الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٨
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الحج
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍ - 1990 م
دار التراث
379

سلسلة الينابيع الفقهية
الحج
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
ألزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الجزء الثاني
380

متون فقهية من أربعة وعشرين متنا فقهيا
فقه الرضا
المقنع في الفقه للشيخ الصدوق
الهداية بأخير للشيخ الصدوق
المقنعة للشيخ المفيد
جمل العلم والعمل للسيد المرتضى
الانتصار للسيد المرتضى
المسائل الناصريات للسيد المرتضى
الكافي لأبي الصلاح
النهاية للشيخ الطوسي
الجمل والعقود للشيخ الطوسي
المراسم العلوية لسلار
جواهر الفقه لابن البراح
المهذب لابن البراح
فقه القرآن للراوندي
الغنية لحمزة بن علي
الوسيلة لابن حمزة
إصباح الشيعة للكيذري
السرائر لابن إدريس
إشارة السبق لعلي بن أبي الفضل
شرائع الاسلام للمحقق الحلي
المختصر النافع للمحقق الحلي الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد
قواعد الاحكام للعلامة الحلي
اللمعة الدمشقية للشهيد الأول
381

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعنى الموسوعة بالتقسيم الموضوعي لأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحق والأستاذ أهم
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مرى عشرة قرون.
382

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجتمعات البشرية ويسعون إلى إصلاحها عن طريق
القيم الاسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتباره أفضل السبل وأنجم القوانين المستخدمة من أصول القرن للوصول إلى الكمال الانساني من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
الغنية:
383

بسم الله الرحمن الرحيم
384

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍. ق
385

كتاب الحج
يحتاج في الحج إلى العلم بأقسامه وشروطه وكيفية فعله وما يفسده وما يتعلق بذلك
من الأحكام.
فصل: أما أقسامه فثلاثة: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد.
فالتمتع: أن يقدم على أفعال الحج عمرة يتحلل منها ويستأنف الإحرام للحج.
والقران: أن يقرن بإحرام الحج سياق الهدي.
والإفراد: أن يفرد الحج من الأمرين معا، بدليل الاجماع الماضي ذكره.
فالتمتع فرض الله على من لم يكن من أهل مكة وحاضريها وهم من كان بينه
وبينها اثنا عشر ميلا فما دونها لا يجزئهم مع التمكن في حجة الاسلام سواه بدليل
الاجماع وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم
من قوله ص - لما نزل فرض التمتع وكان قد ساق الهدي -: لو
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، وأمر من لم يسق هديا أن يحل ويجعلها
عمرة لأنه لو كان جائزا في حج الاسلام لمن ذكرناه أو أفضل في حج التطوع على ما
يقوله المخالف لم يكن لأمره بذلك معنى.
فأما أهل مكة وحاضروها ففرضهم القران والإفراد لا يجزئهم في حجة الاسلام
غيرهما بدليل الاجماع المذكور وطريقة الاحتياط وأيضا قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة
387

إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى قوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام، وهذا نص وليس لأحد أن يقول: إن قوله تعالى ذلك إشارة إلى الهدي
لا إلى التمتع لأن ذلك تخصيص بغير دليل.
والحج على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض: حج الاسلام وحج النذر أو العهد
وحج الكفارة، وأما المسنون: فما عدا ما ذكرناه، ويفارق الواجب في أنه لا يجب
الابتداء به ويساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضي فيه في سائر أحكامه إلا وجوب
القضاء له إذا فات بدليل الاجماع الماضي ذكره.
فصل:
وأما شروطه فعلى ضربين: شرائط الوجوب وشرائط صحة الأداء.
فشرائط وجوب حج الاسلام: الحرية والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة بلا خلاف،
والاستطاعة يكون بالصحة والتخلية وأمن الطريق ووجود الزاد والراحلة والكفاية له
ولمن يعول والعود إلى كفاية من صناعة أو غيرها بدليل الاجماع المتردد، وأيضا فقد ثبت
أن من شرط حسن الأمر بالعبادة القدرة عليها على ما دللنا عليه فيما تقدم من الأصول،
فلما شرط سبحانه في الأمر بالحج الاستطاعة اقتضى ذلك زيادة على القدرة من التمكن
من النفقة وغيرها، ومن لا يجد لعياله نفقة إلى حين عوده لا يكون كذلك لتعلق فرض
نفقتهم به، وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبار العود إلى كفاية لأن أحدا من الأمة لم يفرق بين
الأمرين.
ويحتج على مالك بما روي من طرقهم أن رجلا سأله ص لما نزلت ولله
على الناس حج البيت... الآية فقال: يا رسول الله ما السبيل؟ فقال: زاد وراحلة. وتعلقه
بقوله تعالى: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر، لأن معنى قوله:
رجالا رجالة لا حجة له فيه لأنا نحمله على أهل مكة وحاضريها بدليل ما قدمناه ولأنه
ليس في الآية أكثر من الأخبار عن حالة من يأتيه ونحن لا نمنع أن يأتي الحاج المتطوع
ماشيا.
388

وأما شرائط صحة الأداء، فالإسلام وكمال العقل والوقت والنية بلا خلاف والختنة
بإجماع آل محمد عليهم السلام.
فصل: في كيفية فعله: اعلم أن أفعال الحج: الإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر
الحرام ونزول منى والرمي والذبح والحلق. ونحن نذكر كيفية كل قسم من ذلك وما
يتعلق به في فصل مفرد إن شاء الله.
فصل: في الإحرام:
الإحرام ركن من أركان الحج من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف، ولا يجوز إلا
في زمان مخصوص وهو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة، فمن أحرم قبل ذلك لم
ينعقد إحرامه بدليل الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: الحج أشهر
معلومات، والتقدير وقت الحج لأن الحج لا يصح وصفه بأنه أشهر، وتوقيت العبادة في
الشرع بزمان يدل على أنها لا تجزئ في غيره، ولا تعلق للمخالف بقوله تعالى: يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، لأنا نخص الإحرام بما ذكرناه من الشهور
بدليل ما قدمناه كما خصصنا كلنا ما عداه من أفعال الحج بأيام مخصوصة من ذي الحجة
ولأن أبا حنيفة عنده: أن الإحرام ليس من الحج فلا يمكنه التعلق بالآية ولأن توقيت
الفعل بوقت يقتضي جواز فعله فيه من غير كراهة وعند أبي حنيفة: أن تقديم الإحرام
مكروه.
ولا يجوز عقد الإحرام إلا في موضع مخصوص وهو لمن حج على طريق المدينة ذو الحليفة
وهو مسجد الشجرة، ولمن حج على طريق الشام الجحفة، ولمن حج على طريق العراق بطن
العقيق، وأوله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق، ولمن حج على طريق اليمن
يلملم، ولمن حج على طريق الطائف قرن المنازل، وقلنا ذلك للإجماع المكرر وطريقه
الاحتياط واليقين لبراءة الذمة، وأيضا فالنبي ص وقت هذه المواقيت، وإذا
389

كان معنى الميقات في الشرع ما يتعين للفعل ولا يجوز تقديمه عليه كمواقيت الصلاة كان
من جوز تقديم الإحرام على الميقات مبطلا لهذا الاسم، ومن تجاوز الميقات من غير إحرام
متعمدا ولم يتمكن من الرجوع إليه كان عليه إعادة الحج من قابل وإن كان ناسيا أحرم
من موضعه ويجوز لمن منزله دون الميقات الإحرام منه، وإحرامه من الميقات أفضل.
وميقات المجاور ميقات أهل بلده، فإن لم يتمكن فمن خارج الحرم، فإن لم يقدر
فمن المسجد الحرام وذلك بدليل الاجماع الماضي.
ويستحب لمريد الإحرام قص أظفاره وإزالة الشعر عن إبطيه وعانته وأن يغتسل بلا
خلاف، ويجب عليه لبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجوز أن
يكونا مما لا يجوز الصلاة فيه ويكره أن يكونا مما تكره الصلاة فيه، وقد ذكرنا ذلك
فيما تقدم بدليل الاجماع المتردد، ويجزئ مع الضرورة ثوب واحد بلا خلاف.
ويستحب أن يصلى صلاة الإحرام، وأن يقول بعدها إن كان متمتعا:
اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك، فيسر لي
أمري، وبلغني قصدي، وأعني على أداء مناسكي، فإن عرض لي عارض يحبسني
فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على. اللهم إن لم يكن حجة فعمرة.
اللهم إن لم يكن عمرة فحجة. أحرم لك لحمي ودمي وشعري وبشري من النساء
والطيب والصيد، وكل محرم على المحرمين أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
وإن كان قارنا قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على أداء مناسكي إلى آخر
الدعاء. وإن كان مفردا قال:
اللهم إني أريد الحج مفردا فسلم لي مناسكي وأعني على أدائها إلى آخر الدعاء،
ثم يجب عليه أن ينوي نية الإحرام على الوجه الذي قدمناه ويعقده بالتلبية الواجبة
وهي:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.
390

ولا ينعقد الإحرام إلا بها أو بما يقوم مقامها من الإيماء لمن لا يقدر على الكلام ومن
التقليد أو الإشعار للقارن بدليل الاجماع المتكرر وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة،
وأيضا ففرض الحج مجمل في القران ولا خلاف أن النبي فعل التلبية وفعله ع
إذا ورد مورد البيان كان على الوجوب، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم أن
جبرئيل ع أتى النبي ص فقال له: مر أصحابك أن يرفعوا
أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج وهذا نص وبقوله لعائشة: انفضي رأسك وامتشطي
واغتسلي ودعي العمرة وأهلي بالحج، والإهلال هو التلبية وأمره على الوجوب وليس لهم
أن يقولوا: المراد بالإهلال: الإحرام لأن الإهلال في لغة العرب رفع الصوت ومنه قولهم:
استهل الصبي إذا صاح ومنه سمي الهلال هلالا لارتفاع الأصوات عند رؤيته، ويبطل
ذلك ما رووه عن ابن عباس من قوله: إنه ص أهل في مصلاه وحين مرت به
راحلته وحين بلغ البيداء لأن الإحرام متقدم على بلوع البيداء.
ومن الألفاظ المستحبة في التلبية:
لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك، لبيك مبدئ الخلق
ومعيده لبيك، لبيك غافر الذنب لبيك، لبيك قابل التوب لبيك، لبيك كاشف
الكرب العظام لبيك، لبيك فاطر السماوات لبيك، لبيك أهل التقوى وأهل المغفرة
لبيك، لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك، إن كان متمتعا ولا يقول: لبيك بعمرة
وحجة تمامها عليك لأن ذلك يفيد بظاهره تعليق نية الإحرام بالحج والعمرة معا وذلك لا
يجوز. وإن كان قارنا أو مفردا قال: لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك، وإن كان نائبا
عن غيره قال: لبيك عن فلان بن فلان لبيك.
وأوقات التلبية أدبار الصلوات وحين الانتباه من النوم وبالأسحار وكلما علا نجدا
أو هبط غورا أو رأى راكبا، ويستحب رفع الصوت بها للرجال وأن لا يفعل إلا على
طهر، وآخر وقتها للمتمتع إذا شاهد بيوت مكة وحدها من عقبة مدنيين إلى عقبة ذي
طوى، والقارن والمفرد إذا زالت الشمس من يوم عرفة، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا
391

وضعت الإبل أخفافها في الحرم، فإن كان المعتمر خارجا من مكة فإذا شاهد الكعبة.
والمتمتع إذا لبى بالحج متعمدا بعد طواف العمرة وسعيها وقبل التقصير بطلت متعته
وصار ما هو فيه حجة مفردة، وإن لبى ناسيا لم تبطل كل ذلك بدليل الاجماع الماضي
ذكره، وإذا انعقد إحرامه حرم عليه أن يجامع أو يستمني أو يقبل أو يلامس بشهوة بلا
خلاف، وأن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره أو يشهد عقدا، فإن عقد فالعقد فاسد بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.
ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص: لا ينكح المحرم ولا
ينكح ولا يخطب، وفي رواية: ولا يشهد، وهذا نص. وقولهم: لفظة نكاح حقيقة في الوطء
خاصة غير مسلم بل وفي العقد بدليل ظاهر الاستعمال، قال الله تعالى: وأنكحوا الأيامى
منكم فانكحوهن بإذن أهلهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولا خلاف أن المراد
بذلك العقد، وإذا كان لفظ النكاح مشتركا وجب حمله على الأمرين، وما رووه من أنه
صلى الله عليه تزوج ميمونة وهو محرم معارض بما روي عن ميمونة من قولها: خطبني
رسول الله وهو حلال وتزوجني وهو حلال وفي خبر آخر وتزوجني بعد رجوعه من مكة،
وخبر المنكوحة أولى لأنها أعرف بحقيقة الحال، وأيضا فالعرب تسمى من كان في الشهر
الحرام محرما قال الشاعر:
قتلوا بن عفان الخليفة محرما، ولم يكن عاقدا للإحرام بلا خلاف فيحمل خبرهم
على أن الراوي أراد به تزويجها وهو في الشهر الحرام.
ويحرم عليه أن يلبس مخيطا بلا خلاف إلا السراويل عند الضرورة عند بعض
أصحابنا وبعض المخالفين، وعند قوم من أصحابنا أنه لا يلبس حتى يفتق ويصير
كالمئزر وهو أحوط وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف وأن تلبس
المرأة القفازين بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، ويعارض المخالف بما روي من
طرقهم من قوله ص: لا تنتقب المرأة في الإحرام ولا تلبس القفازين وهو نص.
ويحرم على الرجل تغطية رأسه وعلى المرأة تغطية وجهها بلا خلاف، ويحرم عليه أن
يستظل وهو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة فأما إذا نزل فلا بأس بجلوسه
392

تحت الظلال من خيمة أو غيرها، ويحرم عليه الارتماس في الماء وذلك بدليل إجماع الطائفة
وطريقة الاحتياط، ويحرم عليه أن يصطاد أو يذبح صيدا أو يدل على صيد أو يكسر
بيضه بلا خلاف وأن يأكل لحمه وإن صاده المحل ولم تكن منه دلالة عليه بلا خلاف
من الأكثر، ودليلنا على ذلك إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، وقوله تعالى: وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما، لأنه يتناول كل فعل ينافي الصيد من غير تخصيص.
ويحرم عليه أن يدهن بما فيه طيب أو يأكل ما فيه ذلك، وأن يتطيب بالمسك والعنبر
أو العود أو الكافور أو الزعفران بلا خلاف، ويحرم عليه الفسوق وهو عندنا الكذب على
الله تعالى أو على رسوله أو على أحد الأئمة من آل محمد ع، والجدال وهو عندنا
قول: لا والله وبلى والله بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، وقول المخالف: ليس في
لغة العرب أن الجدال هو اليمين ليس بشئ لأنه غير ممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما
ليس في الوضع اللغوي كما يقوله في لفظ غائط، ثم الجدال إذا كان في اللغة المنازعة
والمخاصمة وكان ذلك يستعمل للمنع والدفع وكانت اليمين تفعل كذلك كافيا فيها معنى
المنازعة.
ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه في ملكه وليس من شجر
الفواكه والإذخر وأن يجز حشيشه بلا خلاف، فأما شجر الفواكه والإذخر وما غرسه
الانسان في ملكه فيجوز قطعه، وكذا رعي الحشيش بدليل إجماع الطائفة، وأيضا فتحريم
ذلك يفتقر إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدل عليه ويخص الرعي عمل المسلمين
من لدن النبي ص بذلك وإلى الآن من غير إنكار من النبي ص
أو أحد الصحابة أو أحد العلماء.
ويحرم عليه أن يزيل شيئا من شعره أو يقص شيئا من أظفاره، وأن يتختم للزينة، أو
يدمي جسده بحك أو غيره، وأن يزيل القمل عن نفسه أو يسد أنفه من الرائحة الكريهة
بلا خلاف أعلمه. ويحرم عليه أن يلبس سلاحا أو يشهره إلا لضرورة، وأن يقتل شيئا من الجراد والزنابير
مع الاختيار، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم، ولا بأس بقتل ما
393

يخافه من الحيات والعقارب والسباع في الحرم وغيره بدليل الاجماع الماضي ذكره.
ويحرم عليه أن يمسك ما كان معه من صيد قبل الإحرام، وأن يخرج شيئا من حمام
الحرم منه، وأن لا يرده بعد اخراجه، وأن يمسك ما يدخل به إلى الحرم من الطير بدليل
إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما، والمراد تحريم أفعالنا فيه واستدامة الإمساك بعد الإحرام ودخول الحرم والإخراج
واستدامة فعلنا فيه فيجب أن يكون محرما.
فصل:
وما يفعله المحرم مما بينا أنه محرم عليه على ضروب ثلاثة: أحدها يوجب الكفارة
سواء فعله عامدا أو ساهيا، والثاني يوجبها مع العمد دون النسيان، والثالث فيه الإثم
دون الكفارة.
فالأول: هو الصيد بلا خلاف بين الجمهور، فمن قتل صيدا له مثل أو ذبحه وكان
حرا كامل العقل محلا في الحرم أو محرما في الحل فعليه فداؤه بمثله من النعم بدليل الاجماع
من الطائفة وطريقة الاحتياط وأيضا قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
ذوا عدل منكم... الآية، فأوجب مثلا من النعم وذلك يبطل قول من قال: الواجب
قيمة الصيد، وإن كان محرما في الحرم فعليه الفداء والقيمة أو الفداء مضاعفا بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة، وأيضا فالجزاء إذا لزم المحل
في الحرم والمحرم في الحل وجب اجتماع الجزاءين باجتماع الأمرين الإحرام والحرم.
وإن كان مملوكا فكفارته على مالكه إن كان إحرامه باذنه وعليه إن كان بغير إذنه
بالصوم لأن العبد لا يملك شيئا فيلزمه مثل أو قيمة، وإن كان غير كامل العقل فكفارته
على وليه لأنه الذي أدخله في الإحرام وليس بواجب عليه والدليل على ذلك إجماع
الطائفة، وتكرار القتل يوجب تكرار الكفارة بغير خلاف بين أصحابنا إذا كان القاتل
ناسيا، ومنهم من قال: هذا حكمه إن كان متعمدا، ومنهم من قال: إن تعمد القتل مرة
ثانية لم يلزمه كفارة بل يكون ممن ينتقم الله منه كما ذكره تعالى والأول أحوط، وكونه
394

ممن ينتقم الله منه إذا عاد لا ينافي وجوب الكفارة عليه.
والمثل في النعامة بدنة بلا خلاف، فإن لم يجد فقيمتها، فإن لم يجد فض قيمة
البدنة على البر وصام عن كل نصف صاع يوما بدليل الاجماع من الطائفة وطريقة
الاحتياط، والمثل في حمار الوحش أو بقرة الوحش بقرة، وفي الظبي شاة بلا خلاف، وفي
الأرنب والثعلب عندنا شاة، وحكم من لم يجد ذلك حكم ما قدمناه، ويجوز لمن لم يجد
الفداء والقيمة أن يصوم للنعامة ستين يوما، وللبقرة ثلاثين يوما، وللظبي وما أشبهه ثلاثة
أيام، ومن صام بالقيمة أقل مما ذكرناه من المدة أجزأه، وإن اقتضى ذلك زيادة عليها لم
يلزمه أن يصوم الزيادة، ومن عجز عن صوم الستين أو الثلاثين صام مكان كل عشرة أيام
ثلاثة، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وفي كل حمامة من حمام الحرم أو اخراج شئ من حمامه منه أو تنفيره فلا يرجع شاة،
وفي فرخها حمل، وفي كل بيضة لها درهم، وفي حمامة الحل درهم وفي فرخها نصف درهم،
وفي كل بيضة لها ربع درهم، وفي كل بيضة من بيض النعام إذا كان قد تحرك فيها
الفرخ فصيل، فإن لم يتحرك فارسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر فما نتج منها
كان ذلك هديا، فإن لم يكن لمن فعل ذلك إبل فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام، وفي بيض الدراج والحجل إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج
فهو هدي، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
ومن رمى صيدا فغاب عنه ولم يعلم حاله فعليه فداؤه بدليل الاجماع المتكرر وطريقة
الاحتياط، فإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه ما بين قيمته صحيحا وكسيرا، وقد روي أن
في كسر أحد قرني الغزال ربع قيمته وفيهما جميعا النصف، وفي إحدى عينيه إذا فقئت
نصف قيمته، وفيهما معا الكل، وفي يديه من الحكم ما في عينيه، وكذا في رجليه، وفي
الجرادة أو الزنبور كف من طعام، وفي الكثير من ذلك دم شاة، وفي القنفذ والضب
واليربوع حمل قد فطم ورعى، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وفي قتل الأسد ابتداء لا على وجه المدافعة كبش بدليل ما قدمناه من الاجماع
وطريقة الاحتياط وأيضا قوله تعالى: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم... الآية، واسم
395

الصيد يقع على السبع المتوحش قال الشاعر: ليث تردى زيبة فاصطيدا. ولا شبهة في أن
العرب كانت تصطاد السباع وتأكلها وتسميها صيدا وتقول سيد الصيد الأسد وورود
الحظر لا يوجب سلب الاسم.
ومن قتل ما لا مثل له من الصيد كالعصفور أو ما أشبهه فعليه قيمته أو عدلها صياما،
وحكم المشارك في قتل الصيد حكم المنفرد بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط
وأيضا قوله تعالى: ومن قتله منكم متعمدا، إذ المشارك قاتل ويجري ذلك مجرى قوله
سبحانه: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ولا خلاف أن الجماعة إذا
اشتركت في القتل كان على كل واحد منهم كفارة.
وحكم من دل على صيد فقتل حكم القاتل لمثل ما قدمناه من الاجماع وطريقة
الاحتياط لأنه لا خلاف أنه منهي عن الدلالة ولا يقين ببراءة ذمته إذا دل على صيد
فقتل إلا بالكفارة، ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم عن علي ع وابن
عباس أنهما جعلا على محرم - أشار إلى حلال ببيض نعام - الجزاء، وعن عمر
وعبد الرحمن بن عوف أنهما جعلا على محرم - أشار إلى ظبي فقتله صاحبه - دم شاة ولا
مخالف لهم، وهذا دليل الاجماع على أصل المخالف.
وأما الضرب الثاني الذي لا يلزم الكفارة فيه إلا مع العمد فما عدا الصيد مما نذكره
الآن وقلنا بسقوطها مع النسيان للإجماع الماضي ذكره ويحتج على المخالف بما روي من
قوله ص: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، والمراد رفع أحكام
الأفعال ومن أحكامها لزوم الكفارة، وقولهم يخص ذلك برفع الإثم يحتاج إلى دليل، ثم إن
رفع الإثم عن الخاطئ مستفاد من قوله تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم
به، وحمل كلامه ع على فائدة زائدة على ما هو معلوم لنا أولى.
فمن قبل زوجته من غير شهوة فعليه شاة، فإن قبلها أو لاعبها بشهوة فأمنى فعليه
بدنة، ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه إن كان موسرا بدنة، فإن لم يقدر فبقرة، فإن لم
يقدر فشاة، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وفي الوطء في الفرج في إحرام المتعة قبل
طوافها أو سعيها مع فسادها بدنة بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط بلا خلاف.
396

والوطء في الفرج في إحرام الحج قبل الوقوف بعرفة فساده بلا خلاف ويلزم المضي
فيه بلا خلاف إلا من داود. وقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة، يبطل قوله لأنه لم يفرق
في الأمر بالإتمام بين ما فسد وبين ما لم يفسد ويجب عليه مع ذلك بدنة بدليل الاجماع
المشار إليه وطريقة الاحتياط، ويحتج على أبي حنيفة في قوله: شاة بما روي من طرقهم عن
عمر وابن عباس من قولهما: من وطئ قبل التحليل أفسد حجه وعليه ناقة، ولا مخالف
لهما.
وحكم الوطء في الفرج بعد عرفة وقبل الوقوف بالمشعر عندنا حكم الوطء قبل عرفة
بدليل ما قدمناه من الاجماع وطريقة الاحتياط، وأيضا فقد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر
على ما سندل عليه وأنه ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة لمن لم يدركه، وكل من
قال بذلك قال بفساد الحج بالجماع قبله فالتفرقة بين الأمرين يبطلهما الاجماع، ويعارض
المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص وهو بالمزدلفة:
من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة
ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه، فعلق تمام الحج بالوقوف بالموقفين، وما رووه من قوله
عليه السلام: من وقف بعرفة فقد تم حجه، وقوله: الحج عرفة، خبر واحد لا يحتج علينا
به ويعارضه ما قدمناه، ويجوز حمل قوله: الحج عرفة، على أن المراد به معظم
الحج عرفة، وقوله: فقد تم حجه على أن المراد أنه قارب التمام، كما حملنا كلنا على ذلك
قوله ع: إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته.
وفي الوطء بعد الوقوف بالمشعر وقبل التحليل بدنة ولا يفسد الحج بدليل الاجماع المشار
إليه، وأيضا فإفساد الحج يفتقر إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه، فأما وطء المرأة في
دبرها وإتيان الغلام والبهيمة فلا خلاف بين أصحابنا أن فيه بدنة، واختلفوا في هل يفسد
الحج إذا وقع قبل عرفة أو قبل المشعر أم لا؟ فمن قال: يفسده دليله طريقة الاحتياط ومن
قال: لا يفسده، دليله أن الأصل الصحة وبراءة الذمة من القضاء.
وتكرار الوطء يوجب تكرار الكفارة وهي بدنة سواء كان في مجلس واحد أم لا،
وسواء كفر عن الأول أم لا، بدليل ما قدمناه من الاجماع وطريقة الاحتياط، وليس
397

للمخالف أن يقول: إن الحج قد فسد بالوطئ الأول والثاني لم يفسده فلا يجب به
كفارة، لأنه وإن فسد بالأول فحرمته باقية بدليل وجوب المضي فيه فتعلقت الكفارة
بالمستأنف منه.
ومن وطأ زوجة له أو أمة وطئا يفسد الحج فرق بينهما ولم يجتمعا حتى يعودا إلى
الموضع الذي وطأها فيه من الطريق، وإذا جاءا من قابل فبلغا ذلك المكان فرق بينهما
ولم يجتمعا حتى يبلغ الهدي محله بدليل الاجماع المشار إليه، ويعارض المخالف بما روي
عن عمر وابن عباس من قولهما: إذا وطأ الرجل زوجته فقضيا من قابل وبلغا الموضع
الذي وطأها فيه فرق بينهما، ولم يعرف راد لقولهما.
وفي أكل شئ من الصيد أو بيضه أو شم أحد ما ذكرناه من أجناس الطيب أو أكل
طعام فيه شئ من ذلك دم شاة، وكذا في تظليل المحمل وتغطية رأس الرجل ووجه المرأة
مع الاختيار عن كل يوم دم شاة، ومع الاضطرار لجملة الأيام دم شاة بدليل ما قدمناه
من الاجماع وطريقة الاحتياط، وفي قص كل ظفر من أظفار يديه مد من طعام ما لم
يكملهما فإن كملهما فدم شاة بدليل الاجماع المتكرر، وأيضا فما قلناه لا خلاف في لزوم
الدم به، وليس على لزومه فيما دونه دليل فوجب نفيه، وهذا حكم أظفار رجليه إن
قصهما في مجلس آخر، فإن قص الجميع في مجلس واحد لم يلزمه إلا دم واحد.
وإن جادل ثلاث مرات فما زاد صادقا أو مرة كاذبا فعليه دم شاة، وفي مرتين كاذبا
دم بقرة، وفي ثلاث مرات فما زاد بدنة، وفي لبس المخيط إن كان ثوبا واحدا أو ثيابا
جماعة في مجلس واحد دم شاة، فإن لبس في كل مجلس ثوبا فعليه من الشياه بعدد الثياب
وينزع الثوب من قبل رجليه، كل ذلك بدليل الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط.
وفي حلق الرأس دم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف، وفي
قص الشارب أو حلق العانة أو الإبطين دم شاة، وفي حلق أحد إبطيه إطعام ثلاثة
مساكين، وفي اسقاط شئ من شعر رأسه أو لحيته إذا مسهما في غير طهارة كف من
طعام، وكذلك في إزالة القمل عنه أو قتله، وفي حك الجسم حتى يدمي مد من طعام، وفي
قلع الشجرة الكبيرة من أصلها من الشجر الذي عيناه في الحرم دم بقرة، وفي الصغيرة
398

شاة، وفي قطع البعض من ذلك أو قطع حشيشه ما تيسر من الصدقة. ومن عقد وهو محرم
على امرأة نكاحا لمحرم فدخل بها كان على العاقد بدنة وذلك بدليل ما قدمناه من الاجماع
وطريقة الاحتياط.
وأما الضرب الثالث الذي فيه الإثم دون الكفارة فما عدا ما ذكرنا لزوم الكفارة فيه
وقلنا ذلك للإجماع المتكرر ذكره، ولأن لزوم الكفارة يفتقر إلى دليل شرعي وليس
في الشرع ما يدل على ذلك، ويكره للمحرم من الطيب ما خالف الأجناس التي قدمنا
ذكرها وليس ذلك بمحظور لأن حظره يفتقر إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
ويكره الاكتحال والخضاب للزينة والنظر في المرآة بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج
على المخالف بقوله ع: الحاج أشعث أغبر، وذلك ينافي هذه الأشياء، فأما
الاكتحال بما فيه طيب فمن أصحابنا من قال: إنه مكروه، والظاهر أنه محظور لإجماع
الأمة على أن المحرم لا يجوز له الطيب ولم يفصلوا بين أن يكون في كحل أو غيره، وما
ورد من النهي عن الطيب عام في كل ذلك وطريقة الاحتياط تقتضيه.
فصل:
ويمضى المحرم على حاله حتى يشاهد بيوت مكة فيقطع التلبية إن كان متمتعا كما
قدمناه، ويستحب له أن يكثر من حمد الله على بلوغها، فإذا انتهى إلى الحرم استحب له
الغسل، وأن يدخله ماشيا وعليه السكينة والوقار، وأن يدخل مكة من أعلاها، وأن
يغتسل قبل دخولها، وأن يدعو إذا عاين البيت بما نذكره، وأن يغتسل قبل دخول المسجد،
وأن يدخله من باب بني شيبة، وأن يقول قبل دخوله:
بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وولاية أهل بيته ص
الحمد لله على ما من به من بلوع بيته الحرام، السلام على رسول الله وعلى أولى
العزم من الرسل وعلى أوصيائهم المرضيين.
وأن يقول إذا دخل المسجد وعاين البيت:
399

اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا
وهدى للعالمين، اللهم فأمني سخطك وأجرني من عذابك يا جار من لا جار له
أجرني من عذابك وأعذني من نقمتك برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويستحب أن يدعو إذا أتى الحجر الأسود فيقول:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ص.
وأن يقبله أو يمسح بيده عليه ويقبلها إن لم يتمكن من تقبيله أو يشير بيده إليه
ويقبلها إن لم يتمكن من مسحه بها ويقول:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة عند الله تعالى اللهم إيمانا
بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله وأن الأئمة من ذريته " وتسميهم " حججه في أرضه وشهداؤه على
عباده ص وعليهم آمنت بالله وبكتبه ورسله وكفرت بالجبت والطاغوت
وبكل ند يدعى من دون الله سبحانه اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت
رغبتي فاقبل اللهم إجابتي واغفر لي وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم يستلمه، ثم يجب عليه أن يفعل نية الطواف ويطوف، ودليل ذلك كله إجماع
الطائفة.
فصل: في الطواف:
الطواف على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض ثلاثة: طواف المتعة وطواف
الزيارة وهو طواف الحج وطواف النساء.
والمسنون: ما عدا ما ذكرناه مما يتطوع به المكلف، وقد روي أنه يستحب أن يطوف
مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا أو ثلاثمائة وأربعة وستين شوطا، وروي أن
رسول الله ص كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع.
أما طواف المتعة فوقته للمختار من حين يدخل المتمتع مكة إلى أن تغيب الشمس من
400

يوم التروية وللمضطر إلى أن يبقى من غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها،
فمن فاته مختارا بطل حجه متمتعا وكان عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا وصار ما هو
فيه حجة مفردة ولم يجز عنه طواف الحج بدليل إجماع الطائفة، وطريقة الاحتياط تقتضي
ما قلناه لأنه لا خلاف في براءة ذمة من طاف طواف المتعة وليس على قول من يقول:
يجزئ عن ذلك طواف الحج دليل، وأيضا قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله، فأمر
تعالى بإتمامهما جميعا ولكل واحد منهما أفعال مخصوصة، فوجب بالظاهر تكميلها
ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله ع: من جمع الحج إلى العمرة،
فعليه طوافان، وبما روي عن علي ع أنه طاف طوافين وسعى سعيين لحجته
وعمرته وقال: حججت مع رسول الله ص فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته
وعمرته. ومن فاته طواف المتعة مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج ولا شئ عليه
بدليل نفي الحرج في الدين.
وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف،
ومن تركه ناسيا قضاه وقت ذكره، فإن لم يذكره حتى عاد إلى بلده لزمه قضاؤه من قابل
بنفسه بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، فإن لم يستطع استناب من يطوفه
بدليل الاجماع المشار إليه وقوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، ووقته
للمتمتع من حيث يحلق رأسه من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق إلا أن يكون هناك
ضرورة من كبر أو مرض أو خوف حيض أو عذر فيجوز تقديمه على ذلك كل ذلك بدليل
إجماع الطائفة، وأول وقته للقارن والمفرد من حين دخولهما مكة وإن كان ذلك قبل
الموقفين بدليل ما قدمناه.
وأما طواف النساء فوقته من حين الفراع من سعي الحج إلى آخر أيام التشريق، فمن
تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد إلى أهله لم يفسد حجه لكنه لا يحل له النساء حتى
يطوف أو يطاف عنه بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وأيضا فلا خلاف أن
النبي ص فعل هذا الطواف، والمخالف يسميه طواف الصدر وقد قال عليه
السلام خذوا عني مناسككم، وقد روي من طرقهم أيضا أنه ع قال: من حج
401

هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف، وظاهر الأمر الوجوب.
والواجب في الطواف النية ومقارنتها واستمرار حكمها والطهارة من الحدث
والنجس وستر العورة والبداءة بالحجر الأسود والختام به، وأن يكون سبعة أشواط، وأن
يكون البيت عن يسار الطائف، وأن يكون خارج الحجر، وأن يكون بين البيت والمقام،
فمن ترك شيئا من ذلك لم يجزئه الطواف بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط
واليقين لبراءة الذمة لأنه لا خلاف في براءة الذمة منه إذا فعل على الوجه الذي ذكرناه،
وليس على براءتها منه إذا فعل على خلافه دليل.
والمستحب استلام الحجر الأسود والدعاء إذا أراد الطواف كما قدمناه وأن يقول إذا
وصل في الطواف إلى باب الكعبة:
سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة، اللهم صل على محمد وآله
وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن
والإنس وشر فسقة العرب والعجم.
وأن يقول إذا حاذى المقام مشيرا إليه:
السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المطهرين من الأنام، السلام على
إبراهيم الخليل، الداعي إلى البيت الحرام، مسمع من في الأصلاب والأرحام،
السلام على أنبياء الله وملائكته الكرام.
وأن يستلم الركن الشامي إذا وصل إليه ويقول: وهو مستقبل له.
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك غير مقلو ولا مهجور، اللهم صل على
محمد وآله وافتح على أبواب رحمتك.
وأن يقول إذا استقبل الميزاب:
اللهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني شر
فسقة العرب والعجم والجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.
وأن يستلم الركن الغربي مستقبلا له ويقول:
اللهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين أمرتهما أن يرفعا أركان بيتك ويطهراه
402

للطائفين والعاكفين والركع السجود وهما يسألانك أن تتقبل منهما فتقبل مني إنك
أنت السميع العليم وتب على إنك أنت التواب الرحيم.
وأن يقول بين الركن الغربي واليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني واعف عني وارزقني واحفظني
ووفقني.
وأن يقول إذا وصل إلى المستجار وهو دون الركن اليماني بقليل:
اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم،
مقام المستغيث المستجير بك من النار، مقام من لا يدفع عن نفسه ضرا ولا يجر إليها
نفعا، مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبا راهبا واستعاذ بك من عذاب يوم لا ينفع فيه
شفاعة الشافعين إلا من أذنت له يا رب العالمين.
وأن يستلم الركن اليماني ويعانقه ويقول:
يا سيدي إلى من يطلب العبد إلا إلى مولاه ولمن يرجو العبد إلا سيده أسألك أن
تصلي على محمد وآله الطاهرين وأن تقبل مناسكي وتنجح حوائجي، أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت بما جاء به واتبعت
النور الذي أنزل معه، اللهم تب على حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود، أتوب إلى
الله ثلاثا اللهم إني تائب إليك مما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت وسهوت عنه
وأحصيته علما، نادم على ما مضى عازم على أن لا أعود إلى مثله أبدا فاقبل توبتي
واعف عني واغفر لي ما بيني وبينك وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك
وسعة رحمتك يا أرحم الراحمين.
وأن يستلم الحجر الأسود ويقبله إذا عاد إليه ويقول:
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين وعجل فرجهم يا رب العالمين وأهلك
أعداءهم أجمعين، اللهم تب على توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمري
وارزقني من رزقك الحلال الطيب وأدخلني برحمتك الجنة وأعذني من النار بعفوك.
ويصنع مثل ذلك في كل شوط حتى يكمل سبعة، ويستحب أن يقف على المستجار
403

في الشوط السابع ويلصق بطنه وخده به ويبسط يديه على البيت ويقول:
اللهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآله المنتجبين
والطف لي في الدين والدنيا يا رب العالمين اللهم هذا مقام العائذ بكرمك، اللائذ
ببيتك وحرمك، رب إن البيت بيتك والعبد عبدك فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما
بيني وبينك وارض عني خلقك.
ويتعلق بأستار الكعبة ويقول:
اللهم بك استجرت فأجرني وبك استغثت فأغثني يا رسول الله يا أمير
المؤمنين يا فاطمة بنت رسول الله يا حسن يا حسين.
ويسمي الأئمة إلى آخرهم.
بالله ربي أستغيث وبكم إليه تشفعت، أنتم عمدتي وإياكم أقدم بين يدي
حوائجي فكونوا شفعائي إلى الله في إجابة دعائي وتبليغي في الدين والدنيا مناي.
اللهم ارحم بهم عبرتي واغفر بشفاعتهم خطيئتي واقبل مناسكي واغفر لي ولوالدي
واحفظني في نفسي وأهلي وجميع إخواني وأشركهم في صالح دعاي إنك على كل
شئ قدير.
ويستحب أن يقول في الطواف:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض وأسألك بكل اسم عظمته وكتاب أنزلته ورسول ارتضيته وإمام
اجتبيته ومؤمن ارتضيته وعمل قبلته أن تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وتجاوز عن زلتي
وتشكر سعيي في مرضاتك وتضاعف ثوابي على طاعتك وتوسع على من رزقك الحلال
إنك على كل شئ قدير.
وأن يقرأ إنا أنزلناه، ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة أو لضرورة، وإن قطعه
للصلاة بنى على ما طاف ولو كان شوطا واحدا، وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما
طاف إن كان أكثر من النصف، وإن كان أقل منه استأنفه، ويستأنفه إن قطعه مختارا
على كل حال ويستأنفه إن شك وهو طائف فلم يدر كم طاف ولا يحصل له شئ جملة،
404

أو شك بين ستة وسبعة بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط، فإن شك بين سبعة وثمانية
قطعه ولا شئ عليه وهذا حكمه لو ذكر وهو في بعض الثامن أنه طاف سبعة، فإن ذكر
بعد أن تممه أضاف إليه ستة أخرى وصار له طوافان ولزمه لكل طواف ركعتان وقد
دللنا على وجوب هاتين الركعتين في كتاب الصلاة، ولا يجوز له الطواف راكبا إلا
لضرورة بدليل الاجماع وطريقة الاحتياط.
فصل:
فإذا أراد السعي استحب له أن يأتي الحجر الأسود فيستلمه، وأن يأتي زمزم فيشرب
من مائها ويغتسل منه إن تمكن أو يصب منه على بعض جسده، وينبغي أن يكون ذلك
من الدلو المقابل للحجر الأسود وأن يكون الخروج إلى السعي من الباب المقابل للحجر
أيضا بدليل الاجماع المشار إليه.
فصل: في السعي:
السعي ركن من أركان الحج وهو على ضربين: سعي المتعة وسعي الحج، وأول وقت
سعي المتعة من حيث يفرع من طوافها، وأول وقت سعي الحج من حين الفراع أيضا من
طوافه وحكمه في جواز التقديم للضرورة حكم الطواف، ويمتد كل واحد منهما بامتداد
وقت الطواف وحكم كل واحد منهما في الإخلال به عن اختيار أو اضطرار ما ذكرناه
من حكم المخل بالطواف بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف في
براءة ذمة المكلف إذا سعى وليس على براءة ذمة من لم يسع سعي المتعة إذا اقتصر على
سعي الحج، ومن سعى الحج إذا أجبر بدم دليل.
والمفروض من السعي النية ومقارنتها واستدامة حكمها والبداءة بالصفا والختام
بالمروة، وأن يكون سبعة أشواط بدليل ما قدمناه.
والمسنون فيه أن يكون على طهارة وأن يصعد الصفا ويستقبل الكعبة ويكبر الله
ويحمده ويهلله سبعا سبعا ويقول:
405

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا
يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، ثلاث مرات.
ويصلى على محمد وآله كذلك ويقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر ويقول:
اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة. اللهم اغفر لي
كل ذنب أذنبته وإن عدت فعد على بالمغفرة إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أظلني
بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم استعملني بطاعتك وطاعة رسولك وتوفني على
ملته واحشرني في زمرته، اللهم آتنا من فضلك وأوسع علينا من رزقك وبارك لنا في
الأهل والمال اللهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق وآتنا من لدنك رحمة نستغني
بها عن رحمة من سواك اللهم صل على محمد وآله واغفر لي ولوالدي ولجميع
المؤمنين.
وأن يقول إذا نزل من الصفا ونوى السعي وابتدأ فيه:
يا رب العفو يا من أمر بالعفو وهو أولى بالعفو العفو العفو.
وأن يكرر ذلك وهو يمشي حتى يبلغ المنارة فإذا بلغها استحب له إن كان رجلا أن
يهرول وإن كانت امرأة مشت على حالها وأن يقول:
اللهم اهدني للتي هي أقوم واغفر لي وارحمني وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز
الأكرم.
ويقول ذلك حتى يبلغ المنارة الأخرى ويجاوز سوق العطارين فيقطع الهرولة ويمشي
إلى المروة وهو يقول:
يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآله واغفر لي ذنوبي إنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم.
ويكرر ذلك حتى يصل إلى المروة وأن يصعد المروة ويقول من التكبير والتحميد
والتهليل والصلاة على محمد وآله مثل ما قال على الصفا ثم يقول:
اللهم إني أسألك حسن الظن بك وصدق النية في التوكل عليك اللهم افعل بي ما
أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله تغفر لي وترحمني
406

وإن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني.
وإذا انحدر عائدا إلى الصفا فعل في كل موضع مثل ما فعل فيه أولا من دعاء وغيره
ولا يزال كذلك حتى يكمل سبعة أشواط، وحكم قطع السعي والسهو فيه والشك حكم
ذلك في الطواف، ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة، ويجوز الوقوف عند الإعياء والجلوس
على الصفا والمروة، ويجوز السعي راكبا والمشي أفضل ودليل ذلك كله إجماع الطائفة عليه.
فصل:
فإذا فرع المتمتع من سعي المتعة وجب عليه التقصير وهو أن يقص شيئا من أظفاره
وأطراف شعر رأسه ولحيته أو من أحد ذلك، فإذا فعل ذلك أحل من كل شئ أحرم منه
إلا الصيد لكونه في الحرم، والأفضل له أن يتشبه بالمحرمين إلى أن يحرم له بالحج فإن نسي
التقصير حتى أحرم بالحج فعليه دم شاة، والإحرام بالحج ينبغي أن يكون عند زوال
الشمس من يوم التروية في المسجد الحرام وأفضل ذلك تحت الميزاب أو عند المقام يصنع
فيه كما صنع في الإحرام الأول من الغسل ولبس ثوبيه والصلاة والدعاء والنية وعقده
بالتلبية الواجبة إلا أنه لا يذكر في الدعاء إلا الحج فقط ولا يرفع صوته بالتلبية، ثم يخرج
متوجها إلى منى وهو يقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر، فإذا بلغ إلى الرقطاء دون الردم وأشرف
على الأبطح رفع صوته بالتلبية الواجبة والمندوبة ويقول:
لبيك بحجة تمامها عليك ويدعو فيقول:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي وتقبل مني وأعطني
سؤلي من رضوانك وأجرني من عذابك.
فإذا أتى منى قال:
الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغنيها في عافية اللهم هذه منى وهي مما مننت
به علينا، فأسألك أن تمن على فيها بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي
قبضتك، حيث أطلب رحمتك وأؤم رضوانك فاجعل حظي منها أوفر حظ برحمتك.
ويستحب أن يبيت بمنى ويصلى بها المغرب وعشاء الآخرة والفجر ليكون الإفاضة
407

منها إلى عرفات ولا يفيض منها حتى تطلع الشمس ويقول المتوجه إلى عرفات:
اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت، أسألك أن تصلي على محمد
وآله وتبارك لي في رحلتي هذه وتجعلها خير غدوة غدوتها قط أقربها من رضوانك
وأبعدها من سخطك.
ويلبي بالواجبة والمندوبة رافعا بهما صوته ويقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر حتى يأتي
عرفات ودليل هذا كله اتفاق الطائفة عليه.
فصل: في الوقوف بعرفة:
الوقوف بها ركن من أركان الحج بلا خلاف، وأول وقته من حين تزول الشمس من
اليوم التاسع بلا خلاف إلا من أحمد، وآخره للمختار إلى غروبها وللمضطر إلى طلوع
الفجر يوم النحر بلا خلاف، فمن فوته مختارا بطل حجه بلا خلاف، وإن كان مضطرا
فأدرك المشعر الحرام في وقت المضطر فحجه ماض بدليل إجماع الطائفة، وأيضا فقد ثبت
وجوب الوقوف بالمشعر على ما سندل عليه، وكل من قال بذلك قال بما ذكرناه، وتفرقة
بين الأمرين يبطلها الاجماع.
ويستحب لمن أتى عرفات أن يضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة، وأن يغتسل إذا
زالت الشمس ويجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وأن يكون وقوفه في ميسرة
الجبل وأن يدعو في حال الوقوف بدليل الاجماع المشار إليه، والواجب في الوقوف النية
ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يكون في الجبل إلا لضرورة، ولا في نمرة ولا ثوية ولا
ذي المجاز ولا تحت الأراك وأن يكون إلى غروب الشمس، فإن أفاض قبل الغروب
متعمدا عالما بأن ذلك لا يجوز فعليه بدنة كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وكيفية الوقوف أن يتوجه إلى القبلة فيسبح الله تعالى مائة مرة ويحمده مائة مرة ويهلله
مائة مرة ويكبره مائة مرة ويصلى على محمد وآله مائة مرة ويقول:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله مائة مرة ويقول:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله مائة مرة ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا
408

يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. مائة مرة.
ويقرأ من أول سورة البقرة عشر آيات وآية الكرسي وآخر البقرة من قوله: لله ما في
السماوات وما في الأرض إلى آخرها وآيات السخرة وهي في الأعراف من قوله: إن ربكم
الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام إلى قوله: إن رحمة الله قريب من
المحسنين، وثلاث آيات من آخر الحشر وسورتي القدر والإخلاص والمعوذتين، ثم
يقول:
اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك وارحم مسيري إليك، اللهم رب
المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من
رزقك وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس اللهم إني أسألك بحولك وطولك ومجدك
وكرمك وفضلك يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم
الراحمين أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا.
ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ويقر بما يعرفه من ذنوبه ويعترف به ذنبا ذنبا
ويستغفر الله منه، وما لم يذكره يستغفر منه على الجملة ويرفع رأسه إلى السماء ويقول:
اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما
أعطيتني فكاك رقبتي من النار اللهم إني عبدك ناصيتي بيدك وأجلي بعلمك
أسألك أن توفقني لما يرضيك عني وأن تسلم لي مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم
عليه السلام ودللت عليها نبيك محمدا صلى الله عليه وآله، اللهم اجعلني ممن رضيت
عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة، الحمد لله على نعمائه التي لا
تحصى بعدد ولا تكافأ بعمل الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا وفضلني
على كثير ممن خلق تفضيلا والحمد لله الذي رزقني ولم أك أملك شيئا الحمد لله على
حلمه بعد علمه والحمد لله على عفوه بعد قدرته الحمد لله على رحمته التي سبقت
غضبه.
ثم يدعو بدعاء الموقف ويجتهد في المسألة والاستغفار.
409

فصل:
فإذا غربت الشمس وأفاض إلى المشعر قال:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني واقلبني اليوم
مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك برحمتك
يا أرحم الراحمين.
فإذا وصل إلى الكثيب الأحمر وهو عن يمين الطريق قال:
اللهم صل على محمد وآله وزك عملي وارحم ذلي في موقفي فوقني وسلم لي ديني
وتقبل مناسكي.
فإذا وصل إلى المشعر - وحده ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر - نزل
به.
فصل: في الوقوف بالمشعر:
الوقوف بالمشعر ركن من أركان الحج ووقته للمختار من طلوع الفجر إلى ابتداء طلوع
الشمس ويمتد للمضطر الليل كله، فمن فاته حتى طلعت الشمس فلا حج له، يدل على
ذلك الاجماع المتكرر ذكره وطريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف في صحة حج من وقف به
وليس كذلك من لم يقف، وأيضا قوله تعالى: فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
وظاهر الأمر يقتضي الوجوب ولا يصح الذكر فيه إلا بعد الكون به وما لا يتم الواجب إلا
به فهو واجب، وأيضا ففعل النبي عليه السلام يدل على ذلك لأنه لا خلاف أنه وقف به
وقد قال ع: خذوا عني مناسككم وقد روي من طرق المخالف أنه ع
قال: من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج له، ويعارض المخالف بما قدمناه من روايتهم
عنه ع من قوله، وهو بالمزدلفة:
من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف
بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه لأنه يدل على أن تمام الحج يتعلق بالوقوف
بالموقفين وقد قدمنا الجواب عن روايتهم عنه ع: من وقف بعرفة فقد تم حجه
410

، وقوله: الحج عرفة.
والواجب في الوقوف النية ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يرتفع الواقف إلى
الجبل إلا لضرورة من ضيق أو غيره بدليل الاجماع المشار إليه، والدعاء بأقل ما يسمى به
المرء داعيا عند بعض أصحابنا والاحتياط يقتضي ذلك وظاهر قوله تعالى: فاذكروا
الله عند المشعر الحرام. والمستحب أن يطأ المشعر وأن يكبر الله تعالى ويسبحه ويحمده
ويهلله مائة مرة ويصلى على محمد وآله ما تيسر ويقول:
اللهم اهدني من الضلالة وأنقذني من الجهالة واجمع لي خير الدنيا
والآخرة وخذ بناصيتي إلى هداك وانقلني إلى رضاك فقد ترى مقامي بهذا المشعر
الذي انخفض لك فرفعته وذل لك فأكرمته وجعلته علما للناس فبلغني فيه مناي ونيل
رجاي اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري وبشري على النار وأن
ترزقني حياة طيبة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك واتباعا لأوامرك
وخير الدارين جامعا وأن تحفظني في نفسي وأهلي ومالي وإخواني برحمتك.
وأن يجتهد في الدعاء والمسألة إلى ابتداء طلوع الشمس فإذا طلع أفاض من المشعر،
ولا يجوز لأحد مع الاختيار أن يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر ولا يجوز وادي محسر حتى
تطلع الشمس ولا يخرج الإمام من المشعر حتى تطلع الشمس، ويجوز للنساء إذا خفن
مجئ الدم الإفاضة ليلا وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير ودخول مكة للطواف
والسعي، ولا يجوز أن تصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتها بخروج وقت
المضطر، ويستحب الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، ويستحب إذا أفاض من المشعر
إلى منى أن يسير بسكينة ووقار ذاكرا لله سبحانه مستغفرا له، وأن يقطع وادي محسر
بالهرولة ويجزئه أن يهرول فيه مائة خطوة وإن كان راكبا حرك فيه راحلته، كل ذلك
بدليل الاجماع المتكرر ذكره.
فصل: في نزول منى:
وحد منى من طرف وادي محسر إلى العقبة، وقد ذكرنا أن من السنة المبيت بها ليلة
411

عرفة وكذلك نزولها يوم النحر لقضاء المناسك بها من رمى جمرة العقبة والذبح والحلق
والتقصير، وكذلك نزولها أيام التشريق للرمي والمبيت بها ليالي هذه الأيام إلى حين
الإفاضة بلا خلاف، فإن ترك المبيت بها مختارا من غير عذر ليلة فعليه دم، فإن ترك
ليلتين فعليه دمان بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، فإن ترك الثالثة فلا شئ عليه
لأن له أن ينفر في النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، فإن لم ينفر فيه حتى
غربت الشمس فعليه المبيت الليلة الثالثة، فإن نفر ولم يبت فعليه دم ثالث بدليل ما
قدمناه، وأيضا قوله تعالى: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه. فعلق الرخصة باليوم
الثاني وهذا قد فاته في اليوم الثاني فلا يجوز له أن ينفر، ومن أصاب النساء أو شيئا من
الصيد أو كان صرورة فليس له أن ينفر في النفر الأول بل يقيم إلى النفر الأخير وهو
اليوم الثالث من أيام التشريق، ويجوز لمن عدا ما ذكرناه أن ينفر في الأول وتأخير النفر
الأخير أفضل له.
ومن أراد النفر في الأول فلا ينفر حتى تزول الشمس إلا لضرورة فإنه يجوز معها قبل
الزوال، ومن أراد النفر في الأخير جاز له ذلك بعد طلوع الشمس أي وقت شاء، ومن
أراد المقام بها جاز له ذلك إلا الإمام وحده فإن عليه أن يصلى الظهر بمكة، كل ذلك
بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.
فصل: في الرمي:
لا يجوز الرمي إلا بالحصى بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، ويعارض
المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص حين هبط وادي محسر: أيها
الناس عليكم بحصى الخذف، وهذا نص فلا يجوز بالحصى المأخوذ من غير الحرم ولا
بالمأخوذ من المسجد الحرام أو من مسجد الخيف ولا بالحصى الذي قد رمى به مرة أخرى
سواء كان هو الرامي به أو غيره بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وفعل النبي
عليه السلام يدل على ذلك لأنه لا خلاف أنه لم يرم بما ذكرناه وقد قال: خذوا عني
مناسككم، ومقدار الحصاة كرأس الأنملة، وأفضله الملتقط من المشعر الحرام البرش منه
412

ثم البيض والحمر، وتكره السود ويكره أن يكسره بدليل الاجماع المشار إليه وهو سبعون
حصاة، يرمي يوم النحر جمرة العقبة وهي القصوى بسبع ويرمي في كل يوم بعده الجمار
الثلاث بإحدى وعشرين حصاة، ووقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع
الشمس من يوم النحر بلا خلاف، ووقت الاجزاء من طلوع الفجر مع الاختيار، فمن
رمى قبل ذلك لم يجز إلا أن يكون هناك ضرورة على ما قدمناه.
ووقت الرمي في أيام التشريق كلها بعد الزوال، ومن فاته رمى يوم حتى غربت
الشمس قضاه في اليوم الثاني في صدر النهار، ومن فاته الرمي بخروج أيام التشريق
قضاه من قابل أو استناب من يرمي عنه، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة
الاحتياط، ويجب أن يبدأ بالجمرة الأولى وهي العظمى وهي التي إلى منى أقرب، ثم
الوسطى، ثم جمرة العقبة وهي التي إلى مكة أقرب، فإن خالف الترتيب استدركه بدليل
إجماع الطائفة، وأيضا فلا خلاف في صحته مع الترتيب وليس كذلك مع عدمه، وأيضا
فقد اتفق على أنه ع رتب الرمي، وفعله يقع موقع البيان فيجب الاقتداء به.
ويستحب أن يقف عند الأولى والثانية ويكبر مع عدد كل حصاة ولا يقف عند
الثالثة كل ذلك بلا خلاف، ويستحب أن يكون الرامي على طهارة، وأن يقف من
قبل وجه الجمرة ولا يقف من أعلاها، وأن يكون بينه وبينها قدر عشرة أذرع إلى خمسة
عشر ذراعا وأن يقول والحصاة في يده:
اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
وأن يرمي خذفا وهو أن يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها بظاهر مسبحته
ويقول:
بسم الله اللهم صل على محمد وآله وادحر عني الشيطان وجنوده، اللهم إيمانا
بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا
مغفورا.
وإذا نسي فرمى الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخريين على التمام، ثم
ذكر استأنف ورمى الجمرات الثلاث من أوله، فإن كان رمى الأولى بأربع تمم رميها
413

بثلاث حصيات ولم يعد الرمي على الجمرتين الأخريين، وهذا حكمه إذا نسي فرمى
الوسطى بثلاث أو أربع ورمى الثالثة على التمام، وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم
لأي الجمرات هي رمى كل جمرة بحصاة، وإذا رمى حصاة فوقعت في محمل أو على ظهر
بعير ثم سقطت على الأرض أجزأت وإلا فعليه أن يرمي عوضا عنها، كل ذلك بدليل
الاجماع المشار إليه.
فصل: في الذبح:
الذبح على ضربين: مفروض ومسنون:
فالمفروض في هدي النذر وهدي الكفارة وهدي التمتع وهدي القران بعد التقليد أو
الإشعار، والمسنون في هدي القران قبل التقليد والإشعار والأضحية، وهدي النذر يلزم من
صفته وسياقه و تعيين موضع ذبحه أو نحره ما يشترط الناذر بلا خلاف، وإن نذر هديا بعينه لم
يجزه غيره بدليل الاجماع من الطائفة وطريقة الاحتياط، وإن نذر مطلقا ولم يعين شيئا
مما ذكرناه فعليه أن يهدي إما من الإبل أو البقر أو الغنم وأن ينحره أو يذبحه بمكة قبالة
الكعبة بدليل ما قدمناه من الاجماع وطريقة الاحتياط، ولا يجوز أن يكون الهدي إلا ما
ذكرناه بدليل ما قدمناه وأيضا قوله: فما استيسر من الهدي. لأنه لا خلاف أنه
يتناول الإبل والبقر والغنم دون غيرها، وهدي النذر مضمون على الناذر يلزمه عوض ما
انكسر منه أو مات أو ضل ولا يحل له الأكل منه بدليل ما قدمناه من الاجماع وطريقة
الاحتياط.
وأما هدي الكفارة فيختلف على حسب اختلاف الجنايات على ما قدمناه، ويلزم
سياق ما وجب عن قتل الصيد من حيث حصل القتل إن أمكن ذلك، ولا يلزم سياق ما
وجب عما عدا ذلك من الجنايات، ويذبح أو ينحر إن كان لتعد في إحرام المتعة أو
العمرة المبتولة المفردة بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى وحكمه في الضمان وتحريم
الأكل حكم هدي النذر.
وأما هدي التمتع فأعلاه بدنة وأدناه شاة ويذبح أو ينحر بمنى، وكذا هدي القران
414

ويلزم سياقه بعد التقليد أو الإشعار على ما قدمناه وإن كان ابتداؤه تطوعا بدليل الاجماع
المشار إليه وطريقة الاحتياط.
إليه وطريقة الاحتياط.
والتقليد: هو أن يعلق عليه نعل أو قلادة، والإشعار: أن يشق السنام من الجانب
الأيمن بحديدة حتى يسيل الدم، ومن السنة ذلك لكل من ساق هديا بدليل الاجماع
المشار إليه، ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم من أنه ع صلى الظهر
بذي الحليفة، ثم دعي ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها من الجانب الأيمن.
ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: فكلوا منها
وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم، والهدي الذي يترتب
عليه قضاء التفث هو هدي التمتع والقران، ويجوز الأكل من الأضحية بلا خلاف،
وأفضل الهدي والأضاحي من الإبل والبقر والمعز الإناث ومن الغنم الفحولة، ولا يجوز
من الإبل والبقر والمعز إلا الثني وهو من الإبل الذي قد تمت له خمس سنين ودخل في السادسة
ومن البقر والمعز الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية ويجزئ من الضأن الجذع وهو
الذي لم يدخل في السنة الثانية، ولا يجوز مع الاختيار أن يكون ناقص الخلقة ولا أعور
بين العور ولا أعرج بين العرج ولا مهزولا ولا أخرم ولا أجدع وهو المقطوع الأذن ولا
خصيا ولا أعضب وهو المكسور القرن، إلا أن يكون الداخل صحيحا، والخارج مقطوعا
فإنه جائز.
ولا يجوز التضحية بمنى إلا بما قد أحضر عرفات سواء هو أو غيره، ولا يجزئ الهدي
الواحد في الواجب إلا عن واحد مع الاختيار ومع الضرورة تجزئ البدنة أو البقرة عن
خمسة وعن سبعة، فأما المتطوع به فيجوز اشتراك الجماعة فيه مع الاختيار إذا كانوا أهل
خوان واحد وإن لم يكونوا كذلك فاشتراكهم جائز مع الاضطرار، ومن السنة أن يتولى
المهدي الذبح أو النحر بنفسه أو يشارك الفاعل لذلك وأن ينحر لما ينحر وهو قائم معقول
اليد اليسرى من الجانب الأيمن من اللبة، ولا يجوز أن يعطي الجزار شيئا من الهدي ولا
من جلاله على جهة الأجرة ويجوز على وجه الصدقة.
415

وأيام الذبح بمنى أربعة: يوم النحر وثلاثة بعده، وفي سائر الأمصار ثلاثة: يوم
النحر ويومان بعده، ويجوز ذبح هدي التمتع طول ذي الحجة، ومن لم يجده ووجد ثمنه
تركه عند من يثق به ليشتريه في العام المقبل ويذبحه عنه، فإن لم يقدر على الثمن صام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله على ما بيناه فيما مضى، كل ذلك بدليل
إجماع الطائفة.
فصل: في الحلق:
إذا ذبح الحاج هديه أو نحره فليحلق رأسه، يجلس مستقبل القبلة ويأمر الحلاق
أن يبدأ بالناصية من الجانب الأيمن ويقول:
اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفات وكفر عني
السيئات إنك على كل شئ قدير.
والحلق نسك وليس إباحة محضة كاللبس والطيب بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله
تعالى: ثم ليقضوا تفثهم. وقد جاء في التفسير أنه الحلق وباقي المناسك من الرمي
وغيره، وإذا أمر تعالى به فهو نسك ويعارض المخالف بما رووه من أنه ع
قال لأصحابه:
انحروا واحلقوا، وأنه دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ولولا أنه نسك لما أمر
به ولا استحق لأجله الدعاء، ويجوز التقصير بدلا من الحلق وقد روي أن الصرورة لا
يجزئه إلا الحلق، وينبغي أن يكون الحلق بمنى، فمن نسيه حتى خرج منها عاد إليها
فحلق، فإن لم يتمكن حلق بحيث هو وبعث شعره ليدفن، كل ذلك بدليل الاجماع
المشار إليه.
فصل:
ثم يدخل مكة من يومه أو من الغد لطواف الزيارة - وهو طواف الحج - وللسعي
بين الصفا والمروة ولطواف النساء، ويصنع قبل دخوله مكة والمسجد وفي الطواف
416

والسعي مثل ما فعله أولا ثم يخرج من يومه إلى منى للمبيت بها ورمى الجمار على ما
قدمناه، ويستحب له إذا نفر من منى أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه ست ركعات
عند المنارة التي في وسطه ويسبح تسبيح الزهراء ع ويدعو بما أحب وأن يحول
وجهه إلى منى إذا جاوز جمرة العقبة ويقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المقام وارزقنيه أبدا ما أبقيتني.
وأن يدخل مسجد الحصباء إذا بلغ إليه ويصلى فيه ويستريح بالاستلقاء على ظهره،
وإذا أراد المسير من مكة استحب له أن يطوف بالبيت طواف الوداع وأن يدخله ويصلى
في زواياه وعلى الرخامة الحمراء ويكثر من التضرع والدعاء وأن يأتي زمزم فيشرب من
مائها ويصلى عند المقام ركعتين ويدعو بدعاء الوداع، كل ذلك بدليل الاجماع المتكرر.
فصل:
وحكم النساء حكم الرجال إلا في النحر والإحرام والحلق وعليهن كشف الوجوه
والتقصير ولا يستحب لهن رفع الصوت بالتلبية ولا الهرولة بين الميلين، وتؤدي الحائض
والنفساء جميع المناسك إلا الطواف فإنها تقضيه إذا طهرت بدليل الاجماع المشار إليه،
وليس وجود المحرم شرطا في وجوب الحج على المرأة في صحة الأداء بدليل الاجماع الماضي
ذكره وقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. وفسر النبي
عليه السلام السبيل بالزاد والراحلة ولم يشترط المحرم.
فصل:
وأما ما يفسد الحج فقد تقدم فيما مضى فلا وجه لإعادته، وأما ما يتعلق به من
الأحكام قد مضى أيضا معظمه في المواضع التي يختص بذكره وبقي ما نحن ذاكرون
المهم منه.
اعلم أن من مات وعليه حجة الاسلام وجب اخراجها من أصل التركة، سواء أوصى
بها أو لم يوص بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، وأيضا فقد اتفقنا على وجوب
417

الحج عليه فمن أسقطه بالموت فعليه الدليل، ويعارض المخالف به بخبر الخثعمية لأنه
عليه السلام سمي الحج دينا وأكده على دين الآدمي بقوله: فدين الله أحق أن يقضي،
والدين يخرج من أصل التركة ويقدم على الميراث.
ومن نذر الحج وعليه حجة الاسلام لزمه أداء الحجتين لأنهما فرضان اختلف
سببهما، فلا يسقط أحدهما بفعل الآخر وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة يقتضي
ما اخترناه ولا يجري ذلك مجرى ما يتداخل من الحدود والكفارات لأنها عقوبات، فجاز
سقوط بعضها بفعل بعض وما نحن فيه مصالح وعبادات يفتقر بصحة أدائها إلى النية
وإنما لامرئ ما نوى، ومن كان فقيرا وبذلت له الاستطاعة لزمه الحج لإجماع الطائفة
وظاهر قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت... الآية.
ومن صد بعدو أو أحصر بمعرض فلم يستطع النفوذ لأداء المناسك، فإن كان قارنا
أنفذ هديه، وإن كان متمتعا أو مفردا أنفذ ما يبتاع به الهدي، فإذا بلغ محله وهو يوم
النحر فليحلق رأسه ويحل إن كان مصدودا بعدو من كل شئ أحرم منه، وإن كان
محصورا بمرض تحلل من كل شئ إلا النساء حتى يطوف طوافهن من قابل أو يطاف عنه
والدليل على ذلك الاجماع الماضي ذكره وأيضا قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي، وذلك عام في المرض والعدو معا، وليس لأحد أن يقول: الآية خاصة في الإحصار
بالعدو لأنها نزلت بسبب صد المشركين عام الحديبية للنبي ص
وللمسلمين عن البيت لأن الكلام إذا خرج على سبب لم يجز قصره عليه، بل يجب حمله
على عمومه وإدخال السبب فيه على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه ويؤيد ذلك في
هذا الموضع أنه تعالى لو أراد الإحصار بالعدو خاصة، لقال: فإن حصرتم لأنه اللفظ
المختص بالعدو دون المرض ولم يقل أحصرتم من الإحصار المشترك بينهما.
قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وثعلب وأكثر أهل اللغة: يقال أحصره المرض لا غير
وحصره العدو وأحصره أيضا وليس لأحد أن يقول: قوله تعالى في سياق الآية فإذا أمنتم
فمن تمتع بالعمرة دليل على أنه أراد الإحصار بالعدو ولأن الأمن قد يكون من المرض وهو
أن يأمن زيارته على أن لفظ الإحصار إذا كان حقيقة في المرض والعدو كان قوله تعالى:
418

فإذا أمنتم راجعا إلى بعض ما يتناوله العموم وهذا لا يمنع من دخول غير ما تعلق به
التخصيص في الخطاب.
ولا يجوز ذبح هدي الإحصار إلا بمحله من البيت أو منى مع الاختيار، ومع الضرورة
يجوز ذبحه بحيث هو بعد أن ينتظر به بلوع محله وهو يوم النحر بدليل الاجماع المشار إليه
وأيضا قوله تعالى: ولا تخلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، ولا شبهة في أنه تعالى
كلف ذلك مع التمكن منه، فإذا فقد التمكن يسقط تكليف ويحتج على من قال: بأن
ذبحه لا يجوز إلا بالحرم، بأن النبي ص ذبح هديه بالحديبية حين صده
المشركون عن مكة وهذا مما قد اتفقوا على روايته.
وإذا لم يكن لمن ذكرنا حاله هدي ولا قدر على شرائه لم يجز له التحلل ويبقى
الهدي في ذمته ويبقى محرما إلى أن يذبحه من قابل أو يذبح عنه ولم ينتقل إلى الإطعام
ولا إلى الصوم، بدليل الاجماع الماضي ذكره وأيضا قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي... الآية، والتقدير فإن أحصرتم وأردتم التحلل فما استيسر من الهدي، ولا
تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فإذا بلغ فاحلقوا، ولم يذكر لذلك بدلا ولو كان
له بدل لذكره كما ذكر بدل نسك حلق الرأس من الأذى، وبهذا نستدل على أن قوله:
فحلني حيث حبستني لا يعني عن الهدي في التحلل وإنما ندب المكلف إلى هذا القول
تعبدا.
ويجب على من ذكرنا حاله القضاء إن كان حجا واجبا ولا قضاء عليه إن كان
تطوعا والاستئجار على الحج عن الميت والمغصوب جائز بدليل الاجماع المشار إليه،
وأيضا فالأصل جواز الإجارة في جميع الأشياء فمن منع من ذلك في بعضها فعليه الدليل،
ويعارض المخالف بما رووه من قوله ص للذي سمعه يلبي عن شبرمة حج
عن نفسك ثم عن شبرمة وبخبر الخثعمية لأنه دل على جواز النيابة.
ويستحق الأجير جميع الأجرة بأداء الحج بلا خلاف ممن أجاز الاستئجار كذا
حكمه عندنا إن مات بعد الإحرام ودخول الحرم بلا خلاف بين أصحابنا، ويسقط
الحج عن المحجوج عنه بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بخبر الخثعمية لأن
419

ظاهره يقتضي أنه يسقط بالنيابة كما يسقط أيضا الدين.
ومتى صد النائب عن النفوذ قبل دخول الحرم وجب عليه أن يرد ما بقي عنده من
نفقة الطريق، ويجب عليه أيضا قضاء الحج إذا أفسده وكفارة ما يجنيه فيه من ماله
بدليل الاجماع الماضي ذكره، ويجوز أن يكون النائب صرورة إذا كان غير مخاطب بالحج
لعدم الاستطاعة، فإذا كان مخاطبا بذلك لم تجز له النيابة حتى يؤدى ما عليه، ويلزم
النائب أن ينوي بكل منسك أداه نيابة عن فلان بن فلان طاعة لله وقربة إليه كل ذلك
بدليل الاجماع المتكرر.
ومن فاته الحج بقي على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق ثم دخل مكة فطاف وسعى
وجعل حجته عمرة ومن وكيد السنة قصد المدينة لزيارة النبي ص.
فصل:
والعمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر، ومن سواهم يغنيه عن
نيل العمرة تمتعه بها إلى الحج، وقد ندب إلى التطوع بها في كل شهر مرة أو في كل سنة،
وأفضل الشهور للاعتمار رجب ويصنع مريدها في الإحرام لها والطواف والسعي مثل ما
قدمناه أولا، ويطوف بعد السعي طوافا آخر وهو طواف النساء لأنه لازم في العمرة
المفردة كالحج، ثم يحلق رأسه ويذبح إن كان قد ساق هديا قبالة الكعبة أو يتبرع بذلك
إن شاء وقد أحل من كل شئ أحرم منه، وحكمه إن صد بعدو أو أحصر بمرض ما
قدمناه كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
ويدل على وجوب العمرة أيضا قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله، والإتمام لا
يحصل إلا بالدخول فوجب، وقد روي المخالف عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرءا:
وأقيموا الحج والعمرة لله، ويحتج على المخالف بما روي من قوله ص
للذي سأله عن الاسلام: هو أن يشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله: ويحج ويعتمر، وهذا
نص لأنه عد العمرة من فرائض الاسلام.
420

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
421

كتاب الحج:
الحج: القصد في اللغة وخص في الشرع بالقصد إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك
مخصوصة عنده على وجه مخصوص في وقت مخصوص. والعمرة: الزيارة في اللغة وخصت
في الشريعة بزيارة البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده على وجه مخصوص وكلاهما
ضربان: مقضي لنفسه أو لغيره.
فالأول ضربان: فرض ونفل. والفرض ثلاثة أضرب: مطلق ونذر وقضاء.
والثاني ثلاثة أضرب: لازم بالأجرة أو الوصية أو الولاية.
فالمطلق حجة الاسلام وعمرته ويجبان في العمرة مرة باجتماع تسعة شروط والرجل
والمرأة فيهما سواء وهي: البلوغ، وكمال العقل، والصحة، و الحرية، ووجود الزاد،
والراحلة، وتخلية السرب من الموانع، وإمكان المسير، والرجوع إلى كفاية من المال أو
الصنعة أو الحرفة.
وتنقسم الشروط ثلاثة أقسام: فبعضها يؤثر في الوجوب دون الصحة والبعض في
الصحة دون الوجوب والبعض فيهما معا. فالأول سبعة: البلوغ والحرية والصحة
ووجود الراحلة والزاد وتخلية السراب وإمكان المسير. والثاني يؤثر في الصحة وهو
الاسلام. والثالث كمال العقل لأن المجنون والصبي لا يجب عليهما والكافر لا تصح
منه وإن وجب عليه. وإذا سقط الوجوب لاختلال أحد هذه الأوصاف لم يسقط
الاستحباب إلا لعذر والمستحب لا يجزئ عن الوجوب.
والنذر بالحج لا يصح من أربعة: الكافر والصبي والمجنون والعبد إلا بإذن مولاه
423

ويصح من غيرهم. ومن يصح منه لم يخل: إما نذر أن يحج حجة الاسلام ولم يلزمه
سواها أو نذر مطلقا ولزمه كيف أمكنه، فإن نذر مشروطا بسنة معينة لزمه فإن فاته لعذر
لم يلزمه القضاء وإن فاته لغير عذر لزمه القضاء وكفارة النذر، وإن نذر ماشيا وقدر لم
يجزئه راكبا وإن لم يقدر وركب وساق بدنة أجزأ.
والقضاء يلزم لكل مرة مرة إذا أفسد الحج، وسنذكر ما يفسد الحج إنشاء الله.
وأما النفل فيستحب له على حسب استطاعته، وأما ما يلزم بالأجرة فإن كان من
استؤجر صرورة ووجب عليه الحج لم يصح، وإن لم يكن صرورة أو كان ولم يجب عليه
الحج صح غيره، وكل من يصح أن يحج لنفسه يصح أن يحج لغيره إذا لم يكن صرورة
على ما ذكرنا. والصرورة الواجب عليه الحج إن حج عن غيره لم يجزئ عنه ولا عن
نفسه ولم يستحق الأجرة، وإن حج عن نفسه أجزأ عن حجة الاسلام ولزمه الحج لذلك
الغير، وإن لزمه الحج بالوصية لزم من صلب المال إن وجب الحج على الموصي، وإن لم
تجب كان من ثلث المال ولزم ذلك من دويرة أهله، فإن لم يسع الثلث لذلك حج من
موضع يفي به الثلث، وإن لزم الحج بالولاية لم يخل: إما ترك مالا يفي
به أو مالا لا يفي به أو مالا وعليه دين أو لم يترك مالا وكان قد وجب عليه الحج.
فالأول يلزم الولي أن يحج عنه بنفسه أو بالأجرة من ميقات أهله وإن حج من دويرة
أهله كان أفضل. والثاني يلزم أن يحج عنه من موضع يسع له. والثالث كان بين المدين
والحج على القدر. والرابع يستحب لوليه أن يحج عنه إذا قدر.
والعمرة: فرض وندب، فالفرض: مفرد وغير مفرد، فالمفرد أربعة أضرب: لازم
بالنذر أو العهد أو بعد حجة القران أو الإفراد. وغير المفرد ما يتمتع به من العمرة إلى
الحج، والندب يجوز له في كل شهر وفي كل عشرة أيام في الأقل وأفضل أوقاتها رجب
وهي تلى الحج في الفضل، ويجب الحج على الفور فإن أخر أثم، ومن حج مخالفا ثم
استبصر فإن كان لم يخل بشئ من أركان الحج أعاد استحبابا وإن أخل فيه وجبت
عليه الإعادة.
والحج ثلاثة أقسام: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد. فالأول فرض من لم
424

يكن من حاضري المسجد الحرام والحاضر من كان بين منزله وبين المسجد الحرام اثنا
عشر ميلا فإن زاد على تلك المسافة لم يكن من حاضريه، والقران والإفراد فرض
حاضريه، ومن كان فرضه القران والإفراد لم يصح منه التمتع وروي أنه يصح ولا
يلزمه دم المتعة إن كان من أهل مكة، وإن كان فرضه التمتع لم يجزئه القران ولا
الإفراد إلا مضطرا.
ومن تمتع بالعمرة إلى الحج وجب عليه الإحرام من ميقات أهله، وإن وجب عليه
القران والإفراد أحرم من بيته إن كان مكيا، وإن لم يكن مكيا أحرم من دويرة
أهله.
وأشهر الحج ثلاثة: شوال وذو القعدة وذو الحجة إلى قبيل طلوع الفجر من ليلة
النحر. والحاج بالغ وصبي، والبالغ حر وعبد أو مدبر أو مكاتب أو حرة أو أمة أو مدبرة
أو مكاتبة، ويكون كل واحد منهم مطلقا أو محصورا أو مصدودا ونفصل ذلك تفصيلا إن
شاء الله.
والحج يشمل على أربعة أقسام: أفعال واجبة ومندوبة وتروك محظورة ومكروهة.
والواجبة على ركن وغير ركن، والتروك على ما يفسد الحج ويوجب القضاء والكفارة أو
القضاء دونها وعلى ما لا يفسد الحج ويوجب الكفارة أو لا يوجب.
فأركان المتمتع في العمرة المتمتع بها أربعة: النية والإحرام من الميقات في وقته
وطواف العمرة والسعي لها. وفي الحج ستة: النية والإحرام من جوف مكة والوقوف
بالموقفين: عرفات والمشعر وطواف الزيارة والسعي لها. والمفرد على ذلك إلا أن حج المفرد
مقدم على العمرة، والقارن مثل المفرد ويتميز منه بسياق الهدي.
وغير الركن ثمانية: التلبيات الأربع مع الإمكان أو ما يقوم مقامها مع العجز من
الإيماء للأخرس أو الإشعار، والتقليد، وركعتا طواف العمرة، والتقصير بعد السعي،
وتلبية الإحرام بالحج أو ما يقوم مقامها، والهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم إذا عجز،
وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء وركعتا طوافهما. ومن حج مفردا سقط عنه
الهدي.
425

وما يوجب القضاء والكفارة ويفسد الحج شيئان: الجماع في الفرج قبلا كان أو
دبرا قبل الوقوف بالموقفين والرجل والمرأة فيه سواء، والاستمناء باليد وهو في حكم
الجماع. وإن فعل ذلك في العمرة المبتولة أوجب القضاء والكفارة وأبطلها.
وما يفسد الحج ولا يوجب القضاء والكفارة شيئان: الإحرام متعمدا مختارا بعد
التجاوز عن الميقات وفي ذلك قولان، والتلبية بعد الطواف والسعي للعمرة قبل التقصير
يفسد التمتع.
وما يوجب الكفارة ولا يبطل الحج فثمانية وثلاثون، وما لا يوجب الكفارة
الاستماع إلى من تجامع من غير رؤية حتى أمنى والتسمع لكلام النساء حتى أمنى،
والمكروه سبعة عشر شيئا وسيجئ شرح ذلك إن شاء الله.
فصل: في بيان أحكام الإحرام ومقدماته:
الإحرام أحد أركان الحج فمن تركه عامدا أو تركه عن الميقات عمدا ولم يرجع
إليه بطل حجه، وإن تركه ناسيا ولم يذكر وكان في عزمه الإحرام صح حجه، وإن ذكر
بعد ما جاوز الميقات لم يخل من ثلاثة أوجه: إما ذكر قبل دخول مكة أو بعد دخولها
وأمكنه الخروج إلى خارج الحرم أو لم يمكنه. فالأول يحرم من موضعه، والثاني يخرج
إليه ويحرم منه، والثالث يحرم من حيث انتهى إليه.
ومن أحرم لم يخل حاله من ثلاثة أضرب: إما قدم الإحرام على الميقات أو أخر
عنه أو أحرم منه. فالأول لا ينعقد إلا لاثنين: أحدهما من نذر تقديم الإحرام على
الميقات، والثاني من يريد أن يعتمر في رجب ويخاف إن لم يحرم قبل الوصول إليه
انقضى الشهر. والثاني لم يخل من ثلاثة أوجه: إما ترك عمدا من غير عذر أو نسيانا وقد
ذكرنا حكمهما أو ترك لعذر وحكمه أن يحرم من حيث انتهى إليه. والثالث فرضه ذلك.
والمواقيت خمسة: بطن العقيق وهو لأهل العراق ومن يحج على طريقهم وله ثلاثة
محارم: أولها وأفضلها المسلخ وثانيها غمرة وثالثها ذات عرق ولا يتجاوز ذات عرق إلا
لعذر، والثاني ميقات أهل المدينة ولهم ميقاتان ذو الحليفة والجحفة، والثالث ميقات
426

أهل الشام وهو الجحفة وتسمى المهيعة، والرابع ميقات أهل اليمن وهو يلملم والخامس
ميقات أهل الطائف وهو قرن المنازل.
ومن حج لم يخل: إما كان منزله دون الميقات أو فوقه، فالأول يحرم من منزله
والثاني يحرم من الميقات، ومن عجز عن الإحرام لمرض أحرم عنه وليه وجنبه ما يلزمه
الاجتناب عنه وقد تم إحرامه.
والإحرام يشتمل على أفعال وتروك، والأفعال على واجبات ومندوبات،
فالواجبات ستة أشياء: الإحرام من الميقات في أشهر الحج، والنية، واستدامة حكمها
حتى يفرع، ولبس ثوبيه يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر، والتلبيات الأربع مع
الإمكان والإيماء للأخرس، والإشعار والتقليد في حكم التلبية.
والمندوب ضربان: مقدم عليه ومقارن له. فالمقدم تسعة أشياء: توفير شعر الرأس
للمتمتع من أول ذي القعدة، والتنظيف إذا أراد الإحرام، وقص الأظفار، وأخذ
الشارب، وإزالة الشعر عن العانة وعن الإبطين، والغسل، والإحرام عقيب صلاة الظهر
أو عقيب غيرها من الصلاة المفروضة إن لم يكن وقتها فإن لم يكن وقت فريضة صلى
ست ركعات للإحرام وأحرم بعدها وإن كان بعد فريضة صلى ركعتين له وأحرم بعدهما وإن
صلى ستا كان أفضل وإن لم يتمكن من صلاة الست ركعات إذا لم يكن وقت فريضة
اقتصر على ركعتين، وأن يكون ثوبا إحرامه من بياض القطن ويجوز الإحرام في كل ثوب
يجوز فيه الصلاة للرجال والأفضل ما ذكرناه ثم الكتان.
والمقارن أحد عشر شيئا: الدعاء للإحرام، وتعيين الحج الذي يحرم له، والشرط على
ربه، والجهر بالتلبية للرجال دون النساء، والإكثار منها، والتلبيات الزائدة على
الفرض، والإكثار من قول: لبيك ذا المعارج لبيك، والإقامة على التلبية للمتمتع حتى
يرى بيوت مكة إن حج على طريق أهل العراق، وإلى يوم عرفة إن حج قارنا أو مفردا،
وحتى تضع الإبل أخفافها في الحرم إن اعتمر، وحتى يرى الكعبة إن خرج من مكة
معتمرا.
ومن حج على طريق المدينة ابتدأ بالتلبية إذا علت به راحلته البيداء، ومن حج على
427

غير طريقها لبى بعد ما يمشي خطوات بعد الفراع من الصلوات إن كان ماشيا وحين نهض
به بعيره إن كان راكبا، والإشعار والتقليد والإشعار يكون للبعير والتقليد للغنم والبقر،
وإذا نوى ولم يلب أو لبى ولم ينو لم يصح، وإن نوى الإحرام مطلقا في أشهر الحج أو
علق بإحرام رجل آخر وهو غير محرم كان بالخيار بين أن يجعله للحج أو العمرة، وإن كان
في غير أشهر الحج تعين للعمرة والمفروض من التلبية:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك،
وإذا تمتع بالعمرة زاد: لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج لبيك.
وإذا تمتع وقضى مناسك العمرة ولبى قبل التقصير ناسيا لم يلزمه شئ، وإن لبى
عامدا بطلت متعته وصارت حجة مفردة، وإن أهل بحجة مفردة وقضى مناسكها بمكة
ولم يلب بعد الطواف وأراد أن يجعلها عمرة جاز له ذلك، ولا يجوز التلبية للمتمتع حالة
الطواف ولا في مسجد عرفة والشرط على ربه أنه إذا عرض له عارض يحبسه جعلها عمرة
إن لم تكن حجة وكان له أن يحل والشرط لا يسقط القضاء من قابل وفي اسقاط الدم
روايتان.
فصل: في بيان موجبات الكفارة مما تحصل من الحاج في حال إحرامه:
وهي ثمانية وثلاثون: صيد البر وذبحه وذبح فرخه، وأكل لحمه، والدلالة عليه،
والإشارة إليه، وكسر بيضه، والوطء بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء، والإمناء،
ومباشرة النساء بشهوة، والعقد عليهن لنفسه وللغير، والشهادة عليه، وتقبيلهن
ومباشرتهن بشهوة، ولبس المخيط من الثياب، وتغطية الرأس للرجل والمحمل،
والارتماس في الماء، وأكل ما فيه طيب مختارا، واستعمال الكافور والمسك والعنبر والعود
والزعفران والورس، والأدهان طيبة كانت أو غير طيبة، والتختم للزينة، ولبس السلاح
مختارا، ولبس ما يستر ظهر القدم، والفسوق، والجدال، والقبض على الأنف من
الروائح الكريهة، وقص الأظفار والشعر، وإلقاء القمل عن البدن، وقطع شجر الحرم إلا
شجرة الفاكهة، والحشيش إلا الإذخر.
428

وجاز للمرأة لبس السراويل والغلالة تحت الثياب، وإن لبس الرجل مخيطا ناسيا
غير مضطر نزعه من أسفل، وإن لم يجد غير قباء لبس مقلوبا ولم يدخل يده في كمه،
وإن لبس طيلسانا له زر لم يزره، ورخص للنساء لبس القميص وإسدال الثوب دون
النقاب وتغطية الرأس والمحمل ولبس ما اعتادته من الحلي ما لم تقصد به الزينة ولم
تظهر لزوجها، ولا يجوز الإحرام في الثوب النجس ولا في الثياب السود ولا في المصبوغة بما
فيه طيب مع بقاء رائحتها، وإن غطى الرجل رأسه ناسيا ألقى القناع وجدد التلبية ولم
يلزمه شئ.
ويجوز للمحرم ثلاثون شيئا: تغطية الوجه، وعصب الرأس، والمشي تحت الظلال،
والقعود في البيت وفي الخباء، والتظليل على رأسه حالة الاضطرار، والادهان مضطرا بما
لا طيب فيه وبما زالت رائحته، والاحتجام، وإزالة الشعر عن موضع الحجامة مضطرا،
وقتل القمل على بدنه ونقله إلى موضع آخر، وتنحية الحلمة والقراد، وشرى الجواري،
والرجعة والطلاق، والسعوط بما لا طيب فيه، والاجتياز على موضع يباع فيه الطيب إذا
قبض على الأنف، والاكتحال بغير السواد وبما لا طيب فيه، والخضاب للتداوي،
والإحرام في الثوب الوسخ، وفيما أصابه طيب وزالت رائحته، ولبس المنطقة والهميان،
وقتل المؤذيات، وتأديب العبد والخادم والولد ما لم يزد على عشرة أسواط.
وإذا صاد المحرم صيدا وذبحه كان في حكم الميتة وإن اضطر إلى لحم الميتة أكل
الصيد دونه وكفر فإن لم تكن معه الكفارة أكل الميتة، وإن اضطر إلى أكل ما فيه
طيب قبض على الأنف وأكل وإن باشر الطيب لحاجة فكذلك، ولا يكتحل بالسواد وبما
فيه طيب، ولا يجوز له أن يلبس الشمشك بحال فإن لم يجد النعل لبس الخف إن وجد
وشق ظاهر القدمين، وإن قطع الساقين كان أفضل وإذا وجد النعل نزعه فإن لم ينزع مع
وجدان النعل لزمه فدية.
فصل: في بيان ما يكره فعله للمحرم:
وهو سبعة عشر شيئا: لبس الثياب المصبوغة المقدمة، والمصبوغة بما فيه طيب غير
429

المحرمات، والنوم على أمثالها، ولبس الثياب المعلمة والمصبوغة بالعصفر لأجل الشهرة،
واستعمال غير المحرم للمحرم من الطيب والنظر في المرآة، واستعمال الأدهان الطيبة قبل
الإحرام إذا كانت مما تبقى رائحتها إلى وقت الإحرام، والسواك إذا أدمى فاه، وحك
الجسد على وجه يدميه، ودخول الحمام، والخطبة إلى النساء، والجلوس عند من تطيب
أو باشر الطيب كذلك، وشم الرياحين الطيبة، وخطبة المحل إلى المحرمة، ودلك الجسد
في الحمام.
فصل: في بيان الكفارات المتعلقة بما ذكرنا:
جناية المحرم ضربان: صيد وغير صيد والصيد: حلال اللحم وحرامه، وحرام
اللحم: مؤذ وغير مؤذ، فالمؤذي لا يلزم بقتله شئ سوى الأسد إذا لم يرده فإن قتله ولم
يرده لزمه كبش، وغير المؤذي: جارحة وغير جارحة، فالجارحة جاز صيدها وبيعها في
الحرم وإخراجها منه، وغير الجارحة يحرم صيدها ويلزم بالجناية عليها الكفارة، وحلال
اللحم: صيد بحر ولا حرج فيه بوجه، وصيد بر وخطؤه في حكم العمد في الكفارة.
والجناية عليه ضربان: قتل وجراحة، فإن قتله لم يخل: إما بدأ أو عاد، والبادئ
إما قتله محلا أو محرما، والمحل قتله في الحل أو في الحرم، فإن قتله في الحل لم يخل:
إما قتله على بريد من الحرم أو على أكثر منه، وإن رماه وهرب منه لم يخل: إما مات في
الحل أو في الحرم، فإن قتله على رأس أكثر من بريد لم يلزمه شئ، وإن قتله على بريد
من الحرم لزمه الفداء ولم يحرم أكله، وإن هرب منه ومات في الحل فكذلك، وإن مات
في الحرم لزمه الفداء وحرم أكله.
والمحرم لم يخل: إما قتله في الحل أو في الحرم فإن قتله في الحل على بريد لزمه القيمة
وحرم أكله وإن أكل منه لزمه قيمتان، وإن قتله في الحرم لزمه الجزاء والقيمة وإن أكل
منه لزمه الجزاء وقيمتان ما لم تبلغ الكفارة بدنة فإذا بلغت لم تضاعف الكفارة، وإن
صاد طيرا وضرب به الأرض حتى مات تضاعفت القيمة مع الجزاء، والعائد لم يخل:
إما عاد خطأ أو عمدا، فإن عاد خطأ تكررت الكفارة وإن عاد عمدا فهو ممن ينتقم الله منه.
430

وفي الكفارة قولان وما تتعلق به الكفارة ضربان: صيد وغير صيد، فالصيد ضربان:
إما يكون له مثل أو لا يكون، فما له مثل مضمون به مثل النعامة والبدنة والبقرة الوحشية
والأهلية والظبي والغنم، وما ليس له مثل ضربان: إما نص على تقدير الكفارة أو لم
ينص، فإن نص لزمه ذلك، وإن لم ينص حكم به ذوا عدل وجاز أن يكون أحدهما
الجاني، وغير الصيد ضربان: استمتاع وغيره، والاستمتاع ضربان: جماع وغيره،
والجماع ضربان: إما يفسد الحج أو لا يفسد، فإن أفسد الحج لم يتكرر فيه الكفارة،
وإن لم يفسد الحج لم يخل: إما تكرر منه فعله في حالة واحدة أو في دفعات، فالأول لا
يتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل والثاني يتكرر فيه الكفارة.
وغير الجماع من الاستمتاع وغيره ضربان: إما يكون تكرر منه الفعل دفعة واحدة وفيه
كفارة واحدة أو تكرر في دفعات ويتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل، والكفارة: دم وغير
دم، والدم ضربان: إما يلزم في الحال أو بعده، وما يلزم في الحال ضربان: مطلق ومقيد
فالمقيد خمسة أضرب: بدنة وبقرة وشاة وحمل وجدي، فالبدنة تلزم بعشرة أشياء،
والبقرة بسبعة، والشاة باثنين وعشرين شيئا، والحمل بأربعة
أشياء، والجدي بأربعة أشياء، والمطلق بأحد عشر شيئا، والفداء بأربعة وثلاثين شيئا.
فالبدنة تلزم بالجماع في فرج حرام قبل الوقوف بالمشعر وبالإمناء قبل الوقوف به،
ويبطلان الحج ويوجبان المضي في الفاسد والقضاء من قابل، وبالجماع بعد الوقوف به
إلى أن يطوف من طواف النساء أربعة أشواط، وبالجماع فيما دون الفرج في إحرام
الحج أو العمرة إذا أنزل، وبالجماع بعد السعي قبل التقصير في العمرة التي يتمتع بها
للموسر، وبخروج المني منه إذا نظر إلى غير أهله، وبالإمناء إذا نظر بشهوة إلى أهله
وبالإمناء إذا لاعب أهله بشهوة وبقبلة أهله بشهوة، وبأن يعقد النكاح لمحرم على امرأة
وقد دخل بها محرما وبالجدال كاذبا ثلاث مرات، وبقتل النعامة، وبالإفاضة من
عرفات عمدا قبل غروب الشمس إذا لم يرجع إليها أو رجع وقد غابت الشمس، فإن
أحصر بعد ما وجبت عليه الكفارة لزمه القضاء ودم الكفارة ودم التحلل، وفي الفعل لزمه
قضاء ودم واحد لهما، وإذا طاوعته المرأة وهي محرمة لزمها ما يلزم الرجل ولا بدل للبدنة
431

إلا فيما يلزم بصيد النعامة، فإن عجز قومها واشترى بقيمتها طعاما وتصدق على ستين
مسكينا على كل واحد نصف صاع، فإن فضل شئ فله وإن نقص لم يلزمه فإن عجز
عن الصدقة صام ستين يوما فإن عجز صام ثمانية عشر يوما فإن عجز استغفر الله ولم يعد
إليه.
والبقرة تلزم بصيد بقرة الوحش وحمار الوحش، وبإمناء المتوسط إذا نظر إلى غير
أهله، وبالجماع قبل الفراع من سعي الحج وبالجماع قبل التقصير وبعد الفراع من
المناسك وبالتقصير قبل الفراع من السعي، وقلع شجر الحرم، والجدال كاذبا مرتين،
ولا بدل لذلك إلا لصيد البقر الوحشي وكفارته على النصف من كفارة البدنة في الإطعام
والصيام الأكثر والأقل.
والشاة تلزم بصيد الظبي والثعلب والأرنب، وإخراج ما أدخل الحرم من الطير منه
وإغلاق الباب على حمام الحرم حتى يموت وبإطارتها عنه وقد رجعت وإن لم ترجع لزم
عن كل حمامة شاة، وبأكل بيض النعام إذا ابتاع له محل، وبكسر بيض الحمام إذا
تحرك بها الفرخ، وبإصابة الجراد الكثير، وتقليم أظفار اليدين في مجلس واحد،
وبإفتاء الغير في تقليم الأظفار إذا فعل المستفتي وأدمى إصبعه، وحلق الرأس للأذى،
والجدال صادقا ثلاث مرات وكاذبا مرة، ونتف الإبطين فإن نتف واحدا أطعم ثلاثة
مساكين، ولبس ثوب لا يحل لبسه له، وأكل طعام لا يحل له أكله، وقلع شجر صغير من
الحرم، وجماع المعسر قبل التقصير، وقبلة الزوجة قبل التقصير، وبالخروج عن المشعر قبل
طلوع الفجر عامدا، وصيد الكركي على رواية، وصيد البط والإوز.
ومن أغلق الباب على حمام الحرم وفراخها وبيضها حتى هلكت لزم عن كل طير شاة وعن
كل فرخ حمل وعن كل بيضة درهم إن كان محرما، وإن كان غير محرم لزم عن كل
طير درهم وعن كل فرخ نصفه وعن كل بيضة ربعه.
وإن كسر بيض حمام لم يخل: إما تحرك فيها الفراخ أو لم يتحرك، فإن تحرك لزم
عن كل بيضة شاة وإن لم يتحرك لزمت قيمته، والحمل يلزم بصيد فرخ الحمام وبإغلاق
الباب عليه وبصيد القطاة وما في قدر جسمها، والحمل يجب أن يكون فطيما يرعى الشجر.
432

والجدي يلزم بالقنفذ واليربوع والضب وأشباهها، والدم المطلق يلزم بصيد المحرم
حمامة في الحرم، وقتل المحل الصيد في الحرم وشرب لبن الظبي ولزمته قيمته مع الدم،
ومس المرأة بشهوة أنزل أو لم ينزل، وتقليم أظفار اليدين والرجلين معا في مجلس واحد
وإن كان في مجلسين لزمه دمان، وحلق الرأس بعد الفراع من العمرة التي تمتع بها قبل
الإحرام بالحج، ونسيان التقصير حتى يهل بالحج، والتظليل على نفسه، والارتماس في
الماء، ولبس الخفين والشمشك مختارا.
والفداء يلزم بالدلالة على الصيد وقتله وأكل لحمه وإعانة الغير على قتله، وقتل المحل
الصيد في الحرم، وإيقاد النار لوقوع الصيد فيها، وإن أوقدها جماعة لزم كل واحد فدية
وإن أوقدوا لغير ذلك ووقع فيها طير لزم الكل فدية واحدة.
وإصابة المحرم اليد في الحل على بريد من الحرم ورمى المحل من الحرم صيدا في
الحل وأصابه وموت الصيد في الحرم إذا كان معه حالة الإحرام ولم يحله وأمر المحرم
غلامه المحل بالصيد، وإذا صاد عبد أحرم بإذن سيده لزم السيد الجزاء، واستعمال
الطيب وقلع الأسنان، ولبس السواد والقميص، وتغطية الرأس بثوب أو عصابة أو مرهم
ثخين أو قرطاس أو طين، وحمل ما يغطى الرأس وخضابه، ولبس المخيط على كل حال،
وابتداء التطيب واستدامته واستعمال ما صبغ بالطيب أو غمس فيه أو بخر به.
ولبس جماعة ثياب في مجلس واحد وإن لبسها في مواضع متفرقة لزم لكل ثوب فدية،
ورمى طير على فرع شجر في الحل وأصله في الحرم وكذلك إن كان الفرع في الحرم والأصل
في الحل، ومس الطيب الرطب مثل الغالية والمبلول من الكافور والمسك والسعوط
والحقنة ومسي اليابس إذا علق باليد وفي خرقة، وحلق الرأس وإن حلق الرأس وتطيب
لزمه فديتان والفدية عن حلق الرأس شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين
لكل واحد مد فإن لم يجد الشاة في غيره من الصيد قومها وفض ثمنها على الحنطة وأطعم
عشرة مساكين لكل واحد نصف صاع، فإن زاد لم يلزم وإن نقص أجزأ، فإن لم يقدر
صام عشرة أيام فإن عجز صام ثلاثة أيام، وإن أصاب جرادا وأمكنه التحرز منها
تصدق لكل واحدة بتمرة.
433

وما يلزم به الفدية بعد الجناية ضربان: أحدهما بيض النعام، والثاني بيض القطاة
والقبج وما شاكلهما ولم يخل: إما تحرك فيهما الفراخ أو لم يتحرك، فإن تحرك لزم في
بيض النعام ماخض من الإبل وفي الآخر ماخض من الغنم، وإن لم يتحرك أرسل
الفحولة في إناثها بعدد البيض فما حصل منها كان هديا لبيت الله الحرام، فإن عجز
تصدق عن كل بيضة نعام بشاة وعن كل بيضة قطاة بدرهم، فإن عجز عن الشاة تصدق
على عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام. وإن قتل صيدا مملوكا لزمه الجزاء لله
والقيمة لصاحبه، والمحل إذا حبس حماما في الحل ولها فراخ في الحرم ضمن قيمة الفراخ
وإن حبسها في الحرم ولها فراخ في الحل ضمن قيمتهما، وإن رمى واحدا فأصاب اثنين
أو اضطرب المرمى فقتل فرخا أو كسر بيضا ضمن الكل، ومن صاد بالجوارح ضمن،
وإن رام تخليص صيد فمات منه أو عاب ضمن، وإن جرح صيدا وقتله غيره ضمن
القاتل أيضا.
وإذا جرح صيدا لم يخل من ستة أوجه: إما أثبته، أو أثر فيه ولم يثبته، أو لم
يؤثر فيه، أو أثر في عضو له مثل مثل اليدين والرجلين والعينين والأذنين والقرنين، أو في
عضو لم يكن له نظير، أو داواه فبرأ. فالأول حكمه حكم القتل، والثاني لم يخل: إما
رآه بعد مستويا ويلزمه ربع الفدية أو لم يره بعد ويلزمه الفدية، والثالث استغفر ولم
يعد، والرابع إن كان العضوان قرنين لزم في كل واحد ربع الفدية وإن كانا غيرهما كان
كل واحد مضمونا بنصف الفدية والتضعيف في الجزاء والقيمة بالحساب، والخامس
إن برأ واشتبه عليه لزمته الفدية وإن برأ تصدق بصدقة، والسادس إن لم يمتنع ضمن وإن
امتنع ضمن ما بين قيمته صحيحا ومعيبا.
وإن نقل بيض طير من داره ولو في فراشه ولم يحضنه الطير ضمن، وإن نفر الصيد من
الحرم فأصابته آفة ضمن، وإن وضع بيض الطير الأهلي تحت الصيد أو بيض الصيد تحت
الأهلي وفسد شئ ضمن الفاسد، وما يكون من الصيد في البر والبحر معا كان الحكم
على الموضع الذي فيه بيضه وفرخه وغير الدم طعام ودرهم.
والطعام ضربان: إما يكون بدل شئ آخر وقد ذكرنا حكمه أو لا يكون. وهو أيضا
434

ضربان: إما تعين قدره أو لم يتعين، فالمتعين مثل من قص ظفرا واحدا أو أكثر ما لم
يبلغ تقليم أظفار اليدين في مجلس واحد ولزمه لكل واحد مد من طعام، وإن قتل عصفورا
أو صعوة أو ما في قدرهما فكذلك، ومن ألقى القمل من البدن أو قتل زنبورا تصدق
بكف من طعام، وإن حك رأسه أو لحيته وسقط شئ من شعره أو مسه في غير الوضوء
تصدق بكفين، وغير المتعين هو أن ينتف ريشة من حمام الحرم ويلزمه أن يتصدق بشئ
باليد التي نتفها بها.
والدرهم يجب في خمسة أشياء: من أصاب محلا في الحرم حماما لزمه درهم، وإن
أصاب فرحا لزمه نصف درهم، وإن أصاب بيضة لزمه ربع درهم، وإن أصاب محرم
بيض حمام في الحل لزمه لكل بيضة درهم، وإن أفسد بعد ما أحل من الإحرام لزمه
للجميع درهم.
ويجوز أن يرعى الإبل السوائم سواها في نبت الحرم وحشيشه ولا يجوز قلعه وعلفه إياها
إلا الإذخر فإنه يجوز جزه وقلعه، ومن وقع في رأسه القمل فجعل فيه شيئا يقتلها لزمه
الفدية، وما يلزم المحرم من جزاء الصيد وقيمته في إحرام الحج والعمرة المتمتع بها من
الذبح والنحر والإطعام صنعها بمنى، وإن لزمه في إحرام العمرة المبتولة لزمه ذلك بمكة
وذبح ونحر بمكة قبالة البيت بالحزورة، وإن كان ما لزم في العمرة من غير جزاء الصيد
جاز نحره وذبحه بمنى أيضا، وإن نذر دما وعين الموضع أراق به فإن لم يعين لم يرقه
بالحزورة.
فصل: في بيان دخول مكة والطواف:
فإذا أراد المحرم دخول مكة للطواف استحب له أن يأتي بخمسة عشر شيئا قبل
الدخول والشروع فيه: الغسل عند دخول الحرم، فإن فاته اغتسل إذا دخله من بئر ميمون
أو من الفخ، وتطييب الفم بمضغ الإذخر، ودخول مكة من أعلاها إذا حج على طريق
المدينة، والغسل عند دخول مكة، ودخولها ماشيا، حافيا، على سكينة ووقار، والغسل
عند دخول المسجد، والدخول فيه من باب بني شيبة حافيا، والصلاة على النبي وعلى
435

