الكتاب: البحث في رسالات العشر
المؤلف: محمد حسن القديري
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

البحث في رسالات عشر تأليف: محمد حسن القديري
2

الكلام في صلاة الجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم
أجمعين إلى يوم الدين. قال المحقق قدس سره: الجماعة مستحبة في الفرائض كلها.
أقول: اما استحباب الجماعة في الجملة فهو من ضروريات الدين، وقال صاحب الجواهر ج
قدس سره: ان المنكر له داخل في سبل الكافرين، مضافا إلى أنه موافق للكتاب والسنة
المتواترة، ويدل عليه الاجماع بكلا قسميه، بل لولا الروايات التي يظهر منها
الاستحباب كصحيحة زرارة والفضيل (1) لكان المستفاد من سائرها الوجوب كما سيأتي إن شاء الله
. والقدر المتيقن من ذلك الحواضر اليومية مضافا إلى الأخبار الخاصة الواردة
في خصوص كل منها، بل قيل إنه المنصرف من الأدلة المطلقة. واما بالنسبة إلى قضاء
الفوائت فمع امكان منع الانصراف والمستفيضة الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه

(1) الوسائل: ج 5، باب 1 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
4

وآله (1) وبعض الروايات الأخرى يمكن استفادة مشروعية الجماعة فيها مما دل على
مشروعيتها في الحواضر، فان المستفاد من أدلة القضاء ان القضاء عين الأداء بحسب
الحقيقة الا انها بعد الوقت، فصلاة المغرب قضاء عين صلاة المغرب أداء بحسب الحقيقة،
وانما الفرق بينهما ان الأداء في الوقت والقضاء بعده، ولذا يحكم في صلاة القضاء
بجميع ما حكم به في صلاة الأداء كأحكام السهو والنسيان أو لشك وغيرها، فما دل على
مشروعية الجماعة في الصلوات ج ولو قيل بعدم الاطلاق فيه من جهة قضاء الصلوات الا
انه بعد ضميمة الجهة المذكور وهي عينية الأداء والقضاء اليه ج يدل على مشروعية
الجماعة في القضاء أيضا، هذا مع أنه لا خلاف فيه ظاهرا بل ادعي عليه الاجماع، فلا
مجال للارتياب فيه. واما بالنسبة إلى سائر الفرائض فلا كلام ولا اشكال في صلاة
الآيات والأموات للأخبار الخاصة الواردة (2) فيهما كما أن الامر في صلاة الجمعة
والعيدين موكول إلى محلهما لورود الأدلة الخاصة فيهما (3) واختلاف الأقوال فيهما
أيضا، الا ان المسلم الذي هو القدر المتيقن من أدلتهما وجوب الجماعة فيهما في
الجملة، والكلام في محله. بقي الكلام في صلاة الطواف، ولم يرد في مشروعية الجماعة
فيها دليل بالخصوص، فلابد من ملاحظة الأدلة العامة فنقول: قد استدل على المشروعية
فيها بأمور: (منها): الاطلاقات الواردة في باب الجماعة مثل قوله عليه السلام في

(1) الوسائل: ج 3، باب 61 من أبواب المواقيت، حديث 6.
(2) الوسائل: ج 5، باب 7 و 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات و ج 2 باب 6 و 16 و 17 و 19 و 21 و 25 و 27 و 29 و 32 و 33 من أبواب صلاة الجنازة.
(3) الوسائل: ج 5، باب 2 و 5 و 6 من أبواب صلاة الجمعة، وباب 2 من أبواب
صلاة العيد.
5

صحيحة ابن سنان: الصلاة جماعة تفضل على صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة (1). ولا يخفى
ما في هذا الاستدلال، فان هذه المطلقات واردة مورد حكم اخر ولا يمكن التمسك بها فيما
ليست في مقام بيانه، وبعبارة أخرى أنها ناظرة إلى بيان امر في طول التشريع ولا يدل
على أصل التشريع الا بالاستلزام ولا اطلاق لمثل هذه الأدلة، وان شئت قلت: ان
مشروعية الجماعة امر مفروغ عنها في هذه الروايات واخذت مفروض الوجود، والروايات
انما هي في مقام بيان امر مترتب عليها لا في مقام بيان أصلها، عباراتنا شتى... الخ.
(ومنها): خصوص صحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال
الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنه سنة ج الحديث (2). وقد
أورد على الاستدلال بهذه الصحيحة بأن لفظ الصلوات في صدر الرواية لا تدل على مطلق
الصلوات، إذ ليس مطلقها بفريضة قطعا بل المراد الصلوات اليومية بحكم الانصراف، فيدل
ذيل الخبر على كون الجماعة مسنونة فيها لا في كل صلاة واجبة. وبأن ظاهر الراوية
السؤال عن كونها فريضة أو لا مفروغا عن مشروعيتها، فليس في مقام التشريع ليؤخذ
باطلاقه. وأنت خبير بما فيهما، فان دلالة الرواية ليست بالاطلاق حتى يقال بالانصراف
أو عدم كونها في مقام البيان، بل دلالتها بالعموم، فان الصلوات في ليس الاجتماع
بمفروض في الصلوات كلها جمع محلى باللام تفيد العموم وكلها فيها تأكيد لها،
فالنتيجة ان الاجتماع ليس بمفروض في شئ من الصلوات، والضمير في لكنها راجع إلى
نفس الموضوع في هذه الجملة أي الاجتماع في عموم الصلوات، فيستفاد من ذلك ان
الاجتماع في جميع

(1) الوسائل: ج 5، باب 1 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5، باب 1 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
6

الصلوات سنة ومنها صلاة الطواف. ان قلت: ان الكلية والعموم مناف لوجوب الاجتماع في
الجمعة والعيدين. قلت: نلتزم في ذلك بالتخصيص فإنه ما من عام الا وقد خص. ان قلت:
ان ورود حرف السلب على العموم يفيد سلب العموم لا عموم السلب، وهذا سور سالبة
الجزئية لا الكلية، فعلى هذا نستفيد من الرواية انه ليس الاجتماع في جميع الصلوات
مفروضا، وبالنتيجة ان الاجتماع في بعضها مفروض وفي بعضها سنة، فلا يمكن الاستدلال
بها لمشروعية الجماعة في صلاة الطواف، فان الكبرى موجبة لا كلية. قلت: (أولا) يكفي
في الاستدلال سلب العموم، فان سلب المفروضية عن عموم الصلوات واثبات المسنونية فيما
ليس بمفروض مستلزم للمشروعية في عموم الصلوات كما لا يخفى. (وثانيا) الظاهر من
الرواية عموم السلب لا سلب العموم وذلك من وجهين: ج 1 ان السلب وارد على مفروضية
الاجتماع وهذا متعلق للظرف والمظروف عام وكلها تأكيد له، فلم يرد السلب على
العموم. والحاصل: ان معنى الرواية سلب مفروضية الاجتماع عن كل الصلوات، وكم فرق بين
ان يقال إنه ليس الاجتماع بمفروض في كل الصلوات وبين ان يقال إنه ليس كل صلاة جماعة
بمفروض. ج 2 يستفاد من الذيل وهو جملة لكنه سنة ان السلب بنحو العموم، فان ظاهر
الضمير هو الرجوع إلى نفس الموضوع المذكور في الجملة السابقة، ومع كون السلب واردا
7

على العموم لا يكون مرجع الضمير مذكورا فيها بخلاف عموم السلب، فان المرجع أيضا
العموم المذكور، وكيف كان الظهور العرفي للرواية في العموم غير قابل للانكار، ودعوى
الانصراف أو عدم كون الرواية بصدد البيان مبنية على كون الدلالة بالاطلاق وقد ثبت
انها بالعموم، واما ما قيل من أن السؤال عن خصوص صلاة اليومية للانصراف فالجواب أيضا
مخصوص بها، ممنوع بعد كون الجواب عاما ولا يكون السؤال والمورد مخصصا للعموم، هذا
مع امكان منع الانصراف والقول بأنه بدوي فلا بأس بالاستدلال بالصحيحة لمشروعية
الجماعة في صلاة الطواف ولا يضر الاضمار فيها كما لا يخفى. (ومنها): أدلة التسامح في
أدلة السنن فان الجماعة مستحبة، فيكفي في القول بمشروعيتها مجرد بلوغ الثواب عليها.
وفيه (أولا) انه لم يبلغ الثواب على الجماعة في خصوص صلاة الطواف حتى بخبر ضعيف،
والمفروض ان المطلقات لا تشملها، والفتاوى خارجة عن موضوع الروايات كما بين في
محله، ونفس احتمال الرجحان والثواب لا يصدق عليه البلوغ، فلا موضوع لهذا الاستدلال.
(وثانيا) ان الجماعة في الواجبات على تقدير مشروعيتها ليست من الأمور المستحبة
كسائر المستحبات بل هي مصداق للواجب وأفضل الفردين منه، فلا يمكن اثبات مشروعيتها
بأدلة التسامح في أدلة السنن. (وثالثا) انا لو سلمنا دلالة أدلة التسامح على
الاستحباب لكن لا نسلم دلالتها على استحباب الشئ بعنوانه الخاص، بل غايتها الدلالة
على الاستحباب بعنوان انه شئ بالغ عليه الثواب، ولذا لا يمكن القول بكفاية الغسل
الذي ثبت استحبابه بأدلة التسامح عن الوضوء ولو قيل بالكفاية في سائر الموارد، فان
أدلة التسامح لا تدل على أزيد من استحباب
8

الغسل بعنوان انه شئ بالغ عليه الثواب،
واما الاستحباب بعنوان انه غسل فلا، فليس في البين غسل استحبابي حتى يقال بكفايته
عن الوضوء، وهكذا في المقام أدلة التسامح لو شملت الجماعة الا انها لا يثبت
الاستحباب على عنوان صلاة الجماعة حتى يترتب عليها احكام الجماعة بل غايتها انها
تثبت الاستحباب على البالغ عليه الثواب، ولا يتوهم ان انطباق هذا العنوان على
الجماعة قهري، فالجماعة أيضا مستحبة من جهة تلك الأدلة. فان الانطباق لا يوجب
استحباب المنطبق عليه بعنوانه بل المستحب هو العنوان المنطبق ولو كان الانطباق
قهريا. فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الأقوى مشروعية الجماعة في صلاة الطواف أيضا وإن كان
الاحتياط في اتيانها فرادى، وذلك لاستشكال كثير من فقهائنا فيها، فلاحظ حواشي
المسألة الرابعة في العروة، وإن كان المناسب أن تكون الحواشي على قول الماتن في
جميع الفرائض في أول الجماعة. ثم إنه لو بنينا على عدم تمامية الأدلة حتى الصحيحة
ولم نستكشف المشروعية عن الأدلة الاجتهادية فهل الأصل العملي يقتضي عدم المشروعية
أو ان الأصل يقتضي المشروعية؟ فلقد يتوهم ان الامر حينئذ دائر بين الاطلاق
والتقييد، فان الشك في مشروعية الجماعة لبا يرجع إلى الشك في أن الوظيفة هي مطلق
الصلاة ولو جماعة، أو انها هي الصلاة فرادى فقط، وفي مثل هذا الشك المرجع هو
البراءة عن خصوصية الفرادى. وقد يورد عليه (أولا) بوجود الأصل الموضوعي في المقام
وهو أصالة عدم انعقاد الجماعة وهي حاكمة على الأصل المذكور. (وثانيا) بأن أصالة
البراءة عن الفرادى لا تثبت الآثار والأحكام الخاصة للجماعة، فلا يمكن اثبات سقوط
القراءة بالاقتداء ولزوم
9

المتابعة واغتفار زيادة الركن وسائر المختصات للجماعة
بأصالة البراءة، بل الأصول الجارية في هذه الأحكام مؤكدة لكون الصلاة فرادى، فان
الأصل في الشك في سقوط القراءة وضمان الامام لها أصالة الاشتغال وأصالة عدم ضمان
الامام، وفي الشك في لزوم المتابعة أصالة البراءة عنه، وفي الشك في اغتفار زيادة
الركن أصالة الاشتغال، وكل هذه الأصول موافق لكون الصلاة فرادى، هذا. وشئ من
الايرادين لا يتم، (اما الأول) فلأن الجماعة كسائر الموضوعات امر عرفي، والشارع
انما أضاف إلى ذلك الأمر العرفي مجرد الشرائط والقيود في صحتها، ومن الظاهر أن
الجماعة العرفية حاصلة والشك انما هو في أن الشارع هل اعتبر في الجماعة شرطا خاصا
وهو أن تكون في غير صلاة الطواف أولا؟ أو انه هل اعتبر في صلاة الطواف مانعا عن صحة
الجماعة أو لا؟ فأصالة عدم تحقق الجماعة لا أصل لها لتحققها بالوجدان، والشك انما
هو في الصحة من جهة الشك في شرطية شئ أو مانعية شئ لصحتها والأصل فيها البراءة.
(واما الثاني) فيتوجه على ظاهر الاستدلال وهو أصالة البراءة عن خصوصية الفرادى واما
على واقع الاستدلال فلا، فان المراد من أصالة البراءة عن خصوصية الفرادى انما هو
أصالة البراءة عن اعتبار خصوصية في الجماعة، والمفروض تحقق الجماعة العرفية فيترتب
عليها جميع آثار الجماعة. وتوهم أصالة الاشتغال في القراءة أو وجود دليل اجتهادي في
المقام وهو لا صلاة الا بفاتحة الكتاب (1) سيجئ الكلام فيه في تأسيس الأصل في
الجماعة، هذا تمام الكلام في الفرائض بالأصل. واما الفرائض بالعرض كالصلوات
المنذورة أو المستأجرة أو المأمور بها بأمر المولى أو من يجب اطاعته كالوالد بناء
على الوجوب فلا تكون الجماعة مشروعة فيها، اما بناء على عدم وجود اطلاق أو عموم
يثبت مشروعية الجماعة مطلقا أو في كل الصلوات فواضح، لعدم الدليل على المشروعية
حينئذ والأصل عدم المشروعية على النحو الذي ذكرناه. واما بناء على وجود الاطلاق أو
العموم كما اخترناه فلابد من التماس دليل على التقييد أو التخصيص، والدليل الروايات

(1) الوسائل: ج 4، باب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، حديث 1.
10

الدالة على أنه لا جماعة في نافلة (1) وانها بدعة (2) على ما سيأتي إن شاء الله. نعم
قد يقال بأن الحكم في هذه الروايات يدور مدار صفة النفلية وبعد النذر ينقلب الوصف
فيشمل العموم النوافل المنذورة، ولكن البحث في ذلك يختلف على حسب اختلاف المباني
فإنه على مبنى السيد الأستاذ المحقق ج مد ظله ج من أن المستفاد من أدلة النذر ليس
الا وجوب الوفاء بالنذر من دون سراية الحكم إلى المنذور، فنذر صلاة الليل مثلا واجب
الوفاء مع بقاء صلاة الليل على استحبابه لان لكل عنوان حكمه ولا يسري أحدهما إلى
متعلق الآخر لا يكون الجماعة مشروعة في النوافل المنذورة لبقائها على صفة النفلية
على هذا المبنى. وهنا اشكال في المبنى، وهو ان مفاد النذر جعل شئ لله على العهدة
فقوله لله علي ان أحج جعل الحج لله على عهدته، هذا هو مفاد انشاء النذر، وحينئذ
أدلة وجوب الوفاء لو كان متكفلا لايجاب الوفاء تأسيسا على عنوان الوفاء من دون نظر
إلى المنذور كما افاده ج مد ظله ج يبقى انشاء النذر بلا تنفيذ من الشارع، وهذا
لا يمكن. وبعبارة أخرى: ان الشارع المقدس اما ينفذ النذر الانشائي أولا، فعلى
التنفيذ يكون جعل الوجوب التكليفي التأسيسي للوفاء لغوا، فان العقل مستقل بلزوم
الاتيان بالعمل بعد تنفيذ الشارع جعل الشخص امرا على عهدته نظير استقلاله بلزوم
الامتثال في التكاليف، فأي فرق بين جعل الشارع الحج تأسيسا على المكلف كما هو مضمون
الآية المباركة (3) وجعله الحج امضاء عليه؟ فكما ان الحكم بلزوم الخروج عن العهدة
والامتثال في الأول عقلي فكذلك في

(1) الوسائل: ج 5، باب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، حديث 6.
(2) الوسائل: ج 5، باب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان، حديث 1.
(3) آل عمران: 97.
11

الثاني. واما على عدم التنفيذ فلا يحتمل وجوب الوفاء، أترى انه يجب الوفاء بنذر لم
يكن نافدا شرعا؟ فالجعل التأسيسي لوجوب الوفاء لا أقل من أنه خلاف الظاهر وخلاف
المتفاهم العقلائي، بل لعله مستحيل، فتأمل. فلم يبق الا الجعل الارشادي بامضاء
النذر وتنفيذه، ومعنى ذلك كون المنذور على عهدة الناذر شرعا، فلو نذر صلاة الليل
تكون صلاة الليل على عهدته شرعا، ولا ينافي ذلك تحقيق العصيان بترك صلاة الليل، فان
العقل مستقل بتحقيق العصيان في ترك الاتيان بما في عهدة المكلف امضاء، كما أنه
مستقل به في مورد التأسيس، فالعصيان عصيان لترك الاتيان بما في العهدة وهو المنذور،
لا عصيان لمخالفة الامر بالوفاء بالنذر، فإنه ارشادي امضائي لا يكون مولويا
تأسيسيا. هذا على مبنى الأستاذ ج مد ظله ج. واما على المبنى المشهور المنصور من كون
المنذور على العهدة شرعا فالشبهة أقوى، وهو ان الخارج من عموم استحباب الجماعة في
كل الصلوات هو النافلة الفعلية، والمفروض ان النذر موجب لانقلاب النفل إلى الفرض.
وقد أجاب المحقق الهمداني ج قدس سره ج عن الشبهة بوجهين: (أحدهما) ان ظهور الروايات
في إرادة النافلة من حيث هي الغير المنافية لكونها معروضة للوجوب من جهات خارجية.
(وثانيهما) وقوع التصريح بمناط المنع في الاخبار وان علته عدم المشروعية وكونها
بدعة دون مبدأ اشتقاقها أي وصف النفلية، فلا مفهوم للرواية ليدل على انتفاء الحكم
عند انتفاء وصف النفلية لعدم التعليق حينئذ على الوصف بل على العلة المذكورة. ويمكن
الايراد على الوجه الأول بأن ظاهر اخذ وصف في موضوع حكم ترتب الحكم على فعلية
12

الوصف، فقولك لا جماعة في النافلة ظاهر في نفي الجماعة في النافلة بالفعل، فكلما صدق
عليه النافلة فعلا لا يتحقق فيه الجماعة، والمفروض ان الصلاة المنذورة واجبة بالفعل
فكيف تكون نافلة بالفعل. ويمكن الايراد على الوجه الثاني بأنا لا نحتاج إلى المفهوم
في الروايات بل يكفينا عدم صدق الموضوع وهو النافلة، فلو لم تكن صلاة المنذورة
نافلة بالفعل يشملها عموم صحيحة زرارة والفضيل، ولا يشمله دليل المخصص لعدم تحقق
موضوعه. وبما ذكرنا يظهر ما في بعض التعبيرات من أن ظاهر الاخبار نفي الجماعة عن
النافلة بالأصل وإن كان واجبا بالعرض، فإنه ج مضافا إلى امكان منع الظهور لأن الظاهر
كما مر النفي عن النافلة بالفعل والمفروض انها ليست بنافلة بالفعل ج لا محصل
لهذا التنويع بناء على مبنى ترتب الحكم على المنذور ولا الوفاء بالنذر، فإنه كما أن
صلاة الليل نافلة بالأصل كذلك صلاة الليل المنذورة واجبة بالأصل، لان كلا الحكمين
مجعولان شرعا حسب الفرض، غاية الأمر ان الأول تأسيسي والثاني امضائي، وهذا لا يوجب
كون أحدهما أصليا والآخر عرضيا، هذا. ومع ذلك يمكن ان يقال إنه ليس معنى النفل
الاستحباب حتى ينافي الوجوب النفل فعلا، بل معنى النفل هو الزيادة، ولا ينافي
الايجاب مع صدق الزيادة الفعلية بل النذر في غير الواجبات ليس الا جعل امر زائد على
العهدة، والحاصل ان صلاة الليل لولا النذر امر زائد على الواجبات وبالنذر يجعلها
على عهدته، والشارع يمضي هذا الجعل فتصير واجبة، فعلى هذا، الشارع يوجب بسبب النذر
ذلك الأمر الزائد فهذا زائد واجب ولا ينافي الزيادة مع الوجوب بل هما متلائمان في
الفرض، فتصدق على صلاة الليل المنذورة النافلة الواجبة فيشملها دليل المخصص وهو لا
جماعة في النافلة. مع أن عدم مشروعية الجماعة في النافلة المنذورة أيضا لا خلاف فيه
بين من قال بعدم المشروعية في غيرها من سائر النوافل. وبما ذكرنا ظهر الحال في
13

النافلة جماعة الواجبة بالاستيجار أو بأمر المولى أو كل من يجب اطاعته من المخلوق
لصدق النالة على كلب منها وإن كان واجبا، وان الزيادة لا ينافي الوجوب بل المنافي
للوجوب هو الاستحباب. قوله قده: ولا يجوز في شئ من النوافل... الخ. أقول: يدل على
ذلك بعد الشهرة المحققة والاجماع المنقول عن غير واحد، عدة من الروايات (1) وإن كان
في سندها ضعف الا ان الشهرة جابرة لها، مع أن فيها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم
والفضيل وفيها قول رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الصلاة في شهر رمضان من
النافلة في جماعة بدعة (2). واختصاصها بشهر رمضان ونوافله لا يضر لعدم القول بالفصل
أولا، واحتمال حذف مبتدأ فيها ثانيا فيكون من النافلة بمنزلة العلة للحكم. ومما
يؤيد هذا الاحتمال أو احتمال السقط في الراوية نقل نفس القصة في خبر محمد بن
سليمان، وفي هذا الخبر نقل قول رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه العبارة: ان هذه
الصلاة نافلة ولن تجتمع للنافلة (3). وهنا عدة روايات صحاح يمكن ان يستدل بها
للجواز، كلها واردة مورد حكم آخر غير جواز الاجتماع في النافلة، فلا اطلاق لها من
هذه الجهة، ويكفي في ذلك وجود نافلة واحدة تجوز الجماعة فيها كصلاة الاستسقاء ج نعم
هنا صحيحة تدل على الجواز وهي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه
السلام قال: صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فاني أفعله (4).

(1) الوسائل: ج 5، باب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل: ج 5، باب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان، حديث 1.
(3) الوسائل: ج 5، باب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، حديث 6.
(4) الوسائل: ج 5، باب 20 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 13.
14

ولكنها معارضة لما سبق الواردة في مورد نوافل شهر رمضان، والترجيح لما سبق لكثرتها
وعمل المشهور عليها ومخالفتها للعامة، بل لو بنينا على عدم الترجيح والتساقط فالأصل
عدم المشروعية فلا تجوز الجماعة في شئ من النوافل. نعم، عن العلامة في التذكرة عن
أبي الصلاح انه روى استحباب الجماعة في صلاة الغدير، وعن جملة من الأصحاب القول
باستحباب الجماعة فيها، واستدل عليه بذلك، وما عن المقنعة من حكاية صلاة النبي صلى
الله عليه وآله يوم الغدير جماعة، والاستدلال بالروايتين انما يتم على القول
بالمسامحة في أدلة المستحبات وتطبيقها على المقام. ولكن صاحب الجواهر ج قدس سره ج
منع التعويل عليها في المقام، لأنها معارضة بالأدلة العامة الدالة على حرمة الجماعة
في النافلة. والمحقق الهمداني ج قدس سره ج اعترض عليه بأن الحرمة تشريعية لا ذاتية،
ومع اثبات الجواز بأدلة التسامح ينتفي موضوع التشريع، وذكر بعد ذلك كلاما طويلا
قابلا للمناقشة، والذي يخطر بالبال ان أدلة التسامح انما تثبت الاستحباب لعنوان
البالغ عليه الثواب الماتي به رجاء لذلك الثواب، وهذا في الطرف المقابل للتشريع،
فالتشريع لا ينافي ما ثبت الاستحباب فيه بدليل التسامح لأنه اسنادي والثاني رجائي،
ولكن مع ذلك لا يثبت استحباب الجماعة في صلاة الغدير لعدم دلالة أدلة التسامح على
حجية الخبر الضعيف ولا على اثبات مضمونه، بل ولا بجواز العمل بالخبر بما هو خبر، بل
الخبر منقح لموضوع أدلة التسامح وبما انه يصدق بذلك بلوغ الثواب، فلو عمل المكلف
15

بذلك العمل البالغ عليه الثواب رجاء لذلك الثواب فقد عمل امرا محبوبا ومستحبا، لا
ان الصلاة بما هي صلاة أو الجماعة أم مستحب، فلو أراد الاتيان بصلاة الغدير لابد له
من اتيانها فرادى، واما الجماعة فيها فليس استحبابها ثابتة بل الثابت استحباب العمل
البالغ عليه الثواب بما هو ذلك. هذا، لو لم نقل بعدم الاستحباب حتى بهذا العنوان
والا فالأمر أوضح، وأيضا لو لم نقل باستفادة الحرمة الذاتية من أدلة النهي عن
الجماعة في النافلة، والا فلا مجال لأدلة التسامح أصلا، فان موضوعها بلوغ الثواب
المنافي لثبوت العقاب بحجة معتبرة بنظر العرف وإن كان بالدقة يصدق بلوغ الثواب، لكن
العرف يفهم من ذلك صورة لم تقم حجة معتبرة على العقاب فيها. فلا موضوع لما توهم من
التعارض بين أدلة التسامح وأدلة الناهية، فلابد من ترجيح الأدلة الناهية أو التساقط
والرجوع إلى أصالة عدم المشروعية.
16

تنبيه
استثني من الحكم المذكور في النافلة عدة موارد كصلاة الاستسقاء والعيدين، عند عدم
اجتماع الشرائط وصلاة المعادة، والبحث في كل منها موكول إلى محله، ويأتي الكلام في
بعض منها. قوله قده: وتدرك الصلاة جماعة بادراك الركوع وبادراك الامام راكعا.
أقول: وجهه عدة من الروايات وفيها الصحاح كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال: إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت وركعت قبل ان يرفع رأسه فقد أدركت
الركعة وان رفع الامام رأسه قبل ان تركع فقد فاتتك الركعة (1). وبإزاء هذه الروايات
عدة من الروايات كروايات محمد بن مسلم التي فيها: إذا أدركت التكبيرة قبل ان يركع
الامام فقد أدركت الصلاة (2). وبعض

(1) الوسائل: ج 5، باب 45 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
(2) الوسائل: ج 5، باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
17

منها بلسان: لا تدخل معهم في تلك الركعة (1). أو: لا تعتد بالركعة (2)... الخ في
مورد عدم درك تكبيرة الركوع. وقد يقال في الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على
الكراهة، ونوقش في هذا الجمع بأنه لا معنى للحمل على الكراهة، فان الكراهة الذاتية
لا يمكن في العبادة، والكراهة بمعنى أقل الثواب لا يمكن في الجماعة التي لا تشرع الا
إذا كانت أكثر ثوابا من الفرادى، وأقل ثوابا من الجماعة الأخرى بعيد عن مفاد
الروايات، ولذلك يعامل مع الطائفتين معاملة المعارضة، والترجيح للأولى لموافقتها مع
المشهور. ولكن يمكن الجواب عن المناقشة بأن الجماعة في تمام الصلاة وان كانت أكثر
ثوابا من الفرادى الا أن مشروعية الجماعة في كل ركعة غير مستلزمة لكن هذه الركعة
أكثر ثوابا من الركعة المأتي بها فرادى، ولا نرى أي مانع من تجويز الشارع جماعة
تكون الركعة الأولى منها أقل ثوابا من الفرادى وسائر ركعاتها أكثر ثوابا منها، فلو
اقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هذا الحمل نلتزم به، فالصلاة المشتملة على ثلاث
ركعات جماعة وركعة فرادى بعدها أفضل من الصلاة المشتملة على أربع ركعات جماعة بحيث
لم يدرك فيها تكبير الركوع في الركعة الأولى. نعم، يبقى الاشكال فيما إذا لم يدرك
المأموم الا الركعة الأخيرة من الامام ولم يدرك تكبير ركوعها. ولكن يمكن الالتزام
بما مر والقول بأنه لا مانع من جواز الاقتداء في هذه الركعة وكونها أقل ثوابا من
الفرادى، ولا دليل على الملازمة بين مشروعية الجماعة وأكثرية الثواب عن الفرادى في
ابعاض الصلاة. وكيف كان فالعمل على طبق المشهور، وتوهم اختصاص الصحاح بما

(1) الوسائل: ج 5، باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2 و 4.
(2) الوسائل: ج 5، باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3
18

إذا لم يكن المأموم حاضرا قبل ركوع الامام، وادراكه الامام راكعا مدفوع بان ظاهر
الدرك في الروايات وإن كان ذلك بقرينة التفريع في فكبرت الا انه لا قائل بالفرق
والفصل، مع أنه يمكن استفادة الاطلاق من بعض الروايات كقوله عليه السلام في حديث
محمد بن قيس: ان أول صلاة أحدكم الركوع (1). وضعف السند منجبر بعمل المشهور. وهنا
رواية الاحتجاج التي نقلت في عدم اعتبار درك التكبيرة بل إذا لحق مع الامام من
تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع (2). وضعفها
منجبر بالعمل، وهذه الرواية تؤيد وتؤكد العمل بالصحاح ورفع اليد عما يعارضها أو
حملها على الكراهة، وبما انها في مقام بيان عدم اعتبار سماع التكبيرة لا في مقام
اعتبار سماع التسبيحة ويحتمل ان ذكر التسبيحة في الرواية من جهة احراز درك المأموم
ركوع الامام لا يمكن الاستدلال بالرواية لاعتبار درك التسبيحة. وينبغي التنبيه على
أمور: الأول: انه لا يبعد كفاية درك الامام راكعا ولو بعد شروعه في القيام ما لم يصل
إلى حد لا يصدق عليه الركوع لصدق ركوع المأموم قبل رفع الامام رأسه وصدق ركوع
المأموم والامام راكع كما في الروايات (3) ولذا لو شرع في الرفع ثم استقر قليلا يجوز
الالتحاق به قطعا. الثاني: لو كبر وركع ثم شك في أن الامام هل كان راكعا أو رافعا
رأسه. فلو كان الشك بعد الفراغ لا يعتني به، ولو كان قبل ذلك فذكر جماعة منهم المحقق
الهمداني - قدس سره - انه لا يمكن احراز ادراك المأموم الامام راكعا

(1) الوسائل: ج 5، باب 45 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 6.
(2) الاحتجاج: ج 2، ص 488، ط بيروت.
(3) الوسائل: ج 5، باب 45، من أبواب صلاة الجماعة.
19

بالأصول، بل الأصل عدم الادراك. وقال بعض بمعارضة أصالة عدم رفع الامام رأسه عن
الركوع مع أصالة عدم لحوق المأموم بركوع الامام. وفصل بعض بأنه إن كان الاقتران من
الاعتباريات المحضة التي ليس لها خارج أصلا بل إنه منتزع من ركوع المأموم في زمان
ركوع الامام فيمكن اجراء الأصول على التفصيل بين مجهولي التاريخ والعلم بتاريخ
أحدهما دون الآخر، وإن كان للاقتران نحو خارجية لا يمكن احرازه بالاستصحاب، هذا. وكل
ذلك لا يرتبط بما اخذ موضوعا في الروايات، فان الادراك الواقع في الرواية هو الادراك
قبل تكبير المأموم لا درك الركوع بعد التكبير والموضوع المستفاد من بعض الروايات:
كبر ثم ركع قبل ان يرفع الامام رأسه (1). ومن المعلوم عدم اعتبار عنوان القبلية
موضوعا بحيث يلزم احراز ان ركوع المأموم قبل رفع رأس الامام، ولم يقل بذلك أحد، بل
هذا العنوان اخذ للإشارة إلى بقاء الامام في الركوع حال ركوع المأموم وهذا يجري فيه
الأصول. نعم يمكن ان يقال إن العنوان مشير لعنوان الدرك، ولكن لا يخفى انه خلاف
المتفاهم العرفي من جملة قبل رفع رأس الامام بل بعد ما علمنا من عدم دخل هذا
العنوان في الموضوعية بل هذا عنوان مشير يفهم العرف ما ذكرنا، بل ليس كلمة قبل
مذكورا في بعض الروايات كرواية زيد الشحام انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
انتهى في الامام وهو راكع، قال: إذا كبر واقام صلبه ثم ركع فقد أدرك (2). ورواية
معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا جاء الرجل مبادرا
والامام راكعا أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع (3).

(1) الوسائل. ج 5، باب 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 45 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3 و 4.
(3) الوسائل: ج 5 باب 45 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3 و 4.
20

فعلى هذه الروايات، الموضوع كون الامام راكعا في حال ركوع المأموم، وهذا قابل لأن
يحرز بالأصل، فالأصول تقتضي بقاء الامام راكعا حال ركوع المأموم في مورد الابتلاء
نوعا وهو مورد العلم بتاريخ ركوع المأموم والجهل بتاريخ رفع رأس الامام، وسائر
الصور خارج عن محل ابتلاء النوع، مع أنه عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ
بالنسبة إلى الحادث الأخر ليس مسلما. نعم، يمكن ان يستدل بدليل اجتهادي للزوم احراز
بقاء الامام في الركوع احرازا علميا أو بامارة، وهو رواية الاحتجاج لاعتبار اللحوق
بتسبيحة في الاعتداد بالركعة واللحوق بالتسبيحة وان لم يعتبر شرطا في درك الركعة،
الا ان اعتبارها في الراوية من جهة لزوم احراز درك الركوع يقينا أو بامارة، والا
فلو أمكن احراز ذلك بالأصول لم يكن وجه لاعتبار التسبيحة بل ذكرها كان من اللغو،
هذا. ولكن سند الرواية ضعيف ولم يعلم استناد المشهور إلى هذه الرواية حتى يجبر
ضعفها بالعمل، مع أن ظاهرها اعتبار درك التسبيحة في الاعتداد بالركعة، ولم يعمل
بهذا الظاهر قطعا، وإرادة غير هذا الظاهر بحيث تحمل الرواية عليها موقوفة على جبر
سندها، وبعبارة أوضح ان ظاهرها غير معمول به، فأي دليل يدلنا على أن المشهور عملوا
بهذه الرواية حتى نصرفها عن ظاهرها، ونحملها على أن ذكر التسبيحة لاعتبار احراز
الركعة، مع أنه لو علمنا باستناد المشهور إليها فمع ذلك لا يمكننا الجزم بما ذكر من
الحمل لعدم قيام قرينة عليه، بل على هذا لابد من رد علمها إلى أهلها. ثم إنه على ما
ذكرنا من امكان احراز موضوع جاز الاقتداء بالأصل لا فرق بين كون الشك قبل الشروع
وبعده، وإذا انكشف الخلاف تبطل الجماعة، ولكن صحت صلاته لقاعدة لا تعاد. واما على
21

مبنى لزوم احراز الدرك فلو شك في الدرك وهو في الركوع أو علم بعدمه في تلك الحالة
فالجماعة محكومة بالبطلان لأصالة عدم الدرك وصلاته صحيحة لقاعدة لا تعاد. واما لو
شك قبل الشروع فهل يجوز له الدخول في الصلاة رجاء لادراك الركوع ويترك القراءة لذلك
أولا؟ ولو ركع كذلك وبقي في الشك أو علم بعدم الادراك فهل يحكم بصحة صلاته أولا؟
وان حكم ببطلان جماعته محل تأمل، وإن كان حسب القاعدة عدم جواز الركوع بلا قراءة
وبطلان الصلاة في الفرضين لعدم شمول لا تعاد لمورد ترك الجزء بلا عذر. وقد ادعى
بعض السادة - قدس سره - ظهور النصوص وقيام السيرة على جواز الاقتداء في مورد الشك،
ولذا يحكم بصحة الصلاة في مورد كشف الخلاف لان ترك القراءة عذري. ولكن عهدة الدعوى
على مدعيها ولم نستفد من النصوص ذلك، وقيام السيرة في مورد الشك واحراز انها متصلة
إلى زمان المعصوم عليه السلام ولم يردع عنها ممنوع، فلو كان الموضوع لجواز الاقتداء
درك الركوع لا يجوز الاقتداء والالتحاق الا إذا علم بأنه يدرك الركوع. ولو اقتدى ولم
يدرك أو بقي في أن شكه عصي وبطلت صلاته فضلا عن جماعته. نعم، لو اقتدى برجاء درك
الركوع وركع وانكشف الادراك يحكم بصحة جماعته وصلاته وإن كان متجريا بترك القراءة،
وتوهم لزوم الجزم في النية ممنوع بأنه لم يظهر من الادل الا لزوم التكبير بنية
الجماعة وادراك الركوع، ورجاء الادراك كاف في التكبير بنية الجماعة، والمفروض انه
أدرك الركوع واقعا فلا موجب لبطلان الجماعة، واعتبار الجزم زائدا على ما ذكر ممنوع.
الثالث: ما مر من الروايات تدل على أن حد ادراك الركعة في الجماعة هو ادراك ركوع
الامام قبل الشروع في رفع رأسه لا انه لابد من ادراك المأموم ركوع الامام، والا لم
22

تحسب له ركعة، فلو دخل في الجماعة من أول الركعة أو أثنائها واتفق انه تأخر عن
الامام فلا تدل هذه الروايات على البطلان فيها، فاستصحاب بقاء القدوة لا مانع منه،
مع أن صحيح ابن الحجاج الوارد في صلاة الجمعة (1) يدل على ذلك، ويدل عليه غيره (2)
أيضا. ومورد الرواية وإن كان هو الضرورة الا انها تدل على الانعقاد فيستصحب، مضافا
إلى أنه يمكن القاء خصوصية الضرورة عن المورد بدعوى ان العرف يفهم من ذلك عدم
اشتراط درك الركوع في صحة الجماعة مطلقا لا في خصوص مورد الضرورة، وخصوصية الضرورة
انما هي في الأحكام التكليفية لا الوضعية. الرابع: ما ذكر انما هو في ابتداء
الجماعة لا بالنسبة إلى الركعات الاخر، فان الظاهر من الروايات (3) بل صريح بعضها ان
شروع الائتمام لا يتحقق الا بدرك الركوع إذا لم يقتد بالامام حتى ركع ولا يستفاد
منها، ان بقاء القدوة والائتمام مشروط بدرك ركوع سائر الركعات، بل لا يستفاد منها
شرطية درك شئ من الركعة في بقاء القدوة، والأصل بقاء القدوة ما لم يكن التأخير
بحيث لا يصدق الائتمام على ذلك عرفا. وبالجملة لو فرضنا ان المأموم تأخر عن الامام
ولم يدرك ركوع الركعة الثانية - مثلا - فلا يضر بصحة جماعته، بل لو كان التأخير
بمقدار لم يدرك ركعة من ركعات صلاة الامام لا ينافيه بقاء القدوة، وما يرى في عبارات
القوم من الحكم ببطلان الجماعة حينئذ لعدم ادراك الركعة مبني على منافاة القدوة مع
عدم درك الركعة، وهذا ممنوع، فالمأموم حينئذ يأتي بما تأخر عن الامام ويلحق به في
سائر الركعات والافعال، فلو تأخر عن الامام في الركعة الثانية يأتي بها ويقرأ فيها
لعدم درك الامام فيها حتى يكون الامام ضامنا لقراءاتها ويلحق بالامام، هذا على حسب
القاعدة، ولكن حكي عن الأصحاب انه يظهر من كلماتهم في صلاة الجمعة المفروغية عن عدم
الفرق بين الركعة الأولى والثانية، فلو تم اجماع والا فالقاعدة تقتضي ما ذكرنا،
وطريق

(1) الوسائل: ج 5، باب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5، باب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، حديث 3 و 4.
(3) الوسائل، ج 5، باب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
23

الاحتياط معلوم. الخامس: ما ذكرنا من اعتبار درك ركوع الامام انما هو بالنسبة إلى
الركعة لا أصل الجمعة، فلو كبر ولم يدرك ركوع هذه الركعة لم يدرك الركعة ولكن انعقد
صلاته جماعة بالتكبيرة فمع عدم عروض مبطل للصلاة أو للجماعة كركوعه بعد التكبير أو
تأخيره عن الامام تأخيرا فاحشا مخلا بصدق الائتمام تصح صلاته جماعة بانتظاره حتى
يقوم الامام للركعة المتأخرة فيتابعه حينئذ ويأتي بوظيفته. والحاصل: ان في هذه
المسألة وهي انه لو كبر المأموم فرفع الامام رأسه قبل ان يركع صحت الجامعة على
القاعدة، ولا دليل على عدم انعقادها أصلا بل الدليل قائم على عدم ادراك الركعة، فلو
انتظر المأموم حتى أتى الامام بالسجدتين وسائر وظيفته في هذه الركعة يتابعه بعد
قيامه في الركعة المتأخرة وصحت جماعته، وحكم قصد انفراد المأموم حكم سائر الموارد،
ويجئ الكلام فيه إن شاء الله. نعم لو كان تأخيره عن الامام فاحشا، مخلا بصدق
الائتمام تكون صلاته فرادى بانقلاب جماعته إلى فراداى لا لكون صلاته فراداى من أول الأمر
كما توهم من جهة عدم درك المأموم صلاة الامام ابدا، وذلك لأن المفروض وقوع
التكبير بقصد الجماعة وهي من اجزاء الصلاة ولا دليل على عدم وقوعها جماعة، فالتوهم
باطل. وقد ظهر ان ما ذكر من التخيير بين قصد الانفراد والانتظار مبني على القول
بمشروعية قصد الانفراد، وبما ذكرنا ظهر ان المسألة غير محتاجة إلى النصوص حتى يتمسك
لها بنصوص بعضها أجنبية عنها فلاحظ كلام بعض السادة - قدس سره - في شرح العروة. نعم
هذا مبني على وجود اطلاق يمكن التمسك به لاثبات مشروعية الجماعة في مورد الشك في
شرطية شئ لها أو مانعيته لها، كما أنه ليس ببعيد على ما يأتي إن شاء الله، والا
24

فأصالة عدم المشروعية على النحو الذي مر بيانها في مسألة مشروعية الجماعة في الطواف
تثبت عدم انعقاد الجامعة الا في المورد المتيقن انعقادها، ففي المسألة نحتاج إلى
ملاحظة النصوص، ويكفي فيها موثق عمار، عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين،
قال عليه السلام: يفتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم (1). وهذه الرواية تدلنا
على عدم لزوم صبر المأموم لوصول الامام إلى القيام حتى يكبر بل يصح الاقتداء ولو في
غير حالة القيام والركوع لكن على المأموم الصبر حتى يصل الامام إلى القيام ليتابعه،
فبهذه الموثقة يعلم انعقاد الجماعة، فالانفراد بقصد الانفراد مبني على ما يأتي من
المسألة الكلية. وقد ظهر انعقاد الجماعة بذلك سواء قلنا بالقاعدة أو بالرواية، فما
في كلام بعض السادة من أنه لا ينبغي الاشكال في جواز الانفراد هنا، ولو قيل بعدم
جوازه اختيارا لعدم انعقاد الجماعة فيكون منفردا من أول الأمر لا يمكن المساعدة عليه
بوجه، كما أن ما جعله من الروايات معارضا للموثقة لا يصلح للمعارضة لعدم دلالة مثل
إذا سبقك الامام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها (2) على أن
السجدة بعد التكبيرة، ولا دلالة للنهي عن الاعتداد على أنه بصدد اغتفار الركن
الزائد فيكون بعد التكبير لاحتمال ان النهي انما هو عن احتساب ذلك من الصلاة، وهذا
ان لم يكن دالا على لوم الاتيان بالتكبيرة بعد ذلك لا يدل على تقديم التكبيرة، مع أنه
لو تمت المعارضة فلا تضر بما نحن بصدده وهو جواز الاقتداء في هذه الحالة كما لا
يخفى، وقال - قدس سره - في الجمع بينهما بالحمل على التخيير، مع أن الأولى تنهى عن
اللحوق بالامام والثانية تأمر به. وليس هنا امر بشيئين حتى يجمع بينهما

(1) الوسائل: ج 5، من باب 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث 4.
(2) الوسائل: ج 5، باب 49 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
25

بالحمل على الواجب التخييري، مع أن مورد الأولى اتمام الامام الركعتين، ومورد
الثانية ان المأموم يمكنه الوصول إلى سجدة الامام فلا معارضة لاختلاف موردهما،
والصحيح ما ذكرنا من أن هذه الروايات لو لم تدل على لزوم الاتيان بالتكبير بعد ذلك
لا تدل على تقديمه فلا تعارض الموثقة الدالة على جواز الاقتداء، ولو كبر لا يقعد حتى
يقوم. قوله قده: ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة. أقول: صار
بناؤهم على تحقيق الأصل في المسألة قبل ملاحظة الرواية الواردة في الباب، وحيث إن
تحقيق ذلك نافع جدا في هذه المسألة وكثير من مسائل صلاة الجماعة فنحن أيضا نقتفي
اثرهم ونقول: قد يقال إنه لا اطلاق في أدلة تشريع الجماعة في مقام البيان حتى نتمسك
به في الموارد المشكوكة، والامر كذلك، فان الأدلة المرغبة لصلاة الجماعة كلها واردة
في طول التشريع وبيان تواب الجماعة، وما ورد في مقام التشريع كصحيحة زرارة والفضيل
لا اطلاق لها بالنسبة إلى حالات الصلاة بل ناظرة إلى عموم أنواع الصلوات، فليس لنا
اطلاق في الأدلة. ولكن هذا انما يصير مانعا من التمسك بالاطلاق اللفظي في هذه
الروايات، واما الاطلاق المقامي الذي لا يتوقف على وجود لفظ أصلا فلا بأس بجريانه
في المقام. بيان ذلك: ان المجعولات الشرعية كالصلاة المركبة من الاجزاء المقيدة
بقيود لا يمكن معرفتها الا ببيان الشارع، وحيث انا نعلم بأن الشارع المقدس في مقام
بيان احكامه وتشريعاته ولو ببيانات منفصلة بعضها عن بعض فلو فحصنا عن وجود جزء ما
أو قيد ما لماهية مخترعة ولم نظفر عليه يمكننا جريان أصالة الاطلاق في مقام
الاثبات، ونستكشف منه الاطلاق في مقام الثبوت بعين جريان أصالة الاطلاق في
26

الاطلاقات اللفظية. وبعبارة أخرى: ان مقدمات جري الأصل في الاطلاقات اللفظية كلها
موجودة في الاطلاق المقامي فإنه بعد ما علم من الشارع انه في مقام بيان تشريعاته
ومنها الاجزاء والشرائط التي اعتبرها في الصلاة مثلا فلو فحصنا عن مظان بيانها ولم
نظفر عليه نقول بان الاجزاء والشرائط الكذائية معتبرة في الصلاة لوجود البيان فيها،
والجزء أو الشرط المشكوك لم يبين في دليل وحيث إن الشارع في مقام بيان جميع
تشريعاته، فلو كان ذلك المشكوك معتبرا في الواجب لبينها وحيث ليس فليس، وهذا هو ما
عبر عنه في الكلمات بأنه لو كان لبان، أو عدم الدليل دليل العدم، ولا يخفى انه ليس
دليلا مفيدا للقطع بعدم دخالة المشكوك في الواجب الا في بعض الموارد وهي موارد عموم
البلوى لكنه حجة عقلائية بعين ملاك حجية الاطلاقات اللفظية ونسميه بالاطلاق
المقامي، ففي ما نحن فيه حيث انا نعلم بان القيود المعتبرة في الجماعة تشريعها بيد
الشارع وانه في مقام بيان جميع تشريعاته، فلو فحصنا عدم اعتبار ذلك فيها، فإنه لو
كان لبين بلا فرق بين ما تم به البلوى من القيود وغيره. ومن هنا ظهر ان تفصيل بعض
المشايخ - قدس سره - بين ما تعم به البلوى وغيره لا يتم، ولا يتم أيضا تفصيله بين قيد
لم يبين في دليل قطعا وبين قيد يحتمل بيانه في دليل معلوم ولم نتمكن استظهاره منه
كاعتبار عدم الحائل المستفاد من صحيحة زرارة، بناء على أنه يستظهر منها اعتباره في
الجملة، واما مطلقا فلا يمكن استظهاره منها ولكن يحتمل ان الشارع بين الاعتبار
27

مطلقا بهذه الصحيحة، وبعبارة أخرى بتقريب منا فرق بين الاطلاق اللفظي والمقامي من
هذه الجهة وهي انه يتمسك بالاطلاق اللفظي حتى يعلم البيان ولا يتمسك بالاطلاق
المقامي الا إذا علم عدم البيان. ولكن لا يخفى وجه عدم تمامية ذلك فإنه كما نعلم بان
الشارع في مقام بيان جميع تشريعاته نعلم بأنه لا يبين ذلك ببيان مجمل ولا يحتمل ان
الشارع المقدس الذي يريد ما شرعه يكتفي في بيانه بالمجملات بل المجمل ليس ببيان،
فلا فرق بين الاطلاقين من هذه الجهة لا يرفع اليد عن الاطلاق لفظيا أو مقاميا الا
إذا بين التقييد ببيان ظاهر. وان شئت قلت: ان الاطلاق حجة ما لم يكن حجة على
التقييد بلا فرق بين اللفظي والمقامي. فتحصل من ذلك أنه وان لا يمكن التمسك بإطلاق
لفظي في صلاة الجماعة لرفع الشك في اعتبار قيد ما فيها الا ان الاطلاق المقامي رافع
للشك ومثبت لعدم اعتباره فيها، فعلى هذا لا تصل النوبة إلى الأصول العملية لان
الاطلاق ولو مقاميا من الأدلة الاجتهادية الرافعة لشك فهو حاكم على جميع الأصول
العملية، ولكن حيث إن الأصحاب ذكروا الأصول العملية وتمسكوا بها في المقام نتعرض
لها أيضا، ونقول: قد يقال: ان الأصل عدم مشروعية الجماعة في مورد الشك وقد بينا
سابقا ما يكون وجها صحيحا لهذا الأصل في صلاة الطواف جماعة، ورد بان أصالة عدم
اعتبار المشكوك حاكمة على ذلك. وأجاب بعض السادة - قدس سره - عن هذا الرد بأن أصالة
عدم الشرطية لا تثبت انعقاد الجماعة الا مثبتا، فان القدوة والجماعة محصل من الفعل
الخارجي الواجد لجميع الشرائط نظير ما يقال في مورد الشك في اعتبار شئ في الوضوء
على القول بأن الشرط في الصلاة الطهارة المسببة عن الوضوء بجميع شرائطه. وقال صاحب
الجواهر - قدس سره -: ان أصالة عدم الشرطية معارضة لأصالة عدم تحقق القدوة. وشئ من
28

الجوابين لا يتم، فإنه على القول بان الجماعة امر عرفي والشارع انما يضيف إليها جزء
أو شرطا لا ان حقيقتها امر مخترع شرعي فالمفروض ان الجماعة العرفية حاصلة والشك
انما هو في اعتبار الشارع امرا زائدا على ما يعتبره العرف فيها، فأصالة عدم تحقق
الجماعة لا أصل لها حتى تعارض أصالة عدم الشرطية، ولا تكن من الآثار العقلية
لأصالة عدم الشرطية حتى تكون مثبتا، واما على القول بان الجماعة حقيقة شرعية فكون
الشك حينئذ من الشك في المحصل لا محصل له، مع أن المحصل الشرعي وظيفة بيانه على
الشارع، فمع عدم البيان تجري البراءة في ما شك في اعتباره في المحصل على ما هو
التحقيق في المسألة، فلا فرق في جريان أصالة عدم الشرطية بين كون الشك في المحصل
وبين غيره، ولا يخفى انا لا نريد من أصالة عدم الشرطية الاستصحاب لعدم جريانه، فان
المجعول اما مشروط من الأول أو غير مشروط من الأول، بل المراد منها أصالة البراءة
عقلا - على القول به - وشرعا. واما أصالة عدم انعقاد الجماعة، فلو كان المراد منها
الاستصحاب لا يجري لأن عدم الجماعة بعد الاقتداء انما هو في الموضوع الموجود،
والاشكال الوارد على الاستصحاب في الاعدام الأزلية وارد هنا أيضا وهو عدم اتحاد
القضية المتيقنة والمشكوكة. ولو كان المراد منها قاعدة الاشتغال فقد مر ان المورد
مجرى أصالة البراءة ولو كان من قبيل الشك في المحصل. وقد أجاب بعض المشايخ - قدس
سره - عن الرد المذكور بأن أصالة عدم الشرطية أصل عملي ولا مجال لجريانها مع وجود
دليل اجتهادي في البين، وهنا دليل اجتهادي أي لا صلاة الا بفاتحة الكتاب (1) وهو
مثبت للشرطية بالدلالة الالتزامية. وتقريب ذلك ان هذا العموم قد خصص بالجماعة
الواقعية، ومع الشك في الشرطية نشك في تحقق الجماعة والشبهة مفهومية، والمرجع فيها
العموم فلابد من قراءة المأموم الفاتحة في صلاته، وهذا معنى عدم

(1) الوسائل: ج 4، باب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، حديث 1.
29

ترتيب اثار الجماعة الا مع احراز جميع الشرائط المتيقنة والمشكوكة، ثم قال: انه
يمكن ان يقال بان في صلاة الجماعة عهدة القراءة على الامام فليس تخصيص في العام
المذكور، فان في الجماعة أيضا فاتحة الكتاب، غاية الأمر الامام يأتي بها فلا يكون
هنا عام مخصص بتخصيص مجمل بالشبهة المفهومية حتى يرجع اليه، فلا مانع من جريان
أصالة عدم الشرطية وفصل حينئذ بين البراءة الشرعية والعقلية، فراجع كلامه أعلى الله
مقامه. وما افاده أخيرا من عدم التخصيص متين جدا فان أدلة ضمان الامام القراءة
حاكمة على عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب بالحكومة التفسيرية لا انها مخصصة لها،
فعليه تجري أصالة البراءة بلا مانع، مضافا إلى أنه على هذا المبنى الشك في صحة
الجماعة مستلزم للشك في واجدية الصلاة للقراءة وهذا من الشبهة المصداقية لا
المفهومية، واما التفصيل بين البراءة الشرعية والعقلية على القول بها قد مر عدم
تماميته، فان اللازم على المكلف تحصيل الحجة والمؤمن، وتكفي في ذلك البراءة العقلية
كما تكفي فيه البراءة الشرعية. هذا - مع انا لو بنينا على التخصيص - فقد مر ان
الشبهة في المخصص ترتفع بالاطلاق المقامي، ومع التنزل فلو قلنا بان الجماعة حقيقة
عرفية أضاف إليها الشارع أمورا اعتبارها في مطلوبه فلا شبهة في مفهوم الجماعة
فنتمسك باطلاق دليل المخصص حتى يدل على اعتبار ذلك الامر دليل، الا ان يقال بأن
القرينة العقلية قائمة على أن المخصص الجماعة الصحيحة وعليه تتعلق الشبهة بالمفهوم،
كما إذا قلنا بأن الجماعة حقيقة مخترعة شرعية، وحينئذ لابد من التمسك بالعموم حتى
يثبت التخصيص.
30

ويرد عليه انه ولو قلنا بالتخصيص بالصحيح لكن المخصص واقع الصحيح لا مفهومه فذات
الجماعة المنطبق عليه مفهوم الصحيح خارجة عن الدليل، وحينئذ يمكن احراز المخصص
بالأصل بلا محذور، هذا. وهنا اشكال اخر غير مبني على الالتزام بالتخصيص وهو ان
اشتغال المأموم بالقراءة مسلم غاية الأمر قراءة الإمام مسقطة له، فإذا شك في تحقق
الجماعة قاعدة الاشتغال تقتضي الاتيان بالقراءة وهكذا الكلام في الركن الزائد
المغتفر في الجماعة، وأصالة البراءة عن وجوب المتابعة أيضا جارية، فالأصول الجارية
في خصوصيات المقام كلها موافقة لكون الصلاة فرادى، وقد مر هذا الاشكال في مسألة
الجماعة في صلاة الطواف وقلنا في دفعه بان أصالة عدم الشرطية في الجزء المشكوك أو
القيد المشكوك حاكمة على جميع هذه الأصول لأنها جارية في موضوعها بلا فرق بين ما
إذا قلنا بان الجماعة امر عرفي أو قلنا بأنها امر شرعي، اما على الأول فالمفروض
تحقق الجماعة والقيد المشكوك مندفع بالأصل فيحرز موضوع دليل السقوط، واما على
الثاني فلأن شرعية الجماعة لا تنافي اجراء الأصول في ورد الشك بلا فرق بين كون الشك
في المحصل أو المحصل، فإذا قال الشارع بأن المام ضامن للقراءة في الجماعة
والمفروض ان عدة بيان الجماعة على الشارع - فإذا جرى الأصل في قيد ما فيها واحرز
سائر قيودها المعتبرة تترتب على ذلك اثار الجماعة والا لزمت المؤاخذة بلا بيان.
والحاصل: ان الأصول الجارية في المسقط الموجبة للاكتفاء به كافية للحكم بالسقوط
وحاكمة على أصالة عدم السقوط. وكيف كان يكفينا الاطلاق المقامي مع أنه لا تخصيص في
المقام، ومع قطع النظر عن الاطلاق المقامي أصالة البراءة شرعا وعقلا - على القول
بها - بلا مانع، هذا بيان الأصل في المسألة. واما أصل المسألة فالأصل فيها صحيحة
31

زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك
الامام لهم بامام، واي صف كان أهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين الصف الذي
يتقدمهم مالا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة (1) فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم
بصلاة الا من كان بحيال الباب، قال عليه السلام: وهذه المقاصير لم يكن في زمن أحد
من الناس وانما أحدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة -
الحديث (2). والكلام فيها يقع من جهات: الأولى: ان صاحب الوسائل ارتكب التقطيع في
الرواية ولذا ذكر بدل جملة فإن كان بينهم ستر أو جدار ان صلى قوم بينهم وبين
الامام سترة أو جدار ولا يخفى ما في هذا التبديل من تغيير المعنى، والظاهر أن هذا
التغيير من جهة التقطيع والا فليس في نسخ التهذيب الا الجملة الأولى. الثانية: هل
المراد من لا يتخطى ما يكون مانعا عن التخطي والاستطراق كالجدار ونحوه؟ أو المراد
منه ما لا يمكن جعله خطوة من جهة المسافة أو الأعم منهما؟ والظاهر هو الثاني للتبادر
من هذه الجملة في المورد وقرينية كلمة قدر في الجلمة الثانية على ذلك، هذا. وما
يقال من أن الأول خلاف الظاهر والثالث موجب لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد أي
المشي والبعد لا يتم، لان الثالث لا يستلزم ذلك لوجود الجامع وهو عدم امكان التخصي.
الثالثة: انه وان حكي عن بعض نسخ الوافي وبدل ف في (فإن كان بينهم) الا ان
المذكور في الوسائل وسائر مظان الراوية هو ف وهذا يناسب التفريع، ولذا ذكر سيدنا
الأستاذ في الحاشية: انما المعتبر في الجماعة عدم الفصل بين الإمام والمأموم بما
لا يتخطى من سترة أو جدار ونحوهما وكذا الحال بين كل صف وسابقه. انتهى. فإن كان
مراده من ما لا يتخطى ما

(1) الوسائل: ج 5، باب 62 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
(2) الوسائل: باب ج 5، باب 59 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
32

لا يمكن الاستطراق منه فاللازم القول بمانعية الشباك المانع من ذلك مع أنه لا يلتزم
به. وقد مر ان هذا خلاف المتبادر من التعبير وخلاف قرينية قدر في الجملة الثانية،
وإن كان مراده من ذلك ما يكون بعده أزيد من الخطوة فاللازم منه عدم مانعية الستر
والجدار إذا لم يكونا كذلك، والظاهر أنه خلاف الاجماع، ولا أظن أنه أيضا يلتم به،
ومن هذا ظهر ان التفريع غير مناسب في الرواية، وكثيرا ما يؤتى بف ولا يراد منها
التفريع، ولا بأس بالالتزام بان هذه القسمة من الرواية في مقام بيان مانع اخر مستقل
في المانعية غير المانع المذكور في القسمة الأولى كما استفاده الفقهاء من الراوية،
وسنذكر امكان ردهما إلى مانع واحد وتناسب التفريع. الرابعة: لا اشكال في عدم خصوصية
السترة والجدار في الرواية وانهما من مصاديق المانع، فهل المانع المنطبق عليهما
الحائل أو الساتر؟ فما يظهر من المتن وعبارات كثير من الأصحاب الثاني، فإنهم قالوا
في بيان الشرط: ان لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع المشاهدة وكذا بين بعض
المأمومين مع الاخر.. الخ. لكن ذكر بعض السادة - قدس سره - في المقام ان اطلاق لفظ
الجدار الشامل للجدار المخرم وقرينة المناسبة بين الحكم والموضوع يساعدان الأول،
فان الظاهر من الرواية كون المانع هو انفصال المصلين بعضهم عن بعض بنحو لا يكونون
مجتمعين في الصلاة. أقول: ما يمكن تأييد ما ذكر - قدس سره - من التفريع المذكور في
الرواية، فان تفريع مانعية الحائل وان لا يناسب على مانعية البعد الا انه لو قلنا
بأن مانعية البعد والحائل من جهة أمر واحد وهو انفصال المصلين بعضهم عن بعض يكون
التفريع في محله، فكأن الرواية صدرا وذيلا في مقام بيان شرط واحد لصلاة الجماعة وهو
33

اتصال المصلين بعضهم ببعض بنحو لا يكون بينهم بعد أزيد من خطوة ولا حائل، ولو قلنا
بأن المانع الساتر لا الحائل لا يتم ذلك ولا يرتبط الصدر بالذيل لان المشاهدة لا
يناسب الاتصال كما لا يخفى، فعلى ذلك التحفظ على ظهور ف في التفريع يقتضي القول
بان المانع المنطبق على الستر والجدار هو مطلق الحائل بلا فرق بين كونه مانعا عن
المشاهدة أولا، فالحائل الزجاجي أو الشباك إذا كان ضيق الثقب مانع عن صحة الجماعة.
الخامسة: هل يستفاد من الاستثناء الا من كان بحيال الباب ما أفيد من أن الظاهر
منها ان الجدار والحائل بين الصفين مبطل لصلاة أهل الصف المتأخر اجمع، الا من كان
بحيال الباب، ومقتضى ذلك عدم صحة صلاة من يصلي إلى جانبي المأمومين المصلين بحيال
الباب، ونسب ذلك إلى الفريد البهبهاني ناسبا له إلى النص وكلام الأصحاب، أو
لا يستفاد ذلك بتقريب ان مناسبة الحكم والموضوع قرينة على إرادة ا قدح الحائل
الموجب لانفصال المأمومين عن الامام أو انفصال بعضهم عن بعض والصحيح في مقام اعتبار
الاتصال بالامام ولو بواسطة؟. أقول: لو قلنا بان المستفاد من جملة فإن كان بينهم
.... الخ اعتبار شرط غير مترتب على الشرط السابق وهو عدم اعتبار عدم البعد بل انما
هي في مقام اعتبار امر جديد وهو عدم الحائل المانع من المشاهدة فالظاهر من الرواية
عدم كفاية الاتصال فقط بل لابد من وجود الاتصال مع المشاهدة، فعلى هذا ما ادعي من أن
ظاهر الاستثناء عدم صحة صلاة من يصلي إلى جانبي المأمومين المشاهدين ان لم يشاهد
المتقدم هو الصحيح على تأمل فيه، فان اعتبار المشاهدة إذا كان بمعنى مشاهدة المتقدم
يلزم بطلان صلاة من كان في جانب الامام، وإذا كان بمعنى مشاهدة الامام يلزم بطلان
من صلى في الصفوف الأخيرة بحيث لا يرى الامام من جهة كثرة الصفوف، ولو كان بمعنى
34

مشاهدة من يتصل بسببه إلى الامام يلزم كفاية مشاهدة المأموم من في جانبه المشاهد
للامام أو الصف المتقدم، وحيث لاوجه للأولين يتعين الثالث الا ان يقال إن المانع
وجود حائل مانع لمشاهدة الصف المتقدم أو الامام، فلا يزلم شئ من الايرادين ويتم
المدعى لامكان الاخذ بظهور الرواية حينئذ، وكيف كان فقد مر ان ظاهر الرواية ولو
بقرينة التفريع ان هنا ليس الا شرطا واحدا والبعد والحائل منافيان لذلك الشرط وهو
الاتصال. وما قيل من أن مناسبة الحكم والموضوع قرينة على ذلك مجرد تعبير والا فنفس
الرواية ظاهرة فيه كما مر، فالرواية في مقام
بيان ان البعد خل بالاتصال والحائل
أيضا مخل به وليست في مقام بيان اعتبار المشاهدة ابدا، فعلى هذا يستفاد من المستثنى
منه ان الحائل بين الصفين مانع للاتصال الا من كان بحيال الباب، والاستثناء انقطاعي
في مقام تأكيد المستثنى. فالمتحصل من الرواية حينئذ انه لو كان بين المأموم ومن
يتصل بسببه إلى الامام حائل لا صلاة له بل لابد من مراعاة عدم وجود الحائل حتى يتم
الاتصال، ومما يؤكد ذلك ان في الرواية فرض وجود البعد أو الحائل بين الامام والصف
المتأخر عنه وبين الصفين ولم تتعرض لوجودهما حينئذ بين أهالي صف واحد أو بين الامام
والمأوم المصلي في جانب الامام، مع أن البعد والحائل مبطلان للجماعة في هذين
الفرضين أيضا إذا لم يكن المأموم متصلا بالامام في الفرض الأول من جهة أخرى غير
ذلك، والسر فيه ان اعتبار الاتصال مفروض في الرواية وانما هي في مقام بيان ان البعد
والحائل مخلان بالاتصال المعتبر، وما ذكر فيها من باب المثال لا الحصر، ولو كانت
الرواية في مقام بيان اعتبار عدم وجود حائل مانع عن مشاهدة المتقدم يلزم منها صحة
35

صلاة من كان بينه وبين المأوم المتصل به حائل ولكن يشاهد الصف المتقدم ولا أظن أحدا
يلتزم بذلك. وبالجملة لعل التأمل في خصوصيات الرواية وما يتفرع عليها يورث القطع
بان الراوية أجنبية عن اعتبار المشاهدة والمحصل منها ما ذكرنا، ومما يؤكد ذلك أيضا
صحة الجماعة استدارة حول الكعبة وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: لا أرى
بالصفوف بين الأساطين بأسا (1). فان الأساطين بين الصفوف قد تكون مانعا عن مشاهدة
المتقدم، بل الصحيحة ناظرة إلى نفي البأس من هذه الجهة، هذا ولو شككنا في ذلك ولم
نطمئن على وجود ظهور في الرواية، فالأصل المتقدم كاف في التصحيح والحمد لله، مع أنه
نسب إلى الأشهر بل المشهور الحكم بالصحة بل قيل إنه لا خلاف فيه، نعم نسب الخلاف
إلى الفريد البهبهاني - قدس سره - وقد تقدم ذكره، وقال المحقق الهمداني - قدس سره
: انه لم يظهر في المسالة مخالف إلى زمان المحقق المذكور، فالحكم بصحة صلاة المتصل
بالمصلي حيال الباب قوي جدا. السادسة: لا مانع من وجود الحائل بين الرجل والمرأة
إذا كان الامام رجلا لموثقة عمار (2) الدالة على ذلك، وذكر الطريق في الراوية لا تدل
على عدم مانعية البعد أيضا، فان الطريق في الحديث محمول على الطريق المعهود وهو
طريق الدار، مضافا إلى دلالة ذيل صحيحة زرارة المتقدمة على عدم استثناء البعد إذا
كان المأموم امرأة. السابعة: لو صلى مع وجود الحائل جماعة، فإذا كان ذلك عمدا وعلما
فان أخل بوظيفة المنفرد - كما هو الغالب من ترك القراءة أو غير ذلك - تبطل جماعته
وصلاته، ولو كان ذلك سهوا أو نسيانا أو جهلا فبطلان جماعته لا اشكال فيه، كما أن
الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا لاطلاق مانعية الحائل عن الجماعة، واما أصل صلاته
منفردا فيمكن تصحيحها بقاعدة لا تعاد (3) إذا لم يخل بها بزيادة ركن والا فتبطل
صلاته منفردا أيضا، وما في الرواية من نفي

(1) الوسائل: ج 5، باب 59 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
(2) الوسائل: ج 5، باب 60 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
(3) الوسائل: ج 1، باب 3 من أبواب الوضوء، حديث 8.
36

الصلاة مع الحائل محمول على نفيها جماعة أو محكوم بلاتعاد كسائر أدلة الشرائط
والموانع. نعم إذا كان جاهلا بالحكم وكان جهله تقصيريا فالظاهر بطلان صلاته حتى
منفردا إذا أخل بوظيفة المنفرد كتركه القراءة لعدم امكان تصحيح الصلاة بلا تعاد
في مورد الجهل التقصيري، والتحقيق في محله. الثامنة: اطلاق الشرط في الرواية أي
فلان كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة يقتضي عدم الفرق بين كون الحائل
في مجموع الصلاة أو في بعضها فتبطل الجماعة من حين حدوث الحائل، فتوهم ان المانع
وجود الحائل في مجموع الصلاة بدليل ان ليس تلك لهم بصلاة تدل على مفروضية الصلاة مع
الحائل فاسد كما لا يخفى. التاسعة: إذا احتمل فساد صلاة الصف المتقدم فيجوز الاقتداء
لا لما ذكره المحقق الهمداني من أن الاتصال الظاهري محفوظ، وبعد كشف الخلاف ينكشف
بطلان جماعته لا أصل صلاته بل لان صلاة الواسطة صحيحة بأصالة الصحة، فالاتصال
بواسطة من يصلي صحيحا موجود وليس له كشف الخلاف فتصح جماعته حتى بعد كشف بطلان
صلاتهم. العاشرة: الحائل إذا كان قصيرا بحيث يكون حائلا في بعض أحوال الصلاة كحال
الجلوس أو السجود ففيه اشكال لا يترك معه الاحتياط، بل لا تخلو المانعية عن قوة
لاطلاق الدليل. الحادية عشرة: قيل الصف المتقدم إذا لم يدخلوا في الصلاة ولكن كانوا
متهيئين لها لا يقدح حيلولتهم فيجوز الاقتداء. ولكن يشكل ذلك في مثل الصلاة المعهودة
من توالي الافتتاح في صلاة المأمومين، نعم إذا كانت الصلوات موافقة للنص الوارد في
صلاة الجماعة من أنه إذا قال الامام الله أكبر فيقول المأمومون الله أكبر دفعة
37

عرفية يمكن القول بمجرد التهيؤ حينئذ لاستظهار ذلك من النص، ولكن في أمثال صلواتنا
اعتبار توالي الافتتاح لا يخلو عن وجه. الثانية عشرة: لا بأس الحائل غير المستقر
لعدم صدق الحائل عليه عرفا، وان شئت قلت لانصراف النص عن مثله، ومن ذلك تمامية صلاة
الصف المتقدم إذا قاموا بعد الاتمام بلا فصل ودخلوا مع الامام في صلاة أخرى بحيث
يكون الفصل قليلا ولا يصدق عليه الحيلولة عرفا وكان النص منصرفا عن مثله فتصح صلاة
من يتصل بواسطتهم. قوله قده: ولا تنعقد والامام أعلى من المأمومين بما يعتد به
كالأبنية على تردد. أقول: يستدل على ذلك بعدة أمور، (منها) صحيحة زرارة المتقدمة
بدعوى ان المراد من الموصول في قوله ما لا يتخطى مطلق البعد ولو من جهة العلو.
وفيه: ان ظاهر الرواية اعتبار ذلك في الأرض المبسوطة. (ومنها) موثقة عمار المتقدمة
في اقتداء النساء خلف الدار بعد تخصيصها في صورة التساوي. (ومنها) موثقة أخرى له
قال: سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه، فقال: إن كان
الامام على شبه الدكان أو على موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، فإن كان ارفع
منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطف مسيل (في الكافي وبعض نسخ
التهذيب) بقطع مسيل (في بعض اخر من نسخ التهذيب) بقدر يسير (محكي عن نسخة) بقدر شبر
(محكي عن نسخة أخرى) فإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الامام في
الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة الا انهم في موضع منحدر فلا
بأس - الخبر (1). والكلام في ذلك من جهات: الأولى: دلالة هذه الموثقة على أصل
الاعتبار في الجملة غير قابلة للمناقشة

(1) الوسائل: ج 5، باب 63 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
38

لصراحتها في أن الامام إذا كان على شبه الدكان أو على موضع ارفع من المأمومين لم
تجز صلاتهم، فما توهم من أن تهافت المتن موجب لعدم التعويل عليها حتى من هذه الجهة
لا يرجع إلى محصل. الثانية. احتمال كون وإن كان وصلية مدفوع بان الارتفاع بقدر
الإصبع أو أكثر منه بيسير أو أقل لا يضر بصحة الجماعة بلا اشكال ولا خلاف، واحتمال
كونها شرطية والجزء محذوف وهو لا بأس مثلا مدوفع بان مثل ذلك لا يعد كلاما صحيحا
عرفا فتعين كونها شرطية والجزاء الشرطية الثانية إلى اخر الجملة، فالنتيجة ان ما
قبل وإن كان حكم الأرض المبسوطة التي لا انحدار فيها وما بعدها حكم الأراضي
المنحدرة، ومن هذا نستنتج ان حد العلو لم يعين في الموثقة بالنسبة إلى الأرض
المسطحة فلابد من ايكال ذلك إلى العرف، فان فهم مداليل ألفاظ الروايات موكول إليهم،
فلو صدق عندهم ان الامام على موضع ارفع من موضعهم تبطل الجماعة والا فلا. الثالثة:
ان الحكم في الأراضي المنحدرة المستفادة من الشرطية أيضا كذلك فان اجمال الشرط فيها
موجب لعدم امكان القول بالغاء اعتبار عدم العلو في هذه الأراضي وان لم يمكن القول
بحد ما فيها، فالقول بالاعتبار وايكال حده إلى العرف مثل سائر الأراضي موافق
للاعتبار، نعم هنا احتمال وهو ان اعتبار عدم العلو انما هو بين الامام ومجموع
المأمومين لا آحادهم لقوله وهم في موضع أسفل من موضعه، وفي الأراضي المنحدرة لو
كان الارتفاع بسبب انحدار الأرض شيئا فشيئا قد لا يصدق ذلك، وان صدق الارتفاع
بالنسبة إلى الآحاد فلا باس بالجماعة فيها وإن كان الانحدار فاحشا، ومع ذلك
فالاحتياط في محله، هذا. وما قيل بان الحد هو الشبر مبني على ثبوت نسخة الشبر ولم
يثبت. وقد ظهر مما مر حكم ما لو كان الانحدار في الأرض شبيها بالتسنيم ولا نطيل. قوله
قده: ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا. أقول: وجهه بعد الأصل والجماع عدة
39

من الروايات منها: ذيل موثقة عمار السابقة قال: وسئل فان قام الامام أسفل من موضع
من يصلي خلفه. قال: لا بأس، وقال: إن كان رجلا فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو
غيره وكان الامام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل ان يصلي خلفه ويقتدي بصلاته
وإن كان ارفع منه بشئ كثير. وذيلها يدل على صحة الجماعة، وإن كان المأموم في موضع
ارفع من الامام بشئ كثير فلا يحد ذلك بمثل الدكان والبيت ونحوهما، نعم لابد من صدق
الاتصال عرفا بحيث يصدق الائتمام على ذلك، والا فلا تصح الجماعة. قوله قده:
ولا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما يكون كثيرا في العادة. أقول: اما أصل الاعتبار
فمما لا اشكال فيه وقد ادعي عليه الاجماع أيضا من الخاصة، مضافا إلى أن عدم التباعد
في الجملة دخيل في مفهوم الاجتماع المطلوب في صلاة الجماعة كما ورد في بعض
النصوص (1)، بل لا يبعد دخله في مفهوم نفس الجماع، وكيف كان فالاعتبار في الجملة
لا يحتاج إلى البحث والإطالة. واما حد البعد فقد يقال بأنه قدر ما لا يتخطى بقرينة
صحيحة زرارة المتقدمة في بحث الحائل، واشكال على ذلك بلزوم الحمل على الاستحباب

(1) الوسائل: ج 5، باب 1 و 2 من أبواب صلاة الجماعة.
40

بقرينة ذيل الصحيحة، وأجاب المحقق الهمداني - قدس سره - عن هذا الاشكال بالنقض
والحل، اما النقض: فان اللازم الالتزام بالوجوب بقرينة اعتبار عدم الحائل لزوما،
فان وحدة السياق كما يمكن ان تجعل الذيل قرينة لحمل الصدر على الاستحباب كذلك يمكن
ان تجعل حكم الحائل قرينة على الوجوب. واما الحائل: فان الذيل لا يدل على الاستحباب
فان ينبغي غير متعلقة بلا يكون بل هذه الجملة مستقلة يستفاد منها اللزوم، هذا.
ولكن الانصاف ان ظهور الذيل في الاستحباب غير قابل للانكار كما أن ظهور الصدر في
الوجوب كذلك. ومن غريب الامر الالتزام بإرادة الوجوب من الذيل والاستحباب من الصدر
فلاحظ الرواية يظهر وجه الغرابة بلا تأمل. وقال أيضا: بان المقطوع به خلاف ما في
الصدر، فان ظاهر الصدر اعتبار عدم التخطي بين الموقفين، وهذا ليس بواجب قطعا فيحمل
على الاستحباب، ولكن ظهور الصدر في الوجوب قوي وحمله على الاستحباب بعيد، فان حمل
ليس لهم بامام على نفي الكمال حمل لا يقبله العرف، والجمع العرفي هو الجمع المقبول
والقول بالاجمال أولى من هذا الحمل. فنقول: انه كما يحتمل أن تكون الرواية في مقام
اعتبار الحد بين الموقفين كذلك يحتمل أن تكون في مقام اعتبار الحد بين مسجد المأموم
وموقف الامام ولا دليل على الأول ان لم نقل بأن الظاهر هو الثاني ولا سيما بقرينة
الذيل، ومع احتمال الامرين الرواية تنفي الجماعة فيما إذا كان البعد بين الموقف
والمسجد بهذا المقدار واما الأقل فالمانعية مدفوعة بالأصل، وعلى ذلك لا مجال للحمل
41

على الاستحباب ولو لم نقل بأنه بعيد كما قلنا، فدلالة الرواية على اعتبار عدم البعد
بين مسجد المأموم وموقف الامام تامة. بقي الكلام في الموثقة التي توهم معارضتها
للصحيحة، وقد تقدمت الموثقة في جواز اقتداء النساء من داخل الدار وإن كان بينهن
وبين غيرهن جدار أو طريق الذي يبعد ان لا يكون بقدر مالا يتخطى حتى بين المسجد
والموقف. وقال المحقق الهمداني - قدس سره -: ان ظهور الموثقة في جواز البعد أقوى من
ظهور الصحيحة في الوجوب فتحمل على الاستحباب، وفيه: مع أن الحمل على الاستحباب بعيد
عن الفهم العرفي كما مر، وان الموثقة لا اطلاق لها من جهة البعد لعدم كونها في مقام
البيان من هذه الجهة، ان الاقوائية ليست مناطا في الجمع العرفي بين الروايات بل
العرف حينئذ يرى المعارضة بين الصحيحة والموثقة، فان المستفاد من الصحيحة حكم وضعي
وهو اعتبار عدم البعد بذلك المقدار في الجماعة، والمستفاد من الموثقة عدم الاعتبار
وبينهما معارضة، فلابد من العلاج، والصحيحة ترجع على الموثقة من جهة السند أولا ومن
جهة موافقة الموثقة للعامة ثانيا، فالأقوى هو الاعتبار بالحد المذكور، ومما يدل على
الحكم والتفصيل بين الحد الاستحبابي والوجوبي صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على أن
أقل الحد مربض غنم وأكثره مربض فرس (1).
فروع
الأول: لا فرق بين كون التباعد من أول الصلاة أو حصوله في أثنائها ويحكم ببطلان
الجماعة في الموردين فالشرط شرط ابتداء واستدامة، وذلك لاطلاق الأدلة. نعم على
القول بحمل الصحيحة على الاستحباب وعدم كون التباعد بمقدار يخل بصدق مفهوم الجماعة
والاجتماع يشكل الامر في فرض الحصول في الأثناء، فان الدليل على الاعتبار على هذا
المبنى ليس الا الاجماع والقدر المتيقن منه فرض كون التباعد في جميع الصلاة، الا ان
يتمسك باطلاق معقد الاجماع ولا يتم ذلك بحسب الكبرى وان قلنا بتماميته بحسب الصغرى.

(1) الوسائل: ج 5، باب 62 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3
42

الثاني. لو عرض البعد في أثناء الصلاة وتدارك المأموم بلحوقه بالصف من دون تراخ أو
عاد من انتهت صلاته إلى الجماعة بلا فصل فالظاهر بقاء القدوة لانصراف الدليل عن
الشمول لهذه الصورة، ومع التنزل عن ذلك والقول ببطلان القدوة يمكن القول بجواز
اللحوق بالصف وتجديد نية الجماعة في المقام وان لم نقل بالعدول عن الانفراد
بالائتمام في غيره، وذلك لما دل (1) على أنه لو عرض للامام مانع عن اتمام الصلاة
يجوز للمأموم تحصيل الجماعة إذا فقدها في الأثناء. الثالث. قد مر في مسألة الحائل
حكم تكبير المأموم في الصف المتأخر عن الصف الأول عند اتصال الصفوف وتهيئتهم للصلاة
قبل ان يكبر الصف الأول وانه هل يكون الصف الأول من الحائل أول؟ والكلام هو الكلام
من جهة البعد أيضا فلا يحتاج إلى الإعادة. الرابع. إذا شك في صحة صلاة الصف المتقدم
فلا يضر فصلهم لأصالة الصحة والسيرة القطعية. الخامس: تكفي صحة صلاة الصف المتقدم
بحسب تقليدهم في جواز اقتداء الصف المتأخر، وذلك للحكم بالاجزاء في صلاتهم من جهة
التقليد وقاعدة لا تعاد، فصلاة الصف المتقدم صحيح يترتب عليها اثار الصحة، نعم لو
كانت صلاة الصف المتقدم بإطالة عند أهل الصف المتأخر لعدم قولهم بالاجزاء في
صلواتهم حتى من جهة قاعدة لا تعاد فلا يجوز لهم الاقتداء لوجود الفصل بنظرهم.
السادس: لا يضر الفصل بالصبي المميز ما لم يعلم بطلان صلاته، لمشروعية عباداته بل
مطلقا لانصراف أدلة الفصل عن ذلك، وهذا ظاهر

(1) الوسائل: ج 5، باب 72 من أبواب صلاة الجماعة
43

قوله قده: ويكره ان يقرأ المأموم خلف الامام الا إذا كانت الصلاة جهرية ثم لا يسمع
ولا همهمته. أقول: المهم هو الجمع بين روايات الباب، فهنا صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ
خلف امام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة (1). وهذه الرواية تدل على حرمة القراءة خلف الإمام
بدلالة واضحة، ولا يرد عليها ما يرد على الأخبار الناهية من أن النهي
عقيب توهم الوجوب وهو لا يدل على أزيد من السقوط أو ان النهي انما يكون غيريا
للانصات المأمور به، لان الرواية ليست بلسان النهي وظاهرها دخل القراءة في موضوع
الحرمة بنحو الموضوعية لا الطريقية، فدلالة الرواية كسندها تامة واطلاقها يقتضي عدم
الفرق بين الصلوات الجهرية والاخفاتية ويقتضي أيضا عدم الفرق بين الركعتين الأولتين
والأخيرتين، وان أبيت وقلت بالانصراف إلى الأولتين تتم الاستدلال بالنسبة إلى
الأخيرتين بذيل صحيحة زرارة،: فالأخيرتان تبعان للأولتين (2)، ومورد الصحيحة وإن كان
خاصا وهو الصلوات الجهرية الا ان المستفاد من التفريع المذكور الكبروية. فقد تحصل
ان ما هو بمنزلة الأصل في المقام حرمة القراءة واثبات الجواز يحتاج إلى دليل.
فنقول: يكفينا في اثبات الجواز في الصلوات الاخفاتية رواية ابن سنان عن أبي عبد
الله عليه السلام: إذا كنت خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة

(1) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 4.
(2) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3
44

حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القران فلا تقرأ خلفه في الأولتين وقال: يجزيك
التسبيح في الأخيرتين ج الخبر (1). ودلالة الرواية على الجواز من جهة ان يجزيك
التسبيح في الأخيرتين تدل على جواز التسبيح فيجوز تركه والاتيان ببدله وهو
القراءة، وحيث إن الأخيرتين تبعان للأولتين لصحيحة زرارة المتقدمة نستكشف الجواز في
الأولتين أيضا، فنحمل النهي في فلا تقرأ على الكراهة. لا يقال: ظاهر رواية ابن
سنان حرمة القراءة في الأولتين والجواز في الأخيرين وظاهر صحيحة زرارة عموم تبعية
الأخيرتين للأولتين فلماذا جعل العموم قرينة على حمل النهي عن القراءة في الأولتين
على الكراهة؟ بل لابد من تخصيص العموم بذلك فتختص التبعية بالصلوات الجهرية التي
تكون مورد الصحيحة أيضا. لأنا نقول مورد صحيحة زرارة وان كانت هي الصلوات الجهرية
الا ان حمل ما بعد التفريع فالأخيرتان تبعان للأولتين على خصوص المورد مستلزم
للتكرار بلا وجه، بل التكرار بلسان الكبرى الموجب للالقاء المخاطب في خلاف الواقع.
ولا يتوهم ان في جميع العمومات المخصصة بدليل منفصل يلزم هذا الاشكال، فان في تلك
الموارد الجمع بين العموم والخصوص بحمل العام على الخاص يكون بمقتضى طبيعة جعل
القانون فيجعل القانون بنحو العموم أولا، ثم يبين تخصيصات ذلك، ولا ينطبق هذا الوجه
على ما نحن فيه، فان جعل قانون يقتضي عموم التبعية وتطبيقه على المورد أي الصلوات
الجهرية وتخصيص هذا العموم بعد ذلك بما يقتضي عدم شمول العموم لغير المورد أي
الصلوات الجهرية يعد من اللغو الواضح، فعموم التبعية المستفاد من الصحيحة غير قابل
للتخصيص بخصوص الصلوات الجهرية، ودلالة يجزيك على الجواز كالنص.

(1) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 9.
45

في ذلك فلم يبق الا النهي عن القراءة في الأولتين وهذا قابل للحمل على الكراهة،
ولابد من هذا الحمل، فان اقتضاء النهي للحرمة انما هو من جهة مقدمات الحكمة ومنها
عدم البيان، وعموم التبعية بيان. ولا يتوهم ان استفادة عموم التبعية أيضا من جهة
مقدمات الحكمة لما ذكرنا من أن العموم المستفاد من الرواية غير قابل للتخصيص
بموردها للزوم ما ذكرنا، فان العرف يرى لسان الأخيرتان تبعان للأولتين قرينة على
حمل النهي على الكراهة لا العكس، ويكفينا في الجمع بين الروايات كونه مقبولا عند
العرف. بقي الكلام في سند الرواية، والمذكور في التهذيب (ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام) وفي الوسائل الطبعة القديمة أضيف إلى ابن سنان (يعني عبد الله). وفي
الطبعة الجديدة أضيف إلى ذلك (الحسن باسناده) فصار ابن سنان يعني عبد الله الحسن
باسناده إلى أبي عبد الله، ومن المعلوم ان الطبعة الجديدة غلط، ورواية الوسائل هي
المذكور في الطبعة القديمة (ابن سنان يعني عبد الله عن أبي عبد الله) لكن عبارة
(يعني عبد الله) من صاحب الوسائل وليست في التهذيب هذه العبارة، فيبقى السؤال أولا
عن انه لماذا تصرف صاحب الوسائل في الرواية باجتهاد نفسه؟ وثانيا بأنه هل هذا
التفسير صحيح أولا؟ وعهدة الجواب عن السؤال الأول عن صاحب الوسائل ج قدس سره ج.
واما الجواب عن السؤال الثاني: ففي جامع الرواة (في التهذيب في باب تلقين المحتضرين
عنه، عن محمد بن سنان وبكير، عن أبي عبد الله عليه السلام في باب القضاء والديات
محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في باب تلقين المحتضرين من
أبواب الزيادات. أقول: الظاهر أن روايته في هذين الموضعين عن أبي عبد الله مرسلة
46

لبعد زمانهما والله أعلم) انتهى موضع الحاجة. أقول: تاريخ وفاة محمد بن سنان عام
220 على ما في جامع الرواة نقلا عن ابن الغضائري تواريخ قبض أبي عبد الله عليه
السلام عام 148 على ما في نفس المهموم وغيره، والفرق 72 سنة، وعلى هذا ممكن درك
محمد بن سنان زمان الصادق عليه السلام وروايته عنه فلا موجب لحمل الروايتين على
الارسال، كما أنه لا يكون وجها لما ذكره صاحب الوسائل في المقام من التفسير، فان
الراوي عن ابن سنان في الرواية صفوان، وهذا يروي عن عبد الله ومحمد، والمروي عنه
وهو الإمام الصادق عليه السالم أيضا يمكن روايتهما عنه على ما تقدم، فابن سنان في
رواية التهذيب محتمل لشخصين عبد الله ومحمد، ولكن الصحيح ان ابن سنان عن أبي عبد
الله منصرف إلى عبد الله فإنه من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وكثير الرواية
عنه، مع أن محمد أيضا ثقلة فلا اثر لهذا الترديد وقد وثقه الشيخ المفيد ج قدس سره ج
ولا يتم شئ مما قيل في ضعف روايته، مع أن رواياته معمول بها عند الأصحاب، فقد تحصل
تمامية الاستدلال بهذه الرواية على جواز القراءة في الركعتين الأخيرتين بل الأولتين
في الصلوات الاخفاتية، وبهذا نرفع اليد عن عموم التحريم المستفاد من صحيحة زيادة
ومحمد بن مسلم بالنسبة إلى الصلوات الاخفاتية. وهنا روايات استدل بها المحقق
الهمداني ج قدس سره ج وغيره بالنسبة إلى الركعتين الأولتين من الاخفاتية وهي: رواية
المرافقي والبصري عن جعفر بن محمد عليه السلام، وفي الرواية وان أحببت ان تقرأ
فاقرأ فيما يخافت فيه (1) وسند الرواية ضعيف، اللهم الا ان يدعى الانجبار كما ادعاه
المحقق الهمداني ج قدس سره ج وقد عبر عن هذه الرواية بهذه العبارة: وما رواه الشيخ
باسناده عن

(1) الوسائل: ج 5. باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 15.
47

إبراهيم المرافقي وعمرو بن الربيع البصري. وهذا التعبير خلاف الاصطلاح بينهم، فان
الرجلين هما الراوي المتصل بالمعصوم عليه السلام والراوي الذي يروي الشيخ ج قدس سره
ج عنه وله اسناد اليه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وكيف كان لا يبعد تمامية
الاستدلال بهذه الراوية لتمامية دلالتها وانجبار ضعف سندها. وخبر سليمان بن خالد
لقوله عليه السلام: لا ينبغي له (1) الظاهر في الكراهة، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال،
لعدم تمامية الظهور المدعى. وصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ بالحمد وهو امام يقتدى به؟ فقال: ان
قرأت فلا بأس وان سكت فلا بأس (2). قال المحقق الهمداني ج قدس سره ج ان الاستدلال
مبني على ما فهمه غير واحد من أن المراد بها الأوليين من الاخفاتية، وفيه: ان الظاهر أن
المراد بها الأخيرتين. انتهى. أقول: الظاهر من الراوية تعيين وظيفة الامام ولا
ارتباط لها بوظيفة المأموم فالرواية أجنبية عن بحثنا فليتدبر. وان لم نقل بان هذا
هو الظاهر فلا أقل من أنه محتمل فيسقط الاستدلال، ومن غريب ما صدر من المحقق
الهمداني ج قدس سره ج في هذا المقام دعواه انه ليس بالبعيد ان يدعى ان وقوع هذا
النوع من التهديدات (الواردة في صحيحة زرارة الحاكية لقول الأمير عليه السلام) في
عرف أهل البيت عليهم السلام من امارات الكراهة، فلاحظ الصحيحة وكلامه تتضح الغرابة.
ويدلنا على جواز القراءة في الصلوات الجهرية التي لم يسمع المأموم قراءة

(1) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 8.
(2) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 13.
48

الامام ولا همته مضافا إلى الشهرة بل الاجماع المدعى، عدة روايات منها صحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام لقوله عليه السلام: الا أن تكون صلاة تجهر فيها
بالقراءة ولم تسمع فاقرأ (1). بعد ضميمة صحيحة عبيد بن زرارة عنه عليه السلام انه ان
سمع الهمهمة فلا يقرأ (2). والامر في فاقرأ لا يدل على الوجوب لوقوعه مقام توهم
الحظر، مع دلالة صحيحة علي بن يقطين على الجواز لقوله عليه السلام لا بأس ان صمت
وان قرأ (3) هذا حكم الركعتين الأولتين في الجهرية التي لم تسمع قراءة الإمام حتى
همهمته، واما الأخيرتان من ذلك فكذلك للتبعية المستفاد من صحيحة زرارة المتقدمة،
فلم يبق الا الصلوات الجهرية مع سماع المأموم قراءة الإمام ولو همهمته. وما مر من
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وضميمة صحيحة زرارة الدالة على التبعية تدلنا على حرمة
قراءة المأموم فيها بلا فرق بين الركعتين الأولتين منها أو الأخيرتين، وليس في
البين ما يعارض ذلك بل الروايات في الباب مؤيدة له ولو أغمضنا النظر عن دلالتها
عليه. نعم، هنا روايتان استدل بهما المحقق الهمداني على الكراهة وهما: صحيحة ابن
الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف الامام أقرأ خلفه؟ فقال..
ج إلى أن قال عليه السلام ج: واما الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر لينصت من
خلفه فان سمعت فانصت ج الخبر (4). وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وانصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في
الأخيرتين فإن الله عز وجل يقول

(1) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 2.
(3) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 11.
(4) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 5.
49

للمؤمنين وإذا قرئ القرآن ج يعني في الفريضة خلف الامام ج فاستمعوا له وانصتوا
لعلكم ترحمون (1). وقال في تقريب الاستدلال: ان المستفاد من الصحيحتين ان النهي عن
القراءة من جهة الامر بالانصات، بل ترك القراءة مأخوذ في الانصات المأمور به وحيث إن
الأمر بالانصات استحبابي بالاجماع وغير الاجماع من القرائن الداخلية والخارجية فلا
يكون النهي عن القراءة الزاميا، ثم وجه الكلام إلى الآية الكريمة وانه هل الانصات
محكوم فيها بالوجوب أو الاستحباب؟ وقال: ان ظاهر الأمر بالانصات وإن كان هو الوجوب،
الا ان هنا روايتين (2)، دالتين على أنه رخص في الدعاء للمأموم إن كان الامام يجهر
بالقراءة فيحمل الامر على الاستحباب، ثم احتمل ابقاء الامر على ظاهره وارتكاب
التخصيص في الآية الكريمة باخراج الدعاء عنها، ثم أقام شواهدا على ترجيح الحمل على
الاستحباب، ثم قال: بأن التخصيص من أهون التصرفات، وبالآخرة احتاط في ترك القراءة،
هذا. أقول: الظاهر من الروايتين وإن كان ما افاده ج قدس سره ج من أن النهي عن
القراءة من جهة منافاة القراءة للانصات المأمور به الا ان هذا لا يدل على كون النهي
عن القراءة غير الزامي، وذلك لان المنافاة بين الانصات والقراءة لا يقتضي الا عدم
الأمر بهما معا لا الأمر بأحدهما والنهي عن الاخر، فلو فرضنا ورود النهي بغير
المأمور به كما في المقام وكان ظاهر الدليل ان النهي من جهة المنافاة فلابد من
ارتكاب توجيه لذلك، والتوجيه مشترك بين كون النهي تحريميا أو غيره.

(1) الوسائل: ج 5، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3.
(2) الوسائل: ج 5، باب 31، حديث 11 وباب 32 حديث 2 من أبواب صلاة الجماعة
50

وبعبارة أخرى: ان المنافاة بينهما تقتضي عدم طلبهما معا، وهذا يجتمع مع الامر
بالانصات وعدم الامر بالقراءة ومع الأمر بالانصات والنهي عن القراءة تنزيهيا أو
تحريميا، فالروايتان لا تدلان على خصوص النهي التنزيهي حتى تكونا دليلين على تقييد
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وغيرها مما دل على التحريم، ثم إنه لا حاجة إلى الاستشهاد
بالرواية لحمل الآية على الاستحباب فان الانصات هو السكوت مستمعا لا السكوت المطلق،
والسكوت مستمعا كنفس الاستماع المأمور به ليس بواجب قطعا.
تنبيه 1
قد مر ان حكم سماع الهمهمة حكم سماع القراءة لصحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة، ولكن
قد يقال بان ظاهر صحيحة علي بن يقطين السابقة يعم صورة سماع الهمهمة، والروايات
الامرة بالقراءة لدى عدم السماع مخصوصة بما إذا لم يسمع أصلا، فتخصص الصحيحة وتحمل
على صورة سماع الهمهمة، والنتيجة: وجوب القراءة إذا لم يسمع أصلا والتخيير إذا سمع
الهمهمة، وأجاب المحقق الهمداني ج قدس سره ج عنه بأن هذا الحمل تخصيص بالفرد الخفي
وهو ابعد من حمل الامر على الاستحباب، ثم قال: نعم لا يبعد ان يدعى انصراف الأخبار المشتملة
على الامر بالانصات إلى ما إذا سمع الكلمات وتنزيل النهي عن القراءة مع
سماع الهمهمة على الرخصة في الترك دون الحرمة فيتجه هذا التفصيل فليتأمل، انتهى.
أقول: جوابه عن الجمع بارتكاب التخصيص صحيح متين، لكن ما نفى عنه البعد في مقام
الجمع انما يتم لو لم يكن هنا اطلاق دال على حرمة القراءة، ومع وجوده كما هو الصحيح
51

ج وقد مر ج فالأصل هو الحرمة الا ما خرج بالدليل والخارج انما هو مورد عدم السماع،
فلو قلنا بظهور ذلك فيما إذا لم يسمع المأموم حتى الهمهمة فالاطلاق يقتضي الحرمة في
مورد سماع الهمهمة، ولو قلنا بعدم الظهور واحتمل الأمران أي عدم سماع الكلمات وعدم
سماع الصوت فالقدر المتيقن الثاني، ولابد في مورد الشك من التمسك بالمطلق قضية
للتمسك به في المقيد المجمل المردد بين الأقل والأكثر، وعلى أي تقدير لا يجوز
للمأموم القراءة لدى سماعه صوت الامام حال القراءة وان لم يسمع الكلمات والحروف
تنبيه 2
لو سمع بعض قراءة الإمام دون بعض فاحتمل المحقق الهمداني ج قدس سره ج احتمالات
ثلاثة واختار ان الأشبه الاجتزاء بما سمع والقراءة في ما لم يسمع. أقول: اطلاق
الدليل كما مر يقتضي حرمة قراءة المأموم، خرجنا عن ذلك إذا لم يسمع القراءة ولا
اطلاق لدليل المخرج بالنسبة إلى سماع البعض فلابد من الأخذ بالمتيقن في هذا الدليل
ويؤخذ بالمطلق في مورد الشك، والنتيجة حرمة القراءة حتى إذا سمع بعض قراءة الإمام.
تنبيه 3
قد مر ان مقتضى الجمع بين صحيحة زرارة الدالة على تبعية الركعتين الأخيرتين
للأولتين وصحيحة ابن سنان الدالة على اجزاء التسبيح في الأخيرتين في الصلوات
الاخفاتية حرمة القراءة في الأخيرتين من الجهرية مع سماع صوت الامام والتخيير في
الأخيرتين من الاخفاتية وفيهما من الجهرية إذا لم يسمع صوت الامام، فالتمسك بالأدلة
الناهية عن القراءة بالنسبة إلى المأموم والقول بسقوط القراءة والتسبيح كليهما
لا يرجع إلى محصل، كما أن التمسك بها لاثبات سقوط القراءة وتعين التسبيح مطلقا
لا يتم، فان الجمع بين هذه الأدلة والصحيحتين
52

يقتضي ما اخترناه من التفصيل، هذا. ثم إن
هنا روايتين متعارضتين وهما رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، قال: الإمام يقرأ فاتحة
الكتاب ومن خلفه يسبح - الحديث (1). ورواية سالم أبي خديجة فان فيها: فإذا كان في
الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا فاتحة الكتاب، وعلى الامام ان يسبح الخبر (2).
وحمل المحقق الهمداني - قدس سره - الرواية الأخيرة على المأموم المسبوق،
ثم قال: ولا أقل من الاجمال المانع من الاستدلال. أقول: تعارض الروايتين بظاهرهما
لا يخفى، ولكن صحيحة زرارة الدالة على التبعية شاهد جمع بينهما فيحمل الأولى على
الجهرية والأخيرة على الاخفاتية، فيحصل ان في الجهرية لابد من التسبيح وفي
الاخفاتية الأفضل القراءة فتأمل. وكيف كان فلا يعارض شئ من الروايات ما هو مقتضى
الجمع بين الصحيحتين والله العالم. قوله قده: ولو كان الامام لا يقتدى به وجبت
القراءة. أقول: فرض المسألة فيما إذا كان الصلاة معهم لأجل التقية اما اضطرارا أو
مدارة، فبحسب الأدلة العامة تصح الصلاة ولا تجب القراءة إذا اقتضت التقية تركها،
وليس المراد من اقتضاء التقية ترك القراءة عدم امكانها، بل المراد من ذلك كسائر
موارد التقية ان التخلف والاتيان بالواقع لا يمكن الا بالحيلة، فلا تجب الحيلة على
حسب النصوص العامة التي منها فكل شئ يعمله المؤمن بينهم

(1) الوسائل: ج 5، باب 32 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 5.
(2) الوسائل: ج 5، باب 32 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 6.
53

لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز فكلما صدق عليه عنوان
التقية جائز (1). ولا تجب الحيلة للفرار عن التقية، ولذا لا نرى اعتبار عدم المندوحة
لا في الأفراد الطولية ولا العرضية بل ولا في نفس العمل، والحكم يدور مدار صدق
التقية الغير المتوقف على الخوف ولا الاضطرار بل يصدق العنوان حتى إذا كان مدارة
ومماشاة معهم، هذا بحسب الأدلة العامة. واما الروايات الواردة في باب الصلاة جماعة
معهم فبعضهم يدل على ما اقتضته تلك الأدلة كخبر زرارة (2) وخبر بكير (3). وعارضها عدة
من الروايات وهي لا تخلو اما من ضعف السند كرواية عمرو بن ربيع (4) ورواية ناصح (5)
واما من عدم الأدلة له على الخلاف كما دل على ايقاع الفريضة قبل أو بعد (6) وهي
محمولة على الاستحباب لما سبق من الأدلة العامة والروايات الخاصة الدالة على
الاجزاء (7) وما دل على قراءة المأموم (8) وهي أيضا محمولة على الاستحباب لما سبق.
والحاصل: ان ملاحظة عمومات التقية وخصوصاتها تدلنا على أن التقية واسعة ولابد من
العمل على وفق العامة في دار التقية ولا تجب الفرار والحيلة، بل لا يجوز في بعض
الموارد إذا كان خلاف التقية والعمل على غير ما اقتضته التقية والاتيان بالواقع
الأولي لعله باطل، فان التقية دين ولا دين لمن لا تقية

(1) الوسائل: ج 11، باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، حديث 6.
(2) الوسائل: ج 5، باب 34 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 5.
(3) الوسائل: ج 5، باب 34 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 3.
(4) الوسائل: ج 5، باب 6 من أبواب صلاة الجماعة، حديث.
(5) الوسائل: ج 5، باب 5 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 7.
(6) الوسائل: ج 5، باب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
(7) الوسائل: ج 5. باب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(8) الوسائل: ج 5. باب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
54

له، فالعمل المذكور خارج عن الدين فيبطل، فتأمل. بل يمكن ان يستفاد من بعض الروايات
التنزيل الموضوعي اللازم منه تقييد الواقع، ففي رواية أبي الجارود قال: انا شككنا
سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت علي أبي جعفر عليه السلام وكان بعض
أصحابنا يضحي فسألت عنه عليه السلام فقال: الفطر يوم يفطر الناس والصوم يوم يصوم
الناس والأضحى يوم يضحي الناس (1). فإنه تنزيل موضوعي يدل على أن في مورد التقية
الأضحى هو يوم يضحي الناس وإن كان واقعا يوم التاسع، فلابد من متابعة العامة في
الوقوفين وفي اعمال منى بلا فرق بين العلم بالخلاف والشك بمقتضى أدلة التقية
ولا سيما هذه الرواية، وما قاله استاذنا المحقق - مد ظله - من عدم تصور التقية في
اعمال منى خلاف هذه الرواية، مع أن فيها أيضا يصدق التقية فإنها واسعة ولا يجب الصبر
إلى الغد فإنها من الفرار عن التقية ولا يجب، وبهذه الرواية نحمل ما دل على افطار
الإمام عليه السلام يوما من شهر رمضان تقية معللا بان الافطار والقضاء أحب عنده من أن
يضرب عنقه على استحباب القضاء (2)، فتدبر جيدا. والايراد في سند الرواية بأبي
الجارود مندفع بان الظاهر اعتبار رواياته لرواة كثير من الأكابر والأفاضل بل
الفقهاء من الرواة كعبد الله بن مغيرة في نفس هذه الرواية عنه، وهذا يكفي للاعتماد
على روايات الرجل مع أن الشواهد والمؤيدات الاخر على اعتبار رواياته أيضا موجودة.
(منها) توثيق الشيخ المفيد - قدس سره - عنه المستفاد من كلامه بأنه من الاعلام
الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا في الاحكام الذين لا يطعن

(1) الوسائل: ج 7، باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، حديث 7.
(2) الوسائل: ج 7، باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، حديث 4 و 5.
55

عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم. (ومنها) ما ذكره ابن الغضائري من اعتماد الأصحاب
على ما رواه محمد بن بكر الارجني عنه الذي يعلم منه بالأولوية اعتمادهم على رواية
عبد الله بن مغيرة عنه في هذه الرواية، وكل ما ورد في طعنه من الروايات ضعاف، مع
عدم امكان ما ورد في بعضه، وفي جامع الرواة رواية أكثر من ثلاثين شخص عنه وفيهم
الأكابر والفقهاء مع أنه أزيد من ذلك جزما، فلو قلنا بأنه من المتيقن اعتبار روايات
أبي الجارود لم نقل قولا جزافا. والمتحصل من جميع ما ذكرنا عدم وجوب القراءة على
المأموم المصلي خلفهم إذا كان في مورد التقية، نعم يستحب ذلك ما لم يكن مخالفا
للتقية، والا فلا يجوز. وما افاده المحقق الهمداني - قدس سره - في الجمع بين روايات
الباب من أن ما دل على لزوم القراءة ناظر إلى ما إذا لم تقتض التقية ترك القراءة
وما دل على سقوطها ناظر إلى صورة الاقتضاء لا يمكن المساعدة عليه، فان المفروض ان
الاقتداء في مورد التقية ولا معنى حينئذ للقول بعدم اقتضاء التقية ترك القراءة،
ويؤيد ما ذكرنا دلالة بعض الروايات (1) على الاكتفاء بمثل حديث النفس في بعض الصور،
مع أن حديث النفس لا يعد من القراءة حتى بأدنى مراتب القراءة، وهذا تكليف استحبابي
يدل عليه الجمع بين ما دل على الاجزاء كالعمومات وبعض الخصوصات، وهذه الروايات
الظاهرة في لزوم القراءة أو حديث النفس. قوله قده: وتجب على المأموم المتابعة
للامام. أقول: قد استدل على وجوب المتابعة في الأفعال (أولا) بالاجماع والشهرة

(1) الوسائل: ج 5، باب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
56

ولكن وليس هذا الاجماع أو الشهرة كاشفا عن الحكم لاختلاف المباني، واختلافهم في
المراد من الوجوب، ووجود الخلاف في المسألة، مع أن المحتمل بل المظنون استنادهم إلى
الأدلة الآتية. (وثانيا) بالنبوي اما يخشى الذين يرفع رأسه قبل الامام ان يحول الله
رأسه رأس حمار (1). وهذه الرواية - مع كونها مرسلة، ولم يحرز اعتماد الأصحاب
عليها لا تدل على المطلب، فان المدعي وجوب المتابعة في جميع الأفعال شرطا أو تكليفا،
والرواية لا تدل على أزيد من عدم جواز التقدم في السجود ولعله لخصوصية فيه.
(وثالثا) بالنبوي انما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا الخبر (2).
وفي بعض الطرق: فإذا كبر فكبروا وإذا ركع... الخ. والاستدلال بهذه
الرواية أيضا لا يتم وان فرض جبر سندها. ولابد من بيان أمور: 1 - ان جعل الامام
محتمل لكونه من الشارع تأسيسا ويحتمل كونه من المأموم مع امضاء الشارع له وإن كان
الظاهر هو الثاني، ولا ثمرة مهمة للفرق وان جعله بعض السادة الأعاظم منشأ لترتب اثر
عليه. 2 - الائتمام محتمل لكونه هو المقوم لماهية الجماعة ويحتمل كونه أزيد من ذلك
بمعنى المتابعة في جميع افعال الصلاة، والظاهر من الرواية الثاني لا الأول، لصدق
الجماعة مع عدم متابعة المأموم في بعض افعال الصلاة كما لا يخفى. 3 - ظهور الفاء في
أصل التفريع لا الترتيب الزماني، ولذا يصح ان يقال وجدت العلة فوجد المعلول.

