الكتاب: السجود على الأرض
المؤلف: الشيخ علي الأحمدي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مركز جواد للصف والطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

السجود على الأرض
1

آية الله الشيخ علي الأحمدي
مركز
جواد
3

جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الرابعة
1993 م - 1414 ه‍
مركز جواد
للصف والطباعة والنشر والتوزيع

بيروت - بئر العبد - خلف بنك بيروت والبلاد العربية
هاتف: 8 / 7 / 823507 - 823507 - 823512 مقسم (337)
4

مقدمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله
الطاهرين.
مما لا ريب فيه أن الإسلام قام على عدة ركائز ثابتة ومن بينها
الصلاة التي اعتبرت عمود الدين والتي إن قبلت قبل ما سواها وإن
ردت رد ما سواها. وعلى هذا الأساس كان التمسك بها من قبل
المسلمين والاهتمام بها أشد اهتمام.
لكن مع وفاة الرسول الأكرم وافتراق المسلمين فرق شتى
ظهرت الخلافات فيما بينها حول طريقة أداء الصلاة، كل يحاول
اظهار صحة صلاته واقتدائه برسول الله (صلى الله عليه وآله "، فلم
يبق ركن من أركانها إلا وظهر حوله الخلاف.
كثيرة هي الكتب التي تناولت هذه الخلافات وكثيرة هي
الكتب التي حاولت معالجتها بطريقة أو بأخرى، لكنها بمعظمها
كانت سطحية التناول فلم تخل من الانحياز والميل لفريق دون
الآخر، لكن القليل منها استطاع أن يعالج الموضوع بتجرد
وموضوعية ويضع أمام القارئ الحقائق بعد أن يستقصيها من متون
5

الكتب وبطون التاريخ. ومن بين هذه الكتب كان كتاب " السجود
على الأرض " لآية الله الشيخ علي الأحمدي.
ومن الملاحظ: أن العنوان هو قنطرة العبور لمعرفة الموضوع
الذي يتناوله الكتاب ألا وهو السجود الذي يعتبر ركنا من أركان
الصلاة، والذي ظهرت فيه الخلافات بين الفرق الإسلامية.
والملفت في هذا الكتاب الأسلوب الذي اعتمده الكاتب
للوصول إلى الحقيقة عبر استعراض جميع الآراء مع اختلافاتها
واستحضار جميع الأحاديث التي تناقلتها جميع الكتب عن رسول
الله وعن الصحابة وعن التابعين حول موضوع السجود وكيفيته، ومن
ثم عرضها وتحليلها ومعرفة ناقليها ومدى صحتها حتى استطاع
الوصول إلى الحقيقة التي لا بد منها ولا شك فيها.
ونحن إذ نضع أمام القارئ الكريم هذا الكتاب راجين من
المولى عز وجل أن يوفقنا إلى تأدية الرسالة عبر الأسس التي آلينا أن
نطبقها ونضع أنفسنا في خدمتها ألا وهي نشر رسالة الحق المتمثلة
بالدين الإسلامي وارشاد الأمة إلى الطريق القويم المتمثل بخط آل
البيت " عليهم السلام " عبر إعطاء الأولويات لجميع المؤلفات التي
نرى فيها ما يسهل على هذه الأمة ويضع القارئ الكريم على
الصراط المستقيم والحمد لله رب العالمين.
ا لناشر
6

تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من على بني الإنسان إذ بعث فيهم رسولا
هاديا وأرسل إليهم نبيا منذرا فأكمل به نعمته وأتم به حجته وهداهم
به إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ليهلك من هلك عن بينة
ويحي من حي عن بينة، والصلاة على سيد رسله وأشرف أنبيائه
محمد وآله الطاهرين الطيبين الذين هم عدل الكتاب وفلك نجاة
لأولي الألباب وخزان علمه وكهوف كتبه.
وبعد:
هذه وجيزة في مسألة من المسائل الخلافية التي كثر الابتلاء
بها، وكثر اللغط والحوار حولها، واشتدت فيها العصبية حتى أنجر
الأمر فيها إلى البهت والفرية، كتبتها رجاء الاصلاح واتمام الحجة،
والله المستعان وهو الموفق والمعين.
علي أحمدي
7

السجود بداية ونهاية:
ما يسجد عليه في الصلاة؟
التطورات الحاصلة في السجدة.
الأدوار الأربعة في السجود.
أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء،
فتاوى الصحابة.
فتاوى التابعين وتابعيهم.
أقوال الفقهاء وكلماتهم.
9

ما يسجد عليه في الصلاة؟
لا خلاف بين المسلمين في وجوب السجدة في الصلاة في
كل ركعة مرتين، وإنما الخلاف في فروعها وأحكامها من كيفيتها
وأركانها وشرائطها وموانعها وأذكارها.
وقد تفاقم الأمر واشتد النزاع بين المسلمين فيما يصح
السجود عليه، أي فيما يضع المصلي عليه جبهته:
فقال أئمة المذاهب الأربعة - كما هو المشهور المنقول عنهم
في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - بجواز السجود على كل
شئ من تراب وحجر ورمل وحصى وصوف وقطن وغير ذلك، بل
على ظهر انسان آخر عند الزحام.
قال في بداية المجتهد: ومن هذا الباب - أي ابراز اليد في
السجود - اختلافهم في السجود على طاقات العمامة، وللناس فيه
ثلاثة مذاهب: قول بالمنع، وقول بالجواز، وقول بالفرق بين أن
يسجد على طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة، وقول بالفرق بين أن
يمس من جبهته الأرض شئ أو لا يمس منها شئ، وهذا
الاختلاف كله موجود في المذاهب وعند فقهاء الأمصار.
11

وقالت الإمامية الاثنا عشرية - تبعا لأئمتهم أئمة أهل البيت
عليهم السلام -: إنه لا يجوز السجود إلا على الأرض من تراب
ورمل وحصى وحجر، أو ما أنبتته الأرض غير مأكول ولا ملبوس،
ويحتجون على ذلك بالأحاديث المنقولة عن أئمة أهل البيت عليهم
السلام عن رسول الله (ص)، وبما رواه أئمة الحديث عن الصحابة
رضي الله عنهم عن النبي (ص)، وبما جرى عليه عمله وعملهم.
التطورات الحاصلة في السجدة:
إننا إذا دققنا النظر في هذه المسألة، نرى أنها قد مرت بعدة
أدوار وتطورت تطورا ملحوظا على مدى العصور ابتداء من عصر
الرسول (ص)، وأنها مما لعبت فيها عوامل التغير والتبدل بها كما
تلعب بكل موجود ممكن، ولم تكن تلك العوامل مقصورة على
الخطأ في الاجتهاد أو سوء الفهم للحديث والسنة، بل لعل البواعث
السياسية والتعصبات القومية والأهواء غير المرضية قد أثرت فيها
أيضا أثرها.
ولا نبالغ إذا قلنا إننا في حين نرى السجدة ذات أحوال
وشرائط خاصة في بدء تشريعها، نعود فنرى فيها التغير التدريجي
شيئا فشيئا حتى تنقلب إلى حالة مباينة لما كانت عليه أولا.
ويتضح ذلك بالتدبر التام في المأثور من أدلتها وتاريخها
وعمل النبي (ص) والصحابة والتابعين وفتوى الفقهاء والمجتهدين.
الأدوار الأربعة للسجود:
وقد قسمنا التطورات الحاصلة بأدوار أربعة ورسمناها بالترتيب
الآتي.
الدور الأول: السجود على الأرض من تراب ورمل وحصى
12

وحجر ومدر لا غير.
الدور الثاني: السجود على الأرض وأجزائها ونباتها وعلى
الخمرة المصنوعة منها، وكذا الحصير والبسط المصنوعة من
السعف ونحوه. وكان للخمرة في دورها حظ وافر وانتشار، حتى
ملأت المساجد والبيوت كما سيأتي " ونحن نرى التقيد بالسجود
على الخمرة إلى زمن بعيد، وكان كل رجل من أهل مكة في العصر
الحديث يؤدي الصلاة في المسجد الجامع على سجادة هي في
العادة طنفسة صغيرة لا تتسع إلا للسجود فحسب، فإذا فرغ من
الصلاة طواها وحملها على كتفه فكان خادم يحفظها لهم " (1).
وما زال النبي (ص) وأهل بيته يسجدون على الخمرة حتى
قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في حديث " لا يستغني
شيعتنا عن أربعة خمرة يصلى عليها و... " (2) وفي هذا الدور أيضا
نرى أن جمعا كبيرا من الصحابة والتابعين كانوا يتجنبون السجود
على غير التراب حتى أنهم يضعون التراب على الخمرة فيسجدون
عليه احتياطا في صلاتهم ذهولا عن عمل الرسول (ص) أو خطأ في
ا لاجتهاد (3).
وذكر أن الباعث لصنع الخمرة، هو أن الرسول العظيم (ص)
والمسلمين كانوا يسجدون على التراب والحجر والمدر والحصى،

(1) دائرة المعارف الإسلامية ج 11 ص 276.
(2) سيأتي ذكر المصادر.
(3) سوف يوافيك أقوالهم ونظرياتهم.
13

ولكن الحر والبرد قد آذاهم وأحرقت الرمضاء وجوههم وأيديهم
وفي أيام المطر لطخ الماء والطين وجوههم وأيديهم (الأمر الذي
دفعهم إلى فرش المساجد بالحصى) فشكى المسلمون إلى رسول
الله (ص) ما يلاقونه من ألم الرمضاء وبرودة الهواء (بحيث كانوا
يعالجون إما بتقليب الحصى حتى يخرج منه ما كان فيه من حرارة
الشمس، وإما بتبريد الحصى في أيديهم حتى يصلح لوضع الجبهة
عليه) فلم يشكهم، ثم بعد مدة رخص لهم في الابراد بالصلاة، أي
تأخيرها إلى وقت برودة الجو، ثم صنعوا الخمرة بأمره (ص) أو من
عند أنفسهم فأقرهم عليه، واستمر عمله (ص) وعملهم عليه.
الدور الثالث: السجود على كل شئ من الأرض وغيرها
كالثياب بأنواعها من الحرير والقطن والصوف والكتان والبسط من
السجاجيد المنسوجة من الحرير والصوف والقطن.
الدور الرابع: عد السجود على الثياب شعار التسنن، وعد
التقيد بالسجود على التراب بدعة ومن شعار الشيعة شيعة أهل البيت
عليهم السلام بل عد ذلك من الشرك والزندقة (معاذ الله).
14

أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء:
فتاوى الصحابة:
كان عبد الله بن مسعود الصحابي الكبير لا يرى إلا
السجود على التراب (1).
2 - كان أبو بكر بن أبي قحافة لا يسجد إلا على الأرض (2).
3 - عبد بن عمر كان يمنع عن السجود على كور العمامة

(1) سيأتي لفظ الحديث ومصادره.
عبد الله بن مسعود هو أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة، أسلم قديما وهاجر
الهجرتين وشهد المشاهد ولازم النبي صلى الله عليه وآله وحدث عنه كثيرا، وروى
عنه كثير من الصحابة والتابعين (راجع الإصابة والاستيعاب وأسد الغابة وغيرها
من المعاجم).
(2) سيأتي نص الحديث ومصادره.
أبو بكر هو عبد الله بن عثمان القرشي التيمي الخليفة الأول عند السنة توفي
سنة 13 (راجع المصادر المتقدمة).
15

ويسجد على الخمرة، وفي رواية لا يضع يده ولا جبهته إلا على
الأرض مباشرة (1).
4 - كان عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي يرى وجوب
السجود على الأرض مباشرة (2).
5 - جابر بن عبد الله الأنصاري لا يرى السجود إلا على
الحصباء (3).

(1) سيوافيك النص بلفظه ومصادره.
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي، قد أكثر الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وتعزز به كسائر المكثرين للحديث، وتخلف عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبايع الحجاج. قيل إنه قتله الحجاج أمر
رجلا معه حربة مسمومة فوضع الحربة على ظهر قدمه فمرض منها ومات وذلك
سنة 74 (راجع المصادر المذكورة).
(2) سيأتي الحديث ومصادره.
عبادة بن الصامت هو أبو الوليد الخزرجي الأنصاري، شهد العقبتين وشهد
المشاهد كلها واستعمله النبي صلى عليه وآله على بعض الصدقات وتوفي
سنة 34 - 45.
(3) ستوافيك مصادر النقل.
هو جابر بن عبد الله الأنصاري شهد العقبة الثانية وهو صبي وشهد المشاهد
بعد أحد، وقيل شهد غزوات وشهد صفين مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وعمي في آخر عمره، وهو آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة، وتوفي
سنة 74 - 77.
16

6 - عثمان بن حنيف الأنصاري كان يسجد على الخمرة (1).
7 - وكان خباب بن الأرت متقيدا بالسجود على الحصى (2).
8 - كان أمير المؤمنين علي (ع) ينهى عن السجود على كور
العمامة ويأمر بالسجود على الأرض مباشرة، وتبعه الأئمة من عترته
عليهم السلام (3).
9 - عبد الله بن عباس كان يفتي بوجوب لصوق الجبهة
والأنف بالأرض (4)، ونسبت إليه الرواية في جواز السجود على
الثياب كما يأتي.

(1) هو أبو عمرو الأوسي شهد أحدا والمشاهد بعدها، واستعمله عمر على مساحة سواد
العراق، واستعمله أمير المؤمنين علي عليه السلام على البصرة إلى أن قدم عليها
وظفر واستعمل عليها عبد الله بن عباس، وسكن عثمان الكوفة وبقي إلى أيام
معاوية وله مواقف محمودة. (وسنتلو عليك مصدر الحديث).
(2) يأتي مصدر الحديث:
هو خباب بن الأرت التيمي أو الخزاعي حليف بني زهرة، من السابقين الأولين
وممن عذب في الله، وهو سادس ستة في الإسلام نزل بالكوفة وبها مات وأوصى أن
يدفن بالظهر.
(3) تأتي أخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام في المسألة فيما بعد.
(4) ستأتي الأحاديث والمصادر
هو عبد الله بن عبد المطلب الحبر البحر الصحابي العظيم المشهور ذو المواقف
المشهورة وروى أحاديث كثيرة، وله أنظار في تفسير القرآن الكريم والأحاديث
النبوية، لازم أمير المؤمنين عليا عليه السلام ولم يفارقه أبدا واستعمله على البصرة
بعد فتحها، وشهد مشاهده ثم استعمله الحسن (ع) ثم رجع إلى المدينة وسكن
مكة، ونفاه ابن الزبير إلى الطائف فمات فيها سنة 68.
17

10 - ظاهر كلام الإمام مالك وغيره أن عمر بن الخطاب كان
يفتي بعدم جواز السجود على غير الأرض اختيارا (1).
كما أن الظاهر من حديثي خباب وابن مسعود الآتيين أن
الصحابة جلهم كانوا متقيدين بالسجود على الحصى.
11 - وعن أبي هريرة وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وابن
مسعود جواز السجود على الثياب والبسط والمسح، وستأتي الإشارة
إلى أدلتهم والكلام حولها (2).
12 - عن مسيب بن رافع أن عمر بن الخطاب قال من أذاه
الحر يوم الجمعة فليبسط ثوبه فليسجد غليه، ومن زحمه الناس يوم

(1) سيأتي عن المدونة الكبرى ج ا ص 75 / 74 وسيأتي فتواه.
(2) أبو هريرة الدوسي أسلم سنة خيبر ومات سنة 57 / 58، وأكثر الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله حتى اتهمه الخليفة الثاني، وعظم الخطب في جعله الأحاديث
في زمن عثمان ومعاوية ومؤازرته في جنايات بني أمية، وإذا أردت الوقوف على سيرته
فعليك بكتاب (أبو هريرة " و " أبو هريرة في التيار " وشيخ المضيرة " وغيرها من
كتب التاريخ والمعاجم.
أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي البخاري خادم رسول الله صلى الله عليه وآله،
كان عمره حين قدم النبي (ص) المدينة عشر سنين وخدمه صلى الله عليه وآله ومات
سنة 91 / 92 / 93 / 90 أكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يخفى
حاله على من له أدنى إلمام بالتاريخ والحديث والسيرة.
والمغيرة بن شعبة الثقفي الفاسق المعلن بالزناء الركن العظيم في حكومة
معاوية وتوطيد سلطنته.
18

الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر
رجل (1).
فتاوى التابعين وتابعيهم:
1 - كان مسروق بن الأجدع من أصحاب ابن مسعود لا
يرخص في السجود على غير الأرض حتى في السفينة (2).
2 - كان إبراهيم النخعي الفقيه الكوفي التابعي يقوم على
البردى ويسجد على الأرض، قال الراوي: قلنا ما البردى؟ قال:
الحصير (3).

(1) المصنف لعبد الرزاق ج ا ص 398.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 53، والمصنف لعبد الرزاق ج 2
ص 583، وسيرتنا ص 136 عن المصنف لابن أبي شيبة ج 2 باب ما كان
يحمل في السفينة شيئا يسجد مليه فأخرجه بسندين.
هو عبد الرحمن بن مالك، وفد إلى عمر بن الخطاب وروى عن جمع
من الصحابة ولم يشهد مشاهد علي عليه السلام، ومات سنة 63. ذكره ابن
سعد في الطبقات ج 6 ص 50 فيمن لم يرو عن علي عليه السلام، والإصابة
ج 3 ص 492.
31) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 397، وسيرتنا ص 128 عن الطبراني في الكبير،
وتحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ج 1 ص 273، ومجمع الزوائد ج 2
ص 57.
هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود الفقيه الكوفي التابعي، أحد الأئمة المشاهير
عند العامة، ذكره ابن سعد في الطبقات ج 6 ص 188 فيمن روى عن عبد الله بن
عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو. وجابر بن عبد الله، والنعمان بن
بشير، وأبي هريرة ومات سنة 96 في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة وهو ابن
تسع وأربعين أو نيف وخمسين (راجع أيضا ميزان الاعتدال ج 1).
19

وفي لفظ " أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على
ا لأرض ".
3 - أفتى عطاء تلميذ الحبر ابن عباس بعدم جواز السجود
على الصفا ولزوم السجود على البطحاء. قال ابن جريج قلت
لعطاء: أصلي على الصفا وأنا أجد إن شئت بطحاء قريبا مني؟
قال: لا قلت أفتجزي عني من البطحاء أرض ليس فيها بطحاء
مدراة فيها تراب وأنا أجد إن شئت بطحاء قريبا مني؟ قال: إن كان
التراب فحسبك (1).
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء أرأيت صلاة الإنسان على
الخمرة والوطاء؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن تحت وجهه ويديه،
وإن كان تحت ركبتيه من أجل أنه يسجد على حر وجهه (2).
وعن ابن جريج قال: قال انسان لعطاء: أرأيت أن صليت في
مكان جدد أفحص عن وجهي التراب؟ قال: نعم (3).

(1) المصنف لعبد الرزاق ج ا ص 391.
(2) المصنف لعبد الرزاق ج (ص 392.
(3) المصنف لعبد الرزاق ج ا ص 392.
عطاء بن أبي رباح سيد التابعين علما وعملا واتقانا في زمانه بمكة، روى عن
عاثشة وأبي هريرة والكبار، وعاش تسعين سنة أو أزيد، وكان حجة إماما (ميزان
الاعتدال ج 3 ص 75) مات سنة 115 / 114 (راجع الطبقات ج 5 ص 344)
وكان بنو أمية يعظمونه جدا حتى أمروا المنادي ينادي لا يفتي الناس إلا عطا، وإن
لم يكن فعبد الله بن نجيح. وكان عطا أعور وأفطس وأعرج وأشل وأسود كما في
الطبقات والسفينة ج 2 ص 205، وقاموس الرجال ج 6 ص 306.
20

عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أصلي في بيتي في مسجد
مشيد أو بمرمر ليس فيه تراب ولا بطحاء؟ قال: ما أحب ذلك،
البطحاء أحب إلي، قلت أرأيت لو كان فيه حيث أضع وجهي قط
قبضة بطحاء أيكفيني؟ قال: نعم إذا كان قدر وجهه أو أنفه وجبينه،
قلت: وإن لم يكن تحت يديه بطحاء؟ قال: نعم، (قلت) فأحب
إليك أن أجعل السجود كلها بطحاء؟ قال نعم (1).
4 - عن ابن سيرين قال: أصابتني شجة في وجهي، فعصبت
عليها فسألت عبيدة السلماني أسجد عليها فقال: انزع العصاب (2).
ليس الأمر بنزع العصاب إلا من أجل منعه عن مباشرة الجبهة
الأرض، فعبيدة أحد القراء ومن كبار التابعين يفتي بوجوب السجود

(1) المصنف ج ا ص 392
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح أبو خالد المكي، أحد الأعلام
الثقات يدلس وهو في نفسه مجمع على ثقته مع كونه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة
نكاح المتعة، كان يرى الرخصة في ذلك وكان فقيه أهل مكة في زمانه.
(أنظر ميزان الاعتدال ج 2 وقاموس الرجال ج 6) وجريج مصغر بالحجم
أولا وآخرا.
(2) المصنف ج 1 ص 401.
هو سمع من أكابر الصحابة، واشتهر بصحبة علي عليه السلام وكان أعور، وكان
يروي عنه، وكان يعد من أصحاب ابن مسعود (اسمه عبيدة بفتح العين المهملة
ابن قيس السلماني من مراد (راجع الطبقات لابن سعد ج 6 ص 62 وقاموس
الرجال ج 6) ومات سنة 72.
21

على الأرض مباشرة.
5 - كان صالح بن خيوان السبائي يحدث وجوب السجود
على الأرض عن رسول الله (ص) وظاهر نقله الافتاء بمضمون
لحديث (1).
قال البيهقي بعد نقل الحديث: إنه - يعني صالح بن خيوان -
ثقة من التابعين قال: إن رسول الله (ص) رأى رجلا يسجد بجنبه
وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله (ص) عن جبهته.
6 - قال الحارث الغنوي: سجد مرة بن شراحيل الهمداني
حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رآه رجل من أهله في منامه كأن
موضع سجوده كهيئة الكوكب الدري يلمع (2).
7 - عمر عبد العزيز الخليفة الأموي، كان لا يكتفي بالخمرة

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 105، والمدونة الكبرى ج 1 ص 73 / 76،
وسيرتنا ص 128 عن السنن الكبرى وعن نصب الراية للزيلعي ج 1 ص 386.
صالح بن خيوان - بالخاء المعجمة كما عن التهذيب وابن أبي حاتم، وبالحاء
المهملة كما عن التهذيب وعن عبد الحق الأزدي - تابعي ثقة كما في ميزان الاعتدال
ج 2 ص 293، والإصابة ج 2 ص 201، وأسد الغابة ج 3 ص 9.
(2) صفة الصفوة ج 3 ص 34.
مرة بن شراحيل، هو من المتخلفين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام قال: إن عليا سبقني بخير أعماله ببدر وذواتها، وأنا أكره أن أشركه في ما
هان فيه (قاموس الرجال ج 8).
22

بل يضع عليها التراب ويسجد عليه (1).
8 - روي عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شئ
دون الأرض، وكذا روي عن غير عروة (2).
9 - عن ابن عيينة قال: سمعت رزين مولى ابن عباس يقول:
كتب إلي علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن " ابعث إلي
بلوح من أحجار المروة أسجد عليه " (3).
10 - الحسن البصري قال: لا بأس بالسجود على كور
العمامة.

