الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
المتاجر
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
المتاجر
الجزء أول
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الأول
1

فقه الرضا المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
153 - 202 ه‍ ق
2

باب التجارات والبيوع والمكاسب
اعلم يرحمك الله أن كل مأمور به مما هو صلاح للعباد وقوام لهم في أمورهم من وجوه
الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون
ويستعملون فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته، وكل أمر يكون فيه الