الكتاب: مصباح الفقاهة
المؤلف: السيد الخوئي
الجزء: ٣
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني
الطبعة: الأولى المحققة
سنة الطبع:
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: مكتبة الداوري - قم
ردمك: ٩٦٤-٩٠٩٠-٠١
ملاحظات: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (وفاة ١٤١١)

مصباح الفقاهة
1

مصباح الفقاهة
تقرير أبحاث
سماحة آية الله العظمى
السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره
بقلم
الشيخ محمد علي التوحيدي
الجزء الثالث
منشورات مكتبة الداوري
قم / إيران
3

خوئي، أبو القاسم 1278 - 1371
مصباح الفقاهة: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد
أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره)
بقلم محمد علي التوحيدي التبريزي - قم داوري، 1377.
5 ج
15000 ريال (هر جلد) (دوره) 1 0 - 9090 - ISBN 964
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرست نويسي پيش از انتشار).
أين كتاب در سالهاى مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر گرديده است.
كتابنامه
1 - معاملات (فقه) ألف - توحيدي، محمد على، 1303 - 1353، محرر بعنوان
6 م 9 خ / Br 190 373 / 297
1377 11456 - 77 م
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: مصباح الفقاهة ج 3
المؤلف: الشيخ محمد على التوحيدي
الناشر: مكتبة الداوري - قم - تليفون 732178
شابك: 5 - 2 - 90950 - 964 - (vol SET. 5)
المطبعة: العلمية - قم
الطبعة: الأولى المحققة
العدد: 1000 نسخة
4

البيع
5

بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيهات بحث الإجازة
قوله (رحمه الله): وينبغي التنبيه على أمور.
1 - الدليل على النقل والكشف هو الشرع لا مفهومها اللغوي
أقول: إن النزاع في باب الفضولي في أن الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس
من جهة أخذ ذلك في مفهوم الإجازة لغة أو عرفا أو انصرافا، بل من جهة
الحكم الشرعي.
حيث إن القائل بالكشف إنما يدعي استناد العقد إلى المالك المجيز
من حين العقد بواسطة الإجازة، فإن ما يسنده إلى نفسه ذلك العقد
فيقتضي ذلك أن يقال بالكشف، والقائل بالنقل يقول إن العقد مستند إلى
المالك حين الإجازة فلا بد من القول بانتقال الملك إليه أيضا في ذلك
الوقت، وهذان مختلفان في مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات، فلا بد من اثبات أن: أوفوا بالعقود (1) هل هو
متكفل بوجوب الوفاء على العقد من الأول وإن كان الاستناد في زمان

1 - المائدة: 1.
7

الإجازة، أو بوجوب الوفاء من زمان الإجازة فقط، وقد تقدم تفصيل
ذلك، فالمقصود هنا التنبيه على أن ذلك المعنى من ناحية الشرع.
ثم إن المالك المجيز لو أجاز العقد على خلاف ما بني عليه المفتي
ومجتهده، بأن بنى المقلد على الكشف فأمضى المالك من زمان النقل أو
من الوسط، أو كان المفتي بانيا على النقل فهو أجاز العقد من زمان العقد
وعلى طريقة الكشف، فهل يصح العقد حينئذ أو يفسد، وعلى تقدير
صحته فهل يقع من زمان الإجازة على النقل ومن حين العقد على الكشف
أو يقع من زمان تعلق إجازته به؟
والظاهر هو التفصيل بين القول بالكشف وبين القول بالنقل، فعلي
الأول فيحكم بالبطلان وعلى الثاني فلا.
وبيان ذلك، أما وجه البطلان على الأول، فالذي استندنا إليه في اثبات
الكشف هو أن مقتضى العمومات استناد ذلك العقد الذي أوقعه الفضولي
إلى المالك المجيز بالإجازة وصيرورته عقدا له من حين صدوره
وتحققه، ولا قصور في اثبات ذلك في العمومات كما تقدم، فإنه قلنا إن
الاهمال في الواقع غير معقول فلا بد من الاطلاق أو التقييد، ولا شبهة أن
المنشأ بالعقد الفضولي هو الاطلاق، إذن فلا وجه للالتزام بكونه ممضي
من زمان الإجازة، بل لا بد وأن يمضي على النحو الذي أنشأه
المتعاقدان.
وبالجملة حيث إن الظاهر من كون المنشأ بالعقد الفضولي مطلقا لعدم
التقييد وعدم الاهمال في الواقعيات، فبالإجازة يستند ذلك العقد إلى
نفس المالك المجيز بمقتضى العمومات والاطلاقات، فيكون عقدا له،
وعلى هذا المنهج فلو أجازه المجيز من الوسط أو من زمان الإجازة
فلا يمكن تصحيح مثل ذلك العقد، لأن المنشأ عبارة عن الملكية المطلقة
8

ولم تقع عليه الإجازة، وما وقعت عليه الإجازة لم تنشأ، فيكون باطلا.
وبعبارة أخرى أن المنشأ بالعقد الفضولي واجد لجميع الشرائط التي
تعتبر فيه إلا الرضا، فلا بد من القول بصحته من انضمام ذلك الرضا بذلك
العقد المنشأ على النحو الذي قد أنشأت، وإلا فيحكم ببطلانه.
وأساس ذلك هو ما تقدم من لزوم المطابقة بين الايجاب والقبول، فإن
الإجازة وإن لم تكن قبولا حقيقة لتمامية العقد بالفضولية ايجابا وقبولا
وإلا لكان باطلا للفصل الطويل بين الايجاب والقبول، إلا أن ملاك لزوم
المطابقة بين الايجاب والقبول موجود هنا، فإنه كما لو تخلف الايجاب
عن القبول لكان العقد باطلا، بأن تعلق الايجاب مثلا بالزوجية الدائمية
وقبل الزوج الزوجية المنقطعة، أو تعلق الايجاب ببيع الدار والقبول
بملكية البستان، أو تعلق الايجاب ببيع الدار والقبول باستيجارها.
فإن في جميع ذلك يحكم ببطلان العقد لتخلف الايجاب عن القبول،
وأن ما أنشأه المنشئ غير ما قبله القابل، فبمقتضى القاعدة يكون العقد
باطلا وكذلك الحال في قضية الإجازة، فإن روح العقد وقوام صحته
بذلك، والعقد إنما هو توجد بالايجاب والقبول على النحو الذي قد
أنشأ بهما، فلا بد في صحة ذلك من سريان ذلك الروح إلى تمام المنشأ،
بحيث أفضى ذلك العقد المنشأ بذلك الرضا، فلو تعلق بغير المنشأ
فلا يمكن الحكم بصحة شئ منهما، أما المنشأ بالفضولي فلفقدان الرضا
لعدم تعلقه به على الفرض، وأما ما تعلق به الرضا فلفقدان الانشاء، لعدم
كونه منشأ على الفرض.
وبالجملة ملاك لزوم التطابق بين الايجاب والقبول بعينه موجود هنا،
فلا بد من صحة العقد الفضولي على القول بالكشف من مطابقة الإجازة مع
المنشأ كما هو واضح لا يخفى.
9

وأما على القول بالنقل، فالظاهر هو الصحة مع مخالفة الإجازة عن ما
بنى عليه المفتي، بأن أجاز من حين العقد أو من الوسط نظير القول
بالكشف، وذلك نظير بيع شئ قبل سنة بحيث يكون نماؤه من تلك
السنة للمشتري، فإن مثل ذلك لا يضر بالمطابقة، فإن التخلف بين
الايجاب والقبول ولو بمقدار لا يكون فصلا طويلا مما لا بد منه، مع أن
الايجاب هو انشاء المنشأ من حين الايجاب والقبول بعد دقيقة أو
دقيقتين فلم يحصل المطابقة بينهما، ولكن مثل ذلك لا يضر بالمطلب
قطعا للسيرة القطعية على عدم اضراره بالعقد.
نعم فيكون إجازته هذا مع قصد شرعية هذا العقد تشريعا محرما
ولغوا ومع عدم قصد شرعيته لغوا فقط، كما يكون البيع قبل سنة أيضا
لغوا لكونه على خلاف الارتكازات العرفية وعلى خلاف المتعارف
فلا تشمله الأدلة فلا يكون حراما، فكيف كان فلا يضر بصحة العقد
وشمول أدلة الصحة على ذلك.
2 - اعتبار اللفظ في الإجازة
قوله (رحمه الله): الثاني: أنه يشترط في الإجازة أن يكون باللفظ الدال عليه على وجه
الصراحة.
أقول: المحتملات هنا أربعة:
الأول: اعتبار اللفظ الصريح في الإجازة، فلا يكتفي بالكناية فضلا عن
غير اللفظ.
الثاني: الاكتفاء بكل لفظ دل على الرضا ولو بالكناية.
الثالث: عدم الحاجة إلى اللفظ أيضا وكفاية الانشاء الفعلي نظير بيع
المعاطاتي.
10

الرابع: إلغاء الانشاء قولا وفعلا والاكتفاء بمجرد الرضاء الباطني في
طرف الإجازة وبالكراهة الباطنية في طرف الرد.
وربما يقال باعتبار اللفظ الصريح في الامضاء، لأن الاستقراء
والتفحص يدلنا على اعتبار اللفظ في الايجاب والقبول، فمقتضى ذلك
عدم كفاية غير اللفظ الصريح في الإجازة أيضا.
وفيه على تقدير قبول تمامية الاستقراء فإنما هو في الايجاب والقبول
فقط فلا يسري بالإجازة، حيث إن العقد قد تم، وكون الإجازة مثل
القبول في التطابق لا يقتضي كونها مثله من جميع الجهات.
وقد استدل بعضهم على اعتبار اللفظ الصريح بأن الامضاء مثل البيع
في استقرار الملك، وقد نسبه المصنف إلى المصادرة وهو كذلك، بل
ظاهر رواية عروة البارقي كفاية الكناية في الإجازة، ولو كان اللفظ
الصريح لازما في البيع، فإن قوله (صلى الله عليه وآله): بارك الله في صفقة يمينك (1)،
من لوازم امضاء العقد، لا أنه بنفسه مصداق للإجازة، إذن فيكفي في
الامضاء مثل أحسنت ونحوه.
إذن فلا دليل على اعتبار اللفظ الصريح في الإجازة والرد، بل لا دليل

1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عرض للنبي (صلى الله عليه وآله) جلب، فأعطاني دينارا وقال:
أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة، قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين
بدينار فجئت أسوقهما، أو قال: أقودهما، فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار، فجئت
بالدينار، فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: كيف صنعت؟ قال: فحدثته
الحديث، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين
ألفا قبل أن أصل إلى أهلي، وكان يشتري الجواري ويبيع (مسند أحمد 4: 376، السنن الكبرى
للبيهقي 6: 112، وفي مستدرك الوسائل 13: 245 عن ثاقب المناقب: 40، عوالي اللئالي
3: 205، الرقم: 36)، ضعيفة.
الجلب: ما جلب من خيل وإبل ومتاع إلى الأسواق للبيع.
11

على اعتبار اللفظ أصلا، ويكفي فيه مطلق ما يوجب انشاء الإجازة
ويكون مبرزا للرضا الباطني، بحيث يحكم باستناد العقد إليه عرفا بدليل
الوفاء بالعقد ولو كان فعلا، كتمكين الزوجة نفسها من الزوج واعطاء
المالك العين المبيعة للمشتري وهكذا وهكذا.
بل هذا هو المتعين، فإنه لا شبهة في صدق الانشاء والابراز والاظهار
بكل ما يوجب ذلك من الفعل أو القول ولو كان بتحريك الرأس، وإذا
صدق عليه انشاء الرضا الباطني عرفا وصدق عندهم استناد العقد إلى
المجيز فبمجرد ذلك تشمله العمومات والاطلاقات، فيحكم بصحته
ولزومه، ومع هذا أي شئ يمنع عن نفوذ ذلك العقد وصحته كما هو
واضح.
وبالجملة لا مانع من صدق العمومات على ذلك العقد الفضولي إذا
انضم إلى المالك المجيز عرفا بأي نحو كان الانضمام، فإن المناط في
صحة العقد الفضولي ليس إلا استناد العقد إليه ولا يعتبر شئ آخر ورائه
كما لا يخفى.
الاستدلال على كفاية مطلق رضى الباطني في الإجازة
ثم إن العلامة الأنصاري (رحمه الله) قرب الاحتمال الرابع وكفاية مطلق رضي
الباطني في الإجازة، فلو علم ذلك ولو بغير مظهر ومبرز فيكفي في
صحة العقد الفضولي.
واستدل عليه بوجوه وقد تعرضنا لذلك في أول البيع الفضولي عند
عدم اعتبار الرضا المقارن في اخراج العقد من الفضولية إلى غير
الفضولية، فحيث اكتفى المصنف بكفاية رضا المقارن في ذلك فاكتفي
بكفاية رضي الباطني المتأخر في الامضاء أيضا.
12

1 - مما استدل به على مقصده لصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع
في امرأة زوجت نفسها من رجل في سكرها ثم أفاقت وعرض لها النكاح
فأقامت معها مقام الزوجة فقال (عليه السلام): إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو
رضي منها (1).
ووجه الاستدلال بها هو حملها على صورة توكيل الغير في حال
سكرها في التزويج، بحمل ذلك التوكيل على الفضولية، وإلا فلا اعتبار
بعقد السكران لو كانت بنفسها مباشرة للعقد، كما في حاشية السيد (2).
وفيه أن نفس الاقدام بذلك إجازة فعلية للعقد الفضولي، فليست فيها
دلالة بكفاية الرضا الباطني من دون كاشف ومبرز وإلا فلا مبرز له، ومن
أين علم ذلك.
2 - ما في بعض أخبار الخيارات: ما أحدث فيه المشتري حدثا قبل
ثلاثة أيام فذلك رضا منه ولا شرط له، وقيل له: وما الحدث؟ قال: إن
لامس أو قبل - الخ (3).

1 - عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة ابتليت بشرب
النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أنه يلزمها
ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر
ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها، قلت: ويجوز ذلك
التزويج عليها؟ فقال: نعم (التهذيب 7: 392، الفقيه 3: 259، عيون الأخبار 2: 19، عنهم
الوسائل 20: 294)، صحيحة.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 158
3 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13، صحيحة.
13

فاستدل بها بأن الظاهر من قوله: فذلك رضا، كفاية الرضا في الإجازة
والامضاء، وكون المناط في ذلك هو الرضا فقط.
وفيه أن ذلك إشارة إلى الحدث الذي هو من الأفعال، فيكون الخبر دالا
على كفاية الرضاء المظهر بالمظهر لا بكفايته مجردا عن ذلك، فلولا كون
ذلك الحدث مظهر للرضا فمن أين علم ذلك.
3 - الأخبار الواردة في تزويج العبد بدون إذن سيده، حيث إن المانع
من ذلك عصيان المولي فيرتفع برضاه (1)، والأخبار الأخر الواردة في
تزويج العبد بغير إذن سيده مع سكوت سيده، فقد علل بأن سكوت سيده
اقرار له بالعقد (2)، وغير ذلك من الأخبار الواردة في خصوص تزويج العبد

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم
اطلع على ذلك مولاه؟ قال: ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرق
بينهما فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدي فأصدقها صداقا كثيرا وإن أجاز نكاحه فهما على
نكاحهما الأول، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر (عليه السلام):
إنما أتي شيئا حلالا وليس بعاص لله، إنما عصى سيده ولم يعص الله، إن ذلك ليس كاتيان ما
حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه (الكافي 5: 478، التهذيب 7: 351، الفقيه 3: 283،
عنهم الوسائل 21: 115)، صحيحة.
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى
سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم
النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز (الكافي 5: 478، التهذيب
7: 351، الفقيه 3: 350، عنهم الوسائل 21: 114)، صحيحة.
2 - عن معاوية بن وهب قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إني كنت مملوكا لقوم
وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدد نكاحي إياها حين
أعتقت، فقال له: أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال: نعم وسكتوا عني
ولم يغيروا على، فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم، أثبت على نكاحك الأول (
الكافي 5: 478، التهذيب 8: 204، عنهما الوسائل 21: 117)، صحيحة.
عن الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت
بغير إذن مولاي، ثم اعتقني الله بعد فأجدد النكاح؟ قال: فقال: علموا أنك تزوجت؟ قلت:
نعم قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا، قال: ذلك اقرار منهم أنت على نكاحك (الفقيه
3: 283، التهذيب 8: 343، عنهما الوسائل 21: 118)، صحيحة.
14

بغير إذن سيده، الظاهرة في صحتها مع رضا المولي وإن لم يظهره
بمظهر، فيعلم من ذلك كفاية الرضا الباطني في الامضاء، حيث إن صحة
عقد العبد أيضا متوقف على إجازة المولي.
وفيه مضافا إلى كون السكوت رضى فعليا لكونه من الأفعال فيكون
كاشفا عن الرضا فلا تكون تلك الروايات دالة على كفاية مجرد الرضا
الباطني، أنه تقدم أن تلك الأخبار خارجة عن العقد الفضولي، فإن في
العقد الفضولي أن الإجازة من المالك الذي ينسب العقد إليه ويستند إليه
ويكون العقد عقده.
وهذا بخلاف عقد العبد بدون إذن سيده، فإن طرف العقد ومن يستند
إليه العقد هو نفس العبد والمولي خارج عن ذلك، غاية الأمر أن إجازته
دخيلة في صحة العقد، كإجازة العمة والخالة في صحة عقد بنت الأخ
وبنت الأخت.
فلو دلت هذه الروايات على كفاية الرضا الباطني من المولي على عقد
العبد فلا يكون مربوطا بما نحن فيه بوجه.
نعم مع قطع النظر عن هذا الاشكال أن الأخبار الدالة على صحة عقد
العبد بدون إذن سيده لأجل أنه عصى سيده ولن يعص الله لا بأس من
دلالتها على كفاية الرضا، لما ذكره الشيخ من أن عصيان السيد يرتفع
بالرضا.
15

وأما التمسك في ذلك بالآيات من: أوفوا بالعقود (1) ونحوه فبديهي
البطلان، لأن العمومات غير شاملة لعقد غير المالك إلا بعد الانتساب كما
عرفت، والانتساب لا يكون إلا بانشاء الإجازة واظهار الرضا عرفت
بمظهر فعلي أو قولي كما مر.
وأما كلمات الفقهاء فأيضا بوجوه:
1 - أنه ذكر بعضهم أنه يكفي في إجازة البكر السكوت (2)، فهذا يدل
على كفاية مجرد الرضا الباطني لا أن الرضا ليس بشرط فيه.
وفيه قد عرفت من السكوت من جملة الأفعال فيكون مبرزا فعليا
للرضا، وإلا فمن أين علم أن البكر راض بذلك العقد.
2 - أنه علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من
الرضا فلا يدل عليه، فالعدول عن التعليل من عدم اللفظ إلى عدم الدلالة
كالصريح في كفاية الرضا الباطني، وإلا كان حقه أن يقال: السكوت
لا يكفي في الإجازة لعدم اللفظ.
وفيه أنه صريح فيما ذكرنا لا فيما ذكره المصنف، والعجب منه كيف
غفل عن ذلك، فإن قولهم إن السكوت أعم من الرضا صريح في أن
السكوت تارة يدل على الرضا وأخرى لا يدل، فإن الانسان تارة يسكت
برضاية وأخرى يسكت بدون الرضاية، وردهم كفاية السكوت من جهة
عدم دلالة الأعم على الأخص كما هو قضية منطقية بديهية.
وهذا صريح في أن السكوت غير الرضا وإنما يدل عليه في بعض

1 - المائدة: 1.
2 - عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): في المرأة البكر أذنها
صماتها، والثيب أمرها إليها (الكافي 5: 394، قرب الإسناد: 159، عنهما الوسائل 20: 274)،
صحيحة.
16

الأحيان، كما هو واضح لا يخفى.
3 - أنه ذكر بعضهم أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه الوكيل من
المعاملة فحلف انفسخت، لأن الحلف يدل على كراهتها.
وفيه أن العقد تارة يكون خياريا وأخرى غير خياري، فعلى الأول
فقيامه على مقام الحلف وانكار الوكالة يكون موجبا للفسخ كما هو معنى
العقد الخياري، وعلى الثاني فبانكار الإذن والوكالة يكون فضوليا فيكون
أيضا قيامه مقام الحلف ردا فإنه أيضا من الأفعال له، وعلى أي حال
يكون خارجا عن ما ذكره الشيخ (رحمه الله).
وعلى تقدير دلالة كلمات بعض العلماء على ذلك بل تصريحهم على
ذلك فأيضا لا يدل هذا على كفاية مجرد الرضا الباطني في الامضاء، فإنه
لا دليل على حجية قولهم لنا وإنما هم أفتوا بذلك بحسب اجتهادهم
وفهمهم ذلك من بعض الروايات أو صدق العمومات بمجرد الرضا،
وقد عرفت جوابها.
ثم إن بين ما ذكرنا وما ذكره المصنف (رحمه الله) ثمرة بين، حيث إنه على ما
ذكره المصنف يكون البيع بمجرد كشف رضا المالك ممضى بخلافه
على ما ذكرنا، فإنه ما لم يبرز الرضا الباطني بمبرز لا يفيد لنا عن الإجازة.
3 - عدم سبق الرد على الإجازة
قوله (رحمه الله): الثالث: من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد.
أقول: وقد استدل المصنف على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد
عليها بوجوه:
1 - قيام الاجماع على ذلك.
وفيه: أنه مضافا إلى منع حجية الاجماع المنقول أن تحققه ممنوع،
17

لأنه لا اشعار به في كلمات القدماء والمتأخرين إلا في كلام الشهيد في
القواعد (1).
ومع ذلك كيف يمكن دعوى الاجماع عليه، على أن الاجماع إنما
يكون حجة إذا لم يكن له مدرك معلوم بل يكون مدركه قول المعصوم
(عليه السلام)، فيكون حجة من باب التعبد المحض، ومدركه هنا الوجهان
الآخران وسنذكرهما، فلا أقل من احتمال ذلك، فإن حجيته مشروطة
بالعلم بعدم ابتنائه على مدرك معلوم، ويكفي منع ذلك احتمال الابتناء
بمدرك آخر.
2 - إن الرد مما يوجب انحلال العقد وانعدامه، إذ الرد الفاصل بين
العقد والإجازة بمنزلة ما يتخلل بين الايجاب والقبول ويوجب
خروجهما عن عنوان صدق العقد عليهما.
بيان ذلك أن قوام العقد وتحققه في وعائه إنما هو بالتعاهد والتعاقد
بين الموجب والقابل وارتباط التزام كل منهما بالتزام الآخر ليحصل
العقد، وبعبارة أخرى أن من الأمور الحاصلة بفعل الطرفين الموجب
والقابل والايقاع عبارة عن فعل شخص واحد وقائم به، فلو لم يكن بين
الايجاب والقبول ربط وعقدة لانقلب إلى الايقاع.
وعلى هذا فكما لو انفصل بين الايجاب ما يوجب خروجهما عن
ارتباط أحدهما بالآخر واتصالهما بحيث يكون الايجاب ايجابا لهذا
العقد والقبول قبولا لهذا وكذلك الرد، فإن الإجازة في البيع الفضولي
بمنزلة القبول.
وفيه إن كان المراد من تخلل ما يوجب خروج الايجاب والقبول عن
عنوانهما اعراض الموجب عن ايجابه وفسخه ما أنشأه من الايجاب فهو

1 - صرح به في الجواهر 22: 278.
18

متين، فإن الايجاب إنما يؤثر في الملكية إذا بقي على حاله ولم يعتريه ما
يوجب زواله.
وإذن فلو رجع على ايجابه فلا يفيده بوجه، وإن كان المراد من ذلك
اعراض القابل عن ذلك ورده على الموجب وعدم قبوله ايجابه ثم ندم
فله أن يقبل ذلك الايجاب، فإن رد القابل على الموجب لا يخرج ايجابه
عن التأثير ما لم يخرج عن الايجابية بواسطة الأمور الأخر الموجبة
لبطلانه، ولا دليل على انهدامه برد القابل.
إذن فالمطلب ليس بتمام في المقيس عليه، وأما المقيس فلو سلمنا
كون رد القابل كرد الموجب موجبا لبطلان الايجاب وعدم تأثيره في
الملكية فلا نسلم ذلك في الإجازة، للفرق الواضح بين القبول بالنسبة إلى
الايجاب وبين الإجازة بالنسبة إلى الايجاب والقبول، فإن العقد كما
عرفت تماميته إنما هو بالايجاب والقبول ولو خلا عن أحدهما لا يتحقق
العقد لعدم تحقق التعاهد والتعاقد، فحيث إن الرد من ناحية الموجب أو
من ناحية القابل أوجب رد الايجاب فما نعزل عن الايجابية فيبقي القبول
منفردا فهو على وحدته لا يكون عقدا.
وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن العقد قد تم بالايجاب بتمامه ولم يبق
في البين إلا رضاية المالك ليكون ذلك تجارة عن تراض ومنتسبا إلى
المالك.
وحينئذ إن رد الأصيل ذلك العقد مع كون أحد طرفيه أصيلا ثم أجاز
فقد تقدم الكلام في تأثيره وعدمه، وإن رد الفضولي ثم طرأه الرضا
وأجاز فهل يوجب رده هذا خروج العقد عن قابلية لحوق الإجازة به أو
لا؟
الأظهر هو الثاني، لأن رده هذا لا يوجب انحلال العقد ولا يضر بصدق
19

عنوانه على ذلك وعن قابلية انتسابه إلى المالك بالإجازة لعدم الدليل
عليه، كما قلنا بعدم تماميته في المقيس عليه مع كون الايجاب من أحد
أطراف العقد وكيف في المقام، حيث تم العقد ولم يبق إلا انتسابه إلى
المالك، فرد الفضولي لا يخرجه عن قابلية الانتساب، ولا دليل على
تأثير رده في انحلال العقد، ولا مانع عن التمسك بالعمومات
والمطلقات بعد الإجازة لصدق عنوان العقد على هذا وصدق أن العقد
عقده فيجب الوفاء عليه.
وبعبارة أخرى أن دليل الوفاء بالعقد سيق بعنوان القضية الحقيقية فإنما
تحقق العقد وصدق عليه عنوان العقد عرفا فيشمله ذلك الدليل فيحكم
عليه بوجوب الوفاء، وفي المقام حيث يصدق على العقد الفضولي مع
تخلل الرد من الفضولي بين العقد والإجازة أنه عقد عرفا فيشمله: أوفوا
بالعقود (1)، فيحكم عليه بوجوب الوفاء.
3 - إن دليل السلطنة (2)، وهو يقتضي سلطنة المالك على ماله ومقتضى
ذلك تأثير الرد في العقد وكونه موجبا لقطع علاقة الطرف الآخر عما
انتقل إليه، فإنه قد حصل بواسطة البيع الفضولي شأنية كونه للطرف الآخر
في ذلك المال، فلو لم يكن له إزالة تلك الشأنية للزم الخلف في دليل
السلطنة وعدم كونه مسلطا على ماله، فبمقتضى ذلك يكون مالكا على
الرد ليزول ذلك السلطنة.
وفيه أولا: إن دليل السلطنة نبوية مرسلة فلا تكون حجة لعدم انجباره
بشئ.
وثانيا: إنه قد تقدم سابقا أن دليل السلطنة ليس مشرعا في مفاده

1 - المائدة: 1.
2 - البحار 2: 272.
20

وناظرا إلى الأحكام الشرعية، بحيث لو شككنا في ترتب بعض الأحكام
على الأملاك نتمسك بدليل السلطنة، كما إذا شككنا أن لبس السنجاب
جائز في الصلاة أو غير جائز فنمسك بدليل السلطنة، أو أن أكل شئ
فلأني جائز أو لا فنتمسك بذلك، أو أن بيع الميتة ونحوها جائز أم لا،
فنتمسك بدليل السلطنة وهكذا، بل إنما نتمسك به بعد الفراع عن الحكم
الشرعي من الجواز وعدمه والشك في أن للغير حق المنع عن ذلك، كما
في المهجور والمجنون والصبي والسفيه أو لا، وبمقتضى ذلك يحكم
بعدم جوازه وأنه ليس للغير ذلك.
وبالجملة أن مقتضى تسلط الناس على أموالهم عدم جواز مزاحمة
الغير عن تصرفاته فيما له ذلك شرعا وثبت جوازه وكان مفروغا عنه قبل
شمول دليل السلطنة، وإنما دليل السلطنة ناظرة فقط إلى منع الغير
وحجبه عن ذلك التصرف الجائز.
وبعبارة أخرى أن موضوعه ثبوت الجواز قبله وبعد ثبوته وهو متكفل
لمنع الموانع الخارجية دائما وليس له في اثبات أصل الجواز مانع بوجه
أصلا، وإلا يلزم أن يكون الناس مسلطا على أحكامهم بدليل السلطنة
ويكون ذلك الدليل مشرعا.
وثالثا: لو سلمنا كون دليل السلطنة مشرعا وناظرا إلى الأحكام أيضا
ولكن لا يشمل المقام نقضا وحلا.
أما النقض، فلأنه لو كان دليل السلطنة متكفلا لاثبات كون الرد مزيلا
لقابلية كون المال للغير بإجازة المالك ومانعا عن بقاء علاقة الطرف الآخر
فيه لكان مانعا من الحدوث وعن أصل انعقاد بيع الفضولي صحيحا،
حيث إن ثبوت علاقة الغير في المبيع فضولا خلاف مقتضى سلطنة
المالك، فلو كان ذلك مانعا عن البقاء فأولى أن يكون مانعا عن الحدوث،
21

والحال أنه غير مانع من الحدوث، فيعلم من ذلك أنه غير مانع عن البقاء
أيضا فلا يؤثر رده في سقوط المبيع عن قابلية انتقاله إلى الغير بالإجازة
لو كانت تلك القابلية ثابتة بالبيع.
وأما الحل، فبأن تلك القابلية في الأموال ثابت من الأول وقبل البيع
الفضولي، حيث إن لكل مالك له أن يبيع ماله من الغير برضايته وطيب
نفسه ويجيز ذلك البيع من دون أن يثبت للطرف الآخر هنا حق وعلاقة،
غاية الأمر ففي صورة بيع ذلك المالك فضولة تحقق أحد جزئي ذلك
الموضوع المركب، أعني جواز البيع وكونه برضاية المالك وإجازته
بفعل الفضولي أعني العقد، وبقي الجزء الآخر أعني الإجازة وذلك من
الأحكام الشرعية للمالك في أموالهم وليس مربوطا بدليل السلطنة، بل
قبل ذلك الدليل وبدليل السلطنة هنا يمنع عن منع الغير من ايجاد ذلك
الموضوع المركب أعني البيع مع الرضاية والإجازة الذي من الأحكام الشرعية.
وبعبارة أخرى جواز البيع وإجازته من الأحكام الشرعية الثابتة
للملاك مع قطع النظر عن دليل السلطنة، سواء كان هناك دليل السلطنة أم
لم يكن، نعم في أجراء ذلك الحكم في البيع الفضولي لا نحتاج إلى العقد
لتحققه بل إلى الإجازة فقط لتحقق الموضوع لانتقال المال إلى الغير.
وأوضح من ذلك أن الفضولي لم يرد شيئا في ذلك المال الذي باعه
لتنافي سلطنة المالك ويكون ذلك علاقة لطرف الآخر كما توهم وبني
عليه أساس الاستدلال، حتى يدفع ذلك بدليل السلطنة ويقال أن يدفع
ذلك.
فلو لم يؤثر للزم أن لا يكون الانسان مسلطا على ماله، وإنما الفضولي
قد أوجد موضوع الإجازة الذي عبارة عن العقد بحيث كان قبل ذلك
22

اختيار ايجاده وعدمه تحت يد المالك بأن يوجد الموضوع المركب من
العقد والإجازة وكان ذلك ثابتا من الأول، ولكن إذا أوجد الفضولي أحد
جزئي ذلك الموضوع المركب كان الجزء الآخر تحت اختيار المالك له
أن يوجده وله أن لا يوجده.
ولو كان دليل السلطنة متكفلا لاثبات جواز الرد للمالك الفضولي
بحيث أن يبقي الرد موضوعا للإجازة للزم أن يكون نفسه معدوما لنفسه،
فإنه عرفت أن الفضولي لم يفعل شيئا ينافي سلطنة المالك حتى يدفع
بدليل السلطنة بل أوجد موضوعا للإجازة، فليس هنا للمالك المجيز إلا
الإجازة وعدمه، فالإجازة تثبيت وعدمها تحليل، وإلا فالرد ليس له أثر
وإن كان مشوبا بسوء الخلق وضيق النفس، وبعبارة أخرى أحد جزئي
موضوع المعاملة، و على هذا لو ثبت بدليل السلطنة ما يمنع عن نفوذ
إجازة المالك المجيز للزم اعدام نفوذ الإجازة بدليل السلطنة، وهذا ما
قلنا من اللازم.
وببيان آخر أن المال حسب انحفاظه تحت سلطنة مالكه في عمود
الزمان لو أراد أحد التصرف فيه بغير إذن أهله يتوقف على إذنه ولو منع
عن تصرفات مالكه بأنحاء التصرفات، فيدفع ذلك بدليل السلطنة، وأما
لو لم يمنع عن تصرفات المالك بوجه ولا أنه تصرف فيه بغير إذنه بل فعل
فعلا فيه من دون تصرف يكون فعله هذا موضوعا لفعل البايع في ايجاد
غرض من الأغراض بحيث لو كان بنفسه مباشر الايجاد ذلك الغرض كان
عليه ايجاد ما فعله الغير مع ما يحتاج صدوره عليه.
فحينئذ لا يكون دليل السلطنة دافعا لذلك بل فعله هذا مؤيد لذلك
الدليل، ولو أريد اثبات الرد بدليل السلطنة فمعناه كما ذكرنا ليس إلا منع
تأثير الإجازة وسد بابها، مع أنها ثابتة بدليل السلطنة فيلزم من شموله
23

اعدام نفسه بنفسه وهذا من الوضوح بمكان.
ثم إن من العجائب قياس الأستاذ (1) الرد بالإجازة، بأنه كما ليس للمالك
فسخ العقد بعد إجازته وكذلك ليس له امضائه بعد رده.
ووجه العجب أن الإجازة تثبيت العقد وتقريره في مقره بخلاف الرد،
فإن كونه موجبا للفسخ أول الكلام كما عرفت.
فالصحيحة الظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد فعلى مقتضى القاعدة،
وتكون مؤيدة لما ذكرنا مع قطع النظر عما تقدم من عدم تحقق الرد بذلك
الأخذ.
نعم لها اشعار إلى ذلك من جهة احتمال عدم إرادة ذلك التوجيه الذي
ذكرناه، وكذلك لا وجه لقياس الرد بالفسخ من أنه كما لا يجوز الامضاء
بعد الفسخ، وكذلك لا يجوز الإجازة بعد الرد، وذلك أن تأثير الفسخ في
العقود الخيارية إنما ثبت بدليل شرعي وهذا بخلاف الرد، فإنك قد
عرفت عدم تأثيره في العقد الفضولي بوجه لعدم الدليل عليه، بل ليس
هنا إلا الإجازة وعدم الإجازة كما عرفت.
مناقشات في اثبات جواز الرد بدليل السلطنة وجوابها
ثم بقي هنا أمران:
1 - إنه قيل: إن اثبات جواز الرد بدليل السلطنة يوجب تعارضه في
مفهومه، فإنه يوجب اثبات جواز الإجازة أيضا فيقع التعارض بين مفهومه
من حيث اثبات الرد واثبات الإجازة لأن اثبات كل منهما موجب لاسقاط
الآخر.
وفيه أنه مع الاغماض عما ذكرناه من عدم شمول دليل السلطنة على

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 125.
24

الرد أن هذا توهم فاسد، إذ ليس شمول دليل السلطنة على الرد في عرض
شموله على الإجازة ليقع بينهما التعارض بل شموله على كل منهما في
طول الآخر وبأيهما شمل أولا يوجب اعدام الآخر، ولا يكون تعارض
بوجه لأن الشمول على نحو البدلية لا بعنوان المجموع من حيث
المجموع كما توهم.
2 - أنه ذكر شيخنا الأنصاري (رحمه الله) بعد دعوى ظهور الصحيحة (1) فيما
ذكرنا: اللهم إلا أن يقال: إن الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف بل
لا بد من انشاء الفسخ، ودعوى أن الفسخ هنا ليس بأولى من الفسخ في
العقود اللازمة وقد صرحوا بحصوله بالفعل، يدفعها إن الفعل الذي
يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطي والعتق ونحوهما
لا مثل أخذ المبيع.
وفيه أنه لا شبهة في كون الفسخ بالفعل ككونه باللفظ، إلا أن جعله
الأخذ غير كاف في الفسخ لا وجه له، بل هو كسائر الأفعال في تحقق
الفسخ به، كيف فهل يجوز الالتزام بجواز أخذ مال الغير بدون إذنه، فإنه
لو قلنا بعدم تحقق الفسخ به للزم القول بجواز أخذ مال الغير، بل هذا من
أقوى ما به يتحقق الفسخ، ولكن لا يمكن الالتزام بتحقق الرد بالأخذ في
باب الفضولي.

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة باعها
ابن سيدها وأبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاما، ثم جاء سيدها الأول
فخاصم سيدها الآخر فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها،
فناشده الذي اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع، فلما أخذه قال
له أبوه: أرسل ابني، قال: لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد
الوليدة أجاز بيع ابنه (الكافي 5: 211، التهذيب 7: 74 و 7: 488، الإستبصار 3: 85، الفقيه
3: 140، عنهم الوسائل 21: 203)، صحيحة.
25

وما توهم من الأولوية، من أنه يكفي الفسخ به في باب العقود وفي
الفضولي لا بد وأن يكون كافيا بالأولوية فبلا وجه، بل المطلب على
عكسه، وذلك من جهة أن الفسخ وإن كان رفعا والرد دفعا إلا أن مجرد
ذلك لا يوجب كون مؤونة الدفع أقل من الرد حتى يثبت بالأولوية على
الدفع كلما يكون ثابتا على الرد، ولكن العقد بعد صدوره من الأصيل
يكون مؤثرا في حصول الملكية للطرف الآخر ولو كان عقدا خياريا
ويكون المبيع ملكا للمشتري، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيه أو يأخذه.
ومع ذلك لو أخذه البايع مع كونه ذا خيار فيكون ذلك فسخا منه للعقد
كما أنه لو لم يكن ذي خيار لكان أخذه هذا حراما لكونه تصرفا في مال
الغير.
والسر في ذلك أن المال بما أنه مال للغير فيكون الأخذ ظاهرا في
الفسخ مع كون الأخذ ذو خيار، وهذا بخلاف أخذ المالك المجيز فإنه ما
لم يجز العقد كان له أن يتصرف في ماله كيف شاء لكون ذلك من شؤون
المالكية على شئ.
إذن فأخذ المالك ماله لا يدل على الفسخ بل فسخ أم لم يفسخ كان له
ذلك، وإنما قلنا بتحقق الفسخ به في الأول من جهة عدم جواز أخذه لغير
المالك ولغير الفاسخ، ولذا قلنا إن ظهور الأخذ في الفسخ وأما في
المقام فله ذلك فسخ أم لا، فلا وجه للالتزام بتحقق الفسخ به هناك فضلا
عن تحققه به هنا بطريق أولى.
ومن جهة هذه النكتة قلنا في صحيحة محمد بن قيس إن أخذه الوليدة
لا يدل على الرد لتكون الرواية شاهدة على جواز الإجازة بعد الرد، بل
الأخذ على طبق القاعدة، ومن جهة أخذ المالك مال نفسه وكون ذلك
من شؤون مالكيته، فافهم.
26

4 - الإجازة من آثار سلطنة المالك على ماله
قوله (رحمه الله): الرابع: الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله.
أقول: حاصل كلامه هنا أن ثبوت حق الإجازة للمالك المجيز
وتأثيرها في العقد الفضولي من الأحكام الشرعية الثابتة للمالك وهو
موضوع لها، كجواز البيع والهبة والصلح ونحو ذلك للمالك، فكما أن
للمالك بيع ماله ابتداء مباشرة أو توكيلا فكذلك له أن يجيز ما وقع عليه
فضولا.
وبعبارة أخرى أن من جملة الأحكام الشرعية المترتبة على المالك هو
جواز بيع ماله وإجازة بيعه لو بيع فضولا، وليس ذلك الحكم مربوطا
بباب الحقوق كالخيارات ونحوها لتوارث، بناء على انتقاله إلى الغير،
وهذا يتضح في ضمن وجهين:
الوجه الأول: أنهم ذكروا في باب الإرث أن الزوجة لم ترث من العقار (1)
وإنما يرث من غيرها من كل ما تركه الميت من حق أو مال ومن كلما

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار
شيئا (الكافي 7: 127، التهذيب 9: 298، الإستبصار 4: 152، عنهم الوسائل 26: 207)،
صحيحة.
عن محمد بن سنان أن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علة المرأة أنها
لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض، لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد
يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها، وليس الوالد والوالد
كذلك، لأنه لا يمكن التفصي منهما، والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجئ ويذهب
كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا أشبهه، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في
الثبات والقيام (التهذيب 9: 300، الإستبصار 4: 153، الفقيه 4: 251، عنهم الوسائل 26: 211)،
ضعيفة بمحمد بن سنان.
27

يجوز انتقاله إلى الوارث، وعلى هذا فلو باع الفضولي دار أحد فضولة و
مات المالك قبل إجازته البيع فيكون المال منتقلا إلى الوارث، فبناء على
كون الإجازة من الأحكام فلكل من انتقل إليه المال إجازة البيع، بناء على
جواز مغائرة المالك حال العقد وحال الإجازة بحيث يكون المالك حين
حدوث البيع شخصا وحين الإجازة شخصا آخر.
وهذا ليس من جهة إرث الإجازة، فإن الفرض أنه من الأحكام، أو إذا
قلنا بعدم انتقال الحقوق إلى الوارث بالموت على تقدير كونها من الحقوق
بل من جهة انتقال موضوعها إلى الورثة أعني المال، فإن تلك الإجازة
كانت قائمة بالمالك في ذلك المثمن أو الثمن، فإذا تبدل المالك لذلك
المال فينتقل الحكم أيضا لكونه قائما بذلك الموضوع، فإنه ذكرنا أن لكل
مالك إجازة بيع ماله لو بيع فضولا، وإذن فليس للزوجة حق الإجازة
لذلك البيع بل هو حق من انتقل إليه المال، والفرض أن العقار لا تنتقل إلى
الزوجة.
وإذا قلنا بكون الإجازة من الحقوق، وقلنا بجواز انتقاله إلى الورثة
بموت ونحوه، فيدخل ذلك تحت قوله (عليه السلام): ما تركه الميت فلوارثه إلا
العقار، ولا شبهة أن نفس حق الإجازة للعقد الفضولي ليس من العقار بل
من غيرها التي ترثها الوارث زوجة كان أو غيرها.
الوجه الثاني: أنه ذكر الفقهاء (رحمهم الله) في باب الخيارات أنه ينتقل الخيار
بموت ذي الخيار إلى الورثة، فيكون الورثة ذي خيار، فاختلفوا في
طريق اعمال الخيار منهم إذا تعددوا.
فبنى شيخنا الأنصاري (رحمه الله) أنه ثابت لطبيعي الورثة، فأي منهم امضوا
البيع فيكون لازما، وأي منهم فسخوا فينفسخ، سواء أعمل الآخرون
خيارهم أم لا، وقال بعض آخر إنه ثابت للمجموع من حيث المجموع،
28

بحيث إن امضاءهم أو فسخهم لا تؤثر إلا إذا اجتمعوا في الفسخ أو في
الامضاء، وهو الذي بنينا عليه في محله، وهنا احتمال ثالث، وهو أن
يقال بالتقسيط، وأنه أي منهم أجاز أو فسخ ينفسخ ويلزم بالنسبة إليه
فقط، لأن لكل من الورثة حق وحصة في ذلك الخيار المنتقل من الورثة
إليهم فيثبت له حقه، ولكن هذا احتمال ضعيف لا يعتني به، بل العمدة
هنا الوجهان الأولان.
ولكن ذلك لا يثبت في الإجازة حتى مع القول بانتقالها إلى الورثة
بنفسها كحق الخيار، وذلك لأن الإجازة كما عرفت حكم شرعي تابع
لموضوعه أعني المالك، فإن كان المالك مستقلا ولم يكن له شريك آخر
فيكون مستقلا في الإجازة أيضا، وإن كانوا متعددين فلا بد وأن يجيز كل
منهما ليكون لازما وإلا فيكون لازما بالنسبة إلى المجيز فقط ليس إلا.
وهذا نظير ما إذا جمع الفضولي أموال أشخاص متعددين في بيع
واحد، فإنه هل يتوهم أحد أن إجازة أحدهم يوجب لزوم المعاملة
بالنسبة إلى الآخرين أيضا، وهكذا المقام، غاية الأمر أن فيما نحن فيه قد
تعددت الملاك بقاء وفي المثال إنما كان التعدد من الأول، وهذا المقدار
لا يكون فارقا.
وبالجملة أنه فرق بين انتقال الإجازة إلى الورثة وكون أمر الإجازة
بيدهم وبين انتقال حق الخيار إليهم كما عرفت.
5 - إجازة البيع ليست إجازة للقبض والاقباض
قوله (رحمه الله): الخامس: إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن ولا لاقباض
المبيع.
أقول: لا ريب في عدم الملازمة بين إجازة البيع وبين إجازة قبض
29

الثمن أو المثمن ولا لاقباضهما، وذلك لأن كل واحد من إجازة البيع
وإجازة القبض أو الاقباض أمر مستقل غير مربوط بالآخر كسائر الأمور
الاعتبارية أو الخارجية، إلا أن يكون بينهما أحدي الدلالات من الإشارة
أو الاقتضاء أو غيرهما، وعلى ذلك فإجازة البيع لا يستلزم إجازة القبض
إلا مع التصريح.
ثم إنه هل يكون نفس القبض قابلا لأن يتعلق به الإجازة أم لا؟
وربما يقال: إن القبض أمر تكويني لا يمكن أن يتعلق به الإجازة، فإن
ما وقع من الأفعال الخارجية لا ينقلب عما هو عليه، وسيأتي ما فيه من
الوهن.
وقد فصل المصنف بينما يكون الثمن أو المثمن شخصيا فحكم
بصحة إجازة القبض والاقباض وجريان الفضولي فيهما، وبينما يكون
كليا في الذمة وإنما تعينه وتشخصه ليس إلا بقبض الفضولي فقط، وذلك
لأن مرجع إجازة القبض إلى اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري
ومرجع إجازة الاقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضى،
فيترتب عليه حينئذ جميع الآثار المترتبة على المبيع، ويتم ذلك
بالإجازة الصريحة أو الاقتضائية في الثمن أو المثمن الشخصيين، وأما
الكلي منها فليس لنا دليل على جريان الفضولية فيهما لعدم تعين الكلي
بأخذ الفضولي حتى يتعلق به إجازة المالك المجيز ويرجع إلى اسقاط
الثمن عن عهدة المشتري وإلى حصول المبيع في يد المشتري.
ولكن الظاهر أنه لا فرق بين كون الثمن أو المثمن شخصيا أو كليا في
الذمة، وإن صح تعلق الإجازة بالقبض أو الاقباض بالدلالة الصريحة أو
غير الصريحة فصح في كليهما وإلا فلا، والظاهر هو الأول لا من جهة ما
ذكره المصنف، من أن مرجع إجازة القبض إلى اسقاط الضمان عن عهدة
30

المشتري، فإنه إنما يتم إذا قلنا بأن ضمان المشتري الثمن بحسب
القاعدة وأنه بمقتضى الشرط الضمني، إذن فإجازة البايع قبض الفضولي
الثمن اسقاط لذلك الشرط الضمني.
وأما إذا قلنا بأنه من باب التعبد الثابت بمقتضى: كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بايعه (1)، وإنما أجروا ذلك في الثمن لأجل حمل
المبيع على المثال، فإن من البعيد أن يختلف حكم المثمن مع الثمن في
بيع واحد.
وحينئذ فيمكن منع شمول ذلك لقبض الفضولي، فإن معنى كون تلف
المبيع من مال البايع أنه ليس ضمانه عليه ولزوم خروجه عن عهدته، بل
معناه فساد البيع وكون تلف المبيع من مالكه وعدم حصول النقل
والانتقال به، ولذا نقول إن الحكم يسري إلى الثمن أيضا.
ولهذا لا يمكن في حق الفضولي حتى مع تصريح المالك به لكونه
مختصا بالمالك بمقتضى التعبد كما هو واضح، بل جواز تعلق الإجازة
بالقبض من جهة التوكيل، وذلك لأن الإجازة مثل الوكالة فكما يصح
التوكيل في القبض وكذلك يصح إجازته.
وأوضح من ذلك أن الأفعال على قسمين: قسم يصح تعلق النيابة
والوكالة بها، وقسم لا يصح، فالأول كالعقود والايقاعات وأمثالهما،
فإنه يصح التوكيل والنيابة فيهما، والثاني كالأكل والنوم والقيام
والجلوس وأمثالهما من سائر الأفعال التكوينية، فإنهما مما لا يصح أن
يتعلق بها النيابة والوكالة.
والقبض من قبيل الأول، فإنه مما يقبل النيابة والوكالة فيقبل الإجازة
أيضا، لأن الإجازة عين الوكالة غاية الأمر أن الوكالة من الأول والإجازة

1 - عوالي اللئالي 3: 212، عنه المستدرك 13: 303، ضعيفة.
31

ليس من الأول وإنما تقع على الفعل الواقع، بل على ذلك السيرة العقلائية
فإنه لم يشك أحد في أنه لو استقرض شخص من الآخر دينا فاستوفى أخ
الدائن ذلك الدين من المديون لصح ذلك لو أجازه الدائن.
إذن فلا وجه لتوهم أن القبض من الأمور التكوينية فلا تنقلب بالإجازة
عن واقعها، فإن عدم الانقلاب إنما يجري في الآثار الماضية دون الآثار
الباقية، كما لا وجه للفرق بين كون الثمن أو المثمن كليا أو شخصيا.
ثم إن ما ذكرنا من عدم الملازمة بين إجازة البيع وإجازة القبض فيما
لم يكن القبض مأخوذا في صحة البيع كبيع الصرف والسلم والهبة، وإلا
فإجازتها ملازم لإجازة القبض صونا لكلامه عن اللغوية.
وكذلك فيما إذا صرح بإجازة القبض عند إجازة البيع، وهذا كباب
الصرف والسلم والوقف والهبة، فإن إجازة القبض فيها إجازة للعقد
أيضا، فإن من الواضح أنه لا يشترط المباشرة في القبض فيما يكون
القبض شرطا لصحة المعاملة بل المناط استناد القبض إلى المالك
ولو كان بقبض وكيله، ولو عامل شخص كبير بيع الصرف وأمر بخادمه
القبض لصدق القبض بالنسبة إليه، وهذا كله إذا كان المجيز عالما
بالملازمة وأما مع الجهل فلا ملازمة أيضا لعدم تمامية دلالة الاقتضاء
حينئذ.
ثم إن التقابض في المجلس ليس معناه أن يكون المتبايعين في مجلس
واحد عرفي، بل معناه أن يكون التقابض في مكان العقد ولو كان بينهما
بعد، كما تقدم ذلك في ثبوت خيار المجلس.
عدم جريان نزاع الكشف والنقل في القبض والاقباض
بقي الكلام في أنه هل يجري نزاع الكشف والنقل في القبض
والاقباض أو لا؟
32

الظاهر أنه لا يجري لأنهما ليسا مثل البيع وسائر العقود يمكن تعلق
الإجازة بوجودها المتقدم، فإن الإجازة من الأمور التعليقية والأوصاف
الحقيقية ذات الإضافة يصح أن تتعلق بالأمور الماضية كما يصح أن
تتعلق بالأمور الحالية والمستقبلة، وهي مع احتوائها بالحقيقية الكذائية
مأخوذة في العقود جزء أو شرطا، إذن فيصح أن تتعلق بالعقود الفضولية
من حين صدور العقد فيحكمه بتأثيره في النقل من ذلك الزمان.
ومن هنا ذكرنا أنه لا بعد في بيع مال في الحال قبل يوم أو شهر أو سنة،
غاية الأمر أنه خلاف بناء العقلاء ومنصرف عن مفاد العمومات في
الأصيلين، ولكن لا مانع من شمولها على العقود الفضولية وجعلها
صحيحة ومستندة إلى المالك بالإجازة حين الإجازة من الأول كما
عرفت.
وهذا بخلاف القبض فإنه أمر تكويني غير تعلقي فلا يمكن أن يستند
إلى المالك بالإجازة من حين تحققه، بل يستند إليه من حين الإجازة، لأن
ما تحقق بتمام حقيقته في الخارج وصار فعلي الوجود من جميع الجهات
لا ينقلب عما هو عليه، ولا يستند إلى غير فاعله من حين صدوره، لأنه
لم يؤخذ شئ في حقيقته من الأمور التعليقية حتى يمكن تعلقه بالأمر
المتقدم ويوجب استناده من بدو صدوره إلى غير فاعله بالإجازة.
إذن فلا معنى للقول بالكشف في إجازة القبض والاقباض، وإنما
يكونان مستندين إلى المجيز من حين الإجازة وعنده يكون قبضا
للمجيز، فقهرا يثبت النقل ولا يمكن المناص عنه، نعم لو دل الدليل
على صحة تعلق الإجازة بالقبض المتقدم فلا مانع من ذلك، فإن المانع
عنه ليس في مقام الثبوت بل من جهة عدم وجود المقتضي والدليل عليه
في مقام الاثبات.
33

6 - عدم فورية الإجازة
قوله (رحمه الله): السادس: الإجازة ليست على الفور للعمومات.
أقول: إن الإجازة في العقد الفضولي ليست على الفور، للعمومات
وصحيحة محمد بن قيس، بل فيها شهادة على جواز الإجازة بعد
الكراهة، وهذا مما لا شبهة فيه.
وإنما الكلام في أنه إذا لم يجز العقد وتضر الأصيل بتأخيره الإجازة،
بناء على عدم جواز تصرفه فيما انتقل إليه وفيما انتقل عنه على القول
بالكشف، فهل للأصيل فسخ العقد الفضولي أو اجبار المالك المجيز
بالإجازة أو الرد، أو لا شئ عليه، بل لا بد وأن يتحمل بالضرر لاقدامه
عليه بنفسه.
وقد قوي المصنف الأول، ولكن الظاهر أنه على القول بالكشف
وشمول العمومات عليه لا يتم في جميع الموارد، فإن النكاح مما
لم يثبت فيه الخيار لينجبر الضرر بالخيار إلا في الموارد المنصوصة،
وكذلك لا يمكن الاجبار في جميع الموارد، كما إذا كان مالك العقد ممن
لا يمكن اجباره، إما لعلو سطوته أو لعدم وصول اليد إليه، وقد نقل أن
امرأة زوجت نفسها للحجة المنتظر عليه وعلى آبائه آلاف التحية
والثناء وبقيت على ذلك العقد، لتقليدها ممن يرى لزوم العقد الفضولي
من طرف الأصيل.
والظاهر أنه لا دليل على اجبار الطرف على الإجازة أو الرد ولا ثبوت
الخيار للطرف الأصيل:
أما الأول فلعدم الدليل عليه، مضافا إلى تسلط الناس على أموالهم
عقلا وشرعا، فلهم أن يفعل فيه ما يشاء، فإن الإجازة كما تقدم ليس إلا
34

مثل البيع، فكما أن المالك له تمام الاختيار في بيع ماله وعدمه وليس
لأحد أن يجبره على ذلك وهكذا الإجازة وتضرر الآخر من عدم إجازة
المالك أو رده لا يجوز الاجبار بعد ما كان هو نفسه مقدما على الضرر.
وأما ثبوت الخيار، فهو أيضا لا دليل عليه بعد شمول العمومات على
ذلك العقد، وليس في البين إلا تضرر مالك الأصيل لينفي لزوم العقد
بدليل نفي الضرر، وفيه أن الضرر على تقدير تسليم كونه مدركا لثبوت
الخيار إنما يكون في مورد يكون حادثا لا موجودا من الأول، فإن اقدام
الأصيل على المعاملة الفضولية ضرر عليه من الأول، غاية الأمر يختلف
ذلك قلة وكثرة بحسب طول الزمان وقصره، وهذا لا يوجب الفرق
بينهما.
والحق أنه لا مناص من القول باللزوم بناءا على شمول العمومات عليه
من حين العقد على القول بالكشف.
ولعل عدم اللزوم بين الفقهاء من جملة ما يدل على ما اخترناه من عدم
اللزوم من حين العقد حتى على الكشف بل من حين الإجازة، غاية الأمر
يكون المجاز عليه العقد من زمان الصدور من المتعاقدين، فإن: أوفوا
بالعقود (1) قد أسند ذلك العقد إلى المالك المجيز بالإجازة.
والعجب من شيخنا الأستاذ (2) كيف رضي القول باللزوم للأصيل حتى
على القول بالنقل، وقد تقدم ما فيه.

1 - المائدة: 1.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 144.
35

7 - اعتبار مطابقة الإجازة للعقد
قوله (رحمه الله): السابع: هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو
خصوصا أم لا؟
أقول: تارة تكون الإجازة مطابقة للعقد الواقع فضولا، بحيث يكون
المجاز عين ما صدر من الفضوليين، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا مع
الاختلاف فيه بالكشف والنقل.
وأخرى لا يكون العقد المجاز مطابقا للعقد الفضولي بل يباينه، كما
إذا وقع العقد الفضولي مثلا على الدار وتعلقت إجازة المالك الإجازة
على البستان فهذا باطل بلا اشكال، لأن ما وقع عليه العقد غير ما تعلقت
به الإجازة، فالعقد الفضولي لم تتعلق به الإجازة وما أجيز لم يقع عليه
العقد.
وثالثة يكون المجاز مغايرا للعقد الفضولي، لا مغائرة مبائنة، بل
بالاطلاق والتقييد أو بالكلية والجزئية، كما إذا وقع العقد الفضولي على
مالين لشخصين أو لشخص واحد فأجاز أحدهما دون الآخر، أو أجاز
البيع في أحد المالين دون الآخر، فإن المجاز مغائر لما وقع عليه العقد
بالكلية والجزئية، وكما إذا وقع العقد على الدار مثلا مقارنا مع الشرط
فأجاز المالك بدونه، فيكون المجاز مغايرا لما وقع عليه العقد الفضولي
بالاطلاق والتقييد.
وهل يصح العقد الفضولي مع هذا الاختلاف بين المجاز وما وقع عليه
العقد أم لا يصح؟
وقد فصل المصنف وقال: فلو أوقع العقد على صفقة فأجاز المالك
بيع بعضها فالأقوى الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز
36

أحدهما وضرر البعض يجيز بالخيار، ولو أوقع العقد على شرط بإجازة
المالك مجردا عن الشرط فالأقوى عدم الجواز.
وما أفاده هو المتعين، أما صحته عند الاختلاف بالجزئية والكلية كما
عليه الأستاذ (1)، فلأن البيع الواحد الواقع على شيئين أو أشياء إنما ينحل
إلى بيوع عديدة، فكما يجوز بيع واحد منها على انفراده ابتداءا فكذلك
يجوز إجازة البيع في واحد منها دون الآخر، لأنك قد عرفت أن الإجازة
المتأخرة من المالك ليست إلا كالبيع الابتدائي، فكما له بيع ماله على
النحو الذي يرى ابتداء مباشرة أو توكيلا فكذلك له إجازة بيع الفضولي
المتعلق بماله على ما يريد، غاية الأمر أن في البيع الابتدائي يوجد العقد
مع الإذن وفي الإجازة المتأخرة حصل موضوع الإجازة أعني العقد
قبلها.
وأما تكميل حقيقة البيع وتمامية ماهيته عند تحقق الإجازة لكونها من
مقوماتها وأجزائها.
وأما تضرر المالك بتبعض الصفقة، فينجبر بالخيار الثابت بشرط
ضمن العقد، فكان المشتري يشترط على البايع أن لا يكون المبيع
متبعضا وإلا فليس المشتري ملزما بقيامه على التزامه.
وبالجملة لا نعرف وجها لبطلان البيع في هذه الصورة بل جري على
هذا المنهج كلمات الفقهاء في بيع ما يملك وما لا يملك، أو ما يملك
وما لا يملك، حيث إن البيع يصح في ماله ويبطل في الآخر، كما يصح
في ما يملك ويبطل في الآخر، كما إذا وقع العقد على الشاة مع الخنزير،
بل الأمر كذلك في بيع شئ واحد، كما إذا باع دارا فضولة فأجاز المالك

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 145.
37

البيع في نصفه دون النصف الآخر لكونه لشخص آخر.
والسر في ذلك هو ما أشرنا إليه من انحلال العقد الواحد إلى عقود
متعددة، كالعموم الاستغراقي لا كالعموم المجموعي، وكون الإجازة
مثل البيع.
الكلام في اختلاف المجاز مع ما وقع من حيث الاطلاق والتقييد
وأما إذا اختلف المجاز مع ما وقع من حيث الاطلاق والتقييد
والعموم والخصوص، فالذي ينبغي أن يقال:
إن الشرط تارة يقع في ضمن العقد، وأخرى في ضمن الإجازة، وعلى
الأول فتارة يكون للمالك على الأصيل وأخرى للأصيل على المالك،
فلو كان المالك على الأصيل وأجاز المالك العقد بلا شرط فلا شبهة في
صحة الإجازة وصحة استناد البيع إليه وتحقق حقيقته في وعائه، فإن
المالك مسلط على ماله وكلما يرجع إليه أمره فله اسقاط ما يريد إذا كان
موجودا في ذمة أشخاص آخرين.
مثلا إذا باع الفضولي ثوب أحد واشترط في ضمن العقد أن يخيط
الأصيل ثوبا للمالك فأجاز المالك بدون الشرط فيصح ذلك لكون الشرط
له فله اسقاطه.
وبعبارة أخرى أن إجازة المالك التزام الفضولي بأصل المعاوضة
وعدم إجازته التزامه بالشرط على نفس الأصيل تجاوز عن حقه الذي
التزم به الأصيل على نفسه، فلا وجه لتوهم البطلان إلا من جهة التعليق،
فهو أيضا منفي كما سيأتي.
وأما لو كان من الأصيل على المالك الفضولي فأجازه بلا شرط، فقد
38

حكم العلامة الأنصاري (رحمه الله) بالبطلان وشيخنا الأستاذ (1) بالصحة مع
ثبوت الخيار للأصيل.
وأفاد في وجه ذلك بأن المقام نظير تعذر الشرط الواقع بين الايجاب
والقبول الذي يكون ضميمة لأحد العوضين، فكما أن تعذره لا يوجب
بطلان العقد بل غايته ثبوت الخيار للمشروط له فكذلك المقام، فإنه وإن لم يتعذر خارجا إلا أن امتناع المجيز وعدم قبوله الشرط بمنزلة التعذر،
ولا وجه لبطلان العقد إلا على القول بالتقييد والإناطة، والحق عدمه،
ولذا نقول بأن الشرط الفاسد غير مفسد للعقد إلا إذا صار موجبا
لاختلاف أحد أركانه، فنقول:
لا شبهة أن الشرط والمشروط إذا كانا من قبيل المعلق والمعلق عليه
كالشرط والمشروط التكوينيين، فلا شبهة في بطلان المشروط عن انتفاء
الشرط، إما نفسه أو لعدم حصول المعلق عليه، كما أنه إذا كانا من قبيل
الأمرين الوجوديين المنضمين من غير أن يكون بينهما ربط، فلا شبهة في
صحة المشروط عند انتفاء الشرط، كما إذا التزم عند بيع الدار بخياطة
ثوب المشتري من غير أن يرتبط بالالتزام البيعي، فإنه حينئذ لا معنى
لبطلان المشروط مع عدم وفاء المشروط عليه بشرطه لعدم الارتباط
بينهما، بل لانتفاء حقيقة الشرط هنا، فإنه لا يصدق الشرط والمشروط ما
لم يكن بينهما ربط والتزام كما في القاموس، وجعل من ذلك الشريط
لربطه أحد الشيئين بالآخر.
وعلى هذا فما معنى الكلام المشهور، من أن الالتزام الشرطي في
ضمن الالتزام العقدي، وأنه لا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط، مع

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 146.
39

أنك عرفت أنه على تقدير يلزم من انتفاء الشرط بطلان العقد وعلى تقدير
آخر فلا.
بيان آخر
والذي ينبغي أن يقال:
إن معنى جعل الشرط في العقود عبارة أخرى عن جعل الخيار فيها
وصيرورة العقد خياريا نظير جعل الخيار فيها ابتداء، وذلك فإن البايع
مثلا إذا اشترط في ضمن البيع على المشتري شيئا أو اشترط المشتري
عليه شيئا، وليس معنى ذلك هو التعليق ليستلزم انتفاء الشرط البطلان،
ولا أنهما من قبيل الأمرين المنضم أحدهما بالآخر ليخرج عن معنى
الشرطية، بل معناه أن البايع إنما باع متاعه والتزم به مطلقا من غير ايقافه
على شئ آخر.
فأصل الالتزام البيعي غير معلق على شئ وغير متوقف على الشرط
ليلزم البطلان من جهة التعليق لاستلزام انتفاء المعلق عند انتفاء المعلق
عليه، ولكن اشترط على المشتري مثلا كون وقوفه على هذا الالتزام
وقيامه عليه متوقفا على الشرط الفلاني على المشتري، بحيث لو وفي
المشتري بذلك الشرط فللبايع أيضا أن يقف على التزامه البيعي وإلا فلا،
فكما أن جعل الخيار فيه أي في الالتزام البيعي صحيح فكذلك جعل
الشرط بهذا المعنى.
ومن هنا نقول: أن تخلف الشرط لا يوجب بطلان العقد وإنما يوجب
الخيار، لا يجب للمشروط عليه الالتزام بشرطه وجوبا تكليفيا وليس
للمشروط له اجباره على ذلك، فإن التزامه بالشرط لا يزيد عن الوعد،
فكما أن الوفاء به ليس واجبا تكليفا بل هو أمر أخلاقي فكذلك الالتزام
40

الشرطي فإنه لا يجب الوفاء به.
وعلى هذا فما ذكره شيخنا الأستاذ (1)، من أن المقام نظير تعذر الشرط
فكما أنه لا يوجب بطلان العقد وهكذا عدم الوفاء بالشرط وكذلك في
المقام إذا أجاز المالك العقد بدون الشرط الذي وقع عليه من الفضولي،
وليس نقص في ذلك المبني ولكن البناء ليس بصحيح.
وتوضيح ذلك: أن العقد تارة يطلق ويراد منه اسم المصدر، أي
الملتزم به الحاصل من الالتزام والاعتبار النفساني، وأخرى يطلق على
نفس الالتزام العقدي أي المعنى المصدري،
أما الأول، فهو مطلق وغير مقيد بشئ ولا متوقف عليه، فإنه بعد
تحقق ما يؤثر فيه لا معنى لوقوفه على شئ، بل إن حصل ما يؤثر فيه
فيحصل وإلا فلا، فلا يعقل توقفه على شئ بعد حصوله وإلا يلزم من
وجوده عدمه.
وأما الثاني، فهو تارة يوجد من المتعاقدين غير مقيد بشئ، كما إذا
كان العقد غير خياري بشرط وغير مقيد بشئ، وأخرى يكون مشروطا
بشرط كما إذا كان في العقد شرط واشتراط.
ففي هنا وإن قلنا إن الشرط يرجع إلى كون الوقوف على الالتزام البيعي
والثبوت عليه متوقفا على الشرط وتحققه أصل الالتزام مقيد بالشرط في
مقام الانشاء، فإن الاهمال فيه لا يعقل، بل هو إما مطلق أو مقيد، فحيث
إنه ليس بمطلق لوجود الشرط فيه فيثبت التقييد، فالالتزام حين تحققه
تحقق مقيدا.
وعلى هذا فلو أجاز المالك ذلك بدون الشرط ومطلقا، فيكون ذلك

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 151.
41

غير ما وقع، فما وقع لم تقع عليه الإجازة وما وقعت عليه الإجازة غير ما
وقع فيكون العقد فاسدا لعدم وقوع الإجازة عليه.
إذن فما ذكره المصنف صحيح، وإن كان ما ذكره شيخنا الأستاذ من
حيث المبنى أيضا صحيحا، إلا أن ما بنى عليه غير صحيح، لأن ما نحن
فيه ليس من قبيل تعذر الشرط كما عرفت.
وبعبارة أخرى أن الإجازة من حيث نسبة العقد إلى المجيز كالقبول،
فكما أنه لو وقع الاختلاف بين الايجاب والقبول بالاطلاق والتقييد يبطل
العقد، كما إذا قال البايع: بعت الدار بثمن كذا على أن تخيط لي ثوبا،
وقال المشتري: قبلت بدون ذلك الشرط، وهكذا في الإجازة، فإن
الإجازة وإن كانت بعد تمامية العقد ايجابا وقبولا وليست مثل القبول من
جميع الجهات وإلا لكان العقد الفضولي باطلا بالفصل بين العقد
والإجازة، ولكن الإجازة مثل القبول من حيث استناد العقد إلى نفسه،
كما أن القبول يوجب استناد الايجاب إلى نفسه، والأمر كذلك حتى لو
كان المتعاقدان هما الأصيلان فكيف بالفضولي.
وبالجملة العقد الواقع فضولة على وجه خاص لا بد وأن تقع عليه
الإجازة على ذلك الوجه، وإلا لحصل التخلف بين المجاز والعقد
فيحكم للبطلان.
لا يتوهم أن تقييد العقد على النحو الذي قلتم عين التعليق فيكون
باطلا، إما لعدم حصول المعلق عليه أو لبطلان التعليق في نفسه، فإنه
توهم فاسد، إذ معنى التعليق أن أصل الالتزام العقدي متوقف على
الشرط وهو على تقدير حصول الشرط وإلا فلا التزام، وهذا بخلاف
التقييد المذكور، فإن أصل الالتزام على ما ذكرنا غير متوقف من حيث
الوجود على الشرط بحيث يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ومن
42

عدمه عدمه، كما هو معنى التعليق، بل استمرار ذلك الالتزام والوقوف
عليه مقيد بالشرط، وهذا معنى ثبوت الخيار.
لا يقال: إنه أي فرق بين عدم الوفاء بالشرط الموجب للخيار وبين عدم
الإجازة الموجب للبطلان، قلت: فرق واضح بين الأمرين، حيث العقد قد
تحقق على الأول ولكن لم يحصل شرط لزومه والدوام والثبات عليه،
وهذا بخلاف الثاني فإن المجيز لم يقبل العقد فيكون باطلا نظير عدم
قبول القابل بما أنشأه الموجب كما تقدم، فافهم وتأمل.
بيان آخر في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد
وتوضيح المقام أنه هل يعتبر مطابقة الإجازة للعقد أم لا، وعلى تقدير
الاعتبار هل يفرق بين أن يكون من المالك الأصيل وبين العكس وبين
الصور الأخرى أم لا.
وتفصيل ذلك أن الإجازة تارة تكون مطابقة للعقد، وهذا لا شبهة في
صحته كما تقدم تفصيله من الاختلاف فيه بين القول بالكشف أو النقل.
وأخرى تباينه مبائنة تامة كما إذا باع الفضولي الدار فأجاز المالك بيع
البستان أو باع الفضولي دار الصغير وأجاز المالك دار الكبير، وهذا
لا شبهة في بطلانه لأن الإجازة لم تقع على الواقع بل الواقع لم يجز وما
أجيز لم يقع فيحكم بالبطلان.
وثالثة تكون الإجازة مخالفة للعقد الواقع من جهة وموافقة له من جهة
أخرى، كالاختلاف بالكل والجزء والعام والخاص والمطلق والمقيد:
أما الأول كما إذا وقع العقد الفضولي على المركب المجموع والكل
بأن باع الفضولي دارين أو فرسين لزيد أو أحدهما لزيد والآخر لعمرو
فأجاز المجيز أحدهما دون الآخر.
43

وأما الثاني كما إذا باع الفضولي دار أحد بشرط وأجاز المالك
المجيز بلا شرط، سواء كان من المالك الأصيل أو العكس.
أما الأول فلا شبهة في صحته، غاية الأمر أنه يثبت للمشتري خيار
تبعض الصفقة، وذلك لأن البيع حينئذ إنما يكون منحلا إلى بيوع
متعددة، غاية الأمر يكون كل فيها مشروطا بالآخر، فالمجيز بإجازته
يقبل الالتزام على النحو الذي وقع ويرد التزامه على التزام البائع طابق
النعل بالنعل ولكن بدون الشرط والخيار، إذن فيصح قبول أحد البيوع
فيثبت للمشتري الخيار وهذا واضح.
وأما الثاني فلا بد في بيانه من تقديم مقدمة، فهي أنه لم نعقل إلى الآن
معنى للشروط إلا جعل الخيار.
وتوضيح ذلك أن الشرط له اطلاقان: الأول: أن يطلق على الملتزم به،
أعني ما تعلق به الالتزام كما هو المعروف، كما إذا باع العبد على أن
يكون كاتبا، فإن الكتابة متعلق الالتزام الشرطي ويكون ملتزما به،
وأخرى يطلق على نفس الالتزام.
أما الأول فلا شبهة في عدم كون العقد معلقا عليه ومقيدا به، بأن يقول:
بعتك العبد على أن يكون كاتبا وإلا فلا أبيع، بحيث يكون أصل البيع
متوقفا على وجود الملتزم به ومع عدمه فلا بيع أصلا، فهذا لا شبهة في
بطلانه أما مطلقا كما هو الظاهر لبطلانه في العقود، وأما مع عدم تحقق
الملتزم به على تقدير الغض من الأول، بل معناه أن الالتزام الذي ورد
على ذلك الملتزم به معلق عليه بحيث لم يكن كاتبا لا يجب للمشروط له
الوقوف على التزامه، بل له أن يفسخ وله أن يبقي عليه، وليس هذا إلا
كون العقد خياريا.
مثلا لو باع زيد داره من عمرو بشرط أن يخيط العمرو له ثوبا فقبل
44

العمرو ذلك ولكن لم يعمل بالشرط، فلا يجب لزيد أن يقف على التزامه
لأنه كان مقيدا بالخياطة فلم يحصل فيكون له الخيار، وهكذا في جميع
الموارد فيكون البيع صحيحا للعمومات.
وأما الثاني فلا شبهة في كونه قيدا للعقد، فإنه لو باع أحد داره بشرط
كذا أو على أن يكون له الخيار، فإن بيعه هذا وإن لم يكن مقيدا بالملتزم به
بحيث يلزم التعليق كما تقدم ولكنه مقيد بالالتزام الشرطي، فالبايع من
الأول باع بيعا مقيدا وأورد التزامه على البيع الخاص فيكون الموجود من
الأول حين وجوده البيع الخياري دون البيع الغير الخياري وحينئذ فلو
قبل القابل البيع بدون ذلك الالتزام الشرطي فلم يقبل ما أنشأه البايع
ولم يرد التزامه على التزام البايع فيكون باطلا.
وبالجملة أن الشروط باعتبار الملتزم به لا تكون مقيدة للبيع مثلا، بل
البيع بالنسبة إليها مطلق وإنما هي قيد للالتزام والثبات على العقد، وأما
باعتبار نفس الالتزام قيد للبيع فيوجب التقييد إذا لو لم يقبل المشتري ما
أوجده البايع من العقد المقيد بالتزام خاص بأي نحو كان ذلك الالتزام
فيكون باطلا من الأول، لأن ما أوجده البايع لم يقع عليه القبول وما وقع
عليه القبول لم ينشأ فيكون باطلا.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن الشرط تارة يكون من المالك الأصيل بأن باع
الفضولي دار زيد فضولة من عمرو فاشترط عليه أن يخيط ثوب عمرو
فأجاز العمرو بدون ذلك الشرط، وهذا لا اشكال في صحته، لأن المالك
قد تجاوز عن حقه وأسقطه من الأصيل، والعفو والتجاوز عن الحق
لا يوجب البطلان.
وبعبارة أخرى أن الالتزام البيعي وإن كان مطلقا وقد قبله المالك
بإجازته على هذا النحو وورد الالتزام من المالك المجيز بإجازته على
45

التزام الفضولي ولكن أسقطه بعد قبوله، غاية الأمر أن ذلك آني وتقديري
لا أن الاسقاط قبل القبول أو أن المالك لم يجز التزامه بل شيئا آخر وإلا
يلزم المحذور.
وأما إذا كان من الأصيل على المالك فأجاز العقد خاليا عن الشرط
فتكون الإجازة باطلة، وذلك لعدم ورود التزامه على ما ورد به التزام
الفضولي مع الأصيل، فإن التزامهما مقيد والتزام المجيز مطلق، فما وقع
لم تتعلق به الإجازة وما وقعت به الإجازة لم يقع فتكون الإجازة لغوا،
فلا يكون العقد مشمولا للعمومات إلا إذا انضم إليه إجازة أخرى على
طبق ما وقع بحيث يكون الالتزامين متواردين على مورد واحد.
كيف فلو لم يطابق الالتزامين في الأصيلين بأن باع أحدهما متاعا مع
شرط وخيار كما هو المرسوم كثيرا خصوصا في الدلالين وقبل الآخر
بدون ذلك الشرط، فإنه حينئذ لا ينعقد البيع بل يحكم ببطلانه، فإن ما
أنشأه البايع غير ما قبله المشتري، فالمنشأ لم يقبل وما قبل لم ينشأ،
فإذا لم يتم ذلك في الأصيلين فكيف في الفضولي، ولا شبهة أن الإجازة
مثل القبول من حيث كونه موجبا لاستناد العقد إلى المجيز، كما أن القبول
يوجب استناد الايجاب إلى القابل.
ومن هنا ظهر أن ما جعله شيخنا الأستاذ المقام من صغريات تعذر
الشرط ليس بتمام، حيث إن في صورة تعذر الشرط سواء كان التعذر
خارجيا أو عقليا قد توارد الالتزامين من البايع والمشتري على مورد
واحد ولكن الشرط قد تعذر.
فهذا غير ورود الالتزامين بمورد واحد، مثلا لو باع أحد داره واشترط
على المشتري أن يحج عنه فقد تعذر ذلك الشرط عقلا لكونه مريضا
لا يقدر على المشي أو هرما أو مات وهكذا، فإن هذا ونظائره لا يوجب
46

بطلان البيع، فإن المشتري قد التزم على ما التزم به البايع ولكن قد أوجب
التعذر العقلي عدم وفائه بالشرط، فيكون البايع مخيرا في الفسخ أو
الرضاية حتى يتمكن المشتري من ذلك.
وأما التعذر الشرعي كالشروط المخالفة للكتاب والسنة، فكما إذا
باع متاعا واشترط في ضمنه أن يعطيه المشتري مقدار من الخمر فقبله
المشتري، وهذا أيضا ليس نظير ما نحن فيه إذا المشتري أيضا قبل التزام
البايع على النحو الذي التزم وتوارد الالتزامين على مورد واحد، ولكن
المنع الشرعي أوجب التعذر والمنع، فلا اشكال فيه أيضا من هذه
الجهة.
وأما من جهة كون فساد الشرط موجبا لفساد العقد، أو أنه مثل التعذر
العقلي يوجب الخيار أو لا يوجب شيئا، فهو أمر آخر وسيأتي في محله.
لا يقال: ما الفرق بين عدم مطابقة الإجازة مع العقد في بيع المجموع
المركب وبين عدم المطابقة في صورة الاشتراط، فإما لا بد من القول
ببطلان الإجازة فيهما أو عدمه كذلك، فلا وجه للفرق بينهما كما
لا يخفى.
أقول: الفرق بينهما بديهي، وقد ظهر مما ذكرنا، وملخصه: أن في
صورة اختلاف الإجازة مع العقد بالجزئية والكلية أن المجيز قد أجاز
البيع على النحو الذي وقع، وهذا بخلاف صورة الاختلاف بالاطلاق
والتقييد، بيان ذلك أنه:
إذا باع فرسين من عمرو فضولة لمالك واحد أو لمالكين، ففي الحقيقة
أن هنا بيعان كليهما خياري، فإن كلا من الفرسين بيع منضما إلى الآخر،
وبهذا الشرط فإذا أجاز المجيز أحدهما دون الآخر، فليس معناه أن
المجيز أجاز البيع الغير الخياري بل أجاز البيع الخياري، ولذا لو سئل
47

لأجاب هكذا فحينئذ يثبت للبايع الخيار ولا يلزم ورود الإجازة بما لم
يقع وكون ما وقع خاليا عن الإجازة، وهذا معنى خيار تبعض الصفقة،
وهذا بخلاف صورة عدم المطابقة في الشرط، فإن الإجازة لم تقع على
العقد كما عرفت.
وبعبارة أخرى أن صورة عدم المطابقة بالجزئية والكلية نظير وقوع
بيعين أو بيوع خياري فقبل المشتري أحدهما دون الآخر، فهل يتوهم
أحد أن ذلك موجب لبطلان البيع أو عدم ورود الايجاب والقبول بمورد
واحد، وكذلك ما نحن فيه، وهذا أمر واضح في الأصيلين وغيرهما،
وبذلك يبتني خيار تبعض الصفقة.
فتحصل عدم بطلان الإجازة في صورة عدم المطابقة بالجزئية والكلية
دون عدم المطابقة بالاطلاق والتقييد مع كون الشرط من الأصيل على
المالك.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لادراج صورة عدم المطابقة بالجزئية والكلية
تحت العقد في تعذر الشرط، وجعل الاختلاف بالجزئية والكلية
والاطلاق والتقييد وتعذر الشرط كلها من واد واحد.
لو كان الشرط عند الإجازة وخارجا عن العقد
ثم لو كان الشرط عند الإجازة وخارجا عن العقد، وهذا أيضا تارة
يكون من المالك على الأصيل وأخرى من الأصيل على المالك، وأما لو
كان من المالك على الأصيل بأن باع الفضولي داره من الأصيل خمسين
دينارا وأجازه المالك مع اشتراط سكني سنة في تلك الدار.
فذكر المصنف وجوها في ذلك، الأول القول بالصحة، والثاني
الصحة لو أجازه الأصيل، والثالث البطلان بمعنى أن العقد الفضولي
48

لا يمكن الحكم بصحته بهذه الإجازة، لأن ما وقع عليه العقد لم يجز وما
أجيز غير الواقع، فتكون تلك الإجازة باطلة ولا توجب استناد العقد إلى
المالك، بل لا بد في ذلك من إجازة أخرى لتوجب الاستناد.
ولكن الحق هو الثاني، أنه وإن قلنا بعدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائية،
أما من جهة الاجمال كما ذكره بعضهم وأما من جهة اقتضاء لفظ الشرط
ذلك المعنى لكونه ربطا بين الشئ وشئ آخر، فما لم يرتبط أحدهما
بالآخر لا يطلق عليه الشرط، ومن هنا قال في القاموس: إن الشريط يطلق
عليه ذلك باعتبار ربطه أحد الشيئين بالآخر، وهذا ظاهر، نعم هو داخل
بالوعد.
من قال بوجوب الوفاء بالوعد فله أن يحكم به هنا أيضا، ولكن لا دليل
عليه وإنما هو خلاف الأخلاق، ولكن ما نحن فيه ليس كذلك، فإنه يكون
ذلك الشرط بالإجازة شرطا في ضمن العقد التزاما في التزام.
بيان ذلك، أن الإجازة كما تقدم مثل القبول في استناد العقد إلى
المالك، فلو باع أحد متاعه من زيد منجزا ومطلقا من دون اشتراط من
الطرفين على الآخر ولكن قبله القابل مع الشرط، فتحليله أن الالتزام
بالقبول على تقدير تحقق الشرط وحصوله وإلا فلا يلتزم بالايجاب.
وبعبارة أخرى يلتزم بقبول الايجاب ونسبته إلى نفسه على أن يكون
له على الموجب ذلك الشرط وإلا فلا يلتزم، وحينئذ لو لم يرض
الموجب بهذا الشرط يبطل الايجاب والقبول لعدم ورودهما على مورد
واحد وعدم ارتباط أحدهما بالآخر فيكونان باطلين، وأما إذا رضي
الموجب على ذلك فيصح بلا شبهة لعدم القصور من شمول: المؤمنون
عند شروطهم عليه، وإنما الخارج منه بالاجماع أو باقتضاء لفظ الشرط
هو الشروط الابتدائية وأما غيرها فلا.
49

غاية الأمر لم يكن ذلك الشرط مذكورا عند الايجاب وموجودا وقته
وتأخر الموجب في ذلك عن القابل، ولا دليل لنا على وجوب ذكر
الشروط في الايجاب بل المناط في لزومها وعدم شمول دليل وجوب
الوفاء عليه وعدمه، وهذا في غاية الوضوح، فأمر الإجازة أمر القبول كما
تقدم.
وأما لو كان من الأصيل على المالك، بأن أجاز المالك مع شرط
للأصيل على نفسه، وهذا لا شبهة في صحته بالدلالة الالتزامية
الفحوائية، فإن المالك قد أجاز البيع الذي كان الأصيل ملتزما به مع إضافة
شرط عليه على نفسه، وقد كان الأصيل ملتزما بالبيع مطلقا وبدون
الشرط، فبالأولوية نكشف التزامه بالبيع مع هذا الشرط الذي مرجعه إلى
جعل الخيار.
وقد تقدم نظير ذلك في رواية البارقي وقلنا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن
كان قد وكله بشراء الشاة بدينارين إلا أنه بالأولوية قد وكله في شرائها
بدينار أيضا، فيكون شراؤه الشاة بدينار من جهة التوكيل، فتكون الرواية
خارجة عن الفضولية، فإن من وكل الغير شراء دار بخمسين دينارا
فبالأولوية راض بشرائه بعشرين هذا، واغتنم.
50

شرائط المجيز
1 - اشتراط نفوذ تصرف المجيز حين الإجازة
قوله (رحمه الله): وأما القول في المجيز فاستقصاؤه يتم ببيان أمور.
أقول: الأول: ذكر أنه يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز
التصرف، فلا تجوز الإجازة ممن لا يجوز التصرف في حقه، وهذه قضية
قياسها معها.
فإنك عرفت مرارا أن الإجازة من الأحكام الشرعية الثابتة للملاك
بالنسبة إلى أموالهم نظير جواز البيع، غاية الأمر أن جواز البيع حكم
ابتدائي والإجازة أمر متأخر، وقد تحقق جزء موضوعه بفعل الفضولي،
فكما لا يجوز البيع لمن لا يجوز له التصرف فكذلك لا تجوز له الإجازة
لكونها بيعا حقيقة، فإن العقد قبلها لم يكن مستند إلى المالك ولم يكن
بيعه وحين الإجازة صار بيعا له، كما أنه باع من الأول مباشرة، ولا يفرق
في ذلك بين القول بالكشف أو النقل، فإن هذا إنما بعد الفراغ من صحة
الإجازة، والفرض أن الإجازة غير صحيحة، وهكذا الأمر في كل مورد
لا تصح الإجازة.
وبعبارة أخرى أن حكم الإجازة حكم البيع الابتدائي، فيشترط فيها ما
يشترط في البيع، وعلى هذا فلو باع الفضولي ما تعلق به حق الغرماء أو
المرتهن فإجازة المفلس أو الراهن بنفسها لا تؤثر فيه بوجه.
51

2 - اشتراط وجود المجيز حين العقد
أنهم ذكروا وجود مجيز حال العقد وإلا فيبطل العقد الفضولي،
فصحته مشروطة بذلك الشرط، وقد ذكروا في وجه ذلك وجهين:
الأول: ما عن قواعد العلامة (1) من أن صحة العقد بدونه يمتنع فإذا امتنع
في زمان فيمتنع في جميع الأزمنة لعدم الفرق في الامتناع بين قلة الزمان
وكثرته.
الثاني: بلزوم الضرر على الأصيل، فإنه لو كان مثل ذلك العقد صحيحا
وشمله الاطلاقات فيلزم من ذلك ضرر عظيم على الأصيل مع عدم
وجود مجيز عند العقد من شأنه أن يجيز العقد، لأنه لا يجوز له التصرف
لا فيما انتقل عنه ولا فيما انتقل إليه، فأدلة نفي الضرر ينفي لزوم ذلك
العقد، وهذا يتصور على وجوه:
1 - أن يكون المراد منه وجود ذات المجيز، بحيث يكون عند العقد
من شأنه أن يجيز العقد مطلقا، سواء كان هنا مانع عقلا أو شرعا أو لم يكن
وإلا فيبطل، وعلى هذا فلا موقع لذا الشرط في الأموال حتى عند العامة
أيضا، إذ ما من مال إلا وله من يجوز تصديقه بالتصرف بيعا أو غير بيع
المالك أو الولي، أما عندنا فلوجود ولي الأمر صاحب العصر عجل الله
فرجه، فإنه الولي المطلق فأي مال لم يكن له مالك يجوز له بيعه وتصرفه
فوليه هو الإمام (عليه السلام).
نعم ما ذكر البيضاوي: أن هذا الشرط لا موقع له عند العامة لقولهم
بوجود الإمام (عليه السلام) في كل زمان، وأما عند العامة فكذلك أيضا لأنهم
أيضا قالوا بوجود ولي الأمر في كل زمان، غايتهم يخطئون في تطبيقه

1 - القواعد 1: 124.
52

على واقعه، فذات المجيز موجود في كل مال حين وقوع البيع عليه
فضولا، نعم يصح في النكاح بناء على عدم ولاية أحد حتى الإمام (عليه السلام).
2 - أن يكون المراد منه وجود المجيز المتمكن عقلا.
3 - أن يكون المراد منه وجوده المتمكن منه شرعا.
بيان آخر في اشتراط وجود المجيز حين العقد
ذكر العلامة (رحمه الله) أن الممتنع في زمان ممتنع دائما، وأضاف إليه الشيخ
بكونه ضررا على الأصيل فإنه لا يجوز له التصرف فيما انتقل إليه
لاحتمال عدم الإجازة، ولا فيما انتقل عنه لاحتمال كونه ملكا للغير
بالإجازة، فلو بقي العقد الفضولي على النحو الذي وجد لكان ضررا على
الأصيل.
ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه:
1 - أن يكون المراد من اشتراط وجود مجيز حال العقد وجود ذات
المجيز ومن يكون من شأنه إجازة العقد، سواء كان متمكنا عقلا أو شرعا
أو لم يكن متمكنا منهما.
وهذا الشرط إنما يتم على غير مذهب الإمامية، وأما على مذهبهم
القائلين بوجود الإمام في كل زمان فلا يتم كما ذكره البيضاوي، إذ
لم يوجد عقد في العالم إلا وله مجيز ومن شأنه ذلك، لكن الإمام (عليه السلام)
عندنا ولي الأمر من جميع الجهات فيكون هذا الاشتراط لغوا محضا، نعم
عند غير الإمامية يمكن ذلك، وكذلك عندهم إذ لم نقل بكونه وليا في
جميع الأمور حتى النكاح مثلا.
2 - أن يكون المراد منه كونه متمكنا من الإجازة عقلا، بأن لا يكون
مانع عقلي من ذلك حال العقد كالنوم والغياب ونحو ذلك مما يوجب
53

عدم الوصول إليه حين العقد، فإنه حينئذ يحكم بفساد العقد.
وهذا الوجه أيضا لاحق بالأول، فلا فائدة في البحث عنهما، فإنه
يظهر حكمهما من الشق الثالث، فبعد إلغائه فيكونان لغوا بالأولوية،
مضافا إلى ورود الروايات في صحة نكاح الصغيرين مع عدم التمكن من
الإجازة الفعلية عند العقد، وكذلك صحيحة محمد بن قيس ورواية
البارقي.
فهذان الوجهان ليسا بمهم، والعمدة هو الوجه الثالث.
3 - أن يكون المراد من ذلك التمكن الشرعي، بأن لا يكون مانع شرعي
من الإجازة حال العقد، فلو باع الفضولي مال اليتيم من غير غبطة
ومصلحة فيه مع حضور الولي ثم صار ذلك البيع ذا مصلحة، كما إذا باع
داره بخمسين مع كون قيمتها مائة ولكن صار وقت الإجازة ذا مصلحة
لكونها في شرف الخراب فلا يصح ذلك على هذا الشرط، فإن ذات
المجيز وإن كان موجودا حال العقد وله تمكن عقلي أيضا من الإجازة
عنده إلا أن إجازته ذلك العقد لم ينفذ بل تكون باطلة ولو لم يكن يجيز
حال العقد فإنه منهي عن التصرف في ماله إلا بوجه حسن، وهذه الإجازة
تصرف وبيع بلا وجه حسن فتكون باطلة ويكون العقد باطلا.
ولكن الظاهر عدم اعتبار ذلك، ويظهر منه بطلان الوجهين الأولين،
ويظهر حكمه من عكس المسألة، كما إذا فرضنا أن الفضولي باع مال
اليتيم مع مصلحة فيه فإذا أراد الولي أن يجيز ذلك صار البيع غير مصلحة
في حق اليتيم ووصل إليه الخبر بترقي المال على أضعاف مقابل ما باعه
الفضولي، فلا شبهة في عدم صحة إجازته ونفوذه وكون البيع باطلا، فإن
البيع وإن كان ذا مصلحة حال العقد، ولكن ليس فيه مصلحة حال
الإجازة والمناط وجودها عندها لأن زمان الإجازة كان زمان البيع حقيقة
54

ونقطة شمول: أوفوا بالعقود (1) عليه، فحيث إنه في هذا الزمان غير
مصلحة في حق اليتيم فيكون باطلا.
والسر في ذلك هو ما تقدم، أن حكم الإجازة حكم البيع الابتدائي،
فكما لا يصح بيع مال اليتيم بلا مصلحة ابتداء، فكذلك لا يصح إجازة
بيعه لكون العقد بالإجازة مستندا إلى الولي.
وبعبارة أخرى قد نهينا عن التقرب بمال اليتيم بغير وجه حسن (2)، و
إجازة الولي بيع مال اليتيم فضولة عند عدم الصلاح فيه حال الإجازة ولو
كان فيه مصلحة حال العقد تقرب بغير وجه أحسن، فلا تكون نافذة إذ
المناط في كون البيع ذا مصلحة حال الإجازة.
ومن هنا يظهر حكم ما نحن فيه، إذ البيع ولو كان خاليا عن المصلحة
عند العقد ولكن حالها عند الإجازة، فكما يصح البيع الابتدائي عند
وجود المصلحة فيه فكذلك تصح الإجازة للبيع الفضولي، فإن زمان
الإجازة هو زمان تحقق البيع حقيقة وزمان شمول العمومات، إذن
فاشتراط كون المجيز متمكنا من الإجازة حال العقد شرعا لا موقع له بل
المناط التمكن حال الإجازة، ومن هنا لو كان فاقدا للتمكن الشرعي حال
العقد وصار واجدا له حال الإجازة فتصح إجازته.
ومن هنا اتضح حكم القسمين الأولين بالأولوية، وكذلك اتضح أنه
لا يفرق هنا بين القول بالكشف والنقل كما تقدم.
وأما ما ذكره العلامة (رحمه الله) من أن الممتنع في زمان ممتنع دائما، ففيه:
إن كان المراد من ذلك الامتناع الذاتي، فالكبرى أمر مسلم كالاجتماع
الضدين والنقيضين والدور والتسلسل التي مرجع كلها إلى اجتماع

1 - المائدة: 1.
2 - قوله عز وجل: لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، الأنعام: 152.
55

النقيضين، ومن هنا يسمى مبدء المبادي، فإن أمثال ذلك أن الشئ إذا
امتنع في زمان فيكون ممتنعا دائما لأنه لا يحتمل أن اجتماع النقيضين
يكون محالا في زمان وغير مستحيل في زمان آخر بل هو محال بذاته،
ولكن الصغرى ليس بمسلم، إذ الامتناع في أمثال المقام ليس امتناعا
ذاتيا، فإن كون الصحة عقد الفضولي ممتنعا ليس بذاته بل هو بالغير ومن
جهة عدم العلة والمصلحة.
وإن كان المراد من الامتناع هو الامتناع الغيري فهو مسلم صغرى، إذ
عدم صحة عقد الفضولي حال العقد إنما هو لأجل عدم المصلحة فيه
عنده، ولكن الكبرى ليس بمسلم لأن الممتنع بالغير في زمان لا يكون
ممتنعا دائما فيجوز أن يكون ممتنعا في زمان لأجل عدم علته وممكنا
في زمان آخر بل واجبا لوجود علته، ومن هنا قال الشيخ الرئيس: إن
الممكن من ناحية علته أليس ومن عدم علته ليس.
وبالجملة الامتناع الغيري تابع لعدم علته، فكما كانت معدومة فينعدم
وإذا وجدت العلة يخرج المعلول من الامتناع فضلا عن أن يكون ممتنعا
دائما، وهذا واضح جدا فلا ندري ماذا أراد العلامة من كلامه هذا وهو
بعيد بمقاله.
وأما ما ذكر المصنف من كون عدم الاشتراط ضررا على الأصيل لكونه
ممنوعا من التصرف فيما انتقل عنه، لاحتمال الإجازة وكونه مال الغير
فيكون التصرف حراما، ولا فيما انتقل إليه لاحتمال عدم الإجازة وكونه
أيضا تصرفا في مال الغير فيكون حراما، وفيه:
أولا: إن الضرر إنما ينشأ من اللزوم، أي من لزوم العقد، وقد أثبتنا
عدم لزومه من الأول وإنما يكون لازما بالإجازة فإذا لم يتحمل الأصيل
بالضرر فله الفسخ ويجوز له التصرف بدون الفسخ مستندا إلى أصالة
56

عدم الإجازة فلم يشمل عليه من حين العقد: أوفوا بالعقود حتى يمنع
من التصرفات.
وثانيا: تقدم من المصنف أنه لا يجوز للأصيل أن يتصرف فيما انتقل
إليه ولا فيما انتقل عنه إلى زمان الإجازة لعدم العلم بالإجازة وعدمها،
فإذا ننقض ما ذكره هنا بما تقدم بأنه لو تضرر الأصيل إلى زمان الإجازة في
غير المقام فبأي وجه أجبتم هناك فمثله يجيب هنا أيضا، من القول بجواز
الفسخ أو أنه أقدم بنفسه على ذلك فليس الفسخ أو غير ذلك.
وبالجملة ليس للمقام خصوصية ليوجب انكار صحة الفضولي عند
عدم وجود مجيز حال العقد ولا ينكر صحة أصل الفضولي، وقد تقدم
عدم تمامية الاستدلال بأدلة نفي الضرر هنا، فراجع.
3 - اشتراط كون المجيز جائز التصرف حال العقد
قوله (رحمه الله): الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد.
أقول: وهذه المسألة الثالثة تتصور على ثلاثة أنحاء:
1 - أن يكون عدم جواز التصرف من ناحية عدم المقتضي، كما إذا باع
الفضولي متاعا لزيد من عمرو فلم يكن ذلك المتاع حال العقد موجودا
عند عمرو وإنما ملكه بين العقد والإجازة باع شيئا لنفسه وكان لغيره ثم
ملك بنفسه.
2 - أن يكون عدم جواز تصرف المجيز حال العقد من جهة فقدان
شرطه، كما إذا باع الفضولي مال اليتيم أو السفيه أو المحجور لفلس ثم
صاروا واجدين للشرائط، فإن عدم كون المجيز ممن يجوز له التصرف
حال العقد من جهة عدم تحقق شرط التصرف وإلا فالمقتضي لذلك
موجود، وهو كونه مالكا حال العقد.
57

3 - أن يكون ذلك من جهة وجود المانع، بأن كان المقتضي والشرط
كلاهما موجودين ولكن يقترنان بمانع يوجب عزل المقتضي والشرط عن
التأثير، وهذا كما إذا باع الفضولي مال الراهن فضولا فإن الراهن مالك
حقيقة وشرائط التصرف موجود فيه ولكن اقترن ذلك بمانع أوجب منعه
عن التأثير وعن جواز التصرف.
فهل يحكم في هذه الصورة ببطلان البيع الفضولي أو بالصحة فللمجيز
أن يجيز العقد بعد تجدد المقتضي واحتوائه الشرائط وارتفاع الموانع،
أو يفصل بينها فيحكم بالصحة في بعضها وبالبطلان في بعضها الآخر
وجوه.
أما الصورة الأولى، فالبحث فيها من جهات ثلاث:
1 - أن لا يكون المجيز جائز التصرف حال العقد واقعا.
2 - أن لا يكون المجيز جائز التصرف ظاهرا، بأن تم موضوع الحكم
الظاهري في حقه وحكم بعدم جواز التصرف فيه.
3 - أن يعتقد عدم جواز التصرف فقط تخيلا وتوهما من غير أن يكون
كذلك واقعا أو يتم في حقه الحكم الظاهري في مرحلة الشك.
فالجامع في الجميع هو عدم كون العقد صادرا عن المالك الفعلي مع
العلم به، فهذه الصورة بعينها هي مسألة: من باع شيئا ثم ملك، فهي مسألة
معروفة وسيأتي الكلام فيها.
الصورة الثانية: أن يكون عدم جواز التصرف من ناحية فقدان الشرط
وأما الصورة الثانية، فالظاهر أنه لا شبهة في صحة العقد وعدم
اشتراطها بكون المجيز جائز التصرف حال العقد، بل يكفي في صحته
كونه جائز التصرف حال الإجازة، وذلك لأن العقد إنما انعقد بجميع
58

شروطه وقيوده وتحقق حاويا لها من القصد وغيره في صحيفة الوجود
خلا استناده إلى من له العقد، ولا بد وأن يستند إليه، وإذا كان المجيز
حين إجازته قابلا لذلك وصح أن يستند إليه ذلك العقد فما المانع من
شمول العمومات عليه والحكم بصحته، فذلك حين انعقاده وإن كان غير
واجد لمجيز يجوز تصرفه إلا أنه غير شرط في صحته، بل يكفينا الشك
في ذلك فندفعه بالعمومات، فلذلك العقد صحة تأهلية فنحكم بالصحة
كما هو واضح.
والذي يوضح ذلك أنه لو عقد صبي أو سفيه عقدا، بناء على عدم
كونهما مسلوب العبارة، فأجازه الولي أو أجازا بعد ارتفاع اليتم والسفه
وصيرورة الصبي بالغا والسفيه رشيدا، فهل يتوهم أحد بطلان ذلك
العقد، فمقامنا هذا من هذا القبيل، نعم في المجنون إذا عقد بسفه ثم أفاق
وأجاز العقد لا وجه من الحكم بالصحة بعدم تمشي القصد منه على
العقد فيكون باطلا من هذه الجهة.
وبالجملة سواء كان المتصدي بالعقد هو السفيه والصبي بنفسهما بأن
باعا مالهما مباشرة، أم كان المتصدي لذلك شخص فضولة ثم أجازا،
فلا شبهة في صحة ذلك البيع، ولا يضر عدم كون المجيز حين الإجازة
جائز التصرف بل يكفي كونهما واجدين للشرط حين الإجازة، وذلك لأن
العقد تمام من جميع الجهات إلا من جهة الاستناد إلى من له الاستناد،
فقد استند إليه عند الإجازة من غير أن يكون عنه مانع بوجه.
الصورة الثالثة: أن يكون ذلك من جهة وجود المانع
أما الصورة الثالثة، فهي اقتران بالمانع، كما إذا باع الراهن أو المرتهن
أو الفضولي مال الرهانة ثم أجاز الراهن بعد فك الرهن وجواز تصرفه فيه،
59

حيث إن الراهن لم يكن جائز التصرف حال العقد وإنما صار كذلك حين
الإجازة، فهل يصح هذا العقد أم لا أو يفصل.
الظاهر أنه لا مانع من الحكم بصحة العقد هنا أيضا، لما تقدم أن للعقد
تمام التأثير من سائر الجهات بأجمعها إلا من جهة الاستناد فيكون
مستندا إلى من له العقد بإجازته إذا كانت حين كون الراهن جائز التصرف،
خصوصا إذا كان البايع هو المرتهن، فإن تصديه بالبيع كاشف عن عدم
كون حقه مانعا عنه فيكون كسائر البيوع الفضولية.
وبالجملة قد عرفت مرارا أن حكم الإجازة حكم البيع الابتدائي، فكما أن المناط في تماميته صحة البيع من جميع الجهات في البيع الابتدائي هو
زمان العقد فكذلك في البيع الفضولي هو زمان الإجازة في الشروط التي
ترجع إلى المالك دون العاقد.
كلام في بيع الرهن
وقد فصل بين بيع المرتهن الرهن فحكم بصحته، وبين بيع الراهن ذلك
فحكم بفساده، وحاصل الفارق أن بيع المرتهن الرهن ليس إلا كبيع
الفضولي فهو تمام من جميع الجهات فيحكم بصحته بمقتضى العمومات
بإجازة الراهن، وهذا بخلاف الراهن فإنه وإن كان مالكا ولكن الشارع قد
منع عن جواز بيعه العين المرهونة لتعلق حق الغير بها والغي بذلك استناد
المبيع إليه فيكون بيعه هذا غير مستند إليه وإن كان تمام من سائر
الجهات، فالبيع الغير المستند إلى شخص باطل لكونه مراعا ومعلقا من
دون أن ينضم إلى شخص.
فهذا ليس مثل بيع الصغير والسفيه والبيع الفضولي، فإن البيع في
الجميع يستند إلى المالك بالإجازة بعد البلوغ والرشد في الأولين
والإجازة في الثالث أو إلى من له العقد أعني الولي، فيتم العقد من جميع
60

الجهات، ولم يلغ الشارع الاستناد بالكلية في أمثال تلك المذكورات،
وهذا بخلاف الراهن فإنه الغي استناده إليه، وهو نظير تزويج الرجل بنت
الأخ أو الأخت على العمة والخالة (1)، حيث إن الشارع الغي استناد ذلك
العقد إلى الزوج من دون إذن العمة والخالة فيكون فاسدا.
وبالجملة كان أساس المنع أن العقد الذي وقع له ينتسب إلى المالك
لالغاء الشارع استناده إليه مع تعلق الغير بالعين، والفرض أنه لم يقع هنا
عقد آخر بعد انفكاك الرهن ليستند إلى المالك فيكون باطلا، ولا توجب
انفكاك الرهن صحته ولا أن إجازته توجب الصحة لو كان العقد الواقع
عليه فضولة، فلا يكون ذلك العقد مشمولا للعمومات.
وفيه الظاهر أنه لا فرق في الحكم بالصحة والاستناد بين بيع الراهن
والمرتهن وغير البيوع الفضولية، وكلها قابلة الاستناد إلى المجيز ولها
صحة تأهلية، وذلك فإن إجازة المرتهن والعمة والخالة وإن كانت
دخيلة في صحة العقد ولكن توجب ذلك سقوط العقد عن الصحة
التأهلية وعن قابلية الاستناد إلى من له العقد بعد تمامية سائر الشرائط و
إجازة من لإجازته دخل في صحة العقد، فإنه لا نر مانعا عن شمول أدلة
صحة العقود على ذلك بوجه.

1 - عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن امرأة تزوج على
عمتها وخالتها، قال: لا بأس، وقال: تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت
ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضى منهما، فمن فعل فنكاحه باطل
(التهذيب 7: 333، الإستبصار 3: 177، قرب الإسناد: 108، عنهم الوسائل 20: 487)، ضعيفة
ببنان بن محمد.
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة
ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما
(الكافي 5: 424، الفقيه 3: 260، العلل: 499، عنهم الوسائل 20: 487)، موثقة.
61

غاية الأمر لا بد من ملاحظة ما يدل على دخالة إجازة الغير في صحة
العقد فبذلك المقدار نرفع اليد عن اللزوم، وإنما نحكم به بعد إجازة
الغير، وأما المقدار الزائد فلا، وليس في الأدلة الدالة على دخالة إجازة
الغير ما يدل على بطلان العقد بالكلية بدون إجازة المرتهن أو العمة
والخالة كما لا يخفى، فيكون ذلك تخصيصا لأدلة اللزوم من الأول، نظير
تخصيصها بالأدلة الدالة على ثبوت خيار المجلس من زمان العقد، وليس
ذلك تخصيصا في الأفراد حتى يتوهم عدم امكان التمسك بالعمومات
في مقام الشك بل تخصيص باعتبار الحالات فيقتصر فيه بالمقدار
المتيقن.
ويؤيد ذلك الأخبار الواردة في نكاح الصغيرين، حيث إن الصغيرين
ليسا ممن يستند إليهما العقد عنده، وكذلك يدل على ذلك الأدلة الواردة
في صحة نكاح العبد بدون إذن المولى، حيث علل بأنه لم يعص الله
وإنما عصى سيده (1).

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم
اطلع على ذلك مولاه؟ قال: ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرق
بينهما فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدي فأصدقها صداقا كثيرا وإن أجاز نكاحه فهما على
نكاحهما الأول، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر (عليه السلام):
إنما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله، إنما عصى سيده ولم يعص الله، إن ذلك ليس كاتيان ما
حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه (الكافي 5: 478، التهذيب 7: 351، الفقيه 3: 283،
عنهم الوسائل 21: 115)، صحيحة.
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى
سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم
النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز (الكافي 5: 478، التهذيب
7: 351، الفقيه 3: 350، عنهم الوسائل 21: 114)، صحيحة.
62

ففي المقام أيضا أن الراهن في بيعه هذا لم يعص الله وإنما عصى
المرتهن، فيكون عقده وبيعه صحيحا ويتم من جميع الجهات بإجازة
المرتهن، فهذا لا شبهة فيه بوجه من الوجوه كما هو واضح لا يخفى.
ويؤيد ذلك بيع الصرف والسلم، حيث إن العقد حين وقوعه
لم ينتسب إلى من له البيع إلى زمان القبض لاشتراطه به، وإنما ينتسب بعد
تحقق شرطه وهو القبض ويكون مشمولا لأوفوا بالعقود.
ومقامنا كذلك، فإن العقد الصادر من الراهن لم يكن مستندا إلى الراهن
حين الصدور من جهة المانع وكان باطلا بمعنى عدم ترتب الأثر عليه
ولكن بعد ارتفاع المانع يكون منتسبا إلى المالك ومشمولا للعمومات
كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أن المقام من صغريات دوران الأمر بين التخصيص
والتقييد، وقد تحقق في محله أن التقييد مقدم على التخصيص لكونه
قدرا متيقنا، مثلا إذا ورد أكرم العلماء وعلمنا بخروج زيد العالم عنه في
اليوم الأول يقينا، ولكن نشك في خروجه إلى الأبد أو في اليوم الأول،
فحينئذ يدور الأمر بين تقييد العام باليوم الأول والالتزام به من جهة طرو
حالة موجبة للتقييد وبين تخصيصه واخراج الخاص من تحته إلى الأبد
فيؤخذ القدر المتيقن لأنه المتيقن الخروج وتمسك بالعام في الأزمنة
الأخرى.
ومقامنا كذلك حيث ورد التقيد قطعا للعمومات ببيع الراهن حين تعلق
حق الرهانة بالعين الموهونة وخرج بيعه هذا عن تحت العمومات نظير
خيار المجلس، ولكن نشك أن هذا الخروج باعتبار تلك الحالة فقط أعني
حالة تعلق حق المرتهن عليها ليكون الاخراج تقييدا، أو أبدى ليكون
الخروج تخصيصا، فحيث إن القدر المتيقن هو الأول فالمقدار الزائد منه
63

مشكوك، فنلتزم بالتقييد فنتمسك بالعمومات في المقدار الزائد، وهذا
واضح جدا.
وقد بقي هنا أمران:
1 - هل لإجازة المرتهن دخالة في صحة ذلك العقد؟
الأمر الأول: أنه بعد الالتزام بصحة بيع الراهن وعدم منع تعلق حق
المرتهن بالعين عن نفوذه وشمول العمومات عليه بعد ارتفاع حقه
وانفكاك الرهن، فهل لإجازة المرتهن دخالة في صحة ذلك البيع الذي
كان المالك غير جائز التصرف حين العقد وكان البيع واقعا فضولة أو
أصالة من الراهن بعد فك الرهن باعتبار دخالتها قبل الفك وحين صدور
العقد أم لا؟
الظاهر عدم دخالة رضاه في صحة ذلك العقد، فإن عقد الراهن كان
تمام الجهات وواجدا للشروط من سائر الجهات بأجمعها إلا من جهة
الاستناد إلى المالك لمنع تعلق حق الغير بالعين عن ذلك الاستناد وبعد
زواله، فيكون العقد تماما من جهة الاستناد أيضا فيشمله العمومات
وبعد ذلك تعليق صحته إلى شئ آخر خلف الفرض وتحصيل
للحاصل، وإذا شككنا في دخالته في صحة العقد فندفعه بالعمومات.
2 - جريان نزاع الكشف والنقل فيه
الأمر الثاني، وهو المهم، أنه هل هذا كسائر البيوع الفضولية في
جريان نزاع الكشف والنقل فيه أو أن له امتياز عنها قولان؟
والحق امتيازه عنها، لأن الظاهر أنه لا ملازمة بين القول بالكشف هناك
وبين القول بالكشف هنا، بل نلتزم هنا بالنقل بالمعنى الذي تعرفه مع
64

التزامنا بالكشف هنا تبعا للمحقق الثاني ومن تبعه، فإنه (رحمه الله) مع اصراره
على الكشف في البيع الفضولي لم يلتزم به هنا، فإذا باع الراهن العين
المرهونة فلا تكون الملكية حاصلة من حين العقد، وهكذا لو باع ذلك
الفضولي.
وبيان ذلك، أن أساس قولنا بالكشف في هناك هو أن العقد كان واقعا
على ما هو عليه من احتوائه جميع الشرائط إلا جهة الانتساب، فإذا
انتسب إليه بالإجازة فيتم من جميع الجهات فتشمل عليه العمومات حين
الإجازة وتثبت صحة العقد وترتب الأثر عليه من الأول لجواز تعلق
الإجازة بالأمر المتقدم كجواز تعلقها بالأمر الحالي والأمر المتأخر
لكونها من الأمور التعلقية كما عرفت.
وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن عدم تمامية العقد على العين المرهونة
حين العقد لم يكن مستندا إلى جهة عدم الانتساب إلى المالك، بل كان
مستندا إلى المالك لو كان الراهن هو البايع.
وعلى تقدير كونه الفضولي فيكون ناقصا من جهتين: الأولى: عدم
انتسابه إلى المالك، والثانية: جهة تعلق حق الغير به وعدم كون المجيز
جائز التصرف حين العقد، بل كان فاقدا لشرط آخر، وهو خلوه عن
رضاية من رضايته شرط في صحة العقد، وهو حق المرتهن، ولذا لو كان
البايع هو الراهن أو غير الراهن فضولة وأجاز الراهن قبل أداء الدين وفك
الرهن لا يكون العقد أيضا مشمولا للعمومات لاقترانه بالمانع وهو حق
المرتهن.
وعلى هذا فلو باع الفضولي العين المرهونة أو الراهن في يوم السبت
وانفك الرهن يوم الأحد وأجاز الراهن يوم الاثنين فلا يكون فاقدا من حين
العقد لعدم انحصار المانع بعدم الاستناد فيما إذا كان البايع هو الفضولي
65

وعدم وجدانه تمام الشرائط لو كان هو الراهن وفقدان رضاية المالك بل
يكون نافذا من حين الفك فإن ذلك الزمان زمان انحصار المانع بفقدان
الاستناد فإذا رضي المالك بالعقد فيكون نافذا من زمان الفك وانحصار
المانع بعدم رضاية المالك.
وبعبارة أخرى أن رضاية المجيز المالك تصلح العقد من جهة الموانع
التي ترجع إليه ومن ناحيته دون الموانع التي من ناحية الغير، فإن الناس
مسلطون على أموالهم وشؤونهم وحقوقهم، فليس لأحد التصرف فيما
يكون مورد السلطنة الغير ويكون ذلك موجبا لإزالة حقه، فلا بد هنا من
القول بالنقل بهذا المعنى، وهو في الحقيقة متوسط بين الكشف والنقل
المتقدمين.
وهذا نظير بيع الصرف، فإنه لو باع أحد مقدارا من الذهب فضولة ثم
حصل القبض بعد ساعتين وأجاز المالك ذلك البيع بعد أربعة ساعات،
فهل يكشف ذلك الإجازة من حصول النقل من زمان العقد مع أن شرطه
وهو القبض غير حاصل بل إجازته هذه تكشف عن حصول النقل
والانتقال من زمان القبض فإن المانع عن النقل والانتقال إلى زمان القبض
لم يكن مستندا إلى عدم رضاية المالك فقط بل كان بعد القبض أيضا
موجبا لعدم حصول النقل والانتقال، ومن هنا كان الأمر كذلك لو كان
المتصدي بالبيع هما الأصيلان فهل يزيد بيع الفضولي على بيع الأصيلين
فليس كذلك، فافهم.
وبالجملة لا نعقل وجها للقول بالكشف من حين العقد في بيع
الفضولي العين المرهونة، كما لا يمكن أن يتفوه بذلك في بيع الصرف
أيضا.
66

الصورة الأولى: أن يكون عدم جواز تصرف المجيز من جهة عدم المقتضي
هذا كله فيما إذا كان عدم جواز التصرف مستندا إلى فقدان الشرط أو
وجود المانع، وأما المسألة الأخرى فهي ما كان ذلك مستندا إلى عدم
المقتضي، فقد عرفت أن هذه المسألة منحلة إلى ثلاث مسائل:
المسألة (1) لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك وأجاز
الأولى: أن يبيع شخص مالا لنفسه مع العلم بعدم ملكه له حال العقد
واقعا ثم ملكه، إما بالاختيار كالبيع ونحوه أو بالنواقل القهرية كالإرث،
فهل يمكن الحكم بصحة ذلك بحسب القواعد أم لا.
وقد نسب المصنف القول بالجواز إلى الشيخ الطوسي (1) في مسألة بيع
المالك العين الزكوي بعد تمام النصاب وقبل اخراج الزكاة، حيث التزم
الشيخ الطوسي بصحة البيع ويلزم للمالك أداء الزكاة من ماله، مع أن هذه
المسألة من صغريات ما نحن فيه، أعني بيع شئ ليس للبايع مالكية لها ثم
ملكه، فإن حق الفقراء قد تعلق بالمال وكانوا شركاء معهم بأي نحو كانت
الشركة، سواء كان بعنوان الشركة الحقيقية أو من باب الكلي في المعين.
وفيه أن الظاهر أن الشيخ لم يفت في هذه المسألة بالجواز من جهة
القواعد بل لورود النص الصحيح عليه، وقد ذكر الشيخ النص في كتاب
الزكاة وهي صحيحة عبد الرحمان البصري، قلت للصادق (عليه السلام): رجل
لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضي،
قال: نعم تؤخذ منها زكاتها ويتبع بها البايع أو يؤدي زكاتها البايع (2).

1 - المبسوط 1: 208.
2 - الكافي 3: 531، عنه الوسائل 9: 127، صحيحة.
67

والعجب من المحقق (1) كيف رضي القول بالاشكال على الشيخ مع
ورود النص عليه وغفل عن النص، كما أن العجب من المصنف حيث
احتمل أنه، إلا أن يكون مراد الشيخ من الحكم بصحة البيع جعل المقام
مثل بيع العين التي تعلق بها حق الديان أو حق المرتهن، ولم يحتمل كون
الشيخ مستندا إلى الرواية، وإذن لا وجه للاستشهاد بمثل تلك الفتاوي
بالمقام لكونها منصوصة بل لا بد من التكلم فيها بحسب ما تقتضيه
القواعد.
بيان آخر
والحاصل أن الكلام في عدم كون المجيز جائز التصرف حال العقد من
جهة المقتضي يقع في ضمن مسائل:
الأولى: أن يبيع مال غيره لنفسه ثم ملكه فهل يصح البيع أم لا؟ كما إذا
باع الابن مال أبيه ثم ملكه بالقهر كالإرث أو بالبيع، وعلى تقدير الصحة
نتكلم في أنه محتاج إلى الإجازة أم لا.
وقد ذكرنا أنه لا ملازمة بين هذه المسألة وبين مسألة بيع العين الزكوي
كما ذكرها المصنف في المتن، فإن أصل مسألة بيع العين الزكوي وإن
كانت من صغريات هذه المسألة، بناء على تعلق الزكاة بالعين وكون
الفقراء شركاء مع المالك، سواء كانت الشركة على نحو الإشاعة أو على
نحو الكلي في المعين.
ولكن المسألة منصوصة فجواز بيعها لا يرتبط بجواز بيع مال الغير
لنفسه، فإنه ورد النص على ما في حاشية السيد (2) أنه لو باع المالك العين

1 - المعتبر 2: 563.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 163.
68

الزكوي فيكون البيع صحيحا فتكون الزكاة على البايع بأن يؤديها من ماله
أو تتبع المال فيؤديها المشتري، فهذا أمر آخر لا ربط له بما نحن فيه من
الكبرى الكلية.
فارجاع الشيخ المسألة إلى مثل تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة فقد
عرفت جوابه، فلا بد من صرف عنان الكلام إلى التكلم بحسب القواعد،
وقبل تحقيق المقام لا بد وأن يعلم أن مقتضى العمومات والاطلاقات
صحة تلك المعاملة، فلا بد من الحكم بالفساد من دليل خاص ليوجب
تقييدها أو تخصيصها.
ما استدل المحقق التستري (رحمه الله) على البطلان
إذا عرفت ذلك اعلم أن المسألة ذات قولين، قول بالصحة كما عليه
المصنف وجمع كثير غيره، وقول بعدم الصحة وعليه جماعة أخرى،
منهم المحقق النحرير الشيخ أسد الله التستري (1)، وقد استدل على
البطلان بوجوه قد أشار إليها المصنف وإلى جوابها:
الوجه الأول
الاشكال المتقدم في بيع الغاصب، وهو منحل إلى وجوه ثلاثة، وقد
ذكر المصنف أنه لا يجري بعضها في المقام:
الوجه الأول: عدم تمشي القصد من الغاصب إلى حقيقة المعاوضة
فيكون باطلة.
وقد أجاب عنه شيخنا الأستاذ (2) بوجه لا يكون ذلك جوابا عما نحن

1 - مقابيس الأنوار: 134 - 135.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 162.
69

فيه، ولكن على ما أجبنا عنه به فيكون جوابا عنه هنا أيضا.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ في تصحيح بيع الغاصب الذي لا يجري
هنا، فتوضيح ذلك على ما تقدم من شيخنا الأستاذ:
أن من باع شيئا بما أنه مالك، تارة يكون مالكا حقيقيا كما إذا كان مالكا
للمبيع، وأخرى يكون مالكا ادعائيا نظير الحقيقة الادعائية في المجاز،
على ما سلك به السكاكي طريق المجاز، كما إذا غصب مال الغير فباعه
لنفسه فإنه ليس بمالك حقيقة ولكن لأجل سرقته الإضافة المالية
ونسبتها إلى نفسه قد رأى نفسه مالكا للعين وباع بادعاء أنه مالك وتخيل
وجود إضافة مالكية بين المال وبين نفسه، كما يتخيل كون المنية سبعا
ويثبت له لوازم السبعية من الأظفار.
وهذا الوجه لا يجري في المقام، فإن البايع لا يدعي كون المال له
ليتحقق له ملكا هنا ملكية ادعائية بل هو بعد على اقراره بأن المال للغير
وإنما باع هو مال الغير لنفسه، فيكون ذلك الوجه غير جار في المقام،
ومن هنا ذكر شيخنا الأستاذ أن البايع لم يسرق الإضافة ولم يغصب المال
فكيف يقصد المبادلة بين الثمن الذي يقصد تملكه والمثمن الذي هو
ملك لغيره مع أنها تقتضي دخول الثمن في ملك من خرج عنه المثمن.
ولكن قد تقدم أن الوجه في صحة بيع الغاصب غير ما ذكره شيخنا
الأستاذ، وحاصله أن حقيقة البيع كما مر مرارا ليست إلا عبارة من المبادلة
بين المالين بحيث يدخل العوض المكان الذي خرج عنه المعوض
وكذلك العكس، وخصوصية قصد المالك ليست دخيلة في صحة البيع
بوجه وإنما هو أمر زائد عن حقيقة البيع.
إذن لو باع مال لنفسه فقصد تلك الخصوصية فهو أمر موافق للواقع
وأمر زائد عن حقيقة البيع لا يضر ولا ينفع، وإذا باع مال غيره لنفسه
70

فحقيقة البيع التي عبارة عن المبادلة بين المالين قد تحققت لعدم تقدم
حقيقة المبادلة والمعاملة بخصوصية المالك وإنما حقيقتها متقومة
بتبديل المالين كما عرفت وهي إنما تحصل بالمبادلة في ملك المالك
الواقعي ليكون التبديل في الإضافة.
وهذا المعنى قد تحقق هنا، غاية الأمر أن خصوصية كون البيع لنفس
البايع مع عدم كونه مالكا أمر زائد عن حقيقة البيع فقصد الأمر الزائد عن
حقيقة البيع الذي لا يوافق الواقع لا يوجب بطلان البيع ولا يضر بصحته.
ووجه صحة بيع الغاصب على هذا التقريب يجري هنا أيضا، لكونه
بيعا حقيقة ومشمولا للعمومات، فإن ما اعتبر الرضاية في البيع ليس إلا
آية التجارة وقوله (عليه السلام): لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه (1)،
فلا شبهة أن الشخص إذا باع مال غيره ثم ملكه يصدق عليه أنه تجارة عن
تراض وطيب نفس، ولعل مراد المصنف من قوله: ربما لا يجري بعض
الوجوه هنا، هو هذا الوجه.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ فشئ لا يمكن تصديقه، إذ الغاصب

1 - عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله)،
عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، قال: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير
إذنه (الإحتجاج: 479، اكمال الدين: 520، عنهما الوسائل 9: 540، 25: 386).
عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كانت عنده أمانة
فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (الكافي
7: 273، الفقيه 4: 66، عنهما الوسائل 5: 120)، موثقة بزرعة وسماعة الواقفين.
وعن تحف العقول، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة حجة الوداع: أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه (تحف العقول: 34)، مرسلة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه (عوالي
اللئالي 3: 473، عنه المستدرك 3: 331)، مرسلة.
71

لا يسرق الإضافة وإنما يغصب المال، وأما الإضافة فأمر اعتباري يعتبره
لنفسه، فمجرد ادعائه المالكية لا يوجب انقلاب الواقع عما هو عليه بناء
على دخالة تعين المالك وقصده في حقيقة البيع.
الوجه الثاني: إن الغاصب إنما قصد كون البيع لنفسه وعامل على ذلك
القصد، فلا شبهة أن البيع إنما يقع للمالك إذا أجاز دون الغاصب فيلزم
حينئذ كون ما تعلق به الإجازة غير ما وقع فلا يكون صحيحا، إذ الواقع
غير مجاز والمجاز غير واقع.
وهذا الوجه من وجوه بطلان بيع الغاصب يجري هنا أيضا، إذ البايع
لمال الغير لنفسه إنما باعه لنفسه وبقصد كونه له وإجازة المالك إنما هي
بعنوان كونه له دون العاقد، فيلزم أن يكون الواقع غير مجاز والمجاز غير
واقع، وليس ما أجازه المالك منشأ حتى يكون موردا للإجازة.
الوجه الثالث: إن الأخبار تدل على أن بيع ما لا يملك حين العقد غير
جائز، وقد تقدمت الإشارة إليها وإلى توجيهها، وسيأتي الكلام فيها
تفصيلا.
والحاصل أن من جملة الاشكالات التي أشكل به التستري على صحة
بيع مال الغير لنفسه ما أشكلوا به في بيع الغاصب من عدم تحقق قصد
البايع إلى حقيقة المعاوضة والمبايعة، فإن حقيقتها مبادلة مال بمال
بحيث يدخل العوض من كيس من خرج المعوض منه لتحقق المبادلة بين
المالين في جهة الإضافة.
أقول: وقبل الدخول بتوضيح ذلك لا بد وأن يعلم أن مقتضى
العمومات والاطلاقات صحة بيع مال الغير لنفسه ثم يملكه، لصدق
البيع عليه في العرف حقيقة فيكون مشمولا للعمومات والاطلاقات، فإن
ثبت من العقل والنقل دليل خاص يوجب تخصيصها أو تقييدها فنأخذ
72

به ونقيد بذلك أو نخصص الاطلاقات والعمومات وإلا فنحكم بصحة
المعاملة، وهكذا الأمر في جميع الموارد.
بيان آخر
إذا عرفت ذلك فنقول: إنه وإن أجبنا عن ذلك الاشكال أمس بما لا
يضر ببيع الغاصب ولا ببيع البايع مال الغير لنفسه، ولكن نقول في اليوم إن
بيع مال الغير لنفسه يتصور على قسمين:
ألف - أن يكون غرض البايع من ذلك بيع مال الغير فعلا ليشتري منه
بعد ذلك أو يتملك بغير الشري، بحيث يعلم قطعا أنه يتملك.
وبعبارة أخرى يكون الانشاء فعليا والمنشأ استقباليا بحيث ينشأ فعلا
ملكية مال الغير لزيد ليدخل الثمن في مقابله في كيسه ولكن ملكية
متأخرة، نظير بيع مال نفسه بعد خمسة أيام، وهذا لا شبهة في صدق
حقيقة المبايعة عليه وتحقق القصد من البايع إلى ذلك وكونه مشمولا
للعمومات والاطلاقات، بحيث ليس فيه محذور من هذه الجهة التي نحن
بصددها، بل لا يتوقف على الإجازة أصلا لكونه خارجا عن البيع الفضولي
وإنما باع مال نفسه.
نعم نتوقف فيه من جهة التعليق المجمع على بطلانه في العقود، فإن
الانشاء هنا وإن كان حاليا ولكن المنشأ عبارة عن ملكية مال زيد
للمشتري بعد خمسة أيام نظير باب الوصية، وليس هذا التعليق مثل قول
البايع: إن كان هذا لي فبعت، عند الشك في كونه له أو لغيره، أو قال:
بعتك هذا إن قبلته، فإن أمثال هذه التعليقات التي هي راجعة إلى التعليق
في أركان العقد المكنونة في العقد حقيقة سواء صرح به أم لا لا يضر
بالصحة، لكونها مما لا بد منه وخارجا في معقد الاجماع القطعي الذي
ادعوه في المقام.
73

اللهم إلا أن يقال: إن بطلان التعليق إنما هو بالاجماع كما سمعت، و
هو دليل لبي فلا بد من أخذ المتيقن من ذلك، فهو فيما إذا كان البايع باع
مال نفسه فلو علقه على شئ فحكم ببطلانه للتعليق للاجماع على
بطلانه، وأما فيما كان التعليق في بيع مال غيره فلا يقين لنا لكونه داخلا
في معقد الاجماع.
ب - أن يكون الانشاء والمنشأ كليهما فعليين من دون أن يكون في
البين تعليق، بأن يكون المنشأ الملكية بعد خمسة أيام بل ينشأ ملكية مال
زيد لعمرو في مقابل خمسة دنانير ليدخل الثمن في كيسه ويخرج
المثمن من كيس زيد، من غير أن يكون غرضه انشاء الملكية المتأخرة
ليتملك بعد ذلك ويعطيه للمشتري.
إن كان غرض التستري (رحمه الله) هذا الوجه، الظاهر أنه لا مدفع له لانتفاء
حقيقة المبايعة، فإن حقيقتها المبادلة بين المالين، وذلك لا يتحقق إلا
بكون العوض داخلا على كيس من خرج المعوض من ذلك، ومن هنا قلنا
سابقا إن حقيقة البيع عبارة عن المبادلة بين المالين في جهة الإضافة وبأن
يعقد العوض مكان المعوض والمعوض مكان العوض، وإلا فليس
المراد من التبديل التبديل المكاني.
وعلى هذا فيتوجه اشكال عدم تحقق القصد إلى حقيقة المبايعة
والمبادلة، وما قلنا أمس من عدم دخالة خصوصية المالك في حقيقة
البيع لكونها أمرا زائدا عنها وإن كان صحيحا ولكن المقام ليس كذلك لما
عرفت من عدم كون ذلك مربوطا بتلك الخصوصية بل راجعا إلى هدم
حقيقة البيع، فإنه إنما لا يضر عدم التوجه إلى الخصوصيات المالكية إذا
كانت حقيقة البيع متحققة وإنما كان الاشتباه في خصوصية المالك أنه هو
أو غيره.
74

كما إذا باع مال غيره اشتباها أو بتخيل أنه له، فإن القصد في أمثال ذلك أنما تعلق بالمبادلة بين المالين بحيث يكون العوض داخلا مكان المعوض
وبالعكس، غاية الأمر أن الخطأ وقع في تطبيق المالك على غير المالك.
نعم هذا يجري في بيع الغاصب، حيث إنه نزل نفسه ادعاء منزلة
المالك وجعل نفسه من مصاديق ذلك، فإن المبادلة إنما وقع بين المالين
بحيث يكون العوض داخلا في ملك طبيعي المالك وبالعكس،
والخصوصيات الشخصية المالكية خارجة عن حقيقة المبادلة، وإذا باع
شخص مال غيره كما في الغاصب بدعوى أنه هو المالك نظير دعوى
الحقيقة الادعائية في المجاز على ما سلكه السكاكي، فقد حصلت
المبادلة بين المالين حقيقة.
وأما إذا لم يكن كذلك ولا أن يكون البيع مستندا إلى الاشتباه ولا إلى
التخيل بل مع العلم بأن المال مال الغير يبيع ذلك ليكون المعوض خارجا
من كيس مالكه ويدخل العوض داخلا بكيس نفسه البايع دون المالك،
فقد عرفت في تعريف البيع أنه خارج عن حقيقة المبايعة والمبادلة.
وبالجملة أن الخصوصيات المالكية لا تضر بحقيقة المعاملة إذا
لم توجب التزلزل في حقيقة المبادلة، وإلا فلا بد من اعتبارها على النحو
الذي عرفت.
لا يقال: إن من باع مال غيره لنفسه وإن لم يدعي كون نفسه مالكا
تنزيليا ومن مصاديق طبيعي المالك إلا باعتبار كونه مالكا بعد مدة إما
بالقهر أو بالاختيار يكون مالكا بالفعل وحين العقد أيضا بالمجاز
المشارفة.
فإنه يقال: إن المجاز المشارفة لا يوجب تحقق البيع حقيقة وإنما
يوجب كونه مالكا مجازا وما صدر منه بيعا مجازا، ولا يقاس ذلك
بالادعائي، فإنه يوجب تحقق البيع حقيقة.
75

الوجه الثاني
لا بد وأن يكون بيع الفضولي واجدا لجميع الشرائط وحاويا لها غير
جهة رضاية المالك، فإذا رضي المالك فيتم من جميع الجهات ويستند
البيع إليه ويكون مشمولا للعمومات، ومقامنا هذا ليس كذلك، إذ البايع
مال الغير لنفسه مع عدم وجدان بيعه رضاية المالك ليس قادرا على
تسليم المبيع حين العقد، مع أنه لا بد من اعتباره حين العقد بمقتضى
الأدلة.
وقد أجاب عنه المصنف بما حاصله: أن كلامنا في المقام في البيع
الفضولي وأن رضاية المتأخرة هل توجب صحة ذلك البيع أم لا، فقد
عرفت كفايتها فيها، فإن ما يدل على اعتبار رضاية المالك ليس إلا آية
التجارة والتوقيع الشريف الدال على حرمة التصرف في مال الغير إلا
بطيب النفس، ولا شبهة أن البيع الفضولي بعد رضاية المالك تجارة عن
تراض وأكل مال الغير بطيب نفسه، وليس مثل بيع مال الغير عدوانا
وغصبا أو نحو ذلك لئلا يصدق عليه التجارة عن تراض.
وأما كون ذلك البيع فاقد لشرط آخر، بحيث يكون البطلان مستندا
إلى فقدان ذلك الشرط فغير مربوط بأمر البيع الفضولي، وفي مقامنا هذا
أن هذا البيع باطل من جهة عدم قدرة البايع على التسليم، لأنا لا نضائق من
اعتباره حال العقد لأجل الدليل الدال على اعتباره، إذن فيكون البيع هنا
باطلا لذلك، لأن من هو بايع ليس بقادر على التسليم حال العقد وإن كان
قادرا حين الإجازة، وما هو قادر على التسليم أعني المالك ليس ببايع
فتفسد المعاملة.
أقول: أما التزامه بكفاية رضاية المالك عند الإجازة وكون البيع
76

الفضولي بالإجازة تجارة عن تراض وأكلا لمال الغير بطيب النفس، فمما
لا شبهة فيه، لعدم الدليل في صدق التجارة عن تراض أزيد من استناد
البيع إلى المالك فهو حاصل بالإجازة، وأما اعتباره القدرة على التسليم
حال العقد، فتارة نقول باعتبار نفس التسليم الخارجي وأخرى بالقدرة
عليه، أما الأول فلا دليل على اعتباره في صحة العقد قطعا، غاية الأمر مع
عدم التسليم الخارجي يثبت للمشتري أو البايع مع عدم تسليم الثمن
خيار تخلف الشرط الضمني لالتزام كل من البايع والمشتري ضمنا على
التسليم كما لا يخفى.
وأما اعتبار القدرة على التسليم فليس عليه دليل إلا أحد الوجهين
على سبيل منع الخلو، فشئ منهما لا يدل على مقصد المصنف:
ألف - كون ذلك البيع الذي لا يقدر المالك على تسليم المبيع حال
العقد خطريا وغرريا، وقد نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر (1) فيكون باطلا
لذلك.
وفيه أن الخطر والخديعة الذي هو معنى الغرر إنما يتوجه عند
الإجازة استناد البيع إلى المالك الذي هو البايع حقيقة، فإن وقت الإجازة
وقت تحقق البيع وحصول حقيقته وترتب آثاره، وأما قبل ذلك
فالفضولي ليس إلا عاقدا فلم يتحقق البيع حقيقة ليترتب عليه آثاره، فهل
يتوهم أحد ترتب أحكام البيع وآثاره على العاقد، فالفضولي من هذه
الجهة.
ولا يفرق في ذلك كونه مالكا حال العقد أيضا أم لا بل يكون مالكا بعد

1 - عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهم السلام): نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر (عيون
الأخبار 2: 45، عنه الوسائل 17: 448)، ضعيفة.
77

العقد، كما باع الابن مال أبيه فمات وانتقل إليه أو مال غيره فاشتراه بعد
ذلك كالعاقد، وإن كان فعله منشأ للأثر من جهات أخرى كما تقدم.
إذن فلا يكون ذلك دليلا على اعتبار القدرة على التسليم حال العقد بل
على اعتباره حال الإجازة فقط فهو مسلم، فلا يكون بيع مال الغير لنفسه
ثم يملكه باطلا من جهة عدم القدرة على التسليم أيضا، فلا يكون ذلك
مانعا من شمول العمومات والاطلاقات على ذلك.
وبعبارة أخرى أن الدليل إنما دل على اعتبار القدرة على التسليم
للبايع، بأن يكون هو قادرا على تسليم ما باعه، وعنوان البايعية إنما تحقق
عند الإجازة، فيكون المالك بإجازته بايعا، لأن الفضولي المنشأ للعقد
ليس ببايع حقيقة، فيكون اعتبار القدرة على التسليم من حين الإجازة
للمالك لا قبله، فيكون المناط قدرة المالك حال الإجازة على التسليم،
سواء كان مالكا حين العقد أيضا أم لا.
ب - قيام الاجماع على القدرة على التسليم في البيع، فلو خلا عن ذلك
فيكون باطلا، ففي المقام أن البايع ليس بقادر عليه حال العقد.
وفيه على تقدير قبول الاجماع فهو دليل لبي فالمتيقن منه صورة كون
البايع بايعا لمال نفسه فإنه حينئذ نعتبر القدرة على التسليم حال العقد،
وأما في بيع مال الغير لنفسه فنشك في دخول ذلك في معقد الاجماع
فيكون خارجا عنه لعدم الاطلاق للأدلة البينة ليشمل الموارد المشكوكة
أيضا.
وأما اعتبار التسليم الخارجي فهو غير معتبر في صحة البيع قطعا لعدم
الدليل عليه بوجه، ومن هنا لو باع ماله من شخص ولم يسلم ذلك قهرا
عليه فلا يوجب ذلك بطلان المعاملة، كما تقدم نظير ذلك في بيع السلاح
لأعداء الدين، نعم يثبت للمشتري خيار الفسخ من جهة المخالفة بالشرط
78

الضمني، حيث إن البايع يستلزم ويشترط في ضمن العقد أن يسلم
المبيع إلى المشتري وإلا فله أن يفسخ المعاملة لأجل مخالفة هذا
الشرط.
الوجه الثالث
إنه على القول بالكشف وكون الإجازة كاشفة عن الملكية السابقة كما
هو الحق، وأغمضنا النظر عن الاشكالين الأولين، من منع تحقق حقيقة
البيع أو بطلانه من جهة عدم القدرة على التسليم، أنه يلزم خروج المال
عن ملك البايع قبل دخوله فيه، فإن الفرض أنه باع مال غيره لنفسه
ولم يملك بعد وقد ملك المشتري عليه على الفرض كما هو مقتضى
القول بالكشف فحينئذ يلزم المحذور.
وقد أجاب شيخنا الأنصاري عن هذا الاشكال بما حاصله: أن دليل
الكشف إنما يدل عليه في مورد يكون قابلا لذلك لا في مورد غير قابل
لذلك، فإذا باع شخص مال غيره لنفسه ثم ملكه أو باع مال غيره لغيره
فضولا ثم ملك الغير ذلك المال فأجاز البيع، فيكون حصول الملكية على
الكشف من زمان التملك، فإن هذا الزمان زمان قابلية تحقق الكشف،
ويكون مبدء الكشف من زمان اشتراء البايع أو من له البيع الفضولي إلى
زمان الإجازة فيما احتاج إليها وأما قبله فليس المورد قابلا لحصول
الملكية حتى يستشكل في ذلك وفي نحو حصولها.
وبعبارة أخرى أن كشف الإجازة عن الملكية إنما يترتب على وجود
الملكية، بحيث إن الملكية بمنزلة الموضوع للكشف والكشف عنها
بمنزلة الحكم المترتب على الملكية، وإذا لم يكن من له البيع مالكا
فيكون المورد غير قابل للكشف عن حصول النقل من زمان العقد
79

بالإجازة بل من نقطة من الزمان الذي يكون قابلا للكشف وقبل تلك
النقطة ليس المورد قابلا لذلك، فإن من له البيع ليس له مال حتى ينتقل
إلى المشتري ويتصور الكشف، وعلى هذا فيكون المال خارجا من ملك
البايع بعد دخوله في ملكه لا قبل دخوله فيه.
وعلى هذا لا مانع من شمول العمومات لما نحن فيه، فيكون المقتضي
للصحة موجودا وليس عن شمولها مانع عقلي أو شرعي ليكون موجبا
لرفع اليد عنها.
وبالجملة من حين وجود القابلية أن يخرج المال من ملك البايع
فلا نتصور مانعا بوجه عن شمول العمومات على ذلك.
ثم قال: لا يقاس المقام بما تقدم في الكشف والنقل أنه لو خص
المالك على الكشف الإجازة بزمان متأخر عن العقد حيث قلنا بعدم
صحة ذلك، ووجه عدم القياس أن القابلية للكشف هنا كموجود من
الأول فتكون العمومات شاملة عليه من حين العقد بخلافه هنا، فإن
العمومات كما عرفت شاملة عليه من زمان تكون القابلية لا قبله، فيكون
الإجازة في الأول بعد العقد مع كون القابلية من حين العقد قادحة في
صحة العقد وغير موافقة للواقع.
وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ (1) بأنه بناء على جواز رد المالك عقد
الفضولي واسقاطه عن قابلية لحوق الإجازة به، وبناء على كون الرد
متحققا بالفعل والقول معا كما بنينا على ذلك فيما تقدم، فيكون بيع
المالك ذلك المال الذي باعه الفضولي ردا عمليا كالفسخ العملي في باب
الخيار وكالرجوع العملي في باب الطلاق، إذن فلا يبق مجال لإجازة من
له العقد ذلك العقد الفضولي لسقوطه عن قابلية لحوق الإجازة عليه.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 170.
80

وفيه بناء على قبول جواز رد المالك العقد الفضولي بمعنى اسقاطه
عن قابلية لحوق الإجازة بها وأن ذلك أمر ثابت للمالك إما بالاجماع أو
بدليل السلطنة لكون ذلك أيضا حقا ثابتا له في ماله ومن شؤون سلطنته،
ويرد عليه:
أولا: إن مقتضى: الناس مسلطون على أموالهم، كونهم مسلطين على
أموال أنفسهم لا على أموال غيرهم، إذا بيع المالك ماله أوجب سقوط
قابلية العقد عن لحوق الإجازة به في ملك نفسه لا في ملك غيره، فإنه بعد
البيع صار ملكا للغير فله أن يجيز العقد المتعلق بذلك المال، نظير موت
المالك وانتقاله إلى الورثة فكما للورثة ذلك فكذلك للمالك الثاني ذلك،
والسر في جميع ذلك هو أن خصوصية المالك غير دخيلة في صحة البيع
بل هو مبادلة مال مالك طبيعي مع مال مالك طبيعي آخر.
وثانيا: إن الدليل أخص من المدعي، فإن هذا إنما يتم فيما إذا انتقل
المال من المالك إلى من له العقد بالنواقل الاختيارية كالبيع والهبة
ونحوهما، وأما لو كان بالنواقل القهرية كالإرث ونحوه فلا عمل هنا
ليكون ذلك ردا للبيع الأول كما هو واضح.
ومن عجائب شيخنا الأستاذ (1) حيث التزم أن تبدل المالكين هنا كقيام
الوارث مقام المورث، فيكون الكشف هنا من الأول ومن زمان العقد، فإنه
بأي وجه يمكن الالتزام بأن الوارث قائم مقام المورث فيكون إجازته
كاشفه عن الملكية من أول الأمر وزمان العقد ليكون تبدل المالكين أيضا
من هذا القبيل.
وأما ما أفاده شيخنا الأنصاري، من أن الكشف من زمان القبول وهو
أول زمان حدوث الملكية لمن له العقد.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 171.
81

وفيه أنه على هذا يلزم أن يكون الواقع غير مجاز والمجاز غير واقع
حيث إن المنشأ هو الملكية من زمان العقد والذي وقع هو هذا والإجازة
تعلقت على الملكية من زمان متأخر عن العقد، فيكون المجاز غير الواقع
الذي لم يقع عليه العقد، إذن فلا مقتضي لصحة العقد لأنه ليس هنا عقد
لتشمله العمومات.
وبعبارة أخرى أن العقد الفضولي بمنزلة الايجاب والإجازة بمنزلة
القبول فيما هو واقع هنا، فايجاب ليس له قبول وما تعلق به الإجازة
فقبول ليس له ايجاب فلا عقد هنا ليكون مشمولا للعمومات.
الوجه الرابع
إن العقد الأول الذي أوقعه البايع الفضولي وباع مال غيره لنفسه إنما
يتوقف على صحة البيع الثاني أعني اشتراء البايع الأول المبيع الذي باعه
من المشتري فضولة من مالكه الأصلي لأنه مع عدم صحة ذلك البيع الثاني
لا يصح بيعه الأول أيضا، فإن البايع لم يبع مال نفسه حتى يصح بيعه بل
إنما باع مال غيره فبيعه إنما يكون صحيحا لو اشترى ذلك المال ثم يعطيه
للمشتري الأول فيلزم من عدم صحة البيع الثاني عدم صحة البيع الأول
أيضا، وصحة العقد الثاني يتوقف على بقاء المالك على ملك مالكه
الأول، وإلا فلا يجوز بيعه على فرض خروجه عن ملكه.
وعلى هذا فعلى القول بالكشف من حين العقد يلزم اجتماع مالكين في
ملك واحد، فإن مقتضى صحة البيع الأول كون الملك للمشتري من زمان
العقد الذي يكشف بإجازة من له العقد أو بدون الإجازة بل بالاشتراء فقط
فيما كان البايع بايعا لنفسه، وصحة البيع الثاني كونه للأصيل إلى زمان
البيع، فاجتماع المالكين في ملك واحد محال للتضاد.
82

على أن صحة البيع الأول متوقفة على تملك البايع المبيع فهو متوقف
على ملك البايع الثاني ليبيعه منه، مع أنه لو صح الأول يلزم منه عدم
الثاني، فإنه مع صحة الأول يكون المبيع مالا للمشتري من زمان العقد
على الكشف، فلا يبقي مجال للبيع الثاني وملكية الأصيل، وإذا لم يبق
مجال للثاني فينعدم صحة البيع الأول وملكية المشتري الأول أيضا، لأن
الفرض أنه كان متوقفا على الثاني فيلزم من وجود البيع الثاني عدم الأول،
فيلزم من وجود الأول عدمه وكذلك الثاني، فيلزم من وجوده عدمه في
آن فهو محال.
وقد دفعه المصنف بمثل ما أجاب به في الاشكال الثالث، من أن
الكشف من زمان القابلية لا من زمان العقد، ولكن بناء على صحة جواب
المصنف فهو إنما يوجب دفع الاشكال من جهة اختصاصه بالمقام، لكن
لا بد دفعه في جميع موارد الفضولي على الكشف وفي المقام من زمان
القابلية كما أشار إليه التستري: بأن قلت.
فإن هذا الاشكال مشترك الورود في جميع موارد الكشف حتى من
المورد القابل في المقام، فإن صحة البيع الفضولي على الكشف يقتضي
حصول الملكية للمشتري من زمان العقد أو من زمان قابل للكشف، فهو
متوقف على إجازة المالك، وإلا فلا يصح صحة إجازة المالك متوقفة
على كونه مالكا وإلا فتكون إجازته كإجازة الأجانب، فيلزم اجتماع
المالكين في ملك واحد، ومن وجود ملك المشتري الأصيل عدمه ومن
وجود ملك المالك عدمه، فإن مالكية المشتري يقتضي صحة إجازة
المالك وصحة إجازة المالك تقتضي عدم ملكية المشتري، فملكية
المشتري تقتضي عدمه وكذلك صحة الإجازة تقتضي وجود ملكية
المشتري الأول، فهو يقتضي عدم صحة الإجازة، فصحة الإجازة
83

تقتضي عدم صحتها، فلا بد إما من القول ببطلان البيع الفضولي بالكلية أو
بطلان القول بالكشف.
وقد أجاب عن ذلك الاشكال التستري بالالتزام بالملك الصوري،
بدعوى أنه يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا وهو الحاصل من
استصحاب ملكه السابق لأنها الحقيقة رفع اليد واسقاط للحق، ولا يكفي
الملك الصوري في العقد الثاني لكونه بيعا وهو يقتضي الملكية الحقيقية،
فلا يمكن ذلك بالاستصحاب.
وأجاب المصنف عن هذا الجواب بأجوبة كلها صحيحة:
1 - إن الاستصحاب إنما يثبت الملك الظاهري للمالك الظاهري فتنفذ
إجازته ما لم ينكشف الحال، وبعد انكشاف الواقع علم أنه ليس بمالك،
فلا تكون إجازته نافذة بل لا بد في صحتها من كونها صادرة من المالك
الواقعي كالبيع فإنهما من آثار المالك الواقعي دون المالك الظاهري، ومن
هنا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته لأن
المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.
2 - إنه لا وجه للفرق بين صورتي الإجازة والعقد، بأن يلتزم بكفاية
الملك الصوري في الأول وبعدم كفايته في الثاني، بل هما من واد واحد
فلا يترتبان إلا على الملك الواقعي والمالك الواقعي كما عرفت،
ولا ينقضي تعجبي منه في وجه الفرق، فإنه كيف حكم بأن الإجازة
اسقاط للحق ورفع اليد عنه مع أنه لا يعقل رفع اليد عنه إلا مع ثبوت
الحق فيما لم يثبت الحق، كيف يمكن رفع اليد عنه.
ثم قال شيخنا الأنصاري (رحمه الله):
والتحقيق أن الاشكال ناشئ من القول بالكاشفية على مسلك
المشهور، من القول بكون الإجازة شرطا متأخرا يؤثر في سببية العقد
84

المتقدم، وأما على القول بالكشف الحكمي فينزل بالإجازة غير المالك
منزلة المالك في زمان العقد، وهذا لا ينافي مع كون الملك باقيا تحت
ملك مالكه الأول حقيقة، وهكذا الكلام في الكشف بالمعنى الذي
ذكرناه، فإنه عليه ينكشف بالإجازة كون المشتري مالكا حقيقة من حين
العقد ولكن من زمان الإجازة، بحيث يحكم بترتب آثار الملك عليه حين
الإجازة من زمان العقد، فهو نتيجة الكشف الحكمي.
والظاهر من كلامه هذا أنه التزم بالاشكال على الكشف الحقيقي،
وكذلك الظاهر من شيخنا الأستاذ (1) أنه أيضا التزم بالاشكال، ولذا سلك
مسلكا آخر وقال: إن اجتماع المالكين في ملك واحد إنما يستحيل في
الملكية العرضية لا في الملكية الطولية، فقد ورد نظيره في الشريعة
كمالكية العبد فإنها في طول مالكية المولى، فإن المولى مالك له ولما في
يده وفي طول ذلك فهو مالك لما في تحت يده، وفي المقام أن مالكية
المشتري في طول مالكية المالك فإذا أجاز المالك البيع فيكون مالكية
المشتري في طول ذلك فلا محذور فيه.
وفيه أن الطولية في الملكية إنما تكون متصورة إذا كان الثاني من شؤون
الأول ومن فروعه وإلا فلا نعقل لذلك معنى صحيحا، ونظير ذلك ما ورد
في الشرع من المثال المتقدم من ملكية العبد، فإن ملكيته من شؤون ملكية
المولى، فعلى القول بكون العبد مالكا فيكون ذلك في طول مالكية
المولى له ولما في يده ومن شؤون ذلك كونه مالكا لما في يده، وكذلك
نظيره في الملكية التكوينية نظير مالكية الخالق جميع الموجودات ومن
شؤون ذلك مالكية العباد أموالهم بالملكية الاعتبارية.
ومن هذا القبيل مالكية القائم مقام وسلطنته للبلد ومالكية المتصرف

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 171.
85

لها ولغيرها، فإن الأول في طول الثاني، وهكذا ما فوق المتصرف إلى أن
يصل إلى الملك فإنه سلطان جميعهم، وفي جميع ذلك المالكية الواقعية
في طول المالكية الأولى ليس إلا من شؤون الأولى لا أنها ملكيتان
مستقلتان ومالكيتهما مالكية مستقلة.
وهذا بخلاف المقام فإن مالكية المشتري وإن كانت في طول مالكية
المجيز إلا أن ذلك طولية العلية والمعلول، وأن ملكية المشتري معلولة
لملكية المجيز وإلا لم تحدث الإجازة ملكية للمشتري مثلا بل تكون
كإجازة سائر الأجانب أجنبية عن العقد وليس ملكية المشتري من شؤون
ملكية المجيز بنحو بل كل منهما ملكية مستقلة، فمقتضى ذلك كون أثر
كل منهما مترتبا عليها وإذا مات كل منهما ينتقل ملكيته إلى الوارث
ولكل منهما التصرف في ذلك المال كيف يشاء وهكذا وهكذا، فيعود
الاشكال إلى حاله على النحو الذي عرفت.
ومن العجائب ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (1) من قيام الورثة مكان
المورث، ووجه العجب أنه وإن كان فرض ذلك ممكنا وغير محتاج إلى
مؤونة بحيث تكون بذلك الفرض إجازة الورثة إجازة للبيع من حين
العقد، ولكنه لا دليل عليه، وإنما الدليل على أن ما تركه الميت فلوارثه.
والذي ينبغي أن يقال: إن المجيز مالك في حال الإجازة لولا إجازته،
بمعنى أن إجازة كل أحد لا تكون مؤثرة في العقد الفضولي حتى
الأجانب، بل إنما تكون المؤثر فيه إجازة المالك، أي الذي لو لم يجز كان
مالكا، فهو مالك لولائي في حال الإجازة، لا أنه مالك حقيقة ليلزم
المحذور، فشرط المجيز ليس أن يكون عند إجازته مالكا حقيقة، بل
على تقدير عدم الإجازة، فإلى زمان الإجازة هو مالك حقيقة فبالإجازة

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 193.
86

نكشف عن حصول الملكية من زمان العقد حقيقة.
وبعبارة أخرى تارة نتكلم في مقام الاثبات ووجود المقتضي والدليل
على ذلك، فقد تقدم أنه لا دليل على الكشف بمعنى المشهور، وأخرى
نتكلم في امكان ذلك وفي مقام الثبوت، فتصويره على النحو الذي ذكرنا
بمكان من الامكان كما هو واضح، فلو ورد الدليل على ذلك لا وجه
لحمله على الاستحالة والرد من هذه الجهة بل نأخذه ونبتني عليه
لتماميته ثبوتا واثباتا.
الوجه الخامس
أنه إذا كانت الإجازة المتأخرة كاشفة عن صحة العقد الأول فيكون
المال ملكا للمشتري الأول، فحينئذ إذا وقع عليه العقد الثاني فيكون
واقعا على ملك المشتري فيكون فضوليا، فيتوقف على إجازته، كما لو
ورد على المبيع بيوع متعددة فأجاز المالك البيع الأول، فإن صحة البيوع
المتأخرة تتوقف على إجازة المشتري الأول.
وعلى هذا فيلزم توقف صحة إجازة المجيز على إجازة المشتري
للبيع الثاني، فإنه ما لم يجز المشتري البيع الثاني لا يتحقق موضوع
لإجازة المجيز، فإن الفرض أن المبيع ملك للمشتري وصحة إجازة
المشتري متوقفة على إجازة المجيز لأصل البيع، فإنه بدون ذلك
لا تحصل الملكية للمشتري أصلا، إذن فيلزم توقف إجازة كل من
الشخصين على الأخرى، وأيضا يلزم أن تتوقف صحة العقد الثاني و
إجازة العقد الأول على إجازة المشتري الأصيل كما هو واضح.
وهذا من الأعاجيب، فإن ذلك يستلزم عدم تملك المالك الأصيل
شيئا من الثمن والمثمن وتملك المشتري الأول المبيع بلا عوض إن
87

اتحد الثمنان ودون تمامه إن زاد الأول ومع زيادة أنه نقص لانكشاف
وقوعه، فالثمن له وقد كان المبيع له أيضا بما تدله من الثمن مثلا.
وتوضيح ذلك: أما العقد الأول فتوقفه على إجازة المشتري
بالواسطة، فإنه يتوقف على إجازة البايع المتوقفة على البيع الثاني
المتوقف على إجازة المشتري.
وهكذا يلزم عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن والمثمن، أما
الثمن فلأن المبيع ملك للمشتري فالبايع الفضولي يشتري منه حقيقة
فلا بد من أن يسلمه إلى المشتري، وأما المثمن فلأنه بالبيع الأول تملكه
المشتري.
وهكذا يلزم تملك المشتري المبيع بلا ثمن لو اتحد الثمنان، كما
لو باعه الفضولي بعشرة ثم اشتراه بهذا المقدار من الأصيل فيجب عليه
رده إلى المشتري، ويلزم تملكه لمقدار من المبيع مجانا لو زاد ثمن
الأول، كما لو اشتراه بعشرة واشتراه البايع من الأصيل بخمسة، ويلزم
تملكه تمام المبيع مجانا مع الزيادة لو نقص ثمن الأول، كما لو اشتراه
بخمسة واشتري البايع من الأصيل بعشرة.
ثم إن تلك الوجوه مذكورة في الإيضاح وجامع المقاصد (1).
الوجه السادس
إن بيع الأصيل ماله من البايع الفضولي رد عملي لبطلان البيع الأول
فيكون باطلا غير قابل للإجازة.
وفيه قد تقدم أنه على تقدير كون الرد موجبا لاسقاط العقد في القابلية،
فهو أما بدليل السلطنة وفيه أنه يقتضي اسقاط العقد الأول عن القابلية

1 - إيضاح الفوائد 1: 419، جامع المقاصد 4: 73.
88

فيكون موجبا لاسقاطه عن القابلية في ماله ما دام ماله، فإذا كان مالا
لشخص آخر فهو ليس مسلطا عليه، وأما بالاجماع فالمتيقن منه أن
المالك له حق الرد من ماله لا من مال شخص آخر، فالمبيع وإن تعلق به
ذلك العقد ورده مالكه ولكن بعد ما خرج في ملكه فلا نعلم تأثير رده عن
البيع حتى إذا كان مال شخص آخر أيضا، فلا ندري كون ذلك داخلا في
معقد الاجماع على تقدير تحققه.
الوجه السابع
الأخبار الدالة على عدم جواز بيع ما ليس عندك، فهي على ثلاثة
طوائف:
الأولى: ما دل على ذلك مطلقا في الأعيان الشخصية والبيع الكلي،
فتكون ظاهرة في بطلان بيع ما ليس عنده مطلقا، كقوله (عليه السلام): لا تبع ما
ليس عندك (1)، وأمثال ذلك.
الثانية: ما يكون ظاهرا في حرمة بيع الأعيان الشخصية التي ليست
عنده، كروايتي ابني الحجاج في بيع الدابة (2)، فإنها ظاهرة بل صريحة في

1 - عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس
عندك (التهذيب 7: 230، عنه الوسائل 18: 37)، ضعيف بسليمان بن صالح.
عن الحسين بن زيد عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ونهي عن بيع ما
ليس عندك (الفقيه 4: 4، عنه الوسائل 17: 357)، ضعيف بشعيب بن واقد وغيره.
2 - عن خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يجئ فيقول: اشتر هذا
الثوب أربحك كذا وكذا، قال: أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟ قلت: بلي، قال: لا بأس به إنما
يحلل الكلام ويحرم الكلام (التهذيب 7: 50، الكافي 5: 201، عنهما الوسائل 18: 50)، مجهولة
بخالد بن الحجاج.
عن يحيى بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: اشتر هذا الثوب وهذه
الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن
تستوجبها أو تشتريها (التهذيب 7: 58، الكافي 5: 198، عنهما الوسائل 18: 52)، صحيحة.
89

بطلان البيع الشخصي الذي ليس عنده، وهذا يظهر من روايتين آخرتين
اللتين تدلان على عدم جواز بيع المتاع الذي ليس عنده (1)، فإن الظاهر من
قول السائل: اشتر لي متاعا، ليس معناه المتاع الكلي الشامل لكل
شئ، لأنه لا يكون محط نظر بل المتاع الشخصي، فيكون قوله (عليه السلام)
بعدم الجواز إذا باع ذلك المتاع عليه قبل الشري ظاهرا في بطلان
المعاملة على العين الخارجية التي ليست عنده.
الثالثة: ما يكون ظاهرا في البيع الكلي، مثل ما دل على عدم جواز بيع
الحرير قبل الشري، فإن الظاهر من الحرير هو الكلي.
أما الطائفة الثالثة، فلا بد من رفع اليد عنها إما بحملها على الكراهة أو
على التقية، إذ لا شبهة في جواز البيع الكلي في الذمة عندنا على ما نطقت
به الروايات.
ومن هنا نقض الإمام (عليه السلام) على العامة القائلين بعدم جواز بيع الكلي
للأخبار الدالة على عدم جواز بيع ما ليس عندك ببيع السلم لكونه أيضا
بيعا كليا (2)، فلا بد من حمل ذلك على التقية لقولهم بذلك أو على الكراهة.

1 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا
فيشتريه منه، قال: لا بأس بذلك أنما السبع بعد ما يشتريه (التهذيب 7: 50، عنه الوسائل
18: 50)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا
لعلي اشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله، قال: ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد
ما يملكه (التهذيب 7: 51، عنه الوسائل 18: 51)، صحيحة.
2 - عن إسحاق بن عمار وعبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا، قال: ليس به بأس، قلت: إنهم
يفسدونه عندنا، قال: وأي شئ يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى
أجل فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان
أجود، ثم قال: لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه حالا وإلى أجل، فقال:
لا يسمي له أجلا، إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه، فلا ينبغي
شراء ذلك حالا (التهذيب 7: 49، الفقيه 3: 179، عنهما الوسائل 18: 46)، صحيحة.
عنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يجيئني يطلب المتاع فأقاله على الربح، ثم
اشتريه فأبيعه منه، فقال: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت: بلي، قال: فلا بأس، قلت:
فإن من عندنا يفسده، قال: ولم؟ قلت: قد باع ما ليس عنده، قال: فما يقول في السلم قد باع
صاحبه ما ليس عنده، قلت: بلي، قال: فإنما صلح من أجل أنهم يسمونه سلما، إن أبي كان يقول:
لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه (الكافي 5: 200، عنه الوسائل
18: 48)، حسنة بإبراهيم بن هاشم.
90

وأما المطلقات فلا بد أيضا من تقييدها إن قيل بكونها مطلقة، أو
بتخصيصها إن قلنا بكونها عامة، بما يدل على جواز البيع الكلي في الذمة
وعدم كونه من بيع ما ليس عنده، فتخصص تلك المطلقات أو العمومات
بالأعيان الشخصية.
إذن فيقع الكلام في بيع الأعيان الشخصية التي ليست عند المالك،
فنقول:
بناء على دلالة النهي في المعاملات على الفساد وكونها ارشاد إلى
بطلانها، فهل تلك المطلقات أو العمومات بعد التقييد أو التخصيص مع
تلك الأخبار الخاصة - أي الطائفة الثانية - تدل على بطلان بيع ما ليس
عنده من الأعيان الشخصية أم لا ليكون ما نحن فيه معلوما من ذلك لكونه
من صغرياته، ومن هنا يعلم أن حمل تلك الأخبار بأجمعها على التقية أو
الكراهة لا وجه له.
91

وقد ناقش فيها المصنف بدعوى أنها لا تنفي الصحة الفعلية للبيع
ليكون فاسدا بل هي بصدد بيان عدم ترتب الآثار عليه قبل الأخذ
والاعطاء، وإذن فلا يكون فاسدا وغير قابل للإجازة المستقبلة.
وفيه أن ظهور ما يصدر من غير المالك من البيع فهو فاسد، وتأويلها
بإرادة نفي الآثار خلاف الظاهر خصوصا صحيحة خالد بن الحجاج (1)
حيث دلت على عدم البأس إذا لم يكن التزام والتزام من قبل الشري و
بمفهومها على وجود البأس إذا كان الالتزام البيعي قبل الشري.
وبعبارة أخرى أنها تدل على وجود البأس في ذلك البيع عند استناده
إلى البايع وصحته بعد ذلك يحتاج إلى دليل.
فتحصل أن الالزام والالتزام قبل الشري من المتبايعين غير لازم من
المتعاملين، بمعنى أنه فاسد لا يترتب عليه أثر، وإلا فمعاملة الفضولين
أيضا غير لازم قبل الإجازة، لأن العمومات تشمل عليها من زمان الإجازة
فلا تشملها قبلها.
ومما يؤيد عدم صحة البيع لنفسه رواية الحسن بن زياد الطائي (2) الدالة

1 - عن يحيى بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: اشتر هذا الثوب
وهذه الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن
تستوجبها أو تشتريها (التهذيب 7: 58، الكافي 5: 198، عنهما الوسائل 18: 52)، صحيحة.
أما رواية خالد بن الحجاج عن أخيه يحيى، فقد مر ذكرها قبيل هذا، لكن الرواية ضعيفة
بخالد بن الحجاج، لعدم توثيقه، كما في معجم الرجال، فراجع، ذكرها الشيخ (رحمه الله) في المكاسب
قائلا: رواية يحيى بن الحجاج المصححة إليه، وهو يشعر بما ذكرناه.
2 - عن الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت رجلا مملوكا
فتزوجت بغير إذن مولاي، ثم اعتقني الله بعد فأجدد النكاح؟ قال: فقال: علموا أنك تزوجت؟
قلت: نعم قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا، قال: ذلك اقرار منهم أنت على نكاحك (الفقيه
3: 283، التهذيب 8: 343، عنهما الوسائل 21: 118)، صحيحة.
92

على تجديد نكاح العبد كونه معتقا على تقدير عدم إجازة المولى ذلك
العقد، وجهة عدم جعلها دليلا ما ذكرناه سابقا من خروج أمثال هذه
الروايات عن البيع الفضولي والبيع لنفسه.
لا يقال: إنه على هذا فتلك الأخبار شاملة لبيع الفضولي أيضا لكونه
أيضا من بيع ما لا يملك فيكون البيع الفضولي باطلا لذلك.
فإنه يقال: لا يقاس المقام ببيع الفضولي، إذ عرفت أن زمان البيع من
زمان الإجازة فبها يستند البيع إلى المالك فيكون مشمولا للعمومات
وقبل زمان الإجازة لم يكن إلا صورة البيع واجراء العقد من المتعاقدين
القابل لا يكون بيعا بالإجازة وكانت له صحة تأهلية لا صحة فعلية بحيث
قبل زمان الإجازة لم يكن هنا بيع حقيقة وبالإجازة صار بيعا حقيقة،
وحينئذ فهو من بيع ما يملك لا من بيع ما لا يملك.
وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن بايع مال الغير لنفسه من الأول باع لنفسه
وأسند البيع إلى شخصه، فلو صح فهو بيع من الأول وليس كبيع الفضولي
ليكون بيعا من زمان الإجازة، إذن فقياس المقام بالبيع الفضولي فاسد من
أصله.
وقد تحصل من مطاوي ما ذكرنا أن الأخبار المشار إليها تدل على
بطلان بيع مال الغير لنفسه لكونه ايجابا واستيجابا من غير المالك.
ثم إن صور المسألة ثلاثة:
الأولى: بيع مال الغير لنفسه منجرا.
الثاني: بيعه معلقا، بأن يكون البيع على تقدير أن يكون مالكا، إما
بالاختيار أو بالقهر.
الثالث: أن يكون لزومه معلقا على التملك، بأن يجعل للمشتري
الخيار إذا لم يملكه.
93

فالمتيقن من مورد الروايات هي الصورة الأولى، بعد ما كان كلامنا في
البيع الشخصي دون الكلي، كما أنه مورد تعليل العلامة (1) من كونه غرريا
وعدم قدرة البايع على التسليم فيكون باطلا عن هاتين الجهتين، ومن هنا
يحكم العلامة الأنصاري (رحمه الله) بصحة الصورتين الأخيرتين في موردها،
بدعوى انصرافها إلى عدم وقوع ذلك البيع للبايع وليس لها تعرض إلى
جهة إجازة المالك.
وفيه أن المتقين من موردها وإن كان ذلك، وكذلك هو مورد تعليل
العلامة، إلا أن اطلاقها يشمل الصورتين الأخيرتين، فلا وجه لدعوى
الانصراف عنهما، فإن مقتضى التعليل في قوله (عليه السلام) في رواية ابن
المسلم: وليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه، وكذلك مقتضى
الاطلاق في قوله (عليه السلام): أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ، في رواية
خالد، وكذلك قوله (عليه السلام): لا توجبها قبل أن تستوجبها وغيرها من
الروايات ظاهرة في بطلان البيع لنفسه بجميع أقسامه، سواء كان منجزا
أو معلقا تعليقا، من جهة البيع أو من جهة اللزوم، وكون فرد متيقن الإرادة
من الدليل لا يوجب الانصراف، ولا يقاس ذلك بيع الغاصب لنفسه كما
عرفت سابقا للفرق الواضح بينه وبين ما نحن فيه.
المسألة (2) أن يبيع للمالك ويشتري ذلك منه قبل إجازته
المسألة الثانية: أن يبيع للمالك ويشتري ذلك من المالك قبل إجازته،
فهل يجوز له إجازة ذلك البيع لنفسه أم لا، وقد حكم العلامة الأنصاري
(رحمه الله) بصحة ذلك أيضا، فخروجه عن مورد الأخبار فيكون مشمولا
للعمومات فيحكم بصحته، فيكون عكس مسألة بيع الغاصب لنفسه ثم

1 - التذكرة 1: 463.
94

يجيزه المالك، فكما أنه صحيح وكذلك هذا.
وفيه أولا: أنه وإن لم يكن من بيع البايع لنفسه بأقسامه المتقدمة، فإن
الفرض أنه باع للمالك ثم انتقل إلى ملكه بناقل إلا أنه كما لا بد وأن يكون
البيع في ملك فلا بد في صحة الاشتراء أيضا أن يشتري من المالك ليكون
صحيحا، فإن مقتضى التعليل إنما يشتريه منه بعد ما يملكه هو بطلان
الشراء قبل الاشتراء، فلا بد في صحة اشتراء المشتري من أن يكون البايع
مالكا أو اشترى قبل بيعه، بحيث يكون اشتراء المشتري اشتراء من
المالك وإلا فيبطل الشراء، فإنه لم يقع من المالك حين العقد وحين
الإجازة لم يكن شراء ليكون من المالك.
وبعبارة أخرى أن بعض الأخبار وإن لم يكن شاملا لما نحن فيه،
كالروايات والعمومات الدالة على بطلان بيع البايع ما ليس عنده، فإن
المفروض أن هذا الشخص لم يبع لنفسه ليكون بيعه هذا مشمولا لها،
ولكن في بعضها الآخر غنى وكفاية، فإن مفهوم التعليل بطلان الشراء من
غير المالك، فهذا الشراء قبل أن ينتقل المال إلى البايع شراء من غير
المالك وبعد ما انتقل إلى البايع لم يتحقق هنا شراء ليكون شراء من
المالك ويكون صحيحا بإجازة البايع.
وبعبارة أخرى أن المتحصل ولو من بعض الروايات هو لزوم كون
البايع الذي يستند إليه البيع وتشمله العمومات ويحكم بلزومه أن يكون
مالكا حال العقد وإلا فلا يمكن استناد البيع إليه بالإجازة، لعدم ربط
الواقع إلى المجيز بوجه وما هو مربوطا بالمجيز غير الواقع فكيف يحكم
بصحته.
وثانيا: أنه على تقدير عدم شمول الروايات بالمقام فيكون باطلا
بحسب القواعد، فإن البيع وإن كان عبارة عن مبادلة مال بمال وليست
95

الخصوصيات المالكية دخيلة في صحته، بأن يكون المالك هذا الشخص
المعين أو ذاك الشخص المعين، إلا أنه فيما إذا كان النظر إلى كلي المالك
وكون المبادلة بين مالي كلي المالك، فإنه حينئذ لا يلزم معرفة شخصي
المالك بل يكفي حصول التبديل بين المالين في ملك المالك الكلي
وطبيعي المالك، وأما إذا كان شخص المالك موردا للنظر بحيث يكون
التبديل في مال الشخص المعين فحينئذ لا بد وأن يكون إضافة باقية إلى
حين الإجازة وإلا فيكون المقصود الذي وقع على طبقه العقد غير مجاز
والمجاز غير مقصود.
وبعبارة أخرى لا بد وأن تكون الإضافة المالكية التي حصل التبادل
على تلك الإضافة حين العقد محفوظة حال الإجازة، وفي المقام ليس
كذلك، فإن التبادل بين المالين حين العقد حصل على الإضافة التي بين
المالك والمشتري، وخرج العوض من ملكية المشتري ودخل تحت
إضافة المالك، والمعوض خرج من المالك ودخل تحت إضافة
المشتري، وتلك الحالة غير باقية حال الإجازة، فإن إضافة العين إلى
المالك قد انقطع وإنما تعلق بها الإضافة المالكية من البايع، فهي غير
الإضافة حال العقد التي كان التبادل عليها، إذن فما وقع غير مجاز وما
أجيز غير الواقع.
وبعبارة أخرى لا بد وأن يكون المجيز مالكا حال العقد وإلا يلزم أن
المقصود غير مجاز والمجاز غير مقصود، لأن تبديل مال بمال تحقق في
الإضافة المالكية الواقعة بين المال ومالكه الأولى وبين الثمن، وتلك
الإضافة التي كان التبديل واقعا عليها قد انقطعت إلى حين الإجازة لتبديل
المالك فينقطع التبديل الواقع عليها، فإنها بالنسبة إلى التبديل
كالموضوع بالنسبة إلى الحكم فمع انتفاء الموضوع لا مجال للحكم،
96

وعلى هذا فكيف يمكن تصحيح مثل هذا البيع، ولا يقاس ذلك ببيع
الغاصب.
حكم الشراء لأجنبي باعتقاد أنه مالك
ومن هنا ظهر عدم تصحيح البيع في المسألة الثالثة أيضا، فهي ما
يكون الشراء لأجنبي باعتقاد أنه مالك وتحقق القصد لأجل هذا الاعتقاد
بحقيقة البيع، فإنه أيضا ليس بصحيح، أولا لشمول بعض تلك الأخبار
عليه ولو لم يكن من قبيل بيع المالك لنفسه، وثانيا من جهة عدم بقاء
الإضافة التي كانت موضوعا للتبديل ومحلا له وارتفاعه بتبديل المالك
كما عرفت.
ولا يقاس هذه المسألة ولا المسألة السابقة ببيع الغاصب مال
المغصوب منه لنفسه، كما قاسه عليه المصنف، بدعوى اتحاد المثال
بين المسألتين وإن كانا متعاكسين، فإن الصحة في بيع الغاصب على
حسب القواعد إذ الغاصب يبيع المغصوب للمالك تحصل المبادلة بين
المالين في جهة الإضافة المالكية، وتحقق حقيقة المعاوضة التي عبارة
عن المبادلة بين المالين مع دخالة وجود طبيعي المالك فيها لتحقيق
حقيقة التبادل في جهة الإضافة، غاية الأمر أنه يجعل نفسه بحسب
الادعاء والعناية مالكا كالمجاز على مسلك السكاكي، فحقيقة البيع
محقق حقيقة ولا كذب فيها وإنما الكذب في جعل نفسه مصداقا
للمالكية، فهو أمر لا واقع له.
وعلى هذا فإجازة المالك بيع الغاصب توجب صحته وكونه له دون
إجازة البايع البيع الذي أوقعه للمالك ثم اشترى المال منه لنفسه، فإن في
الأول كان الواقع مجازا والمجاز واقعا كما عرفت، بخلاف ما نحن فيه،
97

فإن الواقع غير المجاز والمجاز غير الواقع، فإن الإضافة التي كان تبديل
المالين فيها قد ارتفع فلم يبق الأمر الواقع حين الإجازة والإضافة التي
حدثت حين الإجازة لم يقع تبديل المالين فيها ليكون موردا للإجازة،
وعلى تقدير وقوعه غير التبديل الذي كان حين العقد، فإنك عرفت أنه
ارتفع بارتفاع موضوعه، أعني الإضافة المالكية بين المالك الأول والمال،
ولعل إلى هذا أشار المصنف بالأمر بالتأمل.
ولا يفرق فيما ذكرنا من عدم صحة البيع إذا كان المالك المجيز غير
المالك حال العقد بين أن يكون مالكية المجيز وتجدد ملكه بالقهر أو
بالاختيار.
فإن في جميع هذه الصور لا وجه لصحة مثل هذا البيع، وما عن شيخنا
الأستاذ (1) من تصحيح ذلك في صورة الإرث لقيام الوارث مقام المورث
فلا وجه له، فإنه بحسب الفرض ممكن ولكن لا يكفي مجرد الفرض في
صحته، بل لا بد من قيام الدليل على ذلك، وليس لنا ما يدل على أن
الوارث يقوم مقام المورث، بحيث إذا أجاز العقد فيصح من حين العقد،
بل الدليل دل على انتقال مال الميت إلى الورثة، وأما قيامه مقامه بكونه
وجودا تنزيليا للمورث فلا دليل عليه.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر حكم الصورة الرابعة أيضا، فهو أن يبيع
المال لمالك وانتقل منه إلى آخر بنواقل قهرية أو اختيارية.
لو لم تجز المالك بعد تملكه
قوله (رحمه الله): ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة
الأخرى، وهي ما لو لم تجز المالك بعد تملكه.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 193.
98

أقول: لو قلنا بالبطلان في المسألة المتقدمة ففي هذه المسألة نقول
بالبطلان بطريق أولى، فإنه إذا لم يكن وجه لصحة بيع مال الغير لنفسه مع
إجازته ذلك البيع فيكون فيما لا يجيز باطلا بالأولوية، وإنما الكلام فيما
لو قلنا بالصحة في المسائل المتقدمة، فهل يمكن الحكم بالصحة هنا،
بأن نقول بصحة البيع بدون الإجازة فإنه كان بايعا لنفسه فقد حصل له
الملك فيكون كما باعه لنفسه من الأول، أو لا بل لا بد من أن نقول
بالبطلان هنا ولو قلنا بالصحة في المسألة السابقة.
وقد اختار المصنف البطلان، وأن البيع الأول باطل للأخبار المتقدمة
ولدليل السلطنة، فإن الحكم بكون هذا المال لغيره بدون بيع وإجازة
خلاف السلطنة وخلاف عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بطيب
نفسه، وهو الصحيح عندنا أيضا، فإن البايع الذي باع مال غيره لنفسه
والتزم به في الحين الذي أنشأ العقد لم يكن مالكا ليتم التزامه، وفي
الحين الذي ملك لم يلتزم بالبيع، فيكون الحكم بصحة البيع وكون المال
للمشتري بدون إجازة منه على خلاف السلطنة فيحكم بالبطلان.
وليس لنا طريق إلى الحكم بصحة ذلك إلا ما ربما يتوهم من شمول
عموم الوفاء بالعقد عليه حين الانشاء، فالعاقد ممن شمل عليه ذلك
الدليل وإنما خرج عنه زمان عدم كونه مالكا فتبقي البقية تحت الدليل.
وأجيب عن ذلك بأن المقام من موارد استصحاب حكم الخاص دون
مقام التمسك بالعموم، فإن البايع غير مأمور بالوفاء قبل الملك
فيستصحب، والمقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلى
حكم العام.
والتحقيق أولا: أنه ليس المقام مقام جريان العموم فضلا عن النزاع من
الرجوع إلى حكم العام أو الخاص، فإن محط هذا النزاع فيما يكون
99

المورد مشمولا للعمومات ثم خصصت في زمان فنشك في زمان آخر
في دخوله تحت العام أو يستصحب حكم الخاص، كتخصيص
عمومات جواز وطي المرأة بما يدل على التحريم في حال الحيض (1)، و
نشك في جوازه بعد الطهر وقبل الاغتسال، فيقع النزاع هنا من أنه نعمل
بالعام ونجري حكمه عليه، لأن المتيقن من الخارج هو زمان الحيض
فيبقي الباقي تحته، أو نستصحب حكم الخاص.
وأما فيما لا تشمل عليه العمومات من الأول فلا وجه لهذا النزاع،
مثلا لو ورد: أكرم العلماء، فتكون غير العلماء خارجا عنه تخصصا، ثم
شككنا في أن ذلك الفرد الخارج بالتخصص هل يكون داخلا تحته حين
الشك أو نستصحب فيه حكم المخصص.
ومقامنا من قبيل الثاني، فإن البايع حين ما باع مال الغير لنفسه لم يتم
التزامه البيعي ليشمل عموم الوفاء بالعقد، فلا يكون بايعا حقيقة وحينما
ملك المبيع لم يلتزم بالبيع ففي الزمان الذي مالك ليس له التزام وفي
الزمان الذي له التزام فليس بمالك، ففي أي نقطة شمل: أوفوا بالعقود (2)
نشك في بقاء حكمه أو حكم الخاص في نقطة أخرى، لنرجع إلى النزاع
المعروف من أن المقام من موارد اجراء حكم العام على المشكوك أو
استصحاب حكم المخصص لو كان ذلك مثل بيع المكره، بأن كان
الخارج عنه زمان الاكراه لكان لاجراء النزاع المعروف هنا وجها، ولعل
إلى ذلك أشار المصنف بالأمر بالتأمل.
وثانيا: على تقدير التمسك بدليل الوفاء بالعقد وكونه شاملا عليه

1 - قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، البقرة
: 222.
2 - المائدة: 1.
100

وإنما الخارج عنه زمان عدم التملك فنتمسك به في الباقي نظير شموله
بالبيع المكره وإنما الخارج عنه زمان الاكراه فيكون الباقي داخلا تحت
العام، ولكن يكون آية التجارة مقيدة لها حيث إن الله تعالى قد حصر فيها
جواز أكل مال الغير بالتجارة عن تراض وأن غيرها باطل ومن أكل المال
بالباطل.
وما نحن فيه ليس تجارة عن تراض، حيث إن البايع وإن كان بايعا
لنفسه لكن كان بايعا مال الغير لنسفه وإنما هو ملك بعد ذلك فليس ببايع،
فيكون أخذ ماله هذا بالبيع السابق أكلا له بالباطل، فيكون ذلك البيع الأول
باطلا حتى مع شمول دليل الوفاء عليه أيضا.
وثالثا: لو سلمنا عدم كون آية التجارة مقيدة لدليل الوفاء، ولكن
تكفينا الروايات الواردة في المقام، من عدم جواز بيع مال الغير وما ليس
عنده، فالبايع وإن باع مال غيره لنفسه ثم ملكه ولكن كان بيعه الأول باطلا
لكونه بيعا بما ليس عنده وايجابا واستيجابا قبل التملك فهو غير جائز.
نعم لو باع مال الغير لنفسه بعنوان التعليق بأن انشاء البيع في الحال
وكان المنشأ في المستقبل نظير الوصية، وأغمضنا النظر عن بطلان
التعليق بالاجماع، وأغمضنا النظر عن الروايات الواردة في المقام،
لتوجه التمسك بدليل الوفاء بالعقد هنا، كما تقدمت الإشارة إلى هذا
القسم عند الدخول بهذه المسائل.
ومن عجائب شيخنا الأستاذ (1) أنه التزم بصحة هذه المسألة وقال:
لا وجه للتفصيل في ذلك بين ما يبيع لنفسه ثم ملكه فأجاز البيع وبين ما
ملكه ولم يجز، ففي كلا الصورتين نحكم بالفساد.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 199.
101

وأفاد في وجه الصحة هنا بأن: الإجازة إنما نحتاج إليها لأمرين:
الأول من جهة اعتبار الرضا في البيع بمقتضى آية التجارة، والثاني من
جهة استناد البيع إلى المجيز، فكلا الأمرين متحقق هنا، فإن الفرض أنه
باع لنفسه، والفرض أنه راض بذلك أيضا فيكون صحيحا.
وفيه أن هذا يعد من عجائب شيخنا الأستاذ، فإن بايع مال الغير لنفسه
إنما هو رضي وأسند البيع لنفسه في بيع مال الغير فهو راض به وأسند
ذلك البيع إلى نفسه، وأما بعد تملكه ذلك المال فلم يوقع عليه البيع حتى
ينازع فيه بأنه أسند إلى نفسه أم لا، فما أسنده إلى نفسه ورضي به
لم يتعلق بماله وما هو ماله لم يوقع عليه البيع بوجه، فما ذكره بلا وجه.
وقد تحصل إلى هنا حكم المسألتين.
المسألة (3) لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف
قوله (رحمه الله): المسألة الثالثة: لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف.
أقول: لو باع مال الغير باعتقاد أنه غير جائز التصرف إما بتخيل أو
باستصحاب أو نحو ذلك، فالجامع اعتقاد أنه غير مالك، فباع ثم بان أنه
جائز التصرف.
فهذه على أربعة صور - كما أشار إليها في المتن - فإن البايع هذا أما
يعتقد عدم جواز تصرفه لعدم ولايته فانكشف كونه وليا للمالك، وأما
لعدم الملك وكونه مالكا فانكشف أنه مالك، وعلى كل تقدير فأما أن يبيع
عن المالك وأما أن يبيع لنفسه، فالصور أربع:
1 - إذا بان جائز التصرف لكونه وليا للمالك أو ممن كان أمره في يده
الصورة الأولى: ما إذا باع للمالك باعتقاد أنه غير جائز التصرف فبان أنه
102

جائز التصرف لكونه وليا للمالك أو ممن كان أمره في يده، فهل يحكم
بصحة ذلك البيع أم لا؟
الظاهر كونه صحيحا، فإن الفرض أن البيع لا قصور فيه، لكونه صادرا
ممن لا بد وأن يصدر منه، غاية الأمر أنه كان ناسيا للإذن السابق وكونه
وكيلا عن المالك أو عن كونه وليا، أو غفل عن ذلك، فهذا لا يوجب
البطلان، فهل يكون الإذن السابق أدنى من الإجازة اللاحقه، وكذلك كونه
وليا في الواقع لا يكون أدنى من الإذن السابق.
فهل يتوهم أحد في أنه لو باع شخص مال غيره فضولا ثم واصل إليه
الكتاب وكان مكتوبا فيه: بع المال، قبل أن يبيع ماله فضولا فيكون باطلا
بل لا يحتمل ذلك، ومقامنا نظير ذلك، فإن اعتقاد عدم كونه جائز
التصرف لا موضوعية له لبطلان العقد كما لا يخفى، بل العقد صدر واقعا
ممن لا بد وأن يصدر منه ووقع في محله، فلا وجه لتوهم البطلان بوجه.
بل لو قلنا ببطلان المعاملة الفضولية لا نقول بالبطلان هنا، فإنه كما
أشار إليه المصنف صدر العقد هنا من أهله واقعا، غاية الأمر أن العاقد
لم يلتفت بذلك، فهل يوجب عدم التفاته إلى ذلك كونه أخسر من البيع
الفضولي.
نعم لا بد وأن الإذن موجودا في الخارج، بأن يكون مبرزا، فإنه لا يكفي
في صحة البيع الرضا الباطني للمالك ما لم يظهر بمظهر في الخارج، وقد
تقدم ذلك عند الدخول ببحث الفضولي، بل لا نحتمل من أن يقول أحد
بالبطلان إلا عن القاضي حيث قال: إنه لو أذن السيد لعبده في التجارة
فهو باع واشتري وهو لا يعلم بإذن سيده ولا علم به أحد لم يكن مأذون
في التجارة ولا يجوز شئ مما فعله، فإن علم بعد ذلك واشتري وباع
جاز ما فعله بعد الإذن ولم يجز ما فعله قبل ذلك، فإن أمر السيد قوما أن
103

يعاملوا العبد والعبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه وشراؤه منهم جائزا،
وجرى ذلك مجرى الإذن (1).
وقد ظهر بطلانه مما ذكرنا، فإن وصول الإذن إليه وعدمه لا موضوعية
فيه، وإنما المناط أصل وجود الإذن واقعا، بل تقدم سابقا أنه يكفي في
نفوذ معاملة العبد بالتجارة للغير نفس رضي الباطني للمولى وإن لم يبرزه
في الخارج، فإنا وإن قلنا في أول الدخول بالبيع الفضولي أنه لا يكفي فيه
الرضا الباطني ولكنه غير مربوط بمعاملة العبد كما تقدم سابقا، فإن
معاملته صحيح من جميع الجهات حتى من جهة الاستناد، وإنما المانع
من نفوذها عصيان السيد فقط وهو يرتفع برضا الباطني وإن لم يكن مبرزا
في الخارج.
2 - أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا
قوله (رحمه الله): الثانية: أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا.
أقول: الصورة الثانية إذا يبيع مال الغير لنفسه باعتقاد أنه غير جائز
التصرف فانكشف كونه وليا، فالظاهر هنا أيضا صحة البيع وفاقا
للمصنف، وذلك لما عرفت أن حقيقة البيع عبارة عن مبادلة مال بمال فقد
تحققت مع جميع ما فيها من الشرائط، غاية الأمر أنه قد انضم إليه قيد كون
البيع لنفسه فيكون لغوا.
والوجه في ذلك أن البايع مأذون في البيع والشراء وغيرهما من
التصرفات في مال المولى عليه، فإن الفرض أن الولي كذلك، فلا يقصر
ذلك الإذن عن الإذن اللاحق وعن الإذن الآخر الذي لا يلتفت إليه إلا في

1 - حكاه العلامة في المختلف 5: 435، ولم نعثر عليه في المهذب وغيره من كتب
القاضي.
104

جهة القصد وأن يكون البيع واقعا لنفسه، وقد مر مرارا أن القصد
لا يوجب تغييرا في حقيقة البيع بل هو بالنسبة إليها كالحجر في جنب
الانسان، فبعد تحقق حقيقة البيع أعني مبادلة المال بالمال وتحقق
شرائط الآخر من الإذن من المالك أو من قبل مالك المعلوم فلا يضر بها
ذلك القصد لوقوعه لغوا.
وربما يقال باحتياجه - أي ذلك البيع - إلى إجازة الولي البايع لنفسه
غفلة كونه للمولى عليه بعد انكشاف الحال، كما يميل إليه المصنف، فإنه
لم يقع بعنوان أنه للمولى عليه حتى لو قلنا بكون قصد كونه لنفسه لغوا بل
لا بد وأن يكون البيع مستندا إليه بالإجازة وإلا فلا يستند إليه فيكون
باطلا، إذ البايع ولو كان مجازا واقعا في البيع إلا أن البيع الذي هو مجاز
فيه لم يقصده البايع، فما أوجده وقصده إنما هو غير ما كان مأذونا فيه،
فيتوقف صحة كونه عن المولى عليه على إجازة جديدة.
وفيه أنه لا وجه لاحتياجه إلى الإجازة بوجه، لأن قيد كونه لنفسه إن
كان قيدا للبيع فبانكشاف الخلاف يكون باطلا، لانتفاء القيد المستلزم
لانتفاء حقيقة البيع، وإن لم يكن قيدا فيكون لغوا فلا يضر بصحة البيع
لكونه كالحجر في جنب الانسان بالنسبة إلى حقيقة البيع، وعلى كل
تقدير لا نتصور وجها لاحتياج البيع إلى الإجازة، ولعل إلى ذلك أشار
المصنف بالأمر بالتأمل.
3 - أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا
قوله (رحمه الله): الثالثة: أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا.
أقول: الصورة الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا، وقد
مثلوا لذلك بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا، فإنه حينئذ يكون المال
105

مال نفسه ويكون البيع عن نفسه، فهل يصح هذا البيع أو لا يصح، وعلى
تقدير الصحة فهل يكون محتاجا إلى الإجازة أو يكون له الخيار في ذلك
بحيث له أن يفسخ أو لا يفسخ، فيكون بتركه الفسخ لازما، وجوه.
والفرق بين كونه محتاجا إلى الإجازة وبين كون المالك مخيرا بين
الفسخ والامضاء، هو أنه لو لم يجز المالك على تقدير الاحتياج إلى
الإجازة فيكون البيع باطلا، وأما على تقدير كونه مخيرا بين الفسخ
والامضاء فالعقد صحيح ولكن للمالك حق الفسخ فقط.
الكلام في صحة هذا البيع
وأما أصل البيع فالمشهور صحته، بل ربما يدعي الاجماع في ذلك،
وفي المتن لم نعثر على مخالف صريح إلا عن الشهيد في قواعده (1)، حيث
احتمل امكان البطلان وسبقاه العلامة وابنه (2) لوجوه لا يمكن المساعدة
على شئ منها كما ذكر المصنف في المتن.
وأما الوجه في صحة البيع، فلما تقدم في البيع لنفسه أن حقيقة البيع
قد تحققت بجميع شرائطه وحقيقته التي عبارة عن مبادلة مال بمال في
طرف من الإضافة المالكية لمالك طبيعي وقصد كونه لنفسه كما في
المسألة المتقدمة، أو كونه لمالك كما في هذه المسألة أمر زائد عن
حقيقة البيع وغير مربوط بها بوجه فيكون لغوا فلا يضر بصحة البيع
بوجه.
وأما الوجوه التي أشار إليها العلامة:
1 - إن الابن قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه، فما وقع أعني كون

1 - القواعد والفوائد 2: 238، الإرشاد 1: 450.
2 - القواعد 1: 275، إيضاح الفوائد 1: 420.
106

البيع للابن في الواقع لم يقصد فما قصد لم يقع فلم يقصد حقيقة البيع، كما
مر نظير ذلك الاشكال في بيع الغاصب.
وفيه أنه قد تقدم مرارا أن القصد غير قادح لحقيقة البيع إذا لم يضر بها،
ففي المقام وإن قصد البايع كونه عن المالك وهو الأب إلا أن قصده ذلك
من جهة كون الأب مالكا في اعتقاده لا لخصوصية في شخص الأب، غاية
الأمر أنه أخطأ في قصده وطبق المالك إلى شخص آخر فلا يكون مضرا.
2 - إن هذا العقد باطلا من جهة التعليق، فإنه وإن كان في الصورة
منجزا ولكنه في التقدير معلق، فإن التقدير: إن مات مورثي فقد بعتك،
فيكون باطلا من جهة التعليق.
وفيه الظاهر أنه أمر وقع من سهو القلم من العلامة (رحمه الله)، فإن التعليق إنما
يتم لو باع لنفسه معلقا ذلك على موت الأب بحيث يكون ذلك متوقفا
على موته، وأن التعليق في صحة العقد وتكون متوقفة على موت الأب و
إن كان المنشأ كالانشاء أمرا فعليا لا أمرا استقباليا ليكون التعليق في
المنشأ.
وبعبارة أخرى هذا الذي ذكره في الوجه الثاني مع الوجه الأول في
طرفي النقيض، فإن مقتضى الوجه الأول أن البيع عن الأب وليس عن
نفسه، ومقتضى الوجه الثاني أن البيع عن نفسه فليس عن الأب، فهذان
لا يجتمعان، لكون مدلول أحدهما متناقضا مع مدلول الآخر.
اللهم إلا أن يقال: إن القصد الحقيقي إلى النقل معلق على تلك الناقل
وبدونه فالقصد صوري، وقد تقدم نظير ذلك من المسالك (1) في أن
الفضولي والمكره قاصدان إلى اللفظ دون المعنى ومدلول اللفظ، وقد
تقدم عدم تمامية ذلك وأن الفضولي والمكره قاصدان للمدلول أيضا،

1 - المسالك 6: 51.
107

ولو بهذا القصد الصوري فهو يكفي في صحة البيع الفضولي.
3 - إن البايع كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أن المبيع لغيره.
وفيه بعد ما قلنا بكونه كالفضولي قاصدا للمدلول أيضا فيكون ما
يصدر منه البيع فيكون صحيحا، فلا يكون فيه بحث بوجه من الوجوه.
وبالجملة فأصل صحة البيع مما لا اشكال فيه، ولا يعتني بمثل تلك
الوجوه في الحكم بالبطلان كما لا يخفى.
احتياجه إلى الإجازة
وأما احتياجه إلى الإجازة فمما لا ريب فيه، لا لما ذكره المحقق الثاني
في جامع المقاصد (1) من أنه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن بل مع
إجازة المالك، لاندفاعه أولا بقوله: إلا أن يقال: إن قصده إلى أصل البيع
كاف، وذلك لأن حصول النقل حين العقد أو بعد إجازة المالك ليس من
مدلول لفظ العقد حتى يعتبر قصده أو يضر قصد خلافه وإنما هو من
الأحكام الشرعية المعارضة للعقود، فلا يكون مأخوذا في صحة العقد.
وثانيا: إن هذا الدليل أخص من المدعي، فإنه قد يتحقق القصد إلى
ذلك لو كان البايع لذلك، أي بايع مال نفسه للغير باعتقاد أنه للغير وكيلا
من قبله فباع ثم انكشف أنه مال نفسه، فإن القصد هنا متحقق إلى أصل
البيع الناقل للملك من دون احتياج إلى قصده مع الإجازة المتأخرة.
وثالثا: إن هذا ينافي مذهب الكشف، فكيف يرضي القائل به أن يقول
البايع لا يقصد نقل المال حين العقد، بل الوجه في الاحتياج إلى الإجازة
هو الذي أشار إليه المصنف من عموم تسلط الناس على أموالهم وعدم
حلها لغيرهم إلا بطيب أنفسهم وحرمة أكل المال إلا بالتجارة، فإن

1 - جامع المقاصد 4: 76.
108

الالتزام بصحة العقد بدون الإجازة مستلزم لعدم تسلط الناس على
أموالهم وكونه حلالا لهم بغير طيب نفسهم.
وتوضيح ذلك، فإن مقتضى آية التجارة وقوله (عليه السلام): لا يحل مال
امرء مسلم إلا بطيب نفسه (1)، وإن كان كفاية رضا المالك وطيب نفسه و
لو مع اعتقاده بأن المال لغيره بحيث يكون الرضا بذاته معتبرا، ولكن
بمناسبة الحكم والموضوع يستفاد منها أن ذات الرضا والطيب بما هو
ليس موضوعا للحكم، فإن احترام ماله وتوقف التصرف فيه على إذنه
يناسب أن يكون إذنه بما أنه مالك دخيلا في جواز التصرف، ومعلوم أن
الطيب بأصل التبديل ليس طيبا بالتبديل المالكي.
نعم ما نزل شيخنا الأستاذ (2) ذلك، بما أن العمد بأصل التكلم أو العمد
بالأكل ليس عمدا بالتكلم في الصلاة والأكل في نهار شهر رمضان والأمر
كذلك، فإن الانسان يتعمد إلى أصل الفعل ولكن يغفل عن كونه في
الصلاة أو الصوم.
ثم إنه يؤيد ذلك أنه لو أعتق عبدا للغير بما أنه له فبان أنه لنفسه، أو طلق
امرأة للغير فبان أنها لنفسه له ينعتق العبد ولا يطلق الزوجة، وإنما
جعلناهما مؤيدة من جهة أنهما إزالة الملك والزوجية وكونهما عن
المالك والزوجة من الجهات المقومة، فعدم وقوعها من الغير من تلك
الجهة، فلا يقاس بالبيع.

