الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الطهارة
تعريف الكتاب 1

الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - الدار الاسلامية
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية
الطهارة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها على أصغر مرواريد
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 3

فقه الرضا
المنسوب
إلى الإمام علي بن موسى الرضا ع 148 - 203 ه‍. ق
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله
الطاهرين الطيبين الفاضلين الأخيار وسلم تسليما.
يقول عبد الله علي بن موسى الرضا:
أما بعد: إن أول ما افترض الله على عباده وأوجب على خلقه معرفة الوحدانية، قال
الله تبارك وتعالى: (وما قدروا الله حق قدره)، يقول: ما عرفوا الله حق معرفته.
ونروي عن بعض العلماء عليهم السلام. أنه قال في تفسير هذه الآية: هل جزاء
الإحسان إلا الإحسان، ما جزاء من أنعم الله عليه بالمعرفة إلا الجنة.
وأروي أن المعرفة: التصديق والتسليم والإخلاص، في السر والعلانية. وأروي أن حق
المعرفة أن يطيع ولا يعصي ويشكر ولا يكفر. وروي أن بعض العلماء سئل عن المعرفة، هل
للعباد فيها صنع؟ فقال: لا. فقيل له: فعلى ما يثيبهم؟ فقال: من عليهم بالمعرفة، ومن
عليهم بالثواب، ثم مكنهم من الحنيفية التي قال الله تعالى لنبيه ص:
واتبع ملة إبراهيم حنيفا، فهي عشر سنن: خمس في الرأس وخمس في الجسد، فأما التي في
الرأس: فالفرق والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك. وأما التي في الجسد فنتف
الإبط وتقليم الأظافير وحلق العانة والاستنجاء والختان.
3

وإياك أن تدع الفرق إن كان لك شعر، فقد روي عن أبي عبد الله ع أنه قال:
من لم يفرق شعره، فرقه الله بمنشار من النار في النار.
فإن وجدت بلة في أطراف إحليلك وفي ثوبك بعد نتر إحليلك وبعد وضوئك، فقد
علمت ما وصفته لك من مسح أسفل أنثييك ونتر إحليلك ثلاثا، فلا تلتفت إلى شئ منه
ولا تنقض وضوءك له ولا تغسل منه ثوبك فإن ذلك من الحبائل والبواسير.
ولا تغسل ثوبك ولا إحليلك من مذي ووذي فإنهما بمنزلة البصاق والمخاط،
ولا تغسل ثوبك إلا مما يجب عليك في خروجه إعادة الوضوء، ولا يجب عليك إعادته إلا من
بول أو مني أو غائط أو ريح تستيقنها فإن شككت في ريح أنها خرجت منك أو لم تخرج
فلا تنقض من أجلها الوضوء إلا أن تسمع صوتها أو تجد ريحها. وإن استيقنت أنها خرجت
منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع وشممت ريحها أو لم تشم. فإن شككت في
الوضوء وكنت على يقين من الحدث فتوضأ.
وإن شككت في الحدث، فإن كنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين إلا أن
تستيقن الحدث، وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما سبق فتوضأ. وإن
توضأت وضوءا تاما، وصليت صلاتك أو لم تصل، ثم شككت فلم تدرأ حدثت أو لم تحدث
فليس عليك وضوء لأن اليقين لا ينقضه الشك.
وإياك أن تبعض الوضوء وتابع بينه كما قال الله تبارك وتعالى، ابدأ بالوجه ثم باليدين
ثم بالمسح على الرأس والقدمين، فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل
أن تتمه ثم أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا فإن كان قد جف فأعد
الوضوء فإن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض
على ما بقي، جف وضوؤك أم لم يجف.
وإن كان عليك خاتم فدوره عند وضوئك فإن علمت أن الماء لا يدخل تحته فانزع.
ولا تمسح على عمامة ولا على قلنسوة ولا على خفيك، فإنه أروي عن العالم ع:
لا تقية في شرب الخمر ولا المسح على الخفين، ولا تمسح على جوربك إلا من عذر أو ثلج تخاف
على رجليك.
4

ولا ينقض الوضوء إلا ما يخرج من الطرفين، ولا ينقض القئ ولا القلس والرعاف
والحجامة والدماميل والقروح وضوءا.
وإن احتقنت أو حملت من الشياف فليس عليك إعادة الوضوء فإن خرج منك
مما احتقنت أو احتملت من الشياف وكانت بالثفل فعليك الاستنجاء والوضوء، وإن لم يكن
فيها ثفل فلا استنجاء عليك ولا وضوء. وإن خرج منك حب القرع وكان فيه ثفل فاستنج
وتوضأ، وإن لم يكن فيه ثفل فلا وضوء عليك ولا استنجاء.
وكل ما خرج من قبلك ودبرك من دم وقيح وصديد وغير ذلك فلا وضوء عليك
ولا استنجاء إلا أن يخرج منك بول أو غائط أو ريح أو مني، وإن كان بك بول أو غائط أو ريح
أو مني وكان بك في الموضع الذي يجب عليه الوضوء قرحة أو دماميل ولم يؤذك فحلها
واغسلها، وإن أضرك حلها فامسح يدك على الجبائر والقروح ولا تحلها ولا تعبث
بجراحتك. وقد نروي في الجبائر عن أبي عبد الله ع قال: يغسل ما حولها،
ولا بأس أن يصلى بوضوء واحد صلوات الليل والنهار ما لم يحدث.
ونروي أن أمير المؤمنين ع ذات يوم قال لابنه محمد بن الحنفية: يا بني قم
فائتني بمخضب فيه ماء للطهور فأتاه، فضرب بيده في الماء فقال: بسم الله والحمد لله الذي
جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، ثم استنجى فقال: اللهم حصن فرجي وأعفه واستر
عورتي وحرمه على النار، ثم تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني
بذكرك، ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرمني رائحة الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها
وطيبها ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي
يوم تبيض فيه الوجوه، ثم غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في
الجنان بشمالي، ثم غسل شماله فقال: اللهم لا تعطيني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى
عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح برأسه فقال: اللهم غشني برحمتك وبركاتك
وعفوك، ثم غسل قدميه فقال: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل
سعيي فيما يرضيك عني.
ثم التفت إلى ابنه فقال: يا بني فأيما عبد مؤمن توضأ بوضوئي هذا وقال مثل ما قلت
5

عند وضوئه إلا خلق الله من كل قطرة ملكا يسبحه، ويكبره ويحمده ويهلله إلى يوم القيامة،
وأيما مؤمن قرأ في وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولا صلاة
إلا باسباغ الوضوء وإحضار النية وخلوص اليقين وإفراغ القلب وترك الاشتغال، وهو
قوله: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب.
باب التخلي والوضوء:
أقول لك: فإذا دخلت الغائط فقل: أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث
الشيطان الرجيم. فإذا فرغت منه فقل: الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي
وعافاني من البلوى، الحمد لله الذي يسر المساع وسهل المخرج وأماط عني الأذى.
واذكر الله عند وضوئك وطهرك فإنه نروي: إن من ذكر الله عند وضوئه طهر جسده
كله ومن لم يذكر اسم الله في وضوئه طهر من جسده ما أصابه الماء. فإذا فرغت فقل: اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين. وإن كنت أهرقت الماء
فتوضأت ونسيت أن تستنجي حتى فرغت من صلاتك ثم ذكرت فعليك أن تستنجي ثم
تعيد الوضوء والصلاة.
ولا تقدم المؤخر من الوضوء ولا تؤخر المقدم لكن تضع كل شئ على ما أمرت أولا
فأولا، وإن غسلت قدميك ونسيت المسح عليهما فإن ذلك يجزئك لأنك قد أتيت بأكثر
ما عليك.
وقد ذكر الله الجميع في القرآن المسح والغسل قوله تعالى: وأرجلكم إلى الكعبين، أراد
به الغسل بنصب اللام. وقوله: وأرجلكم، بكسر اللام، أراد به المسح وكلاهما جائزان
الغسل والمسح. فإن توضأت وضوءا تاما وصليت صلاتك أو لم تصل ثم شككت فلم تدر
أ حدثت أم لم تحدث فليس عليك وضوء لأن اليقين لا ينقضه الشك.
وليس من مس الفرج ولا من مس القرد والكلب والخنزير ولا من
مس الذكر ولا من مس ما يؤكل من الزهومات وضوء عليك.
ونروي: أن جبرئيل ع هبط على رسول الله ص بغسلين
6

ومسحين: غسل الوجه والذراعين بكف كف، ومسح الرأس والرجلين بفضل النداوة التي
بقيت في يدك من وضوئك. فصار الذي كان يجب على المقيم غسله في الحضر واجبا على
المسافر أن يتيمم لا غير، صارت الغسلتان مسحا بالتراب وسقطت المسحتان اللتان كانتا
بالماء للحاضر لا غيره.
ويجزيك من الماء في الوضوء مثل الدهن تمر به على وجهك وذراعيك أقل من ربع مد
وسدس مد أيضا، ويجوز بأكثر من ربع مد وسدس مد أيضا، ويجوز بأكثر من مد. وكذلك في
غسل الجنابة مثل الوضوء سواء وأكثرها في الجنابة صاع، ويجوز غسل الجنابة بما يجوز به
الوضوء إنما هو تأديب وسنن حسن وطاعة آمر لمأمور ليثيبه عليه فمن تركه فقد وجب
عليه السخط فأعوذ بالله منه.
باب الغسل من الجنابة وغيرها:
اعلموا - رحمكم الله - أن غسل الجنابة فريضة من فرائض الله جل وعز وأنه ليس
من الغسل فرض غيره. وباقي الغسل سنة واجبة ومنها سنة مسنونة إلا أن بعضها ألزم
من بعض وأوجب من بعض.
فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني في إحليلك،
وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شئ عليك وتنظف موضع الأذى منك وتغسل يديك إلى
المفصل ثلاثا قبل أن تدخلها الإناء، وتسمى بذكر الله قبل إدخال يدك إلى الإناء، وتصب
على رأسك ثلاث أكف وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك وعلى جانبك الأيسر مثل ذلك، وعلى
صدرك ثلاث أكف وعلى الظهر مثل ذلك، وإن كان الصب بالإناء جاز الاكتفاء بهذا
المقدار والاستظهار فيه إذا أمكن.
وقد يروى: تصب على الصدر من مد العنق، ثم تمسح سائر بدنك بيديك وتذكر الله
فإنه من ذكر الله على غسله وعند وضوئه طهر جسده كله، ومن لم يذكر الله طهر من جسده
ما أصاب الماء.
وقد نروي: أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا - ويروى: مرة مرة يجزئه، وقال: الأفضل
7

الثلاثة، وإن لم يفعل فغسله تام.
ويجزئ من الغسل عند عوز الماء الكثير ما يجزئ من الدهن، وليس في غسل الجنابة
وضوء، والوضوء في كل غسل ما خلا غسل الجنابة لأن غسل الجنابة فريضة مجزئة عن
الفرض الثاني، ولا يجزئه سائر الغسل عن الوضوء لأن الغسل سنة والوضوء فريضة،
ولا يجزئ سنة عن فرض، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزئ
عن أصغرهما.
وإذا اغتسلت بغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، ولا يجزئك الغسل عن الوضوء
فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة.
والغسل ثلاثة وعشرون: من الجنابة، والإحرام، وغسل الميت، ومن غسل الميت
وغسل الجمعة، وغسل دخول المدينة، وغسل دخول الحرم، وغسل دخول
مكة، وغسل زيارة البيت، ويوم عرفة، وخمس ليال من شهر رمضان: أول ليلة منه، وليلة
سبع عشرة، وليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ودخول
البيت، والعيدين، وليلة النصف من شعبان، وغسل الزيارات، وغسل الاستخارة،
وغسل طلب الحوائج من الله تبارك وتعالى، وغسل يوم غدير خم.
الفرض من ذلك غسل الجنابة، والواجب غسل الميت وغسل الإحرام، والباقي سنة،
وقد يجزئ غسل واحد من الجنابة ومن الجمعة ومن العيدين والإحرام.
وقد روي: أن الغسل أربعة عشر وجها:
ثلاث منها غسل واجب مفروض، متى ما نسيه ثم ذكره بعد الوقت اغتسل، وإن لم يجد
الماء تيمم، ثم إن وجدت الماء فعليك الإعادة.
وأحد عشر غسلا سنة: غسل العيدين، والجمعة، ويوم عرفة، ودخول مكة ودخول
المدينة، وزيارة البيت، وثلاث ليال في شهر رمضان: ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى
وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ومتى ما نسي بعضها أو اضطر أو به علة يمنعه من الغسل،
فلا إعادة عليه.
وأدنى ما يكفيك ويجزئك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن، وقد اغتسل رسول الله
8

ص وبعض نسائه بصاع من ماء. وروي: أنه يستحب غسل ليلة إحدى
وعشرين لأنها الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، ودفن أمير المؤمنين
على ع، وهي عندهم ليلة القدر، وليلة ثلاث وعشرين هي الليلة التي ترجى
فيها، وكان أبو عبد الله ع يقول: إذا صام الرجل ثلاثة وعشرين من شهر رمضان
جاز له أن يذهب ويجئ في أسفاره. وليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي الليلة التي ضرب
فيها جدنا أمير المؤمنين ص، ويستحب فيها الغسل.
وميز شعرك بأناملك عند غسل الجنابة فإنه نروي عن رسول الله ص
: إن تحت كل شعرة جنابة، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها وخلل أذنيك
بإصبعك، وانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل تحتها الماء.
وإن كان عليك نعل وعلمت أن الماء قد جرى تحت رجليك فلا تغسلهما، وإن لم يجر
الماء تحتهما فاغسلهما، وإن اغتسلت في حفيرة وجرى الماء تحت رجليك فلا تغسلهما، وإن
كان رجلاك مستنقعتين في الماء فاغسلهما، وإن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة
من الحلال فتجوز الصلاة فيه، وإن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى تغتسل.
وإذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق، ثم كل واشرب
إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص، ولا تعد إلى ذلك.
وإن كان عليك خاتم فحوله عند الغسل، وإن كان عليك دملج وعلمت أن الماء
لا يدخل تحته فانزعه.
ولا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضأ وضوء الصلاة، وإن أجنبت في يوم أو ليلة
مرارا أجزأك غسل واحد إلا أن تكون أجنبت بعد الغسل أو احتلمت، وإن احتلمت
فلا تجامع حتى تغتسل من الاحتلام.
ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي تسجد فيها، وهي: " الم
تنزيل "، و " حم السجدة "، و " النجم "، وسورة " اقرأ بسم ربك ". ولا تمس القرآن إذ كنت جنبا
أو كنت على غير وضوء، ومس الأوراق، وإن خرج من إحليلك شئ بعد الغسل وقد كنت
بلت قبل أن تغتسل فلا تعد الغسل، وإن لم تكن بلت فأعد الغسل.
9

ولا بأس بتبعيض الغسل: تغسل يديك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى
وقت الصلاة، ثم تغسل إن أردت ذلك، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح
بعد ما غسلت رأسك - من قبل أن تغسل جسدك - فأعد الغسل من أوله، فإذا بدأت
بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس.
ولا تدخل المسجد وأنت جنب، ولا الحائض إلا مجتازين، ولهما
أن يأخذا منه وليس لهما أن يضعا فيه شيئا لأن ما فيه لا يقدران على أخذه من
غيره وهما قادران على وضع ما معهما في غيره.
وإذا احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه واغتسل إلا أن تكون احتلمت في
مسجد الحرام أو في مسجد رسول الله ص، فإنك إذا احتلمت في أحد هذين
المسجدين فتيمم ثم اخرج ولا تمر عليهما مجتازا إلا وأنت متيمم.
وإن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما تصب عليك أخذت كفا
فصببت على رأسك وعلى جانبيك كفا كفا، ثم امسح بيدك وتدلك بدنك، وإن اغتسلت
من ماء الحمام ولم يكن معك ما تغرف به ويداك قذرتان فاضرب يدك في الماء وقل: بسم الله،
وهذا مما قال الله تبارك وتعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج.
وإن اجتمع مسلم مع ذمي في الحمام اغتسل المسلم من الحوض قبل الذمي، وماء
الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا كانت له مادة، وإياك والتمشط في الحمام فإنه يورث
الوباء في الشعر، وإياك والسواك في الحمام فإنه يورث الوباء في الأسنان، وإياك أن تدلك
رأسك ووجهك بالمئزر الذي في وسطك فإنه يذهب بماء الوجه، وإياك أن تغسل رأسك
بالطين فإنه يسمج الوجه، وإياك أن تدلك تحت قدميك بالخزف فإنه يورث البرص، وإياك
أن تضجع في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين وإياك والاستلقاء فإنه يورث الدبيلة.
ولا بأس بقراءة القرآن في الحمام ما لم ترد به الصوت إذا كان عليك مئزر، وإياك أن
تدخل الحمام بغير مئزر فإنه من الإيمان، وغض بصرك عن عورة الناس واستر عورتك من
أن ينظر إليه فإنه روي أن الناظر والمنظور إليه ملعون، وبالله العصمة.
10

باب التيمم:
اعلموا - رحمكم الله - أن التيمم غسل المضطر ووضوءه، وهو نصف الوضوء في غير
ضرورة إذا لم يوجد الماء، وليس له أن يتيمم حتى يأتي إلى آخر الوقت، أو إلى أن يتخوف
خروج وقت الصلاة.
وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أسباب الغسل واحد، وهو أن تضرب بيديك
على الأرض ضربة واحدة ثم تمسح بهما وجهك من حد الحاجبين إلى الذقن، وروي: أن
موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثم تضرب بهما أخرى فتمسح باليسرى
اليمنى إلى حد الزند - وروي أصول الأصابع من اليد اليمنى - وباليمنى اليسرى على
هذه الصفة.
وأروي: إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة، ثم تضع إحدى
يديك على الأخرى، ثم تسمح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي ما بقي، ثم
تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف، ثم تمرها على
مقدمها على ظهر الكف، ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى، فتضع بيدك
اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة، فهذا هو التيمم، وهو الوضوء التام
الكامل في وقت الضرورة.
فإذا قدرت على الماء انتقض التيمم، وعليك إعادة الوضوء والغسل بالماء لما تستأنف
من الصلاة اللهم إلا أن تقدر على الماء وأنت في وقت من الصلاة التي صليتها بالتيمم،
فتطهر وتعيد الصلاة.
ونروي: أن جبرئيل ع نزل إلى سيدنا رسول الله ص في
الوضوء بغسلين ومسحين: غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، ثم نزل في
التيمم بإسقاط المسحين وجعل مكان موضع الغسل مسحا.
ونروي عنه ع أنه قال: رب الماء ورب الصعيد واحد، وليس للمتيمم أن
يتيمم إلا في آخر الوقت، وإن تيمم وصلى قبل خروج الوقت ثم أدرك الماء وعليه الوقت
11

فعليه أن يعيد الصلاة والوضوء، وإن مر بماء فلم يتوضأ - وقد كان تيمم وصلى في آخر
الوقت - وهو يريد ماءا آخر فلم يبلغ الماء حتى حضرت الصلاة الأخرى، فعليه أن يعيد
التيمم لأن ممره بالماء نقض تيممه.
وقد يصلى بتيمم واحد خمس صلوات ما لم يحدث حدثا ينقض به الوضوء، وتيمم
الجنابة والحائض تيمم مثل تيمم الصلاة، إن الله عز وجل فرض الطهر، فجعل غسل
الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، وفرض الصلاة أربع ركعات فجعل للمسافر
ركعتين ووضع عنه الركعتين ليس فيهما القراءة، وجعل للذي لا يقدر على الماء التيمم مسح
الوجه واليدين، ورفع عنه مسح الرأس والرجلين.
وقال الله تبارك وتعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، والصعيد: الموضع المرتفع عن الأرض
والطيب: الذي ينحدر عنه الماء.
وقدر روي أنه يمسح الرجل على جبينه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه.
فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة، ولا تنقض
تيممك وامض في صلاتك.
باب المياه وشربها والتطهر منها وما يجوز من ذلك وما لا يجوز منها:
اعلموا - رحمكم الله - أن كل ماء جار لا ينجسه شئ، وكل بئر عميق، ماؤها ثلاثة
أشبار ونصف في مثلها، فسبيلها سبيل الماء الجاري، إلا أن يتغير لونها أو طعمها
أو رائحتها فإن تغيرت نزحت حتى تطيب، وكل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه
ما يقع فيه من النجاسات، والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر فترمي به في وسطه فإن بلغت
أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكر، وإن لم يبلغ فهو كر، ولا ينجسه شئ إلا أن
يكون فيه الجيف فتغير لونه أو طعمه أو رائحته فإذا غيرته لم يشرب منه ولم يتطهر منه إذا
وجدت غيره.
وإذا سقط في البئر فأرة أو طائر أو سنور وما أشبه ذلك فمات فيها ولم يتفسخ، نزح منه
12

سبعة أدل من دلاء هجر، والدلو أربعون رطلا. وإذا تفسخ نزح منها عشرون دلوا، وأروي:
أربعون دلوا، اللهم إلا أن يتغير اللون أو الطعم أو الرائحة فينزح حتى يطيب.
وروي: لا ينجس الماء إلا ذو نفس سائلة أو حيوان له دم.
وقال العالم ع: وإذا سقط النجاسة في الإناء لم يجز استعماله، وإن لم يتغير لونه
أو طعمه أو رائحته مع وجود غيره، فإن لم يوجد غيره استعمل اللهم إلا أن يكون سقط فيه
خمر فيتطهر منه ولا يشرب إلا إذا لم يوجد غيره، ولا يشرب ولا يستعمل إلا في وقت الضرورة
والتيمم.
وكلما تغير فحرم التطهير به جاز شربه في وقت الضرورة، وكل ماء مضاف أو مضاف
إليه فلا يجوز التطهر به ويجوز شربه مثل ماء الورد وماء القرع ومياه الرياحين والعصير
والخل ومثل ماء الباقلي وماء الزعفران وماء الخلوق وغيره وما يشبهها، وكل ذلك لا يجوز
استعمالها إلا الماء القراح أو التراب.
وماء المطر إذا بقي في الطرقات ثلاثة أيام نجس، واحتيج إلى غسل الثوب منه، وماء
المطر في الصحاري لا ينجس، وأروي: أن طين المطر في الصحاري يجوز الصلاة فيه
طول الشتو، وإن شرب من الماء دابة أو حمار أو بغل أو شاة أو بقرة، فلا بأس باستعماله
والوضوء منه ما لم يقع فيه كلب أو وزع أو فأرة، فإن وقع فيه وزع أهريق ذلك الماء، وإن وقع
كلب أو شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات، مرة بالتراب ومرتين بالماء، ثم
يجفف، وإن وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء، وإن دخل فيه حية وخرجت منه، صب من ذلك
الماء ثلاثة أكف واستعمل الباقي وقليله وكثيره بمنزلة واحدة، وإن وقعت فيه عقرب أو شئ
من الخنافس أو بنات وردان أو الجراد وكل ما ليس له دم فلا بأس باستعماله والوضوء منه
مات فيه أم لم يمت.
وإن كان معه إناءان وقع في أحدهما ما ينجس الماء ولم يعلم في أيهما وقع، فليهرقهما
جميعا وليتيمم.
وماء البئر طهور ما لم ينجسه شئ يقع فيه، وأكبر ما يقع فيه انسان فيموت فانزح منها
سبعين دلوا، وأصغر ما يقع الصعوة فانزح منها دلوا واحدا وفيما بين الصعوة والإنسان على
13

قدر ما يقع فيها، فإن وقع فيها حمار فانزح منها كرا من الماء، وإن وقع فيها كلب أو سنور
فانزح منها ثلاثين دلوا إلى أربعين، " والكر ستون دلوا " وقد روي سبعة أدل، وهذا الذي
وصفناه في ماء البئر ما لم يتغير الماء، وإن تغير الماء وجب أن ينزح الماء كله، فإن كان كثيرا
وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من
الغدوة إلى الليل.
فإن توضأت منه أو اغتسلت أو غسلت ثوبك بعد ما تبين وكل آنية صب فيها ذلك الماء
غسل، وإن وقعت فيها حية أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان فاستق للحية أدلى، وليس
لسواها شئ، وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فانزح منهما الماء كله، وإن قطر فيها
قطرات من دم فاستق منها دلي، وإن بال فيها رجل فاستق منها أربعين دلوا، وإن بال صبي
وقد أكل الطعام استق منها ثلاثة دلاء، وإن كان رضيعا استق منها دلوا واحدا.
وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره،
وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله،
والغلام والجارية سواء.
وقد روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: لبن الجارية تغسل منه الثوب قبل
أن تطعم وبولها لأن لبن الجارية يخرج من مثانة أمها، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب،
ولا من بوله قبل أن يطعم لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين و العضدين.
وإن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف. والوافي
ما يكون وزنه درهما وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله، ولا بأس
بالصلاة فيه. وإن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون الدم دم الحيض
فاغسل ثوبك منه، ومن البول والمني قل أم كثر وأعد منه صلاتك علمت به أم لم تعلم.
وقد روي في المني: إذا لم تعلم به من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك، ولا بأس بدم
السمك في الثوب أن تصلي فيه قليلا كان أم كثيرا، فإن أصاب قلنسوتك وعمامتك أو التكة
أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه وذلك أن الصلاة لا تتم
في شئ من هذا وحده.
14

باب الحيض والاستحاضة والنفاس والحامل ودم القرحة والعذرة والصفراء
إذا رأت وما يستعمل فيها:
اعلم أن أقل ما يكون أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام فعلى المرأة
أن تجلس عن الصلاة بحسب عادتها ما بين الثلاثة إلى العشرة لا تطهر في أقل من ذلك
ولا تدع الصلاة أكثر من عشرة أيام.
والصفرة قبل الحيض حيض وبعد أيام الحيض ليست من الحيض، فإذا زاد عليها
الدم - على أيامها - اغتسلت في كل يوم مع الفجر واستدخلت الكرسفة وشدت وصلت ثم
لا تزال تصلي يومها ما لم يظهر الدم فوق الكرسف والخرقة، فإذا ظهر أعادت الغسل،
وهذه صفة ما تعلمه المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها.
والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد أن تغتسل وتنظف لأن
غسلها يقوم مقام الطهر للحائض، والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها وهي
عشرة أيام وتستظهر بثلاثة أيام، ثم تغتسل فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة.
وقد روي ثمانية عشر يوما، وروي ثلاثة وعشرين يوما، وبأي هذه الأحاديث أخذ من جهة
التسليم جاز.
والحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت
صفرة لم تدع الصلاة، وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع
الصلاة، والعمل من خواص الفقهاء على ذلك.
واعلم أن أول ما تحيض المرأة دمها كثير ولذلك صار حدها عشرة أيام، فإذا دخلت في
السن نقص دمها حتى يكون قعودها تسعة أو ثمانية أو سبعة وأقل من ذلك حتى ينتهي إلى
أدنى الحد وهو ثلاثة أيام، ثم ينقطع الدم عليها فتكون ممن يئست من الحيض.
وتفسير المستحاضة أن دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة، ودم الحيض إلى السواد وله رقه،
فإذا دخلت المستحاضة في حد حيضتها الثانية تركت الصلاة حتى تخرج الأيام التي تقعد في
حيضها، فإذا ذهب عنها الدم اغتسلت وصلت، وربما عجل الدم من الحيضة الثانية، والحد
بين الحيضتين القرء وهو عشرة أيام بيض، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل
15

استكمال عشرة أيام بيض، فهو ما بقي من الحيضة الأولى، وإن رأت الدم بعد العشرة
البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثانية، فإذا دام دم المستحاضة ومضى عليها مثل أيام
حيضها أتاها زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله.
ولا تدخل الحائض المسجد إلا أن تكون مجتازة ويجب عليها عند حضور كل صلاة أن
تتوضأ وضوء الصلاة، وتجلس مستقبل القبلة وتذكر الله بمقدار صلاتها كل يوم، وإذا رأت
يوما أو يومين فليس ذاك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات وعليها أن تقضي الصلاة
التي تركتها في اليوم واليومين، وإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام، فلتقعد عن الصلاة
عشرة، ثم تغتسل يوم حادي عشر وتحتشي وتغتسل، فإن لم يثقب الدم القطن صلت
صلاتها، كل صلاة بوضوء.
وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد وسائر
الصلوات بوضوء، وإن ثقب الدم الكرسف وسأل صلت صلاة الليل والغداة بغسل،
والظهر والعصر بغسل، وتؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر، وتصلي المغرب والعشاء
الآخرة بغسل واحد، وتؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة.
فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة، ومتى ما اغتسلت على ما وصفت حل
لزوجها أن يأتيها، وإذا رأت الصفرة في أيام حيضها فهو حيض، وإن رأت بعدها فليس
من الحيض.
وإذا أرادت الحائض بعد الغسل من الحيض فعليها أن تستبرئ والاستبراء أن
تدخل قطنة، فإن كان هناك دم خرج ولو مثل رأس الذباب لم تغتسل وإن لم يخرج
اغتسلت، وإذا أرادت المرأة أن تغتسل من الجنابة فأصابها الحيض، فلتترك الغسل حتى
تطهر، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للجنابة والحيض، وإذا رأت الصفرة أو شيئا من
الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى - كما ترى الكلب إذا بال -
وتدخل قطنة، فإن خرج فيها دم فهي حائض وإن لم يخرج فليست بحائض.
وإن اشتبه عليها الحيض بدم قرحة - فربما كان في فرجها قرحة - فعليها أن تستلقي
على قفاها وتدخل أصابعها، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة، وإن خرج
16

من الجانب الأيسر فهو من الحيض.
وإن افتضها زوجها ولم يرقأ دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة فعليها أن
تدخل قطنة، فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة، وإن خرجت منغمسة فهو
من الحيض.
واعلم أن دم العذرة لا يجوز الشفرتين، ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، ودم
المستحاضة بارد يسيل وهي لا تعلم، وبالله التوفيق.
باب غسل الميت وتكفينه:
إذا حضرت الميت الوفاة فلقنه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ص
والإقرار بالولاية لأمير المؤمنين ع والأئمة ع واحدا
واحدا، ويستحب أن يلقن كلمات الفرج، وهي: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله
العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن
ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، ولا تحضر الحائض
ولا الجنب عند التلقين، فإن الملائكة تتأذى بها، ولا بأس بأن يليا غسله ويصليا عليه
ولا ينزلا قبره، فإن حضرا ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه.
وإذا اشتد عليه نزع روحه فحوله إلى المصلى الذي كان يصلى فيه أو عليه وإياك أن
تمسه، وإن وجدته يحرك يديه أو رجليه أو رأسه فلا تمنعه من ذلك كما يفعل جهال الناس، ثم
ضعه على مغتسله من قبل أن تنزع قميصه وتضع على فرجه خرقة وتلين مفاصله، ثم
تقعده فتغمز بطنه غمزا رفيقا وتقول وأنت تمسحه: اللهم إني سلكت حب محمد ص
في بطنه، فاسلك به سبيل رحمتك، ويكون مستقبل القبلة.
ويغسله أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك، وتجعل باطن رجليه إلى القبلة
وهو على المغتسل وتنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرع من غسله ليستر به
عورته، وإن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما يستر به عورته وتلين أصابعه
ومفاصله ما قدرت بالرفق وإن كان يصعب عليك فدعه، وتبدأ بغسل كفيه ثم تطهر ما خرج
17

من بطنه ويلف غاسله على يده خرقة ويصب غيره الماء من فوق يديه، ثم تضجعه ويكون
غسله من وراء ثوبه إن استطعت ذلك، ثم تبدأ برأسه فتغسله بالماء غسلا نظيفا ثم اغسل
جسده كله إلى رجليه بالحرض والسدر غسلا نظيفا وتدخل يدك تحت الثوب وتغسل قبله
ودبره بثلاث حميديات ولا تقطع الماء عنه، ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر وتتبعه
بثلاث حميديات، ولا تقعده إن صعب عليك.
ثم اقلبه على جنبه الأيسر ليبدو لك الأيمن ومد يدك اليمنى على جنبه الأيمن إلى حيث
تبلغ، ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه فإذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء
وإياك أن تتركه، ثم اقلبه إلى جنبه الأيمن ليبدو لك الأيسر وضع يدك اليسرى على جنبه الأيسر
واغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه ولا تقطع الماء عنه، ثم اقلبه إلى ظهره وامسح
بطنه مسحا رفيقا واغسله مرة أخرى بماء وشئ من الكافور واطرح فيه شيئا من الحنوط
مثل غسل الأول، ثم خضخض الأواني التي فيها الماء واغسله الثالثة بماء قراح ولا تمسح بطنه
في الثالثة، وقل وأنت تغسله: عفوك عفوك فإنه من قالها عفا الله عنه، وعليك بأداء الأمانة
فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه: من غسل ميتا مؤمنا فأدى الأمانة غفر له، قيل:
وكيف يؤدى الأمانة؟ قال: لا يخبر بما يرى، فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من
المرفقين إلى أطراف أصابعك وألق عليه ثوبا تنشف به الماء عنه.
ولا يجوز أن يدخل الماء ما ينصب عن الميت من غسله في كنيف ولكن يجوز أن يدخل
في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة، ولا تقلم أظافيره ولا تقص شاربه ولا شيئا من شعره فإن
سقط منه شئ من جلده فاجعله معه في أكفانه، ولا تسخن له ماءا إلا أن يكون الماء باردا
جدا فتوقى الميت مما توقي منه نفسك، ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا، ثم تضعه في
أكفانه واجعل معه جريدتين: أحدهما عند ترقوته تلصقها بجلده ثم تمد عليه قميصه و
الأخرى عند وركه، وروي: أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم الذراع تضع واحدة عند
ركبتيه تلصق إلى الساق وإلى الفخذين والأخرى تحت أبطه الأيمن ما بين القميص والإزار،
وإن لم تقدر على جريدة من نخل فلا بأس أن يكون من غيره بعد أن يكون رطبا.
وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن ثم تمد الأيمن على الأيسر وإن
18

شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه، ثم تعممه وتحنكه فتثنى على رأسه
بالتدوير، وتلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم تمد على صدره ثم يلفف
باللفافة، وإياك أن تعممه عمة الأعرابي وتلقي طرفي العمامة على صدره، وقبل أن تلبسه
قميصه تأخذ شيئا من القطن وتجعل عليه حنوطا وتحشو به دبره وتضع شيئا من القطن
على قبله وتكثر عليه من الحنوط وتضم رجليه جميعا وتشد فخذيه إلى وركه بالمئزر شدا جيدا
لئلا يخرج منه شئ.
فإذا فرغت من كفنه حنطه بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور، وتبدأ بجبهته
وتمسح مفاصله كلها به وما بقي منه على صدره وفي وسط راحته، ولا تجعل في فمه ولا في
منخريه ولا في عينيه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا، فإن لم تقدر على هذا
المقدار كافورا فأربعة دراهم فإن لم تقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده، ثم احمله على
سريره وإياك أن تقول: ارفقوا به وترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فإنه يحبط أجرك
عند المصيبة، ولا تتركه وحده فإن الشيطان يعبث به في جوفه.
ولا بأس أن تغسله في فضاء وإن سترت بشئ أحب إلى، وإن حضر قوم مخالفون
فاجهد أن تغسله غسل المؤمن وأخف عنهم الجريدة، فإن خرج منه شئ بعد الغسل،
فلا تعد غسله ولكن أغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شئ في
لحده لم تغسل كفنه ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ومددت أحد
الثوبين على الآخر، ولا تكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم وإذا كان ثوب معلم فاقطع علمه،
ولكن كفنه في ثوب قطن ولا بأس في ثوب صوف، ولا بأس أن ينظر الرجل إلى امرأته بعد
الموت وتنظر المرأة إلى زوجها، ويغسل كل واحد صاحبه إذا ماتا، وإن مس ثوبك ميتا
فاغسل ما أصاب.
وإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها وإنما يؤجر من تبعها لا من تبعته، وقد
روي عن أبي عبد الله ع: إن المؤمن إذا دخل قبره ينادى: ألا إن أول حبائك الجنة
وأول حباء من تبعك المغفرة، وقال ع: اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل
المجوس، وأفضل الشئ في اتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة وهو مشى الكرام الكاتبين،
19

ولا تترك تشييع جنازة المؤمن فإن فيه فضلا كثيرا، وربع الجنازة فإن من ربع جنازة مؤمن
حط عنه خمس وعشرون كبيرة، فإذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك ثم
تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر الثاني وتأخذه بيسارك ثم تدور إلى
القدم الأيسر فتأخذه بيسارك ثم تدور على الجنازة كدور كفى الرحى.
وإذا حملته إلى قبره فلا تفاجئ به القبر فإن للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول
المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر عليه هنيهة ثم قدمه إلى شفير القبر، ويدخله القبر
من يأمره ولي الميت إن شاء شفعا وإن شاء وترا، وقل إذا نظرت إلى القبر: اللهم اجعلها
روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران، فإذا دخلت القبر فاقرأ أم الكتاب
والمعوذتين وآية الكرسي، فإذا توسطت المقبرة فاقرأ ألهيكم التكاثر واقرأ منها خلقناكم
وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، فإذا تناولت الميت فقل: بسم الله وبالله وفي
سبيل الله وعلى ملة رسول الله ص.
ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة وحل عقد كفنه وضع خده على التراب، وقل:
اللهم جاف الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا، ثم تدخل يدك اليمنى
تحت منكبه الأيمن وضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه تحريكا شديدا وتقول: يا فلان
بن فلان، الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وعلى وليك وإمامك، وتسمى الأئمة واحدا
بعد واحد إلى آخرهم ع ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى، فإذا وضعت عليه
اللبن فقل: اللهم آنس وحشته وصل وحدته برحمتك، اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك
نزل بساحتك وأنت خير منزول به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا
فتجاوز عنه واغفر له إنك أنت الغفور الرحيم، وإن كانت امرأة فخذها بالعوض من قبل
اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من
موضع يتناول وركها.
فإذا خرجت من القبر فقل وأنت تنفض يديك من التراب: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم
احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات وقل: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك، هذا
ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات كتب الله له
20

بكل ذرة حسنة، فإذا استوى قبره فصب عليه ماءا وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل
القبلة وتبدأ بصب الماء من عند رأسه وتدور به على القبر ثم من أربع جوانب القبر حتى
ترجع من غير أن تقطع الماء، فإن فضل من الماء شئ فصبه على وسط القبر، ثم ضع يدك
على القبر وأنت مستقبل القبلة، وقل: اللهم ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن
روعته وأفض عليه من رحمتك وأسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك رحمة
يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه، ومتى ما زرت قبره فادع له بهذا
الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر.
وعز وليه فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من عزى أخاه المؤمن كسى
في الموقف حلة، ويستحب أن يختلف عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه
ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفع صوته فإنه إذا فعل ذلك كفى المسألة في قبره والسنة
في أهل المصيبة أن يتخذ لهم ثلاثة أيام طعام لشغلهم في المصيبة، وإن كان المعزى يتيما
فامسح يدك على رأسه، فقد روي عن النبي ص قال: من مسح يده على
رأس يتيم ترحما له كتب الله له بكل شعرة مرت عليه يده حسنة، وإن وجدته باكيا فسكته
بلطف ورفق فإنه أروي عن العالم ع أنه قال: إذا بكى اليتيم اهتز له العرش،
فيقول الله تبارك وتعالى: من هذا الذي بكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره وعزتي
وجلالي وارتفاعي في مكاني لا أسكته عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة.
وإذا أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب فتوضأ وضوء الصلاة ثم اغسله وإذا أردت
الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع، وإن مات ميت بين
رجال نصارى ونسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون، وإن كان الميت
امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية وغسلتها، وإن كان
الميت مجدورا أو محترقا فخشيت إن مسسته سقط من جلوده شيئا، فلا تمسه ولكن صب عليه
الماء صبا، فإن سقط منه شئ فاجمعه في أكفانه، وإن كان الميت أكيلة السبع فاغسل ما بقي
منه فإن لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها.
وإن كان الميت مصعوقا أو غريقا أو مدخنا صبرت عليه ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل
21

ذلك فإن تغير غسلته وحنطته وصليت عليه ودفنته، وإن مات في سفينة فاغسله وكفنه
وثقل رجليه وألقه في البحر، ومتى مسست ميتا قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليك فإن
مسسته بعد ما برد فعليك الغسل، وإن مسست شيئا من جسد أكيلة السبع فعليك الغسل
إن كان فيما مسست عظم وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسه، وإن مسست ميتة
فاغسل يديك وليس عليك غسل إنما يجب عليك ذلك في الانسان وحده.
وإذا كان الميت محرما غسلته وكفنته وصليت عليه وغطيت وجهه، وعملت به ما تعمل
بالحلال إلا أنه لا يقرب إليه كافور، وإن كان الميت قتيل المعركة في طاعة الله لم يغسل ودفن
في ثيابه التي قتل فيها بدمائه ولا ينزع منه من ثيابه إلا مثل الخف والمنطقة والفروة وتحل
تكته، وإن أصابه شئ من دمه لم ينزع عنه شئ إلا أنه يحل المعقود، ولم يغسل إلا أن يكون
به رمق ثم يموت بعد ذلك فإذا مات بعد ذلك غسل كما يغسل الميت وكفن كما يكفن الميت
ولا يترك عليه شئ من ثيابه، وإن كان قتيل في معصية الله غسل كما يغسل الميت وضم
رأسه إلى عنقه ويغسل مع البدن كما وصفناه في باب الغسل، فإذا فرع من غسله جعل على
عنقه قطنا وضم إليه الرأس وشد مع العنق شدا شديدا.
وإذا ماتت المرأة وهي حامل وولدها يتحرك في بطنها شق بطنها من الجانب الأيسر
وأخرج الولد وإن مات الولد في جوفها ولم يخرج أدخل انسان يده في فرجها وقطع الولد
بيده وأخرجه، وروي أنها تدفن مع ولدها إذا مات في بطنها، وإذا اغتسلت من غسل الميت
فتوضأ ثم اغتسل كغسلك من الجنابة، وإن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صليت فاغتسل
وأعد صلاتك.
واعلم أن غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعها في السفر ولا في الحضر، ويجزئك
إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر وكلما قرب من الزوال فهو أفضل، فإذا فرغت منه فقل:
اللهم طهرني وطهر قلبي وأنق غسلي وأجر على لساني ذكرك وذكر نبيك محمد ص
واجعلني من التوابين ومن المتطهرين، وإن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت
العصر أو من الغد فاغتسل، واغتسل يوم عرفة قبل الزوال، وإذا أسقطت المرأة وكان
السقط تاما غسل وحنط وكفن ودفن وإن لم يكن تاما فلا يغسل ويدفن بدمه، وحد إتمامه
22

إذا أتى أربعة أشهر، وإن كان الميت مرجوما بدئ بغسله وتحنيطه وتكفينه ثم رجم
بعد ذلك وكذلك القاتل إذا أريد قتله قودا، وإن كان الميت مصلوبا أنزل من خشبته بعد
ثلاثة أيام وغسل ودفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام.
والسنة أن القبر يرفع أربعة أصابع مفرجة من الأرض وإن كان أكثر فلا بأس ويكون
مسطحا لا أن يكون مسنما، وإذا رأيت الجنازة فقل: الله أكبر الله أكبر هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله كل نفس ذائقة الموت هذا سبيل لا بد منه إنا لله وإنا إليه
راجعون، تسليما لأمره ورضاء بقضائه واحتسابا لحكمه وصبرا لما قد جرى علينا من حكمه،
اللهم اجعله لنا خير غائب ننتظره.
23

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
25

باب الوضوء
إذا أردت دخول الخلاء فقنع رأسك وأدخل رجلك اليسرى قبل اليمنى وقل: بسم الله وبالله ولا إله إلا الله.
اللهم لك الحمد. اعصمني عن شر هذه البقعة وأخرجني منها
سالما وحل بيني وبين طاعة الشيطان وإذا فرغت من حاجتك فقل: الحمد لله الذي أماط
عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى. ولا تطمح ببولك من السطح ولا من
الشئ المرتفع في الهواء ولا تبل قائما من غير علة فإنه من الجفاء.
ولا تستنج بيمينك فإنه من الجفاء ولا تطل جلوسك على الخلاء فإنه يورث البواسير
واتق شطوط الأنهار والطريق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن وهي أبواب
الدور. وروي لعن الله المتغوط في ظل النزال ومنابع الماء المنتاب والساد الطريق المسلوك.
ولا تستنج وعليك خاتم عليه اسم الله حتى تحوله. وإذا كان عليه اسم محمد ص
فلا بأس بأن لا تنزعه. وإذا أردت الخروج من الخلاء فأخرج رجلك اليمنى
قبل اليسرى وقل: الحمد لله على ما أخرج عني من الأذى في يسر وعافية، يا لها نعمة.
فإذا أردت الوضوء فاغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن النوم مرة
وعليك بوضوء أمير المؤمنين ع فإني رويت أنه كان جالسا ذات يوم، وعنده ابنه
محمد بن الحنفية. قال: يا محمد ايتيني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه، فأكفى بيده
27

اليسرى على يده اليمنى وبيده اليمنى على يده اليسرى. ثم قال: بسم الله والحمد لله الذي
جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا. ثم استنجى فقال: اللهم حصن فرجي وعفه واستر
عورتي وحرمني على النار ثم تمضمض، فقال: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني
بذكرك. ثم استنشق، فقال: اللهم لا تحرم على ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها
وطيبها. ثم غسل وجهه، فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي
يوم تبيض فيه الوجوه. ثم غسل يده اليمنى، فقال اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في
الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا. ثم غسل يده اليسرى، فقال اللهم لا تعطني كتابي
بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران. ثم مسح
رأسه، فقال: اللهم غشني برحمتك وظللني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. ثم مسح على
قدميه فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي في ما يرضيك عني.
ثم رفع رأسه إلى محمد، فقال: يا محمد من توضأ مثل وضوئي هذا وقال مثل قولي، خلق الله
من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره، فيكتب الله تبارك وتعالى له ثواب ذلك إلى يوم
القيامة.
واعلم أن الوضوء مرة. واثنتين لا يؤجر. وثلاثة بدعة.
وإن بلت فذكرت بعد ما صليت أنك لم تغسل ذكرك فاغسل ذكرك وأعد الوضوء
للصلاة. وكان أمير المؤمنين ع إذا توضأ للصلاة، لا يترك أحدا يصب عليه
الماء. فسئل عن ذلك، فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا ولا ينقض وضوؤك إلا من
أربعة أشياء: من بول أو غائط أو ريح أو مني وما سوى ذلك من القئ والقلس والقبلة
والحجامة والرعاف والوذي والمذي، فليس فيه إعادة وضوء. وكل ما لم يجب فيه إعادة
الوضوء، فليس عليك أن تغسل ثوبك منه.
وإن نسيت أن تستنجي بالماء وقد تمسحت بثلاثة أحجار حتى صليت: ثم ذكرت
وأنت في وقتها فأعد الوضوء والصلاة. وإن كان قد مضى الوقت، فقد جازت
صلاتك. فتوضأ لما يستقبل من الصلاة.
وإن بلت، فأصاب فخذك نكتة من بولك فصليت ثم ذكرت أنك لم تغسله
28

فاغسل وأعد الصلاة.
ولا بأس أن تمس عظم الميت إذا جاوز سنة. وإن أصاب ثوبك من بول
الخشاشيف فاغسل ثوبك. وروي أنه لا بأس بخرء ما طار وبوله. ولا تصل في ثوب أصابه
ذرق الدجاج. وإن وقعت فأرة في الماء ثم خرجت فمشت على الثياب فاغسل ما رأيت من
أثرها وما لم تره انضحه بالماء. ولا بأس بدم السمك في الثوب أن يصلى فيه، قليلا كان أم
كثيرا. وإن أصاب عمامتك أو قلنسوتك أو تكتك أو جوربك أو خفك مني أو بول أو دم أو
غائط، فلا بأس بالصلاة فيه، وذلك أن الصلاة لا يتم في شئ من هذا وحده.
وكل شئ طاهر إلا ما علمت أنه قذر. وقد قال أمير المؤمنين ع: لبن
الجارية وبولها، يغسلان من الثوب قبل أن تطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام
لا يغسل منه الثوب ولا بوله لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين. وروي في امرأة
ليس لها إلا قميص واحد ولها مولود يبول عليها. إنها تغسل القميص في اليوم مرة. وإن
وقع ثوبك على حمار ميت فليس عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه.
وإذا توضأت المرأة، فألقت قناعها عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة
والمغرب وتمسح عليها ويجزيها في سائر الصلاة أن تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من
غير أن تلقى عنها قناعها.
ولا بأس أن تصلي بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها ما لم تحدث.
وإن غسلت يمينك قبل الوجه، فاغسل وجهك ثم أعد على اليمين. وإن غسلت
يسارك قبل يمينك، فاغسل يمينك ثم اغسل يسارك. وإن مسحت على رجليك قبل رأسك،
فامسح رأسك ثم أعد المسح على رجليك.
وإن توضأت فانقطع بك الماء قبل أن تتم الوضوء فأتيت بالماء، فأتمم وضوءك إذا كان
ما غسلته رطبا، وإن كان قد جف فأعد وضوئك. وإن جف بعض وضوئك قبل أن تتم
الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي جف وضوئك أو لم يجف. ولا تتق في
شرب المسكر والمسح على الخفين أحدا.
وإذا استيقظ الرجل من نومه ولم يبل فلا بأس بأن يدخل يده في الماء قبل أن
29

يغسلها. وإذا بال فلا يجوز له أن يدخل يده في الماء حتى يغسلها. ولا تتوضأ بسؤر الحائض
ولا تشرب منه. وإذا توضأت فدور الخاتم في وضوئك، وإن علمت أن الماء لا يدخل تحته
فحوله. وإذا اغتسلت من الجنابة فحوله. وإن نسيت حتى قمت في الصلاة فلا آمرك أن
تعيده.
وإن أصابك نضح من طشت فيه وضوء فاغسل ما أصابك منه إذا كان الوضوء من
بول أو قذر. وإن كان وضوءك للصلاة فلا يضرك. ولا بأس أن تتوضأ من الماء إذا كان في
زق من جلدة ميتة. ولا بأس بأن تشربه ولا بأس بأن تتوضأ من فضل المرأة إذا لم تكن جنبا
ولا حائضا. وإن وجدت ماء نقيعا تبول فيه الدواب فتوضأ منه وكذلك الدم السائل في الماء
وأشباهه. ولا بأس أن تدخل في الصلاة ويدك غمرة ولا تتوضأ.
وإن نمت وأنت جالس في الصلاة، فإن العين قد تنام والأذن تسمع. فإذا سمعت
الأذان فلا بأس إنما الوضوء مما وجدت ريحه أو سمعت صوته.
وإن استيقنت أنك توضأت وأحدثت، فلا تدري سبق الوضوء الحدث، أم الحدث
الوضوء، فتوضأ. ولا تبعض الوضوء وتابع بينه كما أمرك الله. وإن شككت بعد ما صليت
فلم تدر توضأت أم لا، فلا تعد الوضوء ولا الصلاة. ومتى شككت في شئ وأنت في حال
أخرى فامض ولا تلتفت إلى الشك إلا أن تستيقن.
ومتى ما تكشفت لبول أو غير ذلك فقل: بسم الله فإن الشيطان يغض بصره عنك
حتى تفرع. وسئل أبو الحسن الرضا ع: ما حد الغائط؟ فقال: لا تستقبل القبلة
ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها.
ومتى توضأت فاذكر اسم الله فإن من توضأ فذكر اسم الله، طهر جميع جسده. وكان
الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب. ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصابه
الماء. وروي أن من توضأ فذكر اسم الله فكأنما اغتسل.
واعلم أن من توضأ وتمندل كتبت له حسنة. ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف كتبت
له ثلاثون حسنة. وروي أن من توضأ للمغرب، كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في
نهاره إلا الكبائر. وافتح عينيك إذا توضأت، فإن رسول الله ص قال: افتحوا
30

عيونكم عند الوضوء، فلعلها لا ترى نار جهنم. ولا تضع الماء في الشمس للوضوء
والغسل فإن رسول الله ص دخل على عائشة وقد وضعت قمقمها في
الشمس. فقال يا حميراء ما هذا؟ قالت: أغسل رأسي. قال: لا تعودي، فإنه يورث البرص.
وإذا اغتسلت فاغتسل بصاع، وإذا توضأت فتوضأ بمد من ماء. وصاع النبي ص
خمسة أمداد والمد وزن مائتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق
والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من صغاره ولا من
كباره، جملة وزن الخمسة أمداد الماء ألف وستمائة وخمسون درهما.
باب السواك وفضله
لا تدع السواك فإن فيه اثنا عشر خصلة: هو من السنة ومطهرة للفم ومجلاة
للبصر ويرضي الرحمن ويبيض الأسنان ويذهب بالحفر ويشد اللثة ويشهي الطعام ويذهب
بالبلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات وتفرح به الملائكة ولكل شئ طهور، وطهور
الفم السواك. وصلاة تصليها بسواك أفضل عند الله من سبعين صلاة تصليها بلا سواك
وكان النبي ص يستاك لكل صلاة. وقال في وصيته لأمير المؤمنين
ع: عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة. وروي أنه قال: إن أفواهكم طرق القرآن،
فطهروها بالسواك.
باب التيمم
اعلم أنه لا تيمم الرجل حتى يكون في آخر الوقت، فإذا تيمم أجزأه أن يصلى
بتيممه صلوات الليل والنهار، ما لم يحدث أو يصيب ماء. وإذا مررت بماء ولم تتوضأ، رجاء أن
تقدر على غيره، فأعد التيمم فقد انتقض بنظرك إلى الماء. وإذا تيممت وصليت، ثم وجدت
ماء وأنت في وقت الصلاة بعد، فلا إعادة عليك وقد مضت صلاتك فتوضأ لصلاة أخرى
وإذا تيممت ودخلت في صلاتك ثم أتيت بماء فانصرف وتوضأ ما لم تركع. وإن كنت قد
ركعت فامض فإن التيمم أحد الطهورين.
31

فإذا تيممت فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما بين
عينيك إلى أسفل حاجبيك ثم تدلك إحدى يديك بالأخرى فوق الكف قليلا.
وقد روي أنه تضرب يديك على الأرض مرة واحدة ثم تنفضهما فتمسح بهما وجهك ثم
تضرب بيسارك الأرض فتمسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثم تضرب بيمينك
الأرض فتمسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثم تضرب بيمينك الأرض فتمسح
بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع.
وإن كنت في حال لا تقدر إلا على الطين، فلا بأس أن تتيمم منه إذا لم يكن معك ثوب
جاف ولا لبد تنفضه وتتيمم به. وإن كنت في مفازة ومعك إداوة من ماء وأنت على غير طهر
فتمسح بالصعيد واترك الماء إلا أن تعلم أنك تدرك الماء قبل أن يفوت وقت الطهور.
وإن كنت وسط زحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا تستطيع الخروج من المسجد من كثرة
الناس، فتيمم وصل معهم ثم تعيد إذا انصرفت. وإن كنت في سفر ومعك ماء ونسيت
فتيممت وصليت، ثم ذكرت قبل أن يخرج الوقت، فأعد الوضوء والصلاة. وإن كان معك
إناءان وقع في أحدهما ما ينجس الماء ولم تعلم في أيهما وقع، فأهرقهما جميعا وتيمم. وإذا
احتلمت في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول ص فتيمم ولا تمر في
المسجد إلا متيمما. ولا بأس أن تمر في سائر المساجد وأنت جنب، ولا تجلس فيها.
باب ما يقع في البئر والأواني من الناس والبهائم والطير وغير ذلك
اعلم أن الماء كله طاهر إلا ما علمت أنه قذر، وأكبر ما يقع في البئر الانسان فانزح
منها سبعين دلوا إذا مات، وأصغر ما يقع في البئر الصعوة، فاستق منها دلوا واحدا، فإن وقع
في البئر بعيرا وصب فيها خمر فانزح الماء كله، فإن وقع في البئر عذرة فاستق منها عشرة
دلاء، وإن ذابت فيها، فاستق منها أربعين دلوا إلى خمسين دلوا. وإن بال فيها رجل، فاستق
منها أربعين دلوا. فإن بال فيها صبي قد أكل الطعام فاستق منها ثلاثة دلاء. وإن كان رضيعا
فاستق منها دلوا واحدا، فإن وقع فيها كلب أو سنور، فانزح منها ثلاثين دلوا إلى أربعين دلوا
وقد روي سبعة دلاء، فإن وقع فيها دجاجة أو حمامة، فاستق منها سبعة دلاء وإن وقع فيها
حمار فاستق منها كرا من الماء.
32

والكر ما يكون ثلاثة أشبار طول في عرض ثلاثة أشبار في عمق ثلاثة أشبار. وروي أن
الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر. وسئل أبو عبد الله ع عن الماء الذي
لا ينجسه شئ قال: ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته. وروي أن الكر ألف ومائتا رطل.
وإن قطر في البئر قطرات من دم، فاستق منها عشرة دلاء. وإن وقعت فيها فأر، فانزح
منها دلوا واحدا. وأكثر ما روي في الفأرة إذا تفسخت سبعة دلاء. وإن وقع فيها زنبيل من
عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين، فلا بأس بالوضوء منها وليس عليك أن تنزح منها
شيئا. وإن وقعت فأرة في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت، فلا بأس أن تبيعه من مسلم
فتدهن به. وإن وقعت في البئر شاة، فانزح منها سبعة دلاء. وإن وقعت فأرة في خابية فيها
سمن أو زيت فلا تأكله. وإن وقعت في البئر فأرة أو غيرها من الدواب، فماتت فعجن من
مائها، فلا بأس بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار، وفي حديث آخر: أكلت النار ما فيه. وإذا
وقع في البئر سام أبرص، فحرك الماء بالدلو فليس بشئ.
وروى عبد الكريم، عن أبي عبد الله ع أنه قال في بئر استقى منها، فتوضأ
به وغسل به الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميتة: إنه لا بأس ولا يغسل منه الثوب
ولا تعاد منه الصلاة. وفي حديث آخر: أكلت النار ما فيه، وإن وقع في البئر قطرة دم أو خمر
أو ميتة أو لحم خنزير، فانزح منها عشرين دلوا، وإن تغير الريح فانزح حتى يطيب.
وإذا أكل الكلب أو الفأرة من الخبز أو شماه، فاترك ما شماه وكل ما بقي ولا
بأس أن تتوضأ من حياض يبال فيها إذا كان لون الماء أغلب من لون البول، وإذا كان
لون البول أغلب من لون الماء، فلا تتعرض منه.
وإذا أصبت جرذا في إناء، فاغسل ذلك الإناء سبع مرات. فإن وقعت في البئر
خنفساء أو ذباب أو جراد أو نملة أو عقرب، أو بنات وردان، وكل ما ليس له دم، فلا تنزح
منها شيئا. وكذا لو وقعت في السمن والزيت. والعظاية إذا وقعت في اللبن حرم اللبن
ويقال أن فيها السم.
وإذا كانت بئر وإلى جانبها الكنيف، فإن مجرى العيون كلها مع مهب الشمال. فإذا
كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل من ذلك، لم يضرها إذا كان بينهما أذرع.
33

فإن كان الكنيف فوق النظيف فلا أقل من اثني عشر ذراعا. وإن كانت تجاهها بحذاء
القبلة، وهما يستويان في مهب الشمال، فسبعة أذرع.
وإن وقع رجل في بئر مخرج فلم يمكن اخراجه، فلا يتوضأ في ذلك البئر وتعطل
وتجعل قبرا، وإن أمكن اخراجه أخرج وغسل ودفن، فإن رسول الله ص
قال: حرمة الرجل المسلم ميتا كحرمته حيا سواء.
وإن أردت أن تجعل إلى جنب بالوعة بئرا فإن كانت الأرض صلبة، فاجعل بينهما
خمسة أذرع. وإن كانت رخوة فسبعة أذرع. وروي إن كان بينهما ذراعا فلا بأس وإن كانت
مبخرة إذا كانت البئر أعلى الوادي.
فإن قطرت قطرة خمر أو نبيذ مسكر في قدر فيه لحم ومرق كثير، أهريق المرق أو
أطعم أهل الذمة أو الكلب، ويغسل اللحم ويؤكل. وإن قطر في القدر قطرة دم فلا بأس،
فإن الدم تأكله النار، وإن قطر خمر أو نبيذ في عجين فقد فسد ولا بأس أن تبيعه من اليهود
والنصارى بعد أن تبين لهم، والفقاع بتلك المنزلة. فإن وقع كلب في إناء أو شرب منه،
أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات: مرة بالتراب ومرتين بالماء، ثم يجفف.
باب الغسل من الجنابة وغيرها
اعلم أن غسل الجنابة فرض واجب، وما سوى ذلك سنة. فإذا أردت الغسل من
الجنابة، فاغسل يديك ثلاثا ثم استنج، وضع على رأسك ثلاث أكف من ماء، وميز الشعر
بأناملك حتى يبلغ أصل الشعر كله ولا تدع شعرة من رأسك ولحيتك حتى تدخل الماء
تحتها. فإني رويت أنه من ترك شعرة متعمدا لم يغسلها من الجنابة فهو في النار. ثم صب الماء
على رأسك وبدنك مرتين وأمرر يديك على بدنك كله وخلل أذنيك بإصبعيك وكلما أصابه
الماء فقد طهر.
فإن أصابتك جنابة بالليل واغتسلت فأصبحت ووجدت بثوبك جنابة. فلا إعادة
عليك إن كنت قد نظرت ولم تر شيئا، وإن لم تطلب فعليك الإعادة وإذا دخلت الحمام ولم
يكن عندك ما تغترف به ويداك قذرتان، فاضرب يدك في الماء وقل: بسم الله وبالله.
34

وهذا مما قال الله عز وجل: وما جعل عليكم في الدين من حرج. وإذا دخلت الحمام
فاغتسلت وأصاب جسدك جنبا أو غيره فلا بأس. وإذا اجتمع المسلم واليهودي
والنصراني، اغتسل المسلم قبلهما من الحوض، وإن كان بك جروح أو قروح وأجنبت.
فلا تغسل إن خفت على نفسك. ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد
ولكن تغتسل بفضله ولا يغتسل بفضلها.
ولا بأس أن تقرأ القرآن كله وأنت جنب إلا العزائم التي يسجد فيها، وهي سجدة
لقمان وحم السجدة والنجم وسورة اقرأ باسم ربك. ولا يجوز لك أن تمس المصحف
وأنت جنب. ولا بأس أن يقلب لك الورق غيرك وتنظر فيه وتقرأ. ولا تتوضأ بفضل
الجنب والحائض. ولا بأس أن يتناولا من المسجد ما أرادا ولا يضعان فيه شيئا لأن ما فيه لا
يقدران على أخذه من غيره، وهما قادران على وضع ما معهما في غيره. ولا تأكل ولا تشرب
وأنت جنب حتى تغسل فرجك وتتوضأ فإنك إذا فعلت ذلك خيف عليك البرص قال أبو
عبد الله ع: إنني أكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع وهي صفراء.
وإن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا، فإن كنت بلت قبل الغسل فلا تعد
الغسل، وإن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد الغسل. وفي حديث آخر، إن لم تكن بلت
فتوضأ ولا تغتسل، إنما ذلك من الحبائل. وإن احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل،
وروي أن عليها الغسل إذا أنزلت، فإن لم تنزل فليس عليها شئ.
واعلم أن غسل الجنابة والحيض واحد، فإذا حاضت المرأة وهي جنب فلا
يضرها أن لا تغتسل من الجنابة حتى تطهر. وإذا أجنبت ولم تجد الماء فتيمم بالصعيد.
وإذا وجدت الماء فاغتسل وأعد الصلاة. وروي إن أجنبت في أرض ولم تجد إلا ماء
جامدا ولم تخلص إلى الصعيد، فصل بالتمسح. ثم لا تعد إلى الأرض التي يوبق فيها دينك.
وإن عرقت في ثوبك وأنت جنب حتى يبتل ثوبك، فانضحه بشئ من ماء وصل
فيه. وقال والدي رحمه الله في رسالته إلى: إن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة
من حلال، فحلال الصلاة إليه، وإن كانت الجنابة من حرام، فحرام الصلاة فيه وإذا
ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله. فإذا دخلت الحمام فلا تدلك
35

رأسك ووجهك بمئزر فإنه يذهب بماء الوجه، ولا تدلك تحت قدميك بالخزف فإنه يورث
البرص. ولا تستلق على قفاك فيه فإنه يورث داء الدبيلة. ولا تضطجع فيه فإنه يذيب
شحم الكليتين. ولا تدخله بغير مئزر فإنه من الإيمان. وإن رأيت في منامك أنك تجامع
ووجدت الشهوة فانتبهت ولم تر بثيابك ولا في جسدك شيئا، فلا غسل عليك. وإن وجدت بلة
أيضا إلا أن يسبقك الماء الأكبر ولا بأس أن يختضب الجنب ويجنب وهو مختضب ويحتجم
ويذكر الله ويتنور ويذبح ويلبس الخاتم وينام في المسجد ويمر فيه. ويجنب أول الليل وينام إلى
آخره. ولا بأس بقراءة القرآن في الحمام ما لم ترد به الصوت. ولا بأس بأن تنكح فيه.
وتغسل رأسك بالطين فإنه يسمج الوجه. ولا تتمشط فيه فإنه يورث وباء الشعر. ولا
تستك فيه فإنه يورث وباء الأسنان وإن جامعت مفاخذة حتى تهريق الماء، فعليك
الغسل وليس على المرأة، إنما عليها غسل الفخذين. وإن اغتسلت في وهدة وخشيت أن
يرجع ما ينصب عنك إلى الماء الذي تغتسل منه، أخذت كفا وصببته أمامك وكفا عن
يمينك، وكفا عن يسارك وكفا خلفك، واغتسلت منه.
باب الحائض والمستحاضة والنفساء ورؤيتهن الدم
وغسلهن وما يجب عليهن من الصلاة وتركها
اعلم أن أقل أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام. فإذا حاضت المرأة عشرة
أيام أو دون ذلك بيومين واستمر الدم بها، فهي مستحاضة. وإن انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن
كان حيضها تسعة أيام أو ثمانية أيام حائضا دائما مستقيما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع
عنها الدم فترى البياض لا صفرة ولا دما، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم. فإذا رأت الدم
أمسكت عن الصلاة. فإذا رأت الطهر صلت. وإذا رأت الدم فهي مستحاضة قد انتظمت
لها أمرها كله. فإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام، فلتقعد عن الصلاة عشرة أيام وتغتسل
يوم حادي عشرة وتحتشي، فإن لم يثقب الدم الكرسف صلت صلاتها كل صلاة بوضوء، فإن
غلب الدم الكرسف ولم يسل، صلت صلاة وصلاة الغداة بغسل، وسائر الصلوات
بوضوء. وإن غلب الدم الكرسف وسأل، صلت صلاة الليل وصلاة الغداة بغسل، والظهر
36

والعصر بغسل تؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر وتصلي المغرب والعشاء الآخر
بغسل واحد تؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخر إلى أيام حيضها. فإذا دخلت في
أيام حيضها تركت الصلاة، فإن رأت المرأة الصفرة في أيام الحيض فهو حيض وإن رأت
في أيام الطهر فهو طهر. فإذا رأت الصفرة في أيام طمثها، تركت الصلاة لذلك بعدد
أيامها التي كانت تقعد في طمثها ثم تغتسل وتصلي. فإن رأت صفرة بعد غسلها، فلا
غسل عليها. يجزيها الوضوء عند كل صلاة وتصلي. فإن طمثت المرأة بعد ما تزول الشمس
ولم تصل الظهر، فليس عليها قضاء تلك الصلاة. وإذا رأت الصفرة والشئ ولا تدري
أ طهرت أم لا، فلتلصق بطنها بالحائط ولترفع رجلها اليسرى كما ترى الكلب يفعل إذا بال
وتستدخل الكرسف، فإن كان دم خرج ولو مثل رأس الذباب فإن خرج فلم تطهر، وإن لم
يخرج فقد طهرت. وإذا رأت الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام أو ترى الدم أربعة
أيام، والطهر ستة أيام فإذا رأت الدم لم تصل. وإذا رأت الطهر صلت، تفعل ذلك ما بينها
وبين ثلاثين يوما، فإذا مضت ثلاثون يوما ثم رأت دما صيبا اغتسلت واستشفرت واحتشت
بالكرسف في وقت كل صلاة، وإذا رأت صفرة توضأت وإذا طهرت المرأة عند العصر
فليس عليها أن تصلي الظهر إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها. وإذا رأت الحبلى الدم
فعليها أن تقعد أيامها للحيض. فإذا زاد على الأيام الدم، استظهرت بثلاثة أيام ثم هي
مستحاضة.
وإن ولدت المرأة قعدت عن الصلاة عشرة أيام إلا أن تطهر قبل ذلك، فإن استمر
بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، فإذا كان يوم حادي عشر، اغتسلت واحتشت
واستشفرت وعملت بما تعمل المستحاضة. وقد روي أنها تقعد ثمانية عشر يوما وروي
عن أبي عبد الله الصادق ع أنه قال: إن نساءكم ليس كالنساء الأول، إن
نساءكم أكبر لحما وأكثر دما فلتقعد حتى تطهر. وقد روي أنها تقعد ما بين أربعين يوما إلى
خمسين يوما. وإذا وقع الرجل على امرأته وهي حائض، فإن عليه أن يتصدق على مسكين
بقدر شبعه وروي إن جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار، فإن كان في وسطه
فنصف دينار وإن كان في آخره فربع دينار، وإن جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة
37

أمداد من طعام.
واعلم أن دم العذرة لا يجوز الشفرتين. ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ودم
المستحاضة بارد يسيل منها وهي لا تعلم، وإذا اشتبه على المرأة دم الحيض ودم القرحة
فربما كان في فرجها قرحة، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها، فإن خرج الدم
من الجانب الأيمن فهو من القرحة، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن افتضها
زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة، فعليها أن تدخل القطنة، فإن
خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وإن خرجت القطنة منغمسة فهو من الحيض.
وإذا صلت المرأة من الظهر ركعتين فحاضت، قامت من مجلسها ولم يكن عليها إذا طهرت
قضاء الركعتين. وإن كانت في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فحاضت، قامت من مجلسها.
فإذا طهرت قضت الركعة.
باب غسل الميت وتكفينه وتحنيطه وتشييعه ودفنه والصلاة عليه
إذا دخلت على مريض فقل: أعيذك بالله العظيم رب العرش العظيم من شر كل
عرق نعار ومن شر حر النار سبع مرات. فإذا صار في حال النزع فلقنه كلمات الفرج وهي لا
إله إلا الله الحليم الكريم. لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم. فإن عسر عليه نزعه واشتد
عليه، فحوله في مصلاه الذي كان يصلى فيه أو عنده، واقرأ عند رأسه: والصافات
صفا. حتى تتمها، فإنها لم تقرء عند كل مكروب إلا عجل الله راحته وإذا قضي فقل إنا لله
وإنا إليه راجعون. اللهم اكتبه عندك من المخبتين وارفع درجته في عليين واخلفه على عقبه
في الغابرين ونحتسبه عندك يا رب العالمين ولا يجوز أن يحضر الجنب و الحائض عند
التلقين لأن الملائكة تتأذى بهما. ولا بأس بأن يليا غسله ويصليا عليه ولا ينزلا قبره. فإن
حضراه عند التلقين ولم يجدا من ذلك بدا، فليخرجا إذا قرب خروج نفسه، وإياك أن تمس
الميت إذا كان في النزع.
38

صفة غسل الميت
أن تصب الماء في إجانة كبيرة، ثم يلقى عليها السدر ويأخذ رغوته في طشت. ثم
ينوم الميت على سرير مستقبل القبلة، ثم ينزع القميص عن رأسه إلى موضع عورته ويغطى
به ولا يكشف عن العورة. ثم يؤخذ من الماء ثلاث حميديات ثم يقلب ميامنه فيصب عليه
ثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه. ثم يقلب مياسره فيصب عليه ثلاث حميديات من
قرنه إلى قدمه. فهذا الغسل الأول. ثم يجعل الماء في الأجانة بعد ما تنظف من ماء السدر، ويلقى في
الماء شئ من جلال الكافور وشئ من ذريرة ثم يغسل كما غسل من السدر، فإذا فرع من ماء
الكافور، غسل الأواني بماء القراح وفعل به كما فعل به في ماء السدر والكافور ثم يغسل
القوم أيديهم إلى المرفقين، ثم يؤخذ قطنا ويلقى عليه الذريرة ويجعل على مقعدته ثم يشد
فخذيه بخرقة على مقعدته ويستوثق القطن بهذه الخرقة، ثم يكفن في قميص غير مزرور و
لا مكفوف. وإزار يلف على جسده بعد القميص ثم يلف في حبر يماني عبري أو ظفاري
نظيف. والكافور السائغ للميت أوقية، والوسط أربع مثاقيل وأقله مثقال. ويجعل على جنبيه
وعلى فيه وموضع مسامعه، ويلقى فضل الكافور على صدره، ويجعل معه جريدتان خضرا
وان من النخل: أحدهما على جنبه الأيمن ما بين ترقوته إلى صدره والأخرى فوق القميص
وتحت الإزار على يساره في ذلك المكان. فإذا فعل ذلك به وضع على السرير أو على الجنازة
وحمل.
فإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها، فإنما يؤجر من يتبعها لا من
تبعته، فإنه روي اتبعوا الجنازة ولا يتبعكم فإنه من عمل المجوس وروي إذا كان الميت مؤمنا
فلا بأس أن يمشي قدام جنازته، فإن الرحمة يستقبله، والكافر لا تتقدم جنازته، فإن اللعنة
تستقبله، وقال النبي ص: أميران وليسا بأميرين، ليس لمن تبع جنازة أن
يرجع حتى تدفن أو يؤذن له، ورجل يحج مع امرأة ليس له أن ينفر حتى تقضي مناسكها.
واعلم أن من غسل ميتا مؤمنا، فقال إذا قلبه: اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد
أخرجت روحه منه وفرقت بينهما. فعفوك عفوك. غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر. وقال أبو
عبد الله ع: من غسل ميتا مؤمنا فأدى فيه الأمانة غفر له. قيل: وكيف يؤدى فيه
39

الأمانة، قال: لا يخبر بما رأى.
وإذا مات الميت، وقد كان دخل وقت الصلاة وهو حي ثم مات، فليقض عنه وليه
تلك الصلاة. وإذا مات ميت وهو جنب، فإنه يغسل غسلا واحدا يجزئ عنه لجنابته
ولغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة. وإن كان الميت مجدورا أو
محترقا فخشيت أنك إذا مسسته سقط من جلده شئ فلا تمسه، ولكن صب عليه الماء صبا
فإن سقط منه شيئا فاجمعه في أكفانه. وإن كان الميت محرما غسلته وفعلت به ما تفعل
بالمحل إلا أنه لا يمس طيبا. وإن كان الميت أكله السبع فاغسل ما بقي منه. وإن لم يبق منه
إلا عظاما جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها. وإذا ماتت جارية في السفر مع
الرجال، فلا تغسل وتدفن كما هي بثيابها إن كانت بنت خمس سنين، وإن كانت بنت أقل
من خمس سنين فلتغسل ولتدفن. وإذا مسست ميتة فاغسل يدك وليس عليك غسل إنما
يجب ذلك في الانسان وحده.
ولا بأس بأن ينظر الرجل إلى امرأته بعد الموت، وتنظر المرأة إلى زوجها، ويغسل
كل واحد منهما صاحبه إذا مات والمرجوم يغسل ويحنط ويكفن ثم يرجم بعد ذلك. وكذا
القاتل إذا أريد قتله قودا والمرأة إذا ماتت في سفر وليس معها ذو محرم فإنها تدفن كما هي
بثيابها. وكذلك الرجل إذا لم يكن معه رجال ولا ذو محرم دفن كما هو بثيابه. والمصلوب
ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسل ويدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام.
الصلاة على الميت
فإذا صليت على الميت فقف عند صدره وكبر وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. وكبر
الثانية وقل: اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وآل
محمد، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وكبر
الثالثة وقل: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم
والأموات. وكبر الرابعة. وقل: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير
منزول به. اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا. اللهم إن كان محسنا فزد في
40

إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له. اللهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف
على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين. وكبر الخامسة ولا تبرح حتى ترى
الجنازة على أيدي الرجال. وسئل بعض الصادقين ع ولم يكبر على الميت
خمس تكبيرات فقال: إن الله عز وجل فرض على الناس خمس صلوات وجعل للميت من
كل صلاة تكبيرة.
واعلم أن أولى من يتقدم للصلاة على الجنازة من يقدمه ولي الميت. وإذا كان في
القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه ولي الميت فإن تقدم من غير
أن يقدمه الولي فهو غاصب. ولا بأس بأن تصلي وحدك على الجنازة. وإذا صلى رجلان على
جنازة، قام أحدهما خلف الإمام ولم يقم بجنبه. ونهى رسول الله ص
أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبني عليه. فإذا صليت على امرأة فقف عند صدرها،
والمحترق يصلى عليه ويصب الماء عليه صبا ويدفن ولا بأس أن يصلى الجنب
والحائض على الجنازة. إلا أن الحائض تقف ناحية ولا تختلط بالرجال وإذا اجتمع جنازة
رجل وامرأة وغلام ومملوك، فقدم المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل الغلام
بعد المملوك، واجعل الرجل بعد الغلام مما يلي الإمام. ويقف الإمام خلف الرجل فيصلي
عليهم جميعا صلاة واحدة. وإذا كبرت على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فوضعت جنازة
أخرى معها، فإن شئت كبرت الآن عليهما جميعا خمس تكبيرات. وإن شئت فرغت من
الأولى واستأنفت الصلاة على الثانية وإذا صليت على جنازة وكانت مقلوبة فسوها وأعد
الصلاة عليها. وروي إذا اجتمع ميتان أو ثلاثة موتى أو عشرة، فصل عليهم جميعا صلاة
واحدة تضع ميتا واحدا، ثم تجعل الآخر إلى ألية الرجل. ثم تجعل رأس الثالث إلى ألية
الثاني شبه المدرج. تجعلهم على هذا ما بلغوا من الموتى. وقم في الوسط وكبر خمس تكبيرات.
تفعل كما تفعل إذا صليت على واحدة.
باب الصلاة على الطفل
اعلم أن الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة فإن حضرت مع قوم يصلون
41

عليه، فقل: اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا.
باب الصلاة على من لا يعرف مذهبه
وإذا لم تعرف مذهب الميت فقل: اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها
اللهم ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت.
باب الصلاة على المستضعف
وإذا صليت على المستضعف، فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم.
باب الصلاة على المنافق
وإذا صليت على المنافق، فقل بين التكبيرة الرابعة والخامسة: اللهم أخز عبدك في
عبادك وبلادك. اللهم أصله أشد نارك. اللهم أذقه حر عذابك، فإنه كان يوالي أعداءك
ويعادي أوليائك. ويبغض أهل بيت نبيك. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه.
باب زيارة القبور
وإذا زرت قبر المؤمن، فقل: اللهم ارحم غربته وصل وحدته وأنس وحشته وآمن
روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان
يتولاه.
وعز ولي الميت فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من عزى مؤمنا
كسى في الموقف حلة يفخر بها. وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: ما من مؤمن ولا
مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحما له إلا كتب الله له بعدد كل شعرة مرت عليها يده
حسنة. وقال أبو عبد الله ع: ما من عبد مؤمن مسح يده على رأس يتيم رحمة له، إلا
أعطاه الله تبارك وتعالى بكل شعرة نورا يوم القيامة. وروي أن اليتيم إذا بكى اهتز له
42

العرش، فيقول الله جل جلاله: من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره؟
فو عزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لا يسكته عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة.
43

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
45

باب المياه
الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر. ولا ينجس الماء إلا ما كانت له نفس
سائلة. ولا بأس أن يتوضأ بماء الورد للصلاة ويغتسل به من الجنابة فأما الذي
تسخنه الشمس فهو لا يتوضأ به ولا يغتسل ولا يعجن به لأنه يورث البرص وأما
الماء الأجن والذي قد ولغ فيه الكلب والسنور فإنه لا بأس بأن يتوضأ منه
ويغتسل إلا أن يوجد غيره فينزه عنه. ولا بأس بالوضوء من فضل الجنب
والحائض.
وكل ما يؤكل لحمه ولا بأس بالوضوء مما شرب منه. وقال رسول الله ص:
كل شئ يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال. وإن أهل البادية سألوا رسول الله ص،
فقالوا: إن حياضنا هذه تردها السباع والبهائم والكلاب
فقال لهم: لها ما أخذت بأفواهها، ولكم سائر ذلك.
ولا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنى والمشرك وكل من
خالف الاسلام.
وإذا كان الماء كرا لم ينجسه شئ. والكر ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة
أشبار في عمق ثلاثة أشبار. وماء النهر واسع لا يفسده شئ وماء الحمام سبيله سبيل
الماء الجاري، إذا كان له مادة.
وأكبر ما يقع في البئر الانسان فيموت فيها ينزح منها سبعون دلوا. وأصغر ما
يقع فيها الصعوة. ينزح دلوا واحدا. وفي ما بين الانسان والصعوة على قدر ما يقع
فيها.
وإن وقع فيها ثور أو بعير أو صب فيها خمر، ينزح الماء كله. وإن وقع فيها حمار
47

نزح منها كر من ماء. وإن وقع فيها كلب أو سنور نزح منها ثلاثون دلوا إلى أربعين
دلوا. وإن وقعت فيها دجاجة أو حمامة نزح منها سبع دلاء. وإن وقعت فأرة نزح منها
دلو واحد، وإن تفسخت فسبع دلاء.
وإن بال فيها رجل نزح منها أربعون دلوا، وإن بال فيها صبي قد أكل الطعام
نزح منها ثلاثة دلاء. وإن كان رضيعا نزح منها دلو واحد. وإن وقعت فيها عذرة
استسقى منها عشرة دلاء. وإن ذابت فيها فأربعون دلوا إلى خمسين دلوا.
والثوب إذا أصابه البول غسل بماء جار مرة. وإن غسل بماء راكد فمرتين،
ثم يعصر. وبول الغلام الرضيع يصب عليه الماء صبا، وإن كان قد أكل الطعام
غسل والغلام والجارية في هذا سواء. وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ع أنه قال: لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأن لبنها
يخرج من مثانة أمها. ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب قبل أن يطعم وبوله لأن لبن
الغلام يخرج من المنكبين والعضدين.
وأما الدم إذا أصاب الثوب فلا بأس بالصلاة فيه، ما لم يكن مقداره مقدار
درهم واف وهو ما يكون وزنه درهما وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي فقد يجب
غسله ولا بأس بالصلاة فيه.
ودم الحيض إذا أصاب الثوب فلا يجوز الصلاة فيه قليلا كان أو كثيرا. ولا
بأس بدم السمك في الثوب أن يصلى فيه قليلا كان أو كثيرا.
وكل ما لا تتم الصلاة فيه وحده، فلا بأس بالصلاة فيه إذا أصابه قذر مثل
العمامة والقلنسوة والتكة والجورب والخف.
باب الوضوء
السنة الداخلة في دخول الخلاء أن يدخل الرجل رجله اليسرى قبل اليمنى
48

ويغطى رأسه ويذكر الله عز وجل.
ولا يجوز التغوط على شطوط الأنهار والطرق النافذة وأبواب الدور وفئ
النزال وتحت الأشجار المثمرة. ولا يجوز البول في جحور الهوام ولا في الماء الراكد
ولا بأس بالبول في ماء جار. ولا يجوز أن يطمح الرجل ببوله في الهواء. ولا يجوز أن
يجلس للبول والغائط، مستقبل القبلة ولا مستدبرها ولا مستقبل الريح ولا
مستدبرها، ولا مستقبل الهلال ولا مستدبره.
ويكره الكلام والسواك للرجل وهو على الخلاء. وروي أن من تكلم على
الخلاء لم تقض حاجته. والسواك على الخلاء يورث البخر، وطول الجلوس على الخلاء
يورث البواسير.
وعلى الرجل إذا فرع من حاجته أن يقول " الحمد لله الذي أماط عني الأذى
وهنأني الطعام، وعافاني من البلوى.
فإذا أراد الاستنجاء، مسح بإصبعه من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات
ثم من الأنثيين إلى رأس الذكر ثلاثا ثم ينتر ذكره ثلاث مرات. فإذا صب الماء على
يده للاستنجاء، فليقل " الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا. " ويبدأ
بذكره ويصب عليه من الماء شئ ما عليه من البول يصبه مرتين. هذا أدنى ما
يجزئ. ثم يستنجي من الغائط ويغسل حتى ينقي مأثمه.
ولا بأس بذكر الله على الخلاء لأن ذكر الله حسن على كل حال ومن سمع
الأذان وهو على الخلاء فليقل كما يقول المؤذن. ولا يجوز للرجل أن يستنجي بيمينه إلا
إذا كانت بيساره علة. ولا يجوز أن يبول قائما من غير علة، لأنه من الجفاء.
ويكره للرجل أن يدخل الخلاء ومعه مصحف فيه القرآن أو درهم عليه اسم
الله إلا أن يكون في صرة. ولا يجوز له أن يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله فإن دخل
وهو عليه فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء.
فإذا أراد الخروج من الخلاء، فليخرج رجله اليمنى قبل اليسرى، ويمسح يده
49

على بطنه، ويقول: الحمد لله الذي عرفني لذته وأبقى قوته في جسدي وأخرج عني
أذاه، يا لها من نعمة. ثلاث مرات.
والوضوء مرة مرة. وهو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين. ولا
يجوز أن يقدم شيئا على شئ. يبدأ بالأول فالأول، كما أمر الله عز وجل. ومن توضأ
مرتين لم يؤجر، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع. ومن غسل الرجلين فقد خالف الكتاب
والسنة. ومن مسح على الخفين فقد خالف الكتاب والسنة. ولا يجوز المسح على
الخفين والعمامة والجورب. ولا تقية في ثلاث أشياء. في شرب المسكر والمسح على
الخفين ومتعة الحج.
وحد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ، ما دارت عليه الوسطى والإبهام. وحد
اليدين إلى المرفقين. وحد الرأس مقدار أربع أصابع من مقدمة الرأس والمسح على
الرجلين إلى الكعبين.
فإذا توضأت المرأة ألقت قناعها عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة
والمغرب وتمسح عليه. ويجزيها في سائر الصلوات أن تدخل إصبعها فتمسح على
رأسها من غير أن تلقى قناعها.
والمضمضة والاستنشاق ليستا من الوضوء. وهما سنة، لا سنة الوضوء، لأن
الوضوء فريضة كله، ولكنها من الحنيفية التي قال الله عز وجل لنبيه ص:
واتبع ملة إبراهيم حنيفا. وهي عشر سنن، خمس في الرأس وخمس في الجسد: فأما التي
في الرأس، فالمضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب والفرق ممن طول شعر رأسه.
وروي أن من لم يفرق رأسه فرقه الله عز وجل بمنشار من النار. وأما التي في الجسد،
فالاستنجاء والختان وحلق العانة وقص الأظافير ونتف الإبطين.
وكل من شك في الفرض وهو قاعد على حال الوضوء فليعد. ومن شك في
الوضوء وقد قام عن مكانه، فلا يلتفت إلى الشك، إلا أن يستيقن.
ومن استنجى على ما وصفناه، ثم رأى بعد ذلك بللا فلا شئ عليه. وإن بلغ
50

الساق فلا ينقض الوضوء ولا يغسل منه الثوب فإن ذلك من الحبائل والبواسير.
ولا ينقض الوضوء إلا ما يخرج من الطرفين من بول أو غائط أو مني أو ريح
وما سوى ذلك من مذي ووذي جميعا، وقئ وقلس ورعاف وحجامة ودماميل
وجروح وقروح وغير ذلك فإنه لا ينقض الوضوء.
ولا يجوز تبعيض الوضوء. وقال النبي ص: افتحوا عيونكم
عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم. ولا بأس أن يصلى الرجل بوضوء واحد
صلوات الليل والنهار كلها ما لم يحدث.
باب السواك
قال النبي ص: السواك شطر الوضوء. وكان أبو الحسن
ع يستاك بماء الورد. وفي السواك اثنا عشر خصلة. هو من السنة ومطهرة للفم
ومجلاة للبصر ويرضي الرحمن ويبيض الأسنان ويذهب بالحفر ويشد اللثة ويشهي
الطعام ويذهب بالبلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات وتفرح به الملائكة.
باب التيمم
من كان جنبا أو على غير وضوء ووجبت الصلاة ولم يجد الماء، فليتيمم كما
قال الله عز وجل " فتيمموا صعيدا طيبا " والصعيد الموضع المرتفع والطيب الذي ينحدر
عنه الماء.
والتيمم هو أن يضرب الرجل بيديه على الأرض مرة واحدة وينفضهما ويمسح
بهما جبينه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه.
والنظر إلى الماء ينقض التيمم. ولا بأس أن يصلى الرجل بتيمم واحد
51

صلوات الليل والنهار كلها ما لم يحدث أو يصب ماء. ومن تيمم وصلى ثم وجد
الماء، فقد مضت صلاته. فليتوضأ لصلاة أخرى.
ومن كان في مفازة ولم يقدر على التراب وكان معه لبد جاف، نفضه وتيمم منه
أو من عرف دابته. ومن أصابته جنابة، فخاف على نفسه التلف إن اغتسل، فإنه إن
كان جامعا فليغتسل وإن أصابه ما أصابه. وإن احتلم فليتيمم.
والمجدور إذا أصابته جنابة يؤمم، لأن مجدورا أصابته جنابة على عهد رسول الله ص
فغسل فمات. فقال رسول الله ص: أخطأتم لم
لا تيمموه.
باب الأغسال
الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبعة عشر من شهر رمضان وليلة تسعة
عشر منه وليلة إحدى وعشرين والعيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم
ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة وغسل الميت وغسل من غسل ميتا أو
كفنه أو مسه بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله،
وإذا استيقظ الرجل ولم يصل فعليه أن يغتسل ويقضي الصلاة.
وغسل الجنابة فريضة. قال الصادق ع: غسل الجنابة والحيض
واحد. وروي: أن من قصد مصلوبا فنظر إليه، وجب عليه الغسل عقوبة. وروي أن
من قتل وزغا فعليه الغسل. والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل عنها.
وكل غسل من الأغسال فيه وضوء إلا غسل الجنابة، لأن كل غسل سنة إلا
غسل الجنابة. وغسل الحيض فريضة مثل غسل الجنابة، فإذا اجتمع فرضان
فأكبرهما يجزئ عن أصغرهما.
ومن اغتسل بغير جنابة فليبدأ بالوضوء ثم يغتسل. ولا يجزيه الغسل
52

