الاحرام إذا دخل في شهر التمتع وبلزوم الاحرام إذا كان في غيره كما
هو الظاهر من المنطوق والمستفاد من المفهوم، وأما الذيل فإن الراوي إنما سأل
عن حكم من دخل في شهر الخروج فلو كان غير شهر التمتع وإن كان الاحرام
حينئذ واجبا، إلا أن حمل الحج على العمرة مشكل لا دليل عليه
نعم لو قلنا إن السؤال في الذيل وملاكه كان دخول الحرم فقط للقاطن
والمجاور، فأجاب عليه السلام بوجوب الاحرام وإن أباه كان مجاورا ولما رجع دخل
باحرام، إلا أن يرجع في شهر التمتع كما هو مقتضى المفهوم ولكن الاحرام كان
لحج الافراد.
هذا غاية ما يمكن في توجيه الرواية وما يمكن أن يقال فيها ويأتي التفصيل
345

في رواية حماد أيضا.
عن الكافي باسناده عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل
مكة متمتعا في أشهر الحج، لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فإن عرضت
له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا
بالحج، فلا يزال على احرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما، ولم يقرب البيت
حتى يخرج مع الناس إلى منى على احرامه، وإن شاء وجهه ذلك إلى منى قلت:
فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير احرام ثم رجع في أبان الحج
في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير احرام، قال إن رجع في شهره
دخل بغير احرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت فأي الاحرامين و
المتعتين متعة، الأولى أو الأخيرة، قال الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس
بها التي وصلت بحجه، قلت فما فرق بين المفردة وبين عمرة المتعة إذا دخل في
أشهر الحج، قال: أحرم بالعمرة (بالحج) وهو ينوي العمرة، ثم أحل منها و
لم يكن عليه دم، ولم يكن محتبسا لأنه لا يكون ينوي الحج. (1)
فهل الضمير فيقوله إن رجع في شهره دخل بغير احرام راجع إلى الخروج
أو إلى التمتع فكلاهما محتمل وقد يستظهر كونه راجعا إلى الخروج لقربه إلى
قوله فإن جهل وخرج إلى المدينة وأما إرادة شهر التمتع فهو خلاف الظاهر إلا أن
الظهور الأول أيضا ليس قويا بحيث يمنع عن الاحتمال الثاني فهو مردد بين شهر
الخروج والتمتع ولا مرجع لأحدهما.
تحقيق في المقام
قد وردت في روايات الباب كما تقدمت تعابير مختلفة بالنسبة إلى الشهر
ففي بعضها إن رجع في الشهر الذي خرج فيه كرواية أبان بن عثمان المتقدمة وفي

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 6.
346

آخر يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه كرواية إسحاق
ابن عمار المتقدمة.
فالاعتبار في عدم وجوب الاحرام الرجوع في شهر التمتع كما في رواية
إسحاق والرجوع في شهر الخروج على ما في رواية أبان ولكن في رواية حماد بن
عيسى إن رجع شهره المحتمل كونه شهر التمتع أو شهر الخروج وكونه مطلقا قابلا
للتقييد ثم إن شهر التمتع يحتمل كونه شهر الاحرام كما يحتمل كونه شهر الاحلال
باعتبار الالتذاذ وحصول التمتع كما تقدم، وكذا يحتمل في شهر الخروج كونه
شهرا هلاليا أو ثلاثين يوما وعلى كل حال يتبادر إلى الذهن التعارض والتمانع
بين الروايتين فهل يمكن الجمع بينهما بأن يقيد أحدهما بالآخر لنسبة موجودة بينهما
تقتضي ذلك، أو لا يمكن بل لا بد من طرح أحدهما والعمل بالآخر.
وتوضيح ذلك أن الرواية المذكورة فيها شهر الخروج واردة في بيان كيفية
عمرة التمتع وإن من أتى بعمرته فهو محتبس بها إلى أن يحج، ولا يجوز له أن
يخرج من مكة، وإذا خرج يجب عليه أن يرجع إلى مكة من غير احرام قبل مضي
شهر وأما بعد مضي شهر واحد من خروجه، يجب عليه أن يدخل باحرام، وتكون
عمرته الثانية هي التي يتمتع بها إلى حجه، وتكون العمرة الأولى مبتولة.
ولكن شهر الخروج له فردان ومصداقان إذ قد يتحد مع شهر التمتع، كما إذا
أحرم في شوال وأتى بأعمال العمرة وخرج فيه من مكة ورجع في شهر ذي القعدة.
فإنه يدخل محرما لمضي شهر واحد من التمتع والخروج معا وأما لو رجع قبل
شهر ذي العقدة يدخل محلا لعدم مضي شهر واحد لا من تمتعه ولا من خروجه، فلا
تعارض بين شهر التمتع وشهر الخروج هنا لاتحادهما في مصداق واحد.
وقد يختلف المصداقان كما لو تمتع في أول شوال وخرج من مكة بعد
أعمال العمرة في ذي القعدة ورجع إليها قبل مضي الشهر، فإن قلنا إن الاعتبار في
وجوب الاحرام على الداخل، هو شهر التمتع يجب عليه الاحرام لمضي شهر من
347

تمتعه، وأما إذا كان المعتبر في الحكم شهر الخروج يجب عليه أن يدخل محلا
لا محرما، وفي هذا المورد يقع التعارض والتمانع بين روايتي أبان وإسحاق فإن
الأولى منها تدل على اعتبار شهر الخروج والثانية على اعتبار شهر التمتع في الحكم
فهل يحمل شهر التمتع على الذي يتحد مع شهر الخروج أو يحمل شهر
الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع، إذ لا يمكن الجميع بين الدليلين فيما إذا
تمتع في شوال وخرج في ذي القعدة ورجع فيه، أو يقع التعارض بينهما فيتساقطان
مع عدم الترجيح في البين، ويكون المرجع هو العمومات الأخرى.
الظاهر أن حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع أولى من حمل
شهر التمتع على ما يتحد مع شهر الخروج، بل أظهر، لأن مقتضى العادة إن من
يدخل مكة محرما يخرج بعد أعمال العمرة ويرجع إليها في الشهر الذي تمتع فيه
مضافا إلى ظهور التعليل الوارد بأن لكل شهر عمرة في ذلك. (1)
ويظهر من كلام صاحب الجواهر قدس سره إن المناط والملاك شهر الخروج
لا شهر التمتع، ولعل وجه ذلك تضعيف رواية إسحاق الدالة على اعتبار شهر التمتع
مع تصريحه بأنها موثقة فعلى هذا لا دليل على ترجيح شهر الخروج بل اللازم أن
يقيد بما أشرنا إليه من اشتراط اتحاده مع شهر التمتع. (2)
ثم إنه بتلك الأخبار الواردة في عدم وجوب الاحرام قبل مضي شهر واحد
يخصص عموم ما يدل على وجوبه على كل من يدخل مكة كما في رواية رفاعة

