الكتاب: المرتقى إلى الفقه الأرقى
المؤلف: السيد محمد الروحاني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠ - ١٣٧٨ ش
المطبعة: ستارة
الناشر: دار الجلي
ردمك: ٢-٤٤-٥٩٧٢-٩٦٤
ملاحظات: تقريراً لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني /٩٦٤-٥٩٧٢-٤٢-٢

المرتقى
إلى الفقه الأرقى
كتاب الخيارات
الجزء الثاني
تقريرا لأبحاث
سماحة آية الله العظمى
السيد محمد الحسيني الروحاني
الشهيد آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم
دار الجلي
1

حكيم، عبد الصاحب، 1319 - 1361.
المرتقى إلى الفقه الأرقى: كتاب الخيارات
تقريرا لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني،
عبد الصاحب الحكيم. - تهران: دار الجلي، 1378.
2 ج
(دوره) 2 - 44 - 5972 - ISBN 964
فهرستنويسي بر أساس اطلاعات فيپا.
عربي.
كتابنامه.
1. خيارات. ألف. روحاني، محمد، 1298 - 1376
مصحح. ب. عنوان.
4 م 8 ح / 2 / BP 190 372 / 297
كتابخانه ملي إيران 16728 - 78 م
المرتقى إلى الفقه الأرقى
كتاب الخيارات / ج 1
آية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم
باهتمام: القسم الثقافي لمكتب آية الله العظمى الروحاني قدس سره
نضد الحروف والتصحيح: القسم الفني
الألواح الحساسة: تيزهوش: المطبعة: ستاره، التجليد: بيروت
الناشر: دار الجلي
الطبعة الأولى / 1378 ش = 1420 ق
كمية الطبع 3000 نسخة
(دوره) 2 - 44 - 5972 - 964 شابك
(ج. 2) 6 - 42 - 5972 - 964 شابك
جميع حقوق الطبع - عرفا وشرعا - محفوظة للناشر
دار الجلي: تلفون: 09112274977 - فاكس - 731519 (0251)
2

بسم الله الرحمن الرحيم
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي
أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في
عبادك الصالحين. (27: 19)
يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا
ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق
علينا إن الله يجزي المتصدقين. (12: 88)
3

السادس:
خيار الرؤية
وقد حدد الشيخ (قدس سره) (1) موضوعه برؤية المبيع على خلاف ما اشترط فيه
المتبايعان، ونحن لا نوقع البحث في ذلك فعلا، فسيأتي تفصيل القول فيه.
وإنما نوقع الكلام فعلا في دليل الخيار على إجمال موضوعه، فنقول: إنه يستدل
على ثبوت خيار الرؤية بوجوه:
الأول: الاجماع. وفيه: أنه لا يقطع بأنه إجماع تعبدي بعد وجود غيره من
الوجوه التي يستدل بها.
الثاني: حديث نفي الضرر، فإن لزوم البيع ضرري على المشتري إذا انكشف
كون المبيع على خلاف الوصف الذي كان يتخيله.
وفيه: ما تقدم في خيار الغبن من نفي دلالة حديث رفع الضرر على ثبوت الخيار،
فلا نعيد.
الثالث: وهو العمدة، النص الدال على الخيار، وهو روايتان:
الأولى: رواية جميل بن دراج (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها
(ففتشها) ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه لو

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 248، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 15: من أبواب الخيار، ح 1.
5

قلب منها ونظر إلى تسع وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك
خيار الرؤية ".
والثانية: رواية زيد الشحام (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم، فقال: لا تشتر شيئا حتى تعلم أين تخرج
السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج ".
أما رواية جميل، فقد حملها المحقق الإيرواني (رحمه الله) (2) على إرادة الخيار بالمعنى
اللغوي الثابت في بيع الفضولي وبيع المكره عند زوال الاكراه، يعني أن أمر المعاملة
بيده إن شاء أمضاها وإن شاء ردها، لاستظهاره كون مفروض السؤال هو وقوع
البيع على المجهول فيكون البيع باطلا لكونه غرريا، سواء أريد الخيار في بيع القطعة
التي لم يرها خاصة أو في بيع المجموع بلحاظ أن الجهل بجزء المبيع يكون جهلا
بالمجموع بما هو كذلك.
ولكن الشيخ (قدس سره) (3) لاستظهاره صراحتها في إرادة الخيار الاصطلاحي المتفرع
على صحة المعاملة قال: " لا بد من حملها على صورة يصح معها بيع الضيعة إما
بوصف القطعة غير المرئية أو بدلالة ما رآه منها على ما لم يره ".
إلا أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (4) استظهر أن صدر الرواية ظاهر في علم المشتري
بالأرض بحيث لم يقدم على المجهول إما لرؤية الكل بالرؤية العابرة المسامحية الرافعة
للغرر، أو لرؤيته البعض خاصة. وإنما اعتقد أن الجميع كذلك لاعتقاده تشابه أجزاء
الأرض. وعدم الرؤية المذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) على الأول يراد بها الرؤية
الدقية في مقام التعامل.
وهذا الاستظهار حسن. إذن فموضوع السؤال في الرواية هو المعاملة

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 15: من أبواب الخيار، ح 2.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 47، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 249، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 87، الطبعة الأولى.
6

الصحيحة، فلا وجه لحمل الخيار فيها على المعنى اللغوي، بل يراد به المعنى
الاصطلاحي.
ثم إن المشار إليه بقوله " في ذلك " إن كان بيع مجموع الأرض، فتوجيه ثبوت
الخيار فيه - مع أنه لم ير البعض خاصة الذي مقتضاه ثبوت خيار الرؤية في البعض -
هو أن الخيار في بعض الأرض لما كان مستلزما للتعريض لتبعض الصفقة حكم
بالخيار في المجموع رأسا جمعا بين الملاكين، فيثبت خيار واحد في المجموع.
وإن كان المشار إليه خصوص القطعة التي لم يرها فيثبت الخيار فيها خاصة، ثم
مع الفسخ يثبت خيار تبعض الصفقة، فيتعدد الخيار.
والوجه في هذا التردد هو: أن اسم الإشارة هل يرجع إلى القطعة التي لم يرها
باعتبار قرب المرجع، أو يرجع إلى الكل بملاحظة كون المسؤول عنه هو المجموع،
ومقتضى تطابق الجواب مع السؤال هو الرجوع إلى الكل.
ولا يخفى أنه مع الشك في تعيين المرجع يحكم بتأثير الفسخ في البعض خاصة،
وذلك لا من جهة أن الخيار فيه متيقن وفي الزائد عليه مشكوك، إذ الخيار حق واحد
فإما أن يتعلق بالمجموع أو بالبعض، ولا يتعدد الحق المجعول بتعدد أجزاء المبيع، بل
من جهة العلم التفصيلي - على كلا التقديرين - بتأثير الفسخ في رفع تأثير العقد
بالنسبة إلى البعض، ونشك في تأثيره في الزائد عليه.
وبعبارة أخرى: يعلم تفصيلا بتخصيص عموم اللزوم بمقدار البعض لا أكثر.
هذا، والظاهر هو رجوع اسم الإشارة إلى القطعة التي لم يرها لا إلى مجموع
الأرض، ولا ظهور للسؤال في عدم رؤية البعض بل يمكن أن يكون قد رأى الكل
لكن بالرؤية المسامحية لا الدقية.
فالمسؤول عنه وإن كان فسخ المعاملة في مجموع الأرض، إلا أن الإمام (عليه السلام) أعطى
قاعدة عامة تشمل جميع الموارد عدم رؤية الكل وعدم رؤية البعض، وبين
أن المدار على الرؤية الدقية وإلا ثبت الخيار عند التخلف ولو في جزء من المبيع.
فيكون الجواب مطابقا للسؤال أيضا.
7

وأما رواية زيد الشحام، فتحقيق الكلام فيها أن قوله: " لا تشتر شيئا حتى تعلم
أين تخرج السهم " ظاهر في بطلان الشراء قبل خروج السهم لأجل الجهل فيكون
بيعا غرريا. وقوله بعد ذلك: " فإن اشترى شيئا " ظاهر بمقتضى وحدة السياق في
إرادة نفس الشراء الذي تعلق به النهي في الفقرة الأولى.
وهذا الظهور لا يمكن الجمع بينه وبين ظهور لفظ " الخيار " في الخيار
الاصطلاحي، لأنه متفرع على صحة المعاملة، والمفروض بطلان الشراء بمقتضى
الظهور الأول الناشئ من وحدة السياق. وعليه لا بد من التصرف في أحد
الظهورين، والوجوه المحتملة أربعة:
الأول: أن يلتزم بكون الشراء المنهي عنه هو شراء السهم في مقام التقسيم
وإفراز الحصص بطريقة خاصة، كالحساب ونحوه، فإنه شراء لأمر مجهول فيكون
باطلا، وأما الشراء في قوله: " فإن أشتري شيئا " فيلتزم بأن المراد به شراء صحيح،
كشراء الحصة المشاعة أو الكلي في المعين.
وأما قوله فهو بالخيار، فيلتزم بأن المراد به خيار الحيوان - كما أحتمله
الشيخ (قدس سره) -.
الثاني: أن يلتزم برفع اليد عن الظهور السياقي للفقرتين بما عرفت، ويلتزم بأن
المراد بالخيار خيار الرؤية بأن يخرج الحيوان على خلاف الوصف المفروض.
الثالث: أن يلتزم برفع اليد عن الظهور السياقي للفقرتين كما تقدم، ويراد بالخيار
خيار القسمة، بأن يراد أن التسهيم غير صحيح إذا كانت السهام غير معدلة،
فصاحب السهم بالخيار في رفض القسمة.
الرابع: أن يلتزم بوحدة المراد في الفقرتين عملا بوحدة السياق، ويراد من
الخيار الخيار اللغوي لا الاصطلاحي، نظير الخيار الثابت في مثل بيع الفضولي.
فيراد أن هذه المعاملة باطلة لأنها معاملة على أمر مجهول، فالمشتري بالخيار عند
خروج السهم وارتفاع الجهل بين الرد وبين الامضاء. هذه هي المحتملة في الرواية.
8

ويشكل الأول: بأنه فيه مخالفة للظاهر من جهة التفكيك بين الفقرتين، مع ظهور
السياق في وحدة المراد فيهما. كما أن خيار الحيوان يثبت بتعيين المبيع في ضمن فرد
معين - في بيع الكلي في المعين - فلا بد أن يجعل قوله إذا خرج بمعنى إذا عين، وهو
خلاف الظاهر أيضا.
ويشكل الثاني: بأنه خلاف ظاهر وحدة السياق في الفقرتين، وخلاف ظاهر
قوله: " إذا خرج "، إذ المراد به خروج السهم لا خروج الوصف على خلاف ما
وصف به أولا الذي هو موضوع خيار الرؤية.
ويشكل الثالث: بأنه خلاف ظاهر وحدة السياق في الفقرتين.
فالمتعين هو الوجه الرابع، للمحافظة فيه على وحدة السياق. وحمل الخيار على
معناه اللغوي ليس أمرا بعيدا بل قد ورد بهذا المعنى في النص.
وقد ظهر من بيان الوجوه المحتملة للرواية أنه لا ربط لها برواية ابن الحجاج (1)
التي جعلها في الحدائق (2) توضيحا لرواية زيد الشحام، وهي روايته عن منهال
القصاب قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم
تدخل دارا ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة ثم
يخرج السهم قال: لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة " فإنها في مقام
بيان كيفية القسمة الصحيحة وتمييزها عن الباطلة، وذلك أجنبي بالمرة عن حديث
صحة شراء السهم وعدمه، فالتفت.
وكيف كان، فقد ظهر أن دليل خيار الرؤية ينحصر برواية جميل بن دراج. وبعد
ذلك نتكلم في جهات:
الجهة الأولى: في تحديد موضوع خيار الرؤية.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (3) أن مورده هو بيع العين الشخصية الغائبة، وذكر أن

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 7: ص 79، ح 53، الطبعة الأولى.
2 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 57، الطبعة الأولى.
3 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 249، الطبعة الأولى.
9

المعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع التي يرتفع بها الجهالة الموجبة
للغرر، إذ لولاها لكان غررا.
ثم أطال الكلام في المراد من هذه الأوصاف والجمع بين كلمات العلماء (قدس سرهم) بما هو
خارج عما يلزم أن يكون بصدده.
وتحقيق الحال في هذه الجهة: أن المراد بالغرر في الحديث النبوي الشريف هو
الخطر، إما لأجل أن معناه في نفسه ذلك أو لأجل أن معناه في نفسه وإن كان هو
الجهل إلا أن المراد به ههنا بالجهل الذي يلازم الخطر لا مطلق الجهل، ضرورة صحة
المعاملات في كثير من موارد الجهل إذا لم يكن المجهول مما يعتنى بخصوصياته عرفا،
كما إذا اشترى ثوبا مخيطا لا يعرف مقدار ذرعه بالدقة العقلية.
ثم إن الخطورة تارة: بلحاظ ترتب الندم من الشخص نفسه، فإذا أقدم على
مجهول أدى ذلك إلى ندامته. وأخرى: بلحاظ ترتب النزاع والتداعي بين
المتعاملين.
ثم إن المعاملة الواقعة على العين الشخصية المعينة التي يتخلف فيها الوصف
المفروض. وبعبارة أخرى: المعاملة الواقعة على عين شخصية مع الجهل بوصفها
الواقعي وتخيل اتصافها بوصف آخر، يتصور وقوعها على أنحاء، إذ البيع..
تارة: يقع على العين بشرط الوصف الخاص الذي يظهر تخلفه بعد ذلك.
وأخرى: يقع على العين الموصوفة بالوصف الخاص بلا كونه مدخولا للشرط بل
أخذ بنحو التقييد والتوصيف.
وثالثة: يقع على العين بلا اشتراط اتصافها بالوصف الخاص أو وصفها به في متن
العقد بل اعتمادا على وصف البائع.
ورابعة: يقع على العين اعتمادا على توصيف شخص ثالث.
وخامسة: يقع على العين اعتمادا على الرؤية ثم ينكشف وقوع الاشتباه فيها.
أما الصورة الأولى، فتخلف الوصف فيها يكون مستلزما لتخلف الشرط، وبما
10

أن مرجع الإشتراط ليس إلى تعليق نفس مضمون المعاملة على الشرط كي
يستلزم تخلفه بطلان المعاملة، وإنما مرجعه إلى تعليق الالتزام الدائمي بمضمون
المعاملة على الشرط، فتخلفه يستلزم عدم اللزوم لا غير ومقتضاه ثبوت الخيار.
ومع ثبوت الخيار تكون المعاملة صحيحة من جهة الغرر إذ لا غرر مع الخيار
بكلتا جهتيه، فإنه مع ثبوت الخيار لا يتحقق الندم عند تخلف الشرط، كما لا مجال
لوقوع النزاع، وذلك واضح. فالجهل ههنا لا يضر بصحة المعاملة.
وأما الصورة الثانية، فقد يتخيل أن تخلف الوصف يوجب بطلان المعاملة لا من
جهة الغرر، بل من جهة ظهور الوصف في تقييد موضوع المعاملة، فمع تخلفه يتخلف
القصد المعاملي، فتبطل المعاملة.
لكن الظاهر بملاحظة السيرة العقلائية والارتكاز العرفي على عدم البطلان في
موارد تخلف الوصف غير المقوم عرفا للمبيع، هو رجوع التوصيف إلى الاشتراط
فيكون الوصف قيدا لموضوع الالتزام بالمعاملة لا لموضوع نفس المعاملة، فيثبت
عند تخلفه الخيار، والحكم فيه من جهة الغرر ما عرفته في الصورة الأولى.
وأما الصورة الثالثة، فالظاهر عرفا هو وقوع المعاملة مبنيا على توصيف البائع،
بحيث يكون ذلك قرينة حالية على تقييد المبيع بالوصف الخاص، فيكون حكم
تخلف الوصف فيها حكم تخلفه في الصورة الثانية.
وأما الصورة الرابعة، فتوصيف ثالث..
إن كان بمحضر البائع وفي مجلس المعاملة، فالظاهر عرفا وقوع المعاملة مبنيا
عليه، فيكون قرينة على تقييد المبيع بالوصف في مقام التعامل، فيكون الحكم كما في
الصورة الثانية.
وإن لم يكن بمحضر البائع وفي مجلس المعاملة، فلا ظهور في تقييد المبيع بالوصف
في مقام التعامل وإن كان متخيلا اتصافه به لكن لم يؤخذ في متن العقد، ولم يتحقق
إنشاؤه بما يدل عليه من تقييد لفظي أو حالي. وفي مثله لا يكون تخلفه موجبا للخيار
بحسب مقتضى القاعدة.
11

ثم إن المخبر إن لم يكن ثقة يطمئن بقوله لدى العقلاء أمكن أن يلتزم ببطلان
المعاملة لجهالة الوصف المستلزم للوقوع في الندم أو النزاع بنظر العقلاء، لأن الاعتماد
على خبر غير الثقة يكون في معرض الوقوع في ذلك، فالمعاملة غررية عند العقلاء.
نعم لو كان المخبر ثقة صحت المعاملة، إذ احتمال الخلاف في الوصف موهوم لا
يعتني به العقلاء، فليس المعاملة معاملة غررية بنظر العقلاء. ويلحق به إيقاع
المعاملة اعتمادا على أمارة عقلائية.
وأما الصورة الخامسة، فلا يثبت فيها الخيار عند تخلف الوصف، لعدم أخذه في
متن العقد.
ولكن المعاملة تكون صحيحة ولا اشكال فيها من جهة الغرر. إذ احتمال الخطأ في
الحس احتمال موهوم جدا. فلا يكون الإقدام على المعاملة اعتمادا على الحس إقداما
على ما فيه خطر بنظر العقلاء.
وقد ظهر من مجموع ذلك أن الخيار ثابت على طبق القاعدة بلا حاجة إلى تعبد
خاص في جميع هذه الصور إلا صورتين..
إحداهما: إيقاع المعاملة اعتمادا على توصيف ثالث في غير مجلس المعاملة وبدون
علم البائع، أو اعتمادا على أمارة عقلائية.
والأخرى: إيقاع المعاملة اعتمادا على الحس. فثبوت الخيار فيها يحتاج إلى تعبد
خاص.
ولا يخفى عليك أن رواية جميل التي هي دليل خيار الرؤية - كما عرفت - تختص
بالصورة الأولى من الصورتين، لأن ظاهرها عدم تقليب تمام الأرض ورؤية باطن
الأرض الذي تقع عليه المعاملة، وإنما اعتمد في ذلك إما على تقليب سائر الأجزاء
وأغلبها الذي هو أمارة عقلائية على مساواة الجزء الذي لم يقلبه لها، وإما على رؤية
ظاهر الأرض بجميع أجزائها الموجب لاعتقاد كون باطنها كذلك.
وعلى كل حال، فالاعتماد ليس على الحس في مورد السؤال. فيختص الجواب به
12

ولا يعم الصورة الخامسة، واحتمال الفرق موجود لقلة التخلف في موارد الحس
بالنسبة إلى موارد الاعتماد على الحدس، فيمكن أن لا يجعل الخيار في موارد الاعتماد
على الحس.
ومنه ظهر عدم عموم الرواية للصورة الأخرى التي يكون فيها خيار تخلف
الشرط، لظهورها في عدم أخذ الوصف الخاص بنحو الشرط أو بنحو التوصيف في
متن العقد.
مضافا إلى أن الخيار في تلك الصور ثابت بحسب القاعدة، فلا معنى للسؤال عنه.
وبذلك يظهر أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن المعروف أنه يشترط في صحته ذكر
أوصاف المبيع التي يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر، ليس كما ينبغي، إذ عرفت أن
موضوع خيار الرؤية في غير مورد ذكر الوصف في متن العقد، فتدبر والتفت.
ثم إن مراد الشيخ (قدس سره) من العين الغائبة ما يقابل المحسوسة المرئية لا ما يقابل
الحاضرة ولو لم تكن مرئية. إذ لا خصوصية للغيبة بالمعنى الثاني.
وأما ما أفاده من أن مورد الخيار العين الشخصية، فالوجه فيه هو اختصاص
موضوع النص به. فيبتني تعميم الحكم لسائر أنحاء المبيع من الكلي في المعين أو
الحصة المشاعة كما التزم به بعض وحمل كلام الشيخ (قدس سره) عليه، على فهم عدم
الخصوصية كما هو الظاهر.
الجهة الثانية: في اختصاص هذا الخيار بالمشتري وعدمه.
وقد أفاد الشيخ (قدس سره) أن رواية جميل مختصة بالمشتري. ثم ذكر أن الظاهر تحقق
الاتفاق على ثبوت هذا الخيار للبائع أيضا.
ولا يخفى عليك أن النص كما ذكر (قدس سره) ظاهر الاختصاص بالمشتري إذ موضوعه
خصوص المشتري، فتعميم الحكم إلى البائع يتوقف على فهم عدم الخصوصية
وتنقيح المناط وذلك مشكل وإن كان ليس ببعيد، والحكم على خلاف القاعدة، كما
عرفت.
13

نعم، في مورد ثبوت الخيار من جهة تخلف الوصف أو الشرط لا وجه
لاختصاصه بالمشتري، إذ ثبوت الخيار على القاعدة وهي تعم المشتري والبائع،
فلاحظ.
الجهة الثالثة: الظاهر أن الخيار الثابت فيما نحن فيه أنما هو بين رد العقد أو امضائه
مجانا. كما هو الحال في سائر موارد الخيار المتقدمة. وهذا هو المشهور بين الأصحاب
كما ذكر الشيخ (قدس سره) (1).
وفي قبال هذا الرأي قولان آخران:
الأول: ما صرح به في السرائر (2) من التخيير بين الرد والامساك بالأرش، وأنه
لا يجبر على أحدهما.
والثاني: ما نسب إلى ظاهر المقنعة (3) والنهاية (4) والمراسم (5) من بطلان البيع إذا
وجد على خلاف ما وصف، وإن شكك الشيخ (قدس سره) في صحة النسبة إلى المقنعة
والنهاية، لعدم صراحة التعبير فيهما فيما نسب إليهما، إذ الموجود التعبير بأن العقد
مردود وهو يحتمل أن يراد به القابل للرد لا المردود بالفعل، كما صرح به في خيار
الغبن.
وكلا القولين ممنوعان:
أما الأول: فلأن الحكم بالامساك بالأرش إن كان بلحاظ أنه مقتضى القاعدة.
ففيه: أنه يبتني على الالتزام بمقابلة الوصف بالمال بحيث يبذل المال بإزاء الوصف
وفي مقابله، فيكون تخلفه موجبا لاستحقاق المال المبذول بإزائه في ضمن العقد.
ولكنه خلاف التحقيق كما يحرر في محله، فإن ما يقابل بالمال هو الذات، نعم قد

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 250، الطبعة الأولى.
2 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 293، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 594، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
4 - الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، ص 391، ط بيروت.
5 - سلار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم / كتاب المتاجر، من سلسلة الينابيع الفقهية، ج 13: ص 110.
14

يكون الوصف موجبا لزيادة القيمة المبذولة إزاء العين نفسها، لا أنه يبذل الزائد
بإزاء الوصف.
وإن كان بلحاظ دليل خاص، فلا وجود له، نعم ثبت الدليل على الأرش في
خصوص تخلف وصف الصحة وظهور المبيع معيبا.
ولكن ذلك أجنبي عن خيار الرؤية بل يرتبط بخيار العيب.
وأما الثاني: فقد ذكر في توجيهه وجهان:
الوجه الأول: أن ما وقع العقد عليه وما تعلق به القصد المعاملي وهو الموصوف
لا وجود له، وما هو موجود لم يقع عليه العقد ولم يتعلق به القصد المعاملي. فلا يؤثر
العقد الواقع في شئ، بل يكون باطلا.
ورده الشيخ (قدس سره) (1) بما توضيحه أن الأوصاف المأخوذة في المبيع على قسمين:
أحدهما: ما يكون مقوما للمبيع عرفا بحيث يكون الفاقد للوصف بنظر العرف
مغايرا للواجد، سواء كان الوصف ذاتيا، كما إذا قال بعتك هذا الأسد فظهر أنه
حمار. أو كان عرضيا، كما إذا باعه الصوف على أن يكون عباءة فظهر أنه صوف
لم يغزل. فإن وصف العباءة وصف عرضي للصوف، ولكنه مقوم عرفا للموجود،
فيعد الصوف غير المغزول مع العباءة وجودين متغايرين عرفا.
الثاني: ما لا يكون بنظر العرف مقوما للبيع بل من حالاته وطوارئه بحيث
لا يؤثر فقدانه في تعدد الوجود، بل يرى الواجد والفاقد شيئا واحدا عرفا. كما إذا
باعه هذا العبد الضحوك فظهر أنه عبوس.
ومحل الكلام فيما نحن فيه هو تخلف الأوصاف بالنحو الثاني لا الأول، وضابطه
على ما عرفت ليس الوصف العرضي في مقابل الذاتي، بل الوصف الذي لا يكون
مقوما للمبيع عرفا بحيث لا يكون تخلفه موجبا لتعدد الوجود وزوال الوجود الأول
في قبال الوصف المقوم عرفا وإن كان عرضيا، كما عرفت في المثال السابق.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 250، الطبعة الأولى.
15

وعليه، فتخلف الوصف بالنحو الثاني إذا لم يكن موجبا لتغير الوجود، فيكون
ما وقع عليه العقد وهو الموصوف موجودا وإن تخلف الوصف، فيمكن أن يؤثر فيه
العقد، وليس الموجود مغايرا لما وقع عليه العقد كي يقال أن ما وقع عليه العقد لا
وجود له. نعم تخلف الوصف بالنحو الأول يوجب البطلان بلا كلام.
الوجه الثاني: أن فرض الكلام وإن كان في بيع الموصوف بالوصف غير المقوم
عرفا، بحيث يصدق وجود المبيع عند تخلف الوصف، إلا أن القصد المعاملي إنما تعلق
بالذات بقيد الوصف، فالذات بدون الوصف لم يتعلق بها القصد المعاملي.
وعليه، فما هو المقصود بما هو مقصود غير موجود وما هو الموجود وهو الذات
غير مقصود، فلا يصح العقد.
وببيان آخر: أن الذات وإن كانت متعلقة للقصد المعاملي بلحاظ وحدة الوجود
إلا أن الرضا وطيب النفس إنما تعلق بالذات الموصوفة بما هي كذلك، فمع تخلف
الوصف يتخلف متعلق الرضا وطيب النفس، فيبطل العقد.
وقد رد البعض (1) هذا الوجه بما لا يخلو عن منع، كما أفاده الشيخ (قدس سره).
وأما الشيخ (قدس سره) فقد دفعه: بأن المستفاد من النصوص والفتاوى عدم بطلان البيع
في موارد تخلف الوصف غير المقوم عرفا، كموارد العيب ونحوه.
وهذا دليل تعبدي على ثبوت الفرق بين الموردين، وإن لم يكن فرق بينهما بحسب
القاعدة.
هذا، ولكن يمكن دفع الاشكال بما يكون مقتضى القاعدة، فنقول: قد أشرنا قبل
قليل في الجهة الأولى إلى أن المعاملة تشتمل على ناحيتين:
إحداهما: نقل العين وتمليكها للمشتري وهذا هو مضمون البيع نفسه.
والثانية: التزام البائع بهذا المضمون الذي يعبر عنه باللزوم المعاملي.
وعرفت أن الوصف أو الشرط إذا كان قيدا لأصل التمليك والتملك، كان تخلفه

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 94، الطبعة الأولى.
16

موجبا لبطلان المعاملة. بخلاف ما إذا كان قيدا للالتزام والمعاملة، فإن تخلفه لا
يوجب إلا ارتفاع لزوم المعاملة وثبوت حق العدول عنها.
والذي نريد أن ندعيه هنا هو: أن أخذ الأوصاف غير المقومة عرفا للمبيع يرجع
إلى أخذها قيدا للزوم والالتزام بالمعاملة لا قيدا لأصل مضمون المعاملة، فلا يكون
تخلفها موجبا لبطلان المعاملة، بخلاف الأوصاف المقومة عرفا فإن أخذها في المبيع
يرجع إلى تقييد مضمون المعاملة بها، فيكون تخلفها موجبا لبطلان المعاملة.
والوجه فيما ذكرناه هو: ملاحظة الارتكاز العرفي في المعاملات وما عليه استقرار
سيرة العرف وبناء العقلاء، فإن المرئي بهذه الملاحظة هو كون منشأ الفرق ما
ذكرناه.
وعليه، فتكون صحة المعاملة عند تخلف الوصف غير المقوم على القاعدة، إذ
المقصود بالقصد المعاملي هو الذات وهي موجودة. والوصف ليس دخيلا في
المقصود بل دخيلا في الالتزام بالمعاملة، فلا يضر تخلفه بأصل المعاملة.
ويستفاد من كلام المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في المقام - وإن لم يكن هو المسوق له
الكلام - في مقام بيان الفرق بين نحوي الوصف ما توضيحه: أن الموجود بما هو
موجود لا مالية له ولا يبذل بإزائه المال وإنما يبذل بإزائه المال ويتصف بالمالية بما
هو حنطة أو شعير أو دهن أو نحو ذلك.
وعليه، فمتعلق القصد المعاملي ليس العين الموجودة بما هي موجودة من
الموجودات، وإنما هي بما أنها حنطة - مثلا -، فإذا تبين كونها شعيرا فقد تخلف
المبيع، فهو نظير ما لو باعه العين الموجودة بما هي حنطة فظهر أن لا شئ موجود
أصلا، فتخلف الوصف الذاتي إنما يوجب بطلان المعاملة لتخلف المبيع بتخلفه، إذ
المبيع ليس هو الجهة الجامعة وهي الموجود، بل يتقوم بالخصوصية لأنها قوام المالية
وبذل المال.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 89، الطبعة الأولى.
17

ويرد عليه: أولا: أن لازمه صحة البيع مع تخلف الوصف العرضي إذا كان مقوما
عرفا، كمثال العباءة والصوف، لتحقق المالية بالجهة الجامعة وهي الصوف، فإنه مما
يبذل بإزائه المال ومما له المالية. مع أن الصحة في مثل ذلك خلاف المفروض.
وثانيا: أن مبنى كلامه على عدم تصور الجهة الجامعة بين الحنطة والشعير مثلا إلا
جهة الوجود وهي مما لا مالية لها، فتنحصر جهة المالية في الوصف الذاتي، مع أن
الأمر ليس كذلك إذ يمكن فرض جهة جامعة بينهما مصححة للمالية، مع قطع النظر
عن كونه حنطة أو شعيرا، سواء كانت ذاتية كعنوان الحبوب، أو عرضية كعنوان ما
يؤكل، فإن هذا العنوان يصحح مالية الشئ.
وعليه، فتخلف وصف الحنطة وظهور كونه شعيرا لا يوجب تخلف الجهة الجامعة
التي يبذل بإزائها المال، وهو كونه حبا أو طعاما.
وبالجملة: كلامه (رحمه الله) لا يصحح البطلان في الأوصاف العرضية المقومة، بل لا
يصححه في الأوصاف الذاتية مما كان هناك جامع مصحح للمالية غير جهة الموجود
بما هو كذلك.
فالصحيح في مقام الفرق ما ذكرناه من أنه مقتضى ملاحظة الارتكاز العرفي
وسيرة العقلاء في مقام المعاملات، فإنهم يرون رجوع الوصف المقوم إلى أصل
مضمون المعاملة فيكون تخلفه موجبا للبطلان، ويرون رجوع الوصف غير المقوم
إلى جهة الالتزام بالمعاملة فيكون تخلفه موجبا للخيار لا غير. وإلى هذا المعنى أشار
السيد الطباطبائي (رحمه الله) في حاشيته (1).
وعلى هذا الأساس يكون المرجع في تشخيص الوصف الموجب تخلفه بطلان
البيع مما لا يوجب البطلان هو العرف، لأنه أساس الفرق بين نحوي الوصف.
وعليه، فكلما يراه العرف مقوما للمبيع بحيث يكون تخلفه موجبا لتعدد الوجود
عرفا، كان تخلفه موجبا للبطلان وإن كان عرضيا لا ذاتيا، كمثال العباءة والصوف
المتقدم.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 59، الطبعة الأولى.
18

وكلما يراه العرف من حالات المبيع التي لا يكون تخلفها موجبا لتغاير الوجود
والحقيقة عرفا، كان تخلفه موجبا للخيار وإن كان ذاتيا، كما في بيع الدهن على أنه
من الغنم فبان أنه من الجاموس. أو بيع خل الزبيب فظهر أنه خل التمر.
هذا توضيح الكلام فيما أفاده الشيخ (قدس سره) في هذه الجهة. فتدبر.
الجهة الرابعة: في أن خيار الرؤية على الفور أو على التراخي؟
ونسب الشيخ (قدس سره) (1) كونه على الفور إلى الأكثر واستظهر من التذكرة (2) أنه لا
خلاف فيه بين المسلمين إلا من أحمد.
ولا وجه له، كما ذكره الشيخ (قدس سره)، إلا الاقتصار في مخالفة دليل اللزوم على
المتيقن، لكنه استدرك أن صحيحة جميل مطلقة لم يبين فيها مدة الخيار فيمكن التمسك
بها على التراخي، إلا أنه ذكر أنه خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات
المستندة إلى النص، كما بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في إثبات التراخي.
وبهذا المقدار من التحقيق أنهى (قدس سره) هذه الجهة ولا ظهور لكلامه في اختيار أحد
الرأيين.
ولكن ظاهر كلامه في المسألة التي تليها مباشرة هو اختيار الفورية.
وكيف كان، فتحقيق الكلام في هذه الجهة: أنك قد عرفت أن موارد تخلف
الوصف ورؤية المبيع على خلاف ما كان يعتقد على قسمين:
قسم يثبت الخيار فيها بحسب مقتضى القاعدة من باب خيار تخلف الشرط
الراجع إلى خيار الشرط.
وقسم يثبت الخيار فيها بدليل تعبدي وهو مورد خيار الرؤية الثابت برواية
جميل.
أما النحو الأول: فلا بد فيه من ملاحظة ما هو المرتكز عرفا في خيار تخلف

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 250، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 467، الطبعة الأولى.
19

الشرط الصريح أو الضمني، والارتكاز العرفي لا يساعد على امتداد الخيار إلى
الأبد بل إلى زمان طويل بحيث تبقى العين متزلزلة لا يعرف مصيرها، كما أنه لا يحتم
الفورية العرفية المرتفعة بمضي وقت قصير جدا كربع ساعة، بل هو يساعد على
امتداد وقت الخيار بمقدار ما يستطيع الانسان أن يفكر فيه عادة أو بمقدار انتهائه من
عمل كان يباشره، فلا يلزمه قطع عمله كما أن له أن يؤخر الفسخ من الليل إلى
الصباح، ونحو ذلك.
وأما النحو الثاني: فلا بد فيه من ملاحظة مدلول النص، فنقول: أن مقتضى
اطلاق رواية جميل عدم الفورية - كما أفاده الشيخ (قدس سره) - لكن إرادة امتداد الخيار إلى
الأبد مستبعد جدا، وإنما الشئ الذي يظهر هو ابتداء الخيار بمقدار متعارف من
الزمان، كموارد خيار تخلف الشرط.
وأما المناقشة في الاطلاق التي أشار الشيخ (قدس سره) إليها، فهي دعوى كون الخيار
الثابت ليس خيارا تعبديا محضا بل هو خيار لدفع الضرر، فيكون مفاد النص مفاد
" لا ضرر " وقد تقدم أن مقتضاها الفورية لاندفاع الضرر بها. ولكنها قابلة للدفع:
أولا: بعدم ثبوت كون الملاك هو دفع الضرر.
وثانيا: لو سلم ذلك فلا ظهور في كونه تمام الملاك بحيث يدور الحكم مداره، بل
غاية الأمر أنه دخيل بنحو الموجبة الجزئية وبنحو الحكمة. فظهور النص محكم.
ثم إنه لو وصلت النوبة إلى التشكيك في إطلاق النص، فهل يمكن استصحاب
الخيار أو لا؟
الظاهر أنه ممكن وما تقدم في خيار الغبن من المناقشة فيه من جهة عدم بقاء
الموضوع إنما يتأتى فيما لو لم يكن الخيار مستفادا من النص، وإلا كان المرجع في
تشخيص الموضوع ظهور النص، كما تقدم بيانه في خيار التأخير.
نعم هنا مناقشة أخرى في جريان الاستصحاب وهو أنه بناء على ثبوت هذا
الخيار من حين العقد، بضميمة البناء على أنه لا مانع من الرجوع إلى عموم العام بعد
20

انتهاء زمان التخصيص إذا كان التخصيص من أول الأزمنة، كما ذهب إليه
صاحب الكفاية (رحمه الله) (1) وهو المختار، كان المرجع هنا عمومات اللزوم بعد مضي
القدر المتيقن من زمن الخيار، ولا مجال لاستصحاب الخيار حينئذ، فالتفت.
الجهة الخامسة: في مسقطات هذا الخيار: والكلام في أمور:
الأول: في سقوطه بترك المبادرة عرفا، ولا كلام فيه على تقدير كون الخيار على
الفور.
الثاني: في سقوطه بإسقاطه بعد الرؤية، وقد تقدم الكلام في سقوط الخيار
بإسقاطه في الخيارات المتقدمة وأولها خيار المجلس، فراجع.
الثالث: في سقوطه بالتصرف بعد الرؤية وتبين الخلاف في الوصف. وقد تقدم
الكلام في سقوط الخيار بتصرف ذي الخيار في خيار الحيوان وغيره، فراجع.
الرابع: في سقوطه بالتصرف قبل الرؤية، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أن فيه وجوها
ثلاثة:
أحدها: السقوط وهو يبتني على فهم كون تصرف ذي الخيار مسقطا تعبديا
بقول مطلق.
والآخر: عدم السقوط وهو يبتني على كون مسقطية التصرف من باب الكشف
النوعي عن الرضا وأماريته عليه، وذلك إنما يكون فيما كان التصرف بعد الرؤية
لا قبلها.
والثالث: ابتناء السقوط به على جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية، وعدم
السقوط به على عدم جواز الاسقاط القولي قبلها. إذ التصرف اسقاط فعلي وهو لا
يزيد على الاسقاط القولي فيكون بحكمه.
ومن هنا ينتقل إلى البحث في الأمر..

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 424، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 251، الطبعة الأولى.
21

الخامس: وهو جواز اسقاط الخيار قبل الرؤية. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن فيه
وجهين مبنيين على أن الرؤية سبب أو كاشف؟
فإن كانت سببا للخيار بحيث لا يحدث الخيار إلا بها لم يجز الاسقاط قبلها، لأنه
اسقاط ما لم يجب.
وإن كانت كاشفا عن ثبوت الخيار جاز الاسقاط قبلها، لأنه اسقاط للخيار
الفعلي. ثم ذكر أن الرؤية إذا كانت شرطا لا سببا أمكن اسقاط الخيار قبلها وإن لم
يتحقق، لكفاية السبب وهو العقد في مثل ذلك.
أقول: قد تقدم في خيار الغبن وغيره البحث عن صحة الاسقاط قبل ثبوت
الخيار فعلا، وقد عرفت عدم صحته لعدم الدليل عليه، إذ دليل سقوط الخيار
بالاسقاط هو الاجماع على أن لكل ذي حق اسقاط حقه، والقدر المتيقن منه هو أن
له ذلك في ظرف فعلية الحق، فلا يكتفى بمجرد حصول مقتضيه.
والمهم في المقام تحقيق: أن الخيار هل هو ثابت عند الرؤية أو من حين العقد
والرؤية كاشفة.
وتحقيق ذلك: أن خيار الرؤية إن ثبت من باب خيار تخلف الشرط، فلا اشكال
أن موضوعه هو نفس التخلف سواء علم به المشروط له أم لم يعلم، إذ الخيار في
الشرط مرتب على عدم تحقق الوصف.
وإن ثبت من باب نفي الضرر، فالأمر كذلك أيضا، لأن المدار على الضرر
الواقعي وهو المنفي بالقاعدة، فلا دخل لانكشاف ذلك في نفي اللزوم. وقد تقدم
توضيح ذلك في خيار الغبن في البحث عن أن موضوعه نفس الغبن أو ظهوره.
وإن ثبت برواية جميل، فهي بحسب ظاهرها الأولي تدل على عدم ثبوت الخيار
قبل الرؤية، لظهور إضافة الخيار إلى الرؤية في منشئية الرؤية للخيار وسببيته له،
نظير التعبير بخيار الغبن أو المجلس ونحوهما.
22

ولكن ذهب السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) إلى أنها كاشفة بدعوى: أن المراد من قوله
" لكان له في ذلك خيار الرؤية " أن له خيار عدم الرؤية.
وتقريب هذه الدعوى بنحو يخرجها عن الغرابة الناشئة من حمل التعبير بشئ
على إرادة عدمه، هو أنه قد يقع مثل هذا التعبير في العرف ويراد من الشئ عدمه
بلا أي توقف، كما إذا شكى الانسان من بعض العوارض، كالمرض والجوع والعرى
الناشئة من عدم المال وقلة ذات اليد، ثم يقول بعد ذلك جميع المشاكل الحياتية سببها
المال فإن المراد أن السبب فقدان المال لا وجدانه، ولا يرى أي استهجان في مثل
هذا التعبير.
وما نحن فيه كذلك، إذ هذا التعبير ورد بعد بيان أن الشخص لو قلب أكثر قطع
الأرض وبقي قطعة لم يرها، فإن ظاهره كون المدار على عدم الرؤية قبل العقد، هذا
غاية تقريب ما أفاده (رحمه الله).
ولكن يرد عليه: أن هذا إنما يتم لو كان ما تقدم صريحا في كون تمام السبب هو
العدم، كما في المثال العرفي المتقدم، وما نحن فيه ليس كذلك إذ مجرد قوله " أنه لو قلب
تسعا وتسعين قطعة وبقي قطعة لم يرها " لا ظهور له في كون تمام السبب عدم الرؤية.
نعم له ظهور في كونه دخيلا في الخيار.
ولكنه لا ينافي كون ثبوته منوطا أيضا برؤية الخلاف، فلا يصلح ذلك لرفع اليد
عن ظهور قوله " خيار الرؤية " في كون الرؤية دخيلة في الموضوع.
وقد وافق المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) السيد في أصل الدعوى أعني كون الرؤية
طريقا لا موضوعا، ولكن ببيان آخر وهو: أن الرؤية والعلم يؤخذان بنحو
الطريقية في غالب الموارد، مع أن قوله: " لكان له في ذلك خيار الرؤية " متفرع على
سابقه وهو قوله: " لو قلب... " وهو ظاهر في كون الخيار ناشئا عن عدم رؤية تلك

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 60، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 90، الطبعة الأولى.
23

القطعة، فتكون إضافة الخيار إلى الرؤية من باب إضافة المكشوف إلى الكاشف،
لا إضافة المسبب إلى السبب.
وما أفاده (رحمه الله) قابل للمنع..
أما استعمال الرؤية في غالب الموارد بنحو الطريقية، فهو مسلم، لكن لا في مثل
هذا التعبير الظاهر في الموضوعية بملاحظة الإضافة المقتضية لوجود الملابسة بين
المضاف والمضاف إليه وهي هنا السببية والنشوء.
وأما كون الملابسة هي الكاشفية، فهي مما لا تصح الإضافة.
نعم، التعبير بمثل إذا رأيت أو ظهر لك أو نحو ذلك ظاهر في الطريقية.
وأما الفقرة السابقة، فلا دلالة لها على كون الرؤية بنحو الطريقية، إذ من الواضح
أن عدم الرؤية وحده لا تكون مناطا للخيار، بل لا بد أن يضم إليه تخلف الوصف،
وغاية الأمر لا يعلم أن مجرد تخلف الوصف يكون دخيلا أم ظهوره والعلم به،
وظاهر النص كون الرؤية موضوعا للخيار.
وبالجملة، غاية ما تدل عليه الفقرة السابقة دخالة عدم الرؤية قبل العقد في
ثبوت الخيار، وهذا لا ينافي كون رؤية التخلف موضوعا للخيار. فالمعنى يكون أن
خيار تخلف الوصف لا يثبت إلا إذا لم تتحقق رؤية المبيع. فالتفت.
وجملة القول المتعين: القول بمقالة المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) من أن رواية جميل لو لم
تكن ظاهرة في موضوعية الرؤية، فالقدر المتيقن منها ثبوت الخيار بعد الرؤية،
فالمرجع قبلها عموم اللزوم، فتدبر.
الأمر السادس: في سقوطه باشتراط سقوطه في متن العقد، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن
فيه أقوالا ثلاثة:
الأول: أنه شرط فاسد مفسد للعقد.
الثاني: أنه شرط فاسد مع صحة العقد.

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 49، الطبعة الأولى.
24

الثالث: أنه شرط صحيح مع صحة العقد.
والوجه في القول الأول: أمران - على ما بين -..
الأول: أن المعاملة على المجهول غررية والغرر إنما يندفع بثبوت الخيار شرعا،
فإذا شرط عدم الخيار كانت المعاملة غررية فتكون فاسدة، ففساد المعاملة ليس من
جهة أن الشرط الفاسد مفسد بل من باب استلزام هذا الشرط لكون المعاملة
غررية، فتكون باطلة.
وقد مر هذا الاشكال في خيار الغبن. وقد دفعه الشيخ (قدس سره) بوجه أشبه بالنقض.
ومحصله: أن الخيار لا يرفع الغرر لأنه حكم شرعي لو أثر في رفع الغرر لجاز بيع
كل مجهول متزلزلا وبشرط الخيار وهذا مما لا يلتزم به.
وأضاف إليه المحقق الخراساني (رحمه الله) (1) - كما نقل عنه - وجها آخر، وهو أن الخيار
ثابت للمعاملة الصحيحة ومن شرائط الصحة عدم الغرر، فإذا كان الخيار رافعا
للغرر لزم الدور، إذ يلزم أن تكون الصحة ناشئة من قبل الخيار لدفعه الغرر،
والمفروض أنه متفرع على صحة المعاملة ومتوقف عليها.
ولكن قد تقدم الاشكال في كلا الوجهين:
أما الأول: فما ذكره الشيخ (قدس سره) من اللازم ليس من اللوازم الباطلة ولا محذور في
الالتزام به، فلا مانع من الالتزام بصحة بيع المجهول بشرط الخيار.
إلا أن يدل دليل خاص يدل على البطلان فله حكم آخر. كيف؟ والكل يلتزم
بصحة بيع الموصوف ولو تخلف الوصف مع أنه بيع مجهول لأجل أن التوصيف رافع
للغرر. وقد عرفت أن رافعيته للغرر من باب رجوعه إلى شرط الخيار عند التخلف.
أما ما أفاده صاحب الكفاية (رحمه الله)، فهو إنما يتم في الخيار الثابت شرعا أو عقلائيا
المتفرع على صحة المعاملة.
أما الخيار بحسب بناء المتعاملين والتزامهما، فليس هو من فروع صحة المعاملة.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 113، الطبعة الأولى.
25

وقد عرفت سابقا أن هذا الخيار يرفع الغرر لأن المراد بالغرر هو الخطر وهو يندفع
بالبناء على الخيار، فلا تعد المعاملة معه ذات خطر وغرر.
ومن الواضح أن المدعى اندفاع الغرر به فيما نحن فيه هو التوصيف الراجع إلى
شرط الخيار بحسب التزام المتعاملين مع قطع النظر عن حكم الشارع، واندفاع
الغرر به لا يستلزم الدور.
وبالجملة، ما أفاده الشيخ (قدس سره) وصاحب الكفاية (رحمه الله) وتبعهما غيرهما بلا مناقشة،
غير خال عن المنع.
لكن عرفت أن الاشكال في صحة المعاملة لا بد أن يبين بأن اندفاع الغرر إنما
يكون بمقتضى التزام المتعاملين بالخيار - لا بمقتضى ثبوت الخيار شرعا كي يتأتى
محذور الدور - فإذا شرط سقوط الخيار كان هذا منافيا للالتزام بالخيار. فيلزم
الغرر.
وهذا هو الوجه الثاني الذي ذكر في توجيه القول الأول، وتوضيحه: أنك قد
عرفت أن ظاهر الوصف المأخوذ في المعاملة هو رجوعه إلى نفس مضمون المعاملة
أعني النقل والانتقال، ومقتضى ذلك كون تخلفه موجبا للبطلان.
لكن بملاحظة الارتكاز العرفي والسيرة العقلائية في باب المعاملات نعرف أن
التوصيف يرجع إلى تعليق الالتزام الضمني الموجود في مطلق غالب المعاملات
الراجع إلى البناء على إمضاء المعاملة والعمل بمقتضاها إلى الأبد، ومقتضى ذلك كون
تخلفه موجبا لعدم الالتزام بمضمون المعاملة وهو راجع إلى إثبات الخيار عند
التخلف.
وعلى هذا الأساس قلنا بصحة المعاملة لأجل ارتفاع الخطر بثبوت الخيار.
وإذا كان اندفاع الغرر بالتوصيف من جهة كونه راجعا إلى شرط الخيار، كان
شرط سقوط الخيار منافيا لذلك وراجعا إلى الالتزام بالمعاملة على كلا تقديري
وجود الوصف وعدمه، وهذا يستلزم كون المعاملة غررية.
26

وهذا الوجه لا محيص عنه بالتقريب الذي عرفته ولا إشكال فيه.
ولا يهمنا التعرض - بعد هذا البيان - إلى كيفية نقل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) لهذا
الوجه، فإنه ذكره بتقريبين.
وأما إيراده عليه: بأن التزام المشتري بسقوط الخيار وإن كان مرجعه إلى أن
المشتري يشتري المبيع ولو مع فقد الوصف إلا أنه غير أنه يشتريه مع عدم الالتزام
بالوصف. والمنافي للالتزام بالوصف عدم الالتزام بالوصف لا نفس عدم الوصف،
والرافع للغرر هو نفس الالتزام بالوصف لا وجود الوصف.
ففيه: أنك عرفت أن الرافع للغرر ليس مجرد الالتزام بالوصف بما هو بل بما أنه
راجع إلى شرط الخيار، فشرط سقوط الخيار مناف له فيلزم الغرر. ولا يهم حينئذ
إثبات أن التزام المشتري بسقوط الخيار هل ينافي الالتزام بالوصف أو لا، فالتفت.
وبما ذكرنا يتضح ضرورة الالتزام بالقول الأول تبعا للعلامة (2)، وغيره.
وأما القول الثاني: فوجهه ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن شرط السقوط يكون من
اسقاط الخيار قبل ثبوته ولم تثبت مشروعيته لما عرفت من الاشكال فيه، ودليل
نفوذ الشرط لا ينفع في تصحيحه لأن موضوعه الشرط الصحيح في نفسه.
وفيه: أن عدم صحة الاسقاط قبل فعلية الخيار لم يكن من جهة قيام الدليل على
بطلانه كي يكون الشرط غير مشروع. وإنما هو من جهة عدم الدليل على صحته
لقصور الاجماع على أن لكل ذي حق اسقاط حقه عن إثبات ذلك، لأن القدر
المتيقن منه صورة ثبوت الخيار فعلا - كما عرفت -.
فإذا كان الاسقاط مصداقا للشرط كان المتكفل لصحته عموم نفوذ الشروط،
فإنه شرط لأمر مشروع في نفسه.
وبالجملة، نحن لا نريد إثبات صحة الشرط من جهة أنه اسقاط للحق كي يقال

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 91، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 533، الطبعة الأولى.
27

أن دليل صحة الاسقاط وهو الاجماع لا يشمله. بل من جهة أنه شرط، فيشمله
دليل نفوذ الشرط.
نعم، دعوى: قيام الاجماع على عدم صحة اسقاط ما لم يجب قد تعارض عموم
النفوذ.
ولكنها تندفع: بأن المتيقن من هذا الاجماع هو عدم صحة الاسقاط قبل العقد،
أما الاسقاط بمثل الشرط في متن العقد فلا يشمله الاجماع المزبور بنحو الجزم، فلا
دليل يناهض عموم نفوذ الشروط (1).
وبالجملة، لا مانع من الالتزام بصحة هذا الشرط بمقتضى دليل نفوذ الشروط لو
التزم بصحة المعاملة من جهة الغرر، وإلا فلا مجال لهذا القول أصلا.
وأما النقض على القول الأول - الذي اخترناه - بصورة البيع مع اشتراط البراءة
من العيوب المحكوم بالصحة مع أنه نظير ما نحن فيه، فيدفعه ما أفاده الشيخ (قدس سره) (2):
أولا: من أن نفي العيوب ليس مأخوذا في المبيع بنحو الاشتراط الراجع إلى تعهد
البائع حتى ينافي اشتراط برائته عن عهدة انتفائها، بل المشتري يعتمد في ذلك على
أصالة السلامة والصحة، فاشتراط البائع برائته عن عهدة انتفائها لا ينافي صحة
العقد وعدم الغرر. بخلاف ما نحن فيه، فإن الشرط الرافع للغرر هو اشتراط الوصف
الخاص، فإذا اشترط عدم الخيار عند تخلفه كان منافيا له.
وثانيا: من أن صحة البيع مع اشتراط البراءة من العيوب - على تقدير أنه
غرري - مورد الدليل الخاص وهو النص والاجماع، فإن قاعدة نفي الغرر قابلة
للتخصيص. ولا دليل على الصحة فيما نحن فيه، فيبقى تحت عموم نفي الغرر. فتدبر
جيدا والتفت والله سبحانه العالم.

1 - سيأتي منه في مبحث خيار العيب في سقوط الرد والأرش لتبري من العيوب المتجددة ما ينافي
ما ذكره ههنا.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 251، الطبعة الأولى.
28

الأمر السابع: في سقوط خيار الرؤية ببذل التفاوت أو بابدال العين.
وذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى عدم سقوطه بهما وعلله بأن العقد وقع على الشخصي
فتملك غيره يحتاج إلى معاوضة جديدة.
وأورد عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2): بأن تعليل عدم سقوط الخيار ببذل
التفاوت أو بالابدال بما ذكر غير واف بالمقصود، إذ المدعى عدم لزوم القبول وبقاء
الخيار، وما ذكره لا يفي بذلك. فاللازم التعليل بعدم الدليل على لزوم القبول لا
التعليل بحاجته إلى معاملة جديدة.
ثم قال (رحمه الله): " والحق في المقام أن دليل الخيار إن كان صحيح جميل فهو مطلق من
حيث البذل والابدال، وإن كان قاعدة نفي الضرر فالمنفي بها اللزوم الضرري. وبذل
التفاوت والابدال أجنبيان عن ضررية اللزوم، والمنفي بالقاعدة هو الضرر لا
الضرر غير المتدارك ليقال أن الضرر المتدارك بالبذل والابدال غير منفي... ".
أقول: الظاهر أن نظر الشيخ (قدس سره) في تعليله إلى كون الدليل على الخيار بملاك نفي
الضرر، فصار في مقام بيان أن البذل والابدال لا يدفعان الضرر بأنفسهما، فلا يمنعان
من شمول دليل الخيار.
وتوضيح ما أفاده (قدس سره): أن كلا من البذل أو الابدال إن كان بنفسه موجبا لانتقال
المبذول أو البدل للمتضرر بلا حاجة إلى قبول، كان الخيار ساقطا بهما، لارتفاع
الضرر بهما تكوينا فينتفي الخيار لأنه بملاك رفع الضرر، والمفروض ارتفاعه قهرا.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن المعاملة لما كانت واقعة على العين الشخصية فتملك
غيرها يحتاج إلى معاوضة جديدة تتقوم بالايجاب والقبول، فمجرد بذل التفاوت أو
البدل لا يوجب التملك بل يتوقف على القبول، فالبذل والابدال لا يرفعان الضرر
بأنفسهما، فلا يستلزمان سقوط الخيار مع عدم القبول لعدم ارتفاع الضرر بهما.
وبهذا البيان ظهر ارتباط التعليل بالمدعى ووفائه بالمقصود، فتدبر.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 252، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 91، الطبعة الأولى.
29

ثم إنه يقع الكلام في شرط الابدال في متن العقد على تقدير تخلف الوصف.
وحكى الشيخ (قدس سره) عن الدروس (1) أن الأقرب الفساد. وحمله الشيخ (قدس سره) على
إرادة فساد العقد، وعلله بأن البدل المستحق عليه بمقتضى الشرط إما أن يكون
بإزاء الثمن أو بإزاء المبيع الذي تخلف الوصف فيه..
فإن كان بإزاء الثمن، فبما أن الثمن ملك البائع، فشرط التبديل يرجع إلى شرط
انفساخ البيع بنفسه عند المخالفة - ليرجع الثمن إلى المشتري - وإنعقاد عقد آخر بين
الثمن والبدل.
ومن المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك، إذ الشرط لا يكون نافذا إلا إذا
كان شرطا لأمر مشروع في حد نفسه، وإنعقاد عقد بدون إنشائه غير معهود شرعا.
وإن كان بإزاء المبيع، فمرجعه إلى معاوضة تعليقية غررية لأن المفروض جهالة
المبدل من حيث ثبوت الوصف فيه وعدمه، فيكون الشرط فاسدا. وبفساده يفسد
العقد لكونه غرريا، لأن الرافع للغرر هو الشرط والمفروض فساده.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد توجيه عبارة الدروس بما عرفت استضعف ما في الحدائق (2)
من اعتراضه على الدروس، حيث قال بعد ذكر عبارة الدروس:
" ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر الوصف أو لا. وفيه: أنه
لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط ومجرد شرط البائع
الابدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا للفساد (3) لعموم الأخبار
المتقدمة.
نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة ولا يجبره هذا الشرط
لاطلاق الأخبار.

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 276، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 59، الطبعة الأولى.
3 - يريد بها - كما قيل - مجموع الأخبار الدالة على الخيار أو البطلان عند تخلف الشرط، فإنها ظاهرة
في الصحة عند وجوده.
30

والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور حيث لا تأثير له
إذ مع ظهور الوصف يصح العقد فلا موضوع للشرط ومع عدم ظهور
الوصف يكون العقد باطلا للتخلف فلا تأثير له أيضا مع الظهور وعدمه،
وبالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على
الاطلاق وجها يحمل عليه ".
ولا بد من إيقاع الكلام في كلام الشيخ (قدس سره) ثم في كلام صاحب الحدائق (رحمه الله):
أما ما أفاده الشيخ (قدس سره) من بطلان الشرط، فهو قابل للمناقشة بكلا شقيه - أعني
سواء كان البدل بإزاء الثمن أم بإزاء المبيع -.
أما الشق الأول، وهو ما إذا كان البدل بإزاء الثمن، فقد عرفت أن مرجع
الاشتراط إلى اشتراط انفساخ المعاملة الأولى وانعقاد معاوضة جديدة بين الثمن
والبدل، وهذا لا ضير فيه، إذ كل من انفساخ المعاملة والمعاوضة بين المالين من
الأمور المشروعة في حد أنفسها، غاية الأمر أنها تحتاج إلى سبب، والشرط يصلح
أن يكون سببا وينفذ بمقتضى دليل نفوذ الشرط.
نعم مرجع الشرط يكون إلى شرطين، وهو ليس بمحذور بعد أن تحقق انشاؤهما
بمقتضى شرط الابدال.
وأما الشق الثاني، وهو ما إذا كان البدل بإزاء المبيع، فإشكال التعليق مندفع بأن
بطلان التعليق بسبب الاجماع، وهو إنما قام على بطلانه في العقود لا في الشروط،
والتعليق ههنا في الشرط.
واشكال الغرر يندفع، أيضا: بأن المفروض أن المعاملة واقعة على المبيع على
تقدير فقدان الوصف فلا جهل بالمبيع من حيث وصفه ولا خطر في البيع، والجهل
بتخلف الوصف لا يستلزم الجهل بالمبيع بعد تقييده بصورة فقدان الوصف.
وبعبارة أخرى أنه يعلم إما بعدم وقوع المعاوضة على تقدير ظهور الوصف وإما
بوقوعها على المبيع المتخلف فيه الوصف، فلا خطر أصلا.
وبما ذكرنا يظهر أنه لا مانع من شرط الابدال في متن العقد.
31

وأما ما أفاده في الحدائق، فالاشكال فيه من جهات ذكرها المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1):
إحداها: أنه خص الحكم بفساد العقد بصورة تخلف الوصف دون صورة
وجوده. وأورد على الدروس إطلاق الحكم بالفساد، ولعل وجهه: أن الشرط إنما
هو على تقدير تخلف الوصف فلا شرط في صورة وجود الوصف، ففساد الشرط
الموجب لفساد البيع من جهة الغرر يختص بصورة تخلف الوصف.
وفيه: أنه خلط بين نفس الالتزام والملتزم به، فإن المعلق على تخلف الوصف هو
الملتزم به لا نفس الالتزام، وما يكون قيدا للزوم البيع هو نفس الالتزام المعبر عنه
بالاشتراط لا المشروط، فإذا فسد الالتزام بطل العقد بقول مطلق للزوم الغرر.
الأخرى: أنه التزم بفساد العقد في فرض التخلف من جهة المخالفة أعني مخالفة
المعقود عليه للموجود.
وفيه: ما عرفت من أن تخلف الوصف لا يوجب بطلان العقد وإنما يوجب الخيار
لا غير.
الثالثة: ما يظهر منه من الحكم بفساد شرط الابدال لأجل منافاته لاطلاق
أخبار الخيار، فيكون من الشرط المخالف للسنة.
وفيه: أن أخبار الخيار غاية ما تتكفل ثبوت الخيار للعقد، أما صحة شرط
الابدال ونحوه فيه فهي بالنسبة إليها ساكتة ولا اقتضاء ولا دلالة لها على عدم
مشروعيته، فتدبر ولاحظ.
الجهة السادسة: في عموم خيار الرؤية لمطلق العقود.
وذهب الشيخ (قدس سره) إلى ثبوته في كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة،
كالصلح والإجارة. وعلل التعميم بأنه لو لم يحكم بالخيار مع ظهور تخلف الوصف،
فإما أن يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الأردبيلي (رحمه الله) (2) من أن ما وقع لم يقصد وما

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 93، الطبعة الأولى.
2 - الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة والبرهان، ج 8: ص 183.
32

قصد لم يقع. وإما أن يحكم بلزومه من دون خيار.
والأول: مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه،
بل عرفت أنه مخالف للسيرة العقلائية والبناء العرفي.
والثاني: فاسد من جهة أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد وحرمة نقضه،
ومن المعلوم أن عدم ترتيب آثار العقد على العين الفاقدة للوصف المشترط فيها
ليس نقضا للعقد كي يكون محرما، كما أن ترتيب آثاره في هذا المورد ليس وفاء كي
يكون واجبا.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) وأورد على الأخير:
أولا: أن دليل اللزوم نفسه دليل صحة العقد وباطلاقه استفيد اللزوم، فإذا
فرض أن ترتيب آثار العقد على العين الفاقدة للوصف لا يعد وفاء، فكما لا يثبت
اللزوم لا تثبت الصحة، فيلزم أن يكون العقد باطلا بهذا البيان، وهو خلاف ما
فرضه (قدس سره).
وثانيا: أن نفي اللزوم لعدم الدليل عليه لا يلازم ثبوت الجواز إذ ليس هو أولى
من العكس، إذ لم يقم دليل على عدم اللزوم بل غايته عدم الدليل على اللزوم فلا
يحكم بثبوته، فيبقى الأمر مرددا بين اللزوم والجواز.
وثالثا: أن عند عدم نهوض دليل الوفاء لإثبات اللزوم يمكن اجراء استصحاب
بقاء الملك بعد الفسخ الذي يقتضي اللزوم، فيثبت اللزوم به، إذ المورد من موارد
الشك لا الجزم بعدم اللزوم.
فالأولى أن يقال: إن خيار الرؤية إن كان بملاك الضرر، فقاعدة نفي الضرر لا
تختص بمورد دون آخر، وهكذا الحال إن كان بملاك خيار تخلف الشرط، إذ شرط
الوصف موجود في جميع المعاملات.
وإن كان بملاك النص - كما أوضحناه سابقا - فهو يختص بالبيع. والتعدي إلى
غيره يحتاج إلى دليل، والغاء الخصوصية لا قرينة عليه، فتدبر.
33

الجهة السابعة: فيما إذا اختلف البائع والمشتري في الوصف، وصوره متعددة -
كما قيل - فإن الاختلاف:
تارة: في ما هو الشرط - مع التسالم على أصل الشرط - وأنه هو الموجود أو
المفقود؟
وأخرى: في أصل الاشتراط وأنه هل قيد المبيع بالوصف المفقود أو لا؟
وثالثة: في تسليم المشروط - مع التسالم على الشرط والمشروط - وأنه هل العين
عند التسليم كانت واجدة للوصف أو فاقدة؟
ولم يتعرض الشيخ (قدس سره) إلى تفصيل الصور، بل ذكر مسألة الاختلاف بنحو
الاجمال والذي يظهر منه إرادة الصورة الثانية.
فذكر (قدس سره) أنه لو اختلفا فقال البائع لم تختلف صفة وقال المشتري قد اختلف. ونقل
عن التذكرة (1) تقديم قول المشتري لأصالة براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به
أو يثبت بالبينة، ونقل رده في المختلف (2) في نظير المسألة بأن إقراره بالشراء اقرار
بالاشتغال بالثمن فلا مجال لأصالة البراءة حينئذ.
ولكن وجهه الشيخ (قدس سره) بأن المراد من براءة الذمة ليس عدم اشتغال الذمة بالثمن
كي ينافيه الاقرار بالشراء، بل عدم وجوب تسليمه إلى البائع بناء على ما التزم به -
العلامة - في أحكام الخيار من عدم وجوب تسليم الثمن ولا المثمن في مدة الخيار، فمع
الشك في ثبوت الخيار فالأصل براءة الذمة من الوجوب المزبور. - وزاد المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (3) على ذلك بأن الثمن لم يفرض كليا حتى يكون في الذمة -.
وناقشه الشيخ (قدس سره) بثبوت الأصل الحاكم على أصالة البراءة وهو في جانب البائع
فيكون القول قوله، وذلك لأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف
الوصف أم لم يختلف. غاية الأمر أنه ذو سلطنة على الفسخ لو ثبت التزام البائع على

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 467، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة: ص 396، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 93، الطبعة الأولى.
34

نفسه باتصاف المبيع بوصف غير موجود وبما أن ذلك مشكوك فالأصل عدم
الاشتراط، وبذلك يثبت عدم سلطنته على الفسخ وعدم ثبوت الخيار له، فما نحن فيه
نظير الاختلاف في اشتراط كون العبد كاتبا في أن الأصل عدم الاشتراط.
ثم قال (قدس سره): " ويمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع وإن كان في معنى
الاشتراط إلا أنه بعنوان التقييد فمرجع الاختلاف إلى الشك في تعلق البيع بالعين
الملحوظ فيها صفات مفقودة أو تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات الموجودة أو
ما يعمها، واللزوم من أحكام البيع المتعلق بالعين على الوجه الثاني والأصل عدمه
ومنه يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد ".
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام، ولا يخفى عليك أن المهم في كلمات القوم هو
تحقيق حال المنكر وأنه أيهما، بواسطة معرفة أن الأصل المقدم في أي جانب منهما؟
ويظهر ذلك في تحقيق كلام الشيخ (قدس سره) والبحث في جهاته وهي عديدة:
الأولى: فيما ذكره أولا في مقام مناقشة العلامة (رحمه الله) من نفي الخيار بأصالة عدم
اشتراط الوصف المفقود والتزام البائع على نفسه بذلك.
فقد استشكل المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) في جريان هذا الأصل: بأن الموضوع
شرعا للخيار هو العقد المقيد بالشرط بنحو الوجود النعتي، فأصالة عدم تحقق
الاشتراط بنحو العدم المحمولي لا ينفي الخيار إذ هو لا يثبت اتصاف العقد الواقع بعدم
الشرط، أو أنه لم يتصف بالشرط، إلا بالملازمة العقلية.
ولا يمكن اجراء أصالة عدم الاشتراط بنحو العدم النعتي، لعدم الحالة السابقة إذ
العقد حين وقوعه إما وقع مقيدا أو غير مقيد. ولأجل ذلك جزم الإيرواني (رحمه الله) بعدم
صحة هذا الأصل فيما نحن فيه.
وخالفه في المبنى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2)، فذهب إلى أن الشرط بوجوده المحمولي
موضوع للحكم، فموضوع الحكم هو العقد والشرط بنحو التركيب لا بنحو

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 51، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 93، الطبعة الأولى.
35

التوصيف. وعليه يصح إجراء الأصل المزبور.
واكتفى كل من المحققين بمجرد الدعوى من دون بيان وجه أخذه بنحو التوصيف
أو التركيب.
وعليه، فلا بد من معرفة أن الشرط دخيل في ثبوت الخيار للعقد بوجوده النعتي -
كما يرى ذلك الإيرواني - فلا يصح جريان أصالة عدمه. أو بوجوده المحمولي - كما
يراه الأصفهاني - فيصح اجراء الأصل.
وغاية ما يمكن أن يوجه به أخذه بنحو التوصيف وجهان:
الأول: ما يذكر في مبحث استصحاب العدم الأزلي في إثبات تعنون العام بعنوان
مغاير لعنوان الخاص من أن تركب الموضوع من العرض ومحله يستلزم أخذ العرض
بنحو التوصيف، ببيان أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) (1)، وببيان آخر ذكره غيره (2) من أن
إضافة الوصف إلى الذات - كقوله قرشية المرأة - ظاهر في أخذه بنحو التقييد.
ولكن عرفت في محله (3) بطلان هذه الدعوى بكلا البيانين، فراجع.
الثاني: أن العقد بذاته ليس موضوعا للخيار جزما، وإلا لثبت الخيار عند عدم
الشرط، كما أنه لا معنى لكون الشرط موضوع الخيار، إذ الخيار من أحكام العقد لا
الشرط، وكونه من أحكام العقد والشرط لا معنى له بعد عدم تصور الخيار في
الشرط، فيتعين أن يكون الموضوع هو العقد المتصف بالشرط والمقيد به.
وفيه: أن غاية ما يتكفله هذا الوجه هو أن الخيار من أحكام العقد عند حصول
الشرط وليس من أحكام العقد بذاته، ولكن لا يلازم أخذ الشرط في العقد بنحو
التوصيف، بل هنا شق آخر وهو أخذه في العقد بنحو التركيب بأن يكون الخيار من
أحكام العقد منضما إلى الشرط، بنحو يكون الشرط دخيلا في ثبوت الخيار كسائر
أجزاء الموضوعات المركبة، فالتفت.

1 - الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الأصول، ج 1: ص 532، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - الفياض، محمد إسحاق: محاضرات في أصول الفقه، ج 5: ص 227، الطبعة الأولى.
3 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 3، ص 351، الطبعة الأولى.
36

إذن، فلا دليل على أخذه بنحو التوصيف وتقييد الموضوع بوجوده النعتي لا
المحمولي.
ثم لا يخفى عليك أن ما نحن فيه يختلف موضوعا عن مبحث استصحاب العدم
الأزلي، فإن البحث هناك في تعنون الباقي تحت العام بعد خروج الخاص بعنوان
عدمي يؤخذ بنحو التوصيف. وأما البحث ههنا فهو في نفس الخارج عن العام وأنه
معنون أو لا، لأن الأصل ههنا يحاول اجراؤه لنفي الخيار لا لإثبات اللزوم، فالبحث
في نفي حكم الخاص لا في إثبات حكم العام.
وقد عرفت عدم ثبوت أخذ الشرط بنحو التوصيف، بل الثابت خلافه وأنه
مأخوذ بنحو التركيب. وذلك لأن نفي اللزوم وثبوت الخيار للعقد مع الشرط لم يكن
بدليل خاص أثبت له الخيار بهذا العنوان، وإنما كان بواسطة عموم " المؤمنون عند
شروطهم " الذي يقتضي نفوذ الشرط، فلا بد من ملاحظة الخيار المجعول بالشرط
بحسب بناء المتعاملين وتشخيص موضوع الحكم الشرعي بواسطته، لأن الخيار
الشرعي ثبت بعنوان الامضاء.
ومن الواضح أن الخيار المجعول بالشرط إنما يجعل لذات العقد لا العقد المقيد
بالشرط إذ لا معنى له، فدليل الامضاء يدل على نفوذ هذا الشرط، فيدل على أن
الخيار موضوعه ذات العقد فيكون الشرط جهة تعليلية لا تقييدية، فتدبر فإنه لا
يخلو عن دقة.
الثانية: فيما ذكره الشيخ (قدس سره) إيرادا على أصالة عدم الاشتراط بأن موضوع اللزوم
هو البيع المتعلق بالعين الموصوفة بوصف موجود، فمع الشك فيه فالأصل عدم وقوع
العقد الخاص، فينتفي اللزوم.
والكلام في هذه الجهة من ناحيتين:
إحداهما: في بيان مراد الشيخ (قدس سره) وتوجيه كلامه، والأخرى: في تحقيق صحة
إجراء الأصل من سقمه.
37

أما الناحية الأولى: فقد حمل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) كلام الشيخ (قدس سره) على إرجاع
الاشتراط إلى التقييد وحكم بمنافاته لما تقدم منه في أوائل خيار الرؤية في مقام
تصحيح رفع الغرر بالتوصيف من أن التوصيف في قوة الاشتراط.
ثم ذكر أن الصحيح ما ذكره ههنا، لعدم معقولية الالتزام الجدي بوجود صفة في
عين خارجية وقد مر عدم معقولية التقييد بمعنى تضييق دائرة المبيع فإن الشخصي لا
سعة فيه، بل المعقول هو توصيف المبيع.
ولكن الذي يظهر من كلام الشيخ أمر آخر غير ما استفاده (رحمه الله) فإن الشيخ (قدس سره) لم
يرجع الشرط ههنا إلى التقييد، بل عبارته تدل على العكس. وتقرير ما ذكره..
أولا من رجوع التوصيف إلى الاشتراط لقوله: " إن أخذ الصفات في المبيع وإن
كان في معنى الاشتراط " وهذا ظاهر بل صريح بأن التوصيف راجع إلى الاشتراط
لا العكس، كما استفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله).
وإنما مراد الشيخ (قدس سره) هو بيان الفرق بين التوصيف والاشتراط في مقام الاثبات
وإن كانا ثبوتا من جهة ثبوت الخيار عند التخلف بحكم واحد.
وذلك ببيان: أن الاشتراط إثباتا التزام آخر مضاف إلى الالتزام البيعي، فإذا
شك في الاشتراط كان من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فيجري الأصل في
نفس الشرط.
أما التوصيف، فهو وإن كان لبا في معنى الاشتراط لكنه إثباتا بعنوان التقييد
للمبيع، فليس هو التزاما زائدا على الالتزام البيعي، بل الالتزام البيعي واقع على
المقيد رأسا، فأخذه يرجع إلى وقوع البيع على الموصوف في قبال وقوعه على غير
الموصوف، فالدوران بين المتباينين، فلا يجري الأصل في نفس الوصف بل يجري في
العقد نفسه، كما أفاد الشيخ (قدس سره).
وما ذكرناه ظاهر من قوله: " إلا أنه بعنوان التقييد "، فإنه ظاهر أن الملحوظ هو

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 93، الطبعة الأولى.
38

مقام الاثبات لا الثبوت، وأن وقوع العقد على المقيد يختلف إثباتا على وقوعه
مع الشرط.
وأما ما أفاده الأصفهاني (رحمه الله) بعد ذلك من أن الحق ما ذكره الشيخ (قدس سره) أخيرا من
رجوع الشرط إلى التوصيف، فقد تقدم بطلانه وأن التحقيق رجوع الأوصاف إلى
الاشتراط ارتكازا، وهو يلازم ثبوت الخيار عند التخلف. وأما ما ذكره من إمكان
التوصيف في العين الخارجية دون التقييد فتحقيق الحال فيه له مجال آخر.
وأما الناحية الثانية: فالذي يظهر من الشيخ (قدس سره) نفي اللزوم باجراء أصالة عدم
وقوع العقد على الموصوف بالوصف الموجود.
ويظهر من المحقق الأصفهاني تقريره على ذلك وإن استشكل في كلامه من جهة
أخرى نشير إليها بعد ذلك انشاء الله تعالى.
ولكن الصحيح عدم صحة إجراء هذا الأصل فيما نحن فيه، لأن المقصود
تشخيص حال العقد الواقع وأنه هل وقع على العين الموصوفة بوصف موجود أو لا؟
وأصالة عدم وقوع العقد على العين الموصوفة بمفاد ليس التامة لا تنفع في تنقيح
حال العقد الواقع إلا بناء على الأصل المثبت، والعقد الواقع لا حالة سابقة له كي
يجري الاستصحاب فيه بمفاد ليس الناقصة، فالأصل فيما نحن فيه نظير أصالة وجود
الكر في إثبات كرية الموجود.
وتحقيق الحال في ذلك: أن استصحاب عدم الموضوع المركب بمفاد ليس التامة إنما
ينفع في مقامين:
أحدهما: ما كان الأثر مترتبا على وجود الموضوع بلا أن يكون مرتبطا
بالموضوع خارجا، نظير ما إذا قال: " إذا وجد العالم فاقرأ القرآن " فإنه مع الشك في
عالمية زيد يمكن إجراء أصالة عدم وجود العالم لنفي وجوب قراءة القرآن.
أما إذا كان الأثر مرتبطا بالموضوع ومضافا إليه، فلا يجري الاستصحاب، كما إذا
قال: " إذا وجد العالم فأكرمه أو سلم عليه " فإنه مع الشك في عالمية زيد يشك في
وجوب إكرامه أو السلام عليه، فأصالة عدم وجود العالم لا تنفع في نفي وجوب
39

إكرامه أو السلام عليه، لعدم تعيينها حال زيد إلا بالأصل المثبت.
والآخر: ما إذا كان المطلوب صرف وجود المركب فيشك في وجوده، فإنه
باستصحاب عدم وجوده يثبت عليه الوجوب، وإن شك في أن ما جاء به وجود له
أو لا، وذلك كما في متعلقات الأحكام مثل قوله: " تجب الصلاة مع الطهارة " فإنه مع
الشك في أن ما جاء به صلاة مع الطهارة أو لا، يستصحب عدم تحقق الصلاة مع
الطهارة لاثبات وجوبها عليه.
ولا يخفى عليك أن ما نحن فيه ليس من قبيل متعلقات الأحكام، وليس من
الموضوعات التي لا يضاف إليها الحكم، بل من الموضوعات التي يضاف إليها
الحكم، فاللزوم من أحكام العقد الواقع على الموصوف بوصف موجود ومن
عوارض العقد نفسه، فمع الشك في أن هذا العقد واقع على المتصف بوصف موجود،
لا تنفع أصالة عدم وقوع العقد على الموصوف في نفي اللزوم عن هذا العقد المشكوك
حاله، لأنها لا تعين حاله إلا بناء على الأصل المثبت.
هذا، مع أن نفس استصحاب عدم المركب فيه إشكال يذكر في محله، فإنه يبين في
محله أنه لا يمكن إجراء استصحاب عدم المركب، وإلا لم ينفع إجراء استصحاب
الطهارة في صحة الصلاة، للشك في وجود الصلاة مع الطهارة والأصل عدمها.
والسر فيه - كما يبين في محله - أن الشك في المركب ليس شكا وراء الشك في
الخصوصية بل هو عينه، إذ الوصف الانتزاعي وهو عنوان المجموع لم يلحظ في
متعلق الحكم بل الملحوظ ذوات الأجزاء، وتحقيقه في محله.
الثالثة: في ما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) من أن اللزوم من أحكام العقد الواقع على العين
المتصفة بوصف موجود، وعليه بنى جريان الأصل النافي للزوم وجعل القول قول
مدعي الخيار.
فإن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) استشكل فيه وقرب كون موضوع الحكم هو العقد

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 252، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 94، الطبعة الأولى.
40

الواقع على الموصوف بوصف مفقود، فالأصل يجري في نفيه وبانتفائه ينتفي
الخيار. ولا يعارض بأصالة عدم وقوع العقد على الموصوف بوصف موجود لأنه
ليس موضوع الحكم باللزوم.
وتحقيق هذه الجهة إنما ينفع لو فرض تسليم جريان الأصل وترتب الأثر عليه،
فإنه يتكلم في تنقيح ما هو موضوع الحكم ليكون مجرى الأصل. ولكن قد عرفت
عدم صحة جريان الأصل، فلا يثبت نفع عملي في تحقيق هذه الجهة، ولأجل ذلك
نهمل تحقيق الكلام فيها.
والذي يتلخص: أنه لا مانع من إجراء أصالة عدم الاشتراط في نفي الخيار،
فيكون القول قول مدعي اللزوم، سواء كان الموضوع فيما نحن فيه تخلف الشرط أم
تخلف الوصف، لما عرفت من رجوع التوصيف عرفا وارتكازا إلى الشرط، فتدبر.
الجهة الثامنة: فيما لو اشترى بعض الثوب المنسوج على أن ينسج الباقي كالأول،
فقد نسب إلى جماعة البطلان، منهم الشيخ (رحمه الله) في المبسوط (1) والعلامة في كتبه (2)
وجامع المقاصد (3)، واستدل عليه في جامع المقاصد والتذكرة (4) بأن بعضه عين
حاضرة وبعضه في الذمة مجهول. وحكي عن المختلف (5) صحته.
وحكم الشيخ (قدس سره) (6) ببطلان وجه المنع ولم يبين الوجه.
ويمكن توجيه ما أفاده العلامة (رحمه الله) بعد فرض كون البعض الآخر مبيعا شخصيا لا
كليا منضما إلى شخصي وإلا فلا محذور فيه.
بأنه إما أن يكون المبيع هو البعض الآخر الشخصي الخارجي..

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 77، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 167، الطبعة الأولى.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 302، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 524، الطبعة الأولى.
5 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 352، الطبعة الأولى.
6 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 252، الطبعة الأولى.
41

فإن قصد به تحقق التمليك الفعلي للعين الفعلية، فهو تمليك معدوم.
وإن قصد به تحقق التمليك الفعلي للعين المتحققة في المستقبل، كتمليك المنافع
المستقبلة في باب الإجارة. ففيه: أنه غير ملتزم به في الأعيان وتصوره في المنافع
يبتني على فرض وحدة الوجود التدريجي.
وإن قصد به تحقق التمليك عند تحقق العين، فهو بيع تعليقي باطل.
وإما أن يكون هو البعض الآخر الشخصي في الذمة - بناء على تصور فرض
الأعيان الشخصية في الذمة لا خصوص الكليات - فالتقييد بالوصف لا يرجع إلى
تقييد المبيع وتقومه به كما في الكليات، وإنما يرجع إلى تقييد الالتزام بالبيع، وهو
يرفع الغرر الناشئ من الجهل بالوجود من جهة الاجماع على تقييد اللزوم به. ولا
إجماع فيما نحن فيه، فيكون البيع فيما نحن فيه غرريا باطلا.
هذا ما يمكن أن يوجه به كلام العلامة (رحمه الله) وجامع المقاصد.
ولكن يمكن التفصي عنه بعدم انحصار الفرض بما ذكر، بل له وجوه أخرى وهي
ما ذكرها الشيخ (قدس سره) تصح معها المعاملة البيعية. وهي أنه..
تارة: يبيع البعض المنسوج المنضم إلى غزل معين على أن ينسجه على ذلك
المنوال بنحو الاشتراط.
وأخرى: يضم له مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف بشرط نسجه على ذلك
المنوال.
وثالثة: يبيعه المنسوج المعين ويضم إليه البعض الآخر المنسوج بنحو الكلي لا
الشخصي.
والذي يترتب على الصورتين الأوليين أنه مع عدم نسجه بالمنوال الخاص يثبت
له خيار تخلف الشرط.
وعلى الصورة الثالثة، لم يلزمه القبول لأنه لم يسلمه الكلي الموصوف، ويكون له
خيار تبعض الصفقة، فتأمل.
42

السابع:
خيار العيب
ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا على سلامة العين من
العيب وإنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا على أصالة السلامة، وإلا لم يصح العقد من
جهة الجهل بصفة العين الغائبة وهي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الأغراض.
ويدل على ذلك وقوع الاتفاق على لزوم ذكر الصفات التي يختلف باختلافها
الثمن في بيع العين الغائبة ولم يصرحوا بلزوم ذكر وصف الصحة، فليس ذلك إلا
اعتمادا على أصالة السلامة المثبت للصحة. نظير الاعتماد على اخبار البائع بالوزن
ونحو ذلك.
وأيد ما ذكره بكلام للعلامة (رحمه الله) (2)، ثم ذكر دعوى أن بناء العقد على السلامة من
جهة انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح، وأورد عليها بوجوه:
الأول: منع الانصراف ولذا لا يلتزم به في الأيمان والنذور.
الثاني: عدم تصور الاطلاق والسعة فيما إذا كان المبيع شخصيا وجزئيا حقيقيا،
كما فيما نحن فيه، فلا معنى للانصراف إلى الفرد الصحيح.
الثالث: أن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب، فلا معنى للخيار حينئذ.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 252، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 524، الطبعة الأولى.
43

وهذه الإيرادات لا ترد على ما التزم من أن مقتضى الاطلاق بناء العقد على
السلامة من جهة الاعتماد على الأصل في ثبوت الصحة فلا حاجة إلى ذكرها، لا من
جهة الانصراف إلى الفرد الصحيح، فلاحظ.
ثم ذكر بعد ذلك، أنه لو اشترط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد لأنه تصريح بما
ينزل عليه الاطلاق. فلا يحصل بواسطة هذا الإشتراط خيار آخر غير خيار
العيب.
وأيد ذلك برواية يونس (1) في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها
عذراء قال (عليه السلام): " يرد عليه فضل القيمة ".
فإن اقتصاره في الحكم على أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد دال على كون
الخيار خيار العيب. ولو كان هناك خيار تخلف الشرط لم يسقط الرد بالتصرف.
هذا خلاصة ما أفاده (قدس سره) في مقدمة البحث. وقد عرفت أنه بين جهات ثلاث:
الأولى: اقتضاء الاطلاق بناء العقد على السلامة استنادا إلى أصالة السلامة.
الثانية: عدم استناد ذلك إلى انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح.
الثالثة: عدم تعدد الخيار باشتراط الصحة في متن العقد.
وترد حول ما أفاده (قدس سره) تساؤلات:
منها: أنه ما المقصود من بيان هذا المطلب بجهاته، هل هو تحديد موضوع خيار
العيب أو شئ آخر؟ وهذا السؤال لم أعثر على من أثاره وتصدى لحله، بل كل من
الأعلام تعرض إلى حل جهة من جهات كلام الشيخ (قدس سره) وأغفلوا هذه الجهة.
ومنها: أن أصالة السلامة لا تزيد على العلم بالسلامة وهو لا يلازم بناء العقد
عليها، إذ قد يعلم المشتري بسلامة العين ولا يبني العقد عليها، بل يشتريها غير مهتم
بذلك.
ومنها: أنه يلتزم بأن ذكر الوصف لا يستلزم بطلان البيع عند التخلف بل غاية ما

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
44

يقتضي ثبوت الخيار. ولا يخفى أن انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح لا يزيد
على التصريح بالوصف، فكيف التزم (قدس سره) بأن تخلف وصف الصحة يستلزم بطلان
المعاملة على تقدير دعوى الانصراف؟
ومنها: أن خيار العيب إذا لم يكن بملاك الاشتراط، فلماذا لا يستلزم الاشتراط
خيارا آخر غير خيار العيب وما المانع من اجتماع الخيارين لسببين؟
وتحقيق الكلام فيما أفاده الشيخ (قدس سره) بنحو تنحل جميع هذه المشاكل: بأن المفروض
في كلام الشيخ (قدس سره) وقوع العقد مبنيا على السلامة وصحة المبيع، ووقوع العقد مبنيا
على شئ لا يرجع إلى التقييد به أو الاشتراط، فإن التقييد يرجع إلى تقييد المبيع
وأخذ الشئ في المبيع، وأما بناء العقد على شئ فهو يرجع إلى إيقاع العقد بلحاظ
وجود الشئ فهو نظير دواعي العقد، فالعقد بمجموعه وبجهاته يقع مبنيا على ثبوت
الشئ، كما يقال كان يجيئني مبنيا على اعتقاد مجئ زيد من مكة، أو اشتريت هذا
الأكل مبنيا على اعتقاد مجئ الضيف.
فمراد الشيخ (قدس سره) أن العقد يقع مبنيا على السلامة فليست السلامة مأخوذة قيدا في
المبيع أو شرطا في المبيع، بل بلحاظ المفروغية عن سلامة المبيع يوقع الشخص العقد
ويحققه، وتخلفها لا يرجع إلى تخلف الشرط أو الوصف بل إلى تخلف الداعي.
فإذا ثبت الخيار عند ظهور العيب، فهو لا يثبت على مقتضى القاعدة بلحاظ
تخلف الشرط لعدم الشرط بل يثبت بدليل خاص، نظير ما تقدم في خيار الرؤية من
أن مورد الخيار الذي تتكفله الرواية ما لا يكون الخيار فيه على طبق القاعدة.
ومن هنا ينحل السؤال الأول ويظهر أن نظر الشيخ (قدس سره) في تحقيق هذا الأمر هو
بيان موضوع خيار العيب وتحديد مورده.
أما أنه كيف يقع العقد مبنيا على السلامة؟ فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لأجل الاعتماد
على أصالة السلامة، لأن الأصل في الأشياء هو السلامة والصحة فهو يقوم مقام
إخبار البائع أو الرؤية السابقة.
45

واستشهد على هذا المعنى أنه لولا ذلك لما صح العقد لأجل الجهل بالوصف الذي
يختلف الأغراض باختلافه. وهم قد اتفقوا على لزوم ذكر الأوصاف التي يختلف
الثمن باختلافها للزوم الغرر بترك ذكرها، ولم يذكروا لزوم اشتراط الصحة مع أنها
من أهم الأوصاف المتعلقة للغرض من ما يكشف عن اعتمادهم على أصالة السلامة.
ومن هنا يظهر الوجه في اقتضاء اطلاق العقد بناؤه على السلامة، فإنه بعد
المفروغية عن أن المتعارف عند العقلاء هو ملاحظة السليم والصحيح، دون الأعم
من السليم والفاسد، يكون مقتضى الاطلاق بملاحظة الأمارة العرفية أعني أصالة
السلامة وعدم ذكر ما ينافيه، كالتبري من العيوب مثلا، هو إرادة السليم اعتمادا
على هذا الكاشف النوعي العرفي. وبهذا ينحل السؤال الثاني.
ويظهر أن بناء العقد على السلامة ليس لأجل أصالة السلامة فقط كي يقال أن
الأصل لا يزيد على العلم بالسلامة، بل لأجل الأصل بملاحظة نظر العقلاء نوعا
وأنهم يريدون السليم مع عدم نصب قرينة على الأعم.
فمراد الشيخ (قدس سره) هو كفاية الاطلاق في بناء العقد على السلامة بلا حاجة إلى ذكر
الوصف.
ولا يخفى أن ما ذكرناه في بيان مراد الشيخ (قدس سره) من بناء العقد على السلامة بلحاظ
الأصل يختلف عن الالتزام بذلك بلحاظ انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح، لأن
مرجع دعوى الانصراف إلى تقيد متعلق المعاملة بالصحة، وهذا لا يريد الشيخ أن
يقوله بل يريد أن يلتزم بأن العقد يقع مبنيا على وصف الصحة وقد عرفت أنه
لا يرجع إلى تقييد المبيع، فهو يريد من الاطلاق اطلاق العقد - كما عبر - لا اطلاق
المبيع.
وأما عدم تعدد الخيار بذكر وصف الصحة بعنوان الاشتراط، فالوجه فيه: أن
رجوع الاشتراط إلى خيار الشرط ليثبت الخيار عند التخلف إنما هو بملاحظة
الارتكاز العرفي والسيرة العقلائية في باب المعاملات.
46

فإذا ثبت أن الارتكاز العرفي في وصف الصحة ليس على ذلك بل على بناء العقد
عليه من دون أخذه شرطا في المبيع بنحو يثبت الخيار عند تخلفه.
لم ينفع اشتراط وصف الصحة في إثبات خيار تخلف الشرط، لأن الارتكاز فيه
على غير ذلك، فيحمل الاشتراط على بناء العقد عليه كما هو المرتكز عرفا، ولذلك
يكون تأكيدا لمقتضى الاطلاق وتصريحا به. وبذلك ينحل السؤال الرابع.
وأما رواية يونس، فهي قد استشكل في دلالتها من وجوه عديدة..
كعدم ثبوت كون عدم العذرية عيبا.
وعدم ثبوت تحقق التصرف قبل ظهور العيب.
وعدم ثبوت عدم سقوط خيار تخلف الشرط بالتصرف.
واحتمال أن تكون هذه الرواية كبعض النصوص المقتصر فيها على أحد طرفي
التخيير من الرد أو الأرش، فلا ظهور فيها في سقوط الرد.
ولعله لأجل بعض ذلك جعلها الشيخ (قدس سره) مؤيدا لا دليلا، فالتفت.
وأما السؤال الثالث وهو سؤال الفرق بين صورة انصراف المطلق إلى المقيد
وصورة التصريح بالتقييد، حيث التزم في الأولى ببطلان المعاملة عند تخلف الوصف
وفي الثانية حكم بثبوت الخيار.
فالجواب عنه: أن مقتضى الانصراف إلى المقيد هو وقوع المعاملة على الحصة
الخاصة أعني الذات لكن لا مطلقا بل الذات الخاصة، لأن الانصراف مرجعه إلى
إرادة الحصة الخاصة من المطلق، فالذي تقع عليه المعاملة هو نفس الذات بلا أخذ
عنوان الوصف في المعاملة، بل الملحوظ جهة التقيد بالوصف ليس إلا، ومقتضى
ذلك بطلان العقد عند التخلف لتخلف الذات الخاصة التي وقعت عليها المعاملة.
وهذا بخلاف صورة ذكر الوصف، فإن لدينا دالين أحدهما يدل على الذات
والآخر يدل على الوصف، فيمكن أن يلتزم بأن الدال الآخر يرجع إلى تقييد
الالتزام البيعي بالوصف لا التمليك والتملك وإن كان الظهور الأولى هو رجوعه إلى
47

نفس مضمون المعاملة لكن الارتكاز العرفي ينافيه كما تقدم بيانه. ولا يتأتى هذا
البيان في الانصراف كما عرفت، فانتبه.
وبهذا البيان لكلام الشيخ (قدس سره) بجهاته ينكشف عنه الغموض ويتضح فيه نظره.
يبقى شئ واحد وهو ما أفاده من أن السلامة مقتضى الأصل.
وتحقيق ذلك: أن ثبوت السلامة..
تارة: بلحاظ جريان الاستصحاب في كثير من الموارد المسبوقة بالسلامة.
وأخرى: بلحاظ الغالب في الأشياء هو السلامة.
وثالثة: بلحاظ أن تعريض العاقل السلعة للبيع مع بناء المعاملات على السلامة
يرجح كونها سليمة غير معيبة.
ومن مجموع هذه الوجوه يحصل الاطمئنان بالسلامة غالبا، فيصح البيع مبنيا
عليه لارتفاع الجهل بعد حصول الاطمئنان الذي هو حجة لدى العقلاء والشرع،
فتدبر.
وإذا ظهر لك ما أوضحناه فيقع الكلام في مسائل:
المسألة الأولى: في حكم ظهور العيب. وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى استلزامه
تسلط المشتري على الرد وأخذ الأرش بلا خلاف، وذكر أن ثبوت الرد تدل عليه
الأخبار المستفيضة.
وأما الأرش، فليس في الأخبار ما يدل على التخيير بينه وبين الرد، بل ما دل من
الأخبار على ثبوته إنما دل عليه في صورة التصرف المانع من الرد، وهو كما يحتمل
أن يكون من جهة تعين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر يمكن أن يكون مجعولا في
طول الرد وعند امتناعه لأجل تدارك الضرر الوارد على المشتري.
ثم إنه أشار إلى إمكان دعوى استفادة هذا الحكم - أعني التخيير بين الرد
والأرش - من وجوه ثلاثة:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 253، الطبعة الأولى.
48

الوجه الأول: ما ورد في الفقه الرضوي (1) من أنه: فإن خرج في السلعة عيب
وعلم المشتري، فالخيار إليه إن شاء رده وإن شاء أخذه ورد عليه بالقيمة أرش
العيب...
ولكن ظاهره - كما عن الحدائق (2) - هو التخيير بين الرد والأخذ بتمام الثمن
والأخذ بالأرش فأطراف التخيير ثلاثة. واحتمل الشيخ زيادة الهمزة في لفظة:
" أو " فتكون الواو عاطفة، فتدل على التخيير بين طرفين الذي هو المطلوب.
ودعوى: أن جواز الأخذ بتمام الثمن ثابت بلا إشكال فكون أطراف التخيير ثلاثة
لا ينافي المجمع عليه كي يحتاج إلى ايقاع احتمال زيادة الهمزة.
تندفع: بأن الأمر وإن كان كذلك، لكن رواية الفقه الرضوي ضعيفة السند
فيحتاج في انجبارها إلى عمل الأصحاب بها، وإذا فرض كون نص الرواية مشتملا
على " أو "، لا الواو، لا يثبت كون فتوى الأصحاب مستندة إليها، لاختلاف نص
الرواية عن نص الفتوى، وإن كان حكم الرواية متفقا مع فتوى المشهور، فالتفت.
وكيف كان، فلا يمكن الاعتماد في الحكم بالتخيير بين الرد والأرش على هذه
الرواية، لعدم ثبوت كون الفقه الرضوي من باب الرواية، كي يقع البحث بعد ذلك
في صغرى وكبرى انجبارها بعمل المشهور، فتدبر.
الوجه الثاني: استنباط هذا الحكم من سائر الأخبار، ولم يبين الشيخ (قدس سره) وجهه
بل حكم بأنه صعب جدا.
وقد تصدى غيره إلى بيان كيفية استنباط ذلك من الأخبار ومناقشته.
وقد قيل في ذلك وجوها عديدة ذكرها المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) أربعة:
الأول: ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) في حاشيته (4) من أن التخيير بين الرد