1 - عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله)،
عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، قال: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير
إذنه (الإحتجاج: 479، اكمال الدين: 520، عنهما الوسائل 9: 540، 25: 386).
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 201.
109

وهذا المعنى هو منصرف عن: أوفوا بالعقود (1) وأحل الله البيع (2)،
فإن الظاهر أنهما منصرفان إلى وجوب الوفاء لكل شخص بعقده الذي
أوقعه على ماله بحيث يكون البيع مستندا إليه لا إلى شخص آخر،
فمعنى: أوفوا بالعقود أنه يجب أن يفي كل شخص بعقد نفسه، ومعنى:
أحل الله البيع، أنه حل بيع أنفسكم.
وفي المقام أن البايع وإن كان مالكا واقعا إلا أنه باع الملك بعنوان أنه
مال الغير ليكون البيع بيعه ولم يبع بعنوان ماله ليكون البيع بيع نفسه
وعقدا له فلا يشمله: أوفوا بالعقود والعمومات الأخر إلا بالإجازة
ليكون مستندا إلى نفسه ويكون قابلا لشمول العمومات له.
ومن هنا ظهر فساد توهم أن المالك حيث إنه المباشر للعقد فلا وجه
لاعتبار الإجازة فيما يرجع إلى تصرف نفسه في ماله، فإنه وإن كان
تصرف في ماله ولكنه بعنوان أنه مال الغير فلا يكون البيع مستندا إليه إلا
بالإجازة.
الاستدلال بصحة هذا البيع بقاعدة نفي الضرر والمناقشة فيه
وقد اختار صاحب الجواهر (3) تبعا لبعض آخر (4) صحة هذا البيع وكونه
خياريا، وأن للمالك فسخ ذلك وامضاؤه واستدل عليه بدليل نفي الضرر
بدعوى أن لزوم مثل هذا العقد ضرري فيرتفع بكونه خياريا، وقد استدل
بتلك الأدلة على ثبوت ببعض الخيارات كخيار الغبن.

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
3 - جواهر الكلام 22: 298.
4 - مقابيس الأنوار: 137.
110

وأشكل عليه شيخنا الأنصاري بتوضيح وإضافة اجمالية منا،
وحاصله أن الضرر عبارة عن النقص في المال أو العرض أو النفس،
وشئ منها غير موجود في المقام، بل إنما هو في انتقال المال إلى
المشتري بدون رضاية المالك وإذنه، فمقتضى شمول أدلة الضرر على
ذلك هو نفي الانتقال وبطلان العقد لا ثبوت الخيار مع صحته.
وبعبارة أخرى أنه لو فرضنا من صحة العقد وكان النزاع في لزومه
وعدمه وكان الضرر متوجها من ناحية اللزوم لكان لهذا التوهم وجه،
ولكن الأمر ليس كذلك، وإنما الضرر في أصل صحة العقد وانتقال المال
إلى الغير لا من ناحية اللزوم بعد الفراغ عن صحته.
إذن فلا بد من القول ببطلان العقد لو تمسكنا بدليل نفي الضرر لا بكونه
خياريا، بل لا مجال أصلا هنا للتمسك بأدلة نفي الضرر ولا موضوع لها
هنا، فإنه إنما تكون شاملة لمورد يكون فيه ضرر، والموضوع لذلك هنا
لو كان إنما هو العقد فصحته إنما بواسطة شمول العمومات عليه، فهي
لا تشمل المورد ما لم تلحق عليه الإجازة اللاحقة من المالك، فإنه عرفت
أنه مضافا إلى كون صحة العقد بدون الإجازة منه أكلا لمال الغير بدون
إذنه، وكونه تصرفا في مال الغير بغير طيب نفسه، وكونه خلاف السلطنة،
أن: أوفوا بالعقود (1)، و: أحل الله البيع (2) إنما ينصرف إلى بيع شخص
المالك، وأن كل من باع ماله لنفسه يجب الوفاء به، وأما لو باع لغيره فلا.
إذن فلا موضوع يكون ضرريا حتى يشمله أدلة نفي الضرر، وبالجملة
لا وجه لاحتمال ثبوت الخيار هنا بدليل نفي الضرر.
ثم لو انعقد الاجماع على عدم جريان الفضولية في الايقاعات

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
111

واختصاصها بالعقود فيحكم ببطلان عتق مال الغير ثم إجازته أو عتق
مال نفسه عن الغير باعتقاد أنه مال الغير ثم إجازته، وإن لم يتم الاجماع
وناقشنا فيه فيصح في الايقاعات أيضا كما هو واضح.
ثم إنه لا ملازمة بين بيع مال نفسه للغير باعتقاد أنه له ثم انكشف
الخلاف وبين بيع الفضولي، بحيث لو قلنا ببطلان البيع الفضولي لقلنا
ببطلان ذلك أيضا، وذلك لأن عمدة ما قيل في بطلان البيع الفضولي كما
تقدم هو كونه بيعا لمال الغير فهو باطل بالروايات المستفيضة النافية عن
بيع ما ليس عنده.
وقد أجبنا عنه فيما تقدم أن ذلك فيما يكون بايعا لنفسه دون الغير،
وعلى تقدير قبوله هناك فلا يجري هنا، فإن البايع لم يبع مال غيره ليكون
من صغريات بيع ما ليس عنده بل إنما باع مال نفسه للغير فيكون ذلك
صحيحا بالإجازة فلا يكون مشمولا لتلك الروايات.
اللهم إلا أن يقال: إن مدرك القول ببطلان بيع الفضولي هو التصرف في
مال الغير المستلزم للحرمة المستلزم لفساد البيع.
وفيه على تقدير قبوله في بيع الفضولي فلا يجري هنا، لأن في البيع
الفضولي كان تصرف في مال الغير بخلافه هنا، فإنه ليس هنا إلا قبح
التصرف من باب التجري فهو قبيح في نظر العقل فلا يستلزم الحرمة
الواقعية حتى يستلزم ذلك الحرمة الواقعية فساد المعاملة، فيكون ما نحن
فيه مثل بيع الفضولي كما هو واضح.
4 - أن يبيع لنفسه باعتقاد أنه لغيره فانكشف أنه له
قوله (رحمه الله): الرابعة: أن يبيع لنفسه باعتقاد أنه لغيره فانكشف أنه له.
أقول: الصورة الرابعة إذا باع شخص مال نفسه لغيره باعتقاد أنه له إما
باعتبار شخصي أو عقلائي ثم انكشف أنه مال نفسه، كما إذا باع مالا
112

أخذه من الغير بالقمار أو بغيره من الأسباب الباطلة شرعا ثم باع لنفسه مع
اعتقاده بحسب تدينه بدين الاسلام أنه مال الغير، ثم انكشف أن هذا بعينه
المال الذي كان ذلك الغير أخذ منه أمس.
فالظاهر أنه لا شبهة في صحة هذا البيع لعدم قصور في الانشاء ولا في
المنشأ، بل إنما تحققت حقيقة البيع على النحو الذي لا بد وأن تتحقق،
فإن حقيقته المبادلة بين المالين في علقة المالكية وقد حصل ذلك في نظر
العرف والعقلاء، فإنهم يرون التمسك بالقمار ونحوه من الأسباب الباطلة
من المملكات، فيرون بيع المقامر ما تملكه بالقمار صحيحا فيصدق على
بيعه هذا بيعا بالحمل الشايع مع كونه مالكا واقعا، إذن فيشمله العمومات
فيحكم بصحته شرعا أيضا، غاية الأمر أنه لم يعلم بكونه مالكا واقعا وفي
نظر الشارع فهو لا يضر بصحة البيع.
وبعبارة أخرى حكم الشارع بالمالكية من الأحكام الشرعية، فصحة
البيع لا يتوقف على العلم به وإلا فلا بد من عدم تحقق البيع وصدقه على
بيع من لا عقيدة له لشريعة من الكفار والفساق مع كونه بيعا صحيحا عند
العرف والعقلاء.
وبالجملة أن صحة مثل ذلك مع صدوره عن مالكه الواقعي وتحقق
شرائطه مما لا شبهة فيه، وهل يحتاج ذلك إلى الإجازة أم لا، فالظاهر أنه
غير محتاج إلى الإجازة لكونه صادرا من مالك المبيع وواقعا لنفسه
ومستندا إليه، فالاحتياج إلى الإجازة تحصيل الحاصل فلا نحتاج إليها.
وبعبارة أخرى أن العقد بعد تمامية أركانه ووقوعه عن مالكه بعد نفسه
مالكا للمال بأي نحو كان، وكونه مالكا أيضا واقعا غير أنه يعتقد فقط كون
المال للغير من باب الجهل، فلا وجه لتوهم كونه محتاجا إلى الإجازة
ثانيا، فإن مجرد الجهل بالحال لا يستلزم ذلك كما هو واضح، وذلك كما
إذا باع مال نفسه لنفسه غفلة عن كونه له، فهل يتوهم أحد بطلان البيع هنا.
113

القول في المجاز
1 - اعتبار كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في العقد
قوله (رحمه الله): وأما القول في المجاز.
أقول: تحقيق الكلام فيه يقع في أمور:
الأول: إن العقد الفضولي لا بد وأن يكون جامعا لشروط البيع
بأجمعها وإلا فلا يكون مما يترتب عليه الأثر، وهذا بحسب الكبرى مما
لا ريب فيه، فإن العقد الفضولي يعينه العقود الأخر غير أنه فاقد للإجازة
فيحتاج إلى الإجازة المتأخرة، وهذا لا يزيد عن العقد الصادر بالإذن
السابق أو من المالك، فإنه كما إذا كان شئ منهما فاقدا لشرط من
الشروط مع كونه صادرا ممن له العقد أو بإذنه بحيث يكون مستندا إلى
المالك من حين تحققه.
فكذلك العقد الفضولي لا بد وأن يكون جامعا لجميع الشرائط غير
جهة الرضا المالكي فإنه يلحق بالإجازة المتأخرة، فهل يتوهم أحد أن
لا يعتبر فيه ما يكون معتبرا في غير العقد الفضولي، إذن فمقتضى أدلة
صحة البيع مع أدلة الشروط المعتبرة فيه قاضية في البيع الفضولي أيضا.
وأما بحسب الصغرى فشرائط البيع تنحل إلى أقسام:
أما شرائط العقد، فلا شبهة في اعتباره في العقد الفضولي، لكونه عقدا
كسائر العقود، فلا بد من اعتبار شروطها فيه أيضا، وجهة الفضولية
لا توجب إلغاء تلك الشروط، وذلك كالماضوية والعربية وتقديم
الايجاب على القبول وغير ذلك مما يرجع إلى نفس العقد، فإنها كما
114

تعتبر في عقد الأصيل وهكذا تعتبر في العقد الفضولي.
وأما شرائط المتعاقدين، فكذلك ولا بد من اعتبارها هنا، كما إذا
اعتبرنا صدوره من البايع العاقل فإنه يعتبر هنا أيضا، فلا يصح عقد الصبي
والمجنون لو كانا فضوليين أيضا، فإنه بعد عدم كفايته فيما إذا كان طرف
المعاملة هو الأصيل وكان مجري العقد هو الصبي أو المجنون فلا يكفي
هنا أيضا، لأنك عرفت أن العقد الفضولي لا يزيد على عقد الأصيل
ومعاملته، وبالجملة لا يكفي في صحة عقد الفضولي صدوره من الصبي
والمجنون لو قلنا بعدم صحة عقدهما كما تقدم.
وأما شرائط العوضين، فهو أيضا مما لا ريب في اعتبارها هنا،
فلا يصح بيع أم الولد ولا الخمر ونحوهما مما لا يصح بيعه من الأصيل
أيضا، فإن ما لا يجوز من الأصيل فكيف يجوز من الفضولي، فهل يزيد
ذلك على الأصيل.
وبالجملة أن تلك الشروط الثلاثة لا شبهة في اعتبارها في العقد
الفضولي حين العقد، فإن الإجازة ليست عقدا مستأنفا حتى تعتبرها من
زمان الإجازة بل إجازة للعقد السابق الصادر عن الفضولي، وإنما هي
دخيلة في تأثير ذلك العقد فلا بد من اعتبارها فيه حين الصدور.
وأما الشروط التي تكون معتبرة فيه مع كونها خارجة عن العقد، وقد
عبر عنها المصنف بالشروط المعتبرة في تأثير العقد أو الشروط الراجعة
إلى المالك، فلا يعتبر فيه.
أما الأول، فكالقدرة على التسليم، فإن اعتباره في العقد ليس من جهة
كونها شرطا للعقد أو للعوضين أو للمتعاقدين بل أمر خارج عن العقد،
فإنما يكون معتبرا من جهة تمكين المشتري من المبيع أو البايع من الثمن
وتسليطهما عليهما، وهذا إنما يلزم اعتباره حين التسليم فقط وإن كان
115

البايع غير متمكن من زمان العقد حتى مع كونه أصيلا.
ففي الفضولي أيضا لا يعتبر القدرة على التسليم لا حين العقد ولا حين
الإجازة، بل إنما يلزم اعتباره حين التسليم والتسلم، فلو باع الفضولي عن
المالك سلما فلا بد وأن يكون المالك متمكنا عن التسليم عند التسليم
وفي الأجل المعين الذي يجب تسليمه فيه، ولو باع حالا فيجب أن
يكون المالك متمكنا من التسليم عند الإجازة لأن زمان الإجازة زمان
التسليم والتسليم.
وبالجملة فمثل هذا الشرط لا يرتبط بالعقد ولا بالعوضين ولا
بالمتعاقدين، بل هو أمر خارج عن العقد ولا يلزم من انتفائه بطلان العقد،
بل يكون العقد خياريا لتخلف الشرط الضمني.
ولا يفرق في ذلك بين القول بالكشف والنقل، فإنه على القول
بالكشف أيضا وإن حصلت الملكية ولكن لم يحصل زمان التسليم
والتسلم، ولذا لا يجوز التصرف قبل الإجازة حتى على الكشف، فزمان
التسليم زمان الإجازة، فإنه ليس معنى الكشف أن الملكية قد حصلت
بحيث لكل منهما أن يعامل مع ما انتقل إليه معاملة ملكه بل إنما ذلك بعد
الإجازة، غاية الأمر أنها تكشف أن الملكية من الأول.
وأما الثاني، كاعتبار كون المشتري للمصحف أو العبد المسلم مسلما
ولا يكون كافرا، بناء على عدم تملك الكافر العبد المسلم والمصحف،
فهذا أيضا لا يعتبر في العقد الفضولي كون المشتري للمصحف أو العبد
المسلم مسلما حين العقد، بل لا بد من كونه مسلما حين الإجازة، فلو باع
الفضولي المصحف أو العبد من الكافر فأسلم إلى زمان الإجازة فيكون
البيع صحيحا.
والسر في ذلك أن عمدة دليل اعتبار كون المشتري مسلما بعد التسالم
116

بين الفقهاء هو قوله تعالى: لن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا (1)،
فإن بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر استيلاء وسبيل على
المسلمين بل من أعلى مراتب الاستيلاء، وهذا المعنى لا يتحقق بمجرد
العقد حتى على القول بالكشف فإن الاستيلاء إنما يتم بتمامية العلقة
الملكية، وهي لا تتم إلا بتمامية السبب، وتمامية السبب إنما بالإجازة
حتى على القول بالكشف.
فإنه على القول بالكشف أيضا تكون الإجازة مؤثرة في الملكية السابق
فنكشف بها حصولها من زمان العقد، وبها يكون المشتري مسلطا على
المبيع، وأما قبل زمان الإجازة فليس له تسلط على المبيع، غاية الأمر أنه
قد ملك للمبيع من زمان العقد لو أجاز المالك وإلا فلا، فإنما يحصل
السبيل والتسلط في زمان الإجازة وفي زمان تمامية السلطنة على المبيع
لكون الإجازة مما تكون متممة للعلقة المالكية وقبله لا سلطنة للمشتري
على المبيع بوجه، ولذا لا يجوز له التصرف فيه.
نعم بناء على الكشف بمعنى كون الإجازة معرفة محضة مع العلم بأن
المالك يجيز العقد قطعا نلتزم بعدم جواز البيع الفضولي أيضا لحصول
السبيل من زمان العقد للعلم بتحقق العلقة بتمامها عنده، ولكن قد عرفت
عن تمامية ذلك المذهب.
وأما توهم حصول السبيل بمجرد العقد توهم فاسد، فإن مجرد تحقق
ما يكون له تأهلية الصحة وكونه قابلا لأن يترتب عليه تمامية العلقة
المالكية للمشتري لا يوجب اثبات السبيل للكافر على المسلم.
وبالجملة أن فقدان الشرائط الخارجية وشرائط المالك عند العقد في
العقد الفضولي لا يضر بالصحة التأهلية التي كانت في العقد الفضولي، بل

1 - النساء: 141.
117

هي تحصل بذلك مع وجدانه الشرائط الآخر الداخلة في العقد من شرائط
العقد وشرائط العوضين وشرائط المتعاقدين، بل الصحة التأهلية باقية
إلى زمان الإجازة وزمان وصول محل الشرط، فإن حصل فيحكم بالصحة
الجزمية وإلا فيحكم بالبطلان.
الكلام في اعتبار استمرار هذه الشروط إلى زمان العقد
ثم هل يعتبر استمرار تلك الشروط التي لا بد من اعتبارها إلى زمان
العقد أم لا يعتبر؟
أما الشروط الراجعة إلى العقد، فلا معنى لبقائه لكونها آني الحصول
والزوال، فليس لها قابلية البقاء كالعربية والماضوية وتقديم الايجاب
على القبول ونحوها، فإنها كيفيات غير قابلة للبقاء.
وأما شروط المتعاقدين، فالظاهر عدم اعتبار بقائها على حالها في
صحة العقد، كما إذا جن العاقد الفضولي أو مات، فإن العقد بعد صدوره
عنه صحيحا لا ينقلب عما هو عليه بانتفاء الشروط المعتبرة في العاقد
فلا نتصور وجها لكونها دخيلا في صحته بحسب البقاء أيضا، وإنما
الظاهر من أدلة اعتبارها في العقود دخالتها في صحتها بحسب الحدوث
فقط.
وأما شروط العوضين، فقد بنى المصنف على استمرارها على القول
بالنقل ونفي البعد عنه على القول بالكشف وإن تقدم منه عند بيان الثمرة
عدمه ردا على من زعم اعتبارها بتوهم ظهور الأدلة في اعتبار استمرار
القابلية إلى زمان الإجازة على الكشف.
وتفصيل الكلام هنا: أن الشروط تارة تكون شروطا للانتقال والتمليك
والتملك، بمعنى أنه يشترط في انتقال المال إلى الغير وتملكه بعض
118

الشروط كالخمر، فإن التملك والتمليك وانتقال المال من شخص إلى
آخر بأي عنوان كأن يشترط فيه أن لا يكون خمرا، فمثل ذلك شرط
التملك وغيره مربوط بالبيع أصلا، ولذا لا يكون بغير البيع أيضا، ولذا
أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإراقة الراوية من الخمر الذي أهدي إليه (1)، وهكذا
كلما يكون شرطا للتملك.
وأخرى يكون الشرط شرطا للبيع كعدم كون المبيع أم ولد أو من
الأعيان النجسة أو المتنجسة، بناء على عدم جواز بيعهما وهكذا، فإن
مثل ذلك من شروط البيع لا من شروط التملك وإلا فيصح تملك أم الولد
والنجس ولذا يضمن لصاحبها من أتلفها، وقد تقدم في بيع الكلاب
القول بالضمان على من أتلف كلب الغير من غير ما يجوز بيعها ككلب
الحارس والدور، ولذا لو مات مالك تلك الأمور تنتقل إلى وارثه،
وهكذا كلما كان من هذا القبيل فلا شبهة في عدم اعتبار استمرارها - أي
تلك الشروط - إلى زمان الإجازة حتى على القول بالنقل، فإنها كانت
محققة في زمان تحقق العقد والبيع لكفي، ولأن الإجازة ليست عقدا
مستأنفا حتى يعتبر استمرارها إلى زمانها.
وعلى هذا فلو باع الفضولي أمة الغير أو متاعه ثم صار ذلك أم ولد أو
متنجسة أو نجسة فعلى القول بالكشف لا شبهة في صحة البيع لو أجازه
المالك لحدوث التوليد والتنجيس في ملك الغير، فإن بالإجازة تنكشف

1 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن ثمن الخمر؟ قال: أهدي إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) راوية خمر بعد ما حرمت الخمر، فأمر بها أن تباع، فلما أن مر بها الذي يبيعها
ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلفه: يا صاحب الراوية أن الذي حرم شربها فقد حرم ثمنها، فأمر بها
فصبت في الصعيد، فقال: ثمن الخمر ومهر البغي، وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت
(التهذيب 7: 135، عنه الوسائل 17: 225).
119

انتقالها إلى المشتري من زمان العقد وكون التوليد والتنجس واقعا في
ملك المشتري، فإن ما لا يجوز إنما هو بيع أم الولد أو النجس، والفرض
هنا أنهما حصلا في ملك المشتري لا أنهما حصلا قبل البيع ليمنع عنه
والبيع إنما تحقق في زمان تحقق العقد وليس الإجازة إلا إجازة ذلك
العقد لا أنها عقد جديد.
وكذلك على القول بالنقل أيضا لا يبعد ذلك، فإن الملكية وإن لم تحصل إلا في زمان الإجازة ولكن الإجازة هنا أيضا ليس عقدا جديدا
بل هي إجازة للعقد السابق المتحقق فضولة فيكون البيع حاصلا قبل أن
تصير الأمة أم ولد أو يكون المبيع نجسا، وإنما صارا كذلك قبل الانتقال
إلى الغير فلا شبهة في جواز ذلك فلذا يتوارث الوارث.
وبالجملة أن الإجازة ليست عقدا جديدا وإنما هي امضاء للعقد
السابق الذي بيع أو نكاح فقد تحقق عنوانه، وإنما الاستناد يكون
بالإجازة ليكون بيعا للمالك أو نكاحا له وهكذا، وإلا فأصل العقد على
القولين قد تحقق عند العقد، نعم ما هو شرط التمليك والانتقال فلا بد من
بقائه إلى زمان الإجازة.
فرع
لو باع شخص خلا لآخر ثم صار ذلك خمرا ثم انقلب إلى الخلية، فهل
يحكم بصحة الانتقال هنا المستلزم صحة البيع أم لا، أما على الكشف
فلا شبهة في صحة البيع لكون القلب والانقلاب في ملك الغير.
وأما على النقل فالظاهر بطلان البيع لعدم صحة النقل حين الإجازة فإن
ما وقع عليه القعد لم يبق على حاله وما هو موجود فإنما هو ملك جديد
لم يقع عليه العقد لتبدل الصورة النوعية، فإن الخمر والخل في نظر
120

الشارع من الصور النوعية المختلفة، كما إذا فرضنا أنه باع الفضولي عبدا
ثم صار ذلك كلبا حقيقة لا انسانا في صورة الكلب ثم تبدل إلى الانسانية
فإن الانسان الثاني غير الانسان الأول، فلا يصح ذلك البيع بالإجازة لما
ذكرناه.
إذن فلا بد من بقاء المال على هيئته التي وقع عليها العقد الفضولي، من
كونه قابلا لوقوع العقد عليه وواجدا على شرائط الانتقال من حين العقد
إلى حين الإجازة وإلا فلا يصح انتقاله إلى الغير بالعقد، ففي الحقيقة مثل
هذا الشرط الذي شرط التملك شرط للانتقال أولا وبالذات، ويكون
شرطا للبيع ثانيا وبالعرض، فإنه إذا لم يصح الانتقال لم يصح البيع أيضا
كما هو واضح.
2 - هل يعتبر العلم بالمجاز
الأمر الثاني في معرفة المجيز العقد المجاز والعلم بكونه واقعا مع
تعينه، ويقع الكلام هنا في جهتين:
الجهة الأولى: في أنه هل تصح الإجازة على تقدير الوقوع أم لا، كما
إذا يقول: لو بيع مالي فضولة أو أوجرت داري فقد أجزته.
والثانية: هل يمكن تعلق الإجازة بالأمر المبهم أم لا.
أما الجهة الأولى، فقد حكم شيخنا الأنصاري ببطلان الإجازة لكونه
تعليقا فيما هو بحكم العقد، فإن الإجازة وإن لم تكن عقدا إلا أنه في حكم
العقد، فحيث إن التعليق في العقد باطل فيكون فيما هو بحكم العقد أيضا
باطلا، وأضاف إليه شيخنا الأستاذ (1) أن الإجازة من الايقاعات فالتعليق في
الايقاعات لا يعقل.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 197.
121

أما ما أفاده شيخنا الأنصاري (رحمه الله) ففيه:
أولا: لا دليل على بطلان التعليق فيما هو في حكم العقد، فإن عمدة
الدليل على بطلانه هو الاجماع كما تقدم، فالمتيقن هو بطلانه في نفس
العقد لا ما في حكمه.
وثانيا: أنه تقدم في السابق أن التعليق في العقد موجب للبطلان إذا كان
بأمر خارج عن العقد وأما لو كان على أمر يكون مقوما له وداخلا فيه
فلا دليل على بطلانه، بل هو في جميع العقود موجود وإن لم يصرح به،
فلو كان مثل ذلك موجبا للبطلان للزم الحكم ببطلان جميعها، وهذا نظير
ما إذا قال: إن كنت زوجتي فأنت طالق، أو إن كان هذا مالي فبعته،
فكذلك الإجازة.
وأما ما أفاده شيخنا الأستاذ، فلم نعقل له معنى محصلا، حيث إن
التعليق في الايقاع قد وقع في الشريعة المقدسة، فكيف له الحكم بكونه
غير معقول في الايقاعات كالتدبير فإنه من الايقاعات مع كونه معلقا على
الموت، وكالوصية بناء على كونها من الايقاعات كما هو الحق فإنها
متوقفة على الموت، بل عرفت أن الدليل على بطلانه إنما هو الاجماع
فالمتيقن منه ليس إلا العقود، فلا علم لنا لدخول الايقاعات معقده
فلا يضر فيها التعليق.
وأما الجهة الثانية، أعني امكان تعلق الإجازة بالأمر المبهم، فهي
متفرعة على الجهة الأولى، ولذا قدمناها على عكس ما فعله المصنف،
فقد نزل المصنف هنا الإجازة منزلة الوكالة فما لم يبلغ الأمر في ذلك إلى
مرتبة لا يصح معه التوكيل يصح أن تتعلق به الإجازة.
والظاهر جواز تعلقها بالأمر المبهم إذا لم نقل بكون التعليق فيها
مضرا، كما إذا لم يدر المجيز أن الواقع بيع داره أو إجارته أو بيع الفرس أو
122

غير ذلك، فيقول: أجزت ذلك الأمر الواقع إن كان إجارة فأجزت الإجارة
، وإن كان بيعا فأجزت البيع، وهكذا وهكذا، ولا يلزم معرفة المجاز،
ولا يضر عدم المعرفة بصحة الإجازة.
وهذا نظير أن يعطي أحد ماله لشخص بذلا فعلم ذلك ولكن لا يدري
أنه أي شئ فيقول: أجزته، فهل يتوهم أحد عدم صحة ذلك بل هذا
أوضح من الوكالة، فإن في الوكالة وإن كان يصح تعلقها بالأمر المبهم
ولكن يشترط في صحة ذلك وجود جامع بين تلك الأفراد التي كان
المأذون فيه مبهما بينها، وإلا فلا يصح التوكيل بالفرد المردد، وهذا
بخلافه هنا، فإن الإجازة تتعلق بالواقع المردد بين الأفراد الكثيرة وإن لم يكن بينها جامع، فإن التردد لا يمنع عن ورود الإجازة إلى مورده
ومحله في الواقع، وهذا نظير اتيان أربعة ركعات من الصلاة الرباعية
بقصد اتيان الواقع، إذا علم بكون ذمته مشغولة بأربعة ركعات من الصلاة
مع الجهل بخصوصياتها.
ومن هنا يظهر بطلان ما في كلام شيخنا الأستاذ (1) حيث قال: إنه
لا يجري في المقام ما يجري في الوكالة فإنها تصح على نحو الاطلاق
وإن لم تصح على نحو الإبهام، وأما الإجازة فلا معنى لتعلقها بالعقد على
نحو الاطلاق، لأن عقد الفضولي وقع على شئ خاص وهو لو كان
مجهولا عند المجيز فلا تشمله الأدلة الدالة على نفوذ الإجازة بل حكمها
حكم تعلق الوكالة بالأمر المبهم التي لا اعتبار بها عند العقد.
ووجه البطلان أن ما تقع عليه الإجازة وإن كان أمرا شخصيا غير قابل
للاطلاق لا كليا قابلا للاطلاق، إلا أن اشتراط كون متعلقها أمرا قابلا
للاطلاق بلا دليل بل إنما تكون الإجازة واقعة على موردها، وإن كانت

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 215.
123

المحتملات كثيرة وبالغة إلى حد لا تصح أن تتعلق به الوكالة، فإنه بناء
على جواز التعليق فيها تنحل ذلك إلى قضايا عديدة، فيكون التقدير: إن
كان هذا العقد واقعا على مالي فأجزته، وإن كان ذلك فأجزته وهكذا.
وبالجملة أن الإجازة بعد صدورها من أهلها ترد على محلها وإن كان
المحل من الإبهام بمكان، فإن توجهها إلى العقد الواقع على ماله وإن كان
أمرا شخصيا غير قابل للاطلاق فيقول المجيز: أجزت الواقع على ما هو
عليه إن كان كذا فكذا إن كان كذا فكذا.
3 - تعدد العقود فضولة
الأمر الثالث: إن العقد المجاز إما أول عقد وقع على مال نفسه، أو آخر
عقد وقع على ماله، أو أول عقد وقع على عوض ماله، أو آخر عقد وقع
على عوض ماله، فهذه أربعة صور.
ثم إنه إما العقد الوسط بين عقدين واقعين على مورد العقد الوسطي، أو
وسط بين العقدين الواقعين على بدله، أو على الاختلاف، وعلى كل من
هذه الأربعة، فأما أن ذلك العقد الوسط واقعا على عين مال الغير فيتشعب
من إجازة الوسط ثمانية صور، فيرتقي المجموع إلى اثني عشر صور.
وتوضيح ذلك أنما يكون في ضمن مثال، فلو باع الفضولي عبد المالك
بفرس وباع مشتري ذلك الفرس بدرهم وباع الآخر العبد بكتاب ثم باع
الآخر العبد بدينار وباع الآخر الدينار بجارية، فهذه البيوع الخمسة
حاوية لبيع واقع على مورد ابتداء، وهو بيع العبد بفرس، وبيع واقع على
مورد ذلك البيع الأول وسطا، وهو بيع العبد بكتاب، وبيع واقع على ذلك
المورد لاحق، وهو بيع العبد بدينار وحاو أيضا على بيع وارد على بدل
العبد، وهو بيع الفرس الذي بدل العبد بدرهم، وعلى بيع وارد على بدل
124

العبد أيضا، ولكن لاحق وهو بيع الدينار بجارية، فهل تكون إجازة العقد
الوسط الذي بيع العبد بكتاب الذي وقع قبله عقد على مورده وعقد على
بدله، وكذلك بعده إجازة السابق واللاحق، أوليس إجازة لشئ منها،
أو نقول بالتفصيل.
فيتضح بذلك المثال حكم المقام، فتارة نتكلم على الكشف وآخر
على النقل:
أما على الكشف فلو أجاز مالك العبد بيع العبد بكتاب فيكشف ذلك أن العبد من حين العقد صار ملكا لمالك الكتاب والكتاب صار ملكا
للمالك العبد ووقع بينهما التبادل، وأما بيع العبد بفرس فيكون باطلا
لكونه واقعا في مال الغير ولم تتعلق به الإجازة من المالك فيقع باطلا،
وأما بيع الفرس بدرهم فهو أمر آخر أجنبي عن بيع العبد فيكون فضوليا
وموقوفا على إجازة مالكه، وأما العقود اللاحقة فيصح كلاهما فإنه بعد
كون العبد ملكا لمالك الكتاب من حين العقد كما هو المفروض على
الكشف فقد باع هو ماله بدينار فيكون الدينار ملكا له أيضا من حين العقد،
فإذا باعه بجارية فيصح بيع الجارية أيضا.
وأما على النقل، فحكم العقود السابقة على بيع العبد بكتاب حكمها
على طريقة الكشف في كل من العقد الوارد على مورد العقد المتوسط
والعقد الوارد على مورد بدله، فيحكم ببطلان بيع العبد بفرس وبصحة
بيع الفرس بدرهم مع الإجازة، وأما العقود اللاحقة فحيث إن الإجازة
ناقلة من حينها فيكون العقد الواقع على العبد مع الكتاب موجبا للنقل
والانتقال من حين الإجازة، فيكون العبد ملكا لمالك الكتاب من زمان
الإجازة.
وإذن فيكون بيع مالك الكتاب العبد بدينار قبل إجازة مالك العبد
125

المبادلة الواقعة بين العبد والكتاب بيعا لما لا يملك وما ليس عنده
فيتوقف صحته وعدمه مطلقا أو مع الإجازة وعدمها، على ما تقدم من
بيع مال غيره لنفسه ثم ملكه، فراجع.
بيان آخر
قوله (رحمه الله): الثالث: المجاز أما العقد.
أقول: وحكم المسألة في غاية السهولة، ولكن تصويرها في غاية
الصعوبة، وقد ذكره المصنف وأوضحه بأمثلة، ونحن أيضا نوضح
المسألة بالمثال الذي ذكره المصنف، ولكن نحلله إلى مثالين لأجل
التوضيح.
وحاصل ما ذكره المصنف من تصوير تعلق الإجازة بالمجاز قبل
تصويره بمثال، هو أن العقد المجاز إما هو العقد الواقع على نفس مال
الغير، أو العقد الواقع على عوض مال الغير، وعلى كلا التقديرين فأما أن
يكون المجاز أول عقد وقع على مال الغير أو عوضه أو آخره، أو عقدا
بين سابق ولاحق واقعين على مورده أو بدله أو بالاختلاف.
ومحصله: أن العقد المجاز تارة يكون أول عقد وقع على عين مال
الغير، وآخر يكون آخر عقد وقع على عين مال الغير، وثالثة يكون أول
عقد وقع على بدل مال الغير، ورابعة آخر عقد وقع على بدل مال الغير،
فهذه أربعة صور، وأيضا قد يكون المجاز العقد المتوسط، فهو تارة
يكون وسطا بين عقدين واقعا على مورده، وأخرى يكون وسطا بين
عقدين واقعا على بدل مورد هذا العقد الوسطي، وثالثة يكون العقد
السابق منه واقعا على مورده واللاحق به واردا على بدل مورده، ورابعا
يكون عكس ذلك، فهذا العقد الوسط الذي يكون موردا للإجازة تارة
126

يكون واقعا على عين مال الغير، وأخرى على بدله.
فتكون هذه على ثمانية أقسام، ومع إضافة الأقسام الأربعة إليها ترتقي
إلى اثني عشر قسما، فنوضح ذلك بتقسيط ما ذكره المصنف من المثال
إلى مثالين، ويجمع جميع ذلك مثالان بتقسيط الفرض إليهما مما مثله
المصنف.
1 - نفرضه فيما يكون العقد المجاز واقعا على المال لا العقد الواقع
على بدله، وتصويره أنه لو باع شخص فضولة عبد المالك بفرس ثم باع
البايع الفرس بدرهم وباع المشتري العبد بكتاب وباع صاحب الكتاب
العبد بدينار وباع الدينار بجارية، وقد وقع هنا عقود خمسة، والوسط
منها مسبوق بعقدين وقع أحدهما على مورده أعني بيع العبد بفرس،
والآخر على غير مورده أعني بيع الفرس بدرهم، وملحوق أيضا بعقدين
أحدهما واقع على مورده وهو بيع العبد بدينار، والآخر واقع على غير
مورده وهو بيع الدينار بجارية، ومرادنا من اشتراك المورد كون المال
الذي يكون ثمنا أو مثمنا متحدا مع العقد الآخر في هذه الجهة، أي كما أنه ثمن أو مثمن في هذا العقد وكذلك هو أيضا ثمن أو مثمن في ذلك
العقد.
فلو أجاز العقد الوسط، فبناء على الكشف فتكشف كون العبد ملكا
للمشتري أعني صاحب الكتاب من حين العقد، فيكون بيعه العبد بدينار
بيعا واقعا في ملكه، وهكذا بيع الدينار بجارية، فإن جميع ذلك متفرع
على إجازة العقد الوسط وكونه موجبا لحصول الملكية من حين العقد،
كما هو مقتضى الكشف.
وأما العقدين السابقين على المجاز، فالعقد الذي ورد على مورد العقد
الوسط أعني بيع العبد بفرس فيكون باطلا، فإنه لم يتعلق به الإذن اللاحق
127

وخرج عن قابلية لحوق الإجارة به بإجازة العقد الوسط، لعدم بقاء
الموضوع له، فإن مالك العبد قد أجاز بيعه بكتاب، فإجازة بيعه بكتاب
لا يستلزم صحة بيعه بفرس أعني العقد السابق.
وأما العقد السابق الواقع على بدله أعني بيع الفرس بدرهم، فهو عقد
آخر غير مربوط ببيع العبد بكتاب، وليس بينهما ملازمة ليلزم من إجازة
بيع العبد بكتاب إجازة بيع الفرس بدرهم، بل هو عقد مستقلة وقع على
مال الغير فضولة، فإن أجاز المالك صح وإلا فلا.
وأما على النقل، فبالنسبة إلى العقدين السابقين الكلام هو الكلام، وأما
بالنسبة إلى العقدين اللاحقين، فإن قلنا بصحة بيع مال الغير لنفسه ثم
ملكه، سواء قلنا بصحته مع الإجازة المتأخرة أو بدون الإجازة فيكونان
أيضا صحيحين وإلا فيكونان باطلين، لا من جهة عدم التفرع بين العقد
الوسط وبينهما بل من جهة كونها من صغريات بيع ما ليس عنده كما
تقدم.
ومن هنا ظهر أنه لو أجاز العقد الأول فإنه يستلزم صحة العقود
المتأخرة بأجمعها، ولو أجاز العقد الأخير فإنه لا يستلزم صحة العقود
المتقدمة، بل ما يكون واردا على مورده فيبطل، وما لا يكون واردا على
مورده يتوقف صحته على الإجازة.
إن إجازة العقد لا يستلزم صحة العقود السابقة
بقي هنا أمران لا بد من التعرض لهما:
الأمر الأول: إن إجازة العقد لا يستلزم صحة العقود السابقة إذا أجاز
المالك ذلك العقد لنفسه كما عرفت، وأما إذا أجاز للبايع فيصح بذلك
العقود السابقة أيضا.
128

وذلك لأن صحة بيع العبد بكتاب وكونه للبايع يستلزم صحة بيع العبد
بفرس، فإن صحة بيع العبد بكتاب متفرع على صحة بيع العبد بفرس،
فإنه لو لم يكن بيع العبد بفرس صحيحا لا يكون العبد منتقلا إلى
المشتري ولا يصح بيع المشتري ذلك العبد بكتاب صحيحا فإن
موردهما واحد، أي البيعان وردا على العبد وإن كان البايع في أحدهما
هو الفضولي وفي الآخر هو المشتري.
وإذا صح بيع العبد بفرس فيستلزم ذلك صحة بيع الفرس بدرهم أيضا
من غير توقف على الإجازة، فإن لازم صحة بيع العقد بفرس وكون العبد
للمشتري أن يكون الفرس للبايع، وإلا فلا يصح بيع العبد بفرس، وإذا
لم يصح العبد بفرس فيستلزم ذلك عدم صحة بيع العبد بكتاب، مع أنا
فرضنا صحته بإجازة المالك، فيعلم من ذلك كون الفرس للبايع، فإذا كان
له فيصح بيعه بدرهم من غير توقف على الإجازة لكونه بيعا لماله وواقعا
في ملكه.
ثم إن هذا الذي ذكرناه إنما هو على الكشف، وأما على النقل فيتوقف
أيضا على المسألة السابقة من توقف البيع على الملك وإلا فيبطلان كما
هو واضح.
إجازة واحد من العقود يصحح العقود الطولية الرتبية
الأمر الثاني: إن مرادنا من استلزام إجازة واحد من العقود صحة العقود
اللاحقة العقود الطولية الرتبية التفرعية، أي يكون العقد اللاحق أو
السابق متفرعا على العقد المجاز ولازما له أو ملزوما عليه، بحيث يكون
مشتريه أو بايعه بايعا أو مشتريا للآخر الذي يتفرع صحته على العقد
المجاز بحيث تكون رتبته متأخرة عن رتبة العقد المجاز وإن لم يكن
129

لاحقا له بحسب الزمان كما تقدم أن إجازة عقد الوسط يستلزم صحة
العقود السابقة إذا كان ذلك للبايع.
وأما إذا لم يكن بينها ملازمة وإن كان بينها طول بحسب الزمان
فلا يستلزم إجازته صحة العقود اللاحقه، كما إذا فرضنا أنه باع الفضولي
العبد بفرس وباع شخص آخر ذلك العبد بحمار وباع ثالث ذلك العبد
ببقر وباع رابع الفرس بدرهم وهكذا، فأجاز المالك بيع العبد بحمار
فلا يستلزم ذلك شيئا من صحة العقود السابقة أو اللاحقة لعدم الارتباط
بينها بوجه بل كلها أجنبية عن العقد المجاز كما هو واضح.
ومن هنا صح دعوى الكبرى الكلية في المقام على استلزام إجازة
العقد صحة الآخر، وهي أنه كلما كان بين عقدين ملازمة، إما بكون الأول
لازما والآخر ملزوما أو العكس، فإجازة أحدهما مستلزم لإجازة الآخر
وإلا فلا، فهذه كبرى كلية مختصرة لضابطة ذلك.
وبعبارة أخرى إجازة عقد يوجب صحة كل عقد يرتبط به بوجه من
الارتباط ويكون من شؤونه وإلا فلا.
2 - المثال الثاني أن يكون المجاز هو العقد الوسط أيضا ولكن واقعا
على بدل مال الغير، فنوضح ذلك أيضا بما ذكره الشيخ، كما إذا فرضنا أن
الفضولي باع العبد بفرس وباع الدرهم برغيف أو اشترى به رغيفا ثم بيع
الدرهم بحمار وبيع الرغيف بعسل، فبيع الدرهم برغيف عقد وسط واقع
على بدل مال الغير وهو الدرهم فإنه بدل الفرس الذي بدل العبد، وقبله
عقدان أحدهما وارد على مورده وهو بيع الفرس بدرهم فإن الدرهم أيضا
مورد العقد الوسط، والثاني بيع العبد بفرس غير وارد على مورده،
وكذلك بعده عقدان أحدهما وارد على مورده وهو بيع الدرهم بحمار،
والثاني غير وارد على مورده وهو بيع الرغيف بعسل، فلو أجاز العقد
130

الوسط أعني بيع الدرهم برغيف أو اشتراء الرغيف بدرهم.
فهو على الكشف يستلزم صحة العقود السابقة أيضا، فإن صحة بيع
الدرهم برغيف يستلزم صحة بيع الفرس بدرهم، فإنه لو لم يصح ذلك
لا ينتقل إليه الدرهم حتى يجيز بيعه برغيف، وصحة بيع الفرس بدرهم
يستلزم صحة بيع العبد بفرس وإلا فلا يكون الفرس له ليكون الدرهم له
ليجيز بيع الدرهم برغيف أو اشتراء الرغيف بدرهم.
وأما على النقل فتكون البيوع السابقة واقعة في غير ملك المالك لعدم
كون البايع مالكا، فإن قلنا بصحتها مع الإجازة أو بدونها فبها وإلا فتبطل،
وأما العقود اللاحقة فبيع الدرهم بحمار الذي وقع على مورد العقد
الوسط يكون لازما لصحة الوسط بالإجازة على الكشف، لكون الدرهم
ملكا للمالك بعد إجازة العقد الوسط على الفرض، فيكون اشتراء الحمار
به أو بيعه بحمار في ملك مالكه، وأما بيع الرغيف بعسل فيكون عقدا
فضوليا موقوفا على إجازة المالك لأنه غير ملازم لإجازة بيع الدرهم
برغيف.
وبالجملة الحكم في هذا المثال على عكس المثال الأول كما عرفت.
ومن هنا ظهر بطلان ما ذكره المصنف، من أن العقود المترتبة على مال
المجيز لو وقعت من أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما
قبله وإجازة لما بعده على الكشف، وإن وقعت من شخص واحد
انعكس الأمر.
ووجه البطلان أن تعدد الأشخاص وانفراده ليس ميزانا في المقام، بل
المناط هي الملازمة بين المجاز والعقود الأخر، وإلا فيمكن أن يصدر
العقد من الأشخاص العديدة، ومع ذلك يكون المجاز فقط صحيحا وإن
كان وسطا، كما تقدم نظيره مثل وقوع العقود المتعددة الفضولية على
131

شئ واحد، فأجاز المالك الوسط وهكذا من شخص واحد.
وكذلك ظهر بطلان ما ذكره الشهيد وغيره في الإيضاح والدروس (1)
من أن العقود المترتبة لو وقعت على المبيع صح وما بعده، وفي الثمن
ينعكس، فإن كل ذلك لا يكون ميزانا هنا كما يظهر وجهه بالتأمل.
الاشكال في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب،
والجواب عنه
قوله (رحمه الله): ثم إن هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم
المشتري بالغصب.
أقول: وقد أشار العلامة (2) إلى ذلك الاشكال، وأوضحه قطب الدين
والشهيد (3)، على ما في المتن، فحاصله:
أن المشتري مع العلم بكون البايع غاصبا يكون مسلطا للبايع الغاصب
على الثمن، ولذا لو تلف لم يكن له الرجوع، وهكذا لو علم البايع بكون
الثمن غصبا، وإن كان المفروض في كلامهم هو الأول، ولكنه من باب
المثال، وعلى هذا فلا ينفذ فيه إجازة المالك المجيز - أي المغصوب
منه - بعد تلفه - أي الثمن المدفوع عوضا عن المغصوب - بفعل المسلط،
بأن يدفعه مثمنا عن مبيع اشتراه، لعدم بقاء الموضوع للعقد الأول.
نعم لا يجري ذلك مع الجهل، فإن التسليط هنا غير مجاني.

1 - إيضاح الفوائد 1: 418، الدروس 3: 193، حكى عنهما المحقق الثاني في جامع
المقاصد 4: 70، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 191.
2 - القواعد 1: 124.
3 - القواعد والفوائد 2: 238، ولا يوجد لدينا كناب قطب الدين، حكاه عنه السيد العاملي
في مفتاح الكرامة 4: 192.
132

وبالجملة أن ما دفع إلى الغاصب مع العلم بكونه غاصبا غير قابل لأن يكون ثمنا من مال الغير، لأنه قد يسلط الغاصب عليه مجانا فبعد ما نقله
الغاصب إلى الغير بجعله ثمنا أو مثمنا قبل أن يجيزه المغصوب منه
فلا يبقي موضوع للإجازة لبقاء المغصوب بلا عوض.
وهذا الاشكال مبني على أن مال المسلط مع العلم بكون البايع غاصبا
يكون تالفا من كيسه بعد اتلافه الغاصب ببيع ونحوه، لأنه قد أذهب
احترام ماله بتسليط الغير إياه فيكون عند التلف تلفا من كيسه، نعم مع بقاء
العين تصح إجازة المالك البيع الأول.
نعم يمكن أن يقال بعدم صحة البيع الأول بإجازة المالك حتى مع بقاء
عين مال المسلط، بناء على أنه مسلط الغير على ماله مجانا فأذهب به
احترام ماله فيكون بذلك داخلا في ملك الغاصب من الأول، فيكون مال
المغصوب منه بلا عوض فيبطل البيع، فلا تبقى هنا صحة تأهلية لتكون
فعلية بإجازة المالك المجيز.
وعلى هذا لا وجه للقول بأن إجازة العقد الوسط الواقع على الثمن
إجازة لما قبله، أو إذا وقع العقود المترتبة من أشخاص متعددة صح
إجازة العقد الوسط وما بعده وإن وقعت من شخص صح الوسط المجاز
وما قبله، أو ما ذكرناه من الميزان الكلي في ذلك من أن إجازة عقد من
العقود المترتبة يستلزم إجازة جميع ما يتعلق بها، والوجه في ذلك كله
يظهر بالتأمل.
ولكن هذا الاشكال ليس بصحيح لوجوه قد أشار إليه الفخر (رحمه الله) (1):
1 - بفساد المبنى، بأنه لا دليل على كون مال المسلط ملكا للغاصب مع
علمه بكونه غاصبا، وذلك فإنه قد سلطه على ماله بعنوان البيع، لأن

1 - إيضاح الفوائد 1: 417.
133

يكون المعوض له عند اعتبارهم فيكون دليل اليد محكما مع بطلان البيع
فيكون المال باقيا على ملك المسلط، فلا يكون علمه بذلك موجبا
لتخصيص قاعدة اليد.
وقد تقدم في ما لا يضمن أن الملكية العقلائية القائمة باعتبارهم أو
الملكية عند المتبايعين غير مربوطة بالملكية الشرعية، فاقدام المسلط
على المعاملة مع علمه بكون البايع غاصبا لا يقدم على تلك المعاملة
مجانا بل يسلطه على ماله بعنوان المعاوضة وإن لم تكن حاصلة عند
الشارع، فيكون ماله غير داخل على ملك الغاصب، إذن فإذا أجاز المالك
المجيز العقد الصادر من الغاصب على ماله فيكون صحيحا.
وبالجملة بعد ملاحظة اقدام المشتري على المعاملة المعاوضة
وعدم تسليطه الغاصب على ماله مجانا بل بعنوان المعاوضة ولو عند
العقلاء، فلا وجه لتوهم كون المقام خارجا عن قاعدة اليد تخصيصا،
وكون ماله ملكا للغاصب مجانا.
2 - إن هذا الاشكال على تقدير صحته إنما لا يجري على الكشف بل
يختص بالنقل، وذلك فإن منشأ الاشكال إنما هو توهم أن المالك سلط
الغاصب على ماله تسليطا مجانيا فلا تصل النوبة إلى إجازة المجيز لعدم
بقاء الصحة التأهلية للعقد حتى تنضم إليه الإجازة، لأنه سلط الغاصب
على ماله مع فرض بطلان العقد الفضولي، إلا أن هذا المنشأ غير موجود
هنا فإن تسليطه الغاصب على ماله تسليط بعد تحقيق البيع ولو بعدية
رتبية كما في المعاطاة، فيكون ذلك وفاء للثمن الذي لزم عليه
بالمعاوضة لا أنه تمليك مستقل ليوجب انعدام العقد الأول وسقوطه عن
الصحة التأهلية، وليس تسليطه الغاصب على ماله مع فرض بطلان العقد
بل مع فرض صحته.
134

نعم بناء على النقل يمكن جريان ذلك الاشكال مع الاغماض عن
الجواب الأول، فإنه بناء عليه قد وقع التسليط قبل إجازة المجيز، فمع
كون الغاصب مالكا على ما سلطه عليه بتسليط المالك لا يبقي موضوع
للإجازة، فإنها متفرعة على كون ما أخذه الغاصب بعنوان الثمن
للمغصوب عوضا لذلك، فبعد ما كان مالكا لنفسه فلا يكون عوضا عنه
فيبقي المغصوب في ملك مالكه، فيكون الثمن أيضا للغاصب إما مطلقا
أو مع التلف مع الاغماض عن الجواب الأول.
3 - أنه لا يتم على النقل أيضا، وذلك لأن الإجازة وإن كانت بعد
التسليط وأن الملكية والاستناد إنما يحصلان عند الإجازة لا قبلها كما
هو المفروض على النقل، ولكن التسليط من المشتري إنما وقع بعنوان
أن يكون المغصوب ملكا له بالإجازة المتأخرة، فيكون التسليط مقيدا
بذلك لا أنه وقع مطلقا وعلى كل تقدير ليكون التسليط مجانيا، فإذا كان
تسليط المشتري الغاصب على ماله بعنوان المعاوضة بحيث يكون مراعا
على إجازة المالك تتم المعاوضة من جميع الجهات، فلا وجه لتوهم أن
التسليط إنما وقع مجانا.
وبالجملة أن مقتضى تسلط الناس على أموالهم هو تبعية تسليط الغير
على ماله على قصده وإرادته، وغير خفي أن قصد المشتري أن يكون
المغصوب مالا له في مقابل ما يعطيه من الثمن بحيث تكون هنا معاوضة،
وحيث إن الغاصب ليس مالكا على المثمن فيكون العقد من طرفه فضوليا،
فقهرا يكون التسليط مراعا على إجازة المالك لكونه واقعا بقصد
المعاوضة، فإن أجاز المالك المجيز العقد الصادر من الغاصب فيكون
صحيحا وإلا فيكون مالا للغاصب، إما مطلقا أو مع التلف، مع الاغماض
عن الجواب الأول.
135

والسر في ذلك أن الإجازة ليست بيعا ليكون التسليط الواقع من المالك
أعني المشتري تسليطا مجانيا لوقوعه على غير عنوان البيع وخارجا عنه
بل إنما هي من الأحكام الشرعية الثابتة على الملاك، كجواز البيع وجواز
الأكل وجواز الشرب وغير ذلك.
إذن فيكون البيع حاصلا من زمان العقد على النقل أيضا، وإن كانت
الملكية والاستناد إلى المالك وشمول العمومات من زمان الإجازة،
فحينئذ لا يكون التسليط الحاصل من زمان العقد إلا بعنوان البيع وموقوفا
على الإجازة، فإن لم تحصل فيكون مالا للغاصب.
وبعبارة أوضح أن منشأ الاشكال أن البيع الفضولي الصادر من الغاصب
حيث كان باطلا لعلم المشتري بكونه غير مالك وأن ما يقع عليه العقد مال
مغصوب فيكون تسليط الغاصب على ماله في ذلك الفرض وبهذا العلم
تسليطا مجانيا، فلا يبقى موضوع للإجازة لتصحيح البيع الصادر من
الغاصب، إما مطلقا لو قلنا لكونه مالكا لما أخذه من المشتري ابتداء، أو
بعد التلف بالنقل إلى الغير في بيع أو هبة أو نحوهما، وإذا منعنا ذلك
المنشأ وقلنا إن التسليط ليس على فرض بطلان البيع بل مع فرض صحته
التأهلية، ولو بكون التسليط على هذا الفرض مراعا على الإجازة،
فلا وجه حينئذ لتوهم البطلان كما لا يخفى.
4 - وهنا اشكال رابع قد أشار إليه في الإيضاح وحاصله: أن المشتري
وإن سلط الغاصب على ماله إلا أنه متعلق حق الغير من جهة أن للمالك
المغصوب منه أن يجيز العقد الصادر من الغاصب فضولة، فيكون مال
المشتري ملكا له في مقابل ماله بإجازته، لكونه أسبق من الغاصب وأولى
منه، فإن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال وأخس الأطوار.
وفيه أنه لا منشأ لأخذ الغاصب بأشق الأحوال وأخسها، بل هو كغيره
136

من الضامنين لمال الغير، فيكون ضامنا على ما أخذه من الغير غصبا
وعدوانا، وأما الزائد عن ذلك فليس عليه دليل.
وأما توهم أن مال المشتري متعلق حق المالك المجيز فهي الإجازة،
ففيه أنك قد عرفت مرارا أن الإجازة من الأحكام الشرعية مثل جواز البيع
وجواز الأكل والشرب، فكما أن للمالك أن يبيع وأن يأكل وأن يشرب
وهكذا، له أن يجيز البيع الواقع على ماله وليس ذلك من الحقوق، ومن
هنا قلنا إن الإجازة لا تنقل إلى الوارث بالموت أي بموت المالك المجيز،
وعلى هذا فيمكن أن يكون مال المشتري ملكا للغاصب بالتسليط قبل
الإجازة، فلا يبقي موضوع أصلا لإجازة المالك ليكون ذلك ثمنا عن ماله
كما هو واضح.
فهذا الاشكال ليس بتمام.
137

أحكام الرد
قوله (رحمه الله): مسألة في أحكام الرد.
أقول: تحقيق المسألة في ضمن جهات:
الجهة الأولى: إن هذا البحث إنما له ثمر إذا قلنا بأن العقد الفضولي
بعد ما رده المالك لا تبقى له صحة تأهلية لانضمام الإجازة إليها، وإلا
فلا أثر له من هذه الجهة، وقد تقدم أنه ليس للمالك إلغاء العقد عن ذلك
واسقاطه عن قابليته لحوق الإجازة، إذن فلا أثر لهذا البحث من هذه
الجهة، فإن العقد الفضولي بعد رده المالك فقابل لأن تتعلق به الإجازة
ويكون صحيحا أيضا بعد الرد.
الجهة الثانية: في أنه هل يتحقق الرد بالفعل كما يتحقق بالقول أو لا بد
من تحققه من القول مثل فسخت ونحوه.
فقال العلامة الأنصاري (رحمه الله): يتحقق ذلك بالقول الصريح وبالفعل مثل
الهبة والعتق والبيع ونحو ذلك من التصرفات الناقلة والمعدمة لعلامة
الملكية، ولكن شيخنا الأستاذ (1) تقبل الكبرى وامكان تحقق الرد بالفعل
لكونه كالقول في ذلك، إلا أنه منع الصغرى وعدم امكان تحققه بمثل
العتق والهبة والبيع ونحوها.
والوجه في ذلك أن هذه الأمور لا دلالة فيها على رد العقد الفضولي
السابق عليها، سواء التفت المالك بها حين صدور تلك التصرفات منه أو
لم يلتفت بها، فيبقى العقد مع ذلك على قابليته الأولية وصحته التأهلية

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 244.
138

بانضمام الإجازة إليه، ولا يقاس ذلك بالفسخ بالخيار، فإنه إزالة علاقة
الملكية فتتحقق بكل ما يكون منافيا لكونه ملكا للغير بخلافه هنا، فإن
الرد اسقاط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به فلا يتحقق إلا بما يكون
صريحا في ذلك.
وفيه أن ما ذكره هو والمصنف من الأفعال كالعتق والهبة والبيع
ونحوها لا يتحقق بها الرد، إلا أن الأفعال غير مضرة بها، بل يمكن أن
يتحقق ذلك بالإشارة والكتابة، بأن يسأله أحد: هل رددت العقد، فيشير
برأسه على ذلك أو يكتبه.
وبالجملة أن رد العقد كامضائه بل كانشائه من الأمور المتوقفة على
الانشاء والابراز، فيتحقق بكل ما يكون قابلا لذلك.
عدم صحة الإجازة بعد تحقق الرد بالتصرفات الناقلة
ثم بعد عدم تحقق الرد بالتصرفات الناقلة، فإذا باع المالك ماله الذي
وقع عليه العقد قبله فضولة أو وهب، أو كان عبدا فعتقه ثم أجاز البيع
السابق الفضولي، فهل تصح ذلك الإجازة بحيث يكون تلك التصرفات
الناقلة باطلة أو يجب عليه أداء بدله لتكون الإجازة باطلة والتصرفات
صحيحة، أو يفصل بين القول بالكشف فنقول ببطلان التصرفات وبين
القول بالنقل فنقول ببطلان الإجازة، وجوه.
وقد فصل المصنف بين القول بالكشف الحقيقي وبين القول بالنقل،
وقال:
إن صحة الإجازة توجب بطلان التصرفات فلو كانت التصرفات
صحيحة لمنعت عن صحة الإجازة، فأذن تكون صحة الإجازة مع صحة
تلك التصرفات متناقضة، فإنه لا يمكن الالتزام بصحة كلتيهما وإلا فيلزم
139

الحكم بكون المالك المجيز مالكا لثمنين، بل لا بد إما من القول ببطلان
التصرفات أو القول ببطلان الإجازة أو القول بكون ما فعله المالك المجيز
من التصرفات محتاجا إلى إذن المشتري لكونها واقعة على غير وجهها.
فأشار المصنف إلى الأول بقوله: أو البطلان، وإلى الثاني بقوله: من
امتناع الأخير، وإلى الثالث بقوله: أو ايقاعه على غير وجه، فحيث إن
الملكية حاصلة من حين العقد لتأثيره فيها على الفرض، كما هو مبني
القول بالكشف، فتكون التصرفات باطلة وتكون الإجازة صحيحة
وكاشفة عن وقوع تلك التصرفات في ملك الغير.
وأما على النقل أو الكشف الحكمي أو الكشف الذي ذكرناه فلا تصح
الإجازة، بل تصح التصرفات الصادرة من المالك المجيز، وذلك فإنها
وقعت في ملكه ولم تبق موضوعا للإجازة، فإنها إنما تصح من المالك لولا الإجازة لا من كل أحد حتى من الجبران، فلم تبق المالك إلى زمان
العقد على هذه الصفة.
ولكن الظاهر أن الإجازة تكون باطلة مطلقا وإنما التصرفات تكون
صحيحة حتى على القول بالكشف الحقيقي، بأخذ الإجازة معرفة
محضة، فإنك عرفت أن المؤثر في العقد الفضولي ليس هي الإجازة
المطلقة وإن صدر من الأجانب بل إنما المؤثر منها هو الصادر من المالك
لولا الإجازة.
فإذا تصرف المالك المجيز بين العقد والإجازة على نحو أوجب ذلك
خروجه عن المالكية وصار بالنسبة إلى ذلك المال كأحد الأجانب فتكون
إجازته ملغاة وتصح تصرفاته، فإنها لا تبقى مجالا لكون الإجازة صادرة
من المالك لولا الإجازة، فإنه وإن قلنا بالكشف ولكن ذلك أنما هو
بالإجازة المتأخرة، والإجازة المتأخرة إنما تصح مع بقائه أي المالك
140

على صفة المالكية على النحو الذي كان عليه حين العقد، فحيث إنه
لم يبق على تلك الصفة فتكون إجازته لغوا، فإذا لغت الإجازة فلا تكشف
عن الملكية من حين العقد بل يرتفع ما يكون مؤثرا فيها ويسقط عن
الصحة التأهلية.
وهذا هو السر في عدم صحة العقد الفضولي بإجازة المالك بعد تلك
التصرفات المنافية.
وبعبارة أخرى إنا نقول بالكشف من جهة أن: أوفوا بالعقود (1) يوجب
اسناد البيع الواقع فضولة إلى المالك من حين العقد ويكون البيع بيعه
وبعد ما انتقل المال قبل تحققها إلى الغير وخرج عن كونه مالكا واستند
إليه بيع آخر قبل الإجازة في هذا المال بدليل الوفاء لا يبقي مجال
لاستناد بيع آخر في هذا المال إليه بدليل الوفاء وغيره.
وإن قلنا إن الإجازة إنما هي يتعلق بالعقد كما هو كذلك ولكن يتعلق
بالعقد في مورد قابل وفيما يكون العقد واقعا على ملكه وباقيا على هذه
الحالة إلى زمان الإجازة ليكون مالكا إلى زمانها حدوثا وبقاء وهو بعد -
تلك التصرفات لا يكون قابلا لاسناد البيع الفضولي إلى نفسه، بحيث
يكون اسناده ذلك لنفسه بالاطلاقات موجبا للاسناد السابق عليه بتلك
الاطلاقات.
وتوهم أن الإجازة توجب عدم صحة تلك التصرفات المتخللة بين
العقد والإجازة وبقائها أي العين المبيعة في ملكه فاسد لكون ذلك دورا
واضحا، حيث الإجازة تتوقف على الملك فلو توقفت الملكية على
الإجازة ومحققة بالإجازة فيلزم الدور.

1 - المائدة: 1.
141

بيان آخر في ذكر أقسام التصرفات الواقعة بين الإجازة والعقد
والحاصل أن التصرفات الواقعة بين الإجازة والعقد على أقسام:
1 - أن تكون منافية للبيع السابق الواقع على العين فضولة، كما إذا باعها
أو وهبها للغير، أو عتق إذا كان عبدا أو أمة وهكذا، فإنها منافية لصحة
البيع الفضولي بالإجازة، وهذا القسم لا شبهة في كونها موجبة لبطلان
إجازته المتأخرة، وذلك مضافا إلى ما تقدم أنك عرفت في بعض
المباحث المتقدمة أن العمومات والاطلاقات إنما هي خطاب للملاك
وأن الوفاء بالعقد يكون متوجها إلى عقدهم لا إلى عقد غيرهم، وأن
المراد من حلية البيع وتجارة عن تراض حلية بيعهم وتجارتهم
المراضاتية.
وعلى هذا فحين ما وقع العقد على المال فليس العقد عقدا لمالكه
وبيعا له لفرض صدوره من الغير فضولة، وحينما يكون العقد الصادر من
الغير فضولة متعلقا على ماله ليس عقدا له وبيعا مستندا إليه، وحينما
يكون بيعا له ومستندا إليه بالإجازة ليس عقدا للمالك لفرض خروج
المبيع عن ملكه، فتكون إجازته ذلك العقد كإجازة الجانب فلا تترتب
عليها أثر بوجه.
وبالجملة لا نعقل وجها لشمول العمومات على ذلك بعد إجازته،
إذن لا نعقل وجها لصحة ذلك العقد، ولا يفرق في ذلك بين الكشف
بأقسامه حتى على معرفية الإجازة والنقل كما هو واضح، نعم على النقل
أوضح، وعلى الكشف الحكمي واضح، وسلمنا شمول العمومات
على ذلك بالإجازة ولكن تخرج عن ذلك بدليل المخرج.
فإن مقتضى بعض الروايات المتقدمة هو عدم جواز بيع ما لا يكون
142

مالكا عند البيع، كقوله (عليه السلام): لا توجب قبل الاستيجاب، ولا تبع قبل
الشراء (1)، وغير ذلك من الروايات، فإن الظاهر منها أن من شرائط صحة
البيع أن يكون البايع مالكا عند وقوع البيع عنه، سواء كان ابتداء أو
بالإجازة، فحيث إن المالك المجيز بعد تلك التصرفات غير مالك فلا
يكون بيعه المستند إليه بالإجازة صحيحة فتكون تلك الروايات مخصصة
لتلك العمومات على تقدير شمولها لذلك كما هو واضح.
ومن قبيل تلك التصرفات الناقلة تزويج الأمة للغير من المالك، فإن
هذا لا يبقي مجالا لإجازة تزويجها الواقع فضولة، لأن المزوجة لا تكون
زوجة.
2 - أما التصرفات غير المنافية للعقد السابق الفضولي فهي كالاستيلاد
والإجارة وتزويج الأمة، فقال المصنف: إنها وإن لم تخرج الملك عن
قابلية وقوع الإجازة عليه إلا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان
العقد، لأن صحة الإجازة على هذا النحو توجب وقوعها باطلة، وإذ
فرض وقوعها صحيحة منعت عن الإجازة، فهذان لا يجتمعان.
أقول: أما الاستيلاد فالظاهر أنه لاحق بالقسم الأول حتى على
الكشف، فإن زمان الإجازة هو زمان كون البيع بيعا للمجيز، وإذا كان من
شروط البيع أن يكون المبيع غير أم ولد كما هو كذلك على ما يظهر من
الأدلة فلا يكون بيعه هذه المتحقق بالإجازة صحيحا، وإن كان لم يكن
كذلك حين وقوع العقد عليه لم تكن أم ولد، فإن البيع يقع في حال
الاستيلاد.

1 - عن يحيى بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: اشتر هذا الثوب
وهذه الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن
تستوجبها أو تشتريها (التهذيب 7: 58، الكافي 5: 198، عنهما الوسائل 18: 52)، صحيحة.
143

نعم لو كان عدم الاستيلاد قيدا في المتعلق كعدم كونه خمرا مثلا،
فيكون البيع صحيحا، فإن المجيز إنما يجيز البيع الواقع من الفضولي من
زمان وقوعه، ولا ريب أن متعلقه في ذلك الزمان ليس بأم ولد وإنما
حصل الاستيلاد بعده، وإن كان المتعلق أم ولد في زمان الإجازة فإنه
ليس بمناط.
وأما الإجارة فهي تارة تكون منافيا لما فعله الفضولي، فلا يعد ذلك
إجارة، وأخرى لا تكون منافية، فإنه تارة تكون الفضولي قد آجر داره من
الغير من مبدء سنة إلى منتهى السنة ثم آجرها المالك في تلك السنة
كذلك، أي من المبدأ إلى المنتهى، ثم يجيز ذلك العقد الفضولي، فإنه
لا يصح لمنافاة العقد الصادر من المالك مع العقد الصادر من الفضولي،
لأن الثاني لا يبقى موضوعا لإجارة الأول لعدم بقاء المورد على تمليك
المنفعة بالإجارة بعد تمليكه لها ابتداء بعقد الإجارة، فتكون إجازته
العقد الأول كإجازة الأجانب، فلا تشمله العمومات، فإنه عند العقد لم
يستند إليه ولم يكن العقد عقده وحين الإجازة لم يكن مالكا للمنفعة
لتفويتها بالإجارة.
وبالجملة أن المالك وإن كان قد تصرف في العين بالمنفعة غير
المخرجة عن الملكية ولكن مع ذلك التصرف في المنفعة لم يبق
موضوعا للعقد الأول، فتكون إجازة ذلك باطلة لعدم كون المجيز مالكا
لو أجازه وإن لم يكن على نحو ليكون منافيا للعقد الفضولي فلا تكون
الإجازة باطلة، كما إذا باع الفضولي دار المالك وقبل أن يجيزها المالك
يؤجرها من الغير ثم يجيز البيع الفضولي.
ففي هنا لا يتم كلام المصنف لعدم منافاة العقد الصادر من الفضولي مع
العقد الصادر من المالك، فإنه لو كان هو بنفسه يؤجرها ثم باعها من الغير
144

لم يكن باطلة لعدم منافاة البيع مع الإجازة لكونه واقعا في محله وصادرا
من أهله.
وهكذا إذا تحقق البيع بالإجازة أيضا فإنها صادرة من أهلها وواقعة في
محلها أعني البيع، فيكون صحيحا لصحة الإجازة من أهلها، غاية الأمر أن
المشتري قد كان اشترى تلك الدار بشرط المنفعة وقد صارت مسلوبة
المنفعة في مدة فظهر العيب في العين المبيعة فيثبت له الخيار وأما
البطلان فلا.
وهذا نظير سكونة المالك في تلك الدار بين العقد والإجازة، فإنه على
الكشف كانت تلك المنفعة للمشتري وقد استوفاها المالك وفوتها عليه،
فلا يمكن له أن يجيز البيع حتى مع تلك المنافع لخروجها عن الملك
وصيرورتها بالنسبة إليها كالأجانب، فلا بد أن يخرج من عهدة تلك
المنافع، ومع ذلك يثبت للمشتري الخيار.
فتحصل أن عقد الإجارة الواقعة من المالك فليس مطلقا على نحو
لا تبقي مجالا للعقد الأول الفضولي وتكون منافية لصحة التأهلية،
وتكون موجبة لخروجها عن قابلية الإجازة به وكونه صحيحا بالإجازة
كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر حكم ما لو باع الفضولي أمة المالك ثم زوجها المالك من
الغير، فإن ذلك لا يوجب بطلان إجازة العقد الأول، غاية الأمر يكون
المشتري مختارا في الرضا بعقد البيع وفسخه، وذلك من جهة أن
التزويج لا ينافي البيع حتى إذا صدر كلا الأمرين من شخصه لامكان كونها
ملكا لأحد وزوجة شخص آخر، وإنما المنافاة فيما يكون العقد الأول
تزويجا مثل العقد الثاني، فإنه حينئذ لا يبقي العقد الثاني موضوعا للأول،
لأن المزوجة لا يتزوج.
145

عدم منع الرهن عن إجازة البيع السابق المتعلق بالعين المرهونة فضولة
بقي الكلام في الرهن، فهل يمنع ذلك عن إجازة البيع السابق المتعلق
بالعين المرهونة فضولة أو لا يمنع.
وقد اختار شيخنا الأستاذ الأول (1) وقال: إن رهن غير المديون إنما
يصح إذا رهنه نفس المالك بالمباشرة أو بالإذن منه، وأما إذا رهنه غيره
فأما أن يبطل الرهانة وأما الإجازة، والمفروض صحة الرهن فلا محل
للإجازة.
ولكن كلامه هذا مبني على النبوي المعروف: الراهن والمرتهن
ممنوعان من التصرف (2)، فإنه بناء على هذا لا تصح إجازة البيع السابق
المتعلق بالعين المرهونة لكونها تصرفا، فيكون الراهن ممنوعا من ذلك
كما هو المشهور، ومن هنا قالوا إن من جملة شرائط العوضين أن لا يكونا
مرهونين.
وأما إذا منعنا عن ذلك كما هو الحق، لضعف النبوي وعدم انجباره
بعمل المشهور، فلا مانع من مثل هذه التصرفات غير المنافية للرهانة غير
الموجبة لزوالها جائزة، وأما التصرفات الموجبة لزوالها فلا تجوز،
وحيث إن بيع الراهن العين المرهونة لا ينافي الرهانة لبقاء الوثيقة على
حالها، فلا مانع من إجازة البيع السابق الوارد عليها قبل الرهن، فإن غاية
الأمر أنها تكون مالا للغير فلا مانع من رهن مال الغير بإجازته لجواز ذلك
بلا شبهة.
إذن فلا مانع من إجازة الراهن البيع السابق الفضولي وصحته بها،

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 251.
2 - درر اللئالي 1: 368، عنه المستدرك 13: 426، ضعيفة.
146

لكونها أي الإجازة صادرة من أهلها أعني المالك لولا الإجازة ويكون
البيع بها واقعا في محله.
وبالجملة معنى الرهانة هو كون العين المرهونة وثيقة عند المرتهن،
وهذا المعنى حاصل فيما يكون الرهن من أموال غير الراهن أيضا، فإن
المرتهن عند وفاء الراهن دينه يبيع ذلك ويستوفي دينه، وعلى هذا
فلا مانع بعد الرهن إجازة العقد أيضا، غاية الأمر يكون للمشتري الخيار،
فإن المبيع ليس ملكا له بل هو في معرض التلف، مضافا إلى كونه ممنوعا
من التصرفات فيه لاحتمال أن لا يقدر الراهن على أداء دينه ويبيعه
المرتهن فيستوفي دينه.
والحاصل أن الفسخ إنما يتحقق بالفعل كما يتحقق بالقول، بناء على
كون الرد موجبا لسقوط العقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به وعن
صحة التأهلية.
بيان آخر في ذكر أقسام التصرفات الواقعة بين الإجازة والعقد
ثم إن الأفعال على أقسام:
قسم منها يوجب خروج الملك عن تحت مالكه لكون تلك الأفعال
تصرفات ناقلة، وذلك كالعتق والهبة والبيع وتزويج الأمة بعد تزويجها
فضولة، ويلحق بذلك الاستيلاد كما عرفت.
وقد عرفت السر في ذلك، بأن الإجازة إنما تؤثر في العقد إذا كانت
صادرة ممن يكون مالكا لولا الإجازة، فالمالك المجيز بعد تلك
التصرفات غير مالك حال الإجازة لولا الإجازة، ولكن لا بد وأن يعلم أن
معنى تحقق الرد بها ليس اسقاط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به وكونه
ساقطا عن الصحة التأهلية، كما يظهر من المصنف، بل معنا سقوط
147

المالك المجيز عن قابلية الإجازة فإنه ليس بمالك أن يجيز والإجازة لا بد
وأن تصدر من المالك لولا الإجازة كما عرفت، فإنها لا تدل على رد نفس
العقد وسقوط نفسه عن الصحة التأهلية، كما يدل الرد المتحقق باللفظ
على ذلك.
ويترتب على ذلك أنه إذا لم يسقط العقد عن تلك القابلية وقلنا بأنه
لم يشترط أن يكون المالك المجيز حال الإجازة مالكا حال العقد في
العقد الفضولي كما تقدم اختياره من المصنف وإن لم نقبله، فللمنتقل إليه
أي من انتقل إليه المال من المالك أصالة أن يجيز العقد السابق ويأخذ
الثمن من المشتري، كما كان للوارث إجازة العقد الواقع على مال مورثه
فضولا، بناء على المسلك المتقدم.
نعم في مثل العتق وتزويج المولى أمته من الغير بين عقد التزويج
الواقع عليها فضولا وبين الإجازة لا يمكن بقاء العقد على قابلية التأهلية،
فإنه بالعتق يزول موضوع البيع الفضولي ومتعلقه، فلا تصح إجازة البيع
العبد المعتق، لا من المالك لعدم كونه مالكا بل لا يقدر على تملكه أصلا،
لأن الحر لا يصير عبدا، ولا من غير المالك المعتق لعدم انتقاله إليه بالعتق
مثل البيع ونحوه، فإن العتق فك ملك لا نقله إلى غيره، وكونه مالا له
ليمكن له إجازة العقد السابق، فلأجل ذلك فقهرا يسقط العقد السابق
أيضا عن قابلية لحوق الإجازة بها.
لا يقال: إن العتق كغيره من التصرفات المنافية لا يوجب خروج العقد
عن قابلية لحوق الإجازة به، وإنما يوجب كون المعتق غير قابل لذلك،
فلا مانع من بقاء العقد على قابلية التأهلية، إذن فيمكن تعلق الإجازة به
حينما صار الحر عبدا فيما إذا أمكن، كما إذا ارتد ثم صار أسيرا للمسلم
فله أن يجيز ذلك العقد كالوارث.
148

فإنه يقال: وإن كان في الوارث أيضا ملك جديد وليس اشكال من هذه
الجهة ولكن العقد فيه لم يخرج في زمان عن القابلية التأهلية للصحة
وإنما استمرت تلك القابلية في عمود الزمان لاستمرار الملكية، وهذا
بخلافه هنا، فإنه لم تستمر الملكية هنا في زمان الحرية وخرج العقد في
هذه الزمان عن القابلية وبطلت لذلك، وبعد صيرورة الحر عبدا يحتاج
عود تلك القابلية على دليل، فلا يمكن تصحيح ذلك البيع الواقع عليه
فضولا بالإجازة وتوهم شمول العمومات عليه.
عدم الفرق في تحقق الرد بين صدور تلك التصرفات حال الالتفات أو في غير
حال الالتفات
ومن هنا ظهر أنه لا فرق في تحقق الرد بالمعنى المذكور بين صدور
تلك التصرفات حال الالتفات أو في غير حال الالتفات، فإن المناط في
تحققه هو سقوط المالك المجيز عن قابلية الإجازة وكون القصور في
ذلك من قبله.
ولا يفرق في ذلك بين الحالتين، ولا يكون الجهل مانعا عن عدم تأثير
تلك التصرفات في سقوط المالك عن قابلية الإجازة، لأن حصول تلك
المناط غير متوقف على العلم والقصد ليمنع عن الجهل.
وأما الإجازة والرهن فقد عرفت أنهما لا يمنعان عن بقاء قابلية العقد
عن لحوق الإجازة المالكية بها، كما لا يمنعان عن بقاء قابلية مالك المجيز
عن إجازتهما، لأن الرهن والإجازة في بعض أقسامهما كما عرفت
لا ينافيان العقد السابق الفضولي يوجب تحققها انعدام قابلية لحوق
الإجازة به وكونه ساقطا عن الصحة التأهلية.
149

التصرف غير المنافي لا يكون ردا
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في التصرفات غير المنافية لملك المشتري من حين
العقد.
أقول: وأما التصرفات غير المنافية لإجازة البيع، فقد فصل المصنف
بينما يكون المالك حين تصرفه ملتفتا بالعقد السابق الفضولي، فيكون
تصرفه بمثل ذلك ردا للعقد السابق، وبينما لا يكون ملتفتا بالعقد
فلا يكون مثل تلك التصرفات ردا للعقد السابق.
وأما الثاني فقد أفاد في وجهه، بأن الرد كالإجازة يحتاج إلى القصد
فبدونه لا يتحقق، فحيث إن غير الملتفت ليس له قصد إلى الرد
فلا يتحقق بفعله ذلك أيضا لعدم كونه هذا انشاء للرد فلا يكون منافيا
للإجازة اللاحقة.
وبعبارة أخرى أن اللازم في تحقق الرد تحقق عنوانه وكون الفعل
بالحمل الشايع ردا لا أن مجرد صدور الفعل يكون ردا كما هو واضح،
وليس ذلك مثل الطلاق ليكون انكاره رجوعا وإن لم يكن المنكر ملتفتا
بذلك، كما هو الظاهر من الفقهاء ومن اطلاق كلامهم، فإن لازم معنى
الانكار هو ادعاء أنها زوجته فيكون ذلك رجوعا.
وأما في صورة الالتفات فأفاد أن مثل تلك التصرفات كتعريض المبيع
للبيع أو المعاملة عليه بالبيع الفاسد أو غير ذلك مما يصد منه مع العلم
بتحقق بيع السابق الفضولي على ذلك المبيع فيكون ردا.
واستدل عليه أولا بالأخبار المتقدمة، من قوله: إن شاء ترك وإن شاء
فعل (1)، وغيرها مما ورد في نكاح العبد والأمة بدون إذن السيد، إلى غير

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال:
ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله، إن الحكم بن عتيبة و
إبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو
جعفر (عليه السلام): إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز (الكافي 5: 478،
التهذيب 7: 351، الفقيه 3: 350، عنهم الوسائل 21: 114)، صحيحة.
عن الكاهلي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سأله رجل زوجته أمه وهو غائب؟
قال: النكاح جائز، إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم
لأمه (الكافي 5: 401، عنه الوسائل 20: 280، 21: 305)، ضعيفة بإسماعيل بن سهل.
150

ذلك مما يدل على أن للمالك الرد للعقد الفضولي، فلا شبهة في صدق
الرد على مثل تلك التصرفات.
وأجاب عنه بما هو متين جدا، وحاصله أن غاية ما يستفاد منها هو أن
من له العقد أو مالك العبد والأمة له إجازة العقد وله رده، وأما أن الرد
بأي شئ يتحقق فليست فيها تعرض إلى ذلك.
ودعوى صدق الرد على تلك التصرفات مصادرة، وكذلك دعواه أن
المجيز بعد صدور تلك التصرفات منه يصير أجنبيا عن أحد طرفي العقد
فلا يؤثر إجازته في العقد السابق، فإن هذا أيضا مصادرة، ودعوى كون
المجيز بعد تلك التصرفات مثل من صدر منه الرد القولي أيضا أول
الكلام ومصادرة واضحة.
والعمدة ما يستدل به ثالثا من فحوى الاجماع المدعى على حصول
فسخ ذي الخيار بالفعل، كالوطي والبيع والعتق، فإن الوجه في حصول
الفسخ هي دلالتها على قصد فسخ البيع.
وبعبارة أخرى أن فسخ العقد في العقود الخيارية رفع ورد العقد
الفضولي دفع، ولا ريب أن مؤونة الرفع أكثر من مؤونة الدفع، فإذا كان
أمثال تلك التصرفات رفعا فتكون دفعا بطريق أولى.
151

وفيه أنه قد تقدمت الإشارة إلى جوابه في صحيحة محمد بن قيس،
وتوضيح ذلك:
إن في العقود الخيارية قد صار المبيع ملكا للمشتري وصار من جملة
أمواله، فلا يجوز لغيره التصرف فيه بوجه، غاية الأمر أن البايع بما أن له
الخيار فيجوز له فسخ العقد ويتصرف في ذلك بعد فسخه هذا، فإذا
تصرف في ذلك المبيع تصرفا لا يجوز لغير المالك أو يكون في نظر
العرف مما يكون من آثار الملك، فبالملازمة يدل ذلك على فسخ العقد
ليكون تصرفه هذا واقعا في محله وصادرا من أهله، وهذا بخلاف المقام،
فإن المالك ما لم يجز العقد فالمال ماله، وطبع المطلب يقتضي جواز
تصرفاته لكونه مالكا وتصرفه واقعا في ماله.
وكيف يقاس ذلك بالفسخ في العقود الخيارية فلا يدل تصرفاته هذه
على وقوع الرد بها، بل تقدم أن التصرفات المنافية للعقد السابق الفضولي
لا تدل على الرد بل على سقوط المالك عن القابلية لإجازة العقد، وكيف
بالتصرفات الغير المنافية لذلك العقد.
وبالجملة فمجرد كون الفسخ رفعا والرد دفعا لا يدل على تحقق الرد
بمثل تلك التصرفات في باب رد العقود الفضولية بل بالتصرفات التي
أقوى منها كما تقدم، وأما الوطي فهو لا يدل حتى على الفسخ في
العقود الخيارية أيضا لامكان كونه زنا منه فلا يدل على ذلك، وحمل
فعل المسلم على الصحة لا يوجب كون الوطي موجبا لتحقق الفسخ به،
فإن مفهوم الوطي ليس منافيا لمفهوم البيع حتى لا يمكن الجمع ويحكم
بالفسخ هذا بخلاف مفهوم البيع فإنه مناف للبيع، فإنه لا بد وأن يكون البيع
نفسه أن يكون واقعا على ملكه وبعد ما باع ماله من الغير لا يتحقق ذلك
المفهوم والحكم بالصحة راجع إلى حكم الوطي، وكذلك لا يدل على
الرد هنا.
152

نعم يكون رجوعا في المطلقة رجعية حتى مع قصد الزنا لكونها زوجة
حقيقة.
التصرفات غير الجائزة هل تنافي العقود الجائزة أم لا؟
بقي الكلام في أن مثل تلك التصرفات هل تنافي العقود الجائزة أم لا؟
كما إذا أوصى شيئا من أمواله لأحد ثم عرضه إلى البيع، أو وكل أحدا في
بيع داره ثم أوقع عليه بيعا فاسدا أو عرضها على البيع، فهل يوجب ذلك
بطلان الوصية وفسخ عقد الوكالة أم لا.
فقد ظهر مما ذكرنا عدم دلالة شئ من ذلك على فسخ العقد، فإن طبع
كون شخص مالكا على شئ يقتضي ذلك إلا أن يبقي موضوعا للوكالة
والوصية، كما إذا باع الموصي به أو باع ما وكل شخصا في بيعه فإنه
لا يبقي حينئذ موضوع للوكالة والوصية كما هو واضح.
حكم ما لو لم يجز المالك العقد الفضولي
قوله (رحمه الله): مسألة: لو لم يجز المالك فإن كان المبيع في يده.
1 - حكم المالك مع المشتري والغاصب
أقول: إذا عرض العقد الفضولي للمالك فإن أجاز فيأتي فيه ما تقدم
من التفصيل، وإن رد فإن كان العين عند مالكها فلا كلام لنا فيه، وإن كانت
عند البايع أو المشتري وكانت باقية فيرجع إليهما، وهكذا الأمر في
الأيدي المتعاقبة فله الرجوع بأي منها شاء وإلا فعلى البايع قيمتها، كما
هو مقتضى اليد والسيرة المستمرة.
153

ضمان العين والمنافع
وقد تقدم في المقبوض بالعقد الفاسد أن المالك يرجع على القابض
وكذلك المغصوب على الغاصب بقيمة يوم الدفع بحسب القواعد،
ولكن مقتضى صحيحة أبي ولاد أن يرجع إلى قيمة يوم الغصب (1)،

1 - قال: اكتريت بغلا إلى القصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا، وخرجت في طلب
غريم لي، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل، فتوجهت نحو
النيل، فلما أتيت النيل خبرت أن صاحبي توجه إلى بغداد، فاتبعته وظفرت به وفرغت مما
بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب
البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن
يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل، فقال لي: وما صنعت بالبغل،
فقلت: قد دفعته إليه سليما، قال: نعم بعد خمسة عشر يوما، فقال: ما تريد من الرجل، قال:
أريد كري بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: ما أري لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن
هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكري، فلما رد البغل
سليما وقبضته لم يلزم الكري.
قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتي به أبو حنيفة،
فأعطيته شيئا وتحللت منه، فحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) بما أفتي به
أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها، قال:
فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فما تري أنت، قال: أري له عليك مثل كري بغل ذاهبا من الكوفة إلى
النيل، ومثل كري بغل راكبا من النيل إلى بغداد، ومثل كري بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه
إياه، قال: فقلت: جعلت فداك إني قد علفته بدراهم فلي عليه علفه، فقال: لا لأنك غاصب،
فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني، قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز (وفي التهذيب: عقر، وفي الوافي: غمر) فقال: عليك قيمة ما
بين الصحة والعيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك، قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على
القيمة فتلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل
بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين أكري كذا وكذا فيلزمك، قلت: إني كنت أعطيته دراهم
ورضي بها وحللني، فقال: إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم،
ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك بعد ذلك.
قال أبو ولاد: فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله
(عليه السلام) وقلت له: قل ما شئت حتى أعطيكه، فقال: قد حببت إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) ووقع
في قلبي له التفضيل وأنت في حل، وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذت منك فعلت (الكافي
5: 290، التهذيب 7: 215)، صحيحة.
154

وكذلك في المقام، سواء كان البايع الفضولي غاصبا أو غير غاصب.
ثم إذا قلنا بالضمان بأعلى القيم فيكون مبدأ أخذ ذلك بالنسبة إلى كل
ضامن زمان دخول العين تحت ضمانه، فيكون البايع الأول ضامنا من أول
وضع يده عليها إلى زمان دفع القيمة حتى أعلى القيم عند دخولها تحت
الأيدي المتأخرة، وهكذا كل شخص يضمن ذلك من زمان وضع اليد إلى
زمان دفع القيمة.
والوجه في ذلك أن بمجرد وضع اليد عليها ثبت ضمانها عليه إلى أن
يؤديها إلى مالكها، وهذا المعنى مستمر إلى زمان الدفع ومنحل إلى
ضمانات عديدة، فيؤخذ الأعلى القيم من جميع تلك الضمانات، وأما
الأشخاص المتأخرة لا يضمنون على الأعلى القيم قبل الأخذ، فلو كانت
العين في يد البايع الأول يحاذي بخمسة وباعها من المشتري وصارت
عنده يحاذي بعشرين ثم نزلت قيمتها إلى أربعة وباعها من الآخر كذلك
وترقي قيمتها عنده إلى خمسين ثم نزلت إلى عشرة فباعها كذلك إلى
الآخر.
فهذا الشخص الأخير لا يضمن إلا على العشرة، لأنه لم يأخذ زايدا عن
ذلك ولم يدخل غيره تحت يده ليكون ضامنا عليه بمقتضى اليد أو
بالسيرة، وأما السابقين عليه كلهم يضمنون بخمسين فإنها في عهدتهم من
155

زمان وضع اليد إلى حين الخروج من العهدة، ولو كان عند الأول بخمسين
وعند الثاني بعشرين وعند الثالث بعشرة وعند الرابع بخمسة فلا يضمن
بالخمسين إلا الأول، والأخير بالخمسة، والثاني بالعشرين والثالث
بعشرة لعين ما عرفت، وإذا رجع المالك على الأول فبها، وإن رجع على
واحد المتأخرين فيأخذ الناقص من سابقه، إلى أن يأخذ بقية القيمة من
البايع الأول.
وعلى ما ذكرناه قد أشار المصنف بقوله: ولو كان قبل ذلك في زمان
آخر وفرض زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق
بالرجوع بالزيادة عليه، وكذلك يضمن البايع والمشتري إلى أن ينتهي
إلى الآخر بالمنافع أيضا، كما هو مقتضى اليد والسيرة، أما المستوفاة
فبلا شبهة، وأما المنافع غير المستوفاة على اشكال فقد تقدم الكلام في
ذلك تفصيلا.
وبالجملة حكم المنافع في الضمان حكم الضمان بالعين على النحو
الذي تقدم في الضمان بالعين.
ضمان الصفات
وأما الصفات التي تزول بعد وجودها، كما إذا كانت العين وقت
وجودها عند البايع فاقدة لصفة وحدثت بعد انتقالها إلى الثاني أو الثالث،
بأن كانت مهزولة ثم صارت سمينة أو كانت عبدا غير كاتب ثم صار عبدا
كاتبا وتعلم الكتابة، فهل يكون السابق الذي وضع يديه بها مع عراء تلك
الصفات يكون ضامنا بها أيضا كضمانه بأعلى القيم ولو في يد اللاحق
وبالمنافع المستوفاة وغيرها الجامع مطلق المنافع الفائتة، أم لا يضمن
بالصفات إلا من حدثت تحت يدها؟
156

فاختار شيخنا الأستاذ الأول، وأن كل سابق يضمن بالعين وبجميع
شؤونها من المنافع والصفات ولو كانت حاصلة في يد اللاحق أو فاتت
فيها، كما هو مقتضى اليد فإن العين حين اتصافها بصفة الكمال كانت في
عهدة الضامن الأول فيضمنها بجميع شؤونها، نعم لو كانت حاصلة
وفائتة في يد السابق فقط لا يضمنها اللاحق.
ولكن الظاهر أن السابق لا يضمن الصفات الحاصلة في اليد التالية
وإنما الضامن لها ليس إلا من حدثت الصفات تحت يدها، وذلك فإن
مقتضى اليد أو السيرة ليس إلا ضمان البايع الأول، سواء كان غاصبا أو
لا بالعين مع الحيثيات القائمة فيها، فهذه الحيثية بالنسبة إلى المنافع
موجودا في العين، فإنها متصفة بالفعل بحيثية الانتفاع بها وقابلية استيفاء
المنافع منها بالفعل.
وهذا بخلاف الأوصاف، فإن العين وإن كانت لها قابلية السمن وقابلية
تعلم الأوصاف الكمالية ولكن حيثياتها الفعلية بحيث لو أراد أن ينفع
الضامن من العين بهذه الصفات لأمكن غير موجودة فيها بالفعل،
فلا يشمل دليل اليد إلا لمن تكون حدوثها عنده فقط دون السابق عليه
ودون اللاحق به كما هو واضح.
وعلى هذا فلو سمنت ثم هزلت أو تعلم العبد الكتابة ثم زالت عنه
ذلك، فيضمنها من حدثت تلك الصفات في تحت يده وتلفت عنده، ولو
انتقلت العين إلى غير من حدثت الأوصاف عنده وتلفت لديه ضمن العين
مع تلك الصفات من حدثت الأوصاف تحت يده ومن تلفت عنده معا
أيضا.
وبالجملة نحن نتبع في الحكم بالضمان بدليله، فبأي مقدار اقتضى
نتبعه وإلا فلا.
157

2 - حكم المشتري مع الفضولي
هذا كله حكم المالك مع الغاصب والمشتري، وأما حكم المشتري
مع الفضولي، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن، وأخرى فيما يغرمه
للمالك، فهناك مسألتان كما في المتن:
المسألة (1) الكلام في الثمن
المسألة الأولى: إن المشتري تارة يكون جاهلا بكون البايع الفضولي
فضوليا أو غاصبا، وأخرى يكون عالما به.
ألف - كون المشتري جاهلا بالفضولية
أما الأول: فتارة يعترف المشتري بكونه مالكا بالعين وأخرى
لا يعترف، وعلى الثاني فيرجع على الفضولي بالثمن، سواء كان تالفا أو
باقيا لغروره إياه، وعلى الأول تارة يكون اعترافه عن علم واعتقاد بأن
المبيع مال البايع.
وعليه فلا شبهة في عدم رجوعه إلى البايع، فإنه بمقتضى اعترافه قد
يكذب البينة التي أقامها المالك على كونه مالا له فيكون اعترافه على
نفسه، فيأخذ المالك المال بعد إقامة تلك البينة فلا يرجع المشتري إلى
المالك على حسب اعترافه، وأخرى يكون اعترافه مستندا إلى اليد،
فهذا الاعتراف لا يوجب أخذ المعترف به لزواله بزوال مدركه بإقامة
المالك البينة على أن المال ماله لكونها مكذبة لليد وكاشفة في الظاهر عن
كونها - أي اليد - يد عدوان وغصب وإنما استملكت مال الغير عن غير
حق وإن كان في الواقع محقا.
158

ولو تردد اعترافه بين كونه مستندا إلى الأول أو إلى الثاني، فهل حكمه
حكم الأول فيلحق به أو الثاني، ذكر المصنف ذلك ولم يرجح أحد
الطرفين، ولكن الظاهر أن يلحق ذلك باليد، فإن الغالب بل الظاهر من
المشترين يشترون ويستندون إلى اليد، ولذا لو سئلوا عن ذلك فيجيبوا
بذلك وأنه كان مال فلأن كونه في يده.
والدليل على ذلك أن الحجج الشرعية لا موجب لرفع اليد عنها إلا
بحجة أخرى، فالبينة القائمة على أن المبيع للمدعي دون البايع من
الحجج الشرعية وإنما نرفع اليد عنها هنا بواسطة اقرار المشتري على أن
المال للبايع، مستندا في اقراره هذا إلى العلم، فإنه يؤخذ باقرار كما
عرفت، فلا يثبت له الرجوع إلى البايع بمقتضى البينة القائمة على أن
المال للمالك دون البايع لكون اقراره هذا حجة.
وأما فيما لم يثبت ذلك الاقرار ولا علم لنا في كونه مستندا إلى العلم
الوجداني ليكون اقراره قابلا لأخذ مقره به بل يمكن مستندا إلى اليد
فلا موجب لرفع اليد به عن البينة، وإلا يلزم رفع اليد عن الحجة بغيرها،
ويكفينا الشك في ذلك أيضا لأنه لا يمكن رفع اليد عن الحجة بأمر يحتمل
كونه حجة قائمة على خلافها.
ب - كون المشتري عالما بالفضولية مع بقاء العين
قوله (رحمه الله): وإن كان عالما بالفضولية.
أقول: أما الثاني: لا اشكال في أنه مع بقاء العين لا بد من ردها إلى
صاحبها وهو المشتري، ولا يفرق في ذلك بين كون المشتري عالما
بالفضولية أو لم يكن عالما بها فإنه إنما أعطى الثمن للبايع على أن يكون
المثمن له ولو مع علمه بكونه غير مالك، فإذا لم يترتب على ذلك الاعطاء
159

ذلك الغرض فيكون الثمن باقيا في ملكه.
وتوضيح ذلك يظهر بذكر ما ذكره المصنف، وقد استدل على كون
العين باقية في ملك المشتري على تقدير البقاء بوجوه:
الوجه الأول: إنه لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا، بيان ذلك أن النقل والانتقال لا بد له من سبب شرعي فما لم يحصل فلا مقتضى
لذلك.
وهذا متين خصوصا بضميمة ما ذكره أخيرا من كونه أكلا للمال
بالباطل، لما تقدم سابقا أنها ناظرة إلى الأسباب وحصر أسباب التجارة
بالتجارة عن تراض، فإن المراد من الأكل هو التملك دون الازدراد وأن
أسباب ذلك الملك هي التجارة عن تراض كما هو واضح.
وبالجملة أكل البايع الفضولي الثمن ولو مع علم المشتري بعد مالكية
بلا مقتضي وسبب وأكل للمال بالباطل.
الوجه الثاني: ما أشار إليه بقوله: ومجرد تسليطه عليه لو كان موجبا
لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد لتسليط كل من المتبايعين صاحبه
على ماله.
وفيه أنه يرد عليه ما أفاده بعد أسطر من الفرق بين المقام وبين
المقبوض بالعقد الفساد، فإن في المقبوض بالعقد الفاسد أن الشارع قد
منع عن مضي ذلك العقد وتأثيره في النقل والانتقال، مع كون بناء
المتعاقدين على ذلك وحصول الضمان الخاص المعاملي، فإذا
لم يحصل ذلك الضمان الخاص من ناحية عدم امضاء الشارع فيكون
اقدامهما على الضمان الحقيقي، فيكون كل من البايع والمشتري ضامنا
لما أخذه من صاحبه.
وهذا بخلاف المقام، فإن دفع المال إلى البايع الفضولي، سواء كان
160

غاصبا أو غير غاصب ليس إلا كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا
للمبيع وتسليطه على اتلافه في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا
الثالث فالقياس باطل.
الوجه الثالث: ما أشار بقوله: ولأن الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك
كما هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن فإن تملكه البايع قبله يلزم
فوات محل الإجازة، لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة، ثم
أمر بالتأمل.
وفيه أنه قد تقدم سابقا إنما هو متفرع على البيع وبعد تحققه يسلط
المشتري البايع على ذلك، فأما على الكشف فواضح، إذ الملكية إنما
حصلت من زمان العقد فالتسليط إنما هو تسليط المالك على ملكه
ومتفرع على ذلك الملكية الحاصلة بالعقد من حين العقد، وأما على النقل
فلا يبعد أن يكون التسليط مراعا بحصول الملكية بالإجازة المتأخرة من
المالك، فإن أجاز فيكون الثمن له في مقابل المبيع وإن لم يجز فيكون
للبايع فيكون التسليط منجزا، لا أن التسليط من الأول منجز وأن
المشتري سلط البايع على ماله منجزا كما هو واضح.
وهنا وجه رابع لشيخنا الأستاذ (1)، من أن التسليط لا يزيد على الهبة
المجانية، فلا فرق بين صورة العلم والجهل، فحيث إن الواهب له
الرجوع على الهبة ما دامت باقية وكذلك كل من البايع والمشتري لو كان
الثمن أو المثمن غصبا.
وفيه أن هذا أيضا لا كلية له، فإن الواهب ليس له الرجوع على العين
على الاطلاق لو كانت باقية، فإنها لو كانت ثوبا فقصر أو شيئا آخر تصرف
فيه الموهوب له بما يوجب تغييره ليس للواهب أن يرجعها، وكذلك لو

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 228.
161

كانت لذي رحم وإن لم يقع عليه التصرف، فإن في جميع ذلك ليس
للواهب الرجوع إلى هبته، فتنزيل المقام عليها والحكم بجواز الرجوع
هنا مثلها ليس بتمام.
ومن هنا ظهر حكم الجهة الثانية أيضا أعني جواز تصرف كل من البايع
والمشتري فيما أخذه في مقابل المغصوب، وأنه غير جائز وتصرف في
أموال الغير بدون إذنه، فإن التسليط لا يوجب الإذن في التصرف لأنه إنما
سلطه على ماله بعنوان المعاوضة والمعاملة بحيث يكون مالا له فيتصرف
في ماله لا أنه سلطه عليه ليصرف مال الغير بإذنه، فليس له أن يتصرف فيه
بعد عدم حصول المعاوضة لكونه مال الغير، فلا إذن له من ذلك
التصرف.
ج - كون المشتري عالما بالفضولية مع تلف العين
قوله (رحمه الله): أما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري، بل المحكي عن
العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم (1) الاتفاق عليه.
أقول: قد بنى شيخنا الأنصاري تبعا لهؤلاء الأعاظم على عدم الضمان
في هذه الصورة، أعني بيع الغاصب لنفسه وأخذ الثمن من المشتري
لنفسه وتلفه عنده، وتبعه شيخنا الأستاذ (2) وإن ناقش في بعض
خصوصيات كلماته، والوجه في ذلك كما صرح به بعضهم أنه سلطه
على ماله بلا عوض.
ومحصل كلام المصنف أن سبب الضمان إنما هو لأحد الأمرين، كما

1 - التذكرة 1: 463، المختلف 5: 55، إيضاح الفوائد 1: 421، جامع المقاصد 4: 77،
المسالك 3: 160، الروضة البهية 3: 235.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 229.
162

تقدم في قاعدة ما لا يضمن، أما دليل اليد (1) وأن من وضع يده على مال
غيره فلا بد له أن يخرج من عهدته بجميع شؤونه وخصوصياته، كما
تقدم، وأما قاعدة الاقدام على الضمان كما استدل بها شيخ الطائفة (2)
وغيره في ما لا يضمن.
وأما قاعدة اليد، فهي وإن كانت مسلمة ومتسالما عليها بين الفقهاء،
ولكنها خصصت بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك
ودفعه إليه المال لحفظه، كما في الوديعة والإجارة والعارية، فإن دفع
العين في هذه الموارد ليس إلا بعنوان الوديعة دون الضمان، فلا يكون
تلفها موجبا للضمان.
وعلى هذا فإذا كان دفع المال وتسلط الغير عليه ليتصرف فيه ويتلفه
فلا يوجب الضمان بطريق أولى، فلا يكون ذلك إلا كالبيع بلا ثمن والهبة
الفاسدة والإجارة بلا أجرة فلا يكون فيها ضمان، وكذلك يكون مثلا
اعطاؤه إلى ثالث، فإن الجامع في جميع ذلك هو أن التسليط فيها مجاني
كما لا يخفى.
وأما قاعدة الاقدام، فهي أيضا غير جارية هنا، إذ لم يقدم البايع على
الضمان بالثمن لعلم المشتري بكونه غير مالك وإنما الضمان به فيما
يكون ذلك من البايع المالك فيكون اعطاء الثمن حينئذ في مقابل ماله
تضمينا له بالمال الذي هو الثمن، ولذا يكون ضامنا مع الفساد أيضا.
ثم أورد على نفسه بأنه أي فرق بين المقام وبين بيع الغاصب الذي
تقدم، فإن تصحيحه إنما كان بأن البيع فيه حقيقة واقع عن المالك، لأن
معرفة المالك شخصه وخصوصيته غير لازم، وخصوصياته غير دخيلة

1 - عوالي اللئالي 1: 389، الرقم: 22.
2 - المبسوط 3: 85.
163

في صحة البيع بل يكفي فيها العلم بوجود المالك الكلي لتحقيق مفهوم
المبادلة، أعني تبديل مال بمال في الإضافة المالكية، بحيث لو كان هذا
ممكنا لم تعتبر ذلك الكلي أيضا، فليكن الأمر كذلك في المقام أيضا،
فيكون كبيع الغاصب لكونه بانيا ولو عدوانا على كونه ملكا له، ولولا ذلك
البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة أصلا، فلا يصح مع الإجازة أيضا، فإن
البيع قوامه بدخول العوض مكان المعوض لا ملك شخص آخر.
وبالجملة إن كان بانيا على الملكية فلا شبهة في صحة معاملته،
فيكون كبيع الغاصب فيكون يده واقدامه مضمنين وإن لم يكن بانيا على
المالكية، فلا يصح بيعه حتى مع الإجازة، فيخرج عن المفروض.
ثم أجاب عن ذلك بأنه فرق بين المقامين، فإن معنى الضمان كون
الشئ في عهدة الضامن وخسارته عليه، وإذ لم يكن المبيع ملكا للبايع
لا حقيقة ولا ادعاء مع علمها بالواقع وكون المال لغيره حقيقة فكيف
يتحقق الضمان باقدام البايع على أخذ مال المشتري باختياره وتسليطه
له عليه لكونه كالاعطاء إلى شخص ثالث.
وهذا بخلاف بيع الغاصب فإنه بادعائه مالك للمبيع مالكية بنائية،
فالخطاب ببعتك إنما هو متوجه للمالك، غاية الأمر توجه إلى الغاصب
من باب الخطأ في التطبيق، فالمبادلة إنما وقعت حقيقة وفي الواقع بين
مالي المالكين الحقيقين، فيكون الاقدام واليد هنا مضمنين وبعد إجازة
المالك فيكون الضمان عليه.
ثم أورد على نفسه بأنه على هذا ما الفرق بين صورتي العلم والجهل
في البيع الفاسد حيث حكمتم بالضمان هناك وبين صورتيه هنا
فلا تحكمون به فأجاب عنه بأن التضمين الحقيقي حاصل في البيع الفاسد
لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر أن فاسد العقد من جهة عدم
164

امضاء الشارع مانع عن مضي هذا الضمان، فإذا لم يمض الشارع الضمان
الخاص العقدي فيكون أصل الضمان بالاقدام باقيا على حاله لقاعدة
الاقدام أو لقاعدة اليد من دون أن يكون هنا تسليم وتسلم مجاني.
وهذا بخلافه هنا فإن التسليط إنما هو تسليط مجاني وليس إلا كتسليط
ثالث عليه واعطائه له فلا ضمان هنا بوجه إلا أن يكون فساد العقد بانتفاء
شرائط العوضين ككونه خمرا أو خنزيرا أو أم ولد، فإنه لا ضمان هناك
أيضا في هذه الصور، هذا ملخص كلامه رفع في علو مقامه.
وفيه أنه وإن أتعب نفسه وأطال كلامه ولكن أسقط من كلامه ما هو نكتة
المقام، أي صورة بيع الفضولي مال الغير لنفسه، وهي أن المشتري إنما
سلط البايع الفضولي على ماله بانيا على فساد العقد فيكون كسائر العقود
الفاسدة، فلا وجه لتفريد ذلك عن غيرها من العقود الفاسدة.
إذن فلا وجه لقياسه بالبيع بلا ثمن فإنه ليس إلا هبة مجانية،
ولا بالإجازة بلا أجرة وبالعارية وباعطائه لثالث، فإن في جميعها أن
التسليط ليس إلا مجانيا وهذا بخلاف المقام فإن التسليط فيها ليس
مجانيا، ولذا لو سئل عنه أنك وهبت مالك أو أعرت، فيجيب أني عاملت
مع فلأني.
ويدل على ذلك أنه لو كان التسليط مجانيا لم يكن وجه للحكم بكونه
أي البايع غير جائز التصرف، مع أن المصنف حكم بحرمة التصرف في
الثمن.
وبالجملة لا نعرف وجها للفرق بين ما نحن فيه وبين سائر العقود
الفاسدة، والنكتة هي ما ذكرناه من أن التسليط والتسلط مبني على الفساد
أي على فساد العقد، فيكون ذلك كالعقود الفاسدة، وقد عرفت الضمان
فيها كما عرفت أن قاعدة ما يضمن ليس له أساس، وأن تكلف المصنف
165

في شرح ألفاظها، وقد ذكرنا تطبيقها على القاعدة من أن المراد بذلك هو
أن العقد الذي كان صحيحة مبنيا على الضمان ففاسده أيضا كذلك
بخلاف مثل الهبة ونحوها، وظهر لك أن المقام غير مربوطة بالبيع
بلا ثمن ليكون هبة فاسدة حتى يتوهم أن في صحيح الهبة لا ضمان وكذا
في فاسدها أيضا.
فتحصل أن قاعدة اليد لم تخصص في المقام بما ذكره المصنف، وأما
ما ذكره من قاعدة الاقدام بالضمان فقد ذكرنا في ما لا يضمن أن الاقدام
لا موضوعية له ولا أن له دليل في كونه مضمنا وإنما الموجب للضمان
هو دليل اليد، بل لا يظهر ممن ذكره في وجه الضمان أنه ذكره للاستقلال
بل لبيان موضوع ضمان اليد حيث إن اليد إنما يوجب الضمان فيما يكون
ذي اليد مقدما عليه، فإنه لا ضمان لليد بدون الاقدام عليه كموارد
الوديعة والعارية والعين المستأجرة ونحوها، وإلا فليس الاقدام على
استقلاله من المضمنات كما هو واضح.
نعم لو كان المبيع مما لا يملك في نفسه كالحر، بحيث لا يكون هنا بيع
حتى الفاسد منه بل صورة بيع ولفظه بعد كونه مالا ومما يملك يتحقق
مفهوم البيع هنا، فلا يكون تسليطه البايع على الثمن إلا تسليطا مجانيا
وبلا عوض فلا يكون هنا ضمان، فإن هذا نظير بيع البايع ماله بلا ثمن فإنه
ليس من مفهوم البيع بشئ ليكون بيعا فاسدا، ويأتي فيه ما قلناه في البيع
الفاسد.
هذا فيما لم يكن مفهوم البيع محققا لعدم قابلية المتعلق لوقوع البيع
عليه، وأما فيما يكون مفهوم البيع محققا لكون المتعلق في نظر العرف من
الأموال بل من الأموال المهمة كالخمر والخنزير، وإنما الشارع الغي
ماليته وأسقطه عن المالية فيكون تسليم المشتري الثمن إلى البايع أيضا
166

مبنيا على البيع الفاسد، فيكون البايع ضامنا مطلقا على ما ذكرناه.
ومن هنا ظهر أيضا ما في كلام المصنف، من أنه لو كان فساد العقد
لعدم قبول العوض للملك كالخمر والخنزير والحر قوي اطراد ما ذكرناه
فيه من عدم ضمان عوضها الملك مع علم البايع بالحال فإنه يتوجه في
صورة كون المعوض حرا لا في صورة كونه خمرا أو خنزيرا.
فروع شتى عن المسألة الأولى
ثم بقي هنا أمور في كلام الشيخ (رحمه الله) قد ذكرها في ذيل المسألة:
1 - أن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت الرجوع
فيما يكون البايع غير بايع لنفسه بل إنما باع للمالك وإنما دفع المشتري
الثمن إليه ليصله إلى المالك، فتكون واسطة في الايصال وتلف في يده إذا
لم يسلطه عليه وإلا أذن له في التصرف فيه فضلا عن اتلافه.
وفيه أن هذا من عجائب المصنف، فإنه ليس هنا شئ من أسباب
الضمان، فإن البايع وإن أخذ الثمن من المشتري وتلف عنده ولكن ليست
يده يد اتلاف هنا، كما صرح به وقال: وتلف، مع ذكره الاتلاف بعده،
وإنما تلف عنده بتلف سماوي بلا تفريط من البايع فلا موجب للضمان
لكون البايع أمينا في ايصاله إلى البايع فقط، وكان له أن يعكس الأمر
ويقول بالضمان فيما باع مال المالك لنفسه مع علم المشتري به وأخذ
الثمن وتلف عنده أو أتلفه بنفسه كما قلنا به ولا يقول بالضمان هنا.
نعم لو كان التلف مستندا إليه فيكون ضامنا فهو أمر آخر.
2 - أنه لو أخذ البايع الثمن بنفسه من أن يسلطه المشتري عليه فيكون
ضامنا مع التلف لعدم التسليط الموجب لعدم الضمان ولو كان الأخذ بانيا
على العقد الواقع بينهما.
167

وهذا واضح كما أفاده في المتن.
3 - أنه أفاد تحقق الضمان أيضا لو اشترط على البايع الرجوع بالثمن لو
أخذ العين صاحبها، فإنه أيضا لم يسلطه على الثمن مجانا بل مع الضمان
فمع التلف يكون البايع أيضا ضامنا.
4 - أنه لا فرق فيما ذكرناه من الضمان بينما يكون الثمن كليا أو معينا،
فإن المشتري مع كون الثمن كليا قد طبق ذلك الكلي على الفرد وسلط
البايع عليه بانيا على العقد فيكون البايع ضامنا عليه للمشتري.
وحيث إن المصنف قد اختار عدم الضمان في كون الثمن شخصيا فقد
اختار عدمه هنا أيضا.
المسألة (2) فيما يغرمه للمالك زائدا على الثمن
قوله (رحمه الله): المسألة الثانية: إن المشتري إذا اغترم للمالك.
أقول: هذه هي الجهة الثالثة، فهي أن المشتري لو اغترم للمالك غير
الثمن من زيادة قيمته السوقية أو زيادة على أصل القيمة أو المنافع
المستوفاة أو الغرامات التي صرفها للعين ولم يستوفي في عوضها
منفعة، فهل يضمن المالك بتلك الغرامات أو لا يضمن؟
توضيح الكلام في ضمن جهات ثلاث:
1 - إن المالك لو أخذ زيادة القيمة على أصل الثمن، بأن اشترى على
عشرة دنانير وكانت قيمة العين عشرين دينارا، فهل للمشتري أن يرجع
إلى البايع في زيادة القيمة أم لا؟
2 - في أنه إذا استوفي منفعة من العين، كأن اشترى الدار وآجرها من
غيرها فأخذه المالك العين وإجارتها الثمن، فهل للمشتري أن يرجع إلى
البايع في تلك المنافع أيضا أم لا؟
168

3 - قيمة المنافع غير المستوفاة، وأن المشتري إذا اغترم للعين غرامة،
بأن صرف مقدارا من المال في اصلاح العين من دون أن يأخذ في قباله
منفعة، فهل يضمن البايع بها وله الرجوع إليه أم لا؟ ومن هذا القبيل انفاق
العين المشتري.
أما الجهة الثالثة فقد استدل على الضمان هنا بقاعدة نفي الضرر،
بدعوى أن عدم الرجوع المشتري إلى البايع في تلك الغرامات ضرر عليه
فينفي بدليل نفي الضرر.
وفيه أنه معارض بكون الرجوع ضررا للبايع، فليس نفيه عن المشتري
بدليله أرجح من نفيه عن البايع، وقد حققناه في قاعدة لا ضرر.
وقد استدل أيضا بأن البايع هو السبب في غرامات المشتري، فيكون
ضامنا لأن من تسبب في وقوع أمر فهو أولى بانتساب المسبب إليه.
وفيه أن التسبيب تارة يكون على نحو يكون الواسطة ملغي عن
الموضوعية وخارجا عن الاستقلالية، وأخرى لا يكون كذلك بل يكون
السبب داعيا إلى صدور الفعل فقط:
أما الأول، فكمن تسبب في قتل أحد باعطاء السكين لمن لا يعقل من
الصبي والمجنون والسفيه وادخاله في جوفه أو حفرتي بئرا، فوقع فيه
أحد فإن الفعل يستند حقيقة إلى السبب والوسائط في أمثال ذلك
لا اعتبار لها، ومن هنا يعامل مع السبب معاملة القاتل فيؤخذ منه الدية،
فإن الفعل حقيقة فعله وهو الفاعل في ذلك.
أما الثاني، بأن لا يكون تسبيب حقيقة بل يكون السبب داعيا إلى وقوع
الفعل وصدوره فقط، بأن يقول لأحد مع كونه عاقلا وكاملا: اقتل فلانا
أو أعطى سكينا، وقال: اقتل زيدا، فإن البعث والتحريك على تقدير
حرمته ليس سببا للفعل بحيث يوجب أن يستند الفعل على تقدير
169

صدوره إلى الفاعل ويكون الفعل فعله ويعامل معه معاملة الفاعل لذلك
الفعل كما هو واضح، فحيث إن البايع ليس سببا تاما لغرامة المشتري بل
هو داعي لذلك فلا يستند الغرامات إلى فعل البايع بعنوان التسبيب
ليكون ضمانها إليه كما هو واضح.
بيان آخر
وحاصل الكلام أنه إذا اغترم المشتري في العين المبيعة، فهل يرجع
إلى البايع في ذلك أم لا؟ فهنا جهات ثلاث:
1 - أنه إذا اغترم زيادة القيمة مما أخذه المشتري، بأن كان المشتري
اشتراه بعشرة وكانت قيمته عشرين أو ترقت إلى عشرين.
2 - في المنافع المستوفاة، كأن آجر الدار أو الدابة أو غير ذلك من
المنافع المستوفاة.
3 - في المنافع غير المستوفاة والمخارج التي صرفها للعين من كيسه
ولم يستوفي من العين شيئا، ومن هذا القبيل انفاق العين، أما في صورة
العلم بالحال فلا يرجع بشئ من ذلك، أما في صورة الجهل فهل له أن
يرجع في ذلك إلى البايع أم لا؟
أما الجهة الثالثة فالمشهور ذهبوا إلى الضمان هنا فقد استدل فيها
بالضمان بوجوه:
1 - قاعدة لا ضرر، بدعوى أن عدم الرجوع ضرر على المشتري.
وفيه أنه على تقدير شمول قاعدة لا ضرر على ذلك فهي متعارضة،
فإن الرجوع أيضا ضرر على البايع، فلا وجه لتقديم المشتري عليه.
2 - بقاعدة التسبيب، بدعوى أن السبب في تضرر المشتري هو البايع.
وفيه: أنها لم ترد في آية ولا في رواية ولا أنها معقد اجماع،
170

إذن فلا بد من ملاحظة أن الفعل الصادر من المسبب على نحو يستند إلى
السبب أو لا، فإن كان مستندا إلى السبب سواء كان مع ذلك لفاعل الفعل
اختيار أم لا، وسواء كان التسبيب أمرا شرعيا أم لا فيحكم بالضمان، مثلا
إذا أمر صبيا ليفتح بابا فإذا فتح يطير الطير الموجودة في الدار أو أمره بقتل
أحد، وهكذا المجنون والسكران، فإن الفعل في أمثال ذلك يستند إلى
السبب، بل الخطابات الأولية أيضا تكون متوجهة عليه، كما تقدم في
بحث المكاسب المحرمة.
ومن هذا القبيل حفر البئر ليقع به أحد فوقع ومات، أو نصب سكينا
في قعر البئر فقتله السكين، أو غير ذلك من الموارد التي يستند الفعل إلى
السبب حقيقة، وإن كان للواسطة اختيار كالصبي.
ومن هذا القبيل ما يكون التسبيب شرعيا، كما إذا شهد بالشهادة الزور
فأوجب ذلك غرامة المشهود عليه ثم رجع في شهادته، فإنه تكون
الغرامة على الشاهد لكونه سببا في غرامة المشهود عليه.
وأما في غير تلك الموارد بحيث لا يكون تسبيب في البين فلا يضمن
السبب بشئ لكونه داعيا محضا في صدور الفعل من الفاعل، وإنما
الفاعل فعل ذلك بقدرته واختياره فيكون الضمان عليه.
3 - بقاعدة الغرور، بأن المغرور يرجع إلى من غر، وهذه القاعدة وإن
كان لم يبعد أن تكون رواية نبوية ولكنها غير منجبرة بعمل المشهور
حتى مع الغمض عن الكبرى الكلية، بأن الشهرة لا تكون جابرة لضعف
السند، وذلك لخصوصية فيها التي تمنع عن الانجبار، وهي أن المشهور
لم يمكن أن يستندوا في عملهم وفتاواهم هنا بالضمان لأجل التسبيب
وقاعدة الضرر أو الروايات الخاصة.
وعليه فلا ينجبر ضعفها بالشهرة، بل نجزم بأن المشهور لم يستندوا
171

لها، وذلك فإنهم وإن ذهبوا إلى الضمان في هذه المسألة ولكن مقتضى
العمل بالقاعدة أن يعملوا بها في جميع موارد الغرور ويفتون بطبقها
أينما سرت ولم يخصوا الحكم بهذا الموارد الخاص، فيعلم من ذلك أنهم لم يستندوا بها.
كيف فهل توهم أحد بأنه لو غر أحدا في أكل مال الغير بأنه راض
بذلك، أو غره في شراء شئ على أن يربحه كذا وكذا، فانكشف أن
المالك لم يرض وأن المبيع لم يربح له بشئ بل ضرر فيه كثيرا، إن الغار
يضمن بضرر المغرور، وهكذا سائر موارد الغرور، فإنه لم يفت المشهور
في أمثال ما ذكرنا من الأمثلة بالضمان بل أفتوا في خصوص ما نحن فيه،
إذن فتكون ساقطة سندا ودلالة، إلا أن يكون هنا تسبيب بحيث يكون
الفعل مستندا إلى السبب.
وهذا أمر آخر غير مربوطة بقاعدة الغرور، وقد عرفت أنه يوجب
الضمان بنفس الخطابات الأولية، كما أن الأحكام التكليفية أيضا ثابتة له
بتلك الخطابات.
4 - الروايات الخاصة الواردة في باب النكاح التي تدل على أن من غر
أحدا فزوجه امرأة برصاء أو عوراء أو مجنونة أو أمة بعنوان أنها بنت
مهيرة (1)، فيكون على ذلك الغار مهر الامرأة، فبالغاء المورد تكون دالة

1 - عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا
بعد ما دخل بها، قال: فقال: إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها
زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق ويأخذ الزوج المهر من ولها الذي كان دلسها -
الحديث (الكافي 5: 408، التهذيب 7: 425، الإستبصار 3: 247، عنهم الوسائل 21: 211)،
صحيحة.
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: إنما يرد النكاح من البرص والجذام
والعفل، قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحل من
فرجها ويغرم وليها الذي انكحها مثل ما ساق إليها (الفقيه 3: 273، التهذيب 7: 426، الإستبصار
3: 247، عنهم الوسائل 21: 213)، صحيحة.
عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة دلست نفسها لرجل وهي رتقاء؟
قال: يفرق بينهما ولا مهر لها (قرب الإسناد: 109، عنه الوسائل 21: 214)، ضعيفة بعبد الله بن
الحسن.
172

على الضمان بغير المهر، وفي غير مورد النكاح نظير المقام، ذكر
الروايات السيد في حاشيته (1).
وفيه أنها روايات خاصه قد وردت في باب النكاح في خصوص باب
المهر وكون ضمانه على الولي فقط، والتعدي عنها إلى غيرها قياس
فلا يمكن التعدي من المهر إلى غير المهر في خصوص باب النكاح فضلا
إلى غير النكاح، فلا يستفاد منها كبرى كلية، من أن المغرور يرجع إلى
الغار في جميع ما اغتره، ولأجل مصلحة قد حكم الشارع في موارد تلك
العيوب بضمان الغار الذي هو الولي لخصوص المهر.
ومن هنا لو أوجب الغرور وصرف في ذلك مصارف كثيرة كالاطعام
ونحوه فلا يرجع فيها إلى الغار بل في خصوص المهر إلى المدلس كما
في الروايات.
نعم هناك روايتان يمكن استفاده الكبرى الكلية منهما لمكان التعليل
الوارد فيهما:
الأولى: رواية إسماعيل بن جابر، حيث أراد أحد تزويج بنت أحد
فزوجوه أمة، فقال (عليه السلام): ترد الوليدة على مواليها والولد للرجل وعلى
الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة، كما غر الرجل

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 173.
173

وخدعه (1)، فإن ظاهر الذيل عدم اختصاص الضمان بمورد الولد، بل
يعم غير مورد النكاح أيضا.
وفيه مضافا إلى ضعف سند الرواية - فإن فيه محمد بن سنان، فهو وإن
ذكر عن بعض توثيقه إلا أن المشهور ضعفه، بل إنه اعترف في آخر عمره
أن كتابه مأخوذ من السوق فلا يمكن الاعتماد برواياته، فلا أقل من
تعارض المعدل للجارح فيتساقطان فيبقي بلا معدل - أن دلالتها غير تامة،
بل الظاهر منها كون ضمان الولد فقط على المزوج كما غره وخدعه،
فلا يمكن التعدي من ذلك إلى غيره، إذن فإذا رجع المالك إلى المشتري
فيرجع المشتري أيضا إلى الغار كما رجع، نعم يعم الحكم لكل مزوج.
والوجه - والله العالم - في ذكر الولد أنه لولا الذكر لحكمنا بضمان
قيمة الولد، فإنه من أمة الغير فالنماء فيها كالحيوانات والأشجار للمالك،
ومن هنا حكموا (عليهم السلام) في أنه لو زنا أحد بأمة الغير فولدت فهو لمالك
الأمة (2)، ولكن حيث كان الوطئ هنا محرما لكونه عن شبهة فيكون الولد
للواطي، فتكون قيمته على الغار كما غر الرجل وخدعه.
الثانية: رواية رفاعة في قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زوجها
وليها وهي برضاء: أن لها المهر بما استحل من فرجها وأن المهر على

1 - عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته
فسأل عنها فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها فقال: زوجني ابنتك، فزوجه غيرها فولدت منه،
فعلم بها بعد أنها غير ابنته وأنها أمة؟ قال: ترد الوليدة على مواليها والولد للرجل، وعلى الذي
زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة، كما غر الرجل وخدعه (الكافي 5: 408، عنه
الوسائل 21: 220)، ضعيفة بسهل بن زياد.
2 - عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أقر على نفسه بأنه غصب جارية رجل فولدت الجارية
من الغاصب قال: ترد الجارية والولد على المغصوب منه إذا أقر بذلك الغاصب (الكافي
5: 556، التهذيب 7: 482، عنهما الوسائل 21: 177)، ضعيفة بالارسال.
174

الذي زوجها وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها (1)، فمقتضى التعليل هو
عموم الحكم لغير مورده أيضا.
وفيه مضافا إلى ضعف سندها بسهل بن زياد، أنها أيضا لا تدل على
الضمان في غير موردها وهو المهر، فلا يمكن التعدي إلى الغرامات
الواردة في باب النكاح فضلا عن غير باب النكاح، فإن ظاهر التعليل كونه
راجعا إلى ثبوت المهر على الغار، فلا يمكن التعدي إلى غيره لاحتمال
أن يكون في المهر خصوصية يستدعي الضمان وليس في غيره، فتكون
هذه الرواية كغيرها من الروايات الخاصة.
نعم يمكن التعدي بها إلى مطلق المزوج بلا اختصاص الحكم بالولي
كما اختص به الحكم في الروايات الخاصة المتقدمة.
وبعبارة أخرى أنه مضافا إلى ضعف الروايتين فلا يتم دلالتهما على
المقصود وتمامية قاعدة الغرور في جميع الموارد، إذ الظاهر منها
اختصاص الضمان في خصوص الولد والمهر على الغار وكون التعليل
مختصا بهما، وقد علل كون المهر على المزوج بأنه مدلس، فمقتضى
العلية إنما هو جواز الرجوع على المهر إلى كل مزوج فلا يمكن التعدي
إلى غير ما يسانخ المعلول.
نعم لا يختص ذلك بالولي بل يجري في مطلق المزوج، كما أن ضمان
قيمة الولد لا يختص بالمزوج بل بمطلق الغار، لكون ذلك على وفق
القاعدة.

1 - عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) - إلى أن قال: - وسألته عن
البرصاء؟ فقال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما
استحل من فرجها، وأن المهر على الذي زوجها، وإنما صار عليه المهر لأنه دلسها (الكافي
5: 406، عنه الوسائل 21: 212)، ضعيفة بسهل بن زياد.
175

على أنه لو تمت دلالة الروايتين فأيضا لا تنافيان بالمقصود، إذ الدليل
أخص من المدعي، فإن الذي يستفاد منهما أن للمشتري أن يرجع إلى
البايع الذي غره وخدعه ودلسه، ولا شبهة أنه لا يصدق الغرور عند
جهل البايع، بل قد صرح في تلك الروايات أنه يضمن الغار مع علمه وأما
مع الجهل فلا يضمن.
إذن فلا يمكن الحكم بضمان الغار مطلقا، سواء كان عالما بالحال أو
جاهلا بها بتلك الروايات التي أخص من ذلك.
وأما ما عن العلامة الطباطبائي (1)، من أنه لا يفرق بين علم البايع وجهله،
لا نعرف له وجها.
وأما رواية الجميل التي ذكرها المصنف عن الرجل يشتري الجارية
من السوق فيولدها ثم يجيئ مستحق الجارية، قال (عليه السلام): يأخذ
الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه
بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه (2).
وقد استدل بها على تمامية قاعدة الغرور، بدعوى أن حرية ولد
المشتري إما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا، وعلى التقديرين يثبت
المطلوب، مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها أخذت منه نوع اشعار
لعلية الحكم، فيطرد في سائر ما أخذت منه.
أقول: إن الرواية وإن كانت مطلقة من حيث الغرور وعدم الغرور، بل
تدل على جواز أن يرجع المشتري إلى البايع مطلقا، ولكن عرفت أن

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 173.
2 - عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الجارية من السوق
فيولدها ثم يجئ مستحق الجارية قال: يأخذ - الحديث (التهذيب 7: 82، الإستبصار 3: 84،
عنهما الوسائل 21: 205).
176

الرجوع إلى قيمة الولد على حسب ما يقتضيه القواعد فإنه من منافع الأمة
فتكون للمالك، فالرواية وردت على طبق القاعدة، فحينئذ إذا رجع
المالك إلى المشتري فيرجع المشتري إلى البايع، لأنه غره وخدعه
ولكون الوطي محرما يكون الولد حرا.
وعلى هذا فلا وجه لما في المتن، من أن حرية الولد إن كانت من
المنافع المستوفاة التي لا بد له من اعطاء قيمته إلى المالك ثم الرجوع إلى
البايع، فتدل الرواية على الرجوع إلى الغار في غيرها بطريق أولى، قد
عبر عن ذلك بالفحوى، وإن لم تكن حرية الولد من المنافع المستوفاة
فتدل على الرجوع إلى الغار بالدلالية المنطوقية فيما هو محل الكلام
الذي نتكلم فيه.
وبالجملة فلا تكون الرواية دالة على قاعدة الغرور.
وأما قوله بأن توصيف قيمة الولد بالأخذ مشعر بالعلية فيتعدى إلى
غير موردها.
ففيه أن التعبير بالأخذ لأحد الجهتين:
الأولى: إن المشتري إنما يرجع إلى البايع إذا رجع المالك إلى
المشتري، وإلا فليس له الرجوع إلى البايع كما سيأتي ذلك في تعاقب
الأيدي.
الثانية: إن المشتري إنما له الرجوع إلى البايع في القيمة التي أخذها
المالك من المشتري ولو كانت أقل من القيمة السوقية فليس له أن يرجع
إلى البايع في الزائد عنها، كما إذا أخذ المالك من المشتري عشرين
فقيمة السوقية خمسين فيرجع إلى البايع بخمسين أيضا.
وبالجملة أن التمسك في التعدي إلى غير مورد الرواية بهذا التعليل
شبه تعليل وجوب الزكاة للبقر السائمة بثبوتها في النص للغنم
177

السائمة (1)، فإن البقر غير مربوط بالغنم، وسنذكر الوجه في عدم جواز
رجوع المشتري إلى البايع قبل أن يرجع إليه المالك.
ثم إنه قد استدل صاحب الحدائق على عدم الرجوع في المنافع الغير
المستوفاة وفي غيرها بما لا يرجع بالأولوية على ما هو لازم كلامه
باطلاق روايتي زرارة وزريق، وبسكوتهما عن رجوع المشتري إلى الغار
الذي هو البايع.
أما الرواية الأولى أعني رواية زرارة (2)، فإنها تدل على رد الجارية التي
اشتراها المشتري من شخص إلى مالكها المدعي بعد البينة ورد قيمة
الولد المتولد منها وساير منافعها المستوفاة، فهي ساكتة عن الرجوع إلى
البايع بأن يرجع المشتري في غراماتها إلى البايع، فحيث كان الإمام (عليه السلام)
في مقام البيان فكشف من الاطلاق عدم جواز رجوع المشتري إلى البايع.
الثانية: رواية زريق (3)، فإنها تدل على رجوع المالك إلى المشتري

1 - عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صدقات الأموال؟ فقال: في تسعة أشياء
ليس في غيرها شئ: في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر
والغنم السائمة - الحديث (التهذيب 4: 2، الإستبصار 2: 2، عنه الوسائل 9: 57).
2 - عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل اشترى جارية من سوق المسلمين
فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثم إن أباها يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة، قال:
يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها (التهذيب 7: 83،
الإستبصار 3: 85، عنهما الوسائل 21: 204)، ضعيفة للارسال.
3 - عن زريق قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجلان - إلى أن قال: - فقال
أحدهما: أنه كان على مال لرجل من بني عمار وله بذلك ذكر حق وشهود، فأخذ المال
ولم استرجع منه الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتابا، ولا أخذت منه براءة، وذلك لأني وثقت به
وقلت له: مزق الذكر بالحق الذي عندك، فمات وتهاون بذلك ولم يمزقها، وعقب هذا أن
طالبني بالمال وراثه وحاكموني وأخرجوا بذلك الذكر بالحق، وأقاموا العدول فشهدوا عند
الحاكم فأخذت بالمال، وكان المال كثيرا فتوارثت من الحاكم، فباع على قاضي الكوفة معيشة
لي وقبض القوم المال، وهذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي، ثم إن ورثة
الميت أقروا أن المال كان أبوهم قد قبضه وقد سألوه أن يرد على معيشتي ويعطونه في أنجم
معلومة، فقال: إني أحب أن تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذا، فقال الرجل - يعني المشتري -
جعلني الله فداك كيف أصنع؟ فقال (عليه السلام): تصنع أن ترجع بمالك على الورثة وترد المعيشة إلى
صاحبها وتخرج يدك عنها.
قال: فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة
ثمن الثمار وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع
زرعته أنت، فإن للزارع إما قيمة الزرع وإما أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع - الحديث
(أمالي الطوسي 2: 309، عنه الوسائل 17: 340)، ضعيفة.
178

ويأخذ منه ماله وجميع المنافع التي استوفي من ذلك، من أي أقسام
المنافع من الغرس والزرع وأجرة البناء الذي بنا فيها، وليس للمالك قلع
ما غرس فيه وإلا فيعطي أرشه، نعم وله أخذ أجرة الأرض.
نعم للمشتري قطع ذلك لكونه مالا له والناس مسلطون على أموالهم
وليس للمالك أن يمنع ذلك، فهذه الرواية أيضا تدل على رجوع المالك
إلى المشتري وساكتة عن رجوع المشتري إلى البايع مع كونه (عليه السلام) في
مقام البيان، فبمقتضى الاطلاق ندفع رجوع المشتري إلى البايع.
وفيه أن الروايتين لا تدلان على ذلك:
أما رواية زرارة، فإنها ناظرة إلى جهة رجوع المالك إلى المشتري دون
رجوع المشتري إلى البايع.
وأما رواية زريق، فإنها ناظرة إلى بيان أن المالك يرجع إلى المشتري
والمشتري إلى المالك، فليست ناظرة إلى أن المشتري يرجع إلى البايع،
على أن البايع في الرواية الثانية إنما هو القاضي فإن كان حكمه صحيحا
فلا غرم عليه، فإن الله جعل ذلك سببا لكون المال للمدعي وهو المفوت
179

لذلك والقاضي معذور فيه لحكمه بالايمان والبينات وإن كان الحكم
باطلا، فالمشتري يعلم بفساد البيع وهو بنفسه أقدم على ذلك فلا يرجع
إليه في غراماته كما في المتن.
بيان آخر
والحاصل أن المشتري إذا علم بالحال فلا يرجع إلى البايع في
غراماته لاقدامه على ذلك بنفسه، وأما مع الجهل فربما قيل برجوعه إليه
بقاعدة الضرر، وقد عرفت أن أحد الضررين مما لا بد منه، فلا وجه لدفع
ذلك عن المشتري دون البايع فيتعارضان، على أن الضرر لا يكون في
جميع الموارد، كما إذا استوفي المشتري بمقدار منفعة ما اغترمه
للمالك.
وأما دعوى الضمان بقاعدة التسبيب بأن البايع لتغريره المشتري
فيضمن كما اغترمه المشتري في المنافع المستوفاة وفي غيرها بطريق
أولى.
وفيه أنك عرفت أنه إن كان التسبيب على نحو استند الفعل إليه بقوة
السبب فلا اشكال في الضمان وإلا فلا وجه له.
وأما قاعدة الغرور، قد عرفت أنها وإن روي بأن المغرور يرجع إلى
الغار إلا أنه غير معمول بها في جميع الموارد بل في خصوص المقام،
ففي هنا لا نعلم استناد الفقهاء إلى ذلك بل إلى الروايات الخاصة، وقد
عرفت أنها ناظرة إلى موارد خاصة فلا يمكن التعدي منها إلى غير
مواردها كما لا يخفى، وكذلك ما ورد في ضمان الشاهد على المشهود
عليه في شهادة الزور.
وأما توهم عدم الضمان لأجل اطلاق روايتي زرارة وزريق، وقد
عرفت الحال فيها.
180

ولكن يمكن لنا التفصيل في المقام، بينما يكون ما يرجع المالك إلى
المشتري داخلا تحت ضمان البايع، فللمشتري أن يرجع في ذلك إلى
الغار، وبينما لا يكون ذلك داخلا تحت ضمان البايع، فلا يرجع
المشتري فيما اغتر به للمالك إلى البايع.
وتوضيح ذلك أنه لو اغتر أحد غيره بتقديم مال الغير إليه بما أنه مال
نفسه فانكشف بعد التلف أنه مال الغير أو مال الأكل الذي هو المعطي له،
فلا شبهة أن الغير يرجع إلى الأكل وهو يرجع إلى المقدم لكونه ضامنا
ابتداء في ذلك، وإنما سلط الغير عليه بعنوان أنه مال نفسه لا بما أنه مال
الغير، وهكذا لو ظهر أنه مال الأكل أيضا كما لا يخفى.
وعلى هذا فليس للمسلط أن يرجع إلى الأكل لو رجع المالك إليه،
بدعوى أنه سلطه عليه لكونه مال الغير، فإن قصده لا يفيد بوجه.
تقسيم المنافع من جهة ضمانها للغاصب
إذا عرفت ذلك فنقول: إن المنافع على قسمين: فقسم منها تكون
داخلة تحت ضمان الغاصب كأجرة الدار والثمار للأشجار ونحوها،
وقسم منها لا تكون داخلة تحت ضمان الغاصب كركوب الدابة إلى الحلة
أو الكربلاء مثلا.
ففي الأول إذا رجع المالك إلى البايع فليس للبايع أن يرجع إلى
المشتري، فإنه بعد اقدامه على ضمان مال الغير واعطائه قيمته وقيمة
منافعه صار مالكا للمغصوب بقاء، فكما لا يرجع إلى من سلطه على
اتلاف ماله ابتداء فكذلك ليس له الرجوع إلى من سلطه على اتلافه بقاء،
فإذا ليس له ذلك في العين أو في المنافع المستوفاة على تقدير بقاء العين،
ففي المنافع غير المستوفاة بطريق أولى لا يرجع إلى المشتري لأنه بنفسه
181

سلطه على ذلك، وأما لو رجع المالك إلى المشتري فيرجع المشتري إلى
البايع كما عرفت، وأما المنافع التي لا تدخل تحت ضمان الغاصب من
الأول.
ومن هذا القبيل الأوصاف الزائدة، فلو رجع المالك إليها فليس
للمشتري أن يرجع إلى البايع، فإن التسليط في تفويت ذلك ليس من
ناحية البايع، ويأتي ذلك في تعاقب الأيدي مفصلا.
من هنا يظهر أنه لا وجه للتفصيل بين المنافع المستوفاة وغيرها، فإنها
إن دخلت تحت ضمان البايع فلا يرجع في المستوفاة إلى المشتري لو
رجع إليه المالك، ففي غير المستوفاة بطريق أولى، وإن لم تدخل تحت
ضمانه فرجع المالك إلى المشتري ففي المستوفاة بطريق أولى، وهذا
واضح جدا.
وبالجملة حكم الغاصب بعد رجوع المالك إليه حكم المالك
الابتدائي، فكما أن المالك حدوثا لا يرجع إلى من سلطه على تفويت ماله
فكذلك بقاء كما هو واضح.
بيان آخر
وحاصل الكلام أنه لا بد وأن يفصل في المقام بين المنافع التي دخلت
تحت ضمان البايع والمشتري كليهما، فحينئذ ليس للبايع مع رجوع
المالك إليه أن يرجع إلى المشتري بل يرجع المشتري إلى البايع مع
رجوع المالك إليه، وتلك كالعين بنفسها وكسكنى الدار وركوب الدابة
التي تكن قائمة بالعين وتسلم إلى المشتري مع تسليم العين، وأما المنافع
المتجددة التي لا تدخل تحت ضمان البايع كالثمار والأشجار واللبن
للحيوان ونحوهما مما تجدد تحت يد المشتري فلا يكون ضامن لها إلا
182

المشتري، لعدم ثبوت ضمانها ابتداء على البايع.
بيان ذلك: إن أحدا لو قدم طعاما لأحد ليأكله بما أنه مال شخص
المعطي فأخذه الأكل فأكله فإنه قد أخذه ذلك بعنوان أنه مجاني ولم يقدم
على الضمان من الأول، وكذلك أن المعطي قد سلطه على ذلك بما أنه
مال نفسه ولو كان في الواقع مال غيره ويعلم أنه مال الغير، فإذا علم
الأخذ بعد تلفه أنه مغصوب فليس للمعطي أن يرجع إلى الأخذ ويقول:
إن هذا كان مال الغير فإني أعطيته لك بعنوان مالي كتابا، فإن التسليط ليس
إلا تسليطا مجانيا، فلم يكن أخذه إلا أخذا مجانيا، بل لو رجع إليه المالك
فهو يرجع إلى المعطي أيضا لأنه ليس هذا إلا كتقديم مال نفسه لشخص
باعتقاد أنه مال الآخذ فانكشف أنه مال نفسه، فإنه ليس له أن يرجع إلى
الآخذ بدعوى أنه كان في عقيدتي أنه مالك، فإن الأخذ ليس إلا أخذا
مجانيا فلا ضمان فيه بل هذا وتقديم ماله الواقعي مع العلم به ليس إلا
واجدا.
إذن فيكون تقديم مال الغير أيضا مثله، فإنه مع رجوع الغير إليه
فبخروجه عن عهدة الضمان يكون مالكا بقاء لما قدمه إلى الغير، فليس
في تسليط الغير على اتلاف ماله بين ما يكون ماله حدوثا وبين ما يكون
مالا له بقاء، فكما أن تسليط الغير على تسليط ماله مجانا ابتداء لا يوجب
الضمان كذلك ما يكون مالا له بقاء بسبب الخروج عن عهدة الضمان.
فهذا الذي ذكرناه مما قامت به السيرة العقلائية، وأما رجوع الآخذ
إلى المعطي لو رجع إليه المالك فواضح، لأن السبب في تفويته هو
المعطي وإنما غره بعنوان أنه مال نفسه، فهو السبب أي المعطي في
التلف وإن كان المتلف بالمباشرة هو الآخذ، إلا أن العرف يستندون ذلك
الاتلاف إلى المسبب لقوته ولاغراء الآخذ بذلك، فمثل هذه الخديعة
183

والتغرير يوجب الضمان بلا شبهة وإن لم نقل بالضمان في جميع موارد
الغرور.
وكيف فهل يشك أحد في أنه لو قدم أحد مالا لشخص هبة مجانية
بعنوان أنه ماله ثم ادعى ذلك المال منه أن له حق الرجوع إليه مع التلف،
وهكذا إذا كان مال غيره، فإن أهل العرف يستندون التلف إلى السبب
للغرور.
فهذا بديهي لا شبهة فيه ومما قامت به السيرة، نعم في المنافع
المتجددة حيث لم يكن فيها تقديم مجاني من قبل المعطي فلا شبهة في
الضمان أي ضمان الآخذ، بل الأمر كما ذكر لو أعطى المعطي مال نفس
الآخذ له بعنوان مال شخص المعطي، فإنه لا يشك أحد من أهل العرف
في ضمان المعطي لذلك أيضا، إذ المال ولو كان للآخذ وأنه أتلف مال
نفسه ولكن أتلفه بما أنه مال المعطي ودخل تحت تصرفه مجانا،
فالاتلاف مستند إلى الأخذ المجاني دون مال نفسه، فليس السبب في
ذلك إلا هو المعطي، وهو الذي غره في ذلك، فيكون ضامنا له للغرور
بمقتضى السيرة العقلائية فيرجع إليه.
بل لا يفرق في ذلك بين جهل المعطي بالحال وعلمه فإنه مع الجهل
والاشتباه، فأيضا يكون ضامنا للمالك، فليس له أن يرجع إلى الأخذ
المجاني بوجه لما تقدم، كما إذا كانت عنده وديعة فاشتبه فأعطاها للغير
بعنوان أنها مال نفسه، فإن هذا التسليط تسليط مجاني على اتلاف مال
الغير، فلا يضمن المعطي له بل يكون الضامن هو المعطي لكونه متلفا
لمال الغير فكانت يده يد اتلاف لا يد وديعة إلا في المنافع المتجددة
لعدم دخولها تحت ضمان المعطي من الأول، وأما في غيرها فلا، لأن
ذلك ليس إلا كتقديم مال نفسه للغير مجانا ابتداء.
184

وقد عرفت أنه لا يفرق في ذلك بين المالك حدوثا وبينه بقاء، كما
لا يفرق في ذلك بين المنافع المستوفاة وغيرها، هذا كله فيما يكون
التقديم مجانيا.
إذا كان التسليط بالبيع
وإذا كان التسليط بالبيع فهو على قسمين، فإنه تارة يكون في مورده
غرور بحيث يصدق الغرور بأنه غر البايع المشتري، وأخرى لا يصدق.
أما الأول بأن يأخذ البايع مال غيره بالغصب أو السرقة ولو كان مال
المشتري أيضا، ثم يبيع ذلك من المشتري بقيمة قليل بدعوى أنه مال
نفسه يقصد بذلك التقرب إلى الله، ويأخذ المشتري ذلك فيأكله أو
يشترط البايع في البيع صرفه في أكله أو في احسان الغير، وبعد ما يتلف
المال فيخبر المشتري بالحال أو هو بنفسه يلتفت بذلك وأن المال مال
نفس المشتري أو مال شخص آخر، فإنه لا شبهة هنا في ضمان بالعين
بجميع شؤونها من المنافع المستوفاة وغيرها، إلا المنافع التي لم تدخل
تحت ضمان البايع من المنافع المتجددة كالبيض واللبن والثمار
ونحوها، وكذلك الثمن الذي هو بنفسه كان مقدما بذلك ولم يصدق
الغرور بالنسبة إليه.
فإن رجع المالك إلى المشتري فيرجع المشتري أيضا إلى البايع، فإن
السيرة قائمة في مثل ذلك كون السبب في التلف هو البايع وأنه هو الذي
غر وتسبب في التلف وأن التلف يستند إليه، فإنه لو لم يبع ذلك منه
ولم يشترط اتلافه لم يقدم المشتري بذلك، وهكذا في كل مورد يصدق
عنوان الغرور واستناد التلف إلى البايع.
وأما لو لم يصدق الغرور فلا يرجع المشتري إلى البايع، كما إذا سرق
185

أحد مال غيره أو غصبه فباعه من شخص ثان بقيمة قليلة وبثمن بخس،
ثم باع الثاني من ثالث بهذه القيمة أيضا بقصد الاحسان بأن يشترط أن
يعطي الفقراء ويطعم المساكين، فبعد ما صرف الثالث المال في الاحسان
أو أكله بنفسه ثم علم أنه كان مال الغير فرجع المالك إلى الثالث فأخذ منه
جميع ما يترتب على ماله من المنافع والعين، فليس لهذا الثالث أن يرجع
إلى الثاني بدعوى أنه مسبب في ذلك، فإن السيرة قاطعة على أنه
لا يصدق التفويت في مثل ذلك بوجه، فليس التلف مستندا إلى نفس
الثاني كما هو واضح لا يخفى.
وبالجملة أن هذا ليس إلا كسائر البيوع الفاسدة من دون فرق بينها
بوجه، فيكون الضمان على من تلف عنده المال فلا بد وأن يخرج من
عهدة الضمان، بل المشتري بنفسه أقدم على ذلك، لا بمعنى أن الاقدام
من المضمنات، بل اليد أو السيرة والاقدام إنما هو لدفع ما يمنع عن
الضمان من الوديعة ونحوه مما لا يوجب الضمان، فالاقدام بالضمان
يوجب دفع ذلك المانع.
ثم إنه ذكر المصنف فرقا في بعض الأوصاف وقال: وأما ما يغرمه
بإزاء أوصافه فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن كما فيما عدا وصف الصحة
من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة
عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت، فالظاهر رجوع المشتري
على البايع لأنه لم يقدم على ضمان ذلك.
وأشكل عليه شيخنا الأستاذ (1) بايراد ظاهر، بأن الأوصاف مطلقا
لا يقسط عليها الثمن كالشروط، ولا ينافي ذلك ما يقال: إن للوصف أو
الشرط قسطا من الثمن، لأن معناه أن قيمة العين تزداد بالوصف أو الشرط

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 311.
186

لا أن مقدارا من الثمن في الانشاء العقدي يقابل الوصف أو الشرط، وهذا
لا ينافي ثبوت الخيار بين الرد والأرش في العيب كما سيجئ في باب
العيب أن الأرش ثابت بالتعبد لا من باب أن الثمن يقسط على الوصف
والموصوف، وإلا وجب أن يكون الأرش من نفس الثمن.
ومن هنا لم يثبت في غير موارد خيار العيب إلا الخيار بين الفسخ
والامضاء أو في موارد خيار العيب ليس على البايع اعطاء الأرش بدون
المطالبة بل معها، بحيث لو لم يلتفت به المشتري إلى الأبد أو التفت
ولم يطالب فليس على البايع شئ، وهذا بخلاف أجزاء المبيع فإن الثمن
واقع في مقابلها بحيث لو لم يعط البايع بعضها لكان عليه الضمان وفعل
فعلا محرما لكونه مال الغير وقد أخذ في مقابله الثمن كما هو واضح.
لو كان البيع فاسدا من غير هذه الجهة
قوله (رحمه الله): ثم إن ما ذكرناه كله من رجوع المشتري على البايع بما يغرمه إنما
هو إذا كان البيع المذكور.
أقول: إن ما تقدم هنا ضمان الغار للمغرور في مورد استناد التفويت
إليه، وأنه لو رجع المالك إلى المشتري فهو يرجع إلى الغار، وإن رجع
إلى البايع فهو لا يرجع إلى المشتري، إنما هو في مورد يكون البيع
صحيحا من غير جهة كون البايع غير مالك بحيث يكون الفساد مستندا
إلى كذب البايع وتغريره، وأما لو كان فاسدا من غير هذه الجهة فيكون
المقام كسائر البيوع الفاسدة فلا يكون الضمان على البايع بل على
المشتري، بناء على ما ذكرناه من أن فاسد البيع يضمن فيه كما يضمن في
صحيحه كما هو واضح.
187

حكم الضمان مع تعاقب الأيدي
قوله (رحمه الله): ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن كل ما يرجع المشتري به على البايع.
أقول: ظهر من مطاوي ما ذكرنا أيضا أن الغرامات التي توجه إلى
المشتري يرجع بها إلى البايع مع الغرور، وأنه لو رجع المالك إلى البايع
حينئذ فلا يرجع هو إلى المشتري ومع عدم الغرور نظير فساد البيع
فيرجع البايع مع رجوع المالك إليه إلى المشتري، ولو تعاقبت الأيدي
فيرجع كل سابق إلى لاحقه إلى أن ينتهي الأمر إلى الذي تلف العين عنده
أو هو أتلفها فيغرم قيمة العين والمنافع التي فاتت تحت يدها دون المنافع
الفائتة تحت الأيادي السابقة.
تصوير الضمان في تعاقب الأيدي على كل واحد من الأشخاص مع كون المال
واحدا
فإن قلت: إن كلا من البايع والمشتري يتساويان في ضمان العين
وحصولها تحت يدهما وهكذا الأيادي اللاحقة، وهو سبب للضمان عن
كون يدهما يد العادية، فكلهم مشتركون في ذلك فلا وجه لرجوع البايع
إلى المشتري وهو إلى لاحقه، وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إلى من انتهى
إليه الأمر، إلا أن يستند الضمان إلى الاتلاف فإنه حينئذ يستقر الضمان
إلى ذمة من صار سببا للاتلاف.
فقد أجاب العلامة الأنصاري (رحمه الله) بما حاصله:
أن الشئ الواحد إنما يكون له ضمان واحد فكيف اشتغلت الذمم
المتعددة عند تعاقب الأيدي بشئ واحد، ولم يكن مقتضى على اليد إلا
شئ واحد، فقال: اشتغال الذمم المتعددة وكون ضمان العين إلى
188

العهدات العديدة معناه لزوم خروج كل منهم عن العهدة عند تلفها،
وحيث إن المضمون ليس إلا شيئا واحدا فمعنى تسلط المالك إلى رجوع
كل منهم ليس إلا تسلط رجوعه إلى واحد منهم على البدل، فمن أي منهم
استوفي البدل لسقط حقه عن الغير وتسلط الرجوع إلى الآخر.
وهذا نظير الواجب الكفائي في الأحكام التكليفية، فكما أن في
الواجب الكفائي أن التكليف متوجه إلى الكل بحيث لو تركوا لعوقبوا
جميعا ولو أتى الواحد سقط عن الجميع.
وهكذا في المقام أن الضامن للعين جميع من ثبتت يديهم بها بحيث لو
لم يعط واحدا لطولب وعوقب الجميع ولو أدى واحد لسقط عن الباقين،
فللمالك أن يرجع إلى أي منهم على البدل وبعد أخذه ماله ممن رجع إليه
فهو يرجع إلى اللاحق وهو إلى لاحقه، وهكذا إلى أن ينتهي إلى
المتأخر الذي تلف المال عنده.
وهذا الوجه ينطبق على مسلك الجمهور (1)، حيث إنهم ذهبوا إلى أن
الضمان من ذمة إلى ذمة أخرى لا من ذمم كما عند الإمامية ليكون المال
منتقلا إلى ذمة الضامن، فإن الجمهور التزموا في باب الضمان على ذلك
وأن من يكون ضامنا عن شخص فيضم ذمته إلى ذمة شخص المضمون
عليه فيصير الضامن اثنان وهكذا بحيث مع تعدد الضامنين يتعدد الذمم
للضمان ويضمن كلهم العين في عرض واحد على البدل، نظير الواجب
الكفائي.
وأنا وإن أنكرنا ذلك عليهم في باب الضمان، ولكنه من جهة عدم
الدليل، فحيث اقتضى الدليل في المقام الالتزام بذلك فلا مانع من الالتزام
به.

1 - أنظر المغني لابن قدامة 4: 590.
189

ومن هذا القبيل من الضمان على البدل نظير الواجب الكفائي موارد
كثيرة كما ذكر الفقهاء:
منها: أنه إذا لم يطمئن كل من البايع والمشتري على الآخر خوفا من
أن يظهر المثمن أو الثمن مستحقا للغير فيطلب الضامن على العوض
فعند خروجه مستحقا للغير ليكون دركه عليه فقد ضمن الضامن العين في
عرض ضمان البايع أو المشتري بنفسها هنا، فللمضمون عند خروج
العوض مستحقا للغير أن يرجع بأي منهما شاء، فليس المال منتقلا إلى
ذمة الضامن ليكون عهدة المال إلى الضامن فقط، فإن العين موجودة في
الخارج.
ومنها: الضمان بالأعيان الشخصية الخارجية المضمونة، فإن فيها
أيضا أن الضمان من ضم ذمة إلى ذمة أخرى ولم ينقل الضمان من شخص
إلى آخر لوجود العين في الخارج فيكون الضمانان في عرض واحد، بل
عن أبي حمزة (1) أنه يمكن أن يضمن اثنان ابتداء لشئ واحد من دون أن
يكون ضمان أحدهما متقدما على ضمان الآخر كما عرفت، وهكذا
حكى الشهيد عن العلامة (2) في دروسه أنه نفى المنع من ضمان اثنين على
وجه الاستقلال كالعبادات الواجبة كفاية.
و منها: أموال الغاصب من الغاصب، وهكذا من الموارد الكثيرة.
هذا كله حال المالك بالنسبة إلى ذي الأيدي، وقد أشكل عليه شيخنا
الأستاذ (3) بما حاصله:

1 - الوسيلة: 28.
2 - حكي فخر الدين عن أبيه في الإيضاح 2: 89، ولم نقف عليه في كتب الشهيد ولا على
من حكي عنه.
3 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 368.
190

إن الضمان على نحو الواجب الكفائي إنما يتصور في الواجبات
التكليفية، فإنه لو قلنا إن الأداء بنحو الواجب التكليفي لكان لذلك وجه
فيكون ذلك مثل الترتب أنه يجب الأداء بهذا الشخص إن لم يؤد الآخر
فيتوجه الأمر بالأداء إلى كل منهم بعنوان الواجب المقيد، ولكنه ليس
الأمر كذلك.
فباب الضمان لا يقاس بالأحكام التكليفية، فلا يعقل الضمان بنحو
الترتب بحيث يكون كل منه في عرض الضمان الآخر، بل لا بد وأن
يشتركا في الضمان أو يكون على واحد فقط، وإلا لو قلنا بأن ضمان كل
منهم مقيد بعدم ضمان الآخر معناه أن لا يضمن جميعهم.
نعم يمكن القول بالترتب الطولي، فهو غير مسلك العامة، كما إذا أمر
شخص بضمان لشخص عنه وهكذا، فإن كل منهم ضامن في طول الآخر
بحيث لو لم يؤدي المضمون عليه دين المديون فيرجع إلى ضامنه لانتقال
المال إلى ذمته فيرجع هو إلى المضمون عليه لكون ضمانه بأمره، وهكذا
المتأخرون. (1)
بيان آخر في تصوير الضمان في تعاقب الأيدي
والحاصل أن كلامنا كان في تصوير الضمان في تعاقب الأيدي على
كل واحد من الأشخاص مع كون المال واحدا، بأنه فلماذا يرجع السابق
إلى اللاحق مع عدم الغرور وأن المالك كيف يرجع على كل واحد منهم
مع كون المال واحدا فلا يضمن المال الواحد إلا شخص واحد.
وقد وجهه شيخنا الأنصاري ذلك بتنزيله منزلة الواجب الكفائي وأنه
كما أن الواجب في الواجب الكفائي شئ واحد وإن كان المكلفين

1 - راجع حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 286.
191

كثيرين ومتعددين، بحيث لو أتى الواحد منهم سقط عن الباقين وإلا
فعوقب الجميع، وهكذا في المقام، فإن المال مال واحد وضمانه ضمان
واحد ولكن الضامن متعدد، بحيث لو أدى المال واحد منهم سقط حق
المالك عن الباقين وإن كان لكل واحد منهم أن يرجع إلى الآخر وإن لم يؤدي لكان كلهم ضامنين على ذلك.
مناقشة المحقق النائيني (رحمه الله) والجواب عنها
وأشكل عليه شيخنا الأستاذ (1) بأن تنزيل المقام بباب الواجب الكفائي
غير معقول، إذ مرجع وجوب الكفائي إلى أنه يجب لكل واحد من
المكلفين اتيان الواجب لو لم يأت الآخر فيكون اتيان كل منهم واجبا
مشروطا بعدم اتيان الآخر، فإذا أتى فيسقط عن الباقين نظير الالتزام
بالتكليف الترتيبي في الضدين كما نقح في الأصول، وهذا المعنى غير
ممكن في المقام، فإن معنى اشتراط وجوب الضمان على كل واحد بعدم
وجوبه على الآخر ليس إلا نفي الضمان عنهما بالمرة، فإن معنى أن هذا
ضامن أن لم يجب على الآخر، وذلك هنا من أن لم يؤد هذا أن كل منهما
ليس بضامن.
فما ذهب إليه الجمهور من أن الضمان ضم ذمة إلى ذمة أخرى في
الضمان الاختياري في هنا غير معقول، كما ذكرناه، لرجوع ذلك إلى
انتفاء الضمان عنهم، إلا أن يقال بالشركة أو بضمان كل على المالك
مستقلا ليكون المال واحد عوض كثير، فهما كما تري، إلا أن يقال
بالضمان الطولي والترتيبي لا بالمعنى المذكور بل بمعنى أن كل واحد من
الضامنين في طول الضامن الآخر وأن اللاحق يضمن لما ضمنه السابق

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 284.
192

وهكذا كما في الضمان الاختياري، ومن هنا يرجع اللاحق على السابق
في الضمان الاختياري لأمر السابق على ذلك فيه.
وبالجملة أن ما ذهب إليه المصنف لا يمكن المساعدة عليه، ولو صح
ذلك فلا بد وأن يلتزم القائل به بكون الضمان لهما على نحو الاشتراك
لعدم امكان تعلق مال واحد بذمة شخصين، فإن لازمه أن يكون للدرهم
الواحد أبدال عديدة.
وفيه أن ما أفاده شيخنا الأستاذ ليس بصحيح من حيث البناء والمبني،
أما من حيث المبنى فإنه قد بنى في تصوير الواجب الكفائي على أن
الواجب وإن كان شيئا واحدا إلا أن الخطاب متوجه إلى جميع المكلفين
فلا بد لكل واحد منهم اتيانه ولكن مع اتيان الواحد سقط عن الباقين.
وتوضيح ذلك أن في الواجب التخييري قد تعلق الغرض باتيان أحد
الأمرين أو أمور عديدة، بحيث يكون غرض المولى قائما باتيان واحد
منهما مع إلغاء الخصوصية، ويكون اتيان كل من الأمرين وافيا لغرضه
ومقصوده، وحينئذ يستحيل للمولي أن يأمر عبده باتيان أحدهما
بالخصوص لكونه ترجيحا بلا مرجح.
وكذلك الكلام في الواجب الكفائي، غايته أن التعدد فيه في ناحية
المكلف دون الواجب، بأن يكون غرض المولى متعلقا باتيان واجب
وتحققه في الخارج كصلاة الميت مثلا، فإن غرض المولى إنما تعلق
بصدور الفعل من شخص واحد، أي شخص كان بإلغاء الخصوصيات
وتعيين شخص خاص مع كون الواجب واحدا، فليس معنى ذلك أن
وجوبه على هذا الشخص مشروط بعدم وجوبه على الآخر، وهكذا
وهكذا.
وعليه فليس مبناه هذا في المقام صحيحا وموافقا لمبناه في الأصول،
193

وأن الواجب الكفائي كما عليه في الأصول خارج عن الواجب المشروط
والترتب بالكلية كما هو واضح.
ولو سلمنا مبناه فبناؤه عليه ليس بصحيح، وذلك فإن ما ذكره من
المحذور، من أنه لو كان الضمان على نحو الواجب الكفائي فلازمه عدم
ضمان كل منهما فيلزم انعدام الضمان إنما يلزم لو كان الضمان مقيدا
بعدم الضمان الآخر ووجوب الضمان على الآخر مقيدا بعدم الضمان
على هذا، فعليه لا يختص المحذور بباب الضمان بل يجري في الواجب
التكليفي أيضا، فإنه يقال: لو كان الواجب الكفائي كصلاة الميت مثلا
مقيدا بعدم كونها واجبة على الآخر وبالعكس فيلزم أن لا يكون هنا
واجب أصلا، ولكن الأمر ليس كذلك، فإنه رحمه الله التزم في الواجب
الكفائي بناء على صحة المبنى أن الواجب على هذا الشخص مقيد بعدم
اتيان الآخر مع الوجوب عليه لا بعدم كونها واجبة على الآخر، وإلا
فالمحذور موجود في المقامين.
وفي المقام إذا قلنا إن الضمان على هذا مقيد بعدم اتيان الآخر لا بعدم
الضمان الذي هو مثل عدم الوجوب على الآخر في التكليفان فلا يلزم
المحذور، ولا ينافي بكون الواجب على كل مكلف وجميعهم ولكن
الواجب مقيد بمعنى أن كونها واجبة على زيد مقيدة بعدم اتيان الآخر
على الآخر يلزم المحذور ولكن لازمه الالتزام بمثله في التكليفيان أيضا
وإن كان مقيدا بعدم اتيان الآخر فلا يلزم فيه محذور بوجه حينئذ.
وهكذا في باب الضمان فإنه مطلق وثابت لكل من وضع يده على
المال وإنما الخروج عن العهدة مقيد، أي لزوم أن يخرج هذا عن عهدة
الضمان مقيد بأن لا يكون الآخر خارجا عن عهدته وإلا فيسقط حق
المالك بأداء واحد عن الباقين كما لا يخفى.
194

وبالجملة ثبوت الضمان على هذا لو كان مقيدا بعدم الضمان بل
لم يقل أحد باستحالة هذا النحو من الضمان، وإن كان يظهر من بعض
كلمات العلامة (1) ذلك، ولكن لعل مراده من ذلك نفي الضمان عن كل
منهم استقلالا بحيث يكون لكل واحد منهم ضمان خاص ويكون المال
ثابتا عليه ليلزم كون مال واحد ذي عوضين وبدلين بل ذي أبدال عديدة،
وإلا فلا استحالة هنا بوجه.
وما أنكرنا على العامة في باب الضمان الاختياري لم يكن ذلك من جهة
الاستحالة، بل من جهة عدم الدليل عليه فلا محذور فيه لو اقتضاه
الدليل، بل لا بد من الالتزام به في بعض الموارد، كما إذا غصب أحد مال
شخص فغصب منه شخص ثالث فتلف عنده فإنه أي المالك يرجع إلى
أي منهما شاء، وهذا ليس إلا القول بالضمان على طريقة العامة، من كونه
ضم ذمة إلى ذمة أخرى.
فتحصل أن هنا ضمان متعددة لمال واحد، فلا يلزم من ذلك التعدد
كون قرآن واحد صاحب أبدال كثيرة، بل صاحب بدل واحد ينطبق على
الكل على سبيل البدلية.
ماذا يجوز للسابق منهم أن يرجع إلى اللاحق مع عدم الغرور
ثم مع الالتزام بالواجب الكفائي أي بكون الضمان هنا كالواجب
الكفائي فما الفرق بين هذا المقام وسائر الواجبات الكفائية، فلماذا يجوز
للسابق منهم أن يرجع إلى اللاحق مع عدم الغرور وليس كذلك في موارد
أخرى من الواجبات الكفائية، كما إذا كان شخص عطشانا فيموت به
فيجب على كل من اطلع على حاله أن يسقيه بالماء ولو كانت قيمته ألف،

1 - التذكرة 2: 92.
195

فإذا سقاه أحد فليس له أن يرجع إلى أشخاص آخرين ممن اطلعوا على
حاله، فللمقام أي خصوصية اقتضت جواز رجوع من أدى ما ضمنه إلى
الضامن الآخر.
وقد أجيب عن هذا الاشكال بوجوه:
1 - ما في حاشية السيد (1)، من أنه كما أن في صورة الاتلاف يكون
المتلف سببا لتنجز الضمان على السابق فبقاعدة استناد الفعل إلى السبب
لكونه أقوى من المباشر ففي صورة التلف أيضا أن من عنده تلف المال
فهو سبب لتنجز الضمان للسابق أيضا، فإنه أي اللاحق كان له الاختيار في
رده إلى المالك، فحيث إنه بسوء اختياره لم يرده إليه فيكون هو السبب
لتنجز الضمان على السابق فيرجع السابق إلى اللاحق مع رجوع المالك
إليه لذلك، أي لقاعدة استناد الفعل إلى السبب، ثم قال: إنه بعد ذلك
لا احتياج إلى التوضيح الذي ذكره المصنف.
وفيه أن هذا على تقدير تماميته في الاتلاف بدعوى كون المتلف سببا
لثبوت الضمان على سابقه، فبمقتضى أن السبب أقوى من المباشر فيرجع
السابق لو رجع إليه المالك إلى لاحقة المتلف.
فهذا له وجه في صورة الاتلاف مع وضوح المناقشة فيه أيضا، إذ
الاتلاف ليس سببا للضمان هنا بل الضمان قد تحقق قبله بمقتضى اليد،
فضمن المال المأخوذ السابق واللاحق كليهما حتى يؤديا المال إلى
مالكه فلم يتوقف ذلك بشئ أصلا، وإنما الاتلاف أوجب الانتقال إلى
الذمة، فهو معنى آخر غير الضمان فلا يكون اللاحق سببا لضمان السابق،
بل سبب الضمان في كلهم إنما هو الأخذ باليد والاستيلاء على مال الغير
كما هو واضح.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 180.
196

ومع الغض عن ذلك فلا وجه لتسرية الحكم إلى صورة التلف أيضا،
فإن المال إذا تلف عند اللاحق بلا تسبيب واتلاف بل بتلف سماوي
فلماذا يرجع السابق إليه مع كون نسبة ضمانه إليهما على حد سواء، إذ
كل منهما وضع يده على ذلك المال ولم يفعلوا شيئا يوجب اتلافه بل
تلف ذلك ببلاء من الله، فلماذا يختص اللاحق بالضمان دون السابق،
فلا يمكن قياسه بالاتلاف لعدم التسبيب هنا بوجه، وإن كان هناك ما
يوجب تصوير التسبيب اجمالا، فكون اللاحق مختارا في رد العين إلى
المالك فلم يرده فتلف عنده لا يكون سببا لثبوت الضمان اللاحق، فإن
اللاحق مع السابق سيان في ذلك المعنى لكون السابق أيضا مختارا في رد
العين إلى مالكها كما لا يخفى.
بيان آخر عن جواب السيد:
قد أجاب السيد في حاشيته (1) عن ذلك بوجوه سبعة، وإن كان يمكن
الجواب عن بعضها، والعمدة منها ثلاثة:
ألف - مما لا جواب عنه، أن السابق أيضا يصدق عليه أن ضامن شئ له
بدل، فإنه وإن لم يكن حين حصول العين في يده لها بدل، لأن ضمان
اللاحق لم يتحقق في ذلك الحين لفرض حصوله بعد وضع اليد عليها، إلا أن الملاك في استقرار الضمان بالنسبة إلى الكل إنما هو بعد التلف،
فحينئذ يصدق أن كلا منهم ضامن لما له بدل، فإن المناط ليس حال
حدوث الضمان بل حال فعليته.
وبالجملة حين التلف الذي هو زمان الانتقال إلى القيمة يصدق بالنسبة
إلى الكل أنه ضامن لما له بدل بل أبدال.
ب - إن مقتضى ذلك كون ضمان الأول أيضا لمالك العين لا لمن عليه

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 185.
197

البدل، فإن البدل الذي في ذمة السابق إنما هو لمالك العين، فبدله وهو ما
في ذمة اللاحق أيضا يكون للمالك، وهو من له البدل، ولا وجه لكونه
لمن عليه البدل وهو الضامن السابق.
ج - إذا فرضنا أن العين بعد ما صارت في يد اللاحق رجعت إلى السابق
فتلفت في يده، فالظاهر أنه لا يجوز للسابق حينئذ إذا رجع إليه المالك أن
يرجع إلى اللاحق، فلازم بيان المصنف أن يكون له الرجوع عليه لأنه
يصدق على اللاحق أنه ضمن شيئا له بدل بخلاف السابق.
ودعوى أنه بعد ما رجعت العين إلى السابق ينقلب السابق إلى اللاحق
دعوى باطل، بأن الضمان إنما حدث باثبات يده الأول، وفي ذلك الحين
لم يكن له بدل وبعد العود إليه لا يحدث ضمان آخر، مثلا إذا غصب عينا
وضمن فأعطاه غيره أو أخذ منه قهرا ثم رده ذلك الغير إليه لا يحدث
ضمان آخر لأجل هذه اليد الثانية، بل الضمان الحادث أولا باقي وقرار
الضمان على الغاصب الأول إذا تلف المال في يده بعد العود إليه، ولازم
بيان المصنف (رحمه الله) أن يكون قرار الضمان على الغاصب الثاني، مع أنه
لم يتلف في يده، وقد ذكر الاشكالات الأخر أيضا.
2 - ما أجاب به المصنف، وحاصل كلامه على ما يظهر من ظاهر
عبارته أن الغاصب الأول أو من في حكم الغاصب، أي بايع مال الغير مثلا
بالبيع الفاسد، بعد أخذه من الغير كذلك أنما هو ضامن للعين نفسها،
فالغاصب الثاني ومن في حكمه إنما هو ضامن للعين وبدلها، أما العين
198

فلمالكها، وأما البدل فللضامن الأول، وهذا بخلاف الضامن الأول، فإن
في زمان كون العين تحت يده لم تتلف ليضمن العين بما لها بدل، بل كان
ضمانه منحصرا بالعين وحدها، وأما الضامن الثاني حيث إن العين قد
تلفت عنده فيكون ضمانه بها بما له البدل، وهذا الضمان بالبدل ضمان
لما استقر تداركه في ذمة الأول، فالضامن الثاني لما ضامن لأحد الأمرين
إما العين أو البدل على نحو البدلية بنحو الضمان العوض.
والحاصل أن من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل
من المالك ومن سبقه في اليد، فتكون ذمته مشغولة بشيئين على سبيل
البدلية إما تدارك نفي العين أو تدارك بدلها، فحال الأول مع الثاني كحال
الضمان مع المضمون عنه، فإن الضامن لشخص عن دين بأمره إنما يرجع
إلى المضمون عنه مع أداء دين الدائن وإلا فلا يستحق بذلك، فإذا رجع
المغصوب منه إلى الأول فأخذ منه تدارك العين فيرجع هو إلى الثاني
فيأخذ منه تدارك ما استقر في ذمته لضمان الثاني على ذلك.
وبالجملة أن ظهور كلام الشيخ (رحمه الله) في الغاصب الثاني إنما أنه ضامن
لتدارك العين للمالك وبدلها لتدارك ما في ذمة الغاصب الأول للأول.
وعلى هذا فيندفع اشكال عدم صحة رجوع السابق إلى اللاحق في
صورة عدم الغرور، إذ السابق يطالب من اللاحق ما استقر في ذمته فيرجع
إليه في ذلك.
وهذا بخلاف ما إذا رجع المالك إلى الثاني، فإنه لا يرجع إلى اللاحق
في غير صورة الغرور، لعدم اشتغال ذمته للثاني كاشتغال ذمة الثاني
للأول، فما لم يرجع المالك إلى الأول ليس له أن يرجع إلى الثاني، لأن
الأول لم يتدارك العين للمالك حتى يرجع إلى الثاني في البدل الذي
حصل به التدارك، وإنما له الرجوع إليه بعد ما رجع المالك إلى الأول.
199

وفيه أولا وقبل كل شئ، أن الغاصب الأول والثاني وهكذا
لم يضمنوا إلا العين بمجرد وضع اليد بها، فلم يضمنوا ببدلها قبل التلف،
فبالتلف أو الاتلاف ينتقل الضمان بالبدل لانتقال العين إلى الذمة.
وهذا المعنى مشترك بين جميع من تعاقبت يده على العين المغصوبة
من دون فرق بين الأول والثاني، فما ارتكبه المصنف لا يمكن المساعدة
به لعدم الدليل عليه.
وبالجملة أن قبل التلف كلهم ضامنون بالعين وبعده كلهم ضامنون
بالبدل، فليس هنا ضمان على العين مما له البدل ليكون الضمان من
اللاحق على تدارك نفس العين أو بدلها على البدل، بحيث يكون مخيرا
بين البدل والمبدل.
3 - ثم إن شيخنا الأستاذ (1) لم يرض بما فهمه السيد (رحمه الله) من كلام الشيخ
(رحمه الله) وإنما حمل كلامه على الضمان الطولي وقال: إن الضمان العرضي
بحيث يكون لمال واحد ضمانان غير معقول.
وحاصل ما قاله مع طول كلامه: أن الايرادات السبعة المذكورة في
كلام السيد (رحمه الله) مبنية على إرادة المثل والقيمة من البدل، ليكون بدلا
لأصل المال من المنافع وعلو القيمة ونحوهما للقول بأن ثبوت مثل ذلك
على السابق وجه، وأما لو كان المراد من البدل في كلام المصنف البدل
الطولي بمعنى أن السابق متعهد للمال قبل اللاحق واللاحق متعهد لما
في ذمة الأول وعهدته فالمال الواحد في ذمم كثيرة بهذا النحو من
الظرفية، وهذا منشأ رجوع السابق إلى اللاحق دون العكس لكون
اللاحق بهذا الاعتبار ضامنا للمالك وللسابق، لأن ذمته مخرج لما يؤخذ
من السابق، فهو يضمن على البدل أما نفس العين بما أنها في ذمة السابق،

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 297.
200

وأما ما يؤخذ من السابق فلا يرد أن كلا منها ضامنان للبدل.
وإنما التزمنا بالزمان الطولي لاستحالة تعهد شخصين لمال واحد
عرضا بأن يكون ذمة كل منهما ظرفا لمال واحد، فإنه نظير ثبوت شئ
واحد في آن واحد في أمكنة متعددة فيما يمكن هو التعهدات الطولية
على النحو الذي ذكرنا، نظير التعهد الطولي في الضمان الاختياري في
باب الضمان، فإن الضامن بضمانه دين المضمون عنه يكون المال منتقلا
من ذمة المديون إلى ذمة الضامن، فيكون هو المطالب بالمال دون
المديون، فلا يرجع الضامن إلى المضمون عنه إلا بعد الاعطاء، فكذلك
السابق هنا لا يرجع إلى اللاحق إلا بعد الاعطاء، وبالجملة فكلام الشيخ
في بيان تلك الجهة والضمان الطولي.
وفيه مع بعد إرادة ذلك من كلام المصنف بظهوره فيما قلنا وفيما
فهمه السيد، أن هذا الذي أفاده الأستاذ وإن كان ممكنا في مقام الاثبات
والوقوع، وما أفاده من استحالة ضمان شخصين لمال واحد لا يرجع إلى
محصل بل مما لا مناص عنه في بعض الموارد كما تقدم، من أنه إذا
غصب أحد مال شخص وغصب الآخر منه فتلف عنده فإن المالك له
الرجوع بأي منهما شاء وأن كل منهما ضامن للمال، فالضمانان عرفيان
كما لا يخفى.
وكيف كان فيبقى الاشكال بلا جواب فلم يكن جواب عنه، لا بما ذكره
المصنف بالضمان العرضي، ولا ما ذكره السيد (رحمه الله) بقاعدة استناد الفعل
إلى السبب لكونه أقوى، ولا ما ذكره الأستاذ من الضمان الطولي الذي
نسبه إلى الشيخ (رحمه الله).
4 - ومن الأجوبة ما أجاب به صاحب الجواهر (رحمه الله) (1) من أن التكليف

1 - جواهر الكلام 37: 34.
201

المتوجه إلى الغاصب الأول تكليفي محض متعلق بأداء ما أخذه بالمثل
أو القيمة، والتكليف المتوجه إلى الغاصب الثاني - الثاني هنا كالمعقول
الثاني وإن تعددوا - تكليف وضعي، مضافا إلى التكليفي لكون المال تالفا
عنده، وبضميمة أن الغاصب الأول بأداء عوض التالف يكون مالكا له
بالمعاوضة القهرية وإن كان معدوما كملك المعدوم في المعاملة
الخيارية، فإن ذي الخيار بفسخه المعاملة يكون مالكا للمثمن مع التلف
لو كان الخيار من الخيارات التي لا تسقط بالتلف، وفي المقام أيضا يكون
كذلك، وعلى هذا فإن رجع المالك إلى الثاني فيسقط عن الأول ذلك
الحكم التكليفي، وإن رجع إلى الأول فباعطاء البدل من المثل أو القيمة
يسقط عنه الحكم التكليفي فيرجع في المال البدل إلى الثاني، فإنه هو
الذي اشتغل ذمته بالبدل لتوجه التكليف الدعي عليه.
وأورد الشيخ (رحمه الله) على كلتا جملتيه: أما الجملة الأولى فبوجوه ثلاثة:
ألف - إنه راجع بمقام الثبوت ومبني على ما أسسه في باب
الاستصحاب، من أن الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية،
وحاصل ذلك أن الحكم الوضعي هنا منتزع من الحكم التكليفي، ففي أي
مورد حكم تكليفي متوجه على المكلف بأداء العين أو المثل أو القيمة
ففي ذلك المورد أيضا حكم وضعي وإلا فلا.
وقد قلنا في محله إنه لا معنى لانتزاع الأحكام الوضعية من الأحكام التكليفية، والظاهر أنه مما لا خلاف بين الفقهاء أن من يجب عليه الانفاق
على من يجب انفاقه عليه من الأب والأم والأولاد والزوجة أنه لو خالف
ولم ينفقهم أنه لا يضمن بالأولاد والأب والأم ولكن يضمن بالزوجة، مع
أن الحكم التكليفي موجود في جميعهم، فأي فرق بينهم، هذا ما يرجع
إلى مقام الثبوت والآخر أن يرجعان إلى مقام الاثبات.
202

ب - أنه لا دليل على عدم ضمان الأول بل الثاني فقط، فإن سبب
الضمان ليس إلا اليد فهي بالنسبة إليهما على حد سواء، وكون التلف أو
الاتلاف تحت يد الثاني لا يوجب إلا انتقال البدل إلى الذمة دون أصل
الضمان كما لا يخفى.
ج - أن لنا دليل على ضمان الأول، فإن السيرة قائمة على اشتغال ذمة
الغاصب الأول بما أخذه من الغير باليد العادية أو بالبيع الفاسد وإن أعطاه
إلى الغير بلا غرور، ومن هنا لو مات لكان ما في ذمته من جملة ديونه
ويصح الصلح عليه، فلو كان المتوجه إليه مجرد الحكم التكليفي لم يكن
وجه لهذه الأمور بل لو لم يدفع لأجبر بذلك، مع أنه لا وجه لذلك مع
كون الخطاب تكليفيا محضا بل يسقط بالعصيان وبالموت، فلا وجه
للأخذ من ماله أو اجباره على الدفع وغير ذلك من الأحكام المتعلقة على
ما في الذمة.
وأما ما يرجع إلى الجملة الثانية، من أن الغاصب الأول يملك باعطاء
البدل ذلك البدل في ذمة الغاصب الثاني بلا وجه لوجهين:
ألف - إن التملك لا يحصل إلا بسبب إما اختياري أو غير اختياري
كالإرث، ففي المقام شئ منهما غير موجود، فبأي سبب ملك الأول ما
في ذمة الثاني ليكون هذا سبب الرجوع إليه، بل يسقط حق المالك
بمجرد أداء واحد لعدم بقاء الموضوع له، وهذا الذي أفاده راجع إلى
مقام الاثبات أيضا وأنه لا دليل لتملك الأول لما في الذمة الثاني وإن كان
معقولا في الواقع ومقام الثبوت.
ب - أن لازم ذلك أن لا يرجع الأول مع رجوع المالك إليه إلا إلى من
تلف المال في يده، فإن باعطائه البدل يسقط الأحكام التكليفية المتوجهة
على الغاصبين لأداء البدل، فلم يبق إلا الأخير لكون خطابه ذميا فلا
203

يسقط بأداء الأول، فلا بد من أن يرجع إليه فقط دون غيره، مع أنهم ذكروا
أنه يجوز أن يرجع إلى أي منهم شاء، فإن رجع إلى الأخير فتم المطلب
وإن رجع إلى الوسط فيرجع الوسط إلى الأخير.
فهذه الايرادات غير الايراد الأول لا بأس بها لتماميتها، إذن فلا وجه
لهذا الجواب الذي سلكه صاحب الجواهر، فبقي الاشكال على حاله من
أنه كيف يرجع السابق على اللاحق مع رجوع المالك إليه في غير صورة
الغرور، وكذلك كيف لا يرجع الثاني إلى الأول في غير صورة الغرور مع
رجوع المالك إليه، وإذا رجع المالك إلى الوسط فلماذا يرجع إلى
اللاحق فلا يرجع إلى السابق في غير صورة الغرور.
ولكن الذي ينبغي أن يقال إن لصاحب الجواهر أخذ الجملة الثانية
وترك الجملة الأولى، بأن يقال: إن الغاصب الأول يملك التالف المعدوم
كملك المعدوم في باب الخيارات، والذي يوضح ذلك أمران، فالأول
منهما أوضح من الثاني.
ألف - إن في موارد الضمانات بالاتلاف، بأن غصب أحد أو سرق مال
الغير فأتلفه أو أتلفه سهوا ونسيانا، فإن النسيان لا ينافي الضمان كما قرر
في حديث الرفع، لا شبهة أن للمالك أن يرجع إلى المتلف إذا أراد
ويأخذ منه بدل ماله، وما بقي من ماله من الرضاض والكسور فهو
للضامن، وليس للمالك أن يدعي كون الرضاض له.
مثلا لو أتلف أحد سيارة أحد بالكسر أو ذبح فرس شخص أو أهلكه
وغير ذلك ورجع إليه المالك وأخذ منه بدل ماله من المثل أو القيمة،
فليس له أن يأخذ رضاض السيارة أو جلد الفرس أو ميته فإنه ذلك كله
حق للضامن، وإلا فلو كان للمالك يلزم الجمع بين العوض والمعوض،
ولو كان للأجنبي فهو خلاف البداهة، فيكون للضامن، وهذا الذي قامت
204

عليه السيرة العقلائية بل السيرة المتشرعة من الزمن الفعلي إلى زمان
المعصوم (عليه السلام).
وعلى هذا فإذا أخذ من الغاصب الأول بدل العين فيكون التالف
بالمعاوضة القهرية، إلا إذا كان اعتبار الملكية هنا لغوا، كما إذا كان
الغاصب واحدا فتلف عنده المال فأخذ المالك منه، فاعتبار ملكية التلف
له لغو، لما قلنا من امكان مالكية المعدوم، فحيث إنه تلف عند اللاحق
فيرجع إليه.
وبالجملة على هذا فرجوع السابق إلى اللاحق إنما هو مقتضى السيرة
العقلائية القطعية كما هو واضح.
ب - أنه لا شبهة في أن التالف في موارد التلف الذي ليس إلا للمتلف
بعد رجوع المالك إليه بمقتضى سيرة العقلائية القطعية فيكون المقام
مثله، مثلا لو غصب أحد مال شخص من الجواهر والأحجار الثمينة أو
سرقه أو بغير ذلك، فألقاه في البحر بحيث يعد ذلك في العرف تلفا عرفيا،
فرجع إليه المالك فأخذ منه مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان قيميا، فإن
قلنا إن ذلك الجواهر في قعر البحر للمالك أيضا، بحيث لو وجد لكان له،
فيلزم الجمع بين العوض والمعوض فهو ضروري البطلان، وإن قلنا أنه يكون
ملكا للأجانب أو كالمباحات الأصلية فهو خلاف الضرورة من
العقلاء والفقه، فلم يبق إلا أن يكون للضامن بعد اعطاء عوضه، وفي
المقام أيضا كذلك، ويتضح ذلك وضوحا بملاحظة موارد التلف
الحقيقي وموارد التلف العرفي.
إذن فلا يلزم شئ من الاشكال فيندفع المحذور من أصله، بأنه كيف
يرجع السابق أو الوسط إلى اللاحق مع رجوع المالك إليه دون العكس.
205