عن الوضوء لأن الغسل سنة والوضوء فريضة ولا يجزئ سنة عن فرض.
باب غسل الجنابة
إذا أردت الغسل من الجنابة فاجهد أن تبول ليخرج ما بقي من إحليلك من
مني ثم اغسل يديك ثلاثا من قبل أن تدخلهما الإناء. ثم استنج وأنق فرجك. ثم ضع
على رأسك ثلاث أكف من ماء وميز الشعر بأناملك حتى يبلغ الماء أصل الشعر كله.
وتناول الإناء بيدك وصبه على رأسك وبدنك مرتين. وأمرر يدك على بدنك كله وخلل
أذنيك بإصبعك، وكلما أصابه الماء فقد طهر، واجهد أن لا يبقى شعرة من رأسك
ولحيتك إلا أن يدخل الماء تحتها فإنه روي أن من ترك شعرة من الجنابة فلم
يغسلها متعمدا فهو في النار.
وإن شئت أن تمضمض وتستنشق فافعل وليس ذلك بواجب. لأن الغسل
على ما ظهر لا على ما بطن، غير أنك إذا أردت أن تأكل أو تشرب قبل الغسل، لم يجز
لك إلا أن تغسل يديك وتمضمض وتستنشق، فإنك إن أكلت أو شربت قبل ذلك
خيف عليك البرص.
وروي إن ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك من غسله.
وإن أجنبت في يوم أو ليلة مرارا أجزأ لك غسل واحد، إلا أن تكون تجنب بعد
الغسل أو تحتلم.
فإن احتلمت فلا تجامع حتى تغتسل من الاحتلام. ولا بأس بذكر الله تعالى
وقراءة القرآن للجنب والحائض، إلا العزائم التي يسجد فيها وهي سجدة لقمان وحم
السجدة والنجم وسورة اقرأ باسم ربك، ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير
وضوء بعد الغسل.
53

ومن خرج من إحليله بعد الغسل شئ، وقد كان بال قبل أن يغتسل، فلا
شئ عليه. وإن لم يكن بال قبل أن يغتسل فليعد الغسل.
ولا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يديك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل
جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت
رأسك، من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من أوله إلى آخره.
ولا يدخل الجنب والحائض المسجد إلا مجتازين ولهما أن يأخذا منه وليس لهما
أن يضعا فيه، لأن ما فيه لا يقدران على أخذه من غيره. وإن احتلمت في مسجد من
المساجد فاخرج منه واغتسل. إلا أن يكون احتلامك في المسجد الحرام أو في مسجد
رسول الله ص، فإنك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين تيممت
وخرجت ولم تمش فيها إلا متيمما.
والجنب إذا عرق في ثوبه، فإن كانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة فيه.
وإن كانت من حرام، فحرام الصلاة فيه.
باب غسل الحيض
أقل أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثرها عشرة أيام. فإن رأت الدم يوما أو يومين
فليس ذلك من الحيض، ما لم ترى الدم ثلاثة أيام متواليات. وعليها أن تقضي
الصلاة التي تركتها في اليوم أو اليومين.
فإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام، فلتقعد عن الصلاة عشرة أيام، وتغسل
يوم الحادي عشر وتحتشي، فإن لم يثقب الدم الكرسف، صلت صلاتها. كل صلاة
بوضوء. وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل، صلت صلاة الليل وصلاة الغداة بغسل.
والظهر والعصر بغسل تؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر. وتصلي المغرب
والعشاء الآخرة بغسل واحد. تؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة إلى أيام
54

حيضها. فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة. ومتى اغتسلت على ذلك حل
لزوجها أن يأتيها.
وإذا أرادت الحائض الغسل من الحيض، فعليها أن تستبرأ والاستبراء أن تدخل
قطنة فإن كان هناك دم خرج ولو كان مثل رأس الذباب. فإن خرج لم تغتسل وإن لم يخرج
اغتسلت.
وقال الصادق ع " يجب على المرأة إذا حاضت، أن تتوضأ عند كل
صلاة وتجلس مستقبلة القبلة وتذكر الله مقدار صلاتها كل يوم ".
والصفرة في أيام الحيض، حيض. وفي أيام الطهر طهر. ودم العذرة لا يجوز
الشفرتين ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ودم المستحاضة بارد يسيل منها وهي
لا تعلم.
باب النفساء
قال الصادق ع إن أسماء بنت عميس الخثعمية نفست بمحمد
بنت أبي بكر في حجة الوداع. فأمرها النبي ص أن تقعد ثمانية عشر
يوما. فأيما امرأة طهرت قبل ذلك، فلتغتسل، ولتصل.
وقال رسول الله ص: أيما امرأة مسلمة ماتت في نفاسها، لم ينشر
لها ديوان يوم القيامة.
باب غسل الجمعة
قال الصادق ع: غسل يوم الجمعة سنة واجبة. على الرجال
والنساء، في السفر والحضر. وروي أنه رخص في تركه للنساء في السفر لقلة الماء.
55

والوضوء فيه قبل الغسل.
وقال الصادق ع: إن نسيت الغسل أو فاتك لعلة، فاغتسل بعد
العصر أو يوم السبت. وقال ع: إذا اغتسل أحدكم يوم الجمعة،
فليقل " اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. "
والعلة في غسل الجمعة أن الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها. فإذا
كان يوم الجمعة حضروا في المسجد، فتأذى الناس بأرياح آباطهم. فأمرهم النبي ص
بالغسل فجرت بذلك السنة. وقال الصادق ع غسل يوم
الجمعة طهور وكفارة لما بينهما من الذنوب من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة.
باب غسل الميت
الميت يلقن عند موته كلمات الفرج وهي. لا إله إلا الله الحليم الكريم.
لا إله إلا الله العلي العظيم. سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع
وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين ولا يجوز أن يحضر الحائض والجنب عند التلقين لأن الملائكة تتأذى بهما. فإن
حضرا ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه.
وسئل الصادق ع عن توجيه الميت فقال: يستقبل بباطن قدميه
القبلة ويغسل الميت أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك ويقطع غاسل الميت
كفنه. يبدأ بالنمط فيبسطه ويبسط عليه الحبرة وينثر عليها شيئا من الذريرة ويكثر
منه ويكتب على قميصه وإزاره وحبره والجريدة: فلان يشهد أن لا إله إلا الله.
ويلفها جميعا ويعد مئزرا. ويأخذ جريدتين خضراوين رطبتين، طول كل واحدة على
قدر عظم الذراع.
فإذا فرع من أمر الكفن، وضع الميت على المغتسل وجعل باطن رجليه إلى
56

القبلة وينزع القميص من فوق إلى سرته ويتركه إلى أن يفرع من غسله يستر به
عورته، فإذا لم يكن عليه قميص ألقي على عورته ما يسترها به ويلين أصابعه برفق
فإن تصعبت عليها فليدعها، ويمسح يده على بطنه مسحا رفيقا.
وقال أبي رحمه الله في رسالته إلى: ابدأ بيديه فاغسلهما بثلاث حميديات بماء
السدر. ثم تلف على يدك اليسرى خرقة تجعل عليها شيئا من الحرض وهو الأشنان
وتدخل يدك تحت الثوب ويصب عليك غيرك الماء من فوق، وتغسل قبله ودبره و
لا يقطع الماء عنه. ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر وبعده بثلاث حميديات. ولا
تقعده. ثم اقلبه إلى جانبه الأيسر حتى يبدو لك الأيمن ومد يده اليمنى على جنبه الأيمن
إلى حيث بلغت. ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه ولا تقطع الماء عنه.
ثم اقلبه إلى جانبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر ومد يده اليسرى على جنبه الأيسر إلى
حيث بلغت. ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه ولا تقطع الماء عنه. ثم اقلبه
إلى ظهره وامسح بطنه مسحا رفيقا واغسله مرة أخرى بماء وشئ من جلال الكافور
مثل الغسلة الأولى. وخضخض الأواني التي فيها الماء واغسله الثالثة بماء القراح
ولا تمسح بطنه ثالثة. وقل وأنت تغسله: اللهم عفوك عفوك. فإنه من فعل ذلك عفا
الله عنه.
وقال الصادق ع: من غسل مؤمنا ميتا، فأدى فيه الأمانة غفر الله
له: قيل وكيف يؤدى فيه الأمانة؟ قال: لا يخبر بما يرى وحده إلى أن يدفن الميت.
وقال الصادق ع: خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق
والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن.
والمجدور والمحترق إن لم يمكن غسلهما صب عليهما الماء صبا ويجمع ما
سقط منهما في أكفانهما.
57

باب السنة في الكافور
قال الصادق ع: السنة للميت في الكافور وزن ثلاثة عشر درهما
وثلثا. والعلة في ذلك أن جبرئيل ع أتى إلى النبي ص بأوقية
كافور من الجنة فجعله النبي ص ثلاثة أثلاث، ثلثا له وثلثا لعلي
ع وثلثا لفاطمة. فمن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهما وثلث كافور. حنط
الميت بأربعة دراهم. فإن لم يقدر فمثقال واحد لا أقل منه لمن وجده.
باب تشييع جنازة المؤمن
قال الصادق ع: من شيع جنازة مؤمن حط عنه خمس وعشرون
كبيرة، فإن ربعها خرج من الذنوب. وقال الصادق ع: أول ما يتحف به
المؤمن أن يغفر لمن تبع جنازته. وروي أن المؤمن ينادى ألا أول حبائك الجنة وأول
حباء من تبعك المغفرة.
باب الصلاة على الميت
إذا صليت على ميت فقف عند رأسه وكبر وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي
الساعة. ثم تكبر الثانية وتقول: اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل
محمد وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. ثم كبر الثالثة وقل: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ثم كبر الرابعة وقل: اللهم
58

عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به. اللهم إنا لا نعلم منه إلا
خيرا وأنت أعلم به منا. اللهم إن كان محسنا، فزد في إحسانه. وإن كان مسيئا
فتجاوز عنه واغفر له. اللهم اجعله عندك في أعلى عليين. وأخلف على أهله في
الغابرين. وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم كبر الخامسة ولا تبرح من مكانك
حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال.
وإذا صليت على المرأة فقف عند صدرها. وإذا صليت على المستضعف، فقل:
اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. وإذا لم تعرف مذهب
الميت، فقل: اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها، اللهم ولها ما تولت و
احشرها مع من أحبت.
وإذا صليت على ناصب فقل بين التكبيرة الرابعة والخامسة: اللهم أخز عبدك في
عبادك وبلادك. اللهم أصله أشد نارك وأذقه حر عذابك فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي
أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه.
والطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة، فإن حضرت مع قوم يصلون
عليه، فقل: اللهم اجعله لأبويه ولنا فرطا.
باب القول عند النظر إلى القبر
قال الصادق ع: إذا نظرت إلى القبر فقل " اللهم اجعله روضة من
رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.
باب إدخال الميت القبر
قال النبي ص: لكل شئ باب وباب القبر عند رجلي
59

الميت. والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد، والرجل من قبل رجليه يسل سلا
ويدخل الميت القبر من يأمره ولي الميت، إن شاء شفعا وإن شاء وترا.
باب ما يقال عند دخول القبر
قال الصادق ع: إذا تناولت الميت فقل: بسم الله وبالله وعلى ملة
رسول الله ص.
باب وضع الميت في اللحد
قال الصادق ع: إذا وضعت الميت في لحده، فضعه على يمينه
مستقبل القبلة وحل عقد كفنه وضع خده على التراب.
باب ما يقال إذا وضع الميت في اللحد
قال الصادق ع: يقول من يضع الميت في لحده اللهم
جاف الأرض عن جنبيه وصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا. ثم يضع يده اليسرى
على منكبه الأيسر ويدخل يده اليمنى تحت منكبه الأيمن ويحركه تحريكا شديدا ويقول:
يا فلان بن فلان، الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك والقرآن كتابك والكعبة قبلتك
وعلى وليك وإمامك ويسمي الأئمة واحدا واحدا إلى آخرهم، حتى ينتهي إلى
القائم، أئمتك أئمة الهدي الأبرار حشرك الله معهم. ثم يعيد عليه التلقين مرة
أخرى.
60

باب ما يقال عند وضع اللبن عليه
قال الصادق ع: إذا وضعت اللبن على اللحد، فقل: اللهم آنس
وحشته وصل وحدته وارحم غربته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة واسعة
يستغني بها عن رحمة من سواك. واحشره مع من كان يتولاه. وتقول متى زرت قبره
هذا القول.
باب ما يقال عند الخروج من القبر
قال الصادق ع: إذا خرجت من القبر، فقل وأنت تنفض يديك من
التراب: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات
وقل: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك. هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله
ورسوله فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات، كتب الله له بكل ذرة حسنة.
باب صب الماء على القبر
إذا استوى قبر الميت فصب على قبره الماء وتجعل القبر أمامك وأنت
مستقبل القبلة. وتبدأ بصب الماء من عند رأسه وتدور به على قبره من أربعة
جوانب حتى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء. فإن فضل من الماء شئ
فصبه على وسط القبر. قال الصادق ع: الرش بالماء على القبر حسن.
يعني في كل وقت.
61

باب زيارة المؤمن
قال الرضا ع: من زار قبر مؤمن، فقرأ عنده إنا أنزلناه سبع مرات،
غفر الله له ولصاحب القبر. ومن يزور القبر يستقبل القبلة ويضع يده على القبر
إلا أن يزور إماما، فإنه يجب أن يستقبله بوجهه ويجعل ظهره على القبلة.
باب التعزية
قال النبي ص: التعزية تورث الجنة. وروي أن من مسح
يده على رأس يتيم ترحما له، كتب الله له بعدد كل شعرة مرت عليها يده، حسنة.
وروي أنه من عزى حزينا، كسى في الموقف حلة يحبر بها.
باب القول عند دخول المقابر
قال الصادق ع لما أشرف أمير المؤمنين ع على أهل
القبور، قال: يا أهل التربة، يا أهل الغربة. أما الدور فقد سكنت وأما الأزواج فقد
نكحت وأما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت
إلى أصحابه فقال: لو أذن لهم في الكلام، لأخبروكم أن خير الزاد التقوى.
62

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
63

باب فرض الصلاة:
والصلاة عمود الدين بعد المعرفة بالله ورسوله والأئمة الراشدين ع
وما قدمناه من توابع ذلك في الفرض العام على كافة المكلفين، وهي خمس صلوات في اليوم
والليلة على ترتيب مخصوص وهي أفضل الفرائض بعد المعرفة بما ذكرناه، والعمل بها
واجب على ما شرحناه ووصفناه. وليس يصح أداؤها في الشرع إلا بالطهارة لها من الأحداث
وأنا مقدم على الشرح الذي تعرف به أحكامها ذكر الأحداث الموجبة للطهارات ثم
مبين بعده مفروض الوضوء والغسل والتيمم للأحداث وشافع ذلك بما يليه من تفصيل
أحكام الصلوات وأوصافها وما يدخل في أبوابها من السنن والواجبات، وأجعل القول في
المفروض بعد ذلك من الشرع على نظام يقتضي بعضه بعضا في الترتيب ليعرف كل فضل منه
في مكانه على البيان إن شاء الله.
باب الأحداث الموجبة للطهارات:
وجميع ما يوجب الطهارة من الأحداث عشرة أشياء: النوم الغالب على العقل
والمرض المانع من الذكر كالمرة التي ينغمر بها العقل والإغماء والبول والريح والغائط
والجنابة والحيض للنساء والاستحاضة منهن والنفاس ومس الأموات من الناس بعد برد
65

أجسامهم بالموت وارتفاع الحياة منها قبل تطهيرهم بالغسل. وليس يوجب الطهارة شئ
من الأحداث سوى ما ذكرناه على حال من الأحوال.
باب الطهارة من الأحداث:
والطهارة المزيلة لحكم الأحداث على ضربين: إحديهما غسل والآخر وضوء.
والغسل من الجنابة وهي تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى
كل حال، والآخر بالجماع في الفرج سواء كان معه إنزال أم لم يكن، والغسل من الحيض
للنساء إذا انقطع الدم منه عنهن، وفي الاستحاضة إذا غلب الدم عليهن. وسأبين أحكام
ذلك في مواضعه إن شاء الله. ومن النفاس عند آخره بانقطاع الدم منه، والغسل للأموات
من الناس واجب، والغسل من مسهم على ما قدمناه أيضا واجب. وما سوى هذه الأحداث
المقدم ذكرها فالوضوء منه واجب دون الغسل.
باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات:
ومن أراد الغائط فليرتد موضعا يستتر فيه عن الناس بالحاجة، وليغط رأسه إن كان
مكشوفا ليأمن بذلك من عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة أيضا إلى دماغه، وهو
سنة من سنن النبي ص وفيه إظهار الحياء من الله تعالى لكثرة نعمه
على العبد وقلة الشكر منه، فإذا انتهى إلى المكان الذي يتخلى فيه قدم رجله اليسرى قبل
اليمنى وقال: بسم الله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان
الرجيم، ثم ليجلس ولا يستقبل القبلة بوجهه ولا يستدبرها ولكن يجلس على استقبال
المشرق إن شاء أو المغرب، ولا ينبغي له أن يتكلم على الغائط إلا أن تدعوه ضرورة إلى
ذلك أو يذكر الله تعالى فيمجده أو يسمع ذكر الرسول ص ويصلى عليه وعلى
أهل بيته الطاهرين ع وما أشبه ذلك مما يجب في كل حال ولا يمنع الانسان منه على
حال.
فإذا فرع من حاجته وأراد الاستبراء فليمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل
66

القضيب مرتين أو ثلاثا ثم يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرهما عليه باعتماد
قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول. وليهرق على
يمينه من الماء قبل أن يدخلها الإناء فيغسلها مرتين ثم يولجها فيه فيأخذ بها منه الماء
للاستنجاء فيصبه على مخرج النجو ويستنجي بيده اليسرى حتى تزول النجاسة منه بزوال
أثرها، ويختم بغسل مخرج البول من ذكره إن شاء الله، فإذا فرع من الاستنجاء فليقم
ويمسح بيده اليمنى بطنه وليقل: الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وعافاني من
البلوى الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج عني
أذاه يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها، ثم يقدم رجله اليمنى قبل
اليسرى لخروجه إن شاء الله.
ولا يجوز التغوط على شطوط الأنهار لأنها موارد الناس للشرب والطهارة ولا يجوز أن
يفعل فيها ما يتأذون به، ولا يجوز أيضا التغوط على جواد الطرق لمثل ما ذكرناه من الأذى به،
ولا في أفنية الدور، ولا يجوز تحت الأشجار المثمرة ولا في المواضع التي ينزلها المسافرين من
ظواهر القرى، ولا يجوز في مجاري المياه ولا في الماء الراكد. وإذا دخل الانسان دارا قد بنى
فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره الجلوس عليه وإنما يكره ذلك في
الصحاري والمواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة.
وإذا كان في يد الانسان اليسرى خاتم على فصه اسم من أسماء الله تعالى أو خاص
أسماء أنبيائه أو الأئمة ع فلينزعه عند الاستنجاء ولا يباشر به النجاسة ولينزهه
عن ذلك تعظيما لله تعالى ولأوليائه ع.
ولا يجوز السواك والإنسان على حال الغائط حتى ينصرف منه، ومن أراد البول فليرتد
له موضعا ويجتنب الأرض الصلبة فإنها ترده عليه، ولا يستقبل الريح ببوله فإنها تعكسه
فترده على جسده وثيابه، ولا يجوز البول في الماء الراكد ولا بأس في الماء الجاري واجتنابه
أفضل، ولا يجوز لأحد أن يستقبل بفرجه قرصي الشمس والقمر في بول ولا غائط، وإذا أراد
الاستبراء من البول فليصنع بمسح تحت الأنثيين والقضيب ما وصفناه في باب الاستنجاء
من الغائط ليخرج بقايا البول منه ثم ليغسل موضع خروجه منه، وأدنى ما يجزئه لطهارته
67

من البول أن يغسل موضع خروجه بالماء بمثلي ما عليه منه وفي الإسباغ للطهارة منه ما زاد
على ذلك من القدر إن شاء الله.
ومن أجنب فأراد الغسل فلا يدخل يده في الماء إذا كان في إناء حتى يغسلها ثلاثا وإن
كان وضوؤه من الغائط فليغسلها قبل إدخالها فيه مرتين على ما ذكرناه، ومن حدث البول
يغسلها مرة واحدة قبل إدخالها الإناء وكذلك من حدث النوم، فإن كان وضوؤه من ماء
كثير في غدير أو نهر فلا بأس أن يدخل يده من هذه الأحداث فيه وإن لم يغسلها،
ولو أدخلها من غير غسل على ما وصفناه في المياه المحصورة في الآنية لم يفسد ذلك الماء ولم
يضر بطهارته منه إلا أنه يكون بذلك تاركا فضلا ومهملا سنة، فإن أدخل يده الماء وفيها
نجاسة أفسده إن كان راكدا قليلا ولم يجز له الطهارة منه، وإن كان كرا - وقدره ألف رطل
ومائتا رطل بالعراقي - لم يفسده وإن كان راكدا، ولا يفسد الماء الجاري بذلك قليلا كان
أو كثيرا، وليس على المتطهر من حدث النوم والريح استنجاء وإنما ذلك على المتغوط، ومن
بال فعليه غسل مخرج البول دون غيره وكذلك الجنب يغسل ذكره وليس عليه استنجاء
مفرد لأن غسل ظاهر جسده يأتي على كل موضع يصل الماء إليه منه إن شاء الله.
باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه:
وإذا أراد المحدث الوضوء من بعض الأشياء التي توجبه من الأحداث المقدم ذكرها
فمن السنة أن يجعل الإناء الذي فيه الماء عن يمينه ويقول حين ينظر إليه قبل إدخال يده
فيه: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، ثم يقول: بسم الله وبالله، ويدخل
يده اليمنى في الإناء فيأخذ مل ء كفه من الماء فيتمضمض به ثلاث مرات ويقول: اللهم لقني
حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك، ثم يأخذ كفا آخر فيستنشق به ثلاثا، ويقول: اللهم
لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها، ثم يأخذ كفا آخر
فيضعه على وجهه من قصاص شعر رأسه ويمر يده على ما دارت عليه الإبهام والوسطى
عرضا منه إلى محادر شعر ذقنه طولا، ثم يأخذ كفا آخر فيغسله به مرة أخرى على الصفة
التي ذكرناها ويقول وهو يغسل وجهه: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود
68

وجهي يوم تبيض فيه الوجوه، ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيده اليمنى فيديره إلى كفه اليسرى
ويغسل به يده اليمنى من مرفقه إلى أطراف أصابعه ولا يستقبل شعر ذراعه بغسله،
ويأخذ كفا آخر فيديره إلى كفه اليسرى ويغسل به يده اليمنى مرة ثانية كالأولة سواء
ويسبغ غسلها حتى يدخل المرفق في الغسل ويقول وهو يغسلها: اللهم أعطني كتابي
بيميني والخلد في الجنان بشمالي وحاسبني حسابا يسيرا واجعلني ممن ينقلب إلى أهله
مسرورا، ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيمينه فيغسل به يده اليسرى من المرفق إلى أطراف
الأصابع كما غسل يده اليمنى ولا يستقبل الشعر بغسله، ثم يأخذ كفا آخر فيغسلها به مرة
أخرى ويقول وهو يغسلها: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، ثم
يرفع يده اليمنى بما فيها من البلل فيمسح بها من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع مضمومة
من ناصيته إلى قصاص شعره مرة واحدة ولا يستقبل بالمسح شعر رأسه ويقول: اللهم
غشني برحمتك وبركاتك، ثم يضع يديه جميعا بما بقي فيها من البلل على ظاهر قدميه
فيمسحهما جميعا معا من أطراف أصابعهما إلى الكعبين مرة واحدة أيضا ويقول: اللهم ثبت
قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام.
والكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط وليسا الأعظم التي عن
اليمين والشمال من الساقين الخارجة عنهما كما يظن ذلك العامة ويسمونها الكعبين بل
هذه عظام الساقين والعرب تسمى كل واحدة منهما طنبوبا، والكعب في كل قدم واحد وهو
ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه.
وإذا فرع المتوضئ من وضوئه فليقل: الحمد لله رب العالمين اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين.
ووضوء المرأة كوضوء الرجل سواء إلا أن السنة أن تبتدئ المرأة في غسل يديها بعد
وجهها بباطن ذراعيها ويبتدئ الرجل بغسل الظاهر منهما، ومرخص للمرأة في مسح
رأسها أن تمسح منه بإصبع واحدة ما اتصل بها منه وتدخل إصبعها تحت قناعها فتمسح
على شعرها ولو كان ذلك مقدار أنملة في صلاة الظهر والعصر والعشاء الآخرة وتنزع
قناعها في صلاة الغداة والمغرب فتمسح على رأسها بمقدار ثلاث أصابع منه حتى تكون
69

مسبغة لطهارتها بذلك - وإنما رخص لها في الصلوات الثلاث المذكورة أن تمسح رأسها من
تحت القناع لرفع المشقة عنها بنزعه في هذه الأوقات - ووجب عليها إيصال المسح إلى
حده وإن كان ذلك لا يتم إلا بنزع القناع في وضوء المغرب والغداة لأن من عادة النساء أن
يضعن ثيابهن في هذين الوقتين فلا يشق عليهن مسحه على الإسباغ.
ومن توضأ على ما شرحناه وقال في وضوئه ما أثبتناه فقد أتى بالفرض والسنة، ومن
ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء لم يخل تركه بطهارته إلا أنه يكون تاركا فضلا، ومن
غسل وجهه وذراعيه مرة مرة أدى الواجب عليه، وإذا غسل هذه الأبعاض مرتين مرتين
حاز به أجرا وأصاب به فضلا وأسبغ وضوئه بذلك واحتاط لنفسه، وليس في المسح على
الرأس والرجلين سنة أكثر من مرة وهو الفرض لأنه مبني على التخفيف وتثنيته موجبة
للتثقيل وربما أشبه إعادة المسح الغسل بالإسباغ فلذلك لا يجوز المسح أكثر من مرة واحدة.
وإن توضأ الانسان فقال على وضوئه من الكلام ما شرحناه أصاب السنة والفضيلة وإن لم
يقل شيئا منه لم يضر ذلك بفرضه وإن كان تاركا عملا طيبا يؤجر عليه.
والوضوء قربة إلى الله تعالى فينبغي للعبد أن يخلص النية فيه ويجعله لوجه الله
عز وجل وكلما فعل فيه فضلا وأصاب به سنة كان أكمل له وأعظم لأجره فيه وأقرب إلى
قبوله منه إن شاء الله ومن توضأ وفي يده خاتم فليدره أو يحركه ليدخل الماء تحته، فإن كان
الخاتم ضيقا لا يمكن تحريكه فلينزعه عند الوضوء، وكذلك الحكم في الدملج عند الطهارة
المفترضة بالغسل والسير نوع من الحلي يكون في عضد الانسان لحرز وأشباهه. وليس يضر
المتوضئ ما رجع من الماء الواقع إلى الأرض أو غيرها على ثيابه وبدنه بل هو طاهر، وكذلك
ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجي به ثم يرجع عليه لا يضره ولا ينجس
شيئا من ثيابه وبدنه إلا أن يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه عليه فيجب عليه
حينئذ غسل ما أصابه منه.
ولا يجوز التفريق بين الوضوء فيغسل الانسان وجهه ثم يصبر هنيئة ثم يغسل يديه
بل يتابع ذلك ويصل غسل يديه بغسل وجهه ومسح رأسه بغسل يديه ومسح رجليه
70

بمسح رأسه ولا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة بانقطاع الماء عنه أو غيره مما يلجئه إلى
التفريق، وإن فرق وضوءه لا لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله، وإن لم
يجف وصله من حيث قطعه، وكذلك إن نسي مسح رأسه ثم ذكره وفي يده بلل من الوضوء
فليمسح بذلك عليه وعلى رجليه، وإن نسي مسح رجليه فليمسحهما إذا ذكر ببلل وضوئه
من يديه، فإن لم يكن في يديه بلل وكان في لحيته أو حاجبيه أخذ منه ما تندى به أطراف
أصابع يده ومسح بها رأسه وظاهر قدميه وإن كان قليلا، فإن ذكر ما نسيه وقد جف وضوؤه
ولم يبق من نداوته شئ فليستأنف الوضوء من أوله ليكون مسح رأسه ورجليه بنداوة
الوضوء كما قدمناه.
ويجزئ الانسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع
الشعر إلى قصاصه، وإن مسح منه مقدار ثلاثة أصابع مضمومة بالعرض كان قد أسبغ
وفعل الأفضل كما ذكرناه، وكذلك يجزئه في مسح رجليه أن يمسح على كل واحدة منهما برأس
مسبحته من أصابعهما إلى الكعبين، وإذا مسحهما بكفه كان أفضل. ولا يجوز لأحد أن يجعل
موضع المسح من رجليه غسلا ولا يبدل مسح رأسه بغسله كما لا يجوز أن يجعل موضع غسل
وجهه ويديه مسحا بل يضع الوضوء مواضعه فيغسل الوجه واليدين ويمسح بالرأس
والرجلين ولا يتعدى أمر الله عز وجل إلى خلافه، فإن أحب الانسان أن يغسل رجليه لإزالة
أذى عنهما وتنظيفهما أو تبريدهما فليقدم ذلك قبل الوضوء ثم ليتوضأ بعده ويختم وضوئه بمسح
رجليه حتى يكون بذلك ممتثلا أمر الله تعالى في ترتيب الوضوء، فإن نسي تنظيف رجليه
بالغسل قبل الوضوء أو أخره بسبب من الأسباب فليجعل بينه وبين وضوئه مهلة ويفرق
بينهما بزمان - قل أم كثر - ولا يتابع بينه ليفصل الوضوء المأمور به من غيره أن شاء الله.
وليس في مسح الأذنين سنة ولا فضيلة، ومن مسح ظاهر أذنيه وباطنهما في الوضوء فقد
أبدع. وغسل الوجه والذراعين في الوضوء مرة مرة فريضة وتثنيته إسباغ وفضيلة وتثليثه
تكلف، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا، ولا يجوز المسح بالرأس في الوضوء أكثر من
مرة واحدة وكذلك مسح الرجلين لأنه موضوع على التخفيف، ولا يستأنف للمسح ماءا
جديدا بل يستعمل فيه نداوة الوضوء بالغسل على ما قدمناه، ومن أخطأ في الوضوء فقدم
71

غسل يديه على غسل وجهه رجع فغسل وجهه ثم أعاد غسل يديه وكذلك إن قدم غسل
يده اليسرى على يده اليمنى وجب عليه الرجوع إلى غسل يده اليمنى وأعاد غسل يده
اليسرى وكذلك إن قدم مسح رجليه على مسح رأسه رجع فمسح رأسه ثم أعاد مسح
رجليه، فإن ترك ذلك حتى يجف ما وضأه من جوارحه أعاد الوضوء مستأنفا ليكون وضوءه
متتابعا غير متفرق إن شاء الله.
ومن كان جالسا على حال الوضوء لم يفرع منه فعرض له ظن أنه قد أحدث ما ينقض
وضؤه أو توهم أنه قدم مؤخرا منه أو أخر مقدما منه وجب عليه إعادة الوضوء من أوله ليقوم
من مجلسه وقد فرع من وضوئه على يقين لسلامته من الفساد، فإن عرض له شك فيه بعد
فراغه منه وقيامه من مكانه لم يلتفت إلى ذلك وقضى باليقين عليه، فإن تيقن أنه قد أنقض
بحادث يفسد الطهارة أو بتقديم مؤخرا أو بتأخير مقدما أعاد الوضوء من أوله على
الاستئناف، وإن تيقن أنه قد تطهر وتيقن أنه قد أحدث ولم يعلم أيهما سبق صاحبه وجب
عليه الوضوء ليزول الشك عنه فيه ويدخل في صلاته على يقين من الطهارة، ولو كان على
يقين من الطهارة وشك في انتقاضها فليعمل على يقينه ولا يلتفت إلى الشك وليس عليه
طهارة إلا إذا تيقن الحدث وكذلك إن كان على يقين من الحدث وشك في الطهارة
فالواجب عليه استئناف الطهارة ليحصل له اليقين بها، ولا تجزئه صلاة مع شك في
الطهارة لها فينبغي أن يعرف هذا الباب ليكون العمل عليه.
باب الأغسال المفترضات والمسنونات:
والأغسال المفترضات ستة أغسال، والأغسال المسنونات ثمانية وعشرون غسلا،
فأما المفترضات من الأغسال فالغسل من الجنابة، والغسل على النساء من الحيض،
والغسل عليهن من الاستحاضة، والغسل عليهن من النفاس، والغسل من مس أجساد
الموتى من الناس بعد بردها بالموت وقبل تطهيرها بالغسل، وتغسيل الأموات من الرجال
والنساء والأطفال مفترض في ملة الاسلام.
وأما الأغسال المسنونات فغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة على الرجال والنساء، وغسل
72

الإحرام للحج سنة أيضا بلا اختلاف، وكذلك أيضا غسل الإحرام للعمرة سنة، وغسل يوم
الفطر سنة، وغسل يوم الأضحى سنة، وغسل يوم الغدير سنة، وغسل يوم عرفة سنة،
وغسل أول ليلة من شهر رمضان سنة، وغسل ليلة النصف منه سنة، وغسل ليلة سبع
عشرة منه سنة، وغسل ليلة تسع عشرة منه سنة، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه سنة،
وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه سنة مؤكدة، وغسل ليلة الفطر سنة، وغسل دخول مدينة
الرسول ص لأداء فرض بها أو نفل سنة، وغسل دخول مكة لمثل ذلك سنة،
وغسل زيارة قبر النبي ص سنة، وغسل زيارة قبور الأئمة ع سنة، وغسل دخول الكعبة
سنة، وغسل دخول المسجد الحرام سنة، وغسل المباهلة سنة،
وغسل التوبة من الكبائر سنة، وغسل صلاة الاستسقاء سنة، وغسل صلاة الاستخارة
سنة، وغسل صلاة الحوائج سنة، وغسل ليلة النصف من شعبان سنة، وغسل قاضي
صلاة الكسوف لتركه إياها متعمدا سنة، وغسل المولود عند ولادته سنة.
باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها:
والجنابة تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل حال،
والآخر بالجماع في الفرج سواء أنزل المجامع أو لم ينزل. فإذا أجنب الانسان بأحد هذين
الشيئين فلا يقرب المساجد إلا عابر سبيل، ولا يجلس في شئ منها إلا لضرورة، ولا يمس
اسما لله تعالى مكتوبا في لوح أو قرطاس أو فص أو غير ذلك، ولا يمس القرآن. ولا بأس أن
يقرأ من سور القرآن وآيه ما شاء إلا أربع سور منه فإنه لا يقرؤها حتى يتطهر - وهي سورة
سجدة لقمان وحم السجدة والنجم إذا هوى واقرأ باسم ربك الذي خلق - لأن في هذه السور
سجودا واجبا ولا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف.
وإذا عزم الجنب على التطهر بالغسل فليستبرئ بالبول ليخرج ما بقي من المني في
مجاريه، فإن لم يتيسر له ذلك فليجتهد في الاستبراء بمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب
وعصره إلى رأس الحشفة ليخرج ما لعله باق فيه من نجاسة ثم ليغسل رأس إحليله
ومخرج المني منه، وإن كان أصاب فخذيه أو شيئا من جسده مني غسله، ثم ليتمضمض ثلاثا
73

ويستنشق ثلاثا سنة وفضيلة ثم يأخذ كفا من الماء بيمينه فيفيضه على أم رأسه ويغسله به
ويميز الشعر منه حتى يصل الماء إلى أصوله، وإن أخذ بكفيه الماء فأفاضه على رأسه كان
أسبغ، فإن أتى على غسل رأسه ولحيته وعنقه إلى أصل كتفيه وإلا غسله بكف آخر ويدخل
أصبعيه - السبابتين - في أذنيه فيغسل باطنهما بالماء ويلحق ذلك بغسل ظاهرهما، ثم
يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه إلى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكف من الماء إلى
ما زاد على ذلك، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك ويمسح بيديه
جميعا سائر جسده ليصل إلى جميعه الماء. وإن أفاض الماء على نفسه بإناء يستعين به فليصنع كما وصفناه من الابتداء
بالرأس ثم ميامن الجسد ثم مياسره وليجتهد ألا يترك شيئا من ظاهر جسده إلا ويمسه الماء.
والغسل بصاع من الماء - وقدره تسعة أرطال بالبغدادي - وذلك إسباغ ودون ذلك
مجزئ في الطهارة وأدنى ما يجزئ في غسل الجنابة من الماء ما يكون كالدهن للبدن يتمسح
به الانسان عند الضرورة لشدة البرد أو عوز الماء. وليس على الجنب وضوء مع الغسل، ومتى
اغتسل على ما وصفناه فقد طهر للصلاة وإن لم يتوضأ قبل الغسل ولا بعده، وإن ارتمس في
الماء للغسل من الجنابة أجزأه عن الوضوء للصلاة. وكل غسل لغير جنابة فهو غير
مجزئ في الطهارة من الحدث حتى يتوضأ معه الانسان وضوء الصلاة قبل الغسل. وإذا
وجد المغتسل من الجنابة بللا على رأس إحليله أو أحس بخروج شئ منه بعد اغتساله
فإنه، إن كان قد استبرأ بما قدمنا ذكره من البول أو الاجتهاد فيه فليس عليه وضوء
ولا إعادة غسل لأن ذلك ربما كان وذيا أو مذيا وليس تنقض الطهارة بشئ من هذين، وإن لم
يكن استبرأ على ما شرحناه أعاد الغسل.
وينبغي للجنب أن لا يدخل يده الإناء حتى يغسلها ثلاثا على ما قدمناه، ويسمي الله
تعالى عند اغتساله ويمجده ويسبحه، فإذا فرع من غسله فليقل: اللهم طهر قلبي وزك
عملي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، وغسل
المرأة من الجنابة كغسل الرجل في الترتيب تبدأ بغسل رأسها حتى توصل الماء إلى أصول
شعرها - وإن كان مشدودا حلته - ثم تغسل جانبها الأيمن ثم جانبها الأيسر. وينبغي لها أن
تستبرئ قبل الغسل بالبول، فإن لم يتيسر لها ذلك لم يكن عليها شئ. والجنب إذا ارتمس
74

في الماء أجزأه لطهارته ارتماسة واحدة، ولا ينبغي له أن يرتمس في الماء الراكد فإنه إن كان
قليلا أفسده ولم يطهر به وإن كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه، ولا بأس بارتماسه في
الماء الجاري واغتساله فيه.
باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس والطهارة من ذلك:
والحائض هي التي ترى الدم الغليظ الأحمر الخارج منها بحرارة. فينبغي لها إذا رأته
أن تعتزل الصلاة ولا تقرب المسجد إلا مجتازة كما ذكرنا في باب الجنابة، ولا تمس القرآن
ولا اسما من أسماء الله تعالى مكتوبا في شئ من الأشياء، ولا يحل لها الصيام، ويحرم على
زوجها وطؤها حتى تخرج من الحيض وينقطع عنها دمها.
وأقل أيام الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وأوسطها ما بين ذلك، ومتى رأت المرأة
الدم أقل من ثلاثة أيام فليس ذلك بحيض وعليها أن تقضي ما تركته من الصلاة، وإن
رأته أكثر من عشرة أيام فذلك استحاضة وأنا أبين حكمها إن شاء الله.
وينبغي للحائض أن تتوضأ وضوء الصلاة عند أوقاتها وتجلس ناحية من مصلاها
فتحمد الله وتكبره وتهلله وتسبحه بمقدار زمان صلاتها في وقت كل صلاة، وليس عليها إذا
طهرت قضاء شئ تركته من الصلوات لكن عليها قضاء ما تركته من الصيام، فإذا
انقطع دم الحيض عن المرأة وأرادت الطهارة بالغسل فعليها أن تستبرئ بقطنة تحملها ثم
تخرجها، فإن خرج عليها دم فهي بعد حائض فلتترك الغسل حتى تنقى، وإن خرجت نقية
من الدم فلتغسل فرجها ثم تتوضأ وضوء الصلاة وتبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثم
تغسل وجهها ويديها وتمسح برأسها وظاهر قدميها، ثم تغتسل فتبدأ بغسل رأسها ثم
جانبها الأيمن ثم جانبها الأيسر كما وصفناه في غسل الجنابة، فإن تركت المضمضة
والاستنشاق في وضوئها لم تحرج وفعله أفضل.
ومن وطأ امرأته وهي حائض على علم بحالها أثم ووجب عليه أن يكفر إن كان
وطؤه في أول الحيض بدينار - وقيمته عشرة دراهم فضة جيادا - وأول الحيض أول يوم منه
إلى الثلث الأول من اليوم الرابع منه - وإن كان وطؤه في وسطه ما بين الثلث الأول من اليوم
75

الرابع منه إلى الثلثين من اليوم السابع منه كفر بنصف دينار - وقيمته خمسة دراهم -، وإن
كان وطؤه في آخره ما بين الثلث الأخير من اليوم السابع إلى آخر اليوم العاشر منه كفر بربع
دينار - وقيمته درهمان ونصف - واستغفر الله عز وجل، هذا على حكم أكثر أيام الحيض
وابتدائه من أوائلها، فما سوى ذلك ودون أكثرها فبحساب ما ذكرناه وعبرته. فإن لم تعلمه
المرأة بحالها فوطئها على أنها طاهر لم يكن عليه حرج ولا كفارة وكانت المرأة بذلك آثمة
عاصية لله عز وجل. وإذا انقطع دم الحيض عن المرأة وأراد زوجها جماعها فالأفضل له أن
يتركها حتى تغتسل ثم يجامعها، فإن غلبته الشهوة وشق عليه الصبر إلى فراغها من
الغسل فليأمرها بغسل فرجها ثم يطأها وليس عليه في ذلك حرج إن شاء الله.
وأما الاستحاضة فهي التي ترى في غير أيام حيضها دما رقيقا باردا صافيا فعليها أن
تغسل فرجها منه ثم تحتشي بالقطن وتشد الموضع بالخرق ليمنع القطن من الخروج، فإن
كان الدم قليلا ولم يرشح على الخرق ولا ظهر عليها لقلته كان عليها نزع القطن عند وقت
كل صلاة والاستنجاء وتغيير القطن والخرق وتجديد الوضوء للصلاة، وإن رشح الدم
على الخرق رشحا قليلا ولم يسل منها كان عليها تغيير القطن والخرق عند صلاة الفجر
والاستنجاء بالماء ثم الوضوء للصلاة والاغتسال بعد الوضوء لهذه الصلاة وتجديد
الوضوء وتغيير القطن والخرق عند كل صلاة من غير اغتسال، وإن كان الدم كثيرا فرشح
على الخرق وسأل منها وجب عليها أن تؤخر صلاة الظهر عن أول وقتها ثم تنزع الخرق
والقطن وتستبرئ بالماء وتستأنف قطنا نظيفا وخرقا طاهرة تتشدد بها وتتوضأ وضوء
الصلاة ثم تغتسل وتصلي بغسلها ووضوئها صلاتي الظهر والعصر معا على الاجتماع،
وتفعل مثل ذلك للمغرب والعشاء الآخرة وتؤخر للمغرب عن أول وقتها ليكون فراغها
منها عند مغيب الشفق وتقدم العشاء الآخرة في أول وقتها، وتفعل مثل ذلك لصلاة الليل
والغداة، فإن تركت صلاة الليل فعلت ذلك لصلاة الغداة، وإذا توضأت واغتسلت على
ما وصفناه حل لزوجها أن يطأها، وليس يجوز لها ذلك حتى تفعل ما ذكرناه من نزع الخرق
وغسل الفرج بالماء. والمستحاضة لا تترك الصلاة والصوم في حال استحاضتها وتتركهما
في الأيام التي كانت تعتاد الحيض قبل تغير حالها بالاستحاضة.
76

وأما النفساء فهي التي تضع حملها فيخرج معه الدم فعليها أن تعتزل الصلاة وتجتنب
الصوم ولا تقرب المسجد كما ذكرناه في باب الحائض والجنب، فإذا انقطع دمها استبرأت
كاستبراء الحائض بالقطن، فإذا خرج نقيا من الدم غسلت فرجها منه وتوضأت وضوء
الصلاة ثم اغتسلت كما وصفناه من الغسل للحيض والجنابة، وإن خرج على القطن دم
أخرت الغسل إلى آخر أيام النفاس وهو انقطاع الدم عنها. وأكثر أيام النفاس ثمانية
عشر يوما، وقد جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض وهو عشرة أيام
وعليه أعمل لوضوحه عندي، فإن رأت النفساء الدم يوم التاسع عشر من وضعها الحمل
فليس ذلك من النفاس وإنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة وتصلي
وتصوم، وكذلك إذا رأت الحائض دما في اليوم الحادي عشر من أول حيضها اغتسلت بعد
الاستبراء والوضوء وصلت وصامت فذلك دم استحاضة وليس بحيض على ما قدمناه.
ويكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء وشبهه مما لا يزيله الماء
لأن ذلك يمنع من وصول الماء إلى ظاهر جوارحهن التي عليها الخضاب، وكذلك مكروه
للجنب الخضاب بعد الجنابة وقبل الغسل منها، فإن أجنب بعد الخضاب لم يحرج بذلك،
وكذلك لا حرج على المرأة أن تختضب قبل الحيض ثم يأتيها الدم وعليها الخضاب، وليس
الحكم في ذلك كالحكم في استئنافه مع الحيض والجنابة على ما بيناه.
باب التيمم وأحكامه:
وإذا فقد المحدث الماء أو فقد ما يصل به إلى الماء أو حال بينه وبين الماء حائل من
عدو أو سبع أو ما أشبه ذلك أو كان مريضا يخاف التلف باستعمال الماء أو كان في برد أو حال
يخاف التلف باستعمال الماء أو كان في برد أو حال يخاف على نفسه فيها من الطهور بالماء
فليتيمم بالتراب كما أمر الله تعالى ورخص فيه للعباد فقال جل اسمه: وإن كنتم مرضى
أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، والصعيد هو التراب وإنما سمي صعيدا لأنه
يصعد من الأرض على وجهها، والطيب منه ما لم تعلم فيه نجاسة.
77

ويستحب التيمم من الربا وعوالي الأرض التي تنحدر عنها المياه فإنها أطيب من
مهابطها. ولا يجوز التيمم بغير الأرض مما أنبتت الأرض وإن أشبه التراب في نعومته
وانسحاقه كالأشنان والسعد والسدر وما أشبه ذلك، ولا يجوز التيمم بالرماد ولا بأس بالتيمم
من الأرض الجصية البيضاء وأرض النورة، ولا يتيمم بالزرنيخ فإنه معدن وليس بأرض
يكون ما علا فوقها منها ترابا.
وإذا حصل الانسان في أرض وحلة وهو محتاج إلى التيمم ولم يجد ترابا فلينفض ثوبه
أو عرف دابته إن كان معه دابة أو لبد سرجه أو رحله، فإن خرج من شئ من ذلك غبرة يتيمم
بها، وإن لم تخرج غبرة فليضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحديهما على الأخرى
حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه.
فإن حصل في أرض قد غطاها الثلج وليس له سبيل إلى التراب فليكسره وليتوضأ
بمائه، فإن خاف على نفسه من ذلك وضع بطن راحته اليمنى على الثلج وحركها عليه
تحريكا باعتماد ثم رفعها بما فيها من نداوة يمسح بها وجهه كالدهن ثم يضع راحته اليسرى
على الثلج ويصنع بها كما صنع باليمنى ويمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع
كالدهن ثم يضع يده اليمنى على الثلج كما وضعها أولا ويمسح بها يده اليسرى من مرفقه
إلى أطراف الأصابع ثم يرفعها فيمسح بها مقدم رأسه ويمسح ببلل يديه من الثلج قدميه
ويصلى إن شاء الله. وإن كان محتاجا في التطهير إلى الغسل صنع بالثلج كما صنع به عند
وضوئه من الاعتماد عليه ومسح به رأسه وبدنه كالدهن حتى يأتي على جميعه، فإن خاف
على نفسه من ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة بالماء أو يفقده ويجد التراب
فيستعمله ويقضي ما فاته إن شاء الله.
فإن كان في أرض صخر وأحجار ليس عليها تراب وضع يديه أيضا عليها ومسح
وجهه وكفيه كما ذكرناه في تيممه بالتراب وليس عليه حرج في الصلاة بذلك لموضع
الاضطرار ولا إعادة عليه. ومتى وجد المتيمم الماء وتمكن منه ولم يخف على نفسه من الطهور
به لم يجز الصلاة حتى يتطهر به وليس عليه فيما صلى بتيمم قضاء.
ومن احتلم فخاف على نفسه من الغسل لشدة البرد أو كان به مرض يضره معه
78

استعمال الماء ضررا يخاف على نفسه منه تيمم وصلى، وإذا أمكنه الغسل اغتسل لما يستأنف
من الصلاة، وإن أجنب نفسه مختارا وجب عليه الغسل - وإن خاف منه على نفسه. ولم
يجزه التيمم، بذلك جاء الأثر عن أئمة آل محمد ع.
والمتيمم يصلى بتيممه صلوات الليل والنهار كلها من الفرائض والنوافل ما لم يحدث
شيئا ينقض الطهارة أو يتمكن من استعمال الماء، فإذا تمكن منه انتقض تيممه ووجب عليه
الطهور به للصلاة، فإن فرط في ذلك حتى يفوته الماء أو يصير إلى حال يضر به استعمال
الماء أعاد التيمم إن شاء الله. ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ثم يطلبه
أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كانت الأرض سهلة، وإن
كانت حزنة طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم، فإن لم يجده تيمم في آخر أوقات الصلاة
عند اليأس منه ثم صلى بتيممه الذي شرحناه.
ومن قام إلى صلاة بتيمم لفقد الماء ثم وجده بعد قيامه فيها فإنه، إن كان كبر تكبيرة
الإحرام فليس عليه الانصراف من الصلاة، وإن لم يكن كبرها فلينصرف وليتطهر بالماء
ثم ليستأنف الصلاة إن شاء الله. ولو أن متيمما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الوضوء
من غير تعمد ووجد الماء كان عليه أن يتطهر بالماء ويبني على ما مضى من صلاته ما لم
ينحرف عن القبلة إلى استدبارها أو يتكلم عامدا بما ليس من الصلاة، فإن أحدث ذلك
متعمدا كان عليه أن يتطهر ويستأنف الصلاة من أولها.
باب صفة التيمم وأحكام المحدثين فيه وما ينبغي لهم أن يعملوا عليه من
الاستبراء والاستظهار:
وإذا بال الانسان وهو غير واجد للماء فليستبرئ من البول بما وصفناه في باب الطهارة
ليخرج ما بقي منه في مجاريه، ثم يتنشف بالخرق إن وجدها أو بالأحجار أو التراب، ثم يضرب
بباطن كفيه على ظاهر الأرض وهما مبسوطتان قد فرق بين أصابعهما ويرفعهما فينفضهما، ثم
يرفعهما فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ثم يرفع كفه اليسرى
يضعها على ظاهر كفه اليمنى فيمسحها بها من الزند إلى أطراف الأصابع ويرفع كفه
79

اليمنى فيضعها على ظاهر كفه اليسرى فيمسحها بها من الزند إلى أطراف الأصابع وقد
حل له بذلك الدخول في الصلاة.
فإن كان حدثه من الغائط استبرأ بثلاثة أحجار طاهرة لم تستعمل في إزالة نجاسة
قبل ذلك، يأخذ منها حجرا فيمسح به مخرج النجو، ثم يلقيه ويأخذ الحجر الثاني فيمسح به
الموضع ويلقيه، ثم يمسح بالثالث. ولا يجوز له التطهر بحجر واحد. ويتتبع مواضع النجاسة
الظاهرة فيزيلها بالأحجار، ثم يصنع في التيمم كما وصفناه من ضرب التراب بباطن كفه
ومسح وجهه وظاهر كفيه وقد زال عنه بذلك حكم النجاسة كما قدمناه. وإن كان المحدث
جنبا يريد الطهارة استبرأ قبل التيمم بما بيناه فيما سلف، ثم ضرب الأرض بباطن كفيه ضربة
واحدة فمسح بهما وجهه من قصاص شعره إلى طرف أنفه، ثم ضرب الأرض بهما ضربة
أخرى فمسح باليسرى منهما ظهر كفه اليمنى وباليمنى ظهر كفه اليسرى وقد زال عنه
حكم الجنابة وحلت له الصلاة، وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من
الغسل إذا فقدن الماء أو كان يضر بهن استعماله. والمحدث بالنوم والإغماء والمرة، يتيمم
كما ذكرناه في باب المحدث بالبول والغائط ويدخل بذلك في الصلاة.
ومتى وجد واحد ممن سميناه الماء بعد فقده أو تمكن من استعماله تطهر به حسب
ما فاته إن كان وضوءا فوضوءا، وإن كان غسلا فغسلا، والفرق بين التيمم بدلا من الغسل
والتيمم بدلا من الوضوء ما بيناه من أن المحدث لما يوجب طهارته بالغسل إذا لم يقدر عليه
تيمم بضربتين إحديهما لوجهه والثانية لظاهر كفيه والمحدث لما يوجب طهارته بالوضوء
يتيمم بضربة واحدة لوجهه ويديه.
والميت إذا لم يوجد الماء لغسله يممه المسلم كما ييمم الحي العاجز بالزمانة عند حاجته
إلى التيمم من جنابته، فيضرب بيديه على الأرض ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر
رأسه إلى طرف أنفه ويضرب بهما ضربة أخرى فيمسح بهما ظاهر كفيه ثم يتيمم هو لمسه
بمثل ذلك سواء.
80

باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به منها وما لا يجوز:
قال الله عز وجل: وأنزلنا من السماء ماء طهورا، فكل ماء نزل من السماء أو نبع من
الأرض عذبا كان أو ملحا فإنه طاهر مطهر إلا أن ينجسه شئ يتغير به حكمه، والجاري من
الماء لا ينجسه شئ يقع فيه من ذوات الأنفس السائلة فيموت فيه ولا شئ من النجاسات
إلا أن يغلب عليه فيغير لونه أو طعمه أو رائحته وذلك لا يكون إلا مع قلة الماء وضعف جريه
وكثرة النجاسة.
وإذا وقع في الماء الراكد شئ من النجاسات وكان كرا وقدره ألف رطل ومائتا رطل
بالبغدادي. وما زاد على ذلك لم ينجسه شئ إلا أن يتغير به كما ذكرناه في المياه الجارية، هذا
إذا كان الماء في غدير أو قليب وشبهه، فأما إن كان في بئر أو حوض أو إناء فإنه يفسد بسائر
ما يموت فيه من ذوات الأنفس السائلة وبجميع ما يلاقيه من النجاسات ولا يجوز التطهر به
حتى يطهر، وإن كان الماء في الغدران والقلبان وما أشبههما دون ألف رطل ومائتي رطل
جرى مجرى مياه الآبار والحياض التي يفسدها ما وقع فيها من النجاسات ولم تجز الطهارة
به.
ولا يجوز الطهارة بالمياه المضافة كماء الباقلي وماء الزعفران
وماء الورد وماء الآس وماء الأشنان وأشباه ذلك حتى يكون الماء خالصا مما يغلب عليه وإن كان طاهرا في نفسه
وغير منجس لما لاقاه. ولا يجوز الطهارة أيضا بالمياه المستعملة في الغسل من النجاسات
كالحيض والاستحاضة والنفاس والجنابة وتغسيل الأموات. ولا بأس بالطهور بماء قد
استعمل في غسل الوجه واليدين لوضوء الصلوات وبماء استعمل أيضا في غسل الأجساد
الطاهرة للسنة، كغسل الجمعة والأعياد والزيارات، والأفضل تحري المياه الطاهرة التي لم
تستعمل في أداء فريضة ولا سنة على ما شرحناه.
ولا تجوز الطهارة بأسآر الكفار من المشركين واليهود والنصارى والمجوس
والصابئين وأسارهم هو ما فضل في الأواني مما شربوا فيه أو توضؤا به أو مسوه بأيديهم
وأجسادهم. ولا يجوز التطهر بسؤر الكلب والخنزير ولا بأس بسؤر الهر فإنها غير نجسة،
وإذا ولغ الكلب في الإناء وجب أن يهرق ما فيه ويغسل ثلاث مرات - مرتين منهما بالماء ومرة
81

بالتراب تكون في أوسط الغسلات الثلاث - ثم يجفف ويستعمل.
ولا بأس بالوضوء من فضلة الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم وما شربت
منه سائر الطيور إلا ما أكل الجيف منها فإنه يكره الوضوء بفضلة ما قد شرب منه، وإن كان
شربه منه وفي منقاره أثر دم وشبهه لم تستعمل في الطهارة على حال. والمياه إذا كانت في آنية
محصورة فوقع فيها نجاسة لم يتوضأ منها ووجب إهراقها، وليس ينجس الماء شئ يموت
فيه إلا ما كان له دم من نفسه فإن مات فيه ذباب أو زنبور أو جراد وما أشبه ذلك مما ليس له
نفس سائلة لم ينجس به.
باب تطهير المياه من النجاسات:
وإذا غلبت النجاسة على الماء فغيرت لونه أو طعمه أو رائحته وجب تطهيره بنزحه
إن كان راكدا أو برفعه إن كان جاريا حتى يعود إلى حاله في الطهارة ويزول عنه التغير.
ومن توضأ منه قبل تطهيره بما ذكرناه أو اغتسل منه لجنابة وشبهها ثم صلى بذلك الوضوء
والغسل لم تجزئه الصلاة ووجب عليه إعادة الطهارة بماء طاهر وإعادة الصلاة، وكذلك
إن غسل به ثوبا أو ناله منه شئ ثم صلى فيه وجب عليه تطهير الثوب بماء طاهر يغسله به
ولزمه إعادة الصلاة.
وإن مات انسان في بئر أو غدير ينقص ماؤه عن مقدار الكر ولم يتغير ذلك الماء فلينزح
منه سبعون دلوا وقد طهر بعد ذلك، فإن مات فيها حمار أو بقرة أو فرس وأشباهها من
الدواب ولم يتغير بموته الماء نزح منه كر من الماء - وقدره ألف رطل ومائتا رطل - فإن كان
ماء البئر أقل من ذلك نزح كله، وينزح منها إذا ماتت فيها شاة أو كلب أو خنزير أو سنور
أو غزال أو ثعلب وشبهه في قدر جسمه أربعون دلوا، وإذا مات فيها دجاجة أو حمامة
وما أشبهها نزح منها سبع دلاء، وإذا مات فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء، فإن تفسخت فيها
أو انتفخت ولم يتغير بذلك الماء نزح منها سبع دلاء، وإن مات فيها بعير نزح جميع ما فيها،
فإن صعب ذلك لغزارة مائها وكثرته تراوح على نزحها أربعة رجال يستقون منها على
التراوح من أول النهار إلى آخره وقد طهرت بذلك، فإن وقع فيها خمر - وهو الشراب
82

المسكر من أي الأصناف كان - نزح جميع ما فيها إن كان قليلا، وإن كان كثيرا تراوح على
نزحه أربعة رجال من أول النهار إلى آخره على ما ذكرناه، فإن بال فيها رجل نزح منها
أربعون دلوا، فإن بال فيها صبي نزح منها سبع دلاء، فإن بال فيها رضيع لم يأكل الطعام بعد
نزح منها دلو واحد، فإن وقع فيها عذرة يابسة ولم تذب فيها وتقطعت نزح منها عشر دلاء،
وإن كانت رطبة أو ذابت وتقطعت فيها نزح منها خمسون دلوا، فإن ارتمس فيها جنب
أو لاقاها بجسمه وإن لم يرتمس فيها أفسدها ولم يطهر بذلك ووجب تطهيرها بنزح سبع
دلاء، وإن وقع فيها دم وكان كثيرا نزح منها عشر دلاء، وإن كان قليلا نزح منها خمس دلاء،
فإن وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وكذلك إن وقع فيها وزغة أو مات فيها
عصفور وشبهه نزح منها دلو واحد، وإن وقع فيها بعر غنم أو إبل أو غزلان وأبوالها لم ينجس
بذلك وكذلك الحكم في أرواث وأبوال ما يؤكل لحمه فإنه لا يفسد الماء به ولا ينجس به الثوب
والجسد بملاقاته إلا ذرق الدجاج الجلالة خاصة فإنه إن وقع في الماء القليل نزح منها خمس
دلاء، وإن أصاب الثوب أو البدن وجب غسله بالماء.
والإناء إذا وقع فيه نجاسة وجب إهراق ما فيه من الماء وغسله، وقد بينا حكمه إذا
شرب منه كلب أو وقع فيه أو ماسه ببعض أعضائه فإنه يهرق ما فيه من ماء ثم يغسل مرة
بالماء ومرة ثانية بالتراب ومرة ثالثة بالماء ويجفف ويستعمل، وليس حكم غير الكلب كذلك
بل يهرق ما فيه ويغسل مرة واحدة بالماء.
ومن أراد الطهارة ولم يجد إلا ماء نجسا بشئ مما ذكرناه فلا يتطهر به ولا يقربه وليتيمم
لصلاته، فإذا وجد ماءا طاهرا تطهر به من حدثه الذي كان يتيمم له واستقبل ما يجب عليه
من الصلاة به وليس عليه إعادة شئ مما صلى بتيممه على ما قدمناه.
ولا بأس أن يشرب المضطر من المياه النجسة بمخالطة الميتة لها والدم وما أشبه ذلك.
ولا يجوز له شربها مع الاختيار، وليس الشرب منها مع الاضطرار كالتطهر بها لأن التطهر
قربة إلى الله عز وجل والتقرب إليه لا يكون بالنجاسات ولأن المتوضئ والمغتسل من
الأحداث يقصد بذلك التطهر من النجاسة ولا تقع الطهارة بالنجس من الأشياء ولأن
المحدث يجد في إباحته للصلاة التراب بدلا من الماء ولا يجد المضطر بالعطش في إقامة
83

رمقه بدلا من الماء غيره ولو وجد ذلك لم يجز له شرب ما كان نجسا من المياه.
ولو أن إنسانا كان معه إناءان فوقع في أحدهما ما ينجسه ولم يعلم في أيهما هو، يحرم عليه
الطهور منهما جميعا ووجب عليه إهراقهما والوضوء بماء من سواهما، فإن لم يجد غير ما أهرق
منهما من الماء تيمم وصلى ولم يكن له استعمال ما أهرقه منهما، وحكم ما زاد على الإنائين في
العدد إذا تيقن أن في واحد. منها نجاسة على غير تعيين حكم الإنائين سواء.
باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات:
وإذا أصاب ثوب الانسان بول أو غائط أو مني لم يجز له الصلاة فيه حتى يغسله
بالماء قليلا كان ما أصابه أو كثيرا، فإن أصاب ثوبه دم وكان مقداره في سعة الدرهم الوافي
الذي كان مضروبا من درهم وثلث وجب عليه غسله بالماء ولم يجز له الصلاة فيه، وإن كان
قدره أقل من ذلك وكان كالحمصة والظفر وشبهه جاز له الصلاة فيه قبل أن يغسله.
وغسله للصلاة فيه أفضل اللهم إلا أن يكون دم حيض فإنه لا يجوز الصلاة في قليل منه
ولا كثير وغسل الثوب منه واجب وإن كان قدره كرأس الإبرة في الصغر.
وإن كان على الانسان بثور يرشح دمها دائما لم يكن عليه حرج في الصلاة فيما
أصابه ذلك الدم من الثياب وإن كثر رخصة من الله تعالى لعباده ورفع عنهم الحرج
بإيجاب غسل الثياب عند وقت كل صلاة، وكذلك إن كان به جراح ترشح فيصيب دمها
وقيحها ثوبه فله أن يصلى في الثوب وإن كثر ذلك فيه لأنه لو ألزم غسله للصلاة لطال عليه
ذلك ولزمه تجديد غسله وإزالة ما فيه عند وقت كل صلاة ولحقه بذلك كلفة ومشقة وربما فاته
معها الصلاة وربما لم يكن مع الانسان إلا ثوب واحد فلا يتمكن مع حاجته إلى لبسه من
تطهيره وقت كل صلاة ولو غسله عند الصلاة ثم لبسه رطبا للحقته النجاسة بلبسه وهو
في الصلاة فلم ينفك منها في حال ولم يقدر على تأدية فرضه من الصلاة بحال، وكذلك
حكم الثوب إذا أصابه دم البراغيث والبق فإنه لا حرج على الانسان أن يصلى فيه وإن
كان ما أصابه من ذلك كثيرا لأنه لو ألزم غسله عند وقت كل صلاة لحرج به ولم يتمكن منه
لمثل ما ذكرناه وقريب منه في الاعتبار أ لا ترى أن الانسان ربما لم يكن له أكثر من ثوب واحد
84

فيه ينام وفيه ينصرف لحوائجه ودم البراغيث والبق مما لا يمكن الانسان دفعه عن نفسه في
كل حال وهو متى غسل ثوبه ثم لبسه للصلاة لم يأمن حصوله فيه وهو مشغول بها فأباح
الله تعالى عباده الصلاة في قليل ذلك وكثيره رفعا للمشقة عنهم ورخصة لهم على
ما شرحناه.
وإذا مس ثوب الانسان كلب أو خنزير وكانا يابسين فليرش موضع مسهما منه بالماء،
وإن كانا رطبين فليغسل ما مساه بالماء، وكذلك الحكم في الفأرة والوزغة يرش الموضع
الذي مساه بالماء من الثوب إذا لم يؤثرا فيه، وإن رطبا وأثرا فيه غسل بالماء، وكذلك إن
مس واحد مما ذكرناه جسد الانسان أو وقعت يده عليه وكان رطبا غسل ما أصابه منه، وإن
كان يابسا مسحه بالتراب. وإذا صافح الكافر المسلم ويده رطبة بالعرق أو غيره غسلها
من مسه بالماء، وإن لم تكن فيها رطوبة مسحها ببعض الحيطان أو التراب.
ويغسل الثوب من ذرق الدجاج خاصة ولا يجب غسله من ذرق الحمام وغيره من
الطير التي يحل أكلها على ما بيناه، ويغسل الثوب أيضا من عرق الإبل الجلالة إذا أصابه
كما يغسل من سائر النجاسات، وإذا ظن الانسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة ولم يتيقن ذلك
رشه بالماء، فإن تيقن حصول النجاسة فيه وعرف موضعها غسله بالماء، وإن لم يعرف
الموضع بعينه غسل جميع الثوب بالماء ليكون على يقين من طهارته ويزول عنه الشك فيه
والارتياب. ولا بأس بعرق الحائض والجنب ولا يجب غسل الثوب منه إلا أن تكون الجنابة
من حرام فيغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد وثوب ويعمل في الطهارة
بالاحتياط.
وإذا غسل الثوب من دم الحيض فبقي منه أثر لا يقلعه الغسل لم يكن بالصلاة فيه
بأس ويستحب صبغه بما يذهب لونه ليصلي فيه على سبوع من طهارته، وإذا أصابت
النجاسة شيئا من الأواني طهرت بالغسل.
والأرض إذا وقع عليها البول ثم طلعت عليها الشمس فجففتها طهرت بذلك. وكذلك
البواري والحصر، ولا بأس أن يصلى الانسان على فراش قد أصابه مني وغيره من
النجاسات إذا كان موضع سجوده طاهرا، ولا بأس بالصلاة في الخف وإن كان فيه نجاسة
85

وكذلك النعل والتنزه عن ذلك أفضل. وإذا داس الانسان بخفه أو نعله نجاسة ثم مسحهما
بالتراب طهرا بذلك، وإن أصابت تكته أو جوربه لم يحرج بالصلاة فيهما وذلك إنهما
مما لا تتم الصلاة بهما دون ما سواهما من اللباس.
وإذا وقع ثوب الانسان على جسد ميت من الناس قبل أن يتطهر بالغسل نجسه
ووجب عليه تطهيره بالماء، وإذا وقع عليه بعد غسله لم يضره ذلك وجازت له فيه - وإن لم
يغسله - الصلاة، وإذا وقع على ميتة من غير الناس نجسته أيضا ووجب عليه غسله منه
بالماء. وإن مس الانسان بيده أو ببعض جوارحه ميتا من الناس قبل غسله وجب عليه أن
يغتسل لذلك كما قدمناه. وإن مس بها ميتة من غير الناس لم يكن عليه أكثر من غسل
ما مسه من الميتة ولم يجب عليه غسل كما يجب على من مس الميت من الناس.
وما ليس له نفس سائلة من الهوام والحشار كالزنبور والجراد والذباب والخنافس
وبنات وردان إذا أصابت يد الانسان أو جسده أو ثيابه لم تنجسه بذلك ولم يجب عليه غسل
ما لاقاه منها. وكذلك إن وقعوا في طعامه أو شرابه لم يفسدوه وكان له استعماله بالأكل
والشرب والطهارة مما وقعوا فيه من الماء.
والخمر ونبيذ التمر وكل شراب مسكر نجس إذا أصاب ثوب الانسان شئ منه قل
ذلك أم كثر لم تجز فيه الصلاة حتى يغسل بالماء وكذلك حكم الفقاع، وإن أصاب جسد
الانسان شئ من هذه الأشربة نجسته ووجب عليه إزالته وتطهير الموضع الذي أصابه
بغسله بالماء. وأواني الخمر والأشربة المسكرة كلها نجسة لا تستعمل حتى يهرق ما فيها منها
وتغسل سبع مرات بالماء.
باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال
وتطهيرهم بالغسل وتحنيطهم وتكفينهم وإسكانهم الأكفات:
وإذا حضر العبد المسلم الوفاة فالواجب على من يحضره من أهل الاسلام:
أن يوجهه إلى القبلة بأن يلقى على ظهره فيجعل باطن قدميه إليها ووجهه تلقاءها،
ثم يلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن أمير
86

المؤمنين علي بن أبي طالب ع ولي الله القائم بالحق بعد رسول الله ص
ويسمي الأئمة له واحدا ليقر بالإيمان بالله تعالى وبرسوله وأئمته ع، عند
وفاته ويختم بذلك أعماله فإن استطاع أن يحرك بالشهادة بما ذكرناه لسانه وإلا عقد بها قلبه
إن شاء الله. ويستحب أن يلقن أيضا كلمات الفرج وهي: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله
إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن
وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، فإن ذلك
مما يسهل عليه صعوبة ما يلقاه من جهد خروج نفسه.
فإذا قضى نحبه فلتغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه إلى جنبيه وتمد ساقاه - إن
كانتا منقبضتين - ويشد لحييه إلى رأسه بعصابة ويمد عليه ثوب يغطى به، وإن مات ليلا في
بيت أسرج في البيت مصباح إلى الصباح ولم يترك وحده فيه بل يكون عنده من يذكر
الله عز وجل ويتلو كتابه أو ما يحسنه منه ويستغفر الله تعالى له، ولا يترك على بطنه حديدة
كما تفعل العامة الجهال ذلك.
ثم ليستعد لغسله فيؤخذ من السدر المسحوق رطل أو نحو ذلك ومن الأشنان شئ
يسير ينجى به ومن الكافور الجلال وزن نصف مثقال إن تيسر وإلا فما تيسر منه - وإن قل -
ومن الذريرة الخالصة من الطيب المعروفة بالقمحة مقدار رطل إلى أكثر من ذلك،
ويؤخذ لحنوطه وزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور الخام الذي لم تمسه النار وهو
السائغ للحنوط وأوسط أقداره وزن أربعة دراهم وأقلها وزن مثقال إلا أن يتعذر ذلك، ثم
يعد له شئ من القطن ويعد الكفن - وهو قميص ومئزر وخرقة يشد بها أسفله إلى وركيه
ولفافة وحبرة وعمامة وليستعد جريدتان من النخل خضراوان طول كل واحدة منهما قدر
عظم الذراع فإن لم يوجد من النخل الجريد يعوض عنه بالخلاف، فإن لم يوجد الخلاف
يعوض عنه بالسدر، وإن لم يوجد شئ من هذه الشجر ووجد غيره من الشجر يعوض عنه
بعد أن يكون رطبا، فإن لم يوجد شئ من ذلك فلا حرج على الانسان في تركه للاضطرار.
ولا ينبغي أن يقطع شئ من أكفان الميت بحديد ولا يقرب النار ببخور ولا غيره، والسنة
أن تكون إحدى اللفافتين حبرة يمنية غير مذهبة، ويفرع من حوائجه وكفنه ثم يؤخذ في
87

غسله إن شاء الله.
وإذا أراد المتولي لأمره غسله فليرفعه على ساجة أو شبهها موجها إلى القبلة - باطن
رجليه إليها ووجهه تلقاءها حسب ما وجهه عند وفاته - ثم ينزع قميصه إن كان عليه
قميص من فوقه إلى سرته يفتق جيبه أو يخرقه ليتسع عليه في خروجه، ثم يضع على
عورته ما يسترها ثم يلين أصابع يديه برفق، فإن تصعب تركها.
ويأخذ السدر فيضعه في إجانة وشبهها من الأواني النظاف ويصب عليه الماء ثم
يضربه حتى تجمع رغوته على رأس الماء فإذا اجتمعت أخذها بكفيه فجعلها في إناء
نظيف كإجانة أو طشت أو ما أشبهها، ثم يأخذ خرقة نظيفة فيلف بها يده من زنده إلى
أطراف أصابعه اليسرى ويضع عليها شيئا من الأشنان الذي كان أعده ويغسل بها مخرج
النجو منه، ويكون معه آخر يصب عليه الماء فيغسله حتى ينقيه ثم يلقى الخرقة من يده
ويغسل يديه جميعا بماء قراح ثم يوضئ الميت، فيغسل وجهه وذراعيه ويمسح برأسه
وظاهر قدميه، ثم يأخذ رغوة السدر فيضعه على رأسه ويغسله به ويغسل لحيته والآخر
يصب عليه ماء السدر حتى يغسل رأسه ولحيته بمقدار تسعة أرطال من ماء السدر، ثم
يقلبه على مياسره لتبدو له ميامنه ويغسلها من عنقه إلى تحت قدميه بمثل ذلك من ماء
السدر - ولا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه - ثم يقلبه على جنبه الأيمن لتبدو له
مياسره فيغسلها كذلك، ثم يرده إلى ظهره فيغسله من أم رأسه إلى تحت قدميه بماء
السدر كما غسل رأسه بنحو تسعة أرطال من ماء السدر إلى أكثر من ذلك ويكون صاحبه
يصب عليه الماء وهو يمسح ما يمر عليه يده من جسده وينظفه ويقول وهو يغسله: اللهم
عفوك عفوك.
ثم يهريق ماء السدر من الأواني ويصب فيها ماء قراحا ويجعل فيه ذلك الجلال من
الكافور الذي كان أعد ويغسل رأسه كما غسله بماء السدر ويغسل جانبه الأيمن ثم الأيسر
ثم صدره على ما شرحناه في الغسلة الأولى.
ويهريق ما في الأواني من ماء الكافور ويجعل فيها ماء قراحا لا شئ فيه ويغسله به غسلة
ثالثة كالأولى والثانية. ويمسح بطنه في الغسلة الأولة مسحا رقيقا ليخرج ما لعله يبقى من
88

الثقل الذي في جوفه مما لو لم يدفعه المسح لخرج منه بعد الغسل فانتقض به أو خرج في
أكفانه، وكذلك يمسح بطنه في الغسلة الثانية، فإن خرج في الغسلتين منه شئ أزاله - عن
مخرجه وما أصاب من جسده - بالماء، ولا يمسح بطنه في الثالثة.
فإذا فرع من الغسلات الثلاث ألقي عليه ثوبا نظيفا فنشفه به ثم اعتزل ناحية
فغسل يديه إلى مرفقيه وصار إلى الأكفان التي كان أعدها له فبسطها على شئ طاهر
يضع الحبرة أو اللفافة التي تكون بدلا منها وهي الطاهرة وينشرها وينثر عليها شيئا من تلك
الذريرة التي كان أعدها، ثم يضع اللفافة الأخرى عليها وينثر عليها شيئا من الذريرة،
ويضع القميص على الإزار وينثر عليه شيئا من الذريرة ويكثر منه، ثم يرجع إلى الميت
فينقله من الموضع الذي غسله فيه حتى يضعه في قميصه، ويأخذ شيئا من القطن فيضع
عليه شيئا من الذريرة ويجعله على مخرج النجو ويضع شيئا من القطن وعليه ذريرة على
قبله، ويشده بالخرقة التي ذكرناها شدا وثيقا إلى وركيه لئلا يخرج منه شئ، ويأخذ الخرقة
التي سميناها مئزرا فيلفها عليه من سرته إلى حيث يبلغ من ساقه كما يأتزر الحي فتكون
فوق الخرقة التي شدها على القطن، ويعمد إلى الكافور الذي أعده لتحنيطه فيسحقه بيده
ويضع منه على جبهته التي كان يسجد عليها لربه تبارك وتعالى ويضع منه على طرف أنفه
الذي كان يرغم به له في سجوده ويضع منه على بطن كفيه فيمسح به راحتيه وأصابعهما التي
كان يتلقى الأرض بهما في سجوده ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه لأنها من
مساجده، فإن فضل من الكافور شئ كشف قميصه عن صدره وألقاه عليه ومسحه به
ثم رد القميص بعد ذلك إلى حاله.
ويأخذ الجريدتين فيجعل عليهما شيئا من القطن ويضع إحديهما من جانبه الأيمن مع
ترقوته يلصقها بجلده ويضع الأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار. ويستحب
أن يكتب على قميصه وحبرته أو اللفافة التي تقوم مقامهما والجريدتين بإصبعه: فلان يشهد
أن لا إله إلا الله، فإن كتب ذلك بتربة الحسين صلوات الله عليه كان فيه فضل كبير،
وألا يكتبه بسواد ولا صبغ من الأصباغ، ويعممه كما يتعمم الحي ويحنكه بالعمامة ويجعل لها
طرفين على صدره، ثم يلفه في اللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبه الأيمن وجانبها الأيمن
89

على الجانب الأيسر، ويصنع بالحبرة مثل ذلك ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.
وينبغي للذي يلي أمر الميت في غسله وتكفينه أن يبدأ عند حصول حوائجه التي
ذكرناها بقطع أكفانه وينثر الذريرة عليها ثم يلفها جميعا ويعزلها، فإذا فرع من غسله نقله
إليها من غير تلبث واشتغال عنه. وإن أخر نثر الذريرة حتى يفرع من غسله. فيصنع به
ما وصفناه. وإعدادها مفروغا منها بجميع حوائجه قبل غسله أفضل ويكفنه وهو موجه
كما كان في غسله.
فإذا فرع غاسل الميت من غسله توضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل كما ذكرناه في أبواب
الأغسال وشرحناه، وإن كان الذي أعانه بصب الماء عليه قد مس الميت قبل غسله
فليغتسل أيضا من ذلك كما اغتسل المتولي لغسله، وإن لم يكن مسه قبل غسله لم يجب
عليه غسل ولا وضوء إلا أن يكون قد أحدث ما يوجب ذلك عليه فيلزمه الطهارة له لا من
أجل صب الماء على الميت.
فإذا فرع من غسله وتكفينه وتحنيطه فليحمله على سرير إلى قبره وليصل عليه هو
ومن اتبعه من إخوانه قبل دفنه، وسأبين الصلاة على الأموات في أبواب الصلوات إن
شاء الله. وينبغي لمن شيع جنازة أن يمشي خلفها وبين جنبيها ولا يمشي أمامها فإن الجنازة
متبوعة ليست تابعة ومشيعة غير مشيعة.
فإذا فرع من الصلاة عليه فليقرب سريره من شفير قبره ويوضع على الأرض، ثم
يصبر عليه هنيئة. ثم يقدم قليلا، ثم يصبر عليه هنيئة، ثم يقدم إلى شفير القبر فيجعل
رأسه مما يلي رجليه في قبره وينزل إلى القبر. وينزله وليه أو من يأمره الولي بذلك وليتحف
عند نزوله ويحل أزراره وإن نزل معه لمعاونته آخر جاز ذلك، ثم يسل الميت من قبل رجليه في
قبره ليسبق إليه رأسه كما سبق إلى الدنيا في خروجه إليها من بطن أمه، وليقل عند معاينة
القبر: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار، ويقول إذا تناوله:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ص اللهم إيمانا
بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما،
ثم يضعه على جانبه الأيمن، ويستقبل بوجهه القبلة ويحل عقد كفنه من قبل رأسه حتى يبدو
90

وجهه، ويضع خده على التراب، ويحل أيضا عقد كفنه من قبل رجليه، ثم يضع اللبن عليه
ويقول وهو يضعه: اللهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته وأسكن إليه من رحمتك
رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه. ويستحب أن يلقنه
الشهادتين وأسماء الأئمة ص عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه
فيقول يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين ويذكر الأئمة
ع إلى آخرهم أئمتك أئمة هدى أبرار، فإنه إذا لقنه ذلك كفى المسألة بعد
الدفن إن شاء الله.
فإذا فرع من وضع اللبن عليه هال التراب على اللبن، ويحثو من شيع جنازته عليه
التراب بظهور أكفهم ويقولون وهم يحثون التراب عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا ما وعد
الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما. ويكره للأب أن يحثو على ابنه إذا
قبره التراب، وكذلك يكره للابن أن يحثو على أبيه لأن ذلك يقسي القلب من ذوي الأرحام.
ويربع قبره ولا يطرح عليه من تراب غيره، ويرفع عن الأرض مقدار أربع أصابع
مفرجات لا أكثر من ذلك، ويصب عليه الماء فيبدأ بالصب من عند رأسه ثم يدار به من
أربعة جوانبه حتى يعود إلى موضع الرأس فإن بقي من الماء شئ صب على وسط القبر،
فإذا انصرف الناس عنه تأخر عند القبر بعض إخوانه فنادى بأعلى صوته: يا فلان بن
فلان الله ربك ومحمد نبيك وعلي إمامك والحسن والحسين ويعد الأئمة واحدا واحدا إلى
آخرهم أئمتك أئمة الهدي الأبرار، فإن ذلك ينفع الميت وربما كفى به المسألة في قبره إن شاء
الله.
ويكره أن يحمى الماء بالنار لغسل الميت، فإن كان الشتاء شديد البرد فليسخن له
قليلا ليتمكن غاسله من غسله. ولا يجوز أن يقص شئ من شعر الميت ولا من أظفاره وإن
سقط من ذلك شئ جعل معه في أكفانه.
وغسل المرأة كغسل الرجل وأكفانها كأكفانه ويستحب أن تزاد المرأة في الكفن
ثوبين وهما لفافتان أو لفافة ونمط.
91

وإذا أريد إدخال المرأة القبر جعل سريرها أمامه في القبلة ورفع عنها النعش وأخذت من
السرير بالعرض، وينزلها القبر اثنان يجعل أحدهما يديه تحت كتفيها والآخر يديه تحت
حقويها، وينبغي أن يكون الذي يتناولها من قبل وركيها زوجها أو بعض ذوي أرحامها
كابنها أو أخيها أو أبيها إن لم يكن لها زوج، ولا يتولى ذلك منها الأجنبي إلا عند فقد ذوي
أرحامها، وإن أنزلها قبرها نسوة يعرفن كان أفضل. وغسل الطفل كغسل البالغ.
والجريدة تجعل مع جميع الأموات من المسلمين، كبارهم وصغارهم، وذكرانهم
وإناثهم، سنة وفضيلة، والأصل في وضع الجريدة مع الميت أن الله تعالى لما أهبط آدم
ع من الجنة استوحش في الأرض فسأل الله تعالى أن ينزل إليه شيئا من أشجار الجنة
يأنس به فأنزلت عليه النخلة فلما رآها عرفها وأنس بها وأوى إليها فلما جمع الله بينه وبين
زوجته حواء وأقام معها ما شاء الله أن يقيم وأولدها ثم حضرته الوفاة جمع ولده وقال لهم:
يا بني إني كنت قد استوحشت عند نزول هذه الأرض وآنسني الله بهذه النخلة المباركة
وأنا أرجو الأنس بها في قبري فإذا قضيت نحبي فخذوا منها جريدا فشقوها باثنين وضعوها
معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك بعد موته وفعلته الأنبياء ع بعده، ثم اندرس أثره
في الجاهلية فأحياه النبي ص وشرعه ووصى أهل بيته ع
باستعماله فهو سنة إلى أن تقوم الساعة، وقد روي عن الصادق ع: إن الجريدة
تنفع المحسن والمسئ فأما المحسن فتؤنسه في قبره وأما المسئ فتدرأ عنه العذاب
ما دامت رطبة ولله تعالى بعد ذلك فيه المشيئة. ومن لم يتمكن من وضع الجريدة مع ميته في
أكفانه تقية من أهل الخلاف وشناعتهم بالأباطيل عليه. فليدفعها معه في قبره، فإن لم يقدر
على ذلك أو خاف منه بسبب من الأسباب فليس عليه في تركها شئ والله تعالى يقبل عذره
مع الاضطرار.
وإذا أسقطت المرأة وكان السقط تاما لأربعة أشهر فما زاد غسل وكفن ودفن، وإن
كان لأقل من أربعة أشهر لف في خرقة ودفن بدمه من غير تغسيل، وليس على الانسان
غسل من مس السقط الذي لا غسل عليه، ويغتسل من مس من يجب غسله إن كان مسه
له قبل تطهيره بالماء على ما قدمناه.
92

والمحرم إذا مات غسل وكفن وغطى وجهه بالكفن غير أنه لا يقرب إليه الكافور
ولا غيره من الطيب وليس عليه تحنيط.
والمقتول في سبيل الله بين يدي إمام المسلمين إذا مات من وقته لم يكن عليه غسل
ويدفن بثيابه التي قتل فيها، وينزع عنه من جملتها السراويل إلا أن يكون أصابه دم
فلا ينزع عنه ويدفن معه، وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة، فإن أصابهما دم دفنا معه،
وينزع عنه الخف على كل حال. وإن لم يمت في الحال وبقي ثم مات بعد ذلك غسل وكفن
وحنط.
وكل قتيل سوى من ذكرناه ظالما كان أو مظلوما فإنه يغسل ويحنط ويكفن ثم يدفن إن
شاء الله.
والمجدور والمحترق وأمثالهما ممن تحدث الآفات التحليل لجلودهم وأعضائهم
ولحومهم إذا كان المس لهم باليد في تغسيلهم يزيل شيئا من لحمهم أو شعرهم لم يمسوا باليد
وصب عليهم الماء صبا، فإن خيف أن يلقى الماء عنهم شيئا من جلودهم أو شعورهم لم يقربوا
الماء ويمموا بالتراب كما ييمم الحي العاجز بالزمانة عند حاجته إلى التيمم من جنابته،
فيمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ويمسح ظاهر كفيه حسب
ما رسمناه، وإذا لم يوجد للميت ما يطهر به لعدم الماء أو عدم ما يتوصل به إليه أو لنجاسة الماء
أو كونه مضافا مما لا يتطهر به يمم بالتراب ودفن، وكذلك إن منع من غسله بالماء ضرورة
تلجئ إليه لم يغسل به ويمم بالتراب.
والمقتول قودا يؤمر بالاغتسال قبل قتله فيغتسل كما يغتسل من جنابته ويتحنط
بالكافور، فيضعه في مساجده ويتكفن ثم يقام فيه بعد ذلك الحد يضرب عنقه ثم يدفن.
وإذا ماتت امرأة ذمية وهي حامل من مسلم دفنت في مقابر المسلمين لحرمة ولدها من
المسلم، ويجعل ظهرها إلى القبلة في القبر ليكون وجه الولد إليها إذ الجنين في بطن أمه
متوجه إلى ظهرها. ولا يجوز ترك المصلوب على ظاهر الأرض أكثر من ثلاثة أيام وينزل بعد
ذلك من خشبته فتوارى حينئذ جثته بالتراب. ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا
للحق في الولاء ولا يصلى عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية فيغسله
93

تغسيل أهل الخلاف، ولا يترك معه جريدة، وإذا صلى عليه لعنه في صلاته ولم يدع له فيها.
ومن افترسه السبع فوجد منه شئ فيه عظم غسل وكفن وحنط ودفن، فإن لم يوجد
فيه عظم دفن بغير غسل كما وجد، وإن كان الموجود من أكيل السبع صدره أو شيئا فيه
صدره صلى عليه، وإن وجد ما سوى ذلك منه لم يصل عليه. وينتظر بصاحب الذرب
والغريق ومر أصابته صاعقة أو انهدم عليه بيت أو سقط عليه جدار ولم يعجل بغسله
ودفنه فربما لحقته السكتة بذلك أو ضعف حتى يظن به الموت، وإذا تحقق موته غسل وكفن
ودفن ولا ينتظر به أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا شبهة في الموت بعد ثلاثة أيام.
وإذا لم يوجد للميت سدر وكافور وأشنان غسل بالماء القراح، وإن لم يوجد له ذريرة
وحنوط أدرج في أكفانه ودفن بعد غسله والصلاة عليه، وإن لم يكن له أكفان دفن عريانا
وجاز ذلك للاضطرار.
وإذا مات الانسان في البحر ولم توجد أرض يدفن فيها غسل وحنط وكفن وخيطت
عليه أكفانه وثقل وألقي في البحر ليرسب بثقله في قرار الماء.
وإذا مات رجل مسلم بين رجال كفار ونساء مسلمات ليس له فيهن محرم أمر بعض
الكفار بالغسل وغسله بتعليم النساء له غسل أهل الاسلام، وكذلك إن ماتت امرأة مسلمة
بين رجال مسلمين ليس فيهم لها محرم ونساء كافرات أمر الرجال امرأة منهن أن تغسلها
وعلموها تغسيلها على سنة الاسلام، فإن مات صبي مسلم بين نسوة مسلمات لا رحم بين
واحدة منهن وبينه وليس معهن رجل وكان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء
مجردا من ثيابه، وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسلنه من فوق ثيابه وصببن عليه الماء
صبا ولم يكشفن له عورة. ودفنه بثيابه بعد تحنيطه بما وصفناه. وإن ماتت صبية بين رجال
ليس لها فيهم محرم فكانت ابنة أقل من ثلاث سنين جردوها وغسلوها، وإن كانت لأكثر من
ثلاث سنين غسلوها في ثيابها وصبوا عليها الماء صبا وحنطوها بعد الغسل ودفنوها في
ثيابها، فإن ماتت امرأة وفي جوفها ولد حي يتحرك شق بطنها مما يلي جنبها الأيسر وأخرج
الولد منه ثم خيط الموضع وغسلت وكفنت وحنطت بعد ذلك ودفنت، وإن مات الولد في
جوفها وهي حية أدخلت القابلة أو من يقوم مقامها في تولى أمر المرأة يدها في فرجها
94

فأخرجت الولد منه وغسل وكفن وحنط ثم دفن.
95

جمل العلم والعمل
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
97

باب مسائل ما يتعلق بالطهارة
فصل: في أحكام المياه:
كل ماء على أصل الطهارة إلا أن يخالطه - وهو قليل - نجاسة فينجس، أو يتغير - وهو
كثير - أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة. وحد القليل ما نقص عن كر والكثير ما بلغه
وزاد عليه، وحد الكر ما قدره ألف ومائتا رطل بالمدني. والماء الذي يستعمل في إزالة
الحدث من وضوء وغسل طاهر ومطهر يجوز التوضؤ به والاغتسال به مستقلا.
وموت ما لا نفس له كالذباب والجراد وما أشبههما في الماء قليلا كان أو كثيرا لا ينجسه،
وسؤر الكفار من اليهود والنصارى ومن يجري مجراهم نجس، ولا بأس بسؤر الجنب
والحائض. ويجوز الوضوء بسؤر جميع البهائم ما أكل لحمه وما لا يؤكل إلا سؤر الكلب
والخنزير، ويكره الجلال من البهائم. ويغسل الإناء من ولوع الكلب بثلاث مرات إحداهن
بالتراب.
باب: في الاستنجاء وكيفية الوضوء والغسل:
الاستنجاء واجب لا يجوز الإخلال به، والجمع بين الحجارات والماء أفضل، ويجزئ
99

الاقتصار على الحجارة وأفضل منه الاقتصار على الماء، ولا يجوز في البول إلا الماء دون
الحجر، والمسنون في عدد الأحجار ثلاثة، ولا يجوز أن يستقبل القبلة أو يستدبرها ببول ولا
غائط.
والسنة الواجبة في الوضوء بالماء وفي الاغتسال به وفي التيمم عند فقد الماء.
وفرض الوضوء غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محاذي شعر الذقن طولا
وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع،
ومسح ثلاث أصابع (من) مقدم الرأس ويجزئ إصبع واحد، ومسح ظاهر القدمين من
الأصابع إلى الكعبين اللذين هما في وسط القدم عند معقد الشراك، والفرض هو مرة واحدة،
والتكرار مستحب في العضوين المغسولين مرتين بلا زيادة عليهما ولا تكرار في الممسوح،
ولا يجوز المسح على الخفين ولا ما أشبههما مما يستر عضوا من أعضاء الطهارة.
والترتيب واجب في الوضوء وغسل الجنابة والتيمم فمن أخل به استدركه، والموالاة
واجبة في الوضوء وغير واجبة في الغسل، وعلى المغتسل من جنابة وغيرها إيصال
الماء على جميع البشرة الظاهرة وأعضائه، وليس عليه غسل داخل أنفه وفمه، ويقدم
غسل رأسه ثم ميامن جسده ثم مياسره حتى يتم جميع البدن.
ويستبيح بالغسل الواجب الصلاة من غير وضوء وإنما الوضوء في غير الأغسال
الواجبة.
فصل: في نواقض الطهارة:
الأحداث الناقضة للطهارة على ضربين: ضرب يوجب الوضوء كالبول والغائط والريح
والنوم الغالب على الحاستين وما أشبهه من الجنون والمرض، والضرب الثاني يوجب
الغسل وإنزال الماء الدافق على جميع الأحوال، والجماع في الفرج وإن لم ينزل، والحيض،
والاستحاضة، والنفاس، وقد ألحق بعض أصحابنا مس الميت.
وجميع ما ذكرناه ينقض التيمم وينقضه أيضا التمكن من استعمال الماء، كأن تيمم ثم
وجد ماءا يتمكن من استعماله، فإن طهارته الأولى تنتقض بذلك، وليس تنتقض بغير ما
100

عددناه فلا معني لتعداده.
فصل: في التيمم وأحكامه:
إنما يجب التيمم عند فقد الماء الطاهر أو تعذر الوصول إليه مع وجوده لبعض الأسباب أو
بالخوف على النفس من استعماله في سفر أو حضر، ولا يجوز التيمم إلا عند تضيق
الصلاة، ويجب طلب الماء والاجتهاد في تحصيله.
وأما كيفيته: فهو أن يضرب براحتيه ظهر الأرض باسطا لهما ثم يرفعهما وينفض
بإحداهما الأخرى، ثم يمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف أنفه، ثم يمسح
بكفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ويمسح بكفه اليمنى ظاهر
كفه اليسرى على هذا الوجه، ويجزئه ما ذكرناه في تيممه إن كان عن جنابة وما أشبهها أثناء
ما ذكرناه من الضربة ومسح الوجه واليدين.
والتيمم بالتراب الطاهر، ويجوز بالجص والنورة، ولا يجوز بالزرنيخ وما أشبهه من
المعادن، ويجوز التيمم بغبار ثوبه وما يجري مجراه بعد أن يكون الغبار من الجنس الذي
يجوز التيمم بمثله، ويصلى بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يحدث أو
يتمكن من الماء.
ومن دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء، فإن كان قد ركع مضى فيها وإن لم يركع
انصرف وتوضأ، فقد روي أنه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى فيها.
فصل: في الحيض والاستحاضة والنفاس:
أقل أيام الحيض ثلاثة وأكثرها عشرة وأقل الطهر عشرة أيام، وما زاد على الحيض فهو
استحاضة. والمستحاضة تترك الصلاة أيام حيضها المعتاد وتصلي في باقي الأيام، وإن لم
يحصل لها تلك الأيام رجعت إلى صفة الدم لأن دم الحيض غليظ يضرب إلى السواد يتبع
خروجه حرقة، ودم الاستحاضة رقيق بارد يضرب إلى الصفرة.
والمستحاضة تحتشي بالقطن، وإن لم يثقب القطن كان عليها تغيير ما تحتشي به عند كل
101

صلاة وتجديد الوضوء لكل صلاة، فإن ثقب ورشح ولم يسل كان عليها تغييره في أوقات
الصلاة وتغتسل لصلاة الفجر وتتوضأ وتصلي باقي الصلاة بوضوء مجرد من غير
اغتسال، وإن ثقب الدم القطن وسأل كان عليها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل
ووضوء، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء الآخرة، ومثل ذلك في صلاة الليل وصلاة
الفجر وتغير القطن في ذلك.
فصل: في غسل الميت وتكفينه ونقله إلى حفرته
غسل الميت كغسل الجنابة في الصفة والترتيب يبدأ فيه بغسل اليدين ثم الفرج ثم
الرأس ثم الميامن ثم المياسر.
والغسلات ثلاثة: واحدة بماء السدر، والثانية بماء جلال الكافور إذا ألقي منه شئ في
الماء، والأخرى بالماء القراح.
والحنوط هو الكافور ويوضع على مساجد الميت من أعضائه، والحنوط الشائع وزن ثلاثة
عشر درهما وثلث درهم، وأقله مثقال لمن وجده.
والكفن المفروض ثلاث قطع: مئزر وقميص ولفافة، وزيادة الحبرة والعمامة من السنة،
والخرق التي تشد بها فرجه خارجة عن عدد الأكفان، ويجزئ الثوب الواحد لمن لم يجد
سواه، والمستحب أن تكون أكفانه من القطن دون غيره، ويضع في أكفانه جريدتين من
جرائد النخل فبذلك جرت السنة.
ويكره إسخان الماء لغسل الميت إلا أن يخاف الغاسل الضرر لقوة البرد، وتغسل
المرأة زوجها والزوج امرأته، والمشي خلف الجنازة وعن يمينها وشمالها، وقد روي جواز
المشي أمامها، ويقدم الميت إلى شفير القبر فيجعل رأسه بإزاء موضع رجليه من القبر، ثم
يسل الميت من قبل رأسه حتى يسبق إلى القبر رأسه قبل رجليه، ويحل عقد الأكفان، ويوضع
على جانبه الأيمن، ويستقبل القبلة بوجهه ويوضع خده على التراب، وينزل بالميت إلى قبره
وليه أو من يأمره الولي، ولا يدخل المرأة إلا من كان يجوز له أن يراها وهي حية.
102

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
103

مسائل الطهارة وما يتعلق بها
مسألة:
مما شنع به على الإمامية وظن أنه لا موافق لهم فيه قولهم: إن الماء إذا بلغ كرا لم ينجس
بما يحله من النجاسات، وهذا مذهب الحسن بن صالح بن حي وقد حكاه عنه في كتابه
الموضوع لاختلاف الفقهاء أبو جعفر الطحاوي، والحجة في صحة هذا المذهب الطريقة التي
تقدمت الإشارة إليها دون موافقة ابن حي فإن موافقة ابن حي كمخالفته في أنها ليست
بحجة وإنما ذكرنا موافقته ليعلم أن الشيعة ما انفردت بهذا المذهب كما ظنوا، وقد
استقصينا الكلام في هذه المسألة فيما أفردناه من الكلام على مسائل الخلاف، ورددنا على
كل مخالف في هذه المسألة لنا بما يعم ويخص من أبي حنيفة والشافعي ومالك بما فيه كفاية
وسلكنا معهم أيضا طريق القياس الذي هو صحيح على أصولهم، وبينا أن القياس إذا صح
كان شاهدا لنا في هذه المسألة، وذكرنا ما يروونه وهو موجود في كتبهم وأحاديثهم عن النبي
ص أنه قال: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا.
فإن قيل: ابن حي يحدد الكر على ما حكاه الطحاوي عنه بما بلغ ثلاثة آلاف رطل وأنتم
تحددونه بألف ومائتي رطل بالمدني، قلنا ما ادعينا أن مذهب ابن حي موافقنا من كل وجه
وأنتم لم تعيبوا على الشيعة بتحديد الكر بالأرطال وإنما عبتم اعتبار الكر فيما لا ينجس، وبعد
فإن تحديدنا بالأرطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حي لأنا عولنا في ذلك على آثار
105

معروفة مروية وإجماع فرقة قد دل الدليل على أن فيهم الحجة، وابن حي لا يدري كيف
حدد بثلاثة آلاف رطل ولا على ما ذا اعتمد فيه على أن ابن حي يجب أن يكون عند أبي
حنيفة وأصحابه، والشافعي أحق بالعيب من الشيعة، فإن تحديد الشيعة أقرب إلى تحديد
الشافعي من تحديد ابن حي لأن ما بين القلتين وهما حد الشافعي وبين ألف
رطل ومائتي رطل أقرب مما بين القلتين وثلاثة آلاف رطل، وإذا كان مذهب أبي حنيفة أن النجاسة
تنجس القليل والكثير من الماء، فقول الشيعة على كل حال أقرب من قول ابن حي.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية إيجابهم غسل الإناء من سؤر الكلب ثلاث مرات، إحداهن
بالتراب لأن أبا حنيفة لا يعتبر حدا في ذلك ولا عددا ويجريه مجرى إزالة سائر النجاسات.
والشافعي يوجب سبع غسلات إحداهن بالتراب. ومالك لا يوجب غسل الإناء من سؤر
الكلب ويقول إنه مستحب فإن فعله فليكن سبعا وهو مذهب داود.
وذهب الحسن بن حي وابن حنبل إلى أنه يغسل سبع مرات والثامنة بالتراب، وقد
تكلمنا على هذه المسألة في مسائل الخلاف بما استوفيناه وحجتنا فيما انفردنا به من إيجاب
الثلاث الاجماع من الطائفة المتقدم ذكره ومما يجوز أن يحتج به على المخالف ما رووه وهو
موجود في كتبهم ورواياتهم عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة عن النبي ص
أنه قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات.
وأيضا ما رواه أبو هريرة في حديث آخر عن النبي ص قال: إذا ولغ
الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وظاهر هذا الخبر يقتضي وجوب
الثلاث لأنه العدد الذي لم يجز ع الاقتصار على أقل منه.
فأما قوله: أو خمسا أو سبعا، فلا يخلو من أن يكون المستفاد بدخول لفظة " أو " فيه للتخيير
بين هذه الأعداد ويكون الكل واحدا على جهة التخيير أو يكون فيما زاد على الثلاث للتخيير
من غير وجوب، ويكون الزيادة على الثلاث ندبا واستحبابا والقسم الأول باطل لأن أحدا
من الأمة لم يذهب إلى أن كل عدد من هذه الأعداد واجب كوجوب الآخر، والقائلون بسبع
106

غسلات وإن أوجبوها فإنهم لا يجعلون الثلاث والخمس واجبتان، ويجعلونه متخيرا بينهن
وبين السبع بل يوجبون السبع دون ما عداها فلم يبق إلا القسم الثاني وهو مذهبنا.
فإذا قيل: كيف يقع التخيير بين واجب وندب؟
قلنا: لم يخير بين واجب وندب لأن الثلاث تدخل في الخمس والسبع، وإنما وقع التخيير بين
الاقتصار على الواجب وهو الثلاث، وبين فعله والزيادة عليه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكل كافر
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
وحكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك أنه لا يتوضأ به ووجدت
المحصلين من أصحاب مالك يقولون: إن ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم لأجل
استحلالهم الخمر والخنزير وليس بمقطوع على نجاسته، فكان الإمامية منفردة بهذا المذهب،
ويدل على صحة ذلك مضافا إلى إجماع الشيعة عليه قوله تعالى: إنما المشركون نجس.
فإذا قيل: لعل المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين، قلنا: نحمله على الأمرين لأنه
لا مانع من ذلك. وبعد فإن حقيقة هذه اللفظ تقتضي نجاسة العين في الشريعة وإنما يحمل
على الحكم تشبيها ومجازا والحقيقة أولى باللفظ من المجاز.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وهو عموم في جميع
ما شربوا وعالجوه بأيديهم.
قلنا: يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم، وتحمل هذه الآية على أن
المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو ما عالجوه بأجسامهم، على
أن في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظن أن فيه خمرا أو لحم خنزير ولا بد من اخراجه مع
هذا الظاهر، وإذا أخرجناه من هذا الظاهر لأجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بيناه نجسا
أخرجناه أيضا من الظاهر.
107

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بأن ماء البئر ينجس بما يقع فيها من النجاسة وإن كان
كرا وهو الحد الذي حددوا به الماء الذي لا يقبل النجاسة، ويطهر ماؤها عندنا بنزح بعضه.
وهذا ليس بقول لأحد من الفقهاء لأن من لم يراع في الماء حدا إذا بلغ إليه لم ينجس
بما يحله من النجاسات وهو أبو حنيفة لا يفصل في هذا الحكم بين البئر وغيرها كما فصلت
الإمامية، ومن راعى حدا في الماء إذا بلغه لم يقبل النجاسة وهو الشافعي في اعتباره القلتين
لم يفصل بين البئر وغيرها، والإمامية فصلت فانفردت لذلك عن الجماعة.
وعذر الإمامية فيما ذهبت إليه في البئر والفصل بينها وبين مياه الغدران والآنية هو
ما تقدم من الحجة ويعضد ذلك أنه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في أن اخراج بعض ماء
البئر يطهرها وإنما اختلفوا في مقدار ما ينزح، وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل
حال من اعتبار بمقدار مائها وإن حكمها في أن اخراج بعض مائها يطهرها بخلاف حكم
الأواني والغدران، ويمكن أن يكون الوجه في مخالفة حكم البئر فيما ذكرناه لأحكام الأواني
والغدران أن نزح جميع ماء البئر يشق من وجهين: أحدهما لبعده عن الأيدي، والآخر لأن
ماءها يتجدد في كل حال مع النزح فشق اخراج الجميع، والأواني لا يشق إراقة جميع مائها.
وكذلك الغدران إذا كان ماؤها أقل من كر ألا ترى أن غسل الأواني لما تيسر بعد
اخراج النجاسة وجب، ولما تعذر ذلك في البئر سقط فلما خفف حكم البئر من
الوجه الذي ذكرناه عن الأواني والغدران غلظ من وجه آخر وأسقط منها اعتبار مبلغ الماء
في قلة أو كثرة لئلا يجتمع تخفيفان الحكم والمشقة اعتبار ذلك فيها لبعدها.
مسألة:
ومما ظن أن الإمامية منفردة به وشنع عليها القول: بأن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ.
وهو مذهب أحمد بن حنبل، فالشيعة غير منفردة به.
والدليل على صحة ما ذهبت إليه من ذلك مضافا إلى الطريقة المشار إليها في كل
المسائل قوله: تعالى حرمت عليكم الميتة، وهذا تحريم مطلق يتناول أجزاء الميتة في كل حال،
108

وجلد الميتة يتناوله اسم الموت لأن الحياة تحله وليس بجار مجرى العظم والشعر وهو بعد
الدباع يسمى جلد ميتة، كما كان سمي قبل الدباع فينبغي أن يكون خطر التصرف فيه
لاحقا به، ويمكن أن يحتج على المخالفين بما هو موجود في كتبهم ورواياتهم من حديث عبد
الله بن حكيم أنه قال: أتانا كتاب رسول الله ص قبل موته بشهرين
ألا تنتفعوا بإهاب من الميتة ولا عصب، ولا يعارض هذا الخبر ما يروونه عنه ع
من قوله: أيما أهاب دبغ فقد طهر، لأن خبرهم عام اللفظ والخبر الذي احتججنا به خاص،
فنبني العام على الخاص لكي نستعمل الخبرين ولا يطرح أحدهما.
فإن قالوا: نحمل خبركم على تحريم الانتفاع بإهاب الميتة وعصبها قبل الدباع.
قلنا: هذا تخصيص وترك للظاهر على كل حال على أنه لا معنى له لأن العصب يحرم
الانتفاع به على كل حال قبل الدباع وبعده وليس بجار مجرى الجلد، فإن عارضونا
بما يروونه عنه ع من قوله وقد سئل عن جلود الميتة فقال: دباغها طهورها.
قلنا: إذا تعارضت الأخبار سقط الاحتجاج بها ورجعنا إلى ظاهر نص الكتاب على أنه
يمكن حمله على أن المراد به ما حله الموت من المذكي وسمي بذلك ميتة على ضرب من
التجوز فليس ذلك بأبعد من قولهم في خبرنا أن المراد به لا تنتفعوا بإهاب ولا عصب قبل
الدباع.
فإن قيل: كيف تحملونه على ذلك وجلد المذكي طاهر قبل الدباع؟
قلنا: عندنا أن جلود ما لا يؤكل لحمه من البهائم إذا ذكيت فلا يطهر جلدها إلا بالدباغ
بخلاف جلد ما يؤكل لحمه فيكون المراد جلود ما مات بالذكاة مما لا يؤكل لحمه دباغها
طهورها، وإن حملناه على جميع جلود المذكي مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل لحمه جاز لأن جلود
ما أكل لحمه إذا ذكي وكان عليه نجاسة الدم فإذا دبغ زال ذلك عنه.
وقول بعضهم أن الجلد لا يسمى أهابا بعد الدبغ وإنما يسمى بذلك قبل دبغه لا يلتفت
إليه لأنه خارج عن اللغة والعرف.
109

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الدم الذي ليس بدم حيض يجوز الصلاة في ثوب
أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي وهو المضروب من درهم وثلث،
وما زاد على ذلك لا يجوز الصلاة فيه.
وفرقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومني، وحرموا
الصلاة في قليل ذلك ذلك وكثيره، وكان التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا
الحكم هو الذي تفردوا به، فإن أبا حنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات ولا يفرق
بين بعضها وبين بعض، والشافعي لا يعتبر الدرهم في جميع النجاسات فاعتباره في بعضها
هو التفرد، ويمكن القول بأن الشيعة غير منفردة بهذه التفرقة لأن زفر كان يراعى في الدم أن
يكون أكثر من درهم ولا يراعى مثل ذلك في البول بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيره
وهذا نظير قول الإمامية.
وروي عن الحسن بن صالح بن حي أنه كان يقول في الدم: إذا كان على الثوب منه
مقدار الدرهم يعيد الصلاة فإن كان أقل من ذلك لم يعد، وكان يوجب الإعادة في البول
والغائط قليلهما وكثيرهما وهذا مضاه لقول الإمامية وقد مضى في صدر هذا الكتاب أن
التفرد بما عليه حجة واضحة غير موحش وإجماع هذه الفرقة هو دليلها على صحة قولها،
وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة في كتابنا المفرد لمسائل الخلاف واحتججنا على
المخالفين لنا في هذه المسألة بضروب من الاحتجاجات منها قول الله تعالى: يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين، فجعل تعالى تطهير الأعضاء الأربعة مبيحا للصلاة فلو تعلقت
الإباحة بغسل نجاسة لكان ذلك زيادة لا يدل عليها الظاهر لأنه بخلافه ولا يلزم على هذا
ما زاد على الدرهم وما عدا الدرهم من سائر النجاسات لأن الظاهر وإن لم يوجب ذلك فقد
عرفناه بدليل أوجب الزيادة على الظاهر وليس ذلك في يسير الدم.
وذكرنا أيضا ما يروونه المخالفون ويمضى في كتبهم عن أبي هريرة عن النبي ص
أنه قال: إذا كان الدم في الثوب أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهذا تعليق
110

للحكم بشرط متى لم يكن موقوفا عليه لم يؤثر، وبينا هناك أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم
الحيض وسائر الدماء أن حكم دم الحيض أغلظ لأنه يوجب الغسل فلهذا خولف بينه وبين
غيره.
وقلنا أيضا: أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم الحيض والنفاس إذا جمعنا بين دم الحيض
والنفاس في هذه الصفة أن البلوى بسائر الدماء أعم من البلوى بدم الحيض والنفاس لأن
سائر الدماء يخرج من جسم الصغير والكبير والذكر والأنثى والحيض والنفاس يختصان
ببعض من ذكرناه وأيضا فإن دم النفاس والحيض يختصان في الأكثر بأوقات معينة ويمكن
التحرز منها وباقي الدماء بخلاف ذلك، وإنما فرقنا بين الدم والبول والمني وسائر
النجاسات في اعتبار الدرهم للإجماع المتقدم ويمكن أن يكون الوجه فيه أن الدم لا يوجب
خروجه من الجسد وضوءا على اختلاف مواضعه والبول والعذرة والمني يوجب خروج كل
واحد منها الوضوء، وفيها ما يوجب الغسل وهو المني فغلظت أحكامها من هذا الوجه
على حكم الدم، ومن أراد الاستقصاء رجع إلى حيث ما ذكرنا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المني نجس لا يجزئ فيه إلا الغسل، لأن أبا
حنيفة وإن وافقهم في نجاسة فعنده أنه يجزئ فرك يابسه والشافعي يذهب إلى طهارته.
وأما ما حكي عن مالك من أنه يذهب إلى نجاسته ويوجب غسله فليس ذلك بموافقة
للشيعة الإمامية على الحقيقة، لأن مالك لا يوجب غسل جميع النجاسات وإنما يستحب ذلك،
والإمامية توجب غسل المني فهي منفردة بذلك، وقد استوفينا أيضا الكلام على هذه المسألة
في مسائل الخلاف ورددناه على كل مخالف لنا فيها بما فيه كفاية، ودللنا على نجاسة المني من
قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وروي في
التفسير أنه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام، والآية دالة من وجهين على نجاسة المني:
أحدهما يوجب أن الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد بدلالة قوله تعالى: والرجز
فاهجر، وأراد عبادة الأوثان. وفي موضع آخر: فاجتنبوا الرجس من الأوثان.
111

والوجه الثاني: أنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير، والتطهير لا يطلق في الشرع
إلا لإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة.
واحتججنا عليهم أيضا بما يروونه عن عمار بن ياسر رحمه الله تعالى أن النبي ص
قال: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني، وهذا يقتضي وجوب غسله
وما يجب غسله لا يكون إلا نجسا، والحجة الكبرى في نجاسته ووجوب غسله إجماع
الإمامية على ذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن البول خاصة لا يجزئ فيه الاستجمار بالحجر ولا بد
من غسله بالماء مع وجوده. ولا يجري عندهم مجرى الغائط في جواز الاقتصار على الحجر،
وليس هذا بمذهب لأحد من الفقهاء لأن من يوجب الاستنجاء منهم لا يفرق بين البول
والغائط في جواز الاقتصار فيه على الحجر، ومن يسقط وجوب الاستنجاء كأبي حنيفة
يسقطه في الأمرين، وينبغي أن يكون الإمامية بهذا التفرد إلى جانب المدح أقرب منها إلى
جانب العيب لأن قولها الذي انفردت به أشبه بالتنزه عن النجاسة وأولى في إزالتها والعيب
إلى من لا يوجب الاستنجاء جملة، وجوز أن يصلى المصلي وعين النجاسة على بدنه
متوجه أقرب.
وحجة الشيعة على مذهبها هو ما تقدم ذكره من إجماعها عليه وتظاهر الآثار في
رواياتهم به.
ويمكن أن يكون الوجه في الفرق بين نجاسة البول ونجاسة الغائط أن الغائط قد
لا يتعد المخرج إذا كان يابسا ويتعداه إذا كان بخلاف هذه الصفة، ولا خلاف في أن
الغائط متى تعدى المخرج فلا بد من غسله بالماء، والبول لأنه مائع جار لا بد من تعديه
المخرج وهو في وجوب تعديه أبلغ من دقيق الغائط فوجب فيه ما وجب فيما تعدى المخرج
من مائع الغائط ولا خلاف في وجوب غسل ذلك.
112

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: الابتداء في غسل اليدين في الوضوء من المرافق والانتهاء
إلى أطراف الأصابع، وفي أصحابنا من يظن وجوب ذلك حتى أنه لا يجزئ خلافه، وقد ذكرت
ذلك في كتاب مسائل الخلاف، وفي جواب مسائل أهل الموصل الفقهية أن الأولى أن يكون
ذلك مسنونا ومندوبا إليه وليس بفرض حتم، فقد انفردت الشيعة على كل حال بأنه
مسنون على هذه الكيفية، وباقي الفقهاء يقولون: هو مخير بين الابتداء بالأصابع وبين
الابتداء بالمرافق، والحجة على صحة ما ذهبت إليه مضافا إلى الاجماع الذي ذكرناه أن
الحدث إذا تيقن فلا يزول إلا بأمر متيقن، وما هو مزيل له بيقين أولى وأحوط مما ليس هذه
صفته، وقد علمنا أنه إذا غسل من المرافق إلى الأصابع كان مزيلا للحدث عن اليدين
بالإجماع واليقين وليس كذلك إذا غسل من الأصابع فالذي قلناه أحوط.
ومما يجوز أن يحتج به على المخالفين ما رووه كلهم عن النبي ص من أنه
توضأ مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فلا يخلو من أن يكون ابتداء
من المرافق أو انتهاء إليها، فإن كان مبتدئا بالمرافق فيجب أن يكون خلاف ما فعله غير
مقبول، ولفظة مقبول يستفاد منه في عرف الشرع أمران: أحدهما الاجزاء كقولنا: لا يقبل الله
صلاة بغير طهارة. والأمر الآخر: الثواب عليها كقولنا: إن الصلاة المقصود بها الرياء
غير مقبولة بمعنى سقوط الثواب وإن لم يجب إعادتها.
وقول المعتزلة: أن صلاة صاحب الكبيرة غير مقبولة، لأنه لا ثواب عندهم له عليها وإن
كانت مجزئة لا يجب إعادتها ويجب حمل لفظة نفي القبول على الأمرين غير أنه إذا قام الدليل
على أن من غسل يديه وابتدأ بأصابعه وانتهى إلى المرافق يجزئ وضوءه بقي المعنى الآخر
وهو نفي الثواب والفضل وهو مرادنا، وقد بينا في مسائل الخلاف وفي جواب أهل الموصل
إبطال استدلالهم بقوله تعالى: إلى المرافق، وأنه تعالى جعلها غاية للابتداء وقلنا أن لفظة "
إلى " قد تكون بمعنى الغاية، وقد تكون بمعنى مع وهي في الأمرين معا حقيقة، واستشهدنا
بقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، وقوله عز وجل: من أنصاري إلى الله، وبقول
أهل اللسان العربي: ولى فلان الكوفة إلى البصرة، والمراد بلفظة " إلى " في هذا كله معنى
113

مع، واستشهدنا على ذلك بكثير من أشعار العرب وأجبنا عن سؤال من سأل فنقول: إذا
احتملت لفظة " إلى " المعنيين معا فمن أين لكم أنها في الآية بمعنى مع دون ما ذكرناه من
الغاية بأن قلنا الآية استدلال المخالف علينا لا دليلنا عليه ويكفي في كسره أن نبين احتمال
اللفظة للأمرين وأنها ليست بخالصة لأحدهما.
وقلنا أيضا: لو كانت لفظة " إلى " في الآية تفيد الغاية لوجب الابتداء بالأصابع
والانتهاء إلى المرافق ولم يجز خلافه لأن أمره على الوجوب وقد أجمعوا على أن ذلك ليس
بواجب، فثبت أن المراد باللفظة في الآية بمعنى مع.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية الآن وقد كان قولا للشافعي قديما القول بوجوب ترتيب اليد
اليمنى في الطهارة على اليسرى، لأن جميع الفقهاء في وقتنا هذا والشافعي في قوله الجديد
لا يوجبون ذلك.
والحجة على صحة هذا المذهب مضافا إلى الاجماع المتردد إنا قد دللنا على أن الابتداء
في غسل اليدين بالمرافق هو الواجب أو المسنون الذي خلافه مكروه، وكل من قال من الأمة
بأن الابتداء بالأصابع والانتهاء إلى المرافق مكروه أو هو خلاف الواجب ذهب إلى وجوب
ترتيب اليمنى على اليسرى في الطهارة، والفرق بين المسألتين خروج عن الاجماع.
ويمكن أيضا أن يحتج في ذلك عليهم بما يروونه من قوله ع وقد توضأ مرة مرة
وقال: هذا وضوء لا يقبل الله سبحانه وتعالى الصلاة إلا به، فلا يخلو من أن يكون قدم
اليمنى أو أخرها، فإن كان قدمها وجب نفي إجزاء تأخيرها وإن كان أخرها وجب نفي
إجزاء تقديمها، وليس هذا بقول أحد من الأمة وليس لهم أن يتولوا الإشارة في قوله ع:
هذا وضوء - وقد توضأ مرة مرة - لا يقبل الله الصلاة إلا به إلى أفعال الوضوء دون
صفاته وكيفياته، وذلك أن الإشارة إذا أطلقت دخل تحتها الأفعال وكيفياتها لأن كيفياتها
وصفاتها كالجزء منها، لأنه ع لو غسل وجهه على ضرب من التحديد، ثم قال:
لا يقبل الله الصلاة إلا به، لدل ذلك على وجوب الفعل وصفته، ولولا أن الأمر على ما قلنا لم
114

يفرق بين النبي ص بين وضوئه الأول والثاني والثالث.
وقال في الثالث الذي اقتصر فيه على مرة واحدة: لا يقبل الله الصلاة إلا به،
فلو لا أن الإشارة إلى الصفات والكيفيات لكان الكل واحدا في أن الصلاة لا تقبل إلا به
إن كانت الإشارة إلى الأفعال دون الكيفيات على أن الشافعي لا يتمكن من الطعن بذلك لأنه
يستدل بهذا الخبر على وجوب ترتيب الطهارة في الأعضاء الأربعة ويراعى الكيفيات لأن
الترتيب كيفية وصفه، فإن طعن علينا بهذا فهو طاعن على نفسه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الفرض مسح مقدم الرأس دون سائر أبعاضه من
غير استقبال الشعر. والفقهاء كلهم يخالفون في هذه الكيفية ولا يوجبونها ولا شبهة في أن
الفرض عند الإمامية يتعلق بمقدم الرأس دون سائر أبعاضه ولا يجزئ مع صحة هذا العضو
سواه.
فأما ترك استقبال الشعر فهو عند أكثرهم أيضا واجب ولا يجزئ سواه وفيهم من يرى
أنه مسنون مرغب فيه، وعلى كل حال فالانفراد من الإمامية ثابت، والذي يدل على صحة
مذهبهم في هذه المسألة مضافا إلى طريقة الاجماع أنه لا خلاف في أن من مسح مقدم رأسه من
غير استقبال شعر مزيل للحدث، مطهر للعضو، وفي العدول عن ذلك خلاف، فالواجب
فعل ما يتيقن به زوال الحدث وبراءة الذمة فهو الأحوط.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن مسح الرأس إنما يجب ببلة اليد فإن استأنف ماء
جديدا لم يجزه، وحتى أنهم يقولون: إذا لم يبق في يده بلة أعاد الوضوء. ولا يجب أن يقرر أن
من وافق الشيعة في جواز التوضؤ بالماء المستعمل كمالك وأهل الظاهر موافق لهم في هذه
المسألة لأن من ذهب إلى أن الماء المستعمل مطهر يزول الحدث به إنما يجيز مسح الرأس ببلة
اليد ولا يوجبه وهو تخيير للمتوضئ بين أن يفعل ذلك وبين تجديد الماء والشيعة توجبه
115

ولا تجيز فيه فالانفراد حاصل.
والذي يدل على صحة هذا المذهب مضافا إلى طريقة الاجماع أن ظاهر الأمر بحكم
عرف الشرع يقتضي الوجوب والفور إلا أن يقوم دليل شرعي، ومن طهر يده فهو مأمور
على الفور بتطهير رأسه فإذا جدد تناول الماء فقد ترك زمانا كان يمكن أن يطهر العضو فيه
والفور يوجب عليه خلاف ذلك، فبظاهر الآية على ما ترى يجب أن يمسح ببلة يده رأسه
ولا يلزم ذلك في اليدين مع الوجه، لأن المفروض في اليدين الغسل ولا يمكن ذلك ببلة اليد
من تطهير الوجه، والفرض في الرأس هو المسح وذلك يتأتى ببلة تطهير اليدين، ولو لم يكن
هذا الفرق ثابتا جاز أن يخرج ماء اليدين بدليل ليس بثابت في الرأس.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن مسح الأذنين أو غسلهما غير واجب ولا مسنون
وأنه بدعة. وباقي الفقهاء على خلاف ذلك، وهذه المسألة أيضا مما تكلمنا عليه في مسائل
الخلاف واستوفيناه، وحجتنا فيها هو الاجماع الذي تقدم ذكره، ويمكن أن يقال من المعلوم
أنه إذا ترك المسح للأذنين فليس بعاص ولا مبدع عند أحد من الأمة، ومتى مسحهما كان عند
الشيعة مبدعا عاصيا، والأحوط هجر ما يخاف المعصية في فعله ولا يخاف التبعة في تركه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب مسح الرجلين على طريق التضييق ومن
غير تخيير بين الغسل والمسح على ما ذهب إليه الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري
وأبو علي الجبائي، وكان إيجاب المسح تضييقا من غير بدل يقوم مقامه هو الذي انفردت به
الإمامية في هذه الأزمنة لأنه قد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن
عباس رضي الله عنه وعكرمة وأنس وأبي العالية والشعبي وغيرهم، وهذه المسألة مما
استقصينا الكلام عليها في مسائل الخلاف وبلغنا فيها أقصى الغايات فانتهينا في تفريع
الكلام وتشعيبه إلى ما لا يوجد في شئ من الكتب غير إنا لا نخلي هذا الموضع من جملة كافية.
116

والذي يدل على صحة مذهبنا في إيجاب المسح دون غيره مضافا إلى الاجماع الذي
عولنا في كل المسائل عليه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأمر بغسل
الوجه وجعل للأيدي حكمها في الغسل بواو العطف، ثم ابتدأ جملة أخرى فقال: وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم، فأوجب بالتصريح للرؤوس المسح وجعل للأرجل مثل حكمها
بالعطف، فلو جاز أن يخالف بين حكم الأرجل والرؤوس في المسح جاز أن يخالف بين حكم
الوجوه والأيدي في الغسل لأن الحال واحدة.
وقد أجبنا عن سؤال من يسألنا فيقول: ما أنكرتم أن الأرجل إنما انجرت بالمجاورة
لا لعطفها في الحكم على الرؤوس بأجوبة:
منها: أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها، ولا يقاس
عليها سواها بغير خلاف بين أهل اللغة، ولا يجوز حمل كتاب الله عز وجل على الشذوذ
الذي ليس بمعهود ولا مألوف.
ومنها: أن الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنما يكون مع فقد حرف العطف، وأي
مجاورة تكون مع وجود الحائل، ولو كان ما بينه وبين غيره حائل مجاورا لكانت المفارقة
مفقودة، وكل موضع استشهد به على الإعراب بالمجاورة مثل قولهم: جحر ضب خرب،
وكبير أناس في بجاد مزمل، لا حرف عطف فيه حائل بين ما تعدى إليه إعراب من غيره
للمجاورة.
ومنها: أن الإعراب بالمجاورة إنما استعمل في الموضع الذي يرتفع فيه الشبهة ويزول
اللبس في الأحكام، أ لا ترى أن أحدا لا يشتبه عليه أن لفظة خرب من صفات الجحر
لا الضب، وأن إلحاقها في الإعراب بها لا يوهم خلاف المقصود وكذلك لفظة مزمل لا شبهة
في أنها من صفات الكبير لا صفة البجاد، وليس كذلك الأرجل لأنه من الجائز أن تكون
ممسوحة كالرؤوس فإذا أعربت بإعرابها للمجاورة ولها حكم الأيدي في الغسل كان غاية
اللبس والاشتباه، ولم تجز بذلك عادة القوم.
ومنها ولم نذكر هذا الوجه في مسائل الخلاف: أن محصلي أهل النحو ومحققيهم نفوا أن
117

يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع وقالوا: الجر في جحر ضب خرب على أنهم
أرادوا خرب جحره، وكبير أناس في بجاد مزمل كبيره، ويجري ذلك مجرى مررت برجل
حسن وجهه.
وقد بينا أيضا في مسائل الخلاف بطلان قول من ادعى أن الغسل الخفيف يسمى
مسحا.
وحكي ذلك عن أبي زيد الأنصاري من وجوه كثيرة أقواها أن فائدة اللفظين في
الشريعة مختلفة وفي اللغة أيضا، وقد فرق الله تعالى في آية الطهارة بين الأعضاء المغسولة
والممسوحة، وفصل أهل الشرع بين الأمرين فلو كانتا متداخلتين لما كان كذلك، وحقيقة
الغسل يوجب جريان الماء على العضو وحقيقة المسح يقتضي إمرار الماء من غير جريان،
فالتنافي بين الحقيقتين ظاهر لأنه من المحال أن يكون الماء جاريا وسائلا وغير جار ولا سائل
في حالة واحدة. وقد بينا في مواضع كثيرة من كلامنا أن المسح يقتضي إمرار قدر من الماء
بغير زيادة عليه فلا يدخل أبدا في الغسل.
ومن أقوى ما أبطل هذه الشبهة أن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤوس كانت
الرؤوس بلا خلاف فرضها المسح الذي ليس بغسل على وجه من الوجوه فيجب أن يكون
حكم الأرجل كذلك، لأن العطف مقتض للمسح وكيفيته، وقد بينا أيضا في مسائل الخلاف
أن القراءة في الأرجل بالنصب لا يقدح في مذهبنا وأنها توجب بظاهرها المسح في الرجلين
كإيجاب القراءة بالجر بظاهرها، لأن موضع برؤوسكم موضع نصب بإيقاع الفعل وهو قوله
تعالى: وامسحوا برؤوسكم، وإنما جرت الرؤوس بالباء الزائدة فإذا نصبنا الأرجل فعلى
الموضع لا على اللفظة، وأمثلة ذلك في الكلام العربي أكثر من أن تحصى يقولون: لست بقائم
ولا قاعد، وأنشدوا:
معاوي إننا بشر فاسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فنصبت على الموضع، ونظيره أن زيدا في الدار وعمرو فيرفع عمرو على موضع أن
وما عملت فيه لأن ذلك موضع رفع، ومثله مررت بزيد وعمرا وذهبت إلى خالد وبكرا.
وقال الشاعر:
118

جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل إخوة منظور بن سيار
ولما كان معنى جئني هات وأعطني واحضرني مثلهم جاز العطف بالنصب على المعنى
وهذا أبعد مما قلناه في الآية وبينا أن نصب الأرجل عطف على الموضع أولى من عطفها على
الأيدي والوجوه لأن جعل التأثر في الكلام القريب أولى من جعله للبعيد، ولأن الجملة الأولى
المأمور فيها بالغسل قد نقضت وبطل حكمها باستئناف الجملة الثانية، ولا يجوز بعد
انقطاع حكم الجملة الأولى أن يعطف عليها، ويجري ذلك مجرى قولهم: ضربت زيدا وعمرا
وأكرمت خالدا وبكرا، أن رد بكرا في الإكرام إلى خالد فهو وجه الكلام الذي لا يجوز غيره
ولا يسوع رده إلى الضرب الذي قد انقطع حكمه على أن ذلك لو جاز لرجح ما ذكرناه
لتطابق معنى القرابتين ولا يتنافيان، وتحديد طهارة الرجلين لا يدل على الغسل كما ظنه
بعضهم، وذلك لأن المسح فعل أوجبته الشريعة كالغسل فلا يمكن تحديده كتحديد الغسل
ولو صرح تعالى فقال: وامسحوا أرجلكم وانتهوا بالمسح إلى الكعبين، لم يك منكرا.
فإن قالوا: تحديد اليدين لما اقتضى الغسل، فكذلك وجب تحديد طهارة الرجلين
تقتضي ذلك.
قلنا: لم توجب في اليدين الغسل للتحديد بل للتصريح بغسلهما وليس كذلك في
الرجلين، فقولهم: عطف المحدود على المحدود أولى وأشبه بترتيب الكلام قلنا: ليس بمعتد
لأن الأيدي معطوفة وهي محدودة على الوجوه وليست في الآية محدودة وإلا جاز عطف الأرجل
وهي محدودة على الرؤوس التي ليست بمحدودة، وهذا الذي ذهبنا إليه أشبه بالترتيب في
الكلام، لأن الآية تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه وعطف عليه مغسولا
محدودا وهما اليدان ثم استأنف ذكر عضو ممسوح غير محدود وهو الرأس فيجب أن تكون
الأرجل ممسوحة وهي محدودة ومعطوفة عليه دون غيره ليتقابل الجملتان في عطف مغسول
محدود على مغسول غير محدود، وفي عطف ممسوح محدود على ممسوح غير محدود، فإن
عارضونا بما يروونه من الأخبار التي يقتضي ظاهرها غسل الرجلين كروايتهم عن النبي ص
أنه توضأ مرة مرة وغسل رجليه وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.
وفي خبر آخر: أحسنوا الوضوء وأسبغوا الوضوء. وفي خبر آخر: أنه أمر بالتخليل بين
119

الأصابع. وفي خبر آخر: ويل للأعقاب من النار، فالكلام على ذلك أن جميع ما رووه أخبار
آحاد لا توجب علما وأحسن أحوالها أن توجب الظن، ولا يجوز أن يرجع عن ظواهر الكتاب
المعلومة بما يقتضي الظن.
وبعد فهذه الأخبار معارضة بأخبار مثلها تجري مجراها في ورودها من طريق المخالفين
لنا وتوجد في كتبهم وفيما ينقلونه عن شيوخهم، ونترك ذكر ما ترويه الشيعة وتنفرد به في هذا
الباب فإنه أكثر عددا من الرمل والحصى، ومتى عارضناهم بأخبارنا قالوا: لا نعرفها
ولا رواها شيوخنا، فليت شعري كيف يلزمونا أن نترك بأخبارهم ظواهر الكتاب ونحن
لا نعرفها ولا رواها شيوخنا ولا وجدت في كتبنا، ولا يجيزون لنا أن نعارض أخبارهم التي
لا نعرفها بأخبارنا التي لا يعرفونها وهل هذا إلا محض التحكم؟
فمن أخبارهم ما يروونه عن النبي ص أنه بال على بساطة
قوم قائما ومسح على قدميه ونعليه.
وروي عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله ص فمسح
على رجليه. وقد روي عنه أنه قال: إن كتاب الله جل ثناؤه أتى بالمسح، ويأبى الناس
إلا الغسل. وروي عنه أيضا: أنه قال: غسلتان ومسحتان. وروي عن أمير المؤمنين صلوات
الله عليه أنه قال: ما نزل القرآن إلا بالمسح.
والأخبار الواردة من طرقهم في هذا المعنى كثيرة وهي معارضة لأخبار الغسل ومسقطة
لحكمها، وقد بينا في مسائل الخلاف الكلام على هذه الأخبار بيانا شافيا، وقلنا: إن قوله: ويل
للأعقاب من النار، مجمل لا يدل على وجوب غسل الأعقاب في الطهارة الصغرى دون
الكبرى، ويحتمل أنه وعيد على ترك غسل الأعقاب في الجنابة.
وقد روى قوم أن أجلاف العرب كانوا يبولون وهم قيام فيترشش البول على أعقابهم
وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة، فكان ذلك سببا لهذا الوعيد.
وقلنا أيضا: أن الأمر باسباغ الوضوء وإحسانه لا يدل على وجوب غسل ولا مسح في
الرجلين، وإنما يدل على الفعل الواجب من غير تقصير عنه ولا إخلال به، وقد علمنا أن
هذا القول منه صلوات الله عليه غير مقتض لوجوب غسل الرأس بدلا من مسحه، بل
120

يقتضي فعل الواجب من مسحه من غير تقصير وكذلك الرجلين.
وقلنا: أن الأمر بتخليل الأصابع لا بيان فيه على أنه تخليل أصابع الرجلين أو اليدين
ونحن نوجب تخليل أصابع اليدين، والقول محتمل لذلك فلا دلالة فيه على موضع الخلاف.
ومما لم نذكره أنه لا بد لجميع مخالفينا من ترك ظاهر ما يروونه من قوله ع: هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، لأن من أداه اجتهاده ممن يقول بالتخيير بين الغسل
والمسح ممن حكينا قوله لا بد من أن يكون مقبول الصلاة عندهم إذا أداه اجتهاده إلى
المسح ومسح فلا بد من أن يكون في الخبر شرط وهو الاجتهاد فكأنه أراد لا يقبل الله
الصلاة ممن أداه اجتهاده إلى وجوب الغسل دون غيره إلا به، وهذا ترك منهم للظاهر.
وكذلك لا بد من أن يشترطوا إذا وجد الماء وتمكن من استعماله ولم يخف على نفس
ولا عضو، لأنه متى لم يكن كذلك قبل الله جل ثناؤه صلاته وإن لم يفعل مثل ذلك الوضوء،
وإذا تركوا الظاهر جاز لخصومهم أن يتركوه أيضا على أنه لا فرق بين أن يعذروا من أداه
اجتهاده إلى المسح على جهة التخيير مثل الحسن البصري وابن جرير الطبري والجبائي
ولم ينزلوهم منزلة من لا يقبل الله صلاته، وبين أن يعذروا الشيعة في إيجاب المسح دون غيره
إذا أداهم اجتهادهم إلى ذلك أيضا، فليس اجتهادهم في هذا الموضع بأضعف من اجتهاد
أصحاب التخيير.
فإن قيل: إذا قبلتم الخبر وتأولتموه فلا بد من أن تخرجوا له وجها يسلم على أصولكم
التي هي الصحيحة عندكم وأنتم لا ترون الاجتهاد فتشرطوه في هذا الخبر.
قلنا: إنما قلنا ذلك دفعا لكم عن ظاهر الخبر وإخراجه من أن يكون حجة لكم، ويمكن
إذا تبرعنا بقبوله أن يكون له تأويل صحيح على أصولنا وهو أن الفائدة في قوله ع:
لا يقبل الله الصلاة إلا به، وجوب هذا الوضوء ويجري مجرى قولنا: لا يقبل الله
صلاته إلا بطهور، والفائدة إيجاب الطهور، وقد يجب في بعض المواضع الوضوء على هذه
الصفة عندنا حيث يخاف من مسح رجليه على نفسه فلا يجد بدا من غسلهما للتقية،
ولا فرق بين أن لا يتمكن من فعل الوضوء على الوجه المفروض وبين فقد الماء أو الخوف على
النفس من استعماله إما من عدو أو برد شديد، وإذا فرضنا أن من هذه حاله يخاف أيضا من
121

أن يتيمم كخوفه من مسح قدميه جازت له الصلاة بغسل رجليه من غير مسح لهما،
وجرى مجرى من حبس في موضع لا يقدر فيه على ماء يتوضأ به ولا تراب يتيمم به.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: وجوب مسح الرجلين ببلة اليدين من غير استئناف ماء
جديد لهما، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والذي يدل على صحة هذا المذهب مع الاجماع المذكور المتكرر أن كل من أوجب في
تطهير الرجلين المسح دون غيره أوجبه ببلة اليد، والقول بأن المسح واجب وليست البلة
شرطا قول خارج عن الاجماع، وأيضا ما سلكناه في مسح الرأس بالبلة من أن المتوضئ مأمور
إذا مسح رأسه بتطهير رجليه على الفور، فإذا تشاغل بأخذ ماء جديد فقد عدل عن الفور
وأخر امتثال الأمر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن مسح الرجلين هو من أطراف الأصابع إلى الكعبين،
والكعبان هما العظمان الناتئان في ظهر القدم من عند معقد الشراك. ووافقهم محمد بن
الحسن صاحب أبي حنيفة في أن الكعب هو ما ذكرناه وإن كان يوجب غسل الرجلين إلى
هذا الموضع.
والدليل على صحة هذا المذهب مضافا إلى الاجماع الذي تقدم ذكره أن كل من أوجب
من الأمة في الرجلين المسح دون غيره يوجب الغسل على الصفة التي ذكرناها، وإن
الكعب هو الذي في ظهر القدم، فالقول بخلاف ذلك خروج عن الاجماع.
وأيضا فإن دخول الباء في الرؤوس يقتضي التبعيض لأن هذه الباء إذا دخلت ولم تكن
لتعدية الفعل إلى المفعول فلا بد لها من فائدة وإلا كان إدخالها عبثا، والفعل متعد بنفسه
فلا حاجة منه إلى حرف يعديه، فلا بد من وجه يخرج إدخاله من العبث وليس ذلك إلا إيجاب
التبعيض، فإذا وجب تبعيض طهارة الرؤوس فكذلك في الأرجل بحكم العطف، وكل من
122

أوجب تبعيض طهارة الرجلين ولم يوجب استيفاء جميع العضو ذهب إلى ما ذكرناه وقد بينا
في مسائل الخلاف الكلام على هذه المسألة واستوفيناه، وأجبنا من يسأل فيقول: كيف قال
الله تعالى: إلى الكعبين، وعلى مذهبكم ليس في كل رجل إلا كعب واحد؟
قلنا: أنه تعالى أراد رجلي كل متطهر وفي الرجلين كعبان على مذهبنا، ولو بنى الكلام على
ظاهره لقال: وأرجلكم إلى الكعاب، والعدول بلفظ أرجلكم إلى أن المراد بها رجلا كل
متطهر أولى من حملها على كل رجل وتكلمنا على تأويل أخبار تعلقوا بها في أن الكعب هو
الذي في جانب القدم بما يستغني هاهنا عن ذكره.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المسنون في تطهير العضوين المغسولين وهما
الوجه واليدان مرتان ولا تكرر في الممسوحين الرأس والرجلين، والفقهاء كلهم على خلاف
ذلك، إلا أن أبا حنيفة يوافقنا في أن مسح الرأس خاصة مرة واحدة.
ودليلنا على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتقدم إنا قد دللنا على أن فرض الرجلين المسح
دون غيره وكل من أوجب مسحهما على هذا الوجه يذهب إلى أنه لا تكرار فيهما، وكذلك في
طهارة الرأس.
ويذهب أيضا إلى أن المسنون في العضوين المغسولين المرتان بلا زيادة والتفرقة بين
هذه المسائل خروج عن الاجماع، ولك أن تقول: قد ثبت أن المرتين في المغسولين مسنون
والزيادة على ذلك حكم شرعي فلا بد فيه من دليل شرعي ولا دليل فيه فإن كل شئ
تعتمدونه في ذلك المرجع فيه إلى أخبار آحاد لا يعمل بها على ما دللنا عليه في مواضع كثيرة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بوجوب تولى المتطهر وضوءه بنفسه إذا كان متمكنا من
ذلك فلا يجزئه سواه والفقهاء كلهم يخالفون في ذلك. والدليل على صحة هذا المذهب مضافا
إلى الاجماع قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
123

وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأمر بأن يكونوا غاسلين
وماسحين والظاهر يقتضي تولى الفعل حتى يستحق التسمية، لأن من وضأه غيره لا يسمى
غاسلا وماسحا على الحقيقة، وأيضا فإن الحدث متيقن ولا يزول إلا بيقين، وإذا تولى تطهير
أعضائه زال الحدث بيقين، وليس كذلك إذا تولاه له غيره.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن النوم حدث ناقض للطهارة على اختلاف
حالات النائم، وليس هذا مما انفردت به الإمامية، لأنه مذهب المزني صاحب الشافعي، وقد
استقصينا هذه المسألة في الكلام على مسائل الخلاف ودللنا على صحتها بقوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة... الآية، وقد نقل أهل التفسير وأجمعوا على أن
المراد إذا قمتم من النوم، والآية خرجت على سبب يقتضي ما ذكرناه فكأنه قال جل ثناؤه
وإذا قمتم إلى الصلاة من النوم، وهذا الظاهر يوجب الوضوء من كل نوم، وإجماع
الإمامية أيضا حجة في هذه المسألة. وقد عارضنا المخالف لنا فيها بما يروونه في كتبهم
وأحاديثهم من قوله ص: العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ،
واستوفينا ذلك بما لا طائل في ذكر جميعه هاهنا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المذي والوذي لا ينقضان الوضوء على كل حال.
لأن مالكا وإن ذهب إلى أنهما لا ينقضان الوضوء متى خرجا على وجه يخالف العادة فإنه
يذهب إلى نقض الطهر بهما إذا كانا معتادين، والانفراد من الإمامية ثابت على كل حال.
ودليلهم على ذلك بعد إجماعهم عليه أن نقض الطهر حكم شرعي لا محالة لا يجوز
إثباته إلا بدليل شرعي، ولا دليل على أنهما ينقضان الوضوء، والرجوع إلى أخبار الآحاد
في ذلك غير مغن لأنا قد بينا في مواضع أن أخبار الآحاد لا يعمل عليها في الشريعة، ويمكن
أن يحتج على المخالفين بما يروونه عن النبي ص من قوله: لا وضوء
124

إلا من صوت أو ريح.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب ترتيب غسل الجنابة وأنه يجب غسل الرأس
ابتداء ثم الميامن ثم المياسر. وإنما كانت بذلك منفردة لأن الشافعي وإن وافقهم في وجوب
ترتيب الطهارة الصغرى فهو لا يوجب الترتيب في الكبرى، وأبو حنيفة ومن وافقه
يسقطون الترتيب في الطهارتين معا ودليلنا مضافا إلى الاجماع المتردد أن الجنابة إذا وقعت
بيقين لم يزل حكمها إلا بيقين، وقد علمنا أنه إذا رتب الغسل تيقن زوال حكم الجنابة
وليس كذلك إذا لم يرتب.
وأيضا فإن الصلاة واجبة في ذمته فلا تسقط إلا بيقين، ولا يقين إلا مع ترتيب الغسل.
وأيضا فقد ثبت وجوب ترتيب الطهارة الصغرى ولا أحد أوجب الترتيب فيها على
كل حال، ولم يشترط ذلك بالاجتهاد وإن شئت أن تقول ولا أحد أوجب الترتيب فيها على
كل أحد، ولم يعذر تارك الترتيب فيها إلا وهو موجب لترتيب غسل الجنابة فالقول بخلافه
خروج عن الاجماع.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الجنب والحائض يجوز أن يقرأ من القرآن ما شاء
إلا عزائم السجود وهي سجدة لقمان وسجدة الحواميم وسورة النجم واقرأ باسم ربك
الذي خلق. وإنما كانت منفردة بذلك لأن داود يبيحهما قراءة قليل القرآن وكثيره من غير
استثناء، ومالك يجوز للجنب أن يقرأ من القرآن الآية والآيتين، ويجيز للحائض والنفساء
أن تقرأ ما شاء. وأبو حنيفة وأصحابه يحظرون على الجنب والحائض قراءة القرآن إلا أن
يكون دون آية، فأما الشافعي فمنعها من قراءة القليل والكثير.
دليلنا على صحة ما ذكرناه الاجماع الذي تكرر وقوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن.
وقوله تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق. وظاهر عموم ذلك يقتضي حال الجنابة وغيرها،
125

فإن ألزمنا قراءة السجدات قلنا: أخرجناها بدليل، ويمكن أن يكون الفرق بين عزائم
السجود وغيرها أن فيها سجودا واجبا والسجود لا يكون إلا على طهر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن التيمم إنما يجب في آخر وقت الصلاة وعند
تضييقه، والخوف من فوت الصلاة متى لم يتيمم وإن قدمه على هذا الوقت لم يجزه، وباقي
الفقهاء يخالفون في ذلك لأن أبا حنيفة يجوز تقديمه على دخول الوقت، والشافعي لا يجوز ذلك
لكنه يجوزه في أول الوقت، وأبو حنيفة يستحب تأخيره إلى آخر الوقت، والشافعي يستحب
تقديمه في أوله.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر. وأيضا فالتيمم بلا خلاف إنما هو طهارة
ضرورية، ولا ضرورة إليه إلا في آخر الوقت وما قبل هذه الحال لا يتحقق فيه ضرورة، وليس
للمخالف أن يتعلق بظاهر قوله جل ثناؤه: فإن لم تجدوا ماء فتيمموا، وأنه لم يفرق بين أول
الوقت وآخره لأن الآية لو كان لها ظاهر يخالف قولنا جاز أن نخصه بما ذكرناه من الأدلة
فكيف ولا ظاهرها ينافي ما نذهب إليه، لأنه جل ثناؤه قال: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة... وأراد بلا خلاف إذا أردتم القيام إلى الصلاة ثم أتبع ذلك بحكم العادم للماء
الذي يجب عليه التيمم، فيجب على من تعلق بهذه الآية أن يدل على أن من كان في أول
الوقت له أن يريد الصلاة ويعزم على القيام إليها فإنا نخالف في ذلك ونقول: ليس لمن
عدم الماء أن يريد الصلاة في أول الوقت، وليس لهم أن يفصلوا بين حكم الجملتين
ويقولوا أن إرادة الصلاة شرط في الجملة الأولى التي أمر فيها بالطهارة بالماء مع وجوده،
وليست شرطا في الجملة الثانية التي ابتدأوها وإن كنتم مرضى وذلك لأن الشرط الأول لو لم
يكن شرطا في الجملتين معا لكان يجب على المريض أو المسافر إذا أحدثا التيمم وإن لم يريدا
الصلاة وهذا لا يقوله أحد.
126

القول الجديد: يستغفر الله ولا كفارة تلزمه.
وبذلك قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وربيعة والليث بن سعد، وحكى المزني عن
محمد بن الحسن أنه قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار. ودليلنا الاجماع المعتمد عليه في كل
المسائل.
ومما يعارضون به ما يروونه عن ابن عباس عن النبي ص أنه قال: من
أتى أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار، فليس لهم أن يحملوا ذلك على
الاستحباب لأن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ولأنهم لا يستحبون هذا المبلغ
المخصوص لأجل هذا الوطء، وإنما يستحبون الصدقة على الإطلاق، والخبر يقتضي خلاف
ذلك.
فإن قيل: الخبر الذي عارضتم به يقتضي التخيير بين دينار ونصف دينار.
قلنا: يحتمل أن يريد بدينار إن وطئ في أول الحيض، وبنصفه إن وطئ في وسطه،
ويمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفارة أن الواطئ في أول الحيض لا مشقة عليه من
ترك الجماع لقرب عهده به فغلظت كفارته والواطئ في آخره مشقته شديدة لتطاول عهده
فكفارته أنقص وكفارة الواطئ في نصف الحيض متوسطة بين الأمرين.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به: القول بجواز أن يطأ الرجل زوجته إذا طهرت عن دم
الحيض وإن لم تغتسل متى مست به الحاجة إليه ولم يفرقوا بين جواز ذلك في مضى أكثر
الحيض أو أقله.
ووافق الشيعة في ذلك داود وقال بمثل قولها، وأبو حنيفة وأصحابه يجوزون له أن يطأها
قبل أن تغتسل إذا انقطع دمها إن كان ذلك بعد مضى زمان أكثر الحيض، وإن كان في
ما دون أكثر الحيض لم يجز له وطؤها إلا بأن تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة كاملة. وقال
الشافعي: ليس له أن يطأها حتى تغتسل على كل حال.
دليلنا الاجماع المتقدم، وقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم
127

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن مسح الوجه بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف
الأنف من غير استيعاب له. فإن باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب.
والإمامية وإن اقتصرت في التيمم على ظاهر الكف فلم تنفرد بذلك لأنه قد روي عن
الأوزاعي مثله، والذي يدل على ما ذكرناه مضافا إلى الاجماع هو قوله تعالى: فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم، ودخول الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول لا بد له من فائدة
وإلا كان عبثا ولا فائدة بعد ارتفاع التعدية به إلا التبعيض.
وأيضا: فإن التيمم طهارة موضوعها للتخفيف، ولا يجوز استيعاب الأعضاء فيها
كاستيعابها في طهارة الاختيار، فلهذا كانت في عضوين وكانت الطهارة الأخرى في أربعة.
مسألة:
ومما يشتبه انفراد الإمامية به القول: بأن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام.
وقد روي من بعض الجهات عن مالك مثل ذلك بعينه، وفي روايات أخرى أنه لا يوقت،
وعند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي أقل الطهر خمسة عشر يوما، دليلنا الاجماع المتقدم.
وأيضا فإن المدة التي ذهبنا إليها وهي عشرة أيام مجمع عليها، وعلى من ذهب إلى
الزيادة عليها الدلالة، ولا حجة في ذلك تعتمد. وأيضا فإن قولنا أحوط للعبادات لأنا نوجب
على المرأة عند مضى عشرة أيام على انقطاع الدم الصلاة والصوم وهم يراعون مضى
خمسة عشر يوما، فقولنا أولى في الاحتياط للعبادة وأشد استظهارا فيها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: الإيجاب على من وطئ زوجته في أول الحيض أن يتصدق
بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار. ومن عداهم يخالف في هذا الترتيب،
لأن ابن حنبل وإن وافقهم في إيجاب الكفارة بالوطئ في الحيض يذهب إلى أنه يجب أن
يتصدق بدينار أو نصف دينار. وقال الشافعي في قوله القديم: يجب أن يتصدق بدينار، وفي
128

أو ما ملكت أيمانهم، وقوله جل وعز: فأتوا حرثكم أنى شئتم، وعموم هذه الظواهر يتناول
موضع الخلاف.
وأيضا قوله عز وجل: ولا تقربوهن حتى يطهرن، ولا شبهة في أن المراد بذلك انقطاع
الدم دون الاغتسال وجعل انقطاع الدم غاية يقتضي أن ما بعده بخلافه.
وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في مسائل الخلاف، وبلغنا غايته و ذكرنا
معارضتهم بالقراءة الأخرى في قوله جل ثناؤه: حتى يطهرن، فإنها قرئت بالتشديد " ومع
التشديد " فلا بد من أن يكون المراد بها الطهارة بالماء وأجبنا عنها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن أكثر النفاس مع الاستظهار التام ثمانية عشر
يوما. لأن باقي الفقهاء يقولون بخلاف ذلك، فذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث
بن سعد إلى أن أكثره أربعون يوما، وذهب مالك والشافعي إلى أن أكثره ستون يوما، وحكى
الليث أن في الناس من يذهب إلى أنه سبعون يوما، وحكي عن الحسن البصري أن أكثر
النفاس خمسون يوما.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره، وأيضا فإن النساء يدخلن في
عموم الأمر بالصلاة والصوم، وإنما تخرج النفساء بالأيام التي راعتها الإمامية بإجماع الأمة
على خروجها، وما زاد على هذه الأيام لا دليل قاطع يدل على اخراجها من العموم، والظاهر
يتناولها. وأيضا فإن الأيام التي ذكرناها مجمع على أنها نفاس وما زاد عليها لا يجوز إثباته
نفاسا بأخبار الآحاد والقياس لأن المقادير الشرعية كلها لا يجوز إثباتها إلا من طريق
مقطوع به، وقد تكلمنا في هذه المسألة في جملة ما خرج لنا من مسائل الخلاف.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب ترتيب غسل الميت، وأن يبدأ برأسه
ثم بميامنه ثم بمياسره. والدليل على صحة ذلك إجماع الفرقة المحقة على ما تقدم.
129

وأيضا فقد ثبت وجوب ترتيب غسل الجنابة فكل من أوجب ذلك أوجب ترتيب
غسل الميت، فالفارق بين المسألتين يخالف إجماع الأمة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: استحبابهم أن يدرج مع الميت في أكفانه جريدتان خضراوان
رطبتان من جرائد النخل طول كل واحدة عظم الذراع. وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم
يعرفوه، دليلنا على ذلك الاجماع المتقدم ذكره.
وقد روي من طرق معروفة أن سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة المكي عن التخضير
فقال: إن رجلا من الأنصار هلك فأوذن رسول الله ص فقال: خضروا
صاحبكم فما أقل المتخضرين يوم القيامة، قالوا: وما التخضير؟ قال: جريدة خضراء
توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة. وقد قيل: أن الأصل في الجريدة أن الله تعالى
لما أهبط آدم ع من الجنة إلى الأرض استوحش وشكا ذلك إلى جبرئيل ع
وسأله أن يسأل الله جل ثناؤه أن يؤنسه بشئ من الجنة، فأنزل الله جل وعلا عليه
النخلة فعرفها وأنس بها ولذلك قيل: أن النخلة عمتكم، لأنها كانت كالأخت لآدم ع
فلما حضرته الوفاة قال لولده: اجعلوا معي من هذه النخلة شيئا في قبري فجعلت
معه الجريدتان، وجرت السنة بذلك، وليس ينبغي أن يعجب من ذلك فالشرائع المجهولة
العلل لا يعجب منها وما العجب من ذلك إلا كتعجب الملحدين من الطواف بالبيت ورمى
الجمار وتقبيل الحجر، ومن غسل الميت نفسه، وتكفينه مع سقوط التكليف عنه.
130

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
131

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما خص وعم من نعمه وظهر وبطن من هبته وإياه نسأل الزيادة
في اليقين ولزوم محجة الدين التي لا يضل سالكها ولا يهتدي تاركها، وأن يجعل أفضل
صلاته وتحياته غادية رائحة على خير خلقه سيدنا محمد نبيه وعترته ما أضاء نهار وأسبل
قطار، ومن بعد:
فإن المسائل المتنوعة من فقه الناصر رضي الله عنه وصلت وتأملت وأجبت إلى
المسؤول من شرحها وبيان وجوهها وذكر من يوافق ويخالف فيها، وأنا بتشييد علوم هذا
الفاضل البارع كرم الله وجهه أحق وأولى، لأنه جدي من جهة والدتي لأنها فاطمة بنت
أبي محمد الحسن بن أحمد أبي الحسين أحمد، صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد
الحسين بن أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي
السجاد زين العابدين ابن الحسين السيد الشهيد بن أمير المؤمنين ص
والطاهرين من عقبه ع.
والناصر:
كما تراه من أرومتي وغصن من أغصان دوحتي، وهذا نسب عريق في الفضل
والنجابة والرئاسة. أما أبو محمد الحسن الملقب بالناصر ابن أبي الحسين أحمد الذي شاهدته
133

وكاثرته وكانت وفاته ببغداد في سنة ثمان وستين وثلاثمائة فإنه كان خيرا فاضلا دينا نقى
السريرة جميل النية حسن الأخلاق كريم النفس وكان معظما مبجلا مقدما في أيام معز الدولة
وغيرها رحمه الله لجلالة نسبه ومحله في نفسه ولأنه كان ابن خالة بختيار عز الدولة. فإن أبا
الحسين أحمد والده تزوج كنز جحير بنت سهلان السالم الديلمي وهي خالة بختيار وأخت
زوجة معز الدولة ولوالدته هذه بيت كبير في الديلم وشرف معروف وولى أبو محمد الناصر
جدي الأدنى النقابة على العلويين بمدينة السلام عند اعتزال والدي رحمه الله لها سنة اثنى
وستين وثلاثمائة فأما أبو الحسين أحمد بن الحسن، فإنه كان صاحب جيش أبيه وكان له
فضل وشجاعة ومقامات مشهودة يطول ذكرها فأما أبو محمد الناصر الكبير وهو الحسين بن
علي فضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة وهو الذي نشر الاسلام في
الديلم حتى اهتدوا به بعد الضلالة وعدلوا بدعائه عن الجهالة وسيرته الجميلة أكثر من أن
تحصى وأظهر من أن تخفى ومن أرادها أخذها من مظانها. فأما أبو الحسن علي بن الحسين فإنه
كان عالما فاضلا وأما الحسين بن علي فإنه سيدا مقدما مشهور الرئاسة وأما علي بن عمر
الأشرف فإنه كان عالما وقد روى الحديث. وأما عمر بن علي بن الحسين ولقبه الأشرف فإنه
كان فخم السيادة جليل القدر والمنزلة في الدولتين معا الأموية والعباسية وكان ذا علم. وقد
روي عنه الحديث وروى أبو الجارود زياد بن المنذر قال: لأبي جعفر الباقر ع أي أخوتك
أحب إليك وأفضل فقال ع: أما عبد الله فيدي التي أبطش بها. وكان عبد الله
أخاه لأبيه وأمه. وأما عمر فبصري الذي أبصر به. وأما زيد فلساني الذي أنطق به. وأما
الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
وأنا الآن مبتدئ بالكلام على المسائل وإيضاح الحق منها ومن الله أستمد المعونة
وحسن التوفيق فما يظفر بهما إلا من أعطاه ولا يملكها سواه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المسألة الأولى:
قال الناصر رحمة الله عليه إذا وقعت النجاسة في ماء يسير نجس تغير بها أو لم
يتغير قال الشريف الأجل المرتضى علم الهدي رضي الله عنه: هذا صحيح وهو مذهب
134

الشيعة الإمامية وجميع الفقهاء وإنما خالف في ذلك مالك والأوزاعي وأهل الظاهر وراعوا في
نجاسة الماء القليل منه والكثير تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو ريح. والحجة في
صحة مذهبنا إجماع الشيعة الإمامية وفي إجماعهم عندنا الحجة وقد دللنا على ذلك في غير
موضع من كتبنا وأيضا قوله تعالى: ويحرم عليهم الخبائث وقوله تعالى: والرجز فاهجر،
وقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم. وهذه الظواهر تقتضي تحريم النجاسة من غير
مراعاة لتغير الأوصاف التي هي الطعم واللون والرائحة.
المسألة الثانية:
إن وقعت النجاسة في ماء كثير لم ينجس ما لم يتغير أحد أوصافه والكثير ما بلغ
قلتين فصاعدا قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة فقالت الشيعة الإمامية: إن الماء الكثير
لا ينجس بحلول النجاسة فيه إلا بأن يغير لونه أو طعمه أو رائحته وحد الكثير عندهم ما
بلغ كرا فصاعدا وحد الكر ما وزنه ألف ومائتا رطل بالرطل المدني والرطل المدني مائة
وخمسة وتسعون درهما وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل ماء تيقنا حصول النجاسة فيه أو
غلب في ظننا ذلك فهو نجس لا يجوز استعماله قليلا كان الماء أو كثيرا، تغيرت صفاته، أو لم
تتغير. وراعى مالك والأوزاعي وأهل الظاهر في الماء القليل والكثير تغير الأوصاف وراعى
الشافعي القلتين فما بلغه المقدار عليه لم ينجس عنه وما نقص عنها نجس وقال الحسن
بن صالح بن حي: إذا كان الماء أقل من كر وحلته نجاسة نجس. وحد الكر بأنه ثلاثة آلاف
رطل.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا. وقد علمنا أن
الماء الكثير إذا خالطه نجاسة فلم يتغير أحد أوصافه لم يخرجه من أن يكون منزلا من
السماء ومن أن يكون مستحقا لهذا الوصف فيجب أن يكون الحكم المقترن بهذا الاسم لازما
ما لزمه هذا الاسم. وقد روى أصحاب الحديث عن النبي ص أنه قال: إذا
بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا. وروى الشيعة الإمامية عن أئمتها ع بألفاظ مختلفة
ووجوه مختلفة أن الماء إذا بلغ كرا لم ينجسه ما يقع فيه من نجاسة إلا بأن يغير أحد أوصافه
135

وأجمعت الشيعة الإمامية على هذه المسألة وإجماعها هو الحجة فيه.
وأما الكلام في تصحيح الحد الذي ذكرناه من الكر وتعينه بالأرطال فالحجة في صحته
إجماع الإمامية عليه وإجماعها الحجة وأيضا فإن الشافعي الذي يخالفنا في تحديده بقلتين
مذهبنا أولى من مذهبه لأن القلة اسم مشترك بين أسماء مختلفة كقلة الجبل والجرة ويستعمل
أيضا في ذروة كل شئ وأعلاه وفي غير ذلك والكر يناول شيئا واحدا فإن اختلفت مقاديره
في البلدان وعادات أهلها فالتحديد به أولى. فإن قيل: قد روى الشافعي ما يزيل الاحتمال
في ذلك وهو قوله بقلال هجر قلنا قد ذكر أهل العلم أن التحديد بقلال هجر من جهة
الراوي وأنه ليس من لفظ النبي ص على أن الاشتراك باق مع هذا اللفظ
لأن قلال هجر اسم مبهم يحتمل سائر ما تقدم ذكره فأما الكر وإن كان مختلفا في تقاديره
فليس يختلف ما يقع عليه هذا الاسم كاختلاف ما يقع عليه اسم القلة ويجري الكر في ما
يتناوله مجرى قولنا رجل في أنه يقع على امرئ واحد غير مختلف في حقيقته وإن اختلف
الرجال في الطول والقصر والعلم والجهل والأوصاف المختلفة ويجري اسم القلة مجرى
قولنا شئ في اختلاف ما يتناوله على أننا نتمكن من استعمال خبر القلتين ونحمله على
الجرتين الكبيرتين اللتين ما يسعانه مقدار الكر وأصحاب القلتين لا يمكنهم استعمال خبر
الكر لأنه لا يعرف شيئا من الأكرار يبلغ خمسمائة رطل. فإن قيل: ولا يعرف أيضا كرا يبلغ
ألفا ومائتي رطل قلنا: الأكرار مختلفة في البلدان وقد ذكر الناس اختلافها ومبالغها في
عادات أهلها وقالوا في الكر السليماني: أنه سدس وعشر العدد فإنه ألف وتسعمائة
رطل وعشرون رطلا بالبغدادي. فإذا نقصنا من ذلك الرطل المدني والعراقي قارب
المبلغ الذي ذكرناه فمن ادعى أن الذي حددنا به الكر غير معروف مبطل على كل
حال.
المسألة الثالثة:
ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء وهذه المسألة
لا أعرف فيها نصا لأصحابنا قولا صريحا والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة
136

وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا تعتبر في ورود الماء على النجاسة
وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة ويقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل لذلك صحة
ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه أنا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة
لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل
على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر في القلة والكثرة كما يعتبر في ما يرد النجاسة عليه.
المسألة الرابعة:
الماء إذا خالطه طاهر فغير إحدى صفاته لا يجوز الوضوء به، الصحيح عندنا أن
الماء إذا خالطه بعض الأجسام الطاهرة من جامد أو مائع فلم يثخن به و لم يخرج عن طبعه
وجريانه ويسلبه إطلاق اسم الماء عليه فإن الوضوء به جائز ولا اعتبار في الغلبة بظهور
اللون أو الطعم أو الرائحة بل بغلبة الأجزاء على حد يسلبه إطلاق اسم الماء ووافقنا على
ذلك أبو حنيفة وراعى الشافعي ومالك في ذلك تغيير الأوصاف من لون أو طعم أو رائحة
وزعما أن أحد أوصاف الماء متى تغير ولو باليسير من الطاهر لم يجز الوضوء به.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقة قوله تعالى: فلم تجدوا ماء
فتيمموا. فنقلنا من الماء عند فقده إلى التراب من غير واسطة والماء الذي خالطه يسير من
زعفران يطلق عليه اسم الماء ولا ينتقل من وجوده إلى التراب وأيضا قوله تعالى: فاغسلوا
وجوهكم، عام في كل مائع يتأتى الاغتسال به إلى أن يقوم دليل على اخراج بعضها وليس
لأحد أن يدعي أن يسير الزعفران إذا خالطه الماء سلبه إطلاق اسم الماء وذلك أن إطلاق
الاسم هو الأصل والتقييد داخل عليه وطار بعده كالحقيقة والمجاز. فمن ادعى زوال
الإطلاق في الماء فعليه الدليل. وبعده فإنهم يقولون في ذلك أنه ماء وقع فيه زعفران
ولا يضيفونه إليه كما يضيفون الماء المعتصر من الزعفران إليه ومما يدل على أن تغيير أحد
الأوصاف لا معتبر به. إن الماء الذي يجاوره الطيب الكثير كالمسك وغيره قد يتغير رائحته
بمجاورة الطيب ومع هذا فلا خلاف في جواز الوضوء به.
137

المسألة الخامسة:
ولا يجوز الوضوء بشئ من الأنبذة عندنا إن الوضوء بشئ من الأنبذة لا يجوز: لا
النية منها ولا المطبوخة ولا النقيعة وهو مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف وأحمد بن
حنبل وداود. وأجاز أبو حنيفة التوضؤ بنبيذ التمر المطبوخ الشديد عند عدم الماء. وقال
محمد بن الحسن يتوضأ به ويتمم مع فقد الماء فأوجب الجمع بينهما في السفر.
ودليلنا على صحة مذهبنا مع الاجماع المقدم ذكره بل إجماع أهل البيت ع، قوله تعالى:
فإن لم تجدوا ماء... الآية، فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة وأبو حنيفة يخالف هذا
الظاهر لأنه يجعل بينهما واسطة هي النبيذ وليس له أن يقول: إن في النبيذ ماء فمن وجده
كان واجدا للماء ولا يجوز انتقاله إلى التراب وذلك أن ليس كل شئ كان فيه ماء يطلق اسم
الماء عليه لأن الخل وماء الورد وسائر المائعات فيها ماء ولا يطلق عليها اسم الماء ويتيمم مع
وجودها على أنه لو تناول النبيذ اسم الماء لدخل تحت الآية ويلزم جواز الوضوء بالنبيذ
مع وجود الماء لأنه جار مجراه وقد أجمعوا على خلاف ذلك على أن الأنبذة المسكرة عندنا
نجسة ولا يجوز الوضوء بها وهي نجسة وما ليس بمسكر منها فما دل على أن المائعات
كالخل وما أشبهه لا يجوز الوضوء بها يدل على أنه لا يجوز الوضوء به وقد استقصينا في
كتابنا الخلاف بين سائر الفقهاء الكلام في أنه لا يجوز الوضوء بالأنبذة وتكلمنا على خبر
الجن ووصفناه. فمن أراد الاستقصاء وجده هناك.
المسألة السادسة:
ولا يجوز الوضوء بالماء المستعمل. عندنا إن الماء المستعمل في تطهير الأعضاء
والبدن الذي لا نجاسة عليه إذا جمع في إناء نظيف كان طاهرا مطهرا ووافقنا في ذلك
الحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك وداود وقد قيل: إن مالكا كرهه بعض الكراهية
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن الماء المستعمل لا يجوز الوضوء به، واختلفوا في نجاسته فقال
أبو يوسف: هو نجس وروي مثل ذلك عن أبي حنيفة، والصحيح من قول أبي حنيفة أنه
طاهر غير مطهر وهو قول محمد بن الحسين وقال الشافعي: أنه طاهر وغير مطهر أيضا وقد
138

حكى عنه عيسى بن أبان أنه طاهر مطهر وذلك غير معمول عليه.
والدليل على صحة مذهبنا الاجماع المقدم ذكره وأيضا قوله وينزل عليكم من السماء
ماء ليطهركم به، وهذا عموم في المستعمل وغيره لأن الاستعمال لا يخرجه عن كونه منزلا من
السماء وأيضا قوله تعالى فإن لم تجدوا ماء فتيمموا والواجد للماء المستعمل واجد لما يتناوله
اسم الماء وأيضا قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فأجاز عز وجل
الدخول في الصلاة بعد الاغتسال. ومن اغتسل بالماء المستعمل يتناوله اسم المغتسل بلا
شبهة ولا معنى لخلاف من يخالف في أن إطلاق اسم الماء لا يتناول المستعمل ويدعي أنه
بالاستعمال قد خرج عن تناول الاسم له وذلك الوصف للماء بأنه مستعمل وصف غير مؤثر
فيه ولا مخرج له من تناوله لاسم الماء المطلق ويجري في ذلك مجرى الماء المشمس والمبرد
والمسخن ومما يدل أن بالاستعمال لم يخرج عن تناول اسم الماء المطلق حتى يصير في حكم
ماء الورد وماء الباقلي أنه لو شربه من حلف أنه لا يشرب ماء لحنث باتفاق، ولو شرب ماء
الورد لم يحنث وقد استقصينا هذه المسألة أيضا في مسائل الخلاف.
المسألة السابعة:
لا يجوز التوضؤ بالماء المغصوب وتحقيق هذه المسألة أنه لا خلاف بين الأمة في أن
استعمال الماء المغصوب قبيح لا يجوز في الشريعة لأنه تصرف في ملك الغير بلا إذنه وليس
المراد بقولهم: أنه يجوز التوضؤ به أو لا يجوز هذا المعنى بل المراد بذلك هل يكون من توضأ
بالماء المغصوب وفعل قبيحا بتصرفه فيه واستحق العقاب والذم مزيلا لحدثه ومستبيحا
بذلك الصلاة أو لا يكون كذلك وعندنا أن الوضوء بالماء المغصوب لا يزيل الحدث ولا
يبيح الصلاة، وخالف سائر الفقهاء في ذلك وادعوا أن الوضوء به مجز ومزيل الحدث وإن
كان قبيحا.
والدليل على صحة مذهبنا الاجماع المتقدم ذكره وأيضا فقد دل الدليل على أن
الوضوء عبادة وقربة ومما يستحق به الثواب ولا يجوز التقرب إلى الله واستحقاق الثواب
منه بالمعاصي. ولا خلاف أن الوضوء بالماء المغصوب معصية وقبيح وحرام وأيضا فلا
139

خلاف في أن نية القربة والعبادة في الوضوء مسنونة مندوب إليها ولا يجوز أن يتقرب إلى الله
بالمعاصي والقبائح.
المسألة الثامنة:
ولا يجوز التحري في الأواني وإن كانت جهة الطاهر أغلب وهذا صحيح وإليه ذهب
أصحابنا وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز التحري في الإنائين ويجوز في ما عدا ذلك إذا
كانت الغلبة للطاهر وأجاز الشافعي التحري في الإنائين وفي ما زاد على ذلك.
دليلنا على المنع من التحري في الآنية التي يتيقن نجاسة أحدها قوله تعالى: فلم
تجدوا ماء فتيمموا. وإنما عني بالوجود القدرة على الماء الطاهر والتمكن منه ومن لا يعرف
الشئ بعينه ولا يميزه، فليس يتمكن عنه ولا واجد له ولأنه تعالى لم يذكر التحري في الآية
بل أمر باستعمال الماء عند وجوده والتراب عند فقده من غير أمر بالتحري. فمن أوجبه
فقد زاد في الظاهر ما لا يقتضيه.
المسألة التاسعة:
سؤر السباع نجس. الصحيح عندنا أن سؤر جميع البهائم من ذوات الأربع
والطيور ما خلا الكلب والخنزير طاهر يجوز الوضوء به ويكره سؤر ما يأكل الجيف والميتة من
هذه الجملة وكذلك يكره سؤر الجلال وبمثل ذلك قال الشافعي وقال مالك أسار جميع الحيوان
طاهر وهو مذهب أهل الظاهر. وقال أبو حنيفة وأصحابه سباع ذات الأربع كلها نجسة و
كذلك أسئارها ما خلا الهر فإن سؤرها طاهر إلا أن الوضوء به مكروه وإن فعل أجزأ ولم
يكره أبو يوسف سؤر الهر فأما سؤر جميع سباع الطير وحشرات الأرض كالفأرة والحية
وما أشبهها فتجري عندهم مجرى سؤر الهر في كراهية الوضوء به.
دليلنا على كراهية سؤر ما ذكرناه وجواز الوضوء قوله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء
طهورا. وقوله: وينزل من السماء ماء... الآية وقد علمنا أن شرب البهائم منه لا يخرجه من أن
يكون منزلا من السماء فيجب بقاؤه على أصل الطهارة. وقد روى أصحاب الحديث نقلا
140

مستقصيا عن النبي ص أنه سئل فقيل له: أ يتوضأ بما فضلت من الحمر فقال:
نعم وبما أفضلت السباع. فأما نفى كراهية سؤر الهر فالدليل عليه ما روي عن كبشة بنت
كعب بن مالك أنها قالت: دخلت على أبي قتادة فسكبت له وضوء فأتت الهر فشربت منه
فأكفى لها الإناء فنظرت إليه فقال: أ تعجبين ابنة أخي سمعت رسول الله يقول: الهر ليس
بنجس وهذا صريح في نفي كراهية سؤرها. وقد روي عن النبي ص
أنه كان يكفئ لها الإناء وكان يتوضأ بسؤرها.
المسألة العاشرة:
سؤر المشرك نجس. عندنا أن سؤر كل كافر بأي ضرب من الكفر كان كافرا
نجس لا يجوز الوضوء به وأجاز الوضوء بذلك أبو حنيفة وأصحابه وحكى الطحاوي
عن مالك في سؤر النصراني والمشرك أنه لا يتوضأ به.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الفرقة المحقة قوله تعالى: إنما
المشركون نجس. وفي هذا تصريح بنجاسة أسارهم وروى عبد الله بن المغيرة عن
سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد الله ع عن الوضوء بسؤر اليهودي
والنصراني فقال لا.
المسألة الحادية عشر:
سؤر الحمار طاهر. الصحيح عندنا طهارة سؤر الحمار وجواز الوضوء به وهو قول
مالك والأوزاعي والشافعي وأهل الظاهر وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: لا يجوز
الوضوء به وأوجب أبو حنيفة: عند عدم الماء المتيقن طهارة الجمع بين الوضوء بسؤر الحمار
والتيمم.
دليلنا على صحة مذهبنا إجماع الفرقة المحقة عليه والخبر الذي رويناه قبل هذه
المسألة عن النبي من إجازته الوضوء بما أفضلت الحمر وليس لهم أن يحملوا لفظة الحمر
على الوحشية لأن ذلك تخصيص للعموم بغير دليل ولأن من حرم سؤر الحمار الأهلي إنما بناه
141

على تحريم لحمه وعندنا أن لحمه مباح فسؤره تابع للحمه.
المسألة الثانية عشر:
كل حيوان يأكل لحمه، بوله وروثه طاهر. هذا صحيح وهو مذهب مالك والثوري
وزفر والحسن بن حي وقال محمد بن الحسين في البول خاصة بمثل قولنا وخالفنا في الروث
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي بول ما يأكل لحمه وروثه نجس كنجاسة ذلك مما
لا يؤكل لحمه.
الدليل على صحة مذهبنا إجماع الفرقة المحقة عليه وما رواه البراء بن عازب عن
النبي ص أنه قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وفي خبر آخر لا بأس
ببوله وسلحه وروى حميد بن أنس أن قوما من عرينة قدموا على النبي المدينة فاستوخموها
فانتفخت أجوافهم فبعثهم إلى لقاح الصدقة ليشربوا من أبوالها فلو كان بولها نجسا لما
جاز ذلك. وقوله ع لعمار إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني فدل ظاهره
على ما ذكرناه لأن لفظه إنما يقتضي ظاهرها التخصيص ونفي الحكم عما عدا المذكور. فإن
قيل ففي الخبر ذكر البول، قلنا: ظاهره يدل على أنه لا يغسل من الروث ولم يقل أحد من
الأمة أن الروث طاهر والبول نجس وبالخبر يعلم طهارة الروث وبالإجماع يعلم أن البول
مثله فيحمل ذكر البول في الخبر على أن المراد به ما يؤكل لحمه.
المسألة الثالثة عشر:
وبول الصبي الذي لم يطعم نجس كبوله إذا طعم. الصحيح في تقدير هذه
المسألة أنه لا خلاف بين العلماء في نجاسة أبوال بني آدم صغيرهم وكبيرهم وإنما اختلفوا
في بول الصبي قبل أن يطعم فأوجب قوم فيه الغسل كبول الكبير وذهب آخرون إلى أن
الغسل لا يجب وإنما يجب الرش والنضح ومن حكى عن الشافعي أنه ليس بنجس
فقدوهم عليه وعندنا أن بول غلام الصغير لا يجب غسله من الثوب بل يصب عليه الماء
صبا فإن كان قد أكل الطعام وجب غسله وجائز أن يغسل الثوب من بوله على كل حال
142

وقال الشافعي بمثل مذهبنا ونص على أنه يكفي فيه الرش، وقال الأوزاعي: لا بأس ببول
الصبي ما دام يشرب اللبن ولا يأكل الطعام ومعنى هذا القول من الأوزاعي أنه لا بأس
بترك غسله والعدول إلى النضح والرش وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وابن حي بول
الصبي والصبية كبول الرجل يجب غسل الجميع ولم يفرقوا فأما الذي يدل على نجاسة
بول الصبي ما روي عنه ع من قوله: استنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر
منه ولم يفصل بين بول الصغير والكبير وقوله ع لعمار إنما يغسل الثوب من
البول والدم والمني ولم يفصل. وأما الذي يدل على خفة بول الرضيع وجواز الاقتصار على
صب الماء والنضح فهو إجماع الفرقة المحقة وما رواه أمير المؤمنين ع عن النبي
ص قال: يغسل من بول الجارية وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام
وروت لنا زينب بنت الجون: أن النبي ع أخذ الحسين بن علي فأجلسه في حجره
فبال عليه قالت: فقلت له ص: لو أخذت ثوبا وأعطيتني إزارك لأغسله فقال
ع: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح على بول الذكر وقد استقصينا هذه المسألة
في مسائل الخلاف غاية الاستقصاء.
المسألة الرابعة عشرة:
المني نجس وكذلك المذي أما المني فعندنا أنه نجس يجب غسله من البدن والثوب
فأما المذي فعندنا أنه طاهر ووافقنا على نجاسة المني خاصة مالك وأبو حنيفة وأصحابه لأن
أبا حنيفة وأصحابه وإن وافقوا في نجاسته فإنهم يوجبون غسله رطبا ويجزئ عندهم
فركه يابسا وقال الثوري: يفرك وإن يفرك أجزأت الصلاة فيه وقال ابن حي: لا يعاد
الصلاة من المني في الثوب ويعاد منه إذا كان على الجسد وكان يفتي مع ذلك بفركه من
الثوب إذا كان يابسا ويغسله إذا كان رطبا وقال الشافعي: المني طاهر ويفرك من الثوب
فإن لم يفرك فلا بأس والذي يدل على نجاسة المني إجماع الشيعة الإمامية ولا خلاف بينهما
في ذلك ويدل أيضا عليه قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء إلى قوله: رجز الشيطان،
وروي في التفسير أنه تعالى أراد بذلك أنه الاحتلام فدلت الآية على نجاسة المني من
143

وجهين أحدهما قوله: ويذهب عنكم رجز الشيطان والرجز والرجس والنجس بمعنى واحد
يدل على ذلك قوله تعالى: والرجز فاهجر وأراد به عبادة الأوثان فعبر عنها تارة بالرجز
وأخرى بالرجس فثبت أن معناهما واحد وإذا سمى الله المني رجزا ثبتت نجاسته والوجه
الثاني من دلالة الآية أنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير والتطهير لا يطلق في الشرع
إلا لإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة ويدل على ذلك ما رواه عمار بن ياسر رحمه الله أن
النبي قال: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني وهذا يقتضي وجوب
غسله وما يجب غسله لا يكون إلا نجسا وقد نبه على نجاسته من وجه آخر وهو الجمع بينه وبين
النجاسات كالدم والبول فأما المذي فعندنا أنه ليس بنجس ولا ينقض الوضوء وخالفنا
جميع الفقهاء في ذلك إلا أن مالكا قال في المذي أنه إن خرج على وجه يخالف العادة وزاد
على المعتاد لم ينقض الوضوء والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة وأيضا فالمذي مما
يعم البلوى به ويكثر ويتردد ظهوره فلو كان نجسا وحدثا لتظاهر الخبر بذلك على وجه لا
يمكن دفعه ويعلم ضرورة من دينه ع كما علم في نظائره من البول والغائط وما
جرى مجراهما وأيضا فإن الأصل الطهارة والنجاسة إنما يعلم بالشرع على سبيل التجدد ولم
ينقطع عذر بالشرع يوجب العلم في أن المذي نجس وأنه ينقض الوضوء وقد روى
أصحابنا من طرق مختلفة بأنه طاهر لا ينقض الوضوء وخبر عمار الذي تقدم ذكره يدل على
طهارته لأنه روي عنه ع أن الثوب لا يغسل إلا من أشياء مخصوصة ليس فيها
المذي.
المسألة الخامسة عشرة:
الدم كله نجس عندنا إن دم السمك طاهر لا بأس بقليله وكثيره في الثوب وكذلك
ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبق وهو مذهب أبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك في دم
البراغيث: إنه إذا تفاحش غسل وإذا لم يتفاحش لا بأس به، وقال: يغسل دم السمك
والذباب وسوى الشافعي بين الدماء كلها في النجاسة وأما دليلنا على طهارة دم السمك
فهو بعد إجماع الفرقة المحقة وقوله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه يقتضي إباحة
144

طاهرة وإباحة لكل سمك وطهارته لجميع أجزائه لأن التحليل يقتضي الإباحة من جميع
الوجوه ويدل عليه أيضا قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى إلى قوله: دما مسفوحا أو
لحم خنزير فأخبر تعالى أن ما عدا المسفوح ليس بمحرم ودم السمك ليس بمسفوح فوجب
ألا يكون محرما ويدل على ذلك أيضا أنه لا خلاف في جواز أكل السمك بدمه من غير أن
يسفح منه فلو كان نجسا لما جاز ذلك ألا ترى أن سائر الدماء لما كانت نجسة لم يجز أكل
الحيوان التي هي فيه إلا بعد سفحها وأيضا فلا خلاف في جواز أكل اللحم الذي قد بقي في
عروقه أجزاء من الدم فإنه لا يجب أن ينتفي ذلك بالغسل لأنه ليس بدم يسفح وكذلك دم
السمك وأيضا فقد اتفقوا على أن الدم الباقي في العروق بعد الذكاة طاهر لا يجب غسله
لأنه باق في العروق بعد الذكاة ويجوز أكله وكذلك دم السمك.
المسألة السادسة عشرة:
الخمر نجسة وكذلك كل شراب يسكر كثيره لا خلاف بين المسلمين في نجاسة
الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم والذي يدل على نجاستها قوله تعالى: إنما
الخمر والميسر... إلى قوله: عمل الشيطان، وقد بينا أن الرجس والرجز بمعنى واحد في
الشريعة فأما الشراب الذي يسكر كثيره فكل من قال: أنه محرم الشرب ذهب إلى أنه
نجس كالخمر وإنما يذهب إلى طهارته من ذهب إلى إباحة شربه وقد دلت الأدلة الواضحة
على تحريم كل شراب أسكر كثيره فوجب أن يكون نجسا لأنه لا خلاف في أن نجاسته
تابعة لتحريم شربه.
المسألة السابعة عشرة:
كل حيوان ليس له دم سائل فإنه لا ينجس بالموت وهذا صحيح، عندنا أن كل ما لا
نفس له سائلة كالذباب والجراد والزنابير وما أشبهها لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء إذا
وقع فيه قليلا كان أو كثيرا، وأبو حنيفة وافقنا في هذه المسألة وكذلك مالك والشافعي فيها
قولان قال في القديم: إنه لا ينجس الماء وفي الجديد أنه ينجسه دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه
145

قوله تعالى: لا أجد فيما أوحي إلى... الآية وظاهر هذه الآية يقتضي أنه لا يحرم من
المطعومات إلا ما تضمنت ذكره ولم يتضمن ذكر ما وقع فيه بعض ما لا نفس له سائلة من الطعام
والشراب فوجب أن يكون مباحا فلو كان نجسا لما أبيح أكله وشربه ولا يلزمنا ما أخرجناه
من عموم هذه الآية من المحرمات الكثيرة لأن الدليل اقتضى ذلك ولا دليل فيما اختلفنا
فيه يقتضي العدول عن ظاهر الآية فإن قيل: قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وقوله في الآية
التي تعلقتم بها أن تكون ميتة فدل على بطلان ما ذكرتموه قلنا ليس الأمر على ما ظننتم لأنه
غير مسلم أن اسم الميتة بالإطلاق يتناول ما لا نفس له سائلة من البعوض والبق إذا مات
والتعارف يمنع من ذلك على أن تحريمه تعالى الميتة إنما المراد به الأفعال في عين الميتة دون غيرها
من أكل وبيع وتصرف وانتفاع والماء الذي تجاوره الميتة ليس بميتة فيجب أن يكون موقوفا
في طهارته أو نجاسته على الدلالة ولم يعدده الله تعالى في المحرمات من المطعومات فيجب
أن يكون طاهرا وأيضا فقد روى أبو هريرة عن النبي ص قال: إذا
وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله ذلك عموم في الحي والميت فدل على أن حصولها في
الماء لا ينجسه ولأن المقل يوجب الموت ألا ترى أنه إذا مقلها في طعام شديد الحرارة فإنها
تموت في الحال، ولم يفصل ع بين الحار والبارد، وفي خبر آخر روي عن النبي
ص أنه قال: كل طعام أو شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فهو
الحلال أكله وشربه والوضوء عنه.
المسألة الثامنة عشرة:
كل حيوان لا يؤكل لحمه فلا حكم لذكاته، وموته وذكاته سواء، الصحيح عندنا
خلاف ذلك لأن ما لا يؤكل لحمه مما ليس بكلب ولا خنزير ولا انسان تؤثر فيه الذكاة
ويخرجه من أن يكون ميتة، ولو مات حتف أنفه لم تجر مجرى خروج نفسه بإذكائه وهو مذهب
أبي حنيفة وقال الشافعي: ما لا يؤكل لحمه لا يلحقه الذكاة وموته وذكاته سواء، دليلنا على
صحة ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه وأيضا ما روي عن النبي ص من قوله:
ذكاة الأديم دباغه وفي بعض الأخبار ذكاة الأديم دباغه فأقام الذكاة مقام الدباع فاقتضى
146

ذلك أن ما يعمل الدباع في تطهيره يعمل الذكاة فيه.
المسألة التاسعة عشرة:
شعر الميتة طاهر وكذلك شعر الكلب والخنزير. هذا صحيح
وهو مذهب أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي أن ذلك كله نجس دليلنا على صحة ما ذهبنا
إليه بعد الاجماع المتكرر قوله تعالى: ومن أصوافها وأوبارها... الآية فامتن علينا بأن جعل
لنا في ذلك منافع ولم يفرق بين الذكية والميتة فلا يجوز الامتنان بما هو نجس لا يجوز الانتفاع
به، وأيضا فإن الشعر لا حياة فيه أ لا ترى أن الحيوان لا يألم بأخذه منه كما يألم بقطع سائر
أعضائه وأيضا لو كان فيه حياة لما جاز أخذه من الحيوان في حال حياته والانتفاع به كما لا
يجوز ذلك في سائر أجزائه ويقوى ذلك ما روي عنه ع من قوله: ما بان عن
البهيمة وهي حية فهو ميتة والشعر يبين منها في حال حياتها ولا يكون ميتة لأنه لو كان ميتة كان
بمنزلة سائر أجزائها ويمنع الانتفاع به وإذا ثبت أن الشعر والصوف والقرن لا حياة فيه لم
تحله الموت وإذا لم تحله الموت كانت حياته بعده كحياته قبله وليس لهم أن يتعلقوا بقوله
تعالى: حرمت عليكم الميتة فإن اسم الميتة يتناول الجملة سائر أجزائها وذلك أن الميتة اسم
لما يحله الموت والشعر لا يحله الموت كما لا تحله الحياة ويخرج عن الظاهر وليس لأحد أن
يقول أن الشعر والصوف من جملة الخنزير والكلب وهما نجسان وذلك أنه لا يكون من
جملة الحي إلا ما تحله الحياة وما لا تحله الحياة ليس من جملته وإن كان متصلا به.
المسألة العشرون:
جلد الميتة لا يطهر بالدباغ وهذا صحيح، وعندنا أنه لا يطهر جلد الميتة بالدباغ
وخالف سائر الفقهاء في ذلك إلا ما روي عن أحمد بن حنبل فإنه يمنع من طهارة جلد الميتة
بالدباغ الدليل على صحة مذهبنا الاجماع المتقدم ذكره وأيضا قوله تعالى: حرمت عليكم
الميتة واسم الميتة يتناول الجلد قبل الدباع وبعده وأيضا ما روي من أن النبي ص
قال قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهذا صريح في نصرة
147

مذهبنا ويقضي على ما يرويه عنه ع من قوله: أيما إهاب به دبغ فقد طهر لأن خبرهم
متقدم وخبرنا متأخر وخلاف من يخالف في أن اسم الإهاب يتناول الجلد قبل الدباع وبعده
لا يتناوله لا يلتفت إلى مثله فإنه قول من لا يحصل ولا خلاف بين أهل اللغة في أن اسم
الإهاب يتناول الجلد في سائر حالاته.
المسألة الحادية والعشرون:
ليس في غسل الإناء من ولوع الكلب والخنزير عدد محصور وإنما يجب غسله إلى أن
يتيقن التطهير والتنظيف. الصحيح عندنا أن الإناء يغسل من ولوع الكلب ثلاث مرات
أولاهن بالتراب وقال أبو حنيفة لا تحديد في غسله كما لا تحديد في إزالة سائر النجاسات
وقال الشافعي يغسل سبعا إحديهن بالتراب، وذهب مالك إلى أن الغسل ليس بواجب
ولكنه مستحب فإن استعمل لا يكون إلا سبعا وهو مذهب داود، وقال الحسن بن حي
يغسل سبعا والثامنة بالتراب فأما الذي يدل على نجاسته بعد الاجماع المقدم ذكره فهو أن
الأخبار المتظاهرة عن النبي ص أنه أمر بغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب والأمر
يقتضي الوجوب والغسل لا يكون إلا من نجاسته وفي بعض الأخبار أمرنا بإراقة الماء
وكل ذلك يدل على النجاسة فمما روي فيه ما رواه أبو هريرة من أن النبي قال إذا ولغ
الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا وروى عبيد بن عمير أن النبي ع
قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات والذي يدل على أن
تحديدنا بالثلاث أولى مما زاد على ذلك أنه لا خلاف بين أصحاب التحديد في وجوب
الثلاث ومن زاد على هذا العدد كان عليه الدليل ولا حجة يقطع الغدر فيما زاد على ذلك
ولأنا نمكن من استعمال أخبارهم بحمل ما زاد على الثلاث على الندب وهم لا يمكنون من
استعمال أخبارنا لأن الاقتصار على الثلاث لا يجوز عندهم بحال.
المسألة الثانية والعشرون:
لا يجوز إزالة النجاسات من المائعات سوى الماء المطلق. عندنا أنه يجوز إزالة
148

النجاسة بالمائع الطاهر وإن لم يكن ماء، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد وزفر
ومالك والشافعي لا يجوز ذلك، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المقدم ذكره قوله
تعالى وثيابك فطهر فأمر بتطهير الثوب ولم يفصل بين الماء وغيره وليس لهم أن يقولوا إنا
لا نسلم أن الطهارة يتناول الغسل بغير الماء لأن تطهير الثوب ليس هو بأكثر من إزالة
النجاسة منه وقد زالت بغسله بغير الماء مشاهدة لأن الثوب لا يلحقه عبادة وأيضا ما روي
عنه ع في المستيقظ من النوم لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فأمر بما يتناوله
اسم الغسل ولا فرق في ذلك بين سائر المائعات وأيضا حديث عمار رضي الله تعالى عنه
وقوله ع إنما يغسل الثوب من المني والدم وهذا عموم فيما يسمى غسلا وأيضا
حديث خولة بنت يسار أنها سألت النبي عن دم الحيض يصيب الثوب فقال ع
احثيه ثم اقرصيه ثم اغسليه ولم يذكر الماء وليس لهم أن يقولوا: إن إطلاق الأمر
بالغسل ينصرف إلى ما يغسل في العادة ولا يعرف في العادة إلا الغسل بالماء دون غيره
وذلك أنه لو كان الأمر على ما قالوا لوجب ألا يجوز غسل البول بماء الكبريت والنفط
وغيرهما مما لم يجر العادة بالغسل به فلما جاز ذلك ولم يكن معتادا بغير خلاف علم أن
المراد بالخبر ما يتناوله اسم الغسل حقيقة من غير اعتبار بالعادة.
المسألة الثالثة والعشرون:
يجب الاستنجاء من كل خارج من السبيلين سوى الريح فإن الاستنجاء من خروجها
حسنة وفضل عندنا أن الاستنجاء من البول والغائط واجب فمن تعمد تركه لم يجز
صلاته وبذلك قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه الاستنجاء غير واجب واختلفت
الرواية عن مالك في وجوب الاستنجاء ونفي وجوبه والأشبه أنه موافق لأبي حنيفة في نفي
وجوبه فأما الريح فلا استنجاء فيها لا واجبا ولا ندبا وهو مذهب سائر الفقهاء والذي يدل
على وجوب الاستنجاء بعد الاجماع المتقدم ذكره ما رواه أبو هريرة عن النبي ع
قوله إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم للغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها
بغائط وبول وليستنج بثلاثة أحجار وأمره ع على الوجوب وأيضا ما روي عنه
149

ع أنه قال لا يكفي أحدكم أن يستنجي بدون ثلاثة أحجار وفي لفظ أخرى لا
يجزئ أحدكم دون ثلاثة أحجار وأما الريح فلو كان فيها استنجاء واجب أو مستحب مع
عدم البلوى بها وكثرة حدوثها ووقوعها لوجب أن يكون النقل به متظاهرا كما تظاهر في
غيره وأيضا فالأصل أنه لا عبادة والشرع طار متجدد وقد علمنا أن الاستنجاء من الريح
شرع فمن ادعاه فعليه الدلالة ولا دلالة كافية له في ذلك.
المسألة الرابعة والعشرون:
النية شرط في صحة الوضوء. وعندنا أن الطهارة تفتقر إلى نية وضوء كانت أو تيمما
أو غسلا من جنابة أو حيض وهو مذهب مالك والشافعي وربيعة وأبي ثور وإسحاق بن
راهويه وداود بن حنبل وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: إن الطهارة بالماء لا تفتقر إلى
النية، وقالوا جميعا إلا زفر: إن التيمم لا بد فيه من نية وقال الحسين بن حي: يجزئ
الوضوء والتيمم جميعا بغير نية. دليلنا بعد الاجماع المقدم ذكره قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة الآية، وتقدير الكلام فاغسلوا للصلاة وإنما حذف ذكر الصلاة
اختصارا وهكذا مذهب العرب لأنهم إذا قالوا إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك وإذا
أردت لقاء العدو فخذ سلاحك وتقدير الكلام فالبس ثيابك للقاء الأمير وخذ سلاحك
للقاء العدو والغسل لا يكون للصلاة إلا بالنية لأن بالنية يتوجه الفعل إلى جهة دون
غيرها، وأيضا ما يروى عن النبي من قوله: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى وقد علمنا
أن الأعمال قد توجد أجناسها من غير نية فوضح أن المراد بالخبر أنها لا تكون قربة شرعية
مجزئة إلا بالنيات وقوله ع إنما لامرئ ما نوى يدل على أنه ليس له ما لم ينو هذا
حكم اللغة العربية أ لا ترى أن القائل إذا قال: إنما لك درهم فقد نفى أن يكون له أكثر من
درهم والذي يدل على صحة ما ذكرناه في لفظة إنما أن ابن عباس كان يذهب إلى جواز بيع
الدرهم بالدرهمين نقدا ويأبى نسية وخالفه في ذلك وجوه الصحابة واحتجوا عليه بنهي
النبي عن بيع الذهب والفضة فعارضهم بقوله ع: إنما الربا في النسيئة فجعل هذا
الخبر دليلا على أنه لا ربا إلا في النسيئة وقول ابن عباس حجة فيما طريقه اللغة وبعد فإن
150

المخالفين له في هذه المسألة لم يمنعوه عن قوله من طريق اللغة بل من جهة غيرها فدل ذلك
على ما ذكرناه وقد استقصينا هذه المسائل غاية الاستقصاء وانتهينا فيها إلى أبعد
الغايات في مسائل الخلاف.
المسألة الخامسة والعشرون:
المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل جميعا، هذا صحيح وهو مذهبنا
ومذهب الحسن البصري والزهري وربيعة ومالك والشافعي والليث بن سعد والأوزاعي
وذهب إسحاق بن راهويه وابن أبي ليلى إلى أنهما واجبان في الوضوء والغسل معا وذهب
ابن حنبل وأبو ثور إلى أن الاستنشاق واجب فيهما والمضمضة غير واجبة فيهما وقال داود:
الاستنشاق واجب في الوضوء دون المضمضة ولا يجبان في غسل الجنابة وذهب الثوري وأبو
حنيفة وأصحابه في بعض الروايات عن الليث بن سعد إلى أنهما واجبان في الغسل من
الجنابة غير واجبين في الوضوء والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتقدم ذكره ما
روي عن أم سلمه أنها قالت قلت لرسول الله ص: إني امرأة أشد ضفر
رأسي فأنقضه في الغسل من الجنابة فقال ع: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك
ثلاث حثيات من الماء وتفيضي الماء عليك فإذا أنت فعلت ذلك فقد طهرت فبين ع
أن الأجزاء واقع بغير المضمضة والاستنشاق شرع فمن ادعاه كان عليه الدليل
ولا دليل في ذلك يقطع العذر وقد سقط بهذه الجملة إذا تؤملت خلاف كل من حكينا خلافه
في هذه المسائل ومن أراد الاستقصاء رجع إلى ما أمليناه في مسائل الخلاف فإن الكلام في
هذه المسألة مستقصى هناك.
المسألة السادسة والعشرون:
تخليل اللحية واجب كثيفة كانت أو رقيقة الصحيح عندنا أن الأمرد وكل من
لا شعر له على وجهه يجب عليه غسل وجهه وحد الوجه من قصاص شعر الرأس إلى
محادر الذقن طولا وما دارت السبابة والإبهام والوسطى عرضا فمن كان ذا لحية كثيفة يغطى
151

بشرة وجهه وما لا يظهر مما تغطية اللحية لا يلزمه إيصال الماء إليه ويجزيه إجراء الماء على
اللحية من غير إيصال إلى البشرة المستورة ووافقنا الشافعي في ذلك إلا في حد الوجه
فإنه حده في كتاب الأم بأنه من قصاص شعر الرأس وأصول الأذنين إلى ما أقبل من الذقن
واللحيين وحده المزني بأنه من منابت شعر رأسه وأصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل
وجهه وذقنه، وقال أبو حنيفة يلزمه غسل ما ظهر من الوجه ومن اللحية ربعها، وقال أبو
يوسف يلزمه إمرار الماء على ما ظهر من بشرة الوجه، فأما ما غطاه الشعر فلا يلزمه إيصال
الماء إليه ولا إمراره على الشعر النابت عليه، وقال أبو ثور يلزمه غسل بشرة الوجه وإن كان
الشعر قد غطاه وأشار المزني في بعض كتبه إلى هذا والذي يدل على تخليل اللحية الكثيفة
وإيصال الماء إلى البشرة لا يلزم بل يكفي إجراء الماء على الشعر النابت بعد إجماع الفرقة.
قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم والذي يواجه هو اللحية دون البشرة لأن الشعر قد غطاها
فبطلت المواجه فيها وأيضا لا خلاف في أن الوجه اسم لما يقع المواجهة به وإنما الخلاف وقع
في أنه هل كلما يواجه به وجه أم لا وقد علمنا أن باطن اللحية وبشرة الوجه المستورة
بالوجه ليس مما يواجه به فلا يلزم التخليل فأما الحجة على أبي حنيفة وأبي يوسف فهي قوله
تعالى: فاغسلوا وجوهكم ومن غسل بعض بشرة وجهه وبعض ما على البشرة من شعر لحيته لم
يغسل جميع وجهه والآية تقتضي غسل جميع الوجه وأما الدليل على صحة حدنا في الوجه
فهو بعد الاجماع المقدم ذكره أنه لا خلاف في أن ما اعتبرناه في حدنا هو من الوجه ويجب
غسله وإنما الخلاف فيما زاد عليه ومن ادعى زيادة على المجمع عليه كان عليه الدليل.
المسألة السابعة والعشرون:
غسل العذار واجب بعد نبات اللحية كوجوبه قبل نباتها هذا غير صحيح والكلام
فيه قد بيناه في تخليل اللحية والكلام في المسألتين واحد لأنا قد بينا أن الشعر الكثيف إذا علا
البشرة لا ينقل الفرض إليه.
152

المسألة الثامنة والعشرون:
يدخل المرفقان في الوضوء وهذا صحيح، وعندنا أن المرافق يجب غسلهما مع اليدين
وهو قول جميع الفقهاء إلا زفر بن الهذيل وحده. وحكي عن أبي بكر بن داود الإصفهاني
مثل قول زفر في هذه المسألة. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة المحقة وأيضا قوله
تعالى: وأيديكم إلى المرافق ولفظة إلى قد تستعمل الغاية وتستعمل أيضا بمعنى مع وكلا
الأمرين حقيقة قال الله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أراد بلا خلاف مع أموالكم وقال تعالى
حاكيا عن عيسى: من أنصاري إلى الله أراد مع الله وتقول العرب ولى فلان الكوفة إلى البصرة
وإنما يريدون مع البصرة من غير التفات إلى الغاية ويقولون أيضا فلان فعل كذا
وأقدم على كذا هذا إلى ما فعله من كذا وكذا وإنما يريدون مع ما فعله وبعد فإن لفظة إلى إذا
احتملت الغاية واحتملت أن تكون بمعنى مع فحملها على معنى مع أولى لأنه أعم في الفائدة
وأدخل في الاحتياط لفرض الطهارة وشبهه من أخرج المرافق من الوضوء أنه جعل إلى
للغاية والحد وظن أن الحد لا يدخل في المحدود وهذا ليس صحيح لأنا قد بينا أن لفظة إلى
مشتركة بين الغاية وغيرها ولو حملت على الغاية لكان دخول المرافق واجبا لأنه أولى في
باب الاستظهار للفرض والاحتياط له ولأن الحدث قد حصل يقينا فلا يجوز إسقاطه بالشك
وإذا كان دخول الغاية والحد أو خروجها مشكوكا فيه وجب إدخال المرافق له مع الشك
وحصول اليقين.
المسألة التاسعة والعشرون:
لا يجوز الغسل من المرفق إلى الكف. وعندنا الصحيح خلاف ذلك وأن الابتداء
من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويكره استقبال الشعر والابتداء بالأصابع وفي أصحابنا من
أوجب ذلك ذهب إلى أنه متى ابتدأ بالأصابع وانتهى إلى المرفقين لم يرتفع ومن عدا فقهاء
الشيعة يجعل المتوضئ مخيرا بين الابتداء بالأصابع أو المرفق ولا يرى لأحد الأمرين مزية على
الآخر دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتقدم ذكره وأيضا ما روي عنه ع من أنه
توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فلا يخلو من أن يكون ابتدأ
153

بالمرافق أو الأصابع فإن كان ابتدأ بالمرفق فهو الذي ذهبنا إليه وإن كان بالأصابع فيجب
أن يكون على موجب ظاهر الخبر أنه من ابتدأ بالمرفق لا يقبل صلاته وأجمع الفقهاء على
خلاف ذلك ولا اعتبار لمن تجدد خلافه في هذه المسألة فأوجب الابتداء بالأصابع لأن الاجماع
سابق له ولأنه بنى ذلك على أن إلى بمعنى الغاية والحد وإن الحد خارج عن المحدود وقد بينا
اشتراك هذه اللفظة.
المسألة الثلاثون:
فرض المسح متعين بمقدم الرأس والهامة إلى الناصية هذا صحيح وهو مذهبنا
وبعض الفقهاء يخالفون في ذلك ويجوزون المسح مع الاختيار على أي بعض كان من الرأس
والدليل على صحة مذهبنا الاجماع المقدم ذكره وأيضا فلا خلاف بين الفقهاء في أن من مسح
على مقدم الرأس فقد أدى الفرض وأزال الحدث وليس كذلك من مسح مؤخر الرأس
فما عليه الاجماع أولى وأيضا فإن الحدث متيقن وإزالته بمتيقن أولى ومن مسح مقدم
رأسه أزاله بيقين وليس كذلك من يمسح غير هذا الموضع.
المسألة الحادية والثلاثون:
المسح على الرجلين إلى الكعبين هو الفرض وهذا صحيح، وعندنا أن الفرض في
المسح في الرجل المسح دون الغسل فمن غسل لم يجزه وقد روي القول بالمسح عن جماعة
من الصحابة والتابعين كابن عباس وعكرمة وأنس وأبي العالية والشعبي وغيرهم، وكان
الحسن بن أبي الحسن البصري يقول التخير بين المسح والغسل وهو مذهب محمد بن جرير
الطبري وأبي على الجبائي وقال من عدا من ذكرناه من الفقهاء أن الفرض هو الغسل
دون المسح دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة إلى قوله وأرجلكم إلى الكعبين وأوجب على الوجوه بظاهر اللفظ الغسل ثم
عطف الأيدي على الوجوه وأوجب لها بالعطف مثل حكمها فصار كأنه قال: واغسلوا
وجوهكم واغسلوا أيديكم ثم أوجب مسح الرؤوس بصريح اللفظ كما أوجب غسل
154

الوجوه كذلك ثم عطف الأرجل على الرؤوس فوجب أن يكون لها في المسح مثل حكمها
بمقتضى العطف ولو جاز أن يخالف في الحكم المذكور الرؤوس الأرجل جاز أن يخالف حكم
الأيدي في الغسل الوجوه وروى أمير المؤمنين ع وابن عباس رضي الله عنه عن
النبي ص أنه توضأ ومسح قدميه ونعليه وروي عن ابن عباس أنه وصف
وضوء رسول الله فمسح على رجليه وروي عنه أيضا أنه قال: إن في كتاب الله المسح ويأبى
الناس إلا الغسل وقد روي مثل ذلك عن أمير المؤمنين ع أنه قال: ما نزل
القرآن إلا بالمسح وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال: غسلتان ومسحتان وهذه الأخبار
التي ذكرناه مما رواها مخالفونا من الفقهاء وسطروها في كتبهم فليس لهم أن يقولوا: إنا
ما نعرفها فأما ما نختص بروايته في وجوب مسح الرجلين فهو أكثر السيل والليل ومن أن
يحصى كثرة وليس لأحد أن يحمل خفض الرؤوس على المجاورة كما قالوا جحر ضب خرب
لأن ذلك باطل من وجوه: أولها: أنه لا خلاف بين أهل اللغة في أن الإعراب بالمجاورة شاذ
نادر لا يقاس عليه وإنما ورد في مواضع لا يتعدى إلى غيرها وما هذه صورته لا يجوز أن يحمل
كتاب الله تعالى عليه، وثانيها: أن كل موضع أعرب بالمجاورة مفقود فيه حرف العطف
الذي تضمنته الآية ولا مجاورة مع حرف العطف لأنه حائل بين الكلامين مانع من تجاورهما
ألا ترى أنه لما أن أعربوا جحر ضب خرب بالمجاورة كان اللفظان متجاورين متقاربين من
غير حائل بينهما وكذلك قول الشاعر: كبير أناس في نجاد مزمل، لأن المزمل من صفات
الكبير لا النجاد فلما جروه بالمجاورة كان اللفظان متجاورين بلا حائل من العطف، وثالثها:
أن الإعراب بالجوار إنما يستحسن بحيث ترتفع الشبهة في المعنى أ لا ترى أن الشبهة زائلة في
كون خرب من صفات الضب وأنه من صفات الجحر وكذلك لا شبهة في أن الوصف بمزمل
راجع إلى الكبير لا إلى النجاد وليس هكذا الآية لأن الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح
كما يصح أن يكون الغسل والشك واقع فلا يجوز إعرابها بالمجاورة مع وقوع اللبس
والشبهة فإن قيل: كيف اعتمدتم على القراءة بالجر في الأرجل وقد قرئت بالنصب
والنصب موجب لغسل الأرجل قلنا القراءة بالنصب أيضا يقتضي المسح لأن موضع
الرؤوس في العربية موضع نصب لوقوع الفعل الذي هو المسح وإنما جرت الرؤوس بالباء
155

الزائدة وعلى هذا لا ينكر أن يعطف الأرجل على موضع الرؤوس لا لفظها فتنتصب وإن
كان الفرض فيها المسح كما كان في الرؤوس والعطف على الموضع جائز مشهور عند أهل
العربية أ لا ترى أنهم يقولون لست بقائم ولا قاعدا فينصبون قاعدا على موضع قائم
لا لفظة وقد يقولون حشيت بصدره وصدر زيد وأن زيدا في الدار وعمرو فرفع عمرو على الموضع
لأن أن وما عملت فيه في موضع رفع ومثله قوله تعالى: ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم بالجزم
على موضع فلا هادي له لأنه موضع جزم قال الشاعر: معاوي إننا بشر فاسجح - فلسنا
بالجبال ولا الحديد، فنصب الحديد على الموضع وقال الآخر: هل أنت باعث دينار لحاجتنا
أو عند رب أخا عون بن محراق، وإنما نصب عند رب لأن حق الكلام هل أنت باعث دينارا
حمل على الموضع لا اللفظ وهذه المسألة أيضا مما استقصيناه واستوفيناه الكلام فيه في
مسائل الخلاف فمن أراد بلوع الغاية في معنى هذه الآية رجع إلى الموضع الذي ذكرناه.
المسألة الثانية والثلاثون:
الدلك شرط في صحة الوضوء عندنا أن إمرار اليد على الجسد في غسل الجنابة غير
واجب وكذلك في الوضوء وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي
وقال مالك لا يجزيه حتى يدلك ما يغسله ويمر يده عليه وهو مذهب الزيدية دليلنا بعد إجماع
الفرقة المحقة قوله تعالى: حتى تغتسلوا وقوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم ولا شبهة في أنه
يسمى مغتسلا وإن لم يدلك بدنه ومر يده عليه وقوله ع أما أنا فأفيض على رأسي
وسائر بدني فإذا فعلت ذلك فقد طهرت فبين وقوع الكفاية والطهارة بهذا الغسل دون
إمرار اليد وقوله ع لأم سلمة إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات من ماء
ثم تفيضي الماء عليك وإذا أنت فقد طهرت وقوله ع إذا وجدت الماء فامسسه
جلدك ومن اغتسل ولم يمر يده قد أمس الماء جلده.
المسألة الثالثة والثلاثون:
التوالي واجب في أحد الوجهين عندنا أن الموالات واجبة بين الوضوء ولا يجوز
التفريق ومن فرق بين الوضوء مقدار ما يجف معه غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع
156

الموالاة منه في الهواء المعتدل وجب عليه إعادة الوضوء وهو القول المتقدم للشافعي وبه قال
الأوزاعي في بعض الروايات وربيعة بن أبي عبد الرحمن وابن حنبل وقال مالك وابن أبي
ليلى والليث بن سعد: من فرق متعمدا وجب عليه أن يستأنف وإن فرق بعذر جاز أن يبني
عليه والتفريق المتعمد عنده أن يغسل وجهه ولا يغسل يديه مع وجود الماء ويمكنه منه حتى
يجف الماء على وجهه والتفريق بالعذر أن ينقلب الماء أو يجد منه دون الكفاية فيتشاغل
بطلب الكفاية وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز تفريق الوضوء وهو مذهب سعيد بن المسيب
وعطاء والحسن والثوري وداود، به قال الشافعي في الجديد وروي أيضا عن الأوزاعي دليلنا
على وجوب الموالاة بعد الاجماع المتكرر ذكره، ما روي عنه ع من أنه توضأ مرة
مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فلا يخلو من أن يكون ع وإلى بين
الوضوء أو لم يوال فإن لم يكن والى أدى ذلك أن الوضوء مع الموالاة لا تقبل الصلاة به
وهذا خلاف الاجماع فثبت أنه ع والى وبين أن خلافه لا يجوز وروى أبو داود في
كتاب السنن عنه ع أنه رأى رجلا توضأ وفي قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء
وأمره ع بأن يعيد الوضوء والصلاة ومن قال إن الأمر على الفور وهو الظاهر في
الشريعة يمكن أن يستدل بالآية على وجوب الموالاة وأنه بعد غسل وجهه مأمور على الفور
بغسل يديه وكذلك باقي الأعضاء.
المسألة الرابعة والثلاثون: لا يجوز المسح على الخفين مع القدرة على غسل الرجلين ومن مسح مقلدا أو مجتهدا ثم وقف
على خطائه وجب عليه إعادة الصلاة هذا صحيح ولا يجوز عندنا المسح على الخفين
ولا الجوربين ولا الجرموقين في سفر ولا حضر مع الاختيار وقد وافقنا في ذلك جماعة من
السلف فيهم صحابة وتابعون واختلفت الرواية عن مالك فروى ابن القسم عنه ضعف
المسح على الخفين وحكى ابن المنذر عن بعض أصحاب مالك أن الذي استقر عليه مذهب
مالك أنه لا يجوز المسح على الخفين وقد روي عنه جوازه إلا أنه لم يحد في ذلك حدا كما حد
غيره من الفقهاء وسوى بين المقيم والمسافر وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي
157

وابن حي والشافعي وداود بالمسح على الخفين دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع
المتكرر قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فأوجب تعالى إيقاع المسح على ما هو
رجل على الحقيقة وقد علمنا أن الخف لا يسمى رجلا في لغة ولا شرع ولا عرف كما أن
العمامة لا تسمى رأسا والبرقع لا يسمى وجها وليس لهم أن يعترضوا بقول القائل وطأت
كذا رجلي وإن كان لابسا للخف لأن ذلك مجاز واتساع بلا خلاف والمجاز لا يحمل عليه
الكتاب إلا بدليل قاهر ويدل على ذلك أيضا ما روي عنه ع من أنه توضأ مرة مرة
وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ولا خلاف أنه أوقع الفعل في تلك الحال على
الرجل دون الخفين فوجب مطابقة الخبر ألا يجوز إيقاعه على غيرهما وليس لأحد أن يدعي
في الآية وهذا الخبر جميعا أنهما إنما يتناولان من كان ظاهر الرجل دون لابس الخف لأن
ذلك تخصيص العموم بغير دليل ويدل على ذلك أيضا ما روي عن أمير المؤمنين ع
من أنه قال نسخ الكتاب المسح على الخفين. رواية أخرى ما أبالي مسحت على
الخفين أو على ظهر عير بالفلاة ولم نر أحدا من الصحابة خالفه في ذلك أو اعترض قوله
بإنكار مع ظهوره وروي عن ابن عباس أنه قال سبق كتاب الله المسح على الخفين ولم ينكر
ذلك أحد عليه وروي عن عائشة أنها قالت لأن تقطع رجلاي بالمواسي، أحب إلى من أن
امسح على الخفين ولم نعرف رادا لقولها أو منكرا عليها فأما الأخبار التي رووها من أن النبي
ص مسح على خفيه وأباح المسح على الخفين فلا يعارض ظاهر الكتاب لأن
نسخ الكتاب أو تخصيصه بها ولا بد من أحدهما غير جائز ولنا أيضا على سبيل
الاستظهار ويحملها على ظاهر الضرورة إما لبرد شديد يخاف منه على النفس أو الأعضاء
أو لعدو مرهق والضرورة يبيح ذلك عندنا وهذه المسألة أيضا مما استقصيناه في مسائل
الخلاف فمن أراد استيفائها أصابه هناك وأما من مسح مقلدا أو مجتهدا إذا وقف على
خطائه بعد ذلك فلا شبهة في أنه يجب عليه إعادة الصلاة لأنه ما أدى الفرض لأن الله
تعالى أوجب عليه تطهير رجليه فطهر غيرهما.
158

المسألة الخامسة والثلاثون
النوم بمجرده حدث ولا يعتبر أحوال النائم. هذا صحيح وعندنا أن النوم الغالب على
العقل والتميز ينقض الوضوء على اختلاف حالات النائم من قيام وقعود وركوع وسجود
ووافقنا على ذلك المزني وقال أبو حنيفة وأصحابه لا وضوء من النوم إلا على من نام
مضطجعا أو متوكيا فأما من نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا سواء كان في الصلاة
أو غيرها فلا وضوء عليه وروي عن أبو يوسف أن تعمد النوم في السجود فعليه الوضوء وقال
ابن حي والثوري لا وضوء إلا على من نام مضطجعا وهو مذهب داود وقال مالك من نام
ساجدا أو مضطجعا يتوضأ ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلا أن يطول فيفرق بين القاعد
بين القليل من النوم والكثير وهو مذهب ابن حنبل وقال الليث إذا تصنع النوم جالسا
فعليه الوضوء ولا وضوء على القائم والجالس إذا غلبهما النوم وقال الشافعي من نام في غير
حال القعود وجب عليه الوضوء فأما من نام قاعدا فإن كان زايلا غير مستوي الجلوس
لزمه الوضوء وإن كان متمكنا من الأرض فلا وضوء عليه وروي عن الأوزاعي أنه قال
لا وضوء من النوم فمن توضأ منه ففضل أخذ به وإن تركه فلا حرج ولم يذكر عنه الفضل
بين أحوال النائم وقد حكي عن قوم من السلف نفي الوضوء من النوم كأبي موسى الأشعري
وعمرو بن دينار وحميد بن الأعرج ومتى دللنا على وجوب الوضوء من الاستعماد في النوم
على طريق العموم فقد رددنا على جميع المخالفين في هذه المسألة دليلنا على ذلك الاجماع
المتقدم ذكره وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية وقد نقل أهل
التفسير جميعا أن المراد بالآية إذا قمتم من النوم وأن الآية وردت على سبب معروف
يقتضي تعلقها بالنوم فكأنه تعالى قال إذا قمتم إلى الصلاة من النوم فتوضئوا وهذا يوجب
الوضوء من النوم على الإطلاق وأيضا ما روي عن النبي ص أنه قال العينان
وكاء السه فمن نام فليتوضأ. وفي خبر آخر العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء
وأيضا ما رواه صفوان بن غسان المرادي أنه قال كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع
خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ليس من الجنابة لكن من بول وغائط ونوم وظاهر هذه الأخبار يدل
على وجوب الوضوء من كل نوم من غير مراعاة الاختلاف في الأحوال وليس لأحد
159

أن يصرف ذكر النوم في الأخبار التي ذكرناها إلى المعهود المألوف وهو نوم المضطجع دون
القائم والراكع ويدعي أن القائل إذا قال فلان نام لا يعقل من إطلاقه إلا النوم المعتاد دون
غيره وذلك أن الظاهر يقتضي عموم الكلام بلا دلالة وبعد فغير مسلم أن القائل إذا قال
نام فلان أنه يفهم من إطلاقه الاضطجاع وإن فهم ذلك في بعض الأحوال فبقرينة هو دلالة
على أنه لا خلاف بيننا وبين من راعى اختلاف الأحوال في النوم أن قوله من نام فليتوضأ
يتناول نوم المضطجع في كل وقت من ليل أو نهار ولا يختص بالأوقات المعهود فيها النوم
حتى يدعي مدع أنه يختص بليل أو توسط نهار لأن ما عدا ذلك من أوقات النهار ليس بمعهود
فيه فكما أنا نحمله على عموم الأوقات التي يقع فيها النوم ولا نراعي ما يعهد فيه النوم
فكذلك نحمله على جميع الإشكال والهيئات التي ينام النائم عليها ولا يراعى في ذلك عادة
مألوفة وأيضا ما روته عائشة عنه ع أنه قال من استجمع نوما فعليه الوضوء وفي
خبر آخر إذا استثقل أحدكم يوما فليتوضأ فأما الأخبار التي رووها عن النبي ع
في نفي الوضوء من النوم فإذا نحملها إذا تقبلناها على نوم لا استثقال معه وإنما هو بتهوم
وسنة خفيفة وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة لنا وعلينا في مسائل الخلاف.
المسألة السادسة والثلاثون
فعل الكبيرة حدث هذا غير صحيح عندنا وعند جميع الفقهاء بلا خلاف في نفسه
وعلى هذا إجماع الفرقة المحقة بل إجماع الأمة كلها ومن تجدد خلافه في ذلك فالإجماع قد
سبقه ولا ينقل من الرواة أن فعل المعاصي في أيام النبي ص أو في أيام
الصحابة والتابعين وقد اختلفوا في كثير من الأحداث عد حدثا في نفسه وأنه ينقض الطهر
وبعد فقد بينا أن ما يعم به البلوى ويتكرر حدوثه لا بد من إيراد بيان حكمه موردا يقطع
العذر ويثلج الصدر على هذا عولنا في أم مس الذكر لا ينقض الوضوء ولو كان فعل
المعصية حدثا في نفسه لوجب أن يرد ذلك ورودا يقطع العذر ويوجب العلم ويشترك فيه
الخاص والعام كما وجب في أمثاله على أن الأمة مجمعة على أن الأحداث كلها ما خرجت
من البدن، ثم اختلفوا فيما يخرج من السبيلين فراعى قوم كونه معتادا أو فرق بينه وما ليس
160

بمعتاد ولا أحد منهم أثبت حدثا ينقض طهرا لا يخرج من البدن ولا يعترض على هذه الجملة
النوم والجنون والإغماء لأن ذلك كله إذا غلب على التمييز لا يؤمن معه الحدث حدثا في
نفسه والمعاصي خارجة عن هذه الجملة فكيف يجعل أحداثا على أنه يلزم على هذا المذهب
أن يكون من عصى باعتقاد مذهب فاسد لا يصح وضوءه ما دام مصرا على هذه المعصية
لأن الدليل قد دل على أن جنس الاعتقاد لا يبقى وإنما يستمر كون المعتقد معتقدا باعتقادات
يجددها في كل حال وإذا كان من ذكرناه يجدد في كل حال اعتقادات هي معاص وكبائر لم
يصح له وضوء وهذا يوجب ألا تصح الصلاة ولا الوضوء ممن هذه حاله وقد علم
خلاف ذلك وأيضا فإن المصر على المعاصي هو الذي يجدد مع الذكر لها العزم على فعلها
والعزم على المعصية معصية وهذا يوجب ألا يصح وضوء مصر على المعاصي ولا صلاته
ولا أحد من الأمة يبلغ إلى هذه الحال.
المسألة السابعة والثلاثون
كل حركة كانت معصية انقضت الوضوء والكلام في هذه المسألة هو الكلام الذي
تقدمها فلا معنى لإعادته.
المسألة الثامنة والثلاثون
لا تزول طهارة متيقنة بحدث مشكوك هذا صحيح وعندنا أن الواجب البناء على
الأصل، طهارة كان أو حدثا فمن شك في الوضوء وهو على يقين من الحدث وجب عليه
الوضوء ومن شك في الحدث وهو على يقين من الوضوء بنى على الوضوء وكان على طهارته
وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن حي وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وقال مالك إن
استولى الشك وكثر منه بنى على اليقين مثل قولنا فإن لم يكن كذلك وشك في الحدث بعد
يقينه بالوضوء وجب أن يعيد الوضوء دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر ذكره
وأيضا ما رواه عبد الله بن زيد الأنصاري قال شكى إلى رسول الله ص
الرجل يخيل إليه الشئ وهو في الصلاة فقال ع لا ينفتل عن صلاته حتى يسمع
161

صوتا أو يجد ريحا وروى أبو هريرة أن رسول الله ص قال إذا كان أحدكم في
المسجد فوجد بين أليتيه فلا ينصرف حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا وفي خبر آخر أن
الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت
فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وكل هذه الأخبار توجب اطراح الشك والبناء
على اليقين ولم يفرق في جميعها بين أن يعرض ذلك مرة أو مرارا وتعلقهم بقوله ع
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ليس بشئ وهذا الخبر دليلنا في المسألة لأن ما يريبه الشك
والذي لا يريبه هو اليقين فيجب أن يعمل على اليقين وهو الوضوء بطرح الشك.
المسألة التاسعة والثلاثون
خروج المني من غير شهوة لا يوجب الاغتسال عندنا أن خروج المني يوجب
الاغتسال على جميع الوجوه واختلاف الأحوال بشهوة ودفق أو بغير ذلك وقبل الغسل
أو بعده وسواء بال قبل ذلك أو لم يبل وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه المني
لا يوجب الاغتسال إلا أن يخرج على وجه الدفق والشهوة ثم اختلفوا في من جامع واغتسل
ثم خرج منه شئ فقال أبو حنيفة ومحمد إن كان بعد البول فلا غسل عليه وإن كان قبل
البول فعليه الغسل وقال أبو يوسف ليس عليه غسل، بال أو لم يبل إذا خرج بعد الدفقة
الأولى وبه قال مالك دليلنا بعد الاجماع المتكرر ما روي عنه ع من قوله الماء من
الماء وظاهر ذلك يقتضي إيجاب الغسل من الماء على اختلاف أحواله واسم الماء يتناول
المني عرفا وشرعا في أنه حمل جميع الفقهاء هذا الخبر على أن المراد به المني وأيضا ما روي
عن أم سلمة قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة الماء تغتسل فقال ع نعم إذا رأت
ولم تفرق بين الأحوال فوجب أن يكون على عمومه وروي عن أمير المؤمنين ع أنه
كان يقول إنما الغسل من الماء الأكبر وأيضا فقد اتفقنا على أن النائم إذا خرج منه المني
لزمه الغسل ذكر الاحتلام أو لم يذكره وجايز أن يكون المني خرج في حال النوم من غير
شهوة وهذا يدل على أن الاعتبار في وجوب الاغتسال خروج المني.
162

المسألة الأربعون
التقاء الختانين يوجب الاغتسال وإن لم يكن معه إنزال هذا صحيح وعندنا أن
الختانين إذا التقيا وغابت الحشفة وجب الغسل، أنزل أم لم ينزل وهو مذهب جميع الفقهاء
إلا داود فإنه اعتبر في وجوب الغسل الإنزال والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع
المتقدم ما رواه الزهري عن سهل بن سعيد أنه أخبر أن أبي بن كعب رخص في بدء
الاسلام للمجامع أن يتوضأ ثم أمرنا رسول الله ص بالغسل وأيضا فقد
كانت الصحابة اختلفت في هذا الباب فقال جمهورهم مثل ما حكيناه من مذهبنا وقالت
الأنصار الماء من الماء فأرسلوا بأبي سعيد الخدري إلى عائشة فسألها فقالت قال رسول
الله ص: إذا التقى الختان وغابت الحشفة وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله
فاغتسلنا ورجعوا إلى قولها وقال عمران خالف أحد بعد هذا جعلته نكالا وقال لزيد بن
ثابت لو أفتيت بعد هذا خلافه لأوجعتك وأيضا فإن التابعين أجمعوا بعد الاختلاف المتقدم
من الصحابة على ما كررناه وسقط حكم الاختلاف المتقدم والإجماع بعد الخلاف على
أحد القولين يزيل حكم الخلاف ويصير القول إجماعا.
المسألة الإحدى والأربعون
الوضوء قبل الغسل فرض وبعده نفل. والصحيح عندنا خلاف ذلك والذي نذهب إليه
أن يستباح بغسل الجنابة الصلاة وأن لم يجدد المغتسل وضوء وهو مذهب الفقهاء دليلنا
على صحة قولنا بعد إجماع الفرقة المحقة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة
وأنت سكارى إلى قوله حتى تغتسلوا فمنع الجنب من الصلاة وجعل الاغتسال الحد
والغاية فيجب لمن اغتسل أن تحل له الصلاة وأيضا ما روي عن أم سلمة أنها قالت
يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي إلى قوله طهرت وقد مضى فأطلق القول بطهارتها عند
إفاضة الماء فدل على أنه يجوز لها استباحة الصلاة لأن من يجب عليه الوضوء لا يقال له أنه قد
طهر على الإطلاق فإن تعلق من خالفنا في ذلك بأن الله أمر المحدث بالوضوء بقوله إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا إلى قوله إلى الكعبين ثم أمر الجنب بالغسل بقوله وإن كنتم
163

جنبا فاطهروا فمن كان محدثا جنبا وجب عليه الأمران جميعا قلنا له أما الآيتان لا حجة
لكم فيها لأن الله تعالى لما قال إذا قمتم إلى الصلاة لم يكن بد من إغمار حدثا يتعلق به
وجوب الوضوء لأن الوضوء لا يجب بالقيام إلى الصلاة ولا بإرادة القيام إليها وليس
مخالفونا بأن يضمروا وأنتم محدثون على كل حال بأولى منا إذا أضمرنا وأنتم محدثون
الحدث الذي لا ينضم إليه الجنابة لأن لفظ الظاهر لا يقتضي قولهم ولا قولنا وإنما يكون حجة
لهم ولنا بالإضمار الذي ليس هو لفظ الآية فإذا لا حجة في ظاهرها لهم وإذا قمنا مقامهم في
الإضمار وهي دليلهم سقط استدلالهم بها على أن إضمارنا أولى من إضمارهم بالأدلة التي
تقدمت.
المسألة الثانية والأربعون
يجزئ في الوضوء والغسل ما أصاب البدن من الماء ومثل الدهن قد روى أصحابنا
عن أئمتهم ع مثل هذا اللفظ بعينه والذي يجب أن يعول عليه أن الله تعالى أمر
في الجنابة بالاغتسال وفي الطهارة الصغرى بغسل الوجه واليدين فيجب أن يفعل
المتطهر من الجنابة والمتوضئ ما يسمى غسلا ولا يقتصر على ما يسمى مسحا ولا يبلغ
الغسل فأما الأخبار الواردة بأنه يجزيك ولو مثل الدهن فإنها محمولة على دهن يجري على
العضو ويكثر عليه حتى يسمى غسلا ولا يجوز غير ذلك.
المسألة الثالثة والأربعون
ومن اغتسل من جنابة فيها إنزال قبل أن يبول صح اغتساله وطهر في الحالة فإذا
بال فعليه إعادة الاغتسال قد بينا في مسألة خروج المني بشهوة وغير شهوة وما يجب بيانه في
هذا الباب بأن خروج المني يوجب الغسل قبل البول أو بعده فإنه لم يخرج مني فلا غسل
لأجل البول فإن كان المراد في هذه المسألة بقوله إذا بال فعليه إعادة الغسل لأنه إذا بال
بولا يخرج معه مني مشاهد فهو صحيح وقد دللنا عليه وإن لم نرد ذلك فالكلام غير صحيح
لأن البول إذا لم يقترن بالمني فلا يجب غسل لأن البول لا يوجب الغسل وإنما يوجبه خروج المني
164

المسألة الرابعة والأربعون
غسل الإحرام واجب في أحد الروايتين وهو سنة في الرواية الأخرى. الصحيح
عندي أن غسل الإحرام سنة لكنها مؤكدة غاية التأكيد فلهذا اشتبه الأمر فيها على أكثر
أصحابنا واعتقدوا أن غسل الإحرام واجب لقوة ما ورد في تأكيده والذي يدل على أنه غير
واجب أن الوجوب إنما يعلم شرعا والأصل نفي الوجوب فمن ادعى ذلك فعليه الدليل
ولا دليل في ذلك يقطع العذر.
المسألة الخامسة والأربعون
غسل الاستحاضة التي يتميز أيام حيضها من طهرها لكل صلاتين فضل لا فرض
عندنا أن المستحاضة إذا احتشت بالقطن نظر فإن لم يثقب الدم القطن ولم يظهر عليه كان
عليها تغيير ما تحتشي به عند كل صلاة وتجدد الوضوء لكل صلاة وإن ثقب الدم القطن
ورشح عليه ولم يسل عنه كان عليها تغييره عند كل صلاة وتغتسل لصلاة الفجر
خاصة وتصلي باقي الصلاة بوضوء تجدده عند كل صلاة فإن ثقب الدم ما تحتشي به
وسأل فعليها أن تصلي صلاة الليل والغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب
وعشاء الآخرة بغسل وقال الشافعي والثوري في المستحاضة إنها تتوضأ لكل صلاة
فريضة وقال أبو حنيفة وأصحابه تتوضأ لوقت كل صلاة وقال مالك والليث وداود ليس
على المستحاضة وضوء إلا أن مالكا يستحبه فأما الذي يدل على صحة هذا الترتيب الذي
رتبناه وحكيناه عن أصحابنا فهو إجماع الفرقة المحقة عليه وأما الذي يبطل قول من
أسقط الوضوء عنها فهو ما روي عن النبي ع أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش:
اغسلي عنك الدم وتوضأ لكل صلاة فأمرها بالوضوء وأمره ع على الوجوب
وروى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وهذه الأخبار
تبطل خلاف مالك وداود وتبطل أيضا مذهب أبي حنيفة لأنه أمر فيها بالوضوء لكل صلاة
غير وقت الصلاة وأما الذي يبطل مذهب من يرى أن غسل المستحاضة فضل لا فرض
فيه فهو أنه مأمور به والأمر بظاهره يقتضي الوجوب والقول بأنه فضل اخراج الأمر عن ظاهره.
165

المسألة السادسة والأربعون
التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين الصحيح من مذهبنا في
التيمم أنه ضربة واحدة للوجه وظاهر الكفين وهو مذهب الأوزاعي ومالك وقول الشافعي
القديم إلا أن مالكا والشافعي لا يقتصران على ظاهر الكف بل على الظاهر والباطن فيما
أظن ولا يجاوزان الرسغ وذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه ضربتان ضربة للوجه
وضربة لليدين إلى المرفقين وذهب الزهري إلى أنه ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى
المناكب وقال الحسن بن حي وابن أبي ليلى إنه ضربتان يمسح بكل واحدة منهما وجهه
ويديه فأما الذي يدل على صحة ما اخترناه من أنه ضربة فهو الحديث المروي عن عمار
رضي الله عنه عن النبي ص أنه قال التيمم ضربة للوجه والكفين وروي عنه
أيضا أنه قال أجنبت فتمعكت فأخبرت رسول الله بذلك فقال ع يكفيك هذا
وضرب بيده على الأرض ضربة واحدة ثم نفضهما ومسح بهما وجهه وظاهر كفيه ويدل أيضا
على ما ذكرناه أنه لا خلاف فيما اخترناه أنه ضربة واحدة ولا بد منها على مذهب الكل فمن
ادعى ما زاد على الضربة فقد ادعى شرعا زائدا أو عليه الدليل وليس في ذلك ما يقطع العذر
ويوجب العلم وبهذا أيضا يحتج في الاقتصار على ظاهر الكفين وقد استقصينا هذه
المسألة غاية الاستقصاء في مسائل الخلاف.
المسألة السابعة والأربعون
وتعميم الوجه واليدين واجب هذا غير صحيح وقد بيناه في المسألة التي قبل هذه
ودللنا عليه وكيف يجوز أن يكون التيمم عاما في العضوين وهو مبني على التخفيف
أ لا ترى أن الوضوء في أربعة أعضاء والتيمم في عضوين وما كان موضوعا على التخفيف
لا يساوى رتبة الغلط وقد أجمع أصحابنا على أن التيمم في الوجه إنما هو من قصاص
الشعر إلى طرف الأنف وفي ظاهر الكفين دون باطنهما ودون ما يتجاوز ذلك.
166

المسألة الثامنة والأربعون:
لا يجوز التيمم إلا بالصعيد الطيب الذي يرتفع منه غبار وينبت فيه الحشيش
ولا يكون سبخة والذي يذهب إليه أصحابنا أن التيمم لا يكون إلا بالتراب أو ما جرى مجرى
التراب مما لم يتغير تغيرا يسلبه إطلاق اسم الأرض عليه ويجوز التيمم بغبار الثوب
وما أشبهه إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه وقال الشافعي التيمم بالتراب
وما أشبهه من المدر والسبخ ولم يجز التيمم بالنورة والزرنيخ والجص وقال أبو حنيفة يجوز
التيمم بالتراب وكل ما كان من جنس الأرض وأجازه بالزرنيخ والكحل والنورة وأجاز
التيمم بغبار الثوب وما أشبهه وقال أبو يوسف لا يجوز التيمم إلا بالتراب والرمل خاصة
وأجاز مالك التيمم بكل ما أجازه أبو حنيفة وزاد عليه بأن أجازه من الضجر وما جرى مجراه
دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المقدم ذكره ونزيد عليه قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا
والصعيد التراب وحكى ابن دريد في كتاب الجمهرة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن الصعيد
هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ وقول أبي عبيدة حجة في اللغة والصعيد
لا يخلو أن يراد به التراب أو نفس الأرض وقد حكي أنه يطلق عليها ويراد ما تصاعد
على الأرض فإن كان الأول فقد تم ما أردناه وإن كان الثاني لم يدخل فيه ما يذهب إليه أبو
حنيفة لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى أرضا بالإطلاق كما لا يسمى سائر المعادن من الفضة
والذهب والحديد بأنه أرض وإن كان الصعيد ما تصاعد من الأرض لم يخل من أن يكون
ما تصاعد عليها ما هو منها وتسمى باسمها أو لا يكون كذلك فإن كان الأول فقد دخل
فيما ذكرناه وإن كان الثاني فهو باطل لأنه لو تصاعد على الأرض شئ من الثمرة والمعادن
أو مما هو خارج عن جوهر الأرض فإنه لا يسمى صعيدا بالإجماع وأيضا ما روي عنه ع
من قوله جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا وأيضا فقد علمنا أنه إذا تيمم بما
ذكرناه استباح الصلاة تيمم وإذا تيمم بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع وعلم
فيجب أن يكون الاحتياط والاستظهار فيما ذكرناه وكذلك أيضا إن تقول إنه على يقين من
الحدث فلا يجوز أن يستبيح الصلاة إلا بيقين ولا يقين إلا بما ذكرناه دون ما ذكره المخالف.
167

المسألة التاسعة والأربعون:
ولا يجوز التيمم بتراب نجس ولا مستعمل أما التراب النجس فلا خلاف في أن
التيمم به لا يجوز كما لا يجوز الوضوء بالماء النجس وأما التراب المستعمل فيجوز التيمم به
كما يجوز الوضوء بالماء المستعمل وقد دللنا على ذلك فيما مضى وإنما بنى من منع من التيمم
بالتراب المستعمل ذلك على المنع بالوضوء بالماء المستعمل وقد دللنا على جواز الوضوء
بالماء المستعمل وأوضحناه ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ولم يفرق بين أن يكون الصعيد مستعملا أو غير مستعمل.
المسألة الخمسون:
استعمال التراب في أعضاء التيمم شرط في صحة التيمم. وعندنا أن ذلك ليس بشرط
وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي يذهب إلى اعتبار تعلق التراب باليد ويقول لا بد من
ممسوح به والدليل على صحة ما اخترناه أنه تعالى أمر بالتيمم بالصعيد الطيب ولم يشرط
فيه بقاء التراب على اليد فيجب ألا يكون شرطا وأيضا ما رواه عنه ع من أنه نفض يديه
قبل أن يمسح بهما وجهه ويديه وهذا يدل على أن بقاءه على اليد ليس بشرط وأيضا ليس
يجوز تعلق التراب باليد من ذهب إلى الضربة الواحدة لأنه معلوم أنه إذا مسح
وجهه لم يبق فيهما من التراب بعد ذلك ما يمسح به يديه وتعلق الشافعي في أنه لا بد من ممسوح به بقوله
تعالى فامسحوا بوجوهكم الآية لأن من هنا يبني لابتداء الغاية وليست للتبعيض وعند
جميع النحويين من البصريين أن من لا يكون إلا الغاية.
المسألة الحادية والخمسون:
لا يجوز فعل الصلاة بالتيمم إلا في آخر وقتها هذا صحيح وعندنا زيادة على ذلك
أن التيمم لا يجوز استعماله إلا في آخر وقت الصلاة وفي الحال التي يتعين فيها الفرض
ويتضيق ومن تيمم قبل ذلك لم يجزئه وجميع الفقهاء يخالفونا في هذه الجملة إلا أن أبا حنيفة
يستحب تأخيره والشافعي يستحب تقديمه في أول الوقت وقد روي عنه قول آخر وهو
168

استحباب تأخيره كما يقول أبو حنيفة ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة يجوز التيمم قبل دخول
الوقت وقال الشافعي ومالك لا يجوز إلا بعد دخول وقت الصلاة دليلنا على صحة مذهبنا
إجماع الفرقة المحقة وأيضا فإن التيمم إنما أبيح للضرورة والحاجة ولا يجوز استعماله قبل
تحقق الضرورة وتأكيد الحاجة أ لا ترى أن أكل الميتة للضرورة ولم يجز استعماله إلا عند
تأكيدها.
المسألة الثانية والخمسون:
السعي في طلب الماء واجب، وهذا صحيح وطلب الماء واجب عندنا ولا يجوز التيمم
قبل الطلب وافقنا على ذلك الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه الطلب غير واجب دليلنا
على صحة مذهبنا إجماع الفرقة المحقة وأيضا فإن تحقيق الكلام في هذه المسألة وتقريره
يقتضي الاجماع على أن الطلب واجب وإنما يبقى الكلام في كيفية الطلب لأنا نقول
لأصحاب أبي حنيفة خبرونا عمن لا يجد ما يخصص به وكان بين يديه إناء مغطى الرأس
يجوز أن يكون فيه ماءا يوجبون عليه كشفه ومعرفة ما فيه أم لا يوجبون ذلك؟ فإن قالوا
لا يجب عليه كشف الإناء وجايز له التيمم لأنه غير واجد الماء ولا عالم به قلنا لهم هذا مما
لا نظنكم ترتكبونه ولا أحد من الأمة تجوزوه وقد صرح أبو يوسف ومحمد بأن من لم يكن معه
ما يطمع في أن يعطيه رفيقه وجب عليه سؤاله وطلب الماء منه ولم يجز له التيمم إلا بعد أن
يأس ويمنعه الرفيق وهذا قول من لا يجيز ما فرضناه وحققناه فإن فرقوا بين طلب الماء من
الرفيق وبين كشف الإناء فإن قالوا هو متحقق لوجود الماء مع الرفيق وليس يتحقق أن الماء
في الإناء قلنا لا فرق بين الأمرين لأنه وإن تحقق وجود الماء مع الرفيق فإنه لا يتحقق بذله له
وتسليمه إليه فإنما يطمع في ذلك ويجوز أن يفعل وإلا يفعل على سواء وكذلك الإناء المغطي
لأنه يطمع أن يكون فيه ما يجوزه وليس بآيس منه فيجب عليه طلبه منه فإن أوجبوا كشف
الإناء المغطي وطلب الماء منه فقد أوجبوا الطلب عند الطمع في وجود الماء وإنما ينفي كيفية
الطلب وغايته وحده وسقط الخلاف في هذه المسألة.
169

المسألة الثالثة والخمسون:
يصلى بتيمم واحد صلوات كثيرة ما لم يحدث أو يجد الماء في إحدى الروايتين
ولا يصلى بتيمم واحد إلا فريضة واحدة في الرواية الأخرى عندنا أن المتيمم يجوز له أن
يصلى بتيمم واحد من الفرض والنوافل ما شاء ما لم يحدث أو يجد الماء وهو مذهب أبي
حنيفة وأصحابه والثوري وقال مالك لا يصلى المتيمم بتيمم واحد صلاتي فرض
ولا يصلى فرضا ونافلة إلا بأن يكون الفرض قبل النافلة وكان التيمم لصلاة الفجر عنده
يلزمه أن يعيد التيمم بين فرضين إذا صلى ركعتي النافلة وقال الشافعي لا يجمع المتيمم بين فرضين
ويصلى الفرض كله والنافلة وصلاة الجنازة بتيمم واحد وقال شريك يتمم لكل صلاة
الدليل على صحة مذهبنا الآية فإنه تعالى أوجب الطهارة على القائم للصلاة إذا وجد الماء
ثم عطف عليه بالتيمم عند فقد الماء والصلاة اسم الجنس فكأنه قال إن الطهارة بالماء إذا
وجدتموه يجزيكم لجنس الصلاة وإذا فقدتموه أجزأكم التيمم لجنسها وأيضا ما روي عنه
ع من قوله التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء وقوله ع لأبي ذر رضي الله
عنه التراب كافيك ولو إلى عشر حجج وظاهر هذين الخبرين يدل على قيام التيمم مقام
الطهارة بالماء وأنه يستباح به ما يستباح بها.
المسألة: الرابعة والخمسون:
فإن وجد الماء بعد ما فرع من صلاته وهو في بقيته من وقتها وجب عليه إعادتها وإن
وجده بعد مضى وقتها فلا إعادة عليه وهذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب إلى أن الصلاة
بالتيمم لا يجوز إلا في آخر الوقت وإنما يجوز أن يفرع هذا الفرع من يجوز الصلاة في وسط
الوقت أو قبل تضييق الوقت وقد بينا أن ذلك لا يجوز فلا معنى هذا الفرع على مذهبنا
ومذهب من وافقنا أن الصلاة لا يجوز إلا في آخر الوقت على ما أخبر وحكي في هذه
المسائل.
170

المسألة الخامسة والخمسون: ومن لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا وجب عليه أن يصلى بغير طهارة فإن وجد الماء
أو التراب بعد مضى وقتها فلا إعادة عليه وليس لأصحابنا في هذه المسألة نص صريح
ويقوى في نفسي بأنه إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا فإن الصلاة لا تجب عليه وإذا تمكن من
الماء والتراب النظيف قضى الصلاة وإن كان الوقت قد خرج وهو مذهب أبي حنيفة
ومحمد في بعض الروايات عن محمد وفي رواية أخرى عنه أن يصلى ويعيد قال الشافعي
وأبو يوسف يصلى بغير طهارة ثم يقضي الدليل على صحة ما اخترناه قوله تعالى ولا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى إلى قوله تغتسلوا فمنع من فعل الصلاة مع الجنابة إلا بعد
الاغتسال وأيضا قوله ع لا يقبل الله صلاة بغير طهور والطهور هو الماء عند
وجوده والتراب عند فقده وقد عدمها جميعا فوجب أن لا يكون له صلاة وليس للمخالف
أن يتعلق بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قوله تعالى أقم الصلاة طرفي النهار
لأنه تعالى إنما أمر بإقامة الصلاة وهذه ليست بصلاة لأنها بغير طهارة ولا يتناولها
الاسم.
المسألة السادسة والخمسون:
فإن وجد ماء لوجهه ويده غسلهما ولا يتيمم عليه هذا قول واقف لأن من وجد من
الماء ما يكفيه لوجهه ويده فغسلهما كيف تستبيح الصلاة وهو ما أكمل الطهارة بالماء التي
هي في أربعة أعضاء ولا يتمم وإنما اختلف الفقهاء في من وجد من الماء ما لا يكفيه لجميع
أعضائه فعندنا أن من كانت هذه حاله يجب عليه التيمم ولا يستعمل الماء الذي لا يكفيه
وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والمزني وقال الشافعي يستعمل الماء فيما يكفيه من أعضائه
ولم يقل أحد إنه إن وجد من الماء ما يكفيه لبعض الأعضاء استعمله فيه ولم يتيمم والإجماع
سابق لهذا القول الحادث فأما الدليل على صحة قولنا في المسألة التي حكيناها فهو الآية
وأنه تعالى أوجب التيمم عند عدم الماء وإنما عني بقوله الماء الكافي لها لا محالة فصار وجود
ما لا يكفي كعدمه أ لا ترى أنه إذا وجد ما يخاف العطش إن استعمله في وضوء وجب عليه
171

التيمم من حيث كان ما معه من الماء ما وجوده كعدمه في أن الطهارة ما فرضت عليه.
المسألة: السابعة والخمسون:
ولو أجنب رجل في شدة البرد وخشي من الاغتسال ولم يخش من الوضوء توضأ
وصلى ولا تيمم عليه وهذا أيضا غير صحيح وهو خلاف إجماع الفقهاء لأنه متى خشي في
الاغتسال على نفسه يجب عليه التيمم الذي فرضه عند زوال فرض الطهارة بالماء
والوضوء في الأعضاء الأربعة لا يزيل حدث الجنابة ولا يقوم مقام الاغتسال فكيف يستباح
الصلاة مع حدث الجنابة وهذا ما لا شبهة في مثله.
المسألة الثامنة والخمسون:
أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره غير مقدر في أحد الروايتين ويعتبر صفات الدم وفي
الرواية الأخرى أكثره عشرة أيام عندنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه والثوري وقال الشافعي والأوزاعي أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر
يوما وحكى الطحاوي عن مالك أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره وهو مذهب داود وروى
غير الطحاوي عن مالك أنه كان لا يجعل لأقله حدا ويجعل الحد في أكثره خمسة عشر يوما
دليلنا إجماع الفرقة المحقة وأيضا ما رواه القسم بن محمد عن أبي أمامه عن النبي ص
أنه قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وهذا نص صريح في موضع
الخلاف وروى أنس بن مالك عن النبي ع أنه قال أقل الحيض يكون ثلاثا وأربعا
وخمسا ولا تجاوز عشرا وأيضا فإن المقادير التي تتعلق بحقوق الله تعالى لا يعلم إلا من جهة
التوقيف والإجماع مثل المقادير والحدود وركعات الصلاة وقد علمنا أن من الثلاثة إلى
العشرة فتبين على أنه حيض وما نقص عن الثلاثة وزاد على العشرة مختلف فيه فلا يثبت
إلا من طريق التوقيف وأيضا فإن هذه الأمور العامة البلوى بها دائمة للنساء فلو كان
ما دون الثلاثة وفوق العشرة حيضا لنقل نقلا متواترا يوجب العلم كما وردت أمثاله.
172

المسألة التاسعة والخمسون:
أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام هذا صحيح وإليه نذهب وقال أبو حنيفة
وأصحابه والثوري والشافعي وابن حي إن أقل الطهر خمسة عشر يوما وأما مالك ففي
إحدى الروايات عنه أنه لم يوقت وفي رواية عبد الملك بن حبيب عنه أن الطهر لا يكون
أقل من عشرة أيام وعند الأوزاعي يكون الطهر أقل من خمسة عشر يوما ويرجع فيه إلى
مقدار طهر المرأة قبل ذلك وحكى الشافعي أنه قال إن علم أن طهر المرأة أقل من خمسة عشر
يوما جعل القول قولها وحكى ابن أبي عمير عن يحيى بن أكثم أن أقل الطهر تسعة عشر يوما
واحتج بأن الله جعل عدد كل حيضة وطهر شهرا والحيض في العادة أقل من الطهر
فلم يجز أن يكون الحيض أقل من خمسة عشر يوما فوجب أن يكون حيضا وباقي الشهر
طهرا وهو تسعة عشر يوما لأن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما والذي يدل على صحة
مذهبنا إجماع الفرقة المحقة وأيضا فلا خلاف في أن عشرة أيام طهر وإنما الخلاف فيما زاد
على ذلك فمن ادعى زيادة على المتفق عليه وجب عليه دليل قاطع للعذر موجب للعلم
وليس يجد المخالف ما هذه صفته.
المسألة الستون:
الصفرة إذ رأيت قبل الدم الأسود فليست بحيضة وإن رأيت بعده فهي حيض
وكذلك الكدرة. عندنا أن الصفرة الكدرة في أيام الحيض حيض وليست في أيام الطهر
حيضا من غير اعتبار لتقديم الدم الأسود وتأخره وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي
والليث وعبد الله بن الحسن وقال أبو يوسف لا تكون الكدرة حيضا إلا بعد أن يتقدمها الدم
وذهب بعض أصحاب داود إلى أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض على وجه دليلنا بعد
الاجماع المتقدم ما روي عن عائشة أنها قالت كنا نعد الصفرة والكدرة في أيام الحيض
حيضا فالظاهر أنها لا تقول ذلك من قبل نفسها بل بتوقف منه ع إنها ما كانت
تصلي حتى ترى البياض خالصا ومعنى ذلك حتى ترى الخرقة بيضاء ليس فيها صفرة
ولا كدرة وروي عن أسماء مثل ذلك وروي عن أبي هريرة أنه قال أول الحيض أسود ثم
173

رقيق ثم صديد ثم أصفر فجعل الصفرة من جملة الحيض.
المسألة الإحدى والستون:
الحيض لا يكون مع الحمل عندنا أن الحامل قد يكون معها الحيض كالحائل وهو
مذهب مالك والليث والشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن حي
وعبد الله بن الحسن إن الحامل لا تحيض دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة المحقة
المتقدم ذكرها وأيضا قوله تعالى ولا تقربوا النساء حتى يطهرن ولفظ النساء عام في الحوامل
وغير الحوامل فلو لم يكن الحيض مما يجوز أن يكون من جميع النساء ما علق هذا الوصف
على اسم النساء ما وفي تعليقه عليه دلالة على أنه مما يجوز أن يكون من جميع النساء وأيضا
قوله ع لفاطمة بنت أبي حبش إذا كان دم الحيض أسود فأمسكي عن الصلاة
وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلى ولم يفرق بين أن تكون حائلا أو حاملا.
المسألة الثانية والستون:
المستحاضة تجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد وبين العشائين بوضوء واحد
ويرتفع حيضها بدخول وقت الصلاة والكلام في هذه المسألة قد بيناه وفرغناه في مسألة
تقدمت هذا الموضع وبينا الموضع الذي يجب فيه على المستحاضة الوضوء لكل صلاة
والموضع الذي يجب عليها فيه الغسل في كل يوم فأوضحناه ولا معنى لإعادته.
المسألة الثالثة والستون:
أقل النفاس ليس بمقدر وأكثره أربعون يوما ولو انقطع دمها عقيب الولادة واستمر
الانقطاع إلى قبل الأربعين بيوم أو يومين ثم رأت الدم كان الدم الثاني نفاسا كالأول عندنا
أن الحد في نفاس المرأة أيام حيضها التي تعهدها وروي أنها تستظهر بيوم أو يومين وروي في
أكثره ثمانية عشر يوما وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث أكثر النفاس أربعون
يوما وقال الأوزاعي تعتبرها بنساء أمهاتها وأخواتها فإن لم يكن لها نساء فأكثره أربعون
174

يوما وقال مالك وعبيد الله بن الحسن والشافعي أكثره ستون يوما ثم رجع مالك عن هذا
وقال نسأل الناس عنه وأهل المعرفة وحكى الليث أن من الناس من يقول سبعون يوما
وحكي عن الحسين أيضا أنه قال أكثر النفاس خمسون يوما فأما أقل النفاس عندنا
فانقطاع الدم دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره وأيضا فإن الاتفاق
حاصل من أن الأيام التي تقر بأنها النفاس فإن النفاس يلحقها حكم النفاس ولم يحصل
فيما زاد على ذلك اتفاق ولا دليل والقياس لا يصح إثبات المقادير به فيجب صحة
ما اعتمدناه وأيضا ولك أن تقول إن المرأة داخلة في عموم الأمر بالصلاة والصوم وإنما
يخرجها في الأيام التي حددناهما الاجماع ولا إجماع ولا دليل فيما زاد على ذلك فيجب دخولها
تحت عموم الأوامر ولو لم يكن مذهبنا إلا أن فيه استظهارا للفرض والاحتياط له وإخبارهم
بخلاف ذلك لكفى.
المسألة الرابعة والستون:
ولو ولدت توأمين كان النفاس من مولدها الآخر منهما ليست أعرف ولأصحابنا
نصا صريحا في هذه المسألة والذي يقوى في نفسي أن النفاس يكون من مولد الأول وقال
أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بمثل ذلك وقال محمد وزفر من مولد الآخر الدليل على صحة
ما قويناه أن النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بدلالة أنها لو رأت الدم قبل الولادة لم
يكن نفاسا ولو رأته بعد الولادة ولم يبق في بطنها ولد كان نفاسا فعلم أن النفاس هو دم
خارج عقيب الولادة وقد وجد دم على هذه الصفة فوجب أن يكون نفاسا ولا يمنع كون
أحد الولدين باقيا في بطنها من أن يكون نفاسا وأيضا لا يختلف أهل اللغة في أن المرأة
إذا ولدت وخرج الدم عقيب الولادة فإنه يقال قد نفست ولا يعتبرون بقاء ولد في بطنها
ويسمون الولد منفوسا قال الشاعر: إذا نفس المنفوس من آل خالد بدا كرم للناظرين مبين.
فسمي الولد منفوسا ومحال أن يكون الولد منفوسا إلا والأم نفساء والدم نفسه فسمي
نفسا أ لا ترى أنهم يقولون كلما له نفس سائلة فحكمه كذا وكذا يعنون كلما له دم سائلة وإذا
كان الدم وقع عليه اسم النفس وجب أن يكون خروجه عقيب الولادة نفاسا على كل حال.
175

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
177

فصل في تعيين شروط الصلاة:
شروط الصلاة التي تصح بتكاملها وتبطل بالإخلال بواحدها عشر:
الاسلام، ورفع الأحداث، وتأديتها في الوقت، والتوجه إلى القبلة، والنية، وستر
العورة، وطهارة الجسم، وطهارة اللباس، واعتبار محل القيام، واعتبار محل السجود.
بيان الشرط الأول: العلم بهذا الشرط في صحة الصلاة وغيرها من العبادات لاقتصار
صحة العبادة إلى شروط قد بيناها يستحيل حصولها مع الكفر.
الشرط الثاني: العلم بهذا الشرط يتعلق بفصول أربعة:
أولها تعيين الأحداث وثانيها ذكر المزيل لها وأحكامه وثالثها صفة الطهارة منها
ورابعها طهارة الضرورة...
الفصل الأول:
الأحداث المانعة من الصلاة الموجبة للطهارة حال البلوى تسع: البول والغائط
والريح وما يفقد معه التحصيل والجنابة ودم الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس ومس
الميت. ولا حكم لما عدا ذلك، فمتى حدث شئ من هذه صار المكلف محدثا ممنوعا من
179

الصلاة ومس المصحف وأسماء الله تعالى بالجميع، وبإحداث الغسل من الجلوس في
المسجد، ويكره فيما عداها.
والأربع الأول ترفع بالوضوء ولا ترتفع منفردة إلا به، والخمس الأخر يفتقر لارتفاعها
إلى الغسل ولا ترتفع إلا به على كل حال.
ويلزم مريد البول أن يعتزل الناس ويتقى الأرض الصلبة، واستقبال الريح والقبلة
وقرصي الشمس والقمر، وما نقص من المياه المحصورة عن الكر، والآبار جملة، ويكره له
البول في الحجرة وسائر المياه، فإذا فرع منه فليمسح من تحت الأنثيين إلى أصل القضيب
بإصبعه وينتره إلى رأس الحشفة مرارا ثم يغسل مخرجه بالماء، ولا يجزئه مع وجوده غيره،
وأقل ما يجزئ منه ما أزال عين البول عن رأس فرجه.
ويلزم مريد الغائط أن يتوارى عن الناس ويتقى مواضع اللعن ولا يستقبل القبلة
ولا يستدبرها ولا قرصي الشمس والقمر. فإذا قضى حاجته فليمسح مخرج النجو بثلاثة
أحجار ويجزئه ذلك عن الماء ما لم يتعد النجو مخرجه، والماء أفضل والجمع بينهما أفضل، فإذا
تعدى لم يجز في إزالته غير الماء.
فأما حدث النوم وما يجري مجراه فإنما يكون حدثا عند عدم التحصيل.
وحدث الريح يحصل بإدراك الصوت أو الريح المعهودين ولا يحتاج بحدثهما إلى
الاستنجاء لأنه لا شئ هناك يفتقر إلى إزالته.
وأما حدث الجنابة فيكون بشيئين: إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل
حال. والثاني بالجماع في الفرج وإن لم يكن هناك إنزال.
والحيض هو الدم الحادث في أزمان عادته أو الأحمر الغليظ الحار في زمان الالتباس
وأقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، وأقل الطهر عشرة أيام وأكثره ثلاثة أشهر.
والنساء في الحيض ثلاث: ذات عادة مستقرة ومختلطة ومبتدئة.
فأما ذات العادة المستقرة في الحيض والطهر وكل دم تراه في زمان الحيض فحيض
وإن كان رقيقا، وكل دم تراه في أيام طهرها فهو استحاضة وإن كان غليظا حارا، وإن كانت
عادتها مختلفة في الحيض مستقرة في الطهر فكل دم تراه في أقل العادة وأكثرها حيض وفي
180

الطهر دم استحاضة فإن كانت عادتها في الحيض مستقرة ومختلفة في الطهر فكل دم تراه في
أقل عادتها في الطهر فهو استحاضة وما تراه بعدها إن كان غليظا حارا فهي حائض وإن
كان رقيقا باردا فهي استحاضة إلى أن تبلغ غاية عادتها في الطهر ثم هي حائض.
وأما المختلطة فهي التي لا تعرف زمان حيضها من طهرها ففرضها أن ترجع إلى عادة
نسائها فتحيض بأيام حيضهن وتستحيض بأيام طهرهن، فإن لم تكن لها نساء تعرف
عادتهن اعتبرت صفة الدم، فإذا أقبل الدم الأحمر الغليظ الحار فهي حائض، وإذا أدبر إلى
الرقة والبرودة والاصفرار فهي مستحاضة، فإن كان الدم بصفة واحدة تحيضت في كل
شهر سبعة أيام واستحاضت باقية.
وأما المبتدئة فيلزمها إذا رأت الدم أن تشدد وتصوم وتصلي فإن انقطع الدم لأقل من
ثلاث فليس بحيض وإن استمر ثلاثا فهي حائض، وكل دم تراه بعدها إلى تمام العشرة فهو
حيض، فإن رأت بعد العشرة دما فهي مستحاضة إلى تمام العشر الثاني، فإن رأت بعده دما
رجعت إلى عادة نسائها فتممت استحاضتها أيام طهرهن وتحيضت أيام حيضهن إلى أن
تستقر لها عادة.
ويلزم الحائض أن تمنع زوجها نفسها ويجب عليه اعتزالها، فإذا طهرت - وعلامة
طهرها أن تحمل قطنة وتصبر عليها زمانا وتخرج نقية - فتغتسل.
وأما الاستحاضة فهو الدم الحادث في زمان الطهر المعهود والمشروع ويلزم المرأة إن
كان رشحا أن تتوضأ لكل صلاة وتغير الشداد، وإن كان ينقب الشداد ولا يجري فعليها أن
تغتسل لصلاة الفجر وتتوضأ لباقي الصلوات، وإن كان ينقبه ويجري عليه فعليها ثلاثة
أغسال: غسل للفجر وغسل للظهر والعصر وغسل للمغرب والعشاء الآخرة، فإذا
فعلت المستحاضة ما ذكرناه فهي طاهر يجب عليها ما يجب على الطاهر ويحل لها ومنها ما يحل
لها ومنها.
وأما النفاس فهو الدم الحادث عقيب الولادة، فإذا انقطع عنها في اليوم الثاني
أو الثالث اغتسلت وصامت وصلت، وإن استمر بها صبرت عشرا فإن رأت بعد العشر دما
فعلت فعل المستحاضة، ويلزم الحائض والنفساء قضاء الصوم والصلاة، وأما مس الميت
181

فإنما يكون حدثا إذا كان من الناس بعد برده وقبل تطهيره من غير حائل بين المماس وبشرة
الميت.
الفصل الثاني:
لا يرتفع الأحداث ولا يزول أحكام النجاسات إلا بالماء المطلق، وهو على ظاهر
الطهارة حتى تخالطه النجاسة، فينجس لذلك مياه الآبار وما نقص من المياه المحصورة
عن الكر.
ولا ينجس الجاري وما بلغ الكر فما فوقه من المياه المحصورة إلا أن يتغير طعمه
أو لونه أو ريحه فيهراق ما ينجس من المياه بالتغيير أو قليل النجاسة.
ويطهر البئر بنزح جميع مائها إن كان الواقع فيها خمرا أو منيا أو فقاعا أو بولا أو خرء
ما لا يؤكل لحمه أو مات فيها بعير، فإن تعذر ذلك لكثر الماء تراوح عليها أربعة رجال من أول
النهار إلى آخره، وينزح لما عدا ذلك إن تغير ماء البئر له حتى يذهب التغيير، وإن لم يتغير
نزح لموت الانسان سبعون دلوا، ولموت الفرس والبغل والحمار وما ماثلهم من الحيوان كرا
من الماء، ولموت الكلب والثعلب والشاة والسنور وما كان في قدر شئ من ذلك أربعون دلوا،
ولموت الدجاجة والحمامة وما كان في قدرهما سبع دلاء، وللفأرة ترفع لوقتها ثلاث دلاء، فإن
انتفخت أو انفسخت فسبع دلاء، وللعصفور وما ماثله دلو واحد، وللحية والعقرب ثلاثة
دلاء، وللوزغة دلو واحد، ولبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء فإن أكل الطعام فسبع دلاء
فإذا بلغ فأربعون دلوا، وللعذرة اليابسة عشر دلاء فإن تقطعت أو كانت رطبة فخمسون
دلوا، ولقليل الدم عشر دلاء ولكثيره خمسون دلوا بدلو البئر المألوف كائنا ما كان.
فإن وقع شئ من النجاسات في مائع غير الماء كالدهن والخل والمرق أو مات فيها
حيوان أو لاقى حيوان نجس، نجست ووجبت إراقة جميعها إلا الدهن خاصة فإن
الاستصباح به جائز.
وإن خالط الماء أحد الطاهرات كالورس والزعفران وشبههما فغلب عليه حتى سلبه
سمة الماء لم يرتفع به الحدث ولم تزل به النجاسة، وإن لم يسلبه سمة الماء فهو على ما كان
182

عليه من التطهير وإن تغيرت أحد أوصافه.
فصل في النجاسات:
ما يؤثر التنجيس على ثلاثة أضرب: أحدها يؤثر بالمخالطة، وثانيها بالملاقاة،
وثالثها بعدم الحياة.
فالأول أبوال وخرء كل ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا، والشراب،
والمسكر، والفقاع، والمني، والدم المسفوح، وكل مائع نجس بغيره.
والثاني أن يماس الماء وغيره حيوان نجس كالكلب والخنزير والثعلب والأرنب
والكافر.
والثالث أن يموت في الماء وغيره حيوان له نفس سائلة.
ولا حكم لما عدا ما ذكرناه في التنجيس.
الفصل الثالث:
الطهارة على ضربين: وضوء وغسل.
وأحكام الوضوء على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض منه سبعة أشياء:
النية وحقيقتها العزم عليه بصفاته المشروعة لرفع الحدث واستباحة الصلاة
لوجوبه قربة إلى مكلفة سبحانه، وموضعها في ابتدائه، فإن أخل بها المتوضئ أو بشئ من
صفاتها فوضوؤه باطل.
وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر الذقن ما دارت عليه الإبهام
والوسطى من اليد اليمنى عرضا بكف من الماء.
وغسل الذراعين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، يبدأ الرجل بظاهر الساعد والمرأة
بباطنه، فإن زاد في الحد المغسول متدينا أو نقص منه أو جعل موضع الغسل مسحا على كل
حال فوضوؤه باطل، وكذلك حكمه إن بدأ بالأصابع وختم بالمرفق.
ومسح مقدم الرأس بثلاث أصابع مضمومة مع الشعر، ويجزئ بإصبع واحد.
183

ومسح ظاهر القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين - وهما موضع معقد الشراك -
بفضل نداوة الوضوء، فإن مسح غير الجهة المشروعة، أو استأنف للمسح ماءا جديدا،
أو جعل موضع المسح غسلا على حال، أو تدين بالزيادة عليها بطل الوضوء.
والترتيب: وهو أن يبدأ بوجهه ثم يده اليمنى ثم اليسرى ثم رأسه ثم رجليه، فإن
خالف الترتيب عن قصد أو سهو عاد فرتب، فإن لم يفعل فلا وضوء له.
والموالاة وهي أن يصل توضئة الأعضاء بعضها ببعض، فإن جعل بينهما مهلة حتى
جف الأول بطل الوضوء.
والمسنون: وضع الإناء عن اليمين، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء من النوم مرة
ومن البول مرة ومن الغائط مرتين، والمضمضة، والسواك، والاستنشاق، وتثنية الغسل في
الوجه واليدين وذكر الله والصلاة على محمد وآله ص، والتفرد به. ولا يجوز
له أن يقوم عن مجلس وضوئه إلا وهو على يقين من فعله متكامل الواجب فإن نهض وهذه
حاله لم يلتفت إلى شك يحدث، ولا تصح الصلاة إلا بطهارة متيقنة فمتى شك فيها
استأنفها، ولا يجوز له تثليث الغسل على حال فإن ثلث فسد الوضوء.
والأغسال على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض ثمانية أغسال: غسل الجنابة،
وغسل الحيض، وغسل النفاس، وغسل الاستحاضة المخصوصة، وغسل مس الميت.
وجهة وجوب هذه الأغسال الأحداث المذكورة. ويلزم مريدها الاستبراء بحيث يتعين
الاستنجاء على كل وغسل ما على الجسم من النجاسة.
وافتتاحها بالنية وهي العزم على الغسل بصفة لرفع الحدث واستباحة الصلاة
لوجوبه على وجه القربة، ثم غسل الرأس في الجنابة إلى أصل العنق ثم الجانب الأيمن من
العنق إلى تحت القدم، ثم الجانب الأيسر كذلك، ويختم بغسل الرجلين. فإن ظن بقاء شئ
من صدره أو ظهره لم يصل إليه الماء فليتبع بإراقة الماء على صدره وظهره، وإن كان على
شئ من جسده شعر فعليه تمييزه ليصل الماء إلى البشرة، فإن كان عليه سوار أو دملج
أو خاتم أو في وسطه سير فليحركه ليدخل الماء تحته، وإن كان ضيقا لا يتحرك فلينزعه.
والترتيب فيه واجب، والموالاة غير واجبة. وإذا فعل ذلك تمت طهارته وجازت له الصلاة
184

ولا يحتاج إلى وضوء. ويستحب أن يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات. فما عدا
غسل الجنابة الوضوء واجب في ابتدائه ثم ترتيب غسل الجنابة.
وغسل الميت: وجهة وجوبه مصلحة الحي وتكرمة المسلم. وصفته: أن يبدأ الغاسل
فينجي الميت ويوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه إلى عنقه، ثم جانبه الأيمن من أصل
عنقه إلى تحت قدمه، ثم جانبه الأيسر كذلك بالسدر ومائه، يتولى الغسل واحد والصب
آخر، ثم يغسله ثانية بماء الكافور كذلك من غير وضوء، ثم ثالثة كذلك بماء قراح.
ويلزم متوليه أن يفتتحه بالنية وهي العزم على الوجه الذي بيناه قاصدا تكرمة الميت
لوجوبه عليه قربة إلى الله تعالى.
وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاث.
وغسل المفرط في صلاة الكسوف مع العلم به وكونه احتراقا، وجهة وجوب هذين
الغسلين كونهما شرطا في تكفير الذنب وصحة التوبة منه فيلزم العزم عليهما لهذا الغرض
لكونهما مصلحة في التكليف بشرط الإخلاص له سبحانه. ويلزم افتتاحهما بالوضوء
وترتيبهما بعده كترتيب غسل الجنابة.
وأما الأغسال المسنونة فثلاثون غسلا: غسل الجمعة، وغسل الفطر، وغسل الأضحى،
وغسل الغدير، وغسل يوم المبعث، وغسل النصف من شعبان، وغسل ليلة شهر رمضان،
وغسل ليلة النصف منه، وغسل ليلة سبع عشر منه، وغسل ليلة تسع عشر منه، وغسل
ليلة إحدى وعشرين منه، وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه، وغسل ليلة الفطر، وغسل
إحرام الحج، وغسل إحرام العمرة، وغسل دخول مكة، وغسل دخول المسجد، وغسل
دخول الكعبة، وغسل زيارة البيت من منى، وغسل يوم عرفة، وغسل دخول المدينة،
وغسل دخول مسجد النبي ص وغسل زيارته ص وغسل
زيارة مشاهد الأئمة ع، وغسل صلاة الاستسقاء وغسل صلاة الحاجة، وغسل
صلاة الاستخارة، وغسل صلاة الشكر، وغسل التوبة من الكبائر، وغسل المولود.
ومن السنة من مريد شئ من هذه الأغسال أن يفتتحه بالوضوء والنية ثم ترتبه ترتيب
غسل الجنابة. والنية أن يعزم على فعله لصفته المشروعة لكونه لطفا له في المندوب إليه
185