1 - لا يخفى أن حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع ملازم لترك
الروايات الدالة على اعتبار شهر الخروج إذا الملاك دائما يكون شهر التمتع ولا أثر لشهر
الخروج ولا فائدة لذكره أصلا.
2 - لا يخفى على المتأمل في كلام صاحب الجواهر إن نظره قدس سره إلى اجمال
رواية إسحاق وظهور حسن حماد فيما ذكره، لا ضعف رواية إسحاق حتى يورد عليه بما
ذكره الأستاذ مد ظله العالي فراجع.
348

ابن موسى المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يدخلها إلا محرما.
وكذا يخصص بها عموم ما يدل على أن المعتمر محتبس بحجه مرتهن به حتى
يقضي حجه كما في رواية أبان بن عثمان وزرارة وحريز، إذا لم يكن المخصص
مجملا وعلمنا أن المراد من الشهر المذكور في الرواية الذي لا يجب الاحرام لدخول
مكة إذا رجع إليها قبل مضيه، هو شهر الخروج أو شهر التمتع على ما تقدم و
أشير إليه.
وأما إذا لم نعلم ذلك وكان المخصص مجملا يؤخذ بالقدر المتقين من
التخصيص ويرجع في الزائد عليه إلى العام الموجود في المقام أو يرجع الأصل
الجاري في المسألة إذا لم يمكن الأخذ به، مثلا لو فرضا أنه خرج من مكة ورجع
إليها قبل مضي شهر الخروج بعد مضي شهر التمتع ولم نتمكن من تقييد أحد
الدليلين بالآخر يقع التعارض بينهما ويسقط كل واحد منهما في مورد التعارض ويرجع
في حكم المسألة إلى العموم الذي يختلف بحسب المورد أو إلى الأصل الجاري
في المسدلة إذا وقع بين العمومات تعارض وتمانع
وتوضيح ذلك أن المفهوم من قوله عليه السلام يرجع بعمرة إن كان في غير الشهر
الذي تمتع فيه وجوب الاحرام عليه والآتيان بعمرة ثانية جديدة وبه يخصص ما
يدل على أن المعتمر بعمرة التمتع مرتهن بحجه، ومحتبس به حتى يقضي حجه، وكذا
ما يدل على أنه لو رجع في شهر الخروج يدخل محلا يخصص به عموم ما يدل
على وجوب الاحرام على كل من يدخل مكة، وهذا في القدر المتيقن في المخصص
في كل من العامين بأن رجع بعد شهر التمتع، وبعد شهر الخروج إذ لا شبهة حينئذ
في وجوب الاحرام وتخصيص العموم وهو قوله المعتمر مرتهن بحجه، وكذا رجع
قبل شهر الخروج وشهر التمتع فإنه يدخل محلا بلا اشكال ويخصص العموم به
أيضا وهو قوله لا يدخل مكة إلا محرما وأما في الزائد على القدر المتيقن بأن رجع
بعد شهر التمتع وقبل شهر الخروج يقع التعارض بين العمومين أحدهما عموم
349

ما يدل على أن المعتمر مرتهن به ولازمه عدم وجوب الاحرام على من يدخل مكة
وثانيهما عموم لا يدخل مكة إلا محرما ولازمه وجوب الاحرام عليه ويتساقط كل
منهما فهل الأصل الجاري في المقام البراءة من وجوب الاحرام حين ما يدخل مكة
فعليه يدخل مكة محلا ويحرم للحج من بطن مكة ويتم حجه التمتع بناء على أن
العمرة الأولى لا تصير مبتولة إلا بانشاء الاحرام الثاني لا بالخروج من مكة.
لو قلنا إن الأمر في المقام دائر بين المحذورين وجوب الاحرام لدخول
مكة وحرمته لكونه مرتبطا بحجه، فيتخير بين الاحرام وتركه، ونتيجة ذلك عدم
الزام الاحرام عليه فيدخل محلا إن شاء ويقضي حجه بانشاء الاحرام له من مكة،
وتكون عمرته هي التي يتمتع بها، ولو شك في بقاء أثرها يستصحب ويحكم
بالبقاء وعدم وجوب الاحرام عليه ثانيا.
هنا مسئلتان
الأولى لو استظهرنا إن الملاك في وجوب الاحرام وعدمه ومضي الشهر
وعدمه هو شهر التمتع لا شهر الخروج يأتي البحث في أن المراد من شهر التمتع
هو الاهلال أو الاحلال منه، ولا يأتي هذا البحث بناء على كونه شهر الخروج،
كما استظهره صاحب الجواهر وقد تقدم من أن الظاهر من التعليل المذكور في
الرواية بأن لكل شهر عمرة هو الاحرام لا الاحلال منه.
الثانية: إن البحث في المقام هل يختص بعمرة التمتع وأنه يشترط أن
لا يكون الفصل بين عمرة التمتع وحجه، أكثر من شهر واحد، أو يعم كل من
اعتمر وخرج من مكة ورجع إليها قبل شهر وإن كانت مفردة أو لم يكن معتمرا
أصلا أو كان مفردا للحج فعلى ذا من خرج من مكة ورجع إليها قبل مضي شهر
يدخل محلا وأما جواز احرامه ودخوله محرما حينئذ فمربوط بمسألة أخرى، و
هي أن الفصل بين العمرتين شهرا واحدا أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام معتبر أم لا.
350

لا يخفى أن المذكور في بعض الأخبار هو التمتع والعمرة التي يتمتع بها
إلى الحج، لا مطلق الاحرام ولا كل من يخرج من مكة ويرجع إليها، بل المتمتع
هو الذي استثني عن وجوب الاحرام لدخول مكة، إذا خرج من مكة ورجع إليها
قبل شهر، بل يجب عليه أن يدخل محلا، لكونه مرتهنا بحجه، ولكن الكلام في
أن ذكر التمتع إنما هو من باب أنه أحد المصاديق أو لخصوصية فيه، واختصاص
الحكم به فلا بد من التأمل في أخبار الباب من جهتين.
الجهة الأولى في اختصاص الحكم بالمتمتع، أو شموله لكل عمرة.
والثانية أنه بعد عدم الاختصاص بالمتمتع والشمول لغيره هل يعم كل
من خرج من مكة ورجع إليها قبل مضي الشهر وإن لم يكن أحرم قبل شهر بل
كان قاطنا في مكة ولم يحرم أصلا.
قال بعض أصحابنا كل من دخل مكة معتمرا ثم خرج منها ورجع قبل الشهر
يدخل محلا ولا يجب عليه الاحرام سواء كان معتمرا بعمرة التمتع أو غيره وأما
جواز الاحرام فموكول إلى حكم الفصل بين العمرتين ومقداره.
ويظهر من الحدائق أيضا اعتبار تقدم الاحرام كما هو ظاهر كلام المحقق
في الشرائع وحينئذ فقاطنوا مكة مثلا لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم وجب
عليه الاحرام للدخول وإن عاد قبل مضي شهر بل في يومه، كما صرح بذلك في
الحدائق على ما نقله صاحب الجواهر.
وعن المدارك إن الحكم لا يختص بالمعتمر ولا يعتبر تقدم الاحرام بل يشمل
كل من خرج من مكة ورجع إليها قبل الشهر فإنه يدخل محلا وإن لم يعتمر ولم
يحرم قبله.
وأما الروايات المذكورة فيها التمتع فحملها على مطلق الاحرام مشكل،
فإنها تدل على أن العمرة المتمتع بها إلى الحج يجب أن لا يقع الفصل بينهما وبين
الحج أكثر من شهر واحد وإن المعتمر يرتهن بحجه إلى شهر وإذا زاد عليه يدخل
351