(1) فتح الباري ج 1 ص 410 وشرح الأحوذي ج 1 ص 272.
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان الخليفة الأموي، ولد سنة 69 وولي سنة 99
ومات سنة 101، وتزهد وأظهر العدل ورد فدك إلى ولد فاطمة عليها السلام ومنع
لعن علي أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر (راجع الطبقات ج 5 ص 242
وقاموس الرجال ج 7).
(2) فتح الباري ج (ص 410، وشرح الأحوذي ج 1 ص 272
عروة بن الزبير بن العوام، مات سنة 94، روى عن جمع من الصحابة وكان شديد
العداوة في بني هاشم وفي علي عليه السلام خاصة. راجع قاموس الرجال ج 6،
والسفينة ج 2 ص 183، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 132 وما
بعدها.
(3) أخبار مكة للأزرقي ج 2 مر 151.
هو علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ولد ليلة قتل علي بن أبي
طالب سنة أربعين وتوفي سنة 118 / 117 (راجع الطبقات ج 5 ص 229).
23

وعنه قال: أدركنا القوم وهم يسجدون على عمائمهم ويسجد
أحدهم ويديه في قميصه (1).
وقد حمل البخاري هذا الكلام على الاضطرار.
11 - عن أبي الضحى أن شريحا كان يسجد على برنسه (3).
12 - كان عبد الرحمن بن يزيد يسجد على عمامته (3).
13 - عن الزبير عن إبراهيم (النخعي) أنه سأله أيسجد على
كور العمامة فقال: اسجد على جبيني أحب إلي (4).
14 - عن ابن جريج قال: قلت لنافع مولى ابن عمر: أكان

(1) المصنف لعبد الرزاق ج ا ص 398، والبخاري ج 1 ص 107.
الحسن هو ابن يسار (أبي الحسن) مولى الأنصار سيد التابعين في زمانه بالبصرة،
عنونه كش في الزهاد الثمانية قائلا: والحسن كان يلقى كل أهل فرق بما يهوون
ويتصنع للرياسة، وكان رئيس القدرية وأستاذ ابن أبي العوجاء، مات سنة 110
(راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج 7 ص 114 وما بعدها، وميزان الاعتدال
ج 1 ص 527، وقاموس الرجال ج 3 ص 134).
(2) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 399 / 400.
الظاهر أنه شريح بن الحارث القاضي المعروف، وقد ترجمه ابن سعد في
الطبقات الكبرى ج 6 ص 90، وقاموس الرجال ج 5 ص 67 فراجعهما وسائر
المعاجم والتواريخ.
(3) المصنف ج 1 ص 399 / 400 ستأتي الإشارة إلى ترجمته.
(4) المصنف ج 1 ص 401.
24

ابن عمر يكره أن يصلي في المكان الجدد ويتتبع البطحاء والتراب؟
قال لم يكن يبالي (1).
15 - عن معمر قال: سألت الزهري عن السجود على
الطنفسة فقال: لا بأس بذاك، كان رسول الله (ص) يصلي على
الخمرة (2).
16 - عن الحسن قال: لا بأس أن يصلي على الطنفسة
والخمرة (3).
17 - عن ابن طاووس قال: رأيت أبي بسط له بساط فصلى
عليه، فظننت أن ذلك لقذر المكان (4).
18 - عن ليث قال: رأيت طاووسا في مرضه الذي مات فيه

(1) المصنف ج 1 صر 392.
(2) المصنف ج 1 ص 394.
الزهري هو أبو بكر محمد بن مسلم الفقيه المدني التابعي المعروف الحافظ
الحجة، قيل إنه حفظ علم الفقهاء السبعة ولقي عشرة من الصحابة، ولد سنة 52
ومات سنة 124 (راجع قاموس الرجال ج 8 ص 386، والكنى للمحدث القمي
ج 2 ص 274، وميزان الاعتدال ج 4 ص 40).
(3) المصنف ج 1 ص 396.
(4) المصنف ج 1 ص 396.
هو طاوس بن كيان اليماني، كان من التابعين الكبار والزهاد أو العباد روى عن ابن
عباس وبريدة سنة 106 وصلى عليه هشام بن عبد الملك (راجع الطبقات الكبرى
ج 5 ص 391، وقاموس الرجال ج 5 ص 156).
25

يصلي على فراشه قائما ويسجد عليه (1).
19 - عن محمد بن راشد قال: رأيت مكحولا يسجد على
عمامته فقلت: لم تسجد عليها؟ فقال: أتقي البرد على أنساني (2).

(1) الطبقات الكبرى ج 5 ص 395.
(2) المصنف ج 1 ص 400.
المراد بأنساني: عيني، يدل عليه ما أخرجه " ش " من طريق عبيد الله عن
محمد بن راشد " أني أخاف على بصري من برد الحصى " وإنسان العين سوادها،
هذا ما في هامش المصنف، وفي أقرب الموارد: الإنسان:.... المثال يرى في سواد
العين.
مكحول الدمشقي مفتي أهل دمشق وعالمهم، روى عن واثلة وأبي أمامة،
وعد ابن قتيبة مكحولين أحدهما من ذكرنا والثاني الأزدي يروي عن ابن عمر.
والذي يظهر أن مكحولا رجلان، أحدهما صحابي ذكره ابن حجر في
الإصابة ج 3 ص 456 وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن الأثير في
أسد الغابة ج 4 ص 412 وثانيهما مكحول الدمشقي المبغض لأمير المؤمنين عليه
السلام وهو المراد في كلمات الفقهاء والمحدثين إذا أطلقوا وهو في عداد الفقهاء
كطاووس ومجاهد وعطا. (راجع ميزان الاعتدال ج 4 ص 177، وقاموس الرجال
ج 9 ص 118، وسفينة البحار ج 2 ص 472.
26

أقوال الفقهاء، وكلماتهم:
19 قمال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز
الصلاة عليها - أي على الخمرة - إلا ما روي عن عمر بن عبد
العزيز أنه يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليها. وروي
عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض،
وكذا روي عن غير عروة (1).
قال الشافعي في كتاب الأم: " ولو سجد على جبهته ودونها
ثوب أو غيره، لم يجز السجود إلا أن يكون جريحا، فيكون ذلك
عذرا ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرق فماس شئ من جبهته
الأرض أجزأه ذلك، لأنه ساجد وشئ من جبهته على الأرض
وأحب أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحر فإن لم يفعل
وسترهما من حر أو برد وسجد عليهما فلا إعادة عليه ولا سجود
سهو ثم أطال الكلام في فروع المسألة فقال: وأنه أمر بكشف
الوجه ولم يؤمر بكشف ركبتيه ولا قدم (2).
قال ابن حجر في فتح الباري ج 1 ص 414 في شرح حديث
" كنا إذا صلينا مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة
الحر مكان السجود "، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود
هو الأصل لأنه علق بعدم الاستطاعة.

(1) شرح الأحوذي لجامع الترمذي ج 1 ص 272، وفتح الباري ج 1 ص 410.
(2) كتاب الأم ج 1 ص 99.
27

وقال الشوكاني في النيل في تفسير هذا الحديث: الحديث
يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض، وفيه إشارة
إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ليتعلق بسط الثوب
بعدم الاستطاعة (1).
وقال في النيل في شرح حديث ثابت بن صامت أن رسول
الله (ص) قام يصلي في مسجد بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتف
به يضع يده عليه يقيه برد الحصى، الحديث يدل على جواز الاتقاء
بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر، إما عذر المطر كما
في الحديث، أو الحر والبرد كما في رواية ابن أبي شيبة (2).
قال الترمذي بعد نقله عن أبي سعيد " أن النبي (ص) صلى
على حصير " قال: وفي الباب عن أنس والمغيرة بن شعبة قال أبو
عيسى وحديث أبي سعيد حسن والعمل على هذا عند أكثر أهل
العلم، إلا أن قوما اختاروا الصلاة على الأرض استحبابا (3).
قال البيهقي في السنن الكبرى بعد نقل حديث جابر بن عبد
الله الأنصاري قال: كنت أصلي مع رسول الله (ص) صلاة الظهر
فأخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد وأضعها بجبهتي إذا
سجدت من شدة الحر ".

(1) سيرتنا ص 131.
(2) سيرتنا ص 132.
(3) سنن الترمذي ج 2 ص 153.
28

قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به، لكان ذلك
أسهل من تبريد الحصى في كف ووضعها للسجود وبالله التوفيق (1).
أقول: من المعلوم أن لو كان السجود على الثوب جائزا
مطلقا متصلا أو غير متصل كالمنديل والسجادة المصنوعة من القطن
والصوف والحرير وغيرها وقتئذ، لكان أسهل بمراتب من السجود
على التراب والحصى والحجر المتقدة بحر الشمس أو الباردة في
المطر والشتاء.
قال مالك: يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر
والثياب والأدم، وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها
ويقعد عليها ولا يسجد عليها ولا يضع كفيه عليها، وكان لا يرى
بأسا بالحصباء وما أشبهه مما تنبت الأرض أن يسجد عليها (2).
وقال مالك: لا يسجد على الثوب إلا من حر أو برد كتانا أو
قطنا. قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر كانا
يسجدان على الثوب في الحر والبرد. وقال مالك: لا بأس أن يقوم
الرجل في الصلاة على أحلاس الدواب... ويسجد على الأرض
ويقوم على الثياب والبسط وما أشبه ذلك والمصليات وغير ذلك
ويسجد على الخمرة والحصير (راجع المدونة الكبرى ج 1
ص 75 / 74).

(1) ج 2 ص 105
(2) وفي فتح الباري ج 1 ص 413 " قال مالك: لا أرى بأسا بالقيام عليها (أي
الطنافس والفراء والمسوح) إذا كان يضع جبهته ويديه على الأرض "
29

وقال في عون المعبود ج 1 ص 349 في شرح حديث أنس
" كنا نصلي مع رسول الله (ص) في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا
أن يمتهن وجهه من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه)، وفي
الحديث جواز استعمال الثياب، وكذا وغيرها من الحيلولة بين
المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها، وكذا بردها. قال الخطابي: وقد
اختلف الناس في هذا فذهب عامة الفقهاء إلى جوازه، مالك
! الأوزاعي وأحمد وأصحاب الرأي وإسحاق بن راهويه، وقال
الشافعي لا يجزيه ذلك كما لا يجزيه السجود على كور العمامة.
ويشبه أن يكون تأويل حديث أنس عنده أن يبسط ثوبا هو غير
لابسه (انتهى) قلت وحمله الشافعي على الثوب المنفصل، وأيد
البيهقي هذا الحمل بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ
" فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه " قال: فلو
جاز السجود على شئ متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحص مع
طول الأمر فيه.
وفي إرشاد الساري ج 1 ص 408 بعد نقله رواية أنس (كنا
إذا صلينا مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر
مكان السجود " قال: واحتج بذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحق
على جواز السجود على الثوب في شدة الحر والبرد، وبه قال عمر
بن الخطاب وغيره وأوله الشافعية بالمنفصل أو المتصل الذي لا
يتحرك بحركته كما مر، فلو سجد على متحرك بحركته عامدا عالما
بتحريمه بطلت صلاته لأنه كالجزء منه.
وفي المدونة الكبرى ج 1 ص 73 / 75 / 76 / 80 نقل عن
مالك فتاوى في المسألة وفروعها لا بأس بنقلها بطولها.
قال مالك: لا يسجد على الثوب إلا من حر أو برد، كتانا كان
30

أو قطنا، قال ابن القاسم قال: بلغني أن عمر بن الخطاب وعبد الله
بن عمر كانا يسجدان على الثوب من الحر والبرد ويضعان أيديهما
عليه، قلت لابن القاسم: فهل يسجد على اللبد والبسط من الحر
والبرد؟ قال: ما سألنا مالكا عن هذا ولكن مالكا كره الثياب وإن
كانت من قطن أو كتان فهي عندي بمنزلة البسط واللبود، فقد وسع
مالك أن يسجد على الثوب من حر أو برد. قلت: أفترى أن يكون
اللبد بتلك المنزلة؟ قال: نعم، إلى أن قال: وقال مالك: لا بأس
أن يقوم الرجل في الصلاة على أحلاس الدواب التي قد حلست به
اللبود التي تكون في السروج ويركع عليها ويسجد على الأرض
ويقوم على الثياب والبسط وما أشبه ذلك، ويسجد على الخمرة
والحصير وما أشبه ذلك، ويضع يديه على الذي يضع عليه جبهته.
وقال: وأخبرني ابن وهب قال أخبرني رجل عن ابن عباس أن
النبي (ص) كان يتقي بفضول ثيابه برد الأرض وحرها، قال ابن
وهب: أن رسول الله (ص) رأى رجلا يسجد إلى جانبه وقد اعتم
على جبهته فحسر رسول الله (ص) عن جبهته.
وقال وكيع: عن سفيان عن عمر - شيخ الأنصار - قال:
رأيت أنس بن مالك يصلي على طنفسة متربعا متطوعا وبين يديه
خمرة يسجد عليها.
وقال فيمن يسجد على كور العمامة، قال: أحب إلي أن
يرفعها عن بعض جبهته حتى يمس بعض جبهته الأرض قلت: فإن
سجد على كور العمامة؟ قال: أكرهه، فإن فعل فلا إعادة عليه.
قال: وقال مالك: ولا يعجبني أن يحمل الرجل الحصباء أو التراب
من موضع الظل إلى موضع الشمس فيسجد عليه. قال: وكان مالك
يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم
31

وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها ويقعد عليها، ولا
يسجد عليها ولا يضع كفيه عليها، وكان لا يرى بأسا بالحصباء وما
أشبهه مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضع كفيه عليها.
رقال مالك: أرى أن لا يضع الرجل كفيه إلا على الذي يضع
عليه جبهته.
قال: وإن كان حرا أو بردا فلا بأس أن يبسط ثوبا يسجد عليه
ويجعل كفيه عليه.
قال الأحوذي في الشرح ج 1 ص 273 بعد ذكر الحديث في
الصلاة على الحصير: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، إلا
أن قوما من أهل العلم اختاروا الصلاة على الأرض استحبابا. قال
في النيل وقد روى عن زيد بن ثابت وأبي ذر وجابر بن عبد الله
وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومكحول وغيرهما من التابعين
استحباب الصلاة على الحصير، وصرح ابن المسيب بأنها سنة.
كان عبد الرحمن بن يزيد يسجد على عمامته (6).
أفتى الإمام مالك بن أنس باستحباب السجود على الأرض
وما أنبتته (2).

(1) المصنف ج 1 ص 399 / 400.
هو إما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي الذي يروي عن مكحول وغيره، أو
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الذي يروي عن مكحول أيضا (ذكرهما
الذهبي في ميزان الاعتدال ج 2 ص 598) أو عبد الرحمن بن يزيد الذي يروي
عن حذيفة (ذكره ابن سعد في الطبقات ج 3 ص 109 في ترجمة ابن مسعود).
(2) المدونة الكبرى ج 1 ص 74.
32

قال ابن القيم في زاد المعاد ج 1 ص 59 كان النبي (ص)
يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عنه السجود
على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى
عبد الرزاق في المصنف من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله
(ص) يسجد على كور العمامة وهو من رواية عبد الله بن محرز وهو
متروك، وذكره أبو أحمد من حديث جابر ولكنه من رواية عمرو بن
شهر عن جابر الجعفي متروك عن متروك. وقد ذكر أبو داود في
المراسيل: أن رسول الله (ص) رأى رجلا يصلي في المسجد فسجد
بجبينه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله (ص) عن جبهته وكان
رسول الله (ص) يسجد على الأرض كثيرا، وعلى الماء والطين
وعلى الخمرة المتخذة من خواص النخل وعلى الحصير المتخذ
منه (انتهى).
هذا ملخص ما وصل إلينا من عقائد الصحابة وأقوال العلماء
في المسألة، فمنهم من قال بوجوب السجود على التراب والرمل
والحصباء إن أمكن وإلا فالأرض كلها كما عن عطاء وابن مسعود
وعمر بن عبد العزيز.
ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض فقط مطلقا كأبي
بكر ومسروق وعبادة وإبراهيم النخعي.
ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض وما انبتته
اختيارا، وجواز السجود على الثياب للحر والبرد كابن عمر وعمر
ومالك وأبي حنيفة وابن حجر والشوكاني وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي.
ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض وما انبتته
33

اختيارا، وجواز السجود على الثياب المتخذة من القطن والصوف
لحر أو برد مع استحباب السجود على الأرض كما عن الشافعي
ومالك.
ومنهم من قال أو نسب إليه القول بجواز السجود على الأرض
ونباتها والثياب بأنواعها كأبي هريرة وأنس ومكحول وعامة الفقهاء
فيما بعد القرن الرابع.
وهنا قول قصد وهو وجوب السجود على الأرض وما انبتته
اختيارا، وجواز السجود على غير الأرض ونباتها اضطرارا (دون
مطلق الحر والبرد) وإن كان الاضطرار من غير جهة الحر والبرد.
فانتظر حتى توافيك الأدلة إن شاء الله تعالى.
34

الدور الأول
القسم الأول من أدلة وجوب السجود على الأرض
حديث " جعلت لي الأرض " ألفاظه واسناده
حديث تبريد الحصى، شكوى الصحابة بحصيب المسجد
حديث تريب الوجه
حديث السجود على كور العمامة
حديث لزوم الجبهة ولصوقها وتمكينها بالأرض
حديث عايشة وغيرها في عمل النبي (ص)
أحاديث أهل البيت " عليهم السلام "
ما ورد عن الصحابة والتابعين في ذلك في الأحاديث المرفرعة
حديث يشير إلى الدور المذكور
35

أدلة الإمامية:
وكيف كان، فقد استدل الإمامية لمذهبهم بما ورد عن أهل
البيت عليهم السلام بأسانيد متصلة عن آبائهم عليهم السلام عن
رسول الله (ص)، وبما رواه أهل السنة في كتبهم من أقوال
النبي (ص) في ذلك وأفعاله، وبما نقلوه من أقوال الصحابة
وأعمالهم.
وإليك ما وقفنا عليه من الأدلة:
1 - يدل على وجوب السجود على الأرض قوله (ص)
" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (1).

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 371، والبخاري ج 1 ص 91 / 119، ومسند أحمد ج 1
ص 250 / 301، و ج 2 ص 222 / 250 / 442 / 502 / 411، و ج 3
ص 304 / 803، و ج 4 ص 416، و ج 5 ص 145 / 248 / 148 / 161 /
256 / 383، والبداية والنهاية ج 6 ص 41، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية
ص 332 والوسائل ج 2 ص 969 و ج 3 ص 422، عن الكافي والخصال والفقيه
والفقيه ج 1 ص 231 ط الغفاري، والسنن للبيهقي ج 2 ص 433 / 435، و ج 1
ص 4 / 5 / 212 بأسانيد متعددة، والبحار ج 18 ص 305، و ج 80 ص 147،
و ج 83 ص 276، وإرشاد الساري ج 1 ص 435، وفتح الباري ج 1
ص 370 / 371، والينابيع ص 244، وأبو داود ج 1 ص 132، وسنن الدارمي
ج 2 ص 224، والنسائي ج 1 ص 210 / 56، والترمذي ج 2 ص 131 - 133،
و ج 4 ص 123، والمغازي للواقدي ج 3 ص 1021، ومنحة المعبود ج 1
ص 81، والجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 144، ومجمع الزوائد ج 1
ص 261، والوافي ج 1 ص 87 في باب التيمم.
37

وفي لفظ: " جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وطهورا " (1)
وفي لفظ. " جعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا " (2)
وفي لفظ: جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا
وطهورا (3)
وفي لفظ. (إن الله جعل لي الأرض مسجدا وطهورا أينما
كنت أتيمم وأصلي عليها (4)

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 371، وسيرتنا عن أبي داود والنسائي والترمذي.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 371، والسنن للبيهقي ج 6 ص 291، وسيرتنا
ص 126، ويقرب منه ما في تاريخ الذهبي ج 2 ص 375، وفتح الباري ج 1
ص 371 عن ابن المنذر وابن الجارود، وقريب منه ما في الجامع الصغير للسيوطي
ج 1 ص 144.
(3) البحار ج 83 ص 277.
(4) البحار ج 83 ص 277 عن مجالس ابن الشيخ بسندين.
38

وفي لفظ: " الأرض لك ولأمتك طهورا ومسجدا... " (1).
وفي لفظ: " جعلت لي الأرض مسجدا ترابها طهورا " (2).
وفي لفظ: " جعلت الأرض مسجدا ترابها وطهورا " 31).
وفي لفظ: " عن أبي أمامة الباهلي: أن رسول الله (ص) قال
فضلني ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو على الأمم بأربع
قال أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي
مسجدا وطهورا فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده
وعنده طهوره " الحديث (4).
فقه الحديث:
لا اشكال في الحديث سندا، لتواتره ونقل كبار الحفاظ له في
كتبهم المعتبرة وأما دلالته، فهو يدل على أن الذي يسجد عليه في
الشريعة الإسلامية هو الأرض، لأن ما هو طهور هو الذي يكون
مسجدا بحكم السياق، إذ الموضوع الذي حمل عليه الطهور هو
الذي حمل عليه المسجد، فلو كان فرق بين موضوعي المحمولين
لزم تكراره، فحينئذ كما أن الطهورية ثابتة لنفس الأرض فكذا كونها
مسجدا.

(1) البحار ج 83 ص 278.
(2) البحار ج 83 ص 278 ومسند أبي عوانة ج 1 ص 303.
(3) شرح عون المعبود ج 1 ص 182.
(4) مصباح المسند للشيخ قوام الدين القمي الوشنوي (مخطوط)، وقريب منه ما في
تيسير الوصول ج 1 ص 315.
39

ولا ينافي ذلك استفادة معنى آخر من الحديث الشريف، وهو
إن العبادة والسجود لله سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل كل
الأرض مسجد للمسلمين أينما كانوا وحيثما حلوا وشاءوا، وليسوا
كغير المسلمين الذين خصوا العبادة بالبيع والكنائس، وذلك لأنه قد
يستفاد من كلام واحد معان متعددة وأحكام كثيرة ونكات عديدة، بل
هذا من بديع الكلام ولا سيما كلام سيد الأنبياء وإمام الفصحاء
والبلغاء، وقد أعطي جوامع الكلام ونزل على لسانه القرآن
الكريم، وربي في حجور الفصاحة وارتضع من ثدي الحكمة
والبلاغة.
وقد استفاد هذا المعنى من هذا الحديث الجصاص حيث
قال: " إن ما جعله من الأرض مسجدا هو الذي جعله طهورا " (1)
وإلى هذا المعنى أشار ابن حجر في الفتح أيضا في شرحه لهذا
الحديث حيث قال: " وجعلت لي الأرض مسجدا " أي موضع
سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره (2) أقول: يعني لم
يجعل المسجد بمعنى المصلى مجازا بل حمله على حقيقته، وإليه
أشار أيضا القسطلاني في شرح الحديث حيث قال " مسجد أي
موضع سجود " (3) كما أنه قال في باب التيمم في شرحه للحديث:
" جعلت لي الأرض طهورا... احتج به مالك وأبو حنيفة على جواز

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 389.
(2) فتح الباري ج 1 ص 370.
(3) إرشاد الساري ج 1 ص 435.
40

التيمم بجميع أجزاء الأرض، لكن في حديث حذيفة عند مسلم
" وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم
نجد الماء " وهو خاص فيحمل العام عليه فتختص الطهورية
بالتراب... وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي " فأيما رجل من أمتي
أتى الصلاة فلم يجد ماءا وجد الأرض طهورا ومسجدا " وعند أحمد
" فعنده طهوره ومسجده " (3).
وفي البحر الرائق ج 1 ص 156 / 155 بعد نقل حديث
" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " استدل به على جواز التيمم
على مطلق الأرض قال: لأن اللام للجنس فلا يخرج شئ منها،
لأن الأرض كلها جعلت مسجدا وما جعل مسجدا هو الذي جعل
طهورا (انتهى ملخصا).
وفي المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ج 1 ص 16:
قال رسول الله (ص): لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد
قبلي: أرسلت إلى الناس عامة... وجعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي
يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم (الحديث)
واستدل بهذا على أن ما كان من الأرض مسجدا كان منها طهورا..
الخ.
ويؤيد ما ذكرنا (من كون المراد من المسجد محل السجود
وأن ما هو طهور هو المسجد) ما تقدم من لفظ الحديث " فأينما
أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره " حيث

(3) إرشاد الساري ج 1 ص 367 / 368.
41

يصرح بأن المراد من المسجد في الحديث الشريف ليس هو
المصلى ليكون المراد كما تقدم أنه يصلي أي مكان شاء ومتى
أراد، بل المراد موضع السجود، أي جعلت لي الأرض محل
سجود، فمتى صلى انسان فعنده ما لسجد عليه، وإن كان يستفاد
الترخيص بالنسبة إلى مكان الصلاة أيضا كما لا يخفى على المتدبر
ويؤيد هذا المعنى أيضا ما في شرح عون المعبود لسنن أبي
داود ج 1 ص 182 حيث قال: " ومسجدا أي موضع سجود، ولا
يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا من
المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه لأنه إذا جازت الصلاة
في جميعها كانت كالمسجد قاله الحافظ في الفتح (راجع الفتح
ج 1 ص 369 وما بعدها) حيث جعل الشارح مفاد الحديث حقيقة
فيما ذكرنا من السجود على الأرض وجعل المعنى الآخر محتملا
مجازا ".
نعم في بعض الروايات إشارة إلى المعنى المجازي أيضا
منها قوله (ص) كما عن حذيفة " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا (1) " حيث خص الطهور بالتراب فقط دون سائر أجزاء
الأرض. ومنها ما عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
(ص): " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " (2).