بيان آخر في دفع الاشكال عن صاحب الجواهر (رحمه الله)
والحاصل أن الوجه في رجوع السابق إلى اللاحق هو أن السابق باعطاء
بدل التالف إلى المالك يكون مالكا للتالف الذي في ذمة من تلف عنده
بالمعاوضة القهرية، فيعتبر الملكية في ذمة المتلف لكون الاعتبار خفيف
المؤونة، فبرجوع المالك إليه يتحقق ذلك الاعتبار فيرجع إلى اللاحق
لذلك.
والذي يوضح ذلك أمران:
ألف - إن في موارد التلف الحقيقي لو بقيت أجزاء من العين التالفة
فتكون تلك الأجزاء داخلة في ملك الغاصب باعطاء البدل، لأنه لو لم يكن
ملكه بالمعاوضة القهرية فلا بد أما من القول بكونها من المباحات الأصلية
فهو بديهي البطلان، وأما كونها للمالك فيلزم الجمع بين العوض
والمعوض، فيكون ملكا للغاصب، وهذا المعنى مما قامت به السيرة
العقلائية كما يظهر لمن يلاحظ موارد ذلك.
ب - ملاحظة موارد التلف العرفي، كما إذا سرق السارق مال غيره أو
غصبه أو أخذ بغير ذلك العنوان فألقاه في البحر، فطالبه المالك وأخذ
منه بدله، فيكون ذلك التالف عرفا للمتلف بالسيرة العقلائية، فإذا خرج
من البحر أو وجد من الموضوع المفقود فيكون للغاصب، وليس ذلك من
المباحات الأصلية ولا أنه للمالك الأول لكون كل ذلك خلاف مقتضى
السيرة القطعية، وليس ذلك من قبيل البدل الحيلولة، فإن موردها كما
تقدم صورة تعذر الوصول إلى المال.
ومن هنا لو صاد أحد طيرا فجعله في قفس ففتح بابه ثان فطار الطير
فأعطى بدل ذلك الطير ثم قتله ثالث بالبندقة ونحوها فيكون ضامنا
للثاني، فإنه باعطاء العوض يكون مالكا لذلك الطير، وهكذا وهكذا، فإن
السيرة في أمثال جميع ذلك محكمة.
206

وما نحن فيه من هذا القبيل، حيث إن الغاصب الأول إذا أعطى بدل
التالف للمالك مع الرجوع إليه فيكون بذلك مالكا لذمة من تلف المال
عنده، فيستحق بذلك الرجوع إلى اللاحق لاعتبار ملكيته في ذمته لعدم
كونه لغوا.
نعم فيما كان لغوا لا يعتبر الملكية، كما إذا كان الغاصب بنفسه ممن
تلف المال عنده فاعتبار الملكية له على التالف بحيث لم يبق منه شئ
من الأجزاء والرضاض لغو محض.
وجه عدم رجوع اللاحق إلى السابق مع كون ذمة كلهم مشغولة بالتالف
هذا كله في وجه رجوع السابق إلى اللاحق، وأما وجه عدم رجوع
اللاحق إلى السابق مع كون ذمة كلهم مشغولة بالتالف.
وقد أفاد السيد (1) في وجه ذلك أن اللاحق هو السبب لضمان السابق،
حيث إنه باختياره ترك الرد إلى المالك فتلف عنده فصار سبب الضمان
السابق فيكون الضمان عليه وعلى السابق، ولكن مع رجوع المالك إليه
لا يرجع إلى السابق، فلو كان وسطا يرجع إلى لاحقه في غير صورة
الغرور.
وفيه أنه قد تقدم جوابه، من أنه مع قبول صحة استناد الضمان إلى
السبب في أمثال المقام لكونه أقوى، ولم نستشكل في أقوائية مثل تلك
التسبيبات، أن السبب للضمان ليس عدم رد الثاني إلى المالك، بل إنما
هو الأخذ باليد العادية، فهي صارت سببا لضمان كل من السابق
واللاحق، فهو أي هذا السبب مشترك بين السابق واللاحق، فلا وجه
لتخصيص ذلك السبب باللاحق، والقول بأنه صار سببا للضمان كما هو

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 186.
207

واضح لا يخفى.
بل الوجه في ذلك أن الأخذ باليد إنما يوجب الضمان إلى أن يرد
المأخوذ إلى المالك، بمقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): على اليد ما أخذت حتى
تؤدي (1)، فما لم يرده إلى مالكه إما بالعين مع البقاء أو بالمثل أو القيمة مع
التلف لا يبرء ذمته، بل هذا هو مفاد السيرة العقلائية كما تقدم في ما
لا يضمن.
وعلى هذا فالغاصب الأول حيث إنه أعطى المال للثاني فباعطائه
تحقق الأداء، فهذا الأداء وإن كان قبل وصول المال بعينه أو بعوضه إلى
مالكه لا يفيد بوجه، بل هو أدي غير مشروع، ولكن بعد ما أداه الغاصب
الثاني بعينه أو بمثله وقيمته إلى مالكه فيكون مالكا للتالف، إن كان
لاعتبار الملكية هنا فائدة، فإذا رجع هذا الثاني إلى الأول وادعى منه ما
ملكه بالمعاوضة القهرية فيقول في جوابه: إني أديته لك فردني ما
أعطيتك، فأعطى لك مالك بأداء المثل أو القيمة، فيكون أداؤه هذا مفيدا
في المقام.
وبعبارة أخرى أنك عرفت أن الضمان هنا نظير الواجب الكفائي،
وعليه أن الواجب الكفائي وإن كان واجبا على كل مكلف إلا أن الآثار
تترتب على ما يكون مأتيا في الخارج وتشخص بوجوده الخارجي، كما أن الأمر كذلك في الواجب التخييري وإن كان المأتي مصداقا للجامع،
أعني الجامع بين هذا أو ذاك، فلا يخرج هذا الجامع عن جامعيته.
وبعبارة أخرى أن التشخص إنما يكون بنفس الوجود، فما يكون
موجودا في الخارج فهو المتشخص المحط للآثار لا الأفراد الأخر

1 - تفسير أبي الفتوح الرازي 1: 784، عوالي اللئالي 2: 345، عنهما المستدرك 8: 149،
17: 88، ضعيفة.
208

الفرضية، وعلى هذا ففي المقام أن الآثار إنما يترتب على كل من أدى
بدل العين لمالكها، فيكون مالكا لذمة من أخذ المال منه بلا غرور، فهذا
واضح جدا، وإن كان في أصله غير مشروع كما هو واضح.
عدم جريان الحكم لو تبرع المالك حقه للأول
ثم إن المالك لو تبرع حقه للأول وأفرغ ذمته وأسقط الضمان عنه فهل
يكون له أن يرجع إلى اللاحق لاختصاص التبرع له، أو يكون التبرع
للأول تبرعا للاحق أيضا، فهنا مقامان: الأول في اختصاص التبرع
بالأول أو عمومه للتوابع أيضا، والثاني أنه على تقدير كون الاسقاط عن
الأول فقط فهل له أن يرجع إلى الثاني أم لا.
أما المقام الأول، فالظاهر أن اسقاط المالك حقه عن الأول ابراء عن
الجميع، فليس له أن يرجع إلى الثاني في ذلك، لأنه ليس هنا إلا مال
واحد كالدرهم الواحد مثلا وإن كان الضمناء كثيرا، فإذا أعرض المالك
عن هذا المال فلا يبقي هنا شئ لتكون ذمم الضمناء الأخر مشغولة
بذلك، إذن فيكون اسقاطه عن الأول اسقاطا عن الثاني أيضا، حتى مع
التصريح بأني أسقط من الأول فقط، فإنه تصريح بلا فائدة وتناقض في
الكلام، فيكون غير معقول.
وأما المقام الثاني، فعلى تقدير اختصاص الابراء بالأول فقط، فهل له
أن يطالب من اللاحقين أم لا؟ الظاهر لا، فإنه إنما يجوز له أن يطالب إذا
ملك ذمة الثاني، ففي هنا لم يعط شيئا للثاني ليملك مطالبته، غاية الأمر
أسقط المالك ذمته، وإنما قلنا إن له الرجوع إلى الثاني إذا أد المال للثاني
أو غصب الثاني المال منه، وهنا ليس الأمر كذلك.
209

لو توقف رد المغصوب إلى المؤونة
ثم إذا توقف رد المغصوب إلى المؤونة، فلا بد له أي للغاصب من
صرف ذلك حتى يمكن ايصاله إلى المالك، ودفع ذلك بأنه ضرر على
الغاصب، معارض بكون عدم الصرف ضررا على المالك، فلو لم يكن
طريق إلى الوصول إلى المال إلا بواسطة المالك، كما إذا كان في البحر
فلم يكن يعرف السباحة إلا المالك فحاله حال الأشخاص الآخرين في
مطالبة الأجرة، فله أن يطالب الأجرة لاخراجه من البحر.
والحاصل أن الرد إذا احتاج إلى مؤونة فلا بد للغاصب أن يصرف ذلك
حتى يرد العين إلى مالكه، وتوهم نفي لزوم ذلك بدليل لا ضرر بلا وجه،
إذ عدم الصرف كذلك يستلزم عدم رد المغصوب إلى المالك فهو ضرر
عليه، ودليل نفي الضرر إنما ورد في مورد الامتنان فلا يشمل الموارد
التي يكون فيها ضرر على الغير مع كونه متعارضا.
إذا كان المال مقدور الوصول للمالك مع كونه محتاجا إلى المؤونة
إذا كان المالك مقدورا على الوصول إلى ماله مع كونه محتاجا إلى
المؤونة، فهل له مطالبتها من الغاصب أم لا؟
ففي هنا ثلاثة فروع:
1 - في جواز مطالبة أصل الأجرة على فعله من الغاصب، الظاهر أن له
ذلك، فإن حاله حال الأشخاص الأخر، فكما أن لهم مطالبة الأجرة على
تحصيل ذلك المال ورده إلى ماله وكذلك نفس المالك له ذلك،
ولا دليل على إلزامه على ذلك بلا أجرة كما هو واضح.
2 - أنه لو لم يرض المالك إلا باحضار ماله إلا بنفسه، بحيث يكون هو
بنفسه متصديا للانقاذ من البحر ونحوه مع امكانه لغيره أيضا، فهل له ذلك
210

أم لا، الظاهر أنه لا يجوز للغاصب أن يباشر بنفسه أو بغيره للأداء إلا مع
رضاية المالك بذلك، فإن ذلك أيضا تصرف في مال الغير فهو غير جائز
إلا بإذن مالكه، إذن فيباشر بنفسه فيأخذ الأجرة من الغاصب.
- لو طلب أجرة زائدا من أجرة المثل مع انحصار الأداء بطريق فعل
المالك فقط، إما تشريعا لعدم رضايته بتصرف الغير في ماله، أو تكوينا
لعدم تمكن الغير من الوصول إلى المال وأدائه إلى مالكه، بل الأداء
منحصر بنفي المالك، فهل له ذلك المطالبة بحيث يطلب من الغاصب
أجرة زائدة على أجرة المثل ارغاما لأنفه، كما إذا كان أجرة الأداء لمثل
هذا المال عشرة فهو يريد خمسين الذي أزيد من قيمه العين أيضا،
الظاهر أنه لا مانع من شمول دليل لا ضرر على ذلك لنفي استحقاق المالك
مطالبة الأجرة الزائدة على الرد من الأجرة، ولا يكون مانع عن شموله
للمقام.
جواز أخذ بدل الحيلولة
ثم إذا تعذر رد العين إلى مالكه إلا بعد مدة مديدة، وحال الغاصب
بذلك بين المالك وماله فهل له أن يطالب بدل الحيلولة من الغاصب على
ذلك أم لا؟
الظاهر لا، لما تقدم من عدم تمامية أدلة بدل الحيلولة بوجه،
فلا نحتاج إلى الإعادة.
لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه
قوله (رحمه الله): لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه.
أقول: إذا باع الفضولي مال نفسه مع مال غيره، فهل يحكم بصحة ذلك
211

البيع مطلقا أو ببطلانه كذلك أو يسقط الثمن بالنسبة إلى مال نفسه ومال
غيره فيحكم بالصحة في مال نفسه مطلقا أو مع الخيار للمشتري
وبالبطلان في مال غيره، وجوه.
وللكلام هنا جهات:
الجهة الأولى: في أصل صحة البيع
والظاهر أنه لم ينسب الخلاف هنا إلا إلى الأردبيلي (رحمه الله) (1)، وقد خالف
المسألة وذهب إلى الفساد، وتحقيق الكلام أنه تارة نقول ببطلان
الفضولي وأخرى بصحته.
ألف - إن قلنا بالأول فالظاهر أن البيع بالنسبة إلى مال نفسه صحيح
وبالنسبة إلى مال الغير فاسد، ولم نسمع الخلاف هنا من أحد إلا من
الأردبيلي، فإنه ذهب إلى الفساد، وعمدة الوجه في البطلان ما ذكر في
المسألة الآتية، أعني بيع ما يملك مع ما لا يملك، كالشاة مع الخنزير
والعصير مع الخمر، فإن المناط في صورة القول ببطلان الفضولي في
المسألتين واحد فذلك وجهان، وقد ذهب إلى الفساد أيضا بعض
الشافعية، بتوهم أن العقد الواحد لا يتبعض.
1 - أن ما هو مقصود للبايع ومبرز حين الانشاء لم يقع، فإن المبرز بيع
الشاة مع الخنزير، وفي المقام هو بيع ما يملك وما لا يملك، وما وقع
أعني بيع الشاة فقط أو بيع ما يملك فقط لم يقصد، فتخلف القصد عن
الانشاء، فيحكم بالبطلان في كليهما كما ذهب إليه الأردبيلي.
وفيه أن البيع وإن كان واحدا بحسب الصورة والظاهر وفي عالم
الانشاء قد أنشأ بانشاء واحد، إلا أنه في الواقع والحقيقة بيعان، فيكون
هذا في الانحلال مثل العام الاستغراقي، وإن كان بينهما فرق من جهة،
غاية الأمر قد أبرز وأنشأ بابراز واحد وانشاء فأرد، غاية الأمر كل منهما
منضم إلى الآخر ومشروط بهذا الانضمام في ضمن العقد، فلا يلزم من

1 - جامع المقاصد 4: 78.
212

ذلك فساد العقد بل يثبت الخيار للمشتري بالنسبة في بيع مال نفسه
فيكون صحيحا خياريا.
2 - أنه باطل لجهالة الثمن، إذ لا يعلم أنه أي مقدار من الثمن قد وقع في
مقابل الشاة وفي مقابل مال نفسه في ما نحن فيه، فيكون نظير أن يبيع ماله
بما في الكيس من الدراهم فيحكم بالفساد.
وفيه أن الجهالة من حيث هي ليست موجبة للبطلان، وإنما هي
توجب البطلان من جهة الغرر الذي نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عنه في البيع، فإذا
لم تستلزم الغرر فلا توجب البطلان، وفي المقام لا يلزم منها غرر، إذ
يعلم مقدار ما يقع في مقابل الشاة في المسألة الآتية، وما يقع في مقابل
مال نفسه في هذه المسألة ولو بالاجمال الغير الموجب للغرر، نظير أن
يشير إلى صبرة معينة ويقول: بعت كل صاع منها بدرهم، فإن ثمن الصبرة
وإن لم يكن معلوما بالتفصيل إلا أنه معلوم أن كل صاع منه بدرهم فيكون
معلوما بالاجمال الغير الموجب للغرر.
وفي المقام يعلم أن مقدارا من الثمن المعلوم واقع في مقابل ما يملك
وإن كانت النسبة غير معلومة حقيقة ولكن بالتقسيط يعلم تفصيلا، فأصل
الثمن معلوم، وليس مثل: بعتك هذا بما في الكيس الذي لا يعلم أنه أي
مقدار من المال كما لا يخفى.
ومما يدل على عدم كون الجهالة بما هي موجبة للبطلان، أنه لو باع
مال نفسه مع مال غيره مع إذن المالك، فإنه لم يتفوه أحد ببطلان المعاملة
هنا، مع أن الثمن في كل منهما مجهول تفصيلا بجهالة غير موجبة للغرر،
فلو كانت الجهالة من حيث هي موجبة للبطلان مع قطع النظر عن كونها
مستلزمة للغرر فلازمه القول بالبطلان هنا أيضا، فنكشف من ذلك عدم
كونها موجبة لذلك كما لا يخفى.
213

إذن فيبقى في المقام احتمال وجود الاجماع فقط على البطلان، فهو
مقطوع العدم، إذ بعد معروفية عدم الخلاف في الصحة إلا عن الأردبيلي
فكيف يمكن دعوى الاجماع على البطلان، بل الاجماع على الصحة كما
هو واضح.
وكيف كان فمقتضى القاعدة في المقام هو الصحة، ومع الغض عن
ذلك وعدم القول بالصحة بحسب القواعد، فيدل عليها الخبر من
الصفار (1)، من أنه إذ باع مال نفسه مع مال غيره فيبطل في مال الغير ووجب
في مال نفسه، فافهم.
ب - وأما لو قلنا بصحة الفضولي، فإن أجاز فلا كلام لنا فيه، فإن الإذن
اللاحق لا يقصر عن الإذن السابق، فاحتمال الفرق بين الإذن السابق
والإذن اللاحق مجازفة.
وإن رد المالك فيأتي فيه كلما تقدم في صورة القول بفساد العقد
الفضولي من الوجهين.
القول بتقييد الحكم
قوله (رحمه الله): ثم إن صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيد في بعض الكلمات.
أقول: قيد بعضهم صحة البيع في مال نفسه إذا لم يفض الرد إلى
محذور آخر شرعي كلزوم الربا وعدم القدرة على التسليم.
ومثلوا للأول بأنه لو باع درهم نفسه مع دينار غيره بخمسين درهما،

1 - عن الصفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) في رجل له قطاع
أرضين، فيحضره الخروج إلى مكة والقرية بمراحل من منزله - إلى أن قال: - فوقع (عليه السلام):
لا يجوز بيع ما ليس بملك وقد وجب الشراء من البايع على ما يملك (التهذيب 7: 150، الفقيه
3: 153، عنه الوسائل 17: 339)، صحيحة.
214

فإن هذا البيع من حيث المجموع صحيح، كما إذا كان كليهما لنفسه،
وعلل بعضهم ذلك بأن كل جنس يقع في مقابل الجنس الآخر، إلا أنه
علل بعد الوقوع فلا بأس به، فإذا رد المالك البيع في الدينار فما يقع من
الدراهم بعد التقسيط في مقابل الدرهم أكثر منه فيلزم الرباء.
ومثلوا للثاني ما لو باع عبد الآبق لنفسه مع عبد غير الآبق، فرد المالك
البيع في مملوك نفسه فيكون بيع نفسه أيضا باطلا لتمحض البيع بالآبق،
فهو باطل للجهالة ولزوم الغرر، فإن بيع الآبق إنما هو مخصوص بصورة
الضميمة فقط فلا يصح في غير هذه الصورة، ومن هنا لا يصح إجارة
الآبق مع الضميمة أيضا.
ولنا في ذلك كلام حاصله، أنك عرفت أن اتحاد البيع بحسب الصورة
والانشاء لا يضر بتعدده واقعا، وعليه أن بيع دينار غيره مع درهم نفسه
لا يخرج المعاملة عن الربوية على تقدير الامضاء أيضا، كما أن ضم عبد
غيره بعبد نفسه الآبق لا يخرج بيع العبد الآبق عن كونه بيع آبق بلا ضميمة
لفرض تعدد البيع مع الانحلال، إذن فيكون البيع ربويا من الأول وبيع آبق
من الأول.
نعم ثبت جوازهما فيما إذا باع عبد نفسه مع عبده الآبق فإنه ثبت
جوازه شرعا بنص خاص، وإلا فمقتضى القاعدة كان عدم جوازه للغرر.
ومن هنا لا يصح إجارة الآبق مع الضميمة كما تقدم، وكذلك ثبت
شرعا جواز بيع مجموع الدرهم والدينار الذين لنفسه بمجموع الدرهم
والدينار الذين أكثر من ماله، فإن جواز ذلك ثبت بدليل خاص، وأما لو
باع مال غيره كذلك فلا مخرج لذلك عن محذور الربا لكونه منحلا مثل
العام الاستغراقي إلى الأفراد العديدة، وإن كان بينهما فرق من جهة يأتي
في الجهة الثانية.
215

وبالجملة بعد ما لم يكن مجموع الدرهم والدينار أو العبدين لنفس
البايع فيكون البيع منحلا إلى بيعين، فيترتب لكل منهما حكم نفسه،
فيكون البيع ولو مع امضاء الطرف الآخر في مال نفسه ربويا من الأول،
وكذلك في بيع العبد الآبق فيكون باطل من الأول للجهالة. (1)
الجهة الثانية: في ثبوت الخيار للمشتري وعدمه
لا شبهة في عدم ثبوت الخيار للمشتري في صورة العلم بالحال، وبأن
المبيع ليس للبايع بمجموعه وإنما بعضه للغير، كما أنه لا شبهة في عدم
ثبوته للبايع في فرض العلم بذلك، وأما مع جهل المشتري فلا شبهة في
ثبوت الخيار له.
والوجه في ذلك - على ما يأتي في محله المسمى بخيار تبعض
الصفقة - مع أنا قلنا إنه منحل إلى بيعين كالعام الاستغراقي، هو أن
المشتري قد أقدم على اشتراء هذين المالين، مشترطا على البايع في
ضمن العقد ولو بمؤونة القرائن العرفية والانضمام العرفي أن ينضم
أحدهما بالآخر، فإذا خلا عن ذلك الانضمام فيثبت للمشتري الخيار،
وهذا هو المتفاهم بأذهان العرف والعقلاء، فيكون مدرك هذا الخيار هو
تخلف الشرط الضمني كما هو واضح.
ومن هنا تظهر جهة الفرق بين العام الاستغراقي المنحل إلى أفراده
وبين المقام، وبهذا يمكن أيضا دعوى ثبوت الخيار للبايع أيضا إذا جهل
بالحال واعتقد أن المالين له، فإن جهله بالحال يوجب ثبوت الخيار له إذا
ظهر أحدهما مستحقا للغير ولم يمض المعاملة، فإن مقتضى الفهم
العرفي هو أن بيع كل واحد من المالين مشروط بالآخر وأنه يبيعه بهذا

1 - راجع إلى حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 328.
216

العنوان، كما إذا باع الثوب العتيق مع الجديد ببيع واحد ولكن بيعه
الجديد من جهة العتيق وأن العتيق لا يباع منفردا ثم ظهر أن العتيق مال
الغير، فيكون البايع مختارا في الفسخ والامضاء مع العلم بالحال بمقتضى
ذلك الشرط الضمني، فهو أن بيعه هذا مشروط بكون الثوب العتيق له
دون غيره.
وبهذا الملاك ظهر أنه يثبت الخيار للبايع إذا اعتقد أنه وكيل من الغير
في بيع ماله فباع فرسه مع فرس نفسه فظهر أنه ليس بوكيل من قبله، فإن
بيعه هذا كان بحسب الشرط الضمني مشروطا ببيع الآخر فرسه للرقابة
وإلا فلا يبيع، فإذا ظهر أنه ليس بوكيل من قبله ولم يمض أيضا بيعه هذا
فيكون للبايع أيضا خيار هنا، بل يثبت الخيار لكل من البايع والمشتري
في كل مورد تحصل فيه المخالفة بالشرط الضمني بحيث يساعد العرف
والعقلاء على ذلك، بأن يفهم العرف ذلك الاشتراط ولا يكون من قبيل
الاضمار في القلب، كما هو واضح.
الجهة الثالثة: في التقسيط وبسط الثمن إلى أجزاء المبيع مع رد المالك
ألف - في القيميات
وربما قيل في طريق معرفته كما هو المنسوب إلى القواعد واللمعة
والشرايع، من أنهما يقومان جميعا من حيث المجموع ثم يقوم كل واحد
منهما ثم تنسب قيمة كل واحد منهما إلى المجموع من حيث المجموع
فيؤخذ بتلك النسبة فيسترد الثمن من المشتري، كما إذا باع مال نفسه مع
مال الغير بعشرين دينارا فلم يمض الغير ذلك البيع فيقوم كل واحد
بعشرة دنانير والمجموع أيضا بعشرين فنسبة قيمة كل منهما إلى
المجموع بالنصف، فيسترد من أصل الثمن نصف القيمة.
217

فأورد عليه المصنف بما حاصله: أن الأوصاف وإن لم تكن مما تقابل
بالثمن ولا يقسط الثمن إليها وإلى الأجزاء، ولا يقال إن ثمن الفرش
الفلاني يقسط إلى أجزائه وأوصافه، بل متمحض في مقابل الأجزاء
فقط، وإنما الأوصاف قد توجب زيادة الثمن وأنها دخيلة في ذلك كما مر
مرارا عديدة، إذ من البديهي أن أجزاء الفرش ليس لها إلا قيمة الصوف
وأوصافها توجب زيادة تلك القيمة، ولكن في مقام البيع لا يقسط الثمن
إليها وإلى الأجزاء.
وعلى هذا فهذا الضابطة الذي أفيد في المقام إنما يستقيم فيما إذا
لم تكن الهيئة الاجتماعية دخيلة في زيادة الثمن كما هو الغالب، ولعله
لأجل هذه الغلبة التجأ كثير من الأعلام بهذا الضابط، وأما لو كانت الهيئة
الاجتماعية دخيلة في الزيادة فلا يمكن التقسيط بهذا الضابط، كما إذا
كان المبيع مصراعي باب أحدهما لنفسه والآخر لغيره أو زوج خف
أحدهما لنفسه والآخر لغيره، وهكذا مما تكون الهيئة الاجتماعية
دخيلة في ازدياد القيمة، فإنه لو قسط الثمن إلى كل منهما على الضابط
المذكور يلزم فيه المحذور.
مثلا لو كانت قيمة كلا المصراعين معا عشرة وقيمة كل منهما
درهمين، وكان الثمن الذي وقع عليه البيع خمسة، فإنه إذا رجع
المشتري إلى البايع بجزء من الثمن نسبة ذلك الجزء إلى مجموع الثمن
كنسبة الاثنين إلى العشرة، فتكون النسبة بالخمس فيسترد من البايع
بملاحظة هذه النسبة النسبة خمس الثمن، فهو الدرهم الواحد فيبقى
للبايع في مقابل المصراع الآخر أربعة دراهم فيكون ما أخذه من الثمن
أزيد من حقه فإن الثمن متساوية بين المصراعين على الفرض، فما
الموجب لاستحقاق البايع أربعا في مقابل المصراع الواحد والمشتري
واحدا في مقابل مصراع الآخر الذي مال الغير.
218

وبعبارة أخرى أن البايع إنما يستحق من الثمن مع الرد بالمقدار الذي
يستحقه مع الإجازة، فلا شبهة أن ذلك بالنصف مع الإجازة فليكن كذلك
مع الرد أيضا، فما الموجب للازدياد في صورة الرد.
نعم في أغلب الصور التي لا تكون الهيئة الاجتماعية دخيلة في ازدياد
القيمة فالضابط المذكور لا بأس به، سواء كان قيمة كل منهما متساوية أو
متفاوتة كما هو واضح.
ثم وجه المصنف (رحمه الله) هذا الوجه بأخذ النسبة للمشتري، لئلا يرد
عليه النقص بدخالة الهيئة الاجتماعية في زيادة الثمن، وحاصله أن يقوم
المجموع من حيث المجموع ثم يقوم كل واحد مستقلا وينسب إلى
المجموع ويأخذ المشتري تلك النسبة، وباعتبارها يأخذ الثمن من
البايع، وفي المثال المتقدم يسترد الأربعة ويبقي للبايع واحد،
فلا توجب زيادة الثمن بالهيئة الاجتماعية نقصا في المطلب كما هو
واضح.
ثم أورد عليه بأن هذا وأن يسلم من أشكال الزيادة بالاجتماع ولكن
ينتقض بكون الهيئة الاجتماعية موجبة لنقصان القيمة، فإن هذا فرض
ممكن، وهذا كما لو باع جارية مع أمها بثمانية، وكانت قيمة كل واحدة
منهما بعشرة، فإنه لا شبهة في عدم ترتب النفع على صورة الاجتماع
الذي يترتب على غير صورة الاجتماع، لعدم جواز الجمع بين البنت
والأم، ومن هنا تقل قيمة صورة الاجتماع، فلو أخذت النسبة للمشتري
فيلزم حينئذ للمشتري أن يجمع بين الثمن والمثمن، فإنه يسترد من
البايع على هذا تمام العشرة، فيبقي الجارية الأخرى للمشتري بلا ثمن
لكون قيمة أحدهما المنفردة إلى مجموع القيمتين نسبة الشئ إلى
مماثله.
219

ثم بعد ما لم تتم هاتان الصورتان التجأ المصنف إلى وجه آخر،
وحمل عليه كلام القواعد واللمعة والشرايع، وهو ما اختاره في
الإرشاد، وحاصله أن يقوم كل واحد منفردا من دون أن يقوم المجموع
من حيث المجموع ثانيا، ثم يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه
كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.
مثلا إذا باع مجموع المالين بثلاث دنانير وقوم مال الغير بأربع دنانير
ومال البايع بدينارين، فيرجع المشتري بثلثي الثمن، إذن فيسلم ذلك من
اشكالي الزيادة والنقيصة.
وأشكل عليه السيد (رحمه الله) في حاشيته (1) بأن هذا إنما يتم فيما كانت
الهيئة الاجتماعية موجبة للزيادة أو النقيصة بالسوية، وأما لو أوجبت
ذلك بالتفاوت فلا يتم، مثلا إذا كان أحدهما يزيد قيمته بالانضمام
والآخر تنقص قيمته به، يلزم على طريقة المصنف (قدس سره) فيما إذا قوم
أحدهما منفردا باثنين ومنضما بأربعة والآخر منفردا بأربعة ومنضما
باثنين، أن يكون لمالك الأول ثلث الثمن ولمالك الثاني ثلثاه، مع أن قيمة
مال الأول في حال الانضمام ضعف قيمة مال الثاني في تلك الحال،
فينبغي أن يكون للأول الثلثان وللثاني الثلث، وهكذا في سائر
الاختلاف.
ومن هنا اختار مذهبا آخر، وهو أن يقوم كل منهما منفردا لكن
بملاحظة حال الانضمام لا في حال الانفراد، ثم يؤخذ لكل واحد جزء
من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين، وعلى هذا فيسلم
من جميع الاشكالات في جميع مراتب الاختلاف من دون لزوم محذور
في ذلك، لا في صورة زيادة القيمة بالاجتماع ولا في صورة نقيصته

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 185.
220

بذلك، ولو كان ذلك الاختلاف بالتفاوت لا بالسوية فإن تقويم كل واحد
بقيد الانضمام يوجب تقسيط المجموع من حيث المجموع إلى الأفراد
بلا زيادة ونقيصة، فلاحظ ذلك بالأمثلة، ثم احتمل رجوع ما ذكره
الجماعة من تقويم كل واحد منفردا إلى ذلك، بأن يكون مرادهم بالانفراد
هو الانفراد بقيد الانضمام لا الانفراد بما هو انفراد.
وهذا الذي أفاده السيد (رحمه الله) من الجودة بمكان كما هو واضح.
ب - في المثليات
وأما المثلي، فقد فصل المصنف فيه بين ما كانت الحصة مشاعة فقسط
الثمن على نفس المبيع، وإن كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما
في القيمي، من ملاحظة قيمتي الحصتين وتقسيط الثمن على المجموع،
ثم أمر بالتفهيم.
وفيه أنه لا وجه لهذه الكيفية في التقسيط على وجه الاطلاق، لا في
المشاع ولا في المفروض، لامكان أن يكون المثلي مشاعا، ومع ذلك
تتفاوت قيمة حصة كل منهما بتفاوت الحصتين في المقدار، كأن يكون
لأحدهما تسعة أمنان من الحنطة وللآخر من واحد، لبداهة تفاوت
الأثمان بتفاوت العروض قلة وكثرة، فإن المبيع كلما كثر رخص وكلما
قل غلى، وإن كان حصة كل منهما من صبرة واحدة وعلى نسق واحد
في الجودة والرداءة كما هو المفروض على الإشاعة، ولامكان أن يكون
المثلي مفروض ويكون مع ذلك كل من النصيبين من كومة واحدة وصبرة
خاصة، فيجب أن يقابل كل حصتي البايع والمشتري بما يخصه من
الثمن، فيكون كالمثلي المشاع لا كالقيمي.
221

لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار
قوله (رحمه الله): لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار.
أقول: لو قال: بعت نصف الدار، فهل المراد منه نصف المشاع أو
النصف المختص، بعد العلم بعدم إرادة حصة الشريك واحتياجه إلى
المؤونة الزايدة.
تارة يعلم من القرائن الخارجية أو بتصريحه أن البايع أراد الشقص
الخاص والنصف المعين من نصف نفسه أو نصف شريكه، فلا كلام لنا
فيه، فحكم ذلك معلوم على تقدير قصد مال نفسه أو مال غيره.
وأخرى يقول: إني أريد من كلامي هذا: بعت نصف الدار، ما يكون
لفظ النصف ظاهرا فيه، فهو على قسمين: لأنه تارة يكون المراد به ما
يكون لفظ النصف ظاهرا فيه بنفسه، ويكون المقصود مفهومه من دون
القرائن الخارجية، فيكون المراد الجدي للمتكلم معلوما من ذلك،
وأخرى ما يكون ما تكلم به من الجملة المركبة ظاهرة فيه من بعت نصف
الدار مع ملاحظة خصوصية النسبة والإضافة إلى نفسه والتصرف فيه.
وقد خص السيد (رحمه الله) في حاشيته (1) مورد كلام المصنف هو بالقسم
الثاني، أي ما يكون النظر فيه إلى مفهوم النصف فقط بلا توجه إلى ما
تقتضيه القرائن الخارجية، وأورد عليه بأنه على هذا لا يبقي مجال
للتمسك بظهور المقام أو غيره من كون التصرف وإضافة البيع إلى نفسه
ظاهران في نصف نفسه في مقابل ظهور النصف في الإشاعة، إذ الرجوع

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 186.
222

إلى الظهورات إنما هو لتشخيص المرادات، والمفروض أن المتكلم
لم يقصد خصوصية ملكه أو ملك غيره، وإنما قصد مفهوم النصف الذي
مقتضاه ليس إلا الإشاعة، فإن المفروض أنه لم يقصد خصوصية ملكه بل
يكون لفظ النصف ظاهرا فيه.
وفيه أن السيد لم يتصور ظاهرا قسما آخر هنا، ولذا جعل مورد كلامه
ما يكون المقصود مفهوم النصف بلا لحاظ القرائن الخارجية، وهو متين
لو كان مراده هذا، وكان حينئذ جعله ما يقتضيه مفهوم النصف معارضا
بما تقتضيه القرائن الخارجية مناقضة واضحة، إذ بعد كون المقصود هو
مفهوم النصف فقط، فلا مجال لهذه المعارضة ودعوى القرائن على
خلافه.
وإنما المراد معلوم بلا شك، ولكن مراده ليس هو الشق الأول بل
الوجه الثاني الذي هو الوجه الثالث، وقوله: ففيه احتمالان، أي ما
يحتمل أن يراد منه النصف المختص أو النصف المشاع منحصر بهذا
القسم، وإلا لو كان مراده هو الأول لم يكن موردا لوجهين بل كان
متمحضا لإرادة النصف المشاع فقط بظهور لفظ النصف فيه، ولم يكن
النصف المختص محتملا لعدم جريان القرائن الخارجية فيه بوجه، إذن
فلا يكون هذا القسم موردا للكلام كما في حاشية السيد، وعلى هذا
فلا يرد عليه ما أورده السيد.
نعم يرد عليه أن مورد الكلام ليس هو القسم الثالث فقط، بل هنا قسم
رابع الذي جعله السيد مورد لكلامه بعد رده كلام المصنف على زعمه،
وهو ما يكون مراد البايع من النصف شيئا معينا من نصفه المختص أو
المشاع في الحصتين، ولم يعلم التعين مع كونه معينا واقعا وفي علم
البايع إلا أنه أجمله، فيكون ظهور كلامه حجة هنا أيضا من إرادة الفرد
المعين، فيكون داخلا في الكلام.
223

فحينئذ يقع الكلام أيضا في أن المراد من ذلك أي شئ هل هو نصفه
المختص أو المشاع ليكون من كل منهما الربع أو نصف الشريك،
وحيث لم يتصور السيد هنا قسما آخر مع رده القسم الثاني جعل هذا
مورد لكلامه فقط، ولكن عرفت أن محط كلام المصنف هو القسم الثالث
لا ما زعمه السيد من القسم الثاني الذي لا يحتمل أن يكون مراده ذلك،
كما هو واضح من كلامه.
وربما يقال بعدم امكان جعل القسم الثالث موردا لمحط النزاع بل
لا بد من تخصيص محل النزاع بما ذهب إليه السيد (رحمه الله)، إذ لو كان القسم
الثالث هو محط النزاع فلازمه أن لا يعلم أن البيع في ملك من وقع هو البايع
أم الشريك الآخر، فالجهل بالمالك يوجب بطلان البيع.
وفيه أنك عرفت سابقا أن الجهل بالمالك لا يضر بصحة البيع بعد العلم
بالمبيع، وأن حقيقة البيع عبارة عن المبادلة بين المالين، فمعرفة المالك
ليست بدخيلة في صحة البيع إلا إذا كان تعيين المبيع محتاجا إلى معرفة
المالك، فبدونها لا تعيين للمبيع بل ولا تحقق له، كما إذا كان المبيع كليا
في الذمة فإنه لا تعيين لذلك إلا بإضافة إلى شخص خاص معين، فلو قال:
بعتك منا من الحنطة في ذمة رجل، لبطل البيع، وأما في غير تلك الصورة
فلا دليل على وجوب تعيين المالك كما لا يخفى.
إذن فالقسم الثالث أيضا داخل في محل النزاع، لعدم اضرار الجهل
بمالك المبيع كما لا يخفى، فافهم.
بيان آخر في مقام تعين المراد من النصف في مقام الاثبات
ثم إن المصنف في مقام تعين المراد في مقام الاثبات قد احتمل
الوجهين في مثل هذا الكلام وقول البايع: بعت نصف الدار، من إرادة
224

نصف المختص أو نصف المشاع، ومنشأ الاحتمالين أما تعارض ظاهر
النصف أعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في
مثل المقام من مقامات التصرف إلى نصفه المختص، وإن لم يكن له هذا
الظهور في غير المقام أو تعارضه مع ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه،
لأن بيع مال الغير لا بد فيه إما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه، وأما
من بنائه على تملكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب، والكل خلاف
المفروض هنا.
ثم ذكر أنه مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين قول البايع: بعت
غانما، مع كون الاسم مشتركا بين عبده وعبد غيره، حيث ادعى فخر
الدين (1) الاجماع على انصرافه إلى عبده، فقاس عليه ما نحن فيه، إذ ليس
للفظ البيع هنا ظهور في عبد الغير، فيبقى ظهور البيع في وقوعه لنفس
البايع وانصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف سليمين
عن المعارض، فيقربها اجمال لفظ المبيع، هذا ما أفاده المصنف مبنيا
على حفظ الظهور للفظ النصف، ولكنه فاسد.
والتحقيق هو تقديم ظهور النصف الذي هو النصف المختص على
القرائن الخارجية بعد العلم بعدم إرادة نصف الشريك لكونه مفروغا عنه
وإرادته محتاجة إلى القرائن التي منتفية هنا.
بيان ذلك أن النصف بعد كونه ظاهرا في النصف المشاع بين البايع
لتصرفه والشريك الآخر فلا يمكن رفع اليد عنه بالقرائن الخارجية أعني
ظهور الانشاء، أما ظهور الانشاء فبانا نمنع كونه ظاهرا في كون البيع للبايع
بعد ما صح بيع مال الغير، بل كما أنه ظاهر في بيع مال نفسه وكذلك ظاهر
في بيع مال غيره أيضا إلا في بيع الكلي، حيث إنه لا يمكن إلا بإضافة البيع

1 - إيضاح الفوائد 1: 421.
225

إلى نفسه، فيكون هذا قرينة على إرادة البيع لنفسه، إذ لا معنى لبيع الكلي
في ذمة الغير لعدم التعين، كان يقول: بعت منا من الحنطة في ذمة رجل،
والمفروض أن المبيع في المقام ليس كليا بل أمر معين كما هو واضح،
على أنه يكون قرينة موجبة لرفع اليد عن ظهور البيع في الإشاعة إذا
لم يكن للكلام ظهور في مورده.
فسيأتي في الوجه الثاني من القرائن أن مورد البيع هو النصف المشاع
ابتداء، فلا يمكن رفع اليد عن ظهوره، وأما ظهور التصرف في كون المبيع
مآل نفسه فيحكم بكون النصف للبايع.
ففيه أن هذا الظهور وإن كان لا ينكر وأنه قرينة على إرادة مال نفسه
ورفع اليد عن ظهور النصف، إلا أنه لا يمكن الأخذ به ورفع اليد عن
ظهور النصف في الإشاعة، وذلك لأنه إنما يكون إذا كان الكلام مجملا
ولم يكن له ظهور في مورده، وإلا فلا وجه لرفع اليد عنه والمصير إلى ما
تقتضيه القرائن.
وفي المقام أن النصف له ظهور في الإشاعة الذي مقتضاه كون الربع من
مال البايع والربع الآخر من مال الغير ليكون محتاجا إلى الإجازة، وبعد ما
كان مورد البيع هو ذلك فلا وجه لرفع اليد عنه، إذ هو كرفع اليد عن ظهور
البيع في مال الغير ابتداء في سائر الموارد.
مثلا لو كان للشئ معنى حقيقي ومعنى مجازي وقال أحد: بعت
الشئ الفلاني، وكان ذلك الشئ بمعناه الحقيقي شخص آخر موجودا
عند البايع، وبمعناه المجازي كان لنفسه، فهل يمكن رفع اليد عن ظهور
كون البيع للغير وإرادة المعنى المجازي بدعوى أن ظاهر التصرف كون
المال لنفسه، فلا وجه لذلك بعد كون مورد البيع هو مال الغير وهكذا
وهكذا.
226

وبالجملة أن النتيجة هو أن مقتضى كون النصف ظاهرا في النصف
المشاع وواردا على المال المعين في الخارج، هو أن المبيع هو النصف
المشاع المشترك بين المالك الشريك والبايع، فيكون ربع الدار مبيعا من
حق البايع وربعها مبيعا من الشريك ومحتاجا إلى الإجازة لكونه فضوليا
كما لا يخفى، فلا يمكن رفع اليد عن ظهوره الذي هو مورد البيع بالقرائن
الخارجية، وإنما ذلك في صورة عدم ورود الكلام على مورد المعنى
الحقيقية، وإلا فلا وجه لرفع اليد عنه كما هو واضح، فلا يكون الكلام
ظاهرا في النصف المختص كما ذهب إليه المشهور.
هذا كله مع ملاحظة ظهور لفظ النصف في الإشاعة، وأما إذا أنكرنا
ذلك كما هو كذلك فيكون المقام مثل بعت الغانم المشترك بين عبد نفسه
وعبد جاره.
وتوضيح ذلك أن لفظ النصف لم يوضع في اللغة للنصف المشاع بل
لمطلق النصف من الشئ، ولا أنه منصرف إلى النصف المشاع عند
اطلاقه، وعليه فلا وجه لدعوى اختصاصه بالنصف المشاع فيكون
الغرض منه في المقام هو الكلي.
وتوهم أن البايع لم يقصد خصوصية ملكه فلا يمكن الحمل عليه كما
في حاشية السيد فاسد، فإن النصف مع قطع النظر عن قصد خصوصية
الملك كلي يحتمل أن يكون النصف الذي يختص بنفسه أو بشريكه أو
النصف المشترك بين البايع والشريك وحينئذ، فيكون ظهور كلامه في
كون المراد من النصف نصف نفسه فيكون مثل بيع الغانم، فيرتفع
الاجمال بواسطة ظهور الكلام في بيع نصفه المختص.
وذلك فإنه وإن صح بيع مال الغير فضولة ولكن مقتضى كونه مال الغير
227

يمنع عن شمول: أوفوا بالعقود (1) للبايع، وإنما يشمل المالك المجيز
حين إجازته.
وفي المقام بعد منع كون النصف ظاهرا في النصف المشاع لا وضعا
ولا انصرافا، لا دافع لشمول دليل الوفاء بالعقد على عقد البايع، فإذا كان
هو المخاطب بالوفاء بالعقد فيكون المبيع هو النصف المختص، كما أن
الأمر كذلك في بيع الغانم المشترك بين عبده وعبد الغير، فكما أنه
لا موجب لدفع ظهور بيع الغانم عن الغانم نفسه، فكذلك في المقام لكون
النصف هنا أيضا مشتركا بين نصفه المختص أو المشاع أو نصف
الشريك، فكان ظهور البيع في بيع الغانم في بيع نفسه برفع الاجمال
فكذلك في المقام بلا زيادة ونقيصة، فكما أن البايع في بيع غانم مخاطب
بدليل الوفاء بالعقد وهكذا هنا أيضا، فافهم.
وعلى هذا فيصح ما ذهب إليه المشهور، من كون الكلام ظاهرا في
النصف المختص دون المشاع أو حصة الشريك.
ومن هنا ظهر الفرق بين المقام وبين مسألة الاقرار بأن نصف الدار أزيد
مع كونها مشتركة بالإشاعة بين المقر وشخص آخر، حيث إن الاقرار
اخبار عن الواقع، فيكون اقراره بنصف الدار للغير اخبارا عن واقع نصف
الدار لا في نصفه المختص، فهو مشترك بين المقر وشريكه الآخر،
فحيث إن الاقرار بالنسبة إلى الربع في حقه وبالنسبة إلى الربع الآخر في
حق الغير فيكون اقراره بالنسبة إلى ربع شريكه لغوا دون ربع نفسه.
وهذا بخلاف البيع، فإنك عرفت أن النصف كلي يصدق على نصف
نفسه ونصف غيره، فظهور البيع بمقتضى أوفوا بالعقود يوجب كونه
نصفه المختص دون المشاع، بل إرادة النصف للمشاع بحيث يكون

1 - المائدة: 1.
228

معنى بعت نصف الدار بعت ربعا من حصتي وربعا من حصة شريكي،
ليكون المراد من النصف النصف المشترك بين البايع وشريكه لا نصفه
المختص من خلاف الظهور بمكان كاد أن يلحق بالأغلاط من دون قرينة
عليه، فضلا عن يكون هو الظاهر من اللفظ.
ومن هنا ظهر حكم ما لو أصدق الزوج المرأة عينا معينا فوهبت نصفها
المشاع من الزوج قبل الطلاق استحق النصف بالطلاق لا نصف الباقي
وقيمة النصف الموهوب، وإن هذا من قبيل ما نحن فيه وأن النصف
يصدق على النصف الباقي، فيدخل تحت قوله تعالى: فنصف ما
فرضتم (1).
فيكون تمليك الزوجة الزوج نصف الصداق منطبقا على النصف الآخر
كما هو واضح، وأن إرادة الربع من النصف الموهوب والربع الآخر من
النصف الباقي من خلاف الظهور بمكان.
وبالجملة أن مقتضى الظهور وفهم العرف كون المراد بالنصف هو أن
الباقي حق للزوج، فبحصر حق الزوجة بالنصف الموهوب من باب
انحصار الكلي بالمصداق يتعين حق الزوج بالباقي وإرادة النصف
المشترك بين الموهوب والباقي خلاف الظاهر، فضلا عن أن يكون
موضوعا له أو منصرفا إليه، وإذن فلا وجه لتوهم المنافاة بين هذه
المسألة وما نحن فيه.
بيان ثالث في مقام تعين المراد من النصف في مقام الاثبات وتطبيقه في سائر
الموارد
وكان كلامنا في مسألة بيع نصف الدار وملك النصف، فقد ادعى

1 - البقرة: 237.
229

المصنف تعارض ظهور النصف في النصف المشاع وظهور البيع
والتصرف في النصف المختص.
وقد قلنا إن ظهور النصف يتقدم على الظهور الآخر، ولكن لا نسلم
ظهور النصف في المشاع لا بالوضع ولا بالانصراف، بل المتبع إنما هو
ظهور البيع في الحصة المختصة، فيكون ظهور البيع في بيع مال نفسه كما
هو الظاهر في جميع الموارد إذا لم تكن قرينة على الخلاف، فإن النصف
وإن كان حقيقة في النصف المشاع أيضا ولكن ظاهر البيع أن الشخص
يبيع مال نفسه فيشمله دليل الوفاء، لكون ذلك الظهور متبعا ما لم تقم
قرينة على الخلاف، فيكون المقام مثل بيع الغانم المشترك بين عبد نفسه
وعبد غيره المعين، بظهور البيع في عبد نفسه فيرفع الاجمال به.
ألف - الاقرار
ولا ينافي ذلك مسألة الاقرار بكون نصف الدار لزيد مثلا المحمول
على النصف المشاع، بحيث يكون النتيجة أن الربع من مال المقر، وذلك أن ظهور البيع كما عرفت أنه متعلق على ماله، وهذا بخلاف الاقرار فإنه
اخبار عن الواقع، فمفاده أن نصف الدار واقعا لزيد لا النصف المختص
لي، فظاهر ذلك هو النصف المشاع مع قطع النظر عن حصة نفسه وعن
حصة الغير، فيلزم له الربع لأن الاقرار بمقدار ثابت عليه، وأما بالنسبة إلى
الربع الآخر فاقرار في حق الغير فلا ينفذ إلا أن تكون هناك قرينة على
إرادته من النصف النصف المختص فهو اقرار آخر، وبالجملة هذه
المسألة أجنبية عن المقام بتمام الجهة.
ب - الطلاق
وأما مسألة الطلاق، فهي عين محل الكلام، وهي أنه لو زوج أحد
230

امرأة فوهبت الزوجة نصف مهرها للغير ثم طلقها الزوج فيتعين حقه
بالنصف الباقي المشاع، فيكون مختصا به وخارجا عن الإشاعة بمقتضى
قوله تعالى: فنصف ما فرضتم (1)، لا أن حق الزوج هو النصف الباقي أعني
ربع الكل وقيمة نصف التالف، فلا تنافي بين ما ذكرناه هنا وبين هذه
المسألة.
ج - الصلح
وأما مسألة الصلح، فلا وجه لتوهم تنافيها لما ذكرناه أيضا لخروجها
عن المقام، فهي أنه لو أقر من بيده المال بكون نصفه لأحد المدعيين وكان
هذا المدعي يدعي نصف بالسبب المشترك بينه وبين المدعي الآخر
كالأخوة مثلا، ثم صالح المقر له النصف المقر به للمقر، فلا ينفذ هذه
المصالحة إلا في الربع أعني نصف المقر به.
فإن نتيجة ضم أحد الاقرارين بالآخر أن النصف المقر به مشترك بين
المدعيين، فتكون المصالحة بالنسبة إلى الربع الآخر الذي نصف المقر به
وحق للمدعي الآخر فضولية، فيحتاج إلى إجازة المدعي الآخر كما
لا يخفى، وهذا كما تري لا ارتباط لها بمسألتنا التي كلامنا فيها.
د - الاقرار بالشريك الآخر
وأما مسألة الاقرار بالشريك الآخر، كما إذا كان المال بين الشخصين
بالنصف، فأقر أحدهما بكون الثلث للثالث وكون التقسيم بينهم أثلاثا
بالنصف، وأنكر الشريك الآخر، فحمل الاقرار على الثلث المشاع من
العين كما في المتن، فيكون ثلث العين للثالث.

1 - البقرة: 237.
231

وحينئذ فإن تعدد المقر لتعدد الشركاء وكانوا عدولا فيكون اقرارهم
هذا شهادة فيتبع به، وإن لم يتعدد المقر ولم يكن عدولا في صورة
التعدد فيكون اقرار أحدهما بالشريك الثالث مأخوذا في حقه فقط،
فيكون ما بيده من النصف نصفا بين المقر والمقر له، لا أنه يكون ثلث ما
بيده له وثلث الباقي.
لأن المنكر وإن كان معذورا في عقيدته في الظاهر، ولو كان الواقع
على خلاف عقيدته ولكنه غاصب بزعم المقر السدس وظالم لذلك
بتصرفه في النصف، لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث، فالسدس الفاضل
في يد المنكر نسبته إلى المقر والمقر له على حد سواء، فإنه قد تألف من
العين المشتركة فوزع على الاستحقاق.
ودعوى أن مقتضى الإشاعة تنزيل المقر به على ما في يد كل منهما
فيكون في يد المقر سدس وفي يد المنكر سدس، كما لو صرح بذلك
وقال إن له في يد كل منهما سدسا واقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير
مسموع، فلا يجب إلا أن يدفع إليه ثلث ما في يده وهو السدس المقر به
وقد تلف السدس الآخر بزعم المقر على المقر له بتكذيب المنكر
مدفوعة بأن ما في يد الغير ليس عين ماله، فيكون كما لو أقر شخص
بنصف كل من داره ودار غيره في صورة الافراز، بل هو مقدار حصته
المشاعة كحصة المقر وحصة المقر له بزعم المقر، إلا أنه لما لم يجبر
المكذب على دفع شئ مما في يده فقد تلف سدس مشاع يوزع على
المقر والمقر له، فلا معنى لحسابه على المقر له وحده، وهذا واضح
جدا كما في المتن.
وهذا بخلاف صورة الاقرار، فإن كل من الشخصين وضع يده على مال
معين، فحق المقر له بالنسبة إلى ما في يد المنكر قد تلف بإذن الشارع في
232

الظاهر ما لم يثبت دعواه، فاقرار الشخص الآخر بثلث ما في يد نفسه
وثلث ما في يد الغير لا يوجب الاثبات، إلا أنه في مقام الترافع يكون من
الشهداء على المنكر.
وأما المنكر فمعذور على عقيدته اعتمادا على أصالة عدم كون ما
بيده ملكا للمقر له ولو عند الشك، والمقر فقط بمقتضى اقراره ملزم على
الأداء لكونه حجة عليه دون المنكر، وإن لم يدع العلم بكون ماله، بل
يكفي ولو مع دعوى الشك وعدم العلم على الواقع لكفاية يده وأصالة
عدم كونه ملكا للمقر له في كون ما بيده ملكا له.
ه‍ - الاقرار بالنسب
وأما مسألة الاقرار بالنسب بعد ثبوت القسمة وثبوت حق كل من
الوارث في يده عين ما ذكرناه أيضا، من كون ما في يده مشتركا بين المقر
والمقر له، وليس بينهما تنافي إلا على الاحتمال ذكره السيد في
حاشيته (1)، ولنتعرض له فتكون موافقة للقاعدة وفتوى المشهور هنا،
بحمل ذلك على الإشاعة وعدم كون ما في يد المقر نصفا بينهما، بل
يعطي الزائد من حقة فقط فتكون البقية على الوارث الآخر فيكون التلف
بإذن الشارع في الظاهر في تصرفهم في ذلك ما لم يثبت خلافه.
وهذا إنما هو من جهة بعض الروايات الضعيفة المنجبرة بعمل
المشهور، وإلا فكان مقتضى القاعدة هو ما ذكرناه، من كون ما هو في يد
المقر مشتركا بين المقر والمقر له بالنصف مثلا.
ولكن يرد عليه أنه مضافا إلى عدم جبر ضعف الرواية بالشهرة أن
دلالتها أيضا غير تام، فإن الموجود فيها أنه شريك في المال ويلزم ذلك

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 196.
233

في حقه أو حصته بقدر ما ورث ولا يكون ذلك في ماله كله (1)، فمن الواضح
أن كون الآخر شريكا في المال أو ثبوت حقه في حق المقر ليس معناه أن
للمقر له حق في حصته مشاعا، بل يمكن أن يكون على النحو الذي
ذكرناه على طبق القاعدة كما لا يخفى، فافهم.
فتحصل مما ذكرناه أن مقتضى القاعدة في المقامين ثبوت حق المقر
والمقر له في ما بيد المقر على النصف وكون الفائت بالنسبة إليهما على
حد سواء، وفي مسألة الاقرار بالنسب وإن أفتى المشهور على خلاف
القاعدة وكون حق المقر له مشاعا بالنسبة إلى المقر والطرف الآخر
ولزوم الزائد عن حق المقر على المقر، ولكن ذلك لأجل الأخبار
الخاصة وقد عرفت ضعفها سندا ودلالة.
ثم قد أبد الفرق صاحب الجواهر بين المسألتين والتزم بكون المقر
والمقر له بالنسبة إلى ما في يد المقر والفائت على حد سواء في المسألة
الأولى، وبنحو المشاع في مسألة الاقرار بالنسب، وقال في وجه ذلك
على ما في حاشية السيد (2):
يمكن أن يقال: إن فتوى المشهور في كل من المقامين على القاعدة،
والفرق بينهما أن في المقام التلف للمال المشترك على حسب اقرار
المقر مستند إلى يد المقر، حيث إنه أثبت اليد على النصف الذي ثلثه

1 - عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: قضى علي (عليه السلام) في رجل
مات وترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث،
ولا يكون ذلك في ماله كله، وإن أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا، وكذلك أن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما
يلزمه في حصته (التهذيب 6: 198، 9: 163، الإستبصار 3: 7، 4: 114، قرب الإسناد: 25، الفقيه
3: 117، عنهم الوسائل 19: 325)، ضعيفة بوهب بن وهب أبي البختري.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب: 196.
234

مشترك بين المقر والمقر له فيكون محسوبا عليهما، وفي مسألة الاقرار
بالنسب ليس مستندا إلى اليد بل هو من جهة مجرد انكار المنكر
لخصوص حصة المقر له، وإلا فلا أثر لليد لأن المفروض كون المال تركة
للميت ولا يد لأحد عليها غيره.
وحينئذ فنقول: إن المقر له معترف بأن للمقر ثلث التركة إذا كانوا
ثلاثة إخوة مثلا فلا بد أن يصل إليه حصته، والقدر التالف إنما تلف على
خصوص المقر له من جهة عدم اعتراف الأخ المنكر بكونه وارثا.
وإلى ذلك أشار في الجواهر حيث قال بعد العبارة التي نقلناها في بيان
الفرق بين المقامين: أو يقال: إن المأخوذ في الأول قد كان بسبب شرعي
يعم الشريكين وهو اليد بخلاف الثاني، فإنه قد أخذ بسبب يخص الأخ
المنكر وهو اقراره بأخوة من أنكر، وذلك أمر يخص الأخ المنكر دون
الأخ المقر الذي قد اعترف الثلاثة بأخوته، ولم ينقص المال بسبب
شرعي يعمه، بل كان ذلك بأمر يخص خصوص المتخاصمين وهو
الاقرار من أحدهما بالآخر وانكار الآخر إياه، وذكر في باب الصلح أيضا
ما يفيد ذلك، وكذا في باب الاقرار بالنسب فراجع.
ومحصل كلامه في مسألة الأولى قد استند التلف إلى يد المقر، وفي
الثانية إلى خصوص المتخاصمين، ولكن لا محصل لذلك، ولا يكون
هذا وجه الفرق بينهما، بل في المقامين الأمر كما ذكر، إذ المقر في كلتا
المسألتين قد أقر الثلاثة بأخوته.
وبالجملة لم يتحصل من كلامه هذا شئ في وجه الفرق بين المقامين
والحق ما ذكرناه.
وقال شيخنا الأستاذ (1) إن المقر لم يقر أزيد ما يزيد من حقه المختص

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 328.
235

به من أصل المال، لأنه أقر بأن ثلث أصل المال للمقر له، فيكون الزائد
مما يستحق هو السدس والسدس الآخر باقيا في النصف الذي تحت يد
الطرف الآخر المنكر للشريك الثالث، ولم يقر أن ما في يدي نصفه
للثالث وإلا فهو خلاف الإشاعة.
وفيه أن هذا وإن كان صحيحا، وقد أشار إليه المصنف في كلامه
بقوله: ودعوى أن مقتضى الإشاعة - الخ، وأجاب عنه، ولكن نكتة الكلام
هو أن أصل المال على حسب اقرار المقر مشترك بين الثلاثة أثلاثا،
فلا موجب لكون المقر مالكا لما في يده بمقدار حصته ويكون الزائد في
ما يستحقه للشريك الثالث المقر له إلا القسمة، فلا شبهة أنها غير
مشروعة إذ ليست برضاية الشركاء أجمع فيكون باطلة.
إذن فليس النصف الموجود في يد المقر إلا نصف المال المشاع بين
الثلاثة، فحيث إن من بيده النصف الآخر أعني المنكر بحسب اعتقاده
يرى نفسه مالكا لما في يده وإن كان الواقع على خلافه لأن مقتضى يده
بل مقتضى أصالة عدم كون الثالث مالكا هو ذلك وإن لم يدع كونه مالكا
قطعا، بل يدعي أنني لا أعلم غيري مالكا لذلك النصف، فيكون دعواه في
الظاهر عن حجة شرعية ما لم يعم دليل على الخلاف، وأما المقر الذي
في يده نصف الآخر فهو مقر بأن الثلاثة كلهم مشتركون في أصل المال،
فيكون ما في يده نصف المال المشاع المشترك بين الثلاثة، فبعد قطع يد
الطرف الآخر بأخذه النصف فيكون هذا النصف مشتركا على الإشاعة بين
المقر والمقر له ويكون الفائت عليهما.
وليس ذلك إلا نظير ما أخذ الغاصب من المال المشترك المشاع مقدارا
عدوانا فبقي المقدار الباقي في يد أحد الشركاء، إذ لا يوجب ذلك
اختصاص ذي اليد بمقدار حقه بذلك المال بل الباقي والفائت بين
الشركاء على حد سواء.
236

غاية الأمر أن في المقام أن الطرف الآخر بزعمه ليس غاصبا بل إنما
يتملك النصف مستندا إلى الحجة الشرعية من أصالة عدم كون الثالث
شريكا لهم، وفي مسألة الاقرار بالنسب أن أصالة عدم كون الثالث ورثة
وشريكا معهم كما هو واضح فلا شبهة فيه.
وهذا النكتة قد سقط من كلام شيخنا الأستاذ وإلا فلم ينكر أحد أن
المقر لم يقر بنصف ما في يده بل بثلث أصل المال، ليكون بالنسبة إلى ما
في يده السدس.
حكم النصف المعين
هذا كله في النصف المشاع، وأما النصف المفروض فقد ظهر حكمه
من أول المسألة إلى هنا، فلو قال بعت نصف الدار المعين وكان حق كل
من البايع وشريكه الآخر مفروضا، فيحمل على نصف نفس البايع لا على
نصف شريكه، فيكون ذلك أيضا من قبيل بيع الغانم فإن ظهور البيع في
كونه لنفسه ما لم تقم قرينة على الخلاف.
لو كان بالنسبة إلى النصف الآخر أيضا جائز التصرف
ثم هذا كله فيما كان أجنبيا بالنسبة إلى النصف الآخر، وأما لو كان
بالنسبة إلى النصف الآخر أيضا جائز التصرف، كأن يكون وكيلا من قبله
أو وليا له، فهل يحمل البيع هنا أيضا على نصف نفسه أو النصف الغير
المختص.
وقال شيخنا الأنصاري (رحمه الله) إنه لو كان البايع وكيلا في بيع النصف أو
وليا عن مالكه فهل هو كالأجنبي وجهان، مبنيان على أن المعارض
لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ البيع إلى مال البايع في مقام
التصرف أو ظهور التمليك في الأصالة، الأقوى هو الأول.
237

ولكن الظاهر أنه لا فرق بين المقامين، فإن قلنا إن النصف له ظهور في
النصف المشاع فيقدم على كل من الظهورين، إذ ظهور البيع في بيع نفسه
أو ظهور التمليك في الأصالة إنما يتقدم على ظهور النصف في المشاع،
إذا لم يرد على مال غيره، وقد فرضنا أن له ظهور في وروده على مال
الغير فلا يعارض شئ من الظهورين لذلك، وإن لم نقل بظهور النصف
في النصف المشاع وإن كان حقيقة فيه أيضا، ولكنه من باب كونه مصداقا
لكلي النصف الشامل له وللنصف المختص وللنصف المختص
لشريكه، وأما اختصاصه بالمشاع فلا لا وضعا ولا انصرافا.
وعليه فلا وجه لرفع اليد عن ظهور البيع في بيع نفسه، سواء كان جائز
التصرف في النصف الآخر كما في صورة الولاية والوكالة، أو لم يكن
جائز التصرف، وبالجملة المثال في الأجنبي وغيره واحد، فلا وجه
للتفريق بوجه، فافهم (1).
-
1 - إلى هنا تم الجزء الرابع من الكتاب حسب تجزئة المؤلف (رحمه الله)، وذكر: كان الفراغ من
تسويد هذه الصحائف يوم الأحد شهر شعبان سنة ويتلوه إن شاء الله تعالى المجلد الخامس.
238

بيع ما يقبل التملك مع ما لا يقبله
قوله: مسألة: لو باع ما يقبل التملك وما لا يقبله كالخمر والخنزير صفقة بثمن
واحد.
أقول: لو باع ما يملك وما لا يملك قسط الثمن إليهما، فيصح فيما
يملك ولا يصح فيما لا يملك على المشهور، لوجود المقتضي وعدم
المانع.
أما وجود المقتضي فلأنه وإن كان بيعا واحدا ولكنه منحل إلى بيوع
متعددة، فيبطل بالنسبة إلى ما لا يملك ويصح فيما يملك، للعمومات
المقتضية لذلك، من: أوفوا بالعقود (1) وتجارة عن تراض (2) وأحل الله
البيع (3).
ويدل على الصحة مضافا إلى ما ذكرناه، من كون الصحة هو مقتضى
القاعدة خبر الصفار المتقدم، فإنه وإن ورد في ما يملك وما لا يملك من
القرية، وليس متعرضا إلى بيع ما يقبل التملك وما لا يقبل التملك،
ولكن جواب الإمام (عليه السلام) عن السائل بقوله: لا يجوز بيع ما ليس يملك
وقد وجب الشراء من البايع على ما يملك (4) يشمل ما نحن فيه أيضا.

1 - المائدة: 1.
2 - النساء: 29.
3 - البقرة: 275.
4 - باسناد الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام) في رجل باع قطاع أرضين فيحضره الخروج إلى مكة، والقرية على مراحل
من منزله، ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، وعرف حدود القرية الأربعة، فقال
للشهود: أشهدوا أني قد بعت فلانا - يعني المشتري - جميع القرية التي حد منها كذا، والثاني
والثالث والرابع، وإنما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنما له
بعض هذه القرية وقد أقر له بكلها؟ فوقع (عليه السلام): لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب الشراء
من البايع على ما يملك (الوسائل 17: 339، الرقم: 1).
239

فإن الظاهر منها أن اجتماع ما يصح بيعه مع ما لا يصح بيعه لا يوجب
البطلان، وإنما ينحل البيع إلى بيوع عديدة، فيبطل في بعضه ويصح في
بعضه الآخر، فلا يسري بطلان أحدهما إلى الآخر، فكأن هنا بيعان
أحدهما صحيح والآخر باطل، فهل يتوهم أحد اضرار أحدهما بالآخر،
نعم إنما تخلف عن الصحيح اشتراط الانضمام فقط، فهو لا يوجب إلا
الخيار فقط.
وأما المانع، فذكر بوجوه كلها غير قابلة للمانعية:
1 - إن البيع الواحد والمعاملة الواحدة غير قابلة للتبعيض، فلا بد إما
من القول بالصحة مطلقا، فهو غير ممكن، أو القول بالبطلان كذلك، فهو
المطلوب.
وفيه أن بيع ما يقبل التملك مع لا يقبله، كبيع ما يملك مع ما لا يملك،
وإن كان واحدا بحسب الصورة إلا أنه منحل إلى بيعين قد أبرزا بمبرز
واحد، فهما متحدان في المبرز والمظهر فقط، وإلا فواقع ذلك هو
التعدد، فابرازهما بمبرز واحد لا يوجب انقلابهما إلى الواحدة.
نعم لا ينكر اشتراط كل منهما بانضمامه إلى الآخر في ضمن العقد،
فيكون التخلف موجبا للخيار دون البطلان، كما سيأتي في باب تخلف
الشرط، وقد عرفت نظيره في بيع ما يملك وما لا يملك، أعني اجتماع
الفضولي مع غيره.
240

2 - إن العقد إنما وقع بالمجموع من حيث المجموع، فالأجزاء ليست
بمقصودة، فيبطل البيع في الأجزاء لعدم القصد فيها.
وفيه أنه ظهر جوابه مما تقدم، إذ بعد انحلاله إلى بيوع متعددة
وشمول العمومات لكل منها، فيكون كل منها مقصودا أيضا، غاية الأمر
أنه مقصود بشرط الانضمام إلى الآخر، فيثبت للمشتري خيار تخلف
الشرط الضمني فقط كما لا يخفى.
3 - إن من شرائط البيع أن لا يكون الثمن أو المثمن مجهولا وإلا فيبطل،
ففي المقام لا يعلم أن ما وقع في مقابل ما يقبل التملك أي مقدار من الثمن
فيفسد لذلك.
وفيه أن الجهالة من حيث هي لا تمنع عن صحة البيع، لعدم الدليل
عليه، وإنما تكون مانعة فيما تستلزم الغرر الذي نهي عنه في البيع، وفي
المقام ليس البيع غرريا لاقدام المشتري على ذلك فينتفي عنه الغرر.
بل ربما يقال بأن الجهالة وإن كان موجودة حال العقد أيضا مع العلم
بعدم امضاء الشارع ذلك العقد، ولكنها لا تكون مانعة بعد ما كانت
بالتقسيط، إذ المدار في الصحة أن لا يكون البيع غرريا بجهالة الثمن أو
المثمن حين التسليم والتسلم، وعلى تسليم كونها مانعة عن صحة البيع
بنفسها فإنما تمنع حين انعقاد البيع وتحققه، وأن من الشرائط أن لا يكون
الثمن أو المثمن فيه مجهولا.
وأما الجهالة الناشئة من عدم امضاء الشارع فلا تكون مانعة عن صحة
البيع، إذ لا دليل على مانعيتها إلا النبوي المعروف: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن
بيع الغرر (1)، أو الغرر كما في مرسلة العلامة، فقد عرفت ما فيه من عدم
الغرر هنا.

1 - المستدرك 13: 283.
241

وأما الاجماع فهو دليل لبي، فالمتيقن منه هي الجهالة عند البيع
لا الجهالة الناشئة من عدم امضاء الشارع كما هو واضح، ففي ما نحن فيه
أن الخمر والخنزير من الأموال العرفية، والمعاملة عليهما صحيحة في
نظر العرف، ولكن حيث الغي الشارع ماليتهما ولم يمض بيعهما فنشأ
الجهالة من ذلك، فلا تكون موردا للاجماع.
ومن هنا يعلم أن بطلان البيع في الخمر والخنزير يوجب جهالة ثمن
الشاة والخل واضح المنع.
وبالجملة فشئ من الوجوه المذكورة لا تصلح للمانعية عن صحة
البيع في الجزء الذي يقبل التملك.
نعم في المقام شئ آخر، وهو أنه بناء على فساد البيع بفساد الشرط
أو اشتراط الشرط الفاسد فيه، فالبيع يكون باطلا في ما يقبل التملك
أيضا.
بيان ذلك: إن جمع الشيئين في بيع واحد وإن كان بحسب الصورة
واحدا ولكن بحسب الانحلال أنهما بيعان كما عرفت، ولكن كل منهما
مشروط بانضمامه بالآخر، فبظهور بعض أجزاء المبيع خمرا أو خنزيرا
ينعدم ذلك الشرط ويتخلف لكونه فاسدا، فكان في الحقيقة أن بيع الخل
أو الشاة مشروط بانتقال الخمر أو الخنزير إلى المشتري، نظير اشتراط
شرب الخمر ونحوه من المحرمات، فيكون البيع باطلا للشرط الفاسد
كما هو واضح.
ولكن سيأتي في باب الشرط أن فساد الشرط أو اشتراط الشرط الفاسد
في البيع لا يوجب بطلانه بوجه، بل يوجب ثبوت الخيار للمشروط له
على المشروط عليه.
وقد خالف شيخنا الأستاذ في ذلك وقال بعدم جواز قياس فساد
242

الجزء بفساد الشرط، وقال:
ولو قلنا بأن فساد الشرط يوجب فساد العقد المشروط به إلا أنه
لا يمكن قياس فساد الجزء عليه، لأن الشرط لا يقع بإزاء شئ من الثمن
بل يوجب زيادة قيمة المشروط، فإذا قيد به وكان فساده موجبا لعدم
امكان تحققه فالعقد المقيد لم يتحقق، وأما الجزء الفاسد فحيث إن الثمن
يوزع عليه وعلى الجزء الآخر، ففساده لا يقتضي إلا رد الثمن الذي وقع
بإزائه، أي يفسد العقد بالنسبة إليه دون الجزء الآخر الصحيح الغير
المقيد بما لا يمكن تحصيله أو تحققه (1).
ولكنه من عجائب الكلام، كيف فبعد ما انحل ذلك إلى بيوع متعددة
فلا يوجب الاجتماع إلا في اشتراط كل منهما بالآخر، فيكون من
صغريات الشرط الفاسد.
ولكن الذي يهون الخطب أن الشرط الفاسد لا يوجب فساد المشروط
كما سيأتي في محله.
المناقشة في قول الشهيد (رحمه الله) بتقييد الحكم بصورة جهل المشتري
قوله: نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري.
أقول: الذي يظهر من الشهيد (2) هو أن في صورة العلم بكون بعض
أجزاء المبيع مما لا يقبل التملك أن الثمن يقع في مقابل المملوك، فيكون
مجموعه للبايع، فليس للمشتري أن يرجع إليه بالنسبة إلى ما وقع في
مقابل الخمر أو الخنزير.
وفيه أنك عرفت أن مجموع الثمن إنما وقع بإزاء مجموع المثمن،

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 323.
2 - مسالك الأفهام 3: 163.
243

فأبرز بمبرز واحد، ولكن بحسب الانحلال ينحل إلى بيعين، فيكون ذلك
نظير بيع الشاة والخنزير مستقلة، إذن فلا وجه لبطلان البيع في صورة
الجهل وصحته في صورة العلم، لوقوع الثمن كله بإزاء المملوك، بل
يقسط الثمن إليهما.
نعم بناء على ما تقدم في بيع الغاصب، من أن المشتري مع علمه
بالغصب يسلط البايع الغاصب على ماله مجانا، فليس له الرجوع إليه في
صورة التلف، بل قيل بعدم الرجوع حتى في صورة عدم التلف، فله
وجه، ولكن عرفت بطلانه وعدم صحة ذلك المبنى أيضا، وأن المشتري
يرجع إلى الغاصب مطلقا، مع أنك عرفت أن مقدار من الثمن إنما وقع
بإزاء ما لا يقبل التملك، لما قلنا من صحة التقسيط.
نعم بناء على ما ذكر في بيع الغاصب، فيكون المقام نظير ما لو باع
الخنزير فقط مع العلم به، إذ ليس هذا إلا تسليط الغير على ماله مجانا
كيفية التقسيط
وأما كيفية التقسيط فقد عرفت طريقه، من أن كلا من المملوك وغير
المملوك يقوم منضما إلى الآخر، فيسترد من الثمن بنسبة قيمة غير
المملوك إلى المجموع من أصل الثمن، فيرجع في تقويم الخمر
والخنزير هنا إلى المستحل، فهذا واضح.
وإنما الكلام في أنه لو كان المبيع هي الشاة مع الخنزير أو الخل مع
الخمر فالأمر كما ذكر، ولكن لو باع الشاة والخنزير ببيع واحد أو الخل
والخمر كذلك باعتقاد الخلية والشاتية، فهل يقوم الخنزير بتلك الهيئة
شاة والخمر خلا أو يقومان بصورتهما النوعية، فقال شيخنا الأنصاري
بالأول، وهو كذلك، لأنه إنما باع الخل والشاة فظهورهما على خلاف ما
244

قصده البايع وباع على ذلك القصد لا يكون مناطا في التقسيط.
وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ (1)، بأن العناوين من قبيل الدواعي
فلا يوجب تخلفها تبدل الموضوع بل يتقدم الإشارة الواقعة إلى الخارج
على العنوان، فلا بد وأن يقوم الخنزير بعنوان الخنزيرية وهكذا الخمر
بما أنها خمر، لا بعنوان الشاتية والخلية.
وهذا من عجائب الكلام، فإنه بعد ما كان المبيع هي الشاة أو الخل، لو
كان الواقع على خلافه، فلا وجه لتقويمهما على خلاف المقصود بل
يقوم كل من الخنزير والخمر بعنوان الشاتية والخلية بما أنهما شاة وخل
كذلك، بل ربما يوجب ذلك تضرر المشتري، كما إذا كان قيمة الخنزير
أقل من قيمة الشاة، وربما يوجب تضرر البايع، كما إذا كان أكثر، بل ربما
يوجب الجمع بين الثمن والمثمن، كما إذا كان قيمة الخنزير عند
مستحله ضعفي قيمة الشاة، فكل ذلك مما لا يمكن الالتزام به.
وبالجملة لو باع ما يقبل التملك وما لا يقبل فالوجه هنا هو الصحة
بالنسبة إلى ما يقبل التملك والفساد في غيره، فيقسط الثمن إليهما، نعم
لو كان ما يقبل التملك خارجا عن حدود المالية العرفية ولم يصدق عليه
المال في نظر العرف أيضا، كما لا يصدق عليه ذلك في نظر الشرع، كبيع
الشاة مع الخنفساء أو مع سائر الحشرات الأرضية، توجه القول بالبطلان
لغرر المذكور، فيكون الثمن الواقع في مقابل المملوك مجهولا من الأول
لعدم التقسيط حتى يعلم ذلك به، ولا يكون غرريا، إذ ليس بيع
الخنفساء بيعا من الأول، فإنه حتى بناء على النظر العرفي مبادلة مال
بمال، بناء على اعتبار المالية، فالخنفساء ونحوها ليس من الأموال حتى
يتحقق عنوان المبادلة.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) 2: 325.
245

إذن فالوجه هو التفصيل في المسألة، فالقول بالصحة في ما يقبل
التملك والبطلان فيما لا يقبله بالتقسيط، لو كان ما لا يقبله أيضا من
الأموال في نظر العرف ويكون التبادل عليه من مصاديق مبادلة مال بمال
كالخمر والخنزير إذ هما من الأموال العرفية، وأما لو لم يكن ذلك من
الأموال العرفية فالوجه هو البطلان للجهالة والغرر، إذ لا يعلم من الأول
أن ما وقع في مقابل المملوك أي مقدار من الثمن، فتكون المعاملة غرريا
وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عنه.
246

الكلام في ولاية الأب والجد
قوله (رحمه الله): يجوز للأب والجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع والشراء.
أقول: قد عرفت أن من جملة شرائط المتعاقدين أن يكون مالكين
للعوضين أو من ينوب منابه، وقد عرفت حكم بيع غير المالك فضولة
وتحقيق الحق فيه، وأن بيع المالك ماله عن نفسه مما لا اشكال فيه، وأما
الوكيل فكذلك لاستناد فعله إليه وكذلك المأذون.
وبعبارة أخرى أن البيع إما تقع من المالك أو من غيره، أما الأول
فلا شبهة في صحته، وأما الثاني فتارة يكون ذلك برضاء المالك أو لا،
فعلى الأول فذلك الغير إما يكون وكيلا فيه من المالك أو مأذونا فيه من
قبله أو لا، أما الأولان فلا اشكال أيضا في صحة البيع لاستناده إلى
المالك، خصوصا إذا صدر من الوكيل لكونه نائبا عنه ونازلا منزلته في
فعله، فإذا صح في المأذون ففي الوكيل يصح بالأولوية، أما غير الوكيل
والمأذون فإن لحق به الإذن من المالك بالإجازة ورضي بفعله، فهو الذي
تقدم الكلام فيه مفصلا في البيع الفضولي وقلنا بالصحة وإلا فيحكم
بالبطلان.
وأما لا يكون فيه رضا المالك أو رضي ولكن لم يكن لرضائه تأثير في
نظر الشارع، فهو مورد الولاية، فهي على أنحاء، منها ولاية الأب
والجد، وثبوتها لهما في الجملة على الصغير من ضروري الفقه ومورد
الاجماع والسيرة المستمرة القطعية، كما يطلع عليه من تتبع الأبواب
247

المتفرقة في الفقه، كتاب النكاح (1) لصراحة الأخبار فيه في ثبوت ولايتهما
على تزوج أولادهما الصغير، وكتاب المضاربة (2) فإن فيه ما ورد على
ولايتهما في جعل المضاربة في مال الولد، وفي باب الحجر (3) قد ورد ما
دل على حجر الطفل الصغير عن ماله دون الولي، إلى غير ذلك من أبواب
الفقه.
ويؤيد ذلك ما ورد في باب الزكاة مما دل على ثبوتها في مال اليتيم،
إذا اتجر به الولي وربح (4)، إذ لو لم يكن له ولاية على ذلك لما جاز له
التصرف في ماله بالتجارة.
بل هذا مما قامت به السيرة العقلائية، إذ ليس ذلك مخصوصا
بالشريعة الاسلامية بل جارية في غيره من الشرايع أيضا.
واستدل المصنف على ذلك بفحوى سلطنتهما على بضع البنت في
باب النكاح، والظاهر أنه لا بأس بهذه الأولوية، وإن ناقشنا فيها في البيع
الفضولي وقلنا إن اهتمام الشارع المقدس بعدم وقوع الزناء والسفاح
يقتضي عكس ذلك الأولوية.
والوجه في جهة الفرق بين المقامين هو أن الكلام في السابق من حيث
نفس الفعل الخارجي الموجود فيه، وقيل هنا إن أهمية الفروج تقتضي

1 - راجع الوسائل 20: 275.
2 - راجع الوسائل 19: 427.
3 - راجع الوسائل 18: 408.
4 - عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا،
إلا أن تتجر به أو تعمل به (الكافي 3: 541، عنه الوسائل 9: 87) صحيحة.
عن زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فإن
اتجر به ففيه الزكاة والربح لليتيم، وعلى التاجر ضمان المال (الفقيه 2: 9، الرقم: 27، عنه
الوسائل 9: 89) صحيحة.
248

بطلان الفضولي في النكاح وإن كان صحيحا في البيع وسائر العقود،
لاحتمال أن لا يقع واقعا فيكون زنا، فالاحتياط يقتضي عدمه لئلا يقع
الزنا، وقلنا إن الاحتياط كان يقتضي عكس المطلب، وإن كان فيه خلاف
الاحتياط أيضا في نفسه، ولكن محذوره أقل من الأول، فإنه يحتمل مع
الحكم بالبطلان أن يقع النكاح واقعا فيكون الزنا بذات البعل بخلاف
العكس، فإنه مع عدم الوقوع فلا يكون زنا إلا بغير ذات البعل.
وبالجملة وجهة الكلام هناك كان مختصا في بيان عنوان الفعل الواقع
وجهته، وهذا بخلاف المقام، فإن الكلام هنا ليس في بيان وجهة الفعل
الواقع بل في كون الغير الأجنبي سببا في تحقق الفعل وايجاده من الأول،
ففي مثل ذلك إذا صح ولاية الأب والجد على الأولاد الصغار في النكاح
وكونهم سببا في ايجاد التزويج بينهم مع كونه من أهم الأمور، فلا شبهة
في جواز ولايتهم ونفوذ أمرهم في سائر العقود أيضا بالأولى.
1 - اعتبار العدالة في الولي
ثم إنه يقع الكلام في جهات: الأولى هل يعتبر العدالة في الولي الأب
والجد، فلو كانا فاسقين لا ينفذ تصرفهما في حق الصغار، كما ذهب إليه
صاحب الوسيلة (1) والايضاح (2)، أو لا تعتبر كما ذهب إليه المشهور، بل
يظهر من التذكرة الاجماع على ذلك.
واستدل عليه المصنف بالأصل والاطلاقات، فإن ظاهر عطف الثاني
على الأول هو ذلك، لا أن المراد من الأصل هي الاطلاقات كما لا يخفى،

1 - لم نعثر عليه في الوسيلة، ولا على من حكي عنه، نعم اشترط في تصرف الولي كونه
ثقة، وفي الوصي أن يكون عادلا، راجع الوسيلة: 279 - 373.
2 - إيضاح الفوائد 2: 128.
249

ولكن لا نعرف معنى لذلك الأصل، إذ ليس المراد منه هي أصالة البراءة
قطعا، لأنه ليس هنا تكليف حتى ينفى بذلك، بل لو كان فالمراد به هو
الاستصحاب.
فإن كان المراد به هو الاستصحاب النعتي، بأن يقال إن الولاية كانت في
زمان ولم تكن مشروطة بالعدالة فكذلك الحال، فلا شبهة أنه لم يكن
لذلك حالة سابقه، إذ ليس زمان تكون الولاية ثابتة ولم تكن مشروطة
بالعدالة حتى نستصحبها.
فإن كان المراد منه هو أصل عدم الأزلي المحمولي لسلم من اشكال
عدم وجود الحالة السابقة، إلا أن المصنف لا يقول به ليمكن تطبيق كلامه
به، بل لا يمكن الالتزام بجريانه هنا أيضا، إذ لا شبهة أن الولاية بالنسبة
إلى عدم التقيد بالعدالة أو التقيد بها ضروري، لاستحالة الاهمال في
الواقعيات، فهما متضادان، فجريان الاستصحاب في نفي التقيد المسمى
بالعدم المحمولي ليس أولى من جريانه في الطرف الآخر بعد فرض
تضادهما.
وبالجملة فأصالة عدم النعتي غير جارية لعدم الحالة السابقة، فعدم
المحمولي وإن كان ليس عنه مانع بحسب نفسه على المذهب المختار
ولكنه لا يجري للمعارضة.
إذن فلا يمكن الالتزام بثبوت الولاية المطلقة الغير المقيدة بالعدالة
بواسطة الأصل، بل مقتضى الأصل هو عدم ذلك، أي عدم نفوذ
تصرفاته، فإنه ثبت بالأدلة القاطعة حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه،
فالخارج منه يقينا صورة كون الغير وليا عادلا، فيبقى الباقي تحت الأصل.
نعم ما ذكره من الاطلاقات في محله، إذ هي غير مقيدة بعدالة الولي،
بل الولاية الثابتة بها للأب والجد مطلقة، وليس في المقام ما يصلح تقيده
250

إلا ما ذكره صاحب الوسيلة والايضاح، حيث استدلا على عدم ثبوتها
للأب والجد الفاسقين بالآية.
واستظهر المصنف أن المراد منها قوله تعالى: ولا تركنوا إلي الذين
ظلموا فتمسكم النار (1)، وضعفه.
ووجه الضعف هو أن المراد من الركون فيها ليس الركون في الأمور
الدنيوية، بل المراد به فيها هو الركون في الأمور الدينية، ويدل على ذلك
من الآية ذيلها، من قوله تعالى: فتمسكم النار، حيث إن ذلك نتيجة
الركون إلى الظالم في الأمور الدينية لا في الأمور الدنيوية، وإلا فلازمه
عدم جواز توكيل الفاسق في الأموال الشخصية للبالغين الراشدين، وكونه
من المحرمات الشخصية، فهو بديهي البطلان، ولا أنه يجوز تأمين
الفاسق وجعل الوديعة عنده.
ويحتمل بعيدا أن تكون المراد من الآية قوله تعالى: إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا (2)، كما يظهر ذلك من قوله: واخباراته عن غيره.
وفيه أنه يظهر الجواب عنه من الآية السابقة، وأن المراد من ذلك ليس
ما يرجع إلى الجهات الشخصية بل ما يرجع إلى الجهات النوعية الدينية،
كما يدل على ذلك أيضا ذيل الآية، من قوله تعالى: أن تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين، وأن لازمه عدم قبول اخبارات الشخص
في حق نفسه من الاقرار ونحوه، كما تقدم من عدم جواز أن يجعل
الفاسق أمينا من أمواله، مع أنه لم يدل دليل على حرمته.
ومن هنا يظهر أنه لا وجه لتوهم استحالة أخذ قول الفاسق وجعله
أمينا في أموره، وإنما يحرم ارجاع الأمور الدينية إليه، إذن فلا وجه

1 - هود: 113.
2 - الحجرات: 6.
251

لرفع اليد عن تلك المطلقات الكثيرة بمثل هذا الأمور الظنية.
وتوهم الإيضاح (1) أن ذلك خلاف حكمة الصانع بل يجوز الارجاع إلى
الفاسق، بديهي الفساد كما عرفت، فإن ذلك له وجه في الأمور الدينية
لا الأمور الدنيوية، على أنه ولو كان الأب والجد فاسقين إلا أن رأفتهما
على الأولاد أكثر بمراتب من رأفة جميع العدول عليه، إذ في الأب
والجد من الشفقة الذاتية والرأفة الطبيعية بالنسبة إلى أولادهم ما لا ينكر،
ولو كان فاسقا.
نعم لو كان الأب والجد من الفاسقين الظالمين على الطفل، بحيث
يقامرون بأموال الصغار ويشترون به الخمر ويشربون وغير ذلك من
الاتلافات البينة، لخرج بذلك عن جواز التصرف فيها، ونصب الحاكم
الشرعي وليا آخر أو ناظرا لهم حفظا لهم لئلا يكون ظلما عليه، ولكن
هذا أمر آخر غير ما نحن فيه.
على أن الظاهر من الآية أن الفاسق لا يقبل قوله من دون التبين
والتفحص، وهذا لا ينافي قبول قوله من جهة الولاية ما لم يعلم صدور
الخيانة منه، فالولي وإن كان فاسقا يقبل قوله في حق الصغار لولايته.
2 - اعتبار المصلحة في تصرفات الولي
وأما الجهة الثانية، وهي اعتبار المصلحة في تصرفات الولي، فهل
يعتبر ذلك كما ذهب إليه ابن إدريس والشيخ وبعض آخر (2)، أو لهما
الولاية مع اعتبار عدم المفسدة في التصرف وإن لم يكن فيه صلاح أصلا،

1 - إيضاح الفوائد 2: 128.
2 - المبسوط 2: 200، السرائر 1: 441، الشرايع 2: 78، القواعد 1: 125، الإرشاد 1: 36،
اللمعة: 138، الدروس 3: 318، مسالك الأفهام 3: 166.
252

كتبديل ماله بمال آخر بلا صلاح، أو لا يعتبر شئ من ذلك بل لهما
الولاية عليه على وجه الاطلاق، كما ذهب إليه المصنف في أول كلامه،
أو يفصل بين الأب والجد بالالتزام بنفوذ أمر الجد مطلقا دون الأب، كما
يظهر من آخر كلام المصنف، وجوه.
واستدل المصنف على عدم الاعتبار وثبوت الولاية على الاطلاق
بالأخبار الواردة في اثبات الولاية على الطفل للأب والجد، فإنها مطلقة
وغير مقيدة بشئ مما ذكر.
وفيه: أولا: أن اطلاقاتها غير تام، عمدتها ما دل على أن الابن ماله
للأب، وقد ذكر ذلك في جملة من الروايات (1)، وعلل نفوذ أمر الأب على
الولد بذلك في بعضها (2).
ولكن لا دلالة فيها بوجه على المدعي، فإن من البديهي أن المراد بها
ليس ما هو الظاهر منها، من كون الابن وما بيده من متملكات أبيه، وبكون
الفرض من اللام هو الملك، ليكون الابن كعبد الأب والبنت كالجارية
بحيث يجوز له بيعها، ولو حجر يكون حق الغرماء متعلقا بمال الولد
أيضا، وهذا المعنى مقطوع البطلان.
كيف مضافا إلى ما ذكرنا أنه ورد في بعض الروايات أن الأب لو
احتاجت إلى جارية الابن يقوم على نفسه بقيمة عادلة ثم تصرف فيها بما

1 - راجع الوسائل 17: 263 - 267.
2 - عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيحج الرجل من مال ابنه وهو
صغير؟ قال: نعم، قلت: يحج حجة الاسلام وينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم يحج
منه وينفق منه، أن مال الولد للوالد، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه (التهذيب
6: 345، الرقم: 967، عنه الوسائل 17: 264).
253

يشاء (1)، وأنه يجوز له الاستقراض من مال الولد (2)، فلو كان الابن وماله من
الأموال ملكا للأب والجد لما كان تقويم الجارية على نفسه بقيمة عادلة
والاستقراض من ماله وجه بوجه، فإنه لا معنى لاستقراض المالك من
ملكه أو تقويم ماله على نفسه.
ومن هنا ظهر أنه ليس المراد بتلك المطلقات كون أموال الولد للوالد
حقيقة أو تنزيلا بحيث يفعل فيها ما يشاء.
ثم ليس المراد من تلك المطلقات ثبوت الولاية لهما على الولد كما
توهم، إذ مورد بعضها هو الولد الكبير، كالرواية المتضمنة لشكاية الولد
إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من أبيه (3)، وما تضمن تقديم تزويج الجد على الأب في
البنت معللا بأن الجد أب للأب والبنت وغيرهما (4)، فلا شبهة في عدم
ثبوت ولاية الأب والجد على الولد الكبير، بل هو مستقل في التصرف
في أمواله كيف يشاء.

1 - عن ابن سنان قال: سألته - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) - ماذا يحل للوالد من مال ولده؟
قال: أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا، وإن كان لوالده جارية
للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه (التهذيب
6: 345، الرقم: 968، عنه الوسائل 17: 263)، صحيحة.
2 - عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟
قال: لا، إلا بإذنه أو يضطر فيأكل بالمعروف، أو يستقرض منه حتى يعطيه إذا أيسر (قرب الإسناد: 119، عنه الوسائل 17: 265)، مجهولة لعبد الله بن الحسن.
3 - يأتي بعيد هذا.
4 - عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته
عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوى أن يزوج أحدهما وهوى أبوه الآخر أيهما أحق أن
ينكح؟ قال: الذي هوي الجد أحق بالجارية، لأنها وأباها للجد (قرب الإسناد: 119، مسائل
علي بن جعفر (عليه السلام): 109، عنهما الوسائل 20: 291)، صحيحة لصحة طريق الشيخ إلى كتاب
علي بن جعفر (عليه السلام) في الفهرست.
254

وأيضا لا وجه لتوهم أن المراد منها ثبوت جواز الانتفاع للأب والجد،
فإنه مضافا إلى مخالفته بثبوت جواز الاستقراض من مال الولد وتقويم
الجارية للابن علي نفسه، أن جواز الانتفاع من أموال الأولاد لا يدل على
ثبوت الولاية عليهم.
والحق أنها أجنبية عن المقام، وإنما هي راجعة إلى بيان أمر أخلاقي
ناشئ من أمر تكويني، فإن الولد بحسب التكوين موهبة من الله تعالى
للأب، ومقتضى ذلك أن لا يعارض في تصرفاته ويكون منقادا بأمره
ونهيه.
ويؤيد ذلك ما في العلل عن محمد بن سنان في تفسير قوله تعالى:
يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (1)، أن الولد موهوب من الله و
هبة للأب (2).
وعلى هذا ليس من الانصاف أن يعارض ما هو هبة للانسان للموهوب
له، بل مقتضى الأخلاق هو التحرك بتحريك الأب لكونه له، أي هبة له
وتحفة من الله تعالى إليه.
وإذن فلا دلالة في اطلاقها على ما ذهب إليه المصنف، من عدم اعتبار
المصلحة في تصرفات الولي، وما تري من جواز تصرف الجد والأب في

1 - الشورى: 49.
2 - عن محمد بن سنان أن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: وعلة
تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد، لأن الولد موهوب للوالد في قوله عز وجل:
يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، مع أنه المأخوذ بمؤونته صغيرا وكبيرا، و
المنسوب إليه، والمدعو له، لقوله عز وجل: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، ولقول
النبي (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك، وليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه أو بإذن
الأب، ولأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها (عيون الأخبار 2: 96، علل
الشرايع: 524، عنهما الوسائل 17: 266)، ضعيفة لمحمد بن سنان.
255

مال الولد وأخذهما منه من جهة كون انفاقهما عليه مع الاحتياج،
فلا ربط لذلك إلى جهة الولاية بوجه.
نعم لا ينكر الاطلاق لبعض ما ورد في باب النكاح، من جواز عقد
الجد والأب للابن بدون إذنه وللبنت بدون إذنه، إذ ليس فيه تقييد
بصورة وجود المصلحة في التصرف، ولكن سيأتي جوابه.
وثانيا على تقدير وجود المطلق كما هو كذلك لبعض ما ورد في باب
النكاح من جواز تزويج الأب الابن بدون إذنه (1)، أو تمامية اطلاق
الروايات المتقدمة كما زعمه المصنف (رحمه الله) فلا بد من تقييدها بصورة
وجود المصلحة بصحيحة أبي حمزة الثمالي (2)، فإنها دلت على عدم
جواز تصرفات الولي في مال الطفل بدون المصلحة، لقوله (عليه السلام):
لا أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما يحتاج إليه مما لا بد منه، ثم استدل
(عليه السلام) بقوله تعالى: والله لا يحب الفساد (3).
فلا شبهة أن قوله (عليه السلام): لا أحب وإن كان لا يدل على الحرمة، ولكن
بضميمة استشهاده (عليه السلام) قوله تعالى: والله لا يحب الفساد يدل على
الحرمة، إذ لا شبهة أن الفساد ليس قسما منه مكروها وقسما منه حراما
بل هو متمحض بالحرمة.

1 - عن عبد الله بن الصلت قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها
لها أمر إذا بلغت؟ قال: لا، ليس لها مع أبيها أمر - الحديث (الكافي 5: 394، عنه الوسائل
20: 276).
2 - عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت
ومالك لأبيك، قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه،
إن الله لا يحب الفساد (التهذيب 6: 343، الرقم: 962، عنه الوسائل 17: 263)، صحيحة.
3 - البقرة: 205.
256

ونظير ذلك رواية الحسين بن أبي العلاء (1) في الدلالة على عدم جواز
أخذ الزائد مما يحتاج إليه، فبها تقيد تلك المطلقات.
ولا شبهة أن مورد الروايتين الخاصتين هو الأموال، ولكن ثبوت
التقييد فيها يدل على ثبوته في باب النكاح أيضا بالأولوية، إذ كما أن
ثبوت الولاية في باب النكاح للأب والجد دل على ثبوتها في غير باب
النكاح بالأولوية لكون النكاح أهم، وهكذا ثبوت التقييد في غير باب
النكاح يدل على ثبوته في باب النكاح أيضا، إذ مع عدم نفوذ تصرفات
الولي فيما لا يكون فيه صلاح في الأموال ففي الاعراض بالأولى لكونها
أهم.
ويؤيد ثبوت التقييد ما ورد في تقويم الجارية على الولي بقيمة عادلة
وجواز اقتراض الولي من مال الولد (2)، إذ لو كان تصرفات الولي نافذا في
حق الطفل مطلقا لم يكن وجه للتقويم بقيمة عادلة بل كانت القيمة النازلة
أيضا وافيا، وكذلك لم يكن وجه للقرض بل كان يكفي أخذه بأي نحو
شاء، هذا.
مع أنه يمكن منع تحقق الاطلاق في باب النكاح بحسب نفسه أيضا، إذ
الولاية للأب والجد على الأولاد لأجل حفظهم عن وقوعهم بالمضرات
وتوجههما إليهم، وأما لو أوجبت الولاية توجه الضرر إليهم فمن الأول

1 - عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال
ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي
أتاه فقدم أباه فقال له: أنت ومالك لأبيك، فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول
الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه وقال: أنت
ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شئ، أو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبس الأب للابن (الكافي
5: 136، عنه الوسائل 17: 265).
2 - قد مر ذكر الروايتين قبيل هذا، فراجع.
257

يمكن القول بعدم جعل الولاية فيه وخروجه عن مورد الروايات
تخصصا، بل هذا هو المتعين، إذ لا يمكن القول بولاية الأب والجد على
تزويج أولادهم كيف شاؤوا، وإن كان فيه ضرر عظيم موجب لتضرره،
إذن فليس هنا اطلاق أصلا من الأول فضلا عن احتياجه إلى المقيد.
وبالجملة أنها ناظرة إلى أصل جعل الولاية لهما مع ما فيهما من الرأفة
للأولاد، وليس فيها اطلاق إلى سائر الجهات.
وأما اعتبار المصلحة في تصرفاتهم بأن يلتزم بعدم كفاية مجرد عدم
المفسدة في ذلك بل لا بد من وجود المصلحة في تصرفاتهم، وقبل بيان
ذلك لا بد وأن يعلم أنه يجوز تصرف الولي لأنفسهم في مال الطفل وإن لم يكن فيه المصلحة، ومن هنا يجوز قرض الولي من مال الطفل وتقويم
جاريته على نفسه مع عدم وجود المصلحة في ذلك للطفل بوجه، وهذا
بالنسبة إلى نفس الأولياء مما لا شبهة في جوازه.
وأما اعتبار المصلحة في غير ما يرجع إلى شؤونهم فاستدل عليه بقوله
تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن (1)، حيث إن التقرب إلى
ماله بلا مصلحة فيه ليس بأحسن فلا يجوز.
وبالجملة كان كلامنا في ولاية الأب والجد، وقد اختار المصنف
عدم اعتبار شئ في ولايتهما للأولاد، وقربه شيخنا الأستاذ (2) في الدورة
الأخيرة.
وتمسك المصنف في ذلك بالاطلاقات الواردة في خصوص الولاية
وجعلها لهما، فإن الظاهر فيها أن أمر الأولاد وأمر أموالهم راجع إلى
الجد والأب، وقد رأيت أنها أجنبية عن المقام، لأن المذكور في أكثرها

1 - الأنعام: 152.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 330.
258

أن الابن ما له للأب، فلا شبهة في عدم امكان إرادة المالكية الحقيقية منها
ليكون اللام للملك، بحيث يبيع للابن أو يؤجرها من الغير فيؤخذ أجرته
وثمنه، أو يأخذ أمواله ويفعل فيها ما يشاء، خصوصا مع ملاحظة ما في
بعضها، من كون موردها الابن الكبير الذي لا ولاية لهما عليه اجماعا.
وكيف وقد ورد في بعض الروايات تقويم الجارية للابن علي نفسه
والتصرف فيها، وفي بعضها الآخر أخذ القرض من مال الولد، فلا شبهة
في عدم جريان ذلك في أموال شخص المالك بالنسبة إلى نفسه،
ولا يجوز أن يراد من تلك الأخبار المالكية التنزيلية، لما عرفت من عدم
مالكية الأب والجد على الأولاد وأموالهم بوجه، بل لا يجوز ولايتهم
على بعض ما في تلك الروايات كالولد الكبير.
فلا معنى للتنزيل هنا أيضا كما لا يخفى، بأن ينزل أموال الأولاد
بمنزلة ماله في جواز التصرف فيها، وفي أنفسهم بالإجارة والبيع
والشراء وأكل أموالهم، واجراء ما يجري على ماله، بحيث يكون مال
الطفل ونفسه من جملة أمواله حقيقة أو حكما بلا وجه ولم يفتوه به أحد
فيما نعلم، بل هي ناظرة إلى جهة الأخلاقي كما عرفت، لما ذكر في
بعض الروايات: أن الولد هبة موهوبة للأب، فلا ينبغي أن يعارضه في
التصرفات، وما ورد من جواز أخذ الأب والجد من أموال الولد مع
الاحتياج ليس من جهة الولاية بل من جهة وجوب انفاق الأب على الولد
مع الاحتياج كعكسه كذلك.
فليس في تلك الروايات بحسب نفسها اطلاق، وعلى تقدير ثبوت
الاطلاق فيها، كما ثبت في جملة من أخبار النكاح في تزويج الأب
والجد الابن والبنت، لكونها مطلقة من حيث ثبوت المصلحة وعدم
ثبوتها في النكاح، فلا بد من تقييدها برواية الثمالي، لأنها صريحة في
259

عدم الولاية مع الفساد، كما هو مقتضى استدلاله (عليه السلام) بالآية، وأن
تصرفات الجد والأب في هذه الصورة محرمة، وبرواية الحسين بن أبي
العلاء، فإنها لا تدل على أخذ الأب من مال الطفل إلا بمقدار قوته وعدم
جواز التصرفات المسرفة فيه، فلو كان لهما ولاية على الطفل حتى مع
المفسدة في التصرف لما كان لهذا النهي وجه.
وعليه فنقيد بهما الروايات المطلقة حتى الواردة في باب النكاح،
ولا يضر اختصاص موردهما بالأموال، لأنه إذا ثبت التقييد في ذلك
فيثبت في النكاح بالأولوية لكونه أهم في نظر الشارع، بل يمكن منع
تحقق الاطلاقات في باب النكاح أيضا من جهة أنها ناظرة إلى جعل
الولاية للأب والجد، وكون ولاية الثاني مقدمة على الأول بما لهما من
الرأفة الطبيعي ولأولادهم بأن يعاملوا معاملة مال نفسهم في حفظه
وعدم التصرفات المتلفة فيه، فأصل جعل الولاية لهذا الموضوع مشعر
لهذه الحكمة والعلة.
وعلى هذا فتصرفاتهم الموجبة لتلف أموالهم وتضررهم بما لا ينبغي
ينافي لذلك الحكمة والملاك، فتنقلب على العكس.
وبالجملة ظاهر جعل الولاية للأب والجد على الأولاد لرأفتهما على
الطفل لكونه هبة له وموهوبا عليهم من قبل الله تعالى، كما أشير إلى ذلك
في جملة من الروايات، فلا تعرض فيها لصورة المفسدة لكونها على
خلاف الرأفة، فلا اطلاق فيها أيضا.
وقال بعض مشائخنا المحققين (1) بوجود المقيد في باب النكاح أيضا،
حيث ورد في بعض روايات جعل الولاية لهما في باب النكاح، أن تزويج

1 - حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) على المكاسب: 210.
260

الجد يتقدم إذا لم يكن ضرر (1)، فإن مفهومه يدل على عدم الولاية له مع
الضرر، فيكون مقيدا للمطلقات فيها.
وفيه أن المفهوم وإن كان موجودا ولكنه عدم الولاية مع الضرر، بل
المراد به نفي أولوية الجد وتقديمه على الأب عند الضرر، وهذا غير
مربوط بالرواية، فلا يكون ذلك مقيدا للاطلاقات في باب النكاح.
3 - اعتبار وجود المصلحة في التصرفات زائدا عن اعتبار عدم المفسدة
الجهة الثالثة في أنه إذا اعتبرنا عدم جعل الولاية لهما في صورة
وجود المفسدة في تصرفات الأب والجد، فهل يعتبر زائدا على ذلك
اعتبار المصلحة في التصرفات، بحيث لا يجوز تصرفهم إذا خلا عنها،
ولو لم تكن فيه مفسدة أم لا يعتبر.
وقد تقدم أن التصرفات الراجعة إلى نفس الولي ولو لم تكن فيها
مصلحة جائزة بلا اشكال، وإنما الكلام في غيرها، وقد استدل على
الاعتبار بوجوه:
1 - إن طبع المطلب وجعل الولاية لهما يقتضي ذلك، فإن ذلك لأجل
أن يتصرف في أموالهم بما من المصلحة من التجارة والتبديل، وإلا
فمجرد التصرفات اللغوية بلا وجود ثمرة فيه فلا يجوز.
وبالجملة أن حكمة جعل الولاية للأب والجد بحسب الطبع هي
جلب المنافع له ودفع المضار عنه، لكون الأب والجد بحسب الطبع

1 - عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الجارية يريد أبوها أن يزوجها من
رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر، فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا، إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد (الكافي 5: 395، عنه الوسائل
20: 289)، صحيحة.
261

هكذا بالنسبة إلى أولادهم، وإلا فمجرد كون شئ ذي صلاح لغير الطفل
وإن لم يكن فيه صلاح له لا يجوز التصرفات في فعله، وبالجملة أن جعل
الولاية لهما عليه ليس إلا لحفظ الولد وماله ودفع المضار عنه وجلب
المنفعة إليه، وإلا فلا يجوز التصرف في ماله ولو لم يكن فيه مفسدة.
وفيه أن هذا وإن كان بحسب نفسه تماما ولكن لا يتم في جميع
الموارد، لامكان أن يكون الصلاح في ذلك الجعل راجعا إلى الولي،
وبعبارة أخرى تارة يلاحظ في جعل الولاية لهما صلاح المولي عليه
فيجري فيه ذلك الحكمة، وأخرى يلاحظ حال الولي، فلا شبهة أنا
نحتمل الثاني أيضا.
إذن فلا دافع للاطلاقات الدالة على جعل الولاية لهما عليه حتى في
صورة عدم المصلحة في تصرفهم، بل يكفي مجرد الشك في ذلك أيضا،
ولا يلزم العلم بعدم اعتبار المصلحة في ثبوت الولاية لهما عليه عند
عدم المصلحة في التصرف.
2 - دعوى الاجماع على الاعتبار.
وفيه أن المحصل منه غير حاصل، والمنقول منه ليس بحجة،
لمخالفة جملة من الأعاظم في ذلك، بل نحتمل استناده إلى الوجوه
المذكورة هنا، لعدم الجعل في صورة عدم المصلحة، فلا يكون هنا
اجماع تعبدي كاشف عن رأي الحجة (عليه السلام).
3 - قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن (1)، وهذه هي
العمدة في المقام، بدعوى أن التصرف الخالي عن المصلحة في مال
اليتيم ليس تصرفا حسنا، فيحرم للنهي عن التقرب إليه، فإن أطلق اليتيم
على من مات أمه كما ليس ببعيد، فتشمل الآية لكل من الأب والجد،

1 - الأنعام: 152.
262

وإلا فتختص بالجد ويتم في الأب بعدم القول بالفصل، إذن فنرفع اليد
عن الاطلاقات الدالة على ثبوت الولاية لهما مطلقا حتى مع المصلحة.
وفيه أن الآية عام لكل أحد، سواء كان أبا أو جدا أم غيرهما، فإنها
تنهي عن التقرب بمال اليتيم لكل أحد فنخصصها بالروايات الدالة على
جعل الولاية للأب والجد ولو مع عدم المصلحة فيه، وليس بينها
عموما من وجه حتى يعمل بقواعده، لانحصار الموضوع في الروايات
بالأب والجد فقط، وعمومه في الآية وإن كان الأمر كذلك مع ملاحظة
الحكم ولكن الحكم وارد على الموضوع الواحد فقط في الرواية وعلى
المتعدد في الآية، فافهم.
ومن هنا يظهر الجواب عما ذهب إليه المصنف أخيرا، من التفصيل بين
الأب والجد والقول بثبوتها للجد دون الأب، لعدم اطلاق اليتيم على من
مات أمه لتشمل الآية لهما، فإنه مضافا إلى اطلاق اليتيم على من مات أمه
أنك علمت سابقا أن ولايتهما ثابتة في النكاح على الابن والبنت وفي
الأموال بالأولى، فلا نحتاج إلى الاستدلال بالآية على ثبوت الولاية حتى
يمنع عن شمولها للأب فتختص بالجد فقط، وسيأتي الكلام في هذه
الجهة.
4 - اعتبار عدم المفسدة شرط واقعي أم لا؟
الجهة الرابعة: بعد الفراغ عن اعتبار عدم المفسدة في تصرفات الأب
والجد في مال الولد، فهل هذا شرط في عالم الاحراز، فلو أحرز في
مورد عدم المفسدة فباع مال الولد فبان وجود المفسدة في ذلك فلا يبطل
البيع وينفذ التصرف، أو هو شرط في الواقع، فلو كان في مورد مفسدة
واقعية فلم يحرز أو أحرز عدمها فأقدمه فيكون باطلا، أو أنهما من
263

الشرائط معا فلو أحرز المفسدة ومع ذلك أقدم على التصرف فبان كونه
صلاحا، إذ لو لم يباع لكان تلفا، أو أحرز الصلاح فأقدم فظهر عدم
الصلاحية فيكون تصرفه هذا صحيحا، نعم لو أحرز المفسدة في مورد
فأقدم على التصرف فظهر كما أحرزه فيكون فاسدا.
والظاهر هو الوجه الأخير، وقبل بيان وجهه فلا بد وأن يعلم أن هذه
الجهة لم يحرز في كلامهم، بل لم يذكر إلا بنحو الرمز والإشارة، فنقول:
قد علمت أن المقيد للاطلاقات كان خبر الثمالي، فإنه اعتبر عدم
الفساد في تصرفات الأب والجد في مال الطفل، وهو كالمعصية قائم
بأمرين: أحدهما الوجود الواقعي، وثانيهما احرازه أي تنجزه، لا يقال:
إن فلانا أفسد أو فعل فعلا فاسدا إلا مع هذين الأمرين.
كما أن الأمر كذلك في عنوان المعصية، حيث ذكرنا في تحقق سفر
المعصية أمران: أحدهما أن يكون ما سافر إلا لأجل الغرض المعلوم
وهو المعصية، والثاني علم المسافر بذلك وتنجز التكليف في حقه،
بحيث يكون المنجز هو الحكم الواقعي في حقه، فلو سافرت المرأة
بدون رضاية الزوج فبان أنها مطلقة فلا يكون سفرها معصية، أو سافرت
بزعم أنها مطلقة فبان خلافها فليس سفرها سفر معصية أيضا، وإنما
يكون سفر معصية مع اجتماع الأمرين.
وبالجملة فما لم يتحقق كلا الأمرين لا يتحقق المعصية، كما أنه مع
عدم تحقق الفساد الواقعي واحرازه في التصرف لا يقال إن تصرف الولي
كان مفسدا.
وعلى هذا فيكون المقيد لتلك الاطلاقات المثبتة للولاية للأب
والجد في خصوص كون تصرفهم مفسدا لمال اليتيم مع العلم به، وما
لم يتنجز فلا مانع من التمسك بالاطلاقات والحكم بثبوت الولاية لهما.
264

بيان آخر للجهة الثانية: اعتبار المصلحة زائدا عن اعتبار عدم المفسدة في
ولاية الأب والجد
وقد استدل على ذلك بوجوه:
1 - دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه أنه بعد ذهاب المتأخرين إلى عدم اعتبار شئ فيها إلا عدم
المفسدة، بل ذهاب بعض آخر إلى عدم اعتبار شئ فيها، لا يبقي مجال
لدعوى الاجماع ليكون اجماعا اصطلاحيا تعبديا وكاشفا عن قول
المعصوم (عليه السلام).
2 - دعوى أن الحكمة في جعل الولاية للأب والجد ليس إلا جلب
المنفعة للطفل ودفع الضرر عنه وإلا فتكون لغوا.
وفيه أن هذا وإن كان تماما في غير الأب والجد، ولكنه لا يتم فيهما،
لامكان أن تكون الحكمة في جعل الولاية لهما ملاحظة حالهما من
الشفقة الذاتية والرأفة الطبيعية الموجودة فيهما بالنسبة إلى الأولاد،
وأنهما لا يقدمان على ضرره، وإن كان في بعض الأحيان يفعلون في
أموال الطفل ما يرجع إلى نفعهم، كما ثبت ذلك في النص أيضا،
كالاقتراض من مال الطفل وتقويم جاريته على نفسه، فإنه أي نفع في
ذلك للولد.
بل قد ورد جواز الأكل من مال الولد مع الاحتياج وإن كان هذا من جهة
الانفاق، ولذا قيدنا هذه الجهة في أول المطلب بأن المراد في اعتبار
المصلحة في تصرفهما التصرفات الراجعة إلى غير الأب والجد، وإلا
فيجوز لهما أن يتصرفا في أموال الطفل تصرفا لا صلاح ولا فساد فيه
للطفل، بل للولي فقط كالاقتراض وتقويم جاريته على نفسه والتصرف
فيها.
265

وكيف كان لا يستفاد من حكمة الجعل إلا كون اعتبار المصلحة في
التصرفات الراجعة إلى غير الولي لا في التصرفات الراجعة إليهم، بل ثبت
جواز أخذهما من مال الطفل بقدر الاحتياج.
3 - الآية المباركة: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن (1)، التي هي
العمدة في المقام، وقلنا في الأمس تبعا للشيخ إن الروايات الدالة على
ثبوت الولاية للأب والجد مقيدة للآية ومخصصة لها، لكونها مطلقة من
حيث اعتبار المصلحة فيها وعدم اعتبارها، وإنما الثابت اعتبار عدم
المفسدة في ذلك كما تقدم، فلا تدل الآية على المدعي.
وفيه أن لهذا الكلام مناقشة واضحة، إذ الروايات المثبتة للولاية
عليهما على طائفتين: الأولى: ما دل على كون الأب مالكا للابن وماله،
والثانية: ما دل على ثبوت الولاية لهما في النكاح وجواز تزويجهما
الولد.
أما الطائفة الأولى، فبناء على دلالتها على مالكية الأب والجد للولد
وماله أما حقيقة أو تنزيلا، بأن يعامل معه وماله معاملة مال نفسه وإن
لم يكن مالكا حقيقة، وإن كان تماما ولكن نمنع دلالتها على هذا كما
عرفت، إذ مورد بعضها الولد الكبير، فلا شبهة في عدم ولايتهما عليهم
وعلى مالهم، و أيضا ثبت جواز اقتراض الولي من مال الولد وتقويم
جاريته على نفسه، مع أنه لا معنى لأن يقترض الانسان من مال نفسه،
وأن يقوم مال نفسه على نفسه.
وبالجملة أن السيرة العقلائية والشرعية وإن اقتضت ثبوت الولاية
للأب والجد على الأولاد، ولكن السيرة القطعية أيضا قامت على عدم
جواز المعاملة مع مال الطفل معاملة مال نفسه خصوصا الكبار منهم.

1 - الأنعام: 152.
266

وأما الطائفة الثانية، فالاطلاق فيها تمام في باب النكاح بالمنطوق،
خصوصا في رواية الكافي يجوز أمر الأب والجد في النكاح، من غير
تقييد بكونه صلاحا له فنتعدى إلى غير باب النكاح بالأولوية كما عرفت،
بل تلك الأولوية منصوصة، فإنه (عليه السلام) بعد ما سئل عن تصرف الولي في
مال الطفل فقال: فهل يجوز نكاح الولي؟ قال السائل: نعم، فقال (عليه السلام):
فكيف لا يجوز تصرفه في الأموال (1).
ولكن مع ذلك لا يمكن تخصيص الآية بها، لا من جهة الاشكال في
الاطلاقات ومنع تحققها، بل من جهة أن الكلام في مقدار ثبوت الولاية
بها وجواز تصرفاتهم، أي الأولياء في مال المولى عليه، فإن الظاهر من
الآية أن التصرفات غير الحسن ليست بجائزة واطلاقات الروايات
جوازها مع عدم المفسدة فيها، فيقع التعارض في مورد ليس فيه صلاح
للولد ولا فيه مفسدة، وليس راجعا إلى الولي أيضا كالاقتراض ونحوه،
لما عرفت جوازه بالنسبة إلى الولي، إذن فلا يمكن المساعدة على ما
ذهب إليه المصنف من القول بالتخصيص.
ولكن للمناقشة في ذلك أيضا مجال واسع، لمنع دلالة الآية على
ثبوت الولاية، وكونها أجنبية عن المقام، نعم لو كانت دالة فالأمر كما
ذكرناه من العموم من وجه.

1 - عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إني لذات يوم عند زياد بن عبيد الله
الحارثي، إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني،
فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا: نكاحه باطل، قال: ثم
أقبل على فقال: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم: أليس
فيما تروون أنتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك؟ قالوا: بلي، فقلت لهم: فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه
ولا يجوز نكاحه عليه؟ قال: فأخذ بقولهم وترك قولي (الكافي 5: 395)، ضعيفة.
267

وتوضيح منع الدلالة بعد ما لم نجد رواية في تفسير الآية، ولا تعرضا
لها في آيات الأحكام:
إن ظاهر الآية هو النهي تكليفا في التسلط على مال اليتيم وتملكه
وأكله بالباطل، وذلك لما ذكرنا في بحث التفسير أن النهي عن التقرب
يختلف باختلاف الموارد، فإذا تعلق بالأفعال نظير: لا تقربوا الزنا (1)،
ولا تقربوا الفواحش (2) ونحوهما، يقيد حرمة الفعل وكونه بنفسه
محرما، وإذا تعلق بالأعيان يدل على عدم التسلط عليها وحرمة أكلها
ومبغوضية تملكها، إذن فالنهي عن التقرب بمال اليتيم نهي تكليفي
لا نهي وضعي يفيد عدم نفوذ التصرف كالبيع والشراء.
والمراد بالباء هو باء السبية، نظير الباء الذي قلنا بالسببية فيه في آية
التجارة عن تراض، والمراد بالتي ليس هو التقرب، وإلا لما كان وجه
للتأنيث، بل هي إشارة إلى الطريقة الوسطى الاسلامية أو إلى الشريعة
الواضحة المحمدية، كما عبر عن ذلك في آية أخرى بالمعروف ونهي
عن أكل مال اليتيم إلا بالمعروف (3).
وعليه فتكون الآية نظير آية التجارة نهيا عن أكل للمال بالباطل إلا
بالطريقة الوسطى وبالأسباب الشرعية، فلا تكون مربوطا بالبيع والشرى
وبجهة الولاية، وإنما ذكر اليتيم هنا لكون أكل المال بالباطل من مال

1 - الاسراء: 32.
2 - الأنعام: 151.
3 - قوله عز وجل: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا
إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف - الآية، النساء: 6.
268

اليتيم كثيرا لعدم الدافع عنه، كما ذكر ذلك في بعض التفاسير (1) أيضا، بل
لا بد من احراز من يجوز له التصرف ليكون تصرفه بوجه حسن وبالطريقة
الوسطى من الخارج، فلا شبهة في دلالة المطلقات على ثبوت الصغرى،
ومن له التصرف للأب والجد فتكون تصرفاتهم من الطريقة الوسطى
وبالشريعة الحسنة.
ولو تنزلنا عن تخصيص الآية بالنهي عن التقرب التكليفي، وأردنا من
ذلك مطلق النهي أعم من التكليفي والوضعي، بأن يكون المراد بها النهي
عن التقرب بأموال اليتيم تكليفا ووضعا، ويكون ذلك التقرب حراما
تكليفا وغير نافذ وضعا.
فأيضا تكون الآية خارجة عن صحة البيع من الولي مع المصلحة أو
بدونه وتصرفات الولي، لما ذكرناه من الوجه من كون المراد بالباء
السببية، ومن التي الطريقة الوسطى والشريعة الواضحة، دون تصرف
الحسن في مال اليتيم، فأي شخص يجوز له التصرف وأي شخص
لا يجوز له ذلك، فلا بد وأن يحرز من الخارج، إذن فالروايات محرزة
لذلك كما عرفت.
وبالجملة فالاستدلال بالآية إنما يتوقف على مقدمتين على سبيل منع
الخلو كلتاهما ممنوعة:
الأولى: إرادة النهي التكليفي من النهي عن التقرب بمال اليتيم، وقد
عرفت ضعفه.
والثانية: أن يراد بالتي هي أحسن التصرف الحسن، ليدل على جواز
التصرف للمولي في مال الطفل عند وجود المصلحة له، وقد عرفت
منعه أيضا.

1 - راجع الميزان 4: 179.
269

إذن فلا يبقي للآية دلالة على المدعي فضلا عن القول بالتخصيص
بالروايات أو ايقاع المعارضة بالعموم من وجه، بل هي أجنبية عن جهة
الولاية بالمرة، فضلا عن تلك القيل والقال، فافهم.
5 - هل الحكم مختص بالجد الداني أو يعم العالي أيضا؟
الجهة الخامسة: هل الحكم مختص بالجد الداني أو يعم العالي أيضا،
فظاهر الاطلاقات هو الثاني، إذ لم يفصل فيها بين العالي والداني، بل
مقتضى قوله (عليه السلام) في رواية الكافي: يجوز أمر الأب والجد، وكذا
غيره (1)، عدم الفرق بين الأجداد، وأن الجد وإن علا يشارك الأب في
الولاية عرضا.
على أن مقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الولاية للأب معللا
بأنك ومالك لأبيك، فإن الظاهر منها بحسب الاستغراق أن كل أب مالك
لابنه وماله، إنما سرى الحكم، فكل أب عال ملك للأب النازل وما في
يده، لكن الأب النازل مالك لابنه وماله بالقياس استثنائي، فيكون الأب
العالي أيضا كذلك.
وبالجملة، فالعمدة في المقام هو الاطلاقات والزائد عن ذلك
مؤيدات.

1 - عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الجارية يريد أبوها أن يزوجها من
رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر، فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا، إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد (الكافي 5: 395، عنه الوسائل
20: 289)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه
ولابنه أيضا أن يزوجها (الكافي 5: 395)، صحيحة.
270

6 - الحكم بولاية الأجداد عرضي أو طولي
الجهة السادسة: في أنه إذا فقد الأب فهل الحكم بولاية الأجداد
عرضي، فلكل واحد منهم ولاية في عرض الآخر، أو طولي بمعنى أن
الأقرب منهم يمنع الأبعد.
ربما يتوهم الثاني لآية الإرث، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض،
فكما أن الجد الأقرب إلى الميت يمنع عن الأبعد في الإرث فكذلك هنا
أيضا، ولكن الظاهر أن الآية واردة لحكم الإرث ولا تشمل الولاية، فلكل
منهما مقام غير مربوط بالآخر.
بل مقتضى الاطلاقات في باب النكاح أيضا عدم الفرق في ذلك،
وكون كلهم مشتركين في ثبوت الولاية لهم في عرض الآخر مع وجود
الأب وفقده، خصوصا رواية الكافي: يجوز أمر الجد والأب في النكاح،
ولم يوقف ولاية الجد على عدم الآخر مع عدم الأب أو مع وجوده،
وكذلك في الاطلاقات الأخر.
وهذا مما لا اشكال فيه، وإنما الكلام في نفوذ ولاية الجد مع عدم
الأب، حيث إنه ذكر ثبوت الولاية في المطلقات للجد مع الأب، فيمكن
الحدس منهما أنه مع فقد الأب ليس للجد ولاية على الطفل أصلا.
وبالجملة أن الكلام في الجد يقع في جهات ثلاثة:
1 - في أنه هل ثبت الولاية لغير الجد الأدنى من الأجداد، أو يختص
الحكم بالجد الأدنى، أو يعم الأجداد الأعلون أيضا.
مورد بعض الروايات الدالة على ثبوت الولاية للجد وإن كان هو الجد
271

الأدنى، كالرواية الدالة على تقديم تزويج الجد على الأب (1)، وبعضها
الآخر، ولكن اطلاق جملة منها على مطلق الأجداد لا ينكر، كرواية
الكافي: يجوز أمر الجد والأب، الشامل لمطلق الأجداد، وغيرها (2)،
وذكر الجد مع الأب لا يكون قرينة لإرادة الجد الأدنى فقط، ففي هذه
الطائفة المطلقة غنى وكفاية.
بل مقتضى التعليل لثبوت الولاية على الأب، بأن أنت ومالك لأبيك،
إذ هو شامل بنحو القضية الحقيقية وبعنوان الاستغراق على كل الأجداد،
بل يتأكد الحكم كلما تتصاعد الأجداد.
وبالجملة مقتضى طائفة من المطلقات هو ثبوت الولاية للأجداد
الأعلون كما تثبت للجد الأدنى أيضا، وإن كان مورد بعضها خصوص
الجد الأدنى، إلا أن في غيره غنى وكفاية.
2 - هل يختص ولاية الجد بحال حياة الأب أو ثبت له مطلقا، كما هو
المشهور بين المتأخرين، ولو في حال المماة أيضا.
مقتضى الاطلاقات هو عدم الفرق بين حال الحياة وحال المماة
كرواية الكافي وغيرها، بل مقتضى التعليل بقوله: أنت ومالك لأبيك، هو
ذلك أيضا، فلا وجه لتخصيصها بصورة الحياة.
نعم يظهر من رواية فضل بن عبد الملك تقييدها بصورة الحياة فقط، فإن

1 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على
ابنه ولابنه أيضا أن يزوجها، فقلت: فإن هوي أبوها رجلا وجدها رجلا؟ فقال: الجد أولى
بنكاحها (الكافي 5: 395، عنه الوسائل 20: 289)، صحيحة.
2 - عن هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا زوج الأب والجد
كان التزويج للأول، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى (الكافي 5: 395، التهذيب
7: 390، عنهما الوسائل 20: 289)، صحيحة.
272

فيها: سئل عن تزويج الجد ابنة ابنه، فقال (عليه السلام): إذا كان الأب حيا
والجد مرضيا فلا بأس (1).
فإن الظاهر منها أنه اعتبر في ولاية الجد أمران: الأول أن يكون الأب
حيا، والثاني أن يكون مرضيا، وظاهر المرضي كونه مرضيا في دينه
ودنياه، فتكون دالة على اعتبار العدالة في ولاية الجد، وقد ورد هذا
اللفظ في إمام الجماعة أيضا (2)، وأريد منه العدالة، فبالأولوية تثبت
اعتبارها في ولاية الأب أيضا.
وعليه فما تقدم منا من عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب والجد على
الطفل بلا وجه لو صحت الرواية، حيث ورد اعتبارها هنا، وإن عللوا
الحكم هناك بوجه عقلي، كما عن الإيضاح (3) وغيره، وأنه ظاهر في عدم
وجود الرواية هنا، وقد نقل المجلسي في شرح الكافي عن بعضهم اعتبار
العدالة في ولاية الأب والجد اعتمادا على هذه الرواية.
والكلام في هذه الرواية يقع من جهتين: الأولى في سندها، والثانية
في دلالتها.
أما الجهة الأولى: فسند الرواية من غير جهة جعفر بن سماعة بن

1 - عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن جعفر بن سماعة، عن أبان، عن الفضل
ابن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد
مرضيا جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى الجد هوى وهما سواء في العدل
والرضي، قال: أحب إلى أن ترضى بقول الجد (الكافي 5: 396، التهذيب 7: 391، عنهما
الوسائل 20: 290)، موثقة.
2 - عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة خلف من ارتضى به، أقرأ
خلفه؟ قال: من رضيت به فلا تقرأ خلفه (التهذيب 3: 33، الإستبصار 1: 428، عنهما الوسائل
8: 359)، موثقة.
3 - إيضاح الفوائد 3: 26.
273

موسى وإن كان تماما لكونهم ثقات، وإن كان بعضهم واقفيا - رمى الرواية
المجلسي إلى الضعف من جهة الوقف - وأما جعفر بن سماعة فهو
ضعيف، فتكون ضعيفا من جهته.
وفي الرجال الكبير اتحاده مع جعفر بن محمد بن سماعة المسلم
الوثاقة، وإنما حذف لأجل الاختصار، وعليه فتكون الرواية موثقة وقيد
بها جميع المطلقات مع ثبوت دلالتها وتختص ولاية الجد بصورة حياة
الأب، ولكن هذا فاسد، فيكفي في نفي الاتحاد وضعف الرواية مجرد
احتمال التعدد.
وبعبارة أخرى إنما يجوز العمل بالرواية مع ثبوت وثاقته، فبدون
الاحراز لا يجوز العمل بها، فمجرد كون جعفر بن محمد بن سماعة ثقة
لا يوجب كون جعفر بن سماعة أيضا ثقة للاتحاد، لاحتمال أن يكون هنا
جعفران، أحدهما ابن السماعة، والآخر ابن ابنه، فهو ليس ببعيد، إذن
فالرواية ضعيفة السند كما في المرآة شرح الكافي (1).

1 - هذا على مبناه (رحمه الله) السابق، لكن عدل عنه وقال باتحاده مع جعفر بن محمد بن
سماعة، قائلا:
إن جعفر بن سماعة على تقدير ثبوته ليس من الرواة المشهورين ولا من أرباب الكتب
والأصول، وأما جعفر بن محمد بن سماعة فله كتاب نوادر كبير رواه عنه أخوه الحسن بن محمد
ابن سماعة - على ما ذكره النجاشي (رحمه الله)، هذا ما ناحية ومن ناحية أخرى أن الروايات عن
الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر كثيرة جدا والمذكور في جميع هذه الروايات جعفر بن
سماعة دون جعفر بن محمد بن سماعة إلا في الروايتين ذكرهما الشيخ في الإستبصار، فعليه أنه
لو لم يكن جعفر بن سماعة منصرفا إلى جعفر بن محمد بن سماعة لزم أن تكون روايات الحسن
ابن محمد بن سماعة عن غير من روى الحسن كتابه، مع أنه مجهول في نفسه، وهذا بعيد
ولا يحتمل عادة، راجع معجم رجال الحديث 4: 70 - 71.
وعلى القول بالاتحاد الرواية موثقة.
274

الجهة الثانية: في دلالتها، وقد وقع الخلاف في أن المفهوم في قوله
(عليه السلام): إذا كان الأب حيا جاز، هل هو مفهوم الشرط، أو هو مفهوم
الوصف، فحكي الأول عن صاحب الجواهر (1) والثاني عن غيره.
وإن كان الثاني، بأن يكون ثبوت الولاية للجد بوصف التزويج لابنه
فإذا انتفى الوصف انتفى الولاية، إذ القيد جاء لبيان تحقق الموضوع،
فليس من قبيل مفهوم الشرط، فإنه مثل: إن رزقت ولدا فاختنه،
فلا مفهوم في الرواية لتدل به على عدم الثبوت عند موت الأب، وإن كان
من قبيل مفهوم الشرط، فتدل على ذلك.
وقد اختار شيخنا المحقق (2) الأول وأشكل في المفهوم الشرط من
جهة القيد جئ به لبيان تحقق الموضوع، وأن نفوذ العقد وجوازه فيما
إذا كان الجد يزوج ومع عدم الزواج فليس هنا عقد حتى ينفذ أو لا ينفذ،
فيكون سالبة بانتفاء الموضوع، نظير: إن رزقت ولدا فاختنه، وإن ركب
الأمير فخذ ركابه، وأمثال ذلك، والظاهر أن المقام من قبيل مفهوم
الشرط، ومع ذلك لا يدل على المقصود.
وتوضيح ذلك:
إن القيد في القضية الشرطية تارة يجئ لبيان تحقق الموضوع فقط،
كقولك: إن ركب الأمير فخذ ركابه، إن رزقت ولدا فاختنه، فمع عدم
الركوب والارتزاق لا موضوع للحكم أصلا، فضلا عن ثبوت المفهوم.
وأخرى يكون القيد مولويا، وجئ به بعنوان المولوية، كقولك: إن
جاء زيد فأكرمه، إذ المجئ قيد للاكرام، ولكنه ليس بالتكوين بل
بالمولوية، فهذا لا شبهة في ثبوت المفهوم فيه، ودلالة انتفاء القيد على
انتفاء الحكم.

1 - الجواهر 26: 102.
2 - حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) على المكاسب: 211.
275

وثالثة يكون القضية الشرطية مركبة من أمرين، أي يكون فيها قيدين:
أحدهما مولوي والآخر تكويني، كما إذا قال: إن رزقت ولدا وكان
متصفا بوصف كذا فتصدق بدرهم، فإن قيد الارتزاق تكويني ولكن قيد
اتصافه بوصف كذا مولوي، فبالنسبة إلى القيد الذي لبيان الموضوع
فلا مفهوم لها، وأما بالنسبة إلى القيد المولوي فللقضية مفهوم، وهذه
كبرى كليه قد نقحناها في الأصول.
والمقام من هذا القبيل، فإن قوله (عليه السلام): إن زوج الجد ابنة ابنه وكان
أبوه حيا (1)، بالنسبة إلى قيد التزويج فالقضية سيقت لبيان الموضوع،
فلا مفهوم لها مع انتفاء القيد، وأما بالنسبة إلى القيد الآخر، وهو كون
الأب حيا والجد وصيا فالقيد مولوي فتدل على المفهوم، فينتفي الحكم
عند انتفاء القيد، إذن فلا وجه للاشكال على الرواية من ناحية مجئ
القيد لبيان تحقق الموضوع.
بل الوجه في عدم دلالتها على المفهوم وعلى اعتبار حياة الأب في
ثبوت الولاية للجد، هو أن القيد أعني كون أبوه حيا لم يذكر مولويا
ولتقييد الولاية وتخصيصها بخصوص حياة الأب، بل ذكر للتنبيه على
خلاف العامة من تخصيصهم ولاية الجد بصورة موت الأب، وأنه مع
وجود الأب لا تصل النوبة إلى الجد.
فهذا الذي ذكرناه وإن كان في نفسه خلاف الظاهر من الرواية، ولكن
مع ملاحظة ما التزم به العامة وملاحظة الروايات الأخر، حيث صرح

1 - عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان
أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى الجد هوى وهما
سواء في العدل والرضي، قال: أحب إلى أن ترضى بقول الجد (الكافي 5: 396، التهذيب
7: 391، عنهما الوسائل 20: 290)، موثقة.
276

فيها بولاية الجد مع حياة الأب (1) تكون الرواية واضحة الدالة على
المدعي.
3 - هل تختص الولاية بعد موت الأب بالجد الأدنى أو يعم الجد
الأعلى أيضا، الظاهر عدم الفرق في ذلك بين حياة الأب ومماته، فإن ثبت
الحكم لجميع الأجداد ثبت مطلقا وإلا فلا.
الظاهر هو الأول لوجود المقتضي وعدم المانع، أما الأول فلأن
اطلاقات باب النكاح مع التعليل المذكور في الروايات، من قوله (عليه السلام):
أنت ومالك لأبيك، عدم الفرق بين الأجداد في ذلك.
وأما عدم المانع فلأن ما توهم من المانع ليس إلا قوله تعالى: وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (2)، فعموم الآية يشمل الولاية
أيضا، فتثبت الولاية على الأجداد عند موت الأب بالطول، وإن كانت
ثابتة حال الحياة بالعرض، للاطلاقات المقيدة لعموم الآية، ولكن بعد
الموت فلا مقيد فتخصص الحكم بالجد الأدنى الدالة على ثبوتها لمطلق
الأجداد مطلقا، سواء كان الأب حيا أو ميتا.
وفيه أن الآية وردت في الإرث فلا يجوز التمسك بها في المقام مع ما
عرفت.

1 - الوسائل 20: 289 - 291.
2 - الأنفال: 75.
277

الكلام في ولاية الفقيه
قوله (رحمه الله): من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف.
أقول: وقبل الخوض في المسألة لا يخفى أن الافتاء من مناصب
الفقيه، بل يجب له الافتاء مع الرجوع إليه واجتماع شرائط الافتاء فيه،
كما يجب له القضاء، بل هو من شؤون الافتاء.
وهذا مما لا شبهة فيه، وإنما الكلام في التكلم في مقامين على ما
تكلم فيهما المصنف.
وبعبارة أخرى: إن للفقيه ثلاثة مناصب:
1 - الافتاء فيما يحتاج إليه الناس في عملهم، ومورده المسائل
الفرعية والموضوعات الاستنباطية، وهذا مما لا شبهة في وجوبه على
الفقيه، إذ للمكلف إما يجب أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو عاملا
بالاحتياط، فإذا رجع المقلد إلى الفقيه يجب عليه الافتاء، نعم بناء على
عدم وجوب التقليد لا يجب الافتاء، وتفصيل الكلام موكول إلى باب
الاجتهاد والتقليد.
2 - الحكومة والقضاوة، فلا شبهة في ثبوت هذا المنصب له أيضا
بلا خلاف، كما بين في بحث القضاء.
3 - ولاية التصرف في الأموال والأنفس، ويقع الكلام هنا في جهتين:
الأولى: استقلال الولي بالتصرف في مال المولى عليه أو في نفسه مع
قطع النظر عن كون غيره أيضا مستقلا في التصرف في ذلك وعدمه،
وتوقف تصرفات ذلك الغير على إذن الولي وعدمه.
278

الثانية: في عدم استقلال الغير في التصرف في أموال المولى عليه
وأنفسهم، وإنما هو متوقف على إذن الولي من الحاكم أو غيره، سواء
كان الموقوف عليه أيضا مستقلا في التصرف أو لم يكن، والمرجع في
ذلك إلى كون نظره شرطا في تصرفات الغير وإن لم يكن هو أيضا في نفسه
مستقلا في التصرف في أمواله ونفسه، وبين الجهتين عموم من وجه.
البحث عن ولاية النبي وأوصيائه (عليهم السلام)
ثم لا بأس بصرف عنان الكلام إلى ولاية النبي وأوصيائه (عليهم السلام) تبعا
للعلامة الأنصاري (رحمه الله)، ويقع الكلام فيه في جهتين كما تقدم.
ألف - كونهم (عليهم السلام) مستقلين في التصرف
أما الكلام في الجهة الأولى، وكونهم مستقلين في التصرف، فالكلام
فيها من جهات أربعة:
الأولى: في ولايتهم التكوينية، الثانية: في ولايتهم التشريعية، الثالثة:
في نفوذ أوامرهم في الأحكام الشرعية الراجعة إلى التبليغ ووجوب
تبعيتهم، الرابعة: في وجوب إطاعة أوامرهم الشخصية.
1 - في ولايتهم (عليهم السلام) التكوينية
أما الجهة الأولى، فالظاهر أنه لا شبهة في ولايتهم على المخلوق
بأجمعهم، كما يظهر من الأخبار، لكونهم واسطة في الايجاد، وبهم
الوجود، وهم السبب في الخلق، إذ لولاهم لما خلق الناس كلهم، وإنما
خلقوا لأجلهم، وبهم وجودهم، وهم الواسطة في الإفاضة، بل لهم
الولاية التكوينية لما دون الخالق.
279

فهذه الولاية نحو ولاية الله تعالى على الخلق ولاية ايجادية، وإن
كانت هي ضعيفة بالنسبة إلى ولاية الله تعالى على الخلق، وهذه الجهة
من الولاية خارجة عن حدود بحثنا وموكولة إلى محله.
2 - في نفوذ أوامرهم في الأحكام الشرعية الراجعة إلى التبليغ ووجوب
تبعيتهم
وأما الجهة الثالثة، أعني وجوب إطاعتهم في الأحكام الراجعة إلى
التبليغ، فهي قضية قياستها معها، إذ بعد العلم بأن الأحكام الإلهية
لا تصل إلى كل أحد بلا واسطة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) صادق إنما نبئ عن الله
تعالى، فلا مناص من وجوب إطاعته وحرمة معصيته وجوبا شرعيا
مولويا، فهذه الجهة أيضا غنية عن البيان.
3 - في وجوب إطاعة أوامرهم الشخصية
أما الجهة الرابعة، فالظاهر أيضا عدم الخلاف في وجوب إطاعة
أوامرهم الشخصية التي ترجع إلى جهات شخصهم، كوجوب إطاعة
الولد للوالد، مضافا إلى الاجماع وإن لم يكن تعبديا، لاستناده إلى
الأخبار والآيات التي تدل عليه.
أما الآية، فقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم (1)، إذ الظاهر منها كون كل منهم بعنوانه واجب الإطاعة ومفترض
الطاعة، وكون إطاعة كل منهم إطاعة لله لأمره تعالى على ذلك، لا من
جهة كون إطاعتهم متفرعة على إطاعة الله، ليكون الأمر للارشاد ويخرج
عن المولوية، والاستشكال هنا من جهة الآية وغيرها من الأدلة ناظرة إلى

1 - النساء: 59.
280

وجوب الإطاعة في الجهات الراجعة إلى الإمامة دون شخصهم
وشؤونهم.
وفيه أن الأدلة مطلقة من هذه الجهة فالتقييد بلا وجه، نعم جهة الإمامة
من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية، وأن كونهم إماما ونبيا
أوجبت وجوب إطاعتهم في جميع الجهات.
وبالجملة لا شبهة في دلالة الأدلة على ذلك وعدم تقييدهم بجهة
الإمامة، هذا.
ولا بأس بالاستدلال بقوله تعالى أيضا: إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (1)، إذ حكمهم (عليهم السلام) ولو بما يرجع إلى شخصهم من
جهة من الجهات من جملة القضاء، خصوصا بضميمة قوله تعالى: أن يكون لهم الخيرة.
وأما الروايات فوق حد الاحصاء، كما ورد في وجوب إطاعتهم (2)،
وفي عدة موارد من زيارة الجامعة ذكر ذلك.
وقد استدل عليه بدليل العقل، بدعوى أنهم من جملة المنعمين،
وشكر المنعم واجب، فإطاعتهم واجبة، لكونها من جملة الشكر
الواجب.
أقول: لا شبهة في كونهم (عليهم السلام) منعما، لكونهم واسطة في الايجاد
والإفاضة، بل من أقوى المنعمين، وأن شكرهم واجب، وأن أنعامهم من
جملة أنعام الله، وإن كان ضعيفة بالنسبة إلى أنعام الله تعالى أنعامهم،
ولكن هذا الوجوب ليس وجوبا شرعيا بل وجوب عقلي، بمعنى أن

1 - الأحزاب: 36.
2 - عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا -
الحديث (الكافي 1: 143، التهذيب 4: 132، عنهما الوسائل 9: 535)، صحيحة.
281

العقل يدرك حسن ذلك وقبح تركه، وأما إن تركه أي شئ يستتبع، أهو
يستتبع العقاب فلا، بل غايته أن يستتبع منع النعمة وأخذها من
المنعمين بصيغة المفعول.
وقد قلنا في وجوب معرفة الله أن وجوب المعرفة شرعا لا يستفاد من
الدليل، إذ ليس للعقل إلا الادراك وأن تعظيمه لأنعامه حسن، ولكن
لا يدل على كونه معاقبا إذا لم يشكر بل على حرمان النعمة فقط، وما
يوجب العقاب ويستتبعه إنما هو ترك الوجوب الشرعي ومخالفته.
وبالجملة لا يستفاد من الدليل وجوب المعرفة فكيف بوجوب إطاعة
الأئمة (عليهم السلام) في أوامرهم الشخصية، وإنما قلنا بوجوب المعرفة لأجل
الضرر المحتمل والعقاب المحتمل، وليس هنا ذلك لقبح العقاب
بلا بيان، ولا يجري ذلك في وجوب المعرفة لعدم امكان البيان قبل
المعرفة، واحتمال أنه يعاقب بلا بيان ضعيفة.
وبالجملة العمدة في المقام هي الآيات والأخبار، وربما يقرر الدليل
العقلي بوجه آخر غير مستقل ويتم بضم مقدمة أخرى إليه، وحاصله:
أن الأبوة والبنوة تقتضي وجوب الطاعة على الابن في الجملة،
والإمامة تقتضي ذلك بالأولوية على الرعية، لكون الحق هنا أعظم
بمراتب، وهذا نظير أن يقال: إن الشئ الفلاني مقدمة للشئ الفلاني،
فمجرد ذلك لا يكفي في الوجوب، ويتم ذلك بضم مقدمة أخرى، من أن
المقدمة واجبة.
وفيه أنه على تقدير تمامية ذلك كما لا يبعد أن يكون كذلك، بل ورد
في الرواية: أن الرسول (صلى الله عليه وآله) سأل عن شخص: تحبني أكثر من أبيك أو
تحب أبيك أكثر مني، فقال: أحبك أكثر من أبي - إلى أن قال: - تحبي أكثر
من الله، فقال: إنما أحبك لله، فاستحسنه الرسول (صلى الله عليه وآله)، إلا أن إطاعة
282

الأب ليست بواجبة في جميع الأمور، فلا يثبت بذلك إلا وجوب الإطاعة
في الجملة.
بل يمكن منع ذلك أيضا لاحتمال الخصوصية هنا، لأجل قرب
الخصوصية، ومن هنا لو أوجب أحد اسلام شخص فلا يلزم من ذلك
كونه واجب الإطاعة على المسلم، مع أنه أوجب حياته الأبدية والأب
أوجب الحياة الجسدية فقط ليس إلا.
وبالجملة لا يدل هذا أيضا على كونهم (عليهم السلام) واجب الإطاعة في
أوامرهم الشخصية، فالعمدة هي ما عرفته من الآيات والروايات كما
لا يخفى، فراجع إلى مظانها.
بل عقد لذلك بابا في الوافي، وفيها: أنه (عليه السلام) قال: إن الناس عبيد لنا،
بمعنى أنهم عبيد في الطاعة لا كعبيد آخر ليباع أو يشترى، فراجع (1)،
وفيها: أن الأئمة (عليهم السلام) مفترض الطاعة، وظاهر الفرض الوجوب
المولوي لا الوجوب الارشادي.
4 - في ولايتهم (عليهم السلام) التشريعية
الجهة الثانية: في ولايتهم التشريعية، بمعنى كونهم وليا في التصرف
على أموال الناس وأنفسهم مستقلا، فالظاهر أيضا لا خلاف في ولايتهم

1 - عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائما على رأس الرضا (عليه السلام) بخراسان وعنده
عدة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي فقال: يا إسحاق بن موسى بن
عيسى العباسي، فقال: يا إسحاق بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا،
لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قط ولا سمعته من آبائي قاله، ولا بلغني عن أحد من
آبائي قاله، ولكني أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب
(الكافي 1: 187)، ضعيفة.
283

على هذا النحو، وكونهم أولى بالتصرف في أموال الناس ورقابهم،
بتطليق زوجتهم وبيع أموالهم وغير ذلك من التصرفات.
ويدل على ذلك قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم (1)، فإن
الظاهر من الأولوية الأولوية في التصرف وكونهم وليا لهم في ذلك
لا بمعنى آخر، وقوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله (2)، ومعنى الأولى
بالتصرف ليس هو جواز تصرفهم بغير الأسباب المعدة لذلك ومباشرتهم
على غير النسق الذي يباشر المالك على هذا النسق، بل معناه كونهم
أولى في التصرف بالأسباب المعينة ومباشرتهم بالأسباب التي يباشر بها
الملاك، بأن يطلق الإمام زوجة شخص ثم يزوجها بعقد النكاح إما لنفسه
أو لغيره، أو يتصرف في دار الغير ببيعها لشخص آخر أو تصرفه فيها
بنفسه.
بل هذا ثابت بالروايات المتواترة، وفي خطبة حجة الوداع: من كنت
مولاه فهذا على مولاه، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى (3).
بل في صحيح الترمذي، وروي عنه الجامع الصغير وفسره - الذي
للسيوطي في فضائل علي (عليه السلام) - أنه (عليه السلام) كان في بعض الحروب أخذوا
أسارى وكانت فيهن جارية حسناء فاختص بها علي (عليه السلام)، فوقع جماعة
في الوسوسة، وإذا رجعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن ينزع الأول لامة حربه
مشى إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان رسمهم على المشي إليه (صلى الله عليه وآله) قبل الذهاب
إلى بيوتهم إذا رجعوا عن الحرب، فشكى عن علي (عليه السلام) أن الجارية كانت
فيئا للمسلمين فاختص بها علي (عليه السلام).

1 - الأحزاب: 6.
2 - المائدة: 55.
3 - الحديث من المتواترات بين الخاصة والعامة، راجع الغدير 1: 14 - 158.
284

فسكت النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم جاء الثاني كالأول، فسكت النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم
جاء الثالث، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: ماذا تريدون من على، فإنه ولي
بعدي، أي بعدية رتبية، فإني أولى بالناس من أنفسهم، يدل على ولاية
علي (عليه السلام) لجميع الناس نفسا ومالا، ومن هنا قال في جامع الصغير: إن
هذا أفضل منقبة لعلي (عليه السلام) (1).
وبالجملة لا شبهة في ولايتهم واستقلالهم في التصرف على أموال
الناس وأنفسهم، وتوهم كون السيرة على خلاف ذلك، وأن الأئمة
(عليهم السلام) لم يأخذوا مال الناس بغير المعاملات المتعارفة بينهم فلا يجوز
ذلك للسيرة فاسد، وذلك من جهة أن غير أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن
متمكنا من العمل بقوانين الإمامة، بل كانوا تحت أستار التقية، بل
أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا في كثير من الموارد، وكان في غير موارد التقية
لم يفعل ذلك لأجل المصلحة وعدم الاحتياج إلى مال الناس، وإلا
فلا يكشف عدم الفعل على عدم الولاية كما لا يخفى.
هذا كله ما يرجع إلى المقام الأول، أعني الولاية بمعنى الاستقلال في
التصرف.
ب - توقف تصرف الغير على إذن الإمام (عليه السلام)
وأما الجهة الثانية، أعني الولاية بمعنى توقف تصرف الغير على إذن
الإمام (عليه السلام)، فنقول:
تارة دل الدليل على توقف جواز التصرف للغير على إذن الإمام (عليه السلام)
وعدم جوازه بدونه، كباب الحدود ونحوها.
وأخرى يكون هنا اطلاق يدل على اشتراطه بإذنه، كالقصاص

1 - راجع البحار 37: 219.
285

والتقاص وقتل النفس للحد واجراء الحدود والتعزيرات إلى غير ذلك
من التصرفات (1)، فإن اطلاق أدلة تلك الأمور يدل على حرمة إيذاء الغير
وعدم جواز التصرف في مال الغير ونفسه وهكذا وهكذا، فنتيجة ذلك
هو الاشتراط بإذن الإمام (عليه السلام) وعدم جواز التصرف في أمثال ذلك إلا
بإذنه.
وثالثة يقتضي الاطلاق عدم الاشتراط، كما إذا شككنا في اشتراط
صلاة الميت بإذن الإمام (عليه السلام)، فإن مقتضى الاطلاق هو وجوبها لكل
أحد كفاية بلا اشتراط بإذنه (عليه السلام)، وينفي الاشتراط بالاطلاق ولو مع
التمكن منه، ولا يدل على الاشتراط قوله (عليه السلام): السلطان أحق بذلك (2)،
فإنه فيما كان السلطان حاضرا ورؤي أن يصلي، فليس لأحد أن يمنع من
ذلك حتى الوارث لكونه أحق بذلك، فلا دلالة فيه أن إقامة صلاة الميت
مشروطة بإذن الإمام حتى مع التمكن من ذلك.
وبالجملة لو كان هنا دليل دل بصراحته على الاشتراط أو دل باطلاقه
على ذلك أو على عدمه فيكون متبعا، ولأجل ذلك فالتزم المصنف (رحمه الله)
باجراء أصالة عدم الاشتراط وكون ذلك مخالفا للأصل، وأنه يقتضي
عدم الاشتراط.

1 - راجع الوسائل 27: 11، الباب: 3 من أبواب صفات القاضي، و 27: 301، الباب: 32
من أبواب كيفية الحكم، و 28: 38، الباب: 17 من أبواب مقدمات الحدود، و 28: 56، الباب:
32 من أبواب مقدمات الحدود، و 28: 307، الباب: 1 من أبواب حد المحارب، والمستدرك 17:
241، الباب: 3 من أبواب صفات القاضي، و 18: 29، الباب: 29 من أبواب مقدمات الحدود.
2 - عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا
حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها أن قدمه ولي الميت وإلا فهو غاصب
(التهذيب 3: 206، عنه الوسائل 3: 114)، موثقة.
عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس
بالصلاة عليها (الكافي 3: 177، التهذيب 3: 206، عنهما الوسائل 3: 114)، موثقة.
286

والذي ينبغي أن يقال: إن كان هنا يمكن الوصول إلى الإمام (عليه السلام)
وسؤال حكم القضية عنه (عليه السلام) أو عن نائبه الخاص، لكون ذلك مما يسأل
عنه، لكونه من الأحكام الشرعية فبها، وإلا فيكون الأصل بحسب
الموارد مختلفا.
فإنه إن كان هنا تكليف مجمل مردد بين أن يكون واجبا منجزا أو واجبا
مشروطا بإذن الإمام (عليه السلام)، فمقتضى الأصل هنا عدم الوجوب، لأنه
لا يعلم وجوبه فيدفع بالبراءة.
وإن كان الوجوب منجزا ولكن نشك في اعتبار إذنه (عليه السلام) في صحته
كصلاة الميت مثلا، للعلم بوجوبه على كل أحد ولكن نشك في صحته
بدون إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص، فالأصل عدم الاشتراط فيكون
واجبا مطلقا.
وبالجملة ليس مفاد الأصل العملي في جميع الموارد على نسق
واحد، بل نتيجته في بعض الموارد هو الاشتراط، وفي بعض الموارد
عدم الاشتراط كما لا يخفى، فما ذكر المصنف من كونه على نسق واحد
ليس على واقعه.
البحث عن ولاية الفقيه
ألف - كونهم مستقلين في التصرف
قوله (رحمه الله): إنما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين.
أقول: والغرض الأقصى إنما هو بيان ولاية الفقيه بأحد الوجهين
المتقدمين، وقد عرفت أن الكلام في ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه (عليهم السلام)
من جهات ثلاث، من حيث وجوب طاعته في الأحكام الشرعية و
تبليغها، ومن حيث وجوب طاعته في أوامره الشخصية، ومن حيث كونه
وليا في أنفس الناس وأموالهم.
287

والظاهر أنه لم يخالف أحد في أنه لا يجب إطاعة الفقيه إلا فيما يرجع
إلى تبليغ الأحكام بالنسبة إلى مقلده، ولكل الناس لو كان أعلم وقلنا
بوجوب تقليد الأعلم، وأما في غير ذلك بأن يكون مستقلا في التصرف
في أموال الناس وكانت له الولاية على الناس، بأن يبيع دار زيد أو زوج
بنت أحد على أحد، أو غير ذلك من التصرفات المالية والنفسية، فلم
يثبت له من قبل الشارع المقدس مثل ذلك.
نعم نسب إلى بعض معاصري صاحب الجواهر أنه كان يقول بالولاية
العامة للفقيه، وكونه مستقلا في التصرف في أموال الناس وأنفسهم،
واجتمع معه في مجلس وقال صاحب الجواهر: زوجتك طالق، فقال
المعاصر: إن كنت متيقنا باجتهادك لاجتنبت من زوجتي.
وكيف كان فلا دليل لنا يدل على ثبوت الولاية المستقلة والاستقلال
في التصرف للفقيه، إلا ما توهم من بعض الروايات.
منها: ما دل على أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا
ولا درهما ولكن ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها
أخذ بحظ وافر، بدعوى أن الولاية على أموال الناس وأنفسهم من جملة
تركة الأنبياء للعلماء، فكما لهم ذلك فللعلماء أيضا ذلك.
وفيه أولا: إن الوراثة إنما تكون في أمور قابلة للانتقال، فما لا يقبل
الانتقال لا تقبل الوراثة كالشجاعة والسخاوة والعدالة وغيرها من
الأوصاف الغريزية والنفسية.
وثانيا: لم نحرز كون الولاية من قبيل ما تقبل التوريث، على أن الولاية
العامة على القول بثبوتها للفقيه إنما هي مجعولة له من قبل الأئمة (عليهم السلام)
لا منتقلة إليهم بالتوريث، فلا يمكن اثباتها للفقهاء بمثل هذه الروايات.
وثالثا: إن الولاية خارجة عن حدودها تخصصا، وذلك من جهة أنها
288

ناظرة إلى أن شأن الأنبياء ليس أن يجمعوا درهما ولا دينارا، وليس
همهم وحرصهم إلى ذلك وجمع الأموال، بل حرصهم أن يتركوا
الأحاديث، وصرحوا (عليهم السلام) بذلك، وأن المتروك أي شئ في بعض
الروايات، وقال: لكن ورثوا الأحاديث، ومن أخذ منها فإنما أخذ بحظ
وافر (1).
وليست هي ناظرة إلى أن الأنبياء لم يتركوا شيئا أصلا من الدار
والثياب، بل لا ينافي بترك درهم ودرهمين، إذ ليس ذلك من قبيل
الحرص بجمع المال، وإلا فالأئمة (عليهم السلام) كانوا يتملكون الدار والثياب
ويورثوها للوراث.
وبالجملة ليست هذه الروايات ناظرة إلى جهة توريث الولاية، بل هي
خارجة عنها تخصصا، وإنما هي ناظرة إلى توريث الأحاديث والأخبار.
ومن هنا ظهر ما في الاستدلال بقوله (عليه السلام): والعلماء أمناء الله في
حلاله وحرامه (2)، فإن الأمانة والاستيداع منهم لا يقتضي كونهم وليا من
قبلهم في التصرف في أموال الناس وأنفسهم.
بل يمكن أن يراد من تلك الأخبار كون المراد من العلماء هم الأئمة
والأوصياء (عليهم السلام)، لكونهم هم العلماء بالمعنى الحقيقي، فمع دلالة تلك

1 - عن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك إن الأنبياء
لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ
حظا وافرا (الكافي 1: 32)، ضعيفة.
2 - عن الحسين بن علي (عليهما السلام) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويروي عن أمير
المؤمنين (عليه السلام): أنتم أعظم الناس مصيبة، لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك،
بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه (تحف العقول
: 168)، ضعيفة.
289

الأخبار على كون العلماء ورثة الأنبياء عن التصرف في أموال الناس
وأنفسهم فلا دلالة فيها لكونها ثابتة للفقيه أيضا، فنعم الدليل الحاكم قوله
(عليه السلام): نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون (1).
إذن فيمكن دعوى أن كلما ورد في الروايات من ذكر العلماء فالمراد
منهم الأئمة (عليهم السلام)، إلا إذا كانت قرينة على الخلاف، كما في الرواية التي
سئل الفرق فيها بين علماء هذه الأئمة وعلماء اليهود وغيرها، مما قامت
القرينة على المراد بأن العلماء هم الشيعة والفقهاء.
وأظهر من جميع من إرادة الأئمة (عليهم السلام) من العلماء، قوله (عليه السلام):
مجاري الأمور في يد العلماء بالله (2)، فإن العلماء بالله ليس غير الأئمة
(عليهم السلام)، بل غيرهم العلماء بالحلال والحرام من الطرق الظاهرية.
ومع قبول شمول العلماء بالله للفقيه أيضا فلا دلالة فيها على
المدعي، إذ المراد من ذلك كون جريان الأمر به لا يكون إلا في يد الفقيه،
بحيث لولاه تقف الأمر، فهو لا تكون إلا في توقف الأمر بدونها الحلال
والحرام، نعم قد يكون للفقيه التصرف في أموال الناس كاليتيم
والمجنون ونحوهما، وهذا غير ما نحن فيه.
وأما الروايات الدالة على أن علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل (3)، وفي
الفقه الرضوي: بمنزلة أنبياء بني إسرائيل (4)، فهي ناظر إلى وجوب تبعية
الفقهاء في التبليغ والتنزيل من هذه الجهة، بعد القطع بأنه لم يرد التنزيل

1 - بصائر الدرجات: 9.
2 - مر قبيل هذا، فراجع.
3 - عوالي اللئالي 4: 77، عنه البحار 2: 22، وفي التحرير للعلامة 1: 3، عنه المستدرك
17: 320، حاكيا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ضعيفة.
4 - الفقه الرضوي: 338، عنه البحار 78: 346.
290

من جميع الجهات بل في الجهات الظاهرة، فهي كما في زيد كالأسد،
إذ هو في شجاعته لا في جميع الجهات حتى في أكله الميتة مثلا.
والنكتة في ذلك واضحة، إذ أنبياء بني إسرائيل لم يكن كلهم نبيا
لجميع الناس ورسولا عاما، بل كان بعضهم نبي بلده، وبعضهم نبي
محلته، وبعضهم نبي مملكة، نظيرهم في ذلك العلماء، وأنه يجب لكل
قوم أن يتبع عالمه، كما كان الواجب لبني إسرائيل أن يتبعوا نبيهم في
التبليغ.
ويمكن أن يكون التنزيل في الشرافة والثواب والأجر، وأنهم مثلهم،
وهذا أمر واضح لو لاحظت التعليم والتعلمات العرفية لجزمت بذلك،
مثلا فتلميذ المدرسة الثانية لعلو المدرسة أعلم من معلم المدرسة
الابتدائية وهكذا، فالفقهاء وإن كانوا فقهاء وتلامذة المدرسة المحمدية
مثل معلم الأمة السابقة من الأنبياء لعلو هذه المدرسة، بل بعضهم أفضل
من بعض هؤلاء الأنبياء، وبالجملة والتنزيل في هذه الرواية من هذه
الجهة، وهذا هو الظاهر.
وأما قوله (صلى الله عليه وآله): اللهم ارحم خلفائي، قيل: ومن خلفاؤك يا رسول
الله، قال: الذين يأتون بعدي، فإن الظاهر من ذلك خليفتهم في نقل
الرواية والحديث، كما قال (صلى الله عليه وآله): ويروون حديثي وسنتي (1)، لا أن
المراد من الخلافة الخلافة في التصرف في أموال الناس وأنفسهم، فهي
أيضا خارجة عن المقام.
والحاصل ليست في شئ من هذه الروايات دلالة على كون الفقيه
مستقلا في التصرف في أموال الناس، وإن كان له ذلك في بعض الموارد

1 - الوسائل 27: 91 عن أمالي الشيخ، والمستدرك 17: 287 عن صحيفة الرضا (عليه السلام): 48،
وعوالي اللئالي 4: 64.
291

كالطفل ونحوه، ولكنه إنما ثبت له بأدلة أخرى كما لا يخفى، فافهم،
وأنه ليسوا ممن يجب إطاعتهم في أوامرهم الشخصية.
وأما ما ذكره المصنف من قوله (عليه السلام) في نهج البلاغة: أولى الناس
بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا، إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه (1)، إذ
الظاهر من ذلك شموله بالولاية واستقلالهم في التصرف في أموال الناس
وأنفسهم، فالظاهر كونها أجنبية عن المقام، إذ الأولوية لا تقتضي الولاية
وثبوت ما للمتبوع بأجمعه للتابع.
وكذلك لا دلالة في قوله عجل الله تعالى فرجه: هم حجتي عليكم
وأنا حجة الله (2)، إذ الظاهر من الحجية هي الحجية في الأحكام، وأما
الولاية في التصرف فلا معنى للحجية في ذلك، فلا ملازمة بين الحجية
والولاية بوجه.
وأما المقبولة، قال: فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا
تنازعا في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القاضي أيحل ذلك
- إلى أن قال: - قد جعلته عليكم حاكما، وفي ذيله: ينظر من كان منكم
قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فيرضوا به
حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما - الخ (3).
وقد استدل بها شيخنا الأستاذ على المدعي (4)، وكون الفقيه وليا في
الأمور العامة، بدعوى أن الظاهر من الحكومة هي الولاية العامة، فإن

1 - النهج: 484، المختار من الحكم، الحكمة: 96، والآية في آل عمران: 68.
2 - اكمال الدين: 483، عنه الوسائل 27: 140.
3 - الكافي 1: 10، عنه الوسائل 27: 13، كذا في الإحتجاج: 356، عنه المستدرك
17: 302.
4 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 336.
292

الحاكم هو الذي يحكم بين الناس بالسيف والسوط، وليس ذلك شأن
القاضي، وقد كان ذلك متعارف في الزمان السابق، وإن كان قد اتفق
الاتحاد في بعض الأزمنة، بل الظاهر من صدرها هو كون القاضي مقابلا
للسلطان، وقد قرر الإمام (عليه السلام) ذلك.
وفيه أن ما كان متعارفا في الأزمنة السابقة بل فيما يقرب إلى زماننا هو
تغاير الوالي والقاضي، وأن القاضي من كان يصدر منه الحكم والوالي هو
المجري لذلك الحكم، وأما القاضي والحاكم فهما متحدان، ومن هنا
قال (عليه السلام) في بعض الروايات: جعلته عليكم قاضيا (1)، ويدل على
اتحادهما بما في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام): فإني قد جعلته حاكما، إذ
لو كان القاضي غير الحاكم لم يقل إني قد جعلته حاكما مع كون المذكور
في صدر الرواية لفظ القاضي.
والعجب منه (رحمه الله) حيث أيد مدعاه بكون القاضي مقابلا للسلطان في
صدر الرواية مع أنه ليس كذلك، إذ المذكور في الصدر أنه تحاكما إلى
السلطان أو القاضي، ومن البديهي أن السلطان غير القاضي والحاكم،
وأن المرافعات قد ترفع إلى القاضي وقد ترفع إلى السلطان، ولأجل
ذلك ذكر في صدر الرواية السلطان والقاضي.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه ليس للفقيه ولاية على أموال الناس
وأنفسهم على الوجه الأول بمعنى استقلاله في التصرف فيهما، ومن هنا
اتضح أنه ليس له اجبار الناس على جباية الخمس والزكاة وسائر الحقوق
الواجبة كما هو واضح.

1 - التهذيب 6: 219، عنه الوسائل 27: 139.
293

ب - توقف تصرف الغير على إذن الفقيه
وأما ولايته على الوجه الثاني، بمعنى اعتبار نظره في جواز التصرفات
فيما كان منوطا بإذن الإمام (عليه السلام)، وأن تصرفات الغير بدون إذنه غير
جائز، وقد استدل المصنف على ذلك وولايته على هذا الوجه
بالروايات المتقدمة، وقد عرفت جوابها وما أريد منها.
واستدل عليه أيضا بالتوقيع المروي في اكمال الدين واحتجاج
الطبرسي، الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر أني
سألت العمري أن يوصل لي إلى الصاحب (عليه السلام) كتابا يذكر فيه تلك
المسائل التي قد أشكلت على، فورد الجواب بخطه عليه آلاف التحية
والسلام في أجوبتها، وفيها: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى
رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله (1).
وهذه الرواية وإن كان مسبوقا وملحوقا بجملات لم تذكر، ولكن
ظاهرها عدم ارتباطها بسابقها ولاحقها بوجه، وكيف استدل المصنف
بذلك على ولاية الفقيه على الوجه الثاني بقرائن فيها تدل على ذلك،
وبعد إرادة خصوص المسائل الشرعية فيها أن الرواية دالة على ارجاع
نفس الحادثة إليه (عليه السلام) ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة لا الرجوع في
حكمها إليه.
وفيه أنه لو كان المراد بالرواية هو ذلك لقال (عليه السلام): فارجعوها إلى
رواة حديثنا، ولم يقل: فارجعوا فيها، ومن الظاهر أن الظاهر من
الموجود في الرواية - أعني الثاني - ليس إلا الرجوع إليهم في الحكم، فإن
المناسب للرجوع إليه في الشئ ليس إلا الرجوع إليه في حكمه، بل هذا

1 - الإحتجاج 2: 470، اكمال الدين: 484، الغيبة: 29.
294

هو المناسب للرجوع إلى الرواة، فإنهم لا يدرون إلا حكم الواقعة، وأما
اعتبار إذنهم في التصرف فلا.
ومنها: التعليل بكونهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، فإنه إنما يناسب
الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر، فكان هذا منصب ولاة
الإمام من قبل نفسه، لا أنه واجب من قبل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة
الإمام (عليه السلام)، وإلا كان المناسب أن يقول: إنهم حجج الله عليكم، كما
وصفهم في مقام آخر بأنهم: أمناء الله على الحلال والحرام.
وبالجملة لو كان المراد من ذلك هو ما يكون راجعا إلى الحكم لقال
(عليه السلام): إنهم حجج الله، لكون الحكم له، ولكن لم يكني كذلك، بل
الأنسب في جهة ترجع إلى نفس الإمام فهي الولاية.
وفيه ما عرفت سابقا، من أن الحجية تناسب تبليغ الأحكام الشرعية،
كما في قوله تعالى: فلله الحجة البالغة (1)، وأما الولاية فلا ملازمه بينها و
بين الحجية، وعدم نسبة حجيتهم إلى الله من جهة أن الأئمة (عليهم السلام)
واسطه في ذلك، لعدم وصول الحكم من الله إلى العباد بلا واسطة، وأن ما
يفعلون إنما يفعلونه بحكم الله تعالى، فيكون ما يكون حجة من قبلهم
حجة من قبل الله، فلا يكون في هذه أيضا قرينية على المدعي.
ومنها: أن وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء - الذي
هو من بديهيات الاسلام من السلف إلى الخلف - مما لم يكن يخفى على
أحد فضلا على مثل إسحاق بن يعقوب حتى يكتبه في عداد مسائل
أشكلت عليه، بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى رأي أحد
ونظره، فإنه يحتمل أن يكون الإمام قد وكله في غيبته إلى شخص أو
أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان، والحاصل أن لفظ الحوادث ليس

1 - الأنعام: 149.
295

مختصا بما اشتبه حكمه ولا بالمنازعات.
وفيه أن الظاهر من حوادث هي الفروع المتجددة التي أرجع الإمام فيها
إلى الرواة، كما يقتضي ذلك الارجاع إلى الرواة، فإن بعض الفروع قد
تكون متجددة ومستحدثة صرفة، فهي من المهام المسائل التي لا بد
وأن يسأل من الإمام (عليه السلام)، فقد سأل الراوي عن ذلك.
ومثل هذه الفروع ليس من شأنها جهة نقص من كل شخص، ولذا سأل
إسحاق بن يعقوب - وإن كان من أجلاء العلماء - بواسطة محمد بن عثمان
العمري الذي هو من السفراء الإمام (عليه السلام) عن الحوادث التي هي متجددة،
فأجاب بارجاعه إلى السفراء والعلماء.
وبالجملة أن الحوادث المتجددة والفروع المستحدثة مما يشكل
الأمر فيها، فلا بداهة في لزوم السؤال عنها عن الإمام (عليه السلام)، ليكون السؤال
عنه لغوا كما هو واضح، فافهم.
وبعبارة أخرى أنه ليس كل مسألة فرعية تقضي البداهة لزوم الرجوع
فيها إلى الإمام في زمانه وإلى الفقهاء في زمان الغيبة، بل منها الفروعات
المستحدثة التي يشك في أن المرجع فيها من هو، فلذا يسأل الراوي عن
حكم ذلك في زمان غيبة الكبرى، إذ في زمان غيبة الصغرى يسأل عن
نفس الإمام (عليه السلام) بواسطة السفراء، وأما في زمان غيبة الكبرى فلا، ولذا
أرجع الإمام (عليه السلام) في ذلك الزمان إلى الفقهاء بالنيابة العامة، وأنهم وإن لم تصل إليهم في رواية ولكن يصلون إلى حكمها ولو من الأصول،
وذلك ككثير من الفروع المتجددة في زماننا، منها مسألة اللقاح بواسطة
التلقيح وأن الولد بمن يلحق وممن يرث.
وقد استدل على ذلك بأن السلطان ولي ما لا ولي له.
وفيه أن هذا لم يثبت من طرقنا كونه رواية أو قاعدة مسلمة كبعض
296

القواعد الفقهية، وأما من طرق العامة فعلى تقدير ثبوته فلم ينجبر ضعفها
بعمل المشهور، وعلى تقدير الانجبار فلا دلالة فيه على المقصود، إذ
المراد بذلك أن السلطان أولى بالتصرف من غيره، وأنه ولي من لا ولي له
في التصرف في ماله ونفسه، وهذا غير مربوط بولاية الفقيه بوجه، إذن
فلا دلالة في شئ من الروايات على ولاية الفقيه بوجه من الوجهين من
معنى الولاية.
وربما يستدل على ثبوت الولاية للفقيه بوجهين بتقريبين آخرين:
1 - إن الولاية في الأمور العامة بحسب الكبرى ثابتة عند العامة بالسيرة
القطعية، وإن اشتبهوا في صغرى ذلك وتطبيقها على غير صغرياتها، إلا أن ذلك لا يضر بقطعية الكبرى الثابتة بالسيرة، وأما الصغرى فهي ثابتة
بالعلم الوجداني، إذ بعد ثبوت الكبرى فالأمر يدور بين تصدي غير الفقيه
على التصرف في الأمور العامة، وبين تصدي الفقيه بذلك فيكون مقدما
على غيره، وبالجملة نثبت الكبرى بالسيرة القطعية والصغرى بالعلم
الوجداني.
وفيه أن اشتباههم في الصغرى وإن كان مسلما، ولكن نحتمل أن
يكون ذلك في الكبرى أيضا، كسائر مبتدعاتهم في الدين، فلم تقم سيرة
قطعية متصلة إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله) على ذلك، بل يكفي مجرد الشك في
ذلك، فإنه لا بد من دليل قطعي يدل على جواز التصرف في أموال الناس
وأعراضهم وأنفسهم.
2 - التقريب الثاني ما عن بعض المعاصرين أن يقال: إن ما هو مسلم
عند العامة من القول بالولاية العامة مذكور بحسب الكبرى في التوقيع
الشريف، فإن المذكور فيه أنه تحاكما إلى السلطان أو القاضي، فهو
بصراحته يدل على ذلك، فنحكم بثبوت تلك الكبرى للفقيه الجامع
297

للشرائط في زمان الغيبة، إذ لا نحتمل أن يكون غيره وليا في ذلك في
عرضه، بل لو كان فهو ولي ذلك.
وفيه أنه لا يمكن المساعدة إلى ما ذهب إليه هذا المعاصر، فإنه وإن
ذكر السلطان والقاضي في الرواية، وذكر الإمام (عليه السلام) بأن من عرف حلالنا
وحرامنا أني جعلته قاضيا في رواية أبي خديجة، وجعلته حاكما في
المقبولة، ولكن الذي أرجع الإمام (عليه السلام) إليه ليس إلا في المرافعة
والمنازعة، كما قال في الصدر: تنازعا في دين أو ميراث إلى السلطان أو
القاضي، وأما أزيد من ذلك فلا إذن، فالمسلم من الرواية هو ثبوت
الولاية له في المنازعات والمرافعات ومنصب القضاوة، وثبت له
منصب التقليد وكونه مرجعا في الأحكام بالأدلة الخارجية، وأما في غير
هذين الموردين فلا، هذا كله بحسب الروايات.
وأما بحسب الأصل فقد تقدم سابقا أن بعض الأمور لا يجوز لغير الفقيه
أن يتصدى إليه ويتصرف فيه إلا بإذنه، ولعل من هذا القبيل باب الحدود
والتعزيرات، إذ لا يجوز لأحد أن يظلم أحدا إلا فيما ثبت جوازه بدليل،
فلا شبهة في كون الحدود من أعظم مصاديق الظلم لولا تجويز الشارع.
نعم لو كان في باب الحدود والتعزيرات، وكذلك في باب الأموال،
وأمثال ذلك مما فيه حق للغير اطلاق ما دل على جواز أمثال ذلك من كل
أحد فنتمسك به، فنحكم بجواز تصدي غير الفقيه أيضا بذلك، ولكن
ليس الأمر كذلك.
نعم يمكن دعوى الاطلاق في مثل الزنا، لقوله تعالى: الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (1)، ولكنه قيد بالروايات.
وبالجملة في أمثال الموارد لا يجوز لغير الإمام ونائبه أن يتصدى

1 - النور: 2.
298

بالتصرف إلا بإذنه، إذ قد ثبت بالأدلة القاطعة عدم جواز التصرف في
أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم بلا إذن ورضاية من المالك للتصرف،
وإذا شككنا في اعتبار إذن الإمام عليه أو الفقيه في صحة شئ لا في
وجوبه كصلاة الميت، إذ هو واجب لكل مكلف، فلا نشك أن يكون إذن
الفقيه من شرائط الوجوب، فندفع ذلك بالاطلاق إن كان هنا اطلاق،
وبأصالة البراءة لو لم يكن في البين اطلاق، فتثبت نتيجة الاطلاق.
وإن كان وجوب شئ كصلاة الجمعة مثلا مشروطا بإذن الفقيه كما
ذهب بعض إلى ذلك وأن صلاة الجمعة لا تكون واجبة عينية إلا بإذن
الفقيه، وشككنا في ذلك فمع عدم الدليل ندفع وجوب ذلك بالأصل، بل
لا يجب الاستيذان أيضا، لأن تحصيل شرط الواجب ليس من الواجبات
وإنما الواجب هو اتيان الواجب بعد تحقق موضوعه وشرائطه بأجمعها.
وإن كان الشك في جواز التصرف بدون إذن الفقيه من غير أن يكون هنا
احتمال الوجوب، كالتصرف في الأوقاف العامة فلا يجوز التصرف فيه،
ولا يشرع إلا بإذن الفقيه، إذ من المسلم الضروري أنه لا يجوز التصرف
في مال الغير بدون إذنه، ففي مثل الأوقاف دار الأمر بين جواز التصرف
مطلقا وبدون إذن أحد في ذلك وبين جواز بإذن الفقيه، فلا شبهة أن
المتيقن هو صورة الإذن من الفقيه، فيكفي في عدم جواز غير هذه الصورة
مجرد الشك في الجواز، إذ المورد مورد التصرف في الأموال.
ومن هذا القبيل اشتراط إذن الفقيه في صرف مال الإمام (عليه السلام) في
موارده، إذ من الضروري بطلان احتمال دفن ذلك مع وجود المستحقين
والموارد المحتاجة إليه، خصوصا في مثل القراطيس، وكذلك القائه في
البحر، فإن ذلك ليس إلا مثل الاحراق والاتلاف، وكذلك الايصاء إلى أن
يصل إلى الإمام (عليه السلام)، فإنه بعد تبدل يد أو يدين يكون تالفا، مثل الالقاء
299

في البحر، إذن فنقطع برضاء الإمام (عليه السلام) في صرفه في مصالح الدين
فأهمها في تحصيل العلوم.
وعليه فيدور الأمر بين أن يتصرف في ذلك المال كل أحد بدون
رضاية الفقيه وبين أن يتصرف بإذن الفقيه، فالمتيقن هو جواز التصرف
بإذن الفقيه، إذن فالنتيجة ثبوت ولاية الفقيه على مال الإمام (عليه السلام) على
الوجه الثاني، أي بمعنى اشتراط التصرف بإذنه.
وإن اجتمع الأمران، بأن كان وجوب شئ وجواز التصرف فيه
مشروطا بإذن الفقيه كالأمور الحسبية، من التصرف في أموال القاصرين
والمجانين ومجهول المالك وأموال الصغار وغير ذلك.
فهنا أيضا بالنسبة إلى الوجوب نجري الأصالة البراءة، بل ليس
تحصيل الإذن أيضا من الواجبات لعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب،
وبالنسبة إلى جواز التصرف نحكم بعدم جوازه بدون إذن الفقيه، لأن
المقدار المتيقن هو التصرف بإذن الفقيه كما عرفت في مثل الأوقاف.
فتحصل أنه ليس للفقيه ولاية بكلا الوجهين على أموال الناس
وأنفسهم، فليس له أن يزوج بنتا صغيرة لابن صغير أو كبير، ولا تزويج
ابن صغير، ولا يجوز له بيع داره وهكذا وهكذا، إلا أن يكون الصغير
بدون ذلك في معرض التلف فيدخل تحت الأمور الحسبية.
نعم له الولاية في بعض الموارد لكن لا بدليل لفظي بل بمقتضى الأصل
العملي كما عرفت.
ثم إن ثمرة ثبوت الولاية بالأصل أو بالدليل هو أنه إذا كان شئ واجبا
وشك في كون صحته مشروطا بإذن الفقيه، فبناء على ثبوت ولايته
بالدليل لا يجوز لغيره أن يمتثل بدون إذنه لعموم الدليل عليه، لكونه مثلا
من الحوادث الواقعة فلا بد فيه وأن يرجع إلى الفقيه أو يتصدى به بإذنه،
300

وذلك كصلاة الميت إذا شك في اعتبار إذن الفقيه فيه، وإن كان ثابتا
بمقتضى الأصل فلا بد أن ينفي احتمال اعتبار إذنه بأصل البراءة.
وأما في الأمور الأخر التي نشك في أصل وجوبها بدون إذن الفقيه أو
في مشروعيتها أو في كليهما كما تقدم، فلا يفرق الحال فيها بين ما كان
ولاية الفقيه ثابتة بدليل أو بأصل، بل في كلا الفرعين لا يجوز التصرف في
الأوقاف وسهم الإمام (عليه السلام) وأموال الصغار حسبة إلا بإذن الفقيه، سواء
كان ولاية الفقيه ثابتة بالأصل أو بالدليل.
301

الكلام في ولاية عدول المؤمنين
قوله: مسألة في ولاية العدول المؤمنين.
أقول: إذا قلنا بولاية الفقيه وأمكنت الإجازة منه في الموارد التي
لا يجوز لغيره التصرف فيها إلا بإذنه، أو لم يمكن الاستيذان منه لعدم
الوصول إليه وإن كان موجودا، فحال غير الفقيه هنا حال الفقيه مع الإمام (عليه السلام) في صورتي الاستيذان وعدمه، أما في فرض امكان تحصيل الإذن
منه فلا كلام فيه، فلا بد من تحصيله منه، وأما في فرض عدم امكان
الوصول إليه فيقع الكلام هنا في جهتين:
الأولى: في جواز ولاية غير الفقيه من العدل وغيره، أو اختصاصها
بالعدل الإمامي، وبيان وظيفته في نفسه.
الثاني: في بيان وظيفة من عامل مع هذا الولي، فهل يكون مالكا لما
اشتراه أم لا.
1 - في جواز ولاية غير الفقيه
ألف - الاستدلال عليه بالأصل
أما الكلام في الجهة الأولى، فمقتضى الأصل بالنسبة إلى الأمور التي
واجبة مطلقة ولكن يشك في اعتبار إذن الفقيه في صحته كصلاة الميت،
فلا اشكال في صحته من أحد ولو من الفساق من المؤمنين، ولا يجب
تحصيل الإذن من عدول المؤمنين ولو في فرض التمكن من التحصيل،
وأما في الأمور التي يشك في أصل وجوبها إلا بإذن الفقيه، كالتكاليف
302

التي نحتمل أن يكون أصل وجوبها مشروطا به أو مطلقا، فتجري فيها
البراءة فيحكم بعدم الوجوب.
وأما فيما كان الشك في أصل المشروعية فلا يجوز لأحد أن يتصرف
في ذلك لا وضعا ولا تكليفا إلا بإذن عدول المؤمنين، مثلا لو مات أحد
وترك أموالا وأولادا صغارا فاحتاج إلى بيع تلك الأموال من أثمار
ونحوها مما تتلف ليومه أو في يومين، فجواز هذا التصرف بالوضع مع
امكان الفقيه يحتاج إلى إذنه، فبدونه يتصرف فيه عدول المؤمنين أو
غيرهم بإذن منهم، وأما بدون إذنهم فلا يجوز، وكذلك التصرف
التكليفي كحفظ دراهمه وأمواله المحتاجة إلى الحفظ من دون احتياج
إلى التصرف الوضعي، أو كان محتاجا بكلا التصرفين بأن يبيع ويحفظ
لثمنه، ففي جميع ذلك لا يجوز لغير العدول أن يتصدى بذلك بدون إذن
منهم.
والوجه في ذلك هو ما تقدم في ولاية الفقيه، من أنه ثبت بالأدلة
القاطعة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه مع احتياج ذلك المال
إلى التصرف، فدار الأمر بين الأعم والأخص، بأن يتصرف فيه كل شخص
أعم من الفاسق والعادل، أو خصوص العادل وغيره بإذنه، فالمتيقن هو
الثاني، فيكفي مجرد الشك في عدم جواز تصرف غيره وضعا وتكليفا،
لاطباق الأدلة على عدم جواز، فالخارج منها قطعا هي صورة الإذن من
العدول أو تصديهم بنفسهم على التصرف، ومن هذا القبيل الأوقاف
العامة وسهم الإمام (عليه السلام) من الخمس، على التقريب الذي تقدم.
وقد مثل المصنف بما كان أصل مشروعيته مشكوكا ببعض مراتب
النهي عن المنكر، كما إذا وصل إلى حد الجرح، فإنه لا يجوز ذلك
بمقتضى الأصل لكونه ظلما وايلاما فهو غير جائز بالأدلة الخاصة،
303

فلا اطلاق لأدلة النهي عن المنكر حتى يتمسك بها لاثبات مشروعية
ذلك، إلا إذا كان منجر إلى حد يخاف من اضمحلال الاسلام، فهو كلام
آخر.
والتمسك في ذلك بأن كل معروف صدقة (1) واضح الفساد، إذ الكبرى
وإن كانت مسلمة وإنما الكلام في الصغرى واثبات أن هذه المرتبة من
النهي عن المنكر من المعروف الصدقة وليس كذلك، وهكذا الكلام إذا
كان الشك في أصل المطلوبية والمشروعية إلا بإذن الفقيه أو بالاطلاق،
فبالنسبة إلى المطلوبية تجري البراءة وبالنسبة إلى المشروعية نجري
أصالة عدم المشروعية.
وبالجملة فحال غير الفقيه من عدول المؤمنين مع تعذر الوصول إليه
حال الفقيه مع تعذر الوصول إلى الإمام (عليه السلام) بلا زيادة ونقيصة، كما أن
هذه النسبة محفوظة بالنسبة إلى ما دون العدول مع تعذرهم بحفظ
الاحتياط، بأخذ المتيقن من كل مرتبة، فافهم.
وحال الكلام إذا قلنا بثبوت الولاية للفقيه وأمكن الوصول إليه فلا بد
من الإذن منه، وإن تعذر الوصول إليه وكان موجودا في بلاد لا يمكن
الاستيذان منه ولو بالمكاتبة فحينئذ فهل يجوز لكل أحد أن يتصرف
فيما تصرف فيه الفقيه ولو كان عاما فاسقا أو تصل النوبة إلى عدول
المؤمنين.
الظاهر أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيما تصرف فيه الفقيه بعد تعذر
الوصول إليه إلا بإذن من عدول المؤمنين لا وضعا ولا تكليفا، إذ قد يكون
الاحتياج إلى التصرف الوضعي، كما إذا مات أحد وترك ثمارا له فإنه لو

1 - عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل معروف صدقة
(الكافي 4: 26، عنه الوسائل 9: 459)، صحيحة.
304

لم يبع لكان فاسدا، فحفظا لمال الصغير لا بد من بيعها، وأخرى يكون
الاحتياج إلى التصرف التكليفي كحفظ دراهم الغير وأخرى إلى كلا
الأمرين.
ثم قد يكون شئ مفروض المطلوبية للشارع غير مضاف إلى أحد
واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط له بفرض التعذر، وكونه شرطا مطلقا له
لا شرطا اختياريا مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر
الشرط، فيكون إذن الفقيه ساقطا بلا شبهة، إذ نشك في اعتباره مطلقا أو
في حال الاختيار فنتمسك باطلاق الواجب، فندفع اعتبار الشرط، وهذا
كصلاة الميت، بل في مثل ذلك لا يجب الاستيذان من عدول المؤمنين
ولو مع التمكن، فيصديه كل من تصدى به ولو كان فاسقا إماميا.
وأخرى يكون الأمر مرددا بين أن يكون واجبا بإذن الفقيه أو واجبا
مطلقا، ففي هنا نجري البراءة عن أصل الوجوب.
وقد يكون الشك في أصل مشروعية شئ بدون إذن الفقيه، كبعض
مراتب النهي عن المنكر على ما مثله في المتن، فإن كان هنا اطلاق لأدلة
النهي عن المنكر يكون متبعا ويدفع به احتمال دخالة إذن الفقيه فيه، وإن
لم يكن فيه اطلاق فمقتضى الأصل عدم الجواز لكونه تصرفا في نفس
الغير وظلما وايلاما له فهو لا يجوز.
وإن كان الاحتياج إلى التصرف مما لا بد منه مع كون الشك في أصل
مشروعية التصرف بدون إذن الفقيه، كالتصرف في الأوقات العامة وسهم
الإمام (عليه السلام) على النحو الذي تقدم وتعذر الوصول إلى الفقيه فحينئذ
يدور الأمر بين التصرف المطلق وبين التصرف مع الإذن من العدول
المؤمنين، فحيث إن التصرف مالي فلا يجوز بغير إذن أهله، فالمتيقن من
ذلك هو التصرف بإذن العدول.
305

وإن كان الشك في أصل المشروعية مع احتمال كونه واجبا تكليفا بإذن
الفقيه أو مطلقا كالتصرف في أموال الصغار حسبة، فبالنسبة إلى الوجوب
تجري البراءة، وبالنسبة إلى أصل التصرف الوضعي يستأذن من العدول
لكونه هو المتيقن، وهكذا في التصرف التكليفي كحفظ ماله مثلا.
وبالجملة مكان عدول المؤمنين مع تعذر الوصول إليه مكان الفقيه مع
تعذر الوصول إلى الإمام (عليه السلام) بمقتضى الأصل ومفاد يختلف كما عرفت
بحسب الموارد.
ب - الاستدلال عليه بالروايات
هذا كله ما تقتضيه الأصل، ولكن قد ادعى ثبوت الولاية لعدول
المؤمنين مع تعذر الوصول إلى الفقيه بمقتضى الروايات، فلا بد من قراءة
الروايات حتى يلاحظ دلالتها على ذلك.
1 - صحيحة محمد بن إسماعيل: رجل مات من أصحابنا ولم يوص،
فرفع أمره إلى قاضي الكوفة، فصير عبد الحميد القيم بماله، وكان الرجل
خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد
بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته
وكان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر
(عليه السلام) وقلت له: يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ويخلف
جواري فيقيم القاضي رجلا منا فبيعهن، أو قال: يقوم بذلك رجل منا
فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري في ذلك؟ قال: فقال (عليه السلام): إذا كان
القيم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس - الخبر (1).
ومحل الكلام هنا جهة المماثلة، وأنها في أي شئ، فجعل

1 - الكافي 5: 209، التهذيب 9: 240، عنهما الوسائل 17: 363.
306

المصنف مورد الاحتمال فيها أربعة: إما المماثلة في التشيع، أو في
الوثاقة في ملاحظة مصلحة اليتيم وإن لم يكن شيعيا، أو في الفقاهة بأن
يكون من نواب الإمام (عليه السلام) عموما في القضاء بين المسلمين، أو في
العدالة.
وأبعد المصنف الاحتمال الثالث، وتبعه شيخنا الأستاذ (1) بدعوى أنه
لو كان المراد بها المماثلة في الفقاهة لكان مفهوم الشرط أنه لو لم يكن
القيم فقيها ففيه البأس، وهذا ينافي كون التصرف في مال اليتيم والقيام
بأمره من الأمور التي لا تسقط بتعذر إذن الفقيه، فيدور الأمر بين
الاحتمالين الأخيرين، والنسبة بين الوثاقة والعدالة وإن كان عموما من
وجه إلا أنه لا شبهة أن العدل أيضا لا بد من أن يتصرف فيما هو مصلحة
اليتيم، فالعدالة في هذا الباب هي الأخص من الوثاقة، وفي الدوران بين
الخاص والعام الخاص هو المتيقن، وإذن فلا بد وأن يكون المتصدي
عادلا، والمماثلة تحمل على هذا.
ويرد عليه أن الاطلاق يكون متبعا إذا شك في تعيين المراد، فيكون
بمقتضى ظهور الكلام متعينا، وأما إذا كان المراد معلوما بالعلم
الخارجي فكان الشك في كيفية المراد فلا يمكن اثبات ذلك بأصالة عدم
التقييد كما في المقام.
وبعبارة أخرى قد حققنا في بحث المفاهيم وفي غيرها أن اطلاق
المفهوم كسائر الاطلاقات من الحجج الشرعية، ومتبع بالنسبة إلى تعيين
المراد من المتكلم، فالعلم بعدم إرادة الاطلاق من الخارج لا يضر
بالاطلاق ولا يوجب عدم وجوده، ففي المقام وإن كان ثبوت الولاية لغير
الفقيه عند تعذر الوصول إليه مسلما ولكنه بالعلم الخارجي، فهو لا يضر

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 340.
307

بثبوت المفهوم على الاطلاق، وأنه إذا لم يكن فقيه لا يجوز القيام بأمر
الصغير كما هو واضح.
على أنه ينتقض بجعل المماثلة في العدالة أيضا، إذ لا شبهة في ثبوت
الولاية لغير العادل وتعذر العدول وتعذر تحصيل الإذن منه، فالاشكال
المذكور من هذا الجهة مشترك.
والانصاف أن كل من المحتملات قابل الإرادة، إذن فتكون الرواية
مجملة، فالمتيقن من المماثلة هو اجتماع جميع الجهات في الولي
للصغير، فلا تكون الرواية شاهدة لما نحن فيه، فافهم.
بيان آخر لهذه الرواية
وحاصل الكلام أنه استدل على ولاية عدول المؤمنين مع الوصول إلى
الفقيه بروايات، منها صحيحة محمد بن إسماعيل المذكورة، وقد
عرفت أن المحتملات فيها أربعة: المماثلة في التشيع، والمماثلة في
الفقاهة، والمماثلة في العدالة، والمماثلة في الوثاقة.
وقد عرفت أن الشيخ وشيخنا الأستاذ قد أشكلا في إرادة الفقاهة من
المماثلة، للعلم بولاية عدول المؤمنين مع تعذر الوصول إلى الفقيه، مع
أن مفهوم ذلك ينفي جواز ولاية عدول المؤمنين أمكن الوصول إلى الفقيه
فلا يجوز، فاطلاقه ينفي جواز ولاية عدول المؤمنين أمكن الوصول إلى
الفقيه، أو لم يمكن فاعتبر العدالة فيه صورة التعذر، إذ لم يكن القاضي
المذكور في الرواية فقيها ولا عادلا ولا شيعيا حتى يتوهم أنه لم يكن
الوصول إلى الفقيه متعذرا.
فنقول: أما احتمال التماثل في التشيع فبعيد جدا، إذ الظاهر من
الرواية أن الشيعية مفروض الوجود ومفروغ عنه، وإنما السؤال من جهة
308

أخرى وأن نصب القاضي يجوز جواز التصرف للقيم أم لا، مع عدم كون
القاضي شيعيا ولا فقيها في مذهبنا ولا عدلا بل ولا ثقة على الظاهر، ولو
مع الشك، وذلك لأن فرض السائل كون الرجل من أصحابنا وجعل
القاضي عبد الحميد فيها، مع جريان العادة بجعل القيم من الأصدقاء
ومن المقربين المطلعين على خصوصيات أحوال الميت يساعد كونه
شيعيا.
وأما ما أورد المصنف والأستاذ بإرادة المماثلة في الفقاهة ففيه:
أولا: النقض بإرادة المماثلة في العدالة، إذ المحذور المذكور وارد
على هذا أيضا للعلم بوصول النوبة إلى المؤمنين الفاسقين مع تعذر العدل
منهم العياذ بالله، مع أن المفهوم ينتفي جواز توليتهم على ذلك.
وثانيا: أنه قد حقق في المفاهيم وغيرها أن أصالة عدم التقييد وظهور
الاطلاق إنما يتبع فيما إذا كان الشك في أصل المراد، فبمقتضى ظهور
الكلام واطلاقه نستكشف مراد المتكلم وينتج به له وعليه، وهذا
بخلاف ما لو علم المراد من الخارج وكان الشك في كيفية المراد، فحينئذ
لا يمكن التمسك بأصالة عدم التقييد.
ففي المقام قد علم المراد من الخارج بأنه مع تعذر الفقيه تصل النوبة
إلى العدول من المؤمنين في الولاية على الصغار، وكان الشك في كيفية
ذلك المراد من المفهوم، فلا يجوز حينئذ التمسك بأصالة عدم التقييد
لاطلاق المفهوم في بيان كيفية المراد حتى يتوهم أن اطلاق المفهوم
ينفي وصول النوبة إلى المؤمنين العادلين، فليس المورد موردا للتمسك
بأصالة عدم التقييد أصلا كما هو واضح.
إذن فلا مجال لاشكال المصنف، إذ هو مفروض التمسك بأصالة عدم
التقييد، وقد عرفت عدم وصول النوبة إليها.
309

والتحقيق أن الظاهر إرادة المماثلة من الرواية من جميع الجهات حتى
في العربية والكوفية، ولكن نرفع اليد عن ذلك في الأمور التي نقطع بعدم
مدخليتها في الحكم بنحو كالعربية والكوفية ونحوهما، ويبقى الباقي
تحت الاطلاق، بل كلما نشك في خروجه ودخوله من جهة مدخليته
وعدمه، وإنما الخارج ما نعلم بعدم دخالته في الحكم، إذن فلا وجه
لاعتبار العدالة فقط من جهة أخذ القدر المتيقن.
وعليه فلا بد من اعتبار الفقاهة والوثاقة والعدالة وجميع
الخصوصيات المحسنة التي نحتمل دخالتها في الحكم في الولاية
المجعولة في الرواية، فافهم.
نعم ربما يقال: إن عبد الحميد هذا محتمل بين اثنين: أحدهما ثقة
لم تثبت فقاهته وهو ابن سالم، والآخر فقيه ولم يثبت وثاقته، وهو ابن
سعيد، فحينئذ تكون الرواية مجملة من حيث اعتبار الفقاهة.
ولكن الظاهر أن المراد منه هو عبد الحميد بن سالم، كما صرح به في
الرواية حيث قال: وجعل عبد الحميد بن سالم القيم بماله، كما في
التهذيب في باب الزيادة من الوصية (1)، وأن توثيقه لم ينحصر بهذه الرواية
بل ظاهر عبارة النجاشي في ابنه محمد بن عبد الحميد بن سالم هو ذلك (2)،
مع اثبات كتاب له، فيكون فقيها، فلاحظ، بل يكفي في اعتبار المماثلة

1 - التهذيب 9: 240، الرقم: 932.
2 - رجال النجاشي: 339، الرقم: 906، قائلا: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار
أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له
كتاب نوادر - الخ.
وتوهم بعضهم رجوع التوثيق إلى محمد بن عبد الحميد بن سالم، لكنه وهم، فإنه لا يلتئم مع
العطف بالواو، إذ لم يذكر جملة تامة قبل ذلك إلا جملة: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى
(عليه السلام)، فلا بد وأن يكون المعطوف عليه تلك الجملة، راجع معجم الرجال 9: 275.
310

مجرد الاحتمال في كونه فقيها، فافهم.
على أنه لا يمكن الاستدلال بها بما نحن فيه، لتوهم ورودها في
خصوص عدول المؤمنين، إذ محل كلامنا في ولاية عدول المؤمنين
واعتبار العدالة فيهم بعد تعذر الوصول إلى الفقيه، ولكن مقتضى الرواية
بحسب الاطلاق ساكت عن صورة التعذر بالوصول إليه عن صورة
الوصول بالإمام (عليه السلام) لامكانه أيضا لهم وإن كان بعد أيام، فإن الظاهر أن
بيع جميع مال الصغار لم يكن ضرريا حتى لا يمكن الرجوع إليه (عليه السلام)،
كما ترك بيع الجواري حتى سأل عن الإمام (عليه السلام).
نعم باطلاقها تدل على اعتبار العدالة في صورة التعذر أيضا، بل
بالأولوية، ولكن هذا غير ورودها في خصوص صورة التعذر واعتبار
العدالة في المؤمنين إذا كانوا وليا، بل مع قطع النظر عن الشبهة المذكورة
فلا بد من اعتبار الفقاهة أيضا بمقتضى المماثلة كما عرفت.
وبالجملة لا نفهم من الرواية ما يوجب اعتبار العدالة في الولي بعد
تعذر الوصول إلى الفقيه.
2 - موثقة سماعة، في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير
وصية وله خدم ومماليك وعقد، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك
الميراث، قال (عليه السلام): إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس (1).
واستفاد المصنف من ذلك اعتبار الوثاقة فيه وإن لم يكن فيه ملكة
العدالة، وحمل على ذلك رواية محمد بن إسماعيل المتقدمة إذ كان
اعتبار العدالة في الولي المؤمن اعتمادا عليها من جهة الأخذ بالقدر
المتيقن، فهذه الرواية يبين المراد وكون المناط هي الوثاقة وإن لم يكن
عدلا ولا إماميا.

1 - الكافي 7: 67، التهذيب 9: 240، عنهما الوسائل 19: 422.
311

ولكن الظاهر أن المراد من الثقة بالرواية غير ما فهمه المصنف، إذ
المعنى الذي ذكره ناشئ من الارتكاز بما ذكره أهل الرجال من معنى
الوثاقة، وإلا فالوثاقة في الروايات ليس هي العدالة بل أخص منها، إذ
ربما يكون العادل غير ثقة في فعله لعدم التفاته بنحو التصرف لبله
ونحوه.
وقد ورد في بعض الروايات الدالة على اعتبار العدالة في إمام
الجماعة بأنه: إذا كان ثقة ترضون دينه (1)، وفي بعض الروايات: أن فلانا
ثقة في دينه ودنياه، وهذه الرواية أيضا ساكتة عن صورة التعذر من الفقيه
بل من الإمام (عليه السلام) أيضا.
3 - صحيحة إسماعيل بن سعد، فإنها تدل على اشتراط تحقق عنوان
العدالة، حيث قال (عليه السلام): إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك (2)،
فهي أيضا أعم من صورة التعذر من الوصول إلى الفقيه بل إلى الإمام (عليه السلام)
وعدمه، فيعتبر نفس العدالة في ذلك.
والظاهر أن الذي يستفاد من الروايات هو جواز ولاية عدول المؤمنين

1 - عن أبي علي بن راشد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه
(الكافي 3: 374، عنه الوسائل 8: 315، 8: 309)، ضعيفة.
عن يزيد بن حماد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له: أصلي خلف من لا أعرف؟ فقال:
لا تصل إلا خلف من تثق بدينه - الحديث (رجال الكشي 2: 787، الرقم: 950، عنه الوسائل
8: 319)، ضعيفة.
2 - عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يموت بغير وصية
وله ولد صغار وكبار أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك،
فإن تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستعمله الخليفة أيطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: إذا كان
الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك (الكافي 7: 66،
التهذيب 9: 239، عنهما الوسائل 17: 362)، صحيحة.
312

في خصوص مال اليتيم توسعة، ولو مع التمكن من الإذن من الإمام (عليه السلام)
أو الفقيه، إذ العادة جارية بعدم التمكن في جميع النقاط حتى القرى،
وأما في غير التصرف في مال اليتيم بالبيع فلا حتى الشري لهم، ولو كان
مصلحة.
وهذه المدعي في غاية الوضوح خصوصا على الشبهة المذكورة في
عدم اعتبار الفقاهة من جهة المماثلة، فلا دلالة فيها على اعتبار العدالة
في الولي عند التعذر من الفقيه الذي هو محل الكلام إلا على الاطلاق.
جواز مزاحمة الغير فيما تصرف فيه
قوله (رحمه الله): ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر أنه على وجه
التكليف الوجوبي أو الندبي لا على وجه النيابة من حاكم الشرع.
أقول: ربما يقال: إن من ثبت الولاية له في زمان الغيبة على غيرهم،
كالوكلاء المتعددين في آن واحد، له البناء على تصرف مغاير لما بنى
عليه الأول.
فأجاب عنه المصنف بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف
لا في مقدماته، فما لم يتحقق التصرف من أحدهم كان الآخر مأذونا في
تصرف مغاير وإن بنى عليه الأول ودخل فيه، أما إذا فرضوا وكلاء عن
الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كالزامه ودخولهم في الأمر
كدخوله، وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة
نفس الموكل والتعدي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة كان حكمه
حكم ما نحن فيه.
وفيه أن المقدمات ليست من الأمور التي تقبل النيابة والوكالة، بل
مورد الوكالة هي الأمور الاعتبارية كالتزويج والبيع وسائر المعاملات،
313

وأما المقدمات كسائر الأفعال التكوينية مثل الأكل والشرب فغير قابلة
للوكالة.
والذي ينبغي أن يقال هو أن الظاهر أن ينظر إلى دليل الوكالة، فإن كان
فيه اطلاق حتى يشمل صورة وضع الآخر يده على المال أو أكثر من ذلك
فيجوز، بل مع الاطلاق والشمول يجوز للوكيل الثاني أن يتصرف فيه
على خلاف تصرف نفس الموكل فضلا عن وكيله، وإن لم يكن لدليل
الوكالة اطلاق فلا يجوز للثاني أن يتصرف في غير ما علم دخوله تحت
وكالته وأن يضع الآخر يده عليه، لقصور ما دل على جواز التصرف فيه،
ومن هنا ظهر حكم الوصاية أيضا.
وأما الأب والجد، فلكل منهما أن يتصرف في مال اليتيم حتى مع
تصرف الآخر بأن ينقض تصرفه، فضلا إذا وضع يده عليه ولم يتصرف
بعد، فلكل منهما أن يفسخ بيع الآخر الذي باعه خياريا، وهكذا وهكذا.
تفريق المصنف في المزاحمة بين الحكام وعدول المؤمنين
ثم إنه فرق المصنف بين الحكام وعدول المؤمنين في ثبوت الولاية
لهم، حيث منع من مزاحمة الفقيه الآخر عن الفقيه الذي وضع يده على
مال اليتيم وجوزها في عدول المؤمنين.
ومحصل كلامه في وجهها: أن الولاية الثابتة لعدول المؤمنين ليست
إلا على وجه الجواز أو الوجوب أو الندب التكليفي لا على وجه النيابة
من حاكم الشرع، فضلا عن كونه على وجه النصب من الإمام (عليه السلام)،
فمجرد وضع أحدهم يده على مال اليتيم لا يمنع الآخر عن تصرفاته،
نظير الأب والجد حيث يجوز لكل منهما أن يتصرف فيما وضع الآخر
يده عليه.
314

وأما حكام الشرع، فإن استندنا في ولايتهم إلى مثل التوقيع المتقدم:
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، جازت
المزاحمة لكل منهم عن تصرف الآخر قبل تصرفه، إذ الخطاب فيه
مختص بالعوام فلا يجوز لهم مزاحمة الفقيه في تصرفاته، وأما الفقهاء
فكل منهم حجة يجوز أن يتصرف في مال المولى عليه.
أما لو استندنا فيها إلى عمومات النيابة وتنزيل الفقيه منزلة الإمام (عليه السلام)، فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي وضع يده عليه، إذ دخوله
عليه كدخول الإمام عليه فلا يجوز مزاحمة الإمام (عليه السلام) فيما يريد الاقدام
عليه.
على أنه يلزم من جواز المزاحمة اختلال النظام سيما في مثل هذا
الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة.
ويرد على الثاني أولا: أنه لا دليل على النيابة كما تقدم حتى يقال: إن
مقتضاه هو تنزيل الفقيه منزلة الإمام (عليه السلام) فلا يجوز مزاحمته، وإنما
الولاية ثبت لهم ولغيرهم من المؤمنين على تقدير فقدانهم بمقتضى
الأصل، وإلا فليس هنا دليل لفظي يؤخذ بعمومه.
وثانيا: أنه على تقدير وجود الدليل اللفظي فعمومه يقتضي ثبوت
الولاية لكل فقيه في عرض ولاية الآخر، وكون كل منهم نازلا منزلة
الإمام (عليه السلام)، فلا يلزم من تصرف الثاني مزاحمة الإمام أو من هو في
منزلته، إذن فيجوز لكل منهم مزاحمة الآخر بل التصرف فيما تصرف فيه
الآخر بالفسخ ونحوه إذا كان تصرف الأول بمثل بيع الخياري.
وأما كونه مستلزما لاختلال النظام من جهة كثرة المدعين لذلك، ففيه
أن المدعي لذلك أن كان على وجه صحيح فلا يلزم فيه اختلال النظام،
فإن أحدهم يرى مصلحة فيبيع مال اليتيم والآخر يرى مصلحة فيفسخ،
315

فأي اختلال نظام يترتب عليه، فإنه يكون مثل تصرفات الأب والجد
حيث يتصرف أحدهما في مال المولى عليه على وجه ويتصرف الآخر
على خلافه بل ينقضه بأن يفسخ بيعه مثلا، فهل يتوهم أحد لزوم اختلال
النظام من ذلك.
ويرد على الأول أنه لا نفهم معنى لكون ولايتهم على وجه التكليفي
الوجوبي أو الندبي، إذ لا شبهة في نفوذ تصرفهم من البيع والشراء
وغيرهما من أقسام التصرفات عند فقد الحكام، وليس معنى الولاية إلا
ذلك التي ثبت من قبل الإمام (عليه السلام)، وإلا فمجرد الحكم التكليفي فهو من
الأمور الحسبية غير المربوطة بباب الولاية، إذن فولاية العدول كولاية
الفقيه، فلا وجه للتفريق.
على أن الدليل الدال على ثبوت الولاية لهم لو تم فإنما هي كالولاية
الثابتة للفقيه، وأنهم مع فقدهم كالفقيه مع فقد الإمام (عليه السلام)، فالفرق بينهما
بلا وجه، وتوهم اختلال النظام في الثاني دون ولاية العدول مع كونهم
أكثر فاسد.
والتحقيق هنا هو ما تقدم سابقا، من أن الولاية الثابتة للفقهاء ولعدول
المؤمنين إنما هي بحسب الأصل وأخذ القدر المتيقن من جواز التصرف
في مال الغير، فنتيجته عدم جواز تصرف الفقيه الآخر في مال المولى
عليه بعد وضع الأول يده عليه أو تصرفه فيه، لكونه تصرفا في مال الغير
فهو حرام، إذ لم نحرز جوازه إلا للأول لكونه هو المتيقن، وهكذا الكلام
في عدول المؤمنين، فما ذكره المصنف في الحكام وإن كان متينا من
حيث المدعي، ولكنه لا يتم من جهة الدليل الذي ذكره.
وبالجملة فالأصل الأولي يقتضي عدم جواز التصرف لأحد في مال
غيره، وبعد القطع بجوازه في مال اليتيم للحكام ولعدول المؤمنين في
316

الجملة فالمتيقن منه هو عدم جواز تصرف الثاني فيه بعد وضع الأول يده
عليه أو تصرف فيه.
فروع شتى
قوله (رحمه الله): أما ما ورد فيه العموم، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة
الفاسق.
أقول: ذكر المصنف هنا فروعا لا بأس بالإشارة إليها:
1 - جواز مباشرة الفاسق
هل يجوز مباشرة الفاسق في مال اليتيم مثلا أم لا، حكم المصنف (رحمه الله)
هنا بالجواز وعدم اعتبار العدالة في منصب المباشر، بدعوى شمول
عموم أدلة فعل المعروف، وإن كانت الأدلة الخاصة قاصرة، وتلك
العموم كقوله (عليه السلام): عونك الضعيف من أفضل الصدقة (1)، وعموم قوله
تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن (2)، ونحو ذلك.
وفيه الظاهر أن ما أفاده ليس بتمام، بل لا بد من العمل بمقتضى الأصل
الذي كان مفاده عدم جواز تصرف غير العادل في مال الصغير عند فقد
الفقيه، لكونه هو القدر المتيقن في ذلك الخارج عن أصالة عدم جواز
التصرف في مال الغير.
وأما عموم: عونك الضعيف من أفضل الصدقة، فعلى تقدير صحة
الحديث فهو ناظر إلى الكبرى، وأن كلما كان عونا للضعيف فهي صدقة،

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عونك الضعيف من
أفضل الصدقة (الكافي 5: 55، عنه الوسائل 15: 141)، صحيحة.
2 - الأنعام: 152.
317

وأما الصغرى فلا بد وأن تكون محرزة من الخارج، فلا تكون الكبرى
متكفلة لاثبات الصغرى، إذ لا نسلم أن تكون تصرف الفاسق في مال
اليتيم من مصاديق الصدقة فضلا عن كونه من أفضلها.
ومن هنا ظهر الجواب عن عموم قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا
بالتي هي أحسن (1)، فإن الكبرى وإن كان مسلما ولكن لا نسلم أن تصرف
الفاسق في مال اليتيم من القرب الحسن، بأي معنى أخذ القرب والحسن،
على ما ذكره المصنف من معانيهما، حتى في صور كون التصرف صلاحا
أو لم يكن الترك أصلح من الفعل بل كان الفعل أصلح من الترك، إذ
التصرف حرام فلا يجوز بمثل تلك الاحتمالات ما لم تثبت الولاية
للمتصرف في مال اليتيم كما لا يخفى.
بل تدل على عدم جواز بيعه وتصرفه فيه الأخبار المتقدمة الدالة على
عدم جواز الشري من الفاسق الذي تصدى التصرف في مال اليتيم، فإنه
إذا لم يجز الشري لم يجز البيع أيضا، فإنه لا معنى لصحة البيع من طرف
البايع وبطلانه من طرف المشتري، بل بطلان من أحد الطرفين يستلزم
البطلان من الطرف الآخر أيضا.
وبالجملة لا وجه لتصرف الفاسق في مال اليتيم بوجه، وأنه طريق غير
حسن، لعدم الدليل على جواز تصرفه، وعدم شمول العمومات
المتقدمة عليه كما عرفت.
2 - حكم الشراء من الفاسق
الظاهر أيضا اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه، وإن ادعى كون
الفعل مصلحة، بل يجب أخذ المال من يده حسبة، لدلالة الروايات

1 - الأنعام: 152.
318

المتقدمة على اعتبار العدالة فيمن تصدى لبيع مال اليتيم ليكون الشري
منه، كقوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل بن سعد: وقام عدل في ذلك (1)
وغيره.
فقد فرق المصنف بين هذه المسألة وبين المسألة السابقة، من أنه لو
وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري
وأخذ الثمن من الفاسق.
والوجه في ذلك هو أن الموضوع في المسألة السابقة هو اصلاح المال
ومراعاة الحال، والتصرف معنون بذلك العنوان، وهو لا يحرز بأخباره
قولا أو عملا، ولا بأصالة الصحة، إذ مورد أصالة الصحة إنما هو فيما
تحقق الفعل في الخارج وشك في صحته وفساده من ناحية بعض
الشروط، ففي المقام لم يتحقق الفعل ليحمل على الصحة حين الشك في
الصحة والفساد، بل يريد المشتري أن يشتري من الفاسق، فأصالة
الصحة لا تحرز شرائط الفعل الذي في معرض الوقوع، وهذا بخلافه في
المسألة السابقة، فإن الغرض الذي هو حفظ مال اليتيم واصلاحه
حاصل، إذ لا يعلم أن ماله هو الثمن أو المثمن، فبأصالة صحة المعاملة
يحكم بكونه هو الأول.
ولكن الظاهر أن هذا الفرق فاسد، فلا تجري أصالة الصحة في كلتا
المسألتين، فإن مقتضي الروايات المتقدمة هو لزوم احراز الشراء من
العادل، ولذا قال (عليه السلام): وقام عدل، وأن التصرف الصادر من غير
العادل فاسد، وإن كان فيه غبطة الصغير، لعدم كونه وليا.
وعليه وإن كان الثمن في يد الفاسق وتحققت المعاملة بتصرفه، ولكن
هذا التصرف باطل لعدم صدوره عن أهله لعدم كونه وليا، ففعله هذا فاسد

1 - مر ذكره قبيل هذا، فراجع.
319

قطعا، فكيف يحمل على الصحة بأصالة الصحة، فإن مورد أصالة الصحة
إنما هو فيما كان للفعل صحة تأهلية بعد وقوعه في الخارج، فالفعل
الواقع هنا فاسد قطعا لعدم صدوره عن أهله، فكيف يحمل على الصحة
بأصالة الصحة، فما ذكره من عدم جريان أصالة الصحة في الفرع الثاني
وعدم قياسه بصلاة الميت جار هنا بلا زيادة ونقيصة.
وبالجملة بعد ما ثبت أنه لا ولاية للفاسق على مال الصغير وأن
تصرفاته ليست بنافذة في حقه، فلا يفرق في عدم ترتيب الأثر على فعله
بين الحدوث والبقاء، ففي كلتا المسألتين يحمل فعله على الفساد، كيف
فإن أصالة الصحة لا يجعل الفاسق الذي ليس له التصدي بأمور الصغير
جزما وليا له.
ولا ينقضي تعجبي من المصنف كيف رضي بجريانها هنا وتصحيح
عمله بها بعد العلم بعدم كونه أهلا للتصرف، وهذا نظير أن يحمل بيع
غير المالك كالغاصب على الصحة بأصالة الصحة مع العلم بكونه غاصبا،
فهي توجب كونه مالكا، وكذلك هنا أن أصالة الصحة لا تعجل غير الولي
وليا، ولا تجعل الفعل الذي ليس له صحة تأهلية بل فاسد جزما كما هو
واضح.
وتوهم كون الثمن في يد الفاسق يدل على الصحة بمقتضى قاعدة اليد
توهم فاسد، فإن قاعدة اليد إنما تصلح المعاملة من جهة الشك في
المالك، ففي المقام أنها لا تثبت الولاية لمن ليس بولي قطعا، نعم لو صدر
الفعل ممن لا ندري أنه عادل أم لا، فسيأتي حمل الفعل فيه على الصحة،
فكم فرق بين المسألتين.
نعم لو صدر البيع من شخص وشككنا في صحته وفساده من جهة
الشك في كونه عادلا أو غير عادل مع اعتبار العدالة في الولي، أو شككنا
320

في كونه وليا أو غير ولي ولو كان عادلا، فيحمل على الصحة، فإن
المناط في أصالة الصحة الذي هو تحقق الفعل في الخارج والشك في
صحته وفساده موجود هنا، فمقتضى أصالة الصحة يحمل بيعه على
الصحة، وهذا غير ما تقدم من صدور الفعل من غير أهله قطعا، بحيث
لا مجال لأصالة الصحة بوجه، فافهم.
بيان آخر لعدم جريان الأصل عند الشك في العدالة
ثم لو أردنا اشتراء مال الصغير ممن نشك في أنه عادل ليكون وليا عنه
وكان تصرفه نافذا أو فاسق لا ينفذ تصرفه، فلا يمكن حمله على الصحة
بأصالة الصحة، فإنها إنما تجري في مورد تحقق الفعل في الخارج وشك
في صحته وفساده كما عرفت، ففي هنا لم يتحقق الفعل بعد فكيف
يحمل على الصحة، فأصالة الصحة لا يتكفل على اثبات أن المتصدي
بالفعل الذي يريد ايجاده في الخارج ولي للصغير كما هو واضح،
ولا تجري هنا قاعدة اليد أيضا، لأنها لا تجعل من لا ندري ولايته على
الصغير وليا،
ويتضح ما ذكرناه بملاحظة ما تقدم، من لزوم احراز أن الشراء لا بد
وأن يكون من العادل، بمقتضى قوله (عليه السلام): وقام عدل على ذلك وإلا
فلا يجوز الشراء، وهذا غير ما ذكرناه من حمل فعله على الصحة مع
الشك في الصحة والفساد، إذ هو بعد تحقق الفعل وكان فيه موضوع
أصالة الصحة تماما.
وربما يقال بقياس ذلك بالشك في تصرف الولي من أنه عادل أم لا،
فكما يحمل فعله على الصحة فكذلك هنا، ولكنه من العجائب، وجوابه
يظهر من كلامه، إذا توقفنا في حمل الشراء ممن لا نعلم أنه عادل أم لا من
321

جهة عدم العلم بعدالته وولايته، إذ الولي على مال الصغير أنما هو
العادل، فما لم نحرز ذلك لم نحرز أن الفعل صدر من الولي وأن شراءنا
ممن له التصرف في ماله، فلا يجوز الاقدام عليه قبل الاحراز.
وهذا بخلاف ما صدر الفعل عن الولي مع العلم بكونه وليا جزما
وشككنا في عدالته وفسقه، فإن الولاية ونفوذ التصرف فيه محرز قطعا
وإنما الشك في أمر آخر غير مربوط بالولاية وبنفوذ التصرف، فكم فرق
بينهما.
ثم لو أخبر الفاسق على وقوع الفعل كاخباره على وقوع الصلاة على
الميت أو بوقوع التصرف من العادل مثلا لا يسمع اخباره، إذ لا دليل على
حجية خبر الفاسق ولا دليل على الاعتبار في خصوص المقام، بل يسمع
قول المخبر بوقوع الفعل وإن لم يكن عادلا، بناء على اختصاص أدلة
اعتبار الخبر بالأحكام وعدم شموله على الموضوعات، وما نحن فيه
أيضا كذلك، فلا بد من ترتيب الأثر عليه من قيام البينة على ذلك كما هو
واضح لا يخفى، فافهم.
بيان آخر للبحث عن العمومات الواردة
والحاصل أنه يقع الكلام في جهتين: الأولى: في اعتبار العدالة في
تصرف المتصرف وعدم اعتبارها فيه، والثانية: في مشروعية معاملة
الغير مع المباشر، وأنه هل يعتبر عدالة المباشر أم لا، وإنما لم نعتبر
اعتبارها في جهة الأولى.
1 - في اعتبار العدالة في تصرف المتصرف وعدم اعتبارها فيه
أما الجهة الأولى، فقد عرفت أن المصنف لم نعتبر العدالة في تصرف
322

المتصرف في مال الصغير مع فقدان الولي، وتمسك في ذلك بقوله (عليه السلام):
عونك الضعيف من أفضل الصدقة (1)، وقوله تعالى: ولا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن (2)، فيجوز أن يتصرف الفاسق في مال الصغير ولو
لم يستأذن من الحاكم.
وفيه أنك قد عرفت عدم جواز تصرف الفاسق في مال الصغير إلا مع
الاستيذان من الولي أو الحاكم، وأما عون الضعيف من أفضل الصدقة
فعلى تقدير قبول الصحة فلا دلالة فيه على المقصود، إذ هو ناظر إلى
مطلوبية الكبرى فلا يشمل ما يشك في كونه عونا، إذ لا يتكفل الكبرى
على ايجاد الصغرى، وكذلك قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي
هي أحسن، إذ هو لا يثبت أن تصرف الفاسق من القرب الحسن.
مضافا إلى دلالة الروايات المتقدمة على اعتبار العدالة كما عرفت،
إذن فلا يجوز لغير العادل التصرف في مال الصغير بمقتضى الأصل الذي
عرفته.
2 - في جواز الشرى ممن ليس بعادل
وأما الجهة الثانية، أعني جواز الشري ممن ليس بعادل، فقد اعتبر
المصنف العدالة هنا للرواية المتقدمة، بل حكم بوجوب أخذ المال من
يده، ولا يمكن تصحيحه بحمل فعل المسلم على الصحيح بأصالة
الصحة، إذ الموضوع هنا عنوان بسيط أعني اصلاح مال الصغير، فنشك
في تحققه وعدمه فلا يحرز بأصالة الصحة.
وليس ذلك مثلا اتيان صلاة الميت فإنها بعد تحققها في الخارج

1 - مر ذكره عن الوسائل 15: 141.
2 - الأنعام: 152.
323

فنحمل على الصحة، إذ الواجب هنا هي الصلاة الصحيحة، وقد علم
صدور أصلها من الفاسق وإذا شك في صحتها أحرزت بأصالة الصحة
بخلافه هنا، إذ عرفت أن الواجب هو العنوان البسيط فلم يتحقق في
الخارج.
وهو كاخبار الفاسق بوقوع الصلاة على الميت ثم نزله منزلة بلوغ
البايع، فإنه لا يحرز بأصالة الصحة، ثم حكم بجريانها فيما إذا وجد الثمن
في يد الفاسق من مال الصغير وتردد الأمر بين كون الثمن ملكا للصغير أو
المثمن، فبأصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بكون الثمن من مال
الصغير ثم أمر بالتدبر.
ويرد عليه أولا: أنه ليس في الأدلة السابقة ما يدل على أن الموضوع
في المقام هو اصلاح مال ومراعاة الحال ليكون الشك فيه شكا في أصل
تحققه، فلا يمكن احرازه بأصالة الصحة، بل الظاهر منها عدم جواز
التصرف في ماله إلا بوجه عينه الشارع، وذلك الوجه هو الوجه الحسن
على ما ذكر في الآية، فالموضوع في المقام هو عنوان القرب المشروط
بكون على وجه حسن، فأصل القرب محرز بالوجدان، فشرطه فهو كونه
بوجه حسن بأصالة الصحة.
وبالجملة أنه لا وجه للمنع عن جريان أصالة الصحة بوجه، ولو كانت
الآية إلا بالتي هي أصلح، فإنه حينئذ تكون الأصلحية شرطا للقرب
لا موضوعا للحكم.
وثانيا: على تقدير كون الموضوع هو اصلاح المال فلا وجه لاجراء
أصالة الصحة فيما إذا تردد الأمر بين كون مال الصغير هو الثمن أو
المثمن، إذ مجرد التردد لا يوجب اجراء أصالة الصحة، فأصل عنوان
اصلاح المال مشكوك الوجود فلا يحرز بأصالة الصحة.
324

فلا وجه له أن يفرق بين المسألتين، بل يشكل الأمر حينئذ لو كان
المتصدي هو العادل وشككنا في كونه اصلاحا في حق الصغير ومراعاة
له أم لا، فيكون أصل عنوان الاصلاح مشكوكا فلا يحرز بأصالة الصحة،
ولعل إلى ما ذكرناه أشار بالأمر بالتدبر، فافهم.
بحث في أصالة الصحة ومورد جريانها
والذي ينبغي أن يقال: إنه ليس لنا دليل لفظي دل على حجية أصالة
الصحة وكونها من الأصول المعتبرة.
وأما قوله: ضع فعل أخيك المسلم على أحسنه (1)، فقد قرر في
محله أنه خارج عن حدود أصالة الصحة التي من الأصول المعتبرة في
الفقه، فإن مورد: ضع فعل أخيك على أحسنه هو عدم حمل فعل الأخ
على الحرام.
مثلا لو علم أنه تكلم بشئ فيحمل على أحسنه من أنه لم يفحش لا أنه
حمل على أنه سلم ليكون رده واجبا، وكذلك عامل معاملة فتحمل على
أنها ليست ربوية لا أنها معاملة صحيحة.
فالمقصود أنه حكم أخلاقي نظير: صدق أخيك ولو يجيئوك خمسون
قسامة فكذبهم (2)، فمعناه لا ترتب الأثر على قولهم فاحمل كلامه على

1 - عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام
له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (الكافي 12: 302، عنه الوسائل 12: 302)، ضعيفة.
2 - عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك الرجل
من إخواني يبلغني عنه الشئ الذي أكرهه، فأسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات،
فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك
قولا فصدقه وكذبك ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم مروته، فتكون من الذين قال الله: إن
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة (ثواب
الأعمال: 295، عنه الوسائل 12: 295)، ضعيفة.
325

أحسنه، لا أنه كذبهم واحملهم على الكذب.
وإنما الدليل على اعتبارها السيرة القطعية المستمرة في بعض
الموارد، والظاهر أن الضابطة فيها هو ما كان الفاعل الذي يحمل فعله
على الصحة مسلطا على التصرف ومالكا له، وبعد احراز سلطنته عليه
فإذا شك في بعض الشرائط فيكون فعله محمولا على الصحة، والوجه
فيه هو أن السيرة دليل لبي لا يؤخذ بها إلا بالمقدار المتيقن.
وعليه فلا يجوز لأن يحمل الفعل الصادر من الفاعل الذي لا ندري
كونه مالكا على التصرف وعدم كونه مالكا عليه على الصحة، فلا يمكن
الحكم بصحة المعاملة إذا صدر الفعل من الفاسق وشك في أن الثمن هو
مال الصغير أو المثمن.
وهكذا لا يمكن الحكم بالصحة بأصالة الصحة إذا صدر الفعل من
الفاسق ولكن نحتمل أنه استأذن من العادل أو من الولي أم لا لعدم احراز
مالكيته على التصرف فلا يكون موردا للسيرة، وهكذا وهكذا.
ومن هنا لا يمكن اجراء أصالة الصحة وتصحيح عقد الوكالة بها إذا
شك في كون البايع وكيلا من قبل المالك أو فضوليا في بيعه، هذا إذ
لم يحرز أنه مالك للتصرف حتى يحمل فعله على الصحة وبكونه بعنوان
الوكالة.
ومن هذا القبيل الشك في البلوغ، وهكذا كل ما كان من هذا القبيل،
والوجه هي كلمة واحدة، وهو كون الدليل على أصالة الصحة هي
السيرة، فهي لبية فيؤخذ بالمقدار المتيقن، فلا يشمل الموارد
326

المشكوكة، فالمورد المتيقن لها هو ما ذكرناه.
لا يقال: أنه إذا اعتبر في جريان أصالة الصحة مالكية المتصرف على
التصرف فبماذا تحملون على الصحة، فما إذا تردد البيع الصادر من البايع
بين كونه بيعا صحيحا أو بيعا ربويا مع عدم كونه مالكا على ايجاد البيع
الربوي.
فإنه يقال: إنه يكفي في ذلك مالكيته على الطرف الذي تحمل فعله
عليه بأصالة الصحة، فلا يلزم كونه مالكا على جميع أطراف المحتملات
كما لا يخفى، فيكفي في المثال المذكور كونه مالكا على ايجاد البيع
الصحيح، فيحمل عليه مع التردد بينه وبين البيع الفاسد.
جريان أصالة الصحة إذا كان المال تحت يده فادعى مالكيته للتصرف
هذا كله فيما إذا لم يكن المال في يد المتصرف، وأما إذا كان ذو اليد
على المال وكان المال تحت يده فادعي كونه مالكا للتصرف بكونه وليا أو
مستأذنا منه مع امكان ما ادعاه، فهل يمكن حمل فعله على الصحة هنا
أم لا.
الظاهر أنه لا يمكن حمله على الصحة هنا أيضا، لعدم السيرة على
ذلك، بل لا بد وأن تؤخذ المال منه، فضلا عن نفوذ تصرفه، فإنه مع العلم
بكونه غير مالك وأن ما بيده مال الصغير، فمجرد احتمال كونه مالكا على
التصرف بالاستيذان أو الوكالة من وليه أو كونه وليا لا يجوز حمل فعله
على الصحة، لعدم العلم بجريان السيرة فيه، بل يكفي الشك في عدم
الجريان.
لما عرفت من كونها دليلا لبيا فيؤخذ القدر المتيقن منه، فما لم يكن
علم بالسيرة فلا يمكن حمل فعله على الصحة.
327

نعم يمكن حمل فعله على الصحة لو كان ظاهر الحال تقتضي مالكيته
واعترف بعدم كونه مالكا بل وكيلا من قبله أو مأذون منه، بحيث لولا
الاعتراف لعومل معه معاملة المالك.
كما إذا أردنا أن نشتري شيئا من البقال فقلنا: أعطه بسر كذا، فقال: إنه
مال الغير أو مال اليتيم لا أعطي إلا بثمن كذا، فليس لنا أن نأخذه ونقول:
فقد اعترفت بكونه مال الغير فأثبت وكالتك عنه، بل يصدق قوله فيحمل
معاملاته على الصحة، إذ السيرة قائمة على ذلك في أمثاله، فلم يتوقف
أحد في المعاملة عليه.
وبالجملة فموارد الاطمئنانات الشخصية خارجة عما ذكرناه من عدم
حمل فعل الغير على الصحة، إذ يحمل فيها فعل الغير على الصحة،
وأما لو علمنا أنه استولى على مال الغير فلا ندري أنه وكيل في التصرف أو
لا فيدعي الوكالة ويتصرف فيه فلا يكون تصرفه هذا نافذا، فلا يمكن
ترتيب الأثر عليه.
جريان أصالة الصحة في أقوال الحكام الشرعية ومدعي التولية على وقف
ثم من قبيل ما ذكرناه، من اشتراط حمل فعل المسلم على الصحة
بكونه مالكا على التصرف، ترتيب الأثر بقول الحكام الشرعية أو مدعي
التولية على وقف ونحوه، فإنه إذا شككنا في عدم مالكيته على التصرف
من جهة الشك في اجتهاده أو عدالته أو في الجهات الأخرى، فلا يجوز
أن يحمل فعله على الصحة لعدم شمول السيرة عليه.
نعم لو أحرزنا مالكيته على التصرف وشككنا في الشرائط الأخرى
فأصالة الصحة في فعله وقوله وحكمه جارية بلا اشكال، فافهم.
328

اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم
قوله (رحمه الله): ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم
أم لا.
أقول: المشهور اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم بل عن
بعضهم الاجماع على ذلك، بل عن التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا
بين المسلمين.
واستدل عليه المصنف بقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن (1)، وذكر حيث إن توضيح الآية لم يذكر على ما ينبغي في كلام
أحد من المتعرضين لبيان آيات الأحكام، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا
المقام.
كلام المصنف في معاني القرب والأحسن في الآية
ومحصل كلامه إن القرب في الآية يحتمل معاني أربعة:
1 - مطلق التقليب والتقلب، ولو من مكان إلى مكان، فلا يشمل ما
ليس فيه تقليب، كابقائه عند أحد أو على حاله.
2 - وضع اليد عليه بعد كونه بعيدا عنه، فيكون النهي نهيا عن ذلك،
فلا يشمل حكم ما بعد الوضع.
3 - ما يعد في العرف تصرفا، كالاقتراض والبيع والإجارة وشبهها.
4 - مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم، أعم من الفعل
والترك، فالمعنى: لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا إلا ما كان أحسن
من غيره.

1 - الأنعام: 152.
329

وأما لفظ الأحسن في الآية يحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل،
ويحتمل أن يراد منه الحسن، نظير قوله تعالى: وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض (1).
وعلى الأول فيمكن أن يؤخذ التفضيل المطلق، أي لا يجوز التصرف
في مال اليتيم إلا بوجه يكون أصلح من غيره من التصرفات، أو يكون
المراد به الأفضلية على الترك، أي قربا يكون أحسن من تركه، وعلى
الثاني فيمكن أن يراد بالأحسن ما يكون فيه صلاح، فلا يجوز التصرف إذا
لم يكن فيه صلاح، ويمكن أن يراد به ما لا مفسدة فيه وإن لم يكن فيه
صلاح أيضا.
ثم اختار من احتمالات القرب الاحتمال الثالث، ومن احتمالات
الأحسن الاحتمال الأول، أي ما يكون بمعنى التفضيل المطلق.
وعليه فإذا كان بيع مال الصغير أصلح فبعناه بعشرة دراهم ثم فرضنا أنه
لا يتفاوت ابقاء الدراهم لليتيم أو تبديله بالدينار، فأراد الولي أن يجعله
دينارا فلا يجوز بعد كونه أصلح من تركه بل هما سيان، وإن كان يجوز
ذلك من الأول إذا كانت المصلحة في الابتداء في تبديل المال بالنقد، من
غير فرق في تبديله بالدينار أو الدرهم.
وأما لو جعلنا الحسن بمعنى لا مفسدة فيه فيجوز ذلك، كما يجوز لو
أخذ بالاحتمال الرابع للقرب، إذ كما أن الولي مخير في الأول بين جعله
دينارا أو درهما فكذلك له التخيير بقاء، إذ ليس لأحد الفردين مزية على
الآخر، لا في الابتداء ولا في الاستدامة، فيكون القدر المشترك بينهما هو
الحسن، فيكون مخيرا ابتداء واستدامة.
ثم قال: إن الانصاف هو مرجوحية المعنى الرابع في نظر العرف، ثم

1 - الأنفال: 75.
330

استظهر من بعض الروايات أن المناط في جواز التصرف في مال اليتيم هو
عدم الضرر عليه، كما أن المناط في الحرمة وجود الضرر عليه.
المناقشة في هذه المعاني
والذي ينبغي أن يقال إن شيئا من المعاني الأربعة لا يرتبط بالقرب:
أما الاحتمال الثالث، فلأن مثل البيع والاقتراض والإجارة ونحوها
مما يعد في العرف تصرفا ليس قربا، فإنه هو الاتيان، وليس في أمثال
ذلك قرب واتيان بوجه.
وأما المعنى الرابع، فهو ليس بتمام في نفسه، بل يعد جعله من معاني
القرب من العجائب، إذ لا يصدق القرب على الترك وعلى الاعدام، فهل
يقال لمن ترك شيئا أنه قرب منه.
وأما المعنى الثاني، فلا وجه له أيضا، إذ لا وجه لتخصيص القرب
بالابتداء وعدم شموله للاستدامة، فإنه تخصيص بلا مخصص، وكذلك
لا وجه للرابع وتخصيصه بالتقليب والتقلب وعدم شموله لابقائه في
حاله أو عند أحد، مع أنه يمكن أن يكون نفس الابقاء عند أحد استيلاء
عليه.
بل معنى القرب هو الاتيان إلى الشئ خارجا والاستيلاء، فتارة
ينسب إلى الأفعال، كقوله تعالى: ولا تقربوا الفواحش (1)، والأخرى إلى
الأعيان، كقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم (2)، فالمعنى هنا - والله
العالم - أنه لا يجوز الاستيلاء على مال اليتيم وتملكه إلا بوجه يكون
حسنا ومصلحة.

1 - الأنعام: 151.
2 - الأنعام: 152.
331

وعليه فيكون النهي متمحضا للتكليفي، لعدم ارتباط الآية
بالمعاملات بوجه ليكون النهي ارشادا إلى الفساد، كما ذكرنا مرارا من
كون النهي في باب المعاملات ارشاد إلى الفساد.
وبالجملة أن الآية خارجة عن المعاملات وليست لها تماس بها لكي
يبحث في فسادها وعدمها، بل هي مسوقة للنهي عن أكل ماله
والاستيلاء عليه، فهي نظير: على اليد ما أخذت حتى تؤدي (1).
ثم إنه لا يفرق في ذلك بين كون الاستيلاء حدوثا أو بقاء، فلو كان مال
زيد الصغير وديعة عند عمرو فإلى سنة أحرزه، ثم استولى عليه وتملكه
وتصرف فيه تصرف الملاك، فتشمله الآية أيضا، إذ النهي منحل إلى
نواهي عديدة على نحو العموم الاستغراقي.
المراد بالتي في الآية
ثم اختلف في أن المراد بالتي أي شئ، فقيل: إنها كناية عن النية أي:
لا تقربوا مال اليتيم إلا بنية حسن، فيكون الباء صلة زائدة، وقيل: إن
المراد منها الكيفية، أي: لا تقربوا مال اليتيم إلا بكيفية حسن، وذكرنا
سابقا أن المراد منها الطريقة، ويكون الباء للسببية، وليس هو وصفا
للقرب كما توهم، وإلا كان الصحيح أن يقال: إلا بالذي هو أحسن.
ثم لا شغل لنا في أنه أي شئ أريد منها أو من الأحسن، بعد مما
علمت خروج الآية عن باب المعاملات وكونها ناهية عن أكل مال اليتيم
والاستيلاء عليه بأي نحو من أنحاء التصرفات.
كما أنه لا شغل لنا للبحث في أنه أي طريق يجوز التصرف في مال

1 - عوالي اللئالي 2: 344، عن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، تفسير أبو الفتوح الرازي 1: 784
مرسلا عنه (صلى الله عليه وآله)، عنهما المستدرك 14: 8، 17: 88، ضعيفة.
332

اليتيم على هذا الوجه، بعد ما عرفت أنه لا ولاية لأحد على الصغير
والتصرف في ماله من الفقيه والحاكم الشرع فضلا عن عدول المؤمنين
وكيف بفساقهم، حتى التصرفات التي كانت على مصلحة الصغير فضلا
عما لا مصلحة فيه أو فيه مفسدة لماله، إلا في مورد خاص فهو صورة
موت الشخص، فأريد بيع ماله فدلت الرواية على قيام العدل بذلك وبيعه
من قبلهم.
وإنما التصرف يجوز في ماله حسبة وإن نظر الشارع تعلق بحفظه
وحفظ ماله من كل أحد، فإذا شوهد أن داره تخرب أو ماله يتلف أو هو
نفسه في معرف التلف فيجب لكل أحد على مراتبهم حسبة يحفظوا ماله
ونفسه.
وأما في غير تلك الموارد فلا يجوز لأحد أن يتصرف ولو كان على
مصلحة الصغير فكيف ما إذا لم يكن فيه صلاح، فافهم.
مناط حرمة التصرف في مال اليتيم
قوله (رحمه الله): نعم ربما يظهر من بعض الروايات أن مناط حرمة التصرف هو
الضرر.
أقول: قد عرفت عدم دلالة الآية على الولاية فضلا من اعتبار
المصلحة في تصرفهم، بل لا بد من العمل بمقتضى الأصل، حيث علمنا
جواز التصرف في مال اليتيم في بعض الموارد حسبة، كما إذا كان في
شرف الخراب، فإنه يجوز بل يجب البيع وتبديله بالأحسن، وأما بيع ماله
ابتداء ولو كان أصلح فلا يجوز للفقيه فكيف بغيره، إلا في موارد القسمة
قد ورد النص بقيام العدل عليها (1).

1 - عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يموت بغير وصية
وله ولد صغار وكبار أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك،
فإن تولاه قاض قد تراضوا به ولم يستعمله الخليفة أيطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: إذا كان
الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك (الكافي 7: 66،
التهذيب 9: 239، عنهما الوسائل 17: 362)، صحيحة.
333

وعلى هذا فلا بد من الاقتصار بالقدر المتيقن من التصرف، فهو صورة
اختيار الأصلح، فلو كان هنا مشتريان فيشتري أحدهما بخمسين والآخر
بمائة فلا يجوز بيعه بخمسين إلا إذا كان في بيعه بمائة ما يوجب
التشويش والاضطراب، لكون المشتري شخصا متقلبا بجعل الخيانة في
معاملاته.
وربما قيل: إن المناط عدم الضرر فقط، وإن لم يكن فيه نفع، لروايتين:
1 - رواية الكاهلي عن الدخول على اليتامى، فقال (عليه السلام): إن كان في
دخولهم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا (1).
واستظهر منها المصنف أن المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض
ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل
أن لا يصل إلى الأيتام ما يتوازى ذلك، فلا تنافي بين الصدر والذيل.
وزعم بعضهم أن الرواية إنما تعرضت لحكم صورتين: إحداهما صورة
وجود المنفعة لليتامى، والثانية صورة الضرر منهم، وأما الصورة التي
يوازي النفع مع الضرر بحيث لم يبق في البين لا نفع ولا ضرر، فساكت
عنها، وقوله (عليه السلام) في الذيل: إن كان فيه ضرر عليه فلا يجوز، بيان لأحد

1 - عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا ندخل على أخ لنا في
بيت أيتام ومعه خادم لهم، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم، وربما
طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم، فما تري في ذلك؟ فقال: إن كان في
دخولهم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا - الحديث (الكافي 5: 129، عنه
الوسائل 17: 248)، صحيحة.
334

شقي المفهوم لكونه أغلب، فتكون الرواية أجنبية عن اعتبار عدم الضرر
فقط في تصرفات الولي.
ولكن الظاهر أن ما فهم المصنف من الرواية هو الوجيه، وذلك من
جهة أن طبع الدخول على اليتامى لا يخلو عن الضرر، لكونه مستلزما
لاستخدام دارهم والأكل من طعامهم والجلوس على بساطهم، إلى غير
ذلك من التصرفات التي لا شبهة في كونها في نفسها ضررا عليهم،
فدخولهم على اليتيم بحسب الطبع ضرر عليهم.
وعلى هذا فنظر الإمام (عليه السلام) من التوجيه فيما إذا كان دخولهم عليهم
منفعة ملاحظة الموازات بين ما يصل إليهم من الداخلين وبين ما يقع
عليهم من الضرر، فيحكم بالجواز مع وجود النفع لهم وبعدمه مع كونه
ضررا عليهم، وعليه فلا يكون في البين شق ثالث.
ولكن الظاهر أن الرواية خارجة عما نحن فيه، إذ هي ليست متعرضة
لجواز بيع مال الصغير والتصرف فيه وإن كان أصلح لهم، بل قلنا لا يجوز
التصرف إلا بالمقدار المتيقن الذي تقتضيه الحسبة إلا في مورد القسمة،
بل هي متعرضة لبيان جواز الدخول عليهم والأكل من أموالهم إذا لم يكن
فيه ضرر، بأن يصل منهم إليهم في مقابل ما ورد عليهم من الضرر، ولو
كان النفع أمرا اعتباريا كدخول الشخص المتشخص عليهم، بحيث
يوجب ذلك عدم جرأة الناس عليهم.
بل هذا المقدار الذي تعرض له الرواية أمر وجداني، بل مما يحكم به
العقلاء، إذ لو لم يدخل عليهم أحد ولم يصل إلى أمورهم لملاحظة
الأصلح فالأصلح لم تحفظ كيانهم ووقعوا في معرض التلف.
2 - رواية ابن المغيرة، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي ابنة أخ يتيمة
فربما أهدي لها الشئ فآكل منه ثم أطعمها بعد ذلك الشئ من مالي،
335

فأقول: يا رب هذا بذا، قال: لا بأس (1).
فقد ظهر جوابها من الرواية الأولى أيضا، فإن غرض الإمام (عليه السلام)
ملاحظة مصلحة اليتيم في الدخول عليه والأكل مما أهدي إليهم، فإن
المهدي إليهم عادة يكون أكثر مما يكفيهم من الغذاء، فالزائد عنه يكون
فاسدا، وأما إذا ورد عليهم شخص آخر وأكل ذلك فأعطي إياهم مالا
آخر في بدله فيكون أصلح لهم بلا شبهة، فهي خارجة عن حدود
المعاملات كما لا يخفى.
وبالجملة مورد الروايتين غير المعاملات، من الأمور التي قد حكم
العقلاء على جوازه ورضي به الوجدان كما هو واضح، هذا تمام الكلام
في الولاية.
-
1 - الكافي 5: 129، عنه الوسائل 17: 249.
336

الكلام في بيع العبد المسلم من الكافر
قوله (رحمه الله): مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون
مسلما.
أقول: من جملة شرائط المتعاقدين أن يكون المشتري مسلما إذا كان
المبيع عبدا مسلما، فلا يجوز نقل العبد المسلم إلى الكافر، وهذا
الحكم لا يختص بالبيع بل يجري في جميع ما يوجب تملك الكافر
المسلم ولو كان بغير البيع، إذ الغرض عدم تملك الكافر على المسلم،
بناء على عدم جوازه، لا حرمة البيع منهم.
واستدل على ذلك بوجوه:
1 - التسالم بين الفقهاء على عدم الجواز، ودعوى الاجماع عليه (1)،
فعهدته على مدعيه، فيكون ذلك حجة لمن يطمئن به.
2 - الروايات الواردة في عدم استقرار ملك الكافر على المسلم
واستدامته، بأنه لو ملكه قهرا بإرث، بأن كان العبد المسلم تحت يد
الكافر فاجبر على البيع فمات وانتقل إلى وارثه فبيع على الوارث فيعطي
ثمنه منهم، لا أن العبد المسلم كان للكافر من غير أن يجبر بالبيع فمات
وانتقل إلى الوارث.
والأخبار الواردة في اسلام العبد الكافر في ملك سيده فإنه بيع عليه،
أو كانا مسلمين فارتد المولى وكفر، فإنه بيع العبد عليه، وهكذا،
فيستفاد منها عدم استدامة ملك الكافر على المسلم وأنه لا يستقر بقاء،

1 - الغنية: 210.
337

فيدل على عدم الملك حدوثا أيضا، إذ لا يفرق فيه بين الحدوث والبقاء،
فإذا لم يرض الشارع بذلك بقاء لم يرض به حدوثا أيضا.
ونزلوا ذلك بمنزلة استفادة حرمة تنجيس المسجد من الأمر بالإزالة،
إذ لو لم تكن التنجيس محرما لم يكن وجه لوجوب الإزالة، وأيضا نظير
ذلك ما إذا أمر باخراج أحد من الدار، فإنه يستفاد منه حرمة ادخاله الدار،
فإن غرض المولى عدم وجوده فيها وكونه مبغوضا له لا مجرد اخراجه
وادخاله ثانيا.
وفيه ما أجاب به المصنف، أن الأمر بإزالة ملك الكافر عن المسلم بقاء
على عدم كون ملكه مستقرا حدوثا كما دل على ذلك بقاء.
وبعبارة أخرى لا دلالة فيها على أزيد مما تدل على حكم البقاء، فهي
تدل على وجوب إزالة ملك الكافر عن العبد المسلم بقاء وجوبا تكليفيا،
فيدل على حرمة تملك الكافر العبد المسلم أيضا تكليفا، وأما أنه
لا يملك بالشراء أو بالصلح أو بالهبة فلا يستفاد منها.
نعم لو دلت تلك الروايات على انعتاق العبد المسلم في ملك الكافر
بقاء لدلت على عدم ملكه له حدوثا أيضا، وليس الأمر كذلك وإنما هي
متعرضة لجهة الحكم التكليفي فقط من جهة البقاء كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر الجواب عن النص الوارد في عبد كافر أسلم، فقال أمير
المؤمنين (عليه السلام): اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه
ولا تقروه عنده (1).
ووجه الظهور أن التخصيص بالمسلمين إنما هو من جهة أن الداعي

1 - عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بعبد ذمي قد
أسلم، فقال: اذهبوا - الحديث (الكافي 7: 432، التهذيب 6: 287، النهاية: 349، عنهم الوسائل
17: 380)، ضعيفة.
338

على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر والنهي عن ابقائه عنده، فلا يحصل
ذلك الغرض بنقله إلى كافر آخر، فلا يدل ذلك على فساد بيعه من الكافر
ابتداء وعدم صحته وأن الكافر لا يملكه من الأول.
ولا وجه لما ذكره شيخنا الأستاذ (1) من أن أمر أمير المؤمنين (عليه السلام)
بالبيع من المسلم ونهيه عن الاستقرار عند الكافر يدل بالملازمة العقلية
على عدم تملك الكافر العبد المسلم ملكا مستقرا، فهي نظير ما لو قيل:
أزل النجاسة عن المسجد، فكما يفهم منه حرمة ادخال النجس فيه،
كذلك يستفاد من عدم استقرار ملك الكافر على المسلم عدم حدوث
ملكه عليه كذلك، لما عرفت من عدم الملازمة بينهما بوجه.
فما أفاده المصنف متين جدا، وبعد بيانه على الذي في المتن لا يبقى
مجال لما ذكره شيخنا الأستاذ، بل لا نفهم معنى كلامه.
والحاصل أنه استدل على عدم تملك الكافر للمسلم بوجوه:
منها: التسالم، فهو راجع إلى وجدان كل أحد، فمن يطمئن به
فيصدقه.
ومنها: الأخبار الواردة في موارد عديدة، الدالة على وجوب بيع العبد
المسلم على الكافر.
وفيه أنها تدل على وجوب إزالة العلقة المالكية للكافر من العبد
المسلم بقاء وجوبا تكليفيا، فلا يدل على عدم صحة التملك حدوثا
وضعا.
نعم لو كانت دالة على انعتاقه عليه بقاء في تلك الموارد لدلت على
عدم حدوث الملكية حدوثا أيضا، للملازمة العرفية بينهما، وليس
كذلك.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 342.
339

3 - ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): فبيعوه من المسلمين... ولا تقروه
عنده (1).
وفيه أولا: ما تقدم من أنها تدل على حرمة ابقاء العبد المسلم في ملك
الكافر تكليفا، فلا يدل على عدم التملك حدوثا وضعا بل تكليفا،
فتقييده (عليه السلام) بالبيع من مسلم من جهة عدم حصول الغرض وهو إزالة
ملك الكافر عن المسلم بالبيع من غيره، فالنهي عن التقرر عنده نهي
تكليفي محض.
وثانيا: إن الأمر بالبيع والناهي عن ابقائه عند الكافر هو أمير المؤمنين
(عليه السلام)، ولا شبهة في أن بيعه من الكافر حرام، فهو (عليه السلام) لا يأمر بالحرام.
وبالجملة الرواية أجنبية عن تملك الكافر العبد المسلم ابتداء.
4 - الآية المباركة: لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (2)،
بدعوى أن تملك الكافر المسلم بالبيع أو بغيره سبيل عليه، فهي منفي
بالآية المباركة.
قال المصنف (رحمه الله): إن باب المناقشة فيها واسع، ثم أشكل عليها
بوجوه، وقبل جميع المناقشات أن السبيل عبارة عن السلطة الخارجية،
فالملكية من الأمور الاعتبارية فلا يصدق عليها السبيل.
الثاني: ما أورده المصنف أولا: إن الآية لا دلالة فيها بنفسها، ولو
بقرينة السياق على المطلوب، إذ مقتضى النفي بلن التأبيدية هو نفي
السبيل من الكافر إلى المسلم في آن من الآنات، فهذا المعنى غير قابل
للتخصيص بوجه.
فيعلم من ذلك أن المراد منه ليس نفي السبيل تكوينا، بداهة ثبوتها

1 - الكافي 7: 432، التهذيب 6: 287، النهاية: 349، عنهم الوسائل 17: 380.
2 - النساء: 141.
340

للكافر على المسلم في جميع الأزمنة أو في أكثرها، لكون المؤمن في ذل
ومشقة دائما، ولا أن المراد منه نفي التملك لثبوت ملكيته عليه كثيرا،
كما إذا كان عنده عبد مسلم فلم يلتفت إليه المسلمون ليبيعوه فمات
وانتقل إلى وارثه، أو أرادوا بيعه فمات أو لم يقدروا على بيعه فمات
وانتقل إلى وارثه.
فإن في جميع هذه الصور تملك الكافر للمسلم، بل تسالم الفقهاء على
جواز بيع المسلم من الكافر إذا كان ممن ينعتق عليه، فيتجلى من ذلك كله
أن الآية أجنبية عن هذه الأمور، وإلا لزم القول بالتخصيص، فقد قلنا إن
الآية آبية عن التخصيص.
إذن فلا بد وأن يراد من الآية معنى لا يقبل التخصيص، ولو بقرينة ما
قبلها، وهو قوله تعالى: فالله يحكم بينكم (1)، ومن الواضح أن الحكومة
الإلهية بين العباد مختص بالآخرة، فتكون الآية راجعة إليها، إذ فيها ليس
للكافر على المسلم سبيل بوجه، فإن الله يحكم بينهم دون غيره، فلا
ظلم في حكمه تعالى.
وبالجملة مقتضى ظهور نفس الآية ومقتضى سياقها وصدرها
اختصاصها بالآخرة، فلا يشمل السبيل الدنيوي فضلا عن شموله على
التملك.
هذا حاصل ما ذكره المصنف مع التوضيح والإضافة منا، فلا مناص
عنها بوجه.
ثم ناقش ثانيا بأنه لو أغمضنا النظر عما ذكرناه وقلنا بشمولها بالسبيل
الدنيوي وتملك الكافر المسلم، فلا يساعده ما ورد في تفسيرها من إرادة
الحجة عن السبيل، وأن الاسلام لعلو شأنه ورفعة مقامه ومكانة حقانيته

1 - النساء: 141.
341

ووضوح حججه وبيناته يعلو على كل الأديان، ولا يعلو عليه دين
ومذهب.
فالمراد من الآية هو نفي تفوق حجة الكافر على حجة الاسلام، كما
خاطب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أهل الجاهلية مرارا: هل لكم من سلطان وبينة
وحجة، وقد نطق بذلك القرآن المجيد في موارد عديدة، والروايات
المتكثرة، وأن الكافرين كلما طالبوه عن النبي (صلى الله عليه وآله) من البينات فأتاه
ولكنهم عجزوا عن مقاومته بالحجج والبينات.
وقد ورد في تفسيره: أن قوما زعم بذلك عدم قتل الحسين (عليه السلام) بل
رفعه الله، فألزمهم الإمام (عليه السلام) بأنه: وقد قتل من هو أشرف منه، أعني
علي وابنه الحسن (عليهما السلام)، وبأنه لو كان الأمر كذلك فلم قتل الأنبياء كما
حكاه الله تعالى في كتابه (1).
بل المراد أنه ليس للكفار حجة على المسلمين، فإنهم يغلبون عليهم
في كل حجة، وإلا فالسيرة العملية جرت على أن المسلمين من

1 - عن أبي الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله في سواد الكوفة قوما
يزعمون أن الحسين بن علي (عليهما السلام) لم يقتل وأنه ألقى شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي، وأنه
رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم (عليه السلام)، ويحتجون بهذه الآية: ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلا، فقال (عليه السلام): كذبوا عليهم غضب الله ولعنته، وكفروا بتكذيبهم
لنبي الله في أخباره بأن الحسين بن علي (عليهما السلام) سيقتل، والله لقد قتل الحسين وقتل من كان
خيرا من الحسين، أمير المؤمنين والحسن بن علي (عليهم السلام)، وما منا إلا مقتول، وإني والله
مقتول بالسم باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود إلى من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أخبره به
جبرئيل عن رب العالمين عز وجل، وأما قول الله عز وجل: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا فإنه يقول: لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة، ولقد أخبر الله عز وجل عن
كفار قتلوا النبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم على أنبيائه (عليهم السلام) سبيلا من
طريق الحجة (عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 204)، ضعيفة.
342

المظلومين والمقهورين من زمن آدم إلى هذا الزمان، إذ أول من تصدى
إلى ذلك ابن آدم قابيل حيث قتل هابيل، فجري الحسد والعداوة بين
الناس، بل في بعض الأخبار: ما منا إلا مسموم أو مقتول.
فيعلم من جميع ذلك، ومما ورد في تفسير الآية من العيون المشار
إليه، أن المراد من الآية نفي الحجة في الدنيا، وإلا فمن جهة غير الحجة
فالكفار لهم سبيل على المؤمنين بلا ريب.
ثم قال المصنف: وتعميم الحجة على معنى يشمل الملكية، وتعميم
الجعل على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء لا يخلو عن تكلف.
وفيه أنه يمكن المناقشة في هذا الوجه، من جهة أن الحجة وإن لم تشمل الملكية إلا أن تفسير الآية بها لا يوجب اختصاصها بها، بل من
الممكن أن يراد من السبيل معنى جامع ومفهوم عام يشمل الحجة
وغيرها، ويكون التفسير بالحجة من باب بيان المصداق، وعليه فيشمل
السبيل الملكية أيضا مع قطع النظر عن عدم شموله لها في نفسها.
وبالجملة لو أمكن شمول السبيل على الملكية فتفسير الإمام (عليه السلام)
الآية بالحجة لا يوجب عدم شمولها للملكية، بل يمكن شمولها لو أريد
من السبيل معنى جامع.
وقد ورد في هذا المعنى، وأن تفسير الآية بفرد ليس تخصيصا لها به
بل من باب تطبيق الكلي على الفرد، وفي أخبار ذكرها في كتاب سمي
بمقدمة البرهان، وفيها: أن القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر،
فلو أن آية نزلت على قوم فلا يختص به، وإلا نفد القرآن بزوال القوم بل
من باب التطبيق (1).

1 - راجع مقدمة البرهان: 4 - 6.
343

وعليه فلو طبق الجبت والطاغوت بالشيخين (1) فليس معناه أنه لا يمكن
إرادة غيرهما منها، ومن هذا تنحل شبهات كثيرة في ذلك الباب، وقد
ذكرنا تفصيل ذلك في بحث التفسير.
ثم ناقش الشيخ في الآية ثالثا بعد الغض عن المذكورات، من جهة
تعارض عموم الآية مع عموم ما دل على صحة البيع ووجوب الوفاء
بالعقود، وحل أكل المال بالتجارة، وتسلط الناس على أموالهم،
وحكومة الآية عليها غير معلومة.
وفيه أنه لا يفهم ما يريد من هذه المناقشة، إذ لو قلنا بتقدم عموم:
أوفوا بالعقود (2) على الآية المذكورة كما هو الظاهر، إذ عمومه بالوضع
لوضع الجمع المحلي للعموم فيها، فيشمل مورد النزاع فيحكم بصحة
بيع عبد المسلم من الكافر، وإلا فالتعارض بينهما بالعموم من وجه، ففي
مورد الاجتماع يحكم بالتساقط وتكون أصالة الفساد محكمة، فلا يكون
وجه للصحة حينئذ بل تكون النتيجة نتيجة التمسك بعموم نفي السبيل
كما هو واضح.
ثم قال: مضافا إلى أن استصحاب الصحة في بعض المقامات يقتضي
الصحة إذا كان الكافر مسبوقا بالاسلام أو كان العبد مسبوقا بالكفر، فإن
فيها نستصحب صحة البيع الثابت قبل الكفر، وفي غير هذه الموارد
نحكم بالصحة لعدم القول بالفصل، ولا تعارضه أصالة الفساد في سائر

1 - عن بريد بن معاوية قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن قول الله: أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، قال: فكان جوابه أن قال: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا
من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، فلان وفلان - الحديث (تفسير العياشي 1: 246،
تفسير البرهان 1: 377)، ضعيفة.
2 - المائدة: 1.
344

الموارد لحكومة استصحاب الصحة عليها.
وفيه أن كلامه هذا من أوله إلى آخره غير صحيح:
أولا: الاستصحاب هنا تعليقي لا نقول به، لعدم ثبوت الحكم المنجز
هنا لنستصحبه، بل الثابت قبل الكفر أنه لو باع لصح فاستصحابه تعليقي
بلا شبهة.
وثانيا: أنه من استصحاب الأحكام فلا نقول به.
وثالثا: أن الكافر والمسلم في نظر العرف موضوعان متباينان، فإذا
كفر المولى أو أسلم العبد فلا وجه لاستصحاب حكم ما قبل الكفر
والإسلام لتبدل الموضوع في نظر العرف.
ومع الغض عن جميع ذلك فلا وجه لعدم القول بالفصل في الأحكام الظاهرية، وإنما هو في الأحكام الواقعية، وأما الأحكام الظاهرية
فالتفكيك فيها من الكثرة بمكان، وإلا يلزم اسراء الحكم من موضوع إلى
موضوع آخر، فهو قياس باطل.
مثلا لو كان هناك ماءان كلاهما بمقدار معين فكانت الحالة السابقة في
إحداهما الكرية وفي الآخر القلة، فاستصحاب كل من الحالتين يغاير
استصحاب الحالة الأخرى، لكون كل منهما تابعا على شك ويقين،
فليس لأحد أن يجري الاستصحاب في أحدهما ويحكم بثبوت الحكم
في الآخر بالملازمة بينهما، لكونه اسراء حكم من موضوع إلى موضوع
آخر فهو قياس.
وهكذا لو توضأ بأحد أطراف العلم الاجمالي غفلة فيحكم ببقاء
الحدث وطهارة البدن إلى غير ذلك من الموارد.
ومن هنا قلنا بأن سلمان لو استصحب حكما من أحكام الشرايع السابقة
لا يثبت ذلك في حقنا بالاشتراك في التكليف، فإن الاستصحاب تابع
345

للشك واليقين من كل أحد، فشك سلمان ويقينه غير الشك واليقين
الموجود فينا، وبالجملة مورد عدم القول بالفصل في الأحكام الواقعية
لوجود الملازمة بينها، دون الأحكام الظاهرية لعدم وجود الملازمة بينها
كما عرفت.
على أنه مع الغض عن جميع ذلك وتمامية عدم القول بالفصل،
فلا وجه لمعارضة أصالة الفساد في مورد آخر، فهو بيع العبد المسلم
ابتداء من الكافر مع أصالة الصحة في الموردين المذكورين، الذين جري
فيهما الاستصحاب.
نعم جريانها في مورد واحد ومعارضتها فيه وتقديم أصالة الصحة
على أصالة الفساد للحكومة لا ريب فيه، ولكنه غير تعارضها إذا جريا
في موردين، بل يعمل بكل منهما في مورده من غير تعارض وتمانع
أصلا.
بيان آخر
والحاصل أن حاصل كلام المصنف هو لو كان العبد والمولي كافرين
فأسلم العبد أو كان المشتري مسلما فكفر، فإنه في هذه الموارد يجري
استصحاب صحة البيع الثالث قبل الكفر والإسلام، وفي غير هذه
الموارد يتم المطلب بعدم القول بالفصل.
وعلى تقدير عدم جريان عدم القول بالفصل فأصالة الصحة في هذين
الموردين يعارض بأصالة الفساد في سائر الموارد، كما إذا لم يعلم الحالة
السابقة فإن مقتضى أصالة الفساد أعني عدم انتقال مال أحد إلى شخص
آخر جارية فيها، فيقع المعارضة بينهما، فتقدم أصالة الصحة على
أصالة الفساد للحكومة.
346

ويرد عليه أولا: أن الاستصحاب هنا تعليقي، ومع الغض عنه
فلا يجري في الشبهات الحكمية، ومع الغض أيضا فالموضوع هنا
متبدل، حيث إن موضوع الجواز في أحدهما الكفر والآخر الاسلام قد
تبدل كل منهما إلى الآخر، فهما في نظر العرف من المتباينين، فيكون
الاستصحاب اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
وثانيا: إن عدم القول بالفصل بناء على اعتباره وحجيته إنما يتم في
الأحكام الواقعية، أي الأحكام الثابتة بالأمارات مع القطع بالملازمة
بينهما، وأما الأحكام الظاهرية أي الأحكام الثابتة بالأصول، سواء كانت
محرزة أو غير محرزة فلا يجري فيها، ولذا يحكم في مقدار خاص من
الماء تارة بالقلة إذا كان مسبوقا بها، وأخرى بالكثرة إذا كان مسبوقا بها،
ويحكم في مكان خاص بوجوب القصر تارة وبوجوب الاتمام أخرى،
لاختلاف الحالة السابقة، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي وقع
التفكيك فيها في الأحكام الظاهرية.
والوجه في ذلك أن جريان الاستصحاب تابع لوجود اليقين والشك،
فأينما وجدا نحكم بجريانه وإلا فلا، سواء توافق مفادهما أم تخالفا، كما
لا يخفى.
وثالثا: أن أصالة الصحة إنما تعارض أصالة الفساد في العقود متقدم
للحكومة إذا كانا واردين على مورد واحد، كما إذا شك في أن عقد
الفلاني صحيح أو فاسد، فمقتضى عدم انتقال مال كل من المتعاملين إلى
الآخر هو الفساد، ومقتضى أصالة الصحة هو الصحة، فتكون مقدمة على
أصالة الفساد لحكومتها عليها، إذ لو لم تتقدم لكانت ملغاة، إذ ما من
مورد من موارد أصالة الصحة إلا فأصالة الفساد فيه موجودة، فلو كانت
حاكمة على أصالة الصحة لم تكن فائدة في جعل أصالة الصحة.
347

وأما في الموردين، بأن كان الجاري في مورد هي أصالة الصحة
كالمثالين المتقدمين وفي مورد آخر هي أصالة الفساد فلا تكونان من
المتعارضين فضلا عن تقدم أصالة الصحة على الآخر للحكومة،
وبالجملة لا دليل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر، نعم لو تم
هنا اجماع أخذ به وإلا فنحكم بالجواز.
4 - أما قوله (صلى الله عليه وآله): الاسلام يعلو ولا يعلى عليه شئ (1)، فمضافا
إلى ضعف السند فيه، أن المراد منه علو نفس الاسلام لوضوح حججه
وبراهينه وبيناته، ليتم لله الحجة البالغة، ويهلك من هلك عن بينة
ويحيى من حي عن بينة، ولا يكون للناس حجة بعد الرسل، لا علو
المسلمين على الكفار، بداهة مشاهدة علو الكفار على المسلمين كثيرا،
بل المسلمون مظلومون في كل دورة وكورة، كما أشرنا إليه قبيل هذا.
شمول الحكم لغير البيع
ثم لو بنينا على عدم الجواز، فهل يختص الحكم بالبيع فقط أو يجري
في غيره، كمطلق تمليك المنفعة أو تمليك عينه بالصلح، أو كان العبد
مورد حق الكافر كالارتهان، أو كان تمليكا للمنفعة كالإجارة، أو إباحة
لها كالعارية، أو مجرد استيمان كالوديعة، فهل يختص الحكم بالعبد أو
يجري في غيره أيضا.
فإن كان المدرك للحكم هو الاجماع، فالمتيقن منه هو البيع فلا يجري
في غيره، تمليكه إياه بالصلح أو بالهبة، أو تمليك منفعة بالإجارة أو
العارية، أو جعله عنده وديعة أو رهنا.
وإن قلنا بأن المدرك لذلك هو الآية المتقدمة، وقلنا بشمولها لمطلق

1 - الفقيه 4: 243، الرقم: 778، عنه الوسائل 26: 14، 26: 125، ضعيفة.
348

السلطة، ولو كانت بالاستخدام أو الاستيجار، فيشمل حينئذ جميع
موارد السلطة والاستيلاء عليه، وعلى هذا فنقول:
أما الوديعة، فلا شبهة في جواز وديعة عبد المسلم عنده أو إجارة
الكافر لحفظه، إذ ليس الغرض منها إلا الحفظ من دون تسلط للكافر عليه
بوجه ليكون استيلاء محرما.
وأما الإجارة، فلا بد وأن يفصل فيها، فإنها كانت بحيث تقتضي
استيلاء الكافر على المسلم فلا يجوز، كالإجارة المطلقة المتعلقة بجميع
منافع الحر والعبد.
ومجرد أن الحر ليس قابلا للتملك والغصبية لا يقتضي سلب سلطة
الكافر، إذ لو ملك الكافر عمل المسلم بحيث لم يكن له أن يملك غيره
فهذا سبيل منه عليه بلا شبهة وارتياب.
وأما لو كانت الإجارة متعلقة بذمة المسلم، كما لو آجر نفسه لأن
يخيط له ثوبا أو آجر عبده كذلك، فإن مجرد ذلك ليس سبيل عليه، بل
هي مثل الاقتراض منه، فهل يتوهم أحد أنه سبيل على المسلم، وإلا لما
استقرض أمير المؤمنين (عليه السلام) من اليهود (1)، بل ربما يكون الأجير شخص
من المستأجر، كالخياط الذي استأجر نفسه لخياطة ثوب أحد من
الكافرين، الذي أدنى منه بمراتب، أو غير ذلك من الأمور، وهكذا
العارية.
وأما الارتهان، فهو أيضا كذلك، إذ مجرد تعلق حق الكافر بالعبد
المسلم لا يستلزم اثبات السبيل عليه، بل إنما يستلزمه إذا كان تحت
سلطته ومستوليا عليه كما هو واضح.

1 - روي أن عليا (عليه السلام) استقرض شعيرا من يهودي، فاسترهنه شيئا فدفع إليه ملاءة فاطمة
(عليها السلام) رهنا - الحديث (الخرائج 2: 537، عنه البحار 43: 30)، ضعيفة.
349

وبالجملة ففي كل مورد لزم من إجارة المسلم حرا كان أو عبدا من
الكافر أو إعارته منه أو رهنه عنده سبيل عليه فلا يجوز، وإلا يجوز،
وقد ذكر ذلك أوضح من ذلك في تقرير شيخنا الأستاذ (1).
بيان مصداق الكافر وشموله للمرتد والنواصب والغلاة
قوله (رحمه الله): ثم إن الظاهر من الكافر كل من حكم بنجاسته.
أقول: يقع الكلام في بيان الكافر، قال المصنف: إن الظاهر من الكافر
كل من حكم بنجاسته، ولو انتحل الاسلام، كالنواصب والغلاة
والمرتد.
وفيه أن ما ذكره عجيب من حيث المدعي والدليل:
أما الأول، فإن المرتد كافر حقيقة، إذ المراد به من لم يؤمن بالله
وبرسوله وبيوم الآخر، فلا وجه لتفريع ذلك على كون المراد من الكافر
من حكم بكفره، نعم هذا يتم في النواصب والغلاة لدخولها تحت الكافر
حكما، وإلا فهما من أفراد المؤمن، إذ المراد من المؤمن في القرآن من
يؤمن بالله وبرسوله وبيوم الآخر، فهم كذلك وإن كان أحدهما ناصبا
لأهل البيت والآخر غاليا فيهم.
وأما من حيث الدليل، فمن جهة أن موضوع البحث هنا هو الكافر
وعدم جواز بيع المسلم منه، سواء كان طاهرا أو نجسا، فبحث نجاسته
الكافر أجنبي عن ذلك، بل بينهما عموم من وجه، إذ قد تكون النجاسة
ثابتة في موضع فلا يشملهم عنوان الكافر كالنواصب، فإنهم نجس
بلا شبهة، فقوله (عليه السلام): لا شئ أنجس من الكلب والناصب بنا أهل البيت

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 350.
350

أنجس من الكلب (1)، ومع ذلك يجري عليهم حكم الاسلام في الإرث
والنكاح وغيرهما من أحكام الاسلام وإن كان شر من الكافر.
نعم نجاسة الغلات ليست مسلمة، وقد يترتب حكم الكفر على مورد
من غير أن تثبت فيه النجاسة، كالكتابي بناء على طهارتهم، لكون
طهارتهم ونجاستهم مختلف فيه بين الأصحاب، وقد يجتمعان.
وبالجملة أن البحث عن حرمة بيع المسلم من الكافر، وعن نجاسة
الكافر والنواصب بحثان لا تماس بينهما بوجه، إذن فلا وجه لما أفاده
المصنف من المدعي والدليل وما فرع عليه من الحكم.
شمول الحكم للأطفال والمجانين منهم
وأما الأطفال والمجانين منهم، فقد استشكل المصنف في ثبوت
الحكم لهم، فنقول:
بناء على عدم جواز بيع المسلم من الكافر لا شبهة في سرايته إلى
الأطفال والمجانين منهم على قسمين، لأنهم إما مميزون أو غير مميزين،
أما الأول، فلا اشكال في صدق الكافر عليهم حقيقة، إذ المراد من الكافر
كما عرفت من ينكر الصانع ورسوله ويوم الآخرة، أو يكون مشركا بالله،
والطفل المميز إذا أنكر الصانع أو أشرك به وأنكر يوم القيامة فيصدق
عليه أنه كافر حقيقة، وأما الثاني، فإن لم يصدق عليهم عنوان الكفر
حقيقة، إلا أن الحكم ثابت له جزما للقطع بعدم الفصل.

1 - عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: وإياك أن تغتسل من
غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت،
وهو شرهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت
لأنجس منه (علل الشرايع: 292، عنه الوسائل 1: 220)، موثقة.
351

وأما المجنون، فتارة يكون جنونه في حال الكفر، بأن كان يهوديا أو
نصرانيا أو ملحدا أو مشركا فعرض له الجنون في تلك الحالة، فهو كافر
أيضا حقيقة، فيقال إنه يهودي أو نصراني أو ملحد مجنون، ومرتكزاته
أيضا مرتكزات الكفر والالحاد، وأخرى يكون جنونه من البدء وأول
الأمر، فهو وإن لم يصدق عليه عنوان الكافر ولكن يشمله الحكم بعدم
القول بالفصل جزما بين أفراد المجانين.
بيع الطفل المؤمن والمجنون المؤمن من الكافر
هذا كله من طرف المشتري، وأما من جهة المبيع، أي بيع الطفل
المؤمن والمجنون المؤمن من الكافر فيظهر حكمه مما ذكرناه، إذ لا ينكر
صدق المؤمن على بعض أفراد الطفل لعرفانه المبدأ والمعاد، بل ربما
يكون ايمانه أكمل من أكثر البالغين، وكذلك لا شبهة في صدقه على
المجنون في حال الاسلام، فيتم الحكم في غيرهما بعدم القول بالفصل
جزما، كما هو واضح، إذ لم يقل أحد بجواز بيع بعض أفرادهما وبعدم
جواز بعض أفرادهما الأخر.
ثم إن مفروض الكلام في المجنون ما إذا كان البيع له، بأن كان
المتصدي للبيع غير مستقل في التصرف، وإلا فلو كان المتصدي له ولي
له وكان كافرا ومستقلا في التصرف كيف شاء، فهذا لا يجوز بلا شبهة،
بناء على عدم الجواز.
عدم شمول حكم الكافر للمخالف
وأما المخالف فليس بكافر قطعا فلا يشمله حكمه، فيجوز بيع العبد
المسلم منهم لإقرارهم بالشهادتين ظاهرا وباطنا.
352

وأما ما دل على كفرهم فلا يراد بظاهرها.
فقد قلنا في أبحاث الطهارة (1) إن المراد من الكفر ترتب حكمه عليه في
الآخرة وعدم معاملة المسلم معهم فيها بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب
بأعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها، نعم بناء على
عدم تزويج المؤمنة من المخالف لا يجوز بيع الأمة منهم.
بيع المخالف للكافر
وأما بيعهم من الكفار، ففي هنا مقامات:
1 - في بيع السني منهم، بحيث كان معتقدا بالله وبرسوله وبيوم القيامة
ولكن لم يعتقد بالولاية، الظاهر أنه لا يجوز إذ المراد من نفي السبيل من
الكافر على المؤمن هو نفي السبيل عمن ليس بمنكر للصانع وللرسول
كما هو المقصود من المؤمن في تمام القرآن، فبيعه منهم اثبات سبيل لهم
على المؤمن.
واختصاص المؤمن في اصطلاح اليوم بالشيعة إنما هو من زمان
الصادقين (عليهما السلام) بإرادة الايمان بالولاية، وأن من لا يؤمن بالولاية فلا ايمان
له، ونحو ذلك من المؤمن الوارد في الروايات كقولهم (عليهم السلام): المؤمن
لا يتزوج بالمخالف (2)، فإن المراد منه هو المؤمن بالولاية قطعا، إلا أنه
اصطلاح من زمان الصادقين (عليهما السلام) كما عرفت، وهذا لا يوجب إرادة ذلك

1 - التنقيح 2: 43.
2 - عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الناصب الذي قد عرف نصبه
وعداوته هل يزوجه المؤمن وهو قادر على رده وهو لا يعلم برده؟ قال: لا يتزوج المؤمن
الناصبة ولا يتزوج الناصب المؤمنة، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة (الكافي 5: 349، التهذيب
7: 302، الإستبصار 3: 183، عنهم الوسائل 20: 550)، صحيحة.
353

من الآيات القرآنية، مع التصريح في القرآن بإرادة غير ذلك حيث قال:
من لم يؤمن بالله وبرسوله (1).
وبالجملة أنه لا يجوز بيع السني المقر بالله وبرسوله وبالقيامة من
الكافر قطعا لكونه مؤمنا حقيقة، فيلزم من بيعه منهم اثبات السبيل عليه
وقد نفي ذلك بالآية.
2 - أنه يجوز بيع المخالف الذي نعلم بكونه كافرا، وإن أقر بالشهادتين
وبالقيامة ولكنه من الخوف، وذلك كأكثر المسلمين في زمان الرسول
(صلى الله عليه وآله) حيث أقروا بالشهادتين لخوف السيف من دون أن يصدقهم
قلوبهم، وقد سماهم الله تعالى في كتابه بالمنافق.
والوجه في ذلك هو عدم شمول الآية لهم، فإنهم ليسوا بمؤمنين، إذ
الايمان عبارة عن التصديق القلبي فليس فيهم تصديق بالله وبرسوله،
ولذا قال الله تعالى: إذا جاءك المنافقون، قالوا نشهد أنك لرسول الله والله
يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون (2)، لعدم تصديقهم نبوة
النبي (صلى الله عليه وآله)، بل هم أشد من الكفار، ولذا قال الله تعالى: إن المنافقين في
الدرك الأسفل من النار (3).
وبالجملة وإن قلنا إن المراد من الايمان في القرآن غير ما هو المراد به
في الأخبار وفي الاصطلاح، وأن المؤمن في القرآن معنى أعم، ولكن مع
ذلك لا يشمل المنافقين لعدم ايمانهم بالله أصلا، نعم يصدق عليهم
الاسلام لكونه مترتبا على الاقرار بالشهادتين فقط وإن لم يقارن بالتصديق
القلبي، فيترتب عليهم حكم الاسلام في المعاملات والإرث.

1 - الفتح: 13.
2 - المنافقون: 1 - 2.
3 - النساء: 145.
354

والذي يوضح ذلك أن الاسلام قابل بالكفر في القرآن في الآيات
الكثيرة والايمان بالاسلام في قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم
تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (1)، إذ لو كان المراد
من الايمان هو الاسلام لما قابلا في هذه الآية الشريفة.
وقد منع المصنف عن بيع المخالف ولو كان منافقا نعلم كفره،
بدعوى أن المراد من المؤمن في آية نفي السبيل إنما هو المقر
بالشهادتين، ونفيه عن الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الايمان في
قلوبكم إنما كان لعدم اعتقادهم بما أقروا.
فالمراد بالاسلام هنا أن يسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن،
بل قوله تعالى: ولما يدخل الايمان في قلوبكم، دل على أن ما جري على
ألسنتهم من الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب، والحاصل أن
الايمان والإسلام كانا في زمان نزول الآية بمعنى واحد.
وفيه أنه لا معنى لثبوت الايمان في خارج القلب، وارجاع السلب في
الآية إلى إرادة عدم دخوله من الظاهر في الباطن، وذلك لأن الايمان أمر
قلبي لا معنى لثبوته في خارج كما هو المقصود منه لغة الذي عبارة عن
التصديق، فليس المراد من الآية إلا معناه اللغوي من التصديق، فلا معنى
للتصديق في خارج القلب، والتعبير بعدم الدخول ليس من جهة أن
للايمان محلان، محل في خارج القلب ومحل في داخل القلب، بل من
جهة أن محله ليس إلا القلب.
وذلك نظير قولك: لما يدخل الرحم في قلبه، فإنه جهة أن الرحم
مورد القلب ليس إلا، لا أن هنا رحم في ظاهر القلب ورحم في باطن
القلب، وهكذا السخاوة والشجاعة والشقاوة وغيرها من الصفات

1 - الحجرات: 14.
355

والكيفيات النفسية، فإن التعبير بعدم دخولها في القلب من جهة عدم
وجود المحل لها غير القلب كما هو واضح، لا أنها ثبتت في خارج
النفس.
ومن هنا ظهر ما في ذيل كلامه أن الاسلام والايمان في القرآن بمعنى
واحد، إذ لو كان واحدا لم يبق وجه للمقابلة بينهما.
ثم استشهد على مراده برواية حمران بن أعين (1)، فقد ظهر جوابه مما
ذكرناه أيضا، بل هي شاهدة على ما ذكرناه كالآية، إذ التعبير بعدم دخول
الايمان في القلب شاهد على أن مورده هو القلب وأن الايمان لا يصدق
بدونه، وليس مجرد الاقرار بالشهادتين ايمان بل هو الاسلام محض كما
هو واضح.
وقد رأيت في بعض كلمات السيد شرف الدين أيده الله تعالى ما
لا بأس بنقله، حيث أجاب عن قول العامة بأن أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)
كلهم عدول، بأنه لو كان كذلك لزم القول بأن وجود النبي (صلى الله عليه وآله) كان
موجبا لفسق بعضهم ونفاق الآخر، فإن الله تعالى أخبر في كتابه بوجود
المنافق بينهم الذي أسفل دركا من الكافر، فإذا مات الرسول (صلى الله عليه وآله) فصار
موته سببا لاتحادهم وعدالتهم، مع أن الله تعالى يقول: وما أرسلناك إلا

1 - عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الايمان ما استقر في
القلب وأفضي به إلى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره، والإسلام ما
ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه
جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك
من الكفر وأضيفوا إلى الايمان، والإسلام لا يشرك الايمان والايمان يشرك الاسلام، وهما في
القول والفعل يجتمعان - إلى أن قال (عليه السلام): - وقد قال الله عز وجل: وقالت الأعراب آمنا -
الآية، (الكافي 2: 26)، موثقة.
356

رحمة للعالمين (1)، فهو كلام متين في غاية المتانة.
نعم لو كان الدليل على عدم جواز البيع هو: الاسلام يعلو ولا يعلى
عليه (2)، أو ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): اذهبوا فبيعوه - أي العبد المسلم
- ولا تقروه عنده (3)، لشمل المنافق أيضا.
الموارد المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم
قوله (رحمه الله): ثم إنه قد استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم مواضع.
أقول: بناء على عدم جواز بيع المسلم من الكافر، فقد استثني منه
أمور:
1 - أن يكون البيع مستعقبا للانعتاق القهري واقعا، كما إذا باع المسلم
عبدا مسلما من الكافر وكان أبا له، أو باع أمة وكانت من أرحامه، فإنه
ينعتق هذا عليه بمجرد البيع، فإنه جائز بلا شبهة.
فإنه لو قلنا بعدم الملكية التحقيقية بل مجرد الفرض والتقدير فواضح،
إذ ليس هنا الملكية فضلا عن أن يلزم هنا سبيل للكافر على المؤمن، وإن
قلنا بالملكية التحقيقية آنا ما أيضا كذلك، فإن تملك الكافر المسلم
لا يجوز إذا كانت للملكية أثر وكان ترتبه عليها سبيلا عليه، وليس
للملكية آنا ما أثر ليلزم من ترتبه عليها سبيل عليه.
وقد استدل المصنف على عدم الجواز، بدعوى أن ذلك منة على
المسلم، بأن يباع من الكافر وينعتق عليه.
وفيه أنه لو تم إنما يتم موجبة جزئية لا كليا، إذ ربما لا يلتفت الكافر

1 - الأنبياء: 107.
2 - الفقيه 4: 243، الرقم: 778، عنه الوسائل 26: 14، 26: 125، ضعيفة.
3 - الكافي 7: 432، التهذيب 6: 287، النهاية: 349، عنهم الوسائل 17: 380.
357

بالموضوع وأنه ممن ينعتق عليه، أو بالحكم وأن الانسان لا يملك
عموديه، فلا يكون هنا منة أصلا، وعلى تقدير المنة ولو موجبة جزئية،
فأي دليل دل على عدم جواز منة الكافر على المؤمن، ولم يرد أنه لا منة
للكافر على المؤمن، فلو كانت المنة من الكافر على المؤمن غير جائزة لزم
عدم جواز الاستقراض منه، مع أنه جائز بلا شبهة، بل عليه جرت السيرة
القطعية إلى زمان المعصومين (عليهم السلام).
2 - أن يكون العبد المسلم ممن ينعتق عليه ظاهرا، فهو على قسمين:
إذ قد يكون المقر به عبدا واقعا، ولكن لا يعلم أنه ممن ينعتق عليه
واقعا أو لا، إلا أنه يجعل ممن ينعتق عليه باعترافه بذلك، فحينئذ يكون
ذلك مثل القسم الأول، فإن قلنا بالملكية التحقيقية آنا ما فلا يكون مثلها
موجبا لاثبات السبيل، وإلا فالأمر أوضح.
وأخرى يتعرف الكافر بكون العبد الفلاني حرا ثم أكذب نفسه فأقدم
على بيعه، فهل يحكم بصحة البيع مع عدم تسليم الحر منه بحسب
اعترافه وإن كان في الواقع عبدا، ويؤخذ منه الثمن لعدم نفوذ اعترافه في
حقوق الغير، أو يحكم بصحة البيع.
واختار المصنف عدم الصحة، بدعوى العلم الاجمالي بكونه أما
صادقا فلا يصح شراء الحر وأما كاذبا فكذلك لعدم صحة شراء الكافر
للمسلم، فنعلم تفصيلا ببطلان الشراء، ثم عقبه بالأمر بالتأمل بعد قوله:
إلا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم.
والظاهر أن الأمر به إشارة إلى كلام صاحب الحدائق، حيث فصل في
تنجز العلم الاجمالي بين ما كان في أطرافه جامع تحقيقي يكون موضوعا
للحكم ومما جعل عليه ذلك، وبين ما لم يكن كذلك بل يكون بينهما
جامع انتزاعي، ففي الأول يكون العلم الاجمالي منجزا، كما إذا كانت
358

النجاسة مرددة بين هذا الكأس والكأس الآخر، وكان الغصب مرددا بين
هذا الثوب والثوب الآخر، وأما الثاني فلا يكون العلم الاجمالي منجزا
بل يكون كل من الطرفين موردا للأصل، كما إذا تردد بين كون الكأس
الشرقي متنجسا أو أن الغربي مغصوبا، فإنه لم يجعل الحكم على الجامع
بينهما بخلاف الأول.
وقد نقل المصنف كلام صاحب الحدائق في الرسائل وجعله تفصيلا
في تنجز العلم الاجمالي، ثم قال: هذا إذا لم يتولد منه علم تفصيلي،
وإلا فلا مناص عن التنجز، وعليه فمقامنا من هذا القبيل.
ولكن أشكل عليه شيخنا الأستاذ (1) بأنه لا وجه للبطلان على كل تقدير،
فإنه على تقدير صدق الاعتراف يكون كسائر الموارد التي يجوز بيع عبد
المسلم من الكافر وينعتق عليه، فلا يكون العلم الاجمالي منجزا كما
لا يخفى.
3 - أن يأمر الكافر بالعتق ويقول: أعتق عبدك عني، فقد مر في
المعاطاة أنه لا داعي للالتزام بالملكية هنا آنا ما للجمع بين الأدلة، حيث إنها دلت على صحة استيفاء مال أو عمل محترم بأمر معاملي، ودلت
على أنه لا عتق إلا في ملك، فمقتضاه دخول العبد في ملك الأمر
وخروجه عنه.
وعليه يكون ذلك مثل العمودين، فلا شبهة في جوازه، إذ ليس هذا
سبيلا على المسلم وإنما الملكية بمقدار تصح العتق فقط، نظير بيع ذي
الخيار المبيع، فإن بيعه هذا يوجب دخول المبيع في ملكة آنا ما فينتقل
إلى المشتري، وإن قلنا بعدم احتياج العتق إلى ذلك وكفاية كون المعتق
مالكا وإن لم يكن المعتق عنه كذلك فالأمر أوضح.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 353.
359

4 - اشتراط العتق في البيع.
وفيه أنه إن كان المراد منه التزلزل من جهة الشرط، فهو لا يختص
بصورة الاشتراط بل يجري في جميع موارد البيع الخياري، بل الأمر فيها
أولى، لكون الخيار والتزلزل فيها من الأول، فهذا بخلافه هنا، فإن التزلزل
إنما يثبت بعد التخلف كما لا يخفى.
وإن كان المراد من التزلزل من جهة كون المشروط له مالكا لاجبار
المشروط عليه على البيع، فهو موجود في جميع موارد مالكية الكافر
للمسلم، فلا يختص بصورة الاشتراط كما لا يخفى.
وبالجملة لم تتصور وجها لهذا الاستثناء بوجه.
5 - التملك القهري
قوله (رحمه الله): وأما التملك القهري.
أقول: كما لو ورثه الكافر أو من أجبر على بيع فمات، فهل ينتقل العبد
المسلم بذلك إلى الكافر، أو استأجر على عمل فجعل أجره العبد
المسلم، أو غير ذلك من الانتقالات، فنقول:
إن كان مدرك الحكم في أصل عدم تملك الكافر المسلم هو الاجماع،
فلا شبهة في عدم شمول الانتقال، إذ المتيقن منه هو فرض التملك
فلا يشمل صورة الانتقال.
وإن كان المدرك في ذلك قوله (عليه السلام): فبيعوه ولا تقروه عنده (1)، فهو
يدل على لزوم البيع بعد التملك، فلا يشمل التملك الابتدائي فضلا عن
الانتقال القهري.
وإن كان المدرك هي آية نفي السبيل، فبناء على شمولها الملك
وكونه سبيلا أيضا، فتكون معارضة بأدلة الإرث بالعموم من وجه،

1 - الكافي 7: 432، التهذيب 6: 287، النهاية: 349، عنهم الوسائل 17: 380.
360

لو لم تكن مقدمة عليها بالحكومة، كما تقدم في المسألة الأولى بعد
التساقط، فمقتضى القاعدة كونه ملكا للإمام (عليه السلام)، إذ الفرض أن العبد
خرج عن ملك الميت ولم ينتقل إلى الورثة بأدلة الإرث، ومقتضى
الأصل هو عدم انتقاله إلى الورثة، فيكون ملكا بلا مالك فينتقل إلى الإمام (عليه السلام).
ولشيخنا الأستاذ (1) هنا كلام محصله:
إن الآية وإن كانت معارضة بالعموم من وجه بأدلة صحة العقود في
المسألة السابقة، ولكن لا تجري ذلك في المقام لخصوصية المورد، إذ
الإضافة الملكية بين المالك والمملوك كالخيط الذي يصير واسطة بين
الشيئين، فأحد طرف هذا الخيط مشدود بالمال وطرفه الآخر مشدود
بالملك، ففي البيع ونحوه من معاوضات المالية تبدل المالك عن طرف
الخيط ولكن يبقى طرفه الآخر على رقبة المال بلا تبدل أصلا، بحيث
يزول ملكية المالك عن الملك فيحدث له ملك آخر بالمبادلة، وهذا
بخلافه في الإرث.
فإن الإضافة المالكية الثابتة للمالك باقية على حالها، غاية الأمر ينوب
الوارث عن الميت بعد موته فيقوم مقامه، فتقوم الإضافة معه بلا تبدل فيها
أصلا، وعليه فليس هنا ملكية جديدة ليكون هنا سبيل فيشمله الآية، بل
الملكية الأولية بلا زوال أصلا، وعليه فلا تكون الآية معارضة بأدلة
الإرث، بل تكون أدلة الإرث محكمة.
وفيه أن الملكية قائمة بالاعتبار الذي لا يتحقق إلا بالطرفين، نظير
المقولات الإضافية بل أخص منها، فلا يعقل بقاء ذلك بارتفاع أحد
طرفيه، بل يرتفع بارتفاعه، إذن فلو قام ذلك الاعتبار بشخص آخر أو

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 354.
361

بحال آخر فيكون غير ذلك الاعتبار الأولى، فهذا كالإضافات الخارجية.
مثلا لو كان هنا سقف فتكون هنا فوقية، فإذا تبدل السقف بخيمة
فتبدل الفوقية الأولية بالفوقية الثانوية، فلا تبقى على حالها مع أن لها كان
نحو وجود، فأمر الإضافة الملكية أهون من ذلك، فكيف يبقى بزوال
أحد طرفيه، إذن فتكون الملكية الحاصلة للورثة ملكية جديدة ومورد
للآية كما لا يخفى، فتحقق المعارضة بلا شبهة.
وعلى هذا فمقتضى الجمع بين الأدلة كونه للإمام (عليه السلام)، إذ الفرض أنه
مات مالكه الأصلي ولم ينتقل إلى المالك، فيصدق عليه أنه مال
بلا مالك، فتشمله الأدلة الدال على إرث الإمام (عليه السلام) مع انتقاء الوارث،
ولا يكون منعتقا على الميت ولا على الوارث لأصالة رقبته كما في
المتن، أي لأصالة عدم حريته، فيكون للإمام (عليه السلام).
ثم اعتمد المصنف على الاجماع وقال: إن العمدة في المسألة ظهور
الاتفاقات على الإرث (1).
وقد أشكل على ذلك بوجوه:
1 - إن استصحاب الرقية من القسم الثالث للاستصحاب الكلي
فلا يكون جاريا، وذلك من جهة أن العبدية وكونه رقا للميت زال،
ونشك أنه صار رقا لشخص آخر أم لا، فيكون مشكوك الحدوث
فلا يكون الاستصحاب فيه جاريا فيكون حرا.
وفيه أن ظاهر عبارة المصنف وإن كان موهما لذلك، إلا أنه ليس
مراده، بل غرضه أن أصل الرقية كان أمرا ثابتا فنشك في صيرورته حرا أم
لا، فنستصحب ذلك الرقية.
وبعبارة أخرى أن المراد من هذا الاستصحاب هو أصالة عدم الحرية،

1 - كما في جامع المقاصد 4: 63.
362

وأما كونه ملكا لأي شخص فليس موردا للأصل، كما إذا فرضنا فرشا مع
عدم من يملكه في العالم، فإنه بلا مالك، فلا يخرجه ذلك عن المالية،
وكذلك نفرض العبد رقا بلا مال فنستصحب ذلك، حتى لو خلق شخص
فملكه جاز بل يجري استصحاب العبودية للميت، إذ كان هو عبدا إلى
الآن الأخير الذي هو آن الموت، فنشك في زواله فنستصحبها فيكون من
جملة ما تركه فلا يكون حرا، بل لا وجه للاستصحاب أصلا، إذ
لا مخرج له عن عموم ما تركه الميت، فمع وجود الاطلاق اللفظي
لا يجري الاستصحاب.
نعم لو كان المشكوك والمتيقن هي العبودية للميت والعبودية للوارث
لجرى الاشكال المذكور، إذ نعلم بزوال العبودية للميت ونشك في
حدوثه للوارث فيكون الاستصحاب فيه من القسم الثالث، ولكنه ليس
بمراد المصنف.
2 - أنه كما تجري أصالة عدم كونه ملكا للوارث، فكذلك تجري أصالة
عدم كونه ملكا للإمام (عليه السلام)، فما الوجه في جريان الأول وعدم جريان
الثاني، فهل هو إلا ترجيح بلا مرجح، فلا يثبت كونه ملكا للإمام (عليه السلام)
بأصالة عدم كونه للوارث إلا بالملازمة العقلية، لانحصار الوارث بينهما،
فقد حقق في الأصول عدم اعتبار الأصول المثبتة.
وفيه أن كونه ملكا للوارث بأصالة عدم كونه ملكا للإمام (عليه السلام) ليس إلا
بالملازمة العقلية كما قرر في الاشكال فيكون الأصل مثبتا، ولكن كونه
للإمام (عليه السلام) بأصالة عدم كونه للوارث ليس من جهة الملازمة العقلية
ليكون الأصل مثبتا، بل من جهة أنه يحرز بذلك الأصل أحد جزئي
الموضوع المركب، أعني عدم الوارث، والجزء الآخر فهو ما تركه
الميت محرز بالأصل، فتشمله عموم ما دل على وارثية الإمام (عليه السلام) فيما
تركه الميت وليس له وارث.
363

وبعبارة أخرى أن إرث الإمام (عليه السلام) في طول الطبقات الوارث، فبانتفاء
الطبقات الأولية تنتهي النوبة إلى الطبقات الثانوية، فبالأصل نحرز عدم
الوارث في الطبقة الأولى، فبالوجدان تحقق ما تركه الميت، فيكون
الموضوع المركب من جزئين أحد جزئيه محرز بالوجدان والآخر
بالأصل محققا، فتشمله أدلة وارثية الإمام (عليه السلام) لمن لا وارث له، وهذا
بخلافه في الطرف الآخر، فإن اثبات الوارث بأصالة عدم ارث الإمام (عليه السلام)
مثبت، فلا تجري كما لا يخفى.
وهكذا الأمر في جميع الموارد من الشبهات الحكمية والموضوعية:
أما الشبهات الموضوعية، فكما إذا مات شخص فنشك في وجود
وارثه في الطبقة الأولى، فبأصالة عدم الوارث مع صدق ما ترك على ما
بقي منه من أمواله يثبت الموضوع المركب لإرث الطبقة الثانية.
وأما الشبهة الحكمية، فكما إذا تسبب أحد في قتل أبيه فنشك حينئذ
في جواز إرثه وعدمه، مع عدم وجود اطلاق يتمسك به، فالأصل عدمه،
فبضم الوجدان يتحقق التركة، وعليه يتم موضوع إرث الطبقة الثانية.
ثم لا يخفى ما في كلام الشيخ هنا من المسامحة الواضحة، حيث قال:
إن آية نفي السبيل تنفي مالكية الكافر، ووجه المسامحة أن النافي
لمالكية الكافر هو الأصل دون الآية، فإن الفرض أنها كانت معارضة بأدلة
الإرث وساقطة لأجلها.
الحاق سائر النواقل القهرية بالإرث
قوله (رحمه الله): هل يلحق بالإرث كل ملك قهري أو لا يحلق.
أقول: قد عرفت أن المصنف أشكل في شمول أدلة الإرث للمقام، بل
اعتمد في المسألة إلى الاجماع فقط، وعليه فهل الحكم ثابت في جميع
364

النواقل القهرية أو يختص بالإرث فقط، فالظاهر هو العدم كما في المتن
على حسب مبناه، فإن الحكم الثابت بالاجماع يقتصر فيه على المقدار
المتيقن فهو الإرث، ومع التنزل يتعدى إلى سائر النواقل القهرية غير
الاختيارية، وأما النواقل القهرية الاختيارية فلا.
قوله (رحمه الله): أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا أو غيره.
أقول: غرضه من اختيارية السبب و غيرها ليس كونه اختياريا للكافر
الذي يريد تملكه، بل كونه اختياريا للآخر أي المملك، والأول كالفسخ
في البيع الخياري، بأن اشترى المسلم عبدا من الكافر ببيع خياري وفسخ
العقد، فإن فسخه هذا مملك للكافر قهرا بأمر اختياري فهو الفسخ،
والثاني كتلف المبيع في زمن الخيار أو قبل القبض، فيما إذا كان العبد
ثمنا، بأن باع المسلم متاعا من الكافر وجعل ثمنه العبد المسلم أو عبدا
أسلم بعد البيع وإن كان كافرا قبله، فإن التلف في زمن الخيار أو قبل
القبض مملك للعبد من الكافر بملك جديد، إلا أن الملكية باقية بمقدار
ما، وإنما يستقر بالفسخ لئلا يكون ملكا جديدا كما توهم.
حدود ولاية الفقيه في بيع العبد المسلم
قوله (رحمه الله): ومنه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم، ويحتمل أن يكون ولاية
البيع للحاكم مطلقا.
أقول: قد عرفت أنه لا يقر المسلم في ملك الكافر، وعليه إذا باعه
فبها، وإلا فيتصدى الحاكم بالبيع، ثم هل للحاكم ولاية مطلقة على ذلك،
بحيث ليس للكافر أن يتصدى على ذلك، أوليس له ولاية مطلقة وإنما
يتصدى بالبيع مع إباء الكافر عنه.
365

واحتمل المصنف الأول، بل عن الإيضاح (1) أنه تزول ملكيته أصلا
وليس له إلا استيفاء الثمن، واختار شيخنا الأستاذ (2) أن يكون للحاكم
ولاية مطلقة، تمسكا بقوله (عليه السلام) في عبد كافر أسلم: اذهبوا فبيعوه من
المسلمين، وادفعوا إليه ثمنه، ولا تقروه عنده، فإنه لو كان أمر البيع
راجعا إلى الكافر لقال (عليه السلام): ألزموه.
وفيه أولا: أنه أمر غالبي، إذ لا يرض المالك ببيع ماله باختياره، فلذا
أمر (عليه السلام) بالبيع، ويؤيد ذلك ذيل الرواية: ولا تقروه عنده، إذ يعلم من
ذلك أن الغرض عدم بقائه عنده، لا كونه مسلوب الاختيار عن ماله.
وثانيا: الأمر بالبيع هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فله الولاية المطلقة على
جميع الناس وأموالهم، فأمر في مورد خاص بالبيع لا يدل على جوازه
بدون إذن الكافر في سائر الموارد، ويظهر النتيجة في ذلك فيما لو أراد
الكافر أن يزيل ملكية عبده عنه بنحو خاص، كبيعه لشخص خاص من
المسلمين أو وقفه على جهة خاص وهكذا، فعلى القول بجواز تصديه
بالبيع فله الاختيار في إزالة ملكيته بأي نحو شاء، وعلى القول بكون
الولاية للحاكم فليس له ذلك بل الاختيار التام في يد الحاكم، فليس له إلا
استيفاء الثمن ليس إلا.
وأما كلام الإيضاح، من زوال الملك بنفسه وليس للمالك إلا استيفاء
الثمن مخالف للنص والفتوى، كما لا يخفى، والحق أن سلطنة البيع
للمالك، لعموم دليل السلطنة وأنه ليس محجورا فيها، وتوهم كونه
سبيلا فاسد، إذ لا يصدق السبيل على إزالة الملك بالجبر والالزام، بل هو
ذلة عليه من الشارع المقدس فكيف يكون سبيلا.

1 - إيضاح الفوائد 1: 414.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 357.
366

امكان جعل الخيار في بيع العبد المسلم
قوله (رحمه الله): وكيف كان، فإذا تولاه المالك بنفسه فالظاهر أنه لا خيار له.
أقول: فإذا وجب البيع للمالك، سواء تصدى إليه بنفسه أو تصداه
الحاكم، فهل يجوز جعل الخيار فيه أو نقله ببيع غير لازم كالمعاطاة، بناء
على عدم إفادته إلا الملك المتزلزل، أو لا يجوز بل لا بد وأن ينتقل ببيع
لازم كما لا يخفى.
ذهب المصنف إلى عدم ثبوت الخيار هنا، لتقدم آية نفي السبيل على
أدلة الخيارات، كما تقدمت على أدلة البيع حكومة.
وخالف في ذلك جامع المقاصد (1)، فحكم بثبوت الخيار والرد بالعيب
تبعا للدروس (2)، قال: لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا
مسلما لكافر لانتفاء المقتضي، لأن نفي السبيل لو اقتضى ذلك لاقتضى
خروجه عن ملكه، فعلى هذا لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها ولو
أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها، ويرد عليه ما في المتن، من
أن نفي السبيل لا يخرج منه إلا الملك الابتدائي - الخ.
وربما قيل بابتناء الحكم على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو
كالذي لم يعد، فإن قلنا بالأول ثبت الخيار، لأن فسخ العقد يجعل
الملكية السابقة كأن لم تزل وقد أمضاها الشارع وأمر بإزالتها، بخلاف ما
لو كان الملكية الحاصلة غير السابقة، فإن الشارع لم يمضها.
وقد ذكرت الشافعية هذه في مواضع متعددة، منها في بيع المعاطاة،
بناء على كونها مفيدة للملك الجائز، ذكروا أن ما انتقل بالمعاطاة لو انتقل
إلى غيره بعقد جائز كالهبة ثم أرجع ذلك بالفسخ، فهل يبقى الحكم

1 - جامع المقاصد 4: 63.
2 - الدروس 3: 199، المختلف 5: 59، الروضة 3: 245.
367

الأولي أو لا، فذكروا هنا هذه القاعدة، ومنه ما نحن فيه.
ولكن لا يبتني ذلك على أساس صحيح، إذ بعد ثبوت الحكم له بآية
نفي السبيل لا وجه للفسخ بتوهم أن الزائل العائد كالذي لم يزل وبعدمه
لأنه كالذي لم يعد.
وبالجملة فلا بد من الاقتصار في تخصيص الآية على القدر المتيقن،
نعم مثل هذه العبارات لها صورة لفظية فقط ليس إلا، كما لا يخفى.
قوله (رحمه الله): ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر، من جهة قوة أدلة نفي
الضرر، فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم.
أقول: فصل المصنف هنا بين ما كان دليله نفي الضرر وما كان دليله
غير نفي الضرر، فأما الخيارات التي دليلها غير دليل نفي الضرر فحكم
بتقدم آية نفي السبيل على أدلة الخيارات، كتقدمها على أدلة البيع،
فلا يثبت الخيار للمسلم أو للكافر، لكونه موجبا لتملك الكافر العبد
المسلم فهو سبيل منفي، نعم لا بأس بثبوت الأرش في مثل خيار العيب،
إذ ليس في مطالبة الأرش سبيل.
وأما الخيارات التي تثبت بأدلة نفي الضرر، فنقول فيها بثبوت الخيار
في البيع للمسلم دون الكافر من لزوم البيع، ولكن مع ذلك لا يثبت للكافر
خيار، فإن هذا الضرر إنما حصل من كفره الموجب لعدم قابلية تملك
المسلم إلا ما خرج بالنص، وإلا لكان مالكا، فالضرر مبين على اقدامه،
وبالجملة أن هنا تفصيلان يكون الثاني مترتبا على الأول، وأن هنا تفصيل
واحد منحل إلى تفصيلين.
ويرد عليه وجوه - على ما ذكره شيخنا الأستاذ (1) - وإن لم يرد بعضها:
1 - أنه لو كان الدليل هو أدلة نفي الضرر، فلا يفرق في ثبوت الخيار بها
بين المسلم والكافر بل يثبت لهما، وذلك لأن ايجاد المقدمات

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 359 - 361.
368

الاعدادية للضرر لا يوجب منع شمول أدلة نفي الضرر على الأحكام
الضررية المتوجهة على ذلك الشخص المعد لمقدمات الضرر، بل
المناط في شمولها لموضوعها كون الحكم الشرعي ضرريا على
المكلف، بحيث يلزم من الالزام والتكليف ضرر عليه.
وعليه فالكافر وإن كان بنفسه هيأ مقدمات الضرر وكفر باختياره،
ولكن لا يمنع ذلك عن شمول أدلة نفي الضرر لما ترتب على ذلك المقدمة
الاعدادية، أعني الحكم، ليكون بيع العبد المسلم عليه لازما ولو كان
ضرريا، بل هذا الحكم الضرري يوجب خيارية العقد فيثبت له الخيار
أيضا، ولو كان ايجاد المقدمات الاعدادية للضرر موجبا لمنع شمول
أدلة الضرر عليه، فلزم القول بعدم شمولها لأمثاله في سائر الموارد أيضا.
مثلا فلو لم يتحفظ المكلف نفسه من البرد فمرض، فلازم ما ذكره
المصنف عدم ارتفاع الأحكام الضررية عنه لعدم شمول أدلة نفي الضرر
عليه، وكذلك إذا لم يتسهر فعجز عن الصوم ولزم منه ضرر عليه،
فلازمه عدم جواز الافطار، لكون الضرر مبنيا على مقدمة اعدادية هيأ
بنفسه، وهكذا إذا سافر إلى مكان لزم الصوم فيه أو اتيان أمر واجب ضرر
عليه للحرارة أو للبرودة أو غيرهما، فلازم ما ذكره المصنف هو عدم
شمول أدلة نفي الضرر عليه وهكذا، ففي المقام أن الكافر وإن كفر بنفسه
واستعد لتوجه الضرر عليه، ولكنه لا يمنع عن توجه أدلة نفي الضرر عليه
وشمولها له كما هو واضح.
وبالجملة لو ثبت الخيار لأدلة نفي الضرر فيثبت لهما وإلا فلا يثبت
لهما، فلا وجه للتفصيل، فاختيار أحد أطراف الأمر التخييري ليس
بضرر مع اختياره الطرف الآخر ولكنه ليس بتمام، وكلام المصنف تمام
من هذه الجهة.
وذلك من جهة أن الأحكام الضررية وإن ارتفعت بأدلة نفي الضرر،
369

سواء ترتبت على المقدمات التي أوجدها شخص المتضرر أو لا.
ولكن ما نحن فيه ليس كذلك، فإن جواز الفسخ الذي هو معنى الخيار
الموجب لتملك الكافر وهكذا بجواز بيع العبد المسلم منه مشروط
باسلام الطرف وإلا فلا يجوز، فحيث إن الكافر فاقد لهذا الشرط مع كون
تحصيله في اختياره فلا يجوز فسخ عقده وإن كان الفاسخ مسلما، فعدم
جواز الفسخ للكافر وجوازه للمسلم ليس ضرريا على الكافر، فإن في
قدرته أن يسلم ويفسخ ولكن باختياره يختار البقاء على الكفر.
وهذا نظير اشتراط البيع بالخروج من الدار مثلا وإلا فلا بيع، فلا يقال:
إن من لم يخرج منها مضطر إلى البيع، إذ هو باختياره لم يخرج، وهكذا
وهكذا، نعم لو كان الأمر منحصرا بالفسخ في حال الكفر فقط، ومع ذلك
منع عن الفسخ، يكون ذلك ضرريا عليه فليس كذلك.
وهذا نظير ما كان التوضئ بالماء البارد ضررا وكان عنده ماءان،
فلا يتوهم أن الوضوء ضرر عليه فيرتفع بأدلة نفي الضرر، بل هو متخير بين
الأمرين، فمع اختيار أحدهما يكون الحكم ضرريا عليه لا مطلقا، ففي
المقام أيضا كذلك.
والحاصل أن الضرر لا يترتب على الكفر الذي توهم كونه من
المقدمات الاعدادية للضرر، بل الضرر مترتب على ترك الاسلام وعدم
قبوله، وهو باختياره ترك الاسلام، فلم يتمكن من الفسخ وإلا لجاز
فسخه لو اختار الاسلام.
2 - ما ذكره من أن أدلة نفي الضرر لا يمكن أن يكون دليلا لشئ من
الخيارات، كما سيأتي في بابها، لعدم تكفلها على اثبات الحكم، وإنما
مفادها رفع الحكم الضرري فقط، وإنما دليل مثل خيار الغبن ونحوه
الذي توهم كونه أدلة نفي الضرر دليلا له هو الشرط الضمني الذي يثبت
الخيار من جهة التخلف به كما هو واضح.
370

حرمة بيع المصحف من الكافر
قوله (رحمه الله): المشهور (1) عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر.
أقول: إن قلنا بعدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر، وكان المدرك
فيه هو الاجماع، فلا شبهة في عدم شموله للمصحف، ولا يمكن
التعدي من مورده الذي هو المتيقن منه، وإن كان المدرك الآية أو
الروايات فقد ادعى شمولها بالمصحف بالأولوية القطعية، إلا أنها
ممنوعة كما هو واضح.
وتوضيح ذلك: أن محل الكلام هنا إنما هو مطلق نقل القرآن إلى
الكافر ولو بالهبة والإرث، بل لو ملكه المسلم فكفر فهو أيضا داخل في
محل النزاع، حتى لو كتبه في قرطاس ونحوه، وإلا قد منع بعضهم
كالمصنف وغيره من الأعاظم من بيع المصحف من المسلم أيضا.
ثم إن هذا فيما لم يكن النقل مستلزما للجهات الخارجية الطارية على
النقل، مثل الهتك أو مس اليد وإلا فيكون داخلا في بيع المباح ممن يعلم
أنه يصرفه في الحرام، كبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا، وبيع
الخشب ممن يعلم أنه يصنعه صليبا أو صنما.
وبالجملة فمحط البحث هنا ما إذا كان النظر إلى مجرد النقل فقط،
كأن اشتراه الكافر مثلا ليوقفه على المسلمين أو يجعله في مكتبة أو
يحفظه في صندوق ونحو ذلك، وأما لو اقترن إلى الجهات الخارجية
فلا اشكال في الحرمة، من غير اختصاص له بالكافر أصلا.

1 - كما في المبسوط 2: 62، الشرايع 1: 334، التذكرة 1: 463، القواعد 1: 124.
371

ثم لا وجه للحكم بالكراهة هنا كما توهم، بل إن تم الدليل فيحكم
بالحرمة، وإلا فيحكم بالجواز بلا كراهة.
بيان آخر
إن كان مدرك الحكم في حرمة بيع العبد المسلم من الكافر هو
الاجماع، فلا شبهة في عدم شموله للمصحف لكونه دليلا لبيا فيراد به
المتيقن، وإن كان المدرك هو آية نفي السبيل أو الروايات فيستدل بها
على المقام بالفحوى كما سلكه المصنف، وهو من أن الوجه في ذلك هو
لزوم مراعاة احترام المؤمن، احتراما يقتضي نفي سبيل الكافر عليه، وهو
يستدعي بالأولوية القطعية حرمة بيع المصحف أيضا، إذ هو أعظم
احتراما ودرجة من المؤمن، بل عليه يدور أساس الاسلام، بل لو دار
الأمر بين حفظه وحفظ آلاف من المؤمنين يكون حفظه مقدما عليهم، كما
كان الأمر كذلك من صدر الاسلام وبدئه.
وعلى هذا فإذا نفي سبيل الكافر على المؤمن فبالأولوية ينفي سبيله
على القرآن أيضا، فيحرم نقله إليه بأي عنوان كان.
المناقشة في ما يستدل عليه
وفيه أولا: نمنع كون مناط المنع في بيع العبد المسلم من الكافر هو
الاحترام وحفظ شؤون المؤمن، بل يمكن أن يكون الوجه فيه هو شئ
آخر، وهو مبغوضية نفس تملك الكافر، أو حكمة أخرى لا سبيل لنا
إليها، وعلى تقدير قبول المناط فنمنع الأولوية في ذلك، إذ لا نسلم أن
يكون احترام مطلق القرآن أولى من احترام المؤمن، بل إنما هو نشأ من
الخلط والاشتباه.
372

إذ ما يجب احترامه وفداء النفوس له والجهاد لحفظه إنما هو القرآن
الكلي الجامع بين الأشخاص، بحيث بزواله زال الدين وانهدم شريعة
سيد المرسلين، وقد استفدى بذلك الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) نفوسهم
فضلا عن المؤمنين، بل ما من إمام إلا وقد قتل لاحياء القرآن وقوانينه،
وهذا أمر واضح لا شبهة فيه، وأما كون حفظ شخص القرآن المطبوع في
مطبعة فلا نية أولى من المؤمن غير معلوم، بل معلوم العدم، فإن حفظ
المؤمن أعظم درجة من ذلك.
ولا نحتمل أن يشك أحد في أنه لو دار الأمر بين اتلاف قرآن بالقائه
بالحبل المشدود فيه لانقاذ مؤمن وبين تلف المؤمن أن انقاذ المؤمن مقدم،
وكذلك لو دار الأمر بين موت مؤمن جوعا وبين اتلاف القرآن لحفظه
فلا شبهة في كون الأول مقدما على الثاني.
وبالجملة ما يكون حفظه أولى من حفظ المؤمن فخارج عن محل
الكلام، وما ليس كذلك فلا نسلم الأولوية فيه.
ثانيا: ربما يكون البيع موجبا للاحترام، إذ كثيرا ما يطالعه ويهتدي
به، فلو لم يباع كيف يطلع على قوانينه الوافية يهتدي به، فاحترامه
يقتضي البيع لعله يوجب الارشاد، وتوهم استلزامه الهتك مدفوع لما
عرفت أن محل الكلام إنما هو مع قطع النظر عن الجهات الخارجية كما
لا يخفى.
شمول الحكم للأخبار المتواترة والآحاد
وعلى تقدير ثبوت الحكم هنا، فهل يثبت في الأخبار المتواترة، فيه
خلاف، ولا شبهة في عدم الشمول لو كان المدرك هو الاجماع، لعدم
شموله للمصحف فضلا عن شموله للأخبار المتواترة، وأما لو كان مدرك
373

الحكم هي الآية أو الروايات فأيضا لا تشمل الأخبار المتواترة، لعدم
الأولوية هنا قطعا لو كانت ثابتة في المصحف، بل يكفينا الشك، كيف
فهل يتوهم أحد أنه إذا دار الأمر بين حفظ النفس وبين حفظ الخبر
المتواتر أن حفظ الخبر المتواتر مقدم.
وعلى تقدير ثبوت الحكم في الخبر المتواتر فلا يشمل الخبر
الواحد، فإن مجرد الحجية لا يوجب ثبوت جميع الأحكام عليه كما
ذهب إليه شيخنا الأستاذ (1).
ثم العجب من المصنف حيث استشكل في دليل الحكم واستحسن ما
ذكروه، فإنه لا ندري أنه بعد التأمل في المدرك هل الفتوى بلا دليل حسن،
وهو أعرف بالحال.
-
1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 363.
374

الكلام في شرائط العوضين
المسألة (1)
اعتبار المالية في العوضين
قوله (رحمه الله): يشترط في كل منهما كونه متمولا.
أقول: محصل كلامه أن من جملة شرائط العوضين أن يكون متمولا،
لأن البيع في اللغة مبادلة مال بمال.
وبهذا يحترز عما لا نفع فيه، كالخنافس والديدان لخستها، وكذلك
مثل الحبة من الحنطة، فما لم يتحقق في الشئ التمول والانتفاع به
فاحرز كونه أكلا للمال بالباطل عرفا فالظاهر فساد المعاملة، وإن لم يحرز فيه ذلك فإن ثبت بدليل أو اجماع أنه لا يجوز بيعه أخذ به، وإلا
فيرجع إلى عمومات صحة البيع والتجارة وإلى الرواية الخاصة، وهي
قوله (عليه السلام) في رواية تحف العقول: وكل شئ يكون لهم فيه الصلاح من
جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه (1).
وفي كلامه مواقع للنظر:
1 - اعتبار المالية في العوضين في البيع لقول المصباح (2)، وذلك لعدم
حجية قوله، ويكفي في صحة المعاملة على ما ليس بمال مجرد الغرض
الشخصي، كما إذا اشترى مكتوبة جده بقيمة عالية للإبقاء مع عدم كونها

1 - تحف العقول: 331، عنه الوسائل 17: 84، ضعيفة.
2 - المصباح المنير: 69.
375

قابلة للمعاوضة، أو اشترى خنفساء بقيمة كذا أو عقربا بقيمة كذا لأجل
المداوي ونحوها كما لا يخفى.
وقد تقدم في أول البيع جواز كون الحقوق ثمنا في المعاملة، بأن باع
شيئا ليرفع المشتري يده من حقه الفلاني، والوجه في ذلك كله هو أن
البيع تبديل بين الشيئين برفع اليد عن أحدهما وجعل الآخر موردا للحق
كما لا يخفى، فغاية الأمر يمنع ذلك عن التمسك بعمومات ما دل على
صحة البيع بالخصوص.
وأما ما دل على صحة مطلق العقود والتجارة عن تراض فلا، إذ
لا شك في صدق التجارة عن تراض والعقد على المعاملة الجارية على ما
ليس بمال، لما عرفت في بعض تنبيهات المعاطاة أن في العرف لا يصدق
عليه البيع بل الثمن والمثمن على العوضين، بل يصدق عليه مجرد
المبادلة والمعاوضة، كتبديل ثوب بثوب أو عباء بعباء وهكذا،
ولا شبهة في صحة ذلك ل‍ أوفوا بالعقود (1) وتجارة عن تراض (2)
والسيرة القطعية كما هو واضح.
2 - ما التزم به من أنه مع الشك في التمول إن أحرز كون المعاوضة أكلا
للمال بالباطل فيكون فاسدا.
ووجه الضعف أنه بناء على كون المراد من الآية ما فسر به المصنف من
إرادة المعاملة السفهية، كالمعاملة على ما لا نفع فيه، والغرض عما
ذكرناه من كونهما ناظرة إلى الأسباب أنه لا يجتمع احتمال المالية مع
صدق أكل المال بالباطل.
إذ معنى صدق أكل المال بالباطل أنه ليس بمال ليكون أكل المال بإزائه

1 - المائدة: 1.
2 - النساء: 29.
376

أكلا له بالباطل، ومعنى الشك في التمول احتمال كونه مالا، فما يحتمل
ماليته لا يكون من أكل المال بالباطل.
3 - ما تمسك به بعد عدم احراز كونه من أكل المال بالباطل من
العمومات، وحكمه بالصحة بها وبرواية تحف العقول.
ووجه الضعف، أما رواية تحف العقول فقد تقدم الكلام في ضعفها
واضطرابها، وأما العمومات فالتمسك بها مع الشك في التمول الموجب
للشك في صدق البيع تمسك بالعام في الشبهات المصداقية كما هو
واضح.
عدم اعتبار الملكية في العوضين
قوله (رحمه الله): ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين.
أقول: لم يعتبر المصنف الملكية في العوضين ليحترز بها عن غير
الملك كما هو واضح، ودعوى اتحاد الملكية والمالية فاسد إذ بينهما
عموم من وجه، والشئ قد يكون ملكا ولا يكون مالا كحبة من الحنطة،
وقد يكون مالا ولا يكون ملكا لأحد كالمباحات الأصلية، وقد
يجتمعان.
فاعتبار المالية لا يدل على اعتبار الملكية، بل لا وجه لاعتبار الملكية
في العوضين أصلا، إذ البيع ليس إلا التبديل بين الشيئين بقطع علاقة كل
من المتبايعين عنهما واحداث علاقة أخرى فيهما، وقد تقدم في أول
البيع جواز كون الحق ثمنا في البيع، كأن يبيع شيئا على أن يرفع المشتري
يده عن حقه كالتحجير وغيره من الحقوق.
ويدل على ذلك جواز بيع الكلي في الذمة، مع أنه ليس ملكا لأحد
أصلا، وإنما تحصل الملكية للمشتري بالشري، ويملك على ذمة البايع.
377

ومن هنا نقض الإمام (عليه السلام) على العامة لعدم قولهم بصحة بيع الكلي
ببيع السلم لأنها من واد واحد (1)، كما تقدم في الأخبار المتقدمة في البيع
الفضولي.
نعم تعتبر الملكية في البيوع الشخصية للأخبار الخاصة، من قولهم
(عليهم السلام): لا تبع ما ليس عندك (2)، كبيع مال الغير قبل الشرى، وبيع الطير
في الهواء، والسمك في البحر قبل الاصطياد، فإنها من قبيل بيع ما ليس
عنده ومن أظهر مصاديقه، فلا شبهة في بطلانه.
بل يمكن أن يقال بعدم اعتبارها في الأعيان الشخصية أيضا، إذ معنى
قولهم (عليهم السلام): لا تبع ما ليس عندك، هو أن ما ليس بمقدور التسليم
لا يجوز بيعه بوجه، لا أنه يجب أن يكون مملوكا للبايع.
وأما قولهم (عليهم السلام): لا بيع إلا في ملك، فقد تقدم في بيع الفضولي أن
المراد من الملكية ليس ملكية العين الشخصية، بل المراد منها مالكية
البايع التصرف من البيع ونحوه، ككونه وليا للمالك أو وكيلا أو مأذونا من
قبله وهكذا.
ثم إنه على تقدير اعتبار الملكية في العوضين لا وجه للاحتراز بها عن

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الطعام
من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا، قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا، قال: و
أي شئ يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير
أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود، ثم قال: لا بأس بأن
يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه حالا وإلى أجل، فقال: لا يسمي له أجلا إلا أن يكون بيعا
لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالا (التهذيب 7: 49،
الفقيه 3: 179، عنهما الوسائل 18: 47)، صحيحة.
2 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي: نهي عن بيعين في بيع، ونهي عن بيع ما ليس
عندك (الفقيه 4: 4، عنه الوسائل 17: 357، 18: 48)، ضعيفة.
378

الأراضي المفتوحة عنوة، فإنها ملك بلا اشكال، نعم ليس بطلق، فإذا
أريد الاحتراز عنها فلا بد من تقييد الملك بالطلق كما هو واضح.
أقسام الملك
ثم بين المصنف أقسام الملك من أنه:
تارة يكون طلقا لأحد كالأملاك الخاصة.
وأخرى لا يكون ملكية العين طلقا وإنما يكون تملك بمنافعه طلقا
كالأوقاف الخاصة، حيث إنها ليست ملكا طلقا لأحد من الموقوف
عليهم، ولكن منفعتها ملك طلق لهم ولهم مالكية مطلقة لذلك.
وثالثة: لا تكون ملكية العين ولا ملكية المنفعة طلقا لأحد ولكن إذا
قبضت المنفعة تكون ملكا طلقا للقابض، كالأوقاف العامة، إذ هي
ومنافعها ليست ملكا طلقا لأحد ولكن إذا قبضوا منفعة يكون ملكا لهم
بلا شبهة.
ورابعا أن لا يكون ملكا طلقا لأحد، لا عينا ولا نفعا، ولكن إذا قبضوا
تكون العين والمنفعة كلتيهما ملكا للقابض، وذلك كحق السادة والفقراء
في الزكاة وفي الخمس، إذ هما ليسا ملكا طلقا لأحد منهم بحيث إذا
مات أحدهم فليقم وارثه مقامه، إذ المالك هو الكلي فهو باق على حاله،
وإنما ملك كل منهم العين ونفعها بعد القبض ملكا طلقا، وأما سهم الإمام (عليه السلام) ففيه خلاف.
فالأراضي المفتوحة عنوة خارجة عن جميعها، أما عدم كونها ملكا
طلقا لأحد فواضح، وأما عدم كونها من سائر الأقسام فأيضا كذلك، فإنها
لا تكون ملكا لأحد قبل القبض وبعده، وإنما منافعها تصرف في مصالح
المسلمين.
379

الكلام في أحكام الأراضي
ثم إن المصنف نقل الكلام إلى أقسام الأراضي لمناسبة ذكر بعض
أقسامها، وقد ذكرنا في آخر المكاسب المحرمة، وحاصل الكلام هنا:
أن الأراضي على أربعة أقسام:
1 - ما يكون مواتا بالأصالة، بأن لم تكن مسبوقة بالعمارة.
2 - أن تكون معمورة بالأصالة، لا بمعنى كونها معمورة عند الخلقة
وقبل خلق الخلق، بل بمعنى كونها معمورة بلا معمر، كرؤوس الجبال
وبطون الأودية والأشجار في البحر والبر.
3 - ما عرض له الموت بعد الحياة كأرض الكوفة، بل أرض العراق إذ
كانت أراضي معمورة ولذا كانت تسمي بأرض سواد.
4 - ما عرض له الحياة بعد الموت.
1 - ما يكون مواتا بالأصالة
فهذه هي الأقسام الأربعة، أما القسم الأول، والكلام فيه من جهات:
أما الجهة الأولى، فالأرض الموات كلها للإمام (عليه السلام)، للاجماع
المحصل والمنقول وعدم الخلاف بين الفقهاء، وللأخبار الكثيرة، وفي
المتن أنها مستفيضة بل متواترة.
وفيه أن أصل الحكم وإن كان مسلما ومجمعا عليه بين الفقهاء كما
عرفت، ولكن الأخبار الواردة فيها ليست مستفيضة، فضلا عن كونها
متواترة، وذلك لأن جملة منها واردة في الأرض الخربة التي باد عنها
أهلها وبقيت خربة (1)، فهي أجنبية عن المقام، فإن كلامنا في الموات

1 - عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: كل أرض خربة أو شئ يكون
للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم (التهذيب 4: 133، عنه الوسائل 9: 526)،
موثقة.
عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث: والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها - الحديث (الكافي
1: 453، عنه الوسائل 9: 524)، ضعيفة للارسال.
380

بالأصل لا ما يكون كذلك بانجلاء أهلها، ولذا عنونها في الوسائل في
باب الخمس بعنوان آخر، فما هو موات بالأصل لا تطلق عليه الخربة،
ورواية واحدة واردة في خصوص الأرض الموات في باب احياء الموات
من الوسائل (1) فلا تحقق بها الاستفاضة والتواتر.
نعم في جملة من الروايات: الأرض التي ميتة لا رب لها فهي للإمام
(عليه السلام) (2)، فلا شبهة في شمولها للموات من الأرض من غير إبادة أهلها،
ولكنها ليست بمتواترة أيضا ولا مستفيضة، نعم لو كان المراد
بالاستفاضة هو كونها ثلاثة أو أربعة فلا بأس باطلاق المستفيضة عليها.
وبالجملة أن الغرض بيان عدم استفاضة الروايات وتواترها، وإلا
فأصل الحكم مسلم، بل يمكن الاستدلال على ذلك بآية الأنفال لكونها

1 - عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): إن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض،
ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيي أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى
الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها (الكافي 5: 278، التهذيب 7: 152، عنهما الوسائل
25: 414)، صحيحة.
2 - عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القري التي
قد خربت وانجلي أهلها فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام - إلى أن قال: - وكل
أرض لا رب لها - الحديث (تفسير القمي 1: 254، عنه الوسائل 9: 531)، حسنة.
عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لنا الأنفال، قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن
والآجام، وكل أرض لا رب لها، وكل أرض باد أهلها فهو لنا (تفسير العياشي 2: 48، عنه
الوسائل 9: 533)، ضعيفة للارسال.
381

للإمام (عليه السلام)، غاية الأمر نثبت الصغرى بدليل آخر، أي كونها أنفالا،
فلا شبهة في ذلك لاطباق الروايات على كون موات الأرض من الأنفال.
أما الجهة الثانية، فهل يشترط في التملك بها مجرد قوله (عليه السلام) في
النبوي: موتان الأرض للإمام (عليه السلام) ثم هي لكم مني أيها المسلمون (1)،
وكذلك في النبوي الآخر (2)، بحيث يكون بذلك ملكا للمسلمين بالسبق
إليها وإن لم يحيوها، أو لا بد في ذلك من الاحياء.
فظاهر النبويان وإن كان هو الملك بذلك، ولكن مضافا إلى ضعف
السند فيهما أنهما مقيدان بالاحياء فلا يكون ملكا لأحد بدونه، كما في
جملة من الروايات.
وبالجملة أن التملك مشروط بالاحياء فلا يتملك تلك الأراضي بدون
الاحياء فلا يعمل بالنبويان.
الجهة الثالثة: إن الحلية والملكية بالاحياء مختصة بالشيعة، أو يشمل
غيرهم من المسلمين، أو لكل من أحياها مسلما كان أو كافرا، والكافر
أيضا ذميا كان أو حربيا، فظاهر بعض الأخبار وإن كان هو اختصاص
ذلك بالشيعة (3) إلا أن النبويان المتقدمان يدلان على شمول الحكم لمطلق
المسلمين، ولكنها ضعيفة السند.
بل يمكن أن يراد من المؤمن في بعض الأخبار: من أحياها من

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسلا أنه قال: موتان الأرض لله ورسوله، فمن أحيا منها شيئا فهو له
(عوالي اللئالي 3: 480، عنه المستدرك 17: 111)، ضعيفة للارسال.
2 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسلا أنه قال: عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني، فمن
أحيا مواتا فهي له (عوالي اللئالي 1: 44، عنه المستدرك 17: 112)، ضعيفة للارسال.
العادي: القديم (مجمع البحرين 1: 278).
3 - يأتي بعيد هذا في مصححة عمر بن يزيد.
382

المؤمنين، مطلق المسلم الذي آمن بالله وبرسوله وبيوم الآخر، أي
المؤمن في القرآن.
ولكن يكفي في عموم الحكم لغير الشيعة أيضا العمومات الواردة في
مورد شراء الأرض من الذمي، فقالوا (عليهم السلام): أي قوم أحيوا أرضا فهي
لهم وهم أحق بها (1)، فإن المورد وإن كان هو الذمي ولكنه لا يكون
مخصصا بعد عمومية الجواب، فيكون شاملا لمطلق المحيي، مسلما
كان أو كافرا، ذميا كان أو كافرا حربيا، وهذه الأخبار مذكورة في الوسائل
في باب احياء الموات (2).
وما دل من الأخبار على كون موات الأرض للشيعة بالاحياء لا توجب
التخصيص لعدم التنافي، خصوصا مع الاحتمال المذكور، من كون
المراد من المؤمن مطلق من آمن بالله وبرسوله وبيوم القيامة في الأخبار
التي ذكر فيها المؤمن.
ومن هنا قال صاحب الوسائل في عنوان المطلب: إن الذمي إذا أحيا
مواتا من أرض الصلح فهي له (3)، وقبل هذا الباب فعنوانه أيضا مطلق
يشمل مطلق المحيي وإن كان من غير المسلم.
الجهة الرابعة: في أن الخراج الثابت في تلك الأراضي على المحيي
هل هو ثابت لكل من أحياها، شيعة كان أو غيرها، أو ثابت لغير الشيعة.

1 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض
وعمروها فهم أحق بها وهي لهم (الكافي 5: 279، التهذيب 7: 152، الإستبصار 3: 107، عنهم
الوسائل 25: 412)، صحيحة.
2 - راجع الوسائل 25: 411 - 413.
3 - الوسائل 25: 416، وباب سابقه كذا: باب إن من أحيا أرضا ثم تركها حتى خربت زال
ملكه عنها وتكون لمن أحياها - الخ.
383

ربما يقال بثبوته لكل من أحياها ولو كان المحيي هو الشيعة، لصحيحة
الكابلي: فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى
الإمام (عليه السلام) من أهل بيتي وله ما أكل منها (1)، ولمصححة عمر بن يزيد
يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤديه إلى
الإمام (عليه السلام) في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم (عليه السلام) فليوطن نفسه على أن
تؤخذ منه - الخبر (2).
فالظاهر منها أن الحكم أعم، فلا بد لكل من أحياها اعطاء الخراج إلى
الإمام (عليه السلام)، وعليه فيشكل القول بعدم وجوبه للشيعة، لذهاب المشهور
بل فقهائنا أجمع إلى عدم وجوب الخراج لهم، وحملها المصنف على
وجهين:
1 - أنه يمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب ايصال الطسق
إذا طلب الإمام (عليه السلام)، لكن الأئمة بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) حللوا لشيعتهم
وأسقطوا ذلك عنهم، كما يدل عليه قوله (عليه السلام): ما كان لنا فهو
لشيعتنا (3).
- الكافي 1: 337، عنه الوسائل 9: 550، والرواية مروية عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ضعيفة.

1 - عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): إن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض،
ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيي أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى
الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها (الكافي 5: 278، التهذيب 7: 152، عنهما الوسائل
25: 414)، صحيحة.
2 - عن عمر بن يزيد قال: سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وكري أنهارها وبني بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا، قال:
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضا - الحديث (التهذيب
4: 145، عنه الوسائل 9: 549)، مصححة.
384

2 - يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور، وإلا
فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام (عليه السلام) في حال الغيبة،
بل الأخبار متفقة على أنها لمن أحياها.
إلا أنهما بعيدان بل أجنبيان عن ظهور الروايتين:
أما الأول، فلأن الظاهر من الروايتين ايصال الطسق إلى الإمام (عليه السلام) في
حال الهدنة، كما هو ظاهر رواية عمر بن يزيد، ووجوب اخراج الخراج
إليه، كما هو ظاهر رواية الكابلي، فحملهما على مجرد الاستحقاق
خلاف الظاهر، بل خلاف الصراحة.
وأما الثاني، فلأن الظاهر منها أيضا اخراج الخراج وايصاله إلى الإمام (عليه السلام) مطلقا ولو في حال الغيبة، ولذا قال (عليه السلام) في ذيل رواية عمر بن
يزيد: فإذا ظهر القائم (عليه السلام) فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه، يعني إذا
لم يعط ذلك الشخص الذي الأرض تحت يده فليوطن الإمام (عليه السلام) نفسه
لأخذه منه.
وبالجملة فليس في شئ من الروايتين ما يدل على الفرق بين الحضور
والغيبة، والأولى حملهما على غير الشيعة للأخبار الدالة على تحليل
الأراضي للشيعة وكونهم محللون فيه، كما في رواية مسمع وغيرها.
ويؤيد ذلك التفريق بين الشيعة وغيرها في رواية مسمع قال (عليه السلام):
فهم فيه محللون، ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبهم طسق ما
كان في أيدي سواهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم
قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة (1).

1 - الكافي 1: 337، عنه الوسائل 9: 550، والرواية مروية عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ضعيفة.
2 - عن مسمع بن عبد الملك - في حديث - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت وليت
الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها
عنك وأعرض لها، وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: وما لنا من الأرض
وما أخرج الله منها إلا الخمس، يا أبا سيار الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا،
قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كله؟ فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم
إليك مالك، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن
يقوم قائمنا فيجبهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى
يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة (التهذيب 4: 144، الكافي 1: 337،
عنهما الوسائل 9: 548)، صحيحة.
385

وأيضا يؤيد ذلك ذيل رواية عمر بن يزيد، من قوله: فإذا ظهر القائم
(عليه السلام) فيوطن نفسه على أن تؤخذ منه، مع أن قوله فيجبهم طسق ما في
أيديهم ظاهر في أن الخراج على الشيعة بعد قيام الحجة (عليه السلام) وأما قبله
فلا خراج عليهم، وكذلك الأخبار الدالة على أن الأرض كلها للإمام
(عليه السلام) والشيعة فيها محللون، إذ لا معنى للخراج بعد ثبوت التحليل فيها
الشامل للموات بالأصل أيضا.
وبالجملة لا شبهة في دلالة غير واحد من الروايات على عدم ثبوت
تحليل ما للإمام (عليه السلام) من الأراضي لغير الشيعة بدون الخراج، وكون
كسبهم فيها حراما أدل دليل وأقوى قرينة على ما ذكرناه، من حمل
الروايتين على غير الشيعة، كما هو واضح.
وتوهم كون موردهما هي الشيعة فلا يمكن حملهما على غيرها،
توهم فاسد، بداهة أن رواية الكابلي ليس فيها سؤال حتى نري أنه شيعي
أم غير شيعي، وأما رواية عمر بن يزيد فالراوي فيها وإن كان شيعيا
ولكن المورد هو الرجل الشامل للشيعة وأهل السنة، فلا وجه لحمله
على الشيعة، بل نسخة الوسائل: سئل رجل من أهل الجبل (1)، ومن
الواضح أن أهل الجبل سني بل ناصبي في زماننا هذا فضلا عن الزمان
386

السابق الذي لم يكن من الشيعة اسم ولا رسم.
ويؤيد هذا الحمل ما في ذيل رواية عمر بن يزيد، من قوله (عليه السلام):
فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه، ومن المعلوم أنه لو كان المراد منهم
هي الشيعة لم يأخذ الإمام (عليه السلام) الأرض منهم، بل يبقى عندهم ويأخذ
منهم الخراج.
وأوضح تأييد لذلك قوله (عليه السلام) في رواية مسمع التفصيل بين الشيعة
وغيرهم، وجعل الشيعة في حل في الخراج، وأما غيرهم فإن كسبهم
في ذلك حرام، فإن حليته مشروطة باعطاء الخراج فلم يعطوها للإمام
(عليه السلام) فيجئ الإمام (عليه السلام) فيخرجهم عنها صفرة أي خالية اليد، أو صغرة
أي صاغرا وذليلا، على حسب اختلاف النسخة.
فيعلم من ذلك أن الخراج لغير الشيعة، وأما الشيعة فهم في حل من
ذلك، ومع الغض عن جميع ذلك فالروايات الدالة على حلية الأراضي
للشيعة في حال الغيبة تكون مقيد لهاتين الروايتين، وبالجملة لا مانع من
حملها على غير الشيعة بوجه.
بحث في أن الأراضي الموات بالأصل هل تملك بالاحياء أم لا؟
قوله (رحمه الله): وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالاحياء.
أقول: المشهور بل المجمع عليه أن الأراضي الموات بالأصل تكون
ملكا لمن أحياها، ولكن الظاهر خلافه، وتوضيح ذلك:
أن الأخبار الواردة في ذلك على ثلاث طوائف:
الأولى: ما دل على أنها لمن أحياها وأنها له.
الثانية: ما دل على أن المحيي أحق بها من غيره.
الثالثة: ما جمع الأمرين الملكية والأحقية، ولا شبهة أن ما اشتمل
على اللام في كونه ظاهرا في إفادة الملكية، ولكن لا بد من رفع اليد عن

1 - قد مر ذكره قبيل هذا، فراجع.
387

ظهوره وإرادة مجرد الاختصاص من ذلك، وذلك من جهة أنه ذكر في
جملة من الأخبار التي تقدم بعضها في الجهة الرابعة أن غير الشيعة لا بد
وأن يعطي الخراج وإلا فيكون كسبهم في تلك الأراضي حراما، ومن
الواضح أنه لا معنى لحرمة الكسب في ملك نفسه ووجوب اخراج
الخراج منه، فيعلم من ذلك أنه لم يحصل بالاحياء إلا مجرد حق
الاختصاص، واللام في قولهم (عليهم السلام): من أحيا أرضا فهي له (1)، مجرد
الاختصاص.
وبالجملة فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية وبين
الالتزام بورود التخصيص على دليل السلطنة، أو الالتزام بتصرف الإمام (عليه السلام) في ملك الغير بولايته الشخصية، بحيث حكم بثبوت الخراج وإلا
فيكون الكسب حراما، فلا شبهة أن الأول أولى وأسهل للالتزام كما
لا يخفى.
وعلى هذا فيكون الحكم بعدم جواز الكسب على طبق القاعدة
وكذلك اخراجهم من الأرض وأخذها منهم بعد ظهور الحجة، فإن
الملك ملك الغير، فإذا لم يف المتصرف على ما شرطه عليه مالك
الأرض فيكون كسبه حراما على حسب القواعد لكونه غصبا.
ومن هنا اندفع ما توهم، من أن التملك مشروط بأداء الخراج، فإذا
منعوا عنه فلا يكون الملك حاصلا.
ووجه الاندفاع أنه لا معنى للخراج مع الملكية، وأن رفع اليد عن
الملكية أسهل من رفع اليد عن دليل السلطنة أو الالتزام بتصرف الإمام

1 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض
وعمروها فهم أحق بها وهي لهم (الكافي 5: 279، التهذيب 7: 152، الإستبصار 3: 107، عنهم
الوسائل 25: 412)، صحيحة.
388

(عليه السلام) في مال الغير مع كونه للغير بالولاية، وهذا بخلاف ما قلنا إن الأرض
ملك للإمام (عليه السلام) وجواز التصرف فيها مشروط باعطاء الخراج وإلا
فيكون حراما، كما هو كذلك في جميع الموارد بحسب القواعد.
ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكرناه أمران:
1 - ما ورد في الأخبار الكثيرة، من أنه ليس لمحيي الأرض تعطيلها
وإلا فلغيره احياؤها واجراء أنهارها فيكون أحق به من غيره (1)، وقد عقد
في الوسائل بابا لذلك في احياء الموات (2)، وإن لم يتعرض له الفقهاء.
فلو كان الاحياء موجبا للملكية فلماذا سقط حقه بالتعطيل أزيد من
ثلاث سنوات، فإن الناس مسلطون على أموالهم يفعلون فيها ما يشاؤون،
فهل لأحد أن يزاحمه في أموالهم الشخصية لمكان التعطيل، فيعلم منه
أنه لم يثبت لمحيي الأرض إلا حق الاختصاص فيزول بالعطلة أو بعدم
الوفاء بالشرط، أعني اعطاء الخراج، نعم حلل ذلك للشيعة كما هو
واضح.
2 - أنه لو كانت الأراضي الموات بالأصل مملوكة للمحيي لكان ملكا
لهم دائما، مع أنه ذكر في رواية مسمع أن الحل ثبت فيها للشيعة وليس
لهم فيها خراج إلى أن يقوم صاحب الأمر (عليه السلام) وبعده فيجبهم طسق ما
في أيديهم، وأما غيرهم فكسبهم فيها حرام لعدم اعطائهم خراجها،
وبعد القيام يخرجهم من الأرض وينزعها من أيديهم.

1 - عن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قال: إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على
عباده، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره
(الكافي 5: 297، التهذيب 7: 232، عنهما الوسائل 25: 433)، ضعيفة لسهل بن زياد.
2 - الوسائل 25: 433، وفيه: باب حكم من عطل أرضا ثلاث سنين ومن ترك مطالبة حق
له عشر سنين.
389

وفي ذيل رواية مسمع بن عبد الملك: إن الشيعة في حل في تلك
الأراضي وليس فيها عليهم خراج إلى أن يقوم القائم (عليه السلام) فيضرب
عليهم الخراج فيها.
فلو كان الاحياء موجبا للملكية فتكون تلك الأراضي كسائر الأملاك
الشخصية، فهل يتوهم أحد أن الإمام (عليه السلام) يضرب الخراج لها على
الملاك أو يأخذها من يد غير الشيعة.
فكل ذلك دليل على عدم حصول الملكية للأراضي الميتة بالاحياء،
وإنما الثابت لهم في ذلك مجرد حق الأولوية والاختصاص بحيث
لا يزاحمهم غيرهم في ذلك.
لا يقال: إنه لا شبهة في جواز بيع تلك الأراضي، كما في الأخبار الدالة
على اشترائها من ذمي، فلو لم تكن ملكا فلا وجه لجواز البيع.
فإنه يقال: نعم لا شبهة في جواز البيع، ولكن لا يدل ذلك على كونها
ملكا للمحيي، بل يبيع منها ما ثبت له من الحق فيها، فإن البيع كما عرفت
هو التبدل بين الشيئين بحيث يقوم كل منهما مقام الآخر في جهة الإضافة،
ففي المقام يقوم بالمبادلة كل من العوض والمعوض مقام الآخر،
فالعوض هو الثمن والمعوض هو الحق الثابت في تلك الأرض كحق
التحجير وحق الجلوس، كما هو المرسوم في اليوم في الدكاكين
المسمى في الفارسية بسرقفلي، فجواز البيع من هذه الجهة.
ومما ذكرناه انحل الفرع المبتلى به كثيرا، وقد سئلنا عنه مرارا، وهو
ثبوت الخمس في نفس الأرض الموات بعد الاحياء، إذا كان الاحياء
للتجارة دون مؤونة نفسه وعياله، فإنه على ما ذكرناه لا خمس في نفس
الأرض لعدم كونه ملكا للمحيي ليدخل تحت المنافع الحاصلة يوما
فيوما، بل يثبت الخمس في منافعها بعد مضي الحول، كما هو واضح.
390

بيان آخر
والحاصل أن الكلام كان في أن الأراضي الميتة هل تملك بالاحياء أم
لا، وقلنا إن المشهور بل المجمع عليه وإن كان هو التملك بالاحياء،
ولكن الظاهر هو عدم حصول الملكية لأحد بالاحياء.
ويدل على ذلك ثبوت الخراج لغير الشيعة وثبوت التحليل لهم، مع
أنه إنما يناسب التحليل والخراج عدم الملكية، وكذلك يدل عليه حرمة
كسب غير الشيعة في تلك الأراضي واخراج الأرض من أيديهم بعد قيام
الحجة (عليه السلام) وجعل الطسق للشيعة، كما في رواية مسمع حيث قال:
فيجبهم طسق ما كان في أيديهم، مع أنه لو كان ملكا للمحيي لم يكن
مجال لشئ من المذكورات.
وذكر أنه لا وجه للقول بالملكية إلا ظهور اللام المذكور في جملة من
الأخبار، من أنه: من أحيي أرضا مواتا فهي له، في الملكية لا مجرد
الاختصاص.
وفيه أنه مضافا إلى أن المذكور في عدة من الروايات هي الأحقية (1)،
فلو لم تكن ذلك قرينة لإرادة مجرد الاختصاص من اللام فتكفينا القرائن
المذكورة لرفع اليد عن ظهور اللام في الملكية، لأنه يدور الأمر بين رفع
اليد عن ظهور اللام في الملكية وبين الالتزام بكون الخراج وحرمة
الكسب واخراج الأرض من أيدي غير الشيعة في زمان الظهور التصرف
في ملك الغير، ولكن مع التصرف في أدلة حرمة التصرف في مال الغير
وحرمة أكله إلا بإذنه، بدعوى أن الإمام أولى بذلك من نفس المالك

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو
عمروها فهم أحق بها (التهذيب 7: 149، عنه الوسائل 25: 411)، صحيحة.
391

فلا ريب أن الأول أولى برفع اليد من الثاني.
وأما أخبار التحليل فهي على طائفتين:
الأول: ثبوت التحليل للشيعة وكونهم محللون في الأرض وفي مال
الإمام (عليه السلام).
والثانية: ما دل على التحليل بلسان أنه ما كان لنا فلشيعتنا فهم فيه
محللون، فلا ريب أنه لا بد من رفع اليد من ظهور اللام في الملكية في
قولهم (عليهم السلام): لشيعتنا، وإرادة التحليل المجرد، إذ مفادها هو العام من
غير اختصاص للمحيي وغيره، ومن البديهي أن غير المحيي لا يملك
الأرض اجماعا، فيعلم من ذلك أنهم محللون في ذلك لسهولة الأمر
وطيب الولادة، كما تعارف هذا التعبير كثيرا، يقال في مقام الإذن للغير
في التصرف في المال: إن ما كان لي فهو لك، أي يباح لك التصرف فيه
كيف شاء.
وبالجملة لا يستفاد من شئ من أخبار التحليل التمليك أيضا.
ودعوى أن اللام قد استعمل في جميع مراتب الاختصاص، وإنما
يرفع اليد عنه بالنسبة إلى غير المحيي، وأما في المحيي فنلتزم بالملكية
دعوى جزافية، فإنه إن كان المراد من ذلك إرادة الملكية وغير الملكية
في استعمال واحد فهو غير جائز، فلا يمكن في استعمال واحد، وإن
كان المراد إرادة الجامع والمطلق الشامل لها، ففيه أن المعاني الحرفية
غير قابلة للاطلاق والتقييد، بل إنما يراد إما مطلقا أو مقيدا كما لا يخفى.
ثم إن هنا وجها ثانيا أدق لعدم إرادة الملكية من اللام في أخبار
التحليل، بدعوى أن الإمام (عليه السلام) قد حلل ماله للشيعة مع انحفاظ الملكية
له، أي حال كونها له فهي للشيعة من غير تقييد بزمان الحال والماضي
والاستقبال والمحيي وغيره.
392

ومن البديهي هذا لا يجتمع إلا مع التحليل، إذ بالتمليك لا يحفظ هبة
الإمام (عليه السلام) ومالكيته، على أن لكل إمام أن يفعل ذلك ويحلل، فلو أريد
التمليك من تحليل أحدهم (عليهم السلام) لما بقي موضوع للثاني، والقول بعود
الملك ثانيا إلى الإمام الثاني بعد الأول التزام بلا وجه.
وأما الخراج فلا دليل على ثبوته للشيعة إلا اطلاق روايتين: أحدهما
مصححة عمر بن يزيد، والثانية رواية الكابلي.
أما الأول فالظاهر من نفسها أنه لغير الشيعة، ولذا قال في ذيلها: فإذا
ظهر الإمام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه، وأما الثاني فليس دلالتها
إلا بالاطلاق كما في ذيل الرواية، فإن الاستثناء يدل على دخول الحكم
في المستثنى منه بإرادة استعمالية وإن لم يعلم دخوله فيه بإرادة جدية،
فهذا الظهور المبني على الاطلاق دون الوضع لا بد من رفع اليد عنها
وتقييدها برواية مسمع ليحمل على غير الشيعة.
وإن أبيت إلا من ابقائها في ظاهرها فيقع المعارضة بين رواية الكابلي
وبين رواية مسمع الدالة على عدم ثبوت الخراج للشيعة في حال الغيبة،
حيث قال فيها: فيجبهم طسق ما كان في أيديهم قبل ظهور الإمام (عليه السلام)، فيعلم من ذلك أنه لا خراج عليهم قبل المجئ، وبعد التساقط
يرجع إلى أخبار التحليل.
2 - أن تكون معمورة بالأصالة
القسم الثاني من الأراضي أن تكون عامره بالأصالة، كأطراف الشطوط
وسواحل الأنهار وبطون الأودية ورؤوس الجبال، والجزائر المعمورة
بالأصالة، وقلنا إن معنى كونها عامرة بالأصالة هو كونها عامرة بلا عامر،
وقد عبر المصنف في ذلك بقوله: عامرة بلا معمر.
393

والظاهر أنه لم يوجد استعمال المعمر في التعمير، بل استعمل اسم
الفاعل منه عامر، والمعمر من العمر يقال لمن عمره كثير.
وهذا القسم أيضا لا شبهة في كونه للإمام (عليه السلام)، وإن لم يرد نص
خاص على كونه للإمام (عليه السلام) كما ورد في القسم الأول، ولكن يدل على
ذلك طائفتين من الروايات:
الأولى: الأخبار الدالة على أن مطلق الأرض للإمام (عليه السلام) وليس للغير
فيها إلا حق الاختصاص بالتعمير والعمل، بل في رواية سهل: إن
الأرض لله ووقف للعباد فلا تكون ملكا لأحد (1)، ومن هنا ذكر في بعض
الروايات: أنه ليس لأحد تعطيلها أزيد من ثلاث سنين (2).
وقد ذكر جمع إلى كون مطلق الأرض ليست لأحد بل للإمام (عليه السلام)
كصاحب البلغة والشيخ الطوسي، على ما حكي عنه، والمحقق
الإيرواني (3) وغيرهم، وإنما الشيعة محللون في ذلك، فالاطلاق شامل
لما نحن فيه أيضا، وقد استشهدنا بها على عدم الخراج للشيعة وأما غير
الشيعة فلم يثبت لهم فيها تحليل.
الثانية: ما دل على كون الأرض التي لا رب لها من الأنفال، والأنفال

1 - عن سهل بن زياد عن الريان بن الصلت، أو رجل عن الريان، عن يونس عن العبد
الصالح (عليه السلام) قال: قال: إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على عباده، فمن عطل أرضا ثلاث
سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره (الكافي 5: 297، التهذيب 7: 232،
عنهما الوسائل 25: 433)، ضعيفة للارسال ولسهل بن زياد.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أخذت منه أرض ثم مكث ثلاث سنين لا يطلبها
لم تحل له بعد ثلاث سنين أن يطلبها (الكافي 5: 297، التهذيب 7: 233، عنهما الوسائل
25: 434)، ضعيفة للارسال.
3 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 167.
394

للإمام (عليه السلام)، كحسنة علي بن إبراهيم (1) ورواية العياشي عن أبي بصير (2)، فإن
ما كان عامرا بالأصالة من الأرض فهي للإمام (عليه السلام).
نعم في مرسلة علي بن إبراهيم عن حماد عن بعض أصحابنا عن العبد
الصالح (عليه السلام) تقييد الأرض التي لا رب لها بكونها ميتة (3)، ولكن لا يدل
ذلك على التقييد واختصاص الحسنة أيضا بالميتة.
أما إذا لم نقل بثبوت المفهوم للوصف، كما لم نقل، فواضح، فإن القيد
التي للغالب، فإن القول بمفهوم الوصف من جهة أن لا يكون القيد لغوا،
وإذا اعتذرنا عن عدم لغوية القيد بجملة مورد على الغالب فلا يكون
الوصف لغوا فلا ينحصر عدم اللغوية باثبات المفهوم فقط.
وأما بناء على القول بمفهوم الوصف كما مشي المصنف على هذا
المبني، فأيضا لا يصلح للتقييد، فإنه:
أولا: إنما يوجب الاحتراز والتقييد دالا على المفهوم إذا لم يرد مورد
الغالب كما في المتن، وإلا فلا مفهوم له، كما في قوله تعالى: وربائبكم

1 - عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القري التي
قد خربت وانجلي أهلها فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام - إلى أن قال: - وكل
أرض لا رب لها - الحديث (تفسير القمي 1: 254، عنه الوسائل 9: 531)، حسنة بإبراهيم بن
هاشم.
2 - عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لنا الأنفال، قلت: وما الأنفال؟ قال: منها
المعادن والآجام، وكل أرض لا رب لها، وكل أرض باد أهلها فهو لنا (تفسير العياشي 2: 48،
عنه الوسائل 9: 533)، ضعيفة للارسال.
3 - عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث: والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها، وكل أرض
لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله
رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وكل أرض ميتة لا رب لها - الحديث (الكافي 1: 453،
عنه الوسائل 9: 524)، ضعيفة للارسال.
395

اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن (1)، فإن كون الربائب في
الحجور من جهة الغلبة.
وثانيا: إن حمل المطلق على المقيد إنما في مورد يكون بينهما
التنافي كأعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة، وأما فيما ليس بينهما تناف
فلا وجه للحمل، كقوله: الخمر حرام وكل مسكر حرام، وهكذا، ولكن
هذا لا يجري في المقام.
لأن معنى كلام المصنف على فرض كون القيد للاحتراز، ومعه يكون
التنافي بين المطلق والمقيد من الواضح بمكان.
ولكن الذي يسهل الخطب هو ما ذكرناه، من عدم المفهوم للوصف بل
يمكن منع الغلبة، فإنه من أين أحرز أن الغالب في الأرض التي لا رب لها
هي الميتة، بل في كثير النقاط أن الأراضي التي لا رب لها وليست ميتة
كأراضي الجبل مازندران وغيرها كثيرة جدا.
وأما ما في تقرير شيخنا الأستاذ (2)، من الاستدلال بذلك بقولهم (عليهم السلام):
وكل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام (عليه السلام)، فليس برواية،
ولم نجده في كتب الحديث.
بيان آخر
والحاصل أن ما كان عامرا بالأصل فهو للإمام (عليه السلام)، للأخبار الدالة
على أن مطلق الأرض للإمام (عليه السلام)، وللأخبار الدالة على أن كل أرض
لا رب لها فهي للإمام (عليه السلام)، وما في مرسلة حماد من أن كل أرض ميتة
لا رب لها فهي للإمام لا يصلح لتقييد ذلك، إذ القيد ورد مورد الغالب

1 - النساء: 23.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 367.
396

كقوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم فلا مفهوم له، فلا يكون
للاحتراز.
ولكن لا وجه لذلك، فإنه من أين أحرز أن القيد محمول على الغالب،
إذ لا وجه للقول بأن أكثر الأرض التي لا رب لها ميتة، مع أن أكثرها
معمورة بلا شبهة، كأراضي الهند وجبل مازندران وغيرهما، مع أنه
لا تنافي بين المطلق والمقيد، فلا وجه لحمل أحدهما بالآخر، إلا أن
يقال: إن القيد إذا كان للاحتراز فيكون بينهما تناف، فيحمل المطلق على
المقيد.
والذي يسهل الخطب أنه لا مفهوم للوصف، وعليه فلا يكون بينهما
تناف فضلا عن حمل أحدهما بالآخر، نظير كل مسكر حرام والخمر
حرام، وأعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة.
على أن رواية حماد مرسلة، فليست قابلة لتقييد الحسنة التي دلت
على أن مطلق الأرض التي لا رب لها فهي للإمام (عليه السلام)، هذا كله في كونها
للإمام (عليه السلام).
اختصاص حق الأولوية بالاحياء أو يعم العمل
ثم إنه لا يختص حق الأولوية أو الملكية بالاحياء، بل يعم العمل
وجري الأنهار وتكثير الأشجار واصلاح بعض الخصوصيات.
وعليه فكل أرض معمورة بالأصل وضع عليه اليد وعمل فيها
فيجري فيها الجهات المتقدمة في القسم الأول من البحث، من أنه لا فرق
في ذلك بين الشيعة وغير الشيعة، وبين المسلم وغير المسلم، وفي أنه
هل يحصل التملك ذلك أم لا، وهل الخراج الثابت فيها لمطلق من وضع
عليها اليد ولو كان العامل فيها هي الشيعة، أو يختص بغير الشيعة.
397

وأما لو لم يكن فيها عمل فلا وجه لهذه الأبحاث بل هي باقية على
ملك الإمام (عليه السلام)، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيها، للأخبار الدالة على
حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه.
نعم فالشيعة بالخصوص محللون فيها، للأخبار الدالة على أن كلما
للإمام (عليه السلام) فهو حلال للشيعة، وقد تقدم أن ما في بعض تلك الأخبار من
التعبير بأن ما لنا فهو لشيعتنا (1) فللأم يفيد الملكية، وقد تقدم جوابه.
هل تحصل الملكية لهذا القسم من الأرض بالحيازة أم لا؟
ثم الكلام يقع في أنه هل تحصل الملكية لهذا القسم من الأرض
بالحيازة والسبقة ووضع اليد عليها أم لا، وجهان، الظاهر أنها لا تكون
ملكا لأحد بالحيازة.
واختار المصنف كونها ملكا بالحيازة، واستدل عليه بالنبوي
المعروف: من سبق إلى ما لم يسبقه أحد فهو أولى به (2).
وفيه مضافا إلى أنه ضعيفة السند، أنه لا دلالة فيه على الملكية، فإن
غاية ما يستفاد منه أن المحيز يكون أحق إلى ما سبقه إليه، فلا تحصل
بذلك السبق ملكية للسابق إلى تلك الأراضي.
وثانيا: على تقدير أن المراد من الأولوية والأحقية هي الأولوية
الملكية دون مجرد حق الاختصاص، فما نحن فيه خارج عن ذلك، فإنه
في مورد لا يكون ملكا لأحد بل من المباحات الأصلية، فيكون السبق
إليها موجبا لحصول الملكية، وكالأوقاف العامة من الخانات والرباط

1 - الكافي 1: 337، عنه الوسائل 9: 550، والرواية مروية عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ضعيفة.
2 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحق به (عوالي
اللئالي 3: 480، عنه المستدرك 17: 111)، ضعيفة للارسال.
398

والمساجد، فإن السبق فيها يفيد حق الاختصاص.
وأما في أملاك الغير فلا يفيد السبق شيئا، لا حق الاختصاص
ولا الملكية، وإلا لجاز لكل أحد أن يأخذ مال غيره ويتملكه بالسبق،
ويكون ذلك من جملة الأسباب والوسائل لأكل مال الناس، فلا يلتزم به
متشرع، ولا فرق في ذلك بين مال الإمام (عليه السلام) وغيره، فإنه أيضا لا يجوز
التصرف في مال الإمام (عليه السلام) إلا بإذنه.
وأما التمسك في ذلك بقوله: من حاز ملك، فلا وجه له، لعدم كونه
رواية، وعلى فرض كونه رواية فإنما هو في المباحات الأصلية لا في
أموال الناس.
وربما يقال بحصول الملكية هنا، بقوله (عليه السلام): من استولى على شئ
فهو له (1) كالاستدلال به في مطلق الحيازات.
وفيه أن هذا وإن كان صحيحا من حيث السند، ولكن لا دلالة فيها
على المطلوب، إذ غاية ما يستفاد منها أن الكبرى مسلم وأن السبق
والاستيلاء على شئ يوجب الملكية، ولكن لا يثبت الصغرى وأن مال
الإمام (عليه السلام) يكون ملكا لأحد بالسبق، بل هو من هذه الجهة كأموال سائر
الأشخاص، فلا يكون الاستيلاء عليه إلا غصبا لا مملكا.
على أن هذه الجملة المباركة مذكورة في ذيل بعض الروايات الراجعة
إلى أن مات الزوج والزوجة ولم يعلم أيهما مقدم وأيهما مؤخر وكانت
لكل منهما أموال مخلوطة بالآخر، فقال (عليه السلام): من استولى على شئ
منه فهو له، بمعنى أن كل ما يكون مختصا بالرجل فهو له وكل ما يكون

1 - عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل
المرأة، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما،
ومن استولى على شئ منه فهو له (التهذيب 9: 302، عنه الوسائل 26: 216)، صحيحة.
399

مختصا للمرأة فهو لها للاستيلاء واليد، إذن فالرواية من أدلة اليد وأنه
طريق إلى كشف الملكية وكاشف عنها، لا أنها تدل على كون الاستيلاء
مملوكا.
وبعبارة أخرى أن الاستيلاء دليل الملكية وكاشف عنه لا أنه مملك
كما لا يخفى، فافهم.
إذن فلا يبقى دليل معتبر لأصل كون الحيازة مملكة فضلا عن دلالتها
على المملكية في أموال الغير، إلا في الموارد الخاصة التي ورد الدليل
بالخصوص على إفادة الحيازة الملكية، كما في الصيد ونحوه.
نعم السيرة القطعية العقلائية الممضاة للشرع قائمة على كون الحيازة
مملكة، بل هذا المعنى فطري الحيوانات، فإنه بعد سبق حيوان على
صيد وفريسة وأخذه فلا يزاحمه الآخر بل يرفع اليد عنه، بخلافه قبل
الأخذ فإنهما يتسابقون في الأخذ.
نعم يمكن الاستدلال على التملك بالحيازات ما روي عن السكوني عن
جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليه السلام)، أنه سأله عن رجل أبصر طيرا
فتبعه حتى وقع على شجرة، فجاء رجل آخر فأخذه، قال (عليه السلام): للعين
ما رأت ولليد ما أخذت (1)، فإن قوله (عليه السلام): لليد ما أخذت، أن ما
حازه الانسان ملكه، فمفاد ذلك نظير: من حاز ملك، يدل على أن المحيز
يملك كلما حازه، ولكنه ضعيفة السند للسكوني (2).

1 - الكافي 6: 223، التهذيب 9: 61، عنهما الوسائل 23: 391، وفي الفقيه 3: 65، الرقم:
217، عنه الوسائل 25: 461، موثقة.
2 - هذا على مبناه السابق، أما عدل في معجمه وقال بتوثيقه، حيث قال:
صرح بكونه عاميا الشيخ في العدة عند البحث عن حجية الخبر عند تعارضه ولكنه مع ذلك
ذكر أن الأصحاب عملت برواياته ويظهر منه أن ما يعتبر في العمل بالرواية إنما هو الوثاقة
لا العدالة وأن فسق الجوارح والمخالفة في الاعتقاد لا يضر بحجية الخبر، واستشهد لذلك بما
روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا
إلى ما رووه عن علي (عليه السلام) فاعملوا به، ثم قال: لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن
غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا (عليهم السلام) - الخ،
ومعلوم أن هؤلاء المذكورين ليس لهم رواية عن علي (عليه السلام)، فمراده (رحمه الله) من الاستشهاد
بالرواية إنما هو جواز العمل بأخبار العامة إذا كان موثوقا بهم وعدم اعتبار العدالة في حجية
الخبر الواحد.
وقد عد الرجل ممن هو متحرج في روايته وموثوق به في أمانته، وإن كان مخطئا في أصل
الاعتقاد، وعليه كانت رواياته حجة - راجع معجم الرجال 3: 105 - 108.
400

وأيضا لا يشمل المقام، لما عرفت أنه لا يملك الانسان مال غيره
بالحيازة والسبق، وإنما ذلك في المباحات الأصلية.
وتحصل من جميع ما ذكرناه أن الأرض العامرة بالأصالة فهي للإمام
(عليه السلام)، فلاحظ الأخبار الدالة على كونها للإمام (عليه السلام)، والأخبار الدالة
على الأحقية بالاحياء والعمل، فلا يملكه أحد بالحيازة إلا أن يعمل
فيها عملا، بأن للعامل حق الاختصاص فقط فيجب عليه الخراج إن كان
غير شيعي، فلا يجوز لغير الشيعة أن يتصرف فيها، بل لو حازها غير
الشيعة فلها أخذها من يده لكونه غاصبا، فلا يقاس ذلك بالموات
بالأصل.
3 - ما عرض له الحياة بعد الموت
القسم الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت، فهل تكون ملكا
للمحبي أو لا، وجهان، قد تقدم الكلام فيه في القسم الأول، فإن البحث
في القسم الأول كان في الموات بالأصل وأنه يصير ملكا للمحيي أم لا،
401

وهذا القسم عين القسم الأول، غاية الأمر حصل فيه الاحياء الذي سبب
الملكية أو سبب لحق الاختصاص، فالبحث عن أن المحيي يملك أو
لا يملك، يعني عن البحث عن أن الحياة في الأرض توجب الملكية أم لا.
فتحصل أن الأرض التي كانت عامرة بالأصل فهي للإمام (عليه السلام) ولكن
حللها للشيعة ومن عمل فيها، بل في بعض الروايات وقف للعباد (1)، وإن
كان ضعيفا لوجود سهل بن زياد في طريقه، وهي ليست ملكا لأحد
ولا تملك بالحيازة، وكذلك أشجارها لكونها تابعة للأرض، ومن
نماءاتها فلا ينفك حكمها عنها.
نعم يمكن دعوى السيرة القطعية على أن من حاز من أشجارها ملكها،
ولو كان المحيز من أهل الخلاف، بل من أهل الذمة من الكفار، إذ
لم نسمع إلى الآن من ردع الحطابين من غير الشيعة عن شغلهم وأخذ
الأئمة (عليهم السلام) وغيرهم من المتشرعة الحطب من أهل الذمة إذا حازوها
وجاؤوا بها إلى البلاد للبيع والشري، بل يعاملون معها معاملة الملك
ويشترونها منهم، فلو كانت الحيازة فيها لا توجب الملكية وكانت
الأخشاب والأحطاب باقية على ملك مالكها أعني الإمام (عليه السلام) لكانوا
يعاملون معها معاملة مال الغير، فهل يملك أحد ما أخذه من أرض الغير
من الأشجار والأحطاب.
وبالجملة وإن كانت الأرض المعمورة بالأصل للإمام (عليه السلام) ولا تكون
ملكا لأحد بالحيازة وكانت نماءاتها تابعة لها حسب القاعدة، ولكن ننفك
بين الأرض ونمائها بالسيرة القطعية القائمة على ملكية المحيز بما حازه

1 - عن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قال: إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على
عباده، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره
(الكافي 5: 297، التهذيب 7: 232، عنهما الوسائل 25: 433)، ضعيفة لسهل بن زياد.
402

من أشجار تلك الأرض وأحطابها، كما لا يخفى على المتأمل.
أقول: يمكن منع السيرة لوجهين: الأول: إن الأئمة (عليهم السلام) لما اقتدروا
على الردع لم يردعوا، والثاني أنه لم يكن حوالي المدينة أو العراق اللتان
في تحت سلطنتهم في زمان سلطنتهم أرض تكون معمورة بالأصالة
وجاؤوا منها أشجارا وأحطابا حتى يعامل معها معاملة الملك بالحيازة
كما لا يخفى.
4 - ما عرض له الموت بعد الحياة
أما القسم الرابع من الأرض، فهي ما كان خرابا بعد العمارة ومواتا بعد
ما كان محياة، فهي على قسمين:
1 - ما باد عنها أهلها وصارت خربة لذلك وبانجلاء أهلها عنها، فقد
ورد في جملة من الروايات أنها للإمام (عليه السلام) (1)، وهي خارجة عن موضوع
بحثنا.
2 - أن يكون خرابها مستندا إلى التعطيل والترك، وجاء الثاني
وعمرها وأجرى أنهارها، فهل يزول بذلك حق الأول فيكون حق
الاختصاص أو التملك للثاني أو لا يزول حقه مطلقا، أو يفصل بين ما كان
تملك الشخص الأول بالاحياء فيزول حقه أو بغير الاحياء من الهبة
والاشتراء ونحوها فلا يزول حقة بذلك، والقول بالتفصيل منقول عن

1 - عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: كل أرض خربة أو شئ يكون
للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم (التهذيب 4: 133، عنه الوسائل 9: 526)،
موثقة.
عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث: والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها - الحديث (الكافي
1: 453، عنه الوسائل 9: 524)، ضعيفة للارسال.
403

العلامة في التذكرة، بل في الجواهر (1) نقل الاجماع عنه على ذلك، إلا أن
كلام العلامة خال عنه وليس فيه دعوى الاجماع، بل ولم ينقل من أحد
قبل العلامة.
وقد استدل على كون الثاني أحق من الأول بروايات الاحياء، فإن
اطلاق الأخبار الدالة على أن من أحيا أرضا فهي له (2)، كون المحيي الثاني
أحق.
وفيه أن تلك الأخبار باطلاقها دلت على أحيي أرضا فهي له، من غير
تقييد بكونها للمحيي ما دام الحياة أو مطلقا ولو بعد الخراب، وعلى هذا
فهي تدل على كون الأول أحق بها من الثاني، إذ بعد كون الأرض متعلقا
لحق الغير أو كونها ملكا للغير فلا تكون مشمولة لأدلة الاحياء، فإن أدلة
عدم جواز التصرف في ملك الغير أو حقه حاكمة على أدلة الاحياء
وجواز التصرف في المباحات الأصلية، ولا تعارض بينها، وإلا فلزم
ملاحظة التعارض بين أدلة حرمة التصرف في مال الغير وبين عمومات
أدلة صحة البيع وتجارة عن تراض ونحوها.
وبالجملة لا وجه للاستدلال في المقام بأدلة الاحياء كما لا يخفى.
والعمدة في المقام الاستدلال على ذلك بالأخبار الدالة على أن من
أتى الأرض الخربة فأحياها فهي له، وقد ذكر ذلك في جملة من
الروايات.
والعمدة منها صحيحتان:

1 - الجواهر 22: 346.
2 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض
وعمروها فهم أحق بها وهي لهم (الكافي 5: 279، التهذيب 7: 152، الإستبصار 3: 107، عنهم
الوسائل 25: 412)، صحيحة.
404

إحداهما: صحيحة الكابلي، فإن فيها: والأرض كلها لنا، فمن أحيى
أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام) من أهل بيتي
وله ما أحل منها، فإن تركها أو أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من
بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها (1).
ثانيهما: صحيحة ابن وهب، فإن فيها: قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها
فإن عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها
فأخرجها ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها (2).
فإن مقتضى هاتين الصحيحتين أن الحق للثاني، وأما الأول فسقط حقه
بخراب الأرض وليس له فيها حق.
ولكن في المقام صحيحتان تدلان على عدم زوال حق الأول بذلك،
بل يحب على الثاني أن يعطي حق الأول من الأرض:
إحداهما صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها
ويزرعها ماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال:
فليؤد إليه حقه (3).
ثانيهما صحيحة الحلبي وفيها: عن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة

1 - عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): إن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض،
ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين - الحديث (الكافي 5: 278،
التهذيب 7: 152، عنهما الوسائل 25: 414)، صحيحة.
2 - الكافي 5: 279، التهذيب 7: 152، عنهما الوسائل 25: 414.
3 - التهذيب 7: 148، 7: 201، عنهما الوسائل 25: 414.
405

فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه فيها؟ قال:
الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها، قال: فليرد إليه حقه (1).
وهاتان الروايتان متحدتان من حيث المضمون والألفاظ.
وقد يقع التعارض بين الطائفتين، وحيث إن روايتي سليمان بن خالد
والحلبي مطلق من حيث إن الملك كان مستندا بخصوص الاحياء أو كان
مستندا إلى غيره من الشري والهبة ونحوهما، بحيث يمكن أن تكون
الخربة من الملك بالاحياء أو الملك بالشراء، ورواية الكابلي دالة على أن
الملك أو الاختصاص كان من جهة الاحياء فقط، وإنما صارت الخربة
عن الملك بالاحياء فتكون رواية الكابلي مقيدة لرواية سليمان بن خالد،
فتكون رواية ابن خالد مختصة بخصوص التملك بغير الاحياء.
وحيث إن رواية ابن وهب كانت مطلقة من حيث إن الملك بالاحياء أو
بغيره فتكون رواية سليمان بعد التقييد خاصة، و رواية ابن وهب عامة بعد
انقلاب النسبة فتكون رواية ابن وهب مقيدة برواية سليمان بن خالد،
فتصير النتيجة أن الأرض التي كانت مملوكة بالاحياء أو متعلقا لحق
المحيي بذلك فليس فيها حق لمن تركها، أعني المحيي الأول، وأما لو
كان المالك الأول مالكا بغير الاحياء كالشراء نحوه وتركها أو أخربها
وعمرها شخص آخر، فلا بد من أداء حقه لسبق حقه عليه، وعليه
فيثبت القول بالتفصيل المحكي عن العلامة.
فربما ترمي رواية سليمان إلى ضعف السند تارة وإلى الارسال أخرى،
كما في البلغة وحاشية بعض مشائخنا المحققين (2)، إذ لا نعرف وجها لها
بعد كونها صحيحة السند، فإنه لا شائبة في سندها بوجه، وعلى تقدير

1 - التهذيب 7: 155، عنه الوسائل 25: 426.
2 - حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) على المكاسب: 246.
406

كونها كذلك فرواية الحلبي بعين ذلك المضمون والألفاظ، فهي
صحيحة.
ومع الغض عن جميع ذلك فلا وجه لتوهم انجبار ضعفها بعمل
المشهور، إذ لم ينقل القول بالتفصيل إلا عن العلامة، وذكر الاجماع في
كلامه لعله سهو من قلم صاحب الجواهر، على أنه لا نسلم أصل الانجبار
كما لا يخفى.
وهذا الجمع بحسب الكبرى وإن كان صحيحا كما ذكرناه في التعادل
والتراجيح، وقلنا إن المناط في باب التعارض هو تعارض الحجتين،
ولو بعد ملاحظة النسبة بين بعضها مع بعض الآخر، ولا يقتصر النظر فيه
إلى التعارض البدوي.
ولكن يرد على هذا الجمع بالخصوص هنا أمران:
1 - أنه إن كان النظر في الأراضي المملوكة بما كان مملوكا به مطلقا ولو
كان الاحياء مبدأ في التملك، وإلا فالأسباب القريبة للتملك هو غير
الاحياء، فلا يبقى مورد لرواية سليمان بن خالد إلا نادرا فيلزم حملها
على المورد النادر فهو بعيد، إذ قلما توجد من الأراضي أن لا ينتهي مبدأ
التملك فيها إلى الاحياء، فإن أصل التملك في أكثرها هو ذلك، نعم قد
يكون المبدأ فيه هو قطع الأرض من الأئمة (عليهم السلام) لشخص.
وبالجملة بعد قيد رواية سليمان بن خالد برواية الكابلي فاختصت
رواية سليمان بالأراضي المملوكة بغير الاحياء، وإذا قلنا بأن المراد من
الأراضي المملوكة بالاحياء مطلق ما كان أصلها مملوكة بالاحياء،
فلم يبق مورد لرواية سليمان إلا نادرا، فلا يمكن الالتزام بذلك، وإن كان
النظر في سببية الاحياء أو غيره التملك إلى السبب القريب دون السبب
البعيد.
407

فحينئذ وإن كان المورد لرواية سليمان كثيرا، ولكن لم يبق لرواية ابن
وهب إلا قليل، فإن أكثر الأراضي لو لم يكن كلها إنما هي مملوكة بغير
الاحياء فعلا.
فإذا أخرجنا الأراضي المملوكة بغير الاحياء عن تحت رواية ابن وهب
برواية سليمان وقلنا بأنه لا بد في ذلك من رد حق المحيي الأول لكان
الباقي تحت رواية ابن وهب الأرض المملوكة بالاحياء الذي يكون سببا
قريبا للتملك، بحيث كان تملك المالك لها بالاحياء وصارت خربة عن
التملك بالاحياء، من دون تعلق البيع والشراء عليها، ومثل ذلك لا يوجد
إلا قليل.
وبالجملة أن هذا الجمع إنما استلزم لحمل أحدي الطائفتين على
المورد النادر، فهو غير مرضي كما لا يخفى.
2 - وهو العمدة، هو أنا ذكرنا في باب التعادل والتراجيح أنه إذ ورد
مطلق أو عام ثم ورد خاصان أو مقيدان وكان بين الخاصتين عموم مطلق
جاز تخصيص العام أو تقييد المطلق بكلا الخاصين الذين بينهما عموم
مطلق لعدم التنافي بينهما، مثلا إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم
العاصين منهم، ثم ورد لا تكرم المرتكب للكبائر، فلا شبهة في تخصيص
العام بكل من الخاصين، إذ لا تنافي بينهما بوجه.
ومقامنا من هذا القبيل، فإن روايتي سليمان بن خالد والحلبي عام من
جهة أن الأرض الخربة التي جاءها المحيي الثاني أعم من أن تكون
مملوكة بالاحياء أو بغير الاحياء فصارت خربة، وأن كونها خربة أعم من
أن تكون مستندة إلى تركها وخرابها كما في روايتي الكابلي وابن وهب،
أو كانت الخربة بالقهر والاضطرار، كمنع الغاصب والجائر، وجريان
السيل واتيان المطر وعدم قدرته على الاشتغال، ونحوها من الموانع،
408

بحيث لا يكون الخراب بالترك الاختياري واخرابا من المحيي.
ورواية ابن وهب وإن كانت في نفسها أعم من كون الملكية بالاحياء أو
بغيرها، لعدم فرض الاحياء فيها، ولكنها أخص من رواية سليمان بن
خالد، لأن الخراب فيها من الترك الاختياري أو الخراب الاختياري، كما
هو مقتضى عطف أخربها على تركها في رواية الكابلي، ورواية الكابلي
مختصة بخصوص التملك بالاحياء وإن كانت من جهة الترك والخراب
مساوية، فتكون أخص من رواية ابن وهب.
فمفاد كلا الخاصين هو أن المحيي أحق بما أحياه من الأرض الخربة،
سواء كانت مملوكة بالاحياء أو بغيرها، وأنه لا حق للمحيي الأول،
فلا بعد في ذلك.
فهو واضح بناء على عدم كون الأراضي مملوكة لأحد، كما اخترناه،
للروايات الدالة على أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام)، وإن كان قد ورد لها
تخصيص في جملة من الموارد، كالأملاك الشخصية والموارد المفتوحة
عنوة وغير ذلك، وأن من وضع عليه اليد بالاحياء أو العمل لا يزيد إلا
حق الاختصاص والأولوية، بل في رواية سهل: إن الأرض كلها لله فهي
وقف للعباد (1)، ولكنها ضعيفة.
ومن الواضح أنه لا يجوز تعطيلها، لأن غرض الشارع عمارة الأراضي
وأنها ليست كسائر الأملاك كالكتب ونحوها حتى يفعل مالكها فيها ما
يشاء، ولو عطلها خمسين سنة، بل في بعض الروايات: لا يجوز تعطيل
الأرض أزيد من ثلاث سنوات، فإن طبع الأرض تقتضي أن تعطل سنة أو

1 - عن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قال: إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على
عباده، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره
(الكافي 5: 297، التهذيب 7: 232، عنهما الوسائل 25: 433)، ضعيفة لسهل بن زياد.
409

سنتين أو ثلاث سنوات للتقوية، وأما إذا صار أكثر فيبتني ذلك
بالمسامحة وبتعطيل مال الإمام (عليه السلام) وما هو وقف للعباد، وقد ذهب
إلى عدم كون مطلق الأراضي ملكا لأحد جملة من الأعاظم كصاحب
البلغة وغيره.
وبالجملة لا شبهة في أنه بناء على عدم كون الأرض ملكا لأحد يكون
أولوية المحيي الثاني بمكان من الوضوح، لعدم لزوم التصرف في دليل
حرمة التصرف في مال الغير، وأما بناء على أن الأرض تملك كما هو
المشهور والمعروف فكذلك أيضا، فإنه بمقتضى ما دل على أولوية
المحيي الثاني وكونه أحق بالأرض المحياة من المحيي الأول نلتزم
بالتصرف في أدلة حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه، فإن إذن الشارع
أسبق وشرط الله قبل شرطكم كما في رواية الطلاق (1).
وعلى كل حال نقيد بهما معا روايتي سليمان بن خالد والحلبي،
فتصير النتيجة أن المحيي الثاني أحق بالأرض، فليس للأول مزاحمته
لكونه كسائر الناس في ذلك، ولا حق له في الأرض، إلا أن يكون
الخراب بنفسه أو لمنع الجائر والغاصب عن الاحياء، أو لكثرة الماء و
طغيان الشط عليه ونحوها.
فإن في أمثال ذلك فلا يزول حق المحيي الأول بل هو أحق بالأرض،
وإن جاءها الثاني فأحياها وعمرها فليرد إلى الأول حقه، وهذا هو القول
الرابع في المسألة، والظاهر لم يقل به أحد فيما نعلم.

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج
عليها أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم، فإن
شاء وفي لها بما اشترط، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها (التهذيب 7: 370،
الإستبصار 3: 231، عنهما الوسائل 21: 297).
410

الكلام في بيع الأراضي المفتوحة عنوة
ثم إن المصنف لما تكلم في أحكام الأرضين تكلم في الأراضي
المفتوحة عنوة لتكميل الأقسام، فنقول:
إن الأراضي المملوكة للكفار على أقسام:
الأول: أن تكون باقية على ملكهم فعلا، فلا كلام لنا فيه.
الثاني: أن يسلموا طوعا ويدخلوا في الاسلام برغبتهم، فهم أيضا
مالكون لأرضهم ولا وجه لخروجها عن ملكهم، فهذا أيضا خارج عن
المقام.
الثالث: أن يموتوا ويتركوا أملاكهم إرثا ومنها أراضيهم، فتكون
أموالهم وكذلك أراضيهم ملكا للإمام (عليه السلام)، لأنه لا وارث له غير الإمام (عليه السلام)، وهذا لا يختص بهم بل الأمر كذلك في المسلمين أيضا.
الرابع: الأرض التي انجلي عنها أهلها من غير حرب، وهي من الأنفال،
فلله ورسوله وبعده للإمام (عليه السلام).
الخامس: الأرض التي أخذت من الكفار بالحرب والقهر والغلبة
وبالخيل والركاب، وهي تسمى بالأراضي المفتوحة عنوة، وهي محل
الكلام في المقام.
وهنا قسم سادس، وهي الأرض التي لم تتصف بشئ من الأمور
المذكورة، ولم يجر عليها الخيل والركاب، وإنما أخذت من الكفار
وأعطيت لهم ليعطوا الجزية، أو بقيت على ملكهم وضربت الجزية
عليهم.
وتسمي هذه بأرض الصلح وبأرض الخراج، وفيما كانت ملكا
للمسلمين فهي ملك لجميعهم من الموجودين والذين يكونون موجودا
411

بعد ذلك، وقلنا إن معنى كونها ملكا لهم هو صرف منافعها في مصالحهم
من تعمير القنطرة ونحوها واعطاء مقدار منها لبعض الفقهاء بل لولي
الأمر أن يملك مقدارا من نفس رقبة الأرض لواحد من المسلمين، بل
للجائر ذلك إذا قلنا إن فعله ممضى للشارع، وقد تقدم الكلام في ذلك
وفي معنى الجائر في المكاسب المحرمة.
وكيف كان فيقع الكلام فعلا في جهتين:
الأولى: أنه هل تملك تلك الأراضي وتجري عليها آثار الملك ولو
تبعا للآثار أم لا.
الثانية: إن قلنا بجواز تملكها، فهل يجب الخراج فيها لمن بيده تلك
الأراضي مطلقا، أو يفرق بين الشيعة وغيرها، ويلتزم بعدمه على الشيعة
أو بين العمال وغيرهم، ويلتزم بعدمه في الأول دون الثاني، أو بين من
يحل له أخذه وأكله من المسلمين وبين غيرهم، ويلتزم بعدمه في الأول
دون الثاني وجوه.
1 - هل تملك تلك الأراضي وتجري عليها آثار الملك ولو تبعا للآثار
أما الكلام في الجهة الأولى، فإن كان المشهور أن الأراضي المفتوحة
عنوة تملك ولو تبعا للآثار، إلا أنه لا نعرف لذلك وجها صحيحا،
فالظاهر من الأخبار أنها لا تملك وإنما هي ملك المسلمين.
وفي صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما
منزلته، قال:
هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم
ولمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح إلا أن
تشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها
412

أخذها منه (1).
إلى غير ذلك من الروايات الصريحة في أنها ملك للمسلمين،
فلا تملك بوجه، وقد نقل المصنف جملة منها (2).
وما قيل إنها تملك تبعا للآثار لا مدرك له بوجه، بل في رواية أبي بردة
المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج، قال (عليه السلام): من يبيعها هي أرض
المسلمين، قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: يصنع بخراج المسلمين
ماذا - الخ (3)، فإن الظاهر منها ومن غيرها أنها ليست ملكا لأحد وإلا لكان
بيعها جائزة.

1 - التهذيب 7: 147، الإستبصار 3: 109، عنهما الوسائل 17: 369، 25: 435.
2 - عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا
من كانت له ذمة فإنما هو فئ للمسلمين (التهذيب 7: 147، الفقيه 3: 152، عنهما الوسائل
17: 369)، ضعيفة لأبي الربيع.
عن محمد بن شريح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض الخراج؟
فكرهه وقال: إنما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها،
فقال: لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك (التهذيب 7: 147، عنه الوسائل 17: 370)، ضعيفة
لعلي بن الحارث.
عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى أرضا من
أرض الخراج فبني بها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة
البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال (التهذيب
7: 149، عنه الوسائل 17: 370)، صحيحة.
3 - عن أبي بردة بن رجاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف تري في شراء أرض
الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك، هي أرض المسلمين، قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس، اشترى حقه منها ويحول حق المسلمين عليه،
ولعله يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه (التهذيب 4: 146، الإستبصار 3: 109، عنهما
الوسائل 15: 155)، ضعيفة لأبي بردة.
413

وما ورد في بعض الروايات كرواية أبي بردة وغيرها من جواز بيعها
لا تدل على جواز بيعها، بل هي تدل على عدم جواز بيعها، كيف فإن قوله
(عليه السلام): من يبيعها هي أرض المسلمين، صريح في عدم الجواز، وقوله:
ثم قال: لا بأس اشترى حقه منها، ليس فيها دلالة على جواز البيع بل
تدل على معنى أن بيعها قيام المشتري مقام البايع في الجهة التي كانت
راجعة للبايع، من استعمالها والانتفاع بها وأداء الخراج منها، نظير بيع
دكاكين الغير، أي حق الاختصاص الثابت للجالس.
وبعبارة أخرى يسمى باصطلاح العلمي بحق الاختصاص، ففي
الحقيقة أن البايع يبيع حقه الاختصاصي، فنفس هذا دليل يدل على عدم
جواز بيعها.
وبالجملة لا يجوز تملك تلك الأراضي ولا بيعها، بل يبيع الحق
الاختصاص كما هو صريح الروايات، ولا يفرق بين ذلك بين نفس
الأرض وأجزائها.
وعليه فلا يجوز بيع أجزاء تلك الأراضي من الجص والأجر والكوز
ونحوها من أجزاء الأرض، وأما قيام السيرة فسيأتي الكلام فيها.
نعم لو انفصلت الأجزاء عن الأرض جاز بيعها، كما إذا أخرجوا التراب
من مكان بعد الاصلاح بحيث صار زائدا فيجوز أخذه والانتفاع به فإنه
للمسلمين والأخذ أيضا منهم، ومن طرق الانتفاع به صرفه في الكوز
والأجر وبيعها.
ومن هنا يعلم أنه لا يجوز تأسيس المسجد فيها، فإنه يتوقف على
وقف الأرض وفكه عن الملك، ومن الواضح أنها ليست ملكا لأحد حتى
يوقفها المالك ويجعلها مسجدا.
414

تنبيه
أنه ذكر المصنف رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن رجل اشترى
أرضا من أرض الخراج فبني بها أو لم يبن، غير أن أناسا من أهل الذمة
نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم، قال:
يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال أخذها (1).
ومن المعلوم أنها لا يرتبط بالمقام بوجه، فإن جواز أخذ أجرة البيوت
بعد المشارطة أي ربط له إلى عدم جواز بيعها حتى تبعا للآثار المملوكة
فيها، بل يمكن دعوى كونها مشعرة إلى جواز بيعها، حيث قرر قول
السائل: اشترى أرضا من أرض الخراج.
ولكن يمكن منع ذلك من جهة أن المراد بأرض الخراج يمكن أن تكون
أرض الصلح، أو أن جهة الاشتراء يكون مورد للسؤال.
وأيضا ذكر في المقام مرسلة حماد (2)، فهي على إرسالها مشتمل على
حكم لم يقل به أحد فيما نعلم، وهو جواز أخذ العشر الذي هو الزكاة
قبل القسمة.

1 - عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى -
الحديث (التهذيب 7: 149، عنه الوسائل 17: 370)، صحيحة.
2 - عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث قال: وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال،
صفوها الجارية الفارهة، والدابة الفارهة، والثوب والمتاع بما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل
القسمة وقبل اخراج الخمس - إلى أن قال (عليه السلام): - وليس لمن قاتل شئ من الأرضين ولا ما
غلبوا عليه إلا ما احتوى عليه العسكر - إلى أن قال (عليه السلام): - والأنفال كل أرض خربة قد باد
أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على
غير قتال، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وكل أرض ميتة لا رب لها - الحديث (
الكافي 1: 453، عنه الوسائل 9: 524)، ضعيفة للارسال.
415

ومن المعلوم أن وجوب أداء الزكاة مشروط بوصول حق كل من
الشركاء إلى حد النصاب، وبعد أخذ كل منهم انصبائهم يلاحظ حقه
مستقلا، فإن وصل إلى حد النصاب يجب فيه الزكاة وإلا فلا.
2 - وجوب الخراج فيها لمن بيده تلك الأراضي مطلقا، أو يفرق بين الشيعة
وغيرها
الجهة الثانية: الظاهر أنه يجب الخراج على من كانت الأرض تحت
يده، لما تقدم من رواية أبي بردة قال (عليه السلام): من يبيعها وهي أرض
المسلمين يصنع بخراج المسلمين - إلى أن قال: - ويحول حق المسلمين
عليه، أي على المشتري، فيعلم من ذلك أن الخراج مما لا بد منه، فيجب
على كل من كانت الأرض تحت يده.
على أن نفس كون الأرض للمسلمين يقتضي وجوب الخراج مع قطع
النظر عن الرواية، فإن الثابت جزما إنما هو جواز التصرف في تلك
الأراضي، وأما التصرف من غير خراج وأجرة فلم يثبت فيكون حراما
وتصرفا في مال الغير بدون إذنه فهو غير جائز، فلا بد من أدائه إلى الإمام (عليه السلام) إذا أمكن وإلا فللفقهاء ولمن ولي أمور المسلمين أو للجائر، بناء
على امضاء فعله من الإمام (عليه السلام).
وبالجملة مقتضى الأدلة المطبقة على عدم جواز التصرف في مال
الغير هو عدم جواز التصرف شخص في الأراضي المفتوحة عنوة
والانتفاع بها وبأجزائها بوجه، ولكن ثبت بالقطع جواز أصل التصرف
فيها، وأما بدون الأجرة والخراج فلا، فلا بد للمتصرف ومن ينتفع بها من
أداء خراجها.
416

الشك في كون الأرض مفتوحة عنوة
إن السيرة القطعية وإن قامت على جواز التصرف في أراضي العراق
وأرض الغري وكربلاء وبيع رقبتها وأجزائها وأخشابها من زماننا إلى
زمان المعصومين (عليهم السلام)، ولكن الكلام في الصغرى وأن أي أرض منها
فمفتوحة عنوة، ولم يثبت كون الأجزاء أو الرقبة التي تباع من المفتوحة
عنوة حتى لا يجوز التصرف فيها وبيعها، وإلا فلو ثبت كون أرض من
الأراضي مفتوحة عنوة فلا يجوز تملكها وبيعها إلا بالمعنى الذي
ذكرناه.
ودعوى العلم الاجمالي بوجود الأرض المفتوحة عنوة في تلك
الأراضي العراقية وحواليها وإن كانت دعوى صحيحة، إلا أنه لا يوجب
التنجيز، فإن جميع تلك الأراضي ليس محلا للابتلاء ليوجب تنجز
التكليف بل مقتضى العمل بدليل الحاكمة على الأصول أن نعامل مع تلك
الأراضي معاملة الملكية، كما لا يخفى.
وتوضيح الحال في المقام، وقد عرفت أن الأراضي المنسوبة إلى
الكفار على أقسام:
منها: ما بقيت على ملكهم من غير أن تخرج منه.
ومنها: ما بقيت على ملكهم بعد اسلامهم بالطوع.
ومنها: الأراضي الصلحية الخراجية، وهي التي صولحوا بها لتبقي
على ملكهم ويعطون الخراج عليها، أو أخذت من ملكهم ولكن أعطيت
لهم لأخذ الخراج.
ومنها: أن تكون مفتوحة عنوة، والأرض المفتوحة عنوة تارة تكون
معمورة حين الفتح، وأخرى ميتا، وما كانت معمورة بالأصل فهي ملك
المسلمين.
417

وأيضا أن جملة من تلك الأراضي قد ملكت بتمليك الإمام (عليه السلام)،
وكثير منها ملكت بتملك السلطان الجائر خصوصا في زمان العثمانيين،
ومع كثرة المحتملات وثبوت اليد على تلك الأراضي المقتضي للملكية
فكيف يمكن احراز أن الأرض الفلانية من المفتوحة عنوة، حتى لا يجوز
أخذها.
نعم لو كان جميع تلك الأراضي التي نعلم بوجود الأرض المفتوحة
عنوة بين تلك الأراضي يلزم الاجتناب عنها، لكون العلم منجزا في هذه
الصورة.
وهذا العلم الاجمالي بوجود الأرض المفتوحة عنوة كالعلم
الاجمالي بوجود الوقف في جميع دور النجف وكربلاء بل العراق،
والعلم الاجمالي بوجود مال الغصب فيها، والعلم الاجمالي بمنع الإرث
عن بعض الوارثين خصوصا البنات فإنهن يمنعن من الإرث كثيرا وتقسم
أموالهم على غير الجهة المشروعة، فهل يتوهم أحد أن العلم الاجمالي
في هذه الموارد يوجب تنجز العلم الاجمالي، وكذلك العلم الاجمالي
في المقام، وما قيل من الجواب في هذه الموارد فهو الجواب هنا أيضا،
وإلا فليس للمقام خصوصية زائدة.
وبالجملة مركز الكلام هنا هو أنه لا بد في وجوب الاجتناب من
الأرض لأجل كونها مفتوحة عنوة من احراز أمرين: الفتح عنوة وكونها
معمورة حال الفتح، وإلا فلا وجه للاجتناب عنها بوجه، وأما بعد ثبوت
الفتح فلا مناص من عدم جواز التملك فيها ولا في أجزائها وأخشابها،
وأن مقتضى اليد في أراضي العراق وما يحتمل كون الأرض المفتوحة
عنوة فيها أمارة الملكية، فلا يرفع اليد عنها بالاحتمال، فما يعتمد عليه
هذان الأمران: احراز الفتح مع العمارة في عدم جواز التملك والعمل
باليد في جواز البيع والشري مع عدم الاحراز.
418

وعلى هذا فلا وجه للاشكال في بيع أراضي العراق ولا في أجزائها.
فإن احتمال كونها من الأراضي المفتوحة عنوة احتمال بدوي لا يعتني
به.
بيان آخر في أن الأراضي التي كانت معمورة حال الفتح ثم ماتت تجري عليها
آثار الملك ولو تبعا للآثار أم لا؟
قوله (رحمه الله): أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح.
أقول: ربما يقال بأن الأراضي التي كانت معمورة حال الفتح ثم ماتت
وأحياها الآخر تكون ملكا للمحيي، لعموم أدلة الاحياء ولخصوص
رواية سليمان بن خالد المتقدم، فهي أجنبية عن المقام، فإنها واردة في
الأرض الخربة فهي غير المفتوحة عنوة، ولذا قال (عليه السلام): وإن كان
يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه (1)، والمفتوحة عنوة ليست لأحد حتى
يرد إليه حقه إذا عرف، ولو كانت هنا رواية آخر فلم نجدها.
وأما عمومات أدلة الاحياء فقد تقدم الكلام في آخر المكاسب
المحرمة - عند التكلم في أن الأراضي المفتوحة عنوة تملك أو لا تملك -
عدم دلالتها على الملكية بالاحياء، وكونها خارجة عن الأراضي
المفتوحة عنوة لوجهين:
الأول: إن الاحياء ليس من أسباب الملكية بوجه، فإن غاية ما يستفاد
منها على ما تقدم هو حق الاختصاص والأولوية، وأما الملكية فلا.
وثانيا: إنها لا تشمل الأملاك الشخصية، فاحياؤها لا يوجب الملكية،
بناء على أن الاحياء من الأسباب المملكة، فالأراضي المفتوحة عنوة
بمقتضى الروايات المتقدمة ملك للمسلمين، فلا ربط لأدلة الاحياء لها،

1 - التهذيب 7: 148، 7: 201، عنهما الوسائل 25: 414.
419

فتكون أدلة حرمة التصرف في مال الغير حاكمة عليها، كما لا يخفى.
وبالجملة لا تدل أدلة الاحياء على أن الأراضي المفتوحة عنوة تملك
بالاحياء، بل مقتضى حرمة التصرف في مال الغير مانع عن ذلك.
المسألة (2)
اعتبار كون ملكية العوضين طلقا للمالك
قوله (رحمه الله): واعلم أنه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط
العوضين بعد الملكية كونه طلقا.
أقول: ومن جملة شرائط العوضين ذكروا كون الملك طلقا، يتفرع
عليه أمور كثيرة التي تعلق بها ما خرج عن كون الملكية طلقا، كالنذر
والخيار واليمين والوقف، وكون المبيع أم ولد وكالرهن، إلى غير ذلك
مما يخرج المبيع عن كونه ملكا طلقا.
ولكن فرعوا على هذا الشرط أمور ثلاثة وتكلموا فيها على وجه
الاستقلال، وهو الرهن والوقف وأم الولد.
وذكر المصنف أن المراد بالطلق تمام السلطنة على الملك على
الملك، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء ويكون مطلق العنان
في ذلك.
ولكن هذا المعنى في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل
المالك بنقله ويكون نقله ماضيا فيه، لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون
إذن ذي الحق، مرجعه إلى أن من شرط البيع أن يكون متعلقه مما يصح
للمالك بيعه مستقلا، وهذا لا محصل له.
فالظاهر أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع
الوقف والمرهون وأم الولد، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك
420

الحقوق الخاصة وغيرها، فما ثبت منعه عن تصرف كالنذر والخيار
ونحوها، وهذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق، فمعنى الطلق أن
يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لأحد الحقوق التي
ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه.
فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن
التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فرعا، بل الأمر في الفرعية
والأصالة بالعكس.
وقد أشكل عليه بأن المراد بالطلقية عبارة عن عدم قصور السلطنة
وعدم كونه محجورا عن التصرف، أما لقصور في المقتضي كما إذا كان
ملكه محدودا كالوقف الخاص فإن الموقوف عليه في هذا الوقف وإن
كان مالكا للعين الموقوفة على ما هو الحق، كما اختاره المشهور، إلا أنه
لا يصح بيعه لهم، لأن بيع الموقت لا يصح في الشرع، وأما لوجود المانع
كالرهانة والجناية والاستيلاد، ويتفرع على ذلك عدم جواز بيع الوقف
ونحوه.
الظاهر أن ما ذكره المصنف متين، فإن ما ثبت من الموارد الخاصة من
عدم جواز البيع للحقوق المتعلقة بها المانعة عن التصرف إنما هي المانعة
بذواتها، فالتعبير بذلك العنوان المنتزع للإشارة إلى ذكر الحقوق المانعة
فإن ما يكون معتبرا في نفوذ البيع السلطنة على البيع.
فما ذكره شيخنا الأستاذ (1) من المراد بالطلقية عبارة عن عدم قصور
السلطنة أما لقصور في المقتضي كالوقف وأما لوجود المانع كالرهانة،
لا وجه له.
أما الأول فلأن بيع الوقف وإن لم يجز إلا أن عدم الجواز من جهة عدم

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 373.
421

السلطنة على البيع، لعدم انتفاء تلك الحقوق المانعة لا أن الطلقية بذاتها
شرط للبيع.
وأما الثاني فبناء على عدم جواز بيع العين المرهونة كما هو المشهور،
استنادا إلى النبوي، من أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف (1)،
فكذلك، إذ المالك ليس له السلطنة على البيع من جهة تعلق حق المرتهن
بالعين وعدم كون المالك مسلطا على البيع، لعدم انتفاء ما هو شرط في
البيع لا أن الطلقية شرط في الملكية.
وبالجملة هذا العنوان ليس له موضوعية بما هو في نفسه وبذاته
ليكون شرطا في الملكية، بل عنوان منتزع من الموارد الخاصة التي انتفي
تلك الحقوق فيها، على أنه سيأتي أنه لا دليل على عدم جواز بيع الرهن
وأما النبوي فضعيفة السند وغير منجزة بعمل المشهور.
وبالجملة أن الشرط في البيع ما دل الدليل على عدم جواز بيعه
كالوقف ونحوه، على ما ذكره الفقهاء، بل أنهاه بعضهم إلى عشرين، فهو
بذاته مما لا يجوز بيعه لمنع الدليل عنه بالخصوص، وعنوان الطلقية
عنوان منتزع من تلك الموارد التي ورد الدليل بالخصوص على عدم
جواز بيعه ومشير إليها، وإلا فعنوان الطلقية ليس من الشروط ليكون
الموارد المذكورة بعدها متفرعا عليه، وإنما الشرط نفس انتفاء تلك
الأمور التي ذكرت في المقام وعد من شرائط العوضين، فعدم وقوع
التجارة عليها لأجل الأدلة الخاصة وعدم جواز بيعها بذاتها، فلا وجه
لارجائها إلى عنوان اشتراط الطلقية والقول بانتفائها في تلك الموارد كما
هو واضح.

1 - درر اللئالي 1: 368، عنه المستدرك 13: 426، ضعيفة للارسال.
422

1 - عدم جواز بيع الوقف
قوله (رحمه الله): مسألة: لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة ومحكيا.
أقول: الأول: لا شبهة في عدم جواز بيع الوقف، فإن مقتضى كونه
وقفا ايقاف الشئ وابقائه على حاله على النحو الذي أوقفه المالك،
وعدم جواز التصرف فيه على وجه ينافي الوقف.
فإذا أنشأ الواقف هذا المعنى الذي عرف في النبوي المعروف:
حبس الأصل وسبل الثمرة (1)، وعرفه الأصحاب بقولهم: تحبيس
الأصل وتسبيل الثمرة، فينافي البيع مع مقتضاه، فإن مقتضى: أوفوا
بالعقود (2) هو نفوذ التصرف فيه ببيع ونحوه من المعاملات، فهما
لا يجتمعان لكونهما متناقضان.
الثاني: دلالة الروايات العامة والعمومات على ذلك، وأن الوقف
لا يجوز بيعه، كقوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (3)، و
في بعض النسخ: يقفها أهلها، فإن الوقف يستعمل لازما ومتعديا من دون
أن يتعدى بشئ.
ودلالة هذه الرواية على المقصود مما لا شبهة فيه، فإن الواقف يقف
على أن تبقى العين وينتفع بمنافعها والرواية الشريفة يمضي ذلك،

1 - عوالي اللئالي 2: 260، عنه المستدرك 14: 47، ضعيفة للارسال.
2 - المائدة: 1.
3 - عن محمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد (عليه السلام) في الوقوف وما
روي فيها، فوقع: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء الله (الكافي 7: 37، عنه الوسائل
19: 175)، صحيحة.
رواها في الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129، وفيهما: كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي
محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، وفيهما: يوقفها.
423

وتدل على أن الوقف لا بد وأن يلاحظ فيه غرض الواقف حتى لو كان
مشترطا فيه عدم البيع أصلا لكان متبعا بحسب مقتضى العموم.
الثالث: قوله تعالى: أوفوا بالعقود (1)، فإن ما أنشأه الواقف من الوقف
مما تشمله الآية فيجب الوفاء به، فالبيع مناف لذلك.
الرابع: الروايات الخاصة في خصوص بعض الأوقاف، كرواية أبي
علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت: جعلت فداك إني
اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبرت
أن الأرض وقف، فقال: لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في
ملكك، ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق
بغلتها (2).
الظاهر أن المراد من الغلة ليست هي الحاصلة من زرع المشتري وإلا
فهي لصاحب البذر في المغصوب، وكيف في المقام الذي اشترى من
غير علم بكونها وقفا، بل المراد من الغلة ما يحصل من الأرض بحسب
طبعها من الخضر والأشجار والمنافع الأخر.
ومنها ما ورد في حكاية وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد التسمية: هذا
ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي سوى، تصدق بداره التي في بني
زريق، صدقة لا تباع ولا توهب، حتى يرثها الله الذي يرث السماوات
والأرض (3).
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة، بل في بعضها: لعن رسول الله

1 - المائدة: 1.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
3 - التهذيب 9: 131، الإستبصار 4: 98، الفقيه 4: 183، عنهم الوسائل 19: 187، ضعيفة
لجهالة بعض رواته.
424

(صلى الله عليه وآله) بايع الوقف (1)، وفي بعضها: أن من آمن بالله وباليوم الآخر لا يبع
الوقف (2).
واستدل بها المصنف على عدم جواز بيع الوقف مطلقا، بدعوى أن
قوله (عليه السلام): صدقة لا تباع ولا توهب، ليس وصفا لخصوص شخص
العين الموقوفة بل وصفا لنوع الصدقة التي في مقابل الأنواع الأخر، من
الصدقات المستحبة أو الواجبة، وهذا هو الظاهر من المفعول المطلق
المساق للنوع، فإن قوله (عليه السلام): صدقة، مفعول مطلق، كقولك: جلست
جلسة الأمير، أي نوع جلوسه، وهكذا في المقام، أي نوع صدقة لا تباع
ولا توهب، ومن الواضح أن هذا الوصف وصف لنوع الوقف، وذكره هنا
من جهة تطبيق الصغرى للكبرى، لا أن الوصف وصف لخصوص
الشخص الخاص الذي وقفه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ثم استدل المصنف على عدم كون الوصف خارجيا معتبرا في
الشخص بوجوه بعد استبعاده:
أولا: أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد، أعني الموقوف

1 - عن أيوب بن عطية قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفئ
فأصاب عليا أرض - إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): - فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (التهذيب 9: 148، الكافي 7: 54، عنهما الوسائل
19: 186)، صحيحة.
2 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: أوصى أبو الحسن (عليه السلام) بهذه الصدقة: هذا ما تصدق
به موسى بن جعفر، تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها - إلى أن قال: - تصدق موسى بن
جعفر بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبسا بتلا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا رد، ابتغاء وجه
الله والدار الآخرة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يبتاعها، ولا يهبها
ولا ينحلها، ولا يغير شيئا مما وصفته عليها حتى يرث الله الأرض ومن عليها (الكافي 7: 53،
التهذيب 9: 149، الفقيه 4: 184، عيون الأخبار 1: 37، عنهم الوسائل 19: 202)، صحيحة.
425

عليهم، خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم.
الثاني: أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على
الاطلاق فاسدا بل مفسد لمخالفته للمشروع، من جواز بيعه في بعض
الموارد، كدفع الفساد بين الموقوف عليهم، أو رفعه، أو طرو الحاجة،
أو صيرورته بما لا ينتفع به أصلا.
الثالث: إن هذا التقييد مما لا بد منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع،
أو شرطا خارجيا مع احتمال علم الإمام (عليه السلام) بعدم طرو هذه الأمور
المبيحة، وحينئذ يصح أن يستغني بذلك عن التقييد على تقدير كون
الصفة شرطا، بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع، فإن العلم بعدم
طرو مسوغات للبيع في الشخص لا يغني عن تقييد اطلاق الوصف في
النوع.
وهذه الوجوه التي ذكرها المصنف وإن كان متينا وواردا على فرض
كون الوصف شرطا خارجيا ومعتبرا في الشخص، ولكن الذي ينبغي أن
يقال ويسهل الخطب هو أن الشرط إن رجع إلى الجواز بأن شرط عدم
جواز البيع في الوقف، فهو أمر ممتنع لخروجه عن قدرته، فإن الجواز
حكم شرعي ووضعه تحت يد الشارع كنزول المطر، فلا معنى لشرط ما
هو ليس في قدرته.
على أن اشتراط عدم الجواز معناه إن لم يجز لم يجز بيعه، لأن مفهوم
الوقف هو السكون، فهو بنفسه يقتضي ذلك، واشتراط الجواز أنه جاز
فجاز، وإن كان الوصف وصفا لنفس الوقف فليس فيه مخالفة للمشروع
بوجه، فإن للواقف أن يشترط فيه ما يشاء لكونه مالكا ومسلطا على ماله
فجاز له أن يقف كيف يشاء، حتى له أن يشترط عدم البيع ولو مع
عروض ما يسوغ البيع من المسوغات كما لا يخفى.
426

موانع بيع الوقف
ثم قال المصنف: ومما ذكرنا ظهر أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة:
حق الواقف حيث جعلها بمقتضى الوقف صدقة جارية ينتفع بها، وحق
البطون المتأخرة عن بطن البايع السابق، والتعبد الشرعي المكشوف عنه
بالروايات، فإن الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر فيه التقرب، ويكون
لله تعالى عمله وعليه عوضه.
أقول: وليت شعري أنه من أين ظهر مما ذكره أن المانع هي الأمور
الثلاثة، بل لا وجه لها بحسب نفسها أيضا.
أما حق الواقف فبمجرد وقفه تخرج العين الموقوفة عن ملكه، وكون
العين صدقة جارية ينتفع بها لا يقتضي أن تكون العين متعلقة لحق
الواقف.
وأما حق البطون المتأخرة فمع عدم وجودهم كيف يتعلق حق لهم
بالعين، فإن المعدوم قبل وجوده كما لا يكون مالكا كذلك لا يكون
ذا حق، مع أنه لو كان مانعا إنما يمنع إذا بيع وصرف الثمن على
الموجودين، وأما لو اشتري به مثله فلا يلزم منه هذا المحذور.
وأما قوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، فلا يدل على
ذلك، فإن معناه أن ما أنشأه الواقف من حسب المال فقد أمضاه الشارع،
وأما حق الله فإن كان المراد به أن المنع عن بيعه إنما هو للتعبد الشرعي
الواصل بواسطة سفرائه من الروايات المتقدمة، فلا كلام لنا فيه، وإن كان
المراد من ذلك شئ آخر واثبات حق له تعالى كالأنفال ونحوها،
فلا دليل دل على ذلك كما لا يخفى.
427

جواز بيع الوقف وأن جوازه كاشف عن بطلانه أم لا؟
قوله (رحمه الله): ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع.
أقول: وقد ذكرنا أن الوقف بحسب نفسه يقتضي السكون والوقوف،
فانشاء الوقف انشاء لسكون مال الوقف مقابل الحركة، فمعنى السكون
عدم عروض النقل والانتقال عليه ببيع ونحوه، مقابل المتحرك الذي
عبارة عن طرق ما يقتضي الحركة عليه من البيع وغيره.
ثم إن جواز بيع الوقف تارة يكون بحيث يكون بدله وثمنه ملكا للبايع
الموقوف عليه ويتصرف فيه كيف يشاء، كتصرف الملاك في أملاكهم،
وأخرى لا يكون ثمنه ملكا للبايع الموقوف، بمعنى أن يقوم ثمنه مقام
المثمن ويكون بدلا عليه ويترتب عليه جميع أحكام المبدل، وكيف كان
فجوازه يحتاج إلى دليل، وأما جواز البيع بحيث يكون الثمن ملكا للمالك
فبعيد، فإنه رفع اليد عن ملكه وجعله وقفا على الموقوف عليهم
فلا مقتضي لرجوعه إلى المالك.
هذا كله مما لا شبهة فيه، ولكن وقع الكلام بين الشيخ وصاحب
الجواهر (1) تبعا للشيخ الكبير في أن جواز البيع يكشف عن بطلان الوقف،
بحيث إنه بمجرد جواز البيع يطرء عليه البطلان، كما ذهب إليه الشيخ
الكبير وتبعه صاحب الجواهر، فذكره في هذا المقام أن الذي يقوى في
النظر بعد امعانه أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه بل لعل جواز بيعه مع
كونه وقفا من التضاد.
نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه قال: بعض الأساطين في
شرحه على القواعد حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص

1 - جواهر الكلام 22: 358.
428

والاجماع بل الضرورة بأن البيع وأضرابه ينافي حقيقة الوقف لأخذ
الدوام فيه، وأن نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء.
بالجملة أن محصل كلامهما أن جواز البيع لا يجتمع مع الوقف، فإذا
جاز البيع بطل الوقف، سواء تحقق البيع في الخارج أم لم يتحقق.
وقد خالف في ذلك شيخنا الأنصاري وتبعه شيخنا الأستاذ (1)،
وحاصل كلام المصنف
أن الوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه، فمعنى جواز بيع العين
الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل أولا إليه، فإن مدلول صيغة الوقف
وإن أخذ فيه الدوام والمنع عن المعاوضة عليه إلا أنه قد يعرض ما يجوز
مخالفة هذا الانشاء.
ثم أيده بتنزيله منزلة الهبة وقال: كما أن مقتضى العقد الجائز كالهبة
تمليك المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده، ومع
ذلك يجوز مخالفته وقطع سلطنته عنه بالبيع لا بجواز فقط، وبالجملة
فكما أن مقتضى الهبة هو التمليك مع جواز استرداد العين الموهوبة وأنها
لا تبطل بجواز البيع بل بالبيع الخارجي، وكذلك الوقف فيبطل بالبيع في
الموارد الخاصة التي ثبت جواز بيعه في تلك الموارد لا بمجرد عروض
جواز البيع عليه، ويؤيد ذلك ما ذكره المحقق الثاني من أنه لا يجوز رهن
الوقف وإن بلغ حدا يجوز بيعه، وتقدم نظير ذلك في المعاطاة، وقال:
يجوز رهن المأخوذ بالمعاطاة لكونها معاملة جائزة والرهن وثيقة
فلا يتحقق إلا بالملك الطلق.
ثم أشكل عليهما بأنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره، وهو جواز
البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 376.
429

وعن بدلها، حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع، فهذا لا محصل له،
فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن امعانه، وإن أريد به انتفاء أصل
الوقف كما هو ظاهر كلامه، حيث جعل المنع من البيع من مقومات مفهوم
الوقف.
ففيه مع كونه خلاف الاجماع إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في
بعض الموارد ببطلان الوقف وخروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه
إلى ملك الواقف، أن المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه بل هو في
غير المساجد وشبهها قسم من التمليك، ولذا يطلق عليه الصدقة
ويجوز ايجابه بلفظ تصدقت، إلا أن المالك له بطون متلاحقة، فإذا جاز
بيعه مع الابدال كان البايع وليا عن جميع الملاك في ابدال مالهم بمال آخر
- الخ.
والذي ينبغي أن يقال في توجيه كلام صاحب الجواهر وشيخه وجوه:
1 - أن يكون معنى قولهم: إذا جاز البيع بطل الوقف هو صيرورة
الوقف ملكا للواقف ورجوعه إلى ملكه، فهو بعيد، فإنه بعد خروجه عن
ملكه فلا مقتضي لكونه مالكا له ثانيا.
2 - أن يخرج من الوقفية وصارت ملكا طلقا للموقوف عليهم، بحيث
لهم أن يفعلوا فيه ما شاؤوا من البيع والهبة والإعارة والإجارة كبقية
أموالهم الشخصية، وهذا أيضا لا يقتضي له، فكلا القسمين لا يحتاج إلى
نظر، فضلا عن احتياجهما إلى إمعان النظر.
3 - أن يكون الوقف باطلا من جهة، بمعنى بطلانه من الجهة التي
عرض له ما يجوز البيع فقط لا من بقية الجهات ليصير ملكا طلقا للموقوف
عليهم، أو يرجع إلى ملك الواقف، ومن الواضح أن هذا يحتاج إلى إمعان
النظر فضلا عن النظر.
430

وعلى هذا ظهر الوجه في عدم جواز رهن الوقف، إذ لا يخرج الوقف
عن الوقفية بجواز بيعه من جهة عروض مجوز من مجوزات البيع، كما
ظهر أنه لا وجه لقياسه بالهبة، فإن الهبة يجوز استرداده والوقف لا يجوز
استرداده، لأنه عبارة عن الحبس والسكون مقابل الحركة، فليس مفهومه
إلا متقوما بالايقاف والسكون، وعدم توارد البيع والشراء والهبة
والإجارة عليه، بحيث يبقى طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل، وهذا
بخلاف الهبة فإنها ليست إلا تمليكا محضا.
ثم إنه لا ثمرة لهذا البحث بعد التسالم على حرمة بيع الوقف قبل
عروض المجوز، وعلى جواز البيع بعد عروض المجوز، ثم دوامه
بدوام المجوز وارتفاعه بارتفاع المجوز.
إذا طرأ على الوقف جواز البيع ولم يبع في الخارج
ثم إذا طرأ على الوقف جواز البيع ولم يبع في الخارج إلى أن زال
المانع، فهل يزول الجواز أو يبقى على حاله.
فربما يقال ببقاء الجواز استصحابا لحكم المخصص، كما في حاشية
الإيرواني (1)، فإن المقام من موارد دوران الأمر بين العمل بحكم المخصص
والعمل بالعام بعد انقطاع عمومه، فحيث انقطع عمومه في زمان فلا يبقى
مجال للتمسك به في الزمن الثاني لعدم المقتضي، بل نستصحب حكم
المخصص أعني جواز البيع.
ولكن الظاهر هو العمل بالعام في غير حالة التخصيص خصوصا إذا
كان العموم استغراقيا، لما قلنا في محله إنه بعد تخصيص العام يتمسك
به في مورد التخصيص، وتوضيح ذلك:

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 181.
431

أن للوقف هنا ثلاثة حالات: حالة قبل عروض الحالة الموجبة للبيع
والمسوغة له، وحالة عند عروض المسوغ، وحالة بعد عروض
المسوغ، وذكرنا في محله أيضا أنه كما أن للعام عموم افرادي عرضي،
كذلك له عموم أزماني، سواء كان الحكم واحدا أو متعددا منحلا إلى
أحكام عديدة.
وعلى هذا فمقتضى العمومات الدالة على عدم جواز بيع الوقف إنما
تدل على عدم جوازه في جميع الحالات بحسب العرض والطول، فقد
خرج من تحتها صورة عروض الحالة المسوغة للبيع، فيبقى الباقي تحت
العموم، وهذا واضح بناء على أن جواز البيع لا يوجب بطلانه بل يسوغ
البيع فقط، وإلا فالوقف باق على حاله.
وأما بناء على مسلك صاحب الجواهر فكذلك أيضا، لما عرفت أن
قوله بالبطلان ليس معناه رجوع الوقف إلى الواقف، أو صيرورته ملكا
طلقا للموقوف عليهم، لما عرفت بعد كلا المعنيين وعدم المقتضي لهما
في البين، بل معناه هو البطلان من جهة خاصة، أعني الجهة التي أوجبت
بيع الوقف وسوغ المعاملة عليها، وأما بقية الجهات فمحفوظة على
حالها، وهو الذي كان محتاجا إلى النظر بل إلى إمعان النظر.
وعليه فالتمسك بالعموم في غير المقدار الذي ثبت فيه التخصيص من
الوضوح بمكان، بل الأمر كذلك حتى على المعنى الأول والثاني، فإن
جواز بيع الوقف وإن أوجب بطلانه، سواء كان بالعود إلى الواقف أو
بصيرورته ملكا طلقا للموقوف عليهم، ولكن الفرض أن الابطال ليس
مستمرا إلى الأبد بل إنما كان عموم العام قبل ذلك شاملا لما هذه الحالة
التي بطل فيها الوقف.
وعليه فنتمسك بالعموم في الغير المورد الذي نقطع بخروج الخاص
432

ونعمل بالعموم، فنحكم بمقتضاه على ثبوت الوقفية بعد البطلان أيضا،
فيكون العام مقتضيا لذلك، فيحكم بالوقف إلى الأبد إلى أن يرث الله
الأرض ومن فيها.
جواز بيع الوقف
قوله (رحمه الله): إذا عرفت أن مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع.
أقول: بعد ما حكم المصنف أن مجرد عروض جواز البيع على الوقف
لا يوجب البطلان، بل لا بد من وقوع البيع في الخارج، فتعرض إلى أن
الوقف بحسب نفسه والأصل الأولي لا يجوز بيعه، بل لا بد من البقاء وهو
واضح، لما عرفت أن مفهوم الوقف عبارة عن السكون فلا بد وأن يكون
واقفا وساكتا.
ثم يقع الكلام هنا في جهتين:
الأولى: في الخروج عن مقتضى ذلك الأصل بحسب الموضوع،
بمعنى أن أي وقف يجوز بيعه، وأي وقف لا يجوز بيعه.
الثانية: في الخروج عنه بحسب الحكم، بمعنى أن المسوغ لبيع الوقف
أي شئ، مع قطع النظر عن أن أي وقف يجوز بيعه، وأي وقف لا يجوز
بيعه، وقد حصره بعضهم بواحد وهو وقوع الخلاف بين الموقوف
عليهم، وبعضهم بثلاثة، وبعضهم بخمسة، إلى غير ذلك من
الاختلافات.
1 - الأقوال في صحة جواز بيع الوقف
أما الجهة الأولى، فوقع الخلاف في ذلك بين الأصحاب كثيرا، فذهب
بعضهم إلى عدم جواز البيع وعدم الخروج من عموم المنع أصلا، وهو
433

الظاهر من كلام الحلي والشهيد، فإن ظاهر قول الشهيد إن سد الباب وهو
نادر مع قوته هو اختياره ذلك، وذهب بعضهم إلى الجواز مطلقا، وفصل
بعضهم بين المؤبد والمنقطع.
وليس المراد من المنقطع ما إذا كان الوقف إلى سنة أو إلى سنتين، بل
معناه أن الوقف إنما هو على طائفة خاصة من غير تقييد بزمان خاص وإلا
فيكون حبسا، الذي عبارة عن حبس العين مع كونها باقية على الملك
وتسبيل المنفعة، ولكن حيث إنه لطائفة خاصة ينقرض كثيرا بانقراضهم،
فيسمى ذلك بالوقف المنقطع الآخر.
وهذا بخلاف المؤبد، فإن معناه أن الوقف لطائفة خاصة كأهل العلم
من الشيعة في النجف مثلا، كما وقفوا قرية في كرمانشاه كذلك، ومع
عدمهم لمطلق أهل العلم، ومع عدمهم - العياذ بالله - لفقراء الشيعة، ومع
عدمهم لأغنياء الشيعة وهكذا، فمثل هذا الوقف لا ينقطع آخره بل
يستمر ويدوم إلى الأبد، ويبقي طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل،
وبالجملة التزموا بجواز البيع المنقطع دون المؤبد.
وفصل بعضهم بقولهم بعكس ذلك، أي بجواز البيع في المؤبد
وبعدمه في المنقطع، ولعل نظره إلى أن المنقطع بنفسه بخلاف المؤبد،
وفصل بعضهم بين أصل الوقف، حيث قال بعدم الجواز، وبين أجزائه
وآلاته التي انحصر طريق الانتفاع بالبيع فقط، كحصر المسجد وجذوعه
وبعض آلاته التي سقط عن الانتفاع به في هذا المسجد بنحو من الأنحاء،
وهو المحكي عن الإسكافي وفخر الاسلام.
يمكن التفصيل بين ما يكون الوقف تحريرا كالمساجد ونحوها وبين
سائر الأوقات، ويلتزم بعدم جواز البيع في الأول دون الثاني، إلا أنه ليس
تفصيلا في الحقيقة، لأن المساجد خارج عن مورد البحث، فإن الظاهر أن
434

مورد البحث ما اعتبر فيه التمليك والمساجد تحرير.
وعليه فما سيأتي من المصنف من التفصيل بين المساجد وغيره تنبيه
على أصل المطلب، لا تفصيل في الوقف بين جواز البيع في قسم وعدمه
في آخر.
2 - بيع الوقف المؤبد في الجملة
والكلام فعلا يقع في جواز بيع الوقف المؤبد في الجملة، وبعد ما نقل
المصنف كلمات الأصحاب فصل في الوقف المؤبد بينما يكون ملكا
للموقوف عليهم وبينما لا يكون ملكا لأحد، بل يكون فك ملك نظير
تحرير، كالمساجد والمدارس والربات والخانات، وإن كان في
الحقيقة ليس تفصيلا كما عرفت، بناء على عدم دخولها في ملك
المسلمين، فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة.
وقال المصنف: إن محل الخلاف هو القسم الأول، أي ما يكون الوقف
تمليكا، وأما القسم الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم
الملك، وعلى هذا فلو خربت القرية وانقطعت المارة عن الطريق الذي
فيه المسجد لم يجز بيعه وصرف ثمنه في احداث مسجد آخر، أو
تعميره أو صرفه في مصالح المسلمين، نعم يجوز الانتفاع بها بالزرع
والغرس مع ملاحظة الآداب بعدم التنجيس والهتك، كما جاز الانتفاع به
قبل الخرب بالجلوس والنوم وسائر الأشغال من المباحث وغيرها إذا
لم تزاحم المسجدية، نعم يحتمل جواز إجارتها وصرف الأجرة في
مصالح المسلمين.
ولكن الظاهر أنه لا فرق بين البيع والإجارة، فإنه بعد خروجها عن
الملكية لأحد، كما لا يجوز بيعه وتمليكه، كذلك لا يجوز ايجاره.
435

ثم إن المراد من عدم جواز التصرف فيها تصرفا مالكيا خصوص
الحرمة التكليفية، وإلا فلا يترتب عليه ضمان بوجه، ولذا لو سكن فيها
أحد أو اشتغل بالاشتغال المنافية للمسجدية فليس عليه ضمان.
وبالجملة إن كان الوقف تمليكا ولو كان للنوع، فهو محل الكلام في
المقام، وإن كان تحريرا وفك ملك فهو لا يجوز بيعه بوجه، لعدم كونه
ملكا لأحد حتى يجوز بيعه ويباشره أحد الملاك وكالة أو الحاكم ولاية،
بل يبقى على حالها إلى أن يرث الله الأرض ومن فيها، نعم يجوز الانتفاع
بها ما لا يزاحم المسجدية، وأن تصرف فيها بما يزاحم المسجدية فعل
فعلا محرما فلا ضمان بالأجرة، لأن الفرض أنه ليس بملك لا للخاص و
لا للعام كما لا يخفى، انتهى الكلام إلى تفصيل المصنف بين ما يكون
الوقف تمليكا وبين ما يكون تحريرا.
تحقيق الكلام فيه:
1 - أن ما يكون تحريرا كالمساجد، فإن المتيقن من التحرير هو
المسجد، فالظاهر أنه لا يجوز بيعه، فإن حقيقة البيع على ما عرفت عبارة
عن المبادلة بين الشيئين في جهة الإضافة إلى المالك بحيث يكون كل
واحد من الشيئين مضافا إلى شخص، فيتبدل كل من الإضافتين بتبديل
المالين.
ومن البديهي أن المساجد غير مضافة إلى أحد بالإضافة الحقيقة أو
بالإضافة الملكية، ومع انتفاء الإضافة كيف يسوغ البيع أو التجارة عن
تراض أو بقيه المعاملات، لما عرفت مفصلا أنه لا بيع إلا في ملك،
ولا بيع إلا فيما يملك، ولذا قلنا إن كل ما ليس داخلا تحت الملك كالطير
في الهوي والمباحات الأصلية قبل الحيازة لا يجوز بيعه.
وتوهم أن المساجد أيضا نحو من التمليك للمسلمين، كما أن الزكاة
436

ملك للفقراء والأصناف الأخر، أو نفرض مسجدا يملكه المالك
للمسلمين وقفا توهم فاسد، فإن المساجد من قبيل التحرير كالعبد
المعتق وأنها لله، لا بمعنى كونها ملكا له ومضافا إليه ليتوهم جواز بيعها
من جهة تلك الإضافة المصححة للبيع، بل بمعنى كونها معبدا للمسلمين
ليعبد فيها لله تعالى ويتقرب به فيها.
ولعل إلى هذا المعنى ينظر قوله تعالى: وأن المساجد لله (1)، بل هو
المحتمل القريب من سائر المعاني، وهذا هو المستفاد من بعض
الروايات، فلا يقاس ذلك بالزكاة، فإن الجهة فيها مالك بخلافه في
المساجد، فإنه ليس فيها جهة إضافة حقا أو ملكا فلا يصح بيعها بوجه.
وأما الوقف بمعنى التمليك للمسلمين، بأن يجعل مكانا خاصا
مسجدا بعنوان التمليك لا التحرير فخارج عن الفرض، فإنه لا يكون
مسجدا ومتمحضا لله بل يكون مثل الحسينيات ونحوها.
وبالجملة أن من الضروري أن المساجد ليس إلا تحريرا وفكا للملك
لا تمليكا، وعليه فلا يكون بيعه جائزا لعدم وجود الإضافة فيها إلى أحد
ولو إلى الجهة كالزكاة، بحيث يباع المسجد ويكون بدله قائما مقامه في
تلك الجهة، فهذا قسم من الوقف العام.
ومن هنا ظهر ما في كلام كاشف الغطاء حيث ذكر جواز إجارة
المسجد الذي خربت القرية وانقطعت المارة عنه وخرب، وذلك فإن
صحة الإجارة تتوقف على كونه مضافا إلى شخص لتكون الأجرة داخلة
تحت ملكه، وقد عرفت أنه باق على وقفيته.
نعم يصح الزرع والغرس فيه والانتفاع به بغيرها مع ملاحظة الآداب
كما هو واضح.

1 - الجن: 18.
437

2 - أن يكون وقفا للذرية، بحيث يوقف أرضا خاصا لهم لتكون
منفعته لهم، طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل.
فلا شبهة أن هذا القسم من الوقف تحبيس وتمليك، أما كونه تحبيسا
فلأن الوقف على ما فسروا تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وقد جعل
الواقف ذلك الوقف كذلك كما لا يخفى، وأما كونه تمليكا لهم فلمقتضى
السيرة القطعية العقلائية على ذلك، فإنه لا يشك أحد في أنه إذا ثبت في
ذلك ما يوجب الضمان على شئ يكون ذلك الشئ لهم، ولو غصبه
غاصب لوجب عليه رده إلى الذرية بمقتضى اليد والسيرة.
ومن المعلوم أنه لو لم يكن هنا تمليك لكان الحكم فيها مثل المساجد
من غير أن يوجب الاشغال والغاصب الضمان على الأجرة، فلازم هذه
السيرة هي الملكية، على أن مقتضى الوقف على الذرية يقتضي ذلك
بمقتضى مفهوم الوقف، فلو كان ذلك مجرد التحبيس لكان المناسب أن
يقول الواقف: وقفت لهم بحيث يكون لهم لا عليهم.
وهذا بخلاف التمليك، فإن الواقف يملك العين الموقوفة لهم ولكن
يضيق دائرة السلطنة على الموقوف عليهم، ولا يجعلونهم مطلقا في
العين الموقوفة لتكون سلطنتهم سلطنة مطلقة وسلطنة لهم، بل يضيق
دائرة السلطنة عليهم بالشرط في ضمن الوقف وبنفسه، نظير الشرط
الخارجي بحيث يكون الموقوف عليهم مالكا للمنفعة فقط ملكية مطلقة،
وأما العين فليس لهم عليها مالكية إلا من جهة أن تكون المنفعة لهم، وأما
يفعلون للعين الموقوفة بما شاؤوا فلا، وإذن فتكون السلطنة عليهم
لا لهم، ولذا قال الواقف عند الوقف: وقفت عليهم.
وبالجملة مقتضى تلك العبارة هي التمليك، فإنه لو كان الغرض هو
التحبيس لقال: وقفت لهم لا عليهم، فإن من الواضح أنه إذا كان الشخص
438

مالكا لشئ ولم تكن سلطنة مطلقة تكون السلطنة عليهم لا لهم، كما هو
واضح.
والحاصل أنا نستفيد كون الوقف على الذرية تمليكا لا تحبيسا من
نفس عبارة الواقف عند الوقف، لكونها ظاهرة في التمليك باعتبار التعبير
بعلي، الظاهرة في تضييق دائرة السلطنة بمقتضى الشرط بمجرد الوقف،
نظير تضييق الدائرة للسلطنة بالشروط الخارجية.
وأما جواز بيعه، فالظاهر أنه مما لا اشكال فيه كما سيأتي، فإن المانع
الذي كان في التحرير غير موجود هنا كما لا يخفى، فإن الإضافة المالكية
موجودة وتصرف الموقوف عليهم متعذر لفرض عروض الجهة
المجوزة للبيع، وليس في البين ما يمنع عن التصرف كأدلة حرمة التصرف
في مال الغير فتكون أصالة الإباحة محكمة.
3 - أن يكون وقفا عاما، كالوقف على العلماء والسادات وطلاب
المدارس والزوار والفقراء ونحوها من الجهات العامة، وهو على
قسمين:
ألف - أن يكون وقفا للكلي، كالوقف على العلماء والطلاب، كوقف
الحمامات والدكاكين والأملاك لهم، لتكون منافعها ملكا طلقا لهم،
بحيث يكون حبس الأصل وتسبيل الثمرة لهم، بحيث تكون المنفعة لهم
ويملكون منافعها وتقسم عليهم كما في القسم الثاني، نظير أوقاف على
العلماء وطلاب المدارس، فإن غلتها تقسم عليهم ويملكون نفس
المنفعة.
ولا يلزم توفية جميع الأقسام هنا كما يلزم في الوقف على الذرية،
وغاية الأمر أن الفرق بينهما من جهة أن لدائرة الوقف في القسم الثاني
تضييق وتوسع، بكثرة الموقوف عليهم وقلتهم، بحيث إذا كثروا فتوسع
439

دائرة القسمة وإذا قلوا فتضيق دائرته، وأما في القسم الثالث فلا يجب
القسمة على جميع السهام والموقوف عليهم، بل يجوز الاعطاء لواحد
والاختصاص به، لأن الوقف لجهة، وهي متحقق بواحد لصدق الجهة
وتحقق الاعطاء لأهل العلم.
وهذا بخلافه في القسم الثاني، فإنه لا بد فيه من ملاحظة جميع
الموقوف عليهم وتوفية القسمة لهم، قلوا أو كثروا، ومن ذلك يختلف
القسمة سعة وضيقا باختلاف الموقوف عليهم كثرة وقلة، وأنه لا بد من
اعطاء كلهم قسمة حقيقة، حتى لو مات أحدهم بعد حصول الغلة فتنقل
إلى وارثه، وهذا بخلافه في القسم الثالث.
ثم إن هذا القسم من الوقف أيضا تمليك، لعين ما تقدم في القسم
الثاني، من اقتضاء نفس مفهوم الوقف ذلك، وأنه لو غصبه غاصب يحكم
بضمانه بخلاف التحرير، وأن السيرة العقلائية تقضي أن يعامل مع مثل
تلك الأوقاف معاملة الملكية لقيامها على الضمان ووجوب الرد على
النحو المأخوذ، فبالملازمة تدل على الملكية، غاية الأمر ملكا للجهة
نظير الزكاة والصدقات ونحوهما.
والظاهر أنه لا شبهة في جواز بيع هذا القسم أيضا مع عروض الجهة
المجوزة للبيع، فإنه مع وجود المقتضي له وشمول عمومات صحة البيع
عليه وعدم وجود المانع عنه فلا شبهة في ذلك، فإنا نشك في صحة
المعاملة عليها مع تعذر استعماله فيما أعد له ووقف عليه، فنتمسك
بأصالة الإباحة، وقوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (1)،
ناظر إلى حفظ جهة الوقف مع الامكان لا مع التعذر.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
440

ب - أن يكون وقفا على الجهة العامة، من دون أن يكون الموقوف
عليهم مالكا على المنفعة بل مالكا على الانتفاع، كما ربما يعتبر تملك
الانتفاع، بمعنى أن الوقف على تلك الجهة، كما أنه ملك لهم مضيقا
فكذلك ملكهم المنفعة أيضا مضيق، بمعنى أنهم مالكون بمنفعة خاصة
أي السكن مثلا، وإلا فلا معنى للملك على الانتفاع، إذ لا معنى لمالكية
الانسان على فعله بخلافه في القسم المتقدم، فإنهم مالكون بالمنفعة
مطلقا وملكا طلقا، بحيث لهم بيع تلك المنفعة وهبتها وإذا ماتوا تنتقل
إلى وارثهم، وإن كان أصل الوقف ليس ملكا طلقا لهم.
وهذا بخلافه في هذا القسم، فإن الموقوف عليهم يملكون المنفعة
الخاصة ملكا مضيقا كالسكنى مثلا، من غير أن يجوز لهم بيعها وإذا ماتوا
تنتقل تلك المنفعة إلى الوارث، ومن هنا لو غصبه غاصب يضمن الأجرة
للجهة لا لخصوص الساكن في ذلك، وهذا القسم كالمدارس والربط
والخانات ونحوها.
والظاهر أن هذا أيضا تمليك للجهة العامة للوجوه المتقدمة والسيرة
العقلائية، وهنا أوضح من السيرة في القسمين المتقدمين، فإن هذا القسم
من الأوقاف كان موجودا في الزمن الجاهلية أيضا، وقفا على طبق
مسلكهم، فإنها قائمة على ضمان الغاصب، فبالملازمة تدل على
الملكية.
ومما ذكرناه ظهر ما في كلام المصنف، من عطف الرباط والخانات
والقناط على المساجد، فإنه فرق واضح بينهما، إذ الوقف في المساجد
تحرير فلا يجوز بيعه بوجه كما عرفت، ولكن الوقف للرباط والخانات
والمدارس ليس تحريرا بل تمليك للجهة العامة فيجوز بيعها، فكم فرق
بينهما.
441

وأما المشاهد فهل هي مثل المساجد أو كأوقاف العامة، ويقع البحث
فيها في جهتين: الأول في أرضها، والثانية: في الآلات التي توقف عليها،
من السراج والقناديل والذهب والفضة والفرش ونحوها.
أما الكلام في أرضها، فالظاهر أنها ملحقة بالمساجد وليست ملكا
لأحد بل تحرير محض، ومن هنا ألحقوها بالمساجد في جميع الأحكام الشرعية، وعليه فلا يصح بيعها بوجه، بل يعامل معها معاملة المساجد.
والحاصل أن الوقف على أنحاء:
منها: أن يكون تحريرا كالمساجد والمشاهد المشرفة، فإنها لله
ووقفوها لأن تكون معابد للمسلمين، من غير أن تكون ملكا لأحد أو
لجهة، كما أن البيع والكنائس معابد لليهود والنصاري، من غير أن تكون
ملكا لأحد، وعليه فلا يجوز بيعها كما عرفت، وأما الوقف للصلاة مثلا
فليس بمسجد كما تقدم.
وأما لا يكون الوقف تحريرا فيكون تمليكا، سواء كان وقفا على
الذرية أو وقفا على الكلي، كوقف الحمامات والدكاكين ونحوهما على
الكلي، كالعلماء والصلحاء والفقراء والزوار ونحوهم من العناوين
الكلية، بحيث تكون المنفعة ملكا طلقا لهم، أو وقفا على الجهة كالرباط
والخانات والقناطر ونحوها، فإنها وقف على الجهة لينتفعوا منها فقط،
بحيث كما أن ملكهم على الوقف مضيق فكذلك ملكهم على المنفعة
أيضا مضيق، وربما يعبر عن ذلك بملك الانتفاع، ولكنه لا معنى له.
والوجه في كونه تمليكا هو قيام السيرة العقلائية على ضمان الغاصب
لهذه الأوقاف بخلاف المساجد، فبالملازمة نكشف كونه تمليكا.
وهذا لا شبهة في جواز بيعها مع عروض المسوغ لها، كما سيأتي في
مسوغات بيع الوقف.
442

4 - ثم إن هنا قسما آخر من الوقف فيكون به الأقسام خمسة، وهو
الوقف على الوقف، نظير الأوقاف على المساجد والمشاهد
والمدارس، كما جرت السيرة على وقف الدكاكين والحمامات
والعقار على المدارس والمساجد والمعابد.
والظاهر أنها تمليك عليها، وإن كانت نفس المساجد غير مملوكة،
وذلك فإن قوام الملكية إنما هو بالإضافة بين المالك والمملوك، فتلك
الإضافة خفيفة المؤونة، فكما يمكن اعتبار الملكية للأحياء والأموات
من ذوي الشعور والعقول، فكذلك يمكن اعتبارها لغير ذوي الشعور
أيضا من الجمادات، كما يمكن اعتبارها للكلي واعتبار الكلي ملكا
للشخص مع الإضافة إلى الذمة على ما تقدم.
وبالجملة أن اعتبار الكلي لغير ذوي الشعور من الأشخاص الجمادية
ليس أخف من اعتبارها للكلي واعتبار الكلي ملكا لذوي الشعور كما هو
واضح، بل هذا المعنى موجود في بناء العقلاء أيضا مع قطع النظر عن
الشرع، فإن في بنائهم اعتبار الملكية على غير ذوي الشعور.
وعليه فآلات المسجد وأسبابه لا تلحق بالمسجد في الحكم بجواز
البيع، فإن نفس المسجد ليس ملكا لأحد كما عرفت، وهذا بخلاف
الآلات، فإنها تمليك للمسجد، فيجوز بيعها إذا عرض لها ما يسوغ
البيع.
ولا يبعد بل من القريب أن من هذا القبيل الموقوفات التي وقفت على
المشاهد المشرفة من القناديل والسراج ونحوهما، فإنها تمليك لها
لينتفع بها فيها بالمنافع التي أعدت لها، ولو كانت هي التزين وتعظيم
الشعائر فإنه لا يترتب فائدة على القناديل المعلمة من المشاهد والجواهر
المعلقة مع كونها بأغلى القيم وأعلاها إلا التزيين والتعظيم، فلا يجوز بيع
443

شئ منها إلا بعروض مجوز، فليس حكمها حكم المشاهد، فإنك
عرفت أنها ليست ملكا لأحد بل هي تحرير كالإماء والعبيد إذا أعتقوا،
وهذا بخلاف هذه الأمور، فإنها تمليك للمشاهد، فيجوز بيعها عند
عروض المجوز ومن أخذها يكون ضامنا.
ومن هذا القبيل وقف الدكاكين والحمامات وبقية الأملاك على
المدارس والمساجد والمشاهد، ولكن فرق بينها وبين آلات المسجد
وقناديل الحرم وجواهر التي وقفت للتزيين والتعظيم، وهو أن الدكاكين
ونحوها وقفت عليها لتكون منافعها لها بحيث تصرف فيها، نظير صرف
منافع الموقوفات على الكلي في أفرادها، فتكون تلك المنافع ملكا طلقا
لها ومملوكا شخصيا لهؤلاء، وكذلك المنافع تكون ملكا طلقا للمساجد
والمشاهد، بحيث إن لمتوليها بيع تلك المنافع وتبديلها بشئ آخر من
غير عروض مجوز لها ثم بيع ذلك أيضا وتبديلها بشئ آخر من الدار
والدكان ونحوها.
وهذا بخلاف الأصل أعني ذي المنفعة، فإنه لا يجوز بيعها إلا
بعروض المجوز، كما أن ما يكون وقفا للعناوين الكلية أو الذرية تكون
منفعتها ملكا طلقا لهم، يفعلون فيها ما يشاؤون، بخلاف أصل الوقف
الذي حصل منه النفع.
فحقيقة الوقف الذي عبارة عن تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة
موجودة هنا من غير أن يكون تحريرا، وهذا بخلاف مثل آلات المسجد
والمشاهد وما كان وقفا لها للتعظيم والتكريم، فإن نفعها عبارة عن
التعظيم فقط فليس لها نفع سواه وسوي التزيين، فيكون نظير الوقف على
الجهة كالمدارس والقناطر والربط والخانات، فليس للموقوف عليهم
إلا الانتفاع بالتفرج ونحوه، أي أنهم مالكون بمنفعة خاصة لا بجميع
444

منافعها، فإن مالكيتهم مضيق فيها كتضييق مالكيتهم على أصلها، لا أنهم
مالكون بالانتفاع.
فإنه لا معنى للوقف بأن يكون الموقوف عليهم أن يملكون على
فعلهم، وجملة من تلك الآلات نفعها يكون منحصرا باستراحة الزوار
والمصلحين، وجملة منها تكون ذو جنبتين، أي يكون نفعها تعظيما
للشعائر وعائد إلى استفادة الزوار والمحصلين، وعلى كل حال فليست
وقفا على الجهة، بل وقف على نفس المساجد والمشاهد وتمليك لها،
ولكن الداعي يختلف، تارة يكون انتفاع الناس فقط، وأخرى تعظيم
الشعائر من حيث التزيين فقط، وثالثة يجتمعان، وكيف كان فما كان نفعه
عائدا إلى الواردين فمن حيث إنهم واردين لهذا المحل وزوارها
والمصلين فيها.
ثم إنه من هذا القبيل الأجزاء المستحدثة في المساجد والمشاهد
كالسقف والجدران ونحوهما، فإنها تمليك لها من غير أن تكون تحريرا،
ولذا يجوز بيعها بعد الخراب إذا لم يمكن صرفها في نفسها، بل يمكن
القول بذلك فيها إذا لم تكن مستحدثة بل صار وقفا على هذا النحو، كما
إذا بنى بناء ثم جعله مسجدا.
بل الأمر كذلك في جميع أجزاء المشاهد والمساجد، أي ما كان
الوقف تحريرا، فجميع أجزائها من الأرض والجدار والسقف وسائر
الأجزاء كلها وقف على نحو التمليك للمسجد والمشهد، وأن المسجد
والمشهد غيرها، أي المكان التي تلك الأجزاء موجودة فيها فإنها
بحسب التحليل والدقة ليست بمسجد ومشهد بل من أجزائها، وإن كان
يحرم تنجيسها وهتكها، إلا أن ذلك من جهة كونها جزءا للمسجد
والمشهد.
445

تحقيق في معنى المكان في الأملاك الشخصية والأوقاف والمسجد الحرام
وتحقيق هذه الدعوى، أن المسجد إنما هو المكان الذي يحتاج إليه
كل جسم ويفتقر إليه، وليس هذا المكان عبارة عن الأرض ولا الهواء
الموجود في الفضاء، بل هما أيضا من الأجسام المحتاجة إلى المكان،
بل المكان وإن كان شيئا يحتاج فهمه إلى النظر الدقيق بل مما يتحير فيه
العقول ويختلف فيه أهل الفلسفة أيضا في بحث الأعراض وفي بحث
غناء الواجب تعالى من المكان.
ولكن الظاهر ولو بحسب المسامحة العرفية أنه عبارة عن البعد الخالي
من كل شئ حتى من الهوى، ولذا لو أخرجت جميع أجزاء المسجد من
الأرض والسقف والجدران إلى محل آخر وأترك محلها تراب وجص
غيرها ترتب حكم المسجد على الأجزاء الجديدة وانسلخت عن
الأجزاء الخارجة.
وهكذا الحكم في غير المساجد من الأملاك الشخصية، فإن المكان
الذي متعلق حق الناس إذا خلا عن جميع الأجزاء من التراب والأجر
والجص، وبفرض المحال عن الهواء أيضا، بل إلى تخوم الأرض
بالفرض المحال، لو كان إلى تخوم الأرض متعلق حق الغير، وإن لم يكن
كذلك فإن متعلق الحق ما يعتبره العقلاء للملاك من الفوق والتحت،
وكذلك في المساجد في غير المسجد الحرام.
فإنه ورد روايتين في خصوص مسجد الحرام أنه مسجد من تخوم
الأرض إلى عنان السماء (1)، فإذا خليت عن التراب إلى تخوم الأرض

1 - عن الصادق (عليه السلام): أساس البيت من الأرض السابعة السفلي إلى الأرض السابعة العليا
(الفقيه 2: 160، عنه الوسائل 4: 339)، ضعيفة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل قال: صليت فوق أبي قبيس
فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال: نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء (التهذيب 2: 383،
عنه الوسائل 4: 339).
446

بالفرض المحال هل يتوهم أحد أن حق المالك زال عن هذا المكان، بل
نفس ذلك المكان متعلق حق الغير وملك له، فليس لأحد أن يزاحمه.
وبالجملة أن المكان سواء كان مسجدا أو ملكا لأحد ليس عبارة عن
الأرض والهواء بل جميعها موجود في المكان، وذلك المكان مسجد
وملك للغير من الفوق والتحت بالمقدار المتعارف لا من تخوم الأرض
إلى عنان السماء، كما توهم أنه من تخوم الأرض إلى عنان السماء مسجد،
فإنه بلا مدرك، فلو خليت الأراضي من جميع الأجزاء الأرضية بل الهواء
أيضا محالا، فالمكان الخالي من الفوق والتحت مسجد وملك للغير
بالمقدار الذي يعتبره العقلاء ملكا في الأملاك، وهذا المقدار أيضا
مسجد.
وكذلك الأمر في المسجد الحرام أيضا، فلو خربت الكعبة - العياذ
بالله - وأخرجت الأحجار والتراب عنها، فلم تزل الكعبة، بل زالت
أجزاؤها بحيث لا فرق بين البناء الموجود فيها والهواء الموجود في
السماء الرابع، فإن جميعها كعبة، وكذلك إلى تخوم الأرض، فالكعبية
غير قائمة بذلك البناء.
والذي يدل على صدق هذه الدعوى، مضافا إلى ما ذكرناه، ما ذكره
شيخنا الأستاذ (1)، من أن المساجد وكذلك المشاهد تحرير ملك وفك له
إلى الأبد حتى يرث الله الأرض، بحيث لا ينقلب عما هو عليه بوجه، مع

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 386.
447

أن جدرانها وكذلك سائر أجزائها عن السقف وغيره لا تبقى إلى الأبد بل
تخرب ويتجدد ببناء آخر ولو بعد ألف سنة، فلو كان قوام المسجدية
والمشهدية بتلك الأجزاء لزالت ولم تبق إلى الأبد، فهو خلف
ومناقضة، ونكشف من ذلك أن المسجدية غير قائمة بها، وإنما هي
أجزاء المسجد كما لا يخفى.
ثوب الكعبة
بقي هنا شئ، وهو أن ثوب الكعبة هل هي وقف للكعبة أو للزائرين
أو للخدمة، وأنه على تقدير كونه وقفا للكعبة كيف يجوز أخذه في كل
سنة وصرفه في غير مصارف الكعبة.
أقول: الظاهر أنه بذل للبيت إلى أن يكون لها سنة واحدة، فلا يجوز
التصرف فيه إلى سنة، ثم يأخذه المتصدي للكعبة ويتصرف فيه ببذله
إلى خدمته أو إلى زواره كيف شاء، بل سمع أن في المصر موضع وقف
على ذلك بحيث أن يصنع منه في كل سنة ثوبا للكعبة.
وبالجملة أن ثوب الكعبة لا يقاس ببقية أموال المساجد والمعابد
والمشاهد، فإنه لا يجوز التصرف في بقية أموالها بنحو، وهذا بخلاف
ثوب الكعبة، فإنه يجوز التصرف فيها بعد سنة، لأنه من الأول جعل
هكذا، خصوصا لو صح ما سمعنا من تهيئة موضع لذلك في المصر.
وبالجملة ثوب الكعبة ليس وقفا لها ليستشكل فيه بأنه كيف يسوغ
بيعه بعد سنة مع كون الوقف مؤبدا، بل هو هدية للبيت ينتفع به إلى سنة،
ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلى سنة ثم يؤخذ ويتصرف فيه، فمن
الأول جعل هبة للبيت إلى سنة ثم إلى المسلمين أو الخدمة ونحوهم.
ويشهد على ذلك ما ورد من جواز بيع أستار الكعبة والانتفاع به، كما
448

في رواية مروان بن عبد الملك (1).
وأما ما ذكر من عدم جواز التكفين به فمن جهة الاحترام لتنجسه بما
يخرج من أسفل الميت (2).
3 - لو سلمنا كون أدلة نفي الضرر صالحا للدليلية على بعض الخيارات
ولكن ليس مقتضاه ثبوت الخيار هنا، وتوضيح ذلك أنه:
لو قلنا بعدم حكومة آية نفي السبيل على أدلة البيع والخيارات، كما
منع عنه المصنف فيما تقدم، حيث قال: وحكومة آية نفي السبيل على
أدلة البيع غير معلومة، فحينئذ تقع المعارضة بينهما في مورد بيع العبد
المسلم من الكافر، وفسخ البيع الموجب لتملك الكافر العبد المسلم،
معارضة العموم من وجه، فحينئذ تصل النوبة إلى الأصل العملي، فهو
في المقام استصحاب لزوم العقد، إذن فيتقدم عليه دليل نفي الضرر،
فيثبت ما ذكره المصنف، إلا أنه لم يقل به المصنف.
فإن قلنا بالحكومة، كما هو ظاهر المصنف، وإن منع عنه سابقا، ولكن
ظاهر كلامه العدول عنه بعده، بأن تكون آية نفي سبيل حاكمة على أدلة

1 - عن مروان بن عبد الملك قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى من كسوة
الكعبة شيئا فقضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده هل يصلح بيعه؟ قال: يبيع ما أراد ويهب
ما لم يرد، ويستنفع به ويطلب بركته، قلت: أيكفن به الميت؟ قال: لا (الكافي 3: 148، الفقيه
1: 90، التهذيب 1: 434، عنهم الوسائل 3: 44، 13: 258)، ضعيفة للارسال.
2 - عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن رجل اشترى
من كسوة البيت شيئا هي يكفن فيه الميت؟ قال: لا (التهذيب 1: 436، عنه الوسائل 3: 44)،
صحيحة.
أقول: حمل صاحب الوسائل عدم الجواز في هذه الروايات على عدم جواز كون الكفن
حريرا محضا.
449

الخيارات والبيع، كحكومة: ما جعل عليكم في الدين من حرج (1) على
الأحكام الحرجية، فحينئذ تقع المعارضة بينها وبين أدلة نفي الضرر،
لكون كل منهما حاكما على الأدلة الأولية، فالمعارضة بين الدليلين
الحاكمين، إذ الآية تنفي الخيار لكونه موجبا لتملك الكافر المسلم
وسبيلا عليه، وأدلة نفي الضرر تثبته لكون لزوم ضرريا.
فحينئذ لا وجه لتقديم أدلة نفي الضرر على الآية من جهة قوة أدلتها،
لعدم الوجه على قوتها، إما من حيث السند فالآية مقطوعة الصدور
بخلاف أدلة نفي الضرر فإنها غاية الأمر موثقة، وأما بحسب الدلالة
فكذلك أيضا، لأن المفروض أن الآية شاملة لموارد تملك الكافر
المسلم، فلو لم تكن الآية متقدمة على أدلة نفي الضرر لقوتها فلا تتقدم
أدلة نفي الضرر عليها لذلك، كما لا يخفى، فافهم.
المناقشة في كلام العلامة (رحمه الله) بجواز رد الثمن إذا كان فيه عيب
ثم إن هنا توهما أشار إليه العلامة في القواعد (2) ولم يسبقه أحد، من أنه
لو باع الكافر المسلم من المسلم فوجد في الثمن عيبا جاز له رد الثمن،
وأما استرداد العبد ففيه نظر بل يرد بدله، وإلا يلزم السبيل المنفي بالآية.
وأجاب عنه المصنف بأن في رد البدل أيضا سبيل، ولذا حكموا
بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشتري، ولولا هذا لأمكن توجيه
كلامه، أن مقتضى الجمع بين الأدلة ونفي السبيل ثبوت الخيار والحكم
بالقيمة، فيكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد الثمن، كنقل المبيع
في زمن الخيار، وكالتلف الذي هو مانع عقلي.

1 - الحج: 78.
2 - القواعد 1: 124.
450

وأما ما ذكره المصنف فلا وجه له بوجه، فإن استحقاق الكافر البدل
ليس سبيلا على المسلم وإلا لزم كون استيفاء الثمن أيضا سبيلا، وأما
سقوط الخيار في بيع من ينعتق على الكافر فمن جهة عدم قابلية المورد
لذلك، لصيرورته حرا بمجرد البيع، فلا يبقى مجال للرجوع إلى البدل
أيضا.
وأما مطالبة القيمة في التلف في زمن الخيار أو النقل فيه الذي
لا يمكن رد العين فيه، فمن جهة أن للمالك حق مطالبة عين ماله، فحيث
لا يتمكن منه فيطالب ببدله، لا أن له الخيار بحيث يفسح العقد ويطالب
ببدله أو قيمته، فإنه لا دليل عليه بوجه، كما هو واضح.
وأما ما أفاده العلامة، ففيه أنه إن تم دليل الخيار فيسترد العين وإلا
فلا، وأما رد القيمة فلا مقتضى له أصلا، ثبت له الخيار أم لم يثبت.
تحقيق حول آية نفي السبيل ونتيجته في المعاملات
ومحصل الكلام من الأول وتحقيقه ونتيجته في المعاملات فهو:
إما أنه تارة نقول باختصاص الآية بنفي الجعل تكوينا، بمعنى أن الكافر
ليس له سبيل تكوينا على المؤمن، كما استفيد ذلك من الآية صدرا
وذيلا، وبإتيان النفي بلن، وحيث ليس في الدنيا كذلك فتختص
بالآخرة، خصوصا بقرينة قوله تعالى: فالله يحكم بينكم يوم القيامة (1)، و
على هذا فتكون الآية أجنبية عن المقام بالكلية.
وأخرى نقول باختصاصها بالنفي التشريعي، أي لن يجعل الله في
عالم التشريع سبيلا للكافر على المؤمن، فتكون حينئذ حاكمة على
جميع الأحكام الأولية، كحكومة نفي العسر والحرج عليها.

1 - النساء: 141.
451

وعلى هذا فإن لم تشمل الملكية أو شككنا في شمولها عليها
فكالأول، فلا تشمل المقام وإن كانت شاملة عليها، لكون ملكية الكافر
على المسلم سبيلا عليه وسلطنة عليه، فكما تكون حاكمة على سائر
الأحكام فتكون حاكمة على العمومات الدالة على حصول الملك،
ك‍ أوفوا بالعقود (1) ونحوه.
فلا يجوز بمقتضى الآية بيع العبد المسلم من الكافر وتملكه له إلا فيما
دل دليل الخاص على جواز التملك، كما ادعى الاجماع على ذلك في
الإرث، وأما في غير موارد الاجماع وعدم الدليل على التملك فتكون
آية نفي السبيل محكمة، كما ذهب إليه المصنف.
وإن كانت الآية شاملة لكل من نفى الجعل التشريعية والتكوينية،
بإرادة الجامع من السبيل الشاملة لهما وشملت للملكية أيضا، فلا تكون
الآية حاكمة على سائر الأحكام ولا على أدلة صحة المعاملات، فإن
حكومتها عليها في فرض اختصاصها بالنفي التشريعي.
وعلى فرض إرادة الجامع فيكون النفي التشريعي من مصاديق الآية،
وحينئذ تقع المعارضة بينها وبين أدلة صحة المعاملات ك‍ أوفوا
بالعقود (2)، بالعموم من وجه، فحيث إن عموم دليل الوفاء بالعقد وضعي،
لكونه جمعا محلي باللام، وعموم الآية بالاطلاق لكونه من جهة وقوع
النكرة في سياق النفي الذي ثبت عمومه بمقدمات الحكمة، فيكون:
أوفوا بالعقود مقدما على آية نفي السبيل، إذا فيحكم بجواز بيع العبد
المسلم من الكافر.

1 - المائدة: 1.
2 - المائدة: 1.
452

نتيجتها في الخيارات
ألف - إذا كان مدركها غير قاعدة لا ضرر
هذا كله في المعاملات التي تقدمت، وأما الخيارات فأيضا إن أريد من
الآية خصوص النفي التكويني فتكون أجنبية عن المقام، وإن أريد منها
النفي التشريعي فتكون حاكمة أيضا على جميع الأحكام، ومع ذلك لو
لم تشمل للملكية أو شككنا في شمولها لها فتكون أجنبية عن المقام
أيضا، فلا تكون حاكمة على أدلة الخيارات كما لم تكن حاكمة على أدلة
البيع، أي أجنبية عما نحن فيه، وإن قلنا بشمولها للملكية أيضا فتكون
حاكمة على أدلة الخيارات كما كانت حاكمة على أدلة المعاملات،
فيحكم بلزوم البيع ولزوم سائر المعاملات الواقعة عليها عند نقل الكافر
ذلك من ملكه إلى غيره.
وإن قلنا بعموم الآية للنفي التكويني والتشريعي بإرادة الجامع من
السبيل، فلا تكون حاكمة حينئذ على أدلة الخيارات كما تقدم في
المعاملات، بل تقع المعارضة بين الآية وبين أدلة الخيارات بالعموم من
وجه.
وبما أنا ذكرنا في الأصول أنه إذا تعارض الآية مع الروايات بالعموم من
وجه تتقدم الآية على الرواية، لشمول الأخبار المتواترة الآمرة بطرح ما
خالف كتاب الله (1)، أو أنه لم نقله (2)، أو زخرف (3)، إلى غير ذلك من

1 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن على كل حق
حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (الكافي
1: 69)، موثقة.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خطب النبي (صلى الله عليه وآله) بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني
يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (الكافي 1: 69)، صحيحة.
3 - عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كل شئ مردود إلى الكتاب
والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (الكافي 1: 69)، صحيحة.
453

المضامين لصورة المعارضة بالعموم من وجه، فإذا تتقدم آية نفي السبيل
على أدلة الخيارات.
ولكن لا تجري هذه الكبرى في خصوص المقام ولا تنطبق عليه،
وذلك من جهة أنا لا نحتمل جواز بيع العبد المسلم من الكافر وعدم جواز
فسخه العقد، بل إذا جاز البيع جاز الفسخ بطريق أولى.
وهذا بخلاف العكس، فإنه يمكن الالتزام بجواز الفسخ، ولا نلتزم
بجواز البيع، وعلى هذا فتقديم الآية على أدلة الخيارات يستلزم عدم
جواز الفسخ، وقد قلنا بجواز البيع بتقديم دليل الوفاء بالعقد على آية
نفي السبيل.
وعلى هذا لو قدمنا الآية على أدلة الخيارات فلازمه تقديمها على أدلة
البيع أيضا، لوقوع المعارضة بين آية نفي السبيل وبين آية: أوفوا
بالعقود (1) بالملازمة المذكورة، فحيث عرفت أن عموم آية: أوفوا
بالعقود بالوضع وعموم آية نفي السبيل بالاطلاق فتكون آية أوفوا
مقدمة على آية نفي السبيل، فتكون أدلة الخيارات متقدمة عليها
لتعاضدها بآية: أوفوا.
وبالجملة عند معارضة الآية مع الرواية بالعموم من وجه، وإن كانت
الآية مقدمة على الرواية، وليس ذلك لتعارض الآيتين ليحكم بالتساقط
لو لم يكن في أحدهما ترجيح بحسب الدلالة، ولكن إذ تعاضدت

1 - المائدة: 1.
454

الرواية بآية تكون تلك الآية في نفسها عند معارضتها بآية الأخرى
المعارضة مع الرواية مقدمة عليها، فقهرا تكون الرواية أيضا مقدمة على
الآية لأجل تلك المعاضدة كما لا يخفى.
إذن فلا بد من العمل بأدلة الخيارات، فيثبت جواز الفسخ للكافر
وللمسلم كليهما، كما كان جواز البيع ثابتا لهما بأن يبيع المسلم العبد
المسلم من الكافر، غاية الأمر بمجرد الفسخ يجبر على البيع ثانيا، كما أنه
يجبر على البيع مع الشري ابتداء.
ب - إذا كان مدركها قاعدة لا ضرر
هذا كله بالنسبة إلى أدلة الخيارات غير ما إذا كان المدرك هي قاعدة
لا ضرر، فلا شبهة أن كل واحد من قضية لا ضرر وآية نفي السبيل يكونان
حاكمتين على الأدلة الأولية في عرض واحد وتقع المعارضة بين الدليلين
الحاكمين بالعموم من وجه.
فما ذكره المصنف من تقديم أدلة نفي الضرر لقوته على الآية بلا وجه،
بل لا بد من تقديم الآية على القاعدة، بناء على ما ذكرناه من لزوم تقديم
الآية على الرواية عند المعارضة بالعموم من وجه ويتساقطان فتصل
النوبة إلى أدلة صحة البيع ولزومه، لأن المانع عنه إنما كان هو دليل نفي
السبيل للحكومة فإذا ابتلى بالمعارضة فانتفي العموم الدال على اللزوم،
ولكن لخصوصية المورد أيضا لا بد من تقديم قاعدة لا ضرر على الآية،
لمعاضدتها بآية: أوفوا بالعقود (1).
فإن تقديم آية نفي السبيل بالملازمة تنفي تقديم آية أوفوا بالعقود،

1 - المائدة: 1.
455

فإن نفي الخيار والحكم باللزوم البيع بآية نفي السبيل تقديمها على دليل
الوفاء بالعقود، إذ لا يحتمل الالتزام بعدم جواز الفسخ والالتزام بجواز
البيع، بل لو التزمنا بعدم جواز الفسخ فعدم جواز البيع أولى كما تقدم.
إذن فالمعارضة بين آية نفي السبيل وقاعدة لا ضرر المعاضدة بآية
أوفوا بالعقود، بحيث إن عموم دليل الوفاء بالعقد وضعي وعموم آية
نفي السبيل اطلاقي، فيتقدم على آية نفي السبيل، فيحكم بجريان الخيار
في بيع العبد المسلم على الكافر للمسلم والكافر، بناء على صحة كونها
مدركا لثبوت الخيار.
فتحصل أنه لا دليل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر،
وعليه ففي كل مورد تحقق الاجماع على المنع كما في البيع ابتداء فيتبع
وإلا فيحكم بالجواز كالفسخ، إذ لا نطمئن بشمول الاجماع للفسخ أيضا،
فإذا فسخ الكافر العقد وتملك العبد ثانيا فاجبر على البيع أيضا ثانيا كما
لا يخفى.
استدراك مما تقدم
وهو أنا ذكرنا تقديم عمومات الصحة على آية نفي السبيل عند
معارضتها معها أو بأدلة الخيارات، وكذلك ذكرنا تقديم أدلة نفي الضرر
على آية نفي السبيل عند حكومتها وحكومة آية نفي السبيل على سائر
الأدلة.
إلا أن هذا الأخير ممنوع، إذ بعد حكومة الآية مع أدلة نفي الضرر على
سائر الأدلة لا وجه لمعاضدة أدلة نفي الضرر بالعمومات بالملازمة، كما
كان هو الميزان في تقديمنا أدلة الضرر على غيرها.
456

الكلام في مسوغات بيع الوقف
قوله (رحمه الله): إذا عرفت جميع ما ذكرنا فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع
في صور.
أقول: ذكرت أمور يجوز بها بيع الوقف:
الصورة الأولى: أن يخرب الوقف
وإن كان المذكور في كلامهم هو ذلك، ولكن الخراب ليس موضوعا
للحكم، بل موضوع الحكم هو عدم امكان الانتفاع به، والخراب مقدمة
لذلك.
ومن هنا لا ينحصر الحكم بالخراب فقط، بل يجري في كل مورد سقط
عن الانتفاع به، كما يجري في الخراب أيضا، وذلك كالدار الموقوفة إذا
خربت، وكذلك أخشابها، والحيوانات الموقوفة لمسجد إذا ذبحت،
أو الأعيان الموقوفة إذا سقطت عن الانتفاع بها كالدور، إذا كانت في قرية
خربت أو غار عنها أهلها وبقيت الدار الموقوفة مسلوبة عنها المنافع،
وهكذا الظروف والأخشاب والأحجار ونحوها، فتحصل أنه لا
موضوعية للخرابية.
ثم إنه يقع الكلام هنا في جهتين: الأولى من جهة المقتضي، والثانية من
جهة المانع.
أما الكلام في الجهة الأولى: فحاصل ما ذكره المصنف أن المانع من
بيع الوقف أمور فلا يجري شئ منها في المقام:
ألف - الاجماع.
فيه وإن ادعى الاجماع على عدم جواز بيعه كما هو كذلك، سواء كان
457

اجماعا تعبديا أو لا، إلا أنه لا يجري في المقام، إذ لا خلاف في جواز
بيعه عند خرابه وسقوطه عن الانتفاع به.
ب - ما في رواية أبي علي بن راشد: لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل
الغلة في ملكك (1).
وفيه أنها منصرفة إلى غير هذه الحالة، لأن النظر فيها إن كان إلى
موردها فلا شبهة أن مورد كلامنا ما يكون الوقف ساقطا عن الانتفاع به
وفي الرواية ليس كذلك، ولذا فرضت فيها الغلة، فلو كانت ساقطة عن
الانتفاع بها لم تكن ذات غلة.
وإن كان النظر إلى اطلاقها فلا شبهة في انصرافه إلى غير هذه الصورة،
لأن الواقف وقف الأرض لتبقي موقوفة وينتفع الموقوف عليهم بها،
لتكون المنفعة ملكا طلقا لهم أو يملكون بالمنفعة الخاصة المعبر عنها
بملك الانتفاع بالمعنى الذي ذكرناه، وإلا فلا معنى للوقف لأن يملك
الموقوف عليهم بفعلهم فإذا سقط الموقوفة عن هذه الحالة فتخرج عن
لزوم ابقائها إلى الأبد فتخرج عن الوقفية التي كانت عبارة عن حبس العين
وتسبيل الثمرة، من حيث جواز البيع لا من جميع الجهات ليقال: إن لازم
ذلك سقوط الوقف عن الوقفية، كما تقدم ذلك في توجيه كلام صاحب
الجواهر وأستاذه كاشف الغطاء.
فمن الأول لم يشمل اطلاق الرواية على ذلك ومنصرف إلى غير تلك
الحالة كما ادعاه المصنف (رحمه الله) من أنها منصرفة إلى غير تلك الحالة.
ج - قوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (2).
ذكر المصنف أولا: أنه ناظر إلى وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، التهذيب 9: 129، صحيحة.
458

انشاء الوقف، وليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف،
وإن ذكر في متن العقد.
ثانيا: ولو سلم أن المأخوذ في الوقف ابقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه
من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين والمفروض تعذره
هنا.
أقول: لا وجه لما أفاده أولا، فإنه يرد عليه:
أولا: أنه مناقض لما استدل به سابقا على عدم جواز بيع الوقف.
وثانيا: أنه لا وجه لتخصيص الرواية بالكيفيات مع شمول اطلاقها
للبيع أيضا، فيحكم بعدم جواز بيع الوقف وعدم جواز التصرف فيه على
غير جهة قصد الواقف أخذا بالاطلاق.
وثالثا: على فرض عدم شمولها للكيفيات، فالأدلة الأخرى الناظرة
على امضاء الوقف على طبق المعنى اللغوي، الذي عبارة عن الحبس
والسكون، وعلى طبق المعنى الشرعي الذي ذكره الفقهاء، أعني حبس
العين وتسبيل الثمرة كافية في المانعية، فلم ترد الأدلة المانعة على نحو
التعبد، فعدم جواز بيع الوقف ليس للتعبد.
نعم ما أفاده ثانيا، من اعتبار ابقاء العين في مفهوم الوقف ولكن اعتبر
ذلك مقيدا بانتفاع البطون، فمع عدم امكان الانتفاع فلا يكون حقيقة
الوقف متحققة هنا، من حيث جواز البيع فقط لا من الجهات الأخرى
بحيث يكون الوقف مطلقا باطلا.
فحينئذ لا تمنع عن البيع الأدلة المانعة بوجه، لما عرفت أنها مسوقة
لامضاء ما اعتبر في مفهوم الوقف فقط وليست ناظرة إلى جهة التأسيس،
فمع انتفاء حقيقة الوقف ومفهومه من جهة جواز البيع فلا تبقى في البين
أدلة الامضاء أيضا.
459

أما الكلام في جهة الثانية، فهو ما أشار إليه بقوله: والحاصل أن الأمر
دائر بين تعطيله حتى يتلف - الخ.
أقول: إنه لا اشكال في وجود المقتضي لبيع الوقف إذا عرضه ما
يوجب سقوطه عن الانتفاع به، وتحقيق ذلك:
أن الأمر حينئذ دائر مدار تعطيل الوقف حتى يتلف وبين انتفاع البطن
الموجود به، وبين تبديله لينتفع به البطن المتأخر، والظاهر جواز تبديله
بل لزومه لينتفع به البطن الموجود والبطون المتأخرة، وذلك فإن العبارة
المقترنة بكلمة الواقف: حتى يرث الله الأرض ومن فيها، مع كون العين
الموقوفة مما لا بقاء لها إلى الأبد قطعا مع عدم المعنى لوقف المنقطع،
تدل على أن الخصوصية غير دخيلة في العين الموقوفة، وأن الملحوظ
فيها إنما هي طبيعي المالية في ضمن أي شخص كان، فما دام يمكن
الانتفاع بعينها فبها، وإلا فيبدل بعين أخرى عن جنسها أو من غير جنسها
فينتفع بها.
مثلا لو وقف عبدا أو حمارا أو شيئا آخر مما لا دوام فيه على صلاح
المسجد حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا بد وأن يكون نظر الواقف
إلى طبيعي المال، وإلا فلا معنى لتعقيب كلامه بهذه العبارة، لعدم كونها
قابلة للبقاء، فإذا سقطت عن الانتفاع بها يبدل بشئ آخر فينتفع به وهكذا
لتبقي إلى الأبد، إلا أن يعرضه بشئ ويهلكه، فحينئذ ينتفي الموضوع.
وهكذا الأمر في العين التي تصلح للبقاء ولكن عرض لها ما يسقطها
عن الانتفاع بها، كالدار الموقوفة في قرية، فإنه إذا غار أهلها سقطت هذه
الدار عن الانتفاع بها، فحينئذ يجوز بيعها وتبديلها بشئ آخر،
فلا يصرف ثمنها إلى الموجودين لينقطع الوقف، وإن كانت لعرصة هذه
الدار بقاء، لما عرفت أن غرض الواقف إنما هو البقاء إلى يرث الله
460

الأرض ومن فيها، والاتلاف مناف لغرض الواقف.
ومن هنا اندفع ما توهم من أن الأوقاف التي لا بقاء لها فإنما تصير ملكا
طلقا للبطون اللاحقة، فيجوز لهم أن يفعلوا فيها ما يشاؤون، على أن
لازم ذلك أن يجوز بيعها بمجرد موت الطبقة السابقة، وإن لم يعرض
للوقف ما يسقطه عن الانتفاع به، وهو خلاف البداهة.
ويؤيد ما ذكرناه أن الأوقاف، ولو كانت من قبيل الربط والخانات
لا بقاء لها إلى الأبد، فمع ذلك أي معنى لاقتران صيغة الوقف فيها بأنها
وقف إلى أن يرث الله الأرض ومن فيها، أي يفنى ما سوى الله، كما
ذكرت هذه الجملة في وقف علي (عليه السلام) في الرواية المتقدمة الحاكية عن
ذلك (1)، فيعلم من ذلك أن المراد هو ما ذكرناه.
نعم مع كون العين الموقوفة هي الأرض، تكون العرصة الخالية من كل
شئ قابلة للبقاء.
ومن هنا اندفع ما في المتن، من أنه إذا كان الوقف مما لا يبقى بحسب
استعداده العادي إلى آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقى
لهم، فينتهي ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه، ولعله إلى ذلك أشار
بالأمر بالتأمل.
ويضاف إلى جميع ما ذكرناه العمومات الدالة على صحة المعاملات
من: أوفوا بالعقود (2) وأحل الله البيع (3) وتجارة عن تراض (4)، فإنها

1 - التهذيب 9: 131، الإستبصار 4: 98، الفقيه 4: 183، عنهم الوسائل 19: 187، ضعيفة
لجهالة بعض رواته.
2 - المائدة: 1.
3 - البقرة: 275.
4 - النساء: 29.
461

تقتضي صحة بيع الوقف إذا سقط عن الانتفاع بها، فإن المانع عنها إنما
كانت هي الأدلة الدالة على عدم جواز بيع الوقف، فإذا سقطت هي عن
المانعية فتكون هي محكمة ومقتضية لجواز البيع كما لا يخفى.
وبالجملة أن أدلة عدم جواز بيع الوقف فيما إذا كانت العين الموقوفة
باقية على حالها وأمكن الانتفاع بها في الجهة التي وقفها الواقف لأجلها،
وإذا سقطت عن الانتفاع بها لم تكن مشمولة لها.
وبعبارة أخرى أن ما دل على المنع عن بيع الوقف ليس واردا على نحو
التعبد بل امضاء لما أنشأه الواقف، من جعله ساكنا وغير متحرك بالبيع
والهبة وجعله مهرا للزوجة وغيرها من التصرفات، كما يقتضيه مفهوم
الوقف أيضا، وإذا سقطت العين الموقوفة عن الانتفاع بها ارتفع المنع عن
بيعها وخرجت العين عن الوقفية من هذه الجهة وجاز بيعها كما لا يخفى.
كيفية صيرورة البدل وقفا
ثم إنه يقع الاشكال في أنه بعد ما جاز بيع الوقف مع عروض ما يخرجه
عن الانتفاع بها وبدل بشئ آخر، فكيف يصير ذلك وقفا كمبدله مع عدم
تعلق الانشاء من الواقف عليه.
وعلى تقدير تعلق الانشاء به فلا فائدة فيه، فإنه لا يملك بالبدل حين
وقف المبدل، فما لا يملكه لا يجوز وقفه، لأنه لا وقف إلا في ملك، وبعد
تبديله بالثمن فليس ملكا للواقف، وعلى تقدير رجوعه إلى ملكه
لا يكون وقفا إلا بانشاء جديد فهو منفي، بل مقتضى القاعدة حينئذ، أي
مع الرجوع إلى ملكه، أما كونه ملكا للواقف على تقدير حياته وللورثة مع
موته.
وهذا هو الذي يقتضي كون البدل وقفا للبطون جيلا بعد جيل، لا ما
462

ذكره المصنف من كون الملكية للموجودين فعلية وللمعدومين شأنية،
فإن الملكية الشأنية للمعدومين موجودة في أموال جميع الناس بالنسبة
إلى الورثة، فليس منحصرا بالمقام، بل ملكية المعدومين إنما هو بانشاء
الواقف، لا أن المعدومين يتلفون الملكية من الموجودين بموتهم، كما
يوهمه ظاهر عبارة المصنف، وإن لم يكن مرادا له فإن مراد ه هو ما
ذكرناه.
والذي ينبغي أن يقال: إن الانشاء وأن تعلق بالعين الشخصية
الموجودة في الخارج، ولكن لا خصوصية للخصوصية الخارجية في
العين الموقوفة، وإنما هي هذه العين الخارجية مع لحاظ المالية العارية
عن الخصوصية الشخصية، فهذه المالية في هذه العين الموقوفة
الخارجية ما دامت موجودة وبعدها تكون باقية في العين الآخر مع
التبديل.
وإذن فالمالية المحفوظة مع الامكان متعلق الوقف، فلا فرق في كونها
وقفا بانشاء الواقف، وهذا، ولا خدشة فيه في مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات، فالقرينة على ذلك كون الوقف مؤبدا إلى أن
يرث الله الأرض ومن فيها، وعدم امكان ابقاء العين إلى الأبد، فيعلم من
ذلك أن الوقف إنما تعلق بشئ له أمد حسب طول الزمان بقدر الامكان،
غاية الأمر ما دامت العين الموقوفة بشخصها باقية فخصوصياتها أيضا
متعلق الوقف حين الانشاء، ولذا لا يجوز تبديلها قبل عروض المجوز.
إذن فالبدل وقف بانشاء نفس الواقف لا بانشاء آخر، على أنه لو كان
ملكا للبطن الموجود لا تنقل حق كل منهم بمجرد موته إلى وارثه، مع أنه
ليس كذلك.
463

البحث في جهات
1 - هل البدل ملك للواقف أو للموجودين أو حكمه حكم الأصل في كونه وقفا
ثم إنه يقع الكلام في جهات:
الأولى: هل البدل ملك للواقف أو للموجودين أو حكمه حكم
الأصل في كونه وقفا.
فالظاهر أنه وقف كأصله، فليس ملكا للواقف ولا للموقوف عليهم، إذ
لا مقتضي له، بل ملك للموقوف عليهم ملكية قاصرة لا ملكية مطلقة،
ويدل على ذلك نفس جواز بيع الأصل مع عروض المجوز، فإنه لو كان
ذلك ملكا للموقوف عليهم لم يكن وجه لجواز البيع ولا للزومه، بل
يكون ملكا لهم بمجرد عروض المجوز.
فيعلم من ذلك أن الموقوفة أمر قابل للبقاء فما دام يمكن بقاؤها في
العين الخارجية فبها، وإذا توجه إلى الزوال فيباع فيبدل بشخص آخر
كما عرفت مفصلا، ولو كان ذلك ملكا للموقوف عليهم الموجودين لكان
حق كل منتقلا إلى وارثه بموت واحد منهم، وليس كذلك.
والذي يوضح ذلك وكون البدل وقفا، أنه لو أتلفه أحد فهل يتوهم
أحد أن ما ضمنه يكون للموقوف عليهم، بل لا شبهة في كونه وقفا
كالأصل ويجعل مقامه وتثبت لهم الملكية لها ملكية قاصرة، بمعنى
ليس لهم أن يفعلوا في البدل ما شاؤوا من الهبة والبذل وجعله مهرا
للزوجة إلا جواز البيع.
ومن هذا القبيل المثلان اللذان ذكرهما المصنف:
1 - أن دية العبد المقتول مشترك بين البطون فثمنه أولى بذلك، حيث
أنه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف، فجاز عقلا مع
464

سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن فإنه يملكه من يملكه بنفس
خروج الوقف عن ملكهم على وجه المعاوضة الحقيقة، فلا يعقل
اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض.
2 - إن بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا لأن حق الرهنية متعلق
بالعين، من حيث إنه ملك لمالكه الأول، فجاز أن يرتفع لا إلى بدل ارتفاع
ملكية المالك الأول بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه
ليس قائما بالعين من حيث إنه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت
نظير اختصاص البطن الموجود منشئ بانشائه مقارن له بحسب الجعل
متأخر عنه في الوجود.
وبالجملة تعلق غرض الواقف بدوام الوقف وكونه مؤبدا وجواز بيعه
إذا عرضه ما يسقطه عن الانتفاع به، وكون بدله وقفا في موارد الاتلاف
والغصب، كما أن بدل الرهن رهن جميعها يدل على كون البدل قائما مقام
المبدل بعد البيع، كما هو واضح.
عدم احتياج البدل إلى الصيغة
نعم بعد ما كان حكم المبدل جاريا على البدل، فهل يحتاج إلى صيغة
الوقف أم لا يحتاج، فالظاهر أن هذا الاحتمال احتمال لغو، وذلك لأن
البدل إن كان بمجرد الشراء والبيع وقفا فلا يحتاج إلى الصيغة ثانيا، لأنه
تحصيل الحاصل، وإن لم يكن وقفا بأن كان يرجع إلى ملك الواقف فما
الذي أوجب كونه وقفا، بل يبقى في ملك الواقف مع وجوده وينتقل إلى
ملك الوارث مع موته، وكذلك إذا كان ملكا للموقوف عليهم.
وبالجملة لو قلنا باحتياجه إلى الصيغة فلا بد وأن يكون ملكا لشخص
في الزمان الفاصل بين البيع واجراء الصيغة، وآي ملزم لاجراء الصيغة
465

والوقف ثانيا مع كونه ملكا لأحد بل له أن لا يوقفه ثانيا.
وينبغي أن يقال: إن البدل وقف من دون احتياجه إلى الصيغة، أما كونه
وقفا فكما عرفت، وأما عدم احتياجه إلى الصيغة، فلما عرفت أيضا من
أنه مع الاحتياج إليها يلزم أن لا يكون وقفا ولو بالمقدار الفاصل بين البيع
والوقف وبعده، فما الملزم للمالك لأن يوقف ذلك ثانيا إذا أراد أن
لا يوقف، مع أنا نقول بالوقفية مطلقا.
على أن البيع تبديل شئ بشئ في جهة الإضافة، فما يكون وقفا
ملك للموقوف عليهم في غير موارد التحرير فإذا بدل بشئ آخر يكون
البدل أيضا قائما مقام المبدل وملكا للموقوف عليهم، نظير بيع الزكاة،
فإن بدلها يقوم مقام المبدل فيكون زكاة، وهكذا في جميع الموارد كما
لا يخفى (1).
2 - هل يترتب حكم المبدل على البدل من جهة قصور مالكية الموقوف عليهم
الجهة الثانية، فهل يترتب حكم المبدل على البدل، بمعنى أنه كما
كانت مالكية الموقوف عليهم بالنسبة إلى الوقف قاصرة فكذلك مالكيتهم
على البدل أوليس كذلك.
الظاهر أن حكم المبدل ترتب على البدل من جميع الجهات، فلا يجوز
اعدامه، ولا هبته ولا جعله مهرا للزوجة ولا أكله، لو كان مثل الشاة
ونحوها، إلا في جواز البيع مطلقا، فإن الأصل لا يجوز بيعه إلا مع عروض
المجوز، وهذا بخلاف البدل فإنه يجوز بيعه وإن لم يعرضه المجوز.
والوجه في ذلك هو أن انشاء الواقف تعلق بالمبدل مع لحاظ ماليته،
بحيث جعل العين الشخصية الخارجية وقفا باعتبار ماليته ليكون الوقف

1 - في حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله): 175 ما يرجع إلى ذلك.
466

قابلا للبقاء، فما دام شخص الخارجي موجود لا يجوز بيعه إلا مع عروض
المسوغ، وإذا انتقل إلى البدل فلا يفرق في البدلية بين هذا وذاك، ولذا
لو رأى المتولي مصلحة في البيع فيجوز له بيعه، أي البدل، ثم تبديله
بفرد آخر وإن لم يعرضه المسوغ بخلاف الأصل، فإن بدل لما يجوز بيعه
فلو لم يجز بيع البدل لزم كون الفرع زائدا على الأصل، ومن هنا جاز بيعه
بدنانير اليوم مع أنه لا ينتفع بها إلا باعدام الموضوع لكونه قرطاسا،
فلا معنى في كون القرطاس وقفا.
نعم لو كانت الدنانير من الذهب فجاز وقفها لزينة النساء لاحتياجهم
إليها في عرسهم، فمن ليس له ذلك فتتزين بها أياما ثم يردها إلى محلها
وهكذا يأخذها الآخر، فلو لم يجز بيع البدل قبل عروض المجوز
لم يجز بيعه من الأول بالدنانير الفعلية.
وبالجملة كما أن الموقوف عليهم مالكون على الوقف ملكية قاصرة،
فكذلك مالكيتهم على البدل قاصرة، فكما أن الأصل جاز بيعه فكذلك
الفرع وإلا لزاد الفرع على الأصل، إلا أن في البدل خصوصية لا يحتاج
إلى عروض المجوز، وهي ما ذكرناه.
ودعوى كون البدل أيضا وقفا مع الخصوصيات الخارجية الشخصية
دعوى جزافية، لاحتياجه إلى الانشاء الآخر من الواقف فهو منفي،
والانشاء الواحد لا يتكفل بكون الأصل والفرع بخصوصيتهما وقفا كما
لا يخفى.
ودعوى أن كون البدل بالخصوصيات الشخصية وقفا لا يقتضي تعدد
الانشاء وإلا لزم تعدده في المبدل أيضا دعوى جزافية، فإن الواقف أنشأ
كون العين الخارجي وقفا بجميع شؤونها إلا إذا عرضه المسوغ فيجوز
بيعه، فإذا بيع ينتقل الحكم إلى البدل من جهة المالية ويترتب عليه جميع
467

أحكام المبدل في حالة جواز البيع، فحيث كانت الملكية عليه قاصرة
فكذلك الملكية على البدل، بمعنى أنه لا يجوز التصرفات المالكية فيها
إلا البيع كما عرفت.
وذكرنا إلى هنا أن الوقف إذا عرضه ما يسقطه عن الانتفاع به فيجوز
بيعه، وأن الأدلة المانعة أيضا لما أنشأه الواقف، من حبس العين وتسبيل
الثمرة فلا تشمل صورة تعذر الانتفاع، لعدم كون تلك الأدلة تعبدية، كما
عرفت أن حكم البدل حكم الأصل من جميع الجهات، فكما أن ملك
الموقوف عليهم على المبدل ملكية قاصرة فكذلك ملكهم على البدل
بمقتضى الانشاء والأدلة المانعة، وأوفوا بالعقود (1)، فكما يجوز بيع
المبدل وكذلك يجوز بيع البدل فإنه بدل لما يجوز بيعه، فلو لم يجز بيعه
فكان الفرع زائدا عن الأصل.
3 - هل يجب شراء المماثل للوقف بقدر الامكان أم لا؟
الجهة الثالثة، فهل يجب شراء المماثل للوقف بقدر الامكان أم لا، بل
اللازم مراعاة الأصلح فالأصلح على حال الموقوف عليهم، وإن كان غير
مماثل.
فإنه ذكر أن للعين الموقوفة ثلاثة حالات: العين بخصوصياتها
الشخصية، والعين بخصوصياتها النوعية، والعين بمالها من المالية، فإذا
انتفت العين بخصوصياتها الشخصية فتبقي فيها الحالتان الأخرتان، وإذن
فيجب شراء المماثل للوقف الحاوي للخصوصيات النوعية والجهة
المالية، وذكروا ذلك في باب الضمان أيضا، فحكموا بالضمان بالمثل
كما حققناه مفصلا.

1 - المائدة: 1.
468

وفيه أنه ممنوع صغرى وكبرى، كما ذكره المصنف، أما الوجه في
منع الصغرى هو أن غرض الواقف يختلف في ذلك، فإن غرضه ليس
دائما متعلقا ببقاء العين ومع انتفائها ببقاء ما هو أقرب إلى العين ليحكم
بوجوب شراء المثل بقدر الامكان. إذ قد يتعلق غرضه بالانتفاع من
منافعه من غير ملاحظة خصوصية العين، سواء كانت دارا أو دكانا أو
غيرهما، فحينئذ لا بد من مراعاة ما هو الأصلح لحال الموقوف عليهم،
فإن الموقوفة وإن كانت دارا مثلا ولكن منافع الدكان من حيث الأجرة
وعدم احتياجه إلى التعمير كثيرا كما احتاجت الدار إليه أكثر، فيجوز بيع
الدار وشراء الدكان بدلها وهكذا.
وقد يكون غرض الواقف بقاء عين الموقوفة بقدر الامكان، كما إذا
كان كتابا مخطوطا بخط جده أو بخط واحد من الأكابر، فأراد الواقف بقائه
تحت يد الذرية فوقفه عليهم، فإن النظر إنما تعلق بحفظ هذه العين
الموقوفة، فإذا تعذر حفظها وجاز تبديلها ببدل فيجوز أيضا التبديل بأي
شئ كان، فإن ما تعلق به غرض الواقف قد فاتت بفوات العين، ولا يفرق
في غرضه تبديلها بأي شئ كان.
وقد يكون غرضه متعلقا بالانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا
بثمرته، فيبيع، فدار الأمر بين أن يشتري بثمنه بستانا في موضع لا يصل
إليهم إلا قيمة الثمرة وبين أن يشتري ملك آخر يصل إليهم أجرة منفعته،
فإن الأول وإن كان مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلى غرض الواقف.
وقد يكون غرضه متعلقا بالانتفاع بمنفعة خاصة كالسكنى، فحينئذ
يلزم التبديل بما يكون قابلا لذلك.
وبالجملة أنه لا انضباط في غرض الواقف ليكون متعلقا ببقاء العين
بجهاتها الثلاثة، ومع انتقاء الخصوصيات الشخصية تلاحظ فيها الجهة
469

النوعية والمالية، بل الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا
مدلول كلام الواقف، للأدلة الخاصة ولدليل وجوب الوفاء بالعقد.
وتوهم أن الشرط الضمني يقتضي شراء المماثل فاسد، فإنه ليس هنا
شرط ضمني أولا، وعلى تقدير وجوده فلا يكون مخالفته إلا غير
مشروع أو موجبا للخيار، وأما فساد البيع بغير المماثل فلا وجه له، وإذا
بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلا مصلحتهم.
وأما الوجه في منع الكبرى، فلأنه لا دليل على مراعاة المماثلة أصلا،
وإنما اللازم ملاحظة مدلول كلام الواقف في انشاء الوقف ليجري:
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.
فحيث عرفت أن ملاحظة كلامه من العبارة المقترنة عليه، أعني: إلى
أن يرث الله الأرض ومن فيها، تقضي أن تكون العين الموقوفة إلى الأبد،
فإذا كانت قابلة للبقاء فلا كلام لنا فيه، كالعرصة الخالية من العمارة
والأشجار ونحوها، وإلا فلا بد من التبديل إلى ما يكون باقيا، ولو
بالتبديل على مرات، ولا يستفاد من ذلك أزيد من وجوب تبديل العين
إلى البدل إذا عرضها الخراب، وأما كونه مماثلا للعين فلا يستفاد من
ذلك، ولا عليه دليل آخر يدل على اعتبار التماثل كما لا يخفى.
ولا يقاس ذلك بباب الضمان، فإن مقتضى دليل الضمان فيه هو
الضمان بالعين وردها بجميع خصوصياتها الشخصية والنوعية والمالية،
فحيث إنه لا يمكن ردها بخصوصياتها الشخصية، لامتناع إعادة المعدوم،
وعلى تقدير امكان الإعادة فهو ليس بقادر على إعادة الخصوصيات
الشخصية، فقهرا تصل النوبة إلى الضمان بالمثل، ومع عدم امكانه أيضا
فإلى الضمان بالقيمة، ففي باب الضمان فالعين تكون مضمونة أولا ومع
الانتفاء فالمثل، ومع الانعدام فالقيمة.
470

وهذا بخلاف المقام، فإن الدليل هنا أعني ملاحظة انشاء الواقف
لا يقتضي أزيد من ابقاء الوقف بجميع خصوصياتها الشخصية ما دامت
العين باقية، فإذا انتفت العين يكون بدله وقفا بعد البيع والشراء، فيجلس
البدل مكان المبدل بما هو طبيعي البدل لا البدل المماثل كما لا يخفى.
نعم لو اشترط الواقف عند انشاء الوقف مراعاة المماثلة في التبديل
وأخذ البدل يجب مراعاته بمقتضى: أوفوا بالعقود (1) والمؤمنون عند
شروطهم، والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (2)، أو يقفها أهلها،
وهذا أمر آخر لا يرتبط بالتبديل بدون الاشتراط.
4 - المتصدي للتبديل الحاكم الشرعي أو الموقوف عليهم أو الناظر؟
الجهة الرابعة في أنه إذا احتاج إلى التبديل، فهل يتصدى به الحاكم
الشرعي أو الموقوف عليهم أو الناظر، أو يحتاط بالجمع بين الحاكم
والناظر كليهما، كما صنعه شيخنا الأستاذ (3)، أو يتصدى الموقوف عليه
مع نصب الحاكم القيم على البطون المتأخرة وجوه.
والذي ينبغي أن يقال:
إنه يجب مراعاة نظر الواقف بأنه بأي كيفية أنشأ الوقف، فإن كان نظره
كون الوقف للموقوف عليهم ومالكيتهم عليه، من دون أن يكون لهم
السلطنة على الوقف بل السلطنة من جميع الجهات بيد الناظر للوقف
ومتوليه.

1 - المائدة: 1.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
3 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 391.
471

فحينئذ ليس للموقوف عليهم ولا للحاكم أن يتصدى بالبيع أصلا بل
المتصدي بذلك هو الناظر فقط، أما الحاكم فواضح، لأنه ولي من لا ولي
له، والناظر ولي الوقف، فيتصرف فيه على النحو الذي جعله الواقف
متوليا للوقف، لأن الناس مسلطون على أموالهم فنتصرف فيه كيف
يشاء، فله أن يقفه ويجعل تولية الوقف للغير ولا يكون للموقوف عليهم
إلا الملكية فقط، لئلا يقع بينهم النزاع والتشاجر لو كان أمر الوقف
بأيديهم.
ومن هنا ظهر عدم كون الموقوف عليهم متصديا بالبيع، فإن الواقف
مالك على العين، فله أن يفعل فيها ما يشاء، فإذا وقفها للموقوف عليهم
وجعل سلطنتها تحت يد الناظر فيتبع، فلا يكون للموقوف عليهم إلا
ملكية قاصرة من غير أن يقدروا على التصرف فيه، غير أنهم مالكون له
فلهم منافعه، وأما السلطنة عليه فهي بيد الناظر.
وبالجملة أن الموقوف عليهم وإن كانوا مالكين للعين الموقوفة إلا أنهم
قاصرون عن التصرف فيها، لعدم سلطنتهم عليها من قبل الواقف، بل
سلطنته تحت يد الناظر فقط بجعل الواقف كما هو واضح.
وإن لم يكن هنا ناظر ولم يجعل الواقف أمر السلطنة للناظر وللحاكم
بل وقف العين للموقوف عليهم من غير تعرض لهذه الجهات بوجه،
فحينئذ يكون أمر الوقف بيد الموقوف عليهم وتكون سلطنته لهم، لأن
الملك لهم والناس مسلطون على أموالهم، فليس للحاكم ولا لغيره
التصرف فيها بوجه، بل يكون تصرفات غير الموقوف عليهم تصرفا
محرما، فإنه لا دليل على ولاية الحاكم على ذلك كما تقدم.
اللهم إلا أن يقال: إن الحاكم ولي من قبل المعدومين، فإنهم أيضا
مالكون للوقف ولكن قاصرين عن التصرف فيه فيكونون كبقية القاصرين،
472

ومن الواضح أن الحاكم الشرعي ولي القهر.
وفيه أولا: أنه لا كلية لذلك، بأن يكون البطن الثاني قاصرا عن الوقف
لكونه من المعدومين، لجواز وجودهم ووجود البطن الثالث، نعم يصح
هذه الدعوى في غير الموجودين، فلا وجه لدعوى كون الحاكم وليا لغير
البطن الموجود لقصورهم على الوقف للعدم.
وثانيا: أن المعدومين ليسوا مالكين للوقف ولا أن لهم حقا فيه بالفعل
ليكون الحاكم وليا لهم في حفظ حقهم، غاية الأمر أن الواقف جعل لهم
في انشاء الوقف حقا تعليقيا، بمعنى إذا ماتت الطبقة الأولى فتنتقل
الموقوفة إلى الطبقة الثانية لا إلى الورثة، وعليه فلا موضوع لولاية
الحاكم لهم أصلا.
ثم ذكر المصنف في ضمن هذا الفرع فرعا آخر، وهو أنه بناء على كون
نظارة الوقف للحاكم أو للناظر أو للموقوف عليهم في البيع ونحوه، فهل
للناظر على الأصل نظارة للبدل أيضا فيتصدى هو ببيعه وشرائه أم لا.
والظاهر أن هذا أيضا تابع لقصد الواقف وجعله كما ذكرناه في رجوع
أمر الأصل إلى الحاكم أو إلى الناظر أو إلى الموقوف عليهم، فمع
الاطلاق فيكون للموقوف عليهم، لأن الناس مسلطون على أموالهم.
فروع
قوله (رحمه الله): ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله ولم يكن الثمن مما ينتفع به.
أقول: فذكر المصنف هنا فروعا:
1 - كيف يعمل إذا لم يمكن شراء البدل ولم يكن الثمن مما ينتفع به؟
أنه إذا لم يمكن شراء البدل للمبدل ولم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء
473

عينه لكونه من النقدين، فقد عرفت أن النقدين لا يجوز وقفهما لعدم
امكان الانتفاع بهما إلا بالاعدام، إلا إذا كانا من الذهب والفضة وقصد
بهما التزين، فإنه يجوز وقفهما لذلك.
وأما في غير هذه الصورة خصوصا النقود الفعلية القرطاسية فلا يجوز
وقفها، وعليه فلا يجوز دفعها إلى البطن الموجود لما عرفت من كون
البدل كالمبدل مشتركا بين جميع البطون، فحينئذ توضع عند أمين حتى
يتمكن من شراء ما ينتفع به، ولو وجد في ظرف التفحص من يبيع الدار
مثلا ببيع خياري يفي ثمن الوقف بشرائه، كما إذا كانت هناك دار تساوي
ألف دينار فيبيعها المالك بالبيع الخياري بخمسة مائة دينار وكان ثمن
الوقف أيضا خمسة مائة دينار فيجوز ذلك، فإن فسخ البيع بعده فيرد
الثمن مع انتفاع الطبقة الموجود في البين وإن لم يفسخ فيكون بدل الوقف
أقوى وأنفع من الوقف فينتفع به الموجودين والمعدومون.
ثم قال: ولو طلب ذلك البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته، ولا
يعطل الثمن حتى يؤخذ ما يشترى به من غير خيار.
أقول: وفي كلامه (قدس سره) جهات من البحث:
الجهة الأولى
أنه هل يجوز بيع الوقف بالدرهم والدينار خصوصا إذا كانت مما
لا ينتفع به إلا باعدام موضوعه.
قال المحقق الإيرواني (1): إن البدل لا بد وأن يكون عينا صالحة لأن
توقف من جهة اشتمالها على المنفعة، فلو كان مما لا منفعة فيه كالدراهم
لو فرضنا ذلك فيها لم يجز جعله بدلا، والوجه في ذلك هو أن الواقف

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 176.
474

جعل ماله وقفا على الموقوف عليهم مؤبدا بحيث يحبس أصله ويسبل
ثمرته، وما لا نفع فيه إلا باعدامه فلا يكون قابلا للبدلية، نعم لو قصد به
التزين فلا بأس من جعله بدلا ولكنه أمر نادر الوجود.
ويرد عليه أمران:
ألف - إن الوقف وإن كان مؤبدا ولكن يجوز تبديلها بالنقود وإن لم ينتفع بها إلا باعدام موضوعها، وذلك من جهة أن غرض الواقف إنما
هو بقاء الأصل وتحبيسه وتسبيل الثمرة، ومن المعلوم أن هذا لا يكون
إلا بالبيع، فإن كثيرا من الأعيان الموقوفة ليست قابلة للبقاء، فلا بد من
التبديل وتبديل عين الوقف بعين أخرى لا يوجد إلا قليلا، فإنه قلما
يوجد من يرغب أن يبدل الدار مثلا بالدكان، فانتظار ذلك ربما ينجر إلى
خراب الوقف وفنائه، فلا بد حينئذ من بيعه بالنقدين لكونه هو الكثير،
فإذا بيع بها فيشتري بها ما يكون صالحا للبقاء.
وعليه فالنقود ليست بموقوفة بل في طريقة الوقف وصراطه، بحيث
يسار إلى الوقف وجعله مؤبدا بالنقود، وإلا فلا يمكن تبديله عادة فإن
المعاوضة والمبايعة لا يكون عادة إلا بالنقود.
ب - إن الوقف على قسمين:
الأول: أن يكون وقفا بشخصه لتعلق انشاء الواقف به بالخصوص
بحيث يكون وقفا بخصوصياته الشخصية، فلا يجوز التصرف فيه بوجه
حتى الموقوف عليهم، لكون مالكيتهم عليها قاصرة إلا إذا عرضه ما
يجوز بيعه فيجوز بيعه، فليس لهم إلا الانتفاع بها.
الثاني: ما يكون وقفا لكونه متعلقا لإنشاء الواقف بحسب ماليته،
بمعنى أنه حيث كان غرض الواقف دوام الوقف وأنه لم يكن حبسا ليكون
مؤجلا ولم تكن العين الشخصية قابلة للدوام فهمنا من ذلك أن غرضه بقاء
475

المالية بعد ما سقط هذه العين بالخصوص عن الدوام.
وعليه فالبدل بعد التبديل وقف لأجل كونه بدلا عن الوقف، ولذا قلنا
بعدم احتياجه في كونه وقفا إلى الصيغة كما تقدم، ومن الواضح أنه بدل
للمبدل في الحالة التي يجوز بيعه في هذه الحالة، فالبدل أيضا يجوز بيعه
مطلقا.
وعليه فلا مانع من بيعه بالثمن أي النقود وكونها وقفا بالتبديل، لكونها
قائما مقام الوقف فيكون وقفا ثم تبديله ببدل آخر وهكذا، كما أنه لو بدل
الوقف من الأول بالعين الصالحة للانتفاع يجوز تبديلها بعين أخرى أيضا،
لما عرفت أن البدل ليس كالأصل حتى لا يجوز بيعه بل هو جائز البيع
مطلقا من الأول، بل كان قوام البدلية بالبيع، وإلا يلزم مزية الفرع على
الأصل، لأن الفرض أنه بدل لما يجوز بيعه، فالبدلية في حالة جواز البيع.
لا يقال: إنه وإن كان يجوز بيع البدل مطلقا ولكنه لا بد وأن يكون في
سلسلة الأبدال، كل واحد من الأبدال جائز الانتفاع به، وإلا فيكون الوقف
لغوا، إذ لا معنى لكون شئ وقفا مع أنه عديم النفع.
فإنه يقال: يكفي في خروج كون النقود وقفا عن اللغوية كونها بدلا عن
الأصل مقدارا من الزمان يمكن تحصيل بدل آخر يكون قابلا للانتفاع به
مع بقاء عينه، من ندرة تبديل العين الموقوفة بعين أخرى تكون قابلة
للانتفاع بها.
وبالجملة لا مانع من الالتزام بكون النقود وقفا في سلسلة الأبدال، نعم
لا تكون وقفا من الأول كما عرفت.
فتحصل أنه لا مانع من بيع الوقف بالنقود ثم اشتراء عين أخرى لينتفع
بها الموقوف عليهم.
476

الجهة الثانية
في شراء العين الصالحة للانتفاع بها بهذا الثمن بالبيع الخياري، ويقع
الكلام هنا في أمرين:
الأول: في جواز شراء البدل بالبيع الخياري وعدمه، الثاني في اعتبار
إذنهم في ذلك وعدمه، وأنه هل يجب البيع مع مطالبتهم ذلك أم لا.
1 - ربما قيل بعدم جواز ذلك، لأن الوقف يجب أن يكون مؤبدا،
والبيع الخياري في معرض الفسخ فلا يكون وقفا.
وفيه أنه قد ظهر جوابه مما تقدم، من أن وقفية البدل ليس على نسق
وقفية المبدل، لئلا يصلح للبدلية ما لا يكون قابلا للدوام، بل يجوز
تبديل الوقف بكل شئ حتى الخبز الذي نفعه باعدامه وبالفواكه، غاية
الأمر يبدل ذلك أيضا بشئ آخر وهكذا، فيكون بهذه التبدلات المالية
محفوظة التي تعلق غرض الواقف بكونها باقية وينتفع بثمرها.
وعلى هذا فلا مانع من اشتراء دار أو دكان بهذا الثمن بالبيع الخياري،
فإن فسخ البايع فقد حصل النفع للموقوف عليهم الذي كان غرض
الواقف هو ذلك، بل معنى الوقف كان هو ذلك لما عرفت من أنه تحبيس
الأصل وتسبيل الثمرة، والثمن أيضا باق على حاله فيشتري به شئ
آخر لينتفع به الموجودون والمعدومون، وإن لم يفسخ فقد صار بدل
الوقف أحسن منه لكونه يساوي بخمسة دنانير وما اشتري بثمنه يساوي
عشرين دينارا.
2 - الظاهر أنه يجب الشراء، سواء طالب البطن الموجود الشراء أم لا،
ولا وجه لتقييد وجوب الشراء بصورة المطالبة كما في المتن، وذلك لأن
الانتفاع بالوقف وإن كان حقا للبطن الموجود ولكن ليس لهم اسقاط ذلك
477

ولو بالرضا بعدم الشراء ليقف الوقف عن الانتفاع به مدة، وذلك لأن كون
الوقف بحيث ينتفع به مع بقاء عينه مما جعله الواقف كذلك، فلا بد
بحسب انشاء الواقف وامضاء الشارع له أن يجعل الوقف هكذا، فما دام
العين موجودة فهو وبعد تبديلها بالعين الأخرى فلا بد وأن يجعل بدله
هكذا، وإن لم ينتفع البطن الموجود بنفعه أو رضي ببقائه بلا نفع، فإن
رضايته بذلك وعدم رضايته أو انتفائه وعدمه بأن لم يأخذ نفعه أصلا
ليس ميزانا في المطلب ولا يوجب تغيير انشاء الواقف.
الجهة الثالثة
في جعل الثمن عند أمين مع عدم التمكن من شراء البدل، فهل يجب
ذلك أم لا بل يجوز دفعه إلى الموقوف عليهم.
فقد عرفت أنه ذكر المصنف أنه حيث كان الوقف حقا للبطون
الموجودة والبطون المعدومة وكونهم شركاء في ذلك، فإن وجد ما
ينتفع به البطون الموجود يجب شراؤه ولو بالبيع الخياري ينتفع به
الموجودين مع بقاء مال الوقف لنفع البطن المعدوم، وإلا فلا يجوز دفع
الثمن إلى البطن الموجود، فإنه كالمال المشترك، فهل يجوز دفع المال
المشترك إلى بعض الشركاء، إذن فيجب وضعه عند أمين إلى أن يوجد ما
يمكن أن يكون بدلا للوقف، فيشتري به لينتفع به البطن الموجود والبطن
المعدوم.
وفيه أنك عرفت في بحث الأمس أن المعدومين ليس لهم حق في
الوقف أصلا فضلا عن كونهم شريكا فيه، وإنما العين الموقوفة ملك
للموقوف عليهم، نعم فالواقف بحسب انشائه جعله للبطون المعدومة
على تقدير موت البطون الموجودة وبقاء العين الموقوفة، فليس لهم إلا
478

حق تقديري وتعليقي، وعليه فيجب دفع الثمن إلى البطون الموجودة
لكونهم مالكين له، والناس مسلطون على أموالهم.
نعم لو كان الثمن في معرض الخطر مع الدفع إليهم يجعل عند أمين،
ولكنه ليس مختصا بثمن الوقف، بل الأمر كذلك في أصل الوقف أيضا،
بل في كل من كان الوقف في يده، ولو كان ناظرا وخيف منه لكونه غير
مبالي في الدين وأكل أموال الناس، فإنه حينئذ يجب استنقاذ الوقف منه
ووضعه عند أمين.
إذا اتجر بالوقف ربحه للبطن الموجود أو كالعين مشترك بين البطون؟
قوله (رحمه الله): نعم لو رضي الموجود بالاتجار به، وكانت المصلحة في التجارة
جاز مع المصلحة إلى أن يوجد البدل.
أقول: لا شبهة في جواز الاتجار بثمن العين الموقوفة ما لم يوجد
البدل مع رضاية الموقوف عليهم، وأما بدونها فلا، لأن الناس مسلطون
على أموالهم.
وإنما الكلام في أنه هل يكون ربحه كمنافع العين الموقوفة للبطن
الموجود أو أنه كالعين في اشتراك البطون، فيه وجهان، الظاهر هو الثاني،
فإن الثمن كالمبيع وربحه بمنزلة جزء المبيع لا بمنزلة منفعته،
فلا يختص به البطن الموجود، فهذا نظير اعطاء الوقف الذي يساوي
بعشرة دنانير وأخذ شئ آخر بدله الذي يساوي بخمسين دينارا، فإن ما
يحاذي بخمسين قائم مقام ما يحاذي بعشرة، فيكون كله وقفا كالمبدل،
وليس ذلك مثل الايجار، فإن الأجرة من منافع العين الموقوفة فتكون
ملكا طلقا للموقوف عليهم.
479

2 - جواز صرف ثمن بعض الموقوفة في بعض الآخر
قوله (رحمه الله): ولو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعة جاز.
أقول: من جملة ما ذكره المصنف من الفروع، أنه إذا خرب مقدار من
الوقف وبقي المقدار الآخر كالنصف فبيع النصف الخراب، فهل يجوز
صرف ثمنه في النصف الآخر ليوجب زيادة النفع أم لا.
فاختار المصنف جواز ذلك، وحاصل كلامه أنه إذا خرب نصف
الوقف مثلا وبقي النصف الآخر، بحيث يمكن الانتفاع بهذا النصف على
النحو السابق، ولكن إذا صرف ثمن نصف الخراب في النصف الباقي
يزيد الانتفاع بذلك النصف الباقي، كنحو السرداب وازياد القبة للدار،
فهل يجوز صرفه فيه أم لا، الظاهر هو الجواز.
فإن الواقف بحسب انشائه جعل هذه الأرض وقفا بحيث ينتفع بها مع
بقاء عينها واستفدنا أيضا من القرائن المحفوفة بكلامه كونه دائميا إلى أن
يرث الله الأرض ومن فيها، وعليه فلا يفرق في حال الواقف ولا في
حال الموقوف عليهم تبديل ثمن النصف الخراب بشئ يكون له نفع في
كل شهر مثلا عشرة دنانير أو صرفه في النصف الباقي لتكون إجارته
بخمسين دينارا، والحال أن الأجرة كانت قبل التعمير أربعين أو أقل،
غاية الأمر مع رضاية الموقوف عليهم، لما عرفت من كون الثمن ملكا لهم
فلا يجوز التصرف في مال غيره إلا برضايته.
وما قلنا بكونه دائميا بالقرائن فهو محقق هنا أيضا لأنا لو اشترينا بالثمن
شيئا يكون عينا موجودا وإذا صرفناه في التعمير فيكون أيضا عينا
موجودا، غاية الأمر يكون في الأول بعنوان الاستقلال وفي الثاني بعنوان
الجزئية، فهو لا يفرق في المطلب، فإنه على كلا الفرضين أيضا يجوز
480

تبديله بشئ آخر ليكون قابلا للبقاء، نعم لا يجوز صرف الثمن في
التعميرات التي ليست لها عينية كالتزئينات ونحوها، بحيث لا يمكن
تبديلها مع الاندراس، وأما مثل الأجر والأخشاب والحديد فلا مانع منه
فإنه يمكن تبديلها بعد الاندراس أيضا.
ومن هنا يعلم أنه يجوز صرفه في الوقف الآخر، هكذا الذي كان وقفا
لهؤلاء الموقوف عليهم، لعدم الفرق في ذلك لحصول غرض الواقف
بحسب انشائه وغرض الموقوف عليهم، كما إذا وقف الواقف دارا
ودكانا فخرب نصف الدار فبيع، فيجوز صرف ثمنه في النصف الباقي
للدار وفي الدكان بحيث في أي منهما صرف يزداد نفعا.
3 - جواز صرف ثمن نصف الخراب في النصف الباقي حتى يمكن للبطن
الثاني الانتفاع به
قوله (رحمه الله): ولو خرب بعض الوقف وخرج عن الانتفاع وبقي بعضه محتاجا
إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة.
أقول: ذكر المصنف هنا فرعا ورتب عليه فرعا آخر، فحاصل ما ذكره
أنه لو خرب نصف الدار الموقوفة وبقي الآخر بحيث يمكن الانتفاع به
فعلا ولكن لا يمكن الانتفاع به بعد عشرين سنة ولكن ينقرض البطن الأول
إلى تلك المدة وينتقل الوقف إلى البطن الثاني، فهل يجب صرف ثمن
نصف الخراب في النصف الباقي وتعميره حتى يستمر إلى أن يمكن
للبطن الثاني الانتفاع به أم لا.
الظاهر أنه لا يجب إلا إذا شرط الواقف تعمير الموقوفة من منافع
الوقف، فيكون الزائد للموقوف عليهم، بل لا يجوز بدون رضاية
الموقوف عليهم، لما عرفت من كونه ملكا لهم فلهم تبديله بشئ آخر
481

لينتفعوا به فعلا، وأما حفظ الوقف للبطون اللاحقة لينتفعوا به هؤلاء
أيضا فليس بواجب، فإن نسبة البطن الأول إلى البطن الثاني كنسبة الجوار
والأجانب إلى البطن الثاني، فهل يتوهم أحد أنه يجب تعمير الأوقاف
التي كانت في معرض التلف فليس كذلك، فالموقوفة فعلا ملك للبطن
الأول فلهم الانتفاع به وليس للبطن الثاني حق فيها إلا الحق التقديري
بحسب انشاء الواقف كما عرفت، فبأي دليل يجب أن يصرف البطن
الأول أموالهم في حفظ أموال المعدومين، مع أن حقيقة الواقف التي
تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة موجودة فعلا.
نعم لو كان الوقف غير منتفع به بالفعل فيجب التعمير والصرف لتحقق
غرض الواقف ولكن ليس الأمر كذلك، نعم يجب صرفه في التعميرات
الجزئية التي يترتب على عدمها خراب الوقف، كما إذا سقط ميزاب
الدار أو حصل ثقب في سقفه، فإنه لو لم يعمر ذلك لانجر بنزول المطر
إلى خراب الوقف وانهدامه وعدم امكان انتفاع البطن الموجود أيضا،
فمثل هذه الأمور التي لا يحتاج إلى مؤونة زائدة بل إلى عشرة فليس مثلا
يجب.
بل يمكن أن يقال: أنه على هذا شرط الواقف في ضمن العقد، فإنه لو
لم يجب تعمير مثل هذه الأمور من منافع الوقف لانهدم في مدة قليلة
وخرب، وهذه خلاف كونه أبديا.
وبعبارة أخرى تارة يكون الخراب مستندا إلى الأمور الجزئية كما
تقدم، فلا شبهة في وجوب التعمير وصرف مقدار من المنافع فيه،
وأخرى يكون مستندا إلى الكون والفساد، إذ من البديهي أن
الموجودات الخارجية لا تبقى بحسب طبعها أزيد من المقدار المتعارف،
فإنها بالآخرة تكون فانية حسب طول المدة ومرور الزمان، فهذا لا دليل
482

على وجوب التعمير حتى يستمر مدة البقاء حتى يصل إلى البطون
اللاحقة.
4 - لو احتاج اصلاح الوقف إلى صرف منفعة الحاضرة فهل يجب صرفها فيه
أم لا؟
ثم رتب المصنف (رحمه الله) على هذا الفرع، أنه لو احتاج اصلاح الوقف
بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة إلى صرف منفعة
الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود، فهل يجب صرفها فيه أم لا؟
فظهر حكمه من الفرع المتقدم، وعلم أنه لا يجب حفظ المال
المعدومين للموجودين بصرف مالهم في حفظه وإلا لوجب لجميع
الناس حفظ الأوقاف للبطون اللاحقة، بل حفظ المال للوارث، إذ
لا خصوصية للوقف بعد كون منفعته للحاضرين ملكا طلقا إلا أن يشترط
الواقف اخراج مؤونة الوقف عن منفعته قبل قسمة الموقوف عليهم.
ثم ذكر المصنف أن هنا فروعا يستخرجها الماهر، فنذكر فرعين
مهمين منها:
5 - كون الوقف في موضع لا يتمكن الانتفاع به للموقوف عليهم
أنه لو كان الوقف في موضع لا يتمكن الانتفاع به للموقوف عليهم وإن
أمكن لغيره، كما إذا كان في معرض الاستملاك للحكومة، فدار الأمر بين
ذهابه، بأن يستملكه الغاصب جورا استملاكا مجانيا، أو يباع بثمن
فيشتري شئ آخر بدله لينتفع به الموقوف عليهم.
فلا شبهة في جواز بيع الوقف بل وجوبه واشتراء شئ آخر بدله، إذ
عرفت سابقا أنه لا خصوصية للخراب بل يسوغ بيعه إذا عرضه ما يسقطه
483

عن الانتفاع به، وأيضا عرفت أن مقتضى الانشاء للواقف هو أبدية الوقف،
فلو لم يبع لا يكون دائميا.
وهذا كما إذا وقعت الدار الموقوفة في شارع الحكومية فذهب نصفها
في الشارع، أو لم يذهب أصلا ولكن كان بناء الحكومة أخذها في أطراف
الشارع كلها، إما بالثمن لو رضي المالك أو مجانا جبرا له إن لم يرض،
فإنه حينئذ لو لم يبع الوقف سيملكه الحكومة مجانا فيجب بيعه لئلا
يذهب الوقف.
وبالجملة فيجوز بيع الوقف في كل مورد بقيت العين الموقوفة على
حالها ولكن لا يمكن للموقوف عليهم الانتفاع بها وإن انتفع غيرهم، فإنه
حينئذ يجوز بيعها.
6 - العلم بزوال الوقف بعد مدة لا يمكن الانتفاع به للموقوف عليهم
أنه لو علم بزوال الوقف بعد مدة لا يمكن الانتفاع به للموقوف عليهم
حتى البطن الأول، كما إذا أوسع شارع فوقعت الدار الموقوفة في وسط
الشارع بحيث لا تبقى منها شئ وليس لها تابوء وقبالة رسمية حتى
يؤخذ ثمنه، ولكن لا يلتفت إلى ذلك أحد، فوجد مشتر لها، فهل يجوز
بيعه أم لا.
الظاهر أنه يجوز بل يجب، لما عرفت من عدم الخصوصية للخراب،
بل المناط سقوط العين الموقوفة عن الانتفاع بها، مع ما عرفت أن القرينة
تقضي دوام الوقف، فلو لم يبع لا يكون للوقف دوام، فيجب البيع
وتبديله بشئ آخر ليدوم الوقف وتحفظ حقيقة الوقف على ما أنشأها
الواقف بحسب انشائه.
وهنا فروع آخر فيتضح حالها بالتأمل.
484

الصورة الثانية: أن يخرب الوقف بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به
قوله (رحمه الله): الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به.
أقول: قد عرفت أن المصنف ذكر هنا صورا:
الأول: ما تقدم الكلام فيه، وهو ما كان الوقف خرابا، بحيث خرج عن
الانتفاع به حتى بالدقة العقلية، كالشاة المذبوح والحصير البالي
والجذوع العتيقة، فإنها لا ينتفع بها ببقائها بوجه بل نفعها باعدامها، وإلا
فاللحم الباقي ينتن فلا يكون قابلا للانتفاع به، وهكذا الأمور الأخر.
وقد عرفت جواز البيع في هذه الصورة، وعدم شمول الأدلة المانعة
عن بيع الوقف على ذلك، بل يباع ويبدل بشئ آخر ليكون قابلا للانتفاع
إلى الأبد، فإن حقيقة الوقف بذلك، ويكون العين حبسا والثمرة تسبيلا
كما هو واضح.
ثم ذكر الصورة الثانية، وهي أن يخرب الوقف بحيث يسقط عن
الانتفاع المعتد به، بحيث يصدق عرفا أنه لا منفعة فيه، وإن كان له نفع
بحسب الدقة العقلية، ثم فصل في هذا القسم بين ما يكون الوقف بحيث
لا يقال بهذا النفع لقلته، فيكون هذا مما يجوز بيعه لانصراف الأدلة
المانعة عن بيع الوقف عن ذلك، وبين ما لا يكون كذلك بل يقال في العرف
إن لهذا العين منفعة ولكن قليلة بالنسبة إلى العين قبل تلك الحالة، فهذا
لا يجوز بيعه لعدم الوجه عن صرف الأدلة عن ذلك.
ثم ذكر صورة ثالثة، وهي أن يخرب الوقف بحيث يقل نفعه، لا أنه
ينتفي نفعه بالكلية كما في الصورة الأولى، ولا أنه قلت بمرتبة ليلحق
بالمعدوم كما في الصورة الثانية، بل تقل منفعته بالنسبة إلى المنفعة قبل
عروض تلك الحالة.
485

أقول: لم يتحصل لنا شئ مما ذكره المصنف في الصورة الثانية،
وذلك لأنه إن كان مراده من الصورة ما كان الوقف ساقطا عن المنفعة
العرفية لأجل الخراب، بحيث لم تبق للعين في نظر العرف منفعة أصلا،
بل صارت عديمة النفع، وإن كان لها نفع بحسب الدقة العقلية.
كما إذا وقف الواقف سريرا وسقط عن السريرية بحيث لا ينتفع به
عرفا بعنوان السريرية، ولكن يمكن الانتفاع به بوضعه على وراء
الباب ليمنع عن السارق، أو يذاب حديدته وينتفع في مورد آخر، أو
يجعل شباكا على السطوح ونحوها، ولكن لا يعد شئ منها من منافع
السرير.
وكذلك لو وقف حمارا لينتفع به في الحمل والركوب، ولكن سقط
عن الانتفاع به لأجل السيارات، ومع ذلك يمكن الانتفاع به بأن يسد في
مجراء الباب ليمنع عن السارق، فلا يقال إن هذا منفعة الحمار، وغرض
الواقف من حبس العين وتسبيل الثمرة شامل لذلك، وحينئذ فيكون
الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى هو أن في الصورة الأولى فقد
سقطت العين عن الانتفاع بها بالكلية بخلاف هذه الصورة، فإن للعين منفعة
بحسب الدقة العقلية.
فإن كان مراده من الصورة الثانية هو ذلك، فلا وجه للاستدراك ثانيا في
هذه الصورة بقوله نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم
وأمكن الحكم بالجواز، لانصراف قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف (1)،
إلى غير هذه الحالة، فإنه لا وجه للاستدراك بعد ما كان الغرض من
الصورة الثانية هو ذلك.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
486

وإن كان المراد من هذه الصورة سقوط العين الموقوفة عن الانتفاع بها
لا مطلقا بحيث تعد في نظر العرف مسلوبة المنافع بل تقل منفعته، كما إذا
كانت دار موقوفة وكانت تستأجر في كل سنة بمائة دينار، إلا أنه عرض
لها الخراب فتستأجر بخمسين دينارا، ومع ذلك فلا ينكر أحد أن الدار
مما لا منفعة فيها، نعم قد قلت منفعته، وحينئذ فالفرق بين هذه الصورة
والصورة الأولى من الوضوح بمكان.
وإن كان مراده ذلك من الصورة الثانية فلا وجه لذكر الصورة الثالثة،
فإنها عين ذلك.
وبعبارة أخرى لا وجه لجعل الصورة الثانية صورتين، لأنها إما عين
الصورة الثالثة أو غيرها فيكون قسما في مقابلها، بل يراد من الصورة
الثانية هو الشق الأول، أعني ما ذكره المصنف بعنوان الاستدراك، فيكون
مقابلا للصورة الأولى والثالثة، ولا شبهة في جواز بيعه أيضا، فلا يعد
هذه المنفعة الحقة بالمعدوم من المنافع للوقف في نظر العرف،
ولا تشمله الأدلة المانعة عن بيع الوقف، خصوصا قوله (عليه السلام): ولا يجوز
شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في ملكك (1)، فتكون عمومات صحة البيع
محكمة.
وقد عرفت في الصورة الأولى أيضا أن أدلة المنع منصرفة عن العين
الموقوفة إذا صارت عديمة النفع، بل لا يشمل ذلك مفهوم الوقف أيضا،
فإنه إنما يشمل ما تكون العين ذا منفعة ليصدق عليها حبس العين
وتسبيل المنفعة كما هو واضح.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
487

مناقشات المصنف لقول صاحب الجواهر (قدس سرهما) والجواب عنها
ثم إن المصنف قد ذكر هنا أمرين:
المناقشة الأولى
ما تقدمت الإشارة إليها سابقا، من قول صاحب الجواهر (1) ببطلان الوقف
مع جواز بيعه، وقال: إنه قد عرفت أنه لا وجه لبطلان الوقف، ثم ذكر
صاحب الجواهر: أن وجه بطلان الوقف في الصورة الأولى بفوات شرط
الوقف المراعي في الابتداء والاستدامة، وهو كون العين مما ينتفع بها مع
بقاء عينها.
ثم أشكل على هذا أيضا، من أنه عرفت سابقا أن بطلان الوقف بعد
انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد، مع أنه لا دليل عليه، مضافا
إلى أنه لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإن الشرط
في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنه قد يخرج المبيع عن
المالية ولا يخرج بذلك عن ملك المشتري مع أن جواز بيعه لا يوجب
الحكم بالبطلان بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز.
كان المناسب أن ينقل المصنف هذا الكلام لصاحب الجواهر في
الصورة الأولى، كما نقله كله في أصل بطلان الوقف بجواز البيع فيها،
وكذلك كان المناسب أن ينقل كلامه الآتي أعني الأمر الثاني في الصورة
الأولى، وكيف كان فكلام صاحب الجواهر متين، ولا وجه لما أورده
المصنف عليه.
أما قوله ببطلان الوقف بجواز البيع، فلما تقدم من أنه هو الحق، غاية

1 - جواهر الكلام 22: 358.
488

الأمر أن المراد بالبطلان هو البطلان من جهة البيع فقط، وأما الجهات
الأخر من الهبة واعدام الوقف والتصرف فيه بما ينافي الوقف فلا وجه
للبطلان.
نعم لو كان مراد صاحب الجواهر هو البطلان من جميع الجهات بحيث
يعود الوقف إلى ملك الواقف وينقل إلى الورثة لو مات الواقف فلا وجه
له، إذ لا مقتضي ولا دليل على ذلك، فإن الواقف بعد ما جعل ماله وقفا
وحبسا أبديا، كما استفدنا ذلك من القرائن الموجودة في عبارة الواقف،
فبأي دليل يعود الوقف إلى ملك الواقف أو وارثه، ولكن تقدم أن هذا
ليس مما يحتاج إلى النظر فضلا عن إمعان النظر، وإنما المحتاج إلى ذلك
هو ما ذكرناه، أي البطلان من جهة البيع فقط، بل هذا مقوم لدوام الوقف
وبقائه إلى الأبد، وإلا فيكون الوقف منعدما في مدة قليلة بحسب مقتضى
الكون والفساد، كما هو كذلك في جميع الأوقاف، وإن كانت العرصة
باقية في وقف الدار ونحوها كثيرا.
وأما ما ذكره (رحمه الله) من انكار كون الوقف مشروطا ببقائه على كونه قابلا
للانتفاع به أيضا ليس بصحيح، فإن عمدة ما ذكره من الأجوبة هو ما منعه
من كون الشرط شرطا في الاستدامة، قياسا له بالبيع إذا خرج المبيع عن
المالية، وأنه لا وجه لبطلان الوقف وانقلابه إلى الفاسد بعد انعقاده
صحيحا.
والوجه في ذلك هو أنك عرفت أن حقيقة الوقف عبارة عن حبس
الأصل وتسبيل الثمرة، وعليه فاللازم انتهاء أمد الحبس بانتهاء الثمرة،
إذ الحبس لأجل التوصل إلى غاية لا يعقل بقاؤه بعد عدم امكان التوصل
إلى الغاية، وإلا لم يكن الباقي حبسا لتسبيل الثمرة، فوقفية الوقف
يقتضي كونه مما ينتفع به دائما، فما دام شخصه موجودا ينتفع بشخصه
489

فيكون شخصه ملكا للموقوف عليهم، فإذا سقط شخصه عن النفع فيباع
ويشترى شئ آخر، فيكون ملكا للطبقة الأولى من الموقوف عليهم ثم
للطبقة الثانية منهم، فهذا لا يمكن إلا بالبيع بعد سقوطه عن الانتفاع به،
ولا يعقل كونه وقفا من دون أن يكون فيه نفع، كما لا يعقل كونه وقفا ما
لا نفع فيه حدوثا، بل لو كان الوقف تمليكا كما هو كذلك لكان تمليكا
للعين توصلا إلى ملك المنفعة، ولا يعقل بقاء هذا المعنى مع عدم
المنفعة رأسا.
ومثله لا يحتاج إلى دليل تعبدي ليقال بأنه لا دليل عليه، وليس من
قبيل انقلاب شئ عما هو عليه بل من انتهاء أمد الصحيح، ولا أنه من
الوقف المنقطع ليقال بأنه خلف، بل يلزم عليه أن يكون جميع الأوقاف
منقطعا لانقطاع أمدها بسقوطها عن الانتفاع بها بحسب اقتضاء الكون
والفساد.
وبالجملة أن الكلام في الوقف المؤبد، ولا شبهة أن بطلان الوقف في
مرتبة ومن جهة لا يمنع عن بقاء الوقف في العين بما هو مال ولزوم حفظ
ماليته في ضمن البدل يستمر الوقف باستمراره، بل لو زال الوقف بالكلية
بحسب الكون والفساد، وأيضا لا يكون من الوقف المنقطع، إذ لا توقيت
في ذلك بوجه وإلا فيكون حبسا وخارجا عن حقيقة الوقف.
وأما قياس المقام بالبيع من جهة أن الانتفاع بالمبيع وكونه مالا لا نعتبر
في صحة البيع إلا حدوثا وكذلك في المقام، فمن عجائب المصنف، إذ
عرفت مما ذكرناه أن حقيقة الوقف عبارة عن حبس الأصل وتسبيل
الثمرة فبانتفاء الانتفاع تنتفي الوقفية، فكما لا معنى لوقف عديم الانتفاع
حدوثا ويعتبر كون الوقف ذا نفع ابتداء، وكذلك يعتبر كونه ذا نفع بقاء.
وبالجملة الوقفية تدور مدار كون العين الموقوفة ذا نفع حدوثا وبقاء،
490

وبانتفاء نفعها تنتفي الوقفية ولا يبقى لها موضوع، فإنه لا يعقل بقاء الشئ
بعد انتفاء حقيقية.
وهذا بخلاف البيع، فإنه لو اعتبر المالية في صحته إنما تعتبر حدوثا
وأما بقاء فلا يعتبر كونه مالا، بل ما دام مالا فيكون من أمواله، فإذا زالت
المالية عنه بانتفاء منافعه فيكون من أملاكه، ومع زوال ملكيته أيضا
فيكون متعلق حقه، فليس كون المبيع للبايع بقاء متقوما بالمالية، فلا يقاس
بالوقف الذي قوامه بامكان الانتفاع من العين الموقوفة كما هو واضح.
ومن هنا ظهر بطلان ما أفاده من الوجوه الأخر أيضا، وأنه لا مانع من
الالتزام بجواز البيع ولا تشمله أدلة المنع، خصوصا قوله (عليه السلام):
ولا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في ملكك (1).
المناقشة الثانية
أنه نقل المصنف عن صاحب الجواهر أنه قد يقال بالبطلان أيضا
بانعدام عنوان الوقف، فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه
البستانية فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل منفعتها
أصلا لامكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس من عنوان الوقف واحتمال
بقاء نفس العرصة على الوقف باعتبار أنها جزء من الموقوف وهي باقية
وخراب غيرها وإن اقتضى بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها أيضا، يدفعه
أن العرصة كانت جزء من الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا، فهي
حينئذ جزء عنوان الموقوف الذي قد فرض فواته ولو فرض إرادة وقفها
ليكون بستانا أو غيرها لم يكن اشكال في بقاء وقفها لعدم ذهاب عنوان
الوقف.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
491

وربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية، من أنه لو
أوصي بدار فانهدمت قبل موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء
موضوعها، نعم لو لم يكن الدارية والبستانية ونحو ذلك مثلا عنوانا
للوقف وإن قارنت وقفه، بل كان المراد الانتفاع به في كل وقت على
حسبما يقبله لم يبطل الوقف بتغيير أحواله، ثم ذكر في عود الوقف بعد
البطلان إلى ملك الواقف أو وارثه على تقدير موته أو الموقوف عليه
وجهين (1).
وأشكل عليه المصنف أولا: بالاجماع على أن انعدام العنوان
لا يوجب بطلان الوقف، بل ولا جواز البيع، وإن اختلفوا فيه عند
الخراب أو خوفه لكنه غير تغيير العنوان.
وثانيا: أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لأنه إن أريد بالعنوان ما
جعل مفعولا في قوله: وقفت هذا البستان، فلا شك أنه ليس إلا كقوله:
بعت هذا البستان أو وهبته، فإن التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران
ملك مدار العنوان، فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي
وإن لم يكن في ضمن عنوان البستان وليس التمليك من قبيل الأحكام
الجعلية المتعلقة بالعنوانات، وإن أريد بالعنوان شئ آخر فهو خارج عن
مصطلح أهل العرف والعلم، ولا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط
لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة على عنوانه.
وأما تأييد ما ذكر بالوصية، فالمناسب أن يقاس ما نحن فيه بالوصية
بالبستان بعد تمامها وخروج البستان عن ملك الموصي بموته وقبول
الموصي له، فهل يرضي أحد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان
عرصة، وإنما البستان ملكه الموصي له بجميع خصوصياته من العرصة

1 - جواهر الكلام 22: 358.
492

والأشجار وغيرهما من الأجزاء وكذلك الوقف لا يبطل بصيرورته
عرصة وزوال عنوانه، نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها
وبطلانها من جهات أخر غير مربوط بما نحن فيه.
ثم ما ذكره من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد اطباق كل من قال
بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه أبدا، هذا ما
ذكره المصنف في جواب صاحب الجواهر وهو متين.
ولشيخنا الأستاذ (1) تفصيل في المقام، وقال:
ثم إن ما ذكرناه من عدم جواز بيع العين الموقوفة إذا لم يلحق قلة
الانتفاع بها بالعدم، إنما هو إذا بقيت الصورة النوعية للعين الموقوفة، و
أما إذا تبدلت بصورة أخرى فيجوز بيعها وإن لم تلحق بالعدم، ولا يبعد
أن يكون كلام الشيخ ناظرا إلى هذا المعنى، فإن النخلة الموقوفة إذا
قلعت تعد عرفا مبائنة للنخلة، لأنها عبارة عن الشجرة لا المادة المشتركة
بينها وبين الجذع والخشب، وبطلان الصورة النوعية عبارة أخرى عن
خراب الوقف.
وسيجئ إن شاء الله تعالى في باب الخيار أن مناط مالية الأموال إنما
هو بالصورة النوعية لا المادة المشتركة، ثم المدار في الصورة النوعية
العرفية العقلية، فإذا تبدلت الصورة النوعية التي تعلق الوقف بها يبطل
الوقف ويبقي ذات الجسم فيباع، ولا يقاس انهدام الدار على زوال صورة
الشجرة، فإن الدار مركبة من البناء والأرض، وانهدام البناء لا يوجب
بطلان الوقف رأسا لبقاء العرصة.
وبالجملة حيث إن قوام الوقف بأمرين: بقاء العين الموقوفة وكونها
ذات منفعة، لأنه عبارة عن حبس العين وتسبيل الثمرة، فكما يجوز بيعها

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 392.
493

إذا لم تكن لها منفعة أصلا، فكذلك يجوز بيعها إذا لم تبق صورتها العينية
التي هي أحد ركني الوقف.
أقول: ما ذكره المصنف وارد على شيخنا الأستاذ أيضا، و توضيح
ذلك:
أن العناوين والصور النوعية عرفية كانت أو عقلية، وإن كانت موجبة
لشيئية الأشياء في نظر العرف والعقل إلا أنها لا تقابل بالمال بوجه، وإنما
هي دخيلة في زيادة المالية للمادة، ولذا لا يجوز بيع الصور بدون المادة
لعدم الانفكاك.
وقد مر في بعض المباحث في المكاسب المحرمة وسيأتي في باب
الخيارات إن شاء الله، أن الأوصاف التي لها دخل في زيادة المالية وتعد
في نظر العرف من الصورة النوعية إذا وقعت عليها المعاملة وظهرت
خلافها فتكون المعاملة فاسدة، فإن وقع عليها المعاملة يعد في نظر
العرف مغايرا لما ظهر وإن كانا من جنس واحد.
كما إذا وقعت المعاوضة على الفراش المنسوج بنسج وظهر المبيع
الفراش المنسوج بنسج آخر يغاير في نظر العرف، أو باع عبدا فظهر أمة،
أو باع كأسا وظهر قدرا، أو باع سكينا وظهر مسمارا، أو باع ساعة وظهر
قطعة حديد، أو باع صندوقا وظهر طبلا، فإن في جميع ذلك يبطل
البيع، لأن ما وقع على البيع غير مقصود وما هو مقصود لم يقع عليه البيع،
وإن كانا في الحقيقة من جنس واحد إلا أن العرف يراهما شيئين متبائنين،
فإن الرجولة والأنوثة وإن كانتا من جنس واحد إلا أن العرف يراهما
متبائنين كما هو واضح.
وليست المعاملة فيها واقعة على نفس تلك الأوصاف، إذ لا يعقل
الانفكاك بين المادة والصورة، بل المعاملة واقعة على المادة والصورة
494

موجبة لماليتها، بحيث لو ذهبت هذه الصورة عن تلك المادة أي الجسم
لا المادة الهيولاني المحفوظة في جميع الأشياء وتبدلت بصورة أخرى
مغايرة للأولى لم تبطل البيع، فإن نفس المادة قد وقعت متعلقة للبيع،
وتعنون الأشياء بتلك الصورة لا توجب وقوع المعاملة على نفس العناوين
فإنها أعراض لا تقبل الانفكاك، ولا يكون كونها عناوين للأشياء موجبا
لكونها محطا لجميع الأحكام تكليفية أو وضعية، بحيث تكون مملوكة
وقابلة للتمليك كما هو واضح.
وبالجملة الصور النوعية العرفية واسطة لوقوع المعاملة على المواد
لكونها سببا لماليتها لا أن نفسها من الأموال.
إذا عرفت ذلك فالحكم في الواقف أيضا كذلك، فإنه إذا وقف عبدا أو
كأسا أو دارا أو دكانا، فالظاهر من ذلك أن نفس تلك الأشياء بموادها
موقوفة وإن كانت ماليتها بصورها النوعية العرفية ولا تدور الوقفية مدار
نفس الصور والعناوين لعدم انفكاكها عن المواد، ولا يمكن وقوع
المعاملة عليها بنفسها من الهبة والصلح والبيع كما هو واضح.
وعليه فإذا زالت الصورة النوعية لم تزل الوقفية، بل تكون المادة التي
معنونة بعنوان أيضا وقفا وإن لم ينتفع عنها نفعها كالانتفاع منها مع
الصورة الزائلة.
نعم تزول الوقفية بزوال الصورة والمادة كلتيهما، إذ ليس المراد من
المادة هي الهيولي لتكون محفوظة في ضمن شئ من الأشياء وإن كان
في ضمن التراب، بل المراد منها هنا هي المادة العرفية، أعني الجسم
الذي كان معنونا بعنوان، ولا شبهة أنه ينتفي كانتفاء صورته.
وعلى هذا فإذا وقف شيئا وكان مفعول قوله عنوان ذلك الشئ، بأن
قال: وقفت البستان الفلاني أو الدار الفلانية أو النخلة الفلانية، فلا شبهة
495

أن الوقف هي ذات هذه العناوين المعنونة بها، وإنما تلك العناوين
معرفات إليها ومقومات لماليتها.
وليس لنفس تلك العناوين بحسب نفسها مالية تكون وقفا منفكة عن
المادة، بحيث تدور الوقفية مدار نفس العنوان، فإذا زالت زالت الوقف،
وإذا ذهب عنوان البستان وعنوان الدار وعنوان النخلة كانت عرصة
البستان وعرصة الدار والنخلة المقلوعة غير وقف بل باقيا في ملك
الواقف، بل العنوان في المركبات الاعتبارية لا ينتزع إلا من أمور متعددة،
فينحل إلى أمور عديدة كعنوان الدار، فإن الدار ليست إلا مركبة من
العرصة والقبب والجدران وهكذا البستان.
فمعنى وقف الدار ليس إلا وقف الأرض وتلك القبب، ومعنى وقف
البستان ليس إلا وقف الأشجار والعرصة، فلا يعقل لوقف العنوان فقط
معنى محصل.
وبالجملة لا نعقل معنى محصلا لوقف العنوان المجرد، بل وقف
العنوان عين وقف ذي العنوان، فكما أن في المركبات الحقيقة لا تنفك
الصورة النوعية عن المادة لكونها متحدة في الخارج حقيقة، وكذلك في
المركبات الاعتبارية كالدار والبستان، فإن العنوان في ذلك كله أيضا ليس
موضوعا للحكم بمعنى كونه وقفا خاليا عن المواد.
وبعبارة أخرى إذا وقف الواقف نخلة لأشخاص فنسأل أنه هل بقي
في ملك الواقف منها شئ أم لا، فإن بقي ذات النخلة في ملك الواقف
لتكون له بعد قلعها فلا معنى لكون النخلة للموقوف عليهم كما هو
المفروض، وإن لم يبق في ملك الواقف شئ فبعد زوال عنوان النخلية
وصيرورتها خشبة فلما ذا صار ملكا للواقف.
496

الصورة الثالثة: أن تخرب بحيث يقل منفعته
قوله (رحمه الله): الصورة الثالثة: أن تخرب بحيث يقل منفعته، لكن لا إلى حد يلحق
بالمعدوم.
أقول: لو خرجت العين الموقوفة عن الانتفاع بها على الوجه الأول بأن
قلت منفعتها، كما إذا كانت الدار تستأجر بمائة وإنما تستأجر فعلا
بخمسين، إما لخرب فيها أو لنقص نفعها، فهل يجوز بيعها؟
فذهب جمع إلى المنع كالمصنف وغيره، وفي محكي الخلاف جواز
البيع، محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا على هذا الوجه، كما في مسألة
النخلة المنقلعة.
والظاهر أنه لا يجوز من جهة أنه يجوز الانتفاع من النخلة المقلوعة في
التسقيف ونحوه، ولا نتصور وجها لجواز بيع الوقف هنا بوجه بعد ما
كانت حقيقة الوقفية محفوظة، أعني حبس العين وتسبيل الثمرة، فإن
النفع موجود في ذلك وتشملها الأدلة المانعة عن بيع الوقف، فإنه لا مانع
من شمول قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف (1)، وقوله (عليه السلام): الوقوف
على حسب ما يوقفها أهلها على ذلك (2).
وبالجملة أن مقتضى حقيقة الوقف ومفهومه ابقاؤه على حاله إذا أمكن
الانتفاع به وزوال بعض الموانع لا يستلزم جميعها، فإن مثل النخلة
المقلوعة يجوز الانتفاع بها بالتسقيف ونحوه، وعليه فتشمله الأدلة
المانعة عن بيع الوقف.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
497

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه
قوله (رحمه الله): الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه.
أقول: المشهور بل المجمع عليه في هذه الصورة عدم جواز البيع بل
لم ينسب الخلاف إلا إلى المفيد، والعلامة لم يرض بهذه النسبة أيضا
فأول كلامه: ومعنى كون البيع أنفع كون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة
الحاصلة تدريجا.
وكيف كان فلا اشكال في المنع لوجود مقتضي للمنع، وهو وجوب
العمل على طبق انشاء الواقف، لقوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف
ولا تدخل الغلة في ملكك، وقوله (عليه السلام): الوقف على حسب ما
يوقفها أهلها.
نعم، وقد استدل على الجواز بروايتين:
ألف - رواية جعفر بن حيان - وفي المتن حنان (1) - قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه
وقرابته من أمه وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينة وبينه قرابة
ثلاثمائة درهم في كل سنة ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من
أمه، فقال: جائز للذي أوصى له بذلك، قلت: أرأيت إن لم تخرج من غلة
الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم، فقال: أليس في وصيته أن
يعطي الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم ويقسم الباقي على قرابته
من أبيه وقرابته من أمه، قلت: نعم، قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة
شيئا حتى يوفي الموصي له ثلاثمائة درهم ثم لهم ما يبقى بعد ذلك.

1 - في الكافي: جعفر بن حيان، وفي سائر المصادر: جعفر بن حنان، ويمكن تأييد ما في
الكافي بأن المذكور في رجال الشيخ هو جعفر بن حيان.
498

قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له، قال: إن مات كانت ثلاثمائة
درهم لورثته يتوارثونها بينهم فأما إذا انقطع ورثته لم يبق منهم أحد كانت
الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد ما يخرج من الوقف ثم يقسم بينهم
يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلة، قلت: فللورثة من قرابة الميت أن
يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة، قال: نعم إذا
رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا (1).
فإن ظاهر الذيل هو جواز بيع الوقف إذا كان البيع أنفع فتكون شاهدة
لجواز البيع في الصورة الرابعة.
وفيه أنه لا يجوز الاستدلال بهذه الرواية على جواز البيع من وجوه:
1 - إن الرواية ضعيفة السند، إذ لم يثبت في الرجال مدح لجعفر بن
حيان ولا وثاقته، فغاية الأمر إمامي، وأما ما في المتن من ذكر الحنان بدل
الحيان فلم يذكر في الرجال أصلا، فالرواية لا يمكن الاستدلال بها على
الجواز.
2 - أنها مضطربة متنا، لاشتمالها على الجمع بين الوقف والوصية،
ومن الواضح أنه مع الوقف لا تجوز الوصية على الوقف لكونه ملكا
للموقوف عليهم، فليس له التصرف فيه وتمليكه أو تملكه، لكون ذلك
كله على خلاف مقتضى انشاء الوقف، من حبس العين وتسبيل الثمرة،
إلا أن تحمل الوصية على الاشتراط في متن العقد، بأن وقف وأوصى في
متن الوقف أن تكون ثلاثمائة درهم من غلته لرجل ولعقبه ليس بينه
وبينه قرابة ثلاثمائة درهم، فيكون الايصاء على مقتضى الشرط في
الوقف.

1 - الكافي 7: 35، الفقيه 4: 179، التهذيب 9: 133، الإستبصار 4: 99، عنهم الوسائل
19: 192، ضعيفة لجعفر بن حيان.
499

إلا أنه خلاف الظاهر من الرواية، بل الظاهر منها اجتماع الوقف
والوصية فيكون ذلك موهنا لها.
3 - أنها تدل على أنه ليس لقرابة الواقف أن يأخذوا حقهم إذا خرجت
من الأرض خمسمائة درهم حتى يوفي الموصي له ثلاثمائة درهم ثم
لهم ما يبقى بعد ذلك، مع أنه على خلاف القواعد أيضا، فإنه لماذا ليس
لهم أخذ حقهم إلا بعد اخراج حق الموصي له، بل يجوز اخراج حقه
وتقسيم الباقي لأقرباء الموصي، أي الموقوف عليهم، فإن كون ثلاثمائة
درهم من الغلة للرجل الأجنبي بعنوان الاشتراط وتمليك له من ملكه
فلا يتوقف على اطلاع الموقوف عليهم وحضورهم، لأنه ليس بعنوان
المشاع حتى يتوقف على حضورهم، نعم لو كان بعنوان الوصية لكان
مشاعا.
4 - أنها لا تدل على المدعى، فإنها تدل على جواز بيع الوقف بشروط
ثلاثة:
الأول: عدم كفاية غلة الوقف على الموقوف عليهم أو احتياجهم إلى
البيع، الثاني: رضاية الموقوف عليهم على البيع، الثالث: كون البيع أنفع
وأعود لهم، وبانتفاء أحد هذه الوجوه الثلاثة ينتفي جواز البيع.
هذا بخلاف مفروض المقام، فإنه عبارة عن البيع في فرض الاحتياج
إليه، إذن فالرواية أجنبية عن المقام كما لا يخفى، كما أشار إليه
المصنف، على أن ذلك مما لم يقل به أحد من الأصحاب فيكون هذا
أيضا وهنا للرواية.
ب - خبر الاحتجاج، أن الحميري كتب إلى صاحب الزمان عجل الله
تعالى فرجه:
جعلني الله فداك، أنه روي عن الصادق (عليه السلام) خبر مأثور إذا كان
500

الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه
وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوا، فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك،
وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه، فأجاب (عليه السلام): إذا كان الوقف على إمام
المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم
ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله (1).
فهذه الرواية تدل على جواز بيع الوقف، أما في خصوص ما ذكره
الراوي، وهو كون البيع أصلح، وأما مطلقا بناء على عموم الجواب
ولكنه مقيد بالأصلح، لمفهوم رواية جعفر، فإن مفهوم قوله (عليه السلام) فيها:
إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا، أن البيع إذا لم يكن خيرا لهم
لا يجوز.
أقول: أما رواية جعفر، فقد تقدم الكلام فيها، وأما رواية الإحتجاج
فقوله (عليه السلام): إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،
فالظاهر أن المراد منه عدم جواز البيع لغير الإمام، وإلا فإذا كان ملكا له
فلماذا لا يجوز بيعه كما جازت له بيع سائر أملاكه.
وكيف كان فلا دلالة في الرواية على المدعى لوجوه:
1 - إن روايات الإحتجاج ضعيفة السند إذ لم يذكر السند فيها،
فلا تكون قابلة للاستدلال بها على المقصود.
2 - إن الرواية تدل على الجواز البيع مطلقا إذا كان أصلح لهم، سواء
كان للوقف خراب أم لم يكن، ومن المعلوم أن بيع الوقف أصلح
للموقوف عليهم في جميع الحالات فإنه في صورة عدم جواز بيع
الوقف، فيرجع النفع إليهم متدرجا مع توقفه على الزحمات الكثيرة،

1 - الإحتجاج: 490، عنه الوسائل 19: 191، ضعيفة للارسال.
501

وهذا بخلاف البيع فإنه حينئذ تملكون الثمن دفعة واحدة فيفعلون به ما
يشاؤون، وأصلحية ذلك مما لا يخفى حتى في غير حال الخراب، مع أن
هذا لم يقل به أحد، وتوهم تقييدها بمفهوم خبر جعفر بن الحيان فاسد،
لعدم اعتباره كما عرفت.
3 - إن المستفاد من الرواية جواز البيع مطلقا، سواء كان أصلح لهم أو
لا يكون، فإن الأصلحية إنما ذكرت في كلام السائل فلا يكون موجبا
للتقييد، وإلا فالجواب مطلق، فتكون معارضة لما دل على عدم جواز بيع
الوقف على ما تقدم، من قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف (1)، وقوله
(عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (2)، وغير ذلك.
فحيث إن تلك الروايات قيدت بما دل على جواز بيع الوقف في صورة
الخراب كما عرفت في الصورة الأولى، فبانقلاب النسبة تكون الروايات
المانعة أخص من رواية الإحتجاج بالعموم المطلق فتقيد بها هذه الرواية،
فيحكم بعدم جواز البيع إلا في صورة الخراب بحيث سقط عن الانتفاع به،
فلا دلالة فيها أيضا على المدعى.
على أن ما دل على المنع مشهورة من حيث النقل والعمل، فيجب
الأخذ بها وترك العمل برواية الإحتجاج.
4 - ما ذكره المصنف، من أنه لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن
للبطن الأول البايع يتصرف فيه على ما شاء.
ومنه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد، فإن مقتضى كون
العين وقفا مؤبدا على ما تقدم كون بدله أيضا وقفا، فيكون ملكا للبطون

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
502

الموجودة ما دام موجودا فيكون النفع لهم، فلا يجوز لهم الهبة واعدام
العين وبعد الموت يكون ملكا للبطون اللاحقة.
وبالجملة لا يجوز العمل بهاتين الروايتين، بأن يفتي بهما على جواز
بيع الوقف، بل لم يوجد قائل بالجواز إلا ما نسب إلى المفيد، وقد عرفت
انكار العلامة النسبة.
الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة
قوله (رحمه الله): الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة.
أقول: قد جوز بعضهم البيع في هذه الصورة، بل عن الإنتصار والغنية
الاجماع عليه، إلا أنه معارض بدعوى الاجماع على عدم الجواز، على
أن الاجماع المنقول ليس بحجة، وربما استدل على ذلك برواية جعفر
المتقدمة، لقوله (عليه السلام) فيها: إذا احتاجوا أو لم يكفهم ما يخرج من الغلة
لهم أن يبيعوا الأرض.
وفيه ما ذكره المصنف، وحاصله أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع
عدم كفاية غلة الأرض لمؤونة سنة الموقوف عليهم، وهذا أقل مراتب
الفقر الشرعي، والذي يظهر من عبائر القوم الذي يجوزون بيع الوقف
عند الضرورة والحاجة الشديدة لا ينطبق على هذه الرواية، فإن النسبة
بين الحاجة الشديدة وبين مطلق الفقر عموم من وجه.
فإن الانسان قد يكون فقيرا ولا تكون له حاجة شديدة لكونه واجدا لما
يكفيه في إدارة شؤونه من مال الفقراء، كالزكاة والصدقات ورد المظالم،
وقد لا يكون شخص فقيرا بل موسرا جدا وواجدا من الأموال بما لا يعلم
حسابه إلا الله، ومع ذلك تتفق له الحاجة الشديدة في بعض الأوقات،
كما إذا كان في بلد لا يصل إلى ماله ولو بالاستقراض، ولكن عنده وقف
503

يمكن بيعه ورفع الحاجة أو في بلده، ولكن ليس له نقد ولا يباع متاعه،
واحتاجت إلى النقد احتياجا شديدا، وكان عنده وقف يشترونه بالنقد
فيمكن أن يقضي حاجته ببيع الوقف، وقد يجتمعان.
فلا يمكن الاستدلال على جواز بيع الوقف للحاجة الشديدة برواية
جعفر بن حيان، لأنك عرفت أنها ضعيفة السند وغير قابلة للاعتماد عليه،
فلا يكون مدركا للحكم.
الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة
قوله (رحمه الله): الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة أو إذا كان
فيه مصلحة البطن الموجود أو جميع البطون.
أقول: فقد اختلفت كلمات الأصحاب في أنه يجوز بيع الوقف مع
شرط الواقف في ضمن الوقف ذلك أو لا يجوز، فقول بالجواز مطلقا،
وقول بعدم الجواز كذلك، وقول بالتفصيل بينما يشترط الواقف جواز
بيع الوقف عند عروض المصلحة والمجوز من الخراب ونحوه من
المسوغات فقيل بالجواز وبينما يشترط جواز البيع في غير هذه الصورة
فقيل بعدم الجواز.
إلا أنه ليس تفصيلا في الحقيقة فضلا عن كونه موافقا للتحقيق كما
اختاره الكركي، فإن هذا الشرط الذي في فرض جواز بيع الوقف
لا يترتب عليه أثر، فإنه بدون هذا الشرط أيضا يجوز بيع الوقف، نعم
يكون هذا الشرط تأكيدا لجواز البيع كما هو واضح.
ثم على تقدير القول ببطلان الشرط، ففي كونه مبطلا للعقد وعدمه
وجهان، إذن فالأقوال ثلاثة: قول بالجواز مطلقا، وقول بالبطلان مطلقا،
ومع القول بالبطلان قول بكون الشرط باطلا فقط، وقول بكونه مبطلا
للعقد أيضا.
504

وكيف كان فيقع الكلام في مقامين: الأول: في أنه يجوز اشتراط بيع
الوقف ليكون بدله أيضا وقفا أو لا، الثاني: في جواز اشتراط بيعه ليكون
ثمنه ملكا طلقا للموقوف عليهم وعدم جوازه.
وعلى كل تقدير فنتكلم في جهتين:
الأولى: في كون هذا الشرط مخالفا لمقتضي العقد وعدمه.
الثاني: في كونه مخالفا لمقتضي السنة وعدمه، إذ ليس في الكتاب ما
يكون راجعا إلى ذلك حتى نتكلم في مخالفته للكتاب أيضا.
الجهة الأولى
أما المخالفة لمقتضي العقد، فالمدار في ذلك على أن يكون المنشأ
في العقد مضادا للشرط ومناقضا له، كما لو اشترط في البيع أن يكون
بلا ثمن، أو اشترط في الإجارة أن تكون بلا أجرة، أو اشترط عدم تصرف
المستأجر في الدار المستأجرة أصلا، وأما إذا لم يكن الشرط منافيا
لمقتضي العقد وإنما يكون منافيا لمقتضي الاطلاق فلا مانع عنه، كما إذا
اشترط في البيع أن يكون الثمن مؤجلا، أو أن يكون من نقد خاص.
وعليه فإن كان التأجيل من مقتضيات الوقف ومن منشئاته فاشتراط
البيع عند الحاجة مناف لمقتضي عقد الوقف بلا شبهة، وأما لو كان من
مقتضيات اطلاق الوقف فلا مانع عن بيعه.
وأما مقتضى ليكون بدله أيضا وقفا مثل أصله، فربما قيل بعدم
الجواز، بدعوى أن مقتضى الوقف هو التأبيد، والواقف إنما وقف
الموقوفة ليكون الوقف أبديا كما هو مقتضى مفهوم الوقف أيضا،
فاشتراط بيعه يكون مناقضا لمفهومه فلا يجوز، وعليه فكما أن الشرط
فاسد فكذلك أنه مفسد أيضا للمناقضة.
505

وفيه أن حقيقة الوقف كما تقدم حبس العين وتسبيل الثمرة، وقد
استفدنا دوامه من العبارة الموجودة في صيغة الوقف، من قول الواقف
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبهذه القرينة جعلنا متعلق الوقف
هي المالية الموجودة في هذه العين وفي بدلها على تقدير انعدام العين.
وعليه فكما أن بيعه عند عروض المجوز له وتبديله بوقف آخر
لا ينافي مقتضى الوقف، فكذلك اشتراط تبديله بوقف آخر أيضا لا ينافي
مقتضى العقد، فإنه على كل حال فالوقفية محفوظة في صورتي وجود
العين وتبديلها بشئ آخر، نعم ما دامت العين موجودة فالخصوصيات
العينية أيضا مورد للتوجه ومحط نظر الواقف.
وبالجملة لا نري بأسا لاشتراط تبديل العين الموقوفة في ضمن صيغة
الوقف، فإن المؤمنون على شروطهم، وأوفوا بالعقود (1) والوقوف على
ما يوقفها أهلها، كلها يقتضي ذلك أيضا، فضلا عن كونه منافيا لمقتضي
الوقف، نعم الاشتراط ينافي اطلاق الوقف الذي يقتضي كون العين
الموقوفة باقية على وقفيته.
الجهة الثانية
فربما يقال إنه يبتني صحة الوقف حينئذ على صحة الوقف المنقطع
الآخر وكونه وقفا لا حبسا، وحيث إن المختار صحته لا سيما إذا كان
مرددا بين الانقطاع وعدمه، فيصح شرط جواز البيع لبعض البطون، فإن
مرجع شرطه إلى أن يجعله منقطعا وأن يبقيه على حاله.
أقول: الظاهر أن صحة الاشتراط هنا لا يبتني على صحة الوقف
المنقطع الآخر، وتوضيح ذلك:

1 - المائدة: 1.
506

أنه لا دليل على بطلان وقف المنقطع الآخر إلا الاجماع، وحيث إنه
دليل لبي لا يشمل ما نحن فيه، وذلك فإن اشتراط الانقطاع على أقسام:
1 - أن يوقف ويشترط في ضمن الوقف بيعه بعد عشر سنوات، وكون
الثمن للموقوف عليهم، وهذا من أفراد الوقف المنقطع، فصحة ذلك
يتوقف على صحة كلية وقف المنقطع، لأنه من مصاديقه أيضا.
2 - أن يوقف عينا كالدار ونحوها على فلان ولعقبه إلى خمسة
مراتب، فيكون الوقف منقطعا بانقراض الموقوف عليهم، فهذا أيضا من
أقسام الوقف المنقطع، فيكون ذلك كالأول موردا للاجماع على بطلان
الوقف المنقطع.
ففي هاتين الصورتين يكون الوقف من الأول بحسب الانشاء منقطعا،
فيكونان موردين للاجماع متيقنا، فيحكم بالبطلان على تقدير تحقق
الاجماع وحجيته.
3 - أن يكون الوقف بحسب انشاء الواقف مؤبدا من غير أن يقيده
بوقف أو بشخص، بحيث يكون الوقف منقطعا بحسب انشاء الواقف،
ولكن يشترط في ضمن الوقف قطع ذلك الوقف المؤبد، بأن يبيعه متى
شاء أو يبيعه الموقوف عليهم متى شاؤوا، فهذا ليس وقفا منقطع الآخر
بوجه وإنما هو وقف مؤبد، ولكن يقطعه بحسب الاشتراط، فقطع الوقف
غير الوقف المنقطع.
فمثل هذا لا نظن بطلانه، والاجماع المدعى على بطلان الوقف
المنقطع الآخر لا يجري هنا، لكونه دليلا لبيا فلا بد من إرادة المتيقن من
ذلك، ما هو المتيقن إنما هو القسم الأول والقسم الثاني، بل يدل على
صحة ذلك: أوفوا بالعقود (1) والمؤمنون عند شروطهم، فإن عقد الوقف

1 - المائدة: 1.
507

تحقق على هذا الشرط، وكذلك يقتضي صحة هذا القسم من الوقف قوله
(عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (1)، فإن أهل الوقف وقف هذا
القسم من الوقف كذلك.
وأما توهم أن هذا منافي لمقتضي الوقف فيكون الشرط باطلا فيبطل
الوقف توهم فاسد، وأن مفهوم الوقف ليس إلا حبس العين وتسبيل
الثمرة، والواقف إنما أنشأ هذا المفهوم وهو أعم من الدوام والانقطاع،
نعم اطلاقه يقتضي الانقطاع، فاشتراط القطع متى شاء الواقف أو
الموقوف عليهم لا ينافي مقتضى الوقف، وإن كان ينافي مقتضى اطلاق
الوقف، وإنما استفدنا الدوام من جهة القرائن الخارجية، لا من جهة كونه
من مقتضيات مفهوم الوقف كما هو واضح لا يخفى.
وبالجملة لم نر بأسا من اشتراط الواقف بيع الوقف عند وقفه، سواء
كان ثمنه بدلا عن العين الموقوفة في الوقفية أم لا يكون بدلا بل ملكا طلقا
للموقوف عليهم، وعلى كل حال فليس ذلك الاشتراط منافيا لمقتضي
الوقف أصلا.
الجهة الثالثة
أن يكون الاشتراط منافيا لسنة أو لا يكون منافيا لها، فالظاهر أنه مناف
للسنة، فإن قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في
ملكك، يدل على عدم جواز بيع الوقف، سواء اشتراط الواقف بيعه أم
لم يشترط، فيكون اشتراط البيع منافيا له، فلا يجوز إذن فيكون الشرط
فاسدا.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
508

اللهم إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف، ليس دليلا
تعبديا في مورد عدم جواز بيع الوقف بل امضاء لمفهوم الوقف كما أشرنا
إليه سابقا، فإن مفهوم الوقف يقتضي السكون والوقوف، والبيع والشراء
ونحوهما من التصرفات مخالف لذلك السكون، وإنما هي حركة العين
فيكون على خلاف مفهوم الوقف، فقوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقوف
ولا تدخل الغلة في ملكك (1)، امضاء لما يقتضيه ذلك المفهوم، وأن
الوقف لا بد وأن يكون ساكنا، وليس له أن يتحرك بالبيع والشراء والهبة
كما لا يخفى.
وعليه فلا يكون الاشتراط منافيا لمقتضي السنة أيضا، سواء كان
الشرط راجعا إلى تبديل الوقف ببدل آخر الذي لا اشكال فيه أصلا أم
كان راجعا إلى كون الثمن ملكا للموقوف عليهم، لما عرفت في أن
اشتراط قطع الوقف غير الوقف المنقطع، فيكون صحيحا كما هو واضح.
ثم بناء على كون الاشتراط منافيا للسنة فيكون الشرط فاسدا لكونه
مخالفا للسنة والشروط المخالفة للكتاب أو السنة فاسدة، ولكن ذلك
ليس مثل الشرط المخالف لمقتضي العقد فإنه فاسد ومفسد للعقد،
لكونه على خلاف مقتضى العقد ومناقضا له، فينقض العقد ويفسده،
ولكن الشرط المخالف للسنة كونه مفسدا للعقد يبتني على ما سيأتي في
باب الشروط أن الشرط الفاسد هل يكون مفسدا للعقد أم لا، فحيث إن
المختار لنا هناك عدم كونه مفسدا للعقد فيكون الوقف هنا صحيحا وإن
اشترط فيه قطعه كما هو واضح.
ثم العجب من شيخنا الأستاذ (2) حيث اقتصر في البحث في المقام على

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 396.
509

المقام الأول فقط، أعني كون الشرط مخالفا لمقتضي العقد أم لا،
ولم يتكلم أصلا في أن هذا الشرط هل هو مخالف لمقتضي السنة أم لا،
فكان عليه (رحمه الله) ذلك ولكن تركه.
وأما التمسك في ذلك بخبر جعفر الصادق (عليه السلام) المتقدمة (1)، بدعوى
أنه إذا جاز البيع بلا شرط فمع الشرط أولى، فقد تقدم الجواب عنها.
ويؤكد ما ذكرناه، من جواز البيع صحيحة الكافي الدالة على وقف أمير
المؤمنين (عليه السلام) صدقة وشرط فيها جواز البيع للحسن والحسين (عليهما السلام) إذا
حدث فيهما حدث (2)، فتكون دالة لما نحن فيه، فإنه إذا جاز اشتراط البيع
للبطن الموجود فللبطن المعدوم أولى، وتأويل الرواية بإرادة الوصية من
ذلك خلاف الظاهر بمكان كاد أن يكون على خلاف الصراحة.
ومع ذلك فالعجب من المصنف حيث قال: إن تأويل الرواية مشكل
والعلم بها أشكل، وأما التأويل فهو مشكل كما ذكره، وأما أن العمل بها
يكون أشكل لا نعرف له وجها، بعد كون الرواية صحيحة وعمل جملة
من الأعاظم على طبقها.
نعم لو كان على خلافها اجماع أو شهرة عظيمة، فكان لهذه الكلام

1 - الكافي 7: 35، الفقيه 4: 179، التهذيب 9: 133، الإستبصار 4: 99، عنهم الوسائل
19: 192، ضعيفة لجعفر بن حيان.
2 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: بعث إلي بهذه الوصية أبو إبراهيم (عليه السلام): هذا ما
أوصى به وقضى في ماله على عبد الله ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار
ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - إلى أن قال: - يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يريد الله في حل محلل لا حرج عليه فيه - إلى أن قال: -
وإن حدث بحسن بن علي حدث وحسين حي فإنه إلى حسين بن علي وأن حسينا يفعل فيه
مثل الذي أمرت به حسنا، له مثل الذي كتبت للحسن وعليه مثل الذي على الحسن - الحديث
(التهذيب 9: 146)، صحيحة.
510

أيضا وجه، بناء على أن اعراض المشهور عن الرواية يوجب الوهن كما
قال نظير ذلك في المعاطاة، فله وجه لعدم وجود الرواية هناك، وأما في
المقام فلا مجال لهذا الكلام.
الكلام في الصور الأربعة الأخيرة
الصورة السابعة: أن يؤدي بقاء الوقف إلى خرابه علما أو ظنا، وهو
المعبر عنه بخوف الخراب في كلمات الفقهاء، سواء كان ذلك للخلف
بين أربابه أو لغير ذلك، والخراب المعلوم والمخوف قد يكون على حد
سقوطه من الانتفاع نفعا معتدا به، وقد يكون على وجه نقص المنفعة.
الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف
المال والنفس، وإن لم يعلم أن يظن بذلك، وقد صرح بعض الأعلام
بجواز البيع هنا أيضا.
الصورة التاسعة: أن يؤدي الاختلاف بين الموقوف عليهم إلى ضرر
عظيم من غير تقييد بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.
الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح منه الأنفس.
ومجموع تلك الصور وإن لم تذكر في كلام واحد من الفقهاء ولكنها
ذكرت في كلماتهم على التفريق وقد نظمها المصنف وجمعها إلى
عشرة صور.
ثم إن الكلام في هذه الصور الأربعة يقع في جهتين:
الأولى: في العقد الايجابي، وهو جواز البيع مع تأدية البقاء إلى
الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان ذلك لأجل
الاختلاف أو غيره.
والثانية: العقد السلبي، وهو المنع في غير ما ذكر في الجهة الأولى من
جميع الصور.
511

ما يستدل به على الجواز
فقد استدل على الجواز بوجوه:
1 - ما ذكره المصنف، ومحصل كلامه أن المقتضي لجواز بيع الوقف
في هذه الصور موجود والمانع مفقود، فيجوز بيعه للعمومات المقتضية
لصحة البيع.
أما وجود المقتضي فلأنه مال لمالكه فيجوز بيعه للعمومات مقتضية
للبيع، أما عدم وجود المانع فهي الأدلة الشرعية المانعة عن بيع الوقف
وهي لا تنهض للمانعية هنا.
أما الاجماع فلاختصاصه بغير هذه الصورة، لكونه دليلا لبيا لا يؤخذ
منه إلا المقدار المتيقن.
وأما قولهم (عليهم السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (1)، ولا يجوز
شراء الوقف، فلا تدخل الغلة في ملكك (2)، فلأنها منصرفة عن هذه
الصورة، لما عرفت من أنها ناظرة إلى صورة عدم سقوط العين الموقوفة
عن حيز الانتفاع بها، وأما إذا سقطت عن ذلك فلا تشمله تلك الأدلة.
على أنه لا تتم دلالة قولهم (عليهم السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها
أهلها، على عدم الجواز كما تقدم، وأما الموقوف عليهم والواقف فبيع
الوقف هنا موجب لحفظ حقهم، إذ مع عدم البيع تتلف العين الموقوفة
ولا يبقى ما يوجب حفظ حق الواقف أو الموقوف عليهم بخلاف البيع
والتبديل بعين أخرى، فإن ذلك يوجب الجمع بين حقوقهم.

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
512

وبالجملة الأدلة المانعة عن بيع الوقف وما يؤيده كلها غير جارية هنا،
وإذن فلا بأس من البيع في هذه الصورة.
2 - ذكر شيخنا الأستاذ (1) أن هذه الصورة ملحقة بالصورة الأولى، وهي
خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به، فإن العلم بتأديته إلى الخراب
أو الظن به المعبر عنه بخوف الخراب إنما هو من حيث طريقيته إليه،
وبعبارة أخرى إذا احتمل احتمالا عقلائيا تأديته إلى الخراب على نحو
لو كان فعلا خرابا لجاز بيعه فحكم الاحتمال حكم نفس الخراب، ولكن
من حيث كونه طريقا، لأن بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنه
صار خرابا فعلا.
ولكن الوجهان لا يتمان:
أما ما أفاده شيخنا الأستاذ، فلأن الأدلة المانعة عن بيع الوقف كقوله
(عليه السلام): لا يجوز بيع الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك، لا قصور في
شمولها للمقام، فإن الانتفاع بالعين الموقوفة ممكن بالفعل، ولا يكون
العلم بخرابها بعد سنة مثلا مجوز لبيعها فعلا، فضلا عن الظن بذلك أو
الأمارات المعتبرة، كما إذا قامت البينة على أنها تخرب بعد ستة أشهر،
وفضلا عن احتمال الخراب.
وبعبارة أخرى أنه لا يجوز بيع الوقف للوجوه المذكورة على ذلك، و
إنما الخارج عنها ما يحرز خرابه بالفعل، وأما في غيره فلا وجه لجواز
البيع بوجه بل يبقى تحت أدلة المنع.
وبالجملة بعد ما كان الوقف مما يمكن الانتفاع به فلا وجه لبيعه
لشمول أدلة المنع عليه، وإن علم أو قامت البينة المعتبرة على خرابها
فضلا عن احتمال الخراب، فإن الحكم تابع لموضوعه الفعلي كما لا يخفى.