آله، والتسليم عليهم ع عند الباب، والاستقبال إلى الكعبة إذا نظر إليها،
والدعاء بالمروي عند الدخول، وعند ما نظر إلى الكعبة.
ويتعلق بالطواف أفعال مفروضة ومسنونة ومحظورة ومكروهة ومبطلة وأحكام.
فالمفروضة سبعة أشياء: النية، والابتداء في الطواف بالحجر، والختم به، وأن يطوف
سبعة أشواط، وأن يطوف بين المقام والبيت، وأن يطوف متطهرا، وركعتا الطواف في
المقام أو خلفه وبحذائه إن كان زحاما في المقام.
والمسنونة ستة عشر شيئا: استلام الحجر في كل شوط، والتقبيل له، والإيماء إليه
بذلك، ورفع اليدين عنده بالدعاء عند عقد الطواف، والصلاة على النبي وعلى آله
عليهم السلام، واستلام الأركان كلها باليمين وخاصة الركن اليماني، والدعاء عند
كل ركن، والدعاء في الطواف، والدعاء عند باب الكعبة، والدنو من البيت في
الطواف، والرمل في ثلاثة الأشواط الأول إلا للنساء والعليل والصبي ومن يطوف بهما،
والمشي في الأربعة وخاصة في طواف الزيارة، والاصطباغ، والمشي بين السرع والإبطاء
والدعاء تحت الميزاب، والتزام المستجار في الشوط السابع والدعاء عنده.
والمحظورة سبعة أشياء: التجاوز في الطواف عن المقام، واستدبار الكعبة، وأن
يطوف بالعكس، وأن يجعل اليسار إلى المقام، والمشي على أساس البيت، وعلى الحجر،
وعلى حائط الحجر.
والمكروهة أربعة أشياء: الطواف في ثوب نجس، وإذا أصاب بدنه نجاسة،
والكلام خلاله إلا بذكر الله تعالى، وإنشاد الشعر.
والمبطلة ثلاثة عشر شيئا: الزيادة عمدا في طواف الفريضة، وقطع الطواف قبل أن
يطوف أربعة أشواط، وكونه غير متطهر، والحدث الناقض للطهارة قبل أن يطوف
أربعة أشواط، والرجوع عنه لغير عذر قبل الإتمام، والشك فيه من غير تحصيل عدد،
والمحظورات السبع.
والأحكام بعضها يتعلق بالطواف المندوب إليه وهي خمسة أشياء: أن يطوف بعدد
كل يوم من السنة طوافا فإن لم يقدر فشوطا، وأن يبني فيه على الأقل إذا لم يحصل
436

العدد ويتمم أسبوعين إن زاد على سبعة أشواط عمدا، والفضل في الانصراف على الوتر،
وأن يبني إن رجع لعذر عنه قبل أربعة أشواط، والإجزاء إذا طاف على غير وضوء
ويلزمه التوضؤ للصلاة.
وغير المتعلق بالمندوب أشياء، فإن طاف أربعة أشواط وقطع لعذر أو نسي وذكر بعده
بنى عليه وأتمه، وإن زاد في الفريضة ناسيا وذكر في الشوط الثامن قبل أن يصل إلى
الركن طرح الزيادة، فإن ذكر بعد أن يصل إلى الركن تمم أسبوعين، وإن شك بعد
الرجوع منه لم يلتفت إليه، وإن رجع إلى أهله وذكر أنه ترك بعض الطواف أو طواف
النساء استناب من يتمم عنه ويطوف، ومن قدم السعي على الطواف لم يكن لسعيه
حكم.
ولا يجوز تأخير السعي بعد الطواف إلى غد، ويجوز للقارن والمفرد تقديم الطواف
والسعي على الوقوف بالموقفين، ولا يجوز للمتمتع إلا لعذر من المرض أو خوف الحيض للمرأة
والعجز عن الرجوع إليه من الهرم أو الخوف على النفس أو المال، وتقديم طواف النساء
جائز للمضطر دون المختار فإن قدم عمدا على السعي أعاد وناسيا لم يعد، ويلزم لكل
طواف ركعتان فإن طاف أسبوعين ناسيا في الفريضة فصل بين ركعتي كل واحد منهما
بسعي وإن كان في النافلة صلى ولبى.
ووقت صلاة الطواف بعد الفراع منه، ومن نسي صلاته حتى خرج من مكة عاد
إليها وصلى إن أمكنه فإن لم يمكنه صلى مكانه، فإن مات قضى عنه وليه، والأغلف لا
يجوز له الطواف بالبيت، والمريض ضربان: إما أمكنه إمساك الطهارة أو لم يمكنه.
فالأول طاف به وليه وإن نوى لنفسه طوافا صح، والثاني انتظر به وليه يوما أو يومين فإن
برئ طاف وإن لم يبرأ أمر من يطوف عنه وصلى هو بنفسه، وإن مرض خلال الطواف
ولم يمكنه الإتمام فحكمه الانتظار على ما ذكرناه.
فصل: في بيان السعي وأحكامه وما يتعلق به وبيان التقصير وغير ذلك:
من ترك السعي متعمدا بطل حجه وإن تركه ناسيا وذكر بمكة سعى، وإن ذكر
437

بعد الخروج منها وأمكنه الرجوع إليها رجع وسعى، وإن لم يمكنه أمر من يسعى عنه.
وللسعي مقدمات مندوب إليها وهي سبعة: استلام الحجر إذا أراد الخروج إليه،
وإتيان زمزم، والشرب من مائه، والصب على بدنه من الدلو المحاذي للحجر، والخروج
إليه من الباب المقابل للحجر، وقطع الوادي بخشوع حتى يصعد الصفا، ويشتمل على
مفروضات ومسنونات.
فالمفروضات أربع: النية، والبدأة بالصفا، والختم بالمروة، والسعي بينهما سبع
مرات.
والمسنونات ثمانية عشر شيئا: الصعود على الصفا، وإطالة الوقوف عليها إن أمكن،
والنظر إلى البيت، واستقبال ركن الحجر، وحمد الله تعالى والثناء عليه، وذكر آلائه وما
صنع إليه من حسن بلائه على قدر وسعه، والتكبير سبع مرات، والتهليل سبع مرات،
وقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل
شئ قدير ثلاث مرات، والصلاة على النبي والصلاة على آله ع، والدعاء
بالمرسوم، والمشي
في السعي إذا أمكنه، والسعي للرجال من عند المنارة الأولى إلى الثانية في السعي ذاهبا وراجعا، وأن يرجع القهقري إن جاوزه غير ساع إلى مبتدأ السعي
ويسعى، وإن كان راكبا حرك دابته في المسعى، وأن يكف عن السعي إذا انتهى إلى حد
المسعى، والدعاء عند المروة، والصعود عليها.
والسهو فيه على خمسة أضرب: ثلاثة منها توجب الإعادة وهي: الابتداء بالمروة،
والزيادة فيه عمدا، والشك في عدده وهو لم يحصل على عدد. واثنتان لا يوجبانها وهي:
الزيادة فيه ناسيا فإن زاد ناسيا خير بين طرح الزيادة وإتمام سعيين، والنقصان منه ناسيا
فإن نسي وذكر رجع فأتم. ويجوز له قطع السعي لعذر من قضاء الحقوق وإقامة الصلاة
وغيرهما والجلوس خلال السعي للاستراحة من غير استئنافه، ولا يجوز له تقديمه على
الطواف ولا تأخيره إلى غد بعد الطواف.
والتقصير أدناه أن يقص شيئا من شعر رأسه أو يقص أظفاره والأصلع يأخذ من شعر
اللحية أو الشارب أو يقص الأظفار فإذا قصر أحل مما أحرم منه إلا من الصيد لأنه في
438

الحرم وجاز له أكل لحمه، ويستحب له التشبه بالمحرم في ترك لبس المخيط، وإذا
دخل المتمتع مكة وعلم تمكنه من الحج أحل إذا قضى المناسك وأنشأ الإحرام ثانيا بالحج
في وقته، وإن علم أنه لا يتمكن منه أقام على إحرامه وجعل حجته مفردة، فإن حلق
رأسه بعد السعي لزمه دم ولا يجوز له الخروج من مكة قبل قضاء المناسك بها إلا مضطرا.
فصل: في بيان الإحرام بالحج ونزول منى:
فإذا فرع من المناسك للعمرة لم يخل: إما أمكنه الإحلال من الإحرام والإحرام
بالحج والوقوف بالموقفين أو لم يمكنه، فإن لم يمكنه وهو زوال الشمس من يوم عرفة ولم
يفرع من مناسك العمرة لم يجز له التحلل، وإن كان قبل ذلك جاز له التحلل وهو وقت
الإمكان، فإذا أمكنه لم يخل: إما تضيق الوقت ويلزمه الإحرام في الحال أو لم يتضيق
ويلزمه الإحرام يوم التروية، فإن كان إماما أو صاحب عذر من العليل والهم أحرم قبل
الزوال ليخرج إلى منى قبل أن يصلى الظهر والعصر بمكة، وإن لم يكن إماما ولا
صاحب عذر فالأفضل له أن يحرم بعد الزوال إذا صلى الفريضتين.
وشروط الإحرام على ما ذكرنا، إلا أنه يحرم الآن بالحج المفرد ويذكر ذلك في
التلبية، وإن كان قد أحرم قبل بالتمتع بالعمرة إلى الحج وذكر ذلك في إحرامه فإن نوى
العمرة في الإحرام أتى بأفعال الحج أو نسي الإحرام حتى أتى عرفات أو نسي الإحرام
أصلا وكان في عزمه الإحرام أجزأ وصح حجه، فإذا أحرم لم يجز له أن يطوف بالبيت،
فإن طاف ناسيا جدد الإحرام بالتلبية ويجوز له الإحرام من داخل مكة والأفضل أن يحرم
من عند المقام ثم من عند المسجد الحرام، فإذا دخل المسجد الحرام دخله حافيا بسكينة
ووقار فإذا أحرم لبى من موضع الصلاة إن كان ماشيا وحين نهض به بعيره إن كان
راكبا ورفع بها صوته إذا أشرف على الأبطح من الردم.
فصل: في بيان الغدو من منى إلى عرفات:
وإذا أراد الخروج من منى إلى عرفات وكان إماما لم يخرج منه إلا بعد طلوع
439

الشمس وغير الإمام يخرج بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ولا يعبر وادي محسر إلا
بعد طلوع الشمس إن كان مختارا وإن كان مضطرا جاز له الخروج قبل طلوع الفجر
وصلى في الطريق، وإذا توجه إلى عرفات دعا بالدعاء المأثور وجدد التلبية إلى عند الزوال.
فصل: في بيان نزول عرفات وكيفية الوقوف بها والإفاضة منها إلى المشعر:
الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج والوقوف بالمشعر كذلك بل هو أوكد ولم يخل
من ثلاثة أوجه: إما أدرك الحاج الموقفين، أو لم يدركهما معا، أو أدرك أحدهما. فإن
أدركهما معا تم حجه، وإن لم يدركهما فاته الحج ولزمه المقام على الإحرام إلى انقضاء
أيام التشريق وورد مكة وجعلها عمرة والتحلل ينحر بدنة والحج من قابل إن كان ما
فاته فرضا والدخول في مثل ما خرج منه إذا قضى إلا إذا كان مفردا أو قارنا ولم يكن
من حاضري المسجد الحرام فإنه يجوز له التمتع، وإن كان الحج تطوعا لم يلزمه قضاء
ولا دم، وإذا فاته سقط عنه توابعه إلا المقام بمنى فإنه يستحب له. وإن أدرك أحد
الموقفين وترك الآخر مختارا بطل حجه والباقي على ما ذكرنا.
وإن تركه ضرورة لم يخل: إما فاته الموقف الأول أو الثاني. فإن فاته الأول لأنه
وصل إليه ليلا ولم يمكنه الوقوف به وأدرك الثاني صح حجه، وإن أدرك الأول قبل
طلوع الفجر صح، وإن وافى المشعر ليلا ولم يقف بعرفات وعلم أو ظن أنه إن مضى إليها
أدركها قبل طلوع الفجر لزمه ذلك، وإن علم أو ظن خلاف ذلك لم يلزمه المضي إليه
وكفاه الوقوف بالمشعر. وإن فاته الثاني لاحتباسه في الطريق بعذر إلى قرب الزوال وقف
به قليلا ثم مضى إلى منى، ومن أدرك المشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر أجزأه
ذلك.
ويتعلق بالوقوف بعرفات أحكام تنقسم إلى واجب ومندوب، فالواجب خمسة أشياء:
النزول بها، والإقامة فيها إلى غروب الشمس، وقطع التلبية عند الزوال للمتمتع،
والوقوف بالموقف على السهل مختارا، والإفاضة منها إلى المشعر بعد غروب الشمس. فإن
أفاض منها قبل غروب الشمس لم يخل من ثلاثة أحوال: إما رجع إليها قبل غروب
440

الشمس، أو بعد غروبها، أو لم يرجع إليها. فالأول لا يلزمه شئ، والثاني لم يخل: إما
أفاض عمدا أو سهوا، فإن أفاض عمدا لزمه بدنة ينحرها بمنى فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما، وإن أفاض سهوا لم يلزمه شئ، والثالث لم يخل: إما أمكنه الرجوع إليها أو لم
يمكنه، فإن أمكنه ولم يفض عمدا لزمته البدنة إذا لم يرجع إليه، وإن لم يمكنه وقد
أفاض عمدا لزمته، وإن أفاض سهوا لم يلزمه شئ.
والمندوب أحد عشر شيئا: أن يضع رحله بنمرة، ويغتسل عند زوال الشمس،
ويصلى الظهر والعصر جامعا بينهما بأذان وإقامتين، ويقف في ميسرة الجبل، ولا
يصعده مختارا، ويسد الثلم والخلل بنفسه ورحله، ولا يقف تحت الأراك، والدعاء بالمأثور، والاجتهاد فيه، والمبالغة، والدعاء لإخوانه.
وإذا وقف بالمشعر وجب عليه أشياء وندب إلى أشياء فالواجب أربعة: النزول به،
والوقوف في نفس المشعر، والإقامة به إلى أن تطلع الشمس للإمام وإلى قرب طلوعها لغيره
ويجوز التأخير له إلى طلوعها، وجاز لثلاثة نفر المضطر والعليل والنساء الخروج منه قبيل
الفجر إلا أنه لا يعبر وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، والخروج منه إلى منى.
والمندوب ثلاثة عشر شيئا: الدعاء إذا خرج إليه من عرفات، والقصد في المسير،
وتأخير العشائين إلى المشعر ليجمع بينهما بأذان وإقامتين وإن امتد إلى ثلث الليل،
والدعاء عند الكثيب الأحمر في الطريق، والصعود على قزح، ووطؤه بالرجل للصرورة،
وذكر الله تعالى عنده، والوقوف للدعاء قريبا من الجبل أو في ميمنته، والتحميد لله،
والثناء عليه، وتعداد نعمه وأياديه، والصلاة على نبيه وعلى آله ع.
فصل: في بيان نزول منى ثانيا وقضاء المناسك بها:
إذا خرج من المشعر سعى في وادي محسر إن كان ماشيا وحرك دابته إن كان راكبا
وأخذ على الطريق الوسطى إلى الجمرة العظمى ونزل من منى بحيث يشاء، و المناسك
بمنى ضربان: أحدهما في يوم النحر والثاني في أيام التشريق، فالمناسك في يوم النحر
ثلاثة: الرمي ثم النحر ثم الحلق. ويتعلق بالرمي أفعال وتروك، فالفعل ضربان:
441

أحدهما يرجع إلى ما يرمي به والثاني إلى الرامي.
فالأول عشرة أشياء عدده وهو سبعة والموضع الذي يرمي إليه وهو جمرة العقبة، وأن
يرمي بالحجر، وأن يكون من حصى الحرم دون حصى المسجدين، وأن تكون ملتقطة
منقطة كحلية صما برشا طاهرة في قدر أنملة.
والثاني خمسة أشياء: التطهر، والخذف في الرمي، والدعاء مع رمى كل حصاة،
وإيقاعها على الجمرة، والاستدبار في هذه الجمرة وأن يكون بين الجمرة وبينه نحو من
عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا. والرمي واجب عند أبي يعلى، مندوب إليه عند الشيخ
أبي جعفر رضي الله عنهما، والخذف واجب عند السيد رضي الله عنه.
والتروك سبعة: الرمي بالمكسورة، وبغير الحصى، وبحصى الجمار، وبحصى غير
الحرم، وبالنجسة، وبحصى المسجد الحرام، والمسجد بمنى وهو مسجد الخيف.
وأما الذبح والنحر فأربعة أشياء: هدي المتمتع، والقارن، والكفارة، والأضحية.
والمتمتع: إما يجد الهدي وثمنه أو يجد الثمن دون الهدي أو الهدي دون الثمن.
فالأول: يلزمه ولا يجزئ واحد إلا عن واحد حالة الاختيار ويجزئ حالة
الاضطرار عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين.
والثاني: إن أقام بمكة طول ذي الحجة ووجد الهدي ابتاعه وذبح وإن لم يقم أو أقام
ولم يجد خلف الثمن عند ثقة ليذبح عنه في القابلة عند محله.
والثالث: يلزمه صوم عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ويصوم
ثلاثة أيام في الحج وهي يوم التروية ويوم قبله ويوم بعده، فإن فاته اليوم قبل التروية
صام بدله يوما بعد انقضاء أيام التشريق، فإن فاته صوم يوم التروية واليوم قبله لم يصم
يوم عرفة وصام بعد انقضاء أيام التشريق، وإن صام يوم التروية ويوما قبله وخاف إن
صام يوم عرفة عجز عن الدعاء أفطر وصام بدله بعد انقضاء أيام التشريق، وإن فاته صوم
ثلاثة الأيام صام بعد أيام التشريق متواليات، وإن لم يصم في ذي الحجة لم يجز له
الصوم واستقر الهدي في ذمته إلى أن يجد ويجوز له أن يصوم سبعة الأيام متفرقات، وإن
ترك الصوم لغير عذر وجب على وليه أن يقضي عنه ثلاثة الأيام دون السبعة.
442

ويشتمل بيان ذلك على خمسة أنواع: ما يجزئ فيه، وما لا يجزئ، وأيامه،
وكيفية الذبح والنحر، وقسمة اللحم.
فالأول: يشتمل على بيان الجنس والصفة والأفضل، فالجنس ثلاثة: الإبل والبقر
والغنم. والصفة أربعة: السمن، وتمام الخلقة، والتعريف، وأن ينظر في
سواد ويرتع في سواد ويمشي في سواد. والفضيلة في البدن ثم في البقر وأدناها الغنم، ولا يجزئ من الإبل
والبقر غير الثني وذوات الأرحام فيهما أفضل، والفضل في الغنم أن يكون فحلا من
الضأن فإن لم يجد فتيسا من المعز والجذع لسنته يجزئ والشاة إذا لم يجد سواها.
والثاني: ثمانية أجناس: العرجاء البين عرجها، والعوراء البين عورها، والجذاء،
والخرماء، والعجفاء، والعضباء، والخصي إذا وجد غيره، والمهزولة إذا اشتراها على
ذلك. وتجزئ سبعة أصناف: المشقوق الأذن، والمثقوب، والصحيح داخل القرن،
والمبتاع على المسن فخرج هزيلا. أو على الهزال فخرج سمينا، والخصي إذا لم يجد
غيره، والموجوء. وإن سرق الهدي من موضع حصين أجزأ والإبدال أفضل، وإن خيف
هلاكه قبل بلوع المحل ذبح وتصدق على المستحق إن وجد فإن لم يوجد غمس نعله بالدم
وضربت به صفحة سنامه أو كتب كتاب ووضع عليه ليعلم من يمر به أنه هدي، فإن
هلك أقيم بدله، وإن انكسر الهدي وانساق إلى المنحر ونحر أجزأ.
والثالث: أربعة أيام: يوم النحر وأيام التشريق. ويجوز ذبح هدي المتمتع طول ذي
الحجة.
والرابع: إن كان الهدي من الإبل نحره قائما بعد ما ربط يديها ما بين الخف إلى
الركبة وقام من جانب يمينه وطعن في لبته وتولى النحر بنفسه إن أمكنه، فإن لم يحسن
جعل يده مع يد الذابح وإن لم يفعل كفاه الحضور، ويستحب له أن يقرأ: وجهت إلى
موضع وأنا من المسلمين ثم يقول:
اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني.
وإذا حضر الهدي الواجب وهدي المتمتع بدأ بالواجب استحبابا، والاستقبال
بالذباحة شرط للإجزاء والتسمية شرط للاستباحة والدعاء مستحب، وأما الذبح للبقر
443

والغنم وهو من أسفل مجامع اللحيين وهو قطع الحلقوم والمرئ والودجين، وإن أراد ذبح
البقر عقل يديه ورجليه وأطلق ذنبه وإن أراد ذبح الغنم عقل يديه وفرد رجليه وأطلق
الأخرى وأمسك على صوفه أو شعره دون أعضائه إلى أن يبرد، وإن نوى الهدي عن
صاحبه وذكر غيره سهوا أجزأ بالنية.
وأما الخامس: فالسنة فيه أن يأكل من هديه هذا ثلثه ويهدي إلى الإخوان ثلثه
ويعطي القانع والمعتر ثلثه ولا يعطي الجزار منه شيئا ويعطيه الأجرة من خاصة ماله
وتصدق بجلده أو بثمنه إن أراد ويجوز أن يفرق اللحم بنفسه وبأمينه.
وهدي القران حكمه حكم هدي المتمتع إلا في شئ واحد وهو اقترانه بحال
الإحرام.
وأما الكفارة فإن عين ما لزمه زال ملكه عنه فإن بلغ المنحر ونحر فقد وفى وإن عطب
في الطريق بقي في ذمته حتى يكفر، وإن لم يعين كفر بما لزمه ونحر أو ذبح بمنى أو بمكة
على ما ذكرنا. وما يلزمه بالنذر فإن عين زال ملكه عنه ولزمه سوقه إلى المنحر ونحره،
فإن انساق فقد أتى بما وجب عليه وإن عطب في الطريق بغير تفريط فقد أجزأ وإن أدركه
الذكاة تصدق بلحمه على المساكين فإن لم يجدهم أعلمه ليعرف حاله وإن نتج كان
الولد هديا.
وأما الأضحية فمستحبة بمنى وغيره من الأمصار وأيامه بمنى أربعة وبغيرها ثلاثة،
فإن كان بمنى وساق الأضحية مع الإحرام أو أشعر أو قلد لم يجز بيعه ولا هبته ولا
الإبدال منه وإن لم يشعر ولم يقلد جاز ذلك، وإن مات في الطريق لم يلزمه شئ من
البدل، فإن ساق بدله في الحج نحر بمنى وإن ساق في العمرة نحر بمكة، ولا يجوز له أن
يأكل من الهدي الواجب إلا إذا احتاج إليه وتصدق بقيمته.
وما يذبح في الأضحية ضربان: ضرب مجزئ وضرب غير مجزئ. والمجزئ: مطلق
ومكروه. والأفضل من الأسنان الثني من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن، ومن
الألوان البياض ثم العفرة ثم السواد، والمستحب من الغنم كبش أملح أغلب ينظر في
سواد ويبرك في سواد ويرتع في سواد، والمكروه ستة: الجلجاء، والقصماء، والخرقاء،
444

والشرقاء، والمقابلة، والمدابرة. وغير المجزئ: ثلاثة عشر صنفا: الخصي إذا وجد غيره،
والجذع من المعز، والعوراء البينة العور، والعرجاء البينة العرج، والمريضة البينة المرض،
والعجفاء غير المنقية، والكسير الذي لا ينقي، والثور، والجمل بمنى، والمصفرة،
والنحفاء، والمستأصلة، والمشبعة لمرض أو هزال. ويكره التضحية بكبش رباه بنفسه
والهدي يجزئ عن الأضحية والجمع بينهما أفضل.
وأما الحلق فوقته بعد الفراع من النحر أو بعد حصول الهدي في منزله وإن لم يذبح،
والحلق للرجال وأما النساء فلها التقصير بمقدار أنملة، والصرورة وغير الصرورة إذا تلبد
شعره لم يجزئه غير الحلق وإن لم يتلبد شعر غير الصرورة أجزأه التقصير، فإن زار البيت
قبل الحلق أعاد الطواف بعده وإن تركه عمدا لزمه دم شاة، وإن خرج من منى
ولم يحلق ولم يمكنه الرجوع إليها حلق مكانه وبعث بشعره إليها ليدفن بها وإن لم يمكنه ذلك لم
يلزمه شئ وإن أمكنه الرجوع إليها عاد إليها وحلق بها، ويستحب في الحلق ثلاثة
أشياء: الابتداء بالناصية من القرن الأيمن، والانتهاء بالعظمين خلفه، والدعاء بالمأثور.
فإن لم يكن على رأسه شعر أمر الموسي على رأسه.
والمتمتع له ثلاث تحليلات: فإذا حلق أحل من كل شئ أحرم منه إلا مسي الطيب
والنساء، فإذا طاف للزيارة حل له الطيب، فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء
أيضا. ويستحب له أن لا يلبس المخيط إلا بعد طواف الزيارة ولا يمس الطيب إلا بعد
طواف النساء.
وللقارن والمفرد تحليلان ويحلان بعد الحلق من كل شئ إلا من النساء وبعد طواف
النساء من النساء، فإذا فرع المتمتع من المناسك بها توجه إلى مكة لزيارة البيت ولم يؤخر
إلى غد لغير عذر وإلى بعد غد لعذر وغير المتمتع يجوز له التأخير والتقديم أفضل.
وإذا أراد دخول مكة يستحب له أربعة أشياء: الغسل، والتنظيف، وتقليم الأظفار،
والأخذ من الشارب. وإن اغتسل بمنى جاز، وإن أحدث بعد الغسل أعاد استحبابا.
فإذا دخل مكة فعل مثل فعله أول يوم دخله على سواء من الطواف وركعتيه
و الخروج إلى الصفا والسعي بينه وبين المروة، فإذا فرع من السعي عاد إلى البيت لطواف
445

النساء فإذا طاف وصلى ركعتيه فقد تم حجه وعمرته إن كان متمتعا وإن كان غير
متمتع تم حجه وبقيت عمرته يفعلها مبتولة من الحج، وإذا فرع من ذلك وأراد أن يبيت
بمكة للعبادة والطواف جاز، فإن بات بها أو بغيرها لغير العبادة ولم يعد إلى منى ليبيت
بها لزمه عن كل ليلة من الليلتين الأولتين من ليالي التشريق دم.
ويستحب للإمام الخطبة في أربعة أيام من ذي الحجة: يوم السابع منه ويوم عرفة
ويوم النحر ويوم النفر الأول، ويعلم الناس ما يجب عليهم من المناسك.
وأما المناسك بمنى في أيام التشريق فإن يبيت بها ولا يخرج ليالي التشريق منها إلا
بعد نصف الليل على كراهية، وإذا خرج بعد نصف الليل منها لم يدخل مكة إلا بعد
طلوع الفجر، ويستحب له ألا يبرح من منى أيام التشريق ويرمي كل يوم من أيام
التشريق ثلاث جمرات بإحدى وعشرين حصاة، ويتعلق به فرض وندب.
فالفرض ثلاثة أشياء: أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات، ويبدأ بالعظمى،
ويرميها خذفا.
والندب ثلاثة عشر شيئا: أن يرمي من بطن المسيل عن يسارها، ويكبر مع كل
حصاة، ويدعو بالمروي في ذلك، ثم يقوم عن يسار الطريق، ويستقبل القبلة، ويحمد
الله تعالى، ويثني عليه، ويصلى على النبي وعلى آله ع، ثم يتقدم قليلا،
ويدعو، ثم يسأل الله تعالى أن يتقبل منه، فإذا أراد أن يرمي الجمرة الثانية تقدم ورماها
وراعى فيه ما ذكرنا، فإذا فرع منها أتى جمرة العقبة ورماها على ما ذكرنا إلا أنه لا يقف
عندها كما وقف عند الجمرتين الأولتين.
ووقت الرمي طول النهار والفضل في الرمي عند الزوال، فإذا رمى اليوم الأول رمى
اليوم الثاني والثالث على ما ذكرنا، فإن أراد الرجوع في النفر الأول وهو اليوم الثاني من
أيام التشريق وقد أصاب النساء والصيد حالة الإحرام لم يجز له ذلك، وإن لم يصب
جاز له الرجوع بثلاثة شروط: أحدها أن ينفر بعد الزوال، والثاني أن ينفر قبل غيبوبة
الشمس، والثالث أن يدفن حصى اليوم الثالث. فإن نفر بعد غروب الشمس لزمه دم،
وإن نفر في النفر الثاني وهو اليوم الثالث جاز له ذلك قبل الزوال.
446

والسهو فيه على خمسة أوجه: إما ترك رمى جميع الأيام أو رمى البعض أو ترك رمى
بعض الحصاة أو ترك الترتيب أو الإيقاع على الجمرة.
فالأول: لم يخل: إما ذكر بمكة أو إذا رجع إلى أهله، فإن ذكر بمكة وأمكنه الرجوع
إلى منى رجلا كان أو امرأة رجع إليها ورماها وإن لم يمكنه استناب، وإن ذكر بعد ما
خرج من مكة قضى القابلة إن حج واستناب إن لم يحج.
والثاني: لم يخل: إما ذكر من الغد وهو بمنى أو بمكة أو إذا خرج من مكة، فإن
ذكر من الغد قضى وقدم الفائت ورمى بكرة ورمى ما يكون ليومه عند الزوال، ولم يجز
رمى الفائت بالليل إلا لأحد أربعة: العليل والخائف والعبيد والرعاة. وإن فاته رمى
يومين رماهما جميعا يوم النفر الثاني، وإن ذكر بمكة أو بعد ما خرج منها كان حكمه حكم
من ترك الرمي وذكر بمكة أو بعد ما خرج منها.
والثالث: لم يخل من ثلاثة أوجه: إما علم عدد ما رمى وكان أكثر من النصف أو
أقل أو لم يعلم. فالأول أتم الرمي، والثاني والثالث أعاد الرمي عليها وعلى الجمرة
المترتبة عليها.
والرابع: إن رماها معكوسة ورمى الجمرة الأولى أخيرا أعاد على الجمرة الوسطى وجمرة
العقبة والرجل والمرأة في ذلك سواء.
والخامس: يلزمه إيقاع الحصى على الجمرة بأي وجه أمكنه فإن لم يوقع رمى بدله،
ويجوز الرمي عن ثلاثة: عن العليل والصبي والمغمى عليه باذنه إذا كان عقله ثابتا،
ويستحب أن يوضع الحصى في كفه ثم يؤخذ منه ويرمي عنه.
والتكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة واجب أولها صلاة الظهر من يوم النحر وفي
غيرها من الأمصار عقيب عشر صلوات ولم يكبر قبل يوم النحر وفي الشوارع وعقيب
النوافل وهو:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الحمد لله
على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
فإذا فرع من المناسك بها جاز له أن يقيم بها إن كان له بها أمر ما إلا للإمام فإنه
447

ينبغي له أن يصلى يوم النفر الثاني الظهر بمكة، فإن أراد الرجوع من منى إلى أهله وقد
فرع من مناسك الحج بمكة جاز له ذلك إلا أن الرجوع إلى مكة أفضل لوداع البيت
وطواف الوداع، ويستحب أن يصلى في مسجد الخيف بمنى في مسجد النبي ع
وهو من عند المنارة إلى ثلاثين ذراعا من جانب القبلة ومن اليمين واليسار ست ركعات،
وإذا بلغ مسجد الحصباء دخله واستلقى على قفاه قليلا واستراح.
ولا يتركن الصرورة دخول الكعبة مختارا وغير الصرورة يجوز له تركه والأفضل
دخولها، وإذا دخلها استحب له ستة عشر شيئا: أن يدخل حافيا على سكينة ووقار،
ويدعو بالمرسوم، ويصلى ركعتين على الرخامة الحمراء بين الأسطوانتين، ويقرأ في الأولى
الفاتحة وحم السجدة وفي الثانية الحمد وبعدد آياتها من القرآن، ثم يصلى في زوايا
البيت ويدعو بالمرسوم، ثم يقول بين الركن اليماني والغربي ويستقبل القبلة ويلتصق
به، ويرفع يديه عليه ويدعو، ثم يتحول إلى الركن اليماني، ثم إلى الغربي ويفعل مثل
ذلك، ويكثر من النوافل فيها، فإذا خرج من الكعبة دعا بالمرسوم، وإذا نزل عن الدرجة
فعل سبعة أشياء استحبابا، وصلى عن يمينه ركعتين، وألصق خده وبطنه
بالبيت بين الحجر وباب الكعبة ويده اليسرى مما يلي الحجر،
وصلى ركعتين بإزاء كل ركن وبدأ بالركن الشامي، وختم
بالركن الذي فيه الحجر.
وإذا أراد الخروج من مكة استحب له خمسة عشر شيئا وهي: أن يطوف طواف
الوداع، ويستلم الحجر والركن اليماني إن أمكنه، ويلتزم المستجار في الشوط
السابع، ويدعو بما أراد، ويستلم الحجر، ويودع البيت، ويدعو بالمرسوم، ويأتي زمزم،
ويشرب منها، ويخرج من المسجد من باب الحناطين، ويدعو بالمأثور، ويخر ساجدا على
باب المسجد، ويقوم مستقبل القبلة ويقول: اللهم إني أنقلب على أن لا إله
إلا الله، ويكره الخروج من الحرمين بعد طلوع الشمس حتى يصلى
الظهر والعصر بهما، وإذا أراد الرجوع إلى أهله اشترى بدرهم تمرا
وتصدق به.
448

فصل: في بيان مناسك النساء:
المرأة ذات زوج وغير ذات زوج، فذات الزوج ثلاثة أضرب: إما لزمها حجة
الاسلام أو ما وجبت عليها بالنذر أو أرادت التطوع.
فالأول: يلزم زوجها أن يأذن لها فإن لم يأذن لها جاز لها خلافه بل وجب، فإن
ساعدها زوجها أو أحد محارمها لم يكن لها أن تحج دونه ويستحب لهم ذلك، وإن لم
يساعدها أحد حجت دونهم.
والثاني: إن نذرت قبل التزوج أو بعده باذنه فهو في حكم حجة الاسلام، وإن نذرت
بغير إذنه لم ينعقد نذرها.
والثالث: لا يجوز لها ذلك إلا برضا الزوج، والمعتدة إذا كانت لزوجها عليها رجعة
فحكم ذات الزوج، وغير ذات الزوج تحج المفروض والمتطوع به من غير اعتراض عليها
وإحرامها كإحرام الرجل.
والحائض يصح إحرامها دون صلاتها، فإن تركته ظنا منها بأنه لا يصح منها
وتجاوزت الميقات فإن أمكنها الرجوع إليها رجعت وأحرمت منها فإن لم يمكنها أحرمت
من موضعها، فإذا دخلت مكة وأمكنها الخروج إلى خارج الحرم خرجت وأحرمت منه
فإن لم يمكنها أحرمت منها، فإن كانت طاهرا طافت وسعت وقصرت وأحلت، فإذا
كان يوم التروية أحرمت بالحج وقضت مناسكها على ما ذكرنا فإن حاضت خلال
الطواف وقد طافت أربعة أشواط أو أكثر قطعت وبنت عليه وخرجت من المسجد وسعت
وقصرت وأحلت ثم أحرمت بالحج يوم التروية وخرجت إلى منى وعرفات، فإذا رجعت
إلى مكة لقضاء المناسك بها قضت مناسك الحج ثم أتمت الطواف وصلت ركعتيه، فإن
حاضت قبل أن تطوف أربعة أشواط بطلت متعتها ولزمتها الإقامة على إحرامها والخروج
إلى منى وعرفات والمشعر وقد صارت حجتها مفردة، فإذا فرغت منها قضت العمرة
مبتولة.
وإن دخلت مكة حائضا فحكمها مثل حكم من تحيض قبل أن تطوف أربعة
أشواط، فإن لم تحض وأتمت العمرة وأحرمت يوم التروية بالحج وخافت الحيض جاز لها
449

تقديم الطوافين طواف الحج وطواف النساء والسعي، فإن حاضت خلال طواف النساء
وقد طافت أربعة أشواط جاز لها الرجوع إلى أهلها قبل إتمامه، فإن حاضت قبل أن
تطوف أربعة أشواط لم يجز لها الرجوع حتى تطوف، فإذا أرادت الوداع حائضا ودعت
من أدنى باب المسجد، فإن عجزت عن الطواف طيف بها واستلمت الأركان فإن لم
يمكنها أشارت وإن لم يكن الطواف بها طاف عنها وليها، وإن لم تعقل الإحرام أحرم
عنها وليها وجنبها ما يجب الاجتناب عنه، وتسقط عنها مما يلزم الرجل أربعة أشياء:
كشف الرأس، ورفع الصوت بالتلبية، والحلق، ودخول البيت. ويجوز لها مما يحرم على
الرجل شيئان: لبس المخيط، والتظليل بالمحمل. ويجوز للمستحاضة دخول المسجد
وقضاء المناسك كلها إلا دخول الكعبة.
فصل في بيان أحكام المحصور والمصدود:
الإحصار بالمرض، وإذا مرض الحاج بعد ما أحرم ولم يقدر على النفوذ إلى مكة لم
يخل: إما ساق الهدي أو لم يسق، فإن ساق بعثه إلى المحل وفعل فعل المحرم إلى أن
يبلغ الهدي محله، ثم لم يخل: إما خف من مرضه أو لم يخف، فإن خف لزمه النفوذ
فإن أدرك الموقفين أو أحدهما فقد حج وإن لم يدرك جعل ذلك عمرة، فإن كان قد أحرم
بفرض لزمه القضاء من قابل فرضا وإن أحرم بتطوع كان القضاء تطوعا، وإذا قضى دخل
في مثل ما خرج منه، وإن لم يخف أحل إذا بلغ الهدي محله والمحل منى يوم النحر إن
كان حاجا والحزورة بفناء الكعبة إن كان معتمرا.
وينوي إذا أحل ويحل له كل ما يحرم عليه إلا النساء حتى يحج من قابل إن كان
الحج فريضة، ويطوف طواف النساء أو يستنيب من يطوف عنه إن كان الحج تطوعا،
ولم يحج أو يعتمر في الشهر الداخل ويطوف طواف النساء إن كان معتمرا، وإن لم يسق
الهدي بعث بثمنه مع أصحابه وواعدهم وقتا يذبح فيه ثم أحل بعد ذلك.
والصد بالعدو لم يخل: إما صد ظلما أو غير ظلم، فالأول يتحلل إذا لم يكن له
طريق مسلوك سواه وقد شرط على ربه وينوي إذا تحلل ويجب عليه القضاء إن كان
450

صرورة وهو بالخيار إن كان متطوعا وفي سقوط الدم إذا شرط قولان. والثاني إن أمكنه
النفوذ بعد ذلك نفذ فإن أدرك أحد الموقفين فقد حج وإن صد عن بعض المناسك وقد أدرك
الموقفين فقد حج واستناب في قضاء باقي المناسك، وإن لم يمكنه النفوذ وكان له طريق
مسلوك سواه بحيث لم ينفذ زاده لبعده أو لم يشرط على ربه لم يتحلل، وإن صد عن
الموقفين فقد ذهب حجه وحكمه ما ذكرناه.
فصل: في بيان حج المكاتب والعبد والمدبر والصبي:
المكاتب: مشروط ومطلق، فالمشروط في حكم العبد في ذلك، والمطلق إن أدى
بعض مال الكتابة وكانت الأيام بينهما مهاياة صح منه الحج في أيامه بغير إذن سيده.
والعبد لم يخل: إما أحرم بإذن سيده أو بغير إذنه، فإن أحرم باذنه ولم يرجع عن
الإذن صح حجه فإن لزمته الكفارة كان فرضه الصوم دون الذبح فإن عتق قبل الموقف
بالمشعر أجزأ عن حجة الاسلام، وإن رجع عن الإذن ولم يعلمه أو علمه وقد تلبس
بالإحرام لم يكن لرجوعه تأثير. وإن رجع وأعلم قبل تلبسه بالإحرام أو لم يأذن له فيه
وأحرم فيه لم ينعقد إحرامه وكان لسيده منعه من ذلك، وحكم المدبر كذلك.
والصبي إذا حج به وليه وقد عقل الإحرام أمره بالإحرام والاجتناب عما يجب على
المحرم الاجتناب عنه ويأمره بقضاء المناسك، فإن بلغ قبل الوقوف بالموقفين أو بأحدهما
أجزأ حجه عن حجة الاسلام، وإن لم يبلغ لم يجزئ عنها وعليه حجة الاسلام إن بلغ
مستطيعا أو وجد الاستطاعة بعد ذلك، وإن لم يعقل الإحرام أحرم عنه وليه وجنبه
المحرمات وطاف به وسعى إن أمكنه وعنه إن لم يمكنه وكذلك حكم باقي المناسك.
فصل: في بيان العمرة:
العمرة ضربان: مرتبطة بالحج وغير مرتبطة، فالمرتبطة به ضربان: إما تقدمت عليه أو
تأخرت عنه، فالمتقدمة هي العمرة المتمتع بها إلى الحج والمتأخرة هي عمرة القران
والإفراد، فإن تمتع بها لم يخل: إما أحرم في أشهر الحج أو في غيرها، فالأول لا يجوز له أن
451

يجعلها مفردة إذا نوى ذلك وإن لم ينو التمتع جاز، والثاني لا يصح، وإذا اعتمر بحجة
القران أو الإفراد إن شاء أحرم بعد انقضاء أيام التشريق وإن شاء أخر إلى استقبال
المحرم، فإذا أرادها خرج إلى التنعيم وأحرم منها وشرط على ما ذكرنا في الحج ونوى
العمرة للحج ولبى، فإذا دخل الحرم قطع التلبية وطاف طواف الزيارة وسعى بين الصفا
والمروة وقصر أو حلق والحلق أفضل وطاف طواف النساء، وإن كان الحج واجبا أو ندبا
كانت العمرة كذلك.
وغير المرتبطة بالحج ضربان: واجبة بالنذر أو مندوب إليها، فالواجب يلزم الإتيان
بها على ما نذر، والمندوب إليها يصح الإتيان بها في كل شهر وروي: في كل عشرة أيام
وأفضل أوقاتها شهر رجب والرجبية تلى الحج في الفضل، ويلزم طواف النساء في كل
عمرة إلا في المتمتع بها.
فصل: في بيان زيارة النبي ع:
وإذا أراد الرجل الحج وكان على طريق العراق فالأولى أن يبدأ بزيارة النبي عليه
السلام وإن أخر وبدأ بالحج رجع إلى طريق المدينة وزاره، فإذا وافى المعرس دخله على
كل حال وصلى فيه ركعتين، فإن جازه ناسيا رجع وصلى فيه واضطجع وصلى أيضا في
مسجد الغدير ركعتين إذا بلغه. واعلم أن للمدينة حرما مثل مكة وحده ما بين لابتيها
من ظل عائر إلى ظل وعير لا يؤكل صيد ما بين الحرتين ولا يعضد شجرها ولا يختلي
خلاها.
ويستحب الغسل لدخول المدينة ودخول المسجد والدخول من باب جبرئيل والقيام
عند الأسطوانة المقدمة والزيارة على ما هي مروية، فإذا فرع أتى المنبر ومسح وجهه
وعينيه برمانتيه وقام عنده حامدا لله تعالى مثنيا عليه وصلى ركعتين بين القبر والمنبر فإن
فيه روضة من رياض الجنة. ثم أتى مقام النبي ع وصلى فيه ما بدا له،
ثم أتى مقام جبرئيل عليه
السلام ودعا بدعاء الدم فقد روي: أن حائضا لو دعت به مستقبلة القبلة لطهرت. ثم
452

زارت سيدة النساء ع، وروي: أن قبرها في بيتها. وروي: أنه بين القبر
والمنبر. وروي: أنه في البقيع. والاحتياط أن تزار في المواضع الثلاثة والمجاورة مستحبة
بالمدينة، وإكثار الصلاة في المسجد. وإن عرض له مقام ثلاثة أيام بها صامها واعتكف
عند الأساطين وصلى عند أسطوانة التوبة ليلة الأربعاء وقعد عندها يومها
وصلى ليلة
الخميس عند الأسطوانة التي تليها وهي تلى مقام النبي ع وصلى عنده يومه
وليلته، ولا يتكلم هذه الأيام إن استطاع إلا بما لا بد منه، ولا ينام ليلا ولا نهارا إلا
غرارا، ولا يخرج من المسجد إلا لضرورة، ولا ينام فيه، ثم يزور الأئمة ع،
ويخرج إلى أحد ويزور حمزة ع، ويأتي مسجد قباء ومسجد الأحزاب ومسجد
الفضيخ ومشربة أم إبراهيم ويتطوع بما استطاع من الصلاة. وإذا عزم على الرجوع أتى
موضع رأس النبي ع وصلى فيه ودعا وأتى المنبر وفعل مثل ما ذكرنا ورجع
إلى القبر وألزق المنكب الأيسر به وصلى ست ركعات قريبا من الأسطوانة التي خلف
الأسطوانة المخلفة ثم استقبل النبي ع وودع ورجع.
453

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
455

إصباح الشيعة:
كتاب الحج
الحج قصد بيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة، تتعلق بزمان مخصوص ويحتاج إلى معرفة
أقسامه وشروطه وكيفية فعله وما يفسده وأحكامه.
[1] فصل:
أما أقسامه فثلاثة: متمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد، فالتمتع أن تقدم على
أفعال الحج عمرة تتحلل منها وتستأنف الإحرام للحج، والقران أن تقرن بإحرام الحج
سياق الهدي، والإفراد أن تفرد الحج من الأمرين.
والتمتع فرض من لم يكن من أهل مكة وحاضريها وهم من كان بينه وبينها اثنا
عشر ميلا فما دونها لا يجزئهم مع التمكن في حجة الاسلام غيرها.
وأما أهل مكة وحاضروها ففرضهم القران والإفراد ولا يجزئهم في حجة الاسلام
سواه.
والحج ضربان: مفروض ومسنون، والمفروض: حج الاسلام وحج النذر أو العهد
وحج الكفارة، والمسنون ما عدا ذلك، وتفارق الواجب في أنه لا يجب الابتداء به
ويساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضي فيه وفي سائر أحكامه إلا وجوب القضاء إذا فات.
[2] فصل:
وأما شروطه فضربان: شرائط الوجوب وشرائط صحة الأداء، فشرائط وجوب حج
457

الاسلام: الحرية والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة تكون بالصحة والتخلية وأمن الطريق
ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعوله والعود إلى كفايته من صناعة أو غيرها،
وشرائط صحة الأداء: الاسلام وكمال العقل والوقت والنية والحرية.
[3] فصل:
أفعال الحج هي: الإحرام والطواف والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر الحرام ونزول منى
والرمي والذبح والحلق.
[4] فصل:
الإحرام ركن من أركان الحج من تركه متعمدا فلا حج له، ولا يجوز إلا في شوال
وذي القعدة وتسع من ذي الحجة، فمن أحرم قبل ذلك لم ينعقد إحرامه.
ومعقد الإحرام لمن حج على طريق المدينة ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة، ولمن حج
على طريق الشام الجحفة، ولمن حج على طريق العراق بطن العقيق وأوله المسلخ وأوسطه
غمرة وآخره ذات عرق، ولمن حج على طريق اليمن يلملم، ولمن حج على طريق الطائف
قرن المنازل لا يجوز إلا كذلك.
ومتى جاوز الميقات بلا إحرام متعمدا ولم يتمكن من الرجوع إليه كان عليه إعادة
الحج من قابل، وإن كان ناسيا أحرم من موضعه ويجوز أن يحرم من منزله دون الميقات،
وإحرامه من الميقات أفضل، وميقات المجاور ميقات أهل بلده، فإن لم يتمكن فمن
خارج الحرم، فإن لم يقدر فمن المسجد الحرام.
ويستحب لمريد الإحرام قص أظفاره وإزالة الشعر عن إبطيه وعانته والغسل ويجب
عليه لبس ثوبي إحرامه، يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجوز أن يكونا مما لا تجوز
الصلاة فيه، ويكره أن يكونا مما تكره الصلاة فيه، ويجزئ مع الضرورة ثوب واحد،
ويستحب أن يصلى صلاة الإحرام ويذكر ما أراده من التمتع والقران والإفراد، ويجب
عليه أن ينوي للإحرام ويعقده بالتلبية الواجبة وهي: لبيك اللهم لبيك لبيك إن
458

الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك لبيك.
ولا ينعقد الإحرام إلا بهما أو بما يقوم مقامهما من الإيماء ممن لا يقدر على الكلام
ومن التقليد أو الإشعار للقران، ويذكر زائدا على ذلك من التلبية ما ورد به الرسم،
ويقول إن كان متمتعا: لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك. ولا يقول: لبيك
بعمرة وحجة تمامها عليك، لأنه يفيد بظاهره تعليق الإحرام بالحج والعمرة معا وذلك لا
يجوز، وإن كان قارنا أو مفردا قال: لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك، وإن كان نائبا
عن غيره قال: لبيك عن فلان لبيك.
وأوقات التلبية أدبار الصلوات وحين الانتباه من النوم أو بالأسحار وكلما علا أو
انحدر أو هبط غورا ورأى راكبا، ويستحب رفع الصوت بها للرجال وأن [لا] يفعل إلا على
طهر، وآخر وقتها للمتمتع إذا شاهد بيوت مكة، وحدها من عقبة المدنيين إلى عقبة
ذي طوى، وللقارن والمفرد إذا زالت الشمس من يوم عرفة، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا
وضعت الإبل أخفافها في الحرم وإن كان المعتمر خارجا من مكة فإذا شاهد الكعبة.
والمتمتع إذا لبى بالحج متعمدا بعد طواف العمرة وسعيها قبل التقصير بطلت متعته
وصار ما هو فيه حجة مفردة، وإن لبى ناسيا لم يبطل، وإذا انعقد إحرامه يحرم عليه أن
يجامع أو يستمني أو يقبل أو يلامس بشهوة.
وأن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره أو يشهد عقدا، فإن عقد فالعقد فاسد، وأن يلبس
مخيطا إلا سراويل عند الضرورة عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم لا يلبسه حتى يفتق
ويصير كالمئزر وهو أحوط.
وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره، وأن تلبس المرأة القفازين وأن
يغطى الرجل رأسه والمرأة وجهها، وأن يستظل وهو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه
كالقبة، وأما إذا نزل فلا بأس بجلوسه تحت الظلال من خيمة أو غيرها، وأن يرتمس في
الماء، وأن يصطاد أو يذبح صيدا أو يدل على صيد أو يكسر بيضته وأن يأكل لحمه وإن
صاده المحل ولم يكن منه دلالة عليه. وأن يدهن بما فيه (طيب أو يأكل ما فيه) ذلك
وأن يتطيب بالمسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران،
459

وقد ألحق بذلك الورس والفسق وهو الكذب على الله تعالى وعلى رسوله أو على الأئمة من
آله، والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، وأن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي لم
يغرسه في ملكه وليس من شجر الفواكه والإذخر، وما غرسه الانسان في ملكه فيجوز
قطعه وكذا رعي الحشيش، وأن يزيل شيئا من شعره أو شيئا من أظفاره وأن يتحنى
للزينة أو يدمي جسده بحك أو غيره، وأن يزيل القمل عن نفسه أو سد أنفه من الرائحة
الكريهة، وأن يلبس سلاحا أو يشهره إلا لضرورة، وأن يقتل شيئا من الجراد أو الزنابير
مختارا، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم ولا بأس بقتل ما يخافه من
الحيات والعقارب والسباع في الحرم وغيره، وأن يمسك ما كان معه من صيد قبل
الإحرام، وأن يخرج شيئا من حمام الحرم منه وأن لا يرده بعد اخراجه وأن يمسك ما
يدخل به إلى الحرم من طير.
[5] فصل:
ويمضى المحرم على حاله حتى يشاهد بيوت مكة فيقطع التلبية إن كان متمتعا، ومن
الندب أن يكثر حمد الله على بلوغها، ويغتسل إذا انتهى إلى الحرم ويدخله ماشيا
بسكينة، ويدخل مكة من أعلاها ويغتسل قبل الدخول ويدعو بما رسم فيغتسل قبل
دخول المسجد ويدخله من باب بني شيبة ويقبل الحجر الأسود ويمسحه بيده ثم ينوي
الطواف وجوبا ويطوف.
والطواف على ضربين: مفروض ومسنون، والمفروض ثلاثة: طواف المتعة وطواف
الزيارة - وهو طواف الحج - وطواف النساء وما عدا ذلك مسنون، ومن الندب على ما
روي أن يطوف مدة مقامه بمكة ثلاث مائة وستين أسبوعا أو ثلاث مائة وستين شوطا.
ووقت طواف المتعة للمختار من حين يدخل مكة إلى أن تغيب الشمس من يوم
التروية وللمضطر إلى أن يبقى من غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها
فمن فاته مختارا بطل حجه متمتعا وكان عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا وصار ما هو
فيه حجة مفردة ولم [يجز] عنه طواف الحج
460

ومن فاته طواف المتعة مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج ولا شئ عليه،
وطواف الزيارة ركن من تركه متعمدا فلا حج له، وإن تركه ناسيا قضاه إذا ذكره، فإن
لم يذكر حتى عاد إلى بلده لزمه قضاؤه عن قابل بنفسه، فإن لم يستطيع استناب من
يطوفه، ووقته للمتمتع من حين يحلق رأسه من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، ويجوز
للمضطر والمعذور بعد ثلاثة، وأول وقته للقارن والمفرد من حين دخول مكة وإن كان
ذلك قبل الموقفين.
ووقت طواف النساء من حين الفراع من سعي الحج إلى آخر أيام التشريق، فمن
تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد إلى أهله لم [يفسد] حجه ولا يحل له النساء حتى يطوفه
أو يطاف عنه، والواجب في الطواف النية ومقارنتها واستمرار حكمها، والطهارة من
الحدث والنجس وستر العورة والبداءة بالحجر الأسود والختام به، وأن يكون سبعة أشواط،
وأن يكون البيت عن يساره، وأن يكون خارج الحجر، وأن يكون بين البيت والمقام، فمن
ترك شيئا من ذلك لم يجز الطواف، ويستلم الأركان كلها ندبا ويلصق بطنه وخده
بالمستجار في الشوط السابع.
لا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة أو لضرورة، فإن قطعه للصلاة بنى على ما
طاف ولو كان شوطا واحدا، وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما طاف إن كان أكثر
من النصف، وإن كان أقل منه استأنف، ويستأنفه إن قطعه مختارا على كل حال،
ويستأنفه إن شك وهو طائف فلم يدر كم طاف أو شك بين ستة وسبعة، فإن شك بين
سبعة وثمانية قطعه ولا شئ عليه وهكذا لو ذكر وهو في بعض الثامن أنه طاف سبعة،
فإن ذكر بعد أنه تممه أضاف إليه ستة أخرى وصار له طوافان [ولزمه لكل طواف]
ركعتان ولا يجوز له الطواف راكبا إلا لضرورة.
[6] فصل:
فإذا أراد السعي ندب إلى أن يأتي الحجر الأسود فيستلمه، ويأتي زمزم ويشرب من
مائها ويغتسل منه إن تمكن أو يصب على بعض [جسده] من الدلو المقابل للحجر الأسود
461

ويخرج إلى السعي من الباب المقابل له.
[7] فصل:
السعي ركن وهو ضربان: سعي المتعة وسعي الحج، وأول وقت المتعة حين يفرع من
طوافها، وأول وقت سعي الحج حين الفراع من طوافه، وحكمه في جواز التقديم
للضرورة حكم الطواف ويمتد كل واحد منهما بامتداد وقت الطواف، وحكم كل واحد
منهما في الإخلال به اختيارا أو اضطرارا ما سبق من حكم المخل بالطواف.
والمفروض في السعي النية ومقارنتها واستدامة حكمها والبداية بالصفا والختام
بالمروة، وأن يكون سبعة أشواط والمسنون فيه أن يكون على طهارة وأن يصعد الصفا
ويستقبل الكعبة ويكبر الله ويحمده ويهلله سبعا سبعا ويصلى على محمد وآله ويقرأ إنا
أنزلناه وإذا بلغ المنارة هرول الرجل دون المرأة، فإذا وصل إلى سوق العطارين قطع
الهرولة ومشى إلى المروة وصعد عليها وأتى بالتكبير والتحميد والتهليل والصلاة على محمد
وآله كما قال على الصفا، وإذا انحدر عائدا إلى الصفا فعل في كل موضع كما فعل أولا
هكذا يكمله سبعة أشواط، وحكم قطع السعي والسهو فيه والشك حكم ذلك في الطواف
ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة ويجوز الوقوف عند الإعياء والجلوس على الصفا والمروة
ويجوز السعي راكبا والمشي أفضل.
[8] فصل:
فإذا فرع من سعي المتعة قصر واجبا وهو أن يقص شيئا من أظفاره وأطراف شعر رأسه
ولحيته أو من أحد ذلك، وقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم
والأفضل له أن يتشبه بالمحرمين إلى أن يخرج بالحج فعليه دم شاة، والإحرام بالحج ينبغي
أن يكون عند زوال الشمس من يوم التروية في المسجد الحرام، وأفضل ذلك تحت
الميزاب أو عند المقام، وصنع فيه كما صنع في الإحرام الأول من الغسل ولبس ثوبيه
والصلاة والدعاء والنية، وعقد بالتلبية الواجبة إلا أنه لا يذكر في الدعاء إلا الحج فقط
462

ولا يرفع صوته بالتلبية، ثم يخرج متوجها إلى منى قارئا إنا أنزلناه، فإذا بلغ إلى
الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية الواجبة والمندوبة ويقول:
لبيك بحجة تمامها عليك، ويبيت بمنى ندبا ويصلى بها العشائين والفجر لتكون
الإفاضة منها إلى عرفات ولا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس ويلبي بالواجبة
والمندوبة رافعا بهما صوته ويقرأ إنا أنزلناه حتى يأتي عرفات.
[9] فصل:
الوقوف بعرفة ركن، وأول وقته حين تزول الشمس من اليوم التاسع وآخره للمختار
إلى غروبها وللمضطر إلى طلوع الفجر يوم النحر، فمن فوته مختارا بطل حجه وإن كان
مضطرا فأدرك المشعر الحرام فحجه ماض، وندب لمن أتى عرفات أن يضرب خباءه بنمرة
وهي بطن عرنة وأن يغتسل إذا زالت الشمس ويجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد
وإقامتين وأن يكون وقوفه في ميسرة الجبل وأن يدعو في حال الوقوف والواجب في الوقوف
النية ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يكون تصعيده في الجبل إلا لضرورة ولا في نمرة
ولا ثوية ولا ذي مجاز ولا تحت أراك وأن يكون إلى غروب الشمس، فإن أفاض قبل
الغروب متعمدا عالما بأن ذلك لا يجوز فعليه بدنة، وكيفية الوقوف أن يتوجه إلى القبلة
فيسبح الله ويحمده ويهلله ويكبره ويصلى على محمد وآله مائة مائة ويأتي بعد ذلك من
الآيات والأذكار والأدعية بما هو مذكور في مظانه.
[10] فصل:
فإذا غربت الشمس أفاض منها إلى المشعر فإذا وصل إليه نزل به، وحده ما بين
المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر.
[11] فصل:
الوقوف بالمشعر ركن، ووقته للمختار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ويمتد
463

للمضطر إلى الليل كله فمن فاته حتى طلعت الشمس فلا حج له.
والواجب في الوقوف النية ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يرتفع الواقف إلى
الجبل إلا لضرورة من ضيق أو غيره والدعاء بأقل ما يسمى به المرء داعيا عند بعض
أصحابنا.
والمستحب أن يطأ المشعر وأن يكبر الله ويسبحه ويحمده ويهلله مائة مائة ويصلى
على محمد وآله وأن يجتهد في الدعاء والمسألة إلى ابتداء طلوع الشمس فإذا طلعت أفاض
من المشعر، ولا يجوز للمختار أن يخرج منه قبل طلوع الفجر ولا يجوز وادي محسر حتى
تطلع الشمس، ويجوز للنساء إذا خفن مجئ الدم الإفاضة ليلا وإتيان منى والرمي والذبح
والتقصير ودخول مكة للطواف والسعي، ولا يجوز أن يصلى العشاءان إلا في المشعر إلا أن
يخاف فوتها بخروج وقت المضطر، ويستحب الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وأن
يسير إذا أفاض من المشعر إلى منى ذاكرا لله تعالى ومستغفرا له وأن يقطع وادي محسر
بالهرولة ويجزئه أن يهرول فيه مائة خطوة وإن كان راكبا حرك فيه راحلته.
[12] فصل:
من السنة المبيت بمنى ليلة عرفة، ونزولها يوم النحر لقضاء المناسك بها من رمى جمرة
العقبة والذبح والحلق أو التقصير، ونزولها أيام التشريق للرمي، والمبيت بها ليالي هذه
الأيام إلى حين الإفاضة، وحد منى من طرف وادي محسر إلى العقبة، وإن ترك المبيت
بها مختارا بلا عذر ليلة فعليه دم، وإن ترك ليلتين فدمان، وإن ترك الثالثة فلا شئ عليه
لأنه له أن ينفر في النفر الأول وهو يوم الثاني من أيام التشريق، فإن لم ينفر فيه حتى
غربت الشمس فعليه المبيت الليلة الثالثة، فإن نفر ولم يبت فعليه دم ثالث، ومن أصاب
النساء أو شيئا من الصيد أو كان صرورة فليس له أن ينفر في النفر الأول بل يقيم إلى
النفر الأخير وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، ويجوز لمن عدا من ذكرناه أن ينفر في
الأول، وتأخير النفر إلى النفر الأخير أفضل له، ومن أراد النفر في الأول فلا ينفر حتى
تزول الشمس إلا لضرورة فإنه يجوز معها قبل الزوال، ومن أراد النفر في الأخير جاز له
464

ذلك بعد طلوع الشمس متى شاء، ومن أراد المقام بها جاز له ذلك إلا الإمام وحده فإن
عليه أن يصلى الظهر بمكة.
[13] فصل:
لا يجوز الرمي إلا بالحصى، ولا يجوز بالحصى المأخوذ من غير الحرم ولا بالمأخوذ من
المسجد الحرام أو مسجد الخيف، ولا بحصى الذي قد رمى به مرة أخرى، سواء كان هو
الرامي به أو غيره، ومقدار الحصى كرأس الأنملة وأفضله الملتقط من المشعر الحرام البرش
منه ثم البيض والحمر، ويكره السود ويكره أن يكسره وهو سبعون حصاة يرمي يوم
النحر جمرة العقبة وهي القصوى بسبع ورمى كل يوم بعد الجمار الثلاث بإحدى وعشرين
حصاة، ووقت الاستحباب [الرمي] الجمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر، ووقت
الاجزاء من طلوع الفجر مع الاختيار.
فمن يرمي قبل ذلك لم يجزه إلا لضرورة، ووقت الرمي في أيام التشريق كلها بعد
الزوال، ومن فاته رمى يوم حتى غربت الشمس قضاه في اليوم الثاني في صدر النهار،
ومن فاته الرمي بخروج أيام التشريق قضاه من قابل أو استناب من يرمي عنه، ويجب أن
يبدأ بالجمرة الأولى وهي العظمى وهي التي إلى منى أقرب ثم الوسطى ثم العقبة وهي
التي إلى مكة أقرب وإن خالف الترتيب استدركه، ويستحب أن يقف عند الأولى
والثانية ويكبر مع كل حصاة ولا يقف عند الثالثة وأن يكون الرامي على طهارة وأن
يقف من قبل وجه الجمرة ولا يقف من أعلاها وأن يكون بينه وبينها قدر عشرة أذرع إلى
خمسة عشر ذراعا وأن يقول والحصاة في يده: اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي
وارفعهن في عملي.
وأن يرمي حذفا وهو أن يضع الحصاة على باطن إبهامه ويكفيها بظاهر مسبحته وإذا
[نسي] فرمى الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخريين على التمام ثم ذكر
استأنف رمى الجمرات الثلاث من أوله، فإن كان رمى الأولى بأربع تمم رميها بثلاث
حصيات ولم يعد الرمي على الجمرتين الأخريين وهكذا حكمه إذا نسي فرمى الوسطى
465

بثلاث أو أربع ورمى الثالثة على التمام، وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي
الجمرات هي رمى كل جمرة بحصاة، وإذا رمى حصاة فوقعت في محمل أو على ظهر بعير
ثم سقطت على الأرض أجزأت وإلا فعليه أن يرمي عوضا عنها.
[14] فصل:
الذبح على ضربين: مفروض ومسنون، والمفروض في هدي النذر وهدي الكفارة
وهدي [التمتع] وهدي القران بعد التقليد أو الإشعار، والمسنون في هدي القران قبل التقليد
أو الإشعار والأضحية وهدي النذر يلزمه في صفته وسياقه، ويعين موضع ذبحه أو نحره ما
يشرط الناذر، وإن نذر هديا بعينه لم يجزه غيره، وإن نذر مطلقا ولم يعين شيئا مما
ذكرناه فعليه أن يهدي من الإبل أو البقر أو الغنم وأن ينحره أو يذبحه بمكة قبالة الكعبة،
ولا يجوز أن يكون الهدي إلا ما ذكرناه، وهدي النذر مضمون على الناذر يلزمه عوض ما
انكسر منه أو فات وضل ولا يحل له الأكل منه.
وأما هدي الكفارة فيختلف اختلاف الجنايات كما سبق ولم يستاق ما وجب عما
عدا ذلك من الجنايات ويذبح أو ينحر إن كان لتعد في إحرام المتعة أو العمرة المفردة
بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى وحكمه في الضمان وتحريم الأكل حكم هدي
النذر وأما هدي التمتع فإنما هي بدنة.
[15] فصل:
فيأتي ويذبح أو ينحر بمنى هكذا هدي القران ويلزمه بسياقه وبعد التقليد أو
الإشعار أن يشق السنام من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل الدم وسنن ذلك لكل من
ساق هديا، ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران ومن الأضحية، وأفضل الأضاحي من
الإبل والبقر والمعز إلا الثني وهو من الإبل الذي تمت له خمس سنين ودخل في السادسة
ومن البقر والمعز الذي تمت له سنة ودخل في السنة الثانية ويجزئ من الضأن الجذع
وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية، ولا يجوز مع الاختيار أن يكون ناقص الخلقة ولا
466

أعور بين العور ولا أعرج بين العرج ولا مهزولا ولا أخرم ولا أجدع وهو مقطوع الأذن ولا
خصيا ولا أعضب وهو مكسور القرن إلا أن يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا فإنه
جائز، ولا يجوز التضحية بمنى إلا بما قد أحضرت عرفات سواء أحضره هو أو غيره، ولا
يجزئ الهدي الواحد في الواجب إلا عن واحد مع الاختيار ومع الضرورة البدنة، والبقر
عن خمسة وعن سبعة.
وأما المتطوع به فيجوز اشتراك الجماعة فيه مع الاختيار إذا كانوا أهل خوان واحد،
وإن لم يكونوا كذلك فاشتراكهم جائز مع الاضطرار، ومن السنة أن يتولى المهدي
الذبح أو النحر بنفسه أو يشارك الفاعل كذلك وأن ينحر لما ينحر وهو قائم معقول اليد
اليسرى من الجانب الأيمن من اللبة ولا يجوز أن يعطي الجزار إن شاء من الهدي ولا من
جلاله على جهة الأجر ويجوز على وجه الصدقة.
وأيام الذبح بمنى أربعة: يوم النحر وثلاثة بعده، وفي سائر الأمصار ثلاثة: يوم النحر
ويومان بعده. ويجوز ذبح الهدي المتمتع طول ذي الحجة، ومن لم يجده ووجد ثمنه تركه
عند من يثق به يشتريه في العام المقبل ويذبح عنه، فإن لم يقدر على الثمن صام ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
[16] فصل:
إذا ذبح الحاج هديه أو نحره فليحلق رأسه، يجلس مستقبل القبلة ويأمر الحلاق أن
يبدأ بالناصية من الجانب الأيمن ويدعو، والحلق نسك وليس إباحة محضورة كاللبس
والطيب، ويجوز التقصير بدلا من الحلق، وقد روي: أن الصرورة لا يجزئه إلا الحلق،
وينبغي أن يكون الحلق بمنى فمن نسيه حتى خرج منها عاد إليها فحلق فإن لم يتمكن
حلق بحيث هو وبعث شعره ليدفن.
[17] فصل:
يدخل مكة من يومه أو من الغد لطواف الزيارة وهو طواف الحج، والسعي بين
467

الصفا والمروة ولطواف النساء، ويصنع قبل دخول مكة والمسجد وفي الطواف والسعي
مثل ما فعله أولا.
ثم يخرج من يومه إلى منى للمبيت بها ورمى الجمار كما مر، وإذا نفر من مني ندب
أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه ست ركعات عند المنارة التي في وسطه ويسبح تسبيح
الزهراء عليها السلام ويدعو، وأن يحول وجهه إلى منى إذا جاوز جمرة العقبة ويدعو،
وأن يدخل مسجد الحصباء إذا بلغ إليه ويصلى فيه ويستريح بالاستلقاء على ظهره، وإذا
أراد المسير من مكة استحب أن يطوف بالبيت طواف الوداع وأن يدخله ويصلى في
زواياه وعلى الرخامة الحمراء ويكثر من التضرع والدعاء وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها
ويصلى عند المقام ركعتين ويدعو.
[18] فصل:
وحكم النساء حكم الرجال إلا في النحر والإحرام والحلق وعليهن كشف الوجوه
والتقصير، ولا يستحب لهن رفع الصوت بالتلبية ولا الهرولة بين الميلين، وتؤدي الحائض
والنفساء جميع المناسك إلا الطواف فإنها تقضيه إذا طهرت، وليس وجود المحرم شرطا
في وجوب الحج على المرأة في صحة الأداء.
[19] فصل:
شروط التمتع ستة: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من سنته، ويحرم بالحج
من جوف مكة، ولا يكون من حاضري المسجد الحرام، ويحرم بعمرته من الميقات،
والنية والأفضل أن تكون مقارنة للإحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل.
وشرائط المفرد أن يحرم في أشهر الحج، وأن يحرم من ميقات أهله إن لم يكن مكيا
وإن كان فمن دويرة أهله، وأن يحج من سنته، والنية.
والمفروض من أفعال الحج ضربان: ركن وغير ركن، فأركان المتمتع عشرة: النية،
والإحرام من الميقات في وقته، وطواف العمرة، والسعي بين الصفا والمروة لها، والإحرام
468

بالحج من جوف مكة، والنية له، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر، وطواف الزيارة،
والسعي للحج.
وغير الركن ثمانية: التلبيات الأربع أو ما يقوم مقامها مع العجز، وركعتا الطواف
والعمرة، والتقصير بعد السعي، والتلبية عند الإحرام بالحج و
ما يقوم مقامها، والهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم مع العجز، وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا
الطواف له.
وأركان القارن والمفرد ستة: النية، والإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر،
وطواف الزيارة، والسعي.
وغير الركن فيهما أربعة: التلبية أو ما يقوم مقامها من تقليد أو إشعار، وركعتا طواف
الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف له.
[20] فصل:
كيفية أفعال المتمتع أن يبدأ فيوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولا يلمس
شيئا منهما، فإذا انتهى إلى ميقات بلده أحرم بالحج متمتعا ومضى إلى مكة فإذا شاهد
بيوت مكة قطع التلبية، فإذا دخل المسجد الحرام طاف بالبيت سبعا وصلى عند المقام
ركعتين، ثم خرج إلى السعي فسعى بين الصفا والمروة سبعا وقص من شعر رأسه وقد
أحل من كل ما أحرم عنه إلا الصيد لكونه في الحرم، فإذا كان يوم التروية عند الزوال
صلى الظهر والعصر وأحرم بالحج ومضى إلى منى وبات بها، ثم غدا منها إلى عرفات
فيصلي بها الظهر والعصر ووقف إلى غروب الشمس، ثم أفاض إلى المشعر الحرام فوقف
بها تلك الليلة، فإذا أصبح يوم النحر غدا منها إلى منى وقضى مناسكه ثم يمضى يوم النحر
أو من الغد لا يؤخر ذلك إلى مكة ويطوف بالبيت طواف الحج ويصلى ركعتي الطواف
ويسعى وقد خرج من مناسكه كلها وحل له كل شئ إلا النساء والصيد، ثم يطوف
طواف النساء متى شاء مدة مقامه بمكة فإذا طافه حلت له النساء وعليه هدي واجب وهو
نسك ليس يجبر أن ينحره بمنى يوم النحر، فإن لم يتمكن منه صام ثلاثة أيام بالحج
469

وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وللقارن يحرم من ميقات أهله، ويسوق الهدي يشعره من مواضع الإحرام بشق سنامه
ويلطخه بالدم ويعلق في رقبته نعلا كان يصلى فيها ويسوق الهدي معه إلى منى، ولا
يجوز له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ويجوز له أن يدخل مكة لكن لا يقطع التلبية، ثم
يقضي مناسكه بالموقفين ومنى، ثم يعود إلى مكة فيطوف بالبيت سبعا ويسعى بين الصفا
والمروة كذلك، ثم يطوف طواف النساء وقد أحل من كل شئ وعليه العمرة بعد وهي
تسقط عن المتمتع لدخولها في الحج، ولا يجوز للقارن والمفرد قطع التلبية إلا بعد الزوال من
يوم عرفة ولا هدي عليهما وندبا إلى الأضحية.
[21] فصل:
ما يلزم المحرم على جناياته ضروب:
منها ما يجب فيه بدنة وهو أن يصيب نعامة أو بيض نعامة تحرك فرخها وإن لم
يتحرك أرسل فحولة الإبل في إناثها وأهدى للبيت ما نتج منها، أو يجامع في الفرج أو
فيما دونه متعمدا قبل الوقوف بالمزدلفة ويعيد الحج من قابل في الجماع في الفرج وكذا
في حجة التطوع وكذا على المرأة إن طاوعته وإن أكرهها فلا شئ عليها وعليه كفارتان،
أو يجامع متعمدا بعد الوقوف بالمشعر، أو يجامع مملوكته المحرمة باذنه وبغير إذنه لا شئ،
أو يأتي المرأة في دبرها أو الغلام أو البهيمة، وفي فساد الحج بذلك إذا وقع قبل عرفة وقبل
المشعر قولان.
أو يجامع قبل طواف الزيارة أو قبل التقصير وهو قادر على البدنة أو قبل طواف النساء
بعد منى، أو يجامع محرم بعمرة مبتولة قبل أداء منى ويقيم مع ذلك بمكة ليعيد العمرة في
الشهر الداخل، أو يعبث بذكره فيمني يعيد مع البدنة الحج من قابل إن كان قبل
الوقوف بالمزدلفة وإن كان بعده فالبدنة لا غير، أو ينظر إلى غير أهله فيمني قادرا على
البدنة، أو ينظر إلى أهله فيمني، أو يلاعبها كذلك، أو يعقد على امرأة لغيره ويدخل
بها، أو يجادل ثلاثا كاذبا، أو يقبل امرأته عن شهوة، أو نسي طواف الزيارة حتى
470

يرجع إلى أهله يقضيه مع البدنة إن تمكن، أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب
الشمس متعمدا جاهلا بذلك، أو يجامع وهو في طواف الزيارة وعليه الإعادة، أو يجامع
في طواف النساء ولم ينصفه فإن جازه بنى عليه، أو ينذر الحج ماشيا وركب للعجز يقوم
معها في المعابر، أو يجامع بنى التسع فتممه وإن جامع لظنه أنه تمم تمم ولا شئ،
وكل ما بلغ بدنة لا يجب فيه التضعيف وتكرار الكفارة في مجلس واحد كان أم لا، كفر
عن الأول أم لا.
ومنها ما فيه بقرة وهو أن يصيب حمار وحش أو بقرة وحشية أو يجادل مرتين كاذبا
أو يقلع من شجرة الحرم ما لم يغرسه وهو في ملكه ولا يثبت في داره بعد نباته لها إن
كانت كبيرة، ولا يكون قادرا على البدنة الواجبة في الجماع قبل طواف الزيارة أو في
الإمناء من النظر إلى الأهل.
ومنها ما فيه كبش وهو أن يصيب ظبيا أو أرنبا أو ثعلبا أو نحو ذلك في الحل، أو
يصيب طائرا من حمام الحرم أو يخرجه منه أو ينفره فيرجع، فإن لم يرجع فعليه لكل طائر
شاة، أو يأكل جرادا كثيرا أو يصيبه متمكنا من أن لا يصيبه.
أو يذبح محل طائرا من الصيد في الحرم، أو يصيب حجلا وحمامة أو شيئا من
بيضهما وقد تحرك فيه الفرخ فإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض
والنتاج هدي، أو يغلق محرم على حمام الحرم بابا فيهلك فلكل طير شاة، أو لا يقدر على
بدل البدنة من البقرة في الموضعين، أو يجادل ثلاثا صادقا أو مرة كاذبا، أو يقبل
زوجته بلا شهوة، أو يقلم أظفار يديه أو رجليه أو الجميع في مجلس واحد فإن قلم شيئا
فلا شئ عليه، أو يمس رأسه أو لحيته لا للطهارة فيسقط منه شعر كثير، أو يقلع شجرة
صغيرة في الحرم بالصفة المذكورة، أو يفتي غيره بتقليم ظفر فأدمى إصبعه، أو يحلق رأسه
لأذى، أو يظل على نفسه، أو يستعمل دهنا فيه طيب، أو يلبس أو يأكل ما لا يحل له،
أو ينتف إبطيه جميعا، أو يقلع ضرسا له، أو يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر.
أو يلبس قميصا أو ثيابا جماعة في مجلس واحد فإن لبسها منفردا فعليه لكل واحد
شاة وينزع الثوب من قبل رجليه، أو يحلق رأسه متعمدا قبل يوم النحر، أو ينسى
471

التقصير حتى يهل بالحج، أو يقبل زوجته قبل التقصير، أو ترك الحلق والتقصير حتى
يزور البيت، أو يهل عليه المحرم ولم يكن صام الثلاثة الأيام لدم المتعة ولا عوضها من
ذي الحجة، أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير منى، أو يضرب بطائر الأرض في
الحرم فيقتله وعليه مع الشاة قيمتان والتعزير، أو يوقد جماعة فيقع فيها طائر فعلى كل
منهم الفداء إن قصدوا ذلك وإلا فعلى الجميع.
وإذا اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فعلى المحل لكل بيض درهم وعلى
المحرم لكل منهم دم شاة، وفي كل واحد من البط والإوز والكركي شاة وقيل: القيمة.
ومن غلق على حمام بابا فهلك فرخها فلكل فرخ حمل فطيم، ومن أصاب قطاة أو قتل فرخا
في الحل وكذلك في اليربوع جدي، وكذا في القنفذ والضب وشبهه ذلك.
[22] فصل:
إن من قتل صيدا له مثل، حرا كامل العقل محلا في الحرم أو محرما في الحل فعليه
الفداء والقيمة والفداء مضاعفا، وإن كان مملوكا فكفارة على مالكه إن كان إحرامه
باذنه وعليه إن كان بغير إذنه بالصوم، وإن كان غير كامل العقل فعلى وليه، وتكرار
القتل يوجب تكرار الكفارة في الناسي وفي المتعمد قولان، وفي شرب لبن ظبية في الحرم
دم وقيمة اللبن، وفي قتل المحرم حمامة في الحرم دم وقيمة، وفي إصابة بيض حمام في الحرم
الجزاء والقيمة.
ومن أدخل الحرم صيدا كان معه زال عنه ملكه فإن أخرجه وهلك فعليه فداؤه، ومن
دل على صيد فقتل فعليه جزاؤه، وإذا قتل جماعة محرمون صيدا معا فعلى كل منهم فداء،
وإذا اشتروا لحم صيد وأكلوه لزم كلا منهم فداء كامل، وإذا رمى اثنان صيدا فأصاب
أحدهما وأخطأ الآخر لزم كلا منهما الفداء، وإذا قتل محرم ومحل صيدا في الحرم فعلى
المحرم الفداء والقيمة وعلى المحل القيمة، وفي غير الحرم على المحرم خاصة الجزاء، وكل
ما يصيبه المحرم من الصيد في الحل فعليه الفداء لا غير وما يصيبه في الحرم فعليه الفداء
والقيمة معا ويلزم المحل في الحرم القيمة، وما لا دم فيه كالعصفور إذا أصابه المحرم في
472

الحرم فعليه قيمتان.
إذا قتل المحرم صيدا في الحرم لم يأكله فعليه فداءان، ومن رمى صيدا ولم يعلم هل
أثر فيه أم لا ومضى على وجهه لزمه الفداء وإن أثر فيه ثم رآه وقد صلح فعليه ربع الفداء،
وإذا رمى محل صيدا يؤم الحرم فأصابه وأدخل الحرم ومات فيه كان لحمه حراما وعليه
الفداء، وروي: أن من أصاب صيدا فيما بين البريد وبين الحرم فعليه الفداء، وإن
أصاب شيئا منه فأفقأ عينه أو كسر قرنه أو رجله فعليه صدقة.
ومتى وقف صيدا بحيث يكون بعضه في الحل وبعضه في الحرم فقتله محل ضمنه،
وإذا قتل محرم أو محل طائرا على شجرة أصلها في الحرم وغصنها في الحل أو بعكس ذلك
ضمنه، وإذا رمى صيدا فقتله ونفذ السهم إلى صيد آخر لزمه جزاءان، وإن رمى طائرا
فقتله واضطرب فقتل فرخا أو كسر بيضه فعليه ضمانه، وإن قتل صيدا مكسورا أو أعور
فالأحوط أن يفديه بصحيح وإن أخرج مثله جاز، وإن قتل ذكرا جاز أن يفديه بأنثى
وكذا بالعكس، وبمثله أفضل.
وإذا جرح ظبيا مثلا ولم تسر الجراحة إلى نفسه أو لم يصر غير ممتنع قوم صحيحا
ومعيبا وضمن ما بين القيمتين من المثل وهو الشاة وكذا في غيره، وإن صار غير ممتنع
وكان لا يقدر على العدو والطيران أو سرت الجراحة إلى نفسه لزمه جزاء مثله، فإن غاب
ولم يدر حاله لزمه الجزاء كملا. وإذا كسر طير لم يحضن عليه مما لا يؤكل لحمه فعليه
قيمته، وإن باض صيد في الحرم في دار انسان فنقل البيض ووضع إلى آخر فنفر الصيد
فلم يحضنه فعليه ضمانه.
إذا ضرب صيدا حاملا فألقت جنينا وماتا معا فعليه جزاء المثل عن كل منهما
وإن مات واحدهما عليه مثله لا غير، وإن أثر الضرب في الأم لزمه ذلك، وإن ضربت
بطنها وألقت جنينا ميتا وعليه في الجنين ما ينقص من قيمة الأم بين كونها حاملا
وحاملا بعد الإسقاط فيلزم ذلك في المثل.
إذا أمسك محرم صيدا فذبحه محل في الحل فعلى المحرم الجزاء لا غير، فإن ذبحه محرم
آخر وكانا في الحرم فعلى كل منهما الجزاء والقيمة، وإن أمسكه محل في الحرم فقتله محل
473

فعلى كل منهما القيمة، وإن كان الصيد ملك انسان فالجزاء والقيمة له إذا رمى محل في
الحل.
إذا أرسل المحرم كلبا معلما فقتله ضمنه في الحل كان أو في الحرم، فإن كان في
الحرم زادت عليه الفدية، وإن كان في الحل أو كان محل في الحرم لزمه جزاء واحد.
إذا نفر صيدا فهلك من تنفيره أو أصابته آفة فأخذه جارح آخر لزمه ضمانه، وكذا
إن ركب المحرم دابة فرمحت صيدا برجلها أو مسته بيدها أو عضته، وكذا إذا جرح
صيدا فمات بعده أو قتله غيره.
كل صيد يكون في البر والبحر معا، فإن كان مما يبيض ويفرخ في البحر فلا بأس
بأكله وإن كان يفعل ذلك في البر لم يجز صيده ولا أكله.
المتولد بين جنسين مختلفين يؤكل لحمهما وجب فيه الجزاء، ويجوز للمحرم ذبح
الدجاج الحبشي في الحرم وكذا كل ما يؤكل من الحيوان الإنسي ولا جزاء.
إذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وأكل الصيد وفداه، فإن لم يتمكن من الفداء جاز
له أكل الميتة.
إذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم أو ذبحه محل في الحرم لم يجز أكله وكان بحكم
الميتة.
إذا أخذ المحرم جراد الحرم لزمه جزاؤه. إذا أمر محرم محلا أن يحلق رأسه فحلق فعلى
المحرم الفداء.
ومن جعل في رأسه زئبقا بعد الإحرام فقتل القمل لزمه الفداء، وإن فعل ذلك قبل الإحرام وقتل القمل بعد
الإحرام فلا شئ عليه. ومن لبس الخفين أو الشمشك بلا ضرورة لزمه دمه،
ومن لبس السواد لزمه
الفداء.
وإذا لبس المحرم ثوبا لا يحل له لبسه لضرورة برد أو حر فلا شئ عليه، ومن
خضب رأسه أو طينه أو غطاه بعصابة أو قرطاس أو حمل على رأسه شيئا يغطيه أو ارتمس
في الماء حتى غطى رأسه لزمه الفداء، فإن غطاه بيده أو شعره فلا شئ، وإذا غطاه لحر
474

أو برد فداه ولا إثم.
ومن تطيب بطيب من الأجناس الستة المذكورة قبل أو أكل ما فيه شئ منه أو مس
بيده شيئا منه رطبا أو جعله في دواء من سعوط أو حقنة أو غير ذلك واستعمله فعليه
الفداء، وما عدا تلك الأجناس من الطيب يكره استعماله ولا يجب فيه الكفارة إلا أن
يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن بها فحينئذ تتعلق بها الكفارة.
إذا اجتمع لمحرم بين أجناس كاللبس والطيب والحلق والتقليم والقبلة لزمه عن كل
جنس فدية، سواء كان في وقت واحد أو أوقات متفرقة، وكذا إذا فعل جنسا واحدا
منه في أوقات متفرقة ولكل دفعة فدية سواء كفر عن الأول أو لا، فأما إذا فعل جنسا
واحدا في وقت واحد فعليه فدية واحدة، ويجب في كل صيد جزاء سواء كان في وقت
واحد أو أكثر.
ما ينبت في المباح من شجرة الحرم كلها مضمون إلا الإذخر والفاكهة، ومن قلع
شجرا من الحرم ثم ردها إلى مكانها فعادت كما كانت فلا شئ وإن جفت ضمنها،
والشجرة إذا كانت أصلها في الحل وفرعها في الحرم أو بالعكس منه يستوي حكم الأصل
والفرع في وجوب الضمان، وفي قلع حشيش الحرم قيمته، وحد الحرم الذي لا يجوز قلع
شجره بريد في بريد.
وما فيه القيمة:
أن يصيب محرم بيض حمام في الحل لكل بيضة ربع درهم إلا أن قيمة الأهلي
يتصدق بها على المساكين وقيمة الحرمي يشترى بها علفا لها، أو يخرج طائرا من الحرم
ومات معه، أو يقتل محرم أو محل صيدا في الحرم ويتضاعف على المحرم، أو يفقأ عيني
غزال وفي أحدهما نصف القيمة وهكذا في اليدين والرجلين، أو يكسر قرنيه فيهما نصف
القيمة وفي الواحد الربع، أو يغلق محرم بابا على حمام الحرم حتى يهلك ومعها
بيض فلكل بيض درهم، وإن أغلق قبل الإحرام فلكل فرخ نصف ولكل بيض ربع، أو يقتل
المحل فرخا في الحرم فعليه نصف درهم، وفي قطع غصن من أغصان شجر الحرم
القيمة.
475

وما فيه طعام:
من أصاب عصفورا أو قنبرة أو نحوها تصدق بمد من طعام، ومن نتف أحد إبطيه
أطعم ثلاثة مساكين، ومن مس رأسه أو لحيته لا للطهارة فسقط به شعر تصدق بكفين
من طعام وإن سقط في الوضوء فعليه كف وقيل: لا شئ عليه.
ومن أصاب زنبورا متعمدا أو رمى عن نفسه قملة أو قتلها فعليه كف من طعام،
ومن قلم ظفرا أو أكثر متعمدا فعليه مد من طعام، ومن نتف ريشة حمامة من حمام الحرم
تصدق بتلك اليد، ومن أصاب جرادة تصدق بتمرة.
من لم يقدر على البدنة قوم الجزاء وفض ثمنه على البر فأطعم ستين مسكينا لكل
واحد نصف صاع فإن زاد فله وإن نقص يجزئه، وفي البقر فعلى ثلاثين وفي الشاة والحمل
والجنين عشرة، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع يوما فإن عجز صام عن البدنة
ثمانية عشر يوما وعن البقرة تسعة أيام وعن الشاة ثلاثة أيام.
ومن لم يقدر على إرساله فحولة الإبل في الإناث في بيض النعام فعليه عن كل بيضة
شاة فإن عجز أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وفي حلق الرأس دم شاة
أو إطعام ستين مسكينا أو صيام ثلاثة أيام.
ما لا مثل له:
يقومه ويشترى به طعاما ويتصدق به أو يصوم عن كل منه يوما، وما لم يكن
منصوصا على قيمته يرجع فيه إلى قول عدلين ومن ربط صيدا بجنب الحرم فدخل الحرم
حرم لحمه وثمنه ولم يجز له اخراجه.
ويجوز للمحرم الاحتجام والافتصاد ودخول الحمام وإزالة الوسخ عن البدن
والاغتسال بلا ارتماس، ولا يلزمه بسقوط الشعر في الغسل شئ.
ويكره للمحرم من الطيب ما خالف الأجناس المذكورة وكذا
الاكتحال والخضاب للزينة والنظر في المرآة، وأما الاكتحال بما فيه طيب فقيل:
إنه مكروه وقيل: محظور.
476

[23] فصل:
من مات وعليه حجة الاسلام وجب اخراجها من أصل التركة سواء أوصى بها أو
لا، ويجوز الاستئجار للحج عن الميت وعمن عجز عن القيام به بنفسه، ثم إن مات
المستأجر سقط عنه فرضه وإن صلح وجب عليه القضاء بنفسه، وإذا فعل الأجير ما يلزمه
كفارة كان عليه في ماله فإن أفسد الحج وجب عليه قضاؤه عن نفسه وكانت الحجة
باقية عليه ثم إن كانت معلقة بتلك السنة انفسخت الإجارة لفوات الوقت الذي عينه
ولزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، وإن لم يعينه بل كانت في الذمة لم
تنفسخ الإجارة وعليه أن يحج منه حجة أخرى بعد قضاء ما أفسد عن نفسه ولم يكن
للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه.
وإن مات الأجير قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردوا جميع ما أخذ ولا يستحق
شيئا منه لأنه لم يفعل شيئا من أفعال الحج، هذا إذا استأجره أن يحج عنه مطلقا،
وإن استأجره أن يحج من موضع مخصوص ويقطع المسافة إلى الميقات استحق الأجرة
بمقدار ما قطع من الطريق، وإن مات بعد الإحرام لم يلزم الورثة شئ وأجزأ عن
المستأجر استوفى الأركان أولا.
إذا استأجر أجيرا للحج عنه بنفسه لم يكن للأجير أن يستأجر غيره في تلك النيابة إلا
إذا فوض الأمر إليه في ذلك، وإذا أخذ حجة عن غيره لم يجز له أن يأخذ الأخرى إلا
بعد أن يقضي الأولى، ومن حج عمن وجب عليه الحج بعد موته تطوعا منه سقط بذلك
فرضه عن الميت، ومن كان عنده وديعة ومات صاحبها ولم يحج حجة الاسلام وغلب
على ظنه أن ورثته لا يقضونها عنه جاز له أن يحج بها عنه ويرد الباقي على الورثة وإن
غلب على ظنه أنهم يقضونها عنه لم يجز ذلك، ولا يجوز لأحد أن يحج عن مخالف له في
الاعتقاد إلا أن يكون أباه وقد رأى ذلك ابن البراج أيضا، ويجوز للرجل أن يحج عن المرأة
وبالعكس، ومن كان حجة الاسلام واجبة عليه لا يجوز أن يحج عن غيره إلا بعد أن
يحج عن نفسه.
477

[24] فصل:
لا يصح النذر بالحج والعمرة إلا من كامل العقل حر ولا يراعى في صحة النذر باقي
الشروط، ومن نذر أن يحج ولم يعتقد زائدا على حجة الاسلام بنية النذر أجزأته عن حجة
الاسلام.
وإن نذر حجة زائدة عليها ثم حج بنية إحديهما لم يجزئه عن الأخرى، فإن منع
الناذر عن المضي فيما نذر وجب فعله إذا زال المانع إلا أن يقيد نذره لسنة معينة فمنع
فيها لم يلزمه في ما بعد إلا إذا قصر هو فيه فيلزمه بعد ذلك، فإن كان المانع مرضا
عرض له أوان الخروج استناب من يحج عنه فإذا عوفي حج هو بنفسه وجوبا، وإن مات
في مرضه لم يلزم ورثته شئ.
ومن نذر أن يحج ماشيا قام في المعابر، فإن عجز عن المشي ركب مع القدرة على
المشي وجب أن يعيد الحج يركب ما مشى ويمشي ما ركب، ومن مات وعليه حجة
الاسلام [أخرج] من صلب ماله وحجة النذر من ثلثه، فإن لم يترك إلا بأحدهما حج
حجة الاسلام وحج وليه حجة النذر ندبا، ومن مات في طريق الحج فإن كان موته بعد
دخول الحرم أجزأه وإن كان قبله فعلى وليه القضاء عنه، ومن مات وعليه حج ودين
ولم يسعهما المال قسم بينهما. وحج بما يخصه من حيث بلغ.
[25] فصل:
وجوب الحج والعمرة على الفور، الصبي إذا بلغ والعبد إذا أعتق والمجنون إذا رجع
إليه العقل قبل أن يفوته الوقوف فوقف بها وأتى بباقي المناسك يجزئه عن حجة
الاسلام، ويعتبر في الزاد نفقته ذاهبا وجائيا ونفقة من يخلفه ممن يجب عليه نفقته
قدر كفايتهم ويفضل معه ما يرجع إليه يستعين به على أمره إن كان صاحب تجارة
وتصرف، وإن كان ذا صناعة أو حرفة رجع إليها، وإن كان له ضياع يكون قدر كفايته
لزمه الحج ولا يلزمه بيع مسكن يسكنه وخادم يخدمه خاصة، وإن كان عليه دين حال أو
مؤجل بقدر ماله من المال لم يلزمه الحج فحج مع غيره في نفقته أو آجر نفسه من غيره
478

ليخدمه ثم رجع أجزأه عن الاسلام.
ومن بذل له الاستطاعة لزمه الحج، إذا لم يتمكن إلا طريق واحد وفيه عدو أو
لصوص ولا يقدر على دفعهم يسقط الوجوب، فإن لم يندفع العدو إلا بدفع أو خفارة هو
غير محل السيوف فمات بحمل ذلك كان حسنا وإن تطوع غيره ببذله لزمه.
من مات قبل أن تنزاح العلة لم يجب أن يحج عنه، وإذا قضى من الزمان فيه ما
يمكنه فيه الحج بعد الوجوب ولم يحج ثبت في ذمته من ثلث ماله ويجب أن يحج عنه من
أصل تركته، فإن لم يخلف مالا حج عنه وليه ندبا، ومن حج بعد الاستطاعة بنية
التطوع أجزأت عنه حجة الاسلام وإن حج عن نفسه وعن غيره لم يجز عن أحدهما ولا
يستحق على الغير الأجر لفقد النية.
من أحرم بحج أو عمرة فمنعه عدو من الوصول إلى البيت ولم يكن له طريق إلا ما
صد فيه فله أن يتحلل، وإن كان له طريق والآخر لا مانع منه يلزمه سلوكه على إحرامه
فإن فاته الحج لزمه القضاء في الواجب لا التطوع، وإن حبس بسبب خاص به كدس
عليه أو غيره فإن قدر على قضائه لم يكن له التحلل، وإن لم يقدر على قضائه أو حبس
طالما كان له التحلل، ومن له التحلل لا يجوز له إلا بعد هدي.
ومن صد عن البيت وقد وقف بعرفة والمشعر تحلل ورمى وحلق وذبح إذ الحلق أيام
الرمي ولا إفساد في ذلك، فإن تمكن إلى مكة وطاف طواف الحج وسعى وقد تم حجه ولا
قضاء عليه هذا إذا أقام على إحرامه حتى يطوف ويسعى وإلا حج من قابل، وإذا طاف
وسعى ومنع من المبيت بمنى وعن الرمي تم حجه لأن ذلك ليس من الأركان، فإن صد
من الوقوف بالموقفين أو أحدهما لا من المبيت جاز له التحلل، فإن أقام على إحرامه حتى
فاته الوقوف بها فقد فاته الحج.
إذا لم يجد المصدود الهدي ولا يقدر على ثمنه فلا يجوز أن يتحلل حتى يهدي وليس له
الانتقال إلى بدل من الصوم أو الإطعام ولا بد في التحلل من نيته. إذا بذل لهم العدو
وتخلية الطريق فإن كانوا معروفين بالغدر جاز لهم الانصراف وإن كانوا معروفين بالوفاء
لم يجز له التحلل ولا يلزمه الحج بذل ما يطلبه العدو من المال على التخلية قليلا كان أو
479

كثيرا.
والمريض الذي لا يقدر على العود إلى مكة بعد إحرامه يبعث بهديه إلى مكة ويجتنب
ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله، ومحله للحاج منى وللمعتمر قبال الكعبة، فإذا
بلغ محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شئ إلا النساء، ويحج الصرورة من قابل
وجوبا وغيره ندبا ولم يحل له النساء إلا أن يحج في القابل.
ويستنيب المتطوع لطواف النساء، فإن وجد من نفسه خفة فأدرك مكة قبل نحر
هديه قضى مناسكه وأجزأه وإلا حج من قابل، وإن ذبحوه فقد فاته الحج لأن الذبح لا
يكون إلا يوم النحر وقد فاته الوقتان، وإن لم يسق الهدي بعث قيمته وتواعد وقتا
يشترى فيه ويذبح عنه ثم يحل بعده، فإن لم يجد الهدي وردوا عليه الثمن وقد أحل فلا
شئ ويجب أن يبعث به في العام المقبل ويمسك مما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه.
والمحصور إذا أحرم بالحج قارنا لم يجز أن يحج في العام المقبل متمتعا، ومن بعث
هديا تطوعا اجتنب ما يجتنبه المحرم إلا أنه لا يلبي فإن فعل شئ مما يحرم عليه
الكفارة كما على المحرم.
[26] فصل:
العمرة فريضة كالحج وشرائط وجوبهما واحدة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج سقط
منه فرضها، وإن لم يتمتع إن كان من حاضري المسجد الحرام أوجبته ضرورة من
التمتع لحج قارنا أو مفردا اعتمر بعد انقضاء أيام التشريق أو في استقبال المحرم،
ويذكر في دعائه أنه محرم بالعمرة المفردة، وإذا دخل مكة طاف طواف النساء ولا
يجوز أن يعتمر في أقل من عشرة أيام وأفضلها ما يكون في رجب.
وإذا دخل مكة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحج لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج،
فإن أراد التمتع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحج، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة في
أشهر الحج لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج فإن أراد التمتع كان عليه تجديد عمرة في
أشهر الحج، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز أن يقضيها ويخرج
480

والأفضل أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة، فإن دخلها بنية التمتع لم يجز أن يجعلها
مفردة وأن يخرج من مكة لارتباطه بالحج، وأما الآداب فشرحها طويل ولها كتب مفردة
وذكرها بكتب العمل أليق.
481

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
483

كتاب الحج
باب حقيقة الحج والعمرة وشرائط وجوبهما:
الحج في اللغة: هو القصد، وفي الشريعة كذلك، إلا أنه اختص بقصد البيت الحرام
لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص. والعمرة: هي الزيارة في اللغة، وفي
الشريعة: عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده ولا يختص بزمان
مخصوص إذا كانت مبتولة، فأما العمرة المتمتع بها إلى الحج فإنها تختص بزمان مخصوص
مثل الحج سواء لأنها داخلة في الحج،
وما ذكرته من حقيقة الحج في الشريعة ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه
وفي جمله وعقوده. والأولى أن يقال: الحج في الشريعة هو القصد إلى مواضع مخصوصة
لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلقة بزمان مخصوص، وإنما قلنا ذلك لأن الوقوف بعرفة
وقصدها واجب وكذلك المشعر الحرام ومنى، فإذا اقتصرنا في الحد على البيت الحرام
فحسب خرجت هذه المواضع من القصد وهذا لا يجوز، فأما ما ذكره في حقيقة العمرة
المبتولة فحسن لا استدراك عليه فيه، لأن الوقوف بعرفة والمشعر ومنى لا يجب في العمرة
المبتولة بل قصد البيت الحرام فحسب، ولو قيد العمرة بالمبتولة، كان حسنا بل أطلقها،
وإن كان مقصوده رحمه الله ما ذكرناه.
وهما على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض منهما على ضربين: مطلق من غير سبب
وواجب عند سبب،
فالمطلق من غير سبب: هو حجة الاسلام وعمرة الاسلام. وشرائط وجوبهما ثمانية:
البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والصحة، ووجود الزاد والراحلة، والرجوع إلى كفاية
485

إما من المال أو الصناعة أو الحرفة، وتخلية السرب من الموانع، وإمكان المسير.
وقولهم إمكان المسير هو غير تخلية السرب لأن السرب الطريق، بفتح السين، وإمكان
المسير يراد به أنه وجد القدرة من المال في زمان لا يمكنه الوصول إلى مكة لضيق الوقت،
مثال ذلك أن رجلا من بغداد وهو فقير استغنى ووجد شرائط الحج في أول ذي الحجة أو
كان قد بقي ليوم عرفة ثلاثة أيام أو أقل من ذلك والطريق مخلى أمين فلا يجب عليه في
هذه السنة الحج لأنه لا يمكن المسير بحيث يدرك الحج وأوقاته وأمكنته في هذه المدة، فإن
وجد المال والشرائط ومعه من الزمان ما يمكنه الوصول وإدراك هذه المواضع في أوقاتها
فقد أمكنه المسير، فهذا معنى إمكان المسير.
ومتى اختل شئ من هذه الشرائط الثمان سقط الوجوب ولم يسقط الاستحباب،
هذا على قول بعض أصحابنا فإنهم مختلفون في ذلك، فبعض يذهب إلى أنه لا يجب إلا
مع هذه الشرائط الثمانية وبعض منهم يقول: يجب الحج على كل حر مسلم بالغ عاقل
متمكن من الثبوت على الراحلة إذا زالت المخاوف والقواطع، ووجد من الزاد والراحلة
ما ينهضه في طريقه وما يخلفه لعياله من النفقة، وعبارة أخرى لمن لا يراعي الثماني
شرائط بل يسقط الرجوع إلى كفاية ويراعى سبع شرائط فحسب قال: الحج يجب على
كل حر، بالغ، كامل العقل، صحيح الجسم متمكن من الاستمساك على الراحلة، مخلى
السرب من الموانع، يمكنه المسير، واجد للزاد والراحلة ولما يتركه من
نفقة من يجب عليه نفقته على الاقتصاد، ولما ينفقه على نفسه ذاهبا وجائيا بالاقتصاد، وإلى المذهب الأول
ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في سائر كتبه إلا في الاستبصار ومسائل خلافه، وإلى
المذهب الثاني ذهب السيد المرتضى في سائر كتبه حتى أنه ذهب في الناصريات إلى أن
الاستطاعة التي يجب معها الحج صحة البدن وارتفاع الموانع والزاد والراحلة فحسب،
وقال رحمه الله: وزاد كثير من أصحابنا أن يكون له سعة يحج ببعضها ويبقى بعضا لقوت
عياله، ثم قال رضي الله عنه: دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر ذكره،
أنه لا خلاف في أن من حاله ما ذكرناه أن الحج يلزمه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي يقوى في نفسي وثبت عندي وأختاره وأفتى به
وأعتقد صحته ما ذهب إليه السيد المرتضى واختاره، لأنه إجماع المسلمين قاطبة إلا مالكا
فإنه لم يعتبر الراحلة ولا الزاد إذا كان ذا صناعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه، وإن
486

لم يكن ذا صناعة وكان يحسن السؤال وجرت عادته به لزمه أيضا الحج، فإن لم تجر
عادته به لم يلزمه الحج.
فأما ما ذهب إليه الفريق الآخر من أصحابنا فإنهم يتعلقون بأخبار آحاد لا يوجب علما
ولا عملا ولا يخصص بمثلها القرآن ولا يرجع عن ظاهر التنزيل بها، بل الواجب العمل
بظاهر القرآن وهو قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا،
ولا خلاف أن من ذكرنا حاله قادر على إتيان البيت وقصده لأنه تعالى قال: من
استطاع إليه سبيلا، ولولا إجماع المسلمين على إبطال قول مالك لكان ظاهر القرآن
معه، بل أجمعنا على تخصيص المواضع التي أجمعنا عليها وخصصناها بالإجماع، بقي
الباقي بظاهر الآية على عمومها، فمن خصص ما لم يجمع على تخصيصه يحتاج إلى دليل،
ألا ترى إلى استدلال السيد المرتضى رحمه الله وقوله: دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد
الاجماع المتكرر ذكره، أنه لا خلاف في أن من حاله ما ذكرناه أن الحج يلزمه فقد استدل
بإجماع الفرقة وإجماع المسلمين بقوله: لا خلاف في أن من حاله ما ذكرناه أن الحج يلزمه،
واستدل أيضا على بطلان قول مالك وصحة ما ذهب السيد إليه واختاره بما روي من أن
النبي ص سئل عن قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا، فقيل له: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد والراحلة.
قال محمد بن إدريس: وأخبارنا متواترة عامة في وجوب الحج على من حاله ما ذكرناه قد
أوردها أصحابنا في كتب الأخبار، من جملتها ما ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله
في كتابه " تهذيب الأحكام " وفي " الاستبصار " فما أورده في الاستبصار عن الكليني
محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى
الخثعمي قال: سأل حفص الكناني أبا عبد الله ع - وأنا عنده - عن قول الله
عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ما يعني ذلك؟ قال:
من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج،
قال: نعم.
عنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن
أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا، قال: أن يكون له ما يحج به، قال: قلت: من عرض عليه ما يحج
487

به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج
على حمار أبتر فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج. موسى بن القاسم عن معاوية بن وهب عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم قال:
قلت لأبي جعفر قوله: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، قال:
يكون له ما يحج به، قلت: فإن عرض عليه الحج فاستحيا قال: هو ممن يستطيع ولم
يستحي ولو على حمار أجدع أبتر، قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا
فليفعل.
قال محمد بن إدريس: فجعل شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله هذه الأخبار عمدته،
وبها صدر الباب في ماهية الاستطاعة وأنها شرط في وجوب الحج وهذه طريقته في هذا
الكتاب أعني كتاب الاستبصار، يقدم في صدر الباب ما يعمل به من الأخبار ويعتمد
عليه ويفتي به، وما يخالف ذلك يؤخره ويتحدث عليه، هذه عادته وسجيته وطريقته في
هذا الكتاب فمذهبه في الاستبصار هو ما اخترناه وقد رجع عن مذهبه في نهايته وجمله
وعقوده واختار في استبصاره ما ذكرناه، ثم قال رحمه الله: فأما ما رواه الحسن بن سعيد
عن القاسم بن أحمد عن علي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ع قول الله
عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، قال: يخرج
ويمشي إن يكن عنده مركب، قلت: لا يقدر على المشي قال: يمشي ويركب، قلت: لا
يقدر على ذلك - أعني المشي - قال: يخدم القوم ويخرج معهم.
عنه عن فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله ع عن
رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من استطاع
المشي من المسلمين، ولقد كان من حج مع النبي ع أكثرهم مشاة ولقد مر
رسول الله ص بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد والعياء، فقال: شدوا
إزاركم واستبطئوا، ففعلوا ذلك فذهب عنهم.
قال رحمه الله: فلا تنافي بين هذين الخبرين والأخبار الأولة المتقدمة لأن الوجه فيهما
أحد شيئين، أحدهما أن يكونا محمولين على الاستحباب، لأن من أطاق المشي مندوب إلى
الحج وإن لم يكن واجبا يستحق بتركه العقاب ويكون إطلاق اسم الوجوب على ضرب
من التجوز مع أنا قد بينا أن ما هو مؤكد شديد الاستحباب يجوز أن يقال فيه: إنه
488