(1) صحيح مسلم: ج 4، ص 151.
(2) كنز العمال: ج 4، ص 250 الرقم 5224.
57

4 - إذا ظرفية مفيدة معنى الشرط فقوله إذا ركع فاركعوا يعني في زمان ركوع الامام
فاركعوا.
5 - الشرط مقدم على المشروط رتبة لا زمانا بلا فرق بين التكوين والاعتبار،
فوجوب الحج بنفس الاستطاعة وفي حال الاستطاعة لا بعدها.
6 - الامتثال متأخر عن الأمر مرتبة لا زمانا، ولذا لو علم الشخص بأن المولى سيأمره فيما بعد في زمان لابد من امتثاله في نفس ذلك الزمان لا يكون معذورا في ترك الامتثال، ولا يسمع عذره بأن ظرف الامر مقدم على ظرف الامتثال.
7 - ظاهر إذا ركع فاركعوا ان لا يتأخر المأموم عن الامام ولا يقدم عنه ولا يختص
بصورة التأخر كما قيل، كما لا يختص بصورة التقدم كما
احتمل، قضية للاطلاق، فحاصل المعنى انه في زمان ركع الامام فاركعوا بلا تقدم ولا
تأخر، وقد مر ان الفاء والشرط لا يقتضيان الترتيب والتقدم الزماني.
8 - لا يجب وقوع تكبير المأموم في زمان تكبير الامام جزما، بل ادعي وجوب
تأخره عنه، ومع ذلك لا يضر التأخر الفاحش، وهذا مسلم وافق للنصوص.
9 - الظاهر أنه ليس هنا الا رواية واحدة، والاختلاف في طريق الراوية لا
ان هنا روايتين إحداهما واجدة لجملة فإذا كبر
فكبروا واخراهما فاقدة لها، فحينئذ يحصل الترديد في اشتمال الرواية لهذه الجملة
وعدمه، والصناعة وان اقتضت البناء على الاشتمال الا انها في مورد كان الطريق صحيحا
وهنا الرواية المشتملة عليها وردت بطريق عامي ولا يعلم اعتماد الأصحاب على الواردة
بهذا الطريق، فالترديد باق.
10 - يظهر مما ذكرنا من الأمور عدم دلالة الرواية على
أزيد من الاستحباب، فان مراعاة العمل على وفق إذا كبر فكبروا امر مستحب جزما،
فبوحدة السياق أولا، والتفريع على الائتمام المنطبق على الجميع ثانيا، يعلم أن حكم
58

المتابعة المذكور في استحبابي، على أن ظاهر جميع الجمل الأمر بمراعاة عدم التقدم
وعدم التأخر وبيان مطلوبية كون افعال المأمومين بنحو منظم منطبق على فعل الامام،
وهذا نظير اتصال الصفوف الذي مر الكلام في استحبابه، ويؤيد ذلك خبر أبي سعيد الخدري
المروي من مجالس الصدوق مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا قمتم إلى
الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسووا الفرج، وإذا قال امامكم الله أكبر فقولوا
الله أكبر - الخبر (1).
11 - قد ظهر مما مر انه لا دلالة للرواية على لزوم تأخير
افعال المأموم عن الامام وان قلنا بدلالتها على لزوم المتابعة، فان غاية ما يمكن ان
يقال في وجه دلالتها على ذلك وجوه (منها) ان التفريع يدل على الترتيب، فلابد من كون
ركوع المأموم مثلا عقيب ركوع الامام. (ومنها) ان الامر بالركوع مثلا في النبوي
مشروط بركوع الامام وما لم يتحقق الشرط لا امر بالركوع حتى يمتثل فلابد من كون ركوع
المأموم متأخرا عن ركوع الامام قضية لتأخير الامتثال عن الامر المتأخر عن شرط
الأمر. (ومنها) ان الائتمام الذي جعل غاية لجعل الإمامة لا يتم الا بذلك. وشئ من
هذه الوجوه لا يتم لما ذكرنا من أن الفاء لا يدل على الترتيب الزماني، وكذا الشرط
لا يتقدم على المشروط زمانا، كما أن الامتثال لا يلزم ان يتأخر عن الأمر زمانا،
والائتمام صادق على صورة التقارن أيضا كما يصدق على صورة تقدم افعال الامام، وهذا
على مبنى دلالة الرواية على لزوم المتابعة، ولو كان الدليل الاجماع والشهرة فكذلك،
لان القدر المتيقن من اعتبار المتابعة بحيث تبطل الجماعة بالاخلال بها صورة عدم
تقدم المأموم على الامام، واما سائر الصور ومنها المقارنة فلا اجماع على البطلان
فيها، ولا دليل على الاعتبار

(1) الوسائل: ج 5، باب 70 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 6.
59

فيها، والمرجع ما أسسناه من الأصل وهو البراءة بل الاطلاق المقامي. 12 - قد ظهر مما
مر أن ما جعله المحقق الهمداني وجها ودليلا على لزوم المتابعة في الافعال وهو ان
التبعية مأخوذة في مفهوم الائتمام والاقتداء وأسنده إلى الشيخ الأعظم - قدس سره
وأيده - خارج عن محل البحث، فان الكلام في لزوم المتابعة بعد فرض صدق الجماعة وان
تخلف المأموم، ولذا ذكر في اخر كلامه ان الائتمام قد يلاحظ بالنظر إلى مجموع الصلاة
على سبيل الاجمال، وقد يلاحظ كونها فعلا تدريجيا حاصلا بمتابعة الامام في افعالها
المتدرجة، فلاحظ كلامه وتأمل فيه، وما هو دخيل في الجماعة هو الأول، وما هو محل
الكلام في الثاني. 13 - حكم التأخير الفاحش حكم التقديم حرفا بحرف، فلو فرضنا ان
التأخير كان بحيث أخل بهيئة الجماعة بحيث لا يرى أنه مأموم مقتد في الصلاة فتبطل
الجماعة، ولو لم يكن كذلك فمجرد التأخير الفاحش لا يكون مضرا بصحة الجماعة ولم يحصل
به اثم، وما استدل الهمداني - قدس سره - به من روايتين لا دلالة لهما، فلاحظ.
14 لو بنينا على استفادة الوجوب من الرواية أو دلنا الاجماع أو الشهرة على الوجوب فهل
الوجوب شرعي أو شرطي؟ اما الرواية فالظاهر منها الوجوب الشرطي للائتمام الذي جعل
غاية لجعل الإمامة، وأما ان الائتمام هل هو واجب بوجوب شرعي أو شرط في صحة الجماعة
فلا يعلم من الرواية، واما الشهرة أو الاجماع فلم يقم على خصوص واحد منهما، بل
الأصحاب بين قائل بالوجوب الشرعي وقائل بالوجوب الشرطي، فلا يحرز أحدهما، فعلى كلا
المبنيين نتردد في ذلك، فلو قام دليل كالاجماع والشهرة على أحدهما كما ادعي قيام
الشهرة على الوجوب النفسي ينحل العلم الاجمالي، والا فيعلم اجمالا بثبوت أحدهما،
60

فلو بنينا على أن الشك في اعتبار شئ في الجماعة مورد للاشتغال ينحل العلم الاجمالي
حكميا ويثبت الشرطية للاشتغال وينفي التكليف بالبراءة، وعلى ما بنينا عليه من أنه
مورد للبراءة فالأصلان متعارضان ولابد من ترتيب اثار كلا الوجوبين، فمع التخلف تجب
الإعادة والتوبة. وقد أفاد المحقق الهمداني - قدس سره - في المقام من أن الوجوب
شرعي، وان شئت قلت شرطي بالنسبة إلى الجزء لا الكل، وهذا - مع أنه قول بلا دليل
مناقضة في الكلام، ولا يستقيم مع ما بنى عليه من ظهور الرواية على الشرطية للائتمام
المعتبر في حقيقة الجماعة، فلاحظ. هذا كله بالنسبة إلى المتابعة في الأفعال، وقد
تحصل ان الصناعة تقتضي عدم الوجوب لا شرطا ولا شرعا الا إذا كان التخلف بمقدار يكون
مخلا بهيئة الجماعة، ومع ذلك الاجماعات المنقولة والشهرة والسيرة الخارجية تمنعنا
عن الجزم بالحكم والافتاء، فلا يترك الاحتياط بترتيب آثار الوجوب شرعا، واما
الشرطية فلم تثبت جزما. والأقوال فلا تجب المتابعة فيها ولو قلنا بوجوب المتابعة في
الافعال، وذلك لعدم قيام دليل في الأقوال، ولا يشملها ما ادعي دلالتها على الوجوب
في الافعال، فان الاجماع والشهرة لم تقم على الوجوب في الأقوال بل ادعي الاجماع
وقيام الشهرة على عدم الوجوب فيها، والنبوي أيضا منصرف عن المتابعة في الأقوال،
وعدم جواز تكبيرة الاحرام قبل الامام ليس من باب وجوب المتابعة، بل من جهة انه لا
تنعقد الجماعة بانفراد المأموم بالتكبير، ولذا لا بأس بالتأخير الفاحش في تكبيرة
الاحرام لا شرطا ولا شرعا، وهل يجوز المقارنة في التكبير، أو لابد من التأخير في
الشروع وإن كان الختم مقدما، أو لابد من التأخير في الشروع والختم، أو لابد من
التأخير عن تكبير الامام جميعا؟ الظاهر هو الأول لصدق الجماعة عليه، وقد مر عدم
61

قيام دليل على المتابعة بمعنى الفصل الزماني فلا يمكن التمسك بقوله صلى الله عليه وآله
: فإذا كبر فكبروا على لزوم التأخير، مضافا إلى تفريع ذلك على الائتمام،
فلابد من ملاحظة انه هل يصدق الاتمام أو لا يصدق؟ والظاهر صدق الائتمام بالمقارنة،
بل يجوز المقارنة في الشروع ولو ختم المأموم مقدما للصدق أيضا. وما توهم من أن
المأموم على هذا دخل في الصلاة قبل دخول الامام في الصلاة مبني على خروج تكبيرة
الاحرام عن الصلاة، وهذا واضح الفساد، وتسميتها بتكبيرة الافتتاح من جهة انها الجزء
الأول منه، لا ان الصلاة تفتتح بها بمعنى ان الصلاة امر والتكبيرة خارجة عنها
وتفتتح الصلاة بها نظير الباب والمفتاح، فالامام والمأموم دخلا في الصلاة معا
بشروعهما في التكبير مقارنا وإن كان ختم تكبير المأموم مقدما على ختم تكبير الامام.
واما التسليم فلا بأس بتقدم المأموم على الامام فيه، فإنه مضافا إلى ما مر في مطلق
الأقوال يكفي في الدلالة على ذلك صحيحة أبي المعزا عن الصادق عليه السلام في الرجل
يصلي خلف امام فيسلم قبل الإمام قال: ليس بذلك بأس (1) فإنها مطلقة تشمل العمد أيضا،
ودعوى الانصراف إلى السهو - ولا سيما بملاحظة صحيحه الاخر (2) الوارد في مورد السهو
ممنوع، فان الانصراف بدوي مع أن صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون
خلف الامام فيطيل الامام التشهد فقال: يسلم من خلفه ويمضي لحاجته ان أحب (3) وارد في
مورد العمد، ودعوى ان مورد الصحيحة مورد العذر فاسد، فان الإطالة في التشهد ليست
بمقدار يوجب العذر عن المتابعة، واحتمال ان تسليم المأموم في الرواية مع قصد
الانفراد مدفوع بعدم دلالة الدليل على لزوم قصد الانفراد، هذا. مع أن صحة التسليم
على القواعد وان قلنا بوجوب المتابعة شرطا أو شرعا،

(1) الوسائل: ج 5 باب 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث 4.
(2) الوسائل: ج 5 باب 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث 5.
(3) الوسائل: ج 5 باب 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
62

لما تقدم من أن بطلان الجماعة لا يستلزم بطلان الصلاة، ووجوب المتابعة لا يستلزم
النهي عن التسليم، فالتسليم وقع موافقا للأمر فتصح الصلاة جزما، وليس في البين الا
احتمال الاثم، وهو مدفوع بأصالة البراءة لعدم قيام دليل صالح لاثبات ذلك. قوله
قده: فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر. أقول: هذا هو الموافق للقاعدة، فان
ركوعه أو سجوده وقع موافقا للامر فيجري، والشك في بطلان الصلاة أو الجماعة لا اثر
له، فان العمل موافق للمأمور به والاحتمال المذكور يدفع بالاطلاق لفظا أو مقاما، مع أن
استصحاب الصحة وبقاء القدوة يكفي في ذلك. ان قلت: رفع الرأس محرم فكيف يكون
موافقا للأمر، وعليه فلا يمكن تصحيح الصلاة لأنه مع إعادة الركوع أو السجود تحصل
الزيادة العمدية، ومع عدم الإعادة يحصل الاخلال من جهة رفع الرأس. قلت: رفع الرأس
غير محرم حتى بناء على القول باقتضاء الامر بالشئ - وهو المتابعة في المقام
للنهي عن ضده الخاص، فان المنهي وإن كان هو الضد الخاص الا انه بعنوان انه مضاد
للواجب لا بعنوان اخر، فالحركة المذكورة مجمع لعنوانين أحدهما رفع الرأس من السجدة
أو الركوع والاخر كونها مضادا للواجب، والنهي على القول بالاقتضاء متعلق بهذا
العنوان ولا يسري إلى ذاك العنوان، مع أن القول بالاقتضاء باطل كما حقق في محله،
مضافا إلى أن رفع الرأس ليس من اجزاء الصلاة حتى توجب حرمته فساد الصلاة بفساد
جزئها، بل هو مقدمة للجزء وهو القيام بعد الركوع أو الجلوس بعد السجود. وقد أشكل
المحقق الهمداني - قدس سره - على الاستدلال بان إعادة الركوع أو السجود ليس من
ايجاد الزائد الممنوع في الصلاة، بل اما يوجب احداث وصف الزيادة في المتقدم وهذا
63

لا يكون مبطلا، وذكر هذا في مواضع متن كتابه، ولكن لا يخفى انه لو سلم هذا الكبرى، أي
ان الممنوع ايجاد الزائد لايجاد وصف الزيادة في الجزء السابق لكن لا يرتبط بما نحن
فيه، فان المحرم - على القول به - ليس الا رفع الرأس لا الركوع أو السجود، فالركوع
أو السجود وقع صحيحا واعادتهما من ايجاد الزائد وهو مبطل للصلاة. فتحصل: ان مقتضى
القاعدة صحة الصلاة إذا رفع المأموم رأسه عامدا، وقد مر انه لا دليل على وجوب
المتابعة شرطا للصلاة أو الجماعة لو لم نقل بعدم الدليل على الوجوب التكليفي أيضا.
واما وجوب الاستمرار فأيضا موافق للقاعدة، فان ترك الاستمرار وإعادة الركوع أو
السجود موجب لحصول الزيادة العمدية، بل زيادة الركن في إعادة الركوع، هذا بحسب
القاعدة. واما الأدلة الخاصة في المقام فمضافا إلى الشهرة كما يظهر من كلماتهم، بل
ادعي على ذلك أنه مذهب الأصحاب: موثقة غياث بن إبراهيم قال: سئل أبو عبد الله عليه
السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع إذا أبطأ الامام ويرفع
رأسه معه؟ فقال: لا (1) بناء على ثبوت الاطلاق فيها بحيث تشمل صورة العمد أو تقيد
بهذه الصورة جمعا، والا فلا دليل على ذلك، الا انه مقتضى القاعدة وموافق للشهرة. ثم إنه
هل يكون للرواية اطلاق؟ وعلى تقدير ثبوت الاطلاق، هل يمكن تقييدها بصورة العمد
أولا؟ فقد يدعى ان السؤال عن الرفع قبل الامام، وأجاب الإمام عليه السلام بالنفي
ولم يفصل بين صورة العمد وغيره، وهذا يدل على اطلاق الحكم لصورة العمد، وادعى
المحقق الهمداني - قدس سره - انصراف الراوية إلى غير مورد العمد. والانصاف انه لا

(1) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 6.
64

يمكن الاعتماد على أي من الدعويين، فان ندرة وجود العمد في التقدم تكون موجبة
لاحتمال الانصراف بل الظن به، ومع ذلك لا يمكن احراز ان المتكلم في مقام بيان
الاطلاق فنبقى في الشك في الاطلاق والانصراف ومعه اطلاقات أدلة مبطلية الزيادة
محكمة، على أنه لو فرضنا الاطلاق لابد من حمل الرواية على نفي الوجوب وحمل الروايات
الآتية على الاستحباب، فالنتيجة التخيير بين الاستمرار والإعادة وان كانت الإعادة
مستحبة، فالاستمرار موافق للاحتياط، فإنه على جميع التقادير لا بأس به، والحاصل ان
وجوب الاستمرار لو لم يكن أقوى فلا أقل من أنه أحوط. قال المحقق الهمداني - قدس
سره: لا يقال: الاجماع على عدم وجوب الاستمرار في مورد السهو يخصص الموثقة بصورة
العمد، وتنقلب النسبة بين الموثقة والروايات الآتية الدالة على وجوب العود مطلقا
فتخصص الروايات بالموثقة، فتحصل وجوب الاستمرار في مورد العمد ووجوب العود في مورد
السهو. لأنا نقول: ان الاجماع من قبيل المخصص المنفصل الذي يجب ملاحظة النسبة بين
المتعارضين قبل التخصيص به لابعده، فلابد من الجمع بين الموثقة والروايات بحملها
على الاستحباب، وهذا لا ينافي الاجماع. أقول: الظاهر أنه لابد من الالتزام بما
يقتضيه انقلاب النسبة، فان العرف لا يرى عموم لا يكرم الفساق مثلا المبتلى بمخصص مثل
يستحب اكرام الجاهل الفاسق معارضا لعموم أكرم العلماء، بل يرى قرينية المخصص
للإرادة الجدية من العموم الأول، ويرى ذلك قرينة للإرادة الجدية من العموم الثاني،
هذا بحسب الكبرى، لكن في المقام لا يمكن القول به، فان تخصيص الموثقة بالاجماع موجب
65

للتخصيص المستهجن، فان مورد التخلف العمدي نادر جدا، فلا يمكن رفع اليد عن عمومها
لغير مورد العمد، والنتيجة هو الحمل على الاستحباب، لكن الكلام في عمومها لمورد
العمد، وقد مر دعوى الانصراف عنه في كلام بعض الفقهاء قوله قده: ولو كان ناسيا
أعاد. أقول: قد ظهر مما مر ان هذا الحكم على خلاف القاعدة، يدل عليه - مضافا إلى
التسالم بينهم وإن كان وجوب الإعادة واستحبابها مورد الخلاف - بعض الروايات كخبر
محمد بن سهل عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عمن يركع مع امام يقتدي
به ثم رفع رأسه قبل الامام، قال: يعيد ركوعه معه (1). وبمضمونه خبر علي بن يقطين (2).
وكصحيحة الفضيل بن يسار انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى مع امام يأتم
به ثم رفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الامام رأسه من السجود قال: فليسجد (3).
وبمضمونها موثقة محمد بن علي بن فضال (4) الا انه عليه السلام قال: أعد واسجد.
والجمع بين هذه الروايات وموثقة غياث قد تقدم، وقلنا بأنه لابد من حمل هذه الروايات
على الاستحباب، قلنا بانصرافها إلى غير العمد أو لم نقل، فان السؤال في الموثقة
وهذه الروايات بلسان واحد، فلو قلنا بالانصراف نقول في الجميع ولو لم نقل لا نقول
في الجميع، وعلى أي حال فالقدر المتيقن من شمول هذه الروايات صورة غير العمد، وبما
انه لابد من حمل الامر فيها على الاستحباب جمعا فيحصل استحباب الإعادة فيما إذا رفع
المأموم رأسه قبل الامام ناسيا.

(1) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
(2) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 3.
(3) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
(4) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 5.
66

تنبيهان
1 - لو قلنا بوجوب العود على الناسي فان أخل به عمدا فهل تبطل صلاته؟ قولان مبنيان
على استفادة الشرطية من الأوامر الواقعة في هذه الروايات أو استفادة التكليف منها.
وقال المحقق الهمداني - قدس سره -: المتبادر من الامر في مثل المقام ليس الا بيان
ما هو وظيفته من حيث كونه مقتديا لا من حيث كونه مصليا، فمخالفته غير موجبة لبطلان
الصلاة بل ولا أصل الجماعة. أقول: اما بطلان أصل الصلاة فغير محتمل مع الاتيان
بوظيفة المنفرد وعدم الاخلال بها، والكلام انما هو في صحة الجماعة وعدمها، وليس في
الروايات شئ يعتمد عليه من أن الحكم فيها تكليفي أو شرطي، فان احتمال كل من ذلك
احتمال عقلائي، ودعوى التبادر ممنوعة، ولابد من ملاحظة ما هو المرجع للشك في أن
المجعول الشرطية أو التكليف المحض والمفروض عدم دليل اجتهادي صالح لاثبات أحدهما،
وأصالة البراءة عن الشرطية تعارض أصالة البراءة عن التكليف، فتصل النوبة إلى الأصل
الحكمي وهو استحباب بقاء القدوة وصحة الجماعة بلا مانع، والنتيجة موافق لعدم
الشرطية والوجوب التكليفي. 2 - لو رفع رأسه قبل الذكر الواجب فهنا صور أربع: الرفع
عمدا مع ترك الذكر عمدا. الرفع عمدا مع ترك الذكر سهوا. الرفع سهوا مع ترك الذكر
عمدا. الرفع سهوا مع ترك الذكر سهوا. اما صورة كون الرفع والترك عمديين فلا ينبغي
الاشكال في بطلان الصلاة، للاخلال بالذكر الواجب عمدا مع عدم امكان تداركه. كما
لا ينبغي الاشكال في صحة الصلاة والجماعة في مورد كون الرفع عمديا والترك سهويا،
وذلك لكون الاخلال بالذكر الواجب سهويا فلا يوجب البطلان، وقد مر صحة الجماعة ولزوم
الاستمرار في هذه الصورة. واما في صورة كون الرفع سهويا والترك عمديا فهل يحكم
67

ببطلان الصلاة أو يجب العود لتدارك الذكر الواجب، ومعه يحكم بصحة الصلاة والجماعة؟
وجهان. وهكذا في صورة كون الرفع والترك سهويين فلا اشكال في صحة الصلاة والجماعة،
لكن هل يجب العود لتدارك الذكر أولا؟ ولو تذكر بعد العود فهل يجب الذكر أولا؟
الوجهان مبنيان على أن الركوع الثاني أو السجدة الثانية هل هما امر مستقل وركوع أو
سجود زائد مغتفر في الصلاة، أو ان الشارع الغى الزائد واعتبر المصلي بعد العود
عائدا إلى ما كان فكأنه في نفس الركوع الأول أو السجدة الأولى؟ فقد اختار المحقق
الهمداني - قدس سره - الوجه الثاني، وادعى ان المتبادر من الامر بالعود والرجوع
والإعادة بذلك. أقول: ليس في الروايات كلمة العود والرجوع، وانما وردت في
روايتين (1) منها يعيد وأعد، ولو لم نقل بان إعادة الركوع أو السجدة ظاهرة في أن
المعادة اعتبرت مغايرة للمأتي به أولا فلا أقل من عدم الظهور في خلافه، والحاصل ان
كلا الوجهين محتمل في الروايات. ودعوى تبادر أحدهما عهدتها على مدعيها، نعم ما
اختاره من الوجه امر مناسب ملائم للذوق، لكن دعوى التبادر بمجرد ذلك غير ممكن،
ولا يمكن الافتاء على شئ بمجرد انه مناسب للذوق وملائم للطبع، فلابد من ملاحظة ما
هو المرجع في مثل هذا الشك. والظاهر الفرق بين الصورتين، فمع كون ترك الذكر عمديا
لابد من العود والاتيان بالذكر الواجب، والا فتبطل الصلاة للاخلال بالذكر الواجب
عمدا، ولكن لو أعاد واتى بالذكر يحكم بصحة الصلاة والجماعة

(1) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة
68

للاستصحاب، ولا مانع منه لتمامية أركانه، فوجوب العود حينئذ عقلي لامكان اتمام
الصلاة مع العود صحيحا، واما صورة كون ترك الذكر سهويا فالأصل البراءة، ولا يجب
العود، بل لا يجب الذكر لو عاد ثم تذكر، والله العالم. قوله قده: وكذا لو اهوى إلى
الركوع أو سجود. أقول: فيستمر مع العمد، والخصوصية المحتملة في هذه المسألة الفارقة
بينها وبين المسألة السابقة أمور: الأول: ان الركوع من اجزاء الصلاة بخلاف رفع
الرأس منه، وكذا السجود والرفع منه، فقد يقال إن ترك المتابعة عمدا في الركوع موجب
للنهي عنه المفسد له بخلاف ترك المتابعة في الرفع وإن كان عمدا، فان النهي عن الرفع
لا اثر له الا الاثم فقط، وهذا الفرق وإن كان صحيحا الا انه ليس بفارق، لما مر من
عدم سراية النهي إلى الركوع وان قلنا باقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده الخاص، لان
المنهي حينئذ الاتيان بمضاد الواجب وهذا عنوان غير عنوان الركوع، والحكم المتعلق
إلى عنوان لا يسري إلى عنوان اخر، هذا فضلا عما إذا لم نقل بالاقتضاء. الثاني: الرفع
المقدم على الامام لا يكون مبطلا على حسب النص (1) وفي المقام لم يرد نص في خصوص
العمد. ولكن هذا أيضا ليس بفارق، فان القاعدة تقتضي لزوم الاستمرار كما ذكرناها في
تلك المسألة، مع أن شمول النص لصورة العمد في المسالة السابقة قد عرفت حاله.
الثالث: هنا خصوصية في بعض الفروض وهو فرض ركوع المأموم قبل اتمام الامام القراءة،
وهذا مورد للاشكال من جهات:

(1) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة
69

(الأولى) وقوع الاخلال بواجبات القراءة من القيام والطمأنينة حالها. ولكن لا دليل
على اعتبار هذه الواجبات بالنسبة إلى غير القارئ، والقارئ في المقام هو الامام لا
المأموم. (الثانية) القيام الواجب هو القيام بمقدار القراءة والمفروض اخلال المأموم
به. والجواب انه لا دليل على ذلك بالنسبة إلى غير القارئ الذي يجب عليه القيام حال
القراءة، وبعبارة أخرى: هنا قيام واجب وهو من اجزاء الصلاة وقيام واجب في القراءة،
ولا دليل على الثاني بالنسبة إلى غير القارئ ولا تحديد في الأول في مقداره.
(الثالثة) ان المأموم أخل بمتابعة الامام في القيام الواجب حال القراءة، ولكن هذا
الاشكال لا يزيد عن اشكال الاخلال بالمتابعة في أصل الركوع. (الرابعة) ركوع المأموم
وقع في غير محله لأنه مترتب على القراءة، والمفروض عدم تمامية القراءة بعد، فهذا
ركوع زائد مبطل للصلاة. وهذا الاشكال هو المهم في المسألة وبه يحصل الفرق بينها
وبين السابقة، فان الرفع ليس بجزء حتى يقال بأن الرفع قبل تمام الذكر من الزيادة
المبطلة لوقوعه في غير محله، فتحصل مما ذكرنا انه لو أهوى إلى الركوع أو السجود
عمدا فإن كان بعد القراءة يستمر ويصح الصلاة، ولو كان في أثناء القراءة تبطل الصلاة
من جهة الزيادة المبطلة. واما إذا كان سهوا فقد استدل على وجوب الرجوع بمكاتبة ابن
فضال إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف امام يأتم به فليركع قبل ان
يركع الامام وهو يظن أن الامام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع
مع الامام، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الرجعة؟ فكتب عليه السلام: تتم صلاته
ولا تفسد صلاته بما صنع (1). والكلام يتم في هذا

(1) الوسائل: ج 5 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث 4.
70

الاستدلال بذكر جهات: (الأولى) لا اختصاص للحكم بمورد الرواية وهو الظان بركوع
الامام، بل الحكم يعم الناسي والساهي وغيرهما من المعذورين، للاجماع على عدم الفرق،
واستفادة ذلك من الرواية من جهة الفهم العرفي بالغاء الخصوصية على تأمل في ذلك.
(الثانية) لا يستفاد من الرواية أزيد من جواز الرجوع فإنها في مقام بيان حكم القضية
الواقعة ولم يبين فيها وجوب رجوع المأموم، ولكن ادعى المحقق الهمداني - قدس سره
عدم القول بجواز العود والاستمرار ومع ذلك هو بنفسه اختار الجواز وهذا يوهم ما
ادعاه، مع أن أمثال هذه الجماعات محصلها لا يكشف عن رأي المعصوم فضلا عن منقولها،
فان المجمعين والناقلين كلهم يجتهدون في دعواهم وفتواهم ولا سيما مع احتمال
اعتمادهم على نفس هذه الرواية، فالحق عدم استفادة الوجوب بل غاية ما يستفاد الجواز،
والجواز في المقام ملازم للمحبوبية فيستحب العود للمتابعة. (الثالثة) حكي عن بعض
المتأخرين التفصيل بين الركوع والسجود، بوجوب الاستمرار في الثاني اقتصارا على مورد
النص في الحكم المخالف للأصل، ولكن المحقق الهمداني ادعى عدم القول بالفصل والقطع
بالمناط، مع امكان منع صدق الزيادة المبطلة بهذه الزيادة التي اتى بها بقصد تدارك
المتابعة وادعى انصراف الأدلة عن مثل هذه الزيادة. وفيه: ان المفروض وقوع السجدة
موافقا للامر والانطباق قهري والاجزاء عقلي، فكيف لا يصدق على الثاني الزيادة مع أنها
عرفي مثل سائر الموضوعات، ودعوى الانصراف ممنوعة جدا، واما دعواه القطع
بالمناط، فقضية ابان - الذي توهم ان ما أتى به من الحكم انما هو من الشيطان - واردة
71

في مورد القطع بالمناط، فالقياس باطل وإن كان في مورد القطع بالمناط، فان السنة إذا
قيست محق الدين، وعدم امكان الردع في مورد القطع امر لو سلم أجنبي عن هذا، ومحل
الكلام فيه في الأصول، فلم يبق الا دعواه الاجماع، ويمكن دعوى الغاء الخصوصية عن
الركوع عرفا بحيث يستفاد من ألفاظ الرواية ان الحكم ثبت لتقدم المأموم على الامام
بلا خصوصية في الركوع، فليتأمل. وكيف كان، الحكم في المسالة كأنه مسلم، ولكن الأحوط
بناء على استفادة الجواز من الرواية لا الوجوب - هو التفصيل بين الركوع والسجود،
بالقول بالجواز في الأول ويستمر في الثاني. وقد يستدل على وجوب المتابعة بالنبوي
المتقدم: انما جعل الامام اماما ليؤتم به... الخ. ولكن الاستدلال بذلك لا يتم لما
افاده المحقق الهمداني - قدس سره - من أن الرواية ليست في مقام بيان لزوم التبعية
فيما يكون مخلا بصلاة المأموم نظير الركعة والركن الزائدين بل مطلق الزيادة، وما
نحن فيه من ايجاد الزيادة فلا يشمله الدليل. ثم إنه بناء على وجوب الرجوع فلو أخل
به لا تبطل الجماعة، لا لما ذكره المحقق الهمداني من أن الوجوب من جهة المتابعة وهو
تكليفي لما مر من عدم ادلالة الدليل على ذلك، بل لما ذكرنا من احتمال كلا الأمرين
في الدليل، ولا يمكن استظهار أحدهما منه، فتصل النوبة إلى استصحاب بقاء القدوة وصحة
الجماعة. نعم قد يقال بأنه لو كان ذلك أثناء القراءة فلابد من الرجوع لدرك القراءة
والا تبطل الصلاة للاخلال بالقراءة عمدا. وقال المحقق الهمداني - قدس سره - في رده
انه لو كان الركوع الأول هو الركوع الصلاتي لكانت القراءة ساقطة لفوات محلها ولو
كان هو الملغى، والثاني هو الصحيح فالواجب الرجوع ولو بعد القراءة بل ولو وقع قصد
الانفراد، ثم احتمل صحة الأول معلقة على عدم الغائه، وبما انه لا صلاة الا بفاتحة
72

الكتاب لابد من الغائه لامكان تدارك القراءة في محلها حينئذ بالغاء الركوع. انتهى
ملخصا، وفيه جهات من النظر: 1 - لو بنينا على أن الركوع الأول هو الصحيح، فيمكن ان
يقال إن الساقط من جهة السهو هو الترتيب بين القراءة والركوع، واما أصل القراءة
فلا، فلابد من الرجوع لاتيانها ولو بمسقطها. 2 - لو كان صحة الركوع الأول معلقة على
عدم الغائه، فمع عدم الالغاء تكون السجدة صحيحة، وعليه لابد من سقوط القراءة لما
ذكره من فوات المحل، ولا دليل على لزوم الالغاء، ودليل وجوب القراءة لا يدل على لزوم
الالغاء، فإنه على المفرض الديل مخصوص بعدم فوت المحل، ومع عدم الغاء الركوع يفوت
المحل على هذا الاحتمال. 3 - لا معين لهذا الاحتمال ولا يتم بدليل، فما افاده من أن
القول بالبطلان حينئذ مع موافقته للاحتياط لا يخلو من وجه لاوجه له. والتحقيق
ان يقال: ان الركوع الأول وقع موافقا للامر فيسقط الامر به، ولا وجه لتوهم انه
لا يحسب من الصلاة الا بدليل الرجوع، ولا دلالة له على أن الأول ملغي بحكم الشارع،
غايته الدلالة على لزوم المتابعة، واما ان الأول ليس بجزء فلا، فعلى القواعد ان
الأول وقع جزء للصلاة والثاني اما متابعة محضا، أو ركوع اخر للصلاة، أو توسعة في
الركوع الأول أي عود فيه باعتبار الشارع كما ليس ببعيد عن الذوق، وشئ من ذلك
لا يقتضي البطلان بالاخلال بالرجوع، واحتمال ان الثاني ركوع اخر للصلاة ففي هذه
الركعة ركوعان بحكم الشارع، لا يوجب بطلان الصلاة بعدم الرجوع. أولا: هذا احتمال محض
مدفوع بالبراءة. وثانيا: ان غاية ما يمكن ان يقال إنه بالمتابعة يكون الركوع الثاني
أيضا من الصلاة، لا ان جزئية الركوع الثاني يقتضي لزوم المتابعة، ولم يقل بذلك أحد
أيضا، وذلك مجرد احتمال احتملناه، وليس في كلامهم منه عين ولا اثر، وبعبارة أخرى:
73

انه مع الاتيان به جزء لا ان جزئيته تقتضي الاتيان به، لعدم الدليل على الجزئية
مطلقا، وكيف كان، الصلاة مشتملة على جميع اجزائها، واحتمال بطلان أصل الصلاة لا وجه
له، واحتمال بطلان الجماعة يرتفع باستصحاب بقاء القدوة وصحة الجماعة، وغايته حصول
الاثم بترك المتابعة وعدم الرجوع. ثم إنه لا يجب مراعاة واجبات الركوع في الركوع
الأول كالذكر مثلا بناء على لزوم المتابعة فإنه فوري، وكذا على الجواز لاطلاق دليله
من جهة ترك الاستفصال، وهل يجب المراعاة في الركوع الثاني؟ فلابد من التفصيل بين ما
إذا اتى بالواجبات في الركوع الأول فلا يجب في الثاني لأصالة البراءة، وما إذا لم
يأت بها فيجب في الثاني فإنه على احتمال ان الثاني توسعة في الأول والركوع الثاني
رجوع إلى الأول بحكم الشارع يحصل الشك في سقوط الوظيفة برفع الرأس عن الركوع الأول،
والأصل الاشتغال وعدم السقوط، مع امكان ان يقال إن الركوع الأول وإن كان موافقا
لامره والانطباق القهري مستلزم للاجزاء العقلي، الا ان تجويز الشارع الغاءه
والاتيان بالثاني يقتضي ان يكون الثاني أيضا ركوعا صلاتيا توسعة في الركوع الأول،
لا بمعنى انه رجوع في الأول بل بمعنى انه يعامل معه معاملة الركوع الأول الواجب في
الصلاة، فمع الاخلال بالواجبات في الركوع الأول يأتي بها في الثاني، ومع الاتيان
بها في الأول لا يجب الاتيان بها في الثاني، ومع الاتيان بها في الثاني فإنه أتى
بها على الفرض ولا يجب الاتيان بها ثانيا، فتأمل في ذلك فإنه لا يخلو عن دقة.
ولا يتوهم ان لزوم معاملة الركوع الواجب يقتضي الاتيان بذكره، فان المراد ان الشارع
جعل توسعة في الركوع لا تضييقا، وكيف كان فمع عدم امكان استفادة ذلك من الدليل
اللفظي فالأصل العملي كاف في المقام كما ذكرناه. قوله قده: ولا يجوز ان يقف
74

المأموم قدام الامام. أقول: قد استدل على ذلك بالاجماع، وقد ادعي انه مستفيض نقله
بل متواتر، وبالسيرة المستمرة الجارية على الالتزام بعدم تقدم المأموم على الامام
في الموقف، وبان الجماعة امر توقيفي مأخوذ من الشارع ولابد من الاحتياط حينئذ في
مورد الشك، لعدم وجود اطلاق يرفع الشك، ولا أصل فيه الا الاشتغال، وبأن الحكم معروف
بين المتشرعة على وجه كاد ان يلحق بالضروريات، وبأنه علم أن هذه الكيفية المخصوصة
بين المسلمين ملحوظة في الشريعة وليست من باب الاتفاق، وبالروايات الآتية الدالة
على لزوم تقدم الامام فكيف بتقدم المأموم عليه، وبظهور لفظ الامام، وبخبر محمد بن
عبد الله الواردة في تقدم الصلاة على قبر الإمام عليه السلام فان فيه: واما الصلاة
فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز ان يصلي بين يديه، لأن الامام لا يتقدم، ويصلى عن
يمينه وشماله (1). وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب
الزمان عليه السلام مثله، الا أنه قال: ولا يجوز ان يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا
عن شماله، لان الامام لا يتقدم ولا يساوى (2)، هذا. اما الاجماع في المقام فيمكن ان
يخدش فيه، بأنه ليس اجماعا تعبديا، لاحتمال استناد المجمعين إلى سائر الوجوه ومنها
الخبر المذكور. واما السيرة فلا تثبت جهة العمل وانه وجوبي أو غير وجوبي، وما ذكر من أن
السيرة جارية على الالتزام بذلك. فلو فرض كونها كذلك الا ان السيرة

(1) الوسائل: ج 3 باب 26 من أبواب مكان المصلي حديث 1.
(2) الاحتجاج: ج 2 ص 490 ط. بيروت.
75

ليست بحجة في الملتزمات، بل حجيتها انما تثبت في جواز ما قامت عليه من العمل
الخارجي، فان وجه حجيتها انها متصلة إلى زمان المعصوم عليه السلام وفي منظر منه
عليه السلام ولم يردع عنه فيستكشف انه راض بذلك، وهذا لا يثبت الا جواز نفس العمل
الذي كان بمنظر منه عليه السلام. واما توقيفية الجماعة، فلا تنافي امكان اثباتها
بالاطلاق المقامي أو الرجوع في الموارد المشكوكة إلى البراءة كما مر في تأسيس
الأصل، واما دعوى ضرورية الحكم أو ان الكيفية الخارجية ليست من باب الاتفاق. فلا
يزيد عن دعوى الاجماع والسيرة، وقد عرفت الحال فيهما، الا ان يقال بان الحكم
لا يحتاج إلى دليل فإنه من الضروريات، ولكن هذا المقدار لا يكفي، لامكان منع كون
الحكم ضروريا. واما الروايات التي ادعيت دلالتها على لزوم تقدم الامام، فسيجئ
الكلام فيها وفي دلالتها، وانه لا تدل على اللزوم، فلم يبق الا ظهور لفظ الامام
المؤيد بخبر محمد بن عبد الله المتقدم، بل نفس الخبر يكفي في اثبات ذلك، فإنها
موثقة وإن كان خبر الاحتجاج ضعيفا. وتقريب الاستدلال مع كون الخبر في مقام بيان حكم
الصلاة مقدمة على قبر الإمام عليه السلام ان التعليل بان الامام لا يتقدم لا يختص
بمورد الخبر، فإنه ليس تعليلا تعبديا لعدم امكان تعليل الشئ بنفسه، فان الحكم
المذكور في الرواية عدم جواز التقدم على قبر الامام، ولا يمكن ان يعلل هذا الحكم
بجملة ان الامام لا يتقدم، فإنها نفس الحكم المذكور لا علته، بل العلة انما هي امر
ارتكازي وهو ان الامام الذي جعل لان يتابعه المأموم كيف يتأخر عن المأموم، وهذا
76

الامر الارتكازي لا يختص بالامام الواجد لمنصب الإمامة فقط، بل عدم جواز التقدم على
هذا الامام أيضا من جهة إمامته المنافية لتقدم المأموم عليه، وهذا المعنى ينطبق على
امام الجماعة أيضا فإنه امام الجماعة والامام لا يتقدم. والحاصل: ان التعليل لو كان
بأمر تعبدي لأمكن ان يقال باختصاصه بمورده وهو الامام الواجد للمنصب، لكنه لا يمكن
لان العلة على هذا يكون نفس الحكم، واما لو كان بأمر ارتكازي - كما هو الصحيح
فالارتكاز أشمل من المورد، ولذا أيدنا ظهور لفظ الامام في ذلك بهذا الخبر، وان شئت
قلت: انه لا يرى العرف من وقف مقدما على شخص مقتديا بذلك الشخص ومأموما له، وعلى ذلك
يحصل لنا دليلان على المسألة (أحدهما) صحة سلب الجماعة على مثل هذه الجماعة، فإنها
مقومة بامام ومأموم ولا يصدق على المأموم المتقدم انه مأموم. (وثانيهما) الخبر
المذكور، فان التعليل فيه بأمر ارتكازي شامل لصلاة الجماعة أيضا، واماما افاده
المحقق الهمداني - قدس سره - من المناقشة في دلالة الرواية، وعدم استناده إلى ظهور
لفظ الامام لقوله في ذلك كما يؤمي الدال على أنه لا يستند إلى هذا الدليل، واستناده
قدس سره - إلى سائر الوجوه فلا يتم لما ذكرنا، بل لو لم يتم ما ذكرنا من الدليلين
لا يمكن ان يثبت المسألة بدليل الا بدعوى الضرورة، أو انه لا اشكال في المسألة،
وأمثال هذه الدعاوى مع أنها كما ترى. ثم إنه قد يستشكل على الاستدلال بالرواية بأن
التعليل لابد وان ينطبق على مورده وبما ان الصلاة مقدما على قبر الإمام عليه السلام
لا يكون باطلا، بل غايته ان التقدم على القبر حرام، والرواية أيضا لا تدل على أزيد
من ذلك مع أنه بحسب الفتوى انه ليس بحرام أيضا، فيعلم عدم انطباق التعليل على صلاة
الجماعة الا باعتبار الحكم التكليفي للتقدم، فلا يمكن اثبات البطلان بهذا الدليل.
77

ولكن هذا الاشكال مدفوع بان التعليل بالأمر الارتكازي - وهو منافاة الإمامة مع
التقدم عليه - يدل عل بطلان الجماعة فيما نحن فيه، وما عدم البطلان في المورد من
جهة ان الإمامة غير دخيلة في الصلاة بل انما هي مؤثرة في عدم جواز التقدم على القول
به، وبعبارة أخرى: ظهور التعليل في المنافاة بين الإمامة والتقدم عليه، وتطبيقه على
المورد ينتج حرمة التقدم فقط ولا دخل لذلك في أصل الصلاة، وتطبيقه على مسألتنا ينتج
بطلان الجماعة لاقتضاء المنافاة ذلك كما لا يخفى.
ان قلت: يمكن تصوير ان يكون التعليل تعبديا بان يكون المراد منه حرمة التقدم على
مطلق الامام، فليس في تعليل الشئ بنفسه. قلت: هذا وإن كان جوابا عن الاشكال الذي
أوردناه على كون التعليل تعبديا، الا ان نفس التعبير بان الامام لا يتقدم بتناسب
الحكم والموضوع ظاهر في بيان المنافاة بين الإمامة والتقدم عليه، وهذا هو الذي
ذكرنا انه امر ارتكازي، وكيف كان، دلالة الخبر على المسألة تامة، كما انها تظهر
أيضا عن مفهوم الجماعة وكون شخص اماما والاخر مأموما. هذا كله في حكم تقدم المأموم
على الامام، واما إذا كانا مساويين في الموقف فنسب إلى المشهور الجواز، بل عن
التذكرة دعوى الاجماع عليه، ولكنها لا يتم لوجود الخلاف كما نسب إلى الحلي - قدس سره
عدم الجواز، وكيف كان فلابد من ملاحظة النصوص الواردة في الباب أولا، فلو تم والا
فنتمسك بالقواعد، فقد استدل على القول بعدم الجواز ووجوب التأخر بما في خبر الحميري
المتقدم من قوله: لا يساوي، وصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه السلام عن الرجل يؤم
الرجلين قال: يتقدمهما ولا يقوم بينهما (1). وما دل على الامر بتقديم امام في مسألة
ما لو مات الامام في أثناء الصلاة أو حدث له مانع عن اتمامها ونظائر ذلك. وما دل
على كيفية صلاة العراة من أن امامهم يتقدمهم بركبتيه في صحيحة ابن سنان (2)،
ويتقدمهم امامهم في موثقة إسحاق بن عمار (3)، هذا. ولا دلالة في شئ من ذلك على وجوب
تأخر

(1) الوسائل: ج 5 باب 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث 7.
(2) الوسائل: ج 3 باب 51 من أبواب لباس المصلي حديث 1 و 2.
(3) الوسائل: ج 3 باب 51 من أبواب لباس المصلي حديث 1 و 2.
78

المأموم على الامام. اما رواية الحميري مع ضعف سندها معارضة بخبر محمد المتقدم،
واما سائر الروايات فكلها الا صحيحة ابن مسلم التي نتكلم فيها واردة في مقام بيان
امر اخر غير حكم التقدم، مثل حكم الإمامة عند عروض حادث للامام، والإمامة في جماعة
العراة، وليست هذه الروايات ناظرة إلى بيان نوع حكم التقدم وانه وجوبي أو استحبابي،
فيحمل الامر بالتقدم فيها إلى التقدم المشروع في الجماعة. وبعبارات أخرى: الروايات
ناظرة إلى حكم أخير غير حكم التقدم، فالتقدم المذكور فيها اخذ مفروض الوجود، ولا
دلالة للامر بالتقدم الذي اخذ مفروضا ومعهودا على نوع حكمه وانه وجوبي أو استحبابي.
واما الصحيحة فأيضا لا تدل على اعتبار تأخر المأموم وجوبا، لأنها بقرينة لا يقوم
بينهما لا تكون بصدد بيان الحكم الالزامي جزما، والا فأي فرق بين القيام بينهما
والقيام على طرفهما؟ وبعبارة أخرى: ان عطف لا يقوم بينهما على يتقدمهما يدل على أن
الامر المعتبر في الجمعة في المورد لا يتحقق الا بالتقدم ولا يحصل بقيام الامام
بينهما، وهذا انما يتم إذا كان الامر استحبابيا حتى يكون لذكر القيام بينهما وجها
وهو توهم حصول الاستحباب بذلك، والا فلا خصوصية له، مع أن تقدم الامام بمقدار سقوط
جسد المأموم في حال السجدة امر مستحب يدل عليه ما مر في البحث عن اعتبار الخطوة
ومانعيتها، وحينئذ فالامر الوارد في الصحيحة بالجملة الخبرية يتقدمهما لو لم نقل
بانصرافه إلى ما هو المعتبر في الجماعة وهو التقدم المستحب فلا أقل من امكان منع
ظهوره في الامر بجنس التقدم حتى يقال بلزوم حمله على الوجوب. وبعبارة أخرى: الامر
بالتقدم الوارد في الجماعة التي لتقدم الامام حكم خاص لا يكون ظاهرا الا في ما هو
79

المعهود منه في الجماعة، فلا دلالة لشئ من ذلك في وجوب التأخر فيكفينا أصالة
البراءة عن اعتبار التأخر، بل الاطلاق المقامي يرفع الشك بعد صدق الجماعة، وكون
أحدهما اماما والاخر مأموما في مورد التساوي. نعم قد استدل على ذلك بعدة من
الروايات كلها واردة في موارد خاصة، ولا دلالة لشئ منها على المدعي، فلا حاجة إلى
بيانها بعد كفاية الاطلاق المقامي والأصل، وقد ذكرها المحقق الهمداني - قدس سره
وأجاب عنها بأجوبة وافية فلا نطيل. ولكنه - قدس سره - اختار وجوب التأخر واستدل
عليه بما ورد في كيفية صلاة العراة من أن امامهم يتقدمهم (1)، أو يتقدمهم بركبتيه
ويجلسون ويركعون ويسجدون ايماء (2). وقال في تقريب الاستدلال ما محصله: انه لو لم
يكن التقدم واجبا وجاز التساوي لما كان للايماء وجه، فإنه مع التساوي يحصل الامن من
النظر بخلاف التقدم. ولا يخفى ما فيه فإنه أي دليل دل على أن وجه اعتبار الايماء
حصول الا من النظر، فلعل الوجه سترهم وعدم كشف عورتهم بسبب الركوع والسجود، فان
الستر الصلاتي امر والستر عن الناظر المحتوم امر اخر، فقد تحصل ان المعتبر عدم تقدم
المأموم على الامام لا تأخره عنه، ومقتضى الدليل ان الشرط واقعي لا علمي، فلو أخل
به ولو سهوا بطلت قدوته. ثم إنه لو تقدم على الامام ثم عاد إلى موقفه، فلو كان
التقدم بمقدار لا يكون مضرا بصدق عنوان الدليل وهو الامام على المقتدى به، يصح
صلاته وجماعته بلا تخلل الانفراد في البين، لعدم الدليل على ذلك حينئذ، واما لو كان
بمقدار مضر بصدق هذا العنوان فتبطل الجماعة، والعود يحتاج إلى دليل. قوله قده:
ولابد من نية الائتمام. أقول: يقع الكلام في ذلك جهات، الأولى: ان هذا الشرط فيه
مقوم

(1) الوسائل: ج 3 باب 51 من أبواب لباس المصلي.
(2) الوسائل: ج 3 باب 51 من أبواب لباس المصلي.
80

للجماعة أو شرط لصحتها؟ الثانية: انه بالاخلال بهذه النية هل تبطل الجامعة فقط أو
تبطل الصلاة أيضا؟ الثالثة: انه ما معنى نية الجماعة؟. اما الجهة الأولى: فيختلف
الاعتبار باختلاف المباني، فلو قلنا بان الجماعة امر شرعي مجعول من قبل الشارع
تأسيسا، فمن الواضح دخل النية في قوامها، ولو قلنا بأنها امر عرفي أضاف الشارع
إليها قيودا وشرائط دخيلة في صحتها، فلابد من ملاحظة الجماعة العرفية، فلو قلنا
بأنه مجرد الاجتماع في الصلاة فالنية شرط لصحتها، ولو قلنا بأنها ربط معنوي حتى عند
العرف لا ينفك عن النية، فالنية تقوم لها، وعلى أي تقدير لا تصح الجماعة الا بنية
الجماعة، وإن كان الوجه الأخير لا يخلو عن قوة. واما الجهة الثانية: فاحتمال بطلان
أصل الصلاة من وجوه: (الأول) ما قد يتوهم من لزوم قصد خصوص الفرادي حتى تصح الصلاة
فرادى، ومع عدم قصد الفرادى أيضا لا تصح الصلاة، فان المفروض انه لم يقصد الجماعة
ولا الفرادى. (الثاني) ان المضي على احكام الجماعة من دون نية الجماعة مبطل للصلاة،
للاخلال بالواجبات حينئذ التي منها القراءة. (الثالث) نفس اقتران المصلي فعله بفعل
غيره مناف للصلاة، لأنه وقف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب الفضيلة، ولما فيه من
ابطال الخشوع وشغل القلب. وشئ من ذلك لا يتم (اما الأول) فلعدم لزوم القصد في صلاة
الفرادى، فان الجماعة ليست من الفصول المنوعة لماهية الصلاة في مقابل الفرادى، بل
هي خصوصية موجبة لتأكد مطلوبية الطبيعة ولحوق احكام خاصة بها، فلا يكون قصدها
منافيا لقصد أصل الطبيعة بل متوقف عليه، ولا يتوقف وقوعها فرادى على قصد حصولها كذلك
بل على عدم قصد الجماعة أو عدم سلامتها له، فمتى لم تصح جماعة وقعت بنفسها فرادى،
81

وان لم يقصدها كذلك ما لم يخل بشئ فيها حال الانفراد. (وأما الثاني) فأخص من
المدعى، بل اللازم منه البطلان فيما لو أخل بوظيفة المنفرد لا البطلان مطلقا. (واما
الثالث) ففيه ما لا يخفى فقد تحصل ان أصل الصلاة حينئذ صحيحة وتقع فرادى ولابد من
الاتيان بوظيفة المنفرد فيها. واما الجهة الثالثة: فلا يعتبر في النية الاخطار في
القلب كما هو الحال في سائر الموارد، بل يكفي مجرد وجود الداعي حال العمل بحيث لو
سئل عنه انك مشتغل باي نحو من الصلاة يكون جوابه جماعة، ولا يكفي في النية مجرد قصد
اقتران الصلاة بالصلاة فان الجماعة امر معنوي وربط بين المأموم والامام لا يحصل الا
بقصد الائتمام، وان شئت قلت: ان معنى قصد الجماعة قصد الائتمام والاقتداء، هذا في
المأموم. ثم إنه هل يعتبر قصد الإمامة بالنسبة إلى الامام أم لا؟ لا ينبغي الاشكال
في عدم الاعتبار لا لما افاده المحقق الهمداني - قدس سره - من أن افعال الامام
مساوقة لما يفعله المنفرد، فلا وجه لاعتبار تمييز أحدهما عن الاخر بالقصد. فان
اعتبار القصد أعم من أن يكون لاعتبار التمييز أو شئ اخر، بل لان الجماعة وان فرض
انها شرعية الا ان مفهومها كسائر المفاهيم مفهوم عرفي، والعرف انما يرى اعتبار قصد
المأموم للائتمام في الجماعة لا قصد الامام للإمامة فيها، وهذا ظاهر. ثم إنه هل
يعتبر قصد الامام للإمامة في الجماعة الواجبة نظير صلاة الجمعة أو المعادة على
القول بها أم لا؟ الظاهر عدم الاعتبار كغيرها من افراد الجماعات، بل لو قيد الامام
نيته بكون صلاته بنحو الانفراد ولكن اقتدى المأموم به تصح الصلاة جماعة، لعدم
الدليل على لزوم قصد الإمامة، وما توهم من عدم التمكن حينئذ من قصد التقرب الا إذا
قصد الإمامة ولو اجمالا، أو ان الالتفات إلى أن الجمعة لا تصح فرادى ولابد من
82

تحققها جماعة مستلزم لقصد الجماعة، فلا يخفى ما فيه، فان هذا المقدار لا يدل على
اعتبار قصد الجماعة، فلو لم يقصد الجماعة في مورد الجهل بحيث اتى منه قصد القربة
وحصلت الجماعة باقتداء المأمومين تكون الجماعة صحيحة مع تحقق قصد القربة. قوله
قده: ولابد من القصد إلى الامام معين، فلو كان بين يديه اثنان فنوى الائتمام بهما
أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد الجماعة. أقول: وجهه ما افاده المحقق الهمداني - قدس
سره - بما لا مزيد عليه من أن الجماعة علاقة خارجية لا يعقل تعلقها بالمبهم الذي ليس
له وجود الا في الذهن، مع أن المسألة اجماعية ولا كلام فيها
فرع 1
لو نوى الاقتداء بزيد فظهر عمرو، أو اقتدى بهذا الامام على أنه زيد فظهر عمرو، فمع
كون عمرو عادلا تصح الجماعة، فان الاقتداء علاقة خارجية بين المأموم وشخص الامام،
والتوصيف والتسمية زائد على المقصود بالائتمام به وهذا مقصود على أي حال، فتصح
الجماعة بلا فرق بين التقييد والتطبيق، وبلا فرق بين كون القصد بنحو وحدة المطلوب
أو تعدد المطلوب، فان القصد بالاقتداء بالخارج موجود على أي حال وهذا يكفي في صحة
الجماعة، وما قيل في هذه المسألة من التفصيلات لا يرجع إلى محصل، فلاحظ. ولو كان
عمرو فاسقا لا تصح الجماعة، فان البطلان على القاعدة، ولا دليل على الصحة الا
الرواية الواردة (1) في صحة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثم ظهر فساده،
والرواية لا تشمل المقام، وتنقيح المناط أو الأولوية ليس الا القياس الممنوع
فالجماعة باطلة، وصحة أصل الصلاة

(1) الوسائل: ج 5 باب 37 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 2.
83

وبطلانها مبنيان على ما تقدم من أن وقوع الصلاة فرادى تحتاج إلى قصد كونها فرادى أو
يكفي في صحة الصلاة فرادى عدم سلامتها جماعة، والحق هو الثاني، لان الجماعة مشتملة
على امر زائد على أصل الصلاة وهي الجماعة فلابد من قصدها، واما الفرادى فغير مشتملة
على امر زائد على أصل الطبيعة، فلا يتوقف على أزيد من قصد أصل الطبيعة هذا حاصل على
الفرض، فتصح أصل الصلاة وان بطلت الجماعة.
فرع 2
ذكر المحقق الهمداني - قدس سره - انه لو شك في أنه هل نوى الائتمام أو لا؟ بنى على
عدمه، الا ان يكون مشغولا بافعال الجماعة فلا يلتفت حينئذ إلى شكله لكونه شك في
الشئ بعد تجاوز محله. أقول: اما ما ذكره في المستثنى منه فصحيح، لأصالة عدم القصد،
فلابد من اتمام صلاته فرادى، واما ما افاده في المستثنى فلا يمكن المساعدة عليه، فان
قاعدة التجاوز متكفل لنفي اعتبار الشك فلا يجب تدارك المشكوك، ولا ينطبق هذا المعنى
على ما نحن فيه، فان المشكوك في المقام قصد الجماعة ولا معنى لاعتبار الشك فيه
والحكم بلزوم تداركه، فلا يكون بعد تجاوز محله موردا لقاعدة التجاوز. والحاصل: ان
معنى اعتبار الشك في الشئ لزوم الاتيان بالمشكوك وتداركه، وهذا لا يشمل الشك في قصد
الجماعة كما لا يخفى، وقاعدة التجاوز ليست الا بمعنى عدم اعتبار الشك وعدم لزوم
تدارك المشكوك، فإذا لم يكن قصد الجماعة موردا للشك في المحل لا يكون موردا للقاعدة
أيضا، مع أن لشمول القاعدة لموارد الشك في النية كلاما مذكورا في الفرع الأول من
فروع العلم الاجمالي (والفرع في خاتمة مسائل الخلل في العروة الوثقى). قوله قده:
يجوز ان يأتم المفترض بالمفترض وان اختلف الفرضان. أقول: تقدم الوجه في جواز
84

الائتمام في كل فريضة، ونتعرض في هذه المسالة لحكم اختلاف الفرضين، فنقول: مقتضى ما
تقدم مفصلا في تأسيس الأصل ان الاطلاق المقامي وأصالة البراءة تدلان على جواز
الاقتداء وإن كان الفرضان مختلفين، والروايات الواردة في الباب كلها موافقة
للقاعدة، ولا دليل على الخلاف في شئ من الموارد، فنلتزم بعموم الجواز في جميع
موارد اختلاف الفرض، بلا فرق بين كون الاختلاف في العدد كالقصر والتمام، أو في
النوع كالظهر والعصر، أو في الصنف كالأداء والقضاء، فيصح الائتمام في صلاة الصبح
بالطواف، وبالعكس، بل في صلاة الصبح بالآيات مع حفظ الائتمام والمتابعة وبالعكس، كل
ذلك على القواعد. قوله قده: والمتنفل بالمفترض وبالمتنفل، والمفترض بالمتنفل في
أماكن. أقول: قد تقدم عدم مشروعية الجماعة في مطلق النوافل الا ما خرج بالدليل
وانحصار المشروعية في مطلق الفرائض، واما ما أطلق عليه النافلة في هذه المسألة مثل
المعادة والمأتي بها بعنوان الاحتياط الاستحبابي وأمثالهما فلو قلنا بجواز الجماعة
فيها فليس من جهة تخصيص دليل عدم المشروعية في النوافل، بل وجهه انطباق عنوان
الفريضة عليها وإن كان فعلا مطلوبا بالامر الاستحبابي، فان المراد بالفريضة ذات
الصلاة المتعلق للحكم لا الصلاة مع تعلق الحكم الوجوبي بها فعلا، ولذا تجري احكام
الشكوك الواردة في الفريضة في أمثال هذه الصلوات والحاصل: ان المراد من الفريضة ما
يكون بالطبع بلا عروض عنوان غير نفسه عليه محكوما بالوجوب كصلاة الظهر والعصر، وإن كان
بالفعل محكوما بالاستحباب كصلاة الظهر بالنسبة إلى الصبي أو المعادة في بعض
الموارد، فلو كانت الصلاة كذلك تترتب عليها الأحكام المترتبة على الفريضة كأحكام
85

الشكوك ومشروعية الجماعة فيها، وليست الفريضة عنوانا للصلاة بلحاظ ترتب الوجوب
عليها فعلا، فان الفريضة امر والوجوب امر اخر، والنافلة شئ والمستحب شئ اخر، ولذا
ذكرنا ان النافلة المنذورة ليست بفريضة ولو كانت واجبة، وعلى هذا تصح الجماعة في
المعادة المستحبة والمتبرع بها عن الغير، واما في موارد الاحتياط بالإعادة فحيث
لا يعلم وجود امر بها أصلا فلا تصح الجماعة فيها، الا إذا كان الاحتياط من جهة
واحدة، وهكذا في صلاة الاحتياط، إذا حصل الشك بالنسبة إلى الإمام والمأموم من جهة
واحدة والا فلا تصح، وقد ظهر جواز الجماعة في صلاة العيدين وان قلنا باستحبابهما في
عصر الغيبة، فإنها فريضة وان كانت مستحبة. واما صلاة الاستسقاء وصلاة الغدير فجواز
الجماعة فيهما مع كونهما مستحبا فمن جهة النصوص. قوله قده: ويستحب ان يعيد
المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة، اماما كان أو مأموما. أقول: هذا
هو المتيقن من الروايات الواردة في الباب (1)، والظاهر أن التعدي عن ذلك بغيره
لا يمكن استفادته من هذه الأخبار، والمهم ملاحظة

(1) الوسائل: ج 5 باب 54 من أبواب صلاة الجماعة.
86

مقتضى القاعدة في المقام وهي مسالة جواز الامتثال عقيب الامتثال وعدمه، فقد أفاد
السيد الأستاذ - مد ظله - ان الالتزام بالجواز التزام بالمتناقضين، فان فرض
الامتثال أولا فرض حصول الغرض في المأمور به باتيانه على وجهه، وفرض الامتثال
الثاني عدم حصول الغرض بعد وهما متناقضان، وقد يقال بأنه بالامتثال يسقط داعوية
الامر، فلا يعقل حينئذ الامتثال الثاني، ولكن التحقيق التفصيل بين ما لو كان الحكم
المتعلق بالطبيعة مستفادا من لفظ دال عليه بالمفهوم الاسمي وبين ما كان مستفادا من
الهيئة، ففي الأول يفصل بين الوجوب والاستحباب، فلو قال المولى: تجب الصلاة فمعناه
الالزام بهذه الطبيعة، ومع الامتثال الأول يسقط الالزام لا محالة، قضية لتعلق
الوجوب بالطبيعة ووفاء المأتي به بها، وهذا واضح لا يحتاج إلى برهان. ولو قال تستحب
الصلاة فمعناه ان هذه الطبيعة محبوبة عند المولى مبعوثا إليها ندبا، وبما ان اطلاق
هذا المعنى قابل للانطباق على الفرد الثاني أيضا كالفرد الأول فالاطلاق يقتضي جواز
التعبد ثانيا بعد التعبد الأول. واما لو استفدنا الحكم من الهيئة كما إذا قال
المولى صل، فلا يخفى ان دلالة هذه الصيغة على الوجوب ليست بالوضع ولا بالانصراف ولا
بالاطلاق وجريان مقدمات الحكمة كما حقق في محله، بل بحكم العقل على أنها حجة على
الوجوب حتى يظهر خلافه، وبحكم العقلاء كافة على تمامية الحجة على العبد مع صدور
البعث من المولى ولزوم إطاعة العبد ما لم يرد فيه الترخيص، وعليه لم يظهر من ذلك ان
البعث الزامي وان داعي المولى على البعث الإرادة الحتمية، بل حكم العقلاء والعقل
على ذلك انما هو في مقام الامتثال بلا نظر إلى كيفية الجعل، وبما انه يمكن في مقام
87

الجعل ان يكون الداعي إلى الجعل والغرض من البعث نحو الطبيعة الالزام والحتم
بالنسبة إلى الوجود الأول والندب بالنسبة إلى سائر الوجودات، وقضية الاطلاق أيضا
هذا المعنى، فلابد من القول بجواز الامتثال بعد الامتثال، فان البعث المتعلق
بالطبيعة باطلاقه باق بعد الايجاد الأول، وحيث إن الوجوب ساقط جزما فالاطلاق يقتضي
الاستحباب، ولا تناقض في هذا البيان كما لا يخفى. ومن غريب الامر ما يقال: ان
الامتثال عقيب الامتثال غير معقول ومع ذلك يتمسك بالروايات لاثبات استحباب الإعادة
في مفروض المسألة، مع أن الإعادة إعادة تلك الطبيعة ويعلم من ذلك بقاء امرها،
ولا سيما مع دلالة الروايات من أنه تجعلها فريضة أو ان الله تعالى يختار أحبهما
اليه (1) على أن الثاني أيضا امتثال، والاشكال العقلي لا يندفع بالتعبد كما لا يخفى،
واغرب من ذلك ما يظهر منهم في المقام ان المستفاد من الروايات بديل الامتثال لا
الامتثال بعد الامتثال، مع أن الظاهر منها الامتثال بعد الامتثال، مضافا إلى أن
تبديل الامتثال غير معقول جزما، فان الشئ لا ينقلب عما وقع عليه، والتحقيق ما ذكرنا
من أن البعث نحو الطبيعة باطلاقه باق بعد الوجود الأول ولا دليل على سقوطه بذلك،
لاحتمال كون البعث نحوها بداعيين طوليين، فمقتضى الاطلاق بعد هذا الاحتمال بقاء
البعث، ولا يمكن الا ان يكون استحبابيا، هذا بحسب كبرى المسألة. واما الصغرى فهنا
أمران: (أحدهما) متعلق بطبيعة الصلاة (والاخر) بالجماعة فيها، والامر الأول وإن كان
ايجابيا الا انه مستفاد من الهيئة، واطلاقه يقتضي البقاء. والامر الثاني استحبابي
لا يسقط بالامتثال الأول كما مر، مع أن اطلاق هذا أيضا يقتضي البقاء فالمعادة جائزة
على القواعد، ففي جميع الصور المفروضة في المسألة تصح الصلاة والجماعة بحسب
القاعدة، وان لا يمكن استفادة ذلك الا فيما ذكره الماتن - قدس سره - من روايات
الباب،

(1) الوسائل: ج 5، باب 54 من أبواب صلاة الجماعة، حديث 1 و 10 و 11.
88

فلاحظ. قوله قده: يعتبر في الامام الايمان والعدالة. أقول: أصل اعتبار الامرين في
الجملة من ضروريات المذهب، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه، ويكفي في ذلك من
الروايات رواية علي بن راشد فان فيها: لا تصل الا خلف من تثق بدينه (1). وغيرها مما
يكون بهذا المضمون أو مضمون اخر، انما الكلام في أن المعتبر نفس العدالة الواقعية،
فلا تصح الجماعة إذا لم يكن الامام عادلا واقعا، فلا تصح إمامته إذا علم من نفسه
عدم العدالة، أو ان المعتبر احراز المأموم عدالة الامام، فتصح امامة غير العادل إذا
كان المأموم معتقدا لعدالته، وان علم الإمام عدم عدالة نفسه. أفاد المحقق الهمداني
قدس سره - ان الأخير هو الصحيح، لظهور تثق بدينه في أن المعتبر وثوق المأموم
بدين الامام، وأورد على نفسه بان لازم ذلك ان لا يكتفي بالبينة لاثبات الشرط إذا لم
يحصل بها الوثوق. وأجاب عنه: بان الوثوق وإن كان دخيلا في الموضوع، الا ان الظاهر
هو اخذ فيه على وجه الطريقة فتقوم مقامه سائر الطرق والأمارات. ولكن لا يخفى ان هذا
خلاف المتفاهم العرفي من جملة تثق بدينه وان الوثوق الموضوعي على وجه الطريقية
بعيد عن الانظار العرفية، بل امر ذلك بنظر العرف دائر بين الطريقية والموضوعية،
فإذا لم يمكن الالتزام بالموضوعية فلابد من القول بالطريقية، وان الشرط هو العدالة
الواقعية، والوثوق طريق إليها، مع أن الضرورة قائمة على أن العدالة شرط في الجماعة،
لا ان الشرط هو الوثوق

(1) الوسائل: ج 5 باب 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
89

بالعدالة، وعلى هذا لا يصح امامة من لم يعلم من نفسه العدالة، فلا يصح منه ترتيب
اثار الجماعة من الرجوع في شكه إلى المأموم مثلا. نعم تصح صلاته فرادى لما مر من أنه
كلما بطلت الجماعة فلو اتى بوظيفة المنفرد تصح الصلاة. ويجوز له التصدي للإمامة
تكليفا لعدم الدليل على حرمته والأصل البراءة، والمأموم انما يعمل بحسب وظيفته فلو
كان محرزا لامامة امام يقتدى به والا فلا. ثم إنه لو أحرز المأموم عدالة الامام
واقتدى به ثم انكشف الخلاف فلو لم تكن صلاته مخالفة لوظيفة المنفرد بحسب الأركان،
فلا اشكال في عدم وجوب اعادته الصلاة ويكفي فيه قاعدة لا تعاد، واما لو أخل
بالأركان فهل تجب الإعادة أم لا؟ الصحيح عدم الوجوب، وذلك لان ظاهر جواز الصلاة خلف
من يثق المأموم بدينه، المستفاد من الاستثناء في رواية علي بن راشد جواز الاكتفاء
به وإن كان الشرط مفقودا بحسب الواقع، ولذا نرى الجزاء في كل مورد من موارد امتثال
الامر الظاهري الذي يكون بمثل هذا اللسان، نظير فامضه (1) كما هو في قاعدة التجاوز
أو كن على يقين (2) المستفاد من دليل الاستصحاب وغير ذلك، هذا مضافا إلى ورود دليل
في خصوص المقام الدال على اجزاء الصلاة خلف اليهودي معتقدا لعدالته، فلاحظ. واما
ماهية العدالة: فهي عبارة عن الاستقامة في الدين، وانما تستكشف بمجرد حسن الظاهر من
دون اعتبار الوثوق، بل ولا الظن بها واقعا، والدليل على ذلك عدة روايات التي منها
صحيحة ابن أبي يعفور (3) والصحيحة تدل على أن عدالة الرجل تعرف بان تعرفوه بالستر
والعفاف وكف البطن والفرج

(1) الوسائل: ج 5 باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 3.
(2) الوسائل: ج 1 باب 1 من أبواب نواقض الوضوء.
(3) الوسائل: ج 18 باب 41 من أبواب الشهادات حديث 1.
90

واليد واللسان، وهذه الفقرة مبنية لماهية العدالة وهي الاستقامة في الدين، ثم جعل
لذلك طريقا وهو ان يكون الشخص ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما
وراء ذلك، وهذا هو حسن الظاهر، واما ما دل على أنه لا تصل الا خلف من تثق بدينه لا
يدل على انحصار الطريق بالوثوق، فان الظاهر منه اخذ الوثوق طريقا لا موضوعا، فيقوم
مقامه سائر الطرق التي منها حسن الظاهر الدال عليه الصحيحة المتقدمة، ولذا يجوز
الصلاة خلف من قامت البينة على عدالته وان لم يحصل بها الوثوق بل الظن، هذا.
واحتمال ان حقيقة العدالة هي حسن الظاهر مدفوع بظهور الصحيحة على خلافه، وتكون
قرينة على ما يكون ظاهره كون العدالة بمعنى حسن الظاهر نظير رواية علقمة: فمن لم
تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد بذلك عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر (1). بل
دلالة نفس الرواية على ذلك محل تأمل. ثم إنه قد يقال بكفاية الاسلام مع عدم ظهور
الفسق في مقام احراز عدالة الرجل، واستدل بعدة أمور لا يرجع شئ منها إلى محصل،
فلاحظ كلام المحقق الهمداني - قدس سره - في ذلك. ثم إنه لا يعتبر في احراز حسن
الظاهر القطع به، بل المعتبر ما هو طريق عقلائي لاحراز مثله من كون ذلك معروفا بين
قبيلته وأهل محلته، أو احراز مواظبته على الطاعات في الجملة كحضور الجماعات، ويكون
بحيث لو سألت حاله عن قبيلته وأهل محلته لقيل في حقه لا نعلم منه الا خيرا، ويدل على
ذلك جميع الأخبار الواردة في الباب (2) ومنها الصحيحة المتقدمة. ثم إنه لا يعتبر في
نفس العدالة ولا في طريقها اجتناب منافيات المروة،

(1) الوسائل: ج 18 باب 41 من أبواب الشهادات حديث 13.
(2) الوسائل: ج 18 باب 41 من أبواب الشهادات.
91

لعدم الدليل عليه، وقوله عليه السلام ساترا لجميع عيوبه في الصحيحة لا يريد منه
الا العيوب الشرعية وهي المعاصي، وهكذا سائر العناوين الواردة في الأدلة، وهذا
ظاهر. ثم إنه ظهر مما مر انه لا فرق بين ارتكاب الكبائر والصغائر في كونه مخلا
بالعدالة، لخروج الشخص بذلك عن الاستقامة، وليس هذا امرا دقيقا لا يفهمه العرف من
مفهوم العدالة، فلا وجه لما افاده المحقق الهمداني - قدس سره - من أن ارتكاب
الصغيرة غير ناف لمفهوم العدالة عرفا، نعم ورد في الصحيحة المتقدمة في معرفة
العدالة ويعرف باجتناب الكبائر... الخ ولكن هذا لا يدل على أن ارتكاب الصغيرة
لا ينافي العدالة، بل غايته الدلالة على أن معرفة اجتناب الكبائر طريق لوجود
العدالة، وهذا نلتزم به، ولكن عدم دخل معرفة اجتناب الصغائر في الطريق امر وعدم دخل
نفس الاجتناب عنها في ذي الطريق امر اخر، ولذا لو علمنا بارتكاب الصغيرة لا نحكم
بالعدالة، فان الطريق مجعول في مورد الجهل والمفروض انا نعلم بعدم العدالة.
والحاصل: ان هذه الجملة في الرواية بصدد بيان الطريق على العدالة لا نفسها، فلا تدل
على عدم اعتبار اجتناب الصغائر في نفس العدالة، والظاهر من هذا المفهوم الاستقامة
في الدين بلا فرق بين الاستقامة في الاجتناب عن الكبائر أو الصغائر، بل اطلاق صدر
الصحيحة كف البطن والفرج واليد واللسان يدل على عدم الفرق أيضا. نعم، لو أحرز بما
مر من طريق الاحراز ان الشخص يجتنب الكبائر لا يعتبر التدقيق واحراز انه هل يجتنب
الصغائر أولا، لدلالة الرواية على أن اجتناب الكبائر طريق إلى العدالة. ثم إنه لو
92

شككنا في ذنب انه هل يكون كبيرة حتى يعتبر احراز ان الشخص يجتنب عنه أو صغيرة
حتى لا يجب الفحص، فالظاهر عدم لزوم الفحص إذا صدق على الشخص ان ظاهره مأمون ولو سئل
عن قبيلته أو أهل محلته لقالوا فيه خيرا، فان الطريق غير منحصر باجتناب الكبائر، بل
ظاهر الرواية كفاية هذا المقدار. نعم، لو شككنا في هذا أيضا فلا يجوز ترتيب اثار
العدالة، للشك فيها مع عدم قيام طريق إليها، فإذا البحث عن تعداد الكبائر قليل
الجدوى كما لا يخفى، مع عدم دلالة الروايات الواردة في ذلك على الحصر وما يستفاد من
مجموعها ان الكبيرة ما اهتم بها المولى وعظمها، وطريق اثبات ذلك بأمور مذكورة في
المفصلات، فراجع. قوله قده: والعقل وطهارة المولد والبلوغ على الأظهر. أقول: يكفي
في اثبات الأولين صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمسة لا يؤمنون
الناس على كل حال، وعد منهم المجنون وولد الزنا (1). وفي الثالث خبر إسحاق (2) وغيره.
وهنا جهات من البحث ينبغي التكلم فيها: 1 - مقتضى القاعدة صحة الصلاة ومشروعية
الجامعة في مفروض المسألة وان قلنا بان الأصل في الجماعة عدم المشروعية، فان أدلة
الجماعة وان لم يكن لها اطلاق من حيث القيود المعتبرة فيها، الا ان اطلاقها من حيث
الموضوع وهو المكلف لا كلام فيه، فدليل الجماعة مثبت لاستحباب الجماعة لكل مكلف
بأصل الصلاة. وبعبارة أخرى معنى صحيحة زرارة والفضيل (3) الدالة على استحباب الجماعة
في كل فريضة ان كل من هو مكلف بالفريضة يستحب ان يأتي بها جماعة، ولا ربط لذلك بان
الدليل من جهة القيود المعتبرة في الجماعة مطلقة أو مهملة، وهذا لعله ظاهر. فحينئذ
نقول: اطلاقات الأدلة الأولية لصلاة الفريضة شاملة لكل من

(1) الوسائل: ج 5 باب 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 7.
(2) الوسائل: ج 5 باب 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 7.
(3) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
93

المجنون وولد الزنا والصبي، ولا دليل على اختصاصها بغيرهم، ولذا بنينا على مشروعية
عبادات الصبي، وقلنا بان الدليل على المشروعية هو نفس الاطلاقات الأولية، وحديث
الرفع (1) لا يرفع أصل البعث لمخالفته للامتنان أولا، ولوجود القرائن الداخلية
والخارجية على أن المراد من الرفع رفع قلم السيئات والالزامات لاغير ثانيا، وتوهم
ان هذا مناف لبساطة معنى الامر مدفوع بان البساطة صحيح الا ان هذا المعنى البسيط
وهو البعث مشترك بين موارد الوجوب والاستحباب، وانما نستكشف الوجوب والاستحباب من
المرحلة المتأخرة عن هذا الجعل، فلو اذن المولى في الترك نستكشف الاستحباب والا
فالعقل يحكم بلزوم الامتثال من جهة تمامية الحجة، وحديث الرفع وهو الاذن في ترك
الامتثال بلسان رفع القلم أي رفع قلم السيئات ورفع الالزامات ورفع المؤاخذة،
عباراتنا شتى... الخ، فتدبر جيدا. والحاصل: ان اطلاقات أدلة الفرائض شاملة للمجنون
والصبي وولد الزنا، وبما ان أدلة الجماعة دالة على مشروعيتها لكل من هو مكلف بتكليف
الفرائض، فيثبت استحباب الجماعة لهؤلاء أيضا بلا فرق بين كونهم اماما أو مأموما،
فيثبت جواز امامة هؤلاء من نفس أدلة مشروعية الجماعة، بملاحظة شمول الاطلاقات
الأولية للفرائض لهم، هذا هو مع أنه قد مر ان الأصل في موارد الشك في صحة الجماعة
الصحة، ومن الغريب ان المحقق الهمداني - مع أنه بنى سابقا على أن الأصل في الجماعة
البراءة - أفاد في المقام ان الأصل عدم المشروعية، وفيه: ان المقام أولى بأصالة
المشروعية من غيره كما بينا وجهه. 2 - لابد من احراز المأموم وجود هذه الشرائط في
الامام علما أو بأمارة شرعية أو عقلائية، نعم لا يبعد دعوى بناء العقلاء على ترتيب
اثار العقل

(1) الوسائل: ج 1 باب 4 من أبواب مقدمة العبادات، حديث 11.
94

وطهارة المولد ما لم يعلم الخلاف، وهذا البناء لم يحرز في مورد الشك في البلوغ. 3 هنا روايات
تدلنا على جواز إمامة الصبي (1) وتعارض ما مر من الأخبار الدالة على عدم
الجواز، ولكنها مخالفة لفتوى المشهور، مضافا إلى أنها لا تخلو عن ضعف السند غير
المنجبر بشئ وضعف الدلالة، مع أنه لو بنينا على المعارضة وعدم العلاج فيكفينا
الأصل المتقدم. قوله قده: ان لا يكون قاعدا بقيام. أقول: وجهه مضافا إلى أنه
المشهور بل ادعي عليه الاجماع، مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ان
رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال: لا يؤمن أحدكم بعدي
جالسا (2): والسند منجبر بعمل المشهور، مضافا إلى ما قيل من صحة مرسلات الصدوق إذا
اسند الرواية إلى الإمام عليه السلام بمثل قال. وهل يمكن التعدي عن الراوية إلى
المنع عن امامة المضطجع بالقاعد، أو امامة المضطجع على الجنب الأيسر بالمضطجع
الأيمن؟ لا يبعد ذلك من جهة الفهم العرفي عن الرواية، لا تنقيح المناط كما قيل، فإنه
قياس محض وان حصل منه القطع، هذا والحكم مخالف للقاعدة، فإنه لا دليل على أزيد من
اعتبار صحة صلاة الامام واتيان المأموم بوظيفته وحصول الاقتداء، والشك في اعتبار
أزيد من ذلك مدفوع بالأصل المحرر سابقا في باب الجماعة، ودليل المتابعة لا يدل على
لزوم متابعة المأموم فيما ليس وظيفته الاتيان به كمن اقتدى في صلاة الصبح بظهر
الامام مثلا، فلا يتوهم دلالة دليل لزوم المتابعة على لزوم متابعة الامام في
الركعتين الأخيرتين أيضا، ومن هذا القبيل توهم ان دليل

(1) الوسائل: ج 5 باب 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث 3 و 8 و 18.
(2) الوسائل: ج 5 باب 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث 3 و 8 و 18.
95

المتابعة يقتضي تبعية المأموم لجلوس الامام وحيث لا يجوز له الجلوس فلا يجوز له
الاقتداء. وبعبارة أخرى: ان هنا قياس استثنائي وهو انه لو كان الاقتداء صحيحا لوجبت
المتابعة وحيث لا تجب فلا يصح الاقتداء. وهذا التوهم مدفوع (أولا) بما ذكرنا من أن
وجوب المتابعة انما هو في ما تكون وظيفة المأموم الاتيان به. (وثانيا) ان الملازمة
بين صحة الاقتداء ووجوب المتابعة كليا ممنوعة، فان المفروض عدم وجوب المتابعة في
المقام، والامر دائر بين ان يكون تخصيصا في عموم وجوب المتابعة فيصح الاقتداء ولا
تجب المتابعة، وأن يكون خارجا عنه تخصصا بحيث لا يصح الاقتداء به فلا تجب المتابعة،
وأصالة العموم لا تثبت حال الفرد الخارج قطعا وان خروجه تخصص لا تخصيص كما بين في
محله، وقد أطال المحقق الهمداني - قدس سره - في اثبات ان الأصل في المقام عدم
مشروعية الاقتداء، ومحصله ان أدلة لزوم المتابعة دالة على ذلك بالالتزام، وقد ظهر
ضعفه. قوله قده: وان لا يكون أميا بمن ليس كذلك. أقول: المراد بالأمي: من لا يحسن
القراءة، ولا دليل في خصوص المقام، فلابد من ملاحظة ما هو مقتضى القاعدة، فقد مر ان
القاعدة تقتضي جواز امامة المعذور بغير المعذور، ولكن قد يمنع عن ذلك في مفروض
المسألة بأن الامام ضامن لقراءة المأموم، فلابد من أن يأتي بها على حسب وظيفة
المأموم حتى تسقط عن ذمته، وهذا انما يصح في ما إذا لم يأت المأموم بوظيفته مباشرة
كما إذا لم يقرأ، أو كانت الصلاة جهرية مع سماع صوت الامام، أو قلنا بأن السقوط حتى
في الاخفاتية عزيمة لا رخصة، والا فتسقط ذمته بالاتيان بالقراءة مباشرة، وما افاده
المحقق الهمداني - قدس سره - من أنه لابد من كون قراءة الإمام بنحو تكون مسقطا لذمة
96

المأموم ولو قلنا بان سقوط القراءة عن المأموم رخصة لا عزيمة لا دليل عليه بل يشبه
المصادرة كما لا يخفى، مع أنه لو سلم وجود عموم كذلك أي كلما كانت الجماعة صحيحة
لكانت قراءة الإمام مسقطة، الا انه قابل للتخصيص في المورد، ومجرد وجود هذا الدليل
والعلم بعدم المسقطية لا يوجب الحكم ببطلان الجماعة لاحتمال التخصيص، وأصالة العموم
لا تجري في مثل المقام الذي يدور الامر فيه بين التخصيص والتخصص كما مر، وانما تجري
فيما إذا كان المكلف شاكا في إرادة المولى، لا فيما إذا تردد بين كون المراد المعلوم
من جهة التخصيص أو التخصص، فالصحيح صحة الجماعة في موارد جواز القراءة على المأموم
ولزوم اتيان المأموم بالقراءة الصحيحة بنفسه، واما في مالا يجوز له القراءة فلا يصح
الاقتداء، فان المفروض عدم جواز الاعتماد على قراءة الإمام، وعدم جواز قراءته
بنفسه، فلا يمكن الاتيان بالجماعة الصحيحة. قوله قده: ويشترط في الامام الذكورة
إذا كان المأموم ذكرانا أو ذكرانا وإناثا، ويجوز ان تؤم المرأة للنساء. أقول: يكفي
في اثبات الاشتراط النبوي لا تؤم امرأة رجلا (1) المنجبر بعمل المشهور، مع أنه
لا خلاف في المسألة كما ادعي، بل ادعي عليه الجامع، ويدل عليه أيضا الروايات (2)
الدالة على جواز إمامة المرأة للنساء وفيها الصحاح، فان الظاهر منها ان عدم جواز
امامتها للرجال مفروغ عنه. واما وجه جواز امامتها للنساء، فمضافا إلى نقل الشهرة
والاجماع، عدة

(1) سنن البيهقي: ج 3 ص 90.
(2) الوسائل: ج 5 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
97

روايات منها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم النساء؟
فقال: لا بأس (1) وغيرها من الاخبار وفيها الصحاح أيضا، وبإزاء ذلك عدة من الروايات
تدل على التفصيل بين الفريضة والنافلة، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه
السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: تؤمهن في النافلة واما في المكتوبة فلا الخبر (2).
وغيرها (3). وحمل صاحب الوسائل الطائفة الثانية على الكراهة جمعا، وفيه:
ان الظاهر من جملة واما المكتوبة فلا بطلان الجماعة، وحمل الوضع على الكراهة لا
معنى له. وحمل صاحب الحدائق - قدس سره - النافلة والمكتوبة على كونهما صفة للجماعة
لا للصلاة، وهذا كما ترى. والمحقق الهمداني - قدس سره - بعد ان رد علم الجملة
الأولى منها وهي تؤمهن في النافلة إلى أهله، حمل الجملة الثانية على الكراهة، وقد
عرفت ما فيه. والصحيح ان يقال: (أولا) لو فرضنا المعارضة واليأس عن العلاج، فتصل
النوبة إلى التخيير أو الرجوع إلى القاعدة، فالقول بالجواز الموافق للمشهور عدل
للتخيير وموافق للقاعدة كما مر. (وثانيا) الشهرة في طرف اخبار الجواز مرجحة لها.
(وثالثا) ان علائم التقية في الروايات المفصلة ظاهرة. (ورابعا) اخبار الجواز مخالف
للعامة فترجح. (وخامسا) في روايات الجواز رواية تدل على الجواز في المكتوبة صريحا
وهي رواية الحسن بن زياد الصيقل وفيها: ففي صلاة المكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال:
نعم (4).

(1) الوسائل: ج 5 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث 11.
(2) الوسائل: ج 5 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
(3) الوسائل: ج 5 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
98

فابتلت روايات المنع بالمعارض في خصوص المكتوبة، وبعد التعارض المرجع عموم روايات
الجواز، فان مخصصها مبتلى بالمعارض ولا يصلح للتخصيص حينئذ. نعم لو قيل بان تخصيص
روايات الجواز بالنافلة تخصيص بالفرد النادر كما افاده المحقق الهمداني - قدس سره
وغيره فيعامل مع جميع الروايات معاملة المعارضة بين المتباينات فلا يتم الجمع
الأخير، وكيف كان ففي سائر الوجوه كفاية مع أن المسألة غير خلافية كما مر. قوله
قده: وكذا الخنثى ولا تؤم رجلا ولا خنثى. أقول: وجه جواز امامتها للنساء ظاهر،
واما وجه عدم جواز امامتها للرجال والخناثى فلعدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات
المصداقية للمخصص، فان أدلة الجماعة مجوزة للإمامة في جميع الموارد، وقد خرجنا عنها
بما دل على عدم جواز إمامة المرأة لغيرها، والمقام شبهة مصداقية للمخصص، ولكن هذا
لو قلنا بأن الأصل الأولي يقتضي عدم مشروعية الجماعة، والا فكون المورد من الشبهة
المصداقية لا يوجب بطلان الجماعة، فان الأصل الجاري فيها يقتضي الصحة، وهذا كاف بعد
عدم جواز التمسك بالدليل الاجتهادي، نعم لو قلنا بان الأصل في الشبهات الموضوعية
الاشتغال يتم ما قيل، ولكن المبنى فاسد كما قرر في الأصول. قوله قده: ولو كان
الامام يلحن في قراءته لم يجزئ إمامته بمتقن على الأظهر. أقول: قد تقدمت المسألة
في امامة الأمي لغيره، ولا خصوصية لتلك المسألة الا ان الأمي يلحن في قراءته فلا
وجه لإعادتها. قوله قده: إذا ثبت ان الامام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد
الصلاة لم تبطل صلاة المؤتم. أقول: تقدم الكلام في ما إذا ثبت ان الامام فاسق أو
كافر، واما لو تبين انه على غير طهارة بعد الصلاة، فمضافا إلى أن عدم بطلان صلاة
99

المأموم هو المشهور، بل ادعي عليه الاجماع، انه موافق للقاعدة أيضا إذا لم يأت بما
يكون مبطلا لصلاته حتى بنحو الانفراد، مثل زيادة الركن أو الشكوك المبطلة للصلاة،
فان مجرد الائتمام بل ترك القراءة، لا يكون مضرا بصحة الصلاة لقاعدة لا تعاد، نعم
إذا اتى بركن زائد متابعة أو رجع إلى الامام في شكه مع أنه خلاف وظيفة المنفرد
لا يمكن تصحيح الصلاة بهذه القاعدة، بل نحتاج إلى دليل مثبت لصحة جماعته في مفروض
المقام، ويترتب عليها اثار الجماعة الصحيحة وإن كان الامام فاقدا للشرط. ومما يمكن
ان يستدل به لاثبات ذلك عدة روايات وفيها الصحاح، ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر، أتجوز صلاتهم أم
يعيدوها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه الإعادة - الخبر. (1) فان ترك
استفصال الإمام عليه السلام يدل على عدم الفرق بين صورة الاخلال بوظيفة المنفرد
وصورة عدم الاخلال بها، نعم هنا بعض الأخبار تدل على البطلان مطلقا، ولكنها لا تخلو
عن ضعف في السند أو في الدلالة، فلاحظ. ثم إنه لو ثبت ان الامام كان فاقدا للشرط
غير ما تقدم من العدالة والطهور فقد ظهر ان صحة الصلاة فيما إذا لم يخل المأموم
بوظيفة المنفرد من زيادة ركن ونحوها على القاعدة، واما إذا أخل بذلك فحيث ان بطلان
الجماعة بل أصل

(1) الوسائل: ج 5 باب 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث 5.
100

الصلاة موافق للقاعدة، واثبات الصحة يحتاج إلى دليل مفقود في غير مورد الشرطين
المذكورين، نلتزم ببطلان الصلاة، والغاء الخصوصية عن الشرطين ليس بمعلوم، بل تعدي
الحكم عنهما إلى غيرهما من اسراء الحكم من موضوع إلى موضوع اخر وهو القياس، استفادة
التعميم من جملة فإنه ليس على الامام ضمان في صحيحة زرارة (1) وجملة فإنه تجزي عن
القوم صلاتهم في صحيحته الأخرى (2)، كما في كلام المحقق الهمداني ممنوع، فإنهما لا
تدلان على أزيد من صورة وجود شرائط صحة الصلاة بنحو الانفراد فلاحظ. وقد ظهر مما مر
انه لو علم بذلك في أثناء الصلاة، فمع عدم الاخلال بوظيفة المنفرد تصح الصلاة
ويتمها منفردا، والا ففي مورد الاخلال بالشرطين لا يبعد استفادة الصحة من الروايات
المتقدمة وإن كان الاحتياط في محله، وفي غيرهما لابد من استئناف الصلاة، نعم لو حدث
سبب البطلان في الأثناء لا يضر بصحة صلاة المأموم مطلقا، بل يمكنهم اتمام الصلاة
جماعة باستنابة شخص اخر مكان الامام، على ما يستفاد من اخبار جواز الاستنابة فيما
إذا عرض للامام ضرورة، بعد الغاء الخصوصية عن مواردها. نعم لا يمكن الغاء الخصوصية
عنها والقول بذلك فيما إذا حدث سبب البطلان باختيار الامام، لكن صحة أصل الصلاة
بالنسبة إلى المأموم على القواعد. قوله قده: لا يجوز للمأموم مفارقة الامام بغير
عذر، فان نوى الانفراد جاز. أقول: تقدم الكلام في عدم جواز المفارقة في السابق في
مسألة المتابعة في

(1) الوسائل: ج 5 باب 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
(2) الوسائل: ج 5 باب 39 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
101

الأفعال، فلا حاجة إلى الإعادة، وينبغي البحث هنا عن مسألة قصد الانفراد، فقد استدل
على الجواز بأمور (منها) دعوى الجماع على الجواز. (ومنها) ان الأصل في المستحب جواز
رفع اليد عنه. (ومنها) فعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه صلى بطائفة يوم ذات
الرقاع ركعة ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة (1). (ومنها) ما ورد من جواز مفارقة
الامام عند اطالته في التشهد (2) وما ورد من جواز التسليم قبل الامام (3). وشئ من
ذلك لا يتم فان المسألة خلافية، وجواز رفع اليد عن المستحب بقاء لا يثبت التلفيق، فان
رفع اليد عن الصلاة أو الصوم الاستحبابي في الأثناء معناه ابطاله بحيث لا يترتب عليه
اثر من أوله إلى اخره، ورفع اليد في المقام معناه صحة الجماعة إلى حين قصد الانفراد
وبطلانها بعده، وهذا المعنى لا أصل يثبته، وفعل النبي صلى الله عليه وآله وهكذا
الروايات الواردة في جواز المفارقة كلها واردة في مورد العذر، مع أن جواز التسليم
قبل الامام أجنبي عن المقام، فان التسليم قبل الامام جائز حتى على القول بعدم جواز
قصد الانفراد، بل حتى على كون المأموم باقيا على قصد الجماعة، لان تقدم المأموم على
الامام في الأقوال جائز، ولا يخرج المأموم من الجماعة الا بعد تسليمه فلا ارتباط بين
المسألتين. وبالجملة: ليس الكلام في جواز قصد الانفراد تكليفا ولا وضعا بمعنى كون
صلاته منفردا بمجرد قصد الانفراد وان لم يستمر في صلاته بنحو صلاة المنفرد، بل
الكلام في أنه هل شرع التلفيق بين الجماعة والفرادى في صلاة واحدة أو

(1) الوسائل: ج 5 باب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
(3) الوسائل: ج 5 باب 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث 3 و 4 و 5.
102

لا؟ فعلى الأول يصح اتمام الصلاة المنعقدة جماعة فرادى وبالعكس، الا ان جواز العكس
خلاف مظنة الاجماع. وعلى الثاني فحيث ان المفروض الاستمرار في الصلاة فرادى فلا
يمكن الحكم بصحة الجماعة في الكل، فلابد اما من القول ببطلان الجماعة أو بطلان أصل
الصلاة، وهما مبنيان على وقوع الاخلال بوظيفة المنفرد وعدمه، وهذا المعنى في تحرير
محل البحث يشمل جميع موارد وقوع الانفراد في الأثناء حتى مع عدم قصد الانفراد،
والحاصل: البحث في مشروعية التلفيق بين الجماعة والفرادى في صلاة واحدة وشئ من
الأدلة المتقدمة لا يثبت ذلك. وقد يقال: ان الجماعة امر عرفي يصدق على الاجتماع حتى
في ركعة واحدة. ولكن هذا المعنى وان لا ينكر، الا ان مشروعية كل ما يكون اجتماعا
بنظر العرف يحتاج إلى دليل، لا أقل من وجود اطلاق في أدلة الجماعة، والمسلم بينهم
عدم اطلاق في مقام البيان فيها، فالمسألة موقوفة على ما مر من تأسيس الأصل في
الجماعة، فعلى القول بالاطلاقات المقامية أو أصالة البراءة في أمثال هذه الشكوك
تثبت الصحة، والا فالأصل الاشتغال وعدم صحة الجماعة، وحينئذ فلو أخل بوظيفة المنفرد
في الأركان والشكوك تبطل الصلاة أيضا، والا فلا مانع من صحة أصل الصلاة فرادى، لما
مر من أن بطلان الجامعة لا يستلزم بطلان أصل الصلاة. ان قلت: ان قصد الانفراد لو حصل
في الأثناء فاستصحاب صحة الصلاة جار بلا مانع، واما لو كان من أول الأمر قاصدا
للانفراد في الأثناء فمشروعية مثل هذه الصلاة مشكوكة من الأول، والأصل عدم
المشروعية. قلت: هذا موافق لما استفدنا من سيدنا الأستاذ في هذه المسألة. وفيه: ان
الكلام ليس في شأن قصد الانفراد بما هو قصد كما مر، فان مجرد هذا القصد لا يكون مخلا
بالصحة بلا فرق بين حصوله في الأثناء أو من الأول، بل الكلام انما هو في مشروعية
103

الصلاة ملفقة بين الجماعة والفرادى، وهذا أيضا لا فرق فيه بين حصول القصد في
الأثناء أو من الأول، هذا مضافا إلى أن استصحاب الصحة لا أصل له، فان الصحة ليست
بمجعول شرعي ولا بموضوع ذي حكم كما بنينا عليه في محله، مع أن أصالة عدم المشروعية
ليست الا الأصل المدعى جريانه في تمام موارد الشك في قيدية شئ لصحة الجماعة، وقد
أثبتنا فيما تقدم ان الأصل يقتضي المشروعية، فالمسألة مبتنية على الأصل المؤسس في
شكوك الجماعة، وعليه لا ينبغي ترك الاحتياط وان قلنا بأن الأصل الصحة. والحمد لله
رب العالمين.
104

الكلام في صلاة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين، والسلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين. أقول - مستعينا بالله -: لما وصل بحث سيدنا الأستاذ
في باب الصلاة إلى صلاة الجمعة شرع فيها وبين انظاره في أصل حكم صلاة الجمعة بنحو
الايجاز والاختصار. واغتنمت الفرصة وكتبت ما أفاد وعلقت عليه بعض الايرادات وما خطر
بالبال مع مراعاة الاختصار أيضا. قال: ويقع الكلام فيها في جهتين: (الجهة الأولى)
في وجوب عقدها وإقامتها. (والجهة الثانية) في وجوب الحضور بعد الانعقاد. ولنقدم
الكلام في الجهة الأولى، والمحتملات في ذلك ثلاثة: 1 - وجوبها تعيينا، ونتيجته عدم
إجزاء الظهر عنها. 2 - عدم مشروعيتها، ونتيجته عدم إجزائها عن الظهر. 3 - وجوبها
تخييرا بينها وبين صلاة الظهر، ونتيجته إجزاؤها عن الظهر وبالعكس. وقد وقع الاختلاف
بين العلماء في ذلك بعد اتفاقهم على وجوب صلاة الجمعة اجمالا، بل قامت عليه ضرورة
الدين، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين. اما الوجوب التعييني لصلاة الجمعة فهو مذهب
الشهيد الثاني - قدس سره - في رسالته المؤلفة في صلاة الجمعة. وتبعه صاحب
المدارك قدس سره -. واما القول بعدم مشروعيتها فعليه الشهرة بين المتقدمين بل نقل اتفاقهم
على ذلك والاختلاف نشأ بعد الشهيد - قدس سره -. واما القول بالتخيير فنسب إلى
الشهيد الثاني - قدس سره - في قوله الاخر في باقي كتبه. وذكر صاحب الجواهر - قدس
سره - ان الرسالة قد يظن صدورها منه في حال صغره لما فيها من الجرأة التي ليست من
عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام ال محمد (عليهم السلام) وحفاظ الشريعة، ولما
فيها من الاضطراب والحشو الكثير، ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري.
أقول: الأقوال في المسألة ثلاثة: الوجوب التعييني مطلقا. الوجوب التعيين حال بسط يد
106

الامام وعدم المشروعية حال عدمه. الوجوب التعيني حال بسط يد الامام والتخيير حال
عدمه. واما المحتملات التي افاده - دام ظله - فان أراد منها ما هو محتمل بحسب أصل
الشرع لا في خصوص زمان عدم بسط يد الامام كم هو الظاهر لأنه ملتزم بالوجوب التخييري
كذلك، أي يرى أن سنخ تشريع الجمعة هو الوجوب تخييرا. وقد صرح بذلك في جواب ما سألنا
عنه ويظهر أيضا في منض استدلاله على ما اختاره فإنه يحمل الأخبار الدالة عنده على
الوجوب على الوجوب التخييري، وليس هذا الا الالتزام بالتخيير بحسب أصل الشرع أي حتى
حال حضور الإمام (عليه السلام) وبسط يده، فلم يعهد بين القدماء الا القول بالوجوب
التعييني. اما عدم المشروعية فمخالف لضرورة الدين وقد صرح هو به أيضا. واما الوجوب
التخييري فاسناده - دام ظله - إلى الشهيد الثاني - قدس سره - في غير محله. فان
مختاره في سائر كتبه هو الوجوب التخييري في زمان الغيبة لا بحسب أصل الشرع،
فإنه صرح في الروضة أثناء كلامه في ذيل عبارة الشهيد الأول - قدس سره - مع امكان
الاجتماع في الغيبة: والحال انها في حال الغيبة لا تجب عندهم عينا وذلك شرط الواجب
العيني خاصة. وصرح في اخر كلامه: ولولا دعواهم الاجماع على عدم الوجوب العيني لكان
القول به في غاية القوة، فلا أقل من التخييري، مع رجحان الجمعة. وكلامه صدرا وذيلا
ينادي بأنه يريد اختيار الوجوب التعييني مع حضور الامام، والوجوب التخييري في زمان
الغيبة. فما اختاره - دام ظله - من القول بالوجوب التخييري بحسب أصل الشرع حتى حال
حضور الامام وبسط يده فليس في كلمات القدماء منه عين ولا اثر، وان أراد منها في
خصوص زمان الغيبة فالقول بالتخيير وإن كان صحيحا على ما سنبين، الا انه ليس هو
107

التخيير بحسب أصل الشرع الذي هو ملتزم به، بل ليس هو التخيير في مرحلة الجعل أيضا
حتى حال عدم بسط يد الامام، بل المراد منه هو التخيير في مرحلة الامتثال حال عدم
بسط يد الامام، فان مبنى هذا القول إن صلاة الجمعة ولائية، أي لا تجب عينا الا مع
وجود الامام أو من نصبه، ومع ذلك ثبتت المشروعية عند عدم وجود ولي الأمر بدليل.
ومعنى ذلك اشتراط الوجوب التعييني بوجود ولي الأمر واطلاق المشروعية، ويتضح هذا
أزيد من ذلك إن شاء الله. هذا مضافا إلى أن اسناده القول بعدم المشروعية إلى
المشهور ليس في محله، بل المشهور والمعروف بين القدماء هو القول بالتخيير كما يظهر
من كلام الشهيد الثاني المتقدم أيضا. نعم يمكن ان يقال إن مراده - مد ظله - من هذه
المحتملات هو الوجوب التعييني مطلقا، وعدم المشروعية حال الغيبة، والوجوب التخييري
مطلقا، الا انه بعد الاغماض عن لزوم البيان حينئذ، وعدم معهودية الوجوب التخييري
مطلقا، يرد عليه بأنه لا ينحصر الأقوال حينئذ بما ذكر، بل هناك قول اخر وهو المشهور
بين القدماء وهو القول بالوجوب التعييني مشروطا بوجود الامام أومن نصبه، والوجوب
التخييري في زمان الغيبة وهو الصحيح عندنا بالمعنى المذكور، أي اشتراط الوجوب
واطلاق المشروعية، ويظهر خلال الأبحاث إن شاء الله ومنه التوفيق. قال: وكيف كان
فالحق في المقام هو القول الثالث وهو القول بالتخيير فلابد من التكلم في مقامين:
(المقام الأول) نفي وجوبها تعيينا في قبال من زعم ذلك. (المقام الثاني) اثبات
مشروعيتها في قبال القول بالحرمة. وهذا المقدار كاف في اثبات التخيير كما يظهر إن شاء الله
. اما المقام الأول: وهو نفي عينية الوجوب فيكفي فيه عدم الدليل عليه،
108

فلابد من بطلان أدلة القائلين بالوجوب التعييني. وقد استدلوا على ذلك (أولا) بالآية
الكريمة: يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون (1). بتقريب ان اختصاص يوم الجمعة بالذكر
يدل على أن النداء انما هو لصلاة الجمعة، فحينئذ تدل الآية الكريمة على أنه متى نودي
لصلاة الجمعة يجب السعي إليها، فان الامر ظاهر في الوجوب ولا سيما في الآيات
القرانية كما في الحدائق، ولم نعرف وجها للاختصاص وهذا معنى الوجوب. والجواب عن هذا
يظهر بأدنى تأمل: (أولا) ان الآية الكريمة علق فيها وجوب السعي على تقدير تحقق
النداء فلا تدل على وجوب صلاة الجمعة مطلقا بل تدل على وجوبها مشروطا بتحقق النداء
ويحتاج اثبات وجوب النداء إلى دليل. أقول: الأحسن ان يقال: انه لو كان النداء دخيلا
في وجوب صلاة الجمعة فالآية لا تدل على وجوب العقد، بل غاية انها تدل على وجوب صلاة
الجمعة عند النداء، فيحتاج وجوب النداء إلى دليل. ولا فرق في ذلك بين ان يكون
المراد من النداء هو الأذان عموما أو الأذان لخصوص صلاة الجمعة. ولو كان النداء غير
دخيل في ذلك فيكون ما ذكر في الآية عنوانا طريقيا كفائيا لما هو شرط للوجوب، فيحتمل
ان يكون ذو الطريق إرادة من له الإقامة، أي إذا أراد من له الإقامة إقامة الصلاة
فاسعوا. فتكون الآية من أدلة المنصبية، ويحتمل أن تكون ذو الطريق إرادة الإقامة
مطلقا. فالآية حينئذ لا تدل على الوجوب عند عدم الإرادة. نعم قد يقال بل قيل: ان ذا
الطريق دخول الوقت، ولكنه قول بلا شاهد بعد الاحتمالات السابقة.