مخلصا به لمكلفه سبحانه، ولا يجوز له فعله وهو محدث حتى يرفع حدثه بطهارته المختصة
به، إذ بها تستباح الصلاة دون الغسل.
الفصل الرابع في فرض التيمم:
فرض التيمم يتعين عند عدم الماء أو حصول مانع منه من شدة برد أو مرض أو جرح
أو عطش أو حصول علم أو ظن بفوت الوقت قبل الوصول إليه أو تعذر ما يبتاع به من
الثمن أو كون الثمن مجحفا به أو فقد الملك والإذن فيه أو كونه نجسا عند آخر الوقت، بعد
أن يطلبه فاقده أمامه وعن يمينه وعن يساره مقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في
الأرض السهلة. ولا يصح بغير التراب من جميع الأجناس، وأفضل ذلك عوالي الأرض،
ويجوز من مهادها وبكل تراب طاهر.
وكيفيته: أن يزيل المحدث ما على فرجه وجسده من النجاسة بالتراب وغيره، ثم
يضرب الأرض بيديه جميعا ويرفعهما فينفضهما ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس
إلى طرف الأنف، ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ثم
ظاهر اليسرى بباطن اليمنى كذلك. فإن كان موجبه حدثا يوجب الغسل ضرب الأرض
ضربتين: إحداهما لوجهه والأخرى ليديه، وجميعه واجب والترتيب شرط في صحته ولا بد
من افتتاحه بنية حقيقتها العزم على فعله بصفته لتصلي به لوجوبه متقربا به إلى الله.
فإذا أوقعه على هذا الوجه جازت له صلاة الليل ما لم يحدث ما ينقض الطهارة
أو يتمكن من استعمال الماء، وإذا صلى المكلف بتيمم صلاة وخرج عنها ووقتها باق فعليه
إعادتها وترتيبها بمقدار ما بقي من الوقت، فإذا تمكن من استعمال الماء توضأ إن كان حدثه
الماضي من أحداث الوضوء أو اغتسل إن كان من أحداث الغسل واستقبل الصلاة،
ولا إعادة عليه، صلاته بتيممه.
186

فصل في أحكام الجنائز من فروض الكفاية:
فيلزم من حضر مسلما قد احتضر أن ينقله إلى موضع مصلاه، وليوجهه إلى القبلة،
ويلقنه جمل المعارف وكلمات الفرج، فإذا قضى نحبه فليغمض عينيه، ويطبق فاه، ويمد يديه
مع جنبيه ويمد رجليه، يتولى ذلك منه الرجال، وإن كانت امرأة تتولى ذلك منها النساء
المأمونات العارفات، وإن فقد الرجال في حق الرجل تولى ذلك ذو أرحامه من النساء
أو المأمونات من الأجانب وكذلك الحكم في المرأة مع عدم النساء، ولا يقرب موضعه بنوح
ولا غيره من القبائح.
وليكثر عنده من تلاوة القرآن، وإن كان ليلا أسرج عليه في البيت مصباح، ولا يجعل
عليه حديد.
فإذا أريد غسله فلينتقل إلى سريره متوجها إلى القبلة ويغسل على الوجه الذي
ذكرناه في باب الأغسال، يتولى ذلك العارف، ويصب الماء عليه آخر، وليكثر من قوله:
عفوك عفوك.
وإن كان الميت رجلا بين النساء غسله ذوات أرحامه، فإن لم يكن له فيهن ذات محرم
غسلته المأمونات في قميصه وهن مغمضات، وإن كانت امرأة بين الرجال غسلها زوجها
أو بعض محارمها، فإن لم يكن فيهم محرم غسلها المأمون مغمضا في ثيابها.
ويغسل المحرم كالمحل، ولا يقرب بطيب.
ويغسل القتيل ظالما كان أو مظلوما إلا قتيل معركة الجهاد فإنه لا يغسل وإن كان
جنبا، ويدفن بثيابه إلا السراويل والخف والفروة والقلنسوة، فإن أصاب شيئا من ذلك دم
دفن معه إلا الخف.
وإذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء غسلوا غسلا واحدا.
فإذا فرع من تغسيله فليغسل يديه إلى المرفقين، ويطرح عليه ثوبا ينشفه به، ويحشو
أسفله بقطن، ويؤزره بالخامسة، ثم يكفنه في درع ومئزر ولفافة ونمط، ويعممه ويحتنكه
ويرخي له ذؤابتين على صدره إحداهما على يمينه والآخر عن شماله والأفضل أن يكون
الملاف ثلاثا إحداهن حبرة يمنية، وتجزئ واحدة.
187

وأفضل الأكفان الثياب البياض (كذا) من القطن والكتان، ويجوز بغيرها مما تجوز فيه
الصلاة، وإن لم يكن له إلا قميص واحد كفن فيه بعد قطع الأزرار حسب.
وليحصل معه جريدتان خضراوان من جرائد النخل إحديهما لاصقة بجلده،
والأخرى بين الدرع واللفافة، ويحنط بثلاثة عشر درهما وثلث كافورا، ويجزئ مثقال واحد،
يجعل على مساجده السبع وطرف أنفه، ثم يعقد كفنه وينقل إلى سريره، ولتكن حملته أربعة
من المسلمين، وليمش مشيعوه ولا يركبون خلف الجنازة وعليهم السكينة والوقار
والخشوع، مستغفرين الله تعالى له شافعين إليه سبحانه فيه.
ويستحب للرجل أن يحفي ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه دون من عداهم.
وإذا رأى المرء جنازة فليقل:
الله أكبر الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا
وتسليما، سبحان المتعزز بالاقتدار على العباد سبحان المتفرد بالبقاء وقاهر الخلق بالموت.
فإذا أصحر به فليصل عليه حسب ما تقدم وصفه من صلاة الجنائز.
ثم ينتقل إلى قبره، فيحط رأسه إلى رجلي القبر وبينهما مسافة، فإذا استقرت الجنازة
تركت مهلة ثم قربت إلى القبر، فتركت هنيئة ثم قربت إلى شفير القبر، فإذا عاين المشيعون
القبر فليقولوا:
اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفيرة من حفر النار، هذا ما وعدنا
الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
ثم لينزل إلى القبر من قبل الرجلين اثنان مؤمنان عارفان يحط رأسه أولا ثم يسلانه
حتى يضعاه في لحده، ويحلا عقد الكفن من قبل رأسه ورجليه، ويضع خده على التراب على
جانبه الأيمن متوجها إلى القبلة، وليلقنه ملحده منهما الشهادتين وأسماء الأئمة ع
ويقول:
اللهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته واغفر زلته، نزل بك اللهم وأنت خير
منزول به فاجعل نزله لديك اللهم الفوز بالجنة والنجاة من النار.
ثم يشرج عليه اللبن، ويصعدان من قبل الرجلين، ثم يهال عليه التراب، فإذا امتلأ
188

القبر وارتفع التراب عن الأرض فليصب عليه الماء، يبدأ بذلك من عند الرأس ويدور حتى
ينتهي إليه من الجانب الآخر، ويرفع قبره ويسطح، ولا يرفع أكثر من أربع أصابع مفرجات،
ثم ينادي بالانصراف.
فإذا انصرف المشيعون فليتخلف عنده رجل عارف، فإذا انقطع عنه حس المشيعين
فليقف مستدبر القبلة ووجهه تجاه وجه الميت وينادي برفيع صوته:
يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن
والحسين - ويعد الأئمة إلى الحجة بن الحسن ع - خلفاء رسوله وحفظة شرعه،
وأن الموت حق، والبعث حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله
يبعث من في القبور، إذا أتاك الملكان المقربان فسألاك فقل: الله ربي لا أشرك به شيئا،
ومحمد نبي، وعلي والحسن والحسين - وفلان وفلان إلى آخرهم - أئمتي، والإسلام ديني،
والقرآن شعاري وحجتي، والكعبة قبلتي، والمسلمون إخواني. ثم ينصرف.
ومن السنة تعزية أهله ثلاثة أيام، وحمل الطعام إليهم لشغلهم بمصابهم عن
اصطناعه.
189

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
191

كتاب الطهارة
باب ماهية الطهارة وكيفية ترتيبها
الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة. وهي تنقسم قسمين:
وضوء وتيمم. ومدارهما على أربعة أشياء: أحدها وجوب الطهارة وثانيها ما به تكون
الطهارة وثالثها كيفية الطهارة ورابعها ما ينقض الطهارة.
فأما العلم بوجوبها فحاصل لكل أحد خالط أهل الشرع ولا يرتاب أحد منهم فيه.
والعلم بما فيه تكون الطهارة فينقسم قسمين: أحدهما العلم بالمياه وأحكامها وما
يجوز الطهارة به منها وما لا يجوز والثاني العلم بما يجوز التيمم به وما لا يجوز.
وأما العلم بكيفية الطهارة فينقسم قسمين: أحدهما العلم بالطهارة الصغرى
وكيفيتها والثاني العلم بالطهارة الكبرى من الأغسال وأحكامها.
وأما القسم الرابع وهو ما ينقض الطهارة فهو أيضا على ضربين: أحدهما ينقض
الطهارة الصغرى ولا يوجب الكبرى والثاني ينقضها ويوجب الطهارة الكبرى.
والذي يتبع الطهارة مما يحتاج إلى العلم به، للدخول في الصلاة وإن لم يقع عليه اسم
الطهارة، العلم بإزالة النجاسات من البدن والثياب، لأنه لا يجوز الدخول في الصلاة مع
نجاسة على البدن أو الثوب كما لا يجوز الدخول في الصلاة مع عدم الطهارة ونحن نرتب
ذلك على حسب ما تقتضيه الحاجة إليه، إن شاء الله.
أما العلم بوجوب الطهارة فقد بينا حصوله لا محالة فلأجل ذلك لم نشرع فيه.
193

وأما ما به تقع الطهارة من المياه وغيرها فيجب أن يكون العلم به مقدما على العلم
بكيفية إيقاعها، فلأجل ذلك بدأنا به في أول الكتاب ثم نذكر بعد ذلك ما وعدنا من الأقسام
الأخر، إن شاء الله.
باب المياه وأحكامها:
وما يجوز الطهارة به منها وما لا يجوز وبيان ما يقع فيها مما يغير حكم الطهارة منها وما
يرفع ذلك الحكم عنها:
الماء كله طاهر ما لم يقع فيه نجاسة تفسده وهو على ضربين: طاهر مطهر وطاهر ليس
بمطهر.
فأما الماء الطاهر الذي ليس بمطهر، فالماء المضافة، مثل ماء الباقلي وماء الآس وماء
الورد. وهذه المياه لا يجوز استعمالها في شئ من الطهارات ولا في إزالة النجاسات من البدن
والثياب، ولا بأس في الشرب وغيره ما لم يقع فيها شئ من النجاسة، فإن وقع فيها شئ
من النجاسة فلا يجوز استعمالها إلا عند الضرورة والخوف من تلف النفس.
وأما الطاهر المطهر فهو كل ما يستحق إطلاق اسم الماء من غير إضافة، وهو على
ضربين: جار وراكد.
فالمياه الجارية كلها طاهرة مطهرة لا ينجسها شئ مما يقع فيها من النجاسات إلا ما
يغير لونها أو طعمها أو رائحتها فإنه متى تغير شئ من أوصافها المذكورة بما يقع فيها من
النجاسات فلا يجوز استعمالها في الطهارة.
والمياه الراكدة على ثلاثة أقسام: مياه الغدران والقلبان والمصانع، ومياه الأواني
المحصورة، ومياه الآبار.
فأما مياه الغدران والقلبان فإن كان مقدارها مقدار الكر وحد الكر ثلاثة أشبار
ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا، أو يكون
مقداره ألفا ومائتي رطل بالعراقي فإنه لا ينجسها شئ مما يقع فيها من النجاسات إلا ما غير
لونها أو طعمها أو رائحتها فإن تغير أحد أوصافها بما يقع فيها من النجاسة فلا يجوز
194

استعمالها على حال، وإن كان تغيرها من قبل نفسها أو بما يلاقيها من الأجسام الطاهرة فإنه
لا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء وإن غير لونها أو طعمها أو رائحتها، وإن
كان مقدارها أقل من الكر فإنه ينجسها كل ما يقع فيها من النجاسات ولا يجوز استعمالها
على حال، ويكره استعمال هذه المياه مع وجود المياه الجارية والمياه المتيقن طهارتها.
ولا تنجس مياه الغدران بولوغ السباع والبهائم والحشرات وسائر الحيوان فيها إلا
الكلب خاصة والخنزير فإنه ينجسها إن كان دون الكر، وإن كانت زائدة على الكر فليس
به بأس.
وأما مياه الأواني المحصورة فإن وقع فيها شئ من النجاسة أفسدها ولم يجز
استعمالها، وإن كان ما يقع فيها طاهرا فلا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء، وإن
غير لونها أو طعمها أو رائحتها فلا بأس باستعمال المياه وإن كانت قد استعملت مرة
أخرى في الطهارة إلا أن يكون استعمالها في الغسل من الجنابة أو الحيض أو ما يجري
مجراهما أو في إزالة النجاسة، ولا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وكذلك المرأة
لا بأس لها أن تستعمل فضل وضوء الرجل.
ولا بأس بأسآر المسلمين واستعمال ما شربوا منه في الطهارة سواء كان رجلا أو امرأة
ويكره استعمال سؤر الحائض إن كانت متهمة، وإذا كانت مأمونة فلا بأس به، ولا يجوز
استعمال أسئار من خالف الاسلام من سائر أصناف الكفار، وكذلك أسئار الناصب لعداوة
آل محمد ع، ولا بأس بسؤر كل ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان، ولا بأس
باستعمال سؤر البغال والحمير والدواب والهر وغير ذلك إلا الكلب خاصة والخنزير،
وكذلك لا بأس بأسآر الطيور كلها إلا ما أكل الجيف أو كان في منقاره أثر دم.
وماء الحمام سبيله كسبيل الماء الجاري إذا كانت له مادة من المجرى، فإن لم يكن له
مادة فهو على طهارته ما لم تعلم فيه نجاسة، فإن علمت فيه نجاسة أو أدخل يده فيه
يهودي أو نصراني أو مشرك أو ناصب ومن ضارعهم من أصناف الكفار فلا يجوز استعماله
على حال، وغسالة الحمام لا يجوز استعماله على حال.
ومتى ولغ الكلب في الإناء نجس الماء ووجب إهراقه وغسل الإناء ثلاث مرات:
195

إحداهن وهي الأولى بالتراب، وكذلك كل إناء وقع فيها نجاسة وجب إهراق ما فيها من
الماء وغسلها ثلاث مرات غير أنه لا يعتبر غسلها بالتراب إلا في ولوع الكلب خاصة، وقد
روي أنه يكفي إهراق ما فيها وغسل الإناء مرة واحدة والأحوط ما قدمناه.
ومتى مات في الآنية حيوان له نفس سائلة نجس الماء ووجب إهراقه وغسل الإناء
حسب ما قدمناه، والفأرة إذا ماتت في الإناء وجب إهراق ما فيها وغسل الإناء سبع مرات
وكذلك حكم الخمر، وكل ما يقع في الماء فمات فيه مما ليس له نفس سائلة فلا بأس
باستعمال ذلك الماء إلا الوزع والعقرب خاصة فإنه يجب إهراق ما وقع فيه وغسل الإناء
حسب ما قدمناه.
وإذا وقعت الفأرة والحية في الآنية أو شربتا منها ثم خرجا حيا لم يكن به بأس،
والأفضل ترك استعماله على حال. والوزع إذا وقع في الماء ثم خرج منه لم يجز استعماله على
حال، وإذا كان مع الانسان إناءان أو ما زاد عليهما ووقع في أحدهما نجاسة ولم يعلمه بعينه
وجب عليه إهراق جميعه والتيمم للصلاة إذا لم يقدر على غيره من المياه الطاهرة.
وأما مياه الآبار فإنها تنجس بكل ما يقع فيها من النجاسات ولا يجوز استعمالها قبل
تطهيرها، فإن وقع في البئر خمر أو فقاع أو شراب مسكر أو مني أو دم حيض أو بعير فمات
فيه وجب نزح الماء كله، فإن تعذر ذلك عليه يتراوح على نزحه أربعة رجال من الغداة إلى
العشي يتناوبون عليه. وإن مات فيه انسان وجب أن ينزح منه سبعون دلوا. وإن مات فيه
حمار أو بقرة أو دابة وجب أن ينزح منه كر من ماء إذا كان الماء أكثر من كر، فإن كان أقل
منه وجب نزح جميعه، فإن مات فيها كلب أو شاة أو ثعلب أو سنور أو غزال أو خنزير وما
أشبهها نزح منها أربعون دلوا، وقد روي أنه إذا وقع فيها كلب وخرج منها حيا نزح منه سبع
دلاء. فإن مات فيها حمامة، أو دجاجة وما أشبهها، نزح منها سبع دلاء.
فإن ماتت فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تتفسخ، فإن تفسخت نزح منها سبع
دلاء. فإن مات فيها عصفور وما أشبهه نزح منها دلو واحد. وإذا بال فيها رجل نزح منها
أربعون دلوا، فإن بال فيها صبي نزح منها سبع دلاء، فإن كان رضيعا لم يأكل الطعام نزح
منها دلو واحد. فإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة نزح منها خمسون دلوا وإن كانت يابسة
196

نزح منها عشر دلاء.
فإن وقع فيها حبة أو وزغة أو عقرب فماتت فيها نزح منها ثلاث دلاء، وإن ارتمس
فيها جنب نزح منها سبع دلاء، فإن وقع فيها دم وكان كثيرا نزح منها خمسون دلوا، وإن كان
قليلا نزح منها عشر دلاء.
وكل ما أكل لحمه من الحيوان والبهائم والطيور فإنه لا بأس بروثه وذرقه إذا وقع في
الماء إلا ذرق الدجاج خاصة فإنه إذا وقع في البئر وجب نزح خمس دلاء منها. ومتى وقع شئ
من النجاسة في البئر أو مات فيها شئ من الحيوان فغير لونه أو طعمه أو رائحته وجب نزح
جميع ما فيها من الماء، فإن تعذر ذلك نزح منها إلى أن يرجع إلى حال الطهارة.
وهذه المياه التي ذكرناها متى لحقها حكم النجاسة فلا يجوز استعمالها في الوضوء
والغسل معا ولا غسل الثوب ولا في إزالة النجاسة ولا في الشرب، فمن استعملها في
الوضوء أو الغسل أو غسل الثوب ثم صلى بذلك الوضوء وفي تلك الثياب وجب عليه
إعادة الوضوء والغسل وغسل الثوب بماء طاهر وإعادة الصلاة سواء كان عالما في حال
استعماله لها أو لم يكن إذا كان قد سبقه العلم بحصول النجاسة فيها، فإن لم يتيقن
حصول النجاسة فيها قبل استعمالها لم يجب عليه إعادة الصلاة ووجب عليه ترك
استعمالها في المستقبل اللهم إلا أن يكون الوقت باقيا فإنه يجب عليه غسل الثوب وإعادة
الوضوء وإعادة الصلاة، فإن كان قد مضى الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة.
فإن استعمل شئ من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز لم يكن به بأس بأكل
ذلك الخبز لأن النار قد طهرته، ولا بأس باستعمال هذه المياه في الشرب عند الضرورة إليها
ولا يجوز ذلك مع الاختيار.
ومتى لم يجد الانسان لطهوره سوى هذه المياه النجسة فليتيمم ويصل ولا
يتوضأ بذلك الماء، ومتى حصل الانسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يغرف به الماء
لوضوئه فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه وليس عليه شئ، فإذا أراد الغسل
للجنابة وخاف إن نزل إليها فساد الماء فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ثم ليأخذ كفا
كفا من الماء فليغتسل به.
197

ويستحب أن يكون بين البئر التي يستقى منها وبين البالوعة سبعة أذرع إذا كانت البئر
تحت البالوعة وكانت الأرض سهلة وخمسة أذرع إذا كانت فوقها، وإن كانت الأرض صلبة
فليكن بينها وبين البئر خمسة أذرع من جميع جوانبها.
ويكره استعمال الماء الذي أسخنته الشمس في الأواني في الوضوء والغسل من الجنابة،
ولا بأس بالوضوء أو الغسل من العيون الحمية ولا بأس أيضا بالشرب منها ويكره التداوي
بها.
باب آداب الحدث وكيفية الطهارة:
إذا أردنا أن نبين كيفية الطهارة فالواجب أن نبين آداب ما يتقدمها من الأحداث ثم
نتبعها بذكر كيفيتها وترتيبها وأحكامها.
فإذا أراد الانسان الحدث فليستتر عن الناس بحيث لا يراه أحد، وإذا أراد الدخول
إلى المكان الذي يتخلى فيه فليدخل رجله اليسرى قبل اليمنى فليقل: بسم الله وبالله أعوذ
بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، وليغط رأسه. فإذا
أراد القعود لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا أن يكون الموضع مبنيا على وجه لا
يتمكن فيه من الانحراف عن القبلة، ولا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يستقبل الريح
بالبول، ولا يتغوط على شطوط الأنهار ولا في المياه الجارية ولا الراكدة ولا يبولن فيهما، فإن
بال في المياه الجارية أو تغوط فيها لم يفسد ذلك الماء ولا يتغوط أيضا في أفنية الدور ولا تحت
الأشجار المثمرة ولا مواضع اللعن، ولا فئ النزال، ولا المواضع التي يتأذى المسلمون
بحصول النجاسة فيها، ولا يطمح ببوله في الهواء، ولا يبولن في حجرة الحيوان ولا في
الأرض الصلبة، وليطلب موضعا مرتفعا من الأرض يجلس عليه.
فإذا فرع من حاجته وأراد الاستنجاء فليستنج فرضا واجبا، ويجزئه أن يستنجي
بثلاثة أحجار إذا نقى الموضع بها، فإن لم ينق بها زاد عليها، فإن نقى بواحدة استعمل
الثلاثة سنة. ولا يستعمل الأحجار التي استعملت في الاستنجاء مرة أخرى ولا يستنج
بالعظم ولا بالروث، ويجوز استعمال الخزف بدلا من الأحجار، وإن استعمل الماء بدلا من
198

الأحجار كان أفضل فإن جمع بينهما كان أفضل من الاقتصار على واحد منهما، فإذا
استنجى بالماء فليغسل موضع النجو إلى أن ينقي ما هناك وليس لما يستعمل من الماء حد
محدود.
فإذا فرع من غسل موضع النجو وأراد غسل الإحليل فليمسح بإصبعه من عند مخرج
النجو إلى أصل القضيب ثلاث مرات، ثم يمر إصبعيه على القضيب وينتره ثلاث مرات،
وليغسل إحليله بالماء، ولا يجوز الاقتصار على غيره مع وجود الماء، وأقل ما يجزئ من
الماء لغسله مثلا ما عليه من البول، وإن زاد على ذلك كان أفضل.
وليس على الانسان استنجاء من شئ من الأحداث إلا من البول والغائط حسب ما
قدمناه، وإذا بال فليس عليه إلا غسل مخرج البول وليس عليه استنجاء.
ولا يجوز الاستنجاء باليمين ألا عند الضرورة، ولا يستنجي باليسار وفيها خاتم عليه
اسم من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه أو أحد من الأئمة ع، وإن كان في يده
شئ من ذلك أو خاتم فصه من حجر زمزم فليحوله.
ولا يقرأ القرآن وهو على حال الغائط سوى آية الكرسي، ويجوز له أن يذكر الله تعالى
فيما بينه وبين نفسه فإن سمع الأذان فليقل مع نفسه كما يسمعه استحبابا، ولا يستعمل
السواك ولا يتكلم وهو على حال الغائط إلا أن يدعوه إلى الكلام ضرورة.
ويستحب له أن يغسل يده قبل إدخالها الإناء من حدث الغائط مرتين ومن النوم
والبول مرة ومن الجنابة ثلاث مرات، فإن لم يفعل ذلك لم يكن عليه شئ وجاز استعمال ذلك
الماء اللهم إلا أن تكون على يده نجاسة فيفسد بذلك الماء إلا أن يزيد على الكر ولا يحمل
شيئا من النجاسة.
فإذا فرع من الاستنجاء قام من موضعه ومسح يده على بطنه وقال: الحمد لله الذي
أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى.
فإذا أراد الخروج من الموضع الذي تخلي فيه فليخرج رجله اليمنى قبل اليسرى
وليقل: الحمد لله الذي عرفني لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة يا لها
نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها.
199

فإذا أراد أن يتوضأ وضوء الصلاة فليجعل الإناء على يمينه وليقل إذا نظر إليها: الحمد
لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، ثم يقول: بسم الله وبالله، ويأخذ كفا من الماء
فيتمضمض به ثلاثا ويقول: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك، ويأخذ كفا
آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول: اللهم لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها
وروحها وريحانها.
ثم يأخذ كفا آخر فيضعه على جبهته فيغسل به وجهه، وحده من قصاص شعر
الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، فما خرج من
ذلك فليس من الوجه ولا يجب غسله ولا مسحه، ثم يأخذ كفا آخر فيغسل به وجهه ثانيا
على ما وصفناه.
ثم يأخذ كفا آخر فيضعه على مرفقه الأيمن فيغسل به يده مرة إلى أطراف الأصابع ويغسل
معه المرفق، ثم يغسله دفعة أخرى بكف آخر من الماء يضعه على باطن ذراعه فيغسلها من
المرفق إلى أطراف الأصابع.
ثم يغسل يده اليسرى مرتين كما يغسل يده اليمنى، ثم ليمسح بباقي نداوة يده من
قصاص شعر الرأس مقدار ثلاث أصابع مضمومة، ثم ليمسح ظاهر قدميه بما بقي فيهما
من النداوة إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم ولا يستأنف لمسح الرأس والرجلين ماء
جديدا.
والمرأة تفعل في وضوئها مثل ما ذكرناه إلا أنها تبتدئ في غسل يديها بباطن ذراعيها،
والرجل يبتدئ بظاهرهما، ويجوز لها أن لا تضع قناعها في صلاة الظهر والعصر والعشاء
الآخرة بل تدخل أصابعها تحت القناع، ولا بد لها من وضع القناع في صلاة الغداة
والمغرب.
والمضمضة والاستنشاق سنتان وليسا بفرضين لا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة
ولا يكونان أقل من ثلاث مرات، وما قدمناه من التسمية على حال الطهارة والدعاء عند
غسل الأعضاء فمندوب إليه لا يخل تركه بالطهارة إلا أن يكون تاركه مهملا سنة ومضيعا
فضيلة، وغسل الوجه مرة واحدة فريضة ومرتين سنة وفضيلة فمن زاد على المرتين فقد
200

أبدع وكذلك غسل اليدين، ولا يستقبل الشعر في غسل اليدين بل يبدأ من المرفق ولا
يجعله غاية ينتهي إليها في غسلهما.
والمسح بالرأس لا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار، فإن خاف البرد
من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة، ولا يستقبل أيضا شعر الرأس في المسح ولا
يمسح بالرأس أكثر من مرة واحدة، ولا يجوز المسح على الأذنين فمن مسحهما كان مبدعا،
ولا يجوز المسح على العمامة ولا القلنسوة ولا غيرهما مما يغطى الرأس فمن مسح على
شئ من ذلك فلا طهارة له:
والمسح على الرجلين بالكفين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين فإن بدأ من الكعبين إلى
رؤوس الأصابع فقد أجزأه، فإن اقتصر في المسح عليهما بإصبع واحدة لم يكن به بأس إلا
أن الأفضل ما ذكرناه.
ولا يجوز المسح على الخفين ولا الجوربين، ولا بأس بالمسح على النعل العربي وإن لم
يدخل يده تحت الشراك، ولا يجوز المسح على غير العربي من النعال ولا الخفين فمن فعل
ذلك فلا طهارة له إلا في حال الضرورة لأن من خاف على نفسه في بعض الأحوال من نزع
الخفين من عدو أو سبع أو برد شديد فإنه لا بأس بالمسح عليهما ولا يجوز ذلك مع الاختيار.
وأقل ما يجزئ من الماء في الطهارة كف للوجه وكفان لليدين، والإسباغ يكون بمقدار مد
من الماء فإن لم يكن مع الانسان إلا كف واحد من الماء قسمه ثلاثة أقسام واستعمله مثل
الدهن.
والنية في الطهارة واجبة، ومتى نوى الانسان بالطهارة القربة جاز أن يدخل بها في
صلوات النوافل والفرائض ولا يحتاج إلى استئناف الطهارة للفرض والترتيب واجب في
الطهارة، فمن قدم شيئا من أعضاء الطهارة على شئ وجب عليه الرجوع إلى المؤخر
وغسله أو مسحه وتأخير ما قدمه عليه. مثاله أن يغسل يده قبل وجهه أو يمسح برأسه قبل
غسل يديه أو يمسح برجليه قبل مسح رأسه فإنه يجب أن يغسل وجهه ثم اليدين يقدم
غسل اليمين منهما على اليسار ثم يمسح برأسه ثم يمسح برجليه، فإن خالف ما ذكرناه فلا
طهارة له.
201

والموالاة أيضا واجبة في الطهارة ولا يجوز تبعيضها إلا لعذر. فإن بعضها لعذر أو
لانقطاع الماء عنه جاز إلا أنه يعتبر ذلك بجفاف ما وضأه من الأعضاء، فإن كان قد جف
وجب عليه استئناف الوضوء فإن لم يكن قد جف بنى عليه ولم يجب عليه استئناف الطهارة.
ولا يجوز غسل الرجلين في الطهارة لأجلها، فإن أراد الانسان غسلهما للتنظيف قدم
غسلهما على الطهارة ثم يتوضأ وضوء الصلاة، فإن نسي غسلهما حتى ابتدى بالطهارة أخر
غسلهما إلى بعد الفراع منها ولا يجعل غسلهما بين أعضاء الطهارة.
وإن كان في إصبع الانسان خاتم أو في يده سير وما أشبهه فليحركه ليصل الماء إلى ما
تحته، فإن كان ضيقا حوله إلى مكان آخر وكذلك يفعل في غسل الجنابة.
ولا بأس أن يقع شئ من الماء الذي يتوضأ به على الأرض ويرجع على ثوبه أو يقع على
بدنه، وكذلك إن وقع على ثوبه من الماء الذي يستنجي به لم يكن به بأس، وكذلك إن وقع
على الأرض ثم رجع إليه اللهم إلا أن يقع على نجاسة ثم يرجع عليه فإنه يجب عليه غسل
ذلك الموضع الذي أصابه ذلك الماء.
ولا بأس أن يمسح الانسان أعضاء الطهارة بالمنديل بعد الفراع منها فإن تركها حتى
يجف الماء كان أفضل ولا بأس أن يصلى الانسان بوضوء واحد صلوات الليل والنهار ما لم
يحدث أو يفعل ما يجب منه إعادة الوضوء، فإن جدد الوضوء عند كل صلاة كان أفضل.
وإن كان على أعضاء طهارة الانسان جبائر أو جرح وما أشبهها وكان عليه خرقة
مشدودة فإن أمكنه نزعها وجب عليه أن ينزعها، فإن لم يمكنه مسح على الخرقة، وإن كان
جراحا غسل ما حولها وليس عليه شئ.
ويكره أن يستعين الانسان في وضوئه بغيره يصب عليه الماء وينبغي أن يتولاه هو
بنفسه فإنه أفضل، ومن وضأه غيره وهو متمكن من توليه بنفسه لم يجز ذلك عنه، فإن كان
عاجزا عنه لمرض أو ما يقوم مقامه بحيث لا يتمكن منه لم يكن به بأس.
باب من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا أو شك فيها أو في شئ منها ثم صلى:
من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا ثم صلى وجبت عليه الطهارة وإعادة الصلاة، ومن
202

شك في الوضوء والحدث وتساوت ظنونه وجبت عليه الطهارة، فإن صلى والحال هذه
وجبت عليه إعادة الوضوء والصلاة، ومن تيقن الحدث ثم شك في الوضوء وجب عليه
الوضوء، ومن شك في الحدث وهو على يقين من الوضوء لا يجب عليه إعادة الوضوء.
فإن شك في الوضوء وهو جالس على حال الوضوء لم يفرع منه وجب عليه استئناف
الوضوء، فإن شك في الوضوء بعد انصرافه من حال الوضوء لم يلتفت إلى الشك وبنى على
الوضوء لأنه ليس من العادة أن ينصرف الانسان من حال الوضوء إلا بعد الفراع من
استيفائه على الكمال.
فإن ترك الاستنجاء متعمدا بالماء أو الأحجار معا وصلى وجب عليه الاستنجاء وإعادة
الصلاة وكذلك الحكم إن تركه ناسيا ثم تيقن وجب عليه أن يستنجي ويعيد الصلاة فإن
كان قد استنجى وترك غسل إحليله من البول وجب عليه غسل الإحليل دون الاستنجاء
ودون شئ من أعضاء الطهارة، فإن كان قد صلى وجب عليه إعادة الصلاة.
ومن ترك عضوا من أعضاء الطهارة متعمدا أو ناسيا وصلى ثم ذكر وجب عليه إعادة
الوضوء والصلاة، ومن شك في غسل الوجه وقد غسل اليدين وجب عليه غسل الوجه ثم
غسل اليدين فإن شك في غسل اليدين وقد مسح برأسه رجع فغسل يديه ثم مسح برأسه
فإن شك في مسح رأسه وقد مسح رجليه رجع فمسح رأسه ثم رجليه بما بقي في يديه من
النداوة، فإن لم يبق فيهما نداوة أخذ من أطراف لحيته أو من حاجبه أو من أشفار عينيه
ومسح برأسه ورجليه، فإن لم يبق في شئ من ذلك نداوة وجب عليه إعادة الوضوء، فإن
انصرف من حال الوضوء وقد شك في شئ من ذلك لم يلتفت إليه ومضى على يقينه.
باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه:
الذي ينقض الطهارة: النوم الغالب على السمع والبصر والمرض المانع من الذكر
والبول والغائط والريح والجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات من
الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل.
وليس ينقض الطهارة شئ سوى ما ذكرناه من مذي أو ودي أو قيح أو رعاف أو
203

نخامة أو فتح جراح أو مس ذكر أو دود خارج من إحدى السبيلين إلا أن يكون متلطخا
بالعذرة أو قئ قل ذلك أم كثر، ولا حلق شعر ولا مس شئ من الزهومات ولا مس شئ من
النجاسات ولا تقليم أظفار ولا قبلة ولا مس امرأة ولا استدخال أشياف ولا حقنة ولا
خروجهما إلا أن يكون ممزوجا بالعذرة.
ومن جملة ما ينقض الوضوء ما يوجب الغسل وهو خمسة أشياء: الجنابة والحيض
والاستحاضة والنفاس ومس الأموات. ونحن نبدأ بأحكامها ونرتب الأول فالأول:
باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها:
الجنابة تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل حال،
والآخر التقاء الختانين سواء كان معه إنزال أو لم يكن.
وهذان الحكمان يشترك فيهما الرجال والنساء، فإن جامع امرأته فيما دون الفرج
وأنزل وجب عليه الغسل ولا يجب عليها ذلك، فإن لم ينزل فليس عليه أيضا الغسل، فإن
احتلم الرجل أو المرأة فأنزلا وجب عليهما الغسل، فإن لم ينزلا لم يجب عليهما الغسل.
ومتى انتبه الرجل فرأى على فراشه منيا ولم يذكر الاحتلام وجب عليه الغسل، فإن
قام من موضعه ثم رأى بعد ذلك عليه منيا فإن كان ذلك الثوب أو الفراش مما يستعمله غيره
لم يجب عليه الغسل وإن كان مما لا يستعمله غيره وجب عليه الغسل.
ومتى خرج من الانسان ماء لا يكون دافقا لم يجب عليه الغسل ما لم يعلم إنه مني، وإن
وجد من نفسه شهوة إلا أن يكون مريضا فإنه يجب عليه حينئذ الغسل متى وجد في نفسه
شهوة ولم يلتفت إلى كونه دافقا وغير دافق، ومتى خرج منه ماء دافق وجب عليه الغسل
وإن لم يكن عن شهوة.
ومتى حصل الانسان جنبا بأحد هذه الأشياء فلا يدخل شيئا من المساجد إلا عابر
سبيل إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة فإنه لا يدخلهما على حال ولا يضع فيه شيئا، وإن
كان له فيه شئ جاز له أخذه ولم يكن به بأس، وإن كان في المسجد الحرام أو مسجد النبي
فاحتلم فليتيمم من موضعه ثم يخرج منه للاغتسال.
204

ولا يمس المصحف ولا شيئا فيه اسم من أسماء الله تعالى مكتوبا ويقرأ من القرآن
من أي موضع شاء ما بينه وبين سبع آيات إلا أربع سور: " سجدة لقمان " و " حم السجدة " و "
النجم " و " اقرأ باسم ربك ". وإن أراد أن يقرأ القرآن في المصحف، فلا يمس الكتابة ويجوز
له أن يمس أطراف الأوراق. ويكره أن يأكل الجنب الطعام أو يشرب الشراب، فإن أرادهما فليتمضمض أولا
وليستنشق.
ويكره للمحتلم والجنب أن يناما قبل الاغتسال، فإن أرادا ذلك توضأ وناما إلى
وقت الاغتسال.
فإذا أراد الغسل من الجنابة فليستبرئ نفسه بالبول، فإن تعذر عليه فليجتهد فإن لم
يتأت له فليس عليه شئ وكذلك تفعل المرأة، ثم ليغسل يده قبل إدخالها الإناء ثلاث مرات
استحبابا، فإن لم يفعل فليس عليه شئ إلا أن يكون على يده نجاسة فإنه يفسد الماء إن
كان قليلا على ما قدمناه، ثم ليغسل فرجه. وإن كان قد أصاب شيئا من جسده مني غسله
أيضا ثم ليتمضمض وليستنشق ثلاثا سنة ثم ليأخذ كفا من الماء فيضعه على أم رأسه ويمسح
يده عليه ويغسله ويميز الشعر بأنامله حتى يوصل الماء إلى جميع أصول شعره ويخلل أذنيه
بإصبعيه، ثم يأخذ كفا ثانية وثالثة فيغسل بهما رأسه حسب ما قدمناه.
فإذا فرع من غسل رأسه ثلاث مرات بثلاث أكف من ماء أو ما زاد عليه بدأ بوضع
الماء على جانبه الأيمن مقدار ثلاث أكف من ماء أو ما زاد عليه وليغسله إلى قدمه ثم ليغسل
جانبه الأيسر مثل ذلك ويوصل الماء إلى جميع جسده ولا يبقى شيئا منه على حال.
وأقل ما يجزئه من الماء للغسل ما يكون كالدهن للبدن وهذا يكون عند الضرورة،
والإسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء فإن استعمل أكثر من ذلك جاز.
وإن ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ويكون ذلك في الماء الجاري أو فيما زاد
على الكر من الواقف ولا يكون ذلك فيما هو أقل، وإن وقف تحت السماء حتى جاء عليه المطر
وغسل بدنه أجزأه.
والنية واجبة أيضا في الغسل من الجنابة، ويجب أيضا فيه الترتيب: يبدأ بغسل
205

الرأس ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر، فإن قدم مؤخرا أو أخر مقدما وجب عليه تقديم المؤخر
وتأخير المقدم.
والموالاة ليست واجبة في الغسل من الجنابة بل يجوز أن يغسل الانسان رأسه بالغداة
ثم يغسل سائر جسده وقت الظهر ما لم يحدث شيئا، فإن أحدث وجب عليه إعادة جميع
الغسل.
فإذا فرع من الغسل ثم وجد بعد فراغه عنه بللا فإن كان قد استبرأ بالبول على ما
قدمناه فليس عليه شئ، فإن لم يكن قد استبرأ فعليه إعادة الغسل، وإن كان قد اجتهد
وتعرض للبول فلم يتأت له ذلك واغتسل ثم وجد بللا بعد ذلك لم يجب عليه إعادة
الغسل.
وغسل المرأة كغسل الرجل سواء، ويستحب لها أن تحل شعرها إن كان مشدودا وإن
لم تفعل فليس به بأس إلا أن يمنع من إيصال الماء إلى أصول شعرها فإنه يلزمها حينئذ حل
شعرها ليصل الماء إلى أصله.
فإن كان على الرجل خاتم أو على المرأة دملج أو سير وما أشبهها فليوصل الماء إلى ما
تحت ذلك، فإن لم يمكن ذلك إلا بنزعه نزعاه، وإن جرى الماء تحت قدم الجنب فقد أجزأه
وإن لم يجر وجب عليه غسله، ولا بأس أن يختضب الجنب واجتنابه أفضل.
وليس على المغتسل من الجنابة وضوء لا قبله ولا بعده، فإن توضأ قبله أو بعده معتقدا
بأن الغسل لا يجزئه كان مبدعا. وكل ما عدا غسل الجنابة في الأغسال فإنه يجب تقديم
الطهارة عليه أو تأخيرها وتقديمها أفضل إذا أراد الدخول به في الصلاة، ولا يجوز
الاقتصار على الغسل وإنما ذلك في الغسل من الجنابة حسب، وإن لم يرد الصلاة في
الحال جاز أن يفرد الغسل من الوضوء غير أن الأفضل ما قدمناه.
باب حكم الحائض والمستحاضة والنفساء وأغسالهن:
الحائض هي التي ترى الدم الحار الأسود الذي له دفع وبهذه الصفات يتميز من دم
الاستحاضة والعذرة والقرح وغيرها، فإن اشتبه دم الحيض بدم العذرة فلتدخل المرأة
206

قطنة فإن خرجت منغمسة بالدم فذلك دم حيض وإن خرجت متطوقة فذلك دم العذرة،
وإن اشتبه عليها دم الحيض بدم القرح، فلتدخل إصبعها فإن كان الدم خارجا من الجانب
الأيمن فهو دم قرح وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.
ودم الاستحاضة أصفر بارد، والصفرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر،
فإن اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة فلتعتبر بالصفات التي ذكرناها، فإن
اشتبه عليها وكانت ممن لها عادة بالحيض فلتعمل في أيام حيضها على ما عرفت من عادتها
وتستظهر بيوم أو يومين إذا كان عادتها في الحيض أقل من عشرة أيام، فإن كان عادتها
عشرة أيام فليس عليها استظهار بل تغتسل.
فإن كانت امرأة لها عادة إلا أنها اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيرت عن
أوقاتها وأزمانها فكلما رأت الدم تركت الصوم والصلاة وكلما رأت الطهر صلت
وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصحة، وقد روي أنها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر ثم
تفعل ما تفعله المستحاضة.
فإن كانت المرأة مبتدئة في الحيض ولم يمكنها تميز دم الحيض من غيره واستمر بها الدم
فلترجع إلى عادة نسائها في أيام الحيض وتعمل عليها، فإن كن نساؤها مختلفات العادة أو
لا يكون لها نساء فلتترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصلي وتصوم ما بقي
ثم لا يزال هذا دأبها إلى أن تعلم حالها وتستقر على حال.
وقد روي أنها تترك الصلاة والصوم في الشهر الأول عشرة أيام وتصلي عشرين
يوما وهي أكثر أيام الحيض، وفي الشهر الثاني تترك الصوم والصلاة ثلاثة أيام وتصلي
وتصوم سبعة وعشرين يوما وهي أقل أيام الحيض، والروايتان متقاربتان.
وتستقر عادة المرأة بأن يتوالى عليها شهران ترى في كل واحد منهما الدم أياما سواء لا
زيادة فيها ولا نقصان فمتى ثبت لها ذلك جعلت ذلك عادتها وعملت عليه.
والحبلى إذا رأت الدم في الأيام التي كانت تعتاد فيها الحيض فلتعمل ما تعمله الحائض،
فإن تأخر عنها الدم بمقدار عشرين يوما ثم رأته فإن ذلك ليس بدم حيض فلتعمل ما تعمله
المستحاضة، ونحن نبين حكمها إن شاء الله.
207

فإذا حاضت المرأة فيجب عليها أن تعتزل الصلاة وتفطر الصوم وتتوضأ عند كل
صلاة وتحتشي وتجلس في مصلاها فتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلواتها، وإن سمعت
سجدة القرآن لا يجوز لها أن تسجد ولا تدخل المسجد إلا عابرة سبيل ولا تضع فيه شيئا
ويجوز لها أن تتناول منه، ولا بأس أن تقرأ القرآن ما عدا العزائم الأربع، ولا تمس المصحف
ولا شيئا فيه اسم الله تعالى.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، فإن رأت المرأة الدم يوما أو يومين فلتترك
الصلاة والصوم، فإن رأت الدم اليوم الثالث أو في ما بعدهما إلى اليوم العاشر فذلك دم
حيض، فإن لم تر بعد ذلك إلا بعد انقضاء العشرة الأيام فإن ذلك ليس بدم حيض ووجب
عليها قضاء الصلاة والصوم فيما تركته، فإن رأت الدم بعد عشرة أيام فذلك ليس بدم
حيض وربما كان دم استحاضة ونحن نبين حكمه إن شاء الله.
ولا يجوز للرجل مجامعة امرأته وهي حائض في الفرج وله مجامعتها فيما دون الفرج
ومضاجعتها وملامستها بما دون الجماع، فإذا انقطع عنها الدم فالأولى لزوجها ألا يقربها حتى
تغتسل، فإن غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها ثم يطأها إن شاء، ومتى وطئها في أول
حيضها تصدق بدينار قيمته عشرة دراهم جياد، وإن وطئها في وسطه تصدق بنصف دينار،
وإن وطئها في آخره تصدق بربع دينار كل ذلك ندبا واستحبابا، فإن لم يتمكن فليس عليه
شئ وليستغفر الله ولا يعود.
فإذا انقطع الدم عن المرأة ولم تعلم أ هي بعد حائض أم لا فلتدخل قطنة فإن خرجت
وعليها شئ من الدم فهي بعد بحكم الحائض وإن خرجت نقية فليست بحكم الحائض
فلتغتسل، هذا إذا كان انقطاع الدم فيما دون العشرة الأيام فأما إذا زاد على ذلك فقد مضى
حيضها على كل حال.
وإذا طهرت واغتسلت وجب عليها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة، فإن
رأت الدم وقد دخل وقت الصلاة ولم تكن قد صلت وجب عليها قضاء تلك الصلاة عند
اغتسالها من الحيض، وإن طهرت في وقت صلاة وأخذت في تأهب الغسل فخرج وقت
تلك الصلاة لم يجب عليها القضاء، وإن توانت عن الاغتسال حتى خرج وقتها وجب
208

عليها القضاء، وإن طهرت بعد زوال الشمس إلى بعد دخول وقت العصر وجب عليها
قضاء الصلاتين معا، ويستحب لها قضاؤها إذا طهرت قبل مغيب الشمس وكذلك إن
طهرت بعد مغيب الشمس إلى نصف الليل لزمها قضاء صلاة المغرب والعشاء
الآخرة، ويستحب لها قضاء هاتين الصلاتين إذا طهرت قبل الفجر ويلزمها قضاء الفجر
إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كل حال.
وإذا أصبحت المرأة صائمة ثم حاضت فلتفطر أي وقت رأت الدم وإن كان قبل
غروب الشمس بشئ يسير ثم تقضي ذلك اليوم والأفضل لها إذا رأت الدم بعد العصر أن
تمسك بقية يومها تأديبا وعليها القضاء على كل حال، وإذا أصبحت حائضا ثم طهرت
فلتمسك بقيت يومها تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإذا أرادت المرأة الاغتسال من
الحيض فلتبدأ بوضوء الصلاة ثم لتغتسل كما تغتسل من الجنابة تبدأ بغسل رأسها ثم
بجانبها الأيمن ثم بجانبها الأيسر حسب ما قدمناه، وتستعمل في غسل الحيض تسعة أرطال
من الماء، وإن زادت على ذلك كان أفضل، وإن كان دون التسعة أرطال أو كان مثل الدهن
في حال الضرورة لم يكن به بأس وأجزأها عن الغسل.
ويكره للمرأة أن تختضب وهي حائض، ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض.
والمستحاضة هي التي ترى الدم الذي وصفناه أو تكون قد مضت عليها أيام حيضها
ثم رأت بعد ذلك الدم فإنه أيضا دم استحاضة وإن لم يكن بهذه الصفة، وكذلك إذا مضى
عليها أكثر أيام نفاسها ثم رأت الدم فإنه أيضا دم استحاضة.
ومتى رأت هذا الدم وجب عليها أن تستبرأ نفسها بقطنة تحتشي بها فإن خرج الدم يسيرا ولم
يترشح على القطنة وجب عليها الوضوء لكل صلاة والاستبدال بالقطنة والخرقة، وإن
رأت الدم قد رشح على القطنة إلا إنه لم يسل وجب عليها الغسل لصلاة الغداة
والوضوء لكل صلاة مما عداها وتغيير القطنة والخرقة، وإن كثر الدم حتى سأل على القطنة
وجب عليها في اليوم والليلة ثلاثة أغسال مع تغيير القطنة والخرقة عند كل غسل منها
أحدها لصلاة الظهر والعصر تؤخر الظهر عن أول وقته وتصلي في آخر الوقت وتصلي
العصر في أول وقته وغسل للمغرب والعشاء الآخرة تؤخر المغرب إلى آخر الوقت
209

وتصلي العشاء الآخرة في أول وقتها تجمع بينهما في الحال وغسل لصلاة الليل وصلاة
الغداة تؤخر صلاة الليل إلى قرب الفجر وتصلي صلاة الفجر في أول وقتها، هذا إذا كان
عادتها صلاة الليل فإن لم يكن ذلك عادتها لعذر بها تغتسل لصلاة الغداة.
والمستحاضة لا يحرم عليها شئ مما يحرم على الحائض ويحل لزوجها وطؤها على كل
حال إذا غسلت فرجها وتوضأت وضوء الصلاة أو اغتسلت حسب ما قدمناه، ولا يجوز
لها ترك الصلاة ولا الصوم إلا في أيام كانت تعتاد فيها الحيض فإنه يجب عليها في هذه
الأيام ترك الصلاة والصيام.
والنفساء هي التي تضع الحمل وترى الدم فعليها ما على الحائض بعينه من ترك
الصلاة والصوم وامتناع دخول المساجد ومس القرآن وما فيه اسم من أسماء الله تعالى
وغير ذلك لا يختلف الحكم فيه، فإذا انقطع الدم عنها وجب عليها الاستبراء بالقطنة كما
يجب على الحائض، فإن استمر بها الدم فعلت كما تفعله الحائض عشرة أيام، فإن انقطع عنها
الدم وإلا فعلت ما تفعله المستحاضة.
ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة أيام، وقد رويت روايات مختلفة في أقصى مدة
النفاس من ثمانية عشر يوما إلى عشرين وإلى ثلاثين وإلى أربعين وإلى شهرين والعمل
على ما قدمناه.
وإذا أرادت النفساء الغسل تقدم وضوء الصلاة ثم تغتسل كما تغتسل الحائض
على السواء ويكره للنفساء الخضاب كما يكره ذلك للحائض حسب ما قدمناه.
باب تغسيل الأموات وتكفينهم وتحنيطهم وإسكانهم الأجداث:
إذا أردنا أن نبين غسل الأموات فالواجب أن نبين ما يتقدم ذلك من السنن والآداب،
فإذا حضر الانسان الوفاة يستقبل بوجهه القبلة ويجعل باطن قدميه إليها ويلقن الشهادتين
والإقرار بالأئمة ع واحدا واحدا ويلقن أيضا كلمات الفرج ولا يحضره جنب ولا
حائض.
فإن تصعب عليه خروج الروح نقل إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه في حياته
210

ويتلى القرآن عنده ليسهل الله تعالى عليه خروج نفسه.
فإذا قضى نحبه فليغمض عيناه ويشد لحياه ويمد ساقاه ويطبق فوه ويمد يداه إلى جنبه
ويغطى بثوب، وإن كان بالليل أسرج عنده في البيت مصباح إلى الغداة ولا يترك وحده
بل يكون عنده من يذكر الله تعالى.
وينبغي إذا مات الميت أن يؤخذ في أمره عاجلا ولا يؤخر إلا لضرورة تدعوا إلى ذلك
ثم يؤخذ في تحصيل أكفانه وحنوطه أولا.
والكفن المفروض ثلاثة أثواب لا يجوز الاقتصار على أقل منها مع التمكن ونهايته
خمسة أثواب لا يجوز الزيادة عليها، وهي لفافتان: أحدهما حبرة يمنية عبرية غير مطرزة
بالذهب أو بشئ من الإبريسم وقميص وإزار وخرقة. فهذه الخمسة جملة الكفن وتضاف
إليها العمامة وليست من الكفن لأن الكفن هو ما يلف به جسد الميت هذا إذا كان الميت
رجلا. فإن كان امرأة يستحب أن يزاد في أكفانها لفافة أخرى ونمط، وإن اقتصر بها على
مثل ما للرجل لم يكن به بأس. ولا يجوز أن يكفن الميت في شئ من الحرير والإبريسم
المحض فإنه محظور ولا في الإبريسم المخلط في الغزل مع الاختيار. ويكره أن يكفن الميت
في الكتان وينبغي أن تكون الأكفان كلها قطنا محضا.
وإن لم يكن للميت ما يكفن به من هذه الثياب وكانت له قميص مخيطة فلا بأس أن
يكفن فيها إذا كانت نظيفة ويقطع أزرارها ولا يقطع أكمامها وإنما يكره الأكمام فيما يبتدأ من
القمصان.
فإذا حصلت الأكفان فلتفرش الحبرة على موضع نظيف وينثر عليها شئ من الذريرة
المعروفة بالقمحة ويفرش فوقها الإزار وينثر عليه شئ من الذريرة ويفرش فوق الإزار
القميص.
ويستحب أن يكتب على الحبرة والإزار والقميص والعمامة: " فلان يشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن أمير المؤمنين والأئمة من ولده بعده -
يذكرون واحدا واحدا - أئمته أئمة الهدي الأبرار " ويكتب ذلك بتربة الحسين ع
إن وجد فإن لم يوجد كتب بالإصبع ولا يجوز أن يكتب ذلك بالسواد.
211

وإن لم يكن للميت حبرة يجعل بدلا منها لفافة أخرى.
فإذا فرع من تحصيل الكفن لف بجميعه وعزل.
ويستعد معه من الكافور الذي لم تمسه النار وزن ثلاثة عشر درهما وثلث إن تمكن من
ذلك وهي السنة الأوفى، فإن لم يتمكن منه فالأوسط وزن أربعة مثاقيل، فإن لم يتمكن منه
فمقدار درهم، فإن لم يوجد أصلا فما تيسر وإلا دفن في حال الضرورة بغير كافور
ولا يكون مع الكافور مسك أصلا.
ويستعد أيضا شئ من السدر لغسل رأسه وجسده وشئ من الكافور للغسلة
الثانية. وتؤخذ أيضا جريدتان خضراوان من النخل إن وجد منه وإن لم يوجد فمن السدر
فإن لم يوجد فمن الخلاف فإن لم يوجد فمن غيره من الشجر الرطب فإن لم يوجد أصلا
فلا بأس بتركه، ويكتب عليهما أيضا ما كتب على الأكفان ويلف عليهما شئ من القطن.
ويستعد مع ما ذكرناه مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخاف من خروج
شئ منها، فإذا فرع من تحصيل أكفانه فليأخذ في غسله أولى الناس بالميت أو من يأمره
هو به، فلتوضع ساجة أو سرير مستقبل القبلة ويوضع الميت عليها مستقبل القبلة كما كان
في حال الاحتضار.
ويحفر لمصب الماء حفيرة يدخل الماء إليها فإن لم يمكن ودخل في البالوعة جاز، ويكره
أن ينصب الماء الذي يغسل به الميت في الكنيف، ولا يسخن الماء لغسل الأموات إلا أن
يكون برد شديد يخاف الغاسل على نفسه من استعمال الماء فإنه يسخن له.
ثم يؤخذ السدر فيطرح في إجابة ويصب عليه الماء ويضرب ضربا جيدا حتى يرغو ثم
تؤخذ رغوته فتطرح في موضع نظيف حتى يغسل به رأسه.
ثم يؤخذ الميت فيوضع على تلك الساجة مستقبل القبلة حسب ما قدمناه، ويستحب
أن يكون ذلك تحت السقف ولا يكون ذلك تحت السماء، ثم ينزع قميصه منه يفتق جيبه
وينزع من تحته ويترك على عورته ما يسترها ثم تلين أصابعه برفق. فإن امتنعت تركت على
حالها، ثم يبدأ بفرجه فيغسل بماء السدر والحرض ويغسل ثلاث مرات ويكثر من الماء
ويمسح بطنه مسحا رقيقا، ثم يتحول الغاسل إلى رأسه فيبدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم
212

يثني بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فيغسله برفق ولا يعنف به بل يغسله غسلا ناعما
ثم يضجعه على شقه الأيسر ليبدو له الأيمن، ثم يغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات ثم
يرده على جنبه الأيمن حتى يبدو له الأيسر فيغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات ويمسح
يده على ظهره وبطنه، ثم يرده على قفاه فيبدأ بفرجه الكافور فيصنع كما صنع
أول مرة فيغسله ثلاث مرات بماء الكافور ويمسح يده على بطنه مسحا رقيقا، ثم يتحول إلى
رأسه فيصنع كما صنع أولا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه فيغسله بماء الكافور
ثلاث غسلات.
ثم يرده إلى جانبه الأيسر حتى يبدو له الأيمن من قرنه إلى قدمه فيغسله ثلاث غسلات
ويدخل يده تحت منكبه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبه ظاهرة كلما غسلت شيئا
منه أدخلت يدك تحت منكبه ومن باطن ذراعيه، ثم ترده على ظهره وتغسله بماء قراح كما
صنعت أولا تبدأ بالفرج ثم تتحول إلى الرأس والوجه وتصنع كما صنعت أولا بماء قراح ثم
الجانب الأيمن ثم الأيسر تغسله من قرنه إلى قدمه كما غسلته في الغسلتين الأوليين.
وكلما غسل الميت غسلة فليغسل الغاسل يديه إلى المرفقين وليغسل الإجانة بماء
قراح ثم يطرح فيها ماء آخر للغسلة المستأنفة.
ولا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه الأيمن ولا يقعده ولا يغمز بطنه، وقد
رويت أحاديث أنه ينبغي أن يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل بها كان أحوط.
فإذا فرع من غسله نشف بثوب نظيف ثم يأخذ في تكفينه فيتوضأ الغاسل أولا وضوء
الصلاة وإن ترك تكفينه حتى اغتسل كان أفضل إلا أن يخاف على الميت من ظهور حادثة
به.
ويغتسل الغاسل للميت فرضا واجبا وكذلك كل من مسه بعد برده بالموت وقبل
تغسيله فإنه يجب عليه الغسل.
فإذا فرع منه أخذ في تحنيطه فيعمد إلى قطن فيذر عليه شيئا من الذريرة ويضعه على
فرجيه قبله ودبره ويحشو القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ ويأخذ الخرقة ويكون طولها
ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر إلى شبر ونصف فيشدها من حقويه ويضم فخذيه
213

ضما شديدا ويلفها في فخذيه، ثم يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ويغمزها في
الموضع الذي لف فيه الخرقة ويلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا ثم يأخذ الإزار
فيؤزره ويكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، فإن نقص عرضه عن ذلك لم يكن به بأس.
ويعمد إلى الكافور فيسحقه بيده ويضعه على مساجده على جبهته وباطن كفيه
ويمسح به راحتيه وأصابعهما ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه ولا يجعل في سمعه
وبصره وفيه شيئا من الكافور، ولا يجعل فيها شيئا أيضا من القطن إلا أن يخاف خروج
شئ منها فإنه لا بأس والحال هذه أن يجعل فيها شيئا من القطن، فإن فضل من الكافور
شئ جعله على صدره ويمسح به صدره ثم يرد القميص عليه.
ثم يأخذ الجريدتين فيجعل إحديهما من جانبه الأيمن مع ترقوته ويلصقها بجلده ويضع
الأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار.
ثم يعممه فيأخذ وسط العمامة فيثنيها على رأسه بالتدوير ويحنكه بها ويطرح طرفيها
جميعا على صدره ولا يعممه عمة الأعرابي.
ثم يلفه في اللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن وجانبها الأيمن على جانبها
الأيسر، ثم يضع بالحبرة أيضا مثل ذلك ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.
فإذا فرع من جميع ما ذكرنا فليحمله إلى قبره على سريره. وأفضل ما يمشي المشيع
للجنازة خلفها أو عن يمينها أو شمالها، فإن تقدمها لعارض أو ضرورة لم يكن عليه حرج،
وإن كان لغير ضرورة يكون قد ترك الأفضل وليس عليه شئ، ويكره لمن يشيع جنازة أن
يكون راكبا إلا لضرورة تدعو إلى ذلك.
ويستحب لمن يشيع جنازة المؤمن أن يحمله من أربع جوانبه يبدأ بمقدم السرير الأيمن يمر
عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر ثم يمر عليه حتى يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى.
وينبغي أن يؤذن المؤمنون بجنازة المؤمن إذا لم يعلموا ليتوفروا على تشييعه.
ويستحب لمن رأى جنازة أن يقول: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم. ثم يمر بها
إلى المصلى، فيصلي على ما سنبينه إن شاء الله، ثم يحمله إلى القبر.
فإذا دنا من القبر وضعه دون القبر بمقدار ذراع ثم يمر بها إلى شفير القبر مما يلي رجليه في
214

ثلاث دفعات إن كان رجلا ولا يفدحه بالقبر دفعة واحدة.
وإن كانت امرأة تركها على جانب القبر، ثم ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي ولا
بأس أن يكون شفعا أو وترا، وإن كانت الميت امرأة لا ينزل إلى قبرها إلا زوجها أو ذو رحم
لها، فإن لم يكن أحد منهم جاز أن ينزل إليه بعض الرجال المؤمنين ويدفنها، وإن كان من
ينزل إلى قبرها عند عدم ذوي أرحامها بعض النساء المؤمنات كان أفضل، وليتحف من
ينزل إلى القبر ويكشف رأسه ويحل أزراره ويجوز عند الضرورة والتقية أن ينزل بالخفين.
ثم يؤخذ الميت من قبل الرجلين في القبر فيسل سلا، فيبدأ برأسه فيؤخذ وينزل به
القبر ويقول عند معاينة القبر من يأخذه: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها
حفرة من حفر النيران. ويقول إذا تناوله: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله
اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا
إيمانا وتسليما. ثم يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل به القبلة ويحل عقد كفنه من قبل رأسه
ورجليه ويضع خده على التراب.
ويستحب أن يجعل معه شئ من تربة الحسين ع ثم يشرج عليه اللبن ويقول
من يشرجه: اللهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته وأسكن إليه من رحمتك رحمة
يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه.
ويستحب أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة عند وضعه في القبر قبل تشريج
اللبن عليه فيقول الملقن: يا فلان ابن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا:
شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين
والحسن والحسين - ويذكر الأئمة إلى آخرهم - أئمتك أئمة الهدي الأبرار.
فإذا فرع من تشريج اللبن عليه أهال التراب عليه، ويهيل كل من حضر الجنازة
استحبابا بظهور أكفهم ويقولون عند ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما. ولا يهيل الأب على ولده التراب ولا
الولد على والده ولا ذو رحم على ذي رحمه وكذلك لا ينزل إلى قبره فإن ذلك يقسي القلب.
فإذا أراد الخروج من القبر فليخرج من قبل رجليه ثم يطم القبر ويرفع من الأرض
215

مقدار أربع أصابع ولا يطرح فيه من غير ترابه، ويجعل عند رأسه لبنة أو لوح ثم يصب الماء
على القبر يبدأ بالصب من عند الرأس ثم يدار من أربع جوانبه ثم يعود إلى موضع الرأس
فإن فضل من الماء شئ صب على وسط القبر، فإذا سوى القبر وضع يده على القبر من أراد
ذلك ويفرج أصابعه ويغمزها فيه بعد ما نضح بالماء ويدعو للميت.
فإذا انصرف الناس عن القبر يتأخر أولى الناس بالميت ويترحم عليه وينادي بأعلى
صوته إن لم يكن في موضع تقية: يا فلان بن فلان: الله ربك ومحمد نبيك وعلى إمامك
والحسن والحسين - ويسمي الأئمة واحدا واحدا - أئمتك أئمة الهدي الأبرار.
وإذا كان الميت مجدورا أو كسيرا أو صاحب قروح أو محترقا ولم يخف من غسله غسل
فإن خيف من مسه صب عليه الماء صبا، فإن خيف أيضا من ذلك يتيمم بالتراب.
وإن كان الميت غريقا أو مصعوقا أو مبطونا أو مدخنا أو مهدوما عليه استبرئ
بعلامات الموت، فإن اشتبه ترك ثلاثة أيام وغسل ودفن بعد أن يصلى عليه.
فإن كان الميت شهيدا وهو أن يقتل بين يدي إمام عدل في نصرته أو بين يدي من
نصبه الإمام دفن بثيابه ولم يغسل ويدفن معه جميع ما عليه مما أصابه الدم إلا الخفين، وقد
روي أنهما إذا أصابهما الدم دفنا معه.
وإذا حمل من المعركة وبه رمق ثم مات نزعت عنه ثيابه وغسل وكفن وحنط وصلى
عليه ودفن. وكل قتيل سوى ذلك فلا بد من غسله وتحنيطه وتكفينه فإن كان المقتول قودا
أو مرجوما يؤمر بالاغتسال والتكفن والتحنط ثم يقام عليه الحد، فإذا وجد من المقتول
قطعة فإن كان فيها عظم وجب غسلها وتحنيطها وتكفينها ودفنها، وإن كان موضع الصدر
وجب مثل ذلك أيضا والصلاة عليها ويجب على من مسها الغسل، وكذلك إن كانت
القطعة التي فيها العظم قطعت من الحي وجب على من مسها الغسل، وإن لم يكن فيها
عظم دفنت كما هو ولم تغسل ولا يجب على من مسها أيضا الغسل.
وإذا أراد الغاسل للمقتول غسله بدأ بغسل دمه ثم صب عليه الماء صبا ولا يدلك
جسده ويبدأ بيديه ودبره ويربط جراحاته بالقطن، وكلما وضع عليه القطن عصبه وكذلك
موضع الرأس يجعل له من القطن شئ كثير، وإن كان الرأس قد بان من الجسد وهو معه
216

يغسل الرأس إذا غسل اليدان وسفله بدئ بالرأس ثم بالجسد ويوضع القطن فوق
الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل في الكفن، وكذلك إذا أنزل إلى القبر يتناول مع الجسد
فيدخل اللحد ويوجه إلى القبلة.
وإن كان الميت محرما غسل كما يغسل المحل ويكفن كتكفينه غير أنه لا يقرب شيئا
من الكافور، وإن كان الميت صبيا غسل كتغسيل الرجال ويكفن ويحنط كتكفينهم
وتحنيطهم، وإن كان لم يبلغ ست سنين صلى عليه تقية، وإن بلغ ذلك أو زاد عليه صلى عليه
على كل حال، وإن كان الصبي ابن ثلاث سنين أو أقل من ذلك فلا بأس أن تغسله
النساء عند عدم الرجل مجردا من ثيابه، وإن كان سقطا وقد بلغ أربعة أشهر أو ما زاد عليه
غسل وكفن وحنط وإن كان لأقل من ذلك دفن كما هو بدمه.
وغسل المرأة كغسل الرجال سواء وتكفينها كتكفينهم إلا أن المرأة تزاد لفافتين أو
لفافة ونمطا، ويستحب أن تزاد خرقة يشد بها ثدياها إلى صدرها ويكثر من القطن لقبلها،
وإذا أريد دفنها جعل سريرها قدام القبر وتؤخذ إلى القبر عرضا ويأخذها من قبل وركيها
زوجها أو أحد من ذوي أرحامها، ولا يتولى ذلك أجنبي إلا عند الضرورة، وإن كانت
نفساء أو حائضا غسلت كغسلها طاهرا، وإن كانت حبلى لا يغمز بطنها في الغسلات
ويعمل بها فيما سوى ذلك ما يعمل بغيرها، وإن كانت صبية لها ثلاث سنين أو دونها جاز
للرجال تغسيلها عند عدم النساء فإن زادت على ذلك لم يجز ذلك على حال.
وإن مات الصبي معها في بطنها دفن معها، وإن كانت ذمية دفنت في مقابر المسلمين
لحرمة ولدها إذا كان من مسلم، وإذا ماتت المرأة ولم يمت ولدها شق بطنها من الجانب
الأيسر وأخرج الولد وخيط الموضع وغسلت ودفنت، فإن مات الولد في بطنها ولم تمت هي ولم
يخرج منها أدخلت القابلة أو من يقوم مقامها يدها في فرجها فقطع الصبي وأخرجه قطعة
قطعة وغسل و حنط وكفن ودفن.
وإذا مات رجل مسلم بين رجال كفار ونساء مسلمات لا ذات رحم له فيهن أمر بعض
النساء رجالا من الكفار بالاغتسال ثم تعلمهم تغسيل أهل الاسلام ليغسلوه كذلك، وإن
مات بين نساء مسلمات ورجال كفار وكان له فيهن محرم من زوجة أو غيرها من ذوي الأرحام
217

غسلنه من وراء الثياب ولا يجردنه من ثيابه، وإن لم يكن له فيهن محرم ولا معهن رجال
مسلمون ولا كفار دفنه بثياب ولم يغسله على حال.
وإن ماتت امرأة بين رجال مسلمين لا ذا رحم لها فيهم ولا زوج ونساء كافرات أمر
بعض الرجال نساء كافرات بالاغتسال وتغسيلها غسل أهل الاسلام، فإن ماتت بين
رجال مسلمين ونساء كافرات وكان لها فيهم ذو رحم أو زوج غسلوها من وراء ثيابها ولم
تقربها كافرة، وإن لم يكن فيهم ذو رحم ولا زوج ولا معهم نساء أصلا دفنوها بثيابها من غير
تغسيل. وقد روي أنهم يغسلون منها محاسنها يديها ووجهها ثم يدفنونها، فمن عمل
على هذه الرواية لم يكن عليه بأس.
ولا يقص شئ من شعر الميت ولا من ظفره ولا يسرح رأسه ولا لحيته، فإن سقط منه
شئ جعل معه في أكفانه.
وإذا خرج من الميت شئ من النجاسة بعد الفراع من غسله غسل منه ولم يجب عليه
إعادة الغسل، فإن أصاب ذلك كفنه قرض الموضع منه بالمقراض.
والجريدة توضع مع جميع الأموات من الرجال والنساء والصبيان والأطفال مع
التمكن، فإن كانت الحال حال التقية ولم يتمكن من وضعها مع الكفن طرحت في القبر،
فإن لم يمكن ذلك ترك بغير جريدة، ولا ينبغي للمؤمن أن يغسل أهل الخلاف فإن اضطر
غسله غسل أهل الخلاف ولم يجعل معه الجريدة على حال.
والميت إذا لم يوجد له كافور ولا سدر فلا بأس أن يغسل بالماء القراح ويقتصر عليه.
وإذا مات الميت في مركب في البحر ولم يقدر على الشط لدفنه غسل وحنط وكفن وصلى
عليه ثم نقل وطرح في البحر ليرسب إلى قرار الماء.
ولا يجوز حمل ميتين على جنازة واحدة مع الاختيار لأن ذلك بدعة.
ويستحب أن يكون حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، واللحد ينبغي أن يكون واسعا
مقدار ما يتمكن الرجل فيه من الجلوس، ولا بأس بالاقتصار على الشق وإن لم يجعل هناك
اللحد، وإذا كان القبر نديا فلا بأس أن يفرش بالساج.
ويكره نقل الميت من الموضع الذي مات فيه إلى بلد آخر إلا إذا نقل إلى واحد من
218

المشاهد فإن ذلك مستحب له، فإذا دفن في موضع فلا يجوز نقله وتحويله من موضعه، وقد
وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة سمعناها مذاكرة والأصل ما ذكرناه.
ولا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد ذلك ويوارى في
التراب.
ويكره تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد اندراسها ولا
بأس بتطيينها ابتداء. ويكره أن يحفر قبر مع العلم به فيدفن فيه ميت آخر إلا عند
الضرورة إليه.
والكفن يؤخذ من نفس التركة قبل قسمة الميراث وقضاء الديون والوصايا ثم يتبع
ذلك بقضاء الديون ثم الوصايا ثم الميراث، وإن كان الميت امرأة لزم زوجها أكفانها ولا
يلزم ذلك في مالها على حال.
باب التيمم وأحكامه:
التيمم على ضربين: تيمم هو بدل من الوضوء وتيمم هو بدل من الغسل المفروض.
ويحتاج فيه إلى العلم بخمسة أشياء:
أولها: من يجب عليه التيمم وما يتبعه من أحكامه.
والثاني: متى يجب عليه التيمم وما يلزمه من أحكامه.
والثالث: ما يجوز أن يتيمم به وما لا يجوز.
والرابع: كيفية التيمم.
والخامس: ما ينقض التيمم.
أما الذي يجب عليه التيمم فكل من عدم الماء من المكلفين للصلاة أو وجده غير أنه
لا يتمكن من استعماله من برد شديد، أو مشقة عظيمة تلحقه أو مرض يخافه أو لا يكون معه
ما يتوصل به إلى الماء من آلة ذلك أو ثمنه أو يحول بينه وبين الماء حائل من عدو أو سبع أو
غير ذلك، فمتى لم يكن شئ مما ذكرناه لم يجز له التيمم.
فإن وجد الماء بالثمن وجب عليه شراؤه فلا يجوز له التيمم إلا أن يبلغ ثمنه مقدارا
219

يضر به في الحال فإن كان معه ماء يسير يحتاج إليه للشرب وجب عليه التيمم، وكذلك إن
كان معه من الماء ما لا يكفيه لطهارته وجب عليه التيمم.
فإذا وجد الماء وجب عليه الطهارة وليس عليه إعادة شئ من الصلاة التي صلاها
بذلك التيمم.
فإن كان مريضا وجب عليه التيمم والصلاة به وليس عليه إعادة شئ من صلاته
التي صلاها بتيممه.
فإن خاف البرد العظيم في سفر وحضر وجب عليه التيمم والصلاة وليس عليه إعادة
شئ مما يصلى بتيممه، فإن كان هذا الذي يخاف البرد يتيمم وكان تيممه بدلا من الغسل
إما من الاحتلام أو مس الأموات أو الحائض أو المستحاضة أو النفساء وجب عليه التيمم
والصلاة، وليس عليه إعادة شئ من صلاته التي يصليها بذلك التيمم، فإن كان غسله
من الجنابة التي تعمدها وجب عليه الغسل وإن لحقه برد إلا أن يبلغ ذلك حدا يخاف على
نفسه التلف فإنه يجب عليه حينئذ التيمم والصلاة، فإذا زال الخوف وجب عليه الغسل
وإعادة تلك الصلاة.
وإذا مات الميت ولم يوجد الماء لغسله أو وجد غير أنه لا يمكن الحي استعماله لأحد
الأسباب التي ذكرناها وجب أن يتيمم، فإذا تيمم كفن وصلى عليه ودفن ويجب على من
تيممه التيمم، فإذا زال عنه المانع وجب عليه الاغتسال.
والمجروح وصاحب القروح والمكسور والمجدور إذا خافوا على نفوسهم استعمال
الماء وجب عليهم التيمم عند حضور الصلاة. وإذا حصل الانسان يوم الجمعة في المسجد
الجامع فأحدث ما ينقض الوضوء ولم يتمكن من الخروج فليتيمم وليصل، فإذا انصرف
توضأ وأعاد الصلاة.
وإذا احتلم الانسان في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فلا يجوز له أن يخرج منهما إلا
بعد أن يتيمم ولا بأس بترك ذلك في غيرهما من المساجد.
وإذا حصل الانسان في أرض ثلج ولا يقدر على الماء ولا على التراب فليضع يديه
جميعا على الثلج باعتماد حتى تنتديا ثم يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى محادر شعر
220

ذقنه مثل الدهن ثم يضع يده اليسرى على الثلج كما وصفناه ويمسح بها يده اليمنى من
المرفق إلى أطراف الأصابع ثم يضع يده اليمنى على الثلج مثل ذلك ويمسح بها يده اليسرى
من الرفق إلى أطراف الأصابع ويمسح بباقي نداوتهما رأسه وقدميه وإن كان قد وجب عليه
الغسل فعل بجميع بدنه مثل ذلك، فإن خاف على نفسه من البرد أخر الصلاة إلى أن
يجد الماء فيغتسل أو التراب فيتيمم.
والتيمم يجب آخر الوقت إلى تضيقه فلا يجوز التيمم قبل دخول وقت الصلاة ولا
بعد دخوله في أول وقت، فمن تيمم قبل دخول الوقت أو بعد دخوله قبل آخر الوقت
وجب عليه إعادة التيمم ولم يجز له أن يستبيح بذلك التيمم والصلاة، فإن صلى بتيممه
ذلك وجب عليه إعادة الصلاة بتيمم مستأنف أو طهارة إن كان قد وجد الماء.
ولا يجوز له التيمم في آخر الوقت إلا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار
رمية سهم أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف، فإن خاف لم يجب أن يتعدى المكان الذي هو
فيه.
فمتى لم يطلب الماء وتيمم وصلى وجب عليه إعادة الصلاة فإن نسي الماء في رحله
وقد تيمم وصلى ثم علم بعد ذلك والوقت باق وجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة.
فإن وجد الماء وقد دخل في الصلاة وركع لم يجب عليه الانصراف بل يجب عليه
المضي فيها، فإذا فرع منها توضأ لما يستأنف من الصلاة، فإن وجد الماء قبل الركوع وجب
عليه الانصراف والتوضؤ واستقبال الصلاة.
فإن أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة ناسيا وجب عليه الطهارة والبناء على ما انتهى
إليه من الصلاة ما لم يستدبر القبلة أو يتكلم بما يفسد الصلاة، وإن كان حدثه متعمدا
وجب عليه الطهارة واستئناف الصلاة.
وأما الذي يتيمم به فهو الصعيد الطيب الذي ذكره الله في كتابه جل ذكره وهو
التراب الطاهر، ويستحب أن يكون ذلك من ربا الأرض وعواليها ولا يكون ذلك من
مهابطها، فإن تيمم من مهابط الأرض وكان الموضع طاهرا لم يكن به بأس، ولا بأس بالتيمم
بالأحجار ولا بالأرض الجصية ولا بأرض النورة إذا لم يقدر على التراب.
221

فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها ولا صخر معه وكانت معه دابة فلينفض عرفها أو لبد
سرجها ويتيمم بغبرته، فإن لم يكن معه دابة وكان ثوب تيمم منه، فإن لم يكن معه شئ من
ذلك وضع يده جميعا على الوحل ويمسح إحديهما بالأخرى وينفضهما حتى يزول عنهما الوحل
ثم يتيمم.
ولا يجوز التيمم بما لا يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق سوى ما ذكرناه، ولا يجوز التيمم
من المعادن كلها ولا يجوز التيمم بالرماد ولا بالأشنان ولا بالدقيق ولا بما أشبهه في نعومته
وانسحاقه ولا بالزرنيخ، ويكره التيمم من الأرض الرملة وكذلك يكره من الأرض السبخة.
فإذا أراد التيمم فليضع يديه جميعا مفرجا أصابعه على التراب وينفضهما، ثم يمسح
إحديهما على الأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ثم يضع كفه
اليسرى على ظهر كفه اليمنى فيمسحهما من الزند إلى أطراف الأصبع مرة واحدة هذا إذا
كان تيممه بدلا من الوضوء، فإن كان بدلا من الغسل ضرب بيده على الأرض مرتين، مرة
للوجه يمسح بهما على ما وصفناه ومرة لليدين على ما بينا.
والتيمم يكون بعد الفراع من الاستنجاء إما بالأحجار أو بالخزف أو ما أشبههما، ولا
يترك الاستنجاء على حال وكذلك إن كان تيممه بدلا من غسل الجنابة وجب عليه أن
يستبرئ نفسه بالبول ويتنشف ثم يتيمم بعد ذلك.
وإذا تيمم على ما وصفناه جاز له أن يؤدى به صلوات الليل والنهار ما لم ينقض تيممه،
وإن تيمم لكل صلاة كان أفضل.
والترتيب واجب في التيمم كوجوبه في الطهارة، فإن قدم مسح اليدين وجب عليه
مسح الوجه ثم مسح اليدين.
وكل ما ينقض الوضوء فإنه ينقض التيمم وينقضه زائدا على ذلك وجود الماء مع
التمكن من استعماله، فإن وجد الماء منه ولم يتطهر ثم عدمه ودخل وقت صلاة أخرى
وجب عليه إعادة التيمم، فإن أحدث المتيمم من الجنابة حدثا ينقض الوضوء وكان معه من
الماء مقدار ما يكفيه للوضوء دون الغسل وجب عليه استئناف التيمم دون الوضوء.
وإذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء مقدار ما يكفي أحدهم فليغتسل
222

الجنب وليتيمم المحدث ويدفن الميت بعد أن ييمم حسب ما قدمناه، ويكره أن يؤم المتيمم
المتوضئين ولا بأس أن يأتم بهم، وكذلك لا بأس أن يؤم المتيمم المتيممين وأن يأتم بهم على
كل حال.
باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني:
إذا أصاب ثوب الانسان أو جسده بول أو غائط أو مني وجب إزالته قليلا كان ما أصابه
أو كثيرا وكذلك أبوال كل شئ يجب إزالتها سوى أبوال ما يؤكل لحمه وكذلك حكم
الأرواث، فأما أبوال الحمير والبغال والخيول وأرواثها فإن يجب إزالتها، ولا بأس بذرق كل
شئ من الطيور مما أكل لحمه وكذلك أبوالها سوى ذرق الدجاج خاصة فإنه يجب إزالته
على كل حال، فأما ما لا يؤكل لحمه فإنه يجب إزالة بوله وروثه وذرقه عن الثياب والبدن
معا.
ومتى أصاب ثوب الانسان أو بدنه شئ من الخمر أو الشراب المسكر أو الفقاع قليلا
كان أو كثيرا فإنه يجب إزالته عن الثوب والبدن معا.
وإن أصاب الثوب دم وكان دم حيض أو استحاضة أو نفاس وجب إزالته قليلا أو
كثيرا، فإن بقي له أثر يستحب أن يصبغ بشئ من الأصباغ يذهب أثره، وإن كان دم سمك
أو بثور أو قروح دامية أو جراح لازمة أو دم براغيث فإنه لا يجب إزالته قليلا كان أو كثيرا،
وإن كان دم رعاف أو فصد أو غيرهما من الدماء وكان دون مقدار الدرهم مجتمعا في مكان
فإنه لا يجب إزالته إلا أن يتفاحش ويكثر، فإن بلغ مقدار الدرهم فصاعدا وجبت إزالته.
وكل هذه النجاسات التي ذكرناها فإنه يجب إزالتها بالماء المطلق ولا يجوز بغيره، فإن
أزيل بغيره لم تجز الصلاة في ذلك الثوب.
ومتى حصل في الثوب شئ من النجاسات التي يجب إزالتها وجب غسل الموضع
الذي أصابته وإن لم يتيقن الموضع وكان حصول النجاسة فيه معلوما وجب غسل الثوب
كله، وإن كان حصولها مشكوكا فيه، فإن يستحب أن يرش الثوب بالماء.
ومتى صلى الانسان في ثوب فيه نجاسة مع العلم بذلك وجب عليه إعادة الصلاة،
223

فإن كان علم بحصول النجاسة في الثوب فلم يزله ونسي ثم صلى في الثوب ثم ذكر بعد
ذلك وجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعلم حصولها في الثوب وصلى ثم علم أنه كان فيه
نجاسة لم يلزمه إعادة الصلاة.
وإذا أصاب ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وكان رطبا
وجب غسل الموضع الذي أصابه، فإن لم يتعين الموضع وجب غسل الثوب كله، وإن كان
يابسا وجب أن يرش الموضع بعينه، فإن لم يتعين رش الثوب كله، وكذلك إن مس الانسان
بيده أحد ما ذكرناه أو صافح ذميا أو ناصبا معلنا بعداوة آل محمد وجب عليه غسل يده إن
كان رطبا وإن كان يابسا مسحها بالتراب.
وإذا أصاب ثوب الانسان ميت من الناس بعد برده وقبل تطهيره بالغسل أو غيره
من الأموات وجب عليه غسل الموضع الذي أصابه، فإن لم يتعين الموضع وجب غسل الثوب
كله. وإن مس الانسان بيده ميتا من الناس بعد البرد بالموت أو مس قطعة فيها عظم أو مس
ما قطع من حي وفيها عظم وجب عليه الغسل حسب ما قدمناه، وإن كان بعد الغسل أو
قبل برده لم يجب عليه الغسل، وإن كان ما مسه من القطعة الميتة لا عظم فيه لم يجب عليه
الغسل ولكن يجب غسل يده، وإن كان الميت من غير الناس وجب عليه غسل ما مسه به.
ولا بأس بعرق الجنب والحائض في الثوب واجتنابه أفضل اللهم إلا أن تكون الجنابة
من حرام فإنه يجب عليه غسل الثوب إذا عرق فيه، وإذا أصاب الثوب عرق الإبل الجلالة
وجب عليه إزالته.
ومتى أصاب الأواني شئ من هذه النجاسات وجب غسلها حسب ما قدمناه، وتغسل
من ولوع الكلب ثلاث مرات أولاهن بالتراب، وإن أصابها خمر أو شئ من الشراب
المسكر وجب غسلها سبع مرات.
وإذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية بول وطلعت الشمس عليه وجففته فإنه
لا بأس بالصلاة عليه وبالسجود، وإن كان قد جففته غير الشمس لم يجز عليه السجود
وجاز الوقوف عليه، وكذلك الفراش إذا أصابته نجاسة لم يكن بالوقوف عليه بأس في
حال الصلاة اللهم إلا أن تكون النجاسة رطبة تتعدى إلى الثوب فإنه لا يجوز الوقوف عليه.
224

وإذا أصاب ثوب الانسان أو بدنه مذي أو وذي لم يجب إزالته فإن أزاله كان أفضل،
والقئ إذا أصاب الثوب أو البدن لم يكن بالصلاة فيه بأس.
وإذا أصاب خف الانسان أو جوربه أو تكته أو قلنسوته أو ما لا تتم الصلاة فيه مفردا
شئ من النجاسة فإنه لا بأس بالصلاة فيه وإن لم يزله فإن أزاله كان أفضل.
وكل ما ليس له نفس سائلة من الأموات فإنه لا ينجس الثوب ولا البدن ولا الشراب
والماء إذا وقع فيه سوى الوزع والعقرب اللذين استثنيناهما فيما مضى.
وإذا أصاب ثوب الانسان طين الطريق فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يعلم فيه نجاسة،
فإذا أتى عليه ثلاثة أيام. يستحب إزالته على كل حال.
وإذا أصاب ثوب الانسان ماء المطر وقد خالطه شئ من النجاسات فلا بأس بالصلاة
فيه ما لم يغلب النجاسة على الماء، فإذا غلبت عليه وجب إزالته على كل حال، وإذا رجع
على ثوب الانسان أو بدنه من الماء الذي يستنجي به أو يغتسل به من الجنابة فإن لا بأس
بالصلاة فيه، فإن وقع الماء على نجاسة ظاهرة ثم رجع على الثوب أو البدن وجب إزالته.
وإذا كان مع الانسان ثوبان وحصلت في واحد منها نجاسة ولم يعلمه بعينه وجب عليه
غسلهما معا، فإن لم يقدر على الماء صلى في كل واحد منهما على الانفراد، وإن كان معه ثوب
واحد وأصابته نجاسة ولم يقدر على الماء وجب عليه نزعه وأن يصلى عريانا، فإن لم
يتمكن من نزعه صلى فيه، فإذا تمكن من نزعه أو غسله نزعه أو غسله وأعاد الصلاة.
وإذا أصاب الثوب بول الخفاش وجب غسل الموضع الذي أصابه فإن لم يعرفه بعينه
غسل الثوب كله، والمرأة المربية للصبي إذا كان عليها ثوب لا تملك غيره وتصيبه
النجاسة في كل وقت ولا يمكنها التحرز من ذلك ولا تقدر على غسله في كل حال فلتغسل
ثوبها في كل يوم مرة واحدة وتصلي فيه وليس عليها شئ.
وبول الصبي قبل أن يطعم لا يجب غسل الثوب منه بل يصب الماء عليه صبا، وبول
الصبية يجب غسله على كل حال.
225

الجمل والعقود
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
227

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حق حمده، والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطيبين الأخيار وسلم
كثيرا.
أما بعد. فأنا مجيب إلى ما سأله الشيخ الفاضل - أطال الله بقاءه - من إملاء مختصر
يشتمل على ذكر كتب العبادات وذكر عقود أبوابها وحصر جملها وبيان أفعالها
وانقسامها إلى الأفعال والتروك وما يتنوع من الوجوب والندب والآداب وأضبطها بالعدد
ليسهل على من يريد حفظها ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند تذكره والطالب
عند تدبره. فإن الكتب المصنفة في هذا المعنى مبسوطة وخاصة ما ذكرناه في كتاب النهاية
فإنه لا مستزاد على ما تضمنه ولا مستدرك على ما اشتمل عليه إلا مسائل التفريع التي
شرعنا في كتاب آخر فيها إذا سهل الله تعالى إتمامه وانضاف إلى كتاب النهاية كان غاية فيما
يراد. وليس ينحصر مثل هذه الكتب للمبتدئين ولا للمنتهين وإنما يقع الأنس بها لمن أدام
النظر فيها وردد فكره وخاطره في تأملها وعمل مختصر يشتمل على عقود الأبواب يحفظها
كل أحد تكثر المنفعة به ويرجى جزيل الثواب بعمله. وأنا مجيب إلى ما سأله مستمدا من الله
تعالى المعونة والتوفيق فإنه القادر عليهما وهو بفضله يسمع ويجيب.
فصل في ذكر أقسام العبادات
عبادات الشرع خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
229

فصل في ذكر أقسام أفعال الصلاة
أفعال الصلاة على ضربين: أحدهما يتقدمها والآخر يقارنها، فالذي يتقدمها على
ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروضات عشرة: الطهارة والوقت والقبلة وأعداد
الفرائض وستر العورة. ومعرفة ما تجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا تجوز. ومعرفة ما
تجوز الصلاة عليه من المكان وما لا تجوز. وطهارة البدن وطهارة الثياب من النجاسات
وطهارة موضع السجود.
والمسنون قسم واحد وهو الأذان والإقامة.
ونحن نذكر كل قسم منه ونحصر عدد ما فيه، ثم نذكر ما يقارن حال الصلاة إن
شاء الله تعالى.
فصل في ذكر الطهارة. الطهارة تشتمل على أمور تقارنها ومقدمات تتقدمها.
فمقدماتها على ضربين: أفعال وتروك. فالأفعال على ثلاثة أضرب: واجب وندب
وأدب.
فالواجب أمران:
أحدهما: استنجاء مخرج النجو. إما بالماء أو بالأحجار. والثاني: غسل مخرج البول
بالماء لا غير.
والندب خمسة أشياء: الدعاء عند دخول الخلاء والدعاء عند الاستنجاء والدعاء
عند الفراع منه والدعاء عند الخروج من الخلاء والجمع بين الحجارة والماء في الاستنجاء أو
الاقتصار على الماء دون الحجارة.
والآداب ثلاثة أشياء:
تغطية الرأس عند دخول الخلاء وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول وتقديم
الرجل اليمنى عند الخروج.
وأما التروك فعلى ثلاثة أضرب: واجب وندب وأدب. فالواجب أمران:
ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها مع الإمكان. والمندوب ثلاثة عشر تركا:
230