واجب وإن لم يكن فرضا. والوجه الثاني أن يكونا محمولين على ضرب من التقية، لأن
ذلك مذهب بعض العامة ألا ترى أنه رحمه الله قد اعتمد على الأخبار الأولة في وجوب
الحج على من وجد الزاد والراحلة ونفقة طريقه ذاهبا وجائيا، ونفقة من يخلفه ممن يجب
عليه نفقته مدة سفره وغيبته، ولم يذكر فيها الرجوع إلى كفاية إلا في خبر أبي الربيع
الشامي فإن فيه اشتباها على غير الناقد المتأمل، بل عند تحقيقه ونقده هو موافق لغيره من
الأخبار التي اعتمد شيخنا عليها لا تنافي بينها وبينه وذلك أنه،
قال أبو الربيع: سئل أبو عبد الله ع عن قول الله عز وجل: ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقيل له: الزاد
والراحلة قال: فقال أبو عبد الله ع: قد سئل أبو جعفر عن هذا فقال: هلك
الناس إذن لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس
ينطلق فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذن، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال
إذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله.
قال محمد بن إدريس: وليس في الخبر ما ينافي ما ذهبنا إليه واخترناه بل ما يلائمه
ويعضده وهو دليل لنا لا علينا بل نعم ما قال ع لأنه قال: ما يقول الناس في
الاستطاعة؟ قال: فقيل له: الزاد والراحلة، فقال أبو عبد الله ع سئل أبو جعفر
عن هذا فقال: هلك الناس إذن لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله
ويستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، ونحن نقول بما قال عليه
السلام ولا نوجب الحج على الواجد للزاد والراحلة فحسب، بل نقول ما قال عليه
السلام لما قيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى
بعض لقوت عياله، وكذا نقول وهذا مذهبنا الذي ذهبنا إليه لأنه ع قال:
السبيل السعة في المال، ثم فسرها فقال: إذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله،
ولم يذكر في الخبر ع: " ويرجع إلى كفاية إما من صناعة أو مال " بل قال عليه
السلام: يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله، وهو الصحيح لأنا أوجبنا الحج بأن يجد
الزاد والراحلة ونفقته ذاهبا وجائيا ونفقة من يخلفه ممن يجب عليه نفقته من عياله
وكذلك قال ع: يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله، يعني نفقة عياله، فأما
إن لم يبق ما يقوت عياله مدة سفره وغيبته فلا يجب عليه الحج، وهل هذا الخبر فيه ما
489

ينافي ما قلناه أو يرجع به عن ظاهر التنزيل والمتواتر من الأخبار ولو وجد أخبار آحاد فلا
يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأنها لا توجب علما ولا عملا، ولا يترك لها ظاهر القرآن
وإجماع أصحابنا فإنهم عند تحقيق أقوال الفريقين نجدهم متفقين على ما ذهبنا إليه وأنا
أدلك على ذلك، وذاك أنه لا خلاف بينهم: أن العبد إذا لحقه العتاق قبل الوقوف بأحد
الموقفين فإن حجته مجزئة عن حجة الاسلام ويجب عليه النية للوجوب والحج ولم يعتبر
أحد منهم هل هو ممن يرجع إلى كفاية أو صنعة، لأن العبد عندهم لا يملك شيئا فإذا لا
مال له يرجع إليه ولا أحد منهم اعتبر رجوعه إلى صناعة في صحة حجه وهذا منهم إجماع
منعقد بغير خلاف، وكذلك أيضا من عرض عليه بعض إخوانه نفقة الحج فإنه يجب عليه
عند أكثر أصحابنا أيضا ولم يعتبروا في وجوب الحج عليه رجوعه إلى كفاية إما من المال
أو الصناعة والحرفة بل أوجبوه عليه بمجرد نفقة الحج وعرضها عليه وتمكنه منها فحسب،
وأيضا فقد ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى ما ذهبنا إليه في مسألة من مسائل
خلافه مضافا إلى استبصاره، فقال: مسألة المستطيع ببدنه الذي يلزمه فعل الحج بنفسه
أن يكون قادرا على الكون على الراحلة ولا تلحقه مشقة غير محتملة في الكون عليها فإذا
كانت هذه صورته فلا يجب عليه فرض الحج إلا بوجود الزاد والراحلة فإن وجد أحدهما لا
يجب عليه فرض الحج وإن كان مطيقا للمشي قادرا عليه، ثم قال في استدلاله على صحة
ما صوره في المسألة: دليلنا إجماع الفرقة ولا خلاف أن من اعتبرناه يجب عليه الحج وليس
على قول من خالف ذلك دليل وأيضا قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا والاستطاعة تتناول القدرة وجميع ما يحتاج إليه فيجب أن يكون من
شرطه وأيضا روي عن النبي ع أنه قال: الاستطاعة الزاد والراحلة - لما
سئل عنها - روى ذلك ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده وجابر بن عبد الله وعائشة وأنس بن مالك، ورووا أيضا عن علي عن النبي
عليه وآله السلام - هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في المسألة - ألا ترى أرشدك الله إلى
قوله رحمه الله: ولا خلاف في أن من اعتبرناه يجب عليه الحج، وما اعتبر فيما صوره في
المسألة الرجوع إلى كفاية ودل أيضا بإجماع الفرقة على صحة ما صوره في المسألة وأيضا
ذكر مسألة أخرى فقال: مسألة الأعمى يتوجه عليه فرض الحج إذا كان له من يقوده
ويهديه ووجد الزاد والراحلة لنفسه ولمن يقوده ولا يجب عليه الجمعة وقال الشافعي:
490

يجب عليه الحج والجمعة معا، وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه الحج وإن قدر على جميع ما
قلناه دليلنا قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، وهذا
مستطيع فمن أخرجه من العموم فعليه الدلالة، هذا آخر كلام شيخنا ألا ترى أرشدك الله
إلى استدلاله فإن كان يعتبر الرجوع إلى الكفاية على ما يذكره في بعض كتبه في وجوب
الحج فقول أبي حنيفة صحيح لا حاجة به إلى الرد عليه بل رد عليه بالآية وعمومها، ونعم
ما استدل به فإنه الدليل القاطع والضياء الساطع والشفاء النافع. وقال أيضا في مبسوطه
شيخنا أبو جعفر الطوسي: مسألة إذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهبا وجائيا
ويخلف لمن يجب عليه نفقته لزمه فرض الحج لأنه مستطيع. هذا آخر كلامه في مبسوطه
وجعل هذا الكلام مسألة في مسائل خلافه أيضا فهل يحل لأحد أن يقول: إن الشيخ أبا
جعفر الطوسي رحمه الله ما يذهب إلى ما يذهب إليه المرتضى في هذه المسألة، بعد ما
أوردناه عنه وإن كان في بعض كتبه يقول بغير هذا فنأخذ ما اتفقا عليه ونترك القول الذي
انفرد به أحدهما إن قلدا في ذلك ونعوذ بالله من ذلك بل يجب علينا الأخذ بما قام الدليل
عليه كان القائل به كائنا من كان، وأيضا فقد بينا أنه إذا اختلف أصحابنا الإمامية
في مسألة ولم يكن عليها إجماع منهم منعقد فالواجب علينا التمسك بظاهر القرآن إن
كان عليها ظاهر تنزيل، وهذه المسألة فلا إجماع عليها بغير خلاف عند من خالفنا وذهب
إلى غير ما اخترناه، وإذا لم يكن له إجماع عليها قلنا نحن: ظاهر التنزيل دليل عليها
وعموم الآية ولا يجوز العدول عنه ولا نخصصه إلا بأدلة قاطعة للأعذار إما من كتاب الله
تعالى مثله أو سنة متواترة مقطوع بها يجري مجراه أو إجماع وهذه الأدلة مفقودة بحمد الله
في المسألة فيجب التمسك بعموم القرآن فهو الشفاء لكل داء.
ومن شرط صحة أداء حجة الاسلام وعمرته: الاسلام وكمال العقل. لأن الكافر وإن
كان واجبا عليه لكونه مخاطبا بالشرائع عندنا فلا يصح منه أداؤهما إلا بشرط الاسلام،
وعند تكامل شروط وجوبهما يجبان في العمر مرة واحدة وما زاد عليها مستحب مندوب
إليه وخصوصا لذوي اليسار والأموال الواسعة فإنهم يستحب لهم أن يحجوا كل سنة،
ووجوبهما على الفور دون التراخي بغير خلاف بين أصحابنا.
وما يجب عند سبب: فهو ما يجب بالنذر أو العهد أو إفساد حج مندوب دخل فيه أو
عمرة كذلك ولا سبب لوجوبهما غير ذلك وذلك بحسب النذر أو العهد إن كان واحدا
491

فواحدا وإن كان أكثر فأكثر. فأما المفسودة فإنه يجب عليه الإتيان بحجة صحيحة ولو
تكرر الفساد لها دفعات، ولا يصح النذر والعهد بهما إلا من كامل العقل حر ومن لا
ولاية عليه. فأما من ليس كذلك فلا ينعقد نذره ولا يراعى في صحة انعقاد النذر ما
روعي في حجة الاسلام من الشروط.
وإذا حصلت الاستطاعة ومنعه من الخروج مانع من سلطان أو عدو أو مرض ولم
يتمكن من الخروج بنفسه كان عليه أن يخرج رجلا يحج عنه، فإذا زال عنه بعد ذلك
الموانع كان عليه إعادة الحج لأن الذي أخرجه إنما كان يجب عليه في ماله وهذا يلزمه
على بدنه وماله.
ذكر هذا بعض أصحابنا في كتاب له وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته وهذا غير
واضح لأنه إذا منع فما حصلت له الاستطاعة التي هي القدرة على الحج ولا يجب عليه
أن يخرج رجلا يحج عنه لأنه غير مكلف بالحج حينئذ بغير خلاف وإنما هذا خبر أورده
إيرادا لا اعتقادا.
فإن كان متمكنا من الحج والخروج فلم يخرج وأدركه الموت وكان الحج قد استقر
عليه ووجب وجب أن يخرج عنه من صلب ماله ما يحج به من بلده وما يبقى بعد ذلك
يكون ميراثا، فإن لم يخلف إلا قدر ما يحج به من بلده وكانت الحجة قد وجبت عليه
قبل ذلك واستقرت وجب أن يحج به عنه من بلده. وقال بعض أصحابنا: بل من بعض
المواقيت ولا يلزم الورثة الإجارة من بلده بل من بعض المواقيت.
والصحيح الأول لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط الحج عن
بدنه وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من نفقة الطريق من بلده، فأما
إذا لم يخلف إلا قدر ما يحج به من بعض المواقيت وجب أيضا أن يحج عنه من ذلك
الموضع. وما اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وبه تواترت أخبارنا ورواية
أصحابنا، والمقالة الأخرى ذكرها وذهب إليها في مبسوطه وأظنها مذهب المخالفين.
وإن خلف قدر ما يحج به عنه أو أقل من ذلك ولم يكن قد وجب عليه الحج قبل ذلك
واستقر في ذمته كان ميراثا لورثته.
492

فهذا معنى قولنا: وجبت الحجة واستقرت ووجبت وما استقرت. لأن من تمكن من
الاستطاعة وخرج للأداء من غير تفريط ولا توان بل في سنة تمكنه من الاستطاعة خرج
ومات قبل تفريطه فلا يجب أن يخرج من تركته ما يحج به عنه لأن الحجة ما استقرت في
ذمته، فأما إذا فرط فيها ولم يخرج تلك السنة وكان متمكنا من الخروج ثم مات يجب
أن يخرج من تركته ما يحج به عنه من بلده قبل قسمة الميراث.
ومن لم يملك الاستطاعة وكان له ولد له مال وجب عليه أن يأخذ من ماله قدر ما
يحج به على الاقتصاد ويحج.
ذكر هذا شيخنا أبو جعفر في نهايته ورجع عنه في استبصاره ورجوعه عنه هو الصحيح
وإنما أورده إيرادا في نهايته لا اعتقادا، ثم قال في النهاية: فإن لم يكن له ولد وعرض
عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤونة الطريق وجب عليه الحج أيضا، وقال: ومن
ليس معه مال وحج به بعض إخوانه فقد أجزأه ذلك عن حجة الاسلام وإن أيسر بعد
ذلك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والذي عندي في ذلك أن من يعرض عليه بعض إخوانه ما
يحتاج إليه من مؤونة الطريق فحسب لا يجب عليه الحج إذا كان له عائلة تجب عليه
نفقتهم ولم يكن له ما يخلفه نفقة لهم بل هذا يصح في من لا يجب عليه نفقة غيره بشرط
أن يملكه ما يبذل له ويعرض عليه لا وعدا بالقول دون الفعال، وكذا أقول في من حج به
بعض إخوانه بشرط أن يخلف لمن يجب عليه نفقته إن كان له من يجب عليه نفقته. وفي
المسألتين معا ما راعى شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته الرجوع إلى كفاية إما من المال
أو الصناعة وهذا يدلك أيضا على ما قدمناه أولا.
ومتى عدم المكلف الاستطاعة جاز له أن يحج عن غيره وإن كان صرورة لم يحج بعد
حجة الاسلام وتكون الحجة مجزئة عمن حج عنه وهو إذا أيسر بعد ذلك كان عليه إعادة
الحج، ومتى نذر الرجل أن يحج لله تعالى وجب عليه الوفاء به فإن حج الذي نذر ولم
يكن حج حجة الاسلام فقد أجزأت حجته عن حجة الاسلام، وإن خرج بعد النذر بنية
حجة الاسلام لم يجزئه عن الحجة التي نذرها وكانت في ذمته.
ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته والصحيح أنه إذا حج بنية النذر لا تجزئه
493

حجته المنذورة عن حجة الاسلام لأن الرسول ع قال: الأعمال بالنيات.
وعليه حجتان، فكيف تجزئه حجة واحدة عن حجتين؟ وإنما هذا خبر واحد أورده
إيرادا لا اعتقادا على ما ذكرنا الاعتذار له في عدة مواضع فإنه رجع عنه في جمله وعقوده
وفي مسائل خلافه وقال: الفرضان لا يتداخلان، وجعل ما ذكره في النهاية رواية ما اعتد
بها ولا التفت إليها.
ومن نذر أن يحج ماشيا ثم عجز فليركب ولا كفارة عليه ولا شئ يلزمه على
الصحيح من المذهب،
وهذا مذهب شيخنا المفيد في مقنعته. وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: فليسق
بدنة وليركب وليس عليه شئ.
وإن لم يعجز عن المشي كان عليه الوفاء به فإذا انتهى إلى مواضع العبور فليكن قائما
فيها وليس عليه شئ.
ومن حج من أهل القبلة وهو مخالف لاعتقاد الحق ولم يخل بشئ من أركانه فقد
أجزأته حجته عن حجة الاسلام ويستحب له إعادة الحج بعد استبصاره، وإن كان قد
أخل بشئ من أركان الحج لم يجزئه ذلك عن حجة الاسلام وكان عليه قضاؤها فيما
بعد.
وذهب شيخنا في مسائل خلافه إلى أنه قال: مسألة من قدر على الحج عن نفسه لا يجوز
أن يحج عن غيره وإن كان عاجزا عن الحج عن نفسه لفقد الاستطاعة جاز له أن يحج عن
غيره وبه قال الثوري، وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز له أن يحج عن غيره على كل حال
قدر عليه أو لم يقدر وكذلك يجوز له أن يتطوع به وعليه فرض نفسه، وبه نقول، ومن كان
عاجزا عن الحج عن نفسه لفقد الاستطاعة جاز له أن يحج عن غيره.
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: وبه نقول، غير واضح والمذهب يقتضي أصوله أن
من وجب عليه حجة الاسلام لا يجوز له أن يتطوع بالحج قبلها لأن وجوب حجة الاسلام
عندنا على الفور دون التراخي بغير خلاف، فالواجب المضيق كل ما منع منه فهو قبيح
وإنما هذا مذهب أبي حنيفة اختاره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه وقوله في
غير هذا الكتاب بخلاف ما ذهب إليه فيه.
494

باب في أقسام الحج:
الحج على ثلاثة أقسام: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران، وإفراد. وإنما كان ذلك
لاختلاف المكلفين في الجهات وإلا لو كان عالم الله نائيا عن الحرم كان الحج قسما
واحدا وهو التمتع بالعمرة إلى الحج، ولو كان العالم مستوطنين الحرم كان الحج ضربا
واحدا إما قرانا وإما إفرادا.
فالتمتع هو فرض من نأى عن الحرم وحده من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية
وأربعون ميلا من أربع جوانب البيت من كل جانب اثنا عشر ميلا فلا يجوز لهؤلاء إلا
التمتع مع الإمكان، فإذا لم يمكنهم التمتع أجزأتهم الحجة المفردة مع الضرورة وعدم
الاختيار.
وأما من كان من أهل حاضري المسجد الحرام وهو من كان بينه وبين المسجد الحرام
أقل من اثني عشر ميلا من أربع جوانبه ففرضه القران أو الإفراد مخير في ذلك ولا يجزئه
التمتع بحال فسياقة أفعال حجة التمتع: الإحرام من الميقات في وقته مع نية الإحرام،
والتلبية الأربع يجب عليه أن يتلفظ بها دفعة واحدة ليعقد إحرامه بها فإنها تتنزل في
انعقاد إحرامه منزلة تكبيرة الإحرام في انعقاد صلاة المصلي ويستحب أن يكررها ويكون
عليها إلى أن يشاهد بيوت مكة، فإذا شاهدها قطع التلبية التي كان مندوبا إلى
تكرارها، فإذا كان حاجا على طريق المدينة قطع التلبية إذا بلغ عقبة المدنيين وإن كان
على طريق العراق قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى هذا إذا كان متمتعا، فإن كان
قارنا أو مفردا فلا يقطع التلبية إلا عند الزوال يوم عرفة،
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: فإذا عاين بيوت مكة قطع التلبية وحد بيوت مكة عقبة
المدنيين، وإن كان قاصدا إليها من طريق المدينة فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي
طوى، والأول الأظهر وهو اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي في مصباحه وسلار في
رسالته وهو الصحيح.
واغتسل مندوبا ويستحب أن يدخلها حافيا، وإن كان دخولها من طريق المدينة دخلها
من أعلاها، ثم دخل المسجد وطاف بالبيت سبعا وصلى عند المقام ركعتين، ثم يخرج
495

إلى الصفا والمروة فيسعى بينهما سبعة أشواط، ثم يقصر من شعر رأسه أو من أظفاره وقد
أحل من كل شئ أحرم منه، ويحل له النساء من دون طوافهن لأن كل إحرام بحج أو
بعمرة سواء كان الحج واجبا أو مندوبا وكذلك العمرة فلا تحل النساء إلا بطوافهن
ويجب عليه طواف النساء لتحل النساء له إلا إحرام العمرة المتمتع بها إلى الحج وهي
هذه فلا يجب طواف النساء بل يحللن له من دون الطواف الذي يلزم كل محرم، ثم
ينشئ إحراما آخر من مكة بالحج يوم التروية ويمضى إلى منى فيبيت بها على جهة
الاستحباب دون الفرض والإيجاب ليلة عرفة ويغدو منها إلى عرفات فيقف هناك إلى
غروب الشمس ويفيض منها إلى المشعر الحرام فيصلي بها المغرب والعشاء الآخرة، فإذا
طلع الفجر من يوم النحر وقف بالمشعر وقوفا واجبا والوقوف به ركن من أركان الحج من
تركه متعمدا بطل حجه وكذلك الوقوف بعرفة ويتوجه إلى منى فيقضي مناسكه يوم العيد
بها على ما نبينه.
ويمضى إلى مكة فيطوف بالبيت طواف الزيارة وهو طواف الحج ويصلى عند المقام
ركعتين ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يطوف طواف النساء وقد أحل من كل شئ أحرم
منه وقد قضى مناسكه كلها للعمرة والحج وكان متمتعا، ثم يعود إلى منى أيام منى
واجب عليه الرجوع إليها والمبيت بها ورمى الجمار بها أيضا وغير ذلك.
وأما القارن فهو الذي يحرم من الميقات ويقرن بإحرامه سياق الهدي، ويمضى إلى
عرفات ويقف بها ويفيض منها إلى المشعر الحرام ويقف به، ويجئ إلى منى يوم النحر
فيقضي مناسكه بها، ثم يجئ إلى مكة فيطوف بالبيت ويصلى عند المقام ركعتي
الطواف ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء وقد قضى مناسكه كلها للحج
فحسب دون العمرة.
والمفرد مناسكه كذلك إلا أنه لا يقرن بإحرامه سياق هدي وباقي المناسك هما فيها
سواء، فإن طافا بالبيت قبل وقوفهما بعرفة والمشعر يستحب لهما تجديد النية عند كل
طواف، ثم يخرجان إلى التنعيم أو أحد المواضع التي يحرم منها فيحرمان من هناك بالعمرة
المبتولة ويرجعان إلى مكة فيطوفان بالبيت ويصليان عند المقام ويسعيان بين الصفا والمروة
496

ويقصران أو يحلقان، ثم يطوفان طواف النساء واجب ذلك عليهما ولا يجب ذلك على
المتمتع في عمرته على ما قدمناه وقد أديا عمرتهما الواجبة عليهما، فتكون عمرته مفردة
ونحن نبين ذلك زيادة بيان في موضعه ونزيده شرحا.
من جاور بمكة سنة واحدة أو سنتين كان فرضه التمتع فيخرج إلى ميقات بلده ويحرم
بالحج متمتعا، فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع وكان حكمه حكم أهل مكة
وحاضريها على ما جاءت به الأخبار المتواترة.
وإذا أراد الانسان أن يحج متمتعا فيستحب له أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي
القعدة ولا يمس شيئا منهما،
وقال بعض أصحابنا بوجوب توفير ذلك فإن حلقه وجب عليه دم شاة وهو مذهب شيخنا
المفيد في مقنعته وإليه ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته واستبصاره، وقال في جمله
وعقوده بما اخترناه أولا وهو الصحيح لأن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بواجب أو
مندوب يحتاج إلى دليل شرعي، وأيضا قبل الإحرام الانسان محل ولا خلاف أن المحل
لم يحظر عليه حلق رأسه وإنما حظر ذلك على المحرم ولا إجماع معنا على وجوب توفير شعر
الرأس من هذا الوقت.
فإذا جاء إلى ميقات أهله أحرم بالحج متمتعا على ما قدمناه ومضى إلى مكة فإذا شاهد
بيوتها فليقطع التلبية المندوب تكرارها ثم يدخلها، فإذا دخلها طاف بالبيت سبعا وصلى
عند المقام ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة وقصر من شعر رأسه وقد أحل من جميع ما
أحرم منه على ما قدمناه إلا الصيد فإنه لا يجوز له ذلك لا لكونه محرما بل لكونه في الحرم.
ثم يستحب أن يكون على هيئته هذه إلى يوم التروية عند الزوال، فإذا كان ذلك
الوقت صلى الظهر وأحرم بعده بالحج ومضى إلى منى، ثم ليغد منها إلى عرفات فيصلي
بها الظهر والعصر ويقف إلى غروب الشمس، ثم يفيض إلى المشعر فيبيت بها تلك الليلة
فإذا أصبح وقف بها على ما قدمناه، ثم غدا منها إلى منى فقضى مناسكه هناك ثم يجئ
يوم النحر أو من الغد والأفضل ألا يؤخر ذلك عن الغد فإن أخره فلا بأس ما لم يهل
المحرم، ويطوف بالبيت طواف الحج ويصلى ركعتي الطواف ويسعى بين الصفا والمروة
497

وقد فرع من مناسكه كلها وحل له كل شئ إلا النساء والصيد وبقي عليه لتحلة النساء
طواف فليطف أي وقت شاء في مدة مقامه بمكة.
فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء وعليه هدي واجب ينحره أو يذبحه بمنى
يوم النحر، فإن لم يتمكن منه كان عليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج يوم قبل التروية
ويوم التروية ويوم عرفة، فإن فاته صيام يوم قبل التروية صام يوم التروية ويوم عرفة فإذا
انقضت أيام التشريق صام اليوم الآخر بانيا على ما تقدم من اليومين، فإن فاته صوم يوم
التروية فلا يصوم يوم عرفة فإن صامه لا يجوز له البناء عليه، فإذا كان بعد أيام التشريق
صام ثلاثة أيام متواليات لا يجزئه غير ذلك وسبعة إذا رجع إلى أهله.
والمتمتع إنما يكون متمتعا إذا وقعت عمرته في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة
وذو الحجة في تسعة أيام منه وإلى طلوع الشمس من اليوم العاشر، فإن وقعت عمرته في
غير هذه المدة المحدودة لم يجز أن يكون متمتعا بتلك العمرة وكان عليه لحجته عمرة
أخرى يبتدئ بها في المدة التي قدمناها.
وكذلك لا يجوز الإحرام بالحج مفردا ولا قارنا إلا في هذه المدة، فإن أحرم في غيرها
فلا حج له اللهم إلا أن يجدد الإحرام عند دخول هذه المدة.
وأما القارن فعليه أن يحرم من ميقات أهله ويسوق معه هديا يشعره من موضع
الإحرام يشق سنامه ويلطخه بالدم أو يعلق في رقبته نعلا مما كان يصلى فيه، وليسق
الهدي معه إلى منى ولا يجوز له أن يحل إلى أن يبلغ الهدي محله،
وقال شيخنا المفيد في كتاب الأركان: فمتى لم يسق من الميقات أو قبل دخول الحرم
إن لم يقدر على ذلك من الميقات لم يكن قارنا، فإذا أراد أن يدخل مكة جاز له ذلك
لكنه يستحب له أن لا يقطع التلبية، وإن أراد أن يطوف بالبيت تطوعا فعل ذلك إلا أنه
كلما طاف بالبيت يستحب له أن يلبي عند فراغه وليس ذلك بواجب عليه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إلا أنه كلما طاف بالبيت لبى عند فراغه من الطواف
ليعقد إحرامه بالتلبية، وإنما يفعل ذلك لأنه لو لم يفعل ذلك دخل في كونه محلا وبطلت
حجته وصارت عمرة، وهذا غير واضح بل تجديد التلبية مستحب عند فراغه من طوافه
498

المندوب، وقوله رحمه الله: ليعقد إحرامه. قال محمد بن إدريس رحمه الله: إحرامه منعقد
قبل ذلك فكيف يقول: ليعقد إحرامه. وقوله: وإنما يفعل ذلك لأنه لو لم يفعل ذلك
دخل في كونه محلا وبطلت حجته وصارت عمرة، وهذا قول عجيب كيف يدخل في
كونه محلا وكيف تبطل حجته وتصير عمرة ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة مع قول
الرسول ع: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى.
وقد رجع عن هذا شيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده ومبسوطه فقال: ويتميز القارن من
المفرد بسياق الهدي ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف. وإنما أورد ما ذكره في
نهايته إيرادا لا اعتقادا وقد بينا أنه ليس له أن يحل إلى أن يبلغ الهدي محله من يوم
النحر،
وليقض مناسكه كلها من الوقوف بالموقفين وما يجب عليه من المناسك بمنى، ثم يعود إلى
مكة فيطوف بالبيت سبعا ويسعى بين الصفا والمروة سبعا، ثم يطوف طواف النساء وقد
أحل من كل شئ أحرم منه وكانت عليه العمرة بعد ذلك، والمتمتع إذا تمتع سقط عنه
فرض العمرة لأن عمرته التي يتمتع بها بالحج قامت مقام العمرة المبتولة ولم يلزم
إعادتها.
وأما المفرد - بكسر الراء - فإن عليه ما على القارن سواء لا يختلف حكمهما في شئ
من مناسك الحج، وإنما يتميز القارن من المفرد بسياق الهدي فأما باقي المناسك فهما
مشتركان فيه على السواء، ويستحب لهما أن لا يقطعا التلبية إلا بعد الزوال من يوم
عرفة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز لهما أن يقطعا التلبية إلا بعد الزوال من يوم
عرفة. فإن أراد بقوله: لا يجوز، التأكيد على فعل الاستحباب فنعم ما قال، وإن أراد
ذلك على جهة التحريم فغير واضح لأن تجديد التلبية وتكرارها بعد التلفظ بها دفعة واحدة
وانعقاد الإحرام بها غير واجب - أعني تكرارها - وإنما ذلك مستحب مؤكد الاستحباب
دون الفرض والإيجاب وليس عليهما هدي وجوبا، فإن ضحيا استحبابا كان لهما فيه
فضل جزيل وليس ذلك بواجب.
499

باب المواقيت:
معرفة المواقيت واجبة لأن الإحرام لا يجوز إلا منها، فلو أن إنسانا أحرم قبل ميقاته
كان إحرامه باطلا اللهم إلا أن يكون قد نذر لله تعالى على نفسه أن يحرم من موضع بعينه
فإنه يلزمه الوفاء به حسب ما نذره على ما روي في بعض الأخبار، فمن عمل بها ونذر
الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج فإنها حج أيضا وداخلة فيه فلا ينعقد إلا إذا وقع في
أشهر الحج، فإن كان الموضع الذي نذر منه الإحرام بينه وبين مكة أكثر من مدة أشهر
الحج فلا ينعقد الإحرام بالحج أيضا وإن كان منذورا
لأن الاجماع حاصل منعقد على أنه لا ينعقد إحرام حج ولا عمرة متمتع بها إلى الحج إلا
في أشهر الحج، فإذا وردت أخبار بأنه إذا كان منذورا انعقد قبل المواقيت فإن العمل
يصح بها ويخص بذلك الاجماع وأمكن العمل بها، فإن قيل: فإنه عام. قلنا: فالعموم قد
يخص بالأدلة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والأظهر الذي تقتضيه الأدلة وأصول مذهبنا أن الإحرام
لا ينعقد إلا من المواقيت سواء كان منذورا أو غيره ولا يصح النذر بذلك أيضا لأنه
خلاف المشروع، ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا، والذي اخترناه يذهب إليه
السيد المرتضى وابن أبي عقيل من أصحابنا و شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه فإنه قال:
مسألة من أفسد الحج وأراد أن يقضي أحرم من الميقات، ثم استدل فقال: دليلنا أنا قد
بينا أن الإحرام قبل الميقات لا ينعقد وهو إجماع الفرقة وأخبارهم عامة في ذلك فلا يتقدر
على مذهبنا هذه المسألة. هذا آخر كلامه فلو كان ينعقد الإحرام قبل الميقات إذا كان
منذورا لما قال: فلا يتقدر على مذهبنا هذه المسألة، وهي تتقدر عند من قال: يصح
الإحرام قبل الميقات وينعقد إذا كان منذورا، فليلحظ ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: ومن عرض له مانع من الإحرام جاز له أن
يؤخره أيضا عن الميقات فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: قوله رحمه الله: جاز له أن يؤخره، مقصوده كيفية الإحرام
الظاهرة وهي التعري وكشف الرأس والارتداء والتوشح والاتزار، فأما النية والتلبية مع
القدرة عليها فلا يجوز له ذلك لأنه لا مانع يمنع من ذلك ولا ضرورة فيه ولا تقية، وإن
500

أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه فيؤدى إلى
إبطال حجة بغير خلاف فليتأمل ذلك.
وإن قدم إحرامه قبل الوقت وأصاب صيدا لم يكن عليه شئ لأنه لم ينعقد
إحرامه، وإن أخر إحرامه عن الميقات وجب عليه أن يرجع إليه ويحرم منه متعمدا كان أو
ناسيا، فإن لم يمكنه الرجوع إلى الميقات وكان قد ترك الإحرام متعمدا فلا حج له، وإن
كان تركه ناسيا فليحرم من موضعه لأن الإحرام واجب وركن من الأركان في الحج
التي متى تركها الانسان متعمدا بطل حجه إذا فات أوقاتها ومحالها وأزمانها وأمكنتها،
وإن تركها ناسيا لا يبطل حجه، والواجب الذي ليس بركن إذا تركه الانسان متعمدا
لا يبطل حجه بل له أحكام نذكرها عند المصير إليها إن شاء الله تعالى.
فإن كان قد دخل مكة ثم ذكر أنه لم يحرم ولم يمكنه الروع إلى الميقات لخوف
الطريق أو لضيق الوقت وأمكنه الخروج إلى خارج الحرم فليخرج إليه وليحرم منه، وإن
لم يمكنه ذلك أيضا أحرم من موضعه وليس عليه شئ، ووقت رسول الله صلى الله عليه
وآله لأهل كل صقع ولمن حج على طريقهم ميقاتا،
فوقت لأهل العراق العقيق ففي أي جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها إلا أن
له ثلاثة أوقات: أولها المسلخ - يقال: بفتح الميم وبكسرها - وهو أوله وهو أفضلها عند
ارتفاع التقية، وأوسطها غمرة وهي تلى المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية، وآخرها
ذات عرق وهي أدونها في الفضل إلا عند التقية والشناعة والخوف فإن ذات عرق حينئذ
أفضلها في هذه الحال ولا يتجاوز ذات عرق إلا محرما على كل حال. ووقت لأهل
المدينة ذات الحليفة وهو مسجد الشجرة. ووقت لأهل الشام الجحفة وهي المهيعة - بتسكين
الهاء وفتح الياء مشتقة من المهيع وهو المكان الواسع.
ووقت لأهل الطائف قرن المنازل،
وقال بعض أهل اللغة وهو الجوهري صاحب كتاب الصحاح في الصحاح: قرن بفتح
الراء ميقات أهل نجد، والمتداول بين الفقهاء وسماعنا على مشائخنا رحمهم الله: قرن
المنازل بتسكين الراء. واحتج صاحب الصحاح بأن أويسا القرني منسوب إليه.
501

ووقت لأهل اليمن جبلا يقال له: يلملم ويقال: ألملم. وميقات أهل مصر ومن صعد
من البحر جدة.
وإذا حاذى الانسان أحد هذه المواقيت أحرم من ذلك الموضع إذا لم يجعل طريقه
أحدها، ومن كان منزله دون هذه المواقيت إلى مكة فميقاته منزله فعليه أن يحرم منه،
والمجاور بمكة الذي لم يتم له ثلاث سنين إذا أراد أن يحج فعليه أن يخرج إلى ميقات
صقعه وليحرم منه فإن لم يتمكن فليخرج إلى خارج الحرم ويحرم منه، وإن لم يتمكن
من ذلك أيضا أحرم من المسجد الحرام، وقد ذكر: أن من جاء إلى الميقات ولم يقدر
على الإحرام لمرض أو غيره فليحرم عنه وليه ويجنبه ما يجتنب المحرم وقد تم إحرامه،
وهذا غير واضح بل إن كان عقله ثابتا عليه فالواجب عليه أن ينوي هو ويلبي، فإن لم
يقدر فلا شئ عليه وانعقد إحرامه بالنية وصار بمنزلة الأخرس ولا يجزئه نية غيره عنه،
وإن كان زائل العقل فقد سقط عنه الحج مندوبا كان أو واجبا، فإن أريد بذلك أن
وليه لا يقربه شيئا مما يحرم على المحرم استعماله فحسن، وإن أريد به أنه ينوي عنه
ويحرم عنه فقد قلنا ما عندنا في ذلك.
باب كيفية الإحرام:
الإحرام فريضة لا يجوز تركه، فمن تركه متعمدا فلا حج له، وإن تركه ناسيا كان
حكمه ما قدمناه في الباب الأول إذا ذكر، فإن لم يذكر أصلا حتى يفرع من جميع
مناسكه فقد تم حجه ولا شئ عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام،
على ما روي في أخبارنا، والذي يقتضيه أصول المذهب أنه لا يجزئه وتجب عليه الإعادة
لقوله ع: الأعمال بالنيات. وهذا عمل بلا نية فلا يرجع عن الأدلة بأخبار
الآحاد ولم يورد هذا ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه
الله، فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال.
وإذا أراد الانسان أن يحرم بالحج متمتعا فإذا انتهى إلى ميقاته تنظف وقص أظفاره
وأخذ شيئا من شاربه ويزيل الشعر من تحت إبطه وعانته ثم ليغتسل كل ذلك مستحب
502

غير واجب، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر أو يرتدي به،
وقد أورد شيخنا أبو جعفر في كتاب الاستبصار في الجزء الثاني في باب كيفية التلفظ
بالتلبية خبرا عن الرضا ع قال فيه: وآخر عهدي بأبي أنه دخل على الفضل بن
الربيع وعليه ثوبان وساج. قال محمد بن إدريس رحمه الله: وساج يريد طيلسانا لأن
الساج بالسين غير المعجمة والجيم الطيلسان الأخضر أو الأسود.
قال أبو ذؤيب:
فما أضحي همي الماء حتى * كان على نواحي الأرض ساجا
ولا بأس أن يغتسل قبل بلوغه الميقات إذا خاف عوز الماء فإن وجد الماء عند الميقات
والإحرام أعاد الغسل فإنه أفضل، وإذا اغتسل بالغداة كان غسله كافيا لذلك اليوم أي
وقت أراد أن يحرم فيه فعل وكذلك إذا اغتسل أول الليل كان كافيا له إلى آخره سواء
نام أو لم ينم،
وقد روي: أنه إذا نام بعد الغسل قبل أن يعقد الإحرام كان عليه إعادة الغسل استحبابا،
والأول هو الأظهر لأن الأخبار عن الأئمة الأطهار جاءت في أن من اغتسل نهاره كفاه
ذلك الغسل وكذلك من اغتسل ليلا.
ومتى اغتسل للإحرام ثم أكل طعاما لا يجوز للمحرم أكله أو لبس ثوبا لا يجوز له لبسه
لأجل الإحرام يستحب له إعادة الغسل.
ولا بأس أن يلبس المحرم أكثر من ثوبي إحرامه ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك إذا
اتقى بها الحر أو البرد ولا بأس أيضا أن يغير ثيابه وهو محرم، فإذا دخل مكة وأراد
الطواف فالأفضل له أن لا يطوف إلا في ثوبيه اللذين أحرم فيهما وأفضل الثياب للإحرام
القطن والكتان الأبيض وإنما يكره التكفين في الكتان ولا يكره الإحرام في الكتان
وجميع ما يصح الصلاة فيه من الثياب للرجال يصح لهم الإحرام فيه. فأما النساء
فالأفضل لهن الثياب البيض من القطن والكتان ويجوز لهن الإحرام في الثياب الإبريسم
المحض لأن الصلاة فيها جائزة لهن.
وإلى هذا القول ذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله في كتابه
أحكام النساء وهو الصحيح لأن حظر الإحرام لهن في الإبريسم يحتاج إلى دليل ولا دليل
503

على ذلك والأصل براءة الذمة وصحة التصرف في الملك وحمل ذلك على الرجال قياس
ونحن لا نقول به.
وأفضل الأوقات التي يحرم الانسان فيها بعد الزوال ويكون ذلك بعد فريضة الظهر،
فعلى هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب
صلاة الظهر، وإن اتفق أن يكون الإحرام في غير هذا الوقت كان أيضا جائزا والأفضل
أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر، فإن لم يكن صلاة
فريضة صلى ست ركعات ونوى بها صلاة الإحرام مندوبا قربة إلى الله تعالى وأحرم في دبرها
فإن لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان وليقرأ في الأولة منهما بعد التوجه: الحمد وقل هو
الله أحد، وفي الثانية: الحمد وقل يا أيها الكافرون، فإذا فرع منهما أحرم عقيبهما
بالتمتع بالعمرة إلى الحج فيقول:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك
وسنة نبيك ص، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث
حبستني لقدرك الذي قدرت على اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري
وجسدي وبشري من النساء والطيب والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
وكل هذا القول مستحب غير واجب.
وإن كان قارنا فليقل:
اللهم إني أريد ما أمرت به من الحج قارنا.
وإن كان مفردا فليذكر ذلك نطقا في إحرامه فإنه مستحب، فأما نيات الأفعال وما
يريد أن يحرم به فإنه يجب ذلك ونيات القلوب فإنه لا ينعقد الإحرام إلا بالنية والتلبية
للمتمتع والمفرد، وأما القارن فينعقد إحرامه بالنية وانضمام التلبية أو الإشعار أو التقليد
مخير بين ذلك،
وذهب بعض أصحابنا أنه لا ينعقد الإحرام في جميع أنواع الحج إلا بالتلبية فحسب وهو
اختيار السيد المرتضى وبه أقول لأنه مجمع عليه، والأول اختيار شيخنا أبو جعفر الطوسي.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: ومن أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه
504

إعادة الإحرام بصلاة وغسل. فأقول: إن أراد أنه نوى الإحرام وأحرم ولبى من دون
صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه، فأي إعادة تكون عليه وكيف يتقدر ذلك؟ وإن أراد أنه
أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية والتلبية على ما قدمنا القول في ذلك ومعناه فيصح
ذلك ويكون لقوله وجه.
ولا بأس أن يصلى الانسان صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن
تضيق وقت فريضة حاضرة، فإن تضيق الوقت بدأ بالفريضة ثم بصلاة الإحرام وإن لم
يكن تضيق بدأ بصلاة الإحرام.
ويستحب للإنسان أن يشترط في الإحرام أن لم يكن حجة فعمرة وأن يحله حيث
حبسه سواء كانت حجته تمتعا أو قرانا أو إفرادا وكذلك الحكم في العمرة وإن لم يكن
الاشتراط لسقوط فرض الحج في العام المقبل، فإن من حج حجة الاسلام وأحصر لزمه
الحج من قابل وإن كان تطوعا لم يكن عليه ذلك، وإنما يكون للشرط تأثير وفائدة أن
يتحلل المشترط عند العوائق من مرض وعدو وحصر وصد وغير ذلك بغير هدي.
وقال بعض أصحابنا: لا تأثير لهذا الشرط في سقوط الدم عند الحصر والصد ووجوده
كعدمه. والصحيح الأول وهو مذهب السيد المرتضى وقد استدل على صحة ذلك بالإجماع
وبقول الرسول ع لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: حجي واشترطي وقولي:
اللهم فحلني حيث حبستني. ولا فائدة لهذا الشرط إلا التأثير فيما ذكرناه من الحكم
فإن احتجوا بعموم قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي. قلنا: نحمل ذلك على من لم يشترط، هذا آخر استدلال السيد المرتضى.
وقال شيخنا الطوسي أبو جعفر في مسائل الخلاف: مسألة يجوز للمحرم أن يشترط في حال
إحرامه أنه إن عرض له عارض يحبسه أن يحله حيث حبسه من مرض أو عدو أو انقطاع
نفقة أو فوات وقت وكان ذلك صحيحا يجوز له أن يتحلل إذا عرض شئ من ذلك،
وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال الشافعي، وقال بعض أصحابه: إنه لا تأثير
للشرط وليس بصحيح عندهم والمسألة على قول واحد في القديم، وفي الجديد على قولين
وبه قال أحمد وإسحاق، وقال الزهري ومالك وابن عمر: الشرط لا يفيد شيئا ولا يتعلق
به التحلل، وقال أبو حنيفة: المريض له التحلل من غير شرط فإن شرط سقط عنه
505

الهدي، دليلنا إجماع الفرقة ولأنه شرط لا يمنع منه الكتاب ولا السنة فيجب أن يكون
جائزا لأن المنع يحتاج إلى دليل وحديث ضباعة بنت الزبير يدل على ذلك، وروت
عائشة: أن النبي ع دخلت عليه ضباعة بنت الزبير فقالت: يا رسول الله إني
أريد الحج وأنا شاكية، فقال النبي ص: أحرمي واشترطي وقولي:
اللهم فحلني حيث حبستني، وهذا نص. ثم قال رحمه الله بعد هذه المسألة بلا
فصل: مسألة إذا شرط على ربه في حال الإحرام ثم حصل الشرط وأراد التحلل فلا بد
من نية التحلل ولا بد من الهدي، وللشافعي فيه قولان في النية والهدي معا، دليلنا
عموم الآية في وجوب الهدي على المحصر وطريقة الاحتياط، هذا آخر كلام شيخنا أبي
جعفر رحمه الله.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: في المسألة الأولة يناظر شيخنا رحمه الله ويخاصم من قال:
إن الشرط لا تأثير له ووجوده كعدمه وأنه لا يفيد شيئا، ثم يستدل على صحته وتأثيره بأنه
شرط لا يمنع منه الكتاب ولا السنة فيجب أن يكون جائزا ويستدل بحديث ضباعة بنت
الزبير، وفي المسألة الثانية يذهب إلى أن وجوده كعدمه ولا بد من الهدي وإن اشترط
ويستدل بعموم الآية في وجوب الهدي على المحصر وهذا عجيب طريف فيه ما فيه.
ولا بأس أن يأكل الانسان لحم الصيد وينال من النساء ويشم الطيب بعد عقد
الإحرام ما لم يلب فإذا لبى حرم عليه جميع ذلك،
كذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته وهذا غير واضح لأنه قال: بعد عقد الإحرام،
والإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية أو الإشعار والتقليد للقارن، ثم قال: ما لم
يلب وإذا لم يلب فما انعقد إحرامه. والأولى أن يقال: إنما أراد بقوله: بعد عقد الإحرام، لبس
ثوبي الإحرام والصلاة والاغتسال من الكيفية الظاهرة على ما أسلفنا القول في معناه.
وإن كان الحاج قارنا فإذا ساق وأشعر البدنة أو قلدها حرم أيضا عليه ذلك وإن لم يلب
لأن ذلك يقوم مقام التلبية في حق القارن،
والإشعار هو أن يشق سنام البدنة من الجانب الأيمن فإن كانت بدنا كثيرة صفها صفين
ويشعر إحداهما من جانبها الأيمن والأخرى من جانبها الأيسر، وينبغي إذا أراد الإشعار
أن يشعرها وهي باركة وإذا أراد نحرها نحرها وهي قائمة، والتقليد يكون بنعل قد صلى
506

فيه لا يجوز غيره.
وإذا أراد المحرم أن يلبي جاهرا بالتلبية بعد انعقاد إحرامه بالتلبية المخافت بها التي
أدنى التلفظ بها أن تسمع أذناه، ثم أراد أن يكون جاهرا بها فالأفضل له إذا كان حاجا
على طريق المدينة أن يجهر بها إذا أتى البيداء
وهي الأرض التي يخسف بها جيش السفياني التي تكره الصلاة فيها عند الميل، فلو
أريد بذلك التلبية التي ينعقد بها الإحرام لما جاز ذلك لأن البيداء بينها وبين ذي الحليفة
ميقات أهل المدينة ثلث فرسخ وهو ميل، فكيف يجوز أن يتجاوز الميقات من غير إحرام
فيبطل بذلك حجه، وإنما المقصود والمراد ما ذكرناه من الإجهار بها في حال تكرارها.
وإذا كان حاجا على غير طريق المدينة جهر من موضعه بتكرار التلبية المستحبة إن
أراد وإن مشى خطوات ثم لبى كان أفضل، والتلبية التي ينعقد بها الإحرام فريضة لا
يجوز تركها على حال والتلفظ بها دفعة واحدة هو الواجب والجهر بها على الرجال مندوب
على الأظهر من أقوال أصحابنا، وقال بعضهم: الجهر بها واجب فأما تكرارها فمندوب
مرغب فيه والإتيان بقول: لبيك ذا المعارج، إلى آخر الفصل مندوب أيضا شديد
الاستحباب.
وكيفية التلبية الأربع الواجبة التي تنزل في انعقاد الإحرام بها منزلة تكبيرة الإحرام
في انعقاد الصلاة هو أن يقول:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، فهذه
التلبيات الأربع فريضة لا بد منها.
فإذا لبى بالتمتع ودخل إلى مكة وطاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فقد
بطلت متعته - على قول بعض أصحابنا - وكانت حجته مبتولة هذا إذا فعل ذلك متعمدا،
فإن فعله ناسيا فليمض فيما أخذ فيه وقد تمت متعته وليس عليه شئ.
ومن لبى بالحج مفردا ودخل مكة وطاف وسعى جاز له أن يقصر ويجعلها عمرة ما
لم يلب بعد الطواف، فإن لبى بعده فليس عليه متعة وليمض في حجته،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته ولا أرى لذكر التلبية ههنا وجها وإنما
507

الحكم للنية دون التلبية لقوله ع: الأعمال بالنيات.
وينبغي أن يلبي الانسان ويكرر التلبيات الأربع وغيرها من الألفاظ مندوبا في كل
وقت وعند كل صلاة وإذا هبط واديا أو صعد شرفا وفي الأسحار.
والأخرس يجزئه في تلبيته تحريك لسانه وإشارته بالإصبع، ويقطع المتمتع التلبية
المكررة المندوبة إذا شاهد بيوت مكة فإذا شاهدها يستحب له قطعها، فإن كان قارنا أو
مفردا قطع تلبيته يوم عرفة بعد الزوال، وإذا كان معتمرا قطعها إذا دخل الحرم، فإن
كان المعتمر ممن قد خرج من مكة ليعتمر فلا يقطعها إلا إذا شاهد الكعبة.
ويجرد الصبيان من لبس المخيط من فخ - وفخ بالفاء والخاء المشددة - إذا حج بهم
على طريق المدينة لأن فخا على هذا الطريق، فأما إذا كان إحرامهم من غير ميقات أهل
المدينة فلا يجوز لبس المخيط لهم بل يجردون من المخيط وقت الإحرام
وفخ هو الموضع الذي قتل به الحسين بن علي بن الحسين بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه
السلام وهو من مكة على رأس فرسخ.
إذا أريد الحج بهم، ويجنبون كل ما يجتنبه المحرم ويفعل بهم ما يجب على المحرم فعله،
وإذا حج بهم متمتعين وجب أن يذبح عنهم، ويكون الهدي من مال من حج بالصبي
دون مال الصبي، وينبغي أن يوقف الصبي بالموقفين معا ويحضر المشاهد كلها ويرمى
عنه ويناب عنه في جميع ما يتولاه الرجل بنفسه، وإذا لم يوجد لهم هدي كان على الولي
الذي أدخلهم في الحج أن يصوم عنه.
وأفعال الحج على ضربين: مفروض ومسنون في الأنواع الثلاثة، والمفروض على
ضربين: ركن وغير ركن، فأركان المتمتع عشرة: النية، والإحرام من الميقات في وقته،
وطواف العمرة، والسعي بين الصفا والمروة لها، والإحرام بالحج من جوف مكة لأنها
ميقاته، والنية، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي للحج.
وما ليس بركن فثمانية أشياء: التلبيات الأربع على قول بعض أصحابنا،
وعلى قول الباقين: هي ركن، وهو الأظهر والأصح لأن حقيقة
الركن ما إذا أخل به الانسان في الحج عامدا بطل حجه والتلبية هذا حكمها. وإلى هذا
508

يذهب شيخنا أبو جعفر في النهاية في باب فرائض الحج، ويذهب في الجمل والعقود إلى
أن التلبية واجبة غير ركن.
أو ما يقوم مقامها مع العجز، وركعتا طواف العمرة، والتقصير بعد السعي، والتلبية عند
الإحرام بالحج أو ما يقوم مقامها على رأي من لا يرى أنها ركن، والهدي أو ما يقوم مقامه
من الصوم مع العجز،
ولا يجوز إذا عدمنا القدرة على الهدي الانتقال إلا إلى الصوم دون الثمن، لأن الله تعالى
ما نقلنا إلى ثالث بل نقلنا إذا عدمنا الهدي إلى بدله وهو الصوم، وبعض أصحابنا لا يجوز
الانتقال إلى الصوم إلا بعد عدم ثمنه، والأول أظهر ودليله ما قدمناه.
وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف له.
وأركان القارن والمفرد ستة: النية، والإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر،
وطواف الزيارة، والسعي. وما ليس بركن فيهما أربعة أشياء: التلبية أو ما يقوم مقامها
للقارن من تقليد أو إشعار على أحد المذهبين، وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء،
وركعتا الطواف له. ويتميز القارن من المفرد بسياق الهدي، ويستحب لهما تجديد التلبية
عند كل طواف.
وأشهر الحج، قال بعض أصحابنا: ثلاثة أشهر وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وقال بعض أصحابنا: شهران وتسعة أيام، وقال بعض منهم: شهران وعشرة أيام.
فالأول مذهب شيخنا المفيد في كتابه الأركان ويناظر مخالفه على ذلك وهو أيضا
مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته، وقال في جمله وعقوده: شهران وتسعة أيام، وقال في
مسائل خلافه ومبسوطه: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وإلى يوم النحر قبل طلوع الفجر
منه فإذا طلع مضى أشهر الحج. ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن يقع إحرام الحج إلا فيه ولا
إحرام العمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا فيها، وأما إحرام العمرة المبتولة فجميع أيام
السنة وقت له.
والذي يقوى في نفسي مذهب شيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر في نهايته، والدليل على ما
اخترناه ظاهر لسان العرب وحقيقة الكلام وذلك أن الله تعالى قال في محكم كتابه:
الحج أشهر معلومات. فجمع سبحانه ولم يفرد بالذكر ولم يثن، ووجدنا أهل
509

اللسان لا يستعملون هذا القول فيما دون أقل من ثلاثة أشهر فيقولون: فلان غاب
شهرا، إذا أكمل الشهر بغيبته، و: فلان غاب شهرين، إذا كان فيهما جميعا غائبا،
و: فلان غاب ثلاثة أشهر إذا دامت غيبته في الثلاثة. فثبت أن أقل ما يطلق عليه لفظ
الأشهر في حقيقة اللغة ثلاثة أشهر منها، فوجب أن يجري كلام الله وكتابه على الحقيقة
دون المجاز لأن الكلام في الحقائق دون المجازات والاستعارات، ويزيد ذلك بيانا
ما روي عن الأئمة من آل محمد ع: أن أشهر الحج ثلاثة: شوال وذو القعدة
وذو الحجة. ويصحح هذه الرواية عن الأئمة ع ما أجمعت عليه الطائفة عنهم
عليهم السلام في جواز ذبح الهدي طول ذي الحجة، وطواف الحج وسعي الحج طول ذي
الحجة وكذلك طواف النساء عندنا، وقالوا ع: فإن لم يجد الهدي حتى
يخرج ذو الحجة أخره إلى قابل فإن أيام الحج قد مضت، فجعلوا ع آخر
منتهى الحج آخر ذي الحجة.
فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون آخر أشهر الحج اليوم العاشر من ذي الحجة بدلالة
إجماع الأمة على: أنه ليس لأحد أن يهل بالحج ولا يقف بعرفة بعد طلوع الفجر من يوم
النحر، وذلك أنه لو كان باقي ذي الحجة من أشهر الحج لجاز فيها ما ذكرناه.
قيل له: قد تقدم القول في بطلان هذا المذهب بما ذكرناه من كلام العرب و حقيقة
اللسان، وقد قال الله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، وقال
تعالى: قرآنا عربيا غير ذي عوج، فلو كان الأمر على ما يذهب إليه مخالفنا في المسألة
لكان القرآن واردا على غير مفهوم اللغة، وذلك ضد الخبر الذي تلوناه من الكتاب، على
أن هذا الذي عارض به الخصم بين الاضمحلال وذلك أن أشهر الحج إنما هي له على
ترتيب عمله، فبعضها وقت للإهلال وبعضها وقت للطواف والسعي وبعضها وقت
للوقوف، وقد اتفقنا جميعا بغير خلاف أن طواف الزيارة من الحج وهو بعد الفجر من يوم
النحر وكذلك السعي، وطواف النساء عندنا على ما مضى بيانه والمبيت ليالي التشريق
بمنى ورمى الجمار بعد يوم النحر فثبت بذلك أن القول في ذلك على ما اخترناه.
واختلف أصحابنا في أقل ما يكون بين العمرتين، فقال بعضهم: شهر، وقال
بعضهم: يكون في كل شهر يقع عمرة، وقال بعضهم: عشرة أيام، وقال بعضهم: لا
أوقت وقتا ولا أجعل بينهما مدة ويصح في كل يوم عمرة.
510

وهذا القول يقوى في نفسي وبه أفتى وإليه ذهب السيد المرتضى في الناصريات وقال:
الذي يذهب إليه أصحابنا أن العمرة جائزة في سائر أيام السنة، وقال: قد روي أنه لا
يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام وروي أنها لا تجوز إلا في كل شهر مرة، ثم
قال: دليلنا على جواز فعلها على ما ذكرناه قوله ص: العمرة إلى العمرة
كفارة لما بينهما، ولم يفصل ع.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وما روي في مقدار ما يكون بين العمرتين فأخبار آحاد لا
توجب عملا ولا علما.
ولا يجوز إدخال العمرة على الحج ولا إدخال الحج على العمرة،
ومعنى ذلك أنه إذا أحرم بالحج لا يجوز أن يحرم بالعمرة قبل أن يفرع من مناسك الحج،
وكذلك إذا أحرم بالعمرة لا يجوز أن يحرم بالحج حتى يفرع من مناسكها، فإن فاته وقت
التحلل مضى على إحرامه وجعلها حجة منفردة ولا يدخل أفعال العمرة في أفعال الحج.
والمتمتع إذا أحرم بالحج من خارج مكة وجب عليه الرجوع إليها مع الإمكان، فإن
تعذر ذلك لم يلزمه شئ وتم حجه ولا دم عليه لأجل ذلك.
والقارن والمفرد إذا أرادا أن يأتيا بالعمرة بعد الحج وجب عليهما أن يخرجا إلى خارج
الحرم ويحرما منه، فإن أحرما من جوف مكة لم يجزئهما، والمستحب لهما أن يأتيا
بالإحرام من الجعرانة
بفتح الجيم وكسر العين وفتح الراء وتشديدها، هكذا سماعنا من بعض مشائخنا،
والصحيح ما قاله نفطويه في تاريخه، قال: كان الشافعي يقول: الحديبية بالتخفيف،
ويقول أيضا: الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين وهو أعلم بهذين الموضعين. قال محمد
بن إدريس: وجدتها كذلك بخط من أثق به. وقال ابن دريد في الجمهرة: الجعرانة
بكسر الجيم والعين وفتح الراء وتشديدها وهذا الذي يعتمد عليه.
أو التنعيم.
باب ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب:
إذا عقد المحرم إحرامه بالتلبية إن كان متمتعا أو مفردا أو بالإشعار أو التقليد إن
511

كان قارنا حرم عليه: لبس الثياب المخيطة وغير المخيطة إذا كان فيها طيب إلا بعد
إزالته، والنساء نظرا ولمسا وتقبيلا ووطئا وعقدا له ولغيره يستوي المحرمات والمحللات
في ذلك، والطيب على اختلاف أجناسه، والصيد ولحم الصيد والإشارة إليه والدلالة
عليه.
وأفضل ما يحرم الانسان فيه من الثياب ما يكون قطنا محضا بيضا، فإن كانت غير
بيض كان جائزا، ولا يكره الإحرام في الثياب الكتان إنما يكره التكفين بها، ويكره
الإحرام في الثياب السود،
وقال شيخنا في نهايته: لا يجوز الإحرام في الثياب السود. وإنما أراد شدة الكراهة دون
أن يكون ذلك محظورا، وجملة الأمر وعقد الباب في هذا أن كل ثوب يجوز للرجال فيه
الصلاة يجوز فيه الإحرام.
ويكره الإحرام في الثياب المصبوغة بالعصفر وما أشبه ذلك لأجل الشهرة وإن لم يكن
ذلك محظورا، ولا يحرم الانسان إلا في ثياب طاهرة نظيفة، فإن كانت وسخة غسلها قبل
الإحرام، وإن وسخت بعد الإحرام فإنه يكره غسلها وإن لم يكن ذلك محظورا إلا إذا
أصابها شئ من النجاسة فإنه يجب عليه غسلها، ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال
الإحرام غير أنه إذا طاف لا يطوف إلا فيما أحرم فيه، وإن كان لو طاف في غيره مما
استبدل لم يكن محظورا ولا وجب عليه بذلك شئ.
ويكره له النوم على الفرش المصبوغة وإن أصاب ثوب المحرم شئ من خلوق الكعبة
وزعفرانها لم يكن به بأس، وإذا لم يكن مع الانسان ثوباه لإحرامه وكان معه قباء
فليلبسه منكوسا
ومعنى ذلك أن يجعل ذيله فوق أكتافه، وقال بعض أصحابنا: فليلبسه مقلوبا ولا يدخل
يديه في يدي القباء. وإلى ما فسرناه يذهب ويعني بقوله: مقلوبا، لأن المقصود بذلك أنه
لا يشبه لبس المخيط إذا جعل ذيله على أكتافه فأما إذا قلبه ولبسه وجعل ذيله إلى تحت
فهذا يشبه لبس المخيط، وما فسرناه به قد ورد صريحا عن الأئمة في ألفاظ الأحاديث،
أورده البزنطي - بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة المفتوحة والزاء المفتوحة المعجمة
والنون المسكنة والطاء غير المعجمة - صاحب الرضا ع في نوادره.
512

ويجوز له أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ولا كفارة عليه ولا حرج.
ويكره لبس الثياب المعلمة في حال الإحرام، ولا يجوز للرجل أن يلبس الخاتم يتزين
به ولا بأس بلبسه للسنة، ولا يجوز للمحرم أن يلبس الخفين وعليه أن يلبس النعلين، فإن
لم يجدهما واضطر إلى لبس الخف لم يكن به بأس،
وقال بعض أصحابنا: يشق ظاهر قدمه، وهو قول بعض المخالفين لأهل البيت عليه
السلام، والذي رواه أصحابنا وأجمعوا عليه: لبسهما من غير شق، وهو الصحيح وعليه
يعتمد شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقال بقول بعض المخالفين في مسائل خلافه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس
الثياب جميع ما يحرم على الرجال ويحل لها ما يحل له، قال: وقد وردت رواية بجواز
لبس القميص للنساء والأصل ما قدمناه، فأما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل
حال سواء كانت ضرورة أو لم تكن.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والأظهر عند أصحابنا أن لبس الثياب المخيطة غير محرم
على النساء بل عمل الطائفة وفتواهم وإجماعهم على ذلك وكذلك عمل المسلمين.
ولا يجوز لهن لبس القفازين ولا شئ من الحلي مما لم تجر عادتهن بلبسه قبل الإحرام،
فأما ما كن يعتدن لبسه فلا بأس به غير أنها لا تظهره لزوجها ولا تقصد به الزينة فإن
قصدت به الزينة كان أيضا غير جائز،
والقفازان في الأصل وعند العرب شئ تتخذه النساء لليدين يحشى بقطن ويكون له
أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه النساء، والقفاز أيضا الدستبانج الذي يتخذ
للجوارح من جلد يمده الرجل على يده. قال الشاعر:
تبا لذي أدب يرضى بمعجزة * ولا يكون كباز فوق قفاز
وقد روي أنه لا بأس أن تلبس المرأة المحرمة الخلخالين والمسك،
قال محمد بن إدريس: المسك - بفتح الميم والسين غير المعجمة المفتوحة والكاف -
إسورة من ذبل أو عاج. قال جرير:
ترى العيس الحولى جونا بكوعها * لها مسك من غير عاج ولا ذبل
ويكره لها أن تلبس الثياب المصبوغة المقدمة يعني المشبعة، ولا بأس أن تلبس المرأة
513

المحرمة الخاتم وإن كان من ذهب.
ويحرم على المحرم الرفث: وهو الجماع، ويحرم عليه أيضا الفسوق: وهو الكذب،
والجدال: وهو قول الرجل لا والله وبلى والله، ولا يجوز له قتل شئ من الدواب، ولا يجوز
له أن ينحي عن بدنه القمل يرمي به عنه ولا بأس بتحويله من مكان من بدنه إلى مكان
منه، ولا بأس أن ينحي عنه القراد والحلمة، ولا يجوز له أن يمس شيئا من الطيب على
ما قدمناه.
وقال بعض أصحابنا: الطيب الذي يحرم مسه وشمه وأكل طعام يكون فيه: المسك،
والعنبر، والزعفران، والورس - بفتح الواو وهو نبت أحمر قانئ يوجد على قشور شجر
ينحت منها ويجمع وهو شبيه بالزعفران المسحوق ويجلب من اليمن طيب الريح والعود -
والكافور، فأما ما عدا هذا من الطيب والرياحين فمكروه يستحب اجتنابه وإن لم
يلحق في الحظر بالأول. وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته،
والأظهر بين الطائفة تحريم الطيب على اختلاف أجناسه لأن الأخبار عامة في تحريم
الطيب على المحرم فمن خصصها بطيب دون طيب يحتاج إلى دليل.
وكذلك يحرم عليه الأدهان بدهن فيه طيب فإن اضطر إلى أكل طعام فيه طيب
أكله غير أنه يقبض على أنفه، ولا بأس بالسعوط وإن كان فيه طيب عند الحاجة إليه،
ومتى أصاب ثوب الانسان شئ من الطيب كان عليه إزالته، ومتى اجتاز المحرم في
موضع يباع فيه الطيب لم يكن عليه شئ فإن باشره بنفسه أمسك على أنفه منه ولا يمسك
على أنفه من الروائح الكريهة، ولا بأس بأن يستعمل المحرم الحناء للتداوي به ويكره
ذلك للزينة.
ويكره للمرأة الخضاب إذا قاربت حال الإحرام، ولا يجوز له الصيد البري ولا
الإشارة إليه ولا الدلالة عليه على ما قدمناه ولا أكل ما صاده غيره، ولا يجوز له أن يذبح
شيئا من الصيد فإن ذبحه كان حكمه حكم الميتة لا يجوز لأحد أكله، ولا يجوز للرجل
ولا للمرأة أن يكتحلا بالإثمد إلا عند الحاجة الداعية إلى ذلك ولا بأس أن يكتحلا
بكحل ليس بأسود إلا إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز ذلك، ولا يجوز للمحرم النظر في
المرآة وبعض يكره ذلك.
514

ولا يجوز له استعمال الأدهان التي فيها طيب قبل أن يحرم إذا كان مما يبقى
رائحته إلى بعد الإحرام ولا بأس عند الضرورة باستعمال ما ليس بطيب منها مثل
الشيرج والسمن والزيت، فأما أكلها فلا بأس به على جميع الأحوال، والأدهان الطيبة
إذا زالت عنها الرائحة جاز استعمالها.
ولا يجوز للمحرم أن يحتجم إلا إذا خاف ضررا على نفسه، ولا يجوز له إزالة شئ من
الشعر في حال الإحرام فإن اضطر إلى ذلك بأن يريد مثلا أن يحتجم ولا يتأتى له ذلك إلا
بعد إزالة شئ من الشعر فليزله وليس عليه شئ من الإثم بل يجب عليه دم شاة أو صيام
ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مخير في ذلك.
ولا يجوز للمحرم تغطية رأسه ولا أن يرتمس في الماء بأن يغطى رأسه فأما المرأة فلا
بأس بها أن تغطى رأسها غير أنها يجب عليها أن تسفر عن وجهها ولا يجوز أن تتنقب،
فإن غطى الرجل رأسه ناسيا ألقى الغطاء عن رأسه وجدد التلبية استحبابا وليس عليه
شئ ولا بأس أن يغطى وجهه ويعصب رأسه عند حاجته إلى ذلك، ولا يجوز للمحرم أن
يظل على نفسه سائرا إلا إذا خاف الضرر العظيم، ويجوز له أن يمشي تحت الظلال
ويجلس تحت الظلال والسقوف والخيم وغير ذلك وإنما منع المحرم من الظلال إذا كان
سائرا فأما إذا نزل فلا بأس أن يستظل بما أراد، والمحرم إذا كان مزاملا لعليل جاز له أن
يظلل على العليل ولا يجوز له أن يظلل على نفسه، ولا بأس بأن تستظل المرأة وتغطى
محملها وهي سائرة بخلاف الرجال.
ولا يحك المحرم جلده حكا يدميه ولا يستاك سواكا يدمي فاه ولا يدلك جسده
ووجهه ولا رأسه في الوضوء والغسل لئلا يسقط منهما شئ من الشعر ولا يجوز له قص
الأظافير على حال.
ولا يجوز للمحرم أن يتزوج أو يزوج فإن فعل كان العقد باطلا، ولا يجوز له أيضا أن
يشهد العقد ولا أن يشهد على عقد النكاح ما دام محرما ولا بأس بإقامته الشهادة بعد
إحلاله من إحرامه وإنما يحرم عليه إقامتها في حال إحرامه فإن أقامها يردها الحاكم
حينئذ ولا يقبلها، ولا بأس أن يشترى الجواري، ويجوز له تطليق النساء.
515

ويكره له دخول الحمام فإن دخله فلا يدلك جسده بل يصب عليه الماء صبا،
والمحرم إذا مات غسل كتغسيل المحل ويكفن كتكفينه غير أنه لا يقرب شيئا من
الكافور، ويكره له أن يلبي من دعاه بل يقول: يا سعد. ولا يجوز للمحرم لبس السلاح
إلا عند الضرورة والخوف، ولا بأس أن يؤدب الرجل غلامه وخادمه وهو محرم غير أنه لا
يزيد على عشرة أسواط.
أورد شيخنا في أثناء مسألة من مسائل خلافه: وعليه ردع من زعفران - بالراء غير
المعجمة المفتوحة والدال غير المعجمة المسكنة والعين غير المعجمة - قال محمد بن إدريس
رحمه الله: يقال: ردع من زعفران أو دم أي لطخ وأثر.
باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة وفدية وغير ذلك فيما يفعله عمدا أو خطأ:
ما يفعله المحرم من محظورات الإحرام على ضربين:
أحدهما يفعله عامدا والآخر يفعله ساهيا وناسيا. فكل ما يفعله من ذلك على وجه
السهو والنسيان لا يتعلق به كفارة ولا فساد الحج إلا الصيد خاصة فإنه يلزمه فداؤه
عامدا كان أو ساهيا، وما عداه إذا فعله عامدا لزمته الكفارة وإذا فعله ساهيا لم يلزمه
شئ، فمن ذلك إذا جامع المرأة في الفرج سواء كان قبلا أو دبرا قبل الوقوف بالمشعر
عامدا، وبعض أصحابنا يقول: ويعتبر قبل الوقوف بعرفة. والأول هو الأظهر فإنه يفسد
حجه ويجب عليه المضي في فاسدة وعليه الحج من قابل قضاء عن هذه الحجة سواء كانت
حجته فرضا أو نفلا ويلزم مع ذلك كفارة وهي بدنة.
والمرأة إذا كانت محلة لا يتعلق بها شئ، وإن كانت محرمة فلا تخلو: إما أن تكون
مطاوعة له أو مكرهة عليه، فإن طاوعته على ذلك كان عليها مثل ما عليه من الكفارة
والحج من قابل، وينبغي أن يفترقا إذا انتهيا إلى المكان الذي فعلا فيه ما فعلا إلى أن
يقضيا المناسك، وقد روي: أن حد الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما إلا ومعهما ثالث.
وإن كان أكرهها على ذلك لم يكن عليها شئ ولا يتعلق بها فساد حجتها
وتضاعفت الكفارة على الرجل يتحملها عنها وهي بدنة أخرى فأما حجة أخرى فلا يلزمه
516

عنها لأن حجتها ما فسدت، وإن كان جماعة فيما دون الفرج كان عليه بدنة ولم يكن
عليه الحج من قابل، وإن كان الجماع في الفرج بعد الوقوف بالمشعر كان عليه بدنة
وليس عليه الحج من قابل سواء كان ذلك قبل التحلل أو بعده، وعلى كل حال فإذا
قضى الحج في القابل فأفسد حجه أيضا كان عليه مثل ما لزمه في العام الأول من
الكفارة والحج من قابل وكذلك ما زاد عليه إلى أن تسلم له حجة غير مفسودة لعموم
الأخبار.
وإذا جامع أمته وهي محرمة وهو محل فإن كان إحرامها باذنه كان عليه كفارة
يتحملها عنها وإن كان إحرامها من غير إذنه لم يكن عليه شئ لأن إحرامها لم ينعقد،
وكذلك الاعتبار في الزوجة في حجة التطوع دون حجة الاسلام، فإن لم يقدر على بدنة
كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام وإن كان هو أيضا محرما تعلق به فساد حجه،
والكفارة مثل ما قلناه في الحرة سواء، وإذا وطئ بعد وطء لزمته كفارة لكل وطء سواء
كفر عن الأول أو لم يكفر لعموم الأخبار.
ومن أفسد الحج وأراد القضاء أحرم من الميقات وكذلك من أفسد العمرة أحرم فيما
بعد من الميقات، والمفرد إذا حج ثم اعتمر بعده فأفسد عمرته قضاها وأحرم من أدنى
الحل، والمتمتع إذا أحرم بالحج من مكة ثم أفسد حجه قضاه وأحرم من الموضع الذي
أحرم منه بالحج من مكة بعد ما يقدم العمرة المتمتع بها على إحرامه من مكة في سنة
واحدة، وهل تكون الحجة الثانية هي حجة الاسلام أو الأولى الفاسدة؟
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: الأولى الفاسدة هي حجة الاسلام والثانية
عقوبة، وقال في مسائل خلافه: بل الثانية هي حجة الاسلام، وهذا هو الصحيح الذي
يشهد به أصول المذهب لأن الفاسد لا يجزئ ولا تبرأ الذمة بفعله والفاسد غير الصحيح،
فإن قيل: إذا كانت الثانية هي حجة الاسلام دون الأولى وكان يراعى فيها شرائط
الوجوب فكان إذا حج في العام القابل والشرائط مفقودة لا تجزئه حجته إذا أيسر بعد
ذلك وحصلت له شرائط الوجوب، ولا يعتبر أحد ذلك بل حجته في العام القابل تجزئه
ولو حبا حبوا فدل هذا الاعتبار على أن الأولى هي حجة الاسلام دون الثانية.
قلنا: من حصلت له شرائط الوجوب وفرط فيها يجب عليه الحج فإذا حج فقيرا أو ماشيا
517

بعد ذلك أجزأته حجته ولا تعتبر شرائط الوجوب بعد ذلك، فعلى هذا التحرير والتقرير
الاعتراض ساقط لأنه بإفساده الأولى فرط فلا اعتبار في الثانية بشرائط الوجوب.
ومتى جامع الرجل قبل طواف الزيارة كان عليه جزور فإن لم يتمكن كان عليه دم
بقرة فإن لم يتمكن كان عليه دم شاة، ومتى طاف الانسان من طواف الزيارة شيئا ثم
واقع أهله قبل أن يتمه كان عليه بدنة وإعادة الطواف، وإن كان قد سعى من سعيه
شيئا ثم جامع كان عليه الكفارة ويبني على ما سعى.
ومن سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط وظن أنه كان قد سعى سبعة فقصر وجامع
وجب عليه دم بدنة وروي بقرة ويسعى شوطا آخر وإنما وجب عليه الكفارة لأنه خرج
من السعي غير قاطع ولا متيقن إتمامه بل خرج عن ظن منه وههنا لا يجوز له أن يخرج مع
الظن بل مع القطع واليقين، وهذا ليس هو بحكم الناسي وهذا يكون في سعي العمرة
المتمتع بها إلى الحج، ولو كان في سعي الحج كان يجب عليه الكفارة ولو سلم له سعيه
وخرج منه على يقين لأنه قاطع على وجوب طواف النساء عليه وليس كذلك العمرة
المتمتع بها، ولو سلم له سعيه وقصر لم يجب عليه الكفارة لأنه قد أحل بعد تقصيره من
جميع ما أحرم منه لأن طواف النساء غير واجب في العمرة المتمتع بها إلى الحج، فليتأمل
ما قلناه فلا يصح القول بهذه المسألة فإنها ذكرها الشيخ المفيد في مقنعته إلا بما حررناه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: وإن كان قد انصرف من السعي ظنا منه أنه
تممه ثم جامع لم تلزمه الكفارة وكان عليه تمام السعي. فجعله في حكم الناسي ولا
يصح هذا أيضا إلا في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج على ما حررناه.
ومتى جامع الرجل بعد قضاء مناسكه قبل طواف النساء كان عليه بدنة، فإن كان
قد طاف من طواف النساء شيئا فإن كان أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم
يلزمه الكفارة على ما روي في بعض الأخبار،
وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن كان قد طاف أقل من النصف كان عليه
الكفارة وإعادة الطواف.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه
فصحيح وأما سقوط الكفارة ففيه نظر لأن الاجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف
518

النساء وجبت عليه الكفارة وهذا جامع قبل طواف النساء فالاحتياط يقتضي وجوب
الكفارة.
ومتى عبث الرجل بذكره حتى أمنى فإن الواجب عليه الكفارة وهي بدنة فحسب
ولا يفسد حجه،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: حكمه حكم من جامع على السواء، وقد رجع عن هذا
في استبصاره ومسائل خلافه وهو الصحيح لأن الأصل براءة الذمة والكفارة مجمع عليها
وما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل شرعي.
ومن نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة فإن لم يجد فبقرة وإن لم يجد فشاة، وإذا
نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى لم يكن عليه شئ إلا أن يكون نظر إليها بشهوة فأمنى فإنه
يلزمه الكفارة وهي بدنة، فإن مسها بشهوة كان عليه دم بدنة إذا أنزل وإن لم ينزل فدم
شاة وإن مسها من غير شهوة لم يكن عليه شئ أمنى أو لم يمن، ومن قبل امرأته من غير
شهوة كان عليه دم فإن قبلها بشهوة كان عليه دم شاة إذا لم يمن فإن أمنى كان عليه
جزور، ومن لاعب امرأته فأمنى من غير جماع كان عليه بدنة.
ومن تسمع لكلام امرأة أو استمع على من يجامع من غير رؤية لهما فأمنى لم يكن
عليه شئ، ولا بأس أن يقبل الرجل أمه وهو محرم، ومن تزوج امرأة وهو محرم فرق بينهما
ولم تحل له أبدا سواء كان قد دخل بها أو لم يدخل إذا كان عالما بتحريم ذلك فإن لم
يكن عالما جاز له أن يعقد عليها بعد الإحلال.
والمحرم إذا عقد لمحرم على زوجة ودخل بها الزوج كان على العاقد بدنة وعلى الزوج
الداخل بها الواطئ لها ما على المحرم إذا وطئ امرأته من الأحكام، ولا يجوز للمحرم
أن يعقد لغيره على امرأة فإن فعل ذلك كان النكاح باطلا، ولا يجوز له أن يشهد على عقد
نكاح فإن أقام الشهادة بذلك لم تسمع شهادته.
ومن قلم ظفرا من أظفاره كان عليه مد من طعام وكذلك الحكم فيما زاد عليه، فإذا
قلم يديه جميعا كان عليه دم شاة، فإن قلم أظفار يديه ورجليه جميعا وكان في مجلس
واحد كان عليه دم، وإن كان ذلك منه في مجلسين كان عليه دمان، ومن أفتى غيره
519

بتقليم ظفر فقلمه المستفتي فأدمى إصبعه كان عليه دم شاة، ومن حلق رأسه لأذى كان
عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة مساكين لكل مسكين مد من طعام
أي ذلك فعل فقد أجزأه، ومن ظلل على نفسه كان عليه دم إذا فعل ذلك وهو سائر على
ما قدمناه.
ومن جادل وهو محرم صادقا مرة أو مرتين فليس عليه من الكفارة شئ ويجب عليه
التوبة والاستغفار، فإن جادل ثلاث مرات فصاعدا كان عليه دم شاة، وإن جادل
كاذبا مرة كان عليه دم شاة، فإن جادل مرتين كاذبا كان عليه دم بقرة فإن جادل
ثلاث مرات كاذبا كان عليه بدنة.
ومن نحى عن جسمه قملة فرمى بها أو قتلها كان عليه كف من طعام ولا بأس أن
يحولها من مكان من جسده إلى مكان آخر، ولا بأس أن ينزع الرجل القراد والحلمة عن
بدنه وبعيره، وإذا مس المحرم لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ من شعره كان عليه أن
يطعم كفا من طعام فإن سقط من شعر رأسه ولحيته بمسه لهما في حال الطهارة لم يكن
عليه شئ.
والمحرم إذا نتف إبطه كان عليه أن يطعم ثلاثة مساكين فإن نتف إبطيه جميعا كان
عليه دم شاة، ومن لبس ثوبا لا يحل له لبسه لأجل الإحرام وكونه محرما أو أكل طعاما
كذلك مثل الثوب كان عليه دم شاة.
والشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل لم يجز قلعها وكذلك إذا كان
أصلها في الحل وفرعها في الحرم لا يجوز قلعها على حال، وفي الشجرة الكبيرة دم بقرة وفي
الصغيرة دم شاة
على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر رحمه الله في مسائل خلافه والأخبار واردة عن الأئمة
عليهم السلام بالمنع من قلع شجر الحرم وقطعه، ولم يتعرض فيها للكفارة لا في الشجرة
الكبيرة ولا في الصغيرة.
وكل شئ ينبت في الحرم من الأشجار والحشيش فلا يجوز قلعه على حال إلا النخل وشجر
الفواكه والإذخر، ولا بأس أن تقلع ما أنبته أنت في الحرم من الأشجار، ولا بأس أن
520

يقلع ما ينبت في دار الانسان بعد بنائه لها إذا كان ملكه فإن كان نابتا قبل بنائه لها لم
يجز له قلعه، ولا بأس أن يخلى الانسان إبله لترعى ولا يجوز أن يقلع الحشيش ويعلفه
إبله، وحد الحرم الذي لا يجوز قلع الشجر منه بريد في بريد، ومن رمى طيرا على شجرة
أصلها في الحرم وفرعها في الحل كان عليه الفداء وإن كان الطير في الحل.
وإذا لبس المحرم قميصا كان عليه دم شاة، فإن لبس ثيابا جماعة في موضع واحد
كان عليه أيضا دم واحد فإن لبسها في مواضع متفرقة كان عليه لكل ثوب منها فداء.
والأدهان على ضربين: طيب وغير طيب. فالطيب: مثل دهن الورد والبنفسج
والبان والزنبق - بالنون بعد الزاء وهو دهن الياسمين تسميه الأطباء والصيادلة السوسن -
وما أشبه ذلك، فمتى استعمله المحرم يجب عليه دم سواء استعمله في حال الاضطرار
إليه أو في حال الاختيار.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجمل والعقود: وهو مكروه، وقال في مسائل خلافه
وفي نهايته بتحريم استعماله وبوجوب الكفارة على مستعمله وهو الصحيح.
فأما غير الطيب: مثل دهن السمسم والسمن والزيت فلا يجوز الادهان به فإن فعل
ذلك لا يجب عليه كفارة ويجب عليه التوبة والاستغفار، فأما أكله فلا بأس به بغير
خلاف.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في فصل ما يلزم المحرم من الكفارة: الطيب على
ضربين: أحدهما فيه الكفارة، والآخر على ثلاثة أضرب. ثم أورد في جملة ما لا يتعلق به
كفارة: الشيخ والقيصوم والإذخر وحبق الماء.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: حبق الماء بالحاء غير المعجمة المفتوحة والباء المنقطة من
تحتها نقطة واحدة المفتوحة والقاف هو الخندقوف ويسمى الغاغ بالغينين المعجمتين.
وقال الجوهري في كتاب الصحاح: الحبق بالتحريك الفوذنج بالفاء المضمومة والواو
المسكنة والذال المعجمة المفتوحة والنون المسكنة والجيم، وما قلناه أوضح.
قال ابن الجزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان: هو بالفارسية فوذنج. وقيل: هو ورق
الخلاف. وهو ثلاثة أنواع: جبلي وبستاني ونهري، وهو نبات طيب الرائحة حديد
الطعم ورقه مثل ورق الخلاف.
521

وإذا صاد المحرم نعامة فقتلها كان عليه جزور، فإن لم يقدر على ذلك قوم الجزاء
والمقوم عندنا هو الفداء دون المصيد وفض ثمنه على البر وتصدق على كل مسكين نصف
صاع، فإن زاد ذلك على إطعام ستين مسكينا لم يلزمه أكثر منه وكانت الزيادة له وإنما
الواجب عليه إطعام هذه العدة هذا المقدار، وإن كان أقل من إطعام ستين مسكينا فقد
أجزأه ولا يلزمه غير ذلك، فإن لم يقدر على إطعام ستين مسكينا صام عن كل نصف
صاع يوما فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر يوما.
فإن قتل حمار وحش أو بقرة وحش كان عليه دم بقرة، فإن لم يقدر قومها وفض
ثمنها على البر وأطعم كل مسكين نصف صاع، فإن زاد ذلك على إطعام ثلاثين مسكينا
لم يكن عليه أكثر من ذلك وله أخذ الزيادة كما قدمناه في النعامة، فإن لم يقدر على
ذلك أيضا صام عن كل نصف صاع يوما فإن لم يقدر على ذلك أيضا صام تسعة أيام.
ومن أصاب ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا كان عليه دم شاة، فإن لم يقدر على ذلك قوم
الجزاء الذي هو الشاة وفض ثمنها على البر وأطعم كل مسكين منه نصف صاع، فإن زاد
ذلك على إطعام عشرة مساكين فليس عليه غير ذلك، وإن نقص عنه لم يلزمه أيضا أكثر
منه، فإن لم يقدر عليه صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام
ثلاثة أيام.
واختلف أصحابنا في هذه الكفارة - أعني كفارة الصيد - على قولين: فبعض منهم يذهب
إلى أنها على التخيير، وبعض منهم يذهب إلى أنها على الترتيب. والذي يقوى في نفسي
وأفتى به القول فيها بالتخيير وإلى هذا ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف
والجمل والعقود، وإلى الترتيب ذهب في نهايته وهو مذهب السيد المرتضى في الانتصار،
والذي يدل على صحة ما اخترناه قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا
عدل منكم إلى قوله: أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما، و " أو "
للتخيير بلا خلاف بين أهل اللسان، والعدول عن الحقيقة إلى المجاز يحتاج إلى دليل
قاطع للأعذار، وأيضا الأصل براءة الذمة، والترتيب حكم زائد يحتاج في ثبوته إلى دليل
شرعي، فمن شغلها بشئ وادعى الترتيب يحتاج إلى دلالة، وأما الاجماع فغير حاصل
على أحد القولين بل ظاهر التنزيل يعضد ما قلناه ودليل على ما اخترناه فلا يعدل عنه إلا
522

بدليل مثله.
ومن أصاب قطاة وما أشبهها كان عليه حمل قد فطم ورعى من الشجر، وحده ما
أتى عليه أربعة أشهر، فإن أهل اللغة بعد أربعة أشهر يسمون ولد الضأن حملا.
ومن أصاب يربوعا أو قنفذا أو ضبا وما أشبه ذلك كان عليه جدي، ومن أصاب
عصفورا أو صعوة أو قنبرة وما أشبهها كان عليه مد من طعام،
وذهب علي بن بابويه في رسالته إلى: أن في الطائر جميعه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها
جزورا، وقال أيضا في رسالته: وإن أكلت جرادة فعليك دم شاة. وذهب إلى: أن إرسال
ذكور الإبل وذكور الغنم لا يكون إلا إذا كان البيض فيه فراخ يتحرك، فأما إذا لم
يتحرك الفرخ وكان البيض لا فراخ فيه فإنه يوجب قيمة البيضة فحسب. والصحيح في
ذلك كله ما عليه المنظور إليه من أصحابنا وقد ذكرناه فإن إجماعهم منعقد عليه.
ومن قتل زنبورا خطأ لم يكن عليه شئ، فإن قتله عمدا كان عليه كف من طعام.
ومن أصاب حمامة وهو محرم في الحل كان عليه دم، فإن أصابها وهو محل في الحرم
كان عليه درهم، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم والقيمة الشرعية التي هي
الدرهم.
وإن قتل فرخا وهو محرم في الحل كان عليه حمل، وإن قتله في الحرم وهو محل كان
عليه نصف درهم، وإن قتله وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء والقيمة.
وإن أصاب بيض الحمام وهو محرم في الحل كان عليه درهم لكل بيضة، فإن أصابه
وهو محل في الحرم كان عليه ربع درهم، وإن أصابه وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء
والقيمة معا ولا يختلف الحكم في هذا سواء كان الحمام أهليا أو من
حمام الحرم إلا أن حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمام الحرم.
والطير الأهلي يتصدق بقيمته الشرعية على المساكين بعد أن يغرم لصاحبه قيمته
العرفية السوقية، وبيض الحمام خاصة لا يجب على من أصابه إرسال فحولة الغنم ولا
الإبل في إناثها بعدد البيض بل يجب عليه ما ذكرناه فحسب لأن البيض على ثلاثة
أضرب: ضرب لا يجب الإرسال فيه وهو بيض الحمام ويدخل في الحمام كل مطوق يعب
523

في شربه، والضربان الآخران يجب فيهما الإرسال وهو بيض النعام الذي لم يتحرك فيه
الفرخ، وكذلك بيض القطاة والقبج وغير ذلك وسنبين حكمه عند المصير إليه إن شاء الله
تعالى.
وكل من كان معه شئ من الصيد وأدخله الحرم وجب عليه تخليته، فإن كان معه
طير وكان مقصوص الجناح فليتركه معه يقوم به حتى ينبت ريشه ثم يخليه، وقد روي:
أنه لا يجوز صيد حمام الحرم وإن كان في الحل، والأصل الإباحة لأنه ما حرم اصطياده
إلا لكونه في البقعة المخصوصة التي هي الحرم،
وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه ومسائل خلافه في كتاب الأطعمة
والصيد والذبائح، وإلى الرواية الأولى يذهب في نهايته، وقد قلنا ما عندنا في ذلك.
من نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف بها، ولا
يجوز أن يخرج شئ من حمام الحرم من الحرم فمن أخرج شيئا منه كان عليه رده فإن
مات كان عليه قيمته، ويكره شراء القماري وما أشبهها وإخراجها من مكة على ما
روي في الأخبار، والأولى عندي اجتناب اخراجها من الحرم لأن جميع الصيد لا يجوز
اخراجه من الحرم إلا ما أجمعنا عليه، ومن أدخل طيرا الحرم كان عليه تخليته وليس له أن
يخرجه منه فإن أخرجه كان عليه دم شاة.
ومن أغلق بابا على حمام من حمام الحرم أو فراخ أو بيض فهلكت فإن كان أغلق عليها
قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهما ولكل فرخ نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم
وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طير شاة ولكل فرخ حملا ولكل بيضة
درهما، وجملة الأمر وعقد الباب أن من قتل حمامة أو فرخها أو كسر بيضها في الحل فإن
عليه في الحمامة شاة وفي الفرخ حملا وفي البيضة درهما، فإن فعل ذلك في الحرم وهو محرم
أيضا فعليه في الحمامة شاة ودرهم وفي الفرخ حمل ونصف درهم وفي البيضة درهم وربع
درهم، فإن فعل ذلك محل في الحرم كان عليه في الحمامة درهم وفي فرخها نصف درهم
وفي بيضها ربع درهم، فهذا تحرير الفتيا.
ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إذا رجعت فإن لم ترجع فإن عليه لكل طير شاة.
524

ومن دل على صيد فقتل كان عليه فداؤه فحسب سواء كان محرما في الحرم أو في
الحل وهو محرم أو كان محلا في الحرم، وإذا اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه وجب
على كل واحد منهم الفداء ومتى اشتروا لحم صيد وأكلوه كان أيضا على كل واحد
منهم الفداء.
وإذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر كان على كل واحد منهما
الفداء على ما روي في بعض الأخبار، والذي يقتضيه أصول المذهب أن الذي لم يصب
ولم يقتل لا كفارة عليه إلا أن يكون دل القاتل ثم رمى معه فأخطأ فتكون الكفارة
للدلالة لا لرميه، فأما إذا لم يدل فلا كفارة عليه بحال.
وإذا قتل اثنان صيدا أحدهما محل والآخر محرم في الحرم كان على المحرم الفداء
والقيمة وعلى المحل فداء واحد والمحرم عليه فداءان.
ومن ذبح صيدا في الحرم وهو محل كان عليه دم لا غير، وإذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها
طائر ولم يكن قصدهم وقوع الطائر فيها ولا الاصطياد بها كان عليهم كلهم فداء واحد،
وإن كان قصدهم ذلك كان على كل واحد منهم الفداء.
وفي فراخ النعام مثل ما في النعام على ما روي، وروي مثل سنه وهو الذي يقتضيه
الأصول والأظهر لأن الأصل براءة الذمة فإن ظاهر التنزيل دليل عليه، وإذا أصاب
المحرم بيض نعام فعليه أن يعتبر حال البيض فإن كان قد تحرك فيه الفرخ كان عليه عن
كل بيضة من صغار الإبل وروي: بكارة من الإبل.
قال ابن الأعرابي في نوادره: يقال: بكار بلا هاء تثبت فيها للإناث، وبكارة بإثبات
الهاء للذكران. قال محمد بن إدريس: فلا يظن ظان أن البكارة الأنثى من الإبل وإنما
البكارة جمع بكر - بفتح الباء - فأوجب الشارع في كل بيضة قد تحرك فيها الفرخ واحدا
من هذا الجمع.
وإن لم يكن تحرك فعليه أن يرسل فحول الإبل في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا
لبيت الله تعالى، والمعتبر في الإرسال وعدد الإبل الإناث تكون بعدد البيض لا الفحول
فلو أرسل فحل واحد في عشر إناث لم يكن به بأس، فإن لم يقدر على ذلك كان عليه
525

عن كل بيضة شاة يذبح الشاة أو ما نتج إن كان حاجا في منى وإن كان معتمرا بمكة،
فإن لم يقدر على الشاة كان عليه إطعام عشرة مساكين عن كل بيضة، فإن لم يقدر على
ذلك كان عليه صيام ثلاثة أيام عن كل بيضة أيضا.
وإذا اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم كان على المحل لكل بيضة درهم
وعلى المحرم عن كل بيضة شاة ولا يجب عليه الإرسال ها هنا، وكل ما يصيبه المحرم من
الصيد في الحل كان عليه الفداء لا غير، وإن أصابه في الحرم كان عليه جزاءان معا لأنه
جمع بين الإحرام والحرم،
وذهب السيد المرتضى إلى: أن من صاد متعمدا وهو محرم في الحل كان عليه جزاءان
فإن كان ذلك منه في الحرم وهو محرم عامدا إليه تضاعف ما كان يجب عليه في الحل.
ومن ضرب بطير على الأرض وهو محرم في الحرم فقتله كان عليه دم وقيمتان قيمة
لحرمة الحرم وقيمة لاستصغاره إياه وكان عليه التعزير، ومن شرب لبن ظبية في الحرم
كان عليه دم وقيمة اللبن معا على ما روي في بعض الأخبار وقد ذكره شيخنا أبو جعفر
في نهايته.
وما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما أشبهه إذا أصابه المحرم في الحرم كان عليه
قيمتان.
وإذا صاد المحرم في الحرم كان عليه جزاءان أو القيمة مضاعفة إن كان له قيمة
منصوصة
وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته: وما يجب فيه التضعيف هو ما لم
يبلغ بدنة فإذا بلغ ذلك لم يجب عليه غير ذلك. وباقي أصحابنا أطلقوا القول وأوجبوا
التضعيف إذا جمع الصفتين: الإحرام وكونه في الحرم، سواء بلغ بدنة أو لم يبلغ، ووافق
شيخنا أصحابه في مسائل الخلاف فإنه قال: وصيد الحرم إذا تجرد عن الإحرام يضمن،
فإن كان القاتل محرما تضاعف الجزاء وإن كان محلا لزمه جزاء واحد. وأطلق القول
بذلك واستدل بإجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، والذي يقوى عندي مضاعفة الكفارة
وكلما تكرر من المحرم الصيد كان عليه الكفارة سواء كان ذلك منه نسيانا أو عمدا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إذا كان ذلك منه نسيانا، فإن فعله متعمدا مرة كان
526

عليه الكفارة، وإن فعله مرتين فهو ممن ينتقم الله منه وليس عليه الجزاء. وذهب في
مسائل الخلاف إلى: تكرار الكفارة بالدفعات الكثيرة سواء كان عامدا أو ناسيا، وهو
الأظهر في المذهب ويعضده ظاهر التنزيل، ومن تمسك من أصحابنا بالآية وقوله تعالى:
ومن عاد فينتقم الله منه، ليس فيها ما يوجب اسقاط الجزاء لأنه لا يمنع أن يكون
بالمعاودة ينتقم الله منه وإن لزمه الجزاء لأنه لا تنافي بينهما وتحمل الآية على عمومها لأنه
تعالى قال: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، ولم يفرق بين
الأول والثاني، وقوله بعد ذلك: ومن عاد فينتقم الله منه، لا يوجب اسقاط الجزاء
لأنه لا يمتنع أن يكون بالمعاودة ينتقم الله منه وإن لزمه الجزاء على ما قدمناه، والمخصص
يحتاج إلى دليل وما له منصوص يجب فيه ما نص عليه فإن فرضنا أن يحدث ما لا نص فيه
رجعنا فيه إلى قول عدلين على ما يقتضيه ظاهر القرآن.
وما له مثل تلزم قيمته وقت الإخراج دون الإتلاف، وما لا مثل له تلزم قيمته حال
الإتلاف دون حال الإخراج لأن حال الإتلاف وجب عليه قيمته فالاعتبار بذلك دون
حال الإخراج لأن القيمة قد استقرت في ذمته.
الجوارح من الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب وغير ذلك والسباع من البهائم
كالنمر والفهد وغير ذلك لا جزاء في قتل شئ منه لأن الأصل براءة الذمة فمن علق
عليها شيئا فعليه الدليل. ومن وجب عليه جزاء صيد أصابه وهو محرم فإن كان حاجا أو
معتمرا عمرة متمتعا بها إلى الحج نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى، وإن كان معتمرا عمرة
مبتولة نحر بمكة أو ذبح قبالة الكعبة، فإن أراد أن ينحر أو يذبح بمنى نحر أي مكان شاء
منها وكذلك بمكة ينحر حيث شاء غير أن الأفضل أن ينحر قبالة الكعبة في الموضع
المعروف بالحزورة.
ومن قتل صيدا وهو محرم في غير الحرم كان عليه فداء واحد، فإن كان أكله كان
عليه فداء آخر على ما روي، وقال بعض أصحابنا: عليه قيمة ما أكل أو شرب من
اللبن. والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه وإذا جمع بينهما تضاعف. وإذا
كسر المحرم قرني الغزال كان عليه نصف قيمته، فإن كسر أحدهما كان عليه ربع
القيمة، فإن فقأ عينيه كان عليه القيمة، فإن فقأ واحدة منهما كان عليه نصف القيمة،
527

فإن كسر إحدى يديه كان عليه نصف قيمته فإن كسرهما جميعا كان عليه قيمته فإن
كسر إحدى رجليه كان عليه نصف قيمته، فإن كسرهما جميعا كان عليه قيمته، فإن قت له
لم يكن عليه أكثر من قيمة واحدة.
وإذا أصاب المحرم بيض القطاة والقبج والدراج فعليه أن يعتبر حال البيض فإن كان
قد تحرك فيه الفراخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم - نريد بالمخاض ما يصح
أن يكون ماخضا ولا نريد به الحامل - فإن لم يكن تحرك فيه شئ كان عليه أن يرسل
فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى، فإن لم يقدر كان
حكمه حكم بيض النعام عند تعذر الإرسال.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته وقد وردت بذلك أخبار، ومعنى قوله: حكمه حكم
بيض النعام، أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال وجب في كل بيضة شاة، والقطاة
إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة فهذا وجه المشابهة بينهما
فصار حكمه حكمه عند تعذر الإرسال ولا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: ومن وطئ بيض نعام وهو محرم فكسره كان عليه أن يرسل
فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر من البيض فما نتج منها كان المنتوج هديا لبيت الله
عز وجل، فإن لم يقدر على ذلك كفر عن كل بيضة بإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد
الإطعام صام عن كل بيضة شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين صام
ثمانية عشر يوما عوضا عن إطعام كل عشرة مساكين بصيام ثلاثة أيام، فإن وطئ
بيض القبج والدراج أرسل من فحولة الغنم على إناثها بعدد المكسور من البيض فما نتج
كان هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يجد ذبح عن كل بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن
كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر على ذلك صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
وقال: من قتل زنبورا وهو محرم كفر عن ذلك بتمرة وكذلك من قتل جرادة فإن قتل
جرادا كثيرا كفر بمد من تمر وإن كان قليلا كفر بكف من تمر. فشيخنا المفيد ما جعل
بيض القبج والدراج والقطاة إذا فقد الإرسال حكمه حكم بيض النعام.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: حكمه حكم بيض النعام، على ما حكيناه عنه
وقدمناه وحررناه وشرحناه وذلك إذا فقد الإرسال، وقد بينا ما يلزم من كسر بيض
528

الحمام وينبغي أن يعتبر حاله فإن كان قد تحرك فيه الفرخ لزمه عن كل بيضة حمل، وقال
بعض أصحابنا: شاة. وإن لم يكن قد تحرك لم يكن عليه إلا القيمة حسب ما قدمناه.
ومن رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه ومشى مستويا لم يكن عليه شئ واستغفر الله،
فإن لم يعلم هل أثر فيه أم لا ومضى على وجهه كان عليه الفداء، فإن أثر فيه بأن دماه أو
كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح كان عليه ربع الفداء.
وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد
والصيد يؤم الحرم وإن كان محلا، فإن رماه أو أصابه ودخل الحرم ثم مات كان لحمه
حراما وعليه الفداء. وهذا غير واضح والأظهر الذي يقتضيه أصل المذهب أن الصيد
الذي هو محرم على المحرم وعلى المحل صيد الحرم دون سائر الأرض وهذا ليس بمحرم ولا
الصيد في الحرم فكيف يلزمه فداء وهو مخالف لما عليه الاجماع وإنما أورد هذا شيخنا
إيرادا لا اعتقادا على ما وجده في أخبار الآحاد.
ومن ربط صيدا بجنب الحرم فدخل الحرم صار لحمه وثمنه حراما ولا يجوز له اخراجه
منه ولا التعرض له،
وقد روي: أن من أصاب صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على بريد كان عليه
الجزاء، والأظهر خلاف هذا ولا يلتفت إلى هذه الرواية لأنها من أضعف أخبار الآحاد
وقد قدمنا ما ينبه على مثل هذا فلا وجه لإعادته.
والمحل إذا كان في الحرم فرمى صيدا في الحل كان عليه الفداء، ومن أصاب جرادة
فعليه أن يتصدق بتمرة فإن أصاب جرادا كثيرا أو أكله كان عليه دم شاة، ومن قتل
الجراد على وجه لا يمكنه التحرز منه بأن يكون في طريقه ويكون كثيرا لم يكن عليه
شئ.
وكل صيد يكون في البحر فلا بأس بأكله طريه ومملوحه، وقال بعض أصحابنا:
ومالحه، وهذا لا يجوز في لغة العرب. وكل صيد يكون في البر والبحر معا فإن كان مما
يبيض ويفرخ في البحر فلا بأس بأكله، وإن كان مما يبيض ويفرخ في البر لم يجز صيده
ولا أكله، وإذا أمر السيد غلامه الذي هو مملوكه بالصيد كان على السيد الفداء وإن كان
الغلام محلا.
529

ولا بأس أن يقتل الانسان جميع ما يخافه في الحرم وإن كان محرما مثل السباع والهوام
والحيات والعقارب، وقد روي: أن من قتل أسدا لم يرده كان عليه كبش، والصحيح
أنه لا شئ عليه. ولا يجوز للمحرم أن يقتل البق والبراغيث وما أشبهها في الحرم فإن
كان محلا لم يكن به بأس.
وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم كان أيضا ذلك للمحرم جائزا مثل
الإبل والبقر والغنم والدجاج الحبشي.
وكل ما يدخله المحرم الحرم أسيرا من السباع أو اشتراه فيه فلا بأس باخراجه مثل
السباع والفهود وما أشبهها.
وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة والصيد اختلف أصحابنا في ذلك واختلفت الأخبار
أيضا،
فبعض قال: يأكل الميتة، وبعض قال: يأكل الصيد ويفديه، وكل منهما أطلق مقالته،
وبعض قال: لا يخلو الصيد إما أن يكون حيا أو لا، فإن كان حيا فلا يجوز له ذبحه بل
يأكل الميتة لأنه إذا ذبحه صار ميتة بلا خلاف، فأما إن كان مذبوحا فلا يخلو ذابحه:
إما أن يكون محرما أو محلا، فإن كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة، وإن كان ذابحه
محلا فإن ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا، وإن ذبحه في الحل فإن كان المحرم المضطر قادرا
على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة، وإن كان غير قادر على فدائه أكل الميتة.
وهذا الذي يقوى في نفسي لأن الأدلة تعضده وأصول المذهب تؤيده، وهو الذي اختاره
شيخنا أبو جعفر الطوسي في استبصاره وذكر في نهايته: أنه يأكل الصيد ويفديه ولا
يأكل الميتة فإن لم يتمكن من الفداء جاز أن يأكل الميتة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: والأقوى عندي أنه يأكل الميتة على كل حال لأنه مضطر
إليها ولا عليه في أكلها كفارة، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال لأن
الأصل براءة الذمة من الكفارة.
وإذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم أو ذبحه محل في الحرم لم يجز أكله وكان حكمه
حكم الميتة سواء.
530

وكل ما أتلفه المحرم من عين حرم عليه إتلافها فعليه مع تكرار الإتلاف تكرار الفدية
سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجالس كالصيد الذي يتلفه من جنس واحد أو
أجناس مختلفة، وسواء كان قد فدى العين الأولى أو لم يفدها عامدا كان أو ناسيا وهذا
حكم الجماع بعينه إلا في النسيان، وأما ما لا نفس له كالشعر والظفر فحكم مجتمعة
بخلاف حكم متفرقة في قص أظفار اليدين والرجلين مجتمعة ومتفرقة، فأما إذا اختلف
النوع كالطيب واللبس فالكفارة واجبة في كل نوع منه وإن كان المجلس واحدا، وهذه
جملة كافية في هذا الباب. مثال الأول: الصيد فعلى أي وجه فعله دفعة أو دفعتين أو
دفعة بعد دفعة في وقت أو وقتين فعن كل صيد جزاء بلا خلاف وكذلك حكم الجماع
إلا في النسيان، ومثال الثاني: حلق الشعر وتقليم الأظفار فإن حلق دفعة واحدة فعليه
فدية واحدة وإن فعل ذلك في أوقات حلق بعضه بالغداة وبعضه الظهر وبعضه العصر فعليه
لكل فعل كفارة وكذلك حكم اللباس والطيب.
باب دخول مكة والطواف بالبيت:
يستحب للمحرم إذا أراد دخول الحرم أن يكون على غسل إن تمكن من ذلك، فإن لم
يتمكن جاز له أن يؤخر الغسل إلى بعد الدخول ثم يغتسل إما من بئر ميمون بن الحضرمي
وهي بأبطح مكة وكان حفرها في الجاهلية وأخوه العلاء بن الحضرمي، واسم الحضرمي:
عبد الله بن ضماد من حضرموت وكان حليفا لبني أمية.
أو من فخ - وهي على رأس فرسخ من مكة - إذا كان قادما من طريق المدينة على ما
قدمناه، فإن لم يتمكن اغتسل في مكة بالموضع الذي ينزل فيه. ويستحب أيضا لمن أراد
دخول الحرم أن يمضغ شيئا من الإذخر - مكسور الأول - ليطيب به فمه.
وإذا أراد دخول مكة فليدخلها من أعلاها إن كان جائيا من طريق المدينة، وإذا
أراد الخروج منها خرج من أسفلها ويستحب أن لا يدخل مكة إلا على غسل أيضا،
ويستحب أن يخلع نعليه ويمشي حافيا على سكينة ووقار.
وإذا أراد دخول المسجد الحرام اغتسل أيضا استحبابا، ويستحب أن يدخل المسجد
531