(1) شرح عرن المعبود ج 1 ص 182.
(2) تحفة الأحوذي ج 1 ص 262.
42

ويحتمل أن يكون وضع الوجه على الأرض مباشرة مأخوذ في
حقيقة السجود لغة وكذا عند أهل العرف، ويدل عليه ما رواه
البخاري ج 5 ص 57: قال قرأ النبي (ص) النجم فسجد فما بقي
أحد إلا سجد إلا رجل رأيته أخذ كفا من حصى فرفعه فسجد
عليه " (1) إذ الظاهر منه أن السجود هو الوقوع على الأرض بهيئة
خاصة، ولذا قال الرجل " يكفيني منه " أي يكفي من السجود
الحقيقي لا أنه نفسه، ولو كان السجود على غير الأرض كافيا لما
كان التكلف لازما، لامكان السجود على الثوب.
فالأصل في السجود أن يضع الإنسان وجهه على الأرض،
على ترابها ورملها وحصاها وحجرها ومدرها ونباتها غير مأكول ولا
ملبوس، إلا أن تعرض عناوين حكم الشارع فيها بجواز السجود
على الثياب ونحوها كضرورة الحر والبرد والزحام، وسيأتي الكلام
عليها إن شاء الله تعالى.
وذلك هو الذي اعترف به الفقهاء كما تقدم.
حديث تبريد الحصى:
2 - عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنت أصلي مع
النبي (ص) الظهر فآخذ قبضة من الحصى فأجعلها في كفي ثم
أحولها إلى الكف الأخرى حتى تبرد ثم أضعها لجبيني حتى أسجد

(1) راجع البخاري أيضا ج 5 ص 96، وصحيح مسلم ج 1 ص 405، وأبا داود
ج 2 ص 59، والدارمي ج 2 ص 342، ومسند أحمد ج 1
ص 388 / 401 / 437 / 443 / 462.
43

من شدة الحر (1).
وفي لفظ أحمد عنه قال: " كنت أصلي مع رسول الله (ص)
الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليها من
شدة الحر ".
وفي لفظ البيهقي عنه قال: " كنت أصلي مع رسول الله (ص)
صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد واضعها
لجبهتي إذا سجدت من شدة الحر.
3 - عن أنس قال: " كنا مع رسول الله (ص) في شدة الحر
فيأخذ أحدنا الحصباء في يده، فإذا برد وضعه وسجد عليه ".
قال البيهقي بعد نقله حديث أنس: قال الشيخ: ولو جاز
السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في
الكف ووضعها للسجود وبالله التوفيق.
أقول: لو كان السجود على الثياب لكان جائزا لكان أسهل
من التبريد جدا إذ كما أن السجود على الثوب المتصل سهل، فكذا
حمل منديل أو خرقة طاهرة سهل لا ريب فيه.
فهذا الحديث كما يدل على عدم جواز السجود على الثوب

(1) كنز العمال ج 4 ص 188، وفي طبعة ج 8 ص 24، والنسائي ج 2 ص 4 0 2،
وأبو داود ج 1 ص 110، ومسند أحمد ج 3 ص 327، وسنن البيهقي ج 1
ص 439 عن جابر، و ج 2 ص 105 / 106 عن جابر وأنس، وشرح الأحوذي
لجامع الترمذي ج 1 ص 405، وشرح عون المعبود لسنن أبي داود ج 1 ص 249
عن أنس، وسيرتنا ص 127 نقلوه بألفاظ متقاربة.
44

المتصل على ما فهمه الشيخ، يدل أيضا على عدم جواز السجود
على غير الأرض مطلقا.
4 - عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله (ص)
شدة الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا (لفظ البيهقي).
وفي لفظ مسلم " عن خباب قال: أتينا رسول الله (ص)
فشكونا إليه حر الرمضاء فلم يشكنا.
وفي لفظ " شكونا إلى رسول الله (ص) الصلاة في الرمضاء
فلم يشكنا " (عن خباب).
5 - عن ابن مسعود: " شكونا إلى النبي (ص) حر الرمضاء
فلم يشكنا " كذا في لفظ ابن ماجة وسيرتنا ص 127 عن نيل
الأوطار، وفي لسان الميزان ج 2 ص 63 عن جابر (1).
فهذه الروايات تدل على أن الشاكي ليس هو خباب وجابر
وابن مسعود فحسب، بل الصحابة عموما لأنهما بقولهما " شكونا " و
" فلم يشكنا " إنما يحكيان حال كثير من الصحابة كما لا يخفى.
قال ابن الأثير في النهاية في " شكى " بعد نقل حديث خباب
كما أخرجناه عن مسلم: والفقهاء يذكرونه في السجود، فإنهم كانوا

(1) راجع صحيح مسلم ج 1 ص 433 بسندين، وإرشاد الساري ج 1 ص 487،
وسيرتنا ص 127، ومسند أحمد ج 5 ص 108 - 110، والمصنف ج 1 ص 544
والسنن للبيهقي ج 1 ص 438 بسندين، و ج 2 ص 105 / 107، والنسائي ج 1
ص 247 وابن ماجة ج 1 ص 222، وتنوير الحوالك ج 1 ص 37 والرصف
ص 225، ومنحة المعبود ج 1 ص 70، ومسند أبي عوانة ج 1 ص 345، ونقل
في لسان الميزان ج 2 ص 63، وميزان الاعتدال ج 1 ص 352 عن جابر.
45

يضعون أطراف ثيابهم تحت جباههم في السجود من شدة الحر
فنهوا عن ذلك، وأنهم لما شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح
لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم.
وقال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي بعد ذكره ما
نقلناه عن النهاية: وقال القرطبي: يحتمل أن يكون هذا منه
(ص) قبل أن يؤمر بالابراد الخ (النسائي ج ا ص 247).
أقول: المستفاد من الروايات أن الصحابة شكوا إلى رسول
الله (ص) ما يلقون من الحر والبرد حيث كانت تحترق جباههم
وأيديهم - شكوا له - حتى يرخص لهم في السجود على غير الأرض
مما يدفع عنهم هذه المشاق والمتاعب، كالثياب المتصلة ككور
العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد المصنوعة (بعد قرون)
من القطن والكتان والحرير وغيرها فلم يشكهم رسول الله (ص) ولم
يعتن بشكواهم وهو الرؤوف المتحنن الكريم العطوف، وليس ذلك
إلا لعدم جواز السجود على غير الأرض.
6 - قال أبو الوليد سألت ابن عمر عما كان بدء هذه الحصباء
التي في المسجد قال: غم مطر من الليل فخرجنا لصلاة الغداة،
فجعل الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي
فيه قال: فلما رأى رسول الله (ص) ذاك قال: ما أحسن هذه
البساط، فكان ذلك أول بدئه (1).

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 440 / 106، ووفاء الوفاء ج 2 ص 655 / 656، وسيرتنا
ص 128، والسيرة الحلبية ج 2 ص 80، وسنن أبي داود ج 1 ص 174 في
المطبوع مع شرح عون المعبود، وص 125 في المطبوع مستقلا بإشراف محمد محيي
الدين.
وفي الفتوحات الإسلامية ج 2 ص 368، ووفاء الوفاء ج 2 ص 656 أن
تحصيب المسجد كان في عهد عمر، ولكن في السيرة الحلبية بعد نقل أن التحصيب
كان بأمر رسول الله (ص) قال: أول من فرش الحصر في المسجد عمر بن الخطاب
وكان قبل ذلك مفروشا بالحصباء أي في زمنه (ص). وفي الاحياء: أكثر معروفات
هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم، إذ من غير
المعروف في زماننا فرش المساجد بالبسط الرقيقة فيها وقد كان يعد فرش البواري في
المسجد بدعة، كانوا لا يرون أن يكون بينهم وبين الأرض حائل.
46

ولفظ السمهودي: عن أبي الوليد قال سألت ابن عمر عن
الحصباء الذي في المسجد فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض
مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصباء في ثوبه ويبسطه تحته، فلما
قضى رسول الله (ص) قال: ما أحسن هذا.
تدل الرواية أن الصحابة حتى مع نزول المطر وابتلال
الأرض، كانوا متعبدين بالسجود على التراب والطين ولا يسجدون
على شئ سوى ذلك، بل الرسول (ص) كان أيضا متقيدا بذلك
ومتعبا نفسه الشريفة فيه، وذلك أيضا يكشف عن عدم جواز السجود
على غيرها.
بل نقل السمهودي ص 656 أن المسجد بقي غير مفروش
بالحصباء إلى زمن عمر بن الخطاب (1).
7 - عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن

(1) قال السمهودي: والذي يقتضيه كلام المؤرخين أن تحصيب المسجد إنما حدث في
زمان عمر بن الخطاب، فقد روى يحيى عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الأزهري
قال: قال عمر بن الخطاب حين بنى مسجد رسول (ص) ما ندري ما نفرش في
مسجدنا، فقيل له افرض الخصف والحصر قال: هذا الوادي مبارك فإني سمعت
رسول الله (ص) يقول: " العقيق واد مبارك " قال فحصبه عمر بن الخطاب. (راجع
الطبقات ج 3 ق 1 ص 204).
ونقل عن عبيد الله بن عمر قال: قدم سفيان بن عبد الله الثقفي على عمر
بن الخطاب ومسجد النبي (ص) غير محصوب فقال: أما لكم واد؟ فقال عمر: بلى
قال: فاحصبوه منه، فقال: عمر احصبوه من هذا الوادي المبارك عقيق.
أقول: لا منافاة بين نقل ابن عمر من كون التحصيب في زمن الرسول صلى
الله عليه وآله، وبين نقل الأزهري في كونه زمن عمر، لاحتمال أن يكون التحصيب
زمن الرسول الله صلى الله عليه وآله فشاور عمر بعد تجديد البناء في فرشه بالحصير
أو الحصباء فأشير إلى التحصيب، فبقي محصوبا إلى أن فرشه بعد بالحصير كما تقدم
عن السيرة الحلبية.
47

محمد الصادق (ع) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز،
قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما
أكل أو لبس، فقلت له: جعلت فداك ما العلة في ذلك: قال: لأن
السجود هو الخضوع لله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل
ويلبس، لأن السجود هو الخضوع لله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون
على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون،
والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع
جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها،
والسجود على الأرض أفضل وأبلغ في التواضع والخضوع لله
عز وجل (1).

(1) البحار ج 85 ص 147 عن علل الشرايع للصدوق محمد بن علي بن الحسين رحمه
الله، وراجع الوسائل ج 3 ص 591، أخرجها عن الفقيه والعلل والتهذيب وسيأتي
الكلام في التعليل.
48

حديث التتريب:
8 - روى عبد الرزاق عن خالد الجهني قال: رأى النبي (ص)
صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب فقال له النبي: " ترب وجهك
يا صهيب (1).
لم يذكر الراوي بماذا كان صهيب يتقي التراب أن يصيب
وجهه بكور عمامته أم بمنديل أم بثوب آخر، ولكنه نقل فقط أمره
(ص) بالتتريب والأمر للوجوب. ولو أنه كان يتقي ذلك بالسجود
على حصير أو خمرة أو حجر صاف فيصرف الأمر عن الوجوب إلى
الاستحباب والفضل، وذلك لما يأتي من جواز السجود على أجزاء
الأرض غير التراب
9 - عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: رأى
النبي (ص) غلاما لنا يقال له أفلح ينفخ إذا سجد فقال: " يا أفلح
ترب " (2).
10 - قال النبي (ص): " يا رباح ترب " (3).

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 392، وكنز العمال ج 4 ص 100 الرقم 2129،
وفي طبعة ج 7 ص 328.
(2) كنز العمال ج 4 ص 99 / 212، وفي طبعة ج 7 ص 324، و ج 8 ص 86 الرقم
295 / 4559، والإصابة ج 1 ص 58، وشرح الأحوذي لجامع الترمذي ج 1
ص 272، وأسد الغابة ج 1 ص 106 بعنوانين، والترمذي ج 2 ص 221.
(3) كنز العمال ج 4 ص 99 / 212، وفي طبعة ج 7 ص 324، و ج 8 ص 85 الرقم
209 / 4560، والإصابة ج 1 ص 502 الرقم 2562، وأسد الغابة ج 2
ص 161، والترمذي ج 2 ص 221.
49

وفي لفظ الإصابة: " مر النبي بغلام لنا يقال له رباح وهو
يصلي فنفخ فقال: ترب وجهك " (عن أم سلمة رضي الله عنها).
وفي رواية: فقال له النبي (ص): يا رباح " أما علمت أن من
نفخ فقد تكلم (راجع أسد الغابة).
هاتان الروايتان تدلان على أفضلية التتريب إن كان موضع
السجود من أجزاء الأرض، وإلا فالأمر للوجوب على ما هو مقتضى
القاعدة من إفادة الأمر للوجوب، هذا مع قطع النظر عن أن النفخ
مبطل للصلاة أم لا كما تقدم في الحديث.
11 - قال النبي (ص) كما روي عن أم سلمة أم المؤمنين
رضي الله عنها " ترب وجهك لله " (1).
هذا الحديث يأمر بتتريب الوجه مطلقا، وظاهره اللزوم
والوجوب إلا فيما ثبت دليل على التخصيص كموارد الضرورة، أو
كون المسجود عليه من نبات الأرض وأجزائها.
12 - قال (ص) لمعاذ: " عفر وجهك في التراب " (2).
13 - ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الأرض ويعفر وجهه في
التراب لأنه من التذلل لله تعالى (3).
14 - عن أبي صالح قال: دخلت على أم سلمة فدخل عليها

(1) كنز العمال ج 4 ص 100، وفي طبعة ج 7 ص 328.
(2) إرشاد الساري ج 1 ص 405.
(3) البحار ج 85 ص 156 عن دعائم الإسلام.
50

ابن أخ لها فصلى في بيتها ركعتين، فلما سجد نفخ التراب فقالت
أم سلعة. ابن أخي لا تنفخ، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول
لغلام له يقال له يسار ونفخ " ترب وجهك لله " (1).
حديث كور العمامة:
15 - روي عن علي أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إذا كان
أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن وجهه " يعني لا يسجد على كور
العمامة (2).
16 - روي أن النبي (ص) كان إذا سجد رفع العمامة عن
جبهته (3).
17 - روى صالح بن خيوان السبائي. أن رسول الله (ص)
رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول
الله (ص) عن جبهته (4).

(1) مسند أحمد ج 6 ص 301.
(2) كنز العمال ج 4 ص 212، وفي طبعة ج 8 ص 86، والسنن الكبرى للبيهقي ج 2
ص 105، ومنتخب كنز العمال هامش المسند ج 3 ص 194، وسيرتنا ص 128.
(3) الطبقات ج 1 ص 151 ق 2.
(4) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 105، وسيرتنا ص 128 عنه، وعن نصب الراية
للزيلعي ص 386، والبحار ج 85 ص 157، وفي الإصابة ج 2 ص 201 في
ترجمة صالح بن خيوان، وأسد الغابة ج 3 ص 9 في ترجمة صالح والمدونة الكبرى
ج 1 ص 73.
51

18 - عن عياض بن عبد الله القرشي قال: رأى رسول
الله (ص) رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك
وأوما إلى جبهته (1).
وفي لفظ الإصابة: " أن رجلا سجد إلى جنب النبي (ص)
على عمامته فحسر النبي (ص) عن جبهته "
19 - عن النبي (ص): أنه نهى أن يسجد المصلي على ثوبه
أو على كمه أو على كور عمامته (2).
أقول: النهي عن السجود على كور العمامة قد يحمل على أنه من أجل كونه ثوبا محمولا للمصلي يتحرك بحركته، ولكن لا
وجه لهذا الحمل لكونه احتمالا محضا من دون شاهد، فلا يترك من
أجله اطلاق الحديث، مع أنه لا خصوصية لكونه ثوبا متحركا
بحركته إذ اتصال الثوب بالمصلي وتحركه بحركته، قيد اختلقته
أذهاننا لا قيمة له في سوق الاعتبار.
وقد يقال بأن الاتصال بالجبهة مانع عن صدق السجود عرفا،
فلو كانت العمامة أو الخشب أو الحصى أو الحجر أو التربة لاصقة
بالجبهة فسجد المصلي كذلك، لا يصدق الوضع على الأرض،
ولكنه كما ترى لأن صدق السجود على الأرض ووضع الجبهة على
الأرض أمر وجداني لا يحتاج إلى برهان، ولذا لو لصق الحصى
بجبهة المصلي لا يجب إزالتها ولا يلزم مسح الجبهة من أجل

(1) المصادر المتقدمة.
(2) البحار ج 85 ص 156 عن الدعائم.
52

ذلك، بل ورد في روايات كثيرة النهي عن مسح الوجه في الصلاة
لإزالة التراب والحصى اللاصقة فيها (راجع المصنف ج 2
ص 42 / 43، ولسان الميزان ج 1 ص 488 / 489، وميزان
الاعتدال ج 1 ص 293، وكنز العمال ج 7 ص 325) فلو كان
اللصوق مانعا عن صدق السجود لأمر بإزالتها ومسح الجبهة لأجلها
لا أن يمنع عن المسح.
أحاديث لزوم الجبهة ولصوقها وتمكينها بالأرض:
20 - قال (ص): إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض
حتى يخرج منه الرغم " (1).
من أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغم وهو التراب، هذا هو
الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على
كره فالمراد من قوله (ص): " حتى يخرج منه الرغم " أي يظهر ذله
وخضوعه.
21 - وعن ابن عباس أنه قال: " إذا سجدت فالصق انفك
بالأرض " وقال: " لا صلاة لمن لا يمس أنفه الأرض " (2).
22 - وقال ابن عباس: " من لم يلزق أنفه مع جبهته الأرض
إذا سجد لم نجز صلاته " (3).

(1) في النهاية لابن الأثير كلمة " رغم ".
(2) المصنف ج 2 ص 181 / 182، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 270، والسنن الكبرى
للبيهقي ج 2 ص 103 / 104 بأسانيد متعددة.
(3) كنز العمال ج 4 ص 100، وفي طبقة ج 7 ص 328، ومجمع الزوائد ج 2
ص 126 عن الطبراني في الكبير والأوسط.
53

الدلالة في الحديث الأول بالأولوية، إذ ايجاب الصاق الأنف
يدل على ايجاب إلصاق الجبهة طبعا، كما في قوله تعالى: (ولا
تقل لهما أف) حيث تدل على حرمة الايذاء والعقوق بالأولوية وأما
الحديث الثاني، فقد صرح فيه ابن عباس بحكم الجبهة وأن الصلاة
تكون باطلة مع عدم الالصاق.
23 - روي عن النبي (ص): " إذا سجدت فمكن جبهتك
وأنفك من الأرض (1).
24 - قال (ص) لأبي ذر: " الأرض لك مسجد فحيثما أدركت
الصلاة فصل " (2).
25 - عن رفاعة بن رافع مرفوعا: ثم يكبر فيسجد فيمكن
جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتستوي (3).
26 - روي عن ابن عباس عن النبي (ص): إذا سجدت
فمكن جبهتك وأنفك من الأرض (4).
27 - تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة (عن سلمان ره) (5).
نقل العلامة المجلسي عن السيد في المجازات النبوية بعد

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 36 وفي طبعة ج 5 ص 36.
(2) النسائي ج 2 ص 32، وسيرتنا ص 126 عنه.
(3) سيرتنا ص 127 عن السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 102.
(4) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 209، وفي طبعة ج 5 ص 36.
(5) كنز العمال ج 7 ص 325، والبحار ج 85 ص 158.
54

نقل الحديث وشرحه: والكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون
المراد التيمم منها في حال الحدث والجنابة والوجه الآخر أن يكون
المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعفير الوجه،
فيها أو يكون هذا القول أمر تأديب لا أمر وجوب، لأنه يجوز
السجود على غير الأرض أيضا إلا أن مباشرتها بالسجود أفضل. وقد
روي أن النبي (ص) كان يسجد على الخمرة، وهي الحصير
الصغير يعمل من سعف النخل (انتهى).
ذكرها المتقي الهندي في باب السجود وإن كان مضمونها
عاما.
وفي البحار ج 85 ص 156 نقل الحديث عن دعائم الإسلام
هكذا: " عن علي (ع) أن رسول الله (ص) قال: إن الأرض بكم برة
تيممون منها وتصلون عليها في الحياة، وهي لكم كفاة في
الممات، وذلك من نعمة الله له الحمد، فأفضل ما يسجد عليه
المصلي الأرض نقية ".
28 - لا يقبل الله صلاة لا يصيب الأنف من الأرض ما يصيب
الجبين (1).
29 - لا تقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض (عن أم
عطية) (2).

(1) كنز العمال ج 7 ص 327.
(2) كنز العمال ج 7 ص 328.
55

30 - لا صلاة لمن لا يمس أنفه الأرض ما يمسه الجبين (عن
عكرمة) (1).
31 - لا يقبل الله صلاة لا يصيب الأنف منها ما يصيب
الجبين (عن عكرمة) (2).
32 - إذا سجدت فالصق أنفك بالأرض (عن ابن
عباس) (3).
33 - اسجدوا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض (4).
34 - عن أم عطية قالت: قال رسول الله (ص): إن الله
لا يقبل صلاة لا يصيب أنفه الأرض (5).
35 - لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في
الصلاة (1).
36 - لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض (6).
37 - لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب
الجبين (7).

(1) كنز العمال ج 7 ص 328.
(2) كنز العمال ج 7 ص 328.
(3) كنز العمال ج 8 ص 85.
(4) البحار ج 85 ص 154.
(5) مجمع الزوائد ص 162 ج 2 عن الطبراني في الكبير والأوسط.
(6) الدارقطني ج 2 ص 349.
(7) الدارقطني ج 2 ص 349.
56

حديث عائشة وغيرها في عمل النبي (ص):
38 - روي عن عائشة قالت: (ما رأيت رسول الله (ص) متقيا
وجهه بشئ " تعني في السجود (1).
هذا الحديث يدل على العمل المستمر لرسول الله (ص)، وهو
يدل على الوجوب، لأنه لو كان فضلا لخالف في عمله مرة أو مرات
لبيان عدم الوجوب، أو لصرح بذلك، ولنا برسول الله (ص) أسوة
حسنة، وما جاء به الرسول (ص) يجب أخذه وإن كان بيانه بالعمل،
لأن فعله (ص) حجة كقوله يجب اتباعه.
39 - عن أبي سعيد الخدري أنه رأى الطين في أنف رسول
الله (ص) من أثر السجود وكانوا مطروا من الليل (2).
وفي لفظ البخاري (حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة
رسول الله (ص) وأرنبته).
وفي لفظ البخاري أيضا (رأيت رسول الله (ص) يسجد في
الماء والطين حتى أثر الطين في جبهته).