مكة بعمرة ثانية تكون هي المرتبطة بحجه وتصير العمرة الأولى مبتولة ومنقطعة عن
الحج لأنه لكل شهر عمرة وكذا تدل النصوص على جواز دخول الحرم محلا قبل
مضي شهر من الخروج للمتمتع وأما استفادة غير هذا منها فمشكل هذا ما يستفاد
من تلك الطائفة من النصوص وأما غيرها فلا بد من نقلها والتأمل فيها.
عقد شيخنا الحر العاملي قدس سره بابا في الوسائل وقال باب جواز دخول
مكة بغير احرام لمن دخلها قبل مضي شهر كالحطاب والحشاش.
يظهر من كلامه قدس سره أنه لا يشترط الاحرام أصلا ثم ذكر قدس سره
روايات منها.
رواية ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام خرجنا مع أبي جعفر عليه السلام إلى
أرض بطيبة ومعه عمر بن دينار وأناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء الله إلى أن قال
ثم دخل مكة ودخلنا معه بغير احرام. (1)
مفاد الرواية أن أبا جعفر عليه السلام خرج من مكة ولما رجع إليها دخلها بغير
احرام، ولكن وجه عمله عليه السلام غير معلوم، مضافا إلى أن الإقامة بطيبة ما شاء الله مجمل
وغير معين ولا يصح الاستدلال به، نعم يعلم منها دخول مكة بغير احرام يجوز
أحيانا، إلا أنه لا يفيد شيئا في المقام، ولا يعارض عموم قوله عليه السلام لا يدخل مكة إلا
محرما، إذا المتيقن من الخارج عن العموم، من اعتمر ودخل مكة ثم خرج ورجع
قبل شهر، وأما خروج غير المحرم بعمرة التمتع أو غير المحرم أصلا فغير معلوم،
ويمكن أن يقال أيضا إن أبا جعفر عليه السلام كان محرما بعمرة التمتع وخرج من مكة إلى
أرض طيبة ثم رجع إليها وهو القدر المتيقن من عمله عليه السلام ولا يستفاد أزيد من ذلك.
ورواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل به بطن ووجع
شديد يدخل مكة حلالا، قال: لا يدخلها إلا محرما، وقال أبو عبد الله إن الحطابة
والمجتلبة (والمختلبة) أتوا النبي صلى الله عليه وآله فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا. (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 2.
352

والمقطوع من الرواية أن النبي صلى الله عليه وآله أذن لجماعة أن يدخلوا مكة بغير احرام
وأما وضعهم من جهة الاحرام فغير معلوم، هل كانوا قبل هذا محرمين، أو لم
يكونوا كذلك، مضافا إلى ما يأتي من أن الحكم هل يختص بالطائفتين أو يعم كل
خارج من مكة وراجع إليها.
ورواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج إلى جدة في
الحاجة قال: يدخل مكة بغير احرام. (1)
قد يستدل بالرواية لجواز دخول مكة بغير احرام لغير المحرم من قبل، بدعوى
أن الراوي لم يسئل عن (كونه أي الداخل مكة)، محرما فيكون عاما يشمل المحرم
من قبل وغيره، والمتمتع وغيره فيوافق قول صاحب المدارك حيث اختار العموم،
ولا يخفى كونها مطلقة بالنسبة إلى الرجوع قبل شهر أو بعده.
يمكن أن يقال إنها منصرفة إلى من دخل مكة معتمرا بالعمرة إلى الحج
ولا يشمل غيره ولكن الظاهر أنها غير منصرفة إليه بل تشمل كل من خرج من مكة
ورجع إليها إلا أنه لم يعلم بها بهذا لعموم.
ورواية ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال إن رجع في الشهر الذي خرج فيه
دخل بغير احرام فإن دخل في غيره دخل باحرام. (2)
وهذه الرواية قيد فيها عدم وجوب الاحرام بالرجوع في الشهر الذي خرج
فيه، ولكن الرواية السابقة خالية عن هذا القيد ولعل الظاهر من السؤال فيها
أيضا الرجوع قبل الشهر إلا أنه لم يصرح فيها بكونه أي الخارج من مكة محرما
من قبل، فيكون مفادهما إن كل من خرج من مكة ورجع قبل شهر يدخل محلا
ويخصص به العام الذي تدل على وجوب الاحرام، وأما من رجع بعد الشهر أو
دخل مكة من الخارج يدخل محرما إذا لم يكن العام معرضا عنه كما أشير إليه.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 3
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الاحرام الحديث 4.
353

ورواية ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه خرج
إلى الربذة يشيع أبا جعفر عليه السلام ثم دخل مكة حلالا. (1)
والرواية أيضا مطلقة إذ لم يصرح فيها بكونه عليه السلام محرما باحرام التمتع أو
غيره أو لم يكن محرما أصلا إلا أنه لا يصح الاستدلال باطلاقها لعدم العلم بجهة
فعل الإمام ووضعه عليه السلام.
يظهر من مجموع تلك الأخبار، إن وجوب الاحرام لدخول مكة إنما هو
على من يدخلها من الخارج من مكة، وأما الذي خرج منها ورجع إليها قبل
شهر لا يجب عليه الاحرام لدخولها، وكذا المستفاد من النصوص الواردة في
العمرة المتمتع بها، إن تلك العمرة تكفي في الاتيان بالحج إذا لم يفصل بينهما شهر
واحد، ولازم ذلك كفاية احرام واحد في تلك المدة لدخول مكة.
ولكن الفقهاء لم يعملوا باطلاق الطائفة الأولى من الأخبار ولم يفتوا بكفاية
الخروج من مكة والرجوع إليها مطلقا ولو لم يكن أحرم من قبل أصلا في عدم
وجوب الاحرام، بل المصرح في فتاويهم إن من كان محرما ودخل مكة وخرج
منها ثم رجع إليها قبل مضي شهر يدخل محلا، ولا يجب عليه الاحرام.
قد يورد على فتاويهم قدس الله أسرارهم بأن مستندهم إن كان ما ورد في العمرة
المتمتع بها إلى الحج وأنها تكفي وتجري إلى شهر واحد فهو مختص بها ولا يتعدى
إلى محرم لغيرها كما لا تشمل غير محرم وإن كان المستند الأخبار المطلقة الدالة
على كفاية نفس الخروج والرجوع قبل شهر يجب الحكم على عدم وجوب الاحرام
على كل من خرج من مكة ورجع إليها قبل الشهر سواء كان أحرم قبل ذا أولا.
اللهم أن يقال إن المستند في فتاويهم الأخبار الواردة في التمتع مع الغاء
الخصوصية عن المورد والالتزام بأن الملاك في المسألة هو الاحرام من قبل بما
هو احرام، لكنه مشكل إذا لمتبادر منها إن الملاك ارتباط العمرة بالحج وإن المحرم