من باب بني شيبة، وقد روي: أن هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة، فسن
الدخول منها ليطأه ويدخله حافيا استحبابا على سكينة ووقار.
فإذا أراد الطواف بالبيت فليفتتحه من الحجر الأسود، فإذا دنا منه رفع يديه وحمد الله
وأثنى عليه وصلى على النبي ص، ويستحب له أن يستلم الحجر ويقبله،
وحقيقة استلام الحجر وتقبيله هي ما قال السيد المرتضى: استلام الحجر هو غير مهموز
لأنه افتعال من السلام التي هي الحجارة، واستلامه إنما هو مباشرته وتقبيله والتمسح
به. وحكى ثعلب وحده في هذه اللفظة الهمزة وجعله وجها ثابتا لثبوت الهمزة وفسره
بأنه اتخذه جنة وسلاحا من اللأمة وهو الدرع، وما هذا الوجه الذي حكاه ثعلب في هذه
اللفظة إلا مليح إذا كان مسموعا.
فأما الغرض في استلام الحجر فهو أداء العبادة وامتثال أمر الرسول صلى الله عليه
وآله والتأسي بفعله لأنه أمر ع باستلام الحجر، والعلة في هذه العبادة على
سبيل الجملة هي مصلحة المكلفين وتقريبهم من الواجب وترك القبيح وإن كان لا يعلم
الوجه على سبيل التفصيل.
فإن لم يستطع أن يستلم الحجر ويقبله استلمه بيده، فإن لم يقدر على ذلك أيضا أشار
بيده إليه وقال:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا
بكتابك... إلى آخر الدعاء.
ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط، ويستحب أن يقول في طوافه:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض.
وكلما انتهيت إلى باب الكعبة صليت على النبي ص ودعوت، فإذا
انتهيت إلى مؤخر الكعبة وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع
بسطت يديك على البيت وألصقت خدك وبطنك بالبيت وقلت:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك... إلى آخر الدعاء المذكور في كتب المناسك
والعبادات، فإن لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شئ لأن ذلك مندوب.
532

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: بسطت يديك على الأرض وألصقت خدك وبطنك
بالبيت، وإنما ورد بهذا اللفظ حديث فأورده على جهته. وورد حديث آخر بما اخترناه
أورده رحمه الله في تهذيب الأحكام وهو: معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن
اليماني بقليل فابسط يديك على البيت وألصق بطنك وخدك بالبيت وقل: اللهم البيت
بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار، ثم أقر لربك بما عملت فإنه ليس
من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله. فلو أورد شيخنا
رحمه الله في نهايته هذا الحديث مكان ذلك الحديث كان أجود لأن في ذلك اشتباها.
ويجب عليه أن يختم الطواف بالحجر الأسود كما بدأ به.
ويستحب له أن يستلم الأركان كلها وأشدها تأكيدا الركن الذي فيه الحجر ثم
الركن اليماني، وينبغي أن يكون الطواف بالبيت فيما بين مقام إبراهيم ع
والبيت يخرج المقام في طوافه ويدخل الحجر في طوافه ويجعل الكعبة على شماله، فمتى
أخل بهذه الكيفية أو بشئ منها بطل طوافه، ويستحب أن يكون الطواف على سكون لا
سرعة فيه ولا بطء.
ومن طاف بالبيت ستة أشواط ناسيا وانصرف فليضف إليها شوطا آخر ولا شئ
عليه وإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه الشوط الباقي فإن ذكر أنه
طاف أقل من سبعة وذكر في حال السعي رجع فتمم إن كان طوافه أربعة أشواط فصاعدا
وإن كان أقل منه استأنف الطواف ثم عاد إلى السعي فتممه، ومن شك في طوافه وكان
شكه فيما دون السبعة وهو في حال الطواف قبل انصرافه منه فإن كان طواف فريضة
وجب عليه الإعادة وإن كان نافلة بنى على الأقل وإن كان شكه بعد الانصراف من
حاله لم يلتفت إليه ومضى على طوافه، ومن طاف ثمانية أشواط متعمدا وجبت عليه
الإعادة، ومن طاف على غير طهارة ناسيا أو متعمدا وجبت عليه الإعادة، ومن ذكر في
الشوط الثامن قبل أن يتممه ويبلغ الركن أنه طاف سبعا قطع الطواف وإن لم يذكره
حتى يجوزه فلا شئ عليه وكان طوافه صحيحا، ومن شك فلم يعلم سبعة طاف أم
ثمانية قطع الطواف وصلى الركعتين وليس عليه شئ.
533

ولا يجوز أن يقرن بين طوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل وذلك على جهة
تغليظ الكراهة في الفرائض دون الحظر، وفساد الطواف وإن كان قد ورد لا يجوز القران
بين طوافين في الفريضة فإن الشئ إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، ويعرف ذلك
بقرائن وشاهد حال. ومتى أحدث في طواف الفريضة ما ينقض طهارته وقد طاف بعضه
فإن كان قد جاز النصف فليتطهر ويتمم ما بقي وإن كان حدثه قبل أن يبلغ النصف
فعليه إعادة الطواف من أوله، ومن طاف طواف الفريضة وصلى ثم تبين أنه على غير
طهارة تطهر وأعاد الطواف والصلاة وإن كان طواف النافلة تطهر وأعاد الصلاة، ومن
قطع طوافه بدخول الكعبة أو بالسعي في حاجة له أو لغيره فإن كان قد جاز النصف بنى
عليه وإن لم يكن جاز النصف وكان طواف الفريضة أعاد الطواف وإن كان طواف
نافلة بنى عليه على كل حال.
ومن كان في الطواف فتضيق عليه وقت الصلاة المكتوبة فالواجب عليه قطعه
والإتيان بالمكتوبة ثم يتمم الطواف من حيث انتهى إليه فإن لم يتضيق الوقت بل دخل
عليه وهو في الطواف فالمستحب له الإتيان بالصلاة ثم يتمم الطواف وإن تمم الطواف
ثم صلى فلا بأس.
والمريض الذي يستمسك الطهارة فإنه يطاف به ولا يطاف عنه وإن كان مرضه مما
لا يمكنه من استمساك الطهارة ينتظر به فإن صلح طاف هو بنفسه وإن لم يصلح طيف
عنه ويصلى هو الركعتين وقد أجزأه، ومن طاف بالبيت أربعة أشواط ثم مرض ينتظر به
يوم أو يومان فإن صلح تمم طوافه وإن لم يصلح أمر من يطوف عنه ما بقي عليه ويصلى
هو الركعتين، وإن كان طوافه أقل من ذلك وبرأ أعاد الطواف من أوله وإن لم يبرأ أمر
من يطوف عنه أسبوعا، ومن حمل غيره فطاف به ونوى لنفسه أيضا الطواف كان ذلك
مجزئا عنه، ولا يجوز للرجل أن يطوف بالبيت وهو غير مختون على ما روى أصحابنا في
الأخبار ولا بأس بذلك للنساء.
ولا يجوز للإنسان أن يطوف وفي ثوبه شئ من النجاسة ولا على بدنة سواء كانت
النجاسة قليلة أو كثيرة دما أو غيره وسواء كان الدم دون الدرهم أو درهما فصاعدا لأن
534

العموم يجب العمل به حتى يقوم دليل الخصوص ولا مخصص ههنا وحمل هذا الموضع
على الصلاة قياس ونحن لا نقول به، فإن لم يعلم بالنجاسة ورآها في حال الطواف رجع
فغسل ثوبه إن كانت عليه أو بدنه إن كانت عليه ثم عاد فتمم طوافه، فإن علم بعد فراغه
من الطواف كان طوافه جائزا ويصلى في ثوب طاهر.
ومن نسي طواف الزيارة " الذي هو طواف الحج لأن أصحابنا يسمون طواف الحج
طواف الزيارة " حتى يرجع إلى أهله ووطئ النساء وجبت عليه بدنة على ما روي،
والأظهر أنه لا شئ عليه من الكفارة لأنه في حكم الناسي بل الواجب عليه الرجوع إلى
مكة وقضاء طواف الزيارة مع تمكنه من الرجوع فإن لم يتمكن فليستنب من يطوف عنه،
وإن كان طواف النساء هو المنسي وذكر بعد رجوعه إلى أهله جاز له أن يستنيب غيره فيه
مع التمكن والاختيار فإن أدركه الموت قضي عنه.
ومن طاف بالبيت جاز له أن يؤخر السعي إلى بعد ساعة ولا يجوز أن يؤخر ذلك إلى
غد يومه ولا يجوز أن يقدم السعي على الطواف، فإن قدم سعيه على الطواف كان عليه أن
يطوف ثم يسعى بين الصفا والمروة، فإن طاف بالبيت أشواطا ثم قطعه ناسيا وسعى بين
الصفا والمروة كان عليه أن يتمم طوافه وليس عليه استئنافه، فإن ذكر أنه لم يكن أتم
طوافه وقد سعى بعض السعي قطع السعي وعاد فتمم طوافه ثم تمم السعي.
والمتمتع إذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى إلا بعد أن يأتي منى ويقف
بالموقفين،
وقد روي: أنه إذا كان شيخا كبيرا لا يقدر على الرجوع إلى مكة أو مريضا أو امرأة
تخاف الحيض أن يحول بينها وبين الطواف فإنه لا بأس بهم أن يقدموا طواف الحج
والسعي، والأظهر ترك العمل بهذه الرواية فإن شيخنا أبا جعفر أوردها في نهايته إيرادا
ورجع عنها في مسائل خلافه فقال: روى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل
الخروج إلى منى وعرفات.
وأما المفرد والقارن فحكمهما حكم المتمتع في أنهما لا يجوز لهما تقديم الطواف قبل
الوقوف بالموقفين على الصحيح من الأقوال لأنه لا خلاف فيه، وقد روي: أنه لا بأس
535

بهما أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات.
وأما طواف النساء فإنه لا يجوز إلا بعد الرجوع من منى مع الاختيار، فإن كان
هناك ضرورة تمنعه من الرجوع إلى مكة أو امرأة تخاف الحيض جاز لهما تقديم طواف
النساء، ثم يأتيان الموقفين ومنى يقضيان مناسكهما ويذهبان حيث شاءا على ما روي في
بعض الأخبار، والصحيح خلاف ذلك لأن الحج مرتب بعضه على بعض لا يجوز تقديم
المؤخر ولا تأخير المقدم، ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي فمن قدمه عليه كان
عليه إعادته وإن قدمه ناسيا أو ساهيا لم يكن عليه شئ وقد أجزأه، ولا بأس أن يعول
الانسان على صاحبه في تعداد الطواف وإن يتولى ذلك بنفسه كان أفضل، ومتى شكا
جميعا في عدد الطواف استأنفا من أوله، وقد روي: أنه لا يجوز للرجل أن يطوف وعليه
برطلة، وذلك محمول على الكراهية إن كان ذلك في طواف الحج لأن له أن يغطى رأسه في
هذا الطواف.
فأما طواف العمرة المتمتع بها إلى الحج فلا يجوز له تغطية رأسه، ويستحب للإنسان
أن يطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا فإن لم يتمكن من ذلك طاف ثلاثمائة وستين شوطا
فإن لم يتمكن طاف ما تيسر منه.
وقد روي: أنه من نذر أن يطوف على أربع كان عليه أن يطوف طوافين أسبوع ليديه
وأسبوع لرجليه، والأولى عندي أن نذره لا ينعقد لأنه غير مشروع وإذا لم يكن مشروعا
فلا ينعقد وانعقاده يحتاج إلى دليل شرعي لأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل
شرعي لأن الرسول ع قال: كل شئ لا يكون على أمرنا فهو رد، وهذا خلاف
سنة الرسول ع.
فإذا فرع الانسان من طوافه أتى مقام إبراهيم " بفتح الميم ومن الاستيطان بضم
الميم " ويصلى فيه ركعتين يقرأ في كل ركعة منهما الحمد وسورة مما يتيسر له من القرآن
ما عدا سورة العزائم.
وركعتا طواف الفريضة فريضة مثل الطواف
على الصحيح من أقوال أصحابنا وقد ذهب شاذ منهم إلى: أنهما مسنونان، والأظهر
536

الأول ويعضده قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. والأمر في
عرف الشرع يقتضي الوجوب عندنا بغير خلاف بيننا، وموضع المقام حيث هو الساعة وهي سنة
سبع وثمانين وخمسمائة.
فمن نسي هاتين الركعتين أو صلاهما في غير المقام ثم ذكرهما فليعد إلى المقام فليصل فيه
ولا يجوز له أن يصلى في غيره، فإن خرج من مكة وكان قد نسي ركعتي الطواف وأمكنه
الرجوع إليها رجع وصلى عند المقام وإن لم يمكنه الرجوع صلى حيث ذكر وليس عليه
شئ، وإذا كان في موضع المقام زحام فلا بأس أن يصلى خلفه فإن لم يتمكن من
الصلاة هناك فلا بأس أن يصلى حياله.
ووقت ركعتي الطواف إذا فرع منه أي وقت كان من ليل أو نهار سواء كان ذلك في
الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها أو غيرها، ومن نسي ركعتي الطواف وأدركه
الموت قبل أن يقضيها كان على وليه القضاء عنه.
ومن دخل مكة على أربعة أقسام:
أحدها: يدخلها لحج أو عمرة فلا يجوز أن يدخلها إلا بإحرام بلا خلاف.
والثاني: يدخلها لقتال عند الحاجة الداعية إليه جاز أن يدخلها محلا كما دخل
النبي ع عام الفتح وعليه المغفر على رأسه بلا خلاف.
الثالث: لحاجة لا تتكرر مثل تجارة وما جرى مجراها فلا يجوز عندنا أن يدخلها إلا
بإحرام إذا كان قد مضى شهر من وقت خروجه منها فإن كان أقل من شهر فإنه يجوز أن
يدخلها بغير إحرام.
والرابع: يدخلها لحاجة تتكرر مثل الرعاة والحطابة وغيرهما جاز لهم أن يدخلوها
عندنا بغير إحرام.
باب السعي وأحكامه:
السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج فمن تركه متعمدا فلا حج له،
والأفضل إذا فرع من الطواف أن يخرج إلى السعي ولا يؤخره، ولا يجوز تقديم السعي على
537

الطواف فإن قدمه لم يجزه وكان عليه الإعادة، فإذا أراد الخروج إلى الصفا استحب له
استلام الحجر الأسود بجميع بدنه وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصب على بدنه دلوا
منه ويكون ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر وليخرج من الباب المقابل للحجر الأسود
حتى يقطع الوادي، فإذا صعد إلى الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر
وحمد الله وأثنى عليه وذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع به ما قدر عليه.
ويستحب أن يطيل الوقوف على الصفا فإن لم يمكنه وقف بحسب ما تيسر له ودعا
بما تيسر له من الأدعية فإنها كثيرة مذكورة موردة في كتب المناسك والأدعية والعبادات
لم نوردها ههنا مخافة التطويل. والصعود على الصفا غير واجب بل الواجب السعي بين الصفا والمروة، وكذلك صعود
المروة غير واجب، ثم ينحدر إلى المروة ماشيا أو راكبا والمشي أفضل، فإذا انتهى إلى
الموضع الذي يرمل فيه " أي يهرول فيه والرمل الإسراع وهو أن يملأ فروجه " استحب له
السعي فيه " والسعي هو الإسراع الذي ذكرناه " فإذا انتهى إلى آخره كف عن السعي
ومشى مشيا، فإذا جاء من عند المروة مشى مشيا، فإذا وصل إلى موضع السعي سعى فيه،
فإذا قطعه كف عن السعي ومشى مشيا، " والسعي هو أن يسرع الانسان في مشيه إن
كان ماشيا وإن كان راكبا حرك دابته في الموضع الذي ذكرناه وذلك على الرجال دون
النساء ".
وقطع مسافة ما بين الصفا والمروة فريضة وركن على ما قدمناه، فمن تركه متعمدا
فلا حج له ومن تركه ناسيا كان عليه إعادة السعي لا غير، فإن خرج من مكة ثم ذكر
أنه لم يكن قد سعى وجب عليه الرجوع وقطع ما بين الصفا والمروة، فإن لم يتمكن من
الرجوع جاز له أن يأمر من يسعى عنه، وإن ترك الرمل " بفتح الراء والميم وقد فسرناه "
لم يكن عليه شئ ويجب البدأة بالصفا قبل المروة والختم بالمروة فمن بدأ بالمروة قبل
الصفا وجب عليه إعادة السعي.
والسعي المفروض ما بين الصفا والمروة سبع مرات فمن سعى أكثر منه متعمدا فلا
سعي له ووجب عليه إعادته، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا طرح الزيادة واعتد بالسبعة
538

وليس من شرطه الطهارة كما كان ذلك من شرط الطواف، ومتى سعى ثمان مرات
ويكون قد بدأ بالصفا فإن شاء أن يضيف إليها ستا فعل وإن شاء أن يقطع قطع، وإن
سعى ثماني مرات وهو عند المروة أعاد السعي لأنه بدأ بالمروة وكان يجب عليه البدأة
بالصفا.
يعني بالمرات الأشواط دون الوقفات لأنه لو أريد بذلك الوقفات كان سعيه صحيحا لأن
آخر وقفة وهي الثامنة يكون على المروة وذلك صحيح وهو الواجب فيحصل له أربع
وقفات على الصفا وأربع على المروة بينهما سبعة أشواط، وإنما المراد بذلك الأشواط
فيكون في الشوط الثامن على المروة فيكون قد بدأ بها وذلك لا يجوز فلأجل ذلك وجب
عليه إعادة السعي.
ومن سعى تسع مرات وكان عند المروة في التاسعة فليس عليه إعادة السعي لأنه بدأ
بالصفا وختم بالمروة كما أمر الله تعالى - والمرات ههنا على ما قدمناه - ومتى سعى
الانسان أقل من سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر أنه نقص منه شيئا رجع فتمم ما
نقص منه، فإن لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي.
وإن كان قد واقع أهله قبل إتمامه السعي وجب عليه دم بقرة، وكذلك إن قصر أو
قلم أظفاره كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص إذا فعل ذلك عامدا، ولا بأس أن يجلس
الانسان بين الصفا والمروة في حال السعي للاستراحة، ولا بأس أن يقطع السعي لقضاء
حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمم ما قطع عليه، ومن نسي الهرولة في حال السعي
حتى يجوز موضعه ثم ذكر فليرجع القهقري إلى المكان الذي يهرول فيه استحبابا.
ومتى فرع من سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج وهو هذا السعي قصر، فإذا قصر
أحل من كل شئ أحرم منه من النساء والطيب وغير ذلك مما حرم عليه لأجل الإحرام
لأنه ليس في العمرة المتمتع بها طواف النساء وأدنى التقصير أن يقص أظفاره أو شيئا
من شعره وإن كان يسيرا.
ولا يجوز له أن يحلق رأسه كله فإن فعله كان عليه دم شاة، فإذا كان يوم النحر أمر
الموسي على رأسه وجوبا حين يريد أن يحلق هذا إذا كان حلقه متعمدا فإن كان حلقه
539

ناسيا لم يكن عليه شئ، فإن حلق بعض رأسه لا كله فقد قصر أيضا على ما ذكره
شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه وفي نهايته ما منع إلا من حلق رأسه كله، فإن نسي
التقصير حتى يهل بالحج فلا شئ عليه وقد روي: أن عليه دم شاة وقد تمت متعته، فإن
تركه متعمدا فقد بطلت متعته وصارت حجته مفردة على ما ذكره بعض أصحابنا
المصنفين.
وروي في الأخبار والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب: أنه لا ينعقد إحرامه بحج لأنه
بعد في عمرته لم يتحلل منها، وقد أجمعنا على أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا
إدخال العمرة على الحج قبل فراع مناسكهما.
والأصلع يمر الموسي على رأسه استحبابا لا وجوبا يوم النحر وعند التقصير يأخذ من شعر
لحيته أو حاجبه أو يقلم أظفاره، وليس على النساء حلق وفرضهن التقصير في جميع
المواضع.
ومن حلق رأسه في العمرة المتمتع بها يجب عليه حلقه يوم النحر فإن لم ينبت شعره
أمر الموسي على رأسه، ويستحب للمتمتع إذا فرع من متعته وقصر ألا يلبس المخيط
ويتشبه - بضم الهاء - بالمحرمين بعد إحلاله قبل الإحرام بالحج.
ومتى جامع قبل التقصير كان عليه بدنة إن كان موسرا وإن كان متوسطا فبقرة وإن
كان فقيرا فشاة، ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج من مكة قبل أن يقضي
مناسكه كلها إلا لضرورة، فإن اضطر إلى الخروج خرج إلى حيث لا يفوته الحج ويخرج
محرما بالحج، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة وإلا مضى إلى عرفات، فإن خرج بغير إحرام
ثم عاد فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام، وإن
كان عوده إليها في غير ذلك الشهر دخلها محرما بالعمرة إلى الحج وتكون العمرة الأخيرة
هي التي يتمتع بها إلى الحج.
ويجوز للمحرم المتمتع إذا دخل مكة أن يطوف ويسعى ويقصر إذا علم أو غلب على
ظنه أنه يقدر على إنشاء الإحرام بالحج بعده والخروج إلى عرفات والمشعر ولا يفوته شئ
من ذلك سواء كان ذلك ودخوله إلى مكة بعد الزوال يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة
540

قبل زواله أو بعد زواله
على الصحيح والأظهر من أقوال أصحابنا لأن وقت الوقوف بعرفة للمضطر إلى طلوع
الفجر من يوم النحر، وقال بعض أصحابنا وهو اختيار شيخنا المفيد: إذا زالت الشمس
من يوم التروية ولم يكن أحل من عمرته فقد فاتته المتعة ولا يجوز له التحلل منها بل يبقى
على إحرامه وتكون حجة مفردة.
والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي وقد دللنا على صحته وإن كانت قد وردت
بذلك القول أخبار فهي أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأنها لا توجب علما
ولا عملا.
وإذا غلب على ظنه أنه يفوته ذلك أقام على إحرامه وجعلها حجة مفردة أي وقت
كان ذلك على ما قدمناه، والأفضل إذا كان عليه زمان أن يطوف ويسعى ويقصر ويحل
وينشئ الإحرام بالحج يوم التروية عند الزوال، فإن لم يلحق مكة إلا ليلة عرفة أو يوم
عرفة جاز أيضا أن يطوف ويسعى ويقصر ثم ينشئ الإحرام للحج على ما قدمناه.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: ينشئ الإحرام للحج ما بينه وبين الزوال من يوم
عرفة فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتته العمرة وتكون حجة مفردة، هذا إذا غلب
على ظنه أنه يلحق عرفات " على ما قلناه " وإن غلب على ظنه أنه لا يلحقها فلا يجوز له
أن يحل بل يقيم على إحرامه " على ما قلناه " وهذا القول يقوله شيخنا أبو جعفر الطوسي
أيضا في نهايته ومبسوطه واستبصاره، والأول وما اخترناه مذهبه وقوله في جمله وعقوده
وفي اقتصاده ومبسوطه في فصل في ذكر الإحرام بالحج، والقول الأول في فصل في السعي
وأحكامه.
باب الإحرام بالحج:
قد قلنا في الباب الأول: إن الأفضل أن يحرم بالحج يوم التروية ويكون ذلك عند
الزوال بعد أن يصلى فريضة الظهر، فإن لم يتمكن من ذلك في هذا الوقت جاز أن يحرم
بقية نهاره أو أي وقت شاء بعد أن يعلم أو يغلب على ظنه أنه يلحق عرفات في وقتها وقد
بينا أن وقت عرفات ممتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر على ما أسلفنا القول فيه
541

وشرحناه، وينبغي له أن يفعل عند هذا الإحرام جميع ما فعله عند الإحرام الأول من
الغسل والتنظيف وإزالة الشعر عن جسده وأخذ شئ من شاربه وتقليم أظفاره وغير
ذلك، ثم يلبس ثوبي إحرامه ويدخل المسجد حافيا عليه السكينة والوقار، ويصلى
ركعتين عند المقام أو في الحجر، وإن صلى ست ركعات للإحرام كان أفضل، وإن
صلى فريضة الظهر ثم أحرم في دبرها كان أفضل، ويصلى ركعات الإحرام قبل الفريضة
ثم يصلى الفريضة ويحرم في دبرها.
وأفضل المواضع التي يحرم منها المسجد الحرام وفي المسجد من عند المقام، ومن أحرم
من غير المسجد كان أيضا جائزا لأن ميقاته مكة جميعها لا يجوز له أن يحرم من غيرها،
فإن أحرم من غيرها وجب عليه الرجوع إليها والإحرام منها، ويحرم بالحج مفردا ويدعو
بالدعاء كما كان يدعو عند الإحرام الأول إلا أنه يذكر الحج مفردا لأن عمرته قد
مضت، فإن كان ماشيا جهر بالتلبية من موضعه الذي عقد الإحرام فيه وإن كان راكبا
لبى إذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية،
ثم ليخرج إلى منى ويكون على تلبيته إلى زوال الشمس من يوم عرفة، فإذا زالت قطع
التلبية.
ومن سها في حال الإحرام بالحج فأحرم بالعمرة عمل على أنه أحرم بالحج وليس
عليه شئ، وإذا أحرم بالحج لا ينبغي له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى، فإن
سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه سواء جدد التلبية أو لم يجددها،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: غير أنه يعقده بتجديد التلبية. قال محمد بن إدريس:
إحرامه منعقد لم ينتقض فلا حاجة به إلى انعقاد المنعقد.
ومن نسي الإحرام بالحج إلى أن يحصل بعرفات جدد الإحرام بها وليس عليه شئ،
فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فإن كان قد قضى مناسكه كلها لم يكن عليه شئ
على ما ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقال في مبسوطه: أما النية فهي ركن في الأنواع
الثلاثة من تركها فلا حج له عامدا كان أو ناسيا إذا كان من أهل النية، ثم قال بعد
ذلك: وعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكران، هذا آخر كلامه رحمه الله.
542

قال محمد بن إدريس رحمه الله: الذي يقتضيه أصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه
لقوله تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، وقول
الرسول ع: الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، وهذا الخبر مجمع عليه
وبهذا أفتى وعليه أعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد إن وجدت.
باب نزول منى:
يستحب لمن أراد الخروج إلى منى ألا يخرج من مكة حتى يصلى الظهر يوم التروية
بها ثم يخرج إلى منى إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى الظهر والعصر يوم التروية بمنى
ويقيم بها إلى طلوع الشمس استحبابا لا إيجابا من يوم عرفة ثم يغدو إلى عرفات، فإن
اضطر الانسان إلى الخروج بأن يكون عليلا يخاف ألا يلحق أو يكون شيخا كبيرا أو
يخاف الزحام جاز له أن يتعجل قبل أن يصلى الظهر.
فإذا توجه إلى منى فليقل:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي.
فإذا نزل منى فليقل:
اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على
بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك.
ونزول منى عند توجهه إلى عرفات والمبيت بها ليلة عرفة مندوب غير واجب وحدها
من العقبة إلى وادي محسر " بكسر السين وتشديدها ".
باب الغدو إلى عرفات:
يستحب للإمام أن لا يخرج من منى إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة، ومن عدا
الإمام يجوز له الخروج بعد أن يصلى الفجر ويوسع له أيضا إلى طلوع الشمس ويكره له
أن يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز له أن يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس
543

وذلك على تغليظ الكراهة دون الحظر، وقال أيضا: ومن اضطر إلى الخروج قبل طلوع
الفجر جاز له أن يخرج ويصلى في الطريق ومع الاختيار دون الاضطرار يكون مكروها
لا محظورا لأنا قد بينا أن المبيت بها سنة مندوب إليها دون فريضة واجبة محظور تركها.
فإذا توجه إلى عرفات فليقل:
اللهم إياك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في
رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني.
ويستحب أن يكون على تكرار تلبيته على ما ذكرناه إلى زوال الشمس فإذا زالت
اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين لأجل البقعة، ثم
يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه ولإخوانه المؤمنين، والأدعية في ذلك كثيرة لا تحصى
من أرادها رجع إليها في كتب المناسك والعبادات لم نوردها ههنا خوف الإطالة.
ويستحب أن يضرب الانسان خباءه بنمرة
بفتح النون وكسر الميم وهي بطن عرنة بضم العين وفتح الراء والنون.
دون الموقف ودون الجبل اقتداء بالرسول ع لأنه ع ضرب خباءه
وقبته هناك ثم أتى الموقف،
وحد عرفة من بطن عرنة وثوية بفتح الثاء وتشديد الياء ونمرة إلى ذي المجاز.
ولا يرتفع إلى الجبل إلا عند الضرورة إلى ذلك، ويكون وقوفه على السهل، ولا يترك
خللا إن وجده إلا سده بنفسه ورحله، ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا
ثوية ولا عرنة ولا ذي المجاز فإن هذه المواضع ليست من عرفات فمن وقف بها فلا حج
له، ولا بأس بالنزول فيها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف فوقف
هناك، والوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره وليس ذلك بواجب بل الواجب الوقوف
بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال.
وأما الدعاء والصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب إنما الواجب الوقوف ولو
قليلا فحسب،
وقال شيخنا في مسائل خلافه ومبسوطه: إن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى
544

طلوع الفجر يوم العيد. والصحيح أن وقتها من الزوال إلى غروب الشمس من يوم عرفة
لأنه لا خلاف في ذلك وما ذكره في الكتابين مذهب بعض المخالفين.
باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام ونزول منى:
إذا غرب الشمس من يوم عرفة فليفض الحاج من عرفات إلى المزدلفة، وإن أفاض
بعد غروب الشمس لم يكن عليه إثم إذا أدرك المشعر الحرام في وقته، ووقته من طلوع
الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس من ذلك اليوم،
وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى أن وقت المشعر ليلة العيد وهو مذهب
المخالفين، والأول هو المذهب وهو اختياره في نهايته.
ولا يجوز الإفاضة قبل غيبوبة الشمس فمن أفاض قبل مغيبها متعمدا كان عليه بدنة،
فإن عاد إليها قبل مغيبها ثم أفاض عند مغيبها لم يكن عليه كفارة، والبدنة ينحرها يوم
النحر بمنى فإن لم يقدر على البدنة صام ثمانية عشر يوما إما في الطريق أو إذا رجع إلى
أهله، وإن كانت إفاضته قبل مغيب الشمس على طريق السهو أو يكون جاهلا بأن
ذلك لا يجوز لم يكن عليه شئ، فإذا أراد أن يفيض فيستحب له أن يقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني وأقلبني
اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من
وفدك عليك وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة
والرضوان والمغفرة وبارك لي فيما أرجع إليه من مال أو أهل أو قليل أو كثير
وبارك لهم في.
واقتصد في السير وسر سيرا جميلا فإذا بلغت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق
فقل:
اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.
ويستحب أن لا يصلى المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة وإن ذهب من الليل
ربعه أو ثلثه.
545

ويستحب له أن يجمع بين الصلاتين بالمزدلفة ليلة النحر بأذان واحد وإقامتين، وحد
الجمع أن لا يصلى بينهما نوافل، فإن فصل بين الفرضين بالنوافل لم يكن مأثوما غير
أن الأفضل ما قدمناه، وحد المشعر الحرام ما بين المأزمين بكسر الزاء إلى الحياض وإلى
وادي محسر فلا ينبغي أن يقف الانسان إلا فيما بين ذلك، فإن ضاق عليه الموضع جاز له
أن يرتفع إلى الجبل، فإذا أصبح يوم النحر صلى فريضة الغداة ووقف للدعاء وليحمد الله
تعالى وليثن عليه وليذكر من آلائه وحسن بلائه ما قدر عليه ويصلى على النبي صلى الله
عليه وعلى آله.
ويستحب للصرورة وهو الذي لم يحج إلا تلك السنة أن يطأ المشعر برجله وإن كان
الوقوف واجبا عليه وركنا من أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له، وأدناه ما
يقف بعد طلوع الفجر إما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد أن يكون قد طلع الفجر الثاني
ولو قليلا، والدعاء وملازمة الموضع إلى طلوع الشمس مندوب غير واجب، وإذا طلعت
الشمس رجع إلى منى ورجوعه الآن إلى منى واجب لأن عليه بها يوم النحر ثلاثة
مناسك مفروضة، ويكره له أن يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.
ولا يجوز الخروج من المشعر الحرام قبل طلوع الفجر للمختار فإن خرج قبل طلوعه
متعمدا فلا حج له،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: كان عليه دم شاة، والصحيح الأول، وما ذكره رحمه
الله خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا، والذي يدل على صحة ما قلناه أن الوقوف بالمشعر
الحرام في وقته ركن من أركان الحج بغير خلاف بيننا، ولا خلاف أنه من أخل بركن
من أركان الحج متعمدا بطل حجه.
فإن كان خروجه ساهيا أو ناسيا لم يكن عليه شئ، وقد رخص للمرأة والرجل الذي
يخاف على نفسه أن يفيضا إلى منى قبل طلوع الفجر، فإذا بلغ وادي محسر فليهرول فيه
حتى يقطعه وذلك على طريق الاستحباب فإن كان راكبا حرك مركوبه.
ويستحب له أن يأخذ حصى الجمار من المشعر الحرام ليلة النحر وإن أخذه من منى
ومن سائر الحرم كان أيضا جائزا سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف ومن حصى
546

الجمار، ولا يجوز أخذ الحصى من غير الحرم ولا يجوز أن يرمي الجمار إلا بالحصى
فحسب.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: لا يجوز الرمي إلا بالحجر وما كان من جنسه من
البرام والجوهر وأنواع الحجارة، ولا يجوز بغيره كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير
ذلك من الذهب والفضة. إلى ههنا آخر كلامه وما ذكرناه هو الصحيح لأنه لا خلاف
في إجزائه وبراءة للذمة معه وما عدا الحصى فيه الخلاف.
وروي عنه ع أنه قال: غداة جمع، وألقط حصيات من حصى الخذف فلما
وضعهن في يده قال: بأمثال هؤلاء فارموا بأمثال هؤلاء فارموا ومثل الحصى حصى.
وروي أنه قال ع لما هبط مكان محسر: أيها الناس عليكم بحصى الخذف.
وقد رجع شيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده عما ذكره في مسائل خلافه، فقال: لا يجزئ
غير الحصاة.
ويكره أن تكون صما ويستحب أن تكون برشا ويستحب أن يكون قدرها مثل الأنملة
منقطة كحلية ويكره أن يكسر من الحصى شئ بل يلتقط بعدد ما يحتاج الانسان إليه،
ويستحب أن لا ترمى إلا على طهر فإن رميت على غير طهر لم يكن عليه شئ، فإذا
رماها فإنه يجب أن يرميها خذفا
والخذف عند أهل اللسان رمى الحجر بأطراف الأصابع، هكذا ذكره الجوهري في كتاب
الصحاح.
يضع كل حصاة منها على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبابة ويرميها من بطن الوادي.
وينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة وهي التي إلى مكة أقرب بسبع حصيات
يرميها من قبل وجهها وحدها ذلك اليوم فحسب، ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة
قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ويقول حين يريد أن يرمي الحصى:
اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
ويقول مع كل حصاة:
اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله
عليه وآله اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا
547

مغفورا.
ويجوز أن يرميها راكبا وماشيا والركوب أفضل لأن النبي ع رماها
راكبا، ويكون مستقبلا لها مستدبرا للكعبة، وإن رماها عن يسارها جاز.
وجميع أفعال الحج يستحب أن يكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمى
الجمار إلا رمى جمرة العقبة يوم النحر فحسب، ولا يأخذ الحصى من المواضع التي تكون
فيها نجاسة فإن أخذها وغسلها أجزأه، وإن لم يغسلها ترك الأفضل وأجزأه لأن الاسم
يتناولها.
باب الذبح:
الهدي واجب على المتمتع بالعمرة إلى الحج وإن كان قارنا ذبح هديه الذي ساقه،
وإن كان مفردا لم يكن عليه شئ، فإن تطوع بالأضحية كان له فضل كبير، ومن
وجب عليه الهدي فلم يقدر عليه
قال بعض أصحابنا: فإن كان معه ثمنه خلفه عند من يثق به يشترى له هديا يذبح عنه
في العام المقبل في ذي الحجة فإن أصابه في مدة مقامه بمكة إلى انقضاء ذي الحجة جاز له
أن يشتريه ويذبحه وإن لم يصبه فعلى ما ذكرناه.
فإن لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه وجب عليه صيام عشرة أيام،
والأظهر الأصح أنه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلفه بل الواجب عليه إذا
عدم الهدي الصوم سواء وجد وجد الثمن أو لم يجد لأن الله سبحانه لم ينقلنا عند عدم
الهدي إلا إلى الصوم ولم يجعل بينهما واسطة، فمن نقلنا إلى ما لم ينقلنا الله إليه يحتاج
إلى دليل شرعي، وإلى ما اخترناه يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في جمله
وعقوده في فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها قال: فهدي المتمتع فرض مع القدرة
ومع العجز فالصوم بدل منه، هذا آخر كلامه.
والصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فالثلاثة الأيام: يوم قبل التروية
ويوم التروية ويوم عرفة، فإن فاته صوم هذه الأيام صام يوم الحصبة وهو: يوم النفر
ويومان بعده متواليات،
548

وسمي يوم النفر الثاني يوم الحصبة لأنه يستحب لمن نفر في النفر الثاني التحصيب، ولا
يستحب لمن نفر في النفر الأول التحصيب وهو نزول المحصب وهو ما بين العقبة وبين
مكة وهي أرض ذات حصى صغار مستوية بطحاء إذا رحل من منى حصل فيها يستحب
له النزول هناك اقتداء بالرسول ع لأنه نزل هناك ونفذ عائشة مع أخيها عبد
الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأحرمت بالعمرة المفردة وجاءت إلى مكة طافت وسعت
وقصرت وفرغت من مناسكها جميعا، ثم جاءت إلى الرسول ع فرحل قاصدا
إلى المدينة.
فإن فاته ذلك أيضا صامهن في بقية ذي الحجة فإن أهل المحرم ولم يكن صام وجب
عليه دم شاة واستقر في ذمته وليس له صوم، فإن مات من وجب عليه الهدي ولم يكن
صام الثلاثة الأيام مع القدرة عليها والتمكن من الصيام صام عنه وليه الثلاثة الأيام،
فأما السبعة الأيام
فقد قال بعض أصحابنا: لا يلزم الولي قضاء السبعة، والأولى عندي والأحوط أنه يلزم
الولي القضاء عنه إذا تمكن من وجبت عليه من صيامهن ولم يفعل لأن الاجماع منعقد
على أن الولي يلزمه أن يقضي عن من هو ولي له ما فاته من صيام تمكن منه فلم يصمه
وهذا الصيام من جملة ذلك وداخل تحته.
فإذا صام الثلاثة الأيام ورجع إلى أهله صام السبعة الأيام ولا يجوز له أن يصومهن في
السفر ولا قبل رجوعه إلى أهله، فإن جاور بمكة انتظر مدة وصول أهل بلده إلى بلده إن
كان وصولهم في أقل من شهر، فإن كان أكثر من شهر انتظر شهرا ولو كان من أبعد بعد
ثم صام بعد ذلك السبعة الأيام.
ومن فاته صوم يوم قبل التروية صام يوم التروية ويوم عرفة ثم صام يوما آخر بعد أيام
التشريق ولا يجوز له أن يصوم أيام التشريق فإن فاته صوم يوم التروية فلا يصم يوم عرفة
بل يصوم الثلاثة الأيام بعد انقضاء أيام التشريق متتابعات،
وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيام من أول العشر والأحوط الأول.
فإن قيل: كيف يصام بدل الهدي قبل وجوب الهدي لأن الهدي ما يجب ذبحه إلا يوم
النحر ولا يجوز قبله؟
549

قلنا: إذا أحرم بالحج متمتعا وجب عليه الدم ويستقر في ذمته، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة
العقبة، دليلنا قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي،
فجعل تعالى الحج غاية لوجوب الهدي فالغاية وجود أول الحج دون إكماله يدل عليه قوله
تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، كانت الغاية دخول أول الليل دون إكماله كله،
وإجماع أصحابنا أيضا منعقد على ذلك إلا أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوما
قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة وقبل ذلك لا يجوز ولولا إجماعهم لجاز ذلك لعموم
الآية.
وصيام هذه الأيام يجوز سواء أحرم بالحج أو لم يحرم
ولأجل الاجماع من أصحابنا أيضا وإلا فما كان يجوز الصيام إلا بعد إحرام الحج لأنه
قال تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، فجعل الحج غاية لوجوب الهدي فإذا لم يحرم
ما وجدت الغاية بل الاجماع مخصص لذلك، ويمكن أن يقال: العمرة المتمتع بها إلى الحج
حج وحكمها حكم الحج لأنها لا تنعقد الإحرام بها إلا في أشهر الحج، فعلى هذا إذا
أحرم بها فقد وجد أول الحج إذا تلبس بالصوم ثم وجد الهدي لم يجب عليه أن يعود
إليه وله المضي فيه وله الرجوع إلى الهدي بل هو الأفضل.
ومن لم يصم الثلاثة الأيام وخرج عقيب أيام التشريق صامها في الطريق، فإن لم
يتمكن صامهن مع السبعة الأيام إذا رجع إلى أهله إذا كان ذلك قبل أن يهل المحرم،
فإن أهل المحرم استقر في ذمته الدم على ما بيناه، ولا بأس بتفريق صوم السبعة الأيام.
والمتمتع إذا كان مملوكا وحج بإذن مولاه كان فرضه الصيام، فإن أعتق العبد قبل
انقضاء الوقوف بالمشعر الحرام كان عليه الهدي ولم يجزه الصوم مع الإمكان، فإن لم يقدر
عليه كان حكمه حكم الأحرار في الأصل على ما فصلناه، والصوم بعد أيام التشريق
يكون أداء لا قضاء لأن وقته باق، وإذا أحرم بالحج ولم يكن صام ثم وجد الهدي لم يجز
له الصوم، فإن مات وجب أن يشترى الهدي من تركته من أصل المال لأنه دين عليه.
ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج إلا بمنى يوم
النحر أو بعده فإن ذبح بمكة أو بغير منى لم يجزه، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره
550

بمكة، وإذا ساق هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى فإن ساقه في العمرة المبتولة نحره
بمكة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة.
وأيام النحر بمنى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة بعده، وفي غيرها من البلدان ثلاثة
أيام: يوم النحر ويومان بعده، هذا في التطوع، فأما هدي المتعة فإنه يجوز ذبحه طول ذي
الحجة إلا أنه يكون بعد انقضاء هذه الأيام قضاء.
هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه والأولى عندي ألا يكون قضاء لأن ذي الحجة
بطوله من أشهر الحج ووقت للذبح الواجب فالوقت ما خرج فلا يكون قضاء لأن القضاء
ما كان له وقت ففات، والتطوع قد مضى وقته ولا قضاء فيها.
ولا يجوز في الهدي الواجب إلا واحد عن واحد مع الاختيار ومع الضرورة والعدم
فالصيام،
وقال بعض أصحابنا: ويجوز عند الضرورة الواحد من الهدي عن خمسة وعن سبعة وعن
سبعين، وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته وجمله وعقوده ومبسوطه، وإلى
القول الأول يذهب في مسائل خلافه في الجزء الأول وفي الجزء الثالث وهو الأظهر
الأصح الذي يعضده ظاهر التنزيل ولا يلتفت إلى أخبار آحاد إن صحت كان لها وجه
وهو في الهدي المتطوع به، فأما ما ذكره شيخنا أبو جعفر في الجزء الأول من مسائل خلافه
فإنه قال مسألة: يجوز إشراك سبعة في بدنه واحدة أو بقرة واحدة إذا كانوا مفترضين
وكانوا أهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين أو قارنين، ثم قال: وقال مالك: لا يجوز
الاشتراك إلا في موضع واحد وهو إذا كانوا متطوعين، وقد روى ذلك أصحابنا.
يقول شيخنا أبو جعفر أيضا قال: وهو الأحوط، وقال في الجزء الثالث من مسائل
الخلاف: الهدي الواجب لا يجزئ إلا واحد عن واحد وإن كان تطوعا يجوز عن سبعة
إذا كانوا أهل بيت واحد وإن كانوا من أهل بيوت شتى لا يجزئ، وبه قال مالك،
وقال الشافعي: يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة في الضحايا والهدايا سواء كانوا
مفترضين عن نذر أو هدي الحج أو متطوعين، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم
وطريقة الاحتياط.
ولا يجوز في الهدي ولا الأضحية العرجاء البين عرجها ولا العوراء البين عورها ولا
551

العجفاء ولا الخرماء ولا الجداء وهي المقطوعة الأذن، ولا العضباء وهي المكسورة القرن
فإن كان القرن الداخل صحيحا لم يكن به بأس فإن كان ما ظهر منه مقطوعا فلا بأس
به وإن كانت أذنه مشقوقة أو مثقوبة إذا لم يكن قطع منها شئ، ومن اشترى هديا على
أنه تام فوجده ناقصا لم يجزئ عنه إذا كان واجبا فإن كان تطوعا لم يكن به بأس،
ولا يجوز الهدي إذا كان خصيا ولا التضحية به فإن كان موجوءا لم يكن به بأس وهو
أفضل من الشاة والشاة أفضل من الخصي.
وأفضل الهدي البدن فمن لم يجد فمن البقر فإن لم يجد ففحلا من الضأن ينظر في
سواد ويمشي في
سواد ويبرك في سواد،
والمراد بذلك أن تكون هذه المواضع سودا، وقال أهل التأويل: معنى ذلك أن من عظمه
وشحمه ينظر في فئ شحمه ويمشي في فئ شحمه ويبرك في ظل شحمه، والأول هو
الظاهر.
فإن لم يجد فتيس من المعز، فإن لم يجد إلا شاة كان جائزا.
وأفضل ما يكون من البدن والبقر ذوات الأرحام ومن الغنم الفحولة، ولا يجوز من
الإبل إلا الثني فما فوقه وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في السادسة، وكذلك من
البقر لا يجوز إلا الثني وهو الذي تمت له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ من الضأن
الجذع لسنته والجذع ما كان له سبعة أشهر.
وينبغي أن يكون الهدي سمينا، فإن اشتراه على أنه سمين فخرج مهزولا أجزأ عنه،
وإن اشتراه على أنه مهزول فخرج سمينا كان مجزئا أيضا، وإن اشتراه على أنه مهزول
وخرج كذلك لم يجزئ عنه - وحد الهزال على ما روي في الأخبار أن لا يكون على
كليتيه شئ من الشحم - وإذا لم يجد على هذه الصفة اشترى ما تيسر له.
وأما عيوب الهدي فضربان: أحدهما يمنع الاجزاء والثاني يكره وإن أجزأ. فالذي
يمنع الاجزاء ما روى البراء بن عازب عن النبي ع في حديثه: العوراء البين
عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير الذي لا ينقي.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: معنى لا ينقي - بالنون والقاف - أي الذي لا ينقى له لأن
552

النقي - بالنون المكسورة والقاف المسكنة - المخ.
والعضباء لا تجزئ وهي التي انكسر قرنها الداخل والظاهر ولا يجزئ الخصي والموجوء
وهو المدقوق الخصي، وما عدا ذلك فمكروه إلا أن يكون ناقص الخلقة أو قطع قاطع من
خلقته إلا ما كان وسيما فلا بأس بذلك ما لم يبن منها وينقص الخلقة لما رواه علي
عن الرسول ع: من أمره أن يستشرف العين والأذن.
قال محمد بن إدريس: يستشرف يقال: استشرفت الشئ إذا رفعت بصرك تنظر إليه
وبسطت كفك فوق حاجبك كالذي يستظل من الشمس، ومنه قول ابن مطير:
فيا عجبا للناس يستشرفونني * كأن لم يروا مثلي محبا ولا قبلي
ويستحب أن لا يشترى إلا ما قد عرف به وهو أن يكون أحضر عرفات وذلك على
الاستحباب دون الفرض والإيجاب لأنه لو لم يحضر عرفات أجزأه سواء أخبر أنه قد
عرف به أو لم يخبر، ومن اشترى هديه فهلك أو ضل أو سرق فإن كان واجبا في الذمة
وجب أن يقيم بدله وإن كان تطوعا فلا شئ عليه.
ولا يجوز الأكل من الهدي المنذور ولا الكفارات، فأما هدي المتمتع والقارن
فالواجب أن يأكل منه ولو قليلا ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا لقوله تعالى:
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر، والأمر عندنا يقتضي الوجوب والفور دون
التراخي، فأما الأضحية فالمستحب أن يأكل ثلثها ويتصدق على القانع والمعتر بثلثها
ويهدي إلى أصدقائه ثلثها على ما رواه أصحابنا.
ومن اشترى هديا وذبحه فاستعرفه رجل وذكر أنه هديه ضل عنه وأقام بذلك بينة
كان له لحمه والغرم ما بين قيمته حيا ومذبوحا ولا يجزئ عن واحد منهما.
وإذا نتج الهدي المعين كان حكم ولده حكمه في وجوب نحره أو ذبحه، ولا بأس
بركوبه وشرب لبنه ما لم يضر به وبولده.
وإذا أراد نحر البدنة نحرها وهي قائمة من قبل اليمين ويربط يديها ما بين الخف إلى
الركبة ويطعن - بضم العين - في لبتها، ويستحب أن يتولى النحر أو الذبح بنفسه فإن لم
يقو عليه أو لا يحسنه جعل يده مع يد الذابح فإن استناب فيه كان جائزا، ويسمي الله
553

تعالى ويقول: وجهت وجهي إلى قوله: وأنا من المسلمين، ثم يقول: اللهم منك ولك
بسم الله والله أكبر، وذكر الله هو الواجب والباقي مندوب، ومن أخطأ في الذبيحة
فذكر غير صاحبها أجزأت عنه بالنية، وينبغي أن يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق وفي العقيقة
بالحلق قبل الذبح، فإن قدم الحلق على الذبح ناسيا أو متعمدا لم يكن عليه شئ، ولا
يجوز أن يحلق رأسه ولا أن يزور البيت إلا بعد الذبح وأن يبلغ الهدي محله وهو أن يحصل
في رحله ومتى حلق قبل أن يحصل الهدي في رحله لم يكن عليه شئ.
ومن وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجدها كان عليه سبع شياة، والصبي إذا
حج به متمتعا وجب على وليه أن يذبح عنه من مال الولي دون مال الصبي، ومن لم
يتمكن من شراء الهدي إلا ببيع بعض ثيابه التي يتجمل بها لم يلزمه ذلك وأجزأه
الصوم، ومن نذر أن ينحر بدنة فإن سمى الموضع الذي ينحر فيه فعليه الوفاء به وإن لم
يسم الموضع لا يجوز له أن ينحرها إلا بفناء الكعبة.
الهدي على ثلاثة أضرب: تطوع، ونذر شئ بعينه ابتداء، وتعيين هدي واجب في
ذمته.
فإن كان تطوعا مثل إن خرج حاجا أو معتمرا فساق معه هديا بنية أنه ينحره في
منى أو بمكة من غير أن يشعره أو يقلده فهذا على ملكه يتصرف فيه كيف شاء من بيع
وهبة وله ولده وشرب لبنه وإن هلك فلا شئ عليه.
الثاني: هدي أوجبه بالنذر ابتداء بعينه مثل إن قال: الله على أن أهدي هذه الشاة
أو هذه البقرة أو هذه الناقة، فإذا قال هذا زال ملكه عنها وانقطع تصرفه في حق نفسه فيها
وهي أمانة للمساكين في يده وعليه أن يسوقها إلى المنحر، فإن وصل نحر وإن عطب في
الطريق نحره حيث عطب وجعل عليه علامة من كتاب وغيره على ما روي ليعرف أنه
هدي للمساكين فإذا وجدها المساكين حل لهم التصرف فيها، وإن هلكت فلا شئ
عليه، فإن نتجت هذه الناقة ساق معها ولدها وهي والولد للمساكين.
الثالث: ما وجب في ذمته عن نذر أو ارتكاب محظور كاللباس والطيب والفسوق
والصيد أو مثل دم المتعة، فمتى ما عينه في هدي بعينه تعين فيه فإذا عينه زال ملكه عنه
554

وانقطع تصرفه فيه وعليه أن يسوقه إلى المنحر، فإن وصل نحره وأجزأه، وإن عطب في
الطريق أو هلك سقط التعيين وكان عليه اخراج الذي في ذمته.
فكل هدي كان نذرا أو كفارة مطلقا كان أو معينا لا يجوز الأكل منه، وما كان
تطوعا أو هدي التمتع جاز الأكل منه، ويستحب ألا يأخذ الانسان شيئا من جلود
الهدايا والضحايا بل يتصدق بها كلها ويكره أن يعطيها الجزار، ومن لم يجد الأضحية
جاز له أن يتصدق بثمنها، فإن اختلفت أثمانها نظر إلى الثمن الأول والثاني والثالث
وجمعها ثم يتصدق بثلثها، ويكره للإنسان أن يضحي بكبش قد تولى تربيته.
باب الحلق والتقصير:
يستحب للإنسان أن يحلق رأسه بعد الذبح وهو مخير بين الحلق والتقصير سواء كان
صرورة أو لم يكن، لبد شعره أو لم يلبده، وتلبيد الشعر في الإحرام أن يأخذ عسلا أو
صمغا ويجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتسخ،
وقال بعض أصحابنا: الصرورة لا يجزئه إلا الحلق وكذلك من لبد شعره وإن لم يكن
صرورة إلا أن الحلق أفضل، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر في الجمل والعقود والثاني
ذكره في نهايته وهو مذهب شيخنا المفيد، والصحيح الأول وهو الأظهر بين أصحابنا
ويعضده قوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم
ومقصرين.
ومن ترك الحلق عامدا أو التقصير إلى أن يزور البيت كان عليه دم شاة، وإن فعله ناسيا
لم يكن عليه شئ وكان عليه إعادة الطواف.
ومن رحل من منى قبل الحلق فليرجع إليها ولا يحلق رأسه إلا بها مع القدرة، فإن لم
يتمكن من الرجوع إليها فليحلق رأسه مكانه ويرد شعره إليها ويدفنه هناك، فإن لم
يتمكن من رد الشعر لم يكن عليه شئ، والمرأة ليس عليها حلق بل الواجب عليها
التقصير، وإذا أراد أن يحلق فالمستحب أن يبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى
العظمين ويقول إذا حلق: اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، وإذا حلق رأسه
555

فقد حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب إن كان متمتعا، فإن كان قارنا أو
مفردا حل له كل شئ إلا النساء فحسب.
فإذا طاف المتمتع طواف الحج ويسمى طواف الزيارة حل له كل شئ إلا النساء
فحسب، فإذا طاف طوافهن حلت له النساء، ويستحب أن لا يلبس ثياب المخيطة إلا
بعد الفراع من طواف الزيارة وليس ذلك بمحظور، وكذلك يستحب أن لا يمس الطيب
إلا بعد الفراع من طواف النساء وإن لم يكن ذلك محظورا وذهب شيخنا أبو جعفر في
تبيانه إلى أن الحلق أو التقصير مندوب غير واجب وكذلك أيام منى ورمى الجمار.
باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمى الجمار:
فإذا فرع المتمتع من مناسكه يوم النحر بمنى
وهي ثلاثة: رمى الجمرة العقبة فحسب على ما قدمناه، والذبح، والحلق أو التقصير على
جهة التخيير على ما ذكرناه. ولا بأس بتقديم أيها شاء على الآخر إلا أن الأفضل
الترتيب
فليتوجه إلى مكة يوم النحر لطواف الحج وسعيه ويستحب له ألا يؤخره إلا لعذر فإن أخره
لعذر زار البيت من الغد، ويستحب له ألا يؤخر طواف الحج وسعيه أكثر من ذلك، فإن
أخره فلا بأس عليه وله أن يأتي بالطواف والسعي طوف ذي الحجة لأنه من شهور الحج
وإنما تقديم ذلك على جهة التأكيد للمتمتع، ولا يجوز له تأخير ذلك إلى استهلال المحرم
فمن أخره عامدا بطل حجه.
ويستحب لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخوله المسجد والطواف بالبيت
ويقلم أظفاره ويأخذ شيئا من شاربه ثم يزور، وغسله أول نهاره كاف له إلى الليل
وكذلك إن اغتسل أول ليله كفاه ذلك إلى النهار سواء نام أو لم ينم.
وقد روي: أنه إن نقضه بحدث أو نوم فليعد الغسل، والأول أظهر وهذه رواية ضعيفة.
ثم يدخل المسجد وأول ما يبدأ به إذا دخل المسجد الحرام الطواف بالبيت إلا أن يكون
عليه صلاة فائتة فريضة فإنه يبدأ بالصلاة، أو يكون قد دخل وقت الصلاة المؤداة ولم
556

يكن عليه فائتة فإنه يبدأ أولا بالصلاة، أو وجد الناس في الجماعة فإنه يدخل معهم فيها
وكذلك إن خاف فوت صلاة الليل أو فوت ركعتي الفجر فإنه يبدأ بذلك أولا، فإذا فرع
منه بدأ بالطواف.
فإذا شرع في الطواف ابتدأه من الحجر الأسود، والمستحب استلامه بجميع بدنه فإن
لم يمكنه إلا ببعضه جاز ذلك فإن لم يقدر استلمه بيده فإن لم يقدر أشار إليه واستقبله
وكبر وقال ما قاله حين طاف بالبيت طواف العمرة المتمتع بها وقد ذكرناه فيما مضى،
ثم يطوف بالبيت أسبوعا كما قدمنا وصفه إلا أنه ينوي بهذا الطواف طواف الحج،
ويصلى عند المقام ركعتين، ثم يستحب له أن يرجع إلى الحجر الأسود فيقبله إن
استطاع، ثم ليخرج إلى الصفا فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكة.
ثم يأتي المروة ويطوف بينهما سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وجوبا، فإذا
فعل ذلك فقد حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر وذهب في نهايته إليه إلا أنه رجع عنه في استبصاره وقال:
إذا طاف طواف الحج فحسب حل له كل شئ إلا النساء، وإلى هذا يذهب السيد
المرتضى في انتصاره، وهو الذي أعمل عليه وأفتى به.
وليس عليه ههنا بعد السعي حلق ولا تقصير، ثم ليرجع إلى البيت ويطوف به طواف
النساء أسبوعا ويصلى عند المقام ركعتين وجوبا وليس عليه سعي بعد طواف النساء
لأن كل طواف واجب لا بد له من سعي واجب إلا طواف النساء لا سعي بعده، وكل
إحرام لا بد له من طواف النساء لتحل له إلا إحرام العمرة المتمتع بها إلى الحج لا طواف
نساء فيها وتحل من دونه.
واعلم أن طواف النساء فريضة في الحج وفي العمرة المبتولة وليس بواجب في العمرة
التي يتمتع بها إلى الحج على ما قدمناه، فإن مات من وجب عليه طواف النساء كان
على وليه القضاء عنه، وإن تركه وهو حي كان عليه قضاؤه فإن لم يتمكن من الرجوع
إلى مكة جاز له أن يأمر من ينوب عنه فيه، فإذا طاف النائب عنه حلت له النساء ولا
تحل النساء إلا بعد العلم بأنه قد طاف عنه، وهو واجب على النساء والرجال والشيوخ،
557

والخصيان لا يجوز لهم تركه وإن لم يريدوا وطء النساء.
وإذا فرع الانسان من الطواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بها، فإن
بات في غيرها كان عليه دم شاة.
وقد روي: أنه إن بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ وإن لم يكن
مشتغلا بهما كان عليه ما ذكرناه، والأول أظهر.
وإن خرج من منى بعد نصف الليل جاز له أن يبيت بغيرها غير أنه لا يدخل مكة إلا بعد
طلوع الفجر على ما روي في الأخبار، وإن تمكن ألا يخرج منها إلا بعد طلوع الفجر كان
أفضل على تلك الرواية، ومن بات الثلاث الليالي بغير منى متعمدا كان عليه ثلاث من
الغنم.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: من بات عن منى ليلة كان عليه دم شاة على ما قدمناه
فإن بات عنها ليلتين كان عليه دمان فإن بات الليلة الثالثة لا يلزمه شئ لأن له النفر في
الأول والنفر الأول يوم الثاني من أيام التشريق بلا خلاف والنفر الثاني يوم الثالث من
أيام التشريق. وقد روي في بعض الأخبار: أن من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاثة
دماء، وذلك محمول على الاستحباب أو على من لم ينفر في النفر الأول حتى غابت
الشمس فإنه إذا غابت ليس له أن ينفر فإن نفر فعليه دم، والأول مذهبه في نهايته وهو
الصحيح لأن التخريج الذي خرجه لا يستقيم له وذلك أن من عليه كفارة لا يجوز له أن
ينفر في النفر الأول بغير خلاف، فقوله رحمه الله: له أن ينفر في النفر الأول، غير مسلم
لأن عليه كفارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين.
والأفضل ألا يبرح الانسان أيام التشريق من منى طول نهاره، وإن أراد أن يأتي مكة
للطواف بالبيت تطوعا جاز له ذلك غير أن الأفضل ما قدمناه.
وإذا رجع الانسان إلى منى لرمي الجمار كان عليه وجوبا أن يرمي ثلاثة أيام:
الثاني من النحر والثالث والرابع، كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ويكون ذلك عند
الزوال فإنه الأفضل، فإن رماها ما بين طلوع الشمس إلى غروب الشمس لم يكن به
بأس،
وقال شيخنا في مسائل الخلاف: ولا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال وقد روي
558

رخصة قبل الزوال في الأيام كلها، وما ذكره في نهايته ومبسوطه هو الأظهر والأصح عند
أصحابنا، وما ذكره في مسائل خلافه مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
وهل رمى الجمار واجب أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا ولا أظن
أحدا من المسلمين يخالف في ذلك،
وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنه مسنون غير واجب لما نجده من كلام بعض
المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتبه ويقلد المسطور بغير فكر ولا نظر وهذا غاية الخطأ
وضد الصواب، فإن شيخنا أبا جعفر الطوسي رحمه الله قال في الجمل والعقود: والرمي
مسنون، فيظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب وإنما أراد الشيخ بقوله: مسنون، أن
فرضه عرف من جهة السنة لأن القرآن لا يدل على ذلك، والدليل على صحة هذا الاعتبار
والقول ما اعتذر شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه الاستبصار وتأول لفظ بعض الأخبار
فقال: الراوي في الخبر في باب وجوب غسل الميت وغسل من مس ميتا، فأورد الأخبار
بوجوب الغسل على من غسل ميتا ثم أورد خبرا عن ابن أبي نجران يتضمن: أن الغسل
من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة، فقال شيخنا أبو جعفر.: فما تضمن هذا الخبر من
أن غسل الميت سنة لا يعارض ما قلناه من وجوه: أحدها أن هذا الخبر مرسل لأن ابن
أبي نجران قال عن رجل ولم يذكر من هو ولا يمتنع أن يكون غير موثوق به ولو سلم لكان
المراد في إضافة هذا الغسل إلى السنة أن فرضه قد عرف من جهة السنة لأن القرآن لا
يدل على ذلك وإنما علمناه بالسنة، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في الاستبصار، وإذا
احتمل قوله في الجمل والعقود ما ذكرناه كان موافقا لقوله في مبسوطه ونهايته لئلا
يتناقض قولاه، فإنه قال في نهايته: وإذا رجع الانسان إلى منى لرمي الجمار كان عليه
أن يرمي ثلاثة أيام، فأتي بلفظة تقتضي الوجوب بغير خلاف في عرف الشريعة، وقال في
مبسوطه مصرحا: والواجب عليه أن يرمي ثلاثة أيام التشريق: الثاني من النحر
والثالث والرابع، كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ثلاث جمار كل جمرة منها بسبع
حصيات، وإلى الوجوب يذهب في مسائل الخلاف ويلوح به ويدل عليه، ثم الأخبار
التي أوردها في تهذيب الأحكام متناصرة بالوجوب عامة الألفاظ وكذلك الأخبار
المتواترة دالة على الوجوب، ثم فعل الرسول والأئمة ع يدل على ما اخترناه
وشرحناه لأن الحج في القرآن مجمل وفعله ع إذا كان بيانا لمجمل جرى مجرى
559

قوله والبيان في حكم المبين، ولا خلاف أنه ع رمى الجمار وقال: خذوا عني
مناسككم، فقد أمرنا بالأخذ والأمر يقتضي الوجوب عندنا والفور دون التراخي، وأيضا
دليل الاحتياط يقتضيه لأنه لا خلاف بين الأمة أن من رمى الجمار برئت ذمته من جميع
أفعال الحج والخلاف حاصل إذا لم يرم الجمار، وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في
استبصاره في كتاب الحج في باب من نسي رمى الجمار: حتى يأتي مكة أورد أخبارا
تتضمن الرجوع والأمر بالرمي ثم أورد خبرا عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي
عبد الله ع: رجل نسي رمى الجمار، قال: يرجع ويرميها، قلت: فإنه نسيها
أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.
فقال شيخنا: قال محمد بن الحسن " يعني نفسه " قوله ع: ليس عليه أن يعيد،
معناه ليس عليه أن يعيد في هذه السنة وإن كان يجب عليه إعادته في السنة المقبلة إما
بنفسه مع التمكن أو يأمر من ينوب عنه وإنما كان كذلك لأن أيام الرمي هي أيام
التشريق فإذا فاتته لم يلزمه شئ إلا في العام المقبل في مثل هذه الأيام، هذا آخر كلام
الشيخ أبي جعفر الطوسي في استبصاره.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: فلو كان الرمي مندوبا عند شيخنا لما قال:
يجب عليه إعادته في السنة المقبلة إما بنفسه مع التمكن أو يأمر من ينوب عنه، لأن
المندوب لا يجب على تاركه إعادته.
فإذا أراد رمى الجمار في أيام التشريق فليبدأ بالجمرة التي تلى المشعر الحرام وليرمها عن
يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهن خذفا
وقد بينا لغته على ما قاله الجوهري في كتاب الصحاح وهو أن قال: الخذف بالحصى
الرمي منه بالأصابع.
ويكبر مع كل حصاة استحبابا ويدعو بالدعاء الذي قدمناه، ثم يقوم عن يسار الطريق
ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلى على النبي ص، ثم
ليتقدم قليلا ويدعو ويسأله أن يتقبل منه.
فإن رماها بالسبع الحصيات في دفعة واحدة لا يجزئه بغير خلاف بيننا، ثم يتقدم
أيضا ويرمي الجمرة الثانية يصنع عندها كما صنع عند الأولى ويقف ويدعو بعد الحصاة
السابعة، ثم يمضى إلى الثالثة وهي جمرة العقبة تكون الأخيرة بها يختم الرمي في جميع أيام
560

التشريق وإنما يحصل لها مزية بالرمي عليها وحدها يوم النحر فحسب فيرميها كما رمى
الأوليين ولا يقف عندها.
وإذا غابت الشمس ولم يكن قد رمى بعد فلا يجوز له أن يرمي إلا في الغد، فإذا
كان من الغد رمى ليومه مرة ومرة قضاء لما فاته ويفصل بينهما بساعة، وينبغي أن يكون
الذي يرمي لأمسه بكرة والذي ليومه عند الزوال،
ومعنى قولنا: بكرة، المراد به بعد طلوع الشمس أول ذلك لأنا قد بينا أن الرمي ما بين
طلوع الشمس إلى غروبها، والباكورة من الفاكهة أوائلها، وقد أورد شيخنا أبو جعفر
الطوسي رحمه الله في كتاب المصباح لفظا يشتبه على غير المتأمل وهو أن قال في صلاة يوم
الجمعة: يصلى ست ركعات بكرة، والمراد بذلك عند انبساط الشمس في أول ذلك يدل
على ذلك ما أورده في نهايته وهو أن قال: يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس،
فيظن من يقف على ما قاله أن المراد بقوله: بكرة، عند طلوع الفجر وهذا بعيد من قائله.
فإن فاته رمى يومين رماها كلها يوم النفر وليس عليه شئ.
ولا يجوز الرمي بالليل وقد رخص للعليل والخائف والرعاة والعبيد في الرمي بالليل،
ومن نسي رمى الجمار إلى أن أتى مكة فإنه يجب عليه العود إلى منى ورميها وليس عليه
كفارة إذا كانت أيام التشريق لم تخرج، فإن ذكر ما بعد خروج أيام التشريق فالواجب
عليه تركها إلى القابل ورميها في أيام التشريق إن تمكن من العود وإلا استناب من
يرميها عنه، وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرجل سواء.
والترتيب واجب في الرمي يجب أن يبدأ بالجمرة التي تلى المشعر - وبعض أصحابنا
يسميها العظمى - ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، فمن خالف منها شيئا أو رماها منكوسة
كان عليه الإعادة، ومن بدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى أعاد على الوسطى ثم
جمرة العقبة، فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخريين على
التمام كان عليه أن يعيد عليها كلها، وإن كان رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات ثم
رمى الجمرتين على التمام كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات وكذلك إن كان
قد رمى الوسطى بأقل من أربع حصيات أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن رماها بأربع
تممها وليس عليه الإعادة على ما بعدها فالاعتبار بحصول رمى أربع حصيات.
561

فإذا كان كذلك تممها ولا يجب الإعادة على ما بعدها، فإن كان قد رمى بأقل من
أربع حصيات إحدى الجمرات تممها وأعاد مستأنفا على ما بعدها، ومن رمى جمرة
بست حصيات وضاعت واحدة أعاد عليها بالحصاة وإن كان من الغد، ولا يجوز أن
يأخذ من حصى الجمار الذي قد رمى به فيرمي بها، ومن علم أنه قد نقص حصاة
واحدة ولم يعلم من أي الجمار هي أعاد على كل واحدة منها بحصاة، فإن رمى بحصاة
فوقعت في محمله أعاد مكانها حصاة أخرى، فإن أصابت إنسانا أو دابة ثم وقعت على
الجمرة فقد أجزأه إذا وقعت باعتماده، ويجوز أن يرمي راكبا وماشيا، ويجوز الرمي عن
العليل والمبطون والصبي ولا بد من إذنه إذا كان عقله ثابتا، ويستحب أن يترك الحصى
في كفه ثم يؤخذ ويرمى.
وينبغي أن يكبر الانسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة من الفرائض يبدأ بالتكبير
يوم النحر بعد الظهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات
يبدأ عقيب الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني من أيام التشريق،
ويقول في التكبير:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا والحمد
لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
ومن أصحابنا من قال: إن التكبير واجب. ومنهم من قال: إنه مسنون، وهو الأظهر
الأصح لأن الأصل براءة الذمة من العبادات فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل من
كتاب أو سنة متواترة أو إجماع والإجماع غير حاصل لأن بين أصحابنا خلافا في ذلك على
ما بيناه والكتاب فخال من ذلك وكذلك السنة المتواترة بقي معنا الأصل براءة الذمة،
وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه وذهب في جمله وعقوده إلى:
أنه واجب، وكذلك في استبصاره، وإلى الوجوب ذهب السيد المرتضى رضي الله عنه.
ولا يكبر عندنا عقيب النوافل ولا في الطرقات والشوارع لأجل هذه الأيام خصوصا ولا
يكبر قبل يوم النحر في شئ من أيام العشر بحال.
562

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت:
ولا بأس أن ينفر الانسان من منى يوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثالث من
يوم النحر، فإن أقام إلى النفر الأخير وهو اليوم الثالث من أيام التشريق والرابع من يوم
النحر كان أفضل، ويوم الحادي عشر يسمى يوم القر لأن الناس يقرون فيه بمنى ولا
يبرحونه، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني وليلته تسمى ليلة
التحصيب لأنه النفر الأخير، والتحصيب يستحب لمن نفر في النفر الثاني دون الأول
على ما قدمناه.
وقال شيخنا في مبسوطه: وليلة الرابع ليلة التحصيب، فإن أراد رحمه الله الرابع من يوم
النحر فصحيح، وإن أراد الرابع عشر فغير واضح لأن التحصيب لا يكون إلا لمن نفر في
النفر الأخير، والنفر الأخير بلا خلاف بين الأمة هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
فإن كان ممن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم يجز له أن ينفر في النفر الأول ويجب
عليه المقام إلى النفر الأخير، وإذا أراد أن ينفر في النفر الأول فلا ينفر إلا بعد الزوال إلا
أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره فإنه لا بأس أن ينفر قبل الزوال وله أن ينفر ما
بينه وبين الزوال وما بينه وبين غروب الشمس.
فإذا غابت الشمس لم يجز له النفر وليبت بمنى إلى الغد، وإذا نفر في النفر الأخير
جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشمس أي وقت شاء، فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى جاز له
ذلك إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى الظهر بمكة.
ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها جاز له أن يدخل مكة، وإن كان قد
بقي عليه شئ من المناسك فلا بد له من الرجوع إليها، والأفضل على كل حال الرجوع
لتوديع البيت وطواف الوداع.
ويستحب أن يصلى الانسان بمسجد منى وهو مسجد الخيف
والخيف سفح الجبل لأن كل سفح الجبل عند أهل اللسان يسمى خيفا، فلما كان هذا
المسجد في سفح الجبل سمي مسجد الخيف، وكان رسول الله ص مسجده
عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها
563

ويسارها مثل ذلك.
فإن استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل، ويستحب أن يصلى فيه ست ركعات.
فإذا خرج من منى وبلغ مسجد الحصباء - وهو مسجد رسول الله ص -
فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه - وليس لهذا المسجد المذكور في الكتب أثر
اليوم - وإنما المستحب التحصيب وهو نزول الموضع والاستراحة فيه اقتداء بالرسول عليه
السلام على ما تقدم ذكرنا له، وهو إنما يستحب لمن نفر في النفر الثاني دون الأول وهو
الثالث عشر من ذي الحجة على ما قدمناه وحققناه.
قال الثوري: سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من النحر ما كانت العرب تسميه؟
فقال: ليس عندي من ذلك علم، فلقيت ابن مناذر فأخبرته بذلك فعجب وقال: أسقط
مثل هذا على أبي عبيدة وهي أربعة أيام متواليات كلها على الراء: يوم النحر والثاني
يوم القر والثالث يوم النفر والرابع يوم الصدر، فحدثت أبا عبيدة فكتبه عني عن ابن
مناذر.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وقد يوجد في بعض نسخ المبسوط أن يوم الحادي عشر يوم
النفر وهذا خطأ من الكتاب والنساخ إن كانوا غيروا ذلك أو إغفال في التصنيف فما
المعصوم إلا من عصمه الله وابن مناذر هذا شاعر لغوي بصري صاحب القصيدة الدالية
الطويلة: كل حي لاقى الحمام فمودي.
فإذا جاء إلى مكة فليدخل الكعبة إن تمكن من ذلك سنة واستحبابا دون أن يكون
ذلك فرضا وإيجابا سواء كان الانسان صرورة أو غير صرورة إلا أنه يتأكد في حق
الصرورة، فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنة مؤكدة، فإذا دخلها فلا
يمتخط فيها ولا يبصق ولا يجوز دخولها بحذاء على ما روي وإنما هو على تغليظ الكراهة،
ويقول إذا دخلها:
اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فأمنى من عذابك عذاب القبر، ثم
يصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى منهما حم السجدة
وفي الثانية عدد آياتها، ثم ليصل في زوايا البيت كلها، ثم يقول: اللهم من تهيأ
وتعبأ... إلى آخر الدعاء.
564

فإذا صلى عند الرخامة على ما قدمناه وفي زوايا البيت قام فاستقبل الحائط بين
الركن اليماني والغربي يرفع يديه عليه ويلتصق به ويدعو، ثم يتحول إلى الركن
اليماني فيفعل به مثل ذلك، ثم يفعل مثل ذلك بباقي الأركان، ثم ليخرج.
ويكره أن يصلى الانسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار، فإن اضطر إلى ذلك
لم يكن عليه بأس، فأما النوافل فمرغب الصلاة فيها شديد الاستحباب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته في هذا الباب: ولا يجوز أن يصلى الانسان الفريضة
جوف الكعبة، وإليه يذهب في مسائل خلافه والصحيح أنه مكروه غير محظور وقد ذهب
إلى الكراهة في جمله وعقوده وهو الأظهر بين أصحابنا، وما ورد من لفظ: لا يجوز، يحمل
على تغليظ الكراهة دون الحظر لأن الشئ إذا كان عندهم شديد الكراهة قالوا: لا
يجوز، وقد ذكرنا ذلك وأشبعنا القول فيه فيما مضى من كتاب الصلاة.
فإذا خرج من البيت عاد فاستقبله وصلى عن يمينه ركعتين، ويستحب له أن يلح
بالدعاء عن الحطيم فإنه أشرف بقعة على وجه الأرض،
والحطيم ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وسمي حطيما لأن ذنوب بنى آدم تتحطم
عنده على ما روي في الأخبار.
فإذا أراد الخروج من مكة جاء إلى البيت فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنة
مؤكدة، فإن استطاع أن يستلم الحجر والركن في كل شوط فعل، وإن لم يتمكن فعل
ذلك في ابتداء طوافه وانتهائه، ثم يأتي المستجار فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكة
ويتخير لنفسه من الدعاء ما أراد، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يودع البيت فيقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك.
ثم ليأت زمزم فيشرب من مائها
وبئر زمزم بئر لا عين حكمها حكم الآبار ينجسها ما ينجس الآبار ويطهرها ما يطهر
الآبار، وسميت بهذا الاسم قال أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتابه المترجم
بمروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ وغيره وهو كتاب حسن كبير كثير الفوائد وهذا
الرجل من مصنفي أصحابنا معتقد للحق له كتاب المقالات قال: وقد كانت أسلاف
الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيما لجدها إبراهيم وتمسكا بدينه وحفظا
565

لأنسابها فكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك جد أردشير بن بابك أول ملوك ساسان
وأبوهم الذي يرجعون إليه كرجوع الملوك المروانية إلى مروان بن الحكم وخلفاء العباسيين
إلى العباس بن عبد المطلب فكان ساسان إذا أتى البيت طاف به وزمزم على بئر
إسماعيل فقيل: إنما سميت زمزم لزمزمته عليها هو وغيره من فارس، وهذا يدل على
كثرة ترادف هذا الفعل منهم على هذه البئر وفي ذلك يقول الشاعر على قديم الزمان:
زمزمة الفرس على زمزم * وذاك من سالفها الأقدم
ثم ليخرج ويقول
آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى ربنا راجعون، فإذا
خرج من باب المسجد فليكن خروجه من باب الحناطين وهي باب بنى جمح - قبيلة من
قبائل قريش - وهي بإزاء الركن الشامي من أبواب المسجد الحرام على التقريب فيخر
ساجدا ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول:
اللهم إني أنقلب على لا إله إلا الله.
ومن لم يتمكن من طواف الوداع أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج لم يكن عليه
شئ، وإذا أراد الخروج من مكة فالمستحب له أن يشترى بدرهم تمرا يتصدق به على ما
وردت الأخبار بذلك.
باب فرائض الحج وتفصيل ذلك:
قد ذكرنا فرائض الحج فيما تقدم في اختلاف ضروب الحج وفرقنا بين الأركان وما
ليس بركن، ونحن الآن نذكر تفصيل أحكامها إن شاء الله تعالى.
أما النية: فهي ركن في الأنواع الثلاثة من تركها فلا حج له عامدا كان أو ناسيا إذا
كان من أهل النية، فإن لم يكن من أهلها أجزأت فيه نية غيره عنه وذلك مثل الصبي
يحرم عنه وليه وينوي وينعقد إحرامه عندنا، فعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكران وإن
حضر المشاهد وقضى المناسك لم يصح حجه بحال.
ثم الإحرام من الميقات: وهو ركن من تركه متعمدا فلا حج له، وإن نسيه ثم ذكر
وعليه وقت رجع وأحرم منه، فإن لم يمكنه أحرم من الموضع الذي انتهى إليه، فإن لم
566

يذكر حتى قضى المناسك كلها روي في بعض الأخبار: أنه لا شئ عليه وتم حجه.
والتلبيات الأربع فريضة،
قال بعض أصحابنا: هي ركن، وقال بعضهم: إنها غير ركن، وهو مذهب شيخنا أبي
جعفر الطوسي في مبسوطه إلا أنه قال: إن تركها متعمدا فلا حج له إذا كان قادرا عليها،
وكذلك قال في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: فهذا حد الركن إن تركه متعمدا بطل حجه بخلاف
طواف النساء لأن طواف النساء فرض وليس بركن لا يجب على من أخل به متعمدا
إعادة الحج بغير خلاف.
ثم قال شيخنا أبو جعفر: وإن تركها ناسيا لبى حين ذكر ولا شئ عليه.
قال محمد بن إدريس: إحرامه ما انعقد إذا لم يلب فيكون قد ترك الإحرام ناسيا لا أنه
أحرم ونسي التلبية بل إحرامه ما كان انعقد إذا كان متمتعا أو مفردا.
والطواف بالبيت إن كان متمتعا ثلاثة أطواف: أولها: طواف العمرة المتمتع بها
إلى الحج وهو ركن فيها فإن تركه متعمدا بطلت متعته وإن تركه ناسيا أعاد، والثاني:
طواف الزيارة الذي هو طواف الحج إن تركه متعمدا فلا حج له وإن تركه ناسيا أعاده
على ما مضى القول فيه، والثالث: طواف النساء فهو فرض وليس بركن فإن تركه
متعمدا لم يحل له النساء حتى يقضيه ولا تبطل حجته وإن تركه ناسيا قضاه ولا تحل له
أيضا النساء حتى يقضيه أو يستنيب فيه.
وإن كان قارنا أو مفردا طوافان: طواف الحج وطواف النساء، وحكمهما ما قلناه
في المتمتع ويجب مع كل طواف ركعتان على الصحيح من الأقوال عند المقام وهما فرضان
فإن تركهما متعمدا قضاهما في ذلك المقام فإن خرج سأل من ينوب عنه فيهما ولا يبطل
حجه.
فإن قال قائل: أصحابكم يقولون في كتبهم: الحاج المتمتع يجب عليه ثلاثة أطواف
والقارن والمفرد طوافان، ولو قالوا: يجب على القارن والمفرد أربعة أطواف والمتمتع ثلاثة
أطواف، كان هو الصواب لأن القارن والمفرد عليهما مع طوافيهما اللذين ذكرتموهما
طوافان آخران: أحدهما طواف العمرة المبتولة والآخر طواف النساء لها، فكيف الجواب؟
567

قلنا: قول أصحابنا سديد في موضعه لأنهم قالوا: يجب على الحاج القارن والمفرد،
ويذكرون فرائض الحج، والمعتمر عمرة مبتولة ليس بحاج ولا العمرة المبتولة حج وإنما
هي مقطوعة عن الحج فلهذا قالوا: مبتولة، أي مقطوعة لأن البتل: القطع، وليس كذلك
العمرة المتمتع بها إلى الحج لأنها حج وحكمها حكم الحج على ما قدمناه ولقوله عليه
السلام: دخلت العمرة في الحج هكذا، وشبك بين أصابعه.
والسعي بين الصفا والمروة ركن فإن كان متمتعا يلزمه سعيان: أحدهما للعمرة
والآخر للحج، وإن كان مفردا أو قارنا سعي واحد للحج، فإن تركه متعمدا فلا حج له
وإن تركه ناسيا قضاه أي وقت ذكره إذا كان ذلك في أشهر الحج.
والوقوف بالموقفين عرفات والمشعر الحرام ركنان، من تركهما أو واحدا منهما متعمدا
فلا حج له، فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا وجب عليه أن يعود فيقف بها ما بينه وبين
طلوع الفجر من يوم النحر، فإن لم يذكر إلا بعد طلوع الفجر وكان قد وقف بالمشعر فقد
تم حجه ولا شئ عليه، وإن لم يكن وقف بالمشعر في وقته وجب عليه إعادة الحج لأنه
لم يحصل له أحد الموقفين في وقته، وإذا ورد الحاج ليلا وعلم أنه إن مضى إلى عرفات
وقف بها وإن كان قليلا ثم عاد إلى المشعر قبل طلوع الشمس وجب عليه المضي إليها
والوقوف بها ثم يعود إلى المشعر، فإن غلب ظنه أنه إن مضى إلى عرفات لم يلحق المشعر
قبل طلوع الشمس اقتصر على الوقوف بالمشعر وقد تم حجه ولا شئ عليه.
ومن أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، فإن أدركه بعد طلوعها فقد
فاته الحج، ومن وقف بعرفات ثم قصد المشعر فعاقه في الطريق عائق فلم يلحق إلى قرب
الزوال فقد تم حجه لأنه حصل له الوقوف بأحد الموقفين، ومن لم يكن وقف بعرفات
وأدرك المشعر بعد طلوع الشمس فقد فاته الحج لأنه لم يلحق أحد الموقفين في وقته،
وذهب السيد المرتضى في انتصاره إلى: أن وقته جميع اليوم من يوم العيد.
فمن أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك المشعر.
ومن فاته الحج أقام على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق ثم يجئ إلى مكة فيطوف
بالبيت ويسعى ويتحلل بعمرة، وإن كان قد ساق معه هديا نحره بمكة وعليه الحج من
568

قابل إن كانت حجة الاسلام، وإن كانت تطوعا كان بالخيار إن شاء حج وإن شاء لم
يحج ولا يلزمه لمكان الفوات حجة أخرى لأنه لم يفسدها.
ومن فاته الحج سقطت عنه توابعه من الرمي وغير ذلك وإنما عليه المقام بمنى
استحبابا وليس عليه بها حلق ولا تقصير ولا ذبح وإنما يقصر إذا تحلل بعمرة بعد
الطواف والسعي ولا يلزمه دم لمكان الفوات.
ومن كان متمتعا ففاته الحج فإن كانت حجة الاسلام فلا يقضيها إلا متمتعا لأن
ذلك فرضه ولا يجوز غيره ويحتاج إلى أن يعيد العمرة في أشهر الحج في السنة المقبلة، فإن
لم تكن حجة الاسلام أو كان من أهل مكة وحاضريها جاز أن يقضيها مفردا أو قارنا،
وإن فاته القران أو الإفراد جاز أن يقضيه متمتعا لأنه أفضل بعد أن يكون قد حج حجة
الاسلام متمتعا إن كان فرضه التمتع.
والمواضع التي يجب أن يكون الانسان فيها مفيقا حتى يجزئه أربعة: الإحرام
والوقوف بالموقفين والطواف والسعي. وإن كان مجنونا أو مغلوبا على عقله لم ينعقد
إحرامه.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه: وما عدا ذلك يصح منه، والأولى عندي أنه لا
يصح منه شئ من العبادات والمناسك إذا كان مجنونا لأن الرسول عليه السلام قال:
الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، والنية لا تصح منه، وقال تعالى: وما لأحد
عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، فنفى تعالى أن يجزي أحدا بعمله
إلا ما أريد وطلب به وجه ربه الأعلى والمجنون لا إرادة له.
وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء وكذلك طواف النساء وكذلك حكم النوم
سواء.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: والأولى أن نقول: يصح منه الوقوف بالموقفين وإن
كان نائما لأن الغرض الكون فيه لا الذكر.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: هذا غير واضح ولا بد من نية القربة للوقوف
بغير خلاف لما قدمناه من الأدلة والإجماع أيضا حاصل عليه إلا أنه قال في نهايته رحمه
الله: ومن حضر المناسك كلها ورتبها في مواضعها إلا أنه كان سكران فلا حج له وكان
569

عليه الحج من قابل، وهذا هو الواضح الصحيح الذي يقتضيه الأصول.
باب مناسك النساء في الحج والعمرة:
الحج واجب على النساء كوجوبه على الرجال لأن الآية عامة والإجماع منعقد عليه
وشرائط وجوبه عليهن شرائط وجوبه عليهم سواء، وليس من شرطه عليهن وجود محرم ولا
زوج ولا طاعة للزوج عليها في حجة الاسلام، ومعنى ذلك أنها إذا أرادت حجة
الاسلام فليس لزوجها منعها من ذلك وينبغي أن يساعدها على الخروج معها فإن لم
يفعل خرجت مع بعض الرجال الثقات من المؤمنين، وإن أرادت أن تحج تطوعا لم يكن
لها ذلك وكان لها منعها منه، وإن نذرت الحج فإن كان النذر قبل العقد عليها أو بعد
العقد وكان بإذن زوجها كان حكمه حكم حجة الاسلام، وإن كان بغير إذنه لم ينعقد
نذرها.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجمل والعقود: وما يلزم الرجال بالنذر يلزم مثله
النساء، وأطلق ذلك ولم يقيده ولا فصله، وقيد ذلك وفصله على ما فصلناه وقيدناه في
مبسوطه وهو الحق اليقين.
وإذا كانت في عدة الطلاق جاز لها أن تخرج في حجة الاسلام سواء كانت للزوج عليها
رجعة أو لم تكن، وليس لها أن تخرج في حجة التطوع إلا في التطليقة التي لا يكون
للزوج عليها فيها رجعة، فأما عدة المتوفى عنها زوجها أو عدة الفسخ فإنه يجوز لها أن
تخرج على كل حال فرضا كان الحج أو نفلا.
وإذا حجت المرأة بإذن الزوج حجة التطوع أو بلا إذنه حجة الاسلام كان قدر نفقة
الحضر عليه وما زاد لأجل السفر عليها، فإن أفسدت حجها بأن مكنت زوجها من وطئها
مختارة قبل الوقوف بالمشعر لزمها القضاء وكان في القضاء مقدار نفقة الحضر على الزوج
وما زاد على ذلك فعليها في مالها ويلزمها مع ذلك كفارة وهي بدنة في مالها خاصة.
وقد بينا كيفية إحرامها في باب الإحرام وأن عليها أن تحرم من الميقات ولا تؤخره،
فإن كانت حائضا توضأت وضوء الصلاة واحتشت واستثفرت واغتسلت وأحرمت إلا
570

أنها لا تصلي ركعتي الإحرام، فإن قيل: الحائض لا يصح منها الغسل ولا الوضوء.
قلنا: لا يصحان منها على وجه يرفعان الحدث فأما على غير ذلك الوجه فإنهما يصحان
منها بغير خلاف.
وغسل الإحرام لا يرفع الحدث وإنما هو للتنظيف على وجه العبادة، وكذلك يصح
منها غسل الأعياد والجمع، فإن تركت الإحرام ظنا منها أنه لا يجوز لها ذلك حتى
جازت الميقات فعليها أن ترجع إليه وتحرم منه مع الإمكان، فإن لم يمكنها أحرمت من
موضعها ما لم تدخل مكة، فإن دخلتها خرجت إلى خارج الحرم وأحرمت من هناك،
فإن لم يمكنها أحرمت من موضعها.
وإذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وقصرت وقد
أحلت من كل شئ أحرمت منه مثل الرجال سواء، فإن حاضت قبل الطواف انتظرت
ما بينها وبين الوقت الذي تخرج إلى عرفات - وقد بينا فيما مضى - فإن طهرت طافت
وسعت، وإن لم تطهر فقد مضت متعتها وتكون حجة مفردة تقضي المناسك كلها ثم
تأتي بالعمرة بعد ذلك مبتولة ويكون حكمها حكم من حج مفردا ولا هدي عليها.
وإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثم حاضت كان حكمها حكم من لم يطف - وقد
قدمناه - وإذا حاضت وقد طافت أربعة أشواط قطعت الطواف وسعت وقصرت ثم
أحرمت بالحج وقد تمت متعتها، فإذا فرغت من المناسك وطهرت تممت الطواف بانية
على ما طافت غير مستأنفة له،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر وذهب إليه في كتبه، والذي تقتضيه الأدلة أنها إذا جاءها
الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها وإنما ورد بما قاله شيخنا خبران مرسلان فعمل
عليهما، وقد بينا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد وإن كانت مسندة فكيف بالمراسيل.
وإن طافت الطواف كله ولم تصل عند المقام ثم حاضت خرجت من المسجد وسعت
وقصرت وأحرمت بالحج وقضت المناسك كلها ثم تقضي الركعتين إذا طهرت.
وإذا طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وقصرت ثم أحرمت بالحج وخافت أن
يجيئها الحيض فيما بعد فلا تتمكن من طواف الزيارة وطواف النساء جاز لها أن تقدم
571

الطوافين معا والسعي، ثم تخرج فتقضي باقي المناسك وتمضى إلى منزلها،
على ما روي في شواذ الأخبار، وقد ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته ورجع عنه في
مسائل خلافه وقال: روى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى
منى وعرفات، والصحيح أنه لا يجوز تقديم المؤخر ولا تأخير المقدم من أفعال الحج لأنه
مرتب، هذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب والإجماع منعقد عليه والاحتياط يقتضيه
أيضا فلا يرجع عن المعلوم إلى المظنون وأخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ويجوز للمستحاضة أن تطوف بالبيت وتصلي عند المقام وتشهد المناسك كلها إذا
فعلت ما تفعله المستحاضة لأنها بحكم الطاهرات، وإذا أرادت الحائض وداع البيت فلا
تدخل المسجد بل تودع من أدنى باب من أبواب المسجد وتنصرف - والمراد بأدنى باب
يعني أقرب أبواب المسجد إلى الكعبة - وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطواف طيف
بها، وإن كان بها علة تمنع من حملها والطواف بها طاف عنها وليها وليس عليها شئ،
وليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لا وجوبا ولا استحبابا ولا كشف الرأس ويجوز
لها لبس المخيط،
وقال شيخنا في نهايته: يحرم على النساء في الإحرام من لبس المخيط مثل ما يحرم على
الرجال، وقد رجع عن ذلك في مبسوطه وقال: يجوز لهن لبس المخيط.
وكذلك يجوز لها تظليل المحمل وليس عليها حلق ولا دخول البيت مؤكدا، فإن أرادت
دخول البيت فلتدخله إذا لم يكن زحام
وقد روي: أن المستحاضة لا يجوز لها دخول البيت على حال، وذلك على تغليظ الكراهة
لا على جهة الحظر لأنا قد بينا أنها بحكم الطاهرات.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجزء الأول من مسائل خلافه في كتاب
الحج فقال مسألة: يجوز للمرأة أن تخرج في حجة الاسلام وإن كانت معتدة أي عدة
كانت ومنع الفقهاء كلهم من ذلك، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع الفرقة وعموم الآية لم
يذكر فيها إلا أن تكون في العدة فمن منع في هذه الحال فعليه الدلالة، ثم ذهب في الجزء
الثالث في مسائل خلافه في كتاب العدد مسألة: إذا أحرمت المرأة بالحج ثم طلقها
زوجها ووجب عليها العدة فإن كان الوقت ضيقا بحيث تخاف فوت الحج إن أقامت
572

فإنها تخرج وتقضي حجتها ثم تعود فتقضي باقي العدة إن بقي عليها شئ وإن كان
الوقت واسعا وكانت محرمة بعمرة فإنها تقيم وتقضي عدتها ثم تحج وتعتمر، ثم قال:
دليلنا قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله، ولم يفصل.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الصحيح ما قاله وذهب إليه في المسألة الأولى التي
ذكرها في كتاب الحج لأن حجة الاسلام تخرج بغير إذن الزوج بغير خلاف بيننا والآية
أيضا دليل على ذلك وإجماعنا وقوله ع: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فإذا
خرجن فليخرجن تفلات - بالتاء المنقطة من فوقها نقطتين المفتوحة والفاء المكسورة - أي
غير متطيبات.
باب الاستئجار للحج ومن يحج عن غيره:
من وجب عليه الحج لا يجوز له أن يحج عن غيره ولا تنعقد الإجارة إلا بعد أن يقضي
حجه الذي وجب عليه، فإذا أتى به جاز له بعد ذلك أن يحج عن غيره سواء وجبت عليه
واستقرت أو وجبت عليه ولم تستقر وكان متمكنا من المضي ثم فرط، فأما إن وجبت
عليه الحجة ولم يفرط في المضي ثم حدث ما يمنعه من المضي ولم يتمكن منه ثم لم يقدر
على الحج فيما بعد ولا حصلت له شرائطه فإنه يجوز له أن يحج عن غيره لأنها لم تستقر في
ذمته، فأما من استقرت حجة الاسلام في ذمته فإن فرط فيها فلا يجوز أن يحج عن غيره
سواء افتقر فيما بعد أو لم يفتقر تمكن من المضي أو لم يتمكن.
فأما من لم تجب عليه ولم يتمكن من الحج ولا حصلت له شرائطه يجوز له أن يحج
عن غيره، فإن تمكن بعد ذلك من المال كان عليه أن يحج عن نفسه، وينبغي لمن يحج
عن غيره أن يذكره في المواضع كلها باللفظ مندوبا لا وجوبا فيقول عند الإحرام:
اللهم ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان وأجرني في
نيابتي عنه.
وكذلك يذكره عند التلبية والطواف والسعي والموقفين وعند الذبح وعند قضاء جميع
المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع باللفظ وكانت نيته الحج عنه ونوى ذلك بقلبه
دون لسانه فقد أجزأ ذلك.
573

ومن أمر غيره أن يحج عنه متمتعا فليس له أن يحج عنه مفردا ولا قارنا فإن حج عنه
كذلك لم يجزئه وكان عليه الإعادة إن كانت الحجة المستأجرة لها غير معينة بزمان بل
كانت الإجارة في الذمة غير مقيدة بزمان فإن كانت مقيدة بزمان انفسخت الإجارة
ووجب عليه رد جميع الأجرة وكان المستأجر بالخيار بين أن يستأجره هو أو غيره، وإن
أمره أن يحج عنه مفردا أو قارنا جاز له أن يحج عنه متمتعا لأنه يعدل إلى ما هو الأفضل.
هكذا رواية أصحابنا وفتاويهم وتحقيق ذلك أن من كان فرضه التمتع فحج عنه قارنا أو
مفردا فإنه لا يجزئه ومن كان فرضه القران أو الإفراد فحج عنه متمتعا فإنه لا يجزئه إلا
أن يكون قد حج المستنيب حجة الاسلام فحينئذ يصح إطلاق القول والعمل بالرواية يدل
على هذا التحريم قولهم: وإن أمره أن يحج عنه مفردا أو قارنا جاز له أن يحج عنه متمتعا
لأنه يعدل إلى ما هو الأفضل، فلو لم يكن قد حج حجة الاسلام بحسب حاله وفرضه
وتكليفه لما كان التمتع أفضل بل كان إن كان فرضه التمتع فهو الواجب لا يجوز سواه
وليس لدخول أفضل معنى لأن أفعل لا يدخل إلا في أمرين يشتركان ثم يزيد أحدهما
على الآخر وكذلك لو كان فرضه القران أو الإفراد لما كان التمتع أفضل بل لا يجوز له
التمتع فكيف يقال: أفضل؟ فيخص إطلاق القول والأخبار بالأدلة لأن العموم قد
يخص بالأدلة بغير خلاف.
ومن أمر غيره أن يحج عنه على طريق بعينها جاز له أن يعدل عن تلك الطريق إلى
طريق آخر، وإذا أمره أن يحج عنه بنفسه فليس له أن يأمر غيره بالنيابة عنه، وإن جعل
الأمر في ذلك إليه ووكله إليه إما بنفسه أو يستأجر عنه ويكون وكيلا له في عقد الإجارة
مع غيره جاز ذلك فأما إن أمره أن يستأجر له من يحج عنه فلا يجوز للمأمور أن يحج عن
الآمر، وإذا أخذ حجة عن غيره وكانت معينة بسنة معلومة فلا يجوز له أن يأخذ حجة
أخرى لتلك السنة لأن الإجارة معينة بزمان فلا يصح أن يعمل فيه عملا لغير المستأجر
لأن منافعه قد استحقت عليه في ذلك الزمان، فإن خالف وخرج الزمان والسنة المعينة
ولم يحرم انفسخت الإجارة لأن الوقت الذي عينه قد فات.
وإن أخذ حجة لتحج في غير تلك السنة فلا بأس، وإن كانت الحجة في الذمة لا
معينة بزمان بأن يقول: استأجرتك على أن تحج عني، صح العقد واقتضى التعجيل في
574

هذا العام، وإن شرط التأجيل إلى عام أو عامين جاز، فإذا وقع مطلقا فانقضت السنة
قبل فعل الحج لم تبطل الإجارة ولا ينفسخ العقد لأن الإجارة في الذمة فلا تبطل
بالتأخير، وليس للمستأجر أن يفسخ الإجارة لمكان التأخير، فإذا أحرم في السنة الثانية
كان إحرامه صحيحا عمن استأجره.
إذا مات الأجير فإن كان قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردوا بمقدار أجرة ما بقي
من المسافة، وإن كان موته بعد الإحرام فلا يلزمه شئ وأجزأت عن المستأجر سواء كان
ذلك قبل استيفاء الأركان أو بعدها قبل التحلل أو بعده وعلى جميع الأحوال لعموم
الأخبار في ذلك،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: فإن مات النائب في الحج وكان موته بعد
الإحرام ودخول الحرم فقد سقطت عنه عهدة الحج وأجزأ عمن حج عنه وإن مات قبل
الإحرام ودخول الحرم كان على ورثته إن خلف في أيديهم شيئا مقدار ما بقي عليه من
نفقة الطريق، فراعى دخول الحرم والإحرام معا، والصحيح ما ذكرناه واخترناه وهو مجرد
الإحرام دون دخول الحرم، وإلى هذا ذهب في مبسوطه وأفتى ودل على صحته في مسائل
خلافه وهو الصحيح.
ومن حج عن غيره فصد عن بعض الطريق كان عليه مما أخذه بمقدار ما بقي من
الطريق اللهم إلا أن يضمن الحج فيما يستأنف ويتولاه بنفسه إن كانت السنة معينة،
وإن كانت الإجارة في الذمة فعلى ما ذكرناه،
والذي يقتضيه أصول المذهب ويشهد بصحته الاعتبار: أن المستأجر على الحج إذا صد أو
مات قبل الإحرام لا يستحق شيئا من الأجرة لأنه ما فعل الحج الذي استؤجر عليه ولا
دخل فيه ولا فعل شيئا من أفعاله، وإلى ما اخترناه يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل
خلافه ودل على صحته إلا أنه قوى ما ذهب إليه الصيرفي والإصطخري صاحبا
الشافعي: لأنه يستحق من الأجرة بمقدار ما قطع من المسافة، تعليلا منهما وتخريجا، ولا
حاجة بنا إلى ذلك مع قيام الأدلة على أن المستناب لم يأت بما استنيب فيه ولا شيئا من
أفعاله.
ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكة إلا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا
575

لا يقدر على الطواف بنفسه ولا يمكن حمله والطواف به " ومعنى مبطون أي به بطن وهو
الذرب وانطلاق الغائط " وإن كان غائبا جاز أن يطاف عنه، وإذا حج الانسان عن
غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن فإن ثواب ذلك يصل إلى من حج عنه من غير
أن ينقص من ثوابه شئ، وإذا حج عمن يجب عليه الحج بعد موته تطوعا منه بذلك فإنه
سقط عن الميت بذلك فرض الحج على ما روى أصحابنا في الأخبار.
ومن كان عنده وديعة ومات صاحبها وله ورثة وكان قد وجبت عليه حجة الاسلام
واستقرت في ذمته ولم يحجها جاز له أن يأخذ منها بمقدار ما يحج عنه من بلده ويرد الباقي
لأن الورثة لا تستحق الميراث إلا بعد قضاء الديون والحج من جملة الدين إذا غلب على
ظنه أن ورثته لا يقضون عنه حجة الاسلام، فإن غلب على ظنه أنهم يتولون القضاء عنه
فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئا إلا بأمرهم.
ولا بأس أن تحج المرأة عن المرأة وعن الرجل سواء كانت المرأة النائبة حجت حجة
الاسلام أو لم تحج صرورة كانت أو غير صرورة،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته واستبصاره: ولا بأس أن تحج المرأة عن الرجل إذا
كانت قد حجت حجة الاسلام وكانت عارفة وإذا لم تكن حجت حجة الاسلام
وكانت صرورة لم يجز لها أن تحج عن غيرها على حال، والأول هو الصحيح والأظهر وبه
تواترت عموم الأخبار والإجماع منعقد على جواز الاستنابة في الحج فالمخصص يحتاج إلى
دليل، ولا يجوز أن يرجع في التخصيص إلى خبر واحد لأنه لا يوجب علما ولا عملا
وتعارضه أخبار كثيرة، وإنما شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله خص عموم الأخبار
المتواترة العامة بأخبار آحاد متوسطا وجامعا بينهما في كتابه الاستبصار ولم يتعرض أحد
من أصحابنا لذلك بقول ولا تخصيص.
وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله في كتابه
الأركان فإنه قال: ومن وجب عليه الحج فلا يجوز له أن يحج عن غيره ولا بأس أن يحج
الصرورة عن الصرورة إذا لم يكن للصرورة مال يحج به عن نفسه، ثم قال في باب
مختصر المسائل في الحج والجوابات:
مسألة أخرى: فإن سأل سائل فقال: لم زعمتم أن الصرورة الذي لم يحج حجة الاسلام
576