1 - فقه الرضا، كتاب المتاجر: من سلسلة الينابيع الفقهية، ج 13: ص 5.
2 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 64، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 95، الطبعة الأولى.
4 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 67، الطبعة الأولى.
49

والأرش هو مقتضى النصوص الدالة على ثبوت الرد، لأنها بإطلاقها تدل على
ثبوت رد البيع أعم من رده بتمام الثمن أو رده في الجملة في بعض الثمن، لأن رد بعض
الثمن مخالف لمقتضى البيع فهو رد له.
ويرد عليه أن هذا إنما يتم على أحد تقديرين:
أحدهما: الالتزام بأن الأوصاف تقابل بالثمن بحيث يكون جزء منه بإزاء
الوصف، فإذا تخلف كان للمشتري أن يأخذ من الثمن ما قابل المتخلف.
ولكن قد أشرنا سابقا إلى عدم صحة هذا الالتزام، وأن الوصف لا يقابل بالثمن
وإن أوجب زيادة الثمن المبذول بإزاء العين مضافا إلى أن مقتضاه الرجوع بجزء من
الثمن المبذول بإزاء العين، والحكم بالأرش المفروض لا يرجع إلى ذلك بل هو بذل
التفاوت وإن كان من غير عين الثمن.
والآخر: الالتزام بأن مقتضى البيع عدم الأرش بحيث يكون ثبوت الأرش
منافيا لمقتضاه، فيكون أخذه ردا للبيع بهذا اللحاظ.
ولكن هذا الالتزام غير صحيح، إذ البيع من جهة الأرش لا اقتضاء وليس
مقتضيا لعدمه، إذ الأرش يثبت بملاحظة بعض الجهات، كتدارك الخسارة ونحوها،
وهذا أجنبي عن مقتضى البيع من استحقاق تمام الثمن، فالتفت.
الثاني: أن الملاك في ثبوت الأرش هو تدارك الفائت، ومن الواضح أن هذا
الملاك موجود في كلتا الحالتين أعني حالة إمكان الرد وحالة عدم إمكانه.
وما يتوهم كونه موجبا لاختصاصه بحالة عدم إمكان الرد هو رعاية حال البائع
عند إمكان الرد، فيكون مانعا من تأثير المقتضي في مقتضاه.
وهذا لا يصلح للمانعية، إذ لو ثبت أنه مانع لزم أن يتقيد أخذ الأرش بما إذا لم
يرض البائع بالرد، مع أنه ثابت بقول مطلق. فيظهر منه أنه غير مانع فيثبت الأرش
في كلتا الحالتين عملا بالمقتضي.
50

وناقشه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1): بأنه لا دليل على انحصار ما يتوهم كونه مانعا
من التعميم في رعاية حال البائع كي يثبت التعميم بمنع مانعيته، بل يمكن أن تكون
هناك جهة أخرى مانعة من التعميم ولا دليل على أن التدارك تمام العلة كي يدور
الحكم مداره، بل ظاهر الدليل خلافه وأن تمامية العلة تدور مدار عدم إمكان الرد.
وبالجملة، هذا الوجه مما لا دليل عليه بحيث يستلزم صرف الأدلة عن ظواهرها.
الثالث: أن تقييد ثبوت الأرش بعدم إمكان الرد وارد مورد الغالب لغلبة
التصرف في المعيب المانع من الرد، وقد ثبت أن القيد الوارد مورد الغالب لا ظهور له
في التقييد.
وفيه: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) من أن عدم ظهور القيد الوارد مورد
الغالب في التقييد لا ينفع في إثبات التعميم لحالتي إمكان الرد وعدمه، إذ غايته نفي
المقتضي للتخصيص. ويتوقف التعميم على ثبوت مقتضيه من اطلاق ونحوه، وهو
غير ثابت فيما نحن فيه.
وبالجملة، إنما ينفع ورود القيد مورد الغالب في عدم التقييد لو كان هناك إطلاق
يدل على ثبوت الحكم في الصورتين، كي يدفع مانعه المتوهم وهو الدليل المقيد
بذلك، فلاحظ.
الرابع: أن سقوط الرد بالتصرف وثبوت الأرش به إنما هو لأجل دلالته على
الرضا بالعقد ولا موضوعية للتصرف بما هو تصرف.
وهذه الجهة موجودة في مطلق موارد المطالبة بالأرش ولو لم يكن تصرف، لأنها
دالة على الالتزام بالعقد المانع من الرد، فلا حاجة إلى التصرف.
وناقشه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) بأن سقوط الرد بالتصرف وإن كان بملاك دلالته
على الرضا، لكن لم يثبت أن موضوعيته لثبوت الأرش بهذا الملاك أيضا كي يقال

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 95، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 95، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 95، الطبعة الأولى.
51

بأنه متحقق بمجرد المطالبة بالأرش قبل التصرف.
ونضيف إليه وجها آخر: وهو أن الرضا المنكشف بالتصرف غير الرضا
المنكشف بالمطالبة بالأرش، فإن الرضا المنكشف بالتصرف فعلي بخلاف المنكشف
بمجرد المطالبة بالأرش فإنه تقديري، بمعنى أنه يرضى بالعقد على تقدير إعطائه
الأرش وإلا فهو يرده، فهو نظير ما لو قال: " أعطني الأرش وإلا رددت عليك
العين " فلاحظ تعرف، فتأمل (1).
وبالجملة، فهذه الوجوه غير ناهضة لاثبات التخيير، ولذلك ذكر الشيخ (قدس سره) أنه
تكلف وصعب جدا.
الوجه الثالث: الالتزام بالتخيير بين الرد والأرش بحسب القاعدة ومع قطع
النظر عن الأخبار، بدعوى أن التخيير هو مقتضى القاعدة، ببيان أن الصحة وإن
كانت وصفا لكنها تقابل بالمال، كالجزء، فيكون بعض الثمن بإزائها، فيكون تخلفها
موجبا لاستحقاق بعض الثمن.
كما أنه يوجب جواز الرد لأجل تبعض الصفقة، فيكون الرد على طبق القاعدة
أيضا، أو لأجل الأخبار والاجماع، فيثبت المذهب المشهور بضميمة القاعدة إلى
الدليل الخاص.
وذكر الشيخ (قدس سره) أن هذه الدعوى أصعب من سابقتها، وناقشها بوجوه:
الوجه الأول: أن الوصف لا يكون كالجزء بحيث يقابل بالمال ويكون له قسط
من الثمن، بل هو مما يوجب زيادة ثمن الموصوف فيختلف الثمن باختلافه. وقد
تقدمت الإشارة إلى ذلك ويدل على ذلك أمور:
أحدها: الارتكاز العرفي، فقد عرفت رجوع التوصيف إلى تقييد الالتزام البيعي
بالوصف بحيث يكون تخلفه موجبا للخيار كالشرط، ولا يكون راجعا إلى جزء

1 - إشارة إلى إمكان ورود إشكال ثالث وهو أن التصرف الموضوع للأرش هو التصرف مع عدم العلم
بالعيب وهو غير كاشف عن الرضا أصلا، والتصرف مع العلم بالعيب الكاشف عن الرضا كما يوجب
سقوط الرد قد يوجب سقوط الأرش، فتدبر.
52

المبيع، وهكذا البناء الشرعي فإنه موافق للارتكاز العرفي.
وهذا الوجه أشار إليه الشيخ (قدس سره) بقوله: " وفيه منع المنزلة عرفا ولا شرعا ".
ومن الغريب أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) نسبه إلى أستاذه صاحب الكفاية (رحمه الله)
ونسب الوجه الثاني إلى الشيخ (قدس سره).
ثانيها: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن مقتضى التقسيط هو الرجوع ببعض الثمن
لبطلان البيع به، مع أن الثابت في باب الأرش ليس إلا جواز المطالبة بالتفاوت، ولا
يستحق المطالبة بعين ما قابله من الثمن.
وثالثها: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) من أن الأرش ثابت بعنوان الحق ولذا
كان قابلا للإسقاط فيسقط به ولا يقبل الرجوع بعد ذلك، مع أن مقتضى التقسيط
عدم ثبوت الحق إذ العين لا تقبل الاسقاط، فلا بد أن ترجع عدم المطالبة به إلى هبته
وهي قابلة للرجوع بها.
وبالجملة، الوجهان الأخيران يرجعان إلى بيان أن الملتزم به في باب الأرش
يختلف بآثاره عن آثار الالتزام بالتقسيط فيكشف عن عدم التقسيط.
الوجه الثاني: منع ثبوت التقسيط في المقيس عليه أعني الجزء إذا أخذ بنحو
الشرطية، فإن الجزء إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي بنحو الشرطية وبلسان
الشرط إثباتا لا يكون جزء من الثمن مبذولا بإزائه، كما بيع الأرض على أنها
جريبان معينة. وما نحن فيه من هذا القبيل.
وقد أورد على الشيخ (قدس سره) بأن المدار ليس على كيفية أخذ الجزء والوصف في
المبيع، بل المدار على نفس الجزئية، فيكون الجزء مقابلا بالمال وببعض الثمن ولو أخذ
وجوده بنحو الشرطية، فإذا تخلف بطل البيع في بعض الثمن، كما أن الوصف لا يقابل
بالمال ولو أخذ في المبيع على وجه الجزئية، إذ المدار على العرف وهو يحكم بذلك.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 96، الطبعة الأولى.
2 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 236، الطبعة الأولى.
53

ومنه يظهر أنه في بيع الأرض على أنها جربان معينة إذا خرجت أقل يبطل البيع
بما يقابل الناقص.
أقول: إن ما ذكر من كون الجزء بعض المبيع بأي لسان أخذ إنما يتم في بيع الكلي،
لتقوم المبيع بالجزء بل بالوصف ولذا يبطل مع تخلفه.
وأما في بيع الشخصي، فليس الأمر كذلك بقول مطلق، إذ هناك من المبيعات
الشخصية يتعلق بها العقد مع قطع النظر عن مقدارها من عدد أو وزن أو مساحة،
كبيع صندوق البرتقال بما له من عدد، أو بيع الصبرة من الحنطة بنا لها من وزن، أو
بيع هذه الدار بما لها من المساحة، فإن البناء العرفي في مثل هذه المعاملات على عدم
ملاحظة خصوصيات المقدار.
وعليه، فلا يمتنع اعتبار المقدار الخاص بنحو الشرطية بأن يكون المبذول بإزائه
المال هو ذات هذا الموجود الشخصي ولكن بشرط أن يكون بالمقدار الخاص من
العدد، نظير اشتراط فعل خارجي عن نفس المبيع. بل في المبيعات الشخصية التي
يكون المتعارف فيها ملاحظة المقدار الخاص فيها، كالسجاد بحيث تباع القطعة منه
على حساب أن قيمة المتر الواحد كذا، قد يتعلق الغرض الشخصي بها مع إلغاء جهة
المقدار الخاص، كما إذا رأى قطعة من السجاد تلائم أرض غرفته فاشتراها بلا
ملاحظة مقدار مساحتها. ففي مثل هذا لو اشترط أن تكون بالمقدار الخاص لا يمتنع
أن يكون المبذول بإزائه المال هو ذات القطعة ويكون المقدار الخاص مأخوذا بنحو
الشرطية نظير سائر الشروط.
وإذا ظهر لك ذلك تعرف تمامية كلام الشيخ (قدس سره)، فإنه إذا فرض تصور خروج
الجزء عن حيز المبيع بحسب الغرض المتعارف أو الشخصي، بحيث لا يبذل المال
بإزائه، كان طريق تشخيص ذلك مقام الاثبات، فإذا أخذ الجزء بلسان الشرطية
كان ظاهرا في خروجه عن حيز المبيع فلا يكون مقابلا بالمال. فالتفت ولا تغفل.
ثم إنه قد يستدل على التخيير بين الأرش والرد بقاعدة نفي الضرر، لأن اللزوم
بلا أرش ضرري.
54

وفيه: أولا: إنه بعد جعل حق الرد شرعا يرتفع الضرر لارتفاع اللزوم، فلا حكم
ضرري، كما أنه لا موضوع ضرري كي يرتفع حكمه.
وثانيا: ما عرفت من أن نفي الضرر لا يثبت الحق وإنما ينفي اللزوم لا غير، فهو
يثبت الجواز الحكمي لا الحقي.
وثالثا: إن اللزوم قد لا يكون ضرريا كما إذا كان قد اشترى المعيب بأقل من ثمنه
السوقي، فلا يكون اللزوم موجبا للضرر في هذه الحال.
ورابعا: بأن حديث نفي الضرر إنما يتكفل نفي الحكم الضرري أو نفي الحكم عن
الموضوع الضرري، ومثل هذا لا ربط له باثبات الأرش، بل غاية ما يتكفل نفي
اللزوم. نعم لو أريد نفي الضرر غير المتدارك الراجع إلى اثبات التدارك كان لما ذكر
وجه، لكن تحقق في محله فساد هذا الاحتمال.
ثم إن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) تعرض إلى بيان استفادة التخيير بأنه مقتضى
الجمع بين الأخبار. وما ذكره لا يخلو عن مناقشة ولذا لم يرتضه (رحمه الله) فراجعه تعرف.
والمتحصل: إن الوجوه المذكورة لإثبات التخيير بين الأرش والرد لا ينهض
جميعها لإثبات ذلك، فالعمدة حينئذ هو الاجماع، فإن تم فهو وإلا فلا دليل على
التخيير. وبملاحظة الوجوه المتقدمة لا يحصل لنا الجزم بأن هذا الاجماع تعبدي، بل
من المحتمل استناد المجمعين إلى بعض هذه الوجوه، ولم يطلعوا على نص خاص دال
على المطلوب خفي علينا أو سمعوا من المعصوم (عليه السلام) ذلك. فلاحظ.
ويقع الكلام بعد ذلك في جهتين:
الجهة الأولى: في أن ظهور العيب هل هو كاشف عن الخيار أو مثبت له، وبتعبير
آخر أن سبب الخيار نفس العيب بوجوده الواقعي أو ظهوره؟ ومنشأ الشبهة هو
تعليق الحكم في الأخبار على ظهور العيب ووجد أنه وتبينه، وتعارف التعبير في
لسان الفقهاء بثبوت الخيار عند ظهور العيب.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 68، الطبعة الأولى.
55

وتحقيق الكلام: إن ثبوت الخيار إن كان من جهة قاعدة نفي الضرر أو الشرط
الضمني، فلا اشكال في كونه ثابتا بنفس العيب لا منوطا بظهوره - كما تقدم ايضاحه
في خيار الغبن -.
وإن كان من جهة الأخبار، فقد عرفت تضمنها تعليق الحكم على وجدان العيب
وتبينه.
ولكن ثبت في محله وتكرر بيانه منا مرارا أن هذه العناوين بنظر العرف ملحوظة
بنحو الطريقية إلى متعلقاتها، فالحكم منوط بنفس المتعلق، نظير تبين العجز في باب
الصوم، بل نفس السائل حين يسأل عن ثبوت الخيار عند ظهور العيب يلحظ
الظهور طريقا لنفس العيب.
وعليه، فيكون الخيار منوطا بنفس العيب ويكون الظهور كاشفا. هذا مجمل
تحقيق الكلام في هذه الجهة.
وقد قرب الشيخ (قدس سره) إناطة الخيار بنفس العيب بوجوه:
الأول: التسالم نصا وفتوى على جواز التبري من العيوب واسقاط خيار العيب
في متن العقد بضميمة أن الخيار لا يمكن اسقاطه قبل تحقق مقتضيه. فيكشف عن أن
العيب هو سبب الخيار لا ظهوره.
وفيه: أنه يكفي في صحة الاسقاط تحقق المقتضي ولو لم يحصل الشرط، وإذا
فرض دخالة ظهور العيب في ثبوت الخيار فلا ينافي ذلك جواز اسقاطه في متن العقد
لأن العقد مقتض وظهور العيب شرط. وقد أشرنا إلى ذلك في خيار الغبن والرؤية.
فراجع.
الثاني: إنه لا معنى لثبوت الأرش بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف
الصحة.
وفيه: إن هذا وإن تم لكن لا يقتضي أن يكون تمام العلة هو وجود العيب بل لعل
وجوده بمنزلة المقتضي ووجد أنه بمنزلة الشرط، فلا يثبت الحق إلا عند ظهور العيب.
56

الثالث: إن ظاهر بعض أخبار المسألة كون السبب نفس العيب. وناقشه
الشيخ (قدس سره) بأنها لا تدل على العلية التامة فلعل الظهور شرط.
ونوقش: بأنه إذا كان ظاهر الأخبار ذلك، فلا مجال لاحتمال شرطية ظهور
العيب، لاندفاعها بظاهر النص.
ثم إنه (قدس سره) بعد ذلك ذكر: إن التحقيق ما تقدم في خيار الغبن من وجوب الرجوع في
كل حكم إلى دليله. ومع عدم الدليل يرجع إلى القواعد. وقد تقدم البحث معه في
ذلك في محله، فراجع.
وكيف كان، فقد عرفت تحقيق الكلام في هذه الجهة فلا نعيد.
الجهة الثانية: في عموم خيار العيب للثمن أو اختصاصه بالمثمن.
وذكر الشيخ (قدس سره) أن الظاهر أن العموم مما لا خلاف فيه.
والتحقيق: إنه إن قلنا بأن الخيار من جهة نفي الضرر أو الشرط الضمني،
فالالتزام بالعموم متعين.
وإن قلنا به من جهة النص، فمورد النصوص هو المثمن ولا عموم لها يشمل الثمن.
ووروده مورد الغالب لا ينفع إلا في عدم ثبوت التقييد به لو كان هناك اطلاق يقتضي
الشمول، والمفروض أنه غير ثابت.
وبالجملة، الاشكال فيما نحن فيه من جهة قصور المقتضي اثباتا لا من جهة المانع
اثباتا كي يقال إنه وارد مورد الغالب.
إذن، فالعمدة هو الاجماع لو تم، وإلا فلا وجه للالتزام بالتعميم وإن كان قريبا
للنفس بل مما تطمئن به النفس، ولكن لا وجه صناعي يدل عليه. فتدبر.
57

مسقطات هذا الخيار
المسألة الثانية: فيما يسقط به الرد خاصة دون الأرش، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1)
أنه أمور:
الأمر الأول: التصريح بالتزام العقد واسقاط الرد واختيار الأرش. وقد أقره
على ذلك المحشون.
ولكن الذي يبدو لنا أنه غير تام وأنه لا معنى لسقوط الرد خاصة دون الأرش،
بل إما يسقطان معا أو يثبتان معا.
بيان ذلك: إنه قد عرفت في أول مباحث الخيار أن حقيقة الخيار قد اختلف في
تقومها بأمر عدمي خاصة أو تقومها بأمر عدمي وأمر وجودي، فهل هو حق فسخ
العقد وحله خاصة - كما قربه الشيخ (قدس سره) - أو أنه حق فسخ العقد وحق ابرامه.
فعلى التقدير الأول يكون الثابت في مورد خيار العيب أحد أمرين من فسخ
العقد واختيار الأرش.
وعلى التقدير الثاني يكون الثابت أحد أمور ثلاثة من فسخ العقد وإبرامه
واختيار الأرش.
وعليه، فنقول: إنه بناء على ثبوت الأرش في عرض ثبوت الرد، وأن الثابت من
أول الأمر التخيير بينهما..
إن التزم بأن الثابت في مورد خيار العيب هو أمور ثلاثة باعتبار تقوم الخيار بحق

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 253، الطبعة الأولى.
58

الفسخ وحق الابرام، فعند الالتزام بالعقد يسقط الخيار لأنه اعمال للخيار فلا
يثبت له الأرش بعد ذلك لسقوط الحق بأعماله في أحد أطرافه.
وإن التزم بأن الخيار عبارة عن حق الفسخ خاصة، فيكون الحق في مورد العيب
متقوما بأحد أمرين من الرد والأرش، فقد تقدم أن الرد قابل للاسقاط - باعتبار أن
لكل ذي حق اسقاط حقه -، لكنه ههنا لا يقبل الاسقاط وحده لأن الحق الثابت
حق واحد يتردد طرفه بين أمرين، فنفي تعلقه بالرد وتعيين طرفه بالأرش يحتاج
إلى دليل خاص. ومجرد ما دل على أن لكل ذي حق اسقاط حقه لا يجدي، إذ
المفروض عدم اسقاط الحق فيما نحن فيه، بل نفي تعلقه بأحد طرفيه وتعيينه بالطرف
الآخر. فلا دليل على سقوط الرد بالاسقاط خاصة فيما نحن فيه.
وأما بناء على أن حق الأرش يثبت بعد امتناع الرد وفي طوله، فالرد وإن كان
يسقط بالاسقاط لكن لا يثبت الأرش، إذ دليل ثبوت الأرش على تقدير امتناع
الرد إنما يدل عليه إذا لم يكن امتناع الرد بسبب المشتري نفسه واختياره، وأما إذا
كان امتناعه باختياره واسقاطه، فدليل الأرش قاصر عن اثبات الأرش في تلك
الحال. فلاحظ وتدبر.
وقد أشار المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) إلى بعض هذا الايراد، وكنا نتخيل أنه لم يلتفت
إليه أحد. وكيف كان فما أفاده الشيخ (قدس سره) غير تام.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض بعد ذلك لبيان أمرين:
أحدهما: إنه لو أطلق الالتزام بالعقد - بحيث لم يصرح بالتخصيص به - فالظاهر
عدم سقوط الأرش.
والبحث في هذه الجهة بحث اثباتي يرجع إلى تشخيص ما هو الظاهر من قوله:
مثلا: " التزمت بالعقد " فهل ظاهر في الالتزام به والتنازل عما له من الشؤون
والتبعات والآثار فيظهر في اسقاطه الأرش أيضا، أم أنه ظاهر في خصوص عدم

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 53، الطبعة الأولى.
59

الرد والالتزام بالعقد أما اسقاط الأرش فهو مسكوت عنه.
والذي استظهره الشيخ (قدس سره) هو الثاني مع احتمال الأول.
والحق مع الشيخ (قدس سره) إذ لا ظهور لقوله: " التزمت " في أكثر من البناء على عدم رد
العقد، أما غير ذلك من الشؤون فلا تعرض فيه لها.
وهذا الذي استظهرناه من عبارة الشيح (قدس سره) من كون جهة البحث اثباتية، وافقنا
فيه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) ولكن الذي يظهر من المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) جعل
البحث ثبوتيا حيث قرب ظهور الالتزام بالعقد باسقاط الأرش بأن الرضا بالبيع
بعد العلم بالعيب بعد العقد كالرضا به قبل العقد، فكما أن الثاني دافع لحق الرد
والأرش كذلك الأول رافع لهما.
وما أفاده (رحمه الله) من فرض الكلام ثبوتيا غير متين..
أما أولا: فلعدم وجه للالحاق بالرضا قبل العقد.
وأما ثانيا: فلأن الكلام بنفسه يتأتى على تقدير التصريح بالالتزام بالعقد خاصة،
فلماذا لم يحرر هذا البحث فيه؟ فالصحيح كون المنظور مقام الاثبات وما يستفاد من
الكلام كما عرفت.
ثانيهما: إنه لو أسقط الخيار - بأن قال أسقطت خيار العيب - فلا يبعد سقوط
الأرش لا خصوص الرد.
وقد بنى المحشون سقوط الأرش وعدمه على كون خيار العيب يتقوم بالأمرين
من الرد والأرش، أو أن حق الأرش طرف لحق الخيار، باعتبار أن الخيار هو حق
الرد لا غير، والأرش غرامة وتدارك للنقص الثابت، فعلى الأول يسقط الأرش
باسقاط الخيار وعلى الثاني يسقط الرد خاصة.
أقول: لا بد من ملاحظة حقيقة خيار العيب بنظر العرف والمتشرعة وما
يقصدونه من هذا التعبير، إذ لم يرد التعبير بلفظ الخيار في نصوص خيار العيب، كما

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 71، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 441، الطبعة الأولى.
60

أنه ليس الكلام فيما هو مصطلح الفقهاء في لفظ الخيار بل فيما هو المراد العرفي له
لأن البحث في تشخيص معنى اللفظ العرفي، فإذا كان لفظ الخيار - في باب العيب -
يطلق عند المتشرعة على مجموع حق الرد والأرش كان اسقاطه اسقاطا لحق الأرش
ولو كان لفظ الخيار بحقيقته اللغوية أو الاصطلاحية موضوع لخصوص حق الرد.
والظاهر هو ذلك، فإن خيار العيب يراد به عرفا مجموع الحق الثابت بطرفيه فإذا
أسقطه كان ظاهرا في اسقاط ما له من الحق المتعلق بالرد والأرش. فما أفاده
الشيخ (قدس سره) قريب وليس ببعيد كما ذكر (قدس سره).
الأمر الثاني: - من مسقطات الرد خاصة - التصرف في المعيب، ونسب إلى
السرائر (1) دعوى الاجماع على أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف منهم. وعمدة
الدليل على مسقطيته للرد - في الجملة - روايتان:
إحداهما: صحيحة (2) في حديث عن أبي جعفر (عليه السلام): " أيما رجل اشترى شيئا وبه
عيب وعوار ولم يتبرأ إليه ولم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك
العوار وبذلك الداء فإنه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء
والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به ".
والأخرى: مرسلة جميل (3) عن أحدهما (عليه السلام) " في الرجل يشتري الثوب أو المتاع
فيجد فيه عيبا، فقال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن
كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب ".
ولا يخفى أن الاحتمالات بل الأقوال في مسقطية التصرف مختلفة بين الاطلاق
والتقييد، كما أشار إلى ذلك الشيخ (قدس سره). فلاحظ.
فلا بد في معرفة الحق من ملاحظة المستفاد من هذين النصين أولا، ثم النظر في
سائر الجهات.

1 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 302، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب الخيار، ح 2.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب الخيار، ح 3.
61

فنقول: قد يقال: إن ظاهر الصحيحة كون احداث المشتري الشئ في المبيع
موجبا لسقوط الرد. واحداث الحدث أعم مما يستلزم التغيير وما لا يستلزمه.
كما أن ظاهر المرسلة كون التغير موجبا لسقوط الرد سواء كان بفعل المشتري أو
أجنبي أو لا عن اختيار. فيكون بينهما عموم من وجه لتصادقهما في احداث الحدث
المغير للعين، وتفارق الصحيحة المرسلة في احداث المشتري ما لا يستلزم التغيير.
كما تفارق المرسلة الصحيحة في التغير الحاصل بفعل أجنبي أو آفة سماوية مثلا.
ولا يخفى أن تعميم احداث الشئ للحدث المستلزم للتغيير وغير المستلزم للتغيير
الذي هو السبب في تشكيل نسبة العموم من وجه بين الروايتين يبتني على دعوى
كون المراد من احداث الشئ في الصحيح عين المراد من احداث الحدث في صحيحة
ابن رئاب الواردة في خيار الحيوان، لتفسير الحدث فيها بما يعم ما لا يستلزم التغيير
من النظر إلى ما يحرم النظر إليه لولا الشراء. وإلا فالظهور العرفي لقوله ههنا
" فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا " لا عموم فيه لصورة عدم التغيير بل هو ظاهر في
التصرف الموجب للتغيير.
ولا يخفى أن صحيحة ابن رئاب لا تصلح للتصرف في ظهور الصحيح هنا بحيث
يحمل عليها لوجوه:
الأول: إنها ليست واردة في مقام بيان الموضوع له لفظ " الحدث "، بل في مقام
بيان تحديد موضوع الحكم بسقوط خيار الحيوان، فقوله فيها " وما الحدث " ليس
راجعا إلى السؤال عن مفهوم الحدث والمراد به، بل هو راجع إلى السؤال عما هو
موضوع الحكم سعة وضيقا.
وعليه، فلا يكون قرينة على أن الحدث في سائر الموارد يراد به ما يعم النظر
واللمس.
الثاني: إنه لو سلم أن السؤال عن بيان المراد من لفظ " الحدث "، فمن الواضح أنه
ليس السؤال عن المفهوم العرفي للحدث، أو عن المفهوم الشرعي لاحتمال أن يكون
62

له حقيقة شرعية، بل السؤال عن المراد الاستعمالي من اللفظ، فالمسئول عنه هو
المستعمل فيه لفظ " الحدث ".
ومن الواضح أنه إذا فرض كون المستعمل فيه هو الأعم في تلك الرواية مجازا فلا
يلازم استعماله فيه في هذه الرواية مع عدم القرينة عليه.
الثالث: إنه لا يمكن تطبيق ذلك المعنى ههنا، لأن المفعول في هذا النص ليس هو
لفظ الحدث كما في ذلك النص، بل هو لفظ الشئ، وهو مما لا وجه لحمله على معنى
الحدث، وإنما الذي يراد استفادته من المقارنة بين النصين هو بيان أن المراد من قوله
في هذا النص " أحدث " هو ما يرادف احداث الحدث في ذلك النص، لأن الفعل
بمادته يدل على المبدأ، فالحدث المأخوذ مادة لأحدث، هو نفس الحدث المذكورة في
رواية ابن رئاب.
ومن الواضح أن التعبير لا يستقيم - جدا - على هذا البيان، إذ مقتضاه كون المراد
من " أحدث " أوجد حدثا، فيصير التعبير هكذا " إذا أوجد حدثا فيها شيئا... " وهو
تعبير ركيك لا محصل له.
فالحق أن المراد من " أحدث " هو الاحداث من الحدوث لا الحدث، فيكون
المراد " إذا أوجد فيها بعد العدم شيئا... " لأن تضمنها معنى الحدث يستلزم ركاكة
التعبير بأي معنى أريد من الحدث. فانتبه.
والمتحصل: إن صحيحة ابن رئاب لا تصلح قرينة على تشخيص المراد من هذه
الصحيحة، وقد عرفت أن ظاهرها هو أخذ ايجاد الشئ المستلزم للتغيير في موضوع
سقوط الرد، فلا تدل على أزيد من كون التصرف المستلزم للتغيير موجبا لسقوط
الرد، لا نفس التصرف كيفما كان، ولا التغير ولو لم يكن عن تصرف منه.
وأما المرسلة، فهي ظاهرة في كون المدار على تغير العين وعدم تغيرها. سواء
كان بتصرف أم لم يكن، فهي تبين عموم الموضوع لسقوط الرد لمطلق موارد التغير
ولو لم يكن بتصرف المشتري، ولا تنافي بينهما بحسب المدلول إذ هما حكمان
63

ايجابيان ثابتان بنحو الاستغراق فلا يحمل المطلق على المقيد.
لكن الاشكال في سند المرسلة، ولم يثبت عمل المشهور بها صغرويا - مع قطع
النظر عن الاشكال في جابرية العمل - لاختلاف كلمات الأصحاب (قدس سرهم) في المسألة
وذهاب المشهور إلى مسقطية التصرف بعنوانه لا التغير بعنوانه - كما يستفاد ذلك من
تصريح الشيخ (قدس سره) فلاحظ كلماته -.
ثم إنه لو سلم كون الصحيحة دالة على إناطة الحكم بمطلق التصرف ولو لم يكن
مغيرا بقرينية صحيحة ابن رئاب، فتكون النسبة بينها وبين المرسلة العموم من وجه.
وقد ذكر في طريق الجمع بينهما وجوه:
ذكرها المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في حاشيته..
أحدها: إن المراد بالصحيحة ما هو ظاهر المرسلة وهو كون المدار على التصرف
المغير، فهي في مقام بيان ما يختص بخيار العيب لا في مقام بيان المسقط العام في هذا
الخيار وغيره.
الثاني: دعوى أن المراد بالمرسلة هو كون المدار على التصرف كظاهر الصحيحة
لا كون المدار على التغير، وما ذكر من التصرفات المغيرة فيها من القطع والخياطة
والصبغ إنما ذكر لأجل أنه الفرد العادي من التصرفات الواردة على الثوب فلم
يلحظ فيها جهة التغيير بل لوحظ فيه أصل التصرف.
الثالث: ما ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله) (2) في حاشيته: من أن المنظور في الصحيحة
هو كون التصرف مسقطا لخيار العيب كما يسقط غيره لأجل أنه نوعا التزام بالبيع،
فهو اعمال للخيار. والمنظور في المرسلة هو كون التغير مسقطا لخصوص خيار العيب
ومانعا عن اعمال الخيار، فلا تنافي بينهما، بل الصحيحة تتكفل بيان المسقط العمومي
والمرسلة تتكفل بيان المسقط الخاص بخيار العيب، فكل منهما ناظر إلى بيان جهة،
وليس نظرهما متحدا.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 442، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 115، الطبعة الأولى.
64

ولا يخفى عليك أن الوجه الأول لا يعد جمعا بين النصين على تقدير الالتزام بكون
النسبة بينهما عموم من وجه، إذ هو يتكفل بيان عدم عموم الصحة لمطلق التصرف
وفرض نسبتها إلى المرسلة نسبة الخاص إلى العام.
فيدور الأمر بين الوجهين الآخرين (1) والأقرب منهما هو الأخير إذ الثاني ينافي
ظهور قوله: " إن كان الثوب قائما بعينه " لظهوره جدا في تقييد الرد بعدم التغير، فلو
تمكنا من التصرف في ظهور قوله: " فإن قطع "، بما تقدم فلا يمكننا التصرف في ظهور
القول المزبور. ومن الواضح أن قوله (عليه السلام): " فإن قطع " بيان لعدم القيام بعينه فيراد به
بيان جهة التغير، فانتبه.
ولا يخفى عليك أنه إنما تصل النوبة إلى التصدي للجمع بعد البناء على اعتبار
المرسلة. هذا ولكن عرفت عدم وصول النوبة إلى التعارض، وإن مدلول الصحيحة
خاص في حد نفسه.
والذي ننتهي إليه فعلا بحسب هذين النصين: إن ما يوجب سقوط الرد في هذا
الخيار إما مطلق التغير بناء على اعتبار المرسلة أو خصوص التصرف المغير بناء على
عدم اعتبارها والاقتصار على الصحيحة.
ويقع الكلام - بعد ذلك - في مسقطية التصرف بنفسه مطلقا أو تعبدا إذا كان
كاشفا نوعا عن الرضا.
وتحقيق الكلام في ذلك: أنه قد تقدم الكلام - بنحو التفصيل في أول مباحث
الخيارات - في أن حق الخيار هل يتقوم بأمرين وجوديين حق إبرام العقد وحق
فسخه؟ أو أنه يتقوم بأمر واحد وهو فسخ العقد وعدمه؟
والذي بنينا عليه هناك هو الثاني، لكن استدركنا في مبحث خيار الحيوان بأن
لذي الخيار حق إبرام العقد وجعله لازما سواء كان راجعا إلى كونه مقوما لحق
الخيار أو أنه حق مستقل لا يقوم مفهوم الخيار.

1 - يبعده أن التصرف قبل العلم بالعيب لا ظهور له في الالتزام بالعقد بالمرة فلينتبه. المقرر.
65

وعليه، فحق ابرام العقد والرضا به ثابت في مورد الخيار. ولكن القدر المتيقن من
ثبوته هو مورد ثبوت الخيار بعنوانه، كخيار المجلس والحيوان والرؤية. أما موارد
ثبوت حق الرد بلا عنوان الخيار، فلا يثبت حق الإبرام لقصور دليله عن ثبوته.
أما إذا كان من جهة أنه مقوم لمفهوم الخيار فواضح، إذ لا خيار.
وأما إذا كان من جهة الدليل الخاص وهو رواية ابن رئاب المتقدمة في خيار
الحيوان فلأن موضوعها الخيار، فلا عموم لها لغير موارده.
إذا عرفت ذلك، فالذي ثبت لدينا بعد سبر نصوص خيار العيب أنه لم يثبت هذا
الخيار بعنوان الخيار وإنما الأمر الذي تتكفل النصوص إثباته هو بيان حق الرد أو
الأرش - إما في عرضه أو في طوله على الخلاف المتقدم -.
وعليه فلا دليل على ثبوت حق إبرام العقد والالتزام به في مورد العيب.
وعلى هذا، فدعوى كون الالتزام بالعقد ههنا مسقط لحق الرد لأنه إعمال للخيار
أو للدليل الخاص، لا وجه له أصلا.
كما أن دعوى أن التصرف الكاشف نوعا عن الرضا يكون مسقطا، كالكاشف
القولي، لا مجال لها لما عرفت من التوقف في الكاشف القولي فضلا عن الفعلي.
ومثلها دعوى مسقطية مطلق التصرف تعبدا لتنزيله منزلة الرضا في رواية ابن
رئاب، إذ لا ثبوت للمنزل عليه في ما نحن فيه، مضافا إلى ما تقدم من الاشكال في
استفادة العموم لمطلق موارد الخيار من التنزيل المشار إليه، فراجع.
وبعد تحقيق هذه الجهة لا نرى حاجة إلى التعرض لكلمات الشيخ (قدس سره) في المقام
وكلمات غيره من الأعلام، فإنه إطالة بلا طائل، فتدبر.
الأمر الثالث: من مسقطات الرد خاصة: التلف وما بحكمه، وقد تعرض
الشيخ (قدس سره) (1) في هذا المقام إلى بيان جهات ثلاث:
الجهة الأولى: في بيان سقوط الخيار هنا بالتلف أو صيرورته كالتالف،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 255، الطبعة الأولى.
66

فذكر (قدس سره) أن هذا الخيار يسقط بذلك على خلاف الخيارات المتقدمة التي لا تسقط
بتلف العين بل ينتقل هناك إلى البدل على ما تقدم.
وذكر أن الوجه فيه بعد ظهور الاجماع إناطة الرد في المرسلة السابقة - يعني
مرسلة جميل - بقيام العين. فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف أو انتقل
إلى ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد على المشتري فلا رد.
وقد حمل كلامه في بيان سقوط الرد بالتلف على كون محط نظره جملة: " إن كان
الثوب قائما بعينه " الوارد في المرسلة، ببيان: أن المراد منها قيام العين بذاتها
وخصوصياتها، ومن جملة خصوصياتها تملك المشتري له، فمع انتقالها عنه لا يصدق
قيامها بعينه، فلا موضوع للرد عند التلف وعند انتقال العين من المشتري إلى غيره.
وأورد عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) بوجوه ثلاثة:
أحدها: أنه لا يمكن أن يراد من لفظ: " بعينه " كل من الذات وخصوصياتها، بل
إما أن يراد منه الذات، أو يراد منه الخصوصيات، فإنه يستعمل في الموضعين،
وإرادة كل منهما ممتنع. ورجح أن يراد منه الخصوصيات بملاحظة الشرطية الثانية في
الرواية، فلا نظر لها إلى بقاء نفس الذات.
الثاني: أن الظاهر من اللفظ إرادة بقاء المبيع بأوصافه الخارجية لا الاعتبارية،
فلا يشمل مثل الملكية.
وهذا الوجه ذكره الإيرواني (رحمه الله) (2) أيضا ذاكرا أن الشيخ (قدس سره) لا يرى تبدل
الصفات النفسية موجبا لعدم صدق " القيام بعينه " كما ذكره في مورد نسيان العبد
الكتابة، فكيف يرى تبدل الصفة الاعتبارية موجبا لذلك.
الثالث: أنه لو فرض شمول الخصوصيات لمثل الملكية، فما أفاده الشيخ (قدس سره)
لا يطرد في مورد إجارة العين ورهنها، لبقاء الملكية.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 98، الطبعة الأولى.
2 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 54، الطبعة الأولى.
67

أقول: يمكن أن يبين كلام الشيخ (قدس سره) بنحو يدفع عنه هذه الايرادات ولا يبقى لها
موضوعا، فيقال: إن نظر الشيخ (قدس سره) ليس جملة " إن كان الثوب قائما بعينه " بل نظره
إلى أن المجعول في هذا الخيار يختلف عن سائر الخيارات.
فإن المجعول في مثل خيار المجلس والحيوان هو حق الخيار - بعنوانه - وهو حق
فسخ العقد، كما عرفت، فهو متعلق بالعقد فيمكن أن يتصور بقاؤه بعد تلف العين أو
انتقالها، كما تقدم البحث فيه.
أما المجعول ههنا، فليس هو الخيار بل هو الرد والمراد به رد العين، إذ لا معنى لرد
العقد. ومن الواضح أنه لا موضوع له في صورة التلف. كما أنه في مورد الانتقال غير
ممكن لكون المراد من الرد ليس مجرد إعادة العين إلى الغير، بل المراد - بحسب
الظاهر - إرجاع العين المتقوم بإعادتها من ملكه وكون استرداد الغير لها عن ملك
الراد.
وقد يسأل عن الوجه في تخصيص الشيخ (قدس سره) للمرسلة في الكلام مع أنه لو كان
ناظرا إلى خصوصية جعل الرد في المقام فهو مما تتكفله النصوص الكثيرة الصحيحة
السند.
والجواب: إننا بعد التتبع في جميع النصوص الواردة في هذا الباب وأحكام
العيوب، لم نجد نصا في مقام بيان جعل حق الرد للمشتري سوى المرسلة، بل
الملحوظ في النصوص المفروغية عن ثبوت هذا الحق والسؤال والجواب عما يتفرع
عليه.
وعليه، فلا يظهر منها كون المجعول حق الرد أو حق الخيار بعنوانه، إذ مضامينها
تتلائم مع كون المجعول حق الخيار. نعم، خصوص المرسلة في مقام بيان الحق الثابت
في المعاملة الواقعة على المعيب وقد بينت ثبوت حق الرد لا الخيار.
وأما قوله: " إناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين " فهو وإن لم يكن دخيلا
في وجه سقوط الرد بالتلف أو الانتقال بالبيان الذي ذكرناه، ولكن يمكن أن يكون
68

نظره في بيان ذلك إلى بيان تصدي الرواية لحكم المعيب بخصوصياته وأن الرواية
تكفلت الحكم بجهاته، فهو تتميم لما يحاول بيانه من كون المرسلة في مقام التصدي
لبيان حكم المعيب وجهاته، فتدبر جيدا.
هذا ما يمكن أن يوجه به كلام الشيخ (قدس سره).
وتحقيق الكلام في أصل المطلب: أن الاستدلال على سقوط الرد بتلف المعيب أو
انتقاله يمكن أن يكون بفقرة: " إن كان الثوب قائما بعينه " ويمكن أن يكون بإثبات
حق الرد للمشتري.
أما من الجهة الأولى، فتصوير الاستدلال بها يكون بوجوه ثلاثة:
الأول: ما حمل عليه كلام الشيخ (قدس سره) من أن المراد من " القيام بعينه " قيامه بذاته
وخصوصياته، فمع التلف لا يكون باقيا بذاته ومع الانتقال لا يكون باقيا
بخصوصياته.
الثاني: أن الظاهر عرفا من الجملة المزبورة إرادة بقاء العين بخصوصياتها
الخارجية في ملكك وعندك، فاعتبار البقاء في الملك ليس بلحاظ أنه خصوصية من
خصوصيات العين بل من جهة تقيد البقاء بكونه عند المشتري، ويمكن أن يستفاد
هذا الوجه من مطاوي كلمات السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1).
الثالث: أن يكون المراد من قوله: " قائما " البقاء في الملك، وعدم التزلزل
والانتقال، نظير ما يقال عن بقاء الشئ في الملك بالفارسية: " سر جايش هست " في
قبال انتقاله لا عدمه. فاستفادة اعتبار البقاء في الملك من لفظ " قائما " ويراد من:
" بعينه " خصوصياته الخارجية.
وأما من الجهة الثانية، فتصوير الاستدلال بها من وجوه أيضا:
الأول: دعوى ظهور جعل الرد عرفا في كونه ردا عن ملكه، فلا يثبت في غير
مورد الملك.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 71 - 72، الطبعة الأولى.
69

الثاني: دعوى أن المراد بالرد ليس هو الرد الخارجي بل المراد رد الربط الملكي
وهو عبارة عن نفس العقدة التي يعقدها كل من المتعاملين للآخر، وهذا يبتني على
ما يذهب إليه المحقق النائيني من تشبيه الملكية بحبل متصل بطرفين أحدهما المملوك
والآخر المالك وأن المعاملات الناقلة وظيفتها حل العقدة من طرف المالك وشدها
بطرف المعاملة الآخر من دون تغيير في نفس العلاقة الملكية.
وعليه، فالمراد بالرد إعادة الربط الملكي وارجاعه بمعنى إعادة نفس الشدة
والعقدة بصاحب العين السابق. ومن الواضح أن إعادة الربط تتقوم بكون المعاد
ثابتا للمعيد لكي يحلها من وسطه ويثبتها للمعاد إليه، إذ معنى الارجاع يتقوم بذلك
ومع انتقال العين لا يتمكن من ذلك تكوينا فلا موضوع للرد.
الثالث: دعوى أن الرد الذي هو عبارة عن إعادة الربط الملكي - إما بمعنى نفس
العقدة أو بمعنى نفس العلاقة الملكية على ما هو المشهور المعروف والالتزام بالأول
لا يخلو من محاذير والكلام فيه في محله - يتقوم بأمرين باخراج العين عن ملك
مالكها الفعلي وإدخالها في ملك مالكها الأول.
وعليه، فهو لا يتحقق إلا إذا ثبت هناك سلطنة على اخراج العين من ملك المالك
الفعلي - كما لو كانت في ملكه لأنه مسلط على ملكه - وسلطنة أخرى على إدخال
العين في ملك مالكها الأول، إذ تمليك الغير لا يتحقق في حد نفسه بلا قبوله.
ومن الواضح أن المنظور إليه في نصوص جعل حق الرد هو اثبات السلطنة من
الناحية الثانية أعني ناحية إدخال العين في ملك المالك الأول، باعتبار أن للبائع
الامتناع عن قبول العين والارجاع لولا العيب، فأثبت الشارع سلطنة المشتري
على الارجاع عند العيب وأنه ليس للبائع الامتناع وأنه لا عبرة برضاه - كما هو
الحال في موارد الإقالة - أما السلطنة من الناحية الأولى فهو مأخوذة مفروغا عنها
وفي موضوع حق الرد، ولا نظر للنصوص إلى اعتبارها.
وعليه، فلا يثبت حق الرد إلا في مورد تكون هناك سلطنة للراد على اخراج
70

الملك من ملك مالكه، وهو لا يثبت إلا إذا كانت العين بعد في ملكه دون ما إذا
كانت خارجة عنه، إذ لا سلطنة له على ملك الغير.
وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه في المقام لأنه وجه عرفي دقيق سالم
عن شوب الاشكال، والوجوه الأخرى قابلة للمناقشة، كما لا يخفى على المتأمل.
وبهذا الوجه يظهر عدم ثبوت حق الرد في صورة التلف لانتفاء موضوعه وهو
الذات، ومثله مورد الانعتاق بعد فرض امتناع عود الحر رقا عند الشارع. والممنوع
شرعا كالممتنع عقلا.
كما لا ثبوت له في موارد الانتقال اللازم من جهة عدم السلطنة على اخراج مال
الغير عن ملكه فلا موضوع لحق الرد. إذ عرفت أخذ السلطنة على الإخراج في
موضوعه.
وأما مورد الرهن، فكذلك لعدم تسلطه على العين بعد رهنها وإن كان مالكا لها،
فيكون نظير المحجور عليه بفلس.
وأما مورد الإجارة، فكذلك أيضا، لأنه وإن تمكن من رد العين بذاتها، لكنه لا
يتمكن من ردها بخصوصياتها، إذ المنفعة من خصوصياتها وهي لا تقبل الرد،
وظاهر النص لزوم رد العين بخصوصياتها، لا ذات العين.
وأما موارد الانتقال الجائز بهبة غير لازمة أو بعقد خياري، فتحقيق الحال فيها:
أنك عرفت أن المجعول في نصوص الخيار هو السلطنة الفعلية على الرد إلى الغير بمعنى
السلطنة على إدخال العين في ملك الغير، وأما السلطنة على الإخراج فقد عرفت
أنها مأخوذة مفروغا عنها وفي موضوع السلطنة على الادخال والارجاع.
وعليه، فنقول: إن كان المأخوذ في موضوعها مجرد التمكن من الإخراج، ثبت
حق الرد في موارد النقل الجائز لتمكنه من الإخراج ولو بالواسطة وهي الفسخ.
وإن كان المأخوذ هو السلطنة الفعلية على الاخراج، فهي غير ثابتة فعلا. نعم هو
يتمكن من تحصيلها. فلا يثبت حق الرد لعدم موضوعه.
71

والظاهر هو الثاني، إذ المجعول هو السلطنة الفعلية على الإرجاع وهي لا تتحقق
إلا في مورد ثبوت السلطة الفعلية على الاخراج لا مجرد التمكن منه ولو بالواسطة،
فإن الشخص الذي يتمكن أن يشتري العين لا يقال إنه مسلط فعلا على بيعها،
فانتبه. هذا تحقيق الكلام في هذه الجهة، فتدبره.
وأما إيرادات المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) على الشيخ (قدس سره) التي تقدم ذكرها، فهي
تقبل المناقشة:
أما الأول: فلأنه يمكن دعوى أن المراد من لفظ " بعينه " هو الخصوصيات كما هو
ظاهر الذيل. لكن من الواضح أن بقاء الخصوصيات ملازم لبقاء الذات، فما يدل
على اعتبار الخصوصيات يدل على اعتبار الذات بالالتزام ويمكن أن يعتبر بقاء
الذات بالدلالة الالتزامية وبقاء الخصوصيات بالدلالة المطابقية، ولا محذور فيه.
وأما الثاني: فهو إنما يتأتى لو كان الاستدلال بالفقرة بملاحظة لفظ " بعينه " لا
بلحاظ تقدير " عندك " أو بملاحظة كلمة " قائما " كما أشرنا إليه.
وأما الثالث: فيدفعه أنه بعد فرض تسليم عموم الخصوصيات للخصوصيات
الاعتبارية، فكون الملك طلقا خصوصية زالت بالرهن. وكون الملك مملوك المنفعة
خصوصية زالت بالإجارة، فلا يصدق قيام المبيع بعينه في الموردين، فانتبه.
الجهة الثانية: من الجهات الثلاثة التي تعرض إليها الشيخ (قدس سره): تعريضه بصاحب
الدروس (رحمه الله) (2) حيث عد انعتاق العبد على المشتري مسقطا برأسه، فإنه لا
خصوصية له بل هو من مصاديق ما بحكم التالف. وجعله من مصاديق التصرف لا
يخلو عن شئ.
أقول: لا أهمية لتحقيق هذه الجهة بعد أن عرفت حكم الانعتاق، نعم ذكر الشيخ
في خيار المجلس أن إقدام المشتري على شراء من ينعتق عليه إقدام على إتلافه
فيكون من مصاديق التصرف، فراجع كلامه والأمر سهل.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 98، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 268، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
72

الجهة الثالثة: فيما لو عاد الملك إلى المشتري. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لا يجوز رده
للأصل خلافا للشيخ (1) بل المفيد (2) (رحمهما الله).
وتحقيق الكلام في ذلك: أن الملك الحادث تارة يكون بسبب ناقل جديد، كشراء
أو هبة. وأخرى يكون بسبب فسخ العقد الناقل.
ففي الأول: لا اشكال في عدم ثبوت حق الرد، لأن المقصود بالرد إعادة نفس
الملكية أو الربط الملكي الثابت سابقا بالعقد الواقع على المعيب، والمفروض أن
الملكية الجديدة ملكية حادثة فلا يصدق الرد معها.
وفي الثاني: أن الملكية وإن كانت بالدقة ملكية حادثة غير سابقة لكنها عرفا
نفسها، وعليه فيصدق الرد معها عرفا، لكن مجرد صدق الرد لا ينفع في إثباته، بل
لا بد من ملاحظة الدليل الذي يدل على ثبوت الرد وأنه هل يدل على كون حق الرد
حكما واحدا مستمرا، فإذا انقطع بانتقال العين لا ثبوت له بعد ذلك بالدليل، فيرجع
إلى الأصل وهو يقتضي عدمه إذ الحالة السابقة هو عدم ثبوت الرد؟
أو أنه حكم ثابت لذات الموضوع أينما تحقق فعدم ثبوته في الأثناء لمانع لا ينفي
ثبوته بعد ذلك إذا تحقق موضوعه وزال المانع، فلا مجال على هذا للرجوع إلى
الأصل النافي لثبوت الحق؟
والانصاف أنه لا يمكن تشخيص مفاد النص في كيفية جعل حق الرد، فيكون
ثبوته بعد عود الملك مشكوكا، والأصل يقتضي عدمه، كما عرفت.
وبهذا النحو ينبغي تحقيق هذه الجهة لا بالنحو الذي ذكره بعض من ملاحظة أن
اعتبار البقاء في الملك إن كان لأجل تقدير كلمة " عندك " في قوله " قائما بعينه " فلا
خيار، إذ لم تكن العين عنده حال الالتفات إلى العيب. وإن كان لأجل دلالة " قائما
بعينه " على ذلك، فيثبت الرد عند عود الملك لصدق هذا العنوان، فلاحظ تعرف.

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 3: ص 131، الطبعة الأولى.
2 - الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 597، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
73

ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) تعرض بعد ذلك إلى فرع وهو حكم الجارية المعيبة إذا ظهر
العيب بعد وطئها، فذكر أنه لا خلاف نصا وفتوى في مانعية الوطء ء عن الرد سواء
قلنا بمانعية مطلق التصرف فيكون الوطء ء أحد أفراده، أو قلنا بمانعية خصوص
التصرف المغير، فيكون الوطء ء مستثنى من التصرف غير المغير للعين، ثم قال (قدس سره):
" مع أن العلامة علل المنع في موضع من التذكرة (2) بأن الوطء ء جناية ولهذا
يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك. وقد تقدم في كلام
الإسكافي أيضا أن الوطء ء مما لا يمكن معه رد المبيع إلى ما كان عليه قبله ".
والذي يظهر من هذا الكلام بيان الشيخ (قدس سره) احتمال كون الوطء ء مغيرا للعين، فلا
يكون مستثنى من التصرف غير المغير.
وقد وجه البعض استلزامه التغيير بحمل التغيير ههنا على التغيير الاعتباري
والشأني، فإن المرأة بالوطء ينقص قدرها وقيمتها.
وبما أنه لا ظهور لكلام الشيخ (قدس سره) في الالتزام بهذا الكلام والاستدلال به
والمفروض كون الحكم من المسلمات التي لا تقبل التشكيك، فلا حاجة لنا في إطالة
الكلام فيه.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر بعد ذلك تقريبا لكلام العلامة (رحمه الله) من أنه يشير إلى كون
الوطء ء جناية ما ورد في بعض نصوص (3) المسألة من قوله (عليه السلام): " معاذ الله أن يجعل
لها أجرا "، ببيان أنه نفى الرد ههنا وأنه لو ردها للزم أن يرد معها شيئا، ثم نبه
الإمام (عليه السلام) أن الشئ المردود ليس بعنوان الأجر، إذ الوطء ء استيفاء منفعة في ملكه
فلا أجرة فيتعين أن يكون أرش جناية.
والاستعاذة من جعل الأجر مع ثبوته في بعض الموارد، كمورد المتعة إنما هو تمشيا
مع المفهوم العام لدى العامة من استنكار الأجر على الفروج وتفاديا لاحتمال

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 255، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 526، الطبعة الأولى.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 4 و 8.
74

تقريره (عليه السلام) للمتعة التي منعها الثاني (1).
هذا توضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
لكن استشكل فيه: بأنه يمكن أن يكون نظره (عليه السلام) في ذلك إلى إنكار فتوى بعض
العامة برد الجارية غير الحبلى ورد مهر مثلها. فهو استنكار على الحكم في خصوص
هذه الواقعة، فكأنه قال (عليه السلام): " معاذ الله أن يجعل لها أجرا ههنا " فإنه حكم بغير ما
أنزل الله تعالى وليس استنكارا على أصل جعل الأجر، كيف؟ وقد جعل الأجر في
مورد وطء الحامل، كما هو ظاهر قوله في رواية ابن سنان (2) " لنكاحه إياها ".
وعلى أي حال، فالأمر سهل والمهم تحقيق الفرع بخصوصياته، فنقول: وردت
النصوص الكثيرة في عدم ثبوت الرد مع الوطء ء ك‍:
رواية ابن سنان (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال علي (عليه السلام): " لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها ".
ورواية طلحة بن زيد (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا قال: " تقوم وهي صحيحة وتقوم
وبها الداء ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء ".
ورواية منصور بن حازم (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى جارية فوقع
عليها قال: إن وجد بها عيبا فليس له أن يردها ولكن يرد بقيمة (بقدر) ما نقصها
العيب قال: قلت هذا قول علي (عليه السلام)؟ قال: نعم. وغيرها.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) استثناء المشهور من عموم هذه الأخبار الجارية الحامل
فالتزموا بجواز الرد مع رد نصف عشر قيمتها أو عشر قيمتها - على ما سيأتي تحقيقه

1 - ظاهر عبارة الشيخ (قدس سره) في المكاسب غير هذا التفسير، فإن ظاهرها تعليل عدم الرد لأنه مستلزم لرد
شئ معها فيكون أجرا. لا أن المردود ليس بأجر بل هو أرش جناية. فلاحظ.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
5 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
75

- ومستندهم في هذا الاستثناء النصوص الكثيرة (1) الدالة على جواز رد الحامل
وعدم مانعية الوطء ء عن الرد في مورد الحمل، ك‍:
رواية ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم
يعلم بحبلها فوطأها قال: " يردها على الذي أبتاعها منه ويرد معها نصف عشر
قيمتها لنكاحه إياها. قال علي (عليه السلام) لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ".
ورواية عبد الملك بن عمرو - عمير - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر
قيمتها ".
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال: " يردها ويرد معها شيئا ".
ورواية محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها
وهو لا يعلم قال: " يردها ويكسوها ".
ورواية سعيد بن يسار (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في رجل باع جارية حبلى
وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى قال: " يردها ويرد نصف عشر قيمتها " وغير
ذلك من الروايات وقد عمل بها المشهور.
ولكن خالف في ذلك الإسكافي فحكم بالرد فيما إذا كانت الجارية حاملا من
المولى فتكون أم ولد، فيبطل البيع لبطلان بيع أم الولد، دون ما إذا كانت حاملا من
غير المولى فإنها لا ترد كغير الحامل.
وقد حاول الشيخ (قدس سره) تقريب دعوى الإسكافي ومخالفة المشهور، فذكر أن هذه
النصوص وإن كانت بحسب الظاهر الأولي موافقة لمذهب المشهور لكن يبعده أمور:

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 1 و 3.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 5.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 6.
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 9.
76

الأمر الأول: أن الالتزام بظهورها في مقالة المشهور يلازم مخالفة الظاهر من
وجوه خمسة بخلاف حملها على كون موضوعها أم الولد:
الوجه الأول: إما مخالفة ظاهر الرد في الوجوب بحمله على بيان تشريع الرد لأن
الحمل إذا كان من غير المولى لم يجب الرد وإنما يجوز، بخلاف ما إذا كان من المولى
فإن الرد واجب، فيحمل على بيان الجامع وهو أصل المشروعية.
وإما مخالفة إطلاق الحمل الشامل للحمل من المولى ومن غير المولى بتقييده
بالحمل من خصوص غير المولى، وحينئذ يكون المورد من موارد توهم الحظر
الناشئ من الأخبار المانعة عن الرد عند الوطء ء، فلا يكون للصيغة ظهور في
الوجوب في حد نفسه فلا يلزم مخالفة الظاهر فيها.
وهذا البيان لا يمكن أن يتأتى لو بقي الحمل على إطلاقه إذ لا منشأ لتوهم حظر رد
أم الولد.
الوجه الثاني: أن هذه الأخبار دلت على لزوم العقر على المشتري عند الرد وهو
مخالف لقاعدة عدم العقر في وطء الملك، بخلاف ما إذا أريد منها أم الولد فإن الوطء ء
ليس في الملك لبطلان البيع واقعا.
الوجه الثالث: استلزام العمل بظاهر هذه الأخبار مخالفة ما دل على سقوط الرد
بمطلق التصرف أو بخصوص الوطء ء.
الوجه الرابع: أنه ورد في بعض النصوص كرواية سعيد بن يسار فرض البيع مع
جهل البائع بالحمل. ومن الواضح أنه لا فائدة في هذا التقييد إلا بفرض الجارية أم
ولد كي يكون بيان الجهل دفعا لورود الاعتراض عليه في الاقدام على بيعها، وأما
إذا لم تكن أم ولد فلا أثر للجهل.
كما أنه يشير إلى ذلك ما في رواية محمد بن مسلم من الأمر بالكسوة، فإنه لا يخلو
من إشارة إلى تشبثها بالحرية بالاستيلاد، فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر ولم
يصرح بالعقر الذي هو جزء من القيمة.
77

الوجه الخامس: ظهور هذه الأخبار بتحقق التصرف في الجارية بغير الوطء ء من
قبيل سقي الماء وغلق الباب، إذ يندر أن لا يتحقق من الجارية ذلك، فحملها على
صورة عدم وقوع هذه التصرفات حمل على الفرد النادر، فيكون الالتزام بالرد
بمقتضى هذه الأخبار مخالفا لما دل على اللزوم بمطلق التصرف كما عليه المشهور.
وهذه المخالفة لا تلزم مع تقييد الحمل بكونه من المولى لبطلان البيع من رأس.
هذه مجموعة الوجوه الخمسة التي كانت دليلا أولا على ترجيح مقالة الإسكافي
على مقالة المشهور - على خلاف سنة الشيخ (قدس سره) في تبنيه لقول المشهور وتجنبه مخالفته
-، ولكنها بجميعها كانت محلا للمنع والمناقشة..
أما الأول: فيمكن أن يلتزم بكون المراد بالحمل خصوص الحمل من غير المولى
بقرينة من نفس النص، فلا يكون من التقييد المخالف للظاهر، وذلك..
بملاحظة رواية عبد الملك بن عمرو، فإنه حكم فيها بعدم رد غير الحبلى ورد
الحبلى، وظاهر المقابلة كون موضوع الرد وعدمه واحدا، فلا بد أن يفرض العقد
صحيحا، إذ المنفي بالقضية الأولى هو الخيار وحق الرد، فيكون التقابل بين اللزوم
وعدمه، لا بين الصحة والفساد.
وبملاحظة رواية ابن سنان لقوله في ذيلها " وقال علي (عليه السلام) لا ترد... " الظاهر أنه
في مقام توهم المنافاة بين ما في ذهن السائل من عدم ثبوت الرد، والحكم بالرد في
الحبلى، فإنه قرينة على كون موضوع الحكم بالرد هو الحامل من غير المولى إذ لو
كان الموضوع هو أم الولد، لم يكن وجه لتوهم المنافاة، كما هو واضح.
وهذه المناقشة أشار إليها السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) وأوضحها المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (2).
وأما الشق الأول من كلامه أعني استلزام حمل الصيغة على غير الوجوب وهو
خلاف الظاهر..

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 73 - 74، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 99 - 100، الطبعة الأولى.
78

فقد أورد عليه: بأن هذا ينافي ما تقرر في محله من أن الأوامر والنواهي الواردة
في باب المعاملات لا ظهور لها في كونها أحكاما تكليفية مولوية بل هي إرشادية،
فلا موضوع لما أفاده (قدس سره).
وتحقيق الكلام في ذلك: أن الرد..
تارة: يراد به رد العين خارجا بتسليمها لصاحبها وهو إنما يكون في صورة
بطلان العقد، والوجوب في مثله تكليفي للزوم رد العين إلى مالكها وحرمة التصرف
فيها.
وأخرى: يراد به الرد المعاملي الراجع إلى فسخ المعاملة وهو يكون في مورد
العقد الجائز بجواز حكمي أو حقي. والوجوب في مثله إرشادي وضعي.
وعليه، فنقول: إن كان المراد بالحمل، الحمل من غير المولى كان الأمر بالرد
ظاهرا في الارشاد إلى جواز الفسخ.
وإن كان المراد به الحمل من المولى كان الأمر بالرد ظاهرا في وجوب تسليم
العين لصاحبها لأجل بطلان البيع.
وعليه، فلا تعين للأمر في كونه للوجوب، فكيف يفرض الشيخ (قدس سره) ظهوره في
الوجوب ثم يجعل ذلك قرينة على إرادة الحمل من المولى؟ مع أنه لا يكون ظاهرا في
الوجوب إلا بعد فرض كون موضوعه الحمل من المولى؟
وبهذا النحو من البيان يتعين الايراد على الشيخ (قدس سره) لا بالبيان السابق، لما عرفت
من عدم تعين ظهور الأمر بالرد في الارشاد إلا بعد فرض كونه واردا في الرد
المعاملي لا الرد الخارجي وهو بعد أول الكلام.
وأما الثاني: فقد أورد عليه بما يشبه الاشكال اللفظي، فلا أهمية له.
والعمدة في الايراد عليه ما ذكر من: أنه لا مانع من تخصيص عموم القاعدة بعد
تمامية الدليل المخصص، ولا يستلزم ذلك التصرف في الدليل المخصص إذا كان ظاهرا
في حد نفسه في التخصيص.
79

ولكن يمكن التأمل في هذه المناقشة بأن مثل هذا مما لا يخفى على مثل الشيخ (قدس سره)،
فمراده أن قاعدة عدم العقر على المالك وإن كانت قاعدة عامة لكنها من القواعد
العامة التي تكون بنحو أشبه بالصريحة في كل فرد فرد، بحيث إذا ورد الدليل الخاص
الظاهر على خلافها كان معارضا لها لا مخصصا.
وملاك هذه القاعدة هو قاعدة السلطنة على المال والانتفاع به بلا مقابل وهي
قاعدة ارتكازية عقلائية عامة لكن عمومها يشبه النص في كل فرد.
ولدينا من القواعد ما يكون كذلك كقاعدة الاجزاء في الأوامر الاضطرارية -
على ما قيل - فالعمدة في الجواب ما نقله المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) عن بعض الأجلة -
والظاهر أنه الفقيه الهمداني (2) - من أن السلطنة ههنا على الانتفاع بالوطء غير
ثابتة، لما ورد في النصوص القطعية من المنع عن وطء الحامل، وعليه فلا ينافي جعل
العقر قاعدة السلطنة.
وأما الثالث: فقد أورد عليه بأنه لو تم ظهور هذه النصوص في عدم مانعية الوطء ء
في الحامل من غير المولى كانت مخصصة لعمومات مانعية التصرف أو مانعية الوطء ء
ولا مانع منه.
ويمكن توجيه كلامه (رحمه الله) بأن المورد من موارد دوران الأمر بين التخصيص
والتخصص، لأن إرادة الحمل من المولى تلازم التخصص لبطلان البيع، وإرادة
الحمل من غير المولى تلازم التخصيص.
وقد ثبت أنه مع دوران الأمر بين التخصيص والتخصص يتمسك بأصالة العموم
لنفي التخصيص، كما لو ورد أكرم كل عالم، ثم ورد لا تكرم زيدا، ودار الأمر بين
إرادة زيد الجاهل فيكون تخصصا وإرادة زيد العالم فيكون تخصيصا، كان مقتضى
أصالة العموم عدم التخصيص.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 100، الطبعة الأولى.
2 - الهمداني، الشيخ آغا رضا: حاشية المكاسب، ص 525، الطبعة الأولى.
80

ويمكن المناقشة في ذلك: بأن هذا الكلام - لو تم - إنما يتأتى فيما إذا كان الدليل
مجملا مرددا، لا ما إذا كان ظاهرا في التخصيص كما فيما نحن فيه، إذ عرفت ظهور
النصوص بقرينة المقابلة في كون الموضوع خصوص الحمل من غير المولى. فلاحظ.
وأما الرابع: فقد أورد عليه بامكان تصور الفائدة للتقييد لو فرض كون
الموضوع الحمل من غير المولى، مثل تخيل السائل الفرق في ثبوت الخيار وعدمه بين
علم البائع وجهله فكان يتخيل عدم الخيار لو فرض أنه جاهل لعدم تقصيره، فكان
الجواب بثبوت الرد.
ومثل دفع توهم ورود اعتراض على البائع في عدم اخباره بالحمل فإنه عيب
والعيب يلزم الاخبار به.
وأما الإشارة إلى كون الموضوع أم الولد بلفظ الكسوة، فهي لو سلمت لا حجية
فيها، أن المدار على الظهور لا الاشعار.
وأما الخامس: فأورد عليه..
أولا: بأنه يصلح أن يكون إيرادا جدليا إلزاميا، وإلا فالشيخ (قدس سره) لا يلتزم
بسقوط الرد بمثل هذه التصرفات.
وثانيا: بأنه لم يفرض في النصوص مضي مدة معينة كي يقال بملازمتها لوقوع
هذه التصرفات، فمن الممكن أنه وطأها فور شرائه لها وقبل أمرها بأي شئ.
وثالثا: أنه لو سلم ذلك بعد ظهور النصوص في كون الموضوع هو الحامل من غير
المولى، تكون دليلا على تخصيص أدلة السقوط بالتصرف بملاحظة ملازمة الوطء ء
لهذه التصرفات عادة، وحملها على صورة عدم وقوعها حمل لها على الفرد النادر.
وبذلك يتحصل لنا أن جميع هذه الوجوه مردودة. وأن الأمر الأول الذي ذكره
الشيخ (قدس سره) تقريبا لكلام الإسكافي محل منع.
الأمر الثاني: أنه لو سلم عدم ظهور النصوص المتقدمة في الحمل من المولى
خاصة، كانت معارضة بما دل على منع الوطء ء من الرد بالعموم من وجه، لأن هذه
81

النصوص تعم صورة بيع الحامل من المولى وبيع الحامل من غير المولى، كما أن
نصوص الوطء ء تعم صورة بيع الحامل من غير المولى وصورة بيع عدم الحمل، ولا
تشمل بيع الحامل من المولى، لأن المفروض في أخبار الوطء ء هو البيع الصحيح كما لا
يخفى.
وذهب (قدس سره) إلى أن الوجوه الخمسة المتقدمة - ما عدا الثالث - يكون مرجحا لتقييد
هذه النصوص بالحمل من المولى. وإنما لم يذكر الوجه الثالث مرجحا، لأن المفروض
أن أخبار مانعية الوطء ء جعلها طرفا للمعارضة فلا معنى للترجيح بها، فانتبه.
وفيه: أنك قد عرفت في مناقشة الدليل (الأمر) الأول أن نصوص رد الحامل
خاصة بالحمل من غير المولى فنسبتها إلى نصوص مانعية الوطء ء نسبة الخاص إلى
العام، بل قد عرفت نظر رواية ابن سنان إلى روايات مانعية الوطء ء وتعيين المراد
منها فتكون حاكمة، بل في أعلى مراتب الحكومة - كما يقول المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1) -.
الأمر الثالث: أنه لو فرض تكافؤ الدليلين العامين من وجه، فالنتيجة هي
التساقط في بيع الحامل من غير المولى، والمرجع هو العام الفوقاني وهو ما دل على
أن إحداث الحدث مسقط لكونه رضا بالبيع، كما مر في خيار الحيوان.
وتظهر الخدشة في هذا الدليل مما تقدم، إذ لا معارضة كي تصل النوبة إلى التكافؤ
والتساقط.
ثم إنه ذكر (قدس سره) أنه يمكن الرجوع - بعد التساقط - إلى ما دل على جواز الرد مع قيام
العين. ولم يجزم به، ولعل الوجه في عدم جزمه تردده في أن الوطء ء مغير أوليس
بمغير، كما مرت الإشارة إليه في صدر هذا الفرع، فراجع.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) لبيان مراد الشيخ (قدس سره) بوجه علمي وهو
لا يخلو عن شائبة ولا يهمنا التعرض إليه بعد أن كان موضوع البحث لا يستدعي

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 101، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 101، الطبعة الأولى.
82

أكثر من هذا التطويل وبعد أن عرفت عدم وصول النوبة إليه، ولأجل ذلك بنينا
على إهمال ما ذكره الشيخ (قدس سره) أخيرا من أنه لو بنى على عدم الرجوع إلى عموم: " من
أحدث... " لعدم تماميته في نفسه، فيكون مقتضى الأصل ثبوت الرد، لكن إثبات
العقر مشكل إلا أن يرجع إلى عدم القول بالفصل وإن تصدى المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) إلى ذكر بيان رشيق في هذه الجهة، فالتفت.
والمتحصل مما ذكرنا: أن لزوم متابعة المشهور في الاستظهار من النصوص هو
المتعين.
ثم إنك عرفت من ملاحظة النصوص ثبوت العقر مع الرد. ويقع الكلام في
تحديده، فهل هو نصف العشر مطلقا في الثيب والبكر؟ أو أنه يختلف في الثيب عنه في
البكر؟ فيلتزم بأنه نصف العشر في الثيب وأنه العشر في البكر.
وقبل تحقيق هذه الجهة لا بد من تحقيق ما هو بمنزلة الموضوع لهذه الجهة، وهو
ثبوت الرد في البكر الحامل، فيقع البحث أولا في أن الحامل إذا كانت بكرا ووطئها
المشتري فهل يثبت الرد فيها أو لا؟ والذي يمكن أن يستدل به على اثبات الرد فيها
وجوه ثلاثة:
الأول: إطلاق النصوص المتقدمة، فإن الموضوع فيها بيع الحبلى وهي تشمل
الثيب والبكر.
الثاني: مرسلة الكافي (1) المتكفلة للتفصيل في العقر بين العشر للبكر ونصف
العشر للثيب، فإنها تدل على ثبوت الرد في البكر لأن موضوع العقر رد الجارية.
الثالث: رواية عبد الملك الأخرى (2) التي تتكفل اثبات العشر مع رد الجارية
بناء على حملها على البكر جمعا بينها وبين نصوص نصف العشر بحمل الأخيرة على
الثيب إذا فرض أن الجمع عرفي.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 4.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
83

وفي الجميع نظر. أما الأول: فلانصراف اطلاق الحبلى إلى الثيب جزما، بحيث لا
يتبادر منه غيرها أو الأعم منها.
وأما الثاني: فلأنها مرسلة لا تكون حجة إلا مع عمل المشهور بها على قول، وهو
لو سلم كبرويا فلا يسلم صغرويا، إذ غاية ما هو الثابت هو نقل الاجماع، وهو لا
يصلح جابرا لا باعتبار نفس النقل كما هو واضح ولا باعتبار المنقول، إذ تحقق
الانجبار بعمل الأصحاب ليس من الآثار الشرعية للعمل كي يكون التعبد بنقل
فتوى الأصحاب تعبدا بالأثر الشرعي وهو انجبار الخبر. بل هو من الآثار
التكوينية العقلائية باعتبار حصول الاطمئنان والوثوق بصدور الخبر من عمل
الأصحاب به. ونقل الاجماع لا يثبت المنقول تكوينا كي يترتب عليه أثره.
هذا، مع أن غاية ما يثبته نقل الاجماع هو موافقة فتوى الأصحاب للخبر دون
استنادهم إليه، إذ لعل مستندهم أمر آخر كما سنشير إليه بعد ذلك، والجابر هو
استناد المشهور إلى الخبر لا مجرد الموافقة، فتدبر.
وأما الثالث: فلأن هذا الجمع ليس جمعا عرفيا بل هو جمع تبرعي فلا وجه
للالتزام به، وسيأتي احتمال سهو الناقل أو استحباب العشر، فانتظر.
والمتحصل: أنه لا دليل على ثبوت الرد في البكر الحامل. هذا كله مع أن الوطء ء في
البكر يستلزم تغيير العين، فيكون مانعا من الرد بمقتضى ما تقدم من النصوص.
ولا إطلاق لأدلة رد الحامل من هذه الجهة، لأن أدلة رد الحامل تفصيل واستثناء
من أدلة مانعية الوطء ء والمفروض في أدلة الوطء ء كون العين قائمة بعينها بحيث لولا
الوطء ء تكون قابلة للرد، فلا نظر فيها إلى ما إذا كان العين متغيرة، فتدبر.
ولو سلم ثبوت الرد في البكر - ولو من جهة دعوى الاجماع -، فيقع الكلام في
مقدار العقر فيها وفي الثيب.
والأقوال في ذلك ثلاثة:
الأول: ما ينسب إلى ظاهر المشهور من كونه نصف عشر القيمة في الثيب
والبكر.
84

الثاني: ما ينسب إلى جملة من المحققين (1) من المتأخرين من التفصيل بين البكر
والثيب، فنصف العشر في الثيب والعشر في البكر.
الثالث: ما ينسب إلى الحلبي (2) من أنه العشر مطلقا.
أما دليل القول الأول، فهو اطلاقات النصوص المتقدمة. مع عدم تمامية المقيد.
وقد تقدم الاشكال في هذه المطلقات من جهة انصرافها إلى الحامل الثيب. ولو
سلم تمامية الاطلاق فسيأتي الكلام فيما يدعى كونه مقيدا ودليلا على التفصيل.
وأما دليل الحلبي، فهو رواية عبد الملك المتقدمة المتضمنة لجعل العشر بقول
مطلق.
وفيه: أنه لو سلم أنه ليس بسهو من الراوي أو الناسخ خصوصا بعد رواية
الصدوق لها بنفس السند بلفظ نصف العشر، فهي معارضة بالنصوص المتظافرة
المشتملة على النصف، ومقتضى الجمع العرفي بينها هو حمل رواية العشر على
الاستحباب، لأن تلك النصوص نص في كفاية النصف وهذه ظاهرة في لزوم تمام
العشر، فيحمل الظاهر على الاستحباب ببركة النص.
وأما دليل القول الثاني: فهو وجوه:
الأول: مرسلة الكليني المتضمنة للتفصيل. وقد عرفت الحال فيها وأنها لا تصلح
للاستدلال.
الثاني: رواية عبد الملك بعد الجمع بينها وبين نصوص نصف العشر بحملها على
البكر وحمل تلك على الثيب. وقد عرفت أنه ليس جمعا عرفيا فلا يصار إليه كما لا
يصار إلى سائر وجوه الجمع المذكورة غير ما أشرنا إليه من حملها على الاستحباب.
الثالث: الاستقراء، فإنه عند تتبع الموارد المشابهة لهذا المورد نرى أن الشارع
جعل العقر لوطء البكر العشر ولوط ء الثيب نصف العشر، فيحصل الاطمئنان بذلك

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 288، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
2 - الحلبي، أبي الصلاح: الكافي في الفقه، ص 358، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
85

فيما نحن فيه ولو بضميمة المرسلة والاجماع المنقول. ولولا ذلك فمقتضى الأصل
العملي هو كفاية نصف العشر وعدم وجوب الزائد لأصالة البراءة منه.
وبالجملة، فالأقوى هو القول الثاني وبعده الأول، فتدبر.
يبقى الكلام في روايتين:
إحداهما: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدمة المتكفلة لرد شئ مع
الجارية.
والأخرى: رواية محمد بن مسلم المتقدمة المتكفلة لكسوة الجارية.
أما الأولى، فهي بإطلاقها مما لا يمكن الالتزام بها لأنها مخالفة للاجماع، إذ لا
يكفي مسمى الشئ قطعا، فتحمل - كما أفاد الشيخ (قدس سره) - على كونها في مقام بيان
تشريع أصل العقر بلا نظر إلى مقداره.
وأما الثانية، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه حمل على كسوة تساوي العشر أو نصفه. ثم
قال: ولا بأس به في مقام الجمع.
وهذا البيان مجمل.
وذلك: لما أفيد من أن هذه الألفاظ مثل " العشر أو نصفه أو القيمة " ونحوها مما
يرد في باب الضمان وشبهه ظاهرة عرفا في إرادة النقد لا مطلق الأشياء، فلو قيل أنه
ضامن للقيمة كان ظاهرا في إرادة النقد لا إرادة مطلق الأشياء ولو مثل الكتاب، فلا
يصح له إعطاء الكتاب بدلا عن التالف.
وعليه، فيكون بين النصوص المتكلفة لرد نصف عشر القيمة وبين هذا النص
تباين، فتتحقق المعارضة بينهما ولا يصح الجمع المتقدم.
فلا بد في مقام الجمع بينهما من التنزل عن الالتزام بالظهور المزبور ويلتزم بإرادة
الأعم من النقد وغيره.
وعليه، فيكون بينهما عموم من وجه لأن نصوص نصف العشر تعين النصف أعم
من أن يكون كسوة أو غيرها. ونص الكسوة يعين الكسوة أعم من النصف والأقل
منه.
86

وبما أن الالتزام بالأقل من النصف مخالف للاجماع، فيقيد هذا الاطلاق وينحصر
مورده في الكسوة البالغ مقدارها النصف، فتكون مقيدة لنصوص نصف العشر - بعد
فرض وحدة الحكم - بما إذا كان كسوة لانقلاب النسبة، فيكون مقتضى الجمع اعتبار
كلا الأمرين.
فالجمع المزبور يتوقف على مقدمتين:
إحداهما: الالتزام بعدم ظهور نصوص نصف العشر في إرادة النقد.
والأخرى: الالتزام بانقلاب النسبة.
وهنا بيان آخر للجمع المزبور أصح ولا يتوقف على الالتزام بانقلاب النسبة
وهو: أن المعارضة بين هذين العامين من وجه ليس في مورد الاجتماع بل في مورد
الافتراق، وكل منهما ظاهر في مورد الافتراق فيرفع اليد عنه بنصوصية الآخر.
بيان ذلك: أن نص الكسوة أعم من نصف العشر والأقل منه فهو ظاهر باطلاقه
في كفاية الأقل من نصف العشر، فينافي نصوصية النصوص الأخرى في اعتبار نصف
العشر فيرفع اليد عن نص الكسوة.
كما أن تلك النصوص ظاهرة في كفاية غير الكسوة بالاطلاق ونص الكسوة نص
في اعتبار الكسوة، فيرفع اليد بواسطته عن اطلاق تلك النصوص فتكون النتيجة
هو اعتبار الأمرين، الكسوة ونصف العشر، فالتفت.
هذا تمام الكلام في تحديد العقر.
يبقى الكلام في فروع أخرى للمسألة (1)..
الفرع الأول: أن الوطء ء في الدبر هل هو كالوطء في القبل لا يمنع من رد الحامل
أو لا؟ وجهان..
من إطلاق لفظ الوطء ء في النصوص الشامل للوطء في الدبر فيجوز الرد معه.

1 - اكتفى السيد الأستاذ دام ظله ببيان مطلب الشيخ فيها بلا إعمال تحقيق فيها، لعدم الأثر الكبير في
ذلك بعد أن كان المسألة من أنسامها نادرة الابتلاء في زماننا.
87

ومن دعوى انصراف الوطء إلى الوطء ء في القبل فيقتصر عليه في تخصيص
العمومات، فيكون الوطء ء في الدبر مانعا من الرد (1).
الفرع الثاني: في لحوق التقبيل واللمس بالوطء. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن فيه
وجهين منشؤهما الخروج عن مورد النص والأولوية، وتوضيح ذلك: أن الوطء ء له
أحكام ثلاثة:
مانعيته من الرد في غير الحامل. وعدم مانعيته في الحامل. وثبوت العقر به.
والظاهر أن الملحوظ في كلام الشيخ (قدس سره) هو لحوق التقبيل واللمس بالوطء في
عدم مانعيته للرد في الحامل. إذ لا وجه للحوقه به في مانعيته للرد في غير الحامل، إذ
لا أولوية ولا ملازمة كما لا يخفى. كما لا يحتمل لحوقه به في ثبوت العقر كما هو واضح.
فالبحث في لحوقه به في عدم مانعيته للرد في الحامل.
ولا يخفى أن هذا البحث إنما يتأتى لو فرض أن مطلق التصرف ولو بمثل اللمس
والتقبيل يسقط الرد، فيبحث ههنا في عدم سقوطه بهما لخصوصيته. وأما لو فرض
أن مطلق التصرف غير مسقط بل خصوص المغير، فلا موضوع للبحث المزبور لعدم
سقوط الرد بهما جزما من دون حاجة إلى الإلحاق، إذ هما من التصرفات غير
المغيرة.
ثم إنه لا يخفى أنه لا حاجة إلى دعوى الأولوية بل هي لا تخلو عن نظر، إذ يمكن
اثبات الالحاق بدعوى أن الوطء عادة ملازم للتقبيل واللمس، فدليل عدم مانعية
الوطء دليل على عدم مانعية التقبيل واللمس.
واحتمال اختصاص عدم المانعية - بمقتضى الدليل المزبور - بالتقبيل واللمس
الملحوقين بالوطء دون المنفردين لا يخفى ضعفه، فلاحظ.
الفرع الثالث: لو انضم إلى الحمل عيب آخر، فهل يسقط الرد أو لا؟

1 - أقول: إن أريد من العمومات عمومات مانعية الوطء من الرد فدعوى الانصراف جارية فيها أيضا. وإن
أريد منها عمومات مانعية التصرف من الرد فهو يبتني على فرض المانع من الرد مطلق التصرف لا
التصرف المغير خاصة، والوطء في الدبر ليس مغيرا كما لا يخفى، فتأمل. المقرر.
88

قد يستشكل في سقوط الرد بالوطء من جهة صدق تعيبها بالحمل، فلا يسقط
الرد. ومن جهة تعيبها بغير الحمل فيسقط الرد بالوطء.
ومنعه الشيخ (قدس سره) بأن التعيب بغير الحمل إن كان له اقتضاء لسقوط الرد بالوطء،
ثبت الاشكال، ولكنه ليس كذلك بل هو لا يقتضي سوى عدم تأثير العيب في الرد
مع التصرف وهذا لا ينافي وجود عيب آخر يكون مؤثرا.
وبعبارة واضحة أنه مع التصرف لا يكون عيب غير الحمل مؤثرا في الرد لا أنه
يكون مؤثرا في عدم الرد. فهو لا اقتضاء فلا يزاحم ما له اقتضاء الرد بمقتضى دليله.
الفرع الرابع: في اختصاص الحكم بالرد بصورة الوطء مع الجهل بالحمل، أو
عمومه لصورة العلم به.
ذكر الشيخ (قدس سره) أن مقتضى بعض النصوص هو اختصاص الحكم بصورة الجهل
لتقيد موضوعها بعدم العلم، لكن مقتضى اطلاق كثير من النصوص العموم ولا تنافي
بين المقيد والمطلق فيما نحن فيه كما لا يخفى، إذ ظاهر المقيد ورود الحكم على موضوع
خاص لا تقييد الحكم به وقصره عليه، فلاحظ.
الأمر الرابع: من مسقطات الرد خاصة: حدوث عيب عند المشتري بعد العقد.
وقد فصل الشيخ (قدس سره) الكلام في ذلك، فذكر أن العيب الحادث عند المشتري بعد
العقد.
إما أن يحصل قبل القبض.
وإما أن يحصل بعد القبض في زمان خيار آخر يضمن البائع فيه المبيع، كخيار
المجلس والحيوان.
وإما أن يحصل بعد القبض وبعد زمن الخيار المزبور. فهذه صور ثلاث للعيب
الحاصل بعد العقد عند المشتري.
وقد أفاد (قدس سره) أن محل الكلام في سقوط الرد بالعيب - في خيار العيب - هو الصورة
الثالثة للعيب الحادث دون الصورتين الأولتين، فإن العيب فيهما لا يمنع من الرد.
89

أما الصورة الأولى، فلا خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع من الرد، بل يكون العيب
الحادث كالموجود قبل العقد حتى في ثبوت الأرش على الخلاف المذكور في أحكام
القبض.
وأما الصورة الثانية، فلا خلاف أيضا في كونه غير مانع من الرد بل هو سبب
مستقل موجب للرد بل الأرش، على الخلاف المتأتي في العيب قبل القبض بناء على
اتحاد المسألتين، كما يظهر من بعض. ويدل على ذلك ما يأتي من أن الحدث في زمان
الخيار مضمون على البائع ومن ماله ومعناه ضمانه على الوجه الذي يضمنه قبل
القبض بل قبل العقد.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) بالنسبة إلى الصورتين الأولتين للعيب الحادث بعد العقد.
ويقع الكلام حول ما أفاده في جهتين:
الجهة الأولى: - وهي غير مختصة بوقوع العقد على المعيب بل تعم كل عقد
حدث العيب بعده وقبل القبض أو في زمن الخيار الذي يضمن البائع فيه المبيع،
فتشمل العقد الواقع على الصحيح حال العقد - في أن العيب الحادث بعد العقد بأحد
النحوين هل يستلزم ثبوت الخيار أو لا؟
وتحقيق ذلك: أنه قد ورد أن المبيع إذا حدث فيه حدث قبل قبضه فهو من مال
بائعه، كما ورد أن الحدث في زمن الخيار ممن لا خيار له، وقد أختلف في المراد بذلك
والمحتملات المذكورة فيه ثلاثة:
الأول: ما ينسب إلى الشهيد الثاني (رحمه الله) (1) من كون تدارك التلف وعهدته على
البائع ومن لا خيار له، نظير باب الضمان، فيكون الحكم بالتدارك تعبديا صرفا.
الثاني: أن يكون مرجع ذلك إلى الحكم بانفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما،
فيرجع المبيع إلى البائع فيكون التلف من ماله. كما ترجع العين إلى من لا خيار له
فيكون تلفها من ماله.

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 216، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
90

الثالث: أن يكون مرجع ذلك فرض العين قبل العقد، فكما يكون تلفها قبله من
مال البائع لعدم انتقالها إلى المشتري فكذلك فيما نحن فيه.
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) ههنا هو الالتزام بالثالث بنحو يتصور كونه مفروغا
عنه، ولازمه ثبوت الخيار بالعيب الحادث لكون المفروض فرض الحدث الواقع بعد
العقد وقبل القبض واقعا قبل العقد، وظاهر أنه لو كان واقعا قبل العقد حقيقة
لاستلزم ثبوت الخيار.
ولكن يرد على الشيخ (قدس سره):
أولا: أنه قد اختار في محله من أحكام القبض الوجه الثاني ولم يتعرض الثالث أو
تعرض له بنحو الإشارة، فكيف يفرضه ههنا مفروغا عنه.
وثانيا: أنه على الوجه الثاني الذي يبني عليه في محله لا يلتزم بثبوت الخيار
بحدوث العيب بل لو عمم الحدث لتخلف وصف الصحة فلازمه الحكم بانفساخ
المعاملة بحدوث العيب لا الخيار، إذ الوصف لا يقابل بالمال فلا معنى لضمانه إلا تبعا
لضمان العين ومقتضاه انفساخ المعاملة من أساسها لا تزلزلها بحدوث الخيار، فانتبه.
الجهة الثانية: في أنه لو فرض أن هذا العيب الحادث موجب للخيار، فهل يكون
مانعا من الرد بالعيب السابق على العقد بالملاك الآتي في الصورة الثالثة وهو كونه
مغيرا للعين. أو لا يكون مانعا؟
ظاهر الشيخ (قدس سره) امتناع كونه مانعا لأنه سبب للخيار وما يكون سببا للخيار كيف
يكون مانعا عنه؟ فقوله: " بل هو سبب مستقل " إشارة إلى جهة امتناع مانعيته عن
الرد، ففي كلامه مقدمة مطوية هي التي أشرنا إليها.
وقد يرد ذلك بأنه ليس مانعا عما يكون سببا له كي يكون ذلك خلفا، بل هو
سبب لفرد من الخيار ومانع عن فرد آخر وهو الفرد الثابت بواسطة العيب السابق،
وهو لا محذور فيه.
91

وأجاب عنه المحقق الخراساني (رحمه الله) (1) كما نقله وأوضحه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2)
بأن الخيارات مع اختلافها في الخصوصيات لها جهة جامعة هي طبيعي التخاير.
ومقتضى المسانخة بين العلة والمعلول اشتراك أسبابه في جهة جامعة بين مقتضياته
وعلله.
وغرضه (قدس سره) أن المقتضيات المتكثرة بمنزلة مقتض واحد والخيارات المتعددة بمنزلة
خيار واحد فلا يعقل أن يكون مقتضى الخيار مقتضيا لعدمه ولا يعقل طبيعي
المقتضي مقتضيا للثبوت وفرده مقتضيا لعدمه، إذ الفرد بما هو فرد الجامع ليس إلا
وجود الجامع بوجود حصة منه، فلا يعقل اختلاف مقتضاهما وجودا وعدما.
هذا ما نقله المحقق الأصفهاني بتوضيح منه كما أفاده (رحمه الله).
والجواب عنه - مع الغض عما يدور حوله من كلام - أن العيب الحادث وإن كان
مقتضيا للخيار لكنه لا ينافي أن يمنع عن خيار العيب السابق، إذ اقتضاؤه للخيار بما
هو عيب ومانعيته عن الخيار السابق بما هو تغيير، فيرتفع المحذور لاختلاف المقتضي
للخيار والمانع عنه حقيقة وواقعا، فالتفت.
ثم إن ظاهر الكل ههنا أنه على تقدير استحالة مانعية العيب الحادث عن الخيار
السابق يلتزم بثبوت الخيارين، مع أن مقتضى القواعد غير ذلك بل مقتضاها وقوع
المعارضة بين الدليل الدال على استلزام التلف قبل القبض للخيار والدليل الدال على
أن التغير مسقط لخيار العيب، لامتناع الالتزام بهما معا في المجمع.
والنسبة هي العموم من وجه، لشمول الأول لمورد العقد على الصحيح والعقد
على المعيب.
وشمول الثاني للتغير بعد القبض والخيار وقبله، فيكون الدليلان متعارضين بعدم
امكان الأخذ بهما معا لاستلزامه المحال. ولا معنى للالتزام بثبوت خيارين. فانتبه
ولا تغفل، والعصمة لأهلها.

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 117، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 104، الطبعة الأولى.
92

ثم إن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) التزم بأن دليل مسقطية التغير للرد لا يشمل
التغير الحاصل قبل القبض بعد أن فرض كون العيب الحادث قبل القبض كما لو
حدث قبل العقد، فإن مقتضاه تنزيل هذا التغير منزلة التغير قبل العقد وهو لا
يوجب سقوط الخيار، لأن التغير الموجب لسقوط الخيار هو التغير بعد العقد، كما
لا يخفى.
فمرجع ما أفاده إلى قصور دليل مانعية التغير عن شموله لمثل هذا التغير. وهذا
الكلام متين لا نرى فيه إشكالا (2) (3).
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى والثانية من صور العيب الثلاثة.
أما الصورة الثالثة التي هي محل الكلام وهي ما إذا حدث العيب بعد القبض
وانقضاء زمان الخيار، فقد قيل إن المشهور على أنه مانع من الرد بالعيب السابق بل
حكي الاجماع عليه. والمذكور في وجه ذلك وجوه عديدة:
منها: ما حكاه الشيخ (قدس سره) عن العلامة (رحمه الله) (4) من أن العيب الحادث يقتضي إتلاف
جزء من المبيع فيكون مضمونا على المشتري فيسقط رده للنقص الحاصل في يده،
لأنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق أولى من تحمل المشتري به للعيب الحادث،
فيكون المورد من موارد تعارض الضررين ولا أولوية للمشتري من البائع.
ورد أولا: بأنه يبتني على كون الخيار بملاك " لا ضرر " لا بالدليل الخاص.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 78 - 79، الطبعة الأولى.
2 - يمكن الخدشة فيه بأن دليل تنزيل العيب الحادث بعد العقد منزلة الحادث قبله إنما هو ناظر إلى
ترتيب أثره من جهة الضمان خاصة دون سائر الآثار لعدم ترتب سقوط الخيار عليه. مضافا إلى أن
ترتب سقوط الخيار إنما هو على عنوان تكويني ملازم للعيب لا نفس العيب وهو عنوان التغير ولا
نظر للدليل إلى كون التغير سابقا على العقد فلاحظ. (المقرر).
3 - ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد ما ذكر ما تقدم نقله عنه تعرض إلى ما نسب إلى المحقق الحلي (رحمه الله) وشيخه ابن نما
في هذا المقام، ولما لم يزد سيدنا الأستاذ دام ظله على ما في الكتاب لم نر حاجة لنقله ففيما جاء في
الكتاب كفاية فراجعه إن شئت.
4 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 530، الطبعة الأولى.
93

وثانيا: أن ذلك لا يقتضي أزيد من عدم الدليل على ثبوت الخيار للمشتري ولا
يتكفل إقامة الدليل على عدم الخيار له. ومع عدم الدليل يرجع إلى الأصل وهو ههنا
استصحاب الخيار الثابت سابقا قبل حدوث العيب الجديد، فيثبت الخيار
بالاستصحاب.
ومنها: ما حكي عن الجواهر (1) من أن الثابت مشروعية رد العين التي وقع
عليها البيع وهي العين الصحيحة دون المعيبة، فرد المعيبة ليس ردا للعين المبيعة.
وفيه: أن مورد المعاملة هو ذات العين، والوصف لا يتقوم به المبيع، ولذا كان
تخلفه موجبا للخيار لا لبطلان المعاملة. ومن الواضح أنه يصدق رد الذات على رد
العين المعيبة.
ومنها: ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن ذلك مقتضى رواية جميل المتقدمة لأنها تتكفل
تعليق الرد على قيام المبيع بعينه، وذلك وإن كان ظاهرا في نفسه بإرادة بقائه بذاته
لكن بملاحظة الشرطية الثانية وهي قوله " وإن قطع أو صبغ... " يكون ظاهرا في
كون المراد القيام بأوصافه. وعليه فمع حدوث العيب لا يصدق أنه قائم بعينه، فلا
يثبت الرد.
ولكن ما أفاده (قدس سره) يبتني على اعتبار المرسلة سندا، وقد عرفت الخدشة فيها
بالارسال وعدم الجبر بالعمل، فراجع.
فالعمدة في إثبات عدم الرد مع حدوث العيب الجديد أن يقال: إنه ليس لدينا
دليل معتبر يدل على ثبوت الرد بالعيب السابق بقول مطلق كي يكون مقتضى
إطلاقه ثبوت الخيار ههنا، بل النصوص الواردة إنما تتكفل أحكاما متفرعة على
أصل مشروعية الرد، فهي غاية ما تتكفل بيان أصل مشروعية الرد والمفروغية،
عنه فلا إطلاق لها. نعم خصوص مرسلة جميل واردة في هذا المقام لكن لا اعتبار
بسندها.