(1) المصنف ج 1 ص 397، وكنز العمال ج 4 ص 212، وفي طبعة ج 8 ص 85،
ومنتخب كنز العمال: هامش المسند ج 3 ص 194، ومسند أحمد ج 6 ص 58.
(2) المصنف ج 2 ص 181، والبخاري ج 1 ص 207 / 212 / 171، و ج 3
ص 60 / 62 / 64 / 66، والسنن الكبرى للبيهقي ج 1 ص 104 و ج 2
ص 285 / 286 / 287، وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 209، وفي طبعة
ج 5 ص 36، والنسائي ج 2 ص 208 / 209، وأبو داود ج 1
ص 209 / 236، وفي طبعة ص 203 / 204 وسيرتنا ص 126، وإرشاد الساري
ج 2 ص 121، ومسند أحمد ج 3 ص 60 / 74 / 96 كلهم نقلوه بألفاظ متقاربة.
57

هذا الحديث أيضا كحديث عائشة أم المؤمنين يدل على
اهتمامه (ص) بالسجود على الأرض وعدم اتقاء الوجه عن مباشرة
الأرض بشئ حتى مع المطر والطين.
40 - عن وائل قال: (رأيت النبي (ص) إذا سجد وضع
جبهته وأنفه على الأرض) (1).
41 - عن ابن عباس (أن النبي (ص) سجد على الحجر) (2).
42 - عن وائل قال: رأيت رسول الله (ص) يسجد على
الأرض واضعا جبهته وأنفه في سجوده (3).
وعنه أيضا: " رأيت النبي (ص) وضع جبهته وأنفه على
الأرض "
43 - قال ابن عباس: " رأيت رسول الله (ص) يصلي في
كساء أبيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده
ورجله " (4).
وفي لفظ: " لقد رأيت رسول الله (ص) في يوم مطير وهو
يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا
سجد (سيرتنا عن أحمد).

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 36، ومسند (ج 4 ص 315 - 317.
(2) سيرتنا ص 127 عن السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 102.
(3) مسند أحمد ج 4 ص 317، وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 209، وفي طبعة
ج 5 ص 36.
(4) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 106، وسيرتنا ص 132.
58

45 - عن ثابت بن صامت قال: إن رسول الله (ص) صلى في
بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به يضع يديه عليه يقيه برد
الحصى (1).
46 - عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي (ص)
فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه على
ثوبه (2).
هذه الأحاديث الواردة عن ابن عباس الحبر وأبي سعيد ووائل
وثابت وعبد الله بن عبد الرحمن، الحاكية لعمل النبي (ص) في
سجدته في يوم مطير في الماء والطين والبرد، تارة بأنه سجد على
الطين ولم يق وجهه بشئ، وأخرى بأنه وقى يديه من دون تعرض
للوجه، مع أن تدقيق الرواة في بيان عمل النبي (ص) في اتقاء يديه
بالكساء عن البرد والطين وتركهم ذكر الجبهة يكشف عن أنه (ص)
لم يق وجهه بشئ حتى يذكره الرواة، وهذا التقيد منه (ص) يفيد
الوجوب الأكيد كما لا يخفى.
47 - عن أبي هريرة قال: سجد رسول الله (ص) في يوم
مطير حتى أني لأنظر إلى أثر ذلك في جبهته وأرنبته (3).
هذه الأخبار المتقدمة بأسرها إما آمرة بمس الأرض الظاهر في
المباشرة في التيمم والسجود كما صرح به في بعض الروايات، أو
آمرة بالسجود عليها، وعلى كل حال ظاهرها لزوم المباشرة أو آمرة

(1) ابن ماجة ج 1 ص 329، وسيرتنا ص 132.
(2) ابن ماجة ج 1 ص 328 / 329.
(3) مجمع الزوائد ج 2 ص 126 عن الطبراني في الأوسط.
59

بمس الأنف ووضعه على الأرض فيفهم حكم السجود بالجبهة
بالأولوية.
أحاديث أهل البيت (عليهم السلام):
20 - عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: (لا تسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن
والكتان) (1).
21 - وعنه عليه السلام أنه قال: " دعا أبي بالخمرة - السجادة
الصغيرة من سعف النخل - فأبطأت عليه، فأخذ كفا من حصى
فجعله على البساط فسجد عليه " (2).
22 - وعنه عليه السلام أو عن أبيه عليه السلام أنه قال:
(لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد
على الأرض فإن كان من نبات فلا بأس بالقيام عليه والسجود
عليه) (3).
23 - وعن الصادق أو أبيه الباقر علهما السلام. " كان أبي -
علي ابن الحسين عليهما السلام - يصلي على الخمرة يجعلها على
الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة

(1) الكافي ط الآخوندي ج 3 ص 330 / 331، وفي البحار ج 85 ص 149 - 159
نقل اخبارا كثيرة في هذا المعنى فراجع وتدبر.
(2) الكافي ج 3 ص 330 / 331، وفي البحار ج 85 ص 148 عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال (الراوي عنه) سمعته يقول: " السجود على ما أنبتت
الأرض إلا ما أكل ولبس ".
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
60

حيث يسجد عليها " (1).
24 - روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
الصادق (ع): " عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب وجهه
الأرض قال: " لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته الأرض) (2).
25 - عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال:
(السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل ولبس (3).
26 - وعنه عليه السلام: " لا يسجد إلا على الأرض أو ما
أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان " (4).
27 - عن أحدهما عليهما السلام قال: " لا بأس بالقيام على
المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض وإن كان
من نبات الأرض، فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه " (5).
28 - عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: " سألته عن
الرجل يصلي على البساط والشعر والطنافس قال لا تسجد عليه وإن
قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس، وإن بسطت عليه
الحصير وسجدت على الحصير فلا بأس " (6).

(1) الكافي ج 3 ص 332، والوسائل ج 3 ص 594 الطبعة الحديثة.
(2) الكافي ج 3 ص 334، والتهذيب ج 2 ص 334 الطبعة الحديثة.
(3) الوسائل ج 3 ص 592، والبحار ج 85 ص 149.
(4) الوسائل ج 3 ص 592، والبحار ج 85 ص 149.
(5) الوسائل ج 3 ص 592 / 594، والروايات من طرق أعلامنا الإمامية رضوان
الله عليهم كثيرة جدا وإنما تركناها مخافة الاطناب وإذا أردت الوقوف عليها
فراجع الوسائل ج 3 باب السجود، والكافي ج 3 باب السجود والبحار
ج 85، والتهذيب ج 2، والفقيه ج 1، ومستدرك الوسائل ج 1 ص 247،
والوافي ج 3 ص 110.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
61

ولا يخفى على من له أدنى إلمام بكتب الإمامية وأحاديث
أئمة أهل البيت عليهم السلام أن أحاديثهم عليهم السلام مسندة إلى
النبي (ص) بسند واحد وهو أن الإمام الذي يروي عنه الحديث رواه
عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي (ص). مثلا يروي جعفر
بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن
أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم الصلاة
السلام عن رسول الله (ص) وقد صرح بذلك أئمة أهل البيت (ع)
في مواطن متعددة كثيرة فلا يبقى إذن ريب لمتوهم في اسناد
أحاديثهم فيزعم الارسال فيها فيتركها ويطرحها - والعياذ بالله - من
أجل ذلك.
وقد صرحوا بلزوم السجود على الأرض وأجزائها ونباتها إلا
المأكول والملبوس وبطلان الصلاة مع السجود على غيرها، وليس
ذلك رأيا من عند أنفسهم، بل رووا ذلك حديثا صحيحا وصريحا
عن رسول الله (ص)، وهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف
عنها غرق.
29 - وعن الصادق (ع): " السجود على الأرض فريضة وعلى
الخمرة سنة " (1).

(1) الكافي ج 3 ص 331، والرسائل ج 3 ص 593 عنه، وعن العلل.
سيأتي الكلام في الخمرة فانتظر.
62

أقول: روي هذا الحديث في البحار ج 85 عن كتاب العلل
هكذا: " السجود على الأرض فريضة وعلى غيرها سنة " وظاهره أن
السجود على الأرض فرض من الله عز وجل، والسجود على غير
الأرض (أو على الخمرة) مما سنه الرسول (ص) يعني أن الذي
شرع في السجود أولا من الله تعالى هو السجود على الأرض فقط،
وأما السجود على النباتات أو على الخمرة التي هي أيضا من النبات
(إذ هي مصنوعة من سعف النخل) فهو ترخيص وتسهيل من الله
تعالى بلسان نبيه الأعظم (ص). وبعبارة أخرى إلحاق نبات الأرض
بالأرض في هذا الحكم سنة، ويشهد لهذا المعنى تقيد النبي (ص)
وتقيد الصحابة بالسجود على الأرض وأجزائها من الحجر والحصى
والرمل والتراب أولا كما تقدم، ثم رخص لهم في السجود على
النباتات ومنها الخمرة ثانيا (1).
قال ابن الأثير في النهاية في " السنة ": إذا أطلقت في
الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي (ص) ونهى عنه وندب إليه
قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة
الشرع الكتاب والسنة، أي القرآن والحديث (انتهى).
فعلى هذا يفيد الحديث أن السجود على الأرض قد ورد في
الكتاب العزيز، مع أنه ليس في ظاهر الكتاب ما يدل على وجوب

(1) روى في البحار ج 85 ص 158 عن مجالس ابن الشيخ بإسناده عن جابر: أن النبي
صلى الله عليه وآله عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها وأخذ عودا
ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال: على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماءا
واجعل سجودك أخفض من ركوعك.
63

السجود على الأرض، إلا أن يقال إن كلمة السجود يفهم منها وضع
الجبهة على الأرض كما تقدم، أو يقال: إن السجود هو الخضوع
والتطامن وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله سبحانه وعبادته، وهو عام
في الإنسان والحيوان والجماد، وذلك ضربان الأول سجود اختيار
وليس ذلك إلا للإنسان (أو عام لجميع الموجودات بحسب ما يظهر
بالدقة في القرآن الكريم) وبه يستحق الثواب وهو مأمور به بنحو
قوله تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) وسجود جبر وتسخير، وهو
في الإنسان والحيوان والنبات وعلى ذلك يحمل قوله تعالى: (ولله
يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم).
وغاية الخضوع والتذلل لله تعالى بحقيقته، هو وضع الجبهة
على الأرض، فعندئذ إذا أطلق الأمر بالسجود في القرآن الكريم،
نستفيد منه المرتبة الكاملة، فهي الواجبة بحسب دلالة القرآن
الكريم، وكفاية ما أنبتت الأرض ترخيص للعباد وتسهيل لهم مستفاد
من قول النبي (ص) وفعله (1).
وقد قيل في توجيه الحديث وجه ثالث: وهو أن السجود على
(2) الأرض ثوابه ثواب الفريضة وعلى ما أنبتته ثوابه ثواب السنة، أو أن
المراد بالأرض الأعم منها وما أنبتته، والمراد من غير الأرض تعيين
شئ خاص للسجود كالخمرة واللوح أو الخريطة من طين قبر
الحسين (ع) وهو بعيد، وإن كان يؤيده في الجملة ما رواه في

(1) هذا التقرير للعلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار ج 85 ص 154، والعلامة
الكاشاني في الوافي ج 3 ص 110 بتوضيح منا.
64

الكافي مرسلا أنه قال: " السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة
سنة " (1).
النصوص المروية عن الصحابة والتابعين أو الأحاديث المرفوعة:
1 - عن أبي أمية أن أبا بكر كان يسجد أو يصلي على الأرض
مفضيا إليها (2).
2 - عن أبي عبيدة أن ابن مسعود لا يسجد - أو قال لا يصلي -
إلا على الأرض (3).
3 - عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره أن يسجد على كور

(1) هذان الوجهان للعلامة المحقق المجلسي رحمه الله تعالى وكلاهما بعيد.
وهنا وجه رابع، وهو أن الفريضة ما وجب من الله سبحانه. إما في القرآن
أو بلسان نبيه الأقدس صلى الله عليه وآله من التوسعة والتضييق بإذنه تعالى، فما
وجب أولا هو السجود على الأرض فقط، ثم شرع صلى الله عليه وآله ترخيص
السجود على ما أنبتته بعد، ولعل الايجاب أولا كان بقوله جعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا والترخيص ثانيا.
(2) المصنف ج 1 ص، 397 وسيرتنا ص 128 عن السنن الكبرى للبيهقي، ونصب
الراية للزيلعي، وكنز العمال ج 4 ص 212 الرقم 4534، وفي طبعة ج 8
ص 83، ومنتخب كنز العمال ج 3 ص 193 هامش المسند.
(3) المصنف ج 1 ص 367، وتحفة الأحوذي ج 1 ص 273، وسيرتنا ص 128 عن
الطبراني في الكبير، ومجمع الزوائد ج 2 ص 57 / 56 عن الطبراني في الكبير.
65

عمامته حتى يكشفها (1).
4 - كان مسروق بن الأجدع من أصحاب ابن مسعود إذا خرج
بلبنة يسجد عليها في السفينة (2).
5 - عن عبادة بن صامت أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر
العمامة عن جبهته، راجع السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 105.
6 - عن ابن عيينة قال: سمعت رزين مولى ابن عباس يقول
كتب إلي علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن " ابعث إلي
بلوح من أحجار المروة أسجد عليه " (3).

(1) المصنف ج 1 ص 401، وفي السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 105 هكذا " عن
نافع أن ابن عمر إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض " وسيرتنا
ص 128.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 53، والمصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 83،
وسيرتنا ص 136 عن المصنف لابن أبي شيبة ج 2 باب من كان يحمل في السفينة
شيئا يسجد عليه فأخرجه بسندين.
(3) أخبار مكة للأزرقي ج 3 ص 151.
علي بن عبد الله بن عباس ولد سنة 40 ليلة قتل علي أمير المؤمنين عليه السلام
فسمي باسمه وكني بكنيته، ثم غير عبد الملك كنيته ومات سنة 117 أو
118 - 114.
وحكى المبرد وغيره أنه لما ولد علي بن عبد الله جاء به أبوه إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فقال ما سميته؟ فقال: أو يجوز لي أن اسميه قبلك؟ فقال عليه السلام: قد
سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك (راجع التهذيب لابن حجر، والعقد
الفريد ج 5 ص 103 / 104 / 105، وابن أبي الحديد ج 7 ص 146 / 150).
66

هذا الخبر يعطي تقيد علي بن عبد الله بالسجود على الحجر
وتبركه بحجر المروة في سجوده في صلاته، وسيأتي الكلام فيه
فانتظر.
7 - عن إبراهيم أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على
الأرض (1).
8 - عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سجد وضع كفيه على
الذي يضع عليه وجهه، قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد
لأنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على
الحصباء (2).
9 - عن عمر قال إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف
ثوبه (3).
10 - عن عمر قال: إذا لم يستطع أحدكم من الحر والبرد
فليسجد على ثوبه (4).

(1) تحفة الأحوذي ج 1 ص 273، وسيرتنا ص 128.
(2) سنن البيهقي ج 1 ص 107، والموطأ لمالك ج 1 ص 177.
(3) كنز العمال ج 8 ص 83.
(4) كنز العمال ج 8 ص 83.
67

القسم الثاني
من أدلة وجوب السجود على الأرض
السجود عند الضرورة
حديث عمر ومصادره
حديث أنس ومصادره
الضرورة تقدر بقدرها
أحاديث أهل البيت عليهم السلام في ذلك
كلام ابن طاووس ره
كلام الأميني ره
69

السجود عند الضرورة
لقد رخص الشارع الحكيم عند الضرورة بالسجود على غير
الأرض وما أنبتته من غير المأكول والملبوس، كالثياب المصنوعة من
الصوف والقطن والكتان، فإن الضرورات تبيح المحظورات، ولا
يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وما جعل
عليكم في الدين من حرج وكل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر.
ومن الواضح أن الأحكام الاضطرارية تقدر بقدر الضرورة،
ولا يجوز التعدي عنها فمن لم يجد أرضا من تراب وحجر ومدر
ورمل ولا نباتا غير مأكول ولا ملبوس، فله أن يسجد على الثياب
المتصلة والمنفصلة وغيرها.
ولكن تحقق الاضطرار إنما هو إذا لم يمكن تبريد الحصى
ولا دفع الحر والبرد بشئ.
ويدل على ما ذكرنا سوى القواعد الكلية المتقدمة عدة من
الأخبار وإليك قسما منها:
1 - عن عمر بن الخطاب قال: إذا لم يستطع أحدكم من الحر
71

والبرد فليسجد على ثوبه (1).
2 - قال أنس: كنا نصلي مع النبي (ص) فيسجد أحدنا على
ثوبه.
وفي لفظ قال: (كنا نصلي مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف
الثوب من شدة الحر في مكان السجود).
وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة
ويداه في كمه (نقله البخاري في باب السجود على الثوب من شدة
الحر).
قال ابن حجر في الفتح ج 1 ص 414 في شرح الحديث:
" وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل، لأنه
علق بعدم الاستطاعة " وكذا نجد البخاري والنسائي والدارمي وابن
ماجة قد عنونوا الباب بالجواز عند شدة الحر والبرد، بل كذا فهم
الصحابة والتابعون والفقهاء كما يستفاد من كلماتهم، وقد تقدم
ذ كرها.
وفي لفظ أبي عوانة وتيسر الوصول " كنا مع رسول الله (ص)
في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته في الأرض
بسط ثوبه يسجد عليه " و " كنا إذا صلينا مع رسول الله (ص) سجدنا
على ثيابنا مخافة الحر ". وفي لفظ مسلم " كنا نصلي مع رسول

(1) كنز العمال ج 8 ص 83، والسنن الكبرى للبيهقي ج 1 ص 82 1، وسيرتنا
ص 130. ونقل عبد الرزاق في المصنف ج 1 ص 398 فتوى عمر وغيره وقد
مضى.
72

الله (ص) في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من
الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ".
وفي لفظ " كنا إذا صلينا مع النبي (ص) فلم يستطع أحدنا
أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد عليه "
لفظ سيرتنا.
راجع السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 160، وكنز العمال
ج 4 ص 213، وفي طبعة ج 8 ص 86، وصحيح مسلم ج 1
ص 433، وسيرتنا ص 130 / 131، والبخاري ج 1
ص 143 / 107، و ج 2 ص 81، والنسائي ج 2 ص 216، وابن
ماجة ج 1 ص 329، وسنن الدارمي ج 1 ص 308، وسنن أبي
داود ج 1 ص 177، وشرح عون المعبود ج 1 ص 249، ومسند
أحمد ج 3 ص 100، والنسائي ج 2 ص 216، ومنتخب كنز
العمال هامش المسند ج 3 ص 217، وشرح الأحوذي ج 1
ص 405، والترمذي ج 2 ص 479، ومسند أبي عوانة ج 1
ص 346، وتيسير الوصول ج 1 ص 315، وكلهم نقلوا هذا
الحديث عن أنس بن مالك بألفاظ متقاربة.
وفي لفظ للبخاري أيضا " كنا إذا صلينا خلف رسول الله (ص)
بالظهائر فسجدنا على ثيابنا اتقاء الحر ".
واهتمامنا بشأن هذا الحديث ليس إلا لاهتمام المحدثين
الاعلام به، ولدلالته على جواز السجود على الثياب عند الضرورة
وعدم جوازه في حال الاختيار كما فهمه المحدثون وشراح
الحديث، ولعلنا نعود إلى ذكر الحديث فيما بعد إن شاء تعالى
وبعد.. فإن للمناقشة في تشخيص حد الاضطرار مجال، لأن
73

أنسا يذكر أنه هو بل الصحابة كما قال الحسن كانوا يسجدون على
الثياب عند شدة الحر، مع أنه كان يمكن لهم دفع الحر إلى تبريد
الحصى كما كان يفعل جابر ونقل أنس أيضا أنه كان يفعله، فهل
مع هذا تصدق الضرورة؟ ليصح السجود على الثوب؟ إلا أن يكون
المدار على الحرج القليل والمشقة اليسيرة وهو مشكل، كيف وقد
نقلوا - كما مر عن ابن عباس وثابت وعبد الله بن عبد الرحمن أن
النبي (ص) اتقى بثوبه يديه من الحر والبرد دون وجهه، ولعلهم
اجتهدوا في تشخيص مقدار الضرورة فاخطأوا.
3 - عن عيينة بياع القصب قال: قلت لأبي عبد الله (ع):
أدخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى
فابسط ثوبي فاسجد عليه؟ قال: نعم ليس به بأس (1).
4 - عن القاسم بن الفضيل قال: قلت للرضا (ع): جعلت
فداك الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال: لا بأس
به (2).
5 - عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له أكون في
السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟
قال: تسجد على بعض ثوبك، فقلت ليس علي ثوب يمكنني أن
أسجد على طرفه وذيله، قال: اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى
المساجد (3).
6 - وعنه قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك الرجل
يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيقي عريانا في سراويل ولا

(1) الوسائل ج 3 ص 596 - 598.
(2) الوسائل ج 3 ص 596 - 598.
(3) الوسائل ج 3 ص 596 - 598.
74

يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟
قال: يسجد على ظهر كفه فإنها إحدى المساجد (1).
7 - وعنه أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن رجل يصلي في حر
شديد فيخاف على جبهته من الأرض قال: يضع ثوبه تحت
جبهته (2).
8 - عبد الله بن جعفر عن أخيه (ع) قال: سألته عن الرجل
يؤذيه الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل له أن يضع
ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال إذا كان مضطرا فليفعل (3).
9 - عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن
الرجل يصلي على الثلج؟ قال: لا فإن لم يقدر على الأرض بسط
ثوبه وصلى عليه (4).
10 - في تحف العقول: " وكل شئ يكون غذاء الإنسان في
مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما
كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، فإذا صار
غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في حال الضرورة (5).
11 - عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الماضي
(ع) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ قال: لا بأس إذا كان
في حال التقية (6).
12 - عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يسجد على المسح؟ فقال: إذا كان تقية فلا بأس (7).