يجوز له أن يحج عن غيره وهو لم يؤد فرض نفسه وما الدليل على ذلك؟
جواب: قيل له: الدليل عليه مع ما ورد من النص عن أئمة الهدي ع أن
القضاء عن الحاج إنما يحتاج فيه إلى العلم بمناسك الحج فإذا وجد من يعلم ذلك ويتمكن
من إقامة الفرض ولم يمنعه منه مانع من فساد في الديانة أو لزوم فرض أو ما وجب عليه
من أداء هذا الفرض على وجه القضاء فقد لزم القول بجواز ذلك وفسد العقد على إبطاله،
ثم قال: ويؤيد هذا ما رواه الزهري عن سليمان بن بشار عن ابن عباس قال: حدثني
الفضل بن العباس قال: أتت امرأة من خثعم رسول الله ص فقالت:
يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابته،
فقال رسول الله ص: فحجي عن أبيك، فأطلق الأمر لها بالحج عن غيرها
ولم يشترط ع عليها في ذلك أن تحج أولا عن نفسها ولا جعل الأمر لها بشرط
إن كانت حجت قبل الحال عن نفسها فدل ذلك على أنه إذا لم يكن مانع للإنسان من
الحج وكان ظاهر العدالة فله أن يحج عن غيره.
ثم قال سؤال: فإن قال قائل: إن هذا الخبر يوجب عليكم جواز حج الانسان عن غيره
وإن كان له مال يستطيع به الحج عن نفسه لأن النبي ص لم يسألها
أيضا عن حالها ولا شرط لها في ذلك عدم استطاعتها بنفسها وهذا نقض مذهبكم.
قال رحمه الله: جواب: قيل له: ليس الأمر على ما ظننت وذلك أن توجه الفرض إلى
واجد الاستطاعة بظاهر القرآن يغني النبي ص عن الشرط في ذلك وإذا
كان المستطيع قد توجه إليه فرض الحج عن نفسه ووجب عليه على الفور بما قدمناه فقد
حظر عليه كل ما أخرجه عن القيام بما وجب عليه فكانت هذه الدلالة مغنية عن الشرط
لما ضمنه على ما بيناه ولم يشتبه القول في خلافه لتعريه من الدلالة بما شرحناه، هذا آخر
قول شيخنا المفيد رحمه الله.
ولا يجوز لأحد أن يحج عن غيره إذا كان مخالفا في الاعتقاد من غير استثناء سواء
كان أباه أو غيره،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: اللهم إلا أن يكون أباه فإنه يجوز له أن يحج
عنه، وهذه رواية شاذة أوردها رضي الله عنه في هذا الكتاب كما أورد أمثالها مما لا
يعمل به ولا يعتقد صحته ولا يفتي به إيرادا لا اعتقادا لأنه كتاب خبر لا كتاب بحث
577

ونظر على ما قدمنا القول في معناه
ومتى فعل الأجير من محظورات الإحرام مما يلزمه به كفارة كان عليه في ماله من الصيد
واللباس والطيب وغير ذلك، وإن أفسد الحجة وجب عليه قضاؤها عن نفسه وكانت
الحجة باقية عليه، ثم ينظر فيها فإن كانت معينة بزمان انفسخت الإجارة ولزم المستأجر
أن يستأجر من ينوب عنه فيها، وإن لم تكن معينة بل تكون في الذمة لم تنفسخ وعليه
أن يأتي بحجة أخرى في المستقبل عمن استأجره بعد أن يقضي الحجة التي أفسدها عن
نفسه، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه والحجة الأولة فاسدة لا تجزئ عنه
والثانية قضاء عنها عن نفسه وإنما يقضي عن المستأجر بعد ذلك على ما بيناه، ومن
استأجر إنسانا ليحج عنه متمتعا فإن هدي المتعة يلزم الأجير في ماله لأنه يتضمن العقد.
إذا كان عليه حجتان حجة النذر وحجة الاسلام وهو معضوب " بالعين غير المعجمة
والضاد المعجمة، وهو الذي خلق نضوا ولا يقدر على الثبوت على الراحلة " جاز له أن
يستأجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة ويكون فعل كل واحد منهما واقعا بحسب
نيته سبق أو لم يسبق.
باب العمرة المفردة:
العمرة فريضة مثل الحج لا يجوز تركها، ومن تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرضها
وإن لم يتمتع كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحج إن شاء بعد انقضاء أيام التشريق،
وإن شاء أخرها إلى استقبال المحرم لأن جميع أيام السنة وقت لها على ما ذكرناه متقدما،
ومن دخل مكة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحج لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج، فإن
أراد التمتع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحج، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر
الحج جاز له أن يقضيها ويخرج إلى بلده أو إلى أي موضع شاء والأفضل له أن يقيم حتى
يحج ويجعلها متعة.
وإذا دخل مكة بعد خروجه فإن كان بين خروجه ودخوله أقل من شهر فلا بأس أن
يدخل مكة بغير إحرام ويجوز له أن يتمتع بعمرته الأولة، وإن كان شهرا فصاعدا فلا
578

يجوز له أن يدخل مكة إلا محرما ولا يجوز له أن يتمتع بعمرته الأولة بل الواجب عليه
إنشاء عمرة يتمتع بها والأفضل له أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة، وإذا دخلها بنية
التمتع فينبغي له أن لا يجعلها مفردة، وألا يخرج من مكة لأنه صار مرتبطا بالحج.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: لم يجز له أن يجعلها مفردة وأن يخرج من مكة
لأنه صار مرتبطا بالحج، والأولى ما ذكرناه من كون ذلك مكروها لا أنه محظور بل
الأفضل له ألا يخرج من مكة والأفضل له أن لا يجعلها مفردة، وقد رجع شيخنا عما في
نهايته في مبسوطه وقال بما اخترناه لأنه لا دليل على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال
من جميع مناسكها، والاعتبار في رجوعه ما ذكرناه أولا من الشهر حرفا فحرفا.
وأفضل العمر ما كانت في رجب وهي تلى الحج في الفضل على ما روي.
ويستحب أن يعتمر الانسان في كل شهر إذا تمكن من ذلك وفي كل عشرة أيام، وقد
بينا فيما مضى أقل ما يكون بين العمرتين وما اخترناه في ذلك وهو جواز الاعتمار في سائر
الأيام
وهو مذهب السيد المرتضى لأن الاجماع منعقد على جواز الاعتمار والحث عليه والترغيب
فيه فمن خصص ذلك يحتاج إلى دليل ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد في ذلك إن وجدت.
وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه مسألة أورد فيها: وليس كلما حمم
رأسه اعتمر، يعني نبت شعره. قال محمد بن إدريس: حمم - بالحاء غير المعجمة - رأسه
إذا أسود بعد الحلق وحمم الفرخ إذا طلع ريشه، فأردت إيراد الكلمة لئلا تصحف.
وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنه محرم بالعمرة المفردة، وإذا دخل الحرم
قطع التلبية حسب ما قدمناه هذا إذا جاء من بلده وأحرم من أحد المواقيت، فأما من
خرج من مكة إلى خارج الحرم ليعتمر وأحرم فلا يقطع التلبية إلا إذا شاهد الكعبة، فإذا
دخل مكة طاف بالبيت طوافا واحدا وسعى بين الصفا والمروة ثم يقصر إن شاء وإن
شاء حلق.
وفي العمرة المتمتع بها إلى الحج لا يجوز له الحلق بل الواجب المتحتم عليه التقصير،
ويجب عليه " أعني على المعتمر عمرة مفردة بعد تقصيره أو حلقه لتحلة النساء " طواف
579

وقد أحل من كل شئ أحرم منه.
باب حكم العبيد والمكاتبين والمدبرين في الحج:
لا يجوز للعبد أن يحرم إلا بإذن سيده، فإن أحرم بغير إذنه لم ينعقد إحرامه وللسيد
منعه منه فإن أذن له سيده في الإحرام بالحج فأحرم لم يكن له فيما بعد منعه وهكذا
الحكم في المدبر والمدبرة وأم الولد لا يختلف الحكم فيه، والأمة المزوجة لمالكها منعها من
الإحرام وللزوج أيضا منعها، والمكاتب لا ينعقد إحرامه سواء كان مشروطا عليه أو
مطلقا لأنه إن كان مشروطا عليه فهو بحكم الرق وإن كان مطلقا وقد تحرر منه بعضه
فهو غير متعين.
إذا أحرم العبد بإذن سيده ثم أعتق فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك
حجة الاسلام وإن فاته المشعر فقد فاته الحج وعليه الحج فيما بعد إذا وجدت الشرائط، وإذا
حجة الاسلام وإن فاته المشعر فقد فاته الحج وعليه الحج فيما بعد إذا وجد الشرائط، وإذا
أحرم بغير إذن سيده ثم أفسد الحج لم يتعلق به حكم لأنا قد بينا أن إحرامه غير منعقد،
وإن أحرم بإذن سيده فأفسد الحج لزمه القضاء وعلى سيده تمكينه منه، وإذا أفسد العبد
الحج ولزمه القضاء على ما قلناه فأعتقه السيد فلا يخلو: أن يكون بعد الوقوف بالمشعر أو
قبله، فإن كان بعده كان عليه أن يتم هذه الحجة ويلزمه حجة الاسلام فيما بعد وحجة
القضاء ويجب عليه البدأة بحجة الاسلام مع وجود الشرائط وحصولها ثم بحجة القضاء،
وإن أعتق قبل الوقوف بالمشعر فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبل العتق فإنه يمضى
في فاسدة، ولا يجزئه الفاسدة عن حجة الاسلام ويلزمه القضاء في القابل ويجزئه القضاء
عن حجة الاسلام لأن ما أفسده لو لم يفسده لكان مجزئا عنه حجة الاسلام وهذه قضاء
عنها.
إذا أحرم بإذن مولاه فارتكب محظورا عامدا يلزمه به دم مثل اللباس والطيب وحلق
الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطء في الفرج أو فيما دون الفرج وقتل الصيد أو
أكله ففرضه الصيام وليس عليه دم وليس لمولاه منعه من الصيام لأنه دخل في الإحرام
580

باذنه فيلزمه الإذن في توابعه، ودم المتعة فسيده بالخيار بين أن يهدي عنه أو يأمره بالصيام
وليس له منعه من الصيام لأنه باذنه دخل فيه.
باب حكم الصبيان في الحج:
الصبي الذي لم يبلغ قد بينا أنه لا حج عليه ولا ينعقد إحرامه ويجوز عندنا أن يحرم
عنه الولي، والولي الذي يصح إحرامه عنه الأب والجد وإن علا فإن كان غيرهما فإن
كان وصيا أو له ولاية عليه فهو بمنزلة الأب.
النفقة الزائدة على نفقته في الحضر تلزم وليه دونه، وكل ما أمكن الصبي أن يفعله
من أفعال الحج فعله وما لم يمكنه فعلى وليه أن ينوب عنه، والوقوف بالموقفين يحضر
على كل حال مميزا كان أو غير مميز.
وأما الإحرام: فإن كان مميزا أحرم بنفسه، وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليه، ورمى
الجمار كذلك وكذلك الطواف، ومتى طاف به ونوى به الطواف عن نفسه أجزأ عنهما،
وحكم السعي مثل ذلك وليس كذلك ركعتا الطواف.
وأما محظورات الإحرام فكل ما يحرم على المحرم البالغ يحرم على الصبي، والنكاح
إن عقد له كان باطلا، وأما الوطء فيما دون الفرج واللباس والطيب واللمس بشهوة
وحلق الشعر وترجيل الشعر وتقليم الأظفار فالظاهر أنه لا يتعلق به شئ
لما روي عنهم ع من: أن عمد الصبي وخطأه سواء، والخطأ في هذه الأشياء
لا يتعلق به كفارة من البالغين.
وقيل: إن قتل الصيد يتعلق به الجزاء على كل حال لأن النسيان يتعلق به من البالغ
الجزاء،
والصحيح أنه لا يتعلق بذلك كفارة وحمله على ما قيل قياس لأن الخطاب متوجه في
الأحكام الشرعيات والعقليات إلى البالغين المكلفين والصبي غير مخاطب بشئ من
الشرعيات، ولولا الاجماع والدليل القاهر لما أوجبنا على البالغ في النسيان شيئا فقام
الدليل في البالغ ولم يقم في غير البالغ.
581

وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: قتل الصيد يتعلق به الجزاء على كل حال، قال: لأن
النسيان يتعلق به من البالغ الجزاء وأما الوطء في الفرج فإن كان ناسيا لا شئ عليه ولا
يفسد حجة مثل البالغ سواء فإن كان عامدا فعلى ما قلناه من أن عمده وخطأه سواء لا
يتعلق به أيضا فساد الحج، ثم قال: ولو قلنا: إن عمده عمد لعموم الأخبار في من وطئ
عامدا في الفرج من أنه يفسد حجه فقد فسد حجه ويلزمه القضاء، ثم قال: والأقوى
الأول لأن إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلفين وهذا ليس بمكلف، هذا آخر كلام شيخنا
في مبسوطه وهو الأصح بل الحق اليقين وقد قلنا ما عندنا في ذلك.
باب حكم المحصور والمصدود:
الحصر عند أصحابنا لا يكون إلا بالمرض، والصد يكون من جهة العدو، وعند
الفقهاء الحصر والصد واحد وهما من جهة العدو. والصحيح الأول فالمحصور هو الذي
يلحقه المرض في الطريق فلا يقدر على النفوذ إلى مكة، فإذا كان كذلك فإن كان قد
ساق هديا فليبعث به إلى مكة ويجتنب هو جميع ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي
محله، ومحله منى يوم النحر إن كان حاجا فإن كان معتمرا فمحله مكة بفناء الكعبة،
فإذا بلغ الهدي محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شئ إلا النساء ويجب عليه الحج
من قابل إذا كان صرورة ووجد الشرائط في القابل، وإن كان قد حج حجة الاسلام
كان عليه الحج في القابل استحبابا لا إيجابا ولم تحل له النساء إلى أن يحج في العام
القابل أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء، فإن وجد من نفسه خفة بعد أن بعث هديه
فليلحق بأصحابه.
فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج وليس عليه الحج من قابل، وإن لم
يدرك أحد الموقفين في وقته فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل. هذا هو تحرير
الفتيا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فليلحق بأصحابه فإن أدرك مكة قبل أن ينحر هديه
قضى مناسكه كلها وقد أجزأه وليس عليه الحج من قابل وإن وجدهم قد ذبحوا الهدي
فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل، قال رحمه الله: وإنما كان الأمر على ذلك لأن
582

الذبح إنما يكون يوم النحر فإذا وجدهم قد ذبحوا الهدي فقد فاته الموقفان وإن لحقهم
قبل الذبح يجوز أن يلحق أحد الموقفين فمتى لم يلحق واحدا منهما فقد فاته أيضا الحج.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: اعتبار شيخنا رحمه الله بإدراك مكة قبل أن
ينحر هديه غير واضح لأن النحر يكون في منى يوم العيد ولا يصل الحاج منى إلا بعد
طلوع الشمس من يوم النحر وبطلوع الشمس يفوت وقت المشعر الحرام وبفواته يفوته الحج
فلو أدرك أصحابه بمنى ولم ينحروا الهدي ما نفعه ذلك فلا اعتبار بذبح الهدي وإدراكه
بل الاعتبار بإدراك المشعر الحرام في وقته على ما اعتبرناه.
ومن لم يكن ساق الهدي فليبعث بثمنه مع أصحابه ويواعدهم وقتا بعينه بأن
يشتروه ويذبحوا عنه ثم يحل بعد ذلك، فإن ردوا عليه الثمن ولم يكونوا وجدوا الهدي
وكان قد أحل لم يكن عليه شئ ويجب عليه أن يبعث به في العام القابل ليذبح في
موضع الذبح،
وقد روي: أنه يجب عليه أن يمسك مما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه، ذكر ذلك
شيخنا في نهايته ولا دليل عليه والأصل براءة الذمة وهذا ليس بمحرم بغير خلاف
فكيف يحرم عليه لبس المخيط والجماع والصيد وليس هو بمحرم ولا في الحرم حتى يحرم
عليه الصيد، ولا يرجع فيه إلى أخبار الآحاد، وما أورده رحمه الله في نهايته فعلى جهة
الإيراد لا الاعتقاد، وذهب ابن بابويه في رسالته فقال: وإذا قرن الرجل الحج والعمرة
وأحصر بعث هديا مع هديه ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: أما قوله رحمه الله: وإذا قرن الرجل الحج
والعمرة، فمراده كل واحد منهما على الانفراد ويقرن إلى إحرامه بواحد من الحج أو من
العمرة هديا يشعره أو يقلده فيخرج من ملكه بذلك وإن لم يكن ذلك عليه واجبا ابتداء،
وما مقصوده ومراده أن يحرم بهما جميعا ويقرن بينهما لأن هذا مذهب من خالفنا في حد
القران ومذهبنا أن يقرن إلى إحرامه سياق هدي فليلحظ ذلك ويتأمل. فأما قوله: بعث
هديا مع هديه إذا أحصر، يريد أن هديه الأول الذي قرنه إلى إحرامه ما يجزئه في تحليله
من إحرامه لأن هذا كان واجبا عليه قبل حصره فإذا أراد التحلل من إحرامه بالمرض
" الذي هو الحصر عندنا على ما فسرناه " فيجب عليه هدي آخر لذلك لقوله تعالى: فإن
أحصرتم فما استيسر من الهدي، وما قاله قوي معتمد غير أن باقي أصحابنا قالوا:
583

يبعث هديه الذي ساقه، ولم يقولوا: يبعث بهدي آخر، فإذا بلغ محله أحل إلا من
النساء، فهذا فائدة قوله رحمه الله: وإن كان المحصور معتمرا فعل ما ذكرناه وكانت
العمرة عليه فرضا في الشهر الداخل إذا كانت واجبة وإن كانت نفلا كانت عليه
العمرة في الشهر الداخل تطوعا، وإنفاذا الهدي أو بعث ثمنه على ما ذكرناه أولا إنما
يجب على من لم يشترط على ربه في إحرامه على ما أسلفنا القول فيه وحررناه فأما من
اشترط على ربه في حال إحرامه إن عرض له عارض فحله حيث حبسه ثم عرض المرض
فله أن يتحلل من دون إنفاذ هدي أو ثمن هدي إلا إن كان قد ساقه وأشعره أو قلده
فلينفذه، فأما إذا لم يكن ساقه واشترط فله التحلل إذا بلغ الهدي محله وبلوغه يوم العيد،
فإذا كان يوم النحر فليتحلل من جميع ما أحرم منه إلا النساء على ما قدمناه.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: والمحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه
حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل هذا إذا
كان في حجة الاسلام فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحل مما كان أحرم منه
فإن شاء حج من قابل وإن لم يشأ لم يجب عليه الحج والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي
ساقه بمكانه ويقصر من شعر رأسه ويحل وليس عليه اجتناب النساء سواء كانت حجته
فريضة أو سنة، هذا آخر كلام المفيد رحمه الله.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وأما المصدود فهو الذي يصده العدو عن
الدخول إلى مكة أو الوقوف بالموقفين فإذا كان ذلك ذبح هديه في المكان الذي صد فيه
سواء كان في الحرم أو خارجه لأن الرسول ع صده المشركون بالحديبية
" والحديبية اسم بئر وهي خارج الحرم يقال: الحديبية، بالتخفيف والتثقيل وسألت ابن
العصار اللغوي فقال: أهل اللغة يقولونها بالتخفيف وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد
وخطه عندي بذلك. وكان إمام اللغة ببغداد.
ولا ينتظر في إحلاله بلوع الهدي محله ولا يراعي زمانا ولا مكانا في إحلاله، فإذا كان
قد ساق هديا ذبحه، وإن كان لم يسق هديا فإن كان قد اشترط في إحرامه إن عرض
له عارض يحله حيث حبسه فليحل ولا هدي عليه وإن لم يشترط فلا بد من الهدي
وبعضهم يخص وجوب الهدي بالمحصور لا بالمصدود وهو الأظهر لأن الأصل براءة الذمة
ولقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، أراد به المرض لأنه يقال: أحصره
584

المرض وحصره العدو.
ويحل من كل شئ أحرم منه من النساء وغيره، أعني المصدود بالعدو.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والمحصور إن كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا
فليس له أن يحج في المستقبل متمتعا بل يدخل بمثل ما خرج منه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وليس على ما قاله رحمه الله دليل من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع بل الأصل براءة الذمة وبما شاء يحرم في المستقبل.
وقال رحمه الله في النهاية: ومن أراد أن يبعث بهدي تطوعا فليبعثه ويواعد أصحابه يوما
بعينه ثم ليجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من الثياب والنساء والطيب وغيره إلا أنه لا يلبي
فإن فعل شيئا مما يحرم عليه كانت عليه الكفارة كما تجب على المحرم سواء فإذا كان
اليوم الذي واعدهم أحل وإن بعث بالهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه
بإشعاره وتقليده فإذا كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله ثم إنه
أحل من كل شئ أحرم منه.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح وهذه أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها
وهذه أمور شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية ولا دلالة من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في تصانيفهم وإنما
أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه النهاية إيرادا لا اعتقادا ولأن الكتاب المذكور
كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر كثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها والأصل براءة
الذمة من التكاليف الشرعية.
والمصدود بالعدو إذا منع من الوصول إلى البيت كان له أن يتحلل لعموم الآية، ثم
ينظر فإن لم يكن له طريق إلا الذي صد فيه فله أن يتحلل بلا خلاف، وإن كان له
طريق آخر فإن كان ذلك الطريق مثل الذي صد عنه لم يكن له التحلل لأنه لا فرق بين
الطريق الأول والثاني، وإن كان الطريق الآخر أطول من الطريق الذي صد عنه فإن
لم يكن له نفقة يمكنه أن يقطع بها الطريق الآخر فله أن يتحلل لأنه مصدود عن الأول،
وإن كان معه نفقة يمكنه قطع الطريق الأطول إلا أنه يخاف إذا سلك ذلك الطريق فاته
الحج لم يكن له التحلل لأن التحلل إنما يجوز بالصد لا بخوف الفوات وهذا غير مصدود
585

ههنا فإنه يجب عليه أن يمضى على إحرامه في ذلك الطريق، فإن أدرك الحج جاز وإن فاته
الحج لزمه القضاء إن كانت حجة الاسلام أو نذرا في الذمة لا معينا بتلك السنة، وإن
كانت تطوعا كان بالخيار، هذا في الحصر والصد العام.
فأما الصد الخاص: وهو أن يحبس بدين عليه أو غير ذلك فلا يخلو: أن يحبس بحق
أو بغير حق، فإن حبس بحق بأن يكون عليه دين يقدر على قضائه فلم يقضه لم يكن له
أن يتحلل لأنه متمكن من الخلاص فهو حابس نفسه باختياره، وإن حبس ظلما أو
بدين لا يقدر على أدائه كان له أن يتحلل لعموم الآية والأخبار.
ومن صد عن البيت وقد وقف بعرفة والمشعر الحرام وعن الرمي أيام التشريق فإنه
يتحلل، فإن لحق أيام الرمي رمى وحلق وذبح، وإن لم يلحق أمر من ينوب عنه في
ذلك، فإذا تمكن أتى مكة وطاف طواف الحج وسعى سعيه وقد تم حجه ولا قضاء عليه
هذا إذا طاف وسعى في ذي الحجة.
فأما إذا أهل المحرم ولم يكن قد طاف وسعى كان عليه الحج من قابل لأنه لم
يستوف أركان الحج من الطواف والسعي، فأما إذا طاف وسعى ومنع من المبيت
والرمي فقد تم حجه لأن ذلك من المفروضات التي ليست أركانا. وإن كان متمكنا
من المبيت ومصدودا عن الوقوف بالموقفين أو عن أحدهما جاز له التحلل لعموم الآية
والأخبار، فإن لم يتحلل وأقام على إحرامه حتى فاته الوقوف فقد فاته الحج وعليه أن
يتحلل بعمل عمرة ولا يلزمه دم لفوات الحج ويلزمه القضاء إن كانت الحجة واجبة على
ما قدمناه وإن كانت تطوعا كان بالخيار.
إذا صد فأفسد حجه فله التحلل وكذلك إن أفسد حجه ثم صد كان له التحلل لعموم
الآية والأخبار ويلزمه الدم بالتحلل عند بعض أصحابنا وبدنة بالإفساد والقضاء في
المستقبل سواء كان الحج واجبا أو مندوبا.
فإن انكشف العدو وكان الوقت واسعا وأمكنه الحج قضى من سنته وليس ههنا
حجة فاسدة يقضي في سنتها إلا هذه، فإن ضاق الوقت قضى من قابل وإن لم يتحلل
من الفاسدة، فإن زال الصد والحج لم يفت مضى في الفاسدة وتحلل، وإن فاته تحلل
586

بعمل عمرة وتلزمه بدنة الإفساد ولا شئ عليه للفوات والقضاء عليه من قابل على ما
بيناه.
وإن كان العدو باقيا فله التحلل، فإذا تحلل لزمه دم عند بعض أصحابنا للتحلل
وبدنة للإفساد والقضاء من قابل وليس عليه أكثر من قضاء واحد، وإذا أراد التحلل من
صد العدو فلا بد من نية التحلل مثل الدخول فيه وكذلك إذا أحصر بالمرض.
باب في الزيادات من فقه الحج:
من أحدث حدثا في غير الحرم فالتجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يخرج فيقام عليه الحد فإن أحدث في الحرم ما يجب عليه الحد أقيم عليه فيه، ولا ينبغي
أن يمنع الحاج خصوصا شيئا من دور مكة ومنازلها
للإجماع على ذلك فأما الاستشهاد بالآية فضعيف بل إجماع أصحابنا منعقد وأخبارهم
متواترة فإن لم تكن متواترة فهي متلقاة بالمقبول لم يدفعها أحد منهم فالإجماع هو الدليل
القاطع على ذلك دون غيره، فأما الآية وهو قوله تعالى: سواء العاكف فيه والباد، فإن
الضمير راجع إلى ما تقدم وهو نفس المسجد الحرام دون مكة جميعها وأيضا قوله تعالى: لا
تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، فحظر علينا عز وجل دخول غير بيوتنا.
فأما من قال: لا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها، فصحيح إن أراد نفس الأرض لأن
مكة أخذت عنوة بالسيف فهي لجميع المسلمين لا تباع ولا توقف ولا تستأجر، فأما
التصرف والتحجير والآثار فيجوز بيع ذلك وإجارته كما يجوز بيع سواد العراق المفتتحة
عنوة فيحمل ما ورد في ذلك على نفس الأرض دون التصرف لئلا تتناقض الأدلة
فليلحظ ذلك ويتأمل.
ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة، ومن وجد شيئا في الحرم لا يجوز له
أخذه فإن أخذه عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا كان مخيرا بين شيئين: أحدهما يتصدق
به عن صاحبه بشرط الضمان إن لم يرض بذلك صاحبه، والآخر أن يحفظه على صاحبه
حفظ أمانة وليس له أن يتملكه ولا يكون كسبيل ماله. وإن وجده في غير الحرم عرفه
سنة ثم هو مخير بين شيئين: أحدهما التصدق به بشرط الضمان إن لم يرض صاحبه،
587

والآخر يجعله كسبيل ماله.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه: هو مخير بين ثلاثة أشياء " يعني في لقطة غير
الحرم " بعد تعريفه سنة: بين أن يحفظه على صاحبه أمانة وبين أن يتصدق عنه بشرط
الضمان وبين أن يتملكه لنفسه وعليه ضمانه، والصحيح أنه يكون بين خيرتين فحسب
لأن إجماع أصحابنا منعقد أنه يكون بعد السنة وتعريفها فيها كسبيل ماله وإنما الشافعي
يخيره بين ثلاثة أشياء، وإلى ما اخترناه وقررناه ذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته.
ويكره الصلاة في طريق مكة في أربعة مواضع: البيداء " وقد فسرناها في كتاب
الصلاة " وذات الصلاصل وضجنان ووادي الشقرة. ويستحب الإتمام في الحرمين مكة
والمدينة ما دام مقيما وإن لم ينو المقام عشرة أيام وإن قصر فلا شئ عليه، وكذلك
يستحب الإتمام في مسجد الكوفة وفي مشهد الحسين ع
هذا على قول بعض أصحابنا، والأظهر الأكثر عند المحصلين: لا يجوز الإتمام من غير نية
المقام عشرة أيام للمسافر إلا في نفس المسجدين فحسب دون مكة جميعها ودون المدينة
جميعها، لأن الاجماع حاصل على ذلك والخلاف فيما عداه والأصل التقصير للمسافر
فأخرجنا ما أخرجنا بدليل الاجماع، بقي ما عداه على ما كان.
وكذلك نفس مسجد الكوفة دون الكوفة، وكذلك في نفس مشهد الحسين ع
دون ما عدا المسجد الذي لا يجوز للجنب الجلوس فيه ولا تقريبه النجاسة.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب الاستبصار في الجزء الثاني إلى جواز الإتمام في
مكة والمدينة والكوفة وقال: أخص ما ورد من الأخبار بالإتمام في نفس المساجد دون ما
عداها بالذكر تعظيما لها، ثم ذكر في الأخبار الأخر ألفاظا تكون هذه المساجد داخلة
فيها.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: هذا منه رحمه الله تعسف لا حاجة به إليه
وتأويل بعيد، وإذا كنا لا نعمل بأخبار الآحاد وإجماعنا منعقد على ما ذكرناه من الإتمام
في نفس المساجد المذكورة فلا يلتفت إلى ما عداه، وقد رجع شيخنا أبو جعفر عن هذا
القول في كتب الصلاة في باب الصلاة في السفر فإنه قال: ويستحب الإتمام في أربعة
مواطن في السفر: بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السلام، فخص نفس
مسجد الكوفة دون الكوفة، وفي الاستبصار قال: يتمم في الكوفة.
588

ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات.
ويستحب لمن حج على طريق العراق أن يبدأ أولا بزيارة النبي ع والمدينة
فإنه لا يأمن ألا يتمكن من العود إليها، فإن بدأ بمكة فلا بد له من العود إليها على طريق
الاستحباب المؤكد دون الفرض المحتم، وإذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن
يجبرهم على ذلك.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكذلك إن تركوا زيارة النبي ع كان عليه
إجبارهم عليها.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إجبارهم على زيارة النبي ع لا يجوز لأنها غير
واجبة بل ذلك مؤكد الاستحباب دون الفرض والإيجاب بغير خلاف، و إنما إذا كان
الشئ شديد الاستحباب أتى به على لفظ الوجوب على ما أسلفنا القول في معناه.
ويجوز للإنسان إذا وجب عليه الحج أن يستدين ما يحج به إذا كان من ورائه ما إن
مات قضي عنه، فإن لم يكن له ذلك فلا يجوز له الاستدانة، ويستحب الاجتماع يوم
عرفة والدعاء عند المشاهد وفي المواضع المعظمة، ويستحب لمن انصرف من الحج أن يعزم
على العود إليه ويسأل الله تعالى ذلك. ومن جاور بمكة فالطواف له أفضل من الصلاة ما
لم يجاوز ثلاث سنين فإذا جاورها أو كان من أهل مكة كانت الصلاة له أفضل، ولا
بأس أن يحج الانسان عن غيره تطوعا إذا كان ميتا فإنه يتفضل الله تعالى عليه بمثل ثوابه
للإجماع من أصحابنا على ذلك، وتكره المجاورة بمكة، ويستحب إذا فرع من مناسكه
الخروج منها، ومن أخرج شيئا من حصى المسجد الحرام كان عليه رده.
ويكره أن يخرج من الحرمين بعد طلوع الشمس قبل أن يصلى الصلاتين فإذا
صلاهما خرج إن شاء. ولا يعرف أصحابنا كراهية أن يقال لمن لم يحج: صرورة، بل
رواياتنا وردت بذلك، ولا أن يقال لحجة الوداع: حجة الوداع، ولا أن يقال: شوط
وأشواط، بل ذلك كله ورد في الأخبار، ولا يعرف أصحابنا استحبابا لشرب نبيذ
السقاية.
وأشهر الحج قد بينا أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة، والأيام المعلومات عشر ذي
589

الحجة، والأيام المعدودات أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر
من ذي الحجة، ويسمى الحادي عشر منها يوم القر لأن الناس يقرون فيه بمنى لا يبرحونه
على ما قدمناه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: والأيام المعلومات أيام التشريق والأيام
المعدودات هي عشر ذي الحجة، والأول هو الأظهر الأصح الذي لا يجوز القول بخلافه
وهو مذهب شيخنا المفيد في مقنعته وقد رجع الشيخ أبو جعفر عما ذكره في نهايته في
مسائل خلافه وقال: الأيام المعدودات أيام التشريق بلا خلاف.
وإذا أوصى الانسان بحجة وكانت حجة الاسلام أخرجت من أصل المال من
الموضع الذي مات فيه من بلده،
وهو الذي وردت روايات أصحابنا به، وقال بعض أصحابنا: لا يلزم الورثة أن يخرجوا
إلا إجارة من بعض المواقيت، والأول هو المذهب وإليه ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي
في نهايته وإن كان يقول في مبسوطه بخلافه.
وإن كان ما أوصى به نافلة أخرجت من الثلث فإن لم يبلغ الثلث ما يحج عنه من
موضعه حج عنه من بعض الطريق.
وهذا هو الأظهر وبه نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار، وهو قول شيخنا أبي جعفر أيضا
في نهايته.
ومن نذر أن يحج لله تعالى ثم مات قبل أن يحج ولم يكن أيضا قد حج حجة
الاسلام أخرجت عنه حجة الاسلام من صلب المال وكذلك الحجة المنذورة أيضا تخرج
من صلب المال لأنه واجب في ذمته ودين في رقبته، ولا خلاف أن الواجبات والديون
تخرج من صلب ماله
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويخرج ما نذر فيه من ثلثه، وهذا من طريق خبر
الآحاد أورده رحمه الله دون أن يكون اعتقاده ومذهبه.
فإن لم يكن المال إلا بقدر ما يحج عنه حجة الاسلام حج به عنه.
ومن وجب عليه حجة الاسلام ولم يكن استقرت عليه فخرج لأدائها فمات في
الطريق فلا شئ عليه ولا على وليه ولا يخرج شئ من تركته في الحج سواء مات قبل
590

الإحرام ودخول الحرم أو بعده لأنه ما فرط في ذلك ولا استقرت الحجة في ذمته.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: ومن وجبت عليه حجة الاسلام فخرج لأدائها
فمات في الطريق فإن كان قد دخل الحرم فقد أجزأ عنه وإن لم يكن قد دخل الحرم
كان على وليه أن يقضي عنه حجة الاسلام من تركته، وهذا غير واضح على ما قلناه.
فأما إن كانت الحجة وجبت عليه واستقرت بأن فرط في المضي إلى الحج بعد وجوبه في
سنة وجوبه ثم مضى بعد تلك السنة ومات في الطريق فإن كان مات بعد الإحرام فقد
أجزأت عنه ولا يجب على الورثة اخراج حجة عنه، وإن كان موته قبل الإحرام فما
أجزأت عنه ويجب على الورثة اخراج حجة عنه، فهذا تحرير هذه الفتيا.
ومن أوصى أن يحج عنه كل سنة من وجه بعينه فلم يسع ذلك المال للحج في كل
سنة جاز أن يجعل مال سنتين لسنة واحدة.
ومن أوصى أن يحج عنه ولم يذكر كم مرة ولا بكم من ماله وجب على الورثة
اخراج حجة واحدة فحسب لأن بحجة واحدة قد امتثلوا ما وصاهم به بغير خلاف،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وجب أن يحج عنه ما بقي من ثلثه شئ يمكن أن يحج
به، وهذا غير واضح لأنه لا دليل عليه يعضده من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع
والأصل براءة الذمة وما ذهبنا إليه لا خلاف فيه لأنه أقل ما يمتثل به الأمر والزائد على
ذلك يحتاج إلى دليل وإنما أورده إيرادا من جهة الخبر الواحد لا اعتقادا كما أورد
نظائره من قوله: الأيام المعدودات عشر ذي الحجة والمعلومات أيام التشريق، ثم قال في
مسائل الخلاف: الأيام المعدودات أيام التشريق بلا خلاف.
فإن قال: حجوا عني بثلثي، وجب أن يحج عنه مدة ما بقي من ثلثه شئ يمكن أن يحج
به، فإن قال: حجوا عني بثلثي حجة واحدة، حج عنه بجميع ثلثه حجة واحدة.
وإذا خرج الانسان من مكة فليتوجه إلى المدينة لزيارة النبي ع استحبابا
لا إيجابا على ما قدمناه، فإذا بلغ إلى المعرس نزله وصلى فيه ركعتين استحبابا ليلا كان
أو نهارا،
لأن المعرس مشتق من التعريس والتعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه
وقعة للاستراحة ثم يرحلون والموضع معرس فالموضع نزله ع آخر الليل واستراح
591

فسن فيه النزول اقتداء به ع سواء كان وقت التعريس أو لم يكن، فلأجل
ذلك قالوا: ليلا كان أو نهارا، يريدون به ذلك وإن لم يكن الوقت وقت التعريس.
فإن جازه ونسي رجع وصلى فيه واضطجع قليلا.
وإذا انتهى إلى مسجد الغدير دخله وصلى فيه ركعتين، واعلم أن للمدينة حرما
مثل حرم مكة وحده ما بين لابتيها،
واللابة: الحرة، والحرة: الحجارة السود، وهو من ظل عائر إلى ظل وعير لا يعضد شجرها
ولا بأس أن يؤكل صيدها إلا ما صيد بين الحرتين، هكذا أورده شيخنا في نهايته بهذه
العبارة.
والأولى أن يقال: وحده من ظل عائر إلى ظل وعير لا يعضد شجرها ولا بأس أن يؤكل
صيدها إلا ما صيد بين الحرتين لأن الحرتين غير ظل عائر وظل وعير، والحرتان ما بين
الظلين لأنه قال: لا يعضد الشجر فيما بين الظلين ولا بأس أن يؤكل الصيد إلا ما صيد
بين الحرتين. فدل على أن الحرتين داخلتان في الظلين وإلا يكون الكلام متناقضا،
فلو كانت الحرتان هما حد حرم المدينة الأول لما حل الصيد في شئ من حرم المدينة.
ويستحب لمن أراد دخول المدينة أن يغتسل وكذلك إذا أراد دخول مسجد النبي عليه
السلام، فإذا دخله أتى قبر الرسول ع فزاره، فإذا فرع من زيارته أتى المنبر
فمسحه ومسح رمانتيه، ويستحب الصلاة بين القبر والمنبر ركعتين فإن فيه روضة من
رياض الجنة.
وقد روي: أن فاطمة ع مدفونة هناك، وقد روي: أنها مدفونة في بيتها، وهو
الأظهر في الروايات وعند المحصلين من أصحابنا إلا أنه لما زاد بنو أمية في المسجد
صارت فيه، وروي: أنها مدفونة بالبقيع، ويعرف ببقيع الفرقد وهو شجر مثل العوسج
وحبه أشد حمرة من حبه، وهذه الرواية بعيدة من الصواب.
ويستحب المجاورة بالمدينة وإكثار الصلاة في مسجد النبي ع، ويكره النوم
في مسجد الرسول ع، ويستحب لمن له مقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيام بها:
الأربعاء والخميس والجمعة، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة
واسمه بشير بن عبد المنذر الأنصاري شهد بدرا والعقبة الأخيرة وهي أسطوانة التوبة وذلك
592

أنه تخلف في بعض الغزوات عن الرسول ع فندم على ذلك وربط نفسه إلى هذه
الأسطوانة بسلسلة، وقال لا يحلني إلا رسول الله، فلما قدم الرسول ع حله
واستغفر له فتاب الله عليه فسميت أسطوانة التوبة.
ويقعد عندها يوم الأربعاء، ويأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلى مقام رسول الله
صلى الله عليه وآله ومصلاه ويصلى عندها، ويصلى ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى
الله عليه وآله، ويستحب أن يكون هذه الثلاثة الأيام معتكفا في المسجد ولا يخرج منه
إلا لضرورة.
ويستحب إتيان المشاهد والمساجد كلها بالمدينة مسجد قباء ممدود ومشربة أم إبراهيم
عليه السلام والمشربة الغرفة، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح، ومسجد الفضيخ
وقيل: إنه الذي ردت الشمس فيه لأمير المؤمنين ع بالمدينة، والفضيخ: شراب
يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار، فسمي الموضع مسجد الفضيخ لأنه كان
يعمل ذلك الشراب عنده.
ويأتي قبور الشهداء كلهم، ويأتي قبر حمزة بأحد وقبور الشهداء هناك أيضا إلا أنه يبدأ
بقبر حمزة ع ولا يتركه إلا عند الضرورة إن شاء الله.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: صيد وج وهو بلد باليمن غير محرم ولا مكروه.
وقال محمد بن إدريس: سمعت بعض مشيختنا يصحف ذلك ويجعل الكلمتين كلمة
واحدة فيقول: صيدوخ - بالخاء - فأردت إيراد المسألة لئلا تصحف، اعلم أن وجا
- بالجيم المشددة - بلد بالطائف لا باليمن، وفي الحديث آخر وطأة وطأها رسول الله بوج
يريد غزاة الطائف.
قال الشاعر:
فإن تسق من أعناب وج فإننا * لنا العين تجري من كسيس ومن خمر
الكسيس - بالسينين غير المعجمتين - نبيذ التمر.
وقال النميري في زينب بنت يوسف أخت الحجاج:
مررن بوج رائحات * عشية يلبين للرحمن مؤتجرات
وكانت قد نذرت أن تحج من الطائف ماشية وبين الطائف ومكة يومان، فمشت ذلك في
اثنين وأربعين يوما وجعلت بطن وج مرحلة وهو قدر ثلاثمائة ذراع.
593

فصل في الزيارات:
زيارة رسول الله ص عند قبره وكل واحد من الأئمة من بعده صلوات
الله عليهم في مشاهدهم من السنن المؤكدة والعبادات المعظمة في كل جمعة
أو كل شهر أو كل سنة إن أمكن ذلك وإلا فمرة في العمر.
ويستحب لقاصد الزيارة بل يلزمه أن يخرج من منزله عازما عليها لوجهها مخلصا
بها لله سبحانه، فإذا انتهى إلى مسجد النبي ع أو مشهد الإمام المزور
عليه السلام فيغتسل قبل دخوله سنة مؤكدة ويلبس ثيابا نظيفة طاهرة جددا
بضم الدال لأنها جمع جديد، فأما جدد - بفتح الدال - فالطرائق في الأرض، ومنه قوله
تعالى: ومن الجبال جدد بيض.
هذا مع الإمكان ويأت القبر وعليه السكينة والوقار، فإذا انتهى إليه فليقف مما يلي
وجه المزور ع وظهره إلى القبلة ويسلم عليه ويذكره بما هو أهله من الألفاظ
المروية عن أئمة الهدي ع وإلا فبما نفث به صدره.
فإذا فرع من الذكر فليضع خده الأيمن على القبر ويدعو الله ويتضرع إليه بحقه ويلح
عليه ويرغب إليه أن يجعله من أهل شفاعته، ثم يضع خده الأيسر ويدعو ويجتهد، ثم
يتحول إلى الرأس فيسلم عليه ويعفر خديه على القبر ويدعو، ثم يصلى ركعتين عنده مما
يلي الرأس ويعقبهما بتسبيح فاطمة الزهراء ع ويدعو ويتضرع، ثم يتحول إلى
عند الرجلين فيسلم ويدعو ويعفر خديه على القبر ويودع وينصرف.
فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسين ع زار ولده عليا الأكبر وأمه
ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وهو أول قتيل في الوقعة يوم الطف من آل
أبي طالب.
وولد علي بن الحسين هذا في إمارة عثمان قد روي ذلك عن جده علي بن أبي طالب
عليه السلام، وقد مدحه الشعراء،
روي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر: إن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر
المقتول بكربلاء:
594

لم تر عين نظرت مثله * من محتف يمشي ولا ناعل
يغلي بنى اللحم حتى إذا * أنضج لم يغل على الآكل
كان إذا شبت له ناره * يوقدها بالشرف الكامل
كيما يراها بائس مرمل * أو فرد حي ليس بالأهل
أعني ابن ليلى ذا السدي والندا * أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه * ولا يبيع الحق بالباطل
وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى: أن المقتول بالطف هو العلي الأصغر وهو
ابن الثقفية وأن عليا الأكبر هو زين العابدين أمه أم ولد وهي شاة زنان بنت كسرى
يزدجرد.
قال محمد بن إدريس: والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة وهم النسابون وأصحاب
السير والأخبار والتواريخ مثل الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش، وأبي الفرج
الإصفهاني في مقاتل الطالبيين، والبلاذري والمزني صاحب كتاب لباب أخبار
الخلفاء، والعمري النسابة حقق ذلك في كتاب المجدي فإنه قال: وزعم من لا بصيرة له
أن عليا الأصغر المقتول بالطف وهذا خطأ ووهم، وإلى هذا ذهب صاحب كتاب
الزواجر والمواعظ وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبري المحقق لهذا الشأن، وابن
أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، وصاحب كتاب الفاخر
مصنف من أصحابنا الإمامية ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين، وأبو علي بن
همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم وهو من جملة أصحابنا المصنفين
المحققين، وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا القول وهم أبصر بهذا النوع.
قال أبو عبيدة في كتاب الأمثال: وعند جهينة الخبر اليقين، قال: وهذا قول الأصمعي.
وأما هشام بن الكلبي فإنه أخبر أنه جهينة، وكان ابن الكلبي بهذا النوع أكبر من
الأصمعي.
قال محمد بن إدريس: نعم ما قال أبو عبيدة لأن أهل كل فن أعلم بفنهم من غيرهم
وأبصر وأضبط.
وقد ذهب أيضا شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى: أن عبيد الله بن النهشلية قتل
بكربلاء مع أخيه الحسين ع، وهذا خطأ محض بلا مراء لأن عبيد الله بن
595

النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ومن جملة أصحابه قتله أصحاب المختار بن أبي
عبيدة بالمزار وقبره هناك ظاهر الخبر بذلك متواتر. وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في
الحائريات لما سأله السائل عما ذكره المفيد في الإرشاد فأجاب بأن عبيد الله بن
النهشلية قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة بالمزار وقبره هناك معروف عند أهل تلك
البلاد.
ونسب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد العباس بن علي فقال: أمه أم البنين بنت حزام
بن خالد بن دارم، وهذا خطأ وإنما أم العباس - المسمى بالسقاء ويسميه أهل النسب
أبا قربة المقتول بكربلاء صاحب راية الحسين ع ذلك اليوم - أم البنين بنت
حزام بن خالد بن ربيعة، وربيعة هذا هو أخو لبيد الشاعر ابن عامر بن كلاب بن ربيعة
بن عامر بن صعصعة، وليست من بني دارم التميميين.
وقال ابن حبيب النسابة في كتاب المنمق لما ذكر أبناء الحبشيات من قريش ذكر من
جملتهم العباس بن علي بن أبي طالب ع، وهذا خطأ منه وتغفيل وقلة تحصيل.
وكذلك قال في أبناء السنديات من قريش ذكر من جملتهم محمد بن علي بن أبي طالب
بن الحنفية، وأم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا جهل من ابن حبيب وقلة تأمل، قال محمد بن
إدريس رحمه الله: وأي غضاضة تلحقنا وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول
عليا الأكبر وكان عليا الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسين ع فإنه كان
لزين العابدين يوم الطف ثلاث وعشرون سنة ومحمد ولده الباقر ع حي له
ثلاث سنين وأشهر، ثم بعد ذلك كله فسيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام كان أصغر ولد أبيه سنا ولم ينقصه ذلك.
وإذا كانت الزيارة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فليبدأ بالتسليم
عليه ثم على آدم ونوح لكون الجميع مدفونا هناك على ما رواه أصحابنا، فإذا فرع من
الزيارة فليصل عند الرأس ست ركعات لزيارة كل حجة منهم ركعتان، والمستحب أن
يقرأ في الأولى منهما فاتحة الكتاب وسورة الرحمن وفي الثانية منهما فاتحة الكتاب وسورة
يس، ثم يتشهد ويسلم، ثم يسبح تسبيح الزهراء ع ويستغفر لذنوبه ويدعو،
ثم يسجد لله شكرا ويقول في سجوده: شكرا شكرا، مائة مرة.
596

ولا أرى التعفير على قبر أحد ولا التقبيل سوى قبور الأئمة ع لأن ذلك
حكم شرعي يحتاج في استحبابه وإثباته إلى دليل شرعي ولن يجده طالبه، ولولا إجماع
طائفتنا على التقبيل والتعفير على قبور الأئمة ع عند زيارتهم لما جاز ذلك لما
قدمناه وتفصيل ما أجملناه من الزيارات وشرح أذكارها موجود في غير موضع من كتب
السلف الجلة المشيخة رضي الله عنهم من طلبه وجده.
ومن لم يتمكن من زيارة النبي والأئمة ص بحيث قبورهم لبعد داره
أو لبعض الموانع فليزرهم أو من شاء منهم من حيث هو مصحرا أو من علو داره أو من
مصلاه في كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر، ومن السنة زيارة أهل الإيمان أحياء
وأمواتا.
ومن زار أخاه المؤمن فلينزل على حكمه ولا يجشمه ولا يكلفه، ومن زاره أخوه المؤمن
فليستقبله ويصافحه ويعتنقه، وذكر بعض أصحابنا في تصنيفه: ويقبل كل واحد منهما
موضع سجود الآخر، وقد روي في الأخبار: التقبيل للقادم من الحج. وليكرم كل واحد
منهما صاحبه وليحف به، وعلى المزور الاعتراف بحق زائره، وليتحفه بما يحضره من
طعام وشراب وفاكهة وطيب أو ما تيسر من ذلك وأدناه شرب الماء أو الوضوء وصلاة
ركعتين عنده والتأنيس بالحديث فإنه جانب من القرى، والتشييع له عند الانصراف.
وإذا زار قبر بعض إخوانه المؤمنين فليستظهر ويجعل وجهه إلى القبلة بخلاف زيارة
قبر الإمام المعصوم في الوقوف والكيفية على ما قدمناه، ويقرأ سورة الإخلاص سبعا
وسورة القدر سبعا، وتضع يدك على القبر وقل:
اللهم ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وأسكن إليه من رحمتك رحمة
يستغني بها عن رحمة من سواك وألحقه بمن كان يتولاه.
ويستغفر الله لذنبه وينصرف إن شاء الله تعالى.
597

إشارة السبق
إلى معرفة الحق
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي
599

كتاب الحج
أما الكلام في ركن الحج:
فهو إما فرض مطلق: وهو حجة الاسلام، أو عن سبب: فبالنذر والعهد والقضاء.
وإما سنة: وهو ما عدا ذلك.
فالمطلق منه لا يجب في العمر أكثر من مرة واحدة، بشرط: الحرية، والبلوغ، وكمال
العقل، والاستطاعة له بالصحة، وتخلية السرب، وحصول الزاد، والراحلة، والقدرة على
الكفاية التامة ذاهبا وجائيا مع العود إليها، والتمكن منها لمن يخلفه، ممن يجب عليه
نفقته من زوجة وولد وغيرهما. ويزاد عليها - من شروط صحة أدائه - الاسلام،
والوقت، والنية، والختنة والمسبب منه بحسب سببه، إن كان مرة أو أكثر على أي وجه
تعلق، لزم باعتباره.
والسنة منه متى دخل فيه بها من لا يلزمه ذلك، شاركت الفرض بعد الدخول في
وجوب المضي فيه إلى آخره وفي لزوم ما يلزم بإفساده وإن كانت مفارقة له بأنه لا يجب
الابتداء به لها، ولا يتداخل الفرضان فيه.
وحكم المرأة في وجوبه مع تكامل شروطه حكم الرجل، ولا يحتاج فيه إلى وجود
محرم. ويخرج حجة الاسلام من أصل تركة الميت، أوصى بها، أم لا.
ومن حج ببذل غيره له، ما يحتاج إليه لكونه فاقد الاستطاعة، صح حجه ولا يلزمه
قضاؤه، لو استطاع بعد ذلك.
ثم الحج إما تمتع، بالعمرة بتقديمها، واستيفاء مناسكها إحراما وسعيا، والإحلال
601

منها تقصيرا، والإتيان بعدها بمناسك الحج. فهو فرض كل ناء من مكة ليس من أهلها
ولا حاضري المسجد، أقل نائه أن يكون بينه وبينها من كل جانب اثنا عشر ميلا، فما
فوقها، جملتها من الجوانب الأربع ثمانية وأربعون ميلا فمن هذا حكمهم، لا يجزئهم في
حجة الاسلام إلا التمتع، أو قران بإقران سياق الهدي إلى الإحرام، واستيفاء مناسك
الحج كلها والاعتمار بعدها أو إفراد بإفراد، الحج من ذلك والإتيان بما يأتي القارن سواء
عدا سياق الهدي. فكل منهما فرض أهل مكة وحاضريها ممن بينه وبينها ما حددناه
فما دونه. ولا فرق بين مناسك الحج على الوجوه الثلاثة إلا بتقديم عمرة التمتع،
وإفرادها بعد الحج للقارن والمفرد، وبوجوب الهدي على المتمتع وعلى القارن بعد التقليد
أو الإشعار وسقوطه عن المفرد.
فأول المناسك الإحرام لأنه ركن، يبطل الحج بتعمد تركه، لا بنسيانه. ومن شرط
صحته. الزمان: شوال، وذو القعدة، وثمان من ذي الحجة للمختار وضع للاضطرار إلى أن
يبقى من الوقت ما يدرك فيه عرفة، إذ الإحرام للمتمتع بالعمرة أو يحج في غير هذا الوقت
لا ينعقد.
والمكان: وهو أحد المواقيت المشروعة إما بطن العقيق، ويندرج فيه المسلخ وغيره.
وذات عرق ويختص بالعراقيين، ومن حج على طريقهم. أو مسجد الشجرة وهو ذات
الحليفة ويختص بأهل المدينة، ومن سلك مسلكهم. أو الجحفة: وهي المهيعة ويختص
بالشاميين ومن إلى نهجهم. أو يلملم ويختص باليمنيين، ومن نحا نحوهم. أو قرن المنازل
وهي لمن حج على طريق الطائف، ومن والاهم في طريقهم.
فتجاوز أحد هذه المواقيت بغير إحرام لا يجوز، ويلزم معه الخروج إليه إن كان
اختيارا على كل حال وإلا فلا حج له، وعليه إعادته قابلا. وإن كان اضطرارا أو
نسيانا، وجب الرجوع إن أمكن وإلا مع تعذره يصح الإحرام في أي موضع ذكره
وأمكنه. ولا ينعقد قبل بلوع الميقات، وينعقد من محاذاته إذا منعت ضرورة خوف أو
غيره من إتيانه.
ولبس ثوبيه بعد تجرده من المخيط يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، وكل ما تصح
602

الصلاة فيه معها يصح فيه الإحرام، ومستحبها أو مكروهها فيها مستحبة أو مكروهة فيه.
ويعتبر طهارتهما وملكيتهما أو استباحتهما، ومع الضرورة يجزئ ثوب واحد. ويجوز عند
خوف البرد الاشتمال بما أمكن دفعه به ما لم يكن مخيطا من كساء وغيره. والاتشاح
على الطهر بالرداء المخيط كالقباء وشبهه مقلوبا. وقيل: إذا اضطر إلى لبس أجناس
الثياب المخيطة لضرر لا يمكن دفعه إلا بها، جاز لبسها جملة واحدة لا متفرقة، وأجزأت
عنها كفارة واحدة.
وعقده بالنية، والتلبيات الأربع الواجبة: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. لا ينعقد إلا بها، أو بما حكمه حكمها من إيماء
الأخرس، وتقليد القارن هديه وإشعاره. ومن السنة - في الإحرام - النظافة، بقص
الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبطين، وحلق العانة، والغسل، والصلاة كما قدمناه.
وعقده عقيب فريضة أفضلها الظهر، والدعاء عقيب صلاته. وذكر الوجه الذي يحج عليه
في الدعاء إن كان التمتع أو غيره، والاشتراط فيه، وإضافة التلبيات المندوبة إلى
الواجبة، ورفع الصوت بها، وذكر جهة الحج فيها إن كانت متعة أو غيرها، وكذا إن
كان نيابة، ذكر المحجوج عنه فيها وتكرارها أعقاب الصلوات وعند الانتباه من النوم
وبالأسحار، وكلما عدا نجدا وهبط غورا أو رأى راكبا أو أشرف على منزل.
وكون الملبي على طهارة من تمام فضلها. ولا يقطعها المتمتع حتى يشاهد بيوت مكة،
والقارن والمفرد حتى تزول الشمس من يوم عرفة. وإذا انعقد الإحرام وجب على المحرم
اجتناب الصيد أكلا، وإطعاما، وبيعا، وشراء، وإمساكا، وأخذا، وذبحا، وطبخا،
ورميا، وحذفا، وإشارة، ودلالة، والنساء وما يتعلق بهن من جماع، واستمناء، وتقبيل،
وملامسة، ونظر بشهوة، وعقد نكاح على الإطلاق لنفسه أو لغيره وشهادة به، والأطياب
الخمسة: المسك، والعنبر، والعود، والزعفران، والكافور استعمالا وإدهانا وما يتبعهما.
ولبس المخيط، وتغطية الرأس، وتظليل المحمل، وستر ظاهر القدم إلا لضرورة. وستر
المرأة وجهها، ولبسها القفازين، والمشي تحت الظلال سائرا لا الجلوس تحته نازلا، وتختم
الزينة. وإزالة ما يرجع إلى الرأس والبدن من شعر أو دم أو لحم أو جلد أو ظفر أو قمل
603

أو غيره. وحك الجسد حتى يدمي، وشد الأنف من رائحة كريهة، وحمل السلاح وإشهاره
لا لحاجة إليه، وقيل: لا مدافعة. والارتماس في الماء وقطع ما ليس في ملكه، من شجر
الحرم وجزما عدا الإذخر من حشيشه. وقتل شئ من الزنابير، والجراد اختيارا. وإخراج
شئ من حمام الحرم منه، وغلق باب على شئ منه حتى يهلك. والجدال وهو قول: لا والله وبلى
والله، صادقا وكاذبا. والفسوق وهو الكذب على الله تعالى أو على ماجد
حججه ع.
وما يلزم على ذلك من الكفارات منه، ما يستوي فيه العامد والناسي وهو الصيد،
فالحر البالغ العاقل المحرم إذا قتل ما له مثل من الصيد أو ذبحه، فعليه فداؤه بمثله من
النعم إذا كان في الحل. وفي الحرم عليه الفداء مضاعفا أو القيمة معه. والعبد كفارته على
سيده، وكذا من ليس بكامل العقد كفارته على وليه المدخل له في الإحرام، فإن كرر
ذلك ناسيا تكررت الكفارة عليه، وقيل: هذا حكمه إن كرر متعمدا، وقيل: إن تعمد
الله أو يكون ممن ينتقم الله منه. ففي النعامة بدنة إن وجدها وإلا فقيمتها وفي الحمار
الوحشي بقرة، وكذا في البقرة الوحشية مع الوجدان وإلا في القيمة. وفي الظبي وما في
حكمه من الصيود شاة لمن وجدها وإلا فقيمتها أو عدلها صياما وقد بيناه. وكذا في
الثعلب والأرنب وفي الضب وشبهه حمل، وكذا في اليربوع والقنفذ. والأرش في كسر
أحد قرني الغزال نصف قيمته، وفي كسرهما معا نصفها، وفي إتلاف إحدى عينيه نصف
قيمته، وفيهما جميعا جميعهما، وكذا حكم يديه ومثله حكم رجليه. وفي تبصر كل حمامة
من حمام الحرم فلا ترجع أو اخراجها أو ذبحها شاة، وفي فرخها حمل. وفي كل بيضة لها
درهم. وفي حمامة الحل درهم، ونصفه في فرخها، وربعه في
كل بيضة من بيضها. وفي كل بيضة نعامة فصيل إن كان الفرخ فيها متحركا وإن لم يكن كذلك فارسال الفحول
من الإبل على إناثها بعدد البيض، ويكون نتاجها هديا إن كان لمن لزمه ذلك إبل وإلا
فعن كل بيضة شاة وإلا فالصيام المذكور. وفي بيض الدجاج أو الحجل إرسال فحولة
الغنم في إناثها على العدد، فما نتج كان هديا. وفيما لا مثل له كالعصفور وشبهه إما
قيمته أو عدلها صياما. وفي قتل الأسد ابتداء كبش. وفي الزنبور أو الجرادة كف من
604

طعام، وفيما زاد على ذلك مد وفي كثيره دم شاة.
وإذا رمى المحرم صيدا فأصابه وفاته بغيبته عنه لزمه فداؤه. فإن شاهده بعد ذلك
كسيرا لزمه ما بين قيمته في حالي صحته وكسره. والمشارك في ذلك كالمستبد به. والدال
كالقاتل إذا قتل ما دل عليه. ولا بأس بصيد البحر ولا بالدجاج الحبشي.
ومنه ما لا يلزم فيه كفارة إلا مع العمد دون السهو وهو إما مفسد للحج، فالجماع في
الفرج في إحرام العمرة، وكذا في إحرام الحج قبل الوقوف بعرفة، وكذا بعد وقوفها قبل
الوقوف بالمشعر. ويلزم إفساد الحج وإن كان فاسدا، أو إعادته قابلا، وكفارة بدنة، وهي
كفارة الوطء في الدبر وإتيان العبد والبهيمة. وهل يفسد ذلك ويوجب الإعادة إذا كان
قبل الموقفين أو إحداهما أم لا؟ فيه تردد.
وإما غير مفسد، فالبدنة أيضا كفارة من أمنى بتقبيل الزوجة، أو مباشرتها بشهوة، أو
بالنظر إلى غير أهله مع قدرته وإيساره، ومع إعساره بقرة. فإن عجز عنها، فشاة. فإن لم
يجدها، فصيام ثلاثة أيام. وهي أيضا كفارة الوطء بعد وقوف المشعر قبل الإحلال،
وكفارة عاقد النكاح لغيره إذا كانا محرمين، ودخل المعقود له بالمعقود عليها ومحرم عليه
أبدا. ويفرق بين الرجل وزوجته أو أمته إذا جنى جناية تفسد الحج من موضعها، ولا
يجتمع بها إلا وبينهما ثالث إلا أن يحجا مع قابل ويبلغ الهدي محله. وكلما تكرر تعمد
الوطء تكررت كفارته إن تقدم التكفير عن الأول أولا، وكان إيقاعه متفرقا أو في مجلس
واحد. والشاة كفارة استعمال شئ من أجناس الطيب المحرم بشم، أو أكل، أو
غيرهما، أو أكل شئ من الصيد أو بعضه، أو تظليل المحمل، أو تغطية رأس الرجل
ووجه المرأة لا عن عذر، عن كل يوم دم، ومع العذر الضروري عن جميع الأيام دم،
وهي كفارة لبس المخيط مجموعا جملة لا متفرقا. فأما إن فرق فعن كل ضعف منه دم،
ولا ينزعه إذا اختار ذلك من جهة رأسه بل من قبل رجليه، وهكذا تقليم أظفار اليدين
والرجلين جميعا. فإن تفرق تقليمهما في مجلسين ففيهما دمان. وفي قص الواحد مد من
طعام، وكذا إلى أن يأتي على الجميع فيلزم ما بيناه. وجدال الصادق ثلاثا فيه ذلك، وهو
أيضا في جداله مرة كاذبا، وبقرة في المرتين، وبدنة في الثلاث فصاعدا، وهي كفارة
605

حلق الرأس أو إطعام ستة مساكين أو الصيام، وكفارة قص الشارب ونتف الإبطين أو
حلق العانة. وفي أحد الإبطين ثلاثة مساكين وكف من طعام. لإسقاط ما يمر من شعر
الرأس أو اللحية في غير طهارة ونتف ريشة طائر و لقتل القمل وإزالته أو إدماء الجسد
بحكه، مد من الطعام. والشاة لقطع الصغيرة من شجر الحرم المعين ذكره بجنته من
أصلها، وللكبيرة بقرة. ولجز الحشيش الموصوف أو قم بعض الشجرة صدقة، أعلاها شاة،
وأدناها مد من طعام، وما عدا ما ذكرناه فيه الإثم.
ويستمر المحرم على ما هو عليه حتى يصل مكة، فيدخلها من أعلاها مغتسلا ذاكرا،
وحينئذ يجب عليه الطواف لأنه ركن، تعمد تركه مبطل الحج وموجب إعادته، ومع
الاضطرار أو النسيان يقضي بعد الفراع من المناسك. ويمتد للمتمتع من حين دخول مكة
إلى زوال الشمس من يوم التروية، ويتضيق إلى أن يبقى من التاسع ما يدرك فيه عرفة
آخر وقتها. وللقارن والمفرد من حين دخولهما إلى بعد الموقفين، فتقديمه عليهما وتأخيره
عنهما جائز لهما. ومن مقدمات سننه: الغسل، والدعاء على باب بني شيبة، والدخول
منه بوقار، وذكر الدعاء عند معاينة الكعبة وعند الحجر وتقبيله واستلامه.
ومن فروضه: الطهارة من الأحداث والأنجاس، وستر العورة، وابتداؤه بالنية على
شروطها قبالة الحجر، وجعلها على يسار الطائف، والمقام على يمينه طائفا بينهما خارج
الحجر يجوز عدده سبعة أشواط، فإن زاد عامدا أو نقص بطل طوافه، وناسيا يسقط الزائد
ويتم الناقص، ويبطل بشكه في جملته لا يجز منه شيئا، وفي شكه بين ستة أو سبعة.
ويبني على الأقل إذا شك فيما دون ذلك. وقطعه مختارا لا لصلاة فريضة حاضرة يبطله،
وكذا قطعه لضرورة ولم يكن أتى على أكثره. ولا يلزم استئنافه بالشك بين سبعة
وثمانية، ولو ذكر في أثناء الثامن لقطعه ولم يلزم شئ، فإن لم يذكر حتى أتمه صلى
للأول ركعتين، وأضاف إلى الشوط الزائد، ستة ليصير له طواف آخر.
ومن سننه القارنة له: تقبيل الحجر، واستلامه في كل شوط، واستلام الأركان
وتقبيلها وخاصة الركن اليماني، والدعاء عند كل ركن وعند الباب في الميزاب، وقراءة
إنا أنزلناه، والتزام الملتزم، ووضع الجبين والصدر والذراعين، وتمريغ الخدين على
606

المستجار في سابع شوط، والتضرع وطلب التوبة، وذكر ما ورد من الدعاء في كل
موضع يختص به، والتعلق بالأستار، والخشية والاستغفار.
وإذا فرع منه صلى عند مقام إبراهيم الخليل ركعتين، يقرأ سورة الإخلاص في الأولى
منهما وفي الثانية سورة الجحد بعد الحمد، وكذا لكل طواف يطوفه فرضا أو سنة. وبعد
صلاته يأتي زمزم استحبابا يغتسل بشئ من مائها أو يصب على بعض جسده، ويشرب
منه داعيا بما ندب إليه، مستقيا من الدلو المقابل للحجر، خارجا بعد ذلك إلى السعي من
الباب المقابل له أيضا.
والسعي بعد فراغه من الطواف ركن، يبطل بتعمد تركه الحج. وحكم الاضطرار
والنسيان فيه حكمه في الطواف. وأول وقته بعد الفراع منه، ويمتد بامتداد وقته. وحكم
كل منهما في الزياد والنقصان والسهو والشك، حكم الآخر سواء. ومن سننه: الطهارة،
وصعود أعلى الصفا، والذكر المأثور، والدعاء المرسوم، مستقبلا به الكعبة ماشيا لا راكبا
في جميعه. وفروضه ابتداؤه بنية من أسفل الدرج، مبتدئا بالصفا، مختتما بالمروة، ساعيا
بينهما سبعة أشواط محررا عددها.
وسننه المقارنة: المشي من الصفا بدعاء وخشوع إلى حد الميل، والهرولة منه بنقل يسر
ودعاء إلى الميل الآخر، ثم المشي إلى المروة على ما وصفناه من الدعاء، هكذا في كل
شوط ويتحرى في كل موضع ما يخصه من الدعاء، ويقرأ إنا أنزلناه، ولو وقف من إعياء
أو جلس لا بين الصفا والمروة بل على كل واحد منهما لم يكن به بأس، وكذا لو سعى
راكبا.
فإن كان متمتعا وجب عليه عند فراغه منه التقصير، وخير مواضعه المروة يقص بنيته
شيئا من أظفاره وأطراف شعر رأسه أو لحيته داعيا ذاكرا. وقد أحل من كل شئ أحرم
منه إلا الصيد لكونه في الحرم، والأفضل التشبه بالمحرمين إلى أن يحرم بالحج. ولو لبى به
قبل أن يقصر متعمدا، لبطلت متعته، وصارت مفردة. ولو فعل ذلك ناسيا لم تبطل بل
يلزمه دم شاة.
وإحرام الحج ركن مفروض يبطل بتعمد تركه الحج لا بنسيانه أو السهو عنه، وخير
607

وقته بعد الزوال من يوم التروية، وأشرف مواضعه في المسجد عند المقام أو تحت الميزاب.
وإن كان عقده في أي موضع كان من مكة جائزا. ويتقدمه من التنظيف، والغسل،
والصلاة، والدعاء المختص بذكره، وتعينه، وعقده عقيب فريضة ما يتقدم إحرام العمرة.
ويجب فيه من لبس ثوبيه، وتعيين نيته لعقده بها، وبالتلبيات الأربع المذكورة، ومن
مقارنة النية واستدامة حكمها، ما يجب في ذاك وكذا في كل ما يجب اجتنابه من
المحرمات المذكورة عليه. ولا يرفع فيه صوته بالتلبية إلى أن يخرج من مكة على الأبطح،
فحينئذ يرفع صوته بها جامعا بين الواجبة والمندوبة منها حتى يأتي منى، فيدعو بما
يخصها، ويبيت بها ليلة عرفة، ويفيض منها بعد صلاة الفجر إلى عرفات. وإن كان
إماما فبعد طلوع الشمس، ويدعو عند إفاضته منها بدعائها، ويلبي ويقرأ إنا أنزلناه
حتى يأتي عرفات، فيضرب خباءه بنمرة - وهي بطن عرفة - ويجب الوقوف بها لأنه
ركن حكمه حكم باقي الأركان، ويزيد عليها بأن فواته اضطرارا ولا يحصل الوقوف
بالمشعر اختيارا يبطل معه الحج. وأول وقته من بعد زوال الشمس في اليوم التاسع، وآخره
للمختار وللمضطر ساعة من ليل العاشر. والمعتبر في وجوبه أن لا يكون في الجبل مع
الاختيار، ولا في نمرة، ولا ثوية، ولا ذي المجاز، ولا تحت الأراك. وأفضل محالة في
ميسرة الجبل، ويتأكد الغسل له. فإذا زالت الشمس قطع التلبية، وأتى موضع الوقوف
وعقد بنيته الواجبة بمعتبراتها مستديما حكمها إلى الغروب. ولو أفاض قبل ذلك مع
العمل والعلم بأنه لا يجوز وجب عليه بدنة. ومن أكيد السنن قطع مدة الوقوف بالتكبير،
والتحميد، والتهليل، والتسبيح، والصلاة على النبي، والدعاء الموظف، كذلك بحيث لا
يشتغل وقته ولا يقطعه بغير ذلك.
وينبغي أن يكون مشتري الهدي من عرفات ليساق إلى منى، ويدعو عند الغروب
بدعاء الوداع، ويفيض إلى المشعر ذاكرا بحيث لا يصلى العشائين إلا به، جامعا بينهما
بأذان وإقامتين، وكذا في صلاة الظهرين يوم عرفة، ويبيت به متهجدا داعيا إلى ابتداء
طلوع الفجر فإن ذلك أول وقت الوقوف به. وحكمه في الوجوب والركنية حكم الوقوف
بعرفة، ويمتد للمختار إلى ابتداء طلوع الشمس وللمضطر الليل كله ففواته اختيارا لا حج
608

معه واضطرارا إذا لم يكن حصل وقوف عرفة اختيارا كذلك. ومن شرط صحته نيته بما
يتبعها من مقارنة واستدامة، والذكر بأقل ما يسمى المرء ذاكرا وأن لا يكون مع الاختيار
في الجبل. ومن أكيد سننه ما أمكن ممن ذكرنا أنه يستحب يوم عرفة من الأذكار
والدعاء الموظف له، وقطع زمان الوقوف بذلك. فإذا ابتدأ طلوع الشمس وجب الإفاضة
منه إلى منى.
وينبغي قطع وادي محسر بالهرولة للراجل، وتحريك دابة الراكب به. فإذا أتى منى
يوم العيد، لزمه فيه ثلاثة مناسك: رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، وأفضل الحصى ما
التقط من المشعر على قدر رأس الأنملة، ويجوز من جميع الحرم عدا المسجد الحرام، ومسجد
الخيف. والحصى الذي يرمى به يكره مكسره، وسوده، وأجوده البيض، والحمر،
والبرش، وجملته سبعون حصاة. فإذا أراد الرمي أتى الجمرة القصوى وهي العقبة،
واستقبلها من أسفل مستدبر القبلة، ونوى مقارنا بآخر نيته الرمي حذفا واحدة بعد أخرى
وكبر مع كل حصاة، داعيا بما ينبغي هناك.
والذبح وهو بعد الرمي وهو إما فرض: فهدي النذر أو الكفارة أو التمتع أو القران
بعد التقليد أو الإشعار أو سنة: وهو الأضحية وهدي القارن قبل أن يقلد أو يشعر. فتقليده
تعليق نعل أو فراد عليه، وإشعاره شق سنامه من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل دم
وهو سنة لكل سائق هدي، فهدي النذر مضمون وهو بحسب ما نذر إن كان معينا بصفة
مخصوصة لم يعجز غيره وإن لم يعين بل كان مطلقا فمن الإبل والبقر والغنم خاصة،
وهدي الكفارات بحسبها وشأن ما وجب منها بجناية عن قتل صيد من حيث حصلت
إلى أن يبلغ محله ولا يلزم ذلك في غير الصيد.
وينحر أو يذبح ما وجب منها في إحرام المتعة، أو العمرة المفردة بمكة قبالة الكعبة
بالحزورة، وما وجب في إحرام الحج بمنى. وهدي المتمتع أعلاه بدنة، وأدناه شاة، ومحل
نحره أو ذبحه بمنى، ويؤكل منه. ومن هدي القران دون النذر الكفارات. فإن كان من
الإبل فلا يجزئ إلا الثني وهو: الداخل في سادس سنة، وكذا من البقر والمعز إلا أنه
منهما ما استكمل سنة، ودخل في الثانية. ومن الضأن يجزئ في الجذع وهو ما لم يدخل
609

في السنة الثانية، وشرطه أن يكون تام الخلقة سالما من جميع العيوب سمينا وأفضل ما
تولاه مهديه بنفسه، فإن لم يتمكن نوى ويده في يد الجزار ولا يعطيه شيئا من لحمه أو
جلاله أجرة، فيجوز صدقة، ويسمي عند ذلك ويتوجه بآية إبراهيم، ويدعو، ويقسم
اللحم أثلاثا لأكله، وهديته، وصدقته.
وأيام النحر بمنى أربعة: النحر والثلاثة التي تليه وفي باقي الأمصار ثلاثة. فإن لم
يجد الهدي خلف ثمنه عند ثقة يذبحه عنه قابلا. فإن تعذر عليه ذلك لفقر أو إعسار، صام
عنه ما قدمناه. والاشتراك في الهدي الواجب اختيارا لا يجوز بل اضطرارا وفي الأضاحي
يجوز على كل حال.
والحلق بعد الذبح وهو نسك فإذا أراده استقبل الكعبة، ونوى بعد أمر الحلاق
بالبداية من جانب الناصية الأيمن ويدعو بما ورد لذلك، ويجمع شعره فيدفنه بمنى موضع
رجله وقيل: يجزئ التقصير بدلا عن الحلق. ويجب عليه دخول مكة من يومه للطواف،
والسعي، ويمتد وقت ذلك إلى آخر أيام التشريق، وقيل: إلى آخر ذي الحجة، ويعتمد
عند دخولها من الغسل وغيره ما اعتمده أولا، ويطوف طواف الحج، ويصلى ركعتين،
ويسعى بين الصفا والمروة سعيه كطوافه، وسعيه أولا امتيازا لا بالنية. فإنه كل ركن أو
غيره بنيته.
وطواف الزيارة وسعيها وهما ما أشرنا إليه، كل منهما ركن يفسد الحج بالإخلال
به. ويطوف بعد السعي طواف النساء للتحلة وليس بركن. وحكم النساء، والخصي في
وجوبه حكم الرجال، ويصلى بعده ركعتيه وقد أحل من كل ما أحرم منه. ولا يبيت
ليالي أيام التشريق إلا بمنى. فإن بات بغيرها لا لطواف ولا لضرورة محوجة من مرض أو
خوف حادث محدث بالنساء من حيض وغيره ليلة لزمه دم، وليلتان دمان، وثالث ليلة
لا يلزمه بشئ إن نفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو النفر الأول، ولم يقم بمنى
إلى غروب الشمس، فإن أقام وجب عليه مبيتها فإن لم يبت مختارا وجب عليه دم
ثالث.
ووقت الرمي في جميع أيامه أول النهار ويمتد إلى قبيل غروب الشمس. فإن غربت
610

ولم يرم قضاه في صدر اليوم المستقبل. وإذا فاته جملة الرمي قضاه قابلا، أو استناب من
يقضيه عنه. والترتيب فواجب فيه البداءة بالعظمى، ثم الوسطى، ثم العقبة. ومخالفته
توجب استئنافه. ويرمي كل يوم من أيام الثلاثة الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين
حصاة كل جمرة منها بسبع. والنية معتبرة. ومن فضله رميه حذفا، والتكبير مع كل
حصاة، والذكر المخصوص به، واستقبال الكعبة في رمى العظمى، والوسطى، والوقوف
بعد الرمي عند كل واحدة منهما قليلا دون الثالثة، ومن أصحابنا من ذهب إلى أنه سنة
لا فرض. والنفر الآخر أفضل منه في الأولى. ولا ينبغي لمن أصاب النساء وتعدى بصيد أو
غيرهما مما يوجب الكفارة أن ينفر إلا في الأخير. ولا لمن أراد النفر أولا أن ينفر إلا بعد
الزوال. فأما إذا نفر أخيرا فلا بأس في صدر النهار متى أراد. وإذا نفر في الأول، دفن
حصى اليوم الثالث بمنى. ومن تمام الفضيلة إتيان مسجد الخيف، وزيارته، والصلاة عند
المنارة التي في وسطه، والذكر، والدعاء فيه، وتوديع منى، والالتفات إليها عند النفر
منها، والسؤال أن لا يكون آخر العهد بها، ودخول مسجد الحصباء، والصلاة فيه،
والدعاء، والاستلقاء للاستراحة على الظهر. فإذا رجع إلى مكة فليكثر من الطواف
المندوب فإنه ثوابه عظيم.
ويزور الكعبة على غسل إن كان صرورة، ويصلى في زواياها على الرخامة
الحمراء، ويجتهد فيها بالدعاء، ويودع البيت بالطواف، ويدعو بعده بدعاء الوداع.
ويصلى عند المقام. ويشرب من ماء زمزم، ويصب على بعض أعضائه، ويمشي إذا خرج
من المسجد بعد وداعه القهقري مستقبلا بوجهه الكعبة داعيا طالبا أن لا يجعل آخر العهد.
والقارن أو المفرد بعد إحلاله يقضي جميع المناسك يبرز إلى أحد المساجد المعدة للعمرة
فيحرم بعمرة مفردة، ويأتي مكة يطوف لطواف العمرة المفردة، ويسعى سعيها،
ويطوف لها طواف النساء، ويقصر وقد أحل. والعمرة المبتولة سنة، وأفضل أوقاتها
رجب، ويجوز في كل شهر، وأحكامها ذكرناها في المفردة، ولا يحتاج إلى نقلها لتمتعه بها
أولا وإنما هي مستحبة له بعد استيفائه مناسك عمرته وحجه.
611

والمصدود بعدو يبعث هديه إن تمكن، وإلا ذبحه عند بلوع محله، وفرقه إن وجد
مستحقا، وإلا تركه مكتوبا عليه وأحل من كل ما أحرم منه، وأعاد من قابل إن كان
حجه فرضا.
والمحصور بمرض يرسل أيضا هديه إلى أن يبلغ محله وهو يوم النحر يحل من كل ما
أحرم منه إلا النساء حتى يطوف طوافهن قابلا أو يطاف عنه، فإن لم يقدر كل واحد
منهما على إنفاذ هديه، وعجز عن ثمنه بقي على إحرامه إلى قابل حتى يحج عنه.
والمحرم إذا فاته الحج بقي على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق، فيطوف، ويسعى،
ويجعل حجته مفردة، ويتحلل مما أحرم منه.
فجملة أركان الحج تسعة: النية في كل واجب ركنا كان أو غير ركن، وإحراما
العمرة، والحج، وطوافاهما، وسعياهما والموقفان عرفة والمشعر، وما عداها من الواجبات
ليست بأركان. وجميع المناسك واجبة، والمندوبة تصح بغير طهارة إلا الطواف خاصة،
وكلها تستقبل بها الكعبة إما واجبا كالصلاة وما في حكمها، أو ندبا كباقيتها، إلا رمى
جمرة العقبة كما أومأنا إليه، وكل طواف واجب له سعي إلا طواف النساء، فإنه لا سعي
له. وتصح جميع المناسك من الحائض والنفساء إلا الطواف فإنها متى طهرت تقضيه،
وقيل: يقضي عنها نيابة، وقيل: تجعل حجتها مفردة، ويعتمر بعدها وهل يصح
الاستئجار عن الميت من الميقات مع القدرة على ذلك من بلده أم لا؟ فيه خلاف. ومن
تمام فضيلة الحج قصد المدينة لزيارة الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم وسلامه.
612

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
613

كتاب الحج
وفيه أركان:
الأول: في المقدمات:
وهي أربع:
المقدمة الأولى:
الحج وإن كان في اللغة القصد، فقد صار في الشرع اسما لمجموع المناسك المؤداة في
المشاعر المخصوصة. وهو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية من الرجال
والنساء والخناثى، ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة وهي حجة الاسلام وتجب على
الفور والتأخير مع الشرائط كبيرة موبقة، وقد يجب الحج بالنذر وما في معناه وبالإفساد
وبالاستئجار للنيابة ويتكرر بتكرر السبب وما خرج عن ذلك مستحب، ويستحب
لفاقد الشروط كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكع سواء شق عليه السعي أو سهل
وكالمملوك إذا أذن له مولاه.
المقدمة الثانية:
في الشرائط والنظر في حجة الاسلام وما يجب بالنذر وما في معناه وفي أحكام النيابة:
615

القول في حجة الاسلام:
وشرائط وجوبها خمسة:
الأول: البلوغ وكمال العقل:
فلا يجب على الصبي ولا على المجنون، ولو حج الصبي أو حج عنه أو عن المجنون لم
يجز عن حجة الاسلام، ولو دخل الصبي المميز والمجنون في الحج ندبا ثم كمل كل
واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الاسلام على تردد ويصح إحرام الصبي المميز
وإن لم يجب عليه ويصح أن يحرم عن غير المميز وليه ندبا، وكذا المجنون.
والولي هو من له ولاية المال كالأب والجد للأب والوصي، وقيل: للأم ولاية
الإحرام بالطفل ونفقته الزائدة تلزم الولي دون الطفل.
الثاني: الحرية:
فلا يجب على المملوك ولو أذن له مولاه، ولو تكلفه باذنه صح حجه لكن لا يجزئه عن
حجة الاسلام، فإن أدرك الوقوف بالمشعر معتقا أجزأه، ولو أفسد حجه ثم أعتق مضى في
الفاسد وعليه بدنة وقضاه وأجزأه عن حجة الاسلام، وإن أعتق بعد فوات الموقفين وجب
عليه القضاء ولم يجزه عن حجة الاسلام.
الثالث: الزاد والراحلة:
وهما يعتبران في من يفتقر إلى قطع المسافة ولا تباع ثياب مهنته ولا خادمه ولا دار
سكناه للحج، والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب ذهابا وعودا وبالراحلة
راحلة مثله ويجب شراؤها ولو كثر الثمن مع وجوده وقيل: إن زاد عن ثمن المثل لم
يجب، والأول أصح.
ولو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه فإن منع منه وليس له سواه سقط
الفرض، ولو كان له مال وعليه دين بقدره لم يجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج،
ولا يجب الاقتراض للحج إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثناه.
ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن
شق تركه وكان عليه الحج، ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه، ولو
616

وهب له مال لم يجب عليه قبوله، ولو استؤجر للمعونة على السفر وشرط له الزاد والراحلة
أو بعضه وكان بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه وأجزأه عن الفرض إذا حج عن
نفسه ولو كان عاجزا عن الحج فحج عن غيره لم يجزه عن فرضه وكان عليه الحج إن
وجد الاستطاعة.
الرابع: توفر المؤونة الكافية:
أن يكون له ما يمون عياله حتى يرجع فاضلا عما يحتاج إليه، ولو قصر ماله عن ذلك
لم يجب عليه، ولو حج عنه من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه سواء كان واجد الزاد
والراحلة أو فاقدهما وكذا لو تكلف الحج مع عدم الاستطاعة، ولا يجب على الولد بذل
ماله لوالده في الحج.
الخامس: إمكان المسير:
وهو يشتمل على الصحة وتخلية السرب والاستمساك على الراحلة وسعة الوقت لقطع
المسافة. فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب ولا يسقط باعتبار المرض مع
إمكان الركوب، ولو منعه عدو أو كان معضوبا لا يستمسك على الراحلة أو عدم
المرافق مع اضطراره إليه سقط الفرض، وهل يجب الاستنابة مع المانع من مرض أو
عدو؟ قيل: نعم، وهو المروي. وقيل: لا. فإن أحج نائبا واستمر المانع فلا قضاء وإن
زال وتمكن وجب عليه ببدنه، ولو مات بعد الاستقرار ولم يؤد قضي عنه.
ولو كان لا يستمسك خلقة قيل: يسقط الفرض عن نفسه وماله، وقيل: يلزمه
الاستنابة، والأول أشبه. ولو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق أو الفرار
فضعف سقط الوجوب في عامه وتوقع المكنة في المستقبل، ولو مات قبل التمكن
والحال هذه لم يقض عنه ويسقط فرض الحج لعدم ما يضطر إليه من الآلات كالقربة
وأوعية الزاد.
ولو كان له طريقان فمنع من إحديهما سلك الأخرى سواء كانت أبعد أو أقرب، ولو
617

كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال قيل: يسقط وإن قل، ولو قيل: يجب التحمل مع
المكنة، كان حسنا. ولو بذل له باذل وجب عليه الحج لزوال المانع، نعم لو قال له:
اقبل وادفع أنت، لم يجب.
وطريق البحر كطريق البر فإن غلب ظن السلامة وإلا سقط ولو أمكن الوصول بالبر
والبحر، فإن تساويا في غلبة السلامة كان مخيرا وإن اختص أحدهما تعين، ولو تساويا
في رجحان العطب سقط الفرض.
ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته وقيل: يجتزئ بالإحرام، والأول
أظهر. وإن كان قبل ذلك قضيت عنه إن كانت مستقرة وسقطت إن لم تكن كذلك،
ويستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط وأهمل.
والكافر يجب عليه الحج ولا يصح منه، فلو أحرم ثم أسلم أعاد الإحرام، وإذا لم
يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه، ولو أحرم بالحج وأدرك الوقوف بالمشعر لم
يجزه إلا أن يستأنف إحراما آخر، وإن ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات.
ولو حج المسلم ثم ارتد لم يعد على الأصح، ولو لم يكن مستطيعا فصار كذلك في
حال ردته وجب عليه الحج وصح منه إذا تاب، ولو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم
يبطل إحرامه على الأصح، والمخالف إذا استبصر لا يعيد الحج إلا أن يخل بركن منه.
وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحج؟ قيل: نعم،
لرواية أبي الربيع، وقيل: لا، عملا بعموم الآية وهو الأولى.
وإذا اجتمعت الشرائط فحج متسكعا أو حج ماشيا أو حج في نفقة غيره أجزأه عن
الفرض، ومن وجب عليه الحج فالمشي أفضل له من الركوب إذا لم يضعفه ومع الضعف
الركوب أفضل.
مسائل أربع:
الأولى: إذا استقر الحج في ذمته ثم مات قضي عنه من أصل تركته، فإن كان عليه
دين وضاقت التركة قسمت على الدين وعلى أجرة المثل بالحصص.
618

الثانية: يقضي الحج من أقرب الأماكن وقيل: يستأجر من بلد الميت، وقيل: إن
اتسع المال فمن بلده وإلا فمن حيث يمكن، والأول أشبه.
الثالثة: من وجب عليه حجة الاسلام لا يحج عن غيره لا فرضا ولا تطوعا وكذا من
وجب عليه بنذر أو إفساد.
الرابعة: لا يشترط وجود المحرم في النساء بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة ولا يصح
حجها تطوعا إلا بإذن زوجها ولها ذلك في الواجب كيف كان وكذا لو كانت في عدة
رجعية وفي البائنة لها المبادرة من دون إذنه.
القول في شرائط ما يجب بالنذر واليمين والعهد:
وشرائطها اثنان: الأول: كمال العقل فلا ينعقد نذر الصبي ولا المجنون. الثاني:
الحرية فلا يصح نذر العبد إلا بإذن مولاه، ولو أذن له في النذر فنذر وجب وجاز له المبادرة
ولو نهاه وكذا الحكم في ذات البعل.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا نذر الحج مطلقا فمنعه مانع أخره حتى يزول المانع، ولو تمكن من أدائه
ثم مات قضي عنه من أصل تركته ولا يقضي عنه قبل التمكن، فإن عين الوقت فأخل
به مع القدرة قضي عنه وإن منعه عارض لمرض أو عدو حتى مات لم يجب قضاؤه عنه،
ولو نذر الحج وهو معضوب أو أفسد قيل: يجب أن يستنيب، وهو حسن.
الثانية: إذا نذر الحج فإن نوى حجة الاسلام تداخلا وإن نوى غيرها لم يتداخلا،
وإن أطلق قيل: إن حج ونوى النذر أجزأه عن حجة الاسلام وإن نوى حجة الاسلام لم
يجز عن النذر. وقيل: لا يجزئ إحديهما عن الأخرى، وهو الأشبه.
الثالثة: إذا نذر الحج ماشيا وجب أن يقوم في مواضع العبور، فإن ركب طريقه
قضى وإن ركب بعضا قيل: يقضي ويمشي مواضع ركوبه. وقيل: بل يقضي ماشيا
لإخلاله بالصفة المشترطة، وهو أشبه. ولو عجز قيل: يركب ويسوق بدنة. وقيل: يركب
619

ولا يسوق. وقيل: إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة وإن كان معينا بوقت سقط
فرضه بعجزه، والمروي الأول والسياق ندب.
القول في النيابة:
وشرائط النيابة ثلاثة: الاسلام وكمال العقل وأن لا يكون عليه حج واجب. فلا
تصح نيابة الكافر لعجزه عن نية القربة ولا نيابة المسلم عن الكافر ولا عن المسلم
المخالف إلا أن يكون أبا النائب ولا نيابة المجنون لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد
وكذا الصبي غير المميز، وهل يصح نيابة المميز؟ قيل: لا لاتصافه بما يوجب رفع القلم.
وقيل: نعم لأنه قادر على الاستقلال بالحج ندبا.
ولا بد من نية النيابة وتعيين المنوب عنه بالقصد، وتصح نيابة المملوك بإذن مولاه ولا
تصح نيابة من وجب عليه الحج واستقر إلا مع العجز عن الحج ولو مشيا وكذا لا يصح
حجه تطوعا، ولو تطوع قيل: يقع عن حجة الاسلام، وهو تحكم. ولو حج عن غيره لم
يجز عن أحدهما.
ويجوز لمن حج أن يعتمر عن غيره إذا لم يجب عليه العمرة وكذا لمن اعتمر أن يحج
عن غيره إذا لم يجب عليه الحج، وتصح نيابة من لم يستكمل الشرائط وإن كان حجه
صرورة، ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل وعن المرأة، ومن استؤجر فمات في الطريق فإن
أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمن حج عنه ولو مات قبل ذلك لم يجز وعليه أن يعيد
من الأجرة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وعائدا ومن الفقهاء من اجتزأ بالإحرام
والأول أظهر.
ويجب أن يأتي بما شرط عليه من تمتع أو قران أو إفراد، وروي: إذا أمر أن يحج
مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز لعدوله إلى الأفضل. وهذا يصح إذا كان الحج مندوبا
أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد.
ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض وقيل: يجوز
620

مطلقا. وإذا استؤجر بحجة لم يجز أن يؤجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى، ويمكن أن
يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى.
ولو صد قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف، ولو ضمن
الحج في المستقبل لم يلزم إجابته وقيل: يلزم. وإذا استؤجر فقصرت الأجرة لم يلزم
الإتمام وكذا لو فضلت عن النفقة لم يرجع المستأجر عليه بالفاضل.
ولا يجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر إلا مع العذر كالإغماء أو البطن وما
شابههما ويجب أن يتولى ذلك بنفسه، ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل
منهما طوافه عن نفسه، ولو تبرع انسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته.
وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله، ولو أفسده حج من قابل، وهل يعاد
بالأجرة عليه؟ يبني على القولين. وإذا أطلق الإجازة اقتضى التعجيل ما لم يشترط
الأجل، ولا يصح أن ينوب عن اثنين في عام ولو استأجراه لعام صح الأسبق، ولو اقترن
العقدان وزمان الإيقاع بطلا، وإذا أحصر تحلل بالهدي ولا قضاء عليه.
ومن وجب عليه حجان مختلفان كحجة الاسلام والنذر فمنعه عارض جاز أن يستأجر
أجيرين لهما في عام واحد، ويستحب أن يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن
كلها وعند كل فعل من أفعال الحج والعمرة وأن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه
وأن يعيد المخالف حجه إذا استبصر وإن كانت مجزئة، ويكره أن تنوب المرأة إذا كانت
صرورة.
مسائل ثمان:
الأولى: إذا أوصى أن يحج عنه ولم يعين الأجرة انصرف ذلك إلى أجرة المثل
وتخرج من الأصل إذا كانت واجبة ومن الثلث إذا كانت ندبا ويستحقها الأجير
بالعقد، فإن خالف ما شرط قيل: كان له أجرة المثل، والوجه أنه لا أجرة.
الثانية: من أوصى أن يحج عنه ولم يعين المرات فإن لم يعلم منه إرادة التكرار
621

اقتصر على المرة وإن علم إرادة التكرار حج عنه حتى يستوفى الثلث من تركته.
الثالثة: إذا أوصى الميت أن يحج عنه كل سنة بقدر معين فقصر جمع نصيب سنتين
واستؤجر به لسنة وكذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة.
الرابعة: لو كان عند انسان وديعة ومات صاحبها وعليه حجة الاسلام وعلم أن
الورثة لا يؤدون ذلك جاز أن يقتطع قدر أجرة الحج فيستأجر به لأنه خارج عن ملك
الورثة.
الخامسة: إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ثم نقل النية إلى نفسه لم يصح، فإذا
أكمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ويستحق الأجرة، ويظهر لي أنها لا تجزئ عن
أحدهما.
السادسة: إذا أوصى أن يحج عنه وعين المبلغ، فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقل
صح واجبا كان أو مندوبا، وإن كان أزيد وكان واجبا ولم يجز الورثة كانت أجرة
المثل من أصل المال والزائد من الثلث، وإن كان ندبا حج عنه من بلده إن احتمل
الثلث، وإن قصر حج عنه من بعض الطريق، وإن قصر عن الحج حتى لا يرغب فيه
أجير صرف في وجوه البر، وقيل: يعود ميراثا.
السابعة: إذا أوصى في حج واجب وغيره قدم الواجب، فإن كان الكل واجبا
وقصرت التركة قسمت على الجميع بالحصص.
الثامنة: من عليه حجة الاسلام ونذر أخرى ثم مات بعد الاستقرار أخرجت حجة
الاسلام من الأصل والمنذورة من الثلث، ولو ضاق المال إلا عن حجة الاسلام اقتصر
عليها، ويستحب أن يحج عنه النذر. ومنهم من سوى بين المنذورة وحجة الاسلام في
الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور التركة وهو أشبه، وفي الرواية: إن نذر أن يحج
رجلا ومات وعليه حجة الاسلام أخرجت حجة الاسلام من الأصل وما نذره من الثلث.
والوجه التسوية لأنهما دين.
622

المقدمة الثالثة:
في أقسام الحج:
وهي ثلاثة: تمتع وقران وإفراد.
أما التمتع: فصورته أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها ثم يدخل بها مكة
فيطوف سبعا بالبيت ويصلى ركعتيه بالمقام ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعا ويقصر،
ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة يوم التروية على الأفضل وإلا بقدر ما يعلم أنه يدرك
الوقوف، ثم يأتي عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثم يفيض إلى المشعر فيقف به بعد طلوع
الفجر، ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه ويرمي جمرة العقبة.
ثم إن شاء أتى مكة ليومه أو لغده فطاف طواف الحج وصلى ركعتيه وسعى سعيه
وطاف طواف النساء وصلى ركعتيه ثم عاد إلى منى ليرمي ما تخلف عليه من الجمار،
وإن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ثم
ينفر بعد الزوال وإن أقام إلى النفر الثاني جاز أيضا وعاد إلى مكة للطوافين والسعي،
وهذا القسم فرض من كان بين منزله وبين مكة اثنا عشر ميلا فما زاد من كل جانب
وقيل: ثمانية وأربعون ميلا. فإن عدل هؤلاء إلى القران أو الإفراد في حجة الاسلام
اختيارا لم يجز ويجوز مع الاضطرار.
وشروطه أربعة: النية، ووقوعه في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة،
وقيل: وعشرة من ذي الحجة. وقيل: وتسعة من ذي الحجة. وقيل: إلى طلوع الفجر من
يوم النحر. وضابط وقت الانشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك، وأن يأتي بالحج والعمرة في
سنة واحدة، وأن يحرم بالحج له من بطن مكة وأفضلها المسجد وأفضله المقام ثم تحت
الميزاب.
فلو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها وكذا لو فعل
بعضها في أشهر الحج ولم يلزمه الهدي والإحرام من الميقات مع الاختيار، ولو أحرم بحج
التمتع من غير مكة لم يجزه، ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه وجب استئنافه منها، ولو
تعذر ذلك قيل: يجزئه والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك، وهل
623

يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد.
ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج لأنه صار مرتبطا به إلا على وجه
لا يفتقر إلى تجديد عمرة ولو جدد عمرة تمتع بالأخيرة، ولو دخل بعمرته إلى مكة وخشي
ضيق الوقت جاز له نقل النية إلى الإفراد وكان عليه عمرة مفردة وكذا الحائض والنفساء
إن منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربص، ولو
تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك وقضت بعد
طهرها ما بقي من طوافها، وإذا صح التمتع سقطت العمرة المفردة.
وأما الإفراد: وصورة الإفراد أن يحرم من الميقات أو من حيث يسوع له الإحرام بالحج
ثم يمضى إلى عرفات فيقف بها، ثم يمضى إلى المشعر فيقف به، ثم إلى منى فيقضي
مناسكه بها، ثم يطوف بالبيت ويصلى ركعتيه ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف
طواف النساء ويصلى ركعتيه.
وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه يأتي بها من أدنى الحل ويجوز وقوعها في
غير أشهر الحج، ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزه الإحرام
الأول وافتقر إلى استئنافه، وهذا القسم والقران فرض أهل مكة ومن بينه وبينها دون
اثني عشر ميلا من كل جانب فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز، وهل يجوز
اختيارا؟ قيل: نعم. وقيل: لا. وهو الأكثر، ولو قيل: بالجواز لم يلزمهم هدي.
وشروطه ثلاثة: النية، وأن يقع في أشهر الحج، وأن يعقد إحرامه من ميقاته أو من
دويرة أهله إن كان منزله دون الميقات.
وأما القران: وأفعال القارن وشروطه كالمفرد غير أنه يتميز عنه بسياق الهدي عند
إحرامه، وإذا لبى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن وهو أن يشق سنامه من الجانب
الأيمن ويلطخ صفحته بدمه وإن كان معه بدن دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا،
والتقليد أن يعلق في رقبة المسوق نعلا قد صلى فيه. والإشعار والتقليد للبدن ويختص
البقر والغنم بالتقليد.
ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأراد الطواف جاز لكن يجددان التلبية عند كل
624

طواف لئلا يحلا على قول وقيل: إنما يحل المفرد دون السائق، والحق أنه لا يحل
أحدهما إلا بالنية لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف، ويجوز للمفرد إذا
دخل مكة أن يعدل إلى التمتع ولا يجوز ذلك للقارن، والمكي إذا بعد عن أهله وحج حجة
الاسلام على ميقات أحرم منه وجوبا.
ولو أقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه وكان عليه الخروج إلى
الميقات إذا أراد حجة الاسلام، ولو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم فإن تعذر
أحرم من موضعه فإن دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه إلى القران أو الإفراد،
ولو كان له منزلان بمكة وغيرها من البلاد لزمه فرض أغلبهما عليه، ولو تساويا كان له
الحج بأي الأنواع شاء.
ويسقط الهدي عن القارن والمفرد وجوبا ولا يسقط التضحية استحبابا، ولا يجوز
القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ولا إدخال أحدهما على الآخر ولا بنية حجتين ولا
عمرتين على سنة واحدة ولو فعل قيل: ينعقد واحدة، و فيه تردد.
المقدمة الرابعة:
في المواقيت والكلام في أقسامها وأحكامها:
أما أقسامها: المواقيت ستة: لأهل العراق العقيق وأفضله المسلخ ويليه غمرة وآخره
ذات عرق، ولأهل المدينة مسجد الشجرة وعند الضرورة الجحفة، ولأهل الشام الجحفة،
ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن المنازل، وميقات من منزله أقرب من الميقات
منزله.
وكل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه، ولو حج على طريق لا يفضى إلى أحد
المواقيت قيل: يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة. وكذا من حج في
البحر، والحج والعمرة يتساويان في ذلك وتجرد الصبيان من فخ.
وأما أحكامها ففيه مسائل:
الأولى: من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه إلا لناذر بشرط أن يقع إحرام
625

الحج في أشهره أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضيه.
الثانية: إذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه ولا يكفي مروره فيه ما لم يجدد
الإحرام من رأس، ولو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات فإن تعذر
جدد الإحرام حيث زال، ولو دخل مكة خرج إلى الميقات فإن تعذر خرج إلى خارج
الحرم، ولو تعذر أحرم من مكة وكذا لو ترك الإحرام ناسيا أو لم يرد النسك وكذا المقيم
بمكة إذا كان فرضه التمتع، أما لو أخره عامدا لم يصح إحرامه حتى يعود إلى الميقات ولو
تعذر لم يصح إحرامه.
الثالثة: لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه قيل: يقضي إن كان
واجبا، وقيل: يجزئه وهو المروي.
الركن الثاني: في أفعال الحج:
والواجب اثنا عشر: الإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر ونزول منى والرمي
والذبح والحلق بها والتقصير والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه.
ويستحب أمام التوجه الصدقة وصلاة ركعتين وأن يقف على باب داره ويقرأ فاتحة
الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي كذلك وأن يدعو بكلمات الفرج
وبالأدعية المأثورة وأن يقول إذا جعل رجله بالركاب: بسم الله الرحمن الرحيم،
بسم الله وبالله والله أكبر. فإذا استوى على راحلته، دعا بالدعاء المأثور.
القول في الإحرام:
والنظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه:
أما مقدماته:
والمقدمات كلها مستحبة وهي توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع
ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه، وأن ينظف جسده، ويقص أظفاره، ويأخذ
626

من شاربه، ويزيل الشعر عن جسده وإبطيه مطليا ولو كان قد أطلى أجزأه ما لم يمض
خمسة عشر يوما، والغسل للإحرام وقيل: إن لم يجد ماء يتيمم له. ولو اغتسل وأكل أو
لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولا لبسه أعاد الغسل استحبابا، ويجوز له تقديمه على
الميقات إذا خاف عوز الماء فيه ولو وجده استحب له الإعادة، ويجزئ الغسل في أول
النهار ليومه وفي أول الليل لليلته ما لم ينم، ولو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر تدارك
ما تركه وأعاد الإحرام.
وأن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها وإن لم يتفق صلى للإحرام ست
ركعات وأقله ركعتان يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل
هو الله أحد وفيه رواية أخرى، ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما
للنافلة ما لم يتضيق الحاضرة.
وأما كيفيته: فتشتمل على واجب ومندوب.
أ - فالواجبات ثلاثة:
الأول: النية: وهو أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة: ما يحرم به من حج أو عمرة
متقربا، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد، وصفته من وجوب أو ندب، وما يحرم له من
حجة الاسلام أو غيرها. ولو نوى نوعا ونطق بغيره عمل على نيته، ولو أخل بالنية عمدا
أو سهوا لم يصح إحرامه، ولو أحرم بالحج والعمرة وكان في أشهر
الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة، ولو
قيل: بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية، كان أشبه، ولو قال: كإحرام فلان، وكان
عالما بما ذا أحرم صح. وإذا كان جاهلا قيل: يتمتع احتياطا. ولو نسي بما ذا أحرم كان
مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما.
الثاني: التلبيات الأربع: فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها وبالإشارة
للأخرس مع عقد قلبه بها، والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها وإن شاء قلد أو أشعر
على الأظهر وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا، وصورتها أن يقول:
627

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. وقيل: يضيف إلى ذلك إن الحمد
والنعمة لك والملك لك، لا شريك لك. وقيل: بل يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك
إن الحمد والنعمة والملك لك، لا شريك لك لبيك. والأول أظهر.
ولو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلب وفعل ما لا يحل للمحرم فعله لم يلزمه
بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا وكذا لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلد.
الثالث: لبس ثوبي الإحرام: وهما واجبان فلا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في
الصلاة، وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل: نعم لجواز لبسهن له في الصلاة.
وقيل: لا، وهو أحوط. ويجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين وأن يبدل ثياب إحرامه
فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما، وإذا لم يكن مع الانسان ثوبا الإحرام
وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بأن يجعل ذيله على كتفيه.
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر حتى يكمل أفعال ما أحرم له، فلو
أحرم متمتعا ودخول مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شئ، وقيل:
عليه دم، وحمله على الاستحباب أظهر. وإن فعل ذلك عامدا، قيل: بطلت عمرته فصارت
حجة مبتولة. وقيل: بقي على إحرامه الأول وكان الثاني باطلا، والأول هو المروي.
الثانية: لو نوى الإفراد ثم دخل مكة جاز أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة
يتمتع بها ما لم يلب، فإن لبى انعقد إحرامه وقيل: لا اعتبار بالتلبية وإنما هو بالقصد.
الثالثة: إذا أحرم الولي بالصبي جرده من فخ وفعل به ما يجب على المحرم وجنبه ما
يجتنبه، ولو فعل الصبي ما يجب به الكفارة لزم ذلك الولي في ماله، وكل ما يعجز عنه
الصبي يتولاه الولي من تلبية وطواف وسعى وغير ذلك، ويجب على الولي الهدي من ماله
أيضا وروي: إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي ولو لم يقدر على
الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.
الرابعة: إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل، وهل يسقط
628