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 240 - 241، الطبعة الأولى.
94

ومقتضى ذلك هو الاقتصار في ثبوت الرد على القدر المتيقن وهو ما إذا لم تتغير
العين. أما إذا تغيرت فلا دليل على ثبوت الرد، ولا مجال لاستصحاب ثبوت حق
الرد الثابت سابقا، إذ المرجع عند الشك في مثل هذا المورد هو عمومات اللزوم ولو
لم يكن لها عموم أزماني، لأن التخصيص من أول أزمنة وقوع العقد فلا يمنع من
التمسك بالعام بعد زمان التخصيص المتيقن، كما حققنا ذلك في الأصول (1) تبعا
لصاحب الكفاية.
هذا كله في أصل سقوط الرد بالعيب الحادث.
يبقى الكلام في سعة هذا الحكم وضيقه، فمقتضى المرسلة هو سقوط الرد بالتغيير
مطلقا ولو كان بالزيادة، كالسمن في الدابة.
كما أنه قاصر عن الشمول للتغير في الصفات النفسية، كالنسيان أو الاعتبارية
لصدق قيام العين مع تغير مثل هذه الصفات.
لكن ذهب الشيخ (قدس سره) إلى عدم شمول المرسلة للتغير بالزيادة. وعدم الفرق بين
العيب الاصطلاحي وهو ما يوجب الأرش وبين غيره مما لا يوجب الأرش كتبعض
الصفقة، ولم يوضح الوجه في ذلك.
وقد بين الوجه في عدم شمول المرسلة للزيادة بأنه لا إشكال في عدم كون الخيار
حكما تعبديا صرفا بل إنما لوحظ فيه حال المشتري، كما أن سقوط الرد بالتغيير
لوحظ فيه حال البائع، ومع كون التغير بالزيادة لا إجحاف في حق البائع.
لكن مقتضى ذلك هو التفصيل بين الزيادة المستلزمة لثبوت حق المشتري في
العين كصياغة الفضة خاتما الموجبة لزيادة قيمة الفضة فيكون الصائغ شريكا في
القيمة بنسبة قيمة عمله، ففي مثله لا رد لعدم نفع البائع إن لم نقل أنه ضرر من جهة
الشركة. وبين الزيادة غير المستلزمة للشركة كالسمن في الدابة فيثبت حق الرد.
وتحقيق الحال في ذلك: أنك قد عرفت عدم وجود الدليل على ثبوت الخيار

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 6، ص 306، الطبعة الأولى.
95

مطلقا. وعليه، فكل مورد يحتمل فيه عقلائيا سقوط حق الرد فيلتزم بسقوطه.
وعليه، فكما يحتمل سقوط الخيار في مورد التغيير الخارجي كذلك يحتمل سقوطه
في موارد التغيير الاعتباري والنفسي، وفي موارد الزيادة الموجبة لثبوت حق
للمشتري في العين. فنلتزم بسقوط الخيار في جميع هذه الموارد لعدم الدليل عليه.
نعم، مورد الزيادة غير الموجبة لثبوت حق للمشتري في العين بما أنه لا قائل
بسقوط الخيار فيه فلا احتمال معتدا به لسقوطه، فلا يلتزم بسقوط حق الرد فيه.
وهذا البيان الذي ذكرناه أولى من البيان السابق لكلام الشيخ (قدس سره) الذي يعتمد
على ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع الذي قد يتأتى الاشكال فيه بعدم الجزم بما
أفيد، فتدبر.
هذا تحقيق الحال في أصل المسألة ويقع الكلام بعد ذلك في فروع تتعلق بها:
الفرع الأول: لو زال العيب الحادث، فهل يثبت حق الرد بعد زواله أو لا؟
وتحقيق ذلك: أنه إن قلنا بأن مستند خيار العيب هو قاعدة " لا ضرر " وأنها لا
تجري في مورد حدوث العيب لأجل تعارض الضررين، كما تقدم ذلك من
العلامة (رحمه الله)، فلا مانع من الالتزام بثبوت حق الرد لو زال العيب عملا بقاعدة " لا
ضرر ".
وإن قلنا بأن مستند الخيار ثبوت إطلاق دال على ثبوت حق الرد. وقد قيد هذا
الاطلاق بقاعدة " لا ضرر " عند حدوث العيب فمع زوال العيب يرتفع المقيد ولا
مانع من الأخذ بالاطلاق، فيثبت حق الرد.
وأما بناء على عدم ثبوت إطلاق يدل على ثبوت حق الرد وإنما الثابت هو
الاطلاق الدال على كون التغير رافعا للرد، فمع زوال العيب يشك في ثبوت حق
الرد، والأصل عدمه.
كما أنه بناء على ما حققناه من أن عدم الخيار في مورد التغير لعدم الدليل، فالحكم
هو سقوط الرد ههنا، لعدم الدليل على ثبوته بعد زوال التغير. ولعل نظر الشيخ (قدس سره) في
96

توجيه القول بعدم سقوط الرد بارتفاع الضرر إلى أحد المعنيين الأوليين ولا
ظهور لكلامه في نظره إلى أحدهما خاصة وهو الأول، كما بنى عليه المحقق
الإيرواني (رحمه الله) (1)، فلاحظ.
الفرع الثاني: فيما لو رضي البائع برد المعيب بالعيب الحادث. وقد حكم
الشيخ (قدس سره) بجواز الرد لأن عدم الجواز لحق البائع. والكلام في هذا الفرع من جهتين:
الأولى: في ثمرته، فإنه قد يقال بأنه لا ثمرة له لأنه مع رضا البائع يكون حق الرد
ثابتا بلا إشكال ولو من باب الإقالة.
ولكن نقول أنه لو ثبت حق الرد عند رضاه بعنوان الخيار لا بعنوان الإقالة
فثمرته أنه لا يثبت للمشتري حق أخذ أرش العيب السابق وعدم الرد بناء على أن
حق أخذ الأرش في طول حق الرد، كما مر الكلام فيه، وهذا مما لا يترتب على حق
الإقالة.
الثانية: في تحقيق الكلام فيه. ومجمل القول في ذلك: أنه..
إن كان الملاك في سقوط الرد عند حدوث العيب هو تضرر البائع، فمع رضاه لا
تنطبق قاعدة " لا ضرر " بالنسبة إلى ضرره، فلا مانع من الرد.
كما أنه لو كان الملاك هو ملاحظة حال البائع، كما أشرنا إليه قبل قليل،
فالمفروض أنه موافق على الرد.
وإن كان الملاك هو قيام الاجماع على السقوط، فالقدر المتيقن من الاجماع على
السقوط بالعيب الحادث هو مورد عدم رضا البائع.
فعلى جميع هذه التقادير يثبت حق الرد. نعم بناء على ما حققناه من عدم الدليل
على الخيار في مورد الشك، فمع الشك فيما نحن فيه لا يثبت حق الرد لعدم الدليل
عليه.
الفرع الثالث: فيما لو رضي البائع بأخذه معيوبا. فقد حكى الشيخ (قدس سره) عن

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 56، الطبعة الأولى.
97

المبسوط (1) أنه لا يجوز للمشتري مطالبته بالأرش، وذكر الشيخ (قدس سره) أن هذا أحد
المواضع التي أشرنا في أول المسألة إلى تصريح الشيخ (رحمه الله) فيها بأن الأرش مشروط
باليأس من الرد وينافيه اطلاق الأخبار بأخذ الأرش.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره)، وقد مر الكلام منه (قدس سره) بعدم تمامية دعوى دلالة الأخبار
على كون حق الأرش في عرض حق الرد، فراجع ما تقدم تعرف.
الفرع الرابع: وهو ما تعرض له الشيخ (قدس سره) (2) بعنوان " تنبيه ".
وموضوع الكلام فيه هو بيان أن تبعض الصفقة على البائع من العيب الحادث
المانع من الرد بالعيب القديم، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن التعدد المتصور فيه التبعض إما
في أحد العوضين وإما في البائع وإما في المشتري.
فالأول: مثل ما إذا اشترى شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من شخص واحد
فظهر بعضه معيبا، أو باع شيئا واحدا بثمن واحد فظهر بعض الثمن معيبا.
والثاني: مثل ما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا فظهر معيبا، فأراد المشتري
أن يرد على أحدهما نصيبه دون الآخر.
والثالث: مثل ما إذا اشترى اثنان من واحد شيئا فظهر معيبا، فاختار أحدهما
الرد دون الآخر. وألحق بذلك الوارثين لمشتر واحد للمعيب. ثم إنه (قدس سره) تعرض لحكم
كل صورة من هذه الصور الثلاث:
أما الصورة الأولى، فذكر أن المعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،
بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الاجماع عليه، وعلله (قدس سره) بأن المردود..
إن كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة.
وإن كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه. وكل منهما نقص
يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، فهو أولى بالمنع عن الرد من نسيان الدابة
للطحن.

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 127، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 258، الطبعة الأولى.
98

وهذا الضرر وإن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا
فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر على المشتري إذ قد يتعلق غرضه
بإمساك الجزء الصحيح.
واستدل أيضا بالنص المانع عن الرد بخياطة الثوب والصبغ، فإن المانع فيهما ليس
إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ والخياطة لا مجرد تغير الهيئة، ولذا لو تغير
بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع من الرد قطعا.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره). واستدلاله الأول يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون نظره إلى وجود المانع من شمول دليل الخيار للمقام، وذلك
ببيان أن النص وإن شمل باطلاقه رد الجزء المعيوب إلا أنه حيث يستلزم الضرر على
البائع بالتفريق أو الشركة، كان مقتضى حديث نفي الضرر عدم ثبوت حق الرد لأنه
حاكم على أدلة الأحكام الأولية.
الثاني: أن يكون نظره إلى قصور المقتضي لثبوت حق الرد في المقام، وذلك ببيان:
أن دليل الخيار هو قاعدة لا ضرر أو النص الخاص بملاك الضرر.
ومن الواضح أن قاعدة " لا ضرر " بما أنها امتنانية لا تشمل المورد الذي يستلزم
من إجرائها حصول الضرر، لأنه خلاف المنة واللطف والرحمة بالعباد، وما نحن فيه
كذلك.
والذي يظهر من المحقق الإيرواني (رحمه الله) (1) والسيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) حمل كلام
الشيخ (قدس سره) على الأول. ولكن يظهر من المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) حمله على الثاني.
وما ذكره الشيخ (قدس سره) في مقام الاستدلال لا يمكن أن يستظهر منه شئ منهما. نعم في
كلامه في مناقشة الاستدلال قرينة يمكن أن يعين بها الثاني تبعا للمحقق الأصفهاني
وهو ما أفاده في مقام مناقشة دليله بأن ضرر البائع يمكن جبره بالخيار ودفعه بأن

1 - الإيرواني، الشيخ ميرزا علي: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 56، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 81، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 108، الطبعة الأولى.
99

خيار البائع قد يكون ضرريا على المشتري. فإن دعوى جبر ضرر البائع
بالخيار إنما تتناسب مع الوجه الثاني لا الأول.
بيان ذلك: أنه إذا ادعي أن تحكيم " لا ضرر " بالنسبة إلى المشتري ممتنع،
لاستلزامه الضرر على البائع بالتفريق وهو خلاف المنة، أمكن أن يناقش بأن ضرر
البائع يمكن جبره بالخيار فيكون مشمولا لقاعدة " لا ضرر " أيضا كضرر المشتري
فيكون كلاهما مشمولا للقاعدة فلا ينافي الامتنان حينئذ.
أما إذا ادعي أن العمل بدليل الخيار بالنسبة إلى المشتري ممتنع، لحكومة قاعدة
نفي الضرر عليه بلحاظ ضرر البائع، فلا معنى لأن يدعى إمكان جبره، إذ مرجع
دعوى جبره إلى دعوى شمول قاعدة " لا ضرر " له وهذا مفروض في أصل الدليل،
فلا معنى لأن يكون هو مادة المناقشة. فانتبه.
وبالجملة، على التقريب الأول يكون المانع من العمل بدليل الخيار نفس " لا
ضرر ". وعلى التقريب الثاني يكون المانع من العمل به نفس الضرر، فيتأتى فيه
حديث الانجبار دون الأول.
والحاصل: أنه يمكننا الجزم بأن نظر الشيخ (قدس سره) إلى التقريب الثاني.
والذي يظهر منه أن نظره في التقريب إلى ما ذكرناه من أن تحكيم " لا ضرر " ههنا
خلاف المنة لاستلزامها الضرر، ولا إشعار في كلامه إلى ملاحظة كون المورد من
موارد تعارض الضررين، بل لا وجه له، إذ مورد تعارض الضررين هو ما إذا دار
الأمر بين ضررين بنحو لا يمكن تطبيق قاعدة " لا ضرر " بالنسبة إليهما معا، بل كان
جريانها في كل منهما منافيا لجريانها في الآخر.
وما نحن فيه ليس كذلك، إذ يمكن تطبيق " لا ضرر " بالنسبة إلى كلا الضررين
ضرر الصبر على المعيب بالنسبة إلى المشتري وضرر التفريق بالنسبة إلى البائع بلا
تعارض.
والشيخ (قدس سره) وإن لم يرتض تحكيم " لا ضرر " بالنسبة إلى ضرر البائع، لكنه لا من
باب المعارضة بل من جهة أخرى.
100

وعليه، فلا وجه لما احتمله المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في كلامه من بنائه على
تعارض الضررين.
وقد بنى على ذلك ما نقله عن أستاذه الخراساني (رحمه الله) (2)، وفسره بتفسير أجنبي
عن ظاهر كلامه، وأخذ في مناقشته، فإن ما يريد المحقق الخراساني (رحمه الله) بيانه هو أن
الضرر الناشئ من إعمال قاعدة " لا ضرر " لا يمكن أن يكون مشمولا لنفي الضرر
بنفس القاعدة، نظير الاشكال الوارد في خبر الواسطة من أن الخبر المتحقق بواسطة
وجوب التصديق يمتنع أن يكون موضوعا لوجوب التصديق.
وعليه، فلا يصح دعوى انجبار الضرر الوارد على البائع بإثبات الخيار له
بواسطة " لا ضرر "، فيبقى محذور مخالفة الامتنان في تحكيم " لا ضرر " بالنسبة إلى
المشتري على حاله.
هذا ما نفهمه من كلامه المنقول عنه في حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، ولا نظر له
إلى إنكار المعارضة بين الضررين لأجل الطولية ونتيجة تحكيم " لا ضرر " بالنسبة
إلى المشتري، كما فهمه منه المحقق الأصفهاني (رحمه الله).
ولنكتف بهذا المقدار من التعرض لكلام المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، فمن رغب في
الاطلاع التفصيلي عليه فليراجعه في محله.
والمتحصل: أنك قد عرفت استدلال الشيخ (قدس سره) بما تقدم، وتحقيق الكلام في ذلك:
أن العيب الحاصل في جزء المبيع..
تارة: يستلزم تعيب الكل بحيث يعد الكل بنظر العرف معيبا، كتعيب الدار بتعيب
أحد أجزائها كالسرداب. وتعيب مصراعي الباب بتعيب أحدهما لسقوط الثاني
عن الانتفاع به. وهكذا ففي مثله يكون المجموع هو محل الخيار لا البعض لأن الكل
هو المعيب، وهذا الفرض خارج عن محل الكلام.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 108، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 119، الطبعة الأولى.
101

وأخرى: لا يستلزم تعيب الكل، كما في مورد جمع الأمور المتفرقة من جنسين أو
جنس واحد في معاملة واحدة، كبيع كتابين يظهر أحدهما معيبا وكبيع كتاب ودفتر
يظهر أحدهما معيبا، أو بيع وزنة من الحنطة يظهر بعضها معيبا يقبل الافراز.
ومن الواضح أن المعاملة في مثل ذلك وإن كانت واحدة صورة لكنها حقيقة
عقود متعددة بعدد الأشياء.
وعليه، فيكون لكل جزء حكمه المستقل كما لو وقع في معاملة على حدة، فيجوز
رده. ولا ضرر في التفريق في مثله لعدم كون الأجزاء من الأمور المرتبطة بعضها
ببعض.
وعليه، فلا موضوع لهذا الفرع أصلا، إذ ما يستلزم من رد جزئه ضرر التفريق
يكون من موارد تعيب الكل بتعيب الجزء، وغير ذلك من الموارد لا يكون في
التفريق ضرر.
ولو تنزلنا عن ذلك والتزمنا أن لما ذكر موردا بحيث يكون المعيب خصوص
الجزء ولا يسري إلى الكل مع ثبوت الضرر في التفريق. فالحكم هو ثبوت الخيار
للمشتري وللبائع أيضا..
أما بناء على التمسك في خيار العيب بقاعدة " لا ضرر " أو بالدليل الخاص مع
دعوى أنه بملاك القاعدة، فلأن ضرر البائع الوارد عليه بواسطة خيار المشتري وهو
ضرر التفريق يكون مشمولا للقاعدة أيضا، فيكون له خيار تبعض الصفقة فله حق
الرجوع بالجزء الآخر الصحيح، ولا تنافي بين تطبيق القاعدة بالنسبة إليهما معا.
وأما بناء على كون دليل الخيار دليلا خاصا لا بملاك الضرر، فلا مانع من شموله
للمشتري إلا توهم استلزامه الضرر على البائع، لكن يندفع بأن الضرر على البائع
إنما يرد بملاحظة لزوم البيع عليه، فما يستلزم الضرر هو لزوم المعاملة عليه، فتكون
قاعدة " لا ضرر " مصادمة للزوم لا لخيار المشتري. وعليه نثبت الخيار للبائع
أيضا.
102

وأما ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن ثبوت الخيار للبائع قد يستلزم ضررا على
المشتري لتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح، فهو اشكال غريب، لأنه إشكال
سار في جميع موارد الخيار بالنسبة إلى غير ذي الخيار. وأي قيمة لغرض المشتري
الشخصي؟ وهل تلزم مراعاته؟
ثم إنه لا مانع من التمسك بقاعدة " لا ضرر " لاثبات الخيار للمشتري بناء على ما
سلكناه من عدم وجود اطلاق لدليل خيار العيب يشمل جميع موارد التعيب، فلا
دليل في مورد الشك.
هذا غاية ما يقال في هذا المجال وينبغي التنبيه على نقاط متعددة في كلام
الشيخ (قدس سره):
الأولى: ما أفاده (قدس سره) من الترديد بين كون المردود جزءا مشاعا وكونه جزء
معينا. ومحل الكلام هو تصور رد الجزء المشاع. فإن الذي نراه أنه لا صورة له وذلك
لأن الجزء المشاع في الفرض لم يقع مورد المعاملة بل وقعت على كل جزء جزء معين
من العين. وعليه، فلا معنى لرده، سواء تصورنا تعيب المشاع كما حاول بيان ذلك
المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) أم لا. فانتبه.
الثانية: ما أفاده دليلا آخر على أن مثل التعيب بالشركة يوجب سقوط الخيار -
لا مجرد كونه ضررا - وهو مرسلة جميل، حيث ذهب (قدس سره) إلى أن مانعية القطع والصبغ
والخياطة ليست من جهة التغيير بل من جهة استلزام ذلك للشركة.
وهذا البيان مردود كما أفيد، لأنه بلا شاهد ومخالف للظاهر، ولذا لو حصلت هذه
الأمور من دون حصول الشركة، كما إذا كانت لا تزيد في قيمة العين، تكون مانعة
من الخيار، فالمانع هو مجرد التغيير. وأما عدم مانعية التغير الموجب للزيادة فقد
عرفت وجهه فيما تقدم عن قريب، فراجع.
الثالثة: ما أفاده (قدس سره) في مقام مناقشة صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) في استدلاله على

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 108، الطبعة الأولى.
2 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 248، الطبعة الأولى.
103

عدم ثبوت الخيار للمشتري في الجزء خاصة. وكلامه لا يخلو من نوع اجمال
واضطراب وتشويش في بعض فقراته، وتوضيح ما أفيد: إن صاحب الجواهر (رحمه الله)
استدل على عدم ثبوت الخيار للمشتري في المقام بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار
بمجموع المبيع لا كل جزء منه، ولا أقل من الشك لعدم إطلاق موثوق به والأصل
اللزوم.
وقد حمل الشيخ (قدس سره) كلامه بدائيا على إرادة كون حق الخيار في مورده حق واحد
لا يقبل التجزئة، فذكر في مناقشته أن هذا الأمر مما لا يشك فيه أحد من يثبت
الخيار هنا ومن ينفيه، وإنما التردد في ما نحن فيه أن مورد حق الخيار الوحداني، هل
هو خصوص الجزء المعيب وإنما يجوز رد الجزء غير المعيب فرارا من تبعض الصفقة
أو لقيام الاجماع على ذلك، أو أنه مجموع ما وقع عليه العقد لأجل تعيبه بتعيب
جزئه؟
فلا بد من تحقيق هذه الجهة في اختيار أحد القولين في المسألة لا التمسك بما يلتزم
به الكل من وحدانية حق الخيار في مورده.
وله ههنا عبارة احتمل السيد (رحمه الله) في حاشيته أنها من السهو لعدم صحتها، وهي
قوله في مقام بيان جواز رد المجموع مع كون المعيب هو الجزء خاصة: " وإما لصدق
المعيوب على المجموع " والوجه في ذلك أن هذا الاحتمال راجع إلى الشق الثاني
من طرفي الترديد وهو كون المعيب هو المجموع باعتبار جزئه. فالتفت.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد ما أفاد ما تقدم بيانه حول كلام الجواهر قال: " بل غاية
الأمر ظهور النصوص الواردة... " والمقصود من هذه العبارة هو إبداء احتمال آخر
في مراد صاحب الجواهر (رحمه الله)، ومحصله: إن الخيار بحسب القاعدة وإن كان محله
خصوص المعيب ولو كان جزء للمبيع لكن ظاهر النصوص الواردة في خصوص
هذا الخيار ثبوت حق الرد بالنسبة إلى مجموع ما وقع العقد عليه وإن كان التعيب في
خصوص جزئه، فكلامه ناظر إلى تشخيص محل الخيار بحسب الدليل لا مجرد بيان
وحدانية حق الخيار.
104

لكن الشيخ (قدس سره) ناقشه بأن ظاهر النصوص وإن كان ذلك إلا أن موردها كون
المبيع واحدا عرفيا متصفا بالعيب إما بلحاظ نفسه أو بلحاظ جزئه الحقيقي، كبعض
الثوب بحيث يسري التعيب إليه، لا ما إذا لم يكن واحدا عرفيا بل كان من باب
الجمع في المعاملة بحيث يكون التركب اعتباريا، كما هو محل الكلام.
وهذا الاحتمال الأخير قد عرفت بيانه بتلك العبارة وهي لا تخلو من نوع
اضطراب، كما لا يخفى على الناظر. وقد حملها السيد (رحمه الله) (1) بدوا على معنى آخر ثم
احتمل أن يراد بها هذا المعنى، والأمر سهل.
الرابعة: ما أفاده (قدس سره) في رد الاستدلال على عدم ثبوت حق الخيار بمرسلة جميل،
بدعوى: أن موضوع الرد قيام الشئ بعينه وهو ليس كذلك مع التفريق، فقد أفاد في
رده أن المراد بالشئ هو المعيب ولا شك في قيامه هنا بعينه.
وتوضيح ما أفاده (قدس سره): إن المأخوذ في موضوع الرد هو قيام الشئ بعينه في رتبة
سابقة على الرد لترتب حق الرد عليه. ومن الواضح أن المعيب الذي يقصد رده قائم
بعينه قبل الرد كما كان أولا قبل البيع، نعم بعد الرد يفترق عن الجزء الآخر فيختلف
فيه وصف الانضمام، لكن قيام الشئ بعينه بعد الرد غير معتبر. فتدبر (2).

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 81، الطبعة الأولى.
2 - هذا ما أفاده سيدنا الأستاذ دام ظله أولا ولكن بدا له بعد ذلك معنى آخر للعبارة وهي قوله: " ومنه يظهر
عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشئ قائما بعينه لأن المراد بالشئ هو
المعيب، ولا شك في قيامه هنا بعينه ".
وتوضيح ذلك: إنه بعد ما احتمل في كلام الجواهر أن كون المقصود أن ظاهر الأدلة كون موضوع الخيار هو
تمام ما وقع عليه العقد، ورده بأن مورد النصوص هو كون المبيع واحدا عرفيا بحيث يسري العيب من
جزئه إليه لا واحدا اعتباريا، كما هو محل الكلام، أشار إلى أنه قد يستدل على دعوى الجواهر
بالمرسلة فيدعى أن ظاهرها كون الخيار في تمام المبيع وبضميمة عدم تبعض الخيار الواحد يثبت
عدم جواز الرد في الجزء. أما وجه ظهورها في ذلك فقد بينه بقوله: " لأن المراد بالشئ... "
ومقصوده أن المراد بالشئ هو المعيب وبما أنه صادق على المجموع وهو قائم بعينه كان الخيار في
المجموع لا في البعض.
وأفاد الشيخ (قدس سره) أن هذا التشبث يندفع بما تقدم في مناقشة صاحب الجواهر من أن مورد النصوص هو
الواحد العرفي لا الاعتباري فلا فرق بين المطلقات والمرسلة من هذه الجهة. إذن فيظهر من ذلك أن
قوله " ومنه يظهر.. " من توابع الكلام حول ما أفاده في الجواهر وليس وجها مستقلا لعدم جواز رد
الجزء إذ بالمعنى الذي بيناه أولا لا يرتبط بما تقدم في كلام الجواهر فكيف يظهر رده من رد كلام
الجواهر؟
كما أن قوله " لأن المراد بالشئ " تعليل للتشبث والاستدلال بالمرسلة لا تعليل لرد التشبث كما فسرناه به
أولا. والشاهد على ما ذكرناه أخيرا مضافا إلى انسجامه مع قوله " ومنه يظهر... " أن الشيخ (قدس سره) تقدم
منه الاستدلال على عدم جواز رد الجزء بالمرسلة باستظهار كونها ناظرة إلى تغير العين بحدوث
الشركة فلا يصدق القيام بعينه.
ومما ذكرناه يندفع ما ربما يتوجه على الشيخ (قدس سره) من دعوى التهافت في كلامه لنفيه الاستدلال بالمرسلة
ههنا بما عرفت في التفسير الأول لعبارته والتزامه بنظير هذا الاستدلال في المسألة الآتية، فإن
التهافت يبتني على التفسير الأول لا الأخير.
وبالجملة، الشيخ أولا وأخيرا ملتزم بأن مقتضى المرسلة عدم جواز التبعيض في الرد ولم يظهر من كلامه
خلاف ذلك أصلا فتدبر.
105

والمتحصل: إن وجوه منع ثبوت حق الرد في خصوص الجزء المعيب أربعة، قد
عرفت مناقشة جميعها. فلاحظ تعرف.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى، ويقع الكلام في الصورتين الآخرتين، وقد
قدم الشيخ (قدس سره) الثالثة على الثانية، ونحن نتبعه في ذلك.
وقد ذكر أن الأقوى عدم جواز انفراد أحدهما على المشهور خلافا للمحكي عن
الشيخ (رحمه الله) (1) في باب الشركة والإسكافي (2) والقاضي (3) والحلي (4) وصاحب
البشرى (5) من جواز الافتراق. وذكر لذلك دليلا أفاده العلامة في التذكرة (6) وهو
أن البائع أخرج إليهما المبيع مشقصا فالشركة حصلت بايجابه، وقال الشيخ (قدس سره) بعد

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 351، الطبعة الأولى.
2 - كما في مختلف الشيعة ص 374 - الطبعة الأولى.
3 - الطرابلسي، القاضي عبد العزيز: المهذب، ج 1: ص 393، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
4 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 345، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
5 - كما في المكاسب، ص 259.
6 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1 ص 536، الطبعة الأولى.
106

ذلك: " وظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد
المشتري " (1).
ثم نقل كلاما للشيخ (رحمه الله) في المبسوط (2) استظهر منه بدوا اختصاص النزاع بما إذا
كان القبول في العقد واحدا من شخصين أما إذا تعدد القبول منهما فلا إشكال في
جواز الافتراق. ثم احتمل كون كلامه ناظرا إلى التفصيل بين كون القبول واقعا
لاثنين أو لواحد، فالمدار على وحدة المشتري وتعدده.
وبعد جميع ذلك بنى (قدس سره) على كون الأقوى عدم جواز الافتراق مطلقا علم البائع
بتعدد المشتري أو لم يعلم، تعدد القبول أو توحد.
وما ذكره في توجيه ذلك وجوه ثلاثة:
الأول: إن نصوص الخيار غاية ما تتكفل اثبات خيار واحد للعقد الواحد في
مجموع ما وقع عليه العقد، والخيار لا يتبعض بلحاظ أجزاء المبيع، فليس لكل منهما
الاستقلال في حصته، ولا دليل على تعدد الخيار بتعدد الحصص، إذ لا إطلاق لأدلة
الخيار بحيث تشمل شراء جزء المعيب فتثبت فيه خيارا مستقلا، وإنما القدر المتيقن
منها كون الخيار في مجموع ما وقع عليه العقد.
الثاني: إنه لو فرض ثبوت الاطلاق لدليل الخيار في نفسه بحيث كان يتكفل
مورد شراء جزء المعيب فههنا مانع من شموله للفرض، وهو دليل نفي الضرر، لأن
التشقيص نقص فيلزم الضرر على البائع وهو منفي بدليل نفي الضرر.
الثالث: أن مقتضى مرسلة جميل المتكفلة لاعتبار كون المبيع قائما بعينه هو اعتبار
رد العين إلى البائع كما كانت قبل خروجها منه بحيث يردها كما كانت، ورد النصف
المشاع لا يكون ردا للمبيع بعينه لطرو الشركة، فتدبر.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) والوجه الأول منها يرجع إلى انكار المقتضي لجواز الرد
هنا، والآخران يرجعان إلى دعوى وجود المانع.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 259، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 351، الطبعة الأولى.
107

ولا يخفى عليك أن مقتضى الأول اختصاص امتناع الرد بما إذا كان القبول واحدا
لوحدة العقد، أما إذا كان القبول متعددا فلا قصور في الأدلة، لأن تعدد القبول
يوجب تعدد العقد قهرا.
نعم، مقتضى الوجهين الآخرين عدم الاختصاص وعموم المنع لصورتي الوحدة
والتعدد.
ومن هنا قال الشيخ (قدس سره) بعد ذكر الوجه الثالث " ومن ذلك يعلم قوة المنع وإن
قلنا بتعدد العقد ".
ولا فرق بلحاظ هذه الوجوه بين صورة علم البائع بتعدد المشتري وعدمه.
نعم، قد يتخيل عدم جريان قاعدة " لا ضرر " لأنها لا تشمل مورد الاقدام على
الضرر الثابت مع العلم بالتعدد لأنه أقدم على التشخيص.
وقد دفعه الشيخ (قدس سره) بأن علم البائع لا يكون اقداما على الضرر إلا على تقدير
ثبوت التبعيض في الخيار وهو أول الكلام.
وكيف كان، فما أفاده الشيخ (قدس سره) من قصور الأدلة متين جدا.
إلا أن للمحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) في المقام تعليقة مفصلة دقيقة حاول فيها إثبات
الخيار لكل من الشريكين ومنع فيها دعوى عدم المقتضي لانفراد كل منهما بالخيار
في حصته.
فقد أفاد (رحمه الله) أن ما يذكر في مقام بيان عدم المقتضي للخيار ههنا وجوه ثلاثة:
الأول: وحدة العقد.
الثاني: وحدة الخيار.
الثالث: انصراف الاطلاق.
أما وحدة العقد، فإن أريد منه العقد الانشائي فوحدته غير مسلمة مع تعدد
القبول، لأن تعدده يستلزم تعدد العقد قهرا.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 109، الطبعة الأولى.
108

هذا مع أن العبرة بالبيع بالحمل الشائع الذي هو التمليك، أو العقد المعنوي اللبي
الذي هو القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر، ولا عبرة بالعقد الانشائي.
وإن أريد منه العقد المعنوي، فتعدد العقد مما يقضي به البرهان، إذ كما أن الملكية
الحقيقية متعددة لتعدد المالك والمملوك ومقتضاه تعدد التمليك لأنه مع الملكية
كالايجاد والوجود، فيتعدد البيع بالحمل الشائع، كذلك القرار المعاملي لأن البائع له
القرار مع كل منهما لا معهما معا، بل يستحيل انفكاك القرار عما عليه القرار فيتعدد
بتعدد الملكية التي هي موضوع القرار.
نعم، إذا كانت معاملة البائع مع وكيل الشريكين المفوض منهما في أمر العقد لا
مجرد اجراء الصيغة، كان القرار المعاملي واحدا لأن قرار البائع معه، لكن مع هذا لا
يتحد الخيار، إذ الخيار ههنا ليس ثابتا للوكيل كما في خيار المجلس بل هو ثابت
للموكل، لأن خيار المجلس للمجتمعين في المعاملة فيراد بهما العاقدان.
وأما خيار العيب، فهو لمالك المعيب مباشرة أو تسبيبا، ولذا لا اشكال في أخذ
الموكل بخيار العيب والغبن مع موت الوكيل.
وبالجملة، موضوع الخيار هو المالك لا العاقد وهو متعدد ولو مع وحدة العاقد.
وأما وحدة الخيار، فالمسلم هو كون الخيار الثابت واحدا بوحدة طبيعية لطبيعي
العقد على المعيب ومقتضى فعلية الحكم بفعلية موضوعه تعدد الخيار بتعدد موضوعه
الفعلي. ومن الواضح أنه يصدق على كل من الشخصين أنه اشترى نصفا مشاعا من
المعيب، فيكون موضوعا للخيار.
ولا دليل على تنزيل كلا الشرائين منزلة الواحد ليثبت لهما خيار واحد، ولا
تصح دعوى ظهور الأخبار في كون موضوع الخيار هو شراء المعيب بتمامه إذ من
البديهي فقهيا ثبوت الخيار فيما إذا اشترى شخص واحد من مالك العين نصفها
المشاع فظهرت معيبة.
وأما انصراف الاطلاق، فهو راجع إلى دعوى أن موضوع الخيار من اشترى
وحده ولو نصف المعيب، فلا يثبت الخيار فيما نحن فيه.
109

لكن ذلك منقوض بثبوت الخيار فيما إذا باع بعقد واحد كل نصف مشاع من ماله
إلى كل واحد من المشتريين بالنصف المشاع من المال المشترك بينهما، مع أن كلا
منهما لم يشتر وحده.
هذا ما أفاده (رحمه الله) نقلناه بتلخيص.
ويمكن الخدشة فيه: بأنه مع الغض عن بعض ما أفاده - كالالتزام بالعقد المعنوي
المعبر عنه بالقرار المعاملي أو العهد أو نحوهما، فإنه محل اشكال يتعرض إليه في محله -
والالتزام بصحة جميع ما ذكره لا يمنع من دعوى الشيخ (قدس سره) قصور الأدلة التي
أوضحناها سابقا، فنقول: إنه لو سلم كون ذي الخيار هو المالك لا العاقد، لكن
المدعى هو أن موضوع الخيار ومحله هو تمام ما وقع عليه العقد الانشائي.
وبالجملة، تعدد العقد ووحدته لا دخل لها ثبوتا، بل المدعى أن ما وقع عليه
العقد الانشائي الواحد هو محل خيار العيب للمالك. ومقتضى ذلك عدم ثبوت الخيار
لكل من الشريكين في حصته لأنها ليست تمام ما وقع عليه الانشاء.
كما أنه لا يرد عليه النقضان السابقان في كلامه، كما لا يخفى.
ولا يخفى عليك أن خصوصية المشتري غير ملحوظة في الانشاء مقومة حتى
يقال إنه مع تعدد المشتري واقعا يتعدد العقد الانشائي قهرا، لتعدد المنشأ بتعدد
طرف الإضافة.
بل الملحوظ في الانشاء ليس إلا المبادلة بين الثمن والمثمن ونقل كل منها إلى محل
الآخر مع قطع النظر عن خصوصية المالك للعين.
وقد أوضح ذلك من قبل الأعلام (قدس سرهم) مفصلا في بيع الغاصب وتعقبه بإجازة المالك
وصحة البيع بها، فقد أورد على تصحيح البيع بالإجازة هناك بأن البائع إنما قصد
البيع لنفسه والمالك أجاز البيع له لا للغاصب، فما وقع لم يقصد في الامضاء وما قصد
فيه لم يقع فكيف يصح البيع؟ إذ لا بد من تعلق الإجازة بمضمون البيع.
وأجيب عنه: بما أشرنا إليه من أن كلا من المشتري والبائع وإن كان ينشئ
التبادل مع طرفه المقابل له فيقول له: " ملكتك " - مثلا - إلا أن القصد الواقعي يتعلق
110

بمبادلة هذا المال بذلك من مالكه الواقعي بحيث لا خصوصية للمخاطب، وإنما
أخذ في الكلام من باب التطبيق.
وعليه، فيكون المنشأ هو نفس التمليك والتملك بلا ملاحظة خصوصية المملك
والمملك.
ولا نريد بذلك أن نقول إن معنى البيع هو مبادلة مال بمال - كما فسر به - بل المراد
كون المنشأ ذلك.
والحاصل: إن دعوى الشيخ (قدس سره) قصور الأدلة عن شمول المورد تامة لا شبهة
فيها، فلا يثبت الخيار لكل منهما، بل إنما يثبت للمجموع.
وأما الصورة الثانية وهي ما إذ تعدد البائع، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الظاهر عدم
الخلاف في جواز التفريق فيها، إذ لا ضرر على البائع بالتفريق. لأن العين كانت لديه
كذلك من الأول فلم يحدث نقص وتغيير في ماله.
لكن لا يخفى عليك أن هذا يتم لو فرض كون المانع من ثبوت الخيار في الصورة
السابقة هو حصول الضرر. ولكنك عرفت دعوى الشيخ (قدس سره) قصور أدلة الخيار عن
ثبوته في النصف من المبيع بالعقد الواحد.
وهذا كما يتأتى في المسألة السابقة يتأتى في هذه المسألة فتدبر، ولا تغفل.
ثم إنه بعد ذلك ذكر فرعا آخر وهو أنه لو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد
اشترى كل واحد من المشتريين من كل واحد من البائعين ربع العبد، لا أن نصف
أحد البائعين يملكه أحد المشتريين ونصف البائع الآخر يملكه المشتري الآخر.
وعليه، فلو أراد أحدهما رد ربع العين إلى أحد البائعين كان من موارد المسألة
السابقة.
وما أفاده واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
هذا تمام الكلام فيما يسقط به الرد دون الأرش.
111

المسألة الثالثة: فيما يسقط به الأرش دون الرد. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه
موردان:
المورد الأول: إذا اشترى ربويا بجنسه كمن من حنطة بمن منها أو من شعير
فظهر عيب في أحدهما، فإنه لا يثبت الأرش في ذلك لأن اعطاء الأرش يستلزم
الربا لزيادة أحد العوضين به.
واحتمل (قدس سره) جواز أخذ الأرش وحكى عن التذكرة (2) نفي البأس عنه بعد أن
نسبه إلى بعض الشافعية موجها له: بأن المماثلة إنما تعتبر في العوضين الربويين في
ابتداء العقد والمفروض أنها حاصلة والأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد
السابق.
ويمكن توضيحه: بأن حق الأرش لم يلحظ جزءا من الثمن في قبال وصف الصحة
كي يتحقق التفاضل بين العوضين المستلزم للربا، بل هو غرامة شرعية حكم بها
الشارع وجعل اختيارها بيد المشتري، فلا يتحقق بها الربا، بل هي نظير أن ينذر
زيد لمشتري المعيب بأن يعطيه درهما.
ولكن الشيخ (قدس سره) بعد ذلك توقف في الحكم المزبور وذهب إلى إمكان دعوى كون
الأرش عوضا عن وصف الصحة عرفا وشرعا، والمفروض إلغاء وصف الصحة في
المعاملة الربوية وفرضه كالمعدوم، فيكون الأرش مستلزما للربا. وقال بعد ذلك:
" والمسألة في غاية الاشكال ولا بد من مراجعة أدلة الربا وفهم حقيقة الأرش ".
ولكن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3) ذكر أن المسألة في غاية الوضوح، إذ الأرش
غرامة شرعية ولم يفرض كونه جزء لأحد العوضين. مع أنه لو سلم كونه جزءا فأدلة
تحريم الربا قاصرة عن شمول مثل ذلك بنحو تحكم على أدلة استحقاق الأرش،
لظهور اختصاصها بما إذا كان التفاضل بسبب بناء المتعاقدين أنفسهما. فلاحظ.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 259، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 531، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 85، الطبعة الأولى.
112

والذي نراه أن الأرش - كما أشير إليه - غرامة شرعية وليس جزء لأحد
العوضين وسيجئ الحديث فيه أن شاء الله تعالى.
إذن، فالمتجه ما أفاده العلامة (رحمه الله) من جواز أخذ الأرش في هذه الصورة.
المورد الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة.
ولا يخفى أن البحث لا بد أن يقع في مرحلتين:
الأولى: في أن العيب الذي يستلزم الخيار هل هو مطلق النقص عن الخلقة
الأصلية ولو لم يوجب نقص القيمة، أو أنه خصوص ما أوجب النقص في المالية؟
فبناء على الوجه الثاني لا مجال لهذا الفرع أصلا، لأن العيب غير المستلزم للنقص
ليس موضوعا للخيار بالمرة، فلا مجال للبحث عن سقوط الأرش وعدمه.
نعم، بناء على الأول يقع الكلام في المرحلة الثانية وهي أنه إذا لم يكن موجبا
لنقص القيمة فهل يسقط الأرش أو لا؟
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى عدم ثبوت الأرش. والظاهر أن وجهه بديهي، إذ
الأرش عبارة عن نسبة تفاوت قيمة الصحيح عن قيمة المعيب، ومع عدم استلزام
العيب النقص لا تفاوت في القيمة، فلا موضوع له.
ثم إنه قد وقع في هذا الفرع بحث صغروي موضوعه الخصاء في العبيد، فإنه قد
مثل للعيب غير المستلزم للنقص بالخصاء في العبيد باعتبار رغبة الناس في العبد
المخصي الموجب لزيادة قيمته.
وقد أورد عليه: بأن الخصاء في نفسه موجب لتفويت بعض المنافع عنه،
كالفحولة، وذلك يستلزم بما هو نقصا في القيمة، لكن يرغب إلى الخصي قليل من
الناس لبعض الأغراض الفاسدة - وهي عدم تستر النساء منه فيدخل عليهن
ويكون واسطة بين المرء وزوجه في قضاء كثير من الحوائج فيزيد في قيمته لأجل
هذه الأغراض الفاسدة شرعا -.
ومثله لا يوجب زيادة في أصل المالية، إذ المفروض أن جهة زيادة المالية ملغاة
113

بنظر الشارع لحرمتها، فهي نظير الغناء في الجارية ساقط عن المالية بنظر الشارع.
وقد أجاب الشيخ (قدس سره) عن هذا الاشكال بأن الراغب في الخصي لهذا الغرض بما أنه
كثير لا نادر، كان المال المبذول بإزائه موجبا لزيادة ماليته العرفية المقصودة،
فالمدار على كثرة الراغب وعدم ندرته، إذ الملحوظ في المالية العرفية هو الرغبة
المتعارفة وما يبذل بإزائه من الثمن بحسب النوع.
وتحقيق الحال: أن نظر المستشكل - بحسب ما أشرنا إليه - إلى أن المنفعة المحرمة
ملغاة بنظر الشارع فلا يصح أن يبذل بإزائها المال سواء كانت ملحوظة بنحو
العوضية أم بنحو الداعي، إذن فالمال المبذول بلحاظها مبذول بإزاء الباطل فلا
يكون موجبا لزيادة مالية الشئ بنظر الشارع.
وقد انتقل الشيخ (قدس سره) (1) في جوابه إلى التعرض للغرض الغالب والغرض النادر
وتصحيح الأول للمالية دون الثاني.
وحق الجواب عنه: أن الجهة الملحوظة في بذل المال بإزاء صفة الخصاء ليست
محرمة. بيان ذلك: أن المفروض أن الزوج الذي يشتري العبد لخدمة زوجته لا يهتم
بالجهة الشرعية من حرمة نظره إليها أو نظرها إليه أو نحو ذلك، لكن ذلك يستلزم
عدم أمان خاطره من جهة احتمال وقوع زوجته مع عبده في بعض المحرمات من زنا
ونحوه، وهذه الجهة مأمونة في الخصي.
فهو حين يبذل الكثير من المال بإزاء الخصي يلحظ جهة تأمين خاطره وراحة
باله وهي جهة محللة لا مانع من بذل المال بإزائها شرعا، ولا يلحظ في بذل المال
نفس مخالطة العبد لزوجته فإن هذا مما لا تتعلق به الرغبة بما هو، ولا خصوصية
للخصي بالنسبة إليه، فخصوصية الخصي هي الأمان من وقوع الزنا ونحوه وذلك من
المحللات، فانتبه.
المسألة الرابعة: فيما يسقط به الرد والأرش معا، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أنهما

1 - لكنه تنبه إلى جهة الحرمة وأنها لا ترتبط بزيادة المالية ونقصها، فلاحظ كلامه، " المقرر ".
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 260، الطبعة الأولى.
114

يسقطان بأمور:
الأول: العلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف.
والوجه فيه قصور أدلة الخيار من شمول صورة العلم بالعيب، إذ الأخبار
موردها صورة الجهل وتحقق العلم بعد العقد، كما هو ظاهر جدا لمن لاحظها.
وقاعدة " لا ضرر " - لو فرض التمسك بها لاثبات هذا الخيار - مختصة بصورة
الجهل، للاقدام على الضرر مع العلم وهي لا تشمل صورة الاقدام.
ثم إنه (قدس سره) أشار إلى الاستدلال على سقوط الخيار عند العلم بالعيب قبل العقد
بمفهوم صحيحة زرارة (1) - وقيل إن المستدل به هو صاحب الجواهر (رحمه الله) - (2) وتنظر
فيه، فقال: " وفيه نظر ".
أقول: المراد بصحيحة زرارة هي روايته المتقدمة في مسقطية التصرف وهي:
" أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له فأحدث فيه بعد ما
قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك العيب أنه يمضي عليه البيع ويرد بقدر ما
ينقص... " ومحط الاستدلال هو قوله (عليه السلام): " ولم يبين له " وتقريب الاستدلال بها
بأحد وجهين:
الأول: أن قوله: " ولم يبين له " مدخول أداة الشرط وهو " أيما " ومقتضى
الالتزام بمفهوم الشرط انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، فيكون ظاهرا في عدم ثبوت
الرد عند البيان المعلوم أخذه طريقا للعلم بالعيب.
الثاني: إن قوله " ولم يبين له " قيد لموضوع الحكم فبانتفائه ينتفي الحكم.
ووجه تنظر الشيخ (قدس سره) أما في الوجه الأول، فبأن الشرط ههنا من الشرط المقوم
للموضوع عقلا إذ مدخول " أيما " قوله " اشترى " وهو مقوم للخيار لأن موضوع
الخيار العقد، وقد تقرر في محله عدم ثبوت المفهوم لمثل هذا الشرط فهو نظير قوله:

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب الخيار، الحديث: 2.
2 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 238، الطبعة الأولى.
115

" إن ركب الأمير فخذ ركابه " وقوله " إن رزقت ولدا فاختنه ".
وأما في الوجه الثاني، فبعدم ثبوت مفهوم القيد.
ولكن قد يمنع تنظر الشيخ (قدس سره) في الأول بأن الشرط المقوم للموضوع إذا كان مقيدا
بقيود غير مقومة فتكون جميعها مدخولة للأداة، فانتفاء أحدها يستلزم انتفاء
الشرط، نظير ما لو قال " إن ركب الأمير في يوم الجمعة فخذ ركابه " فإنه يدل على أنه إن ركب في غير الجمعة فلا يجب أخذ ركابه.
وما نحن فيه كذلك، لأن عدم بيان العيب في الشراء ليس من مقومات موضوع
الخيار عقلا، فيثبت المفهوم.
وقد يمنع تنظره في الثاني بأن التقييد ههنا في مقام التحديد وقد قيل إن مفهوم
التحديد من أقوى المفاهيم.
أقول: هذا الكلام بشؤونه يبتني على شئ قد لا يلتزم به الشيخ (قدس سره) ولعل ذلك
وجه تنظره لا ما أفيد، بيان ذلك: أنه قد يستفاد من الصحيحة أنها في مقام بيان
حكمين وأنها تشتمل على جزائين وهما أولا إثبات حق الرد والأرش لمن اشترى
معيبا ولم يبين له، وثانيا اثبات سقوطه وثبوت حق الأرش خاصة لمن أحدث فيه
شيئا. فيقدر بعد قوله " ولم يبين له ": إن له الرد والأرش.
فيقع الكلام بلحاظ ذلك في ثبوت المفهوم لقوله " ولم يبين له " بالنحو الذي
ذكرناه.
وقد أخذ الأعلام هذا المعنى مفروغا عنه.
ولكن هذا مما لا وجه له، إذ لا قرينة عليه، فإن الظاهر أنه ليس في الصحيحة
سوى جزاء واحد مذكور وهو لزوم البيع وثبوت الأرش عند حصول الشرط
بقيوده.
ومن الواضح أن مقتضى الالتزام بالمفهوم لقوله " ولم يبين له " هو عدم مضي البيع
مع بيان العيب فيدل على ثبوت حق الرد عند العلم بالعيب، وهو على خلاف
المطلوب أدل.
116

ولعل نظر الشيخ (قدس سره) في تنظره إلى ذلك لا إلى ما تقدم حتى يورد عليه بما سبق،
فالتفت ولا تغفل والله سبحانه العاصم.
ثم إن الشيخ (قدس سره) قال بعد ذلك (1): " وحيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار
العيب فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الذي له أحكام
خاصة فسد الشرط وأفسد لكونه مخالفا للشرع ".
وتوضيح الكلام في ذلك باختصار: إن خيار العيب إما أن يستند فيه إلى
الأخبار أو إلى قاعدة نفي الضرر.
فإن كان المستند هو الأخبار، فقد عرفت قصورها عن إفادة ثبوت الخيار في
مورد العلم بالعيب قبل العقد. وعليه، فلا تثبت مشروعية خيار العيب مع العلم
بالعيب، فاشتراط ثبوته يكون اشتراطا لغير المشروع.
ولا يقال: إنه يتوصل إلى الخيار بواسطة الشرط، نظير التوصل إلى التمليك
والتملك بواسطته.
وبعبارة أخرى: إن الالزام بالفعل الحاصل بواسطة الشرط في بعض الموارد لا
ثبوت له في حد نفسه ومع قطع النظر عن الاشتراط وإنما يتسبب بالشرط إليه،
فكذلك خيار العيب.
لأنه يقال: إن المحقق في محله هو صحة التوصل بالشرط إلى المسببات المعلوم
تشريعها بحصول أسبابها. والثابت صحة التسبب إليها ببعض الأسباب كالملكية،
فيكون الشرط أحد الأسباب بمقتضى " المؤمنون عند شروطهم " ولا يصح التوصل
بالشرط إلى ما لم يعلم تشريعه كذلك، وخيار العيب كذلك، إذ الثابت جعل الشارع
له في مورد خاص ولم يعلم صحة التسبب له ببعض الأسباب. وعليه فلا يصح
اشتراط خيار العيب.
نعم أصل الخيار مما قام الدليل على صحة التسبب إليه بالشرط، فيصح اشتراطه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 260، الطبعة الأولى.
117

وإن كان المستند هو قاعدة نفي الضرر، فعدم انطباقها في مورد العلم بالعيب قد
عرفت أنه من جهة الاقدام على الضرر، ولكن هذا مع عدم الاشتراط. أما مع
اشتراط الخيار، فلا يتحقق الإقدام على العيب فلا مانع من شمول قاعدة نفي الضرر،
فالاشتراط يحقق موضوع القاعدة.
وبما أن الصحيح هو ابتناء الخيار على الأخبار لا قاعدة نفي الضرر، فلا يصح
شرط خيار العيب بعنوانه. وأما مفسديته للعقد فهي تبتني على كون الشرط الفاسد
مفسدا، والشيخ (قدس سره) ممن لا يرى ذلك، فحكمه بأن الشرط ههنا مفسد ليس كما ينبغي.
فتدبر.
هذا ملخص ما يوضح به المقام، ولا حاجة بعد ذلك للتعرض إلى ما أفاده المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1) ببيان فني اصطلاحي وإلى ما يدور حوله من نقض وإبرام.
الثاني: تبري البائع عن العيوب إجماعا في الجملة.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (2) إن الأصل في هذا الحكم قبل الاجماع - مضافا إلى ما في
التذكرة (3) من أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح البائع
بالبراءة فقد ارتفع - صحيحة زرارة المتقدمة ومكاتبة جعفر بن عيسى (4) الآتية.
ويريد بالمكاتبة ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى عن
جعفر بن عيسى قال: " كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك المتاع يباع فيمن
يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه برأ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه
المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقل الثمن فربما ذهل، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه
لم يعلم بها فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها،

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 111، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 260، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1 ص 525، الطبعة الأولى.
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 8: من أبواب أحكام العيوب، الحديث: 1.
118

أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (عليه السلام): " عليه
الثمن ".
وهي وإن لم تكن مسوقة لبيان سقوط الخيار بالبراءة من العيب بل لحكم
الاختلاف في تحقق البراءة، إلا أنها ظاهرة في المفروغية عن سقوط حق الرد
بالبراءة وإنما الاختلاف في تحققها، فالتفت.
ثم إنه ذكر أن مقتضى اطلاقهما - كمعقد الاجماع المحكي - عدم الفرق بين التبري
تفصيلا وإجمالا، ولا بين العيوب الظاهرة والباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي
للخيار مع البراءة.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام. واستدلاله بصحيحة زرارة هنا ينافي مع تنظره
في الاستدلال بها في مسقطية العلم بالعيب إذ ذكرها في الرواية على نحو واحد، وقد
أشير إلى وجود هذا التهافت في كلمات بعض المحشين.
وتحقيق الكلام في أصل المطلب: أن خيار العيب..
إما أن يلتزم به من باب أن ظاهر العقد بناؤه على السلامة بأن تكون السلامة
بمنزلة الداعي للعقد والمعاملة - كما تقدم تقريبه في أول مبحث هذا الخيار - وقد ثبت
بالنص ثبوت الخيار في مثل ذلك وإن لم يكن على طبق القواعد.
وإما أن يلتزم به من باب أن السلامة مأخوذة بنحو الشرط الضمني، فيكون
تخلفها موجبا للخيار من باب تخلف الشرط.
فعلى الأول: بعد تبري البائع عن العيوب لا يكون العقد مبنيا على السلامة كما
هو واضح، فلا موضوع للخيار الثابت بالنص، لأن موضوعه - كما عرفت - هو
العقد المتعارف المبني على السلامة بمقتضى اطلاقه.
ولعله إلى ذلك أشار العلامة (رحمه الله) في التذكرة (1) في كلامه المتقدم.
وعلى الثاني: يكون التبري عن العيوب راجعا إلى عدم اشتراط السلامة

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 525، الطبعة الأولى.
119

بالاشتراط الضمني، فلا يكون تخلفها موجبا لخيار تخلف الشرط.
وبالجملة، سقوط الخيار بالتبري لا إشكال فيه.
ولا يخفى أنه لا يبتنى سقوطه بالتبري على ارجاع التبري إلى شرط عدم الخيار
أو سقوطه كي يحتاج إلى التمسك بعموم " المؤمنون عند شروطهم "، لما عرفت من أن
التبري يستلزم عدم تحقق المقتضي للخيار تكوينا.
ومن هنا لم يتمسك الشيخ (قدس سره) ههنا بعموم " المؤمنون عند شروطهم "، وتمسك به
في التبري عن العيوب المتجددة الموجبة للخيار، كالعيب الحادث قبل القبض أو في
زمن الخيار، إذ ثبوت الخيار في العيوب المتجددة ليس من باب الشرط الضمني، أو
من باب بناء العقد على السلامة - كما لا يخفى -، بل هو بالتعبد الشرعي المخالف
للقواعد العقلائية، والتبري لا يضر بموضوعه تكوينا. فلا ينفي الخيار إلا من باب
اشتراط سقوطه أو عدم ثبوته.
ومما ذكرنا يظهر أن ما استفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من كلام الشيخ (قدس سره)
بالنسبة إلى العيوب السابقة على العقد من أنه في مقام التمسك بعموم " المؤمنون عند
شروطهم " لارجاع التبري إلى شرط سقوط الخيار، في غير محله.
هذا بالنسبة إلى العيوب السابقة على العقد.
أما العيوب المتجددة بعد العقد، فتحقيق الكلام في حال التبري عنها: إنك قد
عرفت أن ثبوت الخيار بالعيوب المتجددة لا يرجع إلى بناء المتعاقدين العقد على
السلامة أو من جهة الشرط الضمني لوصف الصحة ارتكازا كي يختل ذلك بالتبري،
بل من جهة حكم الشارع تعبدا بأن ذلك موجب للخيار.
ومن الواضح أن التبري عن العيوب والحال هذه يرجع إلى اشتراط عدم الخيار
بحدوث العيب، وهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مرجعه إلى اشتراط عدم ثبوت الخيار.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 112، الطبعة الأولى.
120

والآخر: أن يكون مرجعه إلى اشتراط اسقاط الخيار.
وعليه، فقد يقال بتأثير هذا الشرط في عدم الخيار بمقتضى عموم " المؤمنون عند
شروطهم " - كما يظهر من الشيخ (قدس سره) -.
لكن الصحيح أنه لا مجال للتمسك بالعموم المزبور على كلا الوجهين في الشرط،
لما تقرر من أن العموم الدال على نفوذ الشرط إنما يدل على نفوذ اشتراط ما هو
مشروع في حد نفسه بحيث ثبت صحة التسبيب إليه، فيكون الشرط أحد أسبابه
بمقتضى العموم، فهو متفرع على مشروعية الشرط في حد نفسه ولا يتكفل بنفسه
التشريع.
وعليه، فنقول:
أما اشتراط عدم ثبوت الخيار، فهو ليس شرطا لما هو مشروع في حد نفسه. إذ
الفرض أن الدليل دل على ثبوت الخيار وتشريعه ولم يثبت مشروعية التوصل إلى
دفعه بسبب ما كي يكون الشرط أحد أسبابه، فلا مجال للتمسك بعموم النفوذ في
شرط عدم ثبوت الخيار.
وأما اشتراط سقوط الخيار، فهو وإن كان شرطا لما هو مشروع، لأن اسقاط
الخيار ثبتت مشروعيته بمقتضى أن " لكل ذي حق اسقاط حقه " إلا أن الاسقاط
الثابت مشروعيته هو الاسقاط للحق الفعلي.
أما الحق الثابت في المستقبل، فاسقاطه فعلا وإن كان معقولا على أن يكون
الانشاء في الحال والسقوط في زمان الخيار - لا بأن يكون الاسقاط الواقعي فعليا
وإلا فهو غير معقول -.
لكن لا دليل على مشروعيته حتى بلفظ " أسقطت ".
وعليه، فشرط اسقاط الخيار بهذا النحو لم يثبت أنه شرط لأمر مشروع في
نفسه، إذ لم يثبت مشروعية التسبيب من الآن إلى سقوط الخيار في ظرفه، فلا يمكن
التمسك بعموم النفوذ إما لكون الشبهة مصداقية أو لأجل كون القيد هو إحراز
121

المشروعية لا واقع المشروعية على ما يأتي تحقيقه في ظرفه إن شاء الله.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) بعد ذلك ذكر أن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى
أمور:
الأول: عهدة العيوب يعني تعهد سلامته من العيوب، فيكون مرجعه إلى عدم
التزام سلامته، فلا يترتب على ظهور العيب رد ولا أرش، فكأنه باعه على كل
تقدير.
الثاني: ضمان العيب، ومرجعه إلى عدم ضمان العيب بمال، ومقتضاه عدم ثبوت
الأرش خاصة ويثبت الرد.
الثالث: حكم العيب بمعنى البراءة عن أثره الشرعي وهو الخيار الثابت بسبب
العيب.
وذكر (قدس سره) بعد ذلك أن الأظهر عرفا هو المعنى الأول، والأنسب بمعنى البراءة هو
الثاني، وأما الثالث فهو بعيد عن اللفظ إلا أن يرجع إلى الأول.
هذا ما أفاده (قدس سره) والذي نراه أنه لا محل لهذا البحث ولا أثر له أصلا وذلك لأن
خيار العيب..
إما يكون ثابتا بلحاظ أن الارتكاز العرفي في باب المعاملات على بناء العقد على
السلامة، فيكون موضعه هو العقد الواقع المبني وقوعه على العين الصحيحة.
وإما يكون ثابتا بلحاظ أن الصحة مأخوذة بنحو الشرط الضمني الارتكازي في
العقد.
وإما أن يكون ثابتا تعبدا بإنكار كلا الارتكازين.
أما على الأول، فقد عرفت أن التبري عن العيوب يخل بموضوع الخيار لأنه
يرجع إلى عدم بناء العقد على سلامة المبيع، فلا يثبت الخيار به وبذلك (2).

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 260، الطبعة الأولى.
2 - ملاحظة: فاتتنا كتابة تتمة هذا المبحث للعوارض الفكرية بسبب تسفير إخواننا الإيرانيين وفي ضمنهم أهل العلم مما أدى إلى تشويش البال وتعطيل الدروس مدة شهر واحد أو أكثر فإنا لله وإنا إليه
راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان ذاك في أوائل شهر ذي القعدة سنة 1391 ه‍ وكنا
في مباحث الأصول في أوائل التنبيه الثاني من مباحث قاعدة لا ضرر. " المقرر ".
122

ويقع الكلام بعد ذلك في أمور ذكر الشيخ (قدس سره) أنه يظهر من بعض الأصحاب
سقوط الرد والأرش بها:
منها: زوال العيب قبل العلم به أو بعد العلم به وقبل الرد. والتزم به في التذكرة (1)
على ما حكاه عنه الشيخ (قدس سره).
والذي أفاده الشيخ (قدس سره) هو: إن لسقوط الرد بزوال العيب وجها لأن ظاهر أدلته
خصوصا بملاحظة أن الصبر على العيب ضرر، أن الثابت هو رد المعيب بما هو معيب
فإذا زال العيب فلا تشمله أدلة الرد، كما أنه لا مجال لاستصحاب الرد لتبدل
الموضوع.
وأما الأرش، فلما ثبت استحقاق المطالبة به لأجل فوات وصف الصحة عند
العقد فقد استقر بالعقد خصوصا بعد العلم بالعيب، والصحة إنما حدثت في ملك
المشتري، فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلى دليل، لأنه
على خلاف الأصل.
وعليه، فالقول بثبوت الأرش وسقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا
للاجماع.
ثم قال: " ولم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده " (2).
وهذا القول منه لم نعرف وجهه بعد أن تقدم منه في صدر الفرع حكاية الميل إلى
سقوط الرد والأرش عن صاحب جامع المقاصد، واختياره في المسالك، والأمر
سهل، والمهم تحقيق أصل المسألة.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 541، الطبعة الأولى.
2 - لعل مقصود الشيخ (قدس سره) من قوله (لهذا الفرع) هو زوال العيب بعد العلم به قبل الرد. وما أشار فيه إلى
رأي المسالك (3: 293) وجامع المقاصد (4: 352) هو صورة زوال العيب قبل العلم به. " المقرر ".
123

وقد عرفت ما أفاده الشيخ (قدس سره).
وللمحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) ههنا تحقيق رشيق يتضمن الايراد على الشيخ (قدس سره)
فقد أفاد (رحمه الله): إن الكلام في مقامين: أحدهما في سقوط الرد والآخر في سقوط
الأرش.
أما سقوط الرد بزوال العيب، فهو يبتني على أخذ العيب في موضوع الرد حيثية
تقييدية أو حيثية تعليلية له حدوثا وبقاء.
وأما إذا أخذ حيثية تعليلية حدوثا فقط، فلا يسقط الرد بزوال العيب.
وعليه، فلا بد من ملاحظة دليل الخيار وهو إما الأخبار وإما قاعدة نفي الضرر.
أما الأخبار، فظاهر قوله (عليه السلام) " أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار... " إن
الموضوع هو ذات ما وقع عليه العقد وهو الشئ وكونه مما به عيب أو عوار حيثية
تعليلية، ولم يؤخذ في المردود عنوان المعيب كي يبحث أنه مأخوذ بنحو العنوانية أو
المعرفية.
ودعوى: إن مقتضى قوله " وبه عيب " هو كون المردود متلبسا بالعيب لأن
الجملة حالية، فكأنه قال: له رد المعيب.
تندفع: بأن الحالية المستفادة من الواو راجعة إلى الفعل وهو الاشتراء لا إلى
المفعول وهو الشئ، فالمراد: من اشترى شيئا وكان الشراء في حال العيب أو العوار.
وبذلك يظهر أن الحيثية التعليلية هي الشراء الخاص لا نفس العيب، ومن
الواضح أن الاشتراء لا بقاء له كي يبحث أنه حيثية تعليلية حدوثا وبقاء أو حدوثا
فقط.
إذن، فالصحيح بقاء حق الرد إما للإطلاق أو للاستصحاب مع عدم الاطلاق.
لبقاء الموضوع وعدم تبدله.
وأما قاعدة نفي الضرر، فمقتضى مناسبة الحكم والموضوع وإن كان دوران الخيار

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 114، الطبعة الأولى.
124

مدار الضرر وجودا وعدما، إلا أن غايته عدم الدلالة على بقاء الحكم بعلية
الضرر لا عدم بقاءه رأسا ولو بعلة أخرى، إذ لا تقتضي انحصار العلة بالضرر.
وعليه، فلا مانع من استصحاب الخيار الثابت أولا.
ودعوى: تبدل الموضوع لأن موضوع الحكم الثابت أولا هو المتضرر.
تندفع: بأن الموضوع الذي لا بد من إحرازه هو موضوع الحكم المنفي من جهة
الضرر، لأنه هو معروض النفي. وموضوع الحكم المنفي هو مشترى المعيب ونفس
العقد، فاللزوم منفي عن العقد الواقع ووجوب الوفاء منفي عن المشتري لأجل
الضرر.
وأما سقوط الأرش، فقد ذكر أن الشيخ (قدس سره) نفى سقوطه بما يتأتى بالنسبة إلى الرد
أيضا حرفا بحرف، ولا معنى للتفرقة بينهما لاتحادهما ملاكا وموضوعا ودليلا، فما
هو الموضوع للرد هو الموضوع للأرش، فإما يسقطان معا أو يثبتان معا، فالتفصيل
بينهما بلا وجه.
نعم، يتجه التفصيل بناء على أن استحقاق المطالبة بالأرش فرع اشتغال ذمة
البائع بما به التفاوت، إذ اشتغال الذمة عند استقرار العقد ليس كاستحقاق الرد معلقا
على موضوع يزول بزوال العيب ولا يرتبط بالمعيب ولا يتقوم به، فلا بد في الحكم
ببراءة ذمة البائع من دليل وإلا فالأصل يقتضي بقاءه.
ولكن هذا المبنى فاسد. إذ لا معنى للحكم باشتغال الذمة على نحو التخيير،
فالمراد من استحقاق الأرش: استحقاق التغريم وهو ممكن أن يناط بموضوع ما،
فللمشتري أن يرد المبيع وله أن يغرمه الأرش بلا اشتغال ذمته قبلا بشئ.
هذا خلاصة ما أفاده (رحمه الله).
وتحقيق الحال فيه:
أما ما أفاده من أن موضوع الرد بحسب ظاهر الخبر هو ذات المعيب لا بما هو
معيب، فهو متين في نفسه لو فرض قصر النظر على نفس الخبر بما هو.
125

ولكن الشيخ (قدس سره) لم يظهر منه دعوى ظهور النص بنفسه بل ادعى أن القرينة
الخارجية تقتضي كون الموضوع هو المعيب بما هو، كما يظهر من قوله: " خصوصا
بملاحظة أن الصبر على المعيب... ".
وتوضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره): إن هذا الخيار مما يعلم أنه ليس بخيار تعبدي
صرف بل هو بملاك عقلائي وهو ليس إلا دفع ضرر الصبر على المعيب، فالخيار وإن
ثبت بالنص لكنه بملاك عدم الضرر وهو ضرر الصبر على العيب لا ضرر النقص
الحاصل لأنه لا يندفع بالخيار لتحققه.
وعليه، فمع ارتفاع العيب لا ضرر، فلا مجال للرد بمقتضى الخبر ولا لاستصحابه
لتبدل الموضوع.
ولا أقل من الشك في كون الموضوع للرد هو المعيب بما هو، فيمنع من جريان
الاستصحاب.
وأما ما أفاده بلحاظ تحكيم " لا ضرر " في إثبات الخيار، وأن الموضوع هو نفس
العقد الواقع على المعيب لا المتضرر بما هو كذلك.
فيمكن المناقشة فيه: إن الملحوظ في حديث " لا ضرر " هو نفي الضرر الوارد
على المشتري إذا حكم بلزوم العقد عليه، فالرد يكون دافعا للضرر الذي يمكن أن
يتوجه عليه.
وبمقتضى ذلك يكون الموضوع هو المشتري بما هو متضرر، إذ المفروض أن
الملاك دفع الضرر فهو ملحوظ في الموضوع، فمع زوال الضرر بزوال العيب يرتفع
الموضوع. بل لنا أن نقول إن حديث " لا ضرر " قاصر عن شمول المورد حدوثا، فلا
خيار حدوثا كي يستصحب بعد زوال العيب.
وذلك، لأن الملاك في حديث لا ضرر إذا كان دفع الضرر، فإنما يجري إذا كان
مستلزما في ظرف إعماله لدفع الضرر، وما نحن فيه ليس كذلك، لأنه في ظرف إعمال
" لا ضرر " وهو ظرف العلم بالعيب يزول العيب، فلا ضرر يندفع بالخيار المجعول،
فلا يعقل جعله، فتدبر جيدا.
126

وأما ما أفاده بالنسبة إلى سقوط الأرش وعدمه، فهو متين في نفسه لكنه يبتني
على كون الرد والأرش في عرض واحد.
وأما مع الطولية بينهما، فدعوى اختلاف الموضوع لا تكون بعيدة حينئذ.
فالأولى أن يقال في بيان سقوط الأرش مطلقا مع قطع النظر عن الرد: إن ظاهر
دليل الأرش هو أخذ التفاوت بين المعيب والصحيح حال المطالبة بالأرش
والتفاوت وهذا يستلزم أخذ المعيب الفعلي في الموضوع لا المعيب في ظرف سابق.
فلاحظ وتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد كلامه السابق الذكر ذكر أن المورد داخل في القاعدة التي
اخترعها الشافعي وهو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد.
وهذا غير ظاهر الوجه، إذ لم يفرض كون العيب طارئا بحيث كانت الصحة زائلة
ثم عادت. والأمر سهل.
ومنها: التصرف بعد العلم بالعيب، فقد حكى الشيخ (قدس سره) عن ابن حمزة (1) في
الوسيلة الالتزام به، وعلله بقوله: " لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب،
والنص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم ".
ونوقش بأن التصرف علامة الرضا بالمبيع لا بالمعيب، فلا ينافي مطالبته
بالأرش.
وقال الشيخ (قدس سره) (2) بعد ذلك: " والأولى أن يقال: إن الرضا بالعيب لا يوجب
اسقاط الأرش وإنما المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب وحيث لم يدل
التصرف عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف. مع أن اختصاص
النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع ".
وتحقيق الكلام في الفرع باختصار:

1 - ابن حمزه، محمد بن علي: الوسيلة، ج 13: ص 238، من سلسلة الينابيع الفقهية.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 261، الطبعة الأولى.
127

أما بالنسبة إلى سقوط الأرش بالتصرف، فقد يقال بعدم سقوطه لرواية زرارة:
" أيما رجل... إلى أن يقول: فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العيب أو
العوار أنه يمضي عليه البيع... "، فإن ظاهر الواو كونها عطفا على القبض فتكون
ظاهرة في أن التصرف بعد العلم. فتكون نصا في ثبوت الأرش بعد التصرف بعد
العلم.
ولكن هذا يبتني على كون النسخة: " وعلم " بالواو.
وأما على ما هو الموجود في الوسائل من كون العطف ب‍ " ثم " فقد يقال بدلالتها
على سقوط الأرش إذا كان التصرف بعد العلم تمسكا بمفهوم القيد.
ويشكل ذلك: بأنه لو سلم أن للقيد مفهوما فهو ههنا لا مفهوم له جزما، لأن
الجزاء والمقيد ليس هو أصل ثبوت الأرش، بل تعيين ثبوت الأرش ونفي الرد.
فإذا قيل بالمفهوم كان مقتضاه ثبوت الرد وعدم تعين الأرش إذا كان التصرف
بعد العلم، وهو مما لا يلتزم به القائل وغيره.
والمتحصل: إن الرواية لا يمكن أن يستفاد منها سقوط الأرش على هذه النسخة
لقصور الدلالة، كما لا يمكن أن يستفاد منها عدم سقوطه لعدم ثبوت نسخة الواو،
فتكون مجملة من هذه الناحية.
فالمرجع هو المطلقات الدالة على ثبوت الأرش بقول مطلق سواء تصرف بعد
العلم بالعيب أم لا، ومع عدم الاطلاق يكون المرجع هو استصحاب ثبوت الأرش،
للشك في سقوطه، والتصرف لا يدل على التجاوز عنه.
وأما بالنسبة إلى سقوط الرد، فتقريب سقوطه بالتصرف يكون بأحد وجوه
ثلاثة: إما دعوى أنه كاشف نوعي عن الرضا بالمبيع.
وإما دعوى كونه مسقطا تعبدا، لرواية ابن رئاب الواردة في خيار الحيوان. وقد
عرفت الكلام فيها. فراجع.
وإما لرواية زرارة الواردة في خيار العيب بناء على استفادة كون المسقط هو
128

مطلق التصرف من قوله " فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا " دون الحدث المغير
خاصة. وقد مر الكلام فيه. فراجع.
ومنها: التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب، كالبغل الخصي.
أما سقوط الأرش، فلفرض عدم تفاوت القيمة فلا موضوع له، وهو غير ثابت
مع قطع النظر عن التصرف.
وأما سقوط الرد، فلأجل التصرف وهو مسقط للخيار.
وملخص الكلام بنحو يتضح به كلام الشيخ (قدس سره) وغيره: إن التصرف إن كان
كاشفا نوعا عن الالتزام بالبيع بحيث يكون التزاما عمليا، فهو مسقط للرد سواء كان
الخيار متقوما بأمرين حق الفسخ وحق الابرام، أم كان متقوما بأمر واحد وهو حق
الفسخ خاصة، لما تقدم من أنه لذي الخيار الالتزام بالعقد فيكون اعمالا للخيار على
الأول واسقاطا له على الثاني. والتصرف يكون التزاما عمليا كالالتزام القولي.
وإن لم يكن كاشفا نوعا عن الالتزام بالعقد، فيشكل سقوط الرد به، لعدم قيام
الدليل على كونه مسقطا تعبدا سوى ما ادعي من دلالة رواية ابن رئاب المتقدمة في
خيار الحيوان. وقد تقدم الاشكال فيها، وأنها تختص بخيار الحيوان.
وأما روايات هذا الخيار، فقد تقدم أنها لا تدل على أكثر من مسقطية التصرف
المغير دون مطلق التصرف.
مع أن موردها ما إذا كان الأرش ثابتا بدلا عن الرد، فلا تشمل مورد عدم
ثبوت الأرش في نفسه. فتدبر.
ومنها: حدوث عيب في المعيب الذي لا تنقص قيمته بالعيب. فإن الأرش غير
ثابت بنفسه، والرد يسقط بحدوث العيب الجديد.
وقد استشكل الشيخ (قدس سره) (1) في سقوط الرد ههنا، إذ مسقطية العيب الجديد إما
للاجماع أو للمرسلة الدالة على سقوط الرد بتغير العين.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 261، الطبعة الأولى.
129

والاجماع غير حاصل في ما نحن فيه مع مخالفة المفيد (1) في أصل المسألة يعني:
سقوط الرد مطلقا بالعيب الحادث.
والنص مختص بمورد تدارك ضرر الصبر على المعيب بالأرش. إذن، فلا موجب
للسقوط.
وقاعدة نفي الضرر محكمة بلحاظ ضرر الصبر على المعيب.
نعم، هو معارض بتضرر البائع إذا ردت العين له معيبة، لكن يمكن دفع الضرر
بدفع قيمة النقص الحادث.
إذن، فيثبت الرد مع قيمة النقص. إما لقاعدة نفي الضرر في جانب المشتري، من
دون أن نمنع الضرر في جانب البائع لتدارك ضرره بالأرش. وإما للاستصحاب لو
سلم تعارض الضررين.
هذا حق الكلام في المسألة.
ومنها: التصرف أو حدوث العيب في المعيب الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه
لأجل الربا.
أما سقوط الرد بالتصرف، فهو يبتني على كونه كاشفا نوعيا أو غير ذلك من
الوجوه المتقدمة قريبا التي عرفت الكلام فيها.
وأما سقوطه بحدوث العيب، فالكلام فيه هو الكلام في المعيب الذي لا تنقص
ماليته بالعيب إلا في أخذ البائع الأرش، فإنه سيأتي البحث فيه.
وأما سقوط الأرش بهما، فهو واضح.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) بعد ذلك إلى كلام للعلامة (رحمه الله) (2) في وجه سقوط الرد هنا
بالعيب الحادث، وهو: إنه لو رد، فأما أن يكون مع أرش العيب الحادث أو بدونه،
فإن رده بدونه كان ضررا على البائع، وإن رد مع الأرش لزم الربا لأن المردود

1 - الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 597، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 531، الطبعة الأولى.
130

حينئذ يزيد على وزن عوضه، إنتهى كلام العلامة (رحمه الله).
وقد وجهه الشيخ (قدس سره) أن رد المعيب إنما هو بفسخ المعاوضة، إذ الفسخ يرجع إلى
حل العقد الناقل، فيرجع كل من العوض والمعوض إلى ملك مالكهما الأول بحسب
تأثير السبب السابق الذي منع منه العقد.
ومقتضى المعاوضة بين الصحيح والمعيب من جنس واحد ربوي، كالحنطة
والشعير، عدم ضمان وصف الصحة بشئ وعدم كونه مقابلا بالمال، وإلا لجاز أخذ
المشتري الأرش عند تبين العيب في المبيع فيما نحن فيه، والمفروض خلافه.
إذن، فوصف الصحة فيما نحن فيه نظير الأوصاف غير المقابلة بالمال. فإذا تحقق
الفسخ لزم تراد العوضين بلا زيادة ولا نقيصة.
وعليه، فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه سوى رد ما قابله وهو نفس
المثمن المعيب بالعيب الحادث، لأن رد قيمة العيب الحادث - كما في غير الربويين
لو حدث العيب فيه - لا يكون إلا بلحاظ كون العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن،
فيلزم وقوع وصف الصحة مقابلا ببعض الثمن. وهذا يستلزم نقص الثمن عن ذات
المثمن لأن بعضه كان عوضا عن وصف صحة المثمن، فيكون الباقي عوضا عن ذات
المثمن مع أنه أقل مقدارا منه فيلزم الربا في المعاملة، فيكون أخذ الأرش مستلزما
لتحقق الربا لكشفه عن أخذ وصف الصحة مقابلا ببعض المثمن.
وقد احتمل الشيخ (قدس سره) أن يكون مراد العلامة (رحمه الله) تحقق الربا في الفسخ بناء على أنه
معاملة جديدة تقتضي التمليك والتملك فهي بيع بصورة الفسخ، فإذا انضم الأرش إلى
أحد العوضين فيها لزم الربا. ولكنه جعل التوجيه الأول أولى.
وقد يتصدى لتصحيح أخذ الأرش من دون استلزام للربا، بدعوى: أن الأرش
الثابت للعيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه، كالمقبوض بالسوم إذا
حدث فيه العيب، فلا ينضم إلى المثمن كي يزيد على الثمن.
وناقشه الشيخ (قدس سره) بوضوح الفرق بين المقامين، فإن الغرامة في باب المقبوض
131

بالسوم إنما هي لأجل كون التلف في ملك مالك العين، فيكون مضمونا على
القابض لقاعدة اليد.
وأما التلف فيما نحن فيه، فهو في ملك المشتري فلا يتصور ضمان المشتري له إلا
بفرض رجوع العين في ملك البائع بحيث يكون تلف وصف الصحة من ملكه.
ولا يخفى أن ما يفرض رجوعه في ملك البائع قبل التلف هو ما كان مقابلا بالمال،
فإذا لم يكن وصف الصحة مقابلا بالمال في الربويين، فلا يستحق البائع
سوى نفس المثمن، فيكون تلف الوصف في يد المشتري، كنسيان العبد الكتابة لا
يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام ويظهر منه أنه بنى عليه.
وقد تصدى السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) للرد عليه وبيان أن تطويل الشيخ مما لا
طائل تحته وعدم صحته في نفسه. فأورد عليه إيرادات عديدة:
منها: أن كلام العلامة (رحمه الله) صريح في لزوم الربا في الفسخ لا في المعاملة لقوله " لأن
المردود حينئذ يزيد على وزن عوضه ".
ومنها: إن ثبوت الأرش ههنا بعنوان الغرامة لا بعنوان المعاوضة، فالضمان ههنا
نظير الضمان في المقبوض بالسوم. والتفرقة التي ذكرها الشيخ (قدس سره) مردودة بأن مقتضى
الفسخ رجوع المبيع إلى البائع بخصوصياته وعلى ما هو عليه من الأوصاف، فيلزم
ضمان التالف منها، كضمان نفس العين لو تلفت في يده.
وأما النقض بنسيان الكتابة، فهو مردود بأن مقتضى القاعدة ضمانه، كما سيأتي إن
شاء الله تعالى.
ومنها: إنه لا فرق بين الربويين وغيرهما في كون وصف الصحة في كل منهما غير
مقابل بالعوض، فلا وجه للالتزام بمقابلته في غير الربويين.
ومنها: إنه لا يعقل تفاوت الحال في مقابلة وصف الصحة وعدمها من جهة أخذ

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 89، الطبعة الأولى.
132

الأرش وعدمه، بحيث يكون أخذ الأرش مؤثرا في تحقق المقابلة، إذ المعاملة
حين وقعت إما يكون وصف الصحة فيها مقابلا بالعوض أو لا، فإن الشئ لا ينقلب
عما وقع عليه. وهو واضح جدا. هذا ملخص ما أفاده السيد (رحمه الله).
وقبل تحقيق الكلام في هذه الايرادات نذكر إيرادا جاء في ذهننا بصورة عاجلة.
وهو أن أخذ الأرش إذا كان كاشفا عن أخذ وصف الصحة في المثمن مقابلا بجزء
من الثمن المستلزم لنقص الثمن عن المثمن وهو يستلزم الربا - كما يقول الشيخ (قدس سره) -،
فهو كما يكشف عن أخذ وصف الصحة في المثمن مقابلا بالعوض يكشف أيضا عن
أخذ وصف الصحة في الثمن مقابلا بجزء من المال، كما لا يخفى.
وعليه، فكما يكون جزء من الثمن في قبال وصف صحة المثمن كذلك يكون جزء
من المثمن في قبال وصف صحة الثمن، بمقدار جزء الثمن الذي صار عوضا عن صحة
المثمن، فيلزم التعادل بين العوضين وعدم زيادة أحدهما على الآخر.
ولا يخفى أن هذا الايراد في الجملة وارد على الشيخ (قدس سره). إنما قلنا في الجملة، إذ لا
يطرد فيما إذا اختلف قيمة وصف الصحة من حيث العيب الخاص في العوضين
لاختلافهما مثلا من حيث الرداءة والجودة. فانتبه.
وأما ما أورده السيد (رحمه الله) على الشيخ (قدس سره)..
فالأخير غير وارد أصلا، إذ الشيخ (قدس سره) لا يلتزم بتأثير أخذ الأرش في تحقق
المقابلة، وإنما يلتزم بكشفه عن ذلك من حين وقوع العقد وأن جعل حق الأرش
ملازم لذلك. وهذا لا محذور فيه أصلا.
والثاني، ايراد مبنائي يبتني على أن الفسخ هل يستلزم عود المبيع إلى البائع
بخصوصياته، فإذا تخلفت إحداها يضمنها المشتري - كما يقول السيد (رحمه الله) (1) - أو أنه
إنما يستلزم عود ما وقع طرفا للمعاوضة وهو ذات المبيع - كما يقول الشيخ (قدس سره) - فلا
يكون الوصف مضمونا. وتحقيق ذلك في أحكام الخيار.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 89، الطبعة الأولى.
133

وأما الايراد الأول والثالث، فهما واردان على الشيخ (قدس سره). وتوضيح ذلك:
أما الثالث، فلأن المقصود بكون الوصف غير مقابل بالمال أو بكونه مقابلا..
إن كان بلحاظ الانشاء المعاملي، فقد تقرر أن الأوصاف فيه غير مقابلة بالمال
وإنما المقابل هو ذات العينين، بلا فرق بين وصف الصحة وغيره وبين الربويين
وغيرهما، فالتفرقة بين وصف الصحة وغيره وبين الربويين وغيرهما - كما هو ظاهر
كلامه ههنا - مما لا وجه له.
وقد تقدم منه (قدس سره) إنكار مقابلة وصف الصحة بالمال في أوائل مبحث خيار العيب
وتقدم بيان أنه لو كان مقابلا لزم أن يكون تخلفه موجبا لبطلان المعاملة في مقابله،
فيلزم تبعض الصفقة واستحقاق المطالبة بحصته من الثمن لا بالأرش.
وإن كان ذلك بلحاظ المعاملة في مقام اللب، فلا يخفى أن جميع الأوصاف المهمة
دخيلة في زيادة القيمة، فيكون بذل بعض المال بإزائها وإنما يزيد الثمن وينقص
بحسبها، فلا فرق أيضا بين وصف الصحة وغيره في الربويين وغيرهما.
وأما الأول، فلأن الظاهر أن مراد العلامة (رحمه الله) هو لزوم الربا في الفسخ لا من جهة
ظهور كلامه ههنا في ذلك فإنه مردود.
وإنما من جهة أن العلامة (رحمه الله) ممن يلتزم بأن وصف الصحة لا يقابل بالمال ولذا
التزم بجواز أخذ الأرش في الربويين إذا ظهر أحدهما معيبا وأنه غير مستلزم للربا
كما تقدم ذلك.
وفي الوقت نفسه يلتزم بأنه مع الفسخ في غير الربويين يستحق أرش العيب
الحادث، وهذا لا يتلاءم إلا مع فرض الفسخ معاوضة مستقلة بين العوضين.
فلاحظ.
والمتحصل: إن الفسخ إن كان معاوضة جديدة - كما نسب إلى صاحب
الكفاية (1) وهو الذي نظن به - فأخذ الأرش يستلزم الربا المحرم بناء على جريان

1 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية المكاسب، ص 122، الطبعة الأولى.
134

حكم الربا في جميع المعاوضات وإن كانت من قبيل الفسخ، بضميمة البناء على أن الأرش في الفسخ جزء أحد العوضين.
وإلا فلو بني على أنه لا يتكفل سوى نقل ما وقع عليه العقد بخصوصياته إلى ملك
مالكه الأول. فلا يلزم الربا فيه لتساوي العوضين.
نعم، يلزم الأرش من باب ضمان خصوصية العين المنقولة بالفسخ وهي صفة
الصحة، وهو لا يستلزم الربا، كما لا يخفى.
وإن لم يكن الفسخ معاوضة جديدة بل حلا للعقد الواقع، فيرجع كل عوض إلى
ملك مالكه قبل العقد بتأثير السبب السابق. فلزوم الربا بأخذ الأرش وعدمه يبتني
على الخلاف بين الشيخ (قدس سره) والسيد (رحمه الله) الذي أشرنا إليه في الكلام عن الاشكال الثاني
من إيرادات السيد (رحمه الله) على الشيخ (قدس سره).
وتحقيق جميع هذه الجهات يأتي في أحكام الخيارات إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) وجها آخر للرد مع تدارك ضرر المشتري - غير ما أشار إليه
أولا من أخذ الأرش بعنوان أنه غرامة للنقص الحادث نظير المقبوض بالسوم -
وهو: أن يفسخ البيع، ويلزم المشتري ببدل المعيب من غير الجنس معيبا بالعيب
القديم وسليما عن العيب الحادث ويجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا أرش ومع
الأرش.
وأورد عليه بأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل. والايراد متين، والله
سبحانه العالم.
ومنها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار، فقد نسب إلى ظاهر الغنية (1) اسقاطه للرد
والأرش كليهما.
وكلام الشيخ (قدس سره) في المقام لا يخلو من عدم انتظام، وقد قيل إنه لا يخلو عن سقط
وتحقيق الحال يستدعي التكلم في مقامين:

1 - الحلبي، ابن زهرة: غنية النزوع، ص 222، ط مؤسسة الإمام الصادق (ع).
135

المقام الأول: في سقوط الرد بالتأخير، وقد يذكر في وجهه أن التأخير -
كالتصرف - دليل الرضا فيستلزم سقوطه.
وفيه: إنه لا دلالة فيه على الرضا، إذ قد يكون التأخير لدواع خاصة، بل قد
عرفت الاشكال في دلالة مطلق التصرف على الرضا. كما قد يقال في وجه عدم
سقوطه بالتأخير بأن مقتضى اطلاقات الأخبار وخصوص بعضها هو كون حق الرد
على التراضي.
وأورد عليه الشيخ (قدس سره) (1) بأن الأخبار المطلقة واردة في مقام بيان أصل الخيار
والخبر الخاص لم أقف عليه.
وإذا ظهر عدم اطلاق يدل على استمرار حق الرد، فالمرجع هو عمومات
اللزوم، لأن التخصيص من أول الأزمنة، فلا مجال لاستصحاب حق الرد.
نعم، لو كان ثبوت حق الرد بعد العلم بالعيب لا من حين العقد كان المرجع حينئذ
هو استصحاب حق الرد، لعدم كون عموم الوفاء أزمانيا.
وقد تقدم تحقيق ذلك في خيار الغبن مفصلا.
المقام الثاني: في سقوط الأرش بالتأخير، ولا مجال ههنا لدعوى كون التأخير
دليلا على اسقاطه، إذ غايته أنه يدل على الرضا بالمبيع بما هو لا بما هو معيب.
كما لا مجال للرجوع إلى عمومات اللزوم في اثبات اسقاطه، إذ ثبوت الأرش لا
ينافي لزوم العقد. إذن فاستصحاب ثبوته هو المرجع إذ لا مانع منه.
فالنتيجة على هذا: هي التفصيل بين حق الرد، فيلتزم بأنه على الفور. وبين حق
الأرش، فيلتزم بأنه على التراخي. فتدبر.
المسألة الثالثة: في لزوم الإعلام بالعيب. نقل الشيخ (قدس سره) عن المبسوط (2) أنه قال:
" من باع شيئا فيه عيب ولم يبينه فعل محظورا وكان المشتري بالخيار " ونقل بعد ذلك
كلمات وفتاوى بعض الفقهاء والكلام في جهات ثلاث:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 262، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 126، الطبعة الأولى.
136

الأولى: في وجوب الاعلام بالعيب.
والثانية: في سقوط الوجوب المزبور بالتبري عن العيوب.
والثالثة: في حكم المعاملة من حيث الصحة والفساد.
أما وجوب الاعلام بالعيب، فالأقوال فيه مختلفة: فقول بوجوب الاعلام بالعيب
مطلقا خفيا كان أو جليا.
وقول باستحبابه مطلقا.
وقول بالتفصيل بين الخفي مطلقا ولو مع التبري والجلي فلا يجب.
وقول بالتفصيل في الخفي بين صورة التبري عن العيوب فلا يجب وصورة عدمه
فيجب. وأما الجلي فلا يجب مطلقا.
وقول بوجوب الاعلام بمطلق العيب إلا إذا تبرى من العيوب.
والظاهر أن الالتزام بوجوب الاعلام بالعيب من جهة صدق الغش بتركه، وإلا
فلا يحتمل أن يكون واجبا بعنوانه الخاص.
وعليه، فلا بد من تحقيق معنى الغش وتحديده كي يتضح الحال في هذه الأقوال.
فنقول: وقع الكلام في أن الغش هل هو أمر عدمي يصدق على مجرد عدم إظهار
العيب والاعلام به أو أنه أمر وجودي يرجع إلى تلبيس الأمر على الغير وايجاد
اللبس والخفاء لديه؟
والظاهر من الشيخ (قدس سره) (1) هو الأول، لكن الحق هو الثاني، فإن المفهوم عرفا منه
ذلك، فلا يصدق الغش إذا تركت إعلام من يشتري من زيد بالعيب الموجود في
المبيع إذا كنت مطلعا عليه.
نعم إذا صرت بصدد تلبيس الأمر عليه واظهار صحة المبيع كان غشا، وهذا
واضح لمن تدبر فيه لا غبار عليه ولا أقل من الشك والقدر المتيقن ما ذكرناه.
وبعد ذلك يقع الكلام في أن التزام البائع الضمني في عقد البيع بصحة المبيع هل
يوجب صدق الغش إذا كان معيبا أو لا؟

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 262، الطبعة الأولى.
137

تحقيق الكلام أن بناء المتعاملين على الصحة..
تارة: يرجع إلى ما ذكرناه في صدر مبحث خيار العيب من أخذ المشتري من
باب الداعي اعتمادا على أصالة السلامة لا من باب الشرط.
وأخرى: يرجع إلى ما قيل من الشرط الضمني بكون المبيع صحيحا.
ولا يخفى أنه على الأول لا التزام من قبل البائع، فلا موضوع للكلام.
نعم على الثاني يقع الكلام في أن التزامه هل يوجب صدق الغش أو لا؟ وذلك
لأن التزامه بنفسه وإن لم يكن إظهارا للصحة، لكن الالتزام في مقام المعاملة
والاقدام على المعاملة يتضمن إظهار الصحة، إذ يبعد أن يلتزم مع علمه بعدم
الصحة، فيقع الكلام في أنه غش أو لا؟
وقد ذهب السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) إلى أن المشتري لم يعتمد على التزام البائع
وإنما اعتمد على أصالة السلامة، فلا يصدق الغش إذ لم يكن التزام المشتري سببا في
وقوعه في اللبس.
ولكن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) خالف السيد (رحمه الله) وذهب إلى صدق الغش، ببيان:
إن الغش ليس كالكسر مما يتقوم صدقه بالمنفعل، فلا كسر إذا لم يوجد منكسر، بل
هو كالأمر يصدق ولو لم يكن مؤتمر. وعليه، فالغش يصدق أنه حصل من البائع لكن
لم ينغش به المشتري وإنما اعتمد على الأصل.
والذي نراه أن ما ذهب إليه السيد (رحمه الله) هو الصحيح، فإن ظاهر الاستعمالات
العرفية كون الغش هو تلبيس الأمر مع حصول اللبس به بحيث لو لم يحصل اللبس لم
يصدق الغش بل إنما تصدق إرادة الغش فيقال: أراد غشه فلم ينغش. لا أنه غشه
فلم ينغش.
وعليه، فإن اعتمد المشتري على التزام البائع الذي يتضمن إظهار وجود وصف

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 90، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 116، الطبعة الأولى.
138

الصحة كان التزام البائع غشا. وإلا فإن اعتمد على أصالة السلامة، فلا يصدق
الغش.
والمتحصل: إن الغش عبارة عن تلبيس الأمر مع حصول اللبس، وبذلك يظهر
أنه لا فرق في حصوله بين اخفاء العيب وإخفاء العيب الجلي ومحاولة تغطيته على
المشتري إذا تحقق الخفاء وانكشف العيب بعد ذلك.
وأما التبري عن العيوب، فهل يمنع من صدق الغش أو لا؟ أو فقل: هل يجب
التبري عن العيوب بنحو التخيير بينه وبين الإعلام؟
وتحقيق الكلام: إن الغش إن كان عبارة عن مجرد عدم إظهار العيب، فهو صادق
مع التبري عن العيوب، وإن كان عبارة عن تلبيس الأمر واظهار وصف الصحة،
فإن كان منشؤه ظهور التزام البائع الضمني في ذلك، فهو ينتفي مع التبري إذ لا التزام
بالصحة معه. هذا يجري حتى بناء على أن الغش مجرد عدم إظهار العيب فانتبه.
بل لنا أن نقول: إنه مع التبري عن العيوب وموافقة المشتري على ذلك لا يكون
إظهار الصحة غشا، إذ ليس الغش مجرد اخفاء العيب وتلبيسه، بل هو اخفاء
الوصف المقصود للطرف الآخر. والمفروض أن وصف الصحة مع التبري وموافقة
المشتري عليه ليس مقصودا للمشتري، فلا يكون اخفاؤه واظهار عدمه غشا.
ولو أبيت إلا عن صدق الغش في مثل ذلك فهو ليس بمحرم قطعا، إذ لا يحرم لبس
الأمر على شخص في جهة لا يهتم بها.
ومن هنا يظهر أن الغش ليس خصوص اخفاء الشئ واظهار الخير، بل مطلق
إظهار ما هو خلاف المقصود ولو كان باظهار شر والواقع خلافه. فتدبر.
وأما بطلان المعاوضة، فالبحث فيه صغروي، إذ البحث الكبروي وهو بطلان
المعاملة التي تعلق النهي بها بذاتها يقع في علم الأصول.
وعلى تقدير الالتزام بذلك، فيقع الكلام ههنا في أن المعاملة المتضمنة للغش هل
هي محرمة بذاتها فتكون فاسدة، أو بعنوان ثانوي منطبق عليها أو ملازم لها، فلا تقع
فاسدة؟
139

والصحيح هو الثاني، لأن المحرم هو الغش وهو أمر ملازم للمعاملة، فلا يكون
النهي متعلقا بها بذاتها. فالتفت.
ثم إن الشيخ (قدس سره) نقل عن جامع المقاصد (1) والمسالك (2) وغيرهما أنه ينبغي
بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه
والآخر مجهول. إلا أن يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة، كما
لو ضم ماله ومال غيره وباعهما ثم ظهر البعض مستحقا، فإن البيع لا يبطل في ملكه
وإن كان مجهولا قدره وقت العقد. انتهى.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) توجه ما ذكروه اشكالا وجوابا في بعض موارد المزج،
وتوضيح ذلك: إن مزج اللبن بالماء..
تارة: يستلزم استهلاك الماء في اللبن بنحو لا يصدق على المجموع إلا الحليب،
غاية الأمر أنه حليب معيب لأنه مغشوش غير خالص، والحكم هو صحة المعاملة
مع خيار العيب.
وأخرى: يستلزم استهلاك الحليب في الماء بحيث يصدق على المجموع ماء لا
حليب والحكم هنا هو البطلان لتخلف المبيع ذاتا فإن ما قصد لم يقع وما وقع لم
يقصد، وفي حكمه ما لو تشكل من الممزوج والمزيج حقيقة ثالثة.
وثالثة: لا يستهلك أحدهما في الآخر بحيث يصدق على المجموع أنه مشتمل على
كلتا الحقيقتين، كنصف من من حنطة مع نصف من من رز.
ومثل هذا هو مورد كلام الأعلام، والحكم فيه - كما ذكروه - هو تبعض الصفقة.
واشكال الجهالة يندفع بأنه لا جهالة في متعلق العقد وإنما المجهول ما هو المتحقق
في الخارج، والمعتبر العلم بمقدار ما هو متعلق العقد. فلاحظ.

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 25، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 129، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
140

مسائل: في اختلاف المتبايعين
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) إن الاختلاف تارة: في موجب الخيار. وأخرى: في
مسقطه. وثالثة: في الفسخ.
أما الاختلاف في موجبه، ففيه مسائل:
المسألة الأولى: فيما لو اختلفا في تعيب المبيع وعدمه مع تعذر ملاحظته ومعرفة
العيب وعدمه لتلف أو ما بحكمه. فادعى البائع مثلا سلامته وادعى المشتري تعيبه.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره): أن القول قول المنكر بيمينه.
وقد يوجه ذلك بموافقة المنكر الأصل ويراد به تارة: أصالة السلامة في الأشياء
التي يبنى عليها العقلاء.
وأخرى: استصحاب عدم حدوث العيب فيه.
ولكن كلا الأصلين ممنوعان:
أما أصالة السلامة، فقيام السيرة عليها غير مسلم، فلا دليل على ثبوت الأصل
المزبور، إذ لم يثبت قيام السيرة على البناء على سلامة الشئ المشكوك تعيبه.
وأما أصالة عدم حدوث العيب في المبيع، فهي إنما تنفع لو كان موضوع الخيار
مركبا من العقد وثبوت العيب بنحو التركيب، إذ يتكفل الأصل نفي أحد الجزئين،
وهذا وإن أمكن استظهاره من النص الوارد من قوله " وبه عيب... " بناء على أن
الجملة الحالية لا تفيد التوصيف ههنا.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 263، الطبعة الأولى.
141

إلا أنه بملاحظة البناء العرفي على وصف الصحة بنحو الداعي أو من باب الالتزام
الضمني يستطيع الانسان أن يجزم بأن موضوع الخيار هو عنوان تخلف وصف
الصحة لا عنوان التعيب.
وهذا المعنى يكون من المناسبات العرفية الموجبة لصرف النص عن ظهوره.
ومن الواضح أن عدم تخلف الوصف لا يثبت بأصالة عدم حدوث العيب إلا من
باب الأصل المثبت.
إذن، فلا أصل موضوعي يتنقح به أحد طرفي الدعوى، فينتقل إلى الأصل
الحكمي، وهو - كما تقدم في أوائل مباحث الخيارات - يقتضي اللزوم لاستصحاب
بقاء الأثر بعد الفسخ، فاستصحاب اللزوم يوجب كون مدعي السلامة منكرا لأن
قوله موافق للأصل.
المسألة الثانية: فيما لو اختلفا في كون شئ معين عيبا وعدمه وتعذر معرفة ذلك
لفقد أهل الخبرة. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الحكم كسابقه يعني: إن القول قول المنكر
بيمينه.
أقول: البناء على أصالة السلامة من قبل العقلاء لو سلم في مورد الشك في أصل
التعيب، فهو غير مسلم مع الشك في كون الشئ الموجود عيبا، لعدم قيام السيرة
ههنا قطعا.
وأما أصالة عدم حدوث العيب، فقد عرفت الكلام فيها، نعم لا يرد عليها أن
المطلوب تحقيق ما هو الموجود وأنه عيب أو لا، وأصالة عدم حدوث العيب لا تنفي
كونه عيبا وذلك لأن الأثر يترتب على أصل وجود العيب لا على كون هذا عيبا.
فالأصل ينفع في نفي الأثر، مع قطع النظر عما أوردناه.
وكيف كان، فالمرجع هو الأصل الحكمي وقد عرفت أنه يقتضي اللزوم فهو في
جانب المنكر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) قال بعد ذلك " نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في
142

الرد دون الأرش لأصالة البراءة " والبحث في هذه العبارة يقع في جهتين:
الجهة الأولى: إن النقص الذي لا يكون عيبا - على تقدير تصوره - هل يستلزم
الرد أو لا؟
والحق هو العدم، لأن خيار العيب إن كان المستند فيه هو النصوص فموضوعها
العيب دون مطلق النقص. وإن كان المستند فيه قاعدة " لا ضرر " فهي إنما تنفي
النقص المالي الوارد والمفروض أنه غير ثابت.
ومجرد تخلف المقصود المعاملي لا يستلزم صدق الضرر، فما ذكره المحقق
الأصفهاني (رحمه الله) (1) من وجود الضرر بلحاظ الغرض المعاملي ليس بجيد.
الجهة الثانية: إنه على تقدير ثبوت حق الرد في مثل هذا النقص، فإذا اختلفا في
أنه عيب أوليس بعيب فمرجع اختلافهما إلى ثبوت الأرش وعدمه.
وأما أصل حق الرد فهو متفق عليه. فالأصل في جانب منكر العيب وهو أصالة
البراءة من الأرش. وقد عرفت حال الأصول الموضوعية في المقام.
المسألة الثالثة: فيما لو اختلفا في حدوث العيب قبل العقد أو تأخره عنه بعد
القبض وانقضاء زمان الخيار، وظاهر الشيخ (قدس سره) بدوا فرض موضوع المسألة
الاختلاف في حدوثه في ضمان البائع - كحدوثه قبل القبض أو بعده وقبل انقضاء
زمان الخيار - وتأخره عنه، فلا يشمل الاختلاف في حدوثه قبل العقد.
لكن قوله بعد ذلك: " لأن أصالة عدم العقد حين حدوث العيب... " ظاهر في
نظره أيضا إلى صورة الاختلاف في حدوثه قبل العقد، فتكون الصور ثلاث.
وقد يتمسك بأصالة عدم العيب حين العقد لاثبات كون القول قول منكر التقدم.
ولكن عرفت التأمل في اجراء مثل هذا الأصل، لأن الأثر يترتب على عدم
تخلف الوصف وهو لا يثبت بالأصل المزبور، فالمتعين هو الرجوع إلى أصالة اللزوم
العملية.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 117، الطبعة الأولى.
143

وأما معارضة أصالة عدم العيب إلى حين العقد بأصالة عدم العقد إلى حين
العيب.
فتندفع: بأن الأصل الآخر لا يثبت وقوع العقد على المعيب الذي هو موضوع
الأثر إلا بالأصل المثبت.
ومن هنا يظهر الكلام في الصورتين الأخريين وأنه إن كان موضوع الأثر
الشرعي موردا للأصل نفيا أو اثباتا وإلا فالمرجع أصالة اللزوم العملية.
ثم إن الشيخ (قدس سره) حكى عن المختلف (1) أنه حكى عن ابن الجنيد: أنه إن ادعى
البائع أن العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا. انتهى.
وقال الشيخ (قدس سره) بعد ذلك: " ولعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري
على الوجه المقصود وعدم استحقاقه الثمن كلا وعدم لزوم العقد... ".
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) قبوله لهذا الرأي لأنه وجهه بلا مناقشة في وجهه.
وكيف كان فهذه الأصول الثلاثة مردودة..
أما أصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود، فلأن
موضوع الأثر هو التلف قبل القبض والتسليم، والأصل المزبور لا يتكفل اثبات
الموضوع إلا بالأصل المثبت.
وأما أصالة عدم استحقاق الثمن كلا، فلأنه يبتني على أن وصف الصحة يقابل
بجزء من العوض. وقد تقدم بطلان هذا المبنى.
وأما أصالة عدم لزوم العقد، ففيه ما عرفت من أن الأصل يقتضي اللزوم.
فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد ذلك نقل كلاما للتذكرة (2) وهو أنه لو أقام أحدهما بينة عمل
بها، ولو أقاما بينة عمل ببينة المشتري لأن القول قول البائع لأنه ينكر، فالبينة على
المشتري.

1 - العلامة الحلي، حسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 371، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 541، الطبعة الأولى.
144

وقد يتخيل التهافت في كلام العلامة (رحمه الله) حيث بنى أولا على الأخذ ببينة البائع،
وبنى بعد ذلك على كونه منكرا وأن البينة على المشتري، فلا تؤخذ ببينته.
ولكن يمكن أن يقال: إن نظره (رحمه الله) إلى أن المشتري مدع فعليه البينة، فإذا أقامها
أخذ بها ولا يعتنى ببينة البائع والحال هذه، إذ لا تصل النوبة إليه إلا بعد عدم إقامة
البينة من المشتري المدعي.
وأما إذا لم يقم المشتري البينة، فعلى البائع اليمين، ولكن إذا أقام البينة كفت عن
اليمين ويؤخذ بها.
وهذا منه مبني على سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البينة وتحقيقه في محله، فنظره
في الصدر من كلامه إلى صورة إقامة البائع البينة دون المشتري. فتدبر والأمر سهل.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر أن اليمين المطلوبة من البائع هي اليمين على عدم تقدم العيب
لو كان قد اختبر المبيع بحيث يمكنه تحصيل العلم بالعدم، نظير الشهادة بالعدالة
ونحوها مما يكتفى فيها بالاختبار الظاهر.
وأما مع عدم الاختبار، فهل له اليمين على عدم التقدم استنادا إلى الأصل - إذا
كان شاكا فيه - أو لا؟ حكي الأول عن جماعة كما يحلف على طهارة المبيع استنادا
إلى الأصل.
ولكن فرق الشيخ (قدس سره) بينهما بأن المطلوب في باب الطهارة ما يعم الطهارة
الظاهرية، نظير الملكية ونحوها من الأحكام الشرعية التي لها ثبوت ظاهري،
فيمكن أن يستند إلى الأصل فيحلف على ثبوتها. وليس كذلك ما نحن فيه فإن تخلف
الوصف أمر واقعي له أثر شرعي بلحاظ واقعه، والأصل لا يرفع الشك فيه. فتدبر.
ثم إنه هل يكتفى في هذه الحال بالحلف على عدم العلم؟
استقربه في التذكرة (1) واستحسنه في المسالك (2).

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 541، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 299، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
145

لكن قال الشيخ (قدس سره): " إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في اسقاط
أصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال. نعم لو أريد سقوط
الدعوى إلى أن تقوم البينة فله وجه وإن استقرب في مفتاح الكرامة (1) أن لا
يكتفى بذلك منه فيرد الحاكم اليمين على المشتري فيحلف وهذا أوفق بالقواعد ".
ولا يخفى أن تحقيق هذه الجهات موكول إلى محله من كتاب القضاء.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض بعد ذلك إلى أن ظاهر عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي
العلم على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع. ثم استدرك على ذلك بأن نظر العلامة
إلى أمر آخر. وقد أهملنا ذلك لعدم أثر مهم.
ويقع الكلام فيما لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا. والحكم هو الرد على
الموكل لأنه المالك دون الوكيل لأنه وكيل في العقد خاصة وقد تحقق منه فلا معنى
للرد عليه.
ولو اختلف الموكل والمشتري في تقدم العيب على العقد وتأخره كان الموكل
منكرا لما تقدم.
وهل يقبل اقرار الوكيل بسبق العيب على العقد أو لا؟ قد يقال بقبول إقراره
لوجهين:
الوجه الأول: قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، وبما أن الوكيل مالك للعقد
بشؤونه فله الاقرار بما يرتبط به.
وقد يناقش هذا الوجه - مع قطع النظر عن المناقشة في أصل القاعدة وبعد البناء
على تماميتها -.
أولا: بأن القدر المتيقن من هذه القاعدة هو مضي الاقرار مع الملك الفعلي لا مع
الملك في السابق. وإقرار الوكيل من هذا القبيل، لأنه في حال اقراره غير مالك بل
كان مالكا، فلا ينفذ إقراره.

1 - الحسيني العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 4: ص 659، ط مؤسسة آل البيت (ع).
146

وقد يرد ذلك: بأن القاعدة تعم ما إذا كانت الملكية سابقة ولذا لا شبهة في نفوذ
اقرار الوكيل بالبيع إذا أنكر الموكل وقوعه. وتحقيق ذلك موكول إلى محله.
وثانيا: إن الاقرار إنما ينفذ فيما كان موردا للملك دون ما هو أجنبي عنه.
وعليه، فاقرار الوكيل إنما ينفذ في ما هو مورد الوكالة من العقد وشؤونه. ومن
الواضح أن تخلف الوصف سابقا على العقد أجبني عما هو مورد ولايته وملكه، فلا
ينفذ الاقرار فيه.
وهذه المناقشة تامة ومنه يظهر ما أفاده الشيخ (قدس سره) بقوله " لأنه - يعني الوكيل -
أجنبي ".
الوجه الثاني: إن الوكيل أمين وقد تقرر في محله أن الأمين يقبل قوله.
وفيه: أولا: أن المراد من قبول قوله ليس البناء عليه بمجرد دعواه بل كونه منكرا
في باب الدعوى، فيقبل قوله مع يمينه.
وثانيا: أن قبول قول الأمين إنما هو في مقام عدم تغريمه والحكم عليه بالضمان، لا
في كل شأن من الشؤون وإن لم يرجع إلى تغريمه.
وبالجملة، هذا الوجه غير تام. فالصحيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) من عدم قبول
اقراره لأنه أجنبي.
ثم إن المشتري إذا كان جاهلا بوكالة الوكيل ولم يتمكن الوكيل من اثبات الوكالة
بإقامة البينة، وعامله المشتري معاملة المالك استنادا إلى ظاهر الحال أو اليد،
واختلفا في تقدم العيب وتأخره، فإما أن يقر الوكيل بتقدم العيب أو لا.
فإن اعترف بتقدم العيب رده المشتري عليه.
ويقع الكلام في أنه هل للوكيل رده على الموكل أو لا؟
ذكر الشيخ (قدس سره): إنه ليس له رده على الموكل، لأن اقرار الوكيل بتقدم العيب
دعوى بالنسبة إلى الموكل فلا يقبل إلا بالبينة، وله احلاف الموكل على عدم السبق
لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع انكاره اليمين.
147

ويقع الكلام - لتحقيق هذه الناحية - في جهتين:
الأولى: في أنه هل للوكيل حق إقامة الدعوى على الموكل أو لا؟
الثانية: في أنه لو ثبت أن له إقامة الدعوى فهل له إحلافه وهل ينفعه اقراره أو
لا؟.
أما الجهة الأولى: فالحق أنه ليس له إقامة الدعوى على الموكل، إذ لا حق له
يدعيه على الموكل. بيان ذلك: إن المشتري بمقتضى الموازين الظاهرية يعامل الوكيل
معاملة المالك فيحاول رد العين عليه، والوكيل باعترافه سبق العيب على العقد كان
سببا لرد المشتري عليه العين وأخذ ثمنه منه.
وهذا مما لا دخل للموكل فيه ولا يثبت جواز مطالبة الوكيل للموكل بشئ،
وأي سبب من أسباب الضمان تحقق كي يضمن الموكل الخسارة الواردة على الوكيل؟
والخسارة الواردة عليه نشأت من محض اعترافه بضميمة الأسباب الظاهرية التي
يستند إليها المشتري، فلا يحق له إقامة الدعوى على الموكل ومطالبته بشئ.
وأما الجهة الثانية: فقد عرفت أن الشيخ (قدس سره) علل جواز الاحلاف بأنه لو اعترف
الموكل نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه.
والظاهر أن جواز إقامة الدعوى تستلزم جواز الاحلاف. لكن اقرار الموكل لا
ينفع الوكيل بشئ ولا يدفع الظلامة عنه.
والسر في ذلك أن اقراره لا يلزمه بدفع شئ إلى المشتري كي تندفع الظلامة عن
الوكيل.
وذلك، لأن الاقرار إنما ينفذ إذا كان إقرارا على نفسه، والأمر ليس كذلك، لأنه
وإن أقر بأن العيب سابق وهو إقرار منه بثبوت حق الرد للمشتري.
فقد يقال: بأنه إذا رد المشتري العين إلى البائع بلا تعيين خصوصيته من كونه
الوكيل أو الموكل - وإن كان بانيا على أنه الوكيل بحسب الموازين الظاهرية، لكنه
بحسب واقعه يقصد الرد على المالك أي شخص يكون - يلزم الموكل بدفع الثمن
148

لإقراره بأن المال له لا للوكيل، فهو يقر بأن المشترى له في ذمته مقدار الثمن.
ولكن هذا القول فاسد، لأن اقراره بسبق المعيب وإن كان اقرارا بثبوت حق الرد
للمشتري وهو يستلزم الاقرار بأن للمشتري في ذمته مقدار الثمن بعد الرد، لكن
اقراره بثبوت الحق للمشتري في الثمن عليه ليس اقرارا على نفسه كي ينفذ بمقتضى
عموم " اقرار العقلاء على أنفسهم جائز " بل هو اقرار لنفسه أيضا، لأن استحقاق
المشتري الثمن إنما يكون بالرد الراجع إلى تمليك العين للمردود إليه في قبال
استرجاع الثمن، فالرد يتكفل تبديل الملكية، فاقرار الموكل بأن المشتري له الثمن إنما
هو في مقابل كون العين له وردها عليه، لا أن الثمن للمشتري مجانا.
ومثل ذلك ليس إقرارا على نفسه محضا، بل هو اقرار على نفسه في مقابل شئ
لنفسه، ومثل ذلك لا ينفذ عليه.
نعم، لو أخذ المشتري بالأرش، كان اقرار الموكل اقرارا على نفسه محضا فيلزم به.
وإذا ثبت أن إقرار الموكل لا يلزمه بشئ في صورة رد المشتري، فلا يتم ما أفاده
الشيخ (قدس سره) من اندفاع الظلامة عن الوكيل باقراره.
هذا، مع أن المشتري قد لا يرجع على الموكل عند اعترافه لبنائه على أنه ليس هو
المالك بحسب الموازين الشرعية وإنما يرجع على الوكيل أخذا بالأسباب الظاهرية،
وقد عرفت أنه لا يحق للوكيل الرجوع على الموكل بشئ.
والمتحصل: إنه ليس للوكيل حق مطالبة الموكل بشئ ولا حق احلافه، لأنه
أجنبي عما خسره الوكيل بمقتضى اعترافه بسبق العيب.
ومن هنا ظهر أنه كما ليس للوكيل إقامة الدعوى على الموكل واحلافه، كذلك
ليس للمشتري مطالبة الموكل - عند اعترافه بسبق العيب - بالثمن، لأنك عرفت أن
اقراره ليس نافذا عليه، لأنه ليس اقرارا على نفسه.
هذا، إذا اعترف الوكيل بتقدم العيب. وأما إذا أنكر تقدمه كان منكرا لأن الأصل
معه، فعليه اليمين مع عدم البينة للمشتري.
149

وهذا الحكم واضح، لكن للشيخ (قدس سره) ههنا عبارة مجملة المراد، فإنه قال (1): " حلف
ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف ولم يتمكن من الرد على الموكل لأنه
لو أقر رد عليه " ومركز الاجمال فيها قوله: " ولم يتمكن من الرد... " ويحتمل فيها
وجهان:
الوجه الأول: إن يكن قوله " ولم يتمكن من الرد على الموكل " جملة مستأنفة أو
حالية، وقوله " لأنه لو أقر... " تعليل لثبوت الحلف على الوكيل.
ولا يخفى ركاكة هذا النحو من التركيب الكلامي.
مع أن قوله " اللازم عليه لو اعترف " يفيد فائدة " لأنه لو أقر... " فأي فائدة في
الإعادة؟
الوجه الثاني: أن يكون مراده: إنه لا يتمكن الوكيل لو لم يحلف وردت عليه
العين من الرد على الموكل، لأن ردها على الموكل يكون اعترافا منه بأن الرد كان في
محله وعلى طبق الموازين، وهذا اعتراف منه بأن العيب سابق، وهو خلف فرض
دعواه الظلامة في الرد لأن العيب لاحق. فيكون قوله " لأنه لو أقر " تعليلا لعدم الرد
على الموكل.
وهذا الوجه ينقي الركاكة في الأسلوب، لكنه غير تام في نفسه، لأن رده على
الموكل إنما يكون بعد انحسام الدعوى وحلف المشتري ورده على الوكيل، فأي معنى
لقوله بأنه إذا رده على الموكل يكون اقرارا منه بسبق العيب فيرد عليه. لفرض تحقق
الرد.
ثم إنه يقع الكلام في جهتين:
الأولى: في أنه هل للمشتري إقامة الدعوى على الموكل وتحليفه أو لا؟
استظهر الشيخ (قدس سره) (2) العدم، لأن دعواه على الوكيل تستلزم إنكار التوكيل،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 263، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 263، الطبعة الأولى.
150

ودعواه على الموكل اعتراف منه بالتوكيل، فلا يحق إقامة الدعوى على كليهما
للتهافت.
ونقل احتمالا لجامع المقاصد (1) لثبوت ذلك له، أخذا للموكل باقراره وهو لا ينافي
دعواه على الوكيل عملا بالموازين الشرعية الظاهرية، ولكنك عرفت أن اقراره لا
ينفذ عليه، فلا يحق للمشتري ترتيب الأثر عليه، فالحق مع الشيخ (قدس سره).
الثانية: إنه إذا لم يحلف الوكيل في صورة انكاره التقدم، وحلف المشتري اليمين
المردودة، ورد العين على الوكيل، فهل للوكيل ردها على الموكل أو لا؟ فيه وجهان
بناهما في القواعد (2) على..
أن اليمين المردودة هل هي كالبينة، فتنفذ في حق الموكل.
أو أنها كاقرار المنكر - كما لو أقر نفس الوكيل -، فلا تنفذ.
وفصل في جامع المقاصد (3) بين ما إذا كان الوكيل يعترف بعدم سبق العيب
ويدعي العلم بعدمه، فلا تنفذ اليمين المردودة في حق الموكل ولو كانت بمنزلة البينة،
لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة لأنها كاذبة باعترافه.
وبين ما إذا كان الوكيل يدعي عدم العلم ويستند في انكاره إلى الأصل، فتبنى
المسألة على الوجهين المتقدمين.
وناقشه في مفتاح الكرامة (4) بأن اعتراضه بالتفصيل المزبور يبتني على كون
اليمين المردودة كبينة الراد والمعروف بينهم أنها كبينة المدعي.
ورده الشيخ (قدس سره) أن كونها كبينة المدعي لا تنافي عدم نفوذها للوكيل على الموكل
لاعترافه بكذبها.
هذا ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) وتحقيق ذلك بخصوصياته في محله. فراجع.

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 359، ط مؤسسة آل البيت (ع).
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 78 - 79، الطبعة الأولى.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 360، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - الحسيني العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 4: ص 664 - 665، ط مؤسسة آل البيت (ع).
151

المسألة الرابعة: وفيها فرعان:
الأول: ما لو رد المشتري سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته مدعيا أن سلعته
غير معيبة فلا خيار.
والثاني: ما لو اتفقا على ثبوت الخيار له لتعيب السلعة أو لغير ذلك لكن أنكر
البائع أن السلعة المردودة سلعته.
وقد حكم في الفرع الأول بتقديم قول البائع، لأصالة عدم حق له عليه وأصالة
عدم كونها سلعته. ونسب ذلك إلى التذكرة (1) والدروس (2) وجامع المقاصد (3).
وأما في الفرع الثاني، فقد احتمل في التذكرة (4) والقواعد (5) تقديم قول المشتري
ونسبه في التحرير (6) إلى القيل لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بعد أن احتمل
مساواته للفرع الأول.
وقد جزم المصنف (قدس سره) في الفرع الأول بتقديم قول البائع مع يمينه. وتوقف في تقديم
قول المشتري في الفرع الثاني.
ونقل عن الإيضاح (7) الاستدلال على ذلك - أعني تقديم قول المشتري في الفرع
الثاني - بأن الاختلاف بين البائع والمشتري في موضعين:
أحدهما: خيانة المشتري، فإن البائع يدعي عليه تغيير السلعة والمشتري
ينكره، والأصل عدم الخيانة.
والآخر: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع يدعيه والمشتري ينكره
والأصل بقاؤه.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 541، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 289، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 361، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 541، الطبعة الأولى.
5 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 79، الطبعة الأولى.
6 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 185، الطبعة الأولى.
7 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 499، الطبعة الأولى.
152

وناقشه المصنف (قدس سره) بما سيتضح بعضه.
ولا بد في وضوح الحال من تحقيق الكلام في كل فرع على حدة.
أما الفرع الأول: فقد عرفت ذهاب جماعة من الأعاظم إلى تقديم قول البائع
بيمينه، والوجه في ذلك موافقة قوله الأصل، وقد بين الأصل بوجوه:
منها: ما ذكره الشيخ (قدس سره) بدوا من أصالة عدم كون السلعة سلعة البائع (1)، والمراد
بها أحد وجهين..
إما أصالة عدم وقوع العقد على هذه السلعة بنحو العدم المحمولي النافي لثبوت
الخيار وحق الرد فيها.
وإما أصالة عدم انتقال هذه السلعة من البائع، فإن الرد عليه متفرع عن الانتقال
منه، فنفيه يقتضي نفي حق الرد للمشتري.
ولا يخفى عليك صحة هذا الأصل، إذ انتقال هذه السلعة لم يتحقق سابقا ولو
لأجل عدم كونها سلعته، فإذا شك فيه بقاء فالأصل عدمه.
ومنها: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) وصاحب الإيضاح (2) من أصالة عدم ثبوت
الخيار.
وهذا الأصل بالنسبة إلى الأصل الأول حكمي.
وهو لا بأس بجريانه، بمعنى استصحاب بقاء الملك بعد الفسخ، على ما تقدم
توضيحه في أصالة اللزوم، فراجع تعرف.
ومنها: ما ذكره صاحب الإيضاح (3) من أصالة عدم حدوث العيب، فإنه يقال إنه يشك في حدوث العيب في العين التي وقع عليها العقد - على اجمالها - والأصل
عدم حدوثه.
وهذا الأصل لا بأس به على مبنى الشيخ (قدس سره) ولكن قد تقدم الكلام في هذا الأصل

1 - إذ لا أثر شرعا على عدم كون هذه السلعة سلعة البائع - بهذا العنوان -.
2 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 499، الطبعة الأولى.
3 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 499، الطبعة الأولى.
153

في المسألة الأولى وعرفت هناك أنه لا يجدي في اثبات ما هو موضوع الأثر من
تخلف الوصف المقصود.
ومنها: ما ذكره في الإيضاح (1) أيضا من أصالة صحة القبض.
ولم يستوضح المراد بها، إذ القبض لا أثر له كي يتصف بالصحة والفساد بلحاظه.
ويمكن أن يراد بها أحد وجهين:
الوجه الأول: أصالة خروج البائع من ضمان القبض وهذا يرجع إلى اثبات عدم
حدوث العيب قبل القبض إذ لو حدث قبله كان مضمونا.
وبهذا الوجه فسر الشيخ (قدس سره) كلامه. والوجه فيه على ما يقال ظهور حال المسلم
فإن ظاهر حاله أن يكون اقباضه لازما.
الوجه الثاني: أن يراد به صحة المقبوض فيرجع إلى استصحاب عدم العيب قبل
القبض. وهذا راجع إلى أصالة عدم حدوث العيب، فليس وجها مستقلا قباله.
وأما الفرع الثاني: فقد استدل في الإيضاح (2) على تقديم قول المشتري بوجهين
على ما عرفت.
أحدهما، أصالة عدم الخيانة. وأورد عليه الشيخ (قدس سره): أن أصالة عدم الخيانة
مستندها ظهور حال المسلم، فتتأتى في الفرع الأول، فيلزم أن يكون القول قول
المشتري أيضا.
وقد تصدى السيد الطباطبائي (3) والمحقق الأصفهاني (رحمهما الله) (4) إلى بيان أن المراد
من أصالة عدم الخيانة ليس عدمها بلحاظ ظهور حال المسلم بل بلحاظ أن
المشتري ذا الخيار أمين، وقد ثبت في محله عدم جواز اتهامه وتخوينه وأن القول
قوله.

1 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 499، الطبعة الأولى.
2 - الحلي، محمد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 499، الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 93، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 119، الطبعة الأولى.
154

فأفاد السيد الطباطبائي (رحمه الله): إن دفع العين من البائع إلى المشتري مع كونها في
معرض العود إليه بالرد للخيار شبيه بالأمانة، فكأن البائع جعل المشتري أمينا بعد
الرد.
وأفاد المحقق الأصفهاني (رحمه الله): إن المشتري بمقتضى ثبوت حق الخيار وحق الرد
تكون له الولاية شرعا على العين المشتراة بعد الرد، فيجب تصديقه فيما له الولاية
عليه لأنه أمين من قبل الشارع.
ولا يخفى أن الفرق بين المفادين ليس إلا في كون مفاد كلام السيد (رحمه الله) أن المشتري
أمين من قبل المالك، ومفاد كلام الأصفهاني (رحمه الله) أنه أمين من قبل الشارع، ولعل جهة
الفرق تبتني على أن خيار العيب بملاك الشرط الضمني الراجع إلى شرط الخيار عند
التخلف، فتكون الأمانة مالكية. أو أنه بملاك التعبد الشرعي، فتكون الأمانة
شرعية.
وكيف كان، فهذه الدعوى تامة. ولا يخفى أنها لا تتأتى في الفرع الأول لعدم
ثبوت الخيار هناك، فلا أمانة.
وعليه، فيكون المتجه الالتزام ههنا بأن القول قول المشتري بيمينه على العكس
في المسألة الأولى. فلاحظ.
هذا تمام الكلام في الاختلاف في الموجب. وأما الاختلاف في المسقط، فيقع
البحث فيه في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: فيما لو اختلفا في علم المشتري بالعيب فيسقط الخيار (1) وعدمه
فلا يسقط.
وقد التزم الشيخ (قدس سره) (2) بتقديم قول منكر العلم لأصالة عدمه، فيثبت الخيار.
وقد يورد عليه: بأنه قد تقدم منه في خيار الغبن بيان أن منكر العلم مدع، وإنما
يثبت عليه اليمين لتعسر إقامة البينة. وهذا منه ينافي ما ذكره ههنا.

1 - السقوط - ههنا - بمعنى الاندفاع لا بمعنى الارتفاع.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 263، الطبعة الأولى.
155

ولكن يمكن الدفع عنه: بأن عدم العلم هناك لم يؤخذ في موضوع الخيار في الغبن،
بل هو مقوم للشرط الضمني الارتكازي، فلا تنفع أصالة عدم العلم لعدم كون
مجراها موضوع الأثر.
وهذا بخلاف ما نحن فيه لأخذ عدم العلم في موضوعه كما هو ظاهر رواية
زرارة، إذ أخذ فيها عدم التنبيه الظاهر في كونه طريقا لعدم التنبه. فأصالة عدم العلم
تجري في نفس موضوع الأثر.
هذا، ولكنك عرفت في المسألة الأولى من مسائل الاختلاف في الموجب أن
سبب الخيار ليس هو وقوع العقد على المعيب مع عدم العلم، بل موضوعه هو تخلف
الوصف المقصود بنحو الداعي أو بنحو الاشتراط.
وعرفت أن أخذ عدم العلم لأجل تقوم قصد الوصف به إذ مع العلم بالعيب لا
يكون وصف الصحة مقصودا وملحوظا، فأصالة عدم العلم لا تجدي شيئا ههنا.
بل مرجع الدعوى حيث هو ثبوت الخيار لتخلف الوصف المقصود وعدم ثبوته
لعدم تخلف الوصف المقصود ولو لعدم موضوعه وهو القصد، كان القول قول منكر
الخيار لموافقة قوله الأصل. فتدبر.
المسألة الثانية: فيما لو اختلفا في زوال العيب قبل علم المشتري بالعيب أو بعده
بناء على الالتزام بأن زواله بعد العلم لا يسقط الخيار.
قال الشيخ (قدس سره): " ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه وعدم
زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم
به حال وجوده وهو غير ثابت فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار وجهان أقواهما
الأول ".
وتحقيق الحال: أنه إن بنينا - كما هو المختار - على أن زوال العيب قبل الرد موجب
لسقوط الخيار - ردا وأرشا - سواء كان قبل العلم أم بعد العلم، فلا موضوع لهذه
المسألة، إذ هما يتفقان على زوال العيب قبل الرد، فلا خيار حينئذ ولا أهمية لزواله
قبل العلم أو بعده.
156

وإن بنينا على أن الزوال قبل الرد لا موضوعية له بل إذا كان قبل العلم سقط
الخيار وإلا فلا يسقط، كان لهذه المسألة مجال.
وعليه، نقول: إما أن يكون موضوع الخيار هو العلم بوقوع العقد على المعيب،
وعدم زواله قبل العلم به بنحو التركيب، بأن كان الموضوع مركبا من جزئين العلم
بالعيب وبقاء العيب إلى زمان العلم به.
وإما أن يكون الموضوع هو العلم بالعيب في حال وجوده بنحو التقييد
والتوصيف، يعني يكون المأخوذ هو العلم الخاص وهو العلم بالعيب الفعلي.
فعلى الأول: يمكن اجراء بقاء العيب إلى حال العلم، فيثبت موضوع الخيار
المركب بجزئيه أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل، فيكون القول قول منكر الزوال
قبل العلم.
وعلى الثاني: لا تنفع أصالة بقاء العيب إلى حال العلم في اثبات العلم الخاص
وهو العلم بالعيب الفعلي والموجود في حال العلم. بل يكون العلم الخاص مجرى
للأصل لأنه مسبوق بالعدم. وعليه، فيكون القول قول مدعي الزوال قبل العلم، فلا
يثبت الخيار.
وبما أن البحث المزبور فرضي، فلا يمكن أن يدعى أن المستفاد من الأدلة كون
الموضوع بالنحو الأول أو الثاني، ولذا تبقى المسألة مجملة.
ولا وجه لما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن الأقوى هو الأول. فلاحظ.
ثم إن للتذكرة (1) عبارة تقدمت في مبحث سقوط الخيار بزوال العيب قبل العلم
إليك نصها: " لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم أقبضه وقد زال عيبه فلا رد لعدم
موجبه وسبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال
العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد ".
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في هذا المقام أنها تومئ إلى الثاني.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 541، الطبعة الأولى.
157

والذي يظهر من العبارة أن العلامة (رحمه الله) ممن لا يرى موضوعية للزوال قبل العلم
أو بعده بل المدار على الزوال قبل الرد أو بعده.
وعليه، فلا وجه لدعوى ايمائها إلى الوجه الثاني بعد أن كان موضوع الوجهين
الالتزام بموضوعية زوال العيب قبل العلم. فلاحظ.
فرع: لو حدث عيب جديد ثم زال أحدهما فاختلفا في أن الزائل هو القديم، فلا
خيار. أو الجديد، فيثبت الخيار.
ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن مقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار ولا يعارضه
أصالة بقاء الجديد، لأن بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث
استلزامه لزوال القديم وقد ثبت في الأصول أن أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت
وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه.
ثم استدرك (قدس سره) بأن المحكي عن الشافعي (2) هو التحالف، فإذا حلفا استفاد البائع
بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش.
وتحقيق الحال في المسألة: إنه إن بني على سقوط الرد بمجرد حدوث العيب الجديد
سواء زال أم لم يزل، كان الملحوظ في الدعوى فيما نحن فيه هو ثبوت الأرش لبقاء
القديم وعدمه لزواله. وأما الرد فلا كلام في سقوطه بمجرد حدوث الجديد، فلا أثر
لبقائه وعدمه.
ولذلك يكون القول قول المشتري المنكر لزوال القديم لأن الأصل معه، ولا
يعارضه أصالة بقاء الجديد، كما أفاد الشيخ (قدس سره). ولا وجه لدعوى التحالف حينئذ.
وبما أن الشيخ (قدس سره) يلتزم بالمبنى المشار إليه أعني سقوط الرد بمجرد حدوث العيب
ولو زال بعد ذلك، التزم في الفرع المزبور بما عرفت.
وأما إن بني على عود حق الرد بزوال العيب الجديد، كما التزم به بعض (3) - وقد

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 264، الطبعة الأولى.
2 - الحاكي هو العلامة في تذكرة الفقهاء ص 530 - الطبعة الأولى.
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 79، الطبعة الأولى.
158

تقدم تحقيقه في محله - كانت دعوى بقاء العيب الجديد راجعة إلى نفي حق الرد،
كما أن دعوى بقاء القديم مع زوال الجديد راجعة إلى اثبات حق الأرش والرد.
وعليه، كان كل من المشتري والبائع مدعيا من جهة ومنكرا من أخرى، فيتحقق
التداعي ونتيجته التحالف المستلزم لسقوط حق الرد وبقاء الأرش، كما نقل عن
الشافعي.
بيان ذلك: أن المشتري في مطالبته بالرد يكون مدعيا، لأنه يترتب على زوال
العيب الجديد والأصل بقاؤه فيكون البائع منكرا، كما أنه في مطالبته بالأرش يكون
منكرا لترتبه على بقاء العيب القديم والأصل يثبته. فقول البائع من جهة الرد موافق
للأصل، كما أن قول المشتري من جهة الأرش يكون موافقا للأصل.
ويترتب على ذلك أن يحلف كل منهما على بقاء العيب الذي يدعي بقاءه، فيحلف
المشتري على بقاء القديم ويحلف البائع على بقاء الجديد، ونتيجته ثبوت كلا العيبين،
ولا تعارض بين الأصلين بعد أن لم يكن العلم الاجمالي بزوال أحدهما مما يترتب
عليه حكم إلزامي.
وإذا ثبت كلا العيبين بمقتضى التحالف، سقط الرد، وبقي حق الأرش، لثبوته حتى
مع العلم ببقائهما.
وبهذا البيان توجه دعوى الشافعي، لا بما جاء في حاشية السيد
الطباطبائي (رحمه الله) (1) من: أن جريان أصالة بقاء القديم مقتض للأمرين - يعني الرد
والأرش - وجريان أصالة بقاء الجديد مقتض لعدم الرد، فينتفي الرد بسبب
المعارضة ويبقى الأرش لعدم المعارض للأصل الأول بالنسبة إليه.
ثم قال: " ومن ذلك يظهر أن الحق ما ذكره الشافعي من التحالف لأن كلا منهما
مدع لزوال أحدهما ومنكر بالنسبة إلى الآخر وإذا حلفا يسقط قول كل منهما في
تعيين الزائل ويبقى مقتضى الأرش بلا معارض لأن محصل الأمر حينئذ بقاء كل من

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 94، الطبعة الأولى.
159

العيبين ولازمه أخذ أرش العيب الأول وعدم الرد لوجود المانع وهو العيب الثاني "،
فإنه لا يخلو من ملاحظات:
أولا: ما يظهر منه ترتب الأرش باجراء الأصل بلا معارض، وهذا خلاف
البناء على أن القضاء إنما هو بالبينة أو اليمين لا بجريان الأصول بلا معارض.
وثانيا: إن اليمين إنما يكون على ما هو موافق للأصل فلا يكون على تعيين الزائل
بل على تعيين ما هو باق، فقوله " وإذا حلفا يسقط قول كل منهما في تعيين الزائل "
ليس كما ينبغي.
ثالثا: إنه لا يتساقط اليمينان، والقولان، بل يثبت كل منهما بواسطة اليمين كما
عرفت، فتدبر.
المسألة الثالثة: لو شوهد عيب في العين المشتراة غير العيب المتفق على وجوده
قبل العقد واختلفا في أنه هل حدث عند المشتري أو عند البائع، فادعى البائع
حدوثه عند المشتري وادعى المشتري حدوثه عند البائع.
حكى الشيخ (قدس سره) (1) عن الدروس (2) أنه كالعيب المنفرد فحكمه أن يحلف البائع
كما لو لم يكن سوى هذا العيب واختلفا في السبق والتأخر، وعلله الشيخ (قدس سره) بأصالة
عدم التقدم، لكن ناقشه بأن عدم التقدم هناك راجع إلى عدم سبب الخيار، أما هنا
فلا يرجع إلى ثبوت المسقط، إذ المسقط هو حدوث العيب عند المشتري وهو لا
يثبت بأصالة عدم التقدم، كما حقق في محله.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره). ولا يخفى عليك أن موضوع الكلام ما إذا كان العيب
المتفق عليه موجبا للخيار وإنما النزاع في سقوط الخيار بالعيب الجديد لحدوثه عند
المشتري وعدم سقوطه لحدوثه عند البائع.
وذلك لأن هذه المسائل هي مسائل الاختلاف في المسقط لا الموجب، كما أن

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 264، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 289، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
160

تعليل الشيخ (قدس سره) لعدم صحة التمسك بأصالة عدم التقدم ظاهر فيما ذكرناه.
وعليه، فلا مجال لتشقيق المسألة وبيان أن العيب المتفق عليه تارة يوجب الخيار
وأخرى لا يوجبه.
نعم هذا التشقيق إذا كان يذكر مستقلا بعنوان تحقيق أمر، فهو لا بأس به. والأمر
سهل.
وتحقيق الكلام في هذا الفرض الذي أشار إليه الشيخ (قدس سره) أن حدوث العيب عند
المشتري يترتب عليه سقوط حق الرد، كما أن حدوثه عند البائع يترتب عليه زيادة
الأرش أو خيار آخر، كما أشير إليه سابقا.
وعليه، فكل من البائع والمشتري مدع من جهة ومنكر من جهة أخرى، إذ
المشتري في دعواه حدوث العيب عند البائع مدع من جهة زيادة الأرش لأن
الأصل عدم حدوثه عند البائع ومنكر من جهة الرد، لأن الأصل بقاء حق الخيار
وعدم سقوطه. وعلى العكس منه يكون البائع في دعواه حدوث العيب عند
المشتري.
فيتحقق التداعي بينهما ويحلفان ومقتضى ذلك عدم ثبوت أرش زائد، وبقاء حق
الرد الثابت بالعيب المتفق عليه.
ومن هنا يظهر ما في كلام الشيخ (قدس سره) من ظهوره في حلف المشتري خاصة لأنه
منكر. كما يظهر ما في الدروس (1) من التزامه بكون القول قول البائع.
ومما حققناه في هذا الفرض يظهر حكم ما لو شوهدت زيادة في العيب المتفق
عليه واختلفا في تقدمها على القبض وتأخرها، فإن الكلام فيها هو الكلام في العيب
المستقل الآخر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر: " إنه لا بد من فرض المسألة في ما لو اختلفا في مقدار من
العيب موجود زائد على المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا، وأما إذا اختلفا في
أصل الزيادة فلا اشكال في تقديم قول المشتري ".

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 289، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
161

أقول: يمكن فرض النزاع في أصل الزيادة على نحوين..
الأول: أن يختلف في تحقيق أصل الزيادة لدى المشتري وعدمه، والمشتري في
هذا الفرض يكون منكرا لموافقة قوله للأصل.
الثاني: أن يختلف في تحقق أصل الزيادة لدى البائع وعدمه، والبائع يكون في
هذا الفرض هو المنكر لأن الأصل معه. فالنزاع في أصل الزيادة لا يكون المشتري
فيه منكرا دائما.
نعم، هو يختلف عن النزاع في تقدم وتأخر الزيادة، أنه في النزاع في التقدم
تتشكل دعويان في آن واحد في النزاع الواحد، ولذا كان المورد من موارد التداعي
كما عرفت.
أما النزاع في أصل الزيادة، فلا تتشكل دعويان في آن واحد، بل إما أن تتشكل
الدعوى بلحاظ سقوط الرد أو تتشكل الدعوى بلحاظ ثبوت زيادة الأرش، فلا
يكون المورد من موارد التداعي. فتدبر.
المسألة الرابعة: فيما لو اختلفا في البراءة من العيوب. وقد تعرض الشيخ (قدس سره) إلى
جهات أربع:
الجهة الأولى: في حكم المسألة وتعيين المنكر من المدعي، وقد بنى على أن القول
قول منكر البراءة لأصالة عدمها الحاكمة على أصالة لزوم العقد، فيثبت الخيار.
وتحقيق ذلك: أن سقوط الخيار بالبراءة من العيوب..
إما من باب رجوع البراءة إلى اشتراط عدم الخيار المشمول لعموم " المؤمنون
عند شروطهم ".
وإما من باب الدليل الخاص من النصوص.
وإما من باب أن خيار العيب لأجل شرط وصف الصحة ضمنا ارتكازا وهو
منتف مع البراءة.
وإما من باب أن موضوع خيار العيب الثابت بالنص هو ما لوحظ وصف الصحة
162

بنحو الداعي وذلك منتف في صورة التبري، كما قربناه.
فعلى الأول: يكون المرجع مع الشك أصالة عدم البراءة أو فقل عدم الشرط
وهي حاكمة على أصالة اللزوم.
وعلى الثاني: فأما أن يؤخذ عدم البراءة في الموضوع بنحو التركيب، فيكون
الموضوع للخيار هو العقد على المعيب مع عدم البراءة من العيب، فالمرجع هو أصالة
عدم التبري وبها يثبت أحد جزئي الموضوع فينضم إلى الجزء الآخر المحرز
بالوجدان ويترتب الخيار حينئذ.
وأما أن يؤخذ عدم البراءة بنحو التقييد وبمفاد ليس الناقصة.
ومن الواضح أن العقد لا حالة له سابقة، واستصحاب عدم التبري بمفاد ليس
التامة لا ينفع في اثبات التقيد.
وعليه، فيكون المرجع حينئذ هو الأصل الحكمي وهو استصحاب لزوم العقد،
فيكون القول قول مدعي البراءة.
وعلى الثالث: يكون مرجع الشك في تحقق البراءة إلى الشك في تحقق اشتراط
الوصف والأصل عدمه، وأصالة عدم البراءة لا أثر له شرعا، فيكون القول قول
مدعي البراءة أيضا.
وعلى الرابع: لا تنفع أصالة عدم التبري أيضا، لأنه ليس بذي أثر بعنوانه وإنما
الأثر لورود العقد على الموضوع الخاص لانصراف الدليل عن غير ذلك الموضوع،
فمع الشك يشك في ثبوت الخيار وعدمه، فالمرجع أصالة اللزوم.
والذي يتحصل: أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن القول قول منكر البراءة لأصالة
عدمها إنما يجدي على بعض الفروض المزبورة دون بعض.
وبما أن الذي اخترناه في مسقطية البراءة هو الوجه الأخير، كان المتعين الالتزام
بأن القول قول مدعي البراءة ومنكر الخيار.
الجهة الثانية: في مكاتبة جعفر بن عيسى المتقدمة، فإنها توهم أن القول قول
163

مدعي البراءة وهو خلاف ما التزم به الشيخ (قدس سره) من أن القول قول منكرها.
وقد حكي عن المحقق الأردبيلي (1): طرح الخبر لضعفه مع الكتابة ومخالفة
القاعدة.
وحكي عن الكفاية (2): إن الرواية مؤيدة لقاعدة البينة على المدعي واليمين على
المنكر.
وحكي عن الحدائق (3): إن المفهوم من مساق الخبر المذكور أن انكار المشتري
كان مدالسة لأجل زهده في المبيع، وإلا فهو عالم بالتبري. وعليه، فالإمام (عليه السلام) ألزمه
بالثمن من هذه الجهة.
ولكن الشيخ (قدس سره) ذهب إلى أن الرواية غير مخالفة لما بني عليه، لأجل أن في المقام
خصوصية توجب كون القول قول البائع دون المشتري، وهي مخالفة قول المشتري
للظاهر، وذلك لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه
يسمعه كل أحد ممن حضر للشراء، فدعوى المشتري عدم السماع مخالفة للظاهر.
أقول: عرفت على ما حققناه أن المنكر في مسألة التبري هو البائع دون
المشتري. وعليه، فلا تكون الرواية مخالفة للقاعدة بل هي على طبق القاعدة، كما
ذهب إليه في الكفاية.
نعم قوله (عليه السلام): " عليه الثمن " ظاهر في إلزامه بالثمن رأسا بلا تشكيل قواعد
الخصام، ولكنه ليس مرادا قطعا، بل المراد هو الإلزام على تقدير عدم قيام البينة له
وبيمين البائع، والتعبير بمثل ذلك في موارد الدعاوي متعارف. ويشار به إلى تعيين
المنكر من المدعي.
وأما توجيه صاحب الحدائق (رحمه الله)، ففيه ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن السؤال ليس عن
حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه وبين الله سبحانه، بل السؤال عن حكم

1 - الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة والبرهان، ج 8: ص 437.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 94، طبعة مؤسسة آل البيت (ع).
3 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 91، الطبعة الأولى.
164

الواقعة بحسب الموازين الشرعية الظاهرية وأنه أيهما يقدم قوله المشتري أو البائع.
إذ لا جهل بحكم العالم بالتبري المنكر له بحسب القواعد حتى يقع مورد السؤال.
وأما توجيه الشيخ (قدس سره) للرواية، فهو توجيه وجيه.
لكن يورد عليه بما أفيد من عدم ثبوت حجية مثل هذا الظاهر حتى عند العقلاء.
والظاهر الذي تكون موافقته موجبة لكون القائل منكرا هو الظاهر الحجة دون
مطلق الظاهر.
وأما ما ذهب إليه الأردبيلي (رحمه الله) من طرح الرواية..
فأما مخالفتها للقواعد. فيندفع: بأن القواعد ليست مما لا يقبل التخصيص.
وأما كونها مكاتبة. فليس بضائر.
وأما ضعف السند. فذلك يبتني على أن ضعف السند هل ينجبر بعمل المشهور أو
لا؟ لعمل المشهور بها في غير هذا المقام - كما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) - وكيف
كان فقد عرفت مطابقة الرواية للقاعدة.
الجهة الثالثة: إن التبري المسقط للخيار هو التبري في متن العقد دون التبري
السابق عليه، بل ذهب بعض إلى أن الشرط الابتدائي ليس شرطا حقيقة. وظاهر
الرواية كون تبري المنادي عند النداء، فهو سابق على العقد.
وقد تصدى الشيخ (قدس سره) إلى حل هذا الاشكال بوجهين:
أحدهما: انكار الكبرى بالالتزام بكفاية تقدم الشرط على العقد بعد وقوع العقد
مبنيا عليه.
والآخر: انكار الصغرى بالالتزام بأن نداء المنادي بمنزلة الايجاب فإنه يقول
" بعتك هذا بكذا على ما هو عليه " ثم يكرر ذلك حتى ييأس ممن يزيد في الثمن.
أقول: أما انكار الكبرى، فله حديث في باب الشروط وليس محله ههنا.
فيتعين الحل بإنكار الصغرى، ويكفي في صحة البناء على الرواية واندفاع
الاشكال مجرد احتمال كون نداء الدلال بمنزلة الايجاب في زمان صدور الرواية، ولو
لم يكن كذلك في زماننا.
165

الجهة الرابعة: في أنه هل يحلف على نفي العلم بالبراءة أو على نفي البراءة بنحو
البت؟
ذهب الشيخ (قدس سره) إلى الأول، وعلله بأن عدم العلم هو الموجب لسقوط الخيار لا
انتفاء البراءة واقعا.
المسألة الخامسة: لو اختلفا في تحقق الرضا من المشتري بعد علمه بالعيب أو
اسقاطه الخيار أو تصرفه فيه، فادعى البائع تحقق أحد هذه الأمور المسقطة للخيار
وأنكر المشتري، كان القول قول المشتري لموافقته للأصل، كما لا يخفى.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر فرعا آخر وهو ما لو وجدا في المعيب عيبا اختلفا في حدوثه
وتقدمه وهذا هو ما تقدم في المسألة الثالثة.
وعلى كل، فقد تمسك الشيخ (قدس سره) في وجه تقديم مدعي عدم الحدوث وأنه متقدم
بأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب والشك في سقوطه بحدوث العيب
الآخر في ضمان المشتري، فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتى
يضمنه المشتري.
أقول: التمسك بأصالة عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب فيه بحثان:
الأول: في صحته وفساده، والمتجه هو الثاني. لأن مورد الأثر تشخيص ما وقع
عليه هذا العقد وأنه المعيب بالعيب الآخر أو لا، ومجرد اثبات عدم وقوع العقد على
السليم منه لا يقتضي وقوعه على المعيب به إلا على الأصل المثبت.
والآخر: في تفريع أصالة بقاء الخيار عليه كما هو ظاهر الشيخ (قدس سره)، فإنه غير
وجيه. فإن أصالة بقاء الخيار أصل برأسه، لا معنى لأن يتفرع على هذا الأصل. بل
تفرع أصل على أصل لا معنى له كلية.
ولعل مراده (قدس سره) من أصالة بقاء الخيار هو نفس أصالة عدم وقوع العقد على
السليم، فلا اشكال. وليس مراده كون مجرى الأصل بقاء الخيار رأسا. فتدبر والأمر
هين.
166

ثم إنه قد يتمسك في اثبات الخيار للمشتري بأصل موضوعي وهو أصالة عدم
حدوث عيب عند المشتري (1). فإن حدوث عيب عند المشتري مشكوك، فالأصل
عدمه ويترتب عليه بقاء الخيار.
وفيه: إن موضوع سقوط الخيار ليس هو حدوث عيب عند المشتري - بهذا
العنوان - بل هو العيب الحادث لدى المشتري بمفاد كان الناقصة.
ومن الواضح أن أصالة عدم حدوث عيب عند المشتري لا تعين حال العيب
المتنازع فيه وأنه هل حدث عند المشتري أو حدث عند البائع؟ إلا بالملازمة
العقلية. إذن فالمرجع هو الأصل الحكمي وهو أصالة بقاء الخيار للشك في سقوطه
بعد حدوثه.
وقد تقدم في المسألة الثالثة أن المورد من موارد التداعي، فراجع.
هذا تمام الكلام في الاختلاف في المسقط.
وأما الاختلاف في الفسخ، فيقع الكلام فيه في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: فيما لو اختلفا في الفسخ، فتارة يكون قبل انقضاء زمان الخيار.
وأخرى يكون بعد زمان الخيار.
فإذا كان قبل انقضاء زمان الخيار، فله انشاؤه فعلا فيعلم بتحقق الفسخ إما فعلا
أو من السابق. وقد وقع الكلام في أن دعواه الفسخ واقراره به هل يمكن أن يجعل
انشاء للفسخ بحيث تترتب عليه آثار الفسخ أو لا؟ نسب الأول إلى الدروس (2).
ويمكن تعليله بوجهين:
أحدهما: ما أشار إليه الشيخ (قدس سره) من أن قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به
تقتضي ذلك، لأن المشتري مالك للفسخ وله الولاية عليه فهو مالك لحق الاقرار به
فإذا أقر به ثبت وترتبت عليه آثاره.

1 - هذه الجهة تحتاج إلى تأمل أكثر من ذلك، كما أفاده السيد الأستاذ دام ظله.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 286، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
167

الثاني: أن يلتزم بأن الفسخ لا يتوقف على الانشاء، بل مجرد عدم الرضا القلبي
مع تحقق الكاشف عنه كاف في تحقق الانفساخ، كما قد يلتزم في إجازة البيع بكفاية
الرضا مع ما يبرز ولو لم يتحقق الانشاء. فإن دعوى الفسخ كاشفة عن عدم الرضا
ببقاء العقد فيثبت بها الفسخ.
وبدون هذين الوجهين لا يثبت الفسخ بجزء الدعوى بل يحتاج إلى انشاء.
وأما توجيه تحقق الفسخ باقراره بأنه من باب أن اقرار العقلاء جائز، لأنه يرجع
إلى اقراره بعدم حق الخيار له لسقوطه بالفسخ وإن ترتب عليه استحقاق استرداد
الثمن نظير الاقرار بالطلاق الذي يترتب عليه عدم استحقاق الزوجة النفقة.
فيمكن المناقشة فيه: بأن اقراره بالفسخ بملاحظة ترتب استرداد الثمن لا يكون
من الاقرار على النفس بل للنفس على الغير.
وليس ترتب استرداد الثمن على الفسخ من باب ترتب الأثر على موضوعه كي
يثبت بثبوت موضوعه بالاقرار، بل هما متلازمان، فلا يثبت أحدهما بالاقرار
بالآخر.
وعليه، فلا يقاس بصورة الاقرار بالطلاق، لأن عدم استحقاق النفقة مترتب
على الطلاق وعدم الزوجية ترتب الأثر على موضوعه.
فالعمدة هو الوجهان الأولان.
وقد تمسك الشيخ (قدس سره) في تأييد قاعدة من ملك بما جاء من الأخبار فيمن أخبر
بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي أنه رق لورثته ويطالب بالنفقة.
وقد قيل إنه ليس هناك نص وارد في الاقرار بالعتق بل هو وارد في الاقرار
بالبيع. والأمر سهل.
وإن كان بعد انقضاء زمان الخيار، كما لو تلفت العين. فالظاهر أن مدعي الفسخ
يحتاج إلى بينة لمخالفة قوله الأصل وموافقته لمنكره.
وهذا غير مهم. إنما المهم في أنه إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت لمدعيه حق الأخذ
168

بالأرش أو لا؟ ووجه العدم هو ما قيل من أنه باقراره بالفسخ يقر بعدم الحق في
الأخذ بالأرش فيلزم به.
وقد ذكر في الدروس (1) أنه إذا طالب بالأرش يستحق أقل الأمرين من الأرش
وما زاد على القيمة من الثمن أن اتفق. لأنه بدعواه الفسخ يدعي أن العين التالفة
مضمونة عليه للبائع فيستحق البائع عليه قيمتها ويستحق هو رد الثمن، فيقع
التقاص بين قيمة العين والثمن، ويبقى مقدار الأرش مستحقا على كلا التقديرين،
لأنه إن كان فسخ حقيقة واقعا استحق الزائد على قيمة العين من الثمن، وإن لم يكن
قد فسخ واقعا استحق الأرش بمطالبته فعلا، فيعلم بأنه يستحق فعلا أقل الأمرين
من الزائد على القيمة والأرش.
وقد أورد عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2): بأن هذا الكلام تام لو كان الأرش ثابتا
في الذمة.
وأما لو كان غرامة شرعية، فمرجعها إلى استحقاق المشتري لتغريم البائع، فلا
علم بثبوت شئ في ذمة البائع بل هنا مجرد الاحتمال بالنسبة إلى زيادة الثمن على
تقدير التقاص المزبور. وليس له مطالبة الغرامة لإقراره بعدم استحقاق التغريم.
وفيه: إن الاقرار لا يوجب سقوط الحق واقعا، كالبراءة من العيوب المسقط لحق
الأرش، بل هو مسقط له بحسب الظاهر إلزاما بالاقرار.
وعليه، نقول: إذا طالب بالأرش - ولو مع اعترافه بعدم استحقاقه - علم البائع
بثبوت أقل الأمرين من زيادة الثمن والأرش في ذمته للمشتري، إما لتحقق الفسخ
واقعا منه وإما لأخذه بالأرش، فتثبت الغرامة عليه. فتدبر.
المسألة الثانية: فيما لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت بناء على فورية
الخيار.

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 287، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 122، الطبعة الأولى.
169

ذكر الشيخ (قدس سره) (1) إن فيه وجهين من أصالة بقاء العقد وعدم حدوث الفسخ في
أول الزمان ومن أصالة صحة الفسخ، ولم يرجح أحدهما على الآخر.
وتحقيق ذلك: إن نفوذ الفسخ وانحلال العقد يترتب على تحقق الفسخ في زمان
الخيار ومع بقاء حق الخيار، وهذا النفوذ وانحلال العقد وإن كان حكما شرعيا إلا أن
ترتبه على الفسخ ليس شرعيا بل عقليا، نظير ترتب الحكم الشرعي على وجود
مصلحته وترتب فعلية الحكم على الانشاء. وذلك لأنه بعد جعل حق الخيار وحق
فسخ العقد يترتب الفسخ على تحقق الفسخ الانشائي عقلا.
وعليه، نقول: مع استصحاب بقاء حق الخيار إلى حين الفسخ يترتب عليه نفوذ
الفسخ، إذ عرفت أنه يترتب على الفسخ مع ثبوت حق الخيار - نظير استصحاب
الخيار عند الشك في ارتفاعه ثم الفسخ بعد استصحابه -. وهذا الأصل لا يعارض
باستصحاب عدم الفسخ في أول زمان العقد، كما أشار إليه الشيخ (قدس سره)، إذ الفسخ في
الزمان الخاص ليس موضوعا شرعيا للحكم بالنفوذ كي يكون نفيه نفيا للموضوع.
لما عرفت من أن ترتب الحكم الشرعي عليه ليس ترتبا شرعيا، إذ حق الخيار
هو نفسه حكم شرعي ولا معنى لأن يترتب الحكم الشرعي بالنفوذ عليه، بل
الترتب عليه عقلي كترتب الحكم الفعلي على الحكم الانشائي.
وبذلك يتضح لك: إن الأصل الجاري فيما نحن فيه ما يوافق قول مدعي تقدم
الفسخ لا تأخره. فيكون القول قوله.
وجملة القول: إن المورد من موارد الحادثين المجهولي التاريخ.
إلا أنه لا يتحقق التعارض بين الأصلين الجاريين في الطرفين، لعدم جريان
الأصل في أحد الطرفين، لعدم ترتب أثر عليه، فيبقى الأصل الآخر بلا معارض.
وما ذكرناه هو تلخيص بتوضيح لما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) بنحو مفصل

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 265، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 95، الطبعة الأولى.
170

وأشار إليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلا أن ما ذكراه لا يخلو عن اجمال وعدم
وضوح النكتة فيه، فتدبر.
وأما أصالة بقاء العقد، فلا مجال لها بعد وجود الأصل الموضوعي الحاكم.
وأما أصالة الصحة في الفسخ، فقد نوقشت:
أولا: بعدم تأتيها في باب المنازعات.
وثانيا: بعدم جريانها مع الشك في قابلية المحل، كما عليه الشيخ (قدس سره).
وتحقيق ذلك موكول إلى محله. والأمر سهل بعد وجود الأصل الموافق لها في
النتيجة.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض بعد ذلك إلى صورة العلم بتاريخ الفسخ والجهل بتاريخ
حدوث العقد.
فذكر (قدس سره) أن في الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجها يضعف بأن أصالة تأخر
العقد الراجعة حقيقة إلى أصالة عدم تقدمه على الزمان المشكوك وقوعه فيه لا
يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان.
أقول: بناء على ما عرفت من اجراء الأصل المستلزم لصحة الفسخ في مجهولي
التاريخ يتضح الحكم ههنا، ولا نحتاج إلى أصالة تأخر العقد كي يقال بأنها أصل
مثبت، بل الأصل الجاري هو أصالة بقاء الخيار إلى حين الفسخ فيترتب عليه الأثر.
فلاحظ.
وقد قال الشيخ (قدس سره) بعد ذلك: " وهذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في
عدة المطلقة وادعت هي تأخره عنها ".
ويمكن أن يكون نظره جريان كلتا الصورتين المذكورتين في فسخ العقد في مسألة
الطلاق.
ولم ينبه العلمان المزبوران على شئ في المقام.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 122، الطبعة الأولى.
171

ولكن الذي يبدو أن مسألة الرجوع في العدة تختلف عن مسألة الفسخ في زمان
الخيار.
فإنك عرفت أن الأثر في باب الخيار يترتب على الفسخ مع ثبوت حق الخيار،
وليس زمان الخيار كأول العقد مأخوذا في موضوع الحكم شرعا بعنوانه، بل هو
ملحوظ باعتبار أنه زمان حق الخيار لا أكثر.
وعليه، فيجري استصحاب بقاء الخيار إلى حين الفسخ، ولا يجري استصحاب
عدم الفسخ في الزمان الخاص لأنه ليس موضوع الأثر.
وأما في مسألة الطلاق والرجوع، فإن موضوع الأثر هو الرجوع في الزمان
الخاص وهو زمان العدة. فمع الشك في التقدم والتأخر، كما يجري استصحاب بقاء
حق الرجوع إلى حين الرجوع، كذلك يجري استصحاب عدم تحقق الرجوع في
العدة. فيتحقق التعارض. فلا تقاس بما نحن فيه، فتدبر ولا تغفل.
المسألة الثالثة: ما لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو الفورية بناء على فوريته
كان القول قوله لأصالة عدم العلم.
وقد احتمل الشيخ (قدس سره) التفصيل بين دعوى الجهل بالخيار، فلا يقبل قوله لأنه من
الأحكام المعروفة، فدعوى الجهل خلاف الظاهر إلا أن ينشأ في بلد لا يعرفون
الأحكام. وبين دعوى الجهل بالفورية، فيقبل قوله لأنه مما يخفى على العامة.
أقول: مجرد مخالفة الظاهر لا تستلزم كونه مدعيا ما لم يكن الظاهر حجة كي
يتقدم على الأصل العملي. وإلا كان الأصل هو المعتبر.
هذا مع أن في تعبيره " ببلد لا يعرفون الأحكام " مؤاخذة لفظية، إذ لا يلزم ذلك
بل مجرد عدم نشوئه في بلد يعرفون الأحكام يكفي لعدم ثبوت الظاهر المزاحم
للأصل، ولا حاجة إلى اثبات كون الظاهر هو الجهل كما تقتضيه العبارة.
والمراد واضح، وإنما المناقشة لفظية. والله سبحانه العاصم العالم وهو الموفق لكل
خير وهو حسبنا ونعم الوكيل.
172

الكلام في ماهية العيب
ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن حكم الرد والأرش معلق في الروايات على مفهوم العيب
والعوار. أما العوار فهو العيب كما في الصحاح (2).
وأما العيب، فالظاهر - لغة وعرفا - أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه
وبين الكمال، فالصحة هو ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشئ لو خلي
وطبعه، والعيب هو النقص عن مقتضى أصل الماهية. والكمال هو المزية على مقتضى
أصل الماهية.
وذلك تارة يعرف من الخارج كمقتضى الخلقة في الحيوان الأناسي وغيره، فإنه
يعرف أن العمى نقص عن مقتضى الخلقة ومعرفة الكتابة في العبد كمال فيه. وقد
يعرف بملاحظة أغلب الأفراد، فتكشف الغلبة عن كون الصفة الغالبة هي مقتضى
الماهية المشتركة بين أفراد، وكون التخلف نادرا لعارض.
ثم إنه لو تعارض ما هو مقتضى الحقيقة الأصلية وحال أغلب الأفراد كان
الترجيح للثاني وحكم بثبوت حقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة والعيب والكمال
بالنسبة إليها، كثبوت الخراج على الأرض فإنه خلاف مقتضى حقيقة الأرض، لكنه
ليس عيبا لعروضه لأغلب الأفراد. نعم زيادة الخراج عما عليه الأغلب يكون عيبا.
ثم احتمل (قدس سره) أن يكون الاعتبار بمقتضى الحقيقة الأصلية وكون النقص عنها عيبا

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 265، الطبعة الأولى.
2 - الصحاح: 2: 761 - مادة عور.
173

ولو كان على طبق الأغلب لكنه - أي النقص الغالبي - لا يثبت له حكم العيب مع
اطلاق العقد، لأن ثبوته بلحاظ تنزيل اطلاق العقد على وقوعه على السليم، وهذا
لا يثبت مع كون الغالب هو المعيب لعدم اقتضاء الاطلاق السلامة بل يقتضي عكسه
وهو البراءة من العيب. ثم ذكر ثمرة ذلك.
وعلى كل، فالذي يبدو من كلامه دوران العيب مدار الخلقة الأصلية أو مدار
أغلب الأفراد.
والتحقيق: أن شيئا منهما لا يمكن المساعدة عليه..
أما كون الاعتبار بالخلقة الأصلية، فهو مما لا محصل له في غير المخلوقات،
كالفراش.
مع أن الزيادة الجزئية والنقص الجزئي غير المخل باتساق التركيب الظاهري لا
يعد عيبا قطعا، كما لو فرض أن مقتضى الخلقة كون طول العبد أو الأمة كذا مقدار،
فزاد أو نقص سنتمترين.
وأما كون الاعتبار بأغلب الأفراد، فيدفعه أنه لو فرض أن غالب أفراد الانسان
في وقت معين طويل أو قصير كان متصفا بالعور أو العمى، فهل يتصف الأعمى أو
الأعور بوصف الصحة؟ وهكذا لو كان الغالب في بعض المأكولات في السنين
الأخيرة هو المرض، فهل يقال أنها صحيحة.
وبالجملة، يقطع باتصاف الشئ بالعيب مع كون النقص غالبيا. نعم مع الغلبة لا
تؤخذ الصحة في المبيع، لا أنه لا عيب.
فالصحيح أن يقال: إن المراد من العيب هو خلاف الصحة. ويراد بالصحة هو
تمامية الشئ بلحاظ الآثار العقلائية المترقبة منه والملحوظة فيه في مقام المعاملة سواء
في ذلك الآثار الراجعة إلى أصل الانتفاع بالشئ أو التجمل به أو غير ذلك.
فكلما تخلف بعض تلك الآثار بحيث لم يكن تاما من جهته كان الشئ معيبا.
سواء كان نقصا نادرا أم غالبيا، وسواء كان على خلاف مقتضى الخلقة وعدمه.
174

ومن هنا يظهر ملازمة العيب للنقص من حيث المالية وأن ما لا يوجب فوته
النقص المالي لا يعد عيبا، إذ مالية الشئ عرفا يتبع ما يترتب عليه من الآثار
المترقبة منه الملحوظة فيه، فإذا لم يكن فوات شئ موجبا للنقص المالي كشف ذلك
عن عدم كون ذلك الفائت مما له دخل في ترتب الآثار المترقبة من الشئ، فلا
يكون فواته موجبا لعدم التمامية.
وما ذكرناه هو المتجه في معنى العيب والصحة وإليه يرجع ما حكاه الشيخ (قدس سره) في
أواخر كلماته عن العلامة (رحمه الله) من أنه نقص في العين أو زيادة فيها تقتضي النقيصة
المالية في عادات التجار.
وقد يتخيل منافاة ما اخترناه في تعريف العيب لما ورد في رواية السياري (1)
الحاكية لقصة ابن أبي ليلى حيث قدم إليه رجل خصما له فقال له أن هذا باعني هذه
الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها شعرا وزعمت أنه لم يكن لها قط فقال ابن
أبي ليلى: إن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتى يذهبوه فما الذي كرهت فقال له أيها
القاضي إن كان عيبا فاقضي لي به قال فاصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في
بطني، ثم دخل بيته وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال أي شئ
تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون على ركبها شعرا يكون هذا عيبا؟ فقال له
محمد بن مسلم أما هذا نصا فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب فقال له ابن أبي
ليلى: حسبك هذا فرجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب ".
وجهة التنافي أمران: أحدهما: ما ورد في تحديد العيب من الكبرى الكلية
وإناطته بالزيادة والنقص بلحاظ أصل الخلقة، فلا ربط له بالتمامية من حيث الآثار
المرغوبة.
والآخر: تطبيق الكبرى على مورد النزاع، مع أن زوال الشعر مما يزيد في رغبة

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 1: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
175

العقلاء ولذا قال له ابن أبي ليلى أن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتى يذهبوه.
ولكن كلا الوجهين مندفعان - مع غض النظر عن ضعف سند الرواية -..
أما الأول: فلأنه من المعلوم جزما بأنه ليس في مقام بيان حقيقة شرعية لمفهوم
العيب، وإنما هو لبيان تحديد العيب عرفا. ومن المعلوم أنه ليس العيب عرفا بهذا
المفهوم على سعته، إذ حلق شعر الرأس لا يعد عيبا جزما مع أنه نقص عن الخلقة
الأصلية. فلا بد أن تقيد الكبرى الكلية بقيد ونقول إنه مقيد بما إذا كانت الزيادة أو
النقيصة مستلزمتين لاختلال الآثار المترقبة عرفا.
هذا، مع امكان دعوى أن هذه الكلية إنما هي بلحاظ الغالب من استلزام النقص
والزيادة للنقص من حيث الآثار المرغوبة، فلا دلالة لها على العموم.
وأما الثاني: فبما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن ما يرغب فيه العقلاء هو زوال الشعر، لا
عدم نباته أصلا، لأن الثاني قد يكشف - ولو تخيلا - عن مرض في العضو أو المزاج
العام يؤدي إلى ذلك، كالقرع في الرأس، وهذا مما يوجب التنفر عرفا. فتدبر.
ثم إنه لا يخفى عليك أن فوات بعض المنافع لا يعد عيبا إذا ترتبت على الشئ
منافع أخرى بدل الفائتة، فإن الشئ الواحد قد تكون له منافع متضادة لا يمكن
ترتبها جميعا، فقد يكون فوات بعضها مستلزما لترتب الأخرى مما قد يوجب
زيادة ماليته، ففي ذلك لا يكون فوات المنفعة عيبا لثبوت الانتفاع البديل له.
ومن ذلك يظهر أن الخصاء في العبيد لا يعد عيبا، لأنه وإن فاتت به بعض المنافع
المترتبة على كمال الرجولية ولو كانت منافع اعتبارية، إلا أنه تترتب على الخصاء
منافع عقلائية ملحوظة لدى العقلاء غير مترتبة على غير الخصي، كزيادة قوته
والأمان منه في مراودة النساء وهي منفعة مهمة يهتم بها العقلاء.
ودعوى: إن هذه المنفعة ليست غالبية، بل هي يلحظها بعض الأشخاص ممن
يعتاد عبيدهم الدخول على نسائهم كالأمراء. مع أن هذه المنفعة فاسدة لأنها محرمة
فلا تصحح المالية شرعا.
176

مندفعة: بأنه لا يعتبر في مالية الشئ رغبة الكل والعموم فيه وبذل الثمن في
مقابله، بل يكفي أن يرغب فيه البعض، نظير الأحجار الكريمة الثمينة، فرغبة البعض
قد تكون منشأ لزيادة قيمة الشئ بنظر العقلاء.
وليست هذه المنفعة محرمة، كما ادعي، إذ لم يلحظ نفس دخول العبد على النساء
كي يقال إنه محرم، بل الملحوظ هو أمان الخاطر من قبل العبد بحيث يطمئن المولى
عدم وقوع العبد في الزنا ونحوه مع نسائه، وهذه منفعة محللة مقصودة.
وجملة القول: إذا فرض أن الخصاء في العبيد لا يوجب نقصا في ماليته لم يكن
عيبا ولو كان نقصا عن مقتضى الخلقة الأصلية، إذ المدار في العيب على التمامية
بلحاظ الآثار المرغوبة لدى العقلاء.
ويقع الكلام بعد ذلك في صغريات العيب ومصاديقه والكلام في ذلك يكون في
ضمن مسائل ونتكلم فيها بنحو الاختصار...
المسألة الأولى: في المرض. ولا شبهة في كونه ببعض أفراده عيبا - بنظر العقلاء
-، كالجذام والبرص والعمش والعمى وغيرها. إنما الاشكال في كون حمى يوم واحد
مع العلم بزوالها هل تكون عيبا أو لا؟
ظاهر بعض الكلمات ذلك، لكن الحق عدم كونها عيبا، فإنها لا يتفاوت
بواسطتها ترتب الأثر المرغوب على العبد ولا تستلزم قلة الرغبة فيه عادة.
نعم لو كانت بنحو يؤثر في تغير المزاج بما يوجب اختلال بعض الآثار وقصور
العبد عن القيام بما يترقب منه، كانت عيبا بهذه الملاحظة. إلا أن الغالب في حمى
اليوم ليست كذلك.
المسألة الثانية: في الحبل. والكلام تارة في الحبل في الإماء، وأخرى في الحبل في
سائر الحيوانات.
أما الحبل في الإماء، فلا اشكال في كونه عيبا بنظر العرف والعقلاء بحيث يوجب
نقص القيمة وذلك لمعرضية الأمة بواسطته للخطر بوضع الحمل، وهو مما يوجب
زهادة العقلاء في العين.
177

هذا مضافا إلى النصوص الكثيرة المتضمنة لثبوت الرد بالحمل الظاهر في كونه
عيبا.
ولا وجه لما أفيد من: أن العيب ليس مجرد ما يستلزم نقص القيمة بل هو النقص
في العين المستلزم لذلك، وليس الحبل نقصا في العين.
وذلك، لأنه لم يثبت تقيد العيب بأنه النقص الخاص بل كل ما يستلزم نقص
المالية لأجل عدم ترتيب تمام الآثار الملحوظة والمترقبة من الشئ يعد عيبا، كما
تقدم.
وأما في غير الأمة من سائر الحيوانات، فهو ليس بعيب، لعدم الخطر عادة فلا
يكون الحيوان معرضا للتلف. ولم يرد نص بالخصوص يدل على كونه عيبا.
المسألة الثالثة: في الثيبوبة في الإماء. وقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى كونها عيبا لكونه
نقصا في الخلقة الأصلية جزما. وليس هناك ما يقتضي كونها ليست بعيب سوى
وجهين.
أحدهما: إن الغالب في أفراد الإماء هو الثيبوبة، فتكون بمنزلة الخلقة الأصلية.
والآخر: رواية سماعة (1) في رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك قال
لا ترد عليه ولا يجب عليه شئ لأنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها.
وكلاهما غير صالح لذلك: أما رواية سماعة، فلا دلالة لها على المقصود لكون
المورد مورد الشرط وهو مما يثبت الرد مع التخلف سواء كان عيبا أو لم يكن، مع أنه
قد نفى الرد هاهنا وعلل باحتمال ذهاب البكارة بعارض.
ولعل الملحوظ فيه أن اشتراط البكارة إنما هو كناية عن اشتراط عدم تصرف
الغير بها بالوطء، وإلا فلا أهمية لنفس البكارة بما هي، وهذا لم يثبت تخلفه بمجرد
زوال البكارة إذ لعل زوال البكارة كان لمرض أصابها لا لوطء الغير لها.
وعلى كل، فهي أجنبية عن المقصود.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
178

وأما دعوى الغلبة، فهي إنما تنفع مع عدم العلم بما هو مقتضى الخلقة الأصلية،
فتكون الغلبة طريقا للتشخيص، وما نحن فيه ليس كذلك للعلم بما هو مقتضى الخلقة
الأصلية وهي البكارة.
نعم، الغلبة تفيد في عدم ترتب آثار العيب على الثيبوبة، إذ لا ينزل العقد باطلاقه
على البكارة إذا كان الغالب هو الثيبوبة بل ينزل على ما هو الغالب - كما أشرنا إليه -،
فتكون الغلبة بمنزلة التبري من العيوب. فتدبر.
ثم إنه (قدس سره) أشار إلى ثمرة كون الثيبوبة عيبا في موردين:
أحدهما: مورد اشتراط البكارة، فيترتب على عدم البكارة آثار خيار العيب لا
آثار خيار الشرط.
والآخر: ثبوت الخيار بلا اشتراط في مورد لا يكون الغالب فيه الثيبوبة كالإماء
الصغيرة. هذا ملخص ما أفاده (قدس سره).
ولكن للنظر فيما أفاده مجال، فإن العيب كما عرفت ليس مجرد النقص عن مقتضى
الخلقة بل هو ما استلزم اختلال الآثار المرغوبة - والملحوظة - عند العقلاء دون
مجرد النقص.
ومن الواضح أن هذه الجهة لو تمت فهي اعتبارية محضة، وهي غير ملحوظة في
باب الإماء.
نعم، في باب الزوجية هذا المعنى ثابت جزما، فإن للبكر خصوصية غير ما
للثيب.
وأما في باب الإماء فليس الأمر كذلك.
وعليه، فلا توجب الثيبوبة تنفرا في الأمة تقل قيمتها بلحاظه.
نعم، قد تزاد قيمة البكر لكن من باب أنها صفة كمال، كالكتابة في العبد، لا أن
عدمها نقص.
نعم، يمكن الالتزام بترتب الأرش على تخلف البكارة مع اشتراطها للنص
179

الخاص الوارد في المقام خاصة، وهو رواية يونس (1) في رجل اشترى جارية
على أنها عذراء فلم يجدها عذراء؟ قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق.
وما ذكرناه نبه عليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) في تعليقته (2).
المسألة الرابعة: في عدم الختان في العبد الكبير. وملخص الكلام فيه: إنه إذا كان
عدم الختان مستلزما لكونه في معرض التلف، كان ذلك موجبا لنقص المالية وقلة
الرغبة فيه عند العقلاء، فيكون عيبا. وإذا لم يكن كذلك، فلا وجه لكونه عيبا.
المسألة الخامسة: في عدم الحيض ممن شأنها الحيض بحسب السن. ولا اشكال
في كونه عيبا - سواء تم ما قيل من أنه مستلزم لبعض العوارض والأمراض الموجبة
لقلة الرغبة في الأمة أو لم يتم، فإن ذلك يتوقف على ملاحظة ما هو المعتاد، أو
ملاحظة ما هو الميزان الطبي لذلك - لأجل وجود النص الخاص فهو الدليل، وهو ما
روي عن الصادق (عليه السلام) (3) " عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى
مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل قال: إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر
فهذا عيب ترد منه ".
إلا أن في هذه الرواية بحثا وهو أن بقاء الأمة لدى المشتري ستة أشهر ملازم
عادة للتصرف فيها ولو بمثل اسقيني الماء وأغلقي الباب، والمفروض أن مثل ذلك
مسقط للخيار فكيف حكم فيها بالرد؟
والجواب عنه ما تقدم: من عدم ثبوت السقوط بمطلق التصرف حتى بمثل الأمر
بغلق الباب، بل الثابت هو السقوط بالتصرف المغير، كما تقدم فراجع، ومثله لا
يعتاد تحققه في مدة ستة أشهر.
المسألة السادسة: في الإباق. وهو عيب في العبد لاستلزامه قلة الرغبة فيه

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 98، الطبعة الأولى.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 3: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
180

عقلائيا بملاحظة معرضيته لسقوط المنفعة منه، فلا يكون تاما من حيث الأثر
المرغوب.
لكن الكلام في جهتين:
الأولى: ما ورد (1) من أنه ليس في الإباق عهدة، فإنه ظاهر في نفي كونه عيبا.
وفيه: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن المراد به الإباق الحاصل عند المشتري في قبال
بعض العوارض الموجبة للخيار إذا حصلت عنده لمدة سنة، كما سيأتي.
الثانية: إن الإباق هل يحصل بالمرة الواحدة أو لا بد من التكرر؟ قد يلتزم بالثاني
لأجل الشك في صدق الإباق.
وفيه: إن المأخوذ في الموضوع ليس عنوان " الآبق " حتى لا يصدق إلا بالتكرر،
بحيث تكون صفة الإباق من الصفات الثابتة له كالملكة، بل الملحوظ هو حدوث
النقص بالإباق وهو يحصل بالمرة الواحدة، إذ يكون معرضا للفرار بنظر العقلاء
وهذا مما يزهد في العبد.
فالصحيح تحقق النقص بالإباق مرة واحدة، فيكون موجبا للخيار.
المسألة السابعة: في الثقل الخارج عن العادة في الزيت والبذر ونحوهما. ولا
اشكال في كونه عيبا لأنه على خلاف ما هو الملحوظ بنظر العقلاء، وموجب
للتفاوت في المالية.
وقد ورد النص بثبوت الرد به، ك‍:
رواية ميسر بن عبد العزيز (2) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري زق
زيت يجد فيه درديا، قال " إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن
يرده وإن لم يكن يعلم فله أن يرده ".
ورواية السكوني (3) عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): " إن عليا قضى في رجل اشترى

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 10: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 7: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 7: من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
181

من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي (عليه السلام)
فقال له (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل إنما بعته منه حكرة. فقال له
علي (عليه السلام) إنما اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا ".
إلا أن في هذه الرواية بالخصوص بحثا وهو أنها تضمنت الحكم بلزوم دفع البائع
للمشتري بمقدار الرب سمنا، وهذا لا يرتبط بالأرش الراجع إلى أخذ مقدار تفاوت
الصحيح عن المعيب، وقد قال الشيخ (قدس سره) " وتوجيههما بما يطابق القواعد مشكل ".
وقد حملت الرواية على إرادة قيمة السمن لا نفس السمن، فيرجع إلى حكم
تبعض الصفقة.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) إلى بيان صور بيع الخليط بالدردي، وحكم كل صورة،
وهو بحث أجنبي عما نحن فيه، بل المرتبط بما نحن فيه هو الصورة الأولى خاصة وهي
ما كان خلط الدردي موجبا لنقص الوصف في السمن بحيث يعد معيبا، كشوب اللبن
بالماء مع عدم استهلاكه وصدق اللبن على المجموع.
وحكمه - كما عرفت - هو الرد أو الأرش. فتدبر. ولا يهمنا نقل كلامه في سائر
الصور.
المسألة الثامنة: في أحداث السنة. قد تقدم في المسألة الأولى كون المرض عيبا
على اطلاقه مع اشكال في حمى اليوم الواحد.
ويقع الكلام في هذه المسألة في أنواع أربعة من المرض وهو: الجنون والبرص
والجذام والقرن. فقد دلت النصوص المتعددة على ثبوت الرد فيها لو حدثت إلى سنة
من يوم العقد والتزم المشهور بذلك. والحكم في الجملة لا إشكال فيه.
وإنما يقع الاشكال في جهات:
الجهة الأولى: إنه قد ورد في رواية محمد بن علي (1) - الذي احتمل أن يكون
الحلبي - عنه (عليه السلام) " قال يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والبرص والقرن

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 2: من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
182

قال... " ولم يذكر فيها الجذام، فيدل على نفي ترتب الحكم المزبور عليه لأن
الرواية واردة في مقام التحديد، فتتحقق المعارضة بينها وبين سائر النصوص التي
ذكر فيها الجذام.
وقد ذهب في الحدائق (1) - ردا على المحقق الأردبيلي (رحمه الله) الذي استشكل في الجذام
- إلى أن التعارض من باب المطلق والمقيد، وأنكره الشيخ (قدس سره). ولعله لصراحة النص
في نفي الجذام بعد وروده مورد التحديد.
ولكن ذهب الشيخ (قدس سره) إلى أن الأمر يدور بين الزيادة والنقصان لاحتمال سهو
الراوي في ترك ذكر الجذام، وأصالة عدم الزيادة هو المعول به في مثل ذلك، فيبنى
على النقصان، خصوصا بملاحظة تكرر ذكر الجذام في النصوص المتكثرة.
وعلى ذلك احتمل حمل كلام صاحب الحدائق (رحمه الله).
الجهة الثانية: إن الثابت في الفقه أن العبد ينعتق بمجرد الجذام.
وعليه، فيشكل ثبوت الرد، لخروجه عن الملكية بالمرة.
وقد وجه صاحب المسالك (رحمه الله) (2) الحكم بالرد في الأخبار بأن العتق موقوف
على ظهور الجذام بالفعل، وسبب الخيار هو وجود مادته في الواقع ولو لم يظهر،
فيكون سبب الخيار مقدما على سبب العتق.
وناقشه الشيخ (قدس سره) بوجوه:
الأول: أن ظاهر هذه الأخبار كون سبب الخيار ظهور هذه الأمراض لا وجود
مادتها، وإلا لكفى وجود مادتها في السنة ولو ظهرت بعد انتهائها بقليل، وهو مما لا
أظن الالتزام به.
الثاني: إن سبب الخيار لو كان هو وجود مادة المرض، لكان ظهور المرض عيبا
مانعا من الرد لحصول التغير في العين المانع من الرد.

1 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 105، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 3: ص 305، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
183

الثالث: إن تقدم سبب الخيار لا يمنع من تحقق الانعتاق إذا حصل سببه، بل
حصول سبب الانعتاق يكون مانعا شرعيا من الرد، نظير حصول المانع العقلي،
كالموت.
والذي ذهب إليه (قدس سره) في حل هذه المشكلة بعد قيام الشهرة على العمل بالأخبار
بنحو يشكل رفع اليد عنها هو أحد وجهين:
الأول: العمل بها في خصوص موردها، فتكون هذه النصوص مقيدة لما دل على
حصول الانعتاق بالجذام (1).
الثاني: التفصيل بين الملك المستقر والملك المتزلزل، فالثاني لا يزول بحصول
الجذام ولو في غير ما نحن فيه.
وعليه، فلو فسخ المشتري، فهل ينعتق على البائع أو لا؟ وجهان مبنيان على أن
المستفاد من الأدلة منافاة الجذام للرقية، أو أن المستفاد زوال ملكية المجذوم، بحيث
يظهر منه الاختصاص بطرو الجذام على المملوكية، وتحقيقه في محله، واختار
السيد (رحمه الله) الأول (2).
الجهة الثالثة: أنك عرفت أن التصرف موجب لسقوط الخيار. ومن الواضح أن
بقاء العبد أو الأمة لمدة سنة ملازم عادة لحصول التصرف، فكيف يجتمع مع ثبوت
الرد.
ويمكن حل هذه المشكلة، بالالتزام بأن التصرف المسقط هو خصوص التصرف
بعد ظهور العيب دون مطلق التصرف. أو بالالتزام بتخصيص ما دل على مسقطية
التصرف.
الجهة الرابعة: في ثبوت الأرش، فإن الأخبار خالية عن التصريح به وإنما
الموجود فيها ثبوت الرد.

1 - وسائل الشيعة، ج 16 / باب 23: من أبواب العتق، ح 2.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 100، الطبعة الأولى.
184

ويمكن تقريب ثبوت الأرش بأحد وجهين:
الأول: ما ورد في بعض النصوص (1) من التعبير بأن في هذه الأربعة خيارا لمدة
سنة.
ويظهر منها أن الخيار الثابت هو نفس خيار العيب وإنما التوسع في وقت
موضوعه، فهو بلحاظ سائر العيوب لا بد أن يكون العيب قبل العقد أو قبل القبض،
وبلحاظ هذه العيوب يكون العيب الحادث بعد العقد لمدة سنة كالحادث قبل العقد.
وفيه: إن هذه الرواية غير تامة السند. والأخبار لم تستفض بلفظ الخيار، فالقدر
المتيقن ثبوت الرد.
الثاني: ما ورد في بعض النصوص (2) من نفي العهدة في الإباق بعد ذكر الأمراض
الأربعة، مما يكشف عن ثبوت العهدة في غيره مما ذكر، والعهدة ظاهرة في الضمان
الراجع إلى الأرش.
وفيه: إنه لا مفهوم لنفي العهدة في الإباق، إذ لا ظهور للكلام في كونه في مقام
التحديد.
فيتحصل: إنه لا يمكن اثبات الأرش بلحاظ الدليل الخاص، كما لا يمكن اثباته
بحسب القواعد سواء كان من باب تبعض الصفقة لمقابلة وصف الصحة بجزء من الثمن
أو بلحاظ أخبار خيار العيب، فإن جميع هذه الوجوه تختص بما إذا كان العيب سابقا
على العقد لا ما إذا حدث في يد المشتري. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض إلى ذكر عيوب متفرقة والبحث في كل منها بنحو مختصر،
وأنت إذا عرفت الضابط الذي ذكرناه للعيب ووصف الصحة، تستطيع معرفة كل
منها، فإن المدار عليه، فلاحظ وتدبر والله سبحانه ولي التوفيق.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 2: من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 10: من أبواب أحكام العيوب، ح 1 - 2.
185

القول في الأرش
والكلام فيه من جهات:
الجهة الأولى: في تحديد معناه.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه لغة كما في الصحاح (2) وعن المصباح (3) دية
الجراحات، وعن القاموس (4) أنه الدية، وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على المال
المأخوذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن ولم يقدر له في الشرع مقدر.
ثم حكي عن الشهيد (رحمه الله) (5) في حواشيه أنه يطلق الاشتراك اللفظي على معان
متعددة.
وذكر (قدس سره) أن نظر الشهيد إلى أن اطلاق الأرش على كل واحد من هذه المعاني
لملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء بلا ملاحظة العلاقة بينها أنفسها. فلا
يكون مشتركا معنويا بينها ولا حقيقة ومجازا وأن ما أفاده في معنى الأرش أمر
انتزاعي عن مجموع تلك الأمور والمعاني.
أقول: ليس تحقيق معنى الأرش وتحديد مفهومه بذي أثر فيما نحن فيه، إذ لم يقع
بعنوانه موضوع الحكم الشرعي وإن ورد (6) في بعض نصوص الباب.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 271، الطبعة الأولى.
2 - الأرش: دية الجراحات - الصحاح مادة أرش.
3 - أرش الجراحة: ديتها - مصباح المنير مادة أرش.
4 - الأرش: الدية وما يدفع بين السلامة والعيب - القاموس مادة أرش.
5 - كما في مفتاح الكرامة، ج 4: ص 632.
6 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
186

إلا أنه قد ورد في أغلب النصوص بيانه لا بعنوان الأرش، فيحسن توجيه النظر
إلى ما هو المستفاد منها في هذا المقام. ولأجل ذلك نصرف النظر عن تحقيق هذه
الجهة.
ولكن الشئ الذي نستفيده، كما يقول الشيخ (قدس سره) هو أنه لا يثبت الأرش إلا مع
ضمان النقص المزبور. ولأجل ذلك يقع الكلام في..
الجهة الثانية: وهو أن المضمون فيما نحن فيه وهو المعاملة الواقعة على المعيب.
هل هو قيمة العيب الواقعية أو قيمته بلحاظ المسمى في المعاوضة.
وبعبارة أخرى: إنه هل يلزم على بائع المعيب دفع التفاوت بين الصحيح والمعيب
بلحاظ القيمة الواقعية أو بلحاظ المسمى؟
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) تمهيدا لهذا البحث أن ضمان النقص في الكيفية تابع لضمان
المنقوص وهو الأصل فيه، فإن كان المنقوص..
مضمونا بقيمته كالمغصوب ويسمى ضمان اليد، كان النقص مضمونا بما يخصه من
القيمة إذا وزعت على الكل. وإن كان مضمونا بعوض، بمعنى أن فواته يوجب عدم
تملك عوضه المجعول له في المعاوضة - ويسمى ضمان المعاوضة -، كان النقص مضمونا
بما يخصه من العوض إذا وزع على مجموع الناقص والمنقوص، ولا يضمن بقيمته لأن
الجزء تابع للكل في الضمان.
وهنا يقع الكلام في أن ضمان وصف الصحة في المعاملة الواقعة على المعيب هل هو
من قبيل ضمان اليد، فلا بد من دفع قيمته الواقعية. أو من قبيل ضمان المعاوضة، فلا بد من دفع ما يخصه من العوض المسمى في المعاوضة؟
نسب الشيخ (قدس سره) إلى ظاهر جماعة من القدماء - كأكثر النصوص - ما يوهم إرادة
قيمة العيب الواقعية، ولكنه رجح أن يكون الضمان من قبيل ضمان المعاوضة.
ثم استشكل في هذه الجهة: بأن مقتضى كون ضمان العيب بضمان المعاوضة أمران:
أحدهما: أن العقد ينفسخ بمقدار ما يخص وصف الصحة من الثمن لعدم ما يقابله
187

حين العقد، كالجزء المفقود حال البيع. وهو مما لم يقل به أحد.
الآخر: تعين أخذ الأرش من نفس الثمن وهو خلاف ظاهر جماعة معللين بأنه
غرامة.
فلا هو من ضمان المعاوضة ولا هو من ضمان اليد، لعدم كون وصف الصحة
مضمونا بقيمته الواقعية.
وقد ذكر في عدم كون أرش العيب هو قيمته الواقعية بل هو بمقدار نسبة تفاوت
قيمة الصحيح والمعيب، من القيمة المسماة، مع أن ظاهر كثير من النصوص هو كونه
قيمة العيب الواقعية والتفاوت الواقعي بين قيمة الصحيح والمعيب. وجوه:
الأول: ما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن للمعاملة مقامين: مقام الانشاء
ومقام اللب. ووصف الصحة وإن لم يلحظ مقابلا بالمال في المعاملة الانشائية إلا أنه
في اللب والواقع لوحظ مقابلا بالمال، فإذا تخلف وصف الصحة كان مقتضى المعاملة
اللبية ضمانه بجزء من الثمن لأنه طرف المعاوضة.
الثاني: ما أفاده (رحمه الله) أيضا من أن البائع تعهد للمشتري بوصف الصحة وقد لوحظ
بعض الثمن بداع ثبوته وإن لم يكن بإزائه، فإذا تخلف كان للمشتري مطالبته
بخروجه عن عهدته بأداء ما لوحظ من الثمن لأجله.
الثالث: ما أفاده الشيخ (قدس سره) (2) بقوله " فلا أوثق أن يقال... ". ومحصل ما أفاده:
إن مقتضى المعاوضة عرفا عدم مقابلة وصف الصحة بشئ من المال لأنه كسائر
الأوصاف لا تلحظ طرفا للتعاوض وإن كانت دخيلة في زيادة ثمن الموصوف.
إلا أنه قام الدليل من النص والاجماع على ثبوت الضمان لهذا الوصف من بين
سائر الأوصاف وأنه في عهدة البائع. ثم ذكر مضمون الوجه الثاني الذي نقلناه عن
السيد الطباطبائي (رحمه الله).