لا يستقبل الشمس ولا القمر ولا الريح بالبول. ولا يحدث في الماء الجاري ولا الراكد
ولا في الطريق ولا تحت الأشجار المثمرة ولا في أفنية الدور ولا مواضع اللعن ولا المشارع،
ولا المواضع التي تتأذى بها الناس.
ولا يبولن في جحرة الحيوان ولا يطمح ببوله في الهواء.
والآداب أربعة:
أن لا يتكلم على حال الخلاء ولا يستاك ولا يأكل ولا يشرب.
فصل في ذكر ما يقارن الوضوء.
الوضوء يشتمل على أمرين: أفعال وكيفياتها.
فالأفعال على ثلاثة أضرب: واجب ومندوب وأدب.
فالواجب خمسة أشياء:
النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس، ومسح الرجلين.
والمندوب اثنا عشر شيئا:
غسل اليدين من النوم والبول مرة واحدة ومن الغائط مرتين قبل إدخالهما الإناء.
وغسل الوجه ثانيا وكذلك غسل اليدين والمضمضة، والاستنشاق والدعاء عند المضمضة
وعند الاستنشاق وعند غسل الوجه وعند غسل اليدين وعند مسح الرأس، وعند مسح
الرجلين والتسمية وفيه ترك واحد: وهو أن لا يتمندل
والآداب ثلاثة أشياء:
وضع الإناء على اليمين وأخذ الماء باليمين وإدارته إلى اليسار.
وأما الكيفيات فعلى ضربين: واجب وندب.
فالواجب عشرة:
مقارنة النية لحال الوضوء واستمرار حكمها إلى عند الفراع.
وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا وما دارت
عليه الوسطى والإبهام عرضا وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع وأن لا
يستقبل الشعر في غسلهما والمسح بمقدم الرأس مقدار ما يقع عليه اسم المسح ومسح
الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم.
231

والترتيب: وهو أن يبدأ بغسل الوجه ثم باليد اليمنى. ثم باليد اليسرى. ثم بمسح
الرأس. ثم بمسح الرجلين.
والموالاة: وهي أن يوالي بين غسل الأعضاء ولا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما
يجف ما تقدم ويمسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء من غير استئناف ماء جديد.
والندب خمسة:
أن يأتي بالمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا وأن يغسل الغسلات المسنونة على
هيئة الغسلات الواجبة وأن يمسح من مقدم الرأس مقدار ثلاث أصابع مضمومة. ويمسح
الرجلين بكفيه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. وأن يضع الماء في غسل يديه على ظهر
ذراعيه من المرفق إن كان رجلا، وإن كانت امرأة فعلى باطن ذراعيها.
فصل في ما ينقض الوضوء
ما ينقض الوضوء على ضربين:
أحدهما يوجب إعادة الوضوء، والثاني يوجب الغسل. فما يوجب الوضوء خمسة
أشياء:
البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر وما يزيل العقل
والتمييز من سائر أنواع المرض من الإغماء والجنون وغير ذلك.
وما يوجب الغسل ستة أشياء:
خروج المني على كل حال في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة والجماع في الفرج -
وإن لم ينزل - والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت
وقبل تطهيرهم بالغسل.
فصل في ذكر الجنابة
الجنابة تكون بشيئين:
أحدهما: إنزال الماء الدافق على كل حال على ما بيناه.
والثاني: الجماع في الفرج سواء أنزل أو لم ينزل.
232

ويتعلق بها أحكام تنقسم إلى محرمات ومكروهات: فالمحرمات خمسة أشياء:
قراءة العزائم من القرآن. ودخول المساجد إلا عابر سبيل. ووضع شئ فيها.
ومس كتابة المصحف أو شئ عليه اسم الله تعالى، أو أسماء أنبيائه وأئمته
ع.
والمكروهات أربعة أشياء:
الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق. والنوم إلا بعد الوضوء. والخضاب.
فإذا أراد الغسل، وجب عليه أفعال وهيئات ويستحب له أفعال. فالواجب من
الأفعال ثلاثة: الاستبراء بالبول على الرجال أو الاجتهاد والنية. وغسل جميع البدن على
وجه يصل الماء إلى أصول الشعر بأقل ما يقع عليه اسم الغسل.
والهيئات ثلاثة: مقارنة النية لحال الغسل والاستمرار عليها حكما.
والترتيب في الغسل: يبدأ بغسل الرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر.
والمستحب أربعة أشياء: غسل اليدين ثلاث مرات قبل إدخالهما الإناء
والمضمضة، والاستنشاق والغسل بصاع من الماء فما زاد.
فصل في ذكر الحيض، والاستحاضة والنفاس
الحيض هو الدم الأسود الخارج بحرارة وحرقة على وجه يتعلق به أحكام نذكرها
ولقليله حد ويتعلق به عشرون حكما: أربعة منها مكروهة والباقي إما محظور أو واجب.
فالواجبات:
لا يجب عليها الصلاة، ولا يصح منها فعل الصلاة.
ولا يصح منها الصوم.
ويحرم عليها دخول المساجد ولا يصح منها الاعتكاف ولا يصح منها الطواف ويحرم عليها قراءة العزائم.
ويحرم عليها مس كتابة القرآن. ويحرم على زوجها وطؤها ويجب على من وطأها
متعمدا الكفارة ويجب عليه التعزير.
ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم.
ولا يصح طلاقها. ولا يصح منها الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث
ولا يجب عليها قضاء الصلاة ويجب عليها قضاء الصوم.
233

والمكروهات أربعة: يكره لها قراءة ما عدا العزائم ومس المصحف وحمله ويكره لها الخضاب
وينقسم الحيض ثلاثة أقسام: قليل وكثير وما بينهما.
فالقليل ثلاثة أيام متواليات والكثير عشرة أيام لا أكثر منها وما بينهما بحسب
العادة فإذا أرادت الغسل وجب عليها أفعال وهيئات:
فالأفعال إن كان انقطاع دمها في ما دون الأكثر، فعليها أن تستبرئ نفسها بقطنة.
فإن خرجت نقية، فهي طاهرة وإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى.
وكيفية غسلها وهيئته مثل كيفية غسل الجنابة في جميع الأحكام ويزيد على ذلك
بوجوب تقديم الوضوء على الغسل ليجوز لها استباحة الصلاة.
وأما المستحاضة فهي التي ترى الدم بعد العشرة الأيام من الحيض أو بعد أكثر أيام
النفاس.
وهي على ضربين: مبتدئة وغير مبتدئة.
فإن كانت مبتدئة فلها أربعة أحوال إذا استمر بها الدم:
أولها أن يتميز لها بالصفة فيجب أن تعمل عليها. والثاني: أن لا يتميز لها بالصفة
فلترجع إلى عادة نسائها من أهلها. والثالث: أن لا يكون لها نساء فلترجع إلى من هي
مثلها في السن.
والرابع: أن لا يكون لها نساء ولا مثل في السن، أو كن مختلفات العادة فلتترك
الصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض وفي الثاني أكثر أيام الحيض، أو تترك الصلاة في
كل شهر سبعة أيام مخيرة في ذلك وإن لم تكن مبتدئة وكانت لها عادة فلها أربعة أحوال:
أحدها: أن تكون لها عادة بلا تمييز فلتعمل عليها.
والثاني: لها عادة وتمييز فلتعمل على العادة.
والثالث: اختلفت عادتها ولها تمييز فلتعمل على التمييز.
والرابع: اختلفت عادتها ولا تمييز لها فلتترك الصلاة في كل شهر. سبعة أيام حسب
ما قدمناه.
والمستحاضة لها ثلاثة أحوال:
أولها: أن ترى الدم القليل. وحده أن لا يظهر على القطنة فعليها تجديد الوضوء
234

لكل صلاة، وتغيير القطنة والخرقة. والثاني: أن ترى الدم أكثر من ذلك وهو أن يظهر على
القطنة ولا يسيل، فعليها غسل واحد لصلاة الغداة وتجديد الوضوء لباقي الصلوات
مع تغيير القطن والخرقة، والثالث: أن ترى الدم أكثر من ذلك وهو أن يظهر على القطنة
ويسيل، فعليها ثلاثة أغسال:
غسل لصلاة الظهر والعصر، تجمع بينهما. وغسل لصلاة المغرب والعشاء
الآخرة تجمع بينهما. وغسل لصلاة الغداة. وكيفية غسلها مثل غسل الحائض سواء ولا
يحرم عليها شئ مما يحرم على الحائض إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.
وأما النفساء فهي التي ترى الدم عقيب الولادة. وحكمها حكم الحائض في جميع
المحرمات والمكروهات وفي الغسل، وكيفيته وأكثر أيامها، وتفارقها في الأقل، فإنه ليس
لقليل النفاس حد.
فصل في حكم الأموات
هذا الفصل يحتاج إلى بيان أربعة أشياء:
أولها الغسل وبيان أحكامه. والثاني التكفين وبيان
أحكامه. والثالث دفنه وبيان أحكامه. والرابع الصلاة عليه وبيان أحكامها.
فالغسل يتعلق به فروض وندوب.
فالفروض ثلاثة أشياء: أن يغسل ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة وكيفيته
وهيئته، مستور العورة. أولها بماء السدر. والثاني بماء جلال الكافور. والثالث بالماء
القراح.
والمسنون ستة أشياء:
توجيهه إلى القبلة في حال الغسل. ووقوف الغاسل على جانب يمينه. وغمز بطنه
في الغسلتين الأوليين. والذكر والاستغفار عند الغسل. وأن يجعل لمصب الماء حفيرة
يدخل فيها الماء وأن يغسل تحت سقف.
وأما التكفين ففيه المفروض والمسنون:
فالمفروض أربعة أشياء:
تكفينه في ثلاثة أثواب مع القدرة: مئزر وقميص وإزار. وإمساس شئ من
235

الكافور مساجده مع القدرة.
والمسنون سبعة أشياء:
أن يزاد على الكفن إزاران: أحدهما حبرة، والآخر خرقة لشد فخذيه. وعمامة يعمم
بها محنكا.
وإن كانت امرأة تزاد لفافتين أخراوين.
وأن يكون الكافور ثلاثة عشر درهما وثلثا أو أربعة مثاقيل وأقله درهم مع القدرة. وأن
يمسح بذلك مساجده السبعة التي سجد عليها. وأن يجعل معه جريدتين خضراوين.
وأما الدفن ففيه الفرض والندب.
فالفرض شئ واحد وهو دفنه.
والندب عشرون شيئا:
أن تتبع الجنازة أو بين جنبيها. وأن توضع الجنازة عند رجل القبر إن كان رجلا
وقدام القبر مما يلي القبلة إن كانت امرأة. ويؤخذ الرجل من قبل رأسه والمرأة بالعرض.
وأن يكون القبر قدر قامة أو إلى الترقوة. واللحد أفضل من الشق. وأن يكون اللحد واسعا
مقدار ما يجلس فيه الجالس. والذكر عند تناوله، وعند وضعه في اللحد.
ويحل عقد الأكفان ويضع خده على التراب ويضع شيئا من التربة معه.
ويلقنه الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة ويشرج اللبن ويطم القبر ويرفعه من
الأرض مقدار أربع أصابع ويسويه ويربعه. ويرش الماء عليه من أربع جوانبه. ويضع اليد
عليه ويترحم عليه.
ويلقنه بعد انصراف الناس عنه وليه.
وأما الصلاة عليه فسنذكرها في باب الصلاة إن شاء الله تعالى.
فصل في ذكر الأغسال المسنونة
الأغسال المسنونة ثمانية وعشرون غسلا:
غسل يوم الجمعة وليلة النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه. وليلة النصف من شعبان. وأول ليلة من شهر رمضان وليلة
النصف منه وليلة سبع عشرة منه
236

وليلة تسع عشرة منه وليلة إحدى وعشرين منه وليلة ثلاث وعشرين منه. وليلة الفطر ويوم
الفطر. ويوم الأضحى. وغسل الإحرام. وعند دخول الحرم وعند دخول مكة وعند دخول
المسجد الحرام وعند دخول الكعبة. وعند دخول المدينة وعند دخول مسجد النبي
ع. وعند زيارة النبي ع وعند زيارة الأئمة ع. ويوم الغدير.
ويوم المباهلة وغسل التوبة. وغسل المولود. وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق
القرص كله وتركها متعمدا. وعند صلاة الحاجة وعند صلاة الاستخارة.
فصل في ذكر التيمم وأحكامه
لا يجوز التيمم إلا بأحد ثلاثة شروط:
إما عدم الماء مع الطلب له، أو عدم ما يتوصل به إليه من آلة أو ثمن، أو الخوف
من استعماله إما على النفس أو المال.
ومع حصول هذه الشروط لا يصح التيمم إلا عند تضيق وقت الصلاة.
ولا يصح التيمم إلا بالأرض أو ما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق من تراب أو مدر
أو حجر.
وكيفيته أن يضرب بيديه على الأرض دفعة واحدة إن كان عليه الوضوء وينفضهما
ويمسح بهما وجهه من قصاص الشعر من ناصيته إلى طرف أنفه وببطن يده اليسرى ظهر
كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع وببطن كفه اليمنى ظهر كفه اليسرى من الزند
إلى أطراف الأصابع.
وإن كان عليه الغسل، يضرب ضربتين، ضربة للوجه والأخرى لليدين والكيفية
واحدة.
ونواقض التيمم كل ما ينقض الطهارة ويزيد عليها التمكن من استعمال الماء.
وكل ما يستباح بالوضوء يستباح بالتيمم على حد واحد.
فصل في ذكر أحكام المياه
الماء على ضربين: نجس وطاهر. فالنجس لا يجوز استعماله على كل حال إلا عند
الخوف من تلف النفس.
237

والطاهر على ضربين: مضاف ومطلق، فالمضاف كل ماء اعتصر من جسم أو
استخرج منه أو كان مرقة مثل ماء الورد والآس والخلاف وماء الباقلاء وما أشبه ذلك.
فجميع ذلك لا يجوز استعماله في رفع الأحداث ولا في إزالة النجاسات ويجوز فيما عدا
ذلك.
والمطلق على ضربين: جار وواقف. فالجاري طاهر مطهر ولا ينجسه شئ إلا ما
غير أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو رائحته.
والواقف على ضربين: ماء البئر وغير ماء البئر. فماء البئر طاهر مطهر، إلا أن تقع
فيه نجاسة. فإذا وقعت فيه نجاسة فقد نجست قليلا كان الماء أو كثيرا
والنجاسة الواقعة فيها على ضربين: أحدهما يوجب نزح جميعها والآخر يوجب
نزح بعضها.
فما يوجب نزح جميعها تسعة أشياء: الخمر وكل مسكر والفقاع والمني ودم
الحيض والاستحاضة والنفاس والبعير إذا مات فيها وكل نجاسة غيرت أحد أوصاف
الماء وما يوجب نزح بعضها فكل شئ له مقدار قد فصلناه في النهاية وماء غير البئر على
ضربين: كثير وقليل، فحد الكثير ما بلغ كرا فصاعدا. وحد الكر ما كان ثلاثة أشبار
ونصفا، عرضا في طول في عمق أو ما كان قدره ألفا ومائتي رطل بالعراقي وذلك لا ينجسه
شئ إلا ما غير أحد أوصافه.
وحد القليل ما نقص عن الكر وذلك ينجس بما يقع فيه من النجاسات وإن لم يغير
أحد أوصافه.
فصل في ذكر النجاسات، ووجوب إزالتها عن الثياب والبدن
تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن حتى يصح الدخول في الصلاة.
والنجاسات على ضربين: دم وغير دم فالدم على ثلاثة أضرب:
ضرب تجب إزالة قليله وكثيره. وهي ثلاثة أجناس: دم الحيض والاستحاضة
والنفاس. ودم لا يجب إزالة قليله ولا كثيره، وهي خمسة أجناس: دم البق والبراغيث
والسمك والجراح اللازمة والقروح الدامية. ودم يجب إزالة ما بلغ مقدار درهم فصاعدا
238

وما نقص عنه لا يجب إزالته وهو باقي الدماء من سائر الحيوان.
وما ليس بدم من النجاسة يجب إزالة قليله وكثيره وهي خمسة أجناس:
البول، والغائط من الآدمي وكل ما لا يؤكل لحمه وما أكل لحمه فلا بأس ببوله
وذرقه وروثه إلا ذرق الدجاج خاصة. والمني من الآدمي وغيره وكل مسكر خمرا كان أو
نبيذا والفقاع.
ويجب غسل الإناء من النجاسات كلها ثلاث مرات ومن ولوع الكلب مثله واحدة
منها بالتراب، وهي أولاهن من الولوع خاصة. ويغسل الإناء من الخمر سبع مرات، وروي
مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الماء. وكل ما ليس له نفس سائلة، لا يفسد الماء بموته فيه.
239

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
241

كتاب الطهارة الطهارة على ضربين: صغرى وكبرى. فالصغرى على ضربين: واجب وندب، فما
يؤدى به واجب فهو واجب، وما يؤدى به ندب أو يكون لدخول موضع شريف أو للنوم أو لما
ندب إليه من الكون على طهارة فهو ندب.
ثم تنقسم أحكامها إلى أقسام خمسة: منها ما يتطهر منه من الأحداث، وما يتطهر به من
المياه، وما يقوم مقامها عند عدمها أو تعذر استعمالها، وكيفية الطهارة، ونواقضها.
ذكر: ما يتطهر منه:
لا وضوء إلا من الغائط أو البول أو النوم الغالب على العقل وما في معناه مما يذهب
العقل أو ريح، وما عدا ذلك فليس يوجب الوضوء منه. فهذه نواقض الطهارة الصغرى.
وهذه الأحداث لها أحكام وهي على ضربين: واجب وندب. فالواجب الاستنجاء
للغائط وغسل رأس الإحليل من البول. والندب على ضربين: أدب وذكر. ورتبة الأدب
متقدمة. فمن أراد الغائط طلب ساترا يتخلى فيه ولا يكونن شط نهر ولا في نزال ولا
مسقط ثمار ولا جادة طريق ولا مورد المياه ولا في جاري المياه ولا في راكدها، ولا يكونن
مكشوف الرأس وليقدم رجله اليسرى على اليمنى عند دخوله إليه، وليقل:
243

بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
وليجلس غير مستقبل القبلة ولا مستدبرها، فإن كان في موضع قد بنى على استقبالها
أو استدبارها فلينحرف في قعوده، هذا إذا كان في الصحاري والفلوات، وقد رخص في
ذلك في الدور وتجنبه أفضل. وقد قيل أنه لا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يستدبرهما،
وليتجنب الكلام الذي لا تدعو إليه حاجة إلا أن يكون شكرا لله تعالى أو صلاة على نبيه ع
إذا سمع ذكره أو حكاية قول مؤذن عند سماعه، فإذا قضى حاجته
فليمسح بإصبعه الوسطى تحت قضيبه من أصله من تحت أنثييه ثلاثا ثم ينتر قضيبه فيما بين
المسبحة والإبهام وهو يتنحنح ثلاثا، فإن كان يريد إدخال يده في الإناء، فليغسلها مرتين ثم
يدخلها فيه، ويستنجي باليسرى حتى يصر الموضع هذا إن تعدى الغائط المخرج فليس
يجزئ إلا الماء مع وجوده، فإن لم يتعد فليستجمر بثلاثة أحجار ولا يجزئ إلا ما كان أصله
الأرض في الاستجمار، والجمع بين الماء والحجارة أفضل.
فإذا قام من مكانه مسح بيده اليمنى بطنه وقال:
الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى، الحمد
لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته، وأماط عني أذيته، يا لها
نعمة - يقولها ثلاثا - لا يقدر القادرون قدرها. ثم يخرج مقدما رجله اليمنى.
ومن كان في يده خاتم على فصه اسم من أسماء الله تعالى أو من أسماء رسله أو
الأئمة الطاهرين ع وكان في اليسرى فلا يتركه عند الاستنجاء فيها، ولا يستك
وهو على حال الغائط، وإن أراد البول فلا يبولن في صلب الأرض، ولا في راكد الماء، ولا
يستقبل ببوله الريح، ولا يبولن في جحر الضباب ومواطن الهوام، وكراهية بوله في جاري
الماء دون كراهية ذلك في راكده، ولا يستقبل أيضا بفرجه الشمس ولا القمر وقد بينا كيفية
الاستبراء منه. ولا يجزئ في غسل البول غير الماء مع وجوده ويجزئه أن يغسل مخرج البول
بمثلي ما عليه من الماء مع قلة الماء، وليغسل يده قبل إدخالها الإناء إذا بال مرة واحدة
وكذلك إذا قام من النوم.
244

ذكر: ما يتطهر به وهو المياه:
الماء على ضربين: ماء مطلق وماء مضاف. فالمطلق طاهر مطهر. أما المضاف فعلى
ضربين.
مضاف لم تسلبه الإضافة إطلاق اسم الماء، وهو على ضربين: مضاف إلى الاستعمال
ومضاف إلى جسم لاقاه. فالمضاف إلى الاستعمال إذا علم خلوة من النجاسة كان طاهرا
مطهرا سواء استعمل في الطهارة الصغرى أو الكبرى. وفي أصحابنا من قال: إذا
استعمل في الكبرى لم يجز استعماله. والمضاف إلى الجسم ما يكون ملونا بقليل الزعفران
فهو أيضا طاهر مطهر.
ومضاف سلبته الإضافة إطلاق اسم الماء. وهو على ضربين: مضاف إلى طاهر، ومضاف
إلى نجس.
فأما المضاف إلى الطاهر كماء الورد والزعفران الكثير والآس والمرق وما أشبه ذلك
فهو طاهر غير مطهر لا يجوز الوضوء به.
وأما المضاف إلى النجس فليس بطاهر ولا مطهر ولا يجوز شربه ولا استعماله على وجه
إلا أن تدعو إلى شربه ضرورة. وهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: يزول حكم نجاسته باخراج بعضه، والآخر: بزيادته، والآخر: لا يزول حكم
نجاسته على وجه.
فالأول: مياه الآبار وهي تنجس بما تقع فيها من نجاسة أو بموت ما نذكره، وتطهر
باخراج ما نجده، فنقول: إن تطهيرها على ثلاثة أوجه: أحدها: ينزح جميع مائها، والآخر:
ينزح كر، والآخر: ينزح دلاء معدودة.
فالأول: إذا مات فيها بعير، أو وقع فيها مسكر أو مني أو دم حيض أو نفاس أو
استحاضة، أو فقاع، أو تغير لونها أو ريحها أو طعمها بالنجاسة، فإنه: ينزح جميع
مائها. فإن تعذر ذلك لغزارته: تراوح عليها أربعة رجال من أول النهار إلى آخره.
فأما الثاني الذي ينزح منها كر: فإن تموت فيها بقرة أو حمار أو فرس وما أشبه ذلك ولم
تتغير أوصافها بموته فيها، فإن قل ذلك عن كر نزح جميعه.
245

وأما الثالث الذي ينزح دلاء معدودة فعلى ثمانية أضرب: منه ما ينزح له سبعون دلوا
ومنه ما ينزح له خمسون دلوا ومنه ما ينزح له أربعون دلوا ومنه ما ينزح له عشر دلاء ومنه
ما ينزح له سبع دلاء ومنه ما ينزح له خمس دلاء ومنه ما ينزح له ثلاث دلاء ومنه ما ينزح له دلو واحد
فالأول: للإنسان. الثاني: أن يقع فيها عذرة رطبة أو كثير الدم. الثالث: أن يقع فيها
الغزال والكلب والخنزير والشاة والسنور والثعلب، وما في قدر ذلك، ولبول الرجال فيها.
الرابع: العذرة اليابسة وقليل الدم الذي ليس بدم حيض ونفاس - فقليل ذلك ككثيره فيما
ذكرناه الحكم. الخامس: الدجاجة والحمامة وما في قدر جسمهما، وللفأرة إذا تفسخت
وانتفخت، ولبول الصبي فيها، ولارتماس الجنب. السادس: لذرق جلالة الدجاج.
السابع: للفأرة إذا لم تتفسخ وتنتفخ، ولموت الحية، الثامن: لموت الوزغة والعصفور وما أشبههما.
وأما ما يزول حكم نجاسة بزيادة، فهو: أن يكون الماء قليلا وهو راكد في أرض أو
غدير أو قليب فإنه ينجس بما يلاقيه من النجاسة. وحد القليل ما نقص عن كر والكر: ألف
ومائتا رطل، فإذا زاد زيادة تبلغه الكر أو أكثر طهر، وكذلك الجاري إذا كان قليلا
فاستولت عليه النجاسة ثم كثر حتى زال الاستيلاء فإنه يطهر. ولا تنجس الغدران إذا
بلغت الكر إلا ما غير أحد أوصافها.
وما لا يزول حكم نجاسته، فهو: ماء الأواني والحياض بل يجب إهراقه وإن كان كثيرا.
وغسل الإناء من ولوع الكلب ثلاث مرات أولاهن بالتراب، وتغسل من غير ذلك
مرة إلا آنية الخمر خاصة، فإنها تغسل سبع مرات بالماء. فأما ما لا نفس له سائلة كالجراد
والذباب، لا ينجس الماء بوقوعه فيه ولا بموته.
واعلم أن الماء في الأصل على الطهارة، وهو على ثلاثة أضرب: جار وما له حكم
الجاري وراكد.
فالجاري: لا ينجسه إلا ما يستولي عليه من النجاسة وكذلك ما له حكمه من ماء
الحمام.
فأما ما ليس له حكم الجاري والراكد من ماء الآبار فقد بينا حكمهما.
وأما الأسآر فعلى ثلاثة أضرب: طاهر ونجس ومكروه. طاهر ونجس ومكروه. فسؤر كل شئ طاهر، طاهر
246

وسؤر كل شئ نجس، نجس. والمكروه سؤر جلال البهائم والجوارح، وما يجوز أن يأكل
النجاسة، والحائض التي ليست مأمونة.
فأما ما يقوم مقام المياه عند عدمها فالتراب وما رسمت الشريعة أن يكون في حكم
التراب. وسنبين شرح حكمه إن شاء الله تعالى.
ذكر: كيفية الطهارة الصغرى:
اعلم أن كيفية الطهارة الصغرى تشتمل على واجب وندب. فالواجب منه: النية
وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا وما دارت عليه
الوسطى والإبهام عرضا، وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع وإدخال المرفق في
الغسل مرة مرة والمسح من مقدم الرأس بالبلة الباقية في اليد مقدار إصبع واحدة أقله
وأكثره ثلاث أصابع مضمومة، ومسح ظاهر القدم من أطراف الأصابع إلى الكعبين اللذين
هما معقد الشراك بالبلة أيضا.
والترتيب أيضا واجب: الوجه قبل اليدين واليد اليمنى قبل اليسرى والرأس قبل
الرجلين والرجل اليمنى قبل اليسرى. وفي أصحابنا من لا يرى في الرجلين ترتيبا.
والموالاة واجبة وهو أن يغسل اليدين - والوجه رطب، ويمسح الرأس والرجلين -
واليدان رطبتان في الزمان والهواء المعتدلين، وأن لا يستقبل الشعر في اليدين، فمن أخل
بشئ مما ذكرنا أبطل وضوءه.
فأما الندب، فيشتمل على ثلاثة أشياء: على زيادة في الكيفية، وعلى أدب، وذكر.
فأما الزيادة فهي: تكرار غسل الوجه واليدين مرة ثانية، وليس في الممسوح تكرار،
والغسل للوجه بيد واحدة وهي اليمين، والمضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا والسواك في
وضوء صلاة الليل من وكيد السنن، ومسح الرجلين من الأصابع إلى الكعبين لأن في بعض
الروايات إجازة مسحهما من الكعبين إلى الأصابع.
وأما الأدب: فهو أن يضع الإناء على يمينه ويقول إذا نظره: الحمد لله الذي جعل الماء
طهورا ولم يجعله نجسا " ثم يقول: " بسم الله وبالله " ويدخل يده اليمنى في الإناء بعد أن
247

يغسلها على ما بيناه.
وأما الذكر: فبعضه ما مضى. والباقي أن يقول إذا تمضمض:
اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك.
وإذا استنشق قال: اللهم لا تحرمني طيبات الجنان، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها
وريحانها.
وإذا غسل وجهه قال: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسود وجهي يوم
تبيض فيه الوجوه.
وإذا غسل يده اليمنى قال: اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بشمالي،
وحاسبني حسابا يسيرا، واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا.
وإذا غسل اليسرى قال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي.
وإذا مسح رأسه قال: اللهم غشني برحمتك وبركاتك.
وإذا مسح رجليه قال: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، واجعل
سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام.
فإذا فرع من الوضوء قال: " الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين.
ولا فرق بين وضوء النساء والرجال إلا في شيئين: أحدهما: إن المرأة تبدأ في غسل
اليدين بباطنهما والرجل بظاهرهما وأن تمسح رأسها من تحت قناعها مقدار أنملة في الظهر
والعصر والعشاء الآخرة، فأما في المغرب والغداة فتمسح على رأسها مقدار ثلاث
أصابع.
ومن كان في يده خاتم ضيق يمنع من وصول الماء إلى ما تحته فلينزعه وإن كان واسعا
أداره.
ثم يلحق بالواجب ما يعرض من سهو فيها فتجب له الإعادة أو التلافي.
ومن ظن وهو على وضوئه أنه فعل ما يبطل الطهارة من حدث أو إخلال بواجب
فليعدها وإن كان ظنه. بعد قيامه - لم يلتفت إليه، وكذلك لو كان متيقنا للطهارة والحدث
248

وشك في أيهما سبق أعاد. وإن كان على يقين من الطهارة وشك في انتقاضها فليعمل على
يقينه، وإن كان على يقين من الحدث وشك في الطهارة فليتطهر.
فأما نواقض الطهارة الصغرى فهي ما ذكرناه قبل من البول والغائط والريح
الخارجة من الدبر على وجه معتاد والنوم الغالب على العقل وما في حكمه. وما عدا ذلك
فليس بناقض إلا أن يخرج معه شئ مما ذكرناه مثل الأشياف إذا خرجت متلطخة، ولو خرج
شئ مما ذكرناه من غير السبيلين لما نقض الوضوء كمن يخرج من جراحته غائط أو بول.
ذكر: الطهارة الكبرى:
وهي الغسل، وهو على ضربين: واجب وندب.
فالواجب على أضرب: غسل الجنابة، وغسل الحيض، وغسل النفاس، وغسل
الاستحاضة، وغسل من مس الموتى على إحدى الروايتين، وتغسيل الأموات، وغسل
من تعمد ترك صلاة الكسوف وقد انكسف القرص كله.
ولما كان لهذه الأغسال والمعرفة بها والتطهر تعلق بأحكام ما يوجب هذه الأغسال،
وجب بيانه ببيانها.
ذكر: غسل الجنابة وما يوجبه:
الجنابة تكون بأمرين: بإنزال الماء الدافق على كل وجه، والجماع في الفرج إذا غيبت
الحشفة والتقى الختانان.
وما يلزم الجنب على ضربين: أفعال وتروك. فالأفعال على ضربين: واجب وندب.
فالواجب أن يستبرئ نفسه بالبول وينتر القضيب، فإن تعذر البول فالنتر لا بد منه،
فإن رأى على إحليله بللا بعد الغسل وقد بال ونتر أو اجتهد ونتر فلا يعيدن غسله وإن لم
يكن فعل ذلك أعاد. وليغسل المني من رأس إحليله ومن بدنه إن كان أصابه ذلك،
ويغسل رأسه أولا مرة ويخلل شعره حتى يصل الماء تحته ويغسل ميامنه مرة ومياسره
مرة، ثم يفيض الماء على كل جسده ولا يترك منه شعرة، وليمر يديه على بدنه. والترتيب
249

واجب، فأما الموالاة فلا يجب هاهنا، فلو غسل رأسه غدوة وباقي جسده عند الزوال أو بعده
لجاز.
وأما الندب: فالمضمضة والاستنشاق وتكرير الغسلات ثلاثا، وغسل اليد قبل
إدخالها الإناء ثلاثا.
وأما التروك فعلى ضربين أيضا: واجب وندب.
فالواجب أن لا يقرأ سور العزائم وهي سجدة: " لقمان " و " حم السجدة " و " النجم "
و " اقرأ باسم ربك " ولا يمس كتابة فيها اسم الله تعالى ولا القرآن، فإن مس هامش
المصحف أو صفح أوراقه وقرأ فيه فقد ترك ندبا أو فعل مكروها.
والندب: أن لا يمس المصحف، ولا يقرأ القرآن، ولا يقرب المساجد إلا عابر سبيل،
ولا يترك فيها شيئا فإن كان له فيها شئ أخذه، ولا يرتمس في كثير الماء الراكد، وله أن
يصلى بغسله ما شاء من فرض ونفل ولا وضوء عليه وهذا في الجنابة خاصة. وباقي الأغسال
واجبها وندبها لا بد فيها من الوضوء لاستباحة الصلاة، وارتماسة واحدة في الماء يجزيه
عن الغسل وترتيبه.
وغسل النساء كغسل الرجال سواء في كل شئ وفي الترتيب إلا في الاستبراء.
ذكر: حكم الحيض وغسله:
الحيض دم غليظ يضرب إلى السواد يخرج بحرقة وحرارة.
وما يلزم الحائض على ضربين: فعل وترك فالفعل أن تحتشي بالكرسف لئلا يتعدى الدم
إلى ثيابها وتمنعه من التعدي وتمنع زوجها من وطئها. وأما الترك فهو: أن تترك أيام حيضها
وهي في أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فيما بين ذلك من الصلاة والصيام، فإن رأته أقل
من ثلاثة أيام فليس بحيض، وإن رأته أكثر من عشرة أيام فهو استحاضة. وكل ما وجب
تركه على الجنب فهو واجب عليها، وعليها أيضا أن لا تقرأ سور العزائم.
وأما الندب الذي يلزمها فعلى ضربين أيضا: فعل وترك.
فأما الفعل: فإن تتوضأ وضوء الصلاة في كل وقت صلاة وتجلس في المحراب وتسبح
250

بقدر زمان القراءة للصلاة.
وأما التروك: فهو أن تعتزل المساجد ومس ما فيه اسم الله تعالى وكل كتابة معظمة فإذا
انقضت أيام حيضها فلتستبرئ بقطنة وكذلك في وسط الأيام فإذا خرجت نقية - فإن الكدرة
والصفرة في أيام الحيض حيض - بدأت بالاستبراء وغسل الفرج، ثم وضوء الصلاة، ثم
تغتسل كاغتسال الجنب سواء. فإن دعت الحاجة من بعلها إلى وطئها قبل الغسل عند
النقاء فليأمرها بغسل فرجها قبل الوطء، فإن وطئ في الحيض أثم، وعليه إذا وطئ في
أوله كفارة بدينار قيمته عشرة دراهم فضة، وإن كان في وسطه نصف دينار - والوسط ما بين
الخمسة إلى السبعة - وفي آخره ربع دينار. وتقضي الحائض ما تركته من الصيام دون
الصلاة.
ذكر: النفاس وغسله:
النفاس هو دم الولادة، وأكثره ثمانية عشر يوما، وأقله انقطاع الدم. وحكم النفساء
في الأفعال والتروك والغسل حكم الحائض، فلا إطالة بذكره، إلا أنه يكره للنفساء
والحائض والجنب الخضاب بالحناء.
ذكر: الاستحاضة وغسلها:
الاستحاضة مرض ترى فيه المرأة دما أصفر باردا رقيقا. وهو على ثلاثة أضرب.
أحدها: أن لا يرشح الدم على ما تحتشي به، فعليها هاهنا تغيير الكرسف في وقت كل
صلاة فريضة والخرق التي تتشدد بها، وتجديد الوضوء لكل صلاة.
والآخر: أن يرشح الدم على الكرسف وينفذ منه إلى الخرق ولم يسل فعليها ههنا أن
تغير الكرسف والخرق عند كل صلاة، وتتوضأ وتغتسل لصلاة الفجر خاصة.
والثالث: أن يرشح الدم وينفذ ويسيل على الكرسف، وينفذ منه إلى الخرق فعليها
تغيير الكرسف والخرق في وقت كل صلاة، وعليها ثلاثة أغسال: أحدها للظهر والعصر،
والآخر للمغرب والعشاء الآخرة والثالث لصلاة الليل والغداة إن كانت ممن تصلي
251

بالليل، أو الغداة وحدها إذا لم تكن تصلي بالليل، وغسلها كغسل الحائض سواء إلا
أنها تعتزل الصلاة والصيام في أيام حيضها المعتاد، ولا حرج على زوجها في وطئها بعد
فعل ما يجب عليها من الاحتشاء والغسل إلا في الأيام المعتادة للحيض.
فأما غسل من مس الميت فهو كغسل الجنب إلا أنه لا بد فيه من التوضؤ.
ذكر: تغسيل الميت وأحكامه:
تغسيل الميت وإن كان واجبا فهو من فروض الكفايات إن قام به بعض سقط عن
بعض. وهو على ضربين: أحدهما: الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته، والآخر:
يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.
ثم الموتى على ضربين: مقتول وغير مقتول.
فالمقتول على أربعة أضرب: مقتول بين يدي إمام، ومقتول قتل لا بين يدي إمام،
ومقتول قتله سبع أو ما جرى مجراه، ومقتول في قود.
فالمقتول بين يدي الإمام على ضربين: مقتول في نفس المعركة، ومقتول في غيرها.
فالمقتول في نفس المعركة لا يغسل ولا يكفن ولا يحنط بل يدفن بثيابه، ولا تنزع عنه
إلا سراويله وخفه وقلنسوته ما لم يصب شيئا منها دم، فإن أصابها دمه دفنت معه ولم تنزع
ويصلى عليه.
فأما من نقل عن المعركة - وبه رمق فمات - فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه.
وكذلك حكم من قتله انسان في غير جهاد.
فأما من قتله سبع فهو على ضربين: إن وجد كله غسل وكفن وحنط وصلى عليه. وإن
وجد منه بعضه كان على ثلاثة أضرب: أحدها أن يوجد ما فيه صدره أو صدره فيغسل
ويكفن ويحنط ويصلى عليه. والآخر أن توجد منه قطعة فيها عظم غير الصدر فيغسل
أيضا ويكفن ويحنط ولا يصلى عليه. والآخر أن يوجد ما ليس فيه عظم فيدفن من غير
غسل ولا كفن ولا حنوط ولا صلاة.
فأما من يجب غسله عليه قبل هلاكه فهو المقتول قودا فإنه يؤمر بالاغتسال والتكفين
252

والتحنيط، فإذا قتل صلى عليه ودفن.
وأما الميت حتف أنفه فهو أيضا على ضربين: أحدهما من مات في بطن أمه، والآخر من
مات بعد الولادة.
فالأول على ضربين: أحدهما من له أربعة أشهر فهو يغسل ويكفن ويحنط ولا يصلى
عليه. والآخر لأقل من أربعة أشهر فهو يلف في خرقة ويدفن بدمه من غير فعل شئ آخر.
ومن مات بعد الولادة فعلى ضربين: من له أقل من ست سنين، ومن له ست سنين فما
زاد.
فالأول: يغسل ويحنط ويكفن، وإن صلى عليه فندب غير واجب. وأما الثاني: فعلى
ضربين: أحدهما يخشى من تغسيله لئلا يذهب من لحمه شئ كالمجدور والمحترق فإنهما
يؤممان. والآخر أن يخاف تقطع الجلد فإنه يصب عليه الماء صبا. وكل منهما يحنط ويكفن
ويصلى عليه.
واعلم أن الميت لتجهيزه أحكام وهي على ضربين: واجب ومندوب.
فالواجب: توجيهه إلى القبلة يجعل باطن قدميه إليها ووجهه تلقاها، وتغسيله مرة بماء
قراح، وتكفينه بقطعة واحدة، والصلاة على من تجب الصلاة عليه ودفنه وتغسيله
كغسل الجنب في الترتيب وغيره.
فأما الندب: فإن يلقن الشهادتين وأسماء الأئمة ع عند توجيهه وكلمات
الفرج، وأن تغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه - إلى جنبيه - وساقاه وتشد لحيته بعصابة.
وإن مات ليلا أسرج عنده مصباح، ويكون عنده من يذكر الله تعالى، ولا
يترك وحده، ولا يترك على بطنه حديدة.
فإذا أردت تغسيله فخذ السدر والأشنان ونصف مثقال من جلال الكافور أو ما
أمكن من الذريرة الخالصة ومن الطيب شيئا وهو القمحة ومن القطن رطل أو أكثر، ويعد
لحنوطه ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور الخام، فإن تعذر فأربعة دراهم فإن تعذر
فمثقال فإن تعذر فما تيسر.
ثم يعد له من القطن شئ ويعد الكفن وهو قميص ومئزر وخرقة يشد بها سفله إلى
253

وركيه، ولفافة وحبرة يمنية غير مذهبة، وعمامة. ويستحب للمرأة لفافتان وأسبغ الكفن سبع
قطع ثم خمس ثم ثلاث وقد بينا أن الواجب واحدة.
وتعد معه جريدتان من جرائد النخل رطبتان طولهما قدر عظم الذراع، فإن تعذر
النخل فمن الخلاف، فإن لم يوجد فمن السدر، فإن لم يوجد فما وجد من الشجر، فإن لم
يوجد فلا حرج.
ثم يقطع الكفن بغير حديد ولا يقرب ببخور ولا نار، ثم يبسطه على شئ طاهر يضع
الحبرة أو اللفافة وينثر عليها من الذريرة ثم ينثر اللفافة الأخرى وينثر عليها ذريرة، ثم يضع
القميص وينثر عليه ذريرة ويكثر منها ثم يلفها ويكتب على اللفافة والحبرة والقميص
والجريدتين: " فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلا الله " بالتربة أو بإصبعه لا غير، ثم يرفعه على
ساجة موجها إلى القبلة كما وجه عند الموت، ثم ينزع قميصه بأن يفتق جيبه ويحطه إلى
سرته ويترك على عورته ساترا، ثم يبدأ بتليين أصابعه برفق فإن تصعب تركها، ثم يضرب
السدر في شئ جديد إجانة أو غيرها بعد أن يكون طاهرا بماء كثير حتى تظهر رغوته، فإذا
اجتمعت أخذها فطرحها في إناء نظيف ثم يأخذ خرقة نظيفة فيلف بها يده اليسرى، من
زنده إلى أطراف أصابعه ويضع عليها شيئا من الأشنان، ويغسل به مخرج النجو. وآخر
يصب عليه الماء حتى ينقيه. ثم يلقى الخرقة ويغسل يده بماء قراح. وفي أصحابنا من قال:
يوضأ الميت، وما كان شيخنا رضي الله عنه يرى ذلك. ثم يأخذ رغوة السدر ويغسل بها رأسه ولحيته إن كان له لحية، والماء يصب عليه
بمقدار تسعة أرطال من ماء السدر.
ثم يقلبه على مياسره لتبدو ميامنه، ويغسله من عنقه إلى تحت قدمه بماء السدر، ولا
يقف بين رجليه بل يقف من جانبيه، ثم يقلبه على ميامنه لتبدو له مياسره ثم يغسله كما فعل
في الميامن، ثم يرده على ظهره ويغسله من رأسه إلى قدميه كل ذلك بماء السدر، وهو يقول: "
عفوك عفوك ".
ثم يهريق ما بقي في الأواني من ماء السدر - إن كان بقي - ويغسلها، ثم يصب في
الإجانة ماء قراحا ويلقى فيه الكافور ويغسله به مرة ثانية كالأولى، ثم يغسله ثالثة بماء قراح
254

على صفة الأولى والثانية ويمسح بطنه في الأولى والثانية مسحا رقيقا لعله يخرج من بطنه شئ
ولا يمسح بطنه في الثالثة، فإن خرج منه شئ من النجاسة أزاله، ولا يغلي الماء لغسله إلا
لبرد شديد فإنه يفتره.
ثم ينشفه بثوب طاهر نظيف ثم يغسل يديه إلى مرفقيه ويبسط الكفن ثم ينقل الميت
حتى يضعه في قميصه ويأخذ قطنا ويضع عليه ذريرة ويضعه على مخرج النجو ويضع على
قبله مثله، ثم يشد الخرقة التي أعدها شدا جيدا إلى وركيه ثم يؤزره بمئزر من سرته إلى حيث
يبلغ من ساقيه، ثم يأخذ الكافور فيسحقه بيده ويضعه على مساجده فإن فضل منه شئ
كشف قميصه وألقاه على صدره، ثم يلف على الجريدتين قطنا ويضع إحديهما من جانبه
الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده - ويضع الأخرى من جانبه الأيسر - ما بين القميص والإزار
من عند تحت اليد إلى أسفل.
ثم يعممه ويحنكه ويجعل طرفي العمامة على صدره ثم يلفه فيطوي جانب اللفافة الأيسر
على جانبها الأيمن، وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر وكذلك الحبرة ويعقد طرفيها مما يلي
رأسه ورجليه.
واعلم أن الموتى على ضربين: محرم ومحل. فمن كان محرما، فلا يقرب بالكافور إليه،
وإذا دفن غطى وجهه بالكفن.
واعلم: أن من مات فحاله ينقسم إلى أقسام ثلاثة: أحدها موت ذكر مؤمن بين ذكران
مؤمنين. وذكر مؤمن بين رجال كفرة ونساء مؤمنات. ومؤمن بين كفرة لا مؤمن فيهم ولا
مؤمنة.
فالأول: يغسله إخوانه المؤمنون.
والثاني: تأمر النسوة الرجال الكفرة يغسلونه وتعليمهم ذلك إن كان ليس في النساء
ذات محرم له، فإن كان فيهن ذات محرم غسلته.
وإن كان بين كفرة فقط دفن على حاله.
وأما في حال الاختيار فيجوز للرجال أن يغسلوا زوجاتهم، ويغسل النساء
أزواجهن، ولا بأس أن يغسل النساء أيضا ابن خمس سنين مجردا من ثيابه، ويغسلن ابن
255

أكثر من خمس سنين بثيابه.
وحكم النساء في ذلك كله حكم الرجال، وحكم الصبايا حكم الصبيان، إلا في
موضع واحد وهو: أن الرجال لا يغسلون من الصبايا إلا من كان لها ثلاث سنين فإنهم
يغسلونها بثيابها، فإن كانت لأقل من ثلاث سنين غسلوها مجردة.
ذكر: حمله إلى القبر ودفنه:
يجعل على سريره ثم يصلى عليه، وليمش من شيعه خلف الجنازة ومن جانبها
ولا يمش أمامها، فإذا وصلوا به إلى قبره فليوضع ثم يقدم ويصبر عليه هنيئة ثم يقدم قليلا
ثم يصبر عليه ثم يقدم إلى شفير القبر فيسل من قبل رجليه حتى يصل رأسه إلى القبر
سابقا لبدنه كما سبقه إلى الدنيا.
وينزله وليه أو من يأمر الولي بذلك. ويتحفى عند نزوله ويحلل إزراره وإن نزل معه من
يعاونه فلا بأس وليقل من الدعاء ما هو مرسوم، ثم يلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة ع
ثم يشرج اللبن عليه، وهو يقول التلقين ثم يهيل عليه التراب.
ومن شيعه يرمي بظاهر كفه ولا يهيل عليه التراب ذو رحمه فإنه مكروه لهم ولا يطرح في
القبر من غير ترابه، ويرفع ويربع مقدار أربع أصابع مفتوحة ثم يصب عليه الماء من عند
رأسه ثم يدور صباب الماء من أربعة جوانبه حتى يعود إلى الرأس، فإذا انصرف الناس
تأخر بعض إخوانه فنادى بأعلى صوته: " يا فلان بن فلان الله ربك ومحمد نبيك، وعلى
إمامك " ثم يعد الأئمة ع.
ذكر: الأغسال المندوب إليها:
وهي: غسل الجمعة، وغسل الإحرام للحج والعمرة، وغسل يوم الفطر، وغسل أول
ليلة من شهر رمضان وغسل ليلة النصف منه وغسل ليلة سبع عشرة منه وغسل ليلة تسع
عشرة منه وغسل ليلة إحدى وعشرين منه وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه، وغسل ليلة
الفطر، وغسل دخول مكة، وغسل دخول الكعبة، وغسل دخول المسجد الحرام، وغسل
256

الزيارات وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق قرصا الشمس والقمر معا وتركها
متعمدا وعلى الرواية الأخرى هو واجب على وجه الكفارة، وغسل يوم المباهلة، وغسل
التوبة وغسل الاستسقاء، وغسل صلاة الاستخارة، وغسل صلاة الحاجة، وغسل ليلة
النصف من شعبان، وغسل ليلة الأضحى.
ولا بد فيها أجمع من الطهارة الصغرى لاستباحة الصلاة، وإن كان وقت الصلاة
قد دخل نوى بالطهارة الصغرى الوجوب.
ذكر: ما يقوم مقام الماء:
من تعذر عليه الماء أو استعماله فهو على أربعة أضرب: أحدها أن يكون واجدا للتراب
الصعيد. والآخر أن يكون واجدا للوحل والآخر أن يكون واجدا للثلج أو الأحجار.
والآخر أن يكون فاقدا لكل ذلك.
فواجد الصعيد يتيمم به لا غير، وواجد الوحل والثلج والأحجار ينفض ثوبه وسرجه
ورحله، فإذا خرج منه تراب تيمم به إذا لم يمكنه تكسير الثلج والتوضؤ به، فإن أمكنه توضأ
به واجبا وأن لم يمكنه التوضؤ به لبرد شديد وخوف تلف ولم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب
بيديه على الوحل أو الحجر وتيمم به. وقد يتعذر أن يفقد الانسان كل ذلك فإن فرضناه فقده
له، فيضرب بيديه على ثيابه ويتيمم.
ثم ما يشبه التراب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
منها: ما تنبته الأرض كالأشنان والسعد وما أشبههما فلا يجوز التيمم
بشئ منه، وما هو معدن وليس بأرض كالزرنيخ والكحل فلا يجوز التيمم به، وما هو
من الأرض كالنورة والجص فالتيمم به جائز. ولا يتيمم إلا في آخر الوقت وعند تضيقه.
ويجب أن يطلب الماء في سهل الأرض غلوة سهمين، وفي حزنها غلوة سهم.
ذكر: كيفية التيمم وما ينقضه:
التيمم على ضربين: أحدهما من جنابة وما في حكمها من حيض ونفاس وما عددناه.
257

والآخر من حدث يوجب الوضوء.
ففي الأول: يضرب المتيمم براحتيه على الأرض ثم ينفض إحديهما بالأخرى ويمسح
بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ثم يضرب أخرى ويمسح بيده اليسرى ظاهر
كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع وبيده اليمنى ظاهر كفه اليسرى كذلك أيضا.
والثاني: بكفيه ضربة واحدة للوجه واليدين وأما الكيفية فواحدة.
وكل نواقض الطهارتين ينقض التيمم وينقض الطهارتين أيضا الصغرى
والكبرى وجود الماء مع التمكن من استعماله إلا أن يجده وقد دخل في صلاة وقراءة.
ذكر: تطهير الثياب وما يصلى عليه:
النجاسات على ثلاثة أضرب: أحدها تجب إزالة كثيره وقليله. ومنها ما يجب إزالة
كثيره دون قليله. ومنها ما لا يجب إزالة قليله ولا كثيره.
فالأول: البول والغائط والمني ودم الحيض والنفاس والاستحاضة والخمر وسائر ما
يسكر والفقاع وروث وبول ما لا يؤكل لحمه ولعاب الكلب والمسوخ.
والثاني: كل دم غير دم الحيض والنفاس والاستحاضة لأن هذا الدم إذا كان في الثوب
منه قدر الدرهم الوافي متفرقا كان أو مجتمعا جازت الصلاة فيه وإن زاد على ذلك وجب
إزالته.
والثالث: دم السمك والبراغيث ودم القروح إذا شق إزالته ولم يقف سيلانه، فأما دم
القروح خاصة فإن لم يكن بهذه الصفة وزاد على قدر الدرهم فإنه يجب إزالته، ودم
الجراحات التي لا يمكن غسلها خوفا من انتقاضها.
فأما ما يلبس فعلى ضربين:
أحدهما: لا تتم الصلاة فيه منفردا، وهو: القلنسوة والجورب والتكة والخف والنعل،
فكل ذلك إذا كان فيه نجاسة جاز الصلاة فيه، وما عدا ذلك من الملابس إن كان فيه
نجاسة فلا تجوز الصلاة فيه إلى بعد إزالتها.
وإزالة النجاسة على أربعة أضرب:
258

أحدها: بالمسح على الأرض والتراب، وهو ما يكون في النعل والخف. والآخر:
بالشمس، وهو البول إذا وقع على الأرض والبواري والحصر. والآخر: برش الماء على ما مسه
كمس الخنزير والكلب والفأرة والوزغة وجسد الكافر إذا كان كل من ذلك يابسا، وكذلك
من ظن أن في ثوبه نجاسة ولم يتيقن ذلك فإنه يرش الثوب بالماء. والآخر: ما عدا ما ذكرناه
من النجاسات فإنه لا يزول إلا بالماء ولا يجزئ فيه غيره. وفي أصحابنا من أجاز إزالة
النجاسات بالمائعات، وإزالة كل نجاسة بالماء أولى.
فأما غسل الثياب من ذرق الدجاج، وعرق جلال الإبل، وعرق الجنب من الحرام
فأصحابنا يوجبون إزالته وهو عندي ندب.
259

جواهر الفقه للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي 400 - 481 ه‍ ق
261

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم به علينا من البصيرة في الدين وفضلنا على كثير من العالمين
حمد المستبصرين العارفين الذين علت بهم في رتبتهم المنازل وتجملت بهم المجالس
والمحافل وكانوا للحق أعوانا وأنصارا ولإيضاح المشكلات أصلا وفرعا ومقرا ومنارا.
وصلى الله على محمد وآله سيد الأنبياء وتاج الرسل والأصفياء وعلى وصيه علي بن أبي طالب
ع أشرف الأوصياء والأولياء والأئمة من ذريتهما الأتقياء النجباء ما نطق ناطق وذر
شارق وسلم تسليما.
أما بعد فإنه لما كانت أيادي حضرة القضاء الأغرية الجلالية الفخرية ثبت الله
وطاءها ومجدها، ما دام قدرتها وسعدها علينا ممتدة الأظلال، مسبلة الأذيال، شاملة الإحسان
والإنعام، غامرة بكل فضل وإكرام وجب في حق ذلك الشكر لها علينا والخدمة منا لها. وأما
الشكر وإن كان هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم فقد عرفه منا كل انسان
عرفنا، وعاقل خالطنا وأما الخدمة لها فجارية في العلم لها مجرى ما تقدم من العلم بالشكر
غير أن الخدم لما كانت تتفاضل وكان أفضل ما يخدم به مثلي مثلها ما يرجع إلى الديانات
ويتعلق بالمتعبدات ويعود نفعه على ذوي الألباب ويبقى ذكره في الأعقاب رأيت خدمتها
ببعض ما يتعلق بذلك فوضعت هذا الكتاب لما ذكرته وسميته بكتاب جواهر الفقه لأنني
263

اعتمدت فيه ذكر المسائل المستحسنة المستعذبة والأجوبة الموجزة المنتخبة فالناظر فيه يرتع
خاطره في حدائقه المؤنقة وينزه فكره في رياضة المشرقة ويسلم الحافظ للأجوبة عن المسائل
الثابتة فيه من الخطأ في الإجابة عنها والزلل في ما يعتمد عليه في ذلك منها والله سبحانه ولى
المعونة على ما يرضيه ويزلف لديه بجوده وكرمه.
264

الطهارة
باب مسائل ما يتعلق بالطهارة
مسألة: إذا كان الماء نجسا وهو أقل من كر تمم بطاهر حتى صار كرا. هل يكون
طاهرا أو نجسا.
الجواب: هذا الماء يكون طاهرا، لما روي عنهم صلوات الله عليهم من قولهم إذا بلغ
الماء كرا لم يحمل خبثا، وهذا ماء قد بلغ ذلك فوجب الحكم فيه بما ذكرناه وقد ذهب بعض
أصحابنا إلى أنه نجس وظنوا أن الوجه في الحكم بنجاسته أن النجس
ما ينقص عن الكر وقد لاقى أيضا ما ينقص عن كر وقالوا: لا خلاف بيننا أن الماء إذا
نقص عن ذلك ولاقته نجاسة أن الحكم بنجاسته. وهذا غير مستقيم لأن الماء الذي ذكرناه
إذا أتمناه بماء طاهر فالنجاسة إنما لاقت الماء الذي حكمنا بنجاسته وهو أقل من كر
فإذا أتمناه بالماء الطاهر وصار كرا فلم يلاقه إلا ما كنا نحكم بنجاسته من الماء الذي
لاقته النجاسة وهو أقل من كر. ولا خلاف بيننا في أن الماء الطاهر إذا كان كرا وليس هو
من مياه الإبار ووقعت فيه قطرة من نجاسة ولم يتغير بها أحد أوصافه، فإن هذه نجاسة لم
تلاق جميع أجزائه وإنما لاقت البعض منه. ولا خلاف بيننا في أن هذا البعض لو كان
منفصلا من باقي ماء الكر، لحكمنا بنجاسته وإذا كان متصلا به لم يحكم بنجاسته وإذا
كان هكذا فلا فرق حينئذ بين أن يكون الماء الذي ذكرناه أنه نجس متصلا به وبين أن
265

يكون منفصلا عنه ثم يتصل في أنه يجب أن لا يحكم له بنجاسته مع الاتصال بما ذكرناه.
فإن قيل: أ ليس الفرق بين ذلك أن البعض الذي خالطته النجاسة وهو من جملة الكر
لم نحكم له بالنجاسة والمنفصل منه قد حكمنا بنجاسته فيجب أن يبقى على ما كان عليه
مع الاتصال بباقي الكر.
قلنا: هذا ليس بشئ. لأنه لو وجب في هذا الماء أن يبقى على حكم النجاسة من
حيث حكمنا بنجاسته فإن اتصل بباقي ماء الكر لوجب في البعض الذي لاقته
النجاسة وهو من جملة ماء الكر أن يبقى على حكم الطهارة من حيث حكمنا بطهارته وإن
انفصل وتميز لنا بالنجاسة من باقي ماء الكر وهذا لا يقوله منا أحد. فكما أنا مع
الاتصال لا نحكم بنجاسته ومع الانفصال والتميز بالنجاسة نحكم بنجاسته فكذلك
ما ذكرناه على أنه لو لم يكن الفائدة في ذلك ما ذكرناه لم يكن لقولهم ع: إذا بلغ
الماء كرا لم يحمل خبثا، معنى يعول عليه وقد كان الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن الحسن
الطوسي رحمه الله يذهب إلى نجاسة هذا الماء وربما مال في بعض الأوقات إلى القول
بطهارته، لأنه كان يقول: القول بطهارته قوي، لأن الفائدة في قولهم ع إذا بلغ
الماء كرا لم يحمل خبثا إن لم يكن متى صار كرا لم يحكم بنجاسته لم يكن له معنى وكان
يستدل على نجاسته بأن يقول هذا الماء محكوم بنجاسته على الانفراد وكذلك البعضان
إذا كانا نجسين وأحدهما منفصل من الآخر حتى إذا جمع بينهما صارا كرا إنهما ماءان
محكوم بنجاستهما على الانفراد فمن ادعى طهارة أحدهما أو طهارتهما مع الاجتماع، فعليه
الدلالة. وقد دللنا نحن على ما ذكرنا بما فيه كفاية بحسب ما يحتمه هذا الموضع فبطل ما
عول عليه. ثم يقال له وهذا الماء إنما حكم بنجاسته مع انفصال بعضه من بعض، فمن
أين لك أنه إذا كان متصلا وغير متصل أنه يبقى كذلك؟ فإن قال: إذا كان محكوما
بنجاسته وجب أن يحكم فيه بذلك وإن كان متصلا، قيل له ما زدت على ما ادعيته، وهو
الذي سألت عنه. ثم يلزمك على ذلك أن يكون البعض الذي لاقته نجاسة لو انفصل
وتميز بالنجاسة عن الباقي أن يحكم بطهارته ولا يحكم بنجاسته لأنا نقول لك وهذا ماء قد
بلغ كرا، محكوم بطهارته، فمن ادعى نجاسته فعليه الدليل.
266

فإن قلت: الدليل عليه أنه ماء نقص عن كر وإن كان قد لاقته نجاسة فيجب
كونه نجسا.
قلنا لك: وهذا ماء قد بلغ كرا فإن كان قد لاقته نجاسة فيجب كونه طاهرا لا سيما
ومن قولك الذي تركناك عليه وما علمنا رجوعك عنه أن النجاسة إذا وقعت في كر من ماء
لم يتغير لها أحد أوصافه لا تنجسه، لأنها تكون مستهلكة وعلى هذا أيضا يلزمك ما ذكرناه
في البعضين من الماء إذا كان أحدهما نجسا والآخر طاهرا واجتمعا، فصارا كرا وفيهما
إذا كانا نجسين وجمعا حتى صارا كذلك. ولولا أن سائلا سئل في أن نبسط الكلام في هذه
المسألة بعض البسط لما انتهينا فيه إلى هذا الحد، لأن المقصود في هذا الكتاب غيره.
مسألة: إذا كان مع المكلف إناءان ووقع في أحدهما نجاسة ولم يعلمه بعينه. أ يجوز
له الطهارة بشئ منهما أم لا؟
الجواب: لا يجوز استعمال واحد منهما لأنه لا يأمن أن يكون النجس هو الذي
استعمله أولا فيكون مؤديا للطهارة بالماء النجس وهذا لا يجوز. وإن كان هو المستعمل
ثانيا كأن قد صلى وعلى جسده نجاسة لم يزلها وهذا أيضا لا يجوز. وعلى الوجهين جميعا
يكون مؤديا للصلاة بغير يقين من براءة ذمته بما لزمه منها وهو مأخوذ بأدائها بيقين.
مسألة: إذا كان الماء مستعملا في الطهارة الصغرى، هل يجوز استعماله فيها أو
في غيرها بعد ذلك أم لا؟
الجواب: يجوز ذلك. لأنه على حكم الطهارة ما لم تلاقه نجاسة.
مسألة: إذا كان الماء مستعملا في الطهارة من الجنابة هل يجوز استعماله بعد ذلك
في الطهارة أم لا؟
الجواب: لا يجوز استعماله. لأن الأظهر بين الطائفة ذلك وقد كان شيخنا المرتضى
رضي الله عنه وقوم من أصحابنا يجيزون ذلك إذا جمع ولم يخالطه نجاسة.
مسألة: إذا كانت رائحة ماء الورد قد زالت عنه، هل يجوز استعماله في الطهارة أم
لا؟
الجواب: لا يجوز استعماله في ذلك. وفي أصحابنا من جوز استعماله. لأنه عنده بزوال
267

الرائحة عنه يخرج عن كونه مضافا وهذا غير صحيح لأنه ماء ورد، زالت رائحته أم لم تزل،
وليس زوال هذه الرائحة بمخرج له من كونه مستخرجا من الورد ومعنى الإضافة ثابت
بذلك.
مسألة: إذا كان مع المكلف إناءان أو أكثر منهما وواحد منهما ماء ورد منقطع
الرائحة والثاني ماء مطهر ولم يعلم أحدهما من الآخر. هل يجوز له الاقتصار في الطهارة
على واحد منهما أم لا؟
الجواب: لا يجوز له ذلك لأنه لا يأمن أن يكون الذي تطهر به أولا هو ماء الورد فلا
يرتفع بذلك حدثه وعلى هذا يجب أن يتطهر بالاثنين لأنه إن جوز في الأول بما ذكرناه، فهو
أمن من كونه نجسا ومتيقن لرفع الحدث بالآخر وإن كان الذي تطهر به أولا هو المطهر
فقد ارتفع به حدثه وإذا استعمل الثاني لم يزل به طهارته وإذا صلى كان مؤديا لصلاته
بيقين.
مسألة: إذا كان معه إناءان، وفي أحدهما نجاسة، ولا يعلمه بعينه، وأخبره به عدل
أن النجس واحد منهما ذكره هل يجوز له استعمال شئ منهما وقبول شهادة هذا الشاهد في
ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز له استعمال ذلك ولا واحد منهما أيضا ولا قبول قول هذا الشاهد في
ما شهد به من ذلك لأنه لا دليل عليه والمعلوم نجاسة أحدهما من غير يقين وأيضا فإنه لا
يحصل له بقول الشاهد إلا غلبة الظن وذلك لا يعول على مثله مع العلم.
مسألة: إذا كان الماء في موضع وقصد المكلف إلى الطهارة منه وأخبره انسان بأنه
نجس. هل يجوز له استعماله في ذلك وقبول القول الغير المخبر له بنجاسته أم لا يجوز له
ذلك؟
الجواب: يجوز له استعماله ولا يلزمه قبول القول المخبر له بنجاسته لأن المعلوم كون
الماء على أصل الطهارة إلا أن يعلمه أن فيه نجاسة وبقول هذا المخبر لا يحصل العلم
ولا دليل أيضا يفضى إلى العلم بقبول قوله.
مسألة: إذا كان معه إناءان يعلم طهارتهما فشهد شاهدان بأن أحدهما نجس أو
268

جميعهما هل يجب عليه قبول قولهما في ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه قبول قولهما لمثل ما تقدم.
مسألة: إذا كان معه إناءان طاهران، فشهد شاهدان، بأن النجاسة وقعت في واحد
منهما بعينه وشهد آخران بأن النجاسة وقعت في الآخر. هل يلزم قبول قولهما في ما شهدا به أم
لا؟
الجواب: لا يلزمه قبول شهادتهما في ما شهدا به، لأن الماء عنده على أصل الطهارة
على ما قدمناه.
مسألة: إذا كان معه مقدار من الماء لا يكفيه لطهارته ومعه ماء ورد فزاد منه
عليه حتى صار مقدارا يكفيه للطهارة، أ يجوز له استعماله في ذلك أم لا؟
الجواب: يجوز له استعماله إن لم يكن سلبه إطلاق اسم الماء وإن كان قد سلبه
ذلك لم يجز له استعماله وكان عليه التيمم للصلاة إن كان قد تضيق وقتها.
مسألة: إذا تطهر لوضوء أو غسل بماء مطهر من آنية ذهب أو فضة، هل يكون
الطهارة صحيحة أم لا؟
الجواب: طهارته صحيحة. وإن كان محظورا عليه استعمال هذه الآنية، لأن النهي
عام في استعمالها في أكل وشرب وطيب وغير ذلك فكما لا يتعدى النهي في استعمالهما إلى
المأكول والمشروب فكذلك لا يتعدى إلى الطهارة.
مسألة: إذا كان له يدان على مفصل واحد، أو ذراع واحد، أو كانت له أصابع
زائدة، وكان له من المرفق إلى أطراف الأصابع. هل يجب عليه غسل ذلك أم لا؟
الجواب: يجب عليه ذلك إلا أن يكون ذلك فوق المرفق فإنه لا يجب عليه لأن الله
تعالى وجب عليه الغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع.
مسألة: إذا قطع بعض رجله هل يجب عليه المسح على الباقي أم لا؟
الجواب: يجب عليه ذلك. لأنه إنما أمر بالمسح عليهما إلى الكعبين فإن كانت
مستأصلة القطع من الكعبين فقد سقط عنه هذا الفرض.
مسألة: إذا كان المتوضئ امرأة وكان لها لحية هل يجب عليها إيصال الماء في
269

الوضوء إلى ما تحتها أم لا؟
الجواب: لا يجب عليها ذلك. لأنها لا فرق بينها وبين الرجل في ذلك. فكما لا يجب
عليه إيصال الماء إلى ما تحتها فكذلك لا تجب على المرأة.
مسألة: إذا توضأ وصلى الظهر ولم يحدث بعد ذلك ثم توضأ وصلى العصر ثم ذكر
أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة ولم يعلم من أي الطهارتين. هل هو يكون جميع
الصلاتين صحيحا أم لا؟ أو تكون إحديهما صحيحة والأخرى غير صحيحة؟
الجواب: صلاة العصر صحيحة على كل حال وعليه إعادة الظهر بطهارة مجددة.
لأن العضو المتروك إن كان من الطهارة الأولى فالطهارة الثانية صحيحة وبصحتها
صحت صلاة العصر وإن كان من الطهارة الثانية فطهارة الأولى صحيحة وبصحتها
صحت الصلاتان جميعا وإنما عليه إعادة الظهر بطهارة مجددة ليكون مؤديا لها بيقين.
مسألة: إذا توضأ وصلى الظهر ثم توضأ وصلى العصر ثم ذكر أنه كان قد أحدث
عقيب إحدى الطهارتين من قبل أن يصلى. هل يكون طهارته وصلاته صحيحة أم لا؟
الجواب: ليس ذلك صحيحا وعليه أن توضأ ويعيد الصلاتين جميعا لأنه يجب عليه
أداء ذلك بيقين وإذا فعل ما ذكرناه كان متيقنا لذلك ومع الأول لا يكون متيقنا له.
مسألة: إذا كان محدثا وتوضأ وصلى الظهر ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر ثم
علم أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة ما الجواب عن ذلك؟
الجواب: هذه المسألة جارية مجرى المسألة التي تقدمتها والجواب عنها كالجواب
عنها.
مسألة: إذا توضأ وصلى الظهر ثم توضأ وصلى العصر ثم توضأ وصلى المغرب
وفعل هكذا بعد ذلك في كل صلاة إلى الصلاة الغداة ثم ذكر بعد ذلك أنه أحدث عقيب
واحدة من هذه الطهارات قبل أن يصلى. ما حكمه؟
الجواب: إذا كان هذا حكمه، كان عليه الوضوء وإعادة جميع هذه الصلوات لأنه لم
يؤد واحدة منهن بتعين، لأن حدثه إن كان عقيب وضوء الظهر كانت صلاة الظهر غير
صحيحة وباقي الصلوات صحيحة وإن كانت عقيب وضوء العصر كانت صلاة العصر
270

صحيحة وما قبلها وبعدها من الصلاة صحيح وهكذا القول إلى آخرها وليس منها
واحدة إلا وهو مؤد لها بغير يقين وذلك لا يجوز.
مسألة: إذا توضأ وهو مسلم ثم ارتد وعاد بعد ذلك إلى الاسلام قبل أن يحدث ما
ينقض الوضوء هل يكون وضوءه صحيحا أم لا؟
الجواب: وضوءه صحيح وصلاته به ماضية، لأن الارتداد ليس من نواقض
الطهارة.
مسألة: إذا توضأ وخرج منه بول أو غائط من الطهارة من موضع من جسده غير
السبيلين هل ينقض وضوءه أم لا؟
الجواب: إذا كان ذلك من دون المعدة انتقض الوضوء بذلك وإن كان فوق المعدة لم
ينقض به لأن قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط، عام في ذلك وكذلك الأخبار الواردة
في أن الغائط ينقض الوضوء ولا يوجب مثل ذلك في ما يكون من فوق المعدة لأنه لا يسمى
غائطا.
مسألة: إذا كان جنبا وغسل رأسه ثم أحدث حدثا ينقض الوضوء هل يعيد غسل
رأسه أم يبني عليه؟
الجواب: يبني على غسل رأسه ولا يحتاج مع ذلك إلى وضوء. لأن في أصحابنا من
ذهب إلى أنه يعيد غسل رأسه ولا يبني عليه وفيهم من ذهب إلى أنه يبني وتوضأ للصلاة
وهذان القولان غير صحيحين. أما إيجاب الإعادة لغسل الرأس فيبطل، لأنه لا شبهة في أن
ما ينقض الطهارة الصغرى لا ينقض الطهارة الكبرى ولا ينقض بعض الطهارة
الكبرى وغسل الرأس ههنا من الطهارة الكبرى فلا ينقض هنا بما ينقض الصغرى.
وأما القول بأنه يبني على ذلك وتوضأ للصلاة فيبطل أيضا، لأن الغسل من الجنابة كاف
في استباحة الصلاة به ولا يفتقر معه إلى وضوء يستبيحها به.
مسألة: إذا كان كافرا لو تيمم أو توضأ ثم أسلم. هل يكون تيممه صحيحا
وكذلك وضوءه أم لا؟
الجواب: تيمم هذا ووضوءه غير صحيحين لأن ذلك عبادة يفتقر في صحتها إلى النية
271

وذلك لا يصح ممن هو كافر.
مسألة: إذا تيمم وهو مسلم ثم ارتد وعاد إلى الاسلام. هل يكون تيممه صحيحا أو
فاسدا؟
الجواب: إذا عاد إلى الاسلام قبل أن يحدث ما ينقض الطهارة كان التيمم صحيحا
على ما قلناه في ما مضى في الوضوء.
مسألة: إذا كان جنبا ووجب عليه التيمم لاستباحة الصلاة فتيمم ثم أحدث ما
ينقض الوضوء ووجد من الماء ما يكفيه لوضوئه دون غسله ولم يتوضأ. هل يجب عليه
إعادة التيمم أم لا؟
الجواب: عليه إعادة التيمم، لأن حكم الجنابة باق على ما كان عليه.
مسألة: إذا أراد التيمم فنوى به رفع الحدث هل يكون التيمم صحيحا أم لا؟
الجواب: لا يكون هذا التيمم صحيحا. لأنه يجب عليه أن ينوي به استباحة الصلاة
وهذا لم يفعله. ولأن التيمم لا يرفع حدثا لأن ذلك الحدث ناقضا للطهارة الصغرى
والكبرى.
مسألة: إذا تيمم ونوى أن يتيمم بدلا من الوضوء وكذلك إن كان جنبا فنوى أن
يتيمم بدلا من الغسل هل يصح ذلك ويجوز له استباحة الصلاة به أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك ولا يستبيح به الصلاة لأن النية الواجبة عليه ما
حصلت، وهي أن ينوي استباحة الصلاة به على ما تقدم ذكره.
مسألة: إذا كان مصلوبا أو في أرض نجسة ولا يقدر على تراب طاهر يتيمم به ما
حكمه في الصلاة؟
الجواب: حكمه أن يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على ما يتيمم به أو يتطهر به وفي
أصحابنا من قال يصلى فإذا قدر على ذلك أعاد الصلاة والأول أظهر لأن الصلاة أوجبت
عليه بشرط كونه متطهرا فمن لا يقدر على هذا الشرط فينبغي أن يؤخرها إلى أن يقدر
عليه وإن صلى وأعاد الصلاة إذا تمكن من ذلك كان ذلك جائزا وكذلك القول في
المحبوس والمقيد والمشدود بالرباط.
272

مسألة: إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين هل يجب عليه تيمم أم لا؟
الجواب: لا يجب ذلك عليه لأن الأمر بالتيمم يتعلق بما قد عدمه هذا المكلف فقد سقط
الفرض عنه فإن مسح ما بقي بعد القطع استحبابا كان جائزا.
مسألة: إذا زال عن بدنه أو ثوبه شيئا من النجاسات بمائع غير الماء المطهر هل
يزول حكم النجاسة عما كان عليه أم لا؟
الجواب: لا يزول حكم النجاسة عما كان عليه ولا يجوز له الصلاة أيضا وهو
كذلك وقد كان شيخنا المرتضى رضي الله عنه يذهب إلى جواز ذلك وهذا غير صحيح لأن
إجماع الطائفة على خلافه في ذلك.
مسألة: إذا كان معه ثوبان يعلم أن أحدهما طاهر والآخر نجس ولا يعلم الطاهر
من النجس على التعيين هل يجوز له استباحة الصلاة في شئ منها أم لا؟
الجواب: يصلى هذا الانسان الصلاة في كل واحد منهما وفي الناس من ذهب إلى
أنه لا يصلى في واحد منهما. وإذا لم يقدر على غيرهما صلى عريانا وهذا غير صحيح لأنه إذا
صلى الصلاة في كل واحد منهما فقد تيقن براءة ذمته من الصلاة في واحد منهما. وليس في
الآخر نجاسة فيقال أنه يتعدى إلى جسده حتى يجري القول في ذلك مجرى الإنائين الذين
قدمنا ذكرهما.
مسألة: إذا اغتسل من الجنابة وهو كافر ثم أسلم هل عليه إعادة الغسل أم لا؟
الجواب: عليه إعادة الغسل لأن ذلك طهارة يفتقر في صحتها إلى النية، وذلك لا
يصح مع الكفر.
مسألة: إذا اغتسلت المرأة الكافرة من الحيض والاستحاضة والنفاس، ثم
أسلمت هل يجب عليها إعادة ذلك الغسل أم لا؟
الجواب: الجواب عن هذه المسائل كالجواب عن المسألة المتقدمة لها سواء.
مسألة: إذا عمل الكافر ثوبا، سواء كان كفره أصليا أو ارتدادا أو كان كافر ملة
ثوبا أصبغه أو غسله هل يجوز الصلاة فيه أم لا؟
الجواب: هذا الثوب يكون نجسا فلا يجوز الصلاة فيه حتى يغسل، لأن الكافر نجس.
273

مسألة: إذا رأت المرأة الدم ثلاثة أيام متفرقة من جملة العشرة أيام. ما الحكم في
ذلك؟ وهل هي حيض أم لا؟
الجواب: إنها بحكم الحيض. وفي أصحابنا من يقول بأنها غير حيض لأنها غير
متوالية والأول أظهر، لأنه لا خلاف بيننا في أن كل دم تراه المرأة في العشرة أيام وإن كان ذلك
في أيام متفرقة بعد الثلاثة أيام المتوالية فهو حيض لأنه من جملة العشرة وإذا كانت هذه
حيضا مع تفرقها لأنها من جملة العشرة وكذلك يجب في ما قلناه.
فإن قيل: هذا يلزم عليه أن يكون اليوم واليومان حيضا وإن انقطع الدم بعد ذلك،
فلم تره إلى تمام العشرة.
قلنا: هذا قد دل الدليل على أنه غير حيض فقلنا به لذلك لأنه لا خلاف فيه. فما
أخرجناه من تلك الجملة إلا بدليل ولولاه لقلنا به وإن قيل بالثاني لأن الاحتياط يقتضيه
كان جائزا.
مسألة: إذا رأت المرأة الدم ثلاثة أيام وانقطع سبعة أيام ثم رأته ثلاثة أيام هل يكون
الأول حيضا أم لا وكذلك الثاني؟
الجواب: الثلاثة أيام الأولى حيض، لأنها من جملة العشرة، والثانية غير حيض لأن
الدم حدث فيها بعد تمام العشرة.
مسألة: إذا رأت المرأة الدم أقل من ثلاثة أيام ورأت الطهر إلى تمام العشرة هل
يكون ذلك حيضا أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك حيضا لأن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
مسألة: إذا رأت المرأة الدم أقل من ثلاثة أيام ثم رأته بعد ذلك يوما فيوما إلى تمام
العشرة ما الذي هو حيض من ذلك؟
الجواب: يكون الجميع حيضا. وقد تقدم ذكره في الوجه في الأيام المتفرقة وعلى
مذهب من قال من أصحابنا بأن الثلاثة أيام، يجب كونها متوالية. لا يكون حيضا.
مسألة: إذا كانت عادة المرأة في مجئ الحيض خمسة أيام في كل شهر فرأته فيها،
ورأته قبل ذلك خمسة أيام وانقطع، ورأته خمسة أيام بعدها وانقطع، ما الحيض من ذلك؟
274

الجواب: الحيض من ذلك هو الأيام التي هي أيام العادة والباقي غير حيض لأن
إضافة الخمسة الأولى إلى العشرة ليس بأولى من إضافة الخمسة الأخيرة إليها. وإذا لم يكن
على ذلك دليل وجب القضاء بالعادة لأنه المجمع عليه دون ما لا دليل عليه.
مسألة: إذا كانت عادة المرأة خمسة أيام فرأت الدم خمسة قبلها أو رأته خمسة أيام
بعدها وانقطع، ما الحيض من ذلك؟
الجواب: هذه العشرة أيام حيض، لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام.
مسألة: إذا رأت المرأة الدم عقيب الولادة ساعة وانقطع ولم تر منه شيئا إلى تمام
العشرة. ما حكمها؟
الجواب: هذا الدم يكون نفاسا لأنه ليس لقليل النفاس حد.
مسألة: إذا رأت المرأة الدم عقيب الولادة ثم انقطع ورأته أيضا دفعة أخرى أو
أكثر منها قبل خروج العشرة أيام ما حكم ذلك؟
الجواب: جميع ذلك يكون نفاسا لأنه حادث في العشرة أيام وهي أكثر أيام النفاس
كهي في الحيض.
مسألة: إذا كانت المرأة حاملا بولدين وولدتهما وخرج الدم عقيب الولادة بكل
واحد منهما هل يكون الاعتبار في أول النفاس بالولد الأول والثاني. وكذلك في أكثر النفاس؟
الجواب: الاعتبار في أول النفاس بالولد الأول ويستوفى أكثر النفاس من وقت
الولادة للثاني لأن اسم النفاس يتناول ذلك.
مسألة: إذا ولدت المرأة ولم يخرج منها دم بالجملة، هل يجب عليه الغسل أم لا؟
الجواب: لا غسل عليها. لأن الاجماع حاصل على وجوب الغسل عليها إذا خرج
منها الدم وفي وجوب ذلك عليها إذا لم يخرج الدم عند الولادة يحتاج فيه إلى الدليل ولا دليل
عليه. ولأن الأصل، براءة الذمة وإيجاب الغسل فيه يحتاج إلى دليل. وأيضا فالنفاس مأخوذ
من النفس وهو الدم وإذا لم يخرج دم لم يصح القول بحصول النفاس.
مسألة: إذا خرج من المرأة عقيب الولادة ماء بغير دم أصلا. هل يجب عليها
غسل أم لا؟
275

الجواب: القول في جواب هذه المسألة كالقول في المسألة التي تقدمتها.
مسألة: إذا خرج من المرأة الدم قبل خروج الولد هل يكون ذلك نفاسا أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك نفاسا بغير خلاف.
مسألة: إذا استشهد انسان وهو جنب، هل يجب غسله أم لا؟
الجواب: لا يجب غسله لأنه لا دليل على ذلك.
مسألة: إذا وجبت عليه الطهارة وهو متمكن من فعلها بنفسه هل يجوز أن يتولاها
غيره أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك ولا يجزيه إلا مع التولية لها بنفسه لقوله تعالى: إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق... الآية. فأمرنا بأن نكون غاسلين
وماسحين والطاهر يقتضي تولى الفعل حتى يستحق التسمية، لأن من طهره غيره لا يسمى
غاسلا ولا ماسحا في الحقيقة. ولأن إجماع الطائفة على ما ذكرناه. ولأن الحدث متيقن وإذا
تولى إزالته بنفسه، فقد تيقن براءة ذمته وليس كذلك إذا تولاه غيره مع تمكنه من فعله
بنفسه.
مسألة: إذا كان على وضوء ثم رأى مذيا أو وديا، هل ينقض وضوءه بذلك أم لا؟
الجواب: لا ينقض وضوءه بذلك، لأن الأصل براءة الذمة ويفتقر في إثبات ذلك من
نواقض الطهارة إلى دليل شرعي ولا دليل عليه. ولأن إجماع الطائفة أيضا عليه.
276

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
277

كتاب الطهارة
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء
فتيمموا صعيدا طيبا.
وقال سبحانه: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وقال الله تعالى: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر.
وإذا شرعنا في ذكر الطهارة فينبغي أن نبتدأ بذكر أشياء منها: ما الطهارة؟ ومنها ما به
يفعل، ومنها أقسامها، ومنها مقدماتها، ومنها كيفياتها، ومنها ما يوجب إعادتها، ومنها ما يتبعها
ويلحق بها.
فصل: في بيان الطهارة الشرعية:
هي استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة يختص
بغيرها.
ما به يفعل الطهارة:
الذي يفعل به الطهارة شيئان: أحدهما بالماء والآخر بالصعيد، ولما كان الصعيد
279

إنما يستعمل في حال الضرورة وعند عدم الماء أو فقد التمكن من استعماله وكانت الطهارة
به بدلا من الطهارة بالماء وجب تقديم ذكر المياه عليه ونحن نقدم ذلك بمشيئة الله وعونه.
باب المياه وأحكامها:
قال الله تبارك وتعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز
الشيطان.
وقال سبحانه: وأنزلنا من السماء ماء طهورا.
وقال رسول الله ص وقد سئل عن البحر، فقال: هو الطهور ماؤه الحل
ميتته.
فكل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض وكان مخزونا، أو ماء بحر أو على أي وجه كان
فهو على أصل الطهارة ما لم تعلم فيه نجاسة، وهو على ضربين: طاهر ليس بمطهر وطاهر
مطهر.
فأما الطاهر الذي ليس بمطهر فهو جميع المياه المستخرجة والمعتصرة وكل ماء مضاف
منها، مثل ماء الورد والآس والقرنفل والريحان والخلاف والزعفران وكل ما أشبه ذلك،
وجميع هذه المياه يجوز استعمالها في غير الطهارة فأما في الطهارة فلا يجوز ويلحق به في ذلك
كلما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء.
وأما الطاهر المطهر فهو كل ما استحق إطلاق اسم الماء ولم يكن نجسا، وهذا الماء هو
الذي يجب استعماله في الطهارة ورفع الأحداث وإزالة النجاسات عن الأبدان والثياب،
ويجوز في غير ذلك من شرب وما سواه، فكل هذه المياه كما ذكرناه على أصل الطهارة
والحكم بذلك فيها مستمر حتى تعلم ملاقاة شئ من النجاسات لها. وهي على ثلاثة
أضرب: جار وراكد ليس من مياه الآبار ومياه الآبار.
فأما الجاري فمحكوم بطهارته حتى يتغير أحد أوصافه التي هي الريح واللون
والطعم من نجاسة، فإذا صار كذلك حكم بنجاسته ولم يجز استعماله على وجه من الوجوه
إلا في الشرب بمقدار ما يمسك الرمق عند الخوف من تلف النفس.
280

وأما الراكد الذي ليس من مياه الآبار فهو على ضربين: أحدهما أن يكون مقداره كرا
أو أكثر منه والآخر أن يكون أقل من كر. فأما ما كان مقداره كرا أو أكثر منه فليس ينجس
بملاقاة شئ من ذلك له إلا أن يتغير بذلك أحد أوصافه التي هي الريح واللون والطعم، فإذا
حصل كذلك كان نجسا، وأما ما كان مقداره أقل من كر فإنه ينجس بملاقاة ذلك له تغير
بذلك أحد أوصافه أو لم يتغير. والكر هو ما كان مقدار ألف رطل ومائتي رطل بالعراقي،
أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في مثل ذلك عرضا في مثل ذلك عمقا.
مياه الآبار:
وأما مياه الآبار فإنها تنجس بما يلاقيها من ذلك قليلا كان ماؤها أو كثيرا تغير بذلك
أحد أوصافها أو لم يتغير، فإذا حصلت كذلك لم يجز استعمالها إلا بعد تطهيرها، وتطهيرها
أن يكون بالنزح منها، والنزح منها على ثلاثة أضرب: أولها: نزح جميع الماء فإن لم يتمكن من
ذلك لكثرته وقوة مادته ونبعة تراوح عليه أربعة رجال يستقون منه من أول النهار إلى آخره
ثم يحكم بطهارته. وثانيها: نزح كر. وثالثها: نزح مقدار بالدلاء.
فأما ما ينزح جميع الماء على ما قدمناه فهو وقوع شئ من الخمر فيها وكل شراب مسكر
والفقاع والمني ودم الحيض والاستحاضة والنفاس وعرق الإبل الجلالة وموت البعير فيها
وكل ما كان جسمه مقدار جسمه أو أكثر. وذكر في ذلك عرق الجنب إذا كان جنبا من حرام
وجميع ما كان نجسا ولم يرد في النزح منه مقدار معين.
وأما ما ينزح منه كر فهو موت الخيل فيها والبغال والحمير وكلما كان جسمه بمقدار
أجسامهم.
وأما ما ينزح منه مقادير الدلاء فهو ثمانية أضرب: أولها: سبعون، وثانيها: خمسون،
وثالثها: أربعون، ورابعها: عشرة وخامسها: سبع، وسادسها: خمس، وسابعها: ثلاث،
وثامنها: دلو واحد. وأما السبعون فينزح من موت الانسان فيها، وأما الخمسون فينزح من
وقوع الدم المخالف لدم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان كثيرا فيها والعذرة
الرطبة والمتقطعة، وأما الأربعون فينزح إذا مات فيها شئ من الكلاب والخنازير والغنم
281

والأرانب والثعالب والظباء والسنانير وكلما كان جسمه بمقدار أجسامها وبول الانسان
الكبير، وأما العشرة فينزح من الدم المخالف للدماء الثلاثة المتقدم ذكرها إذا كان قليلا
أو العذرة اليابسة، وأما السبع فينزح من موت الحمام فيها والدجاج وكلما كان جسمه بمقدار
أجسامهما والكلب إذا وقع حيا وخرج حيا على ما وردت به الرواية والفأرة إذا تفسخت
والجنب إذا ارتمس فيها وبول كل صبي أكل الطعام، وأما الخمسة فينزح من ذرق الدجاج
الجلالة خاصة، وأما الثلاثة فينزح من موت الحية فيها والوزع والعقرب والفأرة التي لم
تنفسخ، وأما الدلو الواحد فينزح من موت العصافير فيها والقنابر والزرازر وكلما كان
جسمه بمقدار أجسامهم وبول كل صبي لم يأكل الطعام.
وماء البئر إذا تغير أحد أوصافه من النجاسة ينزح منه حتى يطيب كثيرا كان النزح
أو قليلا، ولا يعتبر فيه هاهنا بمقدار من النهار ولا بمن يستقي منه من الرجال، والماء الذي في
الدلو الأخير من دلاء النزح محكوم بنجاسته والباقي بعده من ماء البئر طاهر، والذي يقطر
من الدلو نجس إلا أنه ما يتنجس به الباقي في البئر من الماء لأنه معفو عنه، والمعتبر في هذا
الدلو المعتاد لا بما ذهب إليه قوم أنه من دلاء هجر أو بما يسمع أربعين رطلا، لأن الخبر في ذلك لم
يرد مقيدا.
واعلم أن مياه الحياض والغدران والقلبان وما جرى مجراها إذا تغير أحد أوصافها
الثلاثة بنجاسة حكمنا بنجاستها على ما قدمناه، فإذا زال هذا التغير بغير الماء الطاهر
المطهر من الأجسام الطاهرة التي تختلط به، أو بتصفيق الرياح له أو ما جرى مجرى ذلك لم
يحكم بطهارته وكان نجسا.
وإذا كان مقدار الماء أقل من كر وهو نجس فتمم بطاهر حتى صار كرا أو كان طاهرا
فتمم بنجس ولم يتغير أحد أوصافه التي هي الريح أو اللون أو الطعم كان طاهرا، فإن تغير
بذلك أحد أوصافه كان نجسا، وكذلك الحكم فيه إذا كان هذا المقدار نجسا وتمم بنجس
فصار كرا بالجميع فإنه يحكم بطهارته ما لم يكن أحد أوصافه متغيرا بالنجاسة لقولهم
صلوات الله عليهم: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا. وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه
الله يذهب إلى نجاسة هذا الماء ويقوى القول بما ذكرناه في كثير من الأوقات وقد أشرنا إلى
282