الهدي؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار
وقيل: يجوز التحلل من غير شرط، والأول أظهر.
الخامسة: إذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه في القابل إن كان واجبا ويسقط إن
كان ندبا.
ب - والمندوبات:
رفع الصوت بالتلبية للرجال وتكرارها عند نومه واستيقاظه وعند علو الآكام ونزول
الأهضام، فإن كان حاجا فإلى يوم عرفة عند الزوال وإن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد
بيوت مكة وإن كان بعمرة مفردة قيل: كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو
مشاهدة الكعبة. وقيل: إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة وإن
كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم. والكل جائز.
ويرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء فإن كان
راجلا فحيث يحرم، ويستحب التلفظ بما يعزم عليه والاشتراط أن يحله حيث حبسه وإن
لم يكن حجة فعمرة وأن يحرم في الثياب القطن وأفضله البيض، وإذا أحرم بالحج من
مكة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح.
ويلحق بذلك تروك الإحرام وهي محرمات ومكروهات:
فالمحرمات عشرون شيئا:
مصيد البر: اصطيادا أو أكلا ولو صاده محل، وإشارة ودلالة، وإغلاقا وذبحا ولو
ذبحه كان ميتة حراما على المحل والمحرم وكذا يحرم فرخه وبيضه، والجراد في معنى
الصيد البري، ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ في المياه.
والنساء: وطئا ولمسا، وعقدا لنفسه ولغيره، وشهادة على العقد وإقامة ولو تحملها
محلا ولا بأس به بعد الإحلال، وتقبيلا ونظرا بشهوة وكذا الاستمناء.
629

تفريع:
الأول: إذا اختلف الزوجان في العقد فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام وأنكر الآخر
فالقول قول من يدعي الإحلال ترجيحا لجانب الصحة لكن إن كان المنكر المرأة كان
لها نصف المهر لاعترافه بما يمنع من الوطء، ولو قيل: لها المهر كله، كان حسنا.
الثاني: إذا وكل في حال إحرامه فأوقع، فإن كان قبل إحلال الموكل بطل وإن
كان بعده صح. ويجوز مراجعة المطلقة الرجعية وشراء الإماء في حال الإحرام.
والطيب: على العموم ما خلا خلوق الكعبة ولو في الطعام، ولو اضطر إلى أكل ما فيه
طيب أو لمس الطيب قبض على أنفه، وقيل: إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود
والكافور والورس. وقد يقتصر بعض على أربع: المسك والعنبر والزعفران والورس.
والأول أظهر.
ولبس المخيط: للرجال وفي النساء خلاف والأظهر الجواز اضطرارا واختيارا وأما
الغلالة فجائزة للحائض إجماعا، ويجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا وكذا
لبس طيلسان له أزرار لكن لا يزره على نفسه.
والاكتحال: بالسواد على قول وبما فيه طيب، ويستوي في ذلك الرجل و المرأة وكذا
النظر في المرآة على الأشهر.
ولبس الخفين: وما يستر ظهر القدم، فإن اضطر جاز، وقيل: يشقهما، وهو متروك.
والفسوق: وهو الكذب.
والجدال: وهو قول: لا والله وبلى والله.
وقتل هوام الجسد: حتى القمل، ويجوز نقله من مكان إلى آخر من جسده، ويجوز
إلقاء القراد والحلم.
ويحرم لبس الخاتم للزينة ويجوز للسنة، ولبس المرأة الحلي للزينة وما لم يعتد لبسه
منه على الأولى، ولا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليها إظهاره لزوجها.
واستعمال دهن فيه طيب محرم بعد الإحرام، وقبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام
وكذا ما ليس بطيب اختيارا بعد الإحرام، ويجوز اضطرارا.
630

وإزالة الشعر: قليله وكثيره، ومع الضرورة لا إثم.
وتغطية الرأس: وفي معناه الارتماس، ولو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا
وجدد التلبية استحبابا، ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها أن تسفر عن وجهها ولو أسدلت
قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز.
وتظليل المحرم عليه: سائرا، ولو اضطر لم يحرم، ولو زامل عليلا أو امرأة اختص
العليل والمرأة بجواز التظليل.
وإخراج الدم: إلا عند الضرورة، وقيل: يكره. وكذا قيل: في حك الجلد المفضي
إلى إدمائه. وكذا في السواك والكراهية أظهر.
وقص الأظفار.
وقطع الشجر والحشيش: إلا أن ينبت في ملكه، ويجوز قلع شجر الفواكه والإذخر
والنخل وعودي المحالة على رواية.
وتغسيل المحرم: لو مات بالكافور.
ولبس السلاح: لغير الضرورة، وقيل: يكره، وهو الأشبه.
والمكروهات عشرة:
الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ويتأكد في السواد، والنوم
عليها، وفي الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة، ولبس الثياب المعلمة، واستعمال
الحناء للزينة وكذا المرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته، والنقاب للمرأة على تردد، ودخول
الحمام، وتدليك الجسد فيه، وتلبيته من يناديه، واستعمال الرياحين.
خاتمة:
كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما إلا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضى
شهر أو يتكرر كالحطاب والحشاش، وقيل: من دخلها لقتال جاز أن يدخل محلا. كما
دخل النبي ع عام الفتح وعليه المغفر.
وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه، ولو حضرت الميقات جاز لها أن
631

تحرم ولو كانت حائضا لكن لا تصلي صلاة الإحرام، ولو تركت الإحرام ظنا أنه لا
يجوز رجعت إلى الميقات وأنشأت الإحرام منه، ولو منعها مانع أحرمت من موضعها، ولو
دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل، ولو منعها مانع أحرمت من مكة.
القول في الوقوف بعرفات:
والنظر في مقدمته وكيفيته ولواحقه:
أما المقدمة:
فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلى الظهرين إلا
المضطر كالشيخ الهم ومن يخشى الزحام، وأن يمضى إلى منى ويبيت بها ليلته إلى طلوع
الفجر من يوم عرفة لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.
ويكره الخروج قبل الفجر إلا للضرورة كالمريض والخائف، والإمام يستحب له
الإقامة فيها إلى طلوع الشمس، ويستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج وأن يغتسل
للوقوف.
وأما الكيفية: فيشتمل على واجب وندب.
أ - فالواجب:
فالواجب: النية والكون بها إلى الغروب، فلو وقف بنمرة أو عرنة أو ثوية أو ذي
المجاز أو تحت الأراك لم يجزه، ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شئ عليه
وإن كان عامدا جبره ببدنة فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، ولو عاد قبل الغروب لم
يلزمه شئ.
وأما أحكامه: فمسائل خمسة:
الأولى: الوقوف بعرفات ركن من تركه عامدا فلا حج له، ومن تركه ناسيا تداركه
ما دام وقته باقيا، ولو فاته الوقوف بها اجتزأ بالوقوف بالمشعر.
الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس إلى الغروب من تركه عامدا فسد
حجه، ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر.
632

الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو إلى طلوع الفجر من يوم النحر إذا
عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلو غلب على ظنه الفوات اقتصر على إدراك
المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر إلا بعد
الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس.
الرابعة: إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر إلى قبل الزوال
صح حجه.
الخامسة: إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى
تطلع الشمس فقد فاته الحج، وقيل: يدركه ولو قبل الزوال، وهو حسن.
ب - والمندوب:
والمندوبات: الوقوف في ميسرة الجبل في السفح، والدعاء المتلقى عن أهل البيت
عليهم السلام أو غيره من الأدعية، وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين، وأن يضرب
خباءه بنمرة، وأن يقف على السهل، وأن يجمع رحله ويسد الخلل به وبنفسه، وأن يدعو
قائما.
ويكره الوقوف في أعلى الجبل وراكبا وقاعدا.
القول في الوقوف بالمشعر:
والنظر في مقدمته وكيفيته:
أما المقدمة: فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر، وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر
عن يمين الطريق: اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل
مناسكي. وأن يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو صار إلى ربع الليل ولو منعه مانع
صلى في الطريق، وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين من غير نوافل
بينهما، ويؤخر نوافل المغرب إلى بعد العشاء.
633

وأما الكيفية:
فالواجب النية، والوقوف بالمشعر وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر، ولا يقف بغير المشعر ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل ولو نوى الوقوف ثم نام
أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه، وقيل: لا، والأول أشبه. وأن يكون الوقوف بعد طلوع
الفجر، فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف
بعرفات وجبره بشاة، ويجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير
جبر، فلو أفاض ناسيا لم يكن عليه شئ.
ويستحب الوقوف بعد أن يصلى الفجر، وأن يدعو بالدعاء المرسوم أو ما يتضمن
الحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله ع، وأن يطأ الصرورة بالمشعر
برجله، وقيل: يستحب الصعود على قزح وذكر الله عليه.
مسائل خمس:
الأولى: وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وللمضطر إلى
زوال الشمس.
الثانية: من لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه، ولو ترك ذلك
ناسيا لم يبطل إن كان وقف بعرفات، ولو تركهما جميعا بطل حجه عمدا أو نسيانا.
الثالثة: من لم يقف بعرفات وأدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه، ولو فاته
بطل، ولو وقف بعرفات جاز له تدارك المشعر إلى قبل الزوال.
الرابعة: من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه إن كان واجبا على الصفة التي
وجبت تمتعا أو قرانا أو إفرادا.
الخامسة: من فاته الحج سقطت عنه أفعاله، ويستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء
أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها.
634

خاتمة:
إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه وهو سبعون حصاة، ولو أخذه من غيره
جاز لكن من الحرم عدا المساجد، وقيل: عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف. ويجب فيه
شروط ثلاثة: أن يكون مما يسمى حجرا ومن الحرم وأبكارا. ويستحب أن يكون برشا
رخوة بقدر الأنملة كحلية منقطة ملتقطة ويكره أن تكون صلبة أو مكسرة.
ويستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل ولكن لا يجوز وادي محسر
إلا بعد طلوعها والإمام يتأخر حتى تطلع، والسعي بوادي محسر وهو أن يقول: اللهم
سلم عهدتي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني في من تركت بعدي. ولو ترك
السعي فيه رجع فسعى استحبابا.
القول في نزول منى وما بها من المناسك:
فإذا هبط بمنى استحب له الدعاء بالمرسوم، ومناسكه بها يوم النحر ثلاثة وهي:
رمى جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق.
أما الأول:
فالواجب فيه النية والعدد وهو سبع وإلقاؤها بما يسمى رميا وإصابة الجمرة بها بما
يفعله، فلو وقعت على شئ وانحدرت على الجمرة جاز، ولو قصرت فتممها حركة غيره
من حيوان أو انسان لم يجز وكذا لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا، ولو طرحها على
الجمرة من غير رمى لم يجز.
والمستحب فيه ستة: الطهارة، والدعاء عند إرادة الرمي، وأن يكون بينه وبين
الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، وأن يرميها خذفا، والدعاء مع كل حصاة،
وأن يكون ماشيا. ولو رمى راكبا جاز، وفي جمرة العقبة يستقبلها ويستدبر القبلة، وفي
غيرها يستقبلها ويستقبل القبلة.
635

وأما الثاني: وهو الذبح: فيشتمل على أطراف:
الأول: في الهدي:
وهو واجب على المتمتع ولا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا، ولو تمتع
المكي وجب عليه الهدي، ولو كان المتمتع مملوكا بإذن مولاه كان مولاه بالخيار بين أن
يهدي عنه وأن يأمره بالصوم، ولو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا لزمه الهدي مع القدرة
ومع التعذر الصوم.
والنية شرط في الذبح ويجوز أن يتولاها عنه الذابح ويجب ذبحه بمنى، ولا يجزئ
واحد في الواجب إلا عن واحد وقيل: يجزئ مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا
أهل خوان واحد. والأول أشبه، ويجوز ذلك في الندب، ولا يجب بيع ثياب التجمل في
الهدى بل يقتصر على الصوم، ولو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه، ولا يجوز
اخراج شئ مما يذبحه عن منى بل يخرج إلى مصرفه بها، ويجب ذبحه يوم النحر مقدما
على الحلق، فلو أخره أثم وأجزأ وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.
الثاني: في صفاته:
والواجب ثلاثة:
الأول: الجنس: ويجب أن يكون من النعم الإبل أو البقر أو الغنم.
الثاني: السن: فلا يجزئ من الإبل إلا الثني وهو الذي له خمس ودخل في
السادسة، ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ من الضأن الجذع لسنته.
الثالث: أن يكون تاما: فلا يجزئ العوراء ولا العرجاء البين عرجها ولا التي
انكسر قرنها الداخل ولا المقطوعة الإذن ولا الخصي من الفحول ولا المهزولة وهي التي
ليس على كليتيها شحم، ولو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه، ولو
خرجت سمينة أجزأته وكذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة، ولو اشتراها
على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجزه.
والمستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد وتبرك في سواد وتمشي في مثله أي يكون لها
ظل تمشي فيه، وقيل: أن يكون هذه المواضع منها سوادا. وأن تكون مما عرف به،
636

وأفضل الهدي من البدن والبقر الإناث ومن الضأن والمعز الذكران، وأن ينحر الإبل
قائمة قد ربطت بين الخف والركبة ويطعنها من الجانب الأيمن، وأن يدعو الله تعالى عند
الذبح ويترك يده مع يد الذابح، وأفضل منه أن يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن.
ويستحب أن يقسمه ثلاثا يأكل ثلثه ويتصدق بثلثه ويهدي ثلثه. وقيل: يجب
الأكل منه. وهو الأظهر، ويكره: التضحية بالجاموس وبالثور وبالموجوء.
الثالث: في البدل:
من فقد الهدي ووجد ثمنه قيل: يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة. وقيل:
ينتقل فرضه إلى الصوم وهو الأشبه. وإذا فقدهما صام عشرة أيام ثلاثة في الحج
متتابعات يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، ولو لم يتفق اقتصر على التروية
وعرفة ثم صام الثالث بعد النفر، ولو فاته يوم التروية أخره إلى بعد النفر ويجوز تقديمها من
أول ذي الحجة بعد أن تلبس بالمتعة ويجوز صومها طول ذي الحجة، ولو صام يومين وأفطر
الثالث لم يجزه واستأنف إلا أن يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر.
ولا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة، ولو خرج ذو الحجة
ولو يصمها تعين الهدي في القابل، ولو صامها ثم وجد الهدي ولو قبل التلبس بالسبعة لم
يجب عليه الهدي وكان له المضي على الصوم، ولو رجع إلى الهدي كان أفضل.
وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح، فإن أقام بمكة
انتظر قدر وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر، ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم
وجب أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة وقيل: بوجوب قضاء الجميع وهو الأشبه.
ومن وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد كان عليه سبع شياه، ولو تعين الهدي
فمات من وجب عليه أخرج من أصل تركته.
الرابع: في هدي القران:
لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره أو قلده
ولكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان لإحرام الحج وإن كان للعمرة فبفناء
الكعبة بالحزورة، ولو هلك لم يجب إقامة بدله لأنه ليس بمضمون، ولو كان مضمونا
637

كالكفارات وجب إقامة بدله، ولو عجز هدي السياق عن الوصول جاز أن ينحر أو يذبح
ويعلم بما يدل على أنه هدي، ولو أصابه كسر جاز بيعه والأفضل أن يتصدق بثمنه أو
يقيم بدله، ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر.
ولو سرق من غير تفريط لم يضمن، ولو ضل فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه،
ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير، ولو ذبح الأخير ذبح
الأول ندبا إلا أن يكون منذورا.
ويجوز ركوب الهدي ما لم يضر به وشرب لبنه ما لم يضر بولده، وكل هدي واجب
كالكفارات لا يجوز أن يعطي الجزار منها شيئا ولا أخذ شئ من جلودها ولا أكل شئ
منها، فإن أكل تصدق بثمن ما أكل. ومن نذر أن ينحر بدنة فإن عين موضعها وجب
وإن أطلق نحرها بمكة، ويستحب أن يأكل من هدي السياق وأن يهدي ثلثه ويتصدق
بثلثه كهدي التمتع وكذا الأضحية.
الخامس: في الأضحية:
ووقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر، وفي الأمصار ثلاثة. ويستحب الأكل من
الأضحية ولا بأس بادخار لحمها، ويكره أن يخرج به من منى ولا بأس باخراج ما
يضحيه غيره، ويجزئ الهدي الواجب عن الأضحية والجمع بينهما أفضل، ومن لم يجد
الأضحية تصدق بثمنها فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدنى وتصدق بثلث
الجميع، ويستحب أن تكون التضحية بما يشتريه، ويكره بما يربيه، ويكره أن يأخذ
شيئا من جلود الأضاحي وأن يعطيها الجزار والأفضل أن يتصدق بها.
الثالث: في الحلق والتقصير:
فإذا فرع من الذبح فهو مخير إن شاء حلق وإن شاء قصر والحلق أفضل ويتأكد في
حق الصرورة ومن لبد شعره، وقيل: لا يجزئه إلا الحلق. والأول أظهر.
وليس على النساء حلق ويتعين في حقهن التقصير ويجززن منه ولو مثل الأنملة، ويجب
تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي، ولو قدم ذلك على التقصير عامدا
638

جبره بشاة، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شئ وعليه إعادة الطواف على الأظهر، ويجب
أن يحلق بمنى، فلو رحل رجع فحلق بها فإن لم يتمكن حلق أو قصر مكانه وبعث بشعره
ليدفن بها ولو لم يمكنه لم يكن عليه شئ. ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسي
عليه.
وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي ثم الذبح ثم الحلق. فلو قدم بعضها
على بعض أثم ولا إعادة.
مسائل ثلاث:
الأولى: مواطن التحليل ثلاثة: الأول: عقيب الحلق أو التقصير يحل من كل شئ
إلا الطيب والنساء والصيد. الثاني: إذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب. الثالث:
إذا طاف طواف النساء حل له النساء. ويكره لبس المخيط حتى يفرع من طواف الزيارة
وكذا يكره الطيب حتى يفرع من طواف النساء.
الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف والسعي
ليومه، فإن أخره فمن عنده ويتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخره أثم ويجزئه طوافه
وسعيه، ويجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك طول ذي الحجة على كراهية.
الثالثة: الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف والسعي الغسل، وتقليم الأظفار، وأخذ
الشارب، والدعاء إذا وقف على باب المسجد.
القول في الطواف:
وفيه ثلاثة مقاصد:
الأول: في المقدمات:
وهي واجبة ومندوبة:
فالواجبات الطهارة، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، وأن يكون مختونا ولا يعتبر
في المرأة.
639

والمندوبات ثمانية: الغسل لدخول مكة فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله والأفضل
أن يغتسل من بئر ميمون أو من فخ وإلا ففي منزله، ومضغ الإذخر، وأن يدخل مكة
من أعلاها، وأن يكون حافيا على سكينة ووقار، ويغتسل لدخول المسجد الحرام،
ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها، ويسلم على النبي ع ويدعو
بالمأثور.
المقصد الثاني: في كيفية الطواف:
وهو يشتمل على واجب وندب.
1 - الواجب:
فالواجب سبعة: النية، والبداءة بالحجر، والختم به، وأن يطوف على يساره، وأن
يدخل الحجر في الطواف، وأن يكمله سبعا، وأن يكون بين البيت والمقام. ولو مشى على
أساس البيت أو حائط الحجر لم يجزه. ومن لوازمه ركعتا
الطواف وهما واجبتان بعده في الطواف الواجب، ولو نسيهما وجب عليه الرجوع، ولو شق قضاهما حيث ذكر، ولو مات
قضاهما الولي.
مسائل ست:
الأولى: الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الأظهر، وفي النافلة
مكروهة.
الثانية: الطهارة شرط في الواجب دون الندب حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع
عدم الطهارة وإن كانت الطهارة أفضل.
الثالثة: يجب أن يصلى ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن ولا يجوز في غيره،
فإن منعه زحام صلى وراءه أو إلى أحد جانبيه.
الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه وإن لم يعلم ثم علم في
أثناء الطواف أزاله وتمم، ولو لم يعلم حتى فرع كان طوافه ماضيا.
640

الخامسة: يجوز أن يصلى ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات التي تكره لابتداء
النوافل.
السادسة: من نقص من طوافه فإن جاوز النصف رجع فأتم ولو عاد إلى أهله أمر من
يطوف عنه، وإن كان دون ذلك استأنف وكذا من قطع طواف الفريضة لدخول البيت
أو بالسعي في حاجة وكذا لو مرض في أثناء طوافه، ولو استمر مرضه بحيث لا يمكن أن
يطاف به طيف عنه وكذا لو أحدث في طواف الفريضة، ولو دخل في السعي فذكر أنه
لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف ثم تمم السعي.
2 - الندب: والندب خمسة عشر: الوقوف عند الحجر وحمد الله والثناء عليه والصلاة
على النبي وآله ع، ورفع اليدين بالدعاء، واستلام الحجر على الأصح،
وتقبيله فإن لم يقدر فبيده ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع ولو لم يكن له يد اقتصر
على الإشارة، وأن يقول:
هذه أمانتي أديتها، ومثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا
بكتابك إلى آخر الدعاء.
وأن يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه على سكينة ووقار، مقتصدا في مشيه
وقيل: يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.
وأن يقول:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء إلى آخر الدعاء.
وأن يلتزم المستجار في الشوط السابع، ويبسط يديه على حائطه، ويلصق به بطنه
وخده ويدعو بالدعاء المأثور ولو جاوز المستجار إلى ركن اليماني لم يرجع، وأن يلتزم
الأركان كلها وآكدها الذي فيه الحجر واليماني، ويستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين
طوافا فإن لم يتمكن فثلاثمائة وستين شوطا ويلحق الزيادة بالطواف الأخير ويسقط
الكراهية هنا بهذا الاعتبار، وأن يقرأ في ركعتي الطواف في الأولى مع الحمد قل هو الله
أحد وفي الثانية معه قل يا أيها الكافرون. ومن زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين
وصلى الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد الفراع من السعي، وأن يتدانى من البيت.
641

ويكره الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة.
الثالث: في أحكام الطواف:
وفيه اثنتا عشرة مسألة:
الأولى: الطواف ركن من تركه عامدا بطل حجه ومن تركه ناسيا قضاه ولو بعد
المناسك، ولو تعذر العود استناب فيه، ومن شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت، وإن
كان في أثنائه وكان شاكا في الزيادة قطع ولا شئ عليه، وإن كان في النقصان
استأنف في الفريضة وبنى على الأقل في النافلة.
الثانية: من زاد على السبع ناسيا وذكر قبل بلوغه الركن قطع ولا شئ عليه وإلا
استحب إكماله في أسبوعين.
الثالثة: من طاف وذكر أنه لم يتطهر أعاد في الفريضة دون النافلة ويعيد صلاة
الطواف، الواجب واجبا والندب ندبا.
الرابعة: من نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع قيل: عليه بدنة والرجوع
إلى مكة للطواف. وقيل: لا كفارة عليه وهو الأصح. ويحمل القول الأول على من واقع
بعد الذكر، ولو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب، ولو مات قضاه وليه وجوبا.
الخامسة: من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد، ثم لا يجوز مع القدرة.
السادسة: يجب على المتمتع تأخير الطواف والسعي حتى يقف بالموقفين ويقضي
مناسكه يوم النحر، ولا يجوز التعجيل إلا للمريض والمرأة التي تخاف الحيض والشيخ
العاجز، ويجوز التقديم للقارن والمفرد على كراهية.
السابعة: لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع ولا لغيره اختيارا، ويجوز مع
الضرورة والخوف من الحيض.
الثامنة: من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأه، ولو كان عامدا لم يجز.
التاسعة: قيل: لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة. ومنهم من خص ذلك بطواف
العمرة نظرا إلى تحريم تغطية الرأس.
642

العاشرة: من نذر أن يطوف على أربع قيل: يجب عليه طوافان. وقيل: لا ينعقد
النذر. وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل.
الحادية عشرة: لا بأس أن يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف لأنه كالإمارة،
ولو شكا جميعا عولا على الأحكام المتقدمة.
الثانية عشرة: طواف النساء واجب في الحج والعمرة المفردة دون المتمتع بها، وهو
لازم للرجال والنساء والصبيان والخناثى.
القول في السعي:
والنظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه:
الأول: في المقدمات: ومقدماته عشرة كلها مندوبة: الطهارة، واستلام الحجر، والشرب
من زمزم، والصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر، وأن يخرج من الباب
المحاذي للحجر، وأن يصعد على الصفا، ويستقبل الركن العراقي، ويحمد الله ويثني
عليه، وأن يطيل الوقوف على الصفا ويكبر الله سبعا ويهلله سبعا ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو
حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير. ثلاثا، ويدعو بالدعاء
المأثور.
الثاني: في كيفية السعي: وهو: يشتمل على واجب وندب.
1 - الواجب:
والواجب فيه أربعة: النية والبداءة بالصفا والختم بالمروة وأن يسعى سبعا. يحتسب
ذهابه شوطا وعوده آخر. 2 - الندب:
والمستحب أربعة: أن يكون ماشيا ولو كان راكبا جاز، والمشي على طرفيه،
والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين ماشيا كان أو راكبا ولو نسي الهرولة رجع
643

القهقري وهرول موضعها، والدعاء في سعيه ماشيا ومهرولا. ولا بأس أن يجلس في
خلال السعي للراحة.
الثالث: في الأحكام: ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: السعي ركن من تركه عامدا بطل حجه ولو كان ناسيا وجب عليه الإتيان
به، فإن خرج عاد ليأتي به، فإن تعذر عليه استناب فيه.
الثانية: لا يجوز الزيادة على سبع، ولو زاد عامدا بطل ولا تبطل بالزيادة سهوا، ومن
تيقن عدد الأشواط وشك فيما به بدأ فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صح سعيه لأنه
بدأ به وإن كان على المروة أعاد، وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.
الثالثة: من لم يحصل عدد سعيه أعاده، ومن تيقن النقيصة أتى بها، ولو كان
متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص كان عليه دم بقرة
على رواية ويتم النقصان، وكذا قيل: لو قلم أظفاره أو قص شعره.
الرابعة: لو دخل وقت فريضة وهو في السعي قطعه وصلى ثم أتمه وكذا لو قطعه في
حاجة له أو لغيره.
الخامسة: لا يجوز تقديم السعي على الطواف كما لا يجوز تقديم طواف النساء على
السعي، فإن قدمه طاف ثم أعاد السعي، ولو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه قطع
السعي وأتم الطواف ثم أتم السعي.
القول في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود:
وإذا قضى الحاج مناسكه بمكة من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فالواجب
العود إلى منى للمبيت بها فيجب عليه أن يبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، فلو
بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة أو يخرج من
منى بعد نصف الليل وقيل: بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر. وقيل: لو بات
الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياة. وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة
644

الثالثة وهو بمنى أو من لم يتق الصيد والنساء.
ويجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث كل جمرة سبع حصيات،
ويجب هنا زيادة على ما تضمنه شروط الرمي الترتيب يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة
العقبة، ولو رماها منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.
ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ولا يجوز أن يرمى ليلا إلا لعذر
كالخائف والمريض والرعاة والعبيد. ومن حصل له رمى أربع حصيات ثم رمى على
الجمرة الأخرى حصل بالترتيب، ولو نسي رمى يوم قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت
ويعقب بالحاضر، ويستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة وما يرميه ليومه عند الزوال.
ولو نسي رمى الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى، فإن خرج من مكة لم يكن عليه
شئ إذا انقضى زمان الرمي، فإن عاد في القابل رمى، وإن استناب فيه جازه ومن ترك
رمى الجمار متعمدا وجب عليه قضاؤه، ويجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض،
ويستحب أن يقيم الانسان بمنى أيام التشريق وأن يرمي الجمرة الأولى عن يمينه ويقف
ويدعو وكذا الثانية ويرمي الثالثة مستدبر القبلة مقابلا لها ولا يقف عندها. والتكبير بمنى مستحب، وقيل: واجب.
وصورته:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا،
والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
ويجوز النفر في الأول وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لمن اجتنب النساء والصيد
في إحرامه، والنفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر، فمن نفر في الأول لم يجز إلا بعد
الزوال وفي الثاني يجوز قبله. ويستحب للإمام أن يخطب ويعلم الناس ذلك، ومن كان
قضى مناسكه بمكة جاز أن ينصرف حيث شاء، ومن بقي عليه شئ من المناسك عاد
وجوبا.
645

مسائل:
الأولى: من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا ولجأ إلى الحرم ضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يخرج، ولو أحدث في الحرم قوبل بما تقتضيه جنايته فيه.
الثانية: يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة، وقيل: يحرم، والأول أصح.
الثالثة: يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة، وقيل: يكره، وهو الأشبه.
الرابعة: لا تحل لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة، وتعرف سنة ثم إن شاء تصدق
بها ولا ضمان عليه وإن شاء جعلها في يده أمانة.
الخامسة: إذا ترك الناس زيارة النبي ع أجبروا عليها لما يتضمن من الجفاء
المحرم.
ويستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لوداع البيت، ويستحب أمام ذلك صلاة
ست ركعات بمسجد الخيف وآكده استحبابا عند المنارة التي في وسطه وفوقها إلى جهة
القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا وعن يمينها ويسارها كذلك، ويستحب التحصيب لمن نفر
في الأخير وأن يستلقي فيه.
وإذا عاد إلى مكة فمن السنة أن يدخل الكعبة ويتأكد في حق الصرورة، وأن
يغتسل ويدعو عند دخولها، وأن يصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ
في الأولى الحمد وحم السجدة وفي الثانية عدد آيها ويصلى في زوايا البيت ثم يدعو
بالدعاء المرسوم، ويستلم الأركان ويتأكد في اليماني، ثم يطوف بالبيت أسبوعا، ثم
يستلم الأركان والمستجار ويتخير من الدعاء ما أحبه، ثم يأتي زمزم فيشرب منها، ثم
يخرج وهو يدعو.
ويستحب خروجه من باب الحناطين ويخر ساجدا ويستقبل القبلة ويدعو ويشترى
بدرهم تمرا ويتصدق به احتياطا لإحرامه، ويكره الحج على الإبل الجلالة، ويستحب لمن
حج أن يعزم على العود والطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقيم بالعكس، ويكره:
المجاورة بمكة، ويستحب النزول بالمعرس على طريق المدينة وصلاة ركعتين به.
646

مسائل ثلاث:
الأولى: للمدينة حرم وحده من عائر إلى وعير ولا يعضد شجره، ولا بأس بصيده إلا
ما صيد بين الحرتين وهذا على الكراهية المؤكدة.
الثانية: يستحب زيارة النبي ع للحاج استحبابا مؤكدا.
الثالثة: يستحب أن تزار فاطمة ع من عند الروضة، والأئمة عليهم
السلام بالبقيع.
خاتمة:
يستحب المجاورة بها والغسل عند دخولها، وتستحب الصلاة بين القبر والمنبر وهو
الروضة وأن يصوم الانسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة وأن يصلى ليلة الأربعاء عند
أسطوانة أبي لبابة ففي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلى مقام رسول الله صلى الله
عليه وآله وأن يأتي المساجد بالمدينة كمسجد الأحزاب ومسجد الفتح ومسجد الفضيخ
وقبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة ع، ويكره النوم في المساجد ويتأكد
الكراهة في مسجد النبي ع.
الركن الثالث: في اللواحق:
وفيها مقاصد:
المقصد الأول: في الإحصار والصد: الصد بالعدو، والإحصار بالمرض لا غير.
فالمصدود إذا تلبس ثم صد تحلل من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير
موضع الصد أو كان له طريق وقصرت نفقته ويستمر إذا كان له مسلك غيره ولو كان
أطول مع تيسر نفقته، ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ثم يتحلل بعمرة ثم
يقضي في القابل واجبا إن كان الحج واجبا وإلا ندبا ولا يحل إلا بعد الهدي ونية
647

التحلل.
وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة، ولو كان ساق قيل: يفتقر إلى
هدي التحلل. وقيل: يكفيه ما ساقه، وهو الأشبه. ولا بدل لهدي التحلل فلو عجز عنه
وعن ثمنه بقي على إحرامه ولو تحلل لم يحل.
ويتحقق الصد بالمنع من الموقفين وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة، ولا يتحقق بالمنع
من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها بل يحكم بصحة الحج ويستنيب في
الرمي.
فروع:
الأول: إذا حبس بدين فإن كان قادرا عليه لم يتحلل، وإن عجز تحلل وكذا لو
حبس ظلما.
الثاني: إذا صابر ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي وتحلل بالعمرة ولا دم وعليه
القضاء إن كان واجبا.
الثالث: إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز أن يتحلل لكن الأفضل
البقاء على إحرامه، فإذا انكشف أتم ولو اتفق الفوات أحل بعمرة.
الرابع: لو أفسد حجه فصد كان عليه بدنة ودم للتحلل والحج من قابل، ولو انكشف
العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب، وهو حج يقضي لسنته وعلى ما قلناه،
فحجة العقوبة باقية، ولو لم يكن تحلل مضى في فاسدة وقضاه في القابل.
الخامس: لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب سواء غلب على الظن السلامة أو
العطب، ولو طلب مالا لم يجب بذله، ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.
والمحصور هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين فهذا يبعث ما
ساقه، ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهو منى إن كان
حاجا أو مكة إن كان معتمرا، فإذا بلغ قصر وأحل إلا من النساء خاصة حتى يحج في
القابل إن كان واجبا أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا.
648

ولو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله وكان عليه ذبح هدي في القابل، ولو بعث
هديه ثم زال العارض لحق بأصحابه فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج وإلا
تحلل بعمرة وعليه في القابل قضاء الواجب، ويستحب قضاء الندب.
والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر، وقيل: في الشهر الداخل. والقارن
إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا، وقيل: يأتي بما كان واجبا. وإن كان
ندبا حج بما شاء من أنواعه وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل.
وروي: أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ثم يجتنب جميع
ما يجتنبه المحرم. فإذا كان وقت المواعدة أحل لكن هذا لا يلبي، ولو أتى بما يحرم على
المحرم كفر استحبابا.
المقصد الثاني: في أحكام الصيد:
الصيد هو الحيوان الممتنع، وقيل: يشترط أن يكون حلالا. والنظر فيه يستدعي
فصولا:
الأول: في أقسامه:
الصيد قسمان:
فالأول: ما لا يتعلق به كفارة كصيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ في الماء ومثله
الدجاج الحبشي وكذا النعم ولو توحشت، ولا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو
طائرة إلا الأسد فإن على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف، وكذا لا كفارة
فيما تولد بين وحشي وإنسي أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم، ولو قيل: يراعى الاسم
كان حسنا.
ولا بأس بقتل الأفعى والعقرب والفأرة وبرمي الحدأة والغراب رميا ولا بأس بقتل
البرغوث، وفي الزنبور تردد والوجه المنع ولا كفارة في قتله خطأ وفي قتله عمدا صدقة ولو
بكف من طعام، ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية ولا يجوز
قتلها ولا أكلها.
649

الثاني: ما يتعلق به الكفارة: وهو ضربان:
الأول: ما لكفارته بدل على الخصوص: وهو كل ما له مثل من النعم، وأقسامه
خمسة:
الأول: النعامة: وفي قتلها بدنة، ومع العجز تقوم البدنة ويفض ثمنها على البر
ويتصدق به لكل مسكين مدان ولا يلزم ما زاد عن ستين، ولو عجز صام عن كل مدين
يوما ولو عجز صام ثمانية عشر يوما، وفي فراخ النعام روايتان: إحديهما مثل ما في
النعام، والأخرى من صغار الإبل، وهو الأشبه.
الثاني: بقرة الوحش وحمار الوحش: وفي قتل كل واحد منهما بقرة أهلية، ومع
العجز يقوم البقرة الأهلية ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل مسكين مدان ولا يلزم
ما زاد على الثلاثين، ومع العجز يصوم عن كل مدين يوما وإن عجز صام تسعة أيام.
الثالث: في قتل الظبي شاة، ومع العجز يقوم الشاة ويفض ثمنها على البر ويتصدق
به لكل مسكين مدان ولا يلزم ما زاد عن عشرة، فإن عجز صام عن كل مدين يوما فإن
عجز صام ثلاثة أيام. وفي الثعلب والأرنب شاة وهو المروي، وقيل: فيه ما في الظبي.
والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير، وقيل: على الترتيب، وهو الأظهر.
الرابع: في كسر بيض النعام إذا تحرك فيها الفرخ بكارة من الإبل لكل واحدة
واحد، وقبل التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي،
ومع العجز عن كل بيضة شاة، ومع العجز إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة
أيام.
الخامس: في كسر بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم، وقيل: عن
البيضة مخاض من الغنم. وقبل التحرك إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض
فما نتج فهو هدي، فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام.
الثاني: ما لا بدل له على الخصوص: وهو خمسة أقسام:
الأول: الحمام: وهو اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء، وقيل: كل مطوق. وفي
قتلها شاة على المحرم، وعلى المحل في الحرم درهم، وفي فرخها للمحرم حمل، وللمحل في
650

الحرم نصف درهم، ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران. وفي بيضها إذا تحرك
الفرخ حمل وقبل التحرك على المحرم درهم، وعلى المحل ربع درهم ولو كان محرما في
الحرم لزمه درهم وربع، ويستوي الأهلي وحمام الحرم في القيمة إذا قتل في الحرم لكن
يشترى بقيمة الحرمي علف لحمامه.
الثاني: القطاة والحجل والدراج: في كل واحد من القطاة والحجل والدراج حمل قد
فطم ورعى.
الثالث: القنفذ والضب واليربوع: في قتل كل واحد من القنفذ والضب واليربوع
جدي.
الرابع: العصفور والقبرة والصعوة: في كل واحد من العصفور والقبرة والصعوة مد
من طعام.
الخامس: الجرادة والقملة وغيرهما: في قتل الجرادة تمرة والأظهر كف من طعام
وكذا في القملة يلقيها عن جسده، وفي قتل الكثير من الجراد دم شاة وإن لم يمكنه
التحرز من قتله بأن كان في طريقه فلا إثم ولا كفارة، وكل ما لا تقدير لفديته ففي قتله
قيمته وكذا القول في البيوض، وقيل: في البطة والإوزة والكركي شاة، وهو تحكم.
فروع خمسة:
الأول: إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور فداه بصحيح ولو فداه بمثله جاز،
ويفدي للذكر بمثله وبالأنثى وكذا الأنثى وبالمماثل أحوط.
الثاني: الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج، وفيما لا تقدير لفديته وقت
الإتلاف.
الثالث: إذا قتل ماخضا مما له مثل يخرج ماخضا، ولو تعذر قوم الجزاء ماخضا.
الرابع: إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم ماتا فدى الأم بمثلها والصغير
بصغيره، ولو عاشا لم يكن عليه فدية إذا لم يعب المضروب، ولو عاب ضمن أرشه، ولو
مات أحدهما فداه دون الآخر، ولو ألقت جنينا ميتا لزمه الأرش وهو ما بين قيمتها
651

حاملا ومجهضا.
الخامس: إذا قتل المحرم حيوانا وشك في كونه صيدا لم يضمن.
الفصل الثاني: في موجبات الضمان:
وهي ثلاثة: مباشرة الإتلاف واليد والسبب.
أما المباشرة:
فنقول: قتل الصيد موجب لفديته، فإن أكله لزمه فداء آخر، وقيل: يفدي ما قتل
ويضمن قيمة ما أكل، وهو الوجه. ولو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية، ولو
جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه، وقيل: ربع قيمته. وإن لم يعلم حاله لزمه الفداء
وكذا لو لم يعلم أثر فيه أم لا.
وروي: في كسر قرني الغزال نصف قيمته، وفي كل واحد ربع، وفي عينيه كمال
قيمته، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته وكذا في إحدى رجليه، وفي الرواية ضعف.
ولو اشترك جماعة في قتل الصيد ضمن كل واحد منهم فداء كاملا، ومن ضرب بطير
على الأرض كان عليه دم وقيمة للحرم وأخرى لاستصغاره، ومن شرب لبن ظبية في
الحرم لزمه دم وقيمة اللبن، ولو رمى الصيد وهو محل فأصابه وهو محرم لم يضمنه وكذا لو
جعل في رأسه ما يقتل القمل وهو محل ثم أحرم فقتله.
الموجب الثاني: اليد:
ومن كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب إرساله، فلو مات قبل إرساله لزمه
ضمانه، ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه، ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم
ضمن كل منهما فداء، ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة، ولو كانا
محلين في الحرم لم يتضاعف، ولو كان أحدهما محرما تضاعف الفداء في حقه، ولو
أمسكه المحرم في الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة، ولو نقل بيض صيد عن موضعه
ففسد ضمنه فلو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه، ولو ذبح المحرم صيدا كان ميتة
652

ويحرم على المحل ولا كذا لو صاده وذبحه محل.
الموجب الثالث: السبب:
وهو يشتمل على مسائل: الأولى: من أغلق على حمام من حمام الحرم وله فراخ وبيض ضمن بالإغلاق، فإن
زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان. ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل
والبيضة بدرهم إن كان محرما، وإن كان محلا ففي الحمامة درهم وفي الفرخ نصف وفي
البيضة ربع، وقيل: يستقر الضمان بنفس الإغلاق، لظاهر الرواية، والأول أشبه.
الثانية: قيل: إذا نفر حمام الحرم فإن عاد فعليه شاة واحدة، وإن لم يعد فعن كل
حمامة شاة.
الثالثة: إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء لجنايته
وكذا على المخطئ لإعانته.
الرابعة: إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا
الاصطياد وإلا ففداء واحد.
الخامسة: إذا رمى صيدا فاضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع
لأنه سبب للإتلاف.
السادسة: السائق يضمن ما تجنيه دابته وكذا الراكب إذا وقف بها، وإذا سار
ضمن ما تجنيه بيديها.
السابعة: إذا أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه ضمن، وكذا لو أمسك المحل
صيدا له طفل في الحرم.
الثامنة: إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن سواء كان في الحل أو الحرم لكن
يتضاعف إذا كان محرما في الحرم.
التاسعة: لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شئ أو أخذه جارح ضمنه.
العاشرة: لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن.
653

الحادية عشرة: من دل على صيد فقتل ضمنه.
الفصل الثالث: في صيد الحرم:
يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل، فمن قتل صيدا في
الحرم كان عليه فداؤه، ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء وفيه تردد، وهل
يحرم وهو يؤم الحرم؟ قيل: نعم، وقيل: يكره، وهو الأشبه. لكن لو أصابه ودخل الحرم
فمات ضمنه وفيه تردد.
ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه، فلو أصاب صيدا فيه ففقأ عينه أو
كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا، ولو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجز
اخراجه، ولو كان في الحل ورمى صيدا في الحرم فقتله فداه وكذا لو كان في الحرم ورمى
صيدا في الحرم فقتله ضمنه.
ولو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه،
ولو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمن إذا كان أصلها في الحرم، ومن دخل
بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله، ولو أخرجه فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف
بسببه أو بغيره، ولو كان طائرا مقصوصا وجب عليه حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله،
وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأحوط.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة ويجب أن يسلمها بتلك اليد، ومن
أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته ولو تلف قبل ذلك ضمنه، ولو رمى بسهم في
الحل فدخل الحرم ثم خرج إلى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء، ولو ذبح المحل في الحرم
صيدا كان ميتة، ولو ذبحه في الحل وأدخله الحرم لم يحرم على المحل ويحرم على المحرم،
ولا يدخل في ملكه شئ من الصيد على الأشبه، وقيل: يدخل وعليه إرساله إن كان
حاضرا معه.
654

الفصل الرابع: في التوابع:
كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد أو المحل في الحرم يجتمعان على المحرم
في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف، وكلما يتكرر الصيد من المحرم نسيانا
وجب عليه ضمانه، ولو تعمد وجبت الكفارة أولا ثم لا تتكرر وهو ممن ينتقم الله منه،
وقيل: تتكرر، والأول أشبه. ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا، فلو رمى صيدا فمرق
السهم فقتل آخر كان عليه فداءان وكذا لو رمى عرضا فأصاب صيدا ضمنه، ولو اشترى
محل بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة وعلى المحل عن كل بيضة
درهم.
ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث هذا إذا
كان عنده، ولو كان في بلده فيه تردد والأشبه أنه يملك، ولو اضطر المحرم إلى أكل
الصيد أكله وفداه، ولو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء وإلا أكل الميتة،
وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه وإن لم يكن مملوكا تصدق به، وكل ما يلزم
المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن كان حاجا.
وروي: أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام
عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.
المقصد الثالث: في باقي المحظورات:
وهي سبعة: الأول: الاستمتاع بالنساء: فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا
عامدا عالما بالتحريم فسد حجه وعليه إتمامه وبدنة والحج من قابل سواء كانت حجته
التي أفسدها فرضا أو نفلا وكذا لو جامع أمته وهو محرم، ولو كانت امرأته محرمة
مطاوعة لزمها مثل ذلك وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا
حجا على تلك الطريق، ومعنى الافتراق ألا يخلوا إلا ومعهما ثالث.
ولو أكرهها كان حجها ماضيا وكان عليه كفارتان ولا يتحمل عنها شيئا سوى
الكفارة، وإن جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه
655

ثلاثة أشواط فما دونه أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحا وعليه بدنة
لا غير.
تفريع:
إذا حج في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا، وفي الاستمناء بدنة وهل
يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشبه. ولو جامع أمته محلا
وهي محرمة باذنه تحمل عنها الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة وإن كان معسرا فشاة أو صيام
ثلاثة أيام، ولو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة فإن عجز فبقرة أو شاة.
وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع لم يلزمه الكفارة وبنى
على طوافه، وقيل: يكفي في ذلك مجاوزة النصف، والأول مروي. وإذا عقد المحرم
لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل منهما كفارة وكذا لو كان العاقد محلا على
رواية سماعة، ومن جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه بدنة
وقضاؤها والأفضل أن يكون في الشهر الداخل.
ولو نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسرا وإن كان متوسطا فبقرة
وإن كان معسرا فشاة، ولو نظر إلى امرأته لم يكن عليه شئ ولو أمنى، ولو كان بشهوة
فأمنى كان عليه بدنة، ولو مسها بغير شهوة لم يكن عليه شئ، ولو مسها بشهوة كان
عليه شاة ولو لم يمن، ولو قبل امرأته كان عليه شاة ولو كان بشهوة كان عليه جزور
وكذا لو أمنى عن ملاعبة، ولو استمع على من يجامع فأمنى من غير نظر لم يلزمه شئ.
فرع:
لو حج تطوعا فأفسده ثم أحصر كان عليه بدنة للإفساد ودم للإحصار وكفاه قضاء
واحد في القابل.
المحظور الثاني: الطيب: فمن تطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا أو
طلاء ابتداء أو استدامة أو بخورا أو في الطعام، ولا بأس بخلوق الكعبة ولو كان فيه
656

زعفران وكذا الفواكه كالأترج والتفاح والرياحين كالورد والنيلوفر.
الثالث: القلم: وفي كل ظفر مد من طعام، وفي أظفار يديه ورجليه في مجلس دم
واحد، ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان، ولو أفتى بتقليم ظفره فأدماه لزم
المفتي شاة.
الرابع: المخيط: حرام على المحرم، فلو لبس كان عليه دم، ولو اضطر إلى لبس
ثوب يتقى به الحر أو البرد جاز وعليه شاة.
الخامس: حلق الشعر: وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد، وقيل:
ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام. ولو مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ أطعم
كفا من طعام، ولو فعل ذلك في وضوء الصلاة لم يلزمه شئ، ولو نتف أحد إبطيه أطعم
ثلاثة مساكين ولو نتفهما لزمه شاة. وفي التظليل سائرا شاة وكذا لو غطى رأسه بثوب أو
طينه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره.
السادس: الجدال: وفي الكذب منه مرة شاة ومرتين بقرة وثلاثا بدنة، وفي
الصدق ثلاثا شاة ولا كفارة فيما دونه.
السابع: قلع شجرة الحرم: وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا وفي الصغيرة شاة وفي
أبعاضها قيمته. وعندي في الجميع تردد.
ولو قلع شجرة منه أعادها، ولو جفت قيل: يلزمه ضمانها. ولا كفارة في قلع
الحشيش وإن كان فاعله مأثوما. ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال
الضرورة كان عليه شاة على قول وكذا قيل: في من قلع ضرسه، وفي الجميع تردد. ويجوز
أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج ولا يجوز الادهان به.
خاتمة:
تشتمل على مسائل:
الأولى: إذا اجتمعت أسباب مختلفة كاللبس وتقليم الأظفار والطيب لزمه عن كل
واحد كفارة سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين، كفر عن الأول أو لم يكفر.
657

الثانية: إذا كرر الوطء لزمه بكل مرة كفارة، ولو كرر الحلق فإن كان في وقت
واحد لم تتكرر الكفارة وإن كان في وقتين تكررت، ولو تكرر منه اللبس أو الطيب فإن
اتحد المجلس لم يتكرر وإن اختلف تكرر.
الثالثة: كل محرم أكل أو لبس ما لا يحل له أكله أو لبسه كان عليه دم شاة.
الرابعة: تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد فإن الكفارة تلزم
ولو كان سهوا.
658

كتاب العمرة
والكلام في صورتها وشرائط وجوبها وأفعالها وأقسامها:
الأول: في صورتها: وصورتها أن يحرم من الميقات الذي يسوع له الإحرام منه، ثم
يدخل مكة فيطوف ويصلى ركعتيه، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ويقصر.
الثاني: في شرائط وجوبها: وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج ومع الشرائط
تجب في العمر مرة، وقد تجب بالنذر وما في معناه والاستئجار والإفساد والفوات والدخول
إلى مكة مع انتفاء العذر وعدم تكرار الدخول، ويتكرر وجوبها بحسب السبب.
الثالث: في أفعالها: وأفعالها ثمانية: النية والإحرام والطواف وركعتاه وطواف
النساء وركعتاه والسعي والتقصير.
الرابع: في أقسامها: وتنقسم إلى متمتع بها، ومفردة.
فالأولى: تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام، ولا تصح إلا في أشهر
الحج، وتسقط المفردة معها، ويلزم فيها التقصير، ولا يجوز حلق الرأس ولو حلقه لزمه
دم، ولا يجب فيها طواف النساء.
والمفردة: تلزم حاضري المسجد الحرام، وتصح في جميع أيام السنة وأفضلها ما وقع في
رجب. ومن أحرم بالمفردة ودخل مكة جاز أن ينوي التمتع ويلزمه دم ولو كان في أشهر
الحج لم يجز، ولو دخل مكة متمتعا لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج لأنه مرتبط به،
نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز، ولو خرج فاستأنف عمرة تمتع
بالأخيرة.
659

ويستحب المفردة في كل شهر وأقله عشرة أيام، ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل
من عشرة أيام، وقيل: يحرم، والأول أشبه. ويتحلل من المفردة بالتقصير والحلق
أفضل، وإذا قصر أو حلق حل له كل شئ إلا النساء فإذا أتى بطواف النساء حل له
النساء، وهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من امرأة وخصي وصبي،
ووجوب العمرة على الفور.
660

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي المشتهر
بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
661

المختصر النافع
كتاب الحج
والنظر في المقدمات والمقاصد:
المقدمة الأولى:
الحج اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة وهو فرض على المستطيع من
الرجال والخناثى والنساء، ويجب بأصل الشرع مرة واحدة وجوبا مضيقا وقد يجب بالنذر
وشبهه وبالاستئجار والإفساد، ويستحب لفاقد الشرائط كالفقير والمملوك مع إذن مولاه.
المقدمة الثانية:
في شرائط حجة الاسلام وهي ستة: البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة والتمكن
من المسير ويدخل فيه الصحة وإمكان الركوب وتخلية السرب فلا تجب على الصبي ولا
على المجنون.
ويصح الإحرام من الصبي المميز وبالصبي غير المميز وكذا يصح بالمجنون، ولو حج
بهما لم يجزئهما عن الفرض، ويصح الحج من العبد مع إذن المولى لكن لا يجزئه عن
الفرض إلا أن يدرك أحد الموقفين معتقا.
ومن لا راحلة له ولا زاد لو حج كان ندبا ويعيد لو استطاع، ولو بذل له الزاد
والراحلة صار مستطيعا، ولو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض ولا بد من فاضل عن
الزاد والراحلة يمون به عياله حتى يرجع، ولو استطاع فمنعه كبر أو مرض أو عدو ففي
وجوب الاستنابة قولان المروي: أنه يستنيب. ولو زال العذر حج ثانيا، ولو مات مع
663

العذر أجزأته النيابة.
وفي اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة قولان أشبههما: أنه لا يشترط. ولا يشترط
في المرأة وجود محرم ويكفي ظن السلامة، ومع الشرائط لو حج ماشيا أو في نفقة غيره
أجزأه، والحج ماشيا أفضل إذا لم يضعفه عن العبادة، وإذا استقر الحج فأهمل قضي عنه
من أصل تركته ولو لم يخلف سوى الأجرة قضي عنه من أقرب الأماكن وقيل: من بلده
مع السعة. ومن وجب عليه الحج لا يحج تطوعا، ولا تحج المرأة ندبا إلا بإذن زوجها ولا
يشترط إذنه في الواجب، وكذا في العدة الرجعية.
مسائل:
الأولى: إذا نذر غير حجة الاسلام لم يتداخلا، ولو نذر حجا مطلقا قيل: يجزئ
إن حج بنية النذر عن حجة الاسلام ولا تجزئ حجة الاسلام عن النذر. وقيل: لا
تجزئ إحديهما عن الأخرى وهو أشبه.
الثانية: إذا نذر أن يحج ماشيا وجب ويقوم في مواضع العبور، فإن ركب طريقة
قضى ماشيا وإن ركب بعضا قضى ومشى ما ركب وقيل: يقضي ماشيا لإخلاله
بالصفة. ولو عجز قيل: يركب ويسوق بدنة. وقيل: يركب ولا يسوق بدنة. وقيل: إن
كان مطلقا توقع المكنة وإن كان معينا بسنة يسقط لعجزه.
الثالثة: المخالف إذا لم يخل بركن لم يعد لو استبصر وإن أخل أعاد.
القول في النيابة:
ويشترط فيه: الاسلام والعقل وألا يكون عليه حج واجب. فلا تصح نيابة الكافر
ولا نيابة المسلم عنه ولا عن مخالف إلا عن الأب، ولا نيابة المجنون ولا الصبي غير
المميز، ولا بد من نية النيابة وتعيين المنوب عنه في المواطن بالقصد، ولا ينوب من وجب
عليه الحج ولو لم يجب عليه جاز وإن لم يكن حج، وتصح نيابة المرأة عن المرأة والرجل،
ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه.
664

ويأتي النائب بالنوع المشترط وقيل: يجوز أن يعدل إلى التمتع ولا يعدل عنه. وقيل:
لو شرط عليه الحج على طريق جاز الحج بغيرها. ولا يجوز للنائب الاستنابة إلا مع الإذن
ولا يؤجر نفسه لغير المستأجر في السنة التي استؤجر لها، ولو صد قبل الإكمال استعيد من
الأجرة بنسبة المتخلف ولا يلزم إجابته ولو ضمن الحج على الأشبه، ولا يطاف عن حاضر
متمكن من الطهارة لكن يطاف به ويطاف عمن لم يجمع الوصفين، ولو حمل إنسانا
فطاف به احتسب لكل واحد منهما طواف، ولو حج عن ميت تبرعا برئ الميت
ويضمن الأجير كفارة جنايته في ماله.
ويستحب أن يذكر المنوب عنه في المواطن وأن يعيد فاضل الأجرة وأن يتمم له ما
أعوزه وأن يعيد المخالف حجه إذا استبصر وإن كانت مجزئة، ويكره أن تنوب المرأة
الصرورة.
مسائل:
الأولى: من أوصى بحجة ولم يعين انصرف إلى أجرة المثل.
الثانية: لو أوصى أن يحج عنه ولم يعين فإن عرف التكرار حج عنه حتى يستوفى ثلثه
وإلا اقتصر على المرة.
الثالثة: لو أوصى أن يحج عنه كل سنة بمال معين فقصر جمع ما يمكن به الاستئجار ولو
كان نصيب أكثر من سنة.
الرابعة: لو حصل بيد انسان مال لميت وعليه حجة مستقرة وعلم أن الورثة لا يؤدون
جاز أن يقتطع قدر أجرة الحج.
الخامسة: من مات وعليه حجة الاسلام وأخرى منذورة أخرجت حجة الاسلام من
الأصل والمنذورة من الثلث وفيه وجه آخر.
المقدمة الثالثة:
في أنواع الحج وهي ثلاثة: تمتع وقران وإفراد.
665

فالمتمتع: هو الذي يقدم عمرته أمام حجه ناويا بها التمتع ثم ينشئ إحراما آخر بالحج
من مكة، وهذا فرض من ليس حاضري مكة، وحده من بعد عنها ثمانية وأربعون ميلا
من كل جانب، وقيل: اثنا عشر ميلا فصاعدا من كل جانب. ولا يجوز لهؤلاء العدول
عن التمتع إلى الإفراد والقران إلا مع الضرورة.
وشروطه أربعة: النية ووقوعه في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل:
وعشر من ذي الحجة. وقيل: تسع. وحاصل الخلاف إنشاء الحج في الزمان الذي يعلم
إدراك المناسك فيه وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج كالطواف والسعي
والذبح، وأن يأتي بالحج والعمرة في عام واحد، وأن يحرم بالحج له من مكة، وأفضله
المسجد وأفضله مقام إبراهيم وتحت الميزاب.
ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزئه ويستأنفه بها، ولو نسي وتعذر العود أحرم
من موضعه ولو بعرفة، ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت جاز نقلها إلى الإفراد
ويعتمر بمفردة بعده وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام
بالحج.
والإفراد: وهو أن يحرم بالحج أولا من ميقاته ثم يقضي مناسكه وعليه عمرة مفردة
بعد ذلك، وهذا القسم والقران فرض حاضري مكة، ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا
ففي جوازه قولان أشبههما: المنع وهو مع الاضطرار جائز. وشروطه: النية، وأن يقع في
أشهر الحج من الميقات أو من دويرة أهله إن كانت أقرب إلى عرفات.
والقارن كالمفرد غير أنه يضم إلى إحرامه سياق الهدي، وإذا لبى استحب له إشعار
ما يسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بالدم، ولو كانت بدنا
دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا. والتقليد أن يعلق في رقبته نعلا قد صلى فيه والغنم
تقلد لا غير، ويجوز للمفرد والقارن الطواف قبل المضي إلى عرفات لكن يجددان التلبية
عند كل طواف لئلا يحلا وقيل: إنما يحل المفرد. وقيل: لا يحل أحدهما إلا بالنية ولكن
الأولى تجديد التلبية.
666

ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه ولو
لبى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه على رواية، ولا يجوز العدول للقارن،
والمكي إذا بعد ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا، والمجاور بمكة إذا أراد حجة
الاسلام خرج إلى ميقاته فأحرم منه ولو تعذر خرج إلى أدنى الحل ولو تعذر أي الخروج
إلى أدنى الحل أحرم من مكة، ولو أقام سنتين انتقل فرضه إلى الإفراد والقران، ولو كان
له منزلان بمكة وناء اعتبر أغلبهما عليه.
ولو تساويا تخير في التمتع وغيره، ولا يجب على المفرد والقارن هدي ويختص الوجوب
بالتمتع، ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ولا إدخال أحدهما على الآخر.
المقدمة الرابعة:
في المواقيت وهي ستة: لأهل العراق العقيق وأفضله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره
ذات عرق، ولأهل المدينة مسجد الشجرة وعند الضرورة الجحفة وهي ميقات لأهل الشام
اختيارا، ولليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن المنازل، وميقات المتمتع لحجة مكة. وكل
من كان منزله أقرب من الميقات فميقاته منزله، وكل من حج على طريق فميقاته ميقات
أهله، ويجرد الصبيان من فخ، وأحكام المواقيت تشتمل على مسائل:
الأولى: لا يصح الإحرام قبل الميقات إلا لناذر بشرط أن يقع في أشهر الحج أو
العمرة المفردة في رجب لمن خشي تقضيه.
الثانية: لا يجاوز الميقات إلا محرما ويرجع إليه لو لم يحرم منه، فإن لم يتمكن فلا
حج له إن كان عامدا ويحرم من موضعه إن كان ناسيا أو جاهلا أو لا يريد النسك، ولو
دخل مكة خرج إلى الميقات ومع التعذر من أدنى الحل ومع التعذر يحرم من مكة.
الثالثة: لو نسي الإحرام حتى أكمل مناسكه فالمروي: أنه لا قضاء وفيه وجه
بالقضاء مخرج.
667

المقصد الأول: في أفعال الحج:
وهي الإحرام، والوقوف بعرفات وبالمشعر، والذبح بمنى، والطواف وركعتاه،
والسعي، وطواف النساء وركعتاه، وفي وجوب رمى الجمار والحلق أو التقصير تردد
أشبهه: الوجوب. وتستحب الصدقة أمام التوجه وصلاة ركعتين، وأن يقف على باب
داره ويدعو أو يقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وشماله وآية الكرسي كذلك، وأن
يدعو بكلمات الفرج وبالأدعية المأثورة.
القول في الإحرام:
والنظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه:
ومقدماته كلها مستحبة وهي: توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع
ويتأكد إذا أهل ذو الحجة، وتنظيف جسده، وقص أظافره، والأخذ من شاربه، وإزالة
الشعر عن جسده وإبطيه بالنورة ولو كان مطليا أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما،
والغسل ولو أكل أو لبس ما لا يجوز له أعاد غسله استحبابا وقيل: يجوز أن يقدم الغسل
على الميقات لمن خاف عوز الماء ويعيده لو وجده ويجزئ غسل النهار ليومه وكذا غسل
الليل ما لم ينم ولو أحرم بغير غسل أو بغير صلاة أعاد. وأن يحرم
عقيب فريضة الظهر أو عقيب فريضة غيرها ولو لم يتفق فعقيب ست ركعات وأقله ركعتان يقرأ في الأولى
الحمد والصمد وفي الثانية الحمد والجحد ويصلى نافلة الإحرام ولو في وقت الفريضة ما
لم يتضيق.
وأما الكيفية: فتشتمل الواجب والندب.
والواجب ثلاثة:
النية: وهي أن يقصد بقلبه إلى الجنس من الحج أو العمرة، والنوع من التمتع أو
غيره، والصفة من واجب أو غيره وحجة الاسلام أو غيرها، ولو نوى نوعا ونطق بغيره
فالمعتبر النية.
668

الثاني: التلبيات الأربع: ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلا بها، وأما القارن
فله أن يعقد بها أو بالإشعار أو التقليد على الأظهر وصورتها: لبيك اللهم لبيك لا شريك
لك لبيك. وقيل يضيف إلى ذلك: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وما
زاد على ذلك مستحب، ولو عقد إحرامه ولم يلب لم يلزمه كفارة بما يفعله، والأخرس
يجزئه تحريك لسانه والإشارة بيده.
الثالث: لبس ثوبي الإحرام: وهما واجبان والمعتبر ما يصح الصلاة فيه للرجل،
ويجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوبا، وفي جواز لبس الحرير للمرأة روايتان أشهرهما:
المنع. ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين وأن يبدل ثياب إحرامه ولا يطوف إلا فيهما
استحبابا.
والندب: رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا علت راحلته البيداء إن حج على طريق
المدينة وإن كان راجلا فحيث يحرم، ولو أحرم من مكة رفع بها إذا أشرف على الأبطح
وتكرارها إلى يوم عرفة عند الزوال للحاج وللمعتمر بالمتعة حتى يشاهد بيوت مكة
وبالمفردة إذا دخل الحرم إن كان أحرم من خارجه حتى يشاهد الكعبة إن أحرم من
الحرم، وقيل: بالتخيير وهو أشبه. والتلفظ بما يعزم عليه، والاشتراط أن يحله حيث
حبسه، وإن لم تكن حجة فعمرة، وأن يحرم في الثياب القطن وأفضله البيض.
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: المتمتع إذا طاف وسعى ثم أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا مضى في حجه
ولا شئ عليه وفي رواية: عليه دم. ولو أحرم عامدا بطلت متعته على رواية أبي بصير عن
أبي عبد الله ع.
الثانية: إذا أحرم الولي بالصبي فعل به ما يلزم المحرم وجنبه ما يتجنبه المحرم، وكل
ما يعجز عنه يتولاه الولي، ولو فعل ما يوجب الكفارة ضمن عنه، ولو كان مميزا جاز إلزامه
بالصوم عن الهدي ولو عجز صام الولي عنه.
الثالثة: لو اشترط في إحرامه ثم حصل المانع تحلل ولا يسقط هدي التحلل بالشرط
بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غير تربص ولا يسقط عنه الحج لو كان واجبا.
669

ومن اللواحق:
التروك وهي: محرمات ومكروهات.
فالمحرمات أربعة عشر: صيد البر إمساكا وأكلا ولو صاده محل وإشارة ودلالة
وإغلاقا وذبحا ولو ذبحه كان ميتة حراما على المحل والمحرم، والنساء وطئا وتقبيلا
ولمسا ونظرا بشهوة وعقدا له ولغيره وشهادة على العقد والاستمناء، والطيب وقيل: لا
يحرم إلا أربع: المسك والعنبر والزعفران والورس. وأضاف في الخلاف الكافور والعود،
ولبس المخيط للرجال وفي النساء قولان أصحهما: الجواز. ولا بأس بالغلالة للحائض
تتقي بها على القولين ويلبس الرجل السروال إذا لم يجد إزارا ولا بأس بالطيلسان وإن
كان له أزرار فلا يزره عليه ولبس ما يستر ظهر القدم كالخفين والنعل السندي وإن
اضطر جاز وقيل: يشق عن القدم.
والفسوق وهو الكذب، والجدال وهو الحلف، وقتل هوام الجسد ويجوز نقله ولا بأس
بإلقاء القراد والحلم، ويحرم استعمال دهن فيه طيب ولا بأس بما ليس بطيب مع
الضرورة، ويحرم إزالة الشعر قليله وكثيره ولا بأس به مع الضرورة، وتغطية الرأس للرجل
دون المرأة وفي معناه الارتماس ولو غطى ناسيا ألقاه واجبا وجدد التلبية استحبابا وتسفر
المرأة عن وجهها ويجوز أن تسدل خمارها إلى أنفها، ويحرم تظليل المحرم سائرا ولا بأس به
للمرأة وللرجل نازلا فإن اضطر جاز ولو زامل عليلا أو امرأة اختصا بالظلال دونه، ويحرم
قص الأظفار وقطع الشجر والحشيش إلا أن ينبت في ملكه ويجوز خلع الإذخر وشجر
الفواكه والنخل، وفي الاكتحال بالسواد والنظر في المرآة ولبس الخاتم للزينة ولبس المرأة
ما لم تعتده من الحلي، والحجامة لا للضرورة ودلك الجسد ولبس السلاح لا مع الضرورة
قولان أشبهها: الكراهية.
والمكروهات: الإحرام في غير البياض ويتأكد في السواد، وفي الثياب الوسخة، وفي
المعلمة، والحناء للزينة، والنقاب للمرأة، ودخول الحمام، وتلبية المنادي، واستعمال
الرياحين، ولا بأس بحك الجسد والسواك ما لم يدم.
670

مسألتان:
الأولى: لا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما إلا المريض أو من يتكرر كالحطاب
والحشاش، ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه وإن عاد في غيره أحرم
ثانيا.
الثانية: إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا ما استثني، ولا يمنعها الحيض عن الإحرام
لكن لا تصلي له ولو تركته ظنا أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات وأحرمت منه، ولو دخلت
مكة فإن تعذر أحرمت من أدنى الحل ولو تعذر أحرمت من موضعها.
القول في الوقوف بعرفات:
والنظر في المقدمة والكيفية واللواحق.
أما المقدمة: فتشتمل مندوبات خمسة: الخروج إلى منى بعد صلاة الظهرين يوم
التروية إلا لمن يضعف عن الزحام، والإمام يتقدم ليصلي الظهر بمنى والمبيت بها حتى
يطلع الفجر، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس ويكره الخروج قبل الفجر إلا
لمضطر كالخائف والمريض، ويستحب للإمام الإقامة بها حتى تطلع الشمس، والدعاء
عند نزولها وعند الخروج منها.
وأما الكيفية:
فالواجب فيها النية والكون بها إلى الغروب، ولو لم يتمكن من
الوقوف نهارا أجزأه الوقوف ليلا ولو قبل الفجر، ولو أفاض قبل الغروب عامدا عالما بالتحريم لم يبطل حجه
وجبره ببدنة، ولو عجز صام ثمانية عشر يوما ولا شئ عليه لو كان جاهلا أو ناسيا،
ونمرة وثوية وذو المجاز وعرنة والأراك حدود لا يجزئ الوقوف بها.
والمندوب: أن يضرب خباءه بنمرة، وأن يقف في السفح مع ميسرة الجبل في
السهل، وأن يجمع رحله ويسد الخلل به وبنفسه، والدعاء قائما، ويكره الوقوف في
أعلى الجبل وقاعدا أو راكبا.
وأما اللواحق فمسائل:
671

الأولى: الوقوف ركن فإن تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا تداركه ليلا ولو
إلى الفجر، ولو فات اجتزأ بالمشعر.
الثانية: لو فاته الوقوف الاختياري وخشي طلوع الشمس لو رجع اقتصر على المشعر
ليدركه قبل طلوع الشمس وكذا لو نسي الوقوف بعرفات أصلا اجتزأ بإدراك المشعر قبل
طلوع الشمس، ولو أدرك عرفات قبل الغروب ولم يتفق له المشعر حتى طلعت الشمس
أجزأه الوقوف به ولو قبل الزوال.
الثالثة: لو لم يدرك عرفات نهارا وأدركها ليلا ولم يدرك المشعر حتى طلعت
الشمس فقد فاته الحج وقيل: يصح حجه ولو أدركه قبل الزوال.
القول في الوقوف بالمشعر:
والنظر في مقدمته وكيفيته ولواحقه.
والمقدمة: تشتمل على مندوبات خمسة: الاقتصاد في السير، والدعاء عند الكثيب
الأحمر، وتأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو صار ربع الليل، والجمع بينهما بأذان
واحد وإقامتين، وتأخير نوافل المغرب حتى يصلى العشاء.
وفي الكيفية: واجبات ومندوبات.
فالواجبات: النية والوقوف به. وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر،
ويجوز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام ويكره لا معه، ووقت الوقوف ما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس للمضطر إلى الزوال ولو أفاض قبل الفجر عامدا عالما جبره بشاة ولم يبطل
حجه إن كان وقف بعرفات، ويجوز الإفاضة ليلا للمرأة والخائف.
والمندوب: صلاة الغداة قبل الوقوف والدعاء، وأن يطأ الصرورة المشعر برجله وقيل:
يستحب الصعود على قزح وذكر الله عليه. ويستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع
الشمس وألا يجاوز وادي محسر حتى تطلع، والهرولة في الوادي داعيا بالمرسوم ولو نسي
الهرولة رجع فتداركها، والإمام يتأخر بجمع حتى تطلع الشمس.
672

واللواحق ثلاثة:
الأول: الوقوف بالمشعر ركن فمن لم يقف به ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه
ولا يبطل لو كان ناسيا، ولو فاته الموقفان بطل ولو كان ناسيا.
الثاني: من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ويستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام
التشريق ثم يتحلل بعمرة مفردة ثم يقضي الحج إن كان واجبا.
الثالث: يستحب التقاط الحصى من جمع وهو سبعون حصاة ويجوز من أي جهات
الحرم شاء عدا المساجد وقيل: عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف. ويشترط أن يكون
أحجارا من الحرم أبكارا ويستحب أن تكون رخوة برشا بقدر الأنملة ملتقطة منقطة ويكره
الصلبة والمكسرة.
القول في مناسك منى يوم النحر:
وهي: رمى جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق.
أما الرمي: فالواجب فيه النية والعدد وهو سبع، وإلقاؤها بما يسمى رميا وإصابة
الجمرة بفعله فلو تممها حركة غيره لم يجز، والمستحب الطهارة والدعاء، ولا يتباعد بما
يزيد عن خمسة عشر ذراعا، وأن يرمي خذفا والدعاء مع كل حصاة، ويستقبل جمرة
العقبة ويستدبر القبلة وفي غيرها يستقبل الجمرة والقبلة.
وأما الذبح: ففيه أطراف:
الأول: في الهدي: وهو واجب على المتمتع خاصة مفترضا ومتنفلا ولو كان مكيا
ولا يجب على غير المتمتع، ولو تمتع المملوك كان لمولاه إلزامه بالصوم أو أن يهدي عنه ولو
أدرك أحد الموقفين معتقا لزمه الهدي مع القدرة والصوم مع التعذر، وتشترط النية في
الذبح ويجوز أن يتولاه بنفسه وبغيره ويجب ذبحه بمنى.
ولا يجزئ الواحد إلا عن واحد في الواجب وقيل: يجزئ عن سبعة وعن سبعين عند
الضرورة لأهل الخوان الواحد. ولا بأس به في الندب، ولا يباع ثياب التجمل في الهدي،
ولو ضل فذبح لم يجز، ولا يخرج شيئا من لحم الهدي عن منى ويجب صرفه في وجهه،
673

ويذبح يوم النحر وجوبا مقدما على الحلق ولو قدم الحلق أجزأه ولو كان عامدا وكذا لو
ذبحه في بقية ذي الحجة.
الثاني: في صفته: ويشترط أن يكون من النعم ثنيا غير مهزول ويجزئ من الضأن
خاصة الجذع لسنة، وأن يكون تاما فلا يجزئ العوراء ولا العرجاء ولا العضباء ولا ما
نقص منها شئ كالخصي ويجزئ المشقوقة الأذن وألا تكون مهزولة بحيث لا يكون على
كليتيها شحم لكن لو اشتراها على أنها سمينة فبانت مهزولة أجزأته فالثني من الإبل ما
دخل في السادسة ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية ويستحب أن تكون سمينة تنظر في
سواد وتمشي في سواد وتبرك في مثله أي لها ظل تمشي فيه.
وقيل: أن يكون هذه المواضع منها سودا، وأن يكون مما عرف به إناثا من الإبل أو
البقر ذكرانا من الضأن أو المعز، وأن ينحر الإبل قائمة مربوطة بين الخف والركبة
ويطعنها من الجانب الأيمن، وأن يتولاه بنفسه وإلا جعل يده مع يد الذابح والدعاء
وقسمته أثلاثا: يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويطعم القانع والمعتر ثلثه. وقيل: يجب الأكل
منه. وتكره التضحية بالثور والجاموس والموجوء.
الثالث: في البدل: فلو فقد الهدي ووجد ثمنه استناب في شرائه وذبحه طول ذي
الحجة وقيل: ينتقل فرضه إلى الصوم. ومع فقد الثمن يلزمه الصوم وهو ثلاثة أيام في الحج
متواليات وسبعة في أهله، ويجوز تقديم الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بالحج ولا
يجوز قبل ذي الحجة، ولو خرج ذو الحجة ولم يصم الثلاثة تعين الهدي في القابل بمنى،
ولو صام الثلاثة في الحج ثم وجد الهدي لم يجب لكنه أفضل، ولا يشترط في صوم السبعة
التتابع ولو أقام بمكة انتظر أقل الأمرين من وصوله إلى أهله ومضى شهر، ولو مات ولم
يصم صام الولي عنه الثلاثة وجوبا دون السبعة، ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر
وعجز أجزأه سبع شياة، ولو تعين عليه الهدي ومات أخرج من أصل تركته.
الرابع: في هدي القارن: ويجب ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج وبمكة إن قرنه
بالعمرة وأفضل مكة فناء الكعبة بالحزورة، ولو هلك لم يقم بدله، ولو كان مضمونا لزمه
البدل، ولو عجز عن الوصول نحره أو ذبحه وأعلمه، ولو أصابه كسر جاز بيعه والصدقة
674

بثمنه أو إقامة بدله ولا يتعين الصدقة إلا بالنذر وإن أشعره أو قلده، ولو ضل فذبح عن
صاحبه أجزأه ولو ضل فأقام بدله ثم وجده فإن ذبح الأخير استحب ذبح الأول، ويجوز
ركوبه وشرب لبنه ما لم يضر بولده، ولا يعطي الجزار من الهدي الواجب كالكفارات
والنذور ولا يأخذ الناذر من جلودها ولا يأكل منها فإن أخذ ضمنه، ومن نذر بدنة فإن
عين موضع النحر وإلا نحرها بمكة.
الخامس: الأضحية: وهي مستحبة ووقتها بمنى يوم النحر وثلاثة بعده وفي الأمصار
يوم النحر ويومان بعده، ويكره أن يخرج من أضحيته شيئا عن منى ولا بأس بالسنام
ومما يضحيه غيره ويجزئ هدي التمتع عن الأضحية والجمع أفضل، ومن لم يجد
الأضحية تصدق بثمنها فإن اختلف أثمانها جمع الأول والثاني والثالث وتصدق بثلثها،
ويكره التضحية بما يربيه وأخذ شئ من جلودها وإعطاؤها الجزار.
وأما الحلق: فالحاج مخير بينه وبين التقصير ولو كان صرورة أو ملبدا على الأظهر
والحلق أفضل، والتقصير متعين على المرأة ويجزئ ولو قدر الأنملة، والمحل بمنى ولو رحل
قبله عاد للحلق أو التقصير ولو تعذر حلق أو قصر حيث كان وجوبا وبعث بشعره إلى
منى ليدفن بها استحبابا، ومن ليس على رأسه شعر يجزئه إمرار الموسي والبدء برمي جمرة
العقبة ثم بالذبح ثم بالحلق واجب فلو خالف أثم ولم يعد، ولا يزور البيت لطواف الحج
إلا بعد الحلق أو التقصير فلو طاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة ولو كان ناسيا لم يلزمه
شئ وأعاد طوافه ويحل من كل شئ عند فراع مناسكه بمنى عدا الطيب والنساء
والصيد، فإذا طاف لحجة حل له الطيب وإذا طاف طواف النساء حللن له، ويكره
المخيط حتى يطوف للحج، والطيب حتى يطوف طواف النساء ثم يمضى إلى مكة
للطواف والسعي ليومه أو من الغد، ويتأكد في جانب المتمتع ولو أخر أثم، وموسع
للمفرد والقارن طول ذي الحجة على كراهية، ويستحب له إذا دخل مكة الغسل وتقليم
الأظفار وأخذ الشارب والدعاء عند باب المسجد.
675

القول في الطواف:
والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه:
أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن والختان في
الرجل. ويستحب مضغ الإذخر قبل دخول مكة ودخولها من أعلاها حافيا على سكينة
ووقار مغتسلا من بئر ميمون أو فخ ولو تعذر اغتسل بعد الدخول والدخول من باب بني
شيبة والدعاء عنده.
وأما الكيفية:
فواجبها: النية والبداءة بالحجر والختم به والطواف على اليسار وإدخال الحجر في
الطواف وأن يطوف سبعا ويكون بين المقام والبيت ويصلى ركعتين في المقام فإن منعه
زحام صلى حياله ويصلى النافلة حيث شاء من المسجد، ولو نسيهما رجع فأتى بهما
فيه، ولو شق صلاهما حيث ذكر، ولو مات قضى عنه الولي والقران مبطل في الفريضة
على الأشهر ومكروه في النافلة، ولو زاد سهوا أكملها أسبوعين وصلى ركعتي الواجب
منهما قبل السعي وركعتي الزيارة بعده ويعيد من طاف في ثوب نجس ولا يعيد لو لم
يعلم، ولو علم في أثناء الطواف أزاله وأتم ويصلى ركعتيه في كل وقت ما لم يتضيق
وقت حاضرة، ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتم، ولو رجع إلى أهله استناب،
ولو كان دون ذلك استأنف وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة، ولو قطعه لصلاة
فريضة حاضرة صلى ثم أتم طوافه، ولو كان دون الأربع وكذا للوتر، ولو دخل في
السعي فذكر أنه لم يطف استأنف الطواف ثم استأنف السعي، ولو ذكر أنه طاف ولم
يتم قطع السعي وأتم الطواف ثم تمم السعي.
ومندوبه: الوقوف عند الحجر والدعاء واستلامه وتقبيله فإن لم يقدر أشار بيده ولو
كانت مقطوعة فبموضع القطع، ولو لم يكن له يد أشار وأن يقتصد في مشيه ويذكر الله
سبحانه في طوافه ويلتزم المستجار وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة ويبسط يديه وخده
على حائطه ويلصق بطنه به ويذكر ذنوبه، ولو جاوز المستجار رجع والتزم وكذا يستلم
الأركان وآكدها ركن الحجر واليماني ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا فإن لم يتمكن
676

جعل العدة أشواطا ويقرأ في ركعتي الطواف بالحمد والصمد في الأولى وبالحمد والجحد
في الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراءة.
وأما أحكامه فثمانية:
الأول: الطواف ركن ولو تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر
العود استناب فيه وفي رواية: لو على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.
الثاني: من شك في عدده بعد الانصراف فلا إعادة عليه، ولو كان في أثنائه وكان
بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة، ولو كان في النقيصة أعاد في الفريضة وبنى على
الأقل في النافلة، ولو تجاوز الحجر في الثامن وذكر قبل بلوع الركن قطع ولم يعد.
الثالث: لو ذكر أنه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته ولا يعيد طواف النافلة
ويعيد صلاته استحبابا، ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به
ومع التعذر يستنيب فيه وفي الكفارة تردد أشبهه أنها لا تجب إلا مع الذكر، ولو نسي
طواف النساء استناب، ولو مات قضاه الولي.
الرابع: من طاف فالأفضل له تعجيل السعي ولا يجوز تأخيره إلى غده.
الخامس: لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف وقضاء المناسك إلا
لامرأة تخاف الحيض أو مريض أو هم وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة
روايتان أشهرهما: الجواز. ويجوز للقارن والمفرد تقديم الطواف اختيارا، ولا يجوز تقديم
طواف النساء لمتمتع ولا لغيره ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض ولا يقدم على
السعي ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.
السادس: قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة والكراهية أشبه ما لم يكن الستر
محرما.
السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء رجلا كان أو امرأة أو صبيا أو خصيا إلا في
العمرة المتمتع بها.
الثامن: من نذر أن يطوف على أربع قيل: يجب عليه طوافان. وروي ذلك في امرأة
نذرت، وقيل: لا ينعقد لأنه لا يتعبد بصورة النذر.
677

القول في السعي:
والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه.
أما المقدمة: فمندوبات عشرة: الطهارة واستلام الحجر والشرب من زمزم والاغتسال
من الدلو المقابل للحجر والخروج من باب الصفا وصعود الصفا واستقبال ركن الحجر
والتكبيرة والتهليل سبعا والدعاء بالمأثور.
وأما الكيفية: ففيها الواجب والندب.
فالواجب أربعة: النية والبداءة بالصفا والختم بالمروة والسعي سبعا يعد ذهابه
شوطا وعوده آخر.
والمندوبات أربعة أشياء: المشي طرفيه والإسراع ما بين المنارة إلى زقاق العطارين
ولو نسي الهرولة رجع القهقري وتدارك والدعاء وأن يسعى ماشيا ويجوز الجلوس في خلاله
للراحة.
وأما الأحكام فأربعة:
الأول: السعي ركن يبطل الحج بتركه عمدا ولا يبطل سهوا ويعود لتداركه فإن
تعذر العود استناب فيه.
الثاني: يبطل السعي بالزيادة عمدا ولا يبطل بالزيادة سهوا، ومن تيقن عدد
الأشواط وشك فيما بدأ به فإن كان في الفرد على الصفا أعاد ولو كان على المروة لم يعد
وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن النقصان أتى به.
الثالث: لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة أو لتدارك ركعتي الطواف أو غير ذلك أتم ولو
كان شوطا.
الرابع: لو ظن إتمام سعيه فأحل وواقع أهله أو قلم أظفاره ثم ذكر أنه نسي شوطا
أتم وفي الروايات: يلزمه دم بقرة.
678

القول في أحكام منى:
بعد العود يجب المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ولو بات بغيرها كان عليه
شاتان إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة ولو كان ممن يجب عليه المبيت الليالي الثلاث
لزمه ثلاث شياة، وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل، وقيل: لا
يدخل مكة حتى يطلع الفجر. ويجب رمى الجمار في الأيام التي يقيم بها كل جمرة بسبع
حصيات مرتبا يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ولو نكس أعاد على الوسطى
وجمرة العقبة ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة، ووقت الرمي ما
بين طلوع الشمس إلى غروبها ولو نسي رمى يوم قضاه من الغد مرتبا.
ويستحب أن يكون ما لأمسه غدوة وما ليومه بعد الزوال، ولا يجوز الرمي ليلا إلا
لعذر كالخائف والرعاة والعبيد ويرمى عن المعذور كالمريض، ولو نسي جمرة وجهل
موضعها رمى على كل جمرة حصاة، ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها
مستقبل القبلة ويقف داعيا عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا
يقف، ولو نسي الزمن حتى دخل مكة رجع وتدارك ولو خرج فلا حرج، ولو حج في
القابل استحب القضاء ولو استناب جاز.
وتستحب الإقامة بمنى أيام التشريق ويجوز النفر في الأول وهو الثاني عشر من ذي
الحجة لمن اتقى الصيد والنساء وإن شاء في الثاني وهو الثالث عشر، ولو لم يتق تعين
عليه الإقامة إلى النفر الأخير وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر، ومن نفر في
الأول لا ينفر إلا بعد الزوال وفي الأخير يجوز قبله ويستحب للإمام أن يخطب ويعلمهم
ذلك والتكبير بمنى مستحب وقيل: يجب.
ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة والأفضل العود لوداع البيت ودخول
الكعبة خصوصا للصرورة ومع عوده تستحب الصلاة في زوايا البيت وعلى الرخامة
الحمراء والطواف بالبيت واستلام الأركان والمستجار والشرب من زمزم والخروج من
باب الحناطين والدعاء والسجود مستقبل القبلة والدعاء والصدقة بتمر يشتريه بدرهم ومن
المستحب التحصيب والنزول بالمعرس على طريق المدينة وصلاة ركعتين به والعزم على
679

العود.
ومن المكروهات: المجاورة بمكة والحج على الإبل الجلالة ومنع دور مكة من
السكنى وأن يرفع بناء فوق الكعبة والطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة وللمقيم
بالعكس.
واللواحق أربعة:
الأول: من أحدث ولجأ إلى الحرم لم يقم عليه حد بجنايته ولا تعزير ويضيق عليه
في المطعم والمشرب ليخرج، ولو أحدث في الحرم قوبل بما تقتضيه جنايته.
الثاني: لو ترك الحجاج زيارة النبي ص أجبروا على ذلك وإن
كان ندبا لأنه جفاء.
الثالث: للمدينة حرم وحده من عائر إلى وعير لا يعضد شجره ولا بأس بصيده إلا
ما صيد بين الحرتين.
الرابع: يستحب الغسل لدخولها، وزيارة النبي ص استحبابا
مؤكدا وزيارة فاطمة عليها صلوات الله والسلام في الروضة والأئمة ع بالبقيع
والصلاة بين المنبر والقبر وهو الروضة، وأن يصام بها الأربعاء ويومان بعده للحاجة،
وأن يصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلى
مقام الرسول ص، والصلاة في المساجد، وإتيان قبور الشهداء
خصوصا قبر حمزة ع.
المقصد الثاني: في العمرة:
وهي واجبة في العمر مرة على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج وقد تجب بالنذر
وشبهه وبالاستئجار والإفساد والفوات وبدخول مكة عدا من يتكرر والمريض.
وأفعالها ثمانية: النية والإحرام والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه
والتقصير أو الحلق. وتصح في جميع أيام السنة وأفضلها رجب، ومن أحرم بها في أشهر
الحج ودخل مكة جاز أن ينوي بها التمتع ويلزمه الدم ويصح الاتباع إذا كان بين
680

العمرتين شهر وقيل: عشرة أيام. وقيل: لا يكون في السنة إلا عمرة واحدة. ولم يقدر
" علم الهدي " بينهما حدا. والتمتع بها يجزئ عن المفردة وتلزم من ليس من حاضري
المسجد الحرام ولا تصح إلا أشهر الحج ويتعين فيها التقصير ولو حلق قبله لزمه شاة وليس
فيها طواف النساء.
وإذا دخل مكة متمتعا كره له الخروج لأنه مرتبط بالحج، ولو خرج وعاد في شهره
فلا حرج وكذا لو أحرم بالحج وخرج بحيث إذا أزف الوقوف عدل إلى عرفات، ولو
خرج لا كذلك وعاد في غير الشهر جدد عمرة وجوبا ويتمتع بالأخيرة دون الأولى.
المقصد الثالث في اللواحق:
وهي ثلاثة:
الأول: في الإحصار والصد:
المصدود من منعه العدو فإذا تلبس بالإحرام فصد نحر هديه وأحل من كل شئ،
ويتحقق الصد مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة أو الموقفين بحيث لا طريق غير
موضع الصد أو كان لكن لا نفقة، ولا يسقط الحج الواجب مع الصد ويسقط المندوب،
وفي وجوب الهدي على المصدود قولان أشبههما الوجوب. ولا يصح التحلل إلا بالهدي
ونية التحلل، وهل يسقط الهدي لو شرط حله حيث حبسه؟ فيه قولان أظهرهما أنه لا
يسقط. وفائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع، وفي إجزاء هدي السياق عن هدي
التحلل قولان أشبهها أنه يجزئ. والبحث في المعتمر إذا صد عن مكة كالبحث في
الحاج.
والمحصر هو الذي يمنعه المرض وهو يبعث هديه لو لم يكن ساق، ولو ساق اقتصر على
هدي السياق، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهو منى إن كان حاجا ومكة إن كان
معتمرا فهناك يقصر ويحل إلا من النساء حتى يحج في القابل إن كان واجبا أو يطاف
عنه للنساء إن كان ندبا، ولو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله ويذبح في القابل
وهل يمسك عما يمسك عنه المحرم؟ الوجه: لا. ولو أحصر فبعث ثم زال العارض التحق
681

فإن أدرك أحد الموقفين صح حجه وإن فأتاه تحلل بعمرة، ويقضي الحج إن كان واجبا
ولا ندبا والمعتمر يقضي عمرته عند زوال المنع وقيل: في الشهر الداخل. وقيل: لو أحصر
القارن حج في القابل قارنا. وهو على الأفضل إلا أن يكون القران متعينا بوجه، وروي:
استحباب بعث الهدي والمواعدة لإشعاره وتقليده واجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة
حتى يبلغ محله. ولا يلبي لكن يكفر لو أتى بما يكفر له المحرم استحبابا.
الثاني: في الصيد وهو الحيوان المحلل الممتنع:
ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ فيه ولا الدجاج الحبشي ولا بأس بقتل
الحية والعقرب والفأرة ورمى الغراب والحدأة ولا كفارة في قتل السباع، وروي: في
الأسد كبش إذا لم يرده، وفيها ضعف. ولا كفارة في قتل الزنبور خطأ وفي قتله عمدا
صدقة بشئ من طعام ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة لا ذبحها وإنما
يحرم على المحرم صيد البر وينقسم قسمين:
الأول: ما لكفارته بدل على الخصوص وهو خمسة:
الأول: النعامة وفي قتلها بدنة، فإن لم يجد فض ثمن البدنة على البر وأطعم ستين
مسكينا كل مسكين مدين ولا يلزمه ما زاد عن ستين ولا ما زاد عن قيمتها، فإن لم يجد
صام عن كل مدين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما.
الثاني: في بقرة الوحش بقرة أهلية، فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا كل مسكين
مدين ولو كانت قيمة البقرة أقل اقتصر على قيمتها، فإن لم يجد صام عن كل مسكين
يوما، فإن عجز صام تسعة أيام وكذا الحكم في حمار الوحش على الأشهر.
الثالث: الظبي وفيه شاة، فإن لم يجد فض ثمن الشاة على البر وأطعم عشرة كل
مسكين مدين ولو قصرت قيمتها اقتصر عليها، فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوما،
فإن عجز صام ثلاثة أيام والإبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير وقيل: على الترتيب.
وهو أظهر. وفي الثعلب والأرنب شاة وقيل: البدل فيهما كالظبي.
682

الرابع: في بيض النعام إذا تحرك الفرخ فلكل بيضة بكرة وإن لم يحرك أرسل فحولة
الإبل في إناث بعدد البيض فما نتج كان هديا للبيت، فإن عجز فعن كل بيضة شاة
فإن عجز فإطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام.
الخامس: في بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم وفي رواية: عن
البيضة مخاض من الغنم. وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناث بعدد البيض فما نتج
كان هديا ولو عجز كان فيه ما في بيض النعام.
الثاني: ما لا بدل لفديته وهو خمسة:
الحمام وهو كل طائر يهدر ويعب الماء وقيل: كل مطوق. ويلزم المحرم في قتل
الواحدة شاة وفي فرخها حمل وفي بيضها درهم وعلى المحل فيها درهم وفي فرخها نصف
درهم وفي بيضها ربع درهم، ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران كفارتان،
ويستوي فيه الأهلي وحمام الحرم غير أن حمام الحرم يشترى بقيمته علفا لحمامه.
وفي القطاة حمل قد فطم ورعى الشجر وكذا في الدراج وشبههما وفي رواية: دم.
وفي الضب جدي وكذا في القنفذ واليربوع.
وفي العصفور مد من طعام وكذا في القنبرة والصعوة.
وفي الجراد كف من طعام وكذا في القملة يلقيها عن جسده وكذا قيل في قتل الشاة.
ولو كان الجراد كثيرا فدم شاة، ولو لم يمكن التحرز منه فلا إثم ولا كفارة.
ثم أسباب الضمان: إما مباشرة وإما إمساك وإما تسبب:
أما المباشرة: فمن قتل صيدا ضمنه، ولو أكله أو شيئا منه لزمه فداء آخر وكذا لو
أكل ما ذبح في الحل ولو ذبحه المحل، ولو أصابه ولم يؤثر فيه فلا فدية، وفي يديه كمال
القيمة وكذا في رجليه، وفي قرنيه نصف قيمة، ولو جرحه أو كسر رجله أو يده ورآه سويا
فربع الفداء، ولو جهل حاله ففداء كامل قيل: وكذا لو لم يعلم حاله أثر فيه أم لا.
وقيل: في كسر يد الغزال نصف قيمته وفي كل واحدة ربع وفي المستند ضعف. ولو
اشترك جماعة في قتله لزم كل واحد منهم فداء، ولو ضرب طيرا على الأرض فقتله لزمه
ثلاث قيم وقال الشيخ: دم وقيمتان. ولو شرب لبن ظبية لزمه دم وقيمة اللبن.
683

وأما اليد: فإذا أحرم ومعه صيد زال عنه ملكه ووجب إرساله ولو تلف قبل الإرسال
ضمنه، ولو كان الصيد نائيا عنه لم يخرج عن ملكه، ولو أمسكه محرم في الحل وذبحه
بمثله لزم كلا منهما فداء، ولو كان أحدهما محلا ضمنه المحرم وما يصيده المحرم في الحل
لا يحرم على المحل.
وأما التسبب: فإذا أغلق على حمام وفراخ وبيض ضمن بالإغلاق الحمامة بشاة
والفرخ بحمل والبيضة بدرهم، ولو أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم والفرخ
بنصف والبيضة بربع وشرط الشيخ مع الإغلاق الهلاك، وقيل: إذا نفر حمام الحرم ولم
يعد فعن كل طير شاة ولو عاد فعن الجميع شاة. ولو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن
كل واحد منهما فداء، ولو أوقد جماعة نارا فاحترق فيها حمامة أو شبهها لزمهم فداء ولو
قصدوا ذلك لزم كل واحد فداء، ولو دل على صيد أو أغرى كلبه فقتل ضمنه.
ومن أحكام الصيد مسائل:
الأولى: ما يلزم المحرم في الحل والمحل في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم ما لم
يبلغ بدنة.
الثانية: يضمن الصيد بقتله عمدا أو سهوا أو جهلا وإذا تكرر خطأ دائما ضمن ولو
تكرر عمدا ففي ضمانه في الثانية روايتان أشهرهما: أنه لا يضمن.
والثالثة: لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن كل بيضة بشاة وضمن
المحل عن كل بيضة درهما.
الرابعة: لا يملك المحرم صيدا معه ويملك ما ليس معه.
الخامسة: لو اضطر إلى أكل صيد وميتة فيه روايتان أشهرهما: يأكل الصيد ويفديه.
وقيل: إذا لم يمكنه الفداء أكل الميتة.
السادسة: إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه للمالك ولو لم يكن مملوكا تصدق به،
وحمام الحرم يشترى بقيمته علفا لحمامه.
السابعة: ما يلزم المحرم يذبحه أو ينحره بمنى ولو كان معتمرا فبمكة.
684

الثامنة: من أصاب صيدا فداؤه شاة وإن لم يجد أطعم عشرة مساكين فإن عجز صام
ثلاثة أيام في الحج ويلحق بهذا الباب صيد الحرم وهو بريد في بريد من قتل فيه صيدا
ضمنه ولو كان محلا وهل يحرم وهو يؤم الحرم؟ الأشهر الكراهية. ولو أصابه فدخل الحرم
ومات لم يضمن على أشهر الروايتين، ويكره الصيد بين البريد والحرم، ويستحب
الصدقة بشئ لو كسر قرنه أو فقأ عينه.
والصيد المربوط في الحل يحرم اخراجه لو دخل الحرم ويضمن المحل لو رمى الصيد
من الحرم فقتله في الحل وكذا لو رماه من الحل فقتله في الحرم، ولو كان الصيد على غصن
في الحل وأصله في الحرم ضمنه القاتل.
ومن أدخل الحرم صيدا وجب عليه إرساله ولو تلف في يده ضمنه وكذا لو أخرجه
فتلف قبل الإرسال، ولو كان طائرا مقصوصا حفظه حتى يكمل ريشه ثم أرسله، وفي
تحريم حمام الحرم في الحل تردد أشبهه الكراهية. ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه
صدقة يسلمها بتلك اليد، وما يذبح من الصيد في الحرم ميتة ولا بأس بما يذبح المحل في
الحل، وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنه يملك. ويجب إرسال ما يكون معه.
الثالث: في باقي المحظورات:
وهي تسعة:
الاستمتاع بالنساء: فمن جامع أهله قبل أحد الموقفين قبلا أو دبرا عامدا عالما
بالتحريم، أتم حجه ولزمه بدنة والحج من قابل فرضا كان حجه أو نفلا وهل الثانية
عقوبة؟ قيل: نعم. والأولى فرضه، وقيل: الأولى فاسدة والثانية فرضه. والأول هو
المروي، ولو أكرهها وهي محرمة حمل عنها الكفارة ولا حج عليها في القابل، ولو طاوعته
لزمها ما يلزمه ولم يتحمل عنها كفارة وعليهما الافتراق إذا وصلا موضع الخطيئة حتى
يقضيا المناسك ومعناه ألا يخلوا إلا مع ثالث.
ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر لم يلزمه الحج من قابل وجبره ببدنة، ولو استمنى
بيده لزمته البدنة حسب وفي رواية: الحج من قابل. ولو جامع أمته المحرمة باذنه محل
685

لزمه بدنة أو بقرة أو شاة، ولو كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام.
ولو جامع قبل طواف الزيارة لزمه بدنة فإن عجز فبقرة أو شاة، ولو طاف من طواف
النساء خمسة أشواط ثم واقع لم يلزمه الكفارة وأتم طوافه وقيل: يكفي في البناء مجاوزة
النصف. ولو عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل فعلى كل واحد كفارة وكذا لو كان
العاقد محلا على رواية سماعة.
ومن جامع في إحرام العمرة قبل السعي فعليه بدنة وقضاء العمرة، ولو أمنى بنظره إلى
غير أهله فبدنة إن كان موسرا وبقرة إن كان متوسطا أو شاة إن كان معسرا، ولو نظر إلى
أهله لم يلزمه شئ إلا أن ينظر إليها بشهوة فيمني فعليه بدنة، ولو مسها بشهوة فشاة أمنى
أو لم يمن، ولو قبلها بشهوة كان عليه جزور وكذا لو أمنى عن ملاعبة، ولو كان عن
تسمع على مجامع أو استماع إلى كلام امرأة من غير نظر لم يلزمه شئ.
والطيب: ويلزم باستعماله شاة صبغا وإطلاء وبخورا وفي الطعام ولا بأس بخلوق
الكعبة وإن مازجه الزعفران.
والقلم: وفي كل ظفر مد من طعام، وفي يديه ورجليه شاة إذا كان في مجلس
واحد، ولو كان كل واحد منهما في مجلس فدمان، ولو أفتاه بالقلم فأدمى ظفره فعلى
المفتي شاة.
والمخيط: يلزم به دم، ولو اضطر جاز ولو لبس عدة في مكان.
وحلق الشعر: فيه شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان أو عشرة لكل
مسكين مد وصيام ثلاثة أيام مختارا أو مضطرا.
وفي نتف الإبطين شاة، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، ولو مس لحيته أو رأسه
وسقط من رأسه شعر تصدق بكف من طعام ولو كان بسبب الوضوء للصلاة فلا كفارة.
والتظليل: فيه سائرا شاة وكذا في تغطية الرأس ولو بالطين أو الارتماس أو حمل ما
يستره.
والجدال: ولا كفارة فيما دون الثلاث صادقا وفي الثلاث شاة، وفي المرة كذبا
شاة وفي المرتين بقرة وفي الثلاث بدنة.
686

وقيل: في دهن للتطييب شاة. وكذا قيل في قلع الضرس.
مسائل ثلاث:
الأولى: في قلع الشجر من الحرم الإثم عدا ما استثني سواء كان أصلها في الحرم أو
فرعها وقيل: فيها بقرة. وقيل: في الصغيرة شاة وفي الكبيرة بقرة.
الثانية: لو تكرر الوطء تكرر الكفارة، ولو كرر اللبس فإن اتحد اللبس لم يتكرر
وكذا لو كرر الطيب ويتكرر مع اختلاف المجلس.
الثالثة: إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه لزمه دم شاة وتسقط الكفارة عن
الناسي والجاهل إلا في الصيد.
687

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
689

كتاب الحج والعمرة
باب فضل الحج والعمرة:
روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ص بالأبطح فقال: إني أردت
الحج ففاتني فمرني أصنع ما بلغ الحاج فقال ع: أنظر إلى هذا الجبل يعني
أبا قبيس لو أنفقت زنته ذهبة حمراء في سبيل الله حتى تفني ما بلغت ما بلغ الحاج.
وقال: لا يحالف الفقر والحمى مدمن الحج والعمرة.
وقال جعفر بن محمد ع: الحاج والمعتمر وفد الله إن سألوه أعطاهم وإن
دعوه أجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سكتوا ابتدأهم ويعوضون بالدرهم ألف ألف
درهم. وقال لعذافر: ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ فقال: العيال. قال: فإذا مت
فمن للعيال؟ أطعم عيالك الخل والزيت وحج بهم كل سنة. وقال: ليس في ترك الحج
خيرة. وقال: من مات في طريق مكة أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. وقال: من دفن
في الحرم أمن من الفزع الأكبر من بر الناس وفاجرهم.
وقيل له: إن أبا حنيفة يقول: عتق رقبة أفضل من حجة تطوع فقال: كذب وأيم
الله لحجة أفضل من عتق رقبة ورقبة ورقبة، حتى عد عشرا، ويحه في الرقبة طواف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة وحلق الرأس ورمى الجمار؟ ولو كان كذلك
لعطل الناس الحج ولو فعلوا كان على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وإن أبوا فإن
هذه البنية إنما وضعت للحج.
وفي حديث آخر: حجة أفضل من سبعين رقبة ما يعدله شئ ولدرهم في حج أفضل
691

من ألفي ألف فيما سواه من سبيل الله. وعنه ع إذا أخذ الناس مواطنهم بمنى
نادى مناد من قبل الله: إن أردتم أن أرضى فقد رضيت والحج دنيا وآخرة وأقل من
نفقة الحج تنشط له ولا تمله.
وفي حديثه: إذا كان الرجل يحج في كل سنة فيتخلف قالت ملائكة الأرض للذين
على الجبال: ما سمعنا صوت فلان أطلبوه. فلا يصيبونه فيقولون: اللهم إن كان منع
فلانا دين فأد عنه دينه، أو مرض فاشفه أو فقر فأغنه أو حبس فأطلق عنه. والناس
يدعون لأنفسهم وهم يدعون لمن تخلف.
وعن أبي جعفر ع: إذا أخذ الحاج في جهازه كتب له بكل خطوة عشر
حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات فإذا ركب راحلته لم تضع خفا
ولم ترفع خفا إلا كتب له مثل ذلك فإذا قضى مناسكه غفر الله له ذنوبه وكان ذا الحجة
والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات إلا أن
يأتي بموجبة فإذا مضت خلط بالناس.
ومن حديث جعفر بن محمد ع: خرجت على نيف وسبعين بعيرا وبضع
عشرة دابة ولقد اشتريت سودا أكثر بها العدد ولقد آذاني أكل الخل والزيت حتى أن
حميدة أمرت بدجاجة فشويت لي فرجعت إلى نفسي.
وفي حديث علي بن الحسين ع: حجوا واعتمروا تصح أبدانكم ويتسع
أرزاقكم وتكفوا مؤونات عيالاتكم والحاج مغفور له وموجوب له الجنة ومستأنف به
العمل ومحفوظ في أهله وماله. وعن الصادق ع: الحاج لا يزال نور الحج عليه ما
لم يلم بذنب. وعن علي بن الحسين ع: يا معشر من لم يحج استبشروا بالحاج
وصافحوهم وعظموهم فإن ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر.
وعن العبد الصالح قال: قال رسول الله ص: ما من طائف يطوف
بهذا البيت حتى تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه ويغض بصره
ويستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ولا يقطع ذكر الله عن لسانه إلا
كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين
692