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 101، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 271، الطبعة الأولى.
188

والذي يبدو أن الشيخ (قدس سره) استند في أصل الضمان إلى الدليل التعبدي من النص
والاجماع.
وأما كونه بالنحو الخاص فمستنده هذا الوجه، بخلاف السيد (رحمه الله) فإن ظاهره أنه
استند في أصل الضمان إليه.
وجميع هذه الوجوه مردودة:
أما الأول: فلأن المعاملة اللبية والقصد الواقعي للمتعاملين لا أثر له بنظر العقلاء
والشرع ما لم يبرز بالانشاء، فإذا لم تكن المعاملة الانشائية متكفلة لجعل بعض
العوض مقابل وصف الصحة فلا أثر لمقام اللب.
وأما الثاني: فلأن تعهد البائع والتزامه بوصف الصحة على حد التزامه بسائر
الأوصاف، كالكتابة في العبد، مع أنه لم يقل أحد بأن تخلف غير وصف الصحة
موجب للضمان والأرش وإن كان بعض المال مبذولا بلحاظه ولأجله.
ولو التزم بتعهد البائع بتدارك الوصف لاقتضى ذلك تداركه بقيمته الواقعية لا من
المسمى، فتدبر.
ومنه يظهر الاشكال فيما أفاده الشيخ (قدس سره).
وقد يتمسك في اثبات ذلك برواية زرارة (1) حيث قال (عليه السلام) فيها " ويرد عليه
بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به ".
ودلالتها على المدعى تبتني على كون قوله " من ثمن ذلك " متعلقا بقوله " بقدر ما
ينقص " فيكون المردود ما ينقص من الثمن.
ولكنه يحتمل أن يكون متعلقا بقوله " ويرد عليه " يعني يلزم أن يرد من الثمن بقدر
النقص.
ولا ظهور للكلام في الأول، فتكون الرواية مجملة، فتسقط عن الاستدلال.
فالعمدة في إثبات ذلك هو دعوى أن المراد من النصوص المعبرة بقيمة العيب

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب الخيار، ح 2.
189

ليس قيمة العيب الواقعية، بل قيمته في المعاملة الواقعة.
ويقتضي ذلك قرينتان:
الأولى: إن البناء على ضمان قيمة العيب قد يؤدي إلى خسارة البائع ما يزيد على
مجموع ما أخذه من القيمة المسماة لتمام العين، كما لو كان باعها بأقل من قيمتها بكثير.
وهذا مما لا يلتزم به العقلاء في معاملاتهم جزما، بضميمة أن حكم الأرش ليس
حكما تعبديا صرفا بل أكثر الأحكام الواردة في المعاملات كذلك، فلذلك يوجب
الجزم بأن المراد قيمة العيب بلحاظ المسمى.
وليس بناء هذا الوجه على امتناع الجمع بين العوض والمعوض بالنسبة إلى
المشتري كي يقال إن الأرش غرامة وليس عوضا، بل بناؤه على أن الأرش لتدارك
ما ورد على المشتري من نقص في المعاملة. وهذا المعنى عقلائيا لا يتلاءم مع ضمان
قيمة العيب الواقعية بلغت ما بلغت.
الثانية: الاجماع القطعي الثابت على كون المضمون قيمة العيب بلحاظ القيمة
المسماة لا القيمة الواقعية.
وأما ما استشهد به الشيخ (قدس سره) على كون النصوص محمولة على الغالب من مساواة
الثمن للقيمة السوقية للمبيع، من التعبير فيها برد البائع على المشتري الظاهر في كون
المردود شيئا من الثمن الظاهر في نقصانه عن الثمن، ولو كان المضمون نفس القيمة
الواقعية لزاد على الثمن في بعض الأوقات.
فيمكن المناقشة فيه: بأنه كما يمكن أن يكون التعبير بالرد قرينة على حمل التعبير
بقيمة العيب على الغالب، يمكن أن يكون الأمر بالرد لأجل نفس هذه الغلبة، فلا
ينافي كون المضمون هو القيمة الواقعية.
إذن، فالعمدة ما ذكرناه.
الجهة الثالثة: في أنه هل يتعين أن يكون الأرش من نفس الثمن أو لا؟
190

وقد قوى الشيخ (قدس سره) (1) الثاني لعدم الدليل على الأول والأصل يقتضي عدم
التعين من الثمن (2)، إذ يشك المشتري في أنه هل له المطالبة بخصوصية كونه من الثمن
أولا، وحديث الرفع ينفيه، أو فقل إن البائع يشك في وجوب دفع المال من الثمن
خاصة بعد علمه بوجوب دفع أصل المال، والأصل ينفي وجوب الخصوصية.
وقد يستدل على وجوب كونه من الثمن بوجهين:
الأول: التعبير في روايات الأرش (3) بالرد، فإن ظاهره كون المردود شيئا كان
عنده أولا، وليس هو إلا بعض الثمن.
الثاني: قوله (عليه السلام) في رواية ابن سنان (4): " ويوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن
كان فيها "، فإن ظاهره كون الأرش من الثمن.
وناقش الشيخ (قدس سره) كلا الوجهين:
أما الأول: فبأن مقتضى التأمل التام هو الجزم بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن
الغالب وصول الثمن إلى البائع وكونه من النقدين.
ومن الواضح أن الملحوظ في النقدين غالبا جهة ماليتهما بلا خصوصية لشخص
النقد المأخوذ، فالرد يكون بملاحظة الجهة النوعية في الثمن وهي جهة المالية لا الجهة
الشخصية، فالرد بهذه الملاحظة يصدق ولو لم يكن المردود من عين الثمن.
وأما الثاني: فبأنه محمول على الغالب من كون الثمن كليا في الذمة لا شخصيا، فإذا
اشتغلت ذمة البائع بالأرش نقص المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته له، فإن الوضع
الوارد في النص بمعنى " التقليل والتنقيص ".

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب: ص 271 الطبعة الأولى.
2 - اختلف بيان السيد الأستاذ للأصل عن بيان الشيخ إذ بيان الشيخ يبتني على كون الأرش من باب
اشتغال الذمة وهو غير مسلم، فلاحظ.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب.
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
191

وهذا ظاهر في كونه قبل أداء الثمن إلى البائع كي يصدق الوضع من المشتري،
فلاحظ.
الجهة الرابعة: في أن الأرش هل يتعين أن يكون من النقدين أو لا؟
الظاهر الأول وذلك لما تقرر في محله أن الأصل في ضمان المضمونات القيمية أن
يكون من النقدين. وقد علل ذلك بأن النقدين متمحضان في المالية بحيث ينطبق
عليهما المال بما لهما من الخصوصية، وليس الأمر كذلك في غيرهما من الأموال،
كالحنطة والكتب والدور ونحوها، فإنها وإن كانت أموالا لكنها غير متمحضة في هذه
الجهة.
وكيف كان، فالمسألة كبرويا ليست محل كلام، ومسألتنا من صغرياتها، فيتعين
أن يكون الأرش من النقدين.
وقد حكم العلامة (رحمه الله) في القواعد (1) والشهيد (رحمه الله) في الدروس (2) في باب الصرف
بأنه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير
النقدين ولم يجز منهما.
واستظهر المحقق الثاني (رحمه الله) (3) من ذلك عدم التزامهما بتعين الأرش من النقدين.
وتوضيح جهة الاستظهار: إن الأرش كما أشار إليه الشيخ (قدس سره) سابقا إنما هو لتتميم
المبيع المعيب وجعله مقابلا للثمن المبذول بإزاء الصحيح، وليس هو لتنقيص الثمن
بجعله مقابلا للمبيع المعيب.
وعليه، فإذا لزم دفع الأرش من النقدين في المعاملة الصرفية كان ذلك عوضا
عما قابله من الثمن، ومقتضى ذلك بطلان المعاملة في ما قابله من الثمن لعدم تحقق
القبض قبل التفرق المعتبر في صحة المعاملة الصرفية.
وإذا امتنع كون الأرش من النقدين. فالحكم بلزوم دفع غير النقدين لا يمكن أن

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 39، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 304، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 192، ط مؤسسة آل البيت (ع).
192

يكون من باب بدليته عن النقدين لفرض امتناع ثبوت المبدل منه في الذمة، فلا
معنى لأن يؤخذ شئ بعنوان البدلية عنه، فلا بد أن يكون من باب أنه أحد فردي
التخيير في باب الأرش، وهذا يرجع إلى عدم الحكم بتعين كون الأرش من
النقدين.
وحيث إنه استظهر ذلك من هذا الحكم أورد عليه: بأن الحقوق المالية إنما يرجع
فيها إلى النقدين، فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان أحدهما.
ودفعه الشيخ (قدس سره) بما توضيحه: إن الحكم المزبور لا يلازم عدم تعين الأرش من
النقدين في صورة عدم التراضي، وذلك: لأن الأرش ليس من باب اشتغال الذمة
بشئ بل يرجع إلى جعل حق التغريم للمشتري على البائع، فما يختاره في هذا المقام
يكون مصداقا للأرش.
نعم، الثابت أولا هو حق التغريم من النقدين بحيث لا يحق للبائع الامتناع.
أما مع التراضي على غير النقدين فيجوز دفعه بعنوان أنه أرش لا عوض عن
الأرش.
وبالجملة، يكون المدفوع أي شئ كان هو الأرش بنفسه لا بدلا عنه. وهذا لا
ينافي تعين دفع النقدين مع عدم التراضي.
إذن، فحكم العلامة (رحمه الله) بكون المدفوع من غير النقدين في باب الصرف أرشا لا
بدلا عنه لا ينافي التزامه بتعين الأرش من النقدين أولا وبالذات.
هذا، ولكن يرد على العلامة (رحمه الله) بناء على هذا التوجيه أنه لا يلزم البائع بدفع
الأرش من غير النقدين في معاملة الصرف، لعدم ثبوت الحق إلا مع التراضي، فإذا
لم يرض بدفعه لم يحق إلزامه. فلاحظ وتدبر.
الجهة الخامسة: في أن الأرش هل يمكن أن يكون مستغرقا لتمام الثمن أو لا؟
وهنا صورتان:
الصورة الأولى: ما لو كان العيب حادثا قبل العقد.
193

وفي مثلها لا يمكن فرضه مستغرقا لتمام الثمن، وذلك لأن العين بالعيب الحادث إن
خرجت عن المالية كثفالة الشاي المخدر لم يصح العقد، وإن لم تخرج عن المالية، فلا بد
أن يبقى لها من الثمن قسط، فيكون الأرش بعض الثمن.
الصورة الثانية: ما إذا حدث العيب قبل القبض أو في زمن الخيار.
وفي مثله قد يتصور استغراق الأرش لتمام الثمن، كما لو كان العيب الحادث
مستغرقا للقيمة مع بقاء الشئ على الملكية، كثفالة الشاي، فإنه..
إن بني على تحقق الانفساخ بمثل هذا العيب استظهارا من قوله (عليه السلام) (1) " إن حدث
في الحيوان حدث فهو من مال البائع " تنزيل العيب الحادث قبل القبض منزلة
الحادث قبل العقد وفرضه كأنه حدث في ملك البائع، كان كالصورة الأولى لبطلان
العقد بهذا العيب، فلا أرش.
وإن لم يبن على تحقق الانفساخ بل على تدارك العيب وضمانه فقط، لعدم ظهور
قوله (عليه السلام) المتقدم في أكثر من ذلك، ثبت الأرش هنا، ويكون مستغرقا لتمام الثمن.
ومثله ما لو حدث عيب أخرجه عن الملكية شرعا، كصيرورة العصير خمرا
فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض إلى كلام للعلامة (رحمه الله) (2) قد يظهر منه تصور الأرش
المستغرق لتمام الثمن مع حدوث العيب قبل العقد.
وقد اختلف الأعلام في بيان مراد العلامة (رحمه الله) والأمر ليس بمهم، فراجع تعرف.
ولا يخفى أن هذا البحث مما لا ثمرة عملية له، ولعل تعرض الشيخ (قدس سره) له لأجل
عبارة العلامة (رحمه الله) والله سبحانه العالم.
الجهة السادسة: في ما هو المرجع عند الجهل بالأرش.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب الخيار، ح 5.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 76، الطبعة الأولى.
العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 540، الطبعة الأولى.
194

ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى أنه مع عدم العلم بالقيمة لا بد من الرجوع إلى العارف
بها، وذكر أن العارف..
تارة: يخبر عن القيمة السوقية المتعارفة المضبوطة عند أهل البلد أو أهل الخبرة
لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة، كالإخبار عن أن هذه الحنطة أو مثلها
تباع في السوق بكذا. وهذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة
على المحسوسات من العدالة وكون الإخبار عن حس والتعدد.
وأخرى: يخبر عن نظره وحدسه لأجل كثرة ممارسته لمثل هذا الأمر بدون أن يكون مطلعا على مقدار قيمته السوقية فعلا، بل هو يخبر عن قيمته بحسب اجتهاده
وأنه بنظره يسوى كذا لمن يريد أن يبيع أو يشتري. ويعتبر في هذا القسم زيادة على
ما مر في القسم الأول كونه من أهل المعرفة والخبرة.
وثالثة: يخبر عن قيمته بلحاظ خصوصيات فيه يعرفها المخبر مع فرض كون
قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات معلومة لكل أحد، كالصائغ العارف بأصناف
الذهب من حيث الجودة والرداء مع كون قيمة الجيد والردئ معروفة لدى الناس.
وقد ذكر بعد ذلك أن ما يصطلح عليه بالمقوم هو خصوص القسم الثاني دون
الأول والثالث. ثم تعرض لاعتبار التعدد وعدم اعتبار التعدد في هذه الأقسام.
وعلى كل، فالبحث يقع في جهات من كلامه:
الجهة الأولى: ما ذكره من لزوم الرجوع إلى العارف بالقيمة مع الجهل بمقدار
الأرش. فإنه مما لم يظهر لنا وجهه، إذ الأمر يدور بين الأقل والأكثر الاستقلاليين مع
كون الشبهة موضوعية، فيصح للبائع التمسك بأصالة البراءة من الزائد المشكوك فإن
المورد من مواردها بلا كلام، فلا يجب الفحص بعد كون الشبهة موضوعية.
وقد يقال في وجه وجوب الفحص: إن الرجوع إلى الأصل واهمال الفحص
يستلزم تضييع حق المشتري في أكثر المقامات وعدم امتثال الحكم الشرعي

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 272 - 273، الطبعة الأولى.
195

بوجوب الأداء، لعدم معرفة قيمة المعيب غالبا. وفي مثله لا بد من الفحص، كما
قرر في محله.
ولكن هذا القول غير سديد، إذ يتمكن المشتري ذو الحق من الرجوع إلى أهل
الخبرة وإقامة الشاهدة على القيمة وهو يقوم بذلك عادة في سبيل استحصال حقه
بحكم كونه من العقلاء، فلا يبقى مجال لرجوع البائع في مثل ذلك إلى الأصل.
نعم المواد التي لا يتوفر فيها الخبير للمشتري أو تقاعسه عن ذلك للبائع الرجوع
إلى الأصل. وهذه الموارد قليلة وليست غالبية بحد توجب إهمال الحكم لو عمل
بالأصل العملي.
وبالجملة، فما أفاده الشيخ (قدس سره) لا يمكن الالتزام به ولم نجد من نبه على ذلك من
المعلقين.
الجهة الثانية: ما أفاده من دخول القسم الأول من أخبار أهل المعرفة في
الشهادة واعتبار التعدد فيه، فإن هنا بحثا في تحقيق مفهوم الشهادة في قبال الخبر وما
هو الفارق بينهما.
وقد ذكر فيه وجوه عديدة، ولا نرى البحث في ذلك مهما أصلا إذ غاية ما يمكن
أن يفرض أثرا تختلف فيه الشهادة عن الخبر، هو اعتبار التعدد في الشهادة دون
الخبر، فيكون للبحث عن تحديد الشهادة جدوى.
لكن الحق أنه ليس لدينا دليل على أن الشهادة بعنوانها يعتبر فيها التعدد سوى ما
ادعي من قيام الاجماع على ذلك.
وهو مخدوش، لأنه إما أن يكون قد قام على اعتبار التعدد بلحاظ المعنى اللغوي
للشهادة أو بلحاظ المعنى الاصطلاحي.
أما الأول، فممنوع جدا، لأن المعنى اللغوي للشهادة على ما قيل هو الإخبار
بعنوان إظهار العقيدة والجزم بشئ في قبال الخبر الذي هو الإخبار عن الأمر
الواقعي. ولا يخفى أن معنى الشهادة بنفسه موجود في الخبر لكنه يقتضيه بالالتزام لا
196

بالمطابقة، مع أنه لا قائل باعتبار التعدد فيه.
وأما الثاني، فهو ليس اجماعا تعبديا، لأن المعنى الاصطلاحي على ما قيل هو
الإخبار الجازم عن حق لازم للغير من غير الحاكم، وقد وردت الأدلة على اعتبار
التعدد في الموارد الخاصة فلا يكون الاجماع تعبديا، فلا حجية فيه.
وبالجملة، فلا نرى مزيد أهمية لتحقيق معنى الشهادة واختلافها مع الخبر، وإن
ذهب السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) إلى عدم الفرق بينهما أصلا إلا في اعتبار التعدد
وعدمه، فما يعتبر فيه التعدد شهادة، وما لا يعتبر فيه التعدد خبر. وهو غريب.
فلاحظ.
الجهة الثالثة: في أنه هل يعتبر في الرجوع إلى المقوم فيما نحن فيه التعدد أو لا؟
وينبغي أولا: البحث في أنه هل يعتبر في مطلق الإخبار عن الموضوعات التعدد
أو لا؟
وثانيا: على تقدير اعتبار التعدد في الإخبار عن الموضوعات هل يثبت ذلك فيما
نحن فيه أو لا؟
أما الأمر الأول، فقد يقال باعتبار التعدد في الاخبار عن الموضوعات استنادا
إلى نصوص ثلاثة:
الأول: رواية مسعدة بن صدقة (2) التي جاء فيها " والأشياء كلها على هذا حتى
يستبين لك أو تقوم به البينة "، فإن مقتضى حصر الغاية بالعلم والبينة عدم اعتبار
غيرها في رفع اليد عن أصالة الحل.
الثاني: ما ورد في بعض الروايات (3) في موضوع الجبن المجهول وضع الميتة فيه
من قوله (عليه السلام): " حتى يجيئك شاهدان على أن فيه الميتة " بضميمة إلغاء خصوصية
الميتة.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 103، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
3 - وسائل الشيعة، ج 17 / باب 61: من أبواب الأطعمة المباحة، ح 2.
197

الثالث: ما ورد في باب ثبوت الهلال (1) من قوله (عليه السلام): " لا أجيز إلا شهادة
رجلين عدلين " وجميع هذه الوجوه مخدوشة:
أما الثالث: فهو وارد في باب الهلال. والغاء الخصوصية لا دليل عليه ومجرد
احتمال الخصوصية يكفي في سقوط الاستدلال به على العموم.
وأما الثاني: فلضعف السند، مع أن الميتة المسؤول عنها وهي " الإنفحة " ظاهرة،
فلا يعتبر في حل الجبن عدم مجئ شاهدين، بل هو حلال حتى مع العلم بوضع الميتة
فيه.
وأما الأول: فقد نوقش بضعف الدلالة من وجهين:
الأول: إن دليل حجية الخبر ينزل منزلة العلم ويثبت له أثر العلم، فيكون من
مصاديق قوله " حتى يستبين لك ".
الثاني: إن البينة هي مطلق ما يوجب الوضوح والبيان ولا خصوصية للتعدد.
واطلاق البينة على الخبر المتعدد إطلاق اصطلاحي.
وفي كلا الوجهين نظر، بل منع:
أما الأول: فلأن جهة الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار خبر الواحد في
الموضوعات ليس هو الاطلاق، بل هو أن اعتباره يستلزم لغوية اعتبار البينة لأن
تحقق البينة يلازم سبق تحقق الخبر الواحد، فلا أثر للبينة أصلا، فنفس اعتبار البينة
كاشف عن عدم اعتبار خبر الواحد.
وأما الثاني: فهو غير مسلم كيف؟ واطلاق البينة في لسان الشارع على خبر
الشاهدين مطرد.
فالعمدة في رد هذه الرواية هو ضعف سندها.
وعليه، فما أقيم على اعتبار التعدد لا يصلح الاستناد إليه.
فالمرجع اطلاق دليل حجية الخبر كآية النبأ، فإنها واردة في الموضوعات.

1 - وسائل الشيعة، ج 7 / باب 11: من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 1.
198

ومقتضى اطلاقها عدم اعتبار التعدد.
وهكذا سيرة العقلاء على اعتبار خبر الثقة، فإنها جارية في الموضوعات.
نعم، الروايات الدالة على حجية خبر الثقة قاصرة عن شمول الإخبار عن
الموضوع لكون موردها خصوص الإخبار عن الأحكام، فلاحظ.
وعليه، فيكتفى بخبر الواحد في الموضوعات، إلا ما قام الدليل على اعتبار التعدد
فيه، كموارد الدعاوي.
وأما الأمر الثاني، فلو سلم دلالة رواية مسعدة على اعتبار التعدد وتمامية
سندها، فهي لا تشمل ما نحن فيه مما كان الرجوع فيه إلى المقوم بلحاظ أنه من أهل
الخبرة والمعرفة وإعمال الرأي لا بما أنه مخبر عن أمر حسي، فإن السيرة قائمة على
الرجوع إليه كالرجوع إلى المفتي وغير ذلك، ولا إشكال في عدم اعتبار التعدد فيه
بحسب بنائهم ولذا لم يعتبر أحد في المقلد التعدد.
وبالجملة، المناط فيما نحن فيه هو حجية قول الخبير فيما له خبرة فيه وهو أجنبي
عن حجية خبر الواحد. ومن الواضح أن السيرة قائمة على العمل بقوله بلا اعتبار
التعدد، فلاحظ وتدبر.
الجهة السابعة: فيما لو تعارض المقومون.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) وجوها متعددة:
الأول: الرجوع إلى بينة الأقل، لاعتضادها بالأصل ويراد به أصالة البراءة من
الزائد.
الثاني: الرجوع إلى بينة الأكثر، لأنها مثبتة.
الثالث: الرجوع إلى القرعة، لأنها لكل أمر مشتبه.
الرابع: الرجوع إلى الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية،
والمورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 273، الطبعة الأولى.
199

الخامس: تخيير الحاكم، لامتناع الجمع وفقد المرجح.
السادس: ما عليه المعظم وجعله أقوى، من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان
عملا بقاعدة الجمع مهما أمكن أولى. وقد بنى على أن طريقة الجمع هو العمل بكل من
البينتين في قيمة نصف العين فإنها جزء مضمون البينة، لامتناع العمل بكل منهما في
تمام المضمون، فيؤخذ بإحدى البينتين في قيمة نصف العين ويؤخذ بالأخرى في قيمة
النصف الآخر. وفي هذا جمع بين الدليلين وجمع بين الحقين بلا إيراد حيف على أحد
المتبايعين بخصوصه.
ثم تعرض لنفي الوجوه الأخرى.
وتحقيق الكلام في المقام: إن التعارض بين الدليلين إنما هو فرع شمول دليل الحجية
لكل منهما في حد نفسه ومع قطع النظر عن المعارضة، وأما إذا لم يكن كل منهما
مشمولا لدليل الحجية فلا تعارض أصلا، إذ لا حجية لأحدهما كي يتصادمان.
وعليه، نقول: إنه من القريب جدا ما ذهب إليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن
دليل حجية البينة لا يشمل صورة تعارضهما أصلا، فلا دليل على حجية البينة في
صورة التنافي، فإنه ليس لدينا اطلاق أو عموم يتكفل حجية البينة بقول مطلق، وما
قام على حجيتها قاصر الشمول لمورد التعارض، كما لا يخفى على من لاحظ
نصوص حجية الشهادة.
ولو سلمنا أن الدليل يشمل البينة في مورد التعارض، فتارة: يلتزم بأن الحجية
المجعولة من باب الطريقية. وأخرى: من باب السببية.
فعلى الأول، فالقاعدة تقضي بتساقط البينتين عند التعارض، لأن القاعدة في
تعارض الأدلة هي التساقط. وإنما يلزم الجمع بينهما إذا كان الجمع عرفيا، لا ما إذا
كان تبرعيا.
ومن الواضح أن ما ذكره الشيخ (قدس سره) من الجمع ليس جمعا عرفيا بين البينتين، فلا
عبرة به.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 103، الطبعة الأولى.
200

وعلى الثاني، يلتزم بالتخيير، لأن المورد من موارد التزاحم.
إما بتقييد كل منهما بصورة ترك الآخر - نظير ما يقال في الترتب في باب الأمر
بالضدين -.
وإما لسقوطهما بالمزاحمة - بناء على امتناع الترتب - وثبوت خطاب آخر بهما
بنحو التخيير للعلم بثبوت الملاك في كل منهما، فلا معنى لاهمالهما بالمرة من قبل
الشارع، فإذا لم يمكن تحصيل كل منهما للتزاحم فيلزم بتحصيل أحدهما تخييرا، نظير
سائر الخطابات التخييرية، كما يظهر ذلك بملاحظة الأمثلة العرفية المشابهة للفرض.
هذا في الأحكام التكليفية.
وأما في الأحكام الوضعية، كالملكية، فيقال: إن قيام البينة على ملكية هذا
الكتاب لزيد - مثلا - يوجب حدوث ملاك جعل الملكية لزيد، وقيامها على ملكيته
لعمرو يوجب حدوث ملاك جعلها لعمرو، والجمع بين الملكيتين غير ممكن،
والتخيير ههنا لا معنى له لأنه مفوت لحق أحدهما.
فيتعين أن يلتزم بتأثير البينتين أثرا واحدا وهو ملكية كلا الشخصين للعين، لعدم
امكان تأثير كل منهما تأثيرا مستقلا، نظير توارد العلل المتعددة على معلول واحد،
فإن التأثير يستند إلى الكل ولا يصدر سوى أثر ومعلول واحد. فيثبت التنصيف
بهذا الوجه الاستحساني.
ومنه يتضح: إن ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) من أن مقتضى الجمع بين البينات هو
التنصيف يبتني على مقدمات ثلاث:
الأولى: شمول دليل الحجية لمورد التعارض.
الثانية: الالتزام بالحجية بنحو السببية.
الثالثة: تقريب التنصيف بالوجه الاستحساني المزبور.
وجميع المقدمات محل إشكال، بل منع.
هذا، مع أنه لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ الالتزام بالتنصيف فيما لو كانت كلتا
البينتين ثبوتيتين بمعنى أن إحداهما تثبت الملكية لشخص والأخرى تثبتها لآخر، لا
201

مثل ما نحن فيه مما كان مورد النزاع هو الأقل والأكثر إذ الأقل متفق عليه
والاختلاف في الزائد فإحداهما تثبته والأخرى تنفيه، وفي مثله لا يتأتى حديث
اجتماع المؤثرين إذ لا تأثير لبينة النفي في الملكية بل في عدمها.
هذا كله بحسب القواعد العامة.
أما بحسب الأدلة الخاصة الواردة في باب تعارض البينات في موارد التداعي
على الملك: فهي على طوائف (1)، عمدتها ما حكم فيها بالقرعة، وما حكم فيها
بالتنصيف.
ولكن الحق أن شيئا منها لا يرتبط بالمقام، وذلك لأن موضوع تلك النصوص ما
إذا لم يكن مع أحد المدعيين ميزان ظاهري يرجح دعواه، بل كانت نسبة العين إلى
كل منهما على حد سواء بحسب الموازين الشرعية.
وليس الأمر فيما نحن فيه كذلك، إذ مدعي الأقل له التمسك بالأصل إذ لا دليل
على ثبوت الزائد في ذمته، فالأصل البراءة، فإنه من موارد الأقل والأكثر
الاستقلاليين.
هذا، مع احتمال أن القرعة لم تجعل من قبل الشارع حجة تعبدية يجب الرجوع
إليها قهرا، بل هي طريق شرعي جعله الشارع إذا رضي به الخصمان، كما يظهر ذلك
من بعض رواياتها، فراجع تعرف.
وجمله القول: إن المرجع في المقام بعد تساقط البينتين هو الأصل وهو ينفي
الزائد. ولا مجال لسائر الوجوه الأخرى، فإنها تندفع بوضوح، فلا نطيل. فلاحظ
تعرف.
ثم إنه بناء على الجمع بين البينتين فيما نحن فيه بالعمل بكل منهما في نصف مدلوله.
يقع الكلام في كيفيته وقد ذكر الشيخ (قدس سره) طريقين:
أحدهما: ما هو المشهور من الأخذ بكل منهما في نصف قيمتي الصحيح والمعيب

1 - وسائل الشيعة، ج 18 / باب 12: من أبواب كيفية الحكم.
202

ثم ملاحظة النسبة بين القيمتين. فإذا قدرت إحداهما الصحيح بعشرة والمعيب بستة،
وقدرت الثانية الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة، أخذ بالأولى في نصف الصحيح هو
خمسة وهكذا في الثانية وهو أربعة فيكون المجموع تسعة، وهكذا في المعيب فيكون
المجموع خمسة، وتلاحظ نسبة الخمسة إلى التسعة فيحكم بها.
الثاني: ما ذكره الشهيد (رحمه الله) (1) من ملاحظة نسبة تفاوت القيمتين بلحاظ كل بينة
ثم الأخذ بكل منهما في نصف التفاوت، فيؤخذ - في المثال المزبور - في البينة الأولى
بنصف التفاوت بين الستة والعشرة وهو خمس، وفي البينة الثانية بنصف التفاوت بين
الأربعة والثمانية وهو الربع، فيثبت استحقاق خمس وربع الثمن المسمى.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن هذين الطريقين قد يختلفان في النتيجة وقد يتفقان. ثم ذكر
أمثلة لذلك وبعده ذكر ضابطا لتعيين مورد الاتفاق ومورد الاختلاف وبين الوجه
فيه، وقد دار حوله كلام من المحشين.
وبما أن المسألة ليست نظرية بل هي ترجع إلى الحساب واستقراء الأمثلة، كما أنها
ليست بذات أثر عملي، فالمناسب إهمال البحث عنه وصرف الكلام إلى بيان ما هو
المتعين من هذين الطريقين.
وقد رجح الشيخ (قدس سره) الطريق الثاني وحاول ارجاع كلام المشهور إليه.
وعمدة ما يقال في وجهه - وإن كان كلام الشيخ (قدس سره) لا يخلو من غموض ولعله
يرجع إليه -: هو أن الجمع بين البينتين بالتنصيف إما لكونه جمعا بين الدليلين أو
لكونه جمعا بين الحقين وعلى كل تقدير فمقتضاه هو الأخذ بطريق الشهيد (رحمه الله).
وذلك، لأن محط الأثر الشرعي والاختلاف بين المتبايعين هو مقدار ما يستحقه
المشتري على البائع من الأرش وهو مقدار تفاوت قيمة المعيب والصحيح.
ومن الواضح أنه لا أثر في تعيين قيمة الصحيح أو المعيب. إنما الأثر على تعيين
التفاوت بين القيمتين لتؤخذ نسبته من الثمن المسمى، فما تكون البينة حجة فيه ودليلا

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 287، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
203

عليه هو مقدار التفاوت، فمع التعارض يجمع بينهما بالأخذ بكل منهما في نصف
مدلولهما في مقام تعيين التفاوت لا قيمة الصحيح والمعيب لعدم الأثر. هذا بلحاظ
كون التنصيف من باب الجمع بين الدليلين.
وهكذا الحال لو كان التنصيف من باب الجمع بين الحقين، إذ حق البائع أو
المشتري يدور مدار مقدار التفاوت، لأنه هو الذي يثبت بمقتضى المطالبة بالأرش،
والبينة تحكي عنه، فلا بد في مقام الجمع بين حقيهما من ملاحظة التفاوت لا ملاحظة
قيمة الصحيح والمعيب، فتدبر.
هذا غاية ما يبين فيه رجحان الطريق الثاني باختصار. والحمد لله رب العالمين.
إنتهى مبحث خيار العيب في عصر يوم الأحد
المصادف / 11 / ج 2 / 1392 ه‍
ويقع الكلام في الشروط والله سبحانه ولي التوفيق
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
204

الشروط
الأمر الثاني (1) مما اعتبر في صحة الشرط: أن يكون سائغا في نفسه، فلا يصح
اشتراط جعل العنب خمرا أو شرب الخمر أو غيرهما من المحرمات.
والوجه فيه: أولا: أنه لا يمكن تعلق وجوب الوفاء به لحرمته، نظير موارد
الإجارة على المحرم، فإن الإجارة فيها باطلة لامتناع لزوم الوفاء بالعمل المحرم.
وثانيا: أنه يكون من مصاديق الشرط المحلل للحرام، فيندرج في عموم
" المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " وسيجئ البحث في
ذلك مفصلا انشاء الله تعالى.
الأمر الثالث: أن يكون الشرط ذا غرض عقلائي يعتد به العقلاء ولو بالنظر إلى
خصوص المشروط له.
والوجه في ذلك: إنه لو لم يكن ذا غرض معتد به لدى العقلاء لم يكن موردا
للاعتبار العقلائي ولا يرون ثبوت حق للمشروط له بالاشتراط.
بضميمة أن عموم الوفاء بالشرط أو العقد يتكفل امضاء العقود العقلائية التي
يمكن أن تقع بين العقلاء وتعد أمرا متعارفا لديهم لا أمرا سفهيا.
هذا، مع أن ظاهر الوفاء بالشرط أنه لأجل كون عدم الوفاء به ظلما وتعديا على
الحق، ومع كون المشروط أمرا سفهيا لا يثبت ذلك، كما لا يخفى.
ثم إنه لو شك في كون الشرط ذا غرض عقلائي، كان اللازم البناء على الصحة
عملا بأصالة الصحة.

1 - مع الأسف لم نعثر على بحوث الأمر الأول فلذا يبدأ البحث من الأمر الثاني مما كتب من البحث. وكان تاريخ
الشروع ج 2 / 1392.
205

وقد وقع الكلام في بعض مصاديق الشرط، كاشتراط كون العبد كافرا.
قال الشيخ (قدس سره) (1): " ففي صحته ولغويته قولان للشيخ (2) والحلي (3)، من تعلق
الغرض المعتد به لجواز بيعه على المسلم والكافر ولاستغراق أوقاته بالخدمة،
ومن أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. والأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية
وجزم بذلك في الدروس (4) وبما قبله العلامة (رحمه الله) (5) ".
والحق هو القول بالصحة في هذا الشرط والوجه فيه.
أولا: إن رجحان الغرض الديني على الدنيوي لا ينافي كون الغرض الدنيوي
غرضا عقلائيا يعتد به العقلاء.
وثانيا: أنه يمكن أن يكون اشتراط الكفر لجهة دينية، كعدم تحميل المسلم - لأنه
مسلم - مشقة الخدمة، أو ابعاده عن الهمز واللمز ونحوهما مما يبتلي به العبيد الذين
يشتغلون في الخدمة.
وبالجملة، المقتضي لصحة الشرط موجود وما ذكر مانعا غير صالح للمانعية.
وأما ما أورده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (6) على القائل بالمنع من النقض ببيع العبد
الكافر وشرائه.
فهو قابل للدفع. فلاحظه تعرف.
الأمر الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة.
والوجه فيه: النصوص الكثيرة المقيدة عموم الوفاء بالشرط بعدم المخالفة.
فمنها: رواية عبد الله بن سنان (7) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سمعته يقول: من

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 277، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 3: ص 130، الطبعة الأولى.
الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 49، مسألة 185، الطبعة الأولى.
3 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 357، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
4 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 215، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
5 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 5: ص 189، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
6 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 109، الطبعة الأولى.
7 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب الخيار، ح 1.
206

اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه،
والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز وجل ".
ومنها: روايته الأخرى (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " المسلمون عند شروطهم
إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز ".
ومنها: روايته الأخرى (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشرط في الإماء
لا تباع ولا توهب قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث لأن كل شرط خالف
الكتاب باطل ".
ومنها: رواية إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): " أن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) كأن يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند
شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ".
ومنها: رواية تفسير العياشي عن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
" قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل وشرط عليها وعلى أهلها إن
تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فإنها طالق. فقال (عليه السلام) شرط الله
قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى
عليها وهجرها إن أتت (بسبب) بسبيل ذلك. قال الله في كتابه: * (فأنكحوا ما
طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * (5) وقال: " أحل لكم ما ملكت
أيمانكم " (6) وقال: * (اللاتي تخافون نشوزهن (7)..) *.
ومنها: رواية محمد بن قيس (8) عن أبي جعفر (عليه السلام): " إنه قضى في رجل تزوج

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب الخيار، ح 2.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 6: من أبواب الخيار، ح 3.
3 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 6: من أبواب المهور، ح 4.
4 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 20: من أبواب المهور، ح 6.
5 - سورة النساء، الآية: 3.
6 - سورة النساء، الآية: 3. والآية هكذا أو ما ملكت أيمانكم.
7 - سورة النساء، الآية: 34.
8 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 29: من أبواب المهور، ح 1.
207

امرأة واصدقته هي واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق. قال: خالفت السنة
ووليت حقا ليست بأهله. فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك
السنة ".
ومنها: رواية ابن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل قال لامرأته: إن
نكحت عليك أو تسريت فهي طالق. قال: ليس ذلك بشئ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال: من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا عليه ".
ومنها: ما روي (2) عن طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - في حكاية بريرة لما
اشترتها عائشة واشترط عليها مواليها ولاءها - من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما بال أقوام
يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز
وجل فهو باطل، قضاء الله أحق وشرطه أوثق والولاء لمن أعتق ".
هذه جملة من الروايات التي ذكرها الشيخ (قدس سره) وذكر غيرها. وهي تدل بوضوح
على بطلان الشرط المخالف لكتاب الله عز وجل.
إلا أن لنا في رواية محمد بن مسلم المروية في تفسير العياشي كلاما بيانه: إن ظاهر
الرواية بدوا كون الشرط هو تحقق الطلاق بنحو شرط النتيجة وفي مثله لا معنى لأن
يقال: " إن شاء وفى بشرطه وإن شاء أمسك " إذ لا وفاء لشرط النتيجة، بل هي إما
أن تتحقق إن كان الشرط نافذا وإما أن لا تتحقق إن لم يكن نافذا وليس بيد
الشارط بعد شرطه شئ، مع أنه لا يظهر للاستشهاد بالآيات الكريمة ربط ببطلان
الشرط.
وقد يحمل الشرط على شرط الفعل بمعنى شرط صدور الطلاق منه، ولا ينافيه
الظهور الأولي، لتعارف التعبير عن الفعل بالنتيجة، كما يقول القائل: " إن جئت بزيد
فالمال لك " وهو يريد أنه يعطيه ويهبه له. ويساعده قوله: " إن شاء... " فإن التعبير
بالامساك في قبال انشاء الطلاق، مضافا إلى تصور الوفاء به وتخيير الشارط
بالنسبة إليه.

1 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 38: من أبواب المهور، ح 2.
2 - مستدرك الوسائل، ج 13 / باب 5: من أبواب الخيارات، ح 2.
208

ولكن لو كان المراد شرط الفعل لم يظهر وجه لبطلان الشرط معللا بأن شرط الله
قبل شرطكم. إذ لم يمنع من الطلاق شرعا. كما لا يرتبط به الاستشهاد بالآيات
الكريمة، كما لا يخفى.
وقد يقال: إن المشروط أمران طوليان: أحدهما: عدم الزواج والتسري والهجر.
والآخر: صدور الطلاق على تقدير عدم الوفاء بالشرط الأول.
وفيه: إن الاستشهاد بالآيات الكريمة لا يرجع إليهما، مع أنه لا يكون هذان
الشرطان من الشروط المخالفة، فأي معنى لقوله (عليه السلام): " شرط الله... "؟
فالرواية لا تخلو عن إجمال على جميع هذه الفروض.
إلا أن يقال: إنه (عليه السلام) حكم ببطلان الشرط بلا أن يبين وجهه، وقوله " شرط
الله... " ليس تعليلا لبطلان الشرط، بل هو بيان لبطلانه - لا أكثر - وجواز الزواج،
وأنه لا مشقة في الشرط المزبور بعد بطلانه وثبوت الحكم الشرعي الذي يقتضي
التسهيل بمقتضى الآيات الشريفة. فتدبر.
وكيف كان، فالرواية لا تخلو عن غموض واجمال.
وعلى أي حال، فيقع الكلام في مؤدى الروايات السابقة من جهات عديدة..
الجهة الأولى: في أن المدار في بطلان الشرط وعدمه هو موافقة الكتاب وعدمها
أو مخالفته الكتاب وعدمها؟
والذي أفاده الشيخ (قدس سره) في هذه الجهة: إن المراد بالموافقة عدم المخالفة وذلك نظرا
إلى أن ما لم يخالف كتاب الله سبحانه بالخصوص موافق لعموماته المرخصة
للتصرفات غير المحرمة في النفس والمال، فخياطة ثوب البائع - مثلا - موافق
للكتاب بهذا المعنى.
فأرجع (قدس سره) عنوان الموافقة وعدمها إلى المخالفة وعدمها.
ويمكن أن يورد عليه:
أولا: بأن من الشروط غير المخالفة للكتاب بالخصوص ما لا يوافق عمومات
الكتاب، لعدم وجود أثر للحكم في الكتاب الكريم، كشرط الولاء للبائع.
209

وثانيا: أن ما أفاده يرجع إلى بيان عدم الثمرة في الترديد المزبور لعدم الواسطة
بين غير الموافق والمخالف وبين الموافق وغير المخالف، بحسب الوجود الخارجي فيما
نحن فيه، فلا أثر للتكلم بأن المراد هذا أو ذاك.
ولكن هذا لا يقتضي أن يكون المراد بالموافقة عدم المخالفة، إذ لماذا لا يقال
العكس، فيلتزم أن المراد من عدم المخالفة هو الموافقة؟
فما نحن فيه ليس نظير ما يقال في أخبار عرض الأخبار المتعارضة على الكتاب
وطرح المخالف، من أن المراد بالمخالفة هو المخالفة بغير العموم والخصوص لقرينة تذكر
في محلها. فتدبر.
والتحقيق أن يقال: إنه إذا لم تكن واسطة خارجا بين المخالف وغير الموافق فيما
نحن فيه، فلا أثر للبحث في هذه الجهة أصلا.
وإن كانت هناك واسطة، فللبحث أثر واضح، لأن بين عنوان امضاء غير المخالف
ونفي غير الموافق عموما من وجه، ويجتمعان فيما ليس بموافق ومخالف، فأحدهما
ينفيه والآخر يصححه.
وعليه، نقول إن ظاهر رواية ابن سنان الأولى هو كون المناط عنوان الموافقة
وعدمها، لأن صدرها وإن تكفل نفي الشرط المخالف للكتاب، إلا أنه في الذيل
يقول: " والمسلمون عند شروطهم مما وافق... " وهو ظاهر في كونه ناظرا إلى تحديد
ما هو النافذ من الشروط وبيان أن ما ذكر في الصدر من أنه أحد مصاديق الشرط
الموافق، فيكون حاكما على غيره من النصوص، ولا أقل من كونه أظهر منها
في اعتبار عنوان الموافق فيقدم ويؤخذ بظهوره لا محالة.
ثم إنه قد استظهر من النبوي الوارد في شراء بريرة أنه في مقام نفي الشرط المخالف
للكتاب، فيشكل بعدم انطباقه على مورده لأن شرط الولاء للبائع لم يتعرض له
الكتاب نفيا أو اثباتا.
ولأجل ذلك حمل المراد بالكتاب على ما هو أعم من القرآن الكريم، فقيل: إن
المراد به ما كتبه الله على عباده من أحكام الدين وإن بينه على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
210

ولكن هذا بعيد جدا ومخالف للظاهر من لفظ: " كتاب الله " جزما.
ولا داعي إلى الالتزام به، إذ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النبوي " ليس في كتاب الله " يشير
فيه إلى الشرط غير الموافق لا الشرط المخالف، كما لا يخفى. وحمله على نفي الشرط
المخالف المؤدي إلى التأويل المتقدم في غير محله (1).
ولعل هذا هو مراد الشيخ (قدس سره) من قوله: " لكن ظاهر النبوي وإحدى صحيحتي
ابن سنان اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط... " فانتبه.
وكيف كان، فقد عرفت أن مقتضى الجمع العرفي بين النصوص هو اعتبار موافقة
الكتاب في صحة الشرط.
والانصاف: أنه لا أثر لهذا الترديد عملا، فإن المخالفة وعدم الموافقة يصدقان معا
دائما وليس هناك جهة افتراق.
وذلك لأن جميع الأحكام الشرعية - تكليفية أو وضعية - يمكن استفادتها من
الكتاب الكريم ولو باطلاق أو عموم، فما لا يوافقه يكون مخالفا له. ولا ينتقض ما
ذكرناه بمثل شرط الولاء للبائع، إذ الإرث في الآية الكريمة محصور بالأقربين وإنما
خرج عنه المعتق لدليل خاص، فاشتراط إرث البائع مخالف لمقتضى الحصر في الآية
الكريمة ولا يلزم أن يتعرض الكتاب لخصوص ولاء البائع.
وعليك بالتأمل التام في موارد الشروط لاستخراج حكمها من الكتاب الكريم.
الجهة الثانية: في أن المراد بمخالفة الشرط للكتاب، هو مخالفة التزامه للكتاب أو
مخالفة الملتزم به له، أو كلتيهما.
وتحقيق الكلام في ذلك: إن الوارد في النصوص عنوانان:
أحدهما: عنوان مخالفة الكتاب.
والآخر: عنوان تحليل الحرام أو تحريم الحلال، كما في رواية إسحاق بن عمار
المتقدمة.

1 - يعني يكون استدراكا عن لزوم التصرف في لفظ الكتاب ببيان عدم المقتضي له. وليس استدراكا عن أصل
اعتبار عدم المخالفة. (منه عفي عنه).
211

فإن أريد من الشرط الملتزم به والمشروط، ففي مثل اشتراط الفعل المحرم يصدق
على المشروط أنه مخالف للكتاب، لكنه لا يصدق عليه عنوان تحليل الحرام، لأن
فعل الحرام المشروط ليس تحليلا له بل هو مخالفة للحرمة وعصيان لها، فلا يمكن أن
يراد بالشرط المحلل للحرام نفس الفعل المشترط.
نعم، إذا استلزم الشئ فعل الحرام وإن كان مباحا في نفسه، صدق عليه أنه محلل
للحرام بنحو المسامحة.
ولكنه أيضا لا يمكن أن يراد بالشرط المحلل للحرام ذلك، إذ لا يمكن أن يراد
بالفقرة الأخرى المتحدة معها في السياق وهي فقرة " تحريم الحلال " ذلك جزما،
لأن لازمه أن لا يصح شرط الفعل أصلا، لأن كل فعل لا بد و أن يستلزم خارجا
ترك مباح من المباحات بحيث لولاه ما ترك ذلك المباح، فيصدق عليه أنه محرم
للحلال.
وبالجملة، لا يمكن أن يكون المنظور في قيد " تحريم الحلال أو تحليل الحرام "
الشرط بمعنى المشروط والملتزم به.
وإن أريد من الشرط نفس الالتزام، لم يصدق عليه عنوان المخالفة للكتاب، إذ
الالتزام بشئ لا ينافي الكتاب ويخالفه وإنما الذي يخالفه هو العمل الخارجي وهو
الملتزم به.
نعم، يصدق عليه عنوان محلل الحرام في صورة اشتراط فعل محرم، إذ الالتزام
نفسه يعد محللا للحرام. ولازمه صدق عنوان محرم الحلال على اشتراط ترك المباح
أو فعله، مع أنه لا مانع منه جزما.
ولا يناسب أن يراد منه عدم نفوذ اشتراط ترك مباح خاص، كترك التسري
المذكور في النص، فإنه لا يتلاءم مع تشريع القاعدة الكلية.
والمتحصل: إن عنوان محرم الحلال لا يمكن أن يجعل ضابطا لعدم نفوذ الشرط،
للاجماع والضرورة على جواز اشتراط ترك الحلال، فلا بد من طرحه بعنوانه أو
حمله على موارد خاصة. وسيأتي تتميم الكلام فيه أن شاء الله تعالى.
212

وأما عنوان تحليل الحرام، فهو راجع إلى مخالفة الكتاب، لأن الشرط المحرم
يخالف الكتاب. وبعبارة أخرى: إنه في كل مورد يصدق عنوان المحلل للحرام ينطبق
عنوان المخالف للكتاب.
وعليه، فلم يظهر اعتبار أزيد من عنوان المخالف للكتاب أو غير الموافق له.
وقد عرفت أن هذا العنوان يرتبط بالملتزم به خاصة ولا ينطبق على الالتزام.
فيتعين أن يكون المراد بالشرط هو الملتزم به والمشروط. ولا يظهر لالحاق الالتزام
به - بعد انحصاره بمورد تحليل الحرام - أثر عملي، كما عرفت.
وأما استدلال الشيخ (قدس سره) على التعميم وأن المراد أعم من الملتزم به والالتزام
بالمرسل المروي في الغنية (1) " الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة "
بتقريب: إن المراد بالجواز ما يساوق النفوذ وهو صفة الالتزام لا الملتزم به. وكذا
قوله بين المسلمين، فإن الالتزام هو الواقع بين المسلمين دون الملتزم به لأنه فعل
الملتزم خاصة.
ففيه: إن قوله (عليه السلام) في الذيل " ما لم يمنع منه " قرينة على إرادة الملتزم به، لأنه هو
الذي يتعلق به المنع لا الالتزام.
كما أنه ظهر بما حققناه أنه لا تصل النوبة إلى التحقيق الذي ذكره
الأصفهاني (رحمه الله) (2) لاثبات عموم الشرط للالتزام والملتزم به، فلاحظه.
الجهة الثالثة: في تعيين المراد بالحكم الذي يعتبر عدم مخالفة الشرط له.
وقد أفاد الشيخ (قدس سره) في تحقيق هذه الجهة: إن الحكم الثابت لموضوعه..
تارة: يثبت له من حيث نفسه من دون ملاحظة عنوان طارئ عليه، ولازم ذلك
عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم له وبين ثبوت حكم آخر له بملاحظة طرو عنوان
آخر عليه، وذلك كما في أغلب المباحات والمستحبات والمكروهات بل جميعها، فإن
الجواز فيها ثابت للفعل بما هو، فلا ينافيه ثبوت الحرمة له لعنوان طارئ عليه

1 - الحلبي، ابن زهرة: غنية النزوع، ص 215، ط مؤسسة الإمام الصادق (ع).
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 143، الطبعة الأولى.
213

كالحلف على تركه، أو عروض الوجوب، كالحلف على اتيانه، أو كان مقدمة
لواجب.
وأخرى: يثبت له بلا ملاحظة تجرده عن العناوين الطارئة عليه، ولازمه حصول
التنافي بين ثبوت هذا الحكم وثبوت حكم آخر له وذلك كما في أغلب المحرمات
والواجبات.
وعليه، فالمراد بما يخالف الكتاب هو الشرط الوارد على ما كان من قبيل الثاني
من الأفعال، كشرط فعل المحرم. فإن الشرط يتنافى مع مقتضى الكتاب من التحريم.
وأما ما كان واردا على ما كان من قبيل الأول من الأفعال، فلا يكون مخالفا
للكتاب، كشرط ترك المباح.
ومن هذا البيان انتقل (قدس سره) إلى عنوان محرم الحلال. وذكر أن المراد به هو الحلال
المطلق - بحسب دليله - حتى مع الشرط، لا ما كان حلالا لو خلي وطبعه بحيث لا
ينافيه حرمته لطرو عنوان آخر ملزم بفعله أو بتركه. وقد أطال (قدس سره) الكلام في تحقيقه،
وما ذكرناه خلاصة مختاره.
وللمحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) - بعد ايضاح ما أفاده الشيخ (قدس سره) - تحقيق في المقام
يرجع إلى بيان أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) أجنبي عما نحن فيه وأن نفوذ الشرط وعدمه لا
يدور مدارها، فإنه أفاد - بعد أن ذكر أن متعلق الشرط قد يكون حكما تكليفيا وقد
يكون حكما اعتباريا وضعيا، وقد يكون عملا خارجيا فعلا أو تركا، وأن شرط
الحكم التكليفي غير نافذ مع قطع النظر عن استثناء الشرط المخالف للكتاب، لأنه أمر
غير مقدور للملتزم.
وأن الحكم الوضعي تارة: يكون حكما ابتدائيا كحكم الشارع بإرث القريب
وولاء المعتق فهو يشبه الحكم التكليفي في كون شرطه شرطا لغير المقدور فلا ينفذ.
وأخرى: يكون حكما تسبيبيا ولكن يكون له سبب خاص كالطلاق، فشرطه
بنحو شرط النتيجة غير صحيح، لأنه ايجاد للشئ بغير سببه.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 144، الطبعة الأولى.
214

وثالثة: يكون تسبيبيا من دون أن يكون له سبب خاص، فلا مانع من نفوذ
شرطه بنحو شرط النتيجة، ويكون الشرط سببا بدليل نفوذه -: - أفاد (رحمه الله) -:
إن الكلام في ما تعلق الشرط بعمل من فعل أو ترك وهو مورد تزاحم المصلحة
والمفسدة تارة وعدمه أخرى.
وعليه، نقول: إن عنوان الشرط ليس من العناوين الحسنة عقلا ولا من العناوين
ذات المصالح اللزومية وغير اللزومية وإلا كان الشرط واجبا أو مستحبا، مع أنه لا
كلام في عدم كونه راجحا في نفسه بل هو مباح.
وإذا لم يكن الشرط ذا مصلحة لزومية فكيف يكون انطباقه على فعل الحرام أو
ترك الواجب موجبا لتزاحم المقتضيين حتى يشكل الأمر، مع عدم العلم بأقوائية
المقتضي الواقعي من المقتضي الطارئ.
وأما وجوب الوفاء بالالتزام، فهو مترتب على تحقق الالتزام النافذ، والكلام في
عنوان الالتزام المنطبق على ترك الواجب وفعل الحرام. ولا منافاة بين أن يكون
أصل الالتزام مباحا إلا أنه عند تحققه يجب الوفاء به لما في الوفاء بالعهد من الحسن
عقلا والرجحان شرعا.
وأما اعتبار الملكية أو الحقية، فهو وإن كان عن مصلحة لكن المصلحة في نفس
الاعتبار لا أنها مصلحة قابلة للاستيفاء والتحصيل حتى يجب تحصيلها، أو تكون
تداركا لمفسدة فعل الحرام.
وعليه، فبما أن في إنفاذ الالتزام المعاملي ومنه الالتزام الشرطي من قبل الشارع
منة على عباده لوصولهم إلى أغراضهم المعاملية، فينحصر الانفاذ بما لا يكون فيه
فوات مصلحة أو وقوع في مفسدة، أما ما يكون فيه ذلك فالانفاذ خلاف المنة
لفرض عدم التدارك، فينحصر نفوذ الشرط في شرط المباح دون شرط المحرم من
فعل محرم أو ترك واجب. فلاحظ. هذا ما أفاده (قدس سره).
وجهة الفرق بينه وبين ما أفاده الشيخ (قدس سره) كما أوضحه الأصفهاني نفسه، هو: إن
مقتضى كلام الشيخ (قدس سره) تحقق التعارض بين جهة الشرط والوفاء به وبين
215

الحكم الواقعي المخالف به، واندفاع هذه المعارضة بتقييد دليل نفوذ الشرط بعدم
المخالفة، فيتقدم دليل الحكم الواقعي والحال هذه.
وأما مقتضى كلامه (رحمه الله)، فهو عدم التعارض والتزاحم واقعا حتى لو لم يقيد دليل
الشروط بعدم المخالفة، فكان ما أفاده بيان لمناط الاستثناء ثبوتا.
وكيف كان، فما أفاده (رحمه الله) لا يخلو من اشكال في بعض نقاطه.
فمنها: ما أفاده من كون شرط الإرث شرطا لحكم شرعي ابتدائي فلا يصح لعدم
القدرة.
فإنه يرد عليه: أن واقع الإرث هو تملك حصة خاصة من المال، فشرط الإرث
راجع إلى شرط التمليك وهو من الأمور التسبيبية، فلا مانع من تعلق الشرط به لولا
كونه من الشروط المخالفة للكتاب. وسيأتي البحث عنه.
ومنها: ما ذكره من عدم كون الشرط موجبا لتعنون الفعل بعنوان حسن.
فإنه يرد عليه: إن عنوان الوفاء بالالتزام عنوان حسن بنظر العقلاء مع قطع
النظر عن الحكم الشرعي بالنفوذ أو وجوب الوفاء، كما لا يخفى.
ومنها: ما ذكره من عدم تدارك مصلحة الواقع بمصلحة نفس الاعتبار.
فإنه يرد عليه: إنه من الممكن تحقق التزاحم بين مصلحة الحكم ومصلحة المتعلق،
لأن كلتيهما ترجعان إلى المكلف نفسه، فما أفاده لا يمكن قبوله.
ثم إن ما أفاده أجنبي عما هو المهم في الكلام من تحقيق المراد بتحريم الحلال.
وبيان ذلك: إن تحقيق المراد بعنوان مخالف الكتاب ليس بذي أهمية، إذ المراد منه
معلوم. فكل شرط يتنافى مع ما يقتضيه الحكم الشرعي فهو مخالف له ولا يشمل غير
مورد شرط فعل الحرام أو ترك الواجب، أما شرط ترك الأمر المباح فليس فيه
مخالفة لحكم الكتاب بشئ كما لا يخفى، إذ الإباحة لا تمنع من الترك كانت الإباحة
فعلية أم طبعية، ولذا لم ينته الشيخ (قدس سره) في تحقيقه إلا إلى هذه النتيجة.
وإنما العنوان الذي يهم تحقيق المراد منه هو عنوان " محرم الحلال " الوارد في
رواية إسحاق بن عمار المتقدمة، لأن مقتضاه عدم صحة شرط ترك المباح، ولا
يلتزم به أحد.
216

ولذا سلك الأعلام في تحقيق المراد منه مسالك. وعمدة ما قيل في بيان المراد منه
وجوه ثلاثة:
الأول: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من التفصيل بين الإباحة والحلية المطلقة والإباحة
الطبعية لولا الشرط. وأن المراد بالحلال في العنوان هو النحو الأول من الحلال الذي
ينافيه الشرط.
ويرد عليه: أن أدلة الإباحة تدل على الحلية الفعلية المطلقة ولذا لا يتوقف في
الحلية بعروض الشرط مع قطع النظر عن دليل النفوذ، فيلزم عدم صحة مطلق شرط
ترك المباح وهو مما لا يلتزم به أحد.
الثاني: ما قرره المحقق النائيني (رحمه الله) (1) تبعا للمحقق القمي (قدس سره) (2) وهو: إن المراد
بالحلال في العنوان المزبور هو العنوان المأخوذ في دليل الحكم بالإباحة، فشرط تركه
غير صحيح لأنه يقال حرم الحلال على نفسه، كما لو شرط أن لا يتزوج أصلا في
قبال شرط ترك بعض الأفراد فإنه لا يقال حرم الحلال على نفسه، كما لو شرط أن لا يتزوج المرأة الفلانية.
وقد يقرب هذا الوجه بما ورد (3) في بعض النصوص المذكورة في أبواب اليمين من
اطلاق تحريم الحلال على تحريم الطبيعة. فراجع.
وفيه: أولا: إنه لو سلم أنه صحيح في نفسه، فلا قرينة عليه.
وثانيا: إنه غير صحيح في نفسه، لأن كل فرد من أفراد الطبيعة حلال في حد
نفسه، فالتزام تركه يكون تحريما للحلال أيضا.
الثالث: ما ذكره المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (4) وذكر أنه أحسن ما قيل في هذا المقام

1 - الخوانساري، الشيخ موسى: منية الطالب، ج 2: ص 105، الطبعة الأولى.
2 - القمي، الميرزا أبو القاسم: غنائم الأيام / كتاب الشروط، ص 732.
3 - وهو ما رواه في وسائل الشيعة عن العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان قال: سألته عن رجل قال: امرأته
طالق أو مماليكه أحرار إن شربت حراما ولا حلالا قط، فقال: أما الحرام فلا يقربه إن حلف أو لم يحلف. وأما
الحلال فلا يتركه فإنه ليس لك أن تحرم ما أحل الله. إن الله يقول: " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ". وسائل
الشيعة، ج 16 / باب 19: من أبواب الايمان، ح 2.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 144، الطبعة الأولى.
217

وهو: ا ن متعلق الشرط تارة يكون مباحا قبل العقد والشرط وبالشرط يكون
حراما، كترك التسري والتزويج. وأخرى: لا يكون مباحا إلا بالعقد.
فالأول: يكون شرط تركه محرما للحلال، دون الثاني لعدم ثبوت الحلال حتى
يحرم بالشرط، مثل اشتراط عدم اخراج الزوجة من البلد.
وفيه: إن الالتزام بذلك على اطلاقه ممنوع، إذ لازمه عدم صحة شرط ترك قراءة
الكتاب في هذا اليوم، وشرط ترك الكلام مع زيد مدة ساعة وغير ذلك من الأمور
المباحة قبل العقد وهو مما لا يلتزم به.
والمتحصل: إن هذا العنوان بظاهره لا يمكن الالتزام به لمنافاته للضرورة
والاجماع القطعي. ولا يعرف منه مراد صحيح، فلا يمكن جعله ضابطا لاجماله،
وحمله على خصوص الحلال في آية * (يا أيها النبي لم تحرم..) * (1) بعيد جدا، إذ
لا يتناسب ذلك مع الكلام الوارد مورد تشريع الضابطة.
ومثله حمله على خصوص شرط ترك التسري والتزويج الوارد في بعض
النصوص.
فلا يعمل به، ويكون المتبع في الموارد الخاصة الدليل الخاص، كما ورد المنع عن
شرط ترك التسري في رواية العياشي. ولكن عرفت أن الرواية مجملة لاحتمال أو
ظهور كون المراد بها شرط الطلاق على تقدير التسري. فراجع.
وعليه، فليس لدينا ما يمنع من صحة الشرط سوى عنوان مخالفة الكتاب. وقد
عرفت أن المراد بها واضح، وأن ما ذكره الشيخ (قدس سره) من التفصيل المتقدم يمكن أن
يكون تمهيدا لتحقيق عنوان محرم الحلال.
ولذا لم يذكر موردا من موارد التحريم يكون التحريم به طبعيا بحيث لا ينافيه
نفوذ الشرط. ولم يذكر موردا من موارد الإباحة مما ينافيه نفوذ الشرط، فلاحظ.
ثم إنه يقع الكلام في جهتين:
الجهة الأولى: في بيان بعض الموارد من الشروط التي وقع الكلام فيها وأن
الشرط مخالف للكتاب أوليس بمخالف:

1 - سورة التحريم، الآية: 1.
218

فمنها: شرط إرث الأجنبي.
وتحقيق الكلام فيه: إن المراد بشرط الإرث هو جعل حصة من ماله للأجنبي
بحيث لو كان قريبا كانت له تلك الحصة.
وعليه، نقول: إن آية تشريع الإرث وهي قوله تعالى: * (للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو
كثر نصيبا مفروضا) * (1)، إما أن نقول إنها ناظرة إلى بيان أن هؤلاء لهم حق
في الميراث دفعا للنزاع الذي قد يحصل في تقسيم مال الميت وحرمان بعض واستئثار
آخرين. وأما أن نقول إنها ناظرة إلى بيان حصر من لهم الحق بهؤلاء.
فعلى الأول: - كما هو ظاهر الآية - لا يكون اشتراط إرث لغيرهم منافيا لمضمون
الآية، إذ هي لا تمنع من إرث غيرهم لعارض وسبب آخر غير كونه قريبا للميت.
وعلى الثاني: يكون اشتراط الإرث منافيا لمدلول الآية.
لكن قد يقال: إن نظر الآية إلى المال الذي يخلفه الميت ويتركه بحسب الطبع بحيث
لا يكون له نظر وتصرف فيه، فلا تكون ناظرة إلى الحصة التي يورثها للأجنبي لأنها
عرفا لا تعد مما تركه الميت بل مما استثمره.
هذا، مع أن مرجع التوريث كما عرفت هو تمليك الحصة بعد الموت، فيرجع إلى
الوصية التمليكية ولا مانع من العمل بها عملا بما دل على نفوذ الوصية، لكن بشرط
أن لا تزيد على الثلث إن التزمنا بذلك في باب الوصية ولو لم تكن عهدية.
وإلا فلو خصصنا ذلك بالوصية العهدية بدعوى أن الآية المانعة من نفوذ الوصية
بما يزيد على الثلث وهي قوله تعالى * (غير مضار) * (2) - على ما قيل - ناظرة إلى
خصوص الوصية العهدية، فيكون شرط الإرث نافذا ولو زاد على الثلث، لخروجه
عن الوصية العهدية لأنها ترتبط بمقام العمل. فتدبر.
ومنها: شرط عدم الخروج بالزوجة إلى بلد آخر.

1 - سورة النساء، الآية: 7.
2 - سورة النساء، الآية: 12.
219

وتحقيق الكلام فيه: إن الثابت بحسب الأدلة سلطنة الزوج على الزوجة في
سكناها ولزوم متابعتها له، فإذا اشترط عليه عدم الخروج بالزوجة.
فتارة: يرجع الشرط إلى اشتراط عدم ثبوت السلطنة له أو ثبوت السلطنة لها،
فهو مخالف لما دل على ثبوت السلطنة له وحصرها فيه.
وأخرى: يرجع الشرط إلى اشتراط عدم خروجه بها إلى بلد آخر، فالمشترط
عدم إعمال السلطنة لا نفي السلطنة، فهذا لا مانع منه، إذ ليس فيه مخالفة لحكم
الشارع بثبوت السلطنة له لأنه ليس بحكم الزامي.
لكنه لو خالف دليل وجوب الالتزام بالشرط وأراد أن يخرج بها إلى بلد آخر
وجب عليها متابعته لعدم سقوط هذا الحكم عنها، إلا أن يلتزم بثبوت حق وضعي
لها بواسطة الشرط، فيكون اعماله السلطنة منافيا لحقها.
وثالثة: يرجع إلى اشتراط سقوط حق السكنى بناء على ثبوت حق له عليها، فهو
لا مانع منه أيضا لما دل على أن لكل ذي حق اسقاط حقه. فتدبر.
الجهة الثانية: في الأصل العملي الذي يرجع إليه عند الشك في كون الحكم بنحو
يخالفه الشرط أو لا.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى أن الأصل عدم المخالفة وبه يحرز موضوع النفوذ بعد
تخصيص عموم " المؤمنون عند شروطهم " بما كان مخالفا للكتاب. وذكر (قدس سره) أن
مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيره
بالشرط. وهذا الأصل بظاهره من الأصول المثبتة.
وتحقيق الكلام: إن المورد من موارد الشبهات المصداقية للمخصص وليس
للشرط حالة سابقة كي تستصحب، لأن وصف المخالفة أو عدمها لازم له من حين
حدوثه، فتبتني المسألة على مسألة جريان استصحاب العدم الأزلي وعدمه، وهي
مسألة طويلة البحث وقد استوعبنا (1) الكلام فيها في مبحث الشبهة المصداقية من
مباحث العموم، وكان مختارنا عدم جريانه، فراجع تلك المسألة والله سبحانه ولي
السداد.

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 3، ص 343، الطبعة الأولى.
220

الأمر الخامس: مما اعتبر في صحة الشرط: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد.
وقد استدل الشيخ (قدس سره) على ذلك بوجوه ثلاثة:
الأول: وقوع التنافي بين مقتضى العقد الذي لا يتخلف عنه وبين الشرط الملزم
لعدم تحققه، فلا يمكن الوفاء بالعقد المقيد بالشرط. فأما أن يحكم بتساقط كليهما وأما
أن يحكم بتقديم جانب العقد لأنه المتبوع المقصود بالذات والشرط تابع. وعلى كلا
التقديرين يكون الشرط باطلا.
الثاني: إن الشرط المنافي لمقتضى العقد مخالف للكتاب والسنة الدالين على عدم
تخلف العقد عن مقتضاه، فيكون من الشرط المخالف.
الثالث: الاجماع على عدم صحة هذا الشرط.
وملخص الكلام في هذه الجهة: إن الشرط..
إن كان منافيا لما هو المقوم للعقد، كشرط عدم الثمن في البيع، فهو مما لا يمكن
صدوره من عاقل ملتفت لأن القصدين متنافيان فلا يمكن الجمع بينهما. ولو صدر
عن غفلة، فلا أثر لذلك الشرط لمنافاته لمعنى العقد.
وإن كان منافيا للأثر الشرعي الذي لا ينفك عنه، كجواز التصرف في المبيع..
فإن كان المقصود اشتراط عدم ترتب ذلك الأثر، فهو اشتراط أمر غير مقدور.
وإن كان المقصود اشتراط عدم تحقق متعلق الحكم خارجا، كاشتراط عدم
التصرف في المبيع بكل نحو من أنحاء التصرف، فإن كان الحكم إلزاميا كان منافيا
للكتاب وإلا فلا محذور فيه في نفسه إلا أن يكون العقد معه سفهيا للغويته.
وبالجملة، لا موضوعية لمنافاة الشرط لمقتضى العقد بل هي إما راجعة إلى شرط
أمر غير مقدور، أو ما يخالف الكتاب. وإلا فلا مانع منه.
ثم إن ظاهر كلماتهم كون موضوع البحث هو الشرط المنافي لأثر العقد ومقتضاه
لا لمعناه وما يقومه - كما يظهر من المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) - فراجع كلماتهم ولاحظ
الأمثلة المذكورة فيها تعرف.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 149، الطبعة الأولى.
221

ثم إنه وقع الكلام في بعض موارد الشرط وأن الشرط فيها مناف لمقتضى العقد
أو لا.
ولنذكر جملة منها مما ذكره الشيخ (قدس سره).
فمنها: شرط عدم التصرف المطلق في المبيع.
وتحقيق الكلام فيه: أنه إن كان راجعا إلى سلب السلطنة ونفيها فهو شرط لأمر
غير مقدور أو شرط لما يخالف الكتاب.
وإن كان راجعا إلى شرط عدم التصرف وإعمال السلطنة، فلا مانع منه - كما
أشرنا إليه - إلا أن يلزم منه كون العقد سفهيا.
وأما شرط عدم التصرف الخاص، كشرط عدم بيعه أو هبته، فهذا مما لا مانع منه
جزما كما هو واضح.
ومنها: شرط الاشتراك في الربح دون الخسارة في المال المشترك أو بالعكس.
فقد قيل إنه مناف للعقد لأنه مناف للشركة، حكي ذلك عن ابن إدريس (1).
والتحقيق: إن الشرط إن كان راجعا إلى شرط صيرورة الربح لأحدهما خاصة،
فهو مخالف للكتاب وما دل على حكم الشركة ومقتضاها، أو يكون شرطا لغير
مقدور إذ الملكية حكم شرعي.
وإن كان راجعا إلى شرط تملك حصة شريكه من الربح بعد دخولها في ملكه، فهو
لا محذور فيه لأن التمليك تسبيبي، فيكون من باب شرط النتيجة.
ومنها: شرط الضمان في الإجارة.
والتحقيق: إنه إن قيل إن حقيقة الإجارة عبارة عن تمليك العين بملكية خاصة،
فلا يصح شرط الضمان إذ لا معنى للضمان، لأن الشخص لا يضمن ملكه.
وإن قيل إنها تتضمن الاستئمان الراجع إلى تنزيل الغير منزلة المالك في
الاستيلاء على المال فكأنه هو المالك، فالأمر كذلك، إذ كما أن التصرف الصادر من
المالك لا يوجب الضمان فكذلك من هو بمنزلته، فلا يصح شرط الضمان.

1 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 400، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
222

ولكن الإجارة ليست تمليكا للعين، ولا تتضمن الاستئمان الانشائي. نعم
الاستئمان لازم تسليم العين لأجل استيفاء المنفعة.
وقد يقال: إن إباحة العين من المالك تستلزم نفي الضمان، فإباحتها من المولى أولى
في ذلك فضلا عن إلزامه مالك العين بتسليمها، فهو يقتضي نفي الضمان، فلا يصح
شرطه.
وفيه: إن الإباحة والالزام المولوي يتبع ما وقع عليه العقد وكيفيته. فإذا وقع
بشرط الضمان، كان موضوع الإباحة مقيدا.
وأما ما يقال في نفي صحة شرط الضمان، من أنه ورد أن (1) " المستعير مؤتمن "
والإجارة تشترك مع الاستعارة في جواز التصرف في العين، بضميمة أن جهة
الائتمان بملاحظة إباحة التصرف.
ففيه: إن المراد من قوله " المستعير مؤتمن " إنه مؤتمن بحسب الطبع ولذا يجوز
شرط الضمان في العارية.
وعليه، فلا مانع من شرط الضمان في الإجارة.
ودعوى: انصراف دليل الضمان وهو " على اليد... " عن مورد الإجارة.
مندفعة: بأن الانصراف غير ثابت مع شرط الضمان كما لا يخفى. فتدبر.
ومنها: شرط إرث للزوجة في عقد المتعة.
والكلام فيه من ناحيتين:
الأولى: من ناحية منافاته لمقتضى العقد، فقد يقال إنه شرط مناف لمقتضى العقد
لما دل على أن من حدود المتعة عدم الإرث.
ولكن يمكن أن يقال: إن المنظور في ذلك عدم اقتضاء الزوجية المنقطعة للإرث
وأنه ليس كالعقد الدائم، وذلك لا يتنافى مع اشتراط إرثها.
الثانية: ناحية كونه مخالفا للكتاب لأنه من شرط إرث الأجنبي. وقد تقدم الكلام
فيه في البحث عن الشرط المخالف. فراجع.

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 1: من أبواب العارية، ح 6. لفظ الحديث هكذا صاحب العارية والوديعة مؤتمن.
223

ومنها: شرط عدم الخروج بالزوجة إلى بلد آخر، وقد تقدم الكلام فيه فلا نعيد.
الأمر السادس: عدم كونه مجهولا جهالة توجب الغرر. وكلمات الأصحاب في
هذا المقام مختلفة من حيث بطلان الشرط في نفسه أو من ناحية العقد.
وملخص الكلام: هو أنه لا بد من البحث في جهتين:
الأولى: بطلان الشرط في نفسه لأجل كونه غرريا، ولا دليل عليه سوى
مرسلة (1) العلامة " نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغرر " بدعوى أنها وإن كانت مرسلة إلا أنها معمول بها لدى الكل ومما وقع الاجماع على العمل بها، فتكون مقطوعا بها، ولا
يبتني ذلك على كبرى جابرية عمل المشهور، بل هو نظير الاجماع على الطرح.
وفيه: أولا: إن الأصحاب وإن أفتوا بمضمونها ولكن لم يعلم أنهم استندوا إليها
لامكان كونهم قد استندوا إلى ما روي (2) من نهي النبي عن بيع الغرر بإلغاء
خصوصية البيع بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع واستظهارهم كون المدار على
الغرر والخطر.
ثانيا: لو تمت المرسلة المزبورة سندا، فقد يدعى انصرافها إلى باب المعاوضات
المبنية على المال والمغابنة فيه لأنها هي التي تكون معرضا للخطر دون غير ذلك من
المعاملات خصوصا غير المستقلة، فلا تشمل مثل الشرط.
وعليه، فلا دليل على بطلان الشرط من باب أنه غرري.
الثانية: في استلزام جهالة الشرط كون نفس العقد غرريا، فيكون مشمولا للنهي
عن بيع الغرر. وتحقيق ذلك أن الشرط..
تارة: يتعلق بالوصف الخاص في المبيع الشخصي، ككون العبد كاتبا أو طويلا،
وقد عرفت رجوع الاشتراط إلى التوصيف.
وهذا خارج عن محل الكلام، للزوم معرفة الأوصاف التي تختلف فيها الرغبات
في المبيع الشخصي، فالجهالة مضرة ولو بدون الشرط.
وأخرى: يرجع إلى الالتزام بفعل في ضمن التزامه بالعقد من دون بناء العقد عليه

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 488، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 40: من أبواب آداب التجارة، ح 3.
224

بل يكون التزاما مستقلا لكنه أوقعه في ضمن الالتزام العقدي لأجل تحقق عنوان
الشرط بناء على عدم صدقه على الالتزام الابتدائي.
وهذا لا كلام فيه، إذ لا يحتمل أن تكون الجهالة فيه مؤثرة في العقد لعدم بنائه
عليه.
وثالثة: يرجع إلى شرط فعل أو غيره مع بناء العقد عليه، وهذا هو محل الكلام
مثل أن يقول: بعتك هذا الكتاب بكذا على أن تخيط لي ثوبا.
ولا يخفى أن الجهالة فيه موجبة لغررية العقد، وذلك لأن الشرط وإن لم يكن
مقابلا بالمال إلا أنه في مقام المعاملة يزاد أو ينقص أحد العوضين بلحاظ وجوده،
فقد يبذل المشتري أكثر من ثمن المثل لأجل الشرط، وقد يبذل البائع عينه بأقل من
ثمنها لأجل الشرط، فإذا كان مجهولا، لزم الغرر فيما يبذل بلحاظه المال وإن كان كل
من العوضين معلوما، فيكون البيع غرريا لا محالة.
وأما ما ورد في كلام الشيخ (قدس سره) من استثناء ما إذا عد الشرط عند العرف تابعا
غير مقصود بالبيع، كبيض الدجاج، فتحقيقه: إن ما يعد تابعا للمبيع، كالبيض بحيث
لا يكون ملحوظا في بيع الدجاج ولا يكون مقصودا في المعاملة، ويدخل في الملك
بتبعه إذا وقع متعلقا للشرط.
فتارة يقال: إن هذا الشرط تأكيد لمقتضى طبع العقد فهو لا يزيد على صورة عدم
الاشتراط، فلا تكون الجهالة فيه مضرة كما لا تضر لو أطلق.
وأخرى يقال: إن ظاهر الشرط كونه ملحوظا بنفسه لكونه موردا للغرض
العقلائي، فتكون الجهالة فيه مضرة لسرايتها إلى العقد المبني عليه كما بين.
فلعل نظر الشيخ (قدس سره) إلى الأول. وعليه فلا تهافت في كلامه كما قيل، لأن استثناءه
راجع إلى ملاحظة مقام الاثبات.
ولكن الحق على خلافه، لأن ظاهر الاشتراط كونه ملحوظا بنفسه وموردا
للغرض العقلائي لا أنه تأكيد لما يقتضيه إطلاق العقد، فلاحظ.
ثم إنه لو أخذ التابع جزء كانت جهالته مضرة جزما، وذلك:
225

أما على القول بقدح جهالته لو أخذ شرطا، فقدحها لو أخذ جزء أولى.
وأما على القول بعدم قدح جهالته لو كان شرطا، فلأنه إذا أخذ جزء كان أحد
العوضين ومقصودا بالمعاوضة. والجهالة فيهما موجبة للغرر بلا إشكال.
ثم إن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) فرق في الشرط المجهول بين اشتراط ما لا يمكن
العلم به أصلا كاشتراط أن يعطيه شيئا، وما يمكن أن يعلم به كاشتراط أن يعطيه ما
يقول زيد ويعينه. فحكم ببطلان الأول لاستلزامه غررية البيع دون الثاني.
ولا نعرف وجها وجيها للتفرقة بينهما في استلزام أحدهما غررية البيع دون
الآخر.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) إلى بيان بطلان الشرط الراجع إلى
التوصيف إذا كان مجهولا بأنه حيث كان من شؤون البيع عرفا صدق الغرر في
المعاملة، وإلى بيان بطلان الشرط الراجع إلى الالتزام المبني عليه العقد بأنه حيث
كان دخيلا في الغرض المعاملي كان الجهل به موجبا لصدق الغرر على المعاملة، كما
كان تخلفه موجبا للخيار في البيع وإن لم يكن مقوما للمبيع ولا من شؤونه.
أقول: قد عرفت خروج القسم الأول من الشرط - أعني الشرط التوصيف - عن
محل الكلام لأن الجهل به مضر سواء أخذ شرطا أم لا.
وأما القسم الآخر، فقد عرفت أن الغرر فيه يسري إلى نفس المعاوضة لملاحظته
في مقام بذل الثمن أو المثمن.
وأما تخلف الغرض المعاملي، فقد تقدم في أوائل مبحث خيار العيب أنه لا يوجب
الخيار بنفسه، وثبوت الخيار في مورد العيب للدليل الخاص. فتدبر.
الأمر السابع: أن يكون مستلزما لمحال.
وهذا الشرط لا إشكال فيه من حيث الكبرى، فإن ما يستلزم المحال محال.
إلا أن الكلام وقع في صغراه، فقد جعل العلامة (رحمه الله) (3) من مصاديقه ما إذا شرط

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 116، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 152، الطبعة الأولى.
3 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 490، الطبعة الأولى.
226

في البيع أن يبيعه على البائع، بدعوى أنه مستلزم للدور، لأن بيعه له يتوقف على
ملكيته له المتوقفة على بيعه.
وقد استشكل فيه: بأن هذا يتم لو أريد من الشرط المبحوث عنه المعنى الفلسفي
وهو ما يلزم من عدمه العدم، إذ الشرط المزبور - أعني شرط البيع على البائع -
يتوقف على البيع والبيع يتوقف عليه، فيلزم الدور.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن المراد بالشرط ههنا معناه الفقهي وهو الالتزام،
وعليه فلا يتحقق الدور.
والتحقيق أنه يمكن أن يقرب الدور حتى على المعنى الفقهي للشرط.
بيان ذلك: إن الشرط المتعلق بالفعل عبارة عن الالتزام المبني عليه العقد بحيث
يكون بمنزلة الموضوع للعقد - على ما تقدم تحقيقه -. ومن الواضح أن الالتزام
لا يمكن أن يتعلق بما ليس بمقدور بل لا بد و أن يتعلق بالمقدور، ولذا أرجعنا شرط
النتيجة إلى الجعل والقرار والاعتبار دون الالتزام.
ولا يخفى أنه لا يعقل بيع الشئ على مالكه، لأنه تمليك للمبيع ولا معنى له بالنسبة
إلى مالك المبيع.
وعليه، نقول: إن التزام المشتري البيع على البائع لا يكون إلا بلحاظ خروجه
عن ملك البائع، إذ البيع على المالك غير متصور فلا يمكن تعلق الالتزام به، وخروج
المبيع عن ملك البائع إنما هو فرع صحة البيع، فالالتزام بالبيع على البائع متوقف على
صحة البيع، والحال أن صحة البيع متوقفة على الالتزام لبناء العقد عليه وكونه بمنزلة
الموضوع كما عرفت، فيلزم الدور والخلف.
ودعوى: إن ما يبتني عليه البيع وصحته هو نفس الالتزام وهو حاصل بالفعل.
والتقييد بصحة البيع راجع إلى متعلق الالتزام وهو الملتزم به، فما يتوقف على صحة
البيع هو الملتزم به وما تتوقف عليه صحة البيع هو الالتزام، فلا دور.
مندفعة: بأن الالتزام وإن تحقق فعلا لكنه منوط بصحة البيع بنحو الشرط المتأخر
بأي نحو صححناه، بحيث لو لم يتحقق ذلك الشرط في ظرفه لم يكن التزام أصلا.
227

نظير عدم تحقق الوجوب السابق للحج لو لم يقدر متأخرا على أداء الحج في الموسم.
وبالجملة، فما أفاده العلامة (رحمه الله) بالتقريب الذي ذكرناه لا دافع له (1).
وهو كما يتأتى في مثال البيع بشرط البيع على البائع، يتأتى في شرط الرهن عنده
على الثمن.
وذلك لأن الرهن على المالك لا معنى له لعدم تحقق الاستيثاق به المقوم للرهن
والمطلوب فيه، فيكون متوقفا على صحة البيع والحال توقف صحة البيع عليه، كما
بيناه.
نعم لا يتأتى في شرط البيع على غير البائع، لأنه لا يتوقف على صحة البيع
لامكان تحقق البيع من غير المالك، كالفضولي والوكيل والغاصب.
وقد ذكر المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) في وجه توقف الالتزام بالبيع على المالك على
خروجه عن ملكه بأن البيع على المالك غير مقدور، فيكون التزاما بغير المقدور.
وتفصى عن الدور بما يرجع إلى أن المعتبر هو القدرة في ظرف الوفاء لا في ظرف
الالتزام، وهي حاصلة.
أقول: إن دخل القدرة ههنا يختلف عن دخلها في التكليف، فإنها دخيلة في
التكليف بمعنى أنها مصححة لصدوره من الحكيم ودافعة للغويته لا أنه لا يمكن أن
يتحقق التكليف بدونها، بخلافها ههنا، فإنها دخيلة في تحقق الالتزام فإنه لا يمكن
تحققه قي نفس الملتزم إذا لم يكن الملتزم به مقدورا.
وعليه، نقول: إن الالتزام متوقف على القدرة عليه ولو في ظرف الفعل، والقدرة
تتوقف على صحة البيع المتوقفة على الالتزام والمتأخرة عنه، فيلزم الدور.
نعم، لو كانت القدرة دخيلة في تصحيح العمل ورفع لغويته أمكن أن يقال إنه
يمكن أن يتحقق بدون القدرة على الأثر المرغوب منه فعلا بلحاظ القدرة على الأثر

1 - لا يخفى أن ورود اشكال العلامة مبني على كون المعلق على الشرط هو مضمون المعاملة وهو
التمليك. أما لو قيل بأن المبني على الشرط هو لزوم المعاملة، فلا إشكال كما هو ظاهر فتدبر. (منه
عفي عنه).
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 153، الطبعة الأولى.
228

في ظرفه. فالتفت وتدبر.
الأمر الثامن: أن يلتزم به في متن العقد، فلا يكفي التواطي عليه قبل العقد. وقد
استدل الشيخ (قدس سره) (1) على ذلك بوجهين:
الأول: إن المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان
إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا ولو استمر أثره إلى حين العقد. وإن وعد بايقاع
العقد مقرونا بالتزامه فمع ترك ذكره في العقد لا ملزم له.
الثاني: ما ذكره في آخر كلامه من أن الشرط من أركان العقد المشروط بل هو
كالجزء من أحد العوضين، فيلزم ذكره في العقد، كأجزاء العوضين.
كما استدل على صحته بوجهين:
الأول: إن العقد إذا وقع مع التواطي على الشرط كان قيدا معنويا، فلا يتحقق
الوفاء بالعقد الخاص بدون العمل به، ويكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض لتقيد
التراضي بالشرط.
الثاني: إن عموم دليل نفوذ الشرط يشمل هذا الشرط السابق على العقد، إذ
القدر المتيقن من الاجماع على عدم نفوذ الشرط الابتدائي هو صورة ما لم يقع العقد
مبنيا عليه.
وتحقيق الكلام: إنه إن قلنا بأن الشرط لا يصدق على الالتزام الابتدائي وتقومه
بالضمنية - كما احتملناه قويا سابقا - فلا كلام، إذ لا يكون عموم: " المؤمنون عند
شروطهم " شاملا له ولا تصل النوبة إلى الاجماع على عدم النفوذ.
وإن قلنا إنه يشمل الالتزام الابتدائي - ولو سلم تحقق الاجماع الكاشف عن رأي
المعصوم (عليه السلام) على عدم امضائه ونفوذه - فهو لا ينفع..
فيما لو كانت المواطاة السابقة أو الانشاء السابق بمنزلة القرينة الحالية على انشاء
الاشتراط في ضمن العقد بحيث يكون ترك ذكره اعتمادا على ما تقدم، إذ حينئذ
يكون الالتزام ضمنيا، فيكون من مصاديق الشرط وإن كان الدال عليه هو القرينة

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 282، الطبعة الأولى.
229

الحالية. نظير شروط العقد المعاطاتي الحاصل بالفعل إذ لا انشاء قولي.
وما ذكرناه جار حتى لو قلنا بعدم صدق الشرط على الالتزام الابتدائي، إذ
الفرض أن الالتزام ضمني بحسب القرينة الحالية.
وإن لم تكن المواطاة السابقة والانشاء السابق بمنزلة القرينة الحالية بحيث وقع
العقد مجردا عن انشاء الشرط وإن كان مبنيا عليه لبا - إذ لا قيمة للبناء مع عدم
انشاء الشرط - فهذا هو محل الكلام في شمول الاجماع القائم على عدم نفوذ الشرط
الابتدائي له وعدم شموله، ولا يخفى أن مجرد التشكيك يكفي في الرجوع إلى عموم
دليل نفوذ الشرط.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) في مقام إثبات شمول كلماتهم لمثل هذا الشرط الابتدائي
المبني عليه العقد وأنه غير نافذ.
فهو غير تام، لأن ما نقله عنهم في باب الربا لا يدل على عدم لزوم الوفاء
بالشرط، بل هو ناظر إلى أن التوصل إلى الزيادة إذا كان بنفس العقد كان محرما وإن
كان خارجا عنه كالوعد أو الشرط بالهبة، فلا يضر في صحة العقد.
وهذا أجنبي عن صحة الشرط بالهبة السابق وعدمه، بل قد يلتزم بنفوذه ولكن
لا ربا. فتدبر.
وأما الدليل الآخر الذي ذكره (قدس سره) على البطلان. ففيه: إن كونه ركنا لا يستلزم
ضرورة ذكره في العقد، إذ لا دليل على لزوم ذكر ركن العقد.
ولزوم ذكر العوضين، لأن قوام مفهوم المعاملة بالمعاوضة، فلا يصح البيع بدون
عوض، فيتوقف انشاؤه على ذكر العوض. فلاحظ.
هذا، تمام الكلام فيما ذكره الشيخ (قدس سره) من الأمور المعتبرة في صحة الشرط.
وقد قال بعد ذلك: " وقد يتوهم هنا شرط تاسع وهو تنجيز الشرط بناء على أن
تعليقه يسري إلى العقد... ".
وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي الكلام في ناحيتين:
الأولى: إن التعليق في الشرط نفسه هل يستلزم بطلانه أو لا؟
230

الثانية: إن التعليق في الشرط هل يستلزم التعليق في العقد، فيبطل، كالجهالة فيه
السارية إلى العقد أو لا؟
وقد أوقع الشيخ (قدس سره) الكلام في جهة صغروية وهي أن التعليق في الشرط هل
يستلزم التعليق في العقد أو لا؟ مع المفروغية عن كبرى مبطلية التعليق المزبور لو
سرى إلى العقد.
وقد نفى السراية بأن الشرط هو الالتزام، والتعليق راجع إلى الملتزم به، فلا
يكون تعليقا للعقد المترتب على الالتزام.
وعلى أي حال يقع الكلام في الناحيتين:
أما الناحية الأولى، فتحقيقها: إن التعليق بالشرط لا يستلزم بطلانه، لأن الدليل
على بطلان المعاملة بالتعليق إنما هو الاجماع لا غير، وهو يختص بالعقود لو لم نقل
باختصاصه بالبيع فقط، فلا يشمل الشرط.
وأما الناحية الثانية، فتحقيقها: إنه لا اشكال في سراية التعليق في الشرط إلى
العقد بعد فرض وقوعه مبنيا عليه وأخذه في موضوع العقد. إلا أنه..
تارة نقول: بأن ما علق على الشرط وبني عليه هو لزوم المعاملة دون نفس
المعاملة كالتمليك في البيع. ومعه لا تبطل المعاملة لأن تعليق اللزوم لا يستلزم بطلان
المعاملة.
وأخرى نقول: إن ما رتب على الشرط هو نفس المعاملة لكن لا بنحو التعليق بل
بنحو أخذ الشرط في موضوع التمليك. فيكون تعليق الشرط موجبا لتعليق مضمون
المعاملة.
إلا أنه لا دليل على بطلانها بمثل هذا التعليق، إذ القدر المتيقن من الاجماع هو
البطلان بالتعليق مباشرة لا تعليق العقد بواسطة الشرط كيف؟ والمفروض أنه محل
خلاف فتدبر.
هذا تحقيق الكلام في هذه الجهة وبه تعرف ما قيل في المقام من الكلمات فراجع.
231

الكلام في حكم الشرط الصحيح.
وتفصيل الكلام: إن الشرط..
تارة: يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي، كاشتراط كون العبد كاتبا
والجارية طويلة.
وأخرى: يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين، كاشتراط خياطة الثوب
واعتاق العبد.
وثالثة: يتعلق بما هو من قبيل الغاية المعبر عنه بشرط النتيجة، كاشتراط انعتاق
عبد خاص أو تملك عين مخصوصة.
أما النحو الأول وهو شرط الوصف، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لا حكم له إلا الخيار
مع تبين فقد الوصف - المشترط - إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معنى لوجوب الوفاء
فيه وعموم " المؤمنون " مختص بغير هذا القسم.
أقول: قد تقدم البحث عن حقيقة شرط الوصف وأنه..
ليس براجع إلى الالتزام بالوصف - كما هو الحال في شرط الفعل -، إذ لا محصل
للالتزام بالوصف لعدم كونه تحت الاختيار.
ولا إلى الجعل والقرار لأن متعلقه ليس أمرا اعتباريا قابلا للاعتبار والجعل، كما
هو الحال في شرط النتيجة.
كما أن ارجاعه إلى التعهد غير صحيح لأن مقتضاه ضمان الوصف بقيمته وهو مما
لا يلتزم به.
ورجوعه إلى الالتزام بتسليم المبيع على هذا الوصف غير مجد، لأنه التزام بما هو
خارج عن القدرة.
ورجوعه إلى تعليق اللزوم على وجود الوصف كما عليه الشهيد (رحمه الله) (1) غير خال
من المحذور. كرجوعه إلى تعليق مضمون المعاملة عليه.