(1) الوسائل ج 3 ص 596 - 598.
(2) الوسائل ج 3 ص 596 - 598.
(3) الوسائل ج 3 ص 593 - 596، والبحار ج 85 ص 152 / 149.
(4) الرسائل ج 3 ص 593 - 596، والبحار ج 85 ص 152 / 149.
(5) الرسائل ج 3 ص 593 - 596، والبحار ج 85 ص 152 / 149.
(6) الرسائل ج 3 ص 593 - 596، والبحار ج 85 ص 152 / 149.
(7) الرسائل ج 3 ص 593 - 596، والبحار ج 85 ص 152 / 149.
75

ويظهر من هذه الأحاديث الواردة عن طرق أئمة أهل البيت
عليهم السلام إن السجود على الثياب والمسوح في حال الاختيار
كان شائعا في زمانهم وصار من شعار التسنن، كما أن السجود على
الأرض كان من شعار أهل البيت حتى رخص الأئمة عليهم السلام
بالسجود على المسح والبساط لضرورة التقية حفظا لدماء شيعتهم
ونعم ما قال بعض فقهاء الشيعة في ذلك ولا بأس بنقل كلامه:
قال علي بن طاوس رضي الله عنه في كتابه الطرائف
ص 170 المطبوع على الحجر: (ومن طرائف أمور جماعة من
الأربعة المذاهب (كذا) أنهم ينكرون على من يعفر وجهه في
سجوده، وقد رووا في صحاحهم عن نبيهم خلاف ما أنكروه وضد
ما كذبوه، ورواه أيضا مسلم في صحيحه في المجلد الثالث بإسناده عن أبي هريرة قال في الحديث ما هذا لفظه: قال أبو جهل هل يعفر
محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم، قال: واللات والعزى
لأن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه بالتراب ثم
قال: في الحديث ما هذا لفظه أنه رآه يفعل فأراد أبو جهل أن يفعل
به ما عزم عليه فحال الملائكة بينه وبينه.
قال عبد المحمود (يعني نفسه) فهل التعفير بدعة كما تزعمون
وهل تراه إلا من سنن نبيهم التي لم يمنعه منها التهديد والوعيد،
وهل ترى انكار التعفير إلا بدعة من أبي جهل، فكيف صارت سنة
نبيهم بدعة وبدعة عدوه الكافر سنة؟ إن هذا من العجائب التي لا
يليق اعتقادها بذوي الرأي الصائب ".
وهل المناسب لحقيقة السجود وهي غاية الخضوع في مقابل
عظمة الله تعالى إلا التراب، فيضع الإنسان وجهه عليه أو على غيره
من سائر أجزاء الأرض في غاية تذلل وعبودية وأقصى مسكنة
76

واتضاع وافتقار له تعالى
كما قال العلامة الفقيد الأميني رحمه الله:
" والأنسب بالسجدة التي إن هي إلا التصاغر والتذلل تجاه عظمة
المولى سبحانه ووجاه كبريائه: أن تتخذ الأرض لديها مسجدا يعفر
المصلي بها خده ويرغم أنفه لتذكر الساجد لله طينته الوضيعة
الخسيسة التي خلق منها وإليها يعود ومنها يعاد تارة أخرى حتى يتعظ
بها ويكون على ذكر من وضاعة أصله ليتأتى له خضوع روحي وذل
في الباطن وانحطاط في النفس واندفاع في الجوارح إلى العبودية
وتقاعس عن الترفع والأنانية ويكون على بصيرة من أن المخلوق من
التراب حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس إلا.
ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف
والديباج والحرير وأمثاله من وسائل الدعة والراحة مما يرى للإنسان
عظمة في نفسه وحرمة وكرامة ومقاما لديه ويكون له ترفعا وتجبرا
واستعلاء وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع (1).
وقد تقدم في روايات أهل البيت عليهم السلام بيان حكمة
وجوب السجود على الأرض حيث قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن
محمد عليهما السلام: (لأن السجود هو الخضوع لله عز وجل، فلا
ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما
يأكلون ويلبسون... (الحديث) وهذه هي حكمة خلق الله سبحانه
للإنسان حيث قال عز من قائل: (وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون).

(1) سيرتنا ص 12 - 126.
77

القسم الثالث
من أدلة وجوب السجود على الأرض
ما عالج به الصحابة (رض) ألم الحر والبرد في السجود
التبريد في اليد
التبريد بتقليب الحصى
أحاديث تقليب الحصى ومسحها
التبريد بالابراد بالصلاة
معنى الابراد
أحاديث الابراد ومصادرها
79

ما عالج الصحابة رضي الله عنهم به ألم الحر والبرد في السجود:
اتضح مما أسلفنا أن السجود منذ بدء تشريعه كان عبارة عن
وضع الجبهة على الأرض، وقد أوجب ذلك متاعب للمسلمين في
الحر والبرد، فشكوا إلى الرسول (ص) فلم يشكهم ولم يرخص في
السجود على غير الأرض فعالجوا ذلك بأمور حتى سهل الله عليهم
بترخيصهم بالسجود على نبات الأرض غير المأكول ولا الملبوس
ونحن نذكر هنا بعض تلك الأمور فنقول:
منها. ما مر من تبريدهم الحصى في أيديهم بتحويل الحصى
من كف إلى كف أخرى حتى تبرد فيضعونها حينئذ ويسجدون عليها
ومنها: تقليبهم الحصى، فقد كانوا يقلبون الحصى في
موضع سجودهم ظهرا وبطنا حتى يخرج منها ما كان غير حار أو ما
لم يكن في مواجهة الشمس. وقد ذكر ذلك في الأحاديث ونهوا عن
كثرة التقليب، وإليك نبذا من النصوص في ذلك:
ا - عن أبي ذر رحمه الله تعالى " لا تمسح الأرض إلا مسحة
81

وأن تصبر عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق " (1).
2 - وعنه قال " سألت النبي (ص) عن كل شئ سألته عن
مسح الحصى فقال: واحدة أو دع " (2).
3 - عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: مر أبو ذر وأنا
أصلي فقال: إن الأرض لا تمسح إلا مسحة واحدة (3).
4 - كان عبد الله بن زيد يسوي الحصى مرة واحدة إذا أراد أن
يسجد (4).
5 - سمع النبي (ص) رجلا يقلب الحصى في المسجد فلما
انصرف قال: من الذي كان يقلب الحصى في الصلاة؟ قال
الرجل: أنا يا رسول الله، قال: حطك من صلاتك (5).
6 - عن ابن جريج قال قلت لعطاء: فإنهم كانوا يشددون في
المسح للحصى لموضع الجبين ما لا يشددون في مسح الوجه من
التراب؟ قال: أجل ها الله إذا (6).

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 39، والسنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 384 / 385
والموطأ لمالك ج 1 ص 172، وتنوير الحوالك ج 1 ص 172.
(2) تنوير الحوالك ج 1 ص 172 - 173، والمصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 40.
(3) المصنف ج 2 ص 40، وتنوير الحوالك ج 1 ص 172 - 173.
(4) المصنف ج 2 ص 40، وتنوير الحوالك ج ا ص 172 - 173.
(5) منتخب كنز العمال ج 3 ص 217 هامش المسند، والمصنف ج 2 ص 41.
(6) المصنف ج 2 ص 41، وتنوير الحوالك.
82

7 - عن معيقيب قال: ذكر النبي (ص) المسح في المسجد
يعني الحصى قال: إن كنت لا بد فاعلا فواحدة (1).
8 - عن أبي ذر رحمه الله قال: إذا أقيمت الصلاة فامشوا
على هيئتكم وصلوا ما أدركتم، فإذا سلم الإمام فاقضوا ما بقي ولا
تمسحوا التراب عن الأرض إلا مرة واحدة، ولأن أصبر عنها أحب
إلي من مائة ناقة سوداء الحدق (2).
9 - عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله (ص) عن
مسح الحصباء فقال: واحدة ولأن تمسكه عنها خير من مائة ناقة
كلها سود الحدق (3).
10 - عن أبي ذر رحمه الله يروي عن النبي (ص) قال: إذا
قام أحدكم للصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصباء (4).
ويفهم من هذه الروايات التي أوردناها وغيرها مما لم نورده
مخافة الاطناب أن الصحابة كانوا يمسحون الحصى لإزالة التراب أو
الغبار عنها أو يمسحونها ليسووها أو يمسحونها لتقليبها.

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 387 بأسانيد متكثرة.
(2) تنوير الحوالك ج 1 ص 172، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 227، والسنن الكبرى
للبيهقي ج 4 ص 223، و ج 2 ص 284 / 285، ومسند أحمد ج 5 ص 150،
ووفاء الوفاء ج 2 ص 655 عن أبي ذر ومعيقيب وحذيفة.
(3) تنوير الحوالك ج 1 ص 173، ومسند أحمد ج 3 ص 300.
(4) تنوير الحوالك ج 1 ص 173.
83

وقد نهوا عن نفخ موضع السجود في روايات كثيرة ورخصوا
في المسح مرة واحدة.
وأما المسح للتسوية، فقد روي الأمر به عن أبي هريرة " إذا
قام أحدكم إلى الصلاة فليسو موضع سجوده ولا يدعه حتى إذا هوى
ليسجد نفخ، فلأن يسجد أحدكم على جمرة خير له من أن يسجد
على نفخته " (1).
وأما المسح والتقليب، فقد نهي عنه في الأخبار، ولعله ليس
نهي تحريم بل نهي كراهة وتنزيه.
والذي نحصل من هذه الأخبار أيضا هو استمرار عمل النبي
(ص) والصحابة على السجود على الأرض، وكانوا يقاسون
المتاعب في الحر والبرد يعالجون ذلك بتقليب الحصى ومسحها.
ومنها: الابراد، يعني كانوا يدفعون وهج الحر بتأخير الظهر
عن أول وقتها حتى تكثر الظلال ويطيب الهواء وتبرد الأرض وتسكن
الحرارة.
وقد أثبت كبار الحفاظ أحاديث كثيرة في هذا الموضوع في
كتبهم وأودعوها في أسفارهم ومسانيدهم، ونحن نذكر منها ما يسعه
المجال ونستفيد منها أمرين: الأول: عدم جواز السجود على غير
الأرض. الثاني: اتضاح معنى الاضطرار بها، يعني كلما أمكن
السجود على الأرض ولو بالابراد فلا يجوز السجود على غير
الأرض.

(1) كنز العمال ج 7 ص 325، وراجع الوسائل ج 4 ص 975.
84

والابراد هو انكسار الوهج والحر كما في النهاية قال: وأما
الحديث الآخر " أبردوا بالظهر " فالابراد انكسار الوهج وآخر، وهو
من الابراد الدخول في البرد، وقيل معناه صلوها في أول وقتها من
برد النهار وهو أوله، أو بمعنى الاسراع والتعجيل.
قال الصدوق رحمه الله بعد نقل الحديث: قال مصنف هذا
الكتاب يعني عجل عجل وأخذ ذلك من التبريد، وقد أشار إليه ابن
الأثير أيضا كما تقدم.
فيكون حينئذ للابراد معنيان الأول. التأخير إلى أن يبرد
الهواء، الثاني: التعجيل بها، وذلك أولا بتخفيف النوافل أو تقديم
النوافل على الزوال أو الاتيان بها بعد صلاة الظهر وثانيا: بتخفيف
الظهر أيضا بترك مستحباتها، ولكن يؤيد المعنى الأول، أي كون
المراد تأخير الظهر عن أول وقتها حتى يبرد الهواء حديث زرارة.
قال عبد الله بن بكير: دخل زرارة على أبي عبد الله (ع) فقال:
إنكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ثم قلتم أبردوا
بها في الصيف فكيف الابراد بها وفتح ألواحه ليكتب ما يقول، فلم
يجبه أبو عبد الله (ع) فأطبق ألواحه وقال: إنما علينا أن نسألكم
وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله
(ع) فقال: إن زرارة سألني عن شئ فلم أجبه وقد ضقت من ذلك
فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك
مثلك والعصر إذا كان مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف
ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير (1).

(1) الوسائل ج 3 ص 110 عن الكشي، والبحار ج 83 ص 42.
85

ويؤيد هذا المعنى، ما هو الظاهر من رواية ابن عباس في
احتجاجه مع الحرورية قال: لما اجتمعت الحرورية يخرجون على
علي (ع) قال: جعل يأتيه رجل فيقول يا أمير المؤمنين القوم خارجون
عليك، قال: دعوهم حتى يخرجوا، فلما كان ذات يوم قلت: يا
أمير المؤمنين أبرد الصلاة فلا تفتي حتى آتي القوم (1).
ويشهد له ما في البخاري ج 1 ص 142، ومسند أبي عوانة
ج 1 ص 347 عن أبي ذر الغفاري قال: كنا مع النبي (ص) في سفر
فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي (ص) أبرد، ثم أراد أن يؤذن
فقال له أبرد حتى رأينا فئ التلول (الحديث).
وكيف كان، فهاك نصوص الأحاديث بألفاظها:
1 - إذا اشتد الحر فابردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح
جهنم (2). (عن ابن عمر)
2 - عن أبي ذر قال: أذن مؤذن النبي (ص) الظهر فقال: أبرد
أبرد، أو قال: انتظر انتظر (3).

(1) جامع بيان العلم ج 2 ص 126.
راجع تفسير الابراد إرشاد الساري ج 1 ص 486 وما بعدها، وفتح الباري
ج 2 ص 16 وما بعدها.
(2) البخاري ج 1 ص 142، والمصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 542 بأسانيد
متعددة، والسنن للبيهقي ج 1 ص 437 بأسانيد متعددة عن أبي هريرة وأبي
سعيد، وص 438 عن ابن عمر وص 439 عن المغيرة بن شعبة والموطأ
لمالك ج ص 36 عن عطاء بن يسار، وص 38 عن أب هريرة، والبحار
ج 83 ص 83، وسنن الدارمي ج 1 ص 274، والنسائي ج 1 ص 248،
وصحيح مسلم ج 1 ص 430 وما بعدها عن أبي هريرة وأبي ذر، و 428 عن
بريدة.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
86

3 - أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم. (عن أبي
سعيد) وفي لفظ: إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من
فيح جهنم. (الحديث عن أبي هريرة)
4 - في حديث قال عمر لأبي محذورة حين أذن له بمكة:
" إن أرضكم معشر أهل تهامة حارة فأبرد، ثم أبرد مرتين أو ثلاثا ثم
أذن ثم ثوب آتك. (عن عكرمة بن خالد، واللفظ للمصنف ج 1
ص 545) (1).
5 - إذا كان اليوم الحار فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من
فيح جهنم (2).
وللعلامة المجلسي رحمه الله في معنى الابراد كلام يشتمل
على ما قدمناه
لا نطيل بنقله فمن أراد الوقوف فليراجع البحار ج 83 ص 42
وما بعدها. وعلى كل حال: فإن الابراد أيضا طريق إلى التخلص
من الحر في السجود وغيره.

(1) المصنف ج 1 ص 545.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 430.
87

الدور الثاني السجود على نبات الأرض.
السجود على نبات الأرض غير المأكول ولا الملبوس
أحاديث السجود على الخمرة ومصادرها.
عمل النبي (ص) والصحابة رضي الله عنهم.
أحاديث أهل البيت عليهم السلام
معنى الخمرة.
أحاديث السجود على الحصير.
أحاديث أهل البيت عليهم السلام فيه.
تحقيق في المراد من ألفاظ الأحاديث
89

تحصل من جميع ما أسلفنا من الأدلة القطعية من أقوال النبي
(ص) وأفعاله وتصريحه وتلويحه وعمل الصحابة رضي الله عنهم
وفتاواهم وفتاوى الفقهاء أن السجود في بدء تشريعه كان على
الأرض فقط إلا عند الضرورة. ولكننا نستفيد من قسم آخر من
الأدلة القطعية المتواترة ترخيصه (ص) لهم فيما بعد بأن يسجدوا
على نبات الأرض غير المأكول والملبوس، وبعبارة أخرى ألحق
نبات الأرض بالأرض وعده من أجزائها، فسهل لهم بذلك أمر
السجود ورفع عنهم الأصر والمشقة وما لا طاقة لهم به،
بل أجاز
لهم صنع شئ من النبات يحملونه معهم في بيوتهم ومساجدهم
وهو الخمرة تنسج من خوص النخل بقدر الوجه فتوضع في
المساجد والبيوت ويسجد عليها في الصلوات، فشاع ذلك وذاع
وكثر وانتشر.
وهذه النصوص وإن كانت كثيرة، ولكننا نورد منها هنا ما تيسر
لنا ونكل الاستقصاء في جمعها إلى وقت آخر.
وها هي تلك النصوص بألفاظها:
ا - عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله يصلي على
91

الخمرة " (1).
2 - عن ابن عباس " أن النبي (ص) كان يصلي على
الخمرة " (2).
3 - عن ابن عمر " كان النبي (ص) يصلي على الخمرة " (3).
4 - عن عائشة " أن النبي (ص) كان يصلي على الخمرة " (4).

(1) تاريخ أصبهان لأبي نعيم ج 2 ص 141، والمصنف ج 1 ص 394، والسنن
الكبرى للبيهقي ج 2 ص 421، وسيرتنا ص 130، ومجمع الزوائد ج 2
ص 57 / 56 عن الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها رجاله ثقات.
(2) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 421، ومسند أحمد ج 1
ص 269 / 309 / 320 / 358 بأسانيد متعددة، والترمذي ج 2 ص 151 عقدا بابا
للخمرة وسيرتنا ص 129، ومنحة المعبود ج 1 ص 85، وفي مجمع الزوائد ج 2
ص 56 / 57 عن جابر عن النبي (ص) " أنه كان يصلي على الخمرة " رواه البزاز.
(3) مسند أحمد ج 2 ص 92 / 98 بسندين، و ج 6 ص 111 " أن النبي (ص) سجد
عل الخمرة "، والطبقات ج 1 ق 2 ص 160، والترمذي ج 2 ص 151، وشرح
عون المعبود ج 1 ص 108، ومجمع الزوائد عن أحمد، والبزاز والطبراني في الكبير
والأوسط وزاد فيه " ويسجد عليها " راجع ج 2 ص 56 / 57.
(4) مسند أحمد ج 6 ص 149 / 179 / 209 / 248 / 334 بأسانيد كثرة، والطبقات
ج 1 ق 2 ص 160 بأسانيد متعددة في باب عقده لذلك، والترمذي بعد نقله عن
ابن عباس قال: وفي الباب عن أم حبيبة وابن عمر وأم سليم وعائشة وميمونة وأم
كلثوم بنت أبي سلمة ثم قال حديث ابن عباس صحيح، وبه يقول بعض أهل
العلم. وقال أحمد وإسحق: وقد ثبت عن النبي (ص): الصلاة عل الخمرة ومنحة
المعبود ج 1 ص 85، ومجمع الزوائد ج 2 ص 56 / 57.
92

5 - عن أم سلمة " أن رسول الله (ص) كان يصلي على
الخمرة " (1).
6 - عن ميمونة " كان رسول الله (ص) يصلي على
الخمرة " (2).
7 - عن أم أيمن قالت: قال لي رسول الله (ص): ناوليني
الخمرة من المسجد، قلت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست
في يدك " (3).
8 - عن أبي قلابة قال: " دخلت أم سلمة فسألت ابنة ابنها
عن مصلى النبي (ص) فأرتني المسجد فإذا فيه خمرة، فأردت أن
أنحيها فقالت: إن النبي (ص) كان يصلي على الخمرة " (4).
9 - عن أم سليم عن النبي (ص) " أنه كان يأتيها فيقيل عندها
فتبسط له نطعا فيقيل عندها، وكان كثير العرق فتجمع عرقه فتجعله

(1) مسند أحمد ج 6 ص 302، والترمذي ج 2 ص 151، وسيرتنا ص 130، والبحار
ج 85 ص 157 عن علي والصادق عليهما السلام.
(2) أخرجه أحمد ج 6 ص 330 / 331 / 335 بأسانيد متعددة، ومنحة المعبود ج 1
ص 85، والترمذي ج 1 ص 151، وسيرتنا ص 126، والطبقات ج 1 ق 2
ص 160، وفتح الباري ج 1 ص 364 / 413، وابن ماجة ج 1 ص 328،
والنسائي ج 2 ص 57، والدارمي ج 1 ص 319، والبخاري ج 1 ص 107،
ومسند أبي عوانة ج 2 ص 80.
(3) الإصابة ج 4 ص 433 في ترجمتها.
(4) الطبقات ج 1 ق 2 ص 161.
93

في الطيب والقوارير قالت: وكان يصلي على الخمرة " (1).
وفي لفظ أحمد ص 103 " كان رسول الله (ص) يدخل على
أم سليم فتبسط له نطعا فيقيل عليه فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها
وتبسط له الخمرة فيصلي عليها ".
10 - عن عائشة: " أن النبي (ص) قال لها ناوليني الخمرة،
قالت: أنا حائض، قال: إنها ليست في يدك ".
وعنها في لفظ: " قالت: قال رسول (ص): ناوليني الخمرة،
قلت: إني حائض، قال: ناولينيها، فإن حيض المرأة ليس في يدها
ولا فمها ".
وفي لفظ: " أن النبي (ص) قال لعائشة: ناوليني الخمرة من
المسجد فقالت: إني أحدثت فقال: أو حيضتك في يدك "؟ (2)

(1) مسند أحمد ج 6 ص 377 بسندين، و ج 3 ص 103، وسيرتنا ص 129، وفي
البحار ج 85 ص 157 عن الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه صلى
عل الخمرة، ومجمع الزوائد ج 2 ص 57 / 56 عن أحمد والطبراني في الكبير وأبي
يعلى إلا أنه قال: " كان لرسول الله (ص) حصير وخمرة يصلي عليهما ". وعن أم
حبيبة زوج النبي (ص) أن النبي (ص) كان يصلي على الخمرة. رواه أبو يعلى
والطبراني في الكبير ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 245، والمصنف ج 1 ص 327، والترمذي ج 1
ص 90، والنسائي ج 1 ص 192، وابن ماجة ج 1 ص 207، وأبو داود ج 1
ص 197، وسنن البيهقي ج 1 ص 186 / 189، ومسند أحمد ج 2
ص 86 / 70، و ج 6 ص 101 - 110 / 112 / 114 / 173 / 214 / 229 / 245،
وتاريخ أصبهان لأبي نعيم ج 2 ص 12، وشرح عون المعبود على سنن أبي داود
ج 1 ص 108 عن أبي هريرة وابن عمرو عائشة، وسنن الدارمي ج 1 ص 248،
ومنحة المعبود ج 1 ص 62.
94

11 - عن عائشة: " أن رسول الله (ص) كان في المسجد فقال
للجارية ناوليني الخمرة، فقالت: إنها حائض، فقال: إن حيضتها
ليست في يدها. فقالت عائشة: أراد أن تبسطها فيصلي عليها " (1).
12 - وعنها: " قال رسول الله (ص): ناوليني الخمرة من
المسجد، قالت: قلت إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في
يدك " (2).
13 - عن ميمونة زوج النبي (ص) قالت: كان رسول الله (ص)
يصلي وأنا حذاءه وربما أصابني ثوبه إذا سجد وكان يصلي على
الخمرة " (3).
14 - عنها أيضا " تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها

(1) الطبقات ج 1 ق 2 ص 160، وسنن الدارمي ج 1 ص 247 / 197، والترمذي ج 1 ص 242 وابن ماجة ج 1 ص 207، وصحيح مسلم ج 1
ص 245، وسنن أبي داود ج 1 ص 68، والنسائي ج 1 ص 146 / 192،
ومسند أحمد ج 6 ص 45 / 106 / 179 / 214 / 229 / 245، وقريب منه في
مسند أبي عوانة ج 1 ص 314 / 313 بأسانيد متعددة.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) صحيح مسلم ج 1 ص 458، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 328، وسنن البيهقي
ج 2 ص 421، وإرشاد الساري ج 1 ص 405 / 406، والبخاري ج 1
ص 90 / 106، وسنن أبي داود ج 1 ص 176، وشرح عون المعبود ج 1
مر 248، والدارمي ج 1 ص 319، وفتح الباري ج 1 ص 364 / 410، وتيسير
الوصول ج 1 ص 315 ط هند لابن البديع.
95

وهي حائض " (1).
15 - عنها أيضا " أن رسول الله (ص) يدخل عليها قاعدة وهي
حائض فتبسط له الخمرة في مصلاه فيصلي عليها في بيتي (في
حديث طويل اختصرناه) (2).
16 - عنها أيضا قالت " كان رسول الله (ص) يضع رأسه في
حجر أحدنا فيتلو القرآن وهي حائض أو تقوم إحدانا بخمرته إلى
المسجد فتبسطها وهي حائض) (3).
17 - أن عثمان بن حنيف قال: يا جارية ناوليني الخمرة،
قالت: لست أصلي، قال: إن حيضتك ليست في يدك " (4).
18 - أن ابن عمر كان يصلي على خمرة تحتها حصير بيته في
غير مسجد فيسجد عليها ويقوم عليها (5).
19 - عن ابن عمر: أن جواريه يغسلن رجليه وهن حيض
ويلقين إليه الخمرة (6).