(1) الجمعة: 9.
109

وأما ما اعترض على صاحب الحدائق من أنه لا نعرف وجها لاختصاص الأوامر القرانية
بالدلالة على الوجوب، وجهه وحدة الأمر والحاكم (المولى) فيها وتعددهما في غيرها،
فان وجه حمل الأوامر على الوجوب انما يجري إذا كانت صادرة عن المولى بداعي البعث،
كما هو كذلك في الأوامر الواردة في الكتاب الكريم في مقام بيان الاحكام. واما إذا
كانت صادرة للارشاد كما هو الشان في أوامر المعصومين (عليهم السلام) في بيان
الأحكام الشرعية فإنها صادرة عنهم (عليهم السلام) لحكاية احكام الله تعالى لا في
مقام اعمال مولويتهم (عليهم السلام) بل للارشاد إلى احكامه تعالى وهو المولى، فهي
تابعة للمرشد إليها، نظير الأوامر الصادرة عن الفقهاء في مقام بيان الفتوى، ويسمى
هذا النوع من الأوامر بالأوامر الافتائية هذا هو الوجه، وإن كان فيه بحث، وقد
بين هذا الوجه والدي العلامة - أعلى الله مقامه - في توجيه ما ذكره صاحب الحدائق قدس سره -
ونقلت عنه باسمه أداء لبعض حقوقه مع اعترافي بالعجز عنه فإنه قد دأب على
تربيتي وتغذيتي بالآداب الدينية والعلوم الاسلامية وصرف نفسه ونفيسه لرعايتي
وتقويمي ومع ذلك هو من جملة أساتذتي ومشايخي تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه
بحبوحة جنانه انه سميع مجيب. قال: (ثانيا) سلمنا لكن المذكور في الآية وجوب السعي
وهو المشي السريع، ولم يقل بوجوبه أحد حتى القائلين بالوجوب التعييني. مضافا إلى أن
ترتب المشي السريع على النداء دال على أن المراد بذكر الله هو الخطبة، والا فلا وجه
110

للسعي بمجرد النداء، مع أن الخطبة فاصلة بين الاذان والصلاة. ولا نلتزم بوجوب حضور
الخطبة في صلاة الجمعة فضلا عن السعي إليها ولم يلتزم به الخصم أيضا. ويدل على أن
المراد من ذلك هو الخطبة ما في الآية المباركة المتأخرة: وإذا رأوا تجارة أو لهوا
انفضوا إليها وتركوك قائما (1). فان الظاهر من ذلك هو القيام للخطبة. على أن الآية
المباركة دالة على أن السعي المذكور فيها غير واجب فقد قال سبحانه: ذلك خير لكم
وكلمة خير افعل التفضيل وهو ظاهر في أرجحية المفضل على المفضل عليه، وهذا لا يزيد
على المحبوبية والاستحباب. وبهذا ظهر انه ولو كان المراد من ذكر الله هو الصلاة
أيضا لم نلتزم بأن المذكور في الآية وجوب السعي، لمكان كلمة خير. وأيضا بهذا ظهر
انه لا يمكن التمسك لهذا القول بالآية المتأخرة عن هذه الآية، وهي قوله تعالى وإذا
رأوا... الخ بتقريب انها في مقام ذم تارك صلاة الجمعة. فان في ذيل هذه الآية أيضا
كلمة خير قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة (2) مضافا إلى أن القيام هو
القيام للخطبة لا للصلاة كما مر. فتحصل انه لا تدل الآية الكريمة على وجوب صلاة
الجمعة. أقول: لو سلمنا ان الامر في كلمة اسعوا دال على الوجوب فمع ذلك لا تدل
الآية على وجوب عقد صلاة الجمعة مطلقا، فإنها في مقام الامر بالسعي إلى صلاة الجمعة
المنعقدة وليست في مقام ايجاب عقدها، فليست ناظرة إلى شرائط الانعقاد، وبعبارة
أخرى: ان الآية في مقام بيان ما هو في طول تشريع شرائط الانعقاد، وبعبارة أخرى: ان
الآية في مقام بيان ما هو في طول تشريع

(1) الجمعة: 11.
(2) الجمعة: 11.
111

صلاة الجمعة وهو وجوب الحضور إليها بعد انعقادها فلا تدل على أصل التشريع سعة وضيقا
الا بالأدلة الاستلزامية، ولا اطلاق لهذا النحو من الأدلة فان غايتها الدلالة على
تشريع الجمعة اجمالا لا تفصيلا، فلا يمكن التمسك باطلاق الآية لا لوجوب عقد الجمعة
لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، ولا لوجوب الحضور لمطلق صلاة الجمعة
المنعقدة بعين تلك العلة. ومن هنا ظهر انه لا حاجة إلى البحث عن دلالة اسعوا على
الوجوب وعدمها، ولا إلى البحث عن المراد من ذكر الله. ان قلت: ان الجملة الشرطية
ظاهرة في بيان الملازمة بين الطرفين، والملازمة اطلاقا وتقييدا تدور مدار طرفيها،
فالملازمة المطلقة ما كان طرفاها مطلقين، فعلى ذلك ظاهر الآية الكريمة اطلاق
الملازمة بين وجوب السعي وتحقق النداء، وهذا لا يتم الا بتمامية الاطلاق في تحقق
النداء، أي متى تحقق النداء يجب السعي. فعلم وجوب الحضور إلى مطلق صلاة الجمعة
المنعقدة. قلت: ان مورد نزول الآية الكريمة، وهكذا ذيلها وتركوك قائما قرينتان
على أن الآية ليست في مقام بيان الملازمة بين المقدم والتالي بل انها ناظرة إلى
اثبات التالي على تقدير وجود المقدم الذي اخذ مفروض الوجود، وكم فرق بين الامرين.
وبعبارة أخرى: ان القرينتين تدلان على أن الآية في مقام بيان وجوب الحضور إلى
الجمعة التي اخذت مفروض الانعقاد لا الملازمة بين الوجوب والانعقاد. وليس هذا من
تخصيص عموم الوارد بقرينة المورد بل إنه قرينة معينة لمصب عموم الوارد، فليتدبر.
واما ما استدل به على عدم دلالة الآية الكريمة على الوجوب من قرينية مادة السعي على
عدم إرادة الوجوب من الهيئة وقرينية خير على عدم الوجوب فإنه من افعل التفضيل
112

ففيه ما لا يخفى. فان اسعوا تدل على شدة الاهتمام بالحضور، وهذا يدل على أن الحضور
مأمور به فلابد من الالتزام بوجوب الحضور لوجود ملاك حمل الأوامر على الوجوب فيه
وهو تمامية حجة المولى على العبد وعدم ثبت الاذن في ترك الامتثال، ولم يثبت كون
الخير في الآية من افعل التفضيل بل لعله نظير الأولوية في اية أولوا الأرحام
تعييني. وفي مجمع البحرين: انه قد يكون اسم فاعل لايراد به التفضيل نحو الصلاة خير
من النوم وما قال من عدم وجوب الحضور إلى الخطبة غير مسلم، والبحث عنه موكول إلى
محله. قال: واغرب من ذلك التمسك باية أخرى وهي قوله سبحانه حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى (1). بتقريب ان المراد من صلاة الوسطى هو الظهر في غير يوم الجمعة،
وصلاة الجمعة في هذا اليوم. وقد فسرت الآية بذلك. الا انه لم يعلم تفسير المذكور
الا بما رواه الطبرسي - قدس سره - في تفسيره (2). وهي رواية مرسلة دالة على ذلك،
ولكنها من جهة ارسالها، لا يعتد بها. مع أنه لو سلمنا ذلك وقلنا بان المراد من الصلاة
الوسطى ما يشمل صلاة الجمعة أيضا فحينئذ تدل الآية على وجوب المحافظة على صلاة
الجمعة الا انها أجنبية عن بيان شرائط وجوبها. أقول: وبعبارة أخرى: ان الآية
الكريمة كالآية السابقة ناظرة إلى بيان ما في طول التشريع وفي المرتبة المتأخرة عنه
وهي المحافظة على صلاة الجمعة التي اخذت مفروض الوجوب، فلا يكون ناظرا إلى التشريع
نفسه. نعم يعلم من ذلك التشريع بالاستلزام، الا ان غايته الكشف عن ذلك اجمالا لا
تفصيلا، ولذا نقول: انه لا اطلاق لهذا النحو من الدلالة التي نسميه بالدلالة
الاستلزامية. فلا تدل الآية الكريمة على سعة وجوب صلاة الجمعة

(1) البقرة: 238.
(2) مجمع البيان: ج 2، ص 343.
113

وضيقه، ولا يمكن التمسك باطلاقها لاثبات وجوب الجمعة مطلقا ودفع ما شك في اعتباره في
وجوبها. قال: (وثانيا) بالروايات، وهي كثيرة تبلغ حد التواتر ولو اجمالا، فيعلم
صدور بعضها اجمالا مع أن عدة منها صحاح. نذكر جملة منها. (فمنها) صحيحة زرارة عن
أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: انما فرض الله عز وجل على الناس من الجمعة إلى
الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة
ووضعها عن تسعة (1) الخبر. وهذه الرواية صحيحة سندا وتامة دلالة على أن صلاة الجمعة
واجبة على جميع الناس عدا ما استثني فيها. أقول: الرواية وان كانت تامة الدلالة على
الوجوب الا انه لا يستفاد منها الوجوب بالنسبة إلى عموم المكلفين (في خصوص صلاة
الجمعة)، فإنها مشتملة على قيد وهو (في جماعة). والاحتمالات في ذلك ثلاثة: الأول:
وجوب تحصيل الجماعة. الثاني: وجوب الحضور للجماعة بمعنى ان كل مكلف موظف بالحضور
حتى تحصل الجماعة. الثالث: وجوب الصلاة مشروطا بحصول الجماعة. ومع هذا كيف يمكن
التمسك بالرواية لاثبات المطلق. وبعبارة أخرى: ان الرواية وان كانت دالة على وجوب
صلاة الجمعة الا انها دالة على الوجوب في جماعة. ولا يعلم من الرواية ان الجماعة
قيد للواجب

(1) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
114

أو الوجوب. وبعبارة ثالثة: ان في جماعة ظرف ولا يعلم أنها ظرف للفرض أو المفروض
لو لم نقل بظهور العبارة في الأول. هذا. مع احتمال أن تكون الجماعة دالة على الفرد
المجهول والا فلو كان الظرف حالا عن الفرض لم يحتج إلى في، فكلمة في تقتضي كون
الجماعة ظرفا ولا حالا محضا فيكون المراد انه فرضها الله عز وجل في جماعة خاصة من
الجماعات، فلا يستفاد الوجوب حينئذ من الرواية حتى مع إقامة الجمعة وتحقق الجمعة في
زمان الغيبة، لعدم العلم بانطباق الجماعة المذكورة في الرواية على هذه الجماعة
المنعقدة، فافهم. على أن الأدلة الدالة على المنصبية تفسر الجماعة بالحكومة
التفسيرية، هذا والمهم هو الاشكال الآتي، فلاحظ. قال: نعم قد يناقش في ذلك: ان
الرواية ليست الا في مقام بيان أصل وجوب صلاة الجمعة كسائر الصلوات، أي انما هي في
مقام بيان تعداد الصلوات الواجبة فلا اطلاق لها في مقام البيان لسائر الجهات من
شرائط الوجوب والواجب وغير ذلك. أترى امكان التمسك باطلاق هذه الرواية لدفع ما شك في
شرطيته وجزئيته لسائر الصلوات؟ ولكن المناقشة واردة على الأخذ بالاطلاق لدفع شرائط
المأمور به المشكوك فيها لا لدفع ما شك في شرطيته للوجوب، فإنها في مقام بيان وجوب
ما ذكر فيها من الصلوات على جميع الناس ولا سيما بملاحظة الاستثناء الوارد في ذيلها
فلو كان لوجوب الصلاة شرط اخر غير ما يفهم من ذيل الرواية لكان الموضوع عنهم عشرة لا
تسعة فإذا الرواية بحسب الدلالة كسندها لا بأس بها. أقول: التحقيق ان الراوية ليست
في مقام بيان مطلق شرائط الوجوب، فإنه بقرينة ذكر من كان على رأس فرسخين في عقد
الاستثناء يعلم أنها في مقام بيان وجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة، فغاية ما تكون
115

الرواية في مقام بيانه من شرائط الوجوب هي الشرائط المعتبرة في المكلف بالحضور
كالبلوغ والعقل وغير ذلك من المذكورات. واما غيرها مما هو دخيل في وجوب عقد الجمعة
فليست الرواية ناظرة اليه. ومن هنا يعلم دفع ما افاده من أنه لو كان للوجوب شرط اخر
غير ما ذكر في عقد الاستثناء لكان اللازم استثناء غير واجد الشرط أيضا. فان دخول
الوقت أو الاقتدار على الخطبة ولو في الجملة شرط للوجوب يقينا، ومع ذلك لم يذكر في
الرواية. والسر في ذلك ما ذكرناه ن ان الرواية مسوقة لبيان وجوب الحضور بعد
الانعقاد وشرائط وجوب الحضور لا الانعقاد، وشرائط وجوب العقد. فلا تدل الرواية لا
على وجوب العقد مطلقا ولا على وجوب الحضور إلى مطلق الجمعة المنعقدة، فتدبر جيدا.
قال: (ومنها) حسنة زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: صلاة الجمعة فريضة
والاجتماع إليها فريضة مع الامام، فان ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث
فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة الا منافق (1). (ومنها) صحيحة أبي بصير ومحمد
بن مسلم قالا: سمعنا أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: من ترك الجمعة ثلاثا
متواليات بغير

(1) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة، وآدابها حديث 8 و 11.
116

علة طبع الله على قلبه (1). ولا بأس بدلالة الروايتين كسندهما فإنهما بالعموم تدلان
على وجوب الجمعة على كل أحد. أقول: (أولا) الحسنة مشتملة على كلمة (مع الامام)
ولا ينبغي الاشكال في ظهوره في امام خاص فيها، ولو لم يكن ظاهرا في ذلك في غيرها
فإنه لو كان المراد مطلق من يقتدى به لكان القيد مستدركا بذكر الاجتماع إليها ولزم
اللغو، فدفعا لمحذور اللغوية لابد من أن يكون القيد أشار إلى اشتراط وجوب الاجتماع
بالامام الخاص، فالرواية من أدلة المنصبية، فهي دالة على خلاف المطلوب. (ثانيا) لو
تنزلنا عن ذلك ولم نقل انه امام خاص فلا أقل من أنه محتمل، لعدم إرادة الجنس منه
يقينا فهو معهود فيكون مجملا. أترى ان ما بين الشرائط المعتبرة في الامام ناظر إلى
هذه الرواية بلسان التقييد أم يبين المراد منه بنحو التقييد ومن باب ضيق فم الركية.
(ثالثا) لو تنزلنا عن ذلك وقلنا انه ظاهر في مطلق من يقتدى به الا ان أدلة المنصبية
على ما سيجئ الكلام فيها يعين المراد منه، وانه ولي الأمر أو من نصبه. (رابعا) ان
الرواية غير ناظرة إلى بيان كيفية التشريع وشرائطه. واليك تحليل الرواية: اما صدرها
صلاة الجمعة فريضة فلا يكون مسوقا الا لبيان أصل الشرع، فلا دلالة له حتى
بالاطلاق على وجوب الجمعة على كل واحد، بل ليس ذلك مصبا للاستدلال عند المستدل
أيضا. واما الجملة الثانية، وهي الاجتماع إليها فريضة فناظرة إلى بيان وجوب
الاجتماع إلى صلاة الجمعة المنعقدة وليست ناظرة إلى بيان شرائط الانعقاد فلا يمكن
الاستدلال بها لاثبات وجوب الانعقاد مطلقا أو وجوب

(1) الوسائل: ج 54 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 8 و 11.
117

الحضور إلى مطلق صلاة الجمعة المنعقدة. واما الذيل: وهو فان ترك رجل.... الخ
فيحتمل ثبوتا ان يكون تفريعا على الجملة الأولى أو على الجملة الثانية أو كلتيهما،
فلو كان تفريعا على الجملة الأولى يكون المراد من الترك هو ترك الاتيان بصلاة
الجمعة. ولو كان تفريعا على الجملة الثانية يكون المراد منه ترك الحضور إلى الجمعة
المنعقدة. ولو كان تفريعا على كلتا الجملتين يكون المراد منه أعم من ترك الحضور
والاتيان. اما على الأول: فذيل الرواية ناظرة إلى رتبة الامتثال وهو ترك الجمعة
المفروضة، وهذا في الرتبة المتأخرة عن شرع الجمعة، وفي طول ذلك فلا تدل عليه الا
بالاستلزام، وقد ذكرنا ان الدلالة الاستلزامية لا اطلاق لها فلا تدل على اطلاق شرع
الجمعة. واما على الثاني: مضافا إلى أنها ناظرة إلى مرحلة الامتثال، لا تدل على
أزيد مما يستفاد من الجملة الثانية نفسها وهو وجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة من
دون نظر إلى شرائط الانعقاد. وظهر بذلك حال الاحتمال الثالث لعدم استفادة اطلاق
الشرع من الرواية على كلا التقديرين. مضافا إلى أن التفريع على الجملة الأولى فقط
مستلزم للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، فلابد إما من أن يكون التفريع على الجملة
الثانية أو على كلتا الجملتين. اما التفريع على كلتا الجملتين فمستلزم لاجتماع
اللحاظين، ولا أقل من أنه خلاف الظاهر، فلابد من أن يكون التفريع على الجملة
الثانية فقط، وان أبيت فلا أقل من عدم الدليل على التفريع على أزيد من الجملة
الثانية، فإنه القدر المتيقن والزائد مشكوك فيه، فلا تدل الرواية بحسب ذيلها أيضا
على أزيد من وجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة، ساكتة عن شرائط الانعقاد. فتحصل انه
لا اطلاق ولا عموم لهذه الرواية يدل على وجوب الجمعة على كل أحد حتى مع قطع النظر
118

عن أدلة المنصبية. هذا وسنذكر المستفاد من الرواية من جهة التفصيل بين أصل الصلاة
والاجتماع إليها وانها ملائمة مع القول بالمنصبية، فانتظر. وقد ظهر مما ذكرناه
أخيرا ان الرواية الأخيرة أيضا غير ناظرة إلى مرحلة الجعل وتشريع صلاة الجمعة، بل
هي ناظرة إلى المرتبة المتأخرة عن التشريع وهي مرحلة الامتثال، فهي مسوقة لبيان ما
في طول التشريع فلا تدل على التشريع الا بالاستلزام ولا اطلاق للدلالة الاستلزامية
كما مر، فكيف تثبت بها كيفية التشريع. وبعبارة أخرى: ان الرواية تدل على حرمة ترك
الجمعة المفروضة وليست في مقام بيان شرائط انعقادها وشرائط وجوبها، فلا تدل على
وجوب الجمعة لا عقدا ولا حضورا حتى بالاطلاق. قال: (ومنها) صحيحة أبي بصير ومحمد بن
مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ان الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسا
وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها الا خمسة: المريض والمملوك
والمسافر والمرأة والصبي (1). وعموم هذه الرواية غير قابل للانكار. (ومنها) صحيحة
منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر
الناس فيها الا خمسة: المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي (2). وهذه الرواية
كسابقتها في الدلالة.

(1) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 14 و 16.
(2) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 14 و 16.
119

مقام بيان شرائط الانعقاد، فلا تدل لا على وجوب العقد مطلقا، ولا على وجوب الحضور
إلى مطلق الجمعة المنعقدة. والرواية الثانية ليست في مقام بيان وجوب الجمعة على كل
شخص، فان ظهور الاستثناء في الاتصال يقتضي ان يكون المراد من الاحد هو الواحد
النوعي لا الشخصي، فان المستثنى هي الأنواع لا الاشخاص، فيكون مفاد الرواية ان
الجمعة واجبة على كل نوع عدا ما خرج فهي في مقام بيان دخل النوع في الوجوب، لا
الوجوب على كل شخص. وبعبارة أخرى: ان الرواية ليست في مقام تشريع الجمعة بل انما هي
في مقام بيان نفي وجوبها مطلقا عن المذكورات، ودخل غيرها في الوجوب لا في مقام بيان
وجوبها المطلق على كل واحد، فهي بمثابة ان يقال: الجمعة الثابتة في الشريعة كيف
كانت واجبة على كل أحد غير ما استثنى، لا تقييدا بل تقييدا من جهة ان الرواية في
مقام بيان ما في طول التشريع، فافهم واغتنم. قال: ولكن هذه الروايات وان دلت على
الوجوب على كل أحد بالعموم الا ان دلالتها على التعيين انما هو باطلاق ولابد من رفع
اليد عن هذا الاطلاق، وحمل الوجوب على الوجوب التخييري لوجوه، وهذا هو المقام
الثاني من الكلام. أقول: على ما ذكرنا سابقا قد عرفت انه لم توجد حتى رواية واحدة
تدل على الوجوب التعييني في زمان عدم بسط يد الامام حتى بالاطلاق. فان المهم من
الروايات التي تمسك بها على القول بالوجوب التعييني ما مر، وسيجئ بعض اخر منها.
وحاصل ما يقال في جميع هذه الروايات انها واردة في مورد حكم مرتب على التشريع فلا
تدل على التشريع نفسه الا بالاستلزام، والدلالة الاستلزامية لا اطلاق لها بل هي
مجملة من حيث سعة التشريع وضيقه، وقد مر بيان ذلك بنحو أوفى. وليعلم ان دلالة هذه
الروايات ولو بملاحظة مجموعها على الوجوب التعييني في الجملة غير قابل للانكار فمع
120

عدم الدليل على الوجوب التخييري مطلقا كما هو كذلك على ما سيظهر، نلتزم بالوجوب
التعييني اجمالا. فما التزم به - دام ظله - أي الوجوب التخييري بحسب أصل الشرع
مخالف لظاهر هذه الروايات من دون وجود دليل صالح عليه. ومحل نظرنا عدم استفادة
الوجوب التعيني مطلقا حتى مع عدم بسط يد الامام من هذه الروايات، فالوجوب المستفاد
منها أي الوجوب التعييني اجمالا لاوجه لحمله على التخييري كما سيظهر إن شاء الله،
وما يمكن الالتزام بالتخيير فيه ليست هذه الروايات ناظرة إلى حكمه، فتدبر جيدا.
قال: (الأول) ان صلاة الجمعة من المسائل التي تعم بها البلوى ومحتاج إليها جميع
الناس عدا ما استثني في الروايات فلو كانت مثل هذه الصلاة واجبة تعيينا لبان وظهر
ظهور الشمس في رائعة النهار، كيف والمشهور بين القدماء عدم وجوبها تعيينا بل نقل
على ذلك اجماعهم، وهذا أقوى شاهد على عدم الوجوب التعييني لصلاة الجمعة. (الثاني)
السيرة القطعية بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كانت جارية على ترك صلاة الجمعة مع أنهم
اجلاء وردت في حقهم مدائح كثيرة، فلو كانت صلاة الجمعة واجبة تعيينا للزم
تجاهرهم بالفسق والعياذ بالله. أترى أن زرارة مع شأنه الجليل ومنزلته الرفيعة وهو
الذي كان من أصحاب سر الإمام (عليه السلام) وورد في حقه ما هو غني عن البيان كان
121

تاركا لهذه الفريضة مع وجوبها تعيينا ولا سيما بملاحظة ان عدة كثيرة من هذه
الروايات الدالة على وجوبها وردت بطريقه، ودلت على كونهم تاركين لصلاة الجمعة.
صحيحة زرارة من جهة دلالة الحث على أن زرارة وأصحابه كانوا تاركين لها. وموثقة عبد
الملك، فإنها تدل على أن عبد الملك لم يصل الجمعة حتى مرة واحدة بحيث يقول له
الإمام (عليه السلام): مثلك يهلك ولم يصل. ونذكر الروايتين في الوجه الثالث. أقول:
هذان الوجهان لا يدلان على الوجوب التخييري بحسب أصل الشرع، بل غايتها الدلالة على
عدم الوجوب التعييني في زمان عدم بسط يد الامام. فإنهما دليلان لبيان، ولا اطلاق
للدليل اللبي، فلعل منشأ الوجهين منصبية الجمعة. وبعبارة أخرى: انه لو أراد بذلك ان
الوجهين دالان على عدم التعيين حتى زمان بسط يد الإمام (عليه السلام) فبطلانه واضح.
فمن أين ثبت ان ترك أصحاب الإمام (عليه السلام) كان في زمان بسط يد الامام، واي
دليل دل على أنه لو كان واجبا تعيينيا مشروطا ببسط يد الامام لبان وظهر. وان أراد
بذلك انهما دالان على عدم الوجوب تعيينا في الجملة فهو مسلم، الا ان الوجوب
التخييري لا يثبت بذلك، هذا لو أغمضنا النظر عن أدلة المنصبية والا فالأمر واضح،
فلا دلالة لهذه القرينة وما قبلها على عدم الوجوب التعييني بالنسبة إلى أصل العقد.
نعم دلالتهما للوجهين على عدمه في زمان عدم بسط يد الامام تمام ويظهر من الوجه
الأول زائدا على ذلك عدم وجوب الحضور بعد الانعقاد في زمان عدم بسط يد الامام بنفس
122

التقريب السابق، ونتعرض لذلك إن شاء الله. قال: ومما يدل على عدم الوجوب التعييني
وثبوت التخيير نفس المعتبرتين وهما: صحيحة زرارة قال: حثنا أبو عبد الله (عليه
السلام) على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه. فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا،
انما عنيت عندكم (1). فان الجمع بين ترك زرارة وحث الامام يثبت التخيير. وموثقة عبد
الملك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله.
قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة (2). والتقريب كسابقتها. ولا يمكن حمل
المعتبرتين على إرادة حضور جمعة المخالفين بل ظاهر الروايتين اتيان الجمعة عندهم مع أن
صلاة الجمعة معهم باطلة لفسق الامام. فكيف تكون مثل هذه العبارة مثلك يهلك ولم
يصل فريضة فرضها الله ناظرة إلى ذلك، فلابد من حمل الروايات السابقة أيضا على
التخيير بقرينة هاتين المعتبرتين. أقول: المعتبرتان وان دلتا على عدم الوجوب
التعييني، الا انهما غير صالحتين لاثبات الوجوب التخييري. أولا: انهما من الأدلة
المنصبية من جهة نغدو عليك وكيف أصنع والحث انما هو بلحاظ ما بعد التشريع وفقدان
الشرط وهو بسط يد الامام فتدلان على أنه لو لم يكن من كان من شأنه الإقامة فالمكلف
مرخص في تطبيق

(1) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1 و 2.
(2) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1 و 2.
123

الوظيفة الفعلية على الجمعة، وهذا غير الوجوب التخييري لأصل العقد، بل غايته
الدلالة على التخيير عند عدم الشرط المذكور. ثانيا: الروايتان لا تدلان على الوجوب
التخييري مطلقا حتى مع قطع النظر عن المنصبية. فان الحث وهكذا صلوا في مقام الجواب
عن الكيفية ناظران إلى مرحلة الامتثال وهو في طول التشريع، فلا يدلان على سنخ
التشريع. ومن هنا يظهر ان الروايتين لا تدلان على الوجوب التخييري حتى حال عدم بسط
يد الامام أيضا، بل غايته الدلالة على التخيير في مرحلة الامتثال لا في مرحلة
الجعل، فتكون النتيجة من ضم الامرين المذكورين (أولا وثانيا) اشتراط الوجوب واطلاق
المشروعية. والحاصل: انه بملاحظة هذه الأمور في الرواية أي ترك زرارة وأصحابه
وهكذا عبد الملك لصلاة الجمعة وارتكازية المنصبية عندهم المستفاد من الكلمتين
نغذو عليك - وكيف اصنع وحث الامام للاتيان يستكشف ما ذكرناه أي الوجوب المشروط
والمشروعية المطلقة. لا يقال: ان غاية ما يستفاد من الرواية المشروعية بالنسبة إلى
زرارة وأصحابه وعبد الملك، فان الرواية في مقام بيان الترخيص في هذا المورد الخاص،
فكيف يستكشف منها المشروعية المطلقة؟. لأنا نقول: ان الرواية ليست في مقام بيان
الترخيص في المورد الخاص بل انما هي في مقام الكشف عن المشروعية الواقعية وتطبيقها
على ذلك المورد، فان الحث وهكذا تعبير مثلك يهلك ولم يصل يدلان على سبق المشروعية
والحث على متعلقها بعنوان التطبيق، وهذا ظاهر. على أنه لا يستفاد من الروايتين أزيد
مما ذكرناه على القول بعدم المنصبية أيضا، فإنها واردة مورد حكم اخر غير تشريع
الجمعة كما ذكرناه. فالمستفاد منهما جواز تطبيق الوظيفة ظهر يوم الجمعة على صلاة
124

الجمعة حتى على القول بالمنصبية. وهذا يظهر من كلمة صلاة الجمعة في صحيحة زرارة
ومن كلمة فريضة فرضها الله في موثقة عبد الملك، ولازم هذا الاجزاء ولو قلنا
بالمنصبية فإنه بعد الانطباق كون الوظيفة واحدة بل كون الظهر والجمعة ماهية واحدة،
كما يستفاد مما دل على أنه جعلت الخطبتان مكان الركعتين يكون الاجزاء عقليا لا
محالة. ولذا نعبر عن ذلك بتطبيق الوظيفة الفعلية على الجمعة الذي يستلزم الاجزاء
عقلا ولو بنحو اجزاء غير الواجب عن الواجب. وبعبارة أخرى: حيث إن الروايتين ناظرتان
إلى مرحلة الامتثال فلا تدلان على مرحلة الجعل حتى على الوجوب التخييري في تلك
المرحلة. بل غايته الدلالة على اطلاق المشروعية ويعلم من تطبيق الإمام (عليه
السلام) صلاة الجمعة والفريضة على المأتي به ولا سيما بملاحظة ما دل على أن الظهر
والجمعة ماهية واحدة الاجزاء. ويعلم من أدلة المنصبية اشتراط الوجوب التعييني.
فالنتيجة اشتراط الوجوب واطلاق المشروعية. ولازم ذلك التخيير في مرحلة الامتثال عند
عدم الشرط. ولهذا توجد نظائر في الفقه مثل الوضوء الحرجي لو أتى به على قول بعضهم
من صحة الوضوء المذكور مع أنه غير واجب، والوجه في ذلك ان دليل الحرج بمقتضى
امتنانيته انما يرفع الالزام فقط دون أصل المشروعية الدال عليها اطلاق دليل الوضوء
فالوجوب مشروط والمشروعية مطلقة. ومثل ما يقال من صحة صلاة غير البالغ وان بلغ بعد
الاتيان بها في الوقت، والوجه فيه عين ما ذكر، فان دليل رفع القلم عن الصبي بمقتضى
امتنانيته لا يدل على أزيد من رفع الالزام بالنسبة اليه دون المشروعية التي تدل
عليها اطلاق دليل الصلاة. فبالنتيجة وجوب الصلاة مشروط بالبلوغ ومشروعيتها مطلقة،
125

وهذا غير الوجوب التخييري، كما لا يخفى، بل هو امر اخر نعبر عنه باشتراط الوجوب
واطلاق المشروعية فكما لا يقال في مورد كون الوضوء حرجيا ان الواجب الوضوء أو التيمم
تخييرا وإن كان كل منهما صحيحا مع الاتيان به، فكذا لا نقول بان الواجب في زمان عدم
بسط يد الامام الجمعة والظهر تخييرا، بل نقول بان الواجب هو الظهر ويسقط باتيان
الجمعة فإنها أيضا مشروعة وان لم تكن واجبة الا مشروطة بإقامة الامام المبسوط اليد.
قال: ومما يدل على ذلك استثناء كل من كان على رأس فرسخين عن المكلف لصلاة الجمعة في
عدة من الروايات، فلو كانت الجمعة واجبة تعيينا لكان جعل الحد لغوا محضا، بل كان
تجب عليهم الإقامة في محلهم كغيرهم فإنه ليس المراد منهم المسافر، لجعلهم قسيما
للمسافر في مقام الاستثناء، ومن البعيد جدا عدم وجود سائر الشرائط كالعدد والاقتدار
على الخطبة في الامام في محل اقامتهم فإنه مامن محل لإقامة أحد الا ويوجد فيها سبعة
نفر من المسلمين وفيهم امام جماعة ويقتدر على الخطبة ولو بمقدار أقل الواجب، وهذا
ظاهر. أقول: لو أثبتنا المنصبية - كما هو ثابت بالأدلة ويأتي إن شاء الله - فوجه
عدم الوجوب بالنسبة إلى من كان على رأس فرسخين ظاهر لعدم وجود الامام أو من يقوم
مقامه حينئذ. بل لو تنزلنا عن ذلك وقطعنا النظر عن أدلة المنصبية فمع ذلك هذه
الروايات لا تدل على الوجوب التخييري، وهذا ظاهر. بل لا دلالة لها على نفي الوجوب
التعييني على الاطلاق، فان عدم الوجوب بالنسبة إلى من كان على رأس فرسخين لازم أعم
لعدم الوجوب التعييني والوجوب المشروط مع عدم حصول شرطه بالنسبة اليه، فكيف يتمسك
به لاثبات عدم الوجوب التعييني على الاطلاق حتى مع حصول الشرط، والمراد من الشرط
هنا وجود ولي الأمر (الأعم من الامام أو من نصبه) وبسط يده للإقامة، كما لا يخفى.
126

قال: ومما يدل على ذلك الروايات الواردة في بيان وظيفة أهل القرى وانهم يصلون
الجمعة إذا كان من يخطب، والا يصلون الظهر أربع ركعات. فإنه لا ينبغي الاشكال في أن
المراد ممن يخطب هو من يخطب فعلا لظهور الوصف في الفعلية لا من كان من شأنه ان يخطب
لأنه مضافا إلى مخالفة الظاهر يكون التقييد في الرواية لغوا محضا، فإنه ما من قرية
الا ولها امام جماعة وهو يقدر على الخطبة ولو بمقدار أقل الواجب ومن شأنه ان يخطب.
بل لو فرضنا ان الجمعة واجبة تعيينا لكان اللازم على جميع المكلفين تعلم الخطبة فان
مقدمة الواجب المطلق واجبة، فلا وجه للتقييد، الا بان يكون المراد انه يجب على أهل
القرى حضور الجمعة على تقدير الإقامة فعلا. وعلى تقدير عدم الإقامة يصلون الظهر.
ويدل على أن المراد ممن يخطب ليس مطلق من يقتدر على الخطبة، بل المراد منه هو من
يخطب فعلا، ترخيص الإمام في بعض الروايات في الاتيان بصلاة الظهر يوم الجمعة جماعة
ان لم يكن هناك امام يخطب. فلو كان المراد ممن يخطب مطلق من كان من شأنه ان يخطب،
وكان انعقاد الجمعة على تقدير وجود من يقتدر على الخطبة واجبا تعيينيا لما صح اتيان
الظهر بالجماعة لأن هذا من قبيل الاقتداء بالفاسق، فإنه على ما ذكرنا لا توجد قرية
الا ويوجد فيها من يقدر على الخطبة ولو بمقدار أقل الواجب. بل لو لم يكن فيها من هو
127

كذلك للزم تعلم الخطبة عليهم، فكيف يجوز الاقتداء بمثل شخص يقتدر على ايراد الخطبة
مع عدم اقامته الجمعة أو عدم تعلمه الخطبة. واليك بعض هذه الروايات: 1 - صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة
جماعة؟ قال: نعم، ويصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب (1). 2 - صحيحة عبد الله بن بكير
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أيصلون
الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ فقال: نعم، إذا لم يخافوا (2). 3 - موثقة سماعة قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: اما مع الامام فركعتان،
واما من يصلي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر. يعني إذا كان امام يخطب، فإن لم
يكن امام يخطب فهي أربع ركعات وان صلوا جماعة (3). وهذه الروايات تدل على ما ذكرنا
من دون التقييد بالقرية لعدم احتمال الخصوصية. فالمتحصل من هذه الروايات وجوب
الحضور إلى الجمعة عند قيام أحد بالأمر وجواز ترك الجمعة عند عدم قيامه. فبضميمة
ما دل على وجوب العقد من الروايات السابقة نستنتج التخيير بالنسبة إلى العقد

(1) الوسائل: ج 5 باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 12 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
(3) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 3.
128

أقول: (أولا) ان غاية ما يستفاد من هذه الروايات ان وجوب الجمعة مشروط بفعلية
الخطبة. واما شرائط فعليتها فلا يستفاد منها. فلو قلنا بالمنصبية كما هو المشهور
فبحكومة أدلة المنصبية على هذه الروايات حكومة تفسيرية يعلم أن المراد ممن يخطب هو
ولي الأمر أو من نصبه. فتدل على عدم الوجوب عند عدم وجوده بلا فرق بين العقد
والحضور بعد الانعقاد. ومع قطع النظر عن أدلة المنصبية فلا يستفاد من الروايات الا
اشتراط فعلية الخطبة في وجوب صلاة الجمعة لا شرائط الفعلية. فلا يمكننا التمسك
باطلاقها لدفع ما يحتمل كونه شرطا في فعلية الخطبة، فلا تدل الرواية على وجوب الحضور
إلى مطلق الجمعة المنعقدة. (ثانيا) المذكور في الروايات هو اشتراط وجود من يخطب في
وجوب الجمعة ولا يراد منه الجنس يقينا، والمعهود يحتاج في تعيينه من دليل، فالروايات
تصبح مجملة من هذه الجهة. وان شئت فاعتبر في نفسك ان ما دل على شرائط الخطبة وقيودها
هل هو مقيد لاطلاق من يخطب الواقع في هذه الروايات؟ أو هو معين للمراد منها؟.
والفرق بين الأمرين: ان وزان المطلق والمقيد - بالكسر - المنفصل عن المطلق وزان
المقتضي والمانع، بخلاف ما سميناه بالمعين للمراد فإنه معين لحد المقتضي من الأول من
باب ضيق فم الركية. (ثالثا) ان هذه الروايات مشتملة على كلمة الخطبة فيقع السؤال عن
ذلك، وانه ما هي الخطبة، ومعتبرة العلل الواردة في بيان ماهية الخطبة مشتملة على
كلمة الأمير ومطالب لا تناسب الا بالأمير، فيعلم منها ان من يخطب هو الأمير أو من
129

نصبه. (رابعا) لو سلمنا تمامية هذه الروايات في الدلالة على ما افاده - دام ظله
الا انه بإزاء هذه الروايات ما دل على اعتبار المصر في وجوب صلاة الجمعة. وان شئت
فقايس بين هذه الروايات الدالة على تعليق وجوب الجمعة على وجود من يخطب بالنسبة إلى
أهل القرية، وبين هذه الموثقة: لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود (1).
فبالمقايسة بين الطائفتين وتحاكمهما يظهر ان دخل المصر في الموضوع ليس دخلا
موضوعيا، بل اشتراطه من جهة كونه وعاء لما هو الشرط وهو إقامة الحدود، وبعد ذلك
فلاحظ انه أية مناسبة بين إقامة الحدود ووجود من يخطب. فإذا لاحظت بعين التدقيق
والتدبر ترى ما هو المشهور من أن صلاة الجمعة منصب ولائي بلا غبار عليه، فافهم
واغتنم. وان أبيت فلا أقل من اعتبار فعلية إقامة الحدود في صلاة الجمعة فاطلاق وجوب
الحضور ممنوع. (خامسا) ان شيئا من هذه الروايات ليست في مقام البيان من جهة وجوب
الحضور بعد الانعقاد بل انما هي ناظرة إلى بيان حكم اخر في طول الشرع. اما صحيحة
محمد بن مسلم فهي ناظرة إلى بيان جواز صلاة الجمعة جماعة بالنسبة إلى أهل القرى
والتنويع بالنسبة إلى الاتيان بالظهر والجمعة، وليست في مقام بيان اطلاق الوجوب
وعدمه، وتوسعة من حيث الشرط وعدمه. وهكذا صحيحة عبد الله بن بكير. وأما موثقة سماعة
فمضافا إلى ما ذكر مشتملة على كلمة الامام وقد مر ما يناسب ان يقال في ذلك. على أن
الرواية وردت بمتون أربعة: منها ما ذكر وهو مشتمل على كلمة يعني... الخ، وفي بعض
منها ليست هذه العبارة، وفي بعض منها جملة بمنزلة الظهر ساقطة، وفي بعض منها
عبارة يعني المفسرة ساقطة مع وجود وان صلوا جماعة فيها. فلا يعلم وجود عبارة
يعني إذا كان امام يخطب في الرواية. مضافا إلى أنها لو كانت في الرواية فليست

(1) الوسائل: ج 5 باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 3.
130

من كلام الإمام (عليه السلام) لعدم امكان تفسير الامام كلام نفسه الشريف بجملة
يعني. فلابد من كونها من كلام الراوي ولا يمكن الاعتماد على ما فهمه الراوي مع عدم
ذكر منشأ فهمه. وليس شئ من الروايات المشتملة على من يخطب أو ما بمعناه في مقام
البيان من جهة توسع ذلك وتضيقه، على أن بعضها ناظرة إلى ما هو شرط للانعقاد لا
الوجوب لوجود خمسة فيها، فراجع. (سادسا) ان ما استفاده السيد الأستاذ - دام ظله
مبني على أن يكون كلمة يخطب خبر كان ولكن من المعلوم إن كان في الرواية ليست
من افعال الناقصة بل هي فعل تام بقرينة كلمة من الموصولة، فان الموصول وصلته
بمنزل الكلمة الواحدة. فمعنى إذا كان من يخطب: ان من يخطب بوجوده تاما شرط في وجوب
صلاة الجمعة لا بوجوده ناقصا أي في حال الخطبة، فالشرط هو الوجود لا الخطبة، وهذا
انما يناسب إذا كان من يخطب عنوانا لشخص خاص بحيث يكون وجوده شرطا في الوجوب. فعلى
ذلك الرواية على خلاف المطلوب، وهو القول بالمنصبية أدل. نعم هذا البيان في امام
131

يخطب غير جار الا ان يعلم المراد منه مما ذكرنا في من يخطب، فتدبر جيدا. قال:
بقي الكلام في بعض ما استدل به على الوجوب التعييني لصلاة الجمعة من الروايات.
الأول: صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): على من تجب الجمعة؟ قال: تجب
على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الامام. فإذا
اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم (1). فان موضوع الوجوب هو طبيعي السبعة،
فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا وجب ان يؤمهم بعضهم ويخطبهم. ولكن الرواية لا تدل على
الوجوب التعييني. فإنه لو كان المراد من الوجوب على السبعة ان السبعة شرط للصحة، أي
لا تصح صلاة الجمعة الا بوجود السبعة، فمع انه خلاف الظاهر تكون الرواية معارضة لما
دل على أن الجمعة تصح من خمسة، ومنه ذيل هذه الرواية. ولو كان المراد ان السبعة
بوجودها شرط للوجوب فيكون بيان هذا الشرط من اللغو الواضح، فإنه ما من قرية بل وما
من محل لإقامة أحد الا وتوجد فيها سبعة. نعم يمكن فرض عدم وجود السبعة بالنسبة إلى
المسافر، ولكن الجمعة موضوع عنه فتنحصر إفادة الشرط بفرد نادر، كالمرتاضين والساكنين
في الجبال انفرادا، فإذا يكون الشرط هو الاجتماع، وتنادي الرواية - صدرا وذيلا بذلك.
فإذا اجتمع سبعة تجب عليهم الجمعة، وحينئذ الرواية دالة على وجوب الحضور بعد
الانعقاد. واما بالنسبة إلى الاجتماع فنحكم بالوجوب التخييري لما ذكرناه ولاخذه في
الموضوع في هذه الروايات شرطا لوجوب الجمعة، وطبع كل شرط للوجوب ثبوت التخيير
بالنسبة اليه. أقول: (أولا) نختار ان السبعة بوجودها شرط للوجوب، والمحذور انما
يلزم إذا

(1) الوسائل: ج 5 باب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 4.
132

كان المراد منها الجنس، واما إذا كان المراد منها سبعة خاصة فلا. ومعتبرة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب
على أقل منهم: الامام، وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب
الحدود بين يدي الامام (1) دالة على أن السبعة هي سبعة خاصة. فان الامام في هذه
المعتبرة غير صادق الا على المعصوم (عليه السلام) ونتعدى عن ذلك بالمنصوب من قبله
بالدليل، فملاحظة الروايتين تدل على المنصبية. ان قلت: على ذلك لزم عدم وجوب صلاة
الجمعة على غيرهم فان وجوب الجمعة في الرواية مقصور على هذه السبعة. قلت: نلتزم
بذلك ونقول: ان الواجب على غيرهم هو الالتحاق إلى هذه الجمعة، فان الجمعة فريضة،
والاجتماع إليها فريضة على ما في صحيحة زرارة، مضافا إلى أن المحذور وهو ظهور
الرواية في قصر الوجوب على السبعة المخصوصة يندفع بحمل من عدا الامام على الطريقية،
وبيان ان الشرط ليس زائدا على وجود الامام وبسط يده وتمكنه من اجراء الحدود فان
وجود هؤلاء من لوازم حضور الامام وبسط يده غالبا، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور
الرواية في دخل الامام في الوجوب. فالرواية الثانية يبين المراد من الرواية الأولى،
وان أحد السبعة المذكورة فيها هو الامام بشرط اقتداره وتمكنه من اجراء الحدود.
والحاصل: ان الاضطرار إلى حمل الرواية على خلاف ظاهرها وهو الحصر لا يوجب حملها عل
خلاف ظاهرها وهو دخل الإمام (عليه السلام) في الوجوب، فتدبر جيدا. (ثانيا) نختار
شرطية الاجتماع الا ان أدلة المنصبية حاكمة على ذلك،

(1) الوسائل: ج 5 باب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 9.
133

فطبعا بمقتضى حكومة أدلة المنصبية عليها يظهر دخل الشرطين في الوجوب: اجتماع العدد،
ووجوب صاحب الامر. كما أن هذا البيان يجري في سائر الشروط أيضا، وحينئذ وجوب
الاجتماع عند الشرط المذكور أي وجود الامام أو المنصوب من قبله يظهر من الأدلة
الدالة على وجوب العقد اجمالا كالمطلقات السابقة وما دل على وجوب الاجتماع مع الامام
كصحيحة زرارة المذكورة انفا. فينتج عدم وجوب الجمعة لا عقدا ولا حضورا عند عدم وجود
الإمام (عليه السلام) أو المنصوب من قبله ووجوبها حضورا وعقدا عند وجود الشرط.
(ثالثا) ان الرواية في نفسها لا تدل على الوجوب التعييني للحضور، ولا على التخيير
في العقد في زمان عدم بسط يد الامام، وان شككنا في المنصبية، فان فيها كلمة الامام،
ولا يراد منها الجنس يقينا وتعيين المعهود يحتاج إلى دليل، فالرواية من هذه الجهة
مجملة. وأيضا يظهر ن روايات الخطبة انها ليست شأن كل أحد، فإنها مشتملة على أمور:
نظامي عالمي، والموعظة، والترغيب في الطاعة، والترهيب من المعصية، والتوقيف على ما
اراده الخطيب الذي تبينه رواية العلل من أنه الأمير، والاخبار بما ورد من الآفاق.
والخطبة الأولى مشتملة على ما يريده الخطيب ان يعلمهم من امره ونهيه ما فيه الصلاح
والفساد - على ما في راوية العلل وفيها كلمة الأمير - افيمكن الالتزام بأنه إذا
اجتمع مطلق السبعة ولو سبعة نفر من الذين لا يعرفون الهر من البر وفقط يتمكنون من
التكلم باتق الله وأحسن، وقراءة سورة قل هو الله أحد مثلا، يجب ان يؤمهم بعضهم
ويخطبهم؟ أفلا يظهر من ذلك ان الخطبة شأن رجل بصير بالوضع العالمي، نافذ الرأي
والإرادة، قابل لتوقيف المستمعين على ما أراد، قابل لأن يعلمهم من امره ونهيه.
134

ولعمري ان هذا واضح غاية الوضوح لمن تأمل في روايات الباب، ولا سيما بملاحظة رواية
العلل الواردة في بيان كيفية الخطبة لاشتمالها على كلمة الأمير، وهذه المطالب
الراقية التي لا يناسب الا الأمير، فكيف يمكن التمسك بتلك الرواية لاثبات الوجوب
التعييني. وبعبارة صناعية: ان البعض وإن كان مفهوما كليا قابلا للانطباق على كل
فرد، الا انه يخرج عن هذا الاطلاق والشمول بواسطة معطوفة وهو خطبهم ويسأل عن انه
من الخطيب، فإرادة الجنس لا يمكن قطعا لما ذكرناه فهو خطيب خاص ومعهود، وتعيين
المعهود يحتاج إلى قرينة، فعلى الشك في المنصبية لابد من التوقف لاجمال الدليل.
فتحصل ان الرواية لا تدل على الوجوب التعييني لصلاة الجمعة مطلقا، ولا لوجوب الحضور
بعد الانعقاد مطلقا، ولا للتخيير في العقد. اما على المنصبية فواضح، واما على الشك
فيها فلا جمالها من هذه الجهات حينئذ. (رابعا) لو تنزلنا عن جميع ذلك وكنا نحن وهذه
الرواية فكانت النتيجة وجوب العقد عند اجتماع السبعة، فنفس اجتماع السبعة في محل
ظهر يوم الجمعة موجب لوجوب امامة بعضهم وخطبته إياهم، وهذا غير الحضور بعد
الانعقاد. ولو قيل: بان المراد من اجتماع السبعة هو انعقاد الجمعة، قلنا: قد أصبح
عنوان الاجتماع عنوانا كذائيا مؤولا بلا موجب له وبلا شاهد عليه. قال: الثاني: ما دل
على أن صلاة الجمعة واجبة لا يعذر فيها أحد الا من استثني كصحيحة منصور السابقة،
بتقريب ان عدم العذر لا يناسب الوجوب التخييري فلابد من الالتزام بالوجوب التعييني.
والجواب: ان هذه الرواية دالة على وجوب الحضور بعد الانعقاد لذكر كل من كان على رأس
فرسخين في عقد الاستثناء، فان هذا الاستثناء انما يصح إذا كان المستثنى منه وجوب
الحضور لا وجوب العقد، لعدم تعيين الاستثناء بذلك عن وجوب العقد. الثالث: ما دل على
135

ان من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالية يطبع الله على قلبه، بالتقريب السابق والجواب
أيضا هو الجواب السابق، فان ترك الجمعة ظاهر في فعلية الجمعة حال الترك، ولا يناسب
هذا الا ترك الجمعة المنعقدة. فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الجمعة واجبة تخييرا بحسب
العقد من جهة الجمع بين الاطلاقات السابقة، والقرائن السالفة. وواجبة تعيينا بحسب
الحضور بعد الانعقاد من جهة الروايات الواردة في بيان وظيفة أهل القرى المشتملة على
كلمة يخطب وغيرها، مما قد عرفت. وبما ذكرنا ظهر الكلام في المقام الثاني أيضا،
وهو حكم الحضور بعد الانعقاد. أقول: قد ذكرنا سابقا انه لا يعلم تشريع الجمعة من
هاتين الطائفتين الا بالاستلزام، والدلالة الاستلزامية لا اطلاق لها، فان الرواية
في مقام بيان حكم اخر غير التشريع مترتب على التشريع، فلا تدل على سعة التشريع
وضيقه. فكما لا يمكن التمسك بهذه الروايات لاثبات الوجوب التعييني للعقد، كذلك لا
يمكن التمسك بها لاثبات وجوب الحضور إلى مطلق صلاة الجمعة المنعقدة، الا انها ليست
في مقام بيان شرائط الانعقاد. فليس في البين حتى رواية واحدة تدل على وجوب الجمعة
مطلقا، لا عقدا ولا حضورا، كما أنه لا اطلاق يدل على الوجوب التخييري بحسب العقد
مطلقا. واما الجواب المذكور في كلام السيد الأستاذ فلا يمكن المساعدة عليه، فان
الروايات المشتملة على عدم العذر غير مشتملة على ذلك الاستثناء، وما هو مشتمل على
ذلك الاستثناء لم تذكر فيه هذه الكلمة فلاحظ الروايات. واما كلمة ترك الجمعة فهي
وان كانت مشعرة بترك الحضور، الا انها غير صريحة في ذلك. نعم الرواية في مقام بيان
عقوبة ترك الجمعة، لا شرائط وجوب الجمعة، ولذا لا يمكن التمسك بهذه الروايات،
136

كما افاده - مد ظله -. ولا ينقضي تعجبي انه ما الوجه في عدم تمسكه - دام ظله - بعدم
وجوب الحضور بعد الانعقاد بما تمسك به أولا في بيان القرينة على عدم وجوب العقد
تعيينا من أنه لو كان حكم مثل هذه المسالة التي تعم بها البلوى هو الوجوب كيف يمكن
اختفاؤه على أحد، فضلا عن اختفائه على المعظم من الأصحاب. فتحصل من جميع ما ذكرناه
انه لو قلنا بالمنصبية كما هو المشهور ونقول به، ومدعي القطع بصراحة الأدلة في
المنصبية غير مجازف، فبمقتضى الجمع بين ما دل على تشريع الجمعة وأدلة المنصبية نحكم
بوجوب العقد والحضور إلى الجمعة المنعقدة مطلقا عند وجوب الشرائط، ولا نقول بالوجوب
عند فقدان الشرط، لا حضورا ولا عقدا، لعدم موجب لذلك. نعم نحكم باجزاء الجمعة عن
الظهر ومشروعيتها بالمعتبرتين، وقد تقدم بيان ذلك. واما لو لم نقل بالمنصبية،
وشككنا فيها فلا نتمكن من استنتاج شئ من الأدلة لا الوجوب التعييني مطلقا، ولا
الوجوب التخييري للعقد، ولا الوجوب التعييني للحضور، وقد تقدم أيضا. نعم القدر
المسلم اجزاء الجمعة عن الظهر من جهة المعتبرتين، وعند الشك لابد من الرجوع إلى ما
تقتضيه القاعدة ونبين إن شاء الله. ولا بأس بالإشارة إلى ما ذكره المحقق الكركي
هنا: وهو انه ولو قلنا بالمنصبية الا ان الأدلة الدالة على ولاية الفقيه ولاية
عامة، تدلنا على أنه ولي الأمر فهو منصوب من قبل الامام، وقد حصل الشرط، فتجب
الجمعة في زمان الغيبة أيضا. ولكن هذا وان استفدناه من أدلة الولاية للفقيه من أنها
دلت على اعطاء الولاية بجميع مراتبها الثابتة للامام إلى الفقيه، ولا نقول بما قيل
من أن غاية ما نلتزم به اعطاء منصب الحكومة، وهي فصل الخصومة اليه فاني قد جعلته
حاكما. وهذا لا يلازم اعطاء جميع مناصب الامام له. ان ظاهر كلمة الامام هو الامام
137

بالفعل، وهو الحاكم الشرعي المبسوط اليد، وولي الامر الامام شأنا وهو من جعل له
منصب الإمامة وان لم يكن مقتدرا ومبسوط اليد. ويدل على هذا بعد ظهور لفظ الامام،
الروايتان الآتيتان: رواية طلحة بن زيد، ورواية محمد بن مسلم، فلاحظ. فانا وان لا
نقول بظهور الامام في امام الأصل الا انا لا نقول أيضا بظهوره لمطلق امام الجماعة،
بل نقول بظهوره في الامام بالفعل، وهو الحاكم الشرعي المبسوط اليد، ومنه الفقيه
الجامع للشرائط في زمان اقتداره وبسط يده، وفي عصر تشكيل الدولة الاسلامية والحكومة
الشرعية كزماننا والحمد لله. اللهم اجعل دولتنا من الدولة الكريمة تعز بها الاسلام
وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى
سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. امين. هذا ولكن لا يمكن القول بالوجوب
التعييني في مثل هذا الزمان أيضا، لعدم وجود دليل مطلق يثبت ذلك، ومقتضى الأصل
عدمه. ولا ينافي هذا منصبية صلاة الجمعة، فان المنصبية امر والوجوب التعيني امر
اخر، كما لا يخفى. قال: وذهب جماعة إلى عدم المشروعية في زمان الغيبة، واستدلوا على
ذلك بعدة وجوه، تأتي إن شاء الله. فلو أرادوا من ذلك الاستدلال على عدم الوجوب
التعييني لأصل العقد فهو مسلم بلا حاجة إلى تلك الأدلة. وقد ذكرنا عدم استفادة
الوجوب التعييني من الروايات في نفسها. وان أرادوا من ذلك الاستدلال على عدم
المشروعية في زمان الغيبة حتى بالنسبة إلى الحضور إلى الجمعة المنعقدة فهذا مناف
لاطلاق الروايات السابقة، وعلى مدعي الاشتراط، الاثبات. وقد استدل على ذلك: أولا:
بالاجماع، الا انه لا يحتمل الاجماع على عدم المشروعية لذهاب جمع من العلماء إلى
الوجوب التخييري. أقول: ظهر مما ذكرناه عدم وجود اطلاق يدلنا على وجوب العقد، أو
138

وجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة، فعلى ذلك على مدعي الوجوب الاثبات، والا فلابد من
الرجوع إلى مقتضى الأصل العملي. هذا لو لم يتم شئ من أدلة المنصبية، كيف ودلالة
الأدلة على المنصبية كالنور على الطور، وكالشمس في ريعان الظهور. واما الاجماع، فلو
أريد به الاجماع على عدم المشروعية فالأمر كما ذكره الا انه لايراد من ذلك الاجماع
عليها بل أريد منه الاجماع على المنصبية، وهذا لا ينافي الالتزام بالوجوب التخييري
في زمان الغيبة وعدم بسط اليد بترخيص منهم، أو من جهة اطلاق المشروعية، أو من جهة
الوجوب التخييري بحسب أصل الجعل في خصوص زمان الغيبة، وعدم بسط اليد، بلا فرق بين
العقد والحضور، لعدم الدليل على الفرق حينئذ. ولا ينبغي الشك بعد التتبع في كلمات
القدماء قبل زمان الشهيد الثاني - قدس سره - في حصول القطع بالمنصبية، ووجود
الاجماع عليها بين القدماء. وكيف كان فلا يهمنا إطالة الكلام في ذلك، فان في الرجوع
إلى الروايات غنى وكفاية كما سيظهر إن شاء الله. قال: وثانيا: بقيام السيرة القطعية
في زمان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين بتعيين
امام الجمعة. وهذا أقوى دليل على المنصبية، والنتيجة عدم المشروعية عند عدم وجود
الامام أو المنصوب من قبله كزمان الغيبة. ولكن هذا الوجه أيضا ساقط، فمن أين علمنا
تحقق السيرة في زمان النبي صلى الله عليه وآله، وهكذا في زمان الأئمة (عليهم
السلام) على ذلك؟ بل ولم يعلم حتى تعيين شخص واحد من قبلهم لإقامة الجمعة. نعم كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) يعين القضاة والولاة، الا ان تعيين القاضي والوالي غير
تعيين امام الجمعة وان قام بها القاضي والوالي أيضا. وثالثا: بالروايات الدالة على
139

عدم الوجوب بالنسبة إلى من بعد عنها بفرسخين، فإنه لو لم يكن وجوب صلاة الجمعة
مشروطا بوجود الامام أو المنصوب من قبله لم يكن لجعل الحد معنى، لوجوب الإقامة
عليهم أيضا في محلهم. فإنه ليس المراد من ذلك المسافر لجعله في مقابل المسافر في
الروايات، فهو مقيم في ذلك المحل ويوجد نوعا في المحلات العدد المعتبر في صلاة
الجمعة، وهكذا من يقتدر على الخطبة ولو بمقدار أقل الواجب، فهذه الروايات تدلنا على
اشتراط وجوب الجمعة بوجود الامام أو المنصوب من قبله، وعدم المشروعية عند عدم الشرط
موافق للقاعدة. ولكن هذا الاستدلال أيضا لا يتم، فان غاية ما يستفاد من الرواية،
عدم الوجوب التعييني لأصل العقد، واما عدم الوجوب التخييري فلا، وهكذا يعلم منها
اشتراط وجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة بالحد المذكور. واما اشتراط الامام أو
المنصوب من قبله في الوجوب فلا. ورابعا: ان اطلاق الوجوب مثير للفساد، فإنه لا تقام
في كل بلد الا جمعة واحدة، فيقع التنازع في امامة الجمعة، وربما ينجر إلى القتل
والقتال ونحو كذلك كما شوهد في الخارج أيضا، ولكن هذا وإن كان لا بأس به الا انه
قرينة على عدم الوجوب التعييني فقط. اما على ما اخترناه من الوجوب التخييري فلا،
لامكان ارتفاع النزاع بتركهم الجمعة جميعا. واما بالنسبة إلى وجوب الحضور إلى
الجمعة المنعقدة فبعد رعاية الشرائط المعتبرة في الامام - ومنها العدالة - لا يتحقق
نزاع ابدا. نعم يقع النزاع بناء على مذهب العامة من عدم اعتبار العدالة في الامام.
أقول: ما افاده - دام ظله - من عدم تحقق النزاع بملاحظة الشرائط المعتبرة في
الامام غير تمام، بل إثارة الفساد بالنسبة إلى ما بعد الانعقاد لعله أزيد منها
140

بالنسبة إلى أصل العقد، وهذا ظاهر، والذي يسهل الخطب عدم تسليم إثارة اطلاق الوجوب
للفساد. فان الفساد ليس مسببا عن جعل الشارع، بل انما هو مسبب عن سوء اختيار
المكلفين ولا دينيتهم. والا فمع ملاحظة الحدود الشرعية لا يجري نزاع ابدا. فلا محذور
مثل هذا الحكم أصلا، ويكفي لهذا الجعل اثرا عند تحقق الفساد عصيان المقصرين في ذلك.
نعم لا يترتب العقاب على ترك الباقين لكونهم معذورين فيه. قال: وخامسا: بالروايات
التي توهم دلالتها على اشتراط وجوب صلاة الجمعة بوجود الامام أو من نصبه. (منها)
راوية الصدوق في العلل وعيون الأخبار: باسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه
السلام) قال: انما جعلت الخطبة يوم الجمعة لان الجمعة مشهد عام، فأراد ان يكون
للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما
أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (و) من الأهوال التي
لهم فيها المضرة والمنفعة، ولا يكون الصابر في الصلاة منفصلا، وليس بفاعل غيره ممن
يؤم الناس في غير يوم الجمعة. وانما جعلت خطبتين لتكون واحدة للثناء على الله
والتمجيد والتقديس لله عز وجل، والأخرى للحوائج والاعذار والانذار، والدعاء، ولما
يريد ان يعلمهم من امره، ونهيه، ما فيه الصلاح والفساد (1). تقريب الاستدلال بوجهين:
(الأول): ان الرواية مشتملة على كلمة الأمير، ومطالب لا تناسب الآية. (وثانيا) انها
مشتملة على جملة ليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة. فدلت الرواية
بهذين الوجهين على أن صلاة الجمعة لم تشرع الا بوجود الامام أو من

(1) عيون أخبار الرضا (ع): ج 2، ص 110، ب 34، ح 1، علل الشرايع: ج 1، ص 265، باب 182، ح 9،
141

مع اختلاف يسير.
نصبه. ولكن هذا الاستدلال لا يتم. (أولا) الرواية ضعيفة سندا، فان في الطريق عبد
الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار، وعلي بن حمد بن قتيبة ولم يثبت وثاقتهما. أقول:
الظاهر صحة طريق الصدوق إلى فضل بن شاذان، فإنه يروي عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي
بن محمد بن قتيبة عن الفضل، والرجلان وان لم يرد في حقهما توثيق في كلمات القدماء
الا انه لم يرد في حقهما قدح أيضا. وهنا قرائن يحصل من ملاحظة مجموعها الوثوق بحسن
حالهما لا أقل. ويكفي هذا المقدار في صحة الرواية، واليك القرائن المذكورة: اما
بالنسبة إلى عبد الواحد بن عبدوس: 1 - هو من مشايخ الصدوق التي يروي عنه بلا واسطة
مع تكرر ذلك كما عن الشهيد، أو مترضيا عليه كما عن العلامة، وهذا يدلنا على أنه من
الامامية، وحسن الحال. 2 - ذكر الصدوق - قدس سره - في كتاب عيون الأخبار رواية من
ثلاث طرق: أحدها عبد الواحد، وقال عقيب ذلك، وحديث عبد الواحد بن عبدوس عندي أصح،
وهذه شهادة منه بصحة الرواية الناشئة من صحة الراوي. 3 - نقل عن اخر الجلد الأول من
العيون للصدوق من أن كلما لم يصححه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد فهو لا يذكره في
مصنفاته. فمع ذكر هذه الرواية فيها يعلم تصحيح محمد بن الحسن بن الوليد لها. وبعد
هذه القرائن يحصل الاطمئنان بوثاقته. ولا أقل من حسن حاله. واما بالنسبة إلى علي بن
142

محمد بن قتيبة: 1 - ذكر الشيخ - قدس سره - في حقه انه تلميذ الفضل بن شاذان
النيسابوري، فاضل. وهذا مدح له. 2 - ذكر النجاشي في حقه عليه اعتمد أبو عمرو الكشي
في الرجال. وهذا أيضا يعد من المدح. 3 - اعتمد عليه أبو عمرو الكشي وقال: انه صاحب
الفضل بن شاذان. وراوية كتبه له. وبعد ذلك يحصل الاطمئنان بوثاقته، ولا أقل من حسن
حاله. ويؤيد ما ذكرنا تصحيح العلامة والشهيد والجزائري وصاحب المدارك للأول،
ولا سيما بملاحظة مسلك الثلاثة الأخيرة المعروف في الروايات من أنهم صحيح اعلائي،
وتصحيح العلامة والسيد الداماد والجزائري للثانية، فالظاهر صحة هذا الطريق. قال:
(ثانيا) الرواية لا تدل على المدعي، فان ذكر الأمير وما لا يناسب الا بعه لا يدل
على اعتبار الأمير في الوجوب، بل ذكر ذلك من جهة طبع امامة صلاة الجمعة، وعدم
تحققها خارجا لا شرعا الا من شخص بصير قابل للترغيب والترهيب لا من كل امام جماعة.
وبهذا يظهر الجواب عن الوجه الثاني والتمسك بجملة ليس بفاعل غيره فإنها إشارة إلى
ما في الخارج، لا إلى اشتراط المنصبية في إقامة الجمعة. أقول: (أولا) لا اطلاق
يدلنا على وجوب صلاة الجمعة مطلقا لا حضورا ولا انعقادا كما مر، فعلى ذلك لا دليل
على الوجوب بالنسبة إلى غير مفروض الرواية، وهو إقامة الأمير لصلاة الجمعة وان لم
تدل الرواية على الاشتراط. (ثانيا) حمل الرواية على بيان ما هو الواقع تكوينا خلاف
الظاهر، بل الظاهر من جملة ليس بفاعل غيره سلب الفاعلية في وعاء الشرع. كما أن
الظاهر من أن الجمعة مشهد عام، فأراد ان يكون للأمير سبب اعتبار جميع هذه القيود
شرعا. (ثالثا) كيف يمكن صرف الرواية إلى بيان ما هو واقع في الخارج، مع أن المذكور
143

فيها كلمة الأمير، أفهل يكون امام صلاة الجمعة الواقعة في الخارج نوعا على تقدير
عدم القول بالمنصبية الأمير؟ فذكر الأمير كاف في اثبات المنصبية. قال: (ومنها)
موثقة سماعة: قال: سألت أبا عبد الله عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: اما مع الامام
فركعتان، واما لمن صلى وحده فهي أربع ركعات وان صلوا جماعة (1). بتقريب، ان كلمة
الامام تدل على الامام الأصل أو من نصبه، بقرينة ذكر وان صلوا جماعة في الرواية.
فإنه لو كان المراد من الامام مطلق من يقتدى به لم يكن وجه لذكر هذه العبارة. الا
ان هذه الرواية وردت بطريق الصدوق من دون هذا القيد، أي وان صلوا جماعة. ووردت
بطريق الكليني مشتملة على تفسير الامام بجملة يعني إذا كان امام يخطب. فإذا لا وجه
لحمل الامام على امام الأصل أو من نصبه، بل المتعين هو حمله على ما ذكرناه من امام
صلاة الجمعة، وهو من يخطب، والتفسير وان ورد من سماعة الا انه لا بأس بالأخذ به،
ولو بقرينة سائر الروايات الدالة على ذلك. أقول: هذه الموثقة وان وردت بمتون أربعة
مختلفة كما مر منا أيضا، فلا تدل على المنصبية الا انا قد ذكرنا عدم دلالتها على ما
افاده - دام ظله - أيضا لعدم

(1) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، حديث 8.
144

ثبوت امام يخطب فيها وعدم دلالة غيرها أيضا على ذلك، ومن هنا يعلم أنه ليس الوجه في
عدم دلالة الرواية على المنصبية الاحتمال الذي ذكره - مد ظله - في الامام، فان هذا
الاحتمال لا منشأ له، بل الامر دائر بين كون الامام المذكور في الرواية هو الامام
الأصل أو المنصوب من قبله أو مطلق من يقتدى به مع اقتداره على الخطبة، وهذا
الاحتمال نشأ من الروايات المشتملة على من يخطب، وقد ذكرنا ما فيها بل وجه عدم
الدلالة سقوط وان صلوا جماعة في بعض المتون الواردة في هذه الراوية، والا لكانت
الدلالة تامة، فلا تغفل. قال: (ومنها) عدة روايات كلها مراسيل. كمرسلة دعائم
الاسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة الا
بامام أو من يقيمه (1). ومرسلة الأشعثيات: ان الجمعة، والحكومة لإمام المسلمين (2).
ومرسلة ابن عصفور: الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا (3). ولكن لا يمكن الاعتماد على هذه
المراسيل. مع امكان ان يقال: انه لا منافاة بين وجوب الجمعة مطلقا وكون الجمعة لهم،
بمعنى انه في زمان الحضور إقامة الجمعة مختصة بهم، ولا يجوز لاحد مزاحمتهم في ذلك،
واطلاق الوجوب لا ينافي هذا. وبهذا يظهر الجواب عن الاستدلال بما في الصحيفة
السجادية:

(1) دعائم الاسلام، ج 1، ص 182.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) نفس المصدر السابق.
145

اللهم ان هذا المقام لخلفائك قد ابتزوها (1) فإنه لا منافاة بين الأمرين كما ذكرنا.
أقول: (أولا) لا دليل على الوجوب مطلقا - على ما مر - حتى يقال بعدم التنافي بين
اختصاص هذه الصلاة بالامام واطلاق الوجوب. بل غاية ما يستفاد من هذه الروايات
اختصاص صلاة الجمعة بالامام، فينتفي الحكم في غير مورد وجود الامام بعدم الدليل
عليه. (ثانيا) كيف يقال بعدم التنافي بين اطلاق الوجوب واختصاص الجمعة شرعا
بالامام؟ فان معنى الاختصاص المستفاد من (ل) عدم جواز إقامة الغير للجمعة. وهذا
مناف لاطلاق الوجوب، لو كان في البين اطلاق، فكيف بعدم ثبوته. فمع تمامية سند
الصحيفة السجادية، كما هو المفروض في كلامه، يكفينا ذلك لاثبات المنصبية. قال:
(ومنها) ما ورد من ترخيص أمير المؤمنين لعدم الاتيان بالجمعة في يوم اجتمع فيه
العيد والجمعة. وهذا يدل على اختصاص الجمعة بالامام، والا فلم يكن لهذا الترخيص
وجه. الا ان الروايات الواردة في هذا الباب ثلاث: الأولى: صحيحة الحلبي سأل أبا عبد
الله (عليه السلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال: اجتمعا في
زمان علي (عليه السلام)، فقال: من شاء ان يأتي إلى الجمعة فليأت، ومن قعد فلا

(1) الصحيفة السجادية: ص 160 رقم 48.
146

يضره، وليصل الظهر (1) الحديث. وهذه الرواية غير دالة على ترخيص الإمام بعنوان انه
مختص به، بل تدل على أنه (عليه السلام) بين الحكم الكلي الواقعي، وصرف بيان الإمام (عليه
السلام) انه من شاء يأتي إلى الجمعة فليأت، ومن قعد فلا يضره لا يدل على أن
الجمعة حق له، وانه (عليه السلام) في مقام اعمال المنصب، فيخصص بظاهر هذه الرواية
الأدلة الدالة على وجوب الحضور إلى صلاة الجمعة المنعقدة بغير يوم الجمعة التي وقع
فيه العيد. الثانية رواية سلمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اجتمع عيدان على
عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن
أحب ان يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فان له رخصة (2)، يعني من كان متنحيا. وهذه
الرواية ضعيفة بحسب السند، فان معلى بن محمد لم يوثق (بل ورد القدح في حقه)،
ودلالتها أيضا قاصرة، لان صرف اشتمالها على كلمة الرخصة لا يدل على أن الرخصة من قبل
الامام، بل لعلها هي الرخصة من الله. بل الظاهر من الرواية هو ان الرخصة، رخصة
واقعية، فتكون النتيجة كالرواية الأولى. الثالثة: رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن
أبيه، ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم
واحد

(1) الوسائل: ج 5 باب 15 من أبواب صلاة العيد حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 15 من أبواب صلاة العيد حديث 2.
147

فإنه ينبغي للامام ان يقول للناس في خطبته الأولى: انه قد اجتمع لكم عيدان، فانا
أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب ان ينصرف عن الاخر فقد اذنت له (1). وهذه
الرواية ضعيفة سندا فان محمد بن أحمد بن يحيى اخذ هذا الحديث من كتاب محمد بن حمزة
بن اليسع، رواه عن محمد بن الفضيل، وكلا الرجلين لم يثبت وثاقتهما، مضافا إلى أنها
وان دلت على أن الامام يرخص الا ان التعبير بالرخصة في مقام بيان الواقع، لا في
مقام الترخيص في ترك الجمعة المختصة به شايع، فلا دلالة لهذه الرواية على أزيد مما
دلت عليه الروايتان السابقتان. فتحصل من جميع ما ذكرناه، ان القول بالوجوب
التعييني، والقول بعدم المشروعية كليهما باطلان. والحق هو القول الوسط، وهو الوجوب
التخييري بحسب أصل العقد، ووجوب الحضور إلى الجمعة المنعقدة. أقول: تحصل من جميع ما
ذكرناه إلى حد الان أمور، نذكرها بضميمة أمور أخرى لتتميم الكلام في بحث صلاة
الجمعة ومنصبيتها وتأييد ما بنينا عليه في حكمها: 1 - عدم دليل لفظي يدل على وجوب
صلاة الجمعة في زمان الغيبة لا عقدا ولا حضورا حتى بالاطلاق. فلو قلنا بالمنصبية،
والا فالمرجع ما هو مقتضى القاعدة. 2 - اجزاء صلاة الجمعة عن صلاة الظهر حتى في
زمان الغيبة وهذا يظهر

(1) الوسائل: ج 5 باب 15 من أبواب صلاة العيد حديث 3.
148

من صحيحة زرارة وموثقة عبد الملك السابقتين. وليس هذا هو القول بالوجوب التخييري
بحسب أصل الشرع حتى حال حضور الامام، كما يدعيه السيد الأستاذ، ولا الوجوب التخييري
في زمان الغيبة، كما عليه بعض الفقهاء العظام. بل المراد منه هو اطلاق المشروعية
واجزائها عن الظهر، ولو من قبيل اجزاء غير الواجب عن الواجب لعدم ظهور الروايتين في
أزيد من ذلك. 3 - اشتراط وجوب الجمعة بوجود الامام أو من نصبه، بلا فرق بين العقد
والحضور، لعدم احتمال ان يكون وجوب العقد مشروطا ووجوب الحضور مطلقا، أي يكون
الحضور إلى مطلق الجمعة المنعقدة واجبة تعيينا، لعدم الدليل عليه، أي على وجوب
الحضور إلى مطلق الجمعة المنعقدة (أولا) كما ذكرنا، وحكومة أدلة المنصبية باطلاقها
عليه ولو سلم وجوده (ثانيا) وقد بينا بعض ما دل على المنصبية: (منها) الاجماع بين
القدماء على اشتراط الوجوب بوجود الامام أو من نصبه، والاختلاف نشأ من زمان الشهيد
الثاني - قدس سره -. (ومنها) القطع بعدم وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة وعدم بسط
اليد تعيينا لا عقدا ولا حضورا، فان المسالة مما تعم بها البلوى. فلو كان مثل حكم
هذه المسألة هو الوجوب لبان وظهر ظهور الشمس في رائعة النهار والنار على المنار، كيف
والمتقدمون من الأصحاب متسالمون على عدم الوجوب تعيينا حضورا وعقدا. (ومنها) معتبرة
العلل على ما ذكرنا. (ومنها) ما في صحيحة السجادية على ما مر. (ومنها) المعتبرتان
لزرارة وعبد الملك من جهة نغدو عليك وكيف اصنع لدلالة ذلك على أن مرتكز زرارة
وهكذا عبد الملك المنصبية، ولا موجب لاحتمال غير ذلك، كاحتمال ان يكون مرتكزهم ان
149

الامام يريد ان يخطب فيصير مصداقا لمن يخطب فعلا، ولذا لم يحتمل ذلك أحد غير السيد
الأستاذ - مد ظله -، مضافا إلى أن السؤال عن كيفية الصنع، لا يلائم هذا الاحتمال
كما هو واضح. هذا، والروايتان دالتان على عدم وجوب الحضور إلى مطلق الجمعة
المنعقدة، فان الامام في مقام حث زرارة وأصحابه وعبد الملك على صلاة الجمعة بان
يصلوها جماعة عندهم وبلد زرارة وأصحابه عبد الملك والإمام (عليه السلام) كان محلا
واحدا، فإنهم من أصحاب الإمام (عليه السلام) بل من أصحاب سره. ومن المقطوع به عدم
حضور الامام في جمعتهم بحيث يقتدي بهم لو أقاموها، فإنه مخالف لدلالة الرواية على
الاتيان عندهم أولا، وعدم قبول مثل زرارة وعبد الملك لاقتداء الامام بصلاتهم، بل
وعدم مناسبة لذلك بعد امكان إقامة صلاة الجمعة كما هو المفروض، فيمكن إقامة الإمام (عليه
السلام) ولو سرا، واقتداء زرارة وأصحابه وعبد الملك به، ومع ذلك لا يقيمه
(عليه السلام) ويحثهم على صلاة الجمعة عندهم، فالجمع بين الحث على صلاة الجمعة
عندهم وعدم حضور الامام في تلك الجمعة المنعقدة يدلنا على عدم وجوب الحضور إلى مطلق
صلاة الجمعة المنعقدة. (ومنها) حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلاة
الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الامام (1) لظهور لفظ الامام في امام الأصل،
لعدم إرادة مطلق من يقتدى به منه جزما، للزوم اللغوية في الكلام، لاستدراكه بقيد
الاجتماع إليها، وعدم الموجب لاحتمال غيره، كمن يخطب فعلا، الذي ادعاه السيد
الأستاذ - مد ظله - بعد ما ذكرنا في بيان هذه الكلمة والمراد منها، واستظهرنا من
الدليل عدم وجوب الحضور إلى مطلق الجمعة المنعقدة

(1) الوسائل: ج 5 باب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 8.
150

(ومنها) صحيحة عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: على الامام
ان يخرج المحبوسين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد، ويرسل معهم، فإذا
قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن (1). والدلالة بوجهين: (الأول) وحدة السياق بين
الجمعة والعيد في الرواية، والمفروض ان الامام في صلاة العيد هو ولي الأمر.
(الثاني) اخراج المحبوسين وردهم إلى السجن، فإنهما ليسا شأن غير امام الأصل. وما
ذكره - دام ظله - سابقا من أن هذا من باب تطبيق الرواية، على ما في الخارج
والتكوين، لا من باب اشتراط الجمعة بوجود الامام قد عرفت ما فيه، وانه على القول
بعدم المنصبية وإقامة واحد من العلماء العظام في هذا الزمان مثلا للجمعة هل يخرج
المحبوسين، وهل يقتدر عليه؟ فكيف يدعي ان هذا من باب تطبيق الرواية على ما في الخارج
والتكوين، لا من باب التشريع. نعم قد يقال: ان الامام المذكور في الرواية هو الامام
الأصل، أو من يكون اخراج المحبوسين وردهم تحت سلطنته. فعلى ذلك - غاية ما تدل عليه
الرواية - ان وظيفة الامام اخراجهم لصلاة الجمعة وردهم، لا منصبية الجمعة، وعدم
إقامة الجمعة الا بالامام، فالرواية ناظرة إلى وجوب الاخراج على الأمير، لا اشتراط
الجمعة بالأمير، الا ان هذا مسلم على أن يكون المراد من الامام المأخوذ في الرواية،
هو الرئيس لا الامام في صلاة الجمعة، فلو كان المراد منه هو الامام فيها فتدل
الرواية على المنصبية لدلالتها على أن من شأن امام الجمعة اخراج المحبوسين وردهم
إلى السجن. والظاهر من العدول عن التعبير بالأمير أو الرئيس إلى الامام، ولا سيما
بمناسبة الحكم والموضوع، ان المراد من الامام هو الامام في الصلاة، والله العالم.

(1) الوسائل: ج 5 باب 21 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
151

وهنا روايتان موثقتان ذكرناهما سابقا، ولم يتعرض لهما السيد الأستاذ، وهما صريحتان
في عدم الوجوب تعيينا في زمان الغيبة وعدم بسط اليد. وقبل بيانهم نتعرض لبيان
مقدمة مفيدة في جميع أبواب الفقه، وهي مشتملة على أمور: الأول: الحق عندنا عدم
التعبد في شئ من الطرق والامارات، بل كلها كواشف عقلائية حاكية عن الواقع بنظرهم،
ولو سلم ورود امر باتباع امارة ما من الشارع، فهو ارشاد محض، وليس البرهان على ذلك
ان الالتزام بالتعبد بلا موجب ثبوتا كما عليه بعض أساتيذنا، بتقريب ان جعل الحجية
للحجة عند العقلاء تحصيل للحاصل، وجعلها لما هو ليست بحجة عندهم يعد من اللغو. فإنه
بلا ملاك يستدعي ذلك فيلزم الترجيح بلا مرجح، وهو قبيح، تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا. ولا يقاس ذلك بالاحكام المجعولة، فان الحجية هي الطريقية، وهي من الأمور
الواقعية لا الاعتبارية. والأمور الواقعية غير قابلة للاعتبار، فلو صح اعتبار
الطريقية لما هو ليس بطريق لصح اعتبار البرودة للنار والحرارة للثلج أيضا. ومن هنا
ظهر ان جعل الطريقية مستحيل، فان اعتبار الموصل لا يمكن، والاعتبار المحض غير
الطريقية، فافهم. ووجه بطلان ذلك يظهر من بعض ما كتبناه في المقام الحاصل منه امكان
جعل الطريقية لما ليس بطريق تكوينا قابل لاعتباره طريقا بنظر العقلاء، بحيث لولا
جعل ذلك لما كان حجة. وتتمة الكلام في محله، بل البرهان عدم الملزم له بحسب
الاثبات، فإنه لا دليل على جعل الحجية لشئ من الامارات. وما ذكر في هذا الباب اما
أجنبي عن المقام، أو مشتمل على ما ينادي بالارشاد إلى بناء العقلاء، وتمام الكلام
في محله. فما دار في الألسنة من أن المجعول في الطريق هو تتميم الكشف، أو الغاء
احتمال الخلاف، أو تنزيل النفس منزلة العالم، أو تنزيل المؤدي منزلة الواقع، أو
152

العلم التعبدي، أو غير ذلك مما يسمع، مجرد تعابير الذي يقال له بالفارسية (فرمايش
محض) ولا واقع لشئ منها. هذا في الامارات، واما في الأصول العملية فلا يلتزم
بالأصل العقلي غير الاحتياط. نعم نلتزم بالأصل المرخص الشرعي في موارد البراءة،
ونلتزم بالأصل الشرعي في موارد الاستصحاب أيضا والتفصيل في محله. الثاني: المدار في
الطريقية بنظر العقلاء هو الكشف عن الواقع والوصول اليه لاغير، فان الظاهر من
ملاحظة حالهم في أمورهم المعاشية، وفي محاوراتهم انما هو اتباع ما يحصل منه
الاطمئنان، وترتيب اثار الواقع على ما أدى اليه الوثوق. الثالث: ضم الأمرين
المذكورين ينتج، ان المدار في حجية الروايات بحسب السند هو الوثوق بالصدور لاغير،
فان المهم هو ثبوت الحكم بسبب الرواية، ولا عبرة بكون الراوي ثقة، وعدمه، (بالمصطلح
الدارج). نعم الوثوق بالراوي يورث الوثوق بالصدور، عند العقلاء. الا انه لا ينحصر
حصول مناط الحجية وهو الوثوق بالصدور من الوثوق بالراوي. ولذا بنينا على أن استناد
المشهور من القدماء جابر للسند، فإنه موجب للوثوق بالصدور، ولا سيما بملاحظة كثرة
تورعهم في الفقه، وشدة تحفظهم على عدم الاخذ بالروايات المجعولة، أو الواردة في غير
مقام البيان، كما يظهر من التتبع في أحوالهم. بل نفس استناد المشهور بالرواية هو
مقوم للوثوق النوعي، لا موجب له، فإنهم من اظهر مصاديق العقلاء. فالوثوق النوعي حاصل
من نفس الرواية، فالرواية في نفسها حجة، واستناد المشهور إليها كاشف عنها لا موجب
لها، فتدبر جيدا. ان قلت: ان الالتزام بذلك مستلزم للالتزام بحجية الشهرة الفتوائية
أيضا. قلت: الشهرة انما تكون حجة أي يحصل منه الوثوق إلى الواقع إذا لم تكن مستندة
153

إلى المباني النظرية المختلفة، والا فلا تتحقق الشهرة أصلا، فان كلا يكذب الاخر
لعدم حجية مبناه بنظره، والشهرة الفتوائية من هذا القبيل. نعم لو علمنا بان مستند
الشهرة الفتوائية امر واحد نلتزم بحجيتها أيضا. وقد سمعت من بعض من يدافع عن القول
بعدم الانجبار بأنه لعل اخذ المشهور بالرواية نشأ من حسن ظنهم بالسلف السابق فلا
يعلم استنادهم إليها بما هي حجة. وهذا كما ترى بان لايجاب عنه احرى. أفهل يجوز هذا
النحو من اتهام بهؤلاء العلماء العظام مع جلالة شأنهم وعلو مرتبتهم في المباحث
العلمية ودقائقها؟ أفهل يعقل حصول الظن مما لا يورث الظن لمتعارف العقلاء؟ وهل يكون
حسن الظن منهم بالقدماء، ناشئا عن مجرد الوسوسة؟ أوليس حسن الظن من هؤلاء لهؤلاء
مستندا إلى انكشاف ملكاتهم الفاضلة دقة وورعا وكمالا، وغير ذلك لديهم. وبنينا أيضا
على أن اعراض المشهور عن الرواية موجب لوهن الرواية المستلزم لطرحها عقلا، لا بمعنى
الحكم بعدم صدورها حتى يقال: ان الرواة كلهم ثقات، بل بمعنى عدم امكان التمسك بها
لاثبات مدلولها، فان هذه هي الغاية بنظر العقلاء، ومناط الحجية غير حاصل والحال هذا
لكشف الاعراض عن خلل في جهة الصدور. وما يمكن ان يقال بان الحمل على التقية له مقام
مخصوص، وهو ما إذا عارض دليل معادل له في الحجية مدفوع بعدم قيام دليل على الحصر،
وتمام الكلام في محله. الرابع: قال شيخ الطائفة في العدة: ميزت الطائفة بين ما
يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات
الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ولذلك
عملوا بمراسيلهم. انتهى موضع الحاجة من كلامه. وهذا كما ترى شهادة منه - قدس سره
بعمل الطائفة على ما يرويه أحد هؤلاء، ومعرفتهم بأنه لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة.
154

وهذه الشهادة مستندة إلى الحس، كما هو ظاهر، فيثبت بها المشهود به. وبما ان الطائفة
هم أهل الخبرة للروايات تثبت بهذه السيرة العملية المذكورة منهم حجية ما يرويه أحد
هؤلاء ووثقاء من روى عنه أحدهم، ولا سيما بملاحظة تراكم آراء الطائفة مع جلالة قدرهم
علما وعملا، وعدم تصور الاقتراح في حقهم. ان قلت: انا نرى بالوجدان رواية هؤلاء عن
الضعاف كرواية ابن أبي عمير عن أبي حمزة البطائني، وهذا يوهون ما ذكر. قلت: ان أقوى
ما تمسك به لوهن ما حكاه الشيخ عن عمل الطائفة ونظرهم، هو رواية ابن أبي عمير عن
البطائني، الا ان حاله معروف في الرجال، وانه ذو حالتين، عدل عن الاستقامة أواخر
عمره، ويروي عنه عدة من أصحاب الاجماع، ومنهم ابن أبي عمير حال استقامته. واليك نص
ما ذكره النجاشي في شرح حال الرجل: روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وروى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) ثم وقف. ويظهر من هذه العبارة ان الوقف كان بعد ما روى
عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، فمع رواية ابن أبي عمير عنه لابد لنا من الاخذ
بالرواية لوجهين: شهادة الشيخ بان الطائفة يرون انه لا يروي الا عن ثقة، وعدم وجود
رواية واحدة من البطائني عن الرضا (سلام الله عليه). فإذا جميع روايات الرجل حجة
لثبوت وثقاته حال روايته لعدم رواية ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد
البزنطي الا عن ثقة. الخامس: الحكم بن مسكين المكفوف، لم يرد في حقه توثيق من
القدماء، ولكن لم يرد في حقه طعن أيضا. والحق وثاقة الرجل، وذلك يظهر بملاحظة هذه
الأمور: 1 - انه امامي لذكر النجاشي والشيخ - قدس سرهما - انه من أصحاب الصادق
155

(عليه السلام). 2 - انه كثير الرواية ومقبولها، وكونه صاحب كتب متعددة. 3 - يروي
عنه عدة من الأجلة وفيهم أصحاب الاجماع، كابن أبي عمير وعلي بن أسباط ومحمد بن حسين
بن أبي الخطاب النهدي ومعاوية بن حكيم والحسن بن علي بن فضال وأحمد بن محمد بن أبي
نصر والحسن بن محبوب. 4 - حكم المحقق - قدس سره - بصحة رواياته. وبعد ملاحظة هذه
الأمور يحصل الوثوق بحسن حال الرجل بل بوثاقته، وهذا هو مناط الحجية كما مر مضافا
إلى انا قد ذكرنا ان رواية ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر عن رجل تدل على
وثاقته، فالحكم بن مسكين ثقة بلا كلام ينبغي. السادس: طلحة بن زيد. لم يرد في حقه
توثيق من القدماء، ولكن لم يرد في حقه طعن أيضا. والحق وثاقة الرجل، وذلك يظهر
بملاحظة هذه الأمور: 1 - ذكر الشيخ - قدس سره - في الفهرست ان كتابه معتمد.
2 يروي عنه عدة من الأجلة، وفيهم أصحاب الاجماع، كمنصور بن يونس وإبراهيم بن هاشم
ومحمد بن أحمد بن يحيى وصفوان بن يحيى وموسى بن بكر وعبد الله بن المغيرة ومنصور بن
حازم وعثمان بن عيسى. 3 - يظهر ن المحكي عن الآقا باقر (البهبهاني) انه كالسكوني
عملت الطائفة بأخباره. وبعد ملاحظة هذه الأمور يحصل الوثوق بحسن حال الرجل، بل
بوثاقته. وهذا هو مناط الحجية كما مر. فلا يضر كونه عاميا، بل ولو كان بتريا إذ
المدار في الحجية ما ذكرنا وهو حاصل. مضافا إلى انا قد ذكرنا: ان رواية صفوان بن
يحيى عن رجل تدل على وثاقته. والسيد الأستاذ - مد ظله - أيضا ملتزم بوثاقة الرجلين
لا لما ذكرنا، بل لوجودهما في اسناد كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه في أول هذا
الكتاب بأن جميع الروايات الواردة فيه قد وردت من الثقات. السابع: وليعلم انه لابد
156

في حمل الرواية على التقية من موجب له، والا فالأصل العقلائي الجاري في جهة الصدور
يقتضي الحكم بورودها بداعي الجد وهذا ظاهر، والموجب له أحد الأمور:
1 - التعارض بين الروايتين إحداهما موافقة للعامة والأخرى مخالفة لها، مع وجود
شرائط الترجيح بهذا المرجح، أي عدم امكان الجمع الدلالي بينهما، وعدم وجود مرجح
سابق عليه لو قلنا بالترتيب بين المرجحات، وهذا هو القسم الأكثر. 2 - الشاهد
الداخلي في نفس الرواية على وجود خلل في جهة صدورها. وقد أشير إلى ذلك بان لنا
معاريض عن الكذب، أو ان فيه ما يشهد بأنه خرج من جراب النورة. 3 - الشاهد الخارجي
على ذلك. ومن القسم الأخير اعراض القدماء عن الرواية، وقد مر. الثامن: ان اجراء
الحدود من الأمور الولائية، أي مما هو مشروط بوجود الإمام (عليه السلام) وإقامته
ذلك، أو الحاكم الشرعي المبسوط اليد، والدليل عليه موثق حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد
الله (عليه السلام): من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: الحدود إلى من
اليه الحكم (1). فإقامة الحدود مربوط بالحكم. ان قلت: الحاكم الشرعي أيضا حاكم، وليس
في الرواية ما يدل على اختصاص الإقامة بالإمام (عليه السلام) لعدم اختصاص الحاكم
به. قلت: نعم وإن كان الظاهر من الرواية ان المقيم هو الأعم من الحاكم بالأصل، ومن
الحاكم بالتنزيل، واعطاء الحكومة للفقيه يلازم اعطاء اثارها

(1) الوسائل: ج 18 باب 28 من أبواب مقدمات الحدود واحكامها العامة حديث 1.
157

أيضا. وبعبارة أخرى تنزيل الفقيه منزلة الامام في الحكومة يلازم التنزيل في اثارها
التي منها إقامة الحدود، الا ان ظاهر الحاكم في الرواية هو الحاكم بالفعل، وليس هذا
الا في مورد بسط اليد، وكما أن ظاهر الرواية الآتية وهي رواية طلحة بن زيد ان
الجمعة مشروطة بفعلية إقامة الحدود، ومن المعلوم ان فعليتها لا يمكن الا إذا كان
الحاكم الشرعي ولو كان هو الفقيه مبسوط اليد، فمع عدم بسط اليد لا تقام الحدود
ولا تجب الجمعة، وهذا معنى المنصبية. إذا عرفت ذلك، فنقول: ان في المقام روايتين
دالتين على المنصبية، أي اشتراط الوجوب بوجود الامام أو من نصبه. (إحداهما) محمد بن
الحسن، باسناده عن أحمد بن محمد بن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن
علي (عليه السلام) قال: لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود (1). اما السند: فبقرينة
المروي عنه، وهو محمد بن يحيى العطار، أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى، وسند
الشيخ اليه صحيح، وطلحة بن زيد ثقة، على ما مر، فالرواية موثقة. واما الدلالة: فظاهر
الرواية اعتبار القيدين في الجمعة: المصر، وإقامة الحدود، وقد ذكرنا ان إقامة
الحدود من الأمور الولائية، والمشروط بأمر ولائي يسقط باسقاط شرطه الساقط بانتفاء
شرطه أيضا. مضافا إلى أنه قد مر من أن التحاكم بين هذه الرواية والروايات الواردة
في بيان وظيفة أهل القرى الدالة على وجوب الجمعة عليهم عند وجود من يخطب يدل على
المنصبية، فراجع. وان أبيت عن جميع ذلك، فلا أقل من ظهور الرواية في اعتبار فعلية
إقامة الحدود في الجمعة، فتنتفي بانتفاء شرطها، فالجمعة منتفية الا إذا كان هناك

(1) الوسائل: ج 5 باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 3.
158

حاكم شرعي مبسوط اليد مجر للحدود، فبلسان الحكومة يقيد جميع روايات وجوب صلاة
الجمعة. فإذا كان أصل الجمعة مشروطا يكون الحضور إلى الجمعة أيضا مشروطا لاشتراط
الشهود بتحقق المشهود اليه. فلا وجه لان يقال: انه لا مانع من اشتراط الانعقاد
واطلاق الحضور. نعم يمكن هذا ثبوتا الا ان في مقام الاثبات اخذت الجمعة موضوعا
لوجوب الاجتماع، فان الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة، وقد استشكلوا على ذلك
بأمرين: 1 - ضعف السند. وقد عرفت الجواب عن ذلك. 2 - اخذ المصر في موضوع الجمعة في
الرواية (1) وهو موافق لمذهب أكثر العامة، فلابد من حمل الرواية على التقية كما في
الوسائل. قال الشيخ: هذا محمول على التقية لأنه موافق لأكثر مذاهب العامة. والجواب
عن ذلك بوجوه: الأول: انه لا موجب للحمل على التقية. ان قلت: الموجب هو التعارض بين
هذه الرواية، والروايات الدالة على وجوب الجمعة على أهل القرى إذا كان فيهم من يخطب.
قلت: (أولا) هذا لو لم يمكن الجمع بينهما، وهو هنا ممكن، فإنه بحكومة الرواية
الثانية على الأولى يستكشف ان اخذ القيد ليس من باب التعبد الشرعي، بل من باب
الارشاد إلى ما هو وعاء للقيد الثاني وهو إقامة الحدود. (وثانيا) انه ليس مذهب أكثر
العامة اعتبار المصر في الجمعة كما نسب إلى الشيخ - قدس سره - بل هو مذهب أبي
حنيفة، فليرجع إلى مظانه. على أنه أيضا لا يرى اعتبار المصر من حيث إقامة الحدود في
وجوب الجمعة بل يرى الاعتبار من حيث العدد في ذلك، فكيف يمكن حمل الرواية على
التقية. (وثالثا) سلمنا ورود القيد الأول مورد التقية، الا انه لا موجب لحمل

(1) الوسائل: ج 5 باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 3.
159

القيد الثاني عليها ولا سيما بملاحظة عدم قائل بدخله في وجوب الجمعة من العامة.
فالانصاف الموافق للتحقيق تمامية هذه الرواية للدلالة على المنصبية. (وثانيتهما)
محمد بن الحسن، باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد ابن الحسين عن الحكم بن
مسكين عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تجب الجمعة على
سبعة نفر من المسلمين (المؤمنين)، ولا تجب على أقل منهم: الامام وقاضيه، والمدعي
حقا والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الامام (1). اما السند: فليس
فيه من لم يوثق الا الحكم بن مسكين، وقد عرفت انه ثقة. واما الدلالة: فظاهر الرواية
دخل الامام في الوجوب وهو الامام الأصل بقرينة ما ذكر بعده. وقد حكى صاحب الحدائق قدس سره -
عن رسالة الشهيد الثاني - قدس سره - وجوبها في مقام الجواب عن الاستدلال
بهذه الرواية نذكر ما هو المهم منها: 1 - ان الخبر متروك الظاهر، لان مقتضى الظاهر أن
الجمعة لا تنعقد الا باجتماع هؤلاء، واجتماعهم جميعا ليس بشرط اجماعا. والجواب:
ان عهدة دعوى الاجماع على مدعيه، ولا سيما إذا كان المراد منه الاجماع على عدم
الشرطية، لا عدم القول بالشرطية. فنستدل بالرواية على اعتبار اجتماع هؤلاء في
الوجوب. مضافا إلى أن حضور غيره خرج بالاجماع، فيكون هو المخصص لمدلول الخبر، فتبقى
دلالته على ما لم يجمع عليه باقية، وليس مخالفة ظاهر أكثر مدلوله موجبا لطرح
الرواية من رأس. والحاصل: انه - بعد ملاحظة الرواية والاطمئنان بعدم دخل من عدا
الإمام (عليه السلام) في الوجوب - لا وجه لرفع اليد عن ظهور الرواية في دخل

(1) الوسائل: ج 5 باب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 9.
160

الإمام (عليه السلام) فيه، ولعل ذكر الستة أعني غير الإمام (عليه السلام) من باب ان
حضور هذه الستة عند الامام من لوازم بسط يده وتمكنه ن رتق الأمور وفتقه واجرائه
الحدود وقضائه، فان حضور هذه الستة عنده من لوازم سلطته واقتداره، لا لخصوصية
اشخاصهم في الموضوع فعلى ذلك لا تجب الجمعة الا إذا كان هناك حاكم شرعي، وولي ديني
ذو سلطة واقتدار متصد لإدارة الحكومة الاسلامية، وكان الحاكم الشرعي متصديا للقضاء
فعلا، وتجري الحدود الشرعية فعلا، ولا نريد من المنصبية الا هذا المعنى. 2 - ان
مدلوله من حيث العدد وهو السبعة متروك أيضا، ومعارض بالأخبار الصحيحة الدالة على
اعتبار الخمسة خاصة. والجواب عن ذلك ظاهر، فان المستفاد من الاخبار اعتبار الخمسة
في الانعقاد، والسبعة في الوجوب. 3 - ان العمل بظاهر الخبر يقتضي ان لا يقوم نائبه
مقامه، وهو خلاف اجماع المسلمين. والجواب عن ذلك ان النيابة بعد اعطاء المنصب إلى
النائب مؤكدة للمنصبية لا نافية لها. 4 - لا ريب في أنه ليس المراد من الرواية حصر
متعلق الوجوب في هذه السبعة، بمعنى السقوط عن غيرهم. فلابد من حمل الرواية على أن
اجتماع هؤلاء محقق لسائر الشرائط كعدم الخوف مثلا، فان هذا يقتضي بسط اليد وانتفاء
الخوف، بخلاف ما لو اجتمعت سواهم. وبعبارة أخرى: اخذت السبعة في موضوع الوجوب في
الرواية طريقا لا موضوعا. والجواب (أولا) يمكن ان نلتزم بحصر الوجوب على نفس هذه
السبعة ودخلها موضوعا في وجوب صلاة الجمعة، واما بالنسبة إلى سائر الناس فيجب
الالتحاق في حقهم، فان الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الامام. (وثانيا) ان
الجزم بعدم السقوط عن غيرهم لا يوجب حمل اجتماع جميع ذلك على الطريقية، بل لابد من
161

ارتكاب خلاف الظاهر في الرواية، لما يندفع المحذور، وهذا يتم بالتحفظ على ظهور
الرواية في دخل الامام في موضوع الوجوب، وحمل من عداه على الطريقية، وبيان ان الشرط
حضور الامام مع بسط يده، وتمكنه من اجراء الحدود، فان حضور هؤلاء عند الامام من
لوازم بسط يده وسلطته واقتداره غالبا، فيكون حاصل الرواية ان وجوب الجمعة مشروط
بوجود الامام، وتمكنه من اجراء الحدود، كما في الرواية السابقة وموضوع الوجوب سبعة
نفر من المسلمين، أحدهم الامام، كما في رواية محمد بن مسلم السالفة. وبهذا يظهر عدم
موجب لحمل ذلك على المثال، أو غير ذلك مما هو خلاف ظاهر الرواية. فالانصاف الموافق
للتحقيق تمامية هذه الرواية أيضا للدلالة على مذهب المشهور، وهو القول بالمنصبية.
فتحصل ان الجمعة امر ولائي منصبي لا تجب الا مع إقامة ولي الأمر ذلك ومع وجوده وتحقق
الشرائط تجب تعيينا، لا تخييرا. ولا دليل على وجوب الحضور إلى مطلق الجمعة
المنعقدة، نعم لو أتى بها مع عدم إقامة من له المنصب يجزي عن الظهر، والنتيجة هو
اشتراط الوجوب التعييني واطلاق المشروعية. قال: الكلام في ما هو مقتضى القاعدة في
حكم صلاة الجمعة مع صرف النظر عن الأدلة اللفظية. لو قلنا: بان ما دل على أن صلوات
اليومية سبعة عشر ركعة لغير المسافر، له اطلاق بالنسبة إلى جميع الأيام كما هو
كذلك، فالأمر واضح، فان أصالة الاطلاق تقتضي الاتيان بأربع ركعات ظهر يوم الجمعة.
ولو صرفنا النظر عن ذلك، فلو كان طرفي الاحتمال الوجوب التعييني لصلاة الجمعة
والوجوب التخييري لها فالأمر دائر بين التعيين والتخيير، والمرجع أصالة البراءة عن
التعيين. ولو كان للاحتمال طرف اخر وهو عدم مشروعيتها، فأيضا يرجع إلى أصالة
البراءة عن التعيين. ولو كان الاحتمال دائرا بين الوجوب التعييني وعدم المشروعية،
162

فلو لم يحتمل عدم المشروعية بالنسبة إلى صلاة الظهر أيضا فيدور الامر بين التعيين
والتخيير بالنسبة إلى الظهر، والمرجع أصالة البراءة عن التعيين. ولو احتملنا عدم
المشروعية بالنسبة إليها فيتشكل العلم الاجمالي، ولابد من الجمع بينهما. هذا إذا لم
نعلم بالوجوب التعييني لصلاة الجمعة في زمان الحضور، والا فلو بنينا على جريان
الاستصحاب في الاحكام الكلية يجري الاستصحاب، والا كما هو الحق عندنا فلا. أقول:
الحق عدم جريان الاستصحاب، وان قلنا بالوجوب التعييني حال الحضور، فان الشك في سنخ
الحكم المستصحب وانه هل هو مطلق أو مشروط؟ فلا نعلم كيفية الجعل من الأول. فالوجوب
المطلق غير متيقن حدوثا، ومطلق الوجوب وإن كان مجرى الاستصحاب، الا انه لا اثر له
ما لم يعلم فعليته بفعلية موضوعه بجميع قيوده، ولا يمكن اثبات ذلك حتى على القول
بالأصل المثبت، لعدم اثبات الحكم وجود موضوعه ولو كان محرزا بالوجدان. وبهذا ظهر
الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، فان الحكم في مرحلة الجعل لا شبهة
في بقائها على نحو حدوثها مشروطا، أو مطلقا الا من ناحية عدم احتمال النسخ المفروض
عدمه وفي مرحلة الفعلية لاشك في البقاء، الا مع الشك في الموضوع بالبيان المتقدم.
وقد ظهر بهذا البيان، انه ليس الوجه في عدم الجريان ما افاده السيد الأستاذ - دام
ظله - من معارضة الاستصحاب مع استصحاب عدم الجعل، لعدم جريان الاستصحاب لا في مرحلة
الفعلية، ولا في مرحلة الجعل، فضلا عن المعارضة بينهما، هذا أولا. وثانيا ان عدم
163

الجعل ليس اثرا شرعيا، ولا موضوعا لأثر شرعي، وعدم الحكم لازم عقلي له، فلا يجري
الاستصحاب فيه واستصحاب نفس عدم الحكم في مرحلة الجعل لا يعارض استصحاب الحكم في
مرحلة الفعلية، فان المرحلتين مرتبتان عقلا. وكما أن استصحاب وجود الحكم في مرحلة
الجعل، لا يثبت فعليته بالبيان المتقدم، كذلك استصحاب عدمه في تلك المرحلة لا يثبت
عدمه في مرحلة الفعلية، فاستصحاب الوجوب في مرحلة الفعلية بلا معارض. وتفصيل الكلام
في محله. وحيث إن المحتملات ثلاثة (في زمان الغيبة): الوجوب التعييني للظهر،
والوجوب التعييني للجمعة، والتخيير بينهما، فيرجع إلى البراءة عن التعيين، والنتيجة
هو التخيير. واما الأصل اللفظي فالحق كما افاده، الا انه يرفع اليد عن ظهور
المطلقات في الوجوب التعييني للظهر، بما دل على جواز الاتيان بالجمعة والاكتفاء
بها، قلنا بالمنصبية أو لم نقل بها فالنتيجة هو التخيير أيضا. وهنا طريق اخر لبيان
الأصل اللفظي في المقام، وهو ان الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: وانما
وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان
الخطبتين (1) وغيره من الأخبار المشتملة على تعليل سقوط الركعتين في صلاة الجمعة
بوجود الخطبتين، كون المجعول الأولي لظهر يوم الجمعة أربع ركعات كالظهر في سائر
الأيام. ووضعت الركعتان في ذلك اليوم لمكان الخطبتين. فيكون وزان ذلك وزان دليلين:
(أحدهما) عام يدل على أن الوظيفة الأولية يوم الجمعة هي أربع ركعات.

(1) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
164

(والثاني) ما يخصص ذلك بغير يوم الجمعة. فمع الشك في التخصيص نتمسك بعموم العام،
وهو القول بأصالة الأربع. نعم من رأى عدم جواز التمسك في موارد الشك في التخصيص لما
يرى من أن المخصص ينظر إلى العام بلسان تنويع موضوعه، فلا يمكنه الاستدلال بذلك،
ولكن الحق المحقق في محله هو الجواز. فالأصل اللفظي يقتضي وجوب الظهر عند عدم بسط
يد الامام، وبضميمة ذلك إلى ما دل على مشروعية الجمعة مطلقا يثبت التخيير بالمعنى
الذي ذكرناه على البيان المتقدم. فالنتيجة هو التخيير في مقام الامتثال على أي
تقريب كان، أي سواء كان بالنظر إلى الروايات، أو بالنظر إلى مقتضى القاعدة اللفظية،
أو بالنظر إلى مقتضى الأصول العملية.
تنبيه
قد ذكرنا ان ما يستفاد من الروايات في حكم صلاة الجمعة هو اشتراط الوجوب التعييني
واطلاق المشروعية، وهذا غير الوجوب التخييري بحسب أصل الشرع، وهذا ظاهر. وليس من
الوجوب التخييري في مقام الجعل حتى في زمان الغيبة أيضا. ان قلت: انه ما الفرق بين
الوجوب التخييري للجمعة والظهر، وبين مشروعية الجمعة واجزائها عن الظهر، وليس هذا
الا مجرد تفنن في التعبير. قلت: الفرق بين الأمرين يظهر من تفصيل، وهو ان الحق
المحقق في محله، ان الاحكام ولو كانت بعنوانها مجعولة الا ان البعث والزجر أو
اعتبار ايجاد الشئ أو اتركه على ذمة المكلف حجة على الوجوب أو الحرمة، لحكم العقل
بلزوم الخروج عن العهدة بالنظر إلى البعث والزجر، أو اعتبار المولى ايجاد الشئ
وتركه على المكلف من دون الاذن في ترك الامتثال. كما أنه يكشف الاستحباب أو الكراهة
بالنظر إلى البعث أو الزجر، أو ذلك الاعتبار مع الترخيص في ترك الامتثال من قبل
165

المولى. فالبعث أو الزجر أو الاعتبار المذكور في مورد الوجوب والاستحباب وفي موارد
الحرمة والكراهة سواء، والفارق انما هو الاذن في ترك الامتثال وعدمه الناشئ من عدم
إرادة الالزام ووجوده، وتمام الكلام في محله. ومن هنا بنينا على شرعية عبادات الصبي
على خلاف ما افاده السيد الأستاذ - دام ظله - فان أدلة التكاليف باطلاقها تشمل غير
البالغين أيضا، بحيث لو لم يكن هنا دليل الحاكم لالتزمنا بالوجوب بالنسبة اليه
أيضا، الا انه مع وجوده لابد من الحكم بعدم الوجوب. ان قلت: ان المعتبر المجعول امر
بسيط لا تركيب فيه حتى يمكن ارتفاع أحد جزئيه بدليل الحكم وبقاء الجزء الآخر،
فالمرتفع بذلك هو نفس ذلك الامر البسيط، فدليل الحاكم يرفع أصل الاعتبار، فأين
المشروعية بالنسبة إلى غير البالغ؟. قلت: ان المعتبر وإن كان بسيطا، الا ان الدليل
الحاكم غير ناظر إلى ارتفاعه عن غير البالغ، فإنه وارد الامتنان، ورفع أصل الاعتبار
لا منة فيه، بل خلاف الامتنان جدا، فهو ناظر إلى الترخيص في ترك الامتثال، والعقل
بملاحظة أصل الاعتبار، وهذا الترخيص يكشف الاستحباب، فعبادات الصبي مشروعة. ولذا
بنينا على خلاف مسلك السيد الأستاذ: انه لو اقدم الصبي المميز بتكفين الميت أو
تغسيله أو الصلاة عليه يسقط التكليف عن الباقين، لاطلاق دليل الاعتبار. والماهية
واحدة، غاية الأمر الصبي مرخص في ترك الامتثال دون غيره، واما عدم اجزاء حج الصبي
عن حجة الاسلام اما هو بالدليل الكاشف عن دخل البلوغ في سنخ الحكم (الالزامي) كما
بنينا في بحث الحج. وقد ظهر بهذا البيان ان البلوغ شرط للوجوب فقط، لا للمشروعية،
وأيضا في موارد التكاليف الحرجية، نلتزم باشتراط الوجوب واطلاق المشروعية بعين
البيان المتقدم، ونحكم بصحة العبادة الحرجية. وما نحن فيه من هذا القبيل، فان الجمع
166

بين الأدلة الدالة على وجوب الجمعة اجمالا وما دل على المنصبية يقتضي اشتراط الوجوب
التعييني بالامام، أو من نصبه. ولو كنا نحن وهذه الأدلة فقط، لالتزمنا بعدم
المشروعية بالنسبة إلى غير واجد الشرط، لعدم وجود اطلاق يدلنا على المشروعية
المطلقة، الا ان صحيحة زرارة وعبد الملك تدلنا على المشروعية بالنسبة إلى غيرهم
أيضا، لامن جهة ترخيص الإمام (عليه السلام) تشريعا، بل من جهة كشف قوله (عليه
السلام) عن الواقع، فإنه في مقام الارشاد إلى الواقع، وهي الرخصة في التطبيق لا
التشريع الفعلي. وقد مر ذلك. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان ترك زرارة وعبد الملك
يكشف عن عدم الوجوب التعييني لصلاة الجمعة حينئذ. فحكم العقل بلزوم الخروج عن
العهدة بإتيان الجمعة ساقط. وأيضا ان الحث انما هو ناظر إلى مرحلة الامتثال لا
مرحلة الجعل، فمشروعية صلاة الجمعة مسلمة. واما الوجوب التخييري فلا. فالنتيجة هو
اشتراط الوجوب، واطلاق المشروعية. فقد ظهر الفرق بين الوجوب التخييري وما ذكرناه من
اطلاق المشروعية غاية الظهور. واما الاجزاء عن الظهر فمن وجهين: الأول: انهما ماهية
واحدة، لظهور ما دل على أنه وضعت الركعتان لمكان الخطبتين على ذلك، فيجزي الاتيان
بالجمعة عن الإتيان بالظهر ولو على نحو اجزاء غير الواجب عن الواجب، مثل اجزاء
تغسيل الصبي للميت عن الواقع واسقاط ذلك لتكليف البالغين. الثاني: ان لسان صحيحة
زرارة وموثقة عبد الملك هو تطبيق الوظيفة الفعلية على صلاة الجمعة ولازم ذلك
الاجزاء عن الوظيفة كيف كانت. والحمد لله رب العالمين
167

التقية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطاهرين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، واللعن الدائم على أعداء آل
محمد أجمعين. وقبل الورود في أصل المطلب لابد من تقديم أمور: الأول: التقية لغة هي
تحفظ الشئ عن امر ما، كوقاية المال عن السرق والطفل عن الغرق والكتاب عن الحرق.
ومن ذلك التقية المصطلحة وهو تحفظ النفس عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف
للحق كما عرفها الشيخ - قدس سره - بذلك. فليس في التقية جعل قبال المعنى اللغوي،
مضافا إلى أن الالتزام بذلك بلا ملزم ثبوتا مع عدم الدليل عليه اثباتا. واما
التعريفات الواقعة في كلمات العلماء لذلك فليست من جهة الالتزام بالوضع الجديد بل
انما هي في مقام الإشارة إلى المصداق الخاص من التقية المعروضة للأحكام الخاصة.
الثاني: التقية ليست من العناوين المتأصلة التي لها مطابق في الأعيان بل هي عارضة
على الشئ كالفعل النحوي المسمى بالحركة الفاعلية في اصطلاح المعقول، وحيث انه ليس
للحركة الفاعلية جنس ولا فصل فليس لها عنوان منتزع من صميم ذاتها فلا يكون عنوان
التقية عنوانا متأصلا بمعنى الانتزاع عن ذاتيات شئ ما حتى يكون التطبيق عليها
بلحاظ ذلك، وانما تكون معنونا بالعناوين الخاصة بواسطة الحيثيات والإضافات كالأكل
والشرب وغير ذلك. ثم إن تلك العناوين حيث تطرأ عليها بسبب الحيثيات والإضافات
الأولية تسمى بالعناوين الأولية. وأما ما قد ينطبق عليها من العناوين بعد تعنونها
168

بالعنوان الأولي فيكون عنوانا ثانويا لها، إذ هو في طول العنوان الأولي كالجهل في
الاكل جهلا والاضطرار في الشرب اضطرارا، والتقية في العبادة تقية من هذا القبيل،
فالتقية من العناوين الثانوية الطارئة على الحركة الفاعلية بعد عروض العناوين
الأولية عليها وفي طولها، ولذا قد يثبت العنوان الأولي بدون التقية، وقد تثبت
التقية في غير مورد ذلك العنوان. الثالث: يظهر بالتأمل مما ذكرنا انه لا ملازمة بين
ثبوت حكم ما على عنوان التقية وثبوته على معروضها وهو الشئ بعنوانه الأولي، بل
الظاهر من كل دليل دل على ثبوت حكم على عنوان موضوع كون الموضوع بماله ن العنوان
معروضا للحكم مستقلا وبنفسه لا ان يكون سببا لعروض الحكم على أمر اخر وإن كان هو
الموضوع لا معنونا بذلك العنوان. وعلى هذا فالظهور الأولي لدليل التقية يقتضي كونها
واسطة لعروض الأحكام على عنوانها لا واسطة للثبوت فقط فيكون نفس العمل الاوقع تقية
محكوما بالحكم، وعلى ذلك الأخير يحتمل في مقام الثبوت كون ما هو المجعول بدليل
التقية بدلا عن المأمور به ولو على نحو تنزيل المبائن منزلة المبائن كما يحتمل كون
لسانه تقييدا للحكم الثابت على الشئ بعنوانه الأولي، وذلك أيضا على انحاء ثلاثة:
رفع الحكم عن الموضوع المركب بأجمعه، ورفع الحكم عن مورد التعذر فقط جزء أو شرطا،
ورفع الالزام كما سيتضح إن شاء الله تعالى. الرابع: وليعلم ان أدلة الحواكم مطلقا
169

سواء كانت ناظرة إلى أصل الشرع أو الالزام - على ما سيجئ الكلام في ذلك - ترفع
الحكم عن موردها لان عنوان الحاكم انما ينطبق على مورد معنونه فقط، فلسانه قاصر عن
رفع الحكم عن غير مورد انطباق عنوانه، فهو يرفع مورد عنوانه وهو مورد التعذر فقط.
نعم لو بنينا على التنافر ثبوتا بين بساطة الحكم الوارد على المركب وتبعضه بالنسبة
إلى كل جزء منه بسبب الأعذار فلا محالة يرتفع أصل الحكم بارتفاع بعضه للعذر، وحينئذ
يكون ارتفاع الكل بارتفاع البعض بالاستلزام العقلي، وقد دار في السنة القوم ان
المركب عدم بعدم بعضه، وهذا نسميه بوحدة المطلوب. فلو دل دليل على ثبوت الحكم
على الباقي كالميسور مثلا فلابد من الالتزام بالتنزيل أو تشريع جديد طولي، إذ الحكم
الأولي قد ارتفع بالعذر بالنسبة إلى بعض متعلقه واستلزم ذلك ارتفاع الحكم عن
البقية، فيكون هذا الحكم الثابت بالدليل حسب الفرض حكما مغايرا مع الاخر. وانا لو
بنينا على عدم التنافر وامكان التبعض ثبوتا فالامكان الثبوتي ملازم للوقوع لاقتضاء
الظهور المحاوري ذلك، إذ هو مقتضى الجمع بين الدليل المثبت للحكم الأولي المتعلق
بالمركب والدليل الحاكم الرافع للحكم عن مورد انطباق عنوان الحاكم. فرفع الحكم عن
المعسور لا يستلزم رفع الحكم عن الميسور، ونتيجة ذلك بقاء الحكم بالنسبة إلى البقية
بنفس دليل الحكم الأولي ولا يحتاج إلى دليل اخر مثبت له، فدليل الميسور يصبح موافقا
للقاعدة وتقريرا لدليل الحكم الأولي لا تأسيسا لحكم جديد، وهذا نسميه بتعدد
المطلوب. فعلى ذلك لو دل دليل على رفع الحكم عن الباقي أيضا كعقد الاستثناء في
170

حديث لا تعاد (1) فلابد من الالتزام بوحدة المطلوب، ويكون هذا اللسان في الرتبة
الثالثة، إذ مرتبة ثبوت الحكم للمركب هي الرتبة الأولى، ومرتبة سقوطه عن البعض
المعذور هي الرتبة الثانية، ومرتبة سقوط الحكم عن الجميع بسبب سقوطه عن البعض هي
الرتبة الثالثة. مثلا لقوله عليه السلام أقيموا الصلاة انما هو في مرتبة جعل
الحكم بالنسبة إلى جميع اجزاء الصلاة وشرائطها. وقوله عليه السلام لا تعاد في
مرتبة رفع الحكم عن جزء أو شرط منسي ومضطر إلى تركه، ومرتبة قوله عليه السلام الا
من خمسة في مرتبة سقوط الحكم عن البقية حين سقوطه عن تلك الأمور التي نسميها
بالاجزاء والشرائط الركنية ونجعلها عللا لقوام الصلاة. ثم لو فرض دليل رابع دال على
عدم سقوط الحكم عن البقية حين سقوط الحكم عن تلك الأمور أيضا في مورد من الموارد
كباب صلاة الجماعة بالنسبة إلى زيادة ركوع مثلا - نقول بان هذا الدليل واقع في
المرتبة الرابعة. إذا عرفت ذلك فلاحظ لسان الموثقة التقية في كل شئ يضطر اليه ابن
ادم فقد أحله الله له (2) حتى ترى بان هذا اللسان هل هو واقع في الرتبة الثانية
كسائر الأدلة الحاكمة أم الرابعة؟ وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله. هكذا أفاد بعض
أساتيذنا ولكن لا يمكن المساعدة لتمام ما ذكره وبيان ذلك: (أولا) بعد ثبوت الحكم
بنفس الدليل الأولي بالنسبة إلى مورد الاستثناء في حديث لا تعاد لا نحتاج إلى عقد
الاستثناء حتى نجعل له رتبة محكومة أو حاكمة.

(1) الوسائل: ج 3 باب 9 من أبواب القبلة حديث 1.
(2) الوسائل: ج 11 باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبه حديث 2.
171

(ثانيا) ان الاستثناء حد للمستثنى منه لا انه مثبت لشئ بعد الاستثناء، وما قيل من أن
الاستثناء اخراج بظاهره لا يصح فان قوله جاء القوم الا زيد في مقام اثبات المجئ
لمن عدا زيد لا عدم المجئ له، ولو فهم عدم مجيئه أيضا ليس لدلالة الاستثناء على
الاخراج، بل تحديد الجائي بغير زيد كاف لانفهام ذلك، فتدبر جيدا. وكيف كان فذيل
دليل لا تعاد حافظ لاطلاق الدليل الأول لا انه مثبت لشئ. (وثالثا) ان الركنيات
أعم من ذيل لا تعاد ولا سيما بملاحظتها في غير باب الصلاة كالحج، ولا دليل في
مطلقها حتى يكون حكمها حكم موارد الاستثناء في حديث لا تعاد، فما افاده من الترتيب
بين دليل المأمور به وأدلة الحواكم لا يصح مع أنه غير مفيد لما هو بصدده، على ما
سيأتي الكلام فيه عند تعرضه إن شاء الله. الخامس: لو لم يكن دليل الحاكم بلسان
التنزيل وجعل بدلية الناقص مقام التام أو المبائن منزلة المبائن، بل كان بلسان
التقييد ورفع الحكم الأولي عن مورد العذر فهل يرفع بذلك أصل الشرع أو الالزام؟ فيه
كلام، فالمتقدمون حيث كانوا ملتزمين بالتركيب في الحكم من الجنس والفصل، وان الوجوب
مركب من رجحان الفعل مع المنع من الترك اختلفوا فيها إذا ارتفع الوجوب هل يبقى
الجواز أم لا يرتفع بارتفاعه؟ الا ان مبنى هذا الاختلاف فاسد، فان الحكم لو كان
امرا تكوينيا بمعنى ان طلب المولى أي تصديه نحو البعث، فقد مر عدم تصور التركيب في
الحركة الفاعلية سواء كان فعلا جارحيا أم جانحيا. ولو كان امرا اعتباريا بأن يكون
مفاد الهيئة أي النسبة البعثية أو جعل المادة على ذمة المكلف اعتبارا أو البعث في
مقام التشريع جعلا من الشارع النافذ اعتباره أو غير ذلك من التعبيرات فبساطته أوضح
من أن يخفى، لعدم واقع للأمر الاعتباري في عالم العين فضلا عن تركبه من الجنس
172

والفصل، ولذا توهم جمع من المتأخرين ان أدلة الحواكم ترفع أصل الشرع، فان الحكم
الأولي قد ارتفع على الفرض ولا دليل على ثبوت حكم اخر للعمل العذري، الا ان هذا
أيضا باطل ضرورة ان المجعول كما بنينا في موضعه عبارة عن ايجاد البعث أو الزجر
وانشائهما وهو المنشأ لاعتبار أهل الاعتبار عنوان الطلب وما بمعناه في الوجوب
والندب، وغيرهما كالابتعاد والتسخير مثلا خارج عن هذا المفهوم عارض عليه بنحو الوصف
المفارق، فان المجعول في مورد الوجوب والندب واحد من حيث الذات والحقيقة، ولا جزء
لهذا الواحد إذ الجزئية نوع التركب وهو لاجزاء له حسب الفرض من عدم التركب في الفعل
النحوي، والوصف المقارن غير مجعول بل هو حكم العقل بلزوم تطبيق مراد المولى على
الخارج ووجوب اطاعته فلو اذن الشارع في ترك الامتثال يحكم العقل بالاستحباب بخلاف
عدم ترخيصه في ذلك فإنه يحكم بالوجوب. وبعبارة أخرى: الوجوب عبارة عن حكم العقل
بلزوم العمل في مورد الاعتبار مع عدم المؤمن، والاستحباب حكمه في مورد الاعتبار
ووجود المؤمن. وحينئذ دليل الحاكم غير ناظر إلى الأحكام بهذا المعنى فإنه تقييد في
حكم العقل ولا معنى له، واما رفع أصل الاعتبار أي تقييد الدليل وتنويع متعلق الحكم
مناف للامتنان الذي مستفاد من مساق أدلة الحواكم، واحتمال رفع استحقاق العقاب أيضا
ساقط لأن الحاكم بذلك هو العقل، فانحصر ورودها في مقام الترخيص والاذن في ترك
الامتثال، وهذا تقييد في مورد حكم العقل لا في نفسه، ويكون من شأن الشارع ذلك فإنه
جعل الترخيص والتأمين انما هو بيده، فهذا ترخيص بلسان الحكومة. وبهذا ظهر شرعية
عبادات الصبي بل المجنون أيضا. ومن الحواكم دليل التقية، وقد مر ان التقية كما انها
173

معروضة للحكم وهو الوجوب كذلك سبب لعروض الحكم على الفعل، أي يكون دليلها حاكما على
الدليل الأولي فتكون رافعة للالزام لا لأصل الشرع، وبهذا صححنا المسح على البشرة في
مورد التقية وإن كان مخالفا لها، واجبنا عن الاشكالين في المقام، الأول: ان جواز
المسح على البشرة في مورد التقية مرفوع، فكيف يحكم بالصحة؟ الثاني: ان المسح على
البشرة مخالف للتقية الواجبة فيحرم فيبطل. وقد ظهر الجواب عنهما. فان المرفوع انما
هو الالزام لا أصل الشرع، والمسح على البشرة مخالف للواجب التطبيقي أي الاتقاء فمن
جهة المسح يصح ومن جهة مخالفة الاتقاء يحرم فالمسح الصحيح بلا حاجة إلى الترتب.
نعم، يمكن تصوير البطلان من جهة عدم التمكن من قصد القربة، وهذا أمر اخر. هذا ولكن
كل ما ذكر مبني على أن لا يكون الوجوب حكما شرعيا بل هو حكم عقلي، والحكم الشرعي
انما هو البعث أو اعتبار المادة على ذمة المكلف أو المشروعية، وغير ذلك من
التعبيرات، وحيث إن رفع ما هو المجعول شرعا مناف للامتنان فيكون وزان دليل الحاكم
وزان المؤمن فلا يحكم العقل بالوجوب، وهذا ما نعني من رفع الالتزام، ولكن الصحيح ان
الوجوب كسائر الأحكام الخمسة حكم شرعي مجعول ويختلف عن الاستحباب من جهة داعي
المولى، فان البعث بداعي الالزام هو الوجوب وبداعي المحبوبية هو الندب. نعم، توهم
ان في رفعه خلاف الامتنانات هنا أيضا، لكن يدفع بان الامتنان في جعل مفاد دليل
الحاكم لا يقتضي كونه موافقا للامتنان في الموارد الشخصية، بل الامتنان اقتضى جعل
قانون وهو رفع الوجوب والالزام عند طرو عنوان موضوع دليل الحاكم كالتقية مثلا، وهذا
لا يستلزم لزوم موافقة الرفع للامتنان في كل مورد من موارد تطبيق الدليل، ولذا لا
نرى صحة الوضوء في موارد الوضوء الضرري والحرجي، وان حكم بعض الفقهاء بالصحة ولا
174

سيما في مورد الحرج، بدعوى ان امتنانية دليل الحرج تقتضي رفع الالزام لا المشروعية،
فان حديث الامتنان لا يقتضي أزيد ن نفي الجعل في مورد الحرج، فإذا انتفى المجعول وهو
الالزام أو المشروعية أو الجزئية أو غير ذلك يحتاج اثبات غيره إلى دليل. نعم، لا
نضايق عن الالتزام بعدم رفع أصل الحكم المجعول وكون الرفع بمعنى الاذن في الترك في
بعض الموارد إذا دل عليه الدليل مثل مورد عبادات الصبي، الكلام فعلا مع عدم وجود
دليل غير دليل الحاكم مثل موارد التقية، فان الظاهر من أدلتها نفي الأحكام الأولية
وتبديلها بغيرها. فالنتيجة ان العمل على خلاف التقية باطل لعدم الأمر به ومع جعل
الشارع بدلا عن الوظيفة الأولية لابد من الاتيان به، ومع عدم الاتيان يحكم ببطلان
أصل العمل من جهة فقد الجزء، فالمسح على البشرة في مورد التقية لم يشرع بأي كيفية
كانت شرعية المسح، والمسح على غيرها الموافق للتقية الذي اقتضى الدليل لزوم الاتيان
بها يكون جزء للوضوء حينئذ، ومع تركه والاتيان بالمسح على البشرة يبطل الوضوء فان
الجزء فيه لم يؤت به وما اتى به ليس بجزء في هذا المورد. والحاصل: ان الوجوب مجعول
قابل للرفع كما هو قابل للجعل، وظاهر دليل الحاكم رفعه ولا يلاحظ الامتنان في
المورد الشخصي، بل إنه في أصل جعل القانون، وعليه يحتاج أي حكم اخر ثابت في المقام
من دليل على حدة. السادس: هل يعتبر عدم المندوحة في تطبيق عنوان المأمور به على
المأتي به تقية أم لا. وبعبارة أخرى: هل يعتبر في شمول اطلاقات التقية للمورد عدم
التمكن من اتيان العمل في غير ذلك المورد فلا يجزي الاتيان بالفرد المنطبق عليه
عنوان التقية عن المأمور به أولا يعتبر ذلك فيكون المآتي به مشمولا لاطلاق دليل
175

التقية؟ وبما ان دليل التقية حافظ لاطلاق دليل الحكم ومتمم لموضوعه فيكون مجزيا عن
المأمور به لكونه فردا له حقيقة، وليعلم ان المندوحة تتصور على ثلاثة أقسام: الأول:
المندوحة بالنسبة إلى الافراد الطولية وهو امكان اتيان العمل في غير زمان الاضطرار
وأماكن تطبيق المأمور به على الفرد الاختياري منه في الزمان المضروب ظرفا له.
الثاني: المندوحة بالنسبة إلى الأفراد العرضية وهو امكان اتيان العمل في غير مكان
الاضطرار ولو في زمان الاضطرار وامكان تطبيق المأمور به على الفرد الاختياري منه في
مكان اخر غير مكان الاضطرار. الثالث: المندوحة بالنسبة إلى حالات نفس المكلف ولو في
الظرف الواحد من الزمان والمكان مثل المسح على الرجل في مورد الابتلاء بالعامة على
نحو يتوهم الناظر انه غسل رجله. (اما الأول) وهي المندوحة بالنسبة إلى الأفراد
الطولية فقد قيل باعتبار عدمها في التقية، واستدل على ذلك بوجهين: الأول: انصراف
دليل العذر عن مورد وجودها، بتقريب ان مصب الأدلة العذرية ما إذا كان العذر مستوعبا
لجميع أزمنة امكان ايجاد المأمور به، ويظهر ذلك من المحقق الهمداني - قدس سره -.
ولكن دعوى الانصراف لا برهان عليه بعد امكان اجتزاء المولى بهذا الفرد اما لوجود
ملاك يناسب الاجتزاء بهذا الفرد علاوة عن كفايته في الوفاء بغرضه وهو محبوبية
الاستباق إلى العمل والاسراع في الامتثال، واما لوجود ملاك في مرحلة الامتثال موجب
للاجتزاء بهذا الفرد كمصلحة التسهيل مثلا. الثاني: - وهو العمدة - اقتضاء الأخذ
باطلاق دليل الحكم ذلك بتقريب ان متعلق الحكم هي الطبيعة السارية وهي السعي القابلة
للانطباق على كل فرد من العمل في ظرف المأمور به زمانا ما بين المبدأ والمنتهى،
ودليل العذر انما هو ناظر إلى تعذر المأمور به، وما لم يكن العذر مستوعبا لم يكن
176

المأمور به متعذرا، فالعذر في أول الوقت مع وجود المندوحة بعده غير مشمول لدليل
الحاكم فيبقى اطلاق دليل الحكم الدال على لزوم الاتيان بالعمل تام الأجزاء والشرائط
على حاله. ولن هذا أيضا لا يتم، فان الأمور به انما هو الطبيعي الصالح للانطباق على
كل فرد، ومن الافراد الفرد المتعذر تطبيق الطبيعي التام عليه، فالمتعذر في أن
التعذر انما هو نفس الطبيعي المأمور به، والفرد بخصوصيته الفردية غير متعذر لخروج
المفردات عن دائرة الحكم نفيا واثباتا، وحينئذ لا يعقل تعلق الأمر به كتعلق دليل
الحاكم به حرفا بحرف، فالمتعذر هو الطبيعي المطبق على هذا الفرد على نحو القضية
الحينية لا بنحو يكون الزمان قيدا لمتعلق العذر حتى يقال بأن المكلف غير مضطر إلى
هذا الفرد الناقص. وبعبارة أخرى: ان الالتزام بعدم شمول دليل العذر للفرد المتعذر
مع وجود المندوحة مستلزم لتقييد دليل الحكم بغير ذلك الفرد تقييد دليل الحاكم
بالعذر المستوعب، وكلاهما بلا موجب فالتحفظ على الاطلاقين يقتضي كون دليل الحاكم
معمما لاطلاق دليل الحكم وحافظا له، أي كون المأتي به عذرا مصداقا للمأمور به مجزيا
عنه وهو ما ذكرناه، والمتحصل منه جواز البدار لاولي العذار ومنها التقية. (وأما
الثاني) وهي المدوحة بالنسبة إلى الافراد العرضية فحيث انه مع وجودها لا يصدق عنوان
الاضطرار والعذر على الطبيعة المأمور بها ولو حينا ما، فلابد من الالتزام باعتبار
عدمها في اتيان الفرد المتعذر والاجتزاء به. بيان ذلك: ان القدرة على امتثال
التكليف صادق ولو بالقدرة على ايجاد مقدماته، فايجاد المقدمة اعمال القدرة في سبيل
ايجاد المكلف به لا تحصيل لها، فالمكلف العاجز عن امتثال التكليف في مكان خاص
177

القادر على امتثاله في مكان اخر ولو بايجاد مقدمته بان يذهب إلى ذلك المكان غير
عاجز عن امتثال التكليف الاختياري ولو في مكان الاضطرار، إذ في ذلك المكان قادر على
امتثال التكليف بايجاد مقدمته فلا يصدق عليه عنوان المضطر فلا تشمله أدلة الحواكم.
نعم، لا يمكنه امتثال التكليف بتطبيق الطبيعي الاختياري على الفرد الواقع في ذلك
المكان، وهذا غير ضائر، فان فردية هذا الفرد للطبيعي المأمور به سالبة بانتفاء
الموضوع، وليس هذا تقييدا في دليل المأمور به، فان المأمور به هو الطبيعي، والامر
به فعلي بالنسبة إلى القادر والمفروض ان المكلف قادر على الامتثال فخروج هذا الفرد
عنه خروج تقيدي لا تقييدي، فافهم. وقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين وجود المندوحة في
الأفراد الطولية ووجودها في الافراد العرضية، فإنه في الأول يصدق عنوان الاضطرار
بالنسبة إلى الطبيعي في أن الاضطرار لعدم القدرة على تطبيق الطبيعي الاختياري على
الفرد الواقع في ذلك الان على الفرض وعدم القدرة على المأمور به ولو بايجاد مقدمته،
فان مرور الزمان امر غير اختياري للمكلف فهو عاجز عن الامتثال الاختياري فيشمله
دليل الحاكم. نعم، بعد مرور الزمان تحصل القدرة على الامتثال الا ان الصبر إلى أن
تحصل القدرة غير واجب بعد شمول دليل الحاكم للمورد، بخلاف الثاني لصدق القدرة على
الامتثال ولو في مكان الاضطرار فإنه قادر على ايجاد المقدمة الاختيارية على الفرض.
والحاصل: ان التحول من مكان إلى مكان أمر اختياري بخلاف مرور الزمان، فالتحول اعمال
للقدرة والانتظار صبر إلى حصول القدرة طبعا من دون دخل لقدرة المكلف في تحصيل تلك
القدرة على المأمور به، وبهذا الفرق يفصل بين المقامين. وتوهم عدم كون الفرق فارقا
بعد كون المأمور به الطبيعي بما هو طبيعي، والمفروض التمكن من ايجاده في ضمن الفرد
178

المقدور ولو بعد مضي زمان تحصل القدرة فيه بالطبع مدفوع بأنه كيف لا يكون فارقا بعد
كفايته في صدق الاضطرار الحيني في القسم الأول دون الثاني؟ ولذا ذكرنا في بحث
التيمم ان مقتضى القاعدة انه لو كان تحصيل الماء موقوفا على ايجاد مقدمات اختيارية
له كحفر البئر أو تحصيل الة النزح وغير ذلك يجب الوضوء ولا ينتقل الامر إلى
التيمم، بخلاف ما إذا كان وجدان الماء موقوفا على مضي زمان فإنه يجوز على المكلف
البدار فإنه من أولي الأعذار. نعم، لابد من الاحتياط في المبحث المذكور نظرا إلى
وجود بعض الأخبار وفتوى الأخبار، وقد ظهر بذلك الحكم في (القسم الثالث) وهي
المندوحة بالنسبة إلى حالة المكلف فلابد من القول باعتبار عدمها لعدم صدق الاضطرار
بالنسبة إلى الطبيعي ولو في زمان الامتثال. نعم، يجوز اجتزاء الشارع بالفرد
الاضطراري في القسم الثاني والثالث تسهيلا أو لمصلحة أخرى، الا انه لابد في اثبات
ذلك من التماس دليل خاص لعدم شمول مطلقات اولي الأعذار له، وقد دل اخبار التقية على
الاجتزاء في الثاني دون الثالث ويأتي إن شاء الله بيانه. إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد
يتمسك لاثبات الاجزاء في العمل الواقع تقية بوجوه: الأول: السيرة بتقريب انه لا
اشكال في وقوع الاختلاف في يومي عرفة والعيد بين الشيعة والسنة من لدن أئمتنا
المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، كما أنه لا اشكال في عدم تمكن الشيعة من درك
الوقوفين الواقعين عندهم وكانوا يتبعون السنة في ذلك، ولم يعهد منهم إعادة الحج ولا
من الأئمة عليهم السلام الأمر بها، وهذا أقوى دليل على اجزاء العمل المأتي به تقية
عن الواقع ولو كانت التقية في الاجزاء الركنية التي تتقوم بها الماهية المأمور بها.
والجواب عن ذلك: ان الاستدلال بهذه السيرة موقوف على اثبات أمور: (الأول) انهم
كانوا يكتفون بما اتوا به من الحج في صورة العلم بالمخالفة، والا فلا يدل ذلك على
179

المدعى، فإنه يمكن ان يقال بان الجزاء في صورة عدم العلم بالمخالفة ثابت بالنص لا
من جهة تطبيق عنوان التقية على المأتي به، والنص المدعى في المقام هو رواية أبي
الجارود - وسيأتي التعرض لها - ولكنها مطلقة بالنسبة إلى صورتي العلم بالمخالفة
وعدم العلم بها، فلو كانت حجة معتبرة تكون بنفسها دليلا على الاجزاء في الحج.
ولا يخفى ان ما ذكر من الأمور لا تدفع السيرة المدعاة وهي أقوى دليل على المطلب.
(الثاني) ان ذلك كانت سيرة من كان مستقرا عليه الحج أو الصورة مع استطاعته بعد ذلك،
والا فعدم الإعادة ليس الا من جهة السلب بانتفاء الموضوع وهي الاستطاعة. (الثالث)
انهم لم يدركوا حتى الاضطراري من أحد الموقوفين، والا فعدم الإعادة من جهة درك
الجزء الركني وهو الوقوف ولو اضطرارا. (الرابع) انه قد عرض ذلك على الإمام عليه السلام
، أو كان بمرأى منه ولم يردعهم عن ذلك، والا فصرف قيام السيرة لا تدل على
التشريع. الثاني: عقد الاستثناء في صحيحة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: لا دين لمن لا تقية له، التقية في كل شئ الا في النبيذ والمسح على
الخفين (1). بتقريب ان ذكر المسح على الخفين في المستثنى، وظهور الاستثناء في
الاتصال يدل على عموم التقية للأحكام التكليفية والوضعية، ولا معنى لشمول ذلك للوضع
الا برفع الجزئية أو شرطية ما اضطر إلى تركه أو رفع مانعية ما اضطر إلى فعله، وهذا
معنى الصحة ويلزمه الاجزاء قهرا. والجواب عن ذلك: (أولا) ان عدم جريان التقية في
المسح على الخفين الذي هو مركز الاستدلال غير مفتى به بين الأصحاب ومخالف للنصوص،
فلابد من حمل ذلك

(1) الوسائل: ج 11 باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبها حديث 3.
180

على أن عدم جريان التقية في المسح على الخفين انما هو من جهة خروج ذلك عن التقية
موضوعا أي لم يضطر أحد خارجا إلى ذلك، والامر كذلك أيضا، فان العامة لم يذهبوا إلى
وجوب المسح على الخفين بل يرون غسل الرجل عدلا له. نعم، يجوزون المسح على الخفين.
فبناء على عدم منافاة غسل الرجل ومسحه كما هو الصحيح ففي جميع الموارد المندوحة
موجودة فلا يمكن الاكتفاء بغسل الرجل فكيف بالمسح على الخفين. (ثايا) لو سلمنا دلالة
الرواية على الاجزاء الا انه لا يكون شأنها أزيد من سائر الأدلة الحاكمة، وقد نقلنا
سابقا عن بعض أساتيذنا ان ما دل على لزوم الإعادة في فرض الاخلال بالاجزاء الركنية
التي قوام الماهية بها ولم تتحفظ صورته النوعية الا بها حاكم على ذلك، فلا يمكن
التمسك بعقد الاستثناء لهذه الرواية لاثبات الاجزاء في صورة الاخلال بالاجزاء
الركنية ولكن لم يمكن المساعدة له، وقد مر الوجه فيه ويأتي إن شاء الله أيضا.
الثالث: عقد المستثنى منه للرواية السابقة وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:
التقية في كل شئ يضطر اليه ابن ادم فقد أحله الله (1). بتقريب ان ظهور في في
الظرفية أي التقية منطبقة على كل شئ، ولا معنى لذلك الا إذا كان الشئ ذا حكم عند
المخالف، فيكون مفاد الرواية ان كل شئ د حكم عندهم فهو ظرف للتقية، أي كل ما كان
مصداقا للشئ بما له من الحكم ينطبق عليه عنوان التقية، فلو اضطر إلى شرب النبيذ
لوجود المخالف ينطبق عليه عنوان التقية فيحل، ولو اضطر إلى اتيان الصلاة متكتفا
تنطبق عليه التقية فتجب وتصح، فظهور الرواية في تطبيق عنوان التقية على العمل المتقى
به - لمكان في - دال على ثبوت حكم ذلك العمل حال التقية، فلو كان العمل

(1) الوسائل: ج 11 باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 2.
181

ذا حكم تكليفي ووقع الاضطرار إلى تركه يرتفع بالتقية، ولو كان ذا حكم وضعي
كالماهيات المركبة يثبت بالتقية كما ذكرناه من المثال. وقد ظهر بذلك ان هذا الكلام
جار بالنسبة إلى الاجزاء الركنية أيضا للظهور الاطلاقي للرواية في التطبيق، غاية الأمر
ان تطبيق عنوان التقية على العمل المتقى به في غير مورد الركنيات ملازم
للتنزل بخلاف موارد تلك الأجزاء فإنه ملازم للتنزيل، وغير خفي ان هذا لا يلازم الجمع
بين اللحاظين التنزيل والتنزل، لان كل ذلك من اللوازم القهرية للتطبيق ولا يحتاج إلى
أي لحاظ. والحاصل: ان ظهور الرواية في التطبيق يدل على الاجزاء في الركنيات وغيرها
وإن كان التطبيق قد يلازم التنزيل وقد يلازم التنزل قهرا لا لحاظا، والجواب عن ذلك:
انه لو كنا نحن والتقية في كل شئ صرفا لأمكننا الالتزام بذلك، الا ان ذيل هذه
الرواية وهو فقد أحله الله يدل على أن وزان ذل وزان سائر الأدلة الحاكمة أي يكون
بلسان الترخيص في اتيان العمل العذري فقط، وبعبارة أخرى انه يحتمل أن تكون جملة
فقط أحله الله خبرا للتقية فيكون الظرف وهو في كل شئ لغو، ويحتمل ان يكون
الظرف هو الخبر فيكون مستقرا، وعلى كلا الاحتمالين تدل الراوية على الترخيص في
تطبيق المأمور به على العمل المتقى به فقط. (اما) على الأول فواضح لعدم الدلالة على
تطبيق عنوان التقية على العمل كي يقال إن التطبيق فرع التشريع، بل غاية الدلالة على أن
التقية محللة. (واما) على الثاني فالرواية وان كانت دالة على التطبيق الا انها
لا تدل عليه بلحاظ ما للعمل من الحكم عند المخالف، بل تدل عليه بلحاظ ما يظهر من
الذيل وهو الترخيص والتحليل، فان جملة فقد أحله الله مفسرة لظرف، فافهم جيدا.
فالمتحصل من الرواية على كلا الاحتمالين ان التقية محللة ومرخصة لكل شئ، وهذا هو
182

ما ذكرناه من أن وزارن هذه الرواية وزان سائر الأدلة الحاكمة، فلا تشمل الركنيات
على مبنى بعض أساتيذنا من خروجها عن هذه الأدلة بالحكومة، هذا فيما كان مشتملا على
هذا الذيل فقد أحله الله من الروايات، واما ما لم يكن كذلك فيفسر بما يشتمل عليه
بالحكومة التفسيرية. وقد ظهر بما ذكرنا على هذا المبنى الجواب عن تقريب اخر
للاستدلال وهو الأخذ باطلاق دليل الحاكم وهو العقد المستثنى منه التقية في كل شئ
ولو مع قطع النظر عن التطبيق، فإنه دال على جريان التقية في كل شئ ولو في الاجزاء
الركنية، فإنه حيث إن لسان دليل الحاكم لسان التقييد لا التنزيل والمفروض على هذا
المبنى ان هذا اللسان محموم بمثل ذيل حديث لا تعاد فإنه في الرتبة المتأخرة عن ذلك
ولذا لا يمكن الاخذ بالاطلاق لا ثابت الجزاء في الاجزاء الركنية. ولكن قد مر عدم
امكان المساعدة على هذا المبنى، فان الرواية وان دلت على أن التطبيق بلحاظ ما يظهر
من الذيل وهو التحليل الا ان ظهورها في أن التطبيق بهذا اللحاظ في كل شئ غير قابل
للانكار فتشمله جميع الأجزاء والشرائط حتى الركنيات. واما التقريب الثاني الذي ذكره
في الجواب عن الوجه الثاني أيضا فمخدوش (أولا) ذيل حديث لا تعاد لا يدل على
الاستثناء في الاجزاء الركنية بهذا العنوان حتى تسري إلى جميع الموارد والأبواب مثل
الحج مثلا. (وثانيا) لا نسلم وجود اطلاق في عقد الاستثناء من دون ملاحظة تمام
الجملة، وبهذا اللحاظ لا يحصل من الاستثناء أزيد من ثبوت الجزئية والشرطية في
الموارد المذكورة على نحو يستفاد من الأدلة الأولية. وبعبارة أخرى: عقد الاستثناء
183

في حديث لا تعاد حافظ لاطلاق الأدلة الأولية لا ان له بنفسه اطلاق، ونتيجة ذلك
شمول المستثنى وهو لا تعاد بالنسبة إلى غير ما ورد في الاستثناء واما في موارد
الاستثناء فالدليل الأول باق على اطلاقه، وعلى هذا التقريب يظهر حكومة دليل التقية
على ذلك حتى في الركنيات، فتدبر جيدا. الرابع: موثقة سماعة (1) قال: سألته عن رجل
كان يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان اماما عدلا
فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الامام في صلاته كما هو، وان لم يكن
امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتم صلاته معه على
ما استطاع فان التقية واسعة وليس شئ من التقية الا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله
. وتقريب الاستدلال على الاجزاء مطلقا حتى في الركنيات بهذه الرواية الشريفة من
وجوه ثلاثة: (الأول) مفهوم كلمة ما استطاع فإنها ليست ناظرة إلى بيان وجوب اتمام
الصلاة مهما أمكن أي العقد الايجابي للقضية، فان المتكفل لبيان هذه الجهة نفس
الأدلة الأولية، فبيان هذه الجهة في الرواية غير محتاج اليه بل لغو محض، فإنها في
مقام بيان سعة التقية وحكمها لا التحفظ على الاطلاقات وتأكيدها، فهذه الكلمة ناظرة
إلى العقد السلبي للقضية وهو الترخيص في ترك ما لم يستطع من اتمامه بسبب التقية
بلسان تطبيق الوظيفة على الناقص وهذا معنى الاجزاء، وباطلاقه يشمل الركنيات أيضا.
(الثاني) التعليل الوارد في الرواية للحكم المذكور، وهو فان التقية واسعة فإنه لا
شبهة في أنه ليس ناظرا إلى العقد الايجابي للقضية بل سعة

(1) الوسائل: ج 5 باب 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
184

التقية لا تناسب الا الترخيص في ترك المعسور، وحيث إن الرواية في بيان تطبيق
الوظيفة على الميسور نستكشف الاجزاء، وبالاطلاق نلتزم به في الركنيات أيضا.
(الثالث) ذيل الرواية الدالة على ترتب الاجر على التقية، وحيث إن مورد التقية في
الرواية هو تطبيق الوظيفة على العمل المقتى به فلابد من ترتب الاجر على ذلك، وهذا
لا يستقيم الا مع صحة العمل واجزائه عن الواقع، فإنه لا معنى لترتب الاجر على العمل
الباطل. وبعبارة أخرى: ان ذيل الرواية دليل اني على صحة التطبيق، وبعد الانطباق
لابد من الالتزام بالاجزاء فإنه عقلي، وبالاطلاق نلتزم بذلك في الركنيات أيضا. وذكر
السيد الأستاذ ان شيئا من هذه الوجوه لا يتم. أولا: لو سلم جميع ذلك فان ذيل حديث
لا تعاد حاكم على ذلك فلا يمكن الالتزام بالاجزاء في الركنيات، اللهم الا ان يقال إن
ترتب الاجر على التطبيق يكشف انا عن صحة التطبيق فيدل على تنزيل المأتي منزلة
الواقع، ومع التنزيل يكون الأمر بالعكس أي حديث المنزلة حاكم على حديث لا تعاد لا
العكس. وقد مر بيان ذلك وقلنا: ان الأدلة الأولية باطلاقها شاملة لوجوب الاتيان
بالميسور في مورد الاضطرار إلى ترك بعض الأجزاء والأدلة الحاكمة كلها يرفع الحكم عن
مورد الاضطرار، فقاعدة الميسور موافقة للقاعدة، فأدلة الميسور على فرض تماميتها
حافظة للاطلاق ومؤكدة له، فلو دل دليل على عدم الاجزاء في مورد ما يكون هذا الدليل
في الرتبة الثالثة وحاكما على الحاكم، ولكن هذا في ما إذا كان دليل الحاكم الأول
بلسان التقييد ورفع الحكم عن مورد الاضطرار لا بلسان تنزيل المطبق عليه منزلة
الواقع وكفايته عنه، والا فهذا مترتب على مثل ذيل لا تعاد ولذلك ترى صحة الصلاة في
185

مورد ازدياد الركن في باب صلاة الجامعة، وفي ما نحن فيه أيضا الأمر كذلك فان لسان
الراوية هو التطبيق والتنزيل كما عرفت. ثانيا: لا نسلم أن تكون الرواية بلسان
التطبيق والتنزيل بل المسلم عدمه، فان التنويع في الرواية بين كون الامام عدلا وبين
كونه غير عدل، ونقل النية إلى النفل في الأول دون الثاني يدلا على أن الاقتداء في
الثاني صوري وهو مأمور باتمام صلاة نفسه معه على نحو يشبه عليهم. ويدل على ذلك أيضا
إضافة الصلاة بالضمير الراجع إلى المصلي في ثم ليتم صلاته معه والجلوس بقدر
الشهادتين، فان ذلك يدل على لزوم الاتيان بالعمل ولو استعجالا على نحو مشبه، فعلى
ذلك الرواية ناظرة إلى بيان كيفية الفرار والارشاد إلى ترتيب المندوحة حال التقية،
لا في مقام تطبيق الوظيفة على العمل الناقص بل انما هو ناظر إلى لزوم التمام بجميع
الأجزاء، غاية الأمر على نحو مشبه عليهم، فعلى ذلك جملة ما استطاع ناظرة إلى لزوم
حفظ الواقع مهما تيسر وسقوط ما لم يستطع عن التنجز الا ان السقوط بالتقية كالسقوط
بسائر الأعذار تعبدي تنجيزي للواقع فيكون في رتبة سائر الحواكم على ما أسلفنا ويكون
أدلة الركنيات حاكمة عليه قهرا، فلو لم تكن تلك الجملة ناظرة إلى العقد الايجابي لم
يكن التعبير قياسيا كما أن التعليل وإن كان ناظرا إلى السقوط الا ان المراد منه ان
باب التقية أوسع، أليس مما يفر منه!! وهل هو الا كسائر الأعذار!!. واما ما ذكر في
الوجه الثالث من أن ترتب الاجر يدل على صحة التطبيق والتنزيل منزلة الواقع فغير
صحيح، فان ترتب الأجر مستزلم لكون التقية مشروعة لا لكونها مشرعة، فلا تدل الراوية
على التطبيق وتنزيل الناقص منزلة التام حتى لا يمكن تقييدها بمثل ذيل لا تعاد بل
186

الامر بالعكس، فإنها في مقام بيان الاهتمام بالعمل واتمامه على ما هو عليه غاية
الأمر على ما استطاع، ومن البديهي ان القدرة شرط للتنجز، والعجز مسقط له. والحاصل:
انه لم يثبت بهذا الدليل ان وزان التقية غير وزان سائر الحكومات بحيث لم يمكن
تقييدها بغير الركنيات. أقول: قد مر انه ليس لدليل الركنيات ترتب على دليل الحاكم
بحيث يكون حاكما على الحاكم، فان ذيل لا تعاد استثناء عن السابق والاستثناء محدد
لحكم المستثنى منه لا انه مثبت لحكم اخر في مورده، بل حكم مورد الاستثناء يستفاد من
نفس الدليل الأولي، فالاستثناء في ذيل لا تعاد وسائر الركنيات - لو كان لها
أيضا دليل حافظ لاطلاق الدليل الأول فيرد عليه دليل الحاكم لا انه يرد على دليل الحاكم،
فتدبر جيدا. الخامس: الروايات الدالة على محبوبية التقية أو العبادة سرا أو ان
التقية من الدين التي يستكشف فيها تطبيق العبادة أو الدين على العمل المتقى به،
ولازم ذلك التنويع في العبادة عبادة خبأية أو سرية وهي الواقعة في مورد التقية،
وعبادة غير خبأية وهي الواقعة في غير هذا المورد، ولازم ذلك التنزيل ولو بنحو تنزيل
المبائن منزلة المبائن أي تنزيل العبادة الخبأية الواقعة تقية منزلة الاوقع وهو
العمل التام جزء أو شرطا فلا تكون أدلة الركنيات حاكمة على ذلك حتى على تلك المبنى،
فهذه الروايات دالة على اجزاء العمل المتقى به عن الواقع ولو كان فاقدا للأركان أو
مشتملا على زيادة الركن، الا انه لابد من ملاحظة هذه الروايات ودلالتها حتى يظهر
الحال ونذكر المهم منها: (الأول) رواية معلى بن خنيس قال: قال لي أبو عبد الله عليه
السلام: يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه فإنه من كتم امر منا ولا يذيعه أعزه الله في
الدنيا وجعله نورا بين عينيه يقوده إلى الجنة، يا معلى ان التقية ديني ودين آبائي
187

ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في
العلانية والمذيع لأمرنا كالجاحد له (1) ويقع الكلام في هذه الرواية تارة من جهة
السند وأخرى من جهة الدلالة. اما من جهة السند فقد يقال: ان معلى بن خنيس لم يوثق
بل هو مذيعا لأمرهم عليهم السلام كما يظهر من هذه الرواية ومن غيرها فلا يمكن
الاعتماد على رواياته، الا ان التتبع في أحوال الرجل يشهد بأنه كان اماميا فضائليا
محبا لهم عليهم السلام. نعم، كان ينشر فضائلهم ويبينها حتى في مورد التقية ولذا امره
الإمام عليه السلام بالاخفاء والعبادة سرا لا أمرا مولويا بل ارشاديا إلى أنه يقتل
كما في بعض الروايات، بل يعلم من استرحام الامام - بعد قتل معلى - له ان هذا
التظاهر والإذاعة ليس امرا محرما وان صار سببا لقتله أيضا كما في مورد قتل ميثم.
فالانصاف ان ما ذكر قدحا للرجل فهو مدح له، على أن المعتبر في باب حجبة الرواية
الوثاقة في القول لا في العقيدة وملاحظة أحوال المعلى ان لم تشهد بوثاقيته في
العقيدة والقول تشهد بوثاقته في القول، فالرواية من جهة السند لا بأس بها. نعم، لا
دلالة للرواية على الاجزاء فان التقية ديني ودين آبائي لا تدل الا على مشروعية
التقية، فان ذكر العنوان في الموضوع دال على دخله في الموضوعية، فالتقية بنفسها لا
من جهة انطباقها على الحركة الفاعلية دين، وأين هذا من التقييد فضلا عن التنزيل.
واما يعبد في السر فأيضا لا تدل الا على المشروعية، فان المستفاد من ذلك ان السر
ظرف للعبادة لا قيد لها بحيث تنوع العبادة إلى نوعين سري وغير سري. وحاصل ذلك: ان
الله تعالى يحب ان يعبد في حالة الخفاء، وبما ان العبادة اخذت سابقة على وقوعه في
ذلك الظرف فتدل الرواية على محبوبية العبادة

(1) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 23.
188

التامة في السر فهي على خلاف المقصود أدل. (الثاني) صحيحة هشام بن سالم على الصحيح،
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما عبد الله بشئ أحب اليه من الخباء.
قلت: وما الخباء؟ قال: التقية (1). وقد ظهر الاستدلال بهذه الرواية تقريبا وجوابا من
وراية المعلى، فان الرواية لا تدل على أزيد من مشروعية التقية. أولا: ان أخذ
العنوان في الموضوع ظاهر في دخله فيه فلا تدل الرواية على حيثية تطبيق العنوان.
وثانيا: ان الخباء ظرف للعبادة على ما يظهر من الرواية السابقة لا قيد لها فلا تدل
الراوية على التنويع. (الثالث) رواية الكندي: إياكم ان تعملوا عملا نعير به، فان
ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم اليه زينا ولا تكونوا علينا شينا،
صلوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شئ من الخير فأنتم
أولى به منهم والله ما عبد الله بشئ أحب اليه من الخباء. قلت: وما الخباء؟ قال
التقية (2). وتقريب الاستدلال والجواب كالرواية السابقة، مضافا إلى أن الأوامر في
هذه الرواية كلها أخلاقية بقرينة صدرها، فلا يمكن التمسك بهذه الراوية للالتزام
بالتنويع أيضا. (الرابع) الروايات الكثيرة الواردة لبيان انه: لا دين لمن لا تقية
له (3) ولا ايمان لمن لا تقية له. بتقريب ان هذه الروايات ظاهرة في أن التقية مشرعة
ومنوعة للدين إلى نوعين، وهذا هو التنزيل. ولكن لا يخفى ما في ذلك فان كون

(1) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 14.
(2) الوسائل: ج 11 باب 26 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 2 والرواية هكذا: عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام... الخ.
(3) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 2 و 3.
189

التقية من الدين لا يستلزم كونها مشرعة بل هي لازمة لمشروعيتها، فالحق انه لا دلالة
لهذه الروايات أيضا على التنزيل. السادس: الروايات الخاصة الواردة في الأبواب
المختلفة ومنها في باب صلاة الجماعة. (فمنها) صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى
الله عليه وآله في الصف الأول (1). بتقريب ان مقايسة القيدين هو الاقتداء في الصف
الأول مستلزم لمقايسة المقيدين، فالرواية تدل التزاما على أن الصلاة معهم كان
كالصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيح جزما فكذلك الصلاة مع المخالف، وهذا
يدل باطلاقه على الاجزاء في الركنيات وغيره، فالاقتداء لهم في صلاة الجمعة مجز عن
الظهر ولو فات منه أركان. (ومنها) راوية حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام:
يحسب لك إذا دخلت معهم وان كنت لا تقتدي بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي
به (2). فان المراد من لا تقتدي نفي صحة الاقتداء بقرينة الدخول معهم وجملة من
تقتدي به فان المراد منه صحة الاقتداء جزما، فالرواية تدل على أن الاقتداء لهم
صحيح مجز عن الواقع ويحسب للانسان، وبالاطلاق يدل على الاجزاء في الركنيات أيضا.
(ومنها) صحيحة ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام إلى أن قال -: ثم قال:
عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم وصلوا معهم في مساجدهم (3). وهذا
امر بتطبيق الصلاة على الاوقع معهم في

(1) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 8.
(2) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 8.
(3) الوسائل: ج 5 باب 5 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 8.
190

مساجدهم فتدل على الاجزاء ولو في الاجزاء الركنية. ولكن هذه الروايات لا تدل على
الاجزاء بالنسبة إلى العمل الاوقع تقية ابدا فان مقايسة الصلاة مع المخالف والصلاة
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله أو ترتب الثواب على الدخول في الصلاة معهم أو
الامر بالصلاة معهم في مساجدهم أو في عشائرهم - كما في بعض الروايات - غير ظاهرة في
ذلك، بل من المحتمل بل المطمأن به - على ما يظهر إن شاء الله - أن تكون هذه
الروايات ناظرة إلى مرغوبية العبادة الواقعة مع المخالف في نفسها بحيث يكون العنوان
واسطة في العروض والحيثية تقييدية، لا مرغوبيتها بعنوان تطبيق الوظيفة عليها بحيث
يكون عنوان التقية واسطة في الثبوت، والحيثية حيثية تعليلية. ولا تدل هذه الراويات
على أزيد من مطلوبية العبادة معهم. وان شئت فلاحظ الروايات الآتية الواردة في باب
استحباب ايقاع الفريضة قبل المخالف أو بعده وحضورها معه، فإنه بعد البناء على عدم
تصور الامتثال عقيب الامتثال أو البناء على امكان الإعادة في مورد الإجادة فقط كما
بنى عليه المحقق الهمداني - قدس سره -. ودلالة هذه الروايات على أن لا يكتفي بالصلاة
مع المخالف وان يؤتي بالفريضة قبل المخالف أو بعده نستكشف ان مطلوبية الصلاة معهم
ليست من باب تطبيق الوظيفة على الواقع معهم بل ن باب مرغوبية نفس الشركة معهم في
العبادة واراءتهم ان يعبد معهم، والا فما معنى الامر بالجمع بين العبادتين والامر
بالرغبة في ذلك؟ فلو كان الفرد الكامل هو الواقع لا عن تقية فتطبيق الوظيفة على
الواقع عن تقية لغو، ولو كان الفرد الكامل هو الواقع عن تقية فتطبيق الوظيفة على
الواقع لا عن تقية لغو، فلا يستقيم الامر بالجمع الا بان يقال: ان الوظيفة هو العمل
191

التام الواقع لا عن تقية، والدخول معهم انما هو مرغوب في نفسه مطلوب بحياله. واليك
بعض هذه الروايات: 1 - صحيحة عمر بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ما
منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضئ الا كتب الله
له بها خمسا وعشرين درجة، فارغبوا في ذلك (1). وبمضمونها صحيحتان لعبد الله بن
سنان (2) ورواية نشيط بن صالح (3). ورواية الأرجاني (4) وفي الأخيرتين الارشاد بان من
دخل معهم في صلاتهم يخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم، وان من صلى في مساجدهم خرج
بحسناتهم. فالظاهر من هذه الطائفة ان المقصود من الصلاة معهم هو الأجر وتخليف
الذنوب عليهم والخروج بحسناتهم ولا سيما بعد ما ذكرنا من عدم امكان الامتثال بعد
الامتثال ولو في الجملة، لا تطبيق الوظيفة على المأتي معهم. ولا يتوهم ان الأمر
بالتوضؤ يدل على أن الصلاة معهم فرد من الصلاة المأمور به والا لم يحتج إلى الوضوء،
فإنه يمكن ان يكون الوجه في ذلك عدم الدخول في العبادة بدون الوضوء، فانا لا ننكر
العبادية بل ندعي عدم فرديتها للمأمور به، فتأمل. 2 - وراية عمر بن ربيع عن جعفر بن
محمد (في حديث) انه سأل عنه الامام ان لم أكن أثق به أصلي خلفه وأقرأ؟ قال: لا، صل
قبله أو بعده. قيل له: أفأصلي خلفه واجعلها تطوعا؟ قال: لو قبل التطوع لقلبت
الفريضة ولكن اجعلها سبحة (5). فالأمر بجعلها سبحة أدل دليل على ما ذكرنا. 3 - رواية
ناصح المؤذن، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اني أصلي في البيت وأخرج إليهم.
قال: اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة فان مفتاح الصلاة
التكبير (6). وهذه الرواية تدلنا على أن المطلوب هو الاشتراك معهم في صورة العبادة
لا بواقعها.

(1) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1 و 2 و 3 و 6 و 9.
(2) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1 و 2 و 3 و 6 و 9.
(3) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1 و 2 و 3 و 6 و 9.
(4) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1 و 2 و 3 و 6 و 9.
(5) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث 5 و 7.
(6) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث 5 و 7.
192

4 - رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: اني ادخل المسجد
وقد صليت فاصلي معهم فلا (ولا) احتسب بتلك الصلاة. قال: لا بأس، فأما أنا فاصلي
معهم واريهم اني اسجد وما اسجد (1). وهذه أيضا كسابقتها في الدلالة على محبوبية
العبادة معهم ولو بنحو الاشتراك في الصورة. فتحصل من جميع ذلك: ان غاية ما يستفاد
من هذه الروايات هي مطلوبية الدخول في مساجدهم وفي صلواتهم واراءتهم الموافقة معهم،
وأين هذا من الترخيص في تطبيق الواجب على المأتي به معهم حتى يستكشف منه الاجزاء.
نعم، للخصم ان يقول: ان في مفروض الروايات المندوحة موجودة فلا يقاس بذلك مورد عدم
وجود المندوحة. الا ان المقصود من بيان هذه الروايات اثبات ان ما دل على مطلوبية
الصلاة معهم أو الصلاة في عشائرهم لا تدل على أزيد من مفاد هذه الروايات، وان
الشركة معهم في عباداتهم مطلوبة مرغوبة، فإنه على مدعي الاجزاء الاثبات، ولا نريد
بذلك بيان المعارض للروايات السابقة بعد تسليم دلالتها، بل المراد بيان عدم دلالة
الروايات السابقة على الاجزاء. نعم، هنا عدة روايات تدل على الاجزاء عند سقوط بعض
الاجزاء أو الشرائط نعم ليس فيها رواية ناظرة إلى الركنيات والاجزاء فيها. ولكن قد
مر ان حكومة دليل العذر على دليل الحكم الأولي يقتضي الاجزاء مطلقا، فعدم الاجزاء
في مورد كالركنيات يحتاج إلى دليل، ولا دليل في شئ من مواردها. نعم، حديث لا تعاد
بمقتضى ذيلها لا يدل على الاجزاء الا بالنسبة إلى غير موارد الاستثناء، ففي موارد
الاستثناء لا دليل على

(1) الوسائل: ج 5 باب 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث 8.
193

الاجزاء، واطلاق دليل الحكم يقتضي عدم الاجزاء لا ان الاستثناء دال على عدم الاجزاء
حتى تصل النوبة إلى التماس حاكم على الذيل، مع أنه يمكننا استظهار الاطلاق من هذه
الروايات أيضا، فتأمل فيها جيدا. وعلى هذا حكومة مطلقات التقية الآتية على الأدلة
الأولية بلا محذور فإنها في عرض أدلة الاعذار بلا واسطة دليل خاص للركنيات، ولا بأس
بالإشارة إلى بعض ذلك: (فمنها) صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة؟ قال: اقرأ
لنفسك، وان لم تسمع نفسك فلا بأس (1). هذه الرواية تدل على سقوط صفة القراءة وهو
الجهر في مورد التقية. (ومنها) صحيحة أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: من
لا أقتدي الصلاة، قال: افرغ قبل ان يفرغ فإنك في حصار، فان فرغ قبلك فاقطع القراءة
واركع معه (2). هذه الرواية تدل على سقوط بعض القراءة في مورد التقية. (ومنها) مصحح
بكير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الناصب يؤمنا، ما تقول في الصلاة معه؟
فقال: اما إذا جهر فأنصت للقراءة واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك (3). وهذه الرواية
تدل على سقوط القراءة في مورد التقية رأسا. (ومنها) رواية زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام، قال: لا بأس بأن تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فان قراءته
يجزيك إذا سمعتها (4). ولكن هذه الروايات لا تدل على الاجزاء في الركنيات، الا ان
يقال

(1) الوسائل: ج 5 باب 33 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 5.
(3) الوسائل: ج 5 باب 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 5.
(4) الوسائل: ج 5 باب 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 3 و 5.
194

ظاهر هذه الروايات ولا سيما الأخيرة ان الصلاة مع المخالف جماعة حقيقة ولها احكام
الجماعة كسقوط القراءة عن المأموم، ومن الأحكام اغتفار زيادة الركن في بعض الموارد
فشملت الركنيات أيضا، فتأمل. والذي يسهل الخطب عدم الحاجة إلى دليل لاثبات الاجزاء
في الركنيات مستقلا، والدليل على الاجزاء فيها هو الدليل على الاجزاء في غيرها، وقد
مر الدليل وتقريبه. نعم، يستكشف بملاحظة الروايات الواردة في هذا الباب اهتمام
الشارع باتيان العمل تمام الاجزاء والشرائط ولزوم التحفظ على ذلك مهما أمكن حتى في
المستحبات فكيف بالأجزاء الركنية، واليك بعض ما دل على ذلك من الروايات: (منها)
مصحح إبراهيم بن شيبة، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة
خلف من يتولى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخفين أو خلف من يحرم
المسح وهو يمسح، فكتب عليه السلام ان جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة فأذن
لنفسك وأقم، فان سبقك إلى القراءة فسبح (1). وهذه الرواية تدل على الاهتمام باتيان
العمل التام حتى مع الأذان والإقامة في مورد حدوث الاضطرار بالطبع، فكيف بالركنيات
وبمورد حدوث ذلك بالاختيار. (ومنها) صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إذا صليت خلف امام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع (2).
وهذه الرواية تدل على لزوم التحفظ على القراءة كيف كان. ويدل على ذلك الروايات الأخر
يظهر بالمراجعة، وما ذكرنا يكفي لما نحن بصدده. قال السيد الأستاذ: لو سقط
الدليلان من الجانبين يرجع الأمر إلى مقتضى

(1) الوسائل: ج 5 باب 33 من أبواب الجامعة حديث 2 و 9.
(2) الوسائل: ج 5 باب 33 من أبواب الجامعة حديث 2 و 9.
195

القاعدة وهو الاجزاء بالنسبة إلى غير الركنيات تحفظا على اطلاق دليل الأول بالنسبة
إلى سائر الأجزاء أي الباقي بعد ارتفاع بعضها بالعذر وعدم الاجزاء بالنسبة إلى
الركنيات لحكومة دليلها على دليل الحاكم على الاطلاق. أقول: قد مر ان مقتضى القاعدة
الاجزاء مطلقا على ما مر من التقريب مع أن الجمع بين الأدلة يقتضي حمل الطائفة
الأخيرة على الاستحباب وشدة الاهتمام ولا تصل النوبة إلى التساقط، واستحباب اتيان
العمل التام لا يستدعي أزيد من الاستحباب في الركنيات وغيرها. السابع: الروايات
الواردة في باب الصوم من أن الفطر يوم يفطر الناس وفيها ان الأضحى يوم يضحي الناس.
بتقريب أنه لا اشكال في أن الوقوف منسك في الحج متقوم بزمان خاص كما في بعض النصوص،
وبمكان خاص كما يظهر من بعضها الاخر، بحيث لو أخل بذلك ولم يحصل في ذلك الزمان أو
في ذلك المكان لم يحصل الوقوف، فان وقوع الوقوف في الزمان المعين. وهكذا وقوعه في
المكان المعين مقوم للوقوف وركن له، وهذه تدل على كفاية الوقوف في غير زمانه الخاص
في مورد التقية، فان كون الأضحى يوم يضحي الناس يستلزم عدم اعتبار كون الوقوف في
زمانه الواقعي بالدلالة الالتزامية، وبالغاء الخصوصية نستكشف منها الاجزاء في
الركنيات مطلقا، هذا بالنسبة إلى الأضحى. واما بالنسبة إلى الفطر فقد وردت عدة
روايات دالة على ما ذكر، وظاهرها جواز الافطار في ذلك اليوم وكونه فطرا بالتنزيل
وهذا معنى الاجزاء، ولكن لابد من ملاحظة الروايات والتأمل في مفادها حتى يظهر
الأمر. تعرض السيد الأستاذ للروايات وناقش في جميعها ونحن نذكرها مع تلك المناقشات
196

ونجيب عنها بعد بيان تمامها: (منها) موثقة عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد
الله عليه السلام في اليوم الذي يشك فيه. فقال: يا غلام اذهب فانظر أصام السلطان أم
لا. فذهب ثم عاد. فقال: لا، فدعا بالغداء وتغدينا معه (1). وتقريب الاستدلال ما مر
من أن جواز الافطار في يوم أفطر السلطان ظاهر في أن ذلك اليوم فطر ولو بالتنزيل،
ولكن لا يخفى ما فيه: أولا: الرواية في نفسها ساكتة عن الاجزاء وعدمه بمعنى لزوم
القضاء وعدمه. وثانيا: قد اخذ الشك في الموضوع، فكما يحتمل ان يكون الافطار في يوم
افطر السلطان من جهة التنزيل يحتمل أيضا كون افطار السلطان امارة على ثبوت الهلال
والفطر في طرف الشك لو لم نقل بأن التحفظ على ظهور اخذ الشك في الموضوع في
الاختصاص، ولم نقل أيضا بان طبع هذا الأمر الطريقية، ولا ظهور للرواية في ثبوت
التنزيل فتكون مجملة، مضافا إلى أن معتبرة أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر محمد بن
علي عليهما السلام قال: صم حين يصوم الناس وافطر حين يفطر الناس، فان الله جعل
الأهلة مواقيت (2). دالة على الطريقية لعدم ملاءمة التعليل الوارد فيها الا مع ذلك،
فإذا الرواية غير دالة على الاجزاء ولا سيما مع العلم بالمخالفة. (ومنها) مرسلة داود
بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال - وهو بالحيرة في زمان أبي العباس
: اني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان، فسلمت عليه فقال:
يا أبا عبد الله أصمت اليوم؟ فقلت: لا - والمائدة بين يديه - قال: فادن فكل. قال:
فدنوت فأكلت. قال: وقلت: الصوم معك والفطر معك. فقال الرجل لأبي عبد الله عليه
السلام: تفطر يوما من

(1) الوسائل: ج 7 باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث 1.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1 باب 9 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 1.
197

شهر رمضان؟ فقال: أي والله افطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن يضرب عنقي (1).
وتقريب الاستدلال ظاهر فان قوله عليه السلام: الفطر معك ظاهر في التنزيل، فلابد
من القول بالاجزاء. والجواب: أولا: الرواية مرسلة. وثانيا: أنها ساكتة عن حكم
القضاء والاجزاء، واما قوله عليه السلام الفطر معك فهو وارد مورد التقية، ولا يمكن
اجراء الأصل في الجهة هنا ولو مع الشك في ذلك، فان الكلام وارد في ذلك المورد،
والعرف والعقلاء لا يرون ورود مثل هذه العبارة في هذا المورد بداعي الجد، ولا سيما
بملاحظة ذيل الرواية الدالة على أن الافطار في يوم أحب اليه عليه السلام من أن يضرب
عنقه، فمع ورود الرواية في مثل هذا الحال كيف يمكن استنباط التنزيل مع عدم ذكر
الاجزاء وعدمه فيها؟. (ومنها) مرسلة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: دخلت
على أبي العباس بالحيرة. فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في صيام اليوم؟ فقال: ذاك
إلى الامام، ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام علي بالمائدة. فأكلت معه
وأنا أعلم والله انه يوم من شهر رمضان. فكان افطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن
يضرب عنقي ولا يعبد الله (2). وتقريب الاستدلال ظهور ان أفطرت أفطرنا في التنزيل
والاجزاء. والجواب: - بعد الارسال وورود هذه الجملة مورد التقي ولو لم نقل بورود
الكبرى وهي ذاك إلى الامام في ذلك المورد، ولذا قد يتمسك لاثبات نفوذ حكم الحاكم في
ثبوت الفطر بهذه الرواية - ان الرواية دالة على خلاف

(1) الوسائل: ج 7 باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث 4 و 5.
(2) الوسائل: ج 7 باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث 4 و 5.
198

المطلوب، فإنها تدل على ثبوت القضاء وإن كان محمولا على الاستحباب جمعا الا ان
الكلام في نفس الرواية. (ومنها) موثقة خلاد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
دخلت على أبي العباس في يوم شك وأنا أعلم أنه من شهر رمضان وهو يتغذى. فقال: يا أبا عبد
الله ليس هذا من أيامك. قلت: لم يا أمير المؤمنين؟ ما صومي الا بصومك ولا
افطاري الا بافطارك. فقال: ادن، قال: فدنوت فأكلت وانا والله أعلم انه من شهر
رمضان (1). وتقريب الاستدلال والجواب قد ظهر مما تقدم فان افطاري بافطارك وارد مورد
التقية، مع أنها ساكتة عن حكم القضاء وغاية ما يستفاد من الرواية جواز الافطار عند
افطار الرجل، وهذا لا يلازم التنزيل. (ومنها) معتبرة أبي الجارود، قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام انا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على
أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحي فقال: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى
يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس (2). وتقريب الاستدلال وجوابه ظهر مما مر
لسكوت الرواية عن القضاء، والالتزام بالتنزيل لا موجب له وبلا ملزم. وقد اخذ في
موضوعها الشك فلا تدل الرواية على الاجزاء حتى مع العلم بالمخالفة لاحتمال الطريقية
بل الجزم بها من جهة نفس هذه المعتبرة أو رواية أبي الجارود السابقة، فهذه الروايات
أيضا لا تدل على الاجزاء في الركنيات. أقول: هذه الكيفية التي عامل الأستاذ مع هذه
الروايات كيفية دفاعية عن مطلب مفروض لا كيفية التدقيق في الراويات وتحقيق مفادها
فكأنه بين

(1) الوسائل: ج 7 باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث 6 و 7.
(2) الوسائل: ج 7 باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث 6 و 7.
199

الروايات بداعي النقاش فيها لا بداعي فهم أمر ما منها، مع أن شيئا من المناقشات
التي ذكرها ليس بشئ، فان ضعف السند أو الارسال في بعضها منجبرة، مع كفاية ما هو
صحيح السند، والسكوت عن القضاء بعد التنزيل في بعضها يدل على عدم لزومها مثل
الرواية الأخيرة، فان قوله عليه السلام الفطر يوم يفطر الناس صريح في التنزيل
ولازمه سقوط القضاء، والجمع بينها وما دل على ثبوت القضاء كمرسلة رفاعة يقتضي الحكم
باستحباب القضاء، وما ذكر من اخذ الشك في موضوع الرواية الأخيرة وموثقة عيسى يوجب
عدم دلالة الرواية على الاجزاء لاحتمال الطريقية اغرب من سابقه، فان الشك في مورد
الرواية لا في موضوع حكمها، مع أنه لا يحتمل جواز الافطار أو التضحية عند الشك إذا
لم تكن عن تقية، فالموجب للافطار والتضحية هو التقية لا جعل طريق في مورد الشك ولو
كان شئ مجعولا في مورد التقية بهذا اللسان لا يمكن الا تنزيل العمل المتقى به منزلة
الواقع وكفاية عنه. وأعجب من جميع هذه المناقشات ما ذكره في مرسلة داود ومرسلة
رفاعة والرواية الأخيرة من ورودها مورد التقية فلا يمكن التمسك بها، فان ما نحن
بصدده اثبات حكم مورد التقية فلو لم نتمكن من اخذ الحكم من الروايات الواردة في
مورد كان الامام في تقية فمن أين يمكننا أخذه؟. والحاصل: ان كون الامام في مورد
التقية بعينه موضوع مسألتنا وعمله في مورد التقية حجة لنا ولا موجب لحمل كلامه عليه
السلام على التقية، فان التقية في تطبيق الكلام لا أصل الحكم المستفاد منه، فتدبر
جيدا. الثامن: الروايات الواردة في بيان حسن المعاشرة معهم ولا سيما مع الامر
بالصلاة في عشائرهم، فان هذه الروايات بالدلالة الالتزامية تدل على الاجزاء. والجواب
200

(أولا) انه لا يعلم من الروايات ان الأمر بالصلاة في عشائرهم هو الأمر بتطبيق
الوظيفة عليها بل غايته ان يستفاد منها محبوبية نفس الدخول في عشائرهم والصلاة معهم
وحسن معاشرتهم، وقد ظهر سابقا ان الروايات الدالة على ذلك دلت على لزوم اتيان
الصلاة قبله أو بعده، وهذا لا يلائم الاجزاء ولا سيما على القول بعدم تصور الامتثال
عقيب الامتثال، وفصلنا سابقا بما لا مزيد عليه، وانما خصصناه بالذكر (ثانيا) من جهة
حيثية الاستدلال، فان الحيثيتين هنا وفي السابق مختلفة، فلاحظ. التاسع: ان أدلة
مشروعية التقية كافية لاثبات الاجزاء في العمل المتقى به، فان المشروعية تستلزم
ذلك، الا ترى ان مشروعية التقية في مورد شرب النبيذ يستلزم ارتفاع الحرمة عنه،
فيعلم ان مشروعية التقية في كل مورد مستلزمة لما يناسبها في ذلك المورد وليس في
العبادات الا الصحة والاجزاء. وبعبارة أخرى: ان تطبيق عنوان التقية على العمل - بما
لها من المشروعية - دال على تنزيل العمل المتقى به منزلة العمل الصحيح بالدلالة
الاستلزامية، وهذا معنى الاجزاء، ولا فرق فيما ذكر بين الركنيات وغيرها. والجواب:
ان هذا النحو من الدلالة أي الدلالة الاستلزامية متوقفة على دوام الملازمة أو
غلبتها، مثلا ان عفو الدم بمقدار أقل من درهم في البدن أو اللباس في الصلاة يستلزم
عفو محل الدم بالدلالة الاستلزامية، فإنه لو لم يكن المحل معفوا عنه مع الملازمة
الغالبية بين ثبوت الدم ونجاسة محله به للزم اللغوية في مثل هذا الجعل أي عفو الدم
لعدم وجود اثر له غالبا، ولكن لا ملازمة غالبية بين مشروعية التقية واجزاء العمل
المتقى به، فليس لهذه الروايات مثل هذا النحو من الدلالة. العاشر: ان كثرة اخبار
التقية والاهتمام بها في الروايات دالة على الاجزاء، فان أصل المشروعية لا تحتاج
201

إلى هذا الاهتمام وهذه الأخبار الكثيرة، فبملاحظة هذه الكثرة وشدة التأكيد نستفيد
الاجزاء وهذا مثل أخبار من بلغ، فان كثرة هذه الأخبار أيضا تدل على استحباب العمل
مع بلوغ الثواب عليه. والجواب عن ذلك أوضح، فان كثرة الأخبار وشدة الاهتمام لازم
أعم للاجزاء، بل ذكرنا سابقا ان أصل العنوان - بما هو - مرغوب فيه عند الشارع،
والقياس بأخبار من بلغ فيه ما فيه، فان تلك الأخبار أيضا لا تدل على الاستحباب،
والتفصيل في محله. قال السيد الأستاذ: فتحصل من جميع ما مر انه لا دليل على الاجزاء
في الركنيات، فانا وان نقول بان مقتضى الاطلاق الأولي الاجزاء الا ان أدلة الركنيات
حاكمة على ذلك، ولا يمكن التمسك بهذه الروايات لاثبات الاجزاء في الركنيات. أقول: قد
مر عدم وجود أي دليل في الركنيات حتى يكون حاكما على ما دل على الاجزاء، وانا وان
لا نقول بأن مقتضى الاطلاق الأولي الاجزاء الا إذا كان لدليل حكم الطبيعة اطلاق وعدم
وجود اطلاق لأدلة الاجزاء والشرائط الا انا نقول بان نفس ما دل على الاجزاء في غير
الركنيات بعينها يدل عليه في الركنيات أيضا، وقد علقنا بعض ما هو أدل من غيره على
الموارد المناسبة التي تعرض لها الأستاذ، ولم نصر على المناقشة في كلامه في سائر
الموارد لا للارتضاء بما قال بل لعدم الحاجة اليه بعدم ما ذكرنا في غيرها. ومما
استدل به على عدم الاجزاء في الركنيات الروايات (1) الدالة بعضها على اتيان أمير
المؤمنين عليه السلام أربع ركعات بعد صلاة الجمعة التي اقتدى بهم فيها، وبعضها دالة
على وجوب إضافة ركعتين بالصلاة الواقعة معهم في جمعتهم بعد تماميتها، بتقريب انه لو
جاز الاكتفاء بما يقتدى بهم لكان إضافة

(1) الوسائل: ج 5، باب 29، من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
202

الركعتين أو الاتيان بأربع ركعات زائدا، ولا سيما بناء على عدم امكان الامتثال بعد
الامتثال، فمن هنا يعلم عدم الاجزاء عند ترك الركن ولزوم تداركه مطلقا. ان قلت:
الكلام في مورد الخالي عن المندوحة والمفروض في الروايات وجود المندوحة. قلت: قد
ذكرنا سابقا ان موضوع دليل الحاكم هو العذر بالنسبة إلى المأمور به، وهذا يصدق
بالعذر في أن مع تجديد القدرة بعد ذلك. وبعبارة أخرى: لا تفيد المندوحة بالنسبة إلى
الافراد الطولية في رفع اليد عن ديل الاضطرار الاعذار، بل العمل الواقع حال
الاضطرار صحيح لحكومة دليل الاعذار على الدليل الأول وان وجدت المندوحة بالنسبة
إلى تلك الافراد، فمن عدم الصحة في باب صلاة الجمعة مع تحقق العذر في أن الاتيان
بالصلاة والصحة في سائر الموارد يستكشف عدم الاجزاء في الركنيات. ولا يتوهم ان هنا
مورد وجود المندوحة حال العمل، فان الظاهر من الروايات خلاف ذلك بل الظاهر منها
تطبيق الوظيفة على ما يؤتى معهم تقية وتتميمها بالركعتين أو الإعادة، فالمورد من
قبيل وجود المندوحة بعد العمل لاحاله، ونشير إلى روايتين في هذا الباب: (الأولى)
موثقة حمران وهي كالصحيح لوجود صفوان في السند عن أبي عبد الله عليه السلام (في
حديث) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين
أخريين، قلت: فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم اقتد به، فقال: نعم (1). (الثانية) صحيحة
زرارة على الصحيح. قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

(1) الوسائل: ج 5 باب 29 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 1.
203

ان أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام انه صلى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل
بينهن بتسليم، فقال: يا زرارة ان أمير المؤمنين عليه السلام صلى خلف فاسق فلما سلم
وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم. فقال
رجل إلى جنبيه: يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن، فقال: (اما) انها أربع ركعات
مشبهات، وسكت، فوالله ما عقل ما قال له (1). والمتحصل من هذا الاستدلال أمور
ثلاثة: استحباب الدخول معهم في صلواتهم. الاجزاء بالنسبة إلى غير الركنيات عند عدم
امكان التحفظ عليها. عدم الاجزاء بالنسبة إلى الركنيات. ولكن المتحصل مما أسلفناه
الاجزاء مطلقا ويكفيه معتبرة أبي الجارود السابقة الواردة في الأضحى، بل استفيد
الاجزاء من غيرها أيضا كروايات الافطار وغيرها، واما ما استدل به لعدم الاجزاء في
الركنيات من روايات باب صلاة الجمعة فلا يتم. أولا: انه ليس وزان هذه الروايات
بأزيد من وزان الرواية السابقة الدالة على ثبوت الاتيان في الاجزاء غير الركنية
المحمولة على الاستحباب. ثانيا: ان صلاة الجمعة لها خصوصية حيث إنها منصبية ولائية
لا يقاس غيرها بها. ثالثا: ان الجمع بينها وبين غيرها بحملها على الركنيات وحمل
غيرها على غيرها جمع تبرعي لا شاهد عليها. وينبغي التنبيه على أمور: الأول: انه هل
يكون مناط شرع التقية في موردها وجود الضرر الحالي

(1) الوسائل: ج 5 باب 29 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 4.
204

الفعلي الشخصي أو يعم الضرر الاستقبالي والشأني والنوعي أيضا؟ ظاهر بعض الأخبار
الأول، كقوله عليه السلام: إن كان عنده اخر فعل أو ان جامعك معهم مورد لم تجد بدا
من الصلاة معهم فأذن لنفسك وأقم (1) أو الروايات التي اخذ الخوف فيها موضوعا
للتقية (2). الا ان هذا الظهور لهذه الروايات محكوم بما دل على ا التقية لأجل صيانة
النفس أو الاخوان المؤمنين أو الدين، فان العلة تعمم. فيستفاد من ذلك ان الضرر
النوعي أيضا يكفي في مشروعية التقية، كما أنه محكوم بما دل على أنه ليس منا من لم
يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجيته مع من يحذره (3). فان المستفاد من ذلك
عموم المناط للضرر الشأني الاستقبالي أيضا، مضافا إلى أنه لا ظهور للطائفة الأولى
أصلا، فإنها واردة في مقام بيان حكم اخر مترتب على التقية لا في مقام بيان مناط
ثبوت التقية. الثاني: انه تفترق التقية عن سائر الاعذار بكفاية ثبوت العنوان حال
العمل في مشروعية التقية من دون اعتبار عدم المندوحة بالنسبة إلى الأفراد الطويلة
أو العرضية فيها بخلاف غيرها من الأعذار في الجملة على ما أسلفنا سابقا، فان
المستفاد من اخبار التقية كما مر هو ذلك، وبهذا تظهر الثمرة في الأمرين الآتيين.
الثالث: انه هل تختص مشروعية التقية بكون من يتقى منه مخالفا أو تعم غيره من الكفار
والمعاند للحق وغيرهما؟ فالمشهور على الأول، وقد استدل بأمور ثلاثة:

(1) الوسائل: ج 5 باب 33 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.
(2) الوسائل: ج 11 باب 29 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 6 و 11.
(3) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب
205

الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 28.
(الأول) ان اطلاقات مشروعية مثل لا دين لمن لا تقية له (1) أو التقية في كل شئ (2)
أو التقية في دار التقية واجبة (3)، أو غير ذلك كلها مسوقة لبيان شرعها من دون نظر
إلى عموم من يتقى منه أو خصوصه، فلا يمكن الأخذ بها لا لاثبات العموم ولا لاثبات
الخصوص، الا ان الحكم على خلاف القاعدة يقتصر على المتيقن من ثبوته وهو كون من يتقى
منه مخالفا فقط. (الثاني) الانصراف، بدعوى ان اخبار التقية كلها صدرت في زمان شوكة
المخالفين فهي منصرفة إلى مشروعية التقية منهم. (الثالث) الصرف، بدعوى ان الوارد في
بعض اخبار التقية هو الأمر بالخلطة والمعاشرة معهم والضمير راجع إلى المخالفين وقد
صرح في بعضها، فبهذه القرائن يستفاد مصب اطلاقات التقية، وانها واردة في خصوص
التقية من المخالفين. الا ان شيئا من ذلك لا يصلح لاثبات الاختصاص. (اما الأول)
فلأخذ عنوان التقية في موضوع الاطلاقات والحكم يدور مدار موضوعه، فمع عموم الموضوع
كيف يختص الحكم ببعض افراده؟ وبعبارة أخرى: ان الروايات مسوقة لبيان المشروعية لما
صدق عليه عنوان التقية ومعه لا مجال للأخذ بالقدر المتيقن. (وأما الثاني) فلعدم
صلاحية ما ذكر لكونه منشأ للانصراف. (واما الثالث) فلعدم ثبوت عقد سلبي لما ورد في
خصوص التقوى من المخالفين ومعه لاوجه لتقييد مطلقات التقية، هذا مع أن في بعض
الروايات ما يدل على العموم كما ورد في تفسير ذلك مثل ان يكون قوم سوء ظاهر حكمهم

(1) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 22.
(2) الوسائل: ج 11 باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 22.
(3) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 21.
206

وفعلهم على غير حكم الحق وفعله (1) وما اشتمل على قصة إبراهيم عليه السلام وانه اتقى
في قوله: اني سقيم. أو قصة يوسف وانه اتقى في قوله: أيها العير انكم لسارقون (2)،
فتأمل. الرابع: انه هل تختص مشروعية التقية بمورد جهل المتقى منه بمذهب المتقي أو
تعم مورد العلم أيضا؟ ظهر مما ذكرناه العموم، فإنه اخذت عنوان التقية موضوعا لأدلة
مشروعيتها فتدور المشروعية مدار ثبوت هذا العنوان، والتقية بمعنى التحفظ عن الضرر
فتعم صورة العلم والجهل كليهما، الا انه قد يدعى الاختصاص ويستدل على ذلك بأمور: 1
ظاهر خبر ابن أبي يعفور: اتقوا في دينكم واحجبوه (3). ان التقية مختصة بمورد حجب
الدين والا فلا يكون معنى للأمر بالحجب. 2 - ظاهر جعل المقابلة بين التقية والإذاعة
في المستفيضة الدالة على أن الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة (4). ان التقية مختصة
بمورد عدم الإذاعة والا فلا وجه للمقابلة. 3 - ظاهر ما عبر فيها عن التقية
بالخباء (5) اختصاص التقية بمورد الخباء، الا ان شيئا من ذلك لا يصلح لتقييد
المطلقات السابقة. (أولا) لعدم وجود عقد سلبي في هذه الروايات يدل على أنه لا تقية
في غير مورد الحجب أو الإذاعة أو الخباء، وذكر التقية في مورد الحجب وعدم الإذاعة
والخباء في الروايات من باب التطبيق على المصداق الغالب لا من باب الاختصاص بذلك
المصداق.

(1) الوسائل: ج 11 باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 6 (2) الوسائل: ج 11
باب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 4.
(3) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 7.
(4) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 1 و 14.
(5) الوسائل: ج 11 باب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 1 و 14.
207

(وثانيا) لاستفادة العموم من بعض الروايات أيضا كأخبار البراءة الواردة في شرح قضية
عمار بن ياسر وتفسير الآية المباركة النازلة فيها الا من اكره وقلبه مطمئن
بالايمان (1). فان المورد مورد العلم كما يشهد له الامر بالبراءة منه وقتل أبوي
عمار لعدم البراءة. ولكن يمكن الجواب عن ذلك بأن أخبار البراءة واردة مورد قلب
الايمان إلى الكفر بحسب الظاهر فلا يمكن الاستدلال بها للتقية في مقام العمل، وفي
ما ذكرناه غنى وكفاية، ومع ذلك لا بأس بالاحتياط لدعوى التسالم على الاختصاص لدى
قاطبة الفقهاء - رضي الله عنهم -. الخامس: انه هل تكون مشروعية التقية حينية أو
دائمية؟ بمعنى انه هل يختص ترتيب اثار العمل المتقى به عليه بزمان ثبوت العنوان أو
ترتب عليه بعد زوال العنوان أيضا؟ مثاله هل يكون الوضوء الناقص الواقع تقية مطهرا
ما دام بقاء التقية فقط أو يكون مطهرا مطلقا بحيث تبقى الطهارة بعد ارتفاع التقية
أيضا؟. فنقول: ان الأثر المنظور فيه اما ان يكون عقليا كالاجزاء بالنسبة إلى العمل
العبادي الواقع حال التقية أو يكون شرعيا كالطهارة والحدث على القول بكونهما اثرا
شرعيا. فعلى (الأول) لا معنى للمشروعية الحينية ابدا، فان المأتي به اما ان يكون
فردا واقعيا للمكلف به - على القول بان عنوان التقية حيثية عقلية للحكم - أو يكون
فردا تنزيليا له - على القول بأنها حيثية تقييدية لذلك -. وفي كلا الفرضين الانطباق
قهري والاجزاء عقلي، فلا معنى للاجزاء حين التقية أصلا. وعلى (الثاني) فاما ان يكون
اثر العمل المترتب مناقضا أو مضادا للأثر

(1) الوسائل: ج 11 باب 2: من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث 2 و 3.
208

الثابت قبل العمل كالطهارة المترتبة على الوضوء المناقضة لعدم الطهارة أو المضادة
للحدث الثابتين قبل الوضوء بسبب النوم ونحوه أو يكون مخالفا له كالإباحة المترتبة
على الوضوء الناقص تقية على القول بها والحدث. اما على (الأول) فلا تتصور المشروعية
الحينية أيضا، فان المأتي به بنظر الشارع موضوع للأثر الرافع للأثر السابق، وعود
الأثر السابق بعد ارتفاع العذر يحتاج إلى موضوع جديد. نعم، تتصور المشروعية الحينية
على الثاني، فان الأثرين مجتمعان حال التقية، ويمكن بقاء الأثر الأول بعد ارتفاع
التقية مع زوال الأثر الثاني بارتفاعها. ولا بأس بتتميم الكلام في الوضوء الناقص
حال التقية. فنقول: لو بنينا في باب الطهارة على أن الطهارة والنجاسة والطهارة
والحدث من الأمور الواقعية وكشف عنها الشارع كما بنى عليه الشيخ الأعظم - قدس سره
يدخل المقام في الصورة الأولى التي فرض فيها كون الأثر عقليا وقلنا إن الحينية لا
معنى لها حينئذ. ولو فرضنا انها ليست من الأمور الواقعية بل انما هي اعتبارية محضة
فمع ذلك لا يتصور فيها الحينية، لدخول المقام حينئذ في الصورة الثانية التي فرضها
فيها كون الأثر الشرعي مناقضا أو مضادا للأثير السابق على العمل. وما قد يقال من أن
الوضوء الواقع تقية ليست بطهارة واقعا بل انما هو مبيح فقط لا يرجع إلى محصل، فان
عروض عنوان التقية على الوضوء يوجب فردية الوضوء المأتي به للمكلف به موافقا
للقاعدة، فان فردية الميسور بعد ثبوت العسر بالنسبة إلى المعسور للواقع موافق لها
سواء كان منشأ رفع الحكم عن المعسور عموم الاضطرار أو خصوص التقية، مضافا إلى أن
209

الالتزام بالإباحة موجب للتقييد في اشتراط الصلاة بالطهارة ولا وجه له، فالصحيح
بقاء اثر الوضوء الناقص الواقع حال التقية بعد ارتفاعها وعدم وجوب اعادته بزوالها،
فافهم. أقول: اما على ما بنى عليه الشيخ الأعظم - قدس سره - من كون الطهارة
والنجاسة والطهارة والحدث من الأمور الواقعية، فقد بنى الفقهاء في باب الطهارة على
خلافه وكونها اعتبارية محضة، واما توهم الإباحة التي يلزم من الالتزام بها التقييد
في أدلة اعتبار الطهارة في الصلاة فلم يعهد من ذهب إليها بهذا المعنى، بل ما يظهر
من الكلمات ان مراد من قابل بالإباحة هو الطهارة الحينية، فالنزاع في أن الوضوء
العذري أو التيمم رافع أو مبيح هو النزاع في أن ذلك طهارة حينية أو دائمية، واما ما
ذكر في وجه عدم تصور الحينية في الصورة الثانية التي فرض فيها كون الأثر الشرعي
المترتب علي العمل مناقضا أو مضادا للأثر السابق على العمل من ارتفاع الأثر السابق
باللاحق، وعوده يحتاج إلى موضوع فلا يمكن المساعدة عليه، فان الباب باب الاعتبار
وهو سهل المؤونة فيمكن اعتبار الموضوع السابق لأثره مطلقا، ومع تخلل الموضوع الثاني
في الأثناء يعتبر ثبوت الأثر الثاني ما دام بقاء موضوعه، ويلزمه انقطاع الأثر الأول
في البين فقط، فالأثر الثابت بعد ارتفاع الأثر الثاني بالتراع موضوعه مستند إلى
الموضوع السابق، ومن هذا القبيل إجارة المستأجر العين المستأجرة بعض مدة اجارته في
وسط تلك المدة افنه بعد انقضاء هذا البعض من المدة تعود ملكية المنفعة للمستأجر
الأول لا بسبب جديد بل بسبب سابق وهي الإجارة الأولى، ويمكن ان يعتبر الشارع كون
النوم مثلا موضوعا للحدث مطلقا، ويعتبر أيضا رفع ذلك الحدث بالطهارة العذرية ما دام
العذر فقط مع ارتفاع الطهارة بزوال العذر بحيث يكون الحدث اللاحق مستندا إلى النوم
210

السابق، ولا محذور يتصور في ذلك بوجه. فللنزاع في أن الطهارة العذرية هل هي طهارة
مادامية أو دائمية مجال. وبعد الفراغ عن امكان اعتبار كلتا الصورتين ثبوتا لابد من
ملاحظة دليل الاثبات على كيفية الاعتبار، ومع عدم تقييد الدليل بشئ منهما يكون
اطلاق دليل الحاكم حاكما على دليل المحكوم، فالنتيجة بقاء الطهارة بعد ارتفاع
التقية، ولذا أفتوا في الوضوء على الجبيرة أو الغسل عليها أيضا على بقاء الطهارة مع
برء المحل. نعم، ترتفع الطهارة في التيمم بوجدان الماء بالدليل. ونختم الرسالة ببعض
ما افاده استاذنا المحقق مد ظله في رسالته. ختامها مسك: 1 - قسم التقية
باعتبار التقية خوفا والتقية مداراة وقال: المراد بالتقية مداراة ان يكون المطلوب
فيها نفس شمل الكلمة ووحدتها بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في
التقية خوفا. ويمكننا ارجاع هذا القسم إلى القسم الأول وهو التقية خوفا، فان
مطلوبية تحبيبهم ووحدة الكلمة بيننا وبينهم انما هو لترتب الضرر بواسطة التفرق
والعداوة بين فرق المسلمين على نفس المتقي أو اخوانه المؤمنين بل يمكن ترتب ذلك على
حوزة الاسلام، والا فنفس وحدة الكلمة من دون ترتب أي ضرر بواسطة التفرق لا تكون
مطلوبة، فالتقسيم بهذا الاعتبار من تقسيم التقية خوفا إلى قسمين، والمداراة انما
يكون محبوبا إذا كان في تركها خوف تفرق المسلمين وتسلط الكفار عليهم كأمثال زماننا.
وعلى هذا: الدليل على مشروعية القسمين واجزاء العمل المتقى به عن الواقع دليل واحد
ولا نحتاج إلى تجزئتهما وجعل عنوان لكل منهما وإقامة دليل مستقل لكل منهما كما فعله
مد ظله - فلاحظ كلامه الشريف وتدبر فيه جيدا، فإنه نافع جدا واستفاد الاجزاء من
211

أدلة التقية، والحق معه وهو مع الحق. 2 - قال في بعض كلماته: وليعلم ان المستفاد من
تلك الروايات صحة العمل الذي يؤتى به تقية سواء كانت التقية لاختلاف بيننا وبينهم
فلي الحكم كما في المسح على الخفين والافطار لدى السقوط أو في ثبوت الموضوع الخارجي
كالوقوف بعرفات اليوم الثامن لأجل ثبوت الهلال عندهم، والظاهر عدم الفرق بين العلم
بالخلاف والشك، ومما يشهد لترتب اثر التقية في الموضوعات وان الوقوفين في غير
وقتهما مجزيان انه من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زمان خلافة أمير
المؤمنين ومن بعده إلى زمان الغيبة كان الأئمة وشيعتهم مبتلين بالتقية أكثر من
مائتي سنة، وكانوا يحجون مع امراء الحاج من قبل خلفاء الجور أو معهم، وكان امر الحج
وقوفا وإفاضة بأيديهم لكونه من شؤون السلطنة والامارة، ولا ريب في كثرة تحقق يوم
الشك في تلك السنين المتمادية، ولم يرو من الأئمة عليهم السلام ما يدل على جواز
التخلف عنهم أو لزوم إعادة الحج في سنة يكون هلال شهر ذي الحجة ثابتا لدى الشيعة مع
كثرة ابتلائهم، ولا مجال لتوهم عدم الخلاف في أول الشهر في نحو مائتي وأربعين سنة،
ولا في بنائهم على ادراك الوقوف خفاء كما يصنع جهال الشيعة في هذه الأزمنة، ضرورة
انه لو وقع ذلك منهم ولو مرة أو أمروا به ولو دفعة لكان منقولا الينا لتوفر الدواعي
به، فعدم أمرهم به ومتابعتهم لهم أول دليل على اجزاء العمل تقية ولو في الخلاف
الموضوعي، وهذا مما لا اشكال فيه ظاهرا. انما الاشكال في أنه هل تثبت الموضوعات
الخارجية بحكم حاكمهم مع الشك في الثبوت فيكون حكمهم كحكم حكام العدل؟ أو يجب ترتب
اثارها عليها ولو مع العلم بالخلاف؟ أو لا ترتب ولا تثبت مطلقا؟ الظاهر هو الأخير
لان عمومات التقية واطلاقاتها لا تفي بذلك، لان مثل قوله: التقية في كل شئ يضطر
212

اليه ابن ادم. أو قوله: التقية في كل شئ الا المسح على الخفين. ظاهر في اجزاء
العمل على وجه التقية لا لثبت الموضوع تعبدا أو لزوم ترتب اثار الواقع مطلقا على ما
ثبت عندهم، وهذا واضح. نعم، روى الشيخ باسناده عن أبي الجارود زياد بن منذر قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام انا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما
دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحي فقال: الفطر يوم يفطر الناس،
والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يوصم الناس. والظاهر منه ان يوم يضحي الناس
يكون أضحى ويترتب عليه اثار الموضوع واقعا وبالقاء الخصوصية عرفا يفهم الحكم في
سائر الموضوعات التي تترتب عليها الآثار الشرعية. فحينئذ ان قلنا بان التعبد لا يناسب
ولا يكون مع العلم بالخلاف يختص بمورد الشك فيكون حكم حكامهم كحكم الحاكم العدل، وان
قلنا بأنه - بملاحظة وروده في باب التقية - يترتب الأثر حتى مع العلم بالخلاف،
فحينئذ يقيد اطلاقه بالروايات الواردة في قضية افطار أبي عبد الله عليه السلام تقية
عن أبي العباس في يوم يعلم أنه من شهر رمضان قائلا: ان افطاري يوما وقضاءه أيسر علي
من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله. لكن اثبات الحكم بمثل رواية أبي الجارود الضعيف غير
ممكن فترك الصوم يوم الشك تقية لا يوجب سقوط القضاء على الظاهر، وهذا بخلاف اتيان
اعمال الحج وفق التقية، فان مقتضى اطلاق أدلة التقية جزاؤه حتى مع العلم بالخلاف
كما يصح الوضوء والصلاة مع العلم بكونهما خلاف الواقع الأولي. أقول: كم فرق بين من
عبر عن هذه الرواية بالصحيحة كالأستاذ في ما تقدم وسيدنا الأستاذ المحقق في هذا
الكلام بقوله بمثل رواية أبي الجارود الضعيف. والحق ان الراوية معتبرة، فان أبا
213

الجارود كان ذا حالتين حالة استقامة وحالة قلب كما يظهر من مراجعة حاله والرواية
الواردة فيه وغيرها. والظاهر صدور هذه الرواية عنه حال استقامته لدلالة نفس الموضوع
على ذلك أولا. وثانيا الراوي عنه صفوان بن يحيى، ومن المطمأن به انه لا يروي عنه
حاله قلبه، بل نفس وجود صفوان في السند كاف لاعتبار السند، بناء على كون أصحاب
الاجماع في السند كافيا لاعتباره بالنسبة إلى من بعدهم، وكيف كان الاطمئنان حاصل
بعدم كذب أبي الجارود في هذه الرواية فالرواية معتبرة تثبت الموضوع في حال التقية
كأمثال زماننا، فاللازم متابعتهم في الوقوفين وسائر الأعمال، فان الأضحى يوم يضحي
الناس، ولازم هذا التنزيل الاجزاء والسقوط، بل في الصوم أيضا بنينا على السقوط
استحباب القضاء للجمع بين ما دل على التنزيل وما دل على افطار أبي عبد الله عليه
السلام تقية قائلا: ان افطاري يوما وقضاءه أيسر علي من أن يضرب عنقي. نقلنا هذا
الكلام بعينه عن الرسالة الشريفة للسيد الأستاذ حول التقية لأهمية الموضوع وكون
المسألة محلا للابتلاء جدا في زماننا في الحج، وملاحظة ان وجه تفصيل السيد الأستاذ
في المناسك وغيره بين الوقوفين واعمال منى بلزوم متابعتهم فيهما ولزوم احراز الواقع
فيها غير صحيح. (أولا) لوجود التعبد في الموضوع كما تدل عليه المعتبرة، بل وغيرها
مما ورد في الصوم بعد ملاحظة عدم الفرق قطعا بين الموارد، والالتزام بالتعبد
والتنزيل في الصوم دون الحج بلا وجه. (وثانيا) نفس ما استدل به لزوم المتابعة في
الوقوفين من بناء الأئمة عليهم السلام طول السنين المتمادية عليها تدل على لزوم
المتابعة في اعمال منى أيضا، ضرورة انه لو وقع منهم خلاف ذلك ولو مرة أو أمروا به
ولو دفعة لكان منقولا الينا لتوفر الداوعي به، فعدم أمرهم به ومتابعتهم لهم أدل
214

دليل على اجزاء العمل تقية ولزوم متابعتهم في اعمال منى أيضا كالوقوفين حرفا بحرف.
3 - تعرض السيد الأستاذ المحقق - مد ظله - لمسألة لم نتعرض لها وهي هل ترك التقية
مفسد للعمل أو لا؟. أفاد ان مقتضى القواعد صحته لان الامر بالتقية لا يوجب النهي عن
العمل، ونسب إلى الشيخ الأعظم - قدس سره - التفصيل بين الموارد ففي مثل السجدة على
التربة عن اقتضاء التقية تركه حكم بالبطلان لكونه منهيا عنه وفي مثل ترك التكفير
حكم بالصحة لعدم اعتباره في المأمور به، واعترض عليه بما افاده قبل ذلك من أن الأمر
بالتقية لا يوجب النهي عن العمل حتى في الصورة الأولى. أقول: لو كان الدليل على
الاجزاء ما دل على الترخيص والتحليل في مورد التقية كقوله: التقية في كل شئ اضطر
اليه ابن ادم فقد أحله الله. فالحق مع ما أفاد وأجاد، فان الامر بالتقية لا يدل على
النهي عن العمل الصادر عن غير تقية، والتحليل لا يوجب رفع اليد عن الحكم الأولي فلا
دليل على بطلان العمل. ولو كان الدليل على ذلك أدلة الاعذار وقلنا بان التقية أيضا
منها فالعمل المتقى به عمل عذري، فالمسألة تبتني حينئذ على أن دليل الحاكم في مورد
الاعذار هل يدل على كفاية العمل العذري أو يدل على تبديل الوظيفة بذلك مثل ما يقال
من أن الرفع في دليل الرفع واقعي أو ظاهري، فلابد من ملاحظة لسان دليل الحاكم،
ولا مجال لدعوى التبديل إذا كان الدليل اطلاق دليل الاعذار كما لا يخفى. ولو كان
الدليل على ذلك ما يكون بلسان التنزيل كالمعتبرة في الصوم والحج فالظاهر فساد العمل
عن غير تقية فان لازم التعبد في الموضوع هو التعبد بالآثار، فلزم ترتيب الآثار على
الموضوع المتعبد به والا يفسد العمل، فلو خالف التقية وأتى بالوقوفين الواقعيين
لا يمكن الحكم بصحة حجه، فان لازم القول بان الأضحى يوم يضحي الناس ان يكون الوقوف
بوقوفهم والوقوف غير وقوفهم لغوا.
والحمد لله رب العالمين.
215

الكلام في اللباس المشكوك كونه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. والأقوال في المسألة عديدة: عدم الجواز على
الاطلاق، نسب إلى المشهور. الجواز على الاطلاق، نسب إلى المحقق القمي ج قدس سره ج
ومال اليه صاحب المدارك ج قدس سره ج أيضا، التفصيل بين الشرطية والمانعية، كما ذكره
صاحب الجواهر ج قدس سره ج أي لو قلنا بشرطية كون اللباس مما يؤكل لحمه في الصلاة
فلابد من احراز الشرط، ومع الشك يحكم ببطلان الصلاة. ولو قلنا بمانعية كون اللباس
من غير مأكول اللحم فلابد من احرازه للحكم بالبطلان، ومع الشك يحكم بالصحة. بل ذكر
المرحوم النائيني ج رحمه الله ج في رسالته المفردة في المشكوك ان مبنى النزاع هو
القول بالمانعية والا فعلى القول بالشرطية لا مجال للقول بالجواز، وسيجئ انه بعض
الوجوه المذكورة في الكلمات دليلا على عدم الجواز يلائم القول بالشرطية أيضا،
فالنزاع جار على كلام الوجهين. والتفصيل بين اللبس من أول الصلاة وفي الأثناء ففي
الأول لا يجوز دون الثاني. وهناك تفاصيل مبنى جميعها التفصيل المتقدم أي الشرطية
والمانعية، وهو التفصيل بين اللباس وغيره. والتفصيل بين الساتر وغيره. والتفصيل بين
216

ما علم بكون المشكوك من اجزاء الحيوان وما لم يعلم، كما يظهر من العروة الوثقى فإنه
اختار في الأول الجواز ونفى الاشكال في الجواز في الثاني. ثم إن الجواز في المقام
ليس تكليفيا متعلقا بذات العمل، فإنه لا يحتمل كون لبس ما لا يؤكل لحمه محرما من
المحرمات الإلهية، بل اما انه وضعي بمعنى المضي والنفوذ الملازم للصحة أو تشريعي من
جهة الاستناد إلى الشارع الملازم لها أيضا. ثم إنه هل الجواز في المقام ظاهري بمعنى
ان الحكم به يتوقف على اجزاء القواعد والأصول، ومع انكشاف الخلاف بعد ذلك لابد من
إعادة الصلاة بناء على القول بعدم الاجزاء في الأحكام الظاهرية؟ أو واقعي بمعنى ان
الحكم به غير متوقف الا على نفس الدليل الدال على الواقع، ولا موضوع للإعادة فيه
حتى مع انكشاف الخلاف؟ أو ظاهري بحسب الابتداء وواقعي بحسب جواز الاكتفاء بمعنى انه
لا يحكم به الا بملاحظة أصل جار في المقام، ولا يحتاج إلى الإعادة ولو انكشف الخلاف
بعد العمل في الجملة؟. ذكر المحقق القمي ج رحمه الله ج في بعض أجوبة مسائله ان
مقتضى التبادر والانصراف اخذ العلم في موضوع أدلة المانعية أو الشرطية، أي مانعية
لبس غير المأكول أو شرطية لباس المأكول مرتبة على صورة العلم بكون اللباس من
المأكول أو غيره، والا فمع الجهل يحكم بصحة الصلاة واقعا فإنها واجدة لجميع شرائطها
فاقدة لجميع موانعها. ومنع ما ذكره ظاهر، فان التبادر والانصراف ممنوع، والألفاظ
وضعت للمعاني الواقعية من دون دخل العلم وغيره من الحالات النفسانية فيها، ولذا ذكر
المرحوم النائيني ج رحمه الله ج ان الجواز ظاهري، ونحتاج في ذلك إلى اجراء أمارة أو
أصل، وبنى على لزوم الإعادة بعد انكشاف الخلاف، وحكمه هذا مبني على عدم شمول حديث
217

لا تعاد (1) لمورد الجهل، بل كون مورده السهو فقط، فان الحكم بالإعادة وعدمها
موقوف على عدم اقتضاء الخطاب الأولي للفعل كما في النسيان، والا ففي مورد الجهل نفس
الخطاب الواقعي شامل له ويقتضي العمل على وفقه تاما فلا معنى لأن يقال للجاهل أعد
أولا لا تعد. ولكن لا يخفى ان خطاب الجاهل بعد العمل بذلك الخطاب لا محذور فيه ابدا،
وفي الروايات عبر بذلك كثيرا حتى في مورد العمل كمن تكلم في صلاته متعمدا أعاد
صلاته (2). هذا في الجاهل القاصر. وأما في المقصر، فإن كان ملتفتا حال العمل فلا
يشمله حديث لا تعاد لأن الظاهر منه انه بعد العمل على ما يراه وظيفته وانكشاف
الخلاف لا تعاد الصلاة، فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة بحديث لا تعاد، وبعين هذا البيان
يظهر عدم شمول الحديث لمورد العمد أيضا مع أنه لو فرض شمول اطلاق الحديث له يخرج
عنه في مورد العمل بالدليل. واما الجاهل المقصر الغير الملتفت فيمكن ان يلتزم
بخروجه أيضا عن الدليل لا من جهة عدم شموله له بظاهره بل لأمر اخر، وهو انه لو لم
يكن خارجا عنه يختص ما دل على لزوم إعادة الصلاة عند الاخلال بها شرطا أو جزء بمورد
العمد فقط، وهذا تقييد بفرد نادر، فتأمل. فالمتحصل مما ذكرنا ان الجواز في المقام
ظاهري أي يحتاج إلى اجراء الأصول، ومع انكشاف الخلاف بعد العمل لا حاجة إلى الإعادة
واقعا فيما إذا وقعت المخالفة عن عذر، والا تجب الإعادة بل تجري الأصول حينئذ، كما
لا يخفى. ثم إنه لا فرق في الاحتياج إلى احراز الامتثال ولو بجريان الأصل بين

(1) الوسائل: ج 1، باب من أبواب الوضوء، حديث 8.
(2) الوسائل: ج 4، باب 25، من أبواب قواطع الصلاة، حديث 2 و 5.
218

الشرطية والمانعية وان قلنا
بأن الأول مجرى الاشتغال والثاني مجرى البراءة، وهذا ظاهر. واما ما يقال من أن نفس
الشك في المانعية كاف في البناء على عدمها بلا حاجة إلى احرازها أو اجراء أصل فيها
وذلك من باب قاعدة المقتضي والمانع فمدفوع صغرى وكبرى، اما الكبرى فلا تتم هذه
القاعدة لعدم الدليل عليها لا لفظيا ولا لبيا ببناء العقلاء، واما الصغرى فلو تمت
القاعدة فإنما تتم في موارد المقتضي والمانع الحقيقيين، واما في مثل المقام الذي
قوامه ليس الا بالاعتبار فليس فيه الا الموضوع وقيوده، والحكم أجنبي عن المقتضي
والمانع، بل الشئ لو اعتبر وجوده في الموضوع فهو شرط ولو اعتبر عدمه فيه فهو مانع،
وهذا مجرد تعبير وليس من ذلك الباب.
ثم إن الشرط أو المانع في المقام لابد وأن يكون امرا اختياريا فإنه مأخوذ في
المأمور به ولو تقيدا لا قيدا، ولا يمكن تعلق الامر الا بما يكون اختياريا بجميع
قيوده حتى تقيده بشئ ما، فحرمة أكل الحيوان أو عدم حليته، وحليته أو عدم حرمته
أجنبية عن ذلك، بل المعقول كونه شرطا وقوع الصلاة في محلل الأكل أو غير محرم الأكل،
والمعقول كونه مانعا وقوعا في محرم الأكل أو غير محلل الأكل، فلا فرق بين استفادة
حلية الأكل عنه أو عدم حرمته، وان التزم بعض الأساطين بالفرق بان الأولين ظاهران في
الشرطية والآخرين في المانعية، وقد ظهر ضعفه. ثم إنه لا يعقل كون أحد الضدين شرطا
لشئ والاخر مانعا عنه. (أما تكوينا) فان المانع امر يزاحم مقتضي الشئ عن التأثير
بعد تمامية اجزاء علته سوء عدم هذا المانع، ولا يعقل اتصاف شئ بالمانعية ما لم تتم
تلك الأجزاء، فعلى ذلك مع وجود الضد الذي فرض انه شرط ينتفي الضد الاخر لا محالة،
فأين المانع؟ ومع عدمه ووجود الضد الاخر فلا يتصف هذا الموجود بالمانع لعدم وجود
219

شرط تأثير المقتضي، فكون أحد الضدين شرطا تكوينيا والاخر مانعا كذلك غير معقول.
(واما اعتبارا) فبما انه ليس تأثير ولا تأثير في الاعتباريات، بل ما اعتبر وجوده في
المأمور به شرطا له، وما اعتبر عدمه فيه مانع عنه لابد من ملاحظة امكان الاعتبار
وعدمه، والحق انه لا يمكن اعتبار الشرطية لاحد الضدين والمانعية للاخر مطلقا. اما في
الضدين لا ثالث لهما فأحد الاعتبارين يغني عن الاخر فأحدهما لغو، وأما فيما له ثالث
فاعتبار الشرطية يغني عن اعتبار المانعية وان لم يكن اعتبار المانعية مغنيا عن
اعتبار الشرطية. ووجه الاغناء انه مع وجود ما اعتبر شرطا ينتفي الاخر لا محالة ومع
عدمه يبطل العمل لعدم شرطه فجعل المانعية يصبح لغوا محضا، ووجه عدم الاغناء في
العكس فان نتيجة جعل المانعية لاحد الأضداد ترك هذا الضد حال العمل، ولا يلازم وجود
ضد معين له في هذا الحال، فان المفروض الأضداد متعددة بخلاف ما لو لم يكن في البين
ثالث، فان ترك الضد المانع يلازم وجود الضد الاخر. ثم إنه هل يستفاد من الأدلة
الشرطية أو المانعية؟ فيه كلام بين الأعلام، والمستفاد من الروايات ج وفيها الصحاح
ج المانعية صريحا. الا انه قد يتوهم من جملة الروايات الشرطية. (ومنها) ذيل موثقة
ابن بكير التي هي العمدة في أدلة الباب: لاتقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما
أحل الله اكله (1). ووجه استفادة الشرطية غير ظاهرة، ذكر المرحوم النائيني ج قدس سره
ج ان المستفاد من صدر الرواية المانعية فالصلاة في وبره و.... فاسدة. وهذا يكون
قرينة على أن المراد من الذيل أيضا ذلك حيث إنه معتمد على الصدر، والتعبير بما يشعر
بالشرطية من سوء تعبير الراوي فإنه نقل الرواية بالمعنى.

(1) الوسائل: ج 3 باب، 2، من أبواب لباس المصلي، حديث 1.
220

وقد يقال بتعارض الصدر والذيل وتساقطهما والرجوع إلى الأصول العملية. وقد
يقال بأن الصدر دال على المانعية في غير الساتر بقرينة بعض المذكورات كالبول والروث
والذيل دال على الشرطية في الساتر، فان عمومه لغير الساتر غير معقول فإنه ليس شرطا
بنفسه، فلا يعقل كونه من المأكول شرطا حتى على فرض الوجود أي اللبس، لأنه اما من
اشتراط الشئ لنفسه أو لضده، فمع لبس المأكول يكون اشتراطه بكونه من المأكول من
قبيل الأول، ومع لبس غيره يكون من قبيل الثاني، هذا.
وان أمكن ان يجاب عن ذلك بمثل ما يجاب عن الاشكال المعروف في القضايا الحملية بأن
المشروط له نفس اللبس لا بشرط، وبهذا يمكن اشتراطه بكونه من المأكول. ودقيق النظر
يقتضي عدم استفادة الشرطية من الرواية، فان ظاهر الصدر المانعية والذيل الذي ادعي
انه ظاهر في المانعية مشتمل على كلمة الإشارة تلك والمشار اليه ليس نفس الصلاة
الشخصية لفسادها على أي حال وغير قابلة للتعدد حتى يحكم بفسادها بوجه وصحتها بوجه آخر
فهي اما طبيعي الصلاة بجنسها أو نوعها كصلاة الفجر أو غيره. اما الصلاة الواقعة
في اجزاء الحيوان التي هي مورد الرواية، فعلى الأول يمكن دعوى استفادة الشرطية من
الذيل، الا انه خلاف الظاهر، فان السؤال عن الصلاة في الفنك وغيره من الحيوان فلابد
من كون الإشارة إلى ذلك، ونتيجة الصدر ان الصلاة في الحيوان قسمين قسم في المأكول
وقسم في غير المأكول، والقسم الثاني منها فاسد، فلابد في الحكم بالصحة من وقوع
الصلاة على نحو القسم الأول، وهذا امر واقعي غير محتاج إلى الجعل، وجملة الذيل انما
هي مشيرة إلى نفسها الأمر الواقعي، وليس في مقام بيان اشتراط الصلاة بوقوعها في
221

محلل الأكل، فأصل ظهور الذيل ممنوع فضلا عن وقوع المعارضة والعلاج. وهنا بعض روايات
أخرى يمكن الاستدلال بها على الشرطية ولا تخلو اما من الضعف في السند أو الدلالة،
وتعرف حالها مما ذكرنا، فلا نطيل. ثم إنه لو شككنا في أن المعتبر هل هو الشرطية أو
المانعية ولم يمكننا استفادة ذلك من الروايات، فقد يقال إن الشك في الشرطية يوجب
الشك في التكليف الزائد، والأصل البراءة عن ذلك. ولكن ضعفه ظاهر في أن كلا من
الشرطية والمانعية يوجب التضييق بالنسبة إلى المكلف، ويلزم التكليف الزائد والأصل
البراءة، فالحق ان العلم الاجمالي بثبوت أحد الحكمين ج الشرطية أو المانعية ج يقتضي
العلم بالبراءة والخروج عن عهدة ذلك فالأصل الاشتغال، والأصلان المذكوران اما غير
جار أو معارض على الخلاف في جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي. ثم إن عنوان حرمة
الأكل المأخوذ في الروايات هل هو معروف إلى العناوين الذاتية الثابتة للحيوانات
كالأسد والأرنب وغير ذلك؟ أو انه اخذ موضوعا للحكم بما هو عنوان حرمة الأكل؟ مال
المرحوم النائيني ج قدس سره ج إلى الأول، ولكن لا يمكن المساعدة عليه فان ظاهر كل
عنوان مأخوذ في لسان دليل دخله في الموضوعية وثبوت الحكم له. وأيضا هل يكون المأخوذ
في لسان دليل الحرمة الطبعية والشأنية التي هي ثابتة للحيوان بطبعه وفي ذاته أو
الحرمة الفعلية التي قد تختلف باختلاف الأشخاص والحالات والأزمنة، فان لحم الغنم
حلال بطبعه. ولكن أكله حرام في نهار شهر رمضان مثلا، أو لحم الأرنب حرام بطبعه
ولكنه حلال في حال الضرورة مثلا؟ ظاهر الدليل الأول، فان اسناد حرمة الأكل
إلى الحيوان ظاهر في أنه لابد وأن يكون الحيوان بطبعه محرم الأكل، وعروض العوارض
الخارجية لا يوجب تبديلا في ذلك وإن كان الحكم الفعلي دائرا مدار تلك الطوارئ
222

والعوارض. وعلى ذلك هل يختص بما هو ثابت لطبع الحيوان لذاته؟ أو يعم ذلك وما هو
ثابت له بواسطة امر خارجي كعنوان الموطوءة مثلا؟ الاطلاق يقتضي التعميم ولا يختص
ذلك بما لو لم يكن هذا العنوان الطارئ قابلا للزوال كالموطوءة والجدي المسترضع من
الخنزيرة، بل يعم ذلك وما كان قابلا له كعنوان الجلل الذي هو قابل للزوال
بالاستبراء، فان الاطلاق يقتضي ذلك، فإنه قبل الاستبراء حيوان محرم الأكل. ولم يرض
المرحوم النائيني ج قدس سره ج بذلك مع أنه في باب النجاسات ذهب إلى أن بول محرم
الأكل وخرءه نجس ولو كانت الحرمة ناشئة من الجلل، أخذا باطلاق اغسل ثوبك من أبوال
ما لا يؤكل لحمه (1) والحال ان المسألتين من واد واحد. والحاصل: ان عنوان محرم
الأكل من جهة أخذه في الرواية يعلم أخذه موضوعا لا طريقا، ومن جهة اضافته إلى
الحيوان يظهر ثبوت الحكم بما لو كان الحيوان محرما ولو لعارض قابل للزوال أو غير
قابل له، لكن لابد وأن يكون هذا العارض على نحو يمكن اسناد الحرمة إلى الحيوان
كالوطئ والجلل. واما لو لم يكن كذلك كالافطار في نهار شهر رمضان أو الضرورة مثلا،
فلا. وبعبارة أخرى: ان القابل لتعلق الحرمة أو الحلية به الذي هو فعل المكلف أكل
الحيوان في المقام، لكن تعلق الحرمة أو الحلية به اما من جهة خصوصية في الحيوان
بطبعه أو لعارض عليه أو خصوصية في الأكل بطبعه أو لعارض عليه، المأخوذ في لسان
الدليل من جهة ظهور الإضافة هو الأول لا الثاني، فلا يجوز الصلاة في شئ من الأسد
مطلقا وإن كان محلل الأكل في موضع الضرورة لان الضرورة توجب خصوصية في الأكل لا في
الحيوان، وأيضا لا يجوز الصلاة في الغنم الموطوء أو المسترضع من لبن الخنزيرة أو
الجلال لان الحكم بالحرمة فيها

(1) الوسائل: ج 2، باب 8 من أبواب النجاسات حديث 2.
223

من جهة خصوصية في الحيوان لا في الأكل.
ثم إنه هل اعتبار المانعية أو الشرطية راجع إلى الصلاة أي يعتبر في الصلاة ان تقع
في محلل الأكل أو لا تقع في محرم الأكل؟ أو راجع إلى اللباس أي يعتبر في اللباس ان
يكون من المأكول أو لا يكون من غيره؟ أو راجع إلى المصلي أي يعتبر في المصلي ان
يكون لابسا للمأكول أو لا يكون لابسا لغيره؟ كل ذلك محتمل، والثمرة تظهر بينها في
التفصيل بين امكان التمسك بالأصل لو كان اللبس في الأثناء بخلاف ما لو كان من الأول
في الأخيرين دون الأول على بعض المباني، وسيجئ الكلام في جريان الأصول العملية في
المشكوك. والكلام هنا في صغرى المسألة، وان الاعتبار راجع إلى أي من المذكورات.
والتحقيق ان الاعتبارين الأخيرين غير معقول، فان الشرط والمانع ما يكون دخيلا في
متعلق الأمر تقيدا لا تقييدا، فلابد وأن يكون تحت اختيار المكلف وراجعا إلى فعله،
فعلى ذلك لابد من أن يقال إن الاعتبار راجع إلى نفس الصلاة. نعم يمكن تصوير
الاختلاف في مركز الاعتبار، أي يقال إنه هل المعتبر في الصلاة كونها واقعة في كذا
أو عدم كونها واقعة في كذا؟ أو المعتبر فيها كون المصلي لابسا لكذا أو عدم كونه
لابسا لكذا؟ أو المعتبر فيها كون اللباس من كذا أو عدم كونه من كذا؟ وحينئذ نقول إن
الأخير أيضا غير معقول، فان كون اللباس من المأكول أو عدم كونه من غير مأكول خارج
عن تحت اختيار المكلف، ونتيجة اعتباره في الصلاة تقيدها بأمر غير اختياري. نعم
الأولان معقولان في نفسهما، لكن المستفاد من موثقة سماعة ولا تلبسوا منها شيئا
تصلون فيه (1) ان مركز الاعتبار المصلي، وإن كان ظاهر

(1) الوسائل: ج 3 باب 5 من أبواب لباس المصلي حديث 3.
224

موثقة ابن بكير (1) انه هو الصلاة، الا انه بالدقة يكشف عن أن المراد منها أيضا
الأول نظير ما في موثقة سماعة.
الكلام فيما يقتضيه الأصل في اللباس المشكوك: ويقع أولا فيما تقتضيه الأدلة
الاجتهادية، ثم ما تقتضيه الأصول العملية
الأدلة الاجتهادية
فقد استدل على جواز الصلاة في اللباس المشكوك بوجوه: الأول: ما ذكره المحقق القمي ج
قدس سره ج وهو ان المستفاد من أدلة الاعتبار انه ينحصر بمورد الاحراز فقط، ويدفعه
اطلاقات دليل الاعتبار كموثقة ابن بكير وسماعة المتقدمة، والألفاظ موضوعة لنقل
المعاني الواقعية، والاحراز وعدمه خارج عن دائرة المعنى. الثاني: وهو عمدة ما يمكن
الاستدلال به لذلك، الأخذ باطلاقات أو عمومات جواز الصلاة في أي لباس، والتقييد
بعدم كون اللباس من غير المأكول وإن كان ثابتا، الا ان حجية دليل المقيد مشروطة
باحرازه صغرى وكبرى ومع عدم الاحراز ج كما في المقام للشك في صغرى ذلك الدليل فيه ج
يتمسك باطلاق دليل الأول أو عمومه للشك في تخصيصها أو تقييدها بغير المقام. والجواب
عن ذلك ظهر في الأصول في بحث العموم والخصوص في التمسك في الشبهات المصداقية للمخصص
من أن الشك في صغرى المخصص وإن كان موجبا لسقوط دليل المخصص عن الحجية الا انه
لا حجية للعموم أيضا في ذلك، فإنه مخصص بعنوان المأخوذ في المخصص واقعا، فدائرة
العام وان كانت شاملة للمصداق المشكوك فيه بحسب الإرادة الاستعمالية الا انه بعد
فرض تخصيص

(1) الوسائل: ج 3 باب 2 من أبواب لباس المصلي حديث 1.
225

العام بعنوان المخصص والشك في انطباق المخصص على المشكوك فيه وعدمه لا يمكن احراز
ان دائرة العام بحسب الإرادة الجدية شاملة له فيسقط العام عن الحجية فيه. وبعبارة
أخرى: المعتبر عند العقلاء في أصالة العموم هو ما إذا كان الشك في التخصيص
والاخراج، وأما إذا علم بالتخصيص والاخراج ولم يعلم انطباق المخصص والخارج فلم يعهد
من العقلاء التمسك بها، وتمام الكلام في محله. الثالث: ما يظهر من بعض كلمات المحقق
القمي ج رحمه الله ج أيضا وهو ان فعلية الحكم موقوفة إلى الوصول فما لم يصل الحكم
لم يكن فعليا. نعم في الوضعيات الفعلية لا تدور مدار ذلك، الا انه في الأحكام
التكليفية حيث إن البعث أو الزجر يكون بداعي الانبعاث أو الانزجار ولا يتحقق الا
بالوصول فلابد في فعليتها ذلك، وفي المقام أن دليل عدم جواز الصلاة في غير المأكول
كموثقة سماعة لا تلبسوا منها... الخ انما هو بلسان النهي والزجر فلابد في فعلية
مدلوله الوصول، والمفروض ان الموضوع مشكوك فيه، فدليل المانعية ساقط عن اثباتها
فيه، فنتمسك بالاطلاقات لاثبات الصحة. والجواب: (أولا) ان دليل مانعية لبس غير
المأكول لا ينحصر بما هو بلسان الزجر كموثقة سماعة بل ظاهر موثقة ابن بكير المانعية
وهي من الوضعيات. (وثانيا) لو سلم ما ذكر فيما لو كان التكليف بداعي الانبعاث
والانزجار لا نسلمه فيما لو كان بداعي الارشاد إلى الشرطية والمانعية وغيرهما من
الأحكام الوضعية، والمفروض ان النواهي الموجودة في المقام وأمثاله ليست بنواهي
نفسية بل كلها ارشادية إلى ذلك. (وثالثا) ان المبنى فاسد فان اشتراط فعلية الحكم
بالوصول بعد تسليم ان الوصول غير مأخوذ في موضوعه خلف، فان فعلية الحكم دائرة مدار
226

وجود موضوعه، ولذا يقال إن الاحتياط حسن حتى في مورد عدم وجوبه، فلو لم يكن الحكم
فعليا في فرض عدم الوصول لم يكن موضوعا للاحتياط فضلا عن حسنه. نعم الوصول معتبر في
تنجز التكليف، أي المكلف معذور في مخالفة التكليف الغير الواصل، وأين هذا من دخله
في موضوع الحكم وفعليته؟. (ورابعا) ان ما ذكره تقريب اخر عن الشبهة المصداقية فان
التكليف بحسب الكبرى واصل وانما الشك في الصغرى وانطباق ذلك التكليف على مورد الشك،
وحينئذ وان لا يمكن التمسك بدليل التكليف لاثبات فعليته في مورد الشك الا انه
لا يمكن التمسك بالاطلاقات أيضا لاثبات الصحة لعدم جواز التمسك بالعموم والاطلاق في
الشبهات المصداقية. (وخامسا) لو سلمنا جميع ما ذكره في ذلك لا نسلم سقوط دليل
المانعية عن شموله للموضوع المشكوك وإن كان بلسان النهي والزجر، فان الساقط ليس الا
النهي والزجر عن الفعلية لا ان الكراهة والمبغوضية الواقعية التي يكشف عنها اطلاق
دليل المانعية ولو قبل الوصول ساقطة، وتكفي نفس الكراهة الواقعية لحكم العقل بلزوم
الامتثال. نعم في موارد الشبهات المصداقية يختلف الحال والكلام فعلا مع قطع النظر
عنه. بيان ذلك: ان ظاهر أدلة التكاليف المشتملة على الأمر والنهي هو البعث والزجر،
والبعث إذا كان بداعي الالزام فهو وجوب والا فندب وكذا الزجر إذا كان بداعي الالزام
فهو حرمة والا فكراهة، هذا في مقام الثبوت. واما في مقام الاثبات فالبعث والزجر حجة
على المكلف الا إذا ثبت الترخيص من الشارع. واما ما بنى عليه سيدنا الأستاذ ج مد
ظله ج من أن الأمر والنهي دالان على اعتبار شئ على ذمة المكلف لا يتم. نعم في مثل
(لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) (1) يمكن دعوى ذلك، واما في موارد

(1) آل عمران: 97.
227

الأوامر والنواهي فلا. نعم في المرتبة السابقة على البعث والزجر لابد من تعلق
المطلوبية أو المبغوضية الواقعية بالفعل، وإذا علم المكلف بتلك المطلوبية أو
المبغوضية يجب عليه الجري على طبقه بحكم العقل وان لم يكن في مورده بعث أو زجر لجهة
من الجهات. وبنينا أيضا في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ان الجمع بين
البعث والزجر الواقعيين والترخيص في الظاهر مستحيل، فان البعث والزجر انما هو بداعي
الانبعاث والانزجار، والمفروض ثبوت الرخصة في ترك الامتثال، ولا يمكن انقداح إرادة
البعث أو الزجر والترخيص في ترك الامتثال. وما افاده السيد الأستاذ ج في هذا المقام
ج من أن الحكمين ليسا بمتضادين بالذات فإنهما اعتباريان، والتنافي بحسب المبدأ وهو
اجتماع المصلحة والمفسدة غير موجود في الجمع بين الظاهري والواقعي، والمفروض ان
التنافي بحسب المنتهى ومرحلة الامتثال أيضا مفقود لأن في ظرف امتثال الحكم الظاهري
الواقعي غير ثابت، وفي ظرف ثبوته لا موضوع لحكم الظاهري لا يمكن المساعدة عليه، فان
البعث والزجر وهكذا الترخيص في مرحلة الانشاء مسبوقة بمبادئ خاصة منها داعي
الالزام في الأولين وعدمه في الأخير، واجتماع الداعي وعدمه مستحيل فإنه من اجتماع
النقيضين في التكوين. ولذا بنينا على أنه لو كنا نحن ونفس اطلاقات الأدلة لقلنا
بلزوم الاحتياط عقلا، لعدم ثبوت حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بالمعنى الذي أريد
من البيان في مورد الشك في التكليف ولا سيما في الشبهات الموضوعية. نعم لابد من
تقييدها بغير مورد العجز عقلا، فان تكليف العاجز قبيح عقلا بل غير معقول إذا كان
المولى عالما بعجز العبد عن الامتثال ج كما هو كذلك في المولى الحقيقي ج لعدم
228

انقداح داعي البعث والزجر في محله حينئذ، وقانونية الجعل التي بنى عليه استاذنا
المحقق ج مد ظله ج لا تصحح المطلب بعد فرض شمول القانون للمورد، ولا يقاس قيود
الموضوع في الواجبات العينية بقيود المتعلق، فان المطلوب في الثاني نفس الطبيعة،
ومع العجز عن البعض والقدرة على الاخر يصدق القدرة على الطبيعة بخلاف الأول، فان
المطلوب منه ليس نفس الطبيعة بل هي بقيد التكثر في العمومات والسريان في الاطلاقات،
ولذا يجب على جميع الأفراد بحيث يكون كل منهم مكلفا بتكليف نفسه لا بتكليف الآخرين،
والتكثير والسريان بحيث يشمل العاجز ج مضافا إلى كونها لغوا لعدم ترتب أثر عليه في
الخارج ج غير معقول لعدم انقداح الداعي في محله، فتكليف العاجز بمعنى البعث والزجر
قبيح عقلا بل مستحيل بخلاف الجاهل. نعم بحسب الأدلة الشرعية علمنا أن الجاهل معذور
في مقام الامتثال، وقد ذكرنا ان الجمع بين البعث والزجر والمعذورية في مقام
الامتثال غير ممكن، فلابد من رفع اليد عن ظهور الأدلة الواقعية في البعث والزجر
بالنسبة إلى الجاهل أيضا كالعاجز، الا انه حيث إن الاجماع والضرورة وبعض النصوص
الدالة على اشتراك العالم والجاهل في التكليف تمنعنا عن الالتزام بعدم ثبوت التكليف
الواقعي على الجاهل، نلتزم بأن الساقط هو البعث أو الزجر والمطلوبية أو المبغوضية
الواقعية بعد باقية، وبما ان مثل هذا الاجماع والضرورة وغيرهما مفقود في العاجز ج
والمفروض ان اطلاق الدليل سقط عن الشمول ج فلا دليل على بقاء ذلك بالنسبة اليه.
ونتيجة ما ذكرنا اجزاء الأمر الاضطراري عن الواقع بل لا واقع له غير الحكم في مورد
الاضطرار حتى يبحث عن الاجزاء. نعم يمكن البحث عن مبنى تعدد المراتب المطلوبية،
229

وتمام الكلام في محله، بخلاف الأمر الظاهري فإنه لا يجزي عن الواقع، والعقل يحكم
بلزوم الجري على تلك المطلوبية أو المبغوضية الثابتة بالاجماع والضرورة، ونتيجته
لزوم الامتثال ولو قضاء، فان القضاء وإن كان بأمر جديد الا ان ظاهر دليله ان
مطلوبية القضاء مرتبة من مراتب مطلوبية نفس الطبيعة، أي الثابت في مورد القضاء نفس
ما ثبت في مورد الأداء، غاية الأمر سقط بعض مراتبه. ومما ذكرنا ظهر الحال في
الأحكام الوضعية فإنها عامة للجاهل والعاجز لوجود المقتضي وعدم المانع. نعم حيث إنه
قد يجعل ذلك استقلالا وقد يجعل تبعا فلابد من ملاحظة لسان الدليل، فمع كونه بلسان
البعث والزجر فالنتيجة وإن كان جعل الشرطية والجزئية مثلا الا انهما منتزعان من
مدلول ذلك الدليل وهو البعث نحو شئ اخر أو لشئ اخر، فيجري فيه ما ذكرنا في
التكاليف النفسية. وحاصل ما ذكرنا ان ما بنى عليه المحقق القمي ج رحمه الله ج من
عدم فعلية الشرطية أو المانعية يتم بالنسبة إلى نفس البعث أو الزجر الراجع إلى
اللبس مع بقاء أصل المطلوبية أو المبغوضية ولو قلنا بالمعذورية في الترك * * *
الأصول العملية
فقد يستدل على ذلك بقاعدة الحلية بتقريب ان الشك في اللباس مسبب عن الشك في أن
الحيوان المأخوذ منه ذلك هل هو حلال أكل لحمه أو حرام أكل لحمه، وكل شئ لك حلال
حتى تعرف الحرام منه بعينه. فبجريان هذا الأصل ينقح موضوع جواز الصلاة وهو لبس محلل
الأكل أو عدم لبس محرمه. وقد أشكل المرحوم النائيني ج قدس سره ج على ذلك بوجوه:
الأول: ان قاعدة الحلية انما تجري في شئ له واقع شك في حليته وحرمته وفي المقام
لاشك كذلك، فان الحيوان المأخوذ منه اللباس مردد بين فردين محلل الأكل جزما ومحرم
الأكل قطعا، وعنوان أحدهما لا واقع له حتى يحكم بحليته فلا يجري الأصل. ولكن لا يمكن
230

المساعدة على ذلك فإنه لا مانع من جريان الأصل في هذا النحو من الترديد، فان
المفروض وقوع الشك في الحيوان المأخوذ منه اللباس ولو كان طرفا الشك محكومين بحكم
جزما، فنشير إلى ذلك الحيوان ونقول: ان هذا المردد بين كونه غنما أو أرنبا شك في
حليته وحرمته فهو حلال، كما إذا وجدت قطعة لحم شك فيها كذلك، وهنا وان اخذ اللباس
من أحد الحيوانين الغير الموجودين بالفعل لكن يمكن الإشارة المذكورة، كما لا يخفى.
الثاني: ان عنوان الحل والحرمة في روايات اللباس قد اخذ مشيرا إلى العناوين
الواقعية كالأسد والأرنب والغنم والبقر وهكذا، فعلى ذلك ما هو موضوع للروايات غير
جار فيه الأصل لعدم الشك في شئ منها وما هو مجرى الأصل وهو ما اخذ منه اللباس على
اهماله ليس بموضوع للروايات. وقد تقدم ما يمكن الجواب به عن ذلك، وهو ان ظاهر
العنوانين المأخوذين في الروايات دخلهما في الموضوع على النحو الموضوعية لا
الطريقية فلا يجوز الصلاة في محرم الأكل ويجوز في محلل الأكل، والمفروض الشك في
حلية المأخوذ منه اللباس وحرمته والأصل الحلية. الثالث: أن المأخوذ في الروايات
الحرمة والحلية الطبيعتان لا الفعليتان، وقاعدة الحلية انما تثبت الحلية الفعلية في
مورد الشك لا الطبعية الا على القول بالأصل المثبت. وهذا جواب متين فإنه لا ملازمة
بين الحرمة الفعلية وعدم جواز الصلاة، فان الصلاة في صوف الغنم صحيح وان لم يذك
والثابت هو الملازمة بين حرمة أكل الحيوان بطبعه وعدم جواز الصلاة ولذا الصلاة في
اجزاء الأرنب لا يصح وإن كان مذكى. ومن هنا يعلم أنه لو بني على جواز التمسك
بالاستصحاب في الأعدام الأزلية وجريان استصحاب عدم التذكية مع ذلك لا يمكن التمسك
231

باستصحاب عدم التذكية لاثبات عدم جواز الصلاة، فان ما يثبت استصحاب عدم التذكية هي
الحرمة الفعلية لا الطبعية للحيوان، وما هو موضوع لعدم جواز الصلاة هي الطبعية. نعم
لو كان الأصل مثبتا للحلية الطبعية في مورد مثل مورد الشك في حصول الجلل في الحيوان
المحلل أكله لقلنا بجريانه وجواز الصلاة فيه، الا ان المقام ليس كذلك كما هو ظاهر.
وقد يستدل على ذلك أيضا بقاعدة الطهارة، لكن طهارة الحيوان لا يلازم حلية أكله، بل
ومع الملازمة لا يثبت الأصل ذلك الا على القول بالأصل المثبت. وقد يستدل عليه أيضا
باستصحاب عدم الحرمة الثابتة لكل شخص قبل بلوغه. ويرد على هذا الاستدلال أيضا ما ورد
على الاستدلال بقاعدة الحلية، فان عدم الحرمة المستصحبة حينئذ حكم فعلي لهم لا طبعي
للحيوان، واستصحاب عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلى الشخص لا يثبت أن الحيوان بطبعه
حلال بحيث يجوز أكله بالنسبة إلى البالغين. وبعبارة أخرى: لازم الحرمة الطبعية
للحيوان حرمة أكله على البالغين، واستصحاب عدم الحرمة الثابتة لغير البالغ لا يثبت
عدم الحرمة على البالغ ولا عدم حرمة أكل الحيوان بطبعه، فهذا الاستصحاب لا يفيد،
ولذا نحكم بعدم جواز الصلاة في غير المأكول حتى بالنسبة إلى غير البالغين. وهنا
استدلال اخر وهو استصحاب عدم جعل الحرمة للحيوان المأخوذ منه اللباس بلا فرق بين
كون الشبهة حكمية أو موضوعية، فإنه في الثاني أيضا يمكن اجراء ذلك الاستصحاب فيقال
ان هذا الحيوان مردد امره بين كونه داخلا في المحلل أكله أو داخلا في المحرم اكله
فيشك في حرمته وحليته فيستصحب عدم حرمته. وقد يستشكل على هذا الاستصحاب من وجوه
ذكرها المرحوم النائيني ج قدس سره ج: الأول: ان موضوع الأثر في المقام هو عدم
الحرمة النعتي، وهو غير متيقن سابقا، فإنه لا يعلم عدم حرمة الحيوان في الشريعة
232

المقدسة سابقا حتى يستصحب. وما هو المتيقن سابقا العدم المحمولي وليس بموضوع للأثر،
والتمسك باستصحاب العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي مثبت فلا يجري هذا الاستصحاب.
والجواب عن ذلك ان الأحكام الثابتة في الشريعة المقدسة لم تجعل من أول انعقادها بل
انما جعلت تدريجا، فنعلم ان في أول انعقاد الشرع لم يجعل الحرمة للحيوان فيستصحب
عدم الجعل في نفس الشرع، فالمستصحب العدم النعتي والمفروض انه الموضوع للأثر.
الثاني: ان الأصل المذكور معارض لأصالة الإباحة فان كلا من الحرمة والإباحة حكمان
مجعولان حادثان مسبوقا بالعدم. والجواب عن ذلك: (أولا) ظهر مما تقدم، فانا نعلم
بإباحة أكل الحيوان في أول الشرع فالمستصحب هو الإباحة لا عدمها. (وثانيا) ان موضوع
الأثر في المقام حرمة الأكل وعدمها كما مر في بيان ما يستفاد من موثقة ابن بكير لا
اباحته وعدمها، فالاستصحاب غير جار في الإباحة في نفسه. الثالث: ان موضوع الأثر هو
الحرمة الفعلية لا الانشائية، والفرق بينهما انه في الثاني مقام جعل الحكم والأول
مرحلة المجعول ووجود الموضوع، فاستصحاب عدم جعل الحرمة ليس له اثر، والحرمة الفعلية
غير متيقن سابقا فإنه ليس زمان علم فيه عدم حرمة الحيوان بعد وجوده، واستصحاب عدم
الجعل لا يثبت عدم الفعلية الا على القول بالأصل المثبت. قال السيد الأستاذ في
الجواب عن ذلك: ان مقام الجعل والمجعول لا يغير الحكم ولا ينوعه إلى نوعين، بل الحكم
في مرحلة الفعلية هو الحكم في مرحلة الجعل. غاية الأمر انه في مرحلة الجعل جعل على
الموضوع، ولو لم يكن موجودا بالفعل والموضوع في مرحلة الفعلية موجود بالفعل،
فالموضوع الموجود محكوم بالحكم من الأول حتى قبل وجوده لعدم دخل وجوده في موضوعيته.
فعلى ذلك يمكن الإشارة إلى الموضوع الموجود ويقال ان هذا لم يجعل له الحرمة أي لم
233

يكن محرما في الشرع والآن كما كان. أقول: ان جعل الأحكام وإن كان على نحو قضايا
الحقيقية وبنحو القانون وفعلية وجود الموضوع غير دخيل فيه، الا ان جريان الاستصحاب
لا تثبت ترتب المستصحب على الموضوع الموجود بالفعل الا على الاثبات، فعدم جعل حرمة
الأكل للحيوان المشكوك حكمه امر وترتبه على الموجود أمر اخر، وان أراد ما هو ظاهر
أخير كلامه من أن موضوع المستصحب نفس الموجود، وبالإشارة يقال إن هذا لم يجعل له
الحرمة والآن كما كان. ففيه ان عدم جعل الحرمة لهذا ج أي الموجود ج معلوم لا يحتاج
إلى الاستصحاب، فان الحكم لم يجعل على الفرد الموجود جزما، ولا شك في ذلك حتى
يستصحب، لكن عدم جعل الحرمة للموجود لا ينفي عدم فردية الموجود للموضوع وعدم انطباق
المجعول على الموجود. والصحيح ان هذا الاستصحاب أيضا لا يفيد وان بنى عليه السيد
الأستاذ ج مد ظله ج وقال بأنه يجوز الصلاة في المشكوك من جهة تنقيح موضوعه باستصحاب
عدم الحرمة. ثم إنه على تقدير جريان الاستصحاب لا فرق فيه بين القول بالشرطية
والمانعية، فإنه كما يمكن استصحاب عدم الحرمة بناء على المانعية يمكن استصحاب
الإباحة بناء على الشرطية أيضا، هذا مضافا إلى امكان استصحاب عدم مانعية هذا اللباس
للصلاة، بناء على القول بأنه كما أن جعل الاحكام الاستقلالية تدريجي جعل الأحكام
الضمنية أيضا كذلك، فإنه يقال إن هذا اللبس لم يكن مانعا للصلاة في زمان هذا الشرع
والآن كما كان، ولا يجري هذا الاستصحاب بناء على الشرطية، كما هو ظاهر. هذا ما تم
به السيد الأستاذ ج مد ظله ج كلامه في هذا الاستصحاب وبنى عليه. ولكنك خبير بأنه
إذا وصلت النوبة إلى استصحاب عدم المانعية تكفي لاثبات جواز الصلاة في المشكوك نفس
234

أدلة البراءة حتى في الشبهة الموضوعية بلا حاجة إلى الاستصحاب حتى يرد عليه بان عدم
مانعية الموجود غير متيقنة سابقا وعدم المانعية بنحو القانون لا يثبت فردية الموجود
لموضوعها وترتبها عليه. والصحيح جواز الصلاة في المشكوك فان مانعية المشكوك أو
شرطية غيره مشكوك، والأصل البراءة، ولا نحتاج إلى اثبات أي أمر اخر حتى يقال بأنها
مثبتة، فان ما تمت الحجة عليه وهو أصل الصلاة قد أتى بها وما احتمل دخله فيها لم
تقم حجة عليه ومرفوع وهذا معنى صحة الصلاة المأتي بها، ونتعرض لذلك إن شاء الله
فيما سيأتي. ثم إن السيد الأستاذ ج مدل ظله أفاد فرعا في المقام لا يجري عليه
استصحاب الحرمة الذي جرى بنظره على الفرع السابق، وتمسك فيه باستصحاب العدم الأزلي
وصرف عنان كلامه فيه. ونحن أيضا نتبع ما افاده لنرى أنه هل يمكن المساعدة لما بنى
عليه أو لا؟. قال: ولا يخفى ان الاستصحاب المذكور انما يتم فيما إذا علم بكون
اللباس من اجزاء الحيوان، فلو تردد أمره بين كونه من محرم الأكل أو من القطن مثلا
لا يجري استصحاب عدم الحرمة، فلابد لاثبات الجواز من التمسك بأصل موضوعي اخر وهو
أصالة عدم جزئية هذا اللباس للحيوان المحرم اكل لحمه، وهل هذا الاستصحاب حجة أم لا؟
مبني على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية وعدمه. ثم قال: ولا بأس بصرف عنان
الكلام في ذلك فنقول: يقع الكلام أولا في عدة أمور: الأول: ان موضوع الحكم ج الأعم
من المتعلق ج قد يكون بسيطا وقد يكون مركبا من أمرين أو عدة أمور، أما (الأول) فلا
اشكال في جريان الاستصحاب فيه إذا تم فيه أركانه. واما (الثاني) فجريان الاستصحاب
في نفس المركب عند تمامية الأركان فيه أيضا كذلك، واما لو فرضنا حصول العلم ببعض
أجزائه ج الأعم من الشرائط ج والشك في الباقي فهل يمكن اجراء الأصل في المشكوك فيه
235

واحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل أم لا؟ المشهور والمعروف امكان ذلك، وقد يقال إن
الأصل الجاري في الجزء المشكوك فيه معارض بأصالة عدم حصول المركب عند فقدان ذلك
الجزء. لكنه فاسد جزما لأن موضوع الحكم لو كان العنوان المأخوذ من الأجزاء بحيث
تكون الأجزاء محصلا له، فمع أنه خارج عن الفرض ج فان الكلام فيما إذا كان الموضوع
مركبا لا بسيطا لا يجري بالأصل في الجزء المشكوك فيه لعدم ترتب اثر عليه فضلا عن
وقوع المعارضة بين الأصلين. ولو كان الموضوع ذوات الاجزاء بأسرها فأصالة عدم المركب
لا معنى لها، فان المركب محرز على الفرض بضم الوجدان إلى الأصل، فالأصلان لا يجريان
في مورد واحد حتى تقع المعارضة بينهما. وقد ذكر المرحوم النائيني ج قدس سره ج في
مقام الجواب عن الشبهة بأن الأصل الجاري في الجزء حاكم على الأصل الجاري في المركب
حكومة الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في مسببه. ولا يتم ما ذكره بوجه، فان
السببية وان كانت صحيحة الا انها غير شرعية ومعه لا حكومة الا بناء على جريان الأصول
المثبتة، ولا نقول به. أقول: لو كانت بين الجزء والمركب سببية شرعية كالطهارة
والصلاة فما ذكره النائيني هو الصحيح، والا فلا يمكن تصديق السيد الأستاذ بما ذكره
من أن أصالة عدم المركب لا معنى لها مع جريان الأصل في الجزء، فان هذا الأصل الجاري
في الجزء ليس بمفروض الوجود حتى يقال بعدم وجود المعنى للأصل في المركب مع هذا
الأصل، بل الأصلان في مرتبة واحدة ولا يلزم ان يكون جريانهما في مورد واحد حتى تقع
المعارضة بينهما، بل نفس العلم بعدم جريان أحد الأصلين كاف في وقوع المعارضة
بينهما، فتدبر جيدا. نعم أصالة عدم المركب غير جارية في نفسه لعدم ترتب اثر شرعي
عليها فتبقى الأصل الجاري في الجزء بلا معارض. ثم قال: هذا إذا كان الموضوع مركبا من
236

جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض قائم بغير ذلك الجوهر، مثال الأول وجود الاخوة في حجب
الام، ومثال الثاني كالطهارة والصلاة، ومثال الثالث كوجود الوارث وموت المورث. واما
لو كان الموضوع مركبا من جوهر وعرضه القائم به فهل يجري الأصل في ذلك أم لا؟ فليعلم
ان تركب الموضوع من العرض ومحله لا يمكن الا إذا اخذ العرض ناعتا في محله، أي كون
المأخوذ في الموضوع الا تصاف بكذا لا بما ذكره المرحوم النائيني ج رحمه الله ج من أن
انقسام المعروض كزيد مثلا باتصافه بالعرض كالقيام وعدمه يقدم على انقسام العرض
بكونه قائما بالمعروض وعدمه، فلابد من اخذ الاتصاف في المعروض، والا فيقع التهافت
بين اطلاق المحل وثبوت العرض له أو تقديم انقسام العرض على انقسام معروضه لان
المعروض لا يخلو أمره عن التقييد بالاتصاف وهو المطلوب أو الاطلاق فيقع التهافت، فان
المفروض اخذ العرض القائم بمحله في الموضوع أو عدمه فيقدم انقسام العرض على انقسام
المعروض. فان ما ذكره كلام لا يرجع إلى معنى صحيح، لان العرض ليس له وجودان وجود في
نفسه ووجود في غيره بل له وجود واحد والاختلاف انما هو باللحاظ، فلو لوحظ قائما
بالغير يقال له الاتصاف ولو لوحظ مستقلا يقال له العرض، فاتصاف المعروض بالعرض عين
قيام العرض به فأين التقدم والتأخر؟ بل وجه ذلك ما ذكرنا من أن وجود العرض في نفسه
عين وجوده في غيره فلا يعقل أخذ العرض ومحله في الموضوع الا مع كون المحل متصفا
بذلك، فإنه لو كان العرض مع ذلك مطلقا لزم الخلف، فان المعروض ليس محلا لعرضه على
اطلاق العرض، أي ولو كان ثابتا في غير ذلك المحل، وهذا ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك
لا يمكن اجراء الأصل في الموضوع الا إذا كان الاتصاف أو عدمه مسبوقا بحالة سابقة
237

كاستصحاب كرية الماء أو عدمها، واما مع عدم السبق بذلك لا يمكن اثبات الاتصاف
باستصحاب محمولي، فإنه من الأصل المثبت، فلو شككنا في عمى زيد وعدمه أي اتصافه بعدم
البصر وعدمه مع عدم وجود حالة سابقة معلومة له كذلك لا يمكن اثبات اتصافه بالعمى
باستصحاب عدم البصر له فإنه من المثبت. الثاني: ان الموضوع أو المتعلق في مقام
الثبوت بالنسبة إلى المولى الملتفت إلى موضوع حكمه ومتعلقه لا يخلو أمره ج بالنظر
إلى كل خصوصية ج من الاطلاق أو التقييد بذلك، ولا يعقل الاهمال في هذا المقام لأن هذه
الخصوصية اما هي معتبرة في الموضوع أو المتعلق أو لا، فالأول التقييد والثاني
الاطلاق، واما في مقام الاثبات فيمكن الاهمال من جهة عدم كون المتكلم في مقام بيان
اعتبار تلك الخصوصية في متعلق حكمه أو موضوعه وعدم اعتبارها، وهذا ظاهر. الثالث:
كما أن تخصيص العام بالمتصل يوجب تعنونه بعنوان الخاص من جهة عدم انعقاد الظهور
للكلام الا في ذلك كذلك تخصيصه بالمنفصل أيضا يوجب تعنونه بغير العنوان المأخوذ في
المخصص لا من جهة هدم الظهور ولا كشف الخاص عن المستعمل فيه في لفظ العام، بل لأن
حجية العام في مدلوله موقوف بعدم وجود حجة أقوى على خلافه، ومع وجود ذلك فحجية
العام منحصرة بما وراء ذلك الخاص، فبما ان الاهمال في مقام الثبوت غير معقول نستكشف
من التخصيص ان الجد في العام متحقق في غير مورد التخصيص، والإرادة الجدية في مقام
تعلق الحكم ج لا في مقام الاستعمال ج متعلق بغير ذلك المورد. الرابع: ذكرنا ان
موضوع الحكم أو متعلقه لو كان مركبا من العرض ومحله لابد من أن يؤخذ العرض ناعتا،
فان وجود العرض في نفسه عين وجوده لغيره هذا إذا كان التركيب من الذات ووجود العرض،
238

واما إذا كان منه ومن عدم عرضه القائم به فلا، لان القضية السالبة لا يحتاج إلى وجود
الموضوع بل لا يعقل الربط بين العدم والشئ، فان العدم بطلان محض، فلو اخذ ناعتا
كما في القضايا المعدولة لا يؤخذ بنفسه ناعتا بل يؤخذ عنوان وجودي مقارن له كذلك
كالعمى مثلا المقارن لعدم البصر، ومن المعلوم ان هذا خلاف الظاهر من أخذ عنوان
العدم في الموضوع، فطبع أخذ العدم في الموضوع يقتضي أخذه محمولا على نحو سلب الربط
وسالبة محصلة لا أخذه ناعتا على نحو ربط السلب وموجبة معدولة، وبهذا يظهر عدم
تمامية جملة مما ذكره المرحوم النائيني ج رحمه الله ج في هذا المقام فراجع كلامه ج
أعلى الله مقامه ج. وقد ظهر بما ذكرنا انه فيما إذا كان الموضوع مركبا من الذات
وعدم اتصافه بالعرض يجري استصحاب عدم الاتصاف ويلتئم الموضوع بصم الوجدان إلى
الأصل، فإنه كما أن الذات مسبوق بالعدم كذلك اتصافه بالعرض أيضا مسبوق بالعدم،
فأركان الاستصحاب تامة، بخلاف ما لو اخذ العدم فيه على النحو الناعتية، فلا يجري
الاستصحاب فيه إذا كان لنفس الاتصاف بالعدم حالة سابقة، والا فلا يجري الاستصحاب
فيه ولا يمكن اثباته بجريان الاستصحاب في العدم المحمولي، كما لا يخفى، هذا. وقد فصل
بعض الأعاظم بين ما لو كان موضوع الحكم المركب من العرض ومحله على النحو المركبات
الناقصة التقييدية كزيد العالم فيجري الاستصحاب عند الشك فيه لو كان مسبوقا بالوجود
أو في عدمه لو كان مسبوقا بالعدم، بخلاف ما لو كان من قبيل الجمل الخبرية التامة
التي يؤخذ الموضوع فيها مفروض الوجود كزيد الذي هو عالم فلا يجري الاستصحاب في عدمه
وإن كان يجري في وجوده لو كانت له حالة سابقة، فان عدم البديل للشئ في مرتبة نفسه،
239

فكما أخذ الموضوع المفروض الوجود بالنسبة إلى وجود العرض لابد من أخذه كذلك بالنسبة
إلى عدم ذلك أيضا، فلا يمكن جريان استصحاب العدم حينئذ لعدم العلم بسبق عدم العرض مع
كون الموضوع مفروض الوجود. ولكن لا يتم شئ مما افاده ج قدس سره ج أما في المركبات
التقييدية فهي وإن كان الامر فيها كما ذكره من امكان جريان الاستصحاب الا انها
خارجة عن محل الكلام، فان محل الكلام ما إذا اخذ العدم في الموضوع نعتا أو محمولا
لا إخذ عنوان وجودي كذلك فإنه لا إشكال حينئذ في جريان الاستصحاب فيه إذا كان
مسبوقا بحالة سابقة. واما في الجمل الخبرية فما ذكره من أن عدم البديل للشئ في
مرتبة نفس الشئ لا يتم، لان نقيض وجود الخاص عدم الخاص لا العدم الخاص، أي نقيض
عدالة زيد ولو اخذ ناعتيا عدم اتصاف زيد بها لا اتصاف زيد بالعدم، والمفروض ان عدم
النعت امر أزلي له حالة سابقة يجري فيه الاستصحاب. والحاصل: انه لو اخذ الموضوع
مركبا من الذات وعدم اتصافه بالوصف يمكن اجراء الاستصحاب في العدم، ويلتئم الموضوع
حينئذ بضم الوجدان إلى الأصل، بخلاف ما لو اخذ مركبا من الذات واتصافه بالعدم أو
اتصافه بعرضه ج كما هو قضية الأخذ مركبا من العرض ومحله ج فلا يمكن اجراء الاستصحاب
الا إذا كان لنفس الاتصاف أو لعدمه حالة سابقة، ولا يمكن اثبات الاتصاف بالعدم
باستصحاب عدم الاتصاف لكونه مثبتا، فيمكن اجراء استصحاب عدم قرشية المرأة إذا اخذ
الموضوع مركبا من المرأة وعدم انتسابها إلى قريش، بخلاف ما إذا اخذ مركبا منها ومن
اتصافها بعدم القرشية أو كونها غير قرشية فلا يجري الاستصحاب حينئذ لا نعتا ولا
240

محمولا. ففي محل كلامنا ج وهو اللباس المشكوك فيه ج يمكن اجراء استصحاب عدم كونه من
غير المأكول لالتئام الموضوع بضم الوجدان وهو اللباس والأصل وهو عدم كونه كذلك بناء
على مانعية لبس غير المأكول للصلاة، واما بناء على الشرطية والقول باشتراط وقوع
الصلاة في اللباس الغير المأخوذ من غير المأكول فلا، فان استصحاب عدم كون اللباس من
غير المأكول لا يثبت به وقوع الصلاة في غير المأخوذ من غير المأكول، وحيث انا
استفدنا من الروايات المانعية فيجري الاستصحاب بلا اشكال. هذا ما استفدنا من كلام
السيد الأستاذ ج دام ظله ج في الدرس ونقلناه بطوله. ولنا كلام اخر من سيدنا الأستاذ
المحقق ج مد ظله ج استفدناه من الدرس أيضا ننقله في هذا المقام، ويستفاد منه عدم
جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية حتى بنحو استصحاب عدم الاتصاف، وعليه استصحاب
عدم انتساب المرأة إلى قريش أو استصحاب عدم اتصاف اللباس بكونه من غير المأكول أيضا
لا يجريان. والحق معه ج مد ظله ج فلاحظ ما ننقله من كلامه تعرف حقيقة مرامه إن شاء الله
. قال في بيان أدلة لزوم المعاطاة ونقلنا عنه في التقريرات ولم يتعرض هو ج دام
ظله ج عن ذلك في كتابه (كتاب البيع): ولا بأس بجر الكلام إلى استصحاب عدم تأثير
الفسخ وملاحظة الحال في الاعدام الأزلية، وهل يجري الاستصحاب فيها أم لا؟ وقبل
الورود في ذلك لابد من ملاحظة وضع القضايا السالبة لتوقفه عليه، ونبين القضايا
الحملية الموجبة أولا استطرادا لما فيها من الفائدة. فاعلم أن المعروف بين المحققين
ج خلفا عن سلف ج ان القضية مركبة من الموضوع والمحمول والنسبة، لكن لما تفحصنا عن
ذلك وفتشنا القضايا على اختلافها حملا ومحمولا ايجابا وسلبا ما وجدنا لا في الخارج
241

ولا في القضية المعقولة ولا في الملفوظة ما يكون نسبة بين المحمول والموضوع الا في
القضايا الموجبة التي لوحظ فيها النسبة بين الأمرين وسميناها بالقضايا الحملية
المؤولة نحو: زيد في الدار وعمرو على السطح وغير ذلك، بلا فرق بين الخارج والمعقولة
والملفوظة، ولذلك يعبر عن تلك النسبة في هذه القضايا بحرف من الحروف. والدليل على
ما ادعينا من أن القضايا الحملية الحقيقية فاقدة للنسبة ان طرفيها متحدان في الخارج
بالضرورة بل الحمل حقيقة عبارة عن الهوهوية والاتحاد، والنسبة لا يعقل قيامها الا
بالمنتسبين، فمع فرض الاتحاد خارجا والحكم بالهوهوية كيف يعقل وجود النسبة خارجا؟
بل ليس في الخارج الا شئ واحد منتزع منه عنوانان أحدهما موضوع والاخر محمول،
والحمل في طرف المباينة من النسبة لما ذكرنا من أن النسبة قائمة بالمنتسبين والحمل
عبارة عن الهوهوية. فالقول بوجود النسبة في القضايا الحملية خارجا خلف ومناقضة،
ولذلك ترى انه في أمثال هذا التركيب من القضايا: زيد زيد، الوجود موجود، الله ج جل
جلاله ج موجود أو عالم، زيد موجود، لا يعقل وجود النسبة بين عقديها في الخارج، فان
الالتزام به التزام بمغايرة الشئ ونفسه والتزام بأصالة الماهية والتزام بزيادة
الصفات عن الباري والشرك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فليكن الأمر في الهليات
المركبة مثل زيد قائم كذلك أيضا بعين البيان، هذا بحسب الخارج. واما المعقولة
والملفوظة فهما حاكيان عن الخارج فوجود النسبة فيهما دون الخارج مستلزم لعدم تطابق
الحاكي والمحكي، وهذا كبطلانه ظاهر. وبعبارة أخرى: ان الحاجة إلى تفهيم الواقعيات
وتفهمهما اقتضت وضع الألفاظ لمداليلها، فلابد من ملاحظة الواقع وما هو المتكلم بصدد
242

بيانه، ففي مثل القيام لزيد الواقع هو الربط بين العرض الجوهر القائم به، فهنا عارض
ومعروض وعروض، كل منها مدلول لدال لفظي، وحيث إن هذا المقدار غير كاف للدلالة على
تصديق المتكلم بالربط، ولذلك ترى عدم دلالة موضوع هذه الجملة (القيام لزيد ثابت)
على ذلك وضعت الهيئة للدلالة عليه ونسميه بالدلالة التصديقية، فهنا نسبة وطرفاها
والتصديق بثبوتها لها ولكل منها دال وليس في البين حمل الا بالتأويل والاستمداد من
كون الرابط، وفي مثل زيد موجود أو الله موجود أو عالم الواقع ليس الا الاتحاد بين
العنوانين المنتزعين أو المدركين، فلو أريد من ذلك زيد له الوجود أو الله ج جل
جلاله ج له الوجود أو له العلم فهي خلاف الواقع وخلاف ما كان المتكلم بصدد بيانه،
مع أنه يلزم من الأول زيادة الوجود عن الماهية وأصالتها كالوجود، ومن الثاني ان
يكون الباري ج جل اسمه ج معروضا لعوارض قد برهن فساد كل منها في محله، وهكذا الحال
في الحمل الأولي الذاتي كحمل الحد على المحدود وما كان كذلك من الحمل الشائع كحمل
الذاتيات على الشئ. واما في موارد الهليات المركبة كزيد قائم فالأمر أيضا كذلك وان
لم يلزم منه تلك الاستحالات، فان الواقع هو الاتحاد لا الربط بين الموضوع والمحمول
والمتكلم في مقام بيان هذا الاتحاد والهوهوية، فلو اخذت النسبة بينهما في الملفوظة
تكون خلاف الواقع، ففي هذا القسم من الحمل الذي هو الحمل الحقيقي موضوع ومحمول ولكل
منهما دال والهيئة دالة على الهوهوية التصديقية، وفي مثل زيد القائم الهيئة دالة
على الهوهوية التصورية. أقول: تتميما لما استفدته مما افاده ج مد ظله ج: ان الهيئة
غير دالة الا على التصديق بمفاد الجملة وهي مشتركة بين جميع ما أفيد من القضايا
243

ويعبر عنها باست بالفارسية، كما انها موجودة في القضايا السالبة أيضا مع أنه لا
هوهوية فيها، واما الاتحاد والهوهوية فيفهم من مقام الحمل الذي موجود في زيد القائم
أيضا، فهنا دوال أربعة: زيد، والقائم، والحمل، والهيئة، وهذا بخلاف القسم الأول،
فان الحمل غير موجود هناك بل الموجود فيه الربط والنسبة. فتحصل ان في القسم الأول
منسوب ومنسوب اليه والنسبة والتصديق بها، وفي القسم الثاني محمول وموضوع والحمل
والتصديق به، ولذا الأنسب تسمية القضايا في القسم الأول بالقضايا النسبية، وفي
القسم الثاني بالقضايا الحملية، ولو قيل بان الحمل أيضا قسم من النسبة وهي النسبة
الاتحادية فإنها تدل على اتحاد العنوانين المتغايرين بحسب المفهوم خارجا لم يكن به
بأس، والجهات في القضايا الموجهة كزيد كاتب بالامكان راجع إلى هذا المعنى من النسبة
والشك والظن والقطع متعلق بها أيضا، ولعل القوم أيضا أرادوا بالنسبة ذلك فيصبح
النزاع لفظيا. وعلى أي تقدير لابد من التفصيل المذكور الذي افاده ج مد ظله ج فان
القسم الأول مما أفاد لا حمل فيه الا مؤولا والأمر ظاهر. وهنا نكتة لا بأس بالتنبيه
بها وهي ان المحكي بالقضية ليس هو الخارج أو الواقع، فإنه قد لا يكون للقضية واقع
أصلا بل في نفس القضية يحكم بعدم الواقع كالقضايا السالبة والموجبة المعدولة،
المحمول، بل المحكي بها هي المفاهيم فمحكي زيد مفهومه كما أن محكي شريك الباري أيضا
مفهومه، لا أريد من المفهوم الموجود الذهني بل أريد منه ما هو منسلخ عنه قابل
للانطباق عليه الذي قد يعبرون عنه بالماهية، ولذا يقال إن الألفاظ موضوعة للمفاهيم
والوجود الخارجي أو الذهني غير دخيلين في الموضوع له، فزيد قائم قضية مركبة مما دل
على مفهوم زيد وهو الموضوع وما دل على مفهوم القائم وهو المحمول، ومما دل على
244

اتحادهما وهو الحمل وما دل على التصديق بالحمل وهي الهيئة. واما خصوصية الخارجية
فيفهم من المقام بمعنى انه مع امكان تطبيق اجزاء القضية على الخارج ووجود المصداق
لها خارجا العقلاء يفهمون من القضية الاتحاد الخارجي والا فلا يفهمون منها الا مجرد
المفهوم. وقد ظهر ان معنى قضية شريك الباري ممتنع مثلا اتحاد مفهوم شريك الباري
والممتنع. وبهذا أيضا يمكن تصوير النسبة الاتحادية، فان المفهومين المحكيين
متغايران، فليتدبر. ثم قال ج مد ظله ج هذا حال القضايا الموجبة، وأما السوالب فلا
نسبة في شئ منها، اما في الهليات البسيطة كزيد ليس بموجود والقضايا السالبة
المحصلة السالبة الموضوع كالعنقاء ليس بأبيض فلا واقع لشئ من طرفيها أصلا ففضلا عن
النسبة بينهما، بل مفادها سلب تحقق الشئ في الأول وسلب الوصف من باب سلب الموصوف
في الثاني، ففرض وجود النسبة واقعا خلاف الواقع بل خلف. واما في الهليات المركبة
كزيد ليس بقائم والقضايا الحملية المؤولة كزيد على السطح فسالبتها يمكن بوجهين
(أحدهما) أن تكون من باب سلب الموضوع وقد ذكر حاله. (وثانيهما) أن تكون سالبة محققة
الموضوع. ففي ذلك لا واقع لاجزاء القضية الا لموضوعها، واما المحمول أو النسبة فلا،
وفرض وجودهما ج مضافا إلى أنه خلاف الواقع ج خلف، ولا يتوهم ان السلب أيضا نسبة، فان
السلب نفي الهوهوية في الأول ونفي النسبة في الثاني، فكيف يعقل أنها نسبة؟ مضافا
إلى أن النسبة قائمة بالمنتسبين والمفروض انتفاء أحدهما، بل لو فرض وجودهما تنقلب
السالبة موجبة، هذا حال القضية الواقعية. واما المعقولة والملفوظة فقد عرفت لزوم
تطابقهما والواقع، فلا يمكن اشتمالهما على النسبة، واما الطرفان فيهما وإن كان لا
245

واقع لشئ منهما في الهليات البسيطة والسوالب السالبة الموضوع ولا واقع لأحدهما في
السوالب المحققة الموضوع لكنهما مدركان في المعقولة ولمفوظات في اللفظية لا للحكاية
عن وجودهما خارجا بل لتعلق السلب بهما للحكاية عن عدم التحقق خارجا موضوعا ومحمولا
فقط في الثاني. أقول: قد عرفت ج مما ذكرنا سابقا ج وجود الحكاية هنا أيضا، فان
المحكي هو المفهوم مع قطع النظر عن الوجود والسلب أيضا متعلق بذلك، وسلب التحقق
خارجا أو سلب الهوهوية في الخارج أو سلب النسبة في الخارج يعلم من المقام بالمعنى
المتقدم. نعم لا ينبغي الاشكال في عدم اشتمال السالبة للنسبة، فان نفي النسبة أو
الهوهوية في طرف المباينة للنسبة فلا يعقل كونها نسبة، الا ان يقال إن سلب مفهوم عن
مفهوم أيضا نسبة كالاتحاد بينهما. لكن هذا مجرد تعبير لا واقع له والقياس مع
الفارق، كما لا يخفى. ثم قال ج مد ظله ج: والحاصل ان الموجبة على قسمين: (الأول)
ما كان مفادها الحمل والهوهوية. (والثاني) ما كان مفادها النسبة بين العرض ونحوه
ومحله. والسالبة على قسمين: (الأول) ما كان مفادها سلب الهوهوية. (والثاني) ما كان
مفادها سلب النسبة، وشئ من هذه القضايا غير مشتمل على النسبة الا القسم الثاني من
الموجبات. واما القضايا الموجبة المعدولة أيضا حكمها حكم الموجبات فان المعتبر من
القضايا المعدولة ما كان المنفي فيها من باب العدم والملكة فلا يقال للجدار انه لا
بصير، ولو أريد هذا المفاد يلقى بالسالبة التحصيلية أي الجدار ليس له البصر، فعلى
ذلك ان له حظا من الوجود فيمكن جعلها محمولا للقضية الحملية أو موضوعا لها أو طرفا
للنسبة في الحملية المؤولة. فقد علم أن وضع الحكاية في الموجبات تختلف وضعها في
246

السوالب، وفي الأول الحكاية عن امر واقع في نفس الأمر بخلاف الثاني فإن الحكاية فيه
عن عدم التحقق في الواقع ونفس الأمر. وبهذا ظهر ان مناط الصدق في القضايا الموجبة
والسالبة هو موافقة القضية وصفحة الوجود، لكن تختلف الموجبة عن السالبة بأن المحكي
في الأول امر له واقع في صفحة الكون وباعتبار توافقه مع ذلك الواقع وعدمه يتصف
بالصدق والكذب بخلاف الثاني، فان المفروض انه لا واقع له في صفحة الكون وباعتبار
توافقه مع ذلك وعدمه أي خلو صفحة الوجود عنه وعدمه يتصف بهما، هذا حال القضايا.
فلنرجع إلى ما كنا بصدد بأنه ج وهو جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية كاستصحاب
عدم قرشية المرأة للحكم بعدم تحيضها بعد خمسين ج فنقول: ان موضوع الحكم الذي هو
المستصحب يتصور على انحاء ثلاثة: ج 1 المرأة المتصفة بغير القرشية بحيث تكون القضية
المتشكلة عن ذلك قضية ايجابية معدولة المحمول وهي المرأة غير القرشية. ج 2 المرأة
التي ليست بقرشية بحيث تكون القضية المتشكلة عن ذلك قضية ايجابية سالبة المحمول وهي
المرأة هي التي ليست بقرشية. ج 3 من لم تكن قرشية بحيث تكون القضية المتشكلة عن ذلك
قضية سالبة محصلة وهي المرأة ليست بقرشية. وهذا الأخير يتصور على انحاء ثلاثة أيضا:
ج 1 سالبة تحصيلية مع فرض وجود الموضوع ج 2 سالبة تحصيلية بسلب الموضوع. ج 3 سالبة
تحصيلية أعم منها. ومن الظاهر أن الأخيرين لا يكونان موضوعا للحكم، فان الحكم مترتب
على المرأة مع رؤيتها الدم، فانحصرت المحتملات على انحاء ثلاثة، اما الأولان فعدم
جريان الاستصحاب فيها ظاهر لفقد الحالة السابقة فيها، فأي زمان كان وكانت المرأة
غير قرشية أو التي ليست بقرشية حتى يحكم ببقاء ذلك؟ واي زمان كان وكانت غير القرشية
247

موجودة يقينا حتى يستصحب؟ واما الأخير وهو السالبة مع وجود الموضوع فأيضا لا يجري
فيه الاستصحاب، وذلك لان القضية المتيقنة ليست سالبة مع وجود الموضوع فإنه أي زمان
كانت المرأة موجودة ولم تكن قرشية؟ بل هي سالبة بسلب الموضوع والقضية المشكوكة
سالبة مع فرض وجود الموضوع، فالقضيتان متغايرتان فلا يجري فيهما الاستصحاب. ولو قيل
بجريان استصحاب الأعم لا يمكن اثبات الأخص الا على القول بالأصل المثبت، فالاستصحاب
في هذا القسم اما غير جار أو مثبت. أقول: قد يتوهم ان هذا لو كانت القضية المتيقنة
قضية سلبية بسلب الموضوع وهي المرأة لم تكن بقرشية والمفروض انها لم تكن فلم تكن
قرشية، لكن إذا شكلنا قضية سالبة موضوعها المرأة الموجودة بالفعل فتتحد القضيتان.
والحاصل انه لا فاصل بين الوجود والعدم، فلو لم يمكننا ان نقول هذه المرأة الموجودة
كانت متصفة بالقرشية فلا محالة يصح لنا ان نقول هذه المرأة الموجودة بالفعل لم تكن
قرشية سابقا فالان أيضا ليست بقرشية. ولا يتوهم ان عدم كون هذه المرأة قرشي سابقا
من باب عدم الموضوع فان هذا هو منشأ السلب والا فأركان الاستصحاب تامة على ما
ذكرنا. ولكن هذا غفلة عن دقيقة وهي ان القضية المتيقنة فيما ذكر وهي ان المرأة
الموجودة بالفعل لم تكن قرشية سابقا أي قبل وجوده ليس بقضية سالبة تحصيلية بل هي
قضية موجبة سالبة المحمول، بخلاف القضية المشكوكة فإنها سالبة تحصيلية مع فرض وجود
الموضوع فاختلفت القضيتان، فلا يجري الاستصحاب على هذا التوهم أيضا. هذا ما
استفدناه من كلام سيدنا الأستاذ المحقق ج مد ظله ج ولا يحتاج إلى أي توضيح وبيان
وإقامة دليل وبرهان، فإن الشمس بازغة بالعين والبصر. وظهر مما افاده ج مد ظله ج عدم
جريان الاستصحاب في المسألة المبحوث عنها ج وهي مسألة الصلاة في اللباس المشكوك ج
248

فان ظاهر الدليل ان اللباس المفروض الوجود إذا كان من الحيوان المحرم اكل لحمه موجب
لبطلان الصلاة، وإذا لم يكن كذلك لا يوجب البطلان فلا يجري الاستصحاب مع هذه الحالة،
فان القضية المتيقنة في استصحاب عدم كون الحيوان من غير المأكول سالبة بسلب الموضوع
أو أعم، والقضية المشكوك فيها سالبة مع وجود الموضوع فلا يمكن الحكم بصحة الصلاة
بجريان هذا الاستصحاب على انحاء تصوراته، وقد مر بيانها. وحينئذ لو استظهرنا من
الأدلة ان اعتبار عدم لبس غير المأكول راجع إلى اللباس فالمرجع هو البراءة أو
الاشتغال على كلام يأتي إن شاء الله. ولو استظهر منها ان الاعتبار راجع إلى الصلاة
فلابد من التفصيل بين اللبس في الأثناء واللبس من الأول، فعلى الأول يجري استصحاب
عدم كون الصلاة مقارنا للبس غير المأكول وعلى الثاني فلا يجري الاستصحاب الا إذا
بنينا على جريان الاستصحاب التعليقي، بان يقال هذه الصلاة لو كانت واقعة قبل ذلك لم
تكن مقارنة للبس غير المأكول والآن أيضا كذلك، والا فالمرجع هو البراءة أو الاشتغال
أيضا على الكلام الآتي. ولو استظهرنا من الأدلة رجوع الاعتبار إلى المصلي فيمكننا
استصحاب عدم كون المصلي لابسا لغير المأكول ووجهه ظاهر. وحيث انه ظهر في المقدمات
ان المستفاد من الأدلة ذلك أي رجوع الاعتبار إلى المصلي فيجري الاستصحاب ويحرز به
صحة الصلاة لوجود شرائطها وتمامية اجزائها وفقد موانعها ولو بالأصل. ثم لو قلنا بان
الاعتبار راجع إلى الصلاة فهل يجري الاستصحاب التعليقي لاثبات عدم اقترانها بلبس
غير المأكول لو كان اللبس من الأول أم لا؟ ذكر المرحوم النائيني ج رحمه الله ج ان
الاستصحاب التعليقي غير جار في الاحكام فضلا عن الموضوعات، ومع تسلي الجريان ففي
249

المقام لا يجري لتبدل الموضوع نظير استصحاب الحرمة على تقدير الغليان الثابت لماء
العنب بالنسبة إلى الزبيب المغلي في الماء الخارج. وقال سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج:
ان ما ذكره من منع الاستصحاب التعليقي في الاحكام هو الصحيح فان الحكم في مقام
الجعل متيقن لاشك فيه وفي مرحلة المجعول غير متحقق سابقا، نعم لو كان الغليان
متحققا سابقا كانت الحرمة متحققة، الا ان هذا ليس بحكم شرعي، بل ليس الا الملازمة
بين مقارنة أحد جزأي الموضوع وجزئه الاخر وبين الحكم، وهذا امر عقلي لاحكم شرعي،
كما أن ما ذكره من منع الاستصحاب التعليقي في الموضوعات حتى مع البناء على جريانه في
الأحكام أيضا متين، ووجهه ان الأثر الشرعي يترتب على الوجود الحقيقي لا التقديري،
فمع عدم وجود الموضوع سابقا الا تقديرا لا اثر للمستصحب، واثبات اثر الوجود الحقيقي
باستصحاب الوجود التقديري مثبت، ففي مقامنا وقوع الصلاة في غير المأكول وصحتها من
اثار الوجود الحقيقي للصلاة لا التقديري، فلو قيل هذه الصلاة لو وقعت سابقا لكانت
واقعة في المأكول أو لم تكن واقعة في غير المأكول والآن كما كان لم يثبت الا ترتب
الأثر على الوجود التقديري واما الحقيقي فلا، وأيضا ما ذكره من أن الموضوع في مثال
العصير متبدل صحيح، لان الموضوع هو غليان عصير العنب لا غليان امر اخر، والمفروض ان
الزبيب لا ماء له فلا عصير والغليان انما يعرض الماء الخارجي حينئذ، ولا نريد من
تبدل الموضوع مغايرة العنب والزبيب فإنهما امر واحد، وانما الاشكال في ما ذكره من أن
المقام أيضا من هذا القبيل، فان الموضوع للصحة فيه هو طبيعي الصلاة، والطبيعي لو
وجد سابقا لم يكن واقعا في غير المأكول وكان صحيحا والآن كما كان فالموضوع غير
متبدل، فوجه عدم جريان الاستصحاب فيه ج ولو سلم جريانه في الاحكام ج ما مر من أن
250

الأثر غير مترتب على الوجود التقديري. أقول: اما ما ذكره من الحرمة المتحققة سابقا
على تقدير الغليان ليس بحكم شرعي بل ليس الا الملازمة بين مقارنة جزأي الموضوع وبين
الحكم ففيه اشكال ظاهر، فان الملازمة امر والحكم على تقدير وجود الموضوع امر اخر
والأول عقلي والثاني شرعي، كما لا يخفى. واما ما ذكره من أن الموضوع في مسألة العصير
غليان عصير العنب لا غليان أمر اخر فهو وإن كان صحيحا الا ان موضوع الاستصحاب غير
موضوع الدليل، فلو أشرنا إلى الزبيب المغلي وقلنا بان هذا إذا غلى سابقا يحرم والآن
كما كان ليس الموضوع الا هذا لا العصير. نعم يمكن منع هذه القضية وانكار حرمة هذا
على تقدير الغليان سابقا، فان نتيجة قياس هذا كان عنبا، والعنب عصيره إذا غلى يحرم
فهذا كان عصيره إذا غلى يحرم والآن كما كان لكن بما انه لا عصير للزبيب لا تنطبق
هذه النتيجة عليه، والمقصود مما ذكرنا التنبيه على أنه يختلف موضوع الاستصحاب
وموضوع الدليل. واما ما قال من عدم المغايرة بين الزبيب والعنب وانهما أمر واحد فليس
عرفيا ولعله ظاهر. ولا بأس بالتعرض لما افاده سيدنا الأستاذ المحقق ج مد ظله ج حول
الاستصحاب التعليقي بمناسبة في المعاطاة نقلنا عنه في التقريرات، وما افاده نافع
جدا فلي مسألتنا وغيرها، قال: قد يكون التعليق شرعيا وقد يكون عقليا، وفي الأول اما
ان يكون المجعول الحكم المعلق على شئ، أو سببية المعلق عليه الحكم، فعلى الأول لا
مانع من جريان الاستصحاب في الحكم المعلق مع تمامية أركانه، وتوهم الاثبات ندفع بان
وزان هذا الاستصحاب وزان الاستصحاب التنجيزي في الأحكام، فكما ان استصحاب الحكم
التنجيزي لا يكون مثبتا بعد تحقق موضوعه وينطبق الحكم المستصحب على ذلك الموضوع قهرا
251

كذلك الاستصحاب التعليقي أيضا غير مثبت بعد تحقق المعلق عليه بل الانطباق هنا أيضا
قهري، واما على الثاني والثالث فاستصحاب السببي والملازمة وإن كان صحيحا في نفسه ج
لجعلهما ج، الا ان ترتب المسبب وهو الحكم على السبب بعد تحققه امر عقلي لا يثبته
الاستصحاب، وان شئت فطبق ما ذكر على المثال المعروف في الباب وهو ان العصير العنبي
إذا غلى ونش يحرم فإنه بعد صيرورته زبيبا يجري فيه الاستصحاب على الأول ولا يجري
بناء على الأخيرين. لا يقال إن موضوع النص العنب والمفروض انه انقلب زبيبا فلا يجري
الاستصحاب بناء على الأول أيضا ولو قيل بأنهما واحد فيشمله النص بلا حاجة إلى
الاستصحاب. فإنه يقال إن موضوع النص وإن كان منقلبا الا ان موضوع الاستصحاب لم
ينقلب، فان في ظرف اليقين بعد ضم كبرى تعليقية وهو النص إلى صغرى وجدانية وهي هذا
عنب يحصل ان هذا إذا غلى يحرم فموضوع الاستصحاب هذا لا عنب وهو باق في ظرف الشك.
ولا يتوهم اخذ عنوان عنب في هذا، فان موضوع الصغرى هذا لا هذا العنب والا لزم اخذ
المحمول في الموضوع وهو مستحيل، هذا إذا كان التعليق شرعيا. واما إذا كان عقليا كما
إذا ورد ان العصير المغلي يحرم الراجع عند العقل إلى تعليق وهو ان العصير إذا غلى
يحرم، فوجه عدم جريان الاستصحاب حينئذ لاثبات الحكم ظاهر لاستلزامه الاثبات، فان
موضوع الحكم وهو العصير المغلي لازم عقلي للحرمة التقديرية، ولا فرق فيما ذكرنا بين
الاستصحاب في الاحكام كما مر والاستصحاب في الموضوعات، كالماء إذا بلغ حجمه كذا فهو
كر أو الماء البالغ أشبارا معلومة فهو كر المثال الأول للتعليق الشرعي والمثال
الثاني للتعليق العقلي. هذا، وحيث إن في مسألتنا التعليق غير شرعي فلا يجري فيه
252

الاستصحاب التعليقي، هذا تمام الكلام في التمسك بالأصول المحرزة. واما الأصول غير
المحرزة فهل المقام مجرى البراءة أو الاشتغال؟ التحقيق الأول فإنه من الشك في
التكليف المردد بين الأقل والأكثر والمورد من قبيل الشك في التطبيق والشبهة في
الموضوع الخارجي، وقد ثبت في الأصول ان الشبهات الموضوعية للتكليف المشكوك فيه مجرى
البراءة كما أن المرجع في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين أيضا ذلك. اما
الأول فلأن تنجز التكليف متوقف على ضميمة كبرى شرعية إلى صغرى وجدانية فمع احراز
الصغرى مع الشك في الكبرى يرجع إلى البراءة، كما أنه مع احراز الكبرى والشك في
الصغرى أيضا كذلك. وبعبارة أخرى حيث إن القضايا المتكفلة لاثبات الأحكام الشرعية
قضايا كلية وقانونية لا يمكن احراز شمولها للمورد وتوجهها إلى المكلف الا إذا كان
الانطباق معلوما، والا فالشك في الانطباق شك في ثبوت الحكم في المورد والمرجع
البراءة، فالشك في مانعية اللباس المشكوك فيه عن الصلاة شك في انطباق ما جعل مانعا
على المورد وهذا شك في الحكم والأصل البراءة، هذا بناء على استفادة المانعية من
روايات الباب. واما بناء على ما ذكره العلامة ج قدس سره ج من أن المجعول شرطية وقوع
الصلاة واللباس المأخوذ من الحيوان المحلل أكل لحمه فلا يمكن اجراء البراءة، فان
الشك راجع إلى الامتثال لا الانطباق. نعم لو كان أصل جاريا في الموضوع ولو استصحاب
العدم الأزلي على القول به بحيث يحرز به وجود الشرط تصح الصلاة لاحراز شرطه بالأصل،
والا فالمرجع الاشتغال. واما الثاني فلأن العلم الاجمالي بوجوب الأقل لا بشرط أو
بشرط شئ وان لا ينحل حقيقة إلى العلم التفصيلي والشك البدوي الا انه ينحل حكما
لعدم تعارض الأصل في الطرفين، فإنه لا يجري أصالة البراءة عن الأقل لا بشرط بخلاف
الأول بشرط شئ وهو الأكثر، فالأمر دائر بين السعة والضيق، والمرجع البراءة
والتفصيل موكول إلى محله.
والحمد لله رب العالمين.
253

الكلام في حديث الرفع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين، والسلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، واللعن على أعداء آل محمد أجمعين إلى يوم الدين. روى المرحوم
الشيخ الصدوق ج رحمه الله ج في الخصال بسند عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان،
وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة
والتفكير في الوسوسة في الخلق ما لم ينطبق بشفة (1). هذه الرواية وصفوها بالصحيحة وفي
سندها أحمد بن محمد بن يحيى ولم يوثق في الرجال. فلو بنينا على انجبارها باستناد
المشهور إليها كما هو الصحيح خلافا لمبنى سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج والا فلا يمكن
الاعتماد عليها في مقام الافتاء بحكم شرعي.

(1) الخصال: ج 2، باب 9، حديث 9. وجامع أحاديث الشيعة: ج 1، باب 8 من أبواب المقدمات،
حديث 3.
254

وهنا رواية أخرى دالة على رفع الستة (1) ذكرها سيدنا الأستاذ في المجلد الثالث من
التنقيح في مسألة الاضطرار إلى شرب النجس ووصفها بالصحة، وعدل عن ذلك في الدورة
الأخيرة في بحث الأصول وقال في سندها قطع لعدم تمامية السند بحسب طبقة الرواة. وكيف
كان فيكفينا في صحة الرواية اشتهارها بين الأصحاب. أصل: هل الرفع ظاهري أو واقعي أو
هنا تفصيل بين ما لا يعلمون وغيره؟ أفاد سيدنا الأستاذ ج دام ظله ج ان الرفع في مالا
يعلمون ظاهري وفي غيره واقعي. وما يمكن ان يقال في وجه ما افاده: أنه في ما لا يعلمون
الرفع الواقعي مستلزم للتصويت. ولذا نحكم بالرفع الظاهري فيه، واما في غيره فلا
موجب لرفع اليد عن ظهور الرفع في الرفع واقعا. حينئذ ان رفع الاضطرار وما لا يطابق
والسهو بل الاكراه في بعض موارده عقلي والدليل ارشاد إلى ذلك. وهكذا يظهر من
استاذنا المحقق ج مد ظله ج ان مقتضى حكومة دليل الرفع على الأدلة الواقعية اختصاص
الحكم المجعول فيها بغير موارد هذه العناوين. أقول: الظاهر أن حديث الرفع لا يرفع
الأحكام الواقعية، بل المستفاد منه العذر عند مخالفتها في الموارد المذكورة فيه
ولنا قرائن على ذلك: ج 1 كون الحديث امتنانية، والامتنان لا يقتضي رفع الحكم
الواقعي، فلو اكره على الافطار في شهر رمضان وتحمل الضرر المتوعد به ولم يفطر لا
منة في الحكم بطلان هذا الوصم وسقوط امره بالاكراه، بل المنة لا يقتضي أزيد من جعل
المكلف في عذر عند مخالفة الواقع. ج 2 ظاهر الدليل ان الرفع من جهة عروض عنوان
ثانوي على الواقع الأولي وبما ان كل عنوان مأخوذ في دليل الحكم ظاهر في موضوعيته
للحكم، فتكون

(1) جامع أحاديث الشيعة، ج 1، من أبواب المقدمات، حديث 3.
255

النتيجة ثبوت حكمين في المورد حكم اولي وحكم ثانوي، مثلا لو أكره على شرب الخمر فمن
حيث إنه شرب الخمر حرام ومن حيث إنه مكره عليه مرفوع والجمع بين الأمرين يقتضي ثبوت
الحكم الاوقعي وكون الرفع عذرا على المكلف لا تقييدا في الواقع. ج 3 لا يؤيد ذلك
حكمهم بالتفصيل في مورد الاكراه على الافطار في شهر رمضان بأنه لو أكرهه عليه بحيث
لم يصدق عليه عنوان الافطار العمدي لا يبطل الصوم والا يبطل، فان قضية عموم الرفع
لو كان تقييدا في الأدلة، الصحة حتى في مورد الثاني، وهكذا حمهم بثبوت بعض الكفارات
حتى في مورد الاكراه بل النسيان، فليراجع. وأما ما افاده سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج
من أنه لا موجب لرفع اليد عن ظهور الرفع في الرفع الواقعي ففيه (أولا) لابد له من
الالتزام بالرفع الواقعي؟ في الشبهات الموضوعية أيضا، والقول باختصاص الحرمة
بالمعلوم الخمرية مثلا بعين الدليل، والتصويب المستحيل أو الباطل هو التصويب في
الأحكام لا في الموضوعات. (وثانيا) قد عرفت ان الرفع الواقعي خلاف الظاهر بالوجوه
المتقدمة. وأما ما ذكرنا في وجه ما أفاده من أن العقل حاكم بما ذكر والحديث ارشاد
إلى ذلك قلت: (أولا) لو كان الأمر كما ذكر لما صح الامتنان ولما كان ذلك مختصا بهذه
256

الأمة. (وثانيا) العقل غير حاكم بالرفع في مورد العجز عن غير اختيار وفي مورده أيضا
لا يحكم بالرفع واقعا بل يحكم بالمعذورية في مخالفة الواقع، واما في غير ذلك فلا
مانع عقلا من وجوب تحمل الضرر في مورد الاكراه أو الاضطرار وايجاب التحفظ في مورد
النسيان لئلا يحصل. ووجوب الاتيان بما لا يطاق فان عدم الطاقة غير العجز والأول
بمعنى المشقة الشديدة التي يمكن طرو مرض أو ضرر بل موت على المحتمل لهذه المشقة.
والثاني لا يمكن الايجاد في مورده. نعم الامتنان يقتضي جعل اللطيف المنان عباده في
عذر عند طرو هذه العناوين. ويؤيد ذك بل يؤكده ان العجز في مورده عذر عقلي لمخالفة
التكليف الثابت، لا قيد في الأدلة الواقعية، ولا يكون امر العناوين المذكورة أشد من
العذر العقلي. فالصحيح ان الرفع في جميع العناوين المذكورة في الرواية عذري، بمعنى
ان الحديث يرفع العناوين ادعاء، والمصحح لذلك عدم الالزام في الاتيان بالواقع كيف
كان فكأنه لم يكن واقع، والمكلف معذور من قبل الشارع في مخالفته. وان شئت قلت
المصحح للرفع الادعائي في ما لا يعلمون عدم ايجاب الاحتياط، وفي مورد النسيان عدم
ايجاب التحفظ، وفي غيره عدم ايجاب الاهتمام بالامتثال، كيف كان وجامع ما ذكر ان
حديث الرفع ناظر إلى جعل المكلف في العذر في مخالفة الواقع. ففي الكلام ادعاءان
(أحدهما) في اطلاق الرفع مع أنه لم يرفع واقعا. (وثانيهما) تعلق الرفع بالعناوين مع أنها
غير قابلة للرفع، ويكفي ما ذكرنا في تصحيح كلا الادعاءين. ومن هنا ظهر ان
المناسب للاستعمال كلمة الرفع لا الدفع، فلا تصل النوبة إلى توجيه هذا الاطلاق بما
ذكروا ولا سيما المرحوم النائيني ج قدس سره ج مع أن فيه ما فيه فلاحظ، ولا حاجة إلى
257

ما افاده استاذنا المحقق ج مد ظله ج من أن الرفع بلحاظ شمول خطاب القانون للموارد
وغير ذلك مما أفادوا فيه. ان قلت: جعل المكلف في العذر انما يتم في الأحكام
التكليفية، واما الأحكام الوضعية فلا معنى لذلك فيه واطلاق الدليل يشمل كلا
الحكمين، فلابد من الالتزام بالرفع واقعا ولو في الجملة. قلت: الأحكام الوضعية على
انحاء: (منها) ما هو مترتب على المعاملات بعد تحققها كالملكية والزوجية ونحو ذلك لا
الصحة والفساد لعدم قابليتهما للجعل فإنهما أمران انتزاعيان عقلا كما حقق في محله.
(ومنها) ما هو مترتب على الذوات لا الأفعال بحيث تكون الافعال واسطة لثبوت الحكم
الوضعي لموضوعه نظير نجاسة الملاقي للنجس أو لا تكون الافعال دخيلة في ذلك كنجاسة
الأعيان النجسة. ومن هذا النحو من الأحكام الوضعية جنابة الشخص عند عروض أحد
أسبابها أو ضمان الشخص عند عروض سببه. (ومنها) ما هو مترتب على الافعال حتى في باب
التكاليف وهو الشرطية والجزئية والمانعية. اما النحو الأول فخارج عن حديث الرفع
بالكلية. اما في ما لا يعلمون فواضح لعدم التقييد في مورده قطعا. واما في الاضطرار
إلى المعاملة فلا يصح التمسك برفع ما اضطروا اليه للحكم بفسادها لما في الرفع من
خلاف المنة. واما في الاكراه إليها فلاعتبار الرضا والطيب المعاملي فيها، فدليل
تنفيذها مقيد بنفسه بالرضا والطيب المنافي للاكراه، فلا تصل النوبة إلى حكومة دليل
الرفع على أدلة التنفيذ. واما ما أفاده سيدنا الأستاذ في مكاسبه من أن دليل الرفع
واعتبار الرضا وارادن في مرتبة واحدة على الأدلة المطلقة أو العاملة الدالة على
258

تنفيذ المعاملات ففيه: (أولا) دليل الرفع متكفل لبيان حكم ثانوي في طول الحكم
الأولي كما هو ظاهر من لسان الرفع المتعلق بالعناوين، ودليل اعتبار الرضا يقيد أدلة
التنفيذ بالنسبة إلى الحكم الأولي، فكيف يمكن القول بأنهما في مرتبة واحدة؟.
(وثانيا) عمدة الدليل على تنفيذ المعاملات بناء العقلاء وسيرتهم فيها والمعتبر أنها
عندهم ما كان عن رضا مالكه والأدلة العامة كلها منصرفة إلى المعتبر عند العقلاء،
فإذا ليس لنا عام أو مطلق يقيد بدليل الرضا، بل لا دليل على اعتبار الرضا في
المعاملات غير ما ذكرنا. اما دليل عدم حلية مال الغير الا بطيبة نفس منه فغير ناظر
إلى المعاملات، ودليل التجارة عن تراضي لا مفهوم له فان القيد غالبي، وتمام الكلام
في محله. فما أفاده بعض المحققين في حاشيته على المكاسب من أن حديث رفع الاكراه
مختص بباب المعاملات، ورفع الاضطرار مختص بباب العبادات غير تام. واما سائر
العناوين فما يمكن فرضها في المعاملات ليس الا الخطأ والنسيان، ومعهما لا مقتضي
لترتب الأثر على المعاملة للاخلال بموضوعها بهما فان حديث الرفع دال على رفع الشئ
لا اثباته. ورفع الشرطية والجزئية بالنسبة إلى ترتب الأثر لا يمكن بالنسبة إلى ما هو
شرط أو جزء في الموضوع بنظر العقلاء لفقد الموضوع. واما بالنسبة إلى ما هو دخيل فيه
شرعا ففي فرض نقص الشرط أو الجزء فالمأتي به لا اثر له شرعا حتى يرفع وما هو موضوع
للأثر لم يؤت به، وهكذا في فرض زيادة المانع ونفس رفع اعتبار الشرطية أو الجزئية أو
المانعية لا يوجب اعتبار غيره تمام الموضوع للأثر، ولذا لم يفت فقيه بوقوع الطلاق
259

بقوله أنت طلاق بدل أنت طالق خطأ أو نسيانا، فتأمل، مع أنه يمكن تصوير الرفع بمعنى
العذر في ذلك كما لا يخفى.
واما النحو الثاني فأيضا خارج عن حديث الرفع. اما بالنسبة إلى ما لا يعلمون فواضح.
واما بالنسبة إلى ما اضطروا اليه وما أكرهوا عليه والخطأ وما لا يطيقون فلأن متعلقها
الأفعال لا الذوات، فما يمكن ان يرفع بها لاحكم له وما له حكم لم تتعلق به شئ من
هذه العناوين. وأما بالنسيان فهو وان يمكن تعلقه بالذوات أو حكمها الا ان حكمه حكم
ما لا يعلمون في الشبهات الموضوعية والحكمية فان ظاهرهما ثبوت الحكم الواقعي في
موردهما وتعلق الجهل والنسيان به، فلا معنى للقول بتقييد الواقع بغيرها. واما النحو
الثالث فيمكن تصوير الرفع بمعنى العذر فيه مع كون ذلك ظاهر الدليل. والحديث لا يساعد
برفع الشرطية أو الجزئية أو المانعية في موردها واقعا على ما مر فلا ملزم للالتزام
بالرفع واقعا في شئ من موارد امكان شمول الحديث لها. أصل: لو اضطر المكلف إلى ترك
جزء أو شرط من المركب أو ايجاد مانع في فرد أو اكره على ذلك أو نسي أحدها فترك
الأولان أو أوجد الأخير وهكذا في مورد الخطأ والجهل فهل يحكم بالاجزاء عند كشف
الخلاف أولا؟ ظهر مما تقدم من أن الرفع في هذه الموارد عذري لا واقعي، ان مقتضى
القاعدة عدم الاجزاء في شئ من هذه الموارد، فان قضية تقييد المطلقات بأدلة الاجزاء
260

والشرائط والموانع الجزئية المطلقة أو الشرطية المطلقة أو المانعية المطلقة والعذر
لا ينافي ترك الاوقع فالمأمور به لم يؤت به والمأتي به فاقد للقيد المتبحر فيه فلا
دليل على سقوط الأمر بذلك، ومن هنا يعلم أنه لا يمكن اثبات الاجزاء الا بدليل اخر
غير حديث الرفع نظير لا تعاد (1) في الصلاة. وقد أفاد سيدنا الأستاذ ج مدل ظله ج من أنه
لابد من التفصيل بين مورد الجهل وغيره دليلا والقول بعدم الاجزاء في كليهما.
اما موجه عدم الاجزاء في مورد الجهل من جهة ان الرفع في مورده ظاهري ولا دليل على
الاجزاء في موارد الأوامر الظاهرية مع كشف الخلاف. واما وجه عدم الجزاء في غير ذلك،
فان رفع الشرطية أو الجزئية أو المانعية وإن كان واقعيا الا ان حديث الرفع لا يمكنه
اثبات الأمر بالفاقد بنفس رفع القيد. وبعبارة أخرى ان الشرطية والجزئية والمانعية
وان كانت مجعولة الا ن جعلها بتبع منشأ انتزاعها وهو الامر بالمركب لعدم تعدد الامر
في المركبات كما هو المفروض، فمع رفع الشرطية أو الجزئية أو المانعية يسقط الأمر
لا محالة، فلا بد من اثبات الامر بالباقي من إقامة دليل. وقد أفاد استاذنا المحقق ج
مد ظله ج في مورد الجهل ان لسان الرفع يقتضي الاجزاء نظير قاعدة الطهارة، فلو صلى
مع لباس شك في طهارته ونجاسته بالبناء على الطهارة لقاعدتها يجزي ذلك وان انكشف
الخلاف بعد ذلك، فان

(1) جامع أحاديث الشيعة، ج 1، باب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، حديث 1.
261

لسان دليلها يقتضي حكومتها على أدلة اشتراط الصلاة بطهارة اللباس، فتكون النتيجة
اشتراطها بالأعم من الطهارة الواقعية والبنائية. وفي المقام لسان رفع الجزئية يقتضي
الاكتفاء بفاقد الجزء في المورد. وفي باقي العناوين ان حكومة دليل الرفع على أدلة
الأجزاء والشرائط والموانع تقتضي اختصاص الجزئية وغيرها بغير مورد طرو هذه
العناوين، ففي موردها لا دليل على تقييد المطلقات الأولية، فالقاعدة تقتضي الاجزاء
بلا حاجة إلى حديث لا تعاد. وقد فصل في مبحث اجزاء الأمر الظاهري عن الواقع بين
موارد الامارات والأصول بالاجزاء من الثاني دون الأول من جهة استفادة ذلك من لسان
الدليل في الثاني بخلاف الأول فإنها طريق إلى الواقع يمكن فيه فرض كشف الخلاف وهذا
كما ترى مبتني على القول بتقييد الواقع بسبب تحكيم دليل الرفع على دليل الاوقع.
واما لو قلنا بأنه لا يستفاد من ذلك الا العذر في مخالفة الاوقع فقد عرفت ان مقتضى
القاعدة عدم الاجزاء مطلقا، واما لو فرضنا تقييد الاوقع في غير مورد الجهل من
سائر العناوين فالحق كما افاده استاذنا المحقق ج مد ظله ج ووجهه مابينه. واما ما
أفاده سيدنا الأستاذ من عدم الدليل على اثبات الامر بالفاقد بعد رفع القيد بالحديث
فإنما يتم لو تعلق الامر بالمركب بأمر واحد، وأما مع تعلق الأمر بنفس الطبيعة وبين
قيوده وشرائطه بدليل اخر فلا، فان مقتضى دليل القيود وإن كان القيدية المطلقة الا
انه يقيد بدليل الرفع فلا دليل على القيدية في مورد العناوين، والاطلاقات محكمة.
واما في مورد الجهل فالحق مع سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج فان المفروض عدم الاتيان
262

بالواقع والمأتي به موافق للأمر الظاهري فقط ولا معنى للقول بأن لسان الدليل يقتضي
التعميم في الواقع مع الالتزام بعدم التصويب. ففي موارد العلم باشتراك الجاهل
والعالم في الحكم الواقعي لابد من الحكم بعدم الاجزاء. نعم في موارد امكان الاختلاف
نظير المثال في قاعدة الطهارة نبني على الاجزاء، ولا محذور في ذلك، الا انه لا يتم
في المقام وفي موارد الأصول لأن المفروض عدم استفادة أزيد من العذر من حديث الرفع
وعدم استفادة أزيد من الحكم الظاهري في موارد جريان الأصول. أصل: ذكر استاذنا
المحقق ج مد ظله ج انه حيث إن الظاهر من الحديث الشريف ان المرفوع لابد وأن يكون ما
هو متعلق العنوان فيظهر الفرق بين النسيان والخطأ وما لا يطاق وبين الاكراه
والاضطرار في مورد ترك الجزء أو الشرط من جهة طرو أحدها والحكم بصحة العمل في
الأولى وعدمها في الثانية. واما في مورد ايجاد المانع فلا فرق بينها، ويحكم بالصحة
في جميعها. ووجه ما أفاد ان نسيان الجزء مثلا أو ايجاد المانع يرفع اثر المنسي وهو
وجود الجزء والمانع وهو الجزئية والمانعية فيصح العمل بترك الجزء أو ايجاد المانع
نسيانا. واما لو أكره على ترك الجزء فالمكره عليه الترك ولا اثر للترك بما هو غير
البطلان ووجوب الإعادة وهما عقليان لا شرعيان فلا يمكن الحكم بصحة العمل حينئذ،
بخلاف ما لو أكره على ايجاد المانع فان المكره عليه وهو ايجاد المانع يرفع اثره وهي
المانعية، فيصح العمل حينئذ. وقد أفاد ج مد ظله ج انه لا فرق في ما ذكرنا بين
العبادات والمعاملات لو كان المنسي الجزء أو الشرط الشرعيان لا المعتبران بنظر
العقلاء في قوام ماهية المعاملة أو دخيلان في ترتب الأثر بنظرهم، وهكذا في المانع
263

سواء وجد نسيانا أو عن اكراه، وهذا على مبناه ج دام ظله ج من أن الرفع في المذكورات
واقعي متين بجميع ما افاده لكن على ما بنينا عليه من أن الامتنان لا يقتضي أزيد من
جعل المكلف في عذر حتى في المعاملات، والرفع عذري لا واقعي يظهر عدم الفرق في الحكم
بالبطلان وعدم الاجزاء في جميع ذلك وإن كان المكلف معذورا في مخالفة الواقع في
موارد العناوين. نعم لو دل دليل على الاجزاء في مورد نتمسك به ونحكم بالصحة
والاجزاء بلا فرق بين ما ذكر أيضا. وأيضا يظهر عن بعض الأعاظم ج قدس سرهم ج اختصاص
الرفع بالأمور الوجودية حيث قال: ان شأن الرفع تنزيل الموجود منزلة المعدوم. لا
تنزيل المعدوم منزلة الموجود لان تنزيل المعدوم منزلة الموجود انما يكون وضعا لا
رفعا. وأورد عليه استاذنا المحقق ج دام ظله ج بأنه لا مانع من تعلق الرفع بالأمور
العدمية إذ الرفع رفع ادعائي لا حقيقي والمصحح له ليس الا اثر ذلك العدم واحكامها،
كما أن المصحح لرفع الأمور الوجودية هو اثارها واحكامها، وأنت خبير بأن كلا من
الاستدلال والايراد مبنيان على كون الرفع واقعيا، ومع كون الرفع عذريا فلا مجال
لذلك البحث، فان حاصل الحديث على هذا المبنى انه عند طرو أحد هذه العناوين المكلف
معذور في مخالفة الواقع، ولا فرق في ذلك بين الوجودي والعدمي. هذا وإن كان الحق على
ذلك المبنى مع استاذنا، ولكلامه بقية يرجع إلى التقريرات. أصل: ذكروا ان المرفوع في
الموارد المذكورة هو اثار العناوين المأخوذة طريقا إلى معنوناتها واما الآثار
المترتبة على نفس العناوين فغير مرفوع قطعا بل لا يعقل رفع تلك الآثار بما يوجبها.
وفصل استاذنا المحقق بين الرفع في الموارد الثلاثة الأخيرة وما عداها والتزم برفع
264

اثار المعنونات في ما عداها، فان العناوين المذكورة فيها كلها طريقية لتبادرها بخلاف
الثلاثة فإنها عناوين نفسية لا مناص فيها الا رفع ما هو اثار لا نفسها لعدم قابليتها
على الطريقية وان لزم منه التفكيك الا ان هذا المقدار مما لابد منه. بل يمكن ان
يقال: ان الرفع قد تعلق في الجميع بعناوين نفسية حسب الإرادة الجدية الا ان ذلك اما
بذكر نفس تلك العناوين النفسية في الثلاث أو بذكر ما هو طريق إليها في غيرها من دون
تفكيك. أقول: على ما ذكرنا لا موضوع لهذا الكلام أصلا فان المرفوع في الجميع على
سياق واحد وماله إلى جعل العذر في مخالفة الواقع فان هنا ادعاءان (أحدهما) في نفس
اطلاق الرفع (وثانيهما) في اسناد الرفع إلى الذوات ومصحح كليهما عدم ايجاب التحفظ
أو عدم ايجاب الاحتياط كما مر، وتؤكد ذلك بعض الروايات الواردة في الصفات الذميمة
ما لم يظهرها الشخص في الخارج الدالة على العفو عنها. وهذا لا يصح الا إذا كان الواقع
في مورد العفو موجودا. ومما يؤيد كون الرفع عذريا وحدة السياق بين الثلاثة وغيرها
ولا تتم الوحدة الا بذلك، فان الرفع الواقعي لا يمكن الا باسناده إلى الثلاثة نفسيا
والى غيرها طريقيا. وما افاده من وحدة السياق بحسب الإرادة الجدية أجنبي عن ذلك،
فان السياق انما يلحظ في الإرادة الاستعمالية لا الجدية، والإرادة الاستعمالية في
الثلاثة نفسية وفي غيرها طريقية ومما يؤيد ذلك أيضا وحدة السياق بين ما لا يعلمون
والنسيان وغيرهما بناء على تعميمهما للأحكام، فان الرفع فيهما عذري قطعا والا يلزم
الدور وان أبيت فلا أقل من لزوم التصويت. أصل: ذكر بعضهم ان الرفع في ما لا يعلمون
مختص بالشبهات الموضوعية وذكروا في وجه ذلك: ج 1 وحدة السياق وعدم امكان تعلق
265

الاضطرار أو الاكراه الا بالموضوع الخارجي أي الفعل، وفيه ان الالتزام بعموم الرفع
في ما لا يعلمون لا ينافي وحدة السياق فان الاستحالة المذكورة من جهة استحالة
الانطباق لا من جهة استعمال الموصول في الفعل بل الموصول مستعمل في معناه في جميع
ما ذكر وسعته وضيقه بسعة صلته وضيقه. ج 1 اسناد الرفع إلى الحكم حقيقي والى الفعل
مجازي ولا يمكن الاسناد بكلا النحوين باسناد واحد. أجاب عن ذلك سيدنا الأستاذ بأن
المحذور انما هو في الرفع التكويني لا التشريعي فإنه حقيقي في الفعل أيضا. وذكر في
بيان المراد من الرفع التشريعي انه تشريع رفعا في مقابل التشريع وضعا فكما ان الحكم
قابل للتشريع وضعا قابل للتشريع رفعا غايته ان الرفع في المقام ظاهري ونتيجته
الترخيص الظاهري، ولا منافاة بين اجتماع الحكمين واقعي وظاهري كما حقق في حله. وفيه
ج بعد تسليم الرفع التشريعي ج انه في الحكم من الوصف بحال نفس الموصوف وفي متعلق
الحكم من الوصف بحال متعلقه ودعوى استحالة جمعهما في اسناد واحد من جهة عدم الجامع
بين الأمرين. وصرف رد المجاز إلى الحقيقة لا يدفع المحذور. وأجاب عنه ثانيا: بأن
الاسناد حينئذ ليس بحقيقي ولا بحقيقي ومجازي، بل مجازي لان النتيجة تابعة لأخس
المقدمتين نظير الماء والميزاب قد جريا، فان اسناد الشئ إلى أمرين جمعا بهذا النحو
اسناد إلى غير ما هو له. وفيه ان هذا أيضا لا يدفع الاستحالة المذكورة، فان الكلام
ليس في كيفية الاسناد بل في امكانه. أجاب بعض الأعاظم ج قدس سرهم ج عن ذلك بان
المرفوع في جميع التسعة انما هو الحكم الشرعي والإضافة إلى الافعال الخارجية لأجل
تعلق العناوين بها، والا فالمرفوع فيها هو الحكم الشرعي وهو الجامع بين الشبهات
266

الموضوعية والحكمية، ومجرد اختلاف منشأ الشبهة لا يقتضي الاختلاف فيما اسند الرفع
اليه. وقد أشكل عليه استاذنا المحقق ج مد ظله ج بان مناط الاشكال انما هو في
الاسناد بحسب الإرادة الاستعمالية، فان الاسناد إلى الحكم اسناد إلى ما هو له دون
الاسناد إلى الموضوع فلابد ان يراد في جميعها الموضوع حتى يصح الاسناد المجازي في
الجميع، فكون المرفوع بحسب الجد الحكم الشرعي لا يدفع الاشكال. وقد أجاب هو عن
الاشكال بما أجاب به شيخه الأستاذ العلامة بتقريب ان المتكلم ادعى قابلية رفع ما
لا يقبل الرفع تكوينا، ثم اسند الرفع إلى جميعها حقيقة، وبعبارة أخرى جعل كل
العناوين بحسب الادعاء في رتبة واحدة وصنف واحد في قبولها الرفع واسند الرفع إليها
حقيقة فلا يلزم منه محذور. أقول: اما ما أفاده بعض الأعاظم فان الحكم في مورد
الشبهة الموضوعية هو الحكم الواقع في النتيجة، وهذا لم يتعلق به، قلم الجعل والوضع
حتى يرفع، بل الجعل والوضع متعلقان بالحكم الواقع في الكبرى فالشبهة الموضوعية
لا ترجع إلى الشبهة في الحكم بل انما هي الشبهة في الموضوع والشبهة في انطباق الحكم
عليه وكلاهما امر واحد فان الجهل بالخمرية بمجرده لا يكون مشمولا لحديث الرفع الا
بان يكون للخمر حكم كالحرمة، فالشبهة في الحقيقة في أن هذا مصداق لموضوع أم لا. وان
شئت فعبر بان الحركة المجعولة على الخمر منطبقة على هذا أم لا. فالشبهة الموضوعية هي
الشبهة في الموضوع والانطباق لا في نفس الحكم. واما ما أشكل عليه استاذنا المحقق
فليت شعري كيف يجتمع ما ذكره هنا من أن الاسناد بحسب الإرادة الاستعمالية. وما ذكر
ونقلنا عنه في تصحيح وحدة السياق في الرواية من أن الرفع قد تعلق بعناوين نفسية في
الجميع بحسب الإرادة الجدية فالسياق واحد ولا تفكيك. فان مرحلة الاسناد هي مرحلة
267

السياق فاما هما يلحظان بحسب الإرادة الاستعمالية أو بحسب الإرادة الجدية. الصحيح
انهما بحسب الإرادة الاستعمالية لا بان يستعمل اللفظ في الاسناد بل الاسناد يتحصل
من مقال المتكلم باستعمال جميع مفردات كلامه في معانيها، ولذا قد يكون استعمال
المفردات كلها حقيقيا والاسناد مجازي، ويجئ زيادة توضيح لذلك إن شاء الله. ولا يخفى
ان الايراد الصحيح على ما ذكره بعض الأعاظم ما ذكرنا لا ما افاده استاذنا المحقق،
فان الحكم في موارد الشبهات الموضوعية غير مشكوك فيه، فان الكبرى مسلمة على الفرض،
والشك في الصغرى وان أوجب الشك في النتيجة الا انه راجع إلى الشك في الانطباق لا
الجعل، فالحكم غير مرتفع حتى بحسب الإرادة الجدية. واما وجه شمول الدليل لموارد
الشبهات الموضوعية، فيجئ الكلام فيه، وانه هو وجه الشمول لموارد الشبهات الحكمية
بعينه. واما ما أجاب به استاذنا المحقق عن الاشكال فهو مناف لما افاده هو بنفسه في
مبحث حديث الرفع من أن الرفع ادعائي في مالا يعلمون نظير نفي الحرج والضرر في
أدلتهما، فكيف يجتمع كون الرفع حقيقيا لادعاء كون متعلقه قابلا للرفع وكون الرفع
ادعائيا؟ على أن دعوى قابلية ما لا يقبل الرفع للرفع وضمه إلى ما يقبل الرفع واسناد
الرفع إلى المجموع حقيقة انما يتم لو ذكر الجميع في الكلام بعنوان مستقل، وأما لو
ذكر بعنوان عام كما لا يعلمون الشامل للحكمية والموضوعية معا على الفرض فعلا. فان كل
لفظ لا يحكي الا عن معناه ولا يمكن في هذه اللحاظ الا لحاظ نفس المعنى ومن المعلوم ان
المعنى في مالا يعلمون امر واحد فكيف يمكن ادعاء قبوله للرفع لينطبق على الموضوعية
وعدم الادعاء لكونه شاملا للحكمية. ان قلت: ان الموصول مشير إلى الذوات ولو كانت
الحيثية تعليلية يدور الرفع مدارها وليست نكتة للرفع، والذوات أمور متعددة بعضها
268

قابلة للرفع حقيقة وبعضها ادعاء ويجمعها المتكلم بعنوان عام ويسند الرفع اليه
حقيقة. وبالجملة الامر الواحد غير قابل للادعاء وعدمه لكن المعنى في مالا يعلمون
لا يكون واحدا الا إذا كانت الحيثية تقييدية بحيث يكون المفهوم ملحوظا اسميا واما لو
لوحظ حرفيا كما هو الحق في الموصولات فالمعنى متعدد. قلت: كون الموصول من قبيل أداة
الإشارة مسلم، لكن ليس معنى هذا ان المتكلم بالموصول يلحظ الذوات أولا تفصيلا ثم
يجمعها بعنوان واحد بل معناه تعلق الرفع بالذوات الملحوظة اجمالا حال الكلام،
فالملحوظ في هذا الحال ليس الا أمرا واحدا غايته اجمال للتفصيل المتعلق به الرفع
حقيقة، وفي هذا اللحاظ لا يجتمع الادعاء وعدمه. وهكذا الكلام في صدر الحديث. وهو
رفع عن أمتي تسعة فكيف يجتمع الادعاء وعدمه في التسعة في هذا اللحاظ الاجمالي؟.
والصحيح في الجواب ان يقال: اما بناء على مسلكنا من كون الرفع عذريا لا واقعيا فليس
في البين اسناد واقع في محله فان الحكم أيضا غير مرفوع كالموضوع غايته ادعي انه
مرفوع ومصحح الادعاء في مورد النسيان والخطأ والثلاثة الأخيرة عدم ايجاب التحفظ وفي
ما لا يعلمون عدم ايجاب الاحتياط وفي الاكراه والاضطرار وما لا يطيقون عدم ايجاب تحمل
الضرر والجامع عدم ايجاب الاهتمام في مقام الامتثال للاتيان بالواقع، فاسناد الرفع
إلى الحكم والموضوع كليهما على نسق واحد ادعائي والمصحح ما ذكر. واما بناء على
مسلكهم من كون الرفع في غير ما لا يعلمون واقعيا فليس في مالا يعلمون اسناد واقع في
محله، ولو قلنا بشموله للاحكام فإنهم لا يلتزمون بالرفع الواقعي في مورده، فالرفع
269