ألف درجة وأعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف وشفع في سبعين من
أهل بيته وقضى له سبعين ألف حاجة إن شاء فعاجله وإن شاء فأجله.
وروي: أ يحج الرجل وعليه دين؟ فقال: هو أقضى للدين. وروى عبد الله بن
ميمون عن جعفر عن أبيه ع أن عليا قال لرجل كبير لم يحج قط: إن شئت
تجهز رجلا يحج عنك. وعن جعفر بن محمد ع: ليس لأهل سرف ولا لأهل
مر ولا لأهل مكة ولا عسفان ونحوها متعة. وروى حريز عن جعفر بن محمد
عليهما السلام في قوله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
قال: من كان على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية عشر من خلفها وثمانية عشر
عن يمينها وثمانية عشر عن يسارها فلا متعة له مثل مر وأشباهها. وعن الرضا
عليه السلام: ما وقف أحد بتلك الجبال إلا استجيب له فأما المؤمنون فيستجاب لهم في
آخرتهم وأما الكفار فيستجاب لهم في دنياهم.
وينبغي لمريد السفر تحري الخروج يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم السبت والثلاثاء
ولا يسافر يوم الجمعة والاثنين، وإذا أراد ذلك تصدق حين يضع رجله في الركاب
وخرج متى شاء، وإذا هبط سبح وإذا صعد كبر وليحفظ نفقته وليصحب نظراءه، وحق
المريض أن يقيموا عليه ثلاثا.
وليقصد في النفقة ولا يسرف إلا في حج أو عمرة، ومن كان نظر في النجوم فوقع في
قلبه شئ فليتصدق على أول سائل وليخرج، والحداء زاد المسافر والشعر الذي لا خناء
فيه، ومن خرج متطهرا معتما تحت حنكه ثلاثا أمن الغرق والحرق والسرق، ومن
خرج في أربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقى من كل آفة وعوفي من كل بلوى
وقضى الله له كل حاجة، ومن حج بمال حرام نودي عند التلبية: لا لبيك ولا سعديك.
ومن عانق حاجا بغباره فكأنما لثم الحجر الأسود.
ومن ترك الحج لحاجة نظر المحلقين قد انصرفوا ولم تقض الحاجة، وحجة الجمال
والتاجر والأجير والمشرك في حجه جماعة تامة، والحافظ للقوم متاعهم ليطوفوا أعظمهم
أجرا، وقعوده عند المريض أفضل من صلاته في مسجد الرسول ص،
693

ومروة السفر: طلاقة الوجه وبذل الزاد وقراءة القرآن وحسن الصحابة لمن صحبه وإن
كان كافرا.
وأن يكتم على القوم أمرهم، والمزاح في غير معصية من غير أن يكثره، والسير آخر
الليل خير من أوله، وخادم القوم أفضلهم، وسؤال من صحبه عن اسمه ونسبه وبلده،
وأن يمشي خطي بنفسه أو راحلته في طريق يختص رفيقه، وأن يستودع الله نفسه ودينه
وأن لا يحدث بما كان إذا حضر ولا يسافر وحده، فالواحد شيطان والاثنان شيطانان
والثلاثة نفر والأربعة رفقة.
باب وجوب الحج والعمرة وشرائط وجوبهما:
وأقسامهما ضربان: واجب وندب. فالواجب ضربان: مطلق ومسبب.
فالمطلق حجة الاسلام وعمرته ووجوبهما على الفور وفي العمر مرة واحدة على كل
انسان حر بالغ كامل العقل صحيح واجد للزاد والراحلة والنفقة لذهابه ورجوعه ولمن
يجب عليه نفقته مخلى السرب متمكن من المسير راجع إلى كفاية من مال أو ضيعة أو
حرفة واجد زوجا أو محرما أو من يوثق بدينه إن كان امرأة ذات هيئة.
والمسبب منهما ما كان عن نذر أو عهد أو إفساد حج أو إجارة.
والندب تكرارهما للواحد بنفسه وأن يعطي أجرا من يحج عنه، وكلما أكثر منه
ومنهم كان أفضل.
ويستحب أن يحج بالصبي أو يؤمر به وأن يتكلفهما من لا يملك الاستطاعة بالمشي أو
ركوب بعض المسافة أو كسب ما يقوم به في الطريق، فإن حج الصبي أو حج به أو حج
العبد والمدبر والمكاتب وأم الولد أو عادم الزاد والراحلة لم يجزهم عن حجة الاسلام،
فإن أعتق الرقيق وبلغ الصبي بعد إحرامهما وقبل الوقوف بأحد الموقفين أجزأهما
والأولى أن لا يجزئ عن الصبي.
ومن كان مريضا أو منعه ذو سلطان أو عدو من الحج استحب له أن يحج عنه غيره
فإذا زال المنع وجب عليه بنفسه. وإذا مات من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يحج
694

عنه من صلب المال يستأجر من بلده، فإن أوصى به بمبلغ يزيد على أجر المثل كانت
الزيادة من الثلث وإن أوصى بدونها تممت، وإن عين من يحج عنه بأزيد من أجر المثل
وخرج من الثلث صح وإن كان وارثا، وإن كان ممن تعين عليه الحج عن نفسه لم يجز
أن يحج عن غيره ولا يتطوع به، وإن أوصى بالحج تطوعا كان من الثلث ومن بلده وإلا
فمن حيث أمكن، فإن لم يمكن الحج به صرف في وجوه البر.
وإن كان واجبا ولم يخلف ما يحج به من بلده أو كان عليه ديون وماله لا يفي حج
عنه من حيث أمكن في الأولى ووزع ما ترك على الديون والحج على القدر في الثانية، وإن
لم يخلف مالا استحب للولي أن يحج عنه.
ونذر الحج إن عين بسنة تعينت فإن حصر حصرا عاما أو خاصا ففات الوقت
سقطت وإن أفسدها وجب قضاؤها، وإن اجتمعت حجة النذر وحجة الاسلام، تتداخلا
وروي: إن حج بنية النذر أجزأ عن حجة الاسلام.
ويصح نذر الحج من البالغ الكامل العقل الحر، ولا يشترط في وجوب حج النذر
الاستطاعة بالمال إلا أن يشرطها في النذر، ولا تعد في الاستطاعة لحج الاسلام وعمرته
دار السكنى والخادم ويعتبر ما عدا ذلك من ضياع وعقار وكتب وغير ذلك.
والدين يمنع وجوب الحج إذا كان ماله يفي به فقط ولا يستقرض له من ولده وغيره،
فإن بذلت له الاستطاعة وجب الحج وأجزأه والعود أفضل، والراحلة راحلة مثله فالقادر
على ركوب السرج والقتب إذا وجدهما وجب عليه، والضعيف لكبر أو خلقه إنما
يستطيع بركوب محمل وشبهه، وإن كان له طريقان في أحدهما عدو واستطاع بالأخرى
وجب عليه وإن لم يستطع به لم يجب الحج لعدم التخلية فإن احتاج إلى بذل مال للعدو
استحب له تكلفه.
ومن وجب عليه الحج ثم نذر الحج بدأ بحجة الاسلام، ويحج الرجل عن الرجل
والمرأة عن المرأة وبالعكس. وإذا استطاع النائب بعد بنفسه وماله وجب عليه، والعبد
يحج عن غيره بإذن مولاه، ومن استطاع بنفسه وماله فحج ماشيا أجزأه وهو أفضل من
الركوب إن لم يضعف عن أداء الفرائض، ويجب إتمام الحج والعمرة بالدخول فيهما وإن
695

كان مندوبين، ويجب قضاؤهما بإفسادهما ولا يعتبر الاستطاعة بالمال في قضاء فاسد
الحج والعمرة.
ومن استطاع الحج كافرا وجب عليه ولم يصح منه فإن بقي مستطيعا حتى أسلم
صح منه ووجب عليه فإن لم يبق كذلك لم يجب عليه القضاء. والمخالف إذا حج ثم
استبصر أجزأ والإعادة أفضل، وإذا أحرم ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام لم يبطل وبنى
عليه.
ومن نذر الحج ماشيا وجب كذلك ويقوم قائما إن عبر في سفينة نهرا وينقطع
مشيه إذا رمى الجمرة وروي: إذا أفاض من عرفات ويزور البيت راكبا فإن عجز عن
المشي ركب ويستحب له أن يهدي بدنة، وإن ركب من غير عجز أعاد الحج يمشي ما
ركب ويركب ما مشى.
ومن نذر إن رزق ولدا يحج به أو عنه فرزق ثم مات الناذر حج بالولد أو عنه من
صلب المال، ومن نذر الحج ولم يحج حتى مات ولم يكن حج حجة الاسلام أخرجت
عنه حجة الاسلام من رأس المال وحجة النذر من الثلث فإن لم يخلف إلا قدر ما يحج به
أحدهما حج عنه حجة الاسلام ويستحب لوليه أن يحج عنه حجة النذر.
ومن وجبت عليه حجة الاسلام فخرج ليفعلها فمات بعد الإحرام ودخول الحرم
أجزأه وإن مات قبل ذلك وجب أن يقضي عنه من تركته وإن لم يوص بها، ومن أوصى
بالحج عنه كل عام من وجه يعينه فلم يسع لذلك جاز أن يجعل ما لسنتين أو ثلاث لسنة
واحدة، ومن أوصى بالحج مطلقا حج عنه ما بقي من ثلثه ما يمكن الحج به.
ومن أراد دخول الحرم لم يدخل إلا محرما بحج أو عمرة إلا المريض ومن يتكرر
دخوله كالحطاب، ومن اعتمر ثم خرج ثم دخل في الشهر الذي فعلها فيه ولو كان في
شهر آخر لا يجوز إلا أن يكون محرما.
696

باب أنواع الحج والإحرام وميقاته ومقدماته وما يحرم على المحرم وما يكره له وما
يستحب وما يجوز:
وأنواعه ثلاثة: حج تمتع بالعمرة إليه وحج قرن به سوق الهدي وحج أفرد منهما.
فالأول فرض على كل بعيد عن المسجد الحرام بقدر اثني عشر ميلا من كل جانب
منه لا يجزئه غيره إلا لضرورة أو تقية وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرع منها ثم
يحج من عامه، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وإلى الفجر من يوم النحر من ذي الحجة.
وروي: إلى آخره. فمتى أحرم بالمتعة أو بالحج في غيرها انعقد بعمرة مبتولة.
وميقات المتعة العقيق لأهل العراق أوله المسلخ وهو الأفضل ودونه غمرة في الفضل
وآخره ذات عرق فلا يجاوزها إلا محرما، فإن جاوزها محلا ناسيا أو غير مريد النسك
رجع إليها مع الإمكان وإلا أحرم من مكانه، فإن كان دخل الحرم خرج إلى خارجه إذا
لم يمكنه الميقات، وإن جاوزها عمدا رجع إليها وإلا فلا حج له، ولا يجوز لأحد الإحرام
قبل الميقات وهو باطل إلا لمن نذره ولمن أراد عمرة رجب وخاف خروجه ولم يبلغ
الميقات وتكون رجبية لأنها بحيث أهل لا بحيث أحل.
وميقات أهل الشام الجحفة، وهي مهيعة، وميقات أهل المدينة مسجد الشجرة
وعند الضرورة الجحفة، وميقات أهل اليمن يلملم، وميقات أهل الطائف قرن المنازل
بسكون الراء. ومن منزله دون هذه فميقاته منزله. ومن حج على طريق قوم أحرم
لميقاتهم، ومن جاور بمكة سنتين فبحكمهم، وإن جاور دونها تمتع من ميقات أهله، فإن
كان له وطنان بمكة وبالأبعد عمل على الأغلب.
والقران والإفراد فرض حاضري المسجد وهم من كان منه إلى اثني عشر ميلا من كل
جانب وميقاته مكة أو دويرة أهله إن كان خارجها، وميقات الحج للمتمتع مكة
والمسجد أفضل ومنه تحت الميزاب أو عند المقام، فإن تمتع المكي أجزأه الحج وعليه عمرة
بعده ولا هدي عليه.
ولا يجوز أن يحرم بالحج والعمرة معا، فإن فعل وفرضه المتعة قضى نسكها ثم حج
697

وعليه دم، وإن كان فرضه الحج كالمكي فعل الحج ولا دم عليه، فإن أهل المتمتع بالحج
قبل أن يقصر عمدا بطلت متعته وصارت حجة مفردة ولم تجزه، وإن فعله سهوا فلا شئ
عليه ويمضى في حجه ولم تبطل متعته.
وإن أحرم بالحج مفردا جاز له فسخه إلى المتعة وإن أحرم بالمتعة قارنا هديا أو حج
قارنا هديا أو مفردا ولبى بعد طوافه لم يصح جعل ذلك متعة، وإن أهل بعمرة مفردة في
أشهر الحج جاز له جعلها متعة وإن فعلها في غير أشهر الحج لم يصح له جعلها متعة.
ومن أحرم بالمتعة صار مرتبطا بالحج، فإن خرج بعد قضاء نسكها من مكة رجع
للحج، فإن رجع في ذلك الشهر رجع محلا، وإن رجع في غيره دخل محرما بالعمرة وتكون
هي التي يتمتع بها إلى الحج وتلك قد مضت فإن أحرم كإحرام فلان، فإن تعين له ما
أحرم به عمل عليه، وإن لم يعلم حج متمتعا وتبرأ ذمته قطعا.
وميقات إحرام العمرة المفردة خارج الحرم وجميع السنة وقت لها ويجوز في كل شهر وفي
كل عشرة أيام، وعمرة مفردة في رجب أفضل منها في شهر رمضان، والعمرة على المكي
فريضة بعد الحج يفعلها بعد التشريق أو استقبال المحرم، وأفضل أنواع الحج، التمتع
ويليه القران ويليه الإفراد، وإن أحرم كإحرام شخص ولم يكن أحرم أو نوى الإحرام
فقط وكان في أشهر الحج فإن شاء حج أو اعتمر وإن كان في غيرها اعتمر.
ومن مرض أو أغمي عليه عند الإحرام أحرم وليه عنه وجنبه محظور الإحرام وتم
إحرامه، ومن لم يتأت له التلبية لبى عنه غيره وصنعة المتعة الإحرام بها من الميقات في
وقتها ويصير محرما بالنية والتلبية أو ما قام مقامها ثم الطواف وصلاة ركعتيه ثم السعي
ثم التقصير ثم إنشاء الإحرام بالحج ثم الخروج إلى عرفات ثم المشعر ثم منى لرمي الجمرة
والهدي والحلق ثم الرجوع إلى مكة يوم النحر أو من الغد لطواف الزيارة وركعتيه ثم
السعي ثم طواف النساء وركعتيه ثم الرجوع إلى منى لرمي باقي حصى الجمار والمبيت.
698

أفعال العمرة وأركان العمرة والحج:
وأفعال العمرة المفردة: إحرام وطواف وركعتاه ثم سعى ثم حلق أو تقصير ثم طواف
النساء وركعتاه. والحج قارنا أن يسوق الهدي عند الإحرام ويشعر أو يقلده نعلا صلى
فيه ندبا وهو جار مجرى التلبية في انعقاد الإحرام به. والمفرد كالقارن إلا في الهدي
ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف.
وأركان العمرة: الإحرام والطواف والسعي فإن تعمد ترك الإحرام فلا عمرة له وإن
نسيه ولم يذكره حتى فرع من المناسك فلا شئ عليه.
وأركان الحج: الإحرام والوقوف بعرفات والمشعر وطواف الزيارة والسعي، ويبطل
النسك بتركها عمدا ولا يبطل بتركها سهوا سوى الموقفين، فالحج يبطل بتركهما معا
بكل حال، وما سوى ذلك من الواجبات لا يبطل بتركه عمدا ولا سهوا. فإن كان
طواف النساء حرمن عليه حتى يفعله بنفسه أو نائبه، وإن ترك أحد الموقفين سهوا
وأدرك الآخر في وقته لم يبطل حجه.
وتجرد الصبيان من فخ إذا حج بهم ويجنبون محظور الإحرام ويفعل بهم ما يفعله
المحرم، وإذا أحدثوا ما فيه كفارة كفر الولي عنهم ويلبي عنهم إذا لم يتأت لهم
ويطوفون ويصلون أو يطاف بهم، ويصلى عنهم ويذبح عنهم في المتعة فإن لم يوجد
هدي أمروا بالصيام إن أطاقوه وإلا صام الولي عنهم فإن أنكحوا في الإحرام لم يصح.
ويستحب وضع السكين في يد الصبي، والقبض عليها فيذبح، وروى علي بن مهزيار
عن محمد بن الفضل عن أبي جعفر الثاني ع: عن الصبي متى يحرم به؟ قال:
إذا أثغر. وفي حديث آخر: يحرم عن المولود. ومن قطع بين الميقاتين أو على طريق البحر
أحرم بحذاء الميقات بحسب غلبة ظنه.
وينبغي لمن أراد الحج توفير شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولمن أراد العمرة
شهرا، فإن حلقه كان عليه دم ويمر الموسي على رأسه يوم النحر ولا بأس بأخذ الشارب،
فإذا وصل الميقات أطلى وأماط الشعر عن جسده وينظف وقص أظفاره وأخذ من شاربه
واغتسل للإحرام وكل ذلك ندب، ويجوز الغسل قبل الميقات خوف عوز الماء وإعادته إن
699

وجده عند الإحرام وغسله بالغداة كاف إلى الليل، وبالعكس ما لم ينم أو
يأكل ما لا يحل للمحرم أكله أو يلبس ما لا يحل له لبسه فحينئذ يستحب إعادته.
ويجب أن يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر، أو يرتدي به وعند
الضرورة ثوب وأفضله البياض، وأفضل وقت الإحرام بعد الفرائض وأحبها الظهر،
ويقدم نوافل الإحرام ستا أمام الصلاة فإن تعذر فركعتين ويحرم دبر الفرائض،
ويستحب أن يقول بلسانه ما هو في نيته من متعة أو حج إفراد أو قران وأن يدعو لإحرامه
وأن يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه وإن نوى بقلبه ولم ينطق جاز، وإن تكلم
بلسانه بما يبقى به ونوى بقلبه غيره فحسن.
ثم يلبي التلبيات الأربع التي بها ينعقد الإحرام، والأخرس يحرك لسانه ويشير
بإصبعه ويقوم مقامها في انعقاده سوق الهدي حين أحرم ويقلده، ويشعر الإبل بشق
السنام ويلطخه بالدم خاصة.
وكيفية التلبية:
لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك. بكسر
إن لأنه يفيد الثناء. وتكرارها مع التلبيات الأخر أفضل والإكثار من ذي المعارج ويجهر
بها الرجل وتسر المرأة، ويلبي كلما صعد النجاد وهبط الوهاد أو هب من نومه أو لقي
راكبا أو ركب بعيره وبالسحر.
وإذا أراد التلبية راكبا على طريق المدينة لبى عند ميل البيداء وماشيا من موضعه
ويجوز أن يلبي الراكب موضعه، وعلى غير طريق المدينة يلبي إذا مشى خطوات سنة ويجوز
في موضعه.
ومن ترك التلبية المفروضة عمدا فلا حج له وإن تركها سهوا لبى إذا ذكر، ولا
يزال المحرم بالمتعة ملبيا حتى يشاهد بيوت مكة، وكل حاج إلى يوم عرفة عند الزوال،
والمعتمر من خارج الحرم إذا دخله، والخارج من مكة ليعتمر إذا رأى الكعبة.
700

في محرمات الإحرام:
فإذا لبى حرم عليه: الصيد والدلالة عليه والإشارة إليه وذبحه وأكله وكسر بيضه
وأكله ونتف ريش الطير وذبح فرخه وذبيحته ميتة كذبيحة المجوسي ولبس مخيط الثياب
إن كان رجلا وشم الطيب: وهو المسك والعنبر والزعفران والورس وقيل: والعود
والكافور. وأكل طعام فيه منه وكحل كذلك ولبس المعصفر والحناء والمشق من الطيب
والدهن الطيب والادهان به وبغير الطيب كالشيرج، فإن لم يكن مع المحرم إلا قباء
قلبه ولم يدخل يديه في كميه يقلب ظاهره لباطنه أو يجعل أعلاه أسفله ويلبسه.
والرفث: وهو الجماع والمباشرة بشهوة والملاعبة والتقبيل والنظر إلى النساء بشهوة وحضور
عقد النكاح، وأن ينكح وينكح ويحرم عليه القبض على أنفه من ريح خبيثة ويجب من
ريح طيبة، والفسوق وهو الكذب، والجدال وهو لا والله وبلى والله صادقا وكاذبا،
وقتل القمل، والبرغوث، وإلقاؤهما.
ويجب على المرأة سفر وجهها، وعلى الرجل كشف رأسه ولا ينظر في المرآة ولا يرتمس
في الماء. وإذا لبس القميص جاهلا وأحرم نزعه من رأسه وإن لبسه بعد ما أحرم نزعه من
أسفله، ولا يحل للمحرمة النقاب ولبس حلي لم تعتده ولا يكتحل المحرم بالسواد ولا
يحتجم ولا يزيل شعرا إلا أن يضطر إليهما ولا يحل للرجل التظليل على نفسه سائرا ولا
يجوز للمحرم قص الأظفار ولا حك جلد حتى يدمي والسواك كذلك ولا دلك وجهه
ورأسه في غسل ولا وضوء خوف سقوط الشعر ولا يأخذ من شعر المحل ولا لبس سلاح
إلا لخوف عدو ولا كفارة عليه ولا يزيد في التأديب على عشرة أسواط ولا يلبس
الشمشك ولا الخفين إلا إذا لم يجد نعلين ويشق ظهر القدم ولا يجوز الإحرام في ثوب فيه
طيب لم يزل ريحه ولا يحل قطع شجر الحرم ولا اختلاء خلاه إلا شجر فاكهة واذخر وما
نبت في داره بعد بنائه لها وعودي المحالة.
ويكره للمحرم أن يطوف في غير ثوبيه اللذين أحرم فيهما وبيعهما والرياحين
والطيب سوى ما ذكرنا ولبس ثياب سود ومصبوغة بعصفر وبالمفدم والوسخ وغسله إذا
توسخ بعد الإحرام إلا من نجاسة والنوم على فراش مصبوع ولبس ثوب معلم وخاتم للزينة
701

واستعمال حناء للزينة وحلي للمرأة من غير معتاد ومعتاد للزينة وإظهاره لزوجها
والخضاب قرب الإحرام وتلبية داعيه ودخول الحمام.
ويجوز له فراق النساء وارتجاعهن في العدة وشراء الجواري وشم خلوق الكعبة وأكل
دهن غير طيب واستعمال دهن كان طيبا وليس طيبا والجواز في موضع بيع الطيب ولا
يقبض على أنفه وشم الشيح وشبهه والإحرام في ثوب صبغ بطيب محرم وذهب ريحه وفيما
يجوز فيه الصلاة وفي ثوب إحرام فيه خلوق الكعبة والقبر وأن يلبس ثيابا جماعة ويغير
ثيابه، ولبس خاتم للسنة واستعمال حناء للحاجة. وتلبس المرأة خاتم ذهب والسراويل
والحائض تلبس غلالة تحت ثيابها تقيها.
وقتل المؤذيات ورمى الغراب والحدأة ونزع القراد والحلمة عن بدنه وبعيره وتحويل
القمل من موضع في بدنه إلى موضع وعصب المحرم رأسه وبط القرحة ودواؤها بزيت
وشبهه وعصبها والمشقوق كذلك ووضع عصام القربة على رأسه إذا استقى وشد الهميان
والعمامة على وسطه ومشيه تحت الظلال وقعوده في بيت وخباء واستتاره بطرف ثوبه إلا
رأسه والتظليل على رأسه سائرا مضطرا والتظليل للنساء والصبيان مختارين والادهان
مضطرا بغير طيب وبما زالت ريحه وإن غطى المحرم رأسه سهوا لبى عند ذكره بعد إلقائه
ويغطى وجهه ويلبس السراويل إذا لم يجد الإزار وتسدل المرأة ثوبا على وجهها بلا
مباشرة.
وإذا اضطر المحرم إلى أكل صيد وميتة ذبح الصيد وأكله وفداه وإن أكل الميتة جازه
ولا بأس أن يدخل المحرم لحم صيد صاده محل مكة ولا يأكله حتى يحل فيأكله.
باب كفارات محظور الإحرام:
كل محرم أتى شيئا مما حرم في الإحرام جاهلا بتحريمه أو ناسيا فلا كفارة عليه إلا
الصيد. وروي: في من داوى قرحة له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين.
ويلزم بالجماع في القبل أو الدبر قبل الوقوف بالموقفين فساد الحج وبدنة وإتمامه
702

والحج من قابل، والأولى هي حجة الاسلام. وإن أطاعته الزوجة فعليها مثله، فإن لم
يقدرا على البدنة فروي: أن عليهما إطعام ستين مسكينا لكل منهم مد فإن لم يقدرا
فصيام ثمانية عشر يوما. وينبغي افتراقهما إذا بلغا موضع إحداثهما بثالث حتى يبلغ
الهدي محله، فإن أكرهها فحجها صحيح وعليه كفارتان، فإن جامع في
القضاء فعليه القضاء وإذا جامع في عمرة مبتولة قبل الطواف أو السعي فعليه بدنة وإتمامها والعمرة في
الشهر الداخل.
وإن جامع دون الفرج قبل الوقوف بهما أو في أحد الفرجين بعد الوقوف بهما إلى أن
يطوف من طواف النساء أربعة أشواط فبدنة فقط وله الجماع بعد الأربعة.
وروي: في من جامع وبقي عليه طواف النساء في الموسر بدنة وفي المتوسط بقرة وفي
المعسر شاة. وفي جماع المحل أمته المحرمة باذنه وهو موسر بدنة أو بقرة أو شاة وعلى المعسر
شاة أو صيام، وإن لم يكن أمرها بالإحرام لم يكن عليه شئ بكل وجه.
والمستمني بيده بحكم المجامع وقد سبق، ويلزم بدنة بالجماع بعد سعي المتعة قبل
التقصير وهو موسر وفي المتوسط بقرة وفي المعسر شاة وكذلك حكم الناظر إلى غير زوجته
فأمنى لأنه نظر إلى ما لا يحل له لا لأنه أمنى، يلزم بدنة بالإمناء عند نظر أهله بشهوة أو
ملاعبتها أو قبلتها بشهوة وإذا تلاعبا فأمنى فعليهما كفارة الجماع، وبعقده نكاحا لمحرم
على امرأة ودخل بها وبالجدال ثلاث مرات فصاعدا كاذبا وبالإفاضة من عرفات قبل
الغروب ولم يرجع أو رجع بعد الغروب فروي: شاة. فإن لم يجد صام ثمانية عشر يوما
في الطريق أو في أهله.
ومن كان عليه بدنة في فداء ولم يجدها فعليه سبع شياة فإن لم يجد فثمانية عشر يوما
كذلك وبقتل النعامة، فإن عجز قوم الجزاء وفض قيمته على الطعام وتصدق على كل
مسكين بنصف صاع لا يلزمه الزيادة على ستين مسكينا ولا تمام النقص عنها، فإن عجز
صام عن كل نصف صاع يوما بقدر ما يبلغ إليه الإطعام، فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما فإن عجز استغفر الله.
703

وفي بقرة الوحش وحمار الوحش بقرة وإطعامها وصومها على النصف من كفارة البدنة
الأكثر والأقل، وفي قلع الشجرة الكبيرة من الحرم والجماع والتقصير قبل فراغه من السعي
والجدال مرتين كاذبا وفي السباب والفسوق وهو الكذب بقرة.
وتلزم الشاة بصيد الظبي والثعلب والأرنب فإن عجز قوم الشاة وفض القيمة على
الطعام ولكل مسكين نصف صاع ولا يلزم الزائد على العشرة ولا تمام الناقص عنهم فإن
عجز صام يوما عن كل نصف صاع وإلا صام ثلاثة أيام، وتلزم شاة شاة بتنفير حمام
الحرم ولم يرجع فإن رجع فشاة واحدة.
وإذا أغلق على حمام من حمام الحرم فهلكت قبل الإحرام فعليه للطير درهم وللفرخ
نصفه وللبيضة ربعه، وإن كان ذلك بعد إحرامه فللطير شاة وللفرخ حمل وللبيضة
درهم. والمحرم إذا أكل لحم صيد لا يدري ما هو فعليه شاة، وإذا قتل المحرمان فعلى كل
واحد منهما دم.
وفي القطاة وشبهها حمل فطيم يرعى الشجر، وفي القنفذ واليربوع والضب وشبهها
جدي وفي العصفور والقنبرة وشبههما مد من طعام، وليس في الزنبور يصاب خطأ شئ
وفي العمد وقتل العظاءة كف طعام، وفي الحمامة يصيبها محرم في حل دم فإن أصابها
محل في الحرم فدرهم فإن أصابها محرم في الحرم فدم ودرهم.
وفي الفرخ في الحل يصيبه المحرم حمل والمحل في الحرم نصف درهم والمحرم في الحرم
حمل ونصف درهم، وفي البيضة يصيبها المحرم في الحل درهم والمحل في الحرم ربع درهم
والمحرم في الحرم درهم وربع درهم، وحمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمام الحرم أو
يتصدق به والأهلي يتصدق بقيمته على المساكين، ويجب التضعيف فيما لم يبلغ البدنة.
وكل ما وطئه المحرم أو أوطئ بغيره أو أراد تخليصه فمات فعليه فداؤه أو عاب فأرشه،
وفي العصفور وشبهه قيمتان بإصابته محرما في الحرم، ومن شرب لبن ظبية في الحرم فعليه
دم وقيمة اللبن، وفي ضرب المحرم في الحرم بطير على الأرض فقتله دم وقيمتان قيمة
للحرم وقيمة لاستصغاره ويعزر، وإذا أكل المحرم بيض نعام اشتراه له محل فدى المحرم
كل بيضة بشاة والمحل بدرهم.
704

وإذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد أو اشتركوا في أكل لحم صيد أو رمى محرمان
صيدا فأصابه أحدهما وأخطأه الآخر فعلى كل واحد فداء، وإذا أضرم محرمون نارا قصدا
لصيد فوقع فيها فعلى كل واحد منهم فداء وإن فعلوه لحاجة لهم فعلى الكل فداء واحد،
وإذا تكرر من المحرم الصيد نسيانا تكررت الكفارة وإن كان عمدا ففي أول مرة الفداء
ولا فداء في العود وفيه الانتقام.
ومن نتف ريشة من طير الحرم بيده تصدق على مسكين بتلك اليد، ومن أحرم ومعه
صيد وجب تخليته فإن لم يخله حتى مات فعليه فداؤه وإن كان في منزله فلا بأس، فإن
دل المحرم على صيد فقتل فعليه فداؤه، ولا يخرج حمام الحرم منه فإن فعل رده فإن مات
فعليه قيمته، ويكره اخراج القماري وشبهها من مكة.
ومن أدخل طيرا في الحرم وجب تخليته فإن لم يفعل ومات فعليه قيمته، وفي كسر
قرني الغزال نصف قيمته وفي أحدهما ربعها وفي عينيه قيمته وفي يديه
كذلك وفي رجليه كذلك وفي إحداهن نصف قيمته وفيما عدا ذلك من الأعضاء أرش وهو ما بين قيمته
صحيحا ومعيبا.
وإذا قتل الصيد فعليه فداؤه فإن طرحه فعليه فداء آخر بل يدفنه، ويجوز أن يخرج من
السباع من الحرم ما أدخل أسيرا كالفهد والبازي. وفي فراخ النعامة كما في النعامة
وروي: من صغار الإبل. وفي كسر بيض النعام وقد تحرك فيه الفرخ من صغار الإبل وإن
لم يتحرك أرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا فإن لم ينتج فلا
شئ عليه، فإن لم يقدر فعن كل بيضة شاة، فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين، فإن لم
يقدر صام ثلاثة أيام. وفي كسر بيض القطاة والقبج والدراج وتحرك فيه الفرخ من صغار
الغنم وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها فما نتج كان هديا. وفي كسر بيض
الحمام وتحرك فرخه عن البيضة شاة وإن لم يتحرك فالقيمة المتقدمة.
ولو كب مكتلا له على بيض لا يعلمه فكسره لوجب عليه فداؤه، ولا شئ على من
أصاب صيدا ولم يؤثر فيه بل يستغفر الله فإن لم يدر أثر فيه أم لا فعليه الفداء فإن أثر فيه
بأن أدماه ثم رآه صالحا فربع الفداء، ولا يرمي المحل الصيد يؤم الحرم فإن فعل ودخل
705

الحرم ثم مات حرم لحمه وعليه فداؤه وروي: لا شئ عليه. وكذلك إذا نصب شبكة في
الحل فوقع فيها الصيد واضطرب حتى دخل الحرم فمات، وروي: أنه لا يصاد الصيد
من الحرم على بريد فإن فعل فداه فإن فقأ عينه أو كسر قرنه فعليه صدقة. وروي: أنه لا
يصاد حمام الحرم في الحل إذا علم ذلك. حمام الحل إذا دخل الحرم حرم، ويقتل المحرم
الحية والعقرب والفأرة.
ولا يحل للمحرم أكل الجراد ولا المحل في الحرم وفي الجرادة تمرة وإن كثر فشاة، وإن
كان كثيرا في طريقه بحيث لا يمكنه التحرز فلا بأس ولا شئ عليه. وصيد البحر حل
للمحرم طريه ومليحه، فإن كان في البر والبحر وبيضه وفرخه في البحر حل وإن كانا في
البر حرم.
وإذا أمر السيد غلامه بالصيد أو بالإحرام فأصاب صيدا فعلى السيد الفداء، وإن قتل
أسدا لم يرده فعليه كبش ويقتله والكلب العقور إن أراده، وما لم ينص فيه على فداء من
الصيد حكم فيه ذوا عدل ويجوز كون أحدهما الجاني إذا لم يتعمد الجناية.
ولا يقتل المحرم البق والبرغوث في الحرم ولا بأس به للمحل، ويحل للمحرم في الحرم
والحل النعم والدجاج، وإذا ذبح المحل صيدا في الحل وأدخله الحرم فهو حلال للمحل
وما ذبح في الحرم كان حراما.
وإن نظر المحرم إلى امرأته أو مسها بلا شهوة فأمنى أو أمذى فلا شئ عليه، فإن
تسمع لكلام امرأة أو استمع من غير رؤية على مجامع فتشاهى فأمنى فلا شئ عليه، فإن
مس امرأته بشهوة فعليه دم أنزل أم لم ينزل، فإن قبلها بغير شهوة فعليه دم شاة ولا بأس
بتقبيل أمه لأن قبلتها رحمة. وعلى المفتي بتقليم ظفره ففعله المستفتي فأدمى إصبعه شاة،
وفي تقليم الظفر مد وفي تقليم أظفار يديه ورجليه في مجلسين شاتان، وفي مجلس واحد
شاة. وفي الجدال مرة كاذبا وثلاثا فصاعدا صادقا شاة ولا كفارة فيه مرة صادقا أو
مرتين، وفي أكله ما لا يحل للمحرم أو لبسه كذلك شاة.
وإذا احتاج المحرم إلى ضروب من الثياب يلبسها فعليه لكل صنف منها فداء وفي
لبس الثياب في مجلسين شاتان، وفي تظليل الرجل على نفسه مختارا شاة والإثم فإن كان
706

في حج وعمرة فشاتان وعلى المضطر شاة ولا إثم، وفي سقوط الشعر بمس لحيته ورأسه
صدقة وفي نتف الإبطين شاة وفي الإبط إطعام ثلاثة مساكين، وفي قلع الضرس والدهن
الطيب مختارا دم.
وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ع في من عرض له أذى أو وجع
فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا: فالصيام ثلاثة أيام والصدقة على عشرة
مساكين يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وإنما عليه واحد من
ذلك.
وفي حلق شعر الرأس مختارا الإثم والكفارة، ولأجل القمل والأذى الكفارة ولا
إثم وهي إطعام عشرة مساكين لكل منهم شبعه أو ستة لكل منهم مدان، وروي: مد
أو شاة أو صيام ثلاثة أيام. وفي لبس ساتر ظهر القدم شاة، وفي الحجامة مختارا شاة،
والحرم الذي لا يعضد شجره ولا يختلي خلاه ولا ينفر صيده بريد في بريد، وفي الشجرة
الصغيرة قيمتها ولا بأس أن يخلى دابته ترعى، والشجرة يحرم فرعها في الحرم وأصلها في
الحل وبالعكس وما عليها من صيد ويجب فداؤه.
وكل ما وجب على الحاج من كفارة فذبحه أو نحره بمنى وما على المعتمر فبمكة
وكلها منحر وأفضلها قبالة البيت بالحزورة، ويجوز أن يذبح المعتمر ما سوى جزاء الصيد
بمنى ويساق جزاء الصيد من حيث أصيب. وإن نذر دما من موضع معين فعله به وإن
لم يعين فبالحزورة، وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع: في الرجل
يخرج من حجه وعليه شئ يلزمه فيه دم يجزئه إن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: نعم.
وقال: فيما أعلم يتصدق به. وإذا قبل امرأته قبل التقصير منهما فعلى كل منهما دم فإن
كانت قصرت فالدم عليه، وإذا قبلها بعد طواف النساء وهي لم تطف فعليه دم، وإذا
جامعها والحال هذه فعليها بدنة يغرمها الزوج.
707

باب الطواف:
يستحب الغسل لدخول الحرم ومكة والمسجد الحرام والطواف فإن لم يتمكن فمن بئر
ميمون أو فخ وإن اغتسل من منزله بمكة جاز، ودخول مكة من أعلاها وخروجها من
أسفلها، والمشي حافيا بسكينة ووقار، ومضغ الإذخر، ودخول المسجد من باب بني
شيبة، والوقوف على الباب، والدعاء بالمأثور عنده وعند مشاهدة الكعبة، وتجب النية
للطواف وافتتاحه بالحجر وختمه به، والطواف سبعة أشواط بين المقام والبيت متطهرا في
ثوب طاهر، ويستحب الدعاء عند الحجر ومقابل باب الكعبة في كل شوط، واستلام
ركن الحجر واليماني في كل شوط وتقبيلهما فإن تعذر فلمسه باليد وتقبيلها فإن تعذر
فالإشارة إليه بها وتقبيلها وإلا فتح به وختم به.
والمقطوع اليد يستلم بموضع القطع فإن كان من المرفق فبشماله، وروي: استلام
الركن الغربي والشامي في كل شوط. والدعاء في الطواف والذكر وتلاوة القرآن والقرب
من البيت، وأن يكون ماشيا ومشيا بين مشيين، والدعاء مقابل الميزاب والتزام
المستجار في الشوط السابع وهو مؤخر الكعبة بحذاء بابها، وبسط يده على البيت ملصقا
خده وبطنه به، والدعاء عنده وتفصيل الذنوب وإجمال ما نسي منها.
ولا يحل له جعل يساره إلى المقام واستدبار الكعبة وتجاوز المقام ودخول الحجر والمشي
على أساس البيت وجدار الحجر والتعري، ويكره فيه إنشاء الشعر والكلام بغير ما
ذكرناه.
ولا يجوز الزيادة في طواف الفرض ولا النقصان منه عامدا ويبطلانه، وإن زاد ناسيا
شوطا، ترك السبعة وبنى على واحد وطاف ستة وصلى ركعتين عند المقام لطواف
الفرض وهو آخرهما فإذا سعى صلى ركعتين لطواف النفل، وإن نقض سهوا ثم ذكر تمم
فإن لم يذكر إلا في بلاده استناب فيه.
وإن شك في الفريضة فيما دون السبعة أعاد وفي النافلة لم يعده، وإن قطعه لحاجة أو
حدث أو دخول البيت أو الحجر قبل أربعة أشواط استأنفه وروي: البناء عليه. وإن
كان أربعة بنى، وإن قطعه لصلاة فريضة أو نافلة ضاق وقتها بنى على كل حال وله
708

التعويل على غيره في العدد وبنفسه أفضل، فإن شك أعاد في الفريضة ويستحب أن
يبني إذا شك في النافلة على الأقل والانصراف على وتر، ولا بأس أن يقرن بين طوافين
نافلة، ولا يجوز في الفريضة.
وإن لم يدر طاف ثمانية أو سبعة قطع، وإن لم يدر كم طاف أعاد في الفريضة،
وإن سها فطاف محدثا وذكر تطهر وأعاد في الفريضة وتطهر وصلى ركعتين في النفل.
وروى عبيد بن زرارة عنه ع: لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير
وضوء ثم يتوضأ ويصلى، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل، وإن ذكر
قبل بلوع الحجر أنه في شوط ثامن قطع وإن شك بعد الانتقال لم يلتفت.
فإن استيقن ترك الطواف أو طواف النساء أو بعضها استناب في البعض أو طواف
النساء ورجع بنفسه لجملة طواف الفرض إن أمكنه وإلا استناب، فإن مات قضى عنه
وليه أو غيره، فإن كان جامع فعليه بدنة.
وإن سعى بعض السعي ظنا منه إتمام الطواف فذكر نقصه وكان أربعة بنى عليه
وإن كان دونها يستأنف ثم يتم السعي بكل حال، ورأى الصادق ع شخصا
يطوف وعليه برطلة فقال له بعد ذلك: أ تطوف بالبيت وعليك برطلة لا تلبسها حول
الكعبة فإنها من زي اليهود. ونهى جعفر بن محمد أن يحج الرجل حتى يختتن وإن كان
شيخا ويجوز ذلك للنساء.
وإن ترك طواف الحج جهلا ورجع إلى أهله أعاد الحج وعليه بدنة، ويجوز للقارن
والمفرد تقديم الطواف والسعي على الوقوف بالموقفين وليس ذلك للمتمتع إلا لخوف مرض
أو حيض أو خوف على نفسه وماله وتقديم طواف النساء لا يجوز إلا للمضطر، فإن قدم
طواف النساء على السعي عمدا أعاده ونسيانا لم يعده.
صلاة الطواف:
وركعتا طواف الفريضة فريضة عند المقام وهو حيث هو الساعة وخلفه وحياله من
709

زحام، فإن جهلهما أو نسيهما وذكر في مكة أو منى رجع إليه وإن لم يمكنه فحيث ذكر
صلاهما، وروي: رخصة في صلاتهما بمنى. فإن مات قضاهما وليه، ويصلى ركعتي
طواف النفل أين شاء من المسجد ووقتهما عند الفراع من الطواف ولو كان بعد الغداة أو
بعد العصر إلا أن يكون طواف نافلة فإنه يؤخرهما إلى بعد طلوع الشمس وبعد فراغه من
المغرب.
وقال الصادق ع: كان رسول الله ص يطوف في اليوم والليلة
عشرة أسابيع ثلاثة ليلا وثلاثة نهارا واثنين إذا أصبح واثنين بعد الظهر وبين ذلك
راحته.
ويستحب أن يطوف بالبيت ثلاث مائة وستين أسبوعا فإن تعذر فثلاث مائة وستين
شوطا، وقال بعض أصحابنا بزيادة أربعة أشواط. والمروي الأول فإن تعذر فما تيسر،
والتطوع بالصلاة لأهل مكة أفضل من التطوع بالطواف وللمجاور في السنة الأولى
الطواف وفي الثانية يخلط بين الصلاة والطواف وفي الثالثة الصلاة، ولا يطاف عمن هو
بمكة إلا عن المبطون والمغمى عليه والصبي ولا عن الغائب عنها إلا أن يكون على عشرة
أميال.
ومن طاف بغيره ونوى لنفسه أجزأ عنهما، والمريض إذا أمكنه استمساك الطهارة
طاف بنفسه وإلا انتظر به يوم أو يومان فإن برأ وإلا طيف عنه وصلى بنفسه، ومن نسي
ركعتي الطواف حتى سعى خمسة أشواط ثم ذكر قطعة وصلاهما ثم أتم سعيه، ومن نذر
أن يطوف على أربع طاف أسبوعين أسبوعا ليديه و أسبوعا لرجليه.
طواف النساء:
وطواف النساء واجب في الحج والعمرة المفردة لا في المتعة على الرجال والنساء
والشيوخ والخصيان ويجب أن يؤمر به الصبيان وإن لم يقدروا طيف بهم، وإن حاضت
ولم تطفه ولم يقم الجمال فلتخرج.
710

وروي في من ترك طواف النساء: أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو طواف
النساء. وروي في من طاف كثيرا فأعيى: لم يصل ركعاته جالسا كما لا يطوف جالسا.
واستحب الاضطباع في الطواف وأن يرمل في طواف القدوم في ثلاثة أشواط و يمشي
في الباقي إلا المرأة والمريض والصبي والطائف بهما، وكل طواف لحج أو عمرة فبعده
سعي إلا طواف النساء فلا سعي بعده، وحد الطواف ما بين المقام والبيت من نواحي
البيت كلها، فمن خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت وكان ع يطوف راكبا
ناقته ويستلم الحجر بمحجنه وقال جعفر بن محمد ع: دع الطواف وأنت
تشتهيه.
باب السعي:
يستحب استلام الحجر عند الخروج للسعي والشرب من ماء زمزم والصب على البدن
من الدلو المحاذية للحجر والخروج من الباب المحاذي له وقطع الوادي خاشعا والصعود
على الصفا وإطالة الوقوف عليه فإن النبي ص وقف عليه قدر قراءة
البقرة وفي أول شوط أطول من الباقي والنظر إلى البيت واستقبال ركن الحجر وحمد الله
والثناء عليه وذكر نعمه وإحسانه والتكبير سبعا والتهليل كذلك وقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على
كل شئ قدير. ثلاثا.
والصلاة على النبي وآله والدعاء بالمأثور والانحدار والوقوف على المرقاة الرابعة حيال
الكعبة والدعاء ثم الانحدار عنها كاشفا ظهره ويسأل الله تعالى العفو ثم المشي على
سكينة إلى المنارة ثم الهرولة في موضعها وهو من عند الميل إلى زقاق العطارين ذاهبا
وبالعكس جائيا وإن تجاوزه رجع القهقري وسعى وإن كان راكبا حرك دابته ولا
هرولة على المرأة والعليل والدعاء عند المروة بعد الصعود عليها كما فعل عند الصفا وفي
711

كل شوط عندهما كذلك والمشي أفضل من الركوب وعلى طهارة أفضل.
وتجب النية والبدء بالصفا والتختم بالمروة والسعي بينهما سبع مرات.
ويبطل السعي بالبدء بالمروة وتعمد الزيادة فيه والشك فلا يدري كم سعى، فإن زاد
فيه ناسيا فإن شاء قطع وإن شاء تمم أسبوعين، وإن نقصه ناسيا وذكر رجع فتمم فإن
لم يذكر حتى رجع استناب فيه، ولا يؤخر السعي عن الطواف إلى غد ولا يجوز تقديمه على
الطواف ويجوز قطعه للحاجة وقضاء الحق والصلاة وغيرها والجلوس خلاله للراحة ويبني
على ما سبق بكل حال وإتمامه أفضل من قطعه لقضاء حاجة أخيه رواه علي بن النعمان
وصفوان عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن. فإن دخل وقت الصلاة صلى ثم تممه فإن
ظن أنه فرع منه فأحل وجامع ثم ذكر فعليه بقرة وإتمامه.
باب التقصير:
فإذا سعى قصر بأن يأخذ شيئا من شعر رأسه أو لحيته أو شاربه أو أظفاره ولو بسنه
ويبقى منها لحجة، ويتطوع من الطواف بما شاء ولا يحلق رأسه فإن فعله فعليه دم ويمر
الموسي على رأسه يوم النحر فإن نسي التقصير حتى أهل بالحج فروي: أن عليه دما.
وروي: لا شئ عليه.
وسأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله ع عن رجل عقص رأسه وهو متمتع فقدم
مكة فقضى نسكه وحل عقاص رأسه وقصر وادهن وأحل. قال ع: عليه دم
شاة.
ويستحب أن يتشبه بالمحرم في ترك لبس المخيط، وإن رأى أنه إن اشتغل بقضاء
النسك فاته الموقفان أقام على إحرامه وجعلها حجة مفردة ولم يكن عليه هدي وعليه
العمرة بعد ذلك، وكان ع يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة قال جعفر بن محمد
عليه السلام: ماء زمزم شفاء لما يشرب له. روي: من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف
على الصفا والمروة.
712

الإحرام للحج والخروج إلى منى ومنها إلى عرفات ثم المشعر ومنى وقضاء
المناسك بها:
يستحب أن يحرم بالحج يوم التروية بعد الزوال والغسل والتنظيف وإزالة الشعر من
جسده وإبطيه وبعد صلاة الإحرام والدعاء لإحرامه وذكره بلفظه والشرط على ربه أن
يحله حيث حبسه، ويجوز أن يحرم في رحله بمكة وفي المسجد من عند المقام أو تحت الميزاب
أفضل وبعد صلاة الظهر ويجوز عقيب غيرها وقبل يوم التروية وبعده ما أمكنه حضور
الموقفين فإن نسيه حتى حصل بعرفات وأمكنه لحوق مكة للإحرام والرجوع ولحوق عرفات
فعل وإلا أحرم بها فإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده وقد قضى مناسكه فلا شئ عليه.
ويجب عليه النية للإحرام بالحج والتلبيات الأربع ولبس ثوبي إحرامه أو واحد عند
الضرورة. وإذا أراد الإحرام بالحج فأخطأ فقال: العمرة، عمد على الحج فإن كان ماشيا
لبى من موضعه وإن كان راكبا فإذا نهض به بعيره ويسر بالتلبيات الأربع المفروضة
قائما أو قاعدا على باب المسجد أو خارجه مستقبل الحجر الأسود ويعلن بهن
وبالتلبيات الأخر إذا أشرف على الأبطح.
وإذا أحرم بالحج لم يتطوع بطواف فإن فعل جدد التلبية، وما روي من الأخبار في
اختلاف أدنى ما يدرك معه المتعة والحج فليس بمتناقض بل هو على اختلاف أحوال
الناس في القوة والضعف والأمن والخوف والرفقة وعدمها ولا يزال على تلبيته إلى يوم
عرفة عند الزوال، ويخرج إلى منى بعد أن يصلى الظهرين بمكة والإمام يصلى الظهر يوم
التروية بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس والمبيت بمنى ليلة عرفة سنة ويصلى بها
المغرب والعشاء والصبح، ويجوز للشيخ الكبير والمريض يخافان الزحام الإحرام قبل
التروية والخروج إلى منى بيوم أو يومين وثلاثة، وحد منى من العقبة إلى وادي محسر.
ويخرج الإمام بعد طلوع الشمس ويجوز لغيرها قبل طلوعها وقبل الصبح للمضطر
ويصليها في الطريق ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس فإذا زالت الشمس من يوم
عرفات اغتسل سنة، وصلى الظهرين بأذان وإقامتين يعجل العصر جامعا بينهما بلا
713

نافلة ليتفرع للدعاء.
وحد عرفات من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف إلى وراء
الجبل وليست من الحرم والحرم أفضل منها ويقف على الأرض لا على الجبل ويستحب
تحري ميسرة الجبل لوقوفه ع هناك.
وكل عرفات موقف وقرب الجبل أفضل فإن ضاق عليهم ارتفعوا إلى الجبل
ويستحب أن يسد خللا إن وجده بنفسه ورحله والواقف بالأراك لا حج له ولا بأس أن
يضع رحله في هذه المواضع وليختر له نمرة.
فإذا أراد الوقوف جاء إلى عرفات وليكن عليه سكينة ووقار وينوي الوقوف لوجوبه
متعبدا به مخلصا لله سبحانه ويجتهد في الدعاء لإخوانه فعن أبي الحسن موسى بن جعفر
عليه السلام: من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف مثله.
وليقبل قبل نفسه ولا يشغله النظر إلى الناس وليدع بدعاء علي بن الحسين ع
وبما سنح له.
ووقت الوقوف من الزوال إلى غروب الشمس أي وقت وقف منه أجزأه، ويجب
الكون في عرفات إلى الغروب فإن أفاض عامدا عالما بالتحريم ولم يرجع فعليه بدنة
وروي: شاة. فإن تعذر فصيام ثمانية عشر يوما، ويقصر أهل مكة بعرفات وقيل
للصادق ع: إن أهل مكة يتمون. فقال ويحهم وأي سفر أشد منه!
فإذا غربت الشمس أفاض إلى المشعر بالسكينة والوقار ودعا بالمرسوم عند الكثيب
الأحمر وليقصد في السير وليقل: اللهم أعتقني من النار. ويكررها، فإذا أتى مزدلفة
فليكن نزوله ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، ويستحب أن يصلى بها
المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولو صار إلى ربع الليل أو ثلثه جامعا بينهما بلا
نافلة ويجوز أن يصليهما في الطريق وأن يفصل بينهما بالنافلة والأول أفضل. وينبغي
للصرورة وطء المشعر برجله أو بعيره وكره أبو جعفر الإقامة عند المشعر بعد الإفاضة.
وحد مزدلفة من المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر وكلها موقف، فإذا أصبح
صلى الصبح ووقف على غسل حيث بات أو قريب من الجبل وحمد لله وأثنى عليه وذكر
714

نعمه وإحسانه وصلى على النبي ص ودعا بالمأثور، فإذا طلعت الشمس
اعترف بذنوبه سبعا وسأل الله التوبة سبعا فإن كثر الناس ارتفعوا إلى المأزمين ثم
ليفض إذا أشرق ثبير ورأت الإبل مواضع أخفافها بالسكينة والوقار والدعة فإذا مر بوادي
محسر وهو بين جمع ومنى وإلى منى أقرب سعي فيه مائة خطوة، وروي: مائة ذراع.
والراكب يحرك دابته ودعا بالمأثور حتى جاوزه فإن لم يفعل رجع فسعى به، وأمر
جعفر بن محمد ع رجلا تركه بعد انصرافه من مكة أن يرجع فيسعى، ولا
يفيض الإمام إلا بعد طلوع الشمس ويجوز لغيره قبل طلوعها ولا يجوز وادي محسر إلا بعد
طلوعها وإن أفاض الحاج قبل طلوع الفجر عامدا عالما بالتحريم فعليه شاة.
وللخائف والمرأة الإفاضة من المشعر ليلا فقد رخص رسول الله ص
للنساء والصبيان في ذلك وأن يرموا الجمار ليلا ويصلوا الغداة في منازلهم فإن خفن
الحيض مضين إلى مكة، ووكلن من يضحي عنهن، وروي: لا بأس للمرأة أن تقف
بالمشعر إذا زال الليل ساعة ثم تنطلق إلى منى فترمي الجمرة وتصبر ساعة ثم تقصر ثم تنفر
إلى مكة فتطوف ثم توكل من يذبح. وليلتقط حصى الجمار سبعين حصاة من جمع أو من
رحله بمنى ويستحب غسلها وشدها في طرف ثوبه ولا يجوز من حصى المساجد ولا من
حصى الحل ولا مما رمى به.
فإذا نزل منى يوم النحر رمى الجمرة العقبة بسبع وليكن الحصاة قدر الأنملة ملتقطة
برشا كحلية منقطة لا صما ولا سودا ولا حمرا يخذفهن خذفا يضعها على الإبهام
ويدفعها بظفر المسبحة ويرميها من بطن الوادي، واجعل الجمار على يمينك ولا تقف على
الجمرة ويقف عند الجمرتين الأوليين ولا يقف عند جمرة العقبة.
ويجوز الرمي راكبا ومحدثا والمشي والطهور أفضل، ويرمي الجمرة العقبة من قبل
وجهها مستدبر الكعبة ويدعو بالمأثور وليكن بينه وبين الجمرة عشر أذرع أو خمسة عشر
ذراعا ولا يرمي بغير الحصى، والحصى النجس كالطاهر في الاجزاء، وإن رمى فوقع على
بعير فنفض عنقه فأصاب الجمرة أو رمى فلم يدر أصاب الجمرة أم لا أو وضعها على
الجمرة وضعا لم يجزئه.
715

أحكام الهدي:
فإذا رمى الجمرة ذبح هدي متعته وقرانه إن كان قارنا، ويجزئ عن الأضحية
والجمع بينهما أفضل، ويستحب الأضحية للمفرد، ولا يجزئ هدي المتعة الواحد إلا عن
واحد، فإن لم يقدر المتمتع على الهدي خلف ثمنه عند ثقة يذبح عنه في العام القابل في
ذي الحجة، فإن تعذر ثمنه عليه صام ثلاثة أيام متواليات وسبعة إذا رجع إلى أهله
وكمالها كمال الهدي يوما قبل التروية ويوم التروية وثانية، فإن صام يوم التروية
وثانية صام يوم الحصبة وهو رابع النحر، فإن فاته صام يوم الحصبة ويومين بعده متواليات
وإلا ففي بقية الشهر أداء، فإن خرج عقيب أيام التشريق صامهن في الطريق وإلا مع
السبعة عند أهله.
فإن دخل المحرم ولم يصم فعليه دم شاة واستقر الدم في ذمته ولا صوم عليه،
ورخص في صوم الثلاثة أول ذي الحجة لغير عذر فإن مات ولم يهد ولم يصم لغير عذر
صام وليه عنه الثلاثة ولم يلزمه صوم السبعة بل يستحب له.
فإن جاور بمكة انتظر وصول أهل بلده إليه أو شهرا ثم صام السبعة ومتابعتها أفضل
من تفريقها، فإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى أهله وتمكن من الهدي بعث به، فإن
صام الثلاثة ثم أيسر بالهدي فهو أفضل، وإن صام الباقي جاز، ويخير سيد المملوك الإذن
له في التمتع إن شاء ذبح عنه وإن شاء أمره بالصيام فإن أعتق قبل الوقوف بالموقفين
وجب عليه الهدي إلا أن لا يجده فليصم والأفضل لمولاه بعد مضى أيام التشريق أن يهدي
عنه. ومحل الهدي الواجب في الحج وهدي القران منى، وما ساقه في العمرة وغير الواجب
بمكة أو منى.
وأيام الأضاحي بمنى يوم النحر والثلاثة بعده، وبالأمصار يوم النحر ويومين بعده
أفضلها أولها وإذا فاتت فلا قضاء. وهدي التمتع يذبح أو ينحر طول ذي الحجة وأفضل
الهدي إناث الإبل والبقر وفحل الضأن وتيس المعز وعند الضرورة الشاة، ولا يجوز من
الإبل إلا الثني وهو ما له خمس سنين ودخل في السادسة ويجزئ من البقر والمعز ما تم له
سنة ودخل في الثانية ومن الضأن الجذع لسنته، ولا يجوز الخصي والناقص الخلقة في هدي
716

وأضحية إلا إذا لم يجد، ولا بأس بالموجوء وهو أفضل من الشاة والشاة أفضل من
الخصي.
والسنة تقديم رمى الجمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق. فإن قدم مؤخره ناسيا أو
جاهلا فلا بأس، والرمي واجب وقيل: إنه ندب. وكذلك المبيت بمنى.
ويجوز اشتراك جماعة في أضحية واحدة إن كانوا أهل خوان واحد ومع الضرورة وإن
لم يكونوا كذلك، ويجوز أن ينوب عنهم واحد ويفرقه على المساكين فإن أراد بعضهم
اللحم لم يجز.
ولا يجوز في الهدي والأضحية العرجاء البين عرجها والعوراء البين عورها والعجفاء
وهي المهزولة والخرماء المثقوبة الأنف والجذاء وهي المقطوعة الأذن والعضباء وهي
المكسورة القرن فإن كان داخله صحيحا جاز، وتكره الجلحاء والقصماء والخرقاء
والشرقاء والمقابلة والمدابرة والتضحية بما رباه وبالليل.
ويجزئ ما كانت أذنه مثقوبة ومشقوقة، ويجزئ في الأضحية الكبش عن الرجل
وأهل بيته والبقرة والبدنة عن سبعة من أهل بيت أو من غيرهم، وروي في الجزور يكفي
عن عشرة متفرقين، ويجزئ الشاة سبعين إذا عزت الأضاحي، وروي: أن الأضحية
واجبة على الواجد عن نفسه وإن شاء ضحى عن عياله.
ويستحب أن تكون سمينا ومن الغنم فحلا أقرن أملح ينظر في سواد ويمشي في سواد
ويبرك في سواد ومما عرف به وقول بائعه مقبول فيه، فإن شراها على أنها سمينة فبانت
مهزولة أو بالعكس أجزأت وعلى أنها مهزولة فبانت كذلك وهو أن لا يكون على الكليتين
شحم لم تجزء مع السهل، وإن اشترى هديا فوجد أسمن منه شراه وباع الأول إن
شاء وذبحهما أفضل، وإن سرق الهدي من موضع حريز أجزأ وبدله أفضل، وإن خيف
هلاكه قبل المحل ذبح وتصدق به إن وجد مستحق وإلا غمست نعل بالدم وضرب بها
سنامه أو كتب عليه كتاب أنه هدي ليعلمه المار به فإن هلك فبدله وإن انساق كسيرا
إلى المحل أجزأ.
وإذا عين هدي الكفارة زال ملكه عنه فإن عطب في الطريق أتى بغيره، وإذا عين
717

بالنذر زال ملكه عنه وساقه إلى المحل فإن عطب بلا تفريط قبل المحل أجزأ فإن لحق
ذكاته تصدق بلحمه فإن لم يجد المستحق أعلمه ليعرف، ونتاج الهدي هدي ولا بأس
بركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به وبولده.
ويجوز النيابة في الذبح والنحر وتفريق اللحم وتولى ذلك بنفسه أفضل، وتشعر الإبل
باركة وتنحر قائمة في لبتها وقد جعلت يداها بالرباط كيد واحدة من جانبها الأيمن
ويسمي الله ويتوجه فإن لم يحسن جعل يده مع يد الذابح أو الناحر وإلا فالحضور كاف
فإن نواها الذابح عن نفسه فهي عن صاحبها. فإن وجد هديا ضالا عرفه يوم النحر ويومين بعده فإن وجد صاحبه وإلا ذبح عنه
وأجزأ عن صاحبه إن كان ذبحه بمنى ولم يجزئ عنه بغيرها، وإذا ضاع هديه فاشترى
بدله ثم وجد الأول فله ذبح أيهما شاء وبيع الآخر إلا أن يكون أشعر الأول أو قلده فلا
يحل بيعه، وإن اشترى هديا فادعاه شخص وأقام بينة فله لحمه ولا يجزئ عنهما.
والسنة أن يأكل من هدي المتعة والقران والأضحية الثلث ويطعم القانع والمعتر
الثلث والقانع السائل والمعتر من يتعرض ولا يسأل وقيل: القانع الراضي بالقليل.
ويهدي لأصدقائه الثلث، ولا يأكل من هدي النذر والكفارة إلا أن يضطر ويتصدق
بقيمة ما أكل اختيارا.
ويجوز أكل لحم الأضحية بعد ثلاثة أيام وادخارها ولا يخرج لحمها من الحرم ويجوز
اخراج السنام والجلد منه ويجوز اخراج لحم أضحيته وأضحية غيره من منى، ويستحب
أن يتصدق بالجلال والقلائد ويعطي الجزار أجره من غيرها وإن احتاج منها تصدق
بقيمته.
وإذا اشترى شاة فنوى أنها أضحية زال ملكه عنها فإن باعها لم يصح البيع فإن
أتلفها فعليه ضمانها، وإذا لم يجد الأضحية تصدق بثمنها فإن اختلفت أثمانها نظر
الأثمان الثلاثة وتصدق بثلثها، فليستقرض في الأضحية فإنه دين مقضي وضحى النبي
ص بكبش عن نفسه وعمن لم يضح من أهل بيته وبكبش عن نفسه
وعمن لم يضح من أمته وضحى على بكبش عن النبي ص وبكبش عن
718

نفسه وقال: لا يضحى عما في البطن.
أحكام الحلق:
ولا يحلق الحاج رأسه ولا يزور البيت إلا بعد الذبح أو بلوع الهدي محله وهو حصوله في
رحله بمنى فله أن يحلق والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح ولو حلق قبل حصول الهدي جاز
وتركه أفضل، وإن زار قبل الحلق عمدا فعليه دم ولا شئ على الناسي وعليه إعادة
الطواف، ومن احتاج إلى بيع ثياب تجمله في الهدي جاز له الصوم، ومن تطوع بسوق
هدي بنية نحره أو ذبحه بمنى أو بمكة ولم يشعره لم يزل ملكه عنه وإن هلك فلا ضمان
عليه.
والحلق واجب على الصرورة وعلى غيره إن لبد شعره أو عقصه وغيرهم يجزئه التقصير
والحلق أفضل وقيل: لا يجب الحلق ويكفي التقصير. وليس على المرأة حلق ويكفيها
التقصير قدر أنملة، فإن رحل من منى قبل الحلق أو التقصير ناسيا أو جاهلا رجع وحلق
بها فإن لم يمكنه فبمكانه وبعث بشعره ليدفن بمنى فإن لم يمكنه فلا شئ عليه، ويبدأ
بالناصية من القرن الأيمن إلى العظمين النابتين من الصدغين مستقبل القبلة متطهرا
قائلا:
اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة. ويدفنه.
ويمر الموسي على رأسه من لا شعر له ويجزئه، ويحل المتمتع بعد الحلق أو التقصير إلا من
النساء والطيب فإذا طاف للزيارة حل له الطيب فإذا طاف طواف النساء حلت له،
وترك لبس المخيط حتى يفعل طواف الزيارة والطيب حتى يفعل طواف النساء أفضل،
ويحل غير المتمتع بالحلق أو التقصير من كل شئ إلا من النساء فإذا طاف طوافهن
حللن.
719

أحكام العود إلى مكة:
ويعجل المتمتع المضي إلى مكة للزيارة يوم النحر إلا لعذر ولا يؤخر عن غده، وعن
هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال: لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن
يذهب أيام التشريق إلا أنك لا تقرب النساء والطيب.
ويوم الحج الأكبر يوم النحر والأصغر العمرة وللقارن والمفرد التأخير اختيارا والأفضل
التقديم، والتفث: أخذ الشارب وقص الأظفار ونتف العانة والإبطين وحلق النبي
ص رأسه وقلم أظفاره وأخذ من شاربه وأطراف لحيته.
ويستحب الغسل لزيارة البيت قبل دخول المسجد والطواف وأخذ الأظفار والشارب
وله الغسل بمنى نهارا ويطوف ليلا ما لم يحدث أو ينم فيعيد الغسل وكذلك المرأة ثم
يفعل عند الطواف وركعتيه والسعي ما فعله، قيل: ثم يطوف طواف النساء ويصلى
ركعتيه عند المقام.
أحكام العود إلى منى:
ثم يأتي منى فيبيت بها ليالي التشريق فإن بات بمكة طائفا وعابدا فلا بأس وإلا
فعليه دم شاة، وإذا أتى عليه نصف الليل بمنى فهو بائت ويجوز أن يخرج منها بعده ولا
يدخل مكة حتى يطلع الفجر، والكون في منى إلى بعد الفجر أفضل وإن بات بغيرها
ليلتين فعليه دمان، وله النفر ثالث النحر بعد الزوال إن كان اتقى وهو أن لا يأتي النساء
في إحرامه أو صيدا أو ما حرم عليه في إحرامه أو غربت الشمس ولم ينفر فيجب أن
يبيت فإن لم يفعل فعليه دم، وملازمة منى أيام التشريق سنة وهي أفضل من الإتيان
بمكة لطواف التطوع.
ويرمي في كل يوم من أيام التشريق ثلاث جمرات كل جمرة بسبع يبدأ بالعظمى ثم
الوسطى ثم جمرة العقبة، فإن رماها منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة، فإن رمى
جمرة بأربع حصيات وما بعدها على التمام تممها بثلاث فقط، فإن رماها بدون الأربع
720

أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن رمى الثالثة ناقصة تممها فقط.
ووقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها والفضل عند الزوال ورخص للمرأة
والخائف والعبد والراعي والعليل وأهل السقاية في الرمي ليلا، فإن فاته رمى يوم قضاه
من الغد بكرة ويرمي الحاضر عند الزوال، ويقف عن يسار الجمرة الأولى من بطن
المسيل ثم يقوم عن يسار الطريق مقابل القبلة ويحمد الله ويثني عليه ويصلى على النبي
ص ثم يتقدم قليلا ويدعو ويسأل الله القبول ثم يتقدم أيضا ويرمي
الثانية كما صنع كذلك والثالثة كذلك إلا أنه يستدبر القبلة ولا يقف عندها.
ويستحب أن يدعو والحصى في كفه اليسرى ويرمي باليمنى مكبرا مع كل حصاة
وداعيا عند الرجوع من الرمي إلى رحله، فإن جهل أو نسي الرمي حتى أتى مكة عاد
فرمى فإن ذكر وقد خرج استناب في القابل، ومن نقص حصاة أتمها وإن لم يدر من
أيها كانت رمى بثلاث على الثلاث.
ويرمى من العليل والمغمى عليه والصبي بإذن العاقل منهم ويترك الحصى في يد
الصبي ثم يؤخذ منه فيرمى به، وإذا نفر في النفر الأول دفن باقي الحصى بمنى والأفضل
النفر يوم رابع النحر بعد طلوع الشمس متى شاء، والإمام يصلى الظهر بمكة ولا يجب
الرجوع إلى مكة على من قضى مناسكه.
ويستحب أن يصلى في مسجد الخيف من منى ويتحرى عند المنارة التي في وسطه
وفوقها وعن يمينها ويسارها نحوا من ثلاثين ذراعا ويصلى فيه ست ركعات ويدخل
مسجد الحصباء يستريح فيه قليلا ويستلقي على قفاه ولا ينام فيه، فإن نفر في النفر
الأول فلا تحصيب عليه.
والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، والمعدودات: أيام التشريق، وقد ذكرنا التكبير
في صلاة العيدين وروي في من بعث بثقله إلى مكة وأقام هو إلى النفر الأخير: أنه ممن
تعجل في يومين.
721

باب حكم الإدراك والفوات وحكم النساء والعبد والمحصر والمصدود و النائب في
الحج:
من أدرك أحد الموقفين وفاته الآخر نسيانا أو لمنع ظالم أدرك الحج، فإن نسي الوقوف
بعرفات عاد إليها ما بينه وبين فجر النحر، فإذا طلع ثم ذكر وأدرك المشعر فلا بأس وإن
ورد ليلا وأمكن لحوق عرفات ولو يسيرا ثم المشعر قبل طلوع الشمس وجب عليه ذلك،
فإن وقع في نفسه أنه إن مضى إلى عرفات لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس اقتصر على
المشعر وأجزأه وإدراك المشعر قبل طلوع الشمس إدراك الحج وروي: إلى الزوال.
وعن علي بن الرئاب عن جعفر بن محمد ع: من أفاض من عرفات مع
الناس فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة. وروي: إن
مر به فلم يقف فرمى الجمرة بمنى ثم علم رجع إليه فوقف ثم رمى الجمرة. وفي من جهل
الوقوف به أن القنوت في الغداة يجزئه. وروي: فإن لم يصلوا وذكروا الله أجزأهم. وإن
وقف بعرفات وقصد المشعر فلم يلحقه تم حجه، فإن لم يلحق عرفات ولحق المشعر بعد
طلوع الشمس فاته الحج.
ويستحب إقامته على إحرامه حتى ينقضي أيام التشريق ثم يطوف بالبيت ويسعى
ويتحلل بالعمرة، وإن كان معه هدي نحره بمكة وحج من القابل إن كانت حجة
الاسلام، وإن كان تطوعا كان بالخيار، ويسقط توابع الحج عمن فاته.
والنساء كالرجال في وجوب الحج وليس من شرطه وجود محرم أو زوج ويكفي
وجود من تثق به ولها التطوع بالحج والعمرة وتستأذن الزوج في التطوع فإن لم يأذن
وخرجت أثمت وأتمت الصلاة ولا نفقة لها وإن خرجت باذنه أو في الحج الواجب بكل
حال فعليه نفقة الحضر، والمعتدة عدة رجعية كذلك.
والبائن تخرج في النفل والواجب وإن جامعها مختارة فعليها الكفارة في مالها والقضاء
وإن نهاها ولها نفقة الحضر.
وتحرم الحائض وتغتسل للإحرام وتحتشي وتستثفر ولا تصلي فإن ظنت حظر الإحرام
722

فجازت الميقات رجعت إليه فإن تعذر فمن مكانها، فإن كانت قد دخلت الحرم وجب
الخروج ما قدرت عليه ما لا يفوتها الحج وتلبس ثياب الإحرام نهارا وتخلعها ليلا وتلبس
ثيابها الأخر حتى تطهر، فإن أحرمت بالمتعة ثم حاضت وعليها مهلة انتظرت الطهر ثم
قضت النسك وأحرمت بالحج، فإن ضاق الوقت وخافت فوات عرفات جعلتها حجة
مفردة واعتمرت بعدها ولا هدي عليها، وإن طافت دون أربعة أشواط ثم حاضت فكمن
لم يطف، وإن طافت أربعة قطعت وسعت وقصرت وأحرمت بالحج وصلت الركعتين بعد
إتمام الطواف، وإن حاضت بعد الطواف سعت حائضا وقضت الركعتين، وإن قضت
المناسك حائضا حياء من إعلام حالها وواقعها زوجها ثم رجعت إلى بلدها فعليها بدنة
وإعادة الحج ولا شئ على الزوج.
وإذا أحرمت بالحج فخافت الحيض قدمت الطوافين والسعي وصلاة الركعتين وإن
لم تقدم وجاء الحيض بعد الوقوف بالموقفين فعلى الإمام الإقامة لها حتى تطهر وتتم
النسك، وإن طافت من طواف النساء أربعة أشواط ثم حاضت جاز أن تخرج وتودع من
أدنى باب المسجد.
وتؤدي المستحاضة جميع المناسك إذا فعلت ما يجب عليها ولا تدخل الكعبة، والمرأة
كالرجل في جواز الطواف بها أو عنها في العلة والإحرام عنها إن أغمي عليها وتجنب
محظور الإحرام وليس عليها دخول البيت فإن دخلته في غير زحام جاز وتلبس المخيط
وتكبر أيام التشريق إخفاتا.
في الإحصار والصد:
والمحصر بالمرض إن كان شرط على ربه أحل بلا هدي إلا من النساء وإن لم يكن
شرط أحل بهدي إلا من النساء، والمصدود بالعدو كذلك إلا أنه لم تحل له النساء.
وينويان معا التحلل ويبعثان بالهدي إن كانا في الحج إلى منى وإن كانا في عمرة فإلى
مكة فإن لم يمكنهما ففي مكانهما، وإذا لم يجد الهدي فروى معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله ع في المحصر ولم يسق الهدي قال: ينسك ويرجع. وقيل: فإن لم يجد
723

الهدي. قال: يصوم.
وفي كتاب المشيخة لابن محبوب روى صالح عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي
عبد الله ع في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق وهو محرم قال: فقال:
ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر
يوما، فإذا برأ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه وإن كان قد اشترط
فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر.
ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل
والعمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل وإن كانا متطوعين فهما بالخيار، وإذا استناب
المريض لطواف النساء وفعل النائب حلت له النساء، ويجوز التحلل بالإحصار في حج
أفسده ويلزمه دم الإحصار وبدنة للإفساد والقضاء في القابل، فإن زال المنع والوقت باق
قضاه من عامه فإن ضاق فمن قابل، وإن لم يتحلل من الفاسد والحج لم يفت مضى في
الفاسد وتحلل فإن فاته تحلل بالعمرة وعليه بدنة للإفساد والقضاء من قابل.
وإذا بعث المريض هدي التحلل وخف فلحقهم قبل فوات أحد الموقفين فقد أدرك
الحج، وإذا واعدهم ليوم بعينه في نحر الهدي أو ذبحه فإذا كان اليوم أحل فإن لم يكونوا
فعلوا فلا شئ عليه في الإحلال لكنه يمسك عما عنه المحرم ويبعث بهدي في قابل.
ويدخل المحصر في القابل في مثل ما خرج منه، ومن بعث بهدي تطوعا وواعدهم
يوما بعينه بإشعاره أو تقليده اجتنب ما يجتنبه المحرم إذا حصل ذلك اليوم حتى يبلغ
الهدي محله، ثم أحل.
في حكم العبيد:
ويجوز أن يتطوع العبد والمدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق بعضه بالحج بإذن المولى ولا
ينعقد بغير إذنه ولا تطوع المرأة بغير إذن الزوج، فإن أذن المولى والزوج ثم رجعا بعد
الإحرام وجب التمام وإن أفسده وجب قضاؤه وإن نهى الزوج والمولى، فإن رجعا قبل
الإحرام ولم تعلم المرأة والعبد فالظاهر انعقاد الإحرام، والأمة المزوجة لا تحرم إلا بإذن
724

المولى والزوج.
وإذا أحرم بإذن مولاه ثم أفسد الحج وأعتق بعد الوقوف بالموقفين أتمها وعليه قضاؤها
وحجة الاسلام فيما بعد إن وجد الاستطاعة، وإن أعتق قبل المشعر فالإفساد قبل العتق
وبعده سواء يمضى في الفاسد وعليه القضاء ويجزئه عن حجة الاسلام.
وإذا باع السيد عبده بعد إحرامه باذنه صح بيعه وليس للمشتري تحليله كالبائع ولا
خيار له إن علم حاله وله الخيار إن لم يعلم وإن فعل محظور الإحرام كاللباس والطيب
والصيد فروى موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله
ع قال: كلما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في
الإحرام. وقيل: عليه الصوم ولسيده منعه منه لأنه لم يتضمنه إذنه في الإحرام. وليس له
منعه من الصوم عن دم المتعة لأن إذنه في التمتع يتضمنه.
في النيابة والاستئجار والوصية بالحج:
ويصح النيابة في الحج الواجب والندب ويصح الاستئجار فيهما ولا يلزم المستأجر
ما أعوز الأجير من النفقة بل يستحب له ويثاب الأجير على أفعاله، وإذا حج عمن وجب
عليه الحج بعد موته أجزأت عنه تطوعا أو بأجرة، ويلزم الأجير كفارة محظور الإحرام في
ماله وإن أفسدها فعليه القضاء ويجزئ عن المستأجر، ولا يحل لمستطيع الحج عن نفسه أن
يتطوع به ولا يحج عن غيره.
وروى الكليني بإسناده عن سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى ع عن
الرجل الصرورة يحج عن الميت، قال: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن
كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله، وهي تجزى عن الميت
إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال.
ويجوز أن يحج الصرورة عن غيره وإن عين في العقد سنة تعينت فإن لم يحج فيها بطل
العقد ورد الأجرة، وإن لم يعينها فعليه التعجيل فإن لم يفعل لم يبطل العقد ولا فسخ
للمستأجر ويحج عنه في عام آخر وإن شرط التأجيل إلى عام عينه جاز.
725

ويجوز أن يستأجر اثنان
فصاعدا رجلا ليحج عنهم حجة واحدة تطوعا وأن يشرك
انسان في حجه جماعة وكان لكل واحد منهم حجة من غير أن ينقص من حجه شئ، فإن
حج عن والديه فكذلك وكتب له مع ذلك ثواب البر.
وإذا أخذ مالا ليحج عن غيره فحج عن نفسه فهي عن صاحب المال على ما روي،
وإذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه ولا يرد شيئا من الأجرة وإن مات
قبل الإحرام رد الأجرة، وإن أحصر الأجير فله التحلل وله من الأجرة بقدر ما فعل فإن
كان في حجة الاسلام استؤجر غيره وإن كان في التطوع فبالخيار، وإذا استؤجر ليحج
على طريق فحج على غيرها فلا بأس، وإذا استؤجر ليحج متمتعا أو قارنا فالهدي على
الأجير، وإن استؤجر للتمتع فحج قارنا أو مفردا لم يستحق الأجرة، وإن استؤجر للقران
أو الإفراد، فحج متمتعا لم يستحق الأجرة، ويصح أن يوصي بحج التطوع والأجرة له
من الثلث، ويستحب التطوع عن المؤمن بالحج حيا وميتا إلا أن يكون مملوكا.
ولا يحج المؤمن عن الناصب إلا أن يكون أباه، وإن أوصى الانسان أن يحج عنه فلان
لم يجز العدول عنه، وإن استؤجر ليحج بما شاء أو ليحج أو يعتمر كان له أجرة المثل،
وإن استؤجر ليحج فاعتمر أو بالعكس لم يستحق أجرة، وإن أمره أن يحج عنه بنفسه لم
يجز سواه فإن فوض إليه جاز بنفسه وغيره فإن أحرم عنه ثم نقله إلى نفسه لم يصح
وكانت عن المستأجر.
ويستحب للنائب ذكر المنوب عنه بلفظه عند الإحرام وجميع المناسك ولو لم يذكره
أجزأ عنه بالنية، وإذا أخذ أجرة حجة لم يجز أخذ أخرى حتى يفعل الأولى، ولا يسقط
الحج بالموت ويجب أن يخرج من التركة من أصل المال وسأله بريد العجلي عن رجل
استودع مالا ومات وليس لولده شئ ولم يكن حج حجة الاسلام. قال: يحج عنه وما
فضل فأعطهم.
وروى ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول:
يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء.
وإذا لم يدر حج أبوه أم لا فليحج عنه وإن لم يكن حج أبوه كانت فريضة وللابن
726

نافلة وإن كان حج كتبت للولد فريضة وللوالد نافلة. ويشارك المحجوج عنه النائب
حتى يطوف فلا شركة بينهما. وإذا صلى المؤمن عن أخيه بعد موته خفف الله عنه وقيل
له: قد خفف عنك بصلاة أخيك عنك. وكذلك طوافه وحجه وعمرته عنه.
باب وداع البيت والإتيان بالمدينة وزيادات:
يستحب الرجوع من منى إلى مكة للوداع فإذا أتاها دعا بالمأثور ويغتسل لدخولها،
ويستحب للصرورة دخول الكعبة مؤكدا والغسل لدخولها حافيا لا يبصق ولا يتمخط
فإن غلبه بلعه أو أخذه بخرقة وتقول:
اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فأمني من عذابك عذاب النار.
ثم يصلى ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء يقرأ في الأولى حم السجدة
وفي الآخرة عدد آيها من القرآن في زوايا البيت كلها يبدأ بزاوية الدرجة ثم يقول: اللهم
من تهيأ وتعبأ إلى آخره. ثم يقوم مستقبل الحائط من الركن الغربي واليماني يرفع
يديه ويلتصق به ويدعو ثم يتحول إلى الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم الركن
الغربي كذلك.
وإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة صلى على يمينه ركعتين، فإذا أراد فراق مكة
طاف بالبيت سبعا طواف الوداع سنة مؤكدة ويفعل فيه كما فعل قبل ودعا بما أحب
وأتى الحطيم ما بين باب الكعبة والحجر وتعلق بالأستار وحمد واثنى وصلى على محمد
وآله ودعا بالمأثور ثم يستلم الحجر ويودع البيت قائلا: اللهم لا تجعله آخر العهد من
بيتك.
ثم يأتي زمزم فيشرب منها ثم يخرج قائلا:
آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى ربنا راجعون.
وليكن خروجه من باب الحناطين فيخر ساجدا ويقوم ويقول مواجه الكعبة: اللهم
إني انقلبت على لا إله إلا الله. ويشترى عند الخروج بدرهم تمرا يتصدق به إن شاء
الله.
727

وقال الصادق ع: مقام يوم قبل الحج أفضل من مقام يومين بعد الحج. ومن
أراد أن يحج كل سنة ولا يبلغ ذلك ماله بعث ثمن أضحيته وأمره أن يطوف أسبوعا عنه
والذبح عنه.
وإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ وأتى المسجد فلا يزال في الدعاء حتى تغرب
الشمس. روي ذلك عن الصادق ع، ويجتنب ما يجتنبه المحرم في وقت وعدهم
له بتقليد الهدي أو إشعاره حتى يبلغ محله فإن لبس الثياب فعليه دم يوم الأضحى عن
نفسه إلا أنه لا يلبي فإن خالفوه في الميعاد وكان قد أحل فلا شئ عليه.
وروي: من خرج بعد ارتفاع النهار من الحرم قبل أن يصلى صلاتين نودي من
خلفه: أين تذهب لا ردك الله.
ولا ينبغي لأهل مكة منع الحاج الدور والمنازل وأن يجعلوا على دورهم أبوابا فقد
كانت ليس على شئ منها باب وأول من بوبها معاوية، ولا يرفع بناء فوق الكعبة ولا
يخرج شئ من حصى المسجد ولا من تربة ما حول الكعبة فمن أخرج ذلك رده، ومن
أهدى شيئا للكعبة أعطاه من قصرت نفقته أو نفد زاده أو نفق بعيره الأولى فالأولى
حتى يفرع وإن كانت جارية وشبهها باعها وفعل بالثمن ذلك، وقد كان المقام لاصقا
بالبيت فحول بعد النبي ص وليس في الحجر شئ من البيت.
وإذا وصل إنسانا من ثياب الكعبة صلح للصبيان والمصاحف والمخدة يبتغي به
البركة وفي رواية يجوز استعماله وبيع بقيته، والتحصن بالحرم إلحاد وكل الظلم فيه إلحاد
حتى زيادة تأديب الغلام، ويكره المقام بمكة سنة وروي: أن المقام بها يقسي القلب.
وينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك فإنه أشوق للعود إليها.
ويكره الاحتباء قبالة البيت والخروج من الحرمين بعد طلوع الشمس حتى يصلى
الصلاتين، ويستحب العزم على العود والدعاء بذلك فمن خرج لا يريد العود فقد اقترب
أجله ودنا عذابه، ويجوز الاستدانة للحج لمن له ما يقضى منه، ويستحب للعراقيين البدء
بزيارة النبي ص، ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالة والصلاة
بطريق مكة في البيداء وذات الصلاصل وضجنان ويجبر الإمام الناس على الحج والزيارة
728

إن تركوهما وعلى المقام عندهما إن تركه فإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال
المسلمين. ويستحب الاجتماع يوم عرفة والدعاء عند المشاهد والمواضع الشريفة ولا نعرف
استحباب شرب نبيذ السقاية ولا كراهة التلفظ بشوط وصرورة لمن لم يحج ولا حجة
الوداع.
فإذا خرج متوجها إلى المدينة للزيارة وبلغ ذا الحليفة أتى المعرس فدخله وصلى
ركعتين ليلا أو نهارا فإن جازه رجع وصلى فيه واضطجع قليلا، فإذا أتى مسجد الغدير
دخله وصلى ركعتين وحرم رسول الله ص المدينة وهو ما بين ظل عائر إلى
ظل وعير بريدا في بريد لا يعضد شجرها إلا عود الناضح ولا تختلى خلاها ولا بأس
بأكل صيدها إلا صيد بين الحرمين.
ويستحب الغسل لدخولها ولدخول المسجد ولزيارة النبي ص، فإذا
دخل المسجد زاره ثم أتى المنبر فمسح رمانتيه وصلى بين القبر والمنبر وهو روضة من
رياض الجنة ويزور فاطمة ع من هناك فروي: أنها مدفونة فيه. وروي: في
بيتها. وهو الأصح، وروي: أنها في البقيع. وهو بعيد.
ويستحب المجاورة بالمدينة وإكثار الصلاة في المسجد ويكره النوم فيه، وينبغي أن
يصوم ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة. ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي
لبابة وهي أسطوانة التوبة ويقعد يوم الأربعاء عندها ويأتي ليلة الخميس الأسطوانة
التي تلى مقام النبي ص ومصلاه ويصلى عندها ويصلى ليلة الجمعة عند
مقامه ع وليكن في هذه الأيام معتكفا.
ويستحب أن يأتي البقيع لزيارة الأئمة ع على غسل ويأتي المشاهد
كلها بالمدينة مسجد قباء ومشربة أم إبراهيم ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ومسجد
الفضيخ وقبور الشهداء وقبر حمزة رضي الله عنهم بأحد.
وعن محمد بن عثمان العمري: أن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى
الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. وإذا قام نادى مناديه: أن يخلى أصحاب النافلة
لأصحاب الفريضة الحجر والطواف بالبيت.
729

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ - ق
731

قواعد الأحكام:
كتاب الحج
وفيه مقاصد:
الأول: في المقدمات:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: في حقيقة الحج:
الحج لغة: القصد وشرعا: القصد إلى بيت الله تعالى بمكة مع أداء مناسك مخصوصة
عنده، وهو من أعظم أركان الاسلام وهو واجب وندب، فالواجب إما بأصل الشرع وهو
حجة الاسلام مرة واحدة في العمر على الفور، وإما بسبب كالنذر وشبهه أو بالإفساد أو
الاستئجار ويتكرر بتكرر السبب، والمندوب ما عداه كفاقد الشروط أو المتبرع به وإنما
يجب بشروط وهي خمسة في حجة الاسلام: التكليف والحرية والاستطاعة ومؤونة عياله
وإمكان المسير. وشرائط النذر وشبهه أربعة: التكليف والحرية والإسلام وإذن الزوج.
وشرائط النيابة ثلاثة: الاسلام والتكليف وأن لا يكون عليه حج واجب بالأصالة أو
بالنذر المضيق أو الإفساد أو الاستئجار المضيق، ولو عجز من استقر عليه وجوب الحج
عنه ولو مشيا صحت نيابته، وشرط المندوب أن لا يكون عليه حج واجب وإذن الولي
على من له عليه ولاية كالزوج والمولى والأب.
المطلب الثاني: في أنواع الحج:
وهي ثلاثة: تمتع وقران وإفراد. أما التمتع فهو فرض من نأى عن مكة باثني عشر
733

ميلا من كل جانب وصورته أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها في وقته، ثم يطوف
لها، ثم يصلى ركعتيه، ثم يسعى، ثم يقصر، ثم يحرم من مكة للحج، ثم يمضى إلى
عرفة فيقف بها إلى الغروب يوم عرفة، ثم يفيض إلى المشعر فيقف به بعد الفجر، ثم
يمضى إلى منى فيرمي جمرة العقبة يوم النحر، ثم يذبح هديه، ثم يحلق، ثم يمضى فيه أو
في غده إلى مكة فيطوف للحج ويصلى ركعتيه ويسعى للحج ويطوف للنساء ويصلى
ركعتيه، ثم يمضى إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر
والثالث عشر، ويرمي في هذه الأيام الجمار الثلاث، ولمن اتقى النساء والصيد أن
ينفر في الثاني عشر فيسقط رمى الثالث.
وأما القران والإفراد فهما فرض أهل مكة وحاضريها وهو من كان بينه وبين مكة
دون اثني عشر ميلا من كل جانب وصورتهما واحدة وإنما يفترقان بسياق الهدي وعدمه،
وصورة الإفراد أن تحرم من الميقات أو من حيث يجوز له، ثم يمضى إلى عرفة، ثم
المشعر، ثم يقضي مناسكه يوم النحر بمنى، ثم يأتي مكة فيطوف للحج ويصلى ركعتيه، ثم
يسعى، ثم يطوف للنساء، ويصلى ركعتيه، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الإحلال من أدنى الحل
وإن لم يكن في أشهر الحج، ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزئه
الإحرام الأول واستأنفه، ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا لم يجز ويجوز اضطرارا، وكذا
من فرضه التمتع يعدل إلى الإفراد اضطرارا كضيق الوقت وحصول الحيض والنفاس،
ولو طافت أربعا فحاضت سعت وقصرت وصحت متعتها وقضت باقي المناسك وأتمت
بعد الطهر، ولو كان أقل فحكمها حكم من لم تطف تنتظر الطهر، فإن حضر وقت
الوقوف ولم تطهر خرجت إلى عرفة وصارت حجتها مفردة، وإن طهرت وتمكنت من
طواف العمرة وأفعالها صحت متعتها وإلا صارت مفردة.
المطلب الثالث: في شرائط أنواع الحج:
شروط التمتع أربعة: النية، ووقوعه في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو
734

الحجة على رأي، وإتيان الحج والعمرة في سنة واحدة، والإحرام بالحج من بطن مكة
وأفضلها المسجد وأفضله المقام. ولا يجوز الإحرام لعمرة التمتع قبل أشهر الحج ولا لحجة
من غير مكة، فلو أحرم بها قبل الأشهر لم يصح له التمتع بها وإن وقع بعض أفعالها في
الأشهر، ولو أحرم لحجة من غير مكة لم يجزئه وإن دخل به مكة ويجب عليه استئنافه منها
فإن تعذر استأنف حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد ولا يسقط الدم، وإذا أحرم
بعمرة المتمتع ارتبط بالحج فلا يجوز له الخروج من مكة إلى حيث يفتقر إلى تجديد عمرة
قبله، ولو جدد تمتع بالأخيرة، وعمرة التمتع تكفي عن المفردة، ويحصل التمتع
بإدراك مناسك العمرة وتجديد إحرام الحج وإن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم
إدراكها.
وشرط الإفراد ثلاثة: النية ووقوع الحج في أشهره وعقد الإحرام من ميقاته أو دويرة
أهله إن كانت أقرب وكذا القارن، ويستحب له بعد التلبية الإشعار بشق الأيمن من
سنام البدنة وتلطيخ صفحته بالدم ولو تكثرت دخل بينها و أشعرها يمينا وشمالا، أو
التقليد بأن يعلق في رقبته نعلا صلى فيه وهو مشترك، وللقارن والمفرد الطواف إذا دخلا
مكة لكنهما يجددان التلبية استحبابا عقيب صلاة الطواف ولا يحلان لو تركاها على
رأي، وقيل: المفرد خاصة والحلق بشرط النية، وللمفرد بعد دخول مكة العدول إلى
التمتع لا القارن ولا يخرج المجاور عن فرضه بل يخرج إلى الميقات ويحرم للتمتع حجة
الاسلام، فإن تعذر خرج إلى خارج الحرم، فإن تعذر أحرم من موضعه إلا إذا أقام ثلاثة
سنين فيصير في الثالثة كالمقيم في نوع الحج ويحتمل العموم فلا يشترط الاستطاعة، وذو
المنزلين بمكة وناء يلحق بأغلبهما إقامة، فإن تساويا تخير، والمكي المسافر إذا جاء على
ميقات أحرم منه للإسلام وجوبا ولا هدي على القارن والمفرد وجوبا، ويستحب
الأضحية ويحرم قران النسكين بنية واحدة وإدخال أحدهما على الآخر ونية حجتين أو
عمرتين.
735

المطلب الرابع: في تفصيل شرائط الحج:
وفيه مباحث:
الأول: البلوغ والعقل، فلا يجب على الصبي ولا المجنون الحج، فلو حج عنهما أو
بهما الولي صح ولم يجز عن حجة الاسلام بل يجب عليهما مع الكمال الاستئناف ولو
أدركا المشعر كاملين أجزأهما، ويصح من المميز مباشرة الحج وإن لم يجزئه، و للولي أن
يحرم عن الذي لا يميز ويحضره المواقف وكل ما يتمكن الصبي من فعله فعله، وغيره على
وليه أن ينوبه فيه، ويستحب له ترك الحصى في كف غير المميز ثم يرمي الولي، ولوازم
المحظورات والهدي على الولي إلا القضاء لو جامع في الفرج قبل الوقوف فإن الوجوب
عليه دون الولي، ولا يصح في الصبي بل بعد بلوغه وأداء حجة الاسلام مع وجوبها،
ويجب أن يذبح عن الصبي المتمتع الصغير، ويجوز أمر الكبير بالصيام وإن لم يوجد هدي
ولا قدر الصبي على الصوم وجب على الولي الصوم عنه، والولي هو ولي المال وقيل:
للأم ولاية الإحرام بالطفل والنفقة الزائدة على الولي.
الثاني: الحرية، فالعبد لا يجب عليه الحج وإن أذن مولاه، ولو تكلفه بإذن لم يجزئه
عن حجة الاسلام إلا أن يدرك عرفة أو المشعر معتقا، ولو أفسد وأعتق بعد الموقفين
وجبت البدنة والإكمال والقضاء وحجة الاسلام ويقدمها، فلو قدم القضاء لم يجزئ
عن إحديهما، ولو أعتق قبل المشعر فكذلك إلا أن القضاء يجزئ عن حجة الاسلام
وللمولى الرجوع في الإذن قبل التلبس لا بعده، فلو لم يعلم العبد صح حجه وللمولى أن
يحلله على إشكال والفائدة تظهر في العتق قبل المشعر وإباحة التحلل للمولى، وحكم
المدبر والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد حكم القن، وللزوج والمولى معا منع الأمة
المزوجة عن الحج، ولو هايأه وأحرم في نوبته فالأقوى الصحة، وللمولى التحليل مع
قصورها عن أفعال الحج والإجزاء عن حجة الاسلام إن عتق قبل أحد الموقفين، ولو أحرم
القن بدون إذن وأعتق قبل المشعر وجب تجديد إحرام من الميقات فإن تعذر فمن موضعه،
ولو أفسد غير المأذون لم يتعلق به حكم، ولو أفسد المأذون وجب القضاء وعلى السيد
التمكين على إشكال، ولو تطيب المأذون أو لبس فعليه الصوم وللمولى منعه لأنه لم يأذن
736

فيه أما بدل الهدي فليس له منعه.
البحث الثالث: الاستطاعة:
والمراد بها الزاد والراحلة.
أما الزاد فهو أن يملك ما يمونه من القوت والمشروب بقدر حاله إلى الحج وإلى الإياب
إلى وطنه وإن لم يكن له أهل فاضلا عن حاجته من المسكن وعبد الخدمة وثياب البذلة
والتجمل ونفقة عياله إلى الإياب.
وأما الراحلة فيعتبر في حق من يفتقر إلى قطع المسافة وإن قصرت عن مسافة القصر،
فلو كان من عادة أمثاله المركوب به وتمكن من الركوب بدونه وجب، ويشترط راحلة
مثله وإن قدر على المشي، والمحمل إن افتقر إليه أو شق محمل مع شريك، ولو تعذر
الشريك سقط إن تعذر الركوب بدونه، ولو لم يجد الزاد والراحلة وأمكنه الشراء وجب
وإن زاد عن ثمن المثل على رأي، ولو منع من دينه وليس غيره فعاجز وإلا فقادر،
والمديون يجب عليه الحج إن فضل ماله عما عليه وإن كان مؤجلا بقدر الاستطاعة وإلا
فلا.
ويصرف المال إلى الحج لا إلى النكاح وإن احتاج إليه وشق تركه، ويصرف رأس
ماله الذي لا يقدر على التجارة إلا به إلى الحج، ولا يجب الاقتراض للحج إلا أن يفضل
ماله بقدر الحاجة المستثناة عن القرض، وفاقد الاستطاعة لو قدر على التكسب أو وهب
قدرها أو بعضها وبيده الباقي لم يجب إلا مع القبول، ولو بذلت له أو استؤجر للمعونة
بها أو شرطت له في الإجارة أو بعضها وبيده الباقي وجب، ولو حج الفاقد الاستطاعة
نائبا لم يجز عنه لو استطاع وليس الرجوع إلى كفاية من صناعة أو حرفة شرطا على رأي.
وأوعية الزاد والماء داخلة في الاستطاعة، فإن تعذرت مع الحاجة سقط الوجوب
ويجب شراؤها مع وجود الثمن وإن كثر، وعلف البهائم المملوكة ومشروبها كالزاد
والراحلة، وليس ملك عين الراحلة شرطا بل ملك منافعها، ولو وجد الزاد والراحلة
وقصر ماله من نفقة عياله الواجبي النفقة والمحتاج إليهم ذهابا وعودا سقط الحج، ولو
737

تكلف الحج مع فقد الاستطاعة أو حج عنه من يطيق الحج مع الاستطاعة وبدونها لم
يجزئه، ولا يجب على الولد بذل الاستطاعة للأب.
البحث الرابع: إمكان المسير: ويشتمل على أربعة مباحث:
أ: الصحة فلا يجب على المريض المتضرر بالركوب والسفر ولو لم يتضرر وجب،
وهل يجب على المتضرر الاستنابة؟ الأقرب العدم، والدواء في حق غير المتضرر مع الحاجة
إليه كالزاد، ويجب على الأعمى، فإن افتقر إلى قائد وتعذر لفقده أو فقد مؤونته سقط
وإلا فلا، ويجب على المحجور المبذر وعلى الولي أن يبعث معه حافظا، والنفقة الزائدة
في مال المبذر وأجرة الحافظ جزء من الاستطاعة إن لم يجد متبرعا.
ب: التثبت على الراحلة، فالمعضوب غير المستمسك عليها والمحتاج إلى الزميل مع
فقده لا حج عليهما، ولو لم يستمسك خلقة لم يجب الاستنابة على رأي، ولو احتاج إلى
حركة عنيفة يعجز عنها سقط في عامه فإن مات قبل التمكن سقط.
ج: أمن الطريق في النفس والبضع والمال، فيسقط الحج مع الخوف على النفس من
عدو أو سبع ولا يجب الاستنابة على رأي، ولو كان هناك طريق غيره سلكه واجبا وإن
كان أبعد مع سعة النفقة، والبحر كالبر إن ظن السلامة به وجب وإلا فلا، والمرأة
كالرجل في الاستطاعة ولو خافت المكابرة أو احتاجت إلى محرم وتعذر سقط، وليس
المحرم مع الغناء شرطا، ولو تعذر إلا بمال مع الحاجة وجب مع المكنة، ولو خاف على ماله
سقط، ولو كان العدو لا يندفع إلا بمال وتمكن من التحمل به ففي سقوط الحج نظر، ولو
بذل له باذل وجب، ولا يجب لو قال: اقبل المال وادفع أنت. ولو وجد بدرقة بأجرة وتمكن
منها فالأقرب عدم الوجوب، ولو افتقر إلى القتال فالأقرب السقوط مع ظن السلامة، ولو
تعددت الطرق تخير مع التساوي في الأمن وإلا تعين المختص به وإن بعد، ولو تساوت في
الخوف سقط، ولو افتقر إلى الرفقة وتعذرت سقط.
د: اتساع الوقت لقطع المسافة، فلو استطاع وقد بقي من الوقت ما لا يسع لإدراك
المناسك سقط في عامه، ولو مات حينئذ لم يقض عنه، وكذا لو علم الإدراك لكن بعد
738

طي المنازل وعجز عن ذلك ولو قدر وجب.
مسائل:
أ: إذا اجتمعت الشرائط وأهمل أثم واستقر الحج في ذمته ويجب عليه قضاؤه متى
تمكن منه على الفور ولو مشيا، فإن مات حينئذ وجب أن يحج عنه من صلب تركته من
أقرب الأماكن إلى الميقات على رأي، ولو لم يكن له مال أصلا استحب لوليه، ولو
ضاقت التركة عن الدين وأجرة المثل من أقرب الأماكن قسطت عليهما بالنسبة، فإن
قصر نصيب الحج صرف في الدين.
ب: لو مات الحاج بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ولو كان نائبا وتبرأ ذمة
المنوب، ولو مات قبل ذلك قضيت عنه إن كانت قد استقرت وإلا فلا، والاستقرار
بالإهمال بعد اجتماع الشرائط ومضى زمان جميع أفعال الحج أو دخول الحرم على
إشكال.
ج: الكافر يجب عليه ولا يصح منه، فإن أسلم وجب الإتيان به إن استمرت
الاستطاعة وإلا فلا، ولو فقد الاستطاعة بعد الاسلام ومات قبل عودها لم يقض عنه،
ولو أحرم حال كفره لم يعتد به وأعاده بعد الاسلام، فإن تعذر الميقات أحرم من موضعه
ولو بالمشعر.
د: ولو ارتد بعد إحرامه لم يجدده لو عاد وكذا الحج، ولو استطاع في حال الردة وجب
عليه وصح منه إن تاب، ولو مات أخرج من صلب تركته وإن لم يتب على إشكال.
ه‍: المخالف لا يعيد حجه بعد استبصاره واجبا إلا أن يخل بركن بل يستحب.
و: ليس للمرأة ولا للعبد الحج تطوعا بدون إذن الزوج والمولى، ولا يشترط إذن
الزوج في الواجب، وفي حكم الزوجة المطلقة رجعية لا بائنة.
ز: المشي للمستطيع أفضل من الركوب مع عدم الضعف ومعه الركوب أفضل.
739

المطلب الخامس: في شرائط النذر وشبهه:
قد بينا اشتراط التكليف والحرية والإسلام وإذن الزوج خاصة، فلا ينعقد نذر
الصبي ولا المجنون ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الساهي والغافل والنائم ولا
العبد إلا بإذن المولى، ومعه ليس له منعه وكذا الزوجة، وللأب حل يمين الولد، وحكم
النذر واليمين والعهد في الوجوب والشرط واحد، ولو نذر الكافر لم ينعقد ومع صحة
النذر يجب الوفاء به عند وقته إن قيده بوقت وإلا لم يجب الفور، نعم لو تمكن بعد
وجوبه ومات لم يأثم ويقضي من صلب التركة، ولو كان عليه حجة الاسلام قسمت
التركة بينهما، ولو اتسعت لإحداهما خاصة قدمت حجة الاسلام، ولو لم يتمكن
ومات سقط، ولو قيده بالوقت فأخل به مع القدرة قضي عنه ولا معها المرض
وعدو وشبههما يسقط، ولو نذر أو أفسد وهو معضوب قيل: وجبت الاستنابة. ولو قيد
النذر بالمشي وجب ويقف موضع العبور فإن ركب طريقه قضاه، ولو ركب البعض
فكذلك على رأي، ولو عجز فإن كان مطلقا توقع المكنة و إلا سقط على رأي، ولو نذر
حجة الاسلام لم يجب غيرها ولو نذر غيرها لم يتداخلا ولو أطلق فكذلك على رأي.
المطلب السادس: في شرائط النيابة:
وهي ثلاثة: كمال النائب وإسلامه، وإسلام المنوب عنه، وعدم شغل ذمته بحج
واجب. فلا يصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميز ولا المميز على رأي، ولا الكافر
ولا نيابة المسلم عنه ولا عن المخالف إلا أن يكون أبا النائب، والأقرب اشتراط العدالة
لا بمعنى عدم الاجزاء لو حج الفاسق، ولا نيابة من عليه حج واجب من أي أنواع الحج
كان مع تمكنه، فإن حج عن غيره لم يجزئ عن أحدهما، ويجوز لمن عليه حج أن يعتمر
عن غيره، ولمن عليه عمرة أن يحج نيابة إذا لم يجب عليه النسك الآخر، ولو استأجره
اثنان واتفق زمان الإيقاع والعقد بطلا، ولو اختلف زمان العقد خاصة بطل المتأخر، ولو
انعكس صحا، ويشترط نية النيابة وتعيين الأصل قصدا ويستحب لفظا عند كل
فعل.
وتصح نيابة فاقد شرائط حجة الاسلام وإن كان صرورة أو امرأة عن رجل
740

وبالعكس، ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ وقبله يعيد مقابل الباقي والعود،
وكذا لو صد قبل دخول الحرم محرما، ولا يجب إجابته لو ضمنه في المستقبل ولا إكمال
الأجرة لو قصرت ولا دفع الفاضل إلى المستأجر لو فضلت عن النفقة وتبرع الحي يبرئ
الميت، ويجب امتثال الشرط وإن كان طريقا مع الغرض وعليه رد التفاوت لا معه،
ولو عدل إلى التمتع عن قسيميه وتعلق الغرض بالأفضل أجزأ وإلا فلا ولا يستحق
أجرا.
ويجوز النيابة في الطواف عن الغائب والمعذور كالمغمى عليه والمبطون لا عمن انتفى
عنه الوصفان، والحامل والمحمول وإن تعدد يحتسبان وإن كان الحمل بأجرة على إشكال
وكفارة الجناية والهدي في التمتع والقران على النائب، ولو أحصر تحلل بالهدي ولا
قضاء عليه وإن كانت الإجارة مطلقة على إشكال، وإن كان الحج ندبا عن المستأجر
تخير وإلا وجب الاستئجار وعلى الأجير رد الباقي من الطريق، ولمن عليه حجة الاسلام
ومنذورة أو غيرهما أن يستأجر اثنين لهما في عام واحد مع العذر، ولو نقل النائب بعد
التلبس عن المنوب النية إلى نفسه لم يجزئ عن أحدهما ولا أجرة له.
مسائل:
أ: لو أوصى بحج واجب أخرج من الأصل، فإن لم يعين القدر أخرج أقل ما
يستأجر به من أقرب الأماكن، وإن كان ندبا فكذلك من الثلث، ولو عينه فإن زاد
أخرج الزائد من الثلث في الواجب والجميع منه في الندب، ولو اتسع المعين للحج من
بلده وجب وإلا فمن أقرب الأماكن، ولو قصر عن الأقل عاد ميراثا على رأي.
ب: يستحق الأجير الأجرة بالعقد فإن خالف ما شرط فلا أجرة.
ج: لو أوصى بحج وغيره قدم الواجب ولو وجب الكل قسمت التركة بالحصص مع
القصور.
د: لو لم يعين الموصي العدد اكتفى بالمرة، ولو علم قصد التكرار كرر حتى يستوفى
الثلث، ولو نص على التكرار والقدر فقصر جعل ما لسنتين أو أزيد لسنة.
741