1 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 385 - 386، ط ق.
232

وقد عرفت عدم تمامية هذا كله. وأن الصحيح ما التزم به الشيخ (قدس سره) من رجوعه
إلى التوصيف بحيث يتعلق التمليك بالعين الموصوفة بالوصف الخاص، بنحو يكون
الوصف بمنزلة الداعي إلى الاقدام على المعاملة لعدم معقولية التقييد في المبيع
الشخصي كما هو معقول في المفاهيم الكلية.
وسيأتي انشاء الله تعالى بعض البحث في رجوعه إلى تعليق لزوم المعاملة عليه
كما التزم به الشهيد (رحمه الله).
وكيف كان، فحكم هذا الشرط ليس إلا الخيار عند تخلفه لو تم الدليل عليه على
ما يأتي الحديث فيه.
وقد عرفت ما تقدم من الشيخ (قدس سره) حول هذا القسم..
فإن أراد به بيان بطلان هذا الشرط، فهو مناف لجعله من أقسام الشرط الصحيح
كما يقتضيه صدر كلامه، مع أن ثبوت حكم الخيار له كاف في كونه صحيحا.
وإن أراد بيان أن صحته وترتب الأثر عليه ليس إلا من حيث ترتب الخيار عند
تخلفه وأنه لا يترتب عليه وجوب الوفاء لعدم معقولية تحصيله.
فقد يورد عليه: بأن هذا التعليل مشترك بين هذا النحو والنحو الثالث وهو شرط
النتيجة، مع أنه علله بغير ذلك والحال أنه لا يعقل تحصيله.
والجواب: إن عدم كون النتيجة كملكية العين الخاصة فعلا للمشروط عليه لا
ينافي القدرة على تحصيلها بأسبابها الاختيارية، فهي مما يعقل تحصيله بأسبابها.
وليس الأمر في الوصف كذلك، إذ لا يعقل تحصيل وصف الطول في الجارية بحال.
نعم، قد يرد عليه أنهما يشتركان في عدم التمكن من الوفاء بالشرط لأنه ليس من
الأفعال.
والجواب: إن الوفاء لا يختص بنفس الاتيان بالمشروط، بل هو أعم منه ومن
ترتيب الأثر عليه بحيث يعد عدم ترتيبه تخلفا عن الشرط وعدم وفاء به، وهذا
المعنى متصور في شرط النتيجة لوجود آثار عملية مترتبة على الغاية المشترطة
فيكون ترتيبها وفاء للشرط، ولكنه غير متصور في شرط الوصف.
233

نعم، ليس له إلا الخيار على تقدير تخلفه وهذا حكم شرعي لا معنى لأن يكون
مصححا لصدق الوفاء بالشرط.
وبالجملة، هذا القسم من الشروط غير مشمول لدليل وجوب الوفاء بالشرط،
لعدم تعقل تحققه.
وأما النحو الثالث: فقد فصل الشيخ (قدس سره) بين ما إذا دل الدليل الشرعي على عدم
تحقق الغاية إلا بسبب خاص، كالزوجية والطلاق، فيكون الشرط باطلا لأنه مخالف
للكتاب والسنة لدلالته على حصر السبب.
وما إذا دل الدليل على كفاية الشرط فيه، كالوكالة والوصاية، فلا اشكال في
صحة الشرط.
وما إذا لم يدل على أحد الوجهين، ككون العبد الفلاني حرا.
فتردد في صحة الشرط وعدمها، إذ قد يتمسك للبطلان بأصالة عدم ترتب تلك
الغاية إلا بما علم كونه سببا لها، ولا مجال لتطبيق " المؤمنون عند شروطهم " هنا، إذ
ليس الشرط فعلا كي يجب الوفاء به.
ووجه الصحة: إن الوفاء لا يختص باتيان نفس المشروط بل يعم ترتيب الآثار
عليه كالوفاء بالعهد، ويشهد له تطبيق الإمام (عليه السلام) هذه الكبرى الكلية في موارد من
قبيل شرط النتيجة.
أقول: إذا فرض أن جهة بطلان الشرط مع قيام الدليل على انحصار التوصل إلى
الغاية بسبب خاص هو كونه مخالفا للكتاب والسنة، فمع الشك في الانحصار وعدمه -
كما هو الحال في الصورة الأخيرة - يرجع إلى الشك في كون الشرط مخالفا للكتاب
والسنة وعدمه، فلا يصح التمسك بعموم: " المؤمنون... " لأن الشبهة مصداقية
والرجوع إلى الأصل العملي قد عرفت ما فيه وإن تمسك به الشيخ (قدس سره) سابقا.
فالمرجع أصالة الفساد.
ويمكن الجواب عن هذا الايراد بما قيل: من أنه ليس المراد من مخالفة الكتاب
والسنة هو مخالفة الحكم الواقعي الثابت في اللوح المحفوظ، بل المراد مخالفة الحكم
234

الذي يدل عليه الكتاب والسنة وما يمكن استفادته منهما، ومع قصور الدليل
الشرعي لا تكون هناك دلالة، فلا تكون هناك مخالفة قطعا، فلا مجال للتردد في
شمول العموم للصورة المزبورة سوى دعوى عدم تعقل الوفاء فيها، ولكن عرفت
الجواب عنها واندفاعها. فتدبر.
وأما النحو الثاني: وهو شرط الفعل، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه محل الخلاف
والاشكال، والكلام فيه يقع في مسائل:
المسألة الأولى: في وجوب الوفاء به شرعا وجوبا تكليفيا. ونسب إلى المشهور
الوجوب لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم ".
ولا بد من تحقيق الكلام في معنى هذه الجملة، فنقول: إنه قد يدعى كونها في مقام
بيان الحكم الوضعي للشرط وهو النفوذ، فتفيد فائدة قوله (عليه السلام) في بعض
النصوص (2): " الشرط جائز بين المسلمين ".
لكن هذه الدعوى مخالفة للظاهر، فإنها ظاهرة في بيان حكم تكليفي وهو لزوم
الوفاء بالشرط والعمل به، فتكون جملة خبرية مسوقة في مقام الانشاء والبعث،
نظير " يعيد " و " يغتسل " وغيرهما.
وقد قيل إن اللزوم يستفاد منها بنحو آكد من الجملة الانشائية، كما قرر في
مباحث الأصول (3)، فراجع.
وأما ما ورد في بعض الكتب (4) من زيادة قوله: " إلا من عصى الله " في الرواية
النبوية، فهو يحتمل وجهين:
الأول: أن يراد بالعصيان العصيان بنفس الشرط أو المشروط كما لو التزم بفعل
محرم، وعلى هذا يكون راجعا إلى الشرط المخالف للكتاب التزاما أو ملتزما، فيكون
المراد بالعصيان هو المخالفة ويكون المعنى " إلا من عصى الله في شرطه فلا يجب عليه

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 283، الطبعة الأولى.
2 - الأحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي: ج 3: ص 225، ح 103، الطبعة الأولى.
3 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول، ص 71، ط مؤسسة آل البيت (ع).
4 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 386، ط ق.
235

الوفاء "، فلا يفيد أكثر من الروايات الآمرة بالوفاء فيما عدا الشرط المخالف.
الثاني: أن يراد بالعصيان عدم الاتيان بالمشروط وعدم الوفاء بالشرط، وهذا
المعنى لا يتلاءم مع إرادة لزوم الوفاء مطابقة من المستثنى منه إذ معناه يكون: " يجب
الوفاء بالشرط إلا من لم يأت بالشرط وكان عاصيا " وهو مما لا محصل له، وخلف.
نعم، هو يتلاءم مع كون الجملة مسوقة للمعنى الخبري مطابقة وجدا ويراد
لازمها أيضا وهو لزوم الوفاء، كما يبين كثير من المحرمات ببيان اللازم وهو العقاب،
فيخبر عنه مطابقة ويراد أيضا لازمه وهو التحريم، كقوله تعالى * (ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم) * (1).
فلا يكون كالاستعمالات الكنائية التي يراد منها لازمها بلا قصد لمدلولها
المطابقي، بل يراد المدلول المطابقي والالتزامي معا، فيكون المراد فيما نحن فيه الاخبار
عن أن المؤمن يلتزم بشرطه ويثبت عنده ويفي به إلا العاصي المتجرئ. وهذا يدل
بالالتزام على أنه مما يجب الوفاء به، وأن عدم الوفاء به معصية. فتدبر.
ولا يخفى عليك أن المتعين هو إرادة المعنى الأول من العصيان. وذلك بقرينة تجرد
هذه الجملة عن هذا الاستثناء في جميع الروايات والاستشهاد بها وحدها.
وهذا يعين أن تكون مسوقة في مقام الانشاء، إذ هي لا تفي بالمطلوب - وحدها
وبدون الاستثناء - لو كانت في مقام الاخبار الجدي، لعدم دلالتها على اللزوم
التزاما كما لا يخفى.
وإذا كانت هذه الجملة في سائر الروايات مسوقة لانشاء الطلب، كان من البعيد
جدا أن يراد بها في النبوي المشتمل على الاستثناء غير ذلك. هذا مع مناسبة المعنى
الأول للعصيان، لاستثناء الشرط المخالف للكتاب الذي ورد كثيرا في النصوص.
فتدبر.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) من تأكد ظهور الجملة في الوجوب بالاستثناء الوارد في
النبوي بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط، فلعله يرجع إلى

1 - سورة النساء، الآية: 93.
236

ما ذكرناه. إذ من يكون في مقام العمل هو المشروط عليه، فعصيانه بترك الوفاء
بالشرط. وقد عرفت تقريب الدلالة على الوجوب على هذا المعنى.
وأما الشارط، فعصيانه ومخالفته بشرطه وإلزامه والتزامه، فلا تدل على أكثر مما
ورد من استثناء الشرط المخالف للكتاب، فلا يتأكد الظهور في الوجوب على هذا
المعنى.
هذا وقد يقال: إن هذه الجملة أعني " المؤمنون عند شروطهم " لا تدل بنفسها
ومع قطع النظر عن القرائن المحفوفة بها على أزيد من رجحان الوفاء بالشرط
وفضيلته، نظير ما ورد من: " أن المؤمن إذا وعد وفى " (1) ونحو ذلك، لأن تعليق
الوفاء على الايمان دليل الفضل والندب. ولأن الحمل على الوجوب يستلزم
تخصيص الكثير لعدم وجوب الوفاء بالشروط الفاقدة لأحد الشروط الثمانية
المتقدمة.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) إلى رد هذا القول.
فناقش الوجه الأول: بأن المراد إن كان استظهار الفضل من جهة كثرة ورود مثل
هذا التركيب في مورد الفضل فيكون بمنزلة القرينة الصارفة لظهور الجملة في
الوجوب، فعهدته على مدعيه.
وإن أريد أن تعليق الوفاء على الايمان دليل على الفضل وأنه من صفات المؤمنين
بعد صرفها عن ظاهرها المقتضي لعدم كون التارك للوفاء مؤمنا.
ففيه: إن هذا المعنى يتناسب مع لزوم الوفاء بحيث يصح سلب الايمان عن تاركه
ادعاء ولا يتناسب مع رجحانه.
وناقش الوجه الثاني بأن الشرط الفاقد لأحد الشروط الثمانية فاسد، كما لا يجب
الوفاء به بناء على الوجوب كذلك لا يستحب بناء على الاستحباب. فالدليل لا
يشمله على كلا التقديرين.

1 - العلامة المجلسي، الشيخ محمد باقر: بحار الأنوار، ج 67، ص 311، ضمن ح 45.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 157، الطبعة الأولى.
237

أقول: يمكن أن يكون نظر القائل إلى أن مثل هذه الجملة ومثل هذا التركيب
يستعمل كثيرا في موارد الاستحباب، كما يستعمل في موارد الوجوب.
وليس المقصود منه سوى بيان امتياز الموضوع المأخوذ في الجملة عمن سواه
وفضله على غيره كما يقال: " طالب العلم من يصلي صلاة الليل " و " طالب العلم من
لا يكذب في حديثه " وهكذا. فهي تشير إلى أمر خارجي يقوم به طالب العلم وبه
يمتاز عن غيره ويفضل عليه، فلا دلالة لها بحال على لزوم هذا العمل. بل غاية ما
تدل عليه هو رجحانه ومحبوبيته، لأنها في مقام المدح والترغيب.
فهذه الجملة إذا فرض كونها خبرية بحيث يقصد بها الاخبار لا تفيد أكثر من
رجحان الوفاء بالشرط.
نعم، يمكن أن يستفاد اللزوم من قوله (عليه السلام) في بعض النصوص (1): " فليف به ".
أو (2): " يلزمه " ونحو ذلك. فتدبر.
ثم إنه حكي عن الشهيد (رحمه الله) (3) أن الاشتراط لا يستتبع حكما تكليفيا لأن واقعه
يرجع إلى تعليق اللزوم على الشرط. فلا يقتضي سوى الخيار عند تخلف الشرط،
من دون مقتض للالزام بالشرط.
وقد تقدم الكلام في هذه الجهة مفصلا عند التعرض لمعنى الشرط. وقد بينا وجه
التوقف في هذا القول. فراجع.
المسألة الثانية: في أنه مع الامتناع عن أداء الفعل المشروط هل يحق للمشروط
له إجبار المشروط عليه. وقد نقل الشيخ (قدس سره) كلمات الأصحاب (قدس سرهم) ثم قال: " وكيف
كان فالأقوى ما اختاره جماعة من أن للمشروط له إجبار المشروط عليه لعموم
وجوب الوفاء بالعقد والشرط. فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين فإن
المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط
فيجبر على تسليمه ".

1 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 40: من أبواب المهور، ح 4.
2 - وسائل الشيعة، ج 15 / باب 40: من أبواب المهور، ح 1.
3 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 385، الطبعة القديمة.
238

والظاهر أن ما أفاده يرجع إلى الاستدلال بوجه واحد لا إلى وجوه متعددة، كما
فهمه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) وأوقع الكلام في كل وجه على حدة.
ومحصله: إن مقتضى الاشتراط هو تملك المشروط له الشرط، فيجب أداؤه
بمقتضى نفوذ الشرط كما يجب أداء العوضين.
ولا يخفى عليك أن ما ذكره مجرد دعوى ولم يذكر الدليل على كون مقتضى الشرط
ذلك، مع أنه هو العمدة.
ويمكن أن يستدل له بقيام السيرة العرفية على ذلك مؤيدا بتسالم الفقهاء
والمتشرعة على ثبوت حق المطالبة بالعمل وقابليته للاسقاط.
وهذا كاشف عما يدعيه الشيخ (قدس سره) من تملك العمل. ولو تنزلنا فلا أقل من ثبوت
الحق فيه.
وبالجملة، لا بد من ترتيب الأثر على الجامع بين الحق والملك.
المسألة الثالثة: في ثبوت الخيار له مع التمكن من الاجبار أو أنه لا يثبت إلا بعد
تعذر الاجبار.
وقبل التكلم في هذه الجهة لا بد من معرفة دليل الخيار. وأنه هل الخيار في الجملة
ثابت عند تخلف الشرط أو لا؟
فنقول: قد يستدل على ثبوت الخيار بوجوه:
الأول: حديث نفي الضرر. وقد تقدم الكلام فيه - مفصلا - في خيار الغبن.
الثاني: الاجماع على ذلك. وهو لا يحرز أنه تعبدي بعد وجود الوجوه المتكثرة.
الثالث: إن مرجع الاشتراط إلى تعليق اللزوم على الشرط كما نسب إلى
الشهيد (2). وقد عرفت الاشكال فيه.
فالعمدة في اثبات الخيار هو قيام السيرة العقلائية والبناء العملي العرفي على
الفسخ عند التخلف، ولم يثبت الردع عن هذه السيرة، إذ ما يتوهم ردعه عنها هو
آية: وجوب الوفاء بالعقود، وهي منصرفة إلى مورد التزام الطرف الآخر بالعقد

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 158، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 385 - 386، ط ق.
239

بخصوصياته. فمع عدم التزامه لا يمكن البناء على لزوم الوفاء بالنسبة إلى الطرف غير
الممتنع.
وقد ذكرت لاثبات الخيار وجوه أخرى ليست بذي بال.
وأما أصل المسألة: وهي أن الخيار في عرض التمكن من الاجبار أو في طوله؟
فقد حكى الشيخ (قدس سره) عن العلامة (رحمه الله) (1) التخيير بين الفسخ وبين إلزام المشروط
عليه بالشرط، ثم قال (قدس سره): " ولا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار لما
عرفت من أن مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو
قهرا ". وهذه العبارة لا تخلو عن اجمال والمراد منها مردد عندنا بين وجهين:
الأول: إنه إذا كان الشرط هو الأعم من الفعل القهري والاختياري فمع التمكن
من الاجبار لم يتحقق تخلف الشرط، فلا موضوع للخيار لأنه يثبت عند
تخلف الشرط.
الثاني: إن جواز الاجبار والالزام إنما هو من باب لزوم العقد المشتمل على
الشرط كما أفاد (قدس سره)، ففرض جواز الاجبار فرض اللزوم، فكيف يثبت الخيار
والحال هذه؟ فإنه يتنافى مع فرض اللزوم. فتأمل.
وقد حمل كل من السيد الطباطبائي (2) والمحقق الأصفهاني (3) (قدس سرهما) العبارة على
معنى غير ما حمله الآخر عليه وغير ما احتملناه في العبارة، لكن كل منهما مخالف
للظاهر وبالخصوص ما ذكره السيد (رحمه الله). فراجع.
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد ما نفى معرفة المستند للخيار عند التمكن من الاجبار قال:
" إلا أن يقال: إن العمل بالشرط حق لازم على المشروط عليه يجبر عليه إذا بنى
المشروط له على الوفاء بالعقد. وأما إذا أراد الفسخ لامتناع المشروط عليه من
الوفاء بالعقد على الوجه الذي وقع عليه فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من
الطرفين عن تراض منهما. وهذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 490، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 128، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 158، الطبعة الأولى.
240

العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر ولا يخرج
عن ملكه بعد تسليم صاحبه، فيجبران على ذلك. بخلاف الشرط فإن المشروط
حيث فرض فعلا كالاعتاق فلا معنى لتملكه فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد
نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه فتأمل ".
الكلام في حكم الشرط الفاسد.
وتحقيق ذلك يستدعي التكلم في جهات:
الجهة الأولى: في أن الشرط الفاسد هل يستلزم فساده فساد العقد أو لا؟
وقبل الخوض في ذلك ينبغي التنبيه على أمرين:
الأمر الأول: ذكر الشيخ (قدس سره) أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به،
لأن مرجع فساده إلى عدم نفوذه شرعا وعدم شمول: " المؤمنون عند شروطهم " له،
وإنما هو داخل في الوعد، فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به على القول
بعدم فساد أصل العقد.
وقد وقع الكلام في كون الشرط داخلا في الوعد. كما وقع في استحباب الوفاء به
وكذلك وقع في تعليق استحباب الوفاء على عدم فساد أصل العقد.
فالكلام في نقاط ثلاث:
الأولى: في أن الشرط وعد أو لا؟
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) إلى تحقيق أن الوعد انشائي أو اخباري.
ولا يخفى عليك أن مجرد الاخبار باتيان شئ في المستقبل لا يكون وعدا وإنما هو
يتقوم بالبناء والالتزام النفسي بالعمل في المستقبل.
غاية الأمر يقع الكلام في أنه هل يعتبر انضمام الاخبار بذلك إلى الالتزام النفسي
في صدق الوعد أو لا يعتبر؟ وهذه الجهة لا يهمنا تحقيقها فعلا لأن المورد الذي نحن
فيه قد انضم للالتزام النفسي إظهاره في صيغة العقد فهو وعد بلا اشكال.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 163، الطبعة الأولى.
241

الثانية: في أنه هل يستحب الوفاء بالشرط من باب أنه وعد؟
وقد نفاه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) بتقريب: إن الدليل الدال على عدم نفوذه
وفساده دال على عدم ترتب حكمه بقول مطلق وتنزيله منزلة العدم. فقوله (عليه السلام)
" إن شاء وفى بشرطه وإن شاء لا.. " يقتضي عدم استحباب الوفاء به وبيان لغوية
الشرط. ثم نظر له بما إذا وهب ماله بعقد فاسد فإنه لا يبقى الإذن في التصرف ولا
التمليك المطلق.
ولكن للمناقشة فيما أفاده مجال، لأن دليل الفساد إنما يدل على عدم نفوذه بما أنه
شرط فهو إنما ينفي وجوب الوفاء به لا أكثر. أما استحباب الوفاء به من باب أنه
وعد، فلا نظر للدليل إليه. فأدلة استحباب الوفاء بالوعد لا مانع من شمولها للمورد.
وأما تشبيهه بمورد الهبة الفاسدة، فهو في غير محله. إذ الإذن الذي تتضمنه الهبة
هو الإذن متفرعا على صحة الهبة، فهو في طول الصحة لا في عرضها. وهذا بخلاف
ما نحن فيه، فإن كون الشرط وعدا في عرض كونه شرطا فهو ذو عنوانين شرط
ووعد. فإذا بطل أحدهما لا يبطل الآخر.
الثالثة: في تعليق استحباب الوفاء بالشرط على عدم فساد أصل العقد.
فقد منعه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) بأن فساد العقد لا يوجب خروج الشرط عن
موضوع كونه وعدا.
كما ناقشه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) بقوله: " وأما ما أفاده (قدس سره) من التقييد بعدم كون
الشرط الفاسد مفسدا فلا أرى له وجها وجيها، لأن فساد العقد يوجب خروج
الالتزام المحقق عن كونه شرطا لخروجه عن الضمنية لا أن طبيعة الالتزام تنعدم
بفساد العقد... ".
أقول: إن الالتزام المتحقق وإن لم يقبل التقييد والتعليق إلا أنه كما يكون انشاؤه
ضمنيا في ضمن الانشاء العقدي الحاصل بلفظ القبول، فيكون تابعا في مقام

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 135، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 135، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 164، الطبعة الأولى.
242

الاثبات، كذلك يكون مرتبطا بالتمليك ومضمون العقد في مقام الثبوت، فلو لم
يتصور رجوع التقييد إلى الالتزام كما فرض، فهو راجع إلى الملتزم به بأن يكون
الملتزم به هو الفعل عند حصول التمليك والتملك أو إلى الملتزم له بأن يكون الشخص
الموعود من خرج المال عن ملكه إلى ذي الوعد لا مطلقا.
فمع عدم حصول التمليك والتملك لا موضوع للالتزام والوعد، فلا يجب الوفاء به
ولا يستحب. ولذا لا يرى المشروط له حق المطالبة له كما في مطلق موارد الوعد.
فتدبر.
الأمر الثاني: في تحديد محل الكلام في هذه الجهة وهي جهة البحث عن أن فساد
الشرط هل يستلزم فساد العقد أو لا؟
ولا يخفى أن الشرط الذي يكون وجوده موجبا لعدم وجود العقد، كشرط البيع
من البائع ثانيا بناء على استلزامه الدور، يكون خارجا عن محل الكلام لعدم تحقق
العقد حتى يبحث عن فساده وعدمه.
ومثله الشرط الذي يكون وجوده موجبا لفساد العقد، كشرط أمر مجهول، بناء
على سراية الجهالة إلى العقد فيكون غرريا باطلا، فإن العقد فاسد لنفس الشرط لا
لفساده.
كما أن الشرط الابتدائي غير المرتبط بالعقد في مقام الانشاء خارج عن محل
الكلام، لأنه لا موهم لكون فساده موجبا لفساد العقد بعد عدم الارتباط بينهما.
فما يكون داخلا في محل الكلام ما يكون فاسدا مرتبطا بالعقد ولا يوجب وجوده
عدم العقد ولا فساده، فيقع الكلام في أن فساده هل يوجب فساد العقد أو لا؟
كالشرط المخالف للكتاب والسنة.
وأما شرط غير المقدور، فإن كان فساده لأجل امتناع الالتزام بغير المقدور، فهو
مما ينفي تحقق العقد، لامتناع الالتزام العقدي بعد ارتباطه بغير المقدور. وإن كان
فساده لأجل سفهيته ولغويته عند العقلاء، كان محلا للبحث وداخلا في موضوع
الكلام. وإن كان فساده لأجل استلزامه للغرر كان كشرط أمر مجهول. فلاحظ.
243

وبعد أن عرفت محل الكلام ومورد النقض والابرام يقع الكلام في تحقيق الحق.
وقد ذهب الشيخ (قدس سره) إلى صحة العقد مع فساد الشرط تمسكا بعموم الأدلة من
دون مخصص.
ولعل مراده من الأدلة مثل قوله تعالى: * (أحل الله البيع) * ومثل قوله: * (أوفوا
بالعقود) * بناء على أن يستفاد منها بيان أصل نفوذ العقود وصحتها لا أنها في مقام
بيان لزوم العقد، إذ مع تخلف الشرط لا يثبت اللزوم، فلا يمكن تطبيق الآية فيما نحن
فيه لفرض أن العقد مما لا يلزم الوفاء به لثبوت الخيار. فلاحظ.
وقد تعرض (قدس سره) لبيان ما قيل في إثبات سراية الفساد من الشرط إلى العقد وهو
وجوه:
الوجه الأول: ما حكي عن المبسوط (1) من أن للشرط قسطا من العوض مجهولا
فإذا سقط لفساده صار العوض الذي يقابل العين مجهولا.
وقد رده الشيخ (قدس سره) (2) بوجوه أربعة:
الأول: النقض بالشرط الفاسد في النكاح فإنه جزء من الصداق، فيلزم على هذا
القول سقوط المسمى والرجوع إلى مهر المثل.
ومراده (قدس سره) ليس النقض بعدم بطلان النكاح ببطلان شرطه كي يبحث عن هذه
الجهة أو يقال إنه لأجل الدليل الخاص، بل النقض بعدم سقوط المهر المسمى
لصيرورته مجهولا بفساد الشرط، إذ لو كان الشرط مما له قسط من الثمن في باب البيع
كان جزء من المهر في باب النكاح، فإذا فسد كان المهر مجهولا فلا بد من الرجوع إلى
مهر المثل وهو مما لا يلتزم به.
الثاني: إن الشرط لا قسط له من الثمن وليس هو جزء لأحد العوضين لا عرفا
ولا شرعا، نعم ثبوت الشرط يكون دخيلا في زيادة العوض ونقصانه، لأنه موجب
لزيادة الرغبة ونقصانها.

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 2: ص 149، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 288، الطبعة الأولى.
244

ولأجل ذلك يتخير المشروط له - عند فقد الشرط وتخلفه - بين الفسخ والامضاء
مجانا.
والذي يريده من الامضاء مجانا هو المجانية في مقابل الرجوع ببعض العوض كما
لو كان له قسط من الثمن. فلا ينافي استحقاق الأرش في بعض الموارد.
ومنه ظهر أنه لا يتجه ما أفاده السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من أن تقييد الامضاء
بالمجانية لا أهمية له، إذ الامضاء بالأرش أيضا يؤيد المطلوب، فلاحظ.
الثالث: إن ما بإزاء الشرط من العوض ليس مجهولا، بل هو أمر مضبوط لدى
العرف ومعلوم، نظير وصف الصحة، فإذا كان المتعاقدان من أهل العرف كان مقدار
ما بإزاء الشرط معلوما لديهما، فلا جهالة ولا غرر.
وبهذا التقريب لكلامه لا يرد عليه ما قيل من أن عدم الجهالة المعتبر هو عدمها
في حال العقد لا بعد ذلك بالرجوع إلى العرف، إذ عرفت أنه بعد فرض المتعاقدين
من أهل العرف لا يكونان جاهلين حال العقد، فنظره (قدس سره) إلى عدم الجهالة في حال
العقد.
الرابع: إنه لو فرض كون ما بإزاء الشرط مجهولا، إلا أن البيع والعقد وقع على
المجموع. والمعتبر هو العلم بمقدار ما وقع عليه العقد، وهو حاصل. ولا أهمية للجهل
بكل من العوضين بعد التفكيك بينهما، نظير ما إذا وقع العقد على ما يملك وما لا يملك
مع الجهل بقيمة كل منهما.
وهذا بحسب الظاهر هو مراده وليس مراده كون الجهل طارئا على العقد بحيث لا
جهل في زمانه، كي يرد عليه أن الجهل من الأول، لفرض العلم بفساد الشرط.
فلاحظ كلامه وتأمل والأمر سهل.
والعمدة في مناقشة هذا الوجه هو الوجه الأول الحلي. فتدبر.
الوجه الثاني: إن التراضي إنما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص، فإذا
تعذرت الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، فالمعاوضة بين الثمن

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 137، الطبعة الأولى.
245

والمثمن بدون الشرط معاوضة أخرى محتاجة إلى تراض جديد وانشاء جديد،
وبدونه يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض.
أقول: المعاملة الواقعة ذات جهتين: إحداهما: انشاء التمليك الواقع مرتبطا
بالشرط. والأخرى: الرضا القلبي بالمقيد بالشرط.
والذي يبدو من الشيخ (قدس سره) تخصيص الاشكال بالجهة الثانية أعني جهة الرضا،
ببيان: إن الرضا متعلق بالمقيد بالشرط وبما أن المقيد ينتفي بانتفاء قيده، فبانتفاء
الشرط ينتفي موضوع الرضا ومتعلقه، فيحتاج في صحة المعاوضة بدون الشرط إلى
رضا جديد.
وأما جهة تقيد المنشأ بالشرط، فقد أهملها الشيخ (قدس سره).
وهو متجه، لأن الانشاء لم يتعلق بالمقيد بما هو مقيد بل بالمعاوضة بين الثمن
والمثمن لوجهين:
أحدهما: إنه غير معقول، لأن التمليك فعل للمنشئ قد تحقق بالنسبة إلى المشروط
عليه، وبما أنه لا يعقل التعليق فيه على الشرط، فهو أخذ بمنزلة الداعي، وتخلفه
لا يستلزم تخلف المدعو إليه، فهو كسائر أفعال الانسان الصادرة منه التي لا تقبل
التقييد والتعليق، بل يكون ارتباطها بالقيود أشبه بارتباط الغاية وذي الغاية.
الثاني: لو فرض أنه معقول، فالمفروض في باب الشروط عدم رجوعها إلى
التمليك المنشأ، لأن الاشتراط إما راجع إلى تعليق اللزوم، أو أنه التزام في ضمن
التزام، أو أن المعاملة وقعت على الموضوع الخاص وهو الشخص الملتزم،
والمفروض تحققه، وإنما المتخلف هو نفوذ الالتزام.
وجملة القول: التمليك المنشأ غير مرتبط بالشرط بحيث يكون انتفاؤه مستلزما
لانتفاء المنشأ. فلا اشكال في مقام الانشاء بل هو يختص بمقام الرضا.
ومن ذلك ظهر ما في كلام السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) حيث عمم الاشكال من كلتا
الجهتين. فانتبه.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 137، الطبعة الأولى.
246

ثم إنك عرفت أن مقصود المستشكل هو بيان أن المورد من مصاديق كبرى كلية
بديهية ارتكازية وهي انتفاء المقيد بانتفاء قيده، بضميمة أن متعلق الرضا هو المقيد
بما هو مقيد، فذات المقيد ليست متعلقا للرضا السابق.
وعليه، فلا وجه لما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من أن انتفاء المقيد بما هو مقيد
- عند انتفاء القيد - معنى وانتفاء ذات المقيد معنى آخر، ولازم الكبرى المتقدمة انتفاء
المقيد بما هو لا انتفائه بذاته، لعدم تقومه في ذاته بقيده. وما هو المبحوث عنه بقاء
ذات العقد مثلا مع عدم سلامة قيده وإلا فانتفاء القيد مفروض، فكيف يعقل دعوى
بقاء المقيد بما هو. إنتهى.
وذلك، لأن الدعوى كما عرفت ليس هو انتفاء المقيد بما هو بانتفاء قيده في قبال
دعوى بقائه، إذ عرفت أن هذا من الأمور البديهية المأخوذة مفروغا عنه.
وإنما الدعوى بيان أن المورد من مصاديقها بضميمة تعلق الرضا بالمقيد بما هو
مقيد، فبقاء ذات المقيد لا يجدي شيئا لعدم كونه متعلقا للرضا. وأين هذا مما
أفاده (قدس سره).
وكيف كان، فقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) إلى الإجابة عن هذا الاشكال
وذكر وجوها ثلاثة وارتضى أولها. والظاهر أنه لا يهم التعرض إليها، بل نكتفي بما
أفاده الشيخ (قدس سره) في الجواب، وإن حمل عبارته على معنى آخر.
فنقول: إن الشيخ (قدس سره) بعد ما تصدى للنقض بموارد صحة العقد مع فساد الشرط،
كما في الشروط الفاسدة في عقد النكاح وغيرها، بضميمة العلم بأن الحكم في تلك
الموارد ليس تعبديا محضا، بحيث يكون التصرف المترتب على العقد الفاقد للشرط
تصرفا لا عن تراض أجازه الشارع تعبدا، بل هو من مصاديق عمومات التجارة
عن تراض.
ذكر (قدس سره) في حل ذلك ما ملخصه: إن القيود المأخوذة في المعاملات العرفية على
قسمين:

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 164، الطبعة الأولى.
247

الأول: ما يعد مقوما للمطلوب وركنا له، ككون المبيع عبدا أو كتابا.
ومثله يكون انتفاؤه موجبا لانتفاء المطلوب، فلا تقوم الجارية مقام العبد و
الفراش مقام الكتاب، فإنه مأخوذ بنحو وحدة المطلوب بنظر العرف.
الثاني: ما لا يعد ركنا مقوما للمطلوب، بل يؤخذ صفة زائدة على أصل المطلوب
بنحو تعدد المطلوب.
ومثله لا يكون انتفاؤه موجبا لانتفاء المطلوب، كوصف الصحة في العبد المبيع،
فإنه مأخوذ بنحو تعدد المطلوب. ولذا لا يحكمون بتخلف المبيع إذا لم يكن صحيحا
بل يحكمون بتخلف وصفه.
وهذه التفرقة بين هذين النحوين تستفاد من السيرة العرفية والارتكازات
العقلائية الثابتة في باب المعاملات وفتاوى الأصحاب، وهو مما لا ريب فيه.
وإذا عرفت ذلك نقول: إن الشروط من قبيل الثاني، فإنها ملحوظة في المعاملة
بنحو تعدد المطلوب ودخيلة في المطلوب الكامل التام لا في أصل المطلوب. فتخلفه
لا يوجب انتفاء متعلق الرضا بالمرة إذ الذات متعلقة للرضا أيضا، فلا يكون أكل
المال بدون الشرط من الأكل بالباطل.
وهذا الأمر يظهر بمراجعة سيرة العرف وارتكازياتهم في أبواب المعاملات، ولا
مجال لانكاره. فتدبر.
الوجه الثالث: التمسك بالنصوص الخاصة وهي ثلاثة على حسب ما ذكره
الشيخ (قدس سره):
الأول: رواية عبد الملك بن عتبة (1) قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن
الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع منه متاعا على أن ليس علي منه وضيعة، هل
يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وجه ذلك؟ قال: لا ينبغي ".
بتقريب أن المراد من قوله (عليه السلام): لا ينبغي هو الحرمة لا الكراهة، إذ مع صحة
العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 35: من أبواب أحكام العقود، ح 1.
248

الثاني: رواية الحسين بن المنذر (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يجيئني الرجل
فيطلب العينة فأشتري له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال: إذا
كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس. فقلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد، ويقولون إن
جاء به بعد أشهر صلح قال: إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس ".
الثالث: رواية علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى ابن جعفر (عليه السلام) قال: " سألته عن
رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحل؟ قال: إذا لم يشترط
ورضيا فلا بأس ".
وتقريب الاستدلال بهما على المدعى: إن مقتضى المفهوم فيهما ثبوت البأس في
المعاملة الثانية على تقدير الشرط في المعاملة الأولى بحيث يكون أحدهما ملزما
بالبيع أو الشراء، وهذا لا وجه له إلا بطلان المعاملة الأولى لفساد شرطها ليترتب
عليه بطلان الثانية وإلا فلا موجب لفساد الثانية.
ولكن جميع هذه النصوص قابلة للمناقشة..
أما رواية عبد الملك بن عتبة، فدلالتها على المدعى تتوقف على أمور ثلاثة:
أحدها: أن يراد من قوله: " لا ينبغي " الحرمة لا الكراهة.
الثاني: أن يكون المراد من الحرمة الحرمة الوضعية لا التكليفية، إذ لا دلالة
للتكليفية على الفساد.
الثالث: أن يكون المتعلق للتحريم هو العقد المشتمل على الشرط لا نفس الشرط
وإلا فلا دلالة لها إلا على فساد الشرط.
وفساده أما من جهة مخالفته للكتاب والسنة إذا كان المقصود بالشرط أن تكون
الخسارة في الثمن على البائع رأسا بحيث يتمم الثمن من كيسه، فإن ذلك خلاف مفهوم
المعاوضة.
وأما من جهة جهالته إذا كان المقصود به إلزام البائع بتدارك الخسارة الواردة.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العقود، ح 4.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العقود، ح 6.
249

مضافا إلى التعليق في الشرط وقد مر الكلام فيه، فراجع.
ولا يخفى عليك أن جميع هذه الأمور الثلاثة قابلة للمناقشة، إذ لا ظهور في قوله:
" لا ينبغي " في الحرمة، بل هي ظاهرة في الكراهة.
ولو ثبت أن المراد بها التحريم، فلم يعهد إرادة الحرمة الوضعية من مثل هذا
التعبير، فهو ظاهر في الحرمة التكليفية غير المستتبعة للفساد.
ولو فرض إرادة الحرمة الوضعية، فلا ظهور في تعلقه بالبيع، بل يمكن أن يكون
المشار إليه بقول السائل " هل يستقيم هذا " هو الشرط دون العقد. فلاحظ.
وأما روايتا الحسين بن المنذر وعلي بن جعفر، فلو فرض ظهورهما في فساد
الشرط بما هو شرط - كما هو مبنى الاستدلال -، فلا دلالة لهما على أن فساده يوجب
فساد العقد، لوجهين:
الأول: إن بطلان المعاملة الثانية على تقدير الشرط في المعاملة الأولى، كما يمكن
أن يكون لأجل فساد المعاملة الأولى كذلك يمكن أن يكون لأجل فساد الشرط
خاصة بلحاظ أن المعاملة الثانية وقعت بلحاظه وبعنوان الوفاء به لتخيل اللزوم،
فتكون فاسدة مع انكشاف عدم صحة الشرط وعدم لزوم الوفاء به، لعدم وقوعها
عن رضا.
الثاني: إن هذا الشرط يستلزم المحال وهو شرط البائع على المشتري أن يبيعه منه
ثانيا، كما تقدم بيانه. وقد عرفت أنه ملازم لفساد المعاملة لا من جهة فساده بل من
جهة أصل وجوده، وهو خارج عما نحن فيه.
وإذا ظهر لك الاستشكال في جميع هذه الوجوه، يظهر لك صحة الالتزام بعدم
فساد العقد بفساد الشرط وأكده الشيخ (قدس سره) بظهور بعض الروايات في الصحة مع
فساد الشرط، كروايات شرط الولاء للبائع وعدم الإرث في الأمة، فلاحظها
تعرف.
الجهة الثانية: إنه على تقدير صحة العقد وعدم فساده بفساد الشرط هل يثبت
الخيار للمشروط له، كصورة تخلف الشرط الصحيح أو لا يثبت؟
250

لا بد في تحقيق ذلك من ملاحظة دليل الخيار عند التخلف، فإن كان هو الاجماع
فلم يعلم ثبوته هنا.
وإن كان دليل نفي الضرر، فهو وإن اقتضى الخيار هنا، إلا أنك عرفت المناقشة
في اقتضائه الخيار من رأس.
وإن كان هو السيرة العرفية، فلا يعلم تحققها في المقام.
وإن كان هو تعليق اللزوم على الشرط، فالمفروض فساد الشرط وعدم صحته
بحكم الشارع، فلا يترتب الأثر عليه.
إذن، فلا دليل على الخيار في المسألة.
الجهة الثالثة: بناء على مفسدية الشرط الفاسد هل يصح العقد باسقاطه أو لا؟
والمقصود بالاسقاط هو الرضا بالمعاملة من دون شرط لا الاسقاط الثابت في باب
الحقوق، إذ المفروض أنه لاحق لفساد الشرط.
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) التزامه بعدم الصحة لأن التراضي الجديد إنما ينفع إذا
تعلق بما وقع عليه العقد، وليس الأمر كذلك، لأن متعلق العقد هو المقيد بما هو مقيد
وهو ليس متعلقا للرضا، وما هو متعلق الرضا لم يقع عليه العقد.
وما أفاده ههنا ينافي ما تقدم منه من تخصيص الاشكال في الشرط الفاسد بمقام
الرضا وعدم ارتباطه بمقام العقد والانشاء. وقد قربناه بوجهين.
وبالجملة، بناء على ما تقدم في تقريب الاشكال يكون الرضا المتأخر نافعا
ومجديا في تصحيح العقد، لعدم التقيد بالشرط في مقام المعاملة. والمحذور إنما كان من
جهة عدم الرضا والمفروض تحققه فعلا. فلاحظ.
الجهة الرابعة: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد إلا أنه لم يذكره في متن العقد، فهل
يبطل العقد به بناء على مفسدية الشرط الفاسد أو لا؟
وتحقيق الكلام فيه: إنه إن بني على أن افساد الشرط لتقيد العقد به وانتفاء العقد
بانتفائه. فلا يكون مفسدا فيما نحن فيه، لفرض تجرد العقد عن الشرط ووقوعه مطلقا
غير مقيد.
251

وإن بني على أن افساده لتقيد متعلق الرضا به وانتفاء الرضا بانتفائه. كان مفسدا
فيما نحن فيه، لأن العقد وإن كان مجردا لكن الرضا به مقيد ومبني على الشرط، فيلزم
من انتفائه انتفاء الرضا.
فالحكم في هذه الجهة على العكس منه في الجهة المتقدمة. ولا فرق فيما ذكرناه بين
صورتي العلم ببطلان الشرط والجهل به.
الجهة الخامسة: لو كان فساد الشرط لكونه ليس موردا للغرض العقلائي فهل
يفسد به العقد - بناء على تسليم الكبرى - أو لا؟
ظاهر جماعة عدم البطلان به وعلله الشيخ (قدس سره) (1) بأنه لما لم يجب الوفاء به شرعا
خرج عن قابلية تقيد العقد به.
وهذا الوجه ضعيف ولذا رده الشيخ (قدس سره)، ومحصل الرد: إنه بعد أخذه في المعاملة
كان الرضا مقيدا به، فتخلفه يكون موجبا لانتفاء متعلق الرضا فيبطل العقد لعدم
الرضا. وعدم كونه عقلائيا لا ينافي ذلك بعد بناء الرضا عليه. فتدبر. والله سبحانه
العالم. هذا تمام الكلام في الشروط.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 290، الطبعة الأولى.
252

الكلام في أحكام الخيار
يقع الكلام في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: في إرث الخيار، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه موروث بأنواعه. بلا
خلاف بين الأصحاب.
ويستدل على ذلك مضافا إلى الاجماع بظاهر القرآن والنبوي الدال على أن ما
ترك الميت من حق فهو لوارثه.
وذكر بعد أن أشار إلى ذلك بأن الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب والسنة
الواردين في إرث ما ترك الميت يتوقف على ثبوت أمرين:
الأول: كون الخيار من الحقوق لا من الأحكام، نظير الجواز في الهبة، فإن الحكم
الشرعي لا يقبل الميراث.
وليس في الأخبار ما يدل على كونه حقا سوى ما دل على سقوط الخيار
بالتصرف معللا بأنه رضى، بتقريب أن مراده أن الرضا راجع إلى الرضا بسقوط
الحق، فهو يدل على أن الخيار حق.
وأما التمسك لكونه حقا بالاجماع القائم على سقوطه بالاسقاط، فهو مستغنى عنه
بقيام الاجماع على نفس الحكم.
الثاني: كونه حقا قابلا للانتقال بأن لا يكون وجود الشخص وحياته مقوما له،
فمثل حق الجلوس في المسجد وحق التولية غير قابل للانتقال فيورث. واثبات هذا
الأمر بغير الاجماع مشكل.
أقول: قبل تحقيق أصل المسألة لا بأس بالتنبيه على أمرين:
الأول: إن التمسك بظاهر القرآن لإثبات إرث الخيار ولو بعد تمامية الأمرين
اللذين ذكرهما الشيخ (قدس سره) مشكل. وذلك لعدم وجود آية تتكفل اثبات إرث ما ترك
الميت، بل الآيات الواردة أما في مقام بيان كيفية القسمة على الورثة أو في مقام بيان

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 290، الطبعة الأولى.
253

الوارث، نظير: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (1). وهكذا الحال في السنة.
والرجوع إلى النبوي المشار إليه فيه ما لا يخفى لضعف السند.
الثاني: إن الرواية الواردة في خيار الحيوان - على تقدير استظهار إرادة أن الرضا
اسقاط الحق - لا تفيد سوى أن التصرف يتحقق به اسقاط الحق، فيتعدى من خيار
الحيوان إلى كل خيار ثبت أنه حق قابل للاسقاط، فيقال فيه أن التصرف اسقاط
عملي. ولا يفيد أن كل خيار حق قابل للاسقاط. وهذا واضح جدا. فلاحظ.
وبعد ذلك لا بد من ايقاع الكلام لتحقيق أن الخيار يورث أو لا؟ في جهات
ثلاث:
الجهة الأولى: في قابلية أصل الحق للميراث. فقد يستشكل في قابليته للإرث
وشمول ما ترك الميت فهو لوارثه له، ببيان: أن الحق - سواء كان أمرا وضعيا
كالملكية، أو أنه أمر انتزاعي عن الآثار المترتبة في مورده - يزول بموت ذي الحق
لقيامه به، ولا يمكن أن يضاف إلى الوارث بإضافة حقية بحيث يكون الحق متعلقا
للحق، كالملكية التي لا تملك وإنما المملوك متعلقها وهو المال.
والجواب: إن الثابت للوارث بإضافة حقية ليس هو الحق، بل هو متعلقه، فإنه
كان مضافا إلى المورث بإضافة حقية ونفس تلك الإضافة تثبت لوارثه، فنفس حل
العقد - في باب الخيار - يثبت للوارث بنحو الحق كما كان ثابتا لمورثه. وينطبق عليه
ما تركه الميت فهو لوارثه.
الجهة الثانية: استثني من الحقوق الموروثة أنحاء ثلاثة ادعي عدم انتقالها إلى
الوارث وهي:
الأول: ما كان الحق بحسب دليله متقوما بشخص المورث بحيث ينتفي موضوعه
بموته، نظير حق النظارة والتولية.
الثاني: ما كان الحق ثابتا للمورث بعنوان تقييدي لا ينطبق على وارثه، كالحق
المجعول للعالم.

1 - سورة الأنفال، الآية: 75.
254

الثالث: ما إذا كان مغيى بغاية تتحقق بالموت، كما في خيار المجلس بناء على تحقق
الافتراق المأخوذ غاية له بالموت.
وقد حكي عن العلامة (رحمه الله) (1) أن الموت يوجب المفارقة عن الدنيا وهو أعظم من
المفارقة عن المجلس.
وقد قيل في تقريب تحقق الافتراق بالموت، هو أن المراد من الافتراق والاجتماع
هو الافتراق والاجتماع على المعاملة لا مجرد الاجتماع في مجلس البيع. ومن الواضح
أنه بالموت لا يصدق الاجتماع على المعاملة لعدم قابلية الميت لايجاد المعاملة. وكيف
كان فتحقيقه في بحث خيار المجلس.
والوجه في عدم قابلية هذه الأنحاء الثلاثة للإرث، هو خروجها عن دليل
الإرث، فإن قولهم " ما ترك الميت فهو لوارثه " وإن كان يشملها بدوا إلا أن المراد
منه ليس مطلق ما تركه، بل ما تركه بالموت وزال عنه بالموت بحيث يكون زوال
علقة الميت من ناحية الموت. ففي مثل ذلك تثبت العلقة لوارثه.
وبعبارة أخرى: إن الإرث راجع إلى تبديل طرف العلقة مع ثبوتها في نفسها. فلو
كان الموت مقارنا لزوال أصل العلقة لاختلال موضوعها أو شرطها، كما في الأنحاء
المذكورة فلا مجال للإرث، إذ ليس هنا ما يورث. وهذا يتأتى حتى في الأملاك إذا
فرضنا زوال موضوع الملكية بالموت.
ثم لا يخفى أن حق الخيار غير خيار المجلس ليس من هذه الأنحاء الثلاثة، فهو
قابل للانتقال بالإرث.
ثم إنه ذكر الشيخ (قدس سره) أنه مع الشك في قابلية الحق للانتقال يشكل التمسك
بالاستصحاب لعدم احراز الموضوع، لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق.
وقد حمل السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2) كلامه على إرادة الشك في بقاء الموضوع مع
الشك في أن الحق متقوم بشخص المورث وعدمه.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 65، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 142، الطبعة الأولى.
255

ولكن الظاهر أن مراده (قدس سره) ليس ذلك، بل مراده أن الحق المتيقن في السابق ثابت
للمورث وهو متقوم به ويزول بموته، لأنه على تقدير انتقاله للوارث فهو فرد آخر
غير ذلك الفرد. فالمشكوك غير المتيقن واستصحاب الكلي لا مجال له لأنه من القسم
الثالث. فتدبر.
الجهة الثالثة: في أن الخيار حق أوليس بحق.
وتحقيق ذلك: إن أدلة ثبوت الخيار في موارده لم تتكفل هذه الجهة، إلا ما ورد فيه
ثبوت الخيار بعنوانه، فإنه مساوق لمعنى السلطنة فجعلها ظاهر في جعل الحق. وذلك
كخيار الحيوان والرؤية والمجلس.
فالعمدة في اثبات كون الخيار في موارده من الحقوق هو الاجماع، كما أن العمدة
في دليل إرثه هو الاجماع أيضا. فلاحظ.
المسألة الثانية: في تبعية إرث الخيار لإرث المال وعدمها.
وقد أفاد الشيخ (قدس سره) (1) أن المانع من إرث المال إن كان خارجيا، كتعلق حق
الغرماء بمال الميت إذا فرض استغراق الدين للتركة، فهو لا يمنع من إرث الخيار لأن
ملاك منعه لإرث المال لا يوجد في إرث الخيار، لعدم امكان استيفاء الدين من
الخيار.
وإن كان المانع جهة نقصان في الوارث، كالرقية أو الكفر أو القتل للمورث، كان
مانعا من إرث الخيار أيضا، لعموم دليل المنع لجميع ما يقبل الإرث.
وإن كان المانع من المال هو التعبد الشرعي، كالزوجة غير ذات الولد أو مطلقا
بالنسبة إلى الأرض، وغير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة، فهل يحرم من
الخيار المتعلق بذلك المال الممنوع عن إرثه أو لا؟ حكي في المسألة أقوالا أربعة:
الأول: الحرمان مطلقا.
الثاني: عدم الحرمان مطلقا.
الثالث: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا عن الميت أو منتقلا إليه،
فيرث في الثاني دون الأول.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 290، الطبعة الأولى.
256

الرابع: عدم الميراث في الثاني والاشكال في الأول.
وقد قرب (قدس سره) أولا: الحرمان مطلقا.
أما في صورة انتقال الأرض عن الميت، فلأن حق الخيار علقة في الملك المنتقل
تقتضي تسلطه على استرداده إلى نفسه أو إلى من هو منصوب من قبله، كالأجنبي
المجعول له الخيار.
وهذا لا يكون في فسخ الزوجة، إذ هي لا تسترد الأرض لا إلى نفسها - لعدم
إرثها - ولا إلى من هي منصوبة من قبله.
وأما في صورة انتقال الأرض إلى الميت، فلأن الخيار حق فيما انتقل عنه بعد
فرض سلطنته على ما بيده وما هو بإزائه مع قطع النظر عن الخيار. والمفروض أن
الزوجة لا سلطنة لها على الأرض المنتقلة إلى زوجها لعدم إرثها منه.
ولكنه قرب (قدس سره) - بعد ذلك - الخيار في هذه الصورة بأن ملك بائع الأرض للثمن
لما كان متزلزلا وفي معرض الانتقال إلى جميع الورثة، اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد
موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة وإن لم يكن لها تسلط على نفس الأرض.
هذا خلاصة ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام. وقد صار كلامه (قدس سره) مثارا للاشكال
عليه نقضا وحلا، لأن ما أفاده - بظاهره - لا يزيد على الدعوى بلا بيان قرينة
مؤيدة.
فأورد عليه أولا: بأن حق الخيار حق فسخ العقد لا حق الرد والاسترداد أصلا.
وثانيا: لو سلم أنه حق الاسترداد، فليس هناك دليل على أنه يعتبر أن يكون
الاسترداد لنفسه أو لمن هو منصوب من قبله. خصوصا سيأتي احتمال أنه بالفسخ من
الورثة يرجع المال إلى المورث ثم منه إلى الوارث.
وثالثا: ما ذكره في الصورة الثانية من ثبوت حق للزوجة بلحاظ تزلزل الثمن
لدى بائع الأرض، فإنه لا دليل عليه وهل الحق يستدعي ثبوت الخيار.
ورابعا: بأنه لا دليل على اعتبار سلطنة ذي الخيار على ما وصل بإزاء ما انتقل
إلى الآخر.
257

وخامسا: إن ما ذكره يتأتى في صورة استغراق الدين للتركة، إذ ما هو متعلق
الخيار غير مملوك للورثة، فيكون حكمه حكم الأرض بالنسبة إلى الزوجة إلى غير
ذلك من وجوه الايراد.
والتحقيق: إن ما أفاده الشيخ (قدس سره) أولا من نفي إرث الخيار مطلقا هو المتعين.
أما في صورة انتقال الأرض إلى الميت، فلما تقدم في مسقطات خيار العيب من أن دليل الخيار يتكفل اثبات حق ادخال العين في ملك مالكها الأول من دون
اعتبار رضاه، مع المفروغية عن ثبوت حق اخراجها عن الملك، فمع عدم التمكن من
اخراج العين عن الملك لا يثبت حق الرد والارجاع.
والزوجة بالنسبة إلى الأرض كذلك، لأنها ليست في ملكها ولا منصوبة عن
مالك العين، فلا يحق لها اخراج العين عن الملك ولا سلطنة لها عليها. وعليه فلا
يثبت لها حق الخيار.
وأما بالنسبة إلى صورة انتقال الأرض عن الميت، فلأن حق الخيار حق مجعول
بلحاظ رفع الخسارة الواردة على المالك بحيث أنه بواسطة اعماله يدفع الخسارة عنه،
وهذا يقتضي دخول العين المنتقلة في ملك مالك الثمن باعمال الحق.
وليس الأمر في الزوجة كذلك، إذ الثمن يخرج من ملكها والأرض تدخل في ملك
الغير، وفي مثله لا معنى لجعل حق الخيار.
وبهذا البيان ظهر أنه لا مجال لكثير من الايرادات المتقدمة. فتدبر.
وأما النقض بصورة استغراق الدين للتركة، فيمكن دفعه..
أولا: بالالتزام بأن الأموال لا تنتقل إلى الغرماء بعد الموت بل هي باقية على
ملك الميت والورثة مسلطون عليها، إذ لا دليل على منعهم عن التصرف، لأن ما دل
من اعتبار رضا المالك وطيب نفسه لا يشمل المقام جزما.
نعم، ليس لغيرهم التصرف فيها لظهور الأدلة في كونها من مختصات الورثة،
فيثبت لهم حق الاختصاص، فهم قادرون على اخراجها، فالاشكال من هذه الجهة
مندفع.
258

وأما اشكال دفع الخسارة، فهو مرتفع أيضا لأن من يخرج منه المال باعمال
الخيار - وهو الميت - يدخل إليه المال، وليس كالزوجة بالنسبة إلى الأرض.
فلم يبق إلا اشكال مزاحمة ذلك لحق الغرماء، وهو يندفع بما إذا كان اعمال الخيار
غير موجب لنقصان مال الميت، فلا يكون التصرف بضررهم بل قد يكون في
نفعهم، كما إذا كان ما انتقل عن الميت أكثر قيمة مما انتقل إليه.
وثانيا: بالالتزام بأن الأموال تنتقل إلى الورثة وهي ملكهم، لكن يجب عليهم
أداء دين الميت من هذا المال بحيث يثبت للغرماء حق فيه، فلا مانع من ثبوت الخيار
لهم. نعم يختص اعماله بما إذا لم يكن موجبا لتضررهم.
وبالجملة، الاشكال على الشيخ (قدس سره) يبتني على انتقال المال رأسا من الميت إلى
الغرماء، وهو قابل للانكار والالتزام بأحد الوجهين السابقين، فيختلف هذا المورد
عن مورد الأرض في ميراث الزوجة. فتدبر.
هذا تحقيق الكلام في هذه المسألة.
المسألة الثالثة: في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار.
والذي ذكره الشيخ (قدس سره) (1) وجوه أربعة:
الأول: أن يثبت لكل واحد منهم خيار مستقل في جميع المال، فيكون لكل واحد
منهم الفسخ مستقلا وإن أجاز الباقون، نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض
المستحقين.
والمستند في ذلك ظهور الأدلة في أن ما ترك الميت فلوارثه، فيثبت الحق لكل
وارث.
الثاني: استحقاق كل واحد منهم خيارا مستقلا في حصته من المال المنتقل إليه
فله الفسخ في حصته خاصة.
والمستند فيه: إن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة وكان مقتضى أدلة الإرث
اشتراك الورثة فيما ترك الميت تعين تبعضه بحسب متعلقه، فيكون الورثة كالمشتريين
لصفقة واحدة إذا ثبت الخيار لكل منهما.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 291، الطبعة الأولى.
259

الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، فيكون خيار واحد ثابت
للمجموع، فلا يستقل أحدهم بالفسخ لا في الكل ولا في البعض.
والوجه فيه: إن مقتضى أدلة الإرث في الحقوق غير القابلة للتجزئة والأموال
القابلة للتجزئة أمر واحد، وهو ثبوت المجموع للمجموع، لكن التقسيم في الأموال بما أنه ممكن كان مرجع الاشتراك في المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة
بخلاف الحقوق فإنها تبقى على حالها.
الرابع: أن يثبت خيار واحد لطبيعة الوارث المتحققة بكل فرد منهم، فكل فرد له
حق اعمال الخيار من باب أنه فرد للطبيعي الثابت له الخيار.
ولا يخفى أن الفرق العملي بين الوجوه الثلاثة الأول لا يكاد يخفى.
وإنما الاشكال في الفرق العملي بين الوجه الأول والرابع، فقد يقال بعدم الفرق
بالنتيجة، وأنهما لا يختلفان إلا بالعنوان والتعبير.
ولكن الصحيح هو وجود الفرق في مقام الاسقاط، فإنه..
على الأول، إذا أسقط أحد الورثة الخيار لا يسقط إلا الحق الثابت له، أما الثابت
لغيره فهو على ما هو عليه.
وأما على الرابع، فإذا أسقط أحدهم الخيار سقط لأنه حق واحد ثابت للكل من
باب أنه فرد للطبيعي، فإذا أسقطه أحدهم يسقط، لأن طبيعي الوارث قد أسقطه،
ولا يصح اعماله بعد ذلك من الآخرين.
ولعل الشيخ (قدس سره) أشار إلى ذلك في بيان أن امضاء أحدهم على الأول لا يمنع من
اعمال الآخرين بخلاف الحال على الرابع، من جهة أن مرجع الامضاء لديه إلى
اسقاط الحق لا إلى اعماله، لأن الخيار عنده حق الفسخ وعدمه، لا حق الفسخ
وإبرامه، كما تقدم في أوائل مباحث الخيارات. فراجع.
ثم إن الشيخ (قدس سره) أورد على الالتزام بالوجه الأول: بأن المراد بالنبوي وأمثاله مما
يدل على أن ما تركه الميت فلوارثه هو جنس الوارث وطبيعته من دون دلالة له
على إرادة كل فرد فرد أو مجموع الأفراد أو غير ذلك، فإن المطلق لا يدل إلا على
260

إرادة الطبيعة المطلقة، أما خصوصية الاستغراقية والمجموعية والبدلية فهي تستفاد
من دال آخر - كما حرر في محله -.
وعليه، فالنبوي يتلاءم مع جميع الوجوه الأربعة.
إذن، فالدليل قاصر عن اثبات هذا الوجه مضافا إلى قيام القرينة العقلية
واللفظية على عدم إرادة ثبوت الحق لكل واحد مستقلا.
أما القرينة العقلية، فهي أن الثابت للميت حق واحد شخصي قائم بشخص واحد
فلا يصح انتقاله إلى كل وارث على حدة بحيث يثبت لكل منهم مستقلا، إذ الواحد
لا يقبل التعدد.
وأما القرينة اللفظية، فهي أن أدلة الإرث موضوعها الأعم من المال والحق
المتروكين، والمفروض أن انتقال المال إلى الورثة بنحو الاشتراك، فإذا كان انتقال
الحق إلى الورثة ليس على نحو انتقال المال لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
هذا خلاصة ما أفاده الشيخ (قدس سره).
وقد يتوجه عليه: إنه كان ينبغي أن يورد على هذا الوجه بما تقدم ايراده على
إرث الخيار في الأرض بالنسبة إلى الزوجة، إذ كل واحد من الورثة لا يملك تمام
المال فكيف يثبت لكل واحد منهم الخيار في تمام المال، لعدم تحقق ملاك الخيار
بالنسبة إلى تمام المال. فاغفاله (قدس سره) هذا الايراد الظاهر منه أنه لا محذور في هذا الوجه
من هذه الجهة لا يخلو عن تسامح.
ثم إنه أورد على ما ذكره (قدس سره) من القرينة العقلية من صيرورة الحق الواحد لوحدة
طرفه متعددا لتعدد طرفه، كما لو كان الخيار للمجنون فإنه يثبت لوليه وإن تعدد،
فيكون لكل من الوليين أو الأولياء حق الخيار.
ويرد عليه: إن المحذور ليس في ثبوت الخيار لمتعدد بنحو الاستقلال، بل في انتقال
الحق الواحد الشخصي وانحلاله إلى حقوق متعددة، فإنه محال. وبما أن الثابت
للمورث حق واحد شخصي، فانتقاله يقتضي التحفظ على وحدته.
نعم، لو كان ثبوته لغير من له الحق ابتداء ليس بعنوان الانتقال فلا مانع من
261

التعدد، كما في مثل الخيار الثابت لوليي المجنون، فإن ثبوت الخيار لهما بعنوان ولايتهما
عليه لا بعنوان انتقال الحق منه إليهما، وكما في مثل ثبوت حق القصاص لكل من
الورثة باعتبار أن كلا منهم ولي الدم.
وبالجملة، ما أفاده (قدس سره) من استحالة تعدد الحق الواحد المنتقل وضرورة بقائه
على وحدته، أمر لا يقبل الانكار.
وأورد الشيخ (قدس سره) أيضا على الالتزام بالوجه الثاني: بأن تجزئة الخيار بحسب
متعلقه مما لا تدل عليه أدلة الإرث، فإن ما تعرض منها للقسمة غاية ما يستفاد منه
في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل باعمال
هذا الحق أو اسقاطه، فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ أو ثمنها الباقي في ملكهم
بعد الإجازة على طريق الإرث. وأما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته فلا
يستفاد من تلك الأدلة.
لكن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) ذهب إلى هذا الوجه مدعيا أنه مقتضى الانصاف،
لأن قسمة كل شئ بحسبه، فقسمة المال إنما هي باعتبار نفسه وقسمة الحق باعتبار
متعلقه.
وهذا واضح بملاحظة الرجوع إلى العرف، فإذا قال " ما تركه الميت من حق
التحجير لوارثه " يفهم منه أنه يقسم بينهم على حسب قسمة الأرض وكذا في حق
القصاص وحق الرهن وحق الخيار، فالحق غير قابل للتجزي عقلا، إلا أنه يعد من
القابل له عرفا لأن نظرهم في ذلك إلى متعلقه، فيعد تجزيه باعتبار متعلقه تجزية
نفسه.
هذا ما أفاده (قدس سره).
وفيه: إنه لو سلم ما ذكره من تجزية الحق بحسب متعلقه بنظر العرف، فهو إنما يتم
فيما كان المتعلق قابلا للتجزئة، كالأرض في حق التحجير. لا ما لم يكن قابلا، كحل
العقد في حق الخيار فإن حل العقد لا يقبل التجزئة، فإنه أمر واحد بسيط.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 148، الطبعة الأولى.
262

والصحيح ما أفاده الشيخ (قدس سره)، فإن المفروض أن الحق الثابت للمورث حق واحد
شخصي في المجموع فيمتنع أن يتجزأ هذا الحق ويتعدد بتعدد الحصص، مضافا إلى
منافاته لظاهر الأدلة الظاهرة في انتقال ذلك الحق إلى الورثة كلهم.
وأما الوجه الرابع: فيدفعه قصور مقام الاثبات عن اثباته، كما أشار إليه
الشيخ (قدس سره)، لأن موضوع الأدلة الأعم من المال والحق، وقد عرفت أن المال لا ينتقل
إلى طبيعي الوارث بل ينتقل إلى المجموع ويكون المجموع مالكا له بنحو الشركة،
ومثل ذلك يقال في الحق، فيكون حق واحد ثابتا للمجموع بنحو الاشتراك.
فالمتعين هو الالتزام بالوجه الثالث تبعا للشيخ (قدس سره)، فإنه الذي يساعد عليه مقام
الثبوت والاثبات. والله سبحانه العالم.
ثم إنه قد يرد على ما اخترناه - تبعا للشيخ (قدس سره) - من امتناع انتقال الحق الواحد
إلى كل فرد من الورثة على حدة وامتناع تقسيمه بلحاظ الحصص..
يرد النقض بموارد ثبت فيها الحق لكل واحد من الورثة بنحو الاستقلال، كحق
الشفعة الثابت للمورث فإنه يثبت لكل واحد من الورثة بنحو الاستقلال، فلو عفى
أحد الورثة عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع. ومثله حق القصاص إذا مات
من له الحق، فإنه ينتقل إلى ورثته.
ولا يخفى أنه في مثل حق القصاص يمكن القول بأن ثبوته لكل واحد من الورثة
من باب أنه ولي الدم لا من باب الميراث. ولا مانع من تعدد الحق إذا تعدد
موضوعه، كما لو كان ورثة المقتول مباشرة متعددين، فإنه يثبت لكل منهم الحق في
القصاص مع أنه خارج عن الميراث بل الحق يثبت لهم رأسا لا إلى مورثهم وهو
المقتول.
لكن هذا لا يمكن أن يقال في حق الشفعة، فإن كلا من الوارثين وإن كان شريكا
إلا أن شركته حادثة بعد العقد وهي لا تكون سببا للشفعة.
وقد تفصى الشيخ (قدس سره) (1) عن هذا النقض: بأنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد
الشريكين لزم تضرر الآخر بالشركة.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 292، الطبعة الأولى.
263

وفيه: إن هذا لو تم لاستلزم مثله في إرث الخيار لاستلزام إجازة أحد الوارثين
وعدم موافقته الآخر في الفسخ الضرر على الآخر. فتدبر.
وأما ما تفصى به المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1): من أن الحق المنتقل حق واحد ثابت
للمجموع إلا أن لكل واحد منهم السلطنة على اخراج نفسه من طرف الحق فيثبت
الحق الواحد للباقين وتضيق دائرة طرفه. فلا يستلزم ذلك التعدد في الحق المنتقل.
فيرد عليه: إن ثبوت هذه السلطنة مع فرض أن الحق ثابت للكل في مقام اعتباره
وجعله، مما لا نتصوره فضلا عن عدم الدليل عليه، فكيف يخرج أحدهم عن
الطرفية ويكون الحق ثابتا للباقي بلا تغير فيه ولا تبدل في الجعل والاعتبار؟
فالتحقيق: إنه بعد أن عرفت امتناع انتقال الحق الواحد إلى كل واحد من الورثة
على حدة، فلا مجال للالتزام به في أي مورد كان. فإن قام اجماع على تعدد الحق في
بعض الموارد بنحو لا يمكن رفع اليد عنه، فلا بد من توجيهه بكونه تخصيصا لأدلة
الإرث وأن ثبوت الحق بهذا النحو لا يكون من باب الانتقال بل من باب التعبد
الصرف. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (2) تعرض إلى فرع وهو أن الورثة إذا اجتمعوا على الفسخ فيما
باعه مورثهم، فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلى المشتري. وإن لم
يكن موجودا أخرج من مال الميت ولا يمنعون من ذلك ولو كان على الميت دين
مستغرق للتركة لأن المحجور له الفسخ بخياره. هذا لو كان للميت مال.
أما لو لم يكن له مال، ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان.
وقد (3) بنى الوجهين على أن الفسخ هل هو حل العقد فقط فيثبت تملك كل من
الطرفين لماله بالسبب السابق على العقد المنحل. أو أنه عبارة عن تملك جديد من

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 173، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 293، الطبعة الأولى.
3 - لم يظهر من عبارة المكاسب بناء الوجهين على ما أفاده السيد الأستاذ - دام ظله - بل الظاهر أنه يبنيهما على أن
الحق الثابت للوارث هل هو من باب النيابة عن الميت بحيث يفسخ عنه كالوكيل والولي، أو هو مستقل فيه
بحيث يفسخ له؟ مع المفروغية عن كون الفسخ يستدعي التملك كما يظهر من قياس المقام بالشفعة وبعض
كلماته، فلاحظ هذا ما بدا لي من العبارة عاجلا " المقرر عفي عنه ".
264

قبل الفاسخ، بحيث يكون تملك المردود بنفس الفسخ؟
فعلى الأول، يرجع المبيع إلى الميت فتشتغل ذمته بالثمن، فيكون الوارث
كالأجنبي الذي يكون له الخيار.
وعلى الثاني، يرجع المبيع إلى الوارث، لأن الفسخ سبب للتملك، والمفروض
صدوره منه، فيثبت الثمن على الوارث. فيكونون بمنزلة الميت.
وقد قرب (قدس سره) الوجه الثاني وذكر في الختام أن المسألة تحتاج إلى تنقيح زائد.
أقول: وضوح الحكم في هذا الفرع يتوقف على الكلام في جهتين:
الأولى: في تصوير ثبوت حق الفسخ وتأثيره في حل العقد مع تلف أحد
العوضين، وقد مر بعض الكلام فيه، ولعله يأتي البحث عنه مفصلا.
الثانية: في أن حقيقة الفسخ هل هي مجرد حل العقد لا أكثر، فيكون تملك
المتعاملين لماليهما بالسبب السابق على العقد؟ أو أنه تملك جديد بحيث يكون التملك
به وإن كان صورة فسخا وحلا للعقد.
والكلام فيها سنتعرض له انشاء الله تعالى في محله.
ثم إن السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) احتمل في الفسخ الصادر من الوارث وجوها
ثلاثة:
أحدها: أن يكون حلا للعقد عن الميت. وهذا هو الوجه الأول المذكور في كلام
الشيخ (قدس سره).
الثاني: أن يكون فسخا لنفسه وهو الوجه الثاني المذكور في كلام الشيخ (قدس سره).
الثالث: أن يكون مجرد حل العقد بلا إضافة للميت أو لنفسه ومقتضاه رجوع
العوضين إلى المالك الفعلي. وقد بنى (رحمه الله) عليه ورتب عليه آثارا تختلف عن آثار
الوجهين الآخرين.
والتحقيق: إنه لا نتعقل لما أفاده (رحمه الله) وجها صحيحا، فإنه إذا كان الفسخ عبارة عن
حل العقد بلا إضافة للميت ولا لنفسه. فما هو المقتضي لصيرورة العوضين للمالك

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 150، الطبعة الأولى.
265

الفعلي؟ وبم تنتقل العين إلى الوارث؟ فلا نتعقل في الفسخ إلا ما ذكرناه من
الوجهين. فتدبر.
ثم إن ما ذكره الشيخ (قدس سره) من الوجهين في صورة عدم وجود مال للميت يتأتى في
صورة وجود مال للميت، كما لا يخفى، فلا وجه للتخصيص. فلاحظ.
المسألة الرابعة: لو كان الخيار لأجنبي فهل يورث إذا مات أو لا؟ وجوه ثلاثة:
الأول: سقوطه.
الثاني: انتقاله إلى وارثه.
الثالث: انتقاله إلى المتعاقدين.
والأقوى هو الأول، لظهور جعل الخيار له في مدخليته بشخصه ولا أقل من
احتماله. وقد تقدم عدم قابلية الحق في مثل ذلك للانتقال لفقد موضوعه فيسقط.
ولو تنزل عن ذلك فالثاني من الوجوه أوجه من الثالث، إذ مقتضى دليل الإرث
انتقاله إلى وارثه ولا وجه لانتقاله إلى المتعاقدين. وكون الخيار المجعول لصالحهما
لا يستلزم ثبوته لهما. وهو واضح.
ثم إن الشيخ (قدس سره) أشار إلى البحث في الخيار المجعول للعبد المملوك لأحد
المتعاقدين وتعرض إلى كلام القواعد (1) ومناقشته. فراجع.
المسألة الخامسة: في تحقق الفسخ بالتصرف، كما يحصل الاسقاط والتزام العقد
به.
وتحقيق الكلام: إنه قد مر في مباحث الخيارات الكلام في سقوط الخيار
بالتصرف فيما انتقل إليه.
ويقع الكلام في هذه المسألة في تحقق الفسخ بالتصرف فيما انتقل عنه، فيكون
التصرف فسخا فعليا كما يكون إجازة فعلية.
ولا يخفى حصول الفسخ بما يكون كاشفا نوعيا عن الرد والفسخ كما تحصل
الإجازة بما يكون كاشفا نوعا عنها لصحة الانشاء بالفعل كما يصح بالقول.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 2: ص 69، الطبعة الأولى.
266

إنما الاشكال في حصول الفسخ بالتصرف الذي ليس له كشف نوعي عن الرد،
فلو حصل الفسخ به كان حصوله من باب التعبد.
كما قد يلتزم ذلك في باب الإجازة استنادا إلى الرواية (1) الواردة في خيار
الحيوان، فيقال بظهورها في مسقطية مطلق التصرف للخيار تعبدا لو لم يكن له كشف
نوعي عن الامضاء.
والتحقيق: إنه لا دليل على الالتزام بذلك في باب الفسخ لاختصاص الرواية
بمورد الرضا والإجازة. وعدم قيام دليل آخر سوى الاجماع. وقد يقرب بوجهين:
الأول: الاجماع في مقام الفتوى على عدم التفكيك بين ما يحصل به الامضاء وما
يحصل به الرد والفسخ، بمعنى أنه لا تفكيك بين الموردين في الفتوى، فكل تصرف
يكون محققا للإجازة يكون محققا للرد.
وهذا الوجه وإن تم لا ينفع فيما نحن فيه، لأن أكثر العلماء خصوا التصرف المسقط
بالتصرف الكاشف نوعا، ومقتضاه التخصيص في التصرف الذي يتحقق به الفسخ.
فلا يتشكل اجماع على تحقق الفسخ بالتصرف غير الكاشف بل الذاهب إلى ذلك
قليل.
هذا التقريب ورده أشار إليه الشيخ (قدس سره) (2).
الثاني: دعوى الاجماع على قاعدة كلية وهي الملازمة بين ما يتحقق به الامضاء
والإجازة وما يتحقق به الفسخ، فكل تصرف يحقق الإجازة يحقق الفسخ والرد،
من دون نظر إلى تحقيق الصغرى. فإذا ثبت بالنص أن التصرف غير الكاشف تتحقق
به الإجازة ثبت بالاجماع أنه مما يتحقق به الفسخ.
ويمكن أن يناقش في هذا التقريب: بأن الاجماع موضوعه ما تتحقق به الإجازة
وهو يختص بالتصرف الكاشف نوعا عن الرضا، إذ التصرف غير الكاشف لا
تتحقق به الإجازة وإنما يترتب عليه حكمها تعبدا وهو سقوط الخيار. ولم يتم
الاجماع على أن كل ما هو بحكم الإجازة يكون بحكم الرد. فلاحظ.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب الخيار، ح 1.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 293، الطبعة الأولى.
267

ثم إن الشيخ (قدس سره) أشار إلى أن التصرف فيما انتقل عنه يكون غالبا كاشفا نوعيا عن
الرد، وليس كالتصرف فيما انتقل إليه، فالتصرف الذي يتحقق به الفسخ بملاحظة
التعبد يكون أضيق من التصرف الذي يتحقق به الامضاء، ولكنه بملاحظة الكشف
عن النوعي يكون أوسع منه، ولأجل ذلك تقل فائدة هذا البحث.
توضيح ذلك: إن التصرفات الواقعة على ما انتقل عنه على قسمين: خارجية،
كوطء الأمة وتقبيلها وأكل الطعام ونحوها. واعتبارية، كبيع الأمة أو عتقها
ونحوهما.
أما الخارجية، فهي محرمة لغير المالك، فإذا أقدم عليها من يعرف من حاله أنه
لا يقدم على الحرام كشف ذلك عن قصده الفسخ وإلا كان تصرفه حراما. وهو
خلاف ما عرف من حاله وجرت عليه سيرته.
نعم، لو لم يكن ذلك معروفا منه فلا ينفع التمسك بأصالة الصحة في عمل المسلم
لاثبات تحقق الفسخ منه، لأن أصالة الصحة غاية ما تثبت عدم صدور القبيح منه،
أما صدور الفعل الحسن بعنوانه ليترتب عليه آثاره فلا تثبته أصالة الصحة، ولذا لو
تردد الكلام الصادر من شخص مسلم بين كونه سلاما وكونه سبا محرما، فإن أصالة
الصحة تنفي كونه محرما ولا تثبت أنه سلام ليترتب عليه وجوب الرد.
وما نحن فيه كذلك، فإن أصالة الصحة لا تثبت أن العمل الصادر منه كان بقصد
الفسخ.
وأما التصرفات الاعتبارية، فهي في حد أنفسها غير محرمة، إذ لا يحرم ايجاب
البيع على مال الغير، فصدورها لا يكشف عن قصد الفسخ من هذه الجهة.
نعم، بما أن ظاهر المعاملة وقوعها عنه لا عن المالك فضولة، كان هذا الظهور
كاشفا نوعا عن تحقق الفسخ ليصح ايقاع المعاملة عن نفسه. فهي من هذه الجهة
تكشف عن الفسخ.
ثم إنه قد يتمسك في مثل هذه المعاملة بأصالة عدم الفضولية وعدم قصد الغير
بالمعاملة.
268

ولكن ادعي معارضتها بأصالة عدم الفسخ، إلا أن الشيخ (قدس سره) (1) ذهب إلى
حكومتها على أصالة عدم الفسخ.
والتحقيق: إنه لا مجال لجريان أصالة عدم قصد المعاملة عن الغير لعدم ترتب
الأثر عليها وإنما الأثر يترتب على قصد المعاملة عن نفسه الكاشف عن تحقق
الفسخ، فنفي قصد المعاملة عن الغير لا أثر له فيما نحن فيه ولا يثبت به موضوع الأثر
إلا بالملازمة.
وأما دعوى حكومتها على أصالة عدم الفسخ، فهي غير وجيهة، لأن عدم
الفسخ ليس معلولا لقصد المعاملة عن الغير ولا الفسخ معلول لقصد المعاملة عن
نفسه، بل هو ملازم له اثباتا من باب كشفه عنه، فلا سببية في البين كي تتحقق
الحكومة.
المسألة السادسة: في الكلام عن أن الفسخ هل يتحقق بنفس التصرف أو يحصل
قبله متصلا به؟
وبعبارة أخرى: هل التصرف كاشف عن تحقق الفسخ أو سبب؟ في المسألة
قولان:
وقد استظهر الشيخ (قدس سره) (2) من بعض كلماتهم الأول ثم استظهر الثاني. وأوقع
البحث بعد ذلك في ما يتفرع عن الالتزام بأنه سبب من أن التصرفات الحاصل بها
الفسخ هل تكون صحيحة إذا كانت متوقفة على الملك أو لا تقع صحيحة؟ والكلام
يقع في جهات:
الجهة الأولى: في صحة المعاملة التي يحصل بها الفسخ وعدم صحتها.
والكلام تارة: في الحكم الوضعي بالنسبة إلى المعاملة. وأخرى في الحكم التكليفي
من حيث الحرمة والحلية بالنسبة إلى التصرفات الخارجية، كالوطء والتقبيل.
أما الكلام في الحكم الوضعي، فتحقيقه: إن ما دل على أن لا بيع إلا في ملك
ونحوه، يحتمل وجوها:

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 294، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 294، الطبعة الأولى.
269

الأول: أن يكون المنفي رأسا هو الصحة ويراد من البيع السبب، فيكون المراد لا
صحة للبيع إلا في ملك.
الثاني: أن يكون المنفي هو السبب بلحاظ أثره، فيكون المراد لا بيع إلا في ملك،
والفرق بينه وبين الأول أن متعلق النفي في الأول هو الصحة وههنا هو العقد بلحاظ
أثره، والمنفي على هذا الاحتمال إما البيع الواقع بتمام أجزائه في غير الملك بحيث يكون
الحصر بالإضافة إليه كالبيع فيما لا يملك أو فيما يملكه الغير، فلا يشمل البيع الواقع
بعضه في ملكه، كما احتمله الشيخ (قدس سره).
وإما مطلق البيع ولو ببعض أجزائه، فمرجع ذلك إلى اعتبار وقوع العقد بتمام
أجزائه في الملك، كما أن مرجع التقدير الأول إلى اعتبار عدم وقوعه بتمام أجزائه في
غير الملك.
الثالث: أن يكون المراد به نفي البيع بمعنى المسبب يعني النقل والانتقال، فلا يتحقق
إلا في ملك.
ثم لا يخفى أنه على جميع الاحتمالات يمكن أن يراد من اعتبار الملك المقارنة مع
الملك، ويمكن أن يراد به اعتبار سبقه بحيث يرد العقد أو النقل والانتقال على الملك.
وقد استظهر الشيخ (قدس سره) (1) الثاني بدعوى أن مقتضى الظرفية ذلك.
وأورد عليه: إن مقتضى الظرفية المقارنة بل يستحيل أن يكون الظرف سابقا على
المظروف.
ويمكن أن يريد الشيخ (قدس سره) أن ظهور الظرفية عرفا في لزوم كون ذات الظرف
سابقة على المظروف وإن كانت بما هي ظرف مقارنة، فنظر الشيخ (قدس سره) إلى الظهور
العرفي لا إلى الاقتضاء العقلي كي يورد عليه بما تقدم، والظهور العرفي مع الشيخ، كما
لا يخفى.
ثم لا يخفى أن الفسخ يتحقق بنفس الايجاب سواء كان صحيحا أو لا، لأنه كاشف
عن إرادة التملك وهي ملازمة للفسخ.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 295، الطبعة الأولى.
270

وعليه، نقول: إنه بناء على الاحتمال الأول لا مانع من صحة العقد، لأن الصحة
متأخرة عن الايجاب والقبول، والمفروض تحقق الفسخ بالايجاب فيتحقق به شرط
الصحة وهو الملك، فيكون العقد مشمولا للمستثنى.
وأما بناء على الاحتمال الثالث، فالأمر كذلك، لأن مقتضى الرواية عدم تحقق
النقل والانتقال مع عدم الملك. والمفروض حصول الملك بحصول الفسخ بالايجاب.
وأما بناء على الاحتمال الثاني، فإن كان المعتبر وقوع تمام الايجاب والقبول عن
ملك بحيث يكون الملك سابقا كما هو مقتضى الظرفية، كان العقد فيما نحن فيه باطلا
لعدم تحقق الفسخ الموجب للملك قبل الايجاب والقبول. وأما إن كان المعتبر في
الصحة هو عدم وقوع تمام الايجاب والقبول في غير الملك، فيمكن أن يلتزم بصحة
العقد ههنا، لحصول الفسخ بأول جزء من العقد وبه يحصل الملك، فيكون بعض العقد
واقعا في الملك.
وبذلك يظهر أن عدم صحة العقد مبتن على أحد الوجهين في الاحتمال الثاني وهو
اعتبار سبق الملك على تمام الايجاب والقبول في صحته.
ولكن هذا الاحتمال بكلا وجهيه لا يلتزم به، كيف؟ ولازمه بطلان عقد الفضولي
وهو مما لا يلتزم به، فيدور أمر المراد به بين الاحتمال الأول والثالث، وقد عرفت
صحة العقد بناء عليهما.
إذن، فالمتعين الالتزام بصحة العقد.
وأما الكلام في التصرفات الخارجية، فتحقيقه: إن التصرف يقع محرما إذا كان
متوقفا على الملك لظهور دليل " لا وطأ إلا في ملك " - مثلا - في اعتبار الملكية
السابقة على التصرف لأن ذلك ظاهر الظرفية عرفا.
فإذا كانت الملكية متأخرة عن التصرف وقع التصرف عن غير ملك، فيكون
محرما. وهذا لا يضر بكاشفيته عن الفسخ وتحققه به بلحاظ الناحية العرفية في
الاقدام على مثل هذا التصرف وأنه لا يصدر من الشخص إلا بقصد الفسخ. فتدبر.
الجهة الثانية: لا يخفى أن الكلام السابق في الجهة الأولى ناظر إلى صحة العقد
271

وعدم صحته مع المفروغية عن تحقق الفسخ به ولو لم يكن صحيحا، فبطلانه لا
يستلزم عدم تحقق الفسخ به.
وكلام الشيخ (قدس سره) ناظر إلى هذه الناحية فقط، كما يظهر من ملاحظة صدره وذيله
ووسطه، فإن جميعه ظاهر في كون محط بحثه الصحة وعدم الصحة، لا تحقق الفسخ
وعدم تحققه.
كما يظهر من كلامه حين الدخول في المبحث، كقوله: " ولو قلنا بحصوله - يعني
الفسخ - بنفس الأفعال فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة... ".
وكما يظهر من تقرير دليل المنع بتشبيهه بالتكبيرة الثانية التي لا يتحقق بها
الشروع في الصحة لأنها مبطلة، فإن مبطلية التكبيرة الثانية أمر مفروغ عنه. وإنما
الاشكال في صحة الشروع بها إذا قصد.
وكما يظهر من قوله " وقد يستدل للصحة بأنه... " ثم ما يظهر من تحقيقه المطلب.
فلاحظه تعرف.
وعليه، فلا وجه لحمل كلامه على التوقف في تحقق الفسخ وتقريبه بما هو واضح
الدفع، كما جاء في حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1)، ولا ندري كيف استظهر ذلك من
كلامه؟ والعصمة لأهلها.
الجهة الثالثة: في بيان بعض فقرات من كلام الشيخ (قدس سره) (2) وهي متعددة:
فمنها: ما أفاده من أن الفعل لا انشاء فيه وأن المنشأ يحصل بإرادته المتصلة
بالفعل لا بنفس الفعل.
فقد استشكل فيه المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) " بأنه مما لا برهان عليه، إذ الانشاء
خفيف المؤنة وليس في باب اللفظ إلا قصد ثبوت المعنى به بحيث يكون الموجود
بالذات وهو اللفظ وجودا عرضيا جعليا للمعنى وثبوت المعنى بالعرض بثبوت
الفعل جعلا وبناء في غاية المعقولية... إلى أن قال: وظني أن الانشائية عن الفعل

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 174، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 294، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 174، الطبعة الأولى.
272

منه (قدس سره) من طغيان القلم وإلا فهو معترف بأن المعاطاة يفيد التمليك ويقصد به حصول
الملك لا أنه يخبر عن حصوله قبلا ".
أقول: من يرى أن حقيقة الانشاء ليس إلا ايجاد المعنى باللفظ بحيث يكون اللفظ
وجودا بالعرض للمعنى، كما عليه المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، يمتنع أن يلتزم بصحة
الانشاء بالفعل، لأن ما يطرأ عليه الانشاء ويوجد بوجود عرضي هو مفهوم المعنى
القابل لأن تطرأ عليه أنحاء الوجودات وليس المعنى الموجود فإنه لا معنى لانشائه.
وعليه، فالانشاء لا يكون إلا باللفظ. لأنه دال على مفهوم المعنى كمفهوم التمليك
في " ملكت " والنكاح في " أنكحت " وهكذا.
ولا يصح بالفعل، لأنه ليس دالا على المفهوم بما هو بل هو دال على التمليك المحقق
- مثلا - من باب الملازمة، نظير الملازمة بين الدخان ووجود النار لا مفهومها.
فالفعل ملازم للتمليك الخارجي فهو دال عليه لا على المفهوم فلا معنى لأن يكون
وجودا بالعرض للمفهوم.
نعم، من لا يذهب في معنى الانشاء إلى هذا المسلك ويراه ابراز المعنى بداعي
التسبيب للاعتبار العقلائي أمكن أن يقول بتحقق الانشاء بالفعل وقصد تحقق
المفهوم به بوجود انشائي لدلالته على المعنى وكشفه عنه.
لكن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) ممن يذهب إلى الأول في حقيقة الانشاء، فالايراد منه
على الشيخ (قدس سره) غير صحيح على مسلكه. فلاحظ.
ومنها: ما نقله عن الشهيد (رحمه الله) (1) في منع الدور المدعى استلزام صحة البيع له
على تقدير تحقق الفسخ به، ببيان: إن البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ
المتأخر عن البيع. ومحصل ما نقله عنه في منع ذلك هو: إن الدور معي لا توقفي.
وتوضيح ما ذكره الشهيد (رحمه الله) هو: إن البيع الذي يعتبر فيه الملك هو النقل
والانتقال وهو ملازم للفسخ الحاصل بالعقد، فهما يعني: الفسخ والنقل والانتقال
متلازمان ومعلولان لعلة واحدة. أو يقال: إن المعتبر هو كون الملك مع النقل

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 216، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
273

والانتقال لا أن النقل والانتقال متوقف على الملك توقف المعلول على العلة وهما
متلازمان معلولان للإيجاب والقبول. فتدبر.
ومنها: ما ذكره من أن الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود.
وتوضيح ما أفاده (قدس سره): إنه إذا كان مقتضى الدليل وقوع الانشاء والايجاب
والقبول في ملك المنشئ كان العقد باطلا، وذلك لأن الفسخ المحقق للملك يحصل بأول
جزء من أجزائه وهو إنما يحصل بالجزء الأخير من سببه، فكلما فرض جزء من العقد
قابل للتجزئة سببا للتملك كان بعض أجزاء ذلك السبب متقدما على الملك.
وبعبارة أخرى: إن الجزء الذي لا يتجزأ لا وجود له في الخارج وإن كان له
وجود وهمي فرضي.
وعليه، فكل جزء للعقد يفرض وجوده في الخارج ويمكن أن يتحقق به انشاء
الفسخ، لا بد وأن يكون قابلا للتجزئة وذلك يقتضي وقوع بعض أجزائه في غير
الملك لأن الملك يحصل بالجزء الأخير مما قصد به الانشاء. وإن فرض أن الجزء الذي
لا يتجزأ له وجود خارجي وبه يتحقق الانشاء، فهو لا ينفع أيضا لأن مقتضاه كون
بعض أجزاء العقد مقارنا للملك، والمعتبر هو تقدم الملك على جميع أجزائه، فعلى كلا
التقديرين يكون العقد باطلا.
هذا توضيح ما أفاده (قدس سره).
وبما ذكرنا تعرف بعض المسامحات الواقعة في بعض التعليقات على هذه العبارة.
فراجع تعرف.
المسألة السابعة: فيما لو اشترى عبدا بجارية وأعتقهما معا في آن واحد، قاصدا
الإجازة والفسخ.
ولا يخفى أنه لا يمكن أن يتحقق منه قصد الفسخ والإجازة في آن واحد مع
الالتفات، لأنهما قصدان متنافيان، فلا بد أن نفرض محل الكلام ما لو قصدهما مع
الغفلة عن تنافيهما.
وكيف كان، فالمسألة ذات صور ثلاث لأن الخيار الثابت إما أن يكون للمشتري
أو للبائع أو لهما معا.
274

أما الصورة الأولى، فهي ما كان الخيار ثابتا للمشتري.
ولا يخفى أن عتقه العبد يكون إجازة منه، لأنه تصرف فيما انتقل إليه، وعتقه
الجارية يكون فسخا، لأنه تصرف فيما انتقل عنه.
وعليه، فيقع الكلام في أن أي العتقين يتحقق، والذي أشار إليه الشيخ (قدس سره) (1) في
المسألة أقوال ثلاثة:
القول الأول: القول بانعتاق الجارية دون العبد، بدعوى أن الفسخ مقدم على
الإجازة.
ورده الشيخ (قدس سره): بأن تقديم الفسخ على الإجازة إنما هو في مورد تعدد المجيز
والفاسخ وتغايرهما، لأن لزوم العقد من طرف المجيز بإجازته لا ينافي انفساخه من
طرف الفاسخ بفسخه. لا في مورد كون المجيز والفاسخ واحدا، فإنه لا دليل على
تقديم الفسخ على الإجازة مع تنافيهما وعدم امكان تحققهما معا، كما لا يخفى.
القول الثاني: القول بانعتاق العبد دون الجارية.
وقد يوجه ذلك: بأنه بعد فرض تنافي الإجازة والفسخ وتساقطهما معا، يكون
عتق الجارية باطلا لأنه عتق مال الغير، بخلاف عتق العبد فإنه تصرف في ملكه ولا
مقتضي لبطلانه.
وما أفاده الشيخ (قدس سره) في رده من أن عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية إذ
لو تحقق عتقها تحقق الفسخ، فيكون عتق العبد عتقا في غير ملكه، كما أن عتق
الجارية موقوف على عدم عتق العبد إذ بعتق العبد يلزم العقد فلا يصح عتق الجارية.
غير سديد. لا لمنع الدور والتوقف، فإنا نتكلم مع غض النظر عنه ومع فرض
تسليمه، فإنه لو فرض تمامية ما أفاده، فإن غاية مقتضاه هو عدم تحقق عتق العبد
والجارية معا، لأن كلا منهما موقوف على عدم الآخر، ولا يمنع ذلك من تحقق
أحدهما وهو عتق العبد لوجود مقتضيه وعدم تحقق الآخر لعدم شرطه وهو عتق
الجارية، نظير ما يقال من أن وجود أحد الضدين متوقف على عدم الآخر وهذا
لا ينافي وجود أحدهما خارجا لوجود مقتضيه.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 295، الطبعة الأولى.
275

فالصحيح في رده أن يقال: إن دليل صحة الفسخ بعتق الجارية ودليل صحة عتق
العبد متعارضان ولا يمكن تقديم أحدهما على الآخر، لأن دليل الفسخ يقتضي عود
العبد إلى ملك البائع ودليل العتق يقتضي حرية العبد وعدم تملك أحد له، فينافي
مقتضاهما.
وليست صحة العتق متأخرة عن عدم الفسخ، كي يكون دليلها بالنسبة إلى دليل
الفسخ كالأصل المسببي بالنسبة إلى السببي. فإذا ابتلى دليل الفسخ بالمعارض وهو
دليل نفوذ الإجازة - كما فيما نحن فيه - كان دليل صحة العتق بلا مزاحم، بل دليل
صحة العتق ودليل نفوذ الفسخ في عرض واحد، كما بيناه.
وبذلك يظهر أن القول الثالث وهو الحكم ببطلان العتق تبعا للشيخ هو المتعين بعد
الالتزام بعدم تأتي الفضولية في العتق.
الصورة الثانية: أن يكون الخيار لبائع العبد وأعتقهما المشتري، وفي مثله يبني
صحة عتق الجارية على جواز عتق الفضولي لأنها ليست ملكه، وصحة عتق العبد
على جواز تصرف غير ذي الخيار في زمان الخيار. وما ذكرناه واضح.
الصورة الثالثة: أن يكون الخيار لهما، فقد استقرب الشيخ (قدس سره) صحة عتق الجارية
ويكون فسخا، لأن عتق العبد بما أنه ابطال لخيار بائعه غير صحيح بدون إجازة
البائع ومعها يكون إجازة منه لبيعه والفسخ مقدم على الإجازة.
والفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى أن عتق كل من المملوكين في الصورة
الأولى كان من المشتري صحيحا لازما، بخلاف هذه الصورة، لأن عتق العبد
تصرف في موضوع حق البائع. نعم لو قلنا بصحة عتق المشتري العبد في زمن خيار
البائع كانتا متفقتين في الحكم.
ويمكن أن يورد عليه:
أولا: بأن تقدم الفسخ على الإجازة ليس بمعنى إلغاء الإجازة وعدم ترتب الأثر
عليها، بل من حيث عدم المنافاة بينهما وإمكان الجمع بينهما.
وعليه، فلا مانع من الالتزام بصحة عتق العبد من هذه الجهة لو أجاز البائع.
276

وثانيا: لو فرض أن تقديم الفسخ على الإجازة بمعنى لغوية الإجازة، فذلك أنما
ينفي كون امضاء البائع لعتق العبد إجازة للبيع واسقاطا للخيار. ولا ينفي تأثير
الامضاء في صحة العتق بلحاظ جهة مزاحمته للحق. وبعبارة أخرى: إن الامضاء له
أثران اسقاط الخيار وإجازة البيع والآخر صحة العتق، فتقديم الفسخ يستلزم لغوية
الامضاء من الناحية الأولى دون الثانية. فانتبه.
وثالثا: إنه لو سلم لغوية الإجازة مطلقا، فالمشتري بعتقه للعبد يكون قد أجاز
البيع، وإجازته تتنافى مع فسخه الحاصل بعتق الجارية، فيكون من قبيل الصورة
الأولى لصدور الفسخ والإجازة من طرف واحد وهما متنافيان.
ثم إن الموجود في نسخة المكاسب المطبوعة ما نصه " لو اشترى عبدا بجارية مع
الخيار له فقال اعتقهما " ولا يبعد أن تكون النسخة غلطا والصواب " أعتقتهما "، إذ
الأمر بالعتق لا يحقق العتق كي يقع الكلام في صحة أيهما. ويمكن أن يكون المراد
" اعتقهما " بلفظ المضارع بناء على الانشاء به، والأمر سهل.
المسألة الثامنة: في جواز تصرف ذي الخيار في العين تصرفا يمنع من استردادها
عند الفسخ.
وتحقيق الكلام في ذلك: إن حق الفسخ إما أن نقول بأنه حق متعلق بالعقد
وحقيقته حل العقد. وإما أن نقول بأنه عبارة عن حق تملك العين بتملك جديد.
ولا بأس بتحقيق هذه الجهة قبل الدخول في تحقيق المطلب، فنقول: إن المعروف
أن الفسخ عبارة عن حل العقد ونقضه، كما هو ظاهر لفظ الفسخ.
لكن يشكل ذلك ثبوتا: بأن العقد لا بقاء له كي يتعلق به الفسخ والحل، لأنه
متصرم الوجود.
وما قيل: من أن المراد بالعقد الذي يتعلق به الفسخ ليس هو العقد اللفظي بمعنى
الايجاب والقبول المتصرم الوجود، بل هو الوجود الانشائي لمضمون العقد، حيث إن الانشاء عبارة عن ايجاد المعنى بوجود انشائي اعتباري وهذا الوجود الانشائي
277

مستمر. وقد التزمنا به في باب الانشاء (1) تبعا لصاحب الكفاية (2) ووافقه عليه
غيره من غير التفات - كما نبهنا عليه في مباحث الأمارات (3) -. أو يراد به العقد
المعنوي الذي يصطلح عليه بالقرار المعاملي الثابت بعد تصرم العقد وقد التزم به
المحقق الأصفهاني (4).
مدفوع: بأن العقد بوجوده الانشائي أو المعنوي إنما يلتزم به قبل ترتب الأثر
وتحقق النقل والانتقال، أما بعده فلا دليل على ثبوته كي يتعلق به الفسخ ويكون
موضوعا للحل والابرام.
هذا، مع أنه لا محصل له، لأن تأثيره في النقل والانتقال حدوثي لا بقاء له، إذ
مفاد العقد هو الاخراج من ملك والادخال في ملك. والاخراج والادخال يتحققان
حدوثا ولا بقاء لهما بهذا العنوان.
نعم، الملكية مستمرة بنفسها لا بالعقد الذي مفاده ما عرفت، إذ ليس في كل آن
يحصل نقل وانتقال وادخال واخراج. فالعقد نظير الفعل المحقق للنقل والانتقال
الخارجي يؤثر فيه حدوثا ثم يستمر كل من المنتقلين في مكانه بطبعه لا ببقاء الفعل
المحقق للنقل. فلا معنى لدعوى بقاء العقد الانشائي بمفاده بعد تحقق أثره، فلاحظ.
مضافا إلى أنه في مورد تلف إحدى العينين لا مجال للالتزام ببقاء القرار المعاملي
والمبادلة بينهما أو الوجود الانشائي للنقل والانتقال، والمفروض أن حق الخيار
لا يزول بالتلف بل هو ثابت بعده.
ثم إن حق الخيار لو كان هو حق حل العقد فمقتضاه ليس إلا زوال ملكية كل من
المتعاقدين لما وصل إليه. أما رجوع كل من العوضين إلى مالكهما قبل العقد، فهو
ليس مقتضى الفسخ، فما هو المقتضي لذلك؟. والالتزام بأن سببه هو السبب الأول
السابق على العقد مشكل.