ادعائي والمصحح ما مر ج نعم بالنسبة إلى نسيان الحكم ج الكلام في محله لرفع الحكم
المنسي واقعا، وهذا خارج عما نحن بصدده وهو شمول ما لا يعلمون للشبهات الحكمية، وهل
الاسناد في النسيان في محله أولا؟ فالتحقيق ان يقال إنه مركب من الاسناد في محله
ومن الاسناد في غير محله. وهكذا في صدر الحديث اسناد الرفع إلى التسعة مركب من
الاسناد في محله وهو اسناد الرفع إلى الحكم المنسي ومن الاسناد في غير محله وهو ما
عداه. وذلك فان المجاز في الاسناد يغاير المجاز في الكلمة وهذا ظاهر، وفي المقام
المجاز المدعى انما هو في الاسناد كما لا يخفى. وحينئذ، نقول: لو قلنا بان الماء جرى
فقد استعملنا الكلمتين والهيئة في معناها، واسنادنا في محله، وهذا هو الاسناد
الحقيقي. ولو قلنا بان الميزاب جرى فقد استعملنا الكلمتين والهيئة في معناها
كالسابق، والاسناد في غير محله، وهذا هو الاسناد المجازي. ولو قلنا بان الميزاب
والماء قد جريا. فالكلمات كلها قد استعملت في معناها. وبما انه اسند الجري إلى
أمرين الماء والميزاب والاسناد إلى أحدهما في محله والى الاخر في غير محله فلابد من
الالتزام بان الاسناد حقيقي ومجازي. لا يقال: الاسناد واحد فكيف يتصف بوصفين؟ فإنه
يقال: الاسناد ليس معنى الهيئة حتى يقال إن الهيئة امر واحد بل الاسناد ما يوجده
المتكلم من استعمال الكلمات في معانيها، وهذا قد تعلق بأمرين أحدهما حقيقي والاخر
مجازي. وهكذا في ما نحن فيه فلو قال بأنه رفع الحكم الاسناد كالاستعمال في جميع
الكلمات حقيقي. ولو قال بأنه رفع الفعل الاسناد مجازي بخلاف الاستعمال، واما لو قال
رفع الحكم والفعل فالاسناد حقيقي ومجازي والاستعمال حقيقي. ولا محذور في ذلك،
270

والايراد المذكور بأنه لا يمكن كلا النحوين باسناد واحد خلط بين مقام الاستعمال
والاسناد فان الاسناد لبا راجع إلى اسنادين. وهكذا الكلام بالنسبة إلى صدر الحديث
واسناد الرفع إلى التسعة. نعم هنا اشكال اخر وهو انه في غير ما لا يعلمون الرفع
واقعي وفيه عذري، وفي مورد النسيان الرفع حقيقي في الأحكام لا يحتاج في ذلك إلى
الادعاء وفي الموضوعات المنسية وفي غير النسيان مما عدا مالا يعلمون الرفع ادعائي
يحتاج إلى مصحح، والمصحح رفع الآثار الواقعية على الفرض، ومصحح الادعاء في ما
لا يعلمون رفع ايجاب الاحتياط كما مر فكيف يجتمع الادعاء وعدمه في اسناد الرفع إلى
النسيان؟ وكيف يجتمع نحوان من الادعاء وعدم الادعاء في اسناد الرفع إلى التسعة؟.
وما ذكرنا في الجمع بين الكيفيتين من الاسناد انما هو فيما اذكر المسند اليه في
الكلام تفصيلا ولو بنحو العطف في الموضوع. واما إذا ذكر بعنوان عام اجمالي كالنسيان
أو التسعة فلا يلحظ المتكلم حال الاسناد الا هذا المعنى الاجمالي الملحوظ بنعت
الوحدة لا الكثرة وفي هذا اللحاظ اما ان يدعى أولا، ومع الادعاء فاما ان يدعى
بالكيفية الواقعة في مالا يعلمون أو بالكيفية الواقعة في غيره. والجمع بين هذه
الأمور في لحاظ واحد لا يمكن، وهذا مما يدل على أن الرفع عذري في جميع الموارد، فان
الادعاء ومصحح الادعاء في الجميع واحد ج كما مر ج اللهم إلا أن يقال إن الملحوظ أحل
الكلام انما هو نفس معاني المفردات وما هو بصدد بيانه. واما وجه تصحيح الاستعمال
فلا يلزم لحاظه حال الاستعمال والادعاء في مرتبة سابقة على الاستعمال والاسناد،
فيمكن ادعاء المتكلم كل من الكثرات بنحو مناسب له، ويلحظ هذه الكثرات بعنوان اجمالي
عام ملحوظ بنعت الوحدة، ففي مقام لحاظ المصحح الكثرات ملحوظة بنعت الكثرة وفي مقام
271

لحاظها بنعت الوحدة لا نحتاج إلى لحاظ المصحح. فحينئذ الاسناد يتصف بالحقيقي
والمجازي معا باعتبار الكتراث الملحوظة قبله، وبالمجازي باعتبار الوحدة الملحوظة
حاله، وعلى ذلك الاشكال بعدم تصوير الجامع بين هذه الأمور أيضا مندفع. فإنه بعد
لحاظ رفع ما لا يعلمون بمصحح رفع ايجاب الاحتياط ورفع الحكم المنسي واقعا ورفع
موضوع المنسي وسائر العناوين بمصحح رفع الآثار يمكن ان يقال رفع النسيان، وهكذا
المعميات لا المحاورات العرفية، فلو لاحظنا الحديث بالنظر العرفي لا يمكننا حملها
على ما ذكر، وهذا شاهد على أن الرفع عذري في الجميع. ج 3 ان مفهوم الرفع يقتضي ان
يكون متعلقه ثقيلا، والثقيل هو الفعل ولا ثقل في الحكم نفسه. أجاب سيدنا الأستاذ عن
ذلك بأنه كما يصح اسناد الرفع إلى الفعل لكونه ثقيلا كذلك يصح الاسناد إلى الحكم
لكونه سببا موجبا له. أقول: لو قلنا بان متعلق الرفع هو الفعل لكنه من الواضح عدم
تعلقه بالفعل الاوقع في الخارج كما هو كذلك في جميع الأحكام والمتعلقات والموضوعات،
بل متعلق الحكم وموضوعه ليس الا نفس الطبيعة. نعم اختار سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج
تبعا لشيخه الأستاذ ج قدس سره ج ان موضوعات الاحكام هي الوجودات وفي مقام الانشاء
لاحظها الجاعل مفروض الوجود وجعل الحكم للموجود وفسر القضية الحقيقية بذلك، وان مآل
كل قضية حقيقية إلى شرطية وبنيا على ذلك استحالة اجتماع الأمر والنهي في موارد
272

التركب الاتحادي، ولكن جميع ما ذكراه خلاف التحقيق فان المتكلم بقضية الخمر حرام
لا يلحظ في مقام التكلم الا نفس معاني مفردات هذه القضية، وفرض الوجود أجنبي عن مفاد
هذا الكلام بالكلية، بل لا يعقل لحاظ غير معنى الكلام حين الكلام لعدم تحقق مبادئ
اللحاظ الا بالنسبة إلى معنى الكلام، بل الحكم في مقام الانشاء مترتب على نفس
العنوان ومرحلة الفعلية هي مرحلة انطباق الحكم لوجود موضوعه. واما ما فسرا القضية
الحقيقية به وان يمكن استفادته من كلام بعض الفلاسفة الا انه ليس بصحيح. والموضوع
في القضية الحقيقية والخارجية العنوان، غاية الأمر ان افراد الموضوع في الخارجية
منحصرة بالموجود بخلاف القضية الحقيقية، فان افراد موضوعها غير منحصرة بذلك بل يعم
الموجود وما يوجد فيما بعد، ولذا لا يمكن ان يقال في متعلقات الاحكام على
اصطلاحهما مثل الصلاة واجبة ما ذكراه مع أن هذه القضية حقيقية بلا اشكال، فلو كان
الموضوع فيها الوجود الامر بالحاصل وهو مستحيل. ومما ذكرنا ظهر ان اجتماع الأمر والنهي
جائز فان متعلق الحكم العنوان والخارج مجمع العنوانين ولا يسري الحكم من
متعلقه إلى غيره، وتمام الكلام في محله. فلو اكره أحد على شرب الخمر مثلا فلا يقال إن
شرب الخمر الواقع في الخارج مرفوع بحيث لا ينطبق الحديث على المورد قبل تحقق
الشرب، ولذا يحكم بجواز الشرب حتى قبل تحققه، فنفس طبيعة شرب الخمر مرفوع بما انها
مكره عليها. وعليه أي ثقل في نفس الطبيعة على المكلف مع قطع النظر عن حكمها؟ أي لم
يكن ملزما في الاتيان بها، فان الموجب للثقل هو الالزام المتعلق بها. فلا يصح ان
273

يقال إن المرفوع هو نفس الطبيعة، بل المرفوع ما يوجب الثقل والموجب هو الالزام. ولذا
قلنا بان اسناد الرفع إلى الفعل يحتاج إلى العناية والادعاء، على أن الرفع في عالم
التشريع هو رفع لأمر تشريعي يوجب الثقل، وهذا لا يناسب الموضوع، فلو كنا نحن ونفس
اسناد الرفع لقلنا باختصاص الحديث بالشبهات الحكمية الا ان القرينة الداخلية في غير
ما لا يعلمون والداخلية والخارجية في ما لا يعلمون دلتنا على اختصاص الرفع بالموضوعية
في الأول وبشموله له في الثاني على ما مر. ج 4 ان الرفع والوضع متقابلان يواردان
على مورد واحد، ومتعلق الوضع انما هو الفعل أو الترك على ذمة المكلف. فلا مناص من
كون متعلق الرفع كذلك فيختص الحديث بالشبهات الموضوعية. وأجاب سيدنا الأستاذ ج مد
ظله ج عن ذلك بان هذا انما يتم إذا كان ظرف الرفع أو الوضع ذمة المكلف. واما إذا
كان ظرفه الشرع كما هو ظاهر الحديث كان متعلقهما هو الحكم لا محالة، فيكون المرفوع
هو الحكم. أقول: (أولا) هذا مناف لمبناه ج دام ظله ج من أن الالزامات الشرعية ليس
الا اعتبار شئ على ذمة المكلف، والرفع في عالم التشريع أيضا هو رفع هذا الاعتبار
فظرف الرفع أيضا الذمة. وعليه لابد من أن يجب الأستاذ عن الاشكال بان الموضوع في
الشبهات الحكمية أيضا هو الفعل أو الترك على ذمة المكلف، فهذا لا يوجب اختصاص الحديث
بالشبهات الموضوعية. (وثانيا) ان أصل وضع الفعل أو الترك على ذمة المكلف لا نعقل له
معنى الا بان يعتبرا في الذمة نظير الدين كالآية الكرية (لله على الناس حج البيت)
(1) وهذا لا يوجب اختصاص الحديث بالشبهات الموضوعية كما ترى في الآية الكريمة، وما
جعل الحكم فليس مرتبطا بذمة المكلف، اما في مرحلة

(1) آل عمران: 97.
274

جعل القانون فظاهر، وأما في مورد الشبهات الموضعية فلم يوضع فيها حكم بالخصوص حتى
يقال بان هذه الموارد وضع الفعل أو الترك على الذمة، بل الشبهة في طول الوضع وفي
المرتبة المتأخرة عنه، فالجعل بالخمرية لا يوجب قلب ما هو المجعول واقعا من حرمة شرب
الخمر (الغير المتعلق بالذمة كما هو مفروض الاشكال) إلى وضع اخر وهو وضع الترك إلى
الذمة حتى يرفع. والحاصل: ان في موارد الشبهات الموضوعية لم يوضع شئ غير ما هو
الموضوع قانونا، فلو لم يكن حديث الرفع شاملا للجهل بنفس القانون لم يكن شاملا
للشبهة الموضوعية أيضا. ويمكن تقريب الاشكال بوجه يسلم من بعض هذه الايرادات، وهو
ان في مورد الشبهة الحكمية تعلق قلم الوضع بالحكم نفسه، وفي مورد الشبهة الموضوعية
وان لم يوضع حكم بالخصوص الا انه لو وضع شئ لوضع الفعل أو الترك على الذمة وبما ان
الوضع ظاهر في ذلك والرفع في ما يقابله فيختص الرفع بالشبهات الموضوعية. وهذا مخدوش
طردا وعكسا، فان في مورد الحكمية قد يتعلق الوضع بالحكم كعمدة الاحكام، وقد يتعلق
بالفعل كالحج، هذا تنجيزا، وأما تعليقا فأيضا كذلك لامكان ان يقال فيها لو وضع لوضع
الحكم أو الموضوع، واما في مورد الموضوعية فلم يجعل حكم بالخصوص كما مر. واما قضية
التعليق فكلا الأمرين ممكن لأنه يمكن ان يقال فيها انه لو وضع لوضع الفعل على
الذمة، أو لوضع الحكم على الفعل فلا محصل لأصل الاشكال ولا لما سلمه سيدنا الأستاذ
ج مد ظله ج. والصحيح في الجواب ان يقال: ان هذا الاشكال لو لم يكن دليلا على اختصاص
الحديث بالشبهات الحكمية لا يكون دليلا على اختصاصه بالشبهات الموضوعية، فان الشبهة
في الموضوع هي الشبهة في صغرى فعلية الحكم (كالشبهة في أن هذا خمر) والشبهة في
275

الحكم هي الشبهة في الكبرى (كالشبهة في حرمة الخمر) والنتيجة في كلا الموردين
الشبهة في حرمة هذا. والوضع انما هو في الكبرى وبنحو من المسامحة في النتيجة. واما
في الصغرى فلا وضع كما هو واضح فلو لاحظنا الوضع في الكبرى يكون الحديث مختصا
بالشبهات الحكمية، ولو لاحظنا الوضع في النتيجة ولو بنحو من العناية يعم الحديث
لكلا الموردين، فتأمل، حتى لا يتوهم ان المرفوع في الشبهات الموضوعية على هذا الحكم
لا الموضوع فان عموم الحديث لكلا الموردين بلحاظ الحكم غير عمومه لرفع الحكم بل
الظاهر من الحديث رفع المشتبه والمصحح لاسناد الرفع إلى الموضوع المشتبه رفع الحكم
على ما مر هذا. ولا يخفى ان ما ذكرنا في الجواب عن الاشكالين (3 و 4) انما هو على مبنى
القوم من كون الحديث ناظرا إلى رفع الحكم، اما على مسلكنا من أن الرفع عذري
والاسناد في كلتا الشبهتين الموضوعية والحكمية يحتاج إلى مصحح الادعاء، والمصحح رفع
ايجاب الاحتياط، فالجواب عنهما اظهر من أن يخفى لان المرفوع حقيقة ليس هو الفعل حتى
يقال بأن رفع الفعل يناسب الشبهة الموضوعية بل المرفوع حقيقة ايجاب الاحتياط
والموصول كما هو صالح للانطباق على الفعل صالح للانطباق على الحكم واسناد الرفع إلى
كلا الامرين يحتاج إلى المصحح بلا فرق بينهما، الثقل انما هو في ايجاب الاحتياط لا
الفعل نفسه والموضوع ليس هو الفعل أو الترك على الذمة بل انما هو ايجاب الاحتياط
فكذلك الموضوع على تفصيل ظهر مما تقدم. والحمد لله رب العالمين.
276

الكلام في فروع العلم الاجمالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم
أجمعين إلى يوم الدين. ونقدم اقسام الخلل الواقع في الصلاة، وبيان بعض احكامها بنحو
الاختصاص، فإنه لا يخلو عن المنافسة والفائدة، وقبل بيان ذلك لا بأس بالتعرض لصحيحة
زرارة الدالة على القاعدة المعروفة بلا تعاد وموارد شمولها ومورد عدم شمولها،
وانه هل يكون من باب الصرف أو الانصراف. روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال
: لا تعاد الصلاة الا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود. ثم قال:
القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة (1). مقتضى اطلاق الصحيحة عدم الفرق
بين جميع الصور من العمد والسهو الجهل. وما يقال: من أنه لابد من تقييدها بغير
العمد ج والا تنافي الصحيحة أدلة الاجزاء والشرائط والقواطع والموانع، فإنه لو لم
يكن العمل باطلا حتى في

(1) الوسائل: ج 4 باب 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث 5.
277

مورد الخلل العمدي فما معنى الجزئية وغيرها ج مدفوع. أولا: النقض بغير العمد أيضا،
الا ان يلتزم بالتقييد واختصاص الجزئية والشرطية مثلا بمورد العمد فقط، والمفروض
عدم الاختصاص للاجماع وظواهر الأدلة. وثانيا: لا منافاة ابدا لامكان مطلوبية
الاجزاء والشرائط وغيرهما بنحو تعدد المراتب المطلوبية، فيصح العمل عند وجود الخلل
وان لم يشتمل على المرتبة الكاملة من المطلوبية التي كان اللازم تحصيلها أيضا.
وتفصيل الكلام في محله. وقد يقال بانصراف الصحيحة عن صورة العمد. والجواب: ان
الانصراف بدوي ولا منشأ لدعوى الانصراف. فعلى ذلك لو كنا نحن وهذه الصحيحة لكانت
معارضة لأدلة الاجزاء والشرائط والقواطع والموانع. فلو كان في أدلتها قيد العمد
يحكم ببطلان الخلل العمدي، والا فيحكم بالبطلان مطلقا، فان تلك الأدلة بالنسبة إلى
حديث لا تعاد خاص بالنسبة إلى العام، الا ان يجمع بينهما بتعدد المراتب المطلوبية،
ولكن هذا الجمع انما يتصور في موارد أدلة الاجزاء والشرائط وغيرها، التي تكفلت
لبيان الجزئية والشرطية وغيرها محضا. واما في مثل أدلة القواطع التي ذكر فيها لزوم
الإعادة بفعل القاطع فلا يمكن هذا الجمع، فتدبر. ولكن وردت في باب القراءة، صحيحة
زرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال: ان الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود،
والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شئ عليه (1). فيعلم
من هذه الصحية ان ترك الفريضة مبطلة عمدا وسهوا، وأما ترك

(1) الوسائل: ج 4 باب 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث 1.
278

السنة مبطلة عمدا لا سهوا فيقيد بذلك ذيل صحيحة لا تعاد من أنه لا تنقض السنة
الفريضة. فالنتيجة: انه لا تنقض السنة الفريضة إذا حصلت بلا عمد، فقيدت صحيحة
لا تعاد بغير العمد. وحينئذ لو ترك الجزء أو الشرط، أو وجد المانع من دون عمد
لا تعاد قضية لحكومة الصحيحة على أدلتها. والجواب عن اشكال المنافاة، فرغنا عنه
بامكان تعدد المراتب المطلوبية. واما إذا كان الاخلال عمديا، فيحكم بالبطلان
لوجهين: (الأول) صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على أن ترك السنة متعمدا مبطلة.
(الثاني) اطلاق دليل الجزئية والشرطية وغيرهما، فان ظاهره الدخل مطلقا بحيث لم
يمتثل التكليف من دون الاتيان به، والمفروض انه لا حاكم عليه، بخلاف صورة غير العمد،
فتدبر جيدا. ويقع الكلام في اقسام خلل الصلاة، وهي اما بنقيصة أو زيادة، وكل منهما
اما عمدي أو جهلي أو سهوي. اما النقيصة العمدية، فقد أفاد المحقق الهمداني ج قدس
سره ج ان من القضايا التي قياساتها معها بطلان الصلاة بذلك لعدم تمامية المأمور به
على الفرض. وعدم الاجزاء حينئذ مقتضى القاعدة. والتحقيق ان دليل الجزء أو الشرط أو
المانع التي وقع الاخلال به لو كان له اطلاق يشمل صورة تركه أيضا يتم ما ذكره، والا
فلا. وأيضا بحسب الثبوت كما يمكن جعل الجزء بنحو يكون مع سائر الأجزاء دخيلا في أصل
المطلوبية، يمكن جعله بنحو يكون دخيلا في تمام المطلوب بحيث يكون المأمور به مطلوبا
279

بنحو تعدد مراتب المطلوبية، مع أنه لو قلنا بذلك على القواعد الا انه للشارع
الاجتزاء بالفاقد، غاية الأمر في مقام الاثبات يحتاج إلى دليل، فلقائل ان يدعي ان
دليل لا تعاد يشمل صورة العمد أيضا، ولكن لا خلاف في البطلان بالخلل العمدي، مع
لا تعاد مقيد بغير العمد بقرينة سائر الروايات، وإن كان دعوى الانصراف إلى غير
العمد بلا وجه. وقد انقدح بذلك عدم تمامية الاستدلال على المطلب، بان الجزئية
والشرطية والاجزاء على تقدير الاخلال لا يجتمعان، وحيث إن حديث لا تعاد دل على
الاجزاء، فلابد ن القول بعدم الجزئية والشرطية في مورد الحديث، ولا يمكن الاخذ
باطلاقه لمنافاته لأدلة الاجزاء والشرائط، ولزوم اللغوية في جعل الجزئية والشرطية،
فلابد من الالتزام بالتقييد فيه، والقدر المتيقن من التقيد اخراج العمد عن مورده،
فلابد من الحكم بالبطلان فيه، هذا. ووجه عدم تمامية الاستدلال (أيضا) عدم المنافاة
بين الجزئية والشرطية والاجزاء على تقدير الاخلال، لامكان الجعل بنحو تعدد المراتب.
(وثانيا) نفس لا تعاد ظاهر في عدم لزوم الإعادة في مورد الجزئية والشرطية، والا
يلزم منه السلب بانتفاء الموضوع، وهذا خلاف الظاهر. (وثالثا) يستفاد من ملاحظة
الأدلة الدالة على كيفية الصلاة في مورد السهو أو الاضطرار بترك الاجزاء والشرائط
وفواتها في بعض الموارد، كباب القضاء ان جعل الاجزاء والشرائط كلها الا الأركان
بنحو تعدد المراتب. فالحق ما مر من أن مقتضى الصناعة أولا الاخذ باطلاق أدلة
الاجزاء والشرائط لو كان لها اطلاق، والحكم بالبطلان على تقدير الخلل، الا ان
لا تعاد يثبت الصحة، وبما انه مقيد بغير العمد ففي مورد العمد يحكم بالبطلان دون
غيره، ولا بأس بذكر وجه التقييد بغير العمد. ففي صحيح زرارة علل عدم لزوم الإعادة في
غير الخمسة، بأنه: لا تنقض السنة الفريضة. وفي صحيح محمد بن مسلم: القراءة سنة فمن
ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة (1).

(1) الوسائل: ج 4 باب 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث 2.
280

فيستفاد من التفريع ان كل سنة حكمه هكذا فيقيد صحيح زرارة بغير العمد بهذه القرينة.
ثم إن الماتن بين محل النقص، واختار بالآخرة ان المحل باق حتى يدخل في الركن، فإنه
مع التدارك وتحصيل الترتيب في ما إذا ترك جزء واشتغل بغيره لا اشكال الا من جهة
الزيادة، وهذا ليس من ايجاد الزائد، بل هو من قبيل ايجاد وصف الزيادة في المتقدم.
ولكن يرد بان الجزء المأتي به قبل التدارك ليس بجزء وقد اتى به بهذا القصد فهو من
ايجاد الزائد بالفعل، وتوهم ان اتصافه بالزائد موقوف على كون العمل ناقصا بالجزء
السابق، ولازمه كون البطلان مستندا إلى النقص، فبالنقص يبطل العمل في المرتبة
المتقدمة فليس من ايجاد الزائد، فلزم من اتصافها بالزيادة عدم الاتصاف، مستدفع بان
الامر دائر بين النقص الفعلي (لو لم يتدارك) والزيادة الفعلية (لو تدارك)، فلا يمكن
تصحيح هذه الصلاة. واما النقيصة عن جهل، فقد تقدم ان الأصل الأولي وإن كان مقتضيا
للإعادة على تقدير الاخلال بالنقيصة الا ان الأصل الثانوي بملاحظة حديث لا تعاد
المخصص بغير العمد عدم لزوم الإعادة في غير موارد المستثنى، بلا فرق بين كون الخلل
للجهل حكما أو موضوعا أو السهو أو النسيان، لكن قد يقال بان الحديث لا يشمل صورة
الجهل بالحكم. وقيل في وجهه أمور: ج 1 لو كان الحديث شاملا لصورة الجهل يلزم اختصاص
الجزئية أو الشرطية بصورة العلم، ويلزم الدور (والجواب) ان هذا مبني على القول بعدم
الجزئية في مورد شمول الحديث، وقد مر ان ظاهر نفس الحديث ثبوت الجزئية والشرطية. 2
ج اطلاق العمد في صحيحة محمد بن مسلم، الدالة على لزوم الإعادة بترك القراءة عمدا،
281

الشامل لصورة الجهل (والجواب) ان الرواية واردة في مورد العلم وقد اخذ العلم مفروضا
فيها فلا اطلاق لها من هذه الحيثية. ج 3 ما افاده المحقق الهمداني ج قدس سره ج من أن
الحديث لم يرد في مقام بيان الاطلاق، فان صورة العمد خارجة عنه قطعا، فيدور
الأمر بين اختصاصه بالسهو وما يضاهيه، أو هو والجهل ولا قرينة، والقدر المتيقن
الأول، مع أنه لو فرض وروده في مقام البيان لكن يدور الامر بين تقييده وتقييد أدلة
الجزئية والشرطية واختصاصها بصوره العلم، والثاني ممتنع، فلابد من تقييد الحديث
والحاق الجاهل بالعامد. (والجواب) اما عن الأول، فبما مر من أن ظاهر الحديث
الاطلاق، حتى بالنسبة إلى العمد فضلا عن الجهل، والتقييد بغير العمد من جهة الدليل
الخارجي وهو صحيح محمد بن مسلم، واما عن الثاني، فبما مر أيضا من أن عدم الإعادة،
لا يستلزم نفي الجزئية والشرطية حتى يقال بالامتناع في تقييد أدلة الجزئية أو
الشرطية بل لابد من تقديم لا تعاد لحكومته على أدلتها. ج 4 ما افاده الميرزا
النائيني ج قدس سره ج ولا بأس بالإشارة إلى جميع أطراف كلامه ملخصا ومحصلا. ذكر ان
الجاهل ملحق بالعامد، لا من جهة اطلاق أدلة الجزئية بالنسبة إلى العالم والجاهل،
لان الاطلاق من هذه الجهة كالتقييد بالعلم في الاستحالة، لكن لما كان الاهمال في
الاوقع غير معقول، فالاوقع اما مقيد ذاتا، أو مطلق كذلك، وكل من التقييد والاطلاق
لابد من اثباته بدليل اخر، ونسمي ذلك بنتيجة التقييد أو نتيجة الاطلاق. وبما ان
اطلاقات كثيرة دلت على اشتراك العالم والجاهل في الأحكام، فمن هذه الجهة نستكشف
بنتيجة الاطلاق ان الجاهل ملحق بالعامد. نعم لو كان حديث لا تعاد شاملا للجاهل
لقلنا بعدم الإعادة في حقه. لحكومة لا تعاد على أدلة الاشتراك، ولكن الحديث لا يشمل
282

الجاهل، فان الحكم بنفي الإعادة في مقابل الحكم بالإعادة ظاهر في أن مورد الحكم
قابل للحكم بالإعادة وفيها، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الجاهل، فان الجاهل مكلف
بالواقع حين تركه الجزء أو الشرط. ونفس هذا الامر يدعو إلى الاتيان بمتعلقه مع تمام
الجزاء والشرائط، لا الأمر بالإعادة، بخلاف الساهي والناسي، فان الامر بالاتيان
بالمركب كذلك ساقط في حالة السهو والنسيان، للزوم تكليف العاجز، فالاتيان بتمام
الاجزاء ثانيا موضوع للأمر بالإعادة، كما أن الاكتفاء بالناقص وعدم لزوم الاتيان
كذلك موضوع للحكم بنفي العادة. فالقابل للامر بالإعادة أو الحكم بنفيها انما هو
مورد السهو والنسيان لا الجهل، فان نفس الأمر الأول متوجه إلى الجاهل، ويستدعي
الاتيان بمتعلقه تاما. هذا ما استفدنا من وجه قوله بعدم شمول الحديث للجاهل، وان
ذكر بعض تلامذته تقريبات أخرى يستبعد عما هو بصدده. وفيه: أولا: ما ذكره من أن
اطلاق دليل الحكم بالنسبة إلى العالم والجاهل مستحيل نشأ من مبناه في الاطلاق، وان
الاطلاق هو الاطلاق اللحاظي المسمى باللا بشرط القسمي، وقد حقق في محله ان الإطلاق
هو جعل نفس الطبيعة موضوعا للحكم بنحو اللابشرط المقسمي. ولا يلحظ فيه الا نفس طبيعة
المتعلق، لا أصنافه وافراده. فلو قلنا باستحالة التقييد لا نقول باستحالة الاطلاق
من جهة استحالة اللحاظ. واما توهمك عدم تمامية مقدمات الحكمة من جهة عدم كون المولى
في مقام البيان من جهة هذا القيد فمدفوع بان اللازم كون المولى في مقام بيان ما
تعلق به الحكم، وهو نفس الطبيعة، بلا لحاظ شئ اخر، وهذا بمكان من الامكان. وثانيا:
الحكم في مقام الثبوت اما مطلق أو مقيد أو مهمل، والدليل الدال عليه اما مطلق أو
مقيد أو مهمل أو مجمل، وليس في البين امر اخر نسميه بالاطلاق الذاتي أو التقييد
283

الذاتي، فمع القول باستحالة الاطلاق والتقييد ثبوتا لابد من الالتزام بالاهمال،
وهكذا في مقام الاثبات لو استحال الاطلاق والتقييد يلزم الاهمال أو الاجمال.
وثالثا: لا استحالة في التقييد ثبوتا أو اثباتا، فضلا عن الاطلاق اما الثبوت فلانه
متقوم باللحاظ، ولحاظ المتأخر ممكن. واما الاثبات فلانه كاشف عن الثبوت وعالم
اللحاظ، ولا مانع من بيان ما لوحظ ثبوتا في مقام الاثبات. ورابعا: ليس في البين اطلاق
واحد دال على اشتراك العالم والجاهل في الاحكام بالاطلاق، فضلا عن اطلاقات كثيرة،
وما دل على ثبوت بعض الآثار على المصيب والمخطئ ناظر إلى بيان حكم اخر، والدليل على
الاشتراك ليس الا الاجماع المفقود في المقام. وخامسا: ما ذكره في الحديث منقوض بأنه
لو نسي الركن وتذكر بعد الصلاة في الوقت، أفهل يلتزم بان الملزم للاتيان ثانيا هو
الامر بالإعادة ولولاه لما وجب؟ ومن هذا يعلم أن الامر بالإعادة في جميع المقامات
ارشاد إلى بقاء الأمر الأول، وعدم تحقق امتثاله. وسادسا: تكليف العاجز بنحو الجعل
القانوني امر ممكن، كما قرر في محله، والقدرة قيد للتنجز، لا شرط للتعلق، ولو سلم
فإنما هو قيد للتكليف لا للوضع، ومنه الجزئية، ولازمه سقوط الامر بالمركب في مورد
السهو والنسيان، وبعد رفعهما لابد من امتثال الأمر الأول، ولو قيل بأن نفي الإعادة
يثبت ان الشارع اكتفى بالناقص، يقال عليه: فلماذا لا نقول به في مورد الجهل أيضا؟.
وسابعا: لو سلمنا جميع ما ذكره، الا ان اللازم اختصاص وجوب الإعادة بمورد السهو
والنسيان فإنه قابل للخطاب باعد، واما الجاهل فلا يقال عليه أعد، بل يقال: صل، واما
نفي الإعادة بمعنى ان الشارع اكتفى بالناقص، فمشترك بين الساهي والناسي والجاهل،
وهذا ظاهر. وثامنا: كل ذلك مبني على القول بسقوط الجزئية والشرطية في مورد لا تعاد
284

واما على القول بالثبوت، كما هو ظاهر لا تعاد أيضا لا موضوع لما ذكره أصلا، لثبوت
الجزئية والشرطية بالنسبة إلى الناسي والجاهل، ومع الالتزام بتعدد المراتب واكتفاء
الشارع بالناقص فهدم لزوم الإعادة مشترك فيهما، ومع الالتزام بوحدة المرتبة وعدم
اكتفاء الشارع بالناقص لزوم الإعادة مشترك فيهما. هذا وقد ظهر مما مر ان الحق شمول
الحديث للجاهل أيضا ولا تجب عليه الإعادة لاطلاق الحديث، ولولاه لكان اللازم
الإعادة لا لأدلة الاشتراك ونتيجة الاطلاق، بل لنفس اطلاق دليل الجزئية والشرطية
كما مر. ثم إنه لو قلنا بلزوم الإعادة بالنسبة إلى الجاهل فقد استثنى منه المحقق ج
قدس سره ج موارد: الأول: الجهر في موضع الاخفات وبالعكس. ووجهه صحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الخفاء
فيه فقال: أي ذلك فعل متعمدا، فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فلان فعل ذلك ناسيا أو
ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته (1). الثاني: الصلاة في الثوب أو
المكان المغصوب. والظاهر عدم صحة الاستثناء، فإنه لو قلنا بجواز الأمر والنهي
والحكم بالبطلان من جهة الاجماع فالقدر المتيقن من الاجماع صورة العمد، بل المتيقن
عدم الاجماع في غيرها فالصحة في مورد الجهل على القاعدة، ولو لم نقل بدلالة
لا تعاد على الصحة فيه. ولو قلنا بعدم الجواز، فاما ان يكون وجهه عدم امكان قصد
القربة، فاختصاصه بمورد العمد ظاهر، فالصلاة كذلك جهلا صحيح، وان لا تكون مشمولة
للحديث. واما ان يكون وجهه عدم صلاحية المحرم، لكونه مصداقا.

(1) الوسائل: ج 4، باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، حديث 1.
285

للواجب، فلابد من الحكم بالبطلان، حتى في مورد الجهل، ولو قلنا بشمول لا تعاد
للجاهل فان موضوع لا تعاد هو الصلاة التي يمكن أن تكون مأمور به، في مورد الخلل،
والصلاة في المغصوب ليس كذلك، لامتناع كون المحرم مصداقا للواجب. وبعبارة أخرى:
الوجه العقلي غير قابل للتخصيص، والمفروض عموم الوجه لمورد الجهل أيضا، فتجب
الإعادة لثبوت المقتضي وفقد المانع، فان شمول لا تعاد للمورد مستلزم للتخصيص في
الدليل العقلي، فليتدبر. والكلام في الوضوء بالماء المغصوب هو الكلام بعينه فلا
نطيل بذكره، وان جعله المحقق فرعا مستقلا في المقام. الثالث: الجهل بنجاسة الثوب أو
البدن أو موضع السجود. وجه الاستثناء ان ما دل على الطهارة في مورد الشك، ينقح
موضوع دليل الاشتراط بالطهارة، فيكون حاكما عليه، وكشف الخلاف انما هو بحسب نفس
الطهارة الواقعية، لا ما هو الشرط في الصلاة وبعبارة أخرى: ما هو دائر في الألسنة
من أن الشرط الطهارة الأعم من الاوقعية والظاهرية، وهذا لم ينكشف الخلاف فيه كما
لا يخفى.
فرعان
الأول: لو أحرز تذكية الحيوان وصلى في جلده، فانكشف الخلاف تصح الصلاة ولا تجب
الإعادة. فان الشرط طهارة الثوب الأعم من الواقع والظاهر كما مر، وهذا حاصل مع
كفاية لا تعاد لاثبات الصحة، لو لم نقل بذلك. ولا فرق في ذلك بين كون الاحراز
واقعيا أو بأمارة أو أصل لاشراك الجميع في العلة. واما الصلاة فيه مع الشك في
التذكية فلا تصح لا لاستصحاب عدم التذكية، فإنه لا يتم، بل لدلالة الروايات عليها،
وبعضها مذكور في المتن، فراجع (مصباح الفقيه). الثاني: الصلاة في اللباس المشكوك في
كونه مما يؤكل أو مما لا يؤكل، صحيحة لا لاستصحاب عدم كونها فيما لا يؤكل، لأنه من
الاستصحاب في العدم الأزلي، ولا نقول به، بل لأصالة البراءة من مانعية اللباس
286

المذكور عن الصلاة، وهذا مبني على القول بالمانعية لا الشرطية. والمستفاد من الأدلة
مثل موثقة ابن بكير (1) المانعية، مع أن المانع المستفاد من الأدلة مصاحبة ما
لا يؤكل في الصلاة وان لم يكن في اللباس، وهذه قابلة لاستصحاب العدم فيها بلا محذور،
وقد أجرى السيد الأستاذ البراءة حتى على القول بالشرطية، وهذا كما ترى لا يثبت وقوع
الصلاة مع الشرط كما لا يخفى. واما النقيصة السهوية، فقد تقدم ان مقتضى القاعدة، وإن كان
هو البطلان بالاخلال ولو سهوا، الا ان حديث لا تعاد يثبت الصحة في موارد
المستثنى منه، ولا فرق بين الجهل والسهو والنسيان، ويستفاد من الصحيحة البطلان مع
الاخلال بالمذكورات في المستثنى، مع أن القاعدة أيضا تقتضي ذلك. والمذكورات بعضها
شرط، وهو الطهور والوقت والقبلة والباقي جزء وهو الركوع والسجود. ويلحق بذلك تكبيرة
الافتتاح، فان الاخلال بها ج ولو جهلا أو سهوا ج يوجب البطلان لصحيحة زرارة (2)، بل
الاخلال بالقيام حالها أيضا يوجب ذلك لموثقة عمار (3). واما النسية فخارجة عن العمل،
وإن كان دخيلا في قوام العمل. فالاخلال بها يوجب عدم تحقق العمل. والقيام المتصل
بالركوع مقوم للركوع، فحاله حال الركوع، فلم يبق من أركان الصلاة الا الركوع
والسجود، ولابد من البحث عنهما في جهات: ج 1 هل الاخلال بهما يوجب فساد الصلاة، أو
لا؟

(1) الوسائل: ج 3، باب 2 من أبواب لباس المصلي، حديث 1.
(2) الوسائل: ج 4، باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، حديث 1.
(3) الوسائل: ج 4، باب 13 من أبواب القيام، حديث 1.
287

ج 2 حد امكان التدارك فيهما، وهل يوجب الدخول في السجدة الأولى بطلان الصلاة لو علم
بنسيانه الركوع، أو لا؟. اما الجهة الأولى فيدل على البطلان الاجماع والأخبار الدالة
على إعادة الصلاة بنسيانهما، والمستثنى في لا تعاد مضافا إلى أن القاعدة
تقتضي البطلان، ومع صرف النظر عن الأدلة الدالة على البطلان، فلا أقل من عدم الدليل
على الخروج عن القاعدة، وهذا ظاهر. نعم استدلال المحقق الهمداني، بما دل على كون
الركوع والسجود فريضة لا يتم، فان الفريضة ما ذكر في القران في قبال السنة التي
سنها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا الوجوب في قبال الاستحباب، ولا ما هو داخل
في قوام الماهية في قبال سائر الأجزاء. واما الجهة الثانية، فحد امكان تدارك السجود
الدخول في الركوع. فالدليل على فوت محل التدارك بالدخول فيه عدم امكان تصحيح الصلاة
لا بالتدارك للزوم زيادة الركن، ولا بعدمه للزوم النقيصة. وتوهم امكان التدارك
وسقوط الترتيب فاسد، فان الترتيب ليس بشئ معتبر في الصلاة ما وراء نفس الاجزاء
المترتبة، وعلى ذلك الجزء الغير المترتب ليس بجزء حقيقة، لا انه جزء غير مترتب.
فالركوع المأتي به بلا سجود قبله ليس بجزء للصلاة، بل زيادة محضة، وعليه يمكننا
القول ببطلان الصلاة من جهة زيادة الركن حتى مع التدارك، فتدبر. واما ما ورد من
اسقاط الزائد والاتيان بالفائت كصحيحة محمد بن مسلم (1)، مع أنه مخالف للمشهور ففي
نفسه ليس بحجة، معارض، لعدة من الروايات الدالة على البطلان، مع أن الصحيحة واردة
في مورد نسيان الركوع،

(1) الوسائل: ج 4، باب 11 من أبواب الركوع، حديث 2.
288

فيمكن منع شمولها للمسألة، واما الدليل على بقاء محل التدارك ما لم يدخل في الركوع
شمول دليل لا تعاد للزيادة السهوية، فلا مانع من التدارك من جهة الزيادة الحاصلة،
والاشتغال بالصلاة يقتضي الاتيان، والامتثال على وجهه، يقتضي الاجزاء. وبعبارة
أخرى: مع التدارك لا خلل الا من جهة الزيادة، وهي غير مانعة. هذا مع استفادة الحكم
من الروايات أيضا مع أنه لا خلاف فيه. وحد امكان تدارك الركوع بالدخول في السجدة
الأخيرة. اما فوت محل التدارك بعدها، لما ذكرنا في الركوع من الدوران بين نقص الركن
وزيادته، والمانع لا يصلح للمانعية، لسقوطه عن الحجية بمخالفة المشهور ومعارضته بعدة
من الروايات. فلو لم نقل بترجيحها فلا أقل من التساقط والرجوع إلى القاعدة. واما ما
ذكره المحقق الهمداني من امكان حملها على الاستحباب، ففيه: انها ارشاد إلى البطلان،
ولا معنى للحمل على الاستحباب في ذلك، فعلم من ذلك عدم تمامية التفصيلات المذكورة
في المسألة، مع عدم دلالة شئ من الأدلة على التفصيل، والجمع بين الطائفتين بما ذكر
من التفصيل، جمع تبرعي بلا شاهد. واما الدليل على بقاء محل التدارك قبل الدخول في
السجدة الأولى ما مر في نسيان السجود قبل الدخول في الركوع بلا تفاوت. بقي الكلام في
نسيان الركوع، والدخول في السجدة الأولى، والتذكر حينئذ. فهل هناك مجال للتدارك، أو
لا؟ فيه خلاف، ذكر المحقق الهمداني ج قدس سره ج ان مقتضى اطلاق الامر بالاستقبال
وإعادة الصلاة في موثقة إسحاق (1) ورواية أبي بصير (2) الثانية من غير استفصال هو
لزوم الاستئناف بالدخول في السجدة. وفيه: ان الموضوع في الروايتين نسيان الركوع،
ومن

(1) الوسائل: ج 4، باب 10 من أبواب الركوع، حديث 2 و 4.
(2) الوسائل: ج 4، باب 10 من أبواب الركوع، حديث 2 و 4.
289

المعلوم ان النسيان بوجوده انا لا يوجب البطلان، بل النسيان مع عدم الاتيان بالمنسي
إلى أن يفوت محله موجب له، فإذا ما دل على اغتفار زيادة السجدة الواحدة سهوا حاكم
على ذلك فإنه يدل على بقاء المحل، فلا موضوع للروايتين. وذكر المرحوم النائيني ج
قدس سره ج ان من المعلوم على المراجع إلى أدلة اغتفار زيادة السجدة الواحدة سهوا
انها تدل على اغتفارها فيما إذا كان السهو متعلقا إلى السجدة، لا فيما إذا أتى بها
عمدا للسهو عن أمر اخر كالركوع في المقام، فأدلة الاغتفار لا تشمل الفرض، والقاعدة
تقتضي البطلان. وفيه: ان هذا اشتباه في متعلق السهو، فان السهو غير متعلق بالسجدة
في شئ من الموارد، حتى موارد الاغتفار بنظره، بل السجدة أوتي بها عمدا واختيارا،
وانما السهو متعلق بالزيادة، فالزيادة سهوية، لا ان السجدة سهوية، وتعلق السهو
بالزيادة مشترك بين ما كان من جهة السهو في امر اخر وبين ما لم يكن كذلك، فمن أتى
بالسجدة الثالثة سهوا زاد سجدة واحدة في صلاته سهوا، بعين زيادة السجدة الواحدة
سهوا الحاصلة من جهة ترك الركوع سهوا، فلا فرق بينهما من هذه الجهة، فيشمل دليل
الاغتفار لكلا الموردين. وفي أثناء كلامه عبارة وهي فعلى هذا، فتكون السجدة
الواحدة ركنا، بالقياس إلى عدم جواز زيادتها لتدارك منسي غيرها وهذه العبارة، توهم
انه ج قدس سره ج يرى أن الاتيان بالسجدة بعد تدارك الركوع المنسي زيادة، والحال ان
الزيادة هي السجود المأتي به بلا ركوع قبله، فلاحظ كلامه وتأمل فيه. والصحيح شمول
أدلة اغتفار زيادة السجدة الواحدة للموارد، ونتيجة ذلك بقاء محل التدارك، فلا تبطل
290

الصلاة بترك الركوع سهوا ما لم يدخل في السجدة الثانية، ويؤيد ذلك خبر أبي بصير عن
الصادق عليه السلام قال: إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين أو
ترك الركوع استأنف الصلاة (1). فإنه ظاهر في دخل سجود سجدتين في الحكم، سواء كان من
جهة مفهوم الوصف أو الشرط. فان التقييد أو التعليق بشئ لو كان بصدد بيان الضابط
يستفاد منهما المفهوم بلا فرق بينهما، فالرواية دالة على أن بالدخول في السجدة
الأولى لا يجب الاستئناف. فعلم مما ذكرنا في تقريب المفهوم عدم تمامية ايراد صاحب
الجواهر ج قدس سره ج من أن الوصف لا مفهوم له، والشرط في الرواية اليقين بترك
الركعة وسجود سجدتين، وانتفائه انتفاء اليقين بذلك في مورد سجود سجدتين، لا انتفاء
السجدتين. وجه عدم تمامية ما ذكره: (أولا) ما ذكرنا من أنه يستفاد من الرواية دخل
سجود سجدتين في الحكم، لكونها في مقام القاء القاعدة والضابط، فلو كان من قبيل
الوصف أيضا يدل على المفهوم. (وثانيا) اليقين في الرواية، طريقي لا موضوعي،
والرواية غير ناظرة إلى بيان مورد الشك بل ناظرة إلى بيان ترك الرعة وسجود سجدتين،
فايراده ج قدس سره ج على مفهوم الشرط ليس في محله. كما أن توهم ان المفهوم من قبيل
السلب بانتفاء الموضع، فان نفي الشرط هو عدم ترك الركعة وسجود سجدتين، فاسد، لما
ذكرنا من دلالة الرواية على دخالة سجود سجدتين في الحكم. وان ترك الركعة انما يضر
في مورد سجود سجدتين، ومفهوم الرواية انه لو ترك الركعة ولم يسجد سجدتين لم يستأنف
الصلاة، فتدبر جيدا. واما الزيادة العمدية، فيكفي في وجه البطلان بها خبر أبي بصير:
من زاد في صلاته فعليه الإعادة (2) والقدر المتيقن منها العمد، واما ما قيل من أن
وجه البطلان بالزيادة وقوع النقيصة في المأتي به، فان المأمور به مقيد بعدم
الزيادة،

(1) الوسائل: ج 4 باب 10 من أبواب الركوع حديث 3.
(2) الوسائل: ج 5 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 2.
291

ولم يحصل القيد فحصلت النقيصة، مدفوع، بان اعتبار المانع لا يرجع إلى اعتبار
الشرطية، ووجود الزيادة مانع، لا انه عدمها شرط، وهذا ظاهر. واما الزيادة عن جهل أو
سهو في غير الأركان فمقتضى القاعدة وإن كان هو البطلان، الا ان صدر لا تعاد مثبت
للصحة على ما مر. ويستفاد من الروايات الخاصة أيضا، والمهم هو البحث عن زيادة
الأركان. اما زيادة النية، فلا معنى لها بناء على الحق من أنها ليست الا الداعي إلى
العمل، لا الاخطار بالقلب، ولو قلنا بأنها الاخطار، فالزيادة فيها لا يضر، لعدم صدق
الزيادة في الصلاة، فان النية خارجة عن الصلاة، وليست مسانخة لأجزاء الصلاة، فلا
يصدق على تكرارها الزيادة في الصلاة. واما زيادة التكبيرة، فتعد من الزيادة في
البطلان، فتكون مبطلة لها في صورة العمد. واما غير العمد فالظاهر عدم البطلان
بزيادتها كذلك، لشمول لا تعاد لها. والدليل الخارجي قد دل على البطلان بنقيصتها،
وقد مر، فتبقى الزيادة مشمولة للحديث. ثم إنه لو قلنا بكونها مبطلة للصلاة كصورة
العمد فهل يمكن احتسابها من تكبير الصلاة، والاتيان بالصلاة بعدها؟ أم لابد من
تكبير جديد؟ فقد يقال بأنها زيادة، والزيادة منهية، فهي فاسدة للنهي عنها. وفيه: ان
النهي ارشادي أولا، ولا يدل على الفساد. وثانيا: النهي متعلق بالزيادة لا بالتكبيرة،
فالمقام من اجتماع الأمر والنهي، لا النهي في العبادة. وقد يقال بان التكبيرة
الزائدة غير مأمور بها، وان لم يكن منهيا عنها، وهذا يكفي في الفساد. وفيه: ان
التكبيرة والزيادة موجودتان بوجود واحد، وبتحقق الزيادة تبطل الصلاة، وينتفي المانع
من كون التكبيرة مأمور بها، وبعبارة أخرى: مع فرض صحة الصلاة لا تكون التكبيرة
مأمور بها، وهذا ظاهر، الا انه لا يلزم من ذلك كون الأمر بالتكبيرة مترتبا على بطلان
292

الصلاة بحيث يكون في طوله وفي المرتبة المتأخرة عنه، بل يمكن فرض كون التكبيرة
المقارنة للبطلان مأمور بها فتشملها اطلاقات أدلة التكبيرة، هذا، والاحتياط في
محله، من جهة نقل الاجماع على البطلان. واما زيادة القيام حال التكبيرة، أو زيادة
القيام المتصل بالركوع فلا تحقق الا بزيادة التكبيرة والركوع، كما هو ظاهر، وقد مر
حال زيادة التكبيرة، ويأتي حال زيادة الركوع. وقد بقي من زيادة الأركان، زيادة
الركوع والسجود، وذكروا قبل ذلك زيادة الركعة من جهة ورود النصوص فيها. واستدلوا
على البطلان فيها بأمور: الأول: خبر أبي بصير من زاد في صلاته فعليه الإعادة (1)
ولكنه محكوم بحديث لا تعاد، فان الخلل بالزيادة، مندرج في عقد المستثنى منه،
والخلل الآتي من الركوع والسجود الواقع في المستثنى انما هو بتركهما، واما زيادتهما
فليس خللا في الصلاة من جهة الركوع والسجود، بل انما هو من جهة الزيادة، وبعبارة
أخرى: حديث لا تعاد دال على صحة الصلاة من جهة وقوع خلل فيها، لو كان الخلل من غير
المذكورات في المستثنى. واما فيها فتبطل الصلاة، ومعنى الخلل في الصلاة ترك الاتيان
بما اعتبر فيها جزء أو شرطا، أو الاتيان بما اعتبر فيها قاطعا ومانعا. والركوع
والسجود معتبران في الصلاة جزء، فمعنى الخلل من جهتهما ترك الاتيان بهما. وأما
زيادة الركوع والسجود قاطعة أو مانعة للصلاة والخلل الآتي ي منهما انما هو باتيانها،
وهذا غير مشمول لعقد الاستثناء، بل داخل في المستثنى منه. فمقتضى ظهور لا تعاد صحة
الصلاة في جميع موارد الزيادات السهوية، فبحكومتها على الخبر يستكشف اختصاص الخبر
بصورة العمد، كالخلل في سائر الأجزاء والشرائط. الثاني: ما رواه الشيخ عن زرارة
وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال:

(1) الوسائل: ج 5، باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، حديث 2.
293

إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة، لم يعتد بها، واستقبل صلاته استقبالا (1). بل
في رواية الكليني إضافة ركعة. ولا يرد على هذا الاستدلال ما ورد على سابقه من حكومة
لا تعاد عليه، فان مورد الرواية الزيادة الغير العمدية كما لا يخفى. الثالث:
التعليل في رواية الأعمش: ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد في فرض
الله عز وجل (2). والقدر المتيقن من التعليل، زيادة الركعة، ولكن هذا أيضا قابل
لكونه محكوما بلا تعاد ويؤيد ذلك ان الاتمام في السفر جهلا بالحكم صحيح. الرابع:
خبر عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال: الطواف المفروض إذا زدت عليه
مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، فعليك الإعادة (3). وهذا أيضا قابل لكونه محكوما
بلا تعاد، ولا سيما بملاحظة ان الزيادة السهوية في الطواف لا تضر به. الخامس: ما
ورد في صحيحة منصور وخبر عبيد، من أنه لا يعيد صلاته من سجدة، ويعيدها من ركعة (4).
بناء على كون الركعة ظاهرة فيها تماما، لا مجرد الركوع المقابل للسجدة، أو القول
بأن زيادة الركعة تماما مشتملة على زيادة الركوع أيضا. ومورد الروايتين السهو فلا
يمكن تحكيم لا تعاد عليهما، الا ان الظاهر من الركعة الركوع بقرينة المقابلة. واما
القول باشتمال زيادة الركعة على زيادة الركوع، فلا يتم، لأنا لو بنينا على عدم
البطلان بزيادة الركعة مطلقا، أو في الجملة نقول بعدم البطلان في زيادة الركوع اخر
الصلاة

(1) الوسائل: ج 5. باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، حديث 1.
(2) الوسائل: ج 5 باب 17 من أبواب صلاة المسافر، حديث 8.
(3) الوسائل: ج 9، باب 34 من أبواب الطواف، حديث 11.
(4) الوسائل: ج 4، باب 14 من أبواب الركوع، حديث 2 و 3.
294

على نحو زيادة الركعة. والحكم بالبطلان بزيادة الركوع مختص بمورد الزيادة في
الصلاة، لا على الصلاة، كما هو ظاهر الأخبار، فيختص الحكم بزيادة في الأثناء.
السادس: مضمرة الشحام، قال: سألته عن الرجل يصلي العصر ست ركعات، أو خمس ركعات،
قال: ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد (1). وهذه الرواية لا بأس بدلالتها، فانحصر
الدليل برواية زرارة وبكير ومضمرة الشحام. وقد حكي عن المحقق ج قدس سره ج الحكم
بالصحة بزيادة الركعة ان جلس في الرابعة قدر التشهد، واستدل بأمور: الأول: بأن
نسيان التشهد غير مبطل. الثاني: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن
رجل صلى خمسا. فقال: إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته (2).
الثالث: صحيحة جميل (3) وصحيحة محمد بن مسلم (4) الدالتان على مفاد صحيحة زرارة
المتقدمة وقد ظهر حكم زيادة الركوع والسجود مما مر فلا نطيل فراجع المفصلات هذا بعض
الكلام في أقسام الخلل، وبعض احكامها بنحو الايجاز.
بيان فروع العلم الاجمالي
قال السيد رحمه الله: الأولى: إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر، فإن كان قد صلى
الظهر بطل ما بيده، وإن كان لم يصلها أو شك في أنه صلاها، أو لا، عدل بها إليها.

(1) الوسائل: ج 5، باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، حديث 3.
(2) الوسائل: ج 5 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 4 و 6 و 5.
(3) الوسائل: ج 5 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 4 و 6 و 5.
(4) الوسائل: ج 5 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 4 و 6 و 5.
295

أقول: اما وجه وجوب العدول في الصورة الثانية فظاهر، لاحرازه امتثال الامر بالظهر
حينئذ. واما وجه البطلان في الصورة الأولى، فقد ذكروا في ذلك ان ما بيده لا يصح ظهرا
لأنه قد صلاها، ولا عصرا لعدم احراز نيتها، ولا مجال لاحرازها بقاعدة التجاوز، لان
صدق التجاوز يتوقف على احراز العنوان، وهو موقوف على النية، فلا يمكن اثباتها به،
فالحكم البطلان. وفصل الماتن - قدس سره - في مبحث النية في هذه المسألة مسألة 19،
بين ما لو رأى نفسه في صلاة العصر وشك في أنه من الأول نواها أو نوى غيرها، وبين
ما لو كان شاكا بالفعل بالنسبة إلى ما بيده. واختار سيدنا الأستاذ - مد ظله - أيضا
هذا التفصيل. وأفاد في وجه ذلك ان محل نية العصر وإن كان قبل صلاة المعنونة بالعصر،
واحراز التعنون بصلاة العصر موقوف على احراز النية، فلا تجري القاعدة في النية
مطلقا. الا انه لو رأى نفسه في صلاة العصر وشك في أنه من الأول بأي نية شرع في
الصلاة، فيمكن اجراء القاعدة في المنوي لا في النية، وهي الأجزاء السابقة. فانا نشك
في وجود تكبيرة موافقة للأمر وعدمه، فتشملها القاعدة، لأنها كما تشمل الشك في
الوجود تشمل الشك في الموجود أيضا، بل الشك في الموجود يرجع حقيقة إلى الشك في
الوجود، وقد حقق ذلك في محله. لكن ما افاده وإن كان تاما بالنسبة إلى تصحيح الأجزاء السابقة
، الا انه لا يتم بالنسبة إلى تصحيح الاجزاء الآتية، فان صحتها موقوفة
على احراز ان الداعي إليها هي نية الصلاة بنحو المجموع من الأول، ولا يمكن احراز ذلك
بالقاعدة. وجه بعض الأكابر - قدس سره - حكمه بالصحة في الفرض، بان النية موجودة لم
تتخلف، فان الداعي للشخص، وهو امتثال امره الواقعي، المتعلق بما هو في يده. وقد
296

أخطأ التطبيق. وفيه: ان الخطأ في التطبيق انما يتصور في ما إذا لم يعتبر قصد
العنوان في المأمور به، كمسألة الاقتداء، وفي المقام يعتبر ذلك فيه، فان تعنون صلاة
الظهر بها موقوف على الاتيان بها بهذا العنوان، فلا معنى للخطأ في التطبيق في ذلك،
ولذا بنينا على أن العدول من صلاة إلى صلاة في مورد تذكر عدم الاتيان بها ولزوم
الاتيان بها أولا، أو مورد تذكر الاتيان بالمعدول عنه، والاستغناء عنه على خلاف
القاعدة والنص يصحح العدول من اللاحقة إلى السابقة، لا العكس، وان علم الاتيان
بالسابقة أثناء الاشتغال بها، مع أن تعليل المذكور للحكم بالصحة جار في هذا أيضا،
بل لا حاجة إلى العدول لحصول النية من الأول، وانما حصل الاشتباه في التطبيق، بناء
على هذا القول. ومن هنا ظهر عدم تمامية ما افاده الماتن - قدس سره - في مسألة 30
من مسائل النية، فلاحظ. فالمتحصل مما ذكرناه بطلان الصلاة في مفروض المسألة، لعدم
احراز قصد العنوان وعدم امكان تصحيح الصلاة بقاعدة التجاوز، لا من جهة عدم جريانها
في النية حتى يقال بكفاية جريانها في المنوي. ولا من جهة عدم جريانها في موارد الشك
في الموجود حتى يقال بان الشك في الموجود أيضا راجع إلى الشك في الوجود، أو استفادة
العموم من دليل القاعدة. ولا من جهة عدم احراز نشوء العمل عن قصد العنوان حتى يقال
بعدم اعتبار ذلك، بل لان صحة الاجزاء اللاحقة موقوفة على الاتيان بمجموع هذه
الصلاة، من أولها إلى اخرها بقصد العنوان، والقاعدة لا تثبت ذلك، لعدم جريانها في
النية وعدم اثبات ذلك بجريانها في المنوي، الا على القول بالأصل المثبت. والحاصل ان
تعنون عنوان العصرية مثلا موقوف على قصد عنوان العصرية، فلابد من احراز ذلك،
ولا يمكن الاحراز بقاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما مضى، كما هو واضح، بل الاحراز بجريان
297

القاعدة دوري. قال: الثانية: إذا شك في أن ما بيده مغرب أو عشاء، فمع علمه باتيان
المغرب بطل ومع علمه بعدم الاتيان بها أو الشك فيه، عدل بنيته إليها ان لم يدخل في
ركوع الرابعة، والا بطل أيضا. أقول: الوجه في هذه المسألة عين الوجه في المسألة
السابقة. نعم تمتاز هذه المسألة عن سابقتها بأنه لو حصل العلم بعدم الاتيان بالمغرب
بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة فإنه لا يمكن العدول حينئذ، بل لا مصحح لهذه
الصلاة الا على مبنى الميرزا النائيني - رحمه الله - من سقوط شرطية الترتيب، ولكن
لا تصح هذه الدعوى، إذ الترتيب المعتبر انما هو بين الصلاتين بتمام اجزائهما، ولا
دليل على سقوطه بينهما بالنسبة إلى ما لم يؤت به من الأجزاء. لا أقول: ان دليل
الترتيب يعتبر الترتيب بين اجزاء الصلاة حتى يقال بأن هذا خلاف الظاهر وان الترتيب
المعتبر انما هو بين الصلاتين ولا يمكن احرازه الا بإعادة الصلاة. بل أقول بأن
الترتيب، وإن كان معتبرا بين الصلاتين الا ان اعتباره انما هو بالنسبة اليهما بنحو
جميع الأجزاء لا مجموع الأجزاء. فالترتيب معتبر بين الجميع والجميع، لا المجموع
والمجموع، فتدبر جيدا. قال: الثالثة: إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها انه ترك
سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الأولتين أو الأخيرتين صحت وعليه قضاؤهما وسجدتا
السهو مرتين، وكذا ان لم يدر انهما من أي الركعات بعد العلم بأنهما من الركعتين.
أقول: وجهه، ان السلام مفرغ، ففات محل التدارك، حتى بالنسبة إلى الركعة الأخيرة.
نعم لو كان قبل السلام واحتمل تركها من الركعة الأخيرة يأتي بها ويقضي الأخرى بعد
السلام ويسجد سجدتين بناء على القول بها لسقوط قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما يأتي
298

بها في الأثناء. قال: الرابعة: إذا كان في الركعة الرابعة مثلا وشك في أن شكه
السابق بين اثنتين والثلاث كان قبل اكمال السجدتين أو بعدهما بنى على الثاني، كما
أنه كذلك إذا شك بعد الصلاة. أقول: والأقوى لزوم إعادة الصلاة، وجواز رفع اليد عما
بيده في الأثناء. فان رجوع هذا العلم الاجمالي إلى أنه هل يسقط الامر باتيان هذا
الفرد أولا، بل لابد من الإعادة. والشك انما هو في فردية الفرد كونه مسقطا للأمر.
نعم على فرض كونه مسقطا لابد من اتمامها والاتيان بالركعة المفصولة. وهذا حكم
موضوعه نفس ذلك الشك. وقاعدة الاشتغال بالصلاة تقتضي لزوم الإعادة، ولزوم اتمام
الصلاة والاتيان بالركعة يدفع بأصالة البراءة. ولا معارضة بين أصالة الاشتغال
بالنسبة إلى الإعادة، وأصالة البراءة بالنسبة إلى الاتمام. بل الثاني في طول الأول،
ويقدم الأول عليه، وينحل العلم الاجمالي. قال: الخامسة: إذا شك في الركعة التي بيده
اخر الظهر، أو أنه أتمها وهذه أول العصر، جعلها اخر الظهر. أقول: لأصالة الاشتغال
بالنسبة اليه. قال: السادسة: إذا شك في العشاء بين الثلاث والأربع، وتذكر انه سها
عن المغرب، بطلت صلاته، وإن كان الأحوط اتمامها عشاء، والاتيان بالاحتياط، ثم
اعادتها بعد الاتيان بالمغرب. أقول: الوجه في البطلان ان اتمامها عشاء مستلزم لعدم
مراعاة الترتيب بين صلاة المغرب وباقي العشاء، ولا يمكن العدول من العشاء إلى المغرب
في مفروض المسألة. فلا مصحح لهذه الصلاة، ومع التنزل عن ذلك والحكم بصحة صلاة
اللاحقة إذا لم يكن العدول إلى السابقة وان لا يراعى الترتيب بينهما بالنسبة إلى
الأجزاء الآتية نقول: الامر حينئذ يدور بين وجوب العدول إلى المغرب ووجوب اتمام
العشاء، ولا يمكنه الجمع بينهما، والتخيير لا يحرز به الامتثال، والرجوع إلى أدلة
299

العلاج موقوف إلى احراز الرباعية، والمفروض انه مردد بين وجوب العدول حتى تكون
الصلاة ثلاثية، ووجوب الاتمام حتى تكون رباعية. واحراز الثاني بأدلة العلاج دوري،
الا ان يقال: انه مشغول باتيان الرباعية وجدانا، وبالعدول تنقلب الرباعية إلى
الثلاثية، فيمكننا التمسك بالعلاج. لكن مع ذلك، لا يمكنه الرجوع إلى أدلة العلاج،
للعلم بعدم جعل صلاة الاحتياط في حقه، فإنها تتميم ما نقص، ومع النقصان لابد من
العدول. والتحقيق ان الترتيب، شرط احرازي لا واقعي، فمع احراز امكان العدول لابد
منه، ومع عدمه - كما في المقام - دليل اعتبار الترتيب ساقط، فليس لنا علم اجمالي
بوجوب العدول أو اتمام الصلاة، فيصح اتمام الصلاة عشاء، والاتيان بصلاة الاحتياط،
ولا يحصل العلم بعدم جعل الاحتياط في حقه، بل خلافه معلوم، لعدم شمول دليل الترتيب
المقام. قال: السابعة: إذا تذكر في أثناء العصر انه ترك من الظهر ركعة، قطعها وأتم
الظهر، ثم أعاد الصلاتين. ويحتمل العدول إلى الظهر، بجعل ما بيده رابعة لها، إذا لم
يدخل في ركوع الثانية. ثم إعادة الصلاتين. وكذا إذا تذكر في أثناء العشاء انه ترك
من المغرب ركعة. أقول: اما مع امكان العدول فنحكم بالعدول إلى الركعة الفائتة
لاطلاق دليله ومع عدم الامكان فإن كان هذا من جهة فعل المنافي بين الصلاتين تبطل
الظهر، فلا بد من العدول إلى الظهر، والاتيان بها ظهرا ولو كان من جهة تجاوز محل
العدول، فلو قلنا بان زيادة الركن، مبطل للصلاة وان لم يكن بقصد الجزئية فتبطل
الظهر، ولا بد من العدول، اليه ومع عدم القول بذلك، فيؤتي بالركعة أثناء العصر
الا ان يقال إنه لم يعهد مثل هذه الصلاة في الشريعة المقدسة، فيحكم ببطلان صلاة
300

الظهر ولزوم العدول، فلا يستقيم شئ مما ذكر في المتن والمختار لزوم العدول وتتميمها
ظهرا لبطلان الظهر بالزيادة، فيشملها دليل العدول وسند عدم اعتبار قصد الجزئية في
زيادة الأركان ما روي في بطلان الصلاة بالاتيان بسجدة آية العزيمة فيها، معللا
بأنها زيادة في الفريضة، مع امكان دعوى عدم اعتبار ذلك في مطلق الزيادة لعدم حصول
الجد بذلك بالنسبة إلى العالم، والجاهل القاصر مشمول لدليل (لا تعاد). وكذلك الجاهل
المقصر لو زاد في الصلاة سهوا، فتبقى الزيادة العمدية بالنسبة إلى الجاهل المقصر تحت
دليل من زاد، وهذا من اخراج الأكثر المستهجن. فالزيادة إضافة ما يشبه الاجزاء إليها،
سواء كانت بقصد الجزئية أو لا. فمثل حك الجسد خارج عنه تخصصا. نعم الجاهل القاصر و
الساهي خارج عنه بدليل (لا تعاد). والعالم العامد في مثل القراءة والأذكار خارج بدليل
خاص، ولا يحصل الجد بالجزئية منه، في مثل ذلك أيضا كما مر. فالخارج هو القراءة
والذكر، والحال انه لم يقصد به الجرئية لعدم امكانه. ويبقى العالم العامد في غير
ذلك، والجاهل المقصر تحت الدليل، ولا استهجان. قال: الثامنة: إذا صلى صلاتين، ثم علم
نقصان ركعة أو ركعتين من إحداهما، من غير تعيين، فإن كان قبل الاتيان بالمنافي ضم
إلى الثانية ما يحتمل من النقص ثم أعاد الأولى فقط بعد الاتيان بسجدتي السهو لأجل
السلام احتياطا، وإن كان بعد الاتيان بالمنافي، فان اختلفتا في العدد أعادهما،
والا اتى بصلاة واحدة، بقصد ما في الذمة. أقول: مفروض الكلام ما إذا كان الاتيان
بالمنافي تعد الثانية، سواء اتى بالمنافي تعد الأولى أم لا. وما ذكره هو الصحيح،
تحصيلا للقطع بالفراغ بعد كون الاشتغال معلوما. ولا يبعد في الصورة الأولى جواز
301

الاتيان بالمنافي، ثم العمل بما ذكر في الصورة الثانية. وقد أفيد انه مع عدم الاتيان
بالمنافي بعدهما يمكن الاكتفاء بركعة متصلا، أو ركعتين متصلتين بقصد ما في الذمة.
وهذا مبني على جواز اقحام الصلاة في الصلاة، وهو خلاف التحقيق، لتخلل الزيادة على ما
مر، والاخلال بالموالاة. قال: التاسعة: إذا شك بين الاثنتين والثلاث، أو غيره من
الشكوك الصحيحة، ثم شك في الركعة التي بيده آخر صلاته، أو أولى صلاة الاحتياط،
جعلها آخر صلاته وأتم ثم أعاد الصلاة احتياطا، بعد الاتيان بصلاة الاحتياط. أقول:
وجه هذه المسألة أيضا جريان قاعدة الاشتغال فيها، بلا وجود أصل مرخص. نعم قيل: ان
مقتضى أصالة عدم الاتيان بالمنافي عدم الاعتناء باحتمال الفصل، فلا تجب إعادة
الصلاة لكنها من الأصل المثبت، فان أصالة عدم الاتيان بالمنافي لا يدفع احتمال
الفصل وجدانا، وهو واضح، ولا تعبدا لعدم كونها موضوعا له في دليل شرعي. نعم يمكن
الاحتياط بوجه آخر، وهو الاتيان بالركعة بقصد ما في الذمة ثم الاتيان بصلاة
الاحتياط، وحينئذ لا تجب إعادة الصلاة للقطع بعدم تحقق الفصل. قال: العاشرة: إذا شك
في أن الركعة التي بيده رابعة المغرب، أو انه سلم على الثلاث وهذه أولى العشاء، فإن كان
بعد الركوع بطلت ووجب عليه إعادة المغرب. وإن كان قبله يجعلها من الغرب ويجلس
ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتي السهو لكل زيادة من قوله (بحول الله) وللقيام و
للتسبيحات احتياطا، وإن كان في وجوبها اشكال من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في
المغرب. أقول: ما افاده في هذه المسالة أيضا مقتضى قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى أصل
الصلاة، واصل البراءة بالنسبة إلى سجدتي السهو، بناء على وجوبهما لكل زيادة.
والمراد بالبطلان عدم امكان التصحيح، فلا يجوز الشروع في إعادة المغرب بلا فصل بعد
302

الشك المزبور، الا بعد فوات الموالاة، أو الاتيان بمناف آخر للصلاة، ووجهه ظاهر.
وهنا كلام لبعض الأساتيذ، وهو الحكم بصحة المغرب ووجوب استئناف العشاء لجريان قاعدة
التجاوز بالنسبة إلى صلاة المغرب. وفيه ان صدق التجاوز موقوف على احراز تحقق المغرب
والفراغ منه بالتشهد والتسليم، والمفروض وقوع الشك فيه. قال: الحادية عشرة: إذا
شك وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث، وعلم بعدم اتيان التشهد في هذه
الصلاة، فلا اشكال في أنه يجب عليه ان يبني على الثلاث، لكن هل عليه ان يتشهد أم لا
وجهان، لا يبعد عدم الوجوب، بل وجوب قضائه بعد الفراغ، اما لأنه مقتضى البناء على
الثلاث، واما لأنه لا يعلم بقاء محل التشهد، من حيث إن محله الركعة الثانية، وكونه
فيها مشكوك بل محكوم بالعدم. واما لو شك وهو قائم بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم
الاتيان بالتشهد في الثانية فحكمه المضي والقضاء بعد السلام، لأن الشك بعد تجاوز
محله. أقول: لا يخفى ما في التعليل الأخير، فان المفروض العلم بعدم اتيان التشهد،
الا ان يكون المراد ان الشك بين الثلاث والأربع بعد تجاوز محل التشهد، أي الركعة
الثانية، فلا يمكن تدارك التشهد في الصلاة، ويجب قضاؤه بعدها. وكيف كان، الحكم في
الصورتين البناء على الأكثر، وعدم الاتيان بالتشهد في أثناء الصلاة، ووجوب قضائه
بعد الفراغ، لما ذكره أولا، بأنه مقتضى البناء على الأكثر. ولا يخفى ضعف ما علل به
303

ثانيا، فان نفس الشك في المحل لا يوجب الحكم بعدم وجوب التشهد، فإنه من التمسك
بالمخصص في موارد شبهات مصداقه، وأصالة البراءة لا بجري بعد الجزم بالاشتغال، و
استصحاب عدم المحل الذي أشار اليه بقرله: (بل محكوم بالعدم) من قبيل استصحاب العدم
الأزلي، ولا يصح. قال: الثانية عشرة: إذا شك في أنه بعد الركوع من الثالثة أو قبل
الركوع من الرابعة، بنى على الثاني لأنه شاك بين الثلاث والأربع، ويجب عليه الركوع
لأنه شاك فيه مع بقاء محله، وأيضا هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة. واما
لو انعكس، بان كان شاكا في أنه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة، فيحتمل
وجوب البناء على الأربع بعد الركوع فلا يركع، بل يسجد ويتم، وذلك لان مقتضى البناء
على الأكثر البناء عليه من حيث إنه أحد طرفي شكه، وطرف الشك، الأربع بعد الركوع،
لكن لا يبعد بطلان صلاته لأنه شاك في الركوع من هذه الركعة، ومحله باق، فيجب عليه
ان يركع، ومعه يعلم اجمالا انه اما زاد ركوعا أو نقص ركعة، فلا يمكن اتمام الصلاة،
مع البناء على الأربع والاتيان بالركوع مع هذا العلم الاجمالي. أقول: الظاهر عدم
امكان تصحيح الصلاة في الصورة الأولى بوجه، فإنه لو لم يركع وبنى على الأربع، يعلم
تفصيلا بان سلامه يقع على صلاة باطلة، اما لنقص الركعة، أو الركوع، ومعه لا موضوع
لأدلة العلاج. ولو ركع يعلم بعدم جعل الاحتياط في حقه، لأنه اتمام للنقص، والمفروض
انه مع فرض النقص والاحتياج إلى الركعة، الصلاة باطلة بزيادة الركوع. والرجوع إلى
الاستصحاب لا مجال له، بعد الغاء الشارع الاستصحاب في الشك في الركعات. ولابد من
304

الحكم بالبطلان في الصورة الثانية أيضا، فإنه لو اتى بالركوع وبنى على الأربع، يعلم
تفصيلا بان سلامه يقع على صلاة باطلة اما لنقص الركعة، أو زيادة الركوع، ومعه لا
موضوع لأدلة العلاج. ولو لم يأت به يعلم بعدم جعل الاحتياط في حقه، لأنه اتمام
للنقص، والمفروض انه مع فرض النقص والاحتياج إلى الركعة تبطل الصلاة بنقص الركوع.
نعم يمكن ان يقال في هذه الصورة، بامكان تصحيح الصلاة، بالاتيان بالركوع، والبناء
على الأربع. والقول بان سلامه يقع على صلاة باطلة، لا يصح، فان السلام على الركعة
الثالثة عند الشك في الركعات لا يقع على صلاة باطلة، لجبر الركعة الناقصة بصلاة
الاحتياط. وكيف كان الاحتياط حسن على كل حال. قال: الثالثة عشرة: إذا كان قائما وهو
في الركعة الثانية من الصلاة وعلم أنه اتى في هذه الصلاة بركوعين، ولا يدري انه اتى
بكليهما في الركعة الأولى حتى تكون الصلاة باطلة، أو اتى فيها بواحد واتى بالأخرى
في هذه الركعة، ومحله باق، فيجب عليه ان يركع، مع أنه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في
صلاته، ولا يجوز له ان لا يركع مع بقاء محله، فلا يمكنه تصحيح الصلاة. أقول:
التعليل المذكور لا يصح، للعلم بعدم شمول قاعدة الشك في المحل للمورد، فان الامر
دائر بين بطلان الصلاة، فلا موضوع لوجوب الركوع في الركعة الثانية وبين سقوط الامر
بالركوع، لأنه اتى به، فلا يجب الركوع في الركعة الثانية جزما. نعم قاعدة الاشتغال
بالنسبة إلى أصل الصلاة تقتضي تحصيل الجزم بالفراغ. ومع عدم وجود أصل يقتضي صحة
الصلاة تجب اعادتها بحكم العقل، الا ان يقال: ان الجزم بعدم لزوم الاتيان بالركوع
وأصالة الصحة في الصلاة يقتضيان جواز اتمام الصلاة بلا ركوع لهذه الركعة، ولا يلزم
305

اثبات تحقق الركوع في الركعة الثانية، حتى يقال بان الأصل مثبت، ولا يلزم اثبات
عنوان عدم تحقق ركوعين أيضا، بل نفس التعبد بصحة الصلاة إلى الآن، والجزم بعدم
لزوم الركوع كاف في جواز اتمام الصلاة بلا ركوع جديد في الثانية، بلا حاجة إلى
اثبات اي عنوان آخر لازم، أو ملازم لمجرى الأصل. لا أقول بان الحكم بصحة الصلاة من
جهة قاعدة الفراغ في الركوع، فان القاعدة لا تثبت تحقق الركوع في الركعة الثانية،
ولا تثبت عدم زيادة الركوع في الأولى، فما افاده بعض أساتيذنا لوجه صحة الصلاة
لا يتم. وبعبارة أخرى: منشأ بطلان هذه الصلاة اما زيادة الركوع في الأولى أو نقص
الركوع في الثانية ولا ثالث، والأصل يقتضي عدم زيادة الركوع في الأولى للتجاوز عن
محله، والجزم بعدم الاشتغال بركوع الثانية في هذه الصلاة موجب لعدم شمول قاعدة
المحل لها، فاتمام الصلاة بلا ركوع جديد في الثانية مطابق للقواعد، وإن كان الاحتياط
في الاتمام ثم الإعادة. قال: الرابعة عشرة: إذا علم بعد الفراغ من الصلاة انه ترك
سجدتين، ولكن لم يدر انهما من ركعة واحدة أو من ركعتين، وجب عليه الإعادة، ولكن
الأحوط قضاء السجدة مرتين، وكذا سجود السهو مرتين أولا، ثم الإعادة، وكذا يجب
الإعادة إذا كان ذلك في أثناء الصلاة والأحوط اتمام الصلاة، وقضاء كل منهما، وسجود
السهو مرتين، ثم الإعادة. أقول: هذه المسالة من افراد دوران الامر بين بطلان الصلاة
بترك ركن وبين لزوم قضاء ما يجب القضاء بتركه، أو لزوم سجدتي السهو بترك ما يوجبه
تركه وفوت محل التدارك. والصحيح انه لابد من إعادة الصلاة، لعدم المصحح لها مع
الاشتغال بها، وعدم وجوب القضاء أو السجدتين للسهو، لأصالة البراءة. ولا يتم ما
افاده بعض من أن وجه لزوم الإعادة أصالة عدم الاتيان، لأنه يرد عليه بأنها معارضة
306

بمثلها، مع أنه. بعد معارضة القواعد المصححة تصل النوبة إلى أصالة الاشتغال، ولا
معنى لأصالة العدم الا ان يراد بها قاعدة الاشتغال. فالوجه الصحيح للبطلان هو ان
الترديد في المقام راجع إلى الترديد في سقوط الامر بالصلاة وثبوت امر آخر بالقضاء
أو سجدتي السهو. وفي عدم سقوطه وعدم ثبوت امر آخر وكما دار الامر بين السقوط وعدم
الثبوت ينحل العلم الاجمالي لجريان قاعدة الاشتغال في الأول، وأصالة البراءة في
الثاني. واما ما ذكره بعض الأعاظم - قدس سره من أن العلم الاجمالي منحل بالقطع
الوجداني والشك البدوي، فان الاشتغال بالجزء الغير الركني معلوم سواء اتى بالركن
أو تركه، فإنه اما لم يؤت به أصلا، أو لم يؤت به على وفق امره، فلا تجري القاعدة
فيه، وتجري في الجزء الركني. ففيه ان العلم الاجمالي، لا يوجب انحلال نفسه، الا على
وجه دائر، ويلزم من جريان القاعدة في الجزء الركني انقلاب العلم التفصيلي شكا،
ويلزم منه عدم جريان القاعدة في الأول أيضا لسقوطها بالمعارضة. واما ما ذكره
الأستاذ من أن ترتب الأثر على ما ليس اثره البطلان، موقوف على جريان القاعدة فيما
اثره البطلان. فهذا مدفوع لوجهين: (الأول) ان قاعدة التجاوز توجب صحة حيثيته لا
مطلقة. وبعبارة أخرى: عند الشك في الركوع مفاد القاعدة (بلى قد ركع) (1) واما صحة
سائر الأجزاء، فلابد فيها من مؤمن آخر، ولا يرتبط أحدهما بالآخر. نعم لا تجري
القاعدة في صلاة محرز البطلان، لعدم ترتب اثر عليها. واما في صلاة يمكن تصحيحها،
فلا مانع من جريانها في الجزء الغير الركني في عرض تصحيح الصلاة، بجريان القاعدة في
الجزء الركني، لاندفاع محذور اللغوية بجريانهما في عرض واحد. (الثاني) الطولية لا
توجب عدم جريانها في المتأخر بعد عدم كون الملازمة شرعية، فان جريانها فيما اثره
البطلان يثبت الصحة، وجريانها في الآخر يثبت

(1) هذه القاعدة هو مضمون ما ورد في الوسائل: ج 4، باب 13، من أبواب الركوع.
307

عدم القضاء والسجدتين، ولا ربط بينهما شرعا. نعم لا يجري في الأخير، الا بعد
جريانها في الأول على الفرض، الا انه بعد جريانها في الأول لا مانع من جريانها في
الثاني. والحاصل: القول بالصحة لجري القاعدة في ما أثره البطلان اعتراف بجريها في
ما ليس أثره ذلك، وإن قلنا باعتبار صحة العمل من سائر الجهات في جري القاعدة،
لتحقيق موضوعها، وهو الصحة من سائر الجهات بجريها في الأول. وبعبارة أخرى: انا وان
سلمنا ما افاده من أن ترتب الأثر فيما ليس له البطلان متوقف على جريان القاعدة فيما
اثره البطلان لعدم احراز الصحة بدونه، الا انه بناء على ذلك لازم جريان القاعدة فيما
اثره البطلان، عدم جريانها فيه، فإنه بجريانها فيه يحرز صحة العمل، ومعها تجري
القاعدة فيما ليس اثره البطلان أيضا، فتتعارض القاعدتان وتسقطان معا. فالصحيح الحكم
بالبطلان في مفروض المسألة. واما مع بقاء المحل بالنسبة إلى أحدهما، أو عدم ترتب
اثر على فوت الجزء الغير الركني، فالامر واضح، وينحل العلم الاجمالي، وتصح الصلاة.
قال: الخامسة عشرة: ان علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا، انه اما ترك القراءة
أو الركوع، أوانه اما ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة، وجب عليه
الإعادة لكن الأحوط هنا أيضا اتمام الصلاة وسجدتي السهو في الفرض الأول، وقضاء
السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني، ثم الإعادة. ولو كان ذلك بعد الفراغ من
الصلاة، فكذلك. أقول: ظهر مما ذكرنا في المسألة السابقة، انه في الفرض الأول يحكم
بصحة الصلاة، لعدم ترتب اثر على ترك القراءة سهوا، وعدم وجوب سجدتي السهو فيه أيضا،
308

فتكون جريان القاعدة في الركوع بلا معارض. واما في الفرض الثاني فينحل العلم
الاجمالي بجريان الاشتغال بالنسبة إلى الجزء الركني وهو الركوع، وأصالة البراءة
بالنسبة إلى قضاء السجدة. وبالجملة حكم هذه المسالة يظهر من التفصيل الذي ذكرناه في
المسالة السابقة، فلا حاجة إلى إعادة التفصيل. قال: السادسة عشرة: لو علم بعد
الدخول في القنوت، قبل ان يدخل في الركوع، انه اما ترك سجدتين من الركعة السابقة،
أو ترك القراءة، وجب عليه العود لتداركهما، والاتمام، ثم الإعادة. أقول: الظاهر
وجوب العود لتداركهما والاتمام، وعدم وجوب الإعادة. فإنه بعد تعارض القاعدتين،
والأصول المرخصة لا بد من العود للتدارك، قضية للاشتغال، وبعد الاتيان بهما لو كان
العلم الاجمالي بترك السجدتين أو القراءة على نحو منع الخلو، تتم صلاته ولا شئ
عليه، لاحتمال عدم الاتيان بهما معا. ولو علم اجمالا باتيان أحدهما أيضا، فيحصل
العلم الاجمالي بزيادة السجدتين عمدا أو زيادة القراءة سهوا، لأنه لو اتى بالسجدة
فالثانية زيادة عمدية، ولو لم يأت بها وأبى بالقراءة فالقراءة الأولى زيادة زيادة
سهوية، لوقوعها في غير محلها، والثانية واقعة في محلها. فلو قلنا بان لكل زيادة
ونقيصة سجدتين، تقع الصلاة باطلة، لعدم المصحح لها بعد حصول العلم الاجمالي
بالبطلان، أو لزوم السجدتين، المنحل بقاعدة الاشتغال في الأول وأصالة البراءة في
الثاني. ولو لم نقل بذلك، فمقتضى أصالة عدم زيادة السجدتين صحة الصلاة لعدم
معارضتها بأصالة عدم زيادة القراءة، لعدم ترتب اثر عليها. وحيث إن الصحيح عدم وجوب
السجدتين لكل زيادة ونقيصة، فلا نحكم بلزوم إعادة الصلاة. وما افاده الماتن فدس سره
، مبني على ما اختاره في سجدتي السهو، من وجوبهما لكل زيادة ونقيصة. ثم قال: ويحتمل
309

الاكتفاء بالاتيان بالقراءة، والاتمام من غير لزوم الإعادة، إذا كان ذلك بعد
الاتيان بالقنوت، بدعوى ان وجوب القراءة عليه معلوم، لأنه، اما تركها أو ترك
السجدتين، فعلى التقديرين يجب الاتيان بها، ويكون الشك بالنسبة إلى السجدتين بعد
الدخول في الغير الذي هو القنوت. أقول: ما ذكره مبني على القول بامكان انحلال العلم
الاجمالي بالعلم التفصيلي المتولد منه. واما على القول بعدم الامكان، للزوم الدور
والخلف والمحال كما مر، فلا يكون العلم بوجوب القراءة على أي حال، موجبا لجريان
القاعدة في السجدتين بلا معارض. فالصحيح ما مر من لزوم العود لتداركهما وعدم وجوب
الإعادة، الا إذا قلنا بلزوم سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة، وحينئذ تجب الإعادة،
ولا تجب العود للتدارك. هذا ولا يخفى ان محقق التجاوز عن السجدتين القيام لا القنوت،
ولعل ما ذكره من سهو القلم. ثم قال: واما إذا كان قبل الدخول في القنوت، فيكفي
الاتيان بالقراءة، لأن الشك فيها في محلها، وبالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز.
أقول: ما افاده هو الصحيح، ووجهه ظاهر كما بينه. ثم قال: وكذا الحال لو علم بعد
القيام إلى الثالثة انه اما ترك السجدتين أو التشهد، أو ترك سجدة واحدة أو التشهد.
واما لو كان قبل القيام فيتعين الاتيان بهما مع الاحتياط بالعادة. أقول: ظهر مما مر
انه لا فرق بين صورة قبل القيام وبعده في هذه المسألة، ولا تجب إعادة الصلاة في شئ
منهما، للزوم تدارك أطراف العلم الاجمالي في كلتا الصورتين وكلتا المسألتين. وبعد
التدارك يحصل العلم الاجمالي بالزيادة العمدية في السجدتين في الأولى، والسجدة
310

الواحدة في الثانية، والزيادة السهوية بالنسبة إلى التشهد. وحيث انه لا اثر للزيادة
السهوية في التشهد حتى وجوب سجدتي السهو تجري أصالة عدم الزيادة في السجدة، بلا
معارض كما مر. نعم على مبناه - رحمه الله - من وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة،
تعارض الأصل المذكور أصالة عدم زيادة التشهد، وبعد تساقطهما تصل النوبة إلى قاعدة
الاشتغال بالنسبة إلى الزيادة العمدية وأصالة البراءة عن سجدتي السهو، فلابد حينئذ
من إعادة الصلاة بلا حاجة إلى تداركهما. قال: السابعة عشرة: إذا علم بعد القيام إلى
الثالثة انه ترك التشهد، وشك في أنه ترك السجدة أيضا، أم لا. يحتمل ان يقال: يكفي
الاتيان بالتشهد، لأن الشك بالنسبة إلى السجدة بعد الدخول في الغير الذي هو القيام،
فلا اعتناء به، والأحوط الإعادة بعد الاتمام سواء أتى بهما أو بالتشهد فقط. أقول:
لا يعتبر الدخول في الغير، في جريان قاعدة التجاوز، بل نفس الفراغ والتجاوز كاف
فيه، فالأقوى ما ذكره من الاحتمال، لتحقق التجاوز. ولو اعتبرنا الدخول في الغير فيه،
وقلنا بان الغير هو الغير المترتب، كما قيل، لا تجري القاعدة، وحينئذ تجب الاتيان
بالسجدة، وبعدها التشهد كما لا يخفى. قال: الثامنة عشرة: إذا علم اجمالا انه أتى
بأحد الأمرين من السجدة والتشهد من غير تعيين، وشك في الأخرى، فإن كان بعد الدخول
في القيام لم يعتن بشكه، وإن كان قبله يجب عليه الاتيان بهما، لأنه شاك في كل منهما
مع بقاء المحل، ولا يجب الإعادة بعد الاتمام، وانه كان أحوط. أقول: ما ذكره في
الصورة الأولى ظاهر، لصدق الشك بعد المحل، وأيضا ما حكم به في الصورة الثانية هو
الصحيح. وتوهم انه مع هذا العلم تحصل زيادة في الصلاة، مدفوع بأنها لا تكون عمدية،
بل بعد الاتيان بهما يحصل العلم الاجمالي بأنه اما زاد سجدة عمدا أو زاد تشهدا
311

سهوا، فإنه على فرض عدم الاتيان بالسجدة يكون التشهد زائدا ولابد من اعادتها أيضا،
وعليه لا يكون التشهد الثاني زائدا، بل الزائد التشهد الأول، وقد أتى به سهوا.
وحينئذ، لو قلنا بوجوب سجدتي السهو لكل زياد ونقيصة، كما بنى عليه الماتن، يجب
الاتيان بهما، وإعادة الصلاة. فما ذكره من عدم وجوب الإعادة لا يتم على مبناه. واما
على ما هو الصحيح من عدم وجوب سجدتي السهو يكون الشك في زيادة السجدة عمدا شكا
بدويا، يدفع بالأصل، ولا اثر لزيادة التشهد سهوا، فلا حاجة إلى الإعادة، هذا. وقد
ذكر الأستاذ في التعليقة، انه يجب عليه الاتيان بالتشهد فقط، لان السجدة اما قد اتى
بها، أو ان الشك فيها بعد تجاوز المحل. وهذا غريب، فان مفاد قاعدة التجاوز، التعبد
بوقوع ما شك فيه، كما يظهر من قوله عليه السلام: بلى قد ركع، فلا تجري في المقام،
لان معنى جريانها التعبد بالوقوع في فرض عدم الوقوع جزما، والمفروض ان مجرى القاعدة
والتعبد الشك لا القطع. قال: التاسعة عشرة: إذا علم أنه اما ترك السجدة من الركعة
السابقة أو التشهد من هذه الركعة، فإن كان جالسا ولم يدخل في القيام أتى بالتشهد
وأتم الصلاة وليس عليه شئ، وإن كان حال النهوض إلى القيام أو بعد الدخول فيه مضى
وأتم الصلاة، وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو، والأحوط إعادة الصلاة أيضا.
ويحتمل وجوب العود لتدارك التشهد والاتمام، وقضاء السجدة فقط مع سجود السهو، وعليه
أيضا الأحوط الإعادة أيضا. أقول: اما ما ذكره في الصورة الأولى فواضح، لانحلال
العلم الاجمالي بلزوم الاتيان بالتشهد لكون شكه في المحل، وعدم لزوم تدارك السجدة
312

لكون شكها بعد المحل. واما في الصورة الثانية، فالظاهر وجوب العود لتدارك التشهد
وقضاء السجدة مع سجود السهو كما احتمله، وذلك مقتضى قاعدة الاشتغال بعد سقوط
القاعدة. واما ما اختاره من المضي بلا العود لتدارك التشهد فلاوجه له بعد وقوع الشك
في التشهد وسقوط القاعدة، والاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني. وهنا تنبيه، وهو
ان النهوض في القيام، لا يكون محققا للتجاوز، على مبنى من يعتبر الدخول في الغير في
جريان القاعدة. وعلى هذا لو كان العلم الاجمالي حال النهوض إلى القيام حكمه ما ذكره
في الصورة الأولى، أي وجوب الاتيان بالتشهد وعدم الاعتناء بالشك في السجود. واما
على المختار من أن ظاهر دليل انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه (1) ان صدق التجاوز
كاف في جريان القاعدة، وان لم يدخل في الغير. فالحال هو الحال فيما إذا علم اجمالا
بذلك بعد الدخول في القيام، هذا ولا يتوهم الحاق المورد بمورد الشك في السجود حال
النهوض إلى القيام، الذي دلت صحيحة عبد الرحمن على أن النهوض فيه لا يكفي للتجاوز،
فإنه مختص بمورد الرواية، وهو الشك في السجود لا غير. قال: العشرون: إذا علم أنه
ترك سجدة، اما من الركعة السابقة أو من هذه الركعة، فإن كان قبل الدخول في التشهد
أو قبل النهوض إلى القيام أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه، وجب عليه العود
إليها، لبقاء المحل ولا شئ عليه، لأنه بالنسبة إلى الركعة السابقة شك بعد تجاوز
المحل. وإن كان بعد الدخول في التشهد أو في القيام، مضى وأتم الصلاة، وأتى بقضاء
السجدة وسجدتي السهو، ويحتمل وجوب العود، لتدارك السجدة من هذه الركعة والاتمام،
وقضاء السجدة مع سجود السهو. والأحوط على التقديرين إعادة الصلاة أيضا. أقول: اما ما
ذكره في الصورة الأولى، فهو الصحيح، لما ذكره من الوجه. وقد مر في المسألة السابقة
ما يظهر منه ان الشك حال النهوض إلى القيام، في خصوص السجدة محكوم بحكم الشك في
المحل، لصحيحة عبد الرحمن، وان صدق عليه التجاوز. وبعبارة أخرى: قاعدة التجاوز مخصص
في خصوص هذا

(1) الوسائل: ج 1، باب 42 من أبواب الوضوء، حديث 20.
313

المورد. واما في الصورة الثانية فالصحيح ما ذكره من الاحتمال بعين الوجه المذكور في
المسألة السابقة. قال: الحادية والعشرون: إذا علم أنه اما ترك جزء مستحبا كالقنوت
مثلا، أو جزء واجبا سواء كان ركنا أو غيره من الأجزاء التي لها قضاء كالسجدة
والتشهد، أو من الأجزاء التي يجب سجود السهو لأجل نقصها، صحت صلاته ولا شئ عليه.
وكذا لو علم أنه اما ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما، أو بعض الأفعال الواجبة
المذكورة لعدم الأثر لترك الجهر والاخفات، فيكون الشك بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم
الشك البدوي. أقول: لو كان في محل الجزء الواجب يجب الاتيان به، ولو كان في محل
الجزء المستحب يجوز الاتيان به، وتجري القاعدة في الاخر بعد فوات محله. واما مع
فوات محلهما، فلو كانت لجزء المستحب اثر أيضا كقضاء القنوت - على القول به - تتعارض
القاعدتان، والنتيجة بطلان الصلاة في مثال الركن، لما مر في المسائل المتقدمة
كرارا، ولزوم القضاء، أو السجدتين في غير الأركان مما وجب في تركه القضاء أو سجدتي
السهو. ويترتب اثر ترك الجزء المستحب أيضا. نعم لو لم يكن اثر لترك الجزء المستحب
تجري القاعدة في الواجب الذي تجاوز محله. كما أنه إذا كان طرف العلم الاجمالي واجبا
ولكن لم يكن أثر في تركه كالجهر والاخفات يكون الشك في الجزء الآخر بعد محله، من
الشك بعد التجاوز كما افاده الماتن أيضا. قال: الثانية والعشرون: لا اشكال في بطلان
الفريضة إذا علم اجمالا انه اما زاد فيها ركنا أو نقص ركنا. وأما في النافلة فلا
تكون باطلة، لأن زيادة الركن فيها مغتفر والنقصان مشكوك. نعم لو علم أنه اما نقص
فيها ركوعا أو سجدتين بطلت. ولو علم اجمالا انه اما نقص فيها ركوعا فعلا أو سجدة
314

واحدة أو ركوعا أو تشهدا أو نحو ذلك مما ليس بركن لم يحكم بإعادتها، لان نقصان ما
عدا الركن فيها لا اثر له، من بطلان أو قضاء أو سجود سهو، فيكون احتمال نقص الركن
كالشك البدوي. أقول: وجه المسألة ظاهر، وأشار اليه الماتن أيضا في مورد النافلة.
نعم ما ذكره من البطلان إذا علم أنه اما نقص فيها ركوعا أو سجدتين مبني على القول
بالبطلان في نقص الركن في النافلة سهوا، كما هو مقتضى الاحتياط. ولا يخفى ان ما ذكره
من الفروع في هذه المسألة، كلها مفروض بنحو لا يمكن تدارك ما شك فيه، وكان الشك بعد
تجاوز المحل. والا فلو كان الشك في المحل لابد من الاتيان والتدارك. قال: الثالثة
العشرون: إذا تذكر - وهو في السجدة أو بعدها، من الركعة الثانية مثلا - انه ترك
سجدة من الركعة الأولى وترك أيضا ركوع هذه الركعة، جعل السجدة التي اتى بها للركعة
الأولى، وقام وقرأ وقنت وأتم صلاته. وكذا لو علم أنه ترك سجدتين من الأولى وهو في
السجدة الثانية من الثانية، فيجعلهما للأولى ويقوم إلى الركعة الثانية. وان تذكر
بين السجدتين، سجد أخرى بقصد الركعة الأولى ويتم. وهكذا بالنسبة إلى سائر الركعات،
إذا تذكر بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية انه ترك السجدة من السابقة وركوع
هذه الركعة، ولكن الأحوط في جميع هذه الصور، إعادة الصلاة بعد الاتمام. أقول: ما
افاده هو الصحيح ومقتضى القاعدة، ولا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان. نعم ما ذكره
بقوله: سجد أخرى بقصد الركعة الأولى، يريد به سجد أخرى ويحسب للركعة الأولى، فإنه
لا حاجة إلى القصد كما لا يخفى. قال: الرابعة والعشرون: إذا صلى الظهر والعصر، وعلم
315

بعد السلام نقصان احدى الصلاتين ركعة. فإن كان بعد الاتيان بالمنافي عمدا وسهوا أتى
بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة. وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة، ثم سجد
للسهو عن السلام في غير المحل، ثم أعاد الأول، بل الأحوط ان لا ينوي الأولى بل يصلي
أربع ركعات بقصد ما في الذمة، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامة محسوبة ظهرا.
الخامسة والعشرون: إذا صلى المغرب والعشاء، ثم علم بعد السلام من العشاء انه نقص من
احدى الصلاتين ركعة. فإن كان بعد الاتيان بالمنافي عمدا وسهوا وجب عليه اعادتهما.
وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى العشاء ركعة، ثم يسجد سجدتي السهو، ثم يعيد المغرب.
أقول: هاتان المسألتان قد تقدم الكلام فيهما في المسألة الثامنة، وتكرار لتلك
المسألة. قال: السادسة والعشرون: إذا صلى الظهرين، وقبل ان يسلم للعصر علم اجمالا
انه اما ترك ركعة من الظهر، والتي بيده رابعة العصر، أو ان ظهره تامة وهذه الركعة
ثالثة العصر. فبالنسبة إلى الظهر، شك بعد الفراغ، ومقتضى القاعدة البناء على كونها
تامة. وبالنسبة إلى العصر، شك بين الثلاث والأربع، ومقتضى البناء على الأكثر الحكم
بان ما بيده رابعتها، والاتيان بصلاة الاحتياط بعد اتمامها، إلا أنه لا يمكن اعمال
القاعدتين معا، لان الظهر ان كانت تامة فلا يكون ما بيده رابعة، وإن كان ما بيده
رابعة فلا تكون الظهر تامة، فيجب إعادة الصلاتين، لعدم الترجيح في اعمال احدى
القاعدتين. نعم الأحوط، الاتيان بركعة أخرى للعصر، ثم إعادة الصلاتين، لاحتمال كون
قاعدة الفراغ من باب الامارات. وكذا الحال في العشاءين، إذا علم أنه اما صلى المغرب
316

ركعتين، وما بيده رابعة العشاء، أو صلاها ثلاث ركعات، وما بيده ثالثة العشاء. أقول:
لكل من الاعلام في تعليقاتهم كلام في هذه المسألة، نشير إلى بعض منها:
1 - هذا على تقدير كون الحكم بتمامية الظهر بقاعدة الفراغ مستلزما للحكم بنقص
العصر، والبناء على أن ما بيده ثالثة العصر تعبدا. وكذلك يكون مفاد أدلة البناء على
الأكثر، هو البناء والالتزام على أن ما بيده في فرض الشك بين الثلاث والأربع هو
الأربع، والالتزام بعدم النقص، والا فلا تدافع بين القاعدتين أصلا، كما هو كذلك
جزما، فلا يتحقق العلم الاجمالي بكذب مفاد أحد الأصلين. وعلى فرص التنافي، فبما ان
جريان قاعدة البناء على الأكثر في العصر فرع جريان قاعدة الفراغ في الظهر، فلا يمكن
ان يكون معارضا لها، وان لم تكن امارة، فعليه ان يأتي بركعة متصلة، ولا يحتاج لصلاة
الاحتياط، ولا بإعادة الصلاة أصلا، انتهى. وليت شعري، كيف لا يكون تنافيا بين
القاعدتين مع العلم الاجمالي المذكور؟ أليس معنى جريانهما، الحكم بالتمام في الظهر،
والبناء على الأربع في العصر؟ أوليس هذا منافيا للعلم بنقصان إحداهما؟ وقضية
الفرعية أيضا لا محل له، فإنه لم يؤخذ في دليل البناء على الأكثر في العصر تقديم
جريان القاعدة في الظهر، بل دليل كلتيهما مطلق، وينطبقان على الصلاتين معا في عرض
واحد، ويحصل التنافي، بل لو فرضنا الطولية، فبعد تصحيح صلاة الظهر بإحدى القاعدتين
ينقح موضوع الأخرى، فيجري في العصر، ويحصل المحذور. ثم إن ما ذكره من لزوم الاتيان
بالركعة المتصلة غريب، لأن المفروض وجود الشك بعد، وبالاتيان بالركعة المتصلة،
لا يكون المكلف جازما بالاتيان بأربع ركعات. 2 - أدلة البناء على الأكثر قاصرة عن
317

شمول مثل المقام، حيث إن موضوعها هو الشك الساذج بين الأقل والأكثر في الركعات. اما
هنا، فالشك ناش عن علم اجمالي بين نقص هذه والأخرى، فليس شكا مستقلا في نقص هذه، أو
تمامها، الذي هو موضوع أدلة البناء. وعلى ذلك، فلا تدافع بين القاعدتين، لان قاعدة
البناء على الأكثر لا تجري في الثانية رأسا، بل مقتضى قاعدة الاشتغال فيها هو
الاتيان بركعة متصلة، وتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الأولى، انتهى. وملخص ما
ذكره، ان موضوع أدلة البناء الشك الساذج، وهو الشك البدوي، لا المقرون بالعلم
الاجمالي. وهذا مع أنه خلاف ظاهر الدليل، وان موضوعه الشك، سواء كان بدويا، أو
مقرونا، ينافي ما التزم به من جريان قاعدة الفراغ في الأولى. فان موضوع القاعدة
أيضا الشك. ولنا ان ندعي انه هو الشك البدوي لا المقرون. ثم إن قاعدة الاشتغال،
لا يقتضي الاتيان بركعة متصلة، لأنه لا يحصل به القطع بالفراغ كما لا يخفى. 3 - قاعدة
البناء على الأكثر لا تشمل المقام، للعلم بعدم صحة اتمام الصلاة عصرا، فإنها اما
ناقصة ركعة، أو يجب العدول بها إلى الظهر. ويعتبر في جريان القاعدة احتمال صحة
الصلاة في نفسها انتهى. ولا يخفى انه لو سلمنا كون احتمال صحة الصلاة في نفسها
معتبرا في جريان القاعدة، أي لا تجري القاعدة في الصلاة التي نجزم ببطلانها، الا ان
تقييدها بأزيد من ذلك، واعتبار احتمال صحتها عصرا، ممنوع، لعدم الدليل عليه بعد
اطلاق دليلها. بل لا نسلم دخل احتمال الصحة في جريانها أيضا، ويكفي تصحيحها بنفس
القاعدة، من دون ان يكون احتمال الصحة موضوعا لها، كل ذلك للتمسك باطلاق دليل
القاعدة. فالقاعدتان في عرض واحد تنطبقان على الصلاتين، وتصححان الصلاتين، ولا ترتب
بينهما أصلا. نعم اشكال، التنافي الذي ذكره الماتن بعد باق على حاله. 4 - لا مانع
من اعمالهما، فان اعمال قاعدة الفراغ لا يثبت كون العصر ناقصا، ومع بقاء الشك يجبر
318

نقصه إن كان بصلاة الاحتياط، فمع احتمال تمامية الظهر ونقص العصر يكون المورد مجرى
القاعدتين، انتهى. نعم الشك في طرفي العلم الاجمالي مجرى القاعدتين، الا ان اشكال
التنافي يوجب سقوطهما عن الطرفين، كما ذكره الماتن - قدس سره - الا أن يقال إنه لا
معنى للتنافي في المسألة، الا مخالفة مفاد القاعدتين مع المعلوم بالاجمال، وهذا لا
اشكال فيه في ركعات الصلاة، فان وزان القاعدة خصوصا البناء على الأكثر وزان تقييد
الواقع، ولذا لو شك في صلاة وبنى على الأكثر، وبعد صلاة الاحتياط انكشف الخلاف
لا تجب إعادة الصلاة. أو لو فرض انه شك في صلاة الظهر وبنى على الأكثر وأتى بصلاة
الاحتياط، ثم شك في العصر وبنى على الأكثر فيها وأتى بصلاة الاحتياط، ثم علم اجمالا
بنقص إحداهما، لا تجب الإعادة. نعم في قاعدة الفراغ، لا يحكم بالصحة واقعا، ولذا لو
انكشف الخلاف يحكم بلزوم الإعادة، لكن يكفي في رفع التنافي، ما ذكرنا في البناء على
الأكثر. فلا مانع من اجراء القاعدتين ولا تنافي أصلا. قال: السابعة والعشرون: لو علم أنه
صلى الظهرين ثماني ركعات ولم يدر انه صلى كلا منهما أربع ركعات، أو نقص من
إحداهما ركعة وزاد في الأخرى، بنى على أنه صلى كلا منهما أربع ركعات، عملا بقاعدة
عدم اعتبار الشك بعد السلام. وكذا إذا علم أنه صلى العشاءين سبع ركعات، وشك بعد
السلام في أنه صلى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة، أو نقص من إحداهما وزاد في الأخرى،
فيبني على صحتها. أقول: ما افاده هو الصحيح، ووجهه ظاهر. قال: الثامنة والعشرون:
إذا علم أنه صلى الظهرين ثمان ركعات، وقبل السلام من العصر شك في أنه هل صلى الظهر
أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر أو انه نقص من الظهر ركعة فسلم على الثلاث وهذه
التي بيده خامسة العصر. فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام. وبالنسبة إلى العصر شك
319

بين الأربع والخمس، فيحكم بصحة الصلاتين، إذ لا مانع من اجراء القاعدتين. فبالنسبة
إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ والشك بعد السلام، فيبني على أنه سلم على الأربع.
وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشك بين الأربع والخمس، فيبني على الأربع إذا كان بعد
اكمال السجدتين فيتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتي السهو. وكذا الحال في العشاءين، إذا
علم قبل الصلاة من العشاء انه صلى سبع ركعات، وشك في أنه سلم من المغرب على ثلاث
فالتي بيده رابعة العشاء أو سلم على الاثنتين فالتي بيده خامسة العشاء، فان يحكم
بصحة الصلاتين واجراء القاعدتين. أقول: قد ظهر وجه هذه المسألة أيضا، مما ذكرنا في
المسألة السادسة والعشرين، بل لو قلنا بالتنافي بين القاعدتين هناك لا نقول به هنا،
كما بنى الماتن - قدس سره - على التنافي هناك، واجراهما في المسألة. والسر فيه، انه
في مسألتنا لا يحصل مخالفة عملية للواقع، بخلاف تلك المسألة على مبناه - رحمه الله
. قال: التاسعة والعشرون: لو انعكس الفرض السابق، بان شك بعد العلم بأنه صلى
الظهرين ثمان ركعات قبل السلام من العصر في أنه صلى الظهر أربع فالتي بيده رابعة
العصر. أو صلاها خمسا فالتي بيده ثالثة العصر. فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام،
وبالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث والأربع. ولا وجه لاعمال قاعدة الشك بين الثلاث
والأربع في العصر، لأنه ان صلى الظهر أربعا فعصره أيضا اربع، فلا محل لصلاة
الاحتياط. وان صلى الظهر خمسا فلا وجه للبناء على الأربع في العصر وصلاة الاحتياط.
فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين. نعم لو عدل بالعصر إلى الظهر وإلى بركعة أخرى
وأتمها، يحصل له العلم بتحقق ظهر صحيحة مرددة بين الأولى إن كان في الواقع سلم فيها
على الأربع، وبين الثانية المعدول بها إليها إن كان سلم فيها على الخمس. وكذا الحال
320

في العشاءين، إذا شك بعد العلم بأنه صلى سبع ركعات قبل السلام من العشاء، في أنه
سلم في المغرب على الثلاث حتى يكون ما بيده رابعة العشاء. أو على الأربع حتى يكون
ما بيده ثالثتها. وهنا أيضا إذا عدل إلى المغرب وأتمها يحصل له العلم، بتحقق مغرب
صحيحة، اما الأولى أو الثانية المعدول إليها. وكونه شاكا بين الثلاث والأربع، مع أن
الشك في المغرب مبطل لا يضر بالعدول، لأن في هذه الصورة يحصل العلم بصحتها، مرددة
بين هذه والأولى، فلا يكتفي بهذه فقط حتى يقال إن الشك في ركعاتها يضر بصحتها.
أقول: نتيجة ما ذكره من التعليل، لعدم اعمال قاعدة الشك بين الثلاث والأربع في
العصر، عدم امكان تصحيح العصر، لا عدم جريان قاعدة الفراغ في صلاة الظهر. فقول
فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين غير مترتب على ذلك، بل نتيجة ما أفاد صحة صلاة
الظهر ولزوم إعادة العصر، مع أنه لا يخفى ما في التعليل المزبور، فان قوله: ان صلى
الظهر أربعا فعصره أيضا أربع، فلا محل لصلاة الاحتياط. وان صلى الظهر خمسا، فلا وجه
للبناء على الأربع في العصر وصلاة الاحتياط في قوة ان يقال في جميع موارد الشك بين
الثلاث والأربع في الصلاة، انه ان صلى أربعا فلا محل لصلاة الاحتياط، وان صلى ثلاثا
فلا وجه للبناء على الأربع وصلاة الاحتياط. ان نفس الشك بين الثلاث والأربع موضوع
للبناء على الأربع وصلاة الاحتياط. وفي المقام أيضا هذا الشك موجود، فقاعدة البناء
شاملة له بحسب الاقتضاء، واما معارضتها مع قاعدة الفراغ في الظهر امر اخر نذكرها،
ولم تذكر في عبارة الماتن. ومما ذكرنا ظهر ما في كلام بعض أساتيذنا في التعليقة
فإنه قال على التعليل المذكور لا يخفى ما في هذا التعليل والصحيح هو التعليل بان
321

العلم بعدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط لجبر النقص المحتمل في العصر مانع عن شمول
القاعدة لها، لأنها ان كانت تامة لم تحتج إلى صلاة الاحتياط. وان كانت ناقصة وجب
العدول بها إلى الظهر. وعلى كل حال لا يجبر نقصها المحتمل بصلاة الاحتياط. وعليه فلا
مانع من جريان قاعدة الفراغ في الظهر، فتجب إعادة العصر خاصة. هذا، فان نتيجة
التفكيك بين طرفي الشك، وملاحظة كل منهما، وإن كان عدم لزوم صلاة الاحتياط على كل
حال، الا ان هذا لازم في جميع موارد الشك. وإذا كان نفس الشك موضوعا لصلاة الاحتياط
فهو موجود فيما نحن فيه أيضا، فتجب صلاة الاحتياط. نعم يمكن ان يعبر عما افاده،
والظاهر أن مراده أيضا ذلك ان جبر صلاة الاحتياط في موارد الشك انما يكون على تقدير
النقص، وهذا ظاهر قوله عليه السلام الا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك ان أتممت
أو نقصت لم يكن عليه شئ (1) وفي المقام على تقدير النقص لا يجبر بصلاة الاحتياط
فإنه على هذا التقدير صلاة الظهر باطلة، فيجب العدول إليها. ولكن لا يمكن المساعدة
لهذا أيضا، فان التعبد بصحة الظهر مطلقا يرفع موضوع وجوب العدول، والتزم هو أيضا
بذلك.