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من المواقيت الحديث 5.
354

المتمتع مرتهن بحجه ومحتبس به وهذه الخصوصية لا توجد في غيره نعم تجشم
صاحب الجواهر قدس سره لالغاء الخصوصية عن المتمتع ولكنه مشكل كما تقدم.
ويمكن أن يقال من مستند فتاوى الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم الاجماع
والنقل معا، بتقريب أن الأخبار المطلقة الدالة على عدم وجوب الاحرام على من
خرج من مكة ورجع إليها قبل شهر أحرم من قبل أم لا، لم يعمل على عمومها
بل لا بد من حملها على من أحرم قبل شهر، لاجماع العلماء على عدم كفاية نفس
الخروج والرجوع من غير احرام، كما يستفاد من اطلاق الرواية، ولا يبقى في المقام
إلا النصوص الواردة في العمرة المتمتع بها إلى الحج وإن المعتمر إذا خرج من
مكة ورجع إليها قبل شهر يدخل محلا، ولكنهم لم يخصوا هذا الحكم بالمتمتع
فقط ولم يقتصروا على مورد الروايات وعمموه إلى كل محرم، ويعلم من ذلك
أن تلك الأخبار الظاهرة بل الصريحة في المتمتع كانت محفوفة بقرائن لم تصل
إلينا، ووصلت إليهم ولأجلها ألغوا الخصوصية من المورد، وجعلوا المناط و
الملاك في فتاويهم الاحرام بما هو احرام، لا الاحرام للعمرة المتمتع بها إلى
الحج، فافتوا بوجوب الاحرام بعد شهر وعدم وجوبه إذا رجع قبل مضي شهر
لكونه مرتهنا بحجه ما لم يمض شهر واحد.
355

في حكم الحطاب
استثني عن وجوب الاحرام لدخول الحرم ومكة، الحطاب والحشاش فإن
لهما الدخول حلالا، ولا اشكال في أصل الحكم وتدل عليه رواية رفاعة المتقدمة
وفيها قال: أبو عبد الله أن الحطابة والمجتلبة، (والمختلبة) أتوا النبي صلى الله عليه وآله فسألوه
فأذن لهم أن يدخلوا حلالا. (1)
إنما الكلام في أن الإذن يختص بالحطاب أو يعم كل من يتردد بين مكة و
غيرها، ويحمل أشياء أخر مثل الحجر والحديد وغيرهما ومثله الراعي، يمكن
استظهار التعميم لجميع من ذكر وشمول الإذن لهم أيضا.
في حكم دخول مكة عند القتال
يجوز لمن يدخل مكة لقتال مباح أن يدخلها محلا كما حكي عن الشيخ
وابن إدريس بل عن المدارك أنه المشهور بين الأصحاب.

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من باب الاحرام الحديث 2.
356

واستدل له بفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه دخلها محلا عام الفتح.
وأورد عليه بأن المصرح في الرواية أنه كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وآله ساعة ولا
يحل لغيره صلى الله عليه وآله.
عن معاوية بن عمار قال رسول الله يوم فتح مكة إن الله حرم مكة يوم خلق
السماوات والأرض وهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد
بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار. (1)
عن كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله استأذن الله عز وجل
في مكة ثلاث مرات من الدهر فأذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت
السماوات والأرض. (2)
وظاهر الروايتين حرمة دخول مكة بغير احرام في جميع الحالات لغيره صلى الله عليه وآله
نعم خرج منه المريض كما في الروايات أيضا مضافا إلى ما قيل إن النبي صلى الله عليه وآله دخل
مكة مصالحا لا لقتال إلا أنه لما كان الصلح مع أبي سفيان ولم يثق بهم وخاف
غدرهم حل له ذلك اللهم أن يقال إنه إذا جاز لخوف القتال فله أولى.
وفي الجواهر بعد نقل ما ذكر، وفيه أنه على كل حال لا يستفاد منه الجواز
لمطلق القتال ضرورة احتمال خصوصية فيما وقع من النبي لا توجد في غيره ثم
إنه قدس سره قال نعم قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة لعموم
أدلتها وعلى هذا يكون الدليل في مسألة الضرورة والحرج المرفوعين في
الاسلام حكمهما تكليفا عن التحقق لكنه لم يثبت إن عمل النبي صلى الله عليه وآله كان للضرورة
والحرج.
نعم لو اضطر إلى دخول مكة محلا يرفع وجوب الاحرام لأجله تكليفا فلا
يحرم عليه دخولها محلا وأما شرطية الاحرام فلا يرفع مثلا لو قلنا إن العمرة التمتع

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 7
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 9.
357

بها إلى الحج مشروطة بالاحرام لها من محل خاص، ولم يتمكن منه لا يحكم بصحة
العمرة والحج، بل تبطل لفقدان الشرط، كما إذا رفع وجوب الوضوء أو التيمم
بالاضطرار ولم يتمكن منهما لا يحكم بصحة الصلاة بدون الطهارة إذا لم يكن
دليل آخر.
اللهم أن يستدل في المقام لصحة العمرة والحج بالأخبار الخاصة الواردة
في الناسي للاحرام أو الجاهل لوجوبه فإنه إذا تذكر يرجع إلى الميقات إن أمكن
وإلا يحرم من محله وفي غير هذه الصورة تبطل عمله هذا تمام الكلام في وجوب
الاحرام لدخول مكة وما خرج من العموم.
ثم إن الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم بعد الفراغ عن المسألة المتقدمة
تعرضوا لاحرام المرأة فإن كان المقصود منه بيان كيفية احرامها كان المناسب التعرض
له في كيفية احرام المرأة والرجل في باب الاحرام وأما إذا كان مرادهم من التعرض
له أن المرأة يجب عليها الاحرام لدخول مكة ولا يجوز لها أن تدخلها حلالا كما
في الرجل فالمناسب لذكر ذلك هذا المقام.
358

في احرام المرأة
قال المحقق في الشرايع: واحرام المرأة كاحرام الرجل إلا فيما استثني من
جواز لبس المخيط والحرير والتظليل انتهى.
ويعلم من كلامه قدس سره في هذا الفرع إن كيفية احرام المرأة مثل كيفية
احرام الرجل إلا أنه لا يجوز ستر الوجه لها كما يجوز للرجل ويجوز لها لبس
الحرير والمخيط وستر الرأس عند عدم الناظر، وإلا يجب عليها الستر، بخلاف
الرجل حيث لا يجوز له لبس المخيط وستر الرأس ولبس الحرير ويمكن أن ينسب
إلى صاحب الشرايع أنه يعتبر في احرام المرأة لبس ثوبين كما يعتبر التلبية وغيرها
إلا ما علم استثنائه.
فهل الدليل على اعتبار الثوبين في احرام المرأة هو الدليل الدال على
اعتبارهما في الرجل بإرادة الجنس من لفظ المحرم المذكور في الروايات كما
في ساير الواجبات والشرائط، ولا يحتاج ذلك إلى دليل آخر نعم خروج بعضها
359