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 1، ص 125، الطبعة الأولى.
2 - الخراساني، الشيخ محمد كاظم: حاشية فرائد الأصول، ص 285، الطبعة الأولى.
3 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 4، ص 99، الطبعة الأولى.
4 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 174، الطبعة الأولى.
278

هذا، مع أنه في مورد تلف إحدى العينين يلتزم بالرجوع إلى البدل وهو حكم
على خلاف القاعدة لو كان الفسخ حلا للعقد لأنه وارد على نفس العينين فإذا حل
بالفسخ فما هو الموجب للرجوع إلى البدل بعد أن كان التلف في ملك مالكه؟
وبالجملة، الالتزام بأن الفسخ عبارة عن حل العقد، يستلزم محاذير ثبوتية ولا
دافع لها.
فالمتعين الالتزام بأنه تملك جديد، فيثبت لذي الخيار حق تملك العين من دون
رضا الطرف الآخر، فتدخل في ملكه بالفسخ، ولا محذور في ذلك أصلا.
وبه يندفع اشكال الرجوع إلى البدل عند تلف إحدى العينين، لأنه إذا ثبت الحق
في مورد التلف كان مقتضاه هو ثبوت حق تملك العين إما بوجودها الخارجي لو
كانت موجودة أو بوجودها الذمي وفي العهدة لو كانت تالفة، والوجود في العهدة
للعين متصور. وقد التزم به بعض الأعلام (1) في باب الضمان.
وعليه، فإذا تملك العين في ذمة الطرف الآخر كان له حق الرجوع إلى بدلها.
يبقى سؤال وهو: أنه إذا كان الفسخ تملكا جديدا فما هي المناسبة لتسميته فسخا
الظاهر في حل العقد؟
والجواب عنه: أنه قد عرفت أن المبادلة أثر من آثار العقد بوجوده الحادث، فهو
يعني أن العقد وإن لم يكن له استمرار إلا أن الأثر المستمر يستند إليه، نظير استناد
كل أثر مستمر إلى مسببه التوليدي، فإذا أزيل هذا الأثر كان رفعا لسببه عرفا،
فاطلاق الفسخ عليه بهذه العناية. فلاحظ.
وإذا ثبت بوضوح أن الفسخ عبارة عن تملك جديد للعين ظهر أنه حق متعلق
بنفس العين، فلا يجوز اتلافها لأنه تصرف في موضوع الحق مباشرة رافع له، فلا
يصح لأنه مناف لثبوت الحق.
وأما التصرفات الناقلة، فتحقيق الحال فيها: إن الحق الثابت المتعلق بالعين
يتصور على أنحاء ثلاثة:

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 103، الطبعة الأولى.
279

الأول: أن يتعلق بنفس العين بلا ملاحظة نسبتها إلى طرف خاص، فهو يدور
معها حيث ما تدور وذلك كحق الجناية المتعلق برقبة العبد.
الثاني: أن يتعلق بالعين بما هي مملوكة.
الثالث: أن يتعلق بالعين بما هي مملوكة لشخص خاص وذلك، كحق الرهانة، فإنه
متعلق بالعين بما هي مملوكة للمدين لأنه بملاك الاستيثاق، والاستيثاق لا يحصل إلا
إذا كانت العين ملكا للمدين كي يمكن استيفاء الدين من ثمنها.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الحق الثابت متعلق بالعين بما هي مملوكة لطرف
العقد مع ذي الخيار خاصة، وذلك لأنه وإن كانت حقيقته تملك العين، لكن عرفت أن هذا الحق ثابت بعنوان الفسخ.
ومن الواضح أنه بعد ورود العقود المتعددة على العين لا يكون تملكها فسخا للعقد
الأول لانتهاء العلقة السابقة وحصول علاقات أخرى. فصدق الفسخ - ولو
بالصدق المسامحي الذي عرفته - لا يكون إلا إذا كان التملك من طرف العقد مع ذي
الخيار رأسا.
وعليه، فلا يصح نقل العين كما هو الحال في العين المتعلقة لحق الرهانة.
والمتحصل: هو المنع من جميع التصرفات المانعة من استرداد العين وتملكها
الجديد.
هذا كله بناء على ما هو الحق من كون الفسخ عبارة عن تملك جديد. وأما بناء
على أنه حل العقد - بعد فرض تصور البقاء للعقد -.
فقد يقال: بعدم المنع عن التصرفات من اتلاف أو نقل أو استيلاد، باعتبار أن
موضوع الحق هو العقد دون العين فلا مانع عن التصرف فيها.
ولكن الصحيح خلافه، فإن الحق وإن كان مورده وموضوعه العقد إلا أنه بهذا
الحق يكون له استرداد العين وارجاعها إلى ملكه فيكون هذا الحق مرتبطا بالعين،
ولذا يصح أن يقال إن له الرجوع بالعين ولو بلحاظ تمكنه من حل العقد.
وإذا كان هذا الحق مرتبطا بالعين أشكل الأمر في التصرفات المانعة عن
280

استرداده. وأما ثبوت الحق مع تلف العين والانتقال إلى البدل فهو لا يقتضي عدم
تعلق الحق بالعين بل يمكن أن يكون مرتبطا بالعين ابتداء، وينتقل إلى البدل في طول
تعلقه بالعين لا في عرضه.
كما ثبت مثله في العين المرهونة المتعلق لحق الرهانة، فإنه مع تلفها ينتقل الحق إلى
بدلها، فتعلقه بالبدل طولي لا في عرض تعلقه بالعين.
ومنه يظهر عدم تمامية ما أفاده الشيخ (قدس سره) في مناقشة هذا الوجه: بأن ثبوت الحق
عند التلف والانتقال إلى البدل دليل على عدم تعلقه بالعين.
فقد عرفت عدم منافاة الانتقال إلى البدل في كون الحق مرتبطا بالعين، كما في حق
الرهانة.
وليس المقصود قياس ما نحن فيه بمورد حق الرهن كي يدفع ذلك - كما ذكره
الشيخ (قدس سره) - بقيام الدليل الخاص في مورد حق الرهن فلا يتعدى إلى غيره، بل
المقصود الاستشهاد بمورد حق الرهن على عدم منافاة تعلق الحق بالبدل عند التلف
لتعلقه بالعين عند وجودها. فلينتبه.
وجملة القول: إن الفسخ حق مرتبط بالعين - سواء قلنا إنه حق حل العقد أم قلنا إنه حق تملك العين - فلا تجوز التصرفات المنافية لثبوته.
ثم إنه يحسن التعرض للتصرفات التي وقع الكلام فيها وأنها تمنع من استرداد
العين أو لا؟
أما الاتلاف، فهو مانع من الرجوع بالعين تكوينا، فيتعين الرجوع إلى البدل على
تقدير الفسخ، ولا يختلف الحال في ذلك على القول بجوازه - كما قربه الشيخ (قدس سره) -
وعدم جوازه.
فقول الشيخ (قدس سره): " وعليه يتعين الانتقال إلى البدل عند الفسخ مع الاتلاف "
الظاهر في تفريعه على القول بجواز الاتلاف لرجوع الضمير في " عليه " إليه. في غير
محله (1). والأمر هين.

1 - يمكن أن يكون مراده (قدس سره) ليس تعين البدل على الجواز في قبال القول بالحرمة حتى يرد عليه أن
الانتقال إلى البدل ثابت على تقدير الحرمة أيضا، بل مراده تعين البدل في الاتلاف في قبال عدم تعينه
والتردد فيه في مثل الاستيلاد والنقل اللازم. فإنه شرع في بيان أحكام التصرف على تقدير جوازه
بأنواعه. " المقرر عفي عنه ".
281

وأما إذا كان التصرف بفعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف، كالاستيلاد المانع
من انتقالها عن المستولد، فقد قال الشيخ (قدس سره): " ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو
الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعي كالعقلي وجهان
أقواهما الثاني ".
أقول: الأمر يدور بين تقديم حق الاستيلاد المتعلق بالأمة وحق الفسخ المتعلق
بالعين مع بقائها، وكل منهما يصلح مانعا عن الآخر. فلا بد من بيان الوجه في تقديم
أحدهما على الآخر وجعله مانعا عنه، فالاستدلال على تقديم حق الاستيلاد
باعتبار ما نعيته عن استرداد العين كما ذكره (قدس سره) أشبه بالمصادرة.
وقد ذكر السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) وجها لتقديم حق الاستيلاد سواء جعل المقام
من موارد المعارضة بين الدليلين أو من موارد التزاحم بين الحقين..
أما على الأول: فلأن الظاهر أقوائية دليل الانعتاق بالاستيلاد من دليل رجوع
العين بالفسخ خصوصا بملاحظة أن قوله (2) (عليه السلام): " لا تباع أمهات الأولاد " مما يأبى
عن التخصيص.
وأما على الثاني: فلأن مقتضى القاعدة في باب التزاحم هو تقديم الأهم. والعتق
أهم بنظر الشارع.
هذا، مع أن حق الخيار المتعلق بالعين له بدل وهو الرجوع إلى بدل العين فلا
يسقط بالمرة على تقدير تقديم حق الاستيلاد، بخلاف العكس فيقدم ما لا بدل له
على ما له بدل.
أقول: أما ما أفاده من أقوائية دليل حق الاستيلاد وإبائه عن التخصيص فهو
قابل للمناقشة فيما نحن فيه، لأن ما أفاده من النص وارد في البيع وشموله لمثل ما نحن

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 163، الطبعة الأولى.
2 - علاء الدين علي، الهندي: كنز العمال، ج 10: ص 346، ح 29745، ط بيروت. مع اختلاف يسير.
282

فيه يتوقف على إلغاء الخصوصية الثابت بمثل الاجماع ونحوه. ومن الواضح أن مثل
ذلك لا يشكل ظهورا قويا، إذ ليس مدلولا لدليل لفظي فكيف يبنى على أقوائية
الظهور في مقام الدلالة؟
فالصحيح أن يقال: إن نسبة دليل حق الاستيلاد إلى دليل حق استرداد العين
نسبة الحاكم إلى المحكوم لتقيد موضوع حق الاسترداد بالتمكن وعدم المانع، فيكون
دليل حق الاستيلاد رافعا لموضوعه، كما لا يخفى.
هذا بناء على جعل المقام من موارد التعارض.
وأما بناء على جعله من موارد التزاحم، فما أفاده (قدس سره) من ترجيح ما لا بدل له على
ما له البدل غير تام، كما حققناه في مباحث التزاحم في الأصول (1). فقد ذكرنا أن
المناط على الأهمية فلو كان ما له بدل أهم مما لا بدل له كان مقدما، فعدم وجود
البدل ليس من المرجحات.
نعم إذا كان مرجع جعل البدل له إلى تقييد موضوع الحكم بالقدرة الشرعية، كما
هو الحال في مثل الوضوء، كان ما لا بدل له - إذا لم يكن مقيدا بذلك - مقدما عليه
لأنه رافع لموضوعه.
وما نحن فيه من هذا القبيل، لما عرفت من تقيد حق الفسخ المتعلق بالعين بالتمكن
من استرداد العين، وحق الاستيلاد رافع للتمكن فيكون مقدما.
وبالجملة، إذا تحقق الاستيلاد كان مانعا من الرجوع بالعين فينتقل إلى البدل.
وأما إذا كان التصرف بنقله عن ملكه بالنقل اللازم كبيعه من آخر، فقد يقرب
الرجوع بالعين عند الفسخ وبطلان العقد الثاني بوجوه:
الأول: ما ذكره الشيخ (قدس سره): من أن صحة العقد الثاني مبتنية على ملكية المشتري
الأول، فإذا زالت ملكيته بالفسخ من العاقد الأول ارتفع ما كان مبنيا عليه.
ودفعه الشيخ (قدس سره): بأن صحة العقد الثاني مبتنية على ملكية المشتري حدوثا
وآنا ما لا بقاء، والفسخ إنما يرفع ملكيته بقاء لا من حين العقد.

1 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 3، ص 46 - 47، الطبعة الأولى.
283

ونضيف إليه ما تقدم منا من أنه لا بقاء للعقد فعلا كي يتعلق به الفسخ، بل مرجع
الفسخ إلى التملك الجديد وهو لا يصح مع انتقال العين إلى غير المشتري.
الثاني: ما نسب إلى صاحب الجواهر (رحمه الله) وبيانه بتوضيح منا: إن العقد الخياري
تترتب عليه ملكية متزلزلة للمشتري، ولازم رجوع العين بالفسخ إلى ملك مالكها
الأول بالسبب السابق على العقد أن هناك علاقة للمالك ثابتة بالنسبة إلى العين، بها
يصح تملكه العين وإلا فمجرد حل العقد لا يقتضي ذلك.
وعليه، فإذا نقل المشتري العين إلى غيره، فغاية ما يترتب عليه ثبوت مثل
ملكيته للمشتري الثاني، لأن الفرع لا يزيد على الأصل، ومعنى ذلك أن علقة المالك
بالعين لا تزال موجودة فله استردادها بعد الانتقال.
وفيه: أولا: إن هذا البيان يتأتى بناء على أن الفسخ عبارة عن حل العقد كي
يستدعي وجود علقة ثابتة للمالك. وأما بناء على ما اخترناه من كونه تملكا جديدا
فلا وجه يدل على وجود تلك العلقة.
وثانيا: لو سلم أن الفسخ حل للعقد فهو إنما يكون حلا للعقد الواقع بين المالك
والمشتري الأول، فكيف ينحل العقد الثاني؟ ومجرد كون أثره الملكية المتزلزلة لا
يستلزم انحلاله في نفسه بلا حل وفسخ، إلا أن يلتزم بأن المالك كما له حق فسخ العقد
الأول له حق فسخ العقد الثاني، ولكنها دعوى بلا دليل.
الثالث: إن حق الخيار حق متعلق بالعين، ومن الواضح أنه يمنع من كل تصرف
بالمقدار الذي يزاحمه وينافيه. وبما أن العقد الثاني بأثره لا ينافيه حدوثا بل ينافيه
بقاء، فيكون الفسخ موجبا لبطلان العقد الثاني من حينه لأنه مورد التزاحم لا من
الأول لعدم المقتضي للبطلان.
وفيه: ما عرفت من أن العقد لا بقاء له وإنما له التأثير حدوثا ويكون بقاء الأثر
بمقتضى ما دل على أن الملكية المطلقة من الأمور التي إذا ثبتت تستمر حتى يرفعها
رافع. وعليه، فلا معنى لكون الفسخ موجبا للبطلان من حين الفسخ بل لا بد أن يكون موجبا للبطلان من الأول.
284

الرابع: ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من: أن النقل اللازم لا يزاحم نفس
ثبوت الحق الثابت لذي الخيار المتعلق بالعين، بل يزاحمه بلحاظ اعماله، فيمكن أن
يلتزم بأن صحة العقد الثاني منوطة بعدم اعمال الحق فإذا أعمل ذو الخيار حقه وأراد
استيفاءه كان ذلك مقتضيا لبطلان العقد الثاني من الأول وتسترد العين لأن
التصرف يزاحم الحق وينافيه بلحاظ اعماله.
ولكنه ناقشه: بأن التصرف الناقل غير مشروع بملاحظة نفس ثبوت الحق وإن لم
يصر صاحبه بصدد اعماله. وقاسه (رحمه الله) على مورد الملك فإنه لا يجوز التصرف بمال
شخص لا يمكنه التصرف بماله من دون إذنه.
ويمكن دفع المناقشة: بأن مقتضى نفس الملكية عدم جواز التصرف بالمملوك
بدون إذن مالكه لظهور الأدلة في ذلك. وليس الأمر في حق الخيار كذلك، إذ لم يدل
ما يمنع من كل تصرف في موضوع الحق، بل المتيقن هو المنع بلحاظ مزاحمته لاعمال
ذي الحق حقه، فيكون التصرف الناقل مراعى بهذه الجهة، فإن لم يفسخ ذو الخيار
كان صحيحا وإلا كان باطلا.
فالمتجه: الالتزام بأن التصرف الناقل لا يكون نافذا مع تحقق الفسخ من
ذي الخيار لا مطلقا. وبالفسخ تسترد العين لعدم صحة النقل الوارد عليها.
وأما إذا كان التصرف بنقله عن ملكه بالنقل الجائز.
فعلى الوجه الرابع الذي قربناه: نلتزم ببطلان العقد من الأول عند تحقق الفسخ
لمنافاته للحق الثابت.
وأما بناء على جواز التصرف - كما التزم به الشيخ (قدس سره) -، فقد ذهب (قدس سره) إلى عدم
بطلانه، كالعقد اللازم، لأن جواز العقد يوجب سلطنة العاقد على فسخه لا سلطنة
الثالث الأجنبي وهو ذو الخيار في العقد الأول فلا سلطنة له على العقد الثاني.
وقد يقال بالزام العاقد الثاني بالفسخ وارجاع العين بناء على أن الانتقال إلى
بدلها لأجل الحيلولة وهو يثبت مع تعذر المبدل.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 164، الطبعة الأولى.
285

وأما مع امكان تحصيله، فهو واجب.
ورده الشيخ (قدس سره) بأن لزوم التحصيل مع التمكن يختص بما إذا كان المبدل المتعذر
باقيا على ملك مستحق البدل، كما في المغصوب الآبق، دون ما إذا كان خارجا عن
ملكه كما فيما نحن فيه.
ويمكن أن يقرب جواز الالزام بالفسخ، ببيان: إن مقتضى الفسخ مع عدم العين
ثبوت العين بنفسها في عهدة المفسوخ عليه. وعليه، فيجب عليه تسليمها مع تمكنه
ولو بالواسطة.
وهذا يبتني على الالتزام في باب الضمان بأن نفس العين المضمونة تكون في
العهدة، فالمضمون يملك العين في عهدة الضامن لا بدلها رأسا، وعلى هذا الأساس
يلتزم بدفع قيمة يوم الدفع لا التلف. فبالفسخ يملك الفاسخ العين بوجودها الذمي،
فيجب على الضامن تسليمها إذا تمكن، وإلا فبدلها.
ففي المقام يجب عليه فسخ العقد الثاني واسترجاع العين وتسليمها. وهذا الوجه
يسري في العقد اللازم مع التمكن من الإقالة.
نعم، لا مسرح لهذا الكلام إذا كان مقتضى الضمان ثبوت بدل العين في الذمة
رأسا، كما لا يخفى.
ثم إن الشيخ (قدس سره) (1) أوقع الكلام في أنه على القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون
من حين فسخ الأول أو من أصله؟
وتحقيق الكلام أنه لا بد من ملاحظة الوجوه المتقدمة التي ذكرت بيانا للانفساخ،
فنقول:
أما الأول: فقد عرفت أنه واه جدا، فلا نوقع الكلام فيه.
وأما الثاني: فمقتضاه تحقق الانفساخ من حين فسخ العقد الأول. وهكذا..
الثالث لأن مفادهما - كما عرفت - أن الفسخ يقتضي الاسترداد من حينه، فلا
مقتضى للفسخ من الأول.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 296، الطبعة الأولى.
286

وأما الوجه الرابع: الذي قربناه، فمقتضاه: البطلان من حين العقد لا من حين
الفسخ، لأن مفاده تزاحم نفس العقد مع اعمال الحق الثابت فيبطل من أصله.
ويقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: في أنه بناء على المنع عن التصرف في زمن الخيار هل الممنوع عنه
هو التصرف في زمن تحقق الخيار فعلا، أو أعم منه ومن زمن الخيار الذي لم يثبت
بالفعل إما لعدم تحقق سببه كخيار التأخير - لو قيل بأن سببه تضرر البائع بالصبر إلى
أزيد من ثلاث -، أو لعدم تحقق شرطه كخيار بيع الشرط، أو لعدم تحقق ظرفه
كالخيار المشروط في زمن متأخر؟
قد يقال: بالعموم لأن العقد في الجميع متزلزل وفي معرض الارتفاع.
ويرده: أن المانع من التصرف ليس تزلزل العقد بل هو منافاته للحق الثابت.
والمفروض عدم ثبوت الحق في محل الكلام فلا مانع من التصرف.
وقد أشار الشيخ (قدس سره) إلى التفصيل بين ما إذا كان الخيار متوقفا على حضور زمان،
وما إذا كان متوقفا على أمر آخر كالتأخير، فيمنع التصرف في الأول لأن ثبوت
الحق معلوم وإن لم يحضر زمانه، بخلاف الثاني. وذكر بعد ذلك أنه سيجئ ما يظهر
منه قوة هذا التفصيل.
وأورد عليه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1): بأن المانع من التصرف هو نفس الحق
الثابت ولا أثر للعلم بثبوته في ظرفه، بل الأثر لثبوته الفعلي المفروض العدم، فلا
مانع من التصرف في كلا القسمين.
وقد يجاب: بما في تعليقة المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) بأن الملاك المدعى في المنع عن
التصرف في مورد العلم بثبوت الحق لاحقا ليس هو العلم كي ينفى ذلك بما ذكر، بل
الملاك شئ آخر.
وتوضيحه: إن الأمر في التصرف في محل الكلام يدور بين احتمالات ثلاثة: إما

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 164، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 181، الطبعة الأولى.
287

نفوذه بقول مطلق بحيث لا مجال لإعمال الخيار بعده. وإما نفوذه إلى زمان ثبوت
الخيار. وإما عدم نفوذه بقول مطلق.
والأول خلف، إذ المفروض أن حق الخيار ثابت في ظرفه وهو ينافي النفوذ
المطلق.
والثاني ممنوع بأن الصحة غير قابلة للتوقيت.
فيتعين الثالث.
ويمكن أن يورد عليه بأن ما أفيد يبتني على مقدمتين:
الأولى: فرض ثبوت الخيار فيما بعد على كل حال لا مجرد فرضه بحسب طبعه وفي
نفسه ومع قطع النظر عن المانع وإلا لم يتم منع الوجه الأول كما لا يخفى.
الثانية: إن الخيار الثابت في ظرفه متعلق بالعين الشخصية دون الأعم منها ومن
بدلها وإلا لم يمنع ثبوته من نفوذ التصرف بقول مطلق للانتقال إلى البدل.
وكلتا المقدمتين محل كلام، إذ يمكن دعوى: إن الخيار المتعلق بالعين خيار ثابت
في نفسه وطبعه، فلا ينافيه نفوذ التصرف بقول مطلق.
كما يمكن دعوى: إنه وإن كان فعليا لكنه متعلق بالأعم من العين وبدلها مع المانع
دون خصوص العين، فلا يمنع من نفوذ التصرف أيضا، كما بينا فتدبر.
إذن، فالصحيح ما أفاده السيد (رحمه الله) من عدم الفرق في عدم المنع عن التصرف بين
أقسام الخيار غير الفعلي.
الجهة الثانية: بعد البناء على المنع عن التصرف المانع من الرد والاسترداد،
كالاستيلاد، فهل يمنع من التصرف الذي يعرض العين لامتناع ردها وتفويت الحق،
كالوطء الذي يحتمل ترتب الاستيلاد عليه أو لا؟
ذكر الشيخ (قدس سره) أن الأكثر على الجواز. وحكي عن التذكرة (1) وظاهر
الدروس (2) المنع لأنه معرض لفوات حق ذي الخيار من العين.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 535، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 271، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
288

وتحقيق الكلام أنه مع الشك في أن الوطء سبب لتحقق ما هو مانع عن الاسترداد
أوليس بسبب يشك في ترتب الاستيلاد عليه، فيستصحب عدمه وبذلك يثبت
جواز الوطء. كما لو شك في أن القاء النار سبب للاحراق أو لا؟ فإنه يستصحب
عدم ترتب الاحراق على الالقاء. وهذا مما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1).
وأما الرجوع إلى أصالة البراءة من حرمة الوطء فهو مشكل من جهة التوقف في
أجرائها بالنسبة إلى الأموال والحقوق.
الجهة الثالثة: في صحة إجارة العين في زمن الخيار بدون إذن ذي الخيار.
ذكر الشيخ (قدس سره) (2) أن فيه وجهين: من كونه ملكا له، ومن ابطال هذا التصرف
لتسلط الفاسخ على أخذ العين إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء
المنفعة. ولم يرجح أحد هذين الوجهين.
وقد ناقش المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) بيان وجه صحة الإجارة بما ذكره الشيخ (قدس سره)
من كونه ملكا له: بأن هذا تعليل بالجهة المشتركة بين التصرفات المنافية وغيرها، بل
اللازم التعليل بعدم المانع وهو عدم المنافاة مع الحق الثابت.
وتحقيق ذلك: ما أفاده (رحمه الله) من أن الإجارة وتمليك المنفعة وإن كانت منافية لما هو
لازم الفسخ من استرداد العين خارجا والمطالبة بها، إذ للمستأجر حق امساكها.
إلا أن السلطنة على المطالبة بالعين ليست من مقتضيات حق الخيار كي تنافيه
الإجارة، فإن مقتضاه ليس إلا السلطنة على تملك العين بفسخ الحق. ولازم الملك
بمقتضى دليل " الناس مسلطون على أموالهم " هو السلطنة على المطالبة بالعين لكنها
إنما تثبت في صورة عدم كون العين متعلقة لحق الغير بسبب نافذ كما في المقام، فإنه
بعد فرض عدم منافاة الإجارة لحق الخيار كانت نافذة فتمنع من شمول دليل
السلطنة.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 182، الطبعة الأولى.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 297، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 182، الطبعة الأولى.
289

وبذلك يظهر أن تقريب المنع عن الصحة بما جاء في كلام الشيخ (قدس سره) من منافاة
الإجارة لسلطنة الفاسخ بما هو فاسخ على تسلم العين.
غير وجيه، لأن السلطنة على أخذ العين ليست من شؤون الفاسخ بما هو فاسخ
ومن حيث فسخه بل بما هو مالك ومن حيث ملكه. فتدبر.
ثم إنه يقع الكلام في جهة أخرى وهي أنه على تقدير صحة الإجارة كما لو فرض
تحققها بإذن ذي الخيار، فهل يستلزم فسخ ذي الخيار العقد انفساخها أو لا؟
ذهب الشيخ (قدس سره) إلى عدم تحقق الانفساخ، ببيان: إن المشتري ملك العين ملكية
مطلقة مستعدة للدوام، ومن جملة نماءاتها هي المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها
بالإجارة فلا وجه لرجوعها إلى الفاسخ بل يعود الملك مسلوب المنفعة في مدة
الإجارة، كما لو باعه بعد الإجارة.
وليس الحال ههنا كالحال في إجارة البطن السابق من الموقوف عليه التي تبطل
بانقراضه، وذلك لأن الملكية تختلف ههنا عن الملكية في الوقف، فإن البطن الثاني لا
يتلقى الملك من البطن الأول، بل من الواقف كالبطن الأول وهذا يكشف عن أن
ملكية البطن الأول موقتة تنتهي بانتهاء استعداده فتتبعها المنفعة.
ثم أورد على نفسه: بأن ملك المنفعة يتبع ملك العين، بمعنى أن زوال الملكية إن
كانت بالانتقال من شخص لآخر بحيث يتلقى المنتقل إليه الملك من المالك الذي
انتقلت عنه، كان التلقي للعين مسلوبة المنفعة.
وأما إذا كان ثبوت الملكية للمنتقل إليه ليس عن المنتقل عنه، بل بالسبب السابق
على سبب تملك من انتقلت عنه، كما هو الحال في الفسخ، كانت المنفعة تابعة للعين
بمقتضى السبب الأول، ولا يتلقاها مسلوبة المنفعة، نظير ما لو كان زوال الملك
بانتهاء سببه لا برفعه، نظير ملك البطن الأول في الوقف، فإن المنفعة تتبع مقدار
تملكه، والمفروض أن الملكية موقتة.
وأجاب عنه بوجهين:
الأول: النقض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة، إذ لا يلتزم أحد ببطلان
الإجارة.
290

الثاني: أنه يكفي في ملكية المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لولا الرافع
آنا ما.
ونقل بعد ذلك عن الفاضل القمي (رحمه الله) (1) الجزم ببطلان الإجارة مع الفسخ بخيار
رد مثل الثمن معللا له بأنه يعلم بفسخ البيع أن المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ
وأن الإجارة كانت متزلزلة ومراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع.
وناقشه بأنه: إن كان مراده ما تقدم في الايراد من تبعية المنفعة للملك وكيفيته،
فقد عرفت الجواب عنه نقضا وحلا، وإن كان مراده شيئا آخر، فهو مجهول لدينا.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
أقول: من الواضح لدى العرف والفقهاء اختلاف موارد الإجارة من حيث
البطلان وعدمه بزوال الملك الثابت للمؤجر.
ففي بعض الموارد لا يكون زوال ملك العين موجبا للبطلان، كما في مورد الموت
وانتقال العين للورثة، فإنها تنتقل مسلوبة المنفعة حتى تنتهي مدة الأجرة. وكما في
مورد بيع المالك العين المستأجرة، فإنها تنتقل للمشتري مسلوبة المنفعة.
وفي بعض الموارد تبطل الإجارة بزوال الملك، كما في العين الموقوفة التي آجرها
البطن الأول من الموقوف عليهم، فإنه بانقراضهم وانتقال العين إلى البطن الثاني
تبطل الإجارة.
فما هو الفرق الفارق بين الموردين؟
وقد ذكر في وجه الفرق أن ملكية البطون ملكية موقتة محدودة، فتكون المنفعة
كذلك محدودة. بخلاف الموارد الأخرى فإن ملكيتها مرسلة، فيترتب عليها ملكية
المنفعة الدائمة.
وهذا الوجه بظاهره لا يخلو عن خدشة، لأن جميع أفراد الملكية محدودة لا أقل
من تحديدها بالموت لأنها تزول به.
وتحقيق الكلام في أصل الكبرى يتضح ببيان أمرين:

1 - القمي، الميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 289، الطبعة الأولى.
291

الأول: إن الملكية الثابتة للعين ليست من سنخ الأمور التدريجية التي تنعدم
وتنصرم أجزاؤها في الوجود بحيث يكون كل جزء في كل آن غيره في الجزء الآخر،
بل هي من سنخ الأمور القارة الدفعية التي لها بقاء، فالملكية بقاء عين الملكية حدوثا
فالملكية الحادثة هي الباقية لأن ما حدث تصرم والباقي جزء آخر.
وعلى هذا الأساس يصح اعتبار ملكية المنفعة الدائمة بتبع حدوث ملكية العين،
إذ بحدوث الملكية يعتبر بقاؤها إلى الأبد ويتفرع على ذلك ملكية المنفعة من الآن.
بخلاف ما إذا كانت تدريجية، فإن ملكية المنفعة تكون تابعة لملكية العين في التدرج
أيضا.
الثاني: إن المراد بالملكية الدائمة هو دوام نفس الملكية بدوام العين، ويكون مرجع
التبدل في الملاك إلى التبدل في أطرافها لا فيها نفسها، فالملكية واحدة ثابتة للعين
غاية الأمر أن طرفها يتبدل بواسطة أسباب التبدل من عقد أو إرث أو غيرهما
فالمعتبر هو الملكية إلى الأبد - كما عرفت - ويتبعه اعتبار ملكية المنفعة كذلك.
والتبدل في هذه الملكية الأبدية في أطرافها لا فيها نفسها، فالملكية الأبدية تثبت
لكل مالك بلا اختلاف.
وهذا المعنى وإن كان دقة لا يخلو عن اشكال لتقوم الملكية المعتبرة بالمالك، إلا
أنه بحسب الملاحظة المسامحية العرفية ثابت.
وفي قبالها الملكية الموقتة وهي سنخ ملكية تزول بزوال الطرف، كملكية البطون
للموقوف. ولذا يقال إن البطن الآخر لا يتلقى الملكية من البطن الأول، وهذا يعني
زوال تلك الملكية.
إذا عرفت ذلك، فالعبرة بالملكية الدائمة التي تتبعها ملكية المنفعة الدائمة والملكية
الموقتة التي تتبعها ملكية المنفعة الموقتة يدور مدار ما يظهر من الدليل من كون هذه
الملكية الثابتة متلقاة ممن تقدمه من المالك وعدمه، لظهور الأول في كون الملكية
الثابتة هي ملكية العين المستقرة التي تتبادل أطرافها، بخلاف الثاني.
وما ذكرناه تفسير استحساني اعتباري لما يذكرونه من الملكية الدائمة والمؤقتة.
وعليه، نقول: إن الفسخ..
292

إذا كان عبارة عن حل العقد الطارئ ونتيجة تملك الفاسخ العين بالسبب الأول
السابق على العقد ولا يتلقاه من المشتري، كشف ذلك عن كون ملكية المشتري
المفسوخ عليه ملكية موقتة محدودة وأن المالك الأول ذو علاقة بالعين في حال
الخيار، فتكون نظير ملكية البطن الأول من الموقوف عليهم. وهذا يقتضي بطلان
الإجارة بعد الفسخ.
وأما إذا كان عبارة عن تملك جديد - كما اخترناه - فالفاسخ يتلقى الملك من
المشتري، كان مقتضاه صحة الإجارة لكشفه عن ثبوت الملك الدائم للمشتري وأن
نفس تلك الملكية المستقرة الدائمة كانت ثابتة له.
والخلاصة: إنه على مسلك الشيخ (قدس سره) في الفسخ لا بد من الالتزام ببطلان
الإجارة.
وهذا ما يريد أن يقوله المستشكل المنقول ايراده بعنوان " إن قلت ". ولعله إليه
يرجع ما نقله عن المحقق القمي.
وأما ما أجاب به عن الايراد، فالوجه الثاني منه لا يخلو عن مصادرة، إذ الكلام
في كون الملكية الثابتة مستعدة للدوام وعدمه، فكيف يأخذ الاستعداد للدوام
مفروغا عنه؟
وأما الوجه الأول النقضي، فيندفع: بأنه لم يثبت كون التفاسخ راجعا إلى حل
العقد الأول حتى لو التزمنا به في الفسخ، بل هو معاملة جديدة بعنوان التفاسخ،
وتصحيح اطلاق الفسخ ما تقدم منا في تصحيح اطلاقه على اعمال حق الخيار لو قلنا إنه تملك جديد. فراجع.
الجهة الرابعة: لا اشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار بناء على منعه بدون
إذنه. وهل يسقط الخيار بتحقق التصرف أو لا؟
ذهب الشيخ (قدس سره) (1) إلى سقوطه إما لأجل دلالة الإذن عرفا على الالتزام بالعقد.
وإما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق وهي العين بإذن صاحبه، فلا ينفسخ

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 298، الطبعة الأولى.
293

التصرف ولا يتعلق الحق بالبدل، لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال
حلول الحق فيه لا مع سقوطه عنه.
ثم تعرض لحكم الإذن في التصرف من دون تعقبه بالتصرف من حيث سقوط
الخيار به وعدم سقوطه ورجح أولا العدم، ثم قوى السقوط.
وقد وقع الكلام فيما أفاده من تعليل سقوط الخيار بالتصرف من أن أخذ البدل
بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوطه عنه، فإنه بظاهره
يبدو غامضا، إذ كيف فرض سقوط الحق قبل تحقق التصرف؟ وأثير الاشكال
حوله في حاشيتي السيد (1) والمحقق الأصفهاني (2) (رحمهما الله).
وتوضيح ما أفاده: إن ترتب الضمان بالاتلاف إنما يكون إذا لم يكن الاتلاف عن
إذن المالك، وإلا فلا ضمان بلا اشكال.
وعليه، نقول: إذا فرض تعلق الحق بالعين على وجه ينافيه التصرف الناقل أو
المتلف. فإذا أذن ذو الحق في التصرف، فمرجع إذنه إلى الإذن في اعدام حقه، وفي مثله
لا معنى للرجوع إلى البدل.
أما على مبنى المشهور من أن الفسخ حل العقد، وضمان البدل بتقدير تحقق
الانفساخ قبل التلف آنا ما حتى يكون التلف من ملك الفاسخ، فلأنه حيث يكون
التلف مأذونا فيه فهو وإن كان من ملك الفاسخ لكنه بإذنه - كما هو الفرض -، فلا
معنى لرجوعه إلى البدل.
وأما بناء على المختار من أن الفسخ تملك جديد للعين إما بوجودها الخارجي أو
وجودها الذمي، فلأن تحقق الرجوع إلى البدل وثبوت حق تملك العين بوجودها
الذمي عند التلف إنما هو بواسطة التسالم والاجماع، والقدر المتيقن منه مورد عدم
إذن ذي الخيار في التلف ومع إذنه فلا دليل على ثبوت رجوعه بالبدل.
فليس مراد الشيخ (قدس سره) فرض سقوط الحق قبل التصرف كي يقال إنه خلف
الفرض، أو أنه لا دليل عليه، بل مراده أن التصرف حيث كان بالإذن فهو مانع من

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 165، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 183، الطبعة الأولى.
294

ثبوت حق الرجوع على تقدير التلف، وليس كالتلف غير المأذون فيه.
فمراده من سقوط الحق سقوطه عن التأثير في المنع عن المزاحم.
وبذلك يظهر اندفاع ما ذكر من اشكال، فراجع.
المسألة التاسعة: في أن الملك هل يحصل بمجرد العقد ولو مع عدم انقضاء زمن
الخيار كما هو المشهور، أو أنه لا يحصل إلا بعد انقضاء الخيار - كما نسب إلى الشيخ
الطوسي (رحمه الله) (1) -؟ ذهب الشيخ (قدس سره) (2) إلى موافقة المشهور.
واستدل على ذلك بعمومات * (أحل الله البيع) * و: * (إلا أن تكون تجارة عن
تراض منكم) * ونحوهما، فإنها ظاهرة في ترتب الأثر على العقد، وأن تمام الموضوع
هو العقد، ويحتاج الالتزام بعدم ترتب الملك إلا بعد انقضاء زمن الخيار إلى دليل.
كما استدل بما دل على ثبوت الخيار للمتبايعين، فإن لفظ: " الخيار " ظاهر في
ثبوت حق نتيجته استرداد العين سواء تعلق برد العين رأسا أو تعلق بالعقد،
واسترداد العين لا معنى له إلا أن يثبت الملك والنقل والانتقال.
ويمكن أن يناقش: بأن الشيخ (قدس سره) تصور اللزوم وعدم امكان الفسخ في مورد
عدم تحقق النقل والانتقال أصلا، كالأصيل في عقد الفضولي قبل الإجازة على
النقل، فيمكن تصور حل العقد ههنا مع عدم تحقق النقل والانتقال ولا نظر فيه إلى
الرد والاسترداد أصلا. نعم من لا يبني على ذلك، أو يبني على أن الخيار هو حق
تملك العين فثبوته ملازم لتحقق النقل والانتقال. فتدبر.
وقد أشار إلى الاستدلال ببعض النصوص الواردة في الموارد الخاصة ورده.
فمنها: ما ورد (3) من النصوص الدالة على جواز النظر إلى الجارية في زمن الخيار
إلى ما لا يحل النظر إليه لغير المالك، فإنه يكشف عن ثبوت الملك.
ورده: بأنه يمكن أن يلتزم به بأنه نظير حل وطء المطلقة رجعيا الذي يحصل به
الرجوع، فيكون النظر إلى الجارية اسقاطا للحق.

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 10، مسألة 29.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 298، الطبعة الأولى.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 4: من أبواب الخيار، ح 1 و 3.
295

ويمكن أن يقال: إن الاستدلال إن كان من جهة الملازمة العقلية بين الجواز
والتملك، فالرد بما أفاده الشيخ (قدس سره) من امكان الالتزام بحصول الملك مقارنا للنظر
متين.
ولكن يمكن الاستدلال بملاحظة الملازمة العرفية والظهور العرفي لجواز النظر في
تحقق الملكية لأنه من آثار الملكية عرفا. فلا مجال لما أفاده (قدس سره).
ومنها: ما تقدم في روايات (1) بيع الخيار بشرط رد الثمن من كون النماء للمشتري
وتلفه منه، فيكشف عن تحقق الملك لتبعية النماء للملك.
ورده: بأنه يمكن أن يكون المنظور في الروايات هو اشتراط انفساخ العقد برد
الثمن، فلا خيار في البين، كما يمكن أن يكون المنظور هو شرط ثبوت الخيار عند رد
الثمن بحيث يكون حدوثه في تلك الحال لا من حين العقد فتكون خارجة عما نحن
فيه لثبوت الملك قبل رد الثمن.
نعم، لو كان المنظور اشتراط الخيار فعلا ويكون حق اعماله عند رد الثمن كانت
مما نحن فيه.
ومع عدم ظهورها في الأخير لا يمكن الأخذ بها، إلا أن يتمسك باطلاقها الشامل
لجميع الصور الثلاث.
ويمكن أن يقال: إن هذه النصوص واردة في المعاملات المتعارفة بين الناس، فلا
مجال للتمسك بالاطلاق بل لا بد من احراز ما هو المتعارف، ومع التردد فيه تكون
مجملة. نعم، لو ثبت أن المتعارف جميع هذه الصور كان للتمسك بالاطلاق مجال.
فتدبر.
ومنها: الأخبار الواردة (2) في العينة وهي أن يشتري الانسان شيئا بثمن نسيئة
ثم يبيعه نقدا بأقل منه في ذلك المجلس.
ورده الشيخ (قدس سره): بأن بيع المشتري العين من البائع وإن كان في زمن خيار المجلس

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 8: من أبواب الخيار.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العقود.
296

والحيوان، إلا أن نفس البيع مسقط للخيار الثابت لهما اتفاقا، كما قد يقال إن نفس
التواطؤ السابق بينهما راجع إلى اسقاطهما الخيار.
والتحقيق: إن النصوص سؤالا وجوابا ناظرة إلى جهة أخرى وهي تصحيح مثل
هذه المعاملة مع أن المقصود فيها ما يشترك مع الربا في النتيجة، وأن القصد الأقصى
من مثل هذه المعاملة هو الفائدة.
فالسؤال عن مفسدية ذلك باعتبار منافاته للقصد الجدي.
والجواب: بعدمه، لعدم المنافاة وأنه بيع كسائر البيوع. ولا نظر فيها إلى تحققه في
زمن الخيار أو بعده، فإنه مغفول عنه.
ومنها: ما ورد (1) من أن مال العبد لمشتريه، فإن مقتضى اطلاقه هو تملكه من
حين العقد وذلك يقتضي تملك العبد من ذلك الحين أيضا.
ورده: بأن ظاهر هذه النصوص هو بيان الملازمة بين انتقال العبد وانتقال ماله،
أما ظرف انتقال العبد أو المال فهو مما لا نظر فيها إليه.
ثم بعد ذلك أشار الشيخ (قدس سره) إلى ما نسب إلى صاحب الجواهر (2) من: أن مقصود
المتعاقدين هو انتقال العوضين حال العقد.
وعليه، فإما أن تكون هذه المعاملة باطلة وهو مما لا يلتزم به، أو تكون صحيحة
على غير النحو المقصود - كما يذهب إليه الشيخ الطوسي (رحمه الله) (3) - وهو مناف لتبعية
العقود للقصود، فيتعين أن تكون صحيحة على النحو المقصود وهو مذهب المشهور.
وحكم الشيخ (قدس سره) بأنه أشد ضعفا من الكل. والوجه فيه: إن مقصود المتعاقدين
ليس إلا نفس النقل والانتقال بلا تقييد بزمان العقد، وإنما يحكم بترتب الأثر حين
العقد باعتبار أنه علة تامة للأثر، فإذا فرض أنه لم يكن علة تامة بل كان تأثيره
منوطا بحصول شئ آخر، كالقبض في بيع الصرف، لم يترتب الأثر إلا عند حصول
الشرط ولا يكون هذا مخالفا للمقصود.

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 7: من أبواب بيع الحيوان.
2 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 79، الطبعة الأولى.
3 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 10، مسألة 29.
297

أقول: استدلال صاحب الجواهر (رحمه الله) لا يزيد على الاستدلال بعموم: * (أحل الله
البيع) * ونظيره، وأن مقتضى العمومات الدالة على النفوذ هو ترتب الأثر من حين
العقد، فلا يكون له مزيد أهمية بعد ما عرفت من امكان التمسك بها بطريق آخر، كما
عرفت أولا، بلا حاجة إلى الالتزام بتقييد مضمون العقد المقصود بالزمان الخاص.
وأما أصل ما ذكره ورده الشيخ (قدس سره) فلعل الكلام فيه يجئ بعد ذلك انشاء الله
تعالى.
وبالجملة، العمدة في دليل مذهب المشهور هو العمومات الظاهرة في ترتب الأثر
على نفس العقد بلا أن يكون منوطا بانقضاء زمان الخيار.
وقد استدل للقول بتوقف الملك على انقضاء زمن الخيار بما ورد من النصوص (1)
الدالة على أن تلف المبيع في زمان الخيار من مال بائعه، بضميمة قاعدة لزوم كون
التلف من المالك لا من غيره، فإن مقتضاه كون المال في زمن الخيار للبائع.
ومن هذه الروايات رواية عبد الله بن سنان (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة
أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال على البائع حتى ينقضي الشرط
ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري ". ونحوها غيرها.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) بعد ذكره هذه النصوص: إنها إنما تجدي في مقابل من ينكر
تملك المشتري مع اختصاص الخيار به.
وهذه العبارة غلط، إذ مورد النصوص هو الخيار المختص بالمشتري وقد استدل
بها على عدم الملك، فكيف تكون ردا على من ينكر تملكه مع اختصاص الخيار به؟
نعم، هي تجدي المنكر لا تجدي في مقابله. فتدبر.
وكيف كان، فقد رد الشيخ (قدس سره) الاستدلال بهذه النصوص بأنها أما أن تجعل
بضميمة قاعدة تلازم الملك والضمان مخصصة لأدلة المشهور وهي عمومات العقود
والبيع، وأما أن تجعل بضميمة أدلة المشهور مخصصة لقاعدة التلازم، فيدور الأمر بين

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب الخيار.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب الخيار، ح 2.
298

رفع اليد عن اطلاق أدلة نفوذ البيع، ورفع اليد عن عموم قاعدة التلازم بين الملك
والضمان، ومع التكافؤ يرجع إلى استصحاب عدم حدوث الملك قبل انقضاء الخيار.
ولكنه لا تكافؤ لجهات أعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالاجماع المحكي عن
السرائر (1). هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) (2) في المقام.
وقد يقال: إن الضمان أما أن يكون بمعنى الخسارة الواردة في المال، وأما أن يكون
بمعنى الغرامة والتدارك.
أما الضمان بمعنى التدارك، فلا يلازم الملك بل هو متفرع على عدم الملك لأنه لا
معنى لأن يغرم الانسان ما يملكه ويتداركه.
وأما الضمان بمعنى الخسارة الواردة على تقدير التلف، فملازمته الملك عقلية ولا
نحتاج إلى قاعدة التلازم والاستناد إلى ما ورد من أن الخراج بالضمان (3)، فإن
توقف الخسارة على الملك قهري بديهي.
وعليه، فالنصوص حيث دلت على كون ضمان التالف على البائع فهي تدل
بالملازمة العقلية على ملك البائع. لا أن ذلك لا يقتضي الملكية من الأول بل يتناسب
مع ثبوت الملكية قبل التلف آنا ما بالالتزام بتحقق الانفساخ القهري للمعاملة.
وعليه، فبما أن دليل حلية البيع يقتضي ثبوت النقل والانتقال من حين العقد ولا
يصادمه سوى دليل ضمان البائع، فلو تردد الأمر بين أن يكون البائع مالكا من
الأول أو مالكا قبل التلف آنا ما، فالقدر المتيقن هو ثبوت ملكيته قبل التلف آنا ما،
وغيره مشكوك ولا ظهور لدليل الضمان في كون البائع مالكا من الأول بل لا تقتضي
الملازمة العقلية أزيد من الملكية قبل التلف آنا ما. فيكون المرجع هو عموم * (أحل
الله البيع) *.
وبهذا البيان يلتزم بما يأتي من أن المبيع إذا تلف في زمن الخيار فهو ممن لا خيار
له.

1 - ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 2: ص 248، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 300، الطبعة الأولى.
3 - الأحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي: ج 1: ص 219، ح 89، الطبعة الأولى.
299

وتحقيق الحال في هذه النصوص: إنها ليست ناظرة إلى بيان عدم الملك والنقل
والانتقال قبل انقضاء زمن الخيار ولا إلى بيان انفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما، بل
هي ناظرة إلى جهة أخرى لم يتنبه إليها الأصحاب أو لم يعتنوا بها وهي بيان
استمرار الخيار الثابت إلى انقضاء الثلاثة أو الشرط وعدم سقوطه بالتلف.
وتوضيح ذلك: إنه لا بد من ملاحظة ما يمكن أن يقع موردا للسؤال كي يعلم
بواسطته ما هو المراد بالجواب، فنقول:
أما احتمال أن يكون المسؤول عنه هو تحقق النقل والانتقال بمجرد العقد أو توقفه
على انقضاء زمان الخيار، ليكون الضمان على البائع لأنه في ملكه، فيكون التعبير
بقوله " على من ضمان ذلك؟ " تعبير كنائي قصد به السؤال عن الملزوم.
هذا الاحتمال بعيد جدا، لبعد أن لا يكون هذا الحكم معلوما إلى زمان صدور
هذه النصوص، مع أن السيرة العقلائية جارية على معاملة متعلق الخيار معاملة
الملك، فلا موهم لخطور احتمال عدم الملك في ذهن السائل كي يسأل عنه.
هذا، مع أنه كان يمكنه أن يسأل عن ذلك مطابقة، فسؤاله عن اللازم ليس في محله
ولا مقتضي له.
وأما احتمال أن يكون المسؤول عنه بعد فرض ملكية المشتري للحيوان من ترد
عليه الخسارة.
فهذا مما لا يصغى إليه، إذ لا موهم لورود الخسارة على غير المالك كي يسأل
عنه.
فيتعين أن يكون الملحوظ في السؤال أمرا آخر يمكن تأتيه في ذهن السائل، وهو
بقاء الخيار وارتفاعه لأجل ارتفاع موضوعه، والتعبير بقوله " على من ضمان ذلك "
إنما هو بلحاظ أن جعل الخيار لحكمة تدارك المشتري النقص الوارد عليه بالفسخ بعد
التفاته إلى خصوصيات المبيع، فإذا تلف المبيع واحتمل سقوط الخيار فقد احتمل أن
تكون الخسارة الواردة عليه من قبل العقد المنجبرة بجعل الخيار عليه لسقوط
الخيار، واحتمل أن تكون على البائع لبقاء الخيار فسأل عن ذلك، فمقصوده من
300

الضمان هو ضمان التفاوت بين القيمة الواقعية والثمن الزائد عليها وأن خسارته من
كيس البائع أو المشتري.
ومن الواضح أن احتمال بقاء الخيار وسقوطه يمكن تأتيه في ذهن السائل وليس
هو أمرا موهوما. ومما يدل على ذلك قوله (عليه السلام): " على البائع حتى ينقضي الشرط
ثلاثة أيام " فإن الظاهر كون الغاية غاية للضمان على البائع، فيكون ظاهرا في بيان
استمرار الضمان حتى تنتهي مدة الخيار.
وهذا لا يتلاءم مع حمل الرواية على مسلك المشهور أو غيره، لأن عدم الملك أو
تحقق الانفساخ القهري، يثبت عند التلف ويستمر إلى الأبد ولا يكون مغيى
بالثلاثة.
إلا أن يحمل قوله " حتى... " على بيان أن الحكم بالانفساخ ثابت إذا تحقق قبل
انتهاء الثلاثة، فإذا كان بعده فلا. وهذا مخالف للظاهر خصوصا بعد فرض أن
المسؤول عنه صورة هو تحقق التلف قبل انتهاء الثلاثة.
وأما قوله " ويصير المبيع للمشتري "، فهو بحسب ظاهره منطبق على مدعى
الشيخ الطوسي (رحمه الله).
ولكن عرفت أنه لا مجال لاحتمال كون المنظور في الرواية سؤالا وجوابا توقف
الملك على انقضاء الخيار.
وأما بحسب المذهب المشهور، فهو غير ظاهر المراد، إذ أن كان المراد به ملكية
المبيع فالمفروض أنها ثابتة قبل انقضاء الثلاثة، وإن كان المراد ملكيته المستقرة
مقابل المتزلزلة، فهي أيضا ثابتة، لأن تزلزل الملكية إنما هو حق من عليه الخيار لا في
حق من له الخيار كالمشتري فيما نحن فيه، إذ التزلزل ينتزع عن تمكن الغير من
استرداده لا تمكن المالك من رده، والمبيع لا يتمكن البائع من استرداده وإن تمكن
المشتري من رده.
إلا أن يراد من صيرورته له تعينه له بعد أن كان مخيرا بينه وبين الثمن.
وأما على ما قربناه في معنى الرواية، فأيضا لا بد من صرفه عن ظاهره وحمله
301

على تعينه له وعدم التمكن من استرداد الثمن ورد المبيع لانقضاء الخيار.
وجملة القول: إنه لا نرى وجها وجيها للرواية سوى ما قلناه من كون السؤال
عن سقوط الخيار وعدمه، إذ غير ذلك لا معنى لأن يقع مورد السؤال، إذ أي موهم
يوهم كون تلف الدابة موجبا لانفساخ المعاملة وضمان البائع؟
ويؤيد ما ذكرناه: إن الإمام (عليه السلام) وإن كان له حق التشريع لكنه في نظر السائلين
لا يتصدى إلا إلى بيان الحكم الشرعي الثابت في نفسه فهو بمنزلة الراوي عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو المجتهد، فمن البعيد جدا أن يكون سؤاله عن ما يشرعه من حكم في
مورد السؤال، بل السؤال عن الحكم العام الموافق للأصول.
ومن الواضح أنه لم يعهد الحكم بانفساخ العقد بالتلف في زمن الخيار كي يسأل
عنه السائل.
نعم، مرسلة ابن رباط (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن حدث بالحيوان قبل
ثلاثة أيام فهو من مال البائع " لا يتأتى فيها البيانات السابقة لأنها بيان ابتدائي،
فيمكن أن يكون تشريعا ابتدائيا وبيانا لحكم لا يعرفه الناس. ولكن يهون الخطب
فيها إرسالها مع أن قوله " إن... " ظاهر في كونه مرتبطا بغيره ولعله بعض الأسئلة
المتقدمة، فيعود الكلام.
ثم إنه يحتمل في هذه النصوص احتمال آخر وهو أن المسؤول عنه هو الدابة أو
الجارية التي تموت قبل انقضاء الثلاثة، والذي يظهر منه كون الموت طبيعيا لا بسبب
حادث قهري ومثل هذا يكشف عن مرض دفين باطني سبب الموت، والحيوان
الذي يكون كذلك لا يكون له مالية يعتد بها.
وعليه، فيمكن أن يكون السؤال عن بطلان المعاملة من حينها بلحاظ انكشاف
عدم مالية المبيع أو عن انفساخها من حين التلف. فإن مجئ هذا الاحتمال في الذهن
قريب والرواية بذلك تكون أيضا أجنبية عما استظهره المشهور منها.
ولعله مما يؤيد ذلك تخصيص السؤال بالدابة والجارية.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب الخيار، ح 5.
302

ولو كان نظره إلى السؤال عن التلف بلحاظ زمان الخيار وأنه ممن لا خيار له أو
لا؟ لما خصص مورد السؤال بالحيوان بل كان المناسب تعميمه لمطلق المبيع.
وبالجملة، لا مجال لحمل النصوص على بيان بطلان البيع وانفساخه بتلف المبيع
بقول مطلق، كما يلتزم به المشهور، بل هي ناظرة إما إلى بقاء الخيار وعدم سقوطه،
أو إلى بطلان المعاملة في مورد خاص.
ولو تنزلنا عن ذلك دفعا للمكابرة فلا أقل من الاجمال، فلا تنهض دليلا لما التزم
به المشهور من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له. فلاحظ.
والمتحصل أن الوجوه المحتملة في هذه الرواية أربعة:
الأول: ما نسب إلى الشيخ الطوسي (رحمه الله) من توقف الملك على انقضاء زمان
الخيار. وهي على هذا التقدير مختصة بموردها، إذ لا وجه بتاتا لتعميم الحكم إلى غير
موردها بعد أن كان حكما على خلاف القواعد.
فلو استفيد منها ما ذكره الشيخ (قدس سره) فهي إنما تدل عليه في خصوص موردها من
خيار الحيوان أو الشرط في مورد بيع الحيوان بلحاظ بعض النصوص الأخرى.
الثاني: ما فهمه المشهور من انفساخ العقد في زمن الخيار وكون التلف من مال
البائع. وهي على هذا التقدير مختصة بموردها أيضا إذ لا وجه للتعميم بعد أن كان
الحكم مخالفا للقواعد.
الثالث: ما استفدناه أولا من الرواية وهو تكفلها لبيان عدم سقوط الخيار
بالتلف.
ويمكن أن يستفاد عموم الحكم لكل مورد باستفادة كون السؤال عن الحكم في
مطلق الموارد، وتخصيص موضوعه بمورد الدابة من جهة أنه الفرد الغالب المتعارف
لا من جهة خصوصية المورد. إذ فرض تلف الحيوان في المجلس فرض نادر، كما أن
فرض تلف غير الحيوان في زمن الخيار كالدور والفرش والكتب وغيرها ليس
متعارفا. وعليه، فخصوصية المورد غير ملحوظة في الجواب.
الرابع: ما استقربناه أخيرا من كون المنظور السؤال عن انفساخ العقد من حينه
لكشف التلف المفاجئ عن عيب دفين يسقطه عن المالية.
303

وهي على هذا التقدير تختص بموردها وما شاكله، فلا تشمل كل تلف في زمن
الخيار، ولو لم يكن كاشفا عن عيب دفين يسقطه عن المالية.
المسألة العاشرة: في أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له. وقد التزم
الأصحاب بهذا الحكم في الجملة ومستندهم في ذلك ما تقدم من النصوص وعمدتها
رواية ابن سنان، وقد عرفت منع دلالتها على ما ذهب إليه المشهور.
وعليه، فيسقط هذا الحكم بالكلية.
ولو سلم أنها ناظرة إلى بيان هذه الجهة وأنها تفيد ثبوت ضمان التالف على البائع،
فيقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: إنه هل يستفاد منها قاعدة عامة ثابتة في مطلق الخيارات أم أنها
تختص بخصوص خيار الحيوان الذي هو موردها؟
والذي يتمسك به لدعوى العموم هو قوله (عليه السلام): " على البائع حتى ينقضي الشرط
ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري ". ببيان: إن قوله: " ويصير " ظاهر في أن المدار في
ضمان البائع وعدمه هو استقرار الملك وعدمه، فما دام الملك متزلزلا كان الضمان على
البائع، فقوله (عليه السلام) " ويصير.. " ظاهر في بيان علة الحكم بالضمان.
والتحقيق: إن ما أفيد لا يمكن الالتزام به لوجوه:
الأول: إن قوله: " ويصير... " بيان آخر لقوله: " حتى ينقضي "، فهو تأكيد لما تقدم
وليس بمنزلة غاية الغاية كي يستظهر منه أنها تمام الملاك والعلة، بل هو عبارة أخرى
عن الغاية، لأن انقضاء الخيار معناه تعين المبيع للمشتري واستقرار الملك.
ومن الواضح أن الغاية لا ظهور لها في بيان علة الحكم.
الثاني: لو سلم أن قوله: " ويصير.. " بمنزلة غاية الغاية. فلا ظهور في غاية الغاية
في كونها علة للحكم يدور مدارها وجودا وعدما بل هي ظاهرة في تحديد الحكم
الثابت بها، فينتفي بحصولها لا أزيد.
الثالث: لو سلم أنه ظاهر في كونه علة بحيث يدور المعلل مدارها وجودا وعدما
كما لو كان مدخولا لحرف العلة فهي لا تنفع فيما نحن بصدده.
304

توضيح ذلك: إن الرواية تكفلت حكمين: ثبوت الضمان في مورد خيار الحيوان.
وعدم ثبوته عند انتهاء زمن الخيار. وعلل عدم الثبوت بانقضاء زمن الخيار،
ومقتضى التعليل أنه في أي مورد يثبت الضمان فهو يرتفع باستقرار الملك. أما سراية
الحكم بالضمان لمطلق موارد الخيار فهذا أجنبي عن مفاد التعليل.
وبالجملة، العلة علة لنفي الحكم لا لثبوته.
والذي يجدي فيما نحن فيه هو الثاني لا الأول. فلو قال تكلم مع زيد حتى يجئ
أبوه لأني أخشى أن يؤذيك، فلا دلالة له على أنه في كل مورد لا يخشى إيذاء الأب
يجب التكلم ولو مع غير زيد.
وخلاصة القول: إن دلالة الرواية على المدعى تتوقف على استظهار تعليل ثبوت
الضمان بثبوت الخيار. وهذا مخدوش من وجوه عديدة مترتبة. فلاحظ.
الجهة الثانية: في عموم هذا الحكم للبائع والمشتري أو اختصاصه بالبائع؟ يعني
أنه لو تلف الثمن في يد البائع وكان الخيار له فهل يكون تلفه من المشتري أو لا؟
ولم يستبعد الشيخ (قدس سره) العموم للمناط المتقدم مضافا إلى استصحاب ضمان
المشتري له الثابت قبل القبض.
وقد يشكل الاستصحاب: بأن مقتضى القاعدة الضمان من مال المالك خرج منها
ما قبل القبض فيبقى ما بعده مندرجا فيها.
ورده (قدس سره): بأن الحكم بالضمان قبل القبض وبعده في مدة الخيار ليس مخالفا
للقاعدة المزبورة، لأن مرجعه إلى انفساخ العقد قبل التلف ودخول العوض في ملك
مالكه الأصلي فيكون الضمان من ماله.
نعم، هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ، وحيث ثبتت المخالفة قبل القبض
فالأصل بقاؤها بعد القبض.
وقد بنى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) صحة الاستصحاب وعدمها على أن ثبوت
الضمان بالتلف بعد القبض وقبل انقضاء زمن الخيار هل هو استمرار للضمان الثابت

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 186، الطبعة الأولى.
305

بالتلف قبل القبض فهو حكم واحد مستمر، أو أنه حكم آخر غير ذلك الحكم مماثل
له؟
فعلى الأول، يصح الاستصحاب، لأنه شك في بقاء الحكم الشخصي واستمراره.
وعلى الثاني، لا يصح، لأنه يكون من قبيل استصحاب القسم الثالث من
استصحاب الكلي، وهو لا يجري على رأي المصنف (رحمه الله).
ثم اختار الثاني وأن الحكم بالضمان قبل انقضاء زمن الخيار حكم آخر مماثل
للحكم به قبل القبض.
والصحيح هو الأول، فإن ظاهر الأدلة هو كون الضمان في المعاملة الخيارية
يستمر إلى ما بعد القبض وقبل انتهاء زمن الخيار.
فالاشكال على الاستصحاب من هذه الجهة غير وارد.
نعم، يرد الاشكال من جهتين:
الأولى: أن أصالة عدم الانفساخ ليست أصلا عمليا بل هي قاعدة عقلائية، فإن
الملك إذا ثبت لا يزول إلا بسبب ناقل من بيع وهبة وغير ذلك، فزواله بالتلف مناف
لذلك، وعلى ذلك قامت السيرة العقلائية والمتشرعية، ومعه لا مجال للاستصحاب،
إذ الأصل لا مجال له مع الدليل.
الثانية: أن أصالة الانفساخ على تقدير التلف من الاستصحاب التعليقي. وقد
تحقق في محله أنه لا دليل عليه. ولو فرض جريانه في نفسه، كانت أصالة عدم
الانفساخ معارضة له كما هو الشأن في كل مورد من موارد الاستصحاب التعليقي
على ما بين في محله، وقد سلك الأعلام في علاج المعارضة مسالك عديدة، فراجع
تعرف.
ومن الغريب اغفال الشيخ (قدس سره) هذا المعنى في المقام وعدم تنبيهه على كونه من
موارد الاستصحاب التعليقي ولعله غفلة منه في كونه كذلك.
وأغرب منه اغفال المحقق الأصفهاني (رحمه الله) لذلك مع تنبه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1)
له وتنبيهه عليه. فتدبر.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 169، الطبعة الأولى.
306

الجهة الثالثة: في عموم الحكم للمبيع والثمن إذا كانا كليين لا شخصيين.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) (1) لهذا البحث في ذيل البحث عن الجهة الأولى، وهو
مستدرك لأنه بحث مستقل ولا يختص بالثمن، والأمر سهل.
وكيف كان، فقد أفاد (قدس سره) أن تلف المبيع الكلي المقبوض ليس من البائع، وذلك
لأن المستفاد من الأخبار هو بقاء ضمان المبيع على ما كان عليه قبل القبض ومقتضاه
انفساخ العقد. وذلك لأن مرجعه إلى كون قبض المبيع كلا قبض، فيكون من قبيل
التلف قبل القبض الراجع إلى انفساخ المعاملة.
ومن الواضح أن هذا لا يتأتى في الكلي المقبوض فرد منه، لأن غاية كونه من
البائع أن قبضه كلا قبض، وهو لا يوجب انفساخ المعاملة، لأن تلف الفرد قبل
القبض لا يستلزمه.
وبما أن الأخبار ناظرة إلى انفساخ المعاملة بالتلف، فهي لا تشمل مورد الكلي،
لأن تلف الفرد المقبوض لا يستلزم الانفساخ.
ولا نظر للأخبار إلى بيان انفساخ القبض وبطلانه، ولازمه كون تلف الفرد
المقبوض من المشتري لا البائع.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) بتوضيح منا.
والتحقيق: إنه لا بد من بناء المسألة على أن تسليم الفرد في مورد بيع الكلي هل هو
راجع إلى مبادلة ما في الذمة بالفرد الخارجي، أو أنه راجع إلى تطبيق ما في الذمة
على الخارج، بدعوى أن المعاملة لا تتعلق بالكلي في الذمة بما هو كذلك إذ لا أثر له،
بل تتعلق به بملاحظة تطبيقه على فرد خاص. غاية الأمر أن أمر التطبيق بيد البائع،
فالمبيع حقيقة هو الفرد المنطبق عليه الكلي، لا الكلي المحض وإن أخذ عنوانه في
المعاملة؟
فعلى الأول: لا يكون تلف الفرد من تلف المبيع بل من تلف عوضه، فلا يثبت
الضمان لقصور الأدلة.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 301، الطبعة الأولى.
307

وعلى الثاني: يكون تلف الفرد تلفا للمبيع، فيكون مشمولا للأدلة ومقتضاه
انفساخ البيع.
وتحقيق أحد المبنيين ليس محله ههنا، والذي يقرب إلى النفس بدوا هو الثاني.
فتدبر.
الجهة الرابعة: في تحقيق المراد بالضمان الوارد في النصوص. والمحتملات فيه
متعددة:
الأول: ما هو المشهور وبنى عليه الشيخ (قدس سره) من أن مرجعه إلى بقاء الضمان الثابت
قبل القبض وانفساخ العقد آنا ما قبل التلف، فيكون التلف من مال البائع، فهو يكون
بمعنى الخسارة.
الثاني: إنه بمعنى الغرامة والتدارك بلا أن يتحقق انفساخ العقد، بل هو حكم
تعبدي ثابت على البائع.
وعلى هذا الاحتمال تارة يلتزم بسقوط الخيار للمشتري. وأخرى يلتزم ببقائه،
فيتخير بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين عدم الفسخ والرجوع بقيمة العين.
وهذه الاحتمالات الثلاثة هي المعتد بها وأما غيرها فلا أساس لها، فلا نتعرض
لها.
وقد عرفت أن الشيخ (قدس سره) التزم بالاحتمال الأول تبعا لظاهر كلام الأصحاب
ويقرب ذلك بوجهين:
الأول: ظهور النصوص في كون التلف من مال البائع وهذا لا يتلاءم إلا مع القول
بالانفساخ.
الثاني: إن الالتزام بكون الضمان على البائع مع عدم الالتزام بالانفساخ قبل
التلف يتنافى مع قاعدتين:
الأولى: عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه وفي يده.
الثانية: قاعدة التلازم بين الضمان والخراج، إذ المفروض أن الخراج للمشتري.
أما إذا التزم بالانفساخ قبل التلف، فلا يتنافى الضمان مع القاعدتين، إذ التلف
308

يكون في ملك البائع ولا محالة يكون نماؤه في ذلك الآن له.
وقد يستدل على كون الضمان بمعنى الغرامة والتدارك من دون تحقق الانفساخ
بوجوه:
الأول: ظهور لفظ الضمان في الغرامة وخسارة مال الغير، إذ لا يقال إن الشخص
ضامن لأمواله.
الثاني: ظهور التعبير ب‍: " على " في قوله: " على من ضمان ذلك " في كونه بمعنى
الغرامة، إذ تلف المال من مالكه خسارة منه لا عليه.
الثالث: الجمع في موضوع الحكم في النص بين التلف والحدث، مع أنه لا انفساخ
في مورد الحدث فلا يصح إلا إرادة التدارك والغرامة.
أقول: هذه الوجوه قابلة للخدشة، فإن لفظ الضمان في النص منسوب إلى البائع
والمشتري ولا معنى لأن يراد منه ما يساوق معنى الغرامة، إذ لا محصل له بالنسبة إلى
المشتري. فلا بد أن يراد منه ما يساوق معنى الخسارة أعم من خسارة ماله أو مال
الغير. وبذلك يظهر الخدشة في الوجه الثاني، فلاحظ.
وأما الثالث: فلأنه لا مانع من أن يراد من الضمان معنى الخسارة بنحو جامع بين
التدارك في مورد الحدث والانفساخ في مورد التلف لصدق الخسارة على البائع في
الموردين.
ولكن هذا لا يقتضي ظهور الرواية في المعنى الأول الذي ذهب إليه الشيخ (قدس سره)،
فإن الضمان وإن أسند إلى المشتري لكنه يمكن أن يكون من باب التغليب فيراد به
الغرامة والتدارك، والمنظور في السؤال هو ثبوته على البائع وعدم ثبوته، واسناده
إلى المشتري من باب التغليب.
وأما ما تمسك به الشيخ (قدس سره)، فالوجه الثاني [منه] مدفوع: بأن الالتزام بالانفساخ
مناف أيضا لقاعدة عدم الانفساخ التي عرفت أن عليها السيرة.
وأما الوجه الأول، فيرده:
309

أولا: إن التعبير المذكور وارد في رواية (1) ضعيفة السند، فلا يعتمد عليها.
وثانيا: أنه لا ظهور له في الضمان بمعنى الخسارة من الملك، بل يتلاءم مع التدارك
والغرامة بلحاظ أن الدفع سيكون من ماله، فيقال إنه ضرر وارد عليه ومن ماله، كما
لا يخفى على من لاحظ الاستعمالات العرفية في هذا المقام.
إذن، فلا ظهور معتد به يعين أحد الاحتمالات، فلا بد من الرجوع إلى الأصول
العملية.
ثم لا يخفى أن الأقوى على الاحتمال الثاني عدم سقوط الخيار لعدم الوجه فيه،
ولا ظهور للنصوص في انحصار الحق الثابت بالغرامة، فاستصحاب الخيار أو إطلاق
دليله محكم.
الجهة الخامسة: في حكم تلف بعض المبيع وتلف الوصف.
أما تلف البعض، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن حكمه حكم تلف الكل. وكذا حكم تلف
الوصف الراجع إلى وصف الصحة بلا خلاف على الظاهر، لقوله في الصحيحة
السابقة " أو يحدث فيه حدث " فإن المراد بالحدث أعم من فوات الجزء والوصف.
هذا ما أفاده (قدس سره) نقلناه بنصه تقريبا.
وتحقيق الكلام في تلف الوصف الراجع إلى تعيب العين بعد العقد أن يقال: إن في
حكمه وجوها ثلاثة:
الأول: ما هو ظاهر الشيخ (قدس سره) في مبحث القبض من: أن مقتضى الدليل المزبور
هو تقدير تعلق العقد ووقوعه بقاء على العين المعيبة، فيقدر انفساخ العقد بلحاظ
الوصف، فيقدر الوصف كأن لم يكن بمعنى أن العقد وإن وقع على الصحيح لكنه بحكم
الشارع بقاء لم ينتقل إلى المشتري سوى العين المعيبة، فيكون تلف الوصف من
البائع. فيكون المورد بحكم المورد الذي يقع العقد فيه على المعيب رأسا في ثبوت
الخيار.
وهذا الوجه مخدوش:
أولا: بأنه فرع تصور بقاء للعقد. وقد تقدم منا منعه.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب الخيار، ح 2.
310

وثانيا: أنه يتوقف على أن يكون حكم خيار العيب ثابتا للعيب الحادث بعد العقد
كي يكون التنزيل بلحاظ هذا الحكم. وهذا أول الكلام.
وثالثا: أن يكون الوصف الموجود الذي لم يحكم الشارع بانتقاله بحكم الوصف
التالف حقيقة، لأن اسناد الضمان إلى الوصف لا معنى له بعد إن لم يكن مقابلا بالمال
على رأي الشيخ (قدس سره).
الثاني: ما هو ظاهر السيد الطباطبائي (رحمه الله) (1) من: أن مقتضى الدليل هو تنزيل
تلف الوصف منزلة الحاصل قبل العقد، فيكون العقد كأنه وقع على المعيب، فيترتب
عليه ثبوت الخيار.
وهذا الوجه مخدوش مضافا إلى أن ظاهر الدليل تنزيل التالف منزلة مال البائع
قبل التلف لا قبل العقد، بأن مقتضى ذلك ثبوت الخيار من أول الأمر والحال أنه
ليس كذلك.
الثالث: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2): من الالتزام بانفساخ العقد بتلف
الوصف، ببيان: إن ملك الوصف على حد العقد عليه عرضي تبعي، فكما أن العقد
يكون عقدا بالذات على الموصوف وعقدا بالعرض على الوصف كذلك الملك، فهو
ملك للموصوف بالذات ولوصفه بالعرض، لعدم استقلال الوصف بالملكية
والعقدية. وكما أن الأمر كذلك في مقام التحقق، فهو كذلك في مقام الارتفاع.
فإذا دل الدليل باطلاقه على أن تلف الوصف يوجب الانفساخ، فهو يكشف عن
تحقق انفساخ العقد على الموصوف لأن انفساخ العقد على الوصف لا يكون إلا بتبع
انفساخه بالنسبة إلى الموصوف.
وتحقيق الكلام: إن الالتجاء إلى هذه التأويلات مبني على كون المراد بالرواية
المزبورة ما فهمه المشهور من بيان أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له وكون
المراد بالضمان ما يساوق معنى الخسارة لا ما يساوق معنى الغرامة، ولكنك عرفت بما
لا مزيد عليه بعد الرواية عن تكفل بيان الحكم المزبور لعدم وقوعه مورد السؤال.

1 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 171، الطبعة الأولى.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 189، الطبعة الأولى.
311

بل يقرب أن يكون المسؤول عنه هو مورد ما إذا كان التلف مستندا إلى مرض
قديم دفين مسقط عن المالية، فيسأل عن بطلان البيع، ولذا خص السؤال عن الدابة
والعبد التي يتصور فيها ذلك قريبا.
ومن هنا يمكن أن يستفاد أن المراد من قوله " أو حدث فيها حدث " ليس فقدان
وصف الصحة بقول مطلق، بل فقدان وصف الصحة بنحو يسقط العين عن المالية
كشلل أعضاء الفرس - المقصود منها الركوب - وعمى الحمار المانع له عن المشي
والاستفادة منه، فالمراد حدث خاص يلحق بتلف العين.
ومما يكون قرينة على ذلك هو التعبير ب‍: " على من ضمان ذلك "، فإن الظاهر
إرادة العين من المشار إليه وأنها هي المضمونة.
وظهر من ذلك أنه لا وجه للالتزام بضمان الجزء التالف، إذ لم يرد النص بعنوان
ضمان المبيع التالف. كي يقال إن جزء المبيع مبيع، بل الوارد عنوان الدابة والعبد.
ومن الواضح عدم صدق العنوان على الجزء. هذا هو تحقيق الكلام في المسألة.
فتدبر.
الجهة السادسة: في حكم ما لو تحقق التلف باتلاف الأجنبي، وفسخ المشتري
ورجع بالثمن، فهل يرجع البائع بقيمة المبيع على المتلف أو المشتري الفاسخ أو هو
مخير في الرجوع على أيهما شاء؟
والذي يبدو من عبارة الشيخ (قدس سره) (1) جعل الكلام في رجوع الفاسخ لا المفسوخ
عليه وهو إما سهو من القلم، كما في حاشية السيد الطباطبائي (رحمه الله) (2)، أو بيان لكلي
المسألة، كما في حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3). والأمر سهل.
وقد أشار الشيخ (قدس سره) إلى وجوه الاحتمالات الثلاثة:
أما وجه الأول: فهو أن الفسخ يقتضي رجوع العين أو بدلها إلى مالكها الأول،
والمفروض أن بدلها ثابت في ذمة المتلف فيرجع عليه. هذا أولا..

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 302، الطبعة الأولى.
2 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 171 - 172، الطبعة الأولى.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 189، الطبعة الأولى.
312

وثانيا: إن الفسخ يوجب رجوع العين قبل التلف في ملك مالكها الأول فيكون
التلف من ملكه، فيعود على المتلف.
ووجه الثاني: إن الثمن إذا دخل في ملك من تلف المثمن في ملكه، فلا بد أن يكون
بدل المثمن في ملكه.
ولأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية، وما في ذمة المتلف إنما
تشخص مالا للمالك. وكونه بدلا عن العين إنما هو بالنسبة إلى التلف من حيث
وجوب دفعه إلى المالك كالعين لو وجدت لا أنه بدل خارج يترتب عليه جميع
أحكام العين.
وأما الفسخ، فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها على المتلف
بالقيمة في ملك المفسوخ عليه، وتلفها بهذا الوصف يكون مضمونا على المالك لا
على المتلف.
ووجه الثالث: إن يد الفاسخ يد ضمان بالعوض قبل التلف وبالقيمة بعده، واتلاف
الأجنبي سبب للضمان أيضا، فيكون مخيرا في الرجوع.
وقد حكم (قدس سره) بأن الأخير أضعف الوجوه.
وتحقيق المقام: إنه إن بنينا على ما هو التحقيق من أن الفسخ تملك جديد للعوض
أو المعوض بمقابله، ففي مقام الثبوت كما يمكن أن يتملك المشتري ثمنه بوجود العين
الذمي الثابت في ذمة المتلف كذلك يمكن أن يتملكه بوجودها الذمي في ذمته.
وأما مقام الاثبات، فلا دليل لدينا يساعد على أحد الأمرين، إذ لا بد من
ملاحظة بناء العقلاء في باب الفسخ ومعرفة ما عليه بناؤهم وهو غير محرز لدينا،
فالمرجع هو الأصول العملية.
نعم، يمكن أن يقال إن ثبوت حق الخيار مخصص لقاعدة سلطنة المالك على ماله
لأن الفرض إن ذا الخيار يتملك ماله من دون رضاه. والقدر المتيقن - في مورد
الاتلاف - من التخصيص هو ثبوت سلطنة ذي الخيار على أصل التملك. أما تعيين
العوض وأنه البدل في ذمته أو ذمة المتلف فهو بمقتضى قاعدة السلطنة للمالك يكون
بيده.
313

ولكن هذا يثبت تخيير المفسوخ عليه قبل الفسخ لا بعده، لأنه بالفسخ يتعين ما
يملكه من البدل في ذمة الفاسخ أو المتلف.
وأما على ما هو مبنى المشهور من أنه حل العقد وأن العين تقدر في ملك المفسوخ
عليه قبل التلف ليكون التلف في ملكه.
فأقوى الوجوه هو التخيير، وذلك لأنه قبل التلف تكون العين ملك المفسوخ
عليه، فتكون مضمونة على الفاسخ لقاعدة اليد وعلى المتلف للاتلاف، نظير سائر
موارد تعاقب الأيدي على مال الغير.
وهذا هو الوجه في الرجوع على المتلف لا الوجه الأول المذكور المتقدم، إذ لم يرد
دليل بعنوان رجوع العين أو بدلها بالفسخ كي يقال إن ما في ذمة المتلف بدل فهو
يرجع إلى المفسوخ عليه، فلاحظ.
ودعوى: أن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها، وتلفها بهذا
الوصف يكون مضمونا على المالك لا على المتلف - كما أفاد الشيخ (قدس سره) -.
مندفعة: أولا: بأنه لا وجه لتقدير كون العين كذلك ملكا للمفسوخ عليه.
وثانيا: إنه لا يستلزم كون الضمان على المالك، إذ الاتلاف وقع على العين المملوكة
للمفسوخ عليه فيكون المتلف ضامنا للمفسوخ عليه بسبب الفسخ.
فلم نفهم بتاتا وجه الملازمة بين ما ذكره وبين عدم ضمان الفاسخ، إذ يمكن أن يكون ضامنا للفاسخ للاتلاف الحقيقي في ملكه وللمفسوخ عليه للاتلاف التقديري
ولكنه ضمان لهما على سبيل البدل. هذا تحقيق المسألة ولا نحتاج إلى الإطالة.
المسألة الحادية عشرة: في بقاء الخيار مع تلف العين وسقوطه.
ولا يخفى أن محل الكلام ما إذا لم يكن التلف موجبا لانفساخ المعاملة وعدم بقاء
العقد، وإلا فلا موضوع لهذا البحث، وقد نبه الشيخ (قدس سره) على ذلك.
وتحقيق الكلام: إن المعروف بناء المسألة على أن حق الخيار هل هو حق فسخ
العقد وحله أو أنه حق الرد والاسترداد؟
فعلى الأول، لا يسقط الخيار بالتلف لبقاء العقد، فيمكن فسخه.
وعلى الثاني، يسقط الخيار، إذ بتلف العين لا موضوع للرد والاسترداد.
314

ولكن الصحيح: إنه لو قلنا بأن الخيار هو حق فسخ العقد أمكن الاشكال في
ثبوت الخيار عند التلف، لا من جهة منع بقاء العقد بعد التلف كما تقدم منا، بل من
جهة أن الظاهر كون الفسخ وحل العقد طريقا وتمهيدا لاسترداد العين، فمع عدم بقاء
العين لا يثبت الخيار وإن كان العقد باقيا، كما أشرنا إليه في مبحث خيار المجلس.
ولو فرض ملاحظة الرد بنحو أعم من رد نفس العين أو بدلها بأن يلحظ المعنى
الجامع وهو رد ماليتها، كان هذا موجبا لبقاء الخيار حتى لو قيل إنه حق متعلق
بالعين بلحاظ الرد والاسترداد. إذن فلا فرق على المبنيين ثبوتا.
وأما اثباتا، فاطلاق دليل الخيار لا ينفع في شمول مورد التلف لأنه يتوقف على
مؤونة زائدة، فلا بد من قيام دليل خاص في كل مورد.
والاستصحاب لا مجال له، لأن الثابت من الخيار قبل التلف حصة غير الثابت
بعده على تقديره فلا يكون الشك شكا في البقاء، فتأمل.
مع أن اطلاق دليله يتوقف شموله لما نحن فيه على المؤونة الزائدة، فلا يثبت.
وأنت قد عرفت أن حق الخيار ليس حق فسخ العقد لعدم تصور بقاء للعقد بجميع
معانيه، كما أنه ليس حق الرد والاسترداد، بل هو حق تملك ذي الخيار ما خرج منه
من دون اعتبار رضا صاحبه.
وعليه، فلا بد من ملاحظة ما عليه بناء العقلاء في موارد الخيار. فإن كان بناؤهم
على ثبوته ولو مع تلف العين، كان هو المتبع لأن الثابت في الشرع هو الخيار العقلائي
وإلا فالقدر المتيقن منه خصوص مورد بقائها. فتدبر.
ثم إنه يقع البحث على مبنى المشهور في وجه ضمان من تلفت العين في يده قيمة
العين بعد الفسخ مع أنها تلفت في ملكه. وسيجئ التعرض له انشاء الله في مباحث
القبض. فانتظر.
المسألة الثانية عشرة: في ضمان كل من الفاسخ والمفسوخ عليه ما في يده بعد
الفسخ.
أما ضمان الفاسخ لما في يده بعد الفسخ، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه ثابت بلا خلاف
على الظاهر لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ - لأنها مضمونة بالعوض - والأصل
315

بقاؤه، لعدم ما يقتضي ارتفاع الضمان، وذكر (قدس سره) أن الغرض من التمسك بالضمان قبل
الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها أمانة مالكية أو شرعية لتكون غير مضمونة.
ومرجع الضمان هنا إما إلى عموم على اليد أو إلى أنها قبضت مضمونة، فإذا بطل
ضمانه بالمسمى تعين ضمانه بالعوض. ثم قال (قدس سره) (1): " ولكن المسألة لا تخلو عن
اشكال ".
وقد بين أنه لا وجه للاشكال منه، لأن عموم على اليد محكم ههنا بعد أن كان
الخارج هو يد الأمانة إما المالكية أو الشرعية وكلاهما مفقود في المقام، وقد التزم
به (قدس سره) في غير هذا المقام ولم يلتزم بأن موضوع " على اليد " خصوص اليد العادية
بلحاظ ظهور الأخذ في ذلك حتى لا تشمل المقام أصلا.
أقول: لعل وجه الاشكال تردده في أنه أمانة شرعية أو لا، من جهة أنه هل
الغالب في موارد الفسخ بقاء العين في يد الفاسخ بعض الوقت فاعطاء حق الفسخ
والحال هذه تجويز من الشارع لبقاء العين في يد الفاسخ. أو أنه ليس الغالب
المتعارف ذلك بل الفاسخ لا يفسخ إلا حين دفع العين للمفسوخ عليه، فجهة
الاشكال من ناحية الصغرى.
وأما التمسك بالاستصحاب، ففيه: إن الفرد الثابت قبل الفسخ غير الثابت بعده
فلا شك في البقاء بل هو من استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي، ولعله
انتبه إلى ذلك حيث ذكر أن التمسك بذلك ليس لأجل موضوعيته بل لأجل بيان
عدم ما يمنع من ضمان اليد. فتدبر.
وأما ضمان المفسوخ عليه ما في يده، فيمكن أن يقرب عدم ضمانه بأن اقدام
الفاسخ على الفسخ مع كون العين في يد الآخر تقرير لبقائها في يده بعض الوقت
فتكون بيد الآخر مع رضا المالك فلا ضمان. والله سبحانه العالم وهو حسبنا ونعم
الوكيل. إلى هنا ينتهي الكلام في مبحث الخيارات وأحكامها والحمد لله على توفيقه
ومنه نستمد المعونة إنه ولينا ونعم المجيب. وقد كان انتهاء البحث فيها عصر الثلاثاء
الموافق 24 / ج 1 / 1393.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 303، الطبعة الأولى.
316

النقد والنسيئة
يقسم البيع إلى أقسام أربعة: الأول: بيع الحاضر بالحاضر، ويسمى بالنقد.
الثاني: بيع الحاضر بالمؤجل، ويسمى بالنسيئة. والثالث: بيع المؤجل بالمؤجل
ويسمى ببيع الكالئ بالكالئ. الرابع: بيع المؤجل بالحاضر ويسمى بالسلم.
والكلام حول القسمين الأولين. وهو يقع في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: في أن اطلاق العقد يقتضي التعجيل في الثمن.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن مقتضى اطلاق العقد هو النقد وتعجيل الثمن. ونسب
إلى العلامة (رحمه الله) (2) تعليله بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلى الآخر، فيجب
الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها.
ثم ذكر (قدس سره) بعد ذلك أن اشتراط التعجيل إن رجع إلى اشتراط الدفع عند المطالبة
وعدم المماطلة، فهو مؤكد لمقتضى الاطلاق. وإن رجع إلى اشتراط الدفع طالبه أم لم
يطالبه، فهو غير مؤكد لمقتضى الاطلاق. لكن فيه..
أولا: إنه مخالف للمتفاهم من ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور.
وثانيا: إن عدم المطالبة في أول الأزمنة يرجع إلى اسقاط الحق الثابت له، فلا أثر
لهذا الشرط.
هذا خلاصة ما أفاده الشيخ (قدس سره) والكلام يقع..
أولا: في ما ذهب إليه من أن اطلاق العقد يقتضي التعجيل.
وثانيا: في ما ذكره من أن الشرط يكون مؤكدا للاطلاق.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 303، الطبعة الأولى.
2 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 546، الطبعة الأولى.
317

أما كون مقتضى الاطلاق هو التعجيل، فله تقريبان:
أحدهما: ما أفاده المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) من أن التأجيل إما يرجع إلى تقييد
التمليك بالزمان الآتي بنحو الواجب المشروط أو يرجع إلى تقييد المملوك به بنحو
الواجب المعلق، أو يرجع إلى اشتراط التأخير في الأداء مع كون التمليك ومتعلقه
فعليين.
وعلى جميع التقادير يكون التأجيل ملازما للشرط والتقييد، فمع عدم التقييد
يكون مقتضى الاطلاق عدم التأجيل بجميع تقاديره.
واستظهر رجوع التأجيل إلى اشتراط التأخير في الأداء، ولذلك استوجه تعليل
العلامة (رحمه الله) بأن مقتضى الملكية هو حق المطالبة بالفعل، وقد تقدم ذكره.
الثاني: ما نسب إلى صاحب المستند (رحمه الله) (2) واستقربه السيد الطباطبائي (رحمه الله) (3)
من أن المنساق والمتبادر من العقد عند اطلاقه إرادة الثمن حالا لا من جهة التمسك
بعدم التقييد والرجوع إلى قاعدة السلطنة بل من جهة ظهور العقد في ذلك ضمنا.
وهذا هو الأوجه ويشهد له أن الداعي النوعي للبيع هو استحصال المال لقضاء
المهمات وغير ذلك، فهذا الداعي النوعي يكون قرينة نوعية على كون المقصود بالبيع
هو البيع النقدي. بلا حاجة إلى التمسك بالاطلاق وعدم التقييد.
ومن هنا يظهر الحال في الجهة الثانية وهي.. كون الشرط مؤكدا أو غير مؤكد.
فإنه بناء على ما قربناه يكون مؤكدا ويكون الفرق بين صورة ذكر الشرط
وعدمه هو التصريح وعدمه وإلا فاشتراط التعجيل ثابت في كلتا الصورتين.
وأما بناء على تقريب الاطلاق بالوجه الأول لا يكون الشرط مؤكدا فإن
الاطلاق بملاك عدم اشتراط التأجيل، وهو لا يتضمن اشتراط التعجيل، فشرط
التعجيل يفيد معنى لا يثبت بالاطلاق من ثبوت الحق والخيار عند تخلفه وغير ذلك
من شؤون الشرط.

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 191، الطبعة الأولى.
2 - النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 14: ص 434، ط مؤسسة آل البيت (ع).
3 - الطباطبائي، السيد محمد كاظم: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 175، الطبعة الأولى.
318

فما أفاده الشيخ (قدس سره) إنما يتم على التقريب الثاني لا الأول الذي هو ظاهر كلامه،
فتدبر.
ثم إن هذا كله بلحاظ مفاد الشرط نفسه وأما بلحاظ حكمه.
فإن كان الشرط يفيد الالزام الحقي يعني لزوم العمل بالشرط على تقدير المطالبة
به، كسائر الحقوق، فهو لا يزيد على مقتضى الاطلاق أيضا، لأن هذا المعنى ثابت به
ولو مع عدم الشرط لقاعدة السلطنة.
وإن كان الشرط يفيد الالزام الحكمي غير المنوط بالمطالبة نظير الأمر بالوفاء
بالنذر، كان مقتضى الشرط أمرا زائدا على مقتضى الاطلاق فلا يكون مؤكدا.
وأما ما ذكره من الوجه الثاني في مناقشته كون المراد بالشرط اشتراط الأداء
حالا سواء طالبه أم لم يطالبه، من: أن عدم المطالبة في أول الأزمنة يوجب سقوط
الحق.
فقد يناقش: بأن عدم المطالبة إنما يوجب سقوط الحق إذا كشف عن الرضا
بالتأخير وهو فيما نحن فيه لا يكشف عن الرضا بالتأخير لامكان اعتماده على الالزام
الناشئ من قبل الشرط فلا يطالبه.
وفيه: إن المراد بالمطالبة وعدمها ليس هي المطالبة باللفظ ونحوه، بل المراد هو
الإرادة النفسية وعدمها. ومن الواضح أن عدم الإرادة ملازم للرضا بالتأخير،
فيكون مرجع اشتراط التعجيل إلى اشتراطه سواء رضي بالتأخير أم لا وهو ما لا
محصل له، إذ هو نظير الأمر بالشئ سواء أراده الآمر أو لا، ونظير شمول اطلاق
الأمر لما بعد الفسخ. فتدبر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) حكى عن الشهيد (رحمه الله) (1) في الدروس أن فائدة الشرط ثبوت
الخيار إذا عين زمان النقد فأخل المشتري.
وتقوية الشهيد الثاني (رحمه الله) (2) ثبوت الخيار مع اطلاق الشرط وعدم تعيين زمان
النقد، إذا أخل به في أول وقته، واستحسنه (قدس سره).

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 202، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهية، ج 1: ص 389، الطبعة القديمة.
319

ثم حكى عن صاحب الجواهر (1) - كما قيل - أمرين:
أحدهما: إن اطلاق الشرط قادح، لأن عدم تعيين زمان النقد موجب للجهالة
والغرر.
ورده (قدس سره): بأن مقتضى الاطلاق ههنا ليس هو التردد بين الأفراد بل مقتضاه
تعيين أحد الأفراد وهو الدفع أول أزمنة الامكان عرفا. فهو نظير اطلاق الصيغة
المقتضي لتعيين أحد أفراد الوجوب وهو النفسي التعييني العيني على ما يقرر في محله.
والآخر: إن ثبوت الخيار على تقدير تخلف الشرط لا بد و أن يقيد بعدم امكان
اجباره على التعجيل، وإلا فلا خيار.
ورده الشيخ (قدس سره) أيضا بوجهين:
الأول: إن المقصود ههنا هو ثبوت الخيار عند تخلف الشرط وفواته وهو التعجيل
سواء أمكن اجباره أم لا، وجب اجباره أم لا، فإن الاجبار في مرتبة سابقة على
الفوات. والحديث في ثبوت الخيار مع امكان الاجبار على الشرط بنحو الكلية
وعدمه حديث آخر أجنبي عما نحن فيه مما فرض فيه فوات الشرط وهو التعجيل،
فلا موضوع للاجبار.
الثاني: إن حديث الاجبار وعدمه لا يتأتى فيما نحن فيه، لأن زمان الشرط آني
وهو أول أزمنة الامكان، فقبله لا موضوع للاجبار ولا وجه له. وبعد انقضائه لا
ينفع لأنه غير الزمان المأخوذ في الشرط، فلا يكون اجبارا عليه.
وبالجملة، في زمان الشرط لا مجال للاجبار لأنه زمان آني، فإن تحقق فيه الشرط
فهو، وإلا فات وبعده لا يكون الاجبار اجبارا على الشرط.
وبذلك يختلف الحال عن سائر الشروط التي لا يكون الزمان المأخوذ فيها آنيا بل
موسعا يجبر على أداء الشرط إذا علم من حاله أنه لا يفي به.
المسألة الثانية: يعتبر في الأجل المشروط أن يكون معلوما من حيث المفهوم
والمصداق، فلا يجوز اشتراط مدة غير معينة بحيث تقبل الزيادة والنقصان بما لا

1 - النجفي الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 23، ص 98 - 99، الطبعة الأولى.
320

يتسامح فيه، وذلك للغرر المنهي عنه في المعاملة. ولا يختلف الحال في المدة بين المدة
القصيرة والطويلة.
وقد حكي عن الإسكافي (1) المنع من التأخير إلى ثلاث سنين، ولعل وجهه بعض
الروايات (2) المتكفلة للنهي، عنه ولكنها ظاهرة في الارشاد والنصح بلحاظ المحافظة
على الأموال وعدم التفريط بها لا في فساد المعاملة أو تحريمها، فلاحظها تعرف.
ثم إنه وقع الكلام في جواز الافراط في التأخير كاشتراط التأخير إلى ألف سنة.
والاشكال فيه من ناحيتين:
الأولى: في كون هذه المعاملة سفهية.
الثانية: في أنه قد ثبت حلول الأجل شرعا بموت المشتري. وعليه، فاشتراط مدة
يعلم عادة بموت المشتري قبل حلولها يكون مخالفا للمشروع، فيكون باطلا.
أما الناحية الأولى: فلا يخفى أن المال الذي لا يؤدى إلا بعد مدة طويلة جدا
كألف بحيث لا يعلم بقاء أحفاد البائع فضلا عنه نفسه، كما لا يعلم ببقاء مال
للمشتري إلى تلك المدة حتى يؤدى منه الدين، ومثل هذا لا يعد مالا عرفا، فيكون
البيع به بيعا بلا ثمن، فيبطل.
ولو تنزل عن ذلك أو فرض أن المدة ليست طويلة جدا بل كانت خمسين سنة
مثلا، فيقع الكلام في..
الناحية الثانية: فإن هذا الشرط مع موت المشتري يكون شرطا مخالفا للكتاب
والسنة. ولا يعتبر في الاشكال تحديد المدة بنحو يعلم عادة بموت المشتري قبلها، بل
يسري في مطلق الموارد مما يتحقق موت المشتري قبل حلول الأجل ولو كانت
قصيرة جدا، لأن مخالفة الكتاب والسنة لا يعتبر فيها العلم حين الاشتراط بل هي
مانعة بوجودها الواقعي.
وحل الاشكال من هذه الجهة بوجهين:
أحدهما: الالتزام بأن مرجع التأجيل في الثمن ليس إلى اشتراط التأجيل، بل إلى

1 - كما في مختلف الشيعة ص 364.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 1: من أبواب أحكام العقود، ح 3.
321

تقييد الثمن بحيث يكون الثمن هو المال الخاص ويكون التقييد راجعا إلى الثمن بنحو
الواجب المعلق.
وهذا المعنى لا اشكال فيه ثبوتا، إلا ما قد يقال إن الزمان لا يكون موجبا
لتخصيص الأعيان، فليست العين في هذا الوقت غيرها في الوقت الآخر، فلا معنى
لأن يكون المملك هو العين في الزمان الخاص. نعم هذا المعنى يتصور في المنافع،
فمنفعة هذا اليوم غير منفعة غد.
لكن هذا الاشكال مندفع: بأن الثمن هو الكلي ومن الواضح أن الكلي لا مالية له
إلا بلحاظ تطبيقه في الخارج، فالملحوظ في الثمن ليس هو ذات الكلي بما هو بل بما هو
مطبق على الفرد الخارجي.
وعليه، فالزمان يكون قيدا للتطبيق وهو فعل لا عين، فيكون الثمن هو الكلي
المطبق في الزمان الخاص.
وأما اثباتا، فلا بد من ملاحظة ما هو المرتكز عند العقلاء وفي السيرة العملية،
والملحوظ هو كون التأجيل راجعا إلى تقييد الثمن لا تقييد وقت الأداء، فالمملوك
هو ثمن خاص.
ولذا لا يعد تأخير الأداء تأخيرا للثمن فإذا سئل المشتري لم لا تؤدي الثمن، فلا
يكون جوابه إني اشترطت تأخير أدائه بل يكون الجواب أن الثمن هو فرد خاص.
والآخر: إنه لو فرض كون التأجيل راجعا إلى اشتراط التأخير.
إلا أن ورود النص الدال على حلول الأجل بالموت المفروض شموله لبيع النسيئة
كاشف عن صحة الشرط، فيكون مخصصا لدليل المنع عن الشرط المخالف للمشروع.
أو فقل أنه متفرع عن تحقق الشرط وقد أخذ الاشتراط في موضوعه فيكون
مخصصا لعموم نفوذ الشروط المقتضي عدم حلول الأجل بالموت. ولا يدل على عدم
مشروعية تأخير الأداء في دين الميت في نفسه كي يكون اشتراط التأخير الشامل
لما بعد الموت من الشرط المخالف للكتاب والسنة.
ثم إنه هل يعتبر في تعيين المدة تعينها في نفسها ولو لم تكن معروفة لدى
المتعاقدين، كما لو شرط التأخير إلى يوم النيروز ونحوه، أو لا بد من معرفتها لدى
322

المتعاقدين حين العقد؟
ذهب الشيخ (قدس سره) تبعا للدروس (1) وجامع المقاصد (2) إلى الثاني.
والوجه فيه قاعدة نفي الغرر، إذ الملاك فيه هو الجهالة الموجبة للوقوع في النزاع
والخصام وهي موجودة في الفرض بعد إن لم يكن المتعاقدان يعرفان مقدار تأخير
المدة، كما لا يخفى. وبنفس هذا الملاك يعتبر علمهما حال العقد فلا فائدة في علمهما
بعده.
المسألة الثالثة: في البيع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا، كما لو قال بعتك هذا
الكتاب بدرهم حالا وبدرهمين إلى سنة. والأقوال في ذلك مختلفة، وهكذا
النصوص..
فبعضها يظهر منه البطلان، كرواية محمد بن قيس (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
" قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة ".
وقد ورد النهي عن بيعين في بيع (4) وشرطين في بيع وفسر بذلك.
وبعضها ظاهر في الصحة بأقل الثمنين وهو صدر رواية محمد بن قيس المتقدمة أنه
" قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من باع سلعة فقال: إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد وثمنها كذا وكذا
نظرة فخذها بأي ثمن شئت وجعل صفقتها واحدة فليس له إلا أقلهما وإن كانت
نظرة ".
ورواية السكوني (5) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): " إن عليا (عليه السلام) قضى في
رجل باع بيعا واشترط شرطين، بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك
الشرط، فقال: هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين، يقول: ليس له إلا أقل النقدين إلى
الأجل الذي أجله بنسية ".