(1) الوسائل: ج 5 باب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 3.
322

وبعبارة أخرى: الملازمة بين وجوب العدول ونقص العصر انما هي فيما إذا لم يتعبد
الشارع بصحة الظهر، والا فبتحكيم دليل التعبد نثبت تمامية صلاة الظهر حتى إذا كان
العصر ناقصا، كما اختاره أيضا، وحينئذ يمكن جبر النقص بصلاة الاحتياط. نعم نبقى نحن
ومعارضة قاعدة الفراغ في الظهر، وقاعدة البناء في العصر. وبما انه لا يحصل قطع
بالمخالفة العملية، فلا مانع من جريانهما، فان غاية ما يمكن ان يلزم في المقام كون
صلاة الظهر خمسا والعصر ثلاثا. ولكن هذا ليس جزميا، بل غايته الاحتمال، وقد الغى
الشارع احتمال ذلك بجريان القاعدتين، كما لا يخفى. وبالجملة ان المعارضة انما توجب
رفع اليد عن القواعد إذا لزم من جريانها مخالفة عملية جزمية. ومع جريان القاعدتين
في المقام لا يلزم ذلك، فالصحيح الالتزام بصحة الظهر ولزوم البناء وصلاة الاحتياط في
العصر. قال: الثلاثون: إذا علم أنه صلى الظهرين تسع ركعات، ولا يدري أنه زاد ركعة في
الظهر أو في العصر. فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه اتيان صلاة أربع ركعات
بقصد ما في الذمة. وإن كان قبل السلام، فبالنسبة إلى الظهر يكون من الشك بعد
السلام، وبالنسبة إلى العصر من الشك بين الأربع والخمس. ولا يمكن اعمال الحكمين. لكن
لو كان بعد اكمال السجدتين وعدل إلى الظهر وأتم الصلاة وسجد للسهو يحصل له اليقين
بظهر صحيحة، اما الأولى أو الثانية. أقول: أما ما افاده من وجوب الاتيان بصلاة أربع
ركعات بقصد ما في الذمة في الصورة الولي، أي حصول العلم اجمالي بعد السلام، فوجهه
ظاهر، لعدم جواز الركوع إلى القواعد والأصول المصححة لكلتا الصلاتين، فان فساد
إحداهما معلوم اجمالا، فمقتضى لزوم احراز الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم الاتيان
323

بما ذكر. واما ما افاده في الصورة الثانية، وهي حصول العلم الاجمالي قبل السلام، فقد
تقدم في المسألة السابقة، عدم امكان المساعدة له ومقتضى التعبد الحكم بصحة الظهر،
ولزوم عمل الشك بين الأربع والخمس في صلاة العصر، ولا بأس بالعلم بالخلاف في أحد
الحكمين، فان باب التعبد والتنزيل واسع، ويجئ توضيحه في المسألة الآتية. ولا يتم
ما ذكره الأستاذ في هذه المسألة، كالمسألة السابقة بعين البيان المتقدم. قال:
الحادية والثلاثون: إذا علم أنه صلى العشاءين ثماني ركعات ولا يدري انه زاد الركعة
الزائدة في المغرب أو في العشاء، وجب اعادتهما، سواء كان الشك بعد السلام من العشاء
أو قبله. أقول: ظهر مما تقدم لزوم التفصيل بين الصورتين، بوجوب اعادتهما، لو كان
الشك بعد السلام. واما قبله، فالظاهر الحكم بصحة المغرب، ووجوب عمل الشك بين الأربع
والخمس في صلاة العشاء. ولا بأس بحصول العلم بالخلاف في الحكمين لعدم احراز
المخالفة العملية، كما ذكرنا في المسألة السابقة. فان هذا هو مقتضى التعبد والتنزيل
في المقام. وبعبارة أخرى: ليس حال العلاج في شكوك الصلاة حال الأحكام الظاهرية التي
تكون مفاد أدلة الامارات والأصول، حتى يحكم بعدمها في موارد العلم الاجمالي، بل
لأدلة العلاج في المقام نحو تنزيل وتحكيم، ولذا لا يجب إعادة الصلاة في مورد تبين
نقصان الصلاة بعد صلاة الاحتياط في الشكوك الصحيحة التي توجبها، فتدبر جيدا. وبعد
في النفس شئ في المسألتين، وطريق الاحتياط واضح. قال: الثانية والثلاثون: لو أتى
بالمغرب ثم نسي الاتيان بها، بأن اعتقد عدم الاتيان، أو شك فيه فأتى بها ثانيا،
وتذكر قبل السلام أنه كان اتيا بها، ولكن علم بزيادة ركعة، اما في الأولى أو
الثانية، له أن يتم الثانية ويكتفي بها بحصول العلم بالاتيان بها، اما أولا أو
324

ثانيا. ولا يضره كونه شاكا في الثانية بين الثلاث والأربع، مع أن الشك في ركعات
المغرب موجب للبطلان، لما عرفت سابقا من أن ذلك إذا لم يكن هناك طرف اخر يحصل معه
اليقين بالاتيان صحيحا. وكذا الحال إذا أتى بالصبح، ثم نسي وأتى بها ثانيا، وعلم
بالزيادة اما في الأولى أو الثانية. أقول: ما أفاده في هذه المسألة صحيحة، ووجهه
ظاهر، كما ذكره. نعم يبقى في المسألة شئ، تعرض له غير واحد من المحشين، وهو انه
يجوز له الاكتفاء بالأولى، ويبني على صحتها بقاعدة الفراغ، ومع عدم تسليم ما أفاده
في المتن في جواب المناقشة يمكننا الحكم بصحة الصلاة الأولى على أي حال. قال:
الثلاثة والثلاثون: إذا شك في الركوع وهو قائم وجب عليه الاتيان به، فلو نسي حتى
دخل في السجود فهل يجري عليه حكم الشك بعد تجاوز المحل أم لا؟ الظاهر عدم الجريان،
لأن الشك السابق باق وكان قبل تجاوز المحل. وهكذا لو شك في السجود قبل ان يدخل في
التشهد ثم دخل فيه نسيانا وهكذا. أقول: ليس الوجه في عدم جريان حكم الشك بعد تجاوز
المحل ما ذكره من بقاء الشك السابق، فان الشك - وهو الحالة النفسانية الترددية
الأولى - قد ارتفع بالنسيان جزما، والحالة الثانية وجدت بعد تجاوز المحل قطعا. بل
الوجه في ذلك أنه حين حصول الشك أولا كان في الحل، وتنجز عليه وجوب الاتيان
بالركوع، ولم يأت به، والشك الثاني ليس في اتيان هذا التكليف المنجز، حتى يقال بأنه
شك بعد المحل، فان المفروض العلم بعدم الاتيان بالركوع بعد حصول الشك في المحل.
قال: الرابعة والثلاثون: لو علم نسيان شئ قبل فوات محل المنسي، ووجب عليه التدارك،
فنسي حتى دخل في ركن بعده، ثم انقلب علمه بالنسيان شكا، يمكن اجراء قاعدة الشك بعد
325

تجاوز المحل، والحكم بالصحة إن كان ذلك الشئ ركنا، والحكم بعدم وجوب القضاء،
وسجدتي السهو فيما يجب فيه ذلك. لكن الأحوط مع الاتمام إعادة الصلاة إذا كان ركنا.
والقضاء وسجدتا السهو في مثل السجدة والتشهد، وسجدتا السهو فيما يجب في تركه
السجود. الخامسة والثلاثون: إذا اعتقد نقصان السجدة أو التشهد مما يجب قضاؤه، أو
ترك ما يوجب سجود السهو في أثناء الصلاة، ثم تبدل اعتقاده بالشك في الأثناء، أو بعد
الصلاة، قبل الاتيان به، سقط وجوبه. وكذا إذا اعتقد بعد السلام نقصان ركعة أو
غيرها، ثم زال اعتقاده. أقول: الوجه في هاتين المسألتين ان المدار في جريان احكام
الشك والسهو وغيرهما، الحالة الفعلية للمكلف، فالشاك الفعلي مع كونه معتقدا سابقا
أو ناسيا يعمل بوظيفة الشك. والمعتقد الفعلي وإن كان شاكا قبلا، يعمل باعتقاده.
نعم، هنا أمر لاباس بالتنبيه عليه، وهو انه يمكن دعوى اختصاص ذلك بما إذا حصل العلم
بالنسيان في المسألة الأولى، والعلم بالنقصان في المسألة الثانية بعد التجاوز، وأما
إذا حصل العلم بهما في المحل فاجراء القاعدة بالنظر إلى الحالة الفعلية محل اشكال،
لا لما أفيد من انصراف دليل القاعدة عن ذلك، بل لما مر من أن تنجز التكليف قبل
النسيان والتبدل يوجب الخروج عن عهدته، وعروض الشك بعد النسيان أو تبدل الاعتقاد
بالشك لا يوجب ذلك. قال: السادسة والثلاثون: إذا تيقن بعد السلام - قبل اتيان
المنافي عمدا أو سهوا - نقصان الصلاة، وشك في أن الناقص ركعة أو ركعتان، فالظاهر أنه
يجري عليه حكم الشك بين الاثنتين والثلاث، فيبني على الأكثر، ويأتي بالقدر
المتيقن نقصانه، وهو ركعة أخرى، ويأتي بصلاة احتياطية. وكذا إذا تيقن نقصان ركعة،
326

وبعد الشروع فيها شك في ركعة أخرى. وعلى هذا فإذا كان مثل ذلك في صلاة المغرب
والصبح، يحكم ببطلانهما، ويحتمل جريان حكم الشك بعد السلام بالنسبة إلى الركعة
المشكوكة، فيأتي بركعة واحدة من دون الاتيان بصلاة الاحتياط، وعليه فلا تبطل الصبح
والمغرب أيضا بمثل ذلك، ويكون كمن علم نقصان ركعة فقط. أقول: أفاد سيدنا الأستاذ
المحقق - مد ظله - في التعليقة على يحتمل لكنه لاوجه له، وقال السيد الأستاذ - مد
ظله - في تعليقته على ذلك: هذا الاحتمال ضعيف جدا. وما ذكراه هو الصحيح، فان عدم
اعتبار الشك بعد السلام، انما يكون في السلام الصلاتي، لا السلام الزائد، كما هو
المفروض في المسألة. والوجه في المسألة ما أفاده الماتن قبل الاحتمال بما لا مزيد
عليه. قال: السابعة والثلاثون: لو تيقن بعد السلام قبل اتيان المنافي نقصان ركعة،
ثم شك في أنه أتى بها أم لا، ففي وجوب الاتيان بها، لأصالة عدمه أو جريان حكم الشك
في الركعات عليه وجهان، والأوجه الثاني. وأما احتمال جريان حكم الشك بعد السلام
عليه فلا وجه له، لأن الشك بعد السلام لا يعتنى به إذا تعلق بما في الصلاة، وبما قبل
السلام، وهذا متعلق بما وجب بعد السلام. أقول: لا يخفى ما فيما ذكره أخيرا من دليل
نفي احتمال جريان الشك بعد السلام، بأن هذا متعلق بما وجب بعد السلام. فإنه بعد فرض
اليقين بنقص الركعة لا يكون السلام سلاما صلاتيا، بل هو سلام زائد واقع في الصلاة.
وبهذا يرد الاحتمال المذكور أيضا. فان جريان حكم الشك بعد السلام على المورد موقوف
على كون السلام سلاما صلاتيا، وهذا سلام زائد على الفرض. وأما أصل المسألة: فقد
أفاد سيدنا الأستاذ المحقق - مد ظله - في التعليقة على والأوجه الثاني. بل الأوجه
327

الأول على ما هو ظاهر المفروض من الشك في اتيانها تاما، وعدم اتيانها رأسا. فإنه مع
الاتيان بركعة متصلة يقطع ببراءة الذمة، وأدلة البناء على الأكثر لا تشمل المفروض،
نعم مع القطع بعدم تحقق السلام وعروض الشك في حينه، فالظاهر جريان حكم الشك، لكنه
خلاف المفروض ظاهرا، انتهى. وقال السيد الأستاذ في تعليقته على ذلك: هذا إذا لم
يعلم بوقوع السلام على تقدير الاتيان بالركعة الناقصة، وأما مع العلم بوقوعه على
تقديره فلا يخلو الوجه الأول عن وجه وجيه، انتهى. والوجه الوجيه ما في كلام الأستاذ
المحقق، من أن الاتيان بركعة متصلة في هذا الفرض يوجب القطع ببراءة الذمة، ولا تجري
أدلة العلاج بالبناء على الأكثر والاتيان بالركعة المفصولة، لان موردها حصول الشك
في الصلاة لا مطلقا. وفي الفرض يحتمل تمامية الصلاة وحصول الشك بعدها. والاستصحاب لا
يثبت موضوع دليل العلاج، فلا يمكن التمسك به، الا إذا قلنا بجواز التمسك بالدليل في
الشبهات المصداقية، ولا نقول به. فالصحيح ما افاده - مد ظله - في التعليقة من
التفصيل. قال: الثامنة والثلاثون: إذا علم أن ما بيده رابعة ويأتي به بهذا العنوان،
لكن لا يدري أنها رابعة واقعية أو رابعة بنائية، وانه شك سابقا بين الاثنتين والثلاث
فبنى على الثلاث، فتكون هذه رابعة بعد البناء على الثلاث، فهل تجب عليه صلاة
الاحتياط لأنه وإن كان عالما بأنها رابعة في الظاهر الا انه شاك من حيث الواقع فعلا
بين الثلاث والأربع، أو لا تجب، لأصالة عدم شك سابق. والمفروض انه عالم بأنها رابعة
فعلا؟ وجهان: والوجه الأول. أقول: بل الوجه هو الأول، ولا وجه للثاني، فإنه لا اثر
لأصالة عدم الشك السابق، والمدار على الحال الفعلي، وهو الشك بين الثلاث والأربع،
سواء كان شاكا قبلا أم لا. قال: التاسعة والثلاثون: إذا تيقن بعد القيام إلى الركعة
328

التالية انه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهدا، ثم شك في أنه هل رجع وتدارك ثم قام، أو
هذا القيام هو القيام الأول؟ فالظاهر وجوب العود إلى التدارك؟ لأصالة عدم الاتيان
بها بعد تحقق الوجوب. واحتمال جريان حكم الشك بعد تجاوز المحل - لأن المفروض انه
فعلا شاك وتجاوز عن محل الشك - لا وجه له؟ لأن الشك انما حدث بعد تعلق الوجوب، مع
كونه في المحل بالنسبة إلى النسيان، ولم يتحقق التجاوز بالنسبة إلى هذا الواجب.
أقول: الأولى ان يقال: ان الترديد المزبور مساوق للشك في أن ما بيده من القيام هو
القيام الزائد أو القيام الصلاتي، ومعه لم يحرز التجاوز، ويكون المورد من موارد
الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز، وحينئذ لابد من الاتيان بالمشكوك، عملا بقاعدة
الاشتغال المعبر عنها بأصالة عدم الاتيان في المتن. ذكر المحقق العراقي - رحمه الله
ما لفظه: بعد فرض حدوث الشك في قيام يصلح للجزئية، لا قصور حينئذ في جريان القاعدة
بالنسبة إلى السجدة المشكوكة، ومجرد العلم بوجود قيام باطل في البين - مع احتمال
كون ذلك غيره - غير مضر بوجود موضوع القاعدة كما لا يخفى فتأمل، انتهى. وفيه: انه لو
أراد من قيام يصلح للجزئية انه صالح لها، فالصغرى غير محرزة، فان القيام الباطل،
غير صالح للجزئية، والمفروض احتمال كون هذا القيام هو القيام الباطل. ولو أراد من
ذلك أنه يحتمل ان يكون جزء، فالكبرى ممنوعة، لعدم جواز التمسك بالدليل في موارد
الشبهات المصداقية. وذكر سيدنا الأستاذ في رد ما ذكره المحقق المذكور - رحمه الله
ان المعتبر هو الدخول في الغير المترتب، فصرف كونه في القيام مع احتمال كونه غير
داخل في الغير أصلا لا يكفي في جريانها، بل لابد من احراز الدخول في الغير المترتب،
انتهى موضع الحاجة. وفيه: منع اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز، فضلا عن
329

اعتبار كون الغير من الغير المترتب، بل موضوع القاعدة هو صدق التجاوز فان الشك إذا
كنت في شئ لم تجزه، والمصداق مشكوك في المقام، وتمام الكلام في محله. قال:
الأربعون: إذا شك ين الثلاث والأربع مثلا، فبنى على الأربع، ثم أتى بركعة أخرى
سهوا، فهل تبطل صلاته من جهة زيادة الركعة، أم يجري عليه حكم الشك بين الأربع
والخمس؟ وجهان، والأوجه الأول. أقول: الوجه في ذلك تنجز حكم الشك بين الثلاث
والأربع في حقه، والمفروض عدم الاتيان بهذه الوظيفة، والاتيان بركعة زائدة عليها.
وهي تبطل الصلاة ولو كان سهوا. وتبدل الشك بالشك بين الأربع والخمس لا يوجب الانقلاب
في ما تنجز على المكلف. ومخالفته بما تبطل الصلاة به، قبل انقلاب الشك الأول بشك
اخر. هذا هو الوجه، لا ما يقال من انصراف دليل علاج الشك بين الأربع والخمس، بالشك
الحادث، لا الشك المتولد من الشك الاخر، ولا تعارض القاعدتين والرجوع إلى الاشتغال،
فإنه يمكن منع الانصراف، ودعوى اطلاق الدليل. ولا تعارض بين القاعدتين إذا كانت
إحداهما جارية في صلاة باطلة، كما في المقام. فان الشك بين الأربع والخمس انما حدث
بعد تعبد الشارع ببطلان الصلاة، كما ذكرنا. قال: الحادية والأربعون: إذا شك في ركن
بعد تجاوز المحل، ثم اتى به نسيانا، فهل تبطل صلاته من جهة الزيادة الظاهرية أو لا؟
من جهة عدم العلم بها بحسب الواقع. وجهان، والأحوط الاتمام والإعادة. أقول: في
تعليقة استاذنا المحقق - مد ظله - أوجههما الأول، وفي تعليقة السيد الأستاذ - مد
ظله - أظهرها البطلان. ولكن لا وجاهة ولا ظهور للثاني، أي الصحة. فان الحكم بالصحة
من جهة عدم العلم بالزيادة - بحسب الواقع أيضا - ليس الا حكما ظاهريا، يحكم بها
لأصالة البراءة عن مانعية ما احتمل زيادته. وهذا محكوم بالدليل الاجتهادي الدال على
330

عدم جواز الاعتناء بالشك في المحل. فالزيادة وان كانت ظاهرية الا ان دليل البطلان
بها هو الدليل الاجتهادي، ودليل الصحة أصالة البراءة، ولا يخفى تقدم الدليل على
الأصل العملي. قال: الثانية والأربعون: إذا كان في التشهد، فذكر انه نسي الركوع،
ومع ذلك شك في السجدتين أيضا، ففي بطلان الصلاة من حيث إنه بمقتضى قاعدة التجاوز
محكوم بأنه أتى بالسجدتين، فلا محل لتدارك الركوع. أو عدمه، اما لعدم شمول قاعدة
التجاوز في مورد يلزم من اجرائها بطلان الصلاة، واما لعدم احراز الدخول في ركن اخر،
ومجرد الحكم بالمضي لا يثبت الاتيان. وجهان، والوجه الثاني. ويحتمل الفرق بين سبق
تذكر النسيان وبين سبق الشك في السجدتين، والأحوط العود إلى التدارك، ثم الاتيان
بالسجدتين، واتمام الصلاة، ثم الإعادة، بل لا يترك هذا الاحتياط. أقول: مقتضى أصالة
عدم الاتيان بالسجدتين هو الرجوع والاتيان بالركوع وبالسجدتين واتمام الصلاة، وتكون
محكومة بالصحة. ولا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين، وذلك لما في المتن من
الوجه الأول، وهو ان مورد جريان القاعدة ما تكون القاعدة مصححة للصلاة لا مبطلة كما
في المقام. مع أن السجدتين المشكوك فيهما لم يؤمر بهما قطعا، فلا معنى لجريان قاعدة
التجاوز بالإضافة اليهما. واما ما في المتن من الوجه الثاني فلا يتم لأن لسان أدلة
القاعدة ليس مجرد المضي، بل لسان بعضها التعبد بالجزء المشكوك فيه كقوله بلى قد
ركع. وذكر سيدنا الأستاذ وجها اخر لعدم جريان القاعدة في المقام، وهو ان التشهد لم
يقع جزء من الصلاة قطعا، فلا يتحقق معه الدخول في الغير. وقد مر عدم امكان المساعدة
لهذا المبنى، وعدم اعتبار الدخول في الغير في جريان القاعدة وكفاية المضي والتجاوز
331

في ذلك. فالصحيح ما مر من لزوم الرجوع، والاتيان بالمنسي والمشكوك، واتمام الصلاة،
بلا فرق بين سبق تذكر النسيان وبين سبق الشك في السجدتين. فان الشك السابق يرتفع
موضوعه بتذكر النسيان، كما أن الشك يوجب تغيير حكم النسيان. قال: الثالثة
والأربعون: إذا شك بين الثلاث والأربع مثلا، وعلم أنه على فرض الثلاث ترك ركنا، أو
ما يوجب القضاء، أو ما يوجب سجود السهو، لا اشكال في البناء على الأربع، وعدم وجوب
شئ عليه، وهو واضح، وكذا إذا علم أنه على فرض الأربع ترك ما يوجب القضاء، أو ما
يوجب سجود السهو، لعدم احراز ذلك بمجرد التعبد بالبناء على الأربع. وأما إذا علم أنه
على فرض الأربع ترك ركنا أو غيره مما يوجب بطلان الصلاة، فالأقوى بطلان صلاته،
لا لاستلزام البناء على الأربع ذلك، لأنه لا يثبت ذلك بل للعلم الاجمالي بنقصان
الركعة أو ترك الركن مثلا، فلا يمكن البناء على الأربع حينئذ. أقول: لا فرق بين
الفرض الأول والأخير في أن الأقوى بطلان الصلاة. والوجه فيه ما ذكره سيدنا الأستاذ
مد ظله - من أن جريان قاعدة البناء على الأكثر، يتوقف على أمرين، احتمال صحة
الصلاة في نفسها، واحتمال جبر النقص المحتمل بصلاة الاحتياط. وعليه فإذا علم الشاك
بترك ركن على تقدير الصلاة فلا يحتمل جابرية الركعة المنفصلة، لأنه اما ان صلاته
أربع ركعات فلا حاجة إلى الركعة المنفصلة، أو باطلة على تقدير النقص. وإذا علم بترك
ركن على تقدير الأربع فجابرية الركعة المنفصلة، وان كانت محتملة، الا ان الصلاة على
تقدير كونها أربع ركعات - مقطوعة البطلان، فلا تجري القاعدة في شئ من الفرضين،
فيحكم ببطلان الصلاة في كليهما، لقاعدة الاشتغال. قال: الرابعة والأربعون: إذا تذكر
332

بعد القيام انه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها، فان أتى بالجلوس بين السجدتين ثم
نسي السجدة الثانية يجوز له الانحناء إلى السجود من غير جلوس. وان لم يجلس أصلا وجب
عليه الجلوس ثم السجود. وان جلس بقصد الاستراحة والجلوس بعد السجدتين، ففي كفايته
عن الجلوس بينهما وعدمهما وجهان، الأوجه الأول. ولا يضر نية الخلاف، لكن الأحوط
الثاني، فيجلس ثم يسجد. أقول: وجه هذه المسألة ظاهر، ولا حاجة إلى الاحتياط في الفرض
الأخير، فإنه لم يثبت للجلسة بين السجدتين أو بعدهما عنوان قصدي في الأدلة. بل
الثابت مجرد الجلوس بقصد القربة، والمفروض حصوله، فالانطباق قهري، والاجزاء عقلي.
قال: الخامسة والأربعون: إذا علم بعد القيام، أو الدخول في التشهد، ونسيان احدى
السجدتين، وشك في الأخرى، فهل يجب عليه اتيانهما، لأنه إذا رجع إلى تدارك المعلوم
يعود محل المشكوك أيضا، أو يجري بالنسبة إلى المشكوك حكم الشك بعد تجاوز المحل؟
وجهان، أوجههما الأول، والأحوط إعادة الصلاة أيضا. أقول: تقدم الكلام في نظير هذه
المسألة، في المسألة السابعة عشرة، وقوينا هناك احتمال العمل بحكم الشك بعد تجاوز
المحل، لصدق المضي والتجاوز بالنسبة إلى المشكوك، وعود محل المشكوك لا دليل عليه،
فان المضي بعد تحققه لا ينقلب عما وقع عليه. وما ذكره السيد الأستاذ - مد ظله - من أن
التشهد أو القيام وقع في غير محله، فالشك في اتيان السجدة الأولى شك في محله،
مبني على مبناه، من اعتبار الدخول في الغير المترتب في جريان القاعدة. ولا نقول به،
فان الظاهر من الأدلة عدم لزوم الدخول في الغير، فضلا عن الغير المترتب بل اللازم
هو التجاوز عن المحل المفروض في المقام وجوده. قال: السادسة والأربعون: إذا شك بين
الثلاث والأربع مثلا وبعد السلام قبل الشروع في صلاة الاحتياط علم أنها كانت أربعا،
ثم عاد شكه، فهل يجب عليه صلاة الاحتياط لعود الموجب وهو الشك. أو لا، لسقوط
التكليف عنه حين العلم، والشك بعده شك بعد الفراغ؟ وجهان، والأحوط الأول. أقول: عود
الشك بحيث يكون العائد عين الزائل غير معقول. والشك الأول قد ارتفع بحدوث العلم،
333

والثاني شك جديد. فأدلة البناء لا تشمل المسألة. ومع ذلك لا تجري قاعدة الفراغ أيضا،
لا لما ذكره السيد الأستاذ - مد ظله - من أن اطلاق دليل البناء يشمل الشك الأول، فان
المتيقن من الخارج عن ذلك الحكم، صورة علمه بتمامية الصلاة إذا لم يتبدل بالشك.
واما في مورد التبدل فلابد من العمل بما يقتضيه الشك الأول لاطلاق الدليل، فان
لازمه جريان الحكم المذكور حال العلم المتوسط بين الشكين، وهذا كما ترى. والحكم
يدور مدار موضوعه، وموضوع الحكم قد زال بالعلم. والشك الثاني لا يوجب عود الموضوع
الزائل لأنه مستحيل، بل لما ذكره أخيرا، وهو عدم جريان قاعدة الفراغ في مثله لفرض
الشك في حال العمل، وعدم احتمال الالتفات واختصاص القاعدة بصورة عدم الشك حين
الفراغ منه. أفلم يبق الا قاعدة الاشتغال المقتضية للاتيان بركعة متصلة، والسجدتين
للسلام الزائد، فان الامر دائر بين كون صلاته تامة أو ناقصة، ومع الاتيان بركعة
متصلة، يقطع بالخروج عن العهدة، فمع كونها تامة تكون الركعة زائدة بعد السلام، ومع
كونها ناقصة تكون الركعة جابرة، والسلام الواقع قبلها سلاما زائدا موجبا لسجود
السهو. قال: السابعة والأربعون: إذا دخل في السجود من الركعة الثانية فشك في ركوع
هذه الركعة وفي السجدتين من الأولى ففي البناء على اتيانها من حيث إنه شك بعد تجاوز
المحل، أو الحكم بالبطلان، لأوله إلى الشك بين الواحدة والاثنتين وجهان، والأوجه
الأول. وعلى هذا فلو فرض الشك بين الاثنتين والثلاث بعد اكمال السجدتين، مع الشك في
ركوع الركعة التي بيده وفي السجدتين من السابقة لا يرجع إلى الشك بين الواحدة
334

والاثنتين حتى تبطل الصلاة. بل هو من الشك بين الاثنتين والثلاث بعد الاكمال. نعم
لو علم بتركهما مع الشك المذكور يرجع إلى الشك بين الواحدة والاثنتين، لأنه عالم
حينئذ باحتساب ركعتيه بركعة. أقول: ما ذكره الماتن في هذه المسألة ظاهر، بل تعبيره
بأن الأوجه الأول ليس بوجيه. فإنه لا وجاهة للوجه الثاني، لأنه بدخوله في القيام إلى
الثانية تجاوز عن محل السجدتين، وبدخوله في السجدة تجاوز عن محل ركوع الركعة
الثانية التي قام لها. ولا موجب لاحتمال الغاء القيام إلى الركعة الثانية، حتى يحصل
الشك في الركعات. قال: الثامنة والأربعون: لا يجري حكم كثير الشك في صورة العلم
الاجمالي. فلو علم ترك أحد الشيئين اجمالا من غير تعيين يجب عليه مراعاته. وإن كان
شاكا بالنسبة إلى كل منهما، كما لو علم حال القيام انه اما ترك التشهد أو السجدة،
أو علم اجمالا أنه اما ترك الركوع أو القراءة. وهكذا لو علم بعد الدخول في الركوع
انه اما ترك سجدة واحدة أو تشهدا، فيعمل في كل واحد من هذه الفروض حكم العلم
الاجمالي المتعلق به، كما في غير كثير الشك. أقول: في الأمثلة مناقشة، وهي أنه لا
خصوصية لكثرة الشك في ملاك شبهة المسألة، وهي عدم الاعتناء بشك كثير الشك، فان هذه
الشبهة جارية ولو في غير كثير الشك أيضا في هذه الأمثلة. فإنه بعد التجاوز لا يعتني
بالشك، ولو لم يكن كثير الشك. والمناسب المثال بالعلم الاجمالي مع كون الشخص باقيا
في المحل، بحيث لو لم يكن كثير الشك يجب عليه الاتيان. وهنا مناقشة أخرى في المثال
335

الثاني، فان ما ذكره مبني على أن يكون ترك القراءة موجبا لسجدة السهو، والا فلا اثر
للعلم الاجمالي، ويجري عليه حكم كثير الشك بالنسبة إلى شكه في الركوع. وكيف كان،
التحقيق هو التفصيل بين ما لو قلنا بالعزيمة أو الرخصة، لعدم الاعتناء بالشك
المذكور، فعلى الثاني، لابد من الاتيان بالمعلوم بالاجمال وتصح الصلاة. واما على
القول الأول، فلا يجب الاتيان بالمعلوم بالاجمال، بل اللازم إعادة الصلاة، فان العلم
الاجمالي لا يلاحظ فيه العلم فقط، بل إنه علم وشك، ولذا يعبر عن الشك في طرفه انه شك
مقرون بالعلم الاجمالي. ومن هنا يظهر انه لو علم اجمالا بترك أحد الجزئين، وعلم
أيضا الاتيان بأحدهما، لا يجب عليه الاتيان بهما، وعليه إعادة الصلاة فقط، ولو قلنا
بالرخصة في ترك الاعتناء. وحيث إن الصحيح البناء على العزيمة، لا يمكن تصحيح الصلاة
بالاتيان بالجزئين فيها، وتجب إعادة الصلاة. قال: التاسعة والأربعون: لو اعتقد انه
قرأ السورة مثلا، وشك في قراءة الحمد فبنى على أنه قرأها، لتجاوز محله، ثم بعد
الدخول في القنوت تذكر انه لم يقرأ السورة. فالظاهر وجوب قراءة الحمد أيضا، لان شكه
الفعلي وإن كان بعد تجاوز المحل بالنسبة إلى الحمد لله، انه هو الشك الأول الذي كان
في الواقع قبل تجاوز المحل، وحكمه الاعتناء به، والعود إلى الاتيان بما شك فيه.
أقول: ما ذكره هو الصحيح، فان شكه الفعلي بعينه الشك الأول، وليس شكا جديدا حتى
يعامل معه معاملة الشك بعد تجاوز المحل. واما ما ذكره السيد الأستاذ - مد ظله - من
لغوية القنوت من جهة وجوب تدارك السورة، فلا تكون القنوت من الغير المترتب، فقد مر
336

عدم تمامية مبنى هذا البناء. واغرب من ذلك ما ذكره بعض الأعاظم من أن لغوية القنوت
مانعة من صدق التجاوز بالنسبة إلى الشك في الفاتحة، فان التجاوز والمضي وجداني
لا يحتاج إلى الاستدلال والبرهان. قال: الخمسون: إذا علم أنه ما ترك سجدة أو زاد
ركوعا فالأحوط قضاء السجدة وسجدتا السهو، ثم إعادة الصلاة. ولكن لا يبعد جواز
الاكتفاء بالقضاء وسجدة السهو، عملا بأصالة عدم الاتيان بالسجدة وعدم زيادة الركوع.
أقول: ذكر السيد الأستاذ في تعليقته على ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بل هو الأظهر،
لا لما ذكر، بل لجريان قاعدة التجاوز في الشك في زيادة الركوع من دون معارض لأن كل
ما لا يترتب عليه البطلان لا يعارض جريان القاعدة فيه جريانها فيما يترتب عليه
البطلان. وعليه فتجري أصالة عدم الاتيان بالسجدة، ويترتب عليه أثره، انتهى. وبعد ما
فهمت معنى جريان قاعدة التجاوز في الشك في زيادة الركوع فأين محل زيادة الركوع أو
عدمها في الصلاة حتى نعرف التجاوز والمضي عنه، ولا سيما على مبناه، من اعتبار الدخول
في الغير المترتب؟ فأي جزء من أجزاء الصلاة مترتب على زيادة الركوع أو عدمها؟ نعم
أصالة عدم الاتيان جارية في الركوع الزائد، وهذا غير قاعدة التجاوز. وأما ما ذكره
من المبنى ما مر سابقا، من أنه لا تجري القاعدة لاثبات السجدة للعلم بعدم امتثال
امرها، اما لعدم الاتيان بها، أو لبطلان الصلاة. فأصالة عدم الاتيان جارية في
الركوع الزائد بلا معارض. فلو كان الشك في محل السجدة، تجب الاتيان بها، ومع فوت
المحل الذكري لابد من قضاء السجدة وسجدتا السهو، بلا حاجة إلى إعادة الصلاة. ولكن
337

ذكرنا سابقا من استحالة انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي المتولد منه، ولزوم
مراعاة الشك في نفسه لتطبيق القواعد، فتقع المعارضة بين قاعدة التجاوز عن محل
السجدة، وأصالة عدم زيادة الركوع، فتسقطان، فتصل النوبة إلى أصالة البراءة بالنسبة
إلى قضاء السجدة وسجدتا السهو، وقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى إعادة الصلاة. هذا إذا
حصل العلم الاجمالي بعد فوات المحل الذكري للسجدة. واما قبل ذلك، وبعد المحل الشكي،
فلابد من التدارك في الصلاة، وإعادة الصلاة لقاعدة الاشتغال في كلتيهما. نعم إذا
حصل العلم في المحل الشكي، فلا معارضة بين قاعدة الاعتناء بالشك في المحل، وأصالة
عدم زيادة الركوع، فيكتفي بتدارك السجدة فقط. وقد مر في المسائل السابقة توضيحا
أكثر مما ذكرنا، فراجع. وقد يتوهم أنه في مورد حصول العلم الاجمالي بعد المحل الشكي
تجري أصالة عدم الاتيان بالسجدة، وقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى أصل الصلاة، ولذا
لابد من الجمع بين الوظيفتين. وناقش استاذنا المحقق في جريان أصالة عدم الاتيان
بالسجدة، بأن الموضوع للحكم ليس الترك المطلق، والترك عن سهو ليس له الحالة
السابقة. وهذا اشكال حسن، ونتيجته ان حصول العلم إذا كان قبل المحل الذكري فقاعدة
الاشتغال بالنسبة إلى السجدة تقتضي الإتيان بها، كما أن قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى
338

أصل الصلاة تقتضي اعادتها، فيجب الجمع بينهما. نعم حصول العلم بعد المحل الذكري
لا يقتضي الجمع بين القضاء والإعادة إلى هذا المبنى، بل يقتضي لزوم الإعادة فقط،
لقاعدة الاشتغال. واما التكليف بالقضاء فمورد لأصالة البراءة فينحل العلم الاجمالي
حينئذ. ونقتصر بما ذكرنا من خمسين فرعا من فروع العلم الاجمالي، لما نرى من كفاية
ذلك، وظهور بقية الفروع المذكورة في العروة وغيرها، مما بيناه في هذه المسائل.
والحمد لله رب العالمين.
رسالة في اعتبار اتفاق الأفق في اثبات رؤية الهلال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل تكفي رؤية الهلال في بلد ما لاثبات الشهر في جميع البلدان سواء اتفق الأفق بينه
وبينها أم اختلف حتى إذا كان البلد المرئي فيه الهلال غربيا بالنسبة إلى تلك
البلدان أو لا يكفي ذلك؟ فقد اختار السيد الأستاذ كفاية ذلك لجميع البلاد واستدل
عليه بأمرين. وملخص دليله الأول ما ذكره في اخر كلامه بقوله: ومن هنا يظهر ان ذهاب
المشهور إلى اتحاد البلدين في الأفق مبني على تخيل ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع
ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس وغروبها، الا أنه لا صلة لخروج القمر عنه ببقعة
معينة دون أخرى فان حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء. أقول: ليت شعري انه لو
339

قطعنا النظر عن بقاع الأرض فأي ارتباط بين القمر والشمس نسميه بالمحاق أو تحت
الشعاع؟ واي معنى محصل لقوله لارتباط خاص بين القمر والشمس من دون ارتباط له ببقاع
الأرض؟ فلو فهم من تحت الشعاع ان القمر يكون بين أشعة الشمس يرد عليه ان القمر
دائما تحت الشعاع بهذا المعنى الا عند الخسوف بلا فرق بين كون القمر في المحاق
أولا، فان نصف القمر منور دائما بالشمس في جميع حالاته طول الشهر، ولو فهم ان القمر
في حالة المحاق يكون في مسافة خاصة للشمس بحيث لا يرى، يرد عليه ان القرب والبعد
بالنسبة إلى الشمس لا يؤثران في الرؤية ما دام القمر موجود ويستضئ من نور الشمس
والمانع بين الأرض والقمر مفقود. فلو قيل: ان أشعة الشمس مانعة عن الرؤية. يقال: مع أن
شعاع الشمس مثبت للرؤية لا انه مانع لها فافهم، لازم ذلك الحكم بوجود القمر
وترتيب اثار الشهر، فان المفروض ان عدم الرؤية من جهة المانع وهو شعاع الشمس
ومانعية شعاع الشمس كمانعية الغيم. ولو قيل: ان بقاع الأرض مانعة عن الرؤية يرد
عليه مع أنه خلاف ما هو بصدده وهو ان حالة المحاق تستدعي عدم الرؤية لازم ذلك
ارتباط الأرض أيضا في الخروج عن المحاق ولكن شيئا من ذلك لا يتم، والصحيح ان تحت
الشعاع وكذا المحاق ربط بين القمر والشمس وبقاع الأرض لأن الشهر نتيجة حركة القمر
الانتقالية حول الأرض على خلاف حركة الأرض الوضعية أي من المشرق إلى المغرب،
وأسرعية حركة الأرض عن حركة القمر بمقدار يقرب أربعين دقيقة في دور واحد، فان حركة
الأرض الوضعية من المغرب إلى المشرق وحركة القمر الانتقالية حول الأرض من المشرق
340

إلى المغرب وتختلف الحركتان بمقدار أربعين دقيقة في دور واحدة، ونتيجة هذا الاختلاف
تأخير غروب القمر عن غروب الشمس كل ليلة بمقدار أربعين دقيقة، فيحصل في كل ليلة
موضع خاص للقمر بالنسبة إلى الشمس وبالنسبة إلى الأرض، وحيث إن نصف كرة القمر منور
دائما بالشمس ونصف كرة القمر مواجه لكرة الأرض يختلف النصف المواجه للأرض باختلاف
موضع القمر بحسب الليالي، فقد يكون النصف المواجه للأرض باختلاف موضع القمر بحسب
الليالي، فقد يكون النصف المواجه للأرض مواجها للشمس أيضا تماما، ولذا يرى تمام هذا
النصف كليالي البيض، وقد يكون بعض النصف المواجه للأرض مواجها للشمس فيرى ذلك البعض
ويختلف ذلك باختلاف موضع القمر في الليالي ويحصل منه الهلال والتربيع وغيرهما، وقد
لا يكون شئ من النصف المواجه للأرض مواجها للشمس والنصف المنور في الطرف الآخر
فلا يرى من القمر شئ وهذا يسمى بالمحاق. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ان في ليالي
اخر الشهر يكون غروب الهلال اما مع غروب الشمس أو يختلف بمقدار قليل، ويكون المقدار
المنور من القمر المواجه للشمس والأرض أيضا قليلا فيكون مقهورا لأشعة الشمس بحيث
لا يكون قابلا للرؤية، وهذا يسمى بتحت الشعاع، فعلة عدم رؤية الهلال في الليالي
الأخيرة أحد أمرين على سبيل منع الخلو المحاق أو كون القمر تحت الشعاع، والقوم
أطلقوا تحت الشعاع على المحاق أيضا، وعبروا عن ذلك بتحت الشعاع فقط وقالوا إن
بداية الشهر هو خروج القمر عن تحت الشعاع. ومن المعلوم اختلاف كلا الأمرين المحاق
وتحت الشعاع باختلاف البقاع، فان ارتباط بقاع الأرض في كلا الأمرين ارتباط ركني،
فلو لم تكن الأرض لم يكن محاق ولا تحت شعاع، فان الأول يحصل من مواجهة النصف المظلم
341

للقمر إلى الأرض، والثاني يحصل من اتحاد الغروبين زمانا أو اختلافها يسيرا بحيث
يكون المقدار المنور من القمر ج اليسير أيضا ج مقهورا لأشعة الشمس، ولا معنى لشئ
من ذلك مع قطع النظر عن بقاع الأرض، ومن الظاهر أنه تختلف الحالتين باختلاف البقاع.
فما ذكره من أن المحاق فرد واحد في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع مع أنه مصادرة
غير صحيح، فان المحاق وضع القمر للشمس بحيث لا ترى الجهة المنورة منه بالنسبة إلى
الرائي الواقع في بقعة من بقاع الأرض، واختلاف هذا باختلاف البقاع ظاهر. وما ذكره
من أن عدم الرؤية في بلد مع الرؤية في البلد الاخر لمانع خارجي كشعاع الشمس أو
حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك أيضا لا يصح، فإنه قد يكون موضع القمر للشمس
بالنسبة إلى بقعة موضعا لا يرى أصلا وبالنسبة إلى البقعة الأخرى لا يكون كذلك فيرى.
مضافا إلى أن ما ذكره خلف الفرض فان المفروض ان عدم الرؤية في محل دون الاخر من جهة
الاختلاف في الأفق لا من جهة المانع الخارجي كشعاع الشمس وبقاع الأرض وما شاكل ذلك،
فقد علم بوضوح ان عدم الرؤية في بلد والرؤية في الاخر من جهة ان البلد الأول غير
مواجه للجهة المنورة القابلة للرؤية من القمر والبلد الاخر مواجه لبعض منها، فما
ذكره من الدليل الأول دليل على اعتبار اتحاد الأفق، أو كون البلد المرئي فيه بحيث
يقطع بوجود الهلال في مطلع البلد الاخر لا ان يكون دليلا على عدم الاعتبار. وأما
الدليل الثاني: وهو النصوص، فقد تمسك بجملة من الروايات واستنتج منها ان رؤية
الهلال في بقعة كافية لثبوته في بقية البقاع من دون فرق في ذلك بين الاتفاق في
الأفق أو الاختلاف فيه. ونحن نبحث لذلك في ضمن أمرين: (الأول) هل يصح التمسك باطلاق
342

الدليل الشرعي لاثبات ذلك أولا؟ (الثاني) هل يتم ما ذكره من الأدلة أو لا؟. أما
الأول: فالمسلم بينه وبين غيره ان بداية الشهر هو خروج القمر عن المحاق وعن تحت
الشعاع كما ذكره في الأمر الأول، وانما الاختلاف بينه وبين غيره في أن الخروج عن
هذا الوضع هل يختلف باختلاف البقاع أولا؟ ولا يمكن التمسك بالاطلاق لرفع هذا الشك
واثبات انه لا يختلف الخروج عن المحاق باختلاف البقاع، فان هذا امر تكويني عبر هو
عنه بالظاهرة الكونية، ولا مجال لاثبات الأمور التكوينية بالاطلاقات بل لابد من
مراجعة الفن المربوط بهذا الأمر، وتحقيق انه هل يختلف الخروج عن المحاق باختلاف
البقاع أولا يختلف من العلم المدون له. ان قلت: الامر التكويني وان لا يثبت باطلاق
الدليل الشرعي الا ان الاطلاق يثبت حكم ذلك الامر، فلو قال الشارع: ان الفقاع خمر
يثبت حكم الخمر للفقاع وان لا يثبت خمرية الفقاع فإنه من الأمور التكوينية، وفي ما
نحن فيه لو قال الشارع فان شهد أهل بلد اخر انهم رأوه فاقضه يثبت حكم وجوب القضاء
وان لا يثبت ان اليوم الذي أفطر فيه كان من شهر رمضان. قلت: مضافا إلى أنه خلاف ما
هو بصدده فإنه في مقام اثبات ان اليوم المذكور من شهر رمضان والافطار والواقع فيه
افطار في شهر رمضان، ومضافا إلى أنه خلاف المقطوع به بيننا وبين الأصحاب من عدم
وجوب القضاء لو لم يكن الافطار في شهر رمضان ومن عدم جواز الافطار لو علم أن اليوم
343

من شهر رمضان بل لا يقول بذلك مسلم فضلا عن الفقهاء لا يكفي اطلاق المذكور لاثبات
ذلك بل لابد من دليل خاص لاثبات الحكم في صورة عدم الموضوع وهو الشهر. فان المحتمل
في هذه المطلقات أمران: (أحدهما) ان يكون التعبد بالقضاء مطلقا ولو لم يكن اليوم
المفطر فيه من الشهر. (وثانيهما) اختصاص الحكم بصورة كون اليوم المذكور من الشهر
والثاني لو لم يكن موافقا لظاهر الدليل من جهة التعبير بالقضاء فإنه ظاهر في فوت
الصوم في الوقت فلا أقل من احتمال الأمرين، فيسقط الاطلاق عن الاستدلال لمخالفة كل
من الاحتمالين للظاهر من جهة. فالمتحصل انه لو أراد من التمسك بالاطلاقات اثبات
الشهر واقعا في بلد لم ير فيه الهلال فهذا من اثبات التكوين بالتعبد، ولو أراد من
ذلك اثبات حكم الشهر فمع انه خلاف المقطوع به دون اثباته خرط القتاد. فان جميع
المطلقات ناظرة إلى بيان لزوم قضاء صوم يوم افطر فيه مع رؤية الهلال في غير البلد،
وهذا لو لم يكن دالا على أن فوت صوم شهر رمضان مفروض في المطلقات ولذا عبر فيها
بالقضاء وهو التدارك، فلا اطلاق للرواية حتى يلزم التقييد بل الحكم متقيد من الأول
لا يكون دالا على الاطلاق أيضا، فان الاطلاق خلاف ظاهر لفظ القضاء والتحفظ بظاهر
القضاء ينافي الاطلاق فلا يمكن التمسك بأصالة الاطلاق مع هذه الحالة. واما الثاني:
فقد تمسك بعدة روايات (منها) صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال
فيمن صام تسعة وعشرين: قال إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر انهم صاموا
344

ثلاثين على رؤيته قضى يوما (1) بتقريب ان هذه الصحيحة باطلاقها تدلنا بوضوح على أن
الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقية الأمصار، واطلاقها يشمل صورتي
اتحاد الأفق واختلافه. أقول: الرواية غير ناظرة إلى بيان انه لو رئي الهلال في مصر
يثبت الشهر في غير هذا المصر، فان الشهر امر تكويني لا يتغير بالتعبد، والقول
بالتعبد بالحكم خلاف ما هو بصدده وخلاف المقطوع به كما مر، مضافا إلى ظهور لفظ
القضاء في أن فوت صوم شهر رمضان مفروض الوجود فلابد من حمل الرواية على اتحاد الأفق
بين المصرين أو كون المصر المرئي فيه الهلال غربيا بالنسبة إلى المصر الاخر، مع أن
في الرواية لم يعلم رجوع ضمير رؤيته إلى الهلال، فان الهلال غير مذكور في الرواية
بل ظاهر تعبيرات الرواية ان الضمير راجع إلى من صام تسعة وعشرين، وعلى هذا يكون
اليوم المفطر فيه من اخر الشهر لا من أوله، فيحصل في الرواية اشكال، فان يوم الشك
الاخر لابد من صومه ومع الافطار لابد من قضائه، بلا فرق بين قيام البينة على أنه من
شهر رمضان وعدم قيام البينة، فتأمل. (ومنها) صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام انه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال: لا تقضه الا ان يثبت شاهدان
عادلان من

(1) الوسائل: ج 7، باب 5 من أبواب احكام شهر رمضان، ح 13.
345

جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى الا ان يقضي
أهل الأمصار، فان فعلوا فصمه (1) بتقريب ان الشاهد في الصحيحة جملتان من جميع أهل
الصلاة وأهل الأمصار. أقول: مضافا إلى ما ذكرنا من عدم امكان التعبد في التكوين
وظهور لفظ القضاء في أن فوت صوم الشهر مفروض انه يحتمل في الجملة الأولى تعلق الجار
والمجرور بيثبت فتكون الرواية في مقام بيان كفاية شاهدين عادلين وعدم لزوم
الزائد عليهما لا أن تكون ناظرة إلى مكان الرؤية، والجملة الثانية على خلاف مطلوبه
أدل، فان الجمود على ظاهرها يقتضي الحكم بعدم وجوب القضاء الا إذا قضى أهل الأمصار
عموما فان هذه الجملة ظاهرة في العموم، فقضاء بعضهم دون البعض لا يوجب القضاء، وهذا
يدلنا على امكان قضاء بعض دون بعض، فلا تكفي رؤية بعض لثبوت الهلال عند الاخر.
(ومنها) صحيحة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان
يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال لا تصمه الا ان تراه، فان شهد أهل بلد اخر
انهم رأوه فاقضه (1) بتقريب ان اطلاق بلد اخر يشمل موردي اتحاد الأفق واختلافه.
أقول: مضافا إلى ما مر ان السؤال في مورد الغمام وهو الغيم فان الغمام السحاب ج كما
في المنجد ج فالسائل يحتمل وجود الهلال في المطلع وكون الغيم مانعا عن رؤيته وجواب
الامام عن حكم هذه المسالة ووارد في مورد احتمال وجود الهلال في المطلع، فلا تشمل
الرواية صورة عدم الرؤية لأجل الاختلاف في الأفق ولم يذكر في الجواب كبرى كلية حتى
نتمسك بها ويقال ان المورد

(1) الوسائل: ج 7، باب 12 من أبواب احكام شهر رمضان. ح 1.
(2) الوسائل: ج 7 باب 8 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 3.
346

لا يخصص عموم الوارد. بقي وجهان اخران أستشهد بواحد منهما واستدل بالاخر. (أما
الأول) ما يقال في صلاة العيدين وهو أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين
عيدا (1) بتقريب ان الظاهر أن المشار اليه يوم معين خاص لا انه كل يوم ينطبق عليه
انه يوم العيد، وأيضا الظاهر منه ان هذا العيد عيد للمسلمين كلهم لا لخصوص أهل بلد
تقام فيه صلاة العيد. أقول: لعل وجه الاستشهاد لا الاستدلال سند الدعاء، وكيف كان
لا يمكن التصرف في الواقع بمثل هذه التعبيرات والقول بالتعبد خلاف المقطوع به مع أن
في المقام خصوصية وهو ان التعبد بمثل هذه العبارة هو التعبد بالتنزيل، والتنزيل
التعبدي الحكمي انما يتصور في مورد عدم الموضوع فلابد من لحاظ عدم الموضوع فيه،
والمفروض شمول الاطلاق لصورة وجود الموضوع أيضا. ولحاظ عدم الموضوع وعدم هذا اللحاظ
في لحاظ واحد غير معقول وعلى هذا يعلم أحد أمرين، اما ان المشار اليه عنوان الفطر
أو الأضحى أو ان المسلمين خصوص مسلمي بلد العيد. (واما الثاني) الآية الكريمة
الظاهرة في أن ليلة القدر ليلة واحدة شخصية ضرورة ان القران نزل في ليلة واحدة وهي
ليلة القدر، وفيها يفرق كل امر حكيم، ويكتب الأرزاق والبلايا والمنايا في هذه
الليلة، وهذا لا يتم الا بكونها ليلة واحدة شخصية. أقول: مضافا إلى ما مر نفس هذا
الاستدلال لا يتم، فان نزول القران في ليلة واحدة وهي ليلة القدر لا يستلزم انحصار
ليلة القدر بما انزل فيه القران بل يمكن تعدد الليلة والقران انزل في ليلة واحدة
منها، ويصح ان يقال انا أنزلناه في

(1) الوسائل: ج 1، باب 26 من أبواب صلاة العيد، حديث 2 و 5.
347

ليلة القدر. وهكذا قضية كتابة الأرزاق والبلايا والمنايا في ليلة القدر لا تستدعي
الوحدة. وهكذا الكلام في تفريق كل امر حكيم فإنه أيضا لا يستلزم وحدة الليلة. والذي
يسهل الخطب ان المقام ليس مقام التمسك بالألفاظ والاطلاقات، فما ذكره أخيرا من قوله
هذا مضافا إلى سكوت الروايات ضعيفة أيضا غير وجيه، فان المسألة غير مرتبطة
بالرواية عن المعصوم ولا تنالها يد التعبد حتى تطلب من الروايات، بل لابد من أخذها
من العلم المعد له، وقد ثبت الاختلاف باختلاف الأفق الا ان يكون البلد المرئي فيه
شرقيا، فمع رؤيته في البلاد الشرقية يرى في البلاد الغربية بخلاف العكس، وقد مر وجه
ذلك، وهنا اشكال نقضي يرد على السيد الأستاذ ج مد ظله ج وهو الحكم في البلاد التي
يكون اليوم فيها مقارنا لليل في بلادنا، والليل فيها مقارنا لليوم فيه. فإذا كان
اليوم في بلادنا يوم العيد فهل يلتزم بأنه عيد بالنسبة إليهم مع كونهم في الليلة؟
وكذا لو كان الليل في بلادنا ليلة القدر فهل يلتزم بأنه ليلة القدر في بلادهم أيضا
مع كونهم في اليوم؟ ولا يمكن التفصي عن هذا الاشكال الا بأن يلتزم باختلاف عيدنا مع
عيدهم واختلاف ليلة القدر بالنسبة الينا واليهم، وهذا هو المطلوب. ولا بأس بالتعرض
لما ذكره بعض أساتذتنا أداء لحقه. وهو ان الدليل قد دل على أنه صام للرؤية وافطر
للرؤية (1) فيعلم من ذلك ان الشهر من الرؤية إلى الرؤية، واما الخروج عن المحاق أو
وجود الهلال في المطلع فخارج عما اعتبره الشارع في الشهر. وبما ان الرؤية ظاهرة في
صرف وجود طبيعتها فالنتيجة انه لو تحقق صرف وجود الرؤية يحكم بأول الشهر، ووجوب
الصوم والافطار

(1) الوسائل: ج 7 باب 3 من أبواب احكام شهر رمضان، حديث 13.
348

مطلقا بالنسبة إلى بلد الرؤية وغيره مع اتحاد الأفق واختلافه. أقول: لا يرد على هذا
التقريب ما مر من التعبد في التكوين موضوعا أو حكما فإنه يرى للشهر حقيقة شرعية من
صرف وجود الرؤية إلى صرف وجود الرؤية. ولكن يرد عليه ان الشهر أم واقعي يرجع إلى
العرف في مفهومه، وليس للشارع اصطلاح خاص فيه، والرؤية المأخوذة في الرواية قد أخذت
طريقا إلى ما هو ملاك أول الشهر ولا موضوعية لها، وهذا نظير ما ذكرنا في الاستطاعة من أنها
أمر واقعي عقلائي، وليس للشارع اصطلاح خاص فيها حتى يمكن الأخذ بالأدلة
المفسرة للآية الشريفة من أن الاستطاعة هي الزاد والراحلة. والحمد لله رب
العالمين
349

رسالة في عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين والسلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين. الكلام
في حجية خبر الواحد في الشبهات الموضوعية وعدمها، وحجية البينة فيها: وحيث إن بعض
أعاظم العصر ج قدس سره ج تعرض للمسألة مفصلا في المجلد الثاني من بحوثه رأيت كفاية
الاكتفاء بنقل مواضع النظر من كلامه وبيان النظر فيه والتحقيق حولها، والله هو
الموفق والمعين. تعرض ج رحمه الله ج لهذه المسألة مفصلا في ذيل المسألة السادسة من
العروة الوثقى، وهي المسالة المبينة لطرق ثبوت النجاسة. قال: وتوضيح الحال في ذلك
ان الفقهاء ذكروا عدة طرق لاثبات النجاسة وهي كما يلي: ج 1 العلم: ولا شك في الخروج
به عن عموم أصل الطهارة لكونه محققا للغاية التي أخذت في دليل القاعدة، وانما
350

الكلام في أن العلم المأخوذ غاية لها هل هو طريق صرف إلى النجاسة الواقعية أو مأخوذ
في موضوعها؟ أقول: العلم مأخوذ في الموضوع في قاعدة الطهارة وإن كان طريفا بالنسبة
إلى النجاسة الواقعية، وقد اخذ موضوعها على وجه الطريفية إلى النجاسات الواقعية،
فتقوم مقامها الامارات وبعض الأصول على ما حقق في الأصول. قال: البينة ويمكن
الاستدلال على حجيته بوجوه: الأول: استفادة ذلك مما دل على حجيتها في باب القضاء،
وحيث إن هذا الدليل وارد في القضاء وفصل الخصومة فالاستناد اليه لاثبات حجية البينة
في أمثال المقام يحتاج إلى توجيه، ويمكن ان يقرب هذا التوجه بعدة تقريبات: (أحدها)
ما ذكره المحقق الهمداني قدس سره من التعدي عن مورد الدليل بالأولوية أو المساواة،
فإنه إذا كانت البينة حجة رغم معارضتها للقواعد التي توافق قول المنكر، فحجيتها في
أمثال المقام مما لا يكون فيه معارض لها سوى أصالة الطهارة ونحوها أوضح. إلى أن
قال: وقد اعترض السيد الأستاذ على ذلك نقضا وحلا، اما النقض فبان حجية شئ في باب
القضاء لا يستلزم حجيته في غير هذا الباب لوضوح ان اليمين حجة في ذلك الباب مع عدم
حجيته في غيره. واما الحل فبان باب القضاء يتميز بنكتة وهي لزوم فصل الخصومة
حفظا للنظام، ومثل هذه النكتة غير موجودة في سائر الموارد. إلى أن قال: والتحقيق انه
لا يتم النقض ولا الحل ولا التقريب. اما النقض فبتوضيح الفرق بين البينة واليمين،
فان حجية اليمين في باب القضاء ليست بمعنى حجيتها في اثبات الواقع الذي يطابق قول
المنكر، فان هذا الواقع يثبت بالأصل الجاري دائما على طبق قول المنكر، ولهذا يصح
351

لنا ترتيب الأثر عليه ولو لم يكن هناك يمين من المنكر وانما حجية اليمين بمعنى
حجيته في فصل الخصومة، أي كونه موضوعا لحكم الحاكم بفصل الخصومة على طبق الأصل،
ومثل هذه الحجية لا معنى لجريانها في غير باب القضاء، واما بينة المدعي فحجيتها
ليست بمعنى كونها فاصلة للخصومة فقط بل هي حجة أيضا بلحاظ اثبات الواقع على طبق
كلام المدعي إذ لا مثبت له سوى البينة، ومن هنا أمكن دعوى التعدي من حجيتها في اثبات
الواقع في باب القضاء إلى سائر الموارد. أقول: (أولا) الفرق الذي ذكره رحمه الله لا
يضر بالنقض، فان جعل شئ طريقا في مورد له خصوصية لا يستلزم جعله طريقا في غير هذا
المورد بل ولو لم يعلم له خصوصية مع احتمالها. (وثانيا) كأنه رحمه الله جعل الحجية
للبينة مفروضة، وقد أشكل على النقض مع أنها أول الدعوى فان المدعى استفادة حجية
البينة على الاطلاق من مثل (انما اقضي بينكم بالبينات والايمان) (1). فقوله ان حجية
اليمين بمعنى حجيته في فصل الخصومة وحجية البينة بلحاظ اثبات الواقع تقريب للدليل
بعين المدعى، بل يمكن ان يقال إن عطف الايمان على البينات وجعلهما مستندا للقضاء
يدل على أن حجية البينة كاليمين في مقام فصل الخصومة لاغير. قال: واما الحل: إلى أن
قال (صفحة 80 س 7): - لان نكتة فصل الخصومة انما تستدعي جعل الحجية التي يقضي الحاكم
على أساسها، ولكنها لا تعين هذه الحجة في البينة المطابقة لقول المدعي أو في الأصل
المطابق لقول المنكر، فترجيح البينة على الأصل في الحجية انما

(1) الوسائل: ج 18، باب 2 من أبواب كتاب القضاء، حديث 1.
352

يكون لطريقية البينة في نظر الشارع. وكونها أقوى كشفا من الأصول المعارضة، فيتجه
التعدي حينئذ. أقول: ان نكتة فصل الخصومة تستدعي جعل شئ مستندا له، فكما ان اليمين
جعلت مستندا له كذلك البينة جعلت مستندا له، ومجرد انها جعلت مستندا للفصل في باب
القضاء لا يوجب جعلها حجة في جميع الموارد، وصرف ان البينة بلحاظ طريقيتها جعلت
مستندا في باب القضاء لا يوجب جعلها طريقا في جميع الموارد فاشكاله رحمه الله على
السيد الأستاذ في نقضه وحله غير وارد. قال: واما أصل التقريب فلان اعتماد الشارع
على البينة في مورد القضاء، والغاء الأصول في مقابلها وإن كان يكشف عن كونها في
نظره أقوى وأصوب كشفا، ولكن لا يلزم من الزام الشارع بالاخذ بها في غير هذا الباب
والغاء الأصول، لان مراتب اهتمام الشارع بالايصال إلى الواقع متفاوتة. فقد يكون
غرضه في الايصال إلى الواقع في موارد حقوق الناس وخصوماتهم أشد من غرضه في الايصال
إلى الواقع في مثل الطهارة والنجاسة. أقول: المستدل لا يحتاج إلى دعوى الملازمة بين
الالزام في باب القضاء والالزام في غيره بل يكفيه جواز الاخذ بالبينة في غير باب
القضاء، بتقريب انه لو كانت البينة لازمة الاخذ في مورد اهتمام الشارع بالايصال إلى
الواقع يجوز الاخذ بها في سائر الموارد بالأولوية العرفية، وجواز الاخذ ملازم للزوم
الاخذ لأنه لا معنى لجواز الاخذ بالشئ إلا حجيته، فلا بد من ترتيب آثار الحجية
353

عليه. فما أورده على التقريب أيضا لا يتم، والصحيح ما ذكره السيد الأستاذ من عدم
امكان التعدي عن موارد القضاء إلى غيرها. نعم نتعبد بالحجية في موارد الحدود أيضا
للأدلة الخاصة، واما الحجية في غير موارد القضاء والحدود فلا تستفاد من هذه المادة،
فلا بد من ملاحظة غيرها. قال: (ثانيها) ما ذكره السيد الأستاذ، وتوضيحه: ان البينة
في قوله صلى الله عليه وآله (انما اقضي بينكم بالبينات) إذا حملت على معناها اللغوي
العرفي كانت بمعنى ما يبين الشئ ويكون حجة عليه، وحيث إن هذا القول نفسه في مقام
انشاء الحجية القضائية للبينة، أي كونها حجة في مقام القضاء، فهناك حجيتان في القول
المذكور: إحداهما مجعولة فيه وهي حجية البينة في القضاء. والأخرى الحجية المأخوذة
في موضوعه التي تدل عليها نفس كلمة البينة بمعناها اللغوي والعرفي، ولابد أن تكون
هذه الحجية المجعولة في نفس ذلك القول. فهي اذن الحجية في نفسها. وحيث إن النبي صلى
الله عليه وآله طبق الموضوع على شهادة عدلين فيثبت انها حجة في نفسها وبذلك يتم
المطلوب. واما إذا حملنا البينة المأخوذة موضوعا لقوله (اقضي بينكم بالبينات) على
شهادة عدليه ابتداء فلا يستفاد من القول المذكور نحو ان من الحجية ليتم هذا
التقريب. ويرد عليه (أولا) انه لو سلمت الاستفادة المذكورة فلا يكون في الدليل
اطلاق يتمسك به لاثبات ان حجية البينة تفي نفسها ثابتة في جميع الموارد، لان الدليل
كان مسوقا لبيان الحجية القضائية للبينة، لا لحجيتها الأخرى، وانما اخذت الحجية
الأخرى مفروغا عنها في موضوع الكلام، وما دام الدليل غير مسوق لبيانها فلا يمكن
اثبات الاطلاق في حجية البينة. (وثانيا) ان قوله (انما اقضي بينكم بالبينات) لو كان
354

في مقام انشاء الحجية في باب القضاء بهذا الخطاب فقد يتجه ما ذكر، واما إذا كان في
مقام الاخبار وتوضيح ان النبي صلى الله عليه وآله لا يستعمل في مقام القضاء علمه
الغيبي وانما يعمل الموازين والحجج الظاهرية، فلا يتضمن القول المذكور حينئذ نحوين
من الحجية، بل نحوا واحدا. ففرق بين ان يقال جعلت الحجية في باب القضاء لما هو حجة،
أو يقال: لا اعتمد في باب القضاء على علم الغيب بل على الحجة، فان الأول تستفاد منه
حجية في المرتبة السابقة على الحجية القضائية، بخلاف الثاني. أقول: ان جعل البينة
بمعنى الحجة موضوعا للقضاء وجعلها مقابلة لليمين وتطبيقها على شهادة عدلين تدل عرفا
على أن شهادة عدلين طريق وحجة. والمفروض الغاء خصوصية مورد القضاء لان الحجية اخذت
مفروضة. فقوله (انما اقضي بينكم بالبينات والايمان) مساوق للقول بأنه انما اقضي
بينكم بالحجج، أي الطرق والايمان، وتطبيق الحجة في قبال اليمين على شهادة عدلين
والغاء خصوصية مورد القضاء للمفروغية يدلنا على أن شهادة عدلين طريق وحجة مطلقا
عرفا، فالصحيح ما افاده الأستاذ. وما أورده عليه من الاشكال غير وارد، ومن الغرائب
الاشكال الثاني فإنه يرد عليه: (أولا) ان جعل الحجية للحجة غير معقول ولا يقول به
الأستاذ أيضا، بل المراد ان الحجة مستند للحكم في القضاء، وأين هذا من جعل الحجية
للحجة (وثانيا) كيف لا يدل القول باني لا اعتمد الاعلى الحجة مفروغية الحجية قبل
الاعتماد مع أنها مستندة للاعتماد. قال: (ثالثها) ان يقال إن قوله (اقضي بينكم
بالبينات) بعد ضم الصغرى اليه المتحصلة من فعل النبي صلى الله عليه وآله وتطبيقه
لعنوان البينة على شهادة عدلين الذي هو امر معلوم وواضح يدل على أن شهادة عدلين
بينة أي مما يبين المطلب ويوضحه، وهذه الدلالة وان لم يكن لها اطلاق في نفسها، ولكن
355

بضم ارتكازية حجية البينة عقلائيا ينعقد لمثل تلك الدلالة ظهور في امضاء ما عليه
العقلاء من حجية البينة، وبذلك يكسب الدليل الاطلاق من اطلاق الارتكاز الممضى. فان
الأدلة التي تتكفل قضايا مركوزة عقلائيا ينشأ لها ظهور في امضاء الارتكاز، بنحو
يكون مفادها تابعا لدائرته سعة وضيقا. ولعل هذا التقريب أوجه من سابقيه. أقول:
(أولا) ليس هذا تقريبا للأدلة اللفظية فان مآل ذلك إلى أن البينة حجة للارتكاز
العقلائي، ويكفي الاستناد إلى الشارع عدم الردع عنها بلا حاجة إلى الامضاء.
وبعبارة أخرى الدليل هو الارتكاز العقلائي بضم عدم الردع لا الأدلة الواردة في
القضاء بضم الارتكاز. (وثانيا) لا اطلاق لهذا التقريب فان الارتكاز دليل لبي لا
يمكن التمسك به في الموارد المشكوكة. وأحسن التقريب ما ذكره الأستاذ على ما مر. قال:
الثاني من الوجوه الدالة على حجية البينة: الاستدلال برواية مسعدة بن صدقة (1)، التي
ورد في ذيلها (والأشياء كلها على هذا حتى

(1) الوسائل: ج 12 باب 4 من كتاب التجارة حديث 4.
356

يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة) وقد يستشكل في ذلك باختصاصها بحجية البينة في
مقابل الحل المشار اليه بكلمة (هذا) لا في مقابل الطهارة. وبعد فرض التجاوز عن هذا
الاشكال، اما بدعوى الغاء العرف لخصوصية الحل في مقابل الطهارة، وفهمه جعل الحجية
للبينة في مقابل الأصول والقواعد الترخيصية أو بتوسيع نطاق الحل واعطائه معنى يشمل
الحلية الوضعية على نحو تكون الطهارة معه نحوا من الحل أيضا. أو بملاحظة آثار
الطهارة فتكون البينة حجة على نفي الحلية التي هي اثر الطهارة، ومع عدم امكان
التفكيك عرفا بين نفي الأثر ونفي سببه في الامارات المركوز كون مثبتاتها حجة أيضا
يثبت نفي الطهارة. أقول: لا تصل النوبة إلى هذه الدعاوى، فان البينة في الأمثلة غير
قائمة على الحرمة، بل هي قائمة على كون الثوب سرقة أو كون المبيع حرا أو كون المرأة
الأخت أو كونها رضيعة. فالرواية تدل على حجية البينة في هذه الموضوعات وغيرها
بالغاء الخصوصية عرفا. والبينة وان كانت رافعة لقاعدة الحل لكن لا بملاحظة مقابلتها
لها بل بلحاظ بيان الموضوع فتستفاد من الرواية حجية البينة في الموضوعات فيترتب
عليها آثارها حرمة أو نجاسة أو غير هما، ولذا يستفاد من الرواية فساد البيع في
المثالين الأولين وفساد النكاح في الأخيرين، مع أن الفساد غير الحرمة. قال: يبقى
الاشكال من ناحية سند الرواية لعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صداقة، ودعوى ان رواياته
كلها متقنة ومحكمة، انما تدل على فضله لا على وثاقته. أقول: الرواية معمول بها بين
الأصحاب، ولذا يرى أن أساطين الفقه لم يناقشوا في سندها، ولم يتعرضوا للمناقشات
357

التي ذكرها غيرهم أيضا ويستندون إليها، فلا مجال للمناقشة السندية فيها لحصول ملاك
الاعتبار وهو الوثوق بالصدور على ما قالوا، أو احتجاج العقلاء بمثل هذا الخبر على
مطلوبات المولى من العبيد على ما اخترناه في ملاك حجية الخبر. قال: الثالث من
الوجوه: الاجماع، ولا ينبغي الاستشكال فيه لمن لاحظ كلماتهم في الموارد المتفرقة في
الفقه التي يستظهر منها المفروغية عند الجميع عن حجية البينة على الاطلاق، فإن كان
هذا الاجماع مستندا إلى رواية مسعدة بن صدقة كان بنفسه سببا صالحا للوثوق بالرواية
وإن كان مستندا إلى استظهار الكلية من روايات القضاء. فهذا بنفسه يؤكد عرفية هذا
الاستظهار وصحته وإن كان غير مستند إلى ما تقدم، فهو اجماع تعبدي صالح لان يكشف عن
تلقي معقده بطريق معتبر، فالاعتماد على الاجماع في مقام بمثل هذا البيان ليس ببعيد.
أقول: الوجه غير منحصر بالوجوه الثلاثة التي ذكرها، لاحتمال استناد بعض الأصحاب إلى
رواية مسعدة، واستناد البعض إلى استظهار الكلية من روايات القضاء، واستناد البعض
إلى أنها امر ارتكازي عقلائي، فعلى ذلك لا يمكن دعوى الوثوق بالرواية ولا عرفية
الاستظهار ولا تعبدية الاجماع. قال: 3 - خبر العدل الواحد: ومرد البحث في ذلك إلى
الكلام عن حجية خبر الواحد في الشبهات الموضوعية بعد الفراغ في الأصول عن حجيته في
الشبهات الحكمية، والبحث في ذلك يقع في ثلاث جهات: الجهة الأولى: في امكان التمسك
بنفس دليل حجية خبر الواحد في الشبهة الحكمية لاثبات حجيته في الشبهة الموضوعية، ولو
لم تكن الشبهة الموضوعية ملحوظة فيه بالاطلاق، وذلك بأحد تقريبين: (الأول) ان يدعى
رجوع الشبهة الحكمية إلى الشبهة الموضوعية في الحقيقة فيكون دليل الحجية في الأولى
دليلا عليها في الثانية. فان زرارة مثلا في الشبهة الحكمية لا يخبر عن الحكم الكلي
358

الإلهي بوجوب السورة ابتداء، بل عن ظهور كلام الامام الذي هو مصداق لكبرى حجية
الظهور شرعا. فيكون اخبارا عن الموضوع في الحقيقة. والجواب على ذلك: ان فرقا يظل
ثابتا بين خبر زرارة واخبار العادل عن نجاسة الثوب رغم هذا الارجاع. وهو ان خبر
زرارة فيه حيثيتان: إحداهما كونه اخبارا عن الموضوع لحجية الظهور، والأخرى كونه
كاشفا ولو بتوسط كشفه عن كلام المعصوم عن الحكم الكلي بوجوب السورة، واخبار العادل
بنجاسة الثوب يشترك مع خبر زرارة في الحيثية الأولى دون الثانية فلا يمكن التعدي.
أقول: ليس المخبر به في الاحكام الكلية ظهور كلام الامام، بل المخبر به نص قول الإمام
ومقالته هو الحكم الكلي، والفرق بينه وبين الشبهة الموضوعية ان فيه يلاحظ
القول طريقا إلى الحكم الكلي دونها، ولذا يشمل دليل الحجية للوسائط في الاخبار مع
الواسطة في الاحكام الكلية. مع أن المخبر به في الوسائط قول الراوي لا الإمام عليه السلام
ولا يشمل ما يؤخذ قول الإمام موضوعا فيه، كما أنه لو نذر انه لو سمع كلام
الامام يتصدق فلا يشمل دليل الحجية الخبر الذي يخبر عن أن هذا كلام الامام.
والحاصل: ان قول الراوي وهكذا قول الإمام في الشبهات الحكمية يلاحظ طريقا إلى بيان
الحكم بخلاف الشبهات الموضوعية، فان الموضوع فيها يلاحظ موضوعا واستقلالا، ولذا لا
نرى شمول دليل الحجية لاخبار التحليل مع الالتزام بالتحليل المالكي الا مع التعدد،
وقد ظهر مما ذكرنا مواقع للنظر في كلامه قدس سره -. (منها) ما قال بان اخبار العادل
في الشبهة الموضوعية يشترك مع خبر زرارة في الحيثية الأولى وهي الاخبار عن الموضوع
دون الثاني وهو كونه كاشفا ولو بتوسط كشفه عن كلام المعصوم فلا يمكن التعدي. ووجه
النظر ان الحيثية الثانية في طول الأولى ومتفرعة عليها، فلو لم يشمل دليل الحجية
359

للشبهات الموضوعية لا يشمل للشبهات الحكمية أيضا. والصحيح الفرق الماهوي بينهما،
فان الموضوع في الشبهة الموضوعية لوحظ مستقلا بخلاف قول الإمام في الشبهة الحكمية.
فإنه كقول الراوي لوحظ آليا. (ومنها) ما قال بعد هذا ما لفظه: والتحقيق ان دليل
حجية الخبر في الشبهة الحكمية لم يدل على حجية الخبر عن الحكم الكلي بهذا العنوان.
ليبذل الجهد في ارجاع بعض الأخبار في الموضوعات إلى الخبر عن الحكم الكلي بالالتزام
وانما دل الدليل المتحصل من السنة المتواترة اجمالا على مضمون، مثل قوله (1):
(العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع
لهما واطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) فموضوع الحجية هو الخبر

(1) الوسائل: ج 18 باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث 4.
360

والرواية هكذا (عن محمد بن عبد
الله الحميري، ومحمد بن يحيى جميعا، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن
إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من
اقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول،
فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، قال: وسألت أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك
فقال: العمري وابنه... الخ).
الذي يعتبر أداء عن الامام، وهذا ينطبق على خبر زرارة دون خبر العادل عن الاجتهاد.
ومن اجل ذلك قلنا في موضعه من كتاب الخمس: ان اخبار التحليل قد يقال بشمول الدليل
المذكور على الحجية لها وان حملت على التحليل المالكي، لأنها وان لم تكن اخبارا عن
الحكم الكلي، ولكنها أداء عن الامام فيشملها موضوع الحجية في ذلك الدليل. أقول:
لازم ما ذكره - رحمه الله شمول الدليل لمثال النذر المتقدم، والحق ما مر من الفرق،
فلا يشمل الدليل لا لاخبار التحليل بناء على المالكي الا مع التعدد، ولا لمثال
النذر. هذا لو قلنا بان دليل الحجية يدل على امر تأسيسي من الشارع. ولو قلنا بالحجية
العقلائية فالقدر المتيقن من بناء العقلاء المتصل بزمان المعصوم عليه السلام هو
الاحتجاج بالاخبار في مقام الاحتجاج، واتمام الحجة على مطلوبات المولى من العبد،
فتختص الحجية حينئذ بالشبهات الحكمية لا الموضوعية. قال: (الثاني) التعدي بملاك
الأولوية العرفية: بمعنى ان العرف يرى أن المولى إذا كان يعتمد على خبر الواحد في
ايصال الحكم الكلي أو نفيه مع ما يترتب على ذلك من وقائع كثيرة من الامتثال و
العصيان فهو يعتمد عليه في ايصال الموضوع ونفيه الذي لا يترتب عليه الا واقعة واحدة
361

من وقائع الامتثال أو العصيان. وهذه الأولوية العرفية تجعل دلالة التزامية عرفية في
دليل الحجية، يثبت بها حجية الخبر في الموضوعات، ولا يخلو هذا البيان من وجاهة.
أقول: لا وجاهة فيه، فان الدلالة الالتزامية انما هي دلالة المعنى المطابقي على
المعنى الالتزامي، لا دلالة اللفظ على المعنى الالتزامي، لعدم دلالة للفظ الا على نفس
معناه، وهو المعنى المطابقي، ولا يعقل أزيد من ذلك كما قرر في محله. فلو أريد من
الدلالة دلالة المعنى المطابقي وهو الحجية في الشبهة الحكمية على الحجية في الشبهة
الموضوعية فلا يمكن دعوى ذلك الا مع القطع بالمناط، ولا ظن بالمناط فضلا عن القطع
به. ولو أريد منها دلالة اللفظ عليها فاللفظ لا دلالة له الا على معناه. نعم لو
كان القيد في الكلام بحيث لا يراه العرف دخيلا في الموضوع ويفهم المعنى الجامع بين
المقيد وفاقد القيد من اللفظ يكون هذا من دلالة اللفظ، ونسميه بالغاء الخصوصية
كالغاء الخصوصية عن ثوب زرارة في قوله (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (1) ومن
الظاهر أن قيد الشبهة الحكمية ليس من هذا القبيل بحيث لا يفهم العرف من دليل الحجية
فيها القيدية. كل ذلك مع الالتزام بالتعبد فيه، وإلا فلا موضوع لالغاء الخصوصية. بل
لابد من الاخذ بالقدر المتيقن وهو الحجية في الشبهات الحكمية. قال: الجهة الثانية
في دعوى ان دليل حجية الخبر في الشبهة الحكمية له اطلاق في نفسه للشبهة الموضوعية
أيضا. وتحقيق هذه الدعوى باستعراض المهم من أدلة تلك الحجية، ليرى مدى الاطلاق فيها
للشبهة الموضوعية. ومهم تلك الأدلة أمور: أحدها: السيرة العقلائية: ولا اشكال في
شمولها للشبهة الموضوعية، وانما الكلام في دعوى الردع عن اطلاقها لهذه الشبهة لاحدى
روايتين.

(1) الوسائل: ج 2، من أبواب النجاسات، حديث 2.
362

أقول: بل لعله لا اشكال في عدم شمولها له فان ما توهم من أمثلة ذلك كلها في موارد
احتمال الضرر الذي ينجزه نفس الاحتمال بلا حاجة إلى الخبر، أترى انه لو احتمل السم
في طعامه فأخبره الثقة بعدم السم فيه ولكن بعد يحتمل السم؟ أفهل يرى العقلاء هذا
الخبر حجة بحيث لا يذم لو شرب وصادف السم؟ نعم العقلاء يحتجون في مطلوبات الموالي من
العبيد بخبر الثقة، ولذا نلتزم بالحجية العقلائية في الشبهات الحكيمة وفي مثله
كفتوى الفقيه من جهة بناء العقلاء، واما في الموضوعات فلا بد من دق باب الشرع فيها
لعدم احراز بناء العقلاء على العمل بالخبر فيها، بل لعل عدم البناء محرز. قال:
الرواية الأولى: خبر مسعدة بن صدقة المتقدم، حيث حصر الاثبات بالعلم والبينة فيدل
على عدم حجية خبر الواحد بتقريب التمسك باطلاق المغيى في قوله (والأشياء كلها على
هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة) أقول: ليس للمغيى وحدها ولا للغاية
وحدها اطلاق يؤخذ به، بل الاطلاق الذي يمكن الاخذ به انما هو بعد تمام الكلام بتمام
لواحقه. مضافا إلى أن المورد مورد التمسك بالعموم لا الاطلاق، فكأنه قال: (كل شئ
حلال حتى تقوم بحرمته البينة) فما لم تقم عليها البينة يبقى تحت عموم الحلية. قال:
والجواب عن دعوى الرادعية المذكورة عن السيرة بهذا الخبر يمكن بوجوه: (الأول) ان
الرواية ضعيفة السند، فهي لا توجب ثبوت الردع. فان قيل: ان احتمال صدقها يوجب على
الأقل احتمال الردع، وهو كاف لاسقاط السيرة عن الحجية لتوقف حجيتها على الجزم
بالامضاء الموقوف على الجزم بعدم الردع. قلنا: ان عدم الردع قبل الإمام الصادق عليه
363

السلام في صدر الاسلام محرز لعدم نقل ما يدل على الردع، ويكشف ذلك عن الامضاء
حدوثا. فإذا أوجب خبر مسعدة عن الصادق عليه السلام الشك في نسخ ذلك الامضاء الثابت
في أول الشريعة جرى استصحابه. أقول: من أين أحرزتم ذلك؟ ومجرد عدم نقل ما يدل على
الردع لا يوجب الاحراز حتى يتم أركان الاستصحاب. مضافا إلى أن الامضاء المستفاد من
عدم الردع لا يوجب كون الحجية من الأحكام الشرعية بل عقلائي على الفرض لم يردع عنه
الشارع فيمكن الاحتجاج به حينئذ عقلا، وعلى ذلك لو كانت الحجية مجرى الاستصحاب فهذه
ليست بحكم شرعي ولا موضوع له، ولو كان المستصحب غيرها كالامضاء ونحوه، فمضافا إلى
الاشكال المذكور يكون الاستصحاب مثبتا، هذا ويظهر مما ذكره رحمه الله انه سلم الردع
مع قطع النظر عن هذا الاستصحاب. والصحيح ان مجرد احتمال الردع لا يوجب سقوط السيرة
عن الحجية لو فرض وجودها، والا لم يمكن التمسك باي سيرة عقلائية، فان باب الاحتمال
واسع. الا ترى انهم يستدلون بالسيرة العقلائية في باب المعاطاة وفي باب رجوع الجاهل
إلى العالم مع أنه يحتمل ردع الشارع عنها. والوجه في ذلك بتقريبين: 1 - التمسك
بنفس السيرة، أي ان السيرة قائمة على العمل بالخبر أو المعاطاة أو رجوع الجاهل إلى
العالم حتى مع احتمال ردع الشارع عنها وهي حجة الا إذا ثبت الردع، والا فالكلام
بعينه. 2 - السيرة بنفسها حجة مع عدم الردع وردع الشارع حجة توجب هدم حجية السيرة،
فمع قيام السيرة على شئ واحتمال الردع قامت الحجة عليه، ولم نحرز قيام حجة هادمة
لحجيتها، ولا يجوز عقلا رفع اليد عن الحجة بمجرد احتمال قيام الحجة الهادمة. وبعبارة
أخرى ليس عدم الردع دخيلا في الحجية، بل الردع هادم للحجية، فرفع اليد عن السيرة
بمجرد احتمال الردع رفع لليد عن الحجة بغير الحجة، وهو احتمال الهدم. قال: (الثاني)
364

ان الرواية حتى لو صح سندها لا تكفي لاثبات الردع، لان مستوى الردع يجب ان يتناسب مع
درجة قوة السيرة وترسخها، ومثل هذه السيرة على العمل بخبر الثقة لو كان الشارع
قاصدا ردعها ومقاومتها لصدرت بيانات عديدة من اجل ذلك كما صدر بالنسبة إلى القياس،
لشدة ترسخ السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة وتركزها، ولما اكتفى باطلاق خبر
من هذا القبيل. أقول: هذا صحيح الا انه مع تسليم قيام السيرة على العمل بالخبر في
الشبهة الموضوعية والا فتبقى رواية مسعدة على حجيتها، فلو دل دليل لفظي من الشرع
على حجية الخبر في الموضوعات يقع التعارض بين هذه الروايات ورواية مسعدة، فلابد من
الجمع الدلالي أو العلاج، والا فلا بد من العمل بالرواية. قال: (الثالث) ان تحمل
البينة في الخبر على المعنى اللغوي أي مطلق الكاشف فلا تكون الرواية رادعة، بل يكون
دليل حجية الخبر محققا مصداقا للبينة، وهذا بعيد. إلى أن قال: (الرابع) ان الغاية
في خبر مسعدة مشتملة على عنواني الاستبانة المساوقة للعلم، والبينة. ودليل حجية
الخبر ج وهو السيرة ج يجعل خبر الواحد علما بالتعبد، فيكون مصداقا للغاية، ومعه
لا يعقل الردع عنه باطلاق المغيى. ويرد عليه (أولا) ان هذه الحكومة سنخ ما يدعى في
الأصول من حكومة دليل حجية الخبر على الآيات الناهية عن العمل بالظن لاقتضائه كون
الخبر علما. وقد أجبنا هناك بأن مفاد الآيات هو النهي عن العمل بالظن ارشادا إلى
عدم حجيته، فإذا كانت الحجية بمعنى جعل الامارة علما فمفاد الآيات نفسه هو نفي
العلمية التعبدية عن الظن، فيكون في عرض دليل الحجية، ولا يعقل حكومة هذا الدليل
عليه. ونفس هذا الكلام يأتي في المقام لان مفاد خبر مسعدة هو حصر الحجة بالعلم
365

والبينة ونفي حجية ما عداها. أقول: هذا لو كان موضوع دليل الحجية الظن لا الخبر فان
مفاد دليل نفي اعتبار الظن بناء على ما افاده ج رحمه الله ج ان الظن ليس بعلم
تعبدا. فلو دل دليل على أن الظن علم تعبدا يقع التعارض بينهما لا محالة، الا ان
الدليل قد دل على أن الخبر علم تعبدا، وهذا حاكم على دليل عدم اعتبار الظن، فان
الخبر ليس بظن لدليل اعتبار الخبر، فلا ينطبق عليه دليل ان الظن ليس بعلم تعبدا حتى
تقع المعارضة بين الدليلين، هذا. ولو سلم التعارض فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق
فان دليل اعتبار الخبر ناظر إلى مورد لم يحصل منه العلم، والا فاعتباره غير قابل
للجعل، والنتيجة نتيجة الحكومة. والتحقيق عدم دلالة دليل الحجية على العلمية
التعبدية. وما ذكر من العلم التعبدي أو تنزيل النفس منزلة العالم أو أن الشارع في
عالم التشريع قد أوجد فردا من العلم كلها مجرد تعابير لا واقع لها لعدم ورودها في
شئ من الأدلة، بل مفاد الأدلة نفس الاعتبار بلا لحاظ شئ اخر من العلمية أو غيرها،
مع أن جعل العلم غير معقول كما حقق في الأصول، فالنتيجة عدم الحكومة، فلو دل الدليل
366

على اعتبار الخبر في الشبهات الموضوعية يكون مخصصا لرواية مسعدة أو معارضا لها على
ما يأتي. كما أن دليل اعتبار الخبر في الشبهات الحكمية مخصص لدليل عدم اعتبار الظن.
قال: (وثانيا) ان الحكومة انما تتم عرفا لو لم تقم قرينة في دليل المحكوم على أن
العلم لوحظ بما هو علم وجداني خاصة كما في المقام، فان العلم جعل في مقابل البينة
التي هي علم تعبدي، وهذه المقابلة بنفسها قرينة عرفا على أن المولى لاحظ في العلم
خصوص الفرد الوجداني بنحو يأبى عن التوسعة بالحكومة. أقول: ما افاده ج رحمه الله ج
استظهار صحيح من الرواية فالمقابلة بين الأمرين والحصر بهما يدلان على حصر الاعتبار
بالعلم الوجداني والبينة. وعلى هذا لو دل خبر على حجية الخبر في الموضوعات لا يكون
مخصصا للرواية بل يعامل معهما معاملة التعارض بنحو التباين، فان الحكومة مدفوعة بما
ذكرنا أو باستظهار العلم الوجداني من الاستبانة بقرينة المقابلة، والتخصيص مناف
لخصوصية البينة في الحصر، فلابد من اعمال قواعد التعارض بين المتباينين. قال:
الرواية الثانية: رواية عبد الله بن سليمان الواردة في الجبن كل شئ لك حلال، حتى
يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة (1)

(1) الوسائل: ج 17، باب 61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث 2.
367

وجملة من المناقشات في رادعية خبر مسعدة عن السيرة لا تأتي في المقام، الا انها
تختص بمناقشة أخرى وهي ورودها في مورد مخصوص مع أن الرواية ضعيفة السند. إلى أن
قال: ثانيها: سيرة أصحاب الأئمة على الرجوع إلى الروايات والاعتماد عليها في مقام
التعرف على الحكم الشرعي، وقد أثبتنا في الأصول ثبوت هذه السيرة على العمل بالأخبار
في مقام الاستنباط، واما انعقادها على العمل بالخبر في الموضوعات على الاطلاق فلا
دليل عليه. ثم قال: ثالثها: الكتاب الكريم ج إلى أن قال: ج وانما الجدير بالبحث علاج
المعارضة بين اطلاق مفهوم اية النبأ (1) واطلاق خبر مسعدة بن صدقة، فإن كان أحدهما
أخص من الاخر قدم الأخص، وإن كان بينهما عموم من وجه سقط اطلاق الخبر لدخوله في
عنوان الخبر المخالف للكتاب. أقول: الظاهر عدم دخول مثل ذلك تحت هذا العنوان حتى في
باب التعارض بين الروايات فضلا عن غير مورد التعارض بينهما، كما بنينا عليه في
الأصول، وبملاحظة ما مر يظهر ان النسبة ج مع قطع النظر عن اطلاق الآية بالنسبة إلى
التعدد ج هو التباين لا العموم من وجه ولا العموم المطلق، والوجه في ذلك ان خبر
مسعدة دال على عدم اعتبار الخبر الواحد في الموضوعات لدلالة خصوصية البينة في
الحصر، فلو كان خبر الواحد حجة لكان ذكر البينة لغوا. والآية تدل على اعتبار خبر
العادل في الموضوعات من جهة تيقن شمولها لموردها، فتقع المعارضة بينهما بنحو
التباين، الا ان اطلاق الآية من جهة الوحدة والتعدد يوجب خصوصية الخبر فتخصص الآية
به.

(1) الحجرات: 6.
368

بيان ذلك: ان الخبر دال على عدم اعتبار الخبر في الموضوعات، والا لم تصل النوبة إلى
البينة. واما الآية فبناء على مفهوم الوصف فيها تدل على تعليق الحكم بوصف الفسق بلا
فرق بين التعدد وعدمه، ولذا يجب التبين مع مجئ فاسقين أو أكثر بالنبأ ما لم يحصل
العلم بمنطوق الآية الشريفة. وهذا يدل على الانتفاء عند الانتفاء بلا فرق بين
التعدد وعدمه. فان المفهوم ظل المنطوق. فالمتحصل عدم وجوب التبين عند انتفاء صفة
الفسق عن المخبر، وهذا مطلق من جهة تعدد المخبر وعدمه، فيقيد بخبر مسعدة الدال على
عدم الاعتبار ما لم يتعدد. وبناء على مفهوم الشرط في الآية تدل على أن النبأ لو أن
الجائي به الفاسق يجب التبين، ولو لم يكن الجائي به الفاسق لا يجب التبين، ومن جهة
استلزم وجود النبأ وعدم مجئ الفاسق به لكون الجائي به العادل يظهر اعتبار خبر
العادل، لكن هذا أيضا مطلق من جهة تعدد المخبر وعدمه لعدم تقييد المنطوق بالوحدة،
والا لكان خبر الفاسقين أو أكثر معتبرا بمفهوم الآية، فتقييد الآية بالخبر بلا
محذور. ومما ذكرنا ظهر ان ما ذكره ج رحمه الله ج من أن النسبة بناء على ملاحظة
اطلاق الآية من جهة تعدد المخبر هو العموم من وجه غفلة عن دقيقة وهي ان دلالة الخبر
على عدم اعتبار خبر الواحد ليست من جهة اطلاقه بالنسبة إلى عدم اعتبار البينة حتى
يقال كما قال ج رحمه الله ج خبر مسعدة يقول لا حجة في الشبهة الموضوعية غير البينة
سواء كان خبر الواحد أو لا. بل دلالته من جهة دلالته على حصر الاعتبار بالبينة، فلو
كان خبر الواحد حجة لكان جعل الاعتبار للبينة لغوا ظاهرا، وان شئت قلت: ان خبر
مسعدة نص في عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات، والآية ظاهرة من جهة الاطلاق فتقيد
الآية بنص الخبر. قال: رابعها: الأخبار المستدل بها على حجية خبر الواحد في الشبهة
369

الحكمية مثل رواية العمري وابنه ثقتان فما أديا فعني يؤديان فان التفريع في
الرواية يجعلها مشتملة على حكم وتعليل، فكأنه قيل ما أديا فعني يؤديان لأنهما
ثقتان، وهذا تعليل بالصغرى مع حذف الكبرى، وتقدير حجية خبر الثقة في الاحكام مبرى
في القياس وإن كان يكفي، ولكن حيث إن كبرى حجية خبر الثقة بنحو أوسع مركوزة فينصرف
ملك الفراغ إليها حفظا لمناسبات الصغرى والكبرى المركوزة في الذهن العرفي. ومعه يتم
الاستدلال على المطلوب. أقول: مع فرض كون الكبرى حجية خبر الثقة مركوزة فأي معنى
للتمسك براوية العمري وابنه ثقتان الخ؟ وتتميم الاستدلال بضم هذه الكبرى إليها
فان الكبرى المركوزة بنفسها حجة ما لم يدل دليل شرعي على خلافها. والصحيح كون
الرواية ارشادا إلى الكبرى المركوزة فلا يمكن التمسك بها لاثبات التعبد بالخبر بل
لابد من ملاحظة حدود هذه الكبرى، وقد تقدم ان ما هو المرتكز عند العقلاء هو
الاحتجاج على مطلوبات الموالي من العبيد بخبر الثقة، والرواية ارشادا إلى هذا
المعنى لاغير. هذا مضافا إلى أنه لو سلم تمامية دلالة مثل هذه الرواية على اعتبار
خبر الواحد نقيدها بالشبهات الحكمية بقرينة خبر مسعدة الخاصة بالشبهات الموضوعية.
بقي الكلام في الروايات الخاصة، وقد جمعها ج رحمه الله ج وذكر وجه عدم دلالة جميعها
الا الروايتين الأخيرتين، وهما رواية هشام بن سالم (1) الدالة على أن الوكالة ثابتة
حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافهه بالعزل عن الوكالة. ورواية إسحاق
بن عمار (2) الدالة على أن الإمام عليه السلام بعدما

(1) الوسائل: ج 13، باب 2 من كتاب الوكالة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 13، باب 97 من كتاب الوصية، ح 1.
370

قال السائل انه أخبره مسلم صادق بأن الموصي قد أوصى بالتصدق بعشرة دنانير، قال: أرى
أن تصدق منها بعشرة دنانير. وقال ج رحمه الله ج: وهكذا يظهر ان أحسن روايات الباب
الروايتان الأخيرتان. أقول: اما الرواية الأخيرة فيحتمل انه كان الخبر بالوصية
محفوفا بالقرينة القطعية وهو اخبار المخبر بالدنانير أو غيره، ووجه السؤال عن
الامام انه هل يعمل بالوصية الأولى أو الثانية؟. واما الرواية الأولى فاحتمال
خصوصية المورد فيها يمنعنا عن التعدي ولا دافع لهذا الاحتمال، ولا سيما بملاحظة كون
الحكم على خلاف القاعدة، إذا لا دليل على اعتبار خبر الواحد في الشبهات الموضوعية،
بل الدليل على خلافه، وهو رواية مسعدة بن صدقة الدالة على عدم اعتبار غير البينة
فيها، بل أصالة عدم الحجية كافية في ذلك بعد ما مر من عدم تمامية السيرة والأدلة،
ومما يدل على عدم حجية خبر الواحد في الشبهات الموضوعية عدة من الروايات الواردة في
الموارد الخاصة بعد الغاء خصوصية المورد. وقد ذكر ج رحمه الله ج رواية الحسن بن
زياد والحلبي وابن أبي نصر، وعدم التزام الأصحاب بانتهاء عدة الوفاة الدالة عليه
الأولتان لا يضر بما نحن بصدده، وهو عدم اعتبار غير البينة في ذلك. ونذكر رواية لم
يتعرض لها وهي رواية يونس (1) سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها:
ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها ثم إن رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك،
ما يلزم الزوج؟ قال: هي امرأته الا ان يقيم البينة وظاهر هذه الرواية ان الزوج
لا يعتني بقول المدعي الا أن

(1) الوسائل: ج 14، باب 23 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح 3.
371

يقيم البينة عنده، وليس فيها إقامة البينة عند الحاكم حتى يقال عدم اعتبار غير
البينة في مقام فصل الخصومة عند الحاكم لا يدل على عدم اعتباره في غير هذا المقام.
قال: وقد تلخص من مجموع ما ذكرناه ان خبر الثقة حجة في الشبهات الموضوعية، الا في
مورد دل الدليل فيه على عدم الحجية. أقول: وقد تحصل مما ذكرناه عدم حجية خبر الثقة
فيها بل الحجة فيها هي البينة، الا إذا دل الدليل على خلافها. والحمد الله رب
العالمين
رسالة في علاج الخبرين المتعارضين والجمع بين أخبار العلاج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين والسلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، واللعن الدائم على أعداء آل محمد أجمعين إلى يوم الدين.
الكلام في الخبرين المتعارضين والجمع بين الأخبار العلاجية. أقول ج ومن الله
الاستعانة ج: تأسيس الأصل في المسألة: هل القاعدة في المتعارضين التساقط أو
التخيير؟ قد يقال في وجه التساقط: ج 1 بناء على الحق المحقق في حجية الامارات من أنها
طريق مجعول إلى الواقع ولا موضوعية لها ولا سببية، لابد من الالتزام بالتساقط
في مورد المعارضة فان جعل طريقين متعارضين غير معقول وجعلها لواحد منهما دون الاخر
بلا دليل. ج 2 لا تشمل اطلاقات أدلة الحجية لشئ من المتعارضين، فان شمولها
للمتعارضين لا يمكن لفرض التعارض وشمولها للواحد المعين منهما بلا معين، وشمولها
للواحد المردد لا دليل عليه مع أن ألواح المردد لا معنى له، وشمولها للجامع بينهما
خلاف ظاهر الدليل وقول بلا دليل فلا تشمل الأدلة للمورد. ويرد على الأول: ج 1 ليس
معنى حجية الامارة جعل الطريقية لها، فان الطريقية ليست من الأمور المجعولة بل هي
تكوينية محضة وجعلها نظير جعل البرودة والحرارة، فما قيل من أن الامارة علم تعبدي
372

مجرد عبارة، فان التعبد بالعلم من قبيل التعبد بالبرودة والحرارة تعبد في الأمور
التكوينية. لا أقول بعدم امكان التعبد بذلك، فان معناه ليس الا التنزيل، وهذا بمكان
من الامكان، لكن الاشكال في أنه هل هذا الاعتبار عقلائي أو لا؟ ولو فرض انه عقلائي
فلا دليل على أن المجعول في الامارات العلم والطريقية ونحو ذلك، فأي دليل دل على أن
الخبر مثلا علم أو طريق؟ أو أي دليل دل على أن المجعول تنزيل النفس منزلة العالم أو
تنزيل المؤدي منزلة الواقع؟ أو غير ذلك مما أفادوا من التعبيرات. كل هذه تصورات
وتخيلات وليس في دليل واحد عين منها ولا أثر. بل معنى الحجية في الامارة انها
معتبرة عند معتبرها، أي يستند إليها ويحتج بها، فالخبر إذا كان حجة يحتج به فيكون
منجزا للواقع عند الإصابة وموجبا للعذر عند المخالفة، وهذا المعنى من الحجية عقلائي
وشرعي فيمكن ان يكون شئ حجة عقلائية أي يكون موجبا للاحتجاج به عندهم مع ردع
الشارع عنه نظير القياس، ويمكن العكس كالخبر على القول بالتعبد فيه. وعلى هذا فلا
مانع من جعل الحجية بهذا النحو للخبرين المتعارضين، بأن يكون كل منهما موجبا
للاحتجاج به عند الإصابة والخطأ، الا في مورد عدم امكان الامتثال وهو دوران الامر
بين النفي والاثبات وبين المحذورين. بيان ذلك: ذكروا ان التعارض أصلي وعرفي. فالأول
هو الدوران بين النفي والاثبات، نظير ما إذا دل دليل على وجوب الدعاء عند رؤية
الهلال ودليل اخر على عدمه. والثاني غير ذلك مع العلم بالمخالفة في أحد منهما، نظير
ما إذا دل دليل على وجوب الظهر ودليل اخر على وجوب الجمعة، وجعل الحجية بهذا المعنى
غير ممكن في الأول، بأن يجعل الدليل الدال على وجوب الدعاء موجبا للتنجز عند
373

الإصابة، وإن كان الدليل الدال على نفي الوجوب أيضا حجة، فان معنى حجيته انه موجب
للعذر ولو كان خطأ، وإن كان الأول مصيبا والتنجز والعذر في مورد واحد لا يجتمعان.
واما الثاني فلا مانع من جعل الحجية بهذا المعنى للخبر الدال على وجوب الجمعة
والخبر الدال على وجوب الظهر معا وان علم عدم وجوب الجمعة والظهر معا. فان معنى
حجيتهما ان الواقع منجز لو كان واحد من الدليلين مصادفا له، والمكلف معذور في ترك
الواقع لو كان الواقع على خلاف كلا الدليلين. وهذا امر معقول لا محذور فيه بوجه ولا
يتوهم ان العلم الاجمالي كاف في ذلك، فان العلم بنفي التكليف لا الاثبات، فتدبر.
نعم لو دلت الامارتين على النفي وتعليق العلم الاجمالي بالاثبات فلا تجري
الامارتان، لان العذر والعلم بالتكليف لا يجتمعان، فتأمل. ج 2 لو سلمنا ان الطريقية
أمر جعلي الا ان ما ذكر من عدم امكان جعلها في مورد التعارض خلط بين الاحكام
القانونية والشخصية، وان الشارع لم يجعل الخبر من المتعارضين طريقا إلى الواقع حتى
يقال إنه غير معقول، بل جعل الخبر طريقا ومورد التعارض مورد التطبيق لا الجعل،
وتطبيق الدليل على المورد مع الاشكال العقلي يتقيد بمقدار المحذور وبالاشكال، لا ان
يرفع اليد عن أصله، ويظهر من جواب الوجه الثاني إن شاء الله كل ذلك مع القول بقيام
دليل شرعي مطلق على حجية الامارة، والا فلو قلنا بعدم الدليل الشرعي أو قلنا بأنه
ارشاد إلى بناء العقلاء ولا اطلاق له فالعقلاء لا يرون شيئا من المتعارضين حجة ولا
يعتبرون شيئا منهما. والمتحصل من جميع ذلك ان الأمارات العقلائية تسقط في مورد
التعارض لعدم بناء العقلاء فيه وعدم قيام دليل شرعي مطلق فيه على الفرض. والأمارات الشرعية
على فرض وجوده لا مانع من شمولها لمورد المعارضة على المبنى الصحيح في معنى
374

حجية الامارة الا إذا كان الدوران بين النفي والاثبات ومنها الدوران بين المحذورين.
ويرد على الثاني: ان الاطلاقات ج لو سلم وجودها ج غير واردة في مورد التعارض بل هي
ناظرة إلى نفس طبيعة الامارة، وبما ان تطبيقها على مورد التعارض مستلزم للمحذور
العقلي وهو لزوم التنجز والعذر في مورد الإصابة، وهذا غير ممكن، فلابد من تقييد
الاطلاقات بغير مورد لزوم المحذور، فالنتيجة الامارة حجة ويتقيد بصورة عدم لزوم
المحذور ويمكن انطباق هذا على مورد التعارض أي كل من المتعارضين حجة في صورة عدم
الأخذ بالاخر، أي لو اخذ به وكان الاخر مصادفا يكون معذورا، ولو لم يؤخذ به ولا
بالاخر وكان مصادفا أو الاخر مصادفا لم يعذر، ومع امكان التطبيق بهذا النحو الذي
نتيجته التخيير أو الترجيح مع وجوده لابد من التمسك بالدليل، ولا وجه للالتزام
بالتساقط، وهذا البيان لا يختص بالمبنى الصحيح في حجية الامارات بل يجري على جميع
المباني بناء على أن الامارة شرعية دل عليها الاطلاق. نعم بناء على أن الامارة
عقلائية لا يعتبر العقلاء شيئا من الامارتين حجة في مورد التعارض فتحصل ان مقتضى
القواعد التساقط إذا كانت الامارة معتبرة بنظر العقلاء ولم يكن فيها تأسيس من
الشارع والتخيير بناء على الجعل الشرعي الدال عليه الاطلاقات، وبما ان الخبر حجة
عقلائية ولم يدل على حجيتها الشرعية دليل بل جميع الأدلة ارشاد إلى ما عليه العقلاء
فالأصل الأولي في الخبرين المتعارضين التساقط. ومما ذكرنا ظهر ضعف ما افاده السيد
الأستاذ ج مد ظله ج في وجه التساقط من عدم شمول الأدلة لمورد التعارض، فان شمولها
للجميع غير معقول، ولواحد دون اخر ترجيح بلا مرجح، والتخيير لا دليل عليه. وجه
الضعف ما مر من أنه لو كانت الحجية ببناء العقلاء نظير حجية الخبر لا يشمل الدليل
375

لمورد التعارض لا لما أفاد بل لعدم بناء العقلاء، ولو كانت بالاطلاقات. الاطلاق حجة
في مورد عدم القيد، ويرفع اليد عن الاطلاق بمقدار القيد، والقيد العقلي في المورد
لا يمنع الا عن شمول الدليل لجميع الطرفين. واما الشمول والانطباق بمقدار لا يستلزم
المحذور فلا مانع منه، فيجب الاخذ بالاطلاق بهذا المقدار، والنتيجة التخيير على ما
مر. ثم إن معنى التخيير في المقام ليس هو التخيير بحسب الحكم الواقعي لعدم العلم
بالإصابة أولا، ولا معنى للتخيير بين الحكم الواقعي وغيره ثانيا. وليس معناه حجية
أحدهما مرددا، فان أحدهما المردد لا واقع له، ولا الحجية التخييرية فإنها مساوق
للترديد، في الحجية، بل معناه انه مع الاخذ بواحد منهما يكون معذورا عند الخطأ، ومع
عدم الاخذ بشئ منهما يكون التكليف منجزا عليه بسبب الامارة المصيبة هذا على ما
اخترناه من معنى الحجية وان الحجة ما به الاحتجاج. واما بناء على مبنى جعل الطريقية
ان كلا منهما طريق للواقع، والمكلف مخير في تطبيق العمل على كل منهما، وهذا المعنى
نظير ما يقال في الواجب التخييري ان كلا من الطرفين أو الأطراف واجب، والمكلف مخير
في مقام الامتثال فليتأمل. علاج الخبرين المتعارضين بحسب الأخبار: والكلام في هذا
المقام تارة في صورة عدم المرجح وأخرى في صورة وجوده. اما الصورة الأولى فالأقوال
فيها ثلاثة: التخيير، التساقط، التوقف في الحكم والاحتياط في مقام العمل، ولا يخفى
ان شيئا من أدلة الباب لا يدل على التساقط، وما يمكن ان يقال في وجه هذا القول إن
اخبار التخيير والتوقف متعارضة ولا يمكن علاجها بأدلة العلاج، فان الكلام في نفس
أدلة العلاج، فيرجع إلى القاعدة الأولية وهي تساقط نفس هذه الأدلة وتساقط الخبرين
المتعارضين المفروضين أو يضعف كلا الطرفين من اخبار التخيير والتوقف بحسب السند
376

ويرجع إلى هذه القاعدة، فلابد من ملاحظة اخبار التخيير والتوقف، فلو أمكن الأخذ بها
والجمع ان الترجيح والا فيرجع إلى القاعدة الأولية التي أسسناها. اما أخبار التخيير
(فمنها) رواية مكاتبة حميري بأيهما اخذت من باب التسليم كان صوابا (1) وهذه
الرواية لا تدل على المطلوب إذ لعلها ناظرة إلى بيان ان التكبير لما كان مستحبا وورد
فيه حديثان أحدهما يأمر باتيانه، وثانيهما يرخصه في تركه، فالاتيان به صواب لأنه
مستحب، وكذا تركه إذ الأخذ بالدليل المرخص في المستحب صواب، فالاخذ بكل واحد منهما
صواب لا من حيث التخيير بل من حيث كون الواقع كذلك، فتكون الرواية أجنبية عن أخبار
التعارض. (ومنها) راوية علي بن مهزيار موسع عليك بأية عملت (1) وهذه أيضا كسابقتها
تدل على أن التوسعة في العمل من حيث كون الواقع كذلك لا من حيث التخيير فأجنبية عن
أخبار التعارض. (ومنها) مرفوعة زرارة إذا فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الاخر (3)
وقد طعن صاحب الحدائق الذي ليس دأبه المناقشة في الاسناد في التأليف والمؤلف إذ قال
فانا لم نقف عليها في غير كتاب عوالي اللئالي مع ما هي عليه من الرفع والارسال وما
عليه الكتاب من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والاهمال وخلط غثها بسمينها
وصحيحها بسقيمها (4) فالأولى عدم التكلم في هذه المرفوعة.