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 398.
513

ومن هنا ظهر الجواب عما ذكره المصنف، فإن الأدلة إنما تنصرف عن
المنع عن بيع العين الموقوفة إذا سقطت عن الانتفاع بها، وما نحن فيه ليس
كذلك بل هو من مصاديق عدم الجواز، لجواز الانتفاع بها على النحو
الذي وقفها الواقف، نعم الاجماع على تقدير حجيته لا يشمل المقام.
وأما حفظ حق الواقف والموقوف عليهم فقد عرفت بطلانها وعدم
كونها وجها لعدم جواز بيع الوقف، نعم بناء على حفظ حق البطون
اللاحقة فلا بد من بيع العين الموقوف مع مظنة الخراب أو العلم به
وتبديلها بعين أخرى لئلا يزول حقهم، كما أشار إليه المصنف في
كلامه.
ولكن عرفت أنه لا دليل على ذلك، فإن البطن الموجود مالكون على
الوقف بالفعل وجاز لهم الانتفاع بها فعلا، فلا دليل على وجوب رفع اليد
عن ملكهم لحفظ الموضوع على ملك الأشخاص الأخر، وإلا لوجب
حفظ مال الناس وإن توقف على صرف المال.
وقد تقدم هذا فيما سبق في فرع أنه إذا توقف حفظ الوقف للبطون
اللاحقة على صرف مقدار من منافع الوقف عليه فهل يجوز اجبار البطن
الموجود على ذلك أم لا، وقلنا لا وجه عليه فإنهم مالكون على نفعها،
فلا ملزم لرفع اليد عن ملكهم لحفظ حق الغير بل ينتفعون بها ما دام
موجودا، فإن يبقى للبطون اللاحقة فتنتفعوا بها وإلا فلا، وهذا واضح
لا خفاء فيه.
والحاصل أن المصنف قال بعدم شمول الأخبار الدالة على المنع عن
بيع الوقف على هذه الصور الأربع وانصرافها عنها، وقال شيخنا الأستاذ
بأن احتمال الخراب كالخراب الفعلي موضوع للحكم بجواز بيع الوقف.
وفيه أن الحكم الفعلي تابع لموضوعه الفعلي وأنه لا وجه لانصراف
514

الأدلة عن هذه الصور بأجمعها بعد ما كان الانتفاع بالوقف ممكنا كما في
حاشية الإيرواني (1).
ثم نقل المصنف (رحمه الله) وجهين على جواز البيع في هذه الصور:
3 - الأول: ما عن المختلف والتذكرة والمهذب وغاية المرام، من أن
الغرض من الوقف استيفاء منافعه وقد تعذرت، فيجوز اخراجه عن حده
تحصيلا للغرض منه، فيدور الأمر بين انقطاع شخصه ونوعه وبين انقطاع
شخصه لا نوعه، فالثاني أولى بغرض الواقف، فيجوز التبديل وجعل
بدله وقفا مكان المبدل.
وفيه ما أجابه المصنف، من أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من
شخص الموقوف، لأنه الذي دل عليه صيغة الوقف، والمفروض تعذره
فيسقط، وقيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص لكونه أقرب إلى
مقصود فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف
بعد تعذر أصل الغرض.
4 - الثاني: ما عن التنقيح، من أن بقاء العين على حاله والحال هذه
إضاعة واتلاف للمال وهو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا، ولعله
أراد الجواز بالمعنى الأعم، فلا يرد عليه أنه يدل على وجوب البيع.
وفيه أن المحرم إنما هو التصدي بإضاعة المال وأما تركه على حاله
بحيث يضيع بنفسه فلا دليل على حرمته، كما إذا مرض الغنم ولم يقدر
مالكه على الذبح إلى أن مات فلم يفعل هو فعلا محرما.
5 - ثم إنه استدل على جواز البيع في كل واحدة من الصور الأربعة
بمكاتبة ابن مهزيار، قال:
كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): إن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 178.
515

لك في الوقف الخمس ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو
تقويمها على نفسه بما اشتريها أو يدعها موقوفة، فكتب إلى: أعلم فلانا
أني آمره أن يبيع حقي من الضيعة وايصال ثمن ذلك إلى، وأن ذلك رأيي
إن شاء الله تعالى، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له.
قال: فكتبت إليه: إن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة
اختلافا شديدا وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان تري
أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته،
فكتب إليه بخطه وأعلمه: أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين
أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل فليبع، فإنه ربما جاء في الاختلاف
تلف الأموال والنفوس - الخبر (1).
وفيه أولا: أنها ضعيفة السند، ودعوى انجبارها بالشهرة دعوى
جزافية، إذ على فرض تسليم الكبرى لا نسلم الصغرى، لعدم انطباق
شئ من الأقوال على الرواية، فلا ينجبر ضعفها بالشهرة.
بيان ذلك: أنها دلت على جواز بيع حصة الإمام (عليه السلام) من دون طرو
مسوغ للبيع، فلا بد من حملها أما على صورة اشتراء بعض الضيعة من
سهم الإمام (عليه السلام) أو على قضية خاصة غير معلومة الجهة.
وتوهم أن الإمام (عليه السلام) له الولاية على جميع أموال الناس بل رقبتهم
فكيف بمال نفسه، فجاز أن يكون أمره (عليه السلام) على البيع من جهة الولاية.
وفيه أن هذا التوهم فاسد، فإن ظاهر قوله (عليه السلام): إني آمره أن يبيع
حصتي من الضيعة وايصال ثمن ذلك إلى أن ذلك رأيي، أو يقومها على
نفسه إن كان ذلك أوفق له، هو أن الإمام (عليه السلام) إنما بين حكم المسألة في

1 - التهذيب 9: 130، الإستبصار 4: 98، الكافي 7: 36، الفقيه 4: 178، عنهم الوسائل
19: 189.
516

نفسها لا بما أن له الولاية على العين الموقوفة.
وأيضا أنهم استدلوا على القول السابع بقوله (عليه السلام): ربما جاء في
الاختلاف تلف الأموال، بناء على أن يكون المراد بالأموال هي العين
الموقوفة.
وفيه أولا: أن ظاهر التعبير بصيغة الجمع هو تلف مطلق الأموال أعم
من الوقف وغيره.
وثانيا: أن القائلين بجواز بيع الوقف في هذه الصورة إنما يقولون في
مورد العلم بأدائه إلى الخراب أو الظن المتاخم بالعلم، ولفظة ربما
يستعمل في المحتملات، فتصير النتيجة أنه إذا احتمل طور الخراب
على الوقف جاز بيعه، ومن المعلوم أنه لم يلتزم به أحد فيما نعلم فكيف
ينجبر ضعف الرواية بالشهرة.
على أن قوله (عليه السلام): إن رأيي إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب
الوقف أن بيع الوقف أمثل، في جواب السؤال عن بيع حصة الباقين
وتقسيم ثمنه إليهم، لا ينطبق على القواعد، وذلك لأنه لا وجه لتصدي
الواقف بالبيع، فإنه بعد ما وقف ماله فصار كسائر الأجانب.
وتوهم أنه اشترط كون التولية عليه خلاف الظاهر من الرواية، وأن
مقتضى القواعد أن يكون بدل الوقف وقفا فلا وجه لتقسيم الثمن على
الموقوف عليهم، فلا يمكن العمل بظاهر الرواية، بل يرد علمها إلى
أهلها، أو يحمل على صورة عدم اقباض الوقف وعدم كون الموقوفة
مقبوضة منهم، فإنه حينئذ لم يتم الوقف، فاختيار المال تحت يد الواقف
المالك يفعل به ما يشاء، وقد حملها على هذا جملة من الأعلام (1).
على أن الاستدلال بها على الصورة السابعة ينافي الاستدلال بها على

1 - راجع جواهر الكلام 22: 371.
517

الصورة الثامنة، التي عبارة عن وقوع الاختلاف بين الموقوف عليهم
بحيث لا يؤمن معه تلف الأموال والأنفس، فإن الاستدلال بها على
الصورة الثامنة يتوقف على أن يكون المراد بها غير الموقوفة من سائر
الأموال، والاستدلال بها على الصورة السابعة يتوقف على أن يكون
المراد بها عين الموقوفة.
ثم إن الاستدلال بها على الصورة التاسعة، وهي أداء الاختلاف إلى
ضرر عظيم يتوقف على استفادة العموم من التعليل، وهو قوله (عليه السلام):
فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس، وهذا لا يمكن
الالتزام به، وإلا اقتضى جواز بيع الوقف لاصلاح كل فتنة، وهذا مما
لم يلتزم به أحد فيما نعلم، فكيف يوجب انجبار ضعف الرواية.
ثم إن الاستدلال بها على الصورة العاشرة، وهي خوف تلف النفس
ويتوقف الاستدلال على إلغاء تلف المال عن الموضوعية وجعل
الموضوع خوف تلف النفس، وهو خلاف الظاهر من الرواية، فإن الظاهر
منها موضوعية كل منهما للحكم.
بيان آخر لعدم نهوض الرواية للاستدلال
وبالجملة لا يجوز الاستدلال برواية ابن مهزيار على شئ من الصورة
السابعة إلى الصورة العاشرة، أما من حيث السند فلا بأس به، وأما من
حيث الدلالة فمن جهة أن ما ذهب إليه المشهور في الصور الأربعة
لا يستفاد من الرواية، وما يستفاد من الرواية لم يلتزم به أحد فيما نعلم،
وتوضيح ذلك:
إن التعليل المذكور في الرواية بقوله (عليه السلام): فإنه ربما جاء في
الاختلاف تلف الأموال والنفوس، قد يكون حكمة ويكون مناط
518

الحكم بجواز البيع نفس الاختلاف بمجرده من غير وجود الحكمة في
جميع موارد الاختلاف، كما هو الشأن من الحكمة، نظير كون التنظيف
حكمة في استحباب غسل الجمعة أو وجوبه (1)، وكون اختلاط المياه
حكمة في مشروعية العدة (2)، وإن لم يكن موجودا في بعض الموارد كما
إذا كانت المطلقة يائسة أو كان المغتسل تنظف في ليلة الجمعة، وهذا
لم يلتزم به أحد فيما نعلم، بحيث أن يقال بجواز البيع بمجرد الاختلاف
ولو كان اختلافا جزئيا غير منجر إلى تلف المال والنفس.
وإن كان المراد من التعليل ما هو ظاهر فيه، من أخذه علة للحكم
ومناطا له، بحيث يكون الموجب لجواز البيع هو تلف الأموال والأنفس
الناشئ من الاختلاف في هذا الوقف وكونه منشأ له وإن لم يكن التالف
أجنبيا عن الواقف والموقوف عليهم، كما إذا كانت الضيعة موقوفة على
خادم المسجد ولم يكن بينهم اختلاف، ولكن الاختلاف بين الطباخين
الذي ينجر إلى تلف المال والأنفس.
فلازم أخذ قوله (عليه السلام): فإنه ربما جاء - الخ علة للحكم تعديته إلى
كل ما يترتب على الاختلاف الناشئ من هذا الوقف من تلف النفس
والمال، وهذا أيضا لم يلتزم به أحد فيما نعلم، فلا يمكن الالتزام
بالرواية وإن كانت صحيحة.

1 - عن الصادق (عليه السلام): إن الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها، فإذا كان يوم الجمعة
حضروا المسجد، فتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغسل،
فجرت بذلك السنة (الفقيه 1: 62، علل الشرايع: 285، التهذيب 1: 366، عنهم الوسائل
3: 315).
2 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج
امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: إنما العدة
من الماء (الكافي 6: 109، عنه الوسائل 21: 319)، صحيحة.
519

بيان آخر لعدم تمامية الرواية للاستدلال بها لهذه الموارد وبيان موردها
أقول: أما رواية علي بن مهزيار فمن حيث السند فلا بأس به لكونها
صحيحة السند، وأما من حيث الدلالة فهي خارجة عن الدلالة على بيع
الوقف في شئ من الصور الأربعة، بل لا بد من حملها على صورة عدم
تمامية الوقف، أي قبل القبض والاقباض، كما حملها عليه جملة من
الأعلام كالمحدث الفيض وغيره، وذلك لجهات عديدة، فإنها مؤيدة
لحملها على صورة قبل القبض:
الجهة الأولى: أن صدر الرواية لا ينطبق على الوقف التمام، فإن سؤال
السائل في حصة الإمام التي هي خمس الوقف وأنه كيف يصنع بها،
وجواب الإمام (عليه السلام) ببيعها أو تقويمها على نفسه وارسال ثمنها إليه
(عليه السلام) لا يتم إلا إذا لم يتم الوقف وكان المال تحت يد الواقف بحيث له أن
يفعل به بما يشاء، وذلك لأنه لا يجوز لأحد أن يبيع الوقف حتى مع إذن
الموقوف عليه، ومن الواضح أن جواب الإمام بالبيع وارسال ثمنه إليه
ليس من جهة ولايته المطلقة حتى يرتفع الاستبعاد بل بما أنه محل
المصرف.
الجهة الثانية: أن جواب الإمام (عليه السلام) عن سؤال عن وقوع الخلاف بين
أرباب الوقف ببيعه أيضا لا ينطبق على القواعد، إذ المتصدي بالبيع على
تقدير جوازه إنما هو من كان أمر الوقف بيده وتوليته عليه، وأما الواقف
فكسائر الأشخاص أجنبي عن التصرف في الوقف، واحتمال أنه كان
مشترط كون أمر الوقف بيده خلاف الظاهر من الرواية، فلا يجوز المصير
إليه بدون القرينة الصارفة.
الجهة الثالثة: أنه بعد ما بيع الوقف فلماذا يقسم بين الموقوف عليهم،
520

مع أنك عرفت فيما تقدم أن بدل الوقف وقف، فلا يصح ذلك إلا بحملها
على صورة قبل القبض لا بعده، خصوصا يساعد على ذلك قوله (عليه السلام):
إن بيع الوقف أمثل، حيث إن الواقف يريد الثواب، فإذا فعل هكذا فإنه
لا يقع بين الموقوف عليهم اختلاف فيكون أصوب وأمثل.
الجهة الرابعة، وهي العمدة، إن قوله (عليه السلام): إن كان قد علم الاختلاف
بين أرباب الوقف أن يبيع الوقف أمثل، ومع قول السائل في سؤاله: وأنه
ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن من الواضح أنه أي خصوصية
في علم الواقف بالاختلاف، وكذا عدم أمنه عن التفاقم والشدة، بل لا بد
وأن يكون المناط علم المتصدي بالوقف، فليس ذلك إلا إذا كان أمر
الوقف بيده، وهذا لا يتم إلا مع عدم تمامية الوقف وكون ذلك قبل
القبض، لعدم انطباقها بشئ من الفتاوي المذكورة في المقام.
وعلى هذا فلا يجوز الاستدلال بها على بيع الوقف بترك الاستفصال
كما في كلام المصنف (رحمه الله)، ومع ذلك كله فلا يجوز الاستدلال بها على
المقصود أيضا مع ذلك التعليل الموجود فيه، وإن كانت صريحة في
جواز البيع، بل لا بد من رد علمها إلى أهلها.
وذلك فإنه لا يخلو أما أن يراد من التعليل الحكمة أو العلية فلا واسطة
بينهما، فإن أريد منه الحكمة فلازمه القول بجواز بيع الوقف بمجرد
الاختلاف وإن لم يؤدي إلى تلف الأموال والنفوس، فإن ذلك كاختلاف
المياه في باب العدة، فالتعميم ليس بلازم، وإن أريد منه التعليل والعلية،
فلازم ذلك التعدي بكل اختلاف يوجب تلف الأموال والأنفس مع بقاء
الوقف، وإن لم يكن بين أربابه اختلاف بل بين الجوار والطباخين
والعمالين والمتولين ونحوهم، بحيث يكون المنشأ لذلك هو الوقف،
وكلاهما لا يمكن الالتزام به.
521

6 - ربما يقال بجواز بيع الوقف في تلك الصور لأجل المزاحمة وإن لم يكن في البين نص، بدعوى أن الأمر دائر بين حفظ الوقف على حاله
والالتزام بجواز تلف الأموال والأنفس وبين حفظ المال والنفس
والالتزام بجواز بيع الوقف، وبما أن حفظ النفس عن التلف أهم من حفظ
الوقف فيجوز بيعه بل يجب لحفظ النفس والمال.
وفيه أن هذا من العجائب، فإن التزاحم إنما هو في مقام العمل وعدم
تمكن المكلف على الامتثال لا في مقام الجعل، وعليه فارتفاع التكليف
عن المكلف بالنسبة إلى المهم واضح، بأن يجوز بيع الوقف إذا دار الأمر
بين بيعه وبين أداء الاختلاف إلى تلف الأموال والأنفس و لكنه لا يوجب
ذلك جعل الشارع الحكم الوضعي في مرحلة الجعل، بأن يحكم بصحة
المعاملة، فإن التزاحم لا يوجب رفع الحكم ووضعه في مرحلة الجعل.
وبعبارة أخرى أن التزاحم يستلزم رفع الحكم التكليفي في مقام
الامتثال عن المهم ويوجب اتيان الأهم، وهذا غير مربوط بالحكم
الوضعي وحكم الشارع به في مقام الجعل ليكون صحيحا في مقام
الامتثال، بل يكون البيع مع التزاحم المذكور جائزا تكليفا وفاسدا وضعا،
فمزاحمة الأهم مع المهم في مرحلة الامتثال لا يوجب إلا جواز الاقدام
على المهم تكليفا ويستلزم جوازه وضعا، إذ عدم القدرة على الامتثال
من المكلف إنما هي بالنسبة إلى الحكم التكليفي لا بالنسبة إلى الحكم
الوضعي كما لا يخفى.
فتحصل أنه لا يجوز بيع الوقف في جميع تلك الصور إلا إذا خرب
الوقف أو كان مشرفا على الخراب بحيث ليس بين الخراب والزمان الذي
معمورة إلا زمان قليل، وكذلك في صورة اشتراط الواقف بيعه عند
الاحتياج كما صنعه علي (عليه السلام).
522

الكلام في الوقف المنقطع
قوله (رحمه الله): وأما الوقف المنقطع.
أقول: بناء على صحة الوقف المنقطع، وهو ما إذا وقف على من
ينقرض، فأما أن يقال ببقائه على ملك الواقف، وأما أن يقال بانتقاله إلى
الموقوف عليهم.
وعلى الثاني فأما أن يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم إلى
ورثتهم عند انقراضهم، وأما أن يقال بعوده إلى ملك الواقف، وأما أن
يقال بصيرورته في سبيل الله.
1 - وهو بقاؤه في ملك الواقف، فلا يجوز لغيره من الموقوف عليهم
وغيرهم بيعه لعدم الملك، وأما الواقف فيجوز له بيعه لوجود المقتضي،
وهو كونه ملكا له وتكون العمومات شاملة له، وعدم المانع إذ الوقفية
مع كونها منقطعة لا تكون مانعة عن البيع، فيصبر المشتري إلى أن ينقضي
السكنى، إن كان عالما بذلك، أو يفسخ إن كان جاهلا أو جعل لنفسه
الخيار.
وأما قوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (1)، فإنها ناظرة
إلى عدم جواز التصرف في الوقف على النحو الذي ينافي الوقفية،
وكذلك: لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في ملكك (2)، فإن البيع
و الشراء لا ينافي الوقفية، إذ الوقف إنما جعل السكني والمنفعة
للموقوف عليهم دون الرقبة فإنها باقية في ملك الواقف، فهو إنما يبيع

1 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
523

ذلك الوقف مسلوبة المنفعة إلى انقراض الوقف، نظير بيع مؤجر العين
المستأجرة، فإنها يكون ملكا للمشتري إلى انقضاء مدة الإجارة، وعلى
هذا كيف ينافي البيع الوقف، وكيف يكون الوقف على حسب ما يوقفها
أهلها.
على أنه يمكن دعوى أن مفهوم الوقف منصرف عن الوقف المنقطع،
فيكون خارجا عن تحت الأدلة المانعة عن البيع موضوعا.
نعم يكون البيع باطلا من جهة الجهالة فيكون غرريا فهو منهي عنه،
لأن مدة انتفاع الموقوف عليهم وانقراضهم مجهولة، ومن هنا منع
الأصحاب كما حكي عن الإيضاح بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء
لجهالة مدة العدة.
وبالجملة أن بيع الواقف الوقف المنقطع وإن لم يكن فيه مانع من
الأخبار مع وجود المقتضي له، ولكن جهالة المدة مانعة عنه من حيث
لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به كما
لا يخفى.
نعم ورد النص على جوازه، وهو ما رواه المشائخ الثلاثة في الصحيح
أو الحسن عن الحسين بن نعيم قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جعل داره سكنى لرجل أيام حياته أو
جعلها له ولعقبه من بعده هل هي له ولعقبه من بعده كما شرط؟ قال:
نعم، قلت له: فإن احتاج يبيعها؟ قال: نعم، قلت: فينقض بيع الدر
السكنى؟ قال: لا ينقض البيع السكنى، كذلك سمعت أبي (عليه السلام) يقول:
قال أبو جعفر (عليه السلام): لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى، ولكن تبيعه
على أن الذي اشتراه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى كما شرط
524

وكذا الإجارة - الخبر (1).
فهو كما ترى صريح في الجواز، والعجب أنه مع ذلك توقف العلامة
وولده والمحقق الثاني في المسألة.
2 - وهو القول بعدم بقاء الوقف المنقطع في ملك الواقف بل انتقل إلى
ملك الموقوف عليهم، وقلنا بكونهم مالكين للوقف ملكا مستقرا بحيث
ينتقل منهم إلى ورثتهم عند انقراضهم، فلا يجوز البيع حينئذ للواقف
لعدم الملك، ولا للموقوف عليه، فإن الواقف قد اعتبر بقاءه إلى
انقراضهم، فيشمله قوله (عليه السلام): الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (2)،
ولا يجوز شراء الوقوف (3).
ولا يقاس ذلك بالصورة الأولى، فإن فيها أن الواقف مالك للوقف،
وفي هذه الصورة وإن كان الموقوف عليه مالكا إلا أن الواقف قد وقفه
وحبسه بحيث لا يباع ويكون باقيا إلى انقراضهم، فالبيع نقض للغرض.
3 - وهو القول بعوده إلى ملك الواقف بعد انقراض الموقوف عليهم،
فلا يجوز بيعه للموقوف عليهم لمنافاته، لأن الواقف اعتبر بقاءه إلى
انقراض الموقوف عليهم، وأما الواقف المالك فيجوز له البيع، بناء على
جواز بيع ما لا يملك ثم ملك، فإن الواقف وإن لم يكن مالكا بالفعل ولكنه
يكون مالكا بعد انقراض الموقوف عليهم.
4 - وهو القول بصيرورته في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليهم،

1 - التهذيب 9: 141، الإستبصار 4: 104، الفقيه 4: 185، الكافي 7: 38، عنهم الوسائل
19: 135، صحيحة.
2 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 175، وفي الفقيه 4: 176، والتهذيب 9: 129،
صحيحة.
3 - الكافي 7: 37، عنه الوسائل 19: 185، صحيحة.
525

فلا يجوز بيعه مطلقا، فإنه عبارة أخرى عن الوقف المؤبد، وقد عرفت
عدم جواز بيعه، غاية الأمر أنه وقف على عدة خاصة في مدة ثم على
سبيل الله كما لا يخفى.
2 - عدم جواز بيع الرهن
قوله (رحمه الله): مسألة: ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا، فإن
الظاهر بل المقطوع به الاتفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.
أقول: المشهور بل المجمع عليه على عدم استقلال المالك في بيع
العين المرهونة، ولكن الظاهر جوازه.
هذا من الموارد الذي خالفنا المشهور في عدم انجبار الرواية الضعيفة
بالشهرة، فإنهم استندوا في ذلك إلى النبوي الضعيف: الراهن والمرتهن
ممنوعان من التصرف (1)، وبنوا على انجبار ضعفه بالشهرة، ونحن
لا نعتمده.
وكيف كان أن التصرفات المتعلقة على العين المرهونة على ثلاثة
أقسام:
1 - قسم منها ينافي حقيقة الرهن وكونه وثيقة لكونه موجبا لزوال العين
وخروجها عن كونها وثيقة أو نقصان قيمتها، كما إذا ذبح الغنم المرهونة،
أو آجر السيارة الجديدة المرهونة، أو أخرب الدار ونحوها من
التصرفات المنافية لمفهوم الرهن.
2 - قسم منها لا ينافي مفهوم الرهن، بل ربما يتوقف عليه حفظه
وبقاؤه، كالسكنى في الدار واصلاح العين بالمقدار الذي ينعدم بدونه،
فإن مثل ذلك معد لبقاء العين.

1 - درر اللئالي 1: 368، عنه المستدرك 13: 426، ضعيفة.
526

3 - قسم متوسط بين القسمين كالبيع ونحوه، لعدم منافاة البيع لحقيقة
الرهن، ولذا جاز رهن العارية.
أما القسم الأول فلا يجوز بلا شبهة، ولم يستشكل فيه أحد فيما نعلم،
وأما الثاني فلا شبهة في جوازه، بل ربما يجب لبقاء العين المرهونة عليه،
وأما التصرفات المتوسطة غير الموجبة لنقص القيمة كالبيع ونحوه
فالظاهر جوازه.
وتوضيح ذلك: أن المانع عنه إنما هو أمور:
1 - الاجماع التعبدي على عدم الجواز.
وفيه أنه على تقدير حجية الاجماع المنقول فليس هنا اجماع تعبدي،
إذ من المحتمل أنه مستند إلى الوجوه المذكورة في المسألة، وإلا
فالتعبد بعدم جواز بيع الرهن بعيد جدا.
2 - النبوي المعروف: الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف.
وفيه أنه ليس لنا وثوق بل ظن بصدوره من المعصوم (عليه السلام)، فلا يكون
حجة، وتوهم انجبار ضعفها بالشهرة في غاية الضعف، لما حققناه في
محله وأشرنا إليه في كثير من المسائل المتقدمة، من أن الشهرة لا توجب
انجبار ضعف الرواية.
ولو سلمنا صحة السند فلا دلالة لها على بطلان بيع الرهن، بل هي
ناظرة بمناسبة الحكم والموضوع إلى التصرفات المنافية للرهن، كالقسم
الأول من التصرفات، وبعبارة أخرى أن مناسبة الحكم والموضوع في
قوله: الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف، تقتضي عدم نفوذ
التصرف من كل منهما على استقلاله لا مع الاتفاق والاجتماع كما هو
واضح.
3 - أما مفهوم الرهن فهو عبارة أخرى عن كون العين وثيقة، ومن
527

الواضح أن البيع لا يمنع عن ذلك، ولذا جاز رهن العارية، غاية الأمر
يشترط في العقد عدم كون المبيع طلقا بل كونه متعلقا لحق الغير، ومع
عدم فكه يكون للمشتري خيار تخلف الشرط بل يصح مع عدم الاشتراط
أيضا، غاية الأمر يكون المبيع معيبا فيثبت للمشتري خيار العيب.
نعم لو قلنا بكون الرهن كالوقف ولم يكن للمالك علاقة الملكية كما
لا يبقى له العلقة في الوقف أيضا، فلعدم جواز البيع وجه، ولكن أنى لهم
اثبات ذلك.
وبالجملة لا دليل على بطلان بيع الرهن، لعدم وجود الاجماع
التعبدي عليه، ولا وجود الرواية، وعدم صحة النبوي سندا ودلالة،
وعدم اقتضاء مفهوم الرهن ذلك.
ثم على القول بعدم جواز بيع الرهن هل هو باطل من أصله كما اختاره
جمع، أو يتوقف على إجازة المرتهن كما اختاره جمع آخر واختاره
المصنف، الظاهر هو الثاني للعمومات الدالة على صحة المعاملة وضعا
وتكليفا وعدم وجود المعارض لها.
وأما توهم الاجماع على البطلان، ففيه أنه على تقدير حجيته فالمقدار
المتيقن منه هو البطلان مع استقلال الراهن في التصرف أو المرتهن
لا مطلقا.
وأما النبوي فمضافا إلى ضعف السند فيه كسائر النبويات فلا دلالة
فيه على بطلان البيع من أصله، بل إنما يدل على عدم نفوذ التصرف بدون
إذن المرتهن، والذي يدلنا على هذا تسالم الفقهاء على صحة بيع المرتهن
مع إذن الراهن، أي الإجازة اللاحقة.
هذا كله مضافا إلى ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة، معللا بأنه
528

لم يعص الله وإنما عصى سيده (1)، إذ المستفاد منه أن كل عقد كان النهي
عنه لحق الآدمي يرتفع المنع ويحصل التأثير بارتفاع المنع وحصول
الرضا، وليس ذلك كمعصية الله أصالة في ايقاع العقد التي لا يمكن أن
يلحقها رضا الله تعالى.
استدلال المصنف على صحة بيع الرهن بفحوى أدلة صحة بيع الفضولي
ثم إن المصنف استدل على صحة بيع الرهن بفحوى أدلة صحة بيع
الفضولي، وعن التذكرة: أن كل من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا،
ولكن الظاهر أن الأولوية ممنوعة من الطرفين.
أما الثاني، فلما أفاده المصنف، من أن من استند في البطلان في
الفضولي إلى مثل قوله (عليه السلام): لا بيع إلا في ملك لا يلزمه البطلان هنا.
وأما الأول، فلامكان الالتزام بصحة الفضولي وبطلانه هنا، كما ذهب
إليه الشيخ أسد الله التستري، وذلك من جهة أن العمومات تشمل للعقد
الفضولي بعد الإجازة وانتسابه إلى المالك، لكون العقد عقده فيكون
صحيحا، بخلاف المقام فإنه كالعقد علي بنت الأخ والأخت صادر من
المالك ابتداء من غير شمول العمومات لها، فحيث إنه عقد واحد وليس
له أفراد عديدة فلا تشمله العمومات بعد الإجازة أيضا.
ولكن أجبنا عنه فيما سبق من العقد الفضولي أن العمومات شاملة لها
بعد الإجازة للعمومات الزماني، فإنه ليس منحصرا بصورة تعدد الأفراد

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال:
ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فزق بينهما، قلت: أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة
وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال
أبو جعفر (عليه السلام): إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو جائز (الكافي 5: 478،
التهذيب 7: 351، الفقيه 3: 350، عنه الوسائل 21: 114)، حسنة بإبراهيم بن هاشم.
529

الطولية بل يجري في الفرد المستمر، فإذا لم تشمل العمومات لعقد مدة
من الزمان لمانع فتشمله بعد ارتفاع المانع.
بيان آخر في جواز استقلال المالك في بيع العين المرهونة وعدمه
وحاصل الكلام من الأول أنه لا اشكال في بيع الرهن بأن يبيعه الراهن
من غير استيذان من المرتهن بل باستقلاله، غاية الأمر شرط على
المشتري كون المبيع ملكا غير طلق بل بدون الاشتراط، فيكون له خيار
العيب.
ودعوى الاجماع التعبدي على البطلان دعوى جزافية، لاحتمال
كونه مستندا إلى الوجوه المذكورة في المسألة، والتمسك في المنع إلى
النبوي: الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف (1)، بلا وجه لضعف
سنده أولا، وعدم انجباره بالشهرة، ولذا خالفنا المشهور في هذه
المسألة، وعدم دلالته على المقصود ثانيا، فإن مناسبة الحكم
والموضوع يقتضي أن المراد كونهما ممنوعان من التصرفات المنافية
للرهن لا مطلق التصرف، ومن الواضح أن البيع لا ينافي الرهن، ولذا يجوز
رهن العارية.
وإذن فلا مانع من البيع مع وجود المقتضي له وكونه ملكا للبايع،
فيجوز التمسك بالعمومات الدالة على صحة البيع.
ودعوى عدم جواز التمسك بها من جهة أن البيع من الأول بيع ما
لا يملك ولم تشمله العمومات، وبعد الإجازة ليس هنا عقد آخر ليكون
مشمولا لها لكونه فردا واحدا لا أفرادا عديدة لتكون مشمولة لها بحسب
العموم الزماني.

1 - درر اللئالي 1: 368، عنه المستدرك 13: 426، ضعيفة.
530

فلا يقاس ذلك بالبيع الفضولي لكونه حين استناده إلى المالك مشمولا
للعمومات وكون العقد عقده وإن لم تشمله من الأول من جهة صدوره من
الأجنبي، وأما هنا فقد عرفت أن العقد حين صدوره من المالك لم تشمله
العمومات لعدم رضاية المرتهن، وبعد الإجازة ليس هنا عقد آخر
فيكون باطلا دعوى جزافية.
بيان ذلك: إن العمومات من أوفوا بالعقود (1) وأحل الله البيع (2) و
غيرهما كما تدل على صحة العقود بحسب الأفراد الطولية المسماة
بالعموم الزماني، فكذلك تدل على صحة العقد الواحد في طول الزمان
وفي كل آن، وهذا أيضا عموم زماني، فهذا العقد الواحد المستمر يجب
الوفاء بها في طول الزمان.
وعلى هذا فلو خرج في زمان عن تحت العموم فلا يوجب ذلك
خروجه عنه في جميع الآنات، بل تشمله العمومات مع وجدانه الشرائط،
فبيع الراهن وعقد بنت الأخ وبنت الأخت وإن كان قبل إجازة المرتهن
والعمة والخالة غير داخلة تحت العمومات ولكنها بعد الإجازة تكون
مشمولا للعمومات.
لا يقال: على هذا فيلزم جواز التمسك بالعمومات في جميع العقود
التي كانت واجدة للشرائط بعد ما كانت فاقدة لها، كما إذا فقدت شرائط
المتعاقدين كعقد الصبي والمجنون ثم بالغ الصبي وأفاق المجنون، أو
فقدت شرائط العقد كما إذا كانت غرريا ثم ارتفع الغرر وهكذا، مع أنه
لا يمكن الالتزام بذلك.
فإنه يقال: فرق واضح بين ما نحن فيه وبين الأمور المذكورة، فإن

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
531

الظاهر من الأدلة أن من شرائط العقد حين تحققه أن لا يكون غرريا، وأن
لا يكون صادرا من المجنون والصبي وإلا بطل العقد، فإذا كان حين تحققه
غرريا أو صادرا من الصبي والمجنون ثم انتفى الغرر أو بلغ الصبي أو برأ
المجنون فلا يمكن الحكم بصحة هذا العقد، فإن ما تحقق غرريا أو صدر
من الصبي والمجنون لم يكن صحيحا عند التحقق، وما يكون فعلا
واجدا للشرائط ليس عقدا آخر غير ما تحقق أولا الذي كان مشروطا من
الأول بهذه الشروط فيكون باطلا.
وهذا بخلاف العقد الفضولي وبيع الراهن، فإن صحة العقد فيهما
مشروط برضى المالك والمرتهن، ولكن لا دليل على كونه كذلك من
حين الحدوث، فإذا رضيا به فيكون العقد عقدا برضا صاحبه من المالك
والمرتهن، فتشمله العمومات، فيحكم بالصحة كعقد المكره بعد
الرضاء.
وبالجملة إذا كانت الشرائط من الأمور التعليقية الخارجة عن كونها
شرطا لنفس العقد أو للعاقد فلا وجه لكونه صحيحا في زمان وباطلا في
زمان آخر كبيع الغرري ونحوه، وأما إذا كان من الأمور التعليقية كالرضا
فلا وجه لفساد العقد بدونه إذا كان واجدا لذلك بعد مدة، لعدم القصور
من شمول العمومات عليه كما لا يخفى.
وما عن صاحب المقابس، من أن عقد الراهن كعقد النكاح علي بنت
الأخ والأخت بدون رضا المرتهن والعمة والخالة صادر من المالك غير
مشمول للعمومات فبعد الإجازة ليس هنا عقد آخر ليكون مشمولا لها،
قد ظهر فساده مما ذكرناه.
الوجه الثاني مما يدل على صحة بيع الرهن مع الإجازة مع التنزل عن
جواز بيعه استقلالا، لروايات الدالة على صحة بيع العبد معللا بأنه
532

لم يعص الله وإنما عصى سيده، حيث إن المستفاد منها أن عصيان
المخلوق في حقهم لا يوجب بطلان المعاملة، وأما الموجب للبطلان
إنما هو عصيانه تعالى.
مناقشة المصنف في قول بعض ببطلان عقد الراهن بدون إذن المرتهن
ثم نقل المصنف (رحمه الله) عن بعض معاصريه القول ببطلان عقد الراهن
بدون إذن المرتهن سابقا، متمسكا بالاجماعات والأخبار المحكية على
المنع والنهي، قال: وهو موجب للبطلان وإن كان لحق الغير، إذ العبرة
بتعلق النهي بالعقد كالأمر خارج منه، وهو كاف في اقتضاء الفساد كما
اقتضاه في بيع الوقف وأم الولد وغيرهما، مع استوائهما في كون سبب
النهي حق الغير.
ثم أورد على نفسه بما حاصله: أنه على هذا يلزم بطلان العقد
الفضولي وعقد المرتهن مع أن كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن
والمرتهن في المنع، كما دلت عليه الرواية، فيلزم بطلان عقد الجميع أو
صحته، فالفرق تحكم.
ثم أجاب بأن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم
ولا يحل له الإجازة المتعقبة، وإن كان عقدا أو ايقاعا فإن وقع بطريق
الاستقلال لا على وجه النيابة عن المالك فالظاهر أنه كذلك كما سبق في
الفضولي، وإلا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي، فالعقد الصادر عن
الفضولي والمرتهن إذا كان على نحو الظلم والغصب فيكون منهيا عنه
وباطلا، وأما إذا كان بقصد النيابة عن المالك فلا وجه للبطلان، وأما
الراهن المالك فحيث إنه حجر عن ماله برهنه فيكون عقده مستندا إلى
ملكه لعدم المعنى لقصد النيابة، فيكون منهيا عنه وباطلا، فيكون ما دل
533

على النهي عن تصرفه الكذائي مخصصا للعمومات.
ثم قال: وأما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح، من
قوله: لم يعص الله وإنما عصى سيده فهو جار فيمن لم يكن مالكا، كما أن العبد لا يملك أمر نفسه وأما المالك المحجور عليه فهو عاص لله
تعالى بتصرفه، ولا يقال إنه عصى المرتهن لعدم كونه مالكا، إنما منع الله
من تفويت حقه بالتصرف، وما ذكرناه جار في كل مالك متمول لأمر نفسه
إذا حجر على ماله لعارض كالفلس وغيره فيحكم بفساد الجميع.
وقد أورد عليه المصنف بوجوه كلها صحيحة:
1 - إنه لا فرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه الاستقلال وبيعه
على وجه النيابة، فإن البيع إن كان تصرفا في مال الغير وكون نفس الانشاء
مصداقا للتصرف المحرم فهو حرام مطلقا، مع قصد النيابة وعدمه، وإلا
فلا وجه للبطلان.
2 - إن مطلق النهي المتعلق بالمعاملة لا يقتضي الفساد، بل إنما يقتضي
الفساد إذا كان نهيا ارشاديا لا نهيا تكليفيا، فإن النهي التكليفي لا يستفاد
منه الفساد، إذ لا ملازمة بين الحرمة والفساد، نعم لو كان للارشاد دل
على الفساد، فدلالة النهي على حرمة بيع الرهن لا يدل على الفساد لعدم
الملازمة بينهما.
3 - إن قصد النيابة لو كان مصححا للعقد فيتصور مثل ذلك في بيع
الراهن أيضا، فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن ولا ينوي الاستقلال،
وقد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا ولا حرمة في شئ من ذلك.
4 - إن المتيقن من مورد الاجماع والأخبار، أعني: الراهن والمرتهن
ممنوعان من التصرف، هو استقلال كل منهما في التصرف في العين
المرهونة، وأما أزيد من ذلك فلا دليل عليه.
534

5 - إن ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه
لوجود الفرق بينهما فاسد، بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق
الغير، فإن منع الله جل ذكره من تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان
النهي عنه لحق الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي ونكاح العبد وبيع
الراهن.
6 - إن ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف وأم الولد، ففيه
أن الحكم فيهما تعبد محض، ولذا لا يؤثر الإذن السابق من الواقف
والمولي في صحة البيع، بل لو اجتمعوا - أي الواقف والموقوف عليه،
أو المولى والولد وأم الولد - ورضوا على البيع فأيضا لا يجوز كما
لا يخفى، وعلى هذا فقياس الرهن عليه في غير محله.
وبالجملة أن المستفاد من طريقة الأصحاب بل الأخبار أن المنع من
المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الابطال
رأسا، بل إنما يقتضي الفساد بمعنى عدم تربت الأثر عليه مستقلا من
دون مراجعة ذي الحق، ويندرج في ذلك الفضولي وعقد الراهن
والمفلس والمريض، وعقد الزوج لبنت أخت زوجته أو أخيها وللأمة
على الحرة وغير ذلك، فإن النهي في جميع ذلك أنما يقتضي الفساد،
بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا.
وجه آخر لبطلان البيع هنا والمناقشة فيه
قوله (رحمه الله): وقد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا.
أقول: بناء على كون الإجازة هنا كاشفة كما هو الظاهر، فيلزم أن يكون
الرهن ملكا للبايع - أعني الراهن - والمشتري، فيكون البيع والرهن
متنافيين، ولا يعقل تحققهما في زمان واحد، فيكون نظير ما تقدم في
535

مسألة من باع شيئا ثم ملكه، من أنه على تقدير صحة البيع يلزم كون
الملك لشخصين في الواقع.
وأجاب عنه المصنف بأن القائل بجواز بيع الرهن إنما يلتزم بكشف
الإجازة عن عدم الرهن من الأول بناء على الكشف، وإلا لجرى ذلك في
العقد الفضولي أيضا، لأن فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ الإجازة
يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الإجازة، وأما ما يلزم في مسألة
من باع شيئا ثم ملكه فلا يلزم في مسألة إجازة المرتهن، نعم يلزم في
مسألة انفكاك الرهن، فإنه حينئذ يكون ملكا للبايع والمشتري معا
وسيجئ التنبيه على ذلك أن شاء الله تعالى.
ثم إن هذا الاشكال إنما في صورة عدم اجتماع الرهن مع البيع، وأما
بناء على مسلكنا فلا موضوع له أصلا، لجواز اجتماعهما على ما عرفت،
فتحصل أنه لا محظور في بيع الرهن بوجه.
الكلام في كون الإجازة هنا كاشفة أو ناقلة
قوله (رحمه الله): ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو
الكلام في مسألة الفضولي.
أقول: قد عرفت في بيع الفضولي أن مقتضى القاعدة هو النقل
وحصول الملكية للمشتري من حين الإجازة، وإنما يصار إلى الكشف
لدليل اقتضى ذلك، فإن لكون الإجازة شرطا في صحة البيع بعنوان
التعقب مؤونة زائدة يحتاج إلى الدليل.
وعلى هذا فالدليل الدال على الكشف في باب الفضولي إنما هو الخبر
الوارد في النكاح كما تقدم، وإنما تعدينا إلى سائر العقود من جهة القطع
بعدم الفرق بين أفراد العقود.
536

وأما في المقام فحيث إن المباشر للعقد إنما هو من له العقد دون
الأجنبي كما في الفضولي، وما بيده الإجازة إنما هو غير المالك، أعني
المرتهن، الذي ليس العقد له، فاسراء الدليل الوارد في النكاح إلى هنا
يحتاج إلى علم الغيب، وعليه فمقتضى القاعدة هنا هو النقل.
ولكن تقدم في الفضولي أن مقتضى القاعدة هو الكشف الحقيقي،
لا بالمعنى الذي سلكه القوم بل بمعنى آخر، وهو أن يكون المبيع ملكا
للمشتري من الأول، ولكن حين الإجازة لا من زمان العقد، كما عرفت بما
لا مزيد عليه، وعليه فنقول بالكشف هنا أيضا على طبق القاعدة.
وأما ما أفاده المصنف (رحمه الله) هنا، من أن القول بالكشف هناك يستلزمه
هنا بالفحوى، لأن إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي، وهي هنا من قبيل
رفع المانع، ومن أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة
المرتهن، مع أن الايقاعات عندهم لا تقع مراعي، والاعتذار عن ذلك ببناء
العتق على التغليب، كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة
عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون، مناف لتمسكهم في
العتق بعمومات العتق.
وفيه أنه لا وجه للأولوية، فإن عدم جريان الفضولي في الايقاعات من
جهة الاجماع والمتيقن منه ما كان الايقاع من الأجنبي، فلا يعم بما إذا
كان من المالك مع توقفه على رضاية الغير الذي ليس بمالك كما في عتق
الراهن لكونه مشمولا للعمومات، بل هو غير مربوط بباب الفضولي أصلا
فضلا عن اقتضاء الأولوية الكشف.
الكلام في الإجازة بعد الرد
قوله (رحمه الله): ثم إنه لا اشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة وهو واضح.
537

أقول: أما الإجازة بعد الرد، فذكر المصنف فيه وجهان:
الأول: إن الرد في معنى عدم رفع اليد عن حقه فله اسقاطه بعد ذلك،
وليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معنى أحد
المتعاقدين، وقد تقرر أن رد أحد العاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر
بخلافه هنا، فإن المرتهن أجنبي له حق في العين.
الثاني: إن الايجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك والمرتهن،
فرضاء كل منهما جزء مقوم للإيجاب المؤثر، فكما أن رد المالك في
الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم كذلك رد المرتهن، وهذا هو
الأظهر من قواعدهم.
والظاهر أن الإجازة بعد الرد مؤثرة في صحة العقد ولا يعتني بما ذكره
المصنف، وذلك من جهة أنه قد تقدم أن الدليل على عدم تأثير الإجازة
بعد الرد هو الاجماع، ومن الواضح أنه دليل لبي يقتصر منه على المورد
المتيقن، وهو صورة كون العقد من طرف المرتهن ومن لرضايته دخالة
في صحة العقد هو المالك لا الأجنبي كما في المقام، فإن المرتهن أجنبي
عمن لهما العقد فرضايته دخيل، ولكن رده لا يفيد، فيكون مشمولا
للعمومات.
بل قد ذكرنا في بيع الفضولي دلالة صحيحة محمد بن قيس (1) على

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة باعها
ابن سيده وأبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه غلاما، ثم جاء سيدها الأول فخاصم
سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها،
فناشده الذي اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفد لك البيع فلما أخذه قال له
أبوه: أرسل ابني، قال: لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة
أجاز بيع ابنه (الكافي 5: 211)، صحيحة.
538

تأثير الإجازة بعد الرد مطلقا، حيث يفهم من رد الوليدة آثار الرد، مع ذلك
يحكم فيها بصحة البيع كما تقدم، وإن استشكلنا فيها أيضا، فراجع.
فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة أم لا؟
قوله (رحمه الله): ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة لسقوط حق
المرتهن بذلك.
أقول: وقع الخلاف في أن فك الراهن هل يكون مثل الإجازة، وكذا
سقوط الرهن بأي نحو كان من اسقاط الدين أو أدائه أو لا، بل لا يلزم العقد
به بوجه، وأنه ليس كالإجازة.
قد صرح بالأول في التذكرة، وكذا عن فخر الاسلام والشهيد في
الحواشي، والظاهر من المحقق والشهيد الثانيين.
ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد، بل مطلق
السقوط الحاصل بالاسقاط أو الابراء أو بغيرهما، نظرا إلى أن الراهن
تصرف فيما فيه حق المرتهن وسقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه،
والفرق بين الإجازة والفك، أن مقتضى ثبوت الحق له هو صحة امضائه
للبيع الواقع في زمان حقه، وإن لزم من الإجازة سقوط حقه فيسقط حقه
بلزوم البيع.
وبالجملة فالإجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه،
أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير إجازة المالك، بخلاف
الاسقاط أو السقوط بالابراء أو الأداء، فإنه ليس فيه دلالة على مضي
العقد حال وقوعه، فهو أشبه شئ ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم
تملكهما، وقد تقدم الاشكال فيه عن جماعة.
ثم أيد ذلك بقوله: ويؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض
539

الروايات، من عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده بمجرد عتقه ما
لم يتحقق الإجازة ولو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه
بالنكاح (1).
وأورد عليه المصنف - وتبعه شيخنا الأستاذ (2) - قائلا: هذا، ولكن
الانصاف ضعف الاحتمال المذكور، من جهة أن عدم تأثير بيع المالك في
زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم على حق المالك
بتسليط المالك، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي وإنما هو من جهة
المانع، فإذا زال المانع أثر المقتضي.
ثم قال: وأما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون إذن سيده فهو
قياس مع الفارق، لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده قصور
تصرفاته عن الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي النكاح،
إذ لا منافاة بين كونه عبدا وكونه زوجا، ولأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد
لغير السيد ببيع أو غيره ثم انعتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف.
أقول: قد تقرر في الأصول أن جميع الاعتبارات والقيودات راجعة
إلى موضوعات الأحكام لا إلى نفسها، فموضوع صحة بيع الراهن إنما هو
بيع الراهن مع إجازة المرتهن، فإذا ارتفع موضوع إجازة المرتهن لا يبقى
موضوع لصحة العقد الذي كان مقيدا بإجازة المرتهن، وأما مجرد وجود

1 - عن معاوية بن وهب قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إني كنت مملوكا لقوم
وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ثم أعتقوني بعد ذلك فأجدد نكاحي إياها حين
أعتقت؟ فقال له: أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، وسكتوا عني و
لم يغيروا على، فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم، أثبت على نكاحك (الكافي 5: 478،
التهذيب 8: 204، عنهما الوسائل 21: 117)، صحيحة.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 453.
540

المقتضي وعدم المانع فلا يفيد في ثبوت الحكم، لعدم ترتب الأثر عليه
ما لم يتحقق موضوع الحكم حقيقة، وإلا لجرى الكلام في بيع الغرر
ونحوه، ويقال: إن مقتضي الصحة موجود والمانع أي الغرر مثلا مرتفع
فيؤثر المقتضي أثره.
وبالجملة أن باب المقتضي والمانع مما لا يترتب عليه شئ بوجه، ما
لم يتحقق الموضوع بجميع قيوداته في الخارج، فإذا تحقق فترتب عليه
الأثر.
ثم إنك عرفت أن وجه جواز بيع الراهن مع الغض عن جوازه استقلالا
في نفسه، إنما هو وجهان:
الوجه الأول: إن الظاهر من أن: الراهن والمرتهن ممنوعان من
التصرف (1) هو التصرف الاستقلالي، وكون كل منهما مستقلا في
التصرف من غير أن يكون لنظر الآخر دخالة فيه، وأما التصرفات غير
الاستقلالية فلا محظور فيها لكونها خارجة عن اطلاق الحديث فيكون
مشمولا للعمومات، وأما إذا باع الراهن الوثيقة ففك الرهن قبل الإجازة
أو سقط الدين بابراء ونحوه فلا وجه لخروج ذلك عن اطلاق: الراهن
والمرتهن ممنوعان من التصرف، بل هو شامل لما بعد الفك وما قبله،
لأن في زمان العقد لم تكن إجازة المرتهن، ولا أن الراهن كان تصرفه نافذا
على الاستقلال، وفي زمان كان الراهن نافذ التصرف لم يكن هنا بيع،
فلا وجه للتصحيح.
ومن هنا ظهر أنه لا موضوع لاستصحاب عدم اللزوم الحاكم على
العموم، كما في كلام المستدل على الفرق بين الفك والإجازة،

1 - درر اللئالي 1: 368، عنه المستدرك 13: 426، ضعيفة.
541

وللجواب عنه بأن المورد من موارد التمسك بالعام لعموم: أوفوا (1)
على جميع الآنات سوى زمان الرهن، فإن البيع فيه غير لازم، وأما في
غيره فالعمومات محكمة، ووجه عدم الاحتياج أنه بعد وجود الرواية
لا شرح للأصل وأنه مخصص للعمومات، فلا محال للتمسك بها كما
عرفت.
الثاني: أنه مع الغض عن الوجه الأول، أن ما دل على جواز نكاح العبد
وصحته معللا بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، دل على جواز بيع
مال الرهن مع رضا المرتهن، بدعوى أن المستفاد منه أن كل عقد كان
النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع ويحصل التأثير بارتفاع المنع
وحصول الرضا، وليس ذلك كمعصية الله أصالة في ايقاع العقد التي
لا يمكن أن يلحقها رضا الله.
وأما في غير ما لا يمكن فيه رضا المرتهن فلا مورد للتمسك بما ورد
في نكاح العبد، بل نتمسك باطلاق: الراهن والمرتهن ممنوعان من
التصرف، بناء على صحة التمسك به كما عليه المشهور، والغض عما
بنينا عليه من جواز بيع الراهن استقلالا كما عرفت، فإن ما لا يجوز بيع
الرهن إنما هو البيع الذي يكون كبيع الغاصب، بحيث جعل المبيع كغير
الرهن ويعامل معه معاملة الملك الطلق لا البيع الذي لا ينافي في الرهنية
بوجه.
بيان آخر لهذا البحث
والحاصل أنه ربما يفرق بين فك الرهن وبين إجازة المرتهن، والالتزام
بالصحة في الثاني وبالفساد في الأول، وقد أجاب عنه المصنف وتبعه

1 - المائدة: 1.
542

الأستاذ بأن مقتضى الصحة في بيع الراهن العين المرهونة موجود والمانع
عن تأثيره إنما هو حق المرتهن، فإذا ارتفع بالفك فيؤثر المقتضي أثره.
وفيه أن الأحكام الشرعية خارجة عن باب المقتضي والمانع، بل
القيودات والشرائط فيها معتبرة في الموضوع، فيدور الحكم مدار وجود
الموضوع وواجديته تمام الشرائط، فإذا لم يتم شئ من شرائطه
فلا يترتب الحكم عليه، فصحة بيع الرهن إنما هي مترتبة على اجتماع كل
من الراهن والمرتهن على البيع، فإن اجتمعا في ذلك فيصح وإذا استقل
كل منهما في التصرف فيبطل، كما هو مقتضى: الراهن والمرتهن
ممنوعان من التصرف.
وعلى هذا فلو باع الراهن العين المرهونة وقبل إجازة المرتهن فك
الرهن باسقاط الدين أو بأدائه، فلا يمكن الحكم بصحته لشمول اطلاق
الخبر له ما قبل الفك وما بعده، فيكون باطلا.
وبعبارة أخرى صحته كانت متوقفة على إجازة المرتهن فلم تحصل
بل ارتفع موضوعها، ومن الواضح أن الخارج عن تحت الخبر إنما كان
صورة اجتماع الراهن والمرتهن على البيع وأما غيرها فكان داخلا تحت
الاطلاق، فلا يشمله عموم: أحل الله البيع (1) وأوفوا بالعقود (2) و
غيرهما من العمومات، فإنها وجد قبل الفك لم يكن الشرط فيه موجودا
وهو إجازة المرتهن، وأما بعد الفك فلم يوجد البيع ليكون مشمولا
لعموم الوفاء بالعقد، فافهم.
وأما ما ادعاه المصنف، من أنه لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع
للعلم بمناط المستصحب وارتفاعه، فالمقام من باب وجوب العمل

1 - البقرة: 275.
2 - المائدة: 1.
543

بالعام من باب استصحاب حكم الخاص كما زعمه المتوهم، فإنه وإن
كان متينا بالنسبة إلى عدم جريان الاستصحاب لتبدل الموضوع، مضافا
إلى عدم جريانه في الأحكام الكلية كما حقق في محله، ولكن لا يتم من
جهة التمسك بالعام أيضا، لما عرفت أن اطلاق الراهن والمرتهن شامل
للمورد فيكون مخصصا لعموم العام.
وتحصل أنه إذا باع الراهن العين المرهونة ثم فك الرهن فيكون البيع
فاسدا فلا مجوز للتصحيح.
مقتضى القاعدة هنا الكشف كالفضولي أو النقل؟
ثم بناء على الصحة فهل مقتضى القاعدة هنا أيضا الكشف كالفضولي
أو النقل، الظاهر هو النقل، لما عرفت أن دليل الكشف هو الخبر الوارد
في باب النكاح، من أنه تحلف المرأة أنها كانت راضية بالنكاح لو بقي
زوجها (1)، وتعدينا من ذلك إلى كل عقد، من جهة القطع بعدم الفرق بينها،
وأما المقام فلا وجه للتعدي إليه، حتى لو جوزنا التعدي إلى صورة
إجازة المرتهن، إذ ليس هنا إجازة حتى تكشف عن حصول الملكية من
الأول ونتعدى من خبر النكاح إليه، بل ليس هنا إلا الفك فلا موجب
للكشف في مقام الاثبات، وإنما مقتضى القاعدة هو النقل.
وأما بناء على ما ذكرنا، من كون الكشف على القاعدة فكذلك أيضا،
فإنا قلنا به من جهة تعلق الإجازة على العقد من الأول من حين الإجازة،

1 - عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره وابنه
مدرك واليتيمة غير مدركة، قال: نكاحه جائز على ابنه، فإن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك
، فإذا أدركت حلفت بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالنكاح، ثم يدفع إليها الميراث
ونصف المهر - الحديث (الفقيه 4: 227، عنه الوسائل 21: 330).
544

وليس هنا إجازة لتتعلق بالعقد ويكشف عن الملكية من الأول.
لو قلنا بالكشف هل يحكم بلزوم العقد من طرف الراهن أم لا؟
ثم لو قلنا بالكشف أيضا، فهل يحكم بلزوم العقد من طرف الراهن
بحيث ليس له أن يفسخ العقد أم لا؟
فحيث إن المصنف قد قال في البيع الفضولي إن الأمر بالوفاء بالعقد
حكم انحلالي بالنسبة إلى كل شخص، كما أنه حكم انحلالي بالنسبة إلى
كل عقد، فلكل من البايع والمشتري أمر بالوفاء بالعقد مستقلا، وعلى
هذا فيجب للراهن الوفاء بالعقد كالمشتري الأصيل، فلا يجوز له فسخه
ولا ابطاله بالإذن للمرتهن في البيع.
وفيه أن معنى الوفاء هو الاتمام والانهاء، والوفاء بالعقد هو انهاؤه،
ولا يتم ذلك إلا بعد تحقق العقد والالتزام، وهو لا يحصل إلا من الطرفين،
فالشارع المقدس إنما يحكم باتمام العقد وانهائه إذا كان العقد حادثا
وأمضاه حدوثا ثم يحكم ببقائه بقاء، وليس كذلك إذ الشارع لم يمض
العقد بعد فكيف يحكم بانهائه، فإنه لا يتم بالتزام البايع فقط، وفي المقام
لا يتم بالتزام الراهن فقط بدون رضاية المرتهن.
وهذا نظير بيع الصرف والسلم قبل القبض، فهل يتوهم أحد بجواز
التمسك بالعمومات قبل القبض، وكذلك مثل الوقف قبل القبض.
لو قلنا باللزوم هل يجب للراهن فك الرهن ليبقي البيع
ثم بناء على اللزوم وعدم جواز فسخه فهل يجب للراهن فك الرهن
ليبقي البيع وينهيه إلى الآخر أو لا يجب؟
قد تردد المصنف في المسألة وقال: يمكن أن يقال بوجوب فكه من
545

مال آخر، إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني إلا بذلك، فمن باب المقدمة يجب
الفك ليحصل الوفاء به، فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.
ويمكن أن يقال: إنه إنما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه،
وأما دفع حقوق الغير وسلطنته فلا يجب، ولذا لا يجب على من باع مال
الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه ويدفعه إليه، بناء على لزوم العقد بذلك.
والظاهر هو الثاني، فإن الأمر بالوفاء بالعقد ارشاد إلى أنه لا ينقضي
بالفسخ، ولو أراد أن يفسخ فلا ينفسخ، وأما أنه من المحرمات بحيث
يكون الوجوب تكليفيا فلا، إذ لا يمكن أن يكون أمر واحد ارشاديا
وتكليفيا معا، بحيث يكون أمر واحد متكفلا لجهتين كما هو واضح
لا يخفى، وعليه فلا يجب للراهن فك الرهن، وإن قلنا باللزوم مقدمة
الأداء والوفاء.
لو امتنع الراهن من فك الرهن فهل يباع عليه لحق المرتهن؟
ثم إنه لو قلنا بكون الأمر بالوفاء تكليفيا أيضا، فلو امتنع فهل يباع عليه
لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك، وإن لزم من ذلك ابطال بيع الراهن
لتقدم حق المرتهن، أو يجبر الحاكم الراهن على فكه من مال آخر، جمعا
بين حقي المشتري والمرتهن اللازمين على الراهن البايع، وجهان كما في
المتن.
الظاهر هو تقديم حق المرتهن كما هو واضح، وأما مع انحصار المال
في المبيع فلا اشكال في تقديم حق المرتهن كما هو واضح.
546

المسألة (3)
القدرة على التسليم
قوله (رحمه الله): مسألة: الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم، فإن
الظاهر الاجماع على اشتراطها في الجملة.
أقول: ومن جملة شروط العوضين القدرة على التسليم، تنقيح مورد
البحث هو أن المراد من القدرة على التسليم هو القدرة الفعلية بمعنى
التمكن على التسليم عند البيع.
فلو قدر المشتري على التسلم ولم يقدر البايع على التسليم فيكون
البيع صحيحا، ولكن كان للمشتري الخيار إذ ليس عليه التسلم بل يجب
للبايع التسليم، وكذا يثبت الخيار للمشتري إذا كان البايع قادرا على
التسليم حين البيع ثم طرأ له العجز، بل يجوز للمشتري طلب الأجرة
على الاستفادة.
فكل ذلك ليس موردا للكلام، وإنما مورد البحث ما كان التعذر من
المنتقل عنه والمنتقل إليه معا، ومثلوا لذلك ببيع المسك في الماء
والطير في الهواء.
ثم لم ينقل الخلاف من العامة والخاصة في اعتبار هذا الشرط، إلا أن
العامة خالفوا في بيع الآبق فقالوا بعدم الصحة، ولم ينقل الخلاف من
الشيعة في اعتبار هذا الشرط إلا من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقق
الثاني.
ما استدل على اعتبار هذا الشرط
ثم إن الدليل على اعتبار هذا الشرط وجوه:
547

1 - قوله (عليه السلام): نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، المشهور بين العامة
والخاصة (1).
فيقع الكلام تارة في سند الحديث وأخرى في دلالته، أما الأول
فلا شبهة في ضعفه لكونه نبويا، إلا أنه اشتهر الاستدلال به في المسألة،
وعليه فإن كانت الشهرة مستندة إلى الحديث وقلنا بكونها جابرة لضعف
السند فبها، وإلا فلا يمكن الاستدلال به واثبات كل من الصغرى
والكبرى مشكل جدا.
وأما دلالته على المقصود، فغر تارة يؤخذ متعديا، فيكون بمعنى
الخديعة والغفلة، يقال: غره أي خدعه، كما في الصحاح والقاموس
وغيرهما، ويظهر ذلك من الرواية المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه
عمل ما لا يؤمن معه من الضرر، كما في لسان العرب (2)، ثم حكي المصنف
عن النهاية (3) بعد تفسير الغرة - بالكسر - بالغفلة أنه نهي عن بيع الغرر، وهو
ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، وبالجملة أن الظاهر من
جملة من أهل اللغة أن الغرر بمعنى الخديعة.
وتارة أخرى يستعمل لازما، فيكون بمعنى الخطر، كما في المصباح
والأساس والمغرب والجمل (4)، وفي لسان العرب نسبه إلى بعض.
إن كان بمعنى الخديعة فيكون النهي تكليفيا محضا ونهيا عن

1 - عيون الأخبار 2: 45 بإسناده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، عنه الوسائل
17: 448، ضعيفة لجهالة أكثر رواتها.
رواه في دعائم الاسلام 2: 19، ضعيفة للارسال وغيره.
2 - لسان العرب 5: 14.
3 - النهاية 3: 355.
4 - المصباح المنير: 445، أساس البلاغة: 322، معجم مقائيس اللغة 4: 381.
548

خصوص التغرير، فلا يكون ناظرا إلى الجهة الوضعي، إلا أن المشهور
استدلوا به على البطلان.
وإن كان بمعنى الخطر فيكون ناظرا إلى الجهة الوضعي، فحيث إن
تعين أحد المعنيين غير معلوم فلا يمكن الاستدلال به، والعلم الاجمالي
بأحدهما لا يفيد، لكون كل منهما مشكوكا بالشبهة البدوية وليس بينهما
جامع كلي يوجب العلم التنجز، نعم بناء على كون الغرر بمعنى الخطر
فيستدل به على البطلان.
ولا يفرق فيه بين ما كان الجهل متعلقا بحصوله بيد من انتقل إليه أم
بصفاته كما أو بصفاته كيفا كما ذكره المصنف، وأما إذا تعلق بأصل
الوجود فيكون من باب بيع ما لا يملك، فيكون خارجا عن المقام.
وربما يقال: إن المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل
بصفات المبيع ومقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه وعدمه، ضرورة
حصوله في بيع الغائب، خصوصا إذا كان في بحر ونحوه، بل هو أوضح
في بيع الثمار والزرع ونحوهما.
وفيه أولا: أنه إن كان بيع الغائب مما يوثق بحصول المبيع فليس فيه
خطر بوجه، فإن ذلك من قبيل العلم بالحصول، ضرورة قيام الاطمينان
مقام العلم وكونه علما، وإن لم يوثق بحصوله فيكون عين المتنازع فيه
فلا يكون فيه امتياز بوجه.
وثانيا: ما ذكره المصنف أن الخطر من حيث حصول المبيع في يد
المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله، فلا وجه لتقييد
كلام أهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين، واحتمال
إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده
يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بها في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم
لا للجهالة بالصفات، هذا.
549

مضافا إلى استدلال الفريقين من العامة والخاصة بالنبوي المذكور
على اعتبار القدرة على التسليم.
وبالجملة لا وجه لهذه الدعوى من العرف واللغة والشرع.
وفي مقابل هذا القول ما عن الشهيد في القواعد حيث قال: الغرر ما
كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه، وشرعا هو جهل الحصول
ومجهول الصفة فليس غررا، وبينهما عموم وخصوص من وجه، فإنه
مضافا إلى اطلاق الرواية أنه ليس للغرر حقيقة شرعية حتى يتعد بها كما
لا يخفى.
ولكن الذي يسهل الخطب أن كون الرواية ناظرا إلى الحكم الوضعي
محل تأمل بل منع كما عرفت.
ثم إنه هل العلم بوجود الخطر كالجهل بالمبيع أم لا، الظاهر هو الأول،
لا من جهة الفحوى بل من جهة خطرية المعاملة كما لا يخفى.
2 - ما ذكره شيخنا الأستاذ، من أنه لو لم يمكن التسليم والتسلم فهذا
المال لا يعتبره العقلاء مالا ولا يترتبون عليه أثرا، ولذا مثل الأساطين
لفقد هذا الشرط ببيع السمك في الماء والطير في الهواء، مع عدم
رجوعهما إلى الحالة التي يمكن اقباضهما وقبضهما.
وفيه أنه على فرض اعتبار المالية في صحة البيع، فهذا الوجه إنما يتم
في الجملة، أي فيما لا يكون المبيع في نظر العرف مالا كبيع الطير في
الهواء والسمكة في الماء، فإن العرف لا يراهما مالا بل ربما يعدونهما من
التلف العرفي.
وأما فيما لم يكن المبيع الذي لا يقدر على تسليمه من التالف، كما إذا
غصب الغاصب المبيع ولم يكن البايع قادرا على الانقاذ فإنه لا يعد ذلك
في العرف تالفا وغير مال بل يعد مالا كما لا يخفى، على أنه لا دليل على
550

اعتبار المالية في المبيع، كما تقدم في أول البيع.
تحقيق المقام
إن المراد من القدرة على التسليم هي القدرة الفعلية، سواء كان القادر
على ذلك هو البايع أو المشتري، غاية الأمر إذا لم يكن القدرة إلا من
المشتري فيكون له الخيار بل جازت له مطالبة الأجرة، ومع عدم القدرة
الفعلية كان داخلا في محل البحث أنه صحيح أو فاسد.
نعم لو كان البايع أو المشتري قادرا على التسليم أو التسلم ثم صار
عاجزا فهو خارج عن محل الكلام، بل يثبت للمشتري خيار تعذر تسليم
المبيع.
بيان آخر لاعتبار هذا الشرط
استدل على البطلان مع العجز عن التسليم بوجوه:
1 - قوله (عليه السلام): نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، فتارة يراد منه معنى
الخديعة، فيكون النهي متمحضا للنهي التكليفي، فلا يكون موجبا
للفساد، وقد ذكر ذلك جملة من أهل اللغة.
وأخرى يراد من الغرر معنى الخطر، فيكون النهي ناظرا إلى الحكم
الوضعي، وقد ذكر ذلك أيضا جملة من أهل اللغة، فحيث لا قرينة على
إرادة المعنى الثاني فلا يمكن الاستدلال بالنبوي على بطلان البيع الغرري
واعتبار القدرة على التسليم في المعاملة، والرواية وإن كان صحيحا من
حيث السند فإن احتمال إرادة الخديعة يوجب منع ظهور النبوي في
الخطر.
نعم استدل المشهور من الخاصة والعامة به على الفساد، ودعوى
551

العلم الاجمالي بكون أحد المعنيين مرادا من النبوي لا يوجب الفساد من
جهة تنجيز العلم، إذ لا وجه لكونه موجبا للتنجيز، فإن الخديعة محرمة
جزما من الخارج مع قطع النظر عن إرادة الخديعة من النبوي، نظير الغش
والتدليس، كما تقدم في المكاسب المحرمة.
ثم إنه بناء على إرادة الخطر من الغرر كما استدل المشهور من الفريقين،
فلا يفرق فيه بينما كان الجهل متعلقا بالحصول أم بالصفات من حيث
الكيفية أم من حيث الكيفية، فإن الجهل بكل منها يوجب الخطر فيكون
البيع فاسدا، وأما الجهل بأصل الوجود فهو خارج عن المقام وإنما هو
من صغريات بيع ما لا يملك.
ودعوى اختصاص الغرر بصورة الجهل بالصفات لا وجه لها، فإن
الجهل بالحصول أعظم غررا من الجهل بالصفات، بل من هذا ما ذكره
المشهور من الأمثلة من بيع السمك في الماء والطير في الهواء، فكان
صورة الجهل بالحصول مما تسالم عليه الكل بكونه موجبا للغرر.
كما لا وجه لدعوى اختصاصه بالجهل بالصفات لكونه معنى شرعيا
للغرر، وذلك لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في ذلك.
ثم ذكر المصنف: وكيف كان فلا اشكال في صحة التمسك لاعتبار
القدرة على التسليم بالنبوي المذكور، إلا أنه أخص من المدعى، لأن ما
يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة ونحوه
ليس في بيعه خطر، لأن الخطر إنما يطلق في مقام يحتمل السلامة ولو
ضعيفا، لكن هذا الفرد يكفي من الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة
وكون أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل.
وفيه أنه تقدم غير مرة أنه لا دليل على بطلان البيع السفهي وإنما
الدليل على بطلان بيع السفيه، وأنه تقدم مرارا أيضا أن آية حرمة أكل
المال بالباطل ناظرة إلى الأسباب وأجنبية عن شرائط العوضين.
552

وأما أصل المطلب، أن النبوي وإن لم يكن شاملا للمقام إلا أن الخطر
بمعنى الهلاكة، فإذا كان احتمال الهلكة موجبة للفساد وفي صورة العلم
بالهلاكة أولى بالفساد.
3 - ومن جملة ما يستدل به على اعتبار هذا الشرط النبوي
المستفيض: لا تبع ما ليس عندك (1).
وذكر المصنف: أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب
والسلف اجماعا، فهي كناية لا عن مجرد الملك، لأن المناسب حينئذ
ذكر لفظة اللام، ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه
لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة والعامة بها على عدم جواز بيع العين
الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها، خصوصا إذا كان وكيلا
عنه في بيعه ولو من نفسه، فإن السلطنة والقدرة على التسليم حاصلة
هنا، مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء، فتعين أن يكون كناية عن السلطنة
التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده
وإن كان غائبا، وبالجملة فمراده أنه لا بد من إرادة المعنى الجامع الأعم
من الملك والحضور.
أقول: أما قوله: لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب والسلف،
فالظاهر أن ذكر السلف من سهو القلم، فإنه بأي معنى يفسر النبوي
فالسلف خارج عنه، لعدم كونه ملكا وكونه غائبا أيضا.
وأما إرادة الحضور من لفظ عندك، فواضح البطلان، لما ذكره
المصنف من صحة بيع الغائب، وأما إرادة الجامع الشامل لعدم الملك
وعدم القدرة على التسليم فأيضا فاسد، لعدم القرينة عليه، بل الظاهر من
النبوي إرادة الملك.

1 - صحيح البخاري 1: 203، السنن للنسائي 4: 12، المسند لأحمد 1: 4.
553

ودعوى أن المناسب ذكر اللام حينئذ لا توجب عدم إرادة الملك، فإن
من المتعارف حتى الآن بل في سائر الأسنة استعمال كلمة عند في
الملكية، ويقال: إنه ليس عندي، أي لا أملكه، فلا يمكن الاستدلال
بالنبوي على اعتبار هذا الشرط.
وأما ما ذكره من قوله: مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء بل هو مورد
الرواية، فإنه (رحمه الله) ذكر في البيع الفضولي: أن العلامة (رحمه الله) روى أن الحكيم
ابن حزام الدلال سأل عن بيع العين الشخصية مع عدم كونها عنده، فقال
(عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك.
ومن هنا ظهر ما في كلام المصنف من قوله: وأما الايراد عليه بدعوى
أن المراد به الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشئ
الغير المملوك ثم تحصيله بشرائه ونحوه ودفعه إلى المشتري، فمدفوع
بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد، وليس في الأخبار المتضمنة
لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد، ووجه البطلان ما
عرفت من رواية العلامة، فإن السائل عنها إنما سأل عن خصوص البيع
الشخصي الذي ليس عنده ثم يشتريه من الغير فيعطيه إياه.
وبالجملة أن الظاهر من قولهم (عليهم السلام): لا تبع ما ليس عندك، هو نفي
الملكية لا نفي الحضور ولا نفي القدرة على التسليم والاستدلال عليه،
ولا الجامع بين المجموع.
ثم ذكر المصنف: نعم يمكن أن يقال: إن غاية ما يدل عليه هذا النبوي
بل النبوي الأول أيضا فساد البيع، بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب الأثر
المقصود، فلا ينافي وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر، وتحقق كونه
عنده.
ولو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعنى لغوية العقد رأسا
المنافية لوقوعه مراعي، دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر وبين
554

اخراج بيع الرهن وبيع ما يملكه بعد البيع وبيع العبد الجاني عمدا وبيع
المحجور لرق أو سفه أو فلس، فإن البايع في هذه الموارد عاجز شرعا
من التسليم، ولا رجحان لهذه التخصيصات، فحينئذ لا مانع عن التزام
وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعي بالتمكن
منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.
وبالجملة فمراده أنه لو التزمنا بدلالة النبويين على فساد البيع من الأول
لزم من ذلك التخصيص الأكثر، لخروج جملة من الموارد عن تحتهما
وكونها صحيحة بالإجازة، فهما يدلان على الفساد إذا لم يرتفع الغرر
ولم يكن مالكا إلى الأبد لا مطلقا.
وفيه أولا: أن ظهور قوله (عليه السلام): نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر هو
فساد البيع من الأول، من غير أن يكون مراعي بانتفاء الغرر، ويكون
صحيحا بعده، ولا يقاس ذلك ببيع الفضولي وبيع الراهن كما تقدم.
وثانيا: أنه لا يلزم التخصيص الأكثر بخروج ثلاثة موارد من تحت
الرواية، وإنما يلزم ذلك إذا كان الخارج بالنسبة إلى الباقي كثيرا، مثلا
لو قال المولى: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم زيدا، ولا تكرم عمروا
ولا تكرم بكرا، فلا يلزم من ذلك تخصيص الأكثر، وإنما يلزم ذلك إذا
لم يبق تحت العام إلا مصداق أو مصداقين.
وثالثا: إن الموارد التي ذكرها المصنف ليست تخصيصا لنهي النبي
(صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، بل كلها أجنبي عن النبوي، وذلك فإن بناء الاستدلال
على كون الغرر فيه بمعنى الخطر والمهلكة، ومن الواضح أنه لا خطر في
شئ من المذكورات، فإن المشتري إما يرضى بذلك أو لا يرضى لعلمه
بالحال، ومع ذلك أي خطر في ذلك، ومع عدم العلم بالحال يثبت له
الخيار كما لا يخفى.
555

وأما ما ذكره من لزوم خروج بيع ما يملكه بعد البيع، فهو خارج عما
نحن فيه بالكلية، وإنما هو بيع باطل لكونه بيعا لما لا يملك، فيشمله قوله
(عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك، على أن بيع الرهن ليس إلا كسائر البيوع
الفضولية، غاية الأمر هذا فضولي من المالك الراهن، فلا وجه لاخراج
خصوص بيع الراهن فقط دون بقية البيوع الفضولية.
بيان آخر لهذا المورد
أما النبوي الثاني، ففيه أولا: أن ظهوره هو أن كون المبيع عند البايع من
الأول وأنه شرط لصحة البيع من الأول، فلا يرتفع الفساد بطرو العندية بل
هو باق على فساد إلى الأبد.
وثانيا: أنه لا يلزم من خروج ثلاثة موارد منه تخصيص للأكثر أصلا.
وثالثا: ليس أكثرها تخصيصا للنبوي فضلا عن أن يكون أكثر، وذلك
أما بيع العبد الجاني عمدا، فلأن ما يتوهم من المانع عن صحة البيع هو
تعلق حق الغير به بأن يسترقه أو يقتله ولكنه ليس بمانع، وذلك لما تقدم
في المسألة السابقة من أنه لا يشترط في استيفاء حق الجناية بقاء الجاني
في ملك من كان مالكا له حين الجناية، فلا مانع من بيعه، ومجرد تعلق
حق المجني عليه أو ورثته به لا يوجب عدم نفوذ بيع مولاه، لعدم كون
البيع مانعا عن استيفاء الحق، غاية الأمر يثبت الخيار للمشتري مع الجهل
بالحال، فإن كونه جانيا عيب في العبد.
وبالجملة بعد ما اعترف المصنف (رحمه الله) في المسألة السابقة بصحة بيع
العبد الجاني غاية الأمر يثبت الخيار للمشتري مع الجهل بالحال وإلا
فلا، يشمله قوله (عليه السلام): نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، حتى يكون
خروجه تخصيصا.
556

وأما بيع المحجور لسفه أو رق أو فلس، فإن رضي من له البيع على
ذلك كالولي والغرماء صح البيع فليس فيه غرر، وإن لم يرض به فيكون
باطلا من الأول لا من جهة الغرر، بل من جهة عدم نفوذ بيعهم بدون إجازة
الولي والغرماء.
وأما الرهن، فإن قلنا بأن اشتراط القدرة على التسليم لا يشمل التعذر
الشرعي وإنما يختص بالتعذر الخارجي، فلا اشكال في صحة بيع الراهن
لكون المنع هنا شرعيا، وهذا هو الظاهر فإن العجز الشرعي وإن كان
العجز الخارجي إلا أن محط نظر الأساطين في هذا الشرط هو عدم القدرة
خارجا، ولذا يمثلون لما لا يقدر على تسلمه ببيع السمك في الماء
والطير في الهواء.
وإن قلنا بشمول التعذر الشرعي فيكون بيع الراهن داخلا تحت النبوي
لكونه من مصاديق بيع ما ليس عنده شرعا، فيكون القول بالصحة فيه كما
هو المشهور تخصيصا، وعلى هذا فيكون الخارج عنه مصداق واحد
على فرض واحد.
وبالجملة فظهور النبوي في فساد البيع من الأول ومع القول
بالتخصيص فليس تخصيصا للأكثر، على أنه لا تخصيص إلا في فرد
واحد.
4 - ومما استدل به على اعتبار هذا الشرط في البيع، من أن لازم العقد
وجوب تسليم لكل من المتبايعين العوضين إلى صاحبه لكن التسليم ليس
بممكن فلا يصح العقد، فمقتضى القياس الاستثنائي هو فساد العقد مع
تعذر التسليم.
وأجاب عنه المصنف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم
وجوبا مطلقا منعنا الملازمة، وإن أريد مطلقا وجوبه فلا ينافي كونه
557

مشروطا بالتمكن، كما لو تجدد العجز بعد العقد.
وفي كلام المصنف مسامحة واضحة، فإن قوله: وجوبا مطلقا،
لا يستقيم، إذ لا معنى للوجوب المطلق، سواء تمكن أم لم يتمكن، بل
التكاليف كلها مشروطة بالقدرة والتمكن.
والأولى أن يقال: إنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا
فعليا منعنا الملازمة، وإن أريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا.
ثم قال المصنف: وقد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب، ثم يدفع
بمعارضته بأصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، وفي الاعتراض
والمعارضة نظر واضح.
أقول: لا ربط لهذا الكلام أصلا، إذ عرفت أنه لا معنى لأصالة عدم
تقيد الوجوب بعد ما استحال اطلاقه، ضرورة تقيد كل وجوب بحال
التمكن، ومع قبول اطلاقه فالأصل يقتضي هنا التقيد، فإنه مع الشك في
الوجوب بدون حصول القيد يتمسك بالبراءة.
وأيضا مع الغض عن جميع ذلك لا وجه لمعارضة ذلك بأصالة عدم
تقيد البيع، لما عرفت في محله أن مقتضى الأصل في العقود هو الفساد
وكلما يشك في اعتبار قيد فلا بد من اعتباره، فتكون النتيجة هو التقيد.
5 - ومن الوجوه التي استدل بها على اعتبار هذا الشرط، هو أن الغرض
من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه ولا يتم إلا بالتسليم.
وفيه ما ذكره المصنف (رحمه الله)، من منع توقف مطلق الانتفاع على
التسليم، لجواز الانتفاع في العبد مثلا بمثل العتق، على أنه يجوز الانتفاع
به بعد التسليم وفي وقت حصوله.
6 - ومن الوجوه أن بذل الثمن على غير المقدور سفه فيكون ممنوعا
وأكله أكلا للمال بالباطل.
558

وأجاب عنه المصنف بأن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير
المحتمل الحصول لا يكون سفها.
على أنا ذكرنا كرارا أنه لا دليل على بطلان البيع السفهي، وإنما الدليل
على بطلان بيع السفيه، ففي البيع السفهي نتمسك بالعمومات ونحكم
بصحته.
وتحصل أن ما ذكره المصنف من الوجوه على اعتبار القدرة على
التسليم لم يتم شئ منها، فلا وجه للحكم بالفساد، بل نحكم بالصحة،
غاية الأمر يثبت الخيار للمشتري.
كلام المحقق النائيني (رحمه الله) في المقام والمناقشة فيه
وذكر شيخنا الأستاذ (1) أن الوجه في اعتبار القدرة على التسليم أن ما
تعذر تسليمه ليس بمال فيكون البيع باطلا لذلك، لأن العقلاء لا يرتبون
عليه أثرا، ولذا مثل الأساطين لفقد هذا الشرط ببيع السمك في الماء
والطير في الهواء مع عدم اعتبار رجوعهما إلى الحالة التي يمكن
اقباضهما.
ثم أورد على نفسه بأنه لا يقال لو كان في هذا النحو من المال قصور في
جهة المالية لزم جريان قاعدة التلف قبل البيع فيه لو فرض كونه حال
العقد مثل سائر الأموال ثم قبل التسليم صار كذلك، ثم أجاب بأنه وإن
كان هذا المال في عالم الاعتبار قاصرا عما عليه سائر الأموال إلا أنه ليس
كالعدم بحيث يعد تالفا وقاعدة كون التلف قبل القبض من مال بايعه
تختص بما إذا تلف حقيقة، ولا تشمل بما إذا نقصت ماليته، ولذا لو باع
الجمد في الصيف أو الماء في المفازة ولم يسلمه إلا في مكان نقصت

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 467.
559

قيمته وضعفت اعتبارية العقلائية لا يلتزمون بانفساخ المعاملة لقاعدة
التلف قبل القبض.
وتحقيق المقام: أن المال الذي يتعذر تسليمه على أقسام:
1 - أن يكون مع تعذره مما يمكن للمشتري الانتفاع به كالعبد الآبق
والجارية الآبقة، فإنه وإن كان تعذر تسليمهما لأجل الإباق، ولكن يمكن
الانتفاع بهما بالعتق، وعلى هذا فلا يوجب تعذر التسليم خروج المال
المتعذر عن المالية، وإن كان تنقص قيمته لأجل تعذر التسليم، فما ذكره
من كون التعذر موجبا لزوال المالية لا يتم هنا، لامكان انتفاع المشتري
بذلك، وعلى هذا فيصح البيع هنا بمقتضى القاعدة حتى بناء على اعتبار
المالية في البيع.
2 - أن لا يمكن الانتفاع به لأحد، لا للمتبايعين ولا لغيرهما، بحيث
يوجب التعذر لحوقه بالتالف وبالمعدوم، فهذا مما لا شبهة في عدم
جواز بيعه حتى بناء على عدم اعتبار المالية في المعاوضة، فإنه إنما
لا يعتبر على هذا المسلك كون المبيع مالا لا غير موجود، فإنه لم يختلف
أحد في اشتراط الوجود فيه فتكون البيع فاسدا حينئذ.
وهذا نظير ما إذا صاد طيرا وحشيا أو غزالا وحشيا أو غيرهما من
الحيوانات البرية غير الأهلية ثم أبق فإنه لا يرجع عادة فيكون في حكم
التلف عرفا، ولذا لا يصح أن يقال إن لفلان حيوانا في هذا المفازة،
وهكذا المال الذي وقع في البحر كالخاتم والدرهم والدينار ونحو
ذلك، فإن العرف يرى ذلك تالفا، ولا يرون في تلك الأموال إضافة إلى
مالكه بوجه، لا إضافة المالية ولا إضافة الملكية ولا إضافة الحقية، وهذا
القسم لا شبهة في عدها من التالف.
وعلى هذا، فلو باع أحد ماله ثم وقع في البحر قبل القبض أو صاد
560

غزالا أو طيرا ثم أبق قبل القبض لا شبهة في عد ذلك من التالف فتشمل
عليه القاعدة المعروفة: كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال بايعه، فإن
ذلك وإن لم يكن معدودا من التلف الحقيقي ولكنه يعد من التلف العرفي.
وبالجملة ما كان يتعذر التسليم، ومع ذلك لا يمكن لأحد أن ينتفع به
فيكون عرفا من التالف، فلا يبقى فيه إضافة إلى المالك أي إضافة كانت،
فلا يصح البيع مع هذا التعذر بل يبطل البيع مع طرو مثل ذلك التعذر.
3 - أن يكون التعذر موجبا لعدم امكان الانتفاع للمتبايعين فقط دون
الأشخاص الأخر، كما إذا غصب الغاصب دار زيد فجلس فيها، ولكن
لا يتمكن زيد عن انقاذها ولا من يريد بيعها منه، ولا يمكن لهما أن ينتفعا
بها بوجه، إلا أن ذلك لا يوجب عدم جواز الانتفاع بأصل الدار وكونها
ساقطة عن المالية بالكلية بحيث لم يرغب إليها أحد ولا ينتفع بها شخص
وإلا لما غصبها الغاصب، بل لم تنقص قيمة هذه الدار أيضا فكيف بكونها
ساقطة عن المالية.
وعلى هذا فما ذكره شيخنا الأستاذ من كون التعذر موجبا للخروج عن
المالية إنما يتم في الفرض الثاني فقط لا في غيره من الفروض، فلا كلية
له، وفي هذا الفرض الثاني يبطل البيع حتى مع عدم اعتبار المالية أيضا،
لعدم وجود المبيع لا من جهة عدم المالية، لما عرفت من كونه لاحقا
بالتالف فلا تصل النوبة بما ذكره الأستاذ، وفي هذا الفرض الثاني ما ذكره
المستشكل، من لزوم كونه موجبا لبطلان البيع لو طرأه ذلك العارض قبل
القبض والاقباض، هذا ما تقتضيه القاعدة.
وأما بحسب الروايات، فقد ورد صحيحا في المسألة الآتية في العبد
الآبق والجارية الآبقة أنهما يباعان مع الضميمة، معللا بأنه لو لم يرجع
561

العبد والأمة يقع الثمن في مقابل الضميمة (1)، فإن المستفاد من عموم
التعليل هو جواز البيع مع الضميمة مطلقا، سواء كان الآبق هو العبد أو
الإبل أو غيرهما، ويصح البيع في مطلق الشارد كما لا يخفى.
ولكن المشهور لم يعملوا بالروايات في غير العبد الآبق والجارية
الآبقة، ولم يعملوا بعموم التعليل كما هو واضح، فتدل الرواية على عدم
جواز بيع غير العبد الآبق من الموارد التي يتعذر فيه التسليم بطريق أولى،
فإنه إذا لم يصح بيع العبد الآبق منفردا مع جواز الانتفاع به بالعتق وفيما لا
ينتفع به لا يصح بالأولوية.
القدرة على التسليم شرط للبيع أو العجز عنه مانع
قوله (رحمه الله): ثم إن معاقد الاجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا.
أقول: قد وقع الخلاف في أن القدرة على التسليم شرط للبيع أو
العجز عنه مانع، بعد الفراغ عن أصل الاشتراط، وقد أكد الشرطية في
عبارة الغنية، حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم، فينتفي
المشروط عند انتفاء الشرط.

1 - عن رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أيصلح لي أن أشتري من القوم
الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا
أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما، فإن ذلك
جائز (الكافي 5: 194، التهذيب 7: 124، عنهما الوسائل 17: 353)، صحيحة.
عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال: لا يصلح
إلا أن يشتري معه شيئا آخر، ويقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا درهما، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه 3: 142،
الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353)، موثقة.
562

ومع ذلك كله فقد استظهر صاحب الجواهر (1) من عبارة الغنية أن العجز
مانع لا أن القدرة شرط للبيع، وتظهر الثمرة في مورد الشك، حيث إنه لو
اعتبرت القدرة شرطا لا يجري الأصل، ولو اعتبر العجز مانعا فنتمسك
بالأصل، ثم ذكر مسألة اختلاف الأصحاب في الضال والضالة وجعله
دليلا على أن القدر المتفق عليه ما إذا تحقق العجز.
وقد أشكل عليه المصنف أولا: بأن صريح تسالم الفقهاء ومعاقد
اجماعهم خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء
هي شرطية القدرة، فلا وجه لجعله مانعا عن البيع.
وفيه أنه لا حجية في تسالم الأصحاب واجماعاتهم خصوصا بعد
عدم كون هذه التدقيقات مغروسا في أذهان السابقين، من أن العجز مانع
أو القدرة شرط، وكذلك صاحب الغنية، فإن بناءهم التعبير عن اعتبار
القدرة على التسليم في البيع بعبارة، ومن البعيد التفاتهم على كون القدرة
شرطا أو اعتبار العجز مانعا.
وبالجملة بعد ما لم يكن هذا الاختلاف موجودا فيهم فلا وجه لدعوى
الاجماع على أحد في الاختلاف، على أن الظاهر من قوله (عليه السلام): نهى
النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، هو كون الغرر مانعا عن البيع، فإن النهي ارشاد
إلى المانعية، أي أن البيع الغرري ممنوع وخارج عن تحت العمومات
الدالة على الصحة واللزوم.
وذكر المصنف ثانيا: إن العجز أمر عدمي، لأنه عدم القدرة عمن من
شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر، فكيف يكون مانعا، من أن المانع
هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم وكان ممنوعا لأجله و
يلزم منه انتفاؤه، فلا وجه لجعل العجز الذي هو الأمر العدمي من قبيل

1 - جواهر الكلام 22: 385.
563

المانع الذي يلزم من وجوده العدم، فإنه لا معنى لجعل عدم القدرة مانعا
إلا لجعل عدم القدرة الذي هو وجود القدرة شرطا كما لا يخفى.
وفيه أن الأمر العدمي لا يكون مانعا إذا كان يقابل الوجود تقابل السلب
والايجاب، لكونه عدما محضا وغير ممتاز فضلا عن أن يكون مانعا،
وأما العدم الخاص الذي يقابل الوجود تقابل العدم والملكة فله حظ من
الوجود، فيمكن أن يعتبر مانعا، مثلا للشارع أن يعتبر العجز مانعا عن
صلاة الجماعة، وأن يعتبر عدم الجهل الذي يقابل العلم تقابل العدم
والملكة في صحة الجماعة، بأن يكون مانعا عن انعقادها، وهكذا
وهكذا.
فما ذكره المصنف من عدم جعل الأمور العدمي مانعا فهو خلط بين
العدم الخاص والعدم المطلق، فما نحن فيه من قبيل الأول، كما صرح
به.
على أن المانع هنا غير ما جرى عليه الاصطلاح في علم المعقول، من
أن المانع ما كان يلزم من وجوده العدم، فيجعلون الأمور الوجودية مانعا
عن الشئ ومؤثرة في عدم تحققه.
وهذا بخلاف الأحكام الشرعية، فإن المانع فيها ما يعتبر الشئ مانعا
عن الحكم الشرعي، سواء كان أمرا وجوديا أم أمرا عدميا، من غير أن
يكون مؤثرا في عدم تحقق شئ أصلا.
وبالجملة ليس المانع هنا هو المانع المصطلح عليه في علم المعقول
ولا الشرط والمقتضي وسائر ما اصطلحوا عليه من أجزاء العلة جاريا
على مصطلحهم، لأن باب المعقول ليس باب التأثير والتأثر الحقيقي، بل
التأثير في مجرد الاعتبار، فشابه ذلك لذلك فأطلق عليه ألفاظه، فمعنى
564

كون العجز مانعا خروج صورة العجز عن حكم: أوفوا (1)، كما أن معنى
كون القدرة شرطا خروج ما عدا صورة القدرة عن حكمه كما ذكره
المحقق الإيرواني (2).
الثمرة بين القولين
ثم ذكر المصنف ثالثا: لو سلم صحة اطلاق المانع على العجز لا ثمرة
في أن القدرة شرط لصحة البيع أو أن العجز مانع عنه، وذلك من جهة أنه
إن كانت الحالة السابقة هي القدرة وشككنا في تحقق القدرة أو العجز
فعلا فنستصحبها، وإن كانت الحالة السابقة هو العجز فأيضا نستصحب
العجز، سواء جعلنا القدرة شرطا أو العجز مانعا، وإذا شككنا في أن
المراد من العجز ما يعم التعسر أم خصوص التعذر، أو المراد من العجز
العجز المستمر أو العجز في الجملة، فاللازم هو التمسك بعمومات
الصحة، من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا.
ثم ذكر أن التردد بين شرطية الشئ ومانعيته إنما يصح ويثمر في
الضدين مثل الفسق والعدالة، لا فيما نحن فيه وشبهه، كالعلم والجهل.
ثم ذكر أن اختلاف الأصحاب في مقابلة مسألة الضال والضالة فليس
لشك المالك في القدرة والعجز، ومبنيا على كون القدرة شرطا أو العجز
مانعا، كما يظهر من أدلتهم على الصحة والفساد، بل لما سيجئ عند
التعرض بحكمها، وذكر حكم ذلك في مسألة الآبق.
وفيه أنه لا ثمرة للنزاع المذكور إذا كان لكل من العجز فقط أو القدرة
فقط حالة سابقة، وأما إذا كان لكل منهما حالة سابقة معا وكان الشك في

1 - المائدة: 1.
2 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 194.
565

التقدم والتأخر أو لم يكن لهما حالة سابقة أصلا، وإن كان هذا فرضا غير
معقول أو كان ولكن نسي، فإنه حينئذ إن جعلنا القدرة شرطا فيكون العقد
محكوما بالفساد واقعا لأصالة عدم تحقق الشرط، ومحكوما بالصحة
لأصالة عدم المانع، فلا وجه له لأن لا يفرق بين الصورتين.
وبالجملة أن شيئا من المذكورات لا يرد على صاحب الجواهر، نعم
يرد على صاحب الجواهر أن أصالة عدم المانع لا دليل عليها وليس حجة
أصلا، إلا إذا قلنا بقاعدة المقتضي والمانع.
فنقول: إن مقتضى الصحة في العقد موجود من الملكية والعمومات
والمانع مفقود فيؤثر المقتضي أثره، فلا يكون النهي عن الغرر موجبا
لخروج هذا العقد عن تحت العمومات لعدم احراز المانع، ولكنه ذكرنا
في الأصول أنه لا دليل على حجية قاعدة المقتضي والمانع أصلا.
وبالجملة فكما أن الشرط لا بد وأن يحرز في صحة العقد، وكذلك
لا بد من احراز عدم المانع، لاعتباره في صحة العقد كالشرط، فأصالة
عدم المانع ليس من الأصول المسلمة حتى يحرز بها ذلك، إلا إذا كان
لكل منهما حالة سابقة، فإن مقتضى الاستصحاب حينئذ هو الحكم
بالقدرة أو العجز أو بعدم القدرة وعدم العجز فعلا بوجودهما
الاحرازي، وأن الشارع حكم بمقتضى الاستصحاب على ذلك، فإن هذا
الأصل لا محذور في جريانه، فإنه يكفي في جريان الأصل كونه ذي أثر
شرعي، سواء كان نفس المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا ذي حكم
أم لم يكن، كما اختاره شيخنا الأنصاري في الأصول (1) وقواه شيخنا
الأستاذ وجعلناه موافقا للتحقيق.
نعم هذا مورده في الوجه الثاني على النحو الذي ذكرناه، بناء على

1 - فرائد الأصول: 552.
566

مسلك صاحب الكفاية (1)، من اشتراط كون المستصحب في الاستصحاب
إما حكما شرعيا أو موضوعا ذي حكم، فلا مطرح للاستصحاب هنا،
لعدم كونه القدرة أو العجز حكما شرعيا ولا موضوعا للحكم الشرعي،
بل إما أن القدرة شرط للعقد أو أن العجز مانع عن صحة العقد.
على أنه لا تصل النوبة إلى أن القدرة شرط أو أن العجز مانع كما هو
واضح، بل يحكم ببطلان العقد للغرر المنهي عنه.
بيان ذلك أنه بناء على صحة الاستدلال بالنبوي: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن
بيع الغرر، فإنما هو نهي عن البيع الغرري، والبيع الذي فيه خطر
وهلاكة.
ومن الواضح جدا أنه مع الجهل بأن البايع يكون قادرا على التسليم أم
لا، فيكون البيع غرريا أي بيعا فيه احتمال الخطر والهلاكة، فإنك عرفت
اعتبار الجهل في مفهوم الغرر، فبمجرد احتمال ذلك يكون البيع باطلا،
لشمول النهي له وخروجه عن تحت العمومات، إذ ليس شرط البيع هو
القدرة الواقعية أو المانع عنه هو العجز الواقعي، بل الشرط أو المانع هو
احراز القدرة أو احراز العجز كما لا يخفى.
وبالجملة لا بد في صحة العقد من احراز أنه ليس فيه خطر وهلاكة،
ومن الواضح أن احتمال أن البايع لا يقدر على التسليم فيه من الخطر ما
لا يخفى، فيكون مشمولا للنهي عن الغرر فيكون فاسدا.
نعم إذا كانت الحالة السابقة هي القدرة على التسليم وشككنا في
القدرة والعجز فعلا، فنستصحب القدرة على التسليم إن كانت القدرة
شرطا، وإن كان عدم العجز مانعا فيه نلغي احتمال الخلاف، فكأن
الشارع يقول الغي احتمال الخلاف، بناء على ما ذهب إليه المصنف في

1 - كفاية الأصول: 418.
567

الأصول وتبعه الأستاذ واخترناه، من أن الشرط لجريان الاستصحاب
كون المستصحب ذي أثر شرعي، فلا يلزم كونه أي المستصحب ذي
حكم أو حكما شرعيا كما ذهب إليه صاحب الكفاية، فإن القدرة ليست
موضوعا للحكم ولا أنها بنفسها حكم، وإنما شرط البيع هو احراز
القدرة لا القدرة الواقعية، ولذا يصح البيع مع احراز القدرة وإن لم يكن
في الواقع قادرا على التسليم.
وبالجملة فما لم يكن هنا ما يحرز به كون العقد خطريا فيحكم بفساده،
لاطلاق: نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، بناء على تماميته وإلا فلا،
ومع ذلك لا تصل النوبة إلى أن مقتضى القاعدة في صورة الشك في كون
القدرة شرطا أو العجز مانعا مع عدم الحالة السابقة لكل منهما أي شئ
كما هو واضح.
الحكم عند الشك في شرطيته ومانعيته مع الشك في القدرة على الفعل
ثم إنه إذا شككنا في أن القدرة على التسليم شرط للبيع أو العجز عنه
مانع عنه، وشككنا أيضا في أنا قادرين على ذلك أو غير قادرين، فتارة
يكون الشك في الشبهة الحكمية والمفهومية، وأخرى يكون الشك في
الشبهة المصداقية.
أما الأول، فكما إذا شككنا أن القدرة المعتبرة في تسليم العوضين هي
القدرة العقلية أو الشرعية أو العرفية أو الأعم، وأنه لا بد من العلم بالقدرة
على التسليم أو يكفي مجرد احتمال القدرة عليه من جميعها، ففي
الحقيقة يرجع الشك إلى سعة مفهوم القدرة المعتبرة هنا وضيقه، فيكون
من صغريات الأقل والأكثر، فنأخذ القدر المتيقن ونجري البراءة من
الزائد عنه، كما قرر في محله.
568

وأما إذا كانت الشبهة مصداقية، بأن كان الشك في كون كل من
المتبايعين قادرا على التسليم أو غير قادر عليه، فحينئذ تختلف الحال
بالنسبة إلى ذلك باختلاف دليل اعتبار القدرة على التسليم.
بيان ذلك: إذا كان دليل الشرط المذكور النبوي المعروف: نهى النبي
(صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، فحينئذ لا توجد شبهة مصداقية في المقام أصلا،
فإن مبني الاستدلال به إنما هو أخذ الغرر بمعنى الخطر، ومن الواضح
جدا أن الخطر يتحقق بمجرد الاحتمال وأن البايع أو المشتري لا يقدر
على التسليم، إذ الخطر هو الهلاك بمعنى خوف عدم وصول كل من
العوضين إلى الآخر، لا الهلاك بمعنى الانعدام، وهذا لا معنى للشبهة
المصداقية أصلا.
فإن كل من المتعاملين يرى نفسه بأنه بأي كيفية وحالة، فإنه إن كان
جازما على كونه قادرا على التسليم فالشرط متحقق، وإن كان مترددا في
ذلك ومحتملا أنه يقدر فلا تحقق للشرط، فإن الشرط ليس هو التمكن
الواقعي بل احراز القدرة.
وبعبارة أخرى قد عرفت أن ما هو شرط للبيع ليس إلا احراز القدرة،
ولو كان العجز مانعا فإنما هو احراز العجز واحتماله، وأن موضوع
الحكم اثباتا ونفيا هو الوصف النفساني دون الأمر الواقعي التكويني،
وعليه فلا يعقل مورد يشك فيه أن الشرط أو المانع موجود أم لا، بل لا بد
وأن يلاحظ كل من المتبايعين ما في صقع نفسهما من الأوصاف
النفسانية، فإن كان كل منهما جازما على القدرة التسليم فالشرط وعدم
عجزهما عن ذلك فالشرط متحقق أو المانع مرتفع، وإن كانا مترددين
في ذلك ومحتملين عدم القدرة على التسليم فالشرط منتف أو المانع
مفقود.
569

وعلى هذا فلا يفيد جريان الاستصحاب إذا كان الحالة السابقة هي
القدرة، بحيث يحرز به وجود القدرة وكان يلغي به احتمال عدم القدرة
على التسليم، كما يلغي به احتمال الخلاف في سائر الموارد، بحيث كان
الشارع يقول الغي احتمال الخلاف، وذلك من جهة أن المستصحب
عبارة عن القدرة السابقة، والخطر إنما يتحقق بمجرد احتمال عدم
القدرة على التسليم وخوف عدم وصول العوضين إلى المتبايعين، ومن
الواضح جدا أن استصحاب القدرة لا يثبت وصول العوضين بيد
المتبايعين، ولا يلغي احتمال عدم القدرة على التسليم الذي موجود
بالفعل وجدانا إلا على القول بالأصل المثبت وبالملازمة العقلية، فهو
كما تري.
نعم لو قامت البينة على ذلك وأن كل منهما قادرين على التسليم
فيرتفع بها احتمال عدم القدرة على التسليم تعبدا لكونها من الأمارات،
فهي كما تتكفل على اثبات المعنى المطابقي فكذلك تتكفل أيضا على
اثبات اللوازم كما حقق في محله.
ودعوى أن الوصف النفساني أعني احتمال عدم القدرة على التسليم
الذي به قوام الغرر موجود في المتبايعين تكوينا والإمارة لا يرفعه،
فلا يفرق فيما ذكر بين الأمارة والاستصحاب، فإنها دعوى جزافية، فإن
الأمارة وإن لم ترفعها تكوينا ولكن ترفعها تشريعا وتعبدا، فهل يتوهم
أحد أنه مع قيام الأمارة أن موضوع البراءة هو الشك فتجري في مقابلها
فإن ما نحن فيه أيضا نظير ذلك، فإن كلها ناظرة إلى الأحكام الظاهرية دون
الواقعية.
وبالجملة مع كون دليل الشرط هو النبوي فلا نعقل موردا للشبهة
المصداقية بوجه من الوجوه كما لا يخفى.
570

وأما إذا كان المدرك قوله (عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك، فإن الكلام
حينئذ في الشبهات المفهومية هو الكلام الذي تقدم، من أن المقام من
موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر فنأخذ المقدار المتيقن، فنجري
البراءة في الزائد، وأما الشبهة المصداقية فتحقق على هذا، فإن معنى
كون المال عنده أوليس عنده وإن كان واضحا على مسلكنا، كما تقدم
من كون ظهوره عبارة عن الملكية دون الأعم منه ومن القدرة على
التسليم، ولكن مع التنزيل عن ذلك وأخذ العند بمعنى السلطنة على
التسليم.
وعليه فيمكن أن يشك الانسان في ملكه أنه عنده أوليس عنده، كما
إذا تولد فرسه أو غنمه أو غيرهما من الحيوانات المملوكة له في غير
بلده، وشك في أنه هل هو قادر على تسليمه أو لا، لاحتمال كون طريقه -
أي طريق ذلك البلد - مسدودا وهكذا وهكذا.
ففي هذه الموارد، أما التمسك بالعمومات الدالة على صحة المعاملة
فلا يجوز، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
بل نقول: إنه تارة يكون لهذا الفرد المشكوك حالة سابقة معلومة، بأن
كان قبل زمان قادرا على التسليم أو عاجزا عنه، فبناء على كون القدرة
شرطا فيستصحب القدرة على التسليم، فبناء على كون العجز مانعا
فيستصحب عدم العجز، ومع كون الحالة السابقة هو العجز، فأما
يستصحب عدم القدرة إن كانت هي شرطا، أو يستصحب عدم العجز إن
كان هو مانعا، فلا يرد على هذا ما تقدم من الاشكال في جريان الأصل من
كونه مثبتا، فإن عنوان عدم السلطنة على التسليم وايصال العوضين تحت
يد كل من المتبايعين أمر مستصحب، فيمكن اثباته بالاستصحاب كما
لا يخفى، فيحرز به أنه قادر على التسليم.
571

وكذا الحال لو قامت البينة على القدرة على التسليم، وأما إذا لم تقم
البينة على ذلك، أو كان لكل من القدرة والعجز حالة سابقة، ولكن اشتبه
كل منهما على الآخر ولم يعلم السابق منهما، أو لم يكن لشئ منهما
حالة سابقة، فهل يمكن الالتزام بصحة البيع هنا أو لا يمكن.
فنقول: أما إذا كان لكل منهما حالة سابقة فاشتبها، فلا شبهة في
تعارض الأصلين وتساقطهما فيحكم بالفساد لعدم جواز التمسك
بالعموم، لأن الفرض أن المورد من الشبهات المصداقية فلا يجوز
التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.
وأما إذا لم تكن لهما حالة سابقة، كما إذا تولد للبايع حيوان فلا يدري
أنه قادر على التسليم أو غير قادر عليه، أو مات أبوه فانتقل المال إليه و
قد باع متاع من فلان فلا يدر الوارث أنه كان قادرا على التسليم أو لم يكن
أو باع نفسه شيئا ونسي أنه حين البيع كان قادرا عليه أو لم يكن، ففي
جميع ذلك بعد الفراغ عن تحقيق معنى القدرة على التسليم ومفهومه
بحيث لا يشك في المفهوم ولا يرجع الشك إليه، بأنه هل تصدق القدرة
على احتمال القدرة على التسليم أو لا وهكذا، فنقول:
إنا قد ذكرنا في الأصول الضابطة الكلية في دوران الأمر بين شرطية
أحد الضدين و مانعية الآخر، كما إذا شككنا أن العدالة شرط للجماعة أو
الفسق مانع عنها، وهكذا في الموارد الأخر، وكما إذا شككنا أيضا أن
العدالة شرط وجوب اكرام العلماء أو الفسق مانع عنه مع عدم الحالة
السابقة فيهما، فهل الضابطة هنا هو اجراء أصالة عدم العدالة ومنع تحقق
الشرط أو اجراء أصالة عدم الضد الآخر وتفرع عدم المانع عليه، فثمرة
نزاع كون أحد الضدين شرطا أو كون الآخر مانعا هو ذلك، فبناء على كون
أحدهما شرطا ففي المثال بأن تكون العدالة شرطا للاكرام والجماعة،
572

فبأصالة تحقق الشرط أو بأصالة البراءة عن الواجب مع الشك في الشرط
فنحكم بعدم الوجوب وبفساد المشروط.
وأما لو كان الضد الآخر مانعا وإن لم يكن لأصالة عدم المانع أساس
صحيح إلا ما ذكرناه من قاعدة المقتضي والمانع، ولكن ذكرنا في محله
أنه يمكن نفي الضد الآخر بالعدم الأزلي، بناء على جريانه كما هو الحق،
ففي المثال المتقدم أن كونه عالما محرز بالوجدان، فعدم كونه فاسقا زمان
نحرزه بالأصل، فليتم الموضوع المركب من الوجدان والأصل، فيترتب
عليه الحكم، ولكن الأصل النافي للضد الآخر هو العدم المحمولي لعدم
وجود الفسق دون العدم الأزلي، نعم في مثل القرشية ونحوها تجري
أصالة عدم الأزلي.
وبالجملة قد حققنا في محله أن الضابطة في ذلك هو نفي الضد الآخر
إما بأصالة العدم المحمولي أو بأصالة العدم الأزلي، فيحكم بصحة
العمل الذي قد اعتبر ذلك الضد فيه من حيث العدم.
ولكن لا يجري ذلك في المقام، وذلك لأنا إذا شككنا في أن البايع
قادر أو عاجز يستصحب عجزه السابق مثلا، وأما العدم المحمولي الذي
يشك في استمراره في أول وجود المعروض كالقرشية ومخالفة الشرط
للكتاب ونحو ذلك، فالاستصحاب غير جار إلا بمفاد ليس التامة ولا أثر
له لكونه مثبتا لاحراز النعتية.
وبالجملة ففي تقابل العدم والملكة الذي من صغرياته ما نحن فيه، لما
عرفت من كون التقابل بين القدرة والعجز هو تقابل العدم والملكة، غاية
الأمر أن العدم هو الذي من شأنه الوجود وليس له رائحة الوجودية أزيد
من ذلك لا يجري هذه الضابطة والنزاع المذكور، بل لا بد من الالتزام
بشرطية القدرة فيكون البيع حينئذ فاسدا، وذلك لأن العجز أمر عدمي
573

غير قابل لأن يكون مانعا، إذ المانع هو الأمر الوجودي الذي يمنع عن
تأثير المقتضي والعدم ليس له ذلك، فلا يمكن اجراء أصالة عدم العجز
ورفع المانع بذلك الأصل، بل العجز ليس إلا عدما الذي هو مفاد الأصل
فليس مفاد الأصل أزيد من ذلك.
نعم لو ترتب على هذا الأمر العدمي عنوان بسيط، وكان العنوان
البسيط المنتزع من ذلك الأمر العدمي موضوعا للحكم لجرى هذا الأصل
أيضا، كالعمي إذ ليس هو صرف عدم البصر بل هو عنوان بسيط فيكون
بذلك العنوان موضوعا للحكم، فيمكن نفي ذلك العنوان الذي هو نحو
من الوجود بأصالة العدم الأزلي.
ولكن هذا أيضا لا يجري في المقام، إذ لا دليل على كون العجز مانعا
عن البيع إلا قوله (عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك، كما هو المفروض، ومن
الواضح أن عنوان ما ليس عندك ليس إلا أمرا عدميا، غاية الأمر عدما من
شأنه الوجود أي عدم ملكة، فهو بنفسه مانع عن البيع لكونه مأخوذا في
لسان الدليل لا عنوان آخر بسيط منتزع عنه، فإذا ليس مفاد الأصل إلا نفي
عنوان ما ليس عندك الذي هو عدم، فلا يوجب ذلك رفع عنوان بسيط
حتى يقال إن الأصل أوجب رفع الضد الآخر الذي كان مانعا كما
لا يخفى.
وبالجملة فلا دليل يدل على كون العنوان البسيط المنتزع من العجز
ومن عنوان ما ليس عندك موضوعا للحكم حتى باعتباره تجري الضابطة
المذكورة في المقام، فافهم.
اعتبار القدرة على التسليم زمان استحقاق التسليم لا حين العقد
قوله (رحمه الله): ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو زمان استحقاق التسليم.
574

أقول: قد عرفت أن المدرك لاعتبار القدرة على التسليم قوله (عليه السلام):
نهى النبي (عليه السلام) عن بيع الغرر، بناء على كونه بمعنى الخطر، وقوله
(عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك، بناء على تفسيره بمعنى عدم السلطة على
التصرف والتسليم، وإنما يتوقف الاستدلال بهما على المقصود على
مقدمات ثلاث:
المقدمة الأولى: أن يكون المتعاملين مالكين على المبيع والثمن،
وغير المالك ليس مخاطبا بهذا الخطاب كالفضولي ونحوه فلا يشملان
لغيره بل لخصوص المالك.
المقدمة الثانية: أن يكون الغرر فعليا، فإن فعلية الحكم بفعلية
الموضوع، فالغرر الشأني لا يكون مؤثرا في بطلان العقد.
المقدمة الثالثة: أن يكون مخاطبا بالتسليم ومأمورا به، وفيما ليس أمر
بالتسليم فلا مورد للنبويين.
ويتفرع على ذلك فروع مهمة:
الفرع الأول
أنه لو كان المبيع تحت يد المشتري ولم يقدر البايع على أخذه منه
ولا على التصرف منه، ولكن يقبل الغاصب بيعه منه، فيجوز أن يبيعه،
فلا يعتبر التسليم هنا، فإن اعتبار القدرة هنا ليس من باب الموضوعية بل
من جهة الطريقية ووصول العوضين إلى المتعاملين، ومن المعلوم أن
المثمن هنا تحت سلطة المشتري، فاعتبار التسليم تحصيل للحاصل
لكونه موجودا عنده، فلا يشمل النبويان على ذلك.
أما دليل نفي الغرر، فمن جهة أنه ليس هنا خطر بوجه، لوجود المبيع
تحت يد المشتري، فأي خطر هنا، فإنه لو كان إنما هو من جهة الجهل
575

بوصوله إلى المشتري فالمفروض أنه حاصل عنده، واعتباره ثانيا
تحصيل للحاصل.
وأما النهي عن بيع ما ليس عنده، فقد عرفت أن كونه دليلا لهذا الشرط
من جهة كون العند بمعنى السلطنة على التصرف والتسليم، ومن الواضح
أنه يعتبر فيما من شأنه أن يسلم إلى المشتري، وأما فيما لا يلزم التسليم
فيه فلا، مثلا لو قال المولى لعبده: لا تشتر من السوق ما لا تقدر على
حمله، فإن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن ما يلزم حمله إلى البيت
منهي عن شرائه، فلا يعم ما لا يحمل على البيت.
فلا يمكن أن يقال إنه لا يجوز للعبد اشتراء العقار ومال التجارة
وغيرهما مما لا يلزم حملها على البيت بمجرد النهي المذكور، بل لو كان
هنا عموم نتمسك به، كما إذا أمره بالمعاملة والبيع والشراء قبل النهي
المذكور.
ففي المقام أن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي أن النهي عن بيع ما
ليس عنده من جهة عدم القدرة على التسليم وفيما لا يعتبر فيه التسليم،
حتى لو لم يكن هذا النهي أيضا فلا يشمله ذلك بل يتمسك بعمومات
صحة البيع.
الفرع الثاني
إن بيع العبد الآبق ممن ينعتق عليه خارج عما نحن فيه، فلا يعتبر فيه
القدرة على التسليم، فإنه ينعتق بمجرد البيع فلا يبقى مجال للتسليم،
فليس هذا البيع بغرري ليبطل، ولا من قبيل بيع ما ليس عنده، لما عرفت
أن المراد من ذلك ما يكون التسليم معتبرا فيه، ولا مجال هنا لاعتبار
التسليم، لانصراف النبوي عن مثل ذلك، فإنه سواء كان هنا ما يدل على
576

اعتبار التسليم أم لم يكن فالتسليم غير معتبر هنا.
وربما يقال بكون بيع العبد ممن ينعتق عليه باطلا لتحقق الغرر وعدم
كون البايع قادرا على التسليم المعتبر في البيع، فيكون من قبيل بيع ما
ليس عنده أيضا، فإن اعتبار الشارع حرية المبيع وكونه منعتقا بمجرد
البيع خارج عما نحن فيه، بل لا بد أن نلاحظ المبيع مع قطع النظر عن
حكم الشارع، ومن الواضح جدا أن هذا البيع - أي بيع العبد الآبق ممن
ينعتق عليه - مع قطع النظر عن حكم الشارع بانعتاقه بيع خطري غرري،
ومن بيع ما ليس عنده، فلا يصح ذلك أيضا.
وفيه أنه ليس هنا غرر بالفعل الذي هو موضوع الحكم فعلا، فإن هذه
القضية، أي قضية نهي النبي (عليه السلام) عن بيع الغرر قضية حقيقية منحلة إلى
قضايا متعددة، أي كلما تحقق غرر فيكون البيع باطلا، ففي المقام أن البيع
غير غرري، ففرضه بأنه لولا حكم الشارع بالانعتاق فيكون البيع غرريا
أجنبي عن المقام، لأنه غرر شأني، فالغرر الشأني ليس موضوعا للحكم،
أما قوله (عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك، فقد عرفت أنه لا يحتاج ذلك إلى
التسليم فعلا، فلا وجه لملاحظته بأنه لو لم يكن حكم الشارع بالانعتاق
لكان من قبيل بيع ما ليس عنده كما هو واضح.
وبالجملة أن كلا النبويين لا يشملان بيع العبد الآبق ممن ينعتق عليه،
أما النهي عن بيع الغرر فلعدم الغرر، فيكون النهي منتفيا لكونه تابعا لفعلية
الموضوع بحسب القضية الحقيقية، فلا غرر فعلي في بيع العبد، نعم
فالغرر شأني مع قطع النظر عن حكم الشارع، ولكنه ليس موضوعا.
وأما النهي عن بيع ما ليس عنده، فقد عرفت عدم اعتبار التسليم هنا
مع قطع النظر عن هذا النهي أيضا، فإن القدرة على التسليم ليست لها
موضوعية في الحكم وإنما هي معتبرة من باب الطريقية إلى التسليم
577

ووصول المبيع إلى المشتري والثمن إلى البايع، ومن الواضح أن هذا
فيما كان للتسليم فائدة، فليس له فائدة هنا بوجه حتى يجبر عليه.
الفرع الثالث
ومن هنا ظهر حكم الفرع الثالث أيضا، وهو ما لم يستحق التسليم
بمجرد العقد لاشتراط تأخيره مدة، فإنه أي البايع وكذا المشتري فيما إذا
اشترط تأخير الثمن ليس مخاطبا بالتسليم قبل حلول الوقت، وليس فيه
غرر بوجه، ولا أنه من قبيل بيع ما ليس عنده، وإلا للزم بطلان البيع
الغائب لوجود الجهل فيه، أو بيع من كان جاهلا بأحكام البيع لأن مجرد
وجود الجهل من دون كونه منجرا إلى الغرر لا يوجب البطلان، فإن الأكثر
والغالب فيه تأخير التسليم، ومع ذلك لم يستشكل أحد في ذلك.
ترتب الفضولي على ما نحن فيه
ثم إن المصنف قد رتب على ذلك صحة بيع الفضولي، بدعوى عدم
استحقاق التسليم فيه إلا بعد إجازة المالك، فلا يعتبر القدرة على التسليم
قبلها، ثم استشكل في ذلك على الكشف، من حيث إنه لازم من طرف
الأصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر على تحصيله،
ثم قال: نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين، ومثله بيع الرهن قبل
إجازة المرتهن أو فكه.
أقول: لا وجه لما ذكره من أصل ترتب الفضولي على ما نحن فيه،
ولا للاشكال فيه فيما إذا قلنا بالكشف.
أما أصل الترتب فلخروج الفضولي عن محل الكلام بالمرة، لأنه
فضولي محض فأجنبي عن طرف العقد، بل ليس له إلا ايجاد المعاملة
578

وبعده جميع الخصوصيات راجعة إلى المالكين أو الوكيلين أو الوليين،
من حيث التسليم والتسلم والإجازة والرد، فلا مجال لابطال البيع هنا من
جهة النهي عن الغرر، ولا من جهة بيع ما ليس عنده، وإلا كان من الأول
أن يحكم ببطلان الفضولي من جهة كونه من قبيل بيع ما ليس عنده.
والسر في ذلك هو أنه ليس بايعا حقيقيا ولا مشتريا حقيقيا حتى
يخاطب بخطاب النهي عن بيع ما ليس عنده، لما ذكرنا من جملة شرائط
التمسك به أن يكون مالكا للمبيع، فالفضولي ليس بمالك للعوضين
فلا يكون داخلا لما نحن فيه بوجه.
وأما الاشكال فقد عرفت خروج الفضولي عن محل الكلام، وأما
بالنسبة إلى الأصيل فإن إجازة الآخر الذي كان البيع فضوليا من قبله
فلا شبهة في صحة البيع وعدم كونه غرريا ومن قبيل بيع ما ليس عنده،
وإن لم يجز الآخر البيع فيكون فاسدا، فلا محل أيضا للتمسك بالنبويين،
فإن بطلانه مستند إلى عدم الإجازة لا إلى غررية البيع وكونه من بيع ما
ليس عنده.
وأما ما ذكره بقوله: ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكه، ففيه
أنه قد ذكرنا سابقا أنه إن عممنا العجز إلى العجز الشرعي، فيكون ذلك
خارجا عن بيع الغرري وعن تحت النبويين بالتخصيص، بأنه - أي الراهن
- مالك للعين ومخاطب بالتسليم والغرر فعلي، ومع ذلك عاجز عن
التسليم، فمقتضى القاعدة هو بطلان البيع، ولكن خرجنا عنها بالدليل
الخاص، وهو وإن لم يكن موجودا بعنوان خاص ولكن استفدنا بطلانه
من الأخبار الواردة في نكاح العبد، معللا بأنه لم يعص الله وإنما عصى
سيده (1)، بدعوى عدم الخصوصية لبيع العبد، بل الغرض أن عصيان الغير

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك
إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فزق بينهما، قلت: أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم
النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو جائز (الكافي 5: 478، التهذيب
7: 351، الفقيه 3: 350، عنه الوسائل 21: 114)، حسنة بإبراهيم بن هاشم.
579

في حقه إذا لم يستلزم عصيان الخالق لا يوجب البطلان.
وأما إذا لم نعمم العجز إلى العجز الشرعي، فلا شبهة في صحة بيع
الراهن لعدم كونه خطريا، ليشمله قوله (عليه السلام): نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع
الغرر، غاية الأمر يكون للمشتري خيار الفسخ، ولا أنه من قبيل بيع ما
ليس عنده ليشمله النبوي الآخر: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عنده
لكونه في الخارج قادرا على التسليم.
وبالجملة فعلى كل تقدير، سواء كان بيع الراهن مشمولا للنبويين أو
غير مشمول، فلا مجال للاشكال به على ما نحن فيه واخراجه عن المقام
كالفضولي.
ثم إنه ظهر مما ذكرناه حكم عقد الرهن، فإنه بعد حصول التسليم
لا موضوع لوجوبه وقبله لا عقد، فإن الاقباض والتسلم في هذا العقد من
الشرائط فبتحققها لا غرر ولا بيع ما ليس عنده، وبعدم تحققها تفسد
المعاملة، فلا موضوع للغرر، انتهى كلامنا إلى كون التسليم شرطا
ومقوما للبيع.
إن القبض والتسليم في بيع الصرف والسلم من شروط تأثيره لا من أحكامه
فنقول: ذكر المصنف أن القبض والتسليم في بيع الصرف والسلم من
شروط تأثير العقد لا من أحكامه فلا يلزم الغرر، ولو تعذر الشرط بعد
العقد رجع ذلك إلى تعذر الشرط فلا يلزم منه البطلان حتى مع العلم
580

بالتعذر، إذ لا يلزم احراز الشروط المتأخرة والعلم بتحققها.
والوجه في ذلك ما أفاده، من أن القبض هنا مثل الإجازة في العقد
الفضولي على النقل، من حيث عدم تمام النقل إلا بالإجازة، فكذلك
لا يتم العقد هنا إلا بالقبض أو من النقل، بناء على الكشف، فإن الإجازة إذا
كانت جزء الناقل في العقد الفضولي مع حصول النقل من حين العقد،
فبالقبض أولى بأن يكون جزء للناقل، إذ لم يقل أحد بكون القبض كاشفا
في بيع الصرف والسلم.
وبالجملة فالاعتبار على القدرة على التسليم بعد تمامية العقد لا فيما
لم يتم، ولهذا لم يعتبرها أحد في الموجب قبل لحوق القبول به،
ولا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده، وفي
المقام أيضا إذا حصل المبيع في يد المشتري صح البيع بلا شبهة.
اشتراط القدرة على التسليم في الرهن
ثم قال: وكذلك الكلام في عقد الرهن، فإن اشتراط القدرة على
التسليم فيه بناء على اشتراط القبض إنما هو من حيث اشتراط القبض،
فلا يجب احرازه حين الرهن ولا العلم بتحققه بعده، فلو رهن فيتعذر
تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثر العقد أثره.
اشكال المحقق النائيني (رحمه الله) بما ذكره المصنف والمناقشة فيه
وأشكل عليه شيخنا الأستاذ (رحمه الله) (1) بما حاصل كلامه، بأنه لا فرق بين
عقد الصرف والسلم والرهن وسائر العقود، لأن القبض وإن كان شرطا
في هذه العقود الثلاثة دون غيرها، إلا أنه ليس جزء للسبب الناقل،

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 488.
581

وليس حكمه حكم القبول كما ذكره المصنف (رحمه الله)، وإنما هو شرط
للملكية في باب الصرف والسلم، وأما الالزام والالتزام العقدي فقد
تحقق بنفس العقد، ولذا اختار المشهور وجوب التقابض كما سيأتي في
خيار المجلس.
ثم ذكر في صدر كلامه بما حاصله، من أنه لا وجه لقياس الصرف
والسلم وعقد الرهن وغيرها مما يشترط فيه تأخير التسليم بالعقد
الفضولي، فإن اشتراط تأخير الثمن مدة معينة بحيث لا يجب التسليم مدة
مع تمامية أركان العقد من جهة الاشتراط فيدخل تحت ضابط الخيارات
الزمانية، وهذا بخلاف العقد الفضولي، فإن التسليم لا يجب لا للفضولي
ولا لغيره، أما للفضولي لعدم ارتباط العقد به كما ذكرناه، من أن شرط
وجوب التسليم إنما لكونه مالكا فالفضولي غير مخاطب بالتسليم، وأما
المالك لعدم استناد العقد إليه قبل الإجازة، فلا وجه لقياس الإجازة
بالقبض ونحوه.
ومحصل كلامه يرجع إلى المطلبين: أحدهما: انكار قياس الإجازة
في الفضولي بمسألة القبض، إذ القبض في العقود الثلاثة من الشرائط
والإجازة من الأسباب المقومة قبل تمامية أركان العقد، والثاني: وجوب
التقابض.
ثم ذكر: نعم لو كان القبض جزء للعقد كما هو المحتمل في عقد
الرهن، فالعجز عن التسليم لا أثر له، لأنه بعد حصول التسليم لا أثر له
وقبله لا عقد.
أقول: أما ما أفاده من عدم صحة قياس الإجازة بالقبض فمتين جدا،
لما عرفت من أن القدرة على التسليم ليست معتبرة في العقد الفضولي،
أما بالنسبة إلى الفضولي فلكونه أجنبيا عن العقد، وأما بالنسبة إلى
582

الأصيل فلعدم تحقق العقد وتماميته إلا بعد الإجازة، لكونها جزءا مقوما
للعقد، والفرض أن الإجازة لم تتحقق بعد العقد، وهذا بخلاف ما يعتبر
فيه القبض، فإن العقد أي الالزام والالتزام قد تم من المتعاقدين، وإنما
القبض من شرائط الملكية في الصرف والسلم، فهذا كله لا شبهة فيه.
وأما ما أفاده من كون القبض واجبا في بيع الصرف والسلم، فلا يمكن
المساعدة عليه، فما أفاده المصنف بحسب المدعى صحيح، ولكن ما
أفاده من دليله، من قياس القبض بالإجازة ليس بصحيح كما عرفت، بل
الوجه في عدم وجوب التسليم والقبض في الصرف والسلم هو أن دليل
وجوب القبض إما الملكية الحاصلة بالعقد كما يقوله الأكثر، أو الأمر
بوجوب الوفاء بالعقد.
أما الأول فهي مشروطة بالقبض والاقباض، فما لم يحصل التقابض
لم يحصل الملكية، فضلا عن أن يجب الاقباض لكونه ملكا للغير،
فلا يكون محكوما بوجوب الدفع ما لم يتم شرط الملكية، كما لا يخفى.
وأما الثاني، وهو وجوب الوفاء بالعقد، ففيه أولا: أنه يجب الوفاء
بالعقد في غير العقود الفاسدة، أي العقود التي حصلت شرائط الصحة
وأمضاه الشارع، وأما فيما كانت فاسدة فلا وجه للتمسك به، فبيع
الصرف والسلم مع قطع النظر عن القبض ليس بصحيح فكيف يجوز
التمسك ب‍ أوفوا بالعقود (1)، وأما ثانيا: إن دليل الوفاء إنما بوجوب لزوم
العقد لكونه ارشادا إلى أنه لا ينحل، وأما وجوب التسليم فهو من
الأحكام المترتبة عليه بعد تحقق العقد، فلا يمكن اثباته ب‍ أوفوا بالعقود
كما لا يخفى، وهذا واضح جدا.

1 - المائدة: 1.
583

والعجب من شيخنا الأستاذ (1) حيث استدل على وجوب القبض بقوله
(عليه السلام): إذا نزا حائطا فانز معه (2)، وذلك فإنه ناظر إلى أن بقاء البيع
مشروط بعدم التفرق وبتحقق القبض والاقباض، فلا دلالة فيها على
الوجوب وايجاد موضوع وجوب الوفاء بالعقد وايجاد موضوع الملكية
كما لا يخفى، بحيث إنه إذا أراد البايع أن يمشي يجب للمشتري أيضا
ذلك، مثلا إذا كان أحد الطرف في معاملة الصرف والسلم المجتهد فنزا
البايع الحائط فلا بد أن ينز آية الله على الحائط.
وبالجملة أن العقود الثلاثة: الصرف والسلم والرهن، فالقبض فيها من
الشرائط فإن تحقق تم العقد فلا غرر بوجه، لعدم كون المعاملة بعد
القبض والاقباض خطرية، ولا من بيع ما ليس عنده وإن لم يحصل
القبض والاقباض، فأيضا ليس هنا غرر وبيع ما ليس عنده لفساد
المعاملة بعدم تحقق القبض.
المناقشة في القول بعدم شرطية القدرة على التسليم في أصل صحة البيع
قوله (رحمه الله): ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي.
أقول: هو المعاصر للمحقق الثاني، وقد حكي عنه أنه قال في ايضاح
النافع: أن القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط، لا أنها شرط في
أصل صحة البيع، فلو قدر على التسليم صح البيع وإن لم يكن البايع قادرا
عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البايع من التسليم جاز

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 488.
2 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب
فلا تفارقه حتى تأخذ منه، وإن نزا حائطا فانز معه (التهذيب 7: 98، الإستبصار 3: 93)،
صحيحة.
584

وينتقل إليه ولا يرجع على البايع لعدم القدرة، نعم إذا لم يكن المبيع من
شأنه أن يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع، لأنه في معنى أكل
المال بالباطل.
أقول: هذا الفاضل وإن أجاد في أصل المسألة، لما ذكرنا من عدم
الدليل على اعتبار القدرة على التسليم في البيع، ولكن لا يمكن المساعدة
عليه في الكبرى الكلية التي أفادها، من أن المشتري لو رضي بالابتياع مع
علمه بعدم تمكن البايع من التسليم جاز، وذلك لأن هذه الكبرى منقوضة
ببيع العبد الآبق مع الضميمة حيث ورد النص بعدم صحة بيعه بدون
الضميمة حتى مع رضاية المشتري بل يحكم ببطلانه كما لا يخفى.
القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع
قوله (رحمه الله): ثم إن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين أن القدرة على التسليم
ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع.
أقول: قد عرفت فيما تقدم أن القدرة بما هي ليست لها موضوعية، بل
الغرض من اشتراطها في البيع البناء على وصول العوضين إلى المتبايعين.
وعلى هذا فلو قدر المشتري على التسليم دون البايع كفي في الصحة
كما هو المشهور، مثلا لو وقع عباء أحد في الكوفة على الشط فهو
لا يقدر على السباحة وباعه من شخص يقدر عليها بأنه حينئذ صح البيع
لحصول الغرض، فلا يضر عدم قدرة البايع على السباحة، وكذلك لو
لم يقدر كل من المتبايعين على التسليم والتسلم ولكن يوثق بحصوله في
يد المشتري للاطمئنان عليه، كالطيور التي تذهب صباحا وترجع مساء،
فإن العادة قاضية برجوعها وإن لم يقدر المتبايعين على الأخذ بدون
الرجوع.
585

وعن نهاية الإحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال على
التسليم، فإن عود الطائر غير موثوق به لعدم العقل له ليبعثه على الرجوع.
وفيه أولا: أنه لو كان له عقل لما رجع إلى الحبس أصلا، فعدم العقل
باعثة إلى الرجوع.
وثانيا: أنه لا وجه لبطلان بيعه حتى مع اعتبار القدرة على التسليم، فإن
دليل الاشتراط إنما هو نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر (1)، وقوله (عليه السلام):
لا تبع ما ليس عندك، فكلا الوجهين لا يشملان المورد.
أما النهي عن بيع الغرر فلأنه لا خطر في المقام، فإنه إنما يتحقق مع
عدم بذل العوض أو المعوض بحيث يذهب مال أحدهما هدرا وليس
كذلك هنا، فإنه يطمئن بالرجوع فإن رجع فيأخذ المثمن وإن لم يرجع
فيأخذ الثمن وفسد البيع، فأي خطر يتوجه على المعاملة.
وأما قوله (عليه السلام): لا تبع ما ليس عندك أي لا تقدر على التسلط منه،
بناء على كون العند بمعنى الجامع دون الملكية، فلعدم صدقة هنا أيضا،
فإنه مع الاطمينان بالرجوع لا يصدق أنه من موارد بيع ما ليس عنده وإلا
لما صح بيع الغائب أصلا.
لو تعذر التسليم والتسلم إلا بعد مدة
ثم لو تعذر التسليم والتسلم إلا بعد مدة، فإن كانت هذه المدة مما
يتسامح فيها، كساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين، فلا اشكال في الصحة،
كما إذا باع جوهرا وكان في صندوق مقفل وكان المفتاح عند شخص
لا يحضر إلا بعد ساعة أو يوم ونحوهما، فإن هذه المدة مما يتسامح

1 - عيون الأخبار 2: 45، بإسناده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، عنه الوسائل
17: 448، ضعيفة لجهالة أكثر رواتها.
586

عرفا، فلا يصدق على هذه المعاملة أنها غررية لعدم الخطر هنا بوجه
بحيث يذهب مال المشتري هدرا وصار معدوما، بل يحصل له بعد مدة
قليلة، والفرض أنهما عالمان بخصوصيات العوضين لئلا يكون جهل من
جهة أخرى.
وكذلك ليس هذا من قبيل بيع ما لا يتسلط على تسليمه، لأن الفرض
أنه قادر عليه كما لا يخفى، والنبوي ينصرف عن مثل ذلك.
ولو تعذر التسليم، بناء على كونه شرط في البيع إلا بعد مدة لا يتسامح
فيها كسنة أو أزيد، فهي على قسمين: الأول: أن يكون المدة مضبوطة
ومقدرة، والثاني: أن لا تكون مضبوطة.
أما الأول، فتارة يكون المتبايعان عالمين بالحال وأخرى يكونان
جاهلين بالحال، فعلى الأول، فجعل المصنف فيه وجهان ولم يبين ما هو
الأقوى في نظره.
ولكن الظاهر هو الصحة، بناء على اعتبار القدرة على التسليم في
البيع، وذلك لأن دليل الاعتبار أما دليل نفي الغرر في البيع، فهو لا يشمل
المقام، فإنه بمعنى الخطر والخطر بمعنى احتمال الهلاكة، ففي صورة
العلم بالواقع والتعذر إلى مدة معينة كقدوم الحاج ونحوه فلا خطر
بوجه، إذ هو متقوم بالجهل والغفلة على ما ذكره المصنف، و المشتري
إنما أقدم عليه مع العلم بالحال، فأي خطر هنا.
وأما النهي عن بيع ما ليس عنده فلأنه مع العلم أقدم عليه، فالمقام في
قوة اشتراط تأخير التسليم لفرض علم المتبايعين بالحال، ومع ذلك
فلا يكون عدم القدرة على التسليم إلى المدة المضبوطة مضرا في البيع،
كما لا يضر مع اشتراط التأخير كما لا يخفى، وبالجملة أن البيع هنا
صحيح بلا شبهة.
587

وأما في صورة الجهل بالمدة المذكورة، فذكر المصنف صحة البيع
مع الخيار للمشتري لفوات منفعة العين في المدة المذكورة.
ولكن الظاهر هو عدم الصحة، وذلك فإن كلا الدليلين أي النبويين
شاملان للمقام، أما النبوي الأول فلتحقق الغرر أي الخطر فإن عدم
وصول المبيع مثلا إلى المشتري في هذه المدة وانتفاء المنافع كسنة
خطر على المشتري، فيكون من أوضح موارد بيع الغرر فيفسد، بناء على
اعتبار الشرط وكون النبوي دليلا في المقام، وأما النبوي الثاني فلأن
البايع غير مسلط على التسليم في هذه المدة، فيكون هو أيضا شاملا
للمورد، ولا يقاس ذلك بصورة العلم، فإنه وإن كان أيضا غير قادر على
التسليم في المدة ولكنه قلنا بخروجه عن تحته من جهة كونه في قوة
الاشتراط، أي اشتراط تأخير المثمن فلا يضر بالصحة، وهذا بخلاف
المقام.
وعلى هذا فلا وجه لما زعمه المصنف، من كون المعاملة في صورة
الجهل صحيحة مع كون المشتري على خيار فيه.
ومن هنا ظهر حكم صورة كون المدة مجهولة وغير مضبوطة، وهذا
كبيع العبد المنفذ إلى هند لقضاء حاجة لا يعلم وقت رجوعه، فلا وجه
لما ذكره المصنف هنا من الاشكال، كما لا وجه لما جعله من الفرق بين
هذه الصور، حيث استشكل في صحة البيع وصورة الجهل بالمدة مع
كونها مضبوطة حيث حكم بالصحة مع الخيار.
إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين لا القدرة الواقعية
قوله (رحمه الله): ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين، لأن الغرر لا يندفع
بمجرد القدرة الواقعية.
588

أقول: الصور المتصورة في المقام أربعة: علم المتبايعين بالقدرة مع
وجود القدرة الواقعية وعلمهما بالعجز، مع العجز عن التسليم في
الواقع، وعلمهما بعدم القدرة مع وجود القدرة في الواقع، وعلمهما مع
عدم القدرة في الواقع.
أما الصورة الأولى، فلا شبهة في الصحة، لوجود القدرة على التسليم
في الواقع وعلمهما، فلا غرر ولا أنه من بيع ما ليس عنده.
وأما الصورة الثانية، فلا شبهة في عدم صحته لكونها من أوضح أفراد
الغرر المنهي عن البيع ومن قبيل بيع ما ليس عنده، وإنما الكلام في
الصورتين الأخيرتين.
أما الثالثة، فهي ما كان المتبايعان عالمين بعدم القدرة، ولكن كان في
الواقع عاجزين عن التسليم أو أحدهما عاجزا عنه، وعلى أن دليل
الاعتبار هو دليل نفي الغرر فلا شبهة في فساد المعاملة، إذ الغرر هو
الخطر والخطر بمعنى احتمال الخطر فهو موجود في المتبايعين أو في
أحدهما بالوجدان، فهو ليس تابعا بالواقع، قد عرفت أن المصنف قال
باعتبار الجهل والغفلة في مفهوم الغرر، فهو متحقق فيما نحن فيه كما
لا يخفى، فتكون المعاملة خطرية فتبطل.
وإن كان الدليل هو النهي عن بيع ما ليس عنده فلا يحكم بفساد
المعاملة، لعدم شموله لما نحن فيه، فإنه ليس من بيع ما ليس عنده بل هو
مسلط على التسليم وقادر عليه، غاية الأمر غير ملتفت بذلك.
وأما إذا كانا في الظاهر عالمين بالقدرة، وكانا في الواقع غير قادرين أو
أحدهما قادر والآخر غير قادر، فالظاهر فساد المعاملة على كلا
الدليلين، فإنه إن كان الدليل هو نفي الغرر فلا شبهة في كون المعاملة
غررية.
589

وذلك فإن المتبايعين وإن كانا عالمين بالقدرة على التسليم وكان
مقتضى ذلك الحكم بعدم الغرر، لما عرفت من اعتبار الجهل في مفهوم
الغرر، ولكن عرفت سابقا أن احتمال الخطر والهلاكة ليس موضوعا
للحكم، بحيث يكون فساد المعاملة وعدمها دائرا مدار احتمال الخطر
وعدم احتماله، بل أخذه في لسان الدليل من باب كفاية الشارع بأدنى
مرتبة الغرر، لا أنه أي الاحتمال تمام الموضوع في المقام فلا محالة،
فيكون الاحتمال طريقا إلى الواقع وبما أنه طريقا إليه يكون موردا
للحكم.
ومن هنا قلنا فيما تقدم أنه مع القطع بالهلاك فيثبت الغرر بالأولوية،
فإنه إذا ثبت الغرر باحتمال الهلاك وفسدت المعاملة باحتمال الهلاك
وفي صور القطع بالهلاك فأولى بالفساد، مع أنه لو كان موضوع الحكم هو
الاحتمال لما كان وجه لتسرية الحكم إلى القطع بالهلاك، لعدم أخذه في
لسان الدليل.
وأما النبوي الثاني أعني النهي عن بيع ما ليس عنده، فهو أيضا شامل
للمقام، فإنه غير قادر على التسليم وإن كان عالما به في الظاهر، إلا أنه
جهل مركب فلا يفيد بوجه فتكون المعاملة فاسدة.
إذا اعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع
قوله (رحمه الله): ولو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع.
أقول: ذكر المصنف أنه لو باع أحد ما يعتقد تمكنه من تسليمه
كالساعة ونحوها، وتبين عجزه في زمان البيع ولكن تجددت قدرته بعد
البيع صح، وإن لم يتجدد يبطل، ولم يستدل على ذلك بشئ.
والظاهر أنه لا وجه لهذا الكلام، ولا يترقب صدوره من المصنف (رحمه الله)،
590

وذلك لأنه إن كان النظر بدليل نفي الغرر حال العقد وبعدم القدرة على
التسليم كذلك فلا شبهة في فساد البيع، فإنه حين التحقق كان غرريا
لفوات مقدار من المنافع عنه في المدة التي كان عاجزا على التسليم، لما
عرفت من كون الاحتمال طريقا إلى الواقع، وكان هو أيضا في الواقع غير
قادر، فلا يجديه العلم بالقدرة حال العقد لكونه جهلا، وكذلك أنه ليس
قادرا على التسليم، بأن علمه بذلك في الظاهر لا يوجب قدرة على
التسليم مع كونه جهلا مركبا، وتجدد القدرة بعد زمان لا يوجب انقلاب
العقد الفاسد إلى الصحيح، لأن الشئ لا ينقلب عما هو عليه.
وإن كان النظر إلى العلم بالقدرة في الظاهر وقلنا بكونه مجزيا في البيع
من غير توجه إلى الواقع وأنه يحصل به القدرة على التسليم، فلا شبهة في
صحة المعاملة، وكيف كان لا نرى وجها للتفصيل في المقام كما
لا يخفى، فافهم.
وبعبارة أخرى إن كان النظر في هذا الفرع إلى الظاهر، فلا شبهة في
تحقق الشرط فيكون البيع صحيحا، وإن كان النظر إلى الواقع فلا شبهة
في تحقق عدم الشرط فيكون العقد باطلا، من غير فرق بين كون الدليل
أي من النبويين، كما لا يخفى.
البحث عن القدرة على التسليم في الوكيل
قوله (رحمه الله): ثم لا اشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا.
أقول: قد عرفت بما لا مزيد عليه، أن المعتبر في البيع هو العلم
بالقدرة على التسليم، وأن المانع عنه هو احتمال العجز عن التسليم،
وإنما كان القطع بالعجز عن التسليم مانعا من باب الأولوية والفحوى
لا بدلالة النبوي منطوقا، لعدم الغرر في صورة العلم بالعجز.
591

وأما الكلام فيما إذا كان البيع صادرا عن غير المالك بأن كان وكيلا عنه
في ذلك، فهو تارة يكون وكيلا في اجراء العقد فقط، فلا يعتبر فيه قدرته
على التسليم ولا أن عجزه مانع عن البيع، بل هو وكيل في العقد واجراء
الصيغة فقط، بل لا يعتبر علمه بخصوصيات المبيع كما لا يعتبر في
النكاح أن يعرف الزوجين وفي الطلاق لا يعتبر علمه بالخصوصيات، بل
يجري الصيغة بدلا عن الموكل بلا احتياج إلى شئ أصلا، وإنما
الشرائط كلها معتبرة في العوضين والناكح والمنكوح والمطلق
والمطلقة، والحاصل لا عبرة بقدرة العاقد وعجزه، كما لا عبرة بعلمه
وجهله بشرائط طلاق زوجة موكله.
وبالجملة أن مجري العقد ليس له إلا التصدي والمباشرة باجراء
صيغة العقد فقط، وأما الزائد عن ذلك فلا يرجع إليه أصلا.
وأما الوكيل المفوض، فلا شبهة في كفاية قدرته، لعدم الغرر مع ذلك
وعدم كون بيعه من بيع ما ليس عنده، وأما كفاية قدرة موكله مع عجز
الوكيل فهو وجهان، والظاهر هو كفايته، وذلك من جهة أن القدرة وإن
كانت معتبرة في العاقد وكان الوكيل عاجزا عنه، ولكن الوكيل حيث كان
بدلا تنزيليا للموكل وفي منزلته كفي قدرة الموكل في صحة اعتبار
الشرط المذكور في العقد، ومن لو عرض للوكيل شئ وصار عاجزا عن
انهاء الشرائط المعتبرة في المعاملة أو في أفعاله الأخر لكان الوكيل
مسؤولا في ذلك ويراجع إليه في تتميم هذا الشرط.
نعم يعتبر في ذلك علم المشتري بقدرة الموكل على التسليم وإلا
فتكون المعاملة غررية، لما عرفت من أن الغرر بمعنى الخطر وهو
متحقق مع جهل المشتري بقدرة الموكل على التسليم مع كونه عالما
بعجز الوكيل، إلا أن يكون الدليل على الاعتبار منحصرا بنهي النبي (صلى الله عليه وآله)
592

عن بيع ما ليس عنده، فإنه حينئذ يحكم بصحة البيع، لعدم صدق بيع ما
ليس عنده على ذلك مع قدرة الموكل على التسليم، فإن البيع بيع واحد له
ولوكيله وما لوكيله له.
ومن هنا ظهر أن ما في كلام شيخنا الأستاذ (1) من الحكم بالصحة من غير
فرق بين علم المشتري على قدرة الموكل وجهله بها في غير محله.
الاشكال في صحة بيع الفضولي من جهة القدرة على التسليم والمناقشة فيه
وربما يقال (2) بتقييد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم
الموكل ورضي المالك برجوع المشتري عليه، فبدونهما لا يمكن
الالتزام بالصحة وأن الأمر مفوض إلى الوكيل.
وبعبارة أخرى أن المعتبر في المعاملة اعتبار قدرة المتبايعين على
التسليم، وهما الوكيل من قبل البايع والمشتري، وبما أن الوكيل بدل
تنزيلي للموكل فيكفي قدرته أيضا في صحة البيع، ولكن لا مطلقا بل إذا
رضي المشتري أن يرجع إلى الموكل ورضي الموكل أن يرجع
المشتري إليه وإلا فلا وجه للصحة، إذ للمشتري أن يقول بأني ما
عاملت مع المالك وإنما عاملت معك وأنت المخاطب بالتسليم، وهكذا
للمالك أن يتكلم بمثل ذلك.
ثم رتب على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي، لأن التسليم
المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الإجازة، لكونه أجنبيا عن العقد وإنما
هو فضولي محض واسمه مطابق مع المسمى، وأما قدرة المالك فإنما
تؤثر لو بنى العقد عليها وكان المالك راضيا برجوع المشتري إليه وكان

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 490.
2 - راجع جواهر الكلام 22: 392 - 393.
593

المشتري راضيا بالرجوع إلى المالك، وحصل التراض منهما على العقد
حال البيع، لعدم كفاية قدرة الإذن في صحة بيع المأذون إلا مع الشرط
المذكور كما لا يخفى، والفرض أنه لم يتحقق في الفضولي، والبناء على
القدرة الواقعية غير مفيد إذ الشرط هي القدرة المعلومة.
والحاصل أنه يعتبر في صحة بيع الفضولي رضاية المشتري برجوعه
إلى المالك ورضاية المالك برجوع المشتري إليه، وقدرة البايع على
التسليم أما الشرط الأول فغير متحقق لعدم البناء على ذلك، وأما الشرط
الثاني فكذلك أيضا، إذ لعدم كون الفضولي قادرا على ذلك، لخروجه عن
حدود العقد، وقدرة المالك لم تنفع لعدم كونها مؤثرة في ذلك بل تؤثر
مع البناء المذكور.
وبعبارة أخرى أن القدرة قبل الإجازة لم توجد وبعدها إن وجدت
لم تنفع، والحاصل أنه أنكر صحة الفضولي بهذا الاشكال المختصر.
ثم أورد على نفسه بأنه يمكن الوثوق بقدرة الفضولي على التسليم، بأن
يحصل رضاية المالك على ذلك، لعدم رد المالك كلامه لصداقة بينهما،
وأنه لا يخرج عن رأيه فتحقق للفضولي بذلك قدرة على التسليم حال
العقد.
ثم أجاب عنه بوجهين:
أولا: بأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الإذن
للبيع، غاية الأمر إنما يكون حصول ذلك بالفحوى وشاهد الحال
فلا يتوقف صحته على الإجازة.
وثانيا: بأنه لو سلمنا بقاءه على الصفة، فظاهر أن القائلين بصحة
الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض.
وقال المصنف: وفيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثم في تفريع
594

الفضولي، ثم في الاعتراض الذي ذكره، ثم في الجواب عنه أولا وثانيا
تأمل بل نظر، فتدبر.
أقول: أما ما ذكره من مبني مسألة الفضولي، من اعتبار رضا كل من
الموكل والمشتري في الرجوع إلى الآخر، فاسد في نفس هذه المسألة،
لعدم الدليل عليه، وإنما المانع عن صحة البيع هو الغرر وعجز البايع عن
التسليم.
ومن الواضح أنه يكفي قدرة المالك على التسليم مع رضا المشتري بها
كما عرفت، لعدم الغرر ولا كونه من بيع ما ليس عنده، ومع ذلك فاعتبار
أمر آخر هنا، وهو رضاية كل من المالك الموكل والمشتري بالرجوع
إلى الآخر تخرص إلى الغيب، وقد عرفت أن قدرة الموكل يكفي في
صحة بيع الوكيل، لكونه نازلا منزلة الموكل وأن فعله فعل الموكل كما
لا يخفى.
وعلى تقدير تسليم الاشكال في بيع الوكيل فلا تسلم كونه مبني
لبطلان بيع الفضول وتفريعه عليه، وذلك لما عرفت من خروج الفضولي
عن حدود البيع، وإنما هو فضولي محض، فلا وجه لاعتبار قدرته على
التسليم في البيع، وأن اعتبار قدرته عليه كاعتبار قدرة الجار على ذلك،
وأن حاله حال الوكيل في اجراء الصيغة بل أسوء منه، فهل يتوهم أحد
اعتبار قدرة مجري العقد على التسليم في صحة العقد.
والحاصل أن الفضولي خارج عن باب العجز عن التسليم تخصصا،
وهو أسوء حالا من الوكيل في اجراء الصيغة الذي لا شبهة في أن قدرته
وعجزه لا أثر له، فإنه لا يرتبط به العقد حتى يكون عجزه موجبا لبطلان
العقد كما هو واضح، والحاصل بناء على صحة المبنى فلا وجه للتفريع.
وأما الاعتراض، فلو سلمنا المبنى، وسلمنا أيضا تفريع بطلان
595

الفضولي عليه، ولكن الاعتراض الذي أورده على نفسه لا وجه له مع قطع
النظر عما أجابه عن الاعتراض، وذلك:
أولا: ما عرفت من كون الفضولي خارجا عن العقد، وأن البيع إنما
يكون إما لغوا محضا مع عدم الإجازة أو بيعا للمالك مع الإجازة، فالمناط
في القدرة المعتبرة في صحة العقد هو قدرة المالك المجيز لا قدرة
شخص آخر، وأن اعتبار قدرة الفضولي في ذلك كاعتبار قدرة الأجانب
في ذلك العقد.
وثانيا: أن مجرد وثوق الفضولي بارضاء المالك لا يوجب قدرة
الفضولي على التسليم المعتبر حال العقد، والذي اعتبرناه في المبنى ثم
رتب عليه التفريع هو رضا كل من الموكل والمشتري بالرجوع إلى
الآخر، وليس في البين رضاء من المشتري بتسليم المجيز ولا رضاء من
المالك برجوع المشتري إليه، فلا محل لهذا الاعتراض.
وعلى تقدير ورود الاعتراض فجوابه أولا بخروجه على هذا عن
الفضولي غير تمام، لما عرفت سابقا من عدم كفاية الرضاء المقارن في
خروج العقد عن الفضولية، بل لا بد في الخروج من الإذن السابق أو
الإجازة اللاحقة أو الوكالة، وعلى تقدير الكفاية فليس هنا رضاء المقارن
أيضا، لعدم كون المالك راضيا بذلك بالفعل بل الفضولي يثق من نفسه
بالمالك أن يرضى بذلك ولا يخرج عن رأيه، ومن الواضح أنه أمر متأخر
لا فعلي كما لا يخفى.
وأما الجواب الثاني، بأنه على تقدير التمامية لا يعم جميع أفراد
الفضولي وكونه أخص من المدعى فلا يرد عليه اعتراض، فلا وجه لنظر
المصنف في جميع ذلك وقوله: وفي جوابه أولا وثانيا، ولعله نظرا في
غير الجواب الثاني، ومراد ثم في الجواب أولا وثانيا رجوع النظر إلى
الجواب أيضا وإن كان بعضه تماما، والله العالم.
596

1 - الكلام في بيع الآبق منفردا
قوله (رحمه الله): مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا على المشهور بين علمائنا.
أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة:
الأمر الأول: المناط في تحقق الغرر
ذكر المصنف في آخر الكلام أن الغرر المنفي في حديث نفي الغرر
كما تقدم هو ما كان غررا في نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع، ولذا قوينا فيما سلف جريان نفي الغرر في البيع
المشروط تأثيره شرعا بالتسليم.
وحاصل كلامه أن الغرر أمر عرفي كلما تحقق فيوجب فساد المعاملة
للنهي عن بيع الغرري، كما هو الحال في سائر القضايا الحقيقة، وإن لم يتحقق فلا يترتب عليه الحكم، وأما الأحكام الشرعية فغير منوط به،
ولا يقال: إن هذا غرر مع لحاظ حكم الشارع في الموضوع الفلاني أوليس
بغرر مع لحاظ الحكم الفلاني.
ورتب على ذلك بطلان البيع مراعي بالتسليم على خلاف الشهيد في
اللمعة، حيث استقرب الصحة وقال: أن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع
المعتد به صح البيع ولزم وإلا تخير المشتري بين الفسخ والامضاء،
وأفاد المصنف في وجه البطلان أن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض
للبيع الصحيح الذي فرض فيه العجز عن تسلم المبيع، فلا يندفع به الغرر
الثابت عرفا في البيع الذي يوجب بطلانه.
وكذلك رتب عليه بطلان بيع الضال والمجحود والمغصوب
ونحوهما، بدعوى أنه غرري في نظر العرف، فحكم الشارع بانفساخ
597

العقد بالتلف الرافع للغرر لا يرفع الغرر العرفي، لما عرفت من عدم لحاظ
الغرر مع الأحكام الشرعية كما لا يخفى.
أقول: إن الغرر وإن كان من المفاهيم العرفية وأمره تحت نظر العرف
كسائر المفاهيم العرفية، إلا أن تطبيقه على المصاديق ليس منوطا
بنظرهم، وعليه فإذا حكم الشارع في مورد بعدم الغرر أو بوجوده
فلا محذور فيه، ولا يقال: إن العرف لا يراه غررا، كما هو كذلك في كثير
من الموارد، كنفي الربا بين الوالد والولد، ونفي الشك في كثير الشك
وهكذا.
وعلى هذا فلا مانع من الحكم بصحة البيع مراعي بالتسلم نظير بيع
السلم، فإنه إن كان البايع قادرا على التسليم إلى رأس المدة فيحكم
بالصحة فلا خطر، وإن لم يقدر على تسليمه، وأيضا لا غرر لكونه باطلا
من أصله.
وبالجملة فحكم الشارع بالانفساخ مع تعذر التسليم الذي هو في
حكم التلف قبل القبض رافع للغرر، فلا وجه لما أفاده المصنف من كون
الغرر أمرا عرفيا غير مربوط بحكم الشارع وغير ملحوظ معه.
وبعبارة أخرى عدم القدرة على التسليم هنا كتلف المبيع قبل القبض
في سائر الموارد، فكما أنه ليس غرر في الثاني وكذلك في الأول، كما
لا يخفى.
وأما بيع المجحود والضال والمغصوب، فإن كان تسليمها مرجوعا
في مدة مضبوطة فلا شبهة في صحة المعاملة لعدم الغرر فيها، بناء على
تمامية دليل نفي الغرر، وحينئذ إذا تمت المدة فإن حصل تمكن فيها
وإلا فيحكم بالبطلان للانفساخ، فأيضا لا غرر، وتوهم غررية البيع في
مدة عدم الوصول إلى المبيع فاسد، لاقدام المشتري في ذلك الوقت
على الضرر.
598

وكذلك الكلام إذا كان مشكوك الحصول للمتبايعين إلى مدة معينة
ولكن في المدة يكون أمره منجزا، فإنه إما يرجع قطعا أو لا يرجع قطعا،
فعلى كل حال لا غرر فيه، فإنه إن حصل صح البيع فلا خطر وإن لم يحصل فيبطل البيع أيضا فلا خطر.
بل الأمر كذلك في صورة علم المتبايعين بعدم الرجوع ولكن إلى مدة
معينة، ثم بعد ذلك فإما يرجع قطعا أو لا يرجع قطعا، وكذلك لو علما
بعدم الوصول إليه ولكن كان نظر المشتري من الاشتراء الانتفاع بعتقه،
فإنه يصح مع العلم بعدم الرجوع لعدم الغرر.
ومن هنا لم يستشكل أحد في صحة بيع العبد المريض من جهة كونه
غرريا لعدم العلم ببرئه وموته، وذلك لأنه يجوز الانتفاع به ما لم يمت
بالعتق فلا غرر.
نعم إذا لم يعلم حصول التمكن إليه في مدة مجهولة فلا يعلم أنه يتمكن
منه في مدة قليلة أو كثيرة، بحيث دار الأمر بين الأقل والأكثر فيحكم
بالبطلان لدليل نفي الغرر، بناء على تماميته، فإن انتفاء المنفعة في مدة
لا يعلم أنها أي مقدار خطر على المشتري.
ومن هنا يعلم أن ما ذهب إليه الشهيد في اللمعة، من صحة البيع فيها إذا
باع مراعى بالتسليم وجيه جدا.
الأمر الثاني: عدم ارتباط مسألة بيع عبد الآبق بمسألة الغرر
إن مسألة بيع عبد الآبق لا يرتبط بمسألة الغرر، فإن الدليل على عدم
جواز بيع العبد الآبق هو النص، وإلا فربما ليس فيه غرر أصلا لجواز
الانتفاع به بالعتق، وعلى هذا فلا وجه لتعليل عدم جواز بيعه بأنه مع
اليأس عن الظفر به بمنزلة التالف ومع احتماله بيع غرري منفي اجماعا
نصا وفتوى.
599

وبالجملة لا يجوز بيع العبد الآبق منفردا مطلقا للنص (1) خلافا
للإسكافي على ما نسب إليه، من تجويزه بيعه إذا يقدر عليه المشتري أو
يضمنه البايع.
وكيف كان فمسألة عدم جواز البيع المجهول للغرر ومسألة عدم
جواز بيع العبد الآبق مسألتان لا يرتبط أحدهما بالآخر، ولا وجه لتعليل
بطلان بيع الآبق ببطلان البيع الغرري كما لا يخفى.
وعلى هذا لا تنافي في كلامي الشهيد في اللمعة والعلامة في التذكرة،
قال الشهيد في اللمعة: لا يجوز جعل العبد الآبق مثمنا، وجزم به، ثم
تردد في جعله ثمنا، وإن قرب أخيرا المنع مع الانفراد، ثم حكم بجواز
بيع الضال والمجحود.
وقال العلامة في التذكرة نظير ذلك، حيث ادعى أولا الاجماع على
اشتراط القدرة على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرري، ثم قال:
والمشهور بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفردا، وقال بعض علمائنا
بالجواز، وحكاه عن بعض العامة أيضا، ثم ذكر الضال ولم يحتمل فيه إلا
جواز البيع منفردا أو اشتراط الضميمة.

1 - عن رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أيصلح لي أن أشتري من القوم
الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا
أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما، فإن ذلك
جائز (الكافي 5: 194، التهذيب 7: 124، عنهما الوسائل 17: 353)، صحيحة.
عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال: لا يصلح
إلا أن يشتري معه شيئا آخر، ويقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا درهما، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه 3: 142،
الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353)، موثقة.
600

وذكر المصنف (رحمه الله): فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر،
والتوجيه يحتاج إلى تأمل.
ووجه التنافي عنده أنه لا يجتمع دعوى الاجماع على اشتراط القدرة
على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرري، مع دعوى الشهرة على
عدم جواز بيع الآبق منفردا، مع أنه أيضا غرري، فلا بد من دعوى
الاجماع عليه، وكذلك لا يجتمع ذلك مع دعوى جواز بيع الضال مع أنه
مثل الآبق.
والحاصل أن الضال مثل الآبق، فلا بد من دعوى الشهرة على عدم
جواز بيعهما، وبيع الآبق غرري فلا بد من دعوى الاجماع على بطلان
بيعه أيضا.
أقول: وقد ظهر مما ذكرناه من الفرق بين المسألتين عدم التنافي بين
جميع هذه الفروع أصلا، فإن حكم الشهيد ببطلان بيع الآبق وجعله مثمنا
لورود النص فيه، وتردده في الثمن من جهة احتمال اختصاصه بالمثمن
كما هو الظاهر من النص: لا يجوز اشتراء العبد الآبق، وحكمه بجواز
بيع الضال جزما فلخروجه عن مورد النص قطعا لعدم وروده فيه أصلا،
وكذلك دعوى العلامة الاجماع، وإنما هو في بيع الغرر الذي هو غير بيع
العبد الآبق، ودعوى الشهرة في بيع العبد الآبق وتجويز البيع في الضال
الخارج عنهما جزما هو واضح، فلا تنافي.
ومن هنا ظهر اشكال ما في حكم المصنف، بعدم جواز جعل العبد
الآبق ثمنا كما لا يجوز جعله مثمنا لاشتراكهما في الأدلة.
نعم يمكن استفادة عدم الجواز، من التعليل بقوله (عليه السلام): إن لم يقدر
601

المشتري عليه فكان ما أخذه مكان ما نقده (1)، فإنه يشمل الثمن أيضا،
كما أنه يشمل الضال أيضا.
الأمر الثالث: اعتبار القدرة على التسليم في الصلح
إذا اعتبرنا القدرة على التسليم في البيع، فهل يلحق به الصلح وجوه:
1 - عدم الاعتبار مطلقا لكونه مبنيا على المساهلة والتوسعة، فلا يضر
فيه الجهل بالعوضين، على أن دليل الغرر مخصوص بالبيع فلا يجري في
غيره.
2 - اعتبار الشرط المذكور في الصلح، بل في جميع العقود
المعاوضية، فدليل نفي الغرر وإن ورد في البيع ولكنه لا خصوصية فيه،
حتى أن الفقهاء يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن العقود
المعاوضية كالإجارة والجعالة والمزرعة وغيرها، بل أرسل العلامة في
التذكرة على ما نسب إليه المصنف في الخيارات أنه نهى عن الغرر.
3 - التفصيل بينما يكون البناء فيه على التسامح كما في الصلح
المحاباتي، فيحكم بعدم اعتبار الشرط المذكور فيه لعدم الغرر فيه بعد ما
كان الغرر ايصال المال إلى المصالح له وعدم كون أخذ العوض محط نظر
أصلا، فلو صالح جميع أمواله لزيد في مقابل درهم وكان فيه فرس شارد
لا يضر بصحة الصلح لعدم الغرر فيه أصلا، وبين ما لم يكن كذلك كما هو
المرسوم في السوق كثيرا، حيث يعاملون بلسان الصلح في معاوضاتهم

1 - عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال:
لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر، ويقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا
درهما، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه
3: 142، الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353)، موثقة.
602

وهو في الحقيقة بيع بلسان الصلح، وقد اعتبروا الشرط المذكور هنا
لكونه بيعا، فإن البيع هو مبادلة مال بمال وهو صادق عليه، كما تقدم في
أول البيع.
أقول: إن كان مدرك الاشتراط الاجماع على الاشتراط وعدم جواز بيع
ما لا يقدر البايع على تسليمه، فلا يجري في غير البيع، فإنه دليل لبي
فلا بد من أخذ المقدار المتيقن وهو البيع، وإن كان دليله هو نفي الغرر أو
لا تبع ما ليس عندك، فيجري ذلك في القسم الثاني من الصلح لعدم
الخصوصية للبيع، فإن الفرض هو نفي الغرر وله خصوصية لا للبيع، على
أن القسم الثاني من الصلح بيع لأنه تبديل بين الشيئين وهو صادق عليه،
فإن نتيجة التبديل بين الشيئين الذي هو حصول المال للمتعاوضين
حاصل هنا أيضا.
ولكن قد عرفت عدم تمامية دليل نفي الغرر لضعف السند، وعدم
تمامية: لا تبع ما ليس عندك، من جهة عدم تمامية دلالته، فلا يبقى
دليل على اعتبار الشرط المذكور في البيع فضلا عن الصلح.
الكلام في بيع العبد الآبق وتعميمه إلى موارد أخرى
وعلى هذا فلا بد من التكلم في مسألة العبد الآبق الذي ورد فيه نص،
حتى نلاحظ أنه يمكن استفادة حكم غير العبد الآبق من ذلك أم لا، وإلا
لما كان لخصوص هذه المسألة ثمرة عملية فعلا.
وأما بناء على المشهور، من تمامية اعتبار الشرط بدليل نفي الغرر فبيع
العبد الآبق مع الضميمة تخصيص.
فنقول: إنه لا شبهة في عدم جواز بيع العبد الآبق منفردا لورود النص
عليه إلا مع الضميمة، خلافا لمجموع العامة فإنهم منعوا عن ذلك، فبيعه
603

مع الضميمة تخصيص لعدم جواز بيع ما لا يقدر على تسليمه على مسلك
المشهور، فإن مقتضى القاعدة بطلان البيع ولو جعل مجهول الحصول
جزء المبيع، لأن جعل جزء من الثمن مقابل المجهول غرري.
وأما على مسلكنا، فالحكم الثابت على جواز بيع الآبق مع الضميمة من
الأول مضيق، فيكون عدم جواز بيعه بدون الضميمة تخصيصا
للعمومات، وقد ورد روايتان تدلان على عدم جواز بيع العبد الآبق بدون
الضميمة.
الأولى: صحيحة رفاعة قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أيصلح لي أن
أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا، قال: لا يصلح
شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم
جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما، فإن ذلك جائز (1).
فهذه الرواية مختص بالبيع.
والرواية الثانية موثقة سماعة فهي أوسع منها، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في الرجل قد يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال: لا يصلح إلا أن
يشتري معه شيئا، فيقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا
درهما، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه (2).
فإن ذيل الرواية من التعليل لا يختص بالبيع بل يجري في غيره أيضا
كما لا يخفى.
فمقتضى الروايتين أن بيع العبد الآبق منفردا لا يجوز، مع أن فيه نفعا
وهو الانتفاع به بالعتق، وأما غير العبد الآبق فلا يجوز بيعه بدون الضميمة

1 - الكافي 5: 194، التهذيب 7: 124، عنهما الوسائل 17: 353، صحيحة.
2 - التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه 3: 142، الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353،
موثقة.
604

بطريق أولى إذا تعذر التسليم فيه لعدم النفع له، فيكون الروايتان دليلا
على اعتبار القدرة على التسليم في البيع وغيره من العقود المعاوضية،
كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق من التكلم في دليل الشرط.
وبالجملة فدليل اعتبار القدرة على التسليم هو النص الوارد في عدم
جواز بيع العبد الآبق منفردا، فإنه يدل على عدم الجواز في غيره بدون
الضميمة بالأولوية، وأما مع الضميمة فبمقتضى قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر
كان ما نقده فيما اشترى معه جائزا، فإن المستفاد من ذلك أن المال
لا يذهب في كل مورد كان بيع غير المقدور مع الضميمة، وأن ذلك حكم
بعنوان القضية الحقيقية، وإن كان الثمن صالحا في مقابل الضميمة حكم
كلي.
وعليه فنتعدى بذلك إلى الصلح وجميع العقود المعاوضية عليه، بل
نتعدى بجواز بيع غير الآبق مع الضميمة وما لا يقدر على تسليمه كالفرس
الشارد والإبل الشارد كما عرفت.
ومع الغض عن شمول الرواية على ذلك، فقد عرفت أنه لا دليل على
اعتبار القدرة على التسليم إلا الفحوى من روايتين بيع العبد الآبق مع
الضميمة، ومن الواضح أن الفحوى يجري في صورة الانفراد لا مع
الضميمة، وأما فيه فيتمسك بالعمومات كما لا يخفى.
ولكن لم يلتزموا المشهور بجواز بيع غير العبد الآبق من موارد عدم
القدرة على التسليم مع الضميمة، حتى صرحوا بعدم جواز بيع الفرس
الشارد مع الضميمة، والوجه في ذلك دعوى الاجماع بل النص كما
تقدم من نفي الغرر من المشهور على بطلان بيع ما لا يقدر على تسليمه.
ولكن مجرد عدم التزامهم بذلك لا يوجب الوهن، بعد ما ساعدنا
الدليل على الحكم بالجواز في غير الآبق أيضا مع الضميمة، لشمول
العمومات عليه.
605

2 - الكلام في بيع الآبق مع الضميمة
1 - جواز البيع منوط برجاء رجوع العبد أم لا؟
هل يجوز بيع الآبق مع الضميمة مطلقا، سواء كان رجوع العبد مرجوا
أم غير مرجو، أو لا يجوز إلا إذا كان مرجو الرجوع، فقد اختار المصنف
الثاني، وتبعه شيخنا الأستاذ (1).
وقد استدل المصنف عليه بأن ظاهر السؤال في الرواية الأولى هو
ذلك، حيث قال الراوي: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة
أعطيهم الثمن وأطلبها، فإن الظاهر من كلمة اطلبها أن الوصول إليها
مرجو، وإلا لما كان وجه للطلب، وكذلك ظاهر الجواب في الرواية
الثانية، حيث قال (عليه السلام): فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما
اشتراه معه، فإن الظاهر من كلمة: فإن لم يقدر أن الوصول إليه حين
البيع كان مرجوا وإلا لم يكن وجه لهذا الكلام، ثم قال: إن ذلك هو ظاهر
معاقد الاجماعات المنقولة.
ثم استدل على البطلان في صورة اليأس بوجهين آخرين: الأول: إن
بذل جزء من الثمن في مقابله أكل للمال بالباطل، والثاني: إنه بيع سفهي
وإلا لجاز بيعه مستقلا، فالمانع من استقلاله مانع عن جعله جزءا من الثمن
في مقابله.
أقول: أما قضية لزوم كونه أكلا للمال بالباطل، فقد عرفت أن آية النهي
عن أكل المال بالباطل مختصة بالأسباب الفاسدة كالقمار ونحوه مقابل
الأسباب الصحيحة، فلا تدل على شرائط العوضين، وأما الثاني فقد
عرفت عدم الدليل على بطلان بيع السفهي، بل العمومات بالنسبة إليه

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 492.
606

محكمة، وإنما الدليل على بطلان بيع السفيه، وهو لمحجوريته عن
التصرف، على أنه قد يكون سفهيا، أي فيما كان ما جعله من الثمن في
مقابل العبد زائدا وبالمقدار الواقع في مقابل غير الآبق، وأما إذا كان
بمقدار أربعة فلس فلا سفه فيه، بل ربما يحصل له نفع عظيم من ذلك كما
لا يخفى.
وأما الرواية، فلا مانع من شمول قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر - الخ،
على صورة اليأس أيضا، فإن احتمال الوصول معه باق على حاله،
وكذلك لا مانع من شمول السؤال على ذلك، فإنه لا مانع من المطالبة مع
اليأس لاحتمال الوصول إليه.
وأما القطع بعدم الرجوع، فهل يصح البيع هنا مع الضميمة أم لا؟
الظاهر أنه لا مانع عنه هنا أيضا، وذلك أن قوله (عليه السلام): وإن لم يقدر على
العبد كان ما نقده فيما اشتراه معه، وإن لم يكن شاملا لصورة القطع بعدم
الرجوع.
ولكن الظاهر من الرواية عدم اختصاص الجواز بذلك، فإن الظاهر منها
أن المثمن يقع في مقابل الضميمة، وكذلك كون الضميمة قابلا لأن يقع
في مقابل الثمن ولا يذهب هدرا، فكون الثمن صالحا لأن يقع في مقابل
الضميمة حكم كلي نحو القضية الحقيقية، وإنما سأل السائل عن فرد من
ذلك لا أن الرواية مسوقة لبيان حكم قضية شخصية في مورد خاص
بحيث لا يمكن التعدي منه إلى غيره، ولذا ذكر في السؤال أن الرجل قد
يشتري العبد الآبق.
وبالجملة الظاهر من الرواية أن بيع العبد الآبق مع الضميمة مطلقا
صحيحة، سواء كان رجوعه مرجوا أو لا، بل يصح مع القطع بعدم
الرجوع كما عرفت.
607

2 - اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها مستقلا
أنه يعتبر كون الضميمة مما يصح بيعها مستقلا، لظهور الرواية في
ذلك، فإن قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان ما نقده فيما اشتراه معه، ظاهر
بل صريح في كون الضميمة عما يكون قابلا لأن يقع عليه البيع، فلو
لم يصح بيعه إما لعدم النفع عرفا كالخنفساء والجعلان ونحوهما، أو
لعدم النفع فيه شرعا كالخمر والخنزير والميتة، وأما لكونه مال الغير،
فلا يصح أن يقع ضميمة، فإن ما لا يصح بيعه مستقلا لا يصح بيعه مع
الضميمة أيضا.
3 - اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها منفردا
أن يصح بيعها منفردا، فما لا يصح بيعه كذلك كالعبد الآبق فهل يصح
بيعه أو لا؟ ففيه خلاف، فقد استشكل المصنف فيه، من جهة عدم
شمول الرواية له، وساعده شيخنا الأستاذ (1)، ولكن اختار الأستاذ المنع
من جهة اقتضاء مناسبة الحكم والموضوع ذلك المعنى، فإن ما لا يصح
بيعه مستقلا فكيف يصح مع ضمه بمثله، فلا يفيد انضمام ما لا يصح بيعه
بمثله الحكم بالجواز، بل يكون هو أيضا مثله كما هو واضح.
ولكن ما أدري كيف لاحظوا الرواية حتى حكموا بعدم دلالتها على
ذلك، فإن قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان ما نقده فيما اشترى معه، أقوى
ظهور في الاشتراط، فإن الظاهر منه أنه لا بد وأن يكون هنا شئ يقع
الثمن في مقابله مع عدم القدرة على الوصول إلى الآبق، وإذا كانت
الضميمة أيضا مثله فلا شئ هنا ليقع الثمن في مقابله، فلا يصدق عليه

1 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 495.
608

قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان ما نقده فيما اشترى معه، فإن المستفاد من
الرواية أن ثمنه لا يذهب هدرا، وأما مع كون الضميمة مثل الآبق فيذهب
الثمن هدرا.
وأما إذا كانت الضميمة منفعة، فإن كان الغرض وصول شئ إلى
المشتري بحيث لا يذهب ثمنه هدرا مع عدم التمكن من العبد وكان
صالحا لأن يقع في مقابل الثمن وإن لم يكن ذلك بعنوان البيع، فلا شبهة
في صحة ذلك، وإن كان النظر هو التعبد بالرواية واستفادة حكمه منها
فلا يجوز، فإن الموجود فيها: فإن لم يقدر كان ما نقده فيما اشترى
معه.
ومن الواضح أن الشراء لا يصدق في نقل المنافع، لما عرفت في أول
البيع أن البيع إنما هو لنقل الأعيان فلا يطلق في نقل المنافع، كما أن
الإجازة إنما هو لنقل المنافع فلا تطلق في نقل الأعيان، فكما لا يجوز
بيعها مستقلة فكذلك لا يجوز بيعها منضمة أيضا.
وبالجملة أنه يعتبر في الضميمة أن تكون جائز البيع في نفسها على
انفرادها كما عرفت.
4 - هل ينتقل العبد إلى المشتري من حين البيع؟
ومن جملة ما يقع الكلام فيه أنه هل ينتقل العبد إلى المشتري من حين
البيع، بحيث إذا تلف قبل وصوله إلى المشتري تلف في ملك المشتري،
أو كان البيع مراعي إلى أن يتمكن المشتري منه، فإذا تمكن صح البيع في
المجموع، وإلا تقع المعاوضة بين الضميمة والثمن؟
ظاهر المحكي عن كاشف الرموز هو الثاني، ولكن ظاهر ذيل كلامه هو
الأول كما ذهب إليه المشهور، وهو الأقوى.
609

فإن الظاهر من الرواية: قد يشتري الرجل العبد وهو آبق، قال (عليه السلام):
لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا، فيقول: أشتري منك هذا الشئ
وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر كان الذي نقده فيما اشترى معه (1)، هو
أن البيع والشراء قد تما وتحققا من حين البيع، فإذا لم يقدر المشتري
عليه فيقع الثمن في مقابل الضميمة، فليس فيها اشعار بالتعليق كما هو
واضح، هذا لا شبهة فيه.
نعم لو بقي على إباقه بحيث صار في حكم التالف يكون ذلك من البايع،
بمقتضى قاعدة كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال البايع، كما سيأتي
في أحكام القبض.
وأما قوله (عليه السلام): كان الذي نقده فيما اشترى معه، صريح في صحة
البيع وكون الآبق ملكا للمشتري، فيكون ذهابه منه ومن كيسه، فيكون
هذا المورد تخصيصا للقاعدة المذكورة.
وبالجملة ظاهر الرواية أن التلف إنما هو في ملك المشتري لحصول
البيع من الأول، ولكن كان مقتضاه أن يكون ذاهبا من كيس البايع لقاعدة
كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال بايعه، ولكن ذيل الرواية أثبت
الحكم على خلاف القاعدة تخصيصا لها ودل على كونه ذاهبا من كيس
المشتري كما هو واضح.
بيان آخر لهذا المورد
ولو تلف العبد الآبق قبل اليأس بحصوله، أو كان اليأس في حكم
التلف كما تقدم من المصنف وإن لم نقبله، أو تلف بعد اليأس، فهل يكون

1 - التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه 3: 142، الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353،
موثقة.
610

التلف من البايع بمقتضى القاعدة المتقدمة أو من المشتري؟
فقد استشكل فيه المصنف، ومنشأ الاشكال احتمال شمول قوله
(عليه السلام): فإن لم يقدر عليه كان الذي نقده - الخ، شاملا للموارد
المذكورة، ويكون عدم الظفر على العبد، سواء كان باليأس أو بالتلف قبل
اليأس أو بعده موجبا لوقوع الثمن بإزاء الضميمة، بحيث كان ذلك كفاية
عن عدم استرجاع شئ من الثمن وعدم ضمان البايع له، فيكون تخصيصا
للقاعدة أيضا.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان
الذي نقده فيما اشترى معه، أن المراد من عدم القدرة هي عدم القدرة
من ناحية الإباق، وأما إذا كان عدم القدرة من جهة الموت قبل اليأس
فيكون ذلك داخلا تحت القاعدة، نعم التلف بعد اليأس لا يؤثر في ضمان
البايع بعد ما ثبت كون الثمن مقابل الضميمة باليأس واستقر ملك البايع
على مجموع الثمن بإزاء الضميمة من دون خيار للمشتري في ذلك كما
هو واضح.
ففي الصورة التي كان التلف من البايع، أعني التلف قبل اليأس فيقسط
الثمن على الضميمة والعبد، فيصح في الضميمة ويبطل في العبد،
ويرجع في حصته إلى البايع إن أعط وإلا فيعطي ما يخص بالضميمة
فقط، ويثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة.
5 - لو تلفت الضميمة قبل حصول الآبق في يد المشتري
قوله (رحمه الله): ولو تلف الضميمة قبل القبض وإن كان بعد حصول الآبق في اليد
فالظاهر الرجوع بما قابله الضميمة لا مجموع الثمن، لأن الآبق لا يوزع عليه المثمن
- الخ.
611

أقول في توضيح ذلك: أنه إذا تلفت الضميمة قبل وصولها إلى
المشتري وقد وصل الآبق إليه فيقسط الثمن على الضميمة والعبد فيصح
في العبد ويبطل في الضميمة، فيسترد المشتري ما قابلت الضميمة من
الثمن إن كان قد دفعه وإلا فيعطي ثمن العبد فقط، ولا يقسط قبل وصول
العبد إلى المشتري، فإنه ما دام آبقا لا يوزع عليه الثمن مع تلف الضميمة.
ومن هنا ظهر ما صدر من المشتري شيئا كان في حكم القبض، كأن
أرسل إليه طعاما مسموما فقتله أو أعتقه أو وهبه لشخص آخر، فإن هذا
كلها في حكم القبض، فيقسط الثمن عليهما، فيبطل البيع في الضميمة
ويصح في العبد، ولكن بما أنه تصرف المشتري في العبد وأتلفه
بالتصرف فلا يكون له خيار تبعض الصفقة حينئذ، بخلاف الفرض الأول
أعني صورة حصول العبد بيد المشتري.
وأما لو تلفت الضميمة قبل حصول الآبق في يد المشتري، فهل
يحكم بصحة البيع بالنسبة إلى العبد ويلتزم بالتقسيط ويبطل البيع في
خصوص الضميمة، أو يحكم بانفساخ العقد.
فقد تردد فيه المصنف أولا وذكر فيه وجهان:
من أن العقد على الضميمة إذا صار كأن لم يكن من الأول وانعدم تبعه
العقد على الآبق، فصار هذا أيضا كأن لم يكن، فيحكم بالبطلان في
كليهما، فيفسخ العقد فيهما معا، فإن سبب الضميمة حدوثا لم يكن إلا
العقد على الضميمة، فإذا انعدم انعدم العقد على الآبق أيضا.
ومن أن العقد على الآبق كان تابعا على العقد على الضميمة حدوثا،
وإذا تملك المشتري العبد فيكون العقد على الضميمة كأن لم يكن، فإن
الغرض منه لم يكن إلا امكان بيع الآبق الذي لم يكن جائزا بالانفراد، وبعد
ما دخل الآبق في ملك المشتري فكان كأن لم يكن محتاجا إلى الضميمة
وكسائر متملكاته.
612

وعلى هذا فينحل الثمن إلى كل من الضميمة والآبق كسائر موارد
اجتماع الشيئين في بيع واحد، فيكون كل واحد منهما أجنبيا عن الآخر،
وهذا الانحلال لا يوجب رفع الحكم الثابت في الابتداء من توقف صحة
بيع الآبق على بيع الضميمة معه، فإن مقتضى العمومات مع الشك في
الصحة والفساد محكمة.
وهذا توضيح كلام المصنف بإضافة اجمالا، فتأمل فإن عبارته مغلقة،
ثم استظهر من النص الوجه الأول، بدعوى أن الظاهر من النص أن لا يقابل
الآبق بجزء من الثمن أصلا، ولا يوضع له شئ منه أبدا على تقدير عدم
الظفر به.
وهذا هو الظاهر، فإن قوله (عليه السلام): فإن لم يقد ر كان الذي نقده فيما
اشترى معه، ظاهر في أنه لا بد وأن يكون هناك شئ يقع الثمن في
مقابله مع عدم القدرة على الآبق حدوثا وبقاء، فإنه لولا ذلك فبمجرد
وقوع البيع لا بد وأن يجوز التقسيط، مع أنه ليس كذلك، بل لا بد وأن
تستمر الضميمة ما دام لم يحصل الآبق ولم يصل إلى العبد، ومن الواضح
أنه مع تلف الضميمة ليس هنا بالفعل شئ أن يكون الثمن في مقابله مع
عدم القدرة على العبد، ليشمل عليه قوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان الذي
نقده فيما اشترى معه، فعليه فيحكم بالبطلان وإن كان مقتضى القاعدة
هو الصحة بعد تحققه صحيحا، للعمومات الدالة على صحة البيع كما
عرفت في توضيح كلام المصنف.
وبالجملة الذي يتحصل لنا من الرواية هو أن الضميمة ما لم تصل إلى
المشتري قبل أن يصل الآبق إليه لا طريق للحكم بصحة البيع وإن استمر
إلى مدة بعيدة، فإن في كل آن لوحظ البيع يصدق أنه ليس هنا شئ يكون
الثمن في مقابله، فإذا وصلت الضميمة إليه انتهى أمد ذلك الحكم،
613

فحينئذ يتبدل الحكم بأنه مع تلف الضميمة لا يحكم بالفساد كما هو
واضح.
6 - لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا على العقد هل له أن يرجع إلى
الأرش أم لا؟
ثم بقي هنا فرعان قد أشار إليهما المصنف:
الأول: أنه لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا على العقد، فإنه
لا شبهة في كونه مخيرا بين الفسخ والامضاء، وإنما الكلام في أنه هل له
أن يرجع إلى الأرش أم لا؟
فنسب المصنف القول بجواز الرجوع إلى الأرش إلى قول، مشعرا
بكونه محل الخلاف، والظاهر أنه لا شبهة فيه، فإنه لا اشكال في كون
المشتري مخيرا بين الفسخ والامضاء بدون الأرش أو معه في موارد
ظهور المبيع معيبا، ولا خصوصية للمقام حتى توجب عدم جواز
رجوعه إلى الأرش، إلا ما ربما يتوهم من أن الأرش جزء من الثمن واقع
بإزاء وصف الصحة، ومع عدم القدرة على العبد لا يقع شئ من الثمن
بإزاء العبد ليسترجع بعنوان الأرش ويحصل جزء من الثمن، بل مجموع
الثمن مع عدم القدرة على العبد واقع في قابل الضميمة.
ولكن هذا التوهم فاسد، فإن وقوع مجموع الثمن مقابل الضميمة إنما
هو بعد اليأس من العبد بحيث يكون في حكم التالف لا مطلقا، والفرض
أن العيب كان سابقا على العقد، فحين وقوع العقد على العبد مع الضميمة
كان المجموع في مقابل الثمن، فيكون الثمن مقسطا على العبد
والضميمة معا، فيكون المقام كسائر موارد ظهور العيب في المبيع
فيتمسك بعمومات ما دل على كون المشتري مخيرا بين أخذ الأرش
والامضاء بدونه وبين الفسخ.
614

ثم إن عدم تعرض المصنف لصورة كون المشتري مخيرا بين الفسخ
والامضاء من جهة عدم كونه محلا للخلاف ومحتمل العدم، وإنما
مورد التوهم هو عدم ثبوت الأرش للتوهم المتقدم، ولذا خصه بالذكر.
7 - لو كانت الضميمة ملكا للغير
أنه لو كانت الضميمة ملكا للغير فعقد مالك العبد عليه العقد فضولا،
فهل يبطل العقد في العبد مع عدم الإجازة أم لا؟ فقال المصنف بالأول،
ولم يتعرض لحكم صورة الإجازة.
والظاهر هو البطلان مطلقا، سواء أجاز المالك أو لم يجز، وذلك لما
عرفت أن شأن الضميمة كون مجموع الثمن في مقابلها مع عدم قدرة
المشتري على الآبق، وفيما إذا كان المبيع مركبا من مال نفسه ومن مال
الغير، فيكون ذلك من الأول من حكم بيعين فيقع الثمن من الأول في مقابل
كلا المبيعين، وليس هنا احتمال وقوع مجموع الثمن في مقابل
الضميمة، فإنه حينئذ يلزم أن لا يكون لمالك العبد شئ أصلا ويكون
مجموع الثمن لمالك الضميمة بدون الاستحقاق، فإنه مالك من الثمن بما
قابل الضميمة دون الزائد كما لا يخفى، فيذهب مال مالك العبد هدرا
والحال وقع البيع على المجموع من حيث المجموع.
وبعبارة أخرى المستفاد من الرواية أن يحصل لمالك العبد شئ،
سواء تمكن المشتري منه أم لا، ولكن مشروطا بكونه مع الضميمة ليقع
الثمن في مقابلها مع عدم التمكن من الآبق، وأن يحصل للمشتري أيضا
شئ كذلك، فإذا كانت الضميمة للغير فلا يمكن ذلك.
والحاصل أن الضميمة لا بد وأن تكون قابلا لأن يقع مجموع الثمن في
مقابلها، لقوله (عليه السلام): فإن لم يقدر كان الذي نقده فيما اشترى معه، وإذا
615

كانت الضميمة من مال الغير ولم يقدر المشتري على العبد فلازم ذلك أن
يقع الثمن في مقابل الضميمة ولا يحصل لمالك العبد شئ، فهذا
لا يمكن الالتزام به.
على أن الظاهر من قوله (عليه السلام) في موثقة سماعة: لا يصلح إلا أن
تشتري معه شيئا ويقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك (1)، هو أن
الضميمة من مال مالك العبد، فإن معنى أشتري منك معناه أن المال ماله،
ولو كان من مال الغير فليس الشراء منه بل لمالكه، فإن البايع في الحقيقة
في البيع الفضولي هو المالك بإجازته وامضائه، وإنما الفضولي مجري
للعقد فقط، فافهم.
3 - الكلام في اشتراط العلم بالثمن
قوله (رحمه الله): مسألة: المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا، فلو باع بحكم
أحدهما بطل اجماعا.
أقول: استدل على اعتبار هذا الشرط بوجوه:
1 - الاجماع، فإنه ذكر غير واحد من الأعاظم: أن كل بيع لم يذكر فيه
الثمن فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين (2).
وفيه أن الاجماع وإن كان مسلما، ولكن المظنون أن الأصل فيه
النبوي المشهور بين الفريقين: نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، فليس
هنا اجماع تعبدي.
2 - النبوي المذكور، فإنه استدل به الفقهاء من الشيعة والسنة على

1 - التهذيب 7: 124، 7: 69، الفقيه 3: 142، الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 353،
موثقة.
2 - راجع جواهر الكلام 22: 406.
616

بطلان البيع الغرري، وبما أن الجهالة بقدر الثمن توجب الغرر والخطر
فيكون البيع باطلا.
وفيه أنه قد تقدم عدم تماميته سندا ودلالة، فلا يكون مدركا للحكم
المذكور.
3 - رواية حماد بن ميسرة الواردة في مورد خاص، فإنه روي عن أبي
جعفر (عليه السلام) أنه: كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم
الدينار من الدرهم (1).
فيه أن غاية ما يستفاد منها أن المعاملة المذكورة مكروهة، فهي أعم من
الحرمة، على تقدير إرادة الحرمة منها فهي لا تدل على الفساد لعدم
الملازمة بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية.
فتحصل أنه لا دليل خاص على اعتبار العلم بقدر الثمن في البيع،
وعلى هذا فلا بد من التكلم في المسألة في جهتين: الأولى بحسب
القواعد، والثانية بحسب الرواية الواردة فيها:
أما الجهة الأولى، فإن كان المراد من الجهالة بقدر الثمن جهالة بأصل
المالية، بحيث لا يعلم البايع أنه أي مقدار، بل ربما لا يدري أن ما جعل
ثمنا في البيع أنه مال أوليس بمال، فهذا لا شبهة في بطلانه، فإن البيع
مبادلة مال بمال وأن غرض المتعاملين تملك كل منهما مالا جديدا بإزاء
ما يعطيه للآخر ولم يكن قبل هذه المعاملة مالكا له، فإذا لم يدر أنه
حصل له مال بذلك أو لا ومع الحصول أنه أي مقدار، فيكون نقضا
للغرض، فكأنه لم يقع البيع فيكون باطلا.
ولعل بطلان مثل هذا البيع ارتكازي للعقلاء، فلا يعتبرونه بيعا، وإن
كان هذا أيضا محل تأمل، لعدم اعتبار المالية في البيع، ولعدم بطلان

1 - الكافي 5: 198، التهذيب 7: 58، عنهما الوسائل 18: 81، ضعيفة.
617

البيع الصبي، فلا منشأ للبطلان غير ذلك إلا دليل نفي الغرر فقد عرفت
الحال فيه، غاية الأمر يثبت الخيار للمشتري، نعم سيأتي في المسألة
الثانية اعتبار العلم بالمثمن في صحيحة الحلبي (1).
ومن هذا القبيل بيع الثوب بدينار غير درهم، كما ذكر في الرواية حماد
بن ميسرة، وإن كان المراد من الجهالة هو الجهل بمقدار الثمن مع العلم
بالمالية وكونه بمقدار القيمة السوقية، فلا شبهة في صحة البيع كما إذا
باع الثوب بما يساوي القيمة السوقية، فإن مثل هذا الجهل لا يوجب الغرر
والخطر ولا أنه يوجب الجهل بأصل المالية، غاية الأمر أنه لا يدري أن
أي مقدار من المال للجهل بالقيمة السوقية.
وأما الجهة الثانية، فقد وردت رواية صحيحة في خصوص بيع
الجارية، ويستفاد منها صحة البيع، قال رفاعة النخاس: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) فقلت له:
ساومت رجلا بجارية، فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك ثم
بعثت إليه بألف درهم، فقلت: هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها،
فأبى أن يقبلها مني وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالثمن، فقال
(عليه السلام): أري أن تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت
إليه كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، وإن كان ثمنها أقل مما بعثت
إليه فهو له - الخبر (2).
وفي الحدائق التزم بصحة البيع بحكم المشتري وانصراف الثمن إلى

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه: سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال
بمكيال ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، قال: لا بأس (التهذيب 7: 122،
الكافي 5: 193، الفقيه 3: 140، عنهم الوسائل 17: 348)، صحيحة.
2 - الفقيه 3: 145، التهذيب 7: 69، الكافي 5: 209، عنهم الوسائل 17: 364، صحيحة.
618

القيمة السوقية لهذه الرواية، وأولها المصنف بما ليس إلا اسقاطا لها في
الحقيقة، وقال:
لكن التأويل فيها متعين لمنافاة ظاهرها لصحة البيع وفساده،
فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن
معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص.
نعم هي محتاجة إلى أزيد من هذا التأويل، بناء على القول بالفساد، بأن
يراد من قوله: باعنيها بحكمي، قطع المساومة على أن أقومها على
نفسي بقيمتها العادلة في نظري، لكون رفاعة نخاسا وعالما بقيمة
الجارية، لأنه يبيع ويشتري الرقيق ثم قومها النخاس على نفسه بألف
درهم معاطاة أو وكالة في الايجاب وأصالة في القبول، وإنما لم يقبله
المالك، إما للغبن لخطأ النخاس في التقويم أو لخيار الحيوان، بناء على
ثبوته في الإماء والعبيد، وقوله (عليه السلام): إن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه
كان عليك أن ترد - الخ.
أما أن يراد لزوم ذلك عليه من باب ارضاء المالك إذا أراد الامساك
فيسقط المشتري أي النخاس مثلا خيار المالك ببذل التفاوت، بأن يقول:
لا تفسخ المعاملة وسقط خيارك فاعطي التفاوت (1)، وأما أن يحمل ذلك
على صورة حصول الحمل بعد المس فصارت أم ولد وتعين عليه قيمتها
إذا فسخ البايع.
وهذا التأويل ليس إلا عبارة أخرى من اسقاط الرواية، فإنه ليس فيها
إشارة إلى الوكالة وكون المشتري وكيلا عنه، أو كون المعاملة على سبيل
المعاطاة، على أن ظهور عليك ليس إلا الالزام على الرد، وما ذكره من

1 - وما ذكره الإيرواني، من أنه لا وجه لسقوط الخيار ببذل التفاوت، من جهة توهم أن
فاعل يسقط هو الخيار وعرفت أنه هو المالك - منه (رحمه الله)، (حاشية الإيرواني: 198).
619

حمله على ارضاء المالك باسقاط الخيار أو حملها على صورة الحبل
خلاف الظاهر من الرواية جدا.
وعلى هذا فيدور الأمر بين رفع اليد عن الرواية ورد علمها إلى أهلها،
وبين توجيهها على نحو لا ينافي ظاهرها، والظاهر هو الثاني.
والذي ينبغي أن يقال إنها راجعة إلى أمر عرفي متعارف بين الناس من
المعاملة، فإن من المتعارف في زماننا خصوصا بين الحمالين أنهم
لا يقاطعون في مقام المعاملة على الثمن والأجرة، بل يوكلون الأمر إلى
المشتري والمستأجر، ولكن من المقطوع من القرائن أن غرضهم في ذلك
ليس هو حكم المشتري والمستأجر بحيث لو نقص عنها يطالبون القيمة
السوقية وإذا زاد أو طابق الواقع فينطبق الثمن عليه، ففي الحقيقة أن الثمن
في أمثال هذه المعاملات أمر كلي، وهو عنوان القيمة السوقية، وما زاد
الذي هو قابل الانطباق على القيمة الواقعية، وما زاد دون الناقص عنها
لخروجه عن دائرة الكلي.
ونظير ذلك قد ذكرناه في تصوير الجامع في العبادات بين الصحيح
والأعم، وقلنا بامكان فرض كلي يكون قابل الانطباق على الكامل
والناقص، ومثلنا لذلك بلفظ الكلمة الموضوعة لما يكون مركبا من
حرفين وصاعدا، فإنها قابل الانطباق على ما يكون مركبا من حرفين أو
ثلاثة أحرف أو أزيد.
وأيضا مثلناه بكلمة الدار الموضوعة لعرصة المشتملة على الحائط
والقبة الواحدة أو أكثر، فلا مانع من أن يكون الأمر في المعاملة أيضا
كذلك، فالثمن في مثل المعاملة المذكورة هو الكلي المنطبق على القيمة
السوقية والأكثر، فيملك البايع لهذا الكلي.
فالرواية الشريفة تدل على هذه القضية المتعارفة، فلا وجه لرفع اليد
620

عنها أو تأويلها على نحو يكون اسقاطا لها، فيكون حينئذ وجها لالزام
المشتري على رد الناقص، لكونه أقل من القيمة التي وقع عليها البيع،
فيقع قوله (عليه السلام): فعليك - الخ موقعه.
ومن هنا ظهر بطلان ما ذهب إليه صاحب الحدائق أيضا، من حمل
الرواية على القيمة السوقية، لما عرفت أن الثمن هنا كلي، وهو القيمة
السوقية وما فوقها كما لا يخفى.
وبالجملة فلو قال البايع: بعتك بسعر ما بعته، أو علم المشتري بأن ما
اشتراه من البايع فليس ثمنه أزيد من القيمة السوقية، فهي مضبوطة في
السوق وإن لم يعلم هو بالقيمة تفصيلا، فلا دليل على فساد هذا البيع
للجهالة، فإنها ليست على نحو تكون موجبة لعدم العلم بأن الثمن أو
المثمن مال أوليس بمال أقل أو أكثر على نحو يوجب الخطر بحيث
يتوقف العقلاء أيضا في اعتباره بيعا.
وإن كان هذا أيضا محل تأمل، فإنه لا دليل على هذا وأنه بدون
المنشأ، إلا أن يكون هنا اجماع على البطلان، فما عن الإسكافي من
صحة البيع إذا قال البايع: بعتك بسعر ما بعته، في غاية المتانة، ولكن
قوله: ويكون للمشتري الخيار، لا وجه له، فإنه إن كان البيع غرريا فيكون
باطلا فليس له خيار وإن لم يكن غرريا فيصح وأيضا ليس له خيار، كما
هو واضح.
4 - الكلام في اشتراط العلم بالمثمن
قوله (رحمه الله): مسألة: العلم بقدر المثمن كالمثمن شرط باجماع علمائنا.
أقول: اعتبروا العلماء العلم بمقدار المثمن بلا خلاف، فلو باع ما
لا يعلم أنه أي مقدار فلا يجوز إلا إذا كان الجهل على نحو لا يضر، كما إذا
621

علم البايع بالمبيع ويبيعه على القيمة السوقية، ويعلم المشتري أيضا أنه
ما يشتريه على النحو المتعارف في السوق، فإنه لا وجه هنا للبطلان إلا
إذا كان هنا اجماع على البطلان.
وتحقيق الكلام هنا في جهتين:
الجهة الأولى: في اعتبار العلم بالمكيل والموزون
الدليل عليه الوجوه المتقدمة المذكورة لاعتبار القدرة على التسليم
وكون الجهالة والغرر موجبا للبطلان، وقد عرفت الكلام فيها وما يرد
عليها.
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بتقرير الإمام (عليه السلام) على عدم الجواز
البيع جزافا في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه: سئل عن
الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على
حساب ذلك من العدد، قال: لا بأس به (1).
فإن الظاهر من السؤال أن السائل اعتقد عدم جواز البيع جزافا وأنه كان
من المرتكزات عنده وعند العرف، ولذا سأل عن جواز الكيل في
المعدود، وقد قرر الإمام (عليه السلام) اعتقاده ولم ينبه على جواز البيع جزافا
كما نبه على جواز البيع بالكيل في المعدود، فيعلم من ذلك أن البيع جزافا
لا يجوز، والاستدلال بها أتم وأحسن من دليل نفي الغرر ونحوه، وأما
الثمن فهو كالمثمن للقطع بعدم الفرق بينهما.
الجهة الثانية: اعتبار الوزن أو الكيل في المكيل والموزون
المشهور بل المجمع عليه اعتبار الوزن أو الكيل في المكيل

1 - التهذيب 7: 122، الكافي 5: 193، الفقيه 3: 140، عنهم الوسائل 17: 348، صحيحة.
622

والموزون، فلو باع جزافا لا يصح حتى مع عدم الغرر، كما إذا كان مقدارا
من الحنطة مثلا في أحد طرفي الميزان ومقدار من الأرز في الطرف الآخر
الذي يساوي الحنطة فباع أحدهما بالآخر، ولكن لا يعلم أنه أي مقدار
فإنه لا يجوز ذلك، فتدل عليه الروايات المعتبرة:
1 - صحيحة الحلبي في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل
معلوم، وأن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني من هذا العدل الآخر بغير
كيل، فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت، قال (عليه السلام): لا يصلح إلا
بكيل، وقال: وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا
مما يكره من بيع الطعام (1)، وفي رواية الفقيه: فلا يصح بيعه مجازفة (2)،
والمطلب واحد.
فالظاهر من هذه الرواية المباركة أنه لا يجوز البيع في المكيل
والموزون مجازفة وجزافا، ولكن أشكل عليها بوجهين:
الأول: بالاجمال، بمعنى أنه ما معنى قوله (عليه السلام): وما كان من طعام
سميت فيه كيلا.
فإن ظاهره التنويع وأن الطعام على قسمين أحدهما يعتبر فيه الكيل،
والآخر لا يعتبر فيه الكيل، والحال أن جميع الطعام من سنخ واحد، فإن
اعتبر الكيل فهو في جميعه وإلا فكذلك، وأيضا فذيل الرواية ظاهر في
كون ذلك مكروها، وهو لا يضر بالمعاملة.
الثاني: إن الرواية مشتملة على ما لم يلتزم به واحد، وهو عدم تصديق
البايع وليس كذلك، فإنه يصدق في أخباره بالمبيع نصا وفتوى.
أما الأول، فيرد عليه أن المراد من الكراهة ما ذكره المصنف من أنها في

1 - التهذيب 7: 36، الكافي 5: 179، عنهما الوسائل 17: 342، صحيحة.
2 - الفقيه 3: 131.
623

الروايات أعم من الكراهة المصلحة فلا يعارض بظهور لا يصلح في
الفساد، على أن الكراهة بمعنى الحرمة أيضا لا يعارضه، لعدم الملازمة
بين حكم الوضعي والتكليفي.
وأما قوله (عليه السلام): ما كان من طعام سميت، فليس تنويعا، بل ذكره من
جهة الاشعار إلى علة الحكم ووجه اعتبار الوزن والكيل في الطعام، من
أنه من جهة بطلان المعاملة فيه بدون ذلك، لاعتبار الكيل فيه ولكونه
طريقا إلى وزنه ومقداره، فإنه لو ترك ذلك القيد فاحتمل أن بطلان
المعاملة في المكيل من جهة آخر من التعبد ونحوه لا من جهة طريقية
الكيل إلى مقدار الواقعي واخراجه عن الغررية كما لا يخفى.
وأما الاشكال الثاني أن تصديق البايع وإن كان مسلما، كما سيأتي في
الروايات الآتية، ولكن ذلك أنما يكون إذا أخبر عن الكيل، بأن يقول: أنا
كلت ذلك، كما هو المتعارف في اليوم في البقالين والعطارين، حيث
يوزنون الأشياء لسهولة البيع عنده فيخبرون عن ذلك، لا الأخبار عن
المتاع بالجزاف وبالحدس من غير كيل ووزن، والرواية ظاهرة بل
صريحة أن اخبار البايع عن العدل الآخر إنما هو بالمجازفة والحدس
لا عن الوزن والكيل، فإن قوله: اشتر مني هذا العدل الآخر بغير كيل،
وكذا قوله (عليه السلام): وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصح
مجازفة، ظاهر أو صريح فيما نقول.
2 - موثقة سماعة، قال: سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن هل
يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: أما أن تأتي رجلا في طعام قد
كيل ووزن تشتري منه مرابحة، فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله
624

ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن - الحديث (1).
وهي أيضا تدل على اعتبار الكيل والوزن في الطعام وعلى كفاية
اخبار البايع بالوزن والكيل.
اعتبار الكيل والوزن في جميع الموارد أو مختص بمورد وجود الغرر
ثم إنه يقع الكلام في أن اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون في
جميع الموارد أو مختص ببعضها.
وتنقيح هذا البحث يتوقف على البحث في أن الغرر المنفي في البيع
هل هو شخصي أو نوعي، فعلى الأول يختص الحكم بمورد وجود الغرر
فعلا، وعلى الثاني فيعم جميع الموارد، فلا يجوز البيع جزافا وإن لم يكن فيه غرر.
وأيضا يتوقف البحث في أن ما ورد التخصيص على عمومات صحة
البيع باعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون هل هو يجري في
جميع الموارد أو يؤخذ منه المقدار المتيقن، فيتمسك في البقية
بالعمومات، وكيف كان يختلف البحث في المقام باختلاف مدرك
الحكم.
أما إذا كان المدرك على اعتبار العلم بالمبيع هو دليل نفي الغرر، فلا بد
وأن ينظر إليه، فإن كان المستفاد منه أن الغرر علة لبطلان البيع فيكون
الحكم بالبطلان مختصا بموارد الغرر الفعلي، فيكون المنفي هو شخص
الغرر.
وعليه فيصح بيع المكيل والموزون جزافا إذا لم يكن فيه غرر، كما إذا

1 - التهذيب 7: 37، الكافي 5: 178، عنهما الوسائل 17: 346، موثقة.
625

وضع مقدارا من الحنطة على أحد طرفي الميزان ومقدارا من الأرز في
الطرف الآخر فيبدل أحدهما بالآخر فإنه لا غرر فيه قطعا، وإن كان مقدار
العوضين مجهولا، وكذا لو كان شئ من المكيل والموزون لا يوزن في
الخارج، إما لقلته كحبة من الحنطة ومقدار حمصة من الدهن وهكذا، أو
لثقله كزبر من الحديد، فإنه لا غرر في أمثال ذلك مع كون مقدار المثمن
مجهولا.
وهذا نظير كون الحرج والضرر مأخوذين في الأحكام الحرجية
بعنوان العلة، فإنه يكون الحكم بها تابعا لوجود الموضوع الشخصي
فلا يرتفع في غيره المنتفي عنه الحرج والضرر.
وإن كان المستفاد من دليل نفي الغرر كونه حكمة للحكم بالبطلان
فيكون باطلا في الموارد المذكورة، وإن لم يكن فيها غرر شخصي، فإنه
لوحظ في المبيع بعنوان الحكمة للحكم فلا يلزم وجودها في جميع
الموارد.
ككون اختلاط المياه حكمة لتشريع العدة (1)، وتعفن الإبطين حكمة
لتشريع وجوب غسل الجمعة (2)، وكون المشقة حكمة (3) في عدم وجوب

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج
امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: إنما العدة
من الماء (الكافي 6: 109، عنه الوسائل 21: 319)، صحيحة.
2 - عن الصادق (عليه السلام): إن الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها، فإذا كان يوم الجمعة
حضروا المسجد، فتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغسل،
فجرت بذلك السنة (الفقيه 1: 62، علل الشرايع: 285، التهذيب 1: 366، عنهم الوسائل
3: 315).
3 - عن النبي (صلى الله عليه وآله): لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة
(الكافي 3: 22، الفقيه 1: 34، المحاسن: 561، عنهم الوسائل 2: 17 - 19).
626

السواك، وكون الحرج حكمة في عدم جعل النجاسة على الحديد (1)، فإن
هذه الأمور بأجمعها لوحظت حكمة للتشريع فلا يلزم وجودها في
جميع الموارد.
وفي المقام أن نفي الغرر حكمة لحكم الشارع ببطلان المعاملة التي
كان العوضين فيها مجهولا، ولكن إذا لم يكن غرر في مورد أو موارد كما
تقدم مع جهالة العوضين فلا وجه للحكم بصحة المعاملة، بل يحكم
أيضا بالبطلان لعدم لزوم التسرية في حكمة الأحكام.
ولكن الظاهر أن النزاع في أن الغرر المنفي في دليل نفي الغرر شخصي
أو نوعي ليس له منشأ أصلا، فإن هذا النزاع إنما يجري فيما إذا كان ذلك
العنوان المتنازع فيه متعلقا للحكم وموقوفا عليه في لسان الأدلة، من غير
أن يكون لنفس العنوان المذكور فيها موضوعية للحكم.
وهذا كثبوت الحرمة للخمر، فإنه ليس لعنوان الخمر موضوعية
لثبوت الحكم له، بحيث يدور الحكم مدار صدق الاسم، حتى لو كان
الحبر مسمى بالخمر فتشمل عليه أدلة حرمة الخمر، وإنما التحريم
ثبت لها لكونها مسكرة.
كما في عدة من الروايات الدالة على أن الخمر إنما حرمت لعاقبتها
ولاسكارها لا لاسمها وما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو حرام (2).