(1) النسائي ج 2 ص 147 / 192.
(2) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 325.
(3) النسائي ج 1 ص 192.
(4) الطبقات ج 8 ص 313.
(5) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 394.
(6) الموطأ لمالك ج 1 ص 73، والمصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 327 / 396، وسنن
الدارمي ج 1 ص 246، وقريب منه ص 249.
96

20 - كان عمر بن عبد العزيز يصلي على الخمرة (1).
21 - " قد كان بعض نساء النبي (ص) تسكب عليه الماء وهي
حائض وتناوله الخمرة " (2).
22 - " ولا بأس أن تسكب الحائض على يد المتوضي وتناوله
الخمرة " (3).
وتوجد هذه الأحاديث في وسائل الشيعة ج 1 ص 595 عن
المشايخ الثلاثة والمحاسن للبرقي وفي البحار ج 81 ص 108
فراجع وتدبر.
وأخرج في الوسائل ج 3 ص 603 الأخبار الدالة على جواز
السجود على الخمرة وقد تقدم بعضها، وروى عن الكافي عن أبي
جعفر (ع) " سئل عن الصلاة على الخمرة المدنية فكتب: صل على
ما كان معمولا بخيوطه ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة " (4).

(1) الطبقات ج 1 ق 2 ص 366.
(2) الكافي ج 3 ص 0 11 الطبعة الحديثة، والتهذيب ج 1 ص 397، والطبعة
ا لحديثة.
(3) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 95 الطبعة الحديثة.
(4) السيور ما يقد من الجلد، ولعل الفرق بين ما كان معمولا بخيوطه وما كان معمولا
بسيورة مع أنهما مستوران بسعفهما أن الصناع، قد لا يحترزون عن الميتة، أو يريدون
أن دباغها طهورها كما عن الوافي (راجع الكافي ج 3 ص 331 في الهامش)
والسيور بضمتين جمع السير قدة من الجلد مستطيلة.
وفي البحار ج 85 ص 151 / 150 نقل عن علي بن الريان قال: كتب بعض
أصحابنا إليه يعني أبا جعفر عليه السلام، عن الصلاة على الخمرة المدنية فقال:
صل فيها ما كان معمولا بخيوطه ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة (....
فقال) اعلم أن الفرق بين ما كان بخيوط أو بسيور أن ما كان بخيوط لا تظهر
الخيوط بوجهه كما هو المشاهد بخلاف السيور فإنها تظهر إما بأن تغطيه جميعا فالنهي
للحرمة، أو بعضه بحيث لا يصل من الجبهة بمقدار الدرهم إلى الحصير، فبناء على
اشتراطه على الحرمة أيضا وإلا فعلى الكراهة الخ...
97

وعن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: لا يستغني
شيعتنا عن أربع: خمرة يصلي عليها.
والخمرة على ما نص عليه اللغويون وشارحو كتب الحديث:
سجادة صغيرة تنسج من خوص النخل بمقدار الوجه، وهاك
نصوصهم:
قال في لسان العرب: الخمرة حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج
من سعف النخل وترمل بالخيوط وقيل حصيرة أصغر من المصلى،
وقيل الحصير الصغير الذي يسجد عليه وفي الحديث " أن النبي
(ص) كان يسجد على الخمرة " وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه
ينسج من سعف النخل. قال الزجاج: سميت خمرة لأنها تستر
الوجه من الأرض. وفي حديث أم سلمة " قال لها وهي حائض
ناوليني الخمرة " وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده
من حصيرة أو نسيجة خوص ونحوه من النبات. قال: ولا تكون
خمرة إلا في هذا المقدار وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة
بسعفها. قال ابن الأثير وقد تكرر في الحديث هكذا فسرت. وقد
جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فارة فأخذت تجر
الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله (ص) على الخمرة
التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم. قال: وهذا
98

صريح في اطلاق الخمرة على الكبير من نوعها. وقال في النهاية:
وفي حديث أم سلمة " قال لها وهي حائض ناوليني الخمرة " هي
مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة
خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار،
وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها وقد تكرر في الحديث
إلى آخر ما مر من لسان العرب.
وفي القاموس: الخمرة بالضم، حصيرة صغيرة من السعف.
واكتفى السيوطي في تنوير الحوالك ج 1 ص 73 / 74،
والنووي في شرحه على صحيح مسلم ج 3 ص 211 بنقل كلام ابن
الأثير وقال: وصريم جماعة بأنها لا تكون إلا قدر ما يضع الرجل حر
وجهه في سجوده.
وفي تاج العروس: وهي حصيرة صغيرة تنسج من سعف
النخل وترمل بالخيوط، ثم نقل كلام الزجاج المتقدم عن لسان
العرب.
وفي وفاء الوفاء ج 2 ص 662 نقل عن الطبري وابن زيد أنها
سجادة أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخل ويرسل بالخيوط.
وفي دائرة المعارف الإسلامية ج 11 ص 276 (كلمة سجادة)
كلام في معنى الخمرة لا يخلو عن فائدة قال " ونحن نجد في الوقت
نفسه أنه قد تردد أن النبي (ص) كان يؤدي الصلاة على خمرة
(البخاري كتاب الصلاة باب 21 مسلم كتاب المساجد حديث 370
الترمذي كتاب الصلاة باب 129 أحمد بن حنبل ج 1
ص 269 / 308 وما بعدها 320 / 358 ج 2 ص 91 بعدها،
والنسائي كتاب المساجد باب 43، ابن سعد ج 1 رقم 2 ص 160
والظاهر أن الخمرة لم تكن تختلف عن الحصير في المادة، وإنما
99

كانت تختلف عنه في الحجم ويقول محمد بن عبد الله العلوي في
حواشيه على ابن ماجة (كتاب الإقامة باب 63 / 64) أن الخمرة
تتسع للسجود فحسب، وأما الحصير فكان طول الرجل.
وفي شرح عون المعبود لسنن أبي داود ج 1 ص 248 نقل
عن الطبري وفتح الباري والأزهري وأبي عبيد الهروي وجماعة
بعدهم: أنها مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سميت بذلك
لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها فإن كانت كبيرة سميت
حصيرا.
ويقرب من هذا المعنى ما في إرشاد الساري ج 1 ص 365،
وشرح الأحوذي لجامع الترمذي ج 1 ص 126 / 272، وفتح الباري
ج 1 ص 411 / 364، وهامش الترمذي ج 2 ص 151 / 152.
وفي هامش البحار ج 76 ص 136: الخمرة حصيرة صغيرة
تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط، وكان أصل استعمالها خمرة
أي سترة وغطاء لرأس الكوز والأواني، ولما كانت مما أنبتت الأرض
وكانت سهل التناول اتخذها رسول الله (ص) مسجدا لجبهته
الشريفة، فصارت السجدة على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة،
وليس للخمرة التي تعمل من سعف النخل خصوصية بالسنة بل
السنة تعم كل ما أنبتت الأرض.. الخ.
أقول: والذي تحصل من التدبر في كلام اللغويين والمحدثين
والفقهاء، هو أن الخمرة كانت تصنع من السعف أو نحوه، ولا
تكون إلا بمقدار الوجه، وإن أطلق أحيانا على ما هو أكبر من ذلك
بالعناية والمجاز، وإلا فما كان كبيرا حصير.
وأما بدء صنعها فهل كان من أجل تخمير الأواني أولا، ثم
اتخذها رسول الله (ص) للسجود لكونها أسهل تناولا أم أنها صنعت
100

لغاية السجود فقط؟ لم نقف على دليل يؤيد أيا من الأمرين.
وكذا لم نقف على تاريخ صنعها ولا على تاريخ توسعة
الرسول (ص) للمسلمين في السجود على نبات الأرض، نعم الثابت
هو أن الترخيص كان في المدينة بعد مضي مدة ليست بقليلة كما
يظهر من الأخبار المتقدمة.
الصلاة على الحصير:
ومن المقطوع به أنه لا خصوصية للخمرة، بل هي أحد أفراد
النبات الذي يصح السجود عليه إذ المنقول متواترا هو أن النبي
(ص) كان يسجد على الحصير. فقد روى أنس بن مالك " أن رسول
الله (ص) صلى على حصير " (1).
وعن أنس قال: كان رسول الله (ص) أحسن الناس خلقا،
فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس،
ثم ينضح ثم يؤم رسول الله (ص) ونقوم خلفه فيصلي بنا، وكان
بساطهم من جريد النخل (2).
وعنه: أن جدته مليكة دعت رسول الله (ص) لطعام صنعته

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 394، ومسند أحمد ج 3 ص 179، والدارمي ج 1
ص 319.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 457، والسنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 436، والبداية
والنهاية ج 6 ص 38 عن أحمد، وسيرتنا ص 129، ومسند أحمد ج 3 ص 212،
والرصف ص 288، وسنن الدارمي ج 1 ص 295.
101

فأكل منه ثم قال: قوموا فاصلي معكم قال أنس بن مالك: فقمت
إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه
رسول الله (ص)... فصلى بنا. (الحديث) (1)
وعن أبي سعيد الخدري: أنه دخل على رسول الله (ص)
فوجده يصلي على حصير يسجد عليه (2).
وعن أنس بن مالك قال: كان النبي (ص) يزور أم سليم
أحيانا فتدركه الصلاة فيصلي على بساط لنا وهو حصير ينضحه
بالماء (3).
عن أبي سعيد قال: صلى رسول الله (ص) على حصير (4).
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ج 1 ق 2 ص 159 عن أنس
قال رأيت في بيت أبي طلحة يصلى على بساط وقد تقدم أن
بساطهم وقتئذ كان من جريد النخل.

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 457، وصحيح البخاري ج 1 ص 107 - 218، وسنن
الدارمي ج 1 ص 295، والنسائي ج 2 ص 85، وأبو داود ج 1 ص 166،
ومسند أحمد ج 3 ص 130، وفتح الباري ج 1 ص 411 / 412، ومسند أبي عوانه
ج 2 ص 80، وتيسير الوصول ج 1 ص 315.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 458 / 369، ومسند أبي عوانة ج 2 ص 79.
(3) الطبقات ج 8 ص 312، وسنن أبي داود ج 1 ص 177، وقريب منه في مسند
أحمد ج 3 ص 226.
(4) سنن ابن ماجة ج 1 ص 328، ومسند أحمد ج 3 ص 10 / 59، وفتح الباري ج 1
ص 413
102

وفي نفس المصدر عنه قال: صلى بنا رسول الله (ص) في
بيت أم سليم على حصير قد تغير من القدم ونضحه بشئ من ماء
فسجد عليه.
عن عائشة " أن النبي (ص) كان له حصير يبسطه ويصلي عليه " (1)
أحاديث أهل البيت (ع) في ذلك:
وقد تقدم من طرف أهل البيت عليهم السلام الترخيص
بالسجود على النبات، ولا بأس بنقل أحاديث أخرى في ذلك
أيضا:
روي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): (لا بأس
بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا التمرة) (2).
وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال:
ذكر أن رجلا أتى أبا جعفر (ع) وسأله عن السجود على البوريا
والحصفة والنبات، قال: نعم (3).
وعن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن
السجود على الحصر والبواري فقال: لا بأس، وأن يسجد على
الأرض أحب إلي، فإن رسول الله (ص) كان يحب ذلك أن

(1) فخ الباري ج 1 ص 413.
(2) الوسائل ج 3 ص 593.
(3) الوسائل ج 3 ص 593.
103

يمكن جبهته من الأرض، فأنا أحب لك ما كان رسول الله (ص)
يحبه (1).
عن ياسر الخادم قال: مر أبو الحسن (ع) وأنا أصلي على
الطبري وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه فقال لي: ما لك لا
تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض (2).
عن هشام بن الحكم في حديث قال: السجود على
الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل (3).
عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الصلاة
على البساط والشعر والطنافس قال: لا تسجد عليه وإذا قمت
عليه وسجدت على الأرض فلا بأس، وإن بسطت عليه الحصير
وسجدت على الحصير فلا بأس (4).
عن علي (ع) أن رسول الله (ص) صلى على حصير (5).
والأخبار في صلاته (ص) وسجوده على الحصير
كثيرة من أراد الوقوف عليها فليراجع السنن الكبرى للبيهقي
ج 2 ص 421 عن أبي سعيد، والنسائي ج 2 ص 57،

(1) الوسائل ج 3 ص 609.
(2) الوسائل ج 3 ص 595، والبحار ج 85 ص 148 قال الطبري: " لا يبعد أن يراد
به الحصير الطبري، وفي الأقرب أنه نسبة إلى طبرية بلدة بواسط.
(3) الوسائل ج 3 ص 608.
(4) البحار ج 85 ص 157 وقد مر عن الوسائل.
(5) البحار ج 85 ص 157.
104

وإرشاد الساري ج 1 ص 405، وشرح النووي بهامشه ج 3
ص 164، وشرح الأحوذي لجامع الترمذي ج 1 ص 273،
وعون المعبود ج 1 ص 249، وسيرتنا ص 129 / 130،
والرصف ص 288، ومنحة المعبود ج 1 ص 85، وراجع
الوسائل ج 3 باب السجود، والبحار ج 85 ص 144 - 159،
وسنن أبي داود ج 1 ص 177، وتيسير الوصول ج 1 ص 315.
تحقيق في المراد من ألفاظ الأحاديث:
هذا.. ولا يخفى على المتدبر أن كلمة " صلى على
بساط أو طنفسة أو عبقري أو طبري " لا تدل على أنه (ص) قد
سجد عليها، إذ يمكن أن يقف المصلي عليها ويسجد على
التراب أو الخمرة أو نحوها كما تقدم أنه " يقوم على البردي
ويسجد على الأرض ". وأما كلمة صلى على خمرة، فتدل على
السجود عليها، إذ الخمرة لا تسع إلا الوجه، فالصلاة عليها لا
معنى لها إلا السجود عليها ولهذا الفرق صرح أبو سعيد بقوله:
" فوجده يصلي على حصير يسجد عليه " نعم قد تدل عبارة
" صلى على حصير " على السجود عليه في مقام لقرينة خاصة.
وهنا كلام للعالم الكبير والمحقق الجليل السيد علي بن
طاووس رضوان الله تعالى عليه لا بأس بنقله. قال رحمه الله
تعالى في الطرائف المطبوع على الحجر ص 169:
" ومن طريف ما رأيت انكار بعض المسلمين على بعضهم
السجود في الصلاة على سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل
وتشديدهم في انكار دنك، وقد رأيت في كتبهم الصحاح
عندهم يتضمن أن نبيهم فعل ذلك، وكتابهم يتضمن لقد كان
105

لكم في رسول الله أسوة حسنة، فمن ذلك ما ذكره الحميدي في
الجمع بين الصحيحين في مسند ميمونة بنت الحارث الهلالية
في الحديث الثالث من المتفق عليه، وهي من أزواج نبيهم
المشكورات بلا خلاف بينهم قالت: كنت حائضا لا أصلي وأنا
مفترشة بحذاء مسجد رسول الله (ص) وهو يصلي على خمرته.
ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه المشار إليه في
مسند أم سلمة بنت ملحان أم أنس بن مالك في الحديث الثاني
من أفراد مسلم قالت: وكان النبي (ص) يصلي على خمرة
وروى نحو ذلك في مسند عائشة، وفي مسند أبي سعيد
الخدري. قال عبد المحمود مؤلف هذا الكتاب. قد أجمع أهل
اللغة على أن الخمرة سجادة صغيرة تعمل من النخل ".
106

الدور الثالث
اجتهادات ومزاعم في جواز السجود على مطلق الثياب
الأحاديث والأدلة لهم
الجواب عن تلك الأدلة المزعومة
بحث حول الألفاظ الواردة في الأحاديث
107

اجتهادات ومزاعم:
تقدم في عد أقوال الصحابة والتابعين نسبة جواز السجود على
الثياب من القطن بل على كل شئ إلى جمع منهم كانس بن مالك
وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة ومكحول والحسن وشريح
وعبد الرحمن بن يزيد، وقد قدمنا نصوصهم في ذلك ورووا في
ذلك، أحاديث فلا بد من نقل أدلتهم التي خضع لها فقهاؤهم بعد
وأطبقوا على الفتوى بمضمونها.
1 - عن أبي هريرة: " كان رسول الله (ص) يسجد على كور
عمامته (1).
2 - عن ابن عباس: " أن النبي (ص) صلى في ثوب يتقي
بفضوله حر الأرض وبردها " (2).

(1) كنز العمال ج 8 ص 85، والمصنف ج 1 ص 400.
(2) شرخ الأحوذي ج 1 ص 405.
109

3 - عن المنيرة بن شعبة: " كان رسول الله (ص) يصلي على
الحصير والفرو المدبوغة " (1).
وفي لفظ: " كان لرسول الله (ص) فرو، وكان يستحب أن
تكون له فرو مدبوغة يصلي عليها ".
4 - عن جعفر بن عمر أو غيره: أن النبي (ص) كان في بيت
وكف عليه، فاجتذب نطعا فصلى عليه (2).
5 - عن أنس: كنا نصلي مع النبي (ص) فيسجد أحدنا على
ثوبه (3).
6 - صلى ابن عباس وهو بالبصرة على بساط، ثم حدث أصحابه
أن رسول الله (ص) كان يصلي على بساطه (4).
7 - صلى ابن عباس على طنفسة أو بساط قد طبق بيته (5).

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 177، وشرح عون المعبود ج 1 ص 249، والطبقات ج 1
ق 2 ص 159، وسيرتنا ص 133 عن أبي داود، والبيهقي في السنن ج 2
ص 420.
تكلم الأميني رحمه الله في " سيرتنا " في سند هذا الحديث فقال: والاسناد
ضعيف بالمرة.. إلخ.
(2) المصنف ج 1 ص 396.
(3) البخاري ج 1 ص 107.
(4) سنن ابن ماجة ج 1 ص 328.
(5) المصنف ج 1 ص 395 / 396 بأسانيد متعددة.
110

8 - عن أبي وائل: أن ابن مسعود صلى على مسح (1).
9 - عن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي
على عبقري (2).
10 - عن جابر " أنه (ص) كان يسجد على كور عمامته " (3).
11 - عن ابن عباس: " رأيت رسول الله (ص) يصلي يسجد
على ثوبه " سيرتنا ص 131، عن أبي يعلى والطبراني في الكبير.
12 - عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس أمهم في ثوب واحد
مخالفا بين طرفيه على طنفسة قد طبقت البيت (4).
هذه جملة ما وقفنا عليه من أدلة القائلين بالجواز، ولكن
التدبر فيما تقدم من الأدلة وما عمله الرسول (ص) والصحابة يقضي
بعدم امكان الاعتماد على هذه الأدلة، لوضوح الاشكال فيها من
جهات:
الأولى: أن الأدلة على فرض تماميتها سند ودلالة سندا
ودلالة، لا تقاوم ما مر من الروايات المتواترة والمتضافرة الدالة على
حصر جواز السجود بالأرض فقط، كقوله (ص): " جعلت لي

(1) المصنف ج 1 ص 396.
(2) المصنف ج 1 ص 395.
(3): شرح الأحوذي لجامع الترمذي ج 1 ص 405.
(4) المصنف ج 1 ص 396.
111

الأرض مسجدا وطهورا " وغيره من الأحاديث، وما مر من استمرار
عمل الرسول (ص) والصحابة رضي الله عنهم على ذلك، وما مر
من حصر جواز السجود على الثياب بحال الاضطرار فقط.
الثانية: اطباق كبار الفقهاء على حصر الجواز بصورة
الاضطرار، بحيث أرسلوه ارسال المسلمات كالبخاري والنسائي
والدارمي وابن ماجة والنخعي والسلماني وصالح بن خيوان وعمر بن
عبد العزيز وعروة بن الزبير والإمام الشافعي والشوكاني وابن حجر
والإمام مالك وأعاظم الصحابة، لأنهما خصوا السجود بالثياب بحال
الضرورة كما تقدم من أقوالهم مفصلا، بل ناقل حديث الاضطرار
وهو أنس بن مالك هو أحد رواة حديث: " شكونا إلى النبي (ص)
حر الرمضاء فلم يشكنا " وكذلك ابن مسعود، فإنه لا يرى السجود
إلا على التراب، فكيف ينسب إليهما الجواز على الاطلاق.
الثالثة: وقد أنكر البيهقي حديث السجود على كور العمامة
حيث قال: " قال الشيخ: وأما ما روي في ذلك عن النبي (ص) من
السجود على كور العمامة، فلا يثبت شئ من ذلك، وأصح ما
روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي
(ص) (1) وقد حمله مكحول على الاضطرار. وقد روى عن ابن
راشد قال: رأيت مكحولا يسجد على عمامته، فقلت: لم تسجد
عليها؟ فقال: أتقي البرد على إنساني - أي عيني - (2).

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 106.
(2) المصنف لعبد الرزاق ج (ص 400.
112

مضافا إلى أن الراوي هو أبو هريرة وهو هو (1)، والراوي عنه
عبد الله وسيأتي تضعيفه، مع أن النبي (ص) قد نهى عن السجود
على كور العمامة صريحا كما مر.
قال في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 6
ص 281 حول السجود على كور العمامة: وذهب الشيعة إلى عدم
الجواز ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، لأنه لم
يثبت عن النبي (ص) أنه سجد على كور عمامته وكان ينهى عن
ذلك. نعم روى عبد الله بن محرر عن أبي هريرة: أن النبي (ص)
سجد على كور عمامته، وهذا غير صحيح، لأن عبد الله متروك
الحديث كما قال ابن حجر وأبو حاتم والدارقطني. وقال البخاري:
إنه منكر الحديث وهو أحد قضاة الدولة، ولم يذكر علماء الرجال
سماعه من أبي هريرة، وقال الحافظ ابن حجر: لم يذكر عن النبي
(ص) أنه سجد على كور عمامته ولم يثبت ذلك عنه في حديث
صحيح (راجع شرح المواهب للزرقاني ج 7 ص 321).
وقال النووي: إن العلماء مجمعون على أن المختار مباشرة
الجبهة للأرض، وأما المروي عن النبي (ص): أنه سجد على كور
عمامته، فليس بصحيح. قال البيهقي: فلا يثبت في هذا شئ،
وأما القياس على باقي الأعضاء إنه لا يختص وضعها على قول وإن
وجب ففي كشفها مشقة بخلاف الجبهة.

(1) راج أبي هريرة للعلامة الفقيه ضرف الدين رحمه الله، وكتاب شيخ المضيرة،
وكتاب أبو هريرة في التيار.
113

وعلى كل حال هذا الحديث مردود عند العلماء وأهل التحقيق
وحديث ابن عباس صريح في الاضطرار لمكان قوله " يتقي
بفضوله حر الأرض وبردها، وروايته الأخرى تحمل عليه وإن كانت
مطلقة لقوله " رأيت رسول الله (ص) يصلي يسجد على ثوبه ".
وحديث: المغيرة بن شعبة فيه ما لا يخفى من ضعف الرجل
وضعف روايته به، وهو هو يعرفه العلماء شابا وكهلا وشيخا، وهو
مع ذلك لم يصرح بالسجود على الفرو إذ الصلاة عليه أعم من أن
يسجد عليه أو يضع شيئا عليه كالخمرة ونحوها والتراب والحجر
فيسجد عليها (1) وقد تقدم عن إبراهيم النخعي: أنه كان يقوم على
البردى ويسجد على الأرض، وكذا ما مر عن عمر بن عبد العزيز،
وغير ذلك مما مر من وضع شئ على البساط والطنفسة والسجود
عليه وعلى كل حال لا ملازمة عقلية ولا عادية ولا عرفية بين الصلاة
على الشئ وبين السجود، إلا إذا كان لا يسع إلا السجود فقط،
وحينئذ فقوله " صلى على الخمرة " يكون معناه سجد على الخمرة
كما تقدم.