1 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 202، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
2 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 231، ط مؤسسة آل البيت (ع).
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 2: من أبواب أحكام العقود، ح 1.
4 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 2: من أبواب أحكام العقود، ح 3 و 5.
5 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 2: من أبواب أحكام العقود، ح 2.
323

وتحقيق الكلام في المقام: إن الوجوه المتصورة في وقوع مثل هذه المعاملة متعددة
وذلك لأن البائع..
إما أن يتحقق منه الايجاب بنحو الترديد والفرد على سبيل البدل، بأن يقصد
البيع بالثمن المردد بين الثمنين المؤجل والمعجل بلا تعيين أصلا، ويقبل المشتري كذلك.
وإما أن يقصد البيع بأحد الثمنين الذي يختاره المشتري حين قبوله ويقبل
المشتري البيع بأحدهما المعين من النقد أو النسيئة.
وإما أن يقصد البيع بأحدهما الذي يختاره المشتري بعد القبول.
أما الصورة الأولى، فقد ادعي عدم معقوليتها لأن الفرد المردد لا واقعية له، فلا
معنى لكونه طرف المعاملة البيعية، ولا يتأتى قصد المعاملة عليه من قبل العقلاء.
وفي هذا بحث يتعرض له في بعض المسائل، كمسألة العلم الاجمالي، فليراجع.
ولنفرض أن ما ذكر تام، فلا اشكال في بطلان هذه الصورة.
وأما الصورة الثالثة، فهي لا اشكال فيها من ناحية الفرد المردد، لأن المفروض
تعين الثمن بمعين واقعي وهو اختيار المشتري، لكن الاشكال فيها يكون من ناحية
الجهالة والغرر لوقوع المعاملة على المجهول حينها.
وأما الصورة الثانية، فهي لا اشكال فيها من ناحية الفرد المردد، لما تقدم في
الصورة الثالثة، كما لا اشكال من ناحية الغرر والجهالة، إذ الجهل المرتفع قبل تمامية
المعاملة لا يمنع من الصحة ولا يعتبر عدمه في حال الايجاب، لعدم الدليل.
وعليه، فلا مانع من الالتزام بصحة العقد في هذه الصورة بمقتضى القواعد العامة.
هذا بحسب القواعد.
وأما الروايات، فما أفاده من النهي عن بيعين في بيع ونحوه، فهو لا يصلح لرفع
اليد عن القواعد المقتضية للصحة في هذه الصورة، لضعف سندها أولا واجمال المراد
منها ثانيا، لعدم العلم بما هو المتعارف في تلك الأزمنة.
وأما رواية محمد بن قيس تقتضي الحكم بالصحة بنحو خاص، ومن المستبعد
جدا أنها تتكفل حكما على خلاف القاعدة بحيث تحكم بتحقق ما لم يقصد.
324

ولذا لا معنى لحملها على الصورة الثالثة بجعلها مخصصة لدليل نفي الغرر، إذ الحكم
بالصحة بأقل الثمنين مع اختيار المشتري لأكثرهما يلزم الحكم بتحقق ما لم يقصده
المتبايعان.
وهكذا الحال لو حملت على الصورة الثانية، مضافا إلى أنه لا مانع من الحكم
بالصحة على طبق المقصود كما عرفت. وتخصيص القواعد بعيد جدا، خصوصا وأنها
غير ظاهرة في إحدى الصورتين.
ويمكن حملها على صورة أخرى، وهي أن يبيعه بثمن نقدا، ثم يشترط عليه
زيادة الثمن في قبال اسقاطه حق التعجيل على نحو يكون الاسقاط في قبال نفس
الالتزام بزيادة الثمن لا في قبال نفس الزيادة، بمعنى أن الاسقاط وارد على الموضوع
الخاص وهو الملتزم.
ومن الواضح أن حق التعجيل يسقط سواء نفذ الالتزام أم لم ينفذ لأن موضوعه
نفس الالتزام لا الزيادة، والمفروض تحقق الالتزام. ولكنه ليس بنافذ لاستلزامه
الربا كما قيل.
وعليه، فيصح البيع بالثمن الأقل دون الزائد، كما لا يحق له المطالبة بالفعل لسقوط
الحق، نظير ما بيناه في تقيد البيع بالشرط، وأن التمليك وارد على الالتزام لا الملتزم به
فلا يكون فساد الالتزام مخلا بالبيع وموجبا لفساده.
ومن هنا يندفع ما ربما يقال من: أن إلغاء الشارع للزيادة موجب لبطلان ما
يقابلها من الاسقاط لما عرفت من أن الاسقاط في قبال الالتزام بالزيادة لا نفسها.
وأما ما قد يقال من: أن اسقاط حق المطالبة لا معنى له، لأن الثابت من جواز
المطالبة بمقتضى قاعدة السلطنة إنما هو بنحو الحكم لا الحق فلا يقبل الاسقاط.
ففيه: مع قطع النظر عن أصل المبنى أن الملحوظ ليس هو الاسقاط بعنوانه، بل ما
هو ثابت في باب النسيئة من عدم حق المطالبة وثبوت الحق للمشتري في التأخير
سواء رجع ذلك إلى اسقاط حق المطالبة الثابت بمقتضى قاعدة السلطنة أو جعل حق
التأخير للمشتري أو غير ذلك.
325

ولا يخفى عليك أن حمل الرواية على هذه الصورة التي احتملها الشيخ (قدس سره) ليس
فيه تخصيص لقاعدة أو حكم على خلاف الأصل، ومقتضى ذلك عموم الحكم لمورد
ما إذا كان البيع بثمنين مؤجلين مختلفين من حيث الكمية والأجل.
ولا وجه لتوقف الشيخ (قدس سره) في ذلك بل منعه وحكمه بأنه من القياس الباطل.
فتدبر.
المسألة الرابعة: في عدم وجوب دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل ولو مع
مطالبة الدائن. والحكم في ذلك واضح لأن فائدة التأجيل هو جواز تأخير أداء
الدين فالالتزام بالوجوب خلف، وهذا مما لا كلام فيه. وإنما الكلام في جهتين:
الجهة الأولى: في أنه لو تبرع المديون بدفع الدين قبل حلول الأجل، فهل يجب
على الدائن القبول أو لا؟
ولا يخفى أن الكلام مبني على وجوب القبول في الدين الحال وإلا فلو قيل بعدم
وجوب القبول مع حلول الدين، فلا يجب القبول فيما نحن فيه قطعا.
والكلام في أصل وجوب القبول وكونه تكليفيا أو وضعيا سيأتي في المسألة الآتية
انشاء الله تعالى.
وتحقيق الكلام فيما نحن فيه: إن المنسوب إلى الأصحاب بل حكي الاجماع عليه
هو عدم وجوب القبول قبل حلول الأجل وعلل بوجهين:
الأول: ما حكي عن التذكرة (1) في باب السلم من أن التعجيل كالتبرع بالزيادة
فلا يكلف تقليده المنة.
وتأمل فيه الشيخ (قدس سره). ولعل الوجه فيه هو الفرق بين الزيادة وما نحن فيه بأن
الزيادة ليست مالا لمن وفقت إليه فيمكن أن تكون منة عليه بخلاف الدين فإنه مال
الدائن. وقد يكون المديون راغبا في التعجيل بنحو يكون قبول الدائن امتنانا عليه.
فتدبر.
الثاني: ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن التأجيل كما يفيد حقا للمشتري في التأخير

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 558 - 559، الطبعة الأولى.
326

كذلك يفيد حقا للبائع الدائن على المديون في حفظ ماله في ذمته وكونه كالودعي،
فله أن لا يقبل الدين عند دفعه قبل حلول الأجل، وبذلك يختلف عن الثمن الحال
غير المؤجل لعدم ثبوت الحق المزبور لصاحب الدين على المديون فيه.
وما ذكره (قدس سره) لا يبعد الالتزام به، فإن الملاحظ في المرتكزات العرفية ثبوت هذا
الحق وأن لصاحب الدين الامتناع عن قبول دينه قبل حلول الأجل. فتدبر.
الجهة الثانية: في أنه لو أسقط المديون أجل الدين، فهل يسقط الأجل ويحق
للدائن مطالبته بالدين أو لا؟
وتحقيق الكلام في المسألة: إن التأجيل إما أن يرجع إلى تقييد الثمن بتطبيقه في
الأجل الخاص، فيكون الثمن حصة خاصة، وإما أن يرجع إلى اشتراط تأخير أداء
الثمن.
وعلى الثاني، فإما أن تكون حقيقته مجرد اسقاط حق المطالبة الثابت بمقتضى
قاعدة السلطنة على المال. أو تكون حقيقته مجرد جعل حق التأخير في أداء الثمن
بلحاظ أن الثابت بقاعدة السلطنة ليس إلا جواز المطالبة بنحو الحكم لا الحق. أو
تكون حقيقته كلا الأمرين من اسقاط حق المطالبة واثبات حق التأخير في الأداء.
فالاحتمالات أربعة:
فعلى الأول: لا يقبل الأجل للاسقاط، لأنه ليس من الحقوق، بل الثمن يكون
مقيدا وهو لا يقبل الاسقاط.
وعلى الثاني: لا حق للمشتري المديون كي يسقطه، بل ليس هنا سوى اسقاط
الدائن حقه وهو لا يعود بعد ذلك.
وعلى الثالث: يثبت الحق للمشتري ويقبل الاسقاط ويترتب عليه جواز مطالبة
البائع بالثمن، لعدم المانع من تحكيم قاعدة السلطنة.
وعلى الرابع: يثبت الحق للمشتري ويسقط بالاسقاط، لكن لا ينفع في جواز
مطالبة البائع، لفرض سقوط حقه بالاسقاط.
والمتحصل: إنه بناء على وجوه ثلاثة لا يثبت للبائع حق المطالبة عند اسقاط
المشتري للأجل. نعم على وجه واحد يثبت ذلك.
327

ولكن هذا الوجه ضعيف ومناف لما عليه الأصحاب من ثبوت حق المطالبة
للمشتري لا مجرد الجواز بنحو الحكم.
وعليه، فيتكفل اشتراط الأجل اسقاط حقه، فلا يثبت بعد ذلك له حق المطالبة
لو لم نقل بأن مرجع الأجل إلى تقييد الثمن وجعله حصة خاصة، كما قربناه في المسألة
الثانية.
وبالجملة، الحق في المسألة عدم جواز المطالبة.
هذا، وقد نقل الشيخ (قدس سره) عن جامع المقاصد (1) بأنه علل الحكم بعدم سقوط
الأجل بأنه قد ثبت التأجيل في عقد لازم فلا يسقط بمجرد الاسقاط، ولأن في
الأجل حقا لصاحب الدين ولذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل. أما لو تقايلا قبل
الأجل يصح... إلى آخر كلامه.
وناقشه (قدس سره) بأن كون الحق المشترط في ضمن العقد اللازم لا يمنع من اسقاطه من
قبل ذي الحق كسائر الشروط، وحق صاحب الدين لا يمنع من مطالبته من أسقط
حق نفسه.
ثم إنه وجه كلامه الأخير بأن الشرط الواحد إذا انحل إلى حق لكل من المتبايعين
بحيث يكون هناك حق واحد ذا طرفين وموضوعين لم يكن لأحدهما خاصة
اسقاطه لتقومه بهما، ولا يمكن سقوط الحق بالإضافة إليه لفرض أنه حق واحد، فلا
يسقط إلا باتفاقهما وهو المراد بالتقايل.
ثم قال (قدس سره): " وما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو
لم يثبت التعدد فيرجع إلى أصالة عدم السقوط. لكن الظاهر تعدد الحق ".
أقول: الذي يظهر من كلام جامع المقاصد أنه لا ينظر إلى وحدة الحق وتعدده،
بل نظره إلى أن الأجل لا يسقط باسقاط المديون خاصة لأنه يتقوم بطرفين ولازم
من قبلهما معا، فليس مقصوده من كونه ثابتا في عقد لازم أنه لا يجوز اسقاط الشرط
الثابت في ضمن العقد اللازم، بل مقصوده أن الأجل يتقوم بطرفين فلا يسقط من
قبل أحدهما.

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 5: ص 41، ط مؤسسة آل البيت (ع).
328

وقوله: " ولأن في الأجل... " بيان لذلك وليس وجها آخر، ومعناه أن الأجل
يتقوم بهذين الحقين فسقوط أحدهما لا يصحح سقوط الأجل.
وبهذا البيان يظهر أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) في مناقشته غير مقبول:
أولا: من جهة ظهور كلامه في حمل كلام جامع المقاصد على كون الحق الثابت
لصاحب الدين هو حق المطالبة، وهو خلاف صريح كلام صاحب المقاصد في كونه
حق الابقاء.
وثانيا: من بنائه صحة كلام جامع المقاصد على كون الحق واحدا ذا موضوعين
ولذلك ناقشه بأن الظاهر تعدد الحق. إذ قد عرفت أن كلام جامع المقاصد يتأتى ولو
مع تعدد الحق.
فالمتجه في مناقشته أن يقال: إن عدم سقوط الأجل لما ذكر غير عدم ثبوت حق
مطالبة الدائن. والكلام في الثاني وإن كان ظاهر تحريره هو الأول، لكن مرجعه إلى
الكلام في أن الدائن له حق المطالبة أو لا. وعليه فيبتني الكلام على وحدة الحق
وتعدده، والصحيح تعدد الحق فيمكن التفكيك في الاسقاط.
هذا ولكن عرفت أن الاسقاط لا ينفع في إثبات حق المطالبة، فراجع.
المسألة الخامسة (1): في لزوم قبول الدائن لثمن المؤجل بل مطلق الدين عند
دفعه إليه بعد حلول الأجل.
وقد التزم الشيخ (قدس سره) (2) بوجوبه وعلله بقاعدة " نفي الضرر " وبقاعدة " الناس
مسلطون على أنفسهم "، ثم أثبت ولاية الحاكم على القبض. ومع تعذره أثبت صحة
عزل الحق ويكون أمانة لديه، والتزم بأنه إذا تلف يتلف من ذي الحق لكنه لا يخرج
عن ملك مالكه بالعزل، واستشكل في ذلك ثم رد الاشكال.
وفي كلماته بحث ونقض وإبرام من جهة تمامية تطبيق لا ضرر ههنا كبرى
وصغرى، وهكذا قاعدة الناس مسلطون على أنفسهم، من جهة ما فرعه عليه.

1 - تأخرت في كتابة هذه المسألة وفاتني لطول العهد بعض الخصوصيات التي أفاده السيد الأستاذ في الدروس
ولذا جاءت مختصرة. " المقرر ".
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 306، الطبعة الأولى.
329

ولكن لا يخفى عليك أن ما أفاده بفروعه يبتني على إرادة اللزوم التكليفي.
أما لو قلنا باللزوم الوضعي بمعنى أن المدين إذا عين الدين في مال وخلي بينه
وبين المالك تعين وكان مال الدين ولو لم يقبضه بيده، فلا تصل النوبة لبعض ما
ذكره.
والالتزام باللزوم الوضعي متين، لأجل قيام السيرة العقلائية عليه، فإن بناء
العقلاء على تعين مال المالك بالتعيين وأنه ليس له حق عدم القبول، بل تفرغ ذمة
المدين بمجرد عرض الدين على الدائن سواء قبضه بيده أم لم يقبضه.
وبعد هذا لا تصل النوبة إلى التمسك ب‍: " لا ضرر " ونحوها.
ثم إن الشيخ (قدس سره) تعرض في هذا المقام - بمناسبة نبه عليها - إلى فرعين ذكرهما في
جامع المقاصد (1):
أحدهما: ما لو أجبر الظالم أحد الشريكين في المال بنحو الإشاعة على دفع حصة
شريكه إليه.
والآخر: ما لو تسلط الظالم بنفسه وأخذ حصة الشريك.
فهل يتعين المغصوب في حصة الشريك ويبقى الباقي للآخر أو أن الغصب يتوزع
عليهما؟
والذي أفاده الشيخ (قدس سره) في الفرع الثاني: أن دليل نفي الضرر لا يقتضي تأثير نية
الظالم في التعيين. فإذا أخذ جزءا خارجيا من المشاع، فتوجه هذا الضرر على من
نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، إذن فالغصب يتوزع عليهما.
وأما في الفرع الأول، فقد أفاد (قدس سره): بأنه يمكن أن يقال: إن الشريك لما كان في
معرض التضرر من جهة الشركة جعل له ولاية القسمة.
وناقشه: بأن ولايته على القسمة إنما تثبت بنفي الضرر إذا لم تكن القسمة موجبة
لتضرر الشريك، كما فيما نحن فيه لتلف حصته بمجرد القسمة، وإلا فلا ترجيح لأحد
الضررين.

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 5: ص 40 - 41، ط مؤسسة آل البيت (ع).
330

وقد جعل المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (1) المورد من موارد تحمل الضرر لدفعه عن
الغير، فإن الضرر متوجه بحسب نية الظالم إلى الشريك الآخر، والشريك المجبور لا
يجب عليه تحمل الضرر المتوجه إلى شريكه، فيجوز له دفع الضرر عن نفسه
بالقسمة، ثم استشكل في ذلك وأجاب عنه بما لا يهم نقله.
إنما المهم التنبيه على أمرين:
أحدهما: أنه لم يظهر لنا الفرق بين الفرعين بنحو كانت عدم ولاية الشريك على
القسمة في الفرع الثاني أمرا واضحا مفروغا عنه، وإنما وقع الكلام في الفرع الأول.
مع أن نفي الضرر في الفرع الأول إذا اقتضى ثبوت الولاية للشريك فهو أيضا
يقتضي ولايته في الفرع الثاني دفعا للضرر، أو يقتضي ولاية الظالم على التعيين
والقسمة دفعا للضرر على الشريك الآخر.
والآخر: إن مورد تعارض الضررين إنما هو ما إذا كان هناك حكمان متنافيان
تامان من حيث المقتضي يستلزمان الضرر في حد أنفسهما مع قطع النظر عن تطبيق
القاعدة، فتتعارض قاعدة الضرر بلحاظهما، لأنها حين تنفي أحدهما تعارض بنفي
الآخر ولذا يلاحظ الأهم والأرجح منهما، نظير ما إذا أدخلت دابة رأسها في قدر
الغير بحيث توقف اخراجها وانقاذها على كسر القدر، فإن سلطنة كل من المالكين
على ماله تستلزم الضرر على الآخر، فيتحقق التعارض.
أما إذا لم يكن إلا حكم واحد ضرري وكان نفيه مستلزما للضرر، لم يكن المورد
من موارد تعارض الضرر - الاصطلاحي - بل في مثله يلتزم بعدم جريان حديث
نفي الضرر، ببيان انصراف دليل نفي الضرر عن مثل هذه الصورة لأنه بملاك نفي
الضرر، فلا يشمل موردا يستلزم نفي الحكم الضرري الضرر.
وبعبارة أخرى: قاعدة نفي الضرر لا تشمل موردا يستلزم تطبيقها فيه الضرر
بحيث ينشأ الضرر من تطبيقها. وقد أوضحنا ذلك في مباحث الأصول (2).
وما نحن فيه من قبيل الثاني، فإنه ليس لدينا حكمان ضرريان تتعارض قاعدة

1 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 195، الطبعة الأولى.
2 - الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول، ج 5، ص 458، الطبعة الأولى.
331

الضرر بلحاظهما، بل ليس لدينا إلا حكم واحد وهو عدم ولاية الشريك على
القسمة - بناء على شمول نفي الضرر للأحكام العدمية -. غاية الأمر أنه يلزم في
تطبيق لا ضرر بالنسبة إليه واثبات الولاية الضرر على الشريك الآخر وفي مثله لا
مجال للقاعدة. فلاحظ.
المسألة السادسة: في حكم تأجيل الثمن الحال بأزيد منه.
والذي ذهب إليه الشيخ (قدس سره) حاكيا عدم الخلاف فيه عن الحدائق (1)، هو عدم
الجواز.
وعلله بوجوه:
الأول: أنه ربا، فإن حقيقة الربا في القرض راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل
امهال المقرض، فالزيادة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا، فإن الربا عند أهل العرف
أعم من الزيادة التي تراضيا عليها حين العقد ومن الزيادة التي تراضيا عليها بعد
ذلك.
والظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا على التراضي بعد العقد مسلم عند
العرف وأن آية تحريم الربا بقوله: * (وحرم الربا) * (2) واردة مورد التراضي بعد
حلول الدين على التأخير بزيادة.
الثاني: رواية ابن أبي عمير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال سئل في الرجل يكون
عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع
عنك بقيته، أو يقول: أنقد لي بعضا وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك. قال: لا أرى به
بأسا ما لم يزدد على رأس ماله شيئا، قال الله تعالى: * (لكم رؤوس أموالكم لا
تظلمون ولا تظلمون) * " (4).
فإنه (عليه السلام) علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد بعض الدين بعدم

1 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 134، الطبعة الأولى.
2 - سورة البقرة، الآية: 275.
3 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 7: من أبواب الصلح، ح 1.
4 - سورة البقرة، الآية: 279.
332

زيادته على رأس المال، فيدل على ثبوت البأس إذا كان التراضي بزيادة على رأس
المال، فإنه ربا بمقتضى استشهاده بالآية الشريفة.
الثالث: ما ورد في بعض الأخبار من تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير الدين
بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة، لأجل الفرار عن الحرام،
فإنه لو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع إلى التوصل بأمثال تلك
الحيل حتى صاروا (عليهم السلام) موردا لاعتراض العامة في استعمال بعضها.
الرابع: ما ورد في باب الدين (1) فيما إذا أعطي المديون بعد الدين شيئا مخافة أن
يطلبه الغريم بدينه.
هذه جملة ما استدل به الشيخ (قدس سره) على المنع.
ولا يخفى أن محل الكلام هو اعطاء الزيادة مقابل التأخير في الأجل، وهذا هو
الذي ذكر الشيخ (قدس سره) أنه ربا عند العرف.
أما لو لم يكن عنوان التراضي هو ذلك بأن كان صلحا على الابراء ونحو ذلك مما
يخرج عن مصداق الربا، فهو أجنبي عما نحن فيه.
ولأجل ذلك يظهر أن ما حققه المحقق الأصفهاني (2) من بيان صور المسألة بعيد
عن محط الكلام، فراجع.
وبالجملة، إذا كانت الزيادة في قبال التأخير كان ربا - كما أفاد الشيخ (قدس سره) - مضافا
إلى سائر الوجوه.
ومنه يظهر أن شرط الزيادة على التأخير في ضمن العقد البيعي، غير صحيح،
لأنه شرط محرم فيكون فاسدا.
كما أنه لا يصح ايقاع المصالحة عليه لعدم خروجه بذلك عن عنوان الربا. فتدبر.
المسألة السابعة: والكلام فيها في جهات ثلاث:
الجهة الأولى: إنه إذا اشترى عينا شخصية بثمن مؤجل، فهل يجوز بيعها من

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 19: من أبواب الدين، ح 3.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 195، الطبعة الأولى.
333

بايعها مطلقا قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن أو غيره مساويا له أو غير مساو
مؤجلا أو حالا، أو لا يجوز؟
والذي نسبه الشيخ (قدس سره) (1) إلى المشهور هو الجواز. وحكي عن الشيخ
الطوسي (رحمه الله) (2) المنع عن ذلك بعد حلول الأجل بنقصان ثمنه الذي اشتراه به.
وقد وافق الشيخ (قدس سره) المشهور، فالتزم بالجواز تمسكا بعمومات الكتاب والسنة
الواردة في مطلق البيع والعقد. وفي خصوص المورد من دون استفصال بين حلول
الأجل وعدمه أو نقصان الثمن أو عدمه، كرواية بشار بن يسار (3) ورواية ابن حازم
وغيرهما مما ذكره.
والذي يبدو لنا أن المنظور في الروايات الخاصة التي ذكرها الشيخ (قدس سره) والتي
تمسك باطلاقها أو عمومها، هو بيان جواز بيع خصوص ما اشتراه على البائع وأنه لا
ضير فيه، كما يقول به العامة، وكما يظهر من استفهام الراوي في بعضها بأنه يشتري
غنمه ومتاعه.
فلا اطلاق لها من سائر الجهات. ولو تنزلنا فهي على حد الأدلة العامة التي تنفي
قول الشيخ الطوسي بالاطلاق لا بالنص.
فلو تم دلالة ما استدل به الشيخ (قدس سره) من النصوص كان مقيدا لهذه الاطلاقات.
وهو روايتان:
أحدهما: رواية خالد بن الحجاج (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعته
طعاما بتأخير إلى أجل مسمى، فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي. فقال: ليس
عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره مني، فقال: لا تشتره منه فإنه لا خير
فيه ".

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 307، الطبعة الأولى.
2 - الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، ص 388، باب البيع بالنقد والنسيئة.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 5: من أبواب أحكام العقود، ح 3.
4 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 12: من أبواب السلف، ح 3.
334

والأخرى: رواية عبد الصمد بن بشير (1) قال: " سأله محمد بن القاسم الحناط
فقال: أصلحك الله، أبيع الطعام من الرجل إلى أجل فأجئ وقد تغير الطعام عن
سعره فيقول: ليس عندي دراهم قال: خذ منه بسعر يومه. قال: افهم أصلحك الله أنه
طعامي الذي اشتراه مني، قال: لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك. قال: أرغم الله أنفي
رخص لي فرددت عليه فشدد علي ".
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) للأولى، فنفى دلالتها على مذهب الشيخ (رحمه الله) وعلى تقدير
الدلالة، فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من أمارات الكراهة.
ولكنه سكت عن مناقشته الأولى والحال أنه لم يلتزم بمذهب الشيخ، فما هو السر
في اعراضه عنها مع أن دلالتها على المنع عن بيع طعامه بعد حلول الأجل بنقصان قد
لا تنكر.
وقد حملت على إرادة المنع عن استيفاء الدين بغير الجنس فيما إذا أخذ طعاما
بسعر يومه. أو المنع عن التقايل فيما إذا أخذ نفس ما باعه بسعر يومه لعدم صحة
التقايل بالزيادة والنقيصة.
والحمل الثاني خلاف الظاهر. وكذلك الأول، فإنه لو اقتصر على لفظ الأخذ
لأمكن تأتي هذا الاحتمال، لكن قوله (عليه السلام): " لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك " ظاهر
في عدم صحة بيعه له وأن السؤال عن شرائه منه، وإلا فلو جاز الشراء منه لما كان
وجه لتحديد الغاية ببيعه من غيره.
فالعمدة في الاشكال في دلالة هذه الرواية هو: إن موردها وإن كان نقصان
الطعام عن سعره إلا أنه لم يظهر منها كون النهي عن البيع منصبا على البيع بنقصان،
بل الظاهر كون المنهي عنه مطلق البيع من جهة أنه نفس الطعام الذي اشتراه.
وإلا لنبه على جواز الشراء منه بزيادة عن سعر اليوم بنحو تساوي الثمن، فجهة
المنع لوحظ فيها كونه نفس الطعام الذي اشتراه.

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 12: من أبواب السلف، ح 5.
335

والرواية بهذا المضمون منافية للاجماع وللروايات المتقدمة، فتطرح ولا يعمل
بها.
وأما رواية خالد، فهي لا تدل على مذهب الشيخ إلا بالاطلاق من حيث نقصان
الثمن وعدم نقصانه ومن حيث كونه نفس الطعام الذي باعه وغيره، مضافا إلى
ظهورها في الكراهة.
إذن فالالتزام بالمذهب المشهور متعين.
الجهة الثانية: إنه لو باع طعاما فهل يجوز للبائع بعد حلول الأجل أن يأخذ
طعاما بدلا عن الثمن مع التفاوت بالزيادة أو لا يجوز إلا مع التساوي؟
والمنسوب إلى الشيخ الطوسي (رحمه الله) (1) المنع مع التفاوت لدخوله في الربا.
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) حمل كلام الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كلتا الجهتين على أمر
واحد وهو أن الطعام الربوي إذا بيع لا يجوز للبائع أخذ الطعام من جنسه بدلا عن
الثمن مع الزيادة أو النقيصة بلا تخصيص له بما بعد حلول الأجل، أو بنفس الطعام
الأول أو غير ذلك وساق على ذلك قرائن، فلاحظها.
وكيف كان، فالمهم تحقيق أصل المسألة. فقد أفاد الشيخ (قدس سره) أن فتوى الشيخ
الطوسي (رحمه الله) مستندة إلى قاعدة كلية مستفادة من بعض الأخبار وهي أن عوض
الربوي لا يجوز أن يعوض بنفس ذلك الشئ بزيادة فإنه بمنزلة المعوض.
وقد يستفاد ذلك من رواية علي بن جعفر (2) قال: " سألته عن رجل له على آخر
تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال (عليه السلام): إذا قومه دراهم فسد لأن
الأصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم ".
ولم يناقش الشيخ (قدس سره) الشيخ الطوسي في التزامه بل سكت عن ذلك.
وقد تصدى المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (3) لمناقشته، أولا: بأن الرواية مخالفة للقواعد.
وثانيا: بأنها معارضة بروايات. ومقتضى الجمع حمل روايات المنع على الكراهة.

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، 388، باب البيع بالنقد والنسيئة.
2 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 11: من أبواب السلف، ح 12.
3 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 196، الطبعة الأولى.
336

ولا يخفى أن مجرد مخالفة الرواية للقواعد بمعنى العمومات مما لا يوهنها، بل
يقتضي تخصيص العمومات بها.
فلعل نظره (قدس سره) إلى أن أحكام باب المعاملات حيث هي عادة أحكام عقلائية
ويبعد كونها تعبدية صرفة، كان ذلك موهنا لظهور الرواية التي تتكفل حكما تعبديا
كما فيما نحن فيه، فتأمل.
الجهة الثالثة: في بطلان المعاملة التي اشترط فيها البيع من البائع. كأن يبيعه عينا
ويشترط عليه أن يبيعها منه.
وقد ذكر في وجه بطلانها أمور:
الأول: إن الشرط يستلزم الدور. ونسب إلى العلامة (رحمه الله) (1) وقد مر في شرائط
صحة الشرط تقريب كلام العلامة والالتزام به فراجع.
الثاني: ما نسب إلى الشهيد (رحمه الله) (2) من أن البائع مع هذا الشرط لا قصد له إلى
حقيقة الاخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك، ومع عدم القصد يبطل البيع.
ولعل مرجعه إلى أن البيع يتكفل الملكية المرسلة المطلقة، وقصدها يتنافى مع
اشتراط البيع منه لأنه خلف إرسال الملكية.
ولكن يندفع ما ذكره من: أن المراد بالارسال والاطلاق ليس ثبوت الملكية في
جميع الأزمنة كي يتنافى قصدها مع الشرط المزبور، بل المراد بها في ما يقابل الملكية
المحدودة الموقتة بلحاظ ترتيب بعض الآثار، كتمليك المنافع المستقبلة ونحو ذلك مما
يذكر في محله، وهذا لا يتنافى مع الشرط لكون مرجعه إلى اشتراط إعادة الملك وهو
فرع الاخراج لا أنه مناف له.
الثالث: الروايات الخاصة الواردة في خصوص المقام، كرواية الحسين بن المنذر
ورواية علي بن جعفر (عليه السلام) (3) اللتين وقع السؤال فيهما عن شراء ما باعه وقد
تضمنت نفي البأس عند عدم الشرط.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 490، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 3: ص 216، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
3 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب: من أبواب أحكام العقود، ح 4 و 5.
337

وقد قرب في الحدائق (1) دلالتهما على بطلان البيع الأول، ببيان: إن ثبوت البأس
عند الشرط إما راجع إلى البيع الأول الذي وقع الشرط فيه فهو المطلوب. وإما
راجع إلى البيع الثاني المبتني على الشرط، فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول لأنه لو
صح البيع الأول والمفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن في البيع الثاني بأس بل
كان لازما بمقتضى الشرط الواقع في متن العقد الصحيح.
وناقشه الشيخ (قدس سره) بأن ظاهر النص المفروغية عن صحة البيع الأول وكون محط
النظر هو حكم البيع الثاني، فيكون مفاد النص أن البيع الثاني إن كان قد وقع عن
رضا وطيب النفس فلا بأس به، وإن لم يقع عن طيب النفس بل لأجل الالتزام به
سابقا في متن العقد أو قبله كان فاسدا لأجل عدم طيب النفس وعدم وجوب
الالتزام بما التزم به، إما لعدم ذكره في متن العقد وإما لأجل فساد الشرط بنفسه وهو
لا يوجب فساد العقد المشروط به.
ففساد العقد الثاني ليس لأجل فساد العقد الأول، بل لأجل ابتنائه على الشرط
وتخيل لزوم العمل به. والحال أنه شرط غير صحيح إما لعدم ذكره في متن العقد أو
لفساده في نفسه من مفسديته للمشروط به.
أقول: إن ظاهر تحرير المسألة من الشيخ (قدس سره) هو تحقق البيع الأول بنحو صحيح،
وإنما الكلام في جواز شراء العين قبل حلول الأجل أو بعده، وعدم جوازه.
فمحل البحث هو العقد الثاني لا الأول.
وعليه، فمحل الكلام في صورة الاشتراط نفيا أو اثباتا هو العقد الثاني.
ومن الواضح أن ما أفاده في مناقشة صاحب الحدائق (رحمه الله) خروج عن محل الكلام
ولا يرتبط به، فإن النفي والاثبات بينهما يدور حول بطلان العقد الأول.
وأما العقد الثاني، فهما متفقان على بطلانه بمقتضى النصوص.
إذن، فما أفاده الشيخ (قدس سره) من النفي والمناقشة لا يصلح أن يكون نفيا في محل
الكلام، والحال أن سياق كلامه وتحقيقه أن ما هو بصدده هو بيان الحكم في المستثنى.

1 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 128، الطبعة الأولى.
338

ويمكن أن يوجه كلامه (قدس سره) بنحو يرتبط بمحل الكلام، بأن يقال: إن مراده من
مناقشة صاحب الحدائق بيان أن بطلان البيع الثاني المنظور إليه في الروايات بعد
المفروغية عن صحة الأول فيها، إنما هو في مورد لا يكون الشرط مما يجب الوفاء به
في حد نفسه إما لكونه شرطا ابتدائيا أو لكونه لغوا غير عقلائي.
وهذا الحكم على طبق القاعدة، فلا يستفاد منها في محل الكلام أمرا زائدا على
القواعد، فلو فرض صحة الشرط في نفسه ووجوب الوفاء به كان البيع الثاني
صحيحا، فالبيع المبتني على الشرط المزبور ليس فاسدا تعبدا وبما هو، بل إنما يفسد
إذا فسد الشرط.
هذا غاية ما يمكن أن يوجه به كلام الشيخ (قدس سره) بنحو يرتبط بمحل الكلام، لكنه
يبتني على أمرين:
الأول: كون المنظور في الروايات هو العقد الثاني خاصة مع المفروغية عن صحة
الأول.
الثاني: إن النص لا يتكفل بيان بطلان فساد هذا الشرط تعبدا إذ لو كان فاسدا
لأفسد العقد، والمفروض ظهور النصوص في صحة العقد المشروط، فلا بد أن يحمل
على فساد الشرط بنحو غير مفسد، كالشرط اللغو أو الابتدائي.
وفي كلا الأمرين نظر: أما الأول، فلأجل عدم وضوح الدلالة للنصوص على
صحة الأول بحيث يكون محط النظر هو البيع الثاني خاصة.
وأما الثاني، فلأنه إنما يتم لو فرض أن الملازمة بين فساد الشرط وفساد العقد
واضحة عرفا، ولكن الأمر ليس كذلك، فلا منافاة أن يلتزم بصحة العقد مع فساد
شرطه تعبدا.
هذا، وقد عرفت أن البيع مع الشرط المزبور مستلزم للدور المحال، فلا مجال لما
ذكر. فتدبر. وأنه سبحانه العالم العاصم وهو حسبنا ونعم الوكيل. انتهى مبحث النقد
والنسيئة في يوم الأربعاء - على الظاهر - السادس من شعبان سنة 1393 ه‍ نسأله
جل اسمه التوفيق للعلم والعمل الصالح بمحمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين.
339

القبض
ويقع الكلام فيه في مسائل:
المسألة الأولى: في حقيقته والمراد منه.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) وقوع الاختلاف في ماهيته في المنقول بعد الاتفاق على أنها التخلية في غير المنقول على أقوال ذكرها الشيخ (قدس سره) ثمانية.
وتحقيق الكلام: إن القبض بحسب اللغة هو الأخذ باليد ونحوه، ولكنه لا يراد بهذا
المعنى في باب المعاملات من بيع وهبة ووقف ورهن ونحوها، إذ من المبيع ما لا
يتصور فيه ذلك، كالأراضي.
فالمراد به الكناية عن الاستيلاء على الشئ بحيث تكون له القدرة على جميع
التصرفات الخارجية والاعتبارية، ولكن الظاهر أنه ليس مطلق الاستيلاء - كما
فسر به -، بل هو الاستيلاء المزبور مع القيام ببعض التصرفات أو إظهار الولاية
وربط المال به بعمل أو قول ولو بأن يشير إلى الناس بأن الأرض صارت لي وأني
مالكها.
وبالجملة، لا بد من إظهار قبول الاستيلاء وإلا فمجرد الاستيلاء الحاصل بتخلية
البائع ورفع يده عنه لا يحقق معنى القبض عرفا ما لم ينضم إليه تقبل ذلك من قبل
المشتري.
وقد يدعى أن القبض المعتبر في رفع ضمان المبيع عن البائع ما هو فعل البائع وهو
خصوص التخلية استنادا إلى رواية عقبة بن خالد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 309، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 10: من أبواب الخيار، ح 1.
341

رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال: آتيك
غدا إن شاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع
الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع
ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه ".
بناء على أن ضمير " يقبض " هو البائع، فإنها تدل على إناطة الحكم برفع الضمان
باقباضه وتسليمه، والاخراج من البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة ورفع اليد
المساوق للتخلية - كما أفاد الشيخ (قدس سره) -.
وببركة هذا النص يحمل النبوي (1) " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه "
الظاهر في اعتبار قبض المشتري لا تخلية البائع فقط، على ما هو مقارن غالبي
للتخلية.
وللخدشة في هذا الاستدلال مجال، فإنه لا ظهور للرواية في كون ضمير " يقبض "
راجع إلى البائع، بل يمكن أن يرجع إلى المشتري خصوصا بملاحظة صدر الرواية.
هذا، مضافا إلى ما ذكره الشيخ (قدس سره) من: أن الاقباض وإن كان من فعل البائع إلا أنه لا يتحقق بدون تحقق القبض، فلا يصدق على التخلية عنوان الاقباض ما لم
يتحقق القبض من المشتري.
إذن، فلا يمكن أن يستفاد من هذه الرواية غير مدلول النبوي الظاهر في اعتبار
القبض.
ثم إن الشيخ (قدس سره) في مقام مناقشة الاستدلال برواية عقبة ذكر: إن الاقباض
والاخراج بدون القبض والخروج محال.
ولا يخفى أن ما أفاده في الاقباض تام، دون ما أفاده بالنسبة إلى الاخراج، إذ
الاخراج وإن لم يتحقق بدون الخروج إلا أن خروج العين من البيت لا يستلزم
قبض المشتري لها فلا توقف للاخراج على القبض.
نعم، ذلك لازم عادي، إذ البائع لا يخرجها من البيت ويضعها في الشارع عادة.

1 - مستدرك الوسائل، ج 13 / باب 9: من أبواب الخيارات، ح 1.
342

ثم إنه لا يمكن أن يستفاد مراد الشيخ (قدس سره) في تحديد مفهوم القبض وأنه هل هو
مطلق الاستيلاء المساوق للتخلية، كما لا تأباه عبارته بعد ذلك، أو أنه الاستيلاء
الخاص الذي ذكرناه بحيث تكون للمشتري حيازة بالفعل، كما يظهر من صدر
كلامه.
حيث فسره بالاستيلاء المحقق لليد ويتصور فيه الغصب، إذ الغصب لا يتصور
تحققه بالتخلية فقط بل يتحقق بالتصدي للتصرفات واظهار البناء على التصرف من
دون مراجعة المالك. فانتبه.
وقد يدعى أنه يعتبر في قبض المنقول نقل المشتري وتحويله لا مجرد الاستيلاء
عليه، ويستدل على ذلك...
أولا: بالاجماع.
وثانيا: برواية عقبة بن خالد المتقدمة لاعتبار الاخراج من البيت في المتاع.
وهو لا يخلو عن منع، لأن القبض يصدق بدون النقل، فمجرد أخذ المتاع باليد
بدون تحويل أو قبض مقود الحيوان يعد قبضا عرفا، وإن لم ينتقل به إلى مكان آخر.
والاجماع المدعى لو ثبت، فهو لا يحرز أنه تعبدي.
ورواية عقبة قد عرفت اجمالها وعرفت أن الاخراج من البيت كناية عن
الاخراج عن السلطنة وهو لا يلازم التحويل والنقل.
يبقى الكلام في المكيل والموزون: فهل يعتبر الكيل والوزن أو يكفي في قبضه
أو لا؟
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أنه اعترف غير واحد بأنه تعبد لأجل النص المدعى
دلالته عليه، ك‍:
رواية معاوية بن وهب (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 310، الطبعة الأولى.
2 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب أحكام العقود، ح 11.
343

قبل أن يقبضه، فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلا أن يوليه
بالذي قام عليه ".
ورواية منصور بن حازم (1) " إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى
تقبضه إلا أن توليه " وغيرها.
أقول: لم يتضح لنا ما الذي يلتزم به القائل.
وكيف كان، فلا بد من معرفة مدلول النصوص. وحمله على المبيع الشخصي
مشكل، إذ المفروض أن سؤال السائل عن البيع قبل القبض. والجواب باعتبار
الكيل والوزن..
إن كان من ناحية اعتباره تعبدا في البيع الثاني، فهو لا يتلاءم مع السؤال.
وإن كان من جهة أنه محقق للقبض عرفا، فهو ممنوع ضرورة تحقق القبض بدون
الكيل أو الوزن.
وإن كان من ناحية اعتباره في القبض تعبدا بأن يكون المعتبر هو القبض الخاص،
فيمنع بمخالفته للاجماع على ترتب آثار القبض بمجرد التسليم ولو بدون كيل فيسقط
به الضمان ونحوه.
فيتعين أن تحمل الروايات على المبيع الكلي في الذمة أو في المعين، ويكون المراد
من اعتبار الكيل والوزن هو الكناية عن اعتبار القبض إذ الكيل والوزن يكون
عادة طريقا إلى القبض في مثل الطعام، ولذا قد يطالب المشتري البائع بالقبض بلفظ
الكيل بأن يقول " كل " أو " أوزن ".
أو يكون المراد النهي عن القبض الجزاف في المكيل والموزون الكلي، وأن القبض
لا يكون صحيحا ومشروعا إلا إذا كان مقدرا فإن الكلي يتعين بالقبض، فللشارع
أن يعتبر في هذا المقام بعض الشروط.
وقد قرب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) (2) نظر النصوص إلى بيع الكلي ووجه اعتبار
الكيل والوزن في القبض بوجه أشبه بالعقلي وهو لا يخلو عن تأمل.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب أحكام العقود، ح 1.
2 - الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: حاشية المكاسب / كتاب الخيارات، ص 198، الطبعة الأولى.
344

فالأولى ما ذكرناه من حملها على كون المراد هو القبض وجعل اعتبار الكيل
طريقا إليه للملازمة العادية بينهما، أو حملها على اعتبار التقدير في القبض وعدم
صحة القبض الجزاف، كما استقربه الشيخ (قدس سره) وذهب إلى أن عبارات الأعلام ناظرة
إليه. فلاحظ.
المسألة الثانية: في وجوب القبض.
التزم الأصحاب بوجوب القبض والتسليم على كل من المتبايعين، وقد يقرب
بوجهين:
أحدهما: إن العقد يوجب تمليك كل من المتبايعين مال الآخر. ومقتضى حرمة
التصرف في مال الغير لزوم تسليمه ماله إذا أراده وعدم ابقائه.
ولا يخفى أن مقتضى هذا الوجه هو لزوم التسليم على كل منهما ولو امتنع الآخر،
لأن ظلم أحدهما ومعصيته لا يسوغ ظلم الآخر ومعصيته، ويكون اجبارهما مع
الامتناع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الآخر: إن العقد مبني على التزام ضمني بالتسليم والاقباض، فيجب التسليم من
باب وجوب الوفاء بالشرط.
وعليه، فإذا امتنعا كان للحاكم إجبارهما على العمل بالشرط، وأما إذا امتنع
أحدهما..
فهل يجب على الآخر التسليم وفاء بشرطه أو من باب حرمة التصرف بمال الغير
من دون إذنه، وظلم الممتنع لا يسوغ ظلم غير الممتنع؟
ذكر الشيخ (قدس سره) أن التزام كل منهما بالتسليم إنما هو التزام بتسليم العين مقارنا
لتسليم صاحبه، فمع عدم تسليم صاحبه لا يستحق الممتنع على الآخر التسليم من
جهة الشرط.
كما أنه التزام كل منهما على صاحبه بعدم تسليم العين عند امتناع صاحبه، فقد
أسقط كل منهما سلطنته على ماله إذا امتنع من التسليم وجعل للآخر حق الحبس، فلا
يثبت وجوب التسليم من باب حرمة التصرف بمال الغير لثبوت حق الحبس مع
الامتناع.
345

والتحقيق: إنه إذا كان الالتزام متعلقا بالتسليم المقارن وبنحو يحق لكل منهما
حبس مال الآخر عند امتناعه، فالالتزام بجواز اجبارهما إذا امتنعا معا لا وجه له،
إذ مع امتناع كل منهما يكون كل منهما ذا حق في ابقاء مال الآخر لديه، فلا وجه
لاجباره إذ ابقاؤه لديه مشروع وجائز. فأي وجه يصحح الاجبار؟ إذ الالتزام كان
بالتسليم مقيدا بعدم الامتناع من الآخر فمع الامتناع لا يجب الوفاء بالشرط.
وهذا الحكم بحسب الظاهر من المسلمات لديهم.
والذي نستقربه: إن التمليك والتملك في بيع الشخصي لا يحصل بدون القبض
مطلقا، وأن دعوى حصوله بدونه وأن العقد يتضمن التزاما آخر بالتسليم غير
وجيهة.
وذلك: لأن الملاحظ في حال العقلاء الذين لا يتعدون الموازين هو بناؤهم على
تسليم مال الغير إلى مالكه وعدم تعديهم عليه، فأي مقتض لاشتراط كل منهم على
طرفه في العقد بتسليم ماله إذا فرض تحقق التمليك والتملك بنفس العقد؟ بل نرى أن
التصريح بمثل ذلك قد يستلزم أذى الطرف الآخر لأنه يشعر بتهمته واحتمال حبسه
للمال.
فالالتزام بثبوت الشرط المذكور بعيد عن ملاحظة أحوال العقلاء.
هذا، مع أنا لا نرى أن أهل العرف يرون من يمتنع عن التسليم بمنزلة الغاصب أو
السارق، ولو كان التمليك والتملك يحصل بدونه لكان الممتنع غاصبا بنظرهم.
هذا من ناحية النظر إلى بناء العرف والعقلاء.
وأما بحسب نظر الشارع، فلم نعثر بمقدار تتبعنا العاجل على ما يدل على حصول
الملك قبل القبض، بل هناك ما يدل أو يؤيد ما استقربناه.
كالنص الوارد بأن التلف قبل القبض من مال البائع، فإنه مضافا إلى استبعاد مثل
هذا الحكم التعبدي المحض في أبواب المعاملات - لو فرض تحقق الملك بالعقد - ظاهر
في أن التلف من مال البائع. وحمله على الانفساخ قبل التلف آنا ما تأويل لا داعي
له.
346

وكرواية عقبة بن خالد المتقدمة، فإنها ظاهرة في ارتكاز كون التلف من قبل
القبض من مال البائع الظاهر في كون العين ملكه، إلا أنه سأل عن حكم ما لو كان
عدم القبض باختيار المشتري بقوله " غير أنه ترك.. " الظاهر في حصول التخلية من
البائع وإنما المشتري ترك المتاع فهل يكون التلف من ماله أو مال البائع؟
والنص الوارد في بيع الخيار، فإنه (عليه السلام) علل كون الثمرة للمشتري بأنه لو تلف
يكون من المشتري، فيكشف عن الملازمة بين الضمان وملك النماء، وبما أن التلف قبل
القبض من مال البائع، فلا يكون النماء قبل القبض للمشتري.
والحال أن النماء تابع للملك، وهذا يبعد ثبوت الملك قبل القبض.
والنص الوارد في عدم جواز وطأ الأمة المشتراة قبل قبضها.
والنص الوارد في شراء الطعام بقيمة المثل وتغير قيمته قبل القبض بأن المدار على
قيمة يوم القبض لا يوم العقد، فإنه إذا فرض حصول التملك حال العقد يلزم أن يكون الثمن مجهولا لعدم العلم بقيمة يوم القبض بخلاف ما لو كان التملك حال القبض
فإنه لا غرر في المعاملة للعلم بمقدار الثمن في ظرف التملك.
وهذه الوجوه وإن كان كل واحد منها قابل للمناقشة، إلا أنها متعاضدة وتكون
للتأييد كافية.
فالظاهر أن الملك لا يحصل بمجرد العقد.
نعم، يلتزم المتعاقدان كل منهما للآخر باتمام المعاملة بالتسليم وعدم العدول عن
الالتزام المعاوضي.
وهذا ليس بعيدا عن حالة العقلاء، إذ قد تتبدل آراءهم لتبدل الأغراض، ولذا
قد يجعل أحدهما أو كلاهما الخيار لنفسه توقعا للطوارئ.
وعلى هذا الأساس يثبت على كل منهما الوفاء بشرطه، فإذا امتنع أحدهما أو
كلاهما جاز الاجبار، لأن التزام كل منهما وإن كان بالتسليم المقارن إلا أنهما قادران
عليه فيصح اجبارهما معا على العمل بالشرط.
فظهر أن الفتوى المسلمة بين الأصحاب بصحة اجبار المتعاقدين على التسليم إذا
347

امتنعا لا تتوجه إلا إذا قيل بعدم ترتب الأثر قبل القبض.
ثم لا يخفى أن هذا كله في غير بيع المؤجل. وإلا لم يكن القبض شرطا في صحة
المعاملة وترتب الأثر عليها.
ويقع الكلام فيما أشير إليه من الفروع:
فمنها: إنه لو قبض الممتنع ما في يد صاحبه من دون رضاه، فهل يصح القبض؟
قيل لا يصح وأنه يجب إعادته لصاحبه، كما قيل بعدم صحة تصرفاته فيه.
ولا يخفى: إنه بناء على أن الملك يحصل بمجرد العقد من دون توقف على القبض لا
وجه للحكم بحرمة القبض لأنه ماله. وعدم سلطنته عليه بمعنى جواز حبس الآخر له
ومنعه منه لا يستلزم حرمة أخذه والاستيلاء عليه. كما أنه لا وجه للحكم بحرمة
تصرفاته الخارجية فيه كما قيل حتى ادعي بطلان الصلاة فيه.
وأما تصرفاته المعاملية، فما كان منها متوقفا على القدرة على التسليم
والاقباض، كالبيع، قد يقال ببطلانه لامتناع التسليم شرعا لأنه مأمور برد العين فلا
يصح الاقباض. ولكنك عرفت التوقف في ذلك على مبنى القوم.
وبالجملة، هذه الخصوصيات التي يلتزم بها مما لا تتلاءم مع المذهب المشهور.
نعم، على ما قربناه من عدم الملك قبل القبض تتضح هذه الأحكام، فإن القبض
من دون الإذن حرام لعدم الملك كما أنه غير موجب لنفوذ المعاملة لأن الموجب عرفا
هو القبض بإرادة المالك لا ما كان قهرا عليه. وهكذا التصرفات الخارجية
والمعاملية المتوقفة على الاقباض.
ومنها: في أنه هل الثابت هو تسليم كل منهما مقارنا لتسليم الآخر أو أنه تجب
البدأة على البائع. فمع امتناعهما يجبر البائع أولا على تسليم المبيع ثم يجبر المشتري
على تسليم الثمن؟
ونسب الثاني إلى الخلاف (1) ووجهه الشيخ (قدس سره) (2): " بانصراف اطلاق العقد إلى
ذلك ولذا استقر العرف إلى تسمية الثمن عوضا وقيمة ولذا يقبحون مطالبة الثمن

1 - الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 66، مسألة 239.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 312، الطبعة الأولى.
348

قبل دفع المبيع... ثم قال: والأقوى ما عليه الأكثر ".
ولا يخفى أن تقريبه للزوم البدأة على البائع لا يرجع إلى استدلال عقلي كي يورد
عليه أن العوضية والمعوضية من الأوصاف الإضافية، فلا يحصل أحدهما بدون
الآخر.
بل يرجع إلى استدلال عرفي حاصله: إن الظاهر عرفا كون الثمن يقوم مقام
المثمن ويشغل الفراغ الحاصل بخروجه عن ملك مالكه، فهو عوض عنه بمعنى ينوب
منابه وهذا يقتضي أن يكون هناك تقدم وتأخر.
وبعبارة أخرى: إن الكلام ليس في مفهوم العوضية والمعوضية وتحقق نفس هذا
العنوان كي يقال إنهما متضائفان فلا سبق بينهما، بل في ما يتحقق به المفهوم وما
يكون منشأ لانتزاعه، وهو يتقوم بالتقدم والتأخر. نعم لا يتصف المعوض
بالمعوضية إلا بعد حلول العوض محله.
وبالجملة، مقتضى كون الثمن عوضا أنه متأخر عن المثمن في مقام التمليك والتملك.
إلا أن هذا لا يقتضي سوى التقدم والتأخر في ذلك المقام، لا في مقام التسليم
والتسلم، إلا بدعوى أن العوضية كما تلحظ عرفا في أصل البيع تلحظ أيضا في
التسليم والتسلم.
وهذه الدعوى تتوقف على ملاحظة الارتكاز العرفي، وهو غير ثابت، فلا وجه
للالتزام بلزوم البدأة على البائع في التسليم.
المسألة الثالثة: في وجوب تسليم المبيع مفرغا.
لا يخفى أن تسليم المبيع بنحو يستولي عليه المشتري ويكون تحت يده يحصل
ويتحقق ولو كان المبيع مشغولا بمال البائع، فالتفريغ لا يتقوم به التسليم عقلا، وإنما
يلتزم بوجوبه من طريق آخر. والمحتملات فيه ثلاثة:
أحدها: إنه واجب بالوجوب التكليفي من باب حرمة التصرف في مال الغير
بدون إذنه لأن ابقاء المال في ملكه تصرف فيه واستيفاء لمنفعته.
الآخر: إنه واجب في التسليم بالوجوب الشرطي، بمعنى أن الملتزم به في ضمن
349

العقد هو التسليم الخاص وهو تسليم العين مفرغة. فبمقتضى الوفاء بالالتزام المزبور
يجب التفريغ وإلا لا يتحقق منه الوفاء بالتسليم من دون تفريغ.
الثالث: إنه واجب بوجوب مستقل من جهة أنه متعلق لالتزام مستقل، كنفس
التسليم. فهنا التزامان أحدهما متعلق بالتسليم والآخر بالتفريغ.
وتقريب الاحتمال الأول واضح كما عرفته.
وأما الثاني: فقد يقرب بأن الأغراض العقلائية المعاملية كما تتقوم بالتسليم تتقوم
بامكان الانتفاع بالعين ومع عدم التفريغ لا يمكن الانتفاع بها، ولذا يكون الالتزام
بالتسليم مع التفريغ.
وأما الثالث: فلا نعرف له وجها واضحا.
ويبدو من الشيخ (قدس سره) انكار الوجوب الشرطي لكنه استدل على وجوب التفريغ
بما يرجع إلى الوجوب الشرطي وهو كون التسليم مع عدم التفريغ كالعدم بلحاظ
الغرض منه وهو الانتفاع، فإن مقتضى ذلك هو كون متعلق الالتزام رأسا هو
التسليم الخاص.
وعلى كل حال، فيمكن مناقشة ما أفيد في تقريب الوجه الثاني بأن المسلم هو
تعلق الغرض العقلائي بكون المنفعة تحت اليد.
أما الانتفاع به مباشرة، كسكنى الدار، فلا يسلم أنه غرض عقلائي نوعي، كيف؟
وما أكثر ما تشترى الدار لإجارتها لا لسكناها.
ولا يخفى أن عدم التفريغ إنما يمنع من الانتفاع المباشر لا من كون المنفعة تحت اليد
بحيث له حق أخذ الأجرة عليها ونحو ذلك. إذن فلا دليل على أخذ التفريغ في متعلق
الشرط، فينحصر دليله بحرمة التصرف في مال الغير. فيكون وجوبه تكليفيا. فتدبر.
ويقع الكلام في فروع المسألة:
فمنها: إنه لو ترك التفريغ فمع جهل المشتري بوجود المتاع في الدار قد يقال
بثبوت الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه. وسيتضح الكلام فيه فيما بعد.
وهل تجب الأجرة على ذي المتاع لو كان لبقائه أجرة، الصحيح هو التفصيل..
بين صورة التقصير، فتثبت الأجرة لأنه استيفاء اختياري لمنافع الدار.
350

وبين صورة القصور، كما لو وكل شخصا بالتفريغ ثم سافر وتسامح الوكيل أو
مات فإن استيفاء منافع الدار لا يستند إلى الموكل في هذه الصورة، فلا تثبت الأجرة
عليه.
ومنها: لو كان في الأرض المبيعة زرع لم يحل وقت حصاده، فالاحتمالات التي
أشار إليها الشيخ (قدس سره) متعددة:
أحدها: وجوب الصبر على المشتري إلى بلوغ أوانه وله الخيار أو أجرة بقاء
الزرع.
والآخر: تخيير المشتري بين ابقائه بالأجرة أو قلع الزرع بالأرش.
الثالث: ملاحظة الأكثر ضررا.
وتحقيق الكلام بحسب القواعد الأولية: إن المشتري ليس له حق قلع الزرع لأنه
تصرف في مال الغير من دون إذنه وهو حرام. نعم له حق مطالبة المالك بأجرة بقاء
الزرع لأنه استيفاء لمنفعة الأرض فيستحق عوضها، وليست المنفعة مستوفاة
اعتبارا بالملك قبل البيع كي يكون نظير بيع الدار المسلوبة المنفعة فلا يستحق
المشتري الأجرة، إذ الفرض أنه لم يشترط عليه تملك المنفعة. والاستيفاء الخارجي
تدريجي يتحقق بعد دخول الأرض في ملك المشتري بحسب الفرض، فله مطالبة
مالك الزرع بالأجرة، ومجرد وجود الزرع من السابق لا يستلزم تملك المنفعة
المستقبلة.
وأما خيار الفسخ، فإن كان ثبوته بملاك الضرر لعدم الانتفاع بالعين، فالمفروض
أنه مندفع بثبوت الأجرة ولا ضرر عرفا مع التدارك.
وإن كان ثبوته بملاك تخلف الشرط الضمني الارتكازي بدعوى أن الأغراض
النوعية العقلائية تقتضي تسليم العين مفرغة لأجل الانتفاع بها.
ففيه: ما تقدم من أن الغرض العقلائي يتعلق بكون المنفعة تحت اليد دون الانتفاع
المباشر كالسكنى ونحوها، فإنها أغراض شخصية فلا بد من ذكرها عند اشتراطها.
فلاحظ.
ثم إن الالتزام بحرمة القلع إنما هي إذا فرض حرمة التصرف في مال الغير واتلافه
351

بقول مطلق، وأما لو قيل بانصرافها عما إذا كان التصرف والاتلاف لأجل تفريغ
ماله ورفع المزاحم عنه، فلا حرمة من هذه الجهة.
نعم، يشكل ذلك من حيث ورود الضرر على الغير، لكن يمكن دفعه بالأرش.
فيمكن أن يقال: على هذا أنه يجوز للمشتري القلع مع الأرش، كما يجوز له
الابقاء بالأجرة. وبذلك ظهر وجه الاحتمال الثاني.
فترجيح الأول على الثاني أو العكس يبتني على ما يستفاد من دليل حرمة
التصرف في مال الغير وأنه يدل على حرمته مطلقا أو في غير مثل ما نحن فيه مما كان
التصرف لأجل التفريغ ورفع المزاحم؟
وأما ملاحظة الأكثر ضررا بأن يرى أن ضرر المشتري بالاشغال ولو مع أخذه
الأجرة أكثر من ضرر المالك بالقلع ولو مع الأرش أو بالعكس، فهذا مما لا يتضح لنا
وجهه. فالتحقيق ما عرفت.
ومنها: لو احتاج التفريغ إلى هدم حائط أو قلع باب ونحو ذلك، فلا إشكال في
لزوم تداركه. لكن الكلام في أنه من المثلي أو القيمي.
وتحقيق ذلك في باب الضمان، فإنه يبين فيه أنه ما الأصل في ضمان الأشياء هل
القيمة أو المثل؟ وما هو المثلي والقيمي؟ فراجع.
المسألة الرابعة: إذا امتنع البائع من التسليم لحق، كما لو كان المشتري ممتنعا عن
تسليم الثمن، فلا اشكال في عدم الإثم لأن له حق الحبس وإنما الكلام في جهات:
الجهة الأولى: إنه هل للمشتري أجرة مدة الامتناع كما احتمله المحقق الثاني (1)
أو لا؟
والتحقيق: إن المنافع الفائتة تارة تفوت بنفسها بلا استناد إلى البائع. وأخرى
تفوت بتفويت البائع، كما لو منع المشتري من استيفاء منافع المبيع الذي هو في يده.
أما القسم الأول، فهو ملحق بالتلف فدليل ضمانه منحصر بقاعدة " على اليد " بناء
على تصوير شمولها للمنافع الفائتة بنفسها ولو بواسطة اليد على نفس العين.
ولكن القاعدة تختص بما إذا لم يكن وضع اليد بحق وترخيص شرعي وإلا فلا

1 - المحقق الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 4: ص 412، ط مؤسسة آل البيت (ع).
352

ضمان. وما نحن فيه كذلك لأن المفروض أن للبائع حق المنع والحبس، فيده على العين
ليست يد عدوان.
وأما الثاني، فهو ملحق بالاتلاف ودليل ضمانه دليل الضمان بالاتلاف، لكن
ضمانه إنما يثبت لو فرض أنه ليس له حق منعه من استيفاء منافع العين وإن كان له
منعه من العين نفسها، أما لو فرض أن شرط عدم التسليم يتضمن أن له منعه عن
العين ومنافعها، فلا يثبت ضمانه في المقام. وستأتي الإشارة إلى ذلك في الجهة
الأخيرة.
الجهة الثانية: إن نفقة المبيع على البائع أو على المشتري؟
مقتضى القواعد: إن المملوك نفقته على مالكه، وأما قياس المقام بنفقة الزوجة إذا
امتنعت بحق كما لو امتنع الزوج عن تسليم المهر، فيمكن الفرق بينهما بأن نفقة الزوجة
مشروطة بالتمكين فمع الامتناع لا تستحق نفقة ومثل هذا لا يثبت فيما نحن فيه، إلا أن
يقال: إن نفقة الزوجة ليست مشروطة بالتمكين المطلق بل بالتمكين الواجب، فمع
امتناعها بحق تستحق نفقة.
وتحقيق ذلك في محله.
وبالجملة، لا دليل على لزوم الانفاق على البائع بل الظاهر لزومه على المشتري.
الجهة الثالثة: لو طلب المشتري من البائع الانتفاع بالعين مع بقائها في يد البائع
وتحت استيلائه، فهل تجب إجابته؟ قال الشيخ (قدس سره) (1) " ففي وجوب إجابته
وجهان ".
ومنشأ التردد هو أن الملحوظ في ثبوت حق الحبس عند الامتناع هو مجرد عدم
استيلائه على المبيع والاحتفاظ بالمال حتى لا يذهب هدرا، أو أنه اخراج الممتنع
لكي يدفع الثمن.
فعلى الأول، لا يثبت سوى حق حبس العين، ولا يجوز له منعه عن استيفاء
منافعها.
وعلى الثاني، يثبت له حق حبس العين بمنافعها لكي يخرج المشتري ويدفع الثمن،

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 313، الطبعة الأولى.
353

فلا تجب إجابته حينئذ.
وتشخيص أحد الوجهين يتوقف على ملاحظة الارتكاز العرفي.
هذا كله إذا كان الامتناع بحق.
وأما إذا كان الامتناع لا لحق، فتثبت الأجرة بالنسبة إلى المنافع الفائتة لقاعدة
اليد بناء على شمولها للمنافع، كما تثبت بالنسبة إلى المنافع المفوتة للاتلاف.
وأما النفقة، فمقتضى القواعد أنها على مالك العين.
وقد يستفاد من صحيحة أبي ولاد (1) الواردة في البغل المستأجر أن النفقة في
مورد العدوان على الغاصب لا المالك. وتحقيقه في محله. فراجع.
ويقع الكلام في أحكام القبض وهو في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: في تلف المبيع قبل القبض، وقد ذهب الشيخ (قدس سره) (2) إلى ضمانه
على البائع بعوضه ويسمى ضمان المعاوضة، واستدل عليه بالاجماع وبالنبوي
المشهور (3): " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ".
أقول: قد تقدم قريبا - في بيان لزوم القبض - تقريب اعتبار القبض في صحة
المعاملة ونفوذها الواقعة على العين الشخصية، فلا يحصل التمليك والتملك قبل
القبض. واستشهدنا على ذلك ببعض الوجوه.
ومما يصلح للاستدلال هو التسالم بين العلماء على كون التلف قبل القبض من مال
البائع مما يكشف عن كونه مما قامت عليه السيرة، فإنه من البعيد أن تكون السيرة
على خلاف هذا الاطباق ولا ينبه عليه.
ومن الواضح أن السيرة تكشف عن كونه أمرا ارتكازيا معلوما ولذا لم يقع مورد
السؤال في رواية أصلا، والسؤال في رواية عقبة المتقدمة عن خصوصية لا عن أصل
الحكم.

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 17: من أبواب الإجارة، ح 1.
2 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 313، الطبعة الأولى.
3 - مستدرك الوسائل، ج 13 / باب 9: من أبواب الخيارات، ح 1.
354

وظاهر أن ما يساعد عليه الارتكاز ليس هو الحكم المخالف للقواعد، كما عليه
الأصحاب وهو الحكم بانفساخ المعاملة قبل التلف، إذ لا وجه له بعد عدم وجود ما
يصلح لبيانه بشكل واضح. فلا يكون مرجع السيرة إلا كون القبض متمما للمعاملة
وبدونه لا يحصل التمليك والتملك.
وعلى هذا، فيكون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع على القاعدة.
ومع قطع النظر عن ذلك والبناء على ما عليه القوم من حصول الأثر قبل القبض،
فيقع الكلام في أن التلف قبل القبض من مال البائع أو المشتري.
وقد عرفت من الشيخ (قدس سره) دعوى الاجماع على أنه من مال البائع.
ويستدل له من النصوص بروايتين: إحداهما: النبوي المشهور المتقدم،
والأخرى رواية عقبة بن خالد الوارد في سرقة المتاع. وقد تقدم ذكره في الكلام عن
حقيقة القبض.
وقد قرب الشيخ (قدس سره) (1) دلالة النبوي: بأن ظاهره بناء على إرادة التبعيض من
لفظ " من " أنه بعد التلف يصير ملكا للبائع ومالا له، وبما أن التالف بما هو تالف لا
مالية له فاطلاق المال عليه باعتبار أنه مال عند التلف، فلا بد أن يراد أن المبيع يكون
تالفا من مال البائع، فالتلف عارض على ما هو مال البائع وهذا لا يكون إلا
بالالتزام بانفساخ العقد قبل التلف آنا ما ليرجع المبيع إلى البائع.
ولا يخفى أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) أخيرا هو ظاهر النص بدوا لا أنه مما يلتجأ إليه
بعد عدم امكان الأخذ بظاهره كما هو ظاهر كلامه. فإن الضمير يرجع إلى ذات
المبيع الذي عرض عليه التلف لا إلى المبيع بما هو تالف، فالمشار إليه ما عرض عليه
التلف.
فيكون ظاهرا في عروض التلف على مال البائع، ويكون الحكم بأنه من مال
البائع بلحاظ حال عروض التلف.
ثم إنه نسب إلى الشهيد (رحمه الله) في المسالك (2) الالتزام بعدم انفساخ العقد وترتب

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 313، الطبعة الأولى.
2 - الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 2: ص 144، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.
355

ضمان الغرامة على التلف، فيكون المراد من قوله " من مال بائعه " أن دركه عليه وأنه
يؤخذ من ماله.
وقد نسب إليه أنه التزم مع ذلك بكون الضمان بالبدل المسمى لا بالمثل أو القيمة
وإن كان يظهر من الشيخ (قدس سره) ذلك.
وعليه، فلا ثمرة بين القولين.
وعلى كل حال، فما نسب إلى المسالك خلاف الظاهر، فإن الظاهر من النص كون
التلف من المال لا أن التدارك من المال. فلاحظ.
ويقع الكلام في جهات أشار إليها الشيخ (قدس سره) في كلامه:
الأولى: إن غاية ما يقتضيه النص هو الالتزام بانفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما
لا من حين العقد، إذ لا موجب لذلك بعد اندفاع الضرورة بتقدير الانفساخ آنا ما،
والأصل بقاء العقد.
الثانية: إن المبيع لو كان مملوكا فمات قبل القبض، فقد نسب إلى العلامة (رحمه الله) (1) أن
مؤنة تجهيزه على البائع.
وذكر الشيخ (قدس سره) بأنه مبني على ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف لا مجرد تقدير
الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج إلى ذلك التقدير دون ما
عداه من باقي آثار المقدر.
وتوضيحه: أنه إن قلنا بالانفساخ الحقيقي بحيث يدخل المبيع قبل التلف في ملك
البائع حقيقة، كان للالتزام بأن مؤنة التجهيز على البائع وجه. أما إذا لم نلتزم بالملك
الحقيقي بل بالملك التقديري التنزيلي، فلا وجه لذلك لأنه لا بد من الاقتصار على ما
اضطرنا إلى الالتزام بالتقدير وهو خصوص الضمان على البائع.
وبعبارة أخرى: يقتصر في التنزيل على الأثر الملحوظ فيه.
وقد يناقش ما أفاده: بأن دليل التقدير والتنزيل إذا كان مطلقا، فمقتضى اطلاقه
ترتب جميع آثار المنزل عليه على المنزل، فيثبت وجوب التجهيز على البائع وإن لم
يكن ملكه حقيقة بمقتضى دليل التنزيل.

1 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 474، الطبعة الأولى.
356

ومحصل المناقشة: إن فتوى العلامة (رحمه الله) لا تبتني على الملك الحقيقي، بل تصح على
القول بالملك التقديري إذا كان لدليل التنزيل إطلاق.
الثالثة: الظاهر أنه لا موضوعية للتلف وإنما المدار على فوات العين بنحو يتعذر
الوصول إليها عادة، كما تشير إليه رواية عقبة، فإن موضوعها السرقة لا التلف
الحقيقي والمفروض فيها هو تعذر الوصول عادة. فلاحظ.
الرابعة: في أنه هل يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر
فيه أو لا؟
والتحقيق: إن ما يعتبر فيه أن كان مقوما لصدق القبض حقيقة بحيث لا يصدق
بدونه، فلا اشكال في اعتباره وعدم سقوط الضمان بدونه لعدم تحقق موضوع
السقوط بدونه وهو القبض.
وإن لم يكن مقوما لصدقه حقيقة بل كان اعتباره تعبديا، كالكيل والوزن في
المكيل والموزون، فلا يعتبر فيما نحن فيه إذ لم يؤخذ في الموضوع سوى عنوان القبض
فيدور الحكم مداره.
وأما القبض بدون إذن البائع، فالظاهر كفايته، لأن العنوان المأخوذ هو القبض،
وهو متحقق.
واعتبار الإذن لا دليل عليه، وكونه غير مشروع على تقدير الامتناع لو سلم
غير مناف لسقوط الضمان به.
ورواية عقبة بن خالد لا تدل على اعتبار الاقباض من البائع لاجمالها -
كما تقدم -، ولأن المسوق له الكلام سؤالا وجوابا جهة أخرى غير الضمان بالتلف، كما
أشرنا إليه.
لكن هذا على مبنى القوم. أما على ما قربناه من اعتبار القبض في نفوذ المعاملة
فالظاهر توقفه على الإذن. فإن الدخيل في الصحة بحسب الارتكاز، هو الاقباض
لا القبض.
الخامسة: في الكلام في أن الاتلاف كالتلف أو لا؟
357

وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1): إن الاتلاف تارة: من المشتري. وأخرى: من البائع.
وثالثة: من الأجنبي.
أما اتلاف المشتري، فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط
الضمان لأنه قد ضمن ماله باتلافه. وحجته الاجماع لو تم، وإلا فانصراف النص إلى
غير هذا التلف، فيبقى على القاعدة. انتهى.
وقد يورد على استدلاله بقوله " لأنه قد ضمن ماله باتلافه " بأنه مصادرة، إذ هو
أول الكلام وعين الدعوى.
ولكن الذي يبدو أن حجة الشيخ (قدس سره) ودليله هو ليس ذلك، كما صرح به، فإنه
قال " وحجته الاجماع... " فلا يكون قوله تعليلا بل هو أشبه ببيان النتيجة.
وكيف كان، فلا اشكال في أصل الحكم للانصراف المدعى، فإن المنصرف من
النص النبوي بمناسبة الحكم والموضوع غير صورة تحقق الاتلاف من المشتري.
فلاحظ.
وأما إذا كان الاتلاف من البائع، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) فيه وجوها ثلاثة:
الأول: انفساخ المعاملة، كما في مورد التلف القهري، لعموم النص وشموله لكل
تلف.
الثاني: ضمان البائع للقيمة، لانصراف دليل الانفساخ عن هذه الصورة، فتكون
مشمولة لقاعدة اتلاف مال الغير.
الثالث: التخيير بين المطالبة بالقيمة والمطالبة بالثمن لأحد سببين:
الأول: إن كلا من سبب الضمان وسبب الانفساخ متحقق ولا يمكن العمل بهما معا
فيؤخذ بأحدهما تخييرا للعلم بثبوت أحد الحكمين إما الضمان بالقيمة أو بالثمن،
فيكون المورد من موارد التزاحم.
الثاني: إن التلف الناشئ من فعل البائع إذا لم يشمله دليل الانفساخ للانصراف
كان المورد من موارد تعذر التسليم، فيثبت الخيار للمشتري بين الفسخ والرجوع
بالثمن والامضاء والرجوع بالقيمة. وذكر الشيخ (قدس سره) بعد ذلك أن هذا هو الأقوى.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 314، الطبعة الأولى.
358

وقد يورد على السبب الأول: بأن دليل الانفساخ رافع لموضوع دليل الضمان لأنه
موجب لورود التلف على ملك البائع لا المشتري، فلا يتحقق التزاحم بين السببين،
لأنه فرع تحقق موضوعيهما.
كما قد يورد على السبب الثاني: بأن ثبوت الخيار في مورد تعذر التسليم إنما هو
فيما إذا كان التعذر بنفسه لا بسبب البائع.
أقول: تحقيق صحة الايراد الثاني وبطلانه يتوقف على ملاحظة مبحث اعتبار
القدرة على التسليم، فنوكل تحقيقه إلى محله.
وأما الايراد الأول، فهو يبتني على الالتزام بأن مقتضى دليل الانفساخ هو
الانفساخ الحقيقي المستلزم للملك الحقيقي، ولكن عرفت من الشيخ (قدس سره) التوقف فيه
والتزامه بالملك التقديري بلحاظ الأثر الخاص وهو الضمان بالثمن.
وعليه، فموضوع قاعدة الاتلاف والضمان بالقيمة موجود ولا يرتفع بدليل
الانفساخ بالتلف، فيتحقق التزاحم.
وأما إذا كان الاتلاف من الأجنبي، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) تأتي الوجوه الثلاثة
السابقة فيه، والتزم بالتخيير.
لكن يرد عليه: إن مورد رواية عقبة هو صورة اتلاف الأجنبي بالسرقة لما
عرفت أن المراد بالتلف ما يعم تعذر الوصول ومقتضاه تحقق الانفساخ وثبوت
الضمان بالثمن عليه، فلا وجه للتخيير. فتدبر.
المسألة الثانية: في لحوق تلف الثمن المعين بتلف المبيع في استلزامه انفساخ
المعاملة.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الظاهر عدم الخلاف في اللحوق، وأنه يمكن أن يستظهر
من رواية عقبة المتقدمة لقوله (عليه السلام) فيها " فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه
حتى يرد ماله إليه " بناء على عود ضمير حقه إلى البائع. كما ادعى شمول النبوي له
بناء على صدق المبيع على الثمن.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 314، الطبعة الأولى.
359

وتحقيق الحال: إنه إن بنينا على أن القبض دخيل في نفوذ المعاملة وأنها لا تتم
بدونه فالحكم واضح، إذ بدون قبض الثمن المعين لا يحصل الملك فتلفه من المشتري
على القاعدة. ولعل تحقق التسالم الذي يظهر من كلام الشيخ (قدس سره) خير دليل على أصل
المبنى بعد عدم وجود ما يساعد عليه من الأدلة والعلم بعدم وصول نص خاص
للمجمعين، فهم يفتون على طبق أمر ارتكازي عرفي وعلى طبق القاعدة وليس ذلك
إلا من جهة توقف البيع على القبض.
ولعله مما يشير إلى ذلك رواية عقبة بعد حملها على المتعارف في باب البيع من
كون الثمن كليا في الذمة، فإنها ظاهرة في أن ضمان المشتري لحق البائع بعد القبض فلا
يكون في عهدته إلا بعد القبض، لأنه رتب الضمان على الاخراج من البيت، فقبله لا
يثبت الثمن في ذمة المشتري.
وأما على مسلك القوم من نفوذ المعاملة قبل القبض، فلا دليل على أن تلف الثمن
قبل القبض من مال المشتري.
أما الاجماع، فلا يحرز كونه تعبديا.
وأما رواية عقبة، فهي مجملة المراد..
لأنها تحتمل ما ذكرناه من نظرها إلى الثمن الكلي الذي هو المتعارف في باب البيع.
كما تحتمل أن تكون ناظرة إلى الثمن الشخصي ويكون المراد بها ما أشار إليه
الشيخ (قدس سره) من أن المبتاع ضامن لحق البائع حتى يرده إليه، فيكون كناية عن أنه لو
تلف قبل الرد كان من ماله.
كما يحتمل أن يراد من الضمير هو المشتري، فيراد أنه ضامن لما أخذه حتى يرد
الثمن فإذا لم يرد لزم أن يرجع العين، فيكون كناية أيضا عن الانفساخ بتلف الثمن.
وظهر بذلك عدم توقف الاستدلال بها على المدعى على رجوع الضمير إلى البائع -
كما هو ظاهر الشيخ (قدس سره) -.
كما أنه يحتمل أن يراد أنه بأخذ المبيع يجب على المبتاع تسليم الثمن للبائع وعدم
جواز تأخيره والتواني فيه، فتكون أجنبية عن المقام.
360

وكيف كان، مع تعدد الاحتمالات في الرواية تسقط عن الاستدلال.
وأما النبوي، فلو سلم ظهور لفظ البيع في الأعم من الشراء، فلا يلزم منه اطلاق
المبيع على الثمن، فإن اطلاق البيع على الاشتراء يقتضي صحة اطلاق المبيع على
المشتري - وهو ما وقع عليه الشراء - وهو المثمن لا الثمن. فلاحظ.
المسألة الثالثة: في تلف جزء المبيع أو وصفه قبل القبض.
أما تلف الجزء، فالحكم واضح لاندراجه في تلف المبيع، فيكون مشمولا لأدلته.
وأما تلف الوصف الراجع إلى حدوث العيب قبل القبض، فهل يقتضي الخيار أو
لا؟
ذكر الشيخ (قدس سره) (1) أن الظاهر المصرح به في كلام غير واحد: عدم الخلاف في
ثبوت الرد للمشتري.
وأما الأرش، ففيه خلاف.
وقد يتمسك لاثبات خيار العيب في المقام وهو التخيير بين الرد والأرش بما دل
على أن تلف المبيع قبل القبض من مال بائعه.
وقد قربه الشيخ (قدس سره) ببيان كان يبدو لنا مجملا وغير خال عن الاشكال وقد مر
بيانه وبيان ما فيه، كما مر بيان ما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) وبيان ما قد يورد عليه
في أحكام الخيار.
ولكن بعد التأمل في كلامه انقدح لنا أن مراده غير ما تقدم، وتقريبه: إن النص
ينزل التالف حين ورود التلف عليه منزلة مال البائع ويقدره كذلك - أعني مال
البائع - ومقتضى التنزيل المذكور هو ترتب الآثار المترتبة على عروض التلف عليه
وهو مال البائع حقيقة، وكونه مال البائع حقيقة هو إنما هو فيما قبل وقوع العقد،
فالنص ينزل التلف قبل القبض منزلة التلف قبل العقد الذي هو ظرف كون المال
للبائع.
ومن الواضح أن تلف العين قبل العقد يوجب بطلان المعاملة، كما أن تعيبها قبل

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 315، الطبعة الأولى.
361

العقد يوجب ثبوت الخيار، فهذه الآثار تترتب على التلف قبل القبض كل بحسبه.
فالرواية لا تتكفل اثبات الانفساخ رأسا حتى لا يتصور ذلك في تلف الوصف،
بل هي تتكفل أمرا لازمه الانفساخ إذا تلفت العين، كما أن لازمه الخيار إذا تلف
الوصف.
والجمع بين هذين الأثرين لا محذور فيه، كما ورد في روايات التلف في زمن
الخيار الجمع في الحكم بالضمان بين تلف العين وبين حدوث حدث فيها.
وبهذا التقريب لا يرد عليه ما تقدم، كما أنه يمكن أن يكون هذا هو مراد السيد
الطباطبائي (رحمه الله).
وكيف كان، لا اشكال فيه ثبوتا.
نعم، يرد عليه ما أورده الشيخ (قدس سره) نفسه من عدم مساعدة الدليل اثباتا عليه،
والحكم مخالف للقاعدة، فيقتصر فيه على القدر الذي قام عليه الدليل وهو صورة
تلف المبيع لا وصفه.
وقد يستدل على ثبوت حق الرد بقاعدة نفي الضرر بل قد يتمسك بها لاثبات
الأرش، ببيان: إن الامساك بدون أرش ضرري، كما أن الرد قد يكون ضرريا
للحاجة إلى المبيع، فيتعين أن يصح له الامساك بالأرش.
وفيه: إن الضرر المنفي ههنا هو الضرر الناشئ من نفس المعاملة لا الضرر
الطارئ بعد تماميتها ولزومها، فإنه لا وجه له بتاتا.
وبالجملة، لا دليل بمقتضى الصناعة على ثبوت الرد ولا الأرش. فتدبر.
هذا على مسلك القوم.
وأما على مسلكنا من توقف المعاملة على القبض، فيمكن أن يقال بثبوت خيار
العيب لأن أدلته ظاهرة في ثبوته إذا كان العيب قبل الشراء، وظاهرها إرادة الشراء
التام لا الشراء العقدي فقط. فلاحظ.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر أن هذا مع كون تلف الوصف بآفة سماوية.
وأما لو كان بفعل أحد، فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه ولعله لعدم الدليل،
362

فلا يثبت له لا من ناحية النبوي لانصرافها كما عرفت عن اتلاف المشتري، ولا
قاعدة الضرر لأنه هو أوجد الضرر في ماله.
وإن كان غيره، كان للمشتري على الجاني أرش الجناية، ولا يثبت له حق الرد
لأنه لا دليل على ثبوت الخيار في العيب المتأخر إذا لم يكن بآفة سماوية.
ثم احتمل تخيير المشتري بين الفسخ والامضاء مع تضمين الجاني لأرش جنايته
بناء على أن مطلق العيب قبل القبض يوجب الخيار.
وذكر أنه مع الفسخ يرجع البائع على الأجنبي بالأرش، ولعله لأجل أن ما في
ذمته بدل الوصف التالف بحكم الشارع، فإذا انتقلت العين إلى البائع تنتقل ببدل
وصفها التالف للزوم ارجاعها كما كانت. فتدبر.
وببالي أنه تقدم في أحكام الخيار ما له نفع في المقام، والأمر سهل بعد فرض انكار
الدليل على الخيار بالمرة على مسلك المشهور. وأما على مسلكنا، فالحكم واضح.
فلاحظ.
المسألة الرابعة: في بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل
والموزون قبل قبضه إلا تولية، فإن الروايات (1) على طائفتين:
إحداهما: تدل على المنع عن البيع المزبور إلا تولية.
والأخرى: تدل على الجواز مطلقا.
ومقتضى الصناعة تقييد المطلقات الدالة على الجواز بما دل على المنع، لأنه
أخص. ونفي القول بالكراهة لأجل الجمع بين النصوص بحمل ما دل على المنع على
الكراهة.
والوجه في نفي هذا القول: إن مقتضاه عدم كراهة التولية مع أنهم يلتزمون
بالكراهة فيها ولكنها بنحو أضعف من غيرها.
وقد وقع كلامه (قدس سره) مورد النقض والابرام. والمسألة لا تخلو عن إشكال بلحاظ
ما هو المرتكز في ذهن الفقهاء من كون الحكم المزبور الذي تتكفله النصوص تعبديا.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب أحكام العقود.
363

والذي نستقربه أن المنظور إليه في النصوص هو أمر آخر يساعد عليه الارتكاز
العرفي والقواعد العامة وليس حكما تعبديا صرفا يختص به بيع المكيل والموزون.
وهو النهي عن بيع ما لا يستحق قبضه فعلا بنحو يكون مقتضى اطلاق البيع
تسليمه فعلا، فإنه بيع ما لا يقدر على تسليمه بالفعل أو يجهل القدرة عليه، فلا
يتحقق الالتزام الضمني به حقيقة.
والقرينة على ذلك مضافا إلى استبعاد النهي التعبدي الصرف في باب المعاملات
بحيث لا يفهم أي خصوصية عقلائية له، رواية خالد بن الحجاج الكرخي (1) قال
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أشتري الطعام إلى أجل مسمى فطلبه التجار مني بعد ما
اشتريت قبل أن أقبضه. قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت... "، فإن
موضوع السؤال هو المبيع المؤجل - ولا وجه لحمله على الثمن المؤجل لأنه خلاف
الظاهر - وهذا يقتضي عدم استحقاقه للقبض فعلا.
وقد أجاز الإمام (عليه السلام) بيعه إلى الأجل كما اشترى ونهاه عن الدفع قبل القبض،
وهو ظاهر في كون المنهي عنه هو البيع على أن يدفع بالفعل فإنه غير مقدور له أو
مجهول، كما عرفت، فيراد من " لا تدفع " يعني لا تلزم نفسك بالدفع، لا الدفع بالفعل
إذ لا معنى لذلك قبل القبض. وهذه الرواية تكون مفسرة لسائر الروايات.
وتخصيص الحكم بالمكيل والموزون لعله لأجل اشتراط التأخير فيه عادة إذا لم
يتحقق قبضه فعلا. فتدبر.
ومنه يظهر وجه استثناء التولية، فإن مرجعها إلى جعل المولى طرفا للمعاملة
السابقة وعزل نفسه عنها، ولا ترجع إلى معاملة جديدة وهذا لا مانع منه. وهو
مجرى للسيرة.
وهذا الاستظهار وإن لم نر من سبقنا إليه لكنه مما تساعد عليه الأذهان العرفية.
ثم إنه لا يخفى أن النواهي في باب المعاملات حيث تحمل على الارشاد إلى المانعية
وفساد المعاملة إذا اقترنت بالمنهي عنه، كان حمل النهي على الكراهة في غير محله، إذ
الكراهة تتصور في الحكم التكليفي لا الوضعي.

1 - وسائل الشيعة، ج 12 / باب 16: من أبواب أحكام العقود، ح 19.
364

وعليه، فلو دل دليل على المنع وآخر على الجواز كانا متعارضين، ولا معنى
للجمع بينهما بالحمل على الكراهة. فلاحظ.
ثم إنه على ما استقربناه لا فرق في كون المبيع طعاما أو غيره شخصيا أو كليا لأن
الحكم - كما عرفته - على طبق القاعدة.
وأما على ما استظهره الأصحاب من كونه حكما تعبديا، فيقع الكلام في المراد
بالطعام وأنه خصوص الحنطة، أو الحنطة والشعير، أو كل ما أعد للأكل؟ ومع عدم
ظهوره في واحد من المعاني يؤخذ بالقدر المتيقن لأنه يقتصر في مخالفة القواعد عليه.
كما يقع الكلام في اختصاص النصوص بالمبيع الشخصي وعمومها للكلي.
والصحيح عدم ظهور لها في الاختصاص. واطلاقها يقتضي عموم الحكم
للشخصي والكلي.
ويقع الكلام بعد ذلك في تنبيهات المسألة نشير إليها باختصار:
الأول: في عموم الحكم المزبور للثمن أو اختصاصه بالمثمن.
ولا يخفى أنه بناء على ما استقربناه من كون الحكم على طبق القاعدة لا وجه
للاختصاص بالمبيع، بل يعم الحكم الثمن سواء جعل ثمنا أم مثمنا في المعاملة الجديدة.
وأما على ما استظهره الأصحاب، فمحل الكلام بيع الثمن لا جعله ثمنا. وقد يستند
في الجواز إلى رواية ذكرها الشيخ (قدس سره) (1)، لكنه ناقشها بظهورها في جعل الثمن غير
المقبوض ثمنا لا مثمنا، كما أن موردها البيع ممن هو عليه، فلا تعم محل الكلام.
وكيف كان، فيكفي في الجواز عدم شمول دليل المنع للثمن لأن موضوعه المبيع،
والمفروض أن الحكم على خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على مورد النص.
الثاني: في عموم الحكم لمطلق الاستبدال بجعل البيع كناية عن الاستبدال أو
اختصاصه بخصوص البيع. ومقتضى كون الحكم على خلاف القاعدة ولزوم
الاقتصار فيه على المتيقن هو الحكم بالاختصاص بالبيع، لعدم القرينة على إلغاء
خصوصية البيع.
ومنه يظهر أيضا اختصاص الحكم بالمبيع غير المقبوض، فيجوز بيع غير

1 - وهي رواية يعقوب بن شعيب المروية في وسائل الشيعة، ج 13 / باب 11، من أبواب السلف، ح 10.
365

المقبوض مما انتقل بغير المعاوضات فضلا عن غيرها، كالإرث والقرض.
الثالث: في أن المراد ببيع ما لم يقبض خصوص ايقاع عقد البيع عليه أو يعم
تشخيص الكلي المبيع به، فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع،
كالنهي عن بيع أم الولد فإنه شامل لجعلها وفاء عن الكلي المبيع.
لم يستبعد الشيخ (قدس سره) الثاني عن سياق مجموع الأخبار وإن استظهر الأول من
النص والفتوى.
وقد ادعى ظهور بعض الأخبار في الجواز، كرواية يعقوب بن شعيب (1).
ولكنها غير ظاهرة في كون الموضوع هو كون الكلي المبيع، بل من الممكن أن يكون من جهة القرض، كما ناقش (قدس سره) بمثل ذلك صاحب الحدائق (رحمه الله) (2) في استدلاله
في الفرع الآتي وهو الوفاء بالكلي برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3). هذا مضافا
إلى ظهور مثل ذلك في التوكيل في القبض فيكون الوفاء بالمقبوض.
وكيف كان، ظاهر النص هو بيع ما لم يقبض. وأما جعله وفاء عن المبيع الثابت في
الذمة، فلا ظهور للنصوص فيه وإن عبر عن العين الشخصية المجعولة وفاء بالمبيع،
لكنه تعبير عرفي مسامحي. فلاحظ.
هذا، مع امكان دعوى عدم شمول النهي عن بيع ما لم يقبض لمثل ذلك، لتحقق
القبض مقارنا للوفاء بلحاظ أنه قبض بإذن المالك فيعد قبضا للمالك. لا أقل من
دعوى الانصراف عن مثل ذلك مما يعد قبضا عرفا للمالك، وإن لم يعد قبضا دقة.
فتدبر.
هذا إذا كانت العين شخصية، أما إذا كانت العين كلية، فقد ذكر الشيخ (قدس سره)
خروجه عن محل الكلام، لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشترى
موقوف على قبضه ثم اقباضه وبدون ذلك لا يمكن الإيفاء إلا بالحوالة أو التوكيل.
ويقع الكلام في صحة الحوالة بما لم يقبض، وقد يذكر في المنع عنه وجوه:

1 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 11: من أبواب السلف، ح 10.
2 - البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 19: ص 181، الطبعة الأولى.
3 - وسائل الشيعة، ج 13 / باب 10: من أبواب السلف، ح 2.
366

الأول: إن الحوالة بيع حقيقة لأنها تمليك ما في ذمة المحال عليه بما في ذمة المحيل،
فيكون المورد من مصاديق بيع ما لم يقبض.
الثاني: إنها معاوضة مستقلة بناء على عموم الحكم لمطلق المعاوضات بلا
خصوصية للبيع.
الثالث: إن الحوالة تقتضي تشخيص الكلي الذي في الذمة بما يدفعه المحال عليه
تشخيصا للكلي الذي في ذمته، فيصدق أنه انتقل بالبيع إلى المحال.
وجميع هذه الوجوه مردودة:
أما الأول: فلأن الحوالة ليست بيعا حقيقة، بل هي استيفاء. وتحقيقه في محله.
وأما الثاني: فلأنك عرفت أن النصوص لا تشمل مطلق المعاوضات، مع أن
الحوالة ليست معاوضة بل هي استيفاء، كما عرفت.
وأما الثالث: فهو يتوقف على شمول النصوص لصورة جعل ما لم يقبض وفاء لما
في الذمة من المبيع، وقد عرفت منعه.
هذا، مع أن المجعول وفاء بالحوالة هو الكلي الذي في ذمة المحال عليه، دون العين
الخارجية التي يوقعها المحال عليه، فيتوقف على صدق النقل بالبيع على العين
الخارجية وهو ممنوع. فتدبر.
إذن، فلا وجه للمنع، فعمومات الصحة محكمة.
الرابع: تعرض الشيخ (قدس سره) فيه إلى مسألة أجنبية عن محل البحث وهي ما لو دفع
إلى من له عليه طعام دراهم وقال اشتر بها لنفسك طعاما. وذهب إلى عدم صحته
باعتبار أن قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلى ملك من خرج منه العوض الآخر
فلو انتقل إلى غيره لم يكن عوضا، وهذا المعنى تعرض إليه الشيخ (قدس سره) (1) في مسألة
المعاطاة بناء على إفادتها الإباحة وقد تابعه على ذلك المحقق النائيني (رحمه الله) (2).
ولا نرى ضرورة في التعرض لذلك ونوكله إلى محله.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 88، الطبعة الأولى.
2 - الآملي، الشيخ محمد تقي: المكاسب والبيع، ج 1: ص 139، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
367

المسألة الخامسة: لو كان له على غيره طعام فطالبه به في غير مكان حدوثه في
ذمته، فهل له ذلك أو لا؟
وقد فصل الشيخ (قدس سره) (1) بين صورة السلف والقرض والغصب.
والكلام في ذلك بنحو الاجمال: إن مسألة السلف تختلف عن غيرها بأنه لو أراد
رفع القيمة عن الطعام الذي في ذمته كان لتوهم كونه من بيع ما لم يقبض مجال.
وليس الأمر كذلك في القرض والغصب لأنه ليس من بيع المبيع غير المقبوض.
ومن هنا يظهر ارتباط هذا الفرع بمسألة بيع ما لم يقبض، كما تشترك صورتا
السلف والقرض في أمر وهو أن ظاهر العقد كون المنظور التسليم في بلد العقد مع
التفاوت في القيمة باختلاف البلدان.
ولذا ليس له المطالبة بالطعام في غير بلد العقد مع التفاوت لا مع التساوي.
وهذا المعنى لا يتصور في باب الغصب، إذ لا لفظ في البين كي يقال إن ظاهره كذا
بل الذمة اشتغلت بالمثل فله حق المطالبة به مطلقا وفي أي بلد كان، بلحاظ أن المثل
الثابت إنما هو بلحاظ الجنس والصفات لا بلحاظ الزمان والمكان وإلا تعذر لفوات
زمان الغصب.
ثم إن الكلام في الانتقال إلى القيمة عند تعذر المثل أو عدم وجوب تسليمه
وخصوصيات ذلك يوكل إلى محله من مباحث الغصب أو المقبوض بالعقد الفاسد أو
القرض والسلف، فلتراجع. والحمد لله رب العالمين على ما أنعم علينا وصلواته
وسلامه على أشرف أنبيائه وأوصيائه وآله الميامين ولعنته على أعدائهم أجمعين إلى
قيام يوم الدين.
وقد وقع الفراغ من دراسة كتاب القبض في يوم السبت التاسع عشر من شهر
ذي القعدة سنة 1393. وتمت كتابته ليلة الاثنين 21 / ذق / 1393. وفقنا الله للعلم
والعمل الصالح.

1 - الأنصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 319، الطبعة الأولى.
368