يحتاج إلى دليل خاص ومخرج.
وكذا يستفاد من كلامه أنه يجب الاحرام على المرأة لدخول مكة أو الحرم
كما يجب على الرجل ولا يجوز أن تدخلهما بغير احرام حفظا لحرمة المسجد
وصونا لشؤون الحرم وتعظيما لحق الكعبة كما ورد في الرواية أيضا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال حرم المسجد لعلة الكعبة وحرم المحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة
الحرم. (1)
والعلة المذكورة في الرواية شاملة للرجل والمرأة في دخول مكة أو الحرم
مضافا إلى بعض الروايات الصريح أو الظاهر فيه كرواية عاصم بن حميد قال قلت
لأبي عبد الله أيدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا إلا مريض أو مبطون. (2)
ولفظة أحد عام شامل للرجال والمرأة والاستثناء يؤكد ذلك وهنا أخبار
تدل على وجوب الاحرام على المرأة ولو كانت لا تصلي لا بد من التأمل فيها هل
يستفاد منها وجوب الاحرام على المرأة لدخول الحرم ومكة كالرجل أم لا وكذا
وجوب لبس الثوبين أم لا ومنها.
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صفوان عن منصور بن حازم قال:
قلت لأبي عبد الله المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي قال: نعم إذا بلغت الوقت
فلتحرم. (3)
ورواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله عن الحائض تريد الاحرام
قال: تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف وتلبس ثوبا دون ثياب احرامها وتستقبل
القبلة ولا تدخل المسجد وتهل بالحج بغير الصلاة. (4)

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الاحرام الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 1
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 2.
360

وظاهر قوله تلبس ثيابا إن هذا اللباس غير لباس الاحرام.
وصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عن الحائض تحرم وهي حائض
قال: نعم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المحرمة ولا تصلي. (1)
ورواية عيص بن قاسم قال سألت أبا عبد الله أتحرم المرأة وهي طامث قال
نعم تغتسل وتلبي. (2)
ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن امرأة حاضت وهي
تريد الاحرام فتطمث قال تغتسل وتحتشي بكرسف وتلبس ثياب الاحرام وتحرم فإذا
كان الليل خلعتها ولبست ثيابها حتى تطهر. (3)
يستفاد من مجموع الأخبار المتقدمة إن المرأة يجب عليها لبس ثياب الاحرام
إذ لا معنى لنزع ثياب الاحرام بالليل أو لبس ثوب دونها لولا وجوب لبسها عليها
وحفظها من التنجيس.
ثم إنه يجب على الحائض أن تحرم ولا تصلي صلاة الاحرام ولا تدخل المسجد
والمراد من الدخول الممنوع التوقف والمكث فيه ولا اشكال في الاجتياز عنه و
العبور منه مثلا لو أحرمت خارج مسجد الشجرة ودخلت من باب وخرجت من
باب آخر لا اشكال فيه إذا لم تتوقف فيه وكذا لا مانع إذا حرمت حال العبور و
الاجتياز فالأخبار الناهية عن دخول المسجد محمولة على التوقف فيه والمكث لا العبور
والاجتياز كما اختاره صاحب الوسائل قدس سره.
لكن ما هو المذكور في الروايات النهي عن الدخول لا التوقف والمكث
في المسجد وإلا لكان المناسب أن يقول لا تتوقف ولا تمكث نعم نظرا إلى ما هو
المتسالم فيه من جواز العبور من المساجد للجنب والحائض حملت تلك الأخبار

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 4
2 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 5
3 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 3.
361

على النهي عن التوقف أو على الكراهة بمعنى أن العبور من غير المسجدين جائز
ولكنه في حال الاحرام مكروه، ويمكن أن يراد من المسجد مسجد الحرام وكما
يمكن أن يكون النهي لخوف تعدي النجاسة إلى المسجد وسرايته إليه والانصاف
أن جميع ذلك خلاف الظاهر إلا أن العلماء رضوان الله عليهم أفتوا بعدم البأس
للاحرام على الحائض مجتازة عن المسجد، وإذا لم تتمكن من الاحرام حال
العبور تحرم خارج المسجد ولا تدخله وعليه حمل بعض تلك الأخبار الناهية عن
الدخول.
هذه محامل في الروايات وأقربها، الحمل على الكراهة لأن العبور من
المسجد وإن كان جائزا للجنب والحائض إلا أنه مكروه وإرادة مسجد الحرام من
لفظا المسجد خلاف الظاهر فإن السائل سأل عن كيفية احرامها وبيان حالها حال
الاحرام. (1)
وكذا حمل الدخول المنهى على التوقف والمكث لاستلزام ذلك فيكون
الدخول منهيا عنه وحراما من باب المقدمة فهو أيضا خلاف الظاهر فإن الدخول
في المسجد لا يلازم التوقف والمكث فيه، فإن من الممكن عادة أن تلبس الحائض
ثياب الاحرام خارج المسجد وتلبي حال الاجتياز منه مضافا إلى أن مقدمة الحرام
ليس بحرام كما قرر في محله، هذا حكم احرام الحائض وأما الغسل للاحرام
فسيأتي حكمه.
في غسل الاحرام للحائض
ثم إنه بعد ما ثبت وجوب الاحرام على الحائض إذا بلغت الوقت فهل الغسل

1 - إرادة المسجد الحرام من المسجد المذكور في رواية يونس بن يعقوب
محتملة جدا بقرينة ذيل الرواية للتصريح فيه بأنها لا تدخل المسجد وتهل بالحج بغير
الصلاة إذ كثيرا ما يحرمون بالحج من مسجد الحرام لا غيره وأما غير رواية يونس لم يذكر
فيه المسجد.
362

للاحرام مشروع لها أم لا.
نقل صاحب المدارك عن جده إن الأولى عدم الغسل لها وأورد عليه في
الجواهر بقوله لا ريب في ضعفه وأنه خلاف ما هو المصرح به في الرواية، فإن
الظاهر من قوله عليه السلام نعم تغتسل وتلبي مشروعية الغسل له، مضافا إلى أن هذا الغسل
ليس طهارة ينافيها وجود الحيض بل هو مستحب تعبدا.
ومراده قدس سره أنه كما يستحب الوضوء للحائض وقت الصلاة من دون
تأثير في حصول الطهارة فكذلك الاغتسال لها حال احرامها فلا تنافي بيته وبين
الطمث.
في حكم ترك الحائض الاحرام من الميقات
ثم إنه لو تركت الحائض الاحرام من الميقات ظنا أنه لا يجوز هل يجب
عليها أن ترجع إلى الميقات وتنشئ الاحرام منها إذا تذكرت وعملت أم تحرم
من مكانها.
قال المحقق في الشرائع بوجوب الرجوع إليه وانشاء الاحرام منه،
وأضاف في الجواهر بلا خلاف واشكال لتوقف صحة الاحرام عليه.
وهذا الاستدلال إنما يتم إذا كان الحج واجبا عليهم والاحرام فرضا، وأما
إذا لم يكن العمل وجبا لا يجب عليها الرجوع إلى الميقات والاحرام منه.
وتفصيل الكلام أنه قد يجب عليها الحج أو العمرة أصالة أو نيابة، فيجب
عليها الاحرام، لاتيان هذا العمل الواجب، وأخرى ليس عليها عمل مفروض وحج
واجب مشروط بالاحرام، بل إنما وجب لدخول الحرم ومكة، رعاية لشأن البيت
وتعظيما لأمره فإذا تركت الاحرام من الميقات ودخلت من غير احرام لا يجب عليها
الرجوع إليه ولكنها أثمت بذلك، ولا يجب عليها القضاء على ما اخترناه، ووجوب
الرجوع إلى الميقات والاحرام منه إنما كان لوجوب العمل، وإذا انتفى ينتفي.
نعم بناء على ما اختاره بعض علمائنا من وجوب القضاء عند ترك الاحرام
363