(1) وقد تقدم حديث أبي سعيد " دخلت على رسول الله (ص) وهو يصلي على حصير
يسجد عليه " إذ تصريحه بالسجود عليه دليل على ما قلناه من تعميم الصلاة على
الشئ من السجود عليه، وكذا ما نقلوا أن ابن مسعود صلى على مسح مع أنه لا
يرى السجود إلا على التراب، فلا محيص من أنه وضع ترابا على المسح فسجد
عليه، كذا تلميذه مسروق بن الأجدع فبهذا يعرف الجواب عن قولهم: إنه صلى
على بساط أو عبقري أو بردى أو طنفسة أو درنوك أو فحل أو وطاء كما ورد في
ا لأحاديث.
114

وكذا الكلام في حديث جعفر الذي فيه الصلاة على النطع،
مع أن جعفر هذا لا نعرفه.
وأما حديث أنس " كنا نصلي مع النبي (ص) فيسجد أحدنا
على ثوبه " فمحمول على الاضطرار، بقرينة ما نقله البخاري عنه
بعد الحديث المذكور " كنا نصلي مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف
الثوب من شدة الحر في مكان السجود " وهذه توضيح وتفسير
للحديث الأول كما لا يخفى، مع أن الحديث مطلق قابل للتقييد
في نفسه. وقد حمل البخاري كلام الحسن في سجود الصحابة
على العمامة والقلنسوة على الاضطرار كما تقدم.
وحديث ابن عباس " أن رسول الله (ص) كان يصلي على
بساطه " فيه ما تقدم من أن الصلاة على الشئ أعم من السجود
عليه، وكذا حديث أن ابن عباس صلى على طنفسة أو بساط قد
طبق بيته، وكذا حديث أن ابن مسعود " صلى على مسح "، وحديث
أن " عمر بن الخطاب يصلي على عبقري ".
الرابعة: أن صلاتهم وسجودهم على البساط لا يدل على
جواز السجود على الثياب كما تقدم من التصريح بأن البساط وقتئذ
كان من جريد النخل أو الحصير، ولا اشكال في السجود على
النباتات. (راجع صحيح مسلم ج 1 ص 45، السنن الكبري
للبيهقي ج 2 ص 432، والبداية والنهاية ج 6 ص 38، وسيرتنا
ص 129، ومسند أحمد ج 3 ص 212، وسنن الدارمي ج 1
ص 295 والرصف ص 288).
وقد تنبه لذلك صاحب دائرة المعارف الإسلامية حيث قال:
" إن الصلاة كانت تؤدى على البسط " (أنظر مثلا الترمذي كتاب
الصلاة باب 131 حيث ورد ذكر البساط، وكذلك ابن ماجة كتاب
115

إقامة الصلاة باب 63، وأحمد بن حنبل ج 1 مر 222 / 372 و ج 3
ص 160 / 171 / 184 / 212)، ويلاحظ في الحديث الأخير أن هذا
البساط كان يصنع من جريد النخل ويضيف الترمذي أن معظم
الفقهاء يجوزون الصلاة على الطنفسة أو البساط، وكان ثمة بساط
من هذا القبيل مصنوع من جريد النخل، تؤدى عليه الصلاة...
وكان يعرف باسم الحصير (أنظر مثلا البخاري كتاب الصلاة
باب 20، أحمد بن حنبل ج 3 ص 52 / 59 / 130 وما بعدها
145 / 149 / 164 / 179 / 184 وما بعدها 90 / 226 / 291 /. وقد
ورد هذا الحديث أيضا في مسلم كتاب المساجد حديث 266،
وعلق النووي قائلا: إن الفقهاء بصفة عامة يصرحون بأن الصلاة
يجوز أن تؤدى على أي شئ تنبته الأرض " (1).
وقد صرح أنس بن مالك بذلك في حديث " أن النبي (ص)
كان يزور أم سليم فتدركه الصلاة أحيانا فيصلي على بساطنا وهو
حصير " (الحديث). وقال الأحوذي في شرحه ج 1 ص 273 في
شرح حديث أنس " كان رسول الله (ص) يخالطنا حتى كان يقول لأخ
لي صغير يا أبا عمير ما فعل نغير قال ونضح بساط لنا فصلى عليه
(راجع مسند أحمد ج 3 ص 119) (2) قال قال السيوطي فسر في
سنن أبي داود بالحصير قلت روى أبو داود في سننه ج 1 ص 177
عن أنس بن مالك فنقل ما تقدم ثم قال: وقال العراقي في شرح

(1) أنظر ج 11 كلمة " سجادة " ص 275.
(2) مسند أبي عوانة ج 2 ص 79.
116

الترمذي: فرق المصنف بين حديث أنس في الصلاة على الحصير
وعقد لكل منهما بابا، وقد روى ابن أبي شيبة في سننه ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ فيصلي أحيانا على بساطنا وهو
حصير فينضحه بالماء. قال العراقي: فتبين أن مراد أنس بالبساط
الحصير، ولا شك أنه صادق على الحصير، ثم نقل رواية ابن
عباس " أن النبي (ص) صلى على بساط " وضعفه.
ولعل المراد من الطنفسة والبردى والعبقري والفحل والوطاء
والدرنوك والمسح معان تنطبق على المصنوع من النبات:
إذا الطنفسة (بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح
الفاء) البساط الذي له خمل وفي أقرب الموارد: البساط والثوب
والحصير.
والبردى: الحصير كما في مصنف عبد الرزاق ج 1
ص 397، أو نبات يعمل منه الحصير.
والعبقري ضرب فاخر من البسط. قال في ذيل أقرب
الموارد: العبقر كجعفر، أول ما ينبت من أصول القصب، فلعل
العبقري هو المصنوع من القصب، أو لعله الحصير المنقوش (1)
ويؤيده ما تقدم أنه لم يكن البساط، وقتئذ إلا من جريد النخل، وبه
يرد ما في النهاية: (ومنه حديث عمر أنه كان يسجد على عبقري)
قيل هو الديباج، وقيل البسط الموشية، وقيل الطنافس الثخان.

(1) كما في هامش المصنف عن أبي عبيدة: أنه هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش.
117

والفحل هو الحصير الذي أسود. وفي النهاية: الفحل ها هنا
حصير معمول من سعف فحال النخل، وهو فحلها وذكرها الذي
تلقح منه فسمي الحصير فحلا مجازا.
والمسح بكسر الميم: البلاس، وهو نسيج من الشعر، ولعله
أطلق على البساط عموما مجازا.
والدرنوك: ستر له خمل وجمعه درانك، ومنه حديث ابن
عباس " قال عطاء: صلينا معه على درنوك قد طبق البيت كله " (1).
ولعل هؤلاء المجتهدين لم يفرقوا بين صلى على البساط
والثوب وسجد على البساط والثوب، أو أنهم شاهدوا عملا ولم
ينتبهوا إلى الاضطرار المرخص، له أو رأوا السجود على الحصير أو
البساط الذي صنع من جريد النخل أو على الخمرة وقاسوا عليها
غيرها من دون نظر إلى الفرق بين النبات وغيره كما مر عن الزهري
من الاستدلال على السجود على الطنفسة بجوازه على الخمرة، أو
سمعوا أن ابن عباس سجد على البساط ولم يتوجهوا إلى أن البساط
حينئذ كان من جريد النخل.
وبعد ذلك كله، فإنه لا مناص في مقابل الأدلة القطعية
المتقدمة إن لم يكن ما ذكرناه آنفا هو الظاهر منها لا مناص إما من
تأويل هذه الأحاديث، أو طرحها وقد قال محمد بن سيرين: إن
الصلاة على الطنفسة محدث (سيرتنا ص 134 عن مصنف ابن أبي
شيبة ج 2).

(1) وفي الأقرب: الدمروك الطنفسة كالدرنوك بالنون.
118

الدور الرابع
أصبح السجود على الملبوس شعار التسنن.
أصبح السجود على الأرض ونباتها من شعار الإمامية.
السجود على تربة الحسين (ع) وأحاديث أهل البيت (ع)..
كلام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى.
كلام العلامة الأميني رحمه الله تعالى.
سنة الله ورسوله في التربة الحسينية على مشرفها السلام.
الله سبحانه يهدي إلى رسوله التربة.
الرسول (ص) يقبل تربة الحسين (ع).
119

الرسول (ص) يجعلها في قارورة.
الرسول (ص) يأمر بحفظها.
الرسول (ص) يشمها ويفيض عليها دمعه.
120

الدور الرابع
اتضح مما ذكرنا كيف كان بدء تشريع السجود وأنه إنما شرع
ليكون خضوعا لله سبحانه وتعالى وتذللا واستكانة لديه وتعفيرا
للخدود والجباه بين يديه عز وجل من أجل الابتعاد عن الكبرياء
والأنانية، حتى أن الرسول العظيم (ص) لم يسمح لهم السجود
على غير الأرض ولو في الرمضاء ولم يشكهم، حتى رخص لهم في
السجود على نباتها الحاقا لنباتها بها تسهيلا على العباد ورفعا للأصر
والمشقة عنهم.
هذا كله هو ما ساقنا إليه الدليل، وأخذت البراهين بأعناقنا
إليه، وأطبقت عليه الأحاديث المتواترة المتضافرة، وجرت عليه
السنة، وعمل به الأصحاب وفقا لما نزل به الكتاب: (ما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك
وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة
محضة وأمر محدث غير مشرع يخالف سنة الله وسنة رسوله، ولن
121

تجد لسنة الله تحويلا (1).
والفرقة الحقة الإمامية لا يتدينون ولا يقولون إلا بما نطق به
الكتاب وجاء به من نزل عليه الروح القدس، والتزم به وقرره أهل
البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وجعلهم سفينة النجاة والأئمة
الهداة وعدل الكتاب وقدوة أولي الألباب وجعلهم أئمة يهدون بأمره
إلى الحق المبين والصراط المستقيم.
ولكن من العجب وإن عشت أراك الدهر عجبا، إن اتجاه
الفتاوى قد انقلب إلى الترخيص بالسجود على الحرير والصوف
والقطن وكل شئ خطأ في الاجتهاد، ثم ازداد الأمر شدة حتى
انقلب ظهرا وبطنا، فعدت السنة بدعة والبدعة عدت سنة، حتى آل
الأمر إلى تكفير شيعة أهل البيت عليهم السلام في العمل بالسنة
الإلهية ورميهم بالزندقة والشرك (وإلى الله أشكو وهو المستعان).
هذا ما نلاقيه من إخواننا في الحرمين الشريفين من
الاستخفاف والإهانة بدل الاكرام والحنان.
السجود على تربة الحسين (عليه السلام):
تختص الشيعة (الإمامية) بالقول باستحباب السجود على تربة
قبر الحسين (ع) تبعا لأئمتهم، بل اتباعا لمنهج رسول الله (ص)،
(ومنهج أهل البيت هو منهج الرسول (ص) لا يخالفونه قيد شعرة
أبدا) في تكريمه للحسين سيد الشهداء (ع) وتكريم تربة قبره (ع).

(1) سيرتنا ص 134.
122

فاللازم علينا إذن هو الاتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيت
عليهم السلام أولا، وبيان منهج الرسول (ص) ثانيا.
فهاك نصوص كلمات أهل البيت صلوات الله عليهم:
1 - قال الصادق (ع): السجود على طين قبر الحسين (ع)
ينور إلى الأرضين السبعة، ومن كانت معه سبحة من طين قبر
الحسين (ع) كتب مسبحا وإن لم يسبح بها (1).
2 - عن أبي الحسن (ع): لا يستغني شيعتنا عن أربع خمرة
يصلي عليها، وخاتم يتختم به، وسواك يستاك به وسبحة من طين
قبر الحسين (ع) (2).
3 - كان لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام خريطة من
ديباج صفراء فيها من تربة أبي عبد الله (ع)، فكان إذا حضرته
الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه قال (ع): إن السجود على
تربة أبي عبد الله (ع) تخرق الحجب السبع (3).
4 - كان الصادق (ع) لا يسجد إلا على تربة الحسين (ع)
تذللا لله واستكانة له (4).
5 - سئل أبو عبد الله (ع) عن استعمال التربتين من طين قبر

(1) الوسائل ج 3 ص 607، ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 268.
(2) الوسائل ج 3 ص 603، و ج 10 ص 421، والبحار ج 101 ص 132.
(3) الوسائل ج 3 ص 608، والبحار ج 101 ص 135، و ج 85 ص 153.
(4) الوسائل ج 3 ص 608، والبحار ج 85 ص 158.
123

حمزة وقبر الحسين (ع) والتفاضل بينهما فقال (ع): السبحة التي من
طين قبر الحسين (ع) تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح (1).
6 - قال الحميري: كتبت إلى الفقيه أسأله هل يجوز أن يسبح
الرجل بطين القبر وهل فيه من فضل فأجاب وقرأت التوقيع ومنه
نسخت: تسبح به فما في شئ من السبح أفضل منه (2).
والظاهر أن المراد من القبر قبر الحسين (ع)، والألف واللام
للعهد، لكون ذلك معهودا مشهورا عند أهل البيت عليهم السلام
وشيعتهم.
7 - محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان
(ع): أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل
فيه فضل فأجاب (ع): يجوز ذلك وفيه الفضل (3).
ولا غرو أن يجعل الله سبحانه الفضل في السجود على تربة
سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام وهو هو سيد شباب أهل الجنة
وقرة عين الرسول (ص) ومهجة فاطمة البتول (ع) وابن أمير
المؤمنين (ع) أحد أصحاب الكساء وهو وأخوه المراد من الأبناء في
الكتاب الكريم في قصة المباهلة، وهو شريك أبيه وأمه في سورة
هل أتى، وإحدى سفن النجاة للأمة، وأحد الأئمة الكرام الهداة،
وأحد الخلفاء الاثني عشر، وهو مصباح الهدى وسفينة النجاة.

(1) الوسائل ج 4 ص 1033، والبحار ج 101 ص 133.
(2) الوسائل ج 10 ص 421، والبحار ج 101 ص 132 / 133.
(3) الوسائل ج 2 ص 608، و ج 4 ص 1034، و ج 10 ص 421، والبحار ج 85
ص 149.
124

ولا تخفى على من له أدنى حظ من الحديث والتاريخ فضائله
(ع) المأثورة عن الرسول (ص) في أئمة أهل البيت (ع) أجمع وفيه
خاصة، فأي مانع من تشريف الله تعالى له وتكريمه إياه بتفضيل
السجود على تربته.
قال العلامة كاشف الغطاء رحمة الله عليه في كتابه " الأرض
والتربة الحسينية " في بيان حكمة ايجاب السجود على الأرض
واستحباب السجود على التربة الشريفة:
ولعل السر في الزام الشيعة الإمامية (استحبابا) بالسجود على
التربة الحسينية، مضافا إلى ما ورد في فضلها (ايعاز إلى ما مر من
الأحاديث) ومضافا إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من
السجود على سائر الأراضي وما يطرح عليها من الفرش والبواري
والحصر الملوثة والمملوءة غالبا من الغبار والميكروبات الكامنة
فيها، مضافا إلى كل ذلك فلعله من جهة الأغراض العالية والمقاصد
السامية أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية
ذلك الإمام نفسه وآل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة
والمبدأ وتحطيم الجور والفساد والظلم والاستبداد.
ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفي الحديث " أقرب
ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده " فإنه مناسب أن يتذكر بوضع
جبهته على تلك التربة الزاكية أولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا
للحق وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ليخشع ويخضع ويتلازم
الوضع والرفع ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة ولعل هذا
هو المقصود من أن السجود عليها تخرق الحجب السبع كما في
الخبر، فيكون حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب
125

إلى رب الأرباب (انتهى كلامه طيب الله رمسه) (1).
وقال العلامة الأميني رحمه الله (2) ونعم ما قال (باختصار
منا): إن الغاية المتوخاة للشيعة من اتخاذ تربة كربلاء مسجدا
للشيعة، إنما تستند إلى أصلين قويمين وتتوقف على أمرين قيمين:
أولهما: استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة طيبة يتيقن
بطهارتها من أي أرض أخذت ومن أي صقع من أرجاء العالم
كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء لا امتياز لإحداها على
الأخرى في جواز السجود عليها، وإن هو إلا كرعاية المصلي طهارة
جسده وملبسه ومصلاه، فيتخذ المسلم لنفسه صعيدا طيبا يسجد
عليه في حله وترحاله وفي حضره وسفره، إذ الثقة بطهارة كل أرض
يحل بها ويتخذها مصلى لا يتأتى له في كل موضع من المدن
والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات ومحال
المسافرين ومنازل الغرباء.
فأي مانع من أن يحتاط المسلم في دينه ويتخذ معه تربة
طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذرا من
السجدة على النجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها إلى الله قط، ولا
تجوز السنة السجود عليها بعد ذلك التأكيد التام البالغ على طهارة
أعضاء المصلي ولباسه والنهي عن الصلاة في المزبلة والمجزرة

(1) راجع الكتاب ص 24.
(2) سيرتنا 135 - 143 نقلناه بطوله لكمال الفائدة.
126

والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل، والأمر بتطهير
المساجد وتطييبها وكان هذه النظرة كانت متخذة لدى رجال الورع
من فقهاء السلف وأخذا بهذه الحيطة كان التابعي الفقيه الكبير
مسروق بن الأجدع يأخذ معه لبنة يسجد عليها كما مر، والذي ربما
يقال بأن مسروقا من الصحابة كما في الإصابة.
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منذ يوم
الصحابة الأولين وأما الأصل الثاني، فإن قاعدة الاعتبار المطردة
تقتضي التفاضل بين الأراضي بعضها على بعض، إذ بالإضافات
والنسب تصير للأراضي والأماكن، البقاع خاصة ومزية.
ألا ترى أن الأماكن والساحات المضافة إلى الحكومات،
وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي، لها شأن خاص؟
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الأراضي والأبنية والديار المنسوبة إلى الله
تعالى فإن لها شؤونا خاصة وأحكاما ولوازم وروابط لا مناص منها،
ولا بد لمن أسلم وجهه لله من أن يراعيها ويراقبها، ولا مندوحة
لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها.
فبهذا الاعتبار المتسالم عليه اعتبر للكعبة حكمها، ولحرم
حكمه، وللمسجدين الشريفين جامع مكة والمدينة حكمهما،
وللمساجد العامة والمعابد في الحرمة والكرامة والتطهير والتنجيس
ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها والنهي عن بيعها.
فاتخاذ مكة المكرمة حرما آمنا وتوجيه الخلق إليها وحجهم لها
وإيجاب كل تلكم النسك فيها، وكذلك عد المدينة المنورة حرما
إلهيا محترما.
فالحكومة العالمية العامة القوية إنما هي حكومة (ياء النسبة ")،
127

وهي التي جعلت رسول الله (ص) يقبل الصحابي العظيم عثمان بن
مظعون وهو ميت ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن السيدة
عائشة (1).
وهي التي دعت النبي (ص) إلى أن يبكي على ولده الحسين
السبط ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها
ويقبلها (2)، وهي التي جعلت السيدة أم المؤمنين تصر تربة كربلاء
في ثيابها، وهي التي سوغت للصديقة فاطمة أن تأخذ تربة قبر أبيها
الطاهرة وتشمها، وهي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن
يجمعوا بعر جمل عائشة أم المؤمنين ويفتونه ويشمونه (ذكره
الطبري).
وهي التي جعلت عليا أمير المؤمنين (ع) يأخذ قبضة من تربة
كربلاء لما حل بها فشمها وبكى حتى بل الأرض بدموعه (3)، وهي
التي جعلت رجل بني أسد يشم تربة الحسين ويبكي (4).

(1) راجع الإصابة ج 2 ص 464، والوفاء لابن الجوزي ج 2 ص 541، وأسد الغابة
ج 3 ص 386، والاستيعاب ج 1 ص 85 هامش الإصابة، وصفة الصفوة ج 1
ص 450، والمصنف لعبد الرزاق ج 3 ص 596، والطبقات الكبرى لابن سعد
ج 3 ص 288 ق 1، والرصف ص 409، وابن ماجة الرقم 1456، وسنن
الترمذي الرقم 989، وسنن أبي داود ج 3 ص 201، ومسند أحمد ج 6
ص 43 / 55 / 206، ومنحة المعبود ج 1 ص 157، والمستدرك ج 1 ص 361.
(2) سيرتنا 29 - 119.
(3) يأتي فيما بعد فانتظر.
(4) سيرتنا ص 139 عن تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 342، والكفاية للكنجي
ص 293.
128

... فبعد هذا البيان الصافي، يتضح لدى الباحث النابه
الحر سر فضيلة كربلاء المقدسة ومبلع انتسابها إلى الله سبحانه
وتعالى ومدى حرمتها وحرمة صاحبها دنوا واقترابا من العلي الأعلى،
فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله وقائد جنده الأكبر المتفاني
دونه، هي مثوى حبيبه وابن حبيبه والداعي إليه والدال عليه
والناهض له والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم
مهجته في كفه تجاه إعلاء كلمته ونشر توحيده وتحكيم معالمه
وتوطيد طريقه وسبيله.
لماذا لا يباهي به الله وكيف لا يتحفظ على دمه لديه، ولا
يدع قطرة منه أن تنزل إلى الأرض لما رفعه الحسين بيديه إلى
السماء؟ (راجع تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 338، والحافظ الكنجي
في الكفاية ص 284).
ولماذا لا يبعث الله رسله من الملائكة المقربين إلى نبيه (ص)
بتربة كربلاء؟ ولماذا لا يشمها رسول الله (ص) ويقبلها؟ ولماذا لا
يذكرها طيلة حياته؟ ولماذا لا يتخذها بلسما في بيته؟
فهلم معي أيها المسلم الصحيح أفليست السجدة على تربة
هذا شأنها لدى التقرب إلى الله في أوقات الصلاة أولى وأحرى من
غيرها...؟
أليس أجدر بالتقرب إلى الله وأقرب بالزلفى لديه وأنسب
بالخضوع والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته، وضع صفحة
الوجه والجباه على تربة في طيها دروس الدفاع عن الله ومظاهر
قدسه ومجلى المحاماة عن ناموسه ناموس الإسلام المقدس؟
أليس أليق بأسرار السجود على الأرض السجود على تربة فيها
129

سر المنعة والعظمة والكبرياء لله جل جلاله ورموز العبودية والتصاغر
بأجلى مظاهرها وسماتها؟
أليس أحق بالسجود تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟
أليس الأمثل اتخاذ المسجد من تربة تفجرت عليها عيون دماء
اصطبغت بصبغة حب الله وصيغت على سنة الله وولائه المحض
ا لخالص؟
من تربة عجنت بدم من طفره الجليل وجعل حبه أجر
الرسالة...؟
فعلى هذين الأصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعا
وأقراصا نسجد عليها.
.... وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة من
الفرض المحتم ولا من واجب الشرع والدين... خلاف ما يذهب
الجهال بآرائهم وبهم... (انتهى كلامه ملخصا طيب الله رمسه) (1).
وبعد... فلقد اتضح بما ذكرنا من الأحاديث كون السجود
على التربة الزكية مندوبا إليه في سنة رسول الله (ص) لما تقدم من
أن أئمة أهل البيت (ع) كل ما يفتون ويحكمون به، فإنما هو رواية
عن آبائهم عليهم السلام عن الرسول (ص) فكل ما أفتى به جعفر
بن محمد الصادق (ع) مثلا، فهو يرويه عن أبيه أبي جعفر محمد