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 39.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من
أبواب صفات القاضي حديث 44.
(3) مستدرك الوسائل ج ط الاسلامية: ج 3 باب 9 من أبواب
صفات القاضي حديث 2.
(4) الحدائق الناضرة: ج 1 ص 99 المقدمة السادسة.
377

(ومنها) مرسلة الكليني بأيهما اخذت من باب التسليم وسعك (1) ومن المطمأن به ان هذه
لا تكون رواية مستقلة بل مأخوذة من روايات الباب فلا تنفع لاثبات التخيير. (ومنها)
رواية ابن المغيرة (2) وهي ليست من روايات الباب بل تدل على حجية خبر الثقة. (ومنها)
رواية الفقه الرضوي (3) وبأي هذه الأحاديث أخذ من باب التسليم جاز والفقه الرضوي
فيه ما فيه، ولا تنطبق هذه الكبرى على مورد الرواية فضلا عن غيره. (ومنها) رواية
الميثمي (4) ولا تدل الا على التخيير في موارد النهي إعانة أو الامر فضلا، فلا تثبت
الكلية. (ومنها) رواية حسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام قال: قلت يجيئنا الرجلان
كلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق. قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك
بأيهما اخذت (5) والمهم في المقام هذه الرواية وهي دالة على التخيير، الا ان في
سدها ضعف ولا يبعد جبره بعمل الأصحاب، الا ان الاطمئنان بكون مستند الأصحاب هذه
الرواية غير حاصل، والله العالم. هذه هي ما ذكر من أدلة التخيير وشئ منها غير قابل
للاستناد اليه الا رواية ابن الجهم على تأمل. واما أخبار التوقف (فمنها) خبر سماعة:
سألته عن رجل اختلف عليه

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 6.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من
أبواب صفات القاضي حديث 41.
(3) مستدرك الوسائل ج ط الاسلامية: ج 3 باب 9 من أبواب
صفات القاضي ص 186 حديث 12.
(4) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 21.
(5) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 40.
378

رجلا من أهل دينه في امر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والاخر ينهاه عنه كيف
يصنع؟ قال: يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه (1) ويحتمل في هذه الرواية
وجوه: ج 1 ان يروي كلا الرجلين رواية واحدة، وكان الاختلاف في لزوم الاخذ بها ولزوم
ردها من جهة احتمال التقية مثلا. ج 2 ان يروي كلاهما هذه الرواية وكان الاختلاف في
مضمونها كأن يرويها أحدهما بالأمر والاخر بالنهي، وهذا يعد من اشتباه الراوي فلا
يعلم ما هي الرواية الصادرة. ج 3 ان يروي كل منهما راوية في إحداهما الامر وفي
الأخرى النهي، والرواية لو لم تكن ظاهرة في أحد الاحتمالين الأولين غير ظاهرة في
خصوص الأخير فلا يمكن التمسك بها لاثبات التوقف في مورد التعارض. (ومنها) خبر سماعة
أيضا: عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به
والاخر ينهانا عنه قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك: فتسأله عنه. قلت: لابد
ان نعمل بواحد منهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة (2). وهذا الخبر أيضا لا يدل على
المطلوب، فان ذيله يدل على أن الصدر انما يكون في ما إذا لم يكن لابدية في العمل
بأن أمكن تأخير العمل حتى يسأل عن الإمام عليه السلام، وهذا غير ما نحن بصدده مع أن
هذا الخبر وسابقه واردان في مورد دوران الأمر بين المحذورين. وحينئذ لو كان الأمر
بالارجاء حتى يسأله عن الإمام عليه السلام في سعة الوقت فهذا خارج عن محل النزاع
ولو كان في مورد عدم امكان رفع الجهل في الوقت، فيمكن ان يكون الأمر

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 5.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من
أبواب صفات القاضي حديث 42.
379

بالارجاء من جهة انه لا أثر للأمر بالتخيير في الاخذ بالخبرين فان المكلف بنفسه اما
فاعل أو تارك، فتدبر جيدا. (ومنها) مرسلة عوالي اللئالي إذا فارجئه حتى تلقى امامك
فتسأله (1) ولا يزيد مرسلته عن مرفوعته. (ومنها) رواية الميثمي: وما لم تجدوه في شئ
من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بارائكم وعليكم
بالكف والتثبت والوقوف (2). وغاية ما تدل هذه الرواية عليه ان لا يقال في الروايتين
المختلفتين بالرأي، ويلزم التوقف عن ذلك، واما العمل بواحد من الخبرين تخييرا فلا
تدل الرواية على نفيه. (ومنها) ذيل المقبولة: فارجئه حتى تلقى امامك، فان الوقوف
عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (3) ولكن بما ان المقبولة واردة في القضاء
وفصل الخصومة، ومن الظاهر أنه لا ترتفع الخصومة بالتخيير، فلا يمكن الاستدلال بها في
غير ذلك من تعارض الروايتين. (ومنها) بعض روايات ضعيفة قاصرة الدلالة نظير رواية
السرائر: ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه الينا (4) وقريب منها ما في
المستدرك عن البصائر (5). ولا تدل الرواية على وجوب التوقف ولزوم الرد إليهم عليهم
السلام أعم من التوقف في العمل، مع أن طرفي المعارضة ما علم بأنه قولهم عليه السلام
وما لم يعلم، ومن البديهي ان اللازم حينئذ الأخذ بالمعلوم دون غيره، وهذا غير

(1) مستدرك الوسائل: ج 3 باب 9 من كتاب القضاء حديث 2.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 21.
(3) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 36.
(4) مستدرك الوسائل: ج 3 باب 9 كتاب القضاء حديث 9.
380

ما نحن فيه كما لا يخفى. فشئ مما تمسك به من روايات التوقف لا تدل على المطلوب، فلا
معارض لرواية ابن الجهم مع البناء على جبر سندها بالعمل، ولكن لم يحرز الاستناد
إليها. نعم المتسالم بين الفقهاء التخيير في مورد التعادل ورواية ابن الجهم بضميمة
التسالم، ولا سيما مع احتمال استناد الأصحاب إلى الرواية مورث للاطمئنان بان الحكم
في تعارض الروايتين مع عدم المرجح التخيير، فيرفع اليد عن الأصل الأولي وهو التساقط
ويلتزم بالتخيير، ولا يخفى ان هنا فرقا بين ما لو أحرز استناد الأصحاب إلى الخبر
وبين ما لو لم يحرز ذلك وكان الحكم بالتخيير من جهة الاطمئنان الحاصل من التسالم
بضميمة الخبر ولا سيما مع احتمال الاستناد، والفرق ان مدرك التخيير على الأول الخبر
فيمكن التمسك باطلاقه في موارد الشك. واما على الثاني المدرك هو الاطمئنان الحاصل،
ولا اطلاق له كي يتمسك به في موارد الشك. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى. واما
الصورة الثانية، وهي صورة المرجح: فالأصل الأولي فيها التخيير بناء على تمامية
رواية ابن الجهم سندا بحيث يطمأن باستناد الأصحاب إليها، واما بناء على ما أتممنا
الصورة الأولى هي التعادل من أن ضم المتسالم بين الأصحاب إلى الرواية موجب
للاطمئنان بأن الحكم في صورة التعادل التخيير، فالأصل في المقام الترجيح لدوران
الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية، والأصل هو التعيين. لا يقال: ان الأصل الأولي
التساقط، لأنه يقال: نعم، ولكن خرجنا عنه بما تسالم عليه الأصحاب بضميمة الخبر في
صورة التعادل، ولا يحتمل أن تكون صورة الترجيح أسوء حالا من صورة التعادل، فالأمر
دائر بين التخيير والترجيح، فيؤخذ بالراجح عملا بقاعدة دوران الأمر بين التعيين
381

والتخيير في الحجية. واما بحسب الأخبار الواردة فلا تدل الروايات على الترجيح في
مورد فإنها بين ضعيفة السند غير المنجبر كالمرفوعة، أو أجنبية عن حكم الرواية
كالمقبولة (1) أو دالة على التمييز بين الحجة واللاحجة. بيان ذلك: ان الترجيح
بالصفات لم يذكر في غير المرفوعة (2) والمقبولة، والأولى علم حالها، والثانية واردة
في ترجيح الحكم لا الرواية، وأيضا الترجيح بالشهرة غير مذكور في غيرهما. وقد عرفت
ان الأولى غير قابلة للاستناد، والثانية واردة في ترجيح الحكم مع أنها في مقام
تمييز الحجة عن غيرها، فان تطبيق التعليل الوارد فيها على ما اشتهر يدل على أنه بين
الرشد فمخالفه بين الغي فلابد من طرحه، وهذا من معارضة الحجة واللاحجة، والترجيح
بموافقة الاحتياط لم يذكر في غير المرفوعة فلا يتم. بقي الترجيح بموافقة الكتاب،
ومخالفة العامة، وهما أيضا من قبيل التمييز لا الترجيح فان المراد بلفظ الكتاب ليس
ظاهر كلام القران بل المراد منه الحلال والحرام والواجب الذي في القران كما هو ظاهر
لفظ الكتاب. ويدل عليه خبر الميثمي أيضا. فالمراد من مخالفة الكتاب مخالفة حكم الله
الثابت في الكتاب، ومن المعلوم ان هذا المعنى من مخالفة يعد من الزخرف ولا يقوله
الامام، فجميع روايات العرض على الكتاب وترجيح الرواية بموافقة الكتاب ناظرة إلى
مطلب واحد وهو ان مخالفة القران ج أي حكم الله الثابت فيه ج لا يصدر من الامام، وما
ذكر من لفظ الموافقة في الروايات يراد منها ما لا يخالف أي يمكن الجمع بينهما لا ان
يكون في الكتاب ما يكون بمضمونه، والا للزم طرح أكثر الروايات، مع أن نفس هذه
الروايات الدالة على أن موافقة الرواية للكتاب شرط لجواز اخذ الرواية لا موافق لها
في الكتاب فلا يجوز الاخذ بها، وليعلم ان هذا لا أثر له في الروايتين المتعارضتين،
فان موافقة أحدهما

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 1.
(2) مستدرك الوسائل: ج 3 باب 9
من كتاب القضاء حديث 3.
382

للكتاب لا يتصور الا مع مخالفة الاخر له، وعلى هذا لا محصل للتفصيل بين المخالفة
بالتباين وغيره، وهذا أجنبي عن مطلب الروايات. فالمتحصل ان ما ثبت انه حكم الله في
الكتاب أو السنة يطرح ما يخالفه من الرواية في مورد المعارضة وغيرها، فإنها ليست
بحجة. لا يقال: ظاهر الكتاب دليل على الكتاب، لأنه يقال: الرواية المخالفة للظاهر
أيضا بمدلولها الالتزامي تدل على أن الكتاب الواقعي ج أي حكم الكتاب ج ليس موافقا
لظاهره، فلا يمكن الأخذ بظاهر الكتاب لاثبات الكتاب وطرح الخبر. نعم لو ثبت حكم
الكتاب يطرح الخبر المخالف له بخلاف ما لو لم يثبت ونريد ان نثبته بظاهر الكتاب،
هذا حكم الترجيح بموافقة الكتاب وانه ليس من الترجيح بل تمييز. واما الترجيح
بمخالفة العامة فهذا أيضا ليس ترجيحا لاحد المتعارضين، بل تمييز بين الحجة وغيرها،
فان أصالة الجهة في الروايات عقلائية، فلو فرضنا ورود روايتين متعارضتين إحداهما
موافقة للعامة والأخرى مخالفة لها لا يرى العقلاء الرواية الموافقة للعامة مع وجود
المعارض لها واردة لبيان الواقع، فلا يجري أصالة لجهة، وان شئت قلت: أصالة الجد في
الرواية الموافقة، فلا يمكن الأخذ بها بخلاف الرواية المخالفة، فان شرائط الحجية
فيها موجودة بتمامها، والمعارض غير ممكن الأخذ لعدم جريان أصالة الجهة فيه، فيؤخذ
بالمخالف ويطرح الموافق، فالمخالف حجة والموافق ليس بحجة، فما دل من الروايات على
لزوم الاخذ بالمخالف وان الرشد في ذلك من باب انه حجة والموافق غير حجة، فهذا أيضا
ليس مرجحا بل يكون مميزا بين الحجة واللاحجة، هذا ولم نذكر الروايات بتفصيلها لعد
الحاجة إلى الذكر بعد هذا التقريب. فتحصل من جميع ما مر انه لا دليل على ثبوت
الترجيح من الروايات، فلو تم خبر أبن الجهم فيؤخذ باطلاقه ويحكم بالتخيير حتى في
مورد وجود المرجح. واما مع التأمل في سند الخبر فلا يمكننا التمسك بالاطلاق، وفي كل
383

مورد احتملنا لزوم الترجيح من المرجحات المنصوصة ومن غيرها فلابد من الاخذ بذي
المزية عملا بقاعدة الدوران بين التعيين والتخيير في الحجية، وهذا مضافا إلى أنه
موافق للصناعة موافق للاحتياط أيضا وهو طريق النجاة، فافهم.
وينبغي التنبيه على أمور:
ورد في بعض الروايات الترجيح بالأحدثية، فما كان من الروايتين احدث فليؤخذ، كرواية
الكناني: قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث
أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو
أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدهما وادع الاخر، فقال: قد أصبت
يا با عمرو أبى الله الا انه يعبد سرا، اما والله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى
الله عز وجل لنا في دينه الا التقية (1). ولكن لا تدل الرواية على أن وجه إصابة أبي
عمرو في الأخذ بالاحداث ان الاحداث موافق للواقع، بل ذيل الرواية تدل على أن هذا
الاختلاف من جهة التقية ولعل التقية في الأحدث، ففي زماننا وبالنسبة الينا مع عدم
التقية وتكليفنا بتحصيل الحجة على الاوقع لا موضوع لمثل هذه الرواية. ج 2 لا بأس
بتطبيق ما ذكرنا سابقا على رواية أيوب: ما لم يوافق من الحديث القران فهو زخرف (2).
(أولا) من الحكم نستكشف الموضوع فقوله زخرف تدل على أن ما لم يوافق بمعنى مخالفة
الكتاب التي بيناها.

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 17.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من
أبواب صفات القاضي حديث 12.
384

(ثانيا) نقول: اما ان يسلم بأن المراد من ما لم يوافق المخالف فتدل الرواية على
المخالفة المتقدم، واما ان يؤخذ بظاهره ويقال: انه لابد من أن يكون الحديث موافقا
للقران وله شاهد من الكتاب العزيز، فنقول نفس هذه الرواية غير موافقة للقران بهذا
المعنى فلا يمكن الأخذ بها لدلالة نفسها على أن ما لم يوافق فهو زخرف. وبعين هذا
البيان يقال في رواية ابن أبي يعفور: قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف
الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له
شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله والا فالذي جاءكم به
أولى به (1) مع أن في الرواية شهادة على أن المقام من قبيل معارضة باللاحجة لقوله
يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به وشهادة أخرى على أن الموافقة والمخالفة للكتاب
في الروايتين المتعارضتين والرواية الواحدة غير معارضة بمعنى واحد لتطبيق الإمام عليه السلام
الكبرى الكلية التي ليس فيها قيد التعارض على مورد التعارض، وهذه الكبرى
بعينها قد انطبقت في الرواية على غير موارد التعارض أيضا. فما ذكر في بيان المخالفة
للكتاب من المعنيين مخالف لتطبيق هذه الكبرى في الروايات على الموردين. ج 3 مما يدل
على أن المراد من الكتاب أحكامه لا ظاهره ضميمة السنة اليه في رواية أيوب: قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام: يقول كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث
لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (2). والحكم بكفر المخالف للكتاب والسنة في رواية ابن
أبي عمير: عن بعض

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 11.
(2) الوسائل: ج 18 من أبواب
صفات القاضي حديث 14.
385

أصحابه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى
الله عليه وآله فقد كفر (1). لا يقال إن هذه الروايات واردة في غير مورد التعارض، فان
يقال: التعبير في الموردين مخالفة الكتاب وموافقة الكتاب، ويعلم من هذه الرواية ان
مخالفة الكتاب والسنة هي التي توجب الكفر، فينطبق عليها كبرى تلك المسألة أيضا مع
ما ذكرنا سابقا من ظهور لفظ مخالفة الكتاب وموافقة الكتاب، ورواية الميثمي (2) على
ذلك. ج 4 الظاهر أن ما اسند إلى الكليني وعبر عنه بمرسلة الكليني (3) ليست رواية
أخرى غير روايات الباب، فلاحظ. ج 5 مما يشهد على أن الروايات في مقام بيان تمييز
الحجة عن غيرها تعرض بعضها لموافقة الكتاب ومخالفة الكتاب وعدم تعرضها لموافقة
العامة ومخالفتها، وتعرض بعض بالعكس. والمقبولة جمعت بين موافقة الكتاب ومخالفة
العامة بعبارة واحدة، وفي بعض النصوص تقديم موافقة الكتاب على مخالفة العامة، وهذا
لا يستقيم مع كونهما مرجحا. فلاحظ رواية ابن عبد الله، قال: قلت للرضا عليه السلام
كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى
ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق اخبارهم فدعوه (4). فيسأل ان
موافقة الكتاب لو كانت مرجحة لم أهملت في هذه الرواية مع أن الترجيح بها مقدم على
الترجيح بمخالفة العامة؟ ومما يؤكد ذلك التعبير الوارد في رواية ابن الجهم فإذا لم
تعلم واليك

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 6.
(2) الوسائل: ج 18 باب 9 من
أبواب صفات القاضي كتاب القضاء حديث 21.
(3) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات
القاضي كتاب القضاء حديث 6.
(4) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 34.
386

الرواية: عن ابن الجهم عن الرضا عليه السلام قال: قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم
مختلفة فقال: ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو
منا وان لم يكن يشبههما فليس منا، قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين
ولا نعلم أيهما الحق، قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما اخذت (1). فمن هذا
التعبير يعلم أنه قبل وصول النوبة إلى التخيير تعلم الرواية ولو بالمقايسة على
الكتاب والسنة، ولو علمت الرواية التي لابد من الاخذ بها يعلم لزوم طرح الاخر وليس
هذا الا التمييز بين الحجة وغيرها. ج 6 بناء على ما اخترناه من أن الروايات في مقام
التمييز لا الترجيح يعلم أن العلل الواردة فيها من أن المجمع عليه لا ريب فيه (2)
أو فان الرشد في خلافهم (3) وغير ذلك كلها منطبقة على التمييز لا الترجيح فلا يمكن
الاخذ بعمومها والقول بلزوم التعدي عن المرجحات المنصوصة، فإنها ليست بمرجحات وانها
مميزات، ولا يسري حكم المميز على المرجح، ولا تنطبق كبرى المنطبقة على الأول على
الثاني. ج 7 أحسن رواية سندا ودلالة على كون موافقة الكتاب ثم مخالفة العامة مرجحا
في باب التعارض أو مميزا على ما اخترناه رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال:
قال الصادق عليه السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما
وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله
فاعرضوهما على اخبار العامة، فما وافق

(1) الوسائل: ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 40.
(2) مقبولة عمر بن حنظلة،
راجع وسائل الشيعة: ج 18 باب 9 من أبواب صفا ت القاضي حديث 1.
(3) الوسائل: ج 18 باب 9
من أبواب صفات القاضي حديث 19.
387

أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه (1). ج 8 لو فرضنا المعارضة بين اخبار التوقف
والتخيير تكون نتيجتها التخيير أيضا، فان ظاهر اخبار التوقف هو التوقف في الأخذ
والاحتياط في مقام العمل، وهذا القول شاذ، فان الفقهاء اما ملتزمون بالتخيير أو
التساقط والرجوع إلى ساير القواعد، واما الاحتياط فيعد من الشاذ وبمقتضى لزوم ترك
الشاذ والأخذ بغير الشاذ الدال عليه اخبار الترجيح، بل نفس الشذوذ مانع عن العمل
بالشاذ على ما مر يحكم بالتخيير مضافا إلى أن أخبار التخيير نص فيه، واخبار التوقف
ظاهر في وجوب التوقف قضية لظهور الامر، فيؤخذ بالنص ويحمل الظاهر على الرجحان، وهذا
جمع عقلائي مقبول، ومع هذا الجمع لا تصل النوبة إلى سابقه، كما لا يخفى. ج 9 النسبة
بين الروايتين لو كانت عموما وخصوصا مطلقا فهما لا يعدان من المتعارضين لوجود الجمع
العقلائي بينهما ولزوم حمل الأعم على الأخص. ولو كانت النسبة بينهما التباين
فيشملها ما مر من الترجيح والتخيير قطعا. واما لو كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا
من وجه فهل تكونان مشمولة لذلك أو لا؟ فيه كلام بين الأعلام، والحق عدم الشمول، فان
غاية دليلنا في التخيير والترجيح التسالم ودوران الأمر بين التعيين والتخيير، ولا
تسالم في المقام، والأمر غير ذائر بينهما بل يحتمل التساقط، وهو الأصل الأولي في
الامارتين المتعارضتين على ما مر، فبمقتضى هذا الأصل يحكم بالتساقط لعدم تمامية
الدليل الثانوي في هذا المورد، مع أن معنى التخيير والترجيح الأخذ بإحدى الروايتين
تخييرا أو ترجيحا وطرح الاخر، وهذا لا ينطبق على العامين من وجه. ج 10 هل التخيير
ابتدائي أو استمراري؟ اما على ما اخترناه أن دليل

(1) الوسائل ج 18 باب 9 من أبواب صفات القاضي حديث 29.
388

التخيير لا اطلاق له فالقدر المتيقن هو الابتدائي ولابد من الأخذ به. واما على
تمامية سند رواية ابن الجهم فيمكن القول بشمول الدليل للوقايع المتأخرة أيضا. الا
ان العلم اجمالا بالمخالفة القطعية لو كان له اثر في كلا الطرفين بالفعل لابد من
مراعاته على ما بين في دوران الأمر بين المحذورين، وتفصيل الكلام في محله. والحمد لله
رب العالمين
389

رسالة في الاجتهاد والتقليد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين
والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، واللعن على أعدائهم أجمعين إلى
يوم الدين.
الكلام في الاجتهاد والتقليد:
اعلم أن كل مكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فاما ان يحصل له القطع به أولا. اما إذا
حصل له القطع به فيقطع باستحقاق العقاب بمخالفة قطعه ولذا يجب عليه الجري على وفقه
عقلا من دون حاجة إلى أي جعل شرعا، وهذه الصورة خارجة عن محل الكلام وهو الاجتهاد.
واما إذا لم يحصل له القطع بالحكم كما هو الحال غالبا فلا يحتمل ان لا تكون التكاليف
الواقعية موجهة اليه، فلابد له من تحصيل البراءة اليقينية عنها، وبعبارة أخرى:
العقل يحكم بلزوم عمل يحصل بسببه القطع بالفراغ عن عهدة تلك التكاليف الواقعية والا
لم يؤمن من العقاب. وان أبيت الا عن احتمال تلك التكاليف غير مقرون بالعلم الاجمالي
فالحكم أيضا كذلك من جهة ان تلك الشبهة شبهة قبل الفحص ولا تجري فيها أدلة البراءة
لا عقلا ولا شرعا كما قرر في محله فلابد له من عمل يقطع به الأمن من العقاب، وهذا
لا يحصل الا بالاستناد إلى حجة ثبتت حجيتها بدليل قطعي، وذلك اما الاجتهاد أو
390

التقليد أو الاحتياط التام في كل محتمل التكليف. لكن يشكل الأخير (أولا) في موارد
لا يتمكن من الاحتياط مثل موارد دوران الأمر بين المحذورين فلابد له من الاجتهاد
فيها والتقليد. (وثانيا) في موارد عدم تمكن الشخص من الاحتياط. (وثالثا) من جهة
عدم حصول الامن بالاحتياط فقط، فقد يكون التكليف المحتمل أمرا عباديا، فالعمل به في
ذلك رجاء مناف للجزم في النية المحتمل وجوبه، وقد يكون الاحتياط مستلزما للتكرار
المحتمل افساده للعبادة، وبعبارة أخرى نفس جواز الاحتياط في العبادات عموما وفي
موارد يلزم منه التكرار في العمل خصوصا حكم مشكوك فيه والاحتياط فيه غير ممكن فلابد
من الاجتهاد فيه أو التقليد. ومما ذكرنا يظهر ان جواز التقليد أيضا لابد وان يثبت
بدليل قطعي غير التقليد للزوم الدور أو التسلسل فلابد من الاجتهاد فيه. فتحصل ان
المكلف لابد وان يستند في عمله إلى حجة ثبتت حجيتها بدليل قطعي، وهي اما في نفس
المورد واما الاحتياط الذي ثبتت حجيته بدليل قطعي، وهي اما في نفس المورد واما
الاحتياط الذي ثبتت حجيته بالاجتهاد أو التقليد، أو التقليد الذي ثبتت حجيته
بالاجتهاد، فالأساس هو الاجتهاد في مقام العمل. ثم إن هذا الوجوب هل هو عقلي أو
غيري أو نفسي أو طريقي؟ والحق في المقام انه عقلي وهو من افراد وجوب الإطاعة لأن
العقل يحكم بعدم حصول الإطاعة يقينا الا بذلك فيجب فظهر من ذلك ان عدم جواز
الاجتزاء بعبادات العامي أو معاملاته الذي تارك للاحتياط أو التقليد والقول
ببطلانهما كما يظهر من المسألة السابعة من فروع العروة عقلي في مقام الظاهر لا
واقعي، فلا يجوز الاكتفاء بذلك ما لم يعلم مطابقته للواقع، فإذا كان العمل مطابقا
للواقع ولم يعلم هو بذلك ابدا فأيضا صحيح في الواقع غاية الأمر لا يجوز له الاكتفاء
391

بذلك عقلا في مقام الظاهر. فتحصل ان هذا الوجوب من باب دفع الضرر المحتمل وهو عقلي.
وقد يقال إن التعلم مقدمة لحصول تلك التكاليف فيجب غيريا، لكنه فاسد من وجهين:
أولا: ثبت في بحث مقدمة الواجب ان القول بالوجوب الغيري للمقدمة لا يرجع إلى محصل
ووجوب المقدمة أيضا وجوب عقلي من افراد وجوب الطاعة. ثانيا: لو تنزلنا عن ذلك وقلنا إن
مقدمة الواجب واجبة بوجوب مولوي ناش عن وجوب ذيها، وهذا معنى الوجوب الغيري الا
انه انما يتم في مقدمات الواجب لا في مقدمات حصول العلم بحصوله، وبعبارة أخرى: وجود
ذات الواجب محكوم بالوجوب فمقدماته تجب بوجوبه لكن العلم بوجود الواجب وجوبه غير
مسلم، وما نحن فيه ليس من المقدمات الوجودية في شئ، اما في مورد الاحتياط الغير
المستلزم للتكرار فلا تتصور مقدمة حتى يلتزم بوجوبها فان الاحتياط في موارد الشبهات
الوجوبية بالفعل وفي موارد الشبهات التحريمية بالترك، وحينئذ ذلك الفعل أو الترك
اما نفس الفعل المكلف به أو لا يكون متعلقا للتكليف أصلا فأين المقدمة حتى تجب؟.
وأما في موارد يستلزم الاحتياط فيها للتكرار فتكرار العمل ليس مقدمة وجودية بل
مقدمة علمية كما هو واضح، وهكذا الكلام في الاجتهاد والتقليد أيضا، فان التعلم ليس
مقدمة وجودية دائما، بل في بعض الموارد تحصيل العلم مقدمة للعلم بحصول الواجب مثل
رد السلام فتحصيل العلم بوجوبه ليس مقدمة لذاته بل يمكن رد السلام ولو جاهلا بحكمه.
نعم قد يكون التعلم مقدمة وجودية مثل الصلاة للفارسي فلا توجد الصلاة الا بالتعلم
أو الحج والواجبات المركبة التي بينها ترتيب فلا يوجد الا بالتعلم، ولكن يمكن ان
يقال بأنه لو سلم تصور ذلك الكبرى وهو امكان فرض لم يوجد الواجب الا في فرض التعلم
392

لكن المثالين والواجبات المركبة خارجة عن ذلك فان التعلم هو تحصيل الحجة ويمكن ان
توجد المذكورات من دون ذلك بل بتحصيل غير حجة مع مطابقتها الواقع فافهم. واما
احتمال الوجوب النفسي فلا وجه له الا الآيات والروايات التي يدعى دلالتها على ذلك
مثل آية النفر (1) والأخبار الدالة على وجوب التعلم، لكن هذا واضح البطلان فقد ذكر
في محله دلالة المذكورات على الوجوب الطريقي، وتدل عليه هذه الرواية ان الله تعالى
يقول للعبد يوم القيامة: عبدي كنت عالما؟ فان قال: نعم قال له: أفلا عملت؟ وان قال:
كنت جاهلا قال: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ (2) ثم على تقدير التسليم بان التعلم واجب نفسي
لكن الاحتياط غير التعلم، فكيف يصير واجبا من باب وجوب التعلم؟ فان الاحتياط هو
احراز اتيان العمل بجميع محتملاته لا تعلم الحكم كما هو أوضح من أن يخفى وأيضا
التقليد على الصحيح من أنه استناد إلى قول الغير ليس بتعلم والتعلم مقدمته. واما
احتمال الوجوب الطريقي لهذه الثلاثة فأيضا ساقط من جهة ان الاحتياط لا يكون معذرا
لعدم تصور مخالفة الواقع في مورده، ولا يكون منجزا أيضا لما ذكرنا من أن التكليف
الاوقعي بنفسه منجزا اما للعلم أو الاحتمال قبل الفحص فلا يحتاج إلى منجز اخر فكيف
يكون الاحتياط منجزا له؟ فلا يكون الاحتياط واجبا كذلك. واما الاجتهاد والتقليد
فأيضا لا يكونان منجزين للتكليف بعين ما ذكرنا

(1) التوبة: 122.
(2) جامع أحاديث الشيعة: ج 1، ص 94، حديث ج 25 نقلا عن أمالي المفيد،
393

وفي المصدر هكذا (قال حدثني ج ج 3) هارون بن مسلم قال: حدثني مسعدة بن زياد قال:
سمعت جعفر بن محمد (ع) وقد سئل عن قوله تعالى فلله الحجة البالغة فقال: ان الله
تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟ فان قال: نعم قال: أفلا عملت بما
علمت؟ وان قال كنت جاهلا قال له أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه وذلك (فتلك) الحجة
البالغة (لله عز وجل في خلقه).
في سابقهما ومع التسليم والقول باحتياج الاحكام إلى منجز اخر غير ما ذكر فلا يكون
الاجتهاد التقليد مع ذلك منجزا للتكليف، فان المنجز في الاجتهاد هو الدليل الدال
على الحكم عند المجتهد لا اجتهاده، وفي التقليد هو فتوى الغير لا استناده، نعم لا
بأس بالقول بكونهما معذرين، فإذا اجتهدوا أخطأ أو قلد العامي ولم يصل إلى الواقع
فيصح الاعتذار عند المولى بأني استفرغت الوسع في تحصيل الواقع وأخطأت، أو أني عملت
اسنادا إلى قول المجتهد ولم أصل، هذا، ولكن لا يمكن المساعدة لذلك فان لازمه ان
لا يكون وجوب العمل على وفق جميع الطرق والامارات طريقيا، لعدم كونها منجزا لان
الحكم منجز في المرتبة السابقة من جهة العلم الاجمالي أو الاحتمال. نعم يكون معذرا
عند مخالفة المؤدي للواقع وهذا كما ترى فمعنى الوجوب الطريقي هو الالتزام بالعمل
على شئ بلحاظ وصوله إلى الواقع سواء كانت نتيجته التعذر أو لم تكن، وسواء كانت
نتيجته التنجز أو لم تكن، وهذا في ما نحن فيه موجود فان ذلك الوجوب العقلي الذي مر
بيانه، ولو كان من باب وجوب دفع الضرر المحتمل الا انه بلحاظ الوصول إلى الواقع،
وهذا معنى الوجوب الطريقي ولا يضر اجتماع وجوب عقلي وطريقي.
394

الكلام في الاجتهاد
ويقع الكلام أولا في تعريفه. اما لغة فإنه مأخوذ من الجهد وهو المشقة، أو الجهد وهو
الطاقة أو المشقة. فاجتهد فلان أي بذل طاقته أو تحمل المشقة، والظاهر أنه لا يفرق
في معناه بين الأخذ من أي المادتين. واما بحسب الاصطلاح فقد عرف بأنه استفراغ الوسع
في تحصيل الظن بالحكم الشرعي، والعامة أصل لهذا التعريف كما يظهر من الحاجبي وغيره،
وتبعهم جمع من الخاصة أيضا، لكن هذا التعريف على مسلك العامة وإن كان لا ضير فيه
لأنهم يرون الظن حجة مطلقا الا انه على مذهب الخاصة لا يستقيم، فان الظن ليس بحجة
عندهم والاستناد اليه بدع محرم على مسلكهم، بل هذا لا يصح على مذهب العامة أيضا، فان
جل الحجج الشرعية غير مفيدة للظن كأصالة البراءة وغيرها، والمدار كما ذكرنا تحصيل
الحجة سواء كان مفيدا للظن أو لم يكن ولا عبرة بما ليس بحجة سواء كان مفيدا له أو
لم يكن. وقد عرف الاجتهاد بأنه ملكة يقتدر بها لاستنباط الأحكام الشرعية. وهذا
395

التعريف وإن كان سالما عن ما أوردنا على سابقه لكنه لا يستقيم على ما مر من كونه طرفا
للواجب التخييري، وان الامن من الضرر لا يحصل الا بالاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.
فان الملكة بنفسها لا دخل لها في ذلك أوان لم يستنبط شيئا فعلا، نعم سيجئ في بحث
التقليد من أن المقلد لابد وأن يكون مجتهدا. وأيضا لا يجوز صاحب الملكة صرفا بل لابد
فيه من الاستنباط فعلا أو غير ذلك فهذا خارج عن ما نحن فيه. وسيجئ الكلام فيه
مفصلا. قال سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج: الصحيح في المقام تعريفه بأنه تحصيل الحجة
على الحكم الشرعي. والظاهر أن الصحيح تعريفه بأنه تحصيل الحكم الشرعي عن حجة
تفصيلية، فان المجتهد يبذل طاقته لتحصيل الحكم الإلهي لا الحجة عليه وان لا ينفك
أحدهما عن الاخر، وقيدنا الحجة بالتفصيلية لان المقلد أيضا يحصل الحكم عن الحجة،
وهي فتوى مرجعه الا انها حجة اجمالية فالأولى تعريف الاجتهاد بأنه تحصيل الوظيفة
الشرعية عن الأدلة التفصيلية. هذا وقد وقع التصالح بين الأخباريين والأصوليين
وارتفع استيحاشهم، فإنهم انما ينكرون الاجتهاد على المجتهدين لزعمهم انهم يريدون من
الاجتهاد المعنى الأول وهو استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي. وعلى هذا
الاستيحاش في محله. لكن على ما ذكرنا يرتفع الاستيحاش فان الأخباري أيضا لا ينكر
لزوم تحصيل الامن من الضرر في مقام امتثال الأحكام الشرعية ولا يحصل الا بالعمل على
وفق الحجة. الجهة الثانية: حيث إن الاجتهاد من المقدمات العقلية قليل جدا مثل وجوب
المقدمة وحكم الضد وجواز اجتماع الأمر والنهي فلابد من الرجوع إلى الآيات والروايات
كثيرا. وحيث إن ذلك من اللغة العربية فلابد من تحصيل علم اللغات فنحتاج إلى علم
396

اللغة، وأيضا لابد من العلم بقواعد اللغة العربية وهو الصرف والنحو والمعاني
والبيان بمقدار يفهم منه ظواهر ألفاظ الكتاب والسنة، والزائد على ذلك من تلك العلوم
غير محتاج اليه، وأما علم المنطق فلا دخل له في الاستنباط أبدا وذلك من جهة ان
مقدار ما لا بد منه من ذلك ضرورية والزائد على ذلك لا يحتاج اليه. بقي هنا علمان: علم
الأصول وعلم الرجال. اما الأول، فوجه الاحتياج اليه واضح بين في أول الأصول. واما
علم الرجال، فان قلنا بحجية جميع الروايات المذكورة في الكتب الأربعة، أو قلنا بعدم
حجية ما لم يكن معتمدا بفتوى المشهور فأيضا لا يحتاج اليه، وذلك ظاهر واما بناء على
الصحيح من أنه لابد في حجية الروايات من أحد أمرين اما الوثوق بالصدور أو الوثوق
بالراوي فيحتاج إلى علم الرجال وإن كان استناد المشهور أيضا كاف في دخول الخبر في
ملاك الحجية أي الامرين المذكورين خلافا للسيد الأستاذ ج مد ظله ج لكن هذا لا يوجب
عدم الحاجة إلى علم الرجال في موارد عدم احراز استناد المشهور وهذا ظاهر. الجهة
الثالثة: ينقسم المجتهد باعتبار إلى من استنبط الحكم وعلم به فعلا والى من لم
يستنبط كذلك بل له ملكة يقتدر بها من الاستنباط، وبعبارة أخرى إلى المستنبط بالفعل
والمستنبط بالملكة. وأيضا ينقسم إلى من له ملكة يقتدر بها من استنباط جميع الأحكام
والى من ليس له الا بالنسبة إلى بعض ذلك، وبعبارة أخرى إلى المطلق والمتجزي. فالصور
أربعة وفي كل واحد منها يقع الكلام اما في حكم نفسه وذلك جواز تقليده للغير، واما
في حكم غيره، وذلك اما في جواز تقليد الغير له، واما في جواز تصديه للحسبيات ونفوذ
397

احكامه، وغير ذلك من المناصب المربوطة بالمجتهد، والقدر المتيقن من ذلك هو المجتهد
المطلق المستنبط بالفعل. وأما في المجتهد المطلق الغير المستنبط بالفعل فبالنسبة
إلى جواز تقليده للغير فقد ادعى الشيخ الأعظم ج قدس سره ج في رسالته المخصوصة
بالاجتهاد والتقليد الاجماع على عدم الجواز والحق كما ذكره ج قدس سره ج وان خالفه
صاحب المناهل ج قدس سره ج وذلك من جهة ان الأحكام الواقعية منجزة في حقه اما من جهة
العلم الاجمالي واما من جهة قيام الحجة عليها وتمكنه من الوصول إليها، ولابد له من
احراز الامتثال لذلك التكليف المنجز، ولا يحصل الا باجتهاد نفسه للشك في الخروج عن
عهدة ذلك استنادا إلى فتوى الغير، ولا يكن احراز ذلك بواسطة اطلاق أدلة جواز تقليد
الجاهل للعالم لان القدر المتيقن من السيرة العقلائية غير ذلك. والأدلة اللفظية
أيضا غير شاملة له لان المتبادر من (فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) (1) مثلا
من لم يتمكن من تحصيل العلم الا بالسؤال، وهكذا سائر الأدلة. ولا يخفى ان هذا البحث
غير مجد بالنسبة إلى ذلك المجتهد من جهة ان نفس هذه المسألة أعني جواز تقليده للغير
مما يمكنه الاستنباط فعلا بحسب الفرض ولا يمكنه الاستناد إلى الغير فيها للزوم الدور
فلابد له من الاجتهاد فيه فعلا ويعمل حسب ما أدى اليه رأيه، على أن كل مجتهد يعلم
اجمالا بمخالفة رأي مجتهد اخر لما يؤدي اليه اجتهاده لو استنبط فكيف يعمل بقوله مع
ذلك العلم الاجمالي؟

(1) النحل: 43.
398

واما الحكمان الثاني والثالث ج أعني جواز رجوع الغير اليه ونفوذ قضائه واحكامه ج
فالمناسب ان يبحث عنه في بحث التقليد، الا انه لا ضير في التكلم فيه هنا أيضا.
فنقول: ان المتبادر من أدلة التقليد كون المرجع فقيها أو عالما أو عارفا بالحكم
فهذا المجتهد المستنبط بالملكة ان لم يستنبط ولو حكما فلا يعقل تقليده، وان استنبط
لكن لا بمقدار يصدق عليه العناوين المذكورة فلا يجوز تقليده لان احراز امتثال
التكاليف الواقعية متوقف على تقليد من كان معنونا بتلك العناوين، والمتبادر من
العناوين من كان متبلسا بالمادة بالفعل. واما بالنسبة إلى الحكم الثالث فحيث ان
نفوذ قضاء أحد على أحد أو جواز تصرف أحد في مال الغير وغير ذلك من المناصب الثابتة
للفقيه خلاف الأصل، فلابد من ملاحظة الأدلة المخرجة عن ذلك والأدلة مشتملة على تلك
العناوين ولا تصدق الا على المجتهد المستنبط بالفعل. بقي الكلام في المتجزي بقسميه،
فتارة يقع الكلام في امكان التجزي وأخرى في الأحكام الثلاثة المذكورة. أما الأول
فلا شبهة في امكانه بل وقوعه لأن أدلة المسائل مختلفة سهولة وغموضة عقلية وشرعيا.
فقد يكون الشخص مجتهدا في المعاملات بخلاف العبادات من جهة قلة الروايات في ذلك
وتسلطه على القواعد الكلية المذكورة في أبواب المعاملات، وقد يكون بالعكس من جهة
تسلطه على الجمع بين الروايات والاستظهار فيها. والقول بان الاجتهاد ملكة ولا تتصور
القسمة في ذلك لأنها من الكيف النفساني والقسمة من مختصات الكم، فالملكة ان حصلت
تحصل في الجميع والا فليس الشخص بمجتهد أصلا مغالطة، لأنا لا نقول بتقسيم نفس
الملكة، بل حصول الملكة مختلف باعتبار اختلاف متعلقه، فقد تحصل الملكة بحيث يسهل له
399

اشكال المسائل الرياضية ولكن لا يقدر على انشاء شعر واحد، فقد تحصل الملكة بالنسبة
إلى باب من أبواب الفقه من جهة خصوصية في ذلك ولم تحصل بالنسبة إلى غيره لعدم تلك
الخصوصية فيه. وكيف كان فلا اشكال في أصل تصوره. واما الأحكام الثلاثة فيعلم مما
ذكرنا سابقا فان المتجزي المستنبط بالفعل لا يجوز له تقليد الغير في المسألة
المستنبط فيها فإنه من باب رجوع العالم إلى الجاهل في نظره وكذلك المتجزي المستنبط
بالملكة لعدم احراز الامتثال الا بتحصيل الحجة على الحجم بنفسه، واما رجوع الغير
إلى المتجزي ونفوذ قضائه وتصرفاته في أموال القصر والغيب فعين ما مر في المجتهد
بالملكة.
الكلام في التخطئة والتصويب
لا اشكال في ثبت التخطئة في الأمور الواقعية حتى بالنسبة إلى غير مقولة الجواهر
والأعراض من تلك الأمور مثل اجتماع النقيضين مثلا فكل من قال بجوازه فقد أخطأ وهكذا
مثل اجتماع الأمر والنهي فاحد القولين القول بجوازه، والقول بعدمه خطأ، والالزام
اجتماع النقيضين، وهذا واضح. انما الكلام في أن الأمور الاعتبارية التي قوامها
باعتبار المعتبر هل هي كذلك أيضا أم لا؟ ففي الأحكام الشرعية هل هي تابعة لقيام
الامارة عليها ج ومنها نظر المجتهد ج وهذا هو التصويب أم لله احكام يشترك فيها
الجاهل والعالم وانما الامارة طريق إليها فقد تصيب وقد تخطئ، وهذه هي التخطئة
الذي نسب إلى العامة هو التصويب، وهذا بمعنى غير معقول وهو المنتسب إلى الأشاعرة
وبمعنى غير واقع وهو المنتسب إلى المعتزلة؟ أما الأول وهو عدم وجود حكم في الواقع
أصلا ولا حكم الا بعد قيام الامارة فبطلانه أوضح من أن يخفى، والظاهر أن الأشاعرة
أيضا غير قائلين به، فإذا لم يكن حكم في الواقع فما هو المخبر به والمحكي عنه وذو
الطريق؟ وهل هذا الا فرض غير معقول. واما الثاني وهو ان الأحكام الثابتة في الواقع
400

انشائيات محضة ولا تصير فعلية منبعثا نحوها أو منزجرا عنها الا بعد قيام الامارة
عليها فإنه وان لم يرد عليه الاشكال العقلي السابق الا انه غير واقع من جهة الأدلة
الدالة على ثبوت الأحكام المشتركة بين الجاهل والعالم مضافا إلى الاتفاق القطعي على
خلاف ذلك مع أن اطلاقات أدلة الاحكام تدل على هذا الاشتراك، فان الدليل الدال على أن
الخمر حرام مطلق بالإضافة إلى صورتي العلم والجهل فتلخص ان الثابت في الواقع
احكام فعليات تشترك بين العالم والجاهل والامارات طرق محضة، فان وافقها فصواب والا
فخطأ. نعم يبقى الاشكال المشهور المنسوب بابن قبة وهو في كيفية الجمع بين الحكم
الواقعي والظاهري وقد دفع الاشكال في أول مبحث الظن وأثبت انه لا مانع من أن يكون في
الواقع حكم فعلي والامارة قائمة على خلافه والمكلف معذور حينئذ والتفصيل يرجع إلى
محله. هذا تصوير التخطئة بالنسبة إلى الأحكام الواقعية، واما بالنسبة إلى الاحكام
الظاهرية فبالنسبة إلى مرحلة الجعل منها فكذلك فلابد من القول بالتخطئة في مثل أصل
حجية الاستصحاب، واما بالنسبة إلى مرحلة المجعول فلا محيص الا عن القول بالتصويب فان
الاستصحاب حجة بالنسبة إلى من كان على يقين فشك دون غيره.
الكلام في الاجزاء وعدمه
إذا تبدل فتوى المجتهد بحيث متعلق نظره بحكم مناف لما تعق به أولا وكان اتيان عمل
موافق للأول مخالفا للثاني وباطلا بحسب الفتوى الثانية. وهكذا إذا عدل عن فتوى
مجتهد إلى مجتهد اخر بحيث يكون لهما نظران في مورد واحد كسابقه سواء كان المجتهد
المعدول عنه حيا أو ميتا فهل يحكم بالاجزاء مطلقا أو يحكم بعدمه مطلقا أو يفصل؟ فقد
وقع الكلام في ذلك بين الاعلام. وقبل تنقيح المرام وبيان ماله من النقض والابرام
401

لابد من تنبيه في المقام، وهو ان النزاع انما يقع على القول بالتخطئة حتى يتصور
مخالفة المأتي به بمقتضى الفتوى الأول الواقع كي يعقل القول بعدم الاجزاء، والا
فعلى القول بالتصويب وان ما أدى اليه نظر المجتهد هو حكم الله الواقعي فلا يتصور
مخالفة حتى يبحث عن اجزاء المأتي به عن المأمور به وعدمه كما لا يخفى. إذا عرفت ذلك
فاعلم أن التفصيل الذي ذهب اليه صاحب العروة ج قدس سره ج لا وجه له، حيث أفاد في
المسألة الثالثة والخمسين ما هذا لفظه: إذا قلد مجتهدا يكتفي بالمرة مثلا في
التسبيحات الأربع واكتفى بها، أو قلد من يكفي بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد فقلد
من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة. وكذا لو أوقع عقدا أو
ايقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات وقلد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على
الصحة. نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، واما إذا قلد من
يقول بطهارة شئ كالغسالة ثم مات وقلد من يقول بنجاسته، فالصلوات والأعمال السابقة
محكومة بالصحة وان كانت مع استعمال ذلك بطهارته وكذا في الحالية والحرمة. فإذا أفتى
المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد وقلد
من يقول بحرمته فان باعه أو أكله حكم بصحة البيع وإباحة الأكل، وأما إذا كان
الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه ولا اكله وهكذا، انتهى. والمتحصل من ذلك
التفصيل بين الأعمال السابقة واللاحقة بالاجزاء في الأولى، واما في الثانية فإن كان
العمل عباديا أو عقدا أو ايقاعا فكذلك يحكم بالصحة وتترتب عليه الآثار، والا فلابد
402

من الالتزام بفسادها، وهذا التفصيل لا يمكن المساعدة عليه من جهة عدم الدليل عليه.
واما القول بالاجزاء مطلقا فقد يقال بأنه مبني على ظاهر الاجتماع لكنه مع أنه غير
ثابت بل صرح بعض بالخلاف لا يكون كاشفا في مثل هذه المسألة الجديدة المستحدثة. وبذلك
يظهر فيما يدعى قيام السيرة على ترتيب اثار الصحة مطلقا لأنها مع فرض تسليم ذلك
مبنية على فتاوى المجتهدين عصرا بعد عصر ولا يعلم قيامها في زمان المعصوم سلام الله
عليه. بل لا يعلم قيام واحد على ذلك، فكيف يمكن استكشاف رأي المعصوم عليه السلام مع
هذه الاحتمالات؟ واما ما يدعى من كونه مقتضى نفي العسر والحرج فأيضا غير سديد لكونه
أخص من المدعى لعدم لزوم ذلك في جميع الموارد. بل لابد في موارد لزوم العسر من رفع
اليد بمقدار يرفع العسر فان المحذورات تتقدر بقدرها. والمهم في المقام ما قيل بأن
الفتوى اللاحق لا يكشف عن عدم حجية السابق وعدم كونه معذرا ومنجزا بل كما أن الثانية
حجة في ظرفه الأولي أيضا حجة في ظرفه واحتمال عدم المطابقة للواقع مشترك بينهما،
والمفروض ان العمل اتي به موافقا للحجة الموجودة في ظرفه فلا وجه للتمسك بالفتوى
الثانية على ذلك حتى يحكم بعدم الاجزاء. وبعبارة أخرى: الحجج الشرعية بالنسبة إلى
مرحلة المجعول كلها حجة واقعا ولا يتصور فيها تصويب أصلا كما ذكرناه سابقا لقيام
موضوعها بنفس المكلف وذلك من الأمور التكوينية التي امرها دائر بين الوجود والعدم،
فإذا كان موجودا فالحجة موجودة واقعا والا فلا. مثلا دليل حجية الاستصحاب هو لا
تنقض اليقين بالشك، فقوام حجية الاستصحاب واقعا باليقين السابق والشك اللاحق، وهذا
اما موجود في نفس المكلف أو غير موجود، ولذلك بنينا على أنه لا يتصور شبهة في
403

الموضوع في الاحكام الظاهرية أبدا، فإذا كان الحكم كذلك ففي محل الكلام الفتوى
الأولى كانت حجة إلى زمان الثانية واقعا والعمل واقع موافقا للحجة. وحجية الثانية
في ظرفها لا تنافي حجية الأولى فيكون العمل مجزيا عن الواقع. وليعلم ان هذا الوهم
انما يتم في الأعمال السابقة فقط دون اللاحقة كما لا يخفى، لعدم حجية الأولى بعد
الثانية قطعا والعمل وإن كان موافقا للحجة حدوثا الا أن بقاءه أيضا يحتاج إلى حجة.
وهذا كما تراه لا يتم أيضا فان حجية كل منهما في ظرفه وإن كان ثابتا الا ان فتوى
الثانية لا تكشف عن الحكم من زمان وقوعها فقط بل تكشف عن وجود من أول الأمر. فان
كانت الصلاة بلا سورة صحيحة بمقتضى الثانية فالفتوى اللاحقة تكشف عن جزئية السورة
للصلاة من الأول. فالحجة قائمة على عدم اتيان المكلف بالصلاة الواقعية فلابد من
القول بعدم الاجزاء. هذا ولكن لابد من ملاحظة دليل الحجة الثانية فإن كان له اطلاق
يمكن الأخذ به فالحكم كما ذكر والا فالقدر المتيقن من حجية ذلك بعد زمان قيامه
فالعمل موافق للحجة في ظرفه. والحجة الثانية غير قابلة للقيام على مخالفته للواقع
ولعل مسألة تبديل الفتوى أو المجتهد من هذا القبيل، فافهم. والنتيجة حينئذ الاجزاء
بالنسبة إلى السابق دون اللاحق، وكيف كان فلو قلنا بعدم الاجزاء لكن لابد من الخروج
عنه بالنسبة إلى الصلاة من جهة حديث: لا تعاد الصلاة الا من خمس (1).

(1) الوسائل: ج 4، باب 1 من أبواب افعال الصلاة، حديث 14. وباب 29 من أبواب القراءة
في الصلاة، حديث 5. وباب 10 من أبواب الركوع، حديث 5: وباب 1 من أبواب قواطع الصلاة،
حديث 4.
404

يرتبونها على هذه التعاريف فغير مترتبة عليها لعدم وجود لفظ التقليد في
موضوع تلك الآثار المترتبة في المقام، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
405

التقليد
فقد يقال في تعريفه بأنه الالتزام بقول الغير، وقد يقال بأنه العمل على قول الغير.
وقد يقال بأنه أخذ رسالة الغير، ولا يمكن المساعدة على شئ من هذه التعاريف فإنه ليس
للتقليد معنى مغايرا لمعناه العرفي. وهو جعل الشئ ذا قلادة والعامي يجعل العمل على
عنق المفتي ويقلده. فالتقليد هو الاستناد بقول الغير في مقام العمل فهو مقارن
للتقليد. هذا معنى التقليد، واما الثمرات التي وأما الأدلة الدالة على حجية قول
الغير في حق العامي ووجوب التقليد فوجوه. ذكرها السيد الأستاذ ج مد ظله ج. الأول:
السيرة العقلائية قامت على رجوع الجاهل إلى العالم والشارع لم يردع عنه فيستكشف
بذلك حجية قول العالم في الشرعيات أيضا. الثاني: دليل الانسداد، وهو انه بعد العلم
بثبوت التكاليف الواقعية وعدم التمكن من الامتثال علما تفصيليا وعدم الجواز أو عدم
406

وجوب الامتثال علما اجماليا وهو الاحتياط فلابد من الاستناد إلى الحجة الموجودة في
البين، والمفروض ان المكلف عامي لا يمكن في حقه ذلك. بل لا يوجد ظن بالواقع لعدم
تمكنه من السير في الأدلة فلا يتمكن من الامتثال الا بالاستناد إلى قول العالم وهذا
معنى التقليد. الثالث: آية النفر (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرن) (1) دلت هذه الآية على وجوب
الحذر عند الانذار الذي غاية للتفقه الذي هو غاية للنفر الواجب، والفتوى بالدلالة
الالتزامية انذار فيجب الاخذ به على العامي. بل لفظة التفقه أيضا شاهدة على ذلك.
ووجوب الحذر عند انذار المنذر غير مقيد بصورة حصول العلم فلا يصغى إلى ما قيل من عدم
دلالة الآية على حجية الفتوى لاحتمال وجوب الحذر عند حصول العلم. ان قلت: ان في
زمان صدور الآية التفقه والاجتهاد لم يكن كالتفقه والاجتهاد في زماننا فلا تدل
الآية الكريمة على حجية الفتوى في هذه الأزمنة.

(1) التوبة: 122.
407

قلت: التفقه في زمانين بمعنى واحد غاية الأمر اختلافهما سهولة وغموضة لقربهم
بالمعصومين عليهم السلام وعدم توسعة المباحث مثل زماننا. مثلا في ذلك الزمان أيضا
كانوا يفتون بما يفهمون من ظواهر الكتاب والسنة فكانت الظواهر حجة في ذلك الزمان
أيضا. غاية الأمر ما كانوا محتاجين إلى الرجال لقربهم بالمعصومين عليهم السلام،
وهكذا. فدلالة الآية تامة لحجية الفتوى ووجوب استناد العامي إلى قول المجتهد في
مقام العمل. الرابع: آية السؤال: (فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) (1) دلت على
هذه الآية على وجوب السؤال عند عدم العلم وهو الاخذ بالفتوى، فالعامي حيث لم يعلم
بتكليفه يجب عليه الأخذ بقول أهل الذكر وهم العلماء. وتقييد الآية بعدم لزوم ترتيب
الآثار حتى يحصل له العلم مناف للظاهر بلا دليل عليه، والمراد من أهل الذكر ما يشمل
العلماء وان فسرت بالأئمة أو علماء اليهود لأنه من باب الجري بالمصداق. الخامس:
الروايات الكثيرة الدالة على اثبات حجية قول الفقيه في الجملة فلاحظ هذا. ولكن شيئا
من هذه الوجوه لا يتم. اما السيرة العقلائية فلا يعلم قيامها في مثل الرجوع إلى
المفتي الذي تكون مبادئ فتواه حدسية اجتهادية كثيرة الخطأ، ومع قيامها لم تعهد في
زمان الشارع والأئمة المعصومين عليهم السلام حتى نكشف رأيهم عليهم السلام من عدم
ردعهم عنها، وتنظير المسألة بمثل رجوع المريض إلى الطيب قياس مع الفارق فتدبر جيدا.
واما دليل الانسداد فلا يثبت الا لزوم التبعيض في الاحتياط، واما حجية قول العالم
فأجنبية عن مدلوله كما لا يخفى.

(1) النحل: 43.
408

وأما آية النفر فلا تدل الا على لزوم الانذار بعد التفقه والرجوع حتى يحصل الخوف
عند تخويفهم والحذر عند انذارهم، وهذا لا يستلزم حجية قول المنذرين فضلا عن حجية
فتواهم، وبالجملة التخويف لغرض حصول الخوف لا يستلزم الحجية، فان الخوف قد يحصل من
تخويف من لا يكون قوله حجة كالصبي والمجنون بل الفاسق وغيرهم. والحاصل ان الآية ليست
في مقام جعل الحجية لشئ فضلا عن الفتوى والاجتهاد مع أن ذلك لا يستلزم الانذار كما
لا يخفى. واما الآية السؤال فموردها معرفة النبي صلى الله عليه وآله والسؤال فيها
لا يغني من الحق شيئا حتى يحصل به العلم. فلا تبقى الا الروايات، ولا ننكر دلالة
بعضها على حجية الفتوى، ويكفي في ذلك ما قاله الصادق عليه السلام لأبان بن تغلب
اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فاني أحب ان أرى في شيعتي مثلك (1) ولكن لا اطلاق
لهذه الروايات نتمسك بها في مورد الشك مع أنه لا حاجة إليها مع وجود دليل اخر في
باب التقليد أقوى من الجمع وهو قيام السيرة المتشرعة في شرع الاسلام بل في جميع
الأديان على التقليد ورجوع الناس إلى علمائهم في مسائلهم والسؤال عنهم وقبول الجواب
عنهم بلا تأمل، وليس هذا من جهة حصول الاطمئنان كما توهم بل يرون موضوعية لقول عالم
الشرع ويجعلون عملهم الموافق لقول العالم على عاتقه، ويظهر هذا من ملاحظة حال الناس
في مراجعتهم العلماء ولا يختص هذا بمذهب دون مذهب حتى يقال لعل ذلك من جهة فتوى
المجتهدين، فان غير المسلمين أيضا متعبدون بذلك بل ظهوره في بعضهم أشد من المسلمين.

(1) معجم رجال الحديث: ج 1، ص 147. وكذا اختيار معرفة الرجال: ص 330 حديث 306 مع اختلاف
في العبارة عما في معجم رجال الحديث، وكذا في رجال النجاشي: ص 10 باب الألف منه
ويطابق ما في النجاشي مع المتن المذكور هنا.
409

والحاصل: ان الرجوع إلى العالم الديني واخذ المسائل منه أمر مسلم بين جميع الملل
والأديان وهذا هو التقليد ونكشف قطعيا عن وجوده في شريعتنا، وهذا أقوى دليل على
التقليد، بل يمكن استفادة ذلك من بعض روايات الباب مثل رواية علي بن المسيب قال:
قلت للرضا عليه السلام: ان شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فمن اخذ معالم ديني؟
قال عليه السلام: من زكريا بن ادم القمي المأمون على الدين والدنيا (1). فان سؤاله
عمن اخذ معالم ديني يدل على أن هذا امر ارتكازي له وبما انه متدين بالدين يرى أنه
لابد من اخذ معالم دينه من أحد ويسأل عمن يعينه الإمام عليه السلام وجوابه عليه
السلام أيضا يؤيد ذلك، فان توصيف من عينه بالمأمون على الدين والدنيا بيان لما هو
المرتكز عند السائل وهو لزوم اخذ معالم الدين من شخص مأمون على الدين والدنيا وهو
ما ذكرنا من التقليد. وهكذا رواية عبد العزيز قال: قلت للرضا عليه السلام: ان شقتي
بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت فآخذ معالم ديني عن يونس مولى ال يقطين؟ قال عليه
السلام: نعم (2). والتقريب عين ما قلناه في الرواية السابقة، ومن الغرائب ان يلتزم
بان السؤال في هذه الرواية عن وثاقة يونس وهكذا جواب الامام فيها وفي الرواية
السابقة مجرد توثيق لا أزيد. بل المسألة في الروايتين تنشأ من الامر المسلم عند
المتدينين وهو لزوم اخذ المتدين معالم دينه من عالم دينه ولذا يسأل الراوي عن تعيين
في الأولى وعن أهلية يونس لذلك في الثانية. فالتقليد امر شرعي ليس من قبيل الأمور
العقلائية في غير مورده كالطب ورجوع الجاهل إلى العالم وهو جعل العمل على عاتق مرجع
التقليد والاستناد اليه في مقام العمل، ودليله السيرة المتشرعة والمتدينين ولو في
غير الاسلام

(1) الوسائل: ج 18، باب 11 من أبواب صفات القاضي، حديث 27 و 35.
(2) الوسائل: ج 18، باب 11 من أبواب صفات القاضي، حديث 27 و 35.
410

والروايات وان كانت مبينة ومؤكدة إلى تلك السيرة، ويمكن استفادة ذلك من التوقيع
الشريف واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وانا
حجة الله (1) فان حجية الشخص غير حجية قوله. ومعنى ذلك ان من يكون مرجعا للناس في
الحوادث والأمور التي ترجع اليه في الشريعة هو راوي الحديث والمعين له الإمام عليه السلام
، كما أن شأن الإمام عليه السلام أيضا كذلك الا انه بتعيين الله عز وجل.
الكلام في تقليد الأعلم
الأعلم في مقام الثبوت ليس من كان اعرف بمباني الاستنباط ومبادئه من غيره ولا من
كان اعرف من غيره بالفروع العملية، بل العلم من كان في مقام تطبيق القواعد على
الفروع أقوى استنباطا وامتن استنتاجا. فمن كان في مقام الاستنباط أقوى وفي مقام
الاستنتاج امتن فهو اعلم كما يظهر ذلك بملاحظة أرباب الصنايع والحرف ولا يحتاج إلى
مزيد بيان انما الكلام في وجوب تقليد الأعلم وعدمه. ويقع الكلام في ذلك في مقامين
(الأول) في وظيفة العامي حسب ارتكازه. (والثاني) في ما يستفاد من الأدلة للفقيه.
أما الأول: فحيث ان العامي عالم بتكاليف واقعية منجزة عليه لابد له من العلم
بالخروج عن عهدة ذلك ولا يقطع بالفراغ الا بالرجوع إلى الأعلم من جهة دوران الامر
بين حجية فتواه تعيينا وبين حجيته تخييرا بينه وبين غير الأعلم، فحجية فتوى الأعلم
مقطوع بها وحجية فتوى غيره مشكوك فيها تدفع بالأصل فيعلم وجوب الرجوع إلى الأعلم
ابتداء. نعم إذا أفتى الأعلم بحجية فتوى غير الأعلم فقد ذكر سيدنا الأستاذ ج مد ظله
ج انه يجوز الرجوع إلى غير الأعلم ولا يصغى إلى ما في العروة من عدم جواز الرجوع حتى
عند ذلك، لأن

(1) الوسائل: ج 18، باب 11 من أبواب صفات القاضي، حديث 9.
411

الرجوع حينئذ بواسطة الاستناد إلى فتوى الأعلم فيقطع بالفراغ عن العهدة. على أن
المستشكل حينئذ إن كان هو الأعلم فخارج عن الفرض وإن كان غير الأعلم فلا أثر
لاستشكاله هذا ولكن الكلام هنا في موضعين: الأول: انه هل يجوز للمجتهد ان يجوز
تقليد غيره في المسألة المخالفة فيها الفتوى أم لا؟ والظاهر أنه لا، فإنه يرى بطلان
رأي الاخر فكيف يجوز الرجوع إلى ذلك الرأي الباطل عنده!! وبهذا ظهر عدم جواز
الافتاء بجواز تقليد الغير حيا كان أو ميتا حدوثا أو بقاء. الثاني: هل يصح للعامي
تقليد غير الأعلم إذا جوزه الأعلم أم لا؟ والظاهر أنه لا. وذلك فان فتوى الأعلم لا
يسقط عن الحجية بتجوزيه الرجوع إلى غيره بل تصير فتوى الغير أيضا حجة بفتواه، فتكون
في المقام حجتان للعامي متعارضتان فتسقطان معا فلابد له من الاحتياط، ومع فرض عدم
جوازه أو عدم وجوبه لابد له من الرجوع إلى الأعلم أيضا فتدبر جيدا. ثم إنه إذا
فرضنا ان للمقلد مرتبة من العلم بحيث علم عدم جواز تقليد غير الأعلم فلا يجوز له
تقليده، وان جوزه الأعلم كما إذا تعلق نظره بالجواز فيجوز له وان أفتى الأعلم بعدم
الجواز لأنه في نظره يرى خطأ الأعلم في هذه المسالة. والحاصل ان المدار هو الاستناد
إلى الحجة في مقام العمل فكلما علم به، والا فمقتضى القاعدة عدم الحجية للأصل
وحينئذ لا اثر لفتوى غير الأعلم حجية فتوى غير الأعلم في حق العامي وعدمه كما
لا يخفى. وأما الثاني: فصور المسألة ثلاث: (الأولى) ما إذا علم ج ولو اجمالا ج
بموافقة فتوى غير الأعلم لفتوى الأعلم. (والثانية) ما إذا علم بالاختلاف. (الثالثة)
ما إذا لم يعلم لا بالموافقة ولا بالمخالفة. أما الأولى: فلا شك في جواز تقليد غير
412

الأعلم فالدليل حجية الطرق يدل على نحو صرف الوجود، فالمقلد يعلم بمطابقة عمله
للحجة حينئذ. وأما الثانية: فالمشهور وجوب تقليد الأعلم فيها كما يظهر من شيخنا
الأنصاري ج قدس سره ج بل ادعى جامع المقاصد الاجماع عليه. ومع ذلك ذهب إلى عدمه
جماعة. فالمهم النظر في استدلال الطرفين حتى يظهر الأمر، فنقول: أما الأدلة التي
أقاموها على عدم وجوب تقليد الأعلم فالمهم منها الاطلاقات الواردة في أصل الحجية
التقليد مثل آيتي السؤال (1) والنفر (2) والروايات الواردة في المقام، لكن لا يمكن
التمسك باطلاق دليل الحجية لا ثابت الحجية في موارد التعارض بناء على أن المجعول في
الطرق والامارات الطريقية، فان شمول الاطلاق لمورد التعارض مستلزم لجعل الطريقية
بالنسبة اليهما، وجعلها للمتعارضين ولو تخييرا لا معنى له، وهذا عمدة الاشكال في
ذلك، لا ما ذكره سيدنا الأستاذ من أن جعل الحجية لكلا الفتويين جعل المتناقض وهو
محال بالنسبة إلى الحكيم تعالى، وجعل الحجية لواحد معين منهما وإن كان ممكنا ثبوتا
الا انه في مقام الاثبات ترجيح بلا مرجح، والحجية التخييرية قول بلا دليل، فلم يبق
الا القول بالتساقط. وذلك فان الحجية بمعنى غير الطريقية كالمنجزية والمعذرية قابلة
للجعل في مورد التعارض بجعل أحدهم منجزا ومعذرا، وفي مقام الاثبات أيضا لابد من
تقييد الاطلاق بالمقدار المتيقن، ونتيجة شمول الاطلاق للمورد التقييد بالقدر
المتيقن رفع اليد عن حجية كل بالاستناد بالاخر، وهذا معنى التخيير، ونظير هذا
الكلام ذكر في باب الترتب فلاحظ. نعم بناء على أن المجعول الطريقية لا معنى لشمول
الاطلاق لمورد التعارض فان حقيقة الطريقية ومورد المعارضة متغايران ومتنافيان حتى
بنحو التخيير هذا، وحيث انه لا دليل على أزيد من التعذير والتنجيز في الحجج لابد من
الالتزام بالتخيير بناء على أن يكون دليل التقليد الاطلاقات، فالنتيجة جواز تقليد
غير

(1) النحل: 43.
(2) التوبة: 122.
413

الأعلم، وحيث لم نقل بذلك لابد من ملاحظة ساير الوجوه الدالة على التقليد وسيأتي إن شاء الله
. وقد يتمسك لاثبات جواز تقليد غير الأعلم بوجوه أخر: (ومنها) تعيين الإمام عليه السلام
اشخاصا متعددة للفتوى، والظاهر اختلافهم في العلم والفتوى بل يعلم
بواسطة القرائن اختلافهم في الفتوى، ونتيجة ذلك حجية فتوى غير الأعلم مع اختلاف
فتواه لنظر الأعلم. ولكن هذا أيضا لا يمكن المساعدة عليه لعدم العلم باختلافهم في
الفتوى ووجود القرينة على ذلك ممنوع، على أن الإمام عليه السلام في مقام بيان أصل
حجية الفتوى لا أحكامها وموارد التعارض. (ومنها) ان وجوب الرجوع إلى الأعلم موجب
للحرج لصعوبة تشخيصه مفهوما ومصداقا وعدم امكان رجوع الناس إلى شخص واحد. وفيه
(أولا) ان مفهوم الأعلم كما ذكرناه من كان في مقام الاستنباط أقوى وفي مقام
الاستنتاج أمتن، وهذا لا صعوبة في تشخيصه أصلا، ومصداقه يعلم بالاختبار شخصا أو
بقيام الامارة عليه مثل البينة والشياع المفيد للاطمئنان، وهذا أيضا لا حرج فيه
أبدا. ورجوع الناس إلى شخص واحد سيما في هذا العصر لا استبعاد فيه. (وثانيا) ان محل
الكلام صورة العلم باختلاف الأعلم وغير الأعلم ولاحرج في الرجوع إلى الأعلم حينئذ.
(ومنها) ان الإمام عليه السلام عين المفتي في عصره عليه السلام، وهذا لا يستقيم الا
إذا فرض حجية فتوى غير الأعلم مع وجود الأعلم، والا فلا معنى لحجية فتوى أحد معه
وجود الإمام عليه السلام، وفيه ان محل الكلام صورة العلم بالاختلاف في الفتوى كما
عرفت. وفي صورة العلم باختلاف فتوى شخص لقول الإمام عليه السلام لا حجية لتلك الفتوى
قطعا، فلا محيص الا عن الالتزام بحجية فتوى من عينه الإمام عليه السلام لذلك في
موارد عدم العلم بالاختلاف، وحينئذ يسقط الدليل عن الاستدلال لما نحن فيه. واستدل
414

على وجوب تقليد الأعلم بوجوه: الأول: ان السيرة العقلائية قامت على الرجوع إلى
الأعلم في مقام المخالفة في الرأي، والشارع لم يردع عنها، فيستكشف وجوب الرجوع إلى
الأعلم في الشرعيات أيضا في مقام المخالفة في الفتوى. قال سيدنا الأستاذ ج مد ظله
ج: ان هذا هو الوجه المهم الصحيح في الاستدلال على وجوب تقليد الأعلم، لكنه مبني
على كون دليل التقليد السيرة العقلائية، وقد مر عدم امكان المساعدة عليه، وان أقوى
دليل على التقليد السيرة المتشرعية، وان التقليد امر شرعي فلا يتم هذا الاستدلال،
فان قيام السيرة على الرجوع إلى الأعلم في الأمور العقلائية والعادية سيرة عقلائية
لا يستلزم قيام السيرة على الرجوع إلى الأعلم في التقليد لا سيرة عقلائية ولا متشرعية
فإنهما ليسا بملاك واحد ومناط فارد. الثاني: الاجماع المدعى عن جامع المقاصد، وفيه
ج مضافا إلى عدم حجية الاجماع المحكي وذهاب جماعة على خلافه ج عدم استكشاف مثل هذا
الاجماع عن رأي المعصوم عليه السلام لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين هذه الوجوه التي
استدل بها على وجوب تقليد الأعلم. الثالث: دلالة مقبولة عمر بن حنظلة (1) بأنه في
مقام المخالفة في القول لابد من الرجوع إلى الأفقه. ان الترجيح بالأفقهية المذكورة
في الرواية في الحكمين والقاضيين لا في المفتي، ولذا لا يعتبر الأصدقية في المفتي مع أنها
مذكورة في الرواية، مع أن الأفقهية المذكورة فيها إضافية بالنسبة إلى القاضي
الأخير لا أفقه الناس وهذا غير المدعى.

(1) الوسائل: ج 18، باب 9 من أبواب صفات القاضي، حديث 1.
415

هذا واستشكل سيدنا الأستاذ في سند المقبولة وقال إنها ضعيفة بعمر بن حنظلة فإنه لم
يوثق وقبول الأصحاب الرواية غير معلوم لنا، على أنه لا يجبر به السند ولا يمكن تصحيح
الرواية برواية يزيد بن خليفة (1) حيث قال سلام الله عليه فيها: بأن عمر بن حنظلة
لا يكذب علينا فان يزيد بن خليفة أيضا ضعيف لا يمكن الأخذ بروايته. ولكن هذا على
مبناه من عدم الاعتبار بقبول الأصحاب الرواية وعدم جابرية الشهرة لسند الرواية والا
فالرواية منجبرة، فإنها متلقاة بالقبول عندهم بحيث عبر عنها بالمقبولة، وقوله قبول
الأصحاب الرواية غير معلوم لنا انكار لأمر مسلم. فمن جهة السند لا اشكال في
الرواية. الرابع: ان فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غيره، ولذا يجب التمسك به
والاستناد اليه في مقام العمل. وأجاب السيد الأستاذ عن ذلك بان الأقربية الطبعية
وان كانت موجودة في فتوى العلم ممنوعة لامكان موافقة فتوى غير الأعلم لفتوى المشهور
مثلا، وغير ذلك من المرجحات. أقول: لو تمسكنا بالسيرة العقلائية على لزوم تقليد الأعلم
يمكن القول بان السيرة قائمة على الرجوع إلى من كان رأيه أقرب إلى الواقع
فعلا. ولذا إن كان غير الأعلم أوثق من الأعلم في مطابقة قوله للواقع يأخذون بقوله.
فالواجب الرجوع إلى من كان أوثق من غيره في الفتوى، والا فتقليد الأعلم بما هو اعلم
غير واجب تعبدا لعدم التعبد في طريقة العقلاء، فعلى هذا السيرة العقلائية أيضا لا
تدل على أزيد مما يستفاد من هذا الدليل بضميمة جواب السيد الأستاذ ج مدل ظله ج. فلم
يثبت من هذه الأدلة تعين الرجوع إلى الأعلم حتى في موارد الاختلاف الا إذا كان رأيه
أقرب إلى الواقع فعلا. هذا بناء على التمسك

(1) الوسائل: ج 3، باب 5 من أبواب المواقيت، حديث 6.
416

بالسيرة العقلائية في المقام، والا فلا يمكن اثبات التعين من هذه الأدلة حتى من تلك
الحيثية أيضا. فتلخص مما ذكرناه ان شيئا من أدلة الطرفين لا يتم. فلم يثبت لزوم
الرجوع إلى الأعلم ولا جواز الرجوع إلى غيره من هذه الأدلة. نعم بناء على ما بنينا
عليه من دليل التقليد وهو ان التقليد امر شرعي قامت عليه السيرة المتشرعية يمكن
القول بالتخيير وجواز الرجوع إلى الأعلم، فان المتشرعة بما هم متشرعة والمتدين
بالدين يرجع إلى العالم بالدين ويأخذ معالم دينه منه بشرط كونه ثقة أيضا كما يستفاد
من الروايات السابقة أيضا. بل يمكن الاستدلال بتلك الراويات أيضا على ذلك، فان
توصيف الرضا عليه السلام زكريا بن ادم بالمأمون على الدين والدنيا والارجاع اليه
يدلنا على كفاية كون العالم بالدين المأخوذ منه معالم الدين مأمونا على الدين
والدنيا. وهكذا الارجاع في التوقيع الشريف إلى رواة حديثهم يدل على كفاية ذلك، فعلى
هذا يتم الدليل على جواز تقليد غير الأعلم، والله العالم وهو الموفق والمعين. ثم إنه
لو فرضنا عدم صلاحية كل من الدليلين المثبت والنافي لاثبات مدلولهما فلابد من
الرجوع إلى الأصل العملي. والمقام من صغريات باب الاشتغال لدوران الأمر بين التعيين
والتخيير في الحجية بمعنى المعذرية، فلابد من الرجوع إلى الأعلم. فان العلم
الاجمالي بثبوت التكاليف الواقعية موجود فيجب الخروج العهدة اما علما واما
بالاستناد إلى امارة علم بمعذريتها عن الواقع. والمفروض ان فتوى الأعلم معذر يقينا
ولا يعلم بمعذرية فتوى غيره فيتعين الاستناد اليه، وهذا هو الحال في كل ما دار الأمر
417

بين الحجية التعيينية والتخييرية كذلك بمعنى المعذرية. واما دوران الامر بينهما
بمعنى المنجزية مثل موارد الدوران بين التعيين والتخيير في الاحكام فلا يقتضي الا
أصالة البراءة عن التعيين، وكما إذا دار الأمر في مورد بين وجوب صلاة العصر تماما
تعيينا أو تخييرا بينه وبين القصر يرجع إلى أصالة البراءة عن الكلفة الزائدة وهو
تعين التمام. هكذا إذا فرضنا قيام امارة على وجوب التمام وقيام امارة أخرى على وجوب
القصر، والمفروض انه لا يجوز منجز اخر للتكليف مثل العلم الاجمالي وغيره غير هاتين
الامارتين، ودار الامر بين أن تكون الأولى حجة تعيينا لوجود رجحان فيه أو تخييرا
بينها وبين الثانية، فدار الأمر بين الحجية التعيينة والتخييرية، لكن لا ندري هل
يتعين الاخذ بمدلول الأول فقط أو نحن في سعة عن ذلك ويمكننا الاخذ بأيهما نريد؟.
وبعبارة أخرى: العقاب وعدمه لا يترتبان على مخالفة الواقع بما هو واقع بل يترتبان
على مخالفة الواقع المنجز. فعند الشك في منجزية امارة وعدمها تجري أصالة البراءة عن
التكليف لعدم وصوله إلى المكلف بما يرفع شكه في التكليف. وحيث إن دوران الأمر بين
التعيين والتخيير في المنجزية يرجع إلى الشك في منجزية ما احتمل تعينه في المنجزية
تعيينا لابد من الرجوع إلى أصالة البراءة للشك في الكلفة الزائدة، هذا. ولكن مقامنا
من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير في المعذرية بعد ما صار التكليف منجزا على
المكلف بسبب علمه الاجمالي فلابد من تحصيل العذر القطعي ولا يمكن الا بالرجوع إلى
مقطوع المعذرية وهو فتوى الأعلم. فتحصل مما ذكرناه انه لابد من الرجوع إلى الأعلم
إذا كان مدرك الحكم في هذه المسألة الأصل العملي، والا فمقتضى قيام السيرة المتشرعة
418

المؤيدة بالأدلة اللفظية جواز الرجوع إلى غير الأعلم، وحيث انه مع هذا الدليل لا تصل
النوبة إلى الأصل نلتزم بعدم وجوب تقليد الأعلم وجواز تقليد غيره. نعم الأحوط تقليد الأعلم
من جهة فتاوى عدة من الأعاظم المؤيدة بالأصل، والاشكال في ما ذكرناه من
السيرة المتشرعة، والله العالم وأما الصورة الثالثة من صور المسألة وهي ما لم يعلم
مخالفة فتوى غير الأعلم مع الأعلم، فلو قلنا بعدم وجوب تقليد الأعلم في الصورة
الثانية وهي صورة العلم بالمخالفة فعدم الوجوب في هذه الصورة أولى واظهر. ولو قلنا
بالوجوب في الصورة السابقة فهل يجب في هذه الصورة أيضا أولا؟ فقد يقال بالوجوب
لوجوه: الأول: مقبولة عمر بن حنظلة. وقد عرفت الجواب عن هذا الوجه. الثاني: ان قول
الأعلم أقرب إلى الواقع فلابد من الأخذ به في مقام تحصيل العلم بالفراغ، وقد عرفت
الجواب عن هذا أيضا. ويمكن الجواب عن هذين الوجهين بأنهما في مورد التعارض والفرض
عدم العلم بالتعارض في المورد. الثالث: الأصل يقتضي وجوب تقليد الأعلم تعيينا، لان
الامر دائر بين التعيين أو لتخيير في الحجية وفي مقام الامتثال. ولا يخفى ان هذا
الوجه انما يتم لو لم يدل على خلافه دليل، فلابد من ملاحظة ما استدل به على الحجية
التخييرية والوجوه الدالة على تخيير المقلد بين الرجوع إلى الأعلم وغيره في هذا
المورد. الوجه الأول: الاطلاقات الواردة في اثبات حجية الفتوى تثبت ذلك بتقريب ان
الاطلاقات ولو لم تكن شاملة لموارد التعارض الا انه غير معلوم في المقام حسب الفرض
فلا مانع من شمول الاطلاق له. ان قلت: التمسك بالاطلاق في هذا المورد من قبيل
التمسك به في الشبهة المصداقية لاحتمال وجود المعارضة. قلت: هذه الشبهة ترتفع
بواسطة الاستصحاب المنقحة لمجرى الاطلاق، وذلك لان المعارضة امر حادث مسبوق بالعدم
419

أزليا ونعتيا فتدفع باستصحاب العدم الأزلي والنعتي، فان قبل وجود المجتهدين
المعارضة لم تكن والآن كما كان، أو ان العارضة قبل اجتهاد المجتهدين لم تكن الان
كما كان، فإذا لم تكن المعارضة بينهما بحكم الأصل فلا مانع من شمول الاطلاق له. ان
قلت: الاستصحاب لا يجري قبل الفحص. قلت: الفحص في الشبهات الموضوعية غير لازم
والمورد منها. وقد يقال: بان المقيد لبي ولامانع من التمسك بالاطلاق المقيد
بالتقييد اللبي في الشبهات المصداقية ولكنه كما ترى فان ملاك عدم جواز التمسك مشترك
بين ان يكون المقيد لبيا أو لفظيا. هذا ما يمكن ان يقال في توجيه الوجه الأول،
وبينه السيد الأستاذ ج مد ظله ج ولكن يظهر مما مر أنه: (أولا) لا اطلاق في باب
التقليد يمكن التمسك به في موارد الشك. (وثانيا) الاستصحاب في المورد وأمثاله غير
جار لا أزليا ولا نعتيا على ما ذكرنا برهانه في الأصول وبنينا عليه، فهذا الوجه
لا يتم. الوجه الثاني: ان سيرة العقلاء قائمة على الرجوع إلى غير الأعلم في موارد
احتمال المخالفة، والا لكان غير الأعلمين معطلين في المجتمع، والمشاهد خلافه،
والشارع لم يردع عن ذلك، فيستكشف عنه في الشرعيات أيضا. وفيه ان دليل التقليد ليس
سيرة العقلاء كما مر مع أن احراز اتصاله إلى زمان المعصوم بحيث يكشف عدم ردعهم عنها
لامضائهم ممنوع، فهذا أيضا لا يتم. الوجه الثالث: ارجاع الإمام عليه السلام الناس
إلى اشخاص خاصة مثل يونس بن عبد الرحمن، وزكريا بن ادم، مع احتمالهم بمخالفة فتواهم
للإمام عليه السلام واحتمالنا لا يستلزم احتمالهم، فهذا أيضا لا يتم فلم يبق ما يتمسك
به في مقابل الأصل العملي القائم بوجوب تقليد العلم فلابد من التمسك بالأصل والقول
420

بوجوب تقليد الأعلم في هذه الصورة أيضا. نعم لو بنينا على ما قلناه في الصورة
السابقة من السيرة المتشرعية فالحق عدم وجوب تقليد الأعلم في الصورتين، لكن الكلام
على فرض تسليم وجوب تقليد الأعلم في الصورة السابقة وصرف النظر عن السيرة
المتشرعية، وحينئذ تصل النوبة إلى الأصل العملي ومقتضاه وجوب تقليد الأعلم بلا فرق
بين الصورتين. ولو قلنا بالاحتياط نقول به في الصورتين أيضا. هذا إذا علم الأعلم
بشخصه، فإن كان مرددا بين شخصين أو لم يكن اعلم في البين بل كانا متساويين فالمعروف
بين الأصحاب الحكم بالتخيير. ولكن قال سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج: ان أدلة الحجية
لا تشمل موارد التعارض فلا تثبت حجية أي منهما، فلابد للعامي الاحتياط حتى يقطع
بالفراغ. لكن قد مر ان الدليل على التقليد هو السيرة المتشرعة على اخذ معالم الدين
من أهله، ولا يفرقون بين وجود الأعلم وعدمه ولابين العلم بمخالفتهم في الفتوى وعدمه.
فما عليه المشهور هو المنصور. فمقتضى هذا الدليل التخيير في جميع الصور. ومما ذكرنا
ظهر انه لا اعتبار للأورعية في وجوب الأخذ بالفتوى إذا كان الدليل غير الأصل
العملي، وتمسكنا بالسيرة المتشرعية ما إذا كان الدليل الأصل، فإنه لابد من الاخذ
بقول الأورع لدوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية بمعنى المعذرية. ولكنه
أجاب شيخنا الأنصاري ج قدس سره ج عن الدوران بأنه إذا لم يكن لشئ دخل في ملاك
الحجية فلا اثر لدوران الامر بين الحجية التعيينة والتخييرية والأوروعية من هذا
القبيل، ولكن هذا الجواب غير واف بحل الاشكال من جهة دوران الأمر في ذلك مدار القطع
والشك فان أحدهما مقطوع الحجية والاخر مشكوك الحجية، ودعوى عدم دخل الأورعية في
ملاك الحجية بلا دليل فان الحجية بمعنى كون الشئ بحيث يكون قابلا للاحتجاج به،
421

ولا نرى أي مانع من اعتبار الشارع هذا المعنى في قول الأورع دون غيره. هذا على ما
اخترناه في المتساويين من القول بالتخيير، واما على ما ذكره السيد الأستاذ ج مد ظله
ج من أنه لابد من الاحتياط لعدم شمول دليل الحجية لمورد المعارضة فلابد من الاحتياط
في مورد كون أحد المجتهدين أورع أيضا بعين البيان. ثم إنه لو قلنا بوجوب تقليد
الأعلم لابد من القول بوجوب التبعيض في التقليد إذا كان أحد المجتهدين اعلم من
الاخر في بعض الأحكام والاخر كان اعلم من الأول في الباقي. ووجهه ظاهر كما أنه لو
قلنا بالتخيير في مورد التساوي لابد من القول بجواز التبعيض في التقليد عنهما الا
إذا لزم منه المخالفة العملية على رأيهما معا مثل ان يقلد المجتهد في جواز ترك
السورة مع أن الاخر يرى وجوبها ويقلد الاخر في جواز الاكتفاء بالمرة في التسبيحات
مع أن الأول يرى وجوب الثلاث، فهذه الصلاة الفاقدة للسورة والواجدة للتسبيحة
الواحدة باطل برأي كل من المجتهدين فلا يجوز الاكتفاء بها. ثم إن وجوب تقليد الأعلم
على القول به ثابت في ما إذا كان له فتوى، اما إذا لم يكن له فتوى أصلا فلا اشكال
في جواز تقليد غير الأعلم وقيام السورة المتشرعة عليه. لكن الاشكال فيما إذا أفتى
الأعلم بلزوم الاحتياط في مسألة فهل يجوز تقليد غيره فيها بناء على القول بوجوب
تقليد الأعلم أولا؟ الظاهر عدم الجواز، فان الفتوى بلزوم الاحتياط ليس الا من جهة
عدم وجود دليل صالح على خلاف الاحتياط بنظره، ولذا يرى فساد مستند فتوى غيره، لأنه
فحص عن جميع الأدلة ولم ير دليلا على ذلك، ففي هذا المورد لا يجوز الرجوع إلى غير الأعلم
لبطلان فتواه بنظر الأعلم مثلا إذا فحص فحصا تاما عن الأدلة المربوطة بتكليف
المسافر أربعة فراسخ الغير الراجع ليومه فرأى عدم صلاحية الأدلة لوجوب القصر
ولا التمام فأفتى بالاحتياط بالجمع بين الصلاتين، فكيف يجوز للعامي ان يقلد غير
الأعلم الذي يفتي بوجوب القصر حينئذ ج على مبنى وجوب تقليد الأعلم ج؟ نعم على ما
اخترناه من عدم الوجوب يجوز في المقام أيضا كغيره.
422

الكلام في تقليد الميت
ويقع الكلام في ذلك في مقامين: (الأول) التقليد الابتدائي. (الثاني) التقليد
الاستمراري المعبر عنه بالبقاء على تقليد الميت. اما المقام الأول: وهو التقليد
الابتدائي عن الميت، فالعامة ذهبوا بأجمعهم إلى جوازه ولذا يقلدون عدة مخصوصة منهم.
واما الخاصة فالأخباريون منهم أيضا على ذلك، والمحقق القمي ج قدس سره ج من
الأصوليين أيضا من المجوزين، ولكن ذهاب الأخباريين والمحقق المذكور لا يضر بدعوى
423

الاجماع. اما المحقق القمي ج قدس سره ج فلاحتمال أن تكون مبنى فتواه على الجواز
نظره بتمامية مقدمات الانسداد، ولذا يفتي بجواز تقليد الميت عند حصول الظن. والمبنى
والبناء المذكور لا يصحان. (اما) المبنى فلما تبين في محله من عدم تمامية مقدمات
الانسداد فإنه ثبتت حجية الظواهر بالنسبة إلى من قصد افهامه ومن لم يقصد، وأيضا
ثبتت حجية خبر الثقة، فباب العلمي مفتوح حينئذ فلا تصل النوبة إلى الامتثال الظني.
(واما) البناء فحصول الظن بفتوى الميت ممنوع، ولا سيما إذا كان فتواه مخالفا لفتوى
جماعة من العلماء. واما الأخباريون فلأن مدركهم في ذلك ما استفادوا من التوقيع
الشريف: واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا. من أن رجوع الجاهل إلى
العالم من باب الأخذ بالرواية ولا يشترط في الراوي الحياة قطعا. وهذا أيضا لا يتم
مبنى وبناء. (أما) المبنى فلان رجوع الجاهل إلى العالم ليس من باب الاخذ بالرواية
بل من باب الاخذ بقول أهل الخبرة مع أن التوقيع ليس في مقام بيان ذلك وأجنبي عن
رجوع الجاهل إلى العالم، والتقليد أيضا ليس من هذا الباب كما مر بل التقليد امر
شرعي مدركه السيرة المتشرعة، ولم يثبت رجوعهم إلى الأموات في ذلك ان لم نقل ثبوت
خلافه، وظاهر التوقيع أيضا هو الرجوع إلى الاحياء بتناسب الحكم والموضوع وان لم
نستفد منه اعتبار الحياة في التقليد. (واما) البناء فلأن الأموات مختلفين في الفتوى
فلا يجوز للعامي الاخذ بقولهم الا بأعمال المرجحات، والا فالعمل على طبق ما يعالج به
الروايات المتعارضة والقواعد الأخرى من التساقط والتخيير، فان الرجوع إلى رواة
الحديث لو كان من باب اخذ الرواية لابد وأن يكون مطابقا لقواعد اخذ الرواية، ولا
424

أظن بالأخباري القول بذلك بالنسبة إلى العامي، وهذا الاشكال وان لا ينحصر بتقليد
الميت بل يعم تقليد الأحياء أيضا على مبناهم، الا ان تعميم الاشكال لا يدفع الاشكال،
والمقصود انه لو كان التقليد من باب الأخذ بالرواية للزم على العامي اعمال قواعد
الأخذ بالرواية ولا يسعه ذلك ولا يخرج عن كونه عاميا. وأما سائر أدلة المجوزين فقد
يقال إن مقتضى الاطلاقات عدم الفرق بين الحي والميت في جواز التقليد. ولكن على ما
مر من أن المطلقات لا تدل على التقليد، ومع الدلالة لا تدل عليه مطلقا وليست في مقام
بيان ما يعتبر في جواز التمسك بالاطلاق كونها بصدد بيانه. ذكر سيدنا الأستاذ ج مد
ظله ج ان ظاهر المطلقات اعتبار الحياة في المفتي، فان الآية الشريفة توجب الحذر عند
انذار الفقيه القوم فتقوم الحجية بمقتضى الآية (1) بصدق هذا العنوان، ولا يصدق هذا
العنوان الا إذا كان الفقيه حيا. لا أقول باعتبار المقارنة بين الانذار والحذر، بل
أقول بأنه لابد في الحجية من صدق عنوان انذار الفقيه القوم، فان الفقيه قبل وجود
القوم لا يصدق هذا العنوان. واما الروايات ففي مثل الارجاع إلى الاشخاص الخاصة ليس
اطلاق يؤخذ به. وفي بعضها الاخر اخذ عنوان العالم والعارف بالاحكام والفقيه وغير
ذلك موضوعا لجواز التقليد، وهذه العناوين ظاهرة في فعلية التلبس فلا يصدق الا على
الحي، فلا يصدق الرجوع إلى العالم الا ان يكون المفتي عالما حال الرجوع، والميت ليس
بعالم حال الرجوع. ولا يمكن المساعدة على شئ مما ذكره في هذا المقام. أولا: انا
نفرض

(1) التوبة: 122.
425

صدور الفتوى قبل تولد الشخص وبعد بلوغه إلى حد التكليف ان المفتي حي بعد لم يمت
فيجوز لهذا الشخص العمل بذلك الفتوى مع أن اشكال صدق العنوان موجد فيه أيضا، فأي
زمان أنذر الفقيه هذا الشخص؟ والجواب عن هذا هو الجواب عن أصل الاشكال. وثانيا:
لازم ما ذكره انه إذا انذر الفقيه شخصا وقبل الحذر مات الفقيه يجوز التقليد لصدق
العنوان حينئذ، والمدعى عدم الجواز بحيث تشمل هذا المورد أيضا. وثالثا: الآية في
مقام بيان التحريض والترغيب إلى التفقه، والانذار والحذر بواسطة الانذار لا في مقام
بيان انه يشترط في المنذر الحياة، فلا يمكن التمسك بها. هذا مع أنه ذكرنا سابقا عدم
دلالة الرواية على التقليد فكيف باطلاقها!!. ورابعا: غاية ما يستفاد من الروايات
انه لابد من الرجوع إلى العالم حال الرأي بل عن بعض التعليلات الواردة في بعضها من أنه
يروي عني وغير ذلك يظهر انه لا موضوعية في المقام ابدا. والمدار صدق الرواية عن
الامام، ولو بمعنى الفتوى. مع أنه قد مر عدم كون الروايات في مقام جعل الحجية
تأسيسا، بل انها ناظرة إلى بيان أمر في طولها، فلا يمكن التمسك باطلاقها كما حقق في
محله من عدم وجود شرائط التمسك بالاطلاق في هذا النحو من الدلالة، وقد سميناها تبعا
لبعض أساتيذنا بالدلالة الاستلزامية. وقد يقال بان السيرة العقلائية القائمة
بالرجوع إلى الأعلم لا تفرق بين الحي والميت، فان المريض إذا علم بطبابة ابن سينا
لمرضه مثلا لا يرجع إلى الحي المخالف لذلك الميت الأدون منه في الفضيلة. ذكر سيدنا
الأستاذ ج مد ظله ج: ان هذه السيرة وان كانت قائمة لا يمكن انكارها، الا انه مضافا
إلى ردع الشارع عنها ان فتاوى الأموات متعارضة ولا تشمل السيرة للفتاوى المعارضة.
أقول: (أولا) لا دليل في المقام يوجب ردع السيرة غير الاجماع المدعى، ولا أقل من
426

احتمال كون مدركه ما ذكرنا من الوجوه، فلا يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام.
(وثانيا) المعارضة بين الفتاوى لا تنحصر في فتاوى الأموات بل المعارضة موجودة بين
فتاوى الاحياء والأموات جميعا، فأي تدبير جرى في علاج المعارضة في الاحياء يجري في
الأموات أيضا. (وثالثا) لا ينقضي تعجبي عما ذكره من أن السيرة غير شاملة لمورد
التعارض، مع أن السيرة العقلائية القائمة على الرجوع إلى الأعلم على مبناه ج مد ظله
ج انما هي في مورد المعارضة واختلاف الفتوى كما قاله هو أيضا. فتحصل انه لو كان
دليل التقليد السيرة العقلائية لابد من القول بجواز تقليد الميت ولو ابتداء، الا ان
يثبت ردع الشارع عنها. والذي يسهل الخطب ما ذكرناه من أن التقليد امر شرعي ولا يكون
مدركه السيرة العقلائية، ورجوع الجاهل إلى العالم في كل فن، بل الدليل عليه السيرة
المتشرعة في كل شرع، وبناء المتدينين في كل دين على أخذ معالمهم من عالمهم المأمون
على الدين والدنيا، وهذا لو لم نقل بانحصاره إلى الرجوع إلى الاحياء لا يدل على جواز
الرجوع إلى الأموات، فلا نحتاج إلى دليل الردع. وقد يقال بان الاستصحاب يدل على
جواز تقليد الميت بدعوى ان فتوى الميت كانت حجة في زمان حياة المجتهد فيستصحب
بالنسبة إلى ما بعد الموت أيضا. ذكر سيدنا الأستاذ ج مد ظله ج ان الاستصحاب وان
كانت أركانه تامة ولم يكن فيه اشكال في نفسه الا ان المعارضة المذكورة بين فتاوى
الأموات مانعة عن جريانها. مضافا إلى أن الاستصحاب في الشبهات الحكيمة غير جار، على أن
الحجية الفعلية لفتوى الميت بالنسبة إلى العامي الموجود متيقن العدم حدوثا.
والحجية التعليقية أي الانشائية التي مفاد القضية الحقيقية مشكوك الحدوث بالنسبة
427

إلى هذا الشخص، فان القدر المتيقن من ذلك حجيته بالنسبة إلى الموجودين. واما جعل
الحجية بالنسبة إلى المعدومين فمشكوك الحدوث. فأركانه الاستصحاب غير تامة، وهذا
نظير ما يقال في موارد استصحاب عدم النسخ، وان ادعى المحقق الأسترآبادي ج قدس سره ج
الاجماع على الجريان فيها فان الحجية الفعلية مقطوع العدم حدوثا، والحجية الشأنية
مشكوك الحدوث بالنسبة إلى هذا الشخص. أقول: أما ما ذكره من أن المعارضة بين فتاوى
الأموات مانعة عن جريان الاستصحاب ففيه ما مر من أنه ليس اشكالا في جريان الاستصحاب
غايته ترتيب حكم الاحياء على الأموات بواسطة الاستصحاب، مضافا إلى امكان استصحاب
حجية فتوى الأعلم منهم ان علم به، والا فعلى القول بالتخيير يستصحب التخيير أو
يستصحب الحجية في الجميع، والنتيجة التخيير بعد ذلك، والا فلا أقل من سقوط حجية
فتوى المجتهد الحي أيضا لو لم يكن اعلم من الأموات، والمقصود ان المعارضة بين
الفتاوى لا تكون مانعة عن الاستصحاب. واما ما ذكره من عدم جريان الاستصحاب في
الشبهات الحكمية فنوافقه ج دام ظله ج في المدعى لا في الدليل، فان عدم الجريان فيها
ليس لأجل التعارض بين الاستصحاب فيها واستصحاب عدم الجعل كما قال، بل الوجه فيه
تبدل الموضوع وتغاير القضية المتقنة والمشكوكة، والتفصيل في محله. واما ما ذكره من
الاشكال فمدفوع بان الحجية المجعولة للامارة ج ومنها فتوى المجتهد ج لا تكون الا
أمرا واحدا وحكما فاردا نظير سائر الأحكام المجعولة قانونا، ولا يكون فيها قسمان
فعلية وشأنية، ولم تجعل الا لنفس الفتوى، وليست فيها أي نسبة حتى يقال بالنسبة إلى
هذا كذا وبالنسبة إلى ذاك كذا، بل انها مجعولة بنحو القانون لنفس الفتوى ولو كان
قيدا كالحياة دخيلا فيها يدخل في موضوعها فتجعل الحجية لفتوى المجتهد الحي والا
428

فالموضوع لا يقيد بها. وعلى هذا نشير إلى فتوى المجتهد في زمان حياته ونقول كانت
حجية في ذلك الزمان قطعا سواء كان المجعول حجية فتوى المجتهد الحي أو كان المجعول
حجية فتوى المجتهد مطلقا، لانطباق كليهما عليها، والمفروض وقوع الشك بعد الموت فتتم
الأركان وتستصحب حجيتها. هذا تمام الكلام في أدلة المجوزين. وأما أدلة المانعية
فوجوه: الأول: دعوى الاجماع من علماء الشيعة، ومخالفة الأخباريين والمحقق القمي
لا يضر كما مر من احتمال المدرك، ولكن هذا الوجه لا يمكن المساعدة عليه لأنه يحتمل
استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية، فلا يكون كاشفا عن قول المعصوم، على أن مخالفتهم
وان يحتمل فيها الأستاذ إلى ما ذكر سابقا، الا ان احتمال عدم ذلك كاف في عدم كون
الاجماع كاشفا. الثاني: الاطلاقات الدالة على جواز التقليد ظاهرة في اعتبار الحياة.
وفيه ان الاطلاقات وإن كان موضوعها الحي الا انها ليست في مقام الحصر، واعتبار
الحياة في المفتي فبالنسبة إلى الميت من قبيل عدم الدليل على الجواز، لا الدليل على
عدم جواز تقليده. الثالث: انه ان أريد من جواز تقليد الميت جواز تقليد أي واحد منهم
فهذا وإن كان لا اشكال فيه ثبوتا. الا انه لا دليل عليه لعدم شمول الاطلاقات لجميع
الأموات لمعارضة فتاواهم بل الحجية لجميعها امر غير معقول، والحجية التخييرية ليست
مفاد الأدلة. وان أريد من ذلك جواز تقليد الأعلم بين الاحياء والأموات فينحصر في
الواحد ولابد من مراجعة جميع الناس لهذا الشخص، وهذا خلاف ضرورة الشيعة. ولكن بطلان
هذا الوجه غني عن البيان وان رضي به السيد الأستاذ ج مد ظله ج وقال: المهم هذا
الوجه، فإنه لا ينحصر في الواجد بل يجوز ان يكون في عصر شخص أعلما وفي العصر المتأخر
429

شخص اعلم منه وهكذا، مع أنه لا يرد الاشكال على القول بعدم وجوب تقليد الأعلم. وكيف
كان فهذا الوجه أيضا لا يتم، والمهم ما مر من أن التقليد امر شرعي لا دليل عليه الا
السيرة المتشرعة، وبعض الاطلاقات التي لا تكون متكفلة لتأسيس الحجية على الفتوى بل
كلها ارشاديات وفي طول الجعل. وهذا الدليل لو لم نقل باختصاصه بالاحياء فلا أقل من
عدم وجود اطلاق له يشمل الأموات أيضا. المقام الثاني: التقليد الاستمراري والبقاء
على تقليد الميت، فقد يستدل على جوازه بالسيرة العقلائية بدعوى ان السيرة قائمة على
رجوع الجاهل إلى العالم حيا كان أو ميتا، ولم يردع عنها الشارع المقدس الا بالنسبة
إلى التقليد الابتدائي. وجوابه يظهر مما سبق في المقام الأول، وبالاطلاقات
وتقريبها، واعتراض السيد الأستاذ ج مد ظله ج عليها والجواب عنه. ووجه عدم جواز
التمسك بها يعلم ما سبق أيضا وبالاستصحاب، فان الفتوى كانت حجة في حق هذا العامي
حال الحياة فيستصحب بعد وفاته، ولا يرد على هذا التقريب ما أشكل السيد الأستاذ ج مد
ظله ج على جريان الاستصحاب في التقليد. فان الحجية كانت فعلية في حق العامي،
ويستصحب الحجية الفعلية بعد الموت وان أجبنا عنه هناك أيضا، الا ان جريان هذا
الاستصحاب موقوف على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الذي لا نقول به، بل لو أريد
به الاستصحاب في الحكم الجزئي فأيضا لا نقول به، فان قضية هذه الفتوى كانت حجة وان
كانت مسلمة وصادقة، الا ان حجيتها لا تكون بهذيته قطعا، بل حيث إنه لا ندري بموضوع
الحجية في مقام الجعل سعة وضيقا نتردد في موضوع هذه القضية، وان المشار إليها في
موضوعها هل فتوى المجتهد الحي أو فتوى المجتهد مطلقا؟ فان الحكم المترتب على
الموضوع ولو سمي بالحكم الجزئي مترتب على حيثية عنوان موضوعه لا امر اخر فتصبح
430

القضية المتيقنة قضية منفصلة، والمفروض ان القضية المشكوكة قضية حملية، والا فلا شك
في المنفصلة حتى في الزمان اللاحق، فتغايرت القضيتان فلا تجري الاستصحاب. هذا ومن
هنا ظهر عدم امكان المساعدة لما افاده سيدنا الأستاذ المحقق ج مد ظله ج في هذا
الباب من التمسك بالاستصحاب، فراجع كلامه الشريف. فلم يبق الا الوجه الذي اخترناه
وبنينا عليه في أصل التقليد وهو قيام السيرة المتشرعة على ذلك، فلو أحرزنا ذلك في
موارد البقاء على تقليد الميت، والا فيقع الاشكال فيه، والله أعلم. والحمد لله رب
العالمين.
431