1 - عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو جز
شعره أو حلق قفاه، فإن عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي، سئل: فإن صلى ولم يمسح من
ذلك الماء؟ قال: يعيد الصلاة لأن الحديد نجس، وقال: لأن الحديد لباس أهل النار والذهب
لباس أهل الجنة (التهذيب 1: 425، الإستبصار 1: 96، عنهما الوسائل 1: 288)، موثقة.
حمله الشيخ الطوسي (رحمه الله) على الاستحباب، والحر العاملي (رحمه الله) على التقية.
2 - عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل لم يحرم
الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (الكافي 6: 412،
التهذيب 9: 112)، صحيحة.
627

وعلى هذا فيصح البحث في أن الاسكار حكمة أو علة، وهكذا في كل
مورد علل ثبوت الحكم بشئ آخر، كجعل العدة المعلل باختلاط المياه
ونحوه، وأما فيما يكون العنوان المأخوذ في الأدلة بنفسه موضوعا
للحكم فلا مجال للنزاع المذكور.
ومقامنا من هذا القبيل، فإن عنوان الغرر كعنوان الضرر والحرج بنفسه
موضوع للحكم ببطلان المعاملة الغررية، فيكون نظير العلة من حيث
دوران الحكم مداره وجودا وعدما على نحو القضية الحقيقية، ففي
كل مورد ثبت الغرر فيوجب بطلان البيع وإلا فلا، فإن عنوان الغرر
مأخوذ في النبوي بعنوان القضية الحقيقية، فيكون صدقها تابعا بتحقق
الغرر الشخصي في الخارج، فلا مجال لتوهم بطلان البيع فيما إذا كان
العوضين أو أحدهما مجهولا ولكن لم يكن فيه غرر، كما في الموارد التي
ذكرناها.
فهل يتوهم فقيه أو متفقه بل عوام أنه إذا كان التوضئ حرجا على
جميع الناس لبرودة الهواء إلا لشخص واحد لحرارة مزاجه فيكون
وجوب الوضوء مرتفعا عنه لكونه حرجا على نوع الناس، وليس كذلك
قطعا، وكذلك المقام، وهذا ميزان كلي، وقد ذكرنا هذه الكبرى الكلية
في غير موارد البحث عن الحكمة والعلة وعدمه في غير واحد من
المباحث.
وأما إذا كان المدرك هي الأخبار الواردة في اعتبار الكيل في المثمن،
فليس فيها لفظ الغرر حتى نتكلم في ذلك كدليل نفي الغرر، بل لسانها
اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون.
628

بيان آخر
هل تدل على اعتبار الكيل في المكيل والموزون مطلقا وإن كان
الجهل لا يوجب الغرر في بعض الموارد، كما إذا كان للمتبايعين حدس
قوي يعينان مقدار المكيل والموزون بالتخمين بحيث لا يتخلف إلا نادرا
وبالمقدار القليل، أو كان مقدار واحد منهما يساوي الآخر في المقدار
ولكن لا يعلمان مقدارهما الواقعي، أو كان قليلا بحيث لا يعد في العرف
من المكيل والموزون أصلا، كحبة من الحنطة أو مقدار قليل من الدهن،
أو كان ثقيلا لا يمكن وزنه كزبر من الحديد، أو أنه لا يعتبر الكيل والوزن
إلا فيما كانت الجهالة موجبة للغرر، أو يفصل بينما، كان التقدير على
نحو يكون معينا لمقدار المبيع فيلتزم بصحة وبينما لا يكون كذلك فيلتزم
بالفساد.
الظاهر هو الثاني، وتوضيح ذلك: أنه لم يرد في تلك الروايات لفظ
الغرر حتى نتكلم في أنه بأي كيفية حتى نبحث فيه كما عرفت، بل هي
دالة على اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون.
وعلى هذا فلا يصح بيع من المكيل بمقدار آخر منه يساويه، إذ
المستفاد أنه لا بد من معرفة مقدار المكيل والموزون، سواء كانت الجهالة
موجبة للغرر أم لا، فإنه لم يرد فيها لفظ الغرر لنبحث عنه.
وأما إذا عينا العوضين بالحدس القوي والتخمين الذي لا يتخلف إلا
قليل فيصح البيع حينئذ، فإنه من مصاديق الكيل والوزن، فإن اعتبارهما
ليس من جهة أن لهما موضوعية بل من جهة كونهما طريقا إلى الواقع وإلى
تعيين مقدار العوضين والحدس القوي أيضا مما يعين المقدار كالكيل
والوزن، وعلى هذا فيلتزم بصحة البيع بالتخمين.
629

وهذا نظير اخبار البينة على أن هذا المتاع قد كيل أو وزن، فهل يتوهم
أحد بعدم اعتبار ذلك من جهة عدم تحقق الكيل والوزن فيتمسك
بالعمومات الدالة على صحة المعاملة.
وأما الأشياء التي لا يعد في العرف من المكيل والموزون فالظاهر عدم
اعتبار الكيل والوزن فيها، لخروجها عن المكيل والموزون تخصصا في
نظر العرف، فإن الأخبار لا تدل إلا على اعتبار الكيل في المكيل والوزن
في الموزون، لا على اعتبارهما في جنس المكيل والموزون كما في
الربا، ومن الواضح أن الأمور المذكورة ليست من المكيل والموزون في
نظر العرف بل من جنسهما فلا تشملها تلك الأدلة.
وإذن يفرق بين المقام وبين جريان الربا في المكيل والموزون، فإن
أدلة حرمة الربا تدل على جريانه في جنس المكيل والموزون، سواء كان
قليلا أو كثيرا وموزونا في نظر العرف أم لم يكن كذلك كما هو واضح
لا يخفى.
حكم النقود الرائجة
ومن هذا القبيل النقود الرائجة فعلا، فإنها وإن كانت من جنس
الموزون ويجري فيه الربا ولكن لا يعتبر فيها الوزن في مقام المعاملة بل
هي من المعدود كما هو واضح.
ويؤيده بل يدل عليه أنه لو باع أحد ماله بدرهم فظهر أنه ناقص من
سائر الدراهم بحبة أو حبتين فلا يبطل البيع لأجل جهالة الثمن ولا أنه
يقسط المبيع، ويلتزم بالصحة بما قابل الدرهم وبالفساد بالمقدار
الناقص، كما أن المعاملة بالدنانير الفعلية التي من القرطاس صحيحة،
وإن كان بعضها ممزقا ما لم يضر بالرواج، فلا يشك أحد أن المزق عيب
فيه.
630

فيعلم من جميع ذلك أن النظر في النقود والأثمان إلى الرواج لا إلى
واقعها وأنها من أي جنس، بل يكون للبايع تبديل ذلك الدرهم بدرهم
آخر لو كان الثمن كلي الدراهم، ويكون له الخيار ومطالبة التفاوت إذا كان
شخصيا، بل السيرة القطعية قائمة على المعاملة بالنقود المسكوكة
معاملة المعدودات، ولا يشك أحد في ذلك بل لا يلتفتون إليه وكونها
مكيلة أو موزونة، بل ولا يعلم الناس أجمع أو أكثرهم مقدار الدراهم
المسكوكة الرائجة إلا إذا كان بحسب الأصل مسكوكا على ميزان خاص
ومشتهرا بين الناس كالقرانات السابقة في إيران.
وبالجملة لا نحتمل أن يشك أحد في كون الدراهم والدنانير الرائجة
من قبيل المعدودات.
ويدل على ما ذكرناه من كون النقود من المعدودات صحيحة
عبد الرحمان بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الشئ
بالدراهم فأعطي الناقص الحبة والحبتين، قال: لا، حتى تبينه، ثم قال:
إلا أن يكون هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا (1).
فإنها صريحة في كون الدراهم من المعدودات، وأما النهي عن اعطاء
الناقص فليس من جهة الجهالة بل من جهة الغش، وقد تقدم أنه حرام في
المعاملات.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن النقود المضروبة من الفلزات ليست من
الموزون وإن كانت من جنسها، فلا يعتبر فيها الوزن ولا يضر الجهل بها
بصحة المعاملة، ولا يقاس المقام بالربا فإنه يجري في كل جنس يكون
من المكيل والموزون.

1 - التهذيب 7: 110، الفقيه 3: 141، عنهما الوسائل 18: 187، صحيحة.
631

كفاية معرفة الوزن والكيل اجمالا
ثم إن الظاهر بل الواقع أنه لا يعتبر في الكيل والوزن المعتبرين في
الروايات إلا العلم بقدرهما اجمالا، بحيث لا يكونان مجهولين بالكلية
كبيع المكيل والموزون بالصخرة المجهولة، فإنه يبطل بحكم تلك
الروايات لكونها مجهولة محضة.
فيكفي معرفة الوزن والكيل اجمالا في صحة المعاملة، بحيث لا تكون
المعاملة في العرف مجهولة العوضين.
والوجه في ذلك أنه لا نعلمه من ادعى حقيقة الأوزان والمكيال
تفصيلا، لعدم انضباطها في الخارج تحقيقا حتى الأوزان الدارجة
المضبوطة بالقرام والأوزان القديمة المضبوطة بالمثاقيل، فإنها تنتهي
بالآخرة إلى مرتبة مجهولة.
بل لا يعلم بها أهل العرف على النحو المضبوطة قبل انتهائها إلى
الميزان الأصلي من القرام والمثقال حتى يكون مجهولا في أصل المادة،
فإن نوع أهل العرف لا يدرون أن الحقة أي مقدار وأن الكيلو أي مقدار، بل
لا يلتفت كثيرون بالمثقال والقرام كما هو واضح، بل يستحيل معرفة
الأوزان على التفصيل، لعدم امكان معرفة حقائق الأشياء لغير علام
الغيوب.
فالعلم بحقيقة الوزن على التفصيل يستلزم العلم بحقيقة الأشياء، وقد
قلنا إنه لا يمكن لغير علام الغيوب، وهذا واضح جدا.
المناط في صحة بيع المكيل والموزون معرفة مقدارهما الواقعي
ثم إن اعتبار الوزن والكيل في الروايات طريق إلى معرفة المكيل
632

والموزون، فإنه لا شبهة في أنه لا موضوعية لهما قطعا.
وعليه فلا بد وأن يكون كل من المتبايعين عالمين بالوزن الذي يوزن به
المبيع ويعين حين اشتراك الاسم يكون المراد منه أي وزن، فإنه ربما
يكون الأوزان المتعددة مسماة باسم واحد فيتخيل المشتري منه الوزن
المنسوب إلى فلان وكان نظر البايع إلى غيره، فيكون المبيع مجهولا
فتبطل المعاملة للجهالة.
ومثاله إن الحقة اسم للأوزان المتعددة، فإذا كان نظر البايع إلى حقة
العطاري وهي حقة الاسلامبول، وكان نظر المشتري إلى حقة النجف،
فتعاملا على ذلك، فتكون المعاملة باطلة بلا شبهة، وكذا المن فإنه
مشترك بين التبريز والشاهي والنجف وغيرها، فإذا باع منا من الحنطة
بدرهم وتخيل المشتري أنه من النجف الذي ست حقق، وكان نظر البايع
إلى من التبريز مثلا، فإنه تبطل المعاملة للجهالة.
بل ربما كان لبلدة واحدة أو قرية واحدة وزن خاص، فلا بد من التعيين
حتى لا تكون المعاملة مجهولة.
وبالجملة فالغرض من اعتبار الوزن والكيل ليس مجرد وزن الموزون
وكيل المكيل، سواء علم المتبايعان بالحال أم لا، إذ ليس لهما
موضوعية أصلا، بل الغرض معرفة مقدار الثمن والمثمن إذا كانا من
المكيل والموزون، والوزن والكيل طريقان إلى الواقع.
وعلى هذا فالمناط في صحة بيع المكيل والموزون معرفة مقدارهما
الواقعي وعلى هذا فيصح بيعهما بغير الوزن والكيل إذا علما بهما بغير
الوزن والكيل كالحدس القوي كما عرفت ويبطل البيع مع عدم العلم
بالواقع حتى مع الوزن والكيل إذا كانا مجهولين.
633

الكلام في المعدود
أما الكلام في المعدود، فالحكم فيه مثل الحكم في المكيل
والموزون بلا خلاف ظاهر كما في المتن، فلا بد من اعتبار العد، فحيث
إن الغرض به معرفة مقدار المعدود فيكفي فيه غير العد أيضا من الكيل
والوزن والحدس القوي غير المتخلف كثيرا.
ويدل على اعتبار العد في المعدود وقيام غيره مقامه خبر الجوز (1)
الآتي، الذي ذكرناه في اعتبار العلم بالمثمن أيضا.
الميزان في المعدود والموزون
ثم إنه لا يهمنا التكلم في أن الميزان في المعدود والموزون أي شئ،
لعدم انضباطه وعدم ترتب الفائدة عليه، ومع ذلك سيأتي الكلام عليه،
والظاهر أنه أمر عرفي يختلف باختلافهم، ومثل الباذنجان من المعدود
كما في بعض بلاد إيران، ومن الموزون في العراق، ومثل البرتقال
والليمو من الموزون في بعض البلاد، ومن المعدود في بعضها الآخر،
وكذا الجوز وهكذا وهكذا، فلا بد في ذلك من الرجوع إلى عرف
المحل والبلد كما لا يخفى.
تقدير المزروع
وأما المزروع، فإن قلنا بأن الروايات التي اعتبر الكيل والوزن في

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه: سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال
بمكيال ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، قال: لا بأس (التهذيب
7: 122، الكافي 5: 193، الفقيه 3: 140، عنهم الوسائل 17: 348)، صحيحة.
634

المكيل والموزون من جهة الطريق إلى الواقع،، ولزوم تقديرين الثمن
والمثمن في المعاملة من غير خصوصية في المكيل والموزون ولا في
تقديره بالكيل والوزن كما هو الظاهر، فنتعدى إلى كل شئ ونحكم
بلزوم تقديره في المعاملة، وإذن فيجب تقدير المزروع بالزرع ونحوه،
ويدل على ذلك التقدير في رواية الجوز الآتية.
وإن قلنا بأنه لا يستفاد من تلك الروايات التعميم بل لا بد من الاقتصار
بالمورد، وأيضا لم يتم دليل نفي الغرر ولا الاجماع المدعى على لزوم
تقدير الثمن والمثمن كما لم يتم، وإذن جاز بيع المزروع بأي نحو كان،
سواء كان المقدار معلوما أم لا كما لا يخفى.
بحث في اجزاء كل من الوزن والكيل في مورد الآخر
قوله (رحمه الله): مسألة: لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل
و الموزون.
أقول: بعد ما عرفت اعتبار الكيل في المكيل واعتبار الوزن في
الموزون فيقع الكلام في اجزاء كل منهما مكان الآخر، وقيل بالجواز
مطلقا، وقيل بعدمه كذلك، والثالث التفصيل، وهو القول بجواز الكيل
وزنا دون العكس.
وليعلم أنه إذا كان المدرك هو دليل نفي الغرر، فالمدار في صحة
المعاملة وفسادها هو الغرر وجودا وعدما، فإن كان هنا غرر فيكون
موجبا للبطلان وإلا فلا، ولا يفرق في ذلك كون المبيع معلوما أو مجهولا
كما هو واضح، فلا يقع الكلام في كفاية كل من الوزن والكيل في مورد
الآخر، وأما الكلام في المقام مع قطع النظر عن دليل الغرر وبلحاظ
الأخبار الواردة في اعتبار الكيل والوزن.
635

فنقول: أما القول بالجواز مطلقا، نسب إلى الشهيد في سلم الدروس،
واستدل عليه برواية وهب عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال:
لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن (1).
وفيه أولا: إن الرواية ضعيفة السند.
وثانيا: ما ذكره المصنف، وتبعه شيخنا الأستاذ (2)، من كون الرواية
راجعة إلى جعل ثمن المكيل موزونا وثمن الموزون مكيلا، لا إلى جريان
كل منها في الآخر فلا يكون مدركا للجواز.
ثم إنه لا شبهة في أن لكل من الوزن والكيل دخلا في مالية الأشياء
المكيلة أو الموزونة، وأن يختلف قيمة الأشياء باختلاف الوزن والكيل،
وعليه فإذا كان لحجم الشئ دخل في المالية لا يكفي الوزن عن الكيل،
بل لا يعلم به أن ما يكون ماليته بالكيل أي مقدار، مثلا لو كان بيع الأجر
بالكيل فيعلم أن المقدار الفلاني من الأجر له مالية كذا ولكن إذا وزن
ولم يعلم أنه أي مقدار من الوزن يساوي بذلك المقدار حتى يعلم أن له
هذا المقدار من المالية، وهذه الكبرى الكلية مستفادة من الأخبار الواردة
في اعتبار الكيل والوزن.
وربما يقال بجواز بيع كل منهما بالآخر، لقوله (عليه السلام): وما كان من
طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة (3)، فإن بيع الكيل بالوزن ليس
من بيع الجزاف لكون الوزن طريقا إليه بل هو الأصل في تقدير الوزان.
وفيه قد عرفت أن للكيل والوزن دخلا في مالية الأشياء، فما كانت
ماليته بالكيل لا يجوز بيعه بالوزن، لعدم ارتفاع الجهالة به كما عرفت.

1 - التهذيب 7: 44، الإستبصار 3: 79، الفقيه 3: 167، عنهم الوسائل 18: 296، ضعيفة.
2 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 499.
3 - التهذيب 7: 36، الكافي 5: 179، الفقيه 3: 131، عنهم الوسائل 17: 342، صحيحة.
636

وقد يستدل عليه بموثقة سماعة، قال: سألته عن شراء الطعام وما
يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن، فقال: أما أن تأتي
رجلا في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة، فلا بأس أن اشتريته
منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن،
وقلت له عند البيع: إني أربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك
فلا بأس (1).
وفيه أنه لا دلالة في الرواية على ذلك، فإن الظاهر من الرواية أن اتيان
الكيل والوزن على سبيل اللف والنشر، وكان نظر الإمام (عليه السلام) إلى اعتبار
كل من الوزن والكيل في كل من الوزن والكيل، وليس نظره (عليه السلام) إلى
كفاية كل منهما عن الآخر.
ويؤيد ذلك التعبير بلفظ أو في ذيل الرواية، فيكون الظاهر من الرواية
أن كل من الكيل والوزن معتبر في كل من المكيل والموزون، فمفهوم
القضية الشرطية أنه إذا لم تشتر المكيل بكيل والموزون بالوزن فيكون
باطلا، فاطلاق المفهوم شامل لبيع المكيل بالوزن وبيع الموزون بالكيل،
فيحكم بعدم الجواز.
ويقرب ما ذكرناه من اللف والنشر أنه (عليه السلام) عطف الوزن على الكيل
بقوله (عليه السلام): في طعام قد كيل ووزن، إذ ليس من المحتمل اعتبارهما
معا في المكيل والموزون.
وبالجملة الظاهر من الرواية أن الوزن والكيل كل منهما دخيل في
مالية المكيل والموزون، فلا يكفي الكيل بالوزن وكذلك العكس.
وأما القول بالتفصيل فاختاره المصنف (رحمه الله) وقال بكفاية الوزن في
المكيل وبعدم كفاية الكيل في الموزون، بدعوى أن الوزن أصل الكيل

1 - التهذيب 7: 37، الكافي 5: 178، عنهما الوسائل 17: 346، موثقة.
637

وأضبط وإنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا، فلا مانع من القول بكفاية
الوزن عن الكيل بخلاف العكس، لكونه فرعا على الوزن.
وفيه قد عرفت أن الظاهر من الموثقة هو اعتبار كل من الوزن والكيل
في المكيل والموزون على سبيل اللف والنشر، وأن كل منهما على نحو
الاستقلال دخيل في مالية كل من المكيل والموزون، بحيث ربما
تضطرب مالية المكيل بانعدام الكيل وإن كان يوزن بالوزن، كما مر في
مثال الأجر، وكذلك العكس، وليس كل ما يكال يكون معلوم المالية
بالوزن عند العرف، وكذا العكس.
وما ذكره من أن الأصل في تعيين مقادير الأشياء هو الوزن وإنما جعل
الكيل طريقا إليه تسهيلا فهو كذلك، ولكن لا يعلم أنه أي وزن كان أصلا
وإن كيل كان طريقا له، مع اختلاف الأوزان باختلاف الممالك والبلاد،
بل في بلدة واحدة أوزان مختلفة.
فإذا فرضنا أن متاعا يباع بالكيل فقط ويعلم حجمه ومقدار ماليته
تفصيلا، بحيث لا يلتفت إليه العرف إلا بالكيل وإذا بيع بالوزن، لكونه
أصلا في تعيين المقدار، فلا يعلم أن أي مقدار من المتاع وقع مقابل أي
مقدار من الثمن، مثلا إذا فرضنا أن أحدا باع دارا بالوزن، بمعنى أنه باع
الأجر والجص بوزن معين أن يجعل هذا المقدار دارا بمبلغ معين إلى أن
يخلص هذا المقدار، مع أنه لا يعلم المشتري أي مقدار من المثمن قد
حصله، فإنه لا يدري أن هذا المساح تصير قبة أو قبتين، وهكذا في كل
مورد اعتبر المبيع بالكيل فباعه البايع بالوزن.
ويصح ما ذكرناه بملاحظة ما وقع الاختلاف الكثير في الأوزان،
بحيث من جرب يعلم أن وزن بقالين لا يتساويان.
وعلى هذا فالقول بعدم الجواز مطلقا أوجه، إلا أن يكون الكيل طريقا
638

إلى الوزن، فحينئذ يتجه كلام المصنف بأن كان الوزن صعبا خصوصا في
الموازين القديمة، فحينئذ يوزن كيل واحد ويحاسب الباقي على
حسابه.
ويدل على ذلك رواية عبد الملك بن عمرو، قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أشتري مائة راوية (1) من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم
آخذ سائره على قدر ذلك؟ قال: لا بأس (2).
فإنه يجعل الوزن حينئذ طريقا إلى الكيل، مع العلم بأن الكيل أي
مقدار من الوزن، فلا يقاس ذلك بغير ما جعل الكيل طريقا، ففي هنا يتجه
ما ذكره من أن الوزن أصل في تعيين المقادير كما لا يخفى، فإنه حينئذ
يحصل الاطمئنان بالمقدار، نظير تعيين المبيع بالحدس القوي أو بالبينة
أو تصديق البايع في اخباره عن الكيل والوزن، فإن في ذلك كله يحصل
الاطمئنان بالواقع وبمقدار المثمن.
وعلى هذا فلا يفرق فيما يظهر التفاوت بما يتسامح أو بما لا يتسامح،
فإن في كلا الموردين قد حصل الاطمئنان بالمقدار ويجعل الكيل طريقا
إلى التعيين، غاية الأمر فإذا ظهر التفاوت بما لا يتسامح كان ظهر في مائة
راوية التي مائة أمنان مثلا التفاوت بعشرة أمنان فيكون للمشتري الخيار.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لما أشكل به شيخنا الأستاذ (3) على المصنف
حيث قال: وأما إذا لم يكن طريقا مضبوطا إليه بل يتخلف بما لا يتسامح
فيه، فلا معنى لجواز جعله طريقا والبناء على ذلك المقدار، لأن البناء

1 - الراوية: القربة.
2 - الكافي 5: 194، الفقيه 3: 142، التهذيب 7: 122، الإستبصار 3: 102، عنهم الوسائل
17: 344، ضعيفة بعبد الملك بن عمرو.
3 - حاشية المحقق النائيني (رحمه الله) على المكاسب 2: 499.
639

عليه لا يخرجه عن الجهالة، وإلا لصح بيع الموزون مشاهدة مع البناء
على أنه مقدار خاص، وحاصل الكلام أن نية كون شئ طريقا أو لحاظ
كونه أصلا أو البناء على كونه مقدرا خاصا، ونحو ذلك من الأمور البنائية
والقلبية لا أساس لها في باب المعاملات.
ووجه الضعف أنه ليس كون الكيل طريقا إلى الوزن مع الاطمئنان
بالمقدار المعين الواقعي، سواء ظهر فيه تفاوت بما يتسامح أو بما
لا يتسامح من قبيل مجرد البناء على ذلك المقدار، فليس لهذا الاشكال
وجه أصلا.
لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر
قوله (رحمه الله): ثم إنه قد علم مما ذكرناه أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان
معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر، كالحقة والرطل والوزنة باصطلاح أهل
العراق الذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم غير جايز.
أقول: حاصل ما ذكره أنه لو كان الوزن أو الكيل معلوما عند أحد
المتعاملين دون الآخر كالحقة والرطل والمن والوزنة باصطلاح أهل
العراق مع عدم معرفة غيرهم بها خصوصا الأعاجم فهو غير جائز، فإنه
لا يصدق في العيار مجرد صدق أحد هذه العناوين عليه، فإن ذلك ليس
إلا كوضع الصخرة غير المعلومة على الميزان والوزن لها.
أقول: الظاهر أنه غير تمام، لما ذكرناه سابقا من كفاية العلم الاجمالي
بالوزن، ولو بمشاهدته أن هذا حقة أو وزنة أو غيرهما وأن كل حقة من
الأرز مثلا بقيمة كذا، بحيث يرى المشتري ذلك ويعامل على طبق هذا
الموجود الخارجي، بحيث يصدق أن بيع هذا الطعام ليس بمجازفة بل
بيع بالوزن أو الكيل، وإن لم يعلم أحدهما مقدار الوزن تحقيقا.
640

وعلى هذا جرت السيرة القطعية، حيث يرد المسافر على بلد وشري
منهم المتاع من غير معرفة مقدار وزنهم تفصيلا، بل يعلم اجمالا أن هذا
الوزن المشاهد مقابلة من المتاع بقيمة كذا وهكذا، بل لا يعرف الموازين
تفصيلا حتى مرتبة نازلة من التفصيل الحقيقي، بحيث يكون فيه تسامح
قليل شخص البلدي بل شخص من بيده الميزان، فإن البقال يعرف أن هذه
وقعية أو حقة أو وزنة، وأما أن كل منها أي مقدار من المثقال أو القرام
فلا يعرفه هو أيضا، بل لو عرفه وبالآخرة يصل إلى مرتبة لا يعلم أنه أي
مقدار كالمثقال والقرام.
وبالجملة لا وجه لما قاله المصنف، من عدم كفاية الوزن مع علم
أحدهما دون الآخر كأوزان العراق، وعلى هذا فيصح معاملة الزوار
الذين يجيؤون الأعتاب المقدسة ويعاملون مع أهلهم بأوزان لا يعرفون
مقدارها.
نعم قد تقدم سابقا بطلان المعاملة في صورة واحدة، وهو أن يبيع كليا
مثلا من الحنطة ونحوه على حساب كل من بدرهم أن كل حقة بدرهم،
فلا يعرف من الوزن إلا اسمه فقط من غير علم به بالمشاهدة ونحوها،
فتكون باطلة لكونها معاملة جزافية، وهذا غير ما ذكرناه.
وبالجملة المدار في صحة بيع الموزون والمكيل الذي فرضناه من
الرواية هو صدق البيع بالوزن أو الكيل، بحيث يعرف كل منهما أنه كيل أو
وزن، وأما معرفتهما تفصيلا فليس لها في الروايات عين ولا أثر كما هو
واضح، فافهم.
الكلام في المعدود إذا كان الكيل أو الوزن طريقا إليه
وأما المعدود فالكلام فيه بعينه مثل الكلام في المكيل والموزون،
641

فبالنسبة إلى أصل اعتبار العدد في المعدود قد تقدم الكلام فيه، وقلنا:
إن صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) يدل على ذلك، حيث سأل عن
الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على
حساب ذلك العدد، قال (عليه السلام): لا بأس به (1).
فإن الظاهر منها أن اعتبار العدد في المعدود مفروغ عنه، وإنما سأل
السائل عن كون الكيل طريقا إليه، أو أنه لا يكال بل للعد موضوعية في
المعدود.
وأيضا يدل بالتقرير على جواز كيل المعدود وبيعه ووزنه، وليس
للعد موضوعية في ذلك، وهذا لا اشكال فيه أيضا.
ولكن بقي في الرواية شئ، وهو أن التقرير لكفاية الكيل عن العد وإن
كان مسلما، ولكن الظاهر من الرواية اختصاصه بصورة الاضطرار، حيث
سأل السائل عن ذلك عند عدم الاستطاعة، فلا يجوز في غير حال
الضرورة.
وفيه أن الرواية وتقريره (عليه السلام) غير متوجه إلى فرض القدرة من العدد،
فإنه ليس مفروض السائل، فإنه مع التمكن لم يكن له داع لبيع المعدود
بالكيل، بل كان يبيعه بالعد، ولذا سأل عن صورة عدم القدرة، وهذا
لا يدل على أن بيع المعدود بالكيل أو الوزن لا يجوز بل يجوز مع كونه
طريقا إليه كما هو واضح، للعلم بأن الكيل والوزن والعد ليس لها
موضوعية، بحيث لو أخبر المعصوم (عليه السلام) به أو قامت البينة على التعيين
أو علما بالحدس القوي لكان باطلا، وعلى هذا فنتمسك بالعمومات في
غير ما لم يثبت فيه قيد خاص.

1 - التهذيب 7: 122، الكافي 5: 193، الفقيه 3: 140، عنهم الوسائل 17: 348، صحيحة.
642

الكلام في المعدود وكفاية الكيل أو الوزن عنه استقلالا
هذا فيما كان الكيل أو الوزن طريقا إلى المعدود، وأما كفاية كل منهما
عن الآخر استقلالا، فذكر المصنف أنه لا يجوز في الكيل بأن يبيع
المعدود بالكيل ويكفي ذلك عن العد وأما الوزن فالظاهر كفايته،
ولم يبين وجه الفرق بينهما، غير أنه نقل عن ظاهر قولهم في السلم أنه
لا يكفي العد في المعدودات.
الظاهر أنه لا وجه في ذلك الفرق، فإنك قد عرفت أن الظاهر من موثقة
سماعة اعتبار كل ما يعتبر ماليته بالوزن أن الكيل وهكذا العد لا يجوز
بيعه بغيره، فإنه من قبيل البيع مجازفة، إذ لا يعلم أن مقدار ماليته التي
اعتبر عليها البيع أي شئ.
بل ربما لا يعتبرون البيع مع الجهل بالمالية، فإن المستفاد من الروايات
الدالة على اعتبار الكيل في المكيل والوزن في الموزون والعد في
المعدود هو ذلك، وإنما قلنا بكفاية كل منهما عن الآخر في صورة
الطريقية لكونه موجبا لتعيين المالية.
وبالجملة إنا قلنا إنه ليس لشئ منهما موضوعية بل كل منهما طريق
إلى الواقع، ولكن المناط كون المالية معلومة وإلا فلا يجوز، ولذا
لا يجوز كفاية كل منهما عن الآخر استقلالا كما هو واضح، وعلى هذا
فلا وجه لتجويز بيع المعدود بالوزن استقلالا.
والحاصل إن كان هنا طريقية فالمناط جواز بيع المعدود بكل ما يكون
طريقا إليه، فلا وجه للاختصاص بالوزن وإلا فلا يجوز أيضا مطلقا،
فلا وجه لاختصاص الكيل بالمنع، فافهم.
643

تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا.
أقول: ذكر المشهور أن المدار في كون الشئ مكيلا أو موزونا ما هو
المتعارف في زمان الشارع، فإن ما كان مكيلا في زمانه فمكيل إلى يوم
القيامة وما كان موزونا في زمانه فموزون إلى يوم القيامة، وكذلك
المعدود، وأما الأشياء التي لم تكن في زمانه من قبيل المكيل والموزون
أو المعدود فالمدار فيها ما هو المتعارف في العرف العام، وإلا فما هو
المتعارف في كل بلد، وذكروا ذلك أيضا في بيان الجنس الربوي.
ولكن القول بهذا الرأي، وحمل الأخبار الواردة في المسألة عليه
يستلزم الالتزام بأمر مستحيل.
فإنه إذا كان المدار في كون الشئ مكيلا أو موزونا أو معدودا هو زمان
الشارع وزمان الأئمة (عليهم السلام) كانت القضية خارجية، وعليه فما يتعارف
كيله أو وزنه في ذلك الزمان لا يدخل تحت أحد العناوين إلى يوم القيامة،
وإذا كان المدار فيها متعارف كل زمان بل كل بلد من غير توجه إلى ما هو
المتعارف في زمان الشارع كانت القضية حقيقية، وعليه فما هو مكيل في
زمان الشارع يمكن أن يكون موزونا في زمان آخر وبالعكس، بل قد
يكون معدودا، وعلى هذا فعرف كل زمان هو الميزان في تعيين المكيل
والموزون والمعدود.
والجمع بين الأمرين في انشاء واحد مستحيل، فإن النظر في القضية
الخارجية إلى دخل الخصوصيات الخارجية في الانشاء وعدم كونه على
نحو الاطلاق ولا بشرط، والنظر في القضية الحقيقية إلى فرض
الموضوع مفروض الوجود وجعل الحكم عليه من غير أن تكون
644

الخصوصيات الخارجية دخيلة في الجعل والانشاء، فحمل الروايات
على ما ذكره المشهور حمل على أمر محال، كما لا يخفى.
بل الظاهر منها هو الثاني وأنها كسائر القضايا ليست إلا حقيقية،
وتخصيصها بالقضية الخارجية يحتاج إلى عناية زائدة، فظهور الروايات
يدفعها.
وعليه فالميزان في المكيل والموزون والمعدود هو العرف في كل
زمان، إلا إذا قام اجماع أو ورد نص خاص على اعتبار الكيل مثلا في
جنس خاص، كما ورد النص بجريان الربا في الدراهم والدنانير مطلقا
وإن كانتا من المعدودات.
فلو باع أحد درهما بدرهمين فتكون المعاملة ربوية، مع أن الدراهم
من المعدودات في زماننا بل في كل زمان، كما دلت عليه رواية
عبد الرحمان بن الحجاج المتقدمة (1).
وبالجملة أن الظاهر من قوله (عليه السلام): ما كان من طعام سميت فيه كيلا
فلا يصلح مجازفة (2)، وكذا غيره من الروايات الدالة على اعتبار الكيل
والوزن في المكيل والموزون هو كون القضية حقيقية بحيث يكون
الميزان كون الشئ مكيلا أو موزونا في أي زمان كان.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الشئ بالدراهم
فأعطي الناقص الحبة والحبتين، قال: لا، حتى تبينه، ثم قال: إلا أن يكون هذه الدراهم
الأوضاحية التي تكون عندنا عددا (التهذيب 7: 110، الفقيه 3: 141، عنهما الوسائل 18: 187)،
صحيحة.
2 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، التهذيب 7: 36، الكافي 5: 179، الفقيه 3: 131،
عنهم الوسائل 17: 342، صحيحة.
645

بيان آخر
والحاصل من أول المسألة المشهور بين الفقهاء أن العبرة في التقدير
بزمان النبي (صلى الله عليه وآله)، فما كان مكيلا أو موزونا فيلحق بهما حكمهما إلى يوم
القيامة وما لم يتعارف وزنه أو كيله في زمانه (صلى الله عليه وآله) فالعبرة فيه بما اتفق
عليه البلاد، وإن لم يتفق البلاد فالعبرة فيه بما تعارف في كل بلدة بالنسبة
إلى نفسها.
وقد ذكرنا أن هذا الذي ذكره المشهور مشكل بل مستحيل، فإن
الالتزام بأن ما تعارف في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) كونه مكيلا أو موزونا كذلك
إلى الأبد، سواء خرج عن كونهما مكيلا أو موزونا أم لا يقتضي كون
القضية خارجية، ثم الالتزام فيما لم يتعارف وزنه أو كيله في ذلك الزمان
بكون الميزان فيه العرف العام أو العرف الخاص يقتضي كون القضية
حقيقية، فهما لا يجتمعان في انشاء واحد.
فإن النظر في القضية الخارجية إلى الأفراد الخارجية فقط وثبوت
الحكم لها إلى الأبد أي ما دام موجودا، وفي القضية الحقيقية إلى وجود
الموضوع مطلقا وكونه مفروض الوجود، بحيث إنه في أي زمان تحقق
صدق عليه حكمه وفي أي زمان خرج عن كونه مكيلا أو موزونا يرتفع
عنه الحكم، سواء كان مكيلا في زمان الشارع أم لم يكن، كما إذا ثبت
وجود الاكرام على العلماء، فإنه يدور مدار صدق موضوع في أي زمان
وجودا وعدما، فلو كان شخص عالما ثم نسي علمه يرتفع عنه وجوب
الاكرام.
وعلى هذا فلا مناص عن حمل الروايات الواردة في المسألة إما على
القضية الحقيقية أو على القضية الخارجية، ولكن الظاهر منها كون القضية
الحقيقية، إذ لا خصوصية للأشياء التي كانت مكيلا أو موزونا في زمان
646

النبي (صلى الله عليه وآله) أو زمان الأئمة (عليهم السلام)، وإنما النظر فيها إلى بيان حكم كلما
يتعارف فيه الكيل والوزن، ويدل على ذلك قوله (عليه السلام): وما من طعام
سميت فيه كيلا أو وزنا لا يجوز بيعه مجازفة.
وعليه ما تعارف كيله أو وزنه في زمان الشارع إن بقي على حاله فلحقه
حكمه، وإلا فالمتبع فيه حكم ما صدق عليه العنوان في كل زمان بل في
كل بلد، فلو كان الشئ مكيلا أو موزونا في بلد ومعدودا في بلد آخر
فلحقه في كل بلد حكمه على النحو المتعارف.
نعم لو كان هنا نص أو اجماع تعبدي مصطلح ليكون كاشفا عن رأي
المعصوم (عليه السلام) على مقالة المشهور فيلتزم به، كما ورد النص بكون
الدراهم والدنانير ربويا مطلقا، ولكن الأمر ليس كذلك، أما النص
فمعدوم، وأما الاجماع فغير متحقق، فإن أغلب القائلين بذلك بل كلهم
عللوا كلامهم بانصراف الأدلة والروايات المتقدمة إلى زمان من صدر منه
الحكم ولا يشمل غير زمانه، فكشف الاجماع التعبدي من مثل هذه
الكلمات من الأمور الصعبة.
فتحصل أن الميزان في كون الشئ مكيلا أو موزونا هو ما صدق عليه
المكيل والموزون في أي زمان كان، فإنه حينئذ لحقه حكمه.
ومن هنا ظهر أنه لو عاملا في بلد وكان المبيع في بلد آخر فالعبرة ببلد
فيه وجود المبيع كما ذكره المصنف، لصدق عنوان المكيل أو الموزون
أو المعدود عليه، فلحقه حكمه.
ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما، ولو تعاملا في البر
بين البلدين واختلف عرفهما في كون ذلك الشئ من المكيل أو الموزون
وشك فيه لحقوه بهما، فيرجع إلى عمومات صحة العقد، فإن المقدار
الثابت من المخصص إنما كان مكيلا أو موزونا أو معدودا لا يجوز بيعه
مجازفة، وهذا المتاع الموجود في الصحراء ليس بمكيل قطعا لعدم
647

لحوقه بإحدى البلدين، كما يكفي في عدم المكيلية عدم اللحوق.
وعلى هذا فيتمسك بالعمومات فيحكم بصحة المعاملة عليه
مجازفة، فلا يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لعدم
كون الشك في كونه مكيلا أو موزونا، وإنما الشك في اعتبار الشارع
الكيل هنا وإلا فهو ليس بمكيل قطعا كما عرفت.
5 - الكلام في الاعتماد باخبار البايع بقدر المثمن
قوله (رحمه الله): مسألة: لو أخبر البايع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه.
أقول: تحقيق المسألة في ضمن جهات:
1 - الاعتماد على اخبار البايع
لا شبهة في جواز الاعتماد على اخبار البايع في مقدار المبيع كيلا أو
وزنا، بل في بعض الكلمات دعوى الاجماع عليه، وقد وردت عليه
أخبار عديدة كما عرفت.
ولا ينافيه ما تقدم في صحيحة الحلبي في رجل اشترى من رجل
طعاما عدلا بكيل معلوم، وأن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني من هذا
العدل الآخر بغير كيل، فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت، قال (عليه السلام):
لا يصلح إلا بكيل، وقال: وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح
مجازفة (1).
لأن أخبار البايع في الرواية كان مستندا إلى الحدس دون الحس بالكيل
والاخبار عنه، وقد حملها المصنف على وجه آخر، وقد عرفت عدم
صحته، والحاصل أن أصل الحكم مما لا ريب فيه.

1 - التهذيب 7: 36، الكافي 5: 179، الفقيه 3: 131، عنهم الوسائل 17: 342، صحيحة.
648

2 - هذا الاعتماد من جهة كون اخباره طريقا إلى الواقع
أن الظاهر من الروايات الدالة على جواز تصديق البايع في اخباره
بالكيل أو الوزن هو كون الاخبار طريقا إلى الواقع، بحيث يحصل
الاطمئنان أو الظن المعتبر بكونه مكيلا أو موزونا.
ويدل على ذلك رواية أبي العطارد، وفيها: قلت: فأخرج الكر
والكرين فيقول الرجل: أعطنيه بكيلك، فقال: إذا ائتمنك فلا بأس (1).
ومرسلة ابن بكير، في رجل سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري
الجص فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال (عليه السلام): أما أن يأخذ
كله بتصديقه وأما أن يكيله كله (2).
والروايتان وإن كانتا ضعيفتين من حيث السند، ولكن لا بأس بهما في
مقام التأييد.
على أنه لو لم يكن أخبار البايع هنا من باب الطريقية فلا بد وأن يكون
مأخوذا إما من باب الموضوعية أو على نحو الاشتراط، بأن كان اخباره
بالمقدار شرطا في البيع، بحيث لو لم يكن كذلك يكون المشتري مختار
في الفسخ والامضاء.
أما الأول، فهو بعيد جدا، فإن لازمه صحة البيع بمجرد الاخبار بقدر
الثمن، وإن كان المخبر ممن لا وثوق في اخباره أصلا، بحيث لا يرفع
أخبار الجهالة عن المبيع ولا يخرج البيع عن الجزافية، مع أنه لا يمكن
الالتزام به.
وأما الثاني، فلأنه لو كان الاشتراط رافعا للجهالة ومصححا للبيع

1 - التهذيب 7: 38، الكافي 5: 179، عنهما الوسائل 17: 345، ضعيفة بأبي العطارد.
2 - التهذيب 7: 125، الكافي 5: 195، عنهما الوسائل 17: 344، ضعيفة بالارسال.
649

وموجبا لخروجه عن الجزافية لكان صحيحا بدون الاخبار، بأن اشتراط
أنه لو كان المبيع أقل من المقدار المعين كان المشتري مختارا في الفسخ
والامضاء.
وأيضا لا يمكن الالتزام به، فإن اطلاقات الروايات بطلان بيع الجزاف
مع الاشتراط وعدمه كما لا يخفى.
وإذا فلا بد من أخذ الاخبار طريقا إلى بيان مقدار المبيع، بحيث يكون
رافعا للجهالة والغرر وإلا فيبطل لكونه بيع جزافي، وقد تقدم أن ما كان
مكيلا أو موزونا فلا يصح بيعه جزافا.
3 - الحكم إذا تبين الخلاف في المبيع إما بالنقيصة أو بالزيادة
إذا تبين الخلاف في المبيع إما بالنقيصة أو بالزيادة، فهل يحكم
بالبطلان، كما احتمله في جامع المقاصد فيما باعه ثوبا على أنه كتان فبان
قطنا ثم رده، أو يكون البيع صحيحا ويثبت الخيار للمشروط له، ففي
المقام جهات من البحث:
1 - في صحة المعاملة وبطلانها، وقد اختار المصنف الصحة مع
الخيار، وتوضيح ذلك:
إنا قد ذكرنا مرارا عديدة أن الهيولي، سواء كانت أولية أو ثانوية، في
مقابل الهيولي الأولى فتشمل الثالثة وما فوقها، نظير المقولات الثانوية
المقابلة للمقولات الأولية، ليست لها قيمة أصلا، وإنما هي بالنسبة إلى
جميع الأشياء حتى التراب متساوية الاقدام، بل القيمة للأشياء بحسب
أوصافها الموجبة للمالية، وإن كان الأوصاف لا تقابل بالمال، وإنما هي
واسطة لثبوت المالية على المواد والهيولي.
وعلى هذا فإذا تخلفت الأوصاف في المبيع فإن كانت من الأوصاف
650

المقومة المعدودة في نظر العرف من الصور النوعية، سواء كانت بالدقة
أيضا من الصور النوعية أم لا، فيكون البيع باطلا، فإن ما هو الموجود في
الخارج لم يبع وما هو مبيع غير موجود في الخارج.
كما إذا باع انسانا فبان فرس، أو باع عبدا فبان أنه أنثى، فإن ما هو عنوان
للمبيع ومقوم له في نظر العقل في المثال الأول وفي نظر العرف في
المثال الثاني قد تخلف عن المبيع فيكون البيع باطلا، وهكذا في جميع
موارد تخلف العنوان عن المعنون ولو في نظر العرف، فإنهم يرون العبد
مع الأمة جنسا مختلفا وإن كانا في الحقيقة جنسا واحدا، فإن الرجولة
والأنوثة من العوارض والعناوين غير المقومة في نظر العقل ولكنها من
العناوين المقومة في نظر العرف.
وأما إذا كانت الأوصاف من العناوين غير المقومة في نظر العرف،
كوصف الكتابة والخياطة والنجارة في العبد، فلا يكون تخلفها موجبا
لبطلان البيع، ومن قبيل تخلف العنوان عن المعنون فيكون البيع صحيحا
مع الخيار.
وفي المقام أن المبيع وإن كان خمسة أمنان من الحنطة فظهر أنه ثلاثة
أمنان، ولكن عنوان الخمسة ليس من العناوين المقوم بحيث يفوت المبيع
بالكلية بانقضائه، بل المبيع الذي وقع عليه موجودا وإنما انتفي عنه
وصف انضمامه بالمقدار الزائد فيكون البيع في الحقيقة منحلا إلى بيوع
متعددة، فإن معنى بعتك هذه الحنطة التي عشرة أمنان بعشرة دراهم أن
كل من منها بدرهم، غاية الأمر أن كل بيع مشروط بانضمامه إلى البيع
الآخر،، فإذا ظهرت الحنطة خمسة فيكون البيع بالنسبة إلى الخمسة
باطلة لما تقدم، وبالنسبة إلى الخمسة الموجودة صحيحة مع خيار
تخلف الوصف والشرط أي عنوان الانضمام.
651

وبالجملة أن احتمال البطلان هنا فاسد، وقياس المقام بباب تخلف
العنوان عن المعنون قياس مع الفارق.
2 - في أن الخيار الثابت هنا للمشتري أو للبايع هل هو خيار تخلف
الوصف، أعني ما ذكرناه من انضمام هذا البيع ببيع الزائد عن المبيع
الموجود، أو خيار آخر كخيار الغبن والعيب مثلا.
عبر العلامة في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبايع مع الزيادة
وللمشتري مع النقيصة بقوله: تخير المغبون، وتخيل بعض تبعا لبعض
الآخر أن هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء، معللا بأن خيار
الوصف إنما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد.
وأشكل عليه المصنف باندفاعه بتصريح العلامة في هذه المسألة من
التذكرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص، وفي باب الصرف
من القواعد بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما أخبر البايع تخير المشتري
بين الفسخ والامضاء بحصة معينة من الثمن، وأما التعبير بلفظ المغبون
ليس من جهة كون النقص أو الزيادة غبنا لهما اصطلاحا، فإنه عبارة عن
التفاوت في القيمة السوقية، بل من جهة إرادة النقص والتضرر وأن
الخيار ثابت لمن نقص من مالية ماله وحصل له الضرر في هذا البيع لأجل
الزيادة أو النقيصة.
وبعبارة أخرى أن غرض العلامة من هذا التعبير تعميم الخيار لكل من
البايع في صورة الزيادة والمشتري في صورة النقيصة، والمجوز لهذا
الاطلاق هو الاعتبار بنقص مالية ماله في المعاملة وحصول الضرر لهما،
وإلا فالخيار من جهة تخلف الوصف فقط، فيكون الخيار خيار تخلف
الوصف والشرط الضمني.
وأما ما ذكره بعضهم من أن خيار الوصف إنما يثبت مع التصريح
652

بالوصف في العقد، ففيه أن هذا في الأوصاف الخارجية التي لا يشترط
اعتبارها في صحة البيع ككتابة العبد وخياطته، وأما الملحظ في عنوان
المبيع بحيث لو لم يلاحظ يصح البيع كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو
العد، فهذا لا يحتاج إلى الذكر.
وكذا الشروط الضمنية كعدم تبعض الصفقة وعدم فوات الانضمام
وعدم حصول الشركة فيه، إلى غير ذلك من الشروط الضمينة التي
اعتبرت في المعاملة بحسب بناء العقلاء وإن لم تكن مذكورة في ضمن
العقد كما هو واضح.
فتحصل أن الخيار هنا هو خيار تخلف الشرط دون خيار الغبن، وتعبير
العلامة بثبوت الخيار للمغبون لا يكون دليلا على كونه خيار غبن، مع ما
عرفت أن مراده تعميم الخيار للمتضرر منهما دون الغبن الاصطلاحي
أعني تفاوت القيمة السوقية.
3 - هل هذا الخيار كسائر الخيارات الحاصلة من تخلف الوصف
والشرط، بحيث يكون من له الخيار مختارا بين الفسخ وأخذ الثمن أو
المثمن والامضاء، بدون أن يستحق باسترداد شئ من الثمن أو المثمن،
أو أنه على غير النسق المذكور وإنما يستحق من الخيار استرداد جزء من
الثمن أو المثمن.
والظاهر أن خيار التخلف هنا كسائر الخيارات الثابتة لتخلف الشرط
أو الوصف، فلا يوجب استحقاق شئ من الثمن أو المثمن، غاية الأمر أن
الخيار هنا منضم بأمر آخر، فهو بطلان البيع في الجزء الزائد في صورة
الزيادة وفي الجزء الناقص في صورة النقيصة.
مثلا لو باع الحنطة على أنها خمسين حقة بخمسين درهما فينحل
البيع هنا إلى بيوع متعددة أي منها مشروط بالبقية، فلو ظهرت الحنطة
653

ثلاثين حقة فيكون هنا أمران: أحدهما بطلان البيع في الناقص لعدم
وجود المبيع أصلا، والثاني ثبوت الخيار للمشتري في الباقي لتخلف
الشرط الضمني، وهو انضمام كل مبيع بالبقية، وقد انتفي هذا الشرط
بظهور المبيع ناقصا، فما هو مركز الخيار غير ما هو مركز البطلان، فيكون
الخيار كسائر الخيارات في تخلف الشرط وتبعض الصفقة.
وما توهم من أن الخيار هنا ليس كبقية خيار تخلف الشرط، فإن ذي
الخيار هنا يستحق من الثمن مقدار ما يقابل بالجزء الناقص، فهو ناشئ من
الخلط بين الأمرين كما هو واضح.
وبالجملة فكما للمشتري خيار تبعض الصفقة في سائر الموارد
وكذلك هنا، ومرجعه إلى خيار تخلف الشرط والوصف.
4 - هل يثبت الخيار للبايع في صورة زيادة المبيع عن المقدار الذي
أخبر به البايع، كما أنه ثابت للمشتري في صورة النقيصة أم لا؟
قد عرفت من العلامة في القواعد من التعبير عن ثبوت الخيار لهما
بقوله: تخير المغبون، ولكن الظاهر أنه لا خيار للبايع بل هو للمشتري في
كلا الصورتين، أي صورتي الزيادة والنقيصة، أما في صورة النقيصة فقد
عرفت ثبوته للمشتري من جهة تخلف الشرط، وأما في صورة الزيادة
فربما يتوهم ثبوت الخيار للبايع، من جهة أنه صار شريكا مع المشتري
في المتاع.
وفيه أنه وإن صار شريكا مع المشتري بنحو الإشاعة إلا أن كل شركة
لا تقتضي ثبوت الخيار وإن كان عيبا، وذلك لعدم دخوله تحت الالتزام
العقدي الضمني، نعم لو باع عبدا مريضا مثلا فبان أنه صحيح فله الخيار،
وهكذا كل شئ دخل تحت الالتزام العقدي ولو ضمنا.
وأما ثبوت الخيار للمشتري فواضح، لكون الشركة عيبا في المتاع
654

الذي اشتراه فيكون مختارا في الفسخ والامضاء، وإن شئت فارجعه إلى
خيار تخلف الشرط، فإن الشرط الضمني موجود في عدم تعلق حق
الغير بالمبيع، وكون المشتري مستقلا في التصرف فيه، ومن الواضح أن
حق القسمة للشريك البايع يمنع عن استقلال المشتري في التصرف في
المبيع، كما هو واضح لا يخفى.
خلاصة الكلام في اعتبار الكيل والوزن والعد
فتحصل مما ذكرناه أن بيع المكيل والموزون لا يجوز بدون الكيل
والوزن للروايات الدالة على اعتبارهما فيهما، وكذلك المعدود للرواية
الدالة على تقرير الإمام (عليه السلام) فهم السائل اعتبارهما فيهما، حيث أجاب
عن سؤاله عن صحة بيع المعدود بالكيل كما لا يخفى على ما تقدم، وأما
اعتبار الزرع في المزروع فقد عرفت صحته أيضا وعدم جواز بيعه بدونه،
لما استفدناه من الروايات الدالة على اعتبار الكيل والوزن في المكيل
والموزون من عدم الخصوصية لهما، بل هما طريقان إلى تعيين مالية
الشئ ومقداره، ومن الواضح أن الزرع أيضا يعين مقدار مالية المزروع
كما هو واضح جدا.
وأما ما لا يعتبر فيه الوزن والكيل والزرع، كالألبسة والأراضي
والدور ونحوها من مختلفة الأجزاء، فالظاهر كفاية المشاهدة فيه، كما
ذكره المحقق في الشرايع والعلامة في التذكرة، فتوجب المشاهدة رفع
الجهالة والغرر في المبيع، بناء على اعتبار العلم بمقدار العوضين كما
تقدم، وإلا فلا وجه لاعتبارها أيضا في بيع مختلفة الأجزاء كما عرفت.
والوجه في ذلك أن المناط في اعتبار العلم بالعوضين هو تعيين
مقدارهما ليسلم البيع عن الغرر والمجازفة، ومن الواضح أن المشاهدة
655

أيضا طريق إلى تعيين مالية الشئ فيما لا يمكن فيه الأمور المتقدمة.
وعليه فلا يثبت الخيار للمشتري إذا حصل التفاوت بمقدار يسير
يتسامح فيه عادة، وأما إذا ظهر فيه التفاوت بما لا يتسامح فلا يخرج
البيع عن بيع الغرر والمجازفة، وحينئذ إن اعتبرنا العلم بالعوضين في
صحة البيع وعدم الغرر فيها فيكون باطلا، وإلا فيكون صحيحا مع ثبوت
الخيار للمشتري.
ومن هنا أشكل المصنف على العلامة من حيث عده بيع قطيع من الغنم
من ذلك، فإن التفاوت في ذلك قد يكون بما لا يتسامح فيه، وكذلك إذا
باعها معدودا، نعم بيع كل واحد من الأغنام بالمشاهدة لا بأس به لعدم
الغرر فيه.
6 - الكلام في بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء
قوله (رحمه الله): مسألة: بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء كصاع من صبرة
مجتمعة الصيعان أو متفرقتها، أو ذراع من كرباس، أو عبد من عبدين وشبه ذلك
يتصور على وجوه.
أقول: قد قسم المصنف بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء إلى
أقسام، فلا يعلم أن نسبة المبيع إلى الجملة أي شئ:
1 - أن يكون المبيع كسرا مشاعا
ولعله بين معنى كسر المشاع بحيث يبيع منا من الحنطة، فلا يعلم أن
نسبة المن إلى الحنطة أي شئ، أهي بالنصف أو بالثلث أو أقل أو أكثر،
سواء كانت الحنطة في موضع واحد أو في مواضع عديدة، فلا يشترط
في ذلك العلم بأن الصبرة أي مقدار من الصاع.
656

وهذا لا شبهة في صحته، لعدم وجود ما يوجب بطلان المعاملة، أما
الغرر فمنفي لعدم الجهل بالمبيع، غاية الأمر أن نسبة المبيع إلى
المجموع مجهولة، وكذلك لا ابهام فيه أيضا كما عرفت.
وأيضا لا مجال لأن يقال: إن صفة الملك تحتاج إلى محل موجود
لتقوم به وهو منفي هنا، لما عرفت وجوده في الخارج، غاية الأمر لا يعلم
نسبته إلى المجموع، ومن هذا قبيل بيع عبد من عبدين أو دار من دارين،
بل بيع نصف العبد ونصف الأمة من عبد وأمة، فإن في ذلك كله المبيع أمر
معين، بل نسبته إلى المجموع أيضا معين، فأي وجه للبطلان.
وقد أشكل العلامة على صحة البيع عبد من عبدين ولم يبين جهة
الاشكال، وذكر المصنف أن وجه الفرق منع ظهور الكسر المشاع من لفظ
العبد، لعدم صحة اطلاق لفظ العبد على نصف هذا العبد ونصف العبد
الآخر.
وهذا لا يكون فارقا في المقام، فإن غايته يوجب سقوط اللفظ عن
الدلالة في مقام الاثبات على المراد الواقعي، فكلامنا ليس في مقام
الاثبات بل في مقام الثبوت وامكان هذا البيع، فحيث أمكن ذلك فيمكن
أن يكون كلامه مقرونا بالقرائن، فبواسطة القرائن يفهم المراد أو يصرح
على كون البيع بنحو الإشاعة.
وتوهم أن لفظ الغلط يضر بالانشاء فاسد، لما عرفت مضافا إلى فساد
أصل المبنى، أنه يضر إذا كان نفس الانشاء بالألفاظ المغلوطة، وأما إذا
كان الغلط في ألفاظ المتعلق بحيث يكون اللفظ الدال على متعلق البيع
غلطا فلا يتوهم أحد أنه يضر بالانشاء.
ومما ذكرناه ظهر أنه لا فرق في صحة البيع هنا بين كون المبيع متساوية
الأجزاء أو مختلفة الأجزاء، فيصح بيع نصف من العبد ونصف من الأمة
657

ونصف من هذا الدار ونصف من الدار الأخرى، مع أنها ليست متساوية
الأجزاء، بل وكذلك بين نصف من الدار فإنها ليست متساوية، فإن في
ذلك كله لا جهالة في المبيع ولا شئ آخر مما يوجب البطلان.
2 - أن يكون المبيع كليا في الخارج مقابل الكلي في الذمة
هذا هو القسم الثالث في كلام المصنف، وإنما قدمناه لتوقف معرفة
القسم الثاني على القسم الأول والثالث.
بيان ذلك: إن المبيع تارة يضاف إلى الذمة، بأن يبيع منا من الحنطة في
الذمة، بحيث يعتبر العقلاء بمجرد إضافة الكلي إلى الذمة مالية له وإن لم يكن مالا قبل ذلك، وهذا يسمي كليا في الذمة، وأخرى يكون المبيع
كليا في الخارج، بأن يبيع صاعا من الصبرة الموجودة في الخارج المعين
المقدار، بحيث إن المبيع يكون كليا في المعين الخارجي، ومن هذا
القبيل أيضا بيع عشرة أمتار من المزروع المقدر بمائة متر، فإن المبيع
الكلي الخارجي.
والفرق بين القسم الأول الذي يسمى بكسر المشاع وهذا القسم الذي
يسمى بالكلي في الخارج، أن المبيع في القسم الأول موجود في الخارج
بحيث لو تلف مجموع الحنطة للبايع تلف المبيع أيضا، وهذا بخلافه
هنا، فإن المبيع هنا كلي مضيق ينطبق على الأمنان الخارجية، فإذا تلفت
الصبرة لم يتلف المبيع ولم يبق منها إلا بمقدار المبيع، فيكون المبيع
منطبقا عليه، وإذا تلفت الصبرة أجمع فيكون للمشتري حق الفسخ قبل
القبض ويذهب من كيسه بعده.
وهذا القسم أيضا لا شبهة في صحته لعدم تمشي بشئ من الوجوه
المذكورة للبطلان هنا، فإن المبيع كلي معين غايته مضيق بما في الخارج
658

من غير أن يكون فيه ابهام وجهالة أصلا، فلو كان بيع كلي هنا باطلا كان
السلم أولى بالبطلان لعدم وجود ما ينطبق عليه الكلي في الخارج.
وبالجملة لا شبهة في صحة بيع صاع من صبرة بنحو بيع الكلي في
الخارج كما لا يخفى.
3 - أن يكون المبيع فردا منتشرا في الأجزاء الخارجية ومبهما من جميع
الجهات
الفرق بين هذا القسم والقسم الأول هو أن المبيع في القسم الأول
موجود معين شخصي من غير جهالة فيه، وإنما الجهالة كانت في نسبته
إلى المجموع، وأما في هذا القسم ليس فيه تعين أصلا فضلا عن كونه في
الخارج، وأما القسم الثاني فالمبيع فيه أمر كلي بغير تشخص فيه أصلا،
وهذا بخلاف القسم الثالث فإن المبيع ليس كليا كالقسم الثاني ولا أمرا
موجودا في الخارج ومتشخصا بالخصوصيات بل هو فرد مردد مبهم،
ويسمي ذلك بالفرد المنتشر.
وقد استدل على بطلان البيع هنا تارة بالجهالة، وأخرى بأن الابهام في
المبيع مبطل، وثالثة بأنه موجب للغرر فيكون موجبا للبطلان، ورابعا بأن
الملك صفة وجودية محتاج إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة
في الخارج، وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به، لأنه أمر
انتزاعي من أمرين معينين.
وذهب المشهور إلى بطلان هذا القسم من البيع، بل ادعي الاجماع
على ذلك، وخالف المحقق الأردبيلي في ذلك، وتبعه المصنف وبعض
آخر (1).

1 - راجع جواهر الكلام 22: 420.
659

أقول: يقع الكلام في تصوير هذا: بأنه هل يمكن وجود فرد مبهم في
العالم أم لا.
فنقول: تارة يراد من الفرد المنتشر الوجود المبهم غير المتشخص
بخصوصية خاصة، فهذا لا شبهة في بطلان بيعه، إذ لا وجود له أصلا
حتى في علم الله ولم يخلق فرد يكون موصوفا بهذا الوصف، فإن كلما
هو موجود في الخارج فمتشخص بشخصية خاصة وبجهات مميزة، بل
التشخص عين الوجود على قول، فكيف يعقل أن يكون هنا فردا
ولا يكون متشخصا لخصوصية.
فإن أراد من الفرد المنتشر هذا المعنى المردد، وقال الأردبيلي
والمصنف بصحة بيع هذا الفرد فهو بديهي البطلان، لما عرفت من عدم
وجود مثل ذلك أصلا.
وإن أرادوا من ذلك الفرد المنكر، أي فردا موجودا بين الأفراد
الخارجية متشخصا بخصوصية ومتميزا في الخارج بتميز خاص بحيث
كان عند الله معينا، حتى لو كان هنا معصوم لأخبر بالمبيع، ولكن
مجهول عند البايع والمشتري، كما إذا قال: بعتك عبدا من عبدين أو
صاعا من صياع هذه الصبرة، أو شاة من هذه الشياة، فإن المبيع وإن كان
مجهولا عند المتعاملين ولكن ليس مثل الأول غير موجود في العالم
وغير مخلوق لله، بل له وجود حقيقة في علم الله، بحيث لو عينا كان
فردا من هذه الأفراد، كما إذا قال: بعتك عبدا من عبيدي الذي يأتي أولا،
فإن أيا منهم يأتي أولا فهو مبيع ومعلوم عند الله واقعا.
فإن أرادوا هذا المعنى فالظاهر أنه لا شبهة في صحته، إذ ليس شئ من
الوجوه المذكورة جارية هنا إلا الوجه الأول، فهو الجهالة.
أما الابهام فالفرض أن الفرد المبهم لا وجود له في الواقع، وقلنا: إن
660

لما نحن فيه وجود واقعي غايته مجهول عند المتعاملين، وأما الغرر
فليست المعاملة بغررية أصلا، فإن من المفروض الصبرة متساوية
الأجزاء ومتساوية النسبة.
وأما كون الملك صفة محتاجة إلى محل موجود فكذلك أيضا، أن
المبيع موجود فيقوم عنوان الملكية الذي أمر اعتباري بذلك المحل،
وبعبارة أخرى أنه لا شبهة في توقف البيع على وجود محل يقوم به، فإن
الملكية وإن لم تكن أمرا خارجيا وصفة وجودية، بل من الاعتباريات، إلا أن هذا الأمر الاعتباري لا بد له من محل يقوم به ليمكن تبديل المال في
طرف الإضافة، فما لا مال فلا إضافة ليمكن التبديل فيها.
نعم فالجهالة موجودة هنا، فإن تم اجماع ونحوه على بطلان البيع
بمثل هذه الجهالة وكونها موجبة للبطلان فبها، وإلا فيحكم بالصحة
للعمومات كما هو واضح.
وأوضح بالصحة لو كان له عبدان فمات أحدهما وبقي الآخر
ولم يعرف أنه المبارك أو الميمون، فيقول: بعتك العبد الباقي من عبدين،
فإن مثل هذه الجهالة لا تضر بالصحة، ولا دليل على كونها مبطلة، وتوهم
شمول الاجماع عليه فاسد، فإنه دليل لبي لا يشمل لغير الجهالة في
المقدار.
بيان آخر في بيع صاع من الصبرة
وحاصل ما ذكرناه في هذه المسألة هو أن بيع شئ يتصور على
وجوه:
1 - أن يكون كسر مشاع، بمعنى أن يكون المبيع حصة من الحنطة
الموجودة في الخارج ومتشخصا بخصوصية ويكون المشتري شريكا
661

له بنسبة خاصة من النصف أو الثلث أو غيرهما، وإنما يشير البايع بقوله:
بعتك منا من الحنطة، إلى الشركة بهذا النحو كما لا يخفى.
وهذا لا شبهة في صحته، ولا فرق في ذلك بين كونه متساوية الأجزاء
أو لم يكن، ولا بين صحة اطلاق اللفظ على النصف ونحوه وعدمه،
فيصح بيع عبد من عبدين على نحو الإشاعة وإن لم يصح اطلاق العبد
على النصف.
وذلك لما عرفت في ألفاظ العقود على اعتبار الحقيقة، والألفاظ
الصحيحة في ألفاظ العقود إنما هو منحصر بالألفاظ التي يقع به انشاء
العقد، وأما متعلقات العقود فلا يعتبر فيها الحقيقة بل لا يعتبر فيها الألفاظ
الصحيحة فضلا عن المجاز كما هو واضح.
وبالجملة فبيع كسر المشاع بأي لفظ كان صحيح بلا اشكال، وليس
فيه ما يوجب البطلان من الوجوه المتقدمة، كالجهالة والابهام والغرر
وعدم وجود المحل ليقوم به الملك.
2 - بيع الكلي في المعين الخارجي في مقابل البيع الكلي في الذمة،
وقد تقدم تفصيله، واجماله:
أن يبيع كليا معينا مثل المن ونحوه من هذه الصبرة الخارجية، من غير
أن يكون المشتري شريكا له في الصبرة، وإنما يكون حقه قابلا للانطباق
بكل من منها انطباق الكلي على الفرد، حتى لو تلفت الصبرة ولم يبق منها
إلا بقدر المبيع، فيكون حقه منطبقا عليه بخلاف في الأول، فإن التالف من
البايع والمشتري بنسبة حصتهما إلى مجموع الصبرة.
ويدل على صحة هذا البيع مضافا إلى المطلقات والعمومات قيام
السيرة القطعية على صحته، فإن رسم الأصناف من قديم الأيام وحديثها
جار على بيع بعض من المتاع الموجود على النحو الكلي في المعين،
662

وكذلك المشترين يشترون هكذا، فيجئ أحد إلى البزاز فيقول له: بعني
عشرة طاقات من الثوب الفلاني، ويقول: البايع بعتك عشرة طاقات، فإنه يكون هذا على نحو الكلي في المعين
.
ويدل على صحة هذا البيع مضافا إلى الأمرين المذكورين صحيحة
الأطنان - ولورود الرواية في أطنان من القصب قد سمها الشيخ صحيحة
الأطنان - حيث سأل رجل عن بيع أطنان من القصب الموجود في الخارج
حيث احترق ولم يبق إلا بقدر المبيع، فقال (عليه السلام): العشرة آلاف طن التي
بقيت هي للمشتري (1)، فلا يتم ذلك إلا بكون المبيع كليا لا بنحو
الإشاعة.
وتوهم أنه على نحو الإشاعة ولكن حيث كان التلف قبل القبض فلذا
لم يكن التالف من المشتري، فإن التلف قبل القبض من مال البايع توهم
فاسد، فإن جهة الاستدلال ليس هو ذلك، بل كون الباقي مجموعا
للمشتري، فإنه لو كان على نحو الإشاعة لكان البايع أيضا شريكا له في
الباقي، ولا يفرق في ذلك قبل القبض وبعده.
على أن الرواية غير متعرضة بجهة القبض سؤالا وجوابا.
3 - أن يكون المبيع فردا مبهما مرددا بين الأفراد الخارجية نظير الفرد
المنتشر، من غير أن يكون متشخصا بخصوصية خارجية كما في القسم

1 - عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن
قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد
بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت من ثمنه
ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون
ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري والعشرون
التي احترقت من مال البائع (التهذيب 7: 126، عنه الوسائل 17: 365)، صحيحة.
663

الأول، ولا أمرا كليا كما في القسم الثاني.
فقد ذهب المشهور إلى بطلانه والأردبيلي وبعض من تأخر عنه إلى
الجواز، واختاره المصنف.
واستدلوا على البطلان بوجوه أربعة، وقد أجاب عنه المصنف كما
تقدم، ولكن الكلام في تصوير ذلك، فنقول:
فإن أرادوا من الفرد المبهم الفرد المنتشر الذي لا يتشخص بخصوصية
خارجية، فهذا لا وجود له حتى في علم الله تعالى ولم يخلق، بل
ولا يخلق أصلا، بل يستحيل أن يكون موجودا أصلا، فإن الشئ ما
لم يتشخص لم يوجد، على ما قيد، بل التشخص عين الوجود فكيف
يعقل أن يكون الشئ موجودا في الخارج ويكون مبهما من جميع
الجهات وغير متشخص بخصوصية خاصة، فلا يمكن أن يكون المبيع
أمرا موجودا وفردا منتشرا بين الأفراد الخارجية.
وعليه فلا يعقل القول بامكانه فضلا عن صحة بيعه أو الاستدلال على
بطلانه بأمور متقدمة، فإن ذلك من أقسام ممتنع الوجود في الخارج.
وإن أرادوا من الفرد المبهم الفرد المنكر، فلا شبهة في جوازه بحيث
إن المبيع موجود بين هذه الصياع مثلا، ومتشخص بخصوصية ومتميز
عن سائر الموجودات في الخارج إلا أنه غير معلوم للمتبايعين، وإلا فإن
الله تعالى يعلم أن المبيع أي فرد من الأفراد الخارجية، وأي منها يختاره
المشتري عند القبض والاقباض، ولو كان هنا معصوم لأخبر به، كما إذا
قال: بعتك عبدا من عبيدي الذي يجيئني قبل كلهم، أو شاة من الشياة، أو
صاعا من صياع هذه الصبرة الموجودة الذي نختاره عند الوزن أولا، فإن
في ذلك كله إن الله تعالى يعلم أن أي فرد منها مبيع.
فليس مثل القسم الأول بحيث إن لا يكون له وجود أصلا حتى في علم
664

الله تعالى ويستحيل خلقه إلى الأبد ويكون داخلا في ممتنع الوجود.
وإن أرادوا هذا فلا شبهة في صحته، ولا يرد عليه شئ من الوجوه
الأربعة إلا الجهالة، فإن تم اجماع على كونها مبطلة فبها، وإلا فيتمسك
بالعمومات الدالة على صحة البيع ويحكم بصحته أيضا.
وعلى هذا فما ذهب إليه الأردبيلي ومن تبعه بعده متين جدا.
الكلام في تصوير الإشاعة وبيع الصياع من الصبرة على نحو الكلي
ثم إنه بقي الكلام في تصوير الإشاعة وبيع الصياع من الصبرة على نحو
الكلي، أما الأول فذهب جمع إلى أن الإشاعة أن يملك شخصين متاعا
بنحو الكلي، بحيث إن كل منهما يملك كليا منطبقا على العين الخارجية،
فمعنى الشركة على نحو الإشاعة وملك كل منهما كليا قابل الانطباق
على الموجود الخارجي.
وذهب بعضهم أن معنى الإشاعة أن يملك كل واحد من الشريكين أمرا
شخصيا خارجيا من المال الخارجي المشترك، بحيث يكون معينا في
الواقع ومجهولا في الظاهر إلى أن تنتهي التقسيم حتى الأجزاء الصغار،
ولكن لا يتميز حقيقة كل منهم عن الآخر في الظاهر وإن كان معلوما في
الواقع.
ثم إنه ذهب أكثر المتكلمين وبعض الحكماء قبل الاسلام إلى وجود
الجزء الذي لا يتجزأ، وأن الجسم مركب من تلك الأجزاء، وأن المواد
الأصلية للأشياء هي تلك الأجزاء، وذهب جمهور الحكماء إلى بطلان
هذا المذهب.
وعلى فرض تحققه أن مواد الأشياء ليست هي الأجزاء غير المتجزئ،
حتى أن بطلان الجزء الذي لا يتجزأ وعدم قبول الانقسام من أبده
665

البديهيات، وقد برهنوا عليه في محله ببراهين متعددة.
منها: أن كل ما هو متجز وشاغل للمكان وقابل للإشارة الحسية
الملازم للوجود والتشخص في الخارج فله جهات ستة، بحيث إن فوقه
غير تحته وهكذا، وأن الملاقي له من هذا الثوب غير ما يلاقيه من الثوب
الآخر وهكذا، وإن وصل ذلك الشئ في الصغر إلى حد لا يكون شئ
أصغر منه، بحيث لا مرتبة بعد إلا لعدم فعلية، فلا مناص من قبوله
القسمة، وإنما عدم الانقسام في الخارج بواسطة عدم الآلة القطاعة،
وعليه يترتب بطلان مذهب النظام القائل بتركب الأشياء من أجزاء غير
متناهية لا تتجزأ، على أنه يلزم امتناع قطع مسافة معينة في مدة متناهية
إلا بالطفرة، فإن المسافة الواقعة بين المبدأ والمنتهى مركب من أجزاء
لا تتناهى، فلا يعقل قطعها في زمان متناه إلا بالطفرة، إلى غير ذلك من
البراهين.
وبالجملة فلا شبهة في بطلان القول بالجزء الذي لا يتجزأ وكون
الأجسام مركبا منها.
ولكن تصوير الإشاعة في الشركة غير متوقفة على ذلك، فإنه قلنا
بوجود الجزء الذي لا يتجزأ أو بعدمه فالشركة موجودة في الخارج
قطعا، وانتهى إلى الأجزاء غير المتناهية، بناء على عدم انقسام الجوهر
الفرد.
تصوير الإشاعة على المال بنحو الكلي في المعين
إذا عرفت ذلك فنقول: أما تصوير الإشاعة على الوجه الأول، أي
مالكية كل منهما على المال بنحو الكلي في المعين، فلا شبهة في بطلانه،
فإن لازم ذلك أن لا يكون الخصوصيات الموجودة في العين الخارجي
666

مملوكة للشركاء، كخصوصية الدار والأرض والحيوانات وغيرها من
الأملاك الشخصية، ومن البديهي أنها من أملاكهم، فلا يصح ذلك مع
القول بكون مالكيتهم على نحو الكلي في المعين، فإنه لا يعقل أن يكون
الكلي حاويا للخصوصيات.
وأيضا من جملة أسباب الشركة المزج، فلو كان ملك كل من الشريكين
على نحو الكلي فيلزم عدم ملك كل من مالكي الطعامين بالطعام
الشخصي، مع أن ملكهم كان شخصيا فهذا خلف.
ويلزم أيضا أن تخرج الخصوصية من كلهم بلا سبب، وأيضا لو باع
أحد نصف داره من الآخر على نحو الإشاعة فلازم القول المذكور أنه لو
تلفت العين ولم يبق منها إلا بمقدار حق المشتري فيكون ذلك متمحضا
له، وإن قلنا بزوال مالكية البايع عن الحصة الأخرى لنفسه فلازمه إلغاء
ذلك بلا موجب، فشئ من ذلك لا يمكن الالتزام به.
وأما كون كل من الشركاء مالكا لشخص خاص معين في الواقع وغير
معين في الظاهر، بحيث أي جزء فرضته يكون نصفه الخاص لهذا ونصف
الخاص لذلك، فهو أيضا باطل، فإنه يلزم حينئذ أن يكون ملك كل منهما
على الشخص الخاص بلا مرجح ومجوز فيما إذا اشتريا متاعا على
الشركة أو انتقل متاع إلى الوارث من المورث وهكذا، فإن في هذه
الموارد كلها أي سبب أوجب ملك هذا بجزء خاص وملك ذاك أيضا
بجزء خاص، مع أن نسبة المال كان إليهما على حد سواء، فيلزم من ذلك
ملك كل منها على شخص خاص دون الآخر تخصيص بلا مخصص
وترجيح بلا مرجح.
على أنه لو كانت الشركة بمعنى ملك كل من الشريكين حصة خاصة
شخصية إلى أي مرتبة انتهت، لزم في بعض الموارد أن يكون المال بدون
المالك.
667

كما إذا فرضنا أن هنا مالا مشتركا بين خمسين وإذا قسمناه إلى عدد
الشركاء خرج عن المالية للقلة كحبة من الحمص مثلا، فالمجموع من
حيث المجموع ليس مالا لشخص منهم وأجزاء لا يصدق عليها المال،
فيلزم أن يكون هذا المال بلا مالك فهو بديهي البطلان.
بل ربما يخرج الأجزاء عن الملك لكثرة الشركاء، كما إذا اشترك
شخاط بين مائة، فإن كل جزء من المائة ليس بملك أيضا، فإنه لا يعتبر
العقلاء الملكية على ذلك كما لا يخفى.
وأما الابهام فمضافا إلى أنه لم يحتمله أحد أنه غير معقول.
بيان آخر لتصوير الإشاعة على المال بنحو الكلي في المعين
ومحصل الكلام من الأول أنه لا يعقل تصوير الإشاعة على نحو الكلي
في المعين، فإن لازم ذلك أن لا تكون الخصوصية في الأعيان الشخصية
المملوكة للشركاء مملوكة لهم، كالدار والحدائق والبساطين المشتركة
بين الشركاء، مع أنها مملوكة لهم.
وأيضا إذا حصلت الشركة بالمزج، فلزم إلغاء مالكية الشركاء عن العين
مع أنهم كانوا مالكين بالخصوصيات، فأي شئ أوجب إلغاء ذلك.
وأيضا لو باع أحد نصف داره من زيد على نحو الإشاعة وصار
المشتري مالكا للكلي في المعين فلازم ذلك أن ينحصر حقه بالباقي مع
تلف النصف، كما هو كذلك في جميع موارد بيع الكلي في المعين، مع أن
التلف في صورة الإشاعة محسوب منهما بلا خلف، فإن قلنا بزوال
مالكية البايع عن الخصوصية في حصة نفسه فهو بلا موجب، فأي سبب
أوجب زوال ملكه عنها وصار مالكا للكلي.
فكل ذلك مما لا يمكن الالتزام به.
668

وأيضا لا يعقل تصوير الإشاعة على نحو كون كل منهم مالكا للشخص
الخاص المعين في الواقع إلى أي حد وصل التقسيم وإن كان مجهولا في
الظاهر، وكل من الشريكين مالك لنصف العين المشتركة بجميع أجزائها
المعينة في الواقع.
والوجه في عدم كونه معقولا أن لازم ذلك أن يكون كل منهم مالكا
لجزء خاص بلا موجب، فيما إذا مات المورث وترك وراثا متعددة
ومالا، فإنهم مشتركون في ذلك المال، فكون كل منهم مالكا لشخص
خاص وجزء معين دون الآخر وبالعكس ترجيح بلا مرجح وتخصيص
بلا مخصص.
وأيضا لا يعقل تصوير الإشاعة على نحو الابهام، فإنه مضافا إلى أنه
لم يقل به أحد أنه غير معقول كما عرفت.
القول الموافق للتحقيق في تصوير الإشاعة
وإذا بطل الوجوه المتقدمة فانحصر الوجه في تصوير الإشاعة بما
نذكره، والتحقيق فيه أن يقال في تصوير الإشاعة:
إن مجموع الشركاء مالك لمجموع المال، فإن العقلاء يعتبرون مالكية
المجموع لشئ واحد بنحو الاستقلال ولكن مالكية كل منهم للعين
مالكية ناقصة كالنصف والثلث والثلثين والربع والسدس وغيرها، فإن
كل منهم نصف المالك وثلثه وربعه وسدسه وهكذا، بحيث إن كل منهم
مالكا للمجموع بإحدى النسب المذكورة دون البعض الخاص أو الكلي
في المعين، ولكن على نحو الناقص، بحيث لو أراد أن يتصرف في العين
المشتركة على نحو الاستقلال فلا يجوز له ذلك، لعدم كون مالكيته
للمجموع على نحو الاستقلال لينافي الشركة، فكان كلهم مالك واحد
فالمجموع مالك للمجموع استقلالا.
669

وبالجملة أن كل من الشركاء مالك على مجموع المال وتمامه ولكن
على نحو الناقص، لكونه نصف المالك أو ربعه وهكذا، والتعبير عن ذلك
بأن كل منهم مالك للنصف وهكذا فمن باب المسامحة في التعبير
والضيق في العبارة، وإلا فليس له مالكية على النصف مثلا بالاستقلال
من العين المشتركة أصلا وإنما المجموع مالك واحد مستقل، وكل
منهم مالك ناقص وله مالكية للتصرف فيها ناقصة، من غير أن يكون
بالاستقلال.
ففي مثل موت المورث وانتقال المال إلى الورثة أن مجموع الورثة
مالك واحد قائم مقام الميت، فإن المالك كان هو المورث وحده،
وبالفعل كان المالك هو مجموع الورثة وصاروا نائبا عنه في المالكية،
وكان المورث تمام المالك وصار كل واحد نصف المالك وربعه على
حسب حصته، ولا شبهة في صحة اعتبار الملكية للمجموع.
ويدل عليه ما ذكرناه أنه ربما لا يكون للأجزاء بنفسها مالية أصلا، و
إنما المالية تقوم بالمجموع من حيث المجموع، كما إذا كان شخاط
واحد مشتركا بين خمسين، فإن قلنا بما ذكرناه من كون المجموع من
حيث المجموع مالكا للمال على نحو الاستقلال، لصحة اعتبار الملكية
لهم وكان لكل منهم مالكية ناقصة فيها، وإلا لكان هذا المال بلا مالك،
فإن حصة كل منهم ليس بمال، والمجموع من حيث المجموع مال،
ولكنه ليس لأحد ولا للمجموع على الفرض.
بل ربما يصل إلى مرتبة يخرج مقدار حصة كل منهم عن الملكية
ولا يعتبر العقلاء ملكية عليه، كما إذا كان حق كل منهم بمقدار نصف
العود من الشخاط، نعم يبقى له حق الاختصاص في العين لكونها متعلقة
لحقه.
670

وأما على ما ذكرناه فالأمر واضح، فإن المجموع من الشركاء مالك
استقلالا لمجموع العين المشتركة، وكل واحد منهم مالك للمجموع
أيضا ولكن على نحو الناقص، بحيث إن كل منهم نصف المالك وربعه
وثلثه، وليس له على العين السلطة المالكية الاستقلالية بل له سلطة على
العين سلطة المالكية الناقصة، فإن لكل منهم مملوك فهو مجموع العين
ولكن مالكيته وسلطنته عليه ناقصة كما لا يخفى.
ويترتب على ذلك أنه إذا باع أحد الشريكين حصته، فمعناه أنه باع
مجموع العين بملكية ناقصة، وانتقل عنه إلى المشتري مالكية ناقصة،
أي زالت إضافة الملكية عنه ووجدت في المشتري، فإن التعبير
بالانتقال مسامحة في التعبير.
وتوضيح ذلك أنه: كما يجوز لأحد أن يبيع نصف الدار مثلا معينا أو
على نحو الكلي في المعين أو على نحو الفرد المنكر، فكذلك يجوز بيع
مقدار منها على نحو الإشاعة، بمعنى كون المبيع مجموع الدار ولكن
يبيعه بالمالكية الناقصة، وينتقل إليه نصف المالكية، أي يعدم نصف
مالكيته بالبيع وتنقطع من المالك الإضافة الناقصة، وتوجد تلك الإضافة
الناقصة للمشتري، وتعبيرنا بالنقل مسامحة، فإن في البيع ليس نقل
إضافة أصلا بل دائما قطع إضافة وايجاد إضافة أخرى، فإن البيع تبديل
مال في طرف الإضافة والتعبير بالنقل للوضوح.
وبالجملة فإذا باع المالك نصف متاعه على نحو الإشاعة، فقد بذل
مجموع متاع في مقابل الثمن على نحو الملكية الناقصة، وقطع إضافة
ناقصة من إضافة المالكية إلى نفسه وأوجدها للمشتري، وهذا المعنى
أمر موافق للاعتبار ولا غرر فيه.
وهكذا بيع أحد الشريكين حقه من الآخر، فإنه يبيع مجموع العين
671

المشتركة بملكية ناقصة وينتقل من البايع إلى المشتري إضافة ناقصة من
المالكية، وهكذا في جميع موارد الشركة وبيع أحد الشركاء حقه كما
لا يخفى، فافهم.
وتوهم أن الملكية من مقولة الأعراض فهي قابلة للقسمة، فكيف تكون
الملكية متبعضة ويكون لأحد الشركاء النصف وللآخر الثلث وللثالث
السدس، وهو توهم فاسد، فإن الملكية وإن كانت أمرا اعتباريا غير قابلة
للقسمة كالأعراض أو هي من مقولة الأعراض، ولكن يمكن تقسيمها
باعتبار متعلقها، كما هو الشأن في جميع الأعراض غير القابلة للقسمة،
مثلا أن البياض في نفسه غير قابل للتقسيم ولكنه يقبله بحسب محله.
والأمر في المقام أيضا كذلك، فإن مالكية المورث مثلا كانت
بالاستقلال فإذا مات انقطعت منه ووجدت في مجموع الورثة من حيث
المجموع وفي الأفراد بالتبعيض، باعتبار أن مملوك كل منهم التركة
مجموعا بنصف الملكية مثل، فأوجب ذلك انقسام المالكية أيضا إلى
النصف، كما أن البياض في الجسم بياض واحد ويتعدد بالتقسيم، وأن
الحرارة في الماء حرارة واحدة ويتعدد بتقسيم الماء.
وهذا أيضا كتبعض الإرادة والطلب في باب التكاليف المركبة، كتعلق
الأمر بالصلاة وتبعضه إلى الركوع والسجود وغيرها من الأجزاء، فإن
الطلب وإن كان بسيطا لا يتبعض ولكن يتبعض بتبع تبعض متعلقه كما
لا يخفى.
إن التقسيم في باب الشركة افراز أو تعيين حق أو بيع
ثم وقع الكلام بين العامة والخاصة أن التقسيم في باب الشركة افراز أو
تعيين حق أو بيع، فقال الإمامية: إنه تعيين الحصة، وقال العامة: إنه بيع،
فيترتب عليه أحكامه.
672

وقد وقع النزاع بين العامة الخاصة في باب المعاملات في هذه
المسألة ومسألة الضمان، حيث إنهم يقولون: إن الضمان ضم ذمة إلى
ذمة أخرى، وقال الإمامية: إنه انتقال المال من ذمة إلى ذمة أخرى.
وإن وقع الخلاف بينهم في باب المعاملات في كثير من الفروع، ولكن
المخالفة في المسائل المهم هاتان المسألتان.
أقول: إن كان مراد الإمامية من كون الشركة افرازا وتعينا للحق، هو أن
حق كل منهما أمر كلي يتعين بالقسمة كما هو ظاهر كلامهم، فهو لا يصح
إلا في موارد كون المملوك كليا، كموارد البيع في الذمة أو بيع الكلي في
الخارج فإنه يتعين بالتعيين، وأما في موارد الشركة التي هي إشاعة حق كل
من الشريكين على النحو الذي ذكرناه فلا، بل لا شبهة أن في موارد
الشركة ينتقل مملوك كل من الشريكين إلى الآخر بدل انتقال حق الآخر
إليه، فيقع بينهما التبادل كما سنذكره، وعلى هذا فلا وجه لما ذكره
الخاصة بوجه.
وإن كان مرادهم من ذلك رد العامة، حيث إنهم يقولون بكون التقسيم
بيعا يترتب عليه أحكام البيع من الخيارات ونحوهما، وغرضهم أنه ليس
ببيع ليترتب عليه حكمه، فهو متين، لعدم انطباق تعريفه عليه، وإنما هو
معاملة خاصة، حيث إن لكل من الشركاء مالكية ناقصة للعين من حيث
المجموع فيبدل كل منهم مملوكه بالملكية الناقصة على النصف مثلا
بمملوك الآخر بالملكية الناقصة كذلك، مثلا فإذا كانت الدار الواحدة
مشتركة بين شخصين على النصف فمعنى قسمتها إلى نصفين أن كل
منهما يأخذ مملوك الآخر الذي بالملكية الناقصة مقابل مملوك نفسه
بالملكية الناقصة، فيكون مالكا مستقلا بالنصف.
والأمر أوضح بناء على تصوير الإشاعة على نحو الثاني، أي يكون كل
673

من الشركاء مالكا لجزء خاص، فإن كل منهم يبدل الأجزاء المملوكة له
في هذا النصف بالأجزاء التي في النصف الآخر، وعلى هذا فيكون
التقسيم في نفسه معاملة مستقلة.
وقد ذكرنا نظير ذلك في المعاطاة وقلنا فلا بعد في أن يكون هنا
معاملة مستقلة، لا يكون بيعا ولا صلحا ولا إجارة ولا غيرها من
المعاملات المعروفة، فتدل على صحتها آية: تجارة عن تراض (1)،
فكما أنه يمكن أن تكون المعاطاة معاملة مستقلة فكذلك يمكن أن يكون
التقسيم أيضا معاملة مستقلة، ولهذا نظائر كثيرة في العرف، كتبديل
كتاب الرسائل المحشي برسائل آخر غير المحشي المخطوط بخط
جيد، فإن من لا يحتاج إلى الحاشية يبدل كتابه بكتاب آخر جيد الخط
غير المحشي، مع أنه ليس بيعا ولا غيره من المعاملات المعروفة بل
معاملة خاصة.
وبالجملة فإن أراد الخاصة من الافراز الوجه الأول الذي هو ظاهر
كلامهم من الافراز والتعيين، فلا وجه لما ذكره الخاصة والعامة، فإن
كليهما باطل، وإن أرادوا الوجه الثاني الذي ليس بظاهر كلامهم كما هو
الظاهر ولا يضره كونه خلاف ظواهر كلامهم، لأنهم كانوا بصدد الرد على
العامة من غير لحاظ جميع الخصوصيات، فقولهم إن التقسيم ليس ببيع
فكلام متين جدا، فإنه كما عرفت ليس ببيع بل معاملة خاصة، فافهم.
تصوير الكلي في المعين
فربما يقال إنه عبارة عن الفرد المنتشر الموجود في الصبرة الخارجية
مثلا، وقابل الانطباق على كل فرد فرد.

1 - النساء: 29.
674

وفيه مضافا إلى استحالة وجود الفرد المبهم، وأنه لم يخلق
ولن يخلق كما تقدم، أن هذا خلف الفرض، فإن معنى الكلي هو عدم
تشخصه بخصوصية خاصة خارجية، ومعنى الفرد أنه متميز
بالخصوصية، فهما لا يجتمعان.
وقد يقال إنه عبارة عن الكلي في الذمة بعينه، غاية الأمر أن المشتري
يشترط على البايع أن يؤديه أي المبيع من العين الموجودة في الخارج
المتخصص بخصوصية خاصة، وإلا فلا فرق بينه وبين الكلي في الذمة،
فإذا باع صاعا من الصبرة الخارجية أو منا من الحنطة الفلانية فمعناه أنه باع
كلي المن وكلي الصاع في الذمة بشرط أن يطبقه على الموجود الخارجي
كما هو واضح.
وفيه أن الفقهاء (رحمهم الله) ذكروا في بيع الكلي في المعين الخارجي أنه
لو تلفت العين الخارجية كان البيع باطلا، فإن المبيع لم يقبض والتلف قبل
القبض موجب للبطلان، فلو كان معنى بيع الكلي في المعين هو بيع الكلي
في الذمة على النحو المزبور لما كان وجه للبطلان مع تلف العين
الخارجية، بل يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط مع صحة البيع كسائر
موارد تخلف الشرط.
وقد يقال: إن بيع الكلي في المعين هو الكلي في الذمة أيضا، ولكن
يقيد بالخصوصيات التي توجب عدم انطباقه إلا على الموجود
الخارجي، كما إذا باع عبدا من عبيده من ولد مبارك لكونهم صحيح
الأصل، أو باع منا من الحنطة الحاصلة من المزرعة الفلانية، والفرق بين
هذا وسابقة أن الخصوصيات مأخوذا في البيع على نحو الاشتراط في
الأول وعلى نحو القيدية في الثاني، فعلى الأول مع تلف ما في الخارج
كان للمشتري خيار تخلف الشرط كما عرفت، وعلى الثاني فله خيار
تعذر التسليم.
675

وفيه أولا: أنك عرفت أن تلف العين الخارجي في بيع الكلي منها
موجب للانفساخ، لأن التلف قبل القبض من مال البايع، وهذا بخلافه في
بيع الكلي في الذمة على النحو الثاني، فإن التلف فيه لا يوجب البطلان
كما عرفت بل يبقى البيع على حاله ويكون المبيع هو الكلي، غاية الأمر
يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط.
وثانيا: أن لازم ذلك جواز أن يتلف البايع العين الخارجية وضعا
ويبيعه لغيره مثلا، بحيث لا يبقى شئ في الخارج لينطبق عليه الكلي،
ومع ذلك كان البيع صحيحا، وهذا بخلافه في بيع الكلي في المعين، فإن
المبيع موجود فيه فلا يجوز اتلاف البايع مجموع ذلك وضعا.
وقال شيخنا المحقق: إن المبيع في بيع الكلي في المعين هو الكلي،
من غير أن يقيد في كونه في الذمة ولا أنه مقيد بكونه في الخارج بل مطلقا
من جميع ذلك، فيكون منطبقا على كل فرد فرد في المعين الخارجي،
فإذا باع منا من الحنطة فمعناه أنه باع كليا مطلقا قابل الانطباق على المياح
الموجودة في الخارج المعين وعلى غيرها (1).
وفيه مضافا إلى الوجهين المتقدمين، أنه لا يعتبرون العقلاء مالية على
كل لا يكون منسوبا إلى ذمة أو إلى الخارج - وقد اعترف بذلك في أوائل
البيع وقال ينسب إلى الذمة ببعت - فلا معنى لكونه مبيعا أصلا كما هو
واضح.
القول الموافق للتحقيق في تصوير الكلي في المعين
التحقيق في تصويره أن يقال: إن الكلي في المعين ليس إلا الكلي
المضيق الموجود في ضمن المعين الخارجي وقابل الانطباق على

1 - حاشية المحقق الأصفهاني (رحمه الله) على المكاسب: 314.
676

أفراده، وتوضيح ذلك في أمور:
1 - إن الكلية لا يتخصص ولا يتشخص إلا بالتشخصات الخارجية
بحيث توجب تحيزها في الخارج، وإلا فبمجرد تقييد الكلي من غير أن
يوجب التقييد والتشخص في الخارج لا يوجب خروج الكلي عن كليته،
كما حقق في علم الحكمة والكلام، نعم يوجب تضيق الدائرة فقط.
والتقريب بنحو التوضيح في تصوير بيع الكلي: إن الملكية الاعتبارية
متعلق أولا وبالذات بالكلي حتى في البيوع الشخصية وعلى الخارجيات
بالعرض، فيكون الكلي مملوكا بالأصالة والأعراض مملوكة بالتبع، نظير
العلم بفسق زيد، فإنه عالم بالكلي بالأصالة وبالجزئي بالعرض كما هو
واضح، فلا عجب في امكان تمليك الكلي على كليته وابقاء
الخصوصيات في ملك نفسه، كما لا يخفى.
2 - إن الأعيان الخارجية إنما هي مملوكة لملاكها بجميع خصوصياتها
الشخصية، وله مالكية عليها مالكية تامة، فله أن ينتقل إلى غير الذات
المبرات عن الخصوصيات وتبقي الخصوصيات في ملكه، وله أن ينقل
إليه الذات مع جملة من الخصوصيات، وله أن ينقلها مع جميع
الخصوصيات، فمع نقلها بالخصوصيات تارة تكون بحد توجب كون
المبيع شخصيا وآخر لا توجب بل يكون كليا مضيقا.
3 - إنه لا شبهة في وجود الجامع بين المفاهيم، بحيث إن مفهوما واحدا
يصدق على مفاهيم كثيرة، كما لا شبهة في وجود الجامع بين الحقائق
أيضا، فإن حقيقة واحدة يمكن أن تصدق على الحقائق العديدة.
مثلا إن مفهوم الوجود جامع لجميع مفاهيم الوجود في العالم، كما أن
حقيقة الوجود جامع لجميع الحقائق الوجود، ففي مقام الإشارة والدلالة
يعبر بمفهوم الوجود وفي مقام اللب والواقع يعبر بحقيقة الوجود، فإذا
677

قيدت الطبيعة مثلا بالوجود يكون قابل الانطباق على جميع أفرادها على
نحو الاستغراق والسريان، وإذا قيد بصرف الوجود يكون قابل الانطباق
على جميع أفراد الطبيعة أيضا، ولكن على نحو البدلية بحيث يكون أول
الفرد منها أي فرد كان موردا للحكم، وهذا أيضا يختلف بالسعة
والضيق.
إذا عرفت ذلك فنقول:
إن المالك إنما هو مالك للعين الخارجية مع جميع خصوصياتها، فإذا
باع مثلا صاعا منها أو زرعا أو غيرهما من غير أن يعين المبيع بجزء خاص
أو بطرف خاص، فيكون المبيع حينئذ أمرا كليا قابل الانطباق على بقية
الأفراد بأجمعها على البدل مفهوما وحقيقة، كانطباق مفهوم الوجود
وحقيقته على جميع مفاهيم الوجود.
فليس الذات من حيث هي المعرات عن جميع الخصوصيات مبيعا،
ولا أن الذات المقيدة بجميع الخصوصيات مبيع، وإلا لتوجه على الأول
ما ورد على شيخنا المحقق، وعلى الثاني كان المبيع شخصيا لا كليا، بل
المبيع هي الذات المقيدة ببعض الخصوصيات، أعني خصوصية كونها
من هذه الحنطة أو هذه الطاقة أو هذه الفراش مثلا، بحيث أوجبت تلك
الخصوصية تضييق دائرة الكلي الوسيع المطلق من جميع الجهات،
ولكن ليست تلك الخصوصية على حد تكون موجبة لصيرورة المبيع
شخصيا فيكون واسطة بين الأمرين فيكون المبيع هو الطبيعة المقيدة
بصرف الوجود الضيق.
فالبايع قد نقل إلى غير الطبيعة المضيقة المقيدة بصرف الوجود من
العين الخارجية كصاع ونحوه وملكه للمشتري، بحيث صار المشتري
مالكا لطبيعي الصاع المقيد بصياع هذه الصبرة مثلا، وأبقى المالك
678

بقية الخصوصيات في ملكه، ومنها السريان وتطبيقه على كل فرد فرد،
فليس للمشتري إلا الكلي المقيد من هذا الموجود، وهذا واضح جدا.
فالاعتبارات العقلائية مساعدة لها في التكليفيات والوضعيات، كما
إذا أمر المولى بالصلاة مطلقا أو في المسجد، فإن المكلف به في الأول
مطلق من جميع الجهات غير تقيد الطبيعة بصرف الوجود، وأما القيود
فكلها ملغاة، وهذا الذي عبرنا عنه في باب المطلق والمقيد برفض
القيود وبنينا عليه معنى المطلق، وفي الثاني مقيد بقيد آخر غير تقيده
بصرف الوجود، وهو كونها في المسجد، ومع ذلك لم يخرج المكلف به
عن كليته، فإن المكلف مخير بين ايجاده في السطح أو في داخل
المسجد، وفي أي مكان منه، وكذلك إذا آجر أحدا بخياطة ثوبه مطلقا
أو في شهر خاص وهكذا وهكذا.
فالمقصود أن ما ذكرناه من تصوير بيع الكلي في المعين ليس معنى
بعيدا عن العرف، بل اعتبارات العقلاء مساعدة عليه، وكذلك اعتبار
الشارع كما عرفت، فاغتنم، وقد ورد في رواية الأطنان (1) ما يدل على
جواز بيع الكلي كما عرفت.
وبالجملة لا بأس من الالتزام ببيع الكلي ثبوتا واثباتا بعد ما ساعده
الاعتبار العقلائي، وورد عليه الرواية.

1 - عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن
قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد
بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت من ثمنه
ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون
ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري والعشرون
التي احترقت من مال البائع (التهذيب 7: 126، عنه الوسائل 17: 365)، صحيحة.
679

7 - الكلام في بيع صاع من صبرة
قوله (رحمه الله): مسألة: لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل على الوجه الأول من
الوجوه الثلاثة المتقدمة؟
أقول: إذا باع صاعا من صبرة معينة، فتارة يعلم مقصود المتبايعين من
الخارج وأنهما أرادوا أحدا من الإشاعة أو الكلي فيحمل عليه، سواء قلنا
بكون اللفظ ظاهرا في الكلي أو في الإشاعة، كما أنه لو علم عدم توافقها
في القصد فيحكم بالبطلان، بأن أراد البايع الإشاعة وأراد المشتري الكلي
أو بالعكس، فإنه لم يرد الايجاب والقبول على محل واحد.
ولا يفرق في ذلك كله بين كون المقصود لكل منهما ظاهر اللفظ أو لا،
بل لا يفرق فيه بين الصحيح والغلط، حتى لو قال المطلق وأراد المقيد
فلا بأس فيه مع فهم المشتري المراد، كما إذا قال: بعتك دارا، فكان
غرضه الدار المعين، لما عرفت من عدم اعتبار اللفظ الصريح بل الصحيح
في متعلقات العقود.
وبالجملة لو علم مراد المتبايعين من الخارج أنهما أرادا الإشاعة أو
الكلي، سواء أتيا كلاهما بلفظ مطلق أو مقيد صريح أو غير صريح صحيح
أو غير صحيح فلا كلام في صحة ذلك، كما لا شبهة في بطلانه إذا أراد
أحدهما الكلي وأراد الآخر الإشاعة، فإنه لم يرد الايجاب والقبول على
مورد واحد، وأيضا لا يفرق فيه بين الاتيان بلفظ صريح أو غيره كما
عرفت.
وإنما الكلام فيما إذا شك في ذلك ولم يعلم أن أيا من المعنيين أراده
البايع، وأن أيا منها أراده المشتري، وذلك إما لعدم العلم بما قصداه من
ذلك الايجاب والقبول لنسيان ونحوه، أو لموت البايع أو المشتري أو
680

كليهما ولم يعلم الوارث أن أيا من المعنيين قصداه، أو وقع التداعي بينهم
فادعي أحدهما كون المقصود إشاعة وادعى الآخر كون المقصود كليا،
وسيأتي التعرض للثمرة بين المعنيين.
والظاهر هو حمل اللفظ على الكلي في المعين لوجهين:
1 - للرواية المتقدمة في بيع الأطنان من أنبار القصب، فإنه سأله السائل
عن حكمه إذا احترقت ولم يبق إلا مقدار حق المشتري، فأجاب (عليه السلام)
بأنه للمشتري، ولم يستفصل في ذلك بين أنهما قصدا الإشاعة أو قصدا
الكلي، بل حكم بكون الباقي للمشتري جزما، فكشف من حكمه هذا أن
لفظ صاع من صبرة ظاهر في الكلي.
وتوهم أن ظهور اللفظ في الإشاعة وإنما حكم الإمام (عليه السلام) بكونه كليا
للتعبد توهم فاسد، فإن الشركة وعدم الشركة ليست أمرا تعبديا.
وبالجملة فحكم الإمام (عليه السلام) بكون الباقي للمشتري يدل على أنه
(عليه السلام) فهم من ظاهر اللفظ الكلية فقط، فأجاب عن حكمه ولم يستفصل
في السؤال أصلا.
2 - إن الظاهر من العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام، سواء
كانت تكليفية أو وضعية لها موضوعية في نفسها، وليست طريقة إلى
الواقع وإلى اعتبار شئ آخر، وقد أشرنا إلى هذا في بيع الغرر، كما
عرفت في حمل العنوان على الحكمة أو العلة.
فالظاهر من قول البايع بعتك صاعا من صبرة أو منا من الحنطة
الموجودة هو إرادة المن بما هو من والصاع بما هو صاع من هذه الصبرة،
بحيث لا يكون مقيدا بخصوصية إلا كونه من الصبرة الموجودة، ومضافا
إلى صرف الوجود، وأما الخصوصية الزائدة عن ذلك فلا، من غير أن
يكون طريقا إلى إرادة أحد الكسور من الثلث والربع والنصف ونحوها،
681

من الكسور المتصورة المتخصصة بالخصوصيات الخاصة الخارجية،
فإنه خلاف الظاهر من لفظ المن والصاع، والملغي عنهما جميع
الخصوصيات إلا الإضافة إلى صرف الوجود من الصبرة المعينة فقط.
وبالجملة أن مقتضى الظاهر من لفظ المن هو الكلي العاري من جميع
الخصوصيات إلا إضافة إلى صرف الوجود من الصبرة المعينة الخارجية،
فإن ظاهر حفظ العنوان يقتضي كونه موضوعا للحكم، ولا يكون ذلك
موضوعا للحكم إلا بلحاظ أنه كلي، ودعوى الإشاعة يقتضي كون لفظ
المن أو الصاع إشارة إلى الكسور من الربع والنصف ونحوه، فإن عنوان
الإشاعة بأحد هذه الكسور ونسبته لا بعنوان المن والصاع ونحوها، كما
لا يخفى.
وقد يقال: إن الظاهر من لفظ صاع من صبرة هو الفرد المنتشر، كما هو
مقتضى الظاهر من التنوين التنكير.
وفيه أولا: قد عرفت أن إرادة الفرد المنتشر غير معقول في نفسه.
وثانيا: أنه لا كلية لذلك، إذ ربما يكون اللفظ خاليا عن التنوين، كما إذا
قال بالإضافة أو اللام، كقولك: بعتك صاع من الصبرة أو المن من الحنطة
ونحو ذلك.
وثالثا: أن هذا التنوين ليس بتنوين تنكير بل هو تنوين تمكن، وأما
التنوين التنكير فهو يدل بأسماء الأفعال كص ومه.
ثمرة القول بكونه ظاهرا في الكلية أو الإشاعة
وأما ثمرة القول بكونه ظاهرا في الكلية أو الإشاعة، فذكر المصنف
فارقين لا بأس بهما:
682

الثمرة الأولى
أن تعيين المبيع من الصبرة في يد البايع، فإن المفروض أن المشتري
لا يملك إلا الطبيعة المعراة من جميع الخصوصيات إلا الخصوصية
الخاصة، وهي كونها مضافة إلى صرف الوجود من صاع هذه الصبرة
الموجودة في الخارج، وعليه فليس له إلا أن يطالب ما ملكه من صياع
هذه الصبرة، كما أنه كذلك إذا ملك أحد على كلي في ذمة شخص، فإنه
لا يملك إلا الكلي فقط المضاف إلى ذمة المديون أو البايع، فليس له
يطالبه من حصة خاصة ومن كومة معينة.
وبالجملة أن كل ذي حق له أن يطالب حقه ممن عليه الحق بمقدار
حقه، فليس له مطالبة الزائد، ومن الواضح أن المشتري يملك مطالبة
كلي الصاع من هذه الصبرة، وأما كونه من هذه الطرف أو من ذلك الطرف
فلا.
وما نحن فيه نظير طلب الطبيعة من المكلف، فإنه إذا أمره بايجاد
الطبيعة فليس له مطالبة خصوصية زائدة غير ايجادها، وإذا قبح على
العبد بأنك لماذا لم تمتثل بايجاد الطبيعة بخصوصية خاصة، فيحتج
عليه العبد بحكم العقلاء أنك لم تكن مستحقا لمطالبة الزائد من ايجاد
الطبيعة.
نعم لو كان هنا دليل آخر يدل على ايجاد الطبيعة بخصوصية خاصة
وراء الأمر بأصل الطبيعة فللمولي أن يحتج على عبده بذلك على ترك
الامتثال بالخصوصيات الزائدة، وليس للعبد حينئذ أن يقول: إن الأمر
بالطبيعة لا يقتض إلا الامتثال بالطبيعة فقط، وهكذا الأمر في أوامر
الشارع بأجمعها.
683

هذا على تقدير الكلية، وأما بناء على الإشاعة فلا اختيار لأحدهما
بوجه لحصول الشركة، فيحتاج القسمة إلى التراض كسائر الأموال
المشتركة.
الثمرة الثانية
أنه بناء على الكلية إذا تلفت الصبرة بأجمعها ولم يبق منها إلا مقدار
حق المشتري، فيكون الباقي له وليس للبايع فيه حق، وهذا بخلافه على
الإشاعة، فإن التالف والباقي بينهما سيان.
والوجه في ذلك: قد عرفت أن ما يملكه المشتري ليس إلا الطبيعة
المعراة عن الخصوصيات إلا إضافته إلى صرف الوجود من الصبرة
الموجودة في الخارج، فما دام أنه قابل الانطباق على صياع الصبرة
لم يذهب من حقه شئ، كما عرفت ذلك من الرواية، إلا إذا تلف
المجموع، فإنه حينئذ ينطبق الكلي على التالف أيضا، فيكون المورد من
صغريات التلف قبل القبض، فيفسخ البيع.
وأما على الإشاعة، فإن الفرض أن حق كل من البايع والمشتري على
نحو الإشاعة في الصبرة، فيكون التالف منهما معا، لثبوت حق المشتري
في كل جزء، فمع القبض والاقباض يذهب المبيع من كيس البايع وبدونه
ينفسخ البيع، وهذا واضح جدا، فما ذكره المصنف في محله وتمت
الثمرة.
حكم ما لو باع البايع بعد ما باع صاعا من الجملة من شخص آخر صاعا كليا
ثم إنه ذكر المصنف أنه لو فرضنا أن البايع بعد ما باع صاعا من الجملة
باع من شخص آخر صاعا كليا آخر، فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان
684

للأول لأن الكلي المبيع ثانيا إنما هو مشاعة في مال البايع، وهو ما عدا
الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه
ساريا، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض، وهذا بخلاف ما لو قلنا
بالإشاعة.
وقد قواه شيخنا الأستاذ وقال: إن الباقي ينطبق على ملك المشتري
الأول ويجري حكم تلف المبيع قبل قبضه بالنسبة إلى صاع المشتري
الثاني، لأن الصاع الثاني يسري كلية إلى ما عدا الصاع الأول، وهذا
بخلافه على الإشاعة.
ولكن التحقيق أن الباقي لا ينطبق عليه ملك المشتري الأول،
وتوضيح ذلك:
إنا ذكرنا في مبحث علم الاجمالي من الأصول أن الصفات الحقيقة
الموجودة في أفق النفس يصح أن تتعلق بالعناوين الجامعة للأفراد
المتشتتة، وقابلة الانطباق على كل واحد منها على سبيل البدلية من غير
أن يكون لنفس العنوان الجامعي واقعية في الخارج بل واقعيته بنفس
الاعتبار، بمعنى أن المعلوم ليس أمرا معينا في الخارج بحيث ينكشف
بعد العلم كونه معلوما في الخارج، بل المعلوم هو الأمر الاعتباري
الجامع بين الأفراد والمنطبق عليها على سبيل البدلية.
مثلا إذا علمنا بنجاسة أحد هذين الكأسين فالصفة النفسانية قد تعلقت
بالعنوان الجامع بين الكأسين أعني عنوان أحدهما، بحيث إنه قابل
الانطباق على كل فرد منهما على سبيل البدلية، من غير أن يكون لهذا
العنوان واقعية أصلا في الخارج، بل قوامه بانطباقه على الأفراد، فإذا
علمنا بعد ذلك أن النجاسة إنما هي موجودة في الكأس الشرقي دون
الغربي فلا ينكشف من ذلك أن الكأس الشرقي من الأول متعلق لهذا
العلم.
685

أو علم اجمالا بكون أحد الكأسين بولا أو خمرا، فعلم بعد ذلك
تفصيلا كون هذا الكأس المعين بولا، فإنه لا ينكشف من ذلك أن المعلوم
من الأول بولية هذا الكأس، بل المعلوم في جميع موارد العلم الاجمالي
إنما هو عنوان أحدهما.
وكذلك القدرة وسائر الأوصاف النفسانية، مثلا لو كان أحد متمكنا
من أكل أحد الرغيفين دون كلاهما معا أو على التدريج، فإنه إذا أكل
واحدا منهما لا ينكشف من الأول أنه لم يكن قادرا إلا على أكل هذا الخبز
فقط دون الآخر، بل هو من الأول كان قادرا لهذا وقادرا لذلك أيضا.
فإذا صح تعلق الأوصاف الحقيقة على العناوين الاعتبارية، فتعلق
الأوصاف الاعتبارية عليها بمكان من الامكان، وتوضيح ذلك:
أن الملكية ليست من الأمور الموجودة في الخارج كسائر الأعراض
الموجودة فيه، وإنما هي اعتبار إضافة المملوك إلى المالك ونسبته إليه،
وإنما الموجود في الخارج متعلق هذه الإضافة من الأمورات التكوينية أو
الكليات الاعتبارية.
فهذا الأمر الاعتباري كما يصح أن يتعلق بالأعيان الخارجية فكذلك
يصح أن يتعلق بالأمور الاعتبارية التي لا واقعية لها أصلا إلا الاعتبار
المحض، فإذا باع صاعا من صبرة من شخص فقد ملك كليا وأمرا اعتباريا
جامعا للأفراد الخارجية على سبيل البدلية وقابل الانطباق عليها كذلك،
من غير أن يكون المشتري مالكا للخصوصيات بحيث إن للمالك تطبيق
ذلك الجامع أيا من الأفراد الموجودة في الخارج، وهذا معنى تمليك
الطبيعة وحفظ الخصوصيات في ملك نفسه.
وإذا طبقه على فرد منها وعينه في الخارج لا ينكشف منه أن المملوك
من الأول كان هو هذا الفرد المعين، وإلا فمعناه أن الخصوصية كانت
686

مملوكة للمشتري وهو خلاف المفروض في بقائها في ملك البايع،
وإنما المملوك كان هو الجامع، والبايع باختياره طبقه على الفرد المعين
و أسقطه عن الانطباق على جميع الأفراد.
وعليه فإذا باع صاعين كليين من الصبرة من شخصين فانطباق كل منهما
على صرف الوجود من كل واحد من صياع تلك الصبرة على حد سواء،
وليس لأحدهما مزية على الآخر بوجه.
حكم بيع صاعين من شخصين مع تلف الصبرة وبقاء صاع واحد
وعليه فلا وجه لما ذكره المصنف، من أنه في صورة بيع صاعين من
شخصين مع تلف الصبرة وبقاء صاع واحد فقط يكون الباقي للمشتري
الأول فقط، لأن مملوك المشتري الثاني ينطبق على غير الصاع الذي
انطبق عليه مملوك المشتري الأول.
وهذا نظير ما إذا باع صاعين من الصبرة من شخص واحد، فهل يتوهم
أحد أن كل واحد من صاعين يكون منطبقا على غير ما انطبقه الآخر، بل
انطباق كل منهما على كل من صياع الصبرة على حد سواء، كما هو
واضح.
وعلى هذا فنسبة الصاع الباقي إلى كل من المشتريين على حد سواء،
وحينئذ فهل الباقي بتمامه ملك للمشتري الأول، أو بتمامه ملك
للمشتري الثاني، أو يكون لأحدهما فقط بتعيين المالك البايع، أو يقسم
بينهما بالنصف؟
أما كونه ملكا لهما معا على نحو الاستقلال والتمام فغير محتمل
جزما، لأنه لا يعقل أن يكون الشئ الواحد مملوكا لاثنين على نحو
الاستقلال.
687

وأما كون اختيار التعيين تحت يد البايع فهو أيضا واضح البطلان، فإنه
إنما يكون كذلك إذا كانت الخصوصيات باقية تحت ملكه، كما إذا كانت
الصياع متعددة، فإنك عرفت أنه ليس للمشتري حق التعيين أصلا وإنما
هو راجع إلى البايع، فإن المبيع ليس إلا الطبيعة فالخصوصيات باقية
تحت ملكه وله الاختيار في تعيين ذلك الكلي بأي فرد شاء.
وهذا بخلافه هنا، فإنه مع تلف الصبرة وبقاء صاع واحد ينحصر الحق
بالمشتري ويرتفع مملوك البايع أصلا، فإنه إنما كان فيما يكون له اختيار
تطبيق الكلي بهذا أو بذلك، فمع التلف وبقاء الصاع الواحد ارتفع
موضوع هذا الاختيار أصلا ولم يبق له ملكية في هذا الفرد بوجه، وقد
عرفت قريبا أنه لا يعقل أن يكون شئ واحد مملوكا لشخصين فصاعدا
على نحو الاستقلال.
وأما التنصيف، فهو الحق، فإنك عرفت عدم معقولية ملكية كليهما
على الباقي، وتخصيص أحدهما دون الآخر تخصيص بلا مخصص، إذ
ليس في البين مرجح إلا مجرد سبق الزماني، فهو في نفسه لا يكون
مرجحا فلا بد من القول بالتبعيض، فيكون لكل من المشتريين النصف،
لما عرفت مرارا أنه إذا كان المبيع مركبا من الأجزاء فيكون البيع
منحلا إليها حسب تعداد الأجزاء، فحينئذ إن كانت الهيئة الاجتماعية
دخيلة في ازدياد الثمن فيكون للمشتري خيار تبعض الصفقة وإلا
فلا خيار له أيضا.
وبالجملة فعمدة غرضنا أنه لا وجه لتخصيص الباقي بالمشتري الأول
والقول ببطلان البيع الثاني وانفساخه، لكونه من صغريات التلف قبل
القبض بدعوى منع انطباق الكلي الثاني على جميع الصياع، بل إنما
يكون انطباقه على غير الصاع من هذه الصبرة كما لا يخفى، فافهم.
688

بيان آخر لحكم بيع صاعين من شخصين مع تلف الصبرة وبقاء صاع واحد
وقد انتهى الكلام إلى أنه إذا باع صاعا من صبرة من شخص ثم باع
صاعا من صبرة من شخص آخر فتلف الصبرة ولم يبق منها إلا صاع واحد
فهل يكون ذلك للمشتري الأول كما اختار المصنف، أو ينفسخ العقد
فيهما معا ويعود الباقي إلى ملك المالك الأول، أو يتخير المالك الأول
بين أن يعطيه من المشتري الأول أو من المشتري الثاني، أو يحكم
بالتنصيف.
فذكر المصنف أنه يتعين للأول، وقد عرفت أنه لا وجه له، فإن كل من
المشتريين قد ملكا كليا من صياع الصبرة الذي قابل الانطباق على جميع
الصياع وسار شريكا فيها، فنسبة كل منهما إلى كل من الأفراد على حد
سواء، بحيث إن للبايع الذي ملك الكلي الساري وحفظ الخصوصيات
أن يطبق كل من الكليين على أي فرد من الأفراد شاع، فإذا تلفت الصبرة
ولم يبق إلا صاع واحد فبأي مرجح يتمحض ذلك بالمشتري الأول، مع
أنا فرضنا أن مملوك كل منهما ليس إلا الكلي الساري، فتخصيص الباقي
بالأول بلا مخصص ومرجح، فإنه ليس في البين مرجح إلا السبق الزماني
وكون المشتري الأول أسبق من البيع للمشتري الثاني، فلا دليل على
كونه مرجحا في البين.
وأما كون التخيير تحت يد البايع فهو واضح البطلان، فإنه بعد ما خرج
المبيع عن ملكه فأي اختيار له في ذلك، وتوهم أن الخصوصيات كانت
مملوكة له فله تمليكها بأي منهما شاء توهم فاسد، فإنه لا يعقل تمليك
العين عارية عن الخصوصيات، إذ لا وجود للعين الخالي عنها في
الخارج، فإن الشئ إذا تشخص ووجد في الخارج خرج عن الكلية،
689

وإذا لم يتخصص بخصوصية لا يعقل وجوده في الخارج، فبالشرط في
ضمن العقد يشترط المشتري على البايع أن يملك البايع الخصوصيات
أيضا، أي إذا تعين حقه في شئ تكون الخصوصيات أيضا للمشتري
حتى مع كون المبيع كليا.
نعم ما دام المبيع كلي فالخصوصيات تحت ملك البايع، وأما مع التعين
فيكون الخصوصيات أيضا كنفس العين ملكا للمشتري، فليس للبايع
اختيار في اعطاء الباقي للأول أو الثاني.
ويبقي القول إما بالانفساخ أو التبعيض، وربما يقال بالأول، فإنه
لا يمكن القول بصحة كليهما ولا بصحة أحدهما دون الآخر، لعدم
المرجح في البين فيسقطان معا للمعارضة، كما هو كذلك في سائر
العقود، كما إذا باع داره أو آجرها أو وهبها من شخص، وباعها وكيله من
شخص آخر في ذلك الزمان، فإنه يحكم في أمثال ذلك بالتساقط ورجوع
الدار إلى صاحبها الأول، فإن العمومات تتعارض في شمولها لكل من
العقدين.
ولكن الظاهر عدم التساقط هنا، ووضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين
سائر العقود، والوجه في ذلك هو أن المعاملة الواحدة إنما تنحل إلى
معاملات عديدة حسب انحلال المبيع، سواء كانت بيعا أو إجارة أو هبة،
فالعقد الصادر من الموكل بتمام أجزائه معارض مع العقد الصادر من
الوكيل في ذلك الوقت، إذ لا ترجيح في شئ من الأجزاء لأحد الطرفين
فيسقطان للمعارضة، وعدم امكان شمول العمومات لأحدهما دون
الآخر لكونه ترجيحا بلا مرجح.
وبالجملة أن العقد الصادر من الوكيل إنما يبتلي بالمانع الذي هو العقد
الصادر من الموكل وبالعكس، فكل منهما يمنع عن وقوع الآخر،
690

فيعارض شمول العموم لكل منهما مع شمولها للآخر، فيتساقطان لعدم
الترجيح بلا مرجح.
وهذا بخلافه في المقام، فإنك عرفت أن ما بيع لكل من المشتريين
أمر كلي قابل الانطباق على جميع الأفراد، وكذلك أجزاء المبيع، ففي
هنا بيوع متعددة حسب تعدد المبيع بالانحلال، وكل مبيع في كل بيع
قابل الانطباق على جميع أجزاء الصبرة، من غير أن يكون بينهما تزاحم
وتمانع أصلا، كما كان كذلك في سائر العقود في الفرض المذكور.
ولكن إذا تلفت الصبرة ولم يبق إلا الصاع الواحد فيسقط المبيع الكلي
من الطرفين عن السريان وينحصر ما ينطبق عليه الكليان بالفرد الواحد،
وحينئذ فكل من البيعين يتعارضان في الانطباق إلى الموجود الخارجي
الذي هو فرد من الصاع من حيث المجموع للمعارضة، ولكن انطباق حق
كل من المشتريين بنصف الصاع فلا معارضة بينهما، فيحكم بالتبعيض،
فالعمومات تشمل على البيعين بالنسبة إلى النصف بلا معارضة، وليس
للبايع أن يعطي مجموع الصاع لأحدهما دون الآخر، لعدم بقاء الاختيار
له بالنسبة إلى المجموع، نعم بالنسبة إلى النصفين فاختياره باق على
حاله، فله أن يعطه لأحدهما هذا النصف وللآخر ذلك وبالعكس، وهذا
واضح لا شبهة فيه.
وأما ثبوت الخيار، فقد أشرنا إليه ويأتي تفصيل الكلام فيه في
الخيارات.
حكم المبيع بعد القبض
ثم ذكر المصنف (رحمة الله) فرعا آخر لبيان الثمرة، وهو أنه أن المبيع إنما
يبقى كليا ما لم يقبض، وأما إذا قبض فإن قبض منفردا عما عداه كان
691

مختصا بالمشتري، وإن قبض في ضمن الباقي بأن أقبضه البايع مجموع
الصبرة فيكون بعضه وفاء والباقي أمانة حصلت الشركة لحصول ماله في
يده وعدم توقفه على تعيين واقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك
المشتري له فعلا وينحصر حقه في الباقي، فحينئذ حساب التالف على
البايع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما - إلى أن قال:
نعم لو لم يكن اقباض البايع للمجموع على وجه الايفاء بل على وجه
التوكيل في التعيين أو على وجه الأمانة حتى يعين البايع بعد ذلك كان
حكمه حكم ما قبل القبض.
أقول: إن هنا أمران، ولا نتجاسر على المصنف أنهما قد اختلطا:
1 - إن التلف بعد القبض إنما يحسب على المشتري، وعليه فإذا
أقبض البايع مجموع الصبرة من المشتري فأثره أنه لو تلفت الصبرة بكلها
يكون المبيع أيضا تالفا، ولا يكون مثل التلف قبل القبض فيحكم
بالانفساخ.
2 - تعيين المبيع الكلي وتطبيقه على فرد خاص وعدم تعيين ذلك،
فإنه على الأول فيكون تلف كل من المال المعين على صاحبه، وأما مع
عدم التعيين فلا وجه لكون التالف عليهما مع كون المبيع كليا كما هو
المفروض، فإن مجرد اقباض المبيع على كليته لا يوجب انقلابه إلى
الشركة، بل إنما قبضه المشتري على سريانه، أي أنه باق على سريانه
الأولية، مثلا كانت الصبرة عشرة أصوع، فباع مالكها صاعا منها ثم أقبضه
مجموع الصبرة، فإنه لا يوجب تعيين حقه أو قلبه إلى الإشاعة، فإنه بأي
موجب زالت ملكية البايع على الخصوصيات الموجبة، لكونه مختارا في
تطبيق حق المشتري بأي فرد شاء.
وتوهم أن المشتري وإن ملك كليا ولكنه مالك له مع خصوصية، فإن
692

مقتضى الشرط الضمني هو ذلك، فإنه إنما يشتري صاعا من الصبرة
ليستقل في التصرف فيه لا أن يكون باقيا على كليته، وهذا الشرط موجود
في ضمن العقد، وهو توهم فاسد.
فإنه وإن كان صحيحا في أصل الاشتراط، ولكن لا يقتضي ذلك تعين
حق المشتري بصاع خاص ثم انقلابه إلى الإشاعة، وقد عرفت أنه يمكن
أن يقبض المشتري المبيع على كليته، فإنه مع أخذ الصبرة مجموعا
يأخذ المبيع أيضا، لكونه موجودا في ضمن الصبرة، كما أنه مع التعين
يكون موجودا في ضمن الفرد الشخصي، فإن الكلي الطبيعي موجود
بوجود الفرد.
وبالجملة أن المبيع كان هو الكلي الساري فهو باق على حاله،
فلا يخرج عن السريان بقبض المشتري كما لا يخفى.
نعم لو بدل الكلي بالأجزاء على نحو الإشاعة بمعاملة جديدة فيحكم
بالإشاعة، فيصح ما ذكره المصنف، ولكنه لا يمكن بدون المعاملة
الجديدة، فإن خروج الخصوصيات عن ملك البايع وخروج الكلي عن
ملك المشتري وتبدل كل منهما بالآخر يحتاج إلى دليل، فهو منتف في
الخارج، ونحن لا ندعي الاستحالة بل ندعي عدم الدليل على هذا،
فافهم.
وكيف كان فلا فرق فيما ذكرناه من التحقيق بين ما قبل القبض وما بعده
بوجه.
وأما ما ذكره من أنه لو أقبضه على نحو الأمانة فهو متين، فإن البايع
مالك لجميع الخصوصيات مع الصبرة، فإذا باع صاعا منها فله أن يطبق
هذا الكلي بأي فرد شاء، فإذا أقبضها من المشتري مجموعا لتكون أمانة
عنده فلا يوجب ذلك خروج الخصوصيات عن ملكه فإنه بلا موجب، فإنه
693

لم يقبضها بعنوان اقباض الحق بل الأمانة، وحينئذ فإذا تلفت الصبرة
أجمع فيكون حكمها حكم التلف قبل القبض.
لو باع ثمرة شجرات واستثنى منها أرطالا معلومة
قوله (رحمه الله): وإنما الاشكال في أنهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات واستثني
منها أرطالا معلومة، أنه لو خاست الثمرة سقط من المستثنى بحسابه، وظاهر ذلك
تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة.
أقول: قد عرفت أنه ذكر المصنف أنه لو باع صاعا من الصبرة أو منا من
الحنطة فيحمل على الكلي، ويكون المبيع هنا كلي المن وكلي الصاع
ملغي عنه الخصوصيات الساري على جميع أمنان الصبرة وأصواعه،
ورتب عليه أنه لو تلفت الصبرة ولم يبق إلا بقدر الصاع والمن فيحسب
التالف على البايع لكونه تلفا قبل القبض.
ثم ذكر أن ظاهر الفقهاء في بيع ثمرة الشجرات واستثناء أرطال معلومة
منها على خلاف ما ذكرناه، فإنهم ذكروا هنا أنه لو خاست الثمرة فيحسب
التالف على البايع والمشتري وسقط من المستثنى بحسابه، وقد ذكروا
للتفصي عن هذه العويصة وجوها:
1 - إن الفارق بين المسألتين هو النص، فإن الصحيحة الواردة في بيع
الأطنان من القصب قد دلت على حمل بيع الصاع من الصبرة على الكلي،
وإلا فمقتضى ظهور اللفظ هو الإشاعة في كلا المسألتين.
ويرد عليه وجوه، مع تسليم الحمل على الإشاعة في بيع الكلي، مع
أنا لم نسلم ذلك وقلنا بأن ظاهر اللفظ هو الكلي مع ورود النص عليه كما
عرفت.
أولا: ما ذكره المصنف (رحمه الله) من أنه إن كان النص واردا على طبق
694

القاعدة كما هو الظاهر، فإن الظاهر أن الإمام (عليه السلام) أجاب على طبق
المتفاهم العرفي ولزم التعدي منه إلى مسألة استثناء، فإنه لا فرق بينهما،
إلا أن مسألة الاستثناء على عكس مسألتنا هذا، وهو بانفراده لا يوجب
الفرق بينهما، وإن كان واردا على خلاف القاعدة والتعبد المحض
فلا يجوز التعدي من مورده، أعني بيع القصب إلى غيره بل من غير
المشتغلين، فهل يتعد حينئذ ببيع الصاع من صبرة الحنطة والشعير
ونحوهما.
ويمكن الجواب عنه بدعوى القطع بعدم الفرق بين بيع القصب وبيع
الحنطة، فإنهما من واد واحد، لأنا نقطع بأنه لو كان السائل يسأل الإمام (عليه السلام) عن بيع عشرة آلاف أرطال من الحنطة وتلفت إلا عشرة آلاف (1)،
فأجاب الإمام (عليه السلام) بمثل ما أجابه في بيع القصب.
ثانيا: ما ذكره المصنف (رحمه الله) في آخر كلامه، من أنه لو قلنا بالإشاعة
للزم عدم جواز تصرف المشتري في الثمرة إلا بإذن البايع، كما هو
مقتضى الشركة، مع أنه لم يعلم من الأصحاب الحكم بعدم جواز تصرف
المشتري إلا بإذن البايع، بل يجوز له التصرف في الثمرة.
ثالثا: ما أشار إليه المصنف (رحمه الله) أيضا، من أن لازم الحمل على
الإشاعة أنه لو تلف مقدار من الثمرة بتفريط المشتري كان ضامنا للبايع في

1 - عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن
قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد
بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت من ثمنه
ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون
ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري والعشرون
التي احترقت من مال البائع (التهذيب 7: 126، عنه الوسائل 17: 365)، صحيحة.
695

حصة من التالف، ويكونان شريكين بالنسبة إلى الباقي، مع أنهم حكموا
بوجوب أداء المستثنى تماما من الباقي، فهو لا يجتمع مع الإشاعة، بل مع
الكلية كما لا يخفى.
رابعا: يلزم أن يكون النص واردا على خلاف ما قصده المتبايعان، فإن
لازم ظهور النص في الإشاعة وخروج مسألة بيع الأطنان من القصب على
خلاف القاعدة للنص أن يحكم الإمام (عليه السلام) على خلاف ما قصداه من
العقد، فهو لا يمكن، فإنه لو فرضنا أن السائل كان يصرح بالإشاعة كان
يحكم الإمام (عليه السلام) بكون المبيع كليا، وقد مر مرارا عديدة أنه أمر غير
معهود.
2 - إن مقتضى ظاهر اللفظ في المسألتين هو حمل الصاع على الكلي،
إلا أنه قام الاجماع على الحمل على الإشاعة في مسألة الاستثناء.
وفيه أولا: أن الاجماع ليس بنفسه حجة، بل لكونه كاشفا عن دليل
معتبر، ونحن نقطع بانتفائه في المقام وعدم استنادهم إليه.
وثانيا: يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة
الأخيرة.
3 - إن الفارق بين حمل الصاع على الكلي في المقام وبين حمله على
الإشاعة في مسألة الاستثناء ونظائره، كالزكاة التي يحسب التالف فيها
على المالك والفقراء، أن الفارق هو اعتبار القبض في لزوم البيع ووجوبه
على البايع في بيع الكلي، فما دام يمكن دفع المبيع إلى المشتري يجب
الاقباض، ومن الواضح أنه مع بقاء فرد يمكن انطباق الكلي عليه يجب
الاقباض، كما في بيع الكلي في الذمة، وهذا بخلافه في مسألة الاستثناء
والزكاة.
وفيه أولا: ما ذكره المصنف (رحمه الله) من أنه مضافا إلى تحقق ايجاب
696

القبض في مسألتي الزكاة والاستثناء، أن وجوب الاقباض ولزوم العقد
مسلم ولكن لا دليل لوجوب الاقباض في اللزوم بوجه، ولا نفهم معنى
هذه العبارة كما لم يفهمه المصنف، وأن ايجاب القبض على البايع فرع
كون المبيع كليا ومنطبقا على الباقي، فإنه مع عدم البقاء كلا أو بعضا
لا يبقى موضوع لوجوب الاقباض لانفساخ العقد.
وبعبارة أخرى حكم حمل المبيع على الإشاعة هو انفساخ العقد في
المقدار التالف وعدم بقاء الموضوع لوجوب الاقباض، وحكم حمله
على الكلي هو بقاء المبيع ووجوب دفعه إلى المشتري واقباضه منه،
هذا بحسب الكبرى، وأما احراز الصغرى واثبات أنه محمول على
الإشاعة أو على الكلي فلا بد وأن يتحقق من الخارج، فاثبات الكلية
بوجوب الاقباض الذي فرع على الكلية مصادرة واضحة.
وثانيا: إن الدليل أخص من المدعى، فإنا نفرض موردا يكون المبيع
تحت يد المشتري في بيع الكلي، إما بالإجارة أو بالأمانة أو بالعارية أو
بالغصب، فحينئذ فالمبيع تحت يد المشتري فلا موضوع لوجوب
الاقباض أصلا، ومن هنا يعلم أن قياس المقام ببيع الكلي في الذمة فرع
احراز الكلية كما لا يخفى.
وأما قياس الاستثناء بالزكاة ففي غير محله، إذ ليس الفقير شريكا مع
المالك في المال الزكوي كما حقق في محله.
4 - ما ذكره في مفتاح الكرامة، من إبداء الفرق بين المسألتين، بدعوى
أن التلف من الصبرة في المسألة السابقة أعني بيع الكلي إنما هو قبل
القبض، فيكون على البايع ويلزم عليه مع ذلك أن يسلم من الباقي تمام
المبيع، فإنه لم يذهب منه على المشتري شئ لأجل التلف، وهذا
بخلاف مسألة الاستثناء، فإن التلف فيه بعد القبض والمستثنى بيد
697

المشتري، أما على الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما، ولهذا
لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البايع هناك، فإنه حكم بضمانه
هناك.
وبعبارة أخرى أن المشتري في بيع الكلي يتلقى الملك من البايع،
فما دام في البين مصداق للكلي المبيع لينطبق عليه ذلك الكلي فيجب
اقباضه باقباض المصداق، وهذا بخلاف الاستثناء، فإن المستثنى فيه من
الأول باق في ملك البايع، فلا يجب التسليم والاقباض والايفاء أصلا،
فيكون التلف عليهما لكون كل منهما مالكا للخصوصيات.
وبعبارة ثالثة أنه يدعي أن المبيع في المقامين هو الكلي.
والجواب عنه أولا: من تبعية وجوب الاقباض بكون المبيع كليا
ومتفرعا عليه، وعدم كونه بنحو الإشاعة، فاثبات الكلية بوجوب
الاقباض مصادرة واضحة.
وثانيا: إن الدليل أخص من المدعى، فإن تفرض المبيع تحت يد
المشتري في بيع الكلي إما بالغصب أو بغيره كما تقدم.
وثالثا: بناء على الإشاعة في مسألة الاستثناء لا يجوز للمشتري أن
يتصرف في الثمرة إلا بإذن البايع، ومع اتلافه مقدارا منها فيكون ضامنا
لحصة البايع مع اشتراكهم في البقية كما ذكره المصنف.
ورابعا: ما ذكره المصنف (رحمه الله)، من أنه إن كان المراد من التلف بعد
القبض، أي بعد قبض المشتري، فلا شبهة أن البايع حينئذ لا يضمن
التلف من حق المشتري، وإنما الاشكال في الفرق بين المسألتين، وإن
أريد منه أن الكلي الذي يملكه البايع تحت يده بعد العقد فحصل
الاشتراك عنده، فإذا دفعه إلى المشتري فدفع مالا مشتركا إليه، فحينئذ
أيضا يبقى سؤال الفرق بين قولنا: بعتك صاعا من الصبرة، وبين قولنا:
698

بعتك ثمرة البستان إلا أرطالا معلومة، فكلاهما من واد واحد، فلما ذا
حصل الاشتراك في الثاني دون الأول، فإن كون المجموع تحت يد البايع
لا يوجب الاشتراك.
ولا يرد على المصنف أنك قلت بحصول الاشتراك في بيع الكلي
باقباض البايع مجموع الصبرة، فلماذا لا يحصل الاشتراك هنا بكون
مجموع الثمرة تحت يد البايع، فالبايع هنا بعينه مثل المشتري هناك.
فإنا نقول: إن المصنف قد التزم هنا بالاشتراك لمكان الاقباض، فإن
اقباض المالك الكلي يوجب تمليك الخصوصية، وتمليك الخصوصية
موجبة للاشتراك بخلافه هنا، نعم لو كانت الثمرة تحت يد المشتري
وهو يقبض البايع مجموع الثمرة فحصل الاشتراك، فحصل الفرق بين
المقامين، وإن لم نقبل ما ذكره المصنف وقلنا: إن اعطاء الصبرة
للمشتري بأجمعها لا يوجب الاشتراك كما عرفت.
5 - ما ذكره المحقق الإيرواني: أن الذي ينبغي مقايسته من مسألة
الأرطال بمسألة بيع صاع من الصبرة هو المبيع وهو ما عدا الأرطال دون
نفس الأرطال التي لم تقع عليه المعاملة، فإن مكانة الأرطال هنا مكانة بقية
الصبرة مما عدا صاع منها من تلك المسألة، ومكانة ما عدا الأرطال هنا
مكانة الصاع من تلك المسألة، فإن المعاملة وقعت على ما عدا الأرطال
فيكون المبيع كليا، فمقتضى القاعدة هنا كون التلف على البايع، ولكن
حيث كان التلف بعد القبض مع كون حق البايع من الأرطال منتشرا في
المجموع فيكون التلف منهما (1).
وفيه أولا: أنه خلاف المتفاهم العرفي، فإنه لو ألقى هذا الكلام لأحد
لا يفهم منه إلا كون المستثنى منه ملكا للمشتري بجميع الخصوصيات،

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب: 205.
699

بحيث قد ملكه البايع العين بجميع الخصوصية، فلا وجه لكون المستثنى
منه أيضا كليا.
وثانيا: يرد عليه مما تقدم من عدم جواز تصرف المشتري في
المجموع إلا بإذن البايع، وحساب التالف عليهما، حتى لو كان المتلف
هو المشتري وكون البقية بينهما سيان، غاية الأمر أن المشتري يضمن
للبايع في حصته في صورة الاتلاف.
6 - قوله (رحمه الله): ويمكن أن يقال: إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن
كان على عدم الإشاعة.
أقول: هذا هو الوجيه من الأجوبة، قد أجاب به المصنف على تقديري
الكلي والإشاعة:
أما على الأول كما هو الظاهر، فلأن المتبادر من الكلي المستثنى هو
الكلي الشايع فيما يسلم للمشتري لا مطلقه الموجود وقت البيع.
وهذا الجواب بظاهره يعطي خلاف المقصود، فإن الاشكال كان في
حمل بيع صاع من الصبرة في المسألة السابقة، فظاهره المنافاة لبيع
الثمرة واستثناء الأرطال المعينة، حيث ذكر الفقهاء أن التالف يحسب
عليهما، فإن هذا ظاهر في الحمل على الإشاعة.
وظاهر ما ذكره المصنف هنا هو عدم حساب التالف عليهما بل على
المشتري فلا يكون هنا تنافي مع المسألة السابقة، مع أن المشهور
حكموا بكون التالف عليهما، ولعله سقط في كلامه وأنه أراد ما سنذكره
من الجواب.
وأما على الثاني، فأجاب بأن المستثنى كما يكون ظاهرا في الكلي
كذلك يكون عنوان المستثنى منه الذي انتقل إلى المشتري بالبيع كليا
بمعنى أنه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع، فمعنى: بعتك هذه الصبرة
700

إلا صاعا منها، بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه
الصاع، فهو كلي كنفس الصاع، فكل منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود
مشترك بينهما، لأن نسبة كل جزء منه إلى كل منهما على نهج سواء،
فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح وكذا التالف نسبته إليهما
على حد السواء فيحسب عليهما، وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا،
فإن مال البايع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا: بعتك صاعا من هذه
الصبرة، إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلي
كنفس الصاع.
مثلا إذا كان عنده خمسين رطلا من الطعام فباعه إلا عشرة أرطال، فإن
هذه العشرة تكون كلية، فإذا كانت كلية فتكون المستثنى منه قهرا كليا
أيضا، فالمال الموجود في الخارج مشترك بينهما على الإشاعة فيكون
التالف عليهما.
وفيه: أولا أنه لا وجه لكون المستثنى منه كليا، إذ البايع كان مالكا
للأرطال مع الخصوصيات، فإذا باعها من شخص إلا أرطالا معلومة
فتكون الخصوصيات ملكا للمشتري، وإلا يلزم أن تبقى مال بلا مالك
أو تكون ملكا لشخص آخر بلا سبب ملك، فكل ذلك لا يمكن الالتزام به.
على أن هذا لا يرفع الاشكال، وهو أنه على الإشاعة كيف يجوز
للمشتري أن يتصرف في المجموع بلا إذن البايع الشريك، مع أنهم أفتوا
بجوازه، وأنه مع الاتلاف من المشتري كيف يحسب عليه ويكون حق
البايع في الباقي، مع أن مقتضى الشركة كون التالف عليهما وضمان
المشتري على حصة البايع وكونهما شريكين في الباقي أيضا.
ولعله التفت بعدم صحته وقال: إن هذا ما خطر ببالي عاجلا، ولعل
غيرنا يأتي بأحسن من هذا، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ
701

إليه ذهني القاصر إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر، عفي الله عن الزلل
في المعاثر.
وبالجملة لم يتحصل لنا من الأجوبة التي لاحظناها ما يرفع الاشكال
ويوجب جواز الجمع بين حساب التالف عليهما وجواز تصرف
المشتري في المجموع وكون التالف عليه في صورة اتلافه، فلا بد في
المقام من جواب يجمع بين هذه الأمور الثلاثة.
التحقيق في المقام
والذي ينبغي أن يقال ولعله هو محتمل الجواب الأول للمصنف: أن
المستثنى هو الأرطال المعلومة بعنوان الكسر الكلي، كما هو الظاهر من
إضافة من مجموع ما سلم للمشتري دون مجموع المال، وليس
المستثنى هو الكسر المشاع.
بل الأمر كذلك حتى مع التعبير عنه بلفظ المن والصاع والرطل
ونحوها، فإن الظهور العرفي منها وإن كان عنوان الكلي منها بنفسها
ولكن الارتكاز جار على كونها على أحد النسبة الممكنة في الصبرة،
كواحد من المائة مثلا مما سلم، بحيث يكون الباقي والتالف بينهما
سيان، وهذا لا ينافي الكلية كما هو واضح.
وتوضيح ذلك: أن بيع الكسر الكلي يتصور في مرحلة الثبوت على
أقسام ثلاثة:
1 - أن يكون كسرا كليا من المبيع، كقولك: بعتك نصف هذه الصبرة أو
ربعها مثلا، أو غيرهما من الكسور على نحو القضية الخارجية، فإن
المبيع هنا كسر كلي على نحو القضية الخارجية، فإنه موجود في هذه
الصبرة بعنوان الكلية دون الإشاعة، فإن ربع هذه الصبرة أمر كلي لأنه قابل
702

الانطباق على هذا الطرف وذلك الطرف من اليمني أو اليسرى أو الفوق
أو التحت، إلى غير ذلك مما يكون فردا لهذا الكلي ويكون هو قابل
الانطباق عليه من الأفراد المتصورة.
2 - أن يكون المبيع كسرا كليا ولكن لا بنحو القضية الخارجية بل
بعنوان القضية الحقيقية، وهذا المعنى وإن لم يجر في البيع لكونه موجبا
للجهالة والغرر، ولكن يمكن جريانه في باب الوصية وإن لم يعهد فيها
هذا الوجه أيضا، لأن المعهود في الوصية هو الوجه الثالث، ولكن
لو أوصى أحد كذلك فلا محذور فيه شرعا، كما إذا أوصى بأن كلما
يكون مالا لي فربعه على نحو الكسر الكلي لفلان، فإن هذه قضية حقيقية
تنطبق على ربع كل مال حصل في يد الموصي، فيكون للموصي له بنحو
الكلية لا بنحو الشركة.
3 - أن يكون أيضا كليا على نحو القضية الخارجية، ولكن تكون في
حصة خاصة، وهذا أيضا لا يمكن في البيع للجهالة والغرر، ولكنه
موجود في باب الوصية جدا، بحيث لو أوصى أحد كذلك فلا محذور
فيه وإن كان يحتاج إلى القرائن في مقام الاثبات، وإن كانت هو الارتكاز
كما يمكن دعواه في الوصية والبيع، فإن الارتكاز على ذلك، بل الأمر
كذلك في باب الوصية غالبا، والشركة على نحو الإشاعة فيها نادرة جدا،
كما إذا أوصى لزيد ربع ما يسلم للورثة على نحو الكسر الكلي، بمعنى
أنه كلما اجتمع أموالي تحت يد الورثة فربعه لزيد على نحو الكلي دون
الإشاعة.
وهذا المعنى كما عرفت موجود في باب الوصية، فإن من أوصى ربع
ماله لفلان فليس معناه أنه شريك مع الورثة على الإشاعة، ولو بقرينة
الارتكاز، ولا أن ربع مجموع المال أعم مما يسلم ومما لا يسلم له، وإلا
703

فربما يكون ما يحصل من التركة للموصي له مجموعا، بل معناه أن ربعه
الكسري الكلي الذي يسلم من التلف.
والظاهر أنه لا يشك أحد في صحة ذلك الكلام في هذا المعنى، ولو
بالارتكاز العقلائي في باب الوصية، بل عليه جريان السيرة العملية ما
لم تكن تصريح على خلافه من الشركة على نحو الإشاعة.
وبالجملة الذي ذكرناه لا غبار فيه ثبوتا وإن كان يحتاج إلى القرائن في
مقام الاثبات، فإن غرضنا تصحيح هذا المعنى فقط في عالم الثبوت، ففي
مقام الاثبات فيتبع لسان الدليل كما لا يخفى أو القرائن الخارجية كما في
باب الوصية، وكذلك فيما نحن فيه لشهادة الارتكاز على ذلك.
إذا عرفت ذلك فندعي جريان ذلك في مسألة الاستثناء، فإن قول
القائل: بعتك مجموع الثمرة إلا أرطالا معلومة، معناه: بعتك مجموعها
كسرا كليا مما يسلم، وهو الواحد في المائة العشرة أو أقل أو أكثر مثلا،
فيكون عنوان الرطل معرفا إلى ذلك الكسر الكلي، ففي الحقيقة أن البايع
يستثني من العشر مثلا واحدا مما يبقى من الثمرة للمشتري الذي يسمى
كسرا كليا، ويجعل عنوان الرطل أو المن أو الصاع معرفا إليه.
وهذا وإن كان في نفسه على خلاف الظاهر، فإن ظهور المن أو الرطل
ونحوهما في الكلي في المعين وحملها على الكسر الكلي على خلاف
الظاهر، ولكن قامت القرينة على ما ذكرناه، والارتكاز فإنه قائم على
إرادة ما ذكرناه من مثل هذا الكلام: بعتك الثمرة إلا أرطالا معلومة، فإن
الارتكاز العقلائي محقق على أن المراد منه هو الكسر الكلي مما يسلم،
ويتحصل للمشتري من الثمرة دون الشركة والإشاعة ولا الكلي في
مجموع الثمرة بحيث إن ما يسلم للمشتري لو كان بمقدار المستثنى
يكون المجموع للبايع، بل هو الكسر الكلي، أي حد معين من حد معين
كالواحد من المائة مثلا.
704

وعلى هذا فنسلم من جميع الاشكالات، فإنه لو تلفت الثمرة بآفة
سماوية يكون التالف عليهما، فإن حق البايع الكسر الكلي مما سالم
للمشتري والتالف خارج بحسب الارتكاز، ولو أتلفه المشتري كان حق
البايع من الباقي، فإن التالف مما يسلم فهو باختياره أتلفه، ويجوز
للمشتري التصرف في مجموع الثمرة، لأن البايع ليس شريكا في الثمرة
حتى يحتاج تصرفه إلى الإجازة، وكان لفظ الكسر قبل لفظ الكلي في
عبارة المصنف لكان عين ما ذكرناه، وكان: أن المتبادر من الكلي
المستثنى هو الكسر الكلي الشايع فيما يسلم للمشتري لا مطلق
الموجود وقت البيع، ولعله كان كذلك وقد سقط من عبارته، والله
العالم.
ولا يلزم كون المعاملة غررية أو كون المبيع مجهولا، فإن المبيع
معلوم وهو مجموع الثمرة، وما استثني من مجموع الثمرة أيضا معلوم،
فالتلف إنما يرد على المستثنى والمستثنى منه المعلومين، لا أن المبيع
هو الباقي بعد التلف ليكون مجهولا أو غرريا كما هو واضح.
جواب آخر
ويمكن الجواب بوجه آخر، بأن يقال: إن قولك: بعتك مجموع ثمرة
هذا البستان إلا عشرة أرطالا، أن كل واحد من المستثنى والمستثنى منه
ينحلان إلى الأجزاء، فكأنه قال: بعتك عشرة إلا واحدا، فيكون مفاد
ذلك أن المستثنى من كل عشرة واحدة مثلا بنحو الكلي في العين،
وهكذا إلى أن ينتهي كلما يتصور من الأجزاء التحليلية.
والفرق بين هذا والوجه الأول هو أن في الأول كان المشتري جائز
التصرف في المجموع، لأن حق البايع كان كليا بخلافه هنا، فإنه لا يجوز
705

له التصرف في المجموع، فإن المفروض أن الواحد من كل عشرة مثلا
للبايع، فبالتصرف في العشرة قطعا ينصرف في حق البايع أيضا، ولكن
الشرط الضمني موجود على جواز التصرف في المجموع.
وعلى هذا فيرتفع الاشكال أيضا ويجتمع الأمور الثلاثة، أما كون
التالف عليهما فلما ذكرناه من كون المستثنى والمستثنى منه منحلين إلى
الأجزاء، وأن من كل جزء جزء كالواحد من العشرة، فإذا تلفت العشرة
فيتلف من كل منهما جزء كما هو واضح.
وأما أنه يجوز للمشتري التصرف في المجموع، فلما عرفت من كون
الشرط الضمني على ذلك، وأما أنه مع اتلاف المشتري من الثمرة شيئا
فيكون حق البايع من الباقي، فهو أيضا للشرط الضمني، وهذان الوجهان
خصوصا الثالث على خلاف الظهور بمكان، ولكن الذي يسهل الخطب
أن الغرض لتصوير كلام القوم في مسألة استثناء الأرطال المعلومة من
المبيع على نحو لا يكون منافيا لحمل بيع صاع من الصبرة على الكلي في
المعين.
ثم لا يخفى عليك أنه يمكن الجواب بحمل الأرطال على الإشاعة
والجواب عن عدم جواز تصرف المشتري في المجموع وكون حق
البايع من الباقي مع اتلاف المشتري مقدارا منه بالشرط الضمني كما
عرفته في الوجه الثاني.
هذا ما عندنا ولعل غيرنا يأتي بما هو أحسن من ذلك، كما ذكر
المصنف بقوله: هذا ما خطر عاجلا بالبال، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام
الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفي
الله عن الزلل في المعاثر.
706

الكلام في أقسام بيع الصبرة
قوله (رحمه الله): قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: إن أقسام بيع
الصبرة عشرة.
أقول: حاصل ما ذكره الشهيد أن أقسام بيع الصبرة المعلومة خمسة،
وبإضافة خمسة أقسام للبيع الصبرة المجهولة، فتكون الأقسام عشرة.
أقسام الصبرة المعلومة
1 - أن يبيع مجموع الصبرة، فهذا لا شبهة في صحته، لأنه لا تطرقه
شئ من الموانع الموجبة للبطلان.
2 - أن يبيع نصفها على نحو الإشاعة.
3 - أن يبيع مقدار منها، كصاع تشتمل عليه الصبرة، وهذا هو بيع
الكلي في المعين الذي تقدم الكلام فيه مفصلا، وقلنا: إنه لا شبهة في
صحته أيضا.
4 - بيع مجموع الصبرة على حساب كل صاع منها بكذا، وهذا أيضا
لا اشكال في صحته، فإن المبيع أمر معلوم وكذلك الثمن، فلا شئ هنا
يوجب البطلان.
5 - أن يبيع كل صاع منها بكذا.
ونظير ذلك ما ذكره العلامة في بعض كتبه من الإجارة، كان قال
المؤجر: آجرتك الدار كل شهر بكذا، وقد وقع مثل هذه الإجازة محل
الكلام بين الأعلام هل هي صحيحة أم لا، ومرادهم وقوع الخلاف في
غير الشهر الأول، فإن صحة الإجارة في الشهر متيقن كما ذكره العلامة من
صحة الإجارة في الشهر الأول، لتضمن هذا القول إجارة هذا الشهر يقينا.
707

والمقام أيضا كذلك، فلازم كلامهم في الإجارة كون البيع صحيحا في
صاع واحد لكونه متيقنا من هذا الكلام، من غير أن يقترنه ما يوجب
البطلان، وأما في غير صاع الواحد فيحكم بالبطلان لكون المبيع
مجهولا، إذ لا يعلم أنه أي مقدار، فإن المبيع هو كل صاع من الصبرة، أي
مقدار منها يريد المشتري، ومن الواضح أن عنوان كل صاع منها بكذا أمر
مجهول وهكذا في المعدود.
ولكن قد حكم شيخنا الأستاذ على البطلان في كلا المقامين، لأن تردد
متعلق العقد بين الأقل والأكثر يقتضي الجهل به فيكون باطلا، ولكن
ظاهر الكلام أن الإجارة في هذا الشهر وما بعده فيكون العقد في الشهر
الأول أو في الصاع الواحد صحيحا كما هو واضح على ما عرفت، وليس
هذا مثل سابقه، فإن المبيع فيه مجموع الصبرة وإنما يتعين مقدار الثمن
بالصاع فإنه باع مجموع الصبرة على حساب كل صاع بكذا كما هو
واضح، وهذا بخلاف هنا، فإن المبيع في المقام هو كل صاع، مع الجهل
بأن البايع أي مقدار يريد أن يأخذ منها.
وبالجملة أن مجموع أقسام بيع الصبرة صحيحة إلا القسم الخامس،
فإن كل ما يعتبر في البيع والمبيع من عدم الغرر والجهالة ووجود الكيل
والوزن وغيرها من الشرائط كلها محققة فيه، وأما الخامس فقد عرفت
بطلانه لجهالة المبيع كما هو واضح.
أقسام الصبرة المجهولة
وأما إذا كانت الصبرة مجهولة فيبطل بيع مجموعها للجهالة والغرر
ولاعتبار الكيل والوزن والعد في المكيل والموزون والمعدود، فكلها
منتفية في ذلك، وكذلك يبطل بيع جزء منها، فإن المجموع إذا كان
708

مجهولا فيكون الجزء منها كالنصف والربع والتسع أيضا مجهولا، وإذا
بطلا في المجموع بطل في الجزء أيضا، وكذلك يبطل بيع كل قفيز أو
صاع منها بكذا، فإنه كان في فرض معلومية الصبرة باطلا، فكيف إذا
كانت مجهولا.
وأما بيع مجموع الصبرة على حساب كل صاع منها بكذا، فحكم
المصنف وشيخنا الأستاذ بالبطلان هنا للجهالة والغرر، ولكن الظاهر هو
الصحة هنا، لعدم جريان شئ من الموانع فيه، أما الغرر فمنفي جزما،
فإن المفروض أن كل من البايع والمشتري عالمان بما يأخذه من الآخر،
غاية الأمر لا يعلم كل منهما أن أي مقدار يخرج من كيسه، وأي مقدار
يدخل في كيسه، وهذا مقدار من الجهالة لا دليل على كونها مبطلة.
وأما بيع صاع منها بكذا فهو بيع الكلي من الصبرة، فأيضا لا شبهة في
صحته وإن لم يعلم مقدار الصبرة، فإن الجهل بها يوجب الجهل بنسبة
المبيع إليها بإحدى الكسور، وهذا المقدار من الجهالة لا دليل على كونها
موجبة للبطلان، كما لا يخفى.
بيان آخر لأقسام الصبرة
وحاصل الكلام أن أقسام بيع الصبرة المعلومة خمسة، وأقسامها
المجهولة أيضا خمسة، ويشترك بعضها مع بعض، ويفترقان في بعض
الأقسام.
أما بيع الصبرة مجموعا على حساب كل صاع بدرهم، فلا شبهة في
صحته سواء كانت الصبرة معلومة أو مجهولة، وأما في صورة العلم
بمقدار الصبرة فواضح، وأما مع الجهل بها، وإن أشكل فيه المصنف
وشيخنا الأستاذ ولكن الظاهر هو الصحة في صورة الجهل أيضا،
709

إذ لا دليل على البطلان بوجه كما عرفت، ومجرد كون المتبايعين جاهلين
بمقدار ما يدخل في كيسهما ويخرج عنه لا يوجب البطلان، إذ لا دليل
عليه كما عرفت.
وأما بيع كل صاع بكذا من الصبرة، فلا شبهة في فساده لجهالة المبيع،
ومجرد كونه معلوما عند الله لا يصحح البيع، إذ لا يعلم كل منهما أن
الثمن والمثمن أي مقدار، ففي مثل ذلك لا يعتبر العقلاء الملكية أيضا،
فإنه يتوقف على ما يقوم به الإضافة، فالمبيع لا يعلم أنه أي مقدار حتى
يعتبروا الملكية عليه، نعم فللصحة في صاع واحد وجه، فإن الظاهر من
مثل هذا الكلام كونه متيقن الإرادة فيكون معلوما، كما هو كذلك في
الإجارة أيضا.
ولا يفرق في ذلك بين كون الصبرة معلومة أو مجهولة، فإن المبيع ليس
هو مجموع الصبرة بل كل صاع.
ولا يقاس هذا بصورة بيع الصبرة على حساب كل صاع بكذا، فإن
المبيع هو مجموع الصبرة وذكر الصاع لبيان الميزان للثمن وتقديره.
وأما بيع مجموع الصبرة أو نصفها أو ثلثها مثلا، فلا شبهة في صحته
فيما إذا كانت الصبرة معلومة، إذ ليس فيه شئ مما يوجب البطلان،
وأما فيما إذا كانت الصبرة مجهولة فلا شبهة في البطلان للجهالة والغرر
وكونه جزاف، فلا بد من تقديره بالكيل والوزن و العد ونحوها.
وأما بيع صاع من الصبرة على نحو الكلي، فأيضا لا شبهة في صحته،
سواء كانت الصبرة معلومة أو مجهولة، أما في صورة العلم بها فواضح
كما تقدم الكلام فيه مفصلا، وكذا في صورة الجهل بها إذ ليس فيه غرر
وجهالة إلا من جهة نسبة المبيع إلى مجموع الصبرة أنها بالنصف أو
بغيره، وهذا لا يوجب البطلان.
710

نعم وقع النزاع في أنه هل يعتبر في صحة البيع العلم باشتمال الصبرة
عليه أم لا، ظاهر شيخنا الأستاذ نعم، من جهة أن عدم العلم بوجود
المبيع من أعظم أنحاء الغرر، ولكن الظاهر عدم الاعتبار وفاقا لشيخنا
الأنصاري (رحمه الله)، وذلك لوجهين:
1 - ما أفاده شيخنا الأنصاري (رحمه الله)، من أنه لا غرر في ذلك بوجه، لا من
جهة رفع الغرر بالخيار بل لعدمه في نفسه، وإن قيل إن عدم العلم بوجود
المبيع من أعظم أنحاء الغرر، وتوضيح ذلك أنه:
إذا باع بشرط أنه إذا لم تشتمل عليه الصبرة فيكون له الخيار، فهذا
لا شبهة في صحته وليس له غررا أصلا، فإنه مع عدم ظهوره كذلك يكون
له الخيار، بل يجوز له البيع معلقا على وجود المبيع، فإنه مع عدمه يكون
له الخيار، ولا يضر التعليق هنا فإنه إنما يضر إذا كان معلقا على أمر
خارجي لا على وجود المبيع، فإنه ارتكازي ذكر أم لا، فضلا عن
البطلان، وتوهم أن الخياري لا يرفع الغرر، فهو حق فيما كان الخيار ثابتا
بالتعبد لا بجعل المتعاملين أو بالشروط الضمنية، فإنه يرتفع الغرر بمثل
ذلك.
وبالجملة أن المقام نظير ما باع ما يحاذي بمائة دينار بدينارين مع
الخيار، فإنه ليس له ضرر في ذلك أصلا، لكونه مخيرا في الابقاء
والامضاء، وإنما يكون عليه ضرر إذا باع كذلك لزوما وبدون الخيار، بل
يصح البيع على تقدير الوجود من غير علم به أصلا لعدم الغرر فيه، وليس
مثل بيع الطير في الهواء والسمك في الماء، فإنه باطل لكونه بيعا منجزا.
وعلى كل حال فليس التعليق موجبا للبطلان، فإن التعليق على وجود
المبيع من الأمور المرتكزة المقطوعة ومن الشروط الضمنية، فيكون
خارجا عن معقد الاجماع القائم على بطلان التعليق في العقود.
711

2 - أنك عرفت مرارا أن البيع الواحد ينحل إلى بيوع عديدة باعتبار
انحلال المبيع، وعليه فإذا باع وزنة من الصبرة مع الجهل باشتمالها عليها
فظهر أنها غير مشتملة عليها، فيكون البيع صحيحا في المقادر الذي
موجود في الصبرة ويبطل في الباقي، فيكون من قبيل ضم الصحيح
بالباطل، كبيع مال نفسه مع مال غيره، وبيع الخل مع الخمر، وبيع الغنم
مع الخنزير.
وأما ثبوت الخيار وعدم ثبوته للمشتري فيتوقف على أن الهيئة
الاجتماعية دخيلة في زيادة المالية كمصراعي الباب وجلدي اللمعة
واللغة وجوزي الخف ونحوها أم لا، فعلى الأول فيثبت له خيار تبعض
الصفقة، وعلى الثاني فلا.
وذلك لما سيأتي في باب الخيارات أن ثبوت غير الخيارات التعبدية
كخيار المجلس والحيوان والعيب إنما هو بأحد أمرين: أحدهما
بالاشتراط، والثاني بكون الهيئة الاجتماعية دخيلة في زيادة الثمن
كالأمثلة المتقدمة.
8 - الكلام في بيع العين على المشاهدة السابقة
قوله (رحمه الله): مسألة: إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها، فإن اقتضت
العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين، فلا يصح
البيع إلا بذكر صفات - الخ.
أقول: إذا شاهد العين في زمان سابق، فهل يجوز بيعها أم لا، فيقع
الكلام في مقامين: الأول في صحة البيع وعدمه، الثاني في ثبوت الخيار
مع التخلف وعدمه.
712

المقام الأول: في صحة البيع وعدمه
تارة تقتضي العادة بعدم التغير، فلا شبهة في صحة البيع ولا خلاف
فيها، كما إذا شاهدها قبل ساعة أو ساعتين، فإن العادة جارية على بقائها
عن الحالة التي شوهد عليها، كما إذا شاهد جارية قبل شهر فاشتراها بعد
الشهر، فإن العادة جارية على بقائها في تلك الحالة الأولية.
وأخرى أن العادة تقتضي عدم بقائها على الحالة الأولية، كما إذا
شاهد الجارية قبل أربعين سنة في سن عشرين ووجدها جميلة وقوية
البصر والسمع على الخياطة وسائر الصنايع، وبعد مضي الأربعين يريد
أن يشتريها بتلك المشاهدة، فإن العادة جارية على تغيرها قطعا، وكونها
عجوزة نهيبة بالية وضعيفة الصبر وقبيحة المنظرة، وهذا لا شبهة في
بطلانه أيضا، وكلاهما خارجان عن محل الكلام.
وإنما مورد النزاع ما يشك في بقائها على تلك الحالة الأولية وعدم
بقائها، لعدم جريان العادة بشئ فيها، فهل يجوز البيع هنا عملا
بالاستصحاب لكونه من الطرق العقلائية المتعارفة من غير ذكر شئ من
الصفات أم لا.
فقد حكم المصنف بالصحة للاعتماد على الأصل المذكور، وقد
أشكل عليه شيخنا الأستاذ لعدم اعتبار الاستصحاب هنا، لأن الأثر
لم يترتب على الواقع بل على احراز الصفات كانت في الواقع أو لم تكن،
فإن ارتفاع الغرر من آثار العلم بوجود هذه الصفات، فاستصحاب بقاء
الصفات لا أثر له.
ويرد عليه أنه مخالف لما بنى عليه في الأصول، من قيام الأصول مقام
القطع الطريقي المحض والقطع الموضوعي كليهما، فحينئذ فلا مانع من
713

ترتب الآثار المترتبة على احراز الصفات كانت في الواقع أو لم تكن.
ولكن الذي يرد على الاستصحاب أن الآثار هنا لا تترتب على الصفات
الواقعية ولا على احراز الصفات الواقعية، أعني العلم بكون العين على
الصفات التي شوهدت عليها، وإنما من اللوازم العقلية لاحراز الصفات
الواقعية توافقت أم لا، وذلك من جهة أن الأثر هنا هو عدم الغرر فهو من
لوازم احراز الصفات الواقعية لا من آثارها الشرعية.
وعليه فاستصحاب بقاء العين على صفاتها السابقة لا يثبت عدم الغرر
إلا على القول بالأصل المثبت، وقد قلنا بعدم حجيته، وعلى هذا
فلا يصح البيع مع الاكتفاء على المشاهدة السابقة مع الشك في تغيرها
وعدم تغيرها، هذه هي الجهة الأولى.
المقام الثاني: في ثبوت الخيار مع التخلف وعدمه
إذا قلنا بصحة المعاملة مع الاكتفاء بالرؤية السابقة، فإذا ظهر المبيع
على خلاف ما شوهد سابقا، فهل يحكم بالصحة بدون الخيار أو بالصحة
مع الخيار للبايع في صورة الزيادة وللمشتري في صورة النقيصة، أو
يحكم بالبطلان، وجوه.
ذكر العلامة (رحمه الله) - على ما نسب إليه - أن البيع يكون باطلا، فإن كان
غرضه من ذلك أن البيع إنما يقع على الصفات ويبذل الثمن بإزائها، كما
هو ظاهر الكلام المنسوب إليه، من أن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
فيرد عليه أنه قلنا مرارا إن الثمن لا يبذل بإزاء الصفات حتى الصفات
التي تعد في نظر العرف من الصفات النوعية، كصفة الرجولية والأنوثية،
وإن كانتا في الواقع من الأعراض، وإنما الأوصاف دخيلة في ازدياد
الثمن وزيادة المالية في الموصوف، والذي يقع في مقابل الثمن إنما هو
714

الموصوف فقط، وعليه فلا وجه للحكم بأن ما قصد لم يقع وما وقع
لم يقصد، نعم لو كانت الأوصاف في الصور النوعية ووقع البيع بانيا عليها
فظهر الخلاف فيكون البيع باطلا لعدم المبيع، فإن ما وقع عليه العقد
لم يبع وما بيع لم يكن موجودا، وهذا غير كون الثمن واقعا في مقابل
الأوصاف.
وإن كان غرضه أن العقد مشروط بالشرط، وهو الوصف الذي وقع
عليه العقد، لأن تخلف الوصف بمنزلة تخلف الشرط، ومرجع كل
منهما إلى الآخر، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
وفيه أن فيه خلط واضح بين اطلاقي الشرط، فإنه تارة يطلق ويراد منه
ما هو جزء العلة ومن أجزائها الناقصة، فهو صحيح فإن العلة لا تؤثر في
المعلول إلا بتمامية جميع أجزائها، ولكنه غير مربوط بالمقام، فإن العقد
غير معلق بذلك الوصف بحيث يكون الوصف المذكور من أجزاء علته،
وإلا لبطل من غير ناحية انتفاء الشرط، وهو قيام الاجماع على بطلان
التعليق في العقود كما هو واضح.
وتارة يطلق ويراد ما به المقصود في باب المعاملات، من اشتراط
شئ في العقد من غير توقف العقد عليه وجودا وعدما، بل هو التزام
آخر في ضمن الالتزام العقدي، فقد مر مرارا وسيأتي مفصلا إن شاء الله
تعالى أن انتفاء الشروط لا يوجب البطلان، وإنما يوجب ثبوت الخيار
للمشروط له.
وكيف كان لا وجه لما احتمله العلامة (رحمه الله) من بطلان العقد مع ظهور
المبيع على خلاف المشاهدة السابقة.
ويبقي احتمال الصحة بدون الخيار واحتمالها مع الخيار، وقد يقال
بالصحة واللزوم بدون الخيار، فإن الوصف غير المذكور في متن العقد
715

لا أثر له وإن وقع العقد مبنيا عليه، كالشروط البنائية التي لا توجب
تخلفها شيئا أصلا.
فأجاب عنه المصنف بأنه فرق بين الشروط التي تكون مأخوذة في
العقد بدون الذكر وبين الشروط الخارجية التي لا تؤخذ في العقد إلا
بالذكر، فالأوصاف التي المرئية الدخيلة في صحة البيع من قبيل الأول،
فحكمها حكم الاشتراط في العقد كما لا يخفى.
وقد أوضحها شيخنا الأستاذ بأن الأوصاف والشروط على أقسام
أربعة:
1 - أن يكون الوصف أو الشرط مذكورا في ضمن العقد، وهذا
لا اشكال في أن تخلفه يوجب الخيار.
2 - أن يكون مأخوذا في العقد بالارتكاز العقلائي وبالدلالة الالتزامية،
من غير أن يكون مذكورا في العقد، وهو ما يكون بناء العرف والعادة نوعا
عليه، كاشتراط كون النقد نقد البلد، وتساوي المالين في المالية،
واشتراط عدم كونها معيبا، واشتراط التسليم والتسلم، واشتراط كون
المعاملة نقدية، واشتراط كون التسليم والتسلم في بلد العقد، فبانتفاء
شئ من تلك الشروط يثبت الخيار للمشروط له، وتسمي تلك الشروط
بالشروط الضمنية.
فلا اشكال في أن تخلفها يوجب الخيار، سواء ذكرت في ضمن العقد
أم لا، فلو قال البايع بعد بيع الحنطة: أنا أسلمها في المزرعة الفلانية فإن
الحنطة فيها رخصة فلا يسمع، بل يثبت الخيار للمشتري لتخلف الشرط
الضمني.
3 - ما يتوقف عليه صحة المعاملة، كالوصف الذي لولا وجوده لزم
منه الغرر مثلا، كموضوع البحث، وهذا وإن لم يكن من الأوصاف
716

النوعية إلا أنه داخل في كبرى الحكم، فإن بانتفائه ينتفي العقد، لأنه إذا
فرض كونه مما يتوقف عليه صحة المعاملة ومن الشروط الراجعة إلى
العوضين، وفرضنا أن المتعاقدين أوقعا العقد مبنيا عليه، فلو لم يكن
أولى من الالتزامات النوعية فلا أقل من كونه مساويا لها من حيث دخولها
تحت الالتزامات.
وبالجملة الشروط التي توقف عليها صحة العقد معتبرة في العقد
وبانتفائها يبطل العقد، سواء ذكر في العقد أم لا.
4 - الوصف الخارجي الشخصي الذي لا يعتبر في العقد إلا بالذكر،
فلا يكفي فيه مجرد البناء عليه من المتعاقدين حين البيع، فلا يوجب
تخلفه الخيار بوجه.
فتحصل أن الأوصاف التي وقع العقد بانيا عليها إن كانت من الأوصاف
النوعية أو الأوصاف الشخصية الدخيلة في صحة العقد عليها، فتخرج
عن الشروط البنائية فتدخل في الالتزام العقدي، فما نحن فيه من قبيل
القسم الثالث الذي يتوقف عليه صحة العقد، وما لا يوجب تخلفه الخيار
إلا بالشرط في العقد هو القسم الرابع، أي الوصف الشخصي الخارجي
الذي هو أجنبي عن العقد، فلا يدخل فيه بالبناء عليه.
فتحصل أن العقد يصح مع الخيار، فإذا تخلف عما هو عليه ثبت له
الخيار.
بيان آخر في الكلام في بيع العين على المشاهدة السابقة
والحاصل أنه إذا وقع العقد على المشاهدة السابقة فظهر الخلاف،
فهل يحكم بالصحة أو بالبطلان، ومع القول بالصحة هل يكون صحيحا
بدون الخيار أو معه، وجوه.
717

فاختار العلامة (رحمه الله) البطلان، لأن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع،
وقد أجبنا عنه بأن الواقع قد قصد، فإن العقد وقع على الموصوف وهو
المقصود، والالتزامات الشرطية غير الالتزامات العقدية بل هي داخلة
فيها فلا يوجب التخلف إلا بالخيار.
وأما القول بالصحة بدون الخيار، فمن جهة أن الشروط غير المذكورة
في متن العقد غير واجبة الوفاء، فلا يوجب تخلفها الخيار.
وقد أجاب عنه الشيخ (رحمه الله) بأنه فرق بين الشروط التي يقع العقد بانيا
عليها، أي تسمى بشروط الصحة، وبين الشروط الخارجية الشخصية،
فإنه على الأول يوجب التخلف الخيار دون الثاني.
وقد أوضحه شيخنا الأستاذ، وحاصله: أن ما يكون دخيلا في صحة
العقد فوقع العقد بانيا عليه فيكون تخلفه موجبا للخيار، نظير تخلف
الشروط الخارجية المذكورة في ضمن العقد، بل الأول أولى بكونه
مستلزما للخيار من الثاني.
المناقشة فيما ذكره المصنف والمحقق النائيني (قدس سرهما)
وما ذكره الشيخ والمصنف لا يخلو عن مناقشة صغرى وكبرى.
أما الصغرى فلأنه يصح البيع مع الاكتفاء بالرؤية السابقة إذا حصل
الاطمينان ببقاء العين على الأوصاف المرئية، من غير أن يبنيان على
بقائها على تلك الأوصاف، ومع التخلف يثبت لهما الخيار، أما للبايع في
فرض الزيادة وأما للمشتري في فرض النقيصة، فلو كان البناء على
الأوصاف السابقة مشروطا في صحة البيع وعدم البناء موجبا للبطلان
فلازمه بطلان البيع هنا، مع أنه صحيح، فالصغرى ليس بتمام.
وكذلك يصح البيع في هذه الصورة، أي مع الاطمينان بالأوصاف
718

السابقة مع التبري من جميع ما يوجب الخيار، مع أنه لو كان البناء على
الأوصاف السابقة شرطا في صحة البيع لم يصح ذلك.
وكذلك لو أخبر البايع بأوصاف المبيع وحصل الاطمينان للمشتري
من قوله، فاشترى اطمينانا عليه، فإنه يصح البيع حينئذ مع أنهما لم
يبنيان على الأوصاف الدخيلة في صحة البيع، ومع التخلف يثبت الخيار
كما تقدم.
وكذلك يصح البيع مع الاطمينان مع التبري من العيوب، فإنه أيضا
يصح البيع مع أنه ليس هنا بناء على الأوصاف السابقة بل يصح البيع مع
التبري، حتى لو ظهر الخلاف لم يكن لهما الخيار أصلا، فإن البايع أسقط
الخيار رأسا بل جواز البيع مع التبري من العيوب منصوص، فإنه مع
الاطمينان يصح البيع مع التبري منه، كما سيأتي في باب الخيارات.
نعم هنا قسم ثالث، فصحة البيع فيه من جهة البناء على الأوصاف
الدخيلة، وهو أن يخبر البايع بكون العين حاوية للأوصاف المذكورة،
ولكن لم يحصل الاطمينان من قوله على ذلك، فإنه حينئذ إذا اشترى
المشتري تلك العين فلا بد وأن يشتريها مع البناء على الأوصاف
المذكورة، وإلا بطل البيع للغرر وليس للبايع حينئذ التبري هنا واسقاط
الخيار، فإنه حينئذ كما عرفت يكون البيع غرريا.
فما ذكره المصنف وشيخنا الأستاذ صحيح في هذه الصورة فقط،
وأما الصورتين الأولتين ليستا كذلك كما لا يخفى.
وأما من حيث الكبرى، فلأنه لا نعقل معنى اشتراط شئ في العقد إلا
كون العقد معلقا عليه أو مشروطا به، أو كان الشرط ملحوظا بنفسه، فإنه
لا معنى للتقييد بوجه، فإنه إنما يتصور إذا كان المبيع أمرا كليا وقابلا
للتضييق والتقييد، كأن يبيع الحنطة الكلية تارة على نحو الاطلاق وآخر
719

يبيعها على نحو التقييد، كأن يكون من المزرعة الفلانية، وأما الأمر
الجزئي فلا يعقل أن يكون مقيدا ومضيقا، لأن وجوده في الخارج آخر
مرتبة من التضيق.
وعليه فإما أن يقال إن معنى الاشتراط ليس إلا لحاظ الشرط بنفسه فهو
بديهي البطلان، أو كان الشرط ملحوظا بنفسه، فإنه أي معنى لقولك:
بعتك هذه الدار بشرط أن تلحظ هذا الشرط، فإنه لا معنى لاعتبار ذات
الشرط في العقد وكونه بذاته معتبرا فيه، بأن يلتزم بنفس الوصف، لكونه
أمرا غير اختياري كوصف الكتابة والخياطة ونحوها، فإن البايع لا يبيع
الشرط ليعتبر ذاته فيه، ولا أنه يقابل بالثمن كما هو واضح.
أما كون العقد معلقا على الشرط، بحيث يكون انشاء البيع على تقدير
الشرط المعهود وإلا لم يبع أصلا، فهو تعليق مجمع على بطلانه، وأما
الثاني فهو المطلوب، فيكون معنى الشرط في العقد هو كونه مشروطا
بشرط، أي كون الالتزام العقدي منوطا بالالتزام الشرطي، لا أن يكون
دائرا مداره وجودا وعدما ليكون تعليقا، بل بمعنى أن استمراره والبقاء
عليه والوقوف عليه يكون متوقفا على الشرط، ويعبر عنه في لغة
الفارس: استأذن.
وهذا هو المعنى اللغوي للشرط، كما ذكره في القاموس، ومن هنا
يقال للحبل الذي يشد به العدلين على الإبل أو يمتد بين الجدارين أنه
شريط.
وبالجملة معنى الشرط في العقود ربط الالتزام العقدي بالالتزام
الشرطي من غير أن يتوقف أصل الالتزام العقدي بالالتزام الشرطي،
ويتوقف الوقوف إلى الأبد بالالتزام العقدي على وقوف المشروط عليه
بالالتزام الشرطي.
720