الوجه القوي لذلك في كتابنا الموسوم ب‍ " جواهر الفقه " فمن أراد الوقوف عليه نظره
في ذلك الموضع.
الماء المضاف:
والماء الطاهر المضاف إذا اختلط بالطاهر المطهر وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز
استعماله في رفع الأحداث ولا إزالة النجاسات ويجوز استعماله في غير ذلك، والماء النجس
لا يجوز استعماله على كل حال إلا في الشرب خاصة عند الخوف من تلف النفس فإنه يجوز
والحال هذه أن يشرب ما يمسك الرمق كما قدمناه وإذا أعجن به الدقيق وخبز لم يجز أكل
شئ منه.
وإذا اختلط الطاهر المضاف بالطاهر المطهر ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في
الطهارة وغيرها، وإذا اختلط هذا الماء المضاف بالمطهر - وكان المطهر هو الأغلب والأكثر -
جاز استعماله في رفع الأحداث وإزالة النجاسات وجاز استعماله فيما عدا ذلك، فإن لم يغلب
أحدهما على الآخر ولا زاد عليه وكانا متساويين فالأقوى عندي أنه لا يجوز استعماله في رفع
الحدث ولا إزالة النجاسة ويجوز في غير ذلك.
وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي (ره) قال لي يوما في الدرس: هذا الماء يجوز استعماله في
الطهارة وإزالة النجاسة. فقلت له: ولم أجزت ذلك مع تساويهما؟ فقال: إنما أجزت ذلك لأن الأصل
الإباحة. فقلت له: الأصل وإن كان هو الإباحة فأنت تعلم أن المكلف مأخوذ بأن لا يرفع
الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه إلا بالماء المطلق فتقول أنت بأن هذا الماء مطلق؟
فقال: أ فتقول أنت بأنه غير مطلق؟ فقلت له: أنت تعلم أن الواجب أن تجيبني عما سألتك
عنه قبل أن تسألني ب‍ " لا " أو " نعم " ثم تسألني عما أردت ثم أنني أقول: بأنه غير مطلق.
فقال: أ لست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق فهما مع التساوي كذلك؟
فقلت له: إنما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب لأن ما ليس بمطلق لم يؤثر في
إطلاق اسم الماء عليه ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه فلا أقول فيه بأنه
283

مطلق، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب، ثم إن
دليل الاحتياط تناول ما ذكرته، فعاد إلى الدرس ولم يذكر في ذلك شيئا.
أسئار الحيوان:
وأسئار الحيوان هي فضلة ما شربوا منه واستعملوه وماسوه بأجسامهم وهي على
ثلاثة أضرب: أولها: يجوز استعماله على كل حال، وثانيها: مكروه، وثالثها: لا يجوز استعماله
على حال.
فأما الأول: فهو سؤر كل ما أكل لحمه من حيوان البر والبحر لا ما كان جلالا وكل
ما ليس بنجس من حيوان البر كان مما لا يؤكل لحمه.
وأما المكروه: فهو سؤر الجنب والحائض والبهائم والسباع إلا الكلاب والخنازير،
وسؤر الطيور إلا ما كان جلالا أو مما يأكل الجيف أو يكون على منقاره أثر الدم، والسنور
والفأرة والخيل والبغال والحمير.
وأما الذي لا يجوز استعماله على حال: فهو سؤر كل ما لا يؤكل لحمه من غير الناس
والطيور إلا ما ذكرناه فيما تقدم وسؤر كل ما كان نجسا من الناس والكلاب والخنازير،
واعلم أن حكم المائعات المخالفة للماء المطلق إذا شرب منها شئ مما تقدم ذكره
أو استعماله أو ماسه بجسمه كالحكم السالف ذكره في الأقسام الثلاثة، وكلما ذكرناه أنه
لا يجوز استعمال سؤره إذا ماس جسمه مائعا ثم جمد كالماء الذي يمسه ثم يصير ثلجا،
أو جليدا فإنه لا يجوز استعماله على حال وإن غسل. فإن ماسه وهو ثلج أو جليد لم يجز
استعماله إلا بعد غسله وكذلك الحكم فيما خالف الماء من المائعات.
وليس ينجس الماء مما يقع فيه من الحيوان إلا أن تكون له نفس سائلة، وأما ما يقع فيه
مما ليس له نفس سائلة - غير العقرب والوزع - فإنه لا ينجسه، فذلك كالخنافس وبنات
وردان والجراد وما أشبه ذلك ويجوز استعماله على كل حال إلا أن يسلبه إطلاق اسم الماء،
فإن سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارة وجاز استعماله في ما عدا ذلك، والبول والروث
مما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لم ينجسه قليلا كان أو كثيرا ويجوز استعماله على كل حال
284

إلا أن يسلبه إطلاق اسم الماء عليه، فإذا سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارات وجاز
استعماله فيما عداها، وما يكره أكل لحمه فمكروه استعمال ما وقع فيه بوله أو روثه من الماء،
والكراهة في ذلك تزيد وتنقص بحسب زيادتها ونقصها في أكل لحم ذلك، مثال ما ذكرناه:
أن كراهة أكل لحم الحمار أغلظ من كراهة أكل لحم البغال وكراهة أكل لحم البغال أغلظ
من كراهة أكل لحم الفرس، والكراهة فيما ذكرناه في أكل هذه اللحوم.
ماء المطر:
وماء المطر إذا كان نازلا من السماء فحكمه حكم ماء الجاري يجوز استعماله على كل
حال فإن انقطع واستقر منه شئ في موضع من الأرض ولاقته نجاسة اعتبر فيه بالقلة
والكثرة والتغيير وكان الحكم فيه بحسب ذلك، وطين المطر محكوم إلى ثلاثة أيام بالطهارة
إلا أن يعلم ملاقاة شئ من النجاسة له فإنه يحكم بنجاسته.
ماء الحمام:
وماء الحمام حكمه حكم الماء الجاري إذا كانت له مادة ويجوز استعماله على كل حال،
فإن انقطعت مادته من المجرى ولم تلاقه نجاسة فاستعماله جائز على كل حال فإن لاقته
نجاسة كان الاعتبار بالقلة والكثرة والتغير ويحكم فيه بحسب ذلك على ما قدمناه.
البئر القريب من البالوعة:
والأرض التي فيها البئر إذا كانت سهلة وكانت بالقرب من البئر بالوعة وكانت البئر
تحت البالوعة فيستحب أن يكون بينهما مقدار سبع أذرع، وإن كانت الأرض حزنة وكانت
البئر فوق البالوعة فيستحب أن يكون بينهما خمس أذرع، وجميع مياه العيون الحمية مكروه
استعمالها والتداوي بها، وكذلك يكره استعمال الماء المسخن بالشمس في الطهارة فأما
المسخن بالنار فليس بمكروه.
285

الماء النجس:
والماء النجس إذا تطهر به مكلف ثم صلى فلا يخلو من أن يكون تقدم له العلم
بنجاسته أو لم يتقدم له العلم بذلك، فإن كان العلم قد تقدم له بذلك كان عليه إعادة
الطهارة والصلاة إن كان قد صلى بهذه الطهارة سواء كان مع تقدم العلم له بذلك وقد
نسيه ثم ذكره أو لم يكن كذلك، فإن لم يكن قد تقدم العلم له بذلك فلا يخلو من أن يكون
الوقت باقيا أو غير باق، فإن كان باقيا كان عليه إعادة الطهارة والصلاة وإن
لم يكن باقيا لم يكن عليه شئ وعليه مع هذه الوجوه غسل ما أصابه هذا الماء من جسده أو ثيابه.
الأواني وفروعها:
والأواني إذا كانت من خشب أو فخار أو رصاص أو زجاج أو نحاس أو حديد وكانت
طاهرة فإنه يجوز استعمالها في الماء للطهارة وغيرها، وما كان منها ينشف الماء مثل الخشب
والفخار الذي لم يقصر وكان آنية لأحد من الكفار فإنه لا يجوز استعماله في الماء غسل أو لم
يغسل، وكذلك ما استعمل منها في الخمر والمسكر وقد ورد جواز استعمال ذلك إذا غسل
سبع مرات، والاحتياط يتناول ما ذكرناه.
وأواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الماء ولا في غيره للطهارة ولا غيرها، فإن
تطهر المكلف منها أو أكل فيها أو شرب منها كانت طهارته صحيحة ولم يحرم المأكول
والمشروب عليه لأن الحظر إنما يتناول استعمالها وذلك لا يتعدى إلى ما هو فيها، والإناء
المفضض إذا كان فيه موضع غير مفضض جاز الشرب من ذلك الموضع دون غيره من
المفضض، وكل ما استعمله من الكفار - على اختلافهم في الكفر - من الأواني والأوعية في
المائعات إذا كانت مخالفة للأواني والأوعية التي تقدم ذكر استعمالهم لها أو باشروه بأجسامهم
فلا يجوز استعمال شئ منها إلا بعد غسله ثلاث مرات.
وإذا شرب الكلب أو الخنزير في شئ من الأوعية أو الأواني فلا يجوز استعمال ذلك حتى
يهرق ما فيه من الماء ويغسل ثلاث مرات الأولى بالتراب، وليس يعتبر التراب في غسل شئ
مما ذكرناه إلا في ولوع الكلب والخنزير لأنه يسمى كلبا، وإذا ولغ في الإناء من الكلاب أكثر من
286

واحد فلا يجب تكرار الغسل له بعدد ما ولغ فيه منها، بل يكفي غسله دفعة واحدة ثلاث
مرات كما ذكرناه وكذلك الحكم فيه إذا تكرر ولوع الكلب الواحد.
وإذا غسل الإناء من ولوع الكلب المرة الأولى والثانية ووقع فيه نجاسة لم يجب
استئناف الغسل له من أوله بل يبني على ما تقدم ويتمم العدد لأن النجاسة بعد حاصلة
والمراعي في الحكم بطهارته بالمرة الثالثة، وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء يكون
أقل من كر قبل غسله كان الماء الذي وقع فيه نجسا ولم يجز استعماله، وإذا أصاب شئ من
الماء الذي يغسل به هذا الإناء جسد الانسان أو ثوبه فالأحوط غسله، وإذا وقع الإناء الذي
ولغ فيه الكلب في ماء جار وجرى عليه لم يحكم بطهارته لأنه لم يغسل الغسل المحكوم
بطهارته معه.
العلم الاجمالي في الأواني:
ومن كان معه إناءان في أحدهما ماء طاهر وفي الآخر ماء النجس ولم يعلم الطاهر منهما
لم يجز استعمال واحد منهما على حال إلا للشرب في حال الضرورة، وإذا كان معه إناءان في
أحدهما ماء طاهر وفي الآخر ماء مستعمل في الطهارة الصغرى جاز استعمال أي منهما
شاء، وإذا كان في أحدهما ماء استعمل في الطهارة الصغرى وفي الآخر ماء استعمل في
الطهارة الكبرى استعمل في الطهارة أيهما أراد، وإن كان في الواحد منهما ماء مستعمل في
الطهارة الكبرى ولم يعلم المستعمل منهما في الطهارة الكبرى من الآخر فالأحوط أن
يستعمل كل واحد منهما.
وإذا كان معه إناءان يعلم أن ماء أحدهما طاهر وماء الآخر نجس ثم نسي ذلك ولم
يتميز له كل واحد منهما من الآخر وأخبره عدل بأن النجس واحد عينه لم يلزمه القبول منه
ولم يجز له استعمال واحد منهما لأن النجاسة في أحدهما متيقنة.
على أصل الطهارة ما لم يعلم ملاقاة شئ من النجاسات له.
ومن كان معه إناءان يعلم طهارتهما فشهد شاهدان بأن واحدا منهما معينا نجس
أو كان يعلم نجاستهما فشهد شاهدان بأن واحدا منهما معينا طاهر لم يجب عليه القبول
287

منهما، بل يعمل على الأصل الذي كان متيقنا بحصول الماء عليه.
وإذا كان معه إناء فيه ماء تيقن نجاسته وشك في طهارته أو كان تيقن طهارته فشك في
نجاسته لم يلتفت إلى شكه في شئ منهما وكان عمله على ما كان متيقنا له من ذلك.
وإذا كان معه ثلاثة أواني اثنان منها يشتبهان عليه في نجاسة أو طهارة والآخر متيقن
طهارته كان عليه أن يستعمل الذي يتيقن طهارته دون المشتبه عليه، وإذا كان معه إناء
كانت فيه نجاسة وشك في تطهيره لم يجز استعماله حتى يطهره.
وإذا حضر عند ماء متغير اللون أو الطعم أو الرائحة وشك في أن هذا التغير من
نجاسة أو من أصل الماء جاز استعماله ولم يلزمه في شكه شئ لأن الماء على أصل الطهارة
حتى يعلم حصول نجاسة فيه.
أحكام الجلود:
ولا يجوز استعمال شئ من جلود الميتة ولا الانتفاع به دبغ أم لا ولا فرق في ذلك بين أن
يكون مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه، ولا يجوز التصرف في شئ من ذلك على حال وكل
ما ذكي وكان مما لا يؤكل لحمه وليس هو من الكلاب والخنازير فإنه يجوز الانتفاع بجلده
بعد الدباع، فأما جلود الكلاب والخنازير فإنه لا يجوز ذلك فيها وإن ذكيت ودبغت وكذلك
لا يجوز الانتفاع بشئ من شعر ذلك إذا جز في حياته أو بعد موته.
وشعر وصوف الميتة التي ليست كلبا ولا خنزيرا طاهر يجوز استعماله وكذا شعر الانسان
في حياته وبعد موته، وقد ذكر أن ذلك نجس، والاحتياط يتناول ذلك والدباغ يجب أن
يكون بطاهر مثل قشور الرمان والعفص والقرظ وما أشبه ذلك، ولا يجوز مما يكون نحسا
كالحارش فإنه يعمل بخرء الكلاب.
باب الصعيد وما يجوز التيمم به وما لا يجوز:
قال الله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا... الآية، فالصعيد هي
ما يتصاعد على وجه الأرض من تراب أو غبار وهو على ثلاثة أضرب: أولها يجوز التيمم به
288

على كل حال، والثاني مكروه، والثالث ما لا يجوز التيمم به على حال.
فأما الذي يجوز التيمم به على كل حال فهو كل طاهر من هذا الصعيد والأرض
الحصية والحجر والصخر والوحل إذا وضع الانسان يديه عليه ومسح إحداهما بالأخرى
حتى ينشف وذلك لا يكون إلا مع عدم التمكن من التراب أو ما يقوم مقامه، وكل ما كان من
التراب في عوالي الأرض كان استعماله أفضل من استعمال ما كان منه في مهابطها، ومن لم
يتمكن من شئ مما ذكرناه فلينفض ثوبه أو عرف دابته أو لبد سرجه أو ما جرى مجرى ذلك
مما يكون فيه غبار وتيمم به.
وأما المكروه فهو تراب الأرض السبخة والرملة.
وأما الذي لا يجوز التيمم به فهو كل ما يختص بمعدن من كحل أو زرنيخ أو زاج
أو ما يجري مجرى ذلك، وكل ما لا يطلق عليه اسم الأرض من دقيق أو أشنان أو سدر وما جرى
مجرى ذلك في نعومته أو انسحاقه وكل ما كان نجسا مما قدمنا ذكر جواز التيمم به.
باب أقسام الطهارة:
الطهارة على ثلاثة أقسام: وضوء وغسل وتيمم.
والوضوء على قسمين: واجب ومندوب. فأما الواجب فهو ما يقصد به رفع الحدث
لاستباحة الصلاة به، وأما المندوب فهو ما يقصد به مس المصحف أو كتابته أو ما جرى
مجرى ذلك.
الغسل:
وأما الغسل: فهو على ضربين: واجب ومندوب.
فأما الواجب فهو الغسل من خروج المني على كل حال، والجماع في الفرج أنزل
المجامع أو لم ينزل، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الميت من الناس بعد برده
بالموت وقبل غسله، وغسل الموتى من الناس.
وأما المندوب فهو على أربعة أضرب: أولها يتعلق بأزمنة مخصوصة، وثانيها يتعلق
289

بأمكنة شريفة، وثالثها يتعلق بعبادة معينة، ورابعها قسم مفرد عن ذلك.
فأما الأزمنة المخصوصة في يوم الجمعة ويوم العرفة ويوم العيد فطرا كان أو أضحي
أو غديرا وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه وليلة سبع
عشرة منه وليلة إحدى وعشرين منه وليلة ثلاث وعشرين منه.
وأما الأمكنة الشريفة فهي: الحرم والمسجد الحرام والكعبة ومدينة النبي
ص
وأما العبادات المعينة فهي: الإحرام للحج والعمرة، والزيارات لنبي كانت أو إمام
ع، أو البيت الحرام، والمباهلة، والتوبة، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الاستخارة
وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، والإسلام من الكفر، وقضاء صلاة الكسوف إذا تعمد
قاضيها تركها مع احتراق جميع القرص.
وأما الضرب المفرد فهو غسل المولود، وغسل القاصد إلى نظر المصلوب بعد ثلاثة
أيام.
التيمم:
وأما التيمم فهو على ضربين: أحدهما بدل عن الوضوء، والآخر بدل عن الغسل.
فأما الذي هو بدل من الوضوء فهو ضربة واحدة على ما تيمم به المتيمم لوجهه أو يديه، وأما
الذي هو بدل من الغسل فهو ضربتان إحداهما للوجه والأخرى لليدين.
باب الجنابة:
الجنابة تكون بأمرين: أحدهما إنزال المني على كل حال، والآخر الجماع في الفرج
وإن لم ينزل المجامع.
التقاء الختانين: غيبوبة الحشفة في الفرج. فإذا صار المكلف جنبا بأحد هذين الأمرين
كان عليه الغسل - وسنذكر كيفيته في باب كيفيات الطهارة - ولا يدخل المسجد الحرام
ولا مسجد النبي ص جملة فأما غير ذلك من المساجد فيجوز له دخولها عابر
290

سبيل من غير جلوس فيها واستقرار بها، فإن كان له فيها شئ جاز له أخذه منها ولا يضع
فيها شيئا ولا يقرأ شيئا من العزائم الأربع جملة - وهي سجدة لقمان وحم السجدة والنجم
واقرأ باسم ربك، فأما غير ذلك من القرآن فلا يجوز أن يقرأ منه أكثر من سبع آيات والأفضل
ترك ذلك ولا يمس كتابة المصحف ويجوز أن يمس أطراف الورق والأفضل أن لا يمسه ولا يمس
شيئا عليه اسم الله تعالى أو أحد الأنبياء والأئمة ع مكتوبا ولا يطوف بالبيت،
ولا يسجد إذا سمع من يقرأ السجدة ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى يغتسل ويتمضمض
ويستنشق ولا يختضب حتى يغتسل.
باب الحيض:
هو دم أسود يخرج من المرأة بحرارة على وجه يتعلق بظهوره وانقطاعه - على
الخلاف في ذلك - انقضاء عدة المطلقات، وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وأقل
الطهر عشرة أيام وليس لأكثره حد، فإن رأت الحائض الدم ثلاثة أيام متوالية أو مفترقة في
جملة العشرة فهي حائض، وفي أصحابنا من اعتبر كونها متوالية، فإن رأت الدم يوما
واحدا أو يومين وانقطع عنها إلى آخر اليوم العاشر فليس ذلك حيضا، وإذا رأته بعد العشرة
أيام كان استحاضة.
فإن رأته اليوم الرابع بعد انقضاء هذه العشرة كان حيضا إلا أن ترى يوما واحدا
أو يومين وينقطع فلا تراه حتى تنقضي العشرة فلا يحكم بأنه حيض وإنما قلنا بأنه حيض لأن
أقل أيام الطهر وهو عشرة قد انقضت فيكون هذا الدم من الحيضة المستأنفة، فإن رأت
الدم بعد أن يكمل أكثر أيام الحيض ويستمر ذلك بها ولا ترى بين الدمين طهرا فإنه ليس
بحيض فيجب الحكم بأنه استحاضة، وسنذكر حكم الاستحاضة في بابها بعون الله
سبحانه.
والحمرة والصفرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر غير حيض.
وإذا اختلفت عادة المرأة اعتبرت صفات الدم بعد أن يعتبر بين الدمين أقل الطهر وهو
عشرة أيام، فإن لم يتميز لها صفات الدم تركت الصوم والصلاة في الشهر الأول أقل أيام
291

الحيض، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه.
وتستقر عادة المرأة بأن ترى الدم شهرين متواليين في وقت متفق فتعمل حينئذ في
عادتها على ذلك، وإذا التبس على المرأة دم الحيض بدم العذرة استبرأت نفسها بقطنة فإن
خرجت مطوقة فهو دم عذرة وإن خرجت منغمسة فهو حيض، فإن التبس بدم القرح
استدخلت المرأة أصبعها فإن كان الدم يخرج من الجانب الأيسر فهو دم حيض وإن كان
يخرج من الأيمن فهو دم قرح.
وإذا انقطع الدم عن المرأة وأرادت أن تعلم هل هي بعد حائض أو قد طهرت
فتستدخل قطنة فإن خرجت وعليها دم فهي حائض لم تطهر، وإن لم تخرج عليها شئ فقد
طهرت.
وإذا كانت المرأة حائضا فكل ما ذكرناه مما يتعلق بالجنب من الأحكام يتعلق بها ويلحق
بذلك أن تصوم ولا تصلي وهي كذلك، وإذا وطأها زوجها كفر عن ذلك، وسنذكر ما يلزمه
من الكفارة في باب الكفارات، فإذا حضر وقت الصلاة توضأت وجلست في مصلاها
تذكر الله تعالى وتسبحه وتمجده إلى أن ينقضي وقت الصلاة، وإذا اغتسلت قضت الصوم
دون الصلاة وإذا رأت الدم وقد دخل وقت الصلاة ومضى من هذا الوقت مقدار ما يمكنها
أداء تلك الصلاة ولم تكن صلت كان عليها قضاؤها، وإن رأت الدم قبل ذلك لم تجب عليها
القضاء.
فإذا طهرت وتوانت عن الغسل وكان قد دخل عليها الوقت ولم تغتسل حتى خرج
الوقت كان عليها القضاء، وإذا طهرت عند زوال الشمس ولم تغتسل حتى دخل وقت
العصر وجب عليها قضاء الصلاتين، وإذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما يؤدى
فيه خمس ركعات استحب لها قضاؤهما، وإن كان مقدار ما يؤدى فيه أربع ركعات كانت
عليها قضاء صلاة العصر، وإذا طهرت بعد مغيب الشمس إلى نصف الليل وجب عليها
قضاء العشائين، وإذا طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار ما تؤدي خمس ركعات استحب لها
قضاؤهما وإن لم يكن في الوقت أكثر من أن تصلي فيه أربع ركعات كان عليها قضاء العشاء
الأخير فقط وكان عليها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما يؤدى فيه ركعة
292

فإن كان أقل من ذلك لم يلزمها شئ.
فإذا حاضت في يوم تصبح فيه صائمة أفطرت وكان عليها قضاء ذلك اليوم ولو كان
قد حاضت قبل مغيب الشمس بلحظة، وإذا رأت الدم بعد العصر أمسكت بقية يومها
عن الإفطار وكان عليها القضاء، وإذا أصبحت حائضا وطهرت أمسكت باقي النهار وكان
عليها القضاء.
وإذا رأت الطهر وجب عليها الغسل - وسنذكر كيفيته في موضع مفرد من باب كيفية
الطهارة إن شاء الله تعالى -.
باب الاستحاضة:
والاستحاضة هي استمرار ظهور الدم بالمرأة بعد أكثر أيام الحيض، والمرأة في ذلك
على ضربين: أحدهما أن تكون مبتدئة، والآخر أن تكون غير مبتدئة.
فأما المبتدئة فينبغي لها أن تعمل على التمييز بصفات الدم، فإذا رأت الدم الأسود
الخارج بحرارة كان عليها أن تعمل ما تعمله الحائض وقد تقدم ذكر جميع ذلك، وإذا رأت
الدم الأصفر البارد الرقيق فعلت ما تفعله المستحاضة، فإن لم يكن لها تمييز عملت على عادة
نسائها إن كان لها نساء، فإن لم يكن لها نساء عملت على عادة أمثالها في السن. وعليها أن
لا تصوم ولا تصلي في الشهر الأول أقل أيام الحيض، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه إذا لم
يكن لها تمييز ولا نساء ولا أمثال في السن ثم تصلي وتصوم بعد ذلك.
وأما التي ليست مبتدئة فعليها إذا فقدت التمييز واختلفت عليها عادتها أن تترك
الصوم والصلاة في كل شهر سبعة أيام ثم تصلي وتصوم بعد ذلك، ولا يزال هذا فعلها
حتى تستقر عادتها وتعلم استقرار عادتها بأن يتوالى عليها شهران يظهر بها الدم في أيام
متساوية فيهما لا زيادة فيها ولا نقصان.
وعليها مبتدئة كانت أو غير مبتدئة أن تحتشي بقطنة، وإن ظهر عليها دم ولم يرشح كان
عليها الوضوء عند كل صلاة، وإن رشح عليها ولم يسل كان عليها غسل واحد عند الفجر
وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة من يومها وليلتها وتجدد تغيير الحشو مع ذلك، وإن رشح وسأل
293

اغتسلت ثلاثة أغسال: أولها لصلاة الظهر والعصر تؤخر الظهر قليلا عن أول وقتها
وتجمع بينه وبين العصر، والثاني تجمع بينه وبين صلاة المغرب والعشاء الآخرة كذلك،
وثالثها لصلاة الليل والفجر تؤخر صلاة الليل قليلا إن كانت ممن تصليها ثم تجمع بينهما
به، وإن كانت ممن لا تصلي صلاة الليل صلت به صلاة الفجر وحدها.
وتصوم وتصلي في سائر أيامها إلا الأيام التي تكون حائضا فيها، وإذا وجب عليها
حد لم يقم عليها حتى ينقطع الدم عنها، والأفضل لها قبل الوطء أن تغسل فرجها، وجميع
ما يحرم على الحائض فهو حلال لها إلا في أيام التي تكون فيها حائضا.
واعلم أن المبتدئة إذا رأت دم الحيض وهو الأسود الخارج بحرارة ثلاثة أيام، ودم
الاستحاضة وهو الأصفر الرقيق البارد ثلاثة أيام، ثم رأت صفرة أربعة أيام ثم انقطع الجميع
كان ذلك كله حيضا. وإن رأت دم الاستحاضة ثلاثة أيام ودم الحيض ثلاثة أيام ثم رأت دم
الاستحاضة وجاز عليها العشرة أيام فحكمها في
ما رأته من دم الحيض حكم الحائض، وفي ما رأته من دم الاستحاضة حكم المستحاضة.
فإذا كان الدم متصلا وتوضأت ثم انقطع عنها قبل دخولها في الصلاة كان عليها
استئناف الوضوء وإن صلت بالوضوء الأول لم تصح صلاتها سواء عاد إليها الدم قبل
فراغها من الصلاة أو بعد فراغها منها، وإذا توضأت بعد دخول وقت الصلاة وصلت
عقيب الوضوء كانت صلاتها صحيحة، فإن توضأت قبل دخول الوقت لم يكن وضوءها
صحيحا فإن صلت به لم تصح الصلاة أيضا، وإذا توضأت لصلاة مخصوصة مفروضة
جاز لها أن تصلي به من النوافل ما أرادت.
باب النفاس:
اعلم أن النفساء هي التي ترى الدم عند الولادة، فإن رأت قبل الولادة لم يكن
ذلك نفاسا وإن لم تر دما عند الولادة لم يتعلق بها شئ من أحكام النفاس، ولا فرق في
الولادة بين أن يكون ولادة بسقط أو غير سقط وبولد تام أو غير تام، فإن رأت الدم دفعة
واحدة وانقطع عنها ثم عاد قبل تمام عشرة أيام أو إلى اليوم العاشر كان جميع ذلك نفاسا،
294

فإذا رأته بعد تمام العشرة أيام لم يكن نفاسا، فإن مضى عليها بعد العشرة الأولى عشرة أيام
أخرى ثم رأته فيها ثلاثة أيام متوالية أو متفرقة كان ذلك حيضا.
فإن كانت حاملا باثنين ورأت الدم مع ولادة الأول منهما ومع ولادة الثاني حكمت
بالنفاس من الأول وعملت في أكثره على ولادة الثاني، وأكثر النفاس كأكثر أيام الحيض
عشرة أيام وليس لقليله حد، وجميع أحكام النفساء هي أحكام الحائض إلا فيما ذكرناه: أنه
ليس لأقل النفاس حد.
باب مقدمات الطهارة:
مقدمات الطهارة هي استنجاء مخرج النجو بالماء أو الأحجار، وغسل مخرج البول
بالماء وحده، وترك استقبال القبلة واستدبارها في حال البول والغائط، وتقديم الرجل
اليسرى عند دخول الخلاء، واليمنى عند الخروج منه، والدعاء عند ذلك، وتغطية الرأس
عند دخول الخلاء، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراع منه، ولا يستقبل الشمس
ولا القمر في حال البول ولا الغائط، ولا الريح بالبول، ولا يحدث في الماء الجاري، ولا الراكد،
ولا في الطريق، ولا أفنية الدور، ولا في المشارع، ولا تحت الأشجار المثمرة، ولا في مواضع
اللعن، ولا في النزال، ولا يبول في جحرة الحيوان، ولا على الأرض الصلبة، ولا يطمح ببوله
في الهواء، ولا يتكلم في حال البول والغائط ولا يستاك في هذه الحال، ولا يأكل ولا يشرب
وهو كذلك.
باب الاستنجاء وأحكامه:
الاستنجاء هو تنظيف مخرج النجو بما قدمنا ذكره من الماء أو الأحجار، والجمع بينهما
أفضل من الاقتصار على أحدهما، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على
الأحجار، ويجب على المكلف أن ينظف الموضع على وجه يتيقن معه النظافة، فأما مخرج
البول فليس يجزئ فيه إلا الماء مع التمكن منه، وكذلك إذا تعدت النجاسة مخرج النجو
فليس يجزئ فيه إلا الماء.
295

والأحجار ينبغي أن يكون ثلاثة وغير مستعملة في الاستنجاء وإن لم يقدر على ثلاثة
أحجار وقدر على حجر له ثلاثة رؤوس قام كل رأس منه مقام حجر فإذا استعمل حجرا
واحدا ونقى الموضع به فينبغي أن يستعمل آخرين سنة، ولا يجوز أن يستنجي بعظم
ولا روث، ويجوز استعمال الخرق والقطن في ذلك عوضا من الأحجار إذا لم يتمكن منها.
وإذا أراد دخول الخلاء فينبغي أن يدعو فيقول: بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس
النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
ويقول عند الاستنجاء: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، اللهم
حصن فرجي وفروج أوليائي وذريتي وفروج المؤمنين من ارتكاب معاصيك حتى
لا نعصيك أبدا ما أبقيتنا إنك تعصم من تشاء من عبادك.
ويقول عند الفراع منه بعد أن يمسح بيده على بطنه: الحمد لله الذي أماط عني الأذى
وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى، الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني
لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها.
وإن كان قد بال فينبغي أن يجلب القضيب من أصله إلى رأس الحشفة دفعتين أو ثلاثا
ويعصرها ويغسله بالماء وأقل ما يجزئ في غسله من الماء مثلا ما عليه، ولا يجوز أن يستنجي
باليد اليمنى مع الاختيار ولا يستنجي وفي يده خاتم قد نقش على فصه اسم من أسماء
الله تعالى أو أحد أنبيائه أو الأئمة ع وكذلك إن كان فصه من حجر زمزم.
وإذا كان على حال البول أو الغائط وسمع صوت المؤذن جاز أن يقول في نفسه
كما يقوله، وإن ترك الاستنجاء ناسيا أو متعمدا كان عليه إعادته، فإن كان قد صلى كذلك
كان عليه مع إعادته إعادة الصلاة.
باب ترك استقبال القبلة واستدبارها وكذلك الشمس والقمر في حال البول
والغائط:
ترك استقبال القبلة واستدبارها في هذه الحال واجب لا يجوز سواه مع التمكن، فإن
كان الموضع الذي يتخلى المكلف فيه مبنيا على وجه يمكنه معه الانحراف عن استقبالها
296

واستدبارها انحرف وإن لم يتمكن من ذلك لم يكن عليه شئ.
فأما الشمس والقمر فالأفضل أن لا يستقبلهما ولا يستدبرهما في هذه الحال لأنه ذكر
أنهما خلقان عظيمان من خلق الله تعالى فينبغي أن ينزههما عن ذلك في هذه الحال.
باب في كراهة الباقي من المقدمات:
أما استقبال الريح بالبول فذكر أن الوجه في كراهته أن الريح ترده إليه فينجس به،
وأما الأحداث في الماء فذكر أن للماء أهلا وأمرنا أن لا نؤذي أهله في ذلك، وأما الطريق
وأفنية الدور والمشارع وتحت الأشجار المثمرة فلأن الناس يتأذون بذلك ويلعنون فاعله،
وأما حجرة الحيوان فلأنه ربما كان فيه من الدبيب ما يخرج بوقوع البول عليه فيتأذى به، وأما
الأرض الصلبة فلأن البول إذا سقط عليها تطاير وتراجع عليه، وأما طمحه بالبول في الهواء
فلأنه يراجع عليه، وأما الكلام والسواك والأكل والشرب فذكر أنه يورث الخرس أو البخر
فالأولى اجتناب ذلك للوجوه المذكورة.
باب كيفية الطهارة:
كيفية الطهارة على ثلاثة أضرب: أولها كيفية الوضوء، وثانيها كيفية الغسل،
وثالثها كيفية التيمم.
باب كيفية الوضوء:
كيفية الوضوء هو أن يبتدئ من يريده بوضع الإناء عن يمينه ثم يدعو فيقول: الحمد لله
الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا.
ثم يسمي الله تعالى ويغسل يده - لإدخالها الإناء - من حدث البول أو النوم مرة ومن
حدث الغائط مرتين، وينوي رفع الحدث به لوجوبه عليه، واستباحة الصلاة به على جهة
القربة إلى الله تعالى، ويأخذ بيمينه كفا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول: اللهم لقني
حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك.
297

ثم يأخذ كفا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول: اللهم لا تحرمني من طيبات الجنان
واجعلني ممن يشم ريحها وريحانها.
ثم يأخذ كفا آخر ويغسل به وجهه من قصاص شعر رأسه إلى محادر شعر الذقن
طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، فإن كان ذا لحية لم يجب عليه إيصال الماء
تحتها، وكذلك إن كانت امرأة ولها لحية لم يلزمها ذلك.
ثم يأخذ كفا فيغسل به وجهه ثانيا كذلك ويقول: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه
الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
ثم يأخذ كفا ويديره إلى كفه الأيسر ويغسل به يده اليمنى من المرفق إلى أطراف
الأصابع، ويعم المرفق بالغسل ولا يستقبل شعر الذراع ويأخذ كفا ويأخذ ثانيا كذلك وهو
يقول: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا واجعلني
ممن ينقلب إلى أهله مسرورا. ويأخذ كفين واحدا بعد واحد ويغسل بهما يده اليسرى
كما غسل اليمنى ويقول: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي.
ويكون ابتداؤه بطرح الماء على ظاهر الذراع ويختم بباطنه إن كان رجلا وإن كانت
امرأة بدأت في ذلك بباطن ذراعها وختمت بظاهرها، وإن كان مقطوع اليدين من المرفق
غسل موضع القطع، وإن كان القطع من فوق المرفق لم يجب عليه غسل الباقي من عضده
وإن كان القطع من المرفق أو دونه غسل الباقي، من ذلك، وإن كان له أصابع زائدة على
الخمس أو يدا زائدة على ذراع واحد كان عليه غسل ذلك وكذلك يلزمه فيما يكون زائدا على
الذراع إذا كان من المرفق وما دون، فإن كان فوق المرفق لم يلزمه في ذلك.
وإذا كان في إصبعه خاتم أو في يده حلي إن كان امرأة وجب عليه تحريكه أو نزعه
ليصل الماء إلى تحته من ظاهر الجسد، ثم يرفع يده اليمنى ببلل الوضوء من غير أخذ ماء
جديد فيمسح بها مقدم رأسه بمقدار ثلاث أصابع مضمومة عرضا، ولو مسح بإصبع واحدة
كان جائزا، وإن مسح غير مقدم الرأس لم يكن مجزيا وكذلك إن مسح على عمامته، أو كانت
امرأة فمسحت فوق قناعها فإن ذلك لا يكون مجزئا، ثم يقول: اللهم غشني برحمتك
وبركاتك.
298

ثم يمسح الأصابع إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم عند معقد الشراك من غير
أخذ ماء جديد لذلك، فإن مسحهما من الكعبين إلى أطراف الأصابع كان جائزا والأفضل
الأول، ولا يمسح على خفيه إن كان ذلك عليه ويقول: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم
تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام.
ويقول عند فراغه من الوضوء: الحمد لله رب العالمين اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين.
فإذا كان في أرض جمد أو ثلج ولم يقدر على ما يتوضأ به وضع يديه على الجمد أو الثلج
حتى تنتديا ويجري الماء كالدهن عليها ويتوضأ به إن شاء الله تعالى.
والترتيب والموالاة يجبان في الوضوء، فإن توضأ على خلاف الترتيب المقدم ذكره لم
يكن مجزئا له، وإن ترك الموالاة حتى يجف العضو المتقدم لم يجزه أيضا اللهم إلا أن يكون الحر
شديدا أو الريح يجفف منهما العضو المتقدم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إهمال
لذلك فإنه يكون مجزئا.
باب كيفية الغسل:
كيفية الغسل هي: أن يبتدئ المريد له بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات،
فإن كان على جسده نجاسة أزالها عنه ثم يجتهد في الاستبراء بالبول، فإن لم يجتهد في ذلك
ووجد بعد الغسل بللا خارجا من الإحليل كان عليه إعادة الغسل، فإن وجد ذلك بعد
الاجتهاد في الاستبراء بالبول لم يجب عليه إعادة الغسل إلا أن يتحقق أنه مني ثم يغسل
فرجه، فإن كان امرأة غسلته عرضا.
وينوي به رفع الحدث لوجوبه عليه على جهة القربة إلى الله سبحانه ويتمضمض
ويستنشق ثلاثا ثلاثا. ولا يتوضأ قبل هذا الغسل بل يغسل رأسه إلى أصل عنقه بمقدار
ثلاث أكف من الماء، فإن استعان في إفاضة الماء عليه بإناء كان جائزا، ويخلل عليه أذنيه
ويميز شعر رأسه ليصل الماء إلى أصوله، وإن كانت امرأة وشعرها مشدود والماء يصل إلى
أصوله لم يلزمها خله والأفضل لها أن تخله، وإن كان الماء لا يصل إلى أصوله وجب عليها
299

خله وإيصال الماء إلى أصول الشعر.
ثم يغسل شقة الأيمن من أصل العنق إلى تحت القدم بمقدار ثلاث أكف من الماء، ثم
الأيسر كذلك، ويميز شعر جسده ويدير يديه على سائر جسده، وإن كان في يده خاتم أو على
جسده سير أو ما أشبه ذلك، أو كان امرأة وعليها حلي وجب تحريكه أو نزعه ليصل الماء
إلى ما تحته من الجسد، وإن كان الماء يجري تحت القدم وإلا غسلها.
والأفضل أن يغتسل بمقدار صاع من الماء أو أكثر وأقل ما يجزئ من ذلك ما يجري على
الجسد بمقدار ما يسمى به غاسلا.
والترتيب واجب في الغسل وإن كان خالف الترتيب لم يجزه ذلك، والموالاة غير
واجبة فيه والأفضل الموالاة، وينبغي أن يسمي الله تعالى ويذكر الله تعالى ويسبحه ويحمده،
فإذا فرع من ذلك قال: اللهم طهر قلبي وزك عملي واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني
من التوابين واجعلني من المتطهرين.
فأما كيفية غسل الميت من الناس فهو ككيفية غسل الجنب ويختص بأشياء وسيأتي
ذكر جميع ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى.
باب كيفية التيمم:
كيفية التيمم هي أن يقصد من يريده إلى ما يجوز التيمم به فإن كان على جسده
نجاسة ابتدأ بمسحها عنه بالتراب أو بغيره إن تمكن من ذلك ونوى بفعله استباحة
الصلاة به لوجوب ذلك عليه على جهة القربة إلى الله سبحانه.
ويضرب بباطن كفيه جميعا مفرجا من أصابعه - على ما تيمم به - ضربة واحدة، ثم
يرفعهما وينفض إحديهما بالأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه
مرة واحدة، ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن كفه اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع،
ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى كذلك، ويقتصر المتيمم على هذا القدر إن
كان تيممه بدلا من الوضوء، فإن كان بدلا من الغسل ضرب ضربة أخرى وجعل الأولى
لوجهه والثانية ليديه.
300

وأعلم أن التيمم إنما يجب على المكلف بأن يكون محدثا ويتضيق عليه وقت الصلاة
حتى يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة، ويجتهد في طلب الماء في رحله وفي
الأرض الحزنة مقدار رمية سهم وفي السهلة رمية سهمين أمامه وخلفه ويمينه وشماله.
وإذا لم يجده في رحله أو يفقد التمكن من استعمال الماء ولا فرق في ذلك بين أن يكون
فقده من التمكن له بعدم ثمن أو لأنه يكون معه منه مقدار يعده للشرب ويخاف إن توضأ به
استضر بذلك في نفسه أو لأنه يكون في موضع يخاف على نفسه أو ماله من عدو أو سبع إن هو
مضى إليه، أو ما جرى مجرى ذلك أو لمرض أو جراح أو غيرهما مما يخاف على نفسه من
استعمال الماء عليه أو لتزايد مرض من استعماله أو لأنه غير موجود جملة فمتى حصلت هذه
الوجوه أو بعضها سقط وجوب الوضوء، وإذا اجتمعت هذه الوجوه وجب التيمم، فإن كان
متمكنا من ابتياعه من غير مضرة تلحقه وجب عليه ابتياعه، وإن كان عليه في ابتياعه
مضرة يسيرة كان كذلك أيضا.
وإذا خاف على نفسه التلف من البرد الشديد مسافرا كان أو حاضرا كان عليه التيمم
بدلا من الوضوء أو من الغسل فإذا صلى وهو على هذه الصفة لم يلزمه إعادة الصلاة التي
صلاها وهو كذلك.
وإذا أجنب نفسه مختارا كان عليه الغسل وإن لحقته منه مشقة شديدة لا تبلغ إلى تلف
النفس، فإن خاف على نفسه التلف كان عليه التيمم ويصلى، فإذا زال الخوف اغتسل
وأعاد الصلاة.
وإن كان مريضا أو كبيرا أو مجدورا أو به جروح أو قروح يخاف على نفسه لأجلها من
استعمال الماء تيمم وصلى ولم يلزمه إعادة ما صلى بتيممه، ومتى عرضت له جنابة من غير
اختياره وكان في المسجد الحرام أو مسجد النبي ص فلا يخرج منه حتى يتيمم
من مكانه، وإن كان في بعض المساجد في يوم جمعة وانتقض وضوءه فلم يتمكن من الخروج
تيمم من موضعه وصلى فإذا خرج توضأ وأعاد الصلاة، وإذا كان في رحله شئ من الماء
ونسيه ثم تيمم وصلى وعلم بعد ذلك والوقت باق توضأ وأعاد الصلاة، وإن كان الوقت
قد انقضى لم يلزمه ذلك.
301

وإذا دخل في صلاة ثم وجد الماء فإن كان قد ركع مضى في صلاته وإن لم يكن ركع
قطعها وتوضأ ثم استأنف الصلاة، وقد ذكر أنه لا يقطعها وهو الأقوى عندي. وإذا عرض
له بول أو غائط فلا يتيمم حتى يستنجي ويستنشف بالخرق أو ما جرى مجراها ثم يتيمم، فإن
كان جنبا استبرأ بالبول وتنشف ثم يتيمم بعد ذلك.
وإذا اجتمع ثلاثة من الناس في موضع فمنهم اثنان أحدهما محدث حدثا يوجب
الغسل، والآخر محدث حدثا يوجب الوضوء ومات الذي ليس بمحدث ولم يكن معهم من
الماء إلا مقدار ما يكفي واحدا منهم، فينبغي أن يتوضأ به الذي وجب عليه الوضوء، ويجمع
ثم يغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الميت ويدفن فإن كان لا يتمكن من
جمع الماء - إذا توضأ به من ذكرناه أولا - أو لا يبقى منه ما يكون فيه كفاية الطهارة واحد منهما
اغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الذي وجب عليه الوضوء ويتيمم الميت
ويدفن.
وكل من تيمم صحيحا جاز له أن يصلى به ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو يتمكن
من استعمال الماء، فأما من ينبغي أن يتيمم من موتى الناس فسنذكر في كتاب الجنائز بمشيئة
الله وعونه.
باب ما يوجب إعادة الطهارة:
الذي يوجب إعادة الطهارة على ضربين: أحدهما ينقضها والآخر لا ينقضها.
والناقض لها على ضربين: أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ويوجبها، والآخر ينقض
الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى.
فأما الذي ينقض الصغرى ويوجبها فهو: خروج الريح من الدبر والبول والغائط
والنوم الغالب على السمع والبصر وكل ما أزال العقل من مرض وغيره.
وأما الذي ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى فهو خروج المني على كل
حال والجماع في الفرج وإن لم يكن معه إنزال والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الميت
من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله.
302

وأما ما ليس بناقض لها فهو: أن يتطهر المكلف بغير نية، أو يطهره غيره مع تمكنه من
الطهارة بنفسه، أو يتطهر بما يعلم نجاسته، أو يتعمد ترك عضو من أعضاء الطهارة، أو يشك
في طهارة عضو ولا يعلمه على التعيين وهو على حال الطهارة، أو يشك فلا يدري ما فعل وهو
على حال الطهارة أيضا - لأنه إن شك في ذلك بعد الانصراف لم يكن عليه شئ - أو شك في
الحدث وهو على حال الطهارة، أو شك في الطهارة وهو متيقن الحدث، أو تيقن الطهارة
والحدث جميعا ولا يعلم المتقدم منهما على الآخر، أو يخل بالترتيب فيقدم ما يجب تأخيره
ويؤخر ما يجب تقديمه، فعليه أن يطهر ما يجب تقديمه ثم يعيد الطهارة على ما يجب تأخيره.
ومثال هذا في الوضوء أن يغسل يده اليمنى قبل وجهه فيغسل وجهه ثم يغسل يده
اليمنى أو يغسل يده اليسرى قبل اليمنى فيغسل اليمنى ثم يغسل اليسرى أو يمسح
رجليه قبل رأسه فيمسح رأسه ثم يمسح رجليه.
ومثال ذلك في الغسل أن يغسل شقه الأيمن قبل رأسه فيغسل رأسه ثم يغسل شقه
الأيمن أو يغسل شقه الأيسر قبل الأيمن فيغسل الأيمن ثم يغسل الأيسر.
ومثال ذلك في التيمم أن يمسح يده اليمنى قبل وجهه فيمسح وجهه ثم يمسح يده
اليمنى، أو يمسح يده اليسرى قبل اليمنى فيمسح اليمنى ثم يمسح اليسرى.
وأن يتطهر بما يعلم مغصوبا، أو يخل بالموالاة في الوضوء والتيمم، ويراعى في إعادة
الوضوء وحده مع هذا الإخلال إن لم يجف العضو المقدم على غيره، فإن كان كذلك لعوز الماء
وكان ما يجف عضوا من أعضاء المسح مسحه بنداوة يده، وإن لم يكن في يده
نداوة أخذ من نداوة حاجبيه أو لحيته ومسح ذلك، فإن لم يكن في شئ من ذلك نداوة أعاد على كل حال.
أو تيمم بما لا يجوز التيمم به، أو تيمم قبل تضيق الوقت أو تيمم وهو متمكن من استعمال
الماء، أو تيمم بنية التيمم للطهارة الصغرى وهو جنب وينسى الجنابة، فليعد التيمم بنية
الطهارة الكبرى.
باب فيما يتبع الطهارة ويلحق بها:
الذي يتبع ذلك ويلحق به هو إزالة النجاسات من الأبدان والثياب وغير ذلك
303

مما سيأتي ذكره.
والنجاسة على ثلاثة أضرب: أولها: يجب إزالته قليلا كان أو كثيرا، وثانيها: يجب إزالته
إذا بلغ مقدارا معينا فإن نقص عنه لم يجب إزالته، وثالثها: لا يجب إزالته.
فأما الأول، فهو: دم الحيض والاستحاضة، وبول الانسان كبيرا كان أو صغيرا والغائط،
والمني من الناس وغيرهم، والخمر، وكل شراب مسكر، والفقاع وبول وروث كل
ما لا يؤكل لحمه، وذرق الدجاج الجلال والإبل الجلالة، وعرق الجنب من حرام، وكل ماء
غسلت به نجاسة أو ولغ فيه كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب وما جرى مجرى ذلك، وكل ماء
أو مايع غير الماء لاقته نجاسة أو ماسه جسم نجس وطين المطر إذا مضى عليه ثلاثة أيام.
وأما الثاني، فهو: ما بلغ مقداره مقدار الدرهم المضروب من درهم وثلث، مجتمعا كان
فيما أصابه أو متفرقا فإن لم يبلغ ذلك لم يجب إزالته وهو كل دم كان مخالفا لما قدمناه من
الدماء.
وأما الثالث، فهو: بول وذرق جميع الطيور التي لا يؤكل لحمها. فأما ما عدا ذلك من بول
وروث وذرق مما لا يؤكل لحمه فهو مكروه - إلا الدجاج الجلال والإبل إذا كانت كذلك -
وجميعه مما لا يجب إزالته، وإنما الأفضل فيه ذلك.
وإذا كانت المرأة تربي طفلا ولم يكن لها من الثياب إلا واحد ولا يمكنها التحرز من بوله
فعليها غسله في كل يوم مرة واحدة، وتصلي فيه إن شاءت بعد ذلك، والثوب أو الجسد إذا
ماسه جسم محكوم عليه بالكفر وكان رطبا أو كان المماس له رطبا ولم يكن هو كذلك فإنه
يجب غسله، وكان الثوب والجسد يابسا وكان المماس له من جسد الكافر يابسا لم يجب
غسله بل يرش الموضع الذي أصابه الماء، والقول في الكلب والخنزير إذا ماسا شيئا كالقول
في ذلك، وإذا ماس الانسان شيئا من ذلك بيده وكان يابسا ويده يابسة مسحها بالحائط
أو التراب فإن غسلها كان أفضل.
وإذا كان ماء المطر جاريا من ميزاب ولاقته نجاسة ولم يتغير بها أحد أوصافه وأصاب
شيئا كان طاهرا، وإن تغير بذلك أحد أوصافه وجب غسل ما أصابه.
والنجاسة إذا أصابت موضعا من ثوب أو جسم وعرف موضعه غسل الموضع بعينه فإن
304

لم يعلم ذلك غسل جميعه، وإذا أصابت النجاسة موضعا من ثوب وقطع ذلك الموضع لم يجب
غسله بعد القطع، فإن كان قطع ولم يعلم هل هو الموضع الذي أصابته النجاسة أم لا وجب
غسل الباقي منه.
والحصر والبواري إذا أصابها بول أو نجاسة مائعة وجففتها الشمس فقد طهرت
فإن لم يجف بذلك وجب غسلها، وما جففته الشمس من غير البواري والحصر فهو على
حال النجاسة ويجب غسله، والفأرة إذا أكل من طعام أو مشى عليه فهو معفو عليه والأفضل
إزالة ما أصابه وأكل الباقي، فإن أصاب ذلك وزع أو عقرب فهو نجس، والقئ والمذي
والوذي ليس بنجس والأفضل غسل ما أصابه ذلك.
وكل ما لا نفس له سائلة إذا وقع في شئ من المطعومات والمشروبات ومات فيها فإنه
لا ينجسه وهو على حكم الطهارة إلا أن يكون ذلك من المياه فيسلبه ذلك إطلاق اسم الماء
فإنه حينئذ لا يجوز استعماله في شئ، وجلود الميتة كلها نجسة، دبغت أو لم تدبغ وقد أشرنا
إلى طرف من ذلك فيما تقدم.
كتاب الجنائز:
إذا أردنا بيان أحكام الجنائز ينبغي أن نذكر أشياء: منها الأحكام المتعلقة بحال
الاحتضار، ومنها ما يغسل من موتى الناس وأبعاضهم، ومنها ما لا يغسل من ذلك، ومنها
كيفية غسل الميت، ومنها الأكفان والتكفين، ومنها الصلاة على الجنائز، ومنها الدفن
والقبور.
باب الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار:
إذا حضر الانسان الوفاة فيجب أن يوجه إلى القبلة بأن يجعل على ظهره وباطن
رجليه تلقاها ووجهه مستقبلا لها لو وقف لكان متوجها إليها كما لو استقبلها للصلاة قائما
لكان كذلك، ويستحب أن يحضر بالقرآن، وإذا تصعب عليه خروج نفسه نقل إلى المكان
الذي كان يصلى فيه، ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة ع وكلمات الفرج وهي:
305

لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.
ويغمض عيناه، فإذا قضي أطبق فوه ومدت يداه وساقاه إن أمكن ذلك وشد لحيته
ويغطى بثوب أو ما أشبه ويسرج عنده في الليل مصباح ويهتم بالأخذ في أمره وإنجازه
ولا يتشاغل عن ذلك بشئ ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه ولا يترك وحده
ولا يجعل على بطنه شئ من الحديد.
باب ما يغسل من موتى الناس وأبعاضهم وما لا يغسل من ذلك:
الموتى من الناس وأبعاضهم على ضربين: أحدهما يغسل، والآخر لا يغسل. والذي
يغسل هو: كل من مات منهم حتف أنفه ويمكن من غسله بالماء ولم يمنع مانع من ذلك من علة
أو ضرورة أو برد شديد وما جرى مجرى ذلك، وكل ميت منهم حدثت بجسده وجلده علة
محللة للحمه أو جلده ولم يخف في صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطيعه، وكل قتيل إلا أن
يكون شهيدا مات بين يدي الإمام أو من نصبه الإمام في المعركة ولم ينقل منها وفيه حياة لأنه
متى لحق ونقل وفيه حياة وجب غسله، وكل سقط له أربعة أشهر فصاعدا، وكل مخالف
للحق من ملة الاسلام مات مع مؤمن واضطرته التقية إلى غسله، وإذا كانت الحال هذه
غسله هذا المؤمن غسل أهل الخلاف.
وكل رجل مات بين نساء مسلمات له فيهن محرم من النساء، هذا يغسله من كان
ذا محرم منه، فإن كان معهن رجل مسلم غسله الرجل المسلم، كذلك الحكم مع المرأة إذا
ماتت بين رجال مسلمين لها فيهم محرم، أو معهم امرأة مسلمة.
وكل ولد مات في بطن امرأة وهي حية، وهذا إذا مات في بطنها ولم يخرج أدخلت القابلة
أو غيرها من النساء يدها في فرجها وأخرجته، فإن لم يخرج صحيحا قطعته وأخرجته قطعا
ثم غسل وكفن ودفن، فإن ماتت المرأة والولد في بطنها حي شق جانبها الأيسر وأخرج
الولد ثم يخاط الموضع وتغسل المرأة بعد ذلك وكذلك الولد.
306

وكل طفل ذكر مات بين نساء وله مدة العمر ثلاث سنين أو دونها وليس معهن رجل،
وهذا يغسله النساء ويجوز لهن غسله مجردا من ثيابه، فإن كان له أكثر من ثلاث سنين غسل
من فوق القميص يصب الماء عليه، وكذلك الحكم في الصبية إذا ماتت بين رجال.
وكل بعض أو قطعة فيها عظم أو كانت موضع الصدر، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
أكيل السبع أو لا يكون كذلك.
وأما من لا يغسل فهو: كل شهيد يقتل بين يدي الإمام العادل أو من نصبه الإمام - في
نفس المعركة - ولم يلحق وبه رمق لا شئ من الحياة، وهذا يدفن معه كل ما أصابه دمه من
لباسه إلا الخفين، وقد ورد إنهما إذا أصابهما شئ من دمه دفنا معه، وكل كافر من أهل
البغي كان أو غيره، وكل مرجوم أو مقتول قودا وهذان يؤمران بالاغتسال والتحنيط
والتكفين ثم يقام الحد عليهما بعد ذلك، فإذا أقيم عليهما دفنا من غير غسل ولا تيمم، وكل
سقط له أقل من أربعة أشهر وهذا إنما يلف بخرقة ويدفن بدمه.
وكل رجل مات بين نساء مسلمات ليس فيهن له محرم، ولا يحضرهن رجل مسلم وهذا
تدفنه النساء بثيابه، وكل امرأة مسلمة ماتت بين رجال مسلمين وليس فيهم لها محرم
ولا معهم امرأة مسلمة وهذه يدفنها الرجال بثيابها، وكل بعض أو قطعة من انسان ليس فيها
عظم ولا هي موضع الصدر ولا فرق بين أن يكون أكيل السبع أو غيره، وكل مخالف للحق
من ملة الاسلام ليس في ترك غسله تقية.
وكل ميت حدث بجسمه شئ من الآفات التي تحلل جسمه أو جلده ويخاف إذا صب
الماء عليه من تخلل ذلك وتقطعه منه فإن هذا يؤمم ولا يغسل، وكل ميت لم يتمكن من الماء
لغسله أو تمكن منه ومنع من غسله مانع من علة كما قدمناه أو ضرورة أو برد شديد ولم يتمكن
من إسخان الماء لغسله.
وإذا كان الميت خنثى وكان موته بعد بلوغه - وقبل تبين حاله في أنه هل هو ذكر
أو أنثى؟ فيلحق بالرجال أو النساء - لم يغسله رجل ولا امرأة ويؤمم بالصعيد.
307

كيفية غسل الميت:
اعلم أنه ينبغي أن يستعد لغسل الميت قبل أن يأخذ الغاسل فيه من السدر
مقدار رطل واحد ونصف بالعراقي، ومن القطن مقدار رطل ويجوز أن يزاد على ذلك ليسد
به منافذه وإن كان يخرج منها شئ يحتاج فيه إلى ذلك، ويستعد أيضا شئ من الأشنان
ليسحق به، ويحفر لماء غسله حفيرة ينزل فيها، ولا يترك أن ينزل في بالوعة أو خلاء مع
التمكن من ذلك، فإن لم يتمكن مما ذكرناه كان ترك نزوله في ذلك جائزا.
ويصب ماء الغسل من الأواني النظيفة ما يكون كفاية لذلك، ولا يغسل بماء مسخن
إلا أن تدعو الضرورة إليه من برد شديد أو لتليين أعضائه وأصابعه، ولا يجوز غسله بالماء
الحار كما ذكرناه، فإذا حصل ما تقدم ذكره ابتدأ وليه بغسله أو من ينصبه الولي لذلك.
ويكون معه من يعينه في تقلبه وصب الماء عليه، ويضعه على ساجة تحت سقف مع
القدرة على ذلك، ثم يميل الميت فيضعه عليها ممدودا على ظهره وباطن رجليه تلقاء القبلة
كما كان في حال الاحتضار، وشق جيب قميصه الذي هو عليه وينزعه عنه بأن يأخذ من
جهة رجليه بعد أن يستر عورته بشئ ولا يقص الغاسل له شيئا من أظفاره ولا شيئا من
شعره ولا لحيته، وإن سقط في ذلك الغسل من ذلك أو من جسده شئ جعله في كفنه عند
تكفينه له.
ويأخذ السدر فيلقيه على الماء ويضربه في إجانة حتى يرغو وينقل رغوته إلى إناء آخر،
ويقف على جانبه الأيمن، ولا يتخطاه في شئ من أحوال الغسل جملة، ثم يلين أصابعه
وأطرافه ويمددها، فإن تصعب عليه من ذلك شئ تركه على ما هو عليه، ثم يمسح بطنه
مسحا رقيقا فإن خرج منه شئ صب الماء عليه ليزول من تحته فإن كان الميت امرأة وكانت
حبلى لم يمسح لها بطنا في شئ من غسلها.
ويعقد الغاسل النية لغسل الميت ثم ينظر، فإن كان على شئ من جسده نجاسة
أزالها بالماء، ويأخذ بعد ذلك خرقة لينجيه بها فيلفها على يده من الزند إلى أطراف الأصابع
ويلقى عليها شئ من الأشنان وينجيه بذلك، ويصب الآخر عليه من السدر ثلاث صبات،
ويكون الإناء الذي يصب الماء، كبيرا مثل الإبريق الحميدي أو غيره مما يجري مجراه، ويكون
308

صب الماء متصلا ولا يقطع إلى أن يفرع الإناء، وإذا أصاب هذا الإناء جسد الميت غسل قبل
إنزاله في الماء.
ثم يلقى الغاسل الخرقة عن يده ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويوضأ
الميت كما يتوضأ الحي للصلاة فيغسل وجهه، ويغسل بعد ذلك يديه من المرفقين إلى
أطرف الأصابع ويمسح بمقدم رأسه وظاهر قدميه، ثم يتقدم فيقف عند رأسه من الجانب الأيمن،
ويأخذ من رغوة السدر التي كان أعدها، ويبتدئ فيغسل رأسه بها ولحيته من الجانب الأيمن
إلى أصل عنقه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر.
ثم يميله على الجانب الأيسر ليبدو له الأيمن، فيغسله بماء السدر من قرنه إلى تحت قدمه
ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر أيضا، ويكون صب الماء من غير تقطع من رأسه
إلى تحت قدمه، ويدخل الغاسل يده تحت منكبه كلما غسله، ويكون وقوفه على جانبه الأيمن
ويكثر من قوله: عفوك اللهم عفوك وذكر الله تعالى، ثم يرده على جانبه الأيمن ليبدو له
الجانب الأيسر، فيغسله على هذه الصفة بماء السدر.
ثم يعود الغاسل عنه ويغسل الأواني كلها من ماء السدر غسلا نظيفا، ويغسل يديه
من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويصب في الأواني ماء آخر ويأخذ شيئا من الكافور
فيسحقه بيديه ويلقيه في الماء ويضربه به، ثم يرجع إلى الميت فيقف على جانبه الأيمن كما وقف
أولا ويمسح بطنه مسحا رقيقا، فإن خرج منه شئ صب الماء عليه ليزول من تحته، ثم يلف
على يده خرقة مثل الأولى وينجيه بها ويغسله بماء الكافور كما غسله بماء السدر سواء.
فإذا فرع من ذلك تحول عنه، ثم غسل الأواني من ماء الكافور وملأها ماء قراحا وغسل
يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ثم عاد إليه فوقف على جانبه الأيمن ولا يمسح بطنه في
هذه الغسل جملة، ثم يلف على يده خرقة لينجيه بها ويفعل في غسله مثل ما فعله في
الغسلتين الأوليين بالماء القراح فقط.
فإذا فرع من ذلك ألقي عليه ثوبا نظيفا وينشفه به، ثم يحول عنه واغتسل، فإن لم
يتمكن من الاغتسال توضأ وضوء الصلاة، ولا يمسه ولا يمس أكفانه شيئا إلا بعد أن
يغتسل أو يتوضأ.
309

فإذا فعل ذلك نقله إلى أكفانه فوضعه فيها موجها إلى القبلة - كما ذكرناه في حال
الاحتضار والغسل - ثم يأخذ قطعة من قطن فيحشو بها دبره حشوا جيدا لئلا يخرج منه
شئ بعد الغسل، ومتى خرج ذلك منه وأصاب شيئا من بدنه غسل المكان الذي أصابه،
وإن أصاب شيئا من كفنه قطع بمقراض فإذا فعل ذلك فقد كمل غسله ويأخذ بعد ذلك في
تكفينه ونحن نذكره بمشيئة الله تعالى سبحانه.
باب الأكفان والتكفين:
الثياب التي يجوز التكفين بها هي: الثياب القطن البياض وهذه أفضل ثياب
الأكفان، وثياب الكتان البياض، وكل ثوب من ذلك مخيط لم يكن خياطته ابتدأت للتكفين،
وثياب الصوف.
ولا يجوز التكفين بشئ يخالف ما ذكرناه ولا بشئ من جميع الثياب إذا كان فيه أو في
طرازه ذهب وجميع الثياب المصبغات، وقد ذكر أن السواد من القطن والكتان مكروه.
والمفروض من الأكفان ثلاث قطع وهي: قميص ومئزر وإزار، والندب أن يزاد على
ذلك قطعتان وهما لفافتان، ولا يجوز الزيادة على هذه الخمس قطع، وما يتبع ذلك فليس هو
من جملة الكفن لأن الكفن هو ما يلف به جسد الميت، خرقة يشد بها فخذاه وعمامة يعمم بها
وإن كان امرأة زيدت خرقة يشد بها ثدياها إلى صدرها، وإذا لم يوجد حبرة ولا نمط جاز أن
يتخذ بدل كل واحد منهما إزار.
وكفن الميت يجب اخراجه ابتداءا من تركته قبل قضاء الديون والوصايا وكل شئ،
وإن كان الميت امرأة كان كفنها على زوجها لا في تركتها ولا مالها.
وأما التكفين فهو: أن يبتدأ بالحبرة أو ما قام مقامها فيفرش على شئ نظيف وينشر
عليها شئ من القمحة، ثم يفرش على ذلك الإزار الثاني وينشر القمحة أيضا عليه ويفرش
الثالث فوقه وينشر عليه من القمحة شئ آخر، ويكتب على الأكفان بتربة سيدنا أبي عبد
الله الحسين ع إن تمكن منها، أو بالإصبع إن لم يجدها: فلان يشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات
310

الله عليه والأئمة - فلان وفلانا إلى آخرهم - أئمته أئمة الهدي الأبرار، ثم يلف الكفن.
فإذا فرع الغاسل من غسل الميت على ما قدمناه، نقله إلى الأكفان ووضعه فيها
مستقبلا به القبلة - كما تقدم ذكره في حال الاحتضار - ثم يأخذ خرقة طولها ثلاثة أذرع
ونصف - ويجوز أن يكون أطول من ذلك - ويسد دبره بالقطن سدا جيدا، ويشد أوراكه إلى
فخذيه بالخرقة بأن يلف عليها شدا وثيقا ويخرج طرفها من بين رجليه، ويغرز طرفها في
حاشية الخرقة من الجانب الأيمن. ويسد منافسه بالقطن لئلا يخرج منها شئ.
وإذا كان الميت امرأة شد ثدياها بخرقة إلى صدرها ويأخذ المئزر فيشده عليها كما يشد
المئزر للحي.
ثم يلبسه القميص، فإن كان له قميص جاز أن يكفن به بعد أن يقطع أزراره إلا أن
يكون هذا القميص قد ابتدأت خياطته للتكفين فإنه لا يجوز تكفينه به.
ويأخذ من الجريد الأخضر جريدتين طول كل واحدة منهما مثل عظم الذراع يكتب
عليهما مثل ما كتب على الأكفان، يلفهما في القطن ويجعل الواحدة قائمة مع جانبه الأيمن من
ترقوته ملصقة بجلده، والأخرى من جانبه الأيسر كذلك من فوق القميص، فإن لم يجد
جريدة النخل جاز أن يجعل عوضه من الشجر الأخضر مثل السدر أو الخلاف أو غير ذلك.
ثم يعممه بالعمامة بعد أن يكتب عليها مثل ما كتبه على الأكفان بأن يضعها على رأسه
من وسطها ويحنكه ويعممه بهما مدورا ويرسل طرفيها على صدره، ويأخذ من الكافور -
ويكون مما لم تمسه النار إن تمكن من ذلك - وزن ثلاثة عشر درهما وثلث وهو السنة الأوفى، فإن
لم يقدر على ذلك المبلغ جاز أقل منه أيضا مثل درهم أو ما قدر عليه، ويسحقه بكفيه ويجعله
على مساجده: جبهته وطرف أنفه وباطن كفيه يمسحهما إلى أطراف الأصابع، ويضع منه على
عيني ركبتيه وإبهامي رجليه، فإن بقي بعد ذلك شئ جعله على صدره.
ثم يأخذ في درجة أكفانه، فيبدأ بالإزار فيرد ما على يساره على يمينه وما على يمينه على
يساره، ويفعل باللفافة الأخرى والحبرة أو النمط مثل ذلك، ويجمع أطراف اللفائف من عند
رأسه ورجليه، ويشق حاشية الظاهرة منها ويعقده عليها ويكثر من ذكر الله سبحانه، فإذا
فرع من جميع ما أوصفناه صلى عليه وحمله إلى حفرته فيدفنه فيها.
311

فأما الصلاة عليه فسنوردها.
وأما الدفن فنحن ذاكروه وما يتعلق به من أحكام القبور:
فإذا أردت دفن الميت فيحمل إلى قبره، وينبغي أن يحمله المشيعون له ومن حمله
منهم فينبغي أن يبتدئ بحمله من جانب مقدم السرير الأيمن ثم يدور إلى الجانب الأيسر
ويعود إلى مقدمه الأيمن.
ومن مشى خلف الجنازة فينبغي أن يمشي عن يمينها أو يسارها، ويقول المشاهد لها:
الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم، فإذا وصل به إلى القبر لم يفجأه به دفعة واحدة
بل يضعه دونه قليلا مما يلي رجليه فيه، ثم ينقله إلى شفيره في ثلاث دفعات، فإن كان الميت
امرأة وضعت على جانب القبر مما يلي القبلة.
ثم ينزل إليه أولى الناس بالميت أو من يأمره الولي بذلك، ويتحفى ويحل أزراره
ويكشف رأسه إلا أن يكون به ضرورة يمنعه من ذلك فله أن لا يكشفه، فإذا عاين القبر قال:
اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.
ثم يأخذ برأس الميت وكتفيه من جهة رجليه من القبر، ثم يسله من سريره سلا معتدلا
ولا ينكس رأسه في القبر عند إنزاله إليه، فإن كان امرأة أخذها عرضا ويقول الذي ينزل
الميت في قبره: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ص، اللهم
إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا
وتسليما.
ثم يضعه على جانبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة في لحد أو شق واللحد أفضل، ويحل
عقد أكفانه ويكشف وجهه ويضع خده على التراب وإن جعل معه شيئا من تربة سيدنا
الحسين بن علي ع كان أفضل، ويلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة ع بأن
يقول: يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا، شهادة أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا أمير المؤمنين ع
والحسن والحسين وعلي بن الحسين - ويذكر الأئمة ع إلى آخرهم - أئمتك
312

أئمة الهدي الأبرار.
ثم يشرج عليه بعد ذلك اللبن أو ما قام مقامه ويقول المتولي لذلك: اللهم صل وحدته
وآنس وحشته وارحم غربته وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك
واحشره مع من كان يتولاه، ثم يخرج من جهة رجلي الميت في القبر ويهيل الحاضرون
التراب عليه بظهور أكفهم وهم يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما.
واعلم أن هذا القبر يجب أن يكون مقدار قامة الرجل إلى ترقوته، وعرضه بمقدار
ما يتمكن فيه من الجلوس، فإذا طم القبر على الميت رفع عن وجه الأرض مقدار شبر أو أربع
أصابع، ويصب عليه الماء، بأن يبتدئ بذلك من عند رأسه ويدار عليه من أربع جوانبه إلى
أن يرجع إلى الرأس فإن بقي من الماء شئ صب على وسطه ثم يضع عند رأس القبر حجرا
ظاهرا أو لوحا أو ما يجري مجرى ذلك، ويضع الحاضرون - بعد تسوية القبر - أيديهم عليه عند
رأسه، ويكونون متوجهين إلى القبلة، ويغمزوا أصابعهم في ترابه وهم يقولون:
اللهم ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته، وأسكن إليه من رحمتك
رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه.
ثم يعزى وليه بعد الانصراف، ثم يتأخر أولى الناس بالميت عن القبر ويجعل وجهه
إليه وظهره إلى القبلة وينادي الميت بأعلى صوته - إن لم يكن عليه تقية -:
يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا وهي شهادة أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن أمير المؤمنين على ابن أبي طالب
والحسن والحسين - ويذكر الأئمة ع إلى آخرهم - أئمتك أئمة الهدي الأبرار
وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، إذا أتاك الملكان
وسألاك، فقل: الله ربي لا أشرك به شيئا ومحمد نبيي وعلى وصيه والحسن والحسين - ويذكر
الأئمة ع واحدا بعد واحد إلى آخرهم - أئمتي والإسلام ديني والقرآن شعاري
والكعبة قبلتي والمسلمون إخواني. ثم ينصرف، وإن كان عليه تقية جاز له أن يقول ذلك
سرا.
313

واعلم أن الميت إذا كان مهدوما عليه أو مصعوقا أو غريقا أو صاحب ذرب أو مدخنا
فلا ينبغي أن يدفن إلا بعد ثلاثة أيام إلا أن يظهر إمارات الموت عليه، والمصلوب لا يترك
على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل عنها ويدفن.
ولا يحمل ميتان على جنازة واحدة إلا لضرورة، ولا ينقل ميت من قبره إلى موضع. آخر
إلا لضرورة أيضا، وقد ذكر جواز ذلك إلى بعض مشاهد الأئمة ع.
وإذا كان الميت امرأة لم ينزل معها القبر إلا زوجها أو ذو رحم منها، فإن لم يتمكن من
ذلك جاز لبعض المؤمنين النزول.
ولا يهيل الوالد التراب على أحد من أولاده ولا الولد على والده ولا يلقى في القبر
تراب من غير ترابه ولا يسنم بل يعمل مربعا ولا يلزم المقام عند القبر ولا يجصص ولا يدفن
ميت في قبر وفيه ميت آخر إلا لضرورة.
وإن كان القبر نديا جاز أن يفرش فيه ألواح خشب، وإذا كان الميت خنثى ودعت
الضرورة إلى دفنه في قبر فيه ميت آخر جعل خلف الرجل وجعل التراب بينهما، وإن كان
الذي في القبر امرأة جعل أمام المرأة ويجعل التراب بينهما أيضا. وإذا اندرست القبور
فلا تجدد بعد ذلك.
314

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
315

كتاب الطهارة
اعلم أن الله سبحانه وتعالى بين أحكام الطهارة في القرآن على سبيل التفصيل
في موضعين، ونبه عليها جملة في مواضع شتى منه خصوصا أو عموما تصريحا أو تلويحا.
وأنا إن شاء الله أورد جميع ذلك أو أكثر ما فيه على غاية ما يمكن تلخيصه، وأستوفيه
وأومئ إلى تعليله وجهة دليله، وأذكر أقوال العلماء والمفسرين في ذلك والصحيح منها
والأقوى، وإن شبهت شيئا بشئ فعلى جهة المثال لا على وجه حمل أحدهما على الآخر.
وأقتصر في جميع ما يحتاج إليه على مجرد ما روى السلف رحمهم الله من المعاني إلا القليل
النادر والشاذ الشارد، وأقنع أيضا بألفاظهم المنقولة حتى لا يستوحش من ذلك. وهذا
شرطي إلى آخر الكتاب.
ولا أجمع إلا ما فرقه أصحابنا في مصنفاتهم، وذلك لأن القياس بالدليل الواضح غير
صحيح في الشريعة، وهو حمل الشئ على غيره في الحكم لأجل ما بينهما من الشبه، فيسمى
المقيس فرعا والمقيس عليه أصلا. وكذلك الاجتهاد غير جائز في الشرع، وهو " استفراغ
الجهد في استخراج أحكام الشرع "، وقيل " هو بذل الوسع في تعرف الأحكام الشرعية ".
فأما إذا صح بإجماع الفرقة المحقة حكم من الأحكام الشرعية بنص من الرسول ص
مقطوع على صحته على سبيل التفصيل رواه المعصومون من أهل
بيته عليه وعليهم السلام ثم طلب الفقيه بعد ذلك دلالة عليه من الكتاب جملة أو تفصيلا
ليضيفها إلى السنة حسما للشنعة، فلا يكون ذلك قياسا ولا اجتهادا، لأن القايس والمجتهد
317

لو كان معهما نص على وجه من الوجوه لم يكن ذلك منهما قياسا ولا اجتهادا. وهذا واضح
بحمد الله.
على أن أكثر الآيات التي نتكلم عليها في هذا المعنى، فهو ما نبهنا عليه الأئمة من آل
محمد ع، وهم معدن التأويل ومنزل التنزيل.
فصل:
اعلم أن الأدلة كلها أربعة: حجة العقل والكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب - وهو غرضنا ههنا - فهو القرآن في دلالته على الأحكام الشرعية،
والمستدل بالكتاب على ما ذكرناه يحتاج أن يعرف من علومه خمسة أصناف: العام والخاص،
والمحكم والمتشابه، والمجمل والمفسر، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ.
أما العموم والخصوص فلئلا يتعلق بعموم قد دخله التخصيص، كقوله تعالى:
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، وهذا عام في كل مشركة حرة كانت أو أمة. وقوله:
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، خاص في الحرائر فقط، فلو تمسك بالعموم
غلط. وكذلك قوله: فاقتلوا المشركين، عام، وقوله: من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا
الجزية، خاص في أهل الكتاب.
وأما المحكم والمتشابه فليقضي بالمحكم ويفتي به دون المتشابه.
وأما المجمل والمفسر فليعمل بالمفسر كقوله تعالى: وأقيموا الصلاة، وهذا غير مفسر،
وقوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، مفسر بإجماع المفسرين لأنه فسر
الصلوات الخمس، لأن قوله " حين تمسون " يعني المغرب والعشاء الآخرة، و " حين
تصبحون " يعني الصبح، و " عشيا " يعني العصر، و " حين تظهرون " الظهر.
وأما المطلق والمقيد فليبني المطلق على المقيد إذا كانا في حكم واحد، كقوله تعالى "
واستشهدوا شهيدين من رجالكم " فهذا مطلق في العدل والفاسق، وقوله " وأشهدوا ذوي
عدل منكم " مقيد بالعدالة، فيبنى المطلق عليه.
وأما الناسخ والمنسوخ فليقضي بالناسخ دون المنسوخ، كآية العدة بالحول والآية التي
318

تضمنت العدة بالأشهر، ويأتي بيان جميع ذلك.
باب
وجوب الطهارة وكيفيتها وما به تكون وما ينقضها:
الدليل على هذه الأشياء الأربعة - التي هي مدار الطهارتين وما يقوم مقامهما عند
الضرورة - آيتان من المائدة والنساء، وهما:
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين.
وقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى.
وظاهر هذا الخطاب متوجه إلى من كان على ظاهر الإيمان، فأما الكافر فلا يعلم بهذا
الظاهر أنه مخاطب به ويعلم ذلك بآية أخرى ودلالة عليه به أحرى.
وإنما أمر المؤمنون به - وهو واجب على الكل - لأنه بعد الدخول في الملة، ومن أتى
الاسلام يؤمر به ثم يؤمر بفروعه، على أنه يمكن أن يقال: إن التخصيص ههنا ورد للتغليب
والتشريف وإن كان الكل مرادا، كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا.
ألا ترى أن أسباب التكليف التي حسن الخطاب لأجلها حاصلة للمؤمن والكافر،
ويوضح ذلك ويبينه قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم، ولا خلاف أنه ينبغي أن يحمل
على عمومه في كل ما هو عبادة الله وإن كان خاصا في المكلفين منهم الذين أوجب الله ذلك
عليهم أو ندبهم إليه، والآية متوجهة إلى جميع الناس ممن يصح مخاطبته مؤمنهم وكافرهم
لحصول العموم فيها إلا من ليس بشرائط التكليف على ما ذكرناه.
فالكافر إذا لا بد أن يكون مخاطبا بالصلاة وبجميع أركان الشريعة لكونها واجبة
عليه لأنه مذموم بتركها متمكن من أن يعلم وجوبها ويعاقب غدا عليه أيضا، أ لا ترى إلى
قوله تعالى حكاية عن الكفار: قالوا لم نك من المصلين، ولا يقدح في وجوب ذلك بأنه إذا
أسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته، لأن القضاء هو الفرض الثاني.
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون مخاطبين بذلك ولم يكن موجودين في ذلك الوقت، ومن
319

المحال أن يخاطب المعدوم.
قلنا: الأوامر على ضربين: أحدهما على الإطلاق، فالمأمور يجب أن يكون قادرا مزاح
العلة فضلا على وجوده. والآخر يكون أمرا بشرط، فالمأمور لا يجب أن يكون كذلك في الحال
ولكن بشرط أن يوجد ويصير قادرا مزاح العلة متمكنا.
وإذا ثبت هذا فأوامر الله تعالى وأوامر الرسول ع كانت أوامر للمكلفين
الموجودين في ذلك الزمان على تلك الصفات وكانت أوامر لمن بعدهم بشرط أن يوجدوا
ويصيروا قادرين مترددي الدواعي على ما ذكرناه، والأمر على هذا الوجه يكون حسنا
(فإنه يحسن من الواحد منا أن يأمر النجار بإنجار باب غدا بشرط أن يمكنه مما يحتاج إليه
من الآلات وغيرها وإن لم يمكنه في الحالة وإنما أوردت هذه الجملة استئناسا للناظر فيه، وهو
التنبيه للفقيه.
باب الوضوء:
أما قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فإنه يدل بظاهره على
وجوب أربعة أفعال مقارنة للوضوء، ويدل من فحواه على وجوب النية فيه لأنه عمل
والأعمال بالنيات.
ثم اعلم أن القيام إلى الصلاة ضربان: أحدهما أن يقوم للدخول فيها، والآخر أن
يتأهب باستعمال الطهارة للشروع فيها. فالأول لا يصح من دون الثاني، والثاني إنما يجب
بشرط تقدم الأول. فبهذا الخطاب أمرهم الله أنهم إذا أرادوا القيام إلى الصلاة وهم على
غير طهر أن يغسلوا وجوههم ويفعلوا ما أمرهم الله به فيها.
وحذف الإرادة لأن في الكلام دلالة عليه، ومثله قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ
بالله، معناه إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، وقوله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة،
معناه فأردت أن تقيم لهم الصلاة.
والذي يدل عليه هو أن الله أمر بغسل الأعضاء إذا قام إلى الصلاة بقوله: إذا قمتم
320

إلى الصلاة فاغسلوا، ومعلوم أنه إذا قام إلى الصلاة لا يغسل أعضاءه لأنه لا يقوم إليها
ليصلي إلا وقد غسل الأعضاء أو فعل ما قام مقامه، فعلم أنه أراد إذا أردت القيام إلى
الصلاة فاغسل أعضاءك، فأمر بغسل الأعضاء فثبت أن الغسلين والمسحين كليهما
واجب في هذه الطهارة.
ويدل قوله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، على وجوب عشر
كيفيات مقارنة للوضوء، وعلى وجوب أربعة أشياء قبل الوضوء، وهي تركان وفعلان.
فصل:
وإذا ثبت وجوب الطهارة - لأن الله أمر بها والأمر في الشرع على الوجوب لا يحمل
على الندب إلا لقرينة - فاعلم أنهم اختلفوا هل يجب ذلك كلما أراد القيام إلى الصلاة
أو في بعضها أو في أي حال هي؟
فقال قوم: المراد به إذا أراد القيام إليها وهو على غير طهر، وهو المروي عن ابن عباس
وجابر.
وقيل: معناه إذا قمتم من نومكم إلى الصلاة. وروي أن الباقر ع سئل
ما المراد بالقيام إليها؟ فقال: المراد به القيام من النوم.
وقيل: المراد به جميع حال قيام الانسان إلى الصلاة فعليه أن يجدد طهر الصلاة، عن
عكرمة وقال: كان علي ع يتوضأ لكل صلاة ويقرأ هذه الآية، وهذا محمول على
الندب. وعن ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضأون لكل صلاة. وعن ابن عمر: كان الفرض أن
يتوضأ لكل صلاة ثم نسخ ذلك بالتخفيف، فقد حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد
الله بن حنظلة ابن أبي عامر الغسيل حدثها أن النبي ص أمر
بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث،
فكان عبد الله يرى ذلك فرضا. وروى سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي ص
كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد،
فقال عمر: يا رسول الله صنعت شيئا ما كنت تصنعه. فقال: عمدا فعلته.
321

فصل:
والآية تدل على جميع ما ذكرناه من الواجب والندب لغة، وأقوى الأقوال ما حكيناه
أولا من أن الفرض بالوضوء يتوجه إلى من أراد الصلاة وهو على غير طهر، فأما من
كان متطهرا فعليه ذلك استحبابا.
وقال الحسين بن علي المغربي: معنى " إذا قمتم " إذا عزمتم عليها وهممتم بها، قال
الراجز للرشيد:
ما قائم دون الفتى ابن أمه وقد رضيناه فقم فسمه
فقال: يا أعرابي ما رضيت أن تدعونا إلى عقدة الأمر له قعودا حتى أمرتنا بالقيام فقال:
قيام عزم لا قيام جسم.
وقال خزيم الهمداني:
فحدثت نفسي أنها أو خيالها أتانا عشاء حين قمنا لنهجعا
أي حين عزمنا للهجوع.
وقال قوم: إن الله تعالى أنزل هذه الآية إعلاما للنبي ص أنه لا وضوء
عليه واجبا إلا إذا قام إلى الصلاة وما يجري مجراها من العبادات لأنه كان إذا أحدث امتنع
من الأعمال كلها حتى نزلت هذه الآية، فأباح الله له بها أن يفعل ما بدا له من الأعمال بعد
الحدث توضأ أو لم يتوضأ إلا عمل الصلاة فإنه يجب عليه أن يتوضأ له.
وفي الآية نيف وعشرون حكما سوى التفريعات الداخلة تحتها والامتحان يستخرجها
فالحوادث غير متناهية وعموم النصوص أيضا غير متناهية وإن كانت النصوص متناهية
فلا حاجة إلى القياس شرعا.
فصل:
وقوله فاغسلوا وجوهكم، أمر منه تعالى بغسل الوجه، والأمر شرعا يقتضي
الوجوب وإنما يحمل على الندب لقرينة. وغير ممتنع أن يرادا باللفظ الواحد في الحالين لأنه
لا تنافي بينهما.
322

و " الغسل " جريان الماء أو كالجريان فقد رخص عند عوز الماء مثل الدهن، واختلفوا
في حد الوجه الذي يجب غسله: فحده عندنا من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر
الذقن طولا، وما دخل بين الإبهام والوسطى عرضا، وما خرج عن ذلك فلا يجب غسله،
وما نزل من المحادر لا يجب غسله. والدليل عليه من القرآن جملة قوله: وما آتاكم الرسول
فخذوه، وقد بينها ع.
وأما ما غطاه الشعر - كالذقن والصدغين - فإن إمرار الماء على ما علا عليه من الشعر،
يجزئ من غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، والذي يدل على صحته أن ما ذكرناه مجمع
على أنه من الوجه، ومن ادعى الزيادة فعليه الدلالة، ولا دليل شرعا لمن خالفنا فيه. وقال
عبد الجبار: لو خلينا والظاهر لكان بعد نبات اللحية يجب إيصال الماء إلى البشرة التي هي
تحتها كما يلزم ذلك من لا لحية له إلا أن الدلالة قامت على زوال وجوب ذلك بستر اللحية،
والآية تدل عليه لأن إفاضة الماء على ما يقابل هذه البشرة وما سقط من اللحية عن الوجه
فلا يلزم فيه على وجه. وإن نبت للمرأة لحية فكمثل الرجل.
وكل مسألة شرعية لها شعب ووجوه فإذا سألك عنها سائل فتثبت في الجواب فلا تجبه
بلا أو بنعم على العجلة، وتصفح حال المستفتي فإن كان عاميا يطلب الجواب ليعمل به
ويعول عليه فاستفسره عن الذي يقصده ويريد الجواب عنه، فإذا عرفت ما يريده بعينه
أجبته عنه ولا تتجاوز إلى غيره من الوجوه فليس مقصود هذا السائل إلا الوجه الذي
يريد بيان حكمه ليعمل به، وإذا كان السائل معاندا يريد الإعنات تستفسره أيضا عن الوجه
الذي يريد من المسألة، فإذا ذكره أفتيته عنه بعينه ولا تتجاوز إلى غيره أيضا، فليس
مقصوده طلب الفائدة وإنما هو يطلب المعاندة فضيق عليه سبيل العناد، وإن كان السائل
مستفيدا يطلب بيان وجوه المسألة والجواب عن كل وجه ليعلمه ويستفيده فأوضح له
الوجوه كلها واجعل الكلام منقسما لئلا يذهب شئ من بابه. وهذا لعمري استظهار للعالم
في جميع العلوم إن شاء الله تعالى.
323

فصل:
وقوله: وأيديكم إلى المرافق، عطف على " وجوهكم "، فالواجب غسلهما، ويجب
عندنا غسل الأيدي من المرافق، وغسل المرافق معهما إلى رؤوس الأصابع ولا يجوز غسلها
من الأصابع إلى المرافق إلا عند الضرورة فقد قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من
حرج.
و " إلى " في الآية بمعنى مع، كقوله: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم. وإنما قلنا ذلك لأن "
إلى " قد تكون بمعنى الغاية وقد تكون بمعنى " مع " حقيقة فيهما، ولا خلاف بين أهل اللسان
أن كل لفظة مشتركة بين معنيين أو معان كثيرة إنما يتميز بعضها دون بعض بما يقترن إليها من
القرائن، فإذا صح اشتراك لفظة " إلى " في معنى الغاية ومعنى " مع " حقيقة - لا استعارة
ومجازا - وانضاف إلى واحد منهما وهو ما ذكرناه إجماع الطائفة ثبت ما أردناه من وجوب
ابتداء غسل الأيدي من المرافق وغسلها معها إلى رؤوس الأصابع.
وقد قال جماعة من الخاصة والعامة إن حمل " إلى " في هذا الموضع على معنى مع أولى
من حمله على معنى الغاية لأنه أعم وفيه زيادة في فائدة الخطاب واحتياط في الطهارة
واستظهار بدخول المرافق في الوضوء، وفي معنى الغاية اسقاط الفائدة وترك الاحتياط
وإبطال سائر ما ذكرناه، ويؤكد ذلك قراءة أهل البيت ع " فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم من المرافق ".
على أن المرتضى رضي الله عنه قال: إن الابتداء في غسل اليدين للوضوء من المرافق
والانتهاء إلى أطراف الأصابع، الأولى أن يكون مسنونا ومندوبا إليه لا أن يكون فرضا حتما.
والفقهاء يقولون: هو مخير بين الابتداء بالأصابع وبين الابتداء بالمرافق.
وقال الزجاج: لو كان المراد بإلي " مع " لوجب غسل اليد إلى الكتف لتناول الاسم له.
قال: وإنما المراد بإلي الغاية والانتهاء، لكن المرافق يجب غسلها مع اليدين، وهذا الذي
ذكره ليس بصحيح لأنا لو خلينا وذلك لقلنا بما قاله، لكن أخرجناه بدليل، وهو إجماع الأمة
على أن من بدأ من المرافق كان وضوؤه صحيحا، وإذا جعلت غاية ففيه الخلاف.
واختلف أهل التأويل في ذلك: فقال مالك بن أنس: يجب غسل اليدين إلى المرفقين
324

ولا يجب غسل المرفق، وهو قول زفر. وقال الشافعي: لا أعلم خلافا في أن المرافق يجب
غسلها. وقال الطبري: غسل المرفقين وما فوقهما مندوب إليه غير واجب. وقد اعتذر له بأن
معنى كلامه أن وجوب ذلك يعلم من السنة لا من الآية.
وإنما اعتبرنا غسل المرافق لإجماع الأمة على أن من غسلهما صحت صلاته ومن لم
يغسلهما ففيه الخلاف.
وقيل: الآية مجملة فالواجب الرجوع إلى البيان، وقد ثبت أنه ص
غسلهما فيما حكاه كبار الصحابة في صفة وضوئه، فصار فعليه بيانا للآية، كما أن قوله
كذلك.
وليس لأحد أن يقول: إن ظاهر قوله: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، يوجب
أن يكون المرفق غاية في الوضوء لا أن يكون مبدوء به أو يغسل المرفق معها، لأنا قد بينا بأن "
إلى " بمعنى " مع " " والغاية " على سبيل الحقيقة، وقرينة إجماع الأمة أن غسل المرافق واجب
فلو كان إلى للغاية هنا لم يلزم غسل المرفق على مقتضى وضع اللغة لأن ما بعد " إلى " إذا
كانت للغاية لا يدخل فيما قبلها وإلا فلا تكون غاية.
فصل:
قوله: وامسحوا برؤوسكم، جملة فعلية معطوفة على الجملة المتقدمة، وهي تقتضي
الإيجاب حيث تقتضيه الأولى وتتناول الندب حيث تتناوله الأولى، ولا فرق بين المقتضيين في
الجملتين على حال لمكان الواو العاطفة، وكذلك يجب أن يكون حكم " أرجلكم " حكم "
رؤوسكم " لمكان الواو العاطفة أيضا سواء كان عطفا على اللفظ أو على المحل ولأن جميع
ذلك اسم لشئ واحد وهو الوضوء، فإن اقتصر على بعضها اختيارا فلا وضوء. فإذا ثبت
ذلك فاعلم أنهم اختلفوا في صفة المسح:
فقال قوم: يمسح منه ما يقع عليه اسم المسح، وهو مذهبنا، وبه قال عبد الله ابن عمر
والقاسم بن محمد والشافعي. وقال مالك: يجب
مسح جميع الرأس. وقال أبو حنيفة: لا يجوز مسح الرأس بأقل من ثلاثة أصابع، وهذا عندنا على الاستحباب.
325