(1) لقد أطلنا في نقل كلام العلمين المحققين لما في كلاميهما من اللطائف والتحقيق
والتنقيب والتدقيق فجزاهما الله عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم
السلام خيرا.
130

بن علي، وهو عن أبيه علي بن الحسين وهو عن أبيه الحسين بن
علي، وهو عن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وقد صرحوا
بذلك بل قالوا إنا لا نقول شيئا برأينا من عند أنفسنا وكل ما نقول
مكتوب عندنا بخط علي أمير المؤمنين (ع) وإملاء رسول الله
(ص).
أضف إلى ذلك أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم المرجع
الوحيد العلمي للأمة الإسلامية، وإذا أردت الوقوف على ذلك
فعليك بكتاب المراجعات للسيد شرف الدين رضوان الله عليه وكتب
الفضائل ككتاب ينابيع المودة والفصول المهمة وكفاية الطالب ونور
الأبصار وغيرها (1)
سنة الله تعالى وسنة رسول الله (ص) في التربة الشريفة:
حينما صدرت هذه الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهم
السلام، لم يكن السجود على الخمرة أو على التربة الزاكية
الحسينية يعد شركا وكفرا وبدعة عند المسلمين إذ كان قد استمر
العمل في عصر الرسول (ص) والصحابة الكرام رضي الله عنهم في
السجود على الخمرة، ولما كان معروفا عندهم التبرك برسول الله
(ص) وآثاره وآله وذويه (وقد أفردنا ذلك برسالة تنشرها مجلة
الهادي) بحيث لا ريب في ذلك عند أي من الصحابة والتابعين
وقتئذ، والحسين من آله وذويه، بل هو روحه ونفسه وبضعة منه،
ولحمه لحمه ودمه دمه، فكيف يشك صحابي أو تابعي في فضل

(1) ولنا في ذلك بحث طويل سيوافي القارئ إن شاء الله تعالى في مقدمة كتاب مكاتيب
ا لرسول.
131

الحسين الشهيد (ع) وفي التبرك به وبتربته.
بل اتضح من أدلة تبرك الصحابة برسول الله وآثاره وآله
وأقربائه، أن التبرك بتربة (ع) لم يكن مورد شك وريب، كيف وقد
قال السمهودي في كتابه وفاء الوفاء ج 2 ص 544: " كانوا (يعني
الصحابة وغيرهم) يأخذون من تراب القبر - يعني قبر النبي (ص) -
فأمرت عائشة فضرب عليهم، وكانت في الجدار كوة فكانوا يأخذون
منها، فأمرت بالكوة فسدت " ومعلوم أن منعها لهم لم يكن إلا لأن
أخذ التراب دائما يوجب خراب البقعة المباركة، لا لأنه شرك، لأنه
لو كان لذلك لصرحت به ولأنكره الصحابة، كيف والأخذ هم فيهم
الصحابي وغيره وطبعا بمرأى منهم وبمسمع.
وفي وفاء الوفاء أيضا ج 1 ص 69، عن نزهة الناظرين
للبرزنجي ص 116 ط مصر في البحث عن حرمة المدينة وحكم
اخراج ترابها قال: ويجب على من أخرج شيئا من ذلك (يعني تراب
المدينة) رده إلى محله، ولا يزول عصيانه إلا بذلك ما دام قادرا
عليه. نعم، استثنوا من ذلك ما دعت الحاجة إليه للسفر كآنية من
تراب الحرم وما يتداوى به منه، كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه
للصداع، وتربة صهيب رضي الله عنه لاطباق السلف والخلف على
نقل ذلك.
وقد روي أن عمر بن الخطاب تبرك وتوسل بالعباس عم النبي
(ص) في الاستسقاء وتوسل عباس رحمه الله تعالى بعلي أمير
المؤمنين (ع) (1)، وتبرك مصعب بن الزبير بالحسين (ع)، فإذا كانوا

(1) ذكرنا مصادره في رسالة التبرك مفصلا، راجع السيرة الحلبية ج 2 ص 52، والغدير
ج 7 ص 301.
132

يتبركون بآثار رسول الله (س) وأقربائه، فيكون التبرك في السجود
وغيره بتربة قبر الحسين (ع) من أوضح الواضحات عندهم.
وقد روي أنه قد دفن حمزة في أحد وكان يسمى سيد
الشهداء، وصاروا يسجدون على تربته (1).
وروي أيضا (2) " أن فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) كانت
مسبحتها من خيوط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت
تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب
فاستعملت تربته واستعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل
الحسين (ع) عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل
وا لمزية ".
فهل يظن بمسلم يتبرك بشعر الرسول (ص) وظفره وسؤره
وفضل وضوئه وسريره وكأسه ونعله ومسه ومسحه وأصحابه الذين
بايعوه وأقربائه - هل يظن به - أن لا يتبرك بالحسين (ع) ودمه وتربته
الطاهرة حاشا ثم حاشا.
فثبت مما ذكرنا فضل السجود على تربة قبر الحسين (ع)
لأحاديث عن رسول الله (ص) واردة عن طرق أهل البيت عليهم
السلام، ولما سنه رسول الله (ص) وقرره، ولما اتضح من التبرك
برسول الله (ص) وآثاره من تراب قبره ولباسه وكل شئ ينتمي إليه
وذويه.

(1) تاريخ كربلاء ص 126 عن كتاب الأرض والتربة الحسينية ص 49.
(2) البحار ج 85 ص 333، و ج 101 ص 133، والوسائل ج 4 ص 1033.
133

هنا أيضا مصادر جمة تدل على سنة الله ورسوله في تربة
الحسين (ع) خصوصا...
هذا... لأن من منن الله تعالى على شيعة أهل البيت عليهم
السلام (أعني الإمامية) أنهم يتبعون في أقوالهم وأعمالهم سنة نبيهم
وسيرة أئمتهم عليهم السلام، علما منهم بأنهم عليهم السلام أحد
الثقلين الذين تركهما رسول الله (ص) لا يفترقان أبدا حتى يردا
الحوض، لا يتعدون ذلك ولا يتخلفون أبدا فيحترمون ما يحترمه
النبي (ص) وعترته ويلتزمون ما التزمه هو وأهله، ويسلكون سبيله
القويم وينهجون نهجه المستقيم.
فالشيعي الإمامي يرى أن الله تعالى اهتم بهذه التربة الشريفة
أشد اهتمام واحترمها أجل احترام، حيث أرسل رسلا من الملائكة
فجاءوا إلى النبي (ص) بقبضة منها، فمن أجل ذلك يحترمها
ويأخذها وإن شئت الوقوف على هذه المكرمة فعليك بمراجعة
المصادر الآتية وغيرها، إذ قد استفاض فيها أن جبرائيل (ع) لما نزل
على رسول الله (ص) بخبر قتل الحسين (ع) أتى بقبضة من تربة
مصرعه صلوات الله عليه، وكذا غير جبرائيل (ع) من الملائكة أيضا
لما جاء إلى الرسول (ص) بهذا الخبر المؤلم أتى إليه بقبضة من
تربة كربلاء.
فعليك إذا بمراجعة البحار ج 44 ص 229، عن أمالي الشيخ
الطوسي رحمه الله، وكامل الزيارة لابن قولويه و ج 101
ص 118 / 127 / 135، عن الأمالي والكامل والمصباح والمعجم
الكبير للطبراني ص 144 / 145، وذخائر العقبى ص 174، وسير
أعلام النبلاء ج 3 ص 194 / 195، وكنز العمال ج 13
134

ص 111 / 112 / 108، وتلخيص المستدرك للذهبي ج 4
ص 176 / 398، والخصائص للسيوطي ج 2 ص 125، والمناقب
للمغازلي ص 314، ومنتخب كنز العمال ج 5 ص 110 / 111،
ومفتاح النجاة ص 135 / 134، ووسيلة المآل ص 182، والعقد
الفريد ج 2 ص 219، وميزان الاعتدال ج 1 ص 8، وتاريخ الرقة
ص 75، والفصول المهمة لابن الصباغ ص 154، ونور الأبصار
ص 116، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 188 / 189 / 191،
والغنية لطالبي طريق الحق ج 2 ص 56، ومقتل الحسين
للخوارزمي ج 1 ص 159 / 158، والنهاية لابن الأثير ج 6
ص 230، والصواعق المحرقة ص 191 / 190، والينابيع
ص 318 / 319، ومسند أحمد ج 6 ص 294، وتاريخ الإسلام
للذهبي ج 3 ص 10، وطرح التثريب ج 1 ص 41، وأخبار
الحبائك للسيوطي ص 44، والمطالب العالية والمستدرك للحاكم
ج 3 ص 176، والبداية والنهاية ج 6 ص 230، وأخبار الدول
ص 107، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 22، وتاريخ الإسلام
للدمشقي ج 3 ص 11.
وهذه المصادر أخذناها عن هامش إحقاق الحق ج 11
ص 339 / 416 و ج 8 ص 142 - 151، والبيان للعلامة الخوئي
ص 561 عن أبي يعلى في مسنده، وابن أبي شيبة وسعيد عن
منصور في سننه عن مسند علي، والطبراني في الكبير عن أم
سلمة، ولم نأت بألفاظها لطولها وخروجها عن شرط الرسالة، فمن
أراد فليراجع المصادر المذكورة أو هامش الاحقاق.
فيرى الشيعي الإمامي أن تربة أهداها الجليل إلى رسوله
الأقدس (ص) هدية غالية عالية ثمينة لجديرة بأن يحترمها ويكرمها
اتباعا لسنة الله تعالى.
135

ويرى الشيعي أن الرسول (ص) لما تسلمها من جبرائيل (ع)
قبلها فيقبلها. قالت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: " ثم
اضطجع - رسول الله (ص) - فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها،
فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرائيل أن ابني
هذا يقتل بأرض العراق - يعني الحسين (ع) - فقلت لجبرائيل أرني
تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها (1).
فالشيعة يقبلونها عملا بسنة رسول الله (ص) في التربة
الشريفة في تقبيلها وتكريمها كما أنهم يدخرونها ويحتفظون بها
تأسيا برسول الله (ص) حيث يرون أنه (ص) يجعلها في قارورة
ويعطيها أم سلمة ويأمرها بحفظها قائلا:
" هذه التربة التي يقتل عليها - يعني الحسين (ع) - ضعيها
عندك، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي - الحسين (ع) - " (2)

(1) المستدرك للحاكم ج 4 ص 398 قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
وهامش إحقاق الحق ج 11 ص 339 عنه وعن الطبراني في المعجم الكبير
ص 145، وكنز العمال ج 13 ص 111، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 10،
وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 194.
(2) البحار ج 44 ص 241، وهامش إحقاق الحق ج 11 ص 346 عن مقتل الحسين
للخوارزمي ج 2 ص 94، و ج 1 ص 162 / 160، ونظم درر السمطين ص 251
ومفتاح النجا ص 135، وذخائر العقبى ص 146 / 147، والصواعق المحرقة
ص 190، وينابيع المودة ص 319، ووسيلة المآل ص 181 / 182، والكامل لابن
الأثير ج 3 ص 303، ومسند أحمد ج 4 ص 242، والمعجم الكبير للطبراني ص 144،
وتاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 10، وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 194، ودلائل
النبوة لأبي نعيم ص 485، ومجمع الزوائد ج 9 ص 190 / 187، والخصائص
للسيوطي ج 2 ص 125، والحبائك للسيوطي ص 44، ومختصر تذكرة الشعراني
ص 199، والأنوار المحمدية ص 486، والإشاعة ص 24.
136

ويرى الشيعة أن الرسول (ص) يشم التربة كما يشم الرياحين
العطرة والمسك الطيب (1)، فيعتقد أن شمها قبل أن يهراق فيها دم
الحبيب ابن الجيب إنما هو لعطور معنوية وعلاقات ربانية وعناية
إلهية بالنسبة إليها إما في نفسها، أو لما مضى عليها، أو لما يأتي
في مستقبلها فعمل الرسول (ص) يوجد لكل مسلم حالة خاصة
بالنسبة إليها، فلتسمها أنت بما شئت من العناوين، ولعله (ص)
يشم منها ما يأتي عليها من الحوادث المؤلمة على أهل البيت عليهم
السلام من اهراق دمائهم وسلب أموالهم وضرب متونهم وأسرهم،

(1) قالت أم سلمة رضي الله عنها: " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وديعة عندك هذه فشمها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ويح كرب وبلا. راجع هامش
إحقاق الحق ج 11 ص 347 عن المعجم الكبير للطبراني ص 144، والتهذيب ج 2
ص 346، وطرح التثريب ج 1 ص 41، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 189،
وخلاصة تهذيب الكمال ص 71، وكفاية الطالب ص 279، ومسند أحمد ج 1
ص 372، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 9، وسير أعلام النبلاء ج 3
ص 193، وكنز العمال ج 13 ص 112، ومنتخبه بهامش مسند أحمد ج 5
ص 112، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 170، وذخائر العقبي ص 147،
والصواعق ص 191، والتذكرة لابن الجوزي ص 260، والخصائص للسيوطي
ج 2 ص 125، ووسيلة المآل ص 182، ومفتاح النجا، ص 134، والينابيع
ص 319، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 485، والبداية والنهاية ج 6 ص 229،
و ج 8 ص 169.
137

ولعله يشم منها ما يأتي عليها من اختلاف أولياء الله إليها وسكونهم
وعبادتهم ومناجاتهم وبكائهم فيها، ولعل ولعل ولما شمها رسول الله
(ص) لم يملك عينيه أن فاضتا. قال أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (ع): دخلت على النبي (ص) ذات يوم وعيناه تفيضان،
قلت: يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟! قال: بل
قام عندي جبرائيل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات قال:
فقال: هل أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض
قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا (1).
فالشيعة يقبلونها كما قبلها النبي الكريم (ص)، ويشمونها كما
شمها كأغلى العطور وأثمنها ويدخرونها كما ادخرها ويسكبون عليها
الدموع كما سكب عليها دمعه اقتفاء لأثره (ص) واتباعا لسنة الله
وسنة رسوله، ولكل مسلم في رسول الله (ص) أسوة حسنة، واها
لها من تربة سكب عليها رسول الله (ص) دمعه قبل أن يهراق فيها
دم مهجته وحبيبه.
بل نقل أن عليا أمير المؤمنين (ع) لما نزل كربلاء في مسيره

(1) مسند أحمد ج 1 ص 85، و ج 4 ص 242، وهامش إحقاق الحق ج 11 ص 112
عنه، وعن تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 9، وسير أعلام النبلاء ج 3
ص 193، وكنز العمال ج 13 ص 122، ومنتخبه بهامش المسند ج 5 ص 112،
والمعجم الكبير للطبراني ص 144، ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 170، وذخائر
العقي ص 147، والصواعق المحرقة ص 119، وتهذيب التهذيب ج 2
ص 346، والتذكرة لابن الجوزي ص 260، ووسيلة المآل ص 182، ومفتاح
النجا ص 134، والينابيع ص 319، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 485.
138

إلى صفين، وقف هناك ونظر إلى مصارع أهله وذريته وشيعته
ومسفك دماء مهجته وثمرة قلبه، وأخذ من تربتها وشمها قائلا:
" واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير
حساب " وقال: طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبة " (1).
وفي بعض تلكم الأحاديث أن الرسول (ص) لما شمها وأهرق
عليها دمعه الساكب قال: " طوبي لك من تربة "، وفي بعضها " وهو
يفوح كالمسك " و " كانت تربة حمراء طيبة الريح " (2).
أضف إلى ذلك كله ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام
من الاهتمام بهذه التربة الطيبة الزاكية في النصوص الصحيحة
الكثيرة في التبرك بها في تحنيك الأطفال (3) وتقبيلها ووضعها على

(1) البحار ج 44 ص 253 عن الأمالي، والاكمال للصدوق رحمه الله تعالى،
وص 255 عن الأمالي أيضا، وص 258 عن قرب الإسناد، وهامش إحقاق
الحق ج 8 ص 147 عن الأخبار الطوال، وص 148 عن كفاية الكنجي
الشافعي، ومنتخب كنز العمال ج 5 ص 112 هامش المسند، ومجمع الزوائد ج 9
ص 146 / 148، وعن نصر بن مزاحم ص 157، وفي نسخة عندي ص 141،
والبحار ج 101 ص 116 عن كامل الزيارة.
(2) هامش إحقاق الحق ج 11 ص 347 عن المعجم الكبير للطبراني ص 144،
والتهذيب ج 2 ص 346، وطرح التثريب ج 1 ص 41، ومجمع الزوائد للهيثمي
ج 9 ص 189، وخلاصة تهذيب الكمال ص 71، وكفاية الطالب للكنجي
الشافعي ص 279، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 162
(3) راجع البحار ج 101 ص 134 عن كامل الزيارة، والمصباح وص 136 عن
دعوات الراوندي، والوسائل ج 15 ص 138، ومستدرك الوسائل ج 2 ص 620.
139

العين وامرارها على سائر الجسد (1) والاستشفاء والتداوي بها (2).
وفي حديث عن أم أيمن عن النبي (ص) في بيان فضل تربة
الحسين (ع): " هي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة وأنها لمن
بطحاء الجنة " (3) وكذا الأخبار الواردة في فضلها (3).
فبعد ما قدمناه يتضح أن تفضيل الشيعة السجود على التربة
الحسينية على سائر ما يصح السجود عليه، إنما هو لاحترام ما
احترمه الله تعالى وتكريم ما أكرمه، وهو الزام بما سنه الله سبحانه
ورسوله، لما نقل عن أهل البيت عليهم السلام من تعظيمها
وتكريمها والسجود عليها وأخذ السبحة منها. والحمد لله رب
ا لعالمين.

(1) البحار ج 101 ص 119 عن أمالي الطوسي رحمه الله تعالى، وص 120 عن مكارم
الأخلاق، والوسائل ج 5 ص 405 عن الكافي وأمالي الشيخ رحمه الله تعالى
والوسائل ج 10 ص 408.
(2) البحار ج 101 ص 118 عن أمالي الطوسي رحمه الله تعالى والعيون، وص 119
عن الأمالي والتهذيب، وص 120 عنه أيضا، وص 121 عن كامل الزيارة،
وص 122 عن الكامل بسندين والمصباح، وص 123 عن مكارم الأخلاق والكافي
والكامل بأسانيد متعددة، وص 126 عن الكافي والكامل بأسانيد، وص 127 عن
الكامل بأسانيد، وص 127 عن الكامل بسندين والمصباح، و 129 عن الكامل
بأسانيد متعددة وعن المصباح والكافي، و 131 عن المصباح وطب النبي وفقه الرضا
والكامل، وص 132 عن مكارم الأخلاق والتهذيب، وص 134 عن المصباح،
و 138 عن المزار الكبير وغيره والمستدرك ج 2 ص 219 / 420، والوسائل ج 0 1
ص 399 - 405 / 414 / 408 / 415 / 416.
(3) البحار ج 101 ص 115 / 114.
(4) راجع المصادر المتقدمة.
140

شكر جميل وثناء عاطر
أشكر شكرا متواصلا صديقي الكريم العالم الفاضل المتتبع
المحقق العلامة السيد جعفر مرتضى اللبناني العاملي حيث رغبني
وشوقني وآزرني وأعانني على عمل هذه الوجيزة المتواضعة بجده
وجهده في تكثير المصادر وترسيم المطالب وتهيئة المواد والارشاد
وبعد ذلك كله في التصحيح والتنظيم فجزاه الله عن الإسلام وأهله
خير الجزاء ومتعنا بوجوده وجوده إن شاء الله تعالى.
على الأحمدي
141

المصادر والمآخذ
- ألف -
1 - الإصابة / لابن حجر العسقلاني
2 - الاستيعاب / لأبي عمر بن عبد البر القرطبي
3 - أسد الغابة / لابن الأثير
4 - أبو هريرة في التيار
5 - أبو هريرة / للعلامة شرف الدين
6 - أخبار مكة / للأزرقي
7 - الأم / للشافعي
8 - إرشاد الساري / للقسطلاني
9 - اقتضاء الصراط المستقيم / لابن تيمية
10 - أحكام القرآن / للجصاص
11 - الأرض والتربة الحسينية / لكاشف الغطاء
143

12 - أقرب الموارد / لسعيد الخوري الشرتوني
13 - الإمام الصادق / لأسد حيدر
- ب -
14 - البداية والنهاية / لابن كثير
15 - البحار / للمجلسي (ره)
16 - البحر الرائق / لابن نجيم
- ت -
17 - تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي / للمبار كفوري
18 - تاريخ الإسلام للذهبي
19 - تيسير الوصول / لابن البديع
20 - تنوير الحوالك / للسيوطي
21 - التهذيب / للشيخ الطوسي (ره)
22 - التهذيب / لابن حجر
23 - تاريخ أصبهان / لأبي نعيم
24 - تاربخ كربلاء / لعبد الجواد الكليدار
25 - تاج العروس / للزبيدي
- ج ح -
26 - الجامع الصغير / للسيوطي
144

27 - جامع بيان العلم / لابن عبد البر
حاشية السيوطي على سنن النسائي
- د -
28 - دعائم الإسلام / للقاضي نعمان المصري
29 - دائرة المعارف الإسلامية / لوجد
ر ز -
30 - زاد المعاد / لابن القيم
31 - الرصف / للعاقولي
- س -
32 - سيرتنا وسنتنا / للعلامة الأميني
33 - سفينة البحار / للمحدث القمي
34 - السنن الكبرى / للبيهقي
35 - سنن الترمذي
36 - سنن أبي داوود
37 - سنن النسائي
38 - سنن ابن ماجة
39 - السيرة الحلبية / للحلبي الشافعي
145

40 - سنن الدارقطني
- ش -
41 - شيخ المضيرة / لأبي رية
42 - شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد
43 - شرح صحيح مسلم / للنووي
- ص -
44 - صحيح مسلم
45 - صحيح البخاري
46 - صفة الصفوة / لابن الجوزي
- ط -
47 - الطبقات الكبرى / لابن سعد
48 - الطرائف / لابن طاوس
- ع -
49 - عون المعبود شرح سنن أبي داوود / للصديقي العظيم
آبادي
50 - العقد الفريد / لابن عبد ربه
- غ -
51 الغدير / للأميني
146

- ف -
52 - فتح الباري / لابن حجر
53 - الفتوحات الإسلامية / لدحلان
- ق -
54 - قاموس الرجال / للتستري
55 - قاموس اللغة / للفيروز آبادي
- ك -
56 - الكني والألقاب / للمحدث القمي
57 - كنز العمال / للمتقي الهندي
58 - الكافي / للكليني
- ل -
59 - لسان العرب / لابن منظور
60 - لسان الميزان / للعسقلاني
- م -
61 - المدونة الكبرى / مالك بن أنس
62 - المصنف / لعبد الرزاق
63 - ميزان الاعتدال / للذهبي
147

64 - المسند / لأحمد بن حنبل
65 - ا لمغازي / للواقدي
66 - منحة المعبود / للطيالسي
67 - مسند أبي عوانة
68 - مصباح المسند / للشيخ قوام الدين الوشنوي
69 - المستدرك / للحاكم
70 - منتخب كنز العمال هامش المسند
71 - الموطأ / لمالك
72 - مجمع الزوائد / للهيثمي
73 - من لا يحضره الفقيه / للصدوق
74 - المعتصر من المختصر لمشكل الآثار / للباجي المالكي
- ن -
75 - ا لنهاية / لا بن الأثير
- و -
76 - الوسائل / للحر العاملي
77 - الوافي للفيض / الكاشاني
78 - وفاء الوفاء / للسمهودي
- ى -
79 - ينابيع المودة / للقندوزي الحنفي
148

- ه‍ -
80 - هامش إحقاق الحق / للمرعشي
149