لدخول مكة يحب عليها أن ترجع إلى الميقات وتنشئ الاحرام منه للاتيان بالعمل
الواجب عليها المشروط به الذي هو كالدين اللازم أدائه مع التمكن، هذا إذا
تمكنت من الرجوع وأما إذا لم تتمكن من الرجوع لمانع من خوف أو لضيق
الوقت فالاحرام من مكانها يحتاج إلى دليل خاص.
ثم إنه بناء على وجوب الرجوع إلى الميقات إذا تمكنت هل يجب عليها أن
ترجع إلى ميقات أهلها أو يكفي الرجوع إلى بعض هذه المواقيت وسيجئ البحث
في أن بعض الروايات في من ترك الاحرام من الميقات يدل على وجوب الرجوع
إلى ميقات أهله وبعضها الآخر إلى مطلق المواقيت ويظهر من ثالث جواز الاحرام
من مكانه ومن رابع الرجوع بقدر الامكان فالمهم نقلها والتأمل في فقهها والجمع
بينها بعد التعرض لما استدل به الأصحاب في المسألة.
قد يستدل لعدم الاحرام من غير الميقات حتى عند عدم التمكن من
الرجوع بعدم تحقق الامتثال وأنه لا يصح الاحرام من غير الميقات إذا تركه عمدا
وقد يستدل لكفاية الاحرام من مكانه إذا تعذر الرجوع إلى الميقات بأن
الضرورة تقتضي ذلك كما في دخول مكة بغير احرام حال القتال إذ الحائض التي
تركت الاحرام من الميقات جهلا بالحكم ولا تتمكن من الرجوع إليه إذا حكم
ببطلان حجها ووجوب القضاء عليها يكون حرجا عليها، ومشقة لها.
وفيه أن نفي الحرج إذا لم تقدر على الرجوع إنما يرفع وجوب الحج أو
التوقف في مكة إلى السنة القابلة لأداء حجها ولا يرفع شرطية الاحرام أو كفايته
من غير الوقت الذي وقتها رسول الله لمن يريد الحج فإن كفاية الاحرام من مكان
التذكر أو من مكة يحتاج إلى دليل خاص حتى لو قلنا برفع وجوب الرجوع
إلى الميقات للحرج كما في المسح على المرارة.
وتوضيح ذلك أن الإمام عليه السلام استدل في رفع وجوب المسح على البشرة
بقوله تعالى: ما جعل الله عليكم في الدين من حرج، وعلم بذلك أن الحرج يرفع
364

وجوب المسح عليها وأما كفاية المسح على المرارة بدلا عن المسح بالبشرة لم
يفهم منه نعم بعد التصريح بذلك بقوله امسح على المرارة ما جعل الله عليكم في
الدين من حرج علمنا أن هذا الوضوء يكفي عن الوضوء الواجب عليه مع المسح
بالبشرة ولولا تصريح الإمام به لقلنا بعدم وجوب الوضوء عليه أصلا.
وأما الاتفاق الذي ادعي في كلمات الأصحاب على صحة الاحرام من مكانها
إذا لم تتمكن من الرجوع إلى الميقات فليس دليلا مستقلا بل منشأه الأخبار الواردة
وسنتعرض لها إن شاء الله منها.
صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل
الحرم قال: قال أبي يخرج إلى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم
من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم. (1)
وهي تدل على وجوب الرجوع إلى ميقات أهل أرضه (أي الذي نسي أن
يحرم) لا ميقات أخرى، وإن خشي فوت الحج يجب عليه أن يحرم من مكانه وإن
استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم وأما الزيادة على الخروج من
الحرم فلا يستفاد ولكن مورد الرواية صورة النسيان وما نحن فيه الجهل بالحكم،
وعدم علم الطامث بصحة الاحرام وتركها له ظنا منها بعدم الجواز، فإن أمكن وصح
التعدي وتسرية الحكم من مورد النسيان إلى الجهل بالحكم، وإن كل واحد من
الناسي والجاهل يكون معذورا في ترك الاحرام من الميقات كما ادعاه صاحب
المدارك، فيتحد الحكم في الموردين وأما إذا اقتصرنا في العمل بالصحيحة على
موردها، وقلنا إن النسيان عذر مخصوص كما في ساير الموارد، لا تشمل الرواية
لما نحن فيه، إذ يمكن أن يكون النسيان عذرا في مورد، ولا يكون الجهل فيه مثله
ورواية عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عن رجل مر على الوقت الذي
يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف إن رجع إلى

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1.
365

الوقت أن يفوته الحج فقال يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك. (1)
والخروج من الحرم إنما يجب إذا كان ممكنا ويعلم من الرواية أنه كان
متمكنا من ذلك ولا يفوته الحج بالخروج منه ولم يصرح فيها بالرجوع إلى قدر
ما أمكن.
ورواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد الله عن رجل جهل أن يحرم
حتى دخل الحرم كيف يصنع قال يخرج من الحرم ثم يهل بالحج. (2)
ورواية معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عن امرأة كانت مع قوم فطمثت
فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أعليك احرام أم لا وأنت حائض فتركوها
حتى دخلت الحرم فقال عليه السلام إن كان عليها وقت (مهلة) فترجع إلى الوقت فلتحرم منه،
فإن لم يكن عليها وقت (مهلة) فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم
بقدر ما لا يفوتها. (3)
وتدل هذه الرواية على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوتها الحج بعد الخروج
من الحرم، واستنادا بها أفتى بعض بوجوب الرجوع بمقدار المكنة وإن لم تصل
إلى الميقات، وأما صاحب الجواهر حملها على الاستحباب مستندا بأن الروايتين
المتقدمتين أي رواية ابن سنان وأبي الصباح إنما تدلان على وجوب الخروج من
الحرم فقط وأما الرجوع إلى جانب الميقات بقدر ما لا يفوته الحج لم يذكر فيهما
مع أنهما كانتا في مقام البيان فيحمل ما يدل على وجوب الرجوع كما في رواية
عمار على الندب وبهذا يجمع بين الروايات ويرفع التعارض.
وقد يجمع بينها بحمل الروايتين على عدم القدرة على الرجوع إلى قدر
ما يتمكن فيكفي الخروج من الحرم وأما رواية عمار فهي واردة في مورد القدرة
على ذلك.