ولا يجوز المسح عندنا إلا على مقدم الرأس، وهو المروي عن ابن عمرو القاسم بن
محمد والطبري، ولم يعتبره أحد من الفقهاء وقالوا: أي موضع مسح أجزأه.
وإنما اعتبرنا المسح ببعض (الرأس) فضلا على النص من آل محمد ع
لدخول الباء الموجبة للتبعيض، لأن دخولها في الإثبات في الموضع الذي يتعدى الفعل
فيه بنفسه لا وجه له غير التبعيض وإلا لكان لغوا، وحملها على الزيادة لا يجوز مع إمكانها
على فائدة مجددة.
فإن قيل: يلزم على ذلك المسح ببعض الوجه في التيمم في قوله: فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه.
قلنا: كذلك نقول، فإن في التيمم يمسح الوجه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف
على ما نصوا عليه ع.
ومن غسل الرأس فإنه لا يجزئه عن المسح عندنا، وخالف جميع الفقهاء في ذلك
وقالوا: يجزيه لأنه يشتمل عليه. وهذا غير صحيح لأن حد المسح شرعا هو إمرار العضو الذي
فيه نداوة على العضو الممسوح من غير أن يجري عليه الماء، والغسل لا يكون إلا بجريان
الماء عليه بعلاج وغير علاج، فمعناهما مختلف. ولو كانا واحدا لما ورد الأمر بهما واقتصر
بقوله " فاغسلوا " ولم يقل بعده " وامسحوا ". وليس إذا دخل المسح في
الغسل يسمى الغسل مسحا، كما أن العمامة لا تسمى خرقة وإن كانت تشتمل على خرق كثيرة.
وقال الشافعي: الأذنان ليستا من الوجه ولا من الرأس.
فصل:
وقوله " وأرجلكم " من قرأها بالجر عطفها على اللفظ وذهب إلى أنه يجب مسح
الرجلين كما وجب مسح الرأس، ومن نصب فكمثل، لأنه ذهب إلى أنه معطوف على
موضع الرؤوس، فإن موضعهما نصب لوقوع المسح عليهما، فالقراءتان جميعا تفيدان
المسح على ما نذهب إليه.
وممن قال بالمسح ابن عباس والحسن البصري والجبائي والطبري وغيرهم. وعندنا
326

أن المسح على ظاهرهما من رؤوس الأصابع إلى الكعبين.
قال ابن عباس وأنس: الوضوء غسلتان ومسحتان. وقال عكرمة: ليس على الرجلين
غسل إنما فيهما المسح، وبه قال الشعبي وقال: ألا ترى أن في التيمم يمسح ما كان غسلا
ويلغى ما كان مسحا. وقال قتادة: افترض الله مسحين وغسلين.
وروى أوس بن أوس قال: رأيت النبي ص توضأ ومسح على نعليه ثم
قام وصلى. وكذلك روى حذيفة. وروى حبة العرني: رأيت عليا ع شرب في
الرحبة قائما ثم توضأ ومسح على نعليه. ووصف ابن عباس وضوء رسول الله ع
وأنه مسح على رجليه وقال: إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل.
و " الغسل " في اللغة إجراء الماء على الشئ على وجه التنظيف والتحسين وإزالة
الوسخ عنه ونحوها. ومسحه بالماء إيصال رطوبته إليه فقط كما ذكرناه. وقال على ع
: ما نزل القرآن إلا بالمسح.
وأما " الكعبان " فهما عندنا الناتئان في وسط القدم، وبه قال محمد بن الحسن الشيباني،
وإن أوجب الغسل. وقال أكثر الفقهاء: هما عظما الساقين. يدل على ما قلناه أنه لو أراد
ما قالوا لقال سبحانه " إلى الكعاب " لأن في الرجلين منها أربعة. فإن ادعوا تقديرا بعد قوله:
وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، أي كل واحدة إلى الكعبين كما في قولهم " أكسنا حلة " أي
أكس كل واحد منا حلة، فذلك مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة إذا أمكن أولى، وهو قولنا.
فإن قيل: كيف قال " إلى الكعبين "، وعلى مذهبكم ليس في كل رجل إلا كعب واحد.
قلنا: إنه تعالى أراد رجلي كل متطهر، وفي الرجلين كعبان، ولو بنى الكلام على ظاهره
لقال " وأرجلكم إلى الكعاب "، والعدول بلفظ " أرجلكم " إلى أن المراد بها رجلا كل متطهر
أولى من حملها على كل رجل.
فصل:
إن قيل: القراءة بالجر في " أرجلكم " ليست بالعطف على الرؤوس في المعنى، وإنما
عطف عليها على طريق المجاورة، كما قالوا " جحر ضب خرب " وخرب من صفات الجحر
327

لا الضب.
قلنا: أولا أن العرب لم تتكلم به إلا ساكنا فقالوا " خرب " فإنهم لا يقفون إلا على
الساكن، فلا يستشهد به. وبعد التسليم فإنه لا يجوز في الآية من وجوه:
أحدها: ما قال الزجاج أن الإعراب بالمجاورة لا يكون مع حرف العطف، وفي الآية
حرف العطف الذي يوجب أن يكون حكم المعطوف حكم المعطوف عليه، وما ذكروه ليس
فيه حرف العطف، فأما قول الشاعر:
فهل أنت إن ماتت أتانك راحل إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
قالوا: جر مع حرف العطف الذي هو الفاء، فإنه يمكن أن يكون أراد الرفع وإنما جر
الراوي وهما، ويكون عطفا على راحل، فيكون قد أقوى لأن القصيدة مجرورة. وقال قوم:
أراد بذلك الأمر وإنما جر لإطلاق الشعر.
والثاني: إن الإعراب بالمجاورة إنما يجوز مع ارتفاع اللبس، فأما مع حصول اللبس
فلا يجوز ولا يلتبس على أحد أن " خرب " صفة جحر لا ضب وليس كذلك في الآية لأن
الأرجل يمكن أن تكون ممسوحة ومغسولة، فالاشتباه حاصل هنا ومرتفع هناك.
وأما قوله عز وجل: وحور عين، في قراءة من جرهما - فليس بمجرور على المجاورة، بل
يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون عطفا على قوله: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب
وأباريق وكأس من معين... إلى قوله: وحور عين، فهو عطف على أكواب. وقولهم: أنه
لا يطاف إلا بالكأس، غير مسلم بل لا يمتنع أن يطاف بالحور العين كما يطاف بالكأس، وقد
ذكر في جملة ما يطاف به الفاكهة واللحم.
والثاني: أنه لما قال " أولئك المقربون في جنات النعيم، عطف بقوله " وحور عين " على "
جنات النعيم "، فكأنه قال هم في جنات النعيم وفي مقاربة أو معاشرة حور عين - ذكره
أبو علي الفارسي.
ومن قال القراءة بالجر يقتضي المسح على الخفين، فقوله باطل لأن الخف لا يسمى رجلا
في لغة ولا شرع، والله أمر بإيقاع الفرض على ما يسمى رجلا على الحقيقة.
328

فصل:
وإن قيل في القراءة بالنصب في " أرجلكم ": هي معطوفة على قوله " وأيديكم " في
الجملة الأولة.
فيقال: إن هذا غير صحيح، لأنه لا يجوز أن يقول القائل: اضرب زيدا وعمرا وأكرم
بكرا وخالدا، ويريد بنصب " خالدا " العطف على زيدا وعمرا المضروبين لأن ذلك خروج
عن فصاحة الكلام ودخول في معنى اللغز، فإن أكرم المأمور خالدا فيكون ممتثلا لأمره
معذورا عند العقلاء، وإن ضربه كان ملوما عندهم. وهذا مما لا محيص عنه.
على أن الكلام متى حصل فيه عاملان - قريب وبعيد - لا يجوز إعمال البعيد دون
القريب مع صحة حمله عليه، وبمثله ورد القرآن وفصيح الشعر قال تعالى: وأنهم ظنوا كما
ظننتم أن لن يبعث الله أحدا، ولو أعمل الأول لقال " كما ظننتموه ". وقال: آتوني أفرع عليه
قطرا، ولو أعمل الأول لقال " أفرغه ".
وقال: هاؤم اقرأوا كتابيه، ولو أعمل الأول لقال " هاؤم اقرأوه "، وإليه ذهب
البصريون.
فأما من يختار إعمال الأول من الكوفيين فإنه لا يجيز ذلك في مثل الموضع الذي نحن فيه،
وليس قول امرئ القيس:
فلو أن ما أسعي لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال
من قبيل ما نحن بصدده، إذ لم يوجه فيه الفعل (الثاني) إلى ما وجه إليه الأول، وإنما
أعمل الأول لأنه لم يجعل القليل مطلوبا، وإنما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافيا
ولو لم يرد هذا ونصب لفسد المعنى. وعلى هذا يعمل الأقرب أبدا، أنشد سيبويه قول طفيل:
جرى فوقها فاستشعرت لون مذهب
وقال كثير: قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
ولو أعمل الأول لقال " فوفاه غريمه "، والاستدلال بقوله " ممطول معنى غريمها " أولى، لأن
قوله " وعزة " مبتدأ و " ممطول " خبره و " معنى " كذلك، وكل واحد منهما فعل للغريم، فلا يجوز
329

رفعه بممطول، فيبقي " معنى " وقد جرى خبرا على عزة، وهو فعل لغيرها، فيجب إبراز
ضميره.
فأما من قال: إن قوله " وأرجلكم " منصوبة بتقدير واغسلوا أرجلكم كما قال:
متقلدا سيفا ورمحا وعلفتها تبنا وماءا باردا
فقد أخطأ أيضا لأن ذلك إنما يجوز إذا استحال حمله على ما في اللفظ، فأما إذا جاز حمله
على ما في اللفظ فلا يجوز هذا التقدير.
فصل:
وقد ذكرنا من قبل أن قوله " وأرجلكم " بالنصب معطوفة على موضع " برؤوسكم "
لأن موضعها النصب، والعطف على الموضع جائز حسن كما يجوز على اللفظ، لا فرق بينهما
عند العرب في الحسن، لأنهم يقولون " لست بقائم ولا قاعدا " أو " لا قاعد " و " إن زيدا في
الدار وعمرو "، فرفع عمرو بالعطف على الموضع، كما نصب قاعدا لأنه معطوف على محل
بقائم. قال الشاعر:
معاوي أننا بشر فاسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فقدر الكل شبهة. وصح أن الحكم في الآية المسح في الرجلين، وقد تقل الشبهة في
القراءة بالجر على ما قدمناه.
ومن قال يجب غسل الرجلين لأنهما محدودتان كاليدين. فقوله ليس بصحيح لأنا
لا نسلم أن العلة في كون اليدين مغسولتين كونهما محدودتين، وإنما وجب غسلهما لأنهما
عطفتا على عضو مغسول وهو الوجه، فكذلك إذا عطف الرجلان على ممسوح وهو
الرأس وجب أن يكونا ممسوحتين، والفصاحة فيما قال الله في الجملتين ذكر معطوفا
ومعطوفا عليه أحدهما محدود والآخر غير محدود فيهما.
وروي أن الحسن قرأ " وأرجلكم " بالرفع، فإن صحت القراءة فالوجه أنه الابتداء
وخبره مضمر، أي وأرجلكم ممسوحة، كما يقال: أكرمت زيدا وأخوه، (أي وأخوه) أكرمته،
فأضمره على شريطة التفسير واستغنى بذكره مرة أخرى. إذا كان في الكلام الذي يليه
330

ما يدل عليه وكان فيما أبقى دليل على ما ألقي، فكان هذه القراءة - وإن كانت شاذة -
إشارة إلى أن مسح الرأس (ببقية النداوة من مسح الرأس) كما هو. ويدل أيضا على
وجوب الموالاة لأن الواو إذا واو الحال في قوله " وأرجلكم " بالرفع.
فصل:
وهذه الآية تدل على أن من غسل وجهه مرة وذراعيه مرة مرة أدى الواجب على
ما فصله الأئمة ع، ودخل في امتثال ما يقتضيه الظاهر، لأن لفظ الأمر يدل على
المرة الواحدة ويحتاج على الاقتصار أو التكرار إلى دليل آخر، فلما ورد أن النبي ص
توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين، علم أن الفرض مرة واحدة والثانية سنة، لأن
الآية مجملة وبيانها فعله ع.
وكذلك تدل الآية على أنه لا يجوز أن يجعل مكان المسح غسلا ولا بدل الغسل مسحا،
لأن الله أوجب بظاهر الآية الغسل في الوجه واليدين وفرض المسح في الرأس والرجلين،
فمن مسح ما أمر الله بالغسل أو غسل ما أمر الله بالمسح لم يكن ممتثلا للأمر، لأن مخالفة الأمر
لا تجزى في مثل هذا الموضع.
وتدل الآية أيضا على أنه يجب تولى المتطهر وضوءه بنفسه إذا كان متمكنا من ذلك
ولا يجزئه سواه، لأنه قال " فاغسلوا "، أمر بأن يكونوا غاسلين وماسحين والظاهر يقتضي
تولى الفعل حتى يستحق التسمية، لأن من وضأه غيره لا يسمى غاسلا ولا ماسحا على
الحقيقة.
ويزيد ذلك تأكيدا ما روي أن الرضا ع رأى المأمون يتوضأ بنفسه والغلام
يصب الماء عليه، فقرأ ع: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا. فإذا كان هذا مكروها
فينبغي أن يكون الأول محظورا.
وفي الآية أيضا دلالة على أن من مسح على العمامة أو الخفين لا يجزئه لأن العمامة
لا تسمى رأسا والخف لا يسمى رجلا، كما لا يسمى البرقع وما يستر اليدين وجها ولا يدا.
وما روي في المسح على الخفين أخبار آحاد لا يترك لها ظاهر القرآن، على أنه روى
331

المخالف عن أمير المؤمنين ع أنه قال: نسخ ذلك بهذه الآية. ولذلك قال
ع لمن شهد لمسح الخفين " أقبل المائدة أم بعدها " عند عمر. فقالوا: لا ندري. فقال
ع: كان قبل المائدة.
فصل:
وفي هذه الآية دلالة على أن الطهارة تفتقر إلى النية، سواء كانت وضوءا أو غسلا
أو ما يقوم مقامهما من التيمم، وهو مذهب الشافعي أيضا. وقال أبو حنيفة: الطهارة بالماء
لا تفتقر إلى النية والتيمم لا بد فيه من نية.
والدليل على صحة ما ذكرناه أن قوله: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا، تقديره أي
فاغسلوا للصلاة، وإنما حذف ذكر الصلاة اختصارا. ومذهب العرب في ذلك واضح
لأنهم إذا قالوا: إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك، تقديره فالبس ثيابك للقاء الأمير.
وإذا أمر بالغسل للصلاة فلا بد من النية، لأن بالنية يتوجه الفعل إلى الصلاة دون
غيرها. وقوله ع " الأعمال بالنيات " يؤكده.
فصل:
وإذا صح بظاهر تلك الآية أن أفعال الوضوء الواجبة المقارنة له خمس: النية وغسل
الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس ومسح الرجلين. فاعلم أن في الآية أيضا دلالة على
وجوب كيفياتها العشر المقارنة له بظاهرها ومن فحواها، ولولا النصوص المجمع على
صحتها في وجوب هذه الواجبات وغيرها الموجبة علما وعملا، لما أوردنا هذه الاستدلالات
التي ربما يقال لنا: أنها على أسلوب استخراجات الفقهاء إلا أنهم يرجمون رجما فيما
طريقه العلم، ونحن بعد أن قبلناه علما بالإجماع من الفرقة المحقة الذي هو حجة نتجاذب
أهداب تلك الاستدلالات، ونتشبث بها نضيف بذلك فضيلة إلى فضيلة، على أن أكثر
ما نتبينه من أئمة الهدي ع.
ولعمري أن الله قد أغنى الخلق عن التعسف، وبين وفصل الشريعة على لسان
332

رسوله ص وألسنة حججه ع ما أجمله في كتابه من الأحكام، لما في
مجمل الكتاب وتفصيل السنة من دواء العليل وشفاء الغليل ما تصير الألطاف الإلهية بهما
أقوى وأبلغ.
وكلا الأمرين من الله جملة وتفصيلا، ليس للرسول والأئمة ع في
شئ من ذلك اجتهاد، إنما هو علم علمهم الله نعمة عليهم ورحمة للعالمين (حتى أرش
الخدش).
فصل:
والآية تدل على وجوب الترتيب في الوضوء من وجهين:
أحدهما: أن الواو توجب الترتيب لغة على قول الفراء وأبي عبيد، وشرعا على قول
كثير من الفقهاء، ولقوله ع: ابدأوا بما بدأ الله به.
والثاني: وهو على قول الجمهور أن الله أوجب على من يريد القيام إلى الصلاة إذا
كان محدثا أن يغسل وجهه أولا، لقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا، والفاء
توجب الترتيب والتعقيب بلا خلاف. فإذا ثبت أن البداءة بالوجه هو الثابت ثبت في باقي
الأعضاء لأن أحدا لا يفرق.
ويقويه قوله ع للأعرابي حين علمه الوضوء فقال: هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة إلا به. فإن كان رتب فهو كما نقول، وإن لم يرتب لزم أن يكون من رتب لا يجزئه، وقد
أجمعت الأمة على خلافه.
وقال أبو مسلم بن مهرايزد: أجود ما يقال على من أجاز وقوع الطهارة بغير الترتيب
أنه قد ثبت أن فاعله مسئ بفعله والمسئ معاقب والاحتراز عن العقاب واجب. قال:
والوجه اسم لما يناله البصر عند المواجهة من قصاص شعر الرأس إلى منتهى الذقن
طولا.
ولم يحد الله الوجه كما حد اليد، لأن الوجه معروف مختص يجب غسل جميعه، واليد
يشتمل على جميع ما هو من البنان إلى أصل الساعد، ولا يجب غسل جميعها في الوضوء،
333

فلا بد فيها من التحديد. وأشار إلى مسح بعض الرأس بالباء التي ليست للتعدية. وحد
الرجلين لمثل ما ذكرناه في اليد.
فصل:
وظاهر الآية يوجب غسل الأعضاء ومسحها متى أراد الصلاة وهو محدث، فإذا
غسلها بلا ترتيب ثم أراد الصلاة يجب أن يكون بعد مخاطبا به، عملا بمقتضى الآية. على
أن من أخطأ في الوضوء فقدم مؤخرا أو أخر مقدما يجب عليه أن يعيد، لأن الترتيب في
الوضوء واجب على ما ذكرناه من مقتضى الآية.
وقال أبو جعفر ع: تابع بين الوضوء كما قال تعالى، ابدأ بالوجه ثم باليدين
ثم امسح الرأس والرجلين (ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به) فإن غسلت
الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس
فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل، ابدأ بما بدأ الله عز وجل به. وهذا عام
في العمد والخطأ.
فصل:
وفي الآية أيضا دلالة على أن الموالاة واجبة في الوضوء، لأن الأمر شرعا يجب على
الفور ولا يسوع فيه التراخي إلا بدليل، فإذا ثبت ذلك وكان المأمور بالصلاة في وقتها
مأمور بالوضوء قبلها فيجب عليه فعل الوضوء عقيب توجه الأمر إليه.
وكذلك جميع الأعضاء الأربعة، لأنه إذا غسل وجهه فهو مأمور بعد ذلك بغسل اليدين،
ولا يجوز له تأخيره.
فإن فرق وضوءه لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله، وإن لم يجف
وصله من حيث قطعة إذا كان الهواء معتدلا.
وإن والى بين غسل أعضاء الطهارة ومسحها وجف شئ منها قبل الفراع لحر شديد
أو ريح من غير تقصير منه فيه، فلا بأس إذا بقيت نداوة تكفي للمسح، لأنه قال " ما جعل
334

عليكم في الدين من حرج ". وبمثل ذلك تدل الآية على مقارنة النية واستدامة حكمها.
فصل:
ويدل قوله: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، على أن من مسح رأسه ورجليه بإصبع
واحدة فقد دخل تحت الاسم ويكون ماسحا. ولا يلزم على ذلك ما دون الأصبع، لأنا لو خلينا
والظاهر لقلنا بذلك، لكن السنة منعت منه. وصورته: أن يمسح برأس مسبحة يمينه مقدم
رأسه، يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه، ثم يمسح بها عرضا رجله اليمنى من
أصابعها إلى الكعب، وبمسبحته اليسرى رجله اليسرى كذلك. فهذا مجزئ. والندب: أن
يمسح مقدم الرأس بثلاث أصابع مضمومة بالعرض، وأن يمسح الرجلين بالكفين.
والباء التي في قوله " برؤوسكم " كما تدل على مسح بعض الرأس تدل في الرجلين أيضا
عليه، لأنها مضمرة في " أرجلكم "، وواو العطف منبئة عنه وقائمة مقامها، وكلما هو منوي في
الكلام فهو في حكم الثابت على بعض الوجوه.
فصل:
وتدل الآية بقريب من ذلك على أن مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء من
غير استيناف ماء جديد، لأن الأمر كما هو على الإيجاب شرعا فهو على الفور، وإذا لم يشتغل
المتطهر بأخذ الماء الجديد واكتفى بالبلة فهو على الفور، ولأن اسم المسح يقع على كليهما،
فلا يصح أن يميز ويخصص بأحدهما إلا بقرينة تنضم إليه.
وإجماع الطائفة - الذي هو حجة - حاصل على أن المسح ببقية النداوة، وهو من أوثق
القرائن على أنه سبحانه لم يذكر في الآية استيناف الماء، وهذا قد مسح.
فإن قيل: ولم يذكر المسح ببقية النداوة أيضا.
قلنا: نحمل الآية على العموم ونخصها - بدليل إجماع الفرقة - على أن المسح في
الشرع هو أن يبل المحل بالماء من غير أن يسيل، والغسل إمرار الماء على المحل حتى
يسيل مع الاختيار.
335

باب الغسل:
ثم قال سبحانه وتعالى عاطفا على تلك الجملة جملة أخرى، فقال: وإن كنتم جنبا
فاطهروا. ولكل كلام حكم نفسه، ولذلك قال ع: إذا أجنب المكلف فقد وجب
الغسل. فعلة الغسل هي الجنابة كما ذكره المرتضى في الذريعة، فغسل الجنابة واجب على
كل حال. وقد ذكرنا في كتاب " الشجار " في وجوب غسل الجنابة بيان ذلك على
الاستقصاء، وبينا ما هو العمل عليه والمعول على ما أشرنا ههنا أيضا إليه.
وقيل: إن هذه الأحكام التي هي الغسل والتيمم - الذي هو بدل منه أو من الوضوء -
من مقدمات الصلاة وشرائطها تجب لوجوبها، أي وإن أصابتكم جنابة وأردتم القيام إلى
الصلاة فاطهروا، ومعناه فتطهروا بالاغتسال. فهذه الجملة متصلة بالجملة الأولى متعلقة
بها، لأن الآية من أولها إلى آخرها تبين شرائط الصلاة المتقدمة، فلهذا كان حكم الجملة
الأخيرة حكم الأولى. لا لأنه قد ربطها الواو العاطفة بما قبلها حتى يقدح في ذلك بقوله: وأمهات
نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم
بهن فلا جناح عليكم.
فصل:
ونبدأ أولا بتفسير ألفاظ الآية وكشف معانيها ثم نشتغل بذكر الأحكام المتعلقة بها،
فنقول: إن لفظ " الجنب " يقع على الواحد والجمع والاثنين والمذكر والمؤنث، مثل عدل
وخصم وزور ونحو ذلك، إذ هو مصدر أو بمنزلة المصدر، وقال الزجاج: تقديره " ذو جنب ".
وأصل الجنابة البعد، لأنها حالة تبعد عن مقاربة العبادات إلى أن يتطهر بالاغتسال على
بعض الوجوه. والأطهار هو الاغتسال بلا خلاف. وأطهر هو تطهر مدغما، لأن التاء أدغم في
الطاء، فسكن أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل. ومعنى الآية: أي استعملوا الماء
أو ما يقوم مقامه.
والجنابة تحصل بشيئين: إما بإنزال الماء الدافق في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة،
أو بالتقاء الختانين. وحده غيبوبة الحشفة في القبل أنزل أو لم ينزل. وقال أبو مسلم ابن
336

مهر إيزد: يلزم الرجل حكم الجنابة من أمور: منها أن يجامع في قبل أو دبر، ومنها أن يلتقي
الختانان وإن لم يكن إنزال ولا ماء شهوة، ومنها أن يحتلم في النوم بشرط أن يجد بللا.
والأغسال المفروضة والمسنونة سبعة وثلاثون غسلا: منها ستة أغسال مفترضات
والباقية نوافل. ولم يورد المشايخ تغسيل الأموات من جملة الواجبات، ولا غسل نظارة
المصلوب بعد ثلاثة أيام، ولا غسل الاستسقاء، ولا غسل من أسلم بعد الكفر. فلذلك
نقص عن هذا التعداد.
والفرض المذكور بظاهر اللفظ في القرآن منها اثنان غسل الجنابة والحيض. قال
تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، فأوجب بظاهر هذا اللفظ الغسل. وقال سبحانه:
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى
يطهرن، في من قرأ بالتشديد، وقد بينا أن الأطهار هو الاغتسال، وسيجئ بيانه في بابه إن
شاء الله تعالى.
فصل:
وليس على الجنب وضوء مع الغسل، فإن قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا، هو على
الإطلاق غير مقيد ولا مشروط بالوضوء، ومن اغتسل من الجنابة فقد طهر بلا خلاف.
وكل غسل ما عدا غسل الجنابة يجب الوضوء قبله حتى يستباح به الدخول في
الصلاة، فإن نسيه المغتسل فليتوضأ بعد الغسل لتصح منه الصلاة.
وغسل المرأة من الجنابة كغسل الرجل سواء، لأنا قد بينا في قوله " جنبا " أن الجنب
يقع على الرجال والنساء والرجل والمرأة، فينبغي أن يكون حكم الجنابة وحكم غسل
الجنابة فيهما سواء، وإن ورد الخطاب بلفظ المذكرين في قوله: وإن كنتم جنبا، فإن ذلك
لتغليب الرجال على النساء إذا اجتمعوا.
والأغسال الأخر الواجبة - وهي أربعة - يعلم وجوبها بالإجماع والسنة وبقوله تعالى
على سبيل الجملة: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وقال المرتضى: غسل من مس ميتا من الناس مستحب غير واجب، وإنما ذكره كذلك
337

لخبر ورد للتقية.
والجنب إذا أراد الغسل يجب عليه ستة أشياء، ويعلم هذا من السنة على سبيل
التفصيل ومن القرآن على سبيل الجملة. قال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه، وقد
فصلها رسول الله ص ورواها الأئمة المعصومين ع كما علمه
الله غضا طريا.
وقال بعضهم: لا يجب الاغتسال على الجنب بقوله " فاطهروا " بل بتفسيره في قوله:
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، في سورة النساء.
فإن قيل: ما معنى تكرير قوله: أو لامستم النساء، إن كان معنى اللمس الجماع مع قوله:
وإن كنتم جنبا فاطهروا؟
قلنا: يمكن أن يقال أن الجنابة في الأول تحمل على الاحتلام وفي الثاني على الجنابة
عمدا.
وقيل: إن المعنى في قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا، غير المعنى بقوله: أو لامستم
النساء، لأن معنى قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا، إذا كنتم واجدين للماء متمكنين لاستعماله،
ثم بين حكمه إذا عدم الماء أو لا يتمكن من استعماله، فالتيمم هو فرضه وهو طهارته، فأراد:
إذا كان له سبيل إلى الماء فعليه أن يغتسل، وإن جامع ولم يجد الماء فعليه التيمم. فالأول في
حكمه مع وجود الماء، والثاني في حكمه مع عوز الماء.
باب التيمم:
ثم قال تعالى: وإن كنتم مرضى أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم.
بين تعالى أحكام التيمم الخمسة وأشار إلى أنه على ضربين: تيمم هو بدل من
الوضوء، وتيمم هو بدل من الغسل المفروض.
قال المفسرون: معنى الآية أنه لما تقدم الأمر بالوفاء بالعقود - ومن جملتها إقامة
الصلاة ومن شرائطها الطهارة - بين سبحانه وتعالى وقال " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
338

إلى الصلاة " أي إذا أردتم القيام إليها وأنتم على غير طهر فعليكم الوضوء، وإن كنتم
جنبا عند ذلك فاغتسلوا، أي اغسلوا جميع البدن على وجه، و إن كنتم جرحى أو مجدرين
أو مرضى يضر بكم استعمال الماء وكنتم جنبا أو على غير وضوء أو كنتم مسافرين أو جامعتم
النساء ولم تجدوا ماءا أو لا تتمكنون من استعماله فاقصدوا وجه الأرض طاهرا نظيفا غير
نجس ولا قذر، " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " أي من الصعيد. فإذا تبينت خلاصة
معنى الآية سهل عليك تدبر أحكامها التي نذكرها.
و " الغائط " أصله المطمئن من الأرض، وكانوا يتبرزون إليه ليغيبوا عن عيون الناس،
ثم كثر ذلك حتى قيل للحدث غائط كناية بالتغوط عن الحدث في الغائط. وقيل: إنهم
كانوا يلقون النجو في هذا المكان وترميه الرياح إليه أيضا، فسمي باسمه على سبيل
المجاورة، ثم كثر ههنا حتى صار فيه حقيقة، وإن استعمل فيما وضع له أولا كان مجازا.
و " المس " يكون باليد، ثم اتسع فيه فأوقع على الجماع.
و " التيمم " القصد، وقد صار في الشرع اسما لقصد مخصوص، وهو أن يقصد
الصعيد ونحوه، ويستعمل التراب وما في معناه في أعضاء مخصوصة.
و " الصعيد " وجه الأرض من غير نبات ولا شجر. وقال الزجاج: الصعيد ليس هو
التراب إنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره من الأحجار ونحوها، وإنما سمي صعيدا لأنه
نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض.
وقوله: أو على سفر، معناه: وإن كنتم مسافرين.
فصل:
اعلم أنهم قالوا: إن السفر في هذين الموضعين غير معتبر اعتبارا يخل به إذا
حصل شرطه الذي قرنه الله بذلك وقيده به من قوله: فلم تجدوا ماء، وإنما ذكر لأن أكثر
هذه الضرورات على الأغلب تكون في حال السفر، فإن حصلت في غيره فكمثله. ولهذا
نظائر كثيرة، كقوله " وربائبكم اللاتي في حجوركم ". وليس لكونهن في الحجور اعتبارا،
وإنما ذكر ذلك لكونه في أكثر الحالات كذلك.
339

وقيل أن " أو " ههنا بمعنى الواو، كقوله " أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " يعني وجاء
أحد منكم من الغائط، وذلك لأن المجئ من الغائط ليس من جنس المرض والسفر حتى
يصح عطفه عليهما، فإنهما سبب لإباحة التيمم والرخصة، والمجئ من الغائط سبب
لإيجاب الطهارة، والتقدير: وقد جاء من الغائط.
وقوله: أو لامستم النساء، المراد به الجماع، وكذا إذا قرئ " أو لمستم " واللمس
والملامسة معناهما واحد، لأنه لا يلمسها إلا وهي تلمسه. وقيل المراد به اللمس باليد وغيرها،
والصحيح هو الأول.
يروى أن العرب والموالي اختلفتا فيه، فقال الموالي المراد به الجماع، وقال العرب المراد
به مس المرأة. فارتفعت أصواتهم إلى ابن عباس فقال: غلب الموالي المراد به الجماع.
وسمي الجماع لمسا لأن به يتوصل إلى الجماع، كما سمي المطر سماءا.
فصل:
وقوله: فلم تجدوا ماءا، راجع إلى المرضى والمسافرين جميعا، مسافر لا يجد الماء
ومريض لا يجد الماء أو من يوضئه أو يخاف الضرر من استعمال الماء، لأن الأصل أن حال
المرض يغلب فيها خوف الضرر من استعمال الماء، و حال السفر يغلب فيها عدم الماء.
" فتيمموا " أي تعمدوا وتحروا واقصدوا صعيدا. وقد ذكرنا أن الزجاج قال: الصعيد وجه
الأرض. وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمم يجوز بالحجر، سواء كان عليه تراب أو لم
يكن.
والتيمم إنما يصح ويجب لفريضة الوقت في آخر الوقت وعند تضيقه، لأن التيمم
بلا خلاف إنما هو طهارة ضرورة، ولا ضرورة إليه إلا في آخر الوقت، وما قبل هذه الحال لم
تتحقق فيه ضرورة.
وليس للمخالف أن يتعلق بظاهر قوله: فلم تجدوا ماء فتيمموا، وبأنه لم يفرق بين أول
الوقت وآخره، لأن الآية لو كان لها ظاهر يخالف قولنا جاز أن يخصه بإجماع الفرقة المحقة
وبما ذكرناه أيضا، كيف ولا ظاهر لها ينافي ما نذهب إليه، لأنه تعالى قال: يا أيها الذين آمنوا إذا
340

قمتم إلى الصلاة، وأراد - بلا خلاف - إذا أردتم القيام إلى الصلاة كما قدمناه، ثم أتبع
ذلك حكم العادم للماء الذي يجب عليه التيمم، فيجب على من تعلق بهذه الآية أن يدل
على أن من كان في أول الوقت له أن يريد الصلاة ويعزم على القيام إليها.
فإنا نخالف في ذلك ونقول: (ليس لمن عدم الماء أن يريد الصلاة في أول الوقت،
وليس لهم أن يفصلوا بين الجملتين ويقولوا) إن إرادة الصلاة شرط في الجملة الأولى التي
أمر فيها بالطهارة بالماء مع وجوده، وليست شرطا في الجملة الثانية التي ابتداؤها " وإن كنتم
مرضى "، وذلك لأن الشرط الأول لو لم يكن شرطا في الجملتين لكان يجب على المريض
أو المسافر إذا أحدثا التيمم وإن لم يردا الصلاة، وهذا لا يقوله أحد.
والتيمم إنما أوجبه الله عند عدم الماء وحيث لم يجده الانسان، ومعلوم أنه أراد بوجود
الماء التمكن منه والقدرة عليه، لأنه لو وجد الماء ولم يتمكن من الوصول إليه للخوف من
السبع أو التلف على نفسه لم يكن واجبا عليه استعماله ولم يجز أن يكون مرادا، فعلم أنه إنما
أراد التمكن. والتمكن مرتفع بأحد الأشياء الثلاثة: إما لعدم الماء مع الطلب له، أو لعدم
ما يتوصل به إلى الماء من آلة أو ثمن، أو لحائل بينه وبين الماء من الخوف من استعماله
إما على النفس أو على المال وما أشبه ذلك، فالآية بمجردها تدل على جميع ذلك.
فصل:
على أنا نحمل قوله تعالى: فلم تجدوا ماءا فتيمموا، على العموم في جميع الأوقات
عند عدم الأشياء الثلاثة المذكورة على بعض الوجوه، فإن القاضي للصلوات المفروضات
يتيمم عند حصول إحدى تلك الشرائط في كل حال وإن لم يكن وقت صلاة حاضرة،
وكذلك يتيمم من أراد أن يصلى صلاة نافلة في غير وقت فريضة أو في أول وقتها، ثم يجوز
أن يصلى بذلك التيمم فريضة الوقت في آخر وقتها عند تضيقه، إذا لم ينتقض حكم ذلك
التيمم بحدث أو ما يجري مجراه، وهو التمكن من استعمال الماء.
واختلف في كيفية التيمم على أقوال:
أحدها: إنه ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو قول أبي حنيفة والشافعي
341

وأكثر الفقهاء، وبه قال قوم من أصحابنا لحديث ورد للتقية.
وثانيها: إنه ضربة للوجه وضربة لليدين من الزندين، وإليه ذهب عمار بن ياسر
ومكحول والطبري، وهو مذهبنا في التيمم إذا كان بدلا من الجنابة، فإن كان بدلا من
الوضوء كفاه ضربة واحدة يمسح بها وجهه من قصاص شعره إلى طرف أنفه ويديه من
زنديه إلى أطراف أصابعهما.
وإنما وهم الراوي عن عمار في الضربة في اليدين للتيمم على كل حال، لأنه روي التيمم
الذي هو بدل من الجنابة. وقصته معروفة، وهي أنه وعمر كانا في سفر فاحتلما ولم يجدا
الماء، فامتنع عمر من الصلاة إلى أن وجد الماء، وتمعك عمار في التراب وصلى، إذ لم يعرفا
كيفية التيمم، فلما دخلا على رسول الله ص حكيا حالهما، فتبسم
ع وقال: تمعكت كما تتمعك الدابة، ثم علمه كيفية التيمم.
وثالثها: إنه إلى الإبطين، ذهب إليه الخوارج.
وروى الزهري: إن الله عفو يقبل منكم العفو السهل، لأن في قبوله التيمم بدلا من الوضوء تسهيل الأمر علينا.
ومسح الوجه بالتراب وما يجري مجراه في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف، ومسح اليد
على ظاهر الكف على ما قدمناه. والدليل عليه - بعد إجماع الطائفة - قوله تعالى:
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم، ودخول الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول لا بد له
من فائدة وإلا كان عبثا، ولا فائدة بعد ارتفاع التعدية إلا التبعيض، وحكم التبعيض يسري
من الوجوه إلى الأيدي، لأن حكم المعطوف والمعطوف عليه سواء في مثل ذلك.
فصل:
والمقيم إذا فقد الماء يتيمم كالمسافر، لأن العلة في السفر فقدان الماء. أ لا ترى أن
السفر بانفراده لا يرخص التيمم فيه، وإنما ذكر سبحانه السفر مع السببين للترخيص في
التيمم على ما قدمناه، لأن الغالب في السفر عوز الماء دون الحضور وبناء كلام العرب على
الأغلب كثير.
342

فإن قيل: الآية ترخص للمحدث التيمم إذا فقد الماء، فمن أين لكم أن من سواه ممن
ذكرتموه يجوز له أيضا ذلك؟
قلنا: قد قدمنا أن من المعلوم إنه تعالى أراد بوجود الماء التمكن من استعماله والقدرة
عليه، والتمكن مرتفع في المواضع كلها.
فصل:
وقوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا يدل على أن المحبوس إذا لم يجد
الماء وتيمم وصلى فلا إعادة عليه، خلافا للشافعي.
وإنما قلنا أنه لا يعيد، لأنه إذا صلى فقد أدى فرضا بالاتفاق، وإعادة الفرض لا تجب
إلا بحجة، ولا حجة على إعادة صلاة المحبوس بالتيمم من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
ويستحب التيمم من ربي الأرض التي تنحدر المياه عنها، فإنها أطيب من مهابطها،
قال تعالى " صعيدا طيبا ". وسمي صعيدا لأنه يصعد من الأرض، والطيب ما لم يعلم فيه
نجاسة، وطيبا أي طاهرا، وقيل حلالا، وقيل منبتا دون السبخة التي لا تنبت، كقوله "
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " والعموم يتناول الكل.
وتسمية التيمم بالطهارة حكم شرعي، لأن النبي ص قال: جعلت لي
الأرض مسجدا وترابها طهورا.
ولا يرفع الحدث بالتيمم، سواء كان بدلا من الوضوء أو بدلا من الغسل، وإنما يستباح
به الصلاة عند ارتفاع التمكن من الطهارتين، ألا ترى أن الجنب إذا تيمم وصلى فإذا
تمكن من الماء يجب عليه الاغتسال.
وقال المرتضى رضي الله عنه: يجب في نية التيمم رفع الحدث ليصح الدخول في
الصلاة.
فصل:
وقوله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، معناه ما يريد الله فيما فرض عليكم
343

من الوضوء إذا قمتم إلى الصلاة ومن الغسل من الجنابة والتيمم عند عدم الماء أو تعذر
استعماله ليلزمكم في دينكم من ضيق ولا ليفتنكم فيه. ومن الحرج الذي لم يرده الله تعالى
بهم، أن يغتسلوا حين يخافون منه تلف النفس.
ثم قال: ولكن يريد ليطهركم، أي لكن يريد الله ليطهركم بما فرض عليكم من الوضوء
والغسل من الأحداث والجنابة أن ينظف به أجسامكم من الذنوب، كما قال النبي ص:
إن الوضوء يكفر ما قبله.
وقوله: وليتم نعمته عليكم، معناه يريد الله مع تطهيركم من ذنوبكم أن يتم نعمته
بإباحته لكم التيمم وبطاعتكم إياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل إذا قمتم إلى
الصلاة مع وجود الماء والتيمم مع عدمه، لتشكروا الله على نعمه فتستحقوا الثواب إذا
قمتم بالواجب في ذلك.
فصل:
والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، حتى أباح للمتيمم أن يصلى بتيممه
صلوات الليل والنهار كلها من الفرائض والنوافل ما لم يحدث أو لم يتمكن من استعمال الماء.
ويدل عليه قوله في آية الطهارة أنه أوجب الطهارة على القائم إلى الصلاة إذا وجد
الماء، ثم عطف عليه بالتيمم عند فقد الماء، والصلاة اسم الجنس، وكأنه قال والطهارة
تجزئكم لجنس الصلاة إذا وجدتم الماء وإذا فقدتموه أجزأكم التيمم لجنسها. ثم
كما لا تختص الطهارة بصلاة واحدة فكذلك التيمم.
فإن قيل: إن قوله: إذا قمتم إلى الصلاة، يدل على إيجاب الطهور أو التيمم إذا لم
يجد الماء على كل قائم إلى الصلاة، وهذا يقتضي وجوب التيمم لكل صلاة. قلنا: ظاهر
الأمر لا يدل على التكرار ولا على الاقتصار، من فعل مرة واحدة فليس يجب تكرر
الطهارة بتكرر القيام إلى الصلاة إلا بقرينة ودليل.
على أن السائل يذهب إلى أن الرجل لو قال لامرأته: أنت طالق إذا دخلت الدار،
فلم يقتض قوله أكثر من مرة واحدة عند من يجيز الطلاق مشروطا، ولو تكرر دخولها لم
344

يتكرر وقوع الطلاق عليها.
باب أحكام الطهارة
من الآية الثانية التي هي من أمهات الطهارة أيضا:
أما قوله تعالى في سورة النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى،
فقد قيل أن في هذه الآية نيفا وعشرين حكما سوى التفريعات. وقالوا في سبب نزول هذه
الآية قولان:
أحدهما: قال إبراهيم: إنها نزلت في قوم من الصحابة أصابهم جراح.
الثاني: قالت عائشة: نزلت في جماعة منهم أعوزهم الماء.
وظاهر الخطاب متوجه إلى المؤمنين كلهم بأن لا يقربوا الصلاة وهم سكارى،
ولا يجب قصر الحكم على سببه بلا خلاف.
وقرب يقرب متعد، يقال قربتك. وقرب يقرب لازم يقال قربت منه.
وأصل السكر سد مجرى الماء، فبالسكر تنسد طريق المعرفة، وقوله: وأنتم سكارى،
جملة منصوبة الموضع على الحال، والعامل فيه " تقربوا "، وذو الحال ضميره، وقوله: جنبا،
انتصب لكونه عطفا عليه، والمراد به الجمع. و: عابري سبيل، منصوب على الاستثناء.
وقوله: على سفر، عطف على " مرضى " أي مسافرين.
فصل:
معنى الآية: لا تقربوا مكان الصلاة، أي المساجد للصلاة وغيرها، كقوله "
وصلوات " أي مواضعها. وهذا أولى مما روي أن معناه لا تصلوا وأنتم سكارى، لأن قوله:
إلا عابري سبيل، يؤكد الأول، فإن العبور إنما يكون في المواضع دون الصلاة. و " أنتم
سكارى " فيه قولان:
أحدهما: أن المراد به سكر النوم وروي ذلك عن أبي جعفر الباقر ع.
والثاني: أن المراد به سكر الشراب.
345

" حتى تعلموا ما تقولون " أي حتى تميزوا بين الكلام وحتى تحفظوا ما تتلون من القرآن.
وقوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل، فيه قولان أيضا:
أحدهما: أن معناه لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلا مجتازين،
و " عابري سبيل " أي مارين في طريق حتى تغتسلوا من الجنابة.
والثاني: أن المراد به لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين فيجوز لكم
أداؤها بالتيمم وإن لم يرتفع حكم الجنابة، فإن التيمم - وإن أباح الصلاة - لا يرفع الحدث.
والقول الأول أقوى، لأنه تعالى بين حكم الجنب في آخر الآية إذا عدم الماء، فلو حملناه
على القول الثاني لكان تكرارا، وإنما أراد تعالى أن يبين حكم الجنب في دخول المساجد في
أول الآية ويبين حكمه في الصلاة عند عدم الماء في آخر الآية.
وقوله: وإن كنتم مرضى، قد بينا أنه نزل في أنصاري مريض لم يستطيع أن يقوم
فيتوضأ.
والمرض الذي يجوز معه التيمم مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف أصحابها من
مس الماء، وقيل هو المرض الذي لا يستطيع معه تناول الماء، أو لا يكون هناك من يناوله على
ما قدمناه. والمروي عن الأئمة ع جواز التيمم في جميع ذلك لأنه على العموم.
والمراد بقوله " لمستم " و " لامستم " الجماع، ليكون بيانا لحكم الجنب عند عدم الماء،
كما بين حكم الجنب في حال وجود الماء بقوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغسلوا، وبين
أيضا حكم المحدث عند عدم الماء بقوله: أو جاء أحد منكم من الغائط.
فصل:
يسأل عن قوله تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فيقال: كيف يجوز نهي
السكران في حال السكر مع زوال العقل؟
ويجاب عنه بأجوبة:
أحدها: أن النهي إنما ورد عن التعرض للسكر في حال وجوب أداء الصلاة عليهم
على التخصيص وإن وجب ذلك قبله، كما قال تعالى بعد ذكر الأشهر الحرم: فلا تظلموا
346

فيهن أنفسكم، وإن وجب ذلك في غيرها من الأشهر.
والثاني: أنه قد يكون سكران من غير أن يخرج من حد نقصان العقل إلى ما لا يحتمل
الأمر والنهي.
والثالث: أن النهي إنما دل على أن إعادة الصلاة واجبة عليهم إن أدوها في حال
السكر ولا تمييز أو كان الخمر على ثوبه أو بدنه.
وقد سئل أيضا فقيل: إذا كان السكران مكلفا فكيف يجوز أن ينهى عن الصلاة في
حال سكره مع أن عمل المسلمين على خلافه؟
وأجيب عنه بجوابين:
أحدهما: أنه منسوخ على قول من زعم أن قليل الخمر لم يكن شربه حراما بحيث لم
يسكر.
والآخر: إنهم لم يؤمروا بتركها لكن أمروا بأن يصلوها في بيوتهم، ونهوا عن
الصلاة مع النبي ص في جماعة تعظيما له وتوقيرا للمسجد.
ولا يصح من السكران شئ من العقود، كالنكاح والبيع والشراء وغير ذلك على
بعض الوجوه، ولا رفعها كالطلاق والعتاق.
فأما ما يلزم به الحدود والقصاص فإنه يلزم جميع ذلك، يقطع بالسرقة على كل حال
إذا تمت السرقة. وكذا يحد بالقذف والزنى، لأنه السبب لذلك ولعموم الآيات المتناولة لذلك
على ما نذكره.
فصل:
على أن من كان مكلفا يلزمه الصلاة على كل حال، وإنما حسن أن ينهى عن
الصلاة من على ثوبه أو بدنه نجاسة مع أنه مكلف، والخمر نجس، فالنهي على هذا
متوجه إليه في حال يكون عليه.
ومعنى الآية أنه خاطب المؤمنين ولا سكر وقال: لا تقربوا الصلاة، في المستقبل " وأنتم
سكارى "، وإذا كان كذلك فيجب أن يكون منعا مما يؤدى إلى السكر. وعلى هذا قال
347

السلف: إن الله حرم بهذه الآية المسكر، ثم حرم القليل والكثير منه في المائدة، كما ذكر هنا
بعض أحكام الطهارة وبينها في المائدة.
ومعنى: لا تقربوا الصلاة، لا تصلوا، و " لا تقرب الشئ " أبلغ في النهي من " لا تفعله ".
وقد ذكرنا أن قوله: وأنتم سكارى، جملة من مبتدأ وخبر في موضع الحال، لأنه لم ينههم
عن الصلاة مطلقا، إنما نهاهم عن السكر الذي لا يفهم معه القول، أي إذا كنتم بهذه
الحالة فلا تصلوا، والمراد تجنبوا الصلاة في هذه الحالة.
وقوله: حتى تعلموا ما تقولون، غاية للحال التي نهي عن الصلاة فيها، فكأنه قال:
لكن إذا كنتم من السكر في حد تعلمون معه معنى ما تقرأون في صلاتكم أو لفظه فصلوا.
وقد بينا أن قوله " ولا جنبا " إنما نصب على الحال عطفا على محل " وأنتم سكارى "،
أي لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد لا مجتازين في حال السكر ولا مجتازين في حال
الجنابة، وهو قول أبي جعفر ع، وحذف لدلالة الكلام عليه وهو الأقوى، لأنه تعالى
بين حكم الجنابة في آخر هذه الآية إذا عدم الماء، فلو حملناه على ذلك لكان تكرارا، وإنما
أراد أن يبين حكم الجنب في دخول المساجد في أول الآية، وحكمه إذا أراد الصلاة مع عدم
الماء في آخرها.
وبهذه الآية وبالآية التي تقدم ذكرها من المائدة يستدل على تحريم الخمسة الأشياء
على الجنب على ما ذكرناه.
فصل:
وقوله " أو لمستم " المراد بالقراءتين في الآيتين الجماع، واختاره أبو حنيفة أيضا،
أ لا ترى إلى قوله: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم، خصص باليد لئلا
يلتبس بالوجه الآخر.
وكل موضع ذكر الله تعالى المماسة أراد به الجماع، كقوله: من قبل أن يتماسا، وكذلك
الملامسة. وقال بعضهم: من قرأ بلا ألف أراد اللمس باليد وغيرها مما دون الجماع، واختاره
الشافعي. والصحيح هو الأول.
348

وعن ابن عباس: إذا حمل " عابري سبيل " على المسافرين كان تكرارا، فيجب أن
يحمل على الاجتياز بالمساجد إلى الاغتسال إذا لم يتوصل إلى الماء إلا به. وقال عبد الله
والحسن: يمر به إلى الماء ولا يجلس فيه. وقيل: إن ما توهموه من التكرير غير صحيح، لأن
المكرر إذا علق به حكم آخر لم يفهم من الأول كان حسنا، وقد ذكر معه التيمم، فلم يكن
تكريرا معيبا. والأول أولى. وقال قوم: إن في التيمم جائزا أن يضرب باليدين على الرمل
فيمسح به وجهه وإن لم يعلق بهما شئ، وبه نقول. والشافعي يوجب التيمم لكل صلاة
ويرويه عن علي ع، وذلك عندنا محمول على الندب.
وقوله: يا أيها الذين آمنوا، يدخل تحته النساء أيضا، لأنه لا خلاف إذا اجتمع المذكر
والمؤنث يغلب المذكر.
وقوله: إن المسلمين والمسلمات، الآية، إنما ذكرن إزالة للشبهة، فإن أم سلمة قالت:
يا رسول الله الرجال يذكرون في القرآن ولا تذكر النساء، فنزلت الآية.
فصل:
والجنب لا يجوز أن يمس القرآن، وهو المكتوب في الكتاب أو اللوح، لقوله تعالى:
لا يمسه إلا المطهرون، وكذا كل من يجب عليه غسل واجب.
والضمير في " لا يمسه " يرجع إلى القرآن لا إلى الدفتر، لقوله تعالى تنزيل من رب
العالمين، حظر الله مس القرآن مع ارتفاع الطهارة.
فإن قيل: هذا يلزمكم أن لا تجوزوا على من ليس على الطهارة الصغرى أيضا أن
يمس القرآن.
قلنا: وكذلك نقول، وإنما يجوز أن يمس حواشي القرآن وأما نفس المكتوب فلا يجوز.
وكذلك لا يمس كتابة شئ عليه اسم الله وأسماء أنبيائه وأئمته ع. ويجوز
للجنب والحائض أن يقرأ من القرآن ما شاء إلا عزائم السجود الأربع والدليل عليه - زائدا
على إجماع الفرقة - قوله: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن. فأما الحديث: ما كان يحجب رسول
الله عن قراءة القرآن إلا الجنابة، فهو الكراهة. وظاهر عموم ذلك يقتضي حال الجنابة
349

وغيرها. فإن ألزمنا قراءة السجدات، قلنا أخرجناها بدليل، وهو إجماع الطائفة
وأخبارهم.
ويمكن أن يكون هذا الفرق بين عزائم السجود وغيرها أن فيها سجودا واجبا،
والسجود لا يكون إلا على طهر - ذكره بعض أصحابنا. وهذا ضعيف لأن العلة لو كان ذلك
لما تجاوز موضع السجود إلا أن يقال: النهي عن قراءة تلك السور الأربع لحرمتها الزائدة على
غيرها، والنهي الوارد في الأحاديث بقراءة القرآن للجنب، ففي السور الأربع على الحظر وفيما
عداها على الكراهة.
باب الحيض والاستحاضة والنفاس:
قال الله تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض
ولا تقربوهن حتى يطهرن. وسبب نزول هذه الآية إنهم كانوا في الجاهلية يتجنبون مؤاكلة الحائض
ومشاربتها حتى كانوا لا يجالسونها في بيت واحد، فسألوا رسول الله ص
عن ذلك واستعلموا ذلك أ واجب هو أم لا؟ فنزلت الآية. وقيل: كانوا يستجيزون إتيان
النساء في أدبارهن أيام الحيض، فلما سألوا عنه بين تحريمه. والأول أقوى. وقالوا: إن في هذه
الآية خمسة عشر حكما، وزاد بعضهم.
والمحيض والحيض مصدر حاضت المرأة، والمحيض في الآية يصلح للمصدر
والزمان، فتقدير المصدر يسألونك عن حيض المرأة ما حكمه من المجامعة وغيرها وتقدير
الزمان يسألونك عن حال المرأة وقت الحيض ما حكمها في مجامعة الرجل إياها، والسائل
أبو الدحداح فيما روي.
وصفة الحيض هو الدم الغليظ الأسود الذي يخرج بحرارة على الأغلب، وأقل الحيض
ثلاثة أيام متواليات، ولا يعتبر التوالي فيها بعض أصحابنا إذا لم يكن بين بعض الأيام الثلاثة
وبين بعض عشرة أيام، وكلاهما على الإطلاق غير صحيح، لأن غير التتابع في ثلاثة الأيام إنما
يكون في الحبلى لم يستبن حملها، والتتابع لمن عداها على ما ذكره في الاستبصار.
وأكثر الحيض عشرة أيام، وعليه أهل العراق والحسن، وأقل الطهر عشرة أيام،
350

وخالف الجميع وقالوا خمسة عشر، وأما المستحاضة فهي المرأة التي غلبها الدم فلا يرقأ،
والسين ههنا للصيرورة، أي صارت كالحائط.
والاستحاضة دم رقيق أصفر بارد على الأغلب، وهي بحكم الطاهر إذا فعلت ما يجب
عليها. وقال قوم: تغتسل مرة ثم تتوضأ لكل صلاة. وقال قوم: تغتسل عند كل صلاة.
وعندنا لها ثلاثة أحوال: إن رأت الدم لا يظهر على القطنة فعليها تجديد الوضوء لكل صلاة
(وإن ظهر الدم على القطنة ولا يسيل فعليها غسل لصلاة الغداة وتجديد الوضوء لباقي
الصلوات) وإن ظهر الدم عليها وسأل فعليها ثلاثة أغسال عند الغداة والظهر
والمغرب.
وحكم النفاس حكم الحيض إلا في الأقل، فليس حد لأقل النفاس. وهذا يعلم بالإجماع
والسنة تفصيلا وبالكتاب جملة، قال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه.
فصل:
وقوله: قل هو أذى، معناه قذر ونجاسة، وقيل: قل يا محمد هو دم ومرض، وقيل هو
أذى لهن وعليهن لما فيه من المشقة.
فاعتزلوا النساء في المحيض، أي اجتنبوا مجامعتهن في الفرج، عن ابن عباس
وعائشة والحسن وقتادة ومجاهد، وهو قول الشيباني محمد بن الحسن، ويوافق مذهبنا.
وقيل أنه لا يحرم منها غير موضع الدم فقط، وقيل يحرم ما دون الإزار ويحل ما فوقه، وهو قول
أبي حنيفة والشافعي. والاعتزال التنحي عن الشئ.
وقيل معنى " أذى " أي ذو أذى، أي يتأذى به المجامع بنفور طبعه عما يشاهد، فلا تلزموا
أنفسكم منه أكثر من ترك مجامعتهن في ذلك الموضع، لأن من العرب من كان يتجنب المرأة
كلها تقبيلها وأن يماس بدنها، فأبطل الله هذا الاعتقاد وبين أنه أذى فقط، أي يستقذر
المجامع دم الحيض، وإنه كلفة عليهن في التكليف.
ولو قال: فاعتزلوا النساء فيه، لكان كافيا، وإنما ذكر في المحيض إيضاحا وتوكيدا
وتفخيما، ولذلك قال " ولا تقربوهن " بعد أن قال " اعتزلوا النساء " لما وصله به من ذكر
351

الغاية التي أمر باعتزالهن، وهو قوله " حتى يطهرن ".
فصل:
ومعنى " لا تقربوهن " أي لا تقربوا مجامعتهن في موضع الحيض، إلا أن اللفظ عام
والمعنى خاص، لأن العلماء مجمعون على جواز قضاء الوطر فيما بين الفخذين والأليتين وأي
موضع أراد من جسدها، وإنما اختلفوا في الدبر فمنع منه الجمهور وأجازه مالك بن أنس
وعزاه إلى نافع عن ابن عمر. وكل من أنكر ذلك قال: إن الله سماهن " حرثا "، وليس
الدبر موضع الحرث. وهذا ليس بسداد لأنهم يجوزون في غير القبل وإن لم يكن موضع
حرث.
فالجواب الصحيح: إن العلماء أجمعوا على جواز هذا ولم يجمعوا على جواز ذلك
فافترق الأمران.
مباشرة الحائض على ثلاثة أضرب: محرم بلا خلاف، ومباح بلا خلاف ومختلف فيه.
فالمحظور بلا خلاف وطؤها في الفرج لقوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإن خالف
وفعل فقد عصى الله وعليه الكفارة.
وأما المباح فما عدا ما بين السرة والركبة في أي موضع شاء من بدنها. والمختلف فيه
ما بين السرة والركبة غير الفرج، والظاهر أن هذا أيضا مباح. والآية دالة على وجوب
اعتزال المرأة والتباعد منهن في حال الحيض على ما ذكرناه، وفيها ذكر غاية التحريم
ويشتمل ذلك على فصول:
أحدها: ذكر الحيض وأقله وأكثره، وقد فصلناه.
وثانيها: حكم الوطء في حال الحيض، فإن عندنا الكفارة عليه، إن كان في أوله دينار
وفي وسطه نصف دينار وفي آخره ربع دينار. وقال ابن عباس عليه دينار ولم يفصل. وأول
الحيض وآخره مبني على أكثر أيام الحيض وهي عشرة أيام دون عادة المرأة.
وثالثها: غاية تحريم الوطي، وسيجئ ذكرها.
وقال المرتضى: من وطأ جاريته في حيضها فعليه أن يتصدق. والدليل عليه: إنا قد
352

علمنا أن الصدقة بر وقربة وطاعة لله تعالى، فهي داخلة تحت قوله: وافعلوا الخير، وأمره
بالطاعة مما لا يحصى من الكتاب، وظاهر الأمر يقتضي الإيجاب في الشريعة، فينبغي أن تكون
الصدقة واجبة. ويثبت له حكم الندب بدليل قاد إلى ذلك، ولا دليل ههنا يوجب العدول
عن الظواهر. فأنعم النظر كيف ألزم القوم الذين خالفوه من طريقهم.
فصل:
وقوله: حتى يطهرن، بالتخفيف معناه حتى ينقطع الدم عنهن، وبالتشديد معناه حتى
يغتسلن، وقال مجاهد وطاووس معنى " يطهرن " بتشديد يتوضأن، وهو مذهبنا. وأصله
يتطهرن فأدغم التاء في الطاء.
وعندنا يجوز وطء المرأة إذا انقطع دمها وطهرت وإن لم تغتسل إذا غسلت فرجها.
وفيه خلاف، فمن قال: لا يجوز وطؤها إلا بعد الطهر من الدم والاغتسال. تعلق بالقراءة
بالتشديد، وأنها تفيد الاغتسال. ومن جوز وطؤها بعد الطهر من الدم قبل الاغتسال تعلق
بالقراءة بالتخفيف، وهو الصحيح، لأنه يمكن في قراءة التشديد أن يحمل على أن المراد به
يتوضأن على ما حكيناه عن طاووس وغيره، ومن عمل بالقراءة بالتشديد يحتاج أن يحذف
القراءة بالتخفيف أو يقدر محذوفا، بأن يقول: تقديره حتى يطهرن ويتطهرن.
وعلى مذهبنا لا يحتاج إلى ذلك، لأنا نعمل بالقراءتين، فإنا نقول: يجوز وطء الرجل
زوجته إذا طهرت من دم الحيض وإن لم تغتسل متى مست به الحاجة. والمستحب أن
لا يقربها إلا بعد التطهير والاغتسال، والقراءتان إذا صحتا كانتا كآيتين يجب العمل
بموجبهما إذا لم يكن نسخ. ومما يدل على استباحة وطئها إذا طهرت وإن لم تغتسل، قوله:
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، وقوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم، قال
المفسرون: إن اليهود قالوا من أتى زوجته من خلفها في قبلها يكون الولد أحول، فكذبهم
الله وأباح ما حضروه، فعموم هذه الظواهر يتناول موضع الخلاف، ويقطع كل اعتراض عليه
قوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن، إذ لا شبهة في أن المراد بذلك انقطاع الدم دون الاغتسال،
لأن " طهرت المرأة " في الشرع بخلاف " طمثت " وإن كان في الأصل هو ضد النجاسة، يقال
353

طهرت المرأة فهي طاهرة إذا لم يكن عليها نجاسة، وطهرت فهي طاهر إذا لم تكن حائضا.
والخطاب إذا ورد من الحكيم ويكون فيه وضع اللغة وعرف الشرع يجب حمله على
العرف الشرعي إذا كان واردا لحكم من أحكام الشرع. ولأن جعله تعالى انقطاع الدم غاية
يقتضي أن ما بعده بخلافه، فالحيض كما ذكر الله تعالى مانع وليس وجوب الاغتسال مانعا.
وطهرت بالفتح أقيس لقولهم طاهر، كقولهم قعد فهو قاعد. ومن حيث الطبيعة طهرت
أولى في المعنى. والقراءة بالتشديد: لا بد من أن يكون المراد بها الطهارة، فإن كان المعنى
التوضؤ - كما ذكرناه - فلا كلام، وإن كان الاغتسال فنحمله على الاستحباب.
فصل:
وقوله: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، أي إذا اغتسلن، وقيل: إذا
توضأن، وقيل: إذا غسلن الفرج. " فأتوهن " أي فجامعوهن، وهو إباحة كقوله: وإذا حللتم
فاصطادوا، وكقوله: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله، وأما قوله: من حيث أمركم الله،
(فمعناه من حيث أمركم الله) بتجنبه في حال الحيض، وهو الفرج، وقيل: من قبل الطهر
دون الحيض. وقال محمد بن الحنفية: أي من قبل النكاح دون الفجور. والأول أليق بالظاهر،
وإن كان العموم يحتمل جميع ذلك، وكذا يحتمل أن يكون المراد من حيث أباح الله لكم دون
ما حرمه عليكم من إتيانها وهي صائمة واجبا أو محرمة أو معتكفة - على بعض الوجوه
ذكره الزجاج، والعموم يشمل الجميع.
فغاية تحريم الوطء مختلف فيها: فمنهم من جعل الغاية انقطاع الدم حسب
ما قدمناه، ومنهم من قال إذا توضأت أو غسلت فرجها حل وطؤها وإن كان الأولى أن
لا يقربها إلا بعد الغسل وهو مذهبنا، ومنهم من قال إذا انقطع دمها واغتسلت حل وطؤها
عن الشافعي، ومنهم من قال إذا كان حيضها عشرا فنفس انقطاع الدم يحللها للزوج وإن
كان دون العشر فلا يحل وطؤها إلا بعد الغسل أو التيمم أو مضى وقت صلاة عليها عن أبي
حنيفة.
354

فصل:
وقوله: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، قال عطاء: المتطهرين بالماء، وقال
مجاهد: المتطهرين من الذنوب، والأول مروي في سبب نزول هذه الآية، والعموم يتناول
الأمرين. وإنما قال " المتطهرين " ولم يذكر المتطهرات لأن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا فالغلبة
للمذكر، كما قدمناه في قوله: يا أيها الذين آمنوا. وقيل " التوابين " من الذنوب و " المتطهرين "
بالماء.
ولو قلنا المراد به الرجال دون النساء - لأن الخطاب بالأمر والنهي معهم دونهن لقوله:
فاعتزلوا النساء في المحيض، و " لا تقربوهن " لكان أولى ولم يحتج إلى عذر. ويستدل بهذه
الآية أيضا على استحباب غسل التوبة، وكذا على ما ذكرناه من أنهن لا يقربن إلا بعد
الاغتسال.
باب أحكام المياه:
قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماءا طهورا، أي طاهرا مطهرا مزيلا للأحداث
والنجاسات مع طهارته في نفسه، ووصف الله الماء بكونه طهورا مطلقا يدل على أن
الطهورية صفة أصلية للماء ثابتة له قبل الاستعمال، بخلاف قولهم ضارب وشاتم ومتكلم،
لأنه إنما يوصف به بعد ضربه وشتمه وكلامه، ولذلك لا يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء.
وكذا لا يجوز الوضوء به والغسل لأنه تعالى نقل الحكم من الماء المطلق إلى التيمم،
ومعناه أنه أوجب التيمم على من لم يجد الماء، وهذا غير واجد للماء، لأن المائع ليس بماء لأنه
لا يسمى ماءا. وأيضا فقوله " فتيمموا " الفاء فيه يوجب التعقيب بلا خلاف. ووجه الدلالة
أن الله تعالى قال " وأنزلنا من السماء ماء طهورا "، فأطلق على ما وقع عليه اسم الماء، فإنه
طهور سواء أنزل من السماء أو نبع من الأرض عذبا كان أو ملحا باردا أو مسخنا واقفا
أو جاريا ماء البحر أو البر أو البئر أو العين.
وقال ابن بابويه: أصل جميع الماء من السماء لقوله: وأنزلنا من السماء ماءا طهورا،
والطهور هو المطهر في اللغة، فيجب أن يعتبر كلما يقع عليه اسم الماء بأنه طاهر مطهر
355

إلا ما قام الدليل على تغير حكمه أو أنه غير مطهر وإن كان طاهرا لكونه مضافا.
فصل:
فإن قيل: " الطهور " لا يفيد في لغة العرب كونه مطهرا.
قلنا: هذا خلاف على أهل اللغة، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل: هذا ماء طهور، و:
هذا ماء مطهر، بل الطهور أبلغ. وأيضا وجدنا العرب تقول " ماء طهور " و " تراب طهور "
ولا يقولون " ثوب طهور " ولا " خل طهور " لأن التطهير ليس في شئ من ذلك، فثبت أن
الطهور هو المطهر.
فإن قيل: كيف يكون الطهور هو المطهر واسم الفاعل منه غير متعد.
قلنا: هذا كلام من لم يفهم معاني الألفاظ العربية، وذلك أنه لا خلاف بين أهل النحو أن
اسم المفعول موضوع للمبالغة وتكرر الصفة، فإنهم يقولون: فلان ضارب، فإذا تكرر منه
ذلك وكثر قالوا: ضروب، وإذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ولا يتزايد فينبغي أن
يعتبر في إطلاق الطهور عليه غير ذلك وليس بعد ذلك إلا أنه مطهر، ولو حملناه على ما حملنا
عليه لفظة طاهر لم يكن فيه زيادة فائدة.
فصل:
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به، فكل ما وقع
عليه اسم الماء المطلق يجب أن يكون مطهرا بظاهر اللفظ إلا ما خرج بالدليل. وقوله " ماءا "
يعني مطرا وغيثا. وقوله: ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، قال ابن عباس: معناه
يذهب عنكم وسوسة الشيطان، فإن الكفار غلبوكم على الماء حتى تصلوا وأنتم مجنبون،
وذلك أن يوم بدر وسوس الشيطان إلى المسلمين وكان الكفار نزلوا على الماء، فقال لعنه الله:
تزعمون أيها المسلمون أنكم على دين الله وأنتم على غير الماء وعدوكم على الماء. فأرسل
الله عليهم المطر فشربوا واغتسلوا وأذهب به وسوسة الشيطان، وكانوا على رمل تغوص
فيه الأقدام، فشده المطر حتى ثبتت عليه الأرجل وهو قوله: ويثبت به الأقدام. والهاء في " به "
356

راجعة إلى الماء.
وقد أطبق المفسرون على أن " رجز الشيطان " في الآية المراد به أثر الاحتلام فإن
المسلمين كان أكثرهم احتلموا ليلتئذ، فأنزل الله المطر وطهرهم به.
والتطهير لا يطلق في الشرع إلا بإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة، وقد أطلق الله
عليه اسم التطهير. وقال الجبائي: إنما ذكر " الرجز " وكنى به عن الاحتلام لأنه بوسوسة
الشيطان.
فصل:
ولا بأس بأن يشرب المضطر من المياه النجسة، ولا يجوز شربها مع الاختيار. وليس
الشرب منها مع الاضطرار كالتطهر، لأن التطهر قربة إلى الله، والتقرب إليه تعالى لا يكون
بالنجاسات. ولأن المحدث يجد في إباحته للصلاة بدلا من الماء عند فقده، قال تعالى:
فلم تجدوا ماءا فتيمموا. ولا يجد المضطر بالعطش بدلا من الماء غيره، فإذا وجد الماء وكان
نجسا رخص الله له في تناوله مقدار ما يمسك به رمقه.
ويدل على استباحة الماء النجس في حال الاضطرار أن الله أباح كل محرم عند
ضرورة، حيث قال: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن
اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم عليه. فبين أنه لا إثم على متناول هذه المحظورات عند الضرورة.
فصل:
والماء إذا خالطه من الطاهرات ما غير لونه أو طعمه أو رائحته، فإنه يجوز التوضؤ به
ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء عليه، لأن الله أوجب التيمم عند فقد الماء بقوله: فلم تجدوا ماء
فتيمموا، ومن وجد ماءا على تلك الصفة فهو واجد للماء قال الصادق ع: الماء
كله طاهر حتى يعلم أنه قذر.
ولا خلاف أن الماء له حكم التطهير إذا كان على خلقته، والخلاف في أنه إذا خالطه
غيره أو استعمل. وقيل إذا اغتسل به جنب خرج عن بابه، ومنهم من كره التطهير به بعد
357

ذلك. وقال المرتضى: يجوز إزالة النجاسات بالمائعات، لأن الغرض بإزالة النجاسة أن
لا تكون، وأسباب أن لا تكون النجاسة لا تختلف. قال: والدليل عليه أن لا يختلف بين أن
لا تكون أصلا وبين إزالتها، فإذا كان هكذا فمتى أزيلت مشى ما ذكرناه وقد سقط حكمها.
وقال الشيخ أبو جعفر: إن كان ذلك كذلك عقلا، فإنا متعبدون شرعا أن لا نزيل النجاسة
إلا بالماء المطلق.
فصل:
ومن لا يجد ماءا ولا ترابا نظيفا، قال أبو حنيفة: لا يصلى، وعندنا أنه يصلى ثم يعيد
بالوضوء أو التيمم، وبذلك نص عن آل محمد ع، ويؤيده. قوله تعالى: إن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، وقوله: أقم الصلاة لدلوك الشمس، الآية.
والأمر على الوجوب إلا أن يدل (ولا دليل) على ما يدعيه الخصم، وقد بين النبي
ع أحكام المياه وما ينجسها وما يزيل حكم نجاستها بالزيادة أو النقصان على
ما أمره الله بعد أن علمه تعالى فقال: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، أي
أنزلنا إليك القرآن يا محمد لتبين للناس ما نزل إليهم من الأحكام على ما علمناك. وأمر جميع
الأمة باتباعه والأخذ منه جملة وتفصيلا فقال: ما آتاكم الرسول فخذوه.
فإن قيل: كيف لكم وجه الاحتجاج بالأخبار التي تروونها أنتم عن جعفر بن محمد
وآبائه وأبنائه ع على من خالفكم؟
قلنا: إن الله تعالى قال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وهذا على
العموم، وقد ثبت بالأدلة إمامة الصادق ع وعصمته، وإن قوله وفعله حجة،
فجرى قوله من هذا الوجه مجرى قول الرسول، على أنه ع صرح بذلك وقال:
كلما أقوله فهو عن أبي عن جدي عن رسول الله عن جبرئيل عن الله.
ومن وجه آخر، وهو أن النبي ص قال: إني مخلف فيكم الثقلين
ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، الخبر. فجعل عترته في باب الحجة مثل كتاب
الله، ولا شك أن هذا الخطاب إنما يتناول علماء العترة الذين هم أولوا الأمر، وهم الصادق
358

وآباؤه وأبناؤه الاثنا عشر ع، وكلما يصدر عنهم من أحكام الشرع عن رسول
الله عن الله تعالى يجب على من خالفنا العمل عليه، سواء أسندوا أو أرسلوا. وكيف لا وهم
يعملون على ما رواه مثل أبي هريرة وأنس من أخبار الآحاد.
وهذا السؤال يعتمده مخالفونا في جميع مسائل الشرع، وهو غير قادح.
فصل:
وقوله تعالى: إنما المشركون نجس، يدل على أن سؤر اليهودي والنصراني وكل
كافر أصلي أو مرتد أو ملي نجس. وفي الآية شيئان تدل على المبالغة في نجاستهم:
أحدهما: قوله: إنما المشركون، فهو أبلغ في الإخبار بنجاستهم من أن يقال: المشركون
نجس، من غير إنما، فإن قول القائل: إنما زيد خارج، عند النحويين بمنزلة: ما خارج إلا زيد.
والثاني: قوله " نجس " وهو مصدر، ولذلك لم يجمع، والتقدير إنما المشركون
ذوو نجاسة. وجعلهم نجسا مبالغة في وصفهم بذلك، كما يقال " ما هو إلا سير " إذا وصف
بكثرة السير، وكقوله:
فإنما هي إقبال وإدبار
وليس لأحد أن يقول: المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين، لأن حقيقة هذه اللفظة
تقتضي نجاسة العين في الشرع وإنما يحمل على الحكم تشبيها ومجازا، والحقيقة أولى من
المجاز باللفظ، على أنا نحمله على الأمرين لأنه لا مانع من ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وهذا عام في جميع
ما شربوا وعالجوا بأيديهم.
قلنا: يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم، وتحمل هذه الآية على أن
المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو عالجوه على أن ما في طعام
أهل الكتاب ما يغلب على الظن أن فيه خمرا أو لحم خنزير، فلا بد من اخراجه من هذا
الظاهر، وإذا أخرجناه من الظاهر لأجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بينا نجسا أخرجناه
أيضا من الظاهر.
359

فصل:
عن أبي بصير: سألت أبا عبد الله ع عن الجنب يدخل يده في الإناء. قال:
إن كانت قذرة فليهرقه، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه، هذا مما قال الله تعالى:
ما جعل عليكم في الدين من حرج.
وسئل أيضا عن الجنب يغتسل فينتضح منه من الماء في الإناء؟ فقال: لا بأس، هذا مما
قال الله: ما جعل عليكم في الدين من حرج.
وإذا صافح المسلم الكافر أو من كان حكمه حكمه ويده رطبة بالعرق أو غيره غسلها
من مسه بالماء البتة، وإذا لم يكن في يد أحدهما رطوبة مسحها بالحائط لأنه تعالى قال " إنما
المشركون نجس "، فحكم عليهم بالنجاسة بظاهر اللفظ، فيجب أن يكون ما يماسونه نجسا
إلا ما أباحته الشريعة.
فإن قيل: هل يجوز الوضوء والغسل بماء مستعمل.
قلنا: يجوز ذلك فيما استعمل في الوضوء ولا يجوز فيما استعمل في غسل الجنابة والحيض
وأشباههما مما يزال به كبار النجاسات، وبذلك نصوص عن أئمة الهدي ع.
وفي تأييد جواز ما استعمل في الوضوء قوله: فلم تجدوا ماءا فتيمموا. وهذا الضرب من
الماء مستحق للاسم على الإطلاق، وفي منع ما سواه نص ظاهر واحتياط للصلاة - قاله
الشيخ المفيد.
وقال المرتضى: يجوز استعمال الماء المستعمل في الأغسال الواجبة أيضا إذا لم تكن
نجاسة على البدن، لعموم هذه الآية. وقد أشرنا في الباب الأول إلى هذا.
فصل فيما ينقض الطهارتين:
نواقضهما عشر بإجماع الفرقة المحقة والكتاب والسنة جملة وتفصيلا.
أما النوم فإن آية الطهارة تدل بظاهرها على أنه حدث ناقض للوضوء، وإنما يوجب
إعادته على اختلاف حالات النائم إذا أراد الصلاة، وقد نقل أهل التفسير وأجمعوا على
أن المراد بقوله: إذا قمتم إلى الصلاة، إذا قمتم من النوم، وهذا الظاهر يوجب الوضوء
360

من كل نوم.
وقال زيد الشحام: سألت أبا عبد الله ع عن الخفقة والخفقتين. فقال:
ما أدري ما الخفقة والخفقتان، إن الله يقول: بل الانسان على نفسه بصيرة، إن عليا
ع كان يقول: من وجد طعم النوم أوجب عليه الوضوء.
وعن ابن بكير قلت للصادق ع: ما يعني بقوله: إذا قمتم إلى الصلاة؟
قال: إذا قمتم من النوم، قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم إذا كان يغلب على
السمع ولا يسمع الصوت.
والجنابة تنقض الوضوء على أي وجهيها حصلت وتوجب الغسل أيضا، قال
تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وكذا الحيض قال تعالى: ويسألونك عن المحيض، الآية،
والسكر المزيل للعقل ينقض الوضوء فقط، وكذلك الغائط قال تعالى: ولا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى، إلى قوله: أو جاء أحد منكم من الغائط. وما سواها من النواقض يعلم
بالتفصيل من السنة وإنما يعلم من القرآن على الجملة.
وروي أن النبي ع قال لأهل قبا: ما ذا تفعلون في طهركم، فإن الله أحسن
عليكم الثناء، فقالوا: نغسل أثر الغائط، فقال: أنزل الله فيكم: والله يحب المطهرين.
فقوله: رجال يحبون أن يتطهروا، أي يتطهرون بالماء من الغائط والبول، وهو المروي
عن الباقر والصادق ع. وروي في تفسير قوله: ويضع عنهم إصرهم، أي بني
إسرائيل إذا أصاب البول شيئا من جسدهم قطعوه بالسكين.
باب توابع الطهارة:
قد بينا أن من شرط فرض الصلاة الذي لا تتم إلا به الطهور، وهو ينقسم على
ثلاثة أضرب: وضوء وغسل وتيمم بدلهما وكما لا يجوز الدخول في الصلاة مع عدم الطهارة
في أكثر الحالات لا يجوز الدخول فيها مع نجاسة على البدن أو الثياب اختيارا، قال تعالى:
وثيابك فطهر والرجز فاهجر.
حمل هذه الآية أهل التفسير على الحقيقة والمجاز:
361

أما الحقيقة فظاهر، أي فطهر ثيابك من كل نجاسة للصلاة فيها، قال ابن سيرين
وابن زيد: اغسلها بالماء، وقيل: معناه شمر ثيابك. ورأى على ع من يجر ذيله
لطوله، فقال له: قصر منه فإنه أتقى وأنقى وأبقى.
وأما من حمله على المجاز فقال: كأنه تعالى قال: وبدنك فطهر أو نفسك فطهر
كما يقال: فلان طاهر الثوب، أي طاهر النفس، كقول امرئ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
ولا مانع للحمل على الحقيقة والمجاز معا لفقد التنافي بينهما فيجب إجراؤه على العموم
فيهما لفقد المخصص، والقرينة على أن الحقيقة أصل والمجاز فرع عليه، والحمل على
الأصل أولى، والأمر شرعا على الوجوب. ويدل عليه أيضا قوله: ويحرم عليهم الخبائث، ولم
يفرق بين الظاهر والخفي ولا بين القليل والكثير.
فصل:
وقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، عن ابن عباس: إن الله أمر بعشر
سنن خمس في الرأس وخمس في البدن، أما التي في الرأس فالمضمضة والاستنشاق والفرق
وقص الشوارب والسواك، وأما التي في الجسد فالختان وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف
الإبطين والاستنجاء بالماء. وبه قال قتادة وأبو الخلد. وقال تعالى: ملة أبيكم إبراهيم، أي
اتبعوا ملته فإنها داخلة في ملة نبينا مع زيادات.
فصل:
وإنما نتكلم في النجاسات التي خالفونا فيها احتجاجا عليهم:
اعلم أن المني نجس لا يجزئ فيه إلا الغسل عندنا، والدليل عليه - بعد إجماع
الطائفة - قوله: وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان،
فإن المفسرين قالوا: إنه تعالى أراد به أثر الاحتلام - على ما قدمناه.
والآية دالة على نجاسة المني من وجهين:
362

أحدهما: أن الرجس والرجز والنجس بمعنى واحد، لقوله: والرجز فاهجر، ولقوله:
فاجتنبوا الرجس.
والوجه الثاني: إنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير، وهو في الشرع إزالة النجاسة.
ودم الحيض نجس قليله وكثيره لا يجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه شئ قليل
والدليل عليه آية المحيض فإنها على العموم. والخمر وكل مسكر نجس، يدل عليه آية
تحريمه، وهي على العموم أيضا وأما الغائط فيمكن أن يستدل على نجاسته بآية الطهارة.
والفقاع وغيره من النجاسات تدل على نجاستها السنة على سبيل التفصيل
والقرآن على الاجمال، قال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقد
نهى عنه.
فصل:
والدم الذي ليس بدم حيض ونفاس واستحاضة يجوز الصلاة في ثوب أو بدن
أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي، وما زاد على ذلك لا يجوز الصلاة فيه.
واحتجاجنا عليه من الكتاب - مضافا إلى الاجماع - قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا، فجعل تطهير الأعضاء الأربعة مبيحا للصلاة، فلو تعلقت الإباحة بغسل
نجاسة لكان ذلك زيادة لا يدل عليها الظاهر لأنه بخلافها، ولا يلزم على هذا ما زاد على
الدرهم.
وما عدا الدم من سائر النجاسات من بول أو عذرة ومني وغيرها وإن كان قليلا يجب
إزالته لأن الظاهر - وإن لم يوجب ذلك - فقد عرفناه بدليل أوجب الزيادة على الظاهر،
وليس في ذلك يسير الدم.
وتلك الدماء الثلاثة للنساء تختص في الأكثر بأوقات معينة يمكن التحرز منها، وباقي
الدماء بخلاف ذلك، وإنما فرقنا بين الدم وبين البول والمني وسائر النجاسات في اعتبار
الدرهم لإجماع الطائفة وأخبارهم. ويمكن أن يكون الوجه فيه أن الدم لا يوجب خروجه من
الجسد - على اختلاف مواضعه - وضوءا إلا ما ذكرناه، والبول والعذرة والمني يوجب خروج
363

كل واحد منها الطهارة، فغلظت أحكامها من هذا الوجه على حكم الدم.
فصل:
فأما من كان به بثور يرشح منها الدم دائما لم يكن عليه حرج في الصلاة به، وكذا
إن كان به جراح ترشح دما وقيحا فله أن يصلى فيها وإن كثر ذلك، يدل عليه قوله: ما جعل
عليكم في الدين من حرج، ونحن نعلم لو ألزم المكلف إزالة ذلك لحرج به وربما تفوته
الصلاة مع ذلك فأباحه الله رأفة بعباده.
والآية دالة أيضا على أن حكم الثوب إذا أصابه دم البق والبراغيث فلا حرج أن
يصلى فيه وإن كان كثيرا لأنه مما لا يمكن التحرز منه وإنه تعالى رفع الحرج عن المكلفين.
وقد قدمنا أن الخمر ونبيذ التمر الذي نش وكل مسكر لا يجوز الصلاة فيه وإن كان
قليلا حتى يغسل بالماء، ويدل عليه قوله: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس، وإذا
ثبت أنه نجس يجب إزالته، ثم قال " فاجتنبوه "، أمر باجتناب ذلك على كل حال. وظاهر
أمر الله شرعا على الإيجاب فيجب اجتناب ما يتناول اللفظ على كل وجه.
باب الزيادات في الخبر:
إذا سمعت الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارع لها سمعك فإنها لأمر يؤمر به
أو لنهي ينهى عنه. وقال الصادق ع: لذة ما في النداء أزالت تعب العبادة والعناء.
وقوله: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، يدل على أنه يكره أن يستعين الانسان في الوضوء
أو الغسل بمن يصب الماء عليه، بل ينبغي أن يتولاه بنفسه، ومن وضأه غيره وهو متمكن
منه لم يجزئه، وكذلك في الغسل إذا تولاه غيره مع تمكنه لا يكون مجزئا، لقوله: فاغسلوا
وجوهكم، و: إن كنتم جنبا فاطهروا، فإنه إذا لا يكون متطهرا، فإن كان عاجزا عن الوضوء
أو الغسل لمرض أو ما يقوم مقامه بحيث لا يتمكن منه لم يكن به بأس، لقوله " ما جعل
عليكم في الدين من حرج ".
364

مسألة:
إن قيل: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل في قوله: إذا قمتم إلى الصلاة.
قلنا: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه ويقع على وجه دون وجه بإرادته له،
فكما يعبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الانسان لا يطير والأعمى لا يبصر، أي
لا يقدران على الطيران والأبصار، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، فأقيم ما هو
كالمسبب مقام ما هو كالسبب للملابسة بينهما، ولا مجاز في الكلام.
مسألة:
فإن قيل: ظاهر الأمر يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث.
قلنا: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة.
فإن قيل: هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم، لهؤلاء على وجه الإيجاب
ولهؤلاء على وجه الاستحباب؟
قلنا: نعم هذا من الصواب لأنه لا مانع من أن تتناول الكلمة الواحدة معنيين مختلفين.
مسألة:
أما ما روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من الصحابة
حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا أحدهم
ليصلي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون أنتم عابدون ما أعبد، فنزل: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، فكانوا لا يشربون في أوقات الصلاة، فإذا
صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون، ثم نزل
تحريمها.
فهذه الرواية غير صحيحة، فالخمر كانت محرمة في كل ملة على ما نذكره في بابه.
365

مسألة:
فإن قيل: ما محل قوله: إلا عابري سبيل من الإعراب؟
قلنا: من فسر الصلاة في الآية بمواضع الصلاة - وهي المساجد - فحذف المضاف فهو
في موضع الحال، أي لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين منه إذا كان فيه الطريق إلى الماء
أو كان الماء منه أو احتلم فيه. وكان النبي ص لم يأذن لأحد يمر في مسجده وهو
جنب إلا لعلي ع حتى سد الأبواب كلها إلا بابه.
وأما من حمل الآية على ظاهرها - وهو بعيد - فقال: معناه لا تقربوا الصلاة في حال
الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر، وعبور السبيل عنده عبارة،
عن السفر، فقد ترك مجازا ووقع في مجازين.
وإن زعم أنه صفة لقوله " جنبا " أي ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابري سبيل، فإنه
لا تصح صلاتهم على الجنابة لعذر السفر، حتى يغتسلوا أو يتيمموا عند العذر، وهذا
يستوي فيه المقيم والمسافر.
مسألة:
فإن قيل: إن الله تعالى أدخل في حكم الشرط أربعة، وهم المرضى والمسافرون
والمحدثون وأهل الجنابة، فبمن تعلق الجزاء - الذي هو الأمر بالتيمم عند عدم الماء منهم؟
قلنا: الظاهر أنه يتعلق بهم جميعا، وإن المرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم
عن الوصول إليه أو مع وجدانهم الماء لا يمكنهم استعمال الماء لجرح أو قرح بهم فلهم أن
يتيمموا، وكذلك السفر إذا عدموه لبعدهم منه أو لبعض الأسباب التي هي في الشرع عذر،
والمحدثون وأهل الجنابة كذلك إذا لم يجدوه لبعض الأسباب.
مسألة:
فإن قيل: كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين
والمجنبين، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة، والأحداث سبب لوجوب
366

الوضوء والغسل.
قلنا: أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهير وهم عادمون للماء في
التيمم، فخص من بينهم مرضاهم وسفرهم، لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة
لهم لكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة لغرضه، ثم عم من وجب
عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة
المرض والسفر.
مسألة:
الدلك في غسل الجنابة غير واجب بدلالة قوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا، واسم الاغتسال ثابت مع عدم الدلك للجوارح والبدن، فبطل قول من أوجبه، إذ
ليس بعد امتثال الأمر بالغسل أمر آخر، وذلك البدن معنى زائد على الغسل، وإيجاب
ما زاد على المأمور به لا يكون من جهة الشرع إلا أن يريد به احتياط المغتسل في إيصال
الماء إلى أصل كل شعر من رأسه وبدنه.
مسألة:
فإن قيل: مم اشتقاق الجنابة؟
قلنا: من البعد، فكأنه سمى به لتباعده عن المساجد إلى أن يغتسل، ولذلك قيل
" أجنب ".
وقال ابن عباس: الانسان لا يجنب والثوب لا يجنب، فإنه أراد به أن الانسان لا يجنب
بمماسة الجنب، وكذا الثوب إذا لبسه الجنب.
مسألة:
الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره، وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب
المتيمم يده عليه لكان ذلك طهوره، وهو مذهب أبي حنيفة أيضا.
367

فإن قيل: فما يصنع بقوله في المائدة: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، أي بعضه،
وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه؟
قلنا: قالوا أن " من " لابتداء الغاية. على أنه لو كان للتبعيض لا يلزم ما ذكر لأن التيمم
بالتراب عند وجوده أولى منه بالصخر، وكون الغبرة على الكفين لا اعتبار بها.
مسألة:
المحيض مصدر مثل المجئ، وكانت الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يساكنوها في
بيت كفعل اليهود والمجوس، وأخرجوهن من بيوتهن في صدر الاسلام أيضا بظاهر قوله:
فاعتزلوا النساء، فقال ع: إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم
بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم.
مسألة:
وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: قد أفلح من تزكى، معناه أفلح من تطهر
للصلاة وتوجه بذكر الله فصلى الصلوات الخمس.
368