وهذا المعنى من الشرط جار في جميع الشروط، فإن غيره إما غير
معقول أو غير صحيح، سواء كانت الشروط مما يتوقف عليه صحة العقد
أو من الشروط الخارجية الشخصية.
وعليه فجميع الشروط من واد واحد، فلا وجه لجعل البناء على بعض
الأوصاف شرطا، وإن كان ذكر في بعضها الآخر معتبر، بل إن كان البناء
شرطا فهو شرط في جميع الشروط وإن كان الذكر معتبرا ولازما وشرطا
فهو كذلك في جميعها، فلا معنى للفرق بينهما بوجه أصلا، فضلا عن
كون البناء شرطا في بعضها أولى من ذكر بعضها الآخر في العقد،
فالكبرى الذي ذكره المصنف وأوضحه شيخنا الأستاذ ليس بتمام.
وبالجملة فما ذكره المصنف، من كون البناء على الأوصاف الدخيلة
في صحة البيع شرطا في صحة البيع، فإن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها وإلا
فيكون باطلا دون الأوصاف الخارجية فلا وجه له كما عرفت.
التحقيق في المقام
والذي ينبغي أن يقال: إنه لم يرد نص على اعتبار البناء على الأوصاف
المذكورة شرطا في صحة العقد، بل إن كان هنا ارتكاز عقلائي والتزام
عرفي على اعتبار بعض الأوصاف في المبيع، بحيث يدل عليها العقد
بالدلالة الالتزامية وكونها معتبرة فيه، فلا شبهة في اعتبارها فيه وكون
تخلفها موجبا للخيار، ككون المالين متساويين في المالية، وكون
التسليم والتسلم في بلد العقد، وكون النقد نقد البلد وهكذا، فإن بناء
العقلاء وارتكازاتهم في أمثالها على كون العقد مشروطا بتلك الأمور
وأمثالها، سواء ذكرت في العقد أم لا، وسواء بنى المتعاملان عليها
أم لا.
721

بل هي معتبرة في العقد حتى مع الغفلة عنها حين البيع، فإن الارتكاز
قرينة قطعية على ذلك وقائمة مقام الذكر، وهكذا في كل مورد قامت
القرينة على ذلك وإن كانت غير الارتكاز العقلائي والدلالات الالتزامية،
فيكون تخلفها موجبا للخيار.
وأما في غير تلك الموارد، فإن اشترط في متن العقد فمع التخلف
يثبت الخيار، وإن لم يذكر في العقد فالعقد لازم وغير مشروط بشئ،
سواء بنى المتعاملان عليها أم لا، إذ لم تقم قرينة على الاعتبار مع عدم
الذكر كما لا يخفى.
فرعان
الفرع الأول: لو اختلفا البايع والمشتري في تغير أوصاف المبيع
قوله (رحمه الله): فرعان: الأول: لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري - الخ.
أقول: لو وقع البيع على المشاهدة السابقة فوقع الخلاف بين البايع
والمشتري حين القبض والاقباض، فقال البايع: قد عاملنا عليها على
هذه الصفة وكنت أنت عالما بها، وادعى المشتري أنها تغيرت ولم أكن
عالما بها، مثلا إذا كان المبيع حيوانا فيقول المشتري إنه كان سمينا،
فيقول البايع إنه كان هزولا ووقع البيع عليه كذلك مع علم منك عليه، فهل
يقدم قول البايع أو قول المشتري، فقد وقع الخلاف في تقريب أن الأصل
مع البايع ليكون منكرا ويكون المشتري مدعيا، أو الأصل مع المشتري
ليكون منكرا والبايع مدعيا.
وقد استدل على تقديم قول المشتري ودعوى كون الأصل معه
بوجوه، كلها مخدوشة كما ذكره المصنف:
1 - ما ذكره ابن إدريس (رحمه الله) في السرائر، من أن المشتري هو الذي
722

ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منه إلا باقراره أو ببينة تقوم عليه - انتهى.
وتبعه العلامة (رحمه الله) فيه أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع
إذا لم يسبقه برؤية، حيث تمسك بأصالة براءة المشتري من الثمن،
فلا يلزمه ما يقر به أو يثبت بالبينة.
وأجاب عنه المصنف بأن يد المشتري على الثمن بعد اعترافه بتحقق
الناقل الصحيح يد أمانة، غاية الأمر أنه يدعي سلطنته على الفسخ
فلا ينفع تشبثه باليد، ويؤيد ما ذكره أنه لو أسقط خياره بالفعل الذي
يدعيه كان البيع لازما.
ثم قال: إلا أن يقال: إن وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البايع على
الثمن، بناء على ما ذكره العلامة (رحمه الله) في أحكام الخيار من التذكرة،
ولم ينسب خلافه إلا إلى بعض الشافعية، من عدم وجوب تسليم الثمن
والمثمن في مدة الخيار وأن تسلم الآخر، وحينئذ فالشك في ثبوت
الخيار يوجب الشك في سلطنة البايع على أخذ الثمن، فلا مدفع لهذا
الوجه إلا أصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجئ.
وقد فرق الأستاذ بين الخيارات الزماني المجعول لذي الخيار ارفاقا
وبين غيرها، فحكم بتمامية القول بتقديم قول المشتري في مقام
الاختلاف في الأول دون الثاني، وحمل كلام العلامة على الأول، وذكر
أن المصنف وإن أورد عليه بقوله: إني لا أجد لهذا الحكم وجها معتمدا
ولم أجد من عنونه وتعرض لوجهه، إلا أنه يظهر منه في خيار المجلس
أن الحكم مفروغا عنه، فقال ما حاصله: إنه لو قلنا بوجوب التقابض في
عقد الصرف والسلم فثمرة الخيار واضح، وهي عدم وجوب التقابض،
حيث استظهر من كلامه عدم وجوب التقابض والتسليم والتسلم في
موارد خيار المجلس، فكأنه مسلم في كل مورد لم يجب التقابض.
723

وإنما أنكر شيخنا الأستاذ عدم تمامية المطلب في المقام، لعدم كونه
من الخيارات الزمانية، ولذا حمل كلام العلامة على غير المقام من خيار
المجلس وما يكون الخيار بالشرط في زمان.
والحاصل أن شيخنا الأستاذ تسلم عدم وجوب التسليم والتسلم في
زمن الخيار، لكن لا فيما نحن فيه بل في الخيارات زمانة، وأما في مثل
المقام فحكم بعدم جواز المنع عنهما.
أقول: لو سلمنا ثبوت الخيار في معاملة فلا يدل ذلك على جواز منع
ذي الخيار عن تسليم الثمن أو المثمن، بل له اعمال الخيار فقط في فسخ
العقد وبعد ما فسخ العقد له المنع عن تسليم العوض، وأما قبل اعمال
الخيار فلا يجوز له المنع عن التسليم، فإنه تصرف في مال الغير بدون إذنه
فهو حرام، فما ذكره العلامة (رحمه الله) من عدم نسبة الخلاف إلا إلى بعض
الشافعية، من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار لا يمكن
تصديقه.
وكذلك لا وجه لما ادعاه الأستاذ من التفصيل، فإنه مجرد الدعوى،
ودعوى التسالم عليه محالة، مضافا إلى عدم حجيته وكونه مخالفا
للقواعد، من حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه.
والعجب منه (رحمه الله) حيث استظهر من كلام المصنف اختياره ذلك من
التعبير بلو، بمعنى أنه مع القول بوجوب التقابض في عقد الصرف
والسلم فأثر الخيار واضح، أي لكل ذي خيار أن لا يسلم الثمن أو
المثمن، فيعلم من هذه العبارة أن في موارد الخيار الزماني لا يجب التسليم
والتسلم، ولذا ذكر المصنف أنه لو قيل بوجوب التقابض فأثر الخيار
ظاهر، فإنه يهدم الوجوب ويرفعه.
ووجه العجب أن مورد كلام المصنف أجبني عن المقام، فإنه محل
724

للتعبير بلو، فإنه لا تحصل الملكية قبل التقابض أصلا، ولذا حكم
المصنف بعدم وجوب التقابض مع الخيار، لعدم حصول الملكية قبل
التقابض، فإن التقابض مقدم للملكية فكيف تحصل الملكية بدونه، وهذا
بخلاف المقام، فإن الملكية قد حصلت غايته فلذي الخيار فسخها، وأما
الممانعة عن التسليم فلا، لما عرفت من كونه تصرفا في مال الغير فهو
حرام.
على أن الدليل أخص من المدعى، فإنه إنما يتم فيما إذا كان الثمن في
يد المشتري، وأما إذا كان دينا في ذمة البايع فسقط بالمعاملة، أو عينا
مستأجرة أو عارية في يده أو مغصوبة، فإنه في هذه الصور ليس
للمشتري يد على الثمن حتى يقال إنه لا ينتزع منه إلا بالبينة أو بالاقرار.
وقد تقدم أيضا عدم بطلان العقد بتخلف الوصف، سواء كان العقد
مشروطا به أو المبيع مقيدا به، بل غاية الأمر يثبت الخيار للمشروط له،
فلا وجه على كل حال لبطلان العقد.
2 - إن البايع يدعي علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به
والأصل عدمه.
وقد استدل بهذا العلامة (رحمه الله) في التذكرة، وأشكل عليه المصنف:
أولا: بامكان قلب الدعوى، بأن يجعل المشتري مدعيا والبايع
منكرا، بدعوى أن الأصل عدم علم المشتري بالوصف الآخر، كما إذا
فرضنا أن البايع يقول: بعتك هذا الحيوان بهذا الوصف الهزال مع علمك
به، والمشتري يقول: اشتريت منك هذا مع وصف السمن، فحيث إنه
يدعي وصف السمن فيكون مدعيا والآخر يكون منكرا أي البايع.
وثانيا: إن علم المشتري بوصف الهزال أو وصف السمن مسبب عن
وجود هذا الوصف فيه وعدمه فيه سابقا، فإذا نفينا وجود الوصف
725

بالأصل فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم علم المشتري أو البايع بشئ من
تلك الأوصاف.
وقد ناقش شيخنا الأستاذ في الجواب الثاني، ولكن تسلم الجواب
الأول.
والظاهر أن كل ذلك خارج عن المقام، فإن ما هو المقصود في المقام
هو اشتراط العقد بشئ وعدم اشتراطه به، وكذلك تقيد المبيع وعدم
تقيده، فاجراء أصالة عدم علم كل من المشتري أو البايع بوصف الهزال
أو السمن خارج عن حدود المقام، فلا يقيدنا بوجه إلا على القول بالأصل
المثبت، فإن لازم عدم علم المشتري بوصف الهزال هو كون العقد مقيدا
بوصف السمن مثلا، وكذلك لازم عدم علم البايع بوصف السمن كون
وصف الهزال قيدا للمبيع وشرطا للعقد، والحاصل أن العلم بالوصف
وعدمه إياه خارج عن المقام أصلا.
وأما دعوى السببية والمسببية، فهو أعجب من ذلك، فإنه لا يفيدنا
مجرد السببية والمسببية في جريان أصليهما، ولا يمكن رفع موضوع
الأصل المسببي بالأصل السببي بمجرد صدق الاسم، بل لا بد من كون
الأثر شرعيا، أي ارتفاع المسببي أثرا شرعيا للأصل السببي، ففي المقام
أن عدم العلم بالوصف ليس من آثار عدم وجود الوصف شرطا إلا باللوازم
العقلية كما هو واضح، فلا مرتفع لمنع الأصل المسببي بالسببي.
نعم إذا كان الأثر مترتبا على العلم فيصح ذلك، كما هو كذلك في مورد
خيار العيب، حيث إن الخيار إنما يثبت مع العلم بالعيب فمع نفي العلم
بالعيب يرتفع الخيار، وأما في المقام فالأثر مترتب على اشتراط العقد
وتقييده، فأصالة عدم علم أحدهما بالوصف لا يترتب عليه أثر إلا على
القول بالأصل المثبت.
726

وبالجملة أن ما أفاده من الأول إلى الآخر لا يمكن المساعدة عليه.
3 - إن الأصل عدم وصول حق المشتري إليه، كما استدل به المحقق
الثاني (رحمه الله).
وقد أجاب عنه المصنف بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل
إليه قطعا، ولذا يجوز له امضاء العقد، وثبوت حق له من حيث الوصف
المفقود غير ثابت، فعليه الاثبات، والمرجع أصالة لزوم العقد، ثم قال:
ولأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البايع.
وقد أجاب المصنف عن أصل مسألة الاختلاف بما حاصله: أن بناء
المتعاقدين حين العقد على الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة، هل هو
- أي البناء - كاشتراط تلك الأوصاف في العقد، بحيث تكون كالشروط
المضمرة في نفس المتعاقدين، أو أن تلك الأوصاف مأخوذة في نفس
المعقود عليه بأن يكون المبيع مقيدا، ولذا لا يجوز الغاؤها في المعقود
عليه كما يجوز إلغاء غيرها من الشروط في العقد.
فعلى الأول يرجع النزاع في تقيد المبيع بالوصف وعدم تقيده به إلى
النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود حين التسليم والمرافعة
على البايع وعدم اشتراطه عليه، وإذن فالأصل مع البايع لأصالة عدم
الاشتراط، وعلى الثاني فيرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على
الشئ الموجود حتى يلزم الوفاء وعدمه والأصل عدمه.
ولكن الظاهر هو الثاني، فإن المراد من لحاظ الوصف في المبيع هو
ايقاع العقد على العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف، وليس هنا
عقد على العين والتزام بكونه متصفا بذلك الوصف، بحيث يكون هنا
التزام آخر غير الالتزام العقدي، بل هو قيد ملحوظ في المعقود عليه،
نظير الأجزاء المأخوذة في المبيع، وإذن فالأصل مع البايع كما ذكرناه.
727

ثم أورد على نفسه بأن أصالة عدم وقوع العقد على ما يدعيه المشتري
معارضة بأصالة عدم وقوع العقد على الشئ الموصوف بالصفة
المفقودة، فلا يكون أثر للأصل في طرف البايع.
وأجاب عنه بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، وقد تقرر في
الأصول أن اثبات أحد الضدين بنفي الضد الآخر من الأصول المثبتة،
وبالجملة أن مرجع النزاع إلى رجوع الوصف إلى الاشتراط ليكون النزاع
في مفاد ليس أو كان الناقصين، أو إلى التقييد ليكون النزاع في مفاد ليس
أو كان التأمين.
تحقيق الكلام
تحقيق الكلام يقع في جهتين:
الأولى: من حيث الكبرى، من أنه يقدم قول البايع في صورة الاختلاف
فيما وقع عليه العقد أو يقدم قول المشتري.
الثانية: من حيث الصغرى، وهو أن المقام من قبيل التقييد أو
الاشتراط.
أما الجهة الأولى، فلا شبهة أن كل من يدعي الاشتراط فبأصالة عدم
فبأصالة عدم الاشتراط ننفيه، فيكون الأصل مع الآخر، لأن الأصل عدم
تقيد العقد بشرط، وعلى هذا فلو ادعى كل منهما الاشتراط فيجري
الأصل في كلا الطرفين، فيكون المورد من قبيل التداعي.
ولا يفرق في ذلك بين أن يدعي كل منهما الاشتراط مع الاعتراف
بجامع واحد أم لا، مثلا إذا باع أحد حيوانا من شخص ثم اختلفا فقال
البايع: أنه كان مهزولا، وقال المشتري: أنه كان سمينا، فإن الأصل
يجري في كل منهما، فيكون المورد من قبيل التداعي.
728

وكذلك إذا ادعى البايع المبيع ثوب، وادعى المشتري أنه حيوان، أو
ادعى البايع أن المبيع عبد، وادعى المشتري أنه جارية، فإن الأصل في
ذلك كله عدم وقوع البيع بكل منهم، فيكون من قبيل التداعي، هذا كله إذا
كان يدعي كل منهما الاشتراط.
وبالجملة أن كل من يدعي شرطا على الآخر من المتبايعين فالأصل
عدمه كما ذكره المصنف، فإن كان المدعي أحدهما فقط فيكون الأصل
مع الآخر، وإن كان كليهما مدعيا، أما مع الاتفاق على المبيع أو مع
الاختلاف فيه، فالمورد هو مورد التداعي كما لا يخفى.
وأما إذا كان أحدهما يدعي الاطلاق والآخر يدعي التقييد، بأن
يدعي البايع كون المبيع حنطة كلية، ويدعي المشتري كونه من حنطة
المزرعة الفلانية، فالظاهر هنا أيضا هو تعارض الأصول حتى بناء على
جريان العدم الأزلي في ناحية المقيد.
وتحقيق ذلك:
أنك قد عرفت في علم الأصول في مبحث التعبدي والتوصلي وغيره
أن الاهمال في الواقع مستحيل، فلا بد وأن يكون الملحوظ إما مطلقا أو
مقيدا، وعلى كل تقدير فكل منهما أمر وجودي في مقام الثبوت
ومحتاج إلى اللحاظ، وأن الاطلاق في مقام الاثبات أمرا عدميا، وهو
عدم التقييد.
وعلى هذا فيكون الأصل في كل من الاطلاق والتقييد جاريا ونافيا له،
فيقال: إن العقد حين ما وجد فالأصل عدم وجوده مطلقا، وكذا إن الأصل
عدم وجوده مقيدا، فيكون المورد أيضا من قبيل التداعي، أما
الاستصحاب العدم المحمولي فواضح، فيقال: الأصل عدم اتصاف
العقد بالاطلاق، وكذلك في الآخر: إن الأصل عدم اتصافه بالتقييد
729

فيتعارضان، وأما استصحاب العدم الأزلي النعتي فكذلك، فإنه يقال:
الأصل عدم الوجود العقد حينما وجد مطلقا، وكذلك في طرف التقييد:
إن الأصل عدم الوجود العقد حينما وجد مقيدا، فيقع التعارض بينهما
كما هو واضح، وإذا فيحكم بالانفساخ.
وأما الكلام من حيث الصغرى فنقول: قد تقدم الكلام في ذلك أن
القيود إنما تجري في مورد يكون المقيد قابلا للتقيد والتضييق، وعليه
فمحط القيود بأجمعها هو الأمور الكلية القابلة للتضييق، بحيث كلما قيد
زادت تضييقا وكلما برأت من القيود زادت توسعة، وأما الأمور الجزئية
فليست قابلة للتضييق أصلا إلا باعتبار الحالات، كأن يقول: إن كان هذا
زيدا فأكرمه، فإن التشخص الخارجي والوجود فيه آخر مرتبة من
التضييق والتقيد فلا مرتبة له فوقه، وعليه فكلما ذكر من القيود للمبيع
الشخصي فلا بد من ارجاعها إلى الشروط.
وقد تقدم قبيل هذا أن لحاظ الأوصاف والشروط بذاتها مع قطع النظر
عن أن تكون ربطا بين الشرط والمشروط لا معنى له، فلا معنى لكون
الشرط هو لحاظ القيد فقط وارجاعها إلى المبيع لا معنى له، لما عرفت
من عدم قابلية الأمور الجزئية للتقييد وارجاعه إلى نفس البيع بحيث يبيع
على تقدير كونه من حنطة المزرعة الفلانية وإلا فلا يبيع، فهو باطل
اجماعا لقيامه على بطلان التعليق في العقود، فلم يبق إلا الاشتراط، أي
كون الالتزام العقدي مشروطا بالتزام آخر ومربوطا به كما هو معنى
الشرط، فتحصل أن مقتضى القاعدة هو الاشتراط دون التقييد.
وبالجملة أن فائدة التقييد في الأمور الكلية ظاهرة، وهي تضييق دائرة
الكلي واسقاطه عن التوسعة، وأما في الأمور الجزئية فلا معنى للتقييد
بوجه.
730

وإذن فأما يرجع القيد إلى الصور النوعية، فهو تعليق البيع على وجود
المبيع فلا اشكال فيه، لما عرفت أن التعليق بأصل وجود المبيع
لا محذور فيه، وأما أن يرجع إلى المبيع على نحو التضييق الدائرة، فقد
عرفت أنه لا معنى له، وأما أن يرجع إلى البيع وتعليقه على الشرط وهو
تعليق باطل، وأما أن يكون بنفسه ملحوظ فلا معنى له، لما عرفت أنه
لا معنى لكون الاشتراط بمعنى لحاظ الشرط، فلا مناص من ارجاعه إلى
الاشتراط خلافا لجميع الأعلام حيث ارجعوا الوصف إلى التقييد دون
الاشتراط.
بيان آخر في اختلاف البايع والمشتري في تغير أوصاف المبيع
وكان الكلام في العين الشخصي إذا وقعت المعاملة عليها ثم اختلف
البايع والمشتري في تغيرها وعدم تغيرها، وقلنا إنه لا معنى لكون
اعتبار الوصف في المبيع بمعنى الالتزام بذات الوصف، فإنه أمر غير
اختياري للبايع، بأن يبيع العبد ملتزما بكونه كاتبا وخياطا ونجارا، أو باع
الحنطة والتزم بأنه من المزرعة الفلانية وهكذا.
وعلى هذا فيدور الأمر في اعتبار الوصف في المبيع بين تعليق البيع به
أو تعليق الخيار به.
وأما تعليق البيع به فتارة يكون راجعا إلى التعليق بالصور النوعية،
فهذا لا محذور فيه، فإن مرجعه إلى التعليق بأصل وجود المبيع فهو
خارج عن معقد الاجماع القائم على بطلان التعليق في العقود، وأخرى
يكون من قبيل التعليق بالأوصاف الخارجية، كأن باع إذا كان المبيع
متصفا بوصف كذا، بأن يكون كاتبا أو كانت الحنطة من المزرعة الفلانية
ونحو ذلك، فهذا لا اشكال في بطلانه لكونه من التعليق الذي كان باطلا
بالاجماع.
731

فلم يبق في البين إلا تعليق الخيار على الوصف الذي اعتبر في المبيع،
بأن باع العين والتزم بالالتزام العقدي مشروطا بكون الثمن كذا، أو اشترى
المشتري العبد والتزم بالالتزام العقدي مشروطا بكونه كاتبا، أو من الأرز
الفلاني أو بكون الحنطة المزرعة الفلانية ونحو ذلك، فاتضح من ذلك أن
مرجع اعتبار الوصف في المبيع إلى الاشتراط.
وعليه فإذا شك في اشتراط وصف أو شرط في العقد، فمرجع النزاع
إلى اشتراط الخيار فيه فالأصل عدمه، وعلى هذا فلو ادعى المشتري
كون العين المبيعة متغيرة وغير باقية على ما شوهد عليه وأنكره البايع
فمرجعه إلى أنه هل جعل للمشتري خيار في هذا العقد أم لا، فالأصل
عدمه، وإذن فالأصل مع البايع.
ومن هنا ظهر أنه لا اشكال للتمسك بأصالة اللزوم أي استصحاب بقاء
كل من الثمن والمثمن على ملك صاحبه وعدم كون العقد خياريا
لا أصالة اللزوم المستفاد من العمومات، فإنه من التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية، لأنا نشك في دخول المورد الذي نشك في كونه
خياريا أم لا داخلا تحت العمومات الدالة على اللزوم أو أدلة خيار
الشرط، فاثبات اللزوم بالعمومات تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
فلا مجال بعد ما نقحناه لما أفاده المصنف (رحمه الله) من حكومة أصالة عدم
وصول حق المشتري عليه على أصالة اللزوم وتطويل الكلام في ذلك،
وفي عدم صحة التمسك بأصالة اللزوم نقضا.
لو ادعى البايع الزيادة الموجبة لخيار البايع
قوله (رحمه الله): ولو ادعى البايع الزيادة الموجبة لخيار البايع، فمقتضى ما ذكرنا
في طرف المشتري تقديم قول البايع، لأن الأصل عدم وقوع العقد على هذا
الموجود حتى يجب عليه الوفاء به.
732

أقول: هذا هو عكس ما تقدم الكلام فيه، وتوضيح ذلك:
أنه لو ادعى البايع أن العين صارت بعد المشاهدة سمينة وأنكره
المشتري، وقال إنها كانت سمينة من الأول، فقد ظهر من جميع ما تلوناه
عليك أن القول قول البايع، فإن مرجع دعوى كون العين متغيرة من حالة
الهزالة بعد المشاهدة وصيرورتها سمينة إلى دعوى ثبوت الخيار للبايع،
فالأصل عدمه وأن العقد غير خياري، أو أن الأصل بقاء العين على
الوصف السابق، فلا يفرق في ترتب ما نريده من الأثر بين استصحاب بقاء
العين على الوصف الذي شوهد وبين الاستصحاب عدم السمن كما تقدم
في عكسه.
وعليه فالمرجع إلى أصالة اللزوم أي قاعدة اللزوم المتقدمة لا الرجوع
إلى العمومات الدالة على اللزوم، فإنه من التمسك بالعام في الشبهات
المصداقية.
ومن هنا ظهر أن ما ذكره المصنف هنا أيضا لا يتم.
الفرع الثاني: لو اتفقا على التغير بعد العقد واختلفا في تقدم التغير وتأخره عليه
قوله (رحمه الله): الثاني: لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة ووقوع العقد على الوصف
المشاهد، واختلفا في تقدم التغير على المبيع ليثبت الخيار، وتأخره عنه على وجه
لا يوجب الخيار، تعارض كل من أصالة عدم تقدم البيع والتغير.
أقول: كان الكلام في المسألة السابقة في اختلاف البايع والمشتري
في أصل التغير، وفي هذه المسألة كلامنا في اختلافهما في كونه بعد
البيع وتسالمهما على أصل التغير.
فنقول: إذا اختلفا البايع والمشتري في ذلك، فقال المشتري: إن العين
صارت مهزولة بعد المشاهدة وقبل البيع فلي الخيار في فسخ العقد
733

لتخلف الوصف، لحصول التغير في ملك البايع، وقال البايع: إن الفرس
الذي هو مبيع وإن صار مهزولا إلا أن الهزال قد حصل بعد البيع، فليس
لك الخيار.
وسيأتي الكلام في باب الخيارات إن شاء الله تعالى أن تخلف
الأوصاف وتغيرها قبل القبض هل تحسب على البايع، لعموم قاعدة
التلف قبل القبض من مال البايع، بحيث يقال إن الأوصاف أيضا ملك
للبايع بتبع العين فإذا تلف كان على البايع، أو أن تلف الأوصاف تابع
للملك، ومن الواضح أن العين ملك للمشتري فتلف الأوصاف يحسب
عليه، غاية الأمر أن تلف العين يحسب على البايع قبل القبض لورود
النص عليه.
وبعبارة أخرى إن كان التلف قبل القبض من مال البايع حكما ثابتا على
خلاف القاعدة بالنص، فلا بد من الاقتصار على مورده فلا يتعدى إلى
تلف الأوصاف، وإن كان على طبق القاعدة فيكون تلف الأوصاف أيضا
على البايع، فكيف كان فسيأتي تفصيل ذلك في باب الخيارات.
فعلى القول بتسرية القاعدة إلى تلف الأوصاف فلا ثمرة للنزاع في أن
التغير حصل قبل القبض أو بعده، وعلى القول بعدم التسرية كما هو
الحق لعدم المقتضي للتسرية، فلا بد من النزاع في أن التغير حصل قبل
العقد أو بعده.
وكيف كان فذكر المصنف (رحمه الله) أن هنا أصلان حادثان، أحدهما وقوع
البيع، والثاني حصول الهزال، ولكن يعلم السابق منهما ولم يعلم تاريخ
الحادثان، أن أيا منهما مقدم وأن أيا منهما متأخر، فحيث إن مرجع
الأصلين إلى أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا وأصالة بقاء السمن
وعدم وجود الهزال حال البيع.
734

والظاهر أنه لا يترتب على شئ منهما الحكم بالجواز واللزوم، لأن
اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه وانتقاله إلى المشتري، وأصالة بقاء
السمن لا يثبت وصول السمين، كما أن أصالة عدم وقوع البيع حال السمن
لا ينفيه، فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حق المشتري إليه كما في
المسألة السابقة، فلا فرق بين المسألتين من حيث النتيجة، نعم الفرق
بينهما هو أن الشك في وصول الحق هناك ناشئ عن الشك في نفس الحق،
وهنا ناشئ عن الشك في وصول الحق المعلوم.
وبعبارة أخرى الشك هناك في حقه الواصل وهنا في وصول حقه،
فمقتضى الأصل في المقامين اللزوم وعدم وصول حق المشتري إليه،
ومن هنا ظهر الحال لو كان مدعي الخيار هو البايع.
أقول: لا حق للمشتري غير ذات المبيع الذي وصل إليه حتى نشك
في وصوله إليه فنتمسك بأصالة عدم وصوله إليه فيكون حاكما على
أصالة اللزوم، وعليه فدعوى المشتري كون العين مهزولة بعد المشاهدة
وقبل البيع أو قبل القبض، يرجع إلى دعوى الخيار لنفسه في العقد لكون
العين مهزولة، فالأصل عدمه وأن العقد ليس بمشروط بشئ، وإذن
فأصالة اللزوم محكمة، أي بمعنى استصحاب بقاء الثمن في ملك البايع
وبقاء المثمن في ملك المشتري، وكونه لازما وعدم ثبوت الخيار فيه
المسمى بقاعدة اللزوم، لا أن المراد منها هو التمسك بالعمومات الدالة
على اللزوم لكون الشبهة مصداقية.
ومن هنا ظهر حكم ما لو انعكس الأمر، بأن ادعى البايع الخيار على
نفسه، بأن ادعى كون العين مهزولة حين المشاهدة وسمينة بعدها وقبل
البيع فله الخيار.
ومن هنا ظهر أيضا أن الأصل عدم الخيار للبايع وعدم كون العقد
735

مشروطا بشرط، فتكون أصالة اللزوم محكمة كما لا يخفى.
اختلاف البايع والمشتري في المبيع بعد التلف
قوله (رحمه الله): ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية - الخ.
أقول: إذا اختلف البايع والمشتري في العين المشاهدة بعد التلف،
فقال البايع: إنها تلفت بعد القبض، وقال المشتري: إنها تلفت قبل القبض
فالتلف عليك، لأن التلف قبل القبض من مال البايع، فحكم المصنف بأن
الأصل بقاء ملك المشتري على الثمن لأصالة عدم تأثير البيع.
أقول: ولم يتعرض المصنف بالاستصحابات الموضوعية أنها تجري
أو لا تجري، ومع الجريان أنها معارضة أم ليست بمعارضة، بل اقتصر
على الاستصحاب الحكمي.
ولكن شيخنا الأستاذ حكم بأن الأصول الموضوعية الجارية لكل
واحد من المتبايعين مع كونها مثبتة معارضة بالمثل في مجهولي التاريخ،
والجاري لأحدهما فيما إذا كان أحد الحالتين بالخصوص مجهولة
مثبت، فيشك في تأثير البيع فتصل النوبة إلى الأصل الحكمي، وهو بقاء
الثمن في ملك المشتري.
أقول: تحقيق الكلام في موردين:
1 - فيما تحقق القبض في الخارج أو ما في حكم قبضه كقبض الوكيل
قبل البيع، كأن يعير البايع ثوبا من المشتري وجعله أمانة عنده، أو كان
ثوب مستأجرا له ثم باعه منه ووجداه تالفا، فاختلفا في تقدم التلف على
البيع وكون البيع باطلا لأنه وقع على الشئ المعدوم، وقال البايع: إن
التلف بعد البيع في غير زمن الخيار، فوقع البيع حين وجوده على الشئ
الموجود.
736

2 - ما لم يتحقق قبض في الخارج أو ما في حكم قبض المشتري
كقبض وكيله، ولكن تحقق التخلية بين البايع وبين العين فيما يكفي في
قبضه التخلية، كتسليم مفتاح الدار، والقاء عنان الفرس إلى المشتري،
بحيث لم يكن مانع من أخذ المشتري وتسلطه على المبيع، ثم اختلف
البايع والمشتري، فقال البايع: إنها تلفت بعد البيع، وقال المشتري: إنها
تلفت قبل البيع.
المقام الأول
فالحق فيه ما ذكره المصنف (رحمه الله) من التمسك بالاستصحاب الحكمي،
وبيان ذلك:
أنه لا مانع من جريان استصحاب بقاء المبيع إلى زمان البيع فالحكم
بوقوعه على المبيع الموجود والحكم بصحة البيع، لأنه كسائر
الموضوعات المركبة التي ثبت أحد جزئها بالأصل والآخر بالوجدان،
فإن البيع هنا في زمان الوجدان كما هو المفروض لاتفاقهما عليه،
والجزء الآخر أعني وقوع البيع على الشئ الموجود محرز بالأصل،
فيحكم بصحة البيع ويلزم المشتري باعطاء الثمن.
ونظير ذلك ما إذا شك في بقاء العبد وموته، فإنه لو عتقه يصح عتقه
ويكفي عن الكفارات، فإن بقاءه إلى زمان العتق محرز بالأصل والعتق
محرز بالوجدان وهكذا وهكذا.
ولكنه معارض بأصل آخر، وهو أصالة عدم وقوع البيع على المبيع
الموجود إلى زمان التلف، فهذا الأصل وإن لم يثبت وقوع البيع على
المبيع المعدوم إلا على القول بالأصل المثبت، ولكن هذا المقدار يكفي
في ترتب الأثر، وهو عدم تحقق البيع على الموجود، وإذن تصل النوبة
737

إلى الأصل الحكمي، وهو استصحاب بقاء الثمن في ملك المشتري
وعدم تحقق ما يخرجه عن ملكه، كما هو واضح.
ثم إن تصل النوبة إلى الاستصحاب الحكمي، إذا قلنا بعدم جريانه في
مجهولي التاريخ، على الخلاف بيننا وبين صاحب الكفاية (1)، وكذلك إذا
قلنا بجريانه فيهما معا فيما إذا كان التاريخ أحدهما معلوما والآخر
مجهولا ولكن يسقطان بالمعارضة، كما اخترناه في علم الأصول (2) وقلنا إن الاستصحاب يجري في كل من معلومي التاريخ ومجهوله معا ولكن
يسقطان بالمعارضة، وأما على مسلك الشيخ (3) والأستاذ من التفصيل بين
معلومي التاريخ واختصاص جريانه بالمجهول فقط دون المعلوم،
فلا يقع التعارض ولا يسقطان بالمعارضة، لأنه فرع جريانهما معا.
وعلى الاجمال، فلا بد لهما من التفصيل في المقام، كما هو مبناهما
في الأصول.
المقام الثاني
هو ما تحققت التخلية في الخارج فيما يكفي في قبضه التخلية، كتسلم
مفتاح الدار أو البستان، والقاء عنان الفرس أو الثوب إلى المشتري
وتلفت العين، ثم اختلفا في كون التلف قبل البيع أو بعده، ففي المقام
على جميع التقادير، من جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ وعدم
جريانه، كما هو محل الخلاف بيننا وبين صاحب الكفاية، ومن جريانه
فيما إذا كان أحدهما معلوما والآخر مجهولا وسقوط الأصلين

1 - كفاية الأصول: 419.
2 - راجع مصباح الأصول 3: 203.
3 - فرائد الأصول: 667.
738

بالمعارضة، كما عليه المبنى، أو قلنا بعدم جريانه في معلوم التاريخ
وجريانه في مجهول التاريخ، كما هو مذهب المصنف وشيخنا الأستاذ
في مبحث الأصول، فلا يترتب على شئ منها أثر بحيث يحكم بصحة
البيع على المشتري ويلزم المشتري على اعطاء الثمن.
والوجه في ذلك كله أن غاية ما يترتب على جريان الأصل هو صحة
العقد والبيع، وهو لا يفيد إلا مع تحقق القبض، فالأصل عدمه.
وبعبارة أخرى ففي هنا أمور ثلاثة: التلف والبيع والقبض، وإذا أثبتنا
وقوع البيع على المبيع قبل التلف على الترتيب المتقدم، من اثبات عدم
التلف إلى زمان البيع بالأصل، ووقوع البيع عليه بالوجدان، ولكن
لا يكفي ذلك بدون تحقق القبض، فإن أصالة عدم تحققه محكمة كما هو
واضح.
بيان آخر لاختلاف البايع والمشتري في المبيع بعد التلف
وحاصل الكلام أنك عرفت أن الكلام يقع في مقامين:
المقام الأول، مع تحقق التخلية من البايع فيما يكفي قبضه التخلية،
وقلنا إن المرجع فيه أصالة عدم تحقق القبض وبقاء مال المشتري في
ملكه، فلا يترتب أثر على استصحاب بقاء المبيع إلى زمان البيع واثباته
في الخارج بالأصل والوجدان، فإن تحقق البيع لا يثبت تحقق القبض إلا
على القول بالأصول المثبتة، على أن تحقق البيع أيضا مشكوك، فإن
المتحقق بالوجدان هو تحقق الانشاء كما سيأتي.
وأما المقام الثاني، فقلنا إن الأصول بناء على جريانه في مجهولي
التاريخ وفيما إذا كان تاريخ أحدهما معلوما وتاريخ الآخر مجهولا
معارضة، فتصل النوبة إلى أصالة بقاء مال المشتري في ملكه، كما ذكره
المصنف (رحمه الله).
739

وذكرنا أيضا أن جريان الأصل في كل من معلوم التاريخ ومجهوله
موقوف على النزاع في أن الأصل يجري فيهما معا كما اخترناه في محله،
أو في مجهول التاريخ فقط كما اختاره شيخنا الأنصاري (رحمه الله).
فعلى ما اخترناه تصل النوبة إلى الأصل الحكمي من أصالة بقاء الثمن
في ملك المشتري، وعلى مسلك المصنف فلا بد من التفصيل، فإن كان
البيع معلوم التاريخ والتلف مجهول التاريخ فنستصحب عدم التلف إلى
زمان البيع فنحكم بالصحة كما تقدم، وعلى تقدير كون التلف معلوم
التاريخ فالبيع مجهول التاريخ فنحكم بجريان الاستصحاب في البيع
فنقول الأصل عدم وقوع البيع إلى زمان التلف فينتج البطلان، فلا يمكن
الحكم بكون الأصل بقاء مال المشتري في ملكه، هذا.
ولكن نقول اليوم خلافه، وأن الاستصحاب لا يجري مطلقا، فإن جواز
البيع وعدم جوازه أي امضائه وعدمه من الأحكام الشرعية، فلا ربط له
بوقوعها في الخراج بفعل المتبايعين.
وأما أصل وقوع البيع فمفهوم البيع أعني اعتبار ملكية كل من العوضين
لكل من المتبايعين واظهاره بمبرز في الخارج بحيث يرى العرف
والعقلاء بيعا في اعتبارهم أمر وجودي محقق بوجوده الاعتباري،
والانشاء على انفراده ليس بيعا وإنما هو مظهر للبيع ومبرز له ومخبر عن
الاعتبار النفساني، ومن الواضح أن العقلاء إنما يعتبرون البيع فيما إذا كان
للمبيع وجود خارجي، أو كليا بحيث اعتبر العقلاء ملكيته وصحة وقوع
البيع عليه في اعتبارهم، ومع عدمه فلا يتحقق مفهوم البيع أصلا، فإنه
لا معنى لبيع المعدوم.
وبعبارة أخرى أن وجود المبيع دخيل في تحقق البيع في اعتبار
العقلاء، فمع العلم بعدم المبيع لا يقع عليه البيع، فإنه من قبيل المعدوم،
740

فلا يعتبرون البيع الواقع على المعدوم بيعا في نظرهم، وما اعتبره البيع
في نفسه وأظهر بالمظهر الخارجي لغو محض، فإنه صورة اعتبار البيع
لا أنه بيع حقيقة، فإنا وإن قلنا إن البيع متقوم بأمرين: أحدهما الاعتبار
النفساني، والثاني إظهاره بمظهر خارجي، ولكن ذلك أنما يتحقق مع
وفق الاعتبار لما في الخارج ووجود المطابق له في الخارج.
وعلى هذا فلو شككنا في تحقق البيع من جهة الشك في وجود المبيع
حين البيع فالأصل عدمه، وتحقق الانشاء وإن كان مسلما ولكنه ليس
ببيع، وحينئذ فالحكم هو أصالة بقاء الثمن في ملك المشتري، كما أفاد
المصنف (رحمه الله).
ومن هنا ظهر الحكم في سائر العقود والايقاعات، فإذا شك في موت
العبد وبقائه وعتقه، فلا يصح تصحيح العتق باستصحاب بقاء العبد إلى
زمان العتق ووقوع العتق عليه، فإن ما تحقق قطعا هو الانشاء وأما حقيقة
العتق فهو مشكوك، فإنه يعتبر فيه وجود المعتق وهو مشكوك، فلعل
العتق وقع على المعدوم فلا يعتبرونه العقلاء عتقا، فالأصل عدم تحققه،
فلا يكفي من الكفارات والنذر والعهد.
وهكذا الحال في سائر العقود والايقاعات، ولو شك بعد الطلاق في
بقاء الزوجية، أو بعد الإجارة في بقاء الدار، فلا يمكن تصحيح ذلك
بأصالة الصحة لاحتمال مجرد الصدق الواقعية.
وقد يقال بصحة البيع تمسكا بأصالة الصحة للشك في بعض شروط
وهو وجود المبيع، وإنما مورد أصالة الصحة هو ذلك.
ويرد عليه وجوه:
1 - إن أصالة الصحة ليست إلا هي قاعدة الفراغ، غاية الأمر أن قاعدة
الفراغ تجري في فعل شخص الانسان وأصالة الصحة تجري في فعل
741

الغير، وذكرنا في قاعدة الفراغ أنها إنما تجري في موارد تكون صورة
العمل محفوظة، كما عبر بذلك شيخنا الأستاذ، وأما فيما لم تكن صورة
العمل محفوظة فلا مورد لقاعدة الفراغ، وكذلك لا مورد لقاعدة أصالة
الصحة (1).
مثلا إذ شك المتوضئ بعد وضوئه أن ما كان يتوضأ به كان ماء أو شيئا
آخر من المايعات التي لا يجوز التوضئ بها، فإنه لا تجري فيها قاعدة
الفراغ لعدم حفاظ صورة العمل، وإنما تحمل مجرد الصدفة الواقعية
فقط.
نعم مورد قاعدة الفراغ ما إذا كان هنا ماءان وتوضأ من أحدهما، وكان
أحدهما مما يجوز التوضئ به والآخر لا يجوز، ثم شك في أنه كان من
الذي يجوز التوضئ به أو من الذي لا يجوز، فبقاعدة الفراغ يحكم
بالصحة، ويكون التوضئ من الذي يجوز التوضئ به.
وكذلك في قاعدة الصحة، إذا شككنا في ما فعله المتبايعان هو حقيقة
بيع أو صورة بيع، فإنه لا يمكن بأصالة الصحة اثبات كون الواقع بيعا
حقيقة بمجرد احتمال الصدفة الواقعية، وكذلك فيما إذا احتملنا أنه قال:
أنت طالق، ولكن نحتمل أنه قاله لزوجته أو لأجنبية، فلا يمكن حمله
على الطلاق الصحيح بأصالة الصحة.
نعم إذا أحرز أنه طلق زوجته وأحرزنا صورة العمل أي الطلاق
بالزوجة، ولكنه نشك في صحته وفساده فنحمل على الصحة.
وكذلك إذا رأينا أن أحدا قام على ميت فلا ندري أنه يصلي أو لا،
فلا يمكن حمل فعله على الصحة بمجرد احتمال الصدفة الواقعية، نعم
إذا حفظنا صورة العمل وعلمنا أنه يصلي على الميت وشككنا في

1 - راجع مصباح الأصول 3: 273.
742

صحته وفساده من جهة أخرى فنجري أصالة الصحة.
وهكذا في جميع العقود والايقاعات والعبادات كفائية أو عينية.
2 - إنه مع قطع النظر عن الاشكال الأول، أن أصالة الصحة مشروطة
بكون الشرط الذي نشك على كل تقدير مقدورا للمكلف، فلو كان على
تقدير مقدورا له وعلى تقدير غير مقدور فلا نجري فيه أصالة الصحة، مع
كون الشرط شرطا على كل تقدير ولزم من انعدامه بطلان العمل.
ففي المقام أن وجود المبيع دخيل في صحة البيع، لبطلان العقد بدونه
على كل تقدير، فوقوع البيع عليه غير مقدور على المكلف، وعلى تقدير
وجوده فوقوع البيع عليه مقدور ومع عدمه فغير مقدور، فلا نجري
قاعدة أصالة الصحة في مثل ذلك.
ومن هذا القبيل ما لو باع، لا يعلم أنه ماله أو لا، مع عدم كونه تحت
يده، وكذا بيع من نشك في بلوغه وعدمه، وهكذا الأمر في قاعدة الفراغ،
وقد خالف شيخنا الأنصاري (رحمه الله) في هذا الشرط في قاعدة الفراغ.
3 - ما ذكره المصنف (رحمه الله) مع الغض عن الاشكالين الأولين، من وجود
الجامع بين الصحيح والفاسد بحيث ينطبق عليهما، وأما إذا لم يكن هنا
جامع بينهما لكون الفاسد غير معقول كما في المقام، فإن المعدوم محال
فلا يمكن حمل فعل المسلم على الصحة بوجه.
9 - الكلام في بيع ما لا يفسده الاختبار به وما يفسده
الفرع الأول: في بيع ما لا يفسده الاختبار
هل يشترط فيه الاختبار كما ذكره بعضهم، أو يعتبر فيه اشتراط
الصحة كما ذكره آخر، أو يعتبر فيه البراءة من العيوب كما ذكره ثالث، أو
الأخيرين معا كما ذكره رابع، أو يكفي التوصيف كما ذكره بعضهم، أو مع
743

الانضباط كما ذكره آخر، وجوه بل أقوال في المسألة، كما يظهر من
مطاوي كلمات الأصحاب التي نقل جملة منها المصنف (رحمه الله)، فلاحظها.
ولا يهمنا التعرض بكلمات الأصحاب وبيان مرادهم كما تعرضها
المصنف (رحمه الله)، بعد ما لم يكن اجماع في البين، كما يظهر لمن يلاحظها،
ولم يرد في المقام نص حتى يلاحظه، فلا بد من التكلم هنا على مقتضى
القاعدة.
والتحقيق أن يقال: إن الأوصاف التي تختبر على أقسام، فإنها قد
تكون من أوصاف الصحة الدخيلة في صحة البيع، فتارة تكون الأشياء
المتصفة بها مما لا يفسده الاختبار، وأخرى مما يفسده الاختبار، أما
الأول كالعطور وبعض أقسام الفواكه من العنب والتين ونحوهما بمقدار
يسير منها غير مفسد قطعا.
فنقول: إن المانع من صحة البيع مع الجهل بأوصاف المبيع من أوصاف
الصحة كالطعم والرائحة، فيما يقصد منه طعمه أو ريحه من العطور
والفواكه، ليس إلا الغرر الثابت بحديث نفي الغرر، بناء على تماميته، أو
الاجماع المنعقد على اعتبار العلم بالعوضين، بناء على تماميته أيضا
وحجيته، فلا شبهة أن المناط في صحة البيع في جميع الموارد هو
ارتفاع وصف الغرر، فإن البيع الغرري باطل، فلا بد من ملاحظة ما يوجب
ارتفاع الغرر، من غير تخصيص بشرط خاص من الاشتراط أو الاختبار أو
البراءة من العيوب.
وعليه فيرتفع الغرر بأمور:
1 - الاختبار بما لا يفسده الاختبار فيما يستخير حال المبيع به
كاستشمام العطور، وذوق الفواكه التي لا تفسد بالاختبار كأكل حبة من
العنب ونحوه، أو استشمام بعض أقسامها، فإن ذلك يرفع الغرر، فيكون
744

البيع صحيحا من ناحية الغرر، فهذا مما لا شبهة فيه.
2 - اشتراط الصحة من العيوب الموجبة للغرر، بحيث يكون الخيار
عند ظهور المبيع أو الثمن فاقدا لذلك الوصف لكل من البايع
والمشتري، وهذا أيضا رافع للغرر، كما هو واضح.
3 - الاقدام على المعاملة مطلقا من غير اشتراط ولا اختبار أصلا بل
يسكت عن جميع ذلك، ولكن الشرط الضمني موجود في المقام بظهور
العوضين واجدا لأوصاف الصحة ولم يكن عديما لها، بحيث لو ظهر
فاقدا كان للمشروط له الخيار، ومع هذا الشرط الضمني لا يضره
السكوت عن الاشتراط لانصراف المطلق إلى الفرد الصحيح.
والذي يدل على هذا بناء العقلاء في معاملاتهم، فإنهم يعاملون
معاملة كلية أو جزئية مطلقة، وإذا ظهر المبيع فاقدا لأوصاف الصحة
يرجعونه إلى صاحبه ويكون لهم الخيار حينئذ.
فتحصل أن ارتفاع الغرر في المقام ليس منحصرا بالاختبار، بل كما
يرتفع به كذلك يرتفع بالاشتراط وبالشرط الضمني أيضا، لعدم ورود
النص على الاختبار بالخصوص، وعدم وجود الاجماع عليه، كما ظهر
من مطاوي ما ذكرناه، بل الاجماع على عدمه فإنه من باب ذكر وصف
الصحة، ومن الواضح أنه غير لازم اجماعا، كما ذكره المصنف (رحمه الله) في
جواب السرائر.
وأما توصيف البايع المثمن وتوصيف المشتري الثمن مع حصول
الوثوق منهما فداخل في صورة الاشتراط، وأما اشتراط البراءة من
العيوب، فالظاهر من عبارة المصنف (رحمه الله) من عطفه على اشتراط الصحة
بأو، وكذلك الظاهر من عبارة النهاية والمقنعة المنقولة في المتن هو
كفايته في نفسه، حيث قال: خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار
745

اشتراط الصحة أو البراءة من العيوب أو خصوص أحدهما.
أقول: إن كان المراد من البراءة من العيوب هو احراز كل من البايع
والمشتري كون المبيع سليما عن العيوب وصحيحة، هذا هو المراد
ظاهرا للمصنف، حيث ذكر في أواخر كلامه أنه ظاهر عبائرهم المتقدمة
اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار يكون البيع
غير غرري.
وإن كان المراد من البراءة من العيوب التبري منها، بحيث يبيع المتاع
على ما هو عليه من الصحيح والفساد، سواء ظهر فاقدا لأوصاف الصحة
أو واجدا لها لا يكون خيار للمشتري، ويشترط المشتري على البايع في
الثمن أيضا هذا الاشتراط، فهذا البيع غرري بلا شبهة، فيكون الاشتراط
مؤكدا للغرر، فيبطل البيع للغرر، بناء على مانعيته عن البيع، فلا يرتفع
الغرر بالاشتراط.
وعلى الاجمال فلا وجه لاشتراط هذا الشرط أصلا، فإنه إن كان
راجعا إلى اشتراط الصحة فذكره تكرار، وإن كان بمعنى التبري
فاشتراطه مؤكد للغرر، فلا يكون رافعا له.
ومن جميع ما ذكرناه ظهر بطلان ما ذهب إليه في السرائر من تقوية
عدم جواز بيع العين الحاضرة المشاهدة بالتوصيف، بل لا بد من ذوقها
وشمها.
ومما ذكرناه ظهر جريان أصالة السلامة في المبيع، فإن المراد بها هو
اشتراط كون المبيع سالما على العيوب بالشرط الضمني وواجدا
لأوصاف الصحة على النحو الذي تقدم، وهذا مما جري عليه بناء
العقلاء في معاملاتهم.
وليس المراد من أصالة السلامة ما يكون طريقا إلى احراز كون المبيع
746

واجدا لأوصاف الصحة باستصحاب الحالة السابقة التي شوهدت وكانت
واجدة لأوصاف الصحة، حتى يناقش فيها بما ناقشه المصنف، من عدم
الدليل عليه لا من بناء العقلاء إلا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد
ولا من غيره، فإنه لو كان المراد من أصالة السلامة هو ذلك فليس عليه
دليل حتى مع الشك في طرو المفسد الذي استثناه المصنف، فإنا ذكرنا
في علم الأصول أنه لا وجه لكون بناء العقلاء دليلا للاستصحاب وأنه غير
ثابت، كما هو واضح.
وهذا بخلاف ما ذكرناه من أصالة السلامة، فإن بناء العقلاء عليه مسلم
كما لا يخفى.
التفصيل بين الأوصاف الدخيلة في معظم المالية وبين غيرها
ثم ظهر أيضا من جميع ما ذكرناه بطلان ما ذكره المصنف من التفصيل
بين الأوصاف الدخيلة في معظم المالية وبين غيرها.
وحاصله أن الأوصاف إن كانت دخيلة في معظم المالية بحيث تزول
المالية المهمة بزوال الأوصاف، فلا بد من احراز السلامة عنها إما بالأصل
أو بالاختبار أو التوصيف، ومع انتفاء الأول يبقى الأخيران، وهذا ككون
الجارية خنثى، وكون الدابة لا تستطيع المشي أو الركوب والحمل
عليه، وأما إذا لم تكن الأوصاف من قبيل الأوصاف الدخيلة في معظم
المالية فلا يجب احرازها ولا يلزم الغرر من الانتفاء.
وهذا ككون الجارية ممن لا تحيض فهي في سن من تحيض، فإن انتفاء
ذلك لا يوجب انتفاء معظم المالية لبقاء الاستمتاع والاستخدام على
حالها، غاية الأمر قد انتفي الاستيلاد فقط، وأما في الأول قد انتفي
الاستمتاع أيضا.
747

وقد ظهر جواب هذا التفصيل أيضا، فإن المناط في صحة العقد هو
رفع الغرر كما تقدم، فكلما يلزم من عدم اعتباره واشتراطه في العقد
غرر، فلا بد من اشتراط ما يوجب رفعه من الاختبار أو اشتراط الصحة أو
الارجاع إلى أصالة السلامة وإلا فلا، سواء كانت دخيلة في معظم المالية
أم لا، فإن ما يكون دخيلا في ذهاب المالية وإن لم تكن معظما فالسكوت
عنه في مقام البيع غرر بلا شبهة.
الفرع الثاني: في بيع ما يفسده الاختبار به
فتحصل من جميع ما ذكرناه حكم ما يفسده الاختبار أيضا، فإن جميع
ما ذكرناه جار فيه إلا الاختبار، لأن المفروض أن الاختبار يفسده، وأما
اشتراط الصحة أو بيعه مطلقا ايكالا إلى أصالة السلامة، فهما جاريان فيه
كما يجريان في الأول، أعني ما لا يفسده الاختبار، وهذا كبيع نوع الفواكه
التي يفسدها الاختبار كالرقي والبرتقال والليمون أو نحوها، فإن الغرر
يرتفع فيها بأحد الأمرين المذكورين، فلو تبرأ عن العيوب يكون غرريا
فيبطل.
نعم قد ورد في المقام رواية ربما يتوهم فيها اعتبار الاختبار فيما
يختبر، حيث قال (عليه السلام) فيمن سأل عن ذوق الطعام في المال الذي يريد
أن يشتريه، فقال (عليه السلام): نعم فليذقه فلا يذوقن ما لا يشتري (1).
وفيه ما ذكره المصنف (رحمه الله)، من أن السؤال فيها عن جواز الذوق لا عن
وجوبه، فإنه (عليه السلام) جوز ذلك لمن يريد الاشتراء لا لكل من يشتري ولو

1 - عن محمد بن العيص قال: سألت أبا عبد الله (رحمه الله) عن رجل اشترى ما يذاق، يذوقه
قبل أن يشتري؟ قال: نعم فليذقه ولا يذوقن ما لا يشتري (التهذيب 7: 230، المحاسن: 450،
عنهما الوسائل 17: 375)، ضعيفة لجهالة بعض رواته.
748

لم يكن نظره ذلك، وإلا فإن بعض الطماعين يأخذون ذلك وسيلة لأكل
أموال الناس، بأن يأكل من دكان عشرة حبات من العنب ومن الآخر كذلك
ومن الثالث هكذا، فيكون أكثر من الحقة، فنهي الإمام (عليه السلام) عن ذلك،
فيجوز هذا النحو من الطريق أيضا.
خلاصة القول في بيع ما يفسده الاختبار وما لا يفسده
فتحصل أن ما لا يفسده الاختبار، فبالنسبة إلى الأوصاف الدخيلة في
صحة المبيع يجوز بيع الموصوف بها بالاختبار وبالتوصيف وبالاعتماد
على أصالة الصحة والسلامة، على المعنى الذي ذكرناه، أي انصرافه إلى
كون المبيع سالما عن العيوب وواجدا لأوصاف الصحة، فإنه الفرد
الصحيح، وقلنا هذا معتبر بالشرط الضمني في العقود والمعاملات.
وأما بالمعنى الذي ذكره المصنف، من كونها محرزة لبقاء المبيع على
أوصاف الصحة وعدم طرو العيب له ليوجب زوال صحة المبيع، فليس
له مدرك صحيح كما عرفت، حتى فيما كان للمبيع حالة سابقة، فإنا ذكرنا
في بحث الأصول أنه لا دليل على اعتبار الاستصحاب من ناحية بناء
العقلاء كما هو واضح.
وقد عرفت أيضا أنه لا يفرق في ذلك في الأوصاف التي لها دخل في
معظم مالية المبيع وما لا يكون كذلك، فإن في جميع ذلك لا بد من رفع
الغرر في صحة البيع، وإلا يحكم بالبطلان فرفعه بأحد الأمور الثلاثة
المتقدمة.
فلا دليل على الفرق المذكور بوجه وأن التزام المصنف، وعلى هذا
فلا وجه للالتزام بلزوم الاشتراط أو لزوم الاختبار فقط، كما ذهب إليه
الحلي (رحمه الله).
749

الأوصاف الكمالية
وأما أوصاف الكمال، ككون الفاكهة أو الدبس حلوا شديدا وزائدا
عن الحد الأوسط أو واجدا لأصل الحلو المتوسط، فإن الحلاوة من
الأوصاف الكمالية، فإن كان المتاع مما يمكن توصيفه بالوصف الكمالي
وبيانه على نحو يرتفع به الغرر فيجوز بيعه بالاختبار من المشتري
وبالتوصيف من البايع، فيكون اخباره اشتراطا مع الوثوق باختباره
وبالاشتراط أيضا، بأن يشترط المشتري كونه واجدا لوصف الكمال.
وأما الاعتماد على أصالة الصحة والسلامة المتقدمة فلا يجري هنا،
فإن الأوصاف الكمالية ليس من الأوصاف الصحة حتى ينصرف الاطلاق
إلى الصحيح وأن كون المبيع صحيحا أخذ شرطا في ضمن العقد كما
لا يخفى.
وأما فيما لا يمكن التوصيف والاخبار، كما إذا كان الوصف على نحو
يدرك ولا يوصف كوصف الملاحة ونحوها، ففي ذلك لا بد في رفع
الغرر إما من الاشتراط أو الاختبار وإلا فيكون باطلا للغرر المنفي، فإن
المفروض أن الأوصاف المذكورة لها دخل في المالية، فإذا لم يشترط
البيع على نحو يكون رافعا للغرر فيكون البيع باطلا لذلك.
وأما فيما يفسده الاختبار فبالنسبة إلى أوصاف الصحة فيأتي فيه
جميع ما ذكرناه فيما لا يفسده الاختبار، لأن المفروض أنه يفسده فيبيع،
إما مع الاشتراط، أو مع الاعتماد على أصالة الصحة على النحو المتقدم،
أو يخبر البايع عن الأوصاف، فيكون هذا أيضا رافعا للغرر مع الوثوق
بكلامه، فيكون هذا أيضا داخلا في الاشتراط فإنه نحو منه.
750

بيان آخر في الأوصاف الكمالية
وأما الأوصاف الكمالية فبالنسبة إلى الأوصاف التي يمكن الاطلاع
عليها فيجوز المعاملة حينئذ بالاشتراط وبتوصيف البايع فيرتفع
الغرر بهما، فيكون داخلا فيما يشتري اعتمادا على وصف البايع،
أو يشترط كون المبيع واجدا للأوصاف الكمالية، ومع ذلك يرتفع بها
الغرر.
وأما الأوصاف الكمالية التي لا يمكن الاطلاع إليها أصلا إلا بالاختبار
ككون البطيخ حلوا وكون الرقي أحمر من الأوصاف الكمالية التي لا يعلم
إلا بالاختبار، فالظاهر أنها غير دخيلة في المالية أصلا، فلا يلزم عدم
اشتراط كون المبيع واجدا لها غرر أصلا.
فإن المفروض أن هذه الموارد مما يفسده الاختبار وأن التوصيف
لا يمكن أيضا وأن أصالة السلامة غير جارية فيبيع المالك على هذا
النحو، إذ لا يفرق العرف في أمثال ذلك بين ما يكون واجدا لها وبين ما
يكون فاقدا لها لعدم طريقهم إلى ذلك، وإن كانوا يفرقون بينهما بعدم
الاطلاع إليها.
وعلى هذا أن اشتراط المشتري كون المبيع واجدا لتلك الأوصاف
فبها، وإلا فليس له حق الرجوع أصلا، فهذا هو الذي تعارف في العرف
التبري من كون المبيع واجدا لها أو فاقدا لها، فيقول: أبيع المتاع الفلاني
على ما هو عليه، سواء كان واجدا للوصف الفلاني أو فاقدا له، دون ما
كان الوصف من الأوصاف الصحة، لما عرفت أن التبري من فقدان
الوصف من أوصاف الصحة موجب للغرر.
751

الكلام في حكم تخلف الأوصاف المذكورة
ذكر المصنف (رحمه الله) في فرض تخلف وصف الصحة أقساما ثلاثة:
1 - أن يكون لفساد المبيع في نفسه قيمة، كالجوز والبطيخ وسائر
أقسام الفواكه، إذا لم يكن الفساد بمرتبة يوجب خروج المبيع عن حيز
الانتفاع، ولا كونه معنونا بغير عنوان المبيع، فإن لب الجوز وإن كان
فاسدا بصيرورته أسود ولكن مع ذلك ينتفع به بأخذ دهنه، وكذلك البطيخ
والرقي وسائر الفواكه إذا لم تصل من الفساد إلى مرتبة تخرج عن
الانتفاع، بل فسد جزء منها وصار به دود ونحوه، وأما الباقي فيصح
الانتفاع به، وقد مثل المصنف بذلك ببيض النعامة، بدعوى أن الفاسدة
أيضا قيمة، ولا تعهد بخصوصيات فوائده وهو أعرف بمقاله.
2 - أن يكون لفاسده أيضا قيمة ولكن كان خارجا عن نوع الصحيح،
بحيث يعد في نظر العرف شيئا آخر غيره، وهذا كظهور اللوز والجوز
قشرا، فإن للقشر قيمة ومالية في نظر العرف في الحريق، ولكن من حيث إنه حطب لا من حيث إنه جوز.
3 - أن لا يكون للفاسد مالية وقيمة أصلا كالبطيخ الفاسد، بحيث
لا ينتفع به أصلا.
وبعبارة أخرى أن فاسد المبيع قد يكون فاسدا بحيث يكون خارجا عن
المالية أصلا، وأخرى يكون له مالية وقيمة، وعلى الأول تارة يكون من
جنس الصحيح وأخرى من غير جنسه، فالأقسام ثلاثة.
أما القسم الأول، فتارة يكون ظهور العيب قبل الكسر والقص بأن
عرف أن البطيخ فيه دود، وآخر بعد الكسر، فعلى الأول يتخير المشتري
بين الفسخ والامضاء بدون الأرش، بأن يرضى بالعقد على أي نحو كان أو
752

الامضاء مع الأرش كما هو واضح، وأما بعد الكسر فليس له فسخ العقد
إلا مع اشتراطه هكذا، بأن يقول للبايع حين البيع: لو ظهر متاعك معيبا
ولو بعد الكسر فلي أن أرجعه، وأما مع الاعتماد على أصالة السلامة
فلا يجوز له الفسخ، بل يتخير بين الرضا بالعقد بدون الأرش والرضا به مع
الأرش.
وأما القسم الثاني، فالظاهر هو بطلان العقد، لما عرفت مرارا أن
تخلف الأوصاف التي من الصور النوعية في نظر العرف يوجب البطلان،
فإن ما هو موجود ليس بمبيع وما هو مبيع ليس بموجود، فيكون البيع
باطلا كما لا يخفى.
والحاصل أنه إذا ظهر المبيع فاسدا وكان للفاسد أيضا قيمة ولكن
يحسب في نظر العرف غير الصحيح بحسب الصورة النوعية، كما إذا
اشترى وزنة تمر فظهر أنه في حكم النوى لا يناسب إلا بالحرق، فهذا
لا اشكال في فساد البيع، لما عرفت أن المبيع غير موجود والموجود غير
مبيع، وهذا خارج عن الأقسام الذي ذكره المصنف (رحمه الله) ونتعرض لها.
بيان آخر في الكلام في حكم تخلف الأوصاف المذكورة
وحاصل الأقسام أن ما ظهر المبيع فاسدا تارة يكون مع كونه فاسدا
على قيمة الصحيح، وأخرى أقل منه، وثالثة يظهر أنه لا قيمة له أصلا،
وعلى كل تقدير فقد يكون ظهور الفساد قبل الكسر والقص، وقد يكون
بعده، فالأقسام ستة.
أما إذا كان ظهور العيب قبل الكسر، فما إذا كان الفاسد بحيث تكون
قيمته مساويا لقيمة الصحيح فحينئذ ليس للمشتري أخذ الأرش، فإن
المفروض أن قيمتهما متساوية، فالأرش إنما يكون إذا كانت قيمة
753

المعيب أقل من الصحيح، فإن الأرش عبارة عن تفاوت القيمة بين
الصحيح والمعيب، فإذا لم يكن تفاوت في البين فأي معنى للأرش، نعم
له فسخ العقد لخيار العيب أو امضائه كذلك.
وأما إذا كانت قيمة الفاسد أقل من قيمة الصحيح فيتخير المشتري بين
الأمور الثلاثة: فسخ العقد أو الرضا به بدون الأرش أو الرضا به مع
الأرش، فإن المعيب أقل قيمة من الصحيح فللأرش هنا مجال.
وأما إذا كان الفاسد بمرتبة لا قيمة له أصلا، كما إذا اشترى بطيخا
فظهر فاسدا على نحو لم تكن له قيمة أصلا، كان يعد من الزبالة، ففي هنا
يحكم بالبطلان، إذ المبيع من حيث عدم ماليته في حكم المعدوم، فليس
هنا أرش أيضا بل الحكم هو الانفساخ ليس إلا، بل الوجه هو البطلان
لعدم اعتبار العقلاء ذلك البيع بيعا أصلا، حتى بناء على عدم اعتبار
المالية في المبيع، كما بنينا عليه في أول البيع، فإن ما ليس بمال يعد في
نظر العرف نوعا آخر في قبال ما هو مال، فإذا وقع البيع بالمال فظهر غير
مال فقد تخلف صورته النوعية فيكون فاسدا من هذه الجهة.
نظير ما إذا اشترى أحد عصفورا فبان أنه حشرة من الحشرات، فإن بيع
الحشرات في نفسه وإن كان جائزا ولكن المبيع هنا ليس هو الحشرة بل
هو العصفور، فما هو مبيع ليس بموجود وما هو موجود ليس بمبيع،
وكذلك الحال في المقام.
وأما إذا ظهر الفساد بعد الكسر، فإن كان الفاسد أيضا مالا وكانت
قيمته مساوية لقيمة الصحيح، فليس للمشتري هنا شئ أصلا من أنحاء
الخيارات، أما الأرش فلما عرفت من عدم تفاوت المعيب مع الصحيح من
حيث القيمة، وأما الرد والفسخ فهو وإن كان جائزا قبل الكسر
والتصرف ولكن يسقط ذلك بعد الكسر للنص الخاص الوارد في خيار
754

العيب، من أنه إذا أحدث فيه حدثا أو لامس فلا يجوز له الرد (1)، فيكون
ذلك ساقطا للنص، وإن كان هو جائزا في نفسه القاعدة.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون للمكسور قيمة أو لا، ولا بين أن تكون
قيمة الفاسد بعد الكسر أقل من الصحيح أو لا، فإنه على كل تقدير ليس له
حق الرجوع بوجه، فإنك عرفت أن قيمة الصحيح والمعيب متساويتان،
وإنما سقط الفاسد عن القيمة أو نزلت قيمته بكسر المشتري.
وأما إذا كانت قيمة الفاسد أقل من قيمة الصحيح، فحينئذ فلا يجوز
للمشتري الفسخ، لما عرفت من سقوطه بالكسر للنص، فحينئذ يتخير
المشتري بين الرضا بالعقد بدون الأرش أو الرضا به مع أخذ الأرش،
والمراد من الأرش هنا هو تفاوت ما بين الصحيح والفاسد قبل الكسر
لا بعده، إذ قد لا يكون للفاسد قيمة بعد الكسر أصلا كما عرفت، ولكن
ذلك مستند إلى فعل المشتري واحداثه فيه حدثا فيسقط للنص.
وأما إذا لم يكن له قيمة أصلا، فحكمه حكم قبل الكسر أعني انفساخ
العقد، إذ لا مالية للمبيع أصلا والعقلاء لا يعتبرون مثل ذلك البيع بيعا،
وإنما هو في صورة البيع، والأمر كذلك حتى مع القول بعدم اعتبار
المالية في المبيع كما عرفت، فإن البطيخ إذا ظهر معيبا بحيث لا يعد من
المأكول فيكون نوعا آخر في مقابل المأكول، فهما في نظر العرف
مختلفان بحسب الصورة النوعية كما لا يخفى.
فيكون البيع باطلا من الأول، سواء كان ظهور العيب قبل الكسر أو

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
755

بعده، فيكشف عند ظهور العيب أنه باطل من الأول، كما صرح به الشيخ
والحلي والعلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه على ما لا قيمة له
كالحشرات، وهو صريح جملة ممن تأخر عنهم أو ظاهر آخرين.
ولكن الظاهر المحكي عن الشهيد في الدروس انفساخ البيع من حين
تبين الفساد لا من أصله، وجعل الثاني احتمالا ونسبه إلى ظاهر الجماعة.
وقد أشكل عليه المصنف بما لا يخلو عن المتانة، وحاصله: أنه
لم يعلم لذلك وجه، ولذا نسب الشهيد الثاني في الروضة خلافه إلى
الوضوح، والوجه في بطلانه أن الفاسد إن لم يكن من الأموال فيفسد البيع
من أصله، لأن كون المبيع متمولا شرط واقعي لا علمي، وإن كان من
الأموال، فإن لم يكن تفاوت بين الصحة والمعيب فليس للمشتري خيار
فكذلك بعد التصرف، وإن كان له خيار عيب قبل التصرف كما تقدم، وإن
كان بينهما تفاوت فيؤخذ التفاوت بعد التصرف لا جميع الثمن، وقبل
التصرف يتخير بين الأمور الثلاثة كما تقدم.
ثم وجه كلامه بأنه: إلا أن يقال: إنه مال واقعي إلى حين تبين الفساد،
فإذا سقط عن المالية لأمر سابق على العقد وهو فساده واقعا كان في
ضمان البايع فينفسخ البيع حينئذ، بل يمكن أن يقال بعدم الانفساخ
وحيث إن خروجه عن المالية لأمر سابق وسبب سابق كان في ملك البايع
فكان الضمان على البايع، والحاصل أن البيع منفسخ في زمان ظهور
العيب والرجوع إلى البايع من جهة كون حدوث العيب في ملكه كما
لا يخفى.
ثم أشكل عليه المصنف بكونه على خلاف القواعد، على ما سيأتي في
الخيارات، وإنما تعرضه المصنف هنا لأجل خصوصية في المقام.
وحاصل ما أورده المصنف عليه أنه: إن كان العلم بالعيب موضوعا
756

للخروج عن المالية فيكون حدوث العيب في ملك المشتري، فلا وجه
للرجوع إلى البايع، وإن كان طريقا إلى ذلك فيكون كاشفا عن البطلان من
الأول، فإنه إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من الأول،
فلا وجه للحكم بالانفساخ حين ظهور العيب.
على أنه لو سلمنا أن العلم بالعيب مخرج له عن المالية لا كاشف فهو
مثل: أن زيد يعمي بعد مدة، وكالعبد المريض يموت بعد مدة، فإنه في
مثل ذلك فيرجع إلى البايع لا في جميع المبيع، بل بالتفاوت بين الصحيح
والمعيب قبل التلف والخروج عن المالية، لأن المعيب أيضا له مالية وله
قيمة، كما لا يخفى، على أن فوات المالية يعد تلفا لا عيبا، كما هو
واضح.
وبالجملة لا نعرف وجها لتصحيح كلام الشهيد، فإنه إن كان الفاسد له
قيمة فحكمه ما ذكرناه، وإن لم تكن له قيمة فحكمه الانفساخ من الأول
لعدم كونه مالا من الأول، على أن ما وقع عليه البيع غير الموجود وما هو
موجود غير ما وقع عليه العقد كما تقدم.
الكلام في ثمرة الخلاف
1 - ترتب آثار الملكية
وأما ثمرة الخلاف بين ما كان الانفساخ من الأول، كما ذهب إليه الأكثر
على ما عرفت، وبين ما كان من حين ظهور العيب في المبيع، فهي تظهر
في ترتب آثار ملكية المشتري الثمن إلى حين تبين الفساد، فلو اشترى
البايع دارا بالثمن المذكور فربح في ذلك ألفا فإنه للمشتري على المشهور
لحصول الانفساخ من الأول، وعد خروج الثمن من ملك المشتري أصلا
فيكون اشتراء الدار فضوليا، وللبايع على قول الشهيد كما هو واضح.
757

2 - مؤونة النقل
ألف - عن الموضع الذي اشتراه فيه إلى موضع الاختبار
وعن الدروس واللمعة أن الثمرة تظهر في مؤونة نقله عن الموضع
الذي اشتراه فيه إلى موضع الاختبار، فقد ذكر في ذلك أقوال ثلاثة:
1 - ما ذكره الشهيد الأول من أن مؤونة النقل على تقدير انفساخ العقد
من الأول إنما هي على البايع، وعلى المشتري لو قلنا بالانفساخ حين
ظهور الفساد في المبيع لوقوعه في ملكه، وقد نقل المصنف هذا الوجه
وارتضاه.
2 - ما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد وتبعه الشهيد الثاني، من
كونها على المشتري مطلقا وليس له أن يرجع إلى البايع، والوجه فيه هو
أن المشتري نقله بغير أمر البايع.
3 - ما ذكره المصنف عن بعض الأساطين - كاشف الغطاء - وهو كونها
على البايع مطلقا فإنه (رحمه الله) نفى البعد عن ذلك.
والظاهر أن شيئا من الوجوه الثلاثة لا يمكن المساعدة عليه: أما الوجه
الأول فلا دليل عليه من النص والاجماع والعقل، لأن مجرد ظهور العيب
في ملك المشتري لا يستلزم كون غرامة النقل عليه، كما أن عدم ظهور
في ملك الغير لا ينفي الغرامة عنه، بل لا بد في ذلك من وجود السبب
للضمان، وكذلك لا وجه للوجه الثاني والثالث على وجه الاطلاق، كما
سيظهر وجهه.
والتحقيق أن يقال: قد تقدم في بيع الفضولي أنه إذا استند الوقوع على
الضرر إلى غيره بالاغترار كان ضمانه على الغار، لقاعدة الغرور الثابتة
بالنقل والاعتبار وإلا فلا، وعليه فإن كانت الغرامة الحاصلة من نقل
758

المبيع إلى مكان الاختبار مستندة إلى البايع وكونه غارا للمشتري في
ذلك لعلمه بالعيب وجهل المشتري به، فمؤونة النقل على البايع، وإن لم يكن اغترار في المقام لعلمهما بالحال أو جهلهما بها فالغرامة على
المشتري، لأنك قد عرفت في المبحث المذكور أن الغرور إنما يتقوم
بأمرين: أحدهما علم الغار بالعيب، وثانيهما جهل المغرور به، ومع
انتفاء أحدهما ينتفي الغرور.
وعلى هذا فلا وجه لما ذهب إليه جامع المقاصد، وما قربه بعض
الأساطين على الاطلاق، بل لا بد من التفصيل في المسألة بلحاظ الغرور
وعدمه.
ب - من مكان الاختبار إلى مكان البيع
هذا كله في مؤونة نقل المبيع من مكان البيع إلى مكان الاختبار، وأما
مؤونة النقل من مكان الاختبار إلى مكان البيع أو المكان الآخر مع مطالبة
البايع، أو كونه في مكان يجب تفريغه كالمسجد والمشهد، أو في مكان
مغصوب، فذكر المصنف أنه على البايع على تقديرين، لأنه بعد الفسخ
ملكه، وأما لو لم يكن قابلا فلا يبعد مؤاخذة المشتري به.
وفيه أن هذا أيضا لا يتم لعدم الدليل عليه، فإن مجرد كون المبيع ملكا
للبايع بعد الانفساخ لا يوجب كون مؤونة النقل إليه.
بل التحقيق أن يقال:
إذا كان المعيب الذي خرج عن المالية ملكا للبايع كحبة من الحنطة
مثلا، أو موردا للحق وإن خرج عن الملكية أيضا، كما إذا صار الحيوان
ميتة أو ظهر البطيخ فاسدا بحيث لا يعتبر العقلاء في مثله الملكية أيضا،
فطلب المالك ملكه أو متعلق حقه، فإن كانت المعاملة خالية عن غرور
759

البايع المشتري ولم يستند ذلك إلى تسبيب البايع لجهله بالحال،
فمؤونة النقل على المشتري، فإنه وضع يده على ملك غيره أو على مورد
حقه، فيجب عليه أن يرده إلى صاحبه، فإن مقتضى دليل اليد الثابت
بالنص والاجماع والسيرة كما يشمل الأموال وكذلك يشمل الأملاك
والحقوق أيضا.
بيان آخر
لا دليل على حرمة التصرف في ملك الغير ما لم يكن مالا، وما
لم يزاحم حق المالك، ودليل اليد ناظر إلى غير ما نحن فيه، على أنه
ضعيف السند، والسيرة مشكوكة الشمول له، وإن استند ذلك إلى تغرير
البايع المشتري فتكون مؤونة النقل على البايع.
وعلى الجملة أن مجرد المعيب ملكا للبايع لا يدل على كون الغرامة
ومؤونة النقل من مكان الاختبار إلى مكان البيع إلى البايع، بل بعد ما وضع
المشتري يده على ملكه بغير اغترار يجب عليه رده إلى صاحبه مع
المطالبة.
وأما إذا لم يطالب البايع ملكه أو متعلق حقه، ولكن كان ذلك في
مورد يجب تفريغه منه، كما إذ كان في مسجد أو في مشهد أو كان ذلك
في ملك الغير فطلب تفريغ ملكه، فالظاهر في هذا الفرض كون مؤونة
الافراغ على المشتري حتى مع الاغترار في المعاملة من البايع، فإن قاعدة
الغرور إنما توجب كون غرامة المغرور على الغار فيما يكون التضرر في
لوازم المبادلة والتمليك والتملك.
ومن الواضح أن النقل من مكان البيع إلى مكان الاختبار وبالعكس من
لوازم التمليك والتملك فتجري فيها قاعدة الغرور وأما في ذلك فلا،
760

ومن البديهي أن وضع المتاع في المسجد أو المشهد أو في ملك غيره
ليس من لوازم التملك الذي وقع فيه الغرور، وهذا واضح جدا.
لو تبرأ البايع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره
ثم إن المحكي في الدروس (1) عن الشيخ (رحمه الله) وأتباعه أنه لو تبرأ البايع من
العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح.
وفيه قد أشرنا إليه فيما تقدم، وقلنا بأنه إما غير محتاج إليه أو غير
معقول، بيان ذلك:
أن البراءة من العيوب إن كان من جهة الاطمينان بصحة المبيع واحراز
كونه سالما عن العيوب، إما باخبار البايع أو اعتمادا على أصالة السلامة،
بناء على كونها محرزة لصحته، فليس هذا في نفسه شرطا آخر غير
اشتراط الصحة بل مرجعه إلى ذلك، فليس لذلك وجه حتى يذكروها
مقابلا لاشتراط الصحة، على أنك عرفت أنه لا دليل على كون أصالة
السلامة محرزة للواقع حتى فيما كان للمبيع حالة سابقة.
وإن كان المراد من اشتراط البراءة من العيوب هو التبري عن عيوب
المبيع بأي نحو كان، من غير احراز صحته بطريق ولا اشتراط صحته في
المبيع ولو بأصالة السلامة، فيكون ذلك تأكيدا للغرر، فيكون البيع
غرريا.
على أنه لا نحتمل أن يقول أحد بأن البيع إذا لم يكون مشروطا بالبراءة
من العيوب يكون فاسدا، وأما إذا كان مشروطا بها يكون صحيحا، مع أنه
يؤكد الغرر ويقرره كما عرفت.

1 - الدروس 1: 337.
761

وعلى كل حال لا نعقل معنى صحيحا لهذا الاشتراط.
وقد يوجه بأن المراد من اشتراط البراءة اشتراط المشتري براءة المبيع
من العيوب وكونه صحيحا.
وفيه أولا: أنه خلاف الظاهر من ذلك.
وثانيا: ما ذكره المصنف (رحمه الله) من أن الكلام في براءة البايع من العيوب
دون المشتري، فلا يمكن حمله على هذا الوجه، نعم لو دار الأمر بين
حمله على الغلط وبين توجيهه بذلك فلا بأس به، صونا لكلام الأعاظم
عن الغلطية.
10 - الكلام في جواز بيع المسك في فأرة
قوله (رحمه الله): مسألة: المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأرة.
أقول: هذا لا شبهة فيه مع الاشتراط أو الاعتماد على أصالة السلامة
أو بالاختبار مع الامكان.
وذكر المصنف (رحمه الله): فالأحوط ما ذكروه من فتقه بادخال خيط فيها
بإبرة ثم اخراجه وشمه، ثم لو شمه ولم يرض به فهل يضمن هذا النقص
الداخل عليه من جهة الفتق، فهو مبني على ضمان النقص في المقبوض
بالسوم، من أنه هل ضمان المأخوذ بالسوم مع التلف على المشتري
أو على البايع، وعلى كل تقدير فهل الحكم أعم من تلف الموصوف
والوصف، أو هو مختص بتلف الموصوف فقط، فعلى القول بضمان
المشتري للموصوف والأوصاف معا ففي المقام أيضا يضمن لاتلافه
وصفا من أوصاف المسك وجعله ناقصا، بحيث أخذ عنه وصف
التمامية، ثم ذكر أن الأولى أن يباشر البايع بذلك ويشمه المشتري.
أقول: لا وجه لقياس المقام بالمقبوض بالسوم لوجهين:
762

1 - إن النزاع في ضمان المشتري بالمقبوض بالسوم هو فرض التلف
ففي المقام هو الاتلاف، سواء قلنا بالضمان هناك أم لا فلا بد من القول
بالضمان هنا، فإن من أتلف مال الغير فهو له ضامن، فبناء على الضمان
بالنقص في مال الغير فيكون ضامنا هنا أيضا كما هو الحق والمحقق في
محله.
2 - إن الاتلاف هنا مستند إلى البايع دون المشتري، فلا وجه للضمان
على المشتري كما هو واضح.
وقد يتوهم بطلان بيع المسك بدون الاختبار لوجهين: الأول:
النجاسة، فإنه من الدم فهو نجس، فيبطل بيعه لذلك، الثاني: للجهالة
والغرر.
أما الأول فيرد عليه أولا: أن كون المسك من الدم غير معلوم، فإنه
لا طريق لنا إليه.
وثانيا: على فرض كونه من الدم فهو طاهر، لقيام الاجماع بل السيرة
على ذلك، فإذا كان استعمال المسك في جميع الأزمنة متعارفا من غير
نكير من أحد بأنه نجس.
وثالثا: لا دليل على كون النجاسة مانعا عن البيع تكليفا ووضعا كما
تقدم في المكاسب المحرمة، وقد اعترف بذلك المصنف في بيع الميتة.
وأما الوجه الثاني، فمضافا إلى أن عمدة الدليل على ذلك هو
الاجماع، لكون دليل نفي الغرر مخدوشا سندا ودلالة، وأن الاجماع هنا
ليس بتمام، لقيام الشهرة بل الاجماع على جواز بيع المسك في فأرة،
على أن مانعية الجهالة إنما هي للغرر فهو منفي إذا بيع مع الاشتراط أو
معتمدا على أصالة السلامة بالمعنى الذي تقدم.
763

بيع اللؤلؤ في الصدف وبيع البيض في بطن الدجاج
ثم ذكر العلامة في التذكرة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف وبيع
البيض في بطن الدجاج (1).
أقول: أما بيع اللؤلؤ في الصدف، فلا شبهة في بطلانه لكونه غرريا،
فإن بعض أفراد اللؤلؤ يسوى بدرهم وبعضه الآخر يسوى بألف درهم،
كاختلاف أفراد الفيروزج بذلك، فإنه قد يكون اللؤلؤ صافيا فيسوي بألف
دينار، وقد يكون كدرا فلا يسوى إلا بدينار، مع اتحادهما في الكبر
والصغر.
وأما البيض، فإن كان من دجاج يعلم أنه بأي نحو يبيض، من الصغر
والكبر، بحيث جري عادته أنه يبيض على نحوه يسوى بيضه بعشر
أفلس، فهذا لا اشكال في صحة بيعه لعدم الغرر فيه، وإن لم يعلم بذلك
ولم تجري العادة بأنه بأي كيفية يبيض فبيعه غرري باطل، فإن بعض
أفراد البيوض يسوى بعشرة أفلس وبعضه باثني عشر أفلس وبعضه
بثمانية أفلس، فلا يعلم أن ما في بطنه من أي قسم من هذه الأقسام.
11 - الكلام في عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة وعدمه
قوله (رحمه الله): مسألة: لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه
وعدمه.
أقول: بعد ما فرغنا من عدم جواز بيع المجهول، فهل يجوز بيعه بضم
معلوم إليه أم لا، فمقتضى القاعدة المقررة على عدم جواز بيع المجهول
هو عدم الجواز مع ضم معلوم إليه أيضا، لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه

1 - التذكرة 1: 471.
764

عن الجهالة بل يكون الثمن الواقع في مقابل المعلوم أيضا مجهولا،
فيبطل البيع لذلك، وكذلك المبيع فإن المجموع من حيث المجموع
مجهول، إذ ليس المراد من ذلك كون كل جزء جزء من المبيع مجهولا،
فهذا لا شبهة فيه.
وعلى هذا فلا يجوز بيع السمك في الآجام وإن ضم إليه السمك
المعلوم أو القصب، ولا يجوز أيضا بيع اللبن في الضرع وإن ضم إليه
المعلوم، فإن المعلوم في ذلك كله يصير مجهولا بالضميمة.
وهذا على المشهور بين المتأخرين، ولكن ذهب المشهور من القدماء
إلى جواز بيع المجهول مع ضمه بالمعلوم، وعن الخلاف والغنية
الاجماع على ذلك، واختاره المحقق الأردبيلي من المتأخرين وصاحب
الكفاية والمحدث العاملي والمحدث الكاشاني، واستدل عليه
بروايات:
منها: مرسلة البزنطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كانت أجمة ليس
فيها قصب أخرج شئ من السمك فيباع وما في الأجمة (1).
ومنها: رواية ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا بأس بأن يشتري
الآجام إذا كانت فيها قصب (2).
والمراد شراء ما في الآجام، ولو بقرينة الرواية السابقة.
ومنها: رواية أبي بصير، فإن فيها قال (عليه السلام): يصيد كفا من سمك
تقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا (3).
ومنها: موثقة سماعة، قال: سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع،

1 - الكافي 5: 194، التهذيب 7: 124، عنهما الوسائل 17: 354، ضعيفة بالارسال.
2 - التهذيب 7: 126، عنه الوسائل 17: 355، ضعيفة بمحمد بن زياد.
3 - التهذيب 7: 126، عنه الوسائل 17: 355، ضعيفة بالارسال.
765

قال: لا، إلا أن يحلب لك منه سكرجة (1)، فيقول: اشتر مني هذا اللبن
الذي في السكرجة وما في ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع
شئ كان ما في السكرجة (2)، إلى غير ذلك من الروايات.
ومنها: ما عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول
في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل
بكذا وكذا درهما، قال (عليه السلام): لا بأس بذلك أن لم يكن في بطونها حمل
كان رأس ماله في الصوف (3).
ومنها ما دل على جواز بيع ما تقبل من خراج الرجال وجزية رؤوسهم
وخراج النخل وغيره إذا كان شئ واحد منها معلوما (4).
وبالجملة فالروايات الواردة في المقام على ثلاث طوائف، منها ثقات
وحسان، ومنها ضعاف، الأولى: ما دل على جواز بيع السمك مع
الآجام، والثانية ما دل على جواز بيع الحمل بضميمة الصوف، والثالثة ما
دل على جواز بيع الجزية وشرائها ونقلها من المتقبل بضميمة الجزء
المعلوم منها.

1 - السكرجة: إناء صغير.
2 - الكافي 5: 194، التهذيب 7: 123، الإستبصار 3: 104، الفقيه 3: 141، عنهم الوسائل
17: 349، موثقة.
3 - الكافي 5: 194، التهذيب 7: 123، الفقيه 3: 146، عنهم الوسائل 17: 354، ضعيفة
بإبراهيم الكرخي.
4 - عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتقبل بجزية
رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شئ أبدا أو
يكون، أيشتريه وفي أي زمان يشتريه ويتقبل منه؟ قال: إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه
قد أدرك فاشتره وتقبل به (الكافي 5: 195، الفقيه 3: 141، التهذيب 7: 124، عنهم الوسائل
17: 355)، صحيحة.
766

وقد أشكل المصنف على الروايات، ومحصله يرجع إلى وجوه:
1 - إنه على تقدير العمل بالروايات فلا بد من الاقتصار بمواردها،
فلا يجوز التعدي عنها لأنها روايات قد وردت على خلاف القاعدة
فيقتصر على مواردها المعلومة، فلا يمكن أخذ ما يستفاد منها قاعدة كلية
لتكون سارية في جميع الموارد حتى يكون تخصيصا للقاعدة المتقدمة،
من عدم جواز بيع المجهول في جميع الموارد في خصوص موارد
الروايات.
2 - إن الروايات غير معمول بها حتى في مواردها، فإن الكف من
السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون، ولذا جعلوه من الربويات،
وكذلك أن مورد رواية الكرخي جواز بيع الحمل في البطون مع ضميمة
الأصواف، ومن الواضح أن الأصواف في نفسها مجهولة المقدار،
وكذلك أن ما في السكرجة من الحليب أيضا مجهول المقدار، فلم يعمل
أحد بهذا، والقائلون بالجواز يقولون في ضم المعلوم إلى المجهول،
ولذا منع المشهور عن بيع أصواف الحيوان في ظهورها، والقائلون
بالجواز استدلوا برواية الكرخي.
3 - إن مورد بعض الروايات غير ما هو محل الكلام، فإن محل كلامنا
هو بيع مجهول الأوصاف مع ضميمة المعلوم إليه، ومورد رواية سماعة
هو كون المبيع مجهول الحصول، فإنه لا يعلم وجود اللبن في الضرع
وعدم وجوده حتى يضم عند البيع بما في السكرجة.
ولكن الظاهر أن شيئا من الوجوه لا يكون وجها لطرد العمل بالروايات:
أما الوجه الأول، فلأن الظاهر من الروايات هو التعليل الشامل للموارد
وغيره، فلا وجه للمناقشة بعدم التعدي من مورد الرواية إلى غير
موردها، فإن قوله (عليه السلام): فلو لم يكن في البطون حمل لكان الثمن في
767

مقابل الأصواف، وكذلك قوله: فإن لم يكن في الضرع لبن لكان الثمن
في مقابل ما في السكرجة، يفيد التعليل، يعني أن المناط في صحة
البيع أن لا يذهب الثمن هدرا بل لا بد وأن يقع في مقابله شئ، وهذا يعم
إلى جميع موارد بيع المجهول مع ضميمة المعلوم.
وقد تقدم نظير ذلك في بيع عبد الآبق، وقلنا بجواز التعليل من مورد
الروايات لمكان هذه العلة التي ذكرت في تلك الروايات الواردة في بيع
العبد مع الضميمة أيضا، كما تقدم.
وأما الاشكال الثاني، أعني عدم كون بعض هذه الروايات غير معمول
بها، ففيه أن جهة السؤال فيها إنما هو خصوص جهة بيع المجهول مع
ضميمة المعلوم، وأما كون الضميمة معلومة أو غير معلومة من المكيل
والموزون أم لا فخارجة عن جهة السؤال، فلعل السائل كان عالما بها.
والحاصل أنه لا يجوز دخل ما ليس مورد السؤال في الرواية بما هو
مورد السؤال ورفع اليد لأجل ذلك عن الروايات، على أنه يحتمل أن
يكون ما في السكرجة معلوما لاحتمال كونها من المكيال، وكذلك لا
نقبل كون السمك من الموزون دائما بل كثير ما يباع بالعدد كما تعارف
ذلك في أطراف الشط كثيرا.
نعم ربما يباع بالوزن، ولكن أن الأصواف لعلها كانت معلومة
بالمشاهدة، بأن كان أوان جزئها وبيعت مع المشاهدة أو كانت مجزاة
أصلا، وبالجملة لا وجه لهذه المناقشة أيضا.
وأما الاشكال الثالث، أعني كون المبيع مجهول الحصول لا مجهول
الوصف، ففي هنا أيضا أن جهة السؤال فرض كون المبيع موجودا وليس
جهة السؤال فرض كون المبيع مجهول الحصول، على أن كون اللبن في
الضرع ليس من مجهول الحصول بل كثيرا يطمئن الانسان، بل قد يكون
اللبن موجودا في الضرع كما هو واضح.
768

فالحق أنه لا مانع من العمل بالروايات وجواز التعدي عنها، فإن فيها
صحاح وموثقات.
الكلام في تفصيل العلامة (رحمه الله) في بيع المجهول بين ما كان الانضمام مستقلا
أو تابعا
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم.
أقول: بعد البناء من المصنف على عدم جواز بيع المجهول مع
الضميمة تكلم في معنى التابع، فإن العلامة فصل في بيع المجهول بين ما
كان الانضمام مستقلا فحكم بعدم الجواز، وبين ما كان تابعا فحكم
بالجواز.
أقسام التابع
وتوضيح المقام: التابع على أقسام:
1 - أن يكون داخلا في المبيع ويكون جزءا منه، وهذا كأس الجدران
والحيطان وأخشاب القبب وحديدتها، فإنها تابعة لبيع الدار وجزء
منها، وهذا لا شبهة في جوازه، أي يجوز بيع الدار مع كون هذه الأمور من
التوابع مجهولة، فإن الغرض من كون المبيع معلوما كونه معلوما عند
العرف بحيث يقال: إن هذا المبيع معلوم، وإن كان بعض أجزائها
مجهولة، بل لا يوجد مبيع في العالم يكون معلوما من جميع الجهات
للمتبايعين، فإنه لا يعرف حقائق الأشياء وخصوصياتها من جميع
الجهات إلا علام الغيوب ومن ارتضاه لغيبه، فإن بيع الحصر مثلا مع كونه
معلوما بالمشاهدة والزرع لا يعلم أنه بأي مقدار من الخيوط اشتملت
وهكذا وهكذا.
769

وهذا القسم من التابع خارج عن محل الكلام، لعدم كونه تبعا بل من
الأجزاء، وكلامنا في التابع الذي يكون خارجا عن المبيع، واطلاق التابع
عليه مسامحة واضحة، ومن هنا ظهر ما في كلام العلامة في التذكرة، من
اطلاق التابع على أس الحيطان.
2 - أن يكون التابع أمرا مستقلا وراء المبيع، وهذا لا يدخل في المبيع
إلا بالاشتراط، أو كونه جزءا من المبيع من الأول بحيث يقع البيع عليهما
معا وإلا فيكون خارجا عنه من غير أن يرتبط به أصلا.
نعم قد يكون داخلا في المبيع بحسب الارتكاز من غير أن يكون أمرا
آخر مستقلا بل يكون مغفولا عنه في نظر المتبايعين، كما إذا باع دجاجا
فباض بعد البيع، فإنه يكون للمشتري بحسب الارتكاز، أو اشترى أجمة
فظهر فيما سمك أو سمكتين، أو اشترى حيوانا فظهر كونه حاملا إلى غير
ذلك من الأمثلة، فإن الارتكاز في جميع ذلك موجود على كون الأمر
الخارج داخلا في المبيع، ومن هذا القبيل الجل للفرس، ولكنه داخل
في صورة الاشتراط أيضا.
وعلى الجملة لا يدخل الأمر الخارجي المستقل في المبيع إلا
بالاشتراط، أو بوقوع البيع عليه من الأول بحيث يكون المبيع أمرا مركبا.
وعليه فلا وجه للتفصيل بين التابع العرفي وغير العرفي، بأن يقال: إن
التابع قد يكون أمرا عرفيا فيكون داخلا في المبيع فلا تضر الجهالة فيه،
وقد يكون أمرا غير عرفي فلا يدخل في المبيع، فإنه لا وجه لهذا
التفصيل بعد التفصيل المتقدم، من أن انضمام المعلوم بالمجهول إن كان
من قبيل كون المجهول تابعا فيصح وإلا فلا يصح، فإنه لا معنى لدخول
شئ خارجي عن المبيع المجزي عنه بنظر العرف وكونه من التوابع
العرفية، بعد ما عرفت أنه لا بد من دخول الأمر الخارجي إما من الاشتراط
أو وقوع البيع عليه من الأول.
770

نعم يمكن أن يقال: إن التابع قد يكون في الأمور العرفية، أي فيما يعد
في نظر العرف من شؤونات المتبوع كما هو واضح، ولكنه لا يصلح
تفصيلا في المسألة.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لما ذهب إليه شيخنا الأستاذ واستظهره من
الشهيد والمحقق الثاني وقواه، من أن المراد من التابع هو ما يعد في
العرف تابعا، كمفتاح الدار وحمل نعجة والبيض الذي في جوف
الدجاجة، واللبن في ضرع الدابة ونحو ذلك، لما ذكرنا من عدم دخول
الأمر الخارجي في المبيع إلا بالاشتراط أو جعله جزءا من المبيع من
الأول.
على أنه لا وجه لما استظهره من المحقق القمي وصاحب الجواهر (1) أن
المراد من التابع هو التبعية في الجعل والتباني، بمعنى أن المبيع ولو كان
في الواقع هو المجهول ولكن للتخلص عن الغرر يجعل تبعا للمعلوم،
كما في مورد التخلص عن الربا في البيع الخياري في كثير من المعاملات،
وذلك لأنه ليس إلا كون الأمر الخارجي داخل في المبيع بايقاع البيع عليه
وعلى شئ آخر، فلا يكون أيضا تفصيلا آخر في المسألة.
نعم قد يكون المعلوم متقدما في الذكر والمجهول متأخرا، كقول
البايع: بعتك هذا الكيلو من الشكر مع هذا القند الموجود في الكيس،
وقد يكون بالعكس، أي يكون المعلوم متأخرا والمجهول متقدما،
ولكن هذا المقدار لا يكون وجها في التفصيل كما هو واضح.
وأما ما ذكره العلامة في التذكرة، من أن التابع ما أخذ شرطا في المبيع
في مقابل ما جعل جزءا منه، فقد اختاره أيضا شيخنا الأستاذ بدعوى أن
المجهول لو كان تابعا للمبيع أو جعل شرطا لا تضر جهالته، لأن ما وقع

1 - جواهر الكلام 22: 445.
771

في عقد المعاوضة مبيعا ليس مجهولا، وما هو مجهول لم يقع عليه
العقد.
ولا يرد على هذا الوجه أن المبيع يكون حينئذ مجهولا لعدم كون
التابع معلوما، فلا يعلم أن ما يقع من الثمن في مقابل المعلوم هو أي
مقدار، ووجه عدم الورود أن الشروط لا تقابل بشئ من الثمن وإنما هو
في مقابل المبيع فقط، وفائدة الشروط إنما هي تسلط المشروط له على
الفسخ، وهذا بخلاف ما كان المجهول هو جزء المبيع، فإن الجهالة
تسري إلى الجزء الآخر أيضا، فيكون مجموع المبيع مجهولا.
بيان آخر في هذا التفصيل
حاصل الكلام من الأول، أنه وقع الكلام في جواز بيع المجهول مع
ضميمة المعلوم إليه وعدمه، وفصل العلامة بين ما كان المجهول تابعا
فيجوز بيعه وبين ما إذا كان جزءا مستقلا من المبيع فلا يجوز، ولهذا وقع
الكلام في معنى التابع.
1 - قد يراد منه ما يكون جزءا من المبيع حقيقة ولكن يكون مغفولا
عنه وغير دخيل في مالية المبيع أصلا، سواء كان ذلك الجزء بنفسه له
مالية أو لم يكن، ومن القسم الجيد أو من القسم الردي، وهذا كأساس
الدار، فإنه دخيل في مالية المبيع، فإن الدار بدون الأساس لا قوام لها، بل
قد يصرف المال في نفس الأساس ما يحاذي ما يصرف في نفس الدار
ولكنه مغفول عنه في بيع الدار وغير ملحوظ فيه أصلا.
ومن هذا القبيل قطن الجبة المرسومة في السابق، حيث يضعونه في
الجبة للحرارة وحفظ البرودة، فإن هذا القطن لم يلحظ في بيع الجبة أنه
أي مقدار، فالجهالة بمقداره لا تضر بالمبيع، فإن ما هو مورد للغرض منه
772

هو وجود نفس القطن فيها، بل ربما لا يكون الغرض متعلقا بوجود القطن
بل يكون الغرض قائما بوجود شئ فيه ليحفظ الانسان بضمامته عن
البرودة وإن كان من غير القطن، وأما أنه أي مقدار فليس موردا للغرض،
بل إنه أي شئ أيضا قد لا يكون موردا للغرض كما هو واضح.
ومن هذا القبيل القطن الموضوع في صدر الجبة أو الثوب الآخر
ليمنعه الارخاء، فإنه قد يكون من الكرباس، وقد يكون من غيره، وقد
يكون زائدا، وقد يكون ناقصا، فشئ منها لا يكون محطا للغرض وإن
كان مقوما للمالية.
وعلى هذا لا تكون جهالتها موجبة لبطلان البيع، فإنها لا تكون في
مقابل الثمن من شئ أصلا، فكما لا تضر جهالته بالبيع ولا تمنع عن
صحته، وكذلك هو خارج عما نحن فيه من أي أقسام التابع، فإن
المذكورات وأمثالها من أجزاء المبيع لا من الأمور الخارجة عنه حتى
يقال إنها داخلة بالتبع أم لا كما هو واضح.
2 - التابع العرفي، بأن لا يكون الشئ جزءا من المبيع بل من الأمور
الخارجية، ولكن العرف يحكم بحسب ارتكازهم بكون ذلك الأمر
الخارجي من تبعات المبيع، بحيث لا يحتاج دخولها في المبيع إلى الذكر
أصلا، ولا أن جهالتها توجب بطلان البيع، فإنها أمور خارجة عن المبيع،
بل غير ملحوظ في نفسها ومغفول عنها، وإنما الغرض تعلق بأصل
المبيع، ومثل هذه الأمور مع كونها من الأمور الخارجية لا تكون خارجة
عن المبيع إلا باشتراط عدمها، وإلا فمجرد عدم التعرض لها يكفي في
دخولها في المبيع كما لا يخفى.
وهذه كدخول المسامير في الجدران في بيع الدار، ويمكن أن يكون
الكهرباء والماء في هذا الزمان من هذا القبيل، بأن يكون مجرد السكوت
773

عنهما كافيا في دخولها في المبيع، فالجهالة بأي شئ منها لا توجب
بطلان المعاملة وغرريتها، فإنها مع كونها خارجة عن المبيع غير دخيلة
في مالية المبيع، ومع كونها دخيلة فيها غير ملحوظة بنفسها، وإنما
دخولها بالارتكاز فيكون داخلا في التفصيل بين ما يكون التابع داخلا
بالاشتراط أو بالجزئية الذي فصل به العلامة (رحمه الله).
تفصيلات أخرى في معنى التابع والمناقشة فيها
فلا معنى للتفصيل بين أن يكون التابع أمرا عرفيا أو غير عرفي، فإن
العرف ليس له أن يحكم بكون الشئ داخلا في المبيع إلا بالارتكاز
المتقدم، وقد عرفت أنه من أقسام الشرط، وفي الحقيقة أن هذا ليس
تفصيلا في كون التابع المجهول موجبا للغرر وعدمه تخصيصا لنهي
النبي (عليه السلام) في بيع الغرر، بل هو خارج عن الغرر تخصصا كما لا يخفى،
فافهم.
وقد عرفت مفصلا أن الشئ لا يدخل في المبيع إلا بالاشتراط أو
بالجزئية، فالعرف بما هو عرف ليس له أن يدخل شيئا في المبيع إلا
بالارتكاز المذكور الذي عرفت أنه من جملة الشروط.
وأما التفصيل بين التابع وغير التابع، والقول بأن المجهول إن كان تابعا
للمبيع فيصح وإلا فيبطل، فإن رجع إلى الاشتراط فله معنى معقول،
ولكن ليس وجها آخر وتفصيلا وراء التفصيل بين الاشتراط والجزئية
الذي ذكره العلامة، وإن أراد المفصل شيئا آخر فلا نعقل له معنى
محصلا، فإنه لا يدخل شئ في المبيع إلا بأحد الوجهين من الاشتراط
والجزئية، وإلا فيكون كوضع الحجر في جنب الانسان.
774

وأما ما ذكره المحقق القمي وصاحب الجواهر (1) من أن المجهول
يكون تابعا في مقام الجعل والتباني، فحينئذ لا يوجب غررية المعاملة،
وهذا بخلاف ما لو كان التبع في عالم الجعل والتباني، وفي مقام الانشاء
هو المعلوم وكان المبيع أي المتبوع هو المجهول، فإنه حينئذ تكون
المعاملة غررية وباطلة.
وفيه إن كان المراد من ذلك هو التقديم والتأخير في الذكر فله وجه،
ولكنه لا يوجب مجرد التقديم والتأخير في الذكر التفصيل بأن يكون أنه
إن قال البايع: بعتك هذه الدار المعلومة وما في الكيس الذي هو مجهول،
يصح البيع، ولو انعكس بطل.
وإن كان المراد من ذلك هو الاشتراط والجزئية، بأن يكون المراد منه
أنه لو كان المجهول داخلا في المبيع بعنوان الاشتراط صح البيع، وإن
كان بعنوان الجزئية بطل، فله معنى معقول، ولكنه ليس تفصيلا آخر في
المسألة وراء ما ذكره العلامة (رحمه الله) من التفصيل بين الجزئية والشرطية.
وإن كان المراد من هذا التفصيل غير ما ذكرناه، فلا نعقل له معنى
صحيحا ليرجع إلى محصل.
وأما ما ذكره المصنف من احتمال أن يكون مرادهم التابع بحسب
القصد من المتبايعين، وهو ما يكون المقصود من البيع غير المجهول.
فإن كان المراد من القصد هو الغرض الشخصي، بأن كان غرض
المشتري هو الشئ المعلوم وإن كان قيمة المجهول أضعاف قيمة
المعلوم ولكن غرضه لم يتعلق إلا بالمعلوم.
فمن الواضح أن الأغراض الشخصية لا توجب رفع الغرر عن المعاملة

1 - جواهر الكلام 22: 445.
775

كما تقدم في البحث عن بيع الغرر، فإن الغرر إنما هو يتحقق في
المعاملات بحسب النوع وإن كان البيع في اعتقاد المشتري غير غرري.
مثلا لو اشترى صبرة مجهولة من الحنطة ولم يكن مورد غرضه إلا
حقة واحدة فلا يوجب ذلك ارتفاع الغرر عن المعاملة بحسب الغرض
النوعي، وهكذا لو اشترى أجمة ولم يكن غرضة إلا القصب مع كونها
مشتملة على الأسماك الكثيرة، فإنه لا شبهة في كون المعاملة غررية
بحسب الغرض النوعي وإن كان غرض المشتري حاصلا، وهكذا
وهكذا.
وعلى الجملة فالأغراض الشخصية غير دخيلة في رفع الغرر، وإن
كان أصل قوام الغرر وتحققه شخصيا، أي قائما باحتمال الخطر الذي هو
أمر شخصي.
وإن كان المراد من القصد والغرض هو الغرض النوعي، وعليه فإن كان المقصود الذي جعل تابعا من القلة بمكان لا يعتنيه العرف في مقابل
المقصود، بحيث لا يكون دخيلا في زيادة المالية للمبيع أصلا، فلا شبهة
في صحة البيع.
وهذا كما إذا اشترى آجاما وكان هو المقصود من البيع، وكانت
الأجمة مشتملة على السمكة أو سمكتين، فإن الجهل بهذا لا يضر بصحة
البيع، فلا يوجب كون المعاملة غررية، فإن العادة قاضية بأن الأجمة
لا تخلو من سمك عادة.
ومن هذا القبيل بيع الدجاج ثم باضت، فإن الجهل بوجود البيض فيه
لا يضر بصحة بيع الدجاج، لكون السمك في المثال الأول ووجود
البيض في المثال الثاني غير مقصود وغير دخيل في مالية المبيع، وإن
كان كل من السمك والبيض يباعان مستقلا ويتساويان بالمال.
776

ولعل من هذا القبيل ما تقدم من التابع العرفي، بل هذا النحو من غير
مقصود داخل في المبيع بالارتكاز كما تقدم، فليس وراء الاشتراط شئ
آخر، وإن كان غير المقصود كثيرا في نفسه بحيث يكون بنفسه موردا
للغرض ومحطا للمقصود، بل قد يكون قيمة غير المقصود مساويا مع
قيمة المقصود أو أكثر منها.
ففي هذه الصورة وإن لم تكن المعاملة غررية بالنسبة إلى المشتري،
لكون المقصود بمقدار يساوي القيمة المذكورة والثمن الذي يعطى
للبايع، وإنما يكون غير المقصود له مجانا، ولكن المعاملة غررية
بالنسبة إلى البايع، فإنه عامل معاملة لا يعلم أن ما خرج من كيسه أي
مقدار، وأن الثمن يساوي بأي مقدار من المثمن، فتبطل للغرر كما هو
واضح، فإن هذه المعاملة من أوضح أفراد المعاملة الغررية.
على أنه لا يدخل في المبيع إلا بأحد الوجهين المتقدمين، من الجزئية
أو الشرطية، وإلا فيكون أجنبيا عن العقد، بل يكون كوضع الحجر في
جنب الانسان.
وحينئذ فلا يكون تفصيلا آخر غير ما ذكره العلامة من التفصيل بين أن
يكون التابع جزءا أو شرطا.
إذا فانحصر الكلام بما ذكره العلامة (رحمه الله) من التفصيل بين كون التابع
المجهول جزءا فيبطل البيع، وبين كونه شرطا فلا يبطل، وأما الوجوه
الآخر فليست قابلة للتكلم عليها بوجه.
وقد ذكر هذا الوجه العلامة (رحمه الله) وأورد عليه المحقق الثاني (رحمه الله) بأن
العبارة لا أثر لها، فعلى كل حال فالمعاملة إن كانت غررية فتبطل وإلا
فلا تبطل، وقوي هذا الوجه شيخنا الأستاذ وفرق بين الجزء والشرط،
بأن الثمن يقسط على الجزء ولكن لا يقسط على الشروط.
777

أقول: الظاهر أنه لا يمكن تصديق هذا التفصيل على وجه الاطلاق،
فإن لازم ذلك أنه إذا قال: بعتك هذا الكيلو من السكر بعشرة دنانير بشرط
أن يكون ما في الكيس لك، فلا يعلم أن ما في الكيس درهم أو دينار أقل
أو أكثر.
فهذا من أوضح أفراد المعاملة الغررية، فإن المعاملة في نظر العرف
يلاحظ مع جميع شروطها وإن لم يكن للشروط قسط من الثمن، فلو
عامل أحد هكذا، بأن باع داره التي تسوي بألف دينار بدينار بشرط أن
يكون ما في الصندوق أيضا للبايع، فلا يعلم أن فيه أي مقدار من الفلس،
فلا يشك أحد في كون مثل هذه المعاملة غررية جدا.
والتحقيق أن يفصل في المقام بأن مدرك بطلان البيع الغرري إن هو
دليل نفي الغرر، فلا شبهة في كون مثل هذه المعاملة غررية كما عرفت،
ولكن عرفت المناقشة فيه من حيث السند والدلالة، وإن كان المدرك في
المقام هو الاجماع، بأن يقال: إنه قام الاجماع على كون الجهالة مبطلة
للمعاملة.
فمن الواضح أنه دليل لبي فيقتصر على المورد المتيقن، وهو ما إذا
كانت الجهالة في المبيع لا في الشروط، إلا أن يكون لأحد قطع على
شموله للشروط أيضا، ونحن لا نقطع بذلك.
وتوهم أن الشرط يوجب رفع الغرر مع خيار تخلف الشرط كما تقدم
فاسد، فإن هذا الشرط النتيجة فلا خيار فيه، فإن قول البايع: بعتك الشئ
الفلاني بكذا بشرط أن يكون ما في الكيس لك، اشتراط كون ما في الكيس
له قليلا كان أو كثيرا، ويتحقق ذلك بمجرد تحقق البيع فلا تخلف فيه
حتى يوجب ثبوت الخيار.
778

12 - الكلام في الاندار
قوله (رحمه الله): مسألة: يجوز أن ينظر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل
الزيادة والنقيصة على المشهور.
أقول: بل ادعى عليه الاجماع، وعن فخر الدين (1) التصريح بدعوى
الاجماع، وقد ذكرت أقوال في تفصيل:
1 - جواز الاندار (2) بشرطين، كون المندر متعارف الاندار عند التجارة،
وعدم العلم بزيادة ما يندر.
2 - عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها.
3 - اعتبار العادة مطلقا، ولو علم الزيادة أو النقيصة.
4 - التفصيل بين ما يحتمل الزيادة فيجوز مطلقا، وما علم الزيادة
فالجواز بشرط التراضي.
5 - عطف العلم بالنقيصة على الزيادة.
6 - إناطة الحكم بالغرر، ولكن النفي والاثبات فيها لا يرد على مورد
واحد.
تحقيق الكلام هنا في جهتين:
الأولى: في تحقق الاندار في مقام الاعطاء والقبض والاقباض بعد
الفراغ عن صحة البيع.
والثانية: في كون الاندار في مقام البيع ومرحلة انشاء المعاملة
وتصحيح البيع بحيث يكون سالما عن الغرر.

1 - إيضاح الفوائد 1: 433.
2 - أندر من الحساب كذا: أسقطه.
779

الجهة الأولى: في تحقق الاندار في مقام الاعطاء والقبض والاقباض
لا شبهة في صحة البيع وعدم كون المعاملة غررية، فإنها تحققت
صحيحة، فالاندار في مقام الاقباض لا يوجب قلب المعاملة عن صحتها
إلى غيرها، وحينئذ يجوز الاندار مع التراضي في مقام الاعطاء
ولو بمقدار أكثر من الظرف، فإن المتاع مال للبايع فهو مسلط على ماله،
فله أن يبذل مقدار منه أو جميعه.
فقول شيخنا الأستاذ: إن الاندار يوجب جهالة المبيع ولو بعد تحقق
البيع صحيحا، لا يمكن المساعدة عليه، وما ذكره كاشف الغطاء (رحمه الله)، من
كون الاندار موجبا للغرر، فيكون البيع الذي وقع فيه الاندار باطلا في غير
هذه الصورة كما سيأتي.
وإن لم يتراضيا بالاندار، فأيضا لا وجه لبطلان البيع، بل يحكم بصحته
إذا كان المبيع مما تعارف الاندار فيه، كما بيع الأدهان والدبس والنفط
والأثمار والأرز وغيرها، فإن كثيرا من الأشياء قد جرت العادة بالاندار
فيه بعد البيع، فإن رضي المالك به فلا كلام فيه كما تقدم، وإن لم يرض به
المالك فبالشرط الضمني العقدي نجبره على الاندار، فإن جريان العادة
بذلك في حكم الاشتراط في ضمن العقد صريحا، فحينئذ يجوز الاندار
فلا يضر بصحة المعاملة أيضا.
وإن لم يرض البايع بالاندار ولم يكن المبيع من الأشياء التي تعارف فيه
الاندار ليكون جوازه ثابتا بالشرط الضمني، فنأخذ القدر المتيقن ونجري
البراءة من المقدار الزائد عنه، وباستصحاب عدم زيادة عن المقدار
المتيقن كما هو واضح.
ونظير ذلك ما إذا مات البايع والمشتري بعد المعاملة ووقع النزاع في
780

مقدار العوضين، فإنه حينئذ يؤخذ القدر المتيقن وتمسك في الباقي
بأصالة عدم زيادة المبيع عن المقدار المتيقن، وبراءة الذمة من القدر
الزائد منه.
فتحصل أن هذه الصورة خارجة عن مورد النقض والابرام، وعن محل
الأقوال المذكورة كما هو واضح.
الجهة الثانية: في كون الاندار في مقام البيع
أن يكون الاندار حين البيع بحيث يقع البيع على المندر، بأن يقول:
بعتك هذا الدهن غير ظرفه، مع كون الظرف والدهن مجموعهما معلوما،
ولكن كل واحد منهما لم يكن معلوما، وهكذا لو قال: بعتك الشئ
الفلاني وهو مع ظرفه عشرة حقق.
الظاهر أنه لا شبهة في بطلان البيع في هذه الصورة، لكونه من أظهر
أفراد الغرر، إذ لا يعلم أن مقدار المبيع أي قدر ووزنه، فهل يحتمل أن
الشئ إذا كان مجهولا لا يجوز بيعه مستقلا ولكن يجوز بيعه مع ضمه
إلى شئ آخر ليكون مقدار المجموع معلوما؟
فهذا مثل أن اشترى الانسان عشر كيلوات من الشكر وأخذ جملة منها
وباع الباقي، فإن معلومية المجموع لا يوجب صحة بيع البقية المجهولة
كما هو واضح.
ولا يفرق في ذلك بين كون المتبايعين راضيا بالاندار أم لا، فإن
رضاهما لا يوجب صحة البيع المنهي عنه شرعا، فهو نظير رضاهما ببيع
الخمر والخنزير والقمار، فنهي الشارع عن معاملة غير تابع برضى
المتبايعين، وما ذكره الأصحاب وكاشف الغطاء (رحمه الله) من عدم كون رضى
المتبايعين موجبا لرفع الغرر فمورده هذه الصورة، وقد اتضح أن النفي
781

والاثبات في كلمات كثير من الأصحاب لو لم يكن كلهم لم يرد على مورد
واحد.
ومن هنا اتضح أيضا مورد الروايات أيضا، كما يتضح لمن يلاحظها
وعلم أن الروايات إنما وردت على طبق القواعد لا على خلافها، فتوهم
أنها واردة في نفس البيع فيصح مع التراضي على خلاف القاعدة فاسدة.
عن حنان في الموثق قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له
معمر الزيات، فقال له معمر الزيات: إنا نشتري الزيت في زقاقة
ويحسب لنا فيه نقصان لمكان الزقاق؟ فقال: إن كان يزيد وينقص
فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه (1).
وقد استظهر المصنف منها كون المفروض في السؤال هو التراضي،
لأن الحاسب هو البايع أو وكيله وهما مختاران والمحسوب له هو
المشتري.
أقول: معنى الرواية - والله العالم - إن السؤال إنما وقع عن الاندار بعد
تحقق البيع والشري، فقال الإمام (عليه السلام): إنه إن كان ما يندر يحتمل الزيادة
والنقيصة فلا بأس به، يعني أنه يحتمل، فهو موافق للعادة الجارية عليه
في السوق والخانات، حيث يشترون الأمتعة من الأثمار والألبان
ويندرون لظروفها مقدارا يحتمل الزيادة والنقيصة، فحيث إنه موافق
للعادة وللسيرة الجارية على ذلك قال الإمام (عليه السلام) فلا بأس به أن يكون
زائدا عن مقدار الظرف ويحتمل أن يكون ناقصا عنه أو زائدا، وأما إذا
تعين كون الاندار زائدا عن الظرف ولم يحتمل الزيادة فهو حرام، لأنه
تصرف في مال الغير بدون إذنه، فلذا نهى عنه الإمام (عليه السلام) فقال:
لا تقربه.

1 - الكافي 5: 183، التهذيب 7: 40، 7: 128، عنهم الوسائل 17: 367، موثقة.
782

فهذه الرواية راجعة إلى بيان حكم الاندار بعد المعاملة لا في بيان حال
الاندار عند البيع، وضمير لا تقربه يرجع إلى الاندار لا إلى البيع كما هو
واضح، فتدل على عدم الجواز في صورة الزيادة مطلقا رضي به البايع
أم لا.
ودعوى ظهور الرواية في صورة التراضي، من جهة أن المحاسب إما
البايع أو وكيله وعلى كل حال فهما راض بذلك دعوى فاسدة، فإن
العادة جارية حتى الآن على كون المحاسب غير البايع ووكيله، كما
نشاهد في السوق والخانات أن أهل البادية يجلبون الأثمار من الرقي
والبرتقال والرمان وغيرها أو الألبان وغيرها من الأمتعة ويقفون في
الخارج وينظرون إلى أمتعتهم، فيوزن شخص واحد ويحاسب شخص
آخر من صاحب الخان أو الدلال، فيعطون قيمة أمتعته على حسب
انصافهم أقل أو أكثر.
ففي هذا المقام نهى الإمام (عليه السلام) عن الاندار بالزيادة بحيث لا يحتمل
النقيصة أو التساوي، فقوله (عليه السلام): إن كان زائدا فلا تقربه، ليس معناه
أنه إذا احتمل الزيادة دون النقيصة مقابل احتمال الزيادة والنقيصة، فإنه
خلاف الظاهر من الرواية.
نعم لو رضي البايع بالزيادة كما هو المتعارف فعلا فلا بأس به على
القاعدة، حيث يوزنون الأثمار في الخانات من الرقي وغيره وبعد تمام
العيار يأخذون الواحد أو الاثنين يعطونه للمشتري، فإنه لا بأس به
لجريان العادة عليه ورضي البايع بذلك.
وتدل على الجواز مع التراضي الروايتان الأخيرتان فتكونان مقيدتين
لرواية معمر الزيات، فعلم مما ذكرناه أنهما أيضا وردتا على طبق
القاعدة، فإن التصرف في مال الغير مع رضي منه جائز، أحدهما: رواية
783

علي بن أبي حمزة (1)، والثانية رواية قرب الإسناد (2)، اللتان نقلهما
المصنف.
انكشاف الخلاف إما بالزيادة أو بالنقيصة
ثم إنه إذا انكشف الخلاف إما بالزيادة أو بالنقيصة فيكون داخلا تحت
المسألة المتقدمة، وهي إذا باع صبرة على أنها عشرة أرطال فبانت زائدة
أو ناقصة، فقد تقدم أن مقتضى القاعدة هو الانحلال، فيصح في الموجود
ويبطل في الناقص، ومع الزيادة يرد إلى البايع إن لم يرض بالبيع وإلا
فيكون من المبيع على الحساب الذي بنوا عليه من كل رطل بكذا.
وقد عرفت أن الكلام فيه في مقامين: الأول في مقام تصحيح البيع لئلا
يكون بيع مجهول، والثاني في مقام التسليم.
أما الأول، فلو أخرج مقدارا بعنوان الاندار لتصحيح البيع ثم ظهر
الخلاف فيكون من مصاديق ما تقدم، من أنه لو باع صبرة ثم ظهر الخلاف
بالزيادة أو النقيصة، فهل يثبت الخيار لكل من البايع والمشتري أم لا،
وقد عرفت هناك أن ثبوت الخيار متوقف على كون الهيئة الاجتماعية
دخيلة في ازدياد المالية وإلا فينحل البيع إلى الأجزاء، فيصح في

1 - عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: جعلت
فداك إني رجل أبيع الزيت - إلى أن قال: - قلت: فإنه يطرح لظروف السمن والزيت لكل ظرف
كذا وكذا رطلا، فربما زاد وربما نقص؟ فقال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس (التهذيب
7: 128، عنه الوسائل 17: 367)، ضعيفة بعلي بن أبي حمزة.
2 - عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يشتري
المتاع وزنا في الناسية والجوالق فيقول: أدفع للناسية رطلا أو أقل أو أكثر من ذلك أيحل ذلك
البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا تراضيا (قرب الإسناد: 113، عنه
الوسائل 17: 367)، ضعيفة بعبد الله بن الحسن.
784

الموجود ويبطل في المعدوم.
أما الثاني، وهو الاندار في مقام التسليم، فلو أندروا للظرف مقدارا ثم
ظهر الخلاف فلا خيار في شئ من الصور التي ذكرناها سابقا، من
التراضي أو الشرط الضمن العقدي أو الأخذ بالمتيقن ونفي الزائد
بالأصل.
أما في صورة التراضي، فلو رضيا باندار مقدار للظرف ثم ظهر الخلاف
فبالمقدار المندر فلا شبهة في صحة المعاملة ولزومها وإن كان هذه
الصورة خارج عن المقام، لفرض رضي المالك بذلك ويكون الزائد على
مقدار الظرف أو الناقص عنه هبة من مالك المثمن أو مالك الثمن.
وأما مع عدم التراضي، فبالنسبة إلى الزائد منه أو الناقص فيرجع من
له الحق إلى الآخر ومع عدم الزيادة والنقيصة فلا، فأما من ليس لأحدهما
حق على الآخر أصلا فله خيار، ومن له حق للآخر فيرجع إلى حقه من
دون خيار.
وهكذا الكلام في الشرط الضمني أيضا، فإن العادة جارية باندار
مقدار من المبيع للظرف فهو مما لا بد منه، ومع الزيادة من المقدار
المتعارف أو النقيصة منه يرجع ذو الحق إلى الآخر، وأما الزائد و
الناقص في نفس المقدار المتعارف فيرجع إلى الهبة كما عرفت في
الصورة الأولى.
وأما فيما إذا أخذ المبيع بالقدر المتيقن ثم ظهر الخلاف، فأيضا يرجع
كل منهما إلى غيره ولا يجوز لمن عنده الزائد أن لا يرده إلى صاحبه، بل
وجب عليه رده إلى صاحبه.
فتحصل أن في شئ من هذه الصور ليس لواحد من المشتري أو البايع
خيار، نعم لو منع البايع عن رد الناقص فثبت له حكمه، بل إما يصح البيع
بلا شئ أو يصح مع رد الزائد أو الناقص من المقدار المندر.
785

13 - الكلام في بيع الظرف مع مظروفه
قوله (رحمه الله): يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم إلا بوزن
المجموع.
أقول: حاصل ما ذكره المصنف هو أن الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا
في أنه يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون وإن لم يعلم بوزن
المجموع، وقال:
إن الذي يقتضيه النظر أن يجوز بيعه فيما نحن فيه، مما جوز شرعا
بيعه منفردا عن الظرف حتى مع الجهالة أيضا، فهذا يجوز بيعه منضما
أيضا، فإن الانضمام ليس بمانع ولا رافع للشرط، وأما لو لم يكف في بيع
أحد المنضمين معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر
الشخصي، ومثل عليه بأنه لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال
وألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنها ألفي مثقال، فإن الاقدام على
هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحقه لأجله اللوم من العقلاء، وأما مع
انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع بالنص والاجماع الدال على
اعتبار الكيل في المكيل والوزن في الموزون وبطلان بيع المجهول فيهما
فالقطع بالجواز، فإن مفاد النص والاجماع هو معرفة مقدار المبيع من
حيث المجموع وأما معرفته بكل جزء جزء فلا دليل عليهما.
ثم قال: ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن
المجموع دون الآخر، كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشي بالشمع
عند الصياغة كالخلخال مثلا، وعدم جواز بيع الشمع كذلك، فإن فرضنا
الشمع تابعا يجوز البيع ولا تضر جهالة الشمع وإلا فلا.
والتحقيق أن يقال: إن المبيع تارة يكون من الموزون ظرفا ومظروفا مع
786

الجهل بمقدارهما، وأخرى يكون المظروف من الموزون والظرف من
غيره.
فعلى الأول فلا يجوز البيع أصلا، سواء كان غرريا أم لا، لما عرفت
سابقا من اعتبار الكيل في المكيل واعتبار الوزن في الموزون، بل قلنا إن
بيع الموزون بلا وزن باطل وإن لم يكن فيه غرر، ومثلنا لذلك بأنه لو
جعل مقدارا من الحنطة في أحد طرفي الميزان ومقدارا من الأرز في
الطرف الآخر فتبادلا مع كونها على قيمة واحدة فإنه يبطل هذا البيع،
لا لكونه غرريا بل لاعتبار الوزن فيه حتى مع عدم الغرر.
وأما إذا لم يكن الظرف من الموزون مع العلم بمقدار المظروف، فهذا
على نحوين:
1 - أن يبيع المظروف والظرف مجموعا على عشرة دنانير، مثلا أنه يقول البايع: بعتك مجموع خمسة أرطال من الحنطة الموجودة في هذا
الظرف مع ظرفه على عشرة دنانير، بحيث لا يعلم أن ما يقع في مقابل
الظرف أي مقدار من الثمن وما وقع في مقابل المثمن أي مقدار منه، فهذا
لا شبهة في صحته، فإن المانع عن صحة البيع هو الغرر، والمفروض أنه
منفي، وكذا المانع الآخر وهو عدم وزن المظروف مع كونه من الموزون
والظرف أنه موزون أيضا، غاية الأمر لا يعلم أن ما في مقابل المظروف أي
مقدار من الثمن وما في مقابل الظرف أي مقدار منه، فهذا غير لازم بعد
عدم الغرر كما لا يخفى.
2 - أن يبيع مجموع الظرف والمظروف بخمسة عشرة، ليكون على
الظرف خمسة وعلى المظروف عشرة، على حساب كل رطل بدينارين
مع كون المظروف خمسة أرطال، فإنه يكون ثمن كل واحد من الظرف
والمظروف معينا، فهذا أيضا لا شبهة في صحته، فإن انضمام الظرف
787

بالمظروف هنا كانضمام شئ أجنبي بالمبيع ككتاب الرسائل، فلا يلزم
منه محذور كما عرفته في الشق الأول.
وتظهر الثمرة بين الصورتين، أن في الأولى مع ظهور شئ من
المظروف أو الظرف مستحقا للغير، فلا بد من ارجاع المجموع من الظرف
والمظروف إلى العرف حتى يقوم المجموع ثم يقوم كل واحدة منهما
والرجوع إلى التفاوت بالنسبة، وهذا بخلافه في الصورة الثانية، فإن قيمة
كل من الظرف والمظروف معينة في نفسه.
3 - أن يكون الظرف والمظروف من الموزون وكان مقدار كل منهما
مجهولا مع كون المجموع معلوما، كما إذا فرضنا أن الظرف سبيكة من
الفضة والمظروف سبيكة من الذهب، ونعلم أن منا مائة مثقال من الذهب
وألف مثقال من الفضة، ونشك أن تسعة مائة مثقال أهي من الفضة أم من
الذهب مع العلم بكون المجموع ألفين مثقال، فذهب بعضهم إلى فساد
البيع لكونه غرريا وبيع جزاف، إذ لا يعلم أن تسعة مائة مثقال ذهب أم
فضة، فأي خطر أعظم من ذلك.
ولكن الظاهر هو صحة البيع في هذا القسم، وبيان ذلك أن مورد كلامنا
أعني كون البيع غرريا إنما هو فيما يكون الجهل بوجود المبيع ولا يدري
المتبايعان أنه موجود أم لا، أو فيما يكون الجهل بأوصاف المبيع التي
دخيلة في المالية، وأما الجهل بالقيمة فغير مربوط بالغرر وإنما هو من
موارد خيار الغبن، فلو باع مثقالا من الذهب بدينار أو اشتراه أحد بثلاثة
دنانير فإنه يثبت لهما خيار الغبن بعد معرفة القيمة، ولم يتوهم أحد هنا
فساد المعاملة لكونه غرريا، وكذلك لو أقدم على الغبن مع العلم فإنه
يحكم بالصحة أيضا.
وفي المقام أن مائة مثقال من الذهب وألف مثقال من فضة معلوم
788

والتسعة مائة مجهول أنه ذهب أو فضة، فلو باع كل مثقال من الذهب
بدينارين وكل مثقال من الفضة بدرهم وإن لم يعلم مقدار الذهب أو مقدار
الفضة منفردا منفردا، فلا وجه لبطلان البيع فإنه من مصاديق بيع الصبرة،
وقد عرفت صحة بيعها مجموعا بعنوان كل رطل بكذا، فإن انضمامها إلى
ما يعلم بمقدار المجموع لا يوجب البطلان.
وعلى هذا فإذا باع مجموع ألفين مثقال كل مثقال بدرهم مع العلم
بالغبن والاقدام عليه فلا وجه لبطلان المعاملة.
وبالجملة أن الغبن في المعاملة غير الغرر فيها، فلو أقدم المتعاملان
على الغبن أو انجبر الغبن بالخيار فلا وجه للحكم بالبطلان للغرر كما لا
يخفى.
وعلى الاجمال أن كل من الظرف والمظروف وإن كانا من الموزونين
ولم يعلم بمقدار كل منهما على التفصيل، ولكن ذلك مثل بيع الصبرة كل
رطل بكذا، فيجوز للبايع أن يبيع ذلك المجموع المركب، بأن كل مثقال
من الذهب بدينارين وكل مثقال من الفضة بدرهم، وصحة البيع في مثل
ذلك لا يستلزم العلم بمقدار الصبرة أصلا، وكذلك يصح بيع مجموع
الذهب والفضة على حساب كل مثقال بدرهم مع الاقدام على الغبن،
فلا وجه للحكم بالبطلان للغرر، فإن مورد الغبن غير موارد الغرر كما
عرفت.
وعلى كل حال فلو كان الظرف والمظروف كليهما من الموزون
ولم يعلم مقدار كل واحد منهما على التعيين، ولكن علم مقدار
المجموع من حيث المجموع فيصح بيعه على حساب كل رطل بكذا
وكذا يصح بيع مجموعها بقيمة الذهب أو بقيمة الفضة مع الاقدام بالغبن،
فإن الغبن غير الغرر كما عرفت.
789

آداب التجارة
1 - الكلام في استحباب التفقه في مسائل التجارات
قوله (رحمه الله): مسألة: المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ
ينبغي، استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات، ليعرف
صحيح العقد من فاسده ويسلم من الربا.
أقول: قد وقع الاشكال في هذا التعبير، أي بالاستحباب، مع أن تعلم
الأحكام من الواجبات للآيات والروايات الكثيرة، منها آية النفر،
وتوضيح المسألة:
أنه قد يجب تعلم الأحكام الشرعية صونا لها عن الاندراس، وهذا
لا تختص بأحد دون أحد، بل هو جار في حق كل أحد، ويجب عليهم
كفاية، كما هو مقتضى التعبير بمن في قوله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة - الآية (1).
وهذا القسم من التعليم كما لا يختص بشخص دون شخص بل يجب
على كل شخص ولكن كفاية، بحيث لو تعلم من به الكفاية لسقط عن
الباقين كما عرفت من الآية، وكذلك لا تختص بحكم دون حكم، بل
يجب تعلم جميع الأحكام لكي تندرس بل تبقى حسب طول الزمان،
حتى المسائل التي لا يبتليها كمسائل الحيض والنفاس والحدود
ونحوها.
ثم إن التعلم في هذا القسم لا بد وأن يكون عن اجتهاد واستنباط، فإن

1 - التوبة: 122.
790

بقاءها إنما كذلك، فهذا قسم من وجوب التعلم على الاجتهاد بعنوان
الكفاية، فلو تركوه لعوقب الجميع.
وقد يجب التعلم لأجل العمل بها، فإن تركه موجب لتفويت الواقع،
وهذا إنما يكون في المسائل التي يبتليها المكلف عادة، ولا يجري في
غيرها، فهذا إنما يجب عينا لكل أحد، ولا يلزم أن يكون ذلك بحسب
الاجتهاد بل يجوز أن يكون به وبالتقليد أيضا، وكل من ترك التعلم في
تلك المسائل حتى وقع في الحرام الواقعي يعاقب عليه.
فهل العقاب على ترك الحكم الواقعي أو على نفس ترك التعلم نزاع بين
الأردبيلي والمشهور، حيث قال المشهور بكون العقاب لترك الواقع
وذهب المحقق الأردبيلي إلى كونه لنفس ترك التعلم، وتفصيل الكلام
في علم الأصول (1).
وهذا أيضا قسم من تعلم الأحكام، فلا يجب إلا فيما يطمئن أن يبتلي
به وأما في غيره فلا.
وقد يجب هذا عقلا ونقلا، أما النقل فالروايات الكثيرة الدالة على
وجوب تعلم الأحكام، مثل أن يقال للرجل يوم القيامة: لماذا عملت،
فيقول: ما علمت، ويقال: لماذا علمت (2).
وأما العقل فلدفع الضرر المحتمل، ففي كل واقعة يجب أن يتعلم من
حكمها معاملة كانت أو غيرها لذلك، ومع الترك والوقوع في الحرام

1 - راجع مصباح الأصول 2: 493.
2 - عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) وقد سئل عن قوله تعالى:
فلله الحجة البالغة فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟ فإن قال:
نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت، وإن قال: كنت جاهلا، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل،
فيخصمه، وذلك الحجة البالغة (أمالي الشيخ المفيد: 227)، موثقة.
791

الواقعي فيعاقب، كما إذا ارتكب البيع الربوي وتزيد المعاملات على
غيرها بعدم جواز التصرف في شئ من الثمن والمثمن، لاحتمال فساد
المعاملة.
أما المثمن فلاستصحاب بقائه في ملك مالكه مع ذلك الاحتمال،
فلا يجوز التصرف فيه إلا مع العلم بالناقل، وأما الثمن فلاحتمال انتقاله
إلى البايع، فلا يجري هنا استصحاب عدم انتقاله إلى البايع لعدم جريانه
قبل الفحص، وهذا بخلافه في المثمن، فإنه لا مانع من جريانه لكونه
موافقا للاحتياط، فيجري قبل الفحص.
وعلى الاجمال لا يجوز ترك التعلم في المسائل التي يطمئن بابتلائه
بها، لاحتمال الغرر الموجب لوجوب التعلم، ولا يجوز التصرف في
الثمن والمثمن في المعاملات لما ذكرناه.
وهنا قسم ثالث، وهو أن يحتمل الانسان أن يبتلي بمسائل في طول
عمره، فهذا يستحب تعليمه لأدلة الاحتياط، كما إذا كان أحد يتجر
بالقند والشكر فإنه لا يبتلي عادة بمعاملة الحيوان، ومع ذلك يحتمل
ابتلاءه بذلك، وهكذا مسائل الزكاة ونحوها، فإن التاجر في هذا الزمان
لا يبتلي عادة بالزكاة، ومع ذلك يحتمل ابتلاءه بها فيستحب تعلمه.
وكذلك لا يحتمل الانسان عادة أن يبتلي بالذهاب إلى الخارجة، ومع
ذلك يستحب أن يتعلم أحكامه، من حكم القبلة والطهارة والنجاسة
والمعاملة معهم، لاحتمال ابتلائه به أو لتعليم الناس وهكذا وهكذا،
ولكن لا يجب ذلك، لأنه يطمئن بعدم الابتلاء، كما لا يجب للرجل معرفة
أحكام المرأة ولا يجب للمرأة معرفة أحكام الرجل، من صلاته وصومه
ولبسه وغيرها.
وإذا ابتلي أحد بما كان مطمئنا بعدم ابتلائه ووقع في الحرام الواقعي
792

لا يعاقب على ترك التعلم، فإن اطمينانه بعدم الابتلاء حجة له عند الله،
وبه يكون معذورا في الوقوع على الحرام كما هو واضح.
فمراد الفقهاء من حكمهم باستحباب تعلم مسائل الحلال والحرام
هو هذا القسم، كما مثلنا بمثل معرفة مسائل خيار الحيوان ومسائل
الزكاة.
توهم التعارض بين ما دل على تعلم الأحكام وبين ما دل على مطلوبية
الاكتساب ودفعه
ثم إنه ربما يتوهم التعارض بين ما دل على تعلم الأحكام وبين ما دل
على مطلوبية الاكتساب، فإن ما دل على استحباب الاكتساب أعم من أهل
العلم وغيره، وجمع بينهما صاحب الحدائق بالالتزام بأن أهل العلم
خارج عن تحت تلك الأخبار الدالة على مطلوبية الاكتساب.
ولكنه واضح الدفع لعدم تماميته ثبوتا واثباتا، أما ثبوتا فلأنه كثيرا
لا ينافي الكسب لطلب العلم، كما إذا عرف كسبا يصرف وقته فيه قليلا
ولكن يربح كثيرا، فإن مثل هذا كيف يقال في حقه إنه ليس في حقه طلب
الكسب، وأما ابتلاء فإن الناظر في تلك الأخبار الدالة على مطلوبية
الاكتساب يرى أنها أعم، فلا وجه لاخراج أهل العلم عن تحتها لعدم
الدليل عليه.
على أنه قد لا يكون الكسب مزاحما لتحصيل العلم، كما إذا كان له
خط جيد فيكتب سطرا ويبيعه بدينار، فإن مثل ذلك لا يزاحم تحصيله بل
يستحق بذلك الفضيلتين، وفاض بأجر تحصيل العلم وتحصيل الكسب،
فأي شئ أعظم من ذلك كما عرفت، فلا وجه لرأي الحدائق ثبوتا
واثباتا، فإن الكاسب حبيب الله وإن كان طالبا للعلم.
793

بيان آخر
وبعبارة أخرى قد دلت الروايات الكثيرة على استحباب طلب العلم،
وجملة أخرى من الروايات على استحباب طلب الكسب، وربما توهم
التعارض بينهما، وجمع بينهما صاحب الحدائق، بتخصيص ما دل على
استحباب الكسب بما دل على استحباب تحصيل العلم، وكون الأخبار
الدالة على استحباب الكسب مختصا بغير أهل العلم.
وأيد ذلك بجملة من الأخبار الدالة على حسن التوكل، وأن أهل العلم
لا بد وأن يتوكل على الله تعالى في أموره ويطلب من الله تعالى رزقه،
وأيضا أيده بكلام الشهيد في المنية.
ولكن الظاهر أنه لا دلالة في شئ من المذكورات على مقصد
الحدائق، كما أفاده المصنف، فإن حسن التوكل على الله لا يدل على
الاعراض عن الكسب، وليس معناه أن الانسان يتوكل على الله ويقعد في
بيته، بل معناه أنه يجب لكل شخص أن يتوكل على الله في أموره
بالخصوص أهل العلم، فإنهم قواد الدين، بل كانت الأئمة (عليهم السلام) متوكلون
على الله، ومع ذلك كانوا يشتغلون بالكسب، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)
أول من آمن بالله ومتوكلا عليه، ومع ذلك مؤجر نفسه لليهودي ويشتغل
بالزراعة والتجارة.
وفي مجموعة الورام: إن الباقر (عليه السلام) كان يرجع من البستان وكان متكئا
على الغلامين فاعترضه أحد الصواف: ما لك قد خرجت في هذه الحرارة
لطلب الدنيا، فقال (عليه السلام): ليس هذا طلبا للدنيا بل من العبادة.
وبالجملة لا اشعار في شئ مما دل على لزوم التوكل وحسنه على
ترك الكسب والاشتغال بطلب العلم، وإلا لجاز الاستدلال بها على
794

القعود عن الكسب والحركة والتوكل على الله، فإن الله وإن أمر بالتوكل
ومع ذلك أبي أن يجري الأمور إلا بأسبابها، فلا بد من الحركة نحو
الحاجة والتوكل على الله في جميع الأمور، سواء كان في طلب العلم أو
في طلب الكسب.
نعم لأهل العلم امتياز خاص في لزوم التوكل، فإنهم يقودون الناس
إلى الله، فلا بد وأن يكون ايكالهم إليه محضا.
على أنك قد عرفت أن ما أفاده صاحب الحدائق ليس بتمام ثبوتا
واثباتا، أما ثبوتا فلأنه قد لا يزاحم الكسب تحصيل العلم أصلا، ومع
ذلك كيف يلتزم بعدم شمول أدلة استحباب الكسب في حقه، وقد
عرفت مثاله، وأما اثباتا فلعدم الدليل عليه بوجه كما لا يخفى.
الكلام في تزاحم الكسب وطلب العلم
التزاحم بين أمرين مستحبين
التحقيق أن يقال: إنه لا معارضة بين أدلة استحباب طلب العلم وبين
أدلة استحباب طلب الكسب، بل هما من قبيل المتزاحمين.
وبيان ذلك: أنه قد يكون كل من طلب العلم وطلب الكسب مستحبا
في حقه، كما إذا كان عارفا لمسائله وأحكام دينه بالمقدار المعتد به
وبالمقدار الذي يبتليه عادة، وكان أيضا من الحافظين للدين عن
الاندراس موجودا من المجتهدين، وكان عنده أيضا من المال ما يكفيه
بمؤونته ومؤونة عياله الواجب النفقة.
فإن مثل هذا الشخص يستحب له تحصيل العلم في المسائل التي
يحتمل ابتلاءه بها، أو يتعلم لتعليم الناس، أو يتعلم ليدخل نفسه في
سلك المجتهدين الموجودين بمقدار الكفاية، ففي مثل ذلك يكون
795

المقام من باب تزاحم المستحبين، فيكون كسائر المستحبات، فإن في كل
آن يبتلي الانسان بذلك كثيرا، فالآن يستحب لنا زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقضاء حوائج المؤمنين واتيان النوافل وهكذا، مع أنا لا نقدر على
جميعها، فله أن يترك جميعها، وهكذا المقام، وليس من مقام التعارض
هنا شئ.
ولكن ليس لمن كان كل من الكسبين مستحبا الوقوع في الحرج من جهة
عدم القدرة على الامتثال حتى يتعين في حقه أحدهما، فإن هذا مختص
بالحكمين الالزاميين، وأما المستحبات فيجوز ترك جميعها أجمع أو
اتيان أحدهما على حسب اختياره.
ولكن يقع الكلام هنا في ترجيح أحدهما على الآخر، فهذا يختلف،
فإن كان ما يترتب على تحصيله من الفوائد، من ترويج الدين واحياء
شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) و ارشاد العوام وهدايتهم إلى الدين أهم من
الفوائد المترتبة على الكسب، فيرجح طلب العلم على طلب الكسب،
كما إذا لم يترتب على كسبه إلا إعانة فقير واحد أو توسعة عياله فقط أو
زيارة أحد الأئمة (عليهم السلام).
وإن كان ما يترتب على كسبه أهم مما يترتب على طلب العلم فالأمر
بالعكس، كما إذا كان المترتب عليه تعمير المدارس والمساجد
والمشاهد واتمامه الحوزة العلمية، وتأمين معاش أهل العلم وقواد
الدين، ودفع الكرب عن فقراء الاسلام، ولكن لا يترتب على طلبة العلم
إلا تعليم جاهل واحد مسألة واحدة، بحيث لو لم يتعلمه ليتعلم من غيره.
ومع عدم وجود المرجح في البين يتخير في اختيار أيهما شاء، بل له
ذلك مع وجود المرجح لأحدهما أيضا، فإن الفرض أن كليهما مستحب
كما لا يخفى، غاية الأمر مع ترك الأهم وأخذ المهم لزم ترك الأولى.
796

التزاحم بين أمرين أحدهما مستحبا والآخر واجبا
وقد يكون أحدهما مستحبا والآخر واجبا، فحينئذ يجب أخذ
الواجب لكونه معجزا عن المستحب، كما إذا كان عارفا بمقدار ما يبتليه
عادة من الأحكام وكان من حفاظ الدين من فيه الكفاية، ولكن كان عنده
من الأشخاص من يجب انفاقه، فحينئذ يتعين الكسب في حقه.
وإذا كان الأمر على العكس، فيجب تحصيل العلم دون التكسب كما
إذا كان الأمر على العكس.
التزاحم بين أمرين واجبين
وقد يكون كل منهما واجبا كفائيا في حقه، فله اختيار أيهما شاء مع
عدم المرجح كالواجبتين التخييرية، وإن كان في أحدهما ترجيح
فيختار ذو الترجيح، وإن كان مع كونهما واجبا في حقه كفاية قد قام
بأحدهما شخص، فيكون الآخر في حقه واجبا عينيا مع عدم قيام
شخص آخر عليه.
وقد يكونان واجبين عينيا، فحينئذ يكون المقام من تزاحم الواجبين
عينين، فإن كان أحدهما أهم فيختاره على الآخر وإلا فيتخير في ذلك
كسائر الواجبات التخييرية.
جواز صرف من يشتغل بالتحصيل من الوجوه الشرعية مع تمكنهم من الكسب
وأما جواز صرف من يشتغل بالتحصيل من الوجوه الشرعية مع
تمكنهم من الكسب.
أما سهم الإمام (عليه السلام) فيجوز صرفه مع مراعاة الجهات الشرعية، بحيث
797

لا يعد كلا للإمام (عليه السلام)، بل تكون له خدمة له (عليه السلام)، وأما لو صرف وقته
في المجالس ومضي عمره بالمماطلة والمساهلة، بل ربما يكون ضرره
أشد من خدمته، فلا يجوز له أن يصرف من سهم الإمام (عليه السلام)، وأما إذا
كان له خدمة للدين وإن تمكن من تحصيل الرزق بالتكسب فيجوز له أن
يصرف من سهم الإمام (عليه السلام).
والحاصل أن المناط في صرف سهم الإمام (عليه السلام) هو القطع برضى
الإمام (عليه السلام)، وإلا فلا يجوز له ذلك بوجه.
وأما سائر الوجوه البرية، من النذر والوقف والصدقات وغيرها مما
وضعت للجهات العامة، فيجوز صرفها لأهل العلم أيضا على النحو
الذي قرره الناذر والواقف، فلا يشترط فيها الفقر ولا ما يعتبر في صرف
سهم الإمام (عليه السلام) من الاشتراط، بل المناط هنا هو انطباق الجهات البرية
على الشخص.
وأما الزكاة والخمس، فلا يجوز لمن يكون قادرا على الكسب أن
يصرف منهما أصلا، ما لم يكن التحصيل في حقه واجبا، فإن مصرف
الزكاة هو الفقراء، ومصرف الخمس هو الفقراء من بني هاشم، وفسروا
الفقير بأنه لا يقدر على تحصيل قوته فعلا أو بالقوة، ومن يحسن الصناعة
فليس بفقير.
ومجرد كون تحصيل العلم مستحبا في حقه لا يجوز له الأخذ منهما،
وإلا لجاز أن يشتغل بالأعمال المستحبة ويصرف من الزكاة والخمس،
بأن يصلي النوافل دائما ويأكل من الزكاة أو من سهم سبيل الله، فإنه
موضوع للجهات التي كانت راجعة إلى الدين.
798

2 - الكلام في تلقي الركبان ومرجوحيته
قوله (رحمه الله): مسألة: لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان.
أقول: الأقوال في المسألة ثلاثة: قول بالحرمة، وقول بالكراهة،
وقول بعدم الحرمة والكراهة.
أما الحرمة، فاستدل عليها بالروايات الناهية عن تلقي الركبان، ولكنها
ضعيفة السند، ودعوى الاطمينان بصدور بعضها لكثرتها واستفاضتها
دعوى جزافية، فإنها لا توجب الاطمينان بالصدور.
ومع تسليم ذلك فلا يفيد لغير من حصل له الاطمينان والظن بالصدور،
لعدم كونه حجة، فلا يغني من الحق شيئا، بل لو كان تلقي الركبان حراما
لظهر بين الفقهاء على رؤوس الأشهاد، وليس كذلك.
وأما القول بالكراهة، فهو مبني على أمرين:
1 - تمامية أخبار من بلغ الدالة على التسامح في أدلة السنن، بدعوى
أنها ظاهرة في ما بلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثواب على عمل فعمله أحد
برجاء أنه صدر من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيثاب على ذلك العمل وإن كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله (1)، ولو أريد من تلك الأوامر الدالة على التسامح
في أدلة السنن الارشاد إلى حكم العقل بحسن اتيان العمل رجاء واحتياطا
لدرك الواقع، فلا يدل على التسامح في أدلة السنن.

1 - عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سمع شيئا من الثواب على شئ
فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه (الكافي 2: 71، عنه الوسائل 1: 80)، صحيحة.
عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من بلغه ثواب من الله عز وجل على
عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه (الكافي 2: 71،
عنه الوسائل 1: 81)، ضعيفة لمحمد بن سنان وغيره.
799

2 - أن تكون شاملة للكراهة أيضا، فلو اقتصر على مواردها، وهي ما
كان فيه أمر ففي موارد الكراهة ليس أمر بل نهى فلا تشمل المقام.
ومع تسليم المقدمتين يصح التمسك بتلك الأخبار في المقام لاثبات
كراهة التلقي.
ومع تسليم هاتين المقدمتين فلا وجه للاشكال هنا بأنه لو سلمنا
شمول أدلة التسامح للمكروهات، ولكن التمسك بها في المقام بدعوى
أن ذلك أنما يفيد في مورد ورد خبر ضعيف يدل على الكراهة، فإنه
يلتزمها لذلك الخبر الضعيف، وأما في المقام فإن تمت الأخبار
المذكورة فتدل على الحرمة، وإلا فلا حرمة ولا كراهة، فإن وجودها
كعدمها، وكذلك الحال في الأخبار الضعيفة الظاهرة في الوجوب، فإنها
لا تشمل ذلك.
وقد ناقش بذلك بعض الأعلام لاثبات الاستحباب أو الكراهة
بالأخبار الضعيفة الدالة على الحرمة أو الوجوب.
وفيه أنه قلنا في البحث عن أدلة التسامح أنها تشمل لما دل على
الحرمة والوجوب إذا كان ضعيفا، وذلك فإن ما دل على الوجوب يدل
على جواز العقاب على الترك وعلى ثبوت الثواب على الفعل، فبضعف
الرواية الدالة على الوجوب يسقط العقاب على الترك لخروجه عن
الحجية، ويبقي الثواب على حاله لأدلة التسامح، لصدق البلوغ هنا
أيضا.
شروط الحكم بحرمة التلقي أو كراهته
ثم ذكروا لحرمة التلقي أو كراهته شروطا:
1 - أن لا يكون التلقي أربعة فراسخ وأزيد، وإلا فيدخل ذلك تحت
800

عنوان المسافرة، فإن الذهاب أربعة فراسخ والاياب منها سفر شرعي،
فالمسافرة للتجارة ليس فيها بأس بل مطلوب في الشريعة ومندوب إليه.
وقد ذكر ذلك الشرط في أخبار التلقي، فهل الغاية أي رأس الأربعة
داخلة أو خارجة، فذكر بعضهم أنها داخلة، ولكن الجمع بين صدر رواية
النقصية وذيلها يدل على خروج الحد عن المحدود، كما ذكره المصنف
(رحمه الله).
على أن الوصول إلى الغاية تحقق موضوع المسافرة، فيخرج بذلك
عن عنوان التلقي ويدخل تحت عنوان السفر للتجارة كما لا يخفى.
2 - أنه يعتبر أن يكون الذهاب بعنوان التلقي، فلو كان ذلك لغرض
آخر فصادف في الطريق ذلك فعامل معهم، فيكون خارجا عن مورد
الأخبار، لعدم صدق التلقي للتجارة.
3 - وأيضا يعتبر أن يكون التلقي لأجل التجارة، فلو تلقي لأجل
استقبال القادم فصادف التجار في الطريق فاشترى منهم متاعهم فأيضا
يكون ذلك خارجا عن مورد الأخبار، لعدم صدق التلقي للتجارة.
نعم الظاهر من قوله (عليه السلام) في رواية عروة: والمسلمون يرزق الله
بعضهم بعضا (1)، هو عموم الحكم لغير صورة قصد التلقي وقصد
التجارة، فكان الغرض هو وصول مال التجارة إلى المدينة، فإن في رؤية
الناس ذلك حكمة، فإنه يوجب امتلاء أعين الناس جدا.
وفيه أن هذا ليس بعلة للحكم بل حكمة له، وإلا فيجري ذلك فيما إذا
اشترى جميع مال التجارة شخص واحد حين الدخول بالبلد، على أن

1 - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: لا يبيع حاضر لباد،
والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض (الكافي 5: 168، التهذيب 7: 158، الفقيه 3: 174، عنهم
الوسائل 17: 445)، ضعيفة بعمرو بن شمر وغيره.
801

المتلقي أحد المسلمين، فالغرض من ذلك هو بيان أنه لا يمنع أحد من
توجه التجارة إلى المدينة، فالمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض، فإنه
إذا توجهت التجارة إلى البلد فيشتري نوع الناس منها على القيمة
الرخيص.
ثم إنه ذكر في رواية عروة حكم آخر، وهو قوله (عليه السلام): ولا يبيع
حاضر لباد، ولكن الظاهر من ذلك هو أن لا يبيع الحاضر متاع الباد
ولا يصد بذلك بل يخلي بينه وبين أهل البلد، فإنه لو يصد بذلك أهل البلد
لباع متاعه بقيمة عالية، فيكون نوع الناس في مضيقة بخلافه إذا تصدى
شخص البادي بذلك، فإنه يبيع بقيمة الرخيص فيكون في ذلك توسعة
لنوع الناس، مثلا إذا باع البادي للبقالين رخيصا فيبيع البقالين لأهل البلد
كذلك فيكونون في مضيقة.
وليس المراد من قوله (عليه السلام): ولا يبيع الحاضر لباد، أنه لا يبيع
الحاضر متاع شخص لباد، فإنه غير محتمل جدا، فإن البادي يحتاج إلى
المأكل والمشرب فكيف لا يسوغ لأهل البلد أن لا يبيع لبادي، بل يجوز
ذلك بلا شبهة حتى في الطريق.
جريان الحكم في موارد أخرى
ثم إنه لا فرق في ذلك بين البيع وغيره من الصلح ونحوه، فإن الغرض
من النهي عن التلقي، سواء كان حراما أو مكروها، هو ترك التلقي
للتجارة، والتجارة غير منحصرة بالبيع.
ثم إن من قبيل تلقي الركبان كراهة أو حرمة الاستقبال لخدمة الزوار
لأجل اعطائهم المسكن، بل لا بد وأن يخلوا سبيلهم، فإن المسلمين
يرزق الله بعضهم من بعض كما لا يخفى.
802

كما لا فرق بين كون التلقي لاشتراء متاعهم كما تقدم أو للبيع منهم،
بأن يكون غرض الركبان شراء المتاع فتلقاهم أحد الحاضرين فباع منهم
ما يحتاجون إليه.
البحث في أن الركبان إذا باعوا من الحاضر فجاؤوا سوق فلهم الخيار
ثم إن في بعض الروايات أن الركبان إذا باعوا من الحاضر فجاؤوا سوق
، فلهم الخيار.
أقول: إن كانت المعاملة مشتملة بالغبن فيثبت لهم خيار الغبن من غير
احتياج إلى الرواية، وإلا فلا وجه للخيار، فإنه لا معنى لثبوت الخيار
بمجرد الدخول في السوق.
على أن الظاهر بحسب الفهم العرفي هو صورة كون المعاملة مشتملة
على الغبن، فإن ظاهر قوله (عليه السلام): إذا جاؤوا بالسوق فلهم الخيار (1)،
يعني لو كانوا مغبونين لا مطلقا.
على أن الرواية ضعيفة السند.
3 - الكلام في النجش
فقد تعرض المصنف (رحمه الله) للنجش في المكاسب المحرمة، فلا وجه
للإعادة، ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها
ليسمع غيره فيزيد بزيادة.

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن تلقي الركبان وقال: من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل
السوق (عوالي اللئالي 1: 218، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فإن تلقي متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (الغنية
: 526، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
803

4 - الكلام فيما إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون
المدفوع إليه منهم
قوله (رحمه الله): مسألة: إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون
المدفوع إليه منهم ولم يحصل للمدفوع إليه - الخ.
أقول: تارة يدفع المالك ماله لشخص ويكون المدفوع إليه مستقلا في
التصرف فيه كيف ما يشاء، فلا يكون رأي الدافع حينئذ متبعا بوجه،
وهذا كما إذا كان المدفوع إليه وكيلا للدافع بأن يدفع إليه مالا ليصرفه في
محله، والمدفوع إليه مخير في ذلك كيف ما يشاء، ومن هذا القبيل دفع
الوجوه الشرعية إلى المجتهدين ليصرفوها في مواردها.
وأخرى يدفع الدافع إلى المدفوع مالا ويعين موارده، فهل يجوز له
الأخذ منه مع انطباق ما عينه الدافع عليه أم لا، كما إذا دفع إليه سهم
الإمام (عليه السلام) أو الخمس أو الزكاة أو غيرها من الوجوه الشرعية، وقال:
أعطها للصنف الفلاني، وكان المدفوع إليه منهم، هذا بناء على كون
ولاية تلك الوجوه تحت يد المالك، أو كان البايع هو الحاكم الشرعي،
بناء على ثبوت الولاية له عليها، أو كان المدفوع من أموال الطلقة للدافع.
فهو على أقسام شتى:
الأولى: أن تقوم قرينة خارجية على عدم رضي الدافع بأخذ المدفوع
منه، فإنه حينئذ لا يجوز له الأخذ منه، لأنه تصرف في مال غيره بدون إذنه
فهو حرام، ونظيره أن يعين له مقدارا خاصا وقامت القرينة على عدم
جواز أخذه أزيد من ذلك المقدار الخاص.
الثاني: أن يظهر الدافع قرينة حالية أو مقالية على جواز أخذ المدفوع
إليه من المال المدفوع، وهذا وكذلك الشق الأول مما لا اشكال فيه.
804

وإنما الاشكال في الصورة الثالثة، وهو يدفع إليه مالا ويقول: ادفعه
في أصناف معينة، وكان المدفوع إليه منهم، فهل يجوز له الأخذ منه
بالمقدار الذي يدفع إلى أفراد الأصناف أم لا.
وكذلك يقع الاشكال في الشق الآخر في الصورة الثانية، وأنه إذا
اعتقد الدافع بأن المدفوع إليه أو فرد آخر غيره من المحصلين المبتدين،
وقد عين لهم عشرة، مع أنه من العالين وقد عين لهم عشرين، وكذلك إذا
عين على أفراد منهم خمسين باعتقاد أنهم من المتوسطين أو العالين، وقد
كانوا من المبتدين في اعتقاد الدافع وإن كان على خلاف الواقع، أو يتبع
الواقع وإن كان على خلاف اعتقاد الدافع.
والظاهر أنه أن كلامه: أعطي هذا للفقراء، بعنوان القضية الحقيقية،
فحينئذ يتبع الواقع وإلا فيتبع اعتقاد الدافع، ومراد المصنف من
الموضوعية هو الأول، ومراده من الداعوية هو الثاني.
وبعبارة أخرى أن كلامه بعنوان القضية الحقيقية، فيكون الواقع متبعا،
وإنما ذكره بعض المصاديق على خلاف الواقع من باب الخطأ في
التطبيق، وإن كان غرضه من كلامه هو المصرف لما في الخارج، وبيان ما
يعلم أنه من هذا الصنف فيتبع اعتقاده، فإن الداعي إنما يتفرع على
الاعتقاد لا الواقع وكلامه معرف لما اعتقد به، وإن لم يكن هنا ظهورا
فيدخل في القسم الثالث.
تفصيلات المسألة
وأما القسم الثالث وكذلك الثاني مع عدم الظهور في شئ، اختلفت
هنا كلمات الفقهاء، فذهب جمع من الأصحاب إلى حرمة الأخذ، ولذا
قالوا: لو قالت امرأة بشخص: زوجني من أحد، فلا مجوز له أن يزوجها
805

من نفسه، فإن ظاهر الوكالة كون التزويج لغيره، وكذا لو وكله لاشتراء
شئ فلا يجوز أن يبيعه مال نفسه، وذهب جمع آخر إلى الجواز فيما إذا
طلق من دون زيادة على غيره.
وفصل بعضهم بأنه إن قال الدافع: ضع هذا المال في الفقراء مثلا،
وكان المدفوع إليه منهم، فيجوز له الأخذ منه بقدر ما يخصه، وإن قال:
اعطه للفقراء، فلا يجوز، فإن الاعطاء ظاهر من كون المعطي له غير
المعطي، ولكن هذا التفصيل ليس تفصيلا في المسألة بل تعيين لظهور
كلام الدافع.
وهنا تفصيل آخر، وهو أنه إذا قال الدافع: أعطه للفقراء، مع علمه
بكون المدفوع إليه من الفقراء، لم يجز له الأخذ بما يخصه من المال، فإنه
لو كان بناء الدافع الاعطاء له لخصه بالذكر أيضا، وإن لم يعلم بفقره جاز له
الأخذ بما يخصه، فإن غرض الدافع وصول المال إلى هذا الصنف فهو
منهم.
ولكن هذا التفصيل أيضا ليس تفصيلا في المسألة، بل هو بيان لمورد
ظهور كلام الدافع.
فإذا فتنحصر الأقوال بالقولين: الجواز مطلقا والمنع كذلك.
الاستدلال على عدم الجواز
وقد استدل على عدم الجواز بما هو مقتضى الأصل الأولي وهو عدم
جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه فلا يجوز له التصرف في ذلك،
وكذلك الأمر لو وكلته امرأة في تزويجها من أحد، أو وكله أحد في
شراء شئ له فإنه لا يجوز له تزويجها من نفسه، كما لا يجوز له بيع ماله
من الموكل، فإن الأصل عدم الجواز إلا فضولة، فإن ظهور الوكالة أن
806

يكون التزويج والبيع والشراء من غير نفسه، لظهور الوكالة في المغائرة.
وبالجملة ففي المقام مقتضى حرمة التصرف في مال غير هو عدم
الجواز إلا مع الإذن فيه من صاحب المال.
وأيضا استدل على عدم الجواز بقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن الحجاج
المستندة في التحرير إلى الصادق (عليه السلام) وإن أضمرت في غيره، فإنه
لا يضر الاضمار من أحد بعد اطلاع غيره على المنقول عنه.
وقد قلنا في مبحث الاستصحاب في الروايات التي استدلت بها على
حجية الاستصحاب (1) إن الراوي الواحد سأل الإمام (عليه السلام) عن عدة أحكام،
وقال في مقام النقل عاطفا بعض الجمل على البعض بقوله: وسألته،
وسألته، وحيث قطعوا الأخبار وقد حصل الاضمار من التقطيع، فإذا
اطلع أحد بأصل الرواية فينقلها بغير اضمار، كما اطلع بحر العلوم على
ذلك في روايات الاستصحاب حيث نقل بعضها عن الصادق (عليه السلام)،
وبعضها عن الباقر (عليه السلام)، وبعضها عن أحدهما (عليهما السلام)، وكذلك في
المقام، وقد اطلع العلامة على أن المنقول عنه هو الصادق (عليه السلام) فنقل
الرواية عنه (عليه السلام).
وكيف كان قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج
أو في مساكين، وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال:
لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (2).
وقد استدل المجوزون بكون العنوان شاملا للأخذ أيضا، فيجوز له
الأخذ.

1 - مصباح الأصول 3: 13.
2 - التهذيب 6: 352، الإستبصار 3: 54، عنهما الوسائل 17: 277)، صحيحة.
807

وأما رواية ابن الحجاج فقد تعارضت بالروايات الأخرى الدالة على
الجواز المذكورة في المتن، بعضها من ابن الحجاج (1)، وبعضها من غيره (2)،
وفيها صحاح وحسان، فتكونان متعارضتين ومتكافئين لعدم ترجيح
إحديهما على الأخرى،
وتوهم عدم التكافئ من جهة أن المجوزة هي ثلاثة روايات فتكون
مشهورة، فتتقدم على المانعة التي هو رواية واحدة، فهو توهم فاسد،
فإن المراد من الشهرة الموجبة لترجيح أحد المتعارضين على الآخر
ليس هو كون أحدهما كثيرة والآخر قليلة، بل المراد من ذلك أي من
الشهرة كون أحدهما مجمعا عليه بين الأصحاب، بحيث ينقلها رواة
الحديث بخلاف الآخر، بأن لن ينقلها إلا نادر، ومن الواضح أن الطائفتين
في المقام متساوية في هذه الجهة في الاشتهار وعدمه، فيتكافئان.
الكلام في الجمع بين الروايات المجوزة والمانعة
وعلى هذا فذكر المصنف أن كون الطائفتين واردتين على وجه التعبد
بعيد جدا، بأن يكون المراد من المانعة هو عدم جواز أخذ المدفوع من

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه
في المساكين وله عيال محتاجون، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم
(التهذيب 6: 352، عنه الوسائل 17: 277)، صحيحة.
عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم
يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي
غيره، قال: ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه (الكافي
3: 555، التهذيب 4: 104، المقنعة: 43، عنهم الوسائل 9: 288)، صحيحة.
2 - عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في
أصحابه أيأخذ منها شيئا؟ قال: نعم (الكافي 3: 555، عنه الوسائل 17: 277).
808

المال الذي دفع إليه حتى مع ظهور اللفظ في الجواز، ويكون المراد من
المجوزة هو جواز ذلك حتى مع ظهور كلام الدافع في عدم جواز الأخذ،
فلا يمكن حملها على التعبد المحض.
وعليه فلا بد من حمل المانعة على صورة عدم الظهور لكلام الدافع
في الأخذ من المال بما يخصه، وحمل المجوزة على صورة كون كلامه
ظاهرا في جواز الأخذ منه ومع عدم الظهور لشئ منها فيرجع إلى مقتضى
الأصل وهو عدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذن مالكه فهذا حاصل
كلام المصنف في المقام.
والحاصل أنه حمل روايات المنع على صورة عدم الظهور لكلام
المعطي في أخذ المعطي له من المال وروايات الجواز على فرض
الظهور لذلك فيه، ولكنه بعيدا جدا، فإنه لا داعي للسؤال عن الجواز بعد
ظهور كلام المعطي في الجواز، فإن ما أعطاه إنما هو ماله، فجاز التصرف
فيه بإذنه، فإذا أذن لغيره في ذلك فلا مورد للسؤال، كما أنه مع عدم الإذن
لا يجوز التصرف فيه فلأنه حرام، وبعد ظهور الكلام في أحد الأمرين لا
مورد للسؤال كما هو واضح.
جمع آخر بين الروايات المجوزة والمانعة
وقد يجمع بين الطائفتين بحمل المانعة على الكراهة، بقرينة ما دل
على الجواز، كما هو مقتضى الجمع بين النهي والترخيص، فإن قوله
(عليه السلام) في صحيحة ابن الحجاج: لا يأخذ شيئا حتى يأذن له صاحبه،
ظاهر في عدم الجواز، وقوله (عليه السلام): نعم، في رواية سعيد بن يسار،
وقوله (عليه السلام): لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره، صريح في
الجواز، فمقتضى الجمع العرفي نحمل المانعة على الكراهة.
809

وفيه أن ظاهر قوله (عليه السلام): لا يأخذ شيئا منه إلا بإذنه، أنه ناظر إلى
عدم جواز التصرف في مال أحد إلا بإذنه، وعليه فلا يمكن حملها على
الكراهة كما منعه بعض مشائخنا المحققين.
جمع آخر بينهما
وقد يجمع بينهما بحمل المانعة على فرض تعيين المالك ومواضع
مسمات لصرف المال، فإنه لا يجوز للمتصدي أن يأخذ لنفسه، وحمل
المجوزة على فرض أن لا يعين المالك للمال مواضع خاصة، فإنه يجوز
له الأخذ لنفسه.
واستشهد عليه بصحيحة ابن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل
الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن يحل الصدقة، قال:
لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال: ولا يجوز له أن يأخذ إذا
أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه.
وفيه أن هذا الجمع أيضا بعيد عن ظاهر رواية المانعة، أعني صحيحة
الأولى لابن الحجاج، فإنها آبية عن ذلك سؤالا وجوابا، فإن قوله (عليه السلام) في
جواب السائل عن رجل أعطاه مالا ليصرفه في محاويج أو مساكين وهو
يحتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه هو، قال: لا يأخذ شيئا حتى يأذن له
صاحبه، مطلق، وكذلك السؤال، فيبعد حملهما على فرض تعيين
المالك مواضع للمال المعطي.
الجمع الصحيح بينهما
الصحيح في وجه الجمع هو حمل الروايات المانعة على فرض كون
المال المعطي من متملكات شخص المعطي، كما إذا ورد في بلد فأراد
810

أن يقسم مالا في صنف من غير نظر إلى كونهم فقراء أو أغنياء، فأعطاه
شخص أن يقسم بينهم، فإنه لا يجوز للأخذ أن يأخذ منه لنفسه حتى مع
اتصافه بما اتصف به المبذول لهم، فإنه مال لشخص الباذل، فلا يجوز
التصرف فيه إلا بإذنه.
وربما يورد على ما ذكرناه من الجمع بين الروايات بحمل المانعة على
الأموال الشخصية وحمل المجوزة على الأموال النوعية، بأن مقتضى
صحيحة ابن الحجاج في رجل أعطاه ليقسمه في المساكين وله عيال
محتاجون أيعطهم منه من غير أن يستأذن صاحبه، قال: نعم (1)، هو
جواز أخذ المعطي له لنفسه، سواء كان من مال نفسه أو من الأموال
النوعية، وبهذا الاسناد ما يدل على عدم الجواز إلا بالإذن عن صاحبه،
فيقع بينهما المعارضة فتسقطان لذلك، فيرجع إلى العمومات الدالة على
عدم الجواز.
فإنه يقال: إن مقتضى رواية أخرى لابن الحجاج المذكور في باب
الزكاة هو الجواز في الصدقة، فإنه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يعطى الدراهم ليقسمها ويضعها في مواضعها، وهو ممن تحل له
الصدقة، قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره - الخ (2)، فبهذا
نقيد الصحيحة الثانية الدالة على عدم الجواز مطلقا، فتكون الصحيحة
الثانية أخص من الصحيحة الأولى، كان بمقتضى انقلاب النسبة،
فنخصص بها الصحيحة الأولى، فتكون النتيجة أن في الأموال الشخصية
لا يجوز إلا بإذن المالك وفي الأموال النوعية يجوز.
وحمل الروايات المجوزة على الأموال النوعية كالوجوه الشرعية

1 - التهذيب 6: 352، عنه الوسائل 17: 277، صحيحة.
2 - الكافي 3: 555، التهذيب 4: 104، المقنعة: 43، عنهم الوسائل 9: 288، صحيحة.
811

المنطبقة على الآخذ وغيره، كالزكاة والخمس والصدقات ورد
المظالم، كما إذا أعطاها أحد لعالم أن يصرفه في محله، فإنه جاز له
الأخذ منه بمقدار حاجته، وإن لم يكن لكلام المعطي ظهور في أخذه
لنفسه، إذا قال المعطي: أعطه لصنف فلان، ظهوره في الاعطاء للغير
ونفس الأخذ منصرف عن ذلك.
وعلى هذا فيجوز للآخذ أن يأخذ لنفسه بمقدار احتياجه، خصوصا
إذا كان ممن يجوز تصرف فيه كالعلماء والمجتهدين، فإن ولاية الوجوه
الشرعية لهم في حال الغيبة.
ويدل على ذلك أن المذكور في روايات الجواز هو الزكاة والصدقات
وأما المذكور في رواية المنع هو المال الشخصي، بقرينة قوله (عليه السلام):
لا يأخذ شيئا حتى يأذن له صاحبه، حيث فرض صاحبا للمال
المبذول واعتبر إذنه في دفع المال المبذول لغير من عينهم، فتكون كلتا
الطائفتين من الروايات واردة على طبق القاعدة، فإن مقتضى القاعدة في
الأموال الشخصية عدم جواز التصرف إلا بإذن صاحبه، ومقتضى القاعدة
في الأموال النوعية هو جواز بذله لمن انطبق عليه، سواء أذن المعطي
لذلك أم لا.
وعلى هذا فيبقى في المقام شئ، وهو أنه على هذا فلا وجه لسؤال
السائل.
فنقول: إن الوجه في ذلك هو احتمال أن يجوز للمتصدي بذلك أن
يأخذ منه مع الاحتياج، حيث إن صاحب المال قال: اصرفه في محاويج
ومساكين، فاحتمل الآخذ جواز أخذه منه لأنه أيضا محتاج، فأجاب
الإمام (عليه السلام) أنه لا يجوز إلا بإذن صاحبه، وفيما كان المال نوعيا كالزكاة
وغيرها احتمل السائل عدم جواز أخذه، حيث يحتمل أن يكون إذن
812

المعطي دخيلا في جواز التصرف فيه أيضا كأموال شخصه، فأجاب
الإمام (عليه السلام) بأنه لا بأس بذلك مع الاحتياج، فيجوز المتصدي أن يأخذ
منه لنفسه بمقدارها يبذله لغيره، فافهم.
5 - الكلام في احتكار الطعام
قوله (رحمه الله): مسألة: احتكار الطعام، وهو كما في الصحاح وعن المصباح (1)
جمع الطعام وحبسه يتربص به الغلاء، لا خلاف في مرجوحيته.
أقول: يقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: في حكم الاحتكار
الظاهر أنه لا خلاف في مرجوحيته في الجملة، أعم من الحرمة
والكراهة، ولكن اختلفت كلماتهم في ذلك، فذهب المشهور إلى الحرمة
مع عدم وجود الباذل، وذهب جمع آخر إلى الكراهة مطلقا، لكون الناس
مسلطين على أموالهم، فلا وجه لحرمته إلا إذا عرض عليه عنوان آخر
يقتضي حرمته، كما إذا حكم الحاكم في المخمصة بالبيع فإنه يحرم
الاحتكار حينئذ لحكم الحاكم وإلا فلا وجه لحرمته لنفس الاحتكار.
والظاهر أن الاحتكار حرام مع عدم وجود باذل في البلد، وأما مع
وجوده فيجوز الاحتكار لكون الناس مسلطين على أموالهم، وهذا القول
قد اختاره المصنف.
وقد استدل المصنف على ذلك بروايات:
منها: صحيحة سالم الحناط، فإنها ظاهرة في الحرمة مع عدم وجود
الباذل، حيث استفصل الإمام (عليه السلام) في ذلك، وقال الحناط: ما أبيع أنا من

1 - المصباح المنير: 145.
813

ألف جزء جزءا، يعني أن الحنطة الموجودة عندي كجزء واحد من ألف
جزء من الحنطة الموجود في البلد احتكاره، فإنه لا يوجب ظهور الغلاء
في البلد، نظير أن نشتري وزنة من الأرز فتحتكره، فإنه لا يوجب ظهور
الغلاء أصلا، وقال الإمام (عليه السلام): فلا بأس، ثم قال: إن المحتكر هو
حكيم بن حزام حيث كان يحتكر الطعام المجلوب إلى المدينة فمر به
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: يا حكيم إياك أن تحتكر (1)، فإن كلمة: ايا
تحذير فتفيد الحرمة.
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن الحكرة،
فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما وليس في المصر طعام غيره
فتحتكره، فإن كان من المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن يلتمس
سلعتك الفضل (2)، فإن مفهوم ذيل الرواية هو حرمة الاحتكار مع عدم
وجود طعام في البلد غيره، بحيث يظهر في البلد لأجل احتكاره غلاء
واضح.
ومنها: ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كتبه إلى مالك الأشتر على ما في
نهج البلاغة، وكان فيما كتبه: فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
منع منه - إلى أن قال: - فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل وعاقب في
غير إسراف (3)، فإنه لو كان الاحتكار مكروها لما جاز أن يأمر الإمام (عليه السلام)
الأشتر بأن يعاقب المحتكر.

1 - الكافي 5: 165، التهذيب 7: 160، الإستبصار 3: 115، الفقيه 3: 169، عنهم الوسائل
17: 428، صحيحة.
2 - الفقيه 3: 168، التوحيد: 389، عنهما الوسائل 17: 427، صحيحة.
3 - نهج البلاغة 3: 110، عنه الوسائل 17: 427، أسناده صحيحة على ما في الفهرست
للشيخ الطوسي (رحمه الله).
814

ومنها: صحيحة أخرى للحلبي، حيث سأل عن صلاحية الاحتكار،
فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنه يكره (1)، والكراهة في كلمات الإمام (عليه السلام) أعم من
الحرمة والكراهة المصطلحة وليس لها ظهور في الثاني، وقد ورد في
روايات الربا أن عليا (عليه السلام) كان يكره الربا، فلا تكون هذه الرواية موجبة
لصرف الروايات الأخرى الظاهر في الحرمة.
ومنها: ما في مجالس المفيد عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما رجل اشترى طعاما فحبسه
أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة
لما صنع (2).
وفي هذه الرواية مناقشة من حيث السند والدلالة، أما المناقشة في
الدلالة فلأنه لو كان احتياج إلى الطعام كان احتكاره حراما حتى في ثلاثة
أيام، وإن لم يكن احتياج إليه لم يكن حراما حتى في ستين يوما،
فلا موضوعية للأربعين.
والظاهر أن الرواية راجعة إلى بيان جهة أخلاقية تعبدا، حيث إن
الظاهر منها أن المحتكر إنما حبس الطعام بنية السوء، فهي الغلاء من غير
أن يكون نظره الاسترباح، وقد حكم الإمام (عليه السلام) تعبدا أن من كان على
هذه النية ولم يرجع إلى أربعين يوما فتصدق مجموع الطعام لا يكون ذلك
كفارة لما فعل، فتكون الرواية خارجة عن المقام أصلا وناظرة إلى قباحة
نية السوء.

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به
هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا يسع
الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام (الكافي 5: 165، التهذيب
7: 160، الإستبصار 3: 115، عنهم الوسائل 17: 424)، صحيحة.
2 - أمالي الطوسي 2: 289، عنه الوسائل 17: 425، ضعيفة.
815

حكم المصنف (رحمه الله) بصحة روايات بني فضال والمناقشة فيه
وأما من حيث السند، فقال المصنف في كتاب الصلاة (1) وفي هنا: أن
اشتمال سند الرواية ببني فضال لا يوجب الوهن فيها، فإن الظاهر أنما
أخذت من كتبهم، وقد قال العسكري (عليه السلام) عند السؤال عنها: خذوا بما
رووا وذروا ما رأوا (2)، ثم ازداد في المقام على ما في الصلاة: أن كلام
العسكري (عليه السلام) دليل على اعتبار جميع ما في كتب بني فضال فيستغني
بذلك من ملاحظة من قبلهم في السند، فإن كلامه (عليه السلام) أولى بعدم
ملاحظة ما قبلهم في السند من كلام الكشي من ادعاء الاجماع على
تصحيح ما يصح عن جماعة (3).
وفيه أما الكلام في اعتبار الاجماع المدعى: تصحيح ما يصح عن
جماعة، فهو مخدوش في نفسه، فإنه نرى أنهم ينقلون في رواياتهم
المسندة عن الضعفاء، فنعلم بذلك أنهم ينقلون عنهم أيضا مراسيلهم،
فلا يكون مراسيلهم بأجمعها حجة، لكون كل مرسلة داخلة في أطراف
الشبهة.
على أن هذا الاجماع ليس حجة في نفسه، لعدم كونه اجماعا تعبديا
كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام)، فغاية الأمر فمفاده أن جماعة من الرواة
قد ثبت نقلهم عن الثقات، فلا يلاحظ ما قبلهم من السند في مراسيلهم
ومسنداتهم، وقد عرفت اشتمال مسنداتهم على ضعف في السند.
وأما ما ذكره في حق كتب بني فضال، فكلام الإمام (عليه السلام) ناظر إلى أن

1 - كتاب الصلاة: 1.
2 - كتاب الغيبة: 239.
3 - رجال الكشي: 238، الرقم: 431، 375، الرقم: 705، 556، الرقم: 1050.
816

انقلاب عقيدتهم لا يوجب الوهن في روايتهم، وأن فساد عقيدتهم
لا تضر باعتبار روايتهم ما نقلوا من الروايات، فهو باق على الحالة الأولية،
فلا يناقش فيها من جهة فساد عقيدتهم.
وأما أن جميع كتبهم معتبرة ولو كان بعضها مشتملا على ضعف
السند من غير ناحية بني فضال، بأن نقلوا عن الضعفاء فلا يظهر من
الرواية، فإن هذا الاحتمال لم يكن في حقهم قبل فساد عقيدتهم، بل كان
قبل ذلك يلاحظ أسانيد ما نقوله من الأحاديث، إن كان صحيحا أخذ به و
إلا فلا، فهلا أتي فساد عقيدتهم مقاما لهم بحيث صار جميع ما في كتبهم
معتبرا حتى لا ينظر إلى ما قبلهم من السند الذي كان ينظر إليه قبل فساد
عقيدتهم.
فما أفاده المصنف هنا لا يمكن المساعدة عليه.
وكيف كان فلا شبهة في حرمة الاحتكار، فكأن الشارع أراد كون
الأرزاق بين الناس وليس لأحد حق منعها عنهم، ودليل سلطنتهم
قاصرة عن ذلك بحكم الشارع، كما ذكرنا في بحث الأراضي أنه ليس
لأحد منع الأراضي زائدا عن المقدار المتعارف، فإن الشارع يريد أن
تكون الأراضي معمورة لا خربة، فكذلك الحال هنا.
الجهة الثانية: أحكام الاحتكار
ثم إنه بعد الفراغ عن حرمة الاحتكار يقع الكلام في جهات:
1 - موارد الحكرة
الجهة الأولى: في موارد الحكرة، وفي أنها في أي شئ تتحقق.
والذي يستفاد من المطلقات المتقدمة أن موضوع الاحتكار هو
817

الطعام، فكل ما يصدق عليه الطعام عرفا بحيث كان في عرف البلد قوام
الناس وحياتهم نوعا بهذا الطعام فمنعه عن الناس احتكار، وهذا
يختلف باختلاف البلدان والعادات.
فمثل قشر اللوز طعام في بعض البلدان، ومن الحطب في بعضها
الآخر، ومثل الشعير ليس بطعام في بلاد الهند حتى قيل لا يوجد فيها
شعير إلا بمقدار الدواء ونحوه، ولكنه طعام في بلاد العراق وإيران،
والأرز طعام في نوع البلاد خصوصا رشت ومازندران، وهكذا الزبيب
والتمر، وليس بطعام في بعضها الآخر بل مثل الزبيب في العراق والتمر
في بعض نقاط إيران يعد من الفواكه.
وعلى الاجمال أن هذا شئ يختلف بحسب اختلاف الأمكنة
والأزمنة والعادات، فكلما يصدق عليه الطعام فاحتكاره مع عدم وجود
في السوق حرام وإلا فلا وجه للحرمة، كما إذا احتكر أحد الزبيب في
النجف أو التمر في بعض نقاط إيران، فلا يقال إنه فعل حراما.
نعم قد يكون حراما لأجل طرو عنوان آخر عليه، كما إذا احتاج أحد
إلى ما احتكره آخر للدواء ونحوه، بحيث إذا لم يبعه منه لمات، فإنه
يحرم الاحتكار والمنع عن البيع والاعطاء هنا، ولكن لا لحرمة الاحتكار
بنفسه بل لأجل طرو عنوان محرم عليه بمقتضى العنوان الثانوي.
وأما الروايات الحاصرة للاحتكار بأمور خاصة فهي مختلفة، وفي
بعضها حصره في أربع: الحنطة والشعير والزبيب والتمر (1).

1 - عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة و
الشعير والتمر والزبيب والسمن (الكافي 5: 164، التهذيب 7: 159، الإستبصار 3: 114، عنهم
الوسائل 17: 425)، ضعيفة بغياث بن إبراهيم.
818

وعن الفقيه زيادة الزيت (1)، وفي رواية قرب الإسناد بإضافة السمن
أيضا (2)، وفي رواية السكوني بإضافة السمن والزيت (3)، ولكن كلها متفقة
في نفي الاحتكار بمفهومها في غير الأمور المذكورة فيها.
ولكن الذي يسهل الخطب أن كلها ضعيفة السند، فلا يمكن رفع اليد
بها عن المطلقات الثابت حجيتها، وإلا لزم رفع اليد عن الحجة بغير
الحجة الشرعية.
فالمناط في حرمة الاحتكار هو صدق احتكار الطعام على ما أخذه
المحتكر وحبسه، فلا يبعد شمولها مثل الزيت والسمن والملح، فإن
المراد من الطعام ما يطعم به الانسان وتقوم به حياة البشر، ومن الواضح
أن هذا ليس مجرد الحنطة والشعير والأرز، فإنها ليس بنفسها ما يطعم به
في الخارج، بل إنما قوام طعاميته بالمقارنات من السمن والزيت واللحم
والملح والمقدمات من النار ونحوها.
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون منع النفت عن الناس واحتكاره عنهم
حراما، فإن قوام أطعمة النوع بذلك، ويدل على ذلك ذكر الزيت في
بعض الروايات وكذلك السمن، وإن كانت الرواية ضعيفة، فإن من

1 - عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: ليس الحكرة إلا في
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت (الفقيه 3: 168، عنه الوسائل 17: 425)،
ضعيفة بغياث بن إبراهيم.
2 - عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان ينهي عن الحكرة في
الأمصار فقال: ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن (قرب الإسناد
: 63، عنه الوسائل 17: 426)، ضعيفة بأبي البختري.
3 - عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الحكرة في ستة
أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب (الخصال: 329، عنه الوسائل
17: 426)، ضعيفة بحمزة بن محمد.
819

الواضح أن الزيت والسمن ليسا من الطعام بل إنما هما من مقومات الطعام
كما لا يخفى.
ويدل على ذلك أيضا قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: فإنه يكره أن
يحتكر الطعام ويترك الناس وليس لهم طعام (1)، فإن ترك الناس بغير
طعام ليس لمنع الحنطة والشعير فقط، بل بمنع كلما يكون دخيلا في
تحقق الطعام من المقدمات والمقارنات، فإن العلة والمنع واقعا في
حرمة الاحتكار ترك الناس بغير طعام كما لا يخفى.
وبالجملة فكل ما يكون دخيلا في قوام طعام البشر بحسب عادة نوع
الناس، بحيث يلزم من منعه ضيق النوع في الحرج والمشقة والضرر
والعسرة، فيكون احتكاره حراما، وقد قلنا ليس لأحد السلطنة على
حبس طعام الناس واحتكاره وإن كان مالا لنفسه، كما قلنا ليس لأحد
حبس الأراضي ومنعها عن العمارة، كما تقدم في محله.
2 - الكلام في بعض الروايات الحاكية بأن الحكرة في الرخصة أربعين يوما
وفي الغلاء ثلاثة أيام
الجهة الثانية في ذكر في رواية السكوني أن الحكرة في الرخصة أربعون
يوما وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام (2).

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به
هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا يسع
الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام (الكافي 5: 165، التهذيب
7: 160، الإستبصار 3: 115، عنهم الوسائل 17: 424)، صحيحة.
2 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحكرة في الخصب أربعون يوما، وفي
الشدة والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد على
ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون (الكافي 5: 165، التهذيب 7: 159، الإستبصار 3: 114،
الفقيه 3: 169، عنهم الوسائل 17: 423)، موثقة بالسكوني.
820

والظاهر أنه لا يمكن تصديقه فإنه إن كان للناس احتياج إلى ذلك بحيث
كان فيهم غلاء ومخمصة فلا يجوز الحبس ساعة واحدة وإلا فيجوز
الحبس ستة أشهر بل سنة بل أكثر، على أن الرواية ضعيفة، ونعم ما صنع
الشهيد حيث حمل الرواية على فرض أن يكون الشدة والاحتياج إلى ما
حبسه المحتكر في الغلاء بثلاثة أيام وفي الرخصة بأربعين يوما، وإن
كان الحمل بعيدا، ولكنه أولى من الطرح.
3 - هل يختص مورد الاحتكار بشراء الطعام فقط أو يتحقق بكل ما يقع في يده
الجهة الثالثة: هل يختص مورد الاحتكار بشراء الطعام فقط أو يتحقق
بكل ما يقع في يده، ولو كانت الغلة حاصلة من الزرع أو الإرث أو الهبة؟
الظاهر هو الثاني، فإن المناط في حرمة الاحتكار هو جمع الغلة وترك
الناس بغير طعام، ولا يفرق في ذلك بين الشراء وغيره.
ثم الظاهر أن الاحتكار إما حرام أو مباح، بناء على حرمته مع عدم
الباذل، وأما بناء على كراهته فإما مكروه أو مباح في نفسه فلا يتصف
بالأحكام الخمسة كما ذكره المصنف.
نعم يمكن أن يتصف بالأحكام الخمسة بلحاظ العناوين الثانوية.
4 - حكم الاحتكار إذا كان غرضه جمع الطعام وبيعه في وقت نزول العسكر
أو الزوار
الجهة الرابعة: إن الاحتكار حرام إذا كان يترك الناس بغير طعام مع
احتياجهم إليه، وأما لو كان غرضه جمع الطعام وبيعه في وقت نزول
821

العسكر أو الزوار لئلا يقعوا في مضيقة فلا يكون الاحتكار حراما،
وباعتبار هذه العناوين الطارية يكون الاحتكار متصفا بالأحكام الخمسة،
ولكن الاحتكار في نفسه أما حرام أو مباح كما لا يخفى.
5 - اجبار المحتكر على البيع
الجهة الخامسة: الظاهر أنه لا اشكال في جواز اجبار المحتكر على
البيع حتى بناء على كراهة الاحتكار، ولكن ليس للحاكم إلا الاجبار على
البيع فقط، وأما التسعير فليس له ذلك، بل للمالك أن يعين ذلك، لأن
الناس مسلطون على أموالهم.
وقد ورد في بعض الأحاديث أنه سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن السعر، فقال
(صلى الله عليه وآله): أنه في يد الله (1).
نعم لو أجحف في القيمة بحيث كان ازديادها نحوا من الاحتكار يمنع
الحاكم عن ذلك بحيث يبيع المالك بقيمة السوق أو أكثر منه بمقدار
لا يمنع الناس عن الشراء بأن تكون قيمة كل حقة من الحنطة مائة فلس
ويبيع المحتكر بدينارين فإنه أيضا احتكار كما لا يخفى (2).

1 - عن ضمرة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: رفع الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه
مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها، فقيل
لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لو قومت عليهم، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى عرف الغضب في وجهه
فقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء (التهذيب 7: 161،
الإستبصار 3: 114، الفقيه 3: 168، التوحيد: 388، عنهم الوسائل 17: 430)، ضعيفة.
2 - إلى هنا تم الجزء الخامس من الكتاب حسب تجزئة المؤلف (رحمه الله)، وذكر: قد وقع
الفراغ عن كتاب البيع في يوم الأحد 24 شهر جمادي الأولى سنة 1375 هجري.
822