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2
2 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3
3 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.
366

(في التمسك بقاعدة الميسور)
قد يتمسك لوجوب الرجوع إلى جانب الميقات بقدر ما يتمكن بقاعدة
الميسور، فإن الرجوع إلى الميقات وإن لم يكن مقدورا إلا أن البعض من الطريق
ميسور لها (للطامث) أن تسلكه وترجع بقدر ما لا يفوتها الحج إذ لا يسقط الميسور
بالمعسور،
وتقرير الاستدلال يمكن أن يكون على وجهين، الأول أن يقال إن الاحرام
من الطريق يعد عند العرف ميسورا لوجوب الاحرام من الميقات هذا يحتاج إلى
مساعدة العرف وإن ما يرجع إلى جانب الميقات ميسور الاحرام من الميقات.
الثاني أن ما هو الواجب على من يمر بالميقات أن يحرم منها ثم يمر باحرامه
على الطريق حتى يصل إلى مكة ويقضي مناسكه فمتعلق الوجوب الاحرام والمرور
بالطريق فإذا لم يتمكن من الجميع وتيسر له أن يمر ببعض الطريق باحرامه يجب
عليه ذلك لصدق أن البعض المقدور ميسور لما هو الواجب عليه، كما لو أمر
المولى عبده بزيارة شخص وأوجب عليه لبس العباء والرداء من داره إلى بيته،
فإذا لم يتمكن من لبسه من الدار وتمكن منه من وسط الطريق يصدق على ما هو
المقدور أنه هو الميسور من الواجب، وعلى هذا تكون الأخبار الدالة على وجوب
الرجوع بقدر ما يمكن موافقة للقاعدة أيضا، ولولا ذلك لما أمكن القول بأن
الاحرام من الطريق ميسور الاحرام من الميقات، إذ المستفاد من الروايات أنه إذا
تعذر الاحرام من الميقات يجب الاحرام من خارج الحرم ومحله أدنى الحل وأما
الاحرام من غيره ربما يكون احراما قبل الميقات، لولا دليل يدل على جوازه،
نعم قد دل الدليل على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوت الحج كما في رواية
عمار المتقدمة.
(في أن الرجوع إلى مطلق الميقات أو ميقات الأهل)
ثم إنه بناء على وجوب الرجوع إلى الميقات عند التمكن وزوال العذر،
367

هل هو ميقات أهل أرضه (أي التارك للاحرام) أو يرجع إلى أي ميقات من
المواقيت، الأخبار في المقام متفاوتة الدلالة، ففي بعضها يرجع إلى ميقات أهل
بلاده، كما في رواية الحلبي وعلي بن جعفر، وفي بعضها الآخر يرجع إلى بعض
المواقيت، كما في رواية زرارة الآتية.
عن زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الميقات
وهي لا تصلي، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا
مكة، وهي طامث حلال فسألوا الناس فقالوا تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم
منه، فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج فسألوا أبا جعفر عليه السلام فقال تحرم من مكانها
قد علم الله نيتها. (1)
والمستفاد من الرواية أن أبا جعفر عليه السلام أمر بالاحرام من مكانها حين ما لم
تكن المرأة متمكنة من الرجوع إلى بعض المواقيت خوفا من أن لا تدرك الحج،
ولكنه عليه السلام لم يردع الناس عن قولهم: تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه، فهل
كلامهم في الرجوع إليه كان من جهة أنه إحدى مصاديق المواقيت التي يجب أن
تحرم منها، أو كان لأجل عدم قدرتها على الرجوع إلى ميقات أهلها الذي مرت
عليه وجهلت أن تحرم منها، أو يقال إنه لا يستفاد من الرواية كيفيته الرجوع إلى
الميقات فإنها ليست بصدد بيانها، بل في مقام أصل الرجوع وكفاية الاحرام من
مكانها إذا خافت فوت الحج، والظاهر أن الرواية واردة في مورد عدم القدرة على
الرجوع إلى ميقات أهلها، إذ يبعد أن يكون الناس الذين كانوا معها جاهلين بالمسألة
فلا يستفاد من الرواية عدم وجوب الرجوع إلى ميقات أهلها مع التمكن والقدرة
عليه، وكفاية الاحرام من ساير المواقيت، وإن قلنا في مسألة من عصى ولم يحرم
من الميقات حتى دخل مكة أنه يجب عليه الرجوع وأنه إن رجع إلى غير ميقات
أهله يصح احرامه منه أيضا إلا أن المقصود في المقام إن رواية زرارة لا تدل على

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6.
368

ذلك بل يحتاج إلى دليل آخر يدل على كفاية الاحرام من بعض هذه المواقيت وإن
كانت متمكنة من الرجوع إلى ميقات أهلها.
ورواية الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ترك الاحرام حتى دخل
الحرم فقال يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن
يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج. (1)
هذه الرواية مطلقة لم يقيد بقيد من الجهل والعمد والنسيان فهل يشمل
الجميع في وجوب الرجوع إلى ميقات أهل بلاده والاحرام منه، وإن خشي
الفوت فمن مكانه، لترك الإمام عليه السلام التفصيل في الجواب، أو لا تشمل إلا بعضه.
قال صاحب الحدائق في مسألة من ترك الاحرام من الميقات عمدا قطع
الأصحاب بوجوب رجوعه إليه لتركه الاحرام الواجب عليه من الميقات الذي
لا يصح من غيره، وإن لم يقدر عليه يبطل حجه وأفتى قدس سره بذلك أيضا.
ثم نقل قدس سره عن بعض، الحكم بلحوق العامد بالجاهل والناسي في
جواز الاحرام من مكانه إذا لم يتمكن من الرجوع إلى ميقات أهله وتمسك لهذا
القول برواية الحلبي المتقدمة لترك الاستفصال في جواب الإمام عليه السلام إذ لم يسئل
من السائل أنه ترك الاحرام عمدا أو جهلا أو نسيانا، فيعم الجميع، كما يعم من
ترك الاحرام من الميقات عمدا لعدم كونه عازما على دخول مكة، ثم بدا له العزم
عليه بعد دخوله الحرم، وكذا يشمل من ترك الاحرام منها لجوازه عليه كالحطاب
والحشاش ثم بدا له العزم على الحج.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل
نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله قال: يقول اللهم على كتابك وسنة
نبيك فقد تم احرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 7.
369

إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه. (1)
وظاهر الرواية تمامية الحج والنسك كلها، مع ترك الاحرام عن غير عمد،
وهو الظاهر أيضا من رواية زرارة المتقدمة إذ في ذيلها بعد ما قال أبو جعفر عليه السلام تحرم
من مكانها، قد علم الله نيتها، والمستفاد من هذه الجملة إنها كانت عازمة أن تأتي
بما أمرها الله تعالى به، إلا أنها لم تعلمه ولم يعلمها الناس لها حتى قدموا مكة،
وحيث إن نيتها كانت على ذاك لم تترك الاحرام من الميقات عمدا، ويعلم منه إن
ما يوجب بطلان الحج هو ترك الاحرام عمدا لا غيره، فإن بعضا من الأجزاء و
الشرائط في نسك الحج ما يوجب تركه البطلان والفساد مطلقا عمدا وسهوا وجهلا
كالوقوفين، ومنه ما لا يوجبه مطلقا كالهدي، ومنه ما يوجبه إذا كان عن عمد لا عن
سهو كما في الطواف، ومثله الاحرام وكيفيته، فيستفاد أن الحج يبطل بترك الاحرام
في صورة العمد فقط، لا في صورة النسيان والجهل، ولا يبعد أن يكون التعليل
المذكور في ذيل الرواية بمنزلة القيد فيقيد به ما يدل على وجوب الرجوع مطلقا "،
الذي لازمه بطلان الحج عند عدم التمكن منه، ولو كان ترك الاحرام عن جهل
أو نسيان.
ورواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن
رجل ترك الاحرام حتى انتهى إلى الحرم كيف يصنع قال يرجع إلى ميقات أهل
بلاده الذي يحرمون به فيحرم. (2)
تدل هذه الرواية على وجوب الرجوع إلى ميقات أهل البلد فلا بد أما من
حملها على صورة العمد واختصاصها به وأما بناء على تعميمها لصورة النسيان و
الجهل فلا بد من الحمل على صورة القدرة على الرجوع إلى ميقات أهل بلاده و
إلا يكفيه الاحرام من بعض المواقيت أو من مكة كما يظهر من الرواية الآتية اجمالا

1 - وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 8
2 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 9.
370

ورواية أخرى من علي بن جعفر قال سألته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى
إلى الحرم فأحرم قبل أن يدخله قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي
فإن ذلك يجزيه إن شاء الله وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه
أفضل. (1)
وفرق بين الجاهل والعامد في الرواية في وجوب الرجوع إلى الميقات و
عدمه وأجيز للجاهل أن يحرم من مكانه دون العامد كما هو مقتضى المفهوم
ولكنه يعارضها ما يدل على وجوب الرجوع إلى الميقات على الناسي والجاهل إذا
كان متمكنا منه كما في روايتي زرارة ومعاوية بن عمار المتقدمتين وغيرهما.
فهل تحمل تلك الروايات على الأفضلية بشهادة ما ورد في ذيل رواية قرب
الإسناد من قوله وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل، أو
تقدم هذه الروايات على رواية قرب الإسناد من جهة السند والصدور مضافا إلى أن
المرجع في المسألة بعد تعارض الروايات هي الأخبار الدالة على وجوب الاحرام
من الميقات، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله، مع امكان أن يقال إن رواية قرب الإسناد معرض
عنها، وإنما فتاوى الأصحاب مطابقة للأخبار الدالة على وجوب الرجوع إلى
الميقات مع التمكن، إما ميقات الأهل أو غيرها من ساير المواقيت، على ما يظهر
من بعض الروايات، هذا تمام الكلام في الناسي والجاهل، وأما العامد لترك
الاحرام من الميقات فقد تقدم حكمه اجمالا ونشير إليه أيضا.
(في حكم العامد لترك الاحرام من الميقات)
وأما من ترك الاحرام من الميقات عمدا فلم توجد فيه رواية تدل على كفاية
الاحرام من غيرها صراحة، نعم قد يستظهر ذلك من اطلاق رواية الحلبي قال سألت
أبا عبد الله عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع إلى ميقات أهل
بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه الخبر (2)

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 10
2 - المصدر الحديث 7.
371

بدعوى شمول اطلاق من ترك، للعامد والجاهل، ولكنه ليس بحيث يقاوم
ويعارض ما يستفاد من الروايات الواردة في الجهل بالاحرام أو نسيانه ويظهر من
قوله عليه السلام قد علم الله نيتها، وغيرها في موارد شتى، من أن تارك الاحرام عمدا
لا يصلح له الاحرام من غير الميقات حتى يرجع إليه ويحرم منه وإلا يبطل حجه
وما يدل على ذلك على النحو الكلي رواية ابن عمير.
روى الكافي بسنده عن ابن أبي عمير جميل بن دراج عن بعض أصحابنا
عن أحدهما عليهما السلام، في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف
وسعى قال تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه، وإن لم يهل وقال في
مريض أغمي عليه حتى أتى الوقت فقال يحرم عنه. (1)
إذ الظاهر منها أن الشخص إذا كان عازما على الاحرام من الوقت ولكنه نسي
تجزي نيته وإن كان شهد المناسك وأما إذا كان من الأول عازما على ترك الاحرام
فلا يصح له العمل، وكذا معنى الاحرام عن المغمى عليه هو التلبية عنه كما يلبى
عن الصبي بعد ما يلبسه ثوبي الاحرام يأتي المغمى عليه بالمناسك إذا أفاق لا أن
غيره يكون نائبا عنه في الاحرام ويلبس الثوبين ثم يأتي المريض بالنسك باحرام
نائبه فيكون كمن يصلي بوضوء صاحبه أو نائبه.
ومثلها في استظهار ما ذكر رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال سألته عن
رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع
إلى بلده قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه. (2)
وروايته الأخرى عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج
فذكر وهو بعرفات فما حاله قال: يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك فقد تم
احرامه. (3)

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 2
3 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 3.
372

وبالجملة المتراى والمتبادر إلى الذهن من سنخ تلك الروايات أن الاحرام
من الميقات ليس مما يبطل الحج بتركه مطلقا، بل إذا كان عن عمد سواء ترك
أصل الاحرام أو الكيفية المعتبرة فيه وأما غيره فلا فتلخص من مجموع ما تقدم في
هذا البحث إن من ترك الاحرام من الميقات عمدا يبطل حجه ولا يصح الاحرام من
غيرها بل لا بد أن يرجع إلى ميقات أهل بلده أو إلى ميقات أخرى كما في الروايات
ومنها.
رواية معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله عن رجل من أهل المدينة أحرم من
الجحفة فقال لا بأس. (1)
ورواية حماد عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله من أين يحرم الرجل إذا
جاوز الشجرة فقال من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلا محرما. (2)
وأما الجاهل والناسي يرجع إلى الميقات إذا تمكن وإن خشي فوت الحج
يحرم من مكانه.
هذا آخر ما أردنا ضبطه في الجزء الثاني من كتاب الحج ويتلوه الجزء الثالث
إن شاء الله وأوله الوقوف بعرفات حصل الفراغ من تقريره في الثالث عشر من شهر
ربيع الأول 1393 ومن تبييضه في الثالث والعشرين من شهر جمادى الثاني 1403 الحمد لله أولا وآخرا.
أحمد صابري الهمداني

1 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 1
2 - وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 3.
373