ه‍: للمستودع بعد موت المودع المشغول بحجة واجبة اقتطاع الأجرة ويستأجر مع علمه
بمنع الوارث.
و: يجوز الاستنابة في جميع أنواع الحج الواجب مع العجز بموت أو زمن وفي التطوع مع
القدرة ولا يجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ويجوز عن الميت من غير وصية.
ز: يشترط قدرة الأجير وعلمه بأفعال الحج واتساع الوقت ولا يلزمه المبادرة وحده بل
مع أول رفقة.
ح: لو عقد بصيغة الجعالة كمن حج عني فله كذا صح، وليس للأجير زيادة، ولو
قال: حج عني بما شئت فله أجرة المثل، ولو قال: حج أو اعتمر بمائة صح جعالة.
ط: لو لم يحج في المعينة انفسخت الإجارة، ولو كانت في الذمة لم تنفسخ.
ي: لو استأجره للحج خاصة فأحرم من الميقات بعمرة عن نفسه وأكملها ثم أحرم
بحج عن المستأجر من الميقات أجزأ، ولو لم يعد إلى الميقات لم يجزئ مع المكنة، ولو
لم يتمكن أحرم من مكة، وفي احتساب المسافة نظر ينشأ من صرفه إلى نفسه فيحط من
أجرته قدر التفاوت بين حجة من بلده وحجة من مكة، ومن أنه قصد بالمسافة الحج
الملتزم إلا أنه أراد أن يربح في سفره عمرة فيوزع الأجرة على حجة من بلده إحرامها من
الميقات وعلى حجة من بلده إحرامها من مكة فيسقط من المسمى بنسبة التفاوت وهو
الوجه إن قصد بقطع المسافة الحج وإن قصد الاعتمار فالأول.
يا: لو فاته الحج بتفريط تحلل بعمرة عن نفسه لانقلابه إليه ولا أجرة، ولو كان بغير
تفريط فله أجرة مثله إلى حين الفوات قاله الشيخ والأقرب أن له من المسمى بنسبة ما
فعل.
يب: لو أفسد النائب الحج فعليه القضاء عن نفسه، فإن كانت معينة انفسخت
وعلى المستأجر استئجاره أو غيره، وإن كانت مطلقة في الذمة لم ينفسخ وعليه بعد
القضاء حجة النيابة وليس للمستأجر الفسخ.
يج: إن عين المستأجر الزمان في العقد تعين، فإن فات انفسخت، ولو أطلق اقتضى
التعجيل، فإن أهمل لم ينفسخ، ولو شرط التأجيل عامين أو أزيد جاز.
742

يد: لو عين الموصي النائب والقدر تعينا، فإن زاد عن المثل أو كان الحج ندبا ولم
يخرج من الثلث أخرج ما يحتمله الثلث، فإن رضي النائب به وإلا استؤجر به غيره
ويحتمل بأجرة المثل، ولو أطلق القدر استؤجر بأقل ما يوجد من يحج عنه مثله إن لم يزد
على الثلث، فإن لم يرض المعين استؤجر غيره.
يه: لو نص المستأجر على المباشرة أو أطلق لم يجزئ للنائب الاستنابة ولو فوض إليه
جازت.
المقصد الثاني: في أفعال المتمتع:
وفيه فصول:
مقدمة: الواجب منها سبعة عشر: الإحرام والطواف وركعتاه والسعي والتقصير
والإحرام للحج والوقوف بعرفات وبالمشعر ونزول منى والرمي والذبح والحلق بها أو
التقصير والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه، ثم القارن والمفرد يعتمران
عمرة مفردة متأخرة والمتمتع يقدم عمرة التمتع، ويستحب أمام التوجه الصدقة
وصلاة ركعتين والوقوف على باب داره قارئا فاتحة الكتاب أمامه وعن جانبيه وآية
الكرسي كذلك وكلمات الفرج وغيرها من المأثور والبسملة عند وضع رجله في الركاب
والدعاء بالمأثور عند الاستواء على الراحلة.
الفصل الأول: في الإحرام:
وفيه مطالب:
الأول: في تعيين المواقيت:
وإنما يجوز الإحرام من المواقيت وهي ستة: لأهل العراق العقيق
وأفضله المسلخ ثم غمرة ثم ذات عرق فلا يجوز الخروج منها بغير إحرام، ولأهل المدينة
مسجد الشجرة اختيارا واضطرارا الجحفة وهي المهيعة وهي ميقات أهل الشام
اختيارا، ولليمن جبل يقال له: يلملم، وللطائف قرن المنازل، ومن منزله أقرب من
الميقات منزله، ولحج التمتع مكة.
743

وهذه المواقيت للحج والعمرة المتمتع بها والمفردة، وتجرد الصبيان من فخ إن حجوا
على طريق المدينة وإلا فمن موضع الإحرام، والقارن والمفرد إذا اعتمرا بعد الحج وجب
أن يخرجا إلى خارج الحرم ويحرما منه ويستحب من الجعرانة أو الحديبية وهي اسم بئر
خارج الحرم يخفف ويثقل أو التنعيم، فإن أحرما من مكة لم يجزئهما.
ومن حج على ميقات وجب أن يحرم منه وإن لم يكن من أهله، ولو لم يؤد الطريق
إليه أحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة وكذا من حج في البحر، ولو لم يؤد إلى
المحاذاة فالأقرب إنشاء الإحرام من أدنى الحل ويحتمل مساواة أقرب المواقيت.
ولا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت إلا لناذر يوقع الحج في أشهره أو لمعتمر مفردة في
رجب مع خوف تقضيه، ولو أحرم غيرهما لم ينعقد وإن مر بالميقات ما لم يجدده فيه ولا
يجوز تأخيره عنها إلا لعذر فيجب الرجوع مع المكنة ولا معها يحرم حيث زال المانع، ولو
دخل مكة خرج إلى الميقات، فإن تعذر فإلى خارج الحرم، فإن تعذر فمنها وكذا الناسي
ومن لا يريد النسك والمجاور بمكة مع وجوب التمتع عليه، ولو تعمد التأخير لم يصح
إحرامه إلا من الميقات وإن تعذر، وناسي الإحرام إذا أكمل المناسك يجزئه على رأي،
ولو لم يتمكن من الإحرام لمرض وغيره أحرم عنه وليه وجنبه ما يجتنبه المحرم،
والحيض والنفاس لا يمنعان الإحرام ولا غسله.
المطلب الثاني: في مقدمات الإحرام:
ويستحب توفير شعر الرأس من أول ذي القعدة للمتمتع ويتأكد عند هلال ذي
الحجة، وتنظيف الجسد عند الإحرام وقص الأظفار وأخذ الشارب والإطلاء، ولو تقدم
بأقل من خمسة عشر يوما أجزأ، والغسل فإن تعذر فالتيمم ولو أكل بعده أو لبس ما يمنع
منه أعاد الغسل استحبابا، ويقدم لو خاف فقد الماء فإن وجده استحبت إعادته،
ويجزئ غسل أول النهار لباقيه وكذا أول الليلة لآخرها ما لم ينم، ولو أحدث فإشكال
ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى ومن عدم النص عليه، ولو أحرم من غير غسل أو
744

صلاة ناسيا تدارك وأعاد الإحرام وأيهما المعتبر؟ إشكال، ويجب الكفارة بالمتخلل بينهما،
والإحرام عقيب فريضة الظهر وإلا ففريضة وإلا فست ركعات وإلا فركعتان عقيب
الغسل ويقدم نافلة الإحرام على الفريضة مع السعة.
المطلب الثالث: في كيفيته:
وتجب في ثلاثة:
أ: النية وهي القصد إلى ما يحرم له من حج الاسلام أو غيره متمتعا أو غيره لوجوبه
أو ندبه قربة إلى الله تعالى ويبطل الإحرام بتركها عمدا وسهوا ولا اعتبار بالنطق، فلو
نوى نوعا ونطق بغيره صح المنوي، ولو نطق من غير نية لم يصح إحرامه، ولو نوى
الإحرام ولم يعين لا حجا ولا عمرة أو نواهما معا فالأقرب البطلان وإن كان في أشهر
الحج، ولو نسي ما عينه تخير إذا لم يلزمه أحدهما وكذا لو شك هل أحرم بهما أو
بأحدهما، ولو قال: كإحرام فلان صح إن علم حال النية صفته وإلا فلا.
ب: التلبيات الأربع وصورتها: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة
والملك لك لا شريك لك لبيك. ولا ينعقد إحرام المتمتع والمفرد إلا بها، والأخرس
يشير مع عقد قلبه بها، ويتخير القارن في عقد إحرامه بها أو بالإشعار المختص بالبدن أو
التقليد المشترك بينها ولو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني مستحبا، ولو نوى ولبس
الثوبين من غير تلبية لم تلزمه كفارة بفعل المحرم وكذا القارن إذا لم يلب ولم يشعر
ولو لم يقلد.
ج: لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر أو يرتدي به ويجوز الزيادة
والإبدال لكن الأفضل الطواف فيما أحرم فيه وشرطهما جواز الصلاة في جنسهما
والأقرب جواز الحرير للنساء، ويلبس القباء منكوسا لو فقدهما.
745

المطلب الرابع: في المندوبات والمكروهات:
ويستحب رفع الصوت بالتلبية للرجل، وتجديدها عند كل صعود وهبوط وحدوث
حادث كنوم واستيقاظ أو ملاقاة غيره وغير ذلك إلى الزوال يوم عرفة للحاج،
ومشاهدة بيوت مكة للمتمتع، ومشاهدة الكعبة للمعتمر إفرادا إن كان قد خرج من
مكة وإلا فعند دخول الحرم، والجهر بالتلبية للحاج على طريق المدينة حيث يحرم للراجل
وعند علو راحلته البيداء للراكب، وللحاج من مكة إذا أشرف على الأبطح،
والتلفظ بالمنوي، والاشتراط بأن يحله حيث حبسه وإن لم تكن حجة فعمرة،
والإحرام في القطن خصوصا البيض.
ويكره الإحرام في المصبوغة بالسواد والمعصفر وشبهه والنوم عليها، والوسخة
والمعلمة، والنقاب للمرأة والحناء قبله بما يبقى معه، والحمام ودلك الجسد فيه،
وتلبية المنادي بل يقول: يا سعد. وشم الرياحين.
المطلب الخامس: في أحكامه:
يجب على كل داخل مكة الإحرام إلا المتكرر كالحطاب ومن سبق له إحرام قبل
مضى شهر من إحرامه أو إحلاله على إشكال والداخل بقتال مباح، ولو تركته الحائض
ظنا أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات وأحرمت فإن تعذر فمن موضعها، فإن دخلت مكة
خرجت إلى أدنى الحل فإن تعذر فمن مكة، ولا يجوز لمحرم إنشاء آخر قبل إكمال الأول
ويجب إكمال ما أحرم له من حج أو عمرة، ولو أكمل عمرة التمتع المندوبة ففي
وجوب الحج إشكال، ويجوز لمن نوى الإفراد مع دخول مكة الطواف والسعي والتقصير
وجعلها عمرة التمتع ما لم يلب فإن لبى انعقد إحرامه، وقيل: إنما الاعتبار بالقصد لا
التلبية، وللمشترط مع الحصر التحلل بالهدي وفائدة الشرط جواز التحلل على رأي، وإنما
يصح الشرط مع الفائدة مثل: إن مرضت أو منعني عدو أو قلت نفقتي أو ضاق الوقت،
ولو قال: إن تحلني حيث شئت، فليس بشرط ولا مع العذر ولا يسقط الحج عن المحصور
بالتحلل مع وجوبه ويسقط مع ندبه.
746

المطلب السادس: في تروكه:
والمحرم عشرون:
أ: الصيد وهو الحيوان الممتنع بالأصالة اصطيادا وأكلا وإن ذبحه وصاده المحل،
وإشارة ودلالة وإغلاقا وذبحا فيكون ميتة يحرم على المحل والمحرم، والصلاة في جلده،
والفرخ والبيض كالأصل، والجراد صيد، وما يبيض ويفرخ في البر ولا يحرم صيد البحر
وهو ما يبيض ويفرخ فيه ولا الدجاج الحبشي ولا فرق بين المستأنس والوحشي، ولا يحرم
الأنسي بتوحشه ولا بين المملوك والمباح ولا بين الجميع وأبعاضه، ولا تختص تحريمه
بالإحرام بل يحرم في الحرم أيضا، والاعتبار في المتولد بالاسم ولو انتفى الاسمان فإن
امتنع جنسه حرم وإلا فلا.
ب: النساء وطئا ولمسا بشهوة لا بدونهما وعقدا له ولغيره والأقرب جواز توكيل الجد
المحرم محلا وشهادة عليه وإقامة على إشكال وإن تحمل محلا ويجوز بعد الإحلال وإن تحمل
محرما، وتقبيلا ونظرا بشهوة وفي معناه الاستمناء، ويقدم إنكار إيقاع العقد حالة
الإحرام على ادعائه فإن كان المنكر المرأة فالأقرب وجوب المهر كملا ويلزمها توابع
الزوجية، وبالعكس ليس لها المطالبة مع عدم القبض ولا له المطالبة معه، ولو وكل محرم
محلا فأوقع العقد فيه بطل وبعده يصح، ويجوز الرجعة للرجعية وشراء الإماء وإن قصد
التسري ومفارقة النساء، ويكره للمحرم الخطبة ولو كانت المرأة محرمة والرجل محلا
فالحكم كما تقدم.
ج: الطيب مطلقا على رأي أكلا ولو مع الممازجة مع بقاء كيفه، ولمسا وتطيبا وإن
كان المحرم ميتا إلا خلوق الكعبة، واضطرارا ويقبض على أنفه ويتأكد المسك والعنبر
والكافور والزعفران والعود ويجوز السعوط مع الضرورة والاجتياز في موضع يباع فيه،
ويقبض على أنفه ولا يقبض من الكريهة و يزيل ما أصاب الثوب منه.
د: الاكتحال بالسواد على رأي وبما فيه طيب.
ه‍: النظر في المرآة على رأي.
747

و: الادهان بالدهن مطلقا اختيارا وبما فيه طيب وإن كان قبل الإحرام إذا كان
رائحته يبقى إلى بعد الإحرام ولو لم يبق جاز، ويجوز أكل ما ليس بطيب منه كالسمن
والشيرج.
ز: اخراج الدم اختيارا على رأي وإن كان بحك الجلد والسواك.
ح: قص الأظفار.
ط: إزالة الشعر وإن قل ويجوز مع الضرورة كما لو احتاج إلى الحجامة المفتقرة إليه.
ي: قطع الشجر أو الحشيش إلا أن ينبت في ملكه وإلا شجر الفواكه والإذخر والنخل
وعودي المحالة.
يا: الفسوق وهو الكذب.
يب: الجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، والأقرب اختصاص المنع بهذه الصيغة وفي
دفع الدعوى الكاذبة إشكال.
يج: قتل هوام الجسد كالقمل وغيره ويجوز النقل لا الإلقاء إلا القراد والحلم.
يد: لبس المخيط للرجال إلا السراويل لفاقد الإزار وإلا الطيلسان المزرر ولا يزرره.
يه: لبس الخفين وما يستر ظهر القدم اختيارا ولا يشقهما لو اضطر على رأي.
يو: لبس الخاتم للزينة لا للسنة ولبس الحلي للمرأة غير المعتاد أو للزينة ويجوز المعتاد
ويحرم إظهاره للزوج.
يز: الحناء للزينة على رأي.
يح: تغطية الرأس للرجل ولو بالارتماس، فإن غطاه وجب الإلقاء واستحب تجديد
التلبية وتجوز للمرأة، وعليها أن تسفر عن وجهها ويجوز لها سدل القناع من رأسها إلى
طرف أنفها إذا لم يصب وجهها.
يط: التظليل للرجل سائرا اختيارا ويختص المريض والمرأة به لو زاملهما و يجوز المشي
تحت الظلال والتظليل جالسا.
ك‍: لبس السلاح اختيارا على رأي، ويجوز لبس المنطقة وشد الهميان على الوسط.
748

الفصل الثاني: في الطواف:
وقد بينا أن المتمتع يقدم عمرته فإذا أحرم من الميقات دخل مكة لطواف العمرة
واجبا، أما القارن والمفرد فيقدمان الوقوف عليه وفي الطواف مطالب:
المطلب الأول: في واجباته: وهي أحد عشر:
أ: طهارة الحدث والخبث عن الثوب والبدن وستر العورة وإنما يشترط طهارة الحدث
في الواجب ويستحب في الندب ولو ذكر في الواجب عدم الطهارة استأنف معها، ويعيد
الصلاة واجبا مع وجوبه وندبا مع ندبه، ولو طاف الواجب مع العلم بنجاسة الثوب
أعاد، ولو علم في الأثناء أزاله وتمم، ولو لم يعلم إلا بعده أجزأ.
ب: الختان وهو شرط في الرجل المتمكن خاصة.
ج: النية وهي أن يقصد إلى إيقاع طواف عمرة التمتع أو غيرها لوجوبه أو ندبه قربة
إلى الله تعالى عند الشروع فلو أخل بها أو بشئ منها بطل.
د: البدأة بالحجر الأسود فلو بدأ بغيره لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهي إلى أول
الحجر فمنه يبتدئ الاحتساب إن جدد النية عنده للإتمام مع احتمال البطلان، ولو
حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف لم يصح.
ه‍: الختم بالحجر فلو أبقى من الشوط شيئا وإن قل لم يصح بل يجب أن ينتهي من
حيث ابتدأ.
و: جعل البيت على يساره فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه لم يصح.
ز: خروجه بجميع بدنه عن البيت فلو مشى على شاذروان الكعبة لم يصح ولو كان
يمس الجدار بيده في موازاة شاذروان صح.
ح: إدخال الحجر في الطواف فلو مشى على حائطه أو طاف بينه وبين البيت لم
يصح.
ط: الطواف بين البيت والمقام ولو أدخل المقام فيه لم يصح.
ي: رعاية العدد، فلو نقص عن سبعة ولو شوطا أو بعضه ولو خطوة لم يصح، ولو زاد
749

على طواف الفريضة عمدا بطل، ولو كان سهوا قطع إن ذكر قبل بلوغه الركن، ولو كان
بعده استحب إكمال أسبوعين وصلى الفريضة أولا وللنافلة بعد السعي، ويكره الزيادة
عمدا في النافلة، فإن فعل استحب الانصراف على الوتر، ولو نقص من طوافه ناسيا
أتمه إن كان في الحال، وإن انصرف فإن كان قد تجاوز النصف رجع فأتم ولو عاد إلى
أهله استناب، ولو كان دون النصف استأنف، وكذا لو قطع طوافه لدخول البيت أو
للسعي في حاجة أو مرض في أثنائه فإن استقر مرضه وتعذر الطواف به طيف عنه، وكذا
لو أحدث في طواف الفريضة يتم مع تجاوز النصف بعد الطهارة وإلا يستأنف، ولو شرع
في السعي فذكر نقصان الطواف رجع إليه فأتمه مع تجاوز النصف ثم أتم السعي، ولو
لم يتجاوز استأنف الطواف ثم استأنف السعي، ولو شك في العدد بعد الانصراف لم
يلتفت وكذا في الأثناء إن كان في الزيادة ويقطع، وإن كان في النقصان أعاد كمن
شك بين الستة والسبعة، وفي النافلة يبني على الأقل، ويجوز الإخلاد إلى الغير في العدد
فإن شكا معا فالحكم ما سبق.
يا: الركعتان وتجبان في الواجب بعده في مقام إبراهيم ع حيث هو الآن ولا
يجوز في غيره، فإن زوحم صلى وراءه أو في أحد جانبيه، ولو نسيهما وجب الرجوع،
فإن شق قضاهما موضع الذكر، ولو مات قضاهما الولي.
المطلب الثاني: في سننه:
يستحب الغسل لدخول مكة ولو تعذر فبعده والأفضل من بئر ميمون بن الحضرمي
بأبطح مكة أو فخ وهي على رأس فرسخ من مكة للقادم من المدينة وإلا فمن منزله،
ومضغ الإذخر، ودخول مكة من أعلاها حافيا بسكينة ووقار، والغسل لدخول المسجد
الحرام، ودخوله من باب بني شيبة بعد الوقوف عندها والدعاء بالمأثور، والوقوف عند
الحجر، والدعاء رافعا يديه، واستلامه ببدنه أجمع وتقبيله فإن تعذر فببعضه فإن تعذر
فبيده، ويستلم المقطوع بموضع القطع وفاقد اليد يشير، والدعاء في أثنائه والذكر والمشي،
والاقتصاد فيه بالسكينة على رأي، ويرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف القدوم على
750

رأي، والتزام المستجار في السابع، وبسط اليد على حائطه، وإلصاق البطن به والخد،
والدعاء، فإن تجاوزه رجع، والتزام الأركان خصوصا العراقي واليماني وطواف
ثلاثمائة وستين طوافا فإن عجز جعل العدة أشواطا فالأخير عشرة، والتداني من البيت،
ويكره الكلام بغير الدعاء والقرآن.
المطلب الثالث: في
من ترك الطواف عمدا بطل حجه وناسيا يقضيه ولو بعد المناسك ويستنيب لو تعذر
العود، ولو نسي طواف الزيارة وواقع بعد رجوعه إلى أهله فعليه بدنة والرجوع لأجله،
وقيل: لا كفارة إلا على من واقع بعد الذكر. ولو نسي طواف النساء استناب فإن مات
قضاه وليه واجبا، ويجب على المتمتع ثلاثة طوافات: طواف عمرة التمتع وطواف الحج
وطواف النساء، وعلى القارن والمفرد أربعة: طواف الحج، وطواف النساء، وطواف
العمرة المفردة، وطواف النساء فيها.
وطواف النساء واجب في الحج والعمرة المبتولة دون عمرة التمتع على الرجال والنساء
والصبيان والخناثى والخصيان وهو متأخر عن السعي للمتمتع و غيره، فإن قدمه ساهيا
أجزأ وإلا فلا إلا مع الضرورة كالمرض وخوف الحيض، وغير طواف النساء متقدم على
السعي فإن عكس أعاد سعيه، ويجب على المتمتع تأخير طواف الحج وسعيه عن الموقفين
ومناسك منى يوم النحر، ولا يجوز له تقديمه إلا لعذر كالمرض وخوف الحيض والزحام
للشيخ العاجز، ويكره للقارن والمفرد لمن طاف تأخير السعي ساعة ولا يجوز إلى الغد مع
القدرة، ولا يجوز لبس البرطلة في طواف العمرة ولا في طواف الحج مع تقديمه، ولو نذر
لطواف على أربع فالأقوى بطلان النذر.
الفصل الثالث: في السعي:
وفيه مطلبان:
751

الأول: في أفعاله:
ويجب فيه النية المشتملة على الفعل ووجهه وكونه سعي حج
الاسلام أو غيره، والتقرب إلى الله تعالى، والبدأة بالصفا بحيث يجعل كعبه ملاصقا له،
والختم بالمروة بحيث يلصق أصابع قدميه بها، والسعي سبعة أشواط من الصفا إليه
شوطان، ويستحب الطهارة واستلام الحجر، والشرب من زمزم وصب مائها عليه من
الدلو المقابل للحجر، والخروج من الباب المقابل له، والصعود على الصفا واستقبال ركن
الحجر، وحمد الله والثناء عليه وإطالة الوقوف والتكبير سبعا والتهليل كذلك، والدعاء
بالمأثور، والمشي فيه، والرمل للرجل خاصة بين المنارة وزقاق العطارين، والهنيئة في
الطرفين، والراكب يحرك دابته ولو نسي الرمل رجع القهقري ورمل في موضعه والدعاء
فيه.
المطلب الثاني: في أحكامه:
السعي ركن إن تركه عمدا بطل حجه وسهوا يأتي به، ولو خرج رجع فإن تعذر
استناب، ويحرم الزيادة على السبع فيعيد لا سهوا فيتخير بين إهدار الثامن وبين
تكميل أسبوعين ولو لم يحصل العدد أو حصله وشك في المبدأ وهو في المزدوج على المروة أو
قدمه على الطواف أعاد، ولو تيقن النقص أكمله.
ولو ظن المتمتع إكماله في العمرة فأحل وواقع ثم ذكر النقص أتمه وكفر ببقرة على
رواية، وكذا لو قلم أو قص شعره، ويجوز الجلوس خلاله للراحة وقطعه لحاجة له ولغيره
ثم يتمه، ولو دخل وقت الفريضة قطعه ثم أتمه بعد الصلاة.
الفصل الرابع: في التقصير:
فإذا فرع من السعي قصر واجبا وبه يحل من إحرام العمرة المتمتع بها وأقله قص
بعض الأظفار أو قليلا من الشعر، ولا يجوز أن يحلق فيجب عليه شاة مع العمد، ويمر يوم
النحر الموسي على رأسه وجوبا والأصلع استحبابا ويأخذ من لحيته أو أظفاره، ولو حلق
752

بعض رأسه جاز، ولو ترك التقصير حتى أهل بالحج سهوا صحت متعته ولا شئ عليه
وروي شاة، وعمدا يصير حجته مفردة على رأي وتبطل الثاني على رأي، ولو جامع قبل
التقصير عامدا وجب عليه بدنة للموسر وبقرة للمتوسط وشاة للمعسر، ويستحب له بعد
التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط.
الفصل الخامس: في إحرام الحج والوقوف: وفيه مطالب:
الأول: في إحرام الحج: والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: في وقته ومحله: أما وقته فإذا فرع الحاج من عمرة التمتع أحرم بالحج وأفضل
أوقاته يوم التروية عند الزوال بعد أن يصلى الظهر أو ست ركعات إن وقع في غيره وأقله
ركعتان ويجوز تأخيره إلى أن يعلم ضيق وقت عرفة فيجب إيقاعه حينئذ، وأما المحل
فمكة فلا يجوز إيقاعه في غيرها، وأفضل المواطن المسجد تحت الميزاب أو في المقام ولو
نسيه حتى يخرج إلى منى رجع إلى مكة وجوبا مع المكنة فإن تعذر أحرم من موضعه ولو
من عرفات.
الثاني: الكيفية: ويجب فيه النية المشتملة على قصد حج التمتع خاصة من غير ذكر
العمرة فإنها قد سبقت، فلو نسي وأحرم بها بنى على قصده من إحرام الحج وعلى الوجوب
أو الندب لوجههما والتقرب إلى الله تعالى ولبس الثوبين والتلبيات الأربع كما تقدم في
إحرام العمرة من الواجب والمستحب، ويلبي الماشي في الموضع الذي صلى فيه والراكب
إذا نهض به بعيره، ويرفع صوته إذا أشرف على الأبطح ثم يخرج إلى منى ملبيا،
ويستحب استمراره عليها إلى زوال الشمس يوم عرفة.
الثالث: في أحكامه: ويحرم به ما قدمناه في محظورات إحرام العمرة، ويكره ما يكره
فيه، وتاركه عمدا يبطل حجه لا ناسيا على رأي فيجب ما يجب على المحرم من الكفارة
على إشكال، ولا يجوز له الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من منى فإن طاف ساهيا لم
ينتقض إحرامه، قيل: ويجدد التلبية ليعقد بها الإحرام.
753

المطلب الثاني: في نزول منى:
يستحب للحاج بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة بعد صلاة الظهر
والإقامة بها إلى فجر عرفة وقطع وادي محسر بعد طلوع الشمس، وللعليل والكبير وخائف
الزحام الخروج قبل الظهر، وكذا الإمام يستحب له أن يصلى الظهرين بمنى والإقامة بها
إلى طلوع الشمس، ويكره الخروج منها قبل الفجر بغير عذر، ويستحب الدعاء عند
دخولها والخروج منها وإليها بالمنقول، وحدها من العقبة إلى وادي محسر، والمبيت بمنى
ليلة عرفة مستحب للترفه لا فرض.
المطلب الثالث: في الوقوف بعرفة:
ومباحثه ثلاثة:
الأول: الوقت والمحل: ولعرفة وقتان اختياري من زوال الشمس يوم التاسع إلى
غروبها أي وقت منه حضر أدرك الحج، واضطراري إلى فجر النحر والمحل عرفة،
وحدها من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز فلا يجوز الوقوف بغيرها كالأراك ولا
بهذه الحدود، ويجوز عند الضرورة الوقوف على الجبل والمستحب أن يقف في السفح في
ميسرة الجبل وسد الخلل بنفسه ورحله، وأن يضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة.
الثاني: الكيفية: ويجب فيه النية والكون بها إلى الغروب، فلو وقف بالحدود أو تحت
الأراك بطل حجه، ولو أفاض قبل الغروب عامدا عالما فعليه بدنة، فإن لم يقدر صام
ثمانية عشر يوما ولا شئ لو فقد أحد الوصفين أو عاد قبل الغروب، ويستحب الجمع
بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين والشروع في الدعاء بالمنقول لنفسه ولوالديه
وللمؤمنين والوقوف في السهل والدعاء قائما، ويكره الوقوف في أعلى الجبل وراكبا
وقاعدا.
الثالث: الأحكام: الوقوف الاختياري بعرفة ركن من تركه عمدا بطل حجه،
والناسي يتدارك ولو قبل الفجر، فإن فاته نهارا وليلا اجتزأ بالمشعر والواجب ما ينطبق
754

عليه اسم الحضور وإن سارت به دابته مع النية، وناسي الوقوف يرجع ولو إلى طلوع
الفجر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فإن ظن الفوات اقتصر على المشعر
قبل طلوع الشمس ويصح حجه، وكذا لو لم يذكر وقوف عرفة حتى وقف بالمشعر قبل
طلوع الشمس، ولا اعتبار بوقوف المغمى عليه والنائم، أما لو تجدد الإغماء بعد الشروع
فيه في وقته صح، ويستحب للإمام أن يخطب في أربعة أيام: يوم السابع وعرفة والنحر
بمنى والنفر الأول لإعلام الناس مناسكهم.
المطلب الرابع: في الوقوف بالمشعر:
ومباحثه ثلاثة:
الأول: الوقت والمحل: ولمزدلفة وقتان: اختياري من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
يوم النحر، واضطراري إلى الزوال، والمحل المشعر، وحده ما بين المأزمين إلى الحياض
إلى وادي محسر، فلو وقف بغير المشعر لم يجزئ ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل.
الثاني: الكيفية: ويجب فيه النية والكون بالمشعر، ولو جن أو نام أو أغمي عليه بعد
النية في الوقت صح حجه ولو كان قبل النية لم يصح، والوقوف بعد طلوع الفجر فلو
أفاض قبله عامدا بعد أن وقف به ليلا ولو قليلا صح حجه إن كان قد وقف بعرفة وجبره
بشاة، وللمرأة والخائف الإفاضة قبل الفجر من غير جبر وكذا الناسي، ويستحب
الوقوف بعد أن يصلى الفجر والدعاء ووطء الصرورة المشعر برجله والصعود على قزح
وذكر الله تعالى عليه.
الثالث: في أحكامه: يستحب للمفيض من عرفة إليه الاقتصاد في السير والدعاء إذا
بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق وتأخير نوافل المغرب إلى بعد العشاء، والوقوف
بالمشعر ركن من تركه عمدا بطل حجه لا نسيانا إن كانت قد وقف بعرفة فلو تركهما
معا بطل حجه وإن كان ناسيا، ولو أدرك عرفة اختيارا والمزدلفة اضطرارا أو بالعكس
أو أحدهما اختيارا صح حجه، ولو أدرك الاضطراريين فالأقرب الصحة، ولو أدرك أحد
755

الاضطراريين خاصة بطل، ويتحلل من فاته الحج بعمرة مفردة ثم يقضيه واجبا مع
وجوبه كما فاته وإلا ندبا، ويسقط باقي الأفعال عنه لكن يستحب له الإقامة بمنى
أيام التشريق ثم يعتمر للتحلل، ويستحب التقاط حصى الجمار من المشعر ويجوز من
غيره لكن من الحرم عدا المساجد، ويستحب لغير الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس
بقليل لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد الطلوع وللإمام بعده، والهرولة في وادي محسر
داعيا ولو تركها استحب الرجوع لها.
الفصل السادس: في مناسك منى:
وفيه مطالب:
الأول: إذا أفاض من المشعر وجب عليه المضي إلى منى لقضاء المناسك بها يوم النحر
وهي ثلاثة: رمى جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق مرتبا، فإن أخل به أثم وأجزأ،
ويجب في الرمي: النية ورمى سبع حصيات بما يسمى رميا وإصابة الجمرة بها بفعله بما
يسمى حجرا، ومن الحرم وأبكارا ويستحب البرش الرخوة المنقطة الكحلية الملتقطة
بقدر الأنملة، والطهارة والدعاء وتباعد عشرة أذرع إلى خمس عشرة ذراعا، والرمي خذفا
راجلا والدعاء مع كل حصاة واستقبال الجمرة واستدبار القبلة، وفي غيرها يستقبلهما
ويكره الصلبة والمكسرة، ويجوز الرمي راكبا.
فروع:
أ: لو وقعت على شئ وانحدرت على الجمرة صح ولو تممها حركة غيره لم يجزئ.
ب: لو شك هل أصابت الجمرة أم لا لم يجزئ.
ج: لو طرحها من غير رمى لم يجزئ.
د: لو كانت الأحجار نجسة اجتزأت والأفضل تطهيرها.
ه‍: لو وقعت في غير المرمى على حصاة فارتفعت الثانية إلى المرمى لم يجزئه.
756

و: يجب التفريق في الرمي لا الوقوع، فلو رمى حجرين دفعة وإن كان بيديه فرمية
واحدة وإن تلاحقا في الوقوع، ولو اتبع أحدهما الآخر فرميتان وإن اتفقا في الإصابة.
المطلب الثاني: في الذبح:
ومباحثه أربعة:
الأول: في أصناف الدماء:
إراقة الدم إما واجب أو ندب.
فالأول: هدي التمتع والكفارات والمنذور وشبهه ودم التحلل.
الثاني: هدي القران والأضحية وما يتقرب به تبرعا.
فهدي التمتع يجب على كل متمتع مكيا كان أو غيره ومتطوعا بالحج أو مفترضا
ولا يجب على غيره، ويتخير مولى المأذون فيه بين الإهداء عنه وبين أمره بالصوم فإن
أعتق قبل الصوم تعين عليه الهدي، ولا يجزئ الواحد في الواجب إلا عن واحد ومع
الضرورة الصوم على رأي، وفي الندب يجزئ عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد، ولو
فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند ثقة ليشتري عنه ويذبح طول ذي الحجة، فإن لم يوجد
ففي العام المقبل في ذي الحجة، ولو عجز عن الثمن تعين البدل وهو صوم عشرة أيام
ثلاثة في الحج متوالية آخرها عرفة فإن أخرها صام يوم التروية وعرفة وصام الثالث بعد
النفر، ولو فاته يوم التروية أخر الجميع إلى بعد النفر، ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة
لا قبله بعد التلبس بالمتعة، فإن وجد وقت الذبح فالأقرب وجوبه، ويجوز إيقاعها في
باقي ذي الحجة، فإن خرج ولم يصمها وجب الهدي ولو وجده بعدها قبل التلبس
بالسبعة ذبحه استحبابا، والسبعة إذا رجع إلى أهله فإن أقام بمكة انتظر الأسبق من
مضى شهر ووصول أصحابه بلده ثم صامها، ولو مات من وجب عليه الصوم قبله صام
الولي عنه وجوبا العشرة على رأي وإن لم يصل بلده، ولو مات من وجب عليه الهدي
أخرج من صلب المال، ولا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي، ومن وجب عليه بدنة
757

في نذر أو كفارة ولم يجد فعليه سبع شياة.
البحث الثاني: في صفات الهدي وكيفية الذبح:
يجب أن يكون من النعم الإبل أو البقر أو الغنم ثنيا، من الإبل ما كمل خمس
سنين ومن البقر والغنم ما دخل في الثانية، ويجزئ الجذع من الضأن لسنته تاما فلا
يجزئ العوراء ولا العرجاء البين عرجها ولا مكسورة القرن الداخل ولا مقطوعة الأذن ولا
الخصي ولا المهزولة وهي التي ليس على كليتيها شحم إلا أن تكون قد شراها على أنها
سمينة، ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم تجزء.
ويستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد وتمشي فيه وتبرك فيه وقد عرف بها إناثا من
الإبل والبقر وذكرانا من الضأن والمعز وقسمته أثلاثا بين الأكل والهدي والصدقة،
والأقوى وجوب الأكل، وتكره التضحية بالجاموس والثور والموجوء، ويجب في الذبح
النية ويجوز أن يتولاها عنه الذابح، ويستحب نحر الإبل قائمة قد ربطت بين الخف
والركبة وطعنها من الجانب الأيمن والدعاء عند الذبح والمباشرة، فإن لم يحسن فجعل
اليد مع يد الذابح، ولو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجزئ عنه، وباقي الدماء
الواجبة يأتي في أماكنه.
البحث الثالث: في هدي القران والأضحية:
وهما مستحبان ولا يخرج هدي القران عن ملك سائقه وله إبداله والتصرف فيه وإن
أشعره أو قلده لكن متى ساقه فلا بد من نحره، ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا
بالنذر، ولو هلك لم يجب بدله، والمضمون كالكفارات ويجب البدل فيه، ولو عجز
هدي السياق ذبح أو نحر مكانه وعلم بما يدل على أنه صدقة ويجوز بيعه، لو انكسر
فيستحب الصدقة بثمنه أو شراء بدله، ولو سرق من غير تفريط لم يضمن وإن كان
معينا بالنذر، ولو ضل فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه، ولو أقام بدله ثم وجده
758

ذبحه ولا يجب ذبح الأخير ولو ذبح الأخير استحب ذبح الأول، ويجب مع النذر، ويجوز
ركوبه وشرب لبنه مع عدم الضرر به وبولده، ولا يجوز إعطاء الجزار من الواجب شيئا
ولا من جلودها ولا الأكل، فإن أكل ضمن ثمن المأكول، ويستحب أن يأكل من
هدي السياق ويهدي ثلثه ويتصدق بثلثه كالتمتع وكذا الأضحية، ويجزئ الهدي
الواجب عن الأضحية والجمع أفضل، فإن تعذرت تصدق بثمنها فإن اختلفت تصدق
بثلث الأعلى والأوسط والأدون، وتكره التضحية بما يربيه وأخذ شئ من جلودها
وإعطاؤها الجزار بل يستحب الصدقة بها.
البحث الرابع: في مكان إراقة الدماء وزمانها:
أما دم التحلل فإن كان عن صد فمكانه موضعه وزمانه من حين الصد إلى ضيق
الوقت فيتعين التحلل بالعمرة، فإن منع عنها تحلل بالهدي فإن عجز صام وإن كان عن
حصر فمكانه منى إن كان حاجا ومكة إن كان معتمرا، وزمانه يوم النحر وأيام
التشريق، ومكان الكفارات جمع منى إن كان حاجا وإلا فمكة، وزمانها وقت
حصول سببها، ومكان هدي التمتع منى ويجب اخراج ما يذبح بمنى إلى مصرفه بها،
وزمانه يوم النحر قبل الحلق ولو أخره أثم وأجزأ وكذا يجزئ لو ذبحه في بقية ذي الحجة،
ومكان هدي السياق منى إن كان الإحرام للحج وإن كان للعمرة ففناء الكعبة بالحزورة
وزمانه كهدي التمتع، ومن نذر نحر بدنة وعين مكانا تعين وإلا نحرها بمكة، ولا
يتعين للأضحية مكان، وزمانها بمنى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة بعده وفي الأمصار
ثلاثة، ويجوز ادخار لحمها، ويكره أن يخرج به من منى، ويجوز اخراج ما ضحاه غيره.
المطلب الثالث: في الحلق والتقصير:
ويجب بعد الذبح إما الحلق أو التقصير بمنى والحلق أفضل خصوصا للملبد والصرورة
ولا يتعين عليهما على رأي، ويجب على المرأة التقصير ويحرم الحلق وفي إجزائه نظر،
759

ويجزئ في التقصير قدر الأنملة، ولو رحل عن منى قبل الحلق رجع فحلق بها فإن تعذر
حلق أو قصر مكانه وجوبا وبعث بشعره ليدفن بها ندبا ولو تعذر لم يكن عليه شئ.
ويمر من لا شعر على رأسه الموسي عليه، ويجب تقديم الحلق أو التقصير على طواف الحج
وسعيه فإن أخره عامدا جبره بشاة ولا شئ على الناسي ويعيد الطواف، ويستحب أن
يبدأ في الحلق بناصيته من قرنه الأيمن ويحلق إلى العظمين ويدعو فإذا حلق أو قصر أحل
من كل شئ إلا الطيب والنساء والصيد على إشكال وهو التحلل الأول للمتمتع، أما
غيره فيحل له الطيب أيضا فإذا طاف للحج حل له الطيب وهو التحلل الثاني فإذا
طاف للنساء حللن وهو التحلل الثالث، ولا يحل النساء إلا به، ويحرم على المرأة الرجل
لو تركته على إشكال ويجب عليها قضاؤه، ولو تركه الحاج متعمدا وجب عليه الرجوع إلى
مكة والإتيان به ليحل له النساء فإن تعذر استناب، فإذا طاف النائب حل له النساء
وهل يشترط مغايرته لما يأتي به من طواف النساء في إحرام آخر إشكال، ويحرم على المميز
النساء بعد بلوغه لو تركه على إشكال، و يحرم على العبد المأذون وإنما يحرم بتركه الوطء
دون العقد، ويكره لبس المخيط قبل طواف الزيارة والطيب قبل طواف النساء، فإذا
قضى مناسك منى مضى إلى مكة للطوافين والسعي ليومه وإلا فمن غده خصوصا المتمتع
فإن أخره أثم وأجزأ ويجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك طول ذي الحجة على كراهة.
الفصل السابع: في باقي المناسك:
وفيه المطالب:
الأول: في زيارة البيت:
فإذا فرع من الحلق أو التقصير مضى إلى مكة لطواف الزيارة ويستحب الغسل قبل
دخول المسجد وتقليم الأظفار وأخذ الشارب، ولو اغتسل بمنى جاز ولو اغتسل نهارا
وطاف ليلا أو بالعكس فإن نام أو أحدث قبل الطواف استحب إعادة الغسل، ويقف
على باب المسجد ويدعو ثم يطوف للزيارة سبعة أشواط كما تقدم على هيئته إلا أنه ينوي
هنا طواف الحج ثم يصلى ركعتيه عند مقام إبراهيم ع ثم يسعى بين الصفا
760

والمروة سبعة أشواط كما تقدم وينوي به سعي الحج ثم يرجع إلى البيت فيطوف للنساء
سبعة أشواط كالأول إلا أنه ينوي هنا طواف النساء ثم يصلى ركعتيه في المقام.
المطلب الثاني: في العود إلى منى:
فإذا طاف طواف النساء فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بها وهي ليلة
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويجوز لمن اتقى النساء والصيد النفر يوم الثاني
عشر ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة، وكذا غير المتقي لو بات
الثالثة بغيرها إلا أن يبيتا بمكة مشتغلين بالعبادة أو يخرجا من منى بعد نصف الليل، ولو
غربت الشمس يوم الثاني عشر بمنى وجب على المتقي المبيت أيضا فإن أخل به فشاة،
ويجب أن يرمي الجمار الثلاث في كل يوم من الحادي عشر والثاني عشر فإن أقام ليلة
الثالث عشر وجب الرمي فيه أيضا كل جمرة في كل يوم بسبع حصيات على الترتيب
يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، فإن نكس أعاد على الوسطى ثم جمرة العقبة،
ولو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات ناسيا حصل بالترتيب ولا يحصل بدونها، ولو ذكر في
أثناء اللاحقة أكمل السابقة أولا وجوبا ثم أكمل اللاحقة مطلقا.
ووقت الاجزاء من طلوع الشمس والفضيلة من الزوال وتمتدان إلى الغروب وإذا
غربت قبل رميه أخره وقضاه من الغد، ويجوز للمعذور كالراعي والخائف والعبد
والمريض الرمي ليلا لا لغيره، وشرائط الرمي هنا كما تقدم يوم النحر، ولو نسي رمى يوم
قضاه من الغد يبدأ بالفائت ويستحب أن يوقعه بكرة، ثم الحاضر ويستحب عند الزوال
ولو نسي الرمي حتى وصل مكة رجع فرمى فإن فات زمانه فلا شئ ويعيد في القابل أو
يستنيب إن لم يحج، ويجوز الرمي عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره في وقت الرمي
فلو أغمي عليه لم ينعزل نائبه لأنه زيادة في العجز.
ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق ورمى الأولى عن يساره من بطن المسيل
والدعاء والتكبير مع كل حصاة والوقوف عندها ثم القيام عن يسار الطريق واستقبال
761

القبلة والدعاء وتقدم قليلا والدعاء ثم رمى الثانية كالأولى والوقوف عندها والدعاء ثم
الثالثة مستدبر القبلة مقابلا لها ولا يقف عندها، ولو رمى الثالثة ناقصة أكملها مطلقا
أما الأوليان فكذلك إن رمى أربعا ناسيا وإلا أعاد على ما بعدها بعد الإكمال، ولو
ضاعت واحدة أعاد على جمرتها بحصاة ولو من الغد فإن اشتبه أعاد على الثلاث، ويجوز
النفر الأول لمن اجتنب النساء والصيد بعد الزوال لا قبله، ويجوز في الثاني قبله،
ويستحب للإمام الخطبة وإعلام الناس ذلك.
المطلب الثالث: في الرجوع إلى مكة:
وإذا فرع من الرمي والمبيت بمنى فإن كان قد بقي عليه شئ من مناسك مكة
كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها واجبا لفعله وإلا استحب له العود لطواف الوداع
وليس واجبا، ويستحب أمام ذلك صلاة ست ركعات بمسجد الخيف عند المنارة في
وسطه وفوقها إلى جهة القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا وعن يمينها وشمالها كذلك فإنه
مسجد رسول الله ص، والتحصيب للنافر في الأخير والاستلقاء فيه
ودخول الكعبة حافيا خصوصا الصرورة بعد الغسل، والدعاء وصلاة ركعتين في الأولى
بعد الحمد حم السجدة وفي الثانية بقدرها بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء،
والصلاة في زواياها والدعاء واستلام الأركان خصوصا اليماني قبل الخروج، والدعاء
عند الحطيم بعده وهو أشرف البقاع بين الباب والحجر، وطواف سبعة أشواط واستلام
الأركان والمستجار والدعاء، وإتيان زمزم والشرب من مائها، والدعاء خارجا من باب
الحناطين بإزاء الركن الشامي، والسجود واستقبال القبلة والدعاء، والصدقة بتمر
يشتريه بدرهم، والعزم على العود.
المطلب الرابع: في المضي إلى المدينة:
يستحب زيارة النبي ص استحبابا مؤكدا ويجبر الإمام الناس عليها
762

لو تركوها، ويستحب تقديمها على مكة خوفا من ترك العود، والنزول بالمعرس على
طريق المدينة وصلاة ركعتين به، والغسل عند دخولها، وزيارة فاطمة ع في
الروضة وبيتها، والبقيع والأئمة ع به، والصلاة في الروضة، وصوم أيام
الحاجة، وصلاة ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الخميس عند الأسطوانة التي
تلى مقام رسول الله ص، وإتيان المساجد كمسجد الأحزاب والفتح
والفضيخ وقباء ومشربة أم إبراهيم وقبور الشهداء خصوصا قبر حمزة ع.
ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالة ورفع بناء فوق الكعبة على رأي ومنع الحاج
دور مكة على رأي، والنوم في المساجد خصوصا مسجد النبي ص،
وصيد ما بين الحرتين، وعضد شجر حرم المدينة وحده من عائر إلى وعير، والمجاورة بمكة
ويستحب بالمدينة.
تتمة:
من التجأ إلى الحرم وعليه حد أو تعزير أو قصاص ضيق عليه المطعم والمشرب حتى
يخرج، ولو فعل ما يوجب ذلك في الحرم فعل به فيه مثل فعله، والأيام المعلومات: عشر
ذي الحجة، والمعدودات: أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر،
وليلة العاشر ليلة النحر والحادي عشر يوم القر لاستقرارهم بمنى والثاني عشر يوم النفر
الأول والثالث عشر النفر الثاني.
المقصد الثالث: في التوابع:
وفيه فصول:
الفصل الأول: في العمرة:
وهي واجبة على الفور كالحج بشرائطه ولو استطاع لحج الإفراد دون عمرته فالأقرب
وجوبه خاصة، وهي قسمان: متمتع بها وهي فرض من نأى عن مكة وقد سبق وصفها
763

ومفردة وهي فرض أهل مكة وحاضريها بعد انقضاء الحج إن شاء بعد أيام التشريق أو
في استقبال المحرم، ويجوز نقلها إلى عمرة التمتع إن وقعت في أشهر الحج وإلا فلا دون
العكس إلا لضرورة، ولو كانت عمرة الاسلام أو النذر ففي النقل إشكال، ولا يختص
فعلها زمانا وأفضلها رجب فإنها تلى الحج في الفضل، وصفتها الإحرام من الميقات
والطواف وصلاة ركعتيه والسعي والتقصير وطواف النساء وركعتاه.
وتجب بأصل الشرع في العمر مرة وقد تجب بالنذر وشبهه، والاستئجار والإفساد
والفوات وبالدخول إلى مكة مع انتفاء العذر، والتكرار فيتعدد بحسب تعدد السبب،
وليس في المتمتع بها طواف النساء، ويجب في المفردة على كل معتمر وإن كان صبيا أو
خصيا فيحرم عليه التلذذ بتركه والعقد على إشكال، ولو اعتمر متمتعا لم يجزئ
الخروج من مكة قبل الحج، ولو اعتمر مفردا في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج
ويجعلها متعة، فإن خرج ورجع قبل شهر جاز أن يتمتع بها أيضا وإن كان بعد شهر
وجب الإحرام للدخول، ولا يجوز أن يتمتع بالأولى بل بالأخيرة، ويتحلل من المفردة
بالتقصير والحلق أفضل، ولو حلق في المتمتع بها لزمه دم، ومع التقصير أو الحلق في
المفردة يحل من كل شئ إلا النساء ويحللن بطوافهن.
ويستحب تكرار العمرة واختلف في الزمان بين العمرتين فقيل: سنة، وقيل: شهر،
وقيل: عشرة أيام، وقيل: بالتوالي. ولو نذر عمرة التمتع وجب حجه وبالعكس دون
الباقيين، ولو أفسد حج الإفراد وجب إتمامه والقضاء دون العمرة، ولو كان حج الاسلام
كفاه عمرة واحدة.
الفصل الثاني: في الحصر والصد:
وفيه مطلبان:
الأول: المصدود الممنوع بالعدو فإذا تلبس بالإحرام للحج أو عمرة ثم صد عن
الدخول إلى مكة إن كان معتمرا أو الموقفين إن كان حاجا، فإن لم يكن له طريق سوى
موضع الصد أو كان وقصرت نفقته تحلل بذبح هديه الذي ساقه والتقصير ونية التحلل
764

عند الذبح موضع الصد سواء كان في الحرم أو خارجه من النساء وغيرها، وإن كان
الحج فرضا ولا يجب بعث الهدي، وهل يكفي هدي السياق عن هدي التحلل؟ الأقوى
ذلك مع ندبه، ولو لم يكن ساق وجب هدي التحلل فلا يحل بدونه ولا بدل له على
إشكال فيبقي على إحرامه مع عجزه عنه وعن ثمنه، ولو تحلل لم يحل ولا يراعي زمانا
ولا مكانا في إحلاله، ولو كان له طريق غير موضع الصد وجب سلوكه إن كان مساويا
وكذا لو كان أطول والنفقة وافية به، وإن خاف الفوات ولا يتحلل لأن التحلل إنما يجوز
بالصد أو بعلم الفوات على إشكال لا بخوف الفوت فحينئذ يمضى في إحرامه في ذلك
الطريق، فإن أدرك الحج وإلا تحلل بعمرة ثم يقضي في القابل واجبا مع وجوبه وإلا
ندبا، ولا يتحقق الصد بالمنع من رمى الجمار ومبيت منى بل يصح الحج، ويستنيب في
الرمي والذبح، ويجوز التحلل من غير هدي مع الاشتراط على رأي.
فروع:
أ: لو حبس على مال مستحق وهو متمكن منه فليس بمصدود ولو كان غير مستحق أو
عجز عن المستحق تحلل.
ب: لو صد عن مكة بعد الموقفين فإن لحق الطواف والسعي للحج في ذي الحجة صح
حجه، وإلا وجب عليه العود من قابل لأداء باقي المناسك، ولو لم يدرك سوى الموقفين
فإشكال، ولو صد عن الموقفين أو عن أحدهما مع فوات الآخر جاز له التحلل، فإن لم يتحلل
وأقام على إحرامه حتى فاته الوقوف فقد فاته الحج، وعليه أن يتحلل بعمرة ولا دم عليه
لفوات الحج، ويقضي مع الوجوب.
ج: لو ظن انكشاف العدو قبل الفوات جاز التحلل والأفضل الصبر، فإن انكشف
أتم، فإن فات أحل بعمرة، ولو تحلل وانكشف العدو والوقت متسع وجب الإتيان بحج
الاسلام مع بقاء الشرائط، ولا يشترط الاستطاعة من بلده حينئذ.
د: لو أفسد فصد فتحلل وجبت بدنة الإفساد ودم التحلل والحج من قابل، فإن قلنا:
الأولى حجة الاسلام لم يكف الواحد وإلا فإشكال، فإن انكشف العدو والوقت باق
765

وجب القضاء وهو حج يقضي لسنته على إشكال، ولو لم يكن تحلل مضى في الفاسد
وقضاه في القابل واجبا، وإن كان الفاسد ندبا فإن فاته تحلل بعمرة وقضى واجبا من
قابل وعليه بدنة الإفساد لا دم الفوات، ولو كان العدو باقيا فله التحلل وعليه دم التحلل
وبدنة الإفساد وعليه قضاء واحد، ولو صد فأفسد جاز التحلل أيضا وعليه البدنة والدم
والقضاء.
ه‍: لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب وإن ظن السلامة، ولو طلب مالا لم يجب
بذله ولو تمكن منه على إشكال.
و: لو صد المعتمر عن مكة تحلل بالهدي وحكمه حكم الحاج المصدود.
المطلب الثاني:
المحصور وهو الممنوع بالمرض عن الوصول إلى مكة أو الموقفين، فإذا تلبس بالإحرام
وأحصر بعث ما ساقه، ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه وبقي على إحرامه إلى أن
يبلغ الهدي محله وهو منى يوم النحر إن كان حاجا ومكة بفناء الكعبة إن كان معتمرا،
فإذا بلغ قصر وأحل من كل شئ إلا النساء، ثم إن كان الحج واجبا وجب قضاؤه في
القابل وإلا استحب لكن يحرم عليه النساء إلا أن يطوف في القابل مع وجوب الحج أو
يطاف عنه مع ندبه أو عجزه ولا يبطل تحلله، لو بان عدم ذبح هديه وعليه الذبح في
القابل، ولو زال المرض لحق بأصحابه فإن أدرك أحد الموقفين صح حجه وإلا تحلل بعمرة
وإن كانوا قد ذبحوا وقضى في القابل مع الوجوب، ولو علم الفوات بعد البعث وزوال
العذر قبل التقصير ففي وجوب لقاء مكة للتحلل بالعمرة إشكال، ولو زال عذر المعتمر
بعد تحلله قضى العمرة حينئذ واجبا مع الوجوب وإلا ندبا وقيل: في الشهر الداخل. ولو
تحلل القارن أتى في القابل بالواجب وقيل: بالقران. ولو كان ندبا تخير والأفضل
الإتيان بمثل ما خرج منه، وهل يسقط الهدي مع الاشتراط في المحصور والمصدود؟ قولان
ولو كان قد أشعره أو قلده بعث به قولا واحدا، وروي: أن من بعث هديا من أفق من
الآفاق تطوعا فواعد أصحابه وقت ذبحه أو نحره ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم ولا يلبي، فإذا
766

حضر وقت الوعد أحل، ولو فعل ما يحرم على المحرم كفر مستحبا.
الفصل الثالث: في كفارات الإحرام:
وفيه مطالب:
الأول: الصيد: وفيه مباحث:
الأول:
يحرم الحرم والإحرام الصيد البري ولا كفارة في قتل السباع ماشية وطائرة وروي في
الأسد إذا لم يرده كبش، ويجوز قتل الأفعى والعقرب والبرغوث والفأر ورمى الحدأة
والغراب مطلقا، وشراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة للمحل وفي المحرم
إشكال ويحرم قتلها وأكلها ويكفر في قتل الزنبور عمدا بكف من طعام وشبهه ولا
شئ في الخطأ فيه، وأقسام ما عدا ذلك عشرة:
أ: في قتل النعامة بدنة، فإن عجز قوم البدنة وفض ثمنها على البر وأطعم لكل
مسكين نصف صاع ولا تجب الزيادة على الستين ولا الإتمام لو نقص، فإن عجز صام
عن كل نصف صاع يوما فإن انكسر أكمل ولا يصام عن الزائد لو كان والأقرب الصوم
عن الستين وإن نقص البدل، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما وفي وجوب الأكثر لو
أمكن إشكال، ولو عجز بعد صيام شهر فالأقوى الاحتمالات وجوب تسعة ثم ما قدر ثم
السقوط، وفي فرخ النعامة صغير من الإبل على رأي ومع العجز يساوى بدل الكبير.
ب: في كل من بقرة الوحش وحماره بقرة أهلية فإن عجز قوم البقرة وفض ثمنها على
البر وأطعم كل مسكين نصف صاع والزائد على ثلاثين مسكينا له ولا يجب الإكمال لو
نقص، فإن عجز صام عن كل نصف صاع يوما فإن عجز فتسعة أيام.
ج: في الظبي شاة فإن عجز قومها وفض ثمنها على البر وأطعم كل مسكين مدين ولا
يجب الزائد عن عشرة، فإن عجز صام عن كل مدين يوما فإن عجز صام ثلاثة أيام،
وفي الثعلب والأرنب شاة وقيل: كالظبي والإبدال على الترتيب على رأي.
د: في كسر كل بيضة من النعام بكرة من الإبل إذا تحرك فيها الفرخ، وإن لم
767

يتحرك أرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض فالناتج هدي، فإن عجز فعن كل
بيضة شاة، فإن عجز أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
ه‍: في كسر كل بيضة من القطاة والقبج والدراج من صغار الغنم وقيل: مخاض من
الغنم وهو ما من شأنه أن يكون حاملا إن كان قد تحرك فيه الفرخ وإلا أرسل فحولة
الغنم في إناثها بعدد البيض فالناتج هدي، فإن عجز فكبيض النعام، قيل: معناه
يجب عن كل بيضة شاة. وهذه الخمسة تشترك في أن لها بدلا على الخصوص وأمثالا من
النعم.
و: الحمام كل مطوق أو ما يهدر أي يرجع صوته أو يعب أي يشرب كرعا وفي كل
حمامة شاة على المحرم في الحل ودرهم على المحل في الحرم ويجتمعان على المحرم في الحرم،
وفي فرخها حمل على المحرم في الحل ونصف درهم على المحل في الحرم ويجتمعان على
المحرم في الحرم، وفي كسر كل بيضة بعد التحرك حمل وقبله درهم على المحرم في الحل
وربع على المحل في الحرم ويجتمعان على المحرم في الحرم.
ز: في قتل كل واحد من القطاة والحجل والدراج حمل قد فطم ورعى الشجر.
ح: في قتل كل واحد من القنفذ والضب واليربوع جدي.
ط: في كل واحد من العصفور والقنبرة والصعوة مد من طعام.
ي: في الجرادة والقملة يرميها عنه كف من طعام، وفي كثير الجراد شاة، وهذه
الخمسة لا بدل لها على الخصوص.
فروع:
أ: يجزئ عن الصغير مثله والأفضل مثل الكبير، وعن المعيب مثله بعيبه لا بغيره،
فلا يجزئ الأعور عن الأعرج، ويجزئ أعور اليمين عن أعور اليسار، والأفضل
الصحيح والمريض عن مثله، والذكر عن الأنثى وبالعكس، والمماثل أفضل ولا شئ في
البيض المارق ولا في الحيوان الميت.
768

ب: يستوي الأهلي من الحمام والحرمي في القيمة إذا قتل في الحرم لكن يشترى
بقيمة الحرمي علف لحمامه.
ج: يخرج عن الحامل من ما له مثل حامل فإن تعذر قوم الجزاء حاملا.
د: لو ضرب الحامل فألقته ميتا ضمن تفاوت ما بين قيمتها حاملا ومجهضا، ولو
ألقته حيا ثم ماتا فدى كلا منهما بمثله، ولو عاشا من غير عيب فلا شئ ومعه الأرش،
ولو مات أحدهما فداه خاصة، ولو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته احتمل وجوب عشر
الشاة لوجوبها في الجميع وهو يقتضي التقسيط وعشر ثمنها والأقرب إن وجد المشارك في
الذبح فالعين وإلا فالقيمة، ولو أزمن صيدا وأبطل امتناعه احتمل كمال الجزاء - لأنه
كالهالك -، والأرش، ولو قتله آخر فقيمة المعيب، ولو أبطل أحد امتناعي النعامة
والدراج ضمن الأرش.
ه‍: ولو قتل ما لا تقدير لفديته فعليه القيمة وكذا البيوض، وقيل: في البطة والإوزة
والكركي شاة.
و: العبرة بتقديم الجزاء وقت الإخراج وفيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف، والعبرة
في قيمة الصيد بمحل الإتلاف وفي قيمة النعم بمنى إن كانت الجناية في إحرام الحج،
وبمكة في إحرام العمرة لأنها محل الذبح.
ز: لو شك في كون المقتول صيدا لم يضمن.
ح: يجب أن يحكم في التقويم عدلان عارفان ولو كان أحدهما القاتل أو كلاهما فإن
كان عمدا لم يجزئ وإلا جاز.
ط: لو فقد العاجز عن البدنة البر دون قيمته فأقوى الاحتمالات التعديل عند ثقة ثم
شراء غيره ففي الاكتفاء بالستين لو زاد إشكال. فإن تعدد احتمل التخيير والأقرب إليه
ثم الانتقال إلى الصوم والأولى إلحاق المعدل بالزكاة.
769

البحث الثاني: فيما به يتحقق الضمان:
وهي ثلاثة: المباشرة والتسبيب واليد.
أما المباشرة: فمن قتل صيدا ضمنه فإن أكله تضاعف الفداء والأقرب أنه يفدي
القتل ويضمن قيمة المأكول، وسواء في التحريم ذبح المحرم وإن كان في الحل وذبح
المحل في الحرم ويكون ميتة بالنسبة إلى كل واحد حتى المحل وجلده ميت، ولو صاده
المحرم وذبحه المحل في الحل حل عليه خاصة، ولو ذبحه المحل في الحل وأدخله الحرم حل
على المحل فيه دون المحرم، ولو باشر القتل جماعة ضمن كل منهم فداء كاملا، ولو
ضرب بطير على الأرض فمات فعليه دم وقيمتان إحديهما للحرم والأخرى لاستصغاره،
ولو شرب لبن ظبية في الحرم فعليه دم وقيمة اللبن وينسحب في غيرها، ولو رمى محلا
فقتل محرما أو جعل في رأسه ما يقتل القمل محلا فقتله محرما لم يضمن، وفي كسر قرني
الغزال نصف قيمته وفي كل واحد الربع وفي عينيه القيمة وفي كسر كل يد أو كل رجل
نصف القيمة.
فروع:
أ: لو صال عليه صيد فدفعه وأدى إلى القتل والجرح فلا ضمان، ولو تجاوز إلى الأثقل
مع الاندفاع بالأخف ضمن.
ب: لو أكله في مخمصة ضمن ولو كان عنده ميتة، فإن تمكن من الفداء أكل الصيد
وفداه وإلا الميتة.
ج: لو عم الجراد المسالك لم يلزم المحرم بقتله في التخطي شئ.
د: لو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه فلا ضمان، ولو جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه
وقيل: ربع القيمة، ولو جهل حاله أو لم يعلم أثر فيه أم لا ضمن الفداء.
وأما التسبيب: ففعل ما يحصل معه التلف ولو نادرا وإن قصد الحفظ، فلو وقع الصيد
في شبكة فخلصه فعاب أو تلف أو خلص صيدا من فم هرة أو سبع ليداويه فمات في
770

يده ضمن على إشكال، والدال ومغري الكلب في الحل أو الحرم وسائق الدابة والواقف
بها راكب والمغلق على الحمام وموقد النار ضمناء، ولو نفر الحمام فعاد فدم شاة، وإن لم
يعد فعن كل حمامة شاة، ولو عاد البعض فعنه شاة وعن غيره لكل حمامة شاة، والأقرب
أن لا شئ في الواحدة مع الرجوع، ولو أصاب أحد الراميين خاصة ضمن منهما
فداء كاملا.
ولو أوقد جماعة نارا فوقع طائر ضمنوا فداء واحدا إن لم يقصدوا وإلا لكل واحد فداء
كاملا، ولو رمى صيدا فتعثر فقتل فرخا أو آخر ضمن الجميع، ولو سار على الدابة أو
قادها ضمن ما تجنيه بيديها، ولو أمسك صيدا في الحرم فمات ولده فيه بإمساكه ضمنه،
وكذا المحل لو أمسك الأم في الحل فمات الطفل في الحرم ولا يضمن الأم، ولو أمسك
المحل الأم في الحرم فمات الولد في الحل ففي ضمانه نظر ينشأ من كون الإتلاف بسبب
في الحرم فصار كما لو رمى في الحرم، ولو نفر صيدا فهلك بمصادمة شئ أو أخذه آخر
ضمن إلى أن يعود الصيد إلى السكون، فإن تلف بعد ذلك فلا ضمان، ولو هلك قبل ذلك
بآفة سماوية فالأقرب الضمان.
ولو أغلق بابا على حمام الحرم وفراخ وبيض فإن أرسلها سليمة فلا ضمان وإلا ضمن
المحرم الحمامة بشاة والفرخ بحمل والبيضة بدرهم والمحل الحمامة بدرهم والفرخ
بنصفه والبيضة بربعه، وقيل: يضمن بنفس الإغلاق ويحمل على جهل الحال كالرمي
لأنه لو جهل حاله يضمن، ولو نصب شبكة في ملكه أو غيره وهو محرم أو نصبها المحل في
الحرم فتعقل بها صيد فهلك ضمن، ولو حل الكلب المربوط فقتل صيدا ضمن وكذا
الصيد على إشكال، ولو انحل الرباط لتقصيره في الربط فكذلك وإلا فلا.
ولو حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد ضمن ولو كان في ملكه أو موات لم
يضمن، ولو حفر في ملكه في الحرم فالأقرب الضمان لأن حرمة الحرم شاملة وصار كما لو
نصب شبكة في ملكة في الحرم، ولو أرسل الكلب أو حل رباطه ولا صيد فعرض صيد
ضمن.
771

وأما اليد فإن إثباتها على الصيد حرام على المحرم وهي سبب الضمان ولا يستفيد به
الملك، وإذا أخذ صيدا ضمنه ولو كان معه قبل الإحرام زال ملكه عنه به ووجب إرساله
فإن أهمل ضمن، ولو كان الصيد نائبا عنه لم يزل ملكه، ولو أرسل الصيد غير المالك أو
قتله فليس للمالك عليه شئ لزوال ملكه عنه، ولو أخذه في الحل وقد أرسله المحرم مطلقا
أو المحل في الحرم ملكه، ولو لم يرسله حتى تحلل لم يجب عليه الإرسال.
ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ولا اتهاب ولا غير ذلك من
ميراث وشبهه إن كان معه وإلا ملك، وقيل: يملك وعليه إرساله، وليس له القبض فإن
قبض وتلف فعليه الجزاء لله به والقيمة للمالك، وإذا أحل دخل الموروث في ملكه، ولو
أحرم بعد بيع الصيد وأفلس المشتري لم يكن له حالة الإحرام أخذ العين، ولو استودع
صيدا محلا ثم أحرم سلمه إلى الحاكم إن تعذر المالك، فإن تعذر فإلى ثقة محل، فإن
تعذر فإشكال أقربه الإرسال والضمان، ولو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم فعلى كل
منهما فداء كامل ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يبلغ بدنة، ولو كانا محلين في
الحرم لم يتضاعف ولو كان أحدهما محرما في الحرم والآخر محل يضاعف في حق المحرم
خاصة، ولو أمسكه المحرم في الحل فذبحه محل فلا شئ على المحل ويضمن المحرم
الفداء، ولو نقل بيضا عن موضعه ففسد ضمن ولو أحضنه وخرج الفرخ سليما فلا
ضمان، ولو كسره فخرج فاسدا فالأقرب عدم الضمان.
البحث الثالث: في اللواحق:
يحرم من الصيد على المحل في الحرم كل ما يحرم على المحرم في الحل، ويكره له ما
يؤم الحرم، فإن أصابه فدخل الحرم فمات فيه ضمنه على إشكال، ويكره صيد ما بين
البريد والحرم، ويستحب أن يتصدق عنه بشئ لو فقأ عينيه أو كسر قرنه، ولو قتل صيدا
في الحرم فعليه فداؤه، ولو قتله جماعة فعلى كل واحد فداء، ولو رمى المحل من الحل صيدا
في الحرم فقتله أو رمى من الحرم صيدا في الحل فقتله أو أصاب الصيد وبعضه في الحرم أو
772

كان على شجرة في الحل إذا كان أصلها في الحرم وبالعكس فعليه الفداء، ولو ربط
صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجز اخراجه، ولو دخل بصيد إلى الحرم وجب إرساله فإن
خرجه ضمنه وإن تلف بغير سببه، ولو كان مقصوصا وجب حفظه إلى أن يكمل ريشه
ثم يرسله وعليه الأرش بين كونه منتوفا وصحيحا لو نتفه، ولو أخرج صيدا من الحرم
وجب إعادته فإن تلف قبلها ضمنه، و لو نتف ريشة من حمام الحرم تصدق بشئ وجوبا
باليد الجانية وبغيرها إشكال، ولو رمى بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج فقتل في
الحل فلا ضمان، وفي تحريم صيد حمام الحرم في الحل على المحل نظر.
مسائل:
يجب على المحرم في الحل الفداء وعلى محل في الحرم القيمة ويجتمعان على المحرم في
الحرم حتى يبلغ بدنة فلا يتضاعف حينئذ، ولو قتله اثنان في الحرم وأحدهما محرم فعليه
الفداء والقيمة وعلى المحل القيمة، وفداء المملوك لصاحبه وإن زاد على القيمة على
إشكال، وعليه النقص وغيره يتصدق به فداء، ويتكرر الكفارة بتكرر القتل سهوا
وعمدا على الأقوى، ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا وخطأ، فلو رمى غرضا فأصاب
صيدا ضمنه، ولو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر ضمنهما.
ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله فعلى المحرم عن كل بيضة شاة وعلى المحل
عن كل بيضة درهم، وروي أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز فعليه
إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج، وتضاعف ما لا دم فيه
كالعصفور بتضعيف القيمة، وما يلزم المعتمر في غير كفارة الصيد يجوز نحره بمنى،
والطعام المخرج عوضا عن المذبوح تابع له في محل الإخراج، ولا يتعين الصوم بمكان، ولو
كسر المحرم بيضا جاز أكله للمحل، ولو أمر المحرم مملوكه بقتل الصيد فقتله ضمن المولى
وإن كان المملوك محلا إلا أن يكون محلا في الحل على إشكال.
773

المطلب الثاني: الاستمتاع بالنساء:
من جامع زوجته عامدا عالما بالتحريم قبل الوقوف بالمشعر وإن وقف بعرفة فسد
حجه ووجب إتمامه والحج من قابل وبدنة سواء القبل والدبر وسواء كان الحج فرضا أو
نفلا وسواء أنزل أو لا إذا غيب الحشفة، ولو استمنى بيده من غير جماع فالأقرب البدنة
خاصة، وقيل: كالجماع، والوجه شمول الزوجة للمستمتع بها، وأمته كزوجته
والأقرب شمول الحكم للأجنبية بزنى أو شبهة والغلام، ولا شئ على الناسي ولا
الجاهل بالتحريم، وعليه بدنة لو جامع زوجته مع الوصفين بعد المشعر، وإن كان قبل
التحلل أو كان قد طاف من طواف النساء ثلاثة أشواط أو جامع زوجته في غير
الفرجين، وإن كان قبل المشعر وعرفة، ولو كانت الزوجة محرمة مطاوعة فعليها بدنة وإتمام
حجها الفاسد والقضاء، وعليهما أن يفترقا إذا وصلا في القضاء موضع الخطيئة إلى أن
يقضيا المناسك بمعنى عدم انفرادهما عن ثالث محترم، ولو أكرهها لم يفسد حجها وعليه
بدنة أخرى عنها، ولو أفسد قضاء الفاسد في القابل لزمه ما لزم في العام الأول.
ولو جامع المحل أمته المحرمة باذنه فعليه بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز فشاة أو
صيام، وعليها مع المطاوعة الإتمام والحج من قابل والصوم عوض البدنة، ولو جامع زوجته
المحرمة تعلقت بها الأحكام مع المطاوعة ولا شئ عليه، ولو أكرهها فعليه بدنة على
إشكال، ولو كان الغلام محرما وطاوع ففي إلحاق الأحكام به إشكال، ولو جامع المحرم
قبل طواف الزيارة فبدنة فإن عجز فبقرة أو شاة، ولو جامع قبل طواف النساء أو بعد
طواف ثلاثة أشواط فبدنة ولو كان بعد خمسة فلا شئ وأتم طوافه، ولو جامع في إحرام
العمرة المفردة أو المتمتع بها على إشكال قبل السعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته
ووجب إكمالها وقضاؤها وبدنة، ويستحب أن يكون القضاء في الشهر الداخل.
ولو نظر إلى غير أهله فأمنى فبدنة إن كان موسرا وبقرة إن كان متوسطا وشاة إن
كان معسرا، ولو كان إلى أهله فلا شئ وإن أمنى إلا أن يكون بشهوة فيمني فبدنة، ولو
مسها بغير شهوة فلا شئ، وإن أمنى بشهوة شاة وإن لم يمن ولو قبلها بغير شهوة فشاة
وبشهوة جزور، ولو استمع على من يجامع أو تسمع الكلام امرأة فأمنى من غير نظر فلا
774

شئ، ولو أمنى عن ملاعبة فجزور، ولو عقد المحرم لمثله على امرأة فدخل فعلى كل منهما
كفارة وكذا لو كان العاقد محلا على رأي، ولو أفسد التطوع ثم أحصر فيه فبدنة
للإفساد ودم للإحصار ويكفيه قضاء واحد، ولو جامع في الفاسد فبدنة أخرى خاصة،
ويتأدى بالقضاء ما يتأدى بالأداء من حجة الاسلام أو غيره والقضاء على الفور إن
كان الفاسد كذلك.
المطلب الثالث: في باقي المحظورات:
في لبس المخيط دم وإن كان مضطرا لكن ينتفي التحريم في حقه خاصة وكذا لو
لبس الخفين أو الشمشك مضطرا، أو في استعمال الطيب مطلقا أكلا وصبغا وبخورا
وإطلاء ابتداء أو استدامة شاة، ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران وبالفواكه
كالأترج والتفاح وبالرياحين كالورد، وفي قلم كل ظفر مد طعام، وفي أظفار يديه
أو رجليه أو هما في مجلس واحد دم، وفي اليد الناقصة أو الزائدة إصبعا أو اليدين
الزائدتين إشكال، ولو قلم يديه في مجلس ورجليه في آخر فدمان، وعلى المفتي لو قلم
المستفتي ظفره فأدمى إصبعه شاة وتتعدد لو تعدد المفتي، وفي حلق الشعر شاة أو إطعام
عشرة مساكين لكل مسكين مد أو صيام ثلاثة أيام، ولو وقع شئ من شعر رأسه أو لحيته
بمسه في غير الوضوء فكف طعام وفيه لا شئ.
وفي نتف الإبطين شاة وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، وفي تغطية الرأس بثوب أو
طين ساتر أو بارتماس ماء أو حمل ساتر شاة وكذا في التظليل سائرا ولا شئ لو غطاه
بيده أو شعره، وفي الجدال ثلاث مرات صادقا شاة ولا شئ فيما دونها، وفي الثلاث
كاذبا بدنة، وفي الاثنين بقرة، وفي الواحدة شاة، وفي قلع الشجرة الكبيرة في الحرم بقرة
وإن كان محلا، وفي الصغيرة شاة وفي أبعاضها قيمة ويضمن قيمة الحشيش لو قلعه
ويأثم، ولو قلع شجرة منه وغرسها في غيره أعادها ولو جفت قيل: ضمنها ولا كفارة،
وفي استعمال دهن الطيب شاة وإن كان مضطرا ظاهرا أو باطنا كالحقنة والسعوط به،
وفي قلع الضرس شاة، ويجوز أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج ولا
775

يجوز الادهان به.
مسائل:
لا كفارة على الجاهل والناسي والمجنون في جميع ما تقدم إلا الصيد فإن الكفارة تجب
على الساهي والمجنون، ولو تعددت الأسباب تعددت الكفارة اتحد الوقت أو اختلف كفر
عن السابق أولا، ولو تكرر الوطء تعددت الكفارة ولو تكرر الحلق تعددت الكفارة إن
تغاير الوقت وإلا فلا، وكل محرم لبس وأكل ما لا يحل لبسه وأكله فعليه شاة، ويكره
القعود عند العطار المباشر للطيب وعند الرجل المتطيب إذا قصد ذلك ولم يشمه ولا
فدية، ويجوز شراء الطيب لا مسه، والشاة تجب في الحلق بمسماه ولو كان أقل تصدق
بشئ، وليس للمحرم ولا للمحل حلق رأس المحرم ولا فدية عليهما لو خالفا، ولو أذن
المحلوق لزمه الفداء، وللمحرم حلق المحل، ويجوز أن يخلى إبله لترعى الحشيش في
الحرم، والتحريم في المخيط متعلق باللبس فلو توشح به فلا كفارة على إشكال.
776

اللمعة الدمشقية
في فقه الإمامية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين
مكي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد المطلبي
العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
777

كتاب الحج
وفيه فصول:
الأول:
يجب الحج على المستطيع من الرجال والنساء والخناثى على الفور مرة بأصل الشرع،
وقد تجب بالنذر وشبهه والاستئجار والإفساد ويستحب تكراره ولفاقد الشرائط، ولا
يجزئ كالفقير والعبد بإذن مولاه. وشرط وجوبه البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة
والتمكن من المسير، وشرط صحته الاسلام، وشرط مباشرته مع الاسلام التمييز. ويحرم
الولي عن غير المميز ندبا، ويشترط صحته من العبد إذن المولى، وشرط صحة الندب من
المرأة إذن الزوج، ولو أعتق العبد أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون قبل أحد الموقفين صح
وأجزأه عن حجة الاسلام، ويكفي البذل في تحقق الوجوب ولا يشترط صيغة خاصة.
ولو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض، ويشترط وجود ما يمون به عياله الواجبي
النفقة إلى حين رجوعه، وفي استنابة الممنوع بكبر أو مرض أو عدو قولان، المروي عن
علي ع ذلك، ولو زال العذر حج ثانيا. ولا يشترط الرجوع إلى كفاية على
الأقوى، ولا في المرأة المحرم، ويكفي ظن السلامة. والمستطيع يجزئه الحج متسكعا،
والحج ماشيا أفضل إلا مع الضعف عن العبادة فالركوب أفضل، فقد حج الحسن عليه
السلام ماشيا مرارا، وقيل: إنها خمسة وعشرين حجة، والمحامل تساق بين يديه.
ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه، ولو مات قبل ذلك وكان قد استقر في
ذمته قضي عنه من بلده في ظاهر الرواية، فلو ضاقت التركة فمن حيث بلغت ولو من
779

الميقات.
ولو حج ثم ارتد ثم عاد لم يعد على الأقرب، فلو حج مخالفا ثم استبصر لم يعد إلا أن
يخل بركن، نعم يستحب الإعادة.
القول في حج الأسباب:
لو نذر الحج وأطلق كفت المرة ولا تجزئ عن حجة الاسلام، وقيل: إن نوى حجة
النذر أجزأت وإلا فلا. ولو قيد بحجة الاسلام فهي واحدة ولو قيد غيرها فهما اثنتان
وكذا العهد واليمين، ولو نذر الحج ماشيا وجب ويقوم في المعبر، فلو ركب طريقة أو
بعضه قضى ماشيا، ولو عجز عن المشي ركب وساق بدنة.
ويشترط في النائب البلوغ والعقل والخلو من حج واجب مع التمكن منه ولو مشيا
والإسلام وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحق إلا أن يكون أبا النائب.
ويشترط نية النيابة منه وتعين المنوب عنه قصدا، ويستحب لفظا عند الأفعال،
وتبرأ ذمته لو مات محرما بعد دخول الحرم وإن خرج منه بعد، ولو مات قبل ذلك استعيد
من الأجرة بالنسبة، ويجب الإتيان بما شرط عليه حتى الطريق مع الفرض، وليس له
الاستنابة إلا مع الإذن صريحا أو إيقاع العقد مقيدا بالإطلاق، ولا يحج عن اثنين في
عام، ولو استأجراه لعام فسبق أحدهما صح وإن اقترنا بطلا، وتجوز النيابة في أبعاض
الحج، كالطواف والسعي والرمي مع العجز، ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب
ويحتسب لهما.
وكفارة الإحرام في مال الأجير ولو أفسد حجه قضى في القابل، والأقرب الاجزاء،
ويملك الأجرة.
ويستحب إعادة فاضل الأجرة، والإتمام له لو أعوز وترك نيابة المرأة الصرورة والخنثى
الصرورة، ويشترط علم الأجير بالمناسك وقدرته عليها وعدالته فلا يستأجر فاسق ولو حج
أجزأه، والوصية بالحج تنصرف إلى أجرة المثل ويكفي المرة إلا مع إرادة التكرار.
780

ولو عين القدر والنائب تعينا، ولو عين لكل سنة قدرا وقصر كمل من الثانية
فالثالثة، ولو زاد حج في عام مرتين من اثنين. والودعي العالم بامتناع الوارث يستأجر عنه
من يحج أو بنفسه، ولو كان عليه حجتان إحديهما نذر فكذلك إذ الأصح أنهما من
الأصل، ولو تعددوا وزعت، وقيل: يفتقر إلى إذن الحاكم، وهو بعيد.
الفصل الثاني: في أنواع الحج:
وهي ثلاثة:
تمتع: وهو فرض من بعد عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الأصح،
ويقدم عمرته على حجه ناويا بها التمتع.
وقران، وإفراد: وهو فرض من نقص عن ذلك، ولو أطلق الناذر تخير في الثلاثة
وكذا يتخير من حج ندبا، وليس لمن تعين عليه نوع العدول إلى غيره على الأصح إلا
لضرورة، ولا تقع الإحرام بالحج وعمرة التمتع إلا في شوال وذي القعدة وذي الحجة.
ويشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد والإحرام بالحج له من مكة وأفضلها
المسجد ثم المقام أو تحت الميزاب، ولو أحرم بغيرها لم يجز إلا مع التعذر، ولو ضاق الوقت
عن إتمام العمرة بحيض أو نفاس أو عذر أو عدو عدل إلى الإفراد وأتى بالعمرة من بعد.
ويشترط في الإفراد النية وإحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إن كانت أقرب
إلى عرفات، وفي القران ذلك وعقده بسياق الهدي وإشعاره إن كان بدنة ويقلده إن كان
غيرها بأن يعلق في رقبته نعلا قد صلى فيه ولو نافلة، ولو قلد الإبل جاز.
مسائل:
يجوز لمن حج ندبا منفردا العدول إلى التمتع لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه، فلو لبى
بطلت متعته وبقي على حجه، وقيل: لا اعتبار إلا بالنية. ولا
يجوز العدول للقارن، وقيل: يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا، كما أمر به النبي ص من لم يقف
781

من الصحابة، وهو قوي.
الثانية: يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي إما الواجب أو الندب
لكن يجددان التلبية عقيب صلاة الطواف، فلو تركاها أحلا على الأشهر.
الثالثة: لو بعد المكي ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا، ولو غلبت إقامته في
الآفاق تمتع، ولو تساويا تخير، والمجاور بمكة ينتقل في الثالثة إلى الإفراد والقران وقبلها
يتمتع، ولا يجب الهدي على غير المتمتع وهو نسك لا جبران.
الرابعة: لا يجوز الجمع بين النسكين بنية واحدة فيبطل، ولا إدخال أحدهما على
الآخر قبل تحلله من الأول فيبطل الثاني إن كان عمرة أو حجا قبل السعي، ولو كان
قبل التقصير وتعمد ذلك فالمروي: أنه يبقى على حجه مفردة. ولو كان ناسيا صح إحرامه
الثاني ويستحب جبره بشاة.
الفصل الثالث: في المواقيت:
لا يصح الإحرام قبل الميقات، إلا بالنذر وشبهه إذا وقع الإحرام في أشهر الحج، ولو
كان عمرة مفردة لم يشترط، ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضيه جاز له الإحرام
قبل الميقات ولا يجب إعادته فيه، ولا يتجاوز الميقات بغير إحرام، فيجب الرجوع إليه فلو
تعذر بطل إن تعمده والإحرام من حيث أمكن، ولو دخل مكة خرج إلى أدنى الحل فإن
تعذر فمن موضعه ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب.
والمواقيت ستة:
ذي الحليفة للمدينة، والجحفة للشام، ويلملم لليمن، وقرن للطائف، والعقيق
للعراقي وأفضله المسلخ، ثم غمرة، ثم ذات عرق.
وميقات حج التمتع مكة، وحج الإفراد منزله كما سبق، وكل من حج على ميقات
فهو له، ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة، ولو لم يحاذ أحرم من قدر يشترك فيه
المواقيت.
782

الفصل الرابع: في أفعال العمرة:
وهي الإحرام والطواف والسعي والتقصير. ويزيد في عمرة الإفراد بعد التقصير
طواف النساء ويجوز فيها الحلق لا في عمرة التمتع.
القول في الإحرام:
يستحب توفير شعر الرأس لمن أراد الحج من أول ذي القعدة وآكد منه هلال
ذي الحجة، واستكمال التنظيف بقص الأظفار وأخذ الشارب والإطلاء، ولو سبق أجزأ
ما لم يمض خمسة عشر يوما.
والغسل وصلاة سنة الإحرام والإحرام عقيب الظهر أو فريضة، وتكفي النافلة عند
عدم وقت الفريضة.
وتجب فيه النية المشتملة على مشخصاته مع القربة، ويقارب بها.
لبيك اللهم لبيك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك.
ولبس ثوبي الإحرام من جنس ما يصلى فيه.
والقارن يعقد إحرامه بالتلبية أو بالإشعار والتقليد، ويجوز الحرير والمخيط للنساء،
ويجزئ القباء مقلوبا لو فقد الرداء، والسراويل لو فقد الإزار.
ويستحب للرجل رفع الصوت بالتلبية ولتجدد عند مختلف الأحوال ويضاف إليها
التلبيات المستحبة ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة، والحاج إلى زوال عرفة، والمعتمر
منفردا إذا دخل الحرم والاشتراط ويكره الإحرام في السود والمعصفرة وشبههما، والنوم
عليها والوسخة والمعلمة ودخول الحمام وتلبية المنادي.
وأما التروك المحرمة فثلاثون:
صيد البر ولو دلالة وإشارة، ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ فيه، والنساء
بكل استمتاع حتى العقد، والاستمناء، ولبس المخيط وشبهه، وعقد الرداء، ومطلق
الطيب، والقبض من كريه الرائحة، والاكتحال بالسواد والمطيب، والادهان، ويجوز
783

أكل الدهن غير المطيب، والجدال وهو قول لا والله وبلى والله، والفسوق وهو الكذب،
والسباب، والنظر في المرآة، وإخراج الدم اختيارا، وقلع الضرس وقص الظفر وإزالة
الشعر، وتغطية الرأس للرجل، والوجه للمرأة ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها بغير
إصابة وجهها، والنقاب، والحناء للزينة والتختم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتده من
الحلي، وإظهار المعتاد للزوج، ولبس الخفين للرجل وما يستر ظهر قدميه، والتظليل
للرجل الصحيح سائرا، ولبس السلاح اختيارا، وقطع شجر الحرم وحشيشه إلا الإذخر،
وما ينبت في ملكه، وعودي المحالة له، وشجر الفواكه، وقتل هوام الجسد، ويجوز نقله.
القول في الطواف:
ويشترط فيه رفع الحدث والخبث والختان في الرجل وستر العورة.
وواجبه: النية، والبدأة بالحجر الأسود، والختم به، وجعل البيت على يساره،
والطواف بينه وبين المقام، وإدخال الحجر، وخروجه بجميع بدنه عن البيت، وإكمال
السبع، وعدم الزيادة عليها فيبطل إن تعمده، والركعتان خلف المقام، وتواصل أربعة
أشواط فلو قطع لدونها بطل وإن كان لضرورة أو دخول البيت، ولو ذكر في أثناء السعي
ترتب صحته وبطلانه على الطواف، ولو شك في العدد بعده لم يلتفت وفي الأثناء يبطل
إن شك في النقيصة، ويبني على الأقل إن شك في الزيادة على السبع، وأما نفل الطواف
فيبنى على الأقل مطلقا.
وسننه: الغسل من بئر ميمون أو فخ أو غيرهما، ومضغ الإذخر ودخول مكة من
أعلاها حافيا بسكينة ووقار، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء بالمأثور، والوقوف
عند الحجر، والدعاء فيه وفي حالات الطواف، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، والسكينة
في المشي، والرمل ثلاثا والمشي أربعا على قول، واستلام الحجر، وتقبيله، أو الإشارة
إليه، واستلام الأركان والمستجار في السابع، وإلصاق البطن والخد به، والدعاء وعد
ذنوبه عنده، والتداني من البيت، ويكره الكلام في أثنائه بغير الذكر والقرآن.
784

مسائل:
الأولى: كل طواف ركن إلا طواف النساء، فيعود وجوبا مع المكنة ومع التعذر
يستنيب، ولو نسي طواف النساء جازت الاستنابة اختيارا.
الثانية: يجوز تقديم طواف الحج وسعيه للمفرد على الوقوف، وللمتمتع عند
الضرورة، وطواف النساء لا تقدم لهما إلا لضرورة وهو واجب في كل نسك على كل
فاعل إلا في عمرة التمتع وأوجبه فيها بعض الأصحاب، وهو متأخر عن السعي.
الثالثة: تحرم البرطلة في الطواف، وقيل يختص بموضع تحريم ستر الرأس.
الرابعة: روي عن علي ع في امرأة نذرت الطواف على أربع: أن عليها
طوافين. وقيل: يقتصر على المرأة ويبطل في الرجل. وقيل: يبطل فيهما، والأقرب الصحة
فيهما.
الخامسة: يستحب إكثار الطواف ما استطاع، وهو أفضل من الصلاة للوارد، وليكن
ثلاثمائة وستين طوافا، فإن عجز جعلها أشواطا.
السادسة: القران مبطل في طواف الفريضة، ولا بأس به في النافلة وإن كان تركه
أفضل.
القول في السعي والتقصير:
ومقدماته: استلام الحجر والشرب من زمزم وصب مائها عليه والطهارة والخروج من
باب الصفا ومستقبل الكعبة والدعاء والذكر.
وواجبه: النية والبدأة بالصفا والختم بالمروة فهذا شوط وعوده آخر فالسابع على المروة
وترك الزيادة على السبع فيبطل عمدا، والنقيصة فيأتي بها ولو زاد سهوا تخير بين الإهدار
وتكميل أسبوعين كالطواف ولم يشرع استحباب السعي إلا هنا وهو ركن يبطل بتعمد
تركه، ولو ظن فعله فواقع أو قلم فتبين الخطأ أتمه وكفر ببقرة. ويجوز قطعه لحاجة وغيرها،
والاستراحة في أثنائه. ويجب التقصير بعده بمسماه إذ كان سعي العمرة من الشعر أو الظفر
وبه يتحلل من إحرامها، ولو حلق فشاة، ولو جامع قبل التقصير عمدا فبدنة للموسر وبقرة
785

للمتوسط وشاة للمعسر.
ويستحب التشبيه بالمحرمين بعده، وكذا لأهل مكة في الموسم.
الفصل الخامس: في أفعال الحج:
وهي الإحرام والوقوفات ومناسك منى وطواف الحج وسعيه وطواف النساء ورمى
الجمرات والمبيت بمنى.
القول في الإحرام والوقوفين:
يجب بعد التقصير الإحرام بالحج على المتمتع، ويستحب يوم التروية بعد صلاة
الظهر وصفته كما مر، ثم الوقوف بعرفة من زوال التاسع إلى غروب الشمس مقرونا
بالنية " وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى الأراك إلى ذي المجاز " ولو أفاض قبل
الغروب عامدا ولم يعد فبدنة، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما.
ويكره الوقوف على الجبل وقاعدا وراكبا، والمستحب المبيت بمنى ليلة التاسع إلى
الفجر، ولا يقطع محسرا حتى تطلع الشمس، والإمام يخرج إلى منى قبل الصلاتين وكذا
ذو العذر، والدعاء عند الخروج إليها ومنها وفيها، والدعاء بعرفة، وإكثار الذكر وليذكر
إخوانه بالدعاء وأقلهم أربعون.
ثم يفيض بعد غروب الشمس إلى المشعر مقتصدا في سيره داعيا إذا بلغ الكثيب
الأحمر ثم يقف به ليلا إلى طلوع الشمس، والواجب الكون بالنية.
ويستحب إحياء تلك الليلة والدعاء والذكر والقراءة ووطء الصرورة المشعر برجله
والصعود على قزح وذكر الله عليه.
مسائل:
كل من الموقفين ركن يبطل الحج بتركه عمدا ولا يبطل سهوا، نعم لو سها عنهما
786

بطل. واضطراري عرفة ليلة النحر، واضطراري المشعر إلى زواله، وكل أقسامه يجزئ إلا
الاضطراري الواحد. ولو أفاض قبل الفجر عامدا فشاة. ويجوز للمرأة والخائف من غير
جبر.
وحد المشعر ما بين الحائط والمأزمين ووادي محسر، ويستحب التقاط حصى الجمار
منه وهي سبعون، والهرولة في وادي محسر داعيا بالمرسوم.
القول في مناسك منى يوم النحر:
وهي رمى جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق. فلو عكس عمدا أثم وأجزأه.
وتجب النية في الرمي وإكمال سبع مصيبة للجمرة يفعله بما يسمى رميا بما يسمى
حجرا حرميا بكرا. ويستحب البرش الملتقطة بقدر الأنملة، والطهارة والدعاء والتكبير مع
كل حصاة، وتباعد نحو خمسة عشر ذراعا ورميها خذفا، واستقبال الجمرة هنا، وفي
الجمرتين الأخيرتين يستقبل القبلة، والرمي ماشيا.
وتجب في الذبح جذع من الضأن أو ثني من غيره تام الخلقة غير مهزول ويكفي فيه
الظن بخلاف ما لو ظهر ناقصا فإنها لا تجزئ، وتستحب أن يكون مما عرف به سمينا
ينظر ويمشي ويبرك في سواد، إناثا من الإبل والبقر، ذكرانا من الغنم، وتجب النية
ويتولاها الذابح ويستحب جعل يده معه وقسمته بين الإهداء والصدقة والأكل.
ويستحب نحر الإبل قائمة قد ربطت بين الخف والركبة وطعنها من الأيمن،
والدعاء عنده، ولو عجز عن السمين فالأقرب إجزاء المهزول وكذا الناقص، ولو وجد
الثمن دونه خلفه عند من يشتريه ويهديه طول ذي الحجة، ولو عجز عن الثمن صام ثلاثة
في الحج متوالية بعد التلبس بالحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويتخير مولى المأذون بين
الإهداء عنه وبين أمره بالصوم.
ولا يجزئ الواحد إلا عن واحد ولو عند الضرورة، ولو مات أخرج من صلب المال،
ولو مات قبل الصوم صام الولي عنه العشرة على قول وتقوى مراعاة تمكنه منها، ومحل
787

الذبح والحلق منى وحدها من العقبة إلى وادي محسر، ويجب ذبح الهدي القران متى
ساقه وعقد به إحرامه، ولو هلك لم يجب بدله له، ولو عجز ذبحه وأعلمه علامة الصدقة،
ويجوز بيعه لو انكسر والصدقة بثمنه، ولو ضل فذبحه الواجد أجزأ، ولا يجزئ ذبح هدي
التمتع لعدم التعين، ومحله مكة إن قرنه بالعمرة ومنى إن قرنه بالحج، ويجزئ الهدي
الواجب عن الأضحية والجمع أفضل.
ويستحب التضحية بما يشتريه، ويكره بما يربيه. وأيامها بمنى أربعة أولها النحر،
وبالأمصار ثلاثة. ولو تعذرت تصدق بثمنها، فإن اختلفت فثمن موزع عليها، ويكره
أخذ شئ من جلودها وإعطاؤها الجزار بل يتصدق بها.
وأما الحلق فيتخير بينه وبين التقصير، والحلق أفضل وخصوصا للملبد والصرورة،
وتتعين على المرأة التقصير. ولو تعذر في منى فعل بغيرها وبعث بالشعر إليها ليدفن
مستحبا، ويمر فاقد الشعر الموسي على رأسه.
ويجب تقديم مناسك منى على طواف الحج فلو أخرها عامدا فشاة، ولا شئ على
الناسي ويعيد الطواف، وبالحلق يتحلل إلا من النساء والطيب والصيد فإذا طاف وسعى
حل الطيب فإذا طاف للنساء حللن له، ويكره لبس المخيط قبل طواف الزيارة والطيب
حتى يطوف للنساء.
القول في العود إلى مكة للطوافين والسعي:
يستحب تعجيل العود من يوم النحر إلى مكة ويجوز تأخره إلى الغد، ثم يأثم المتمتع
بعده، وقيل: لا إثم. ويجزئ طول ذي الحجة. وكيفية الجميع كما مر غير أنه ينوي بها
الحج.
القول في العود إلى منى:
وتجب بعد قضاء مناسكه بمنى العود إليها للمبيت بها ليلا ورمى الجمرات الثلاث
788

نهارا، فلو بات بغيرها فعن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة، ويكفي أن
يتجاوز نصف الليل.
ويجب في الرمي الترتيب يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، ولو نكس عامدا
أو ناسيا بطل، ويحصل الترتيب بأربع حصيات، ولو نسي جمرة أعاد على الجميع إن لم
يتعين، ولو نسي حصاة رماها على الجميع، ويستحب رمى الأولى عن يمينه والدعاء
والوقوف عندها وكذا الثانية ولا يقف عند الثالثة، وإذا بات ليلتين بمنى جاز له النفر في
الثاني عشر بعد الزوال إن كان قد اتقى الصيد والنساء ولم يغرب عليه الشمس ليلة
الثالث عشر بمنى وإلا وجب المبيت ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات فيه، ثم ينفر في
الثالث عشر ويجوز قبل الزوال بعد الرمي، ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها، ويرمي
المعذور ليلا ويقضي الرمي لو فات مقدما على الأداء، ولو رحل قبله رجع له فإن تعذر
استناب فيه في القابل.
ويستحب النفر في الآخر، والعود إلى مكة لطواف الوداع، ودخول الكعبة وخصوصا
الصرورة، والصلاة بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء وفي زواياها واستلامها،
والدعاء عند الحطيم وهو أشرف البقاع ما بين الباب والحجر الأسود، واستلام الأركان
والمستجار، وإتيان زمزم، والشرب منها، والخروج من باب الحناطين، والصدقة بتمر
تشريه بدرهم، والعزم على العود.
ويستحب الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف وخصوصا عند المنارة وفوقها إلى القبلة
بنحو من ثلاثين ذراعا.
ويحرم اخراج من التجأ إلى الحرم بعد الجناية نعم يضيق عليه في المطعم والمشرب
حتى يخرج، ولو جنى في الحرم قوبل فيه.
789

الفصل السادس: في كفارات الإحرام:
وفيه بحثان:
الأول: في الصيد:
ففي النعامة بدنة، ثم الفض على البر، وإطعام ستين، والفاضل له، ولا يلزم الإتمام
لو أعوز، ثم صيام ستين يوما، ثم صيام ثمانية عشر يوما. والمدفوع إلى المسكين نصف
صاع.
وفي بقرة الوحش وحماره بقرة أهلية، ثم الفض، ونصف ما مضى.
وفي الظبي والثعلب والأرنب شاة، ثم الفض، وسدس ما مضى.
وفي كسر بيض النعام لكل بيضة بكرة من الإبل إن تحرك الفرخ وإلا أرسل فحولة
الإبل في إناث بعدد البيض فالناتج هدي، فإن عجز فشاة عن البيضة، ثم إطعام عشرة
مساكين ثم صيام ثلاثة.
وفي كسر كل بيضة من القطاة والقبج والدراج من صغار الغنم إن تحرك الفرخ وإلا
أرسل في الغنم بالعدد فإن عجز فكبيض النعام.
وفي الحمامة وهي المطوقة أو ما يعب الماء شاة على المحرم في الحل ودرهم على المحل
في الحرم ويجتمعان على المحرم في الحرم، وفي فرخها حمل ونصف درهم عليه ويتوزعان
على أحدهما، وفي بيضها درهم وربع ويتوزعان على أحدهما.
وفي كل واحد من القطاة والحجل والدراج حمل مفطوم يرعى.
وفي كل من القنفذ والضب واليربوع جدي.
وفي كل من القنبرة والصعوة والعصفور مد طعام.
وفي الجرادة تمرة، وقيل: كف من طعام. وفي كثير الجراد شاة، ولو لم يتمكن التحرز
فلا شئ.
وفي القملة كف طعام. ولو نفر حمام الحرم وعاد فشاة وإلا فعن كل واحدة شاة، ولو
أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالإتلاف مع جهل الحال أو علم التلف، ولو باشر
الإتلاف جماعة أو تسببوا فعلى كل فداء.
790

وفي كسر قرني الغزال نصف قيمته، وفي عينيه أو يديه أو رجليه القيمة، والواحد
بالحساب، ولا يدخل الصيد في ملك المحرم بحيازة ولا عقد ولا إرث.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة بتلك اليد وجزاؤه بمنى في إحرام الحج
وبمكة في إحرام العمرة.
البحث الثاني - في باقي المحرمات:
في الوطء قبلا أو دبرا قبل المشعر وإن وقف بعرفة بدنة ويتم حجه ويأتي به من قابل
وإن كان الحج نفلا وعليها مطاوعة مثله، ويفترقان إذا بلغا موضع الخطيئة بمصاحبة
ثالث في القضاء، وقيل: في الفاسد أيضا. ولو كان مكرها لها تحمل البدنة لا غير.
ويجب البدنة بعد المشعر إلى أربعة أشواط من طواف النساء والأولى بعد خمسة،
ولكن لو كان قبل طواف الزيارة وعجز عن البدنة تخير بينها وبين بقرة أو شاة، ولو جامع
أمته المحرمة باذنه محلا فعليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة، أو
صيام ثلاثة، ولو نظر إلى أجنبية فأمنى فبدنة للموسر وبقرة للمتوسط وشاة للمعسر، ولو
نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى فبدنة، ولو مسها فشاة إن كان بشهوة وإن لم يمن وبغير شهوة
لا شئ، وفي تقبيلها بشهوة جزور وبغيرها شاة ولو أمنى بالاستمناء أو بغيره من
الأسباب التي تصدر عنه فبدنة.
ولو عقد المحرم أو المحل لمحرم على امرأة فدخل فعلى كل منهما بدنة.
والعمرة المفردة إذا أفسدها قضاها في الشهر الداخل بناء على أنه الزمان بين
العمرتين، وفي لبس المخيط شاة وكذا لبس الخفين أو الشمشك أو الطيب أو حلق الشعر
أو قلم الأظفار في مجلس أو يديه أو رجليه وإلا ففي كل ظفر مد، أو قطع شجرة من الحرم
صغيرة أو أدهن بطيب أو قلع ضرسه أو نتف إبطيه وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، أو
أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي والظاهر أنه لا يشترط كون المفتي محرما، أو جادل
ثلاثا صادقا أو واحدة كاذبا، وفي اثنين كذبا بقرة وفي الثلاث بدنة، وفي الشجرة
الكبيرة بقرة، ولو عجز عن شاة في كفارة الصيد فعليه إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام
791

ثلاثة أيام، ويتخير بين شاة الحلق لأذى أو غيره وبين إطعام عشرة لكل واحد مد أو
صيام ثلاثة، وفي شعر يسقط من لحيته أو رأسه بمسه كف طعام، ولو كان في الوضوء فلا
شئ، وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد عمدا أو سهوا، وبتكرر اللبس في مجالس، والحلق في
أوقات وإلا فلا، ولا كفارة على الجاهل والناسي في غير الصيد، ويجوز تخلية الإبل للرعي
في الحرم.
الفصل السابع: في الإحصار والصد:
متى أحصر بالمرض عن الموقفين أو مكة بعث ما ساقه أو هديا أو ثمنه، فإذا بلغ محله
وهي منى إن كان حاجا ومكة إن كان معتمرا حلق أو قصر وتحلل إلا من النساء حتى
يحج إن كان واجبا أو يطاف عنه للنساء إن كان ندبا.
ولا يسقط الهدي بالاشتراط، نعم له تعجيل التحلل ولا يبطل تحلله لو ظهر عدم ذبح
الهدي ويبعثه في القابل، ولا يجب الإمساك عند بعثه على الأقوى، ولو زال عذره التحق،
فإن أدرك وإلا تحلل بعمرة.
ومن صد بالعدو عما ذكرناه ولا طريق غيره أو لا نفقة ذبح هديه وقصر أو حلق
وتحلل حيث صد حتى من النساء ولو أحصر عن عمرة التمتع فتحلل فالظاهر حل النساء
أيضا.
خاتمة:
تجب العمرة بشروط الحج ويؤخرها القارن والمفرد، ولا يتعين بزمان مخصوص وهي
مستحبة مع قضاء الفريضة في كل شهر، وقيل: لا حد، وهو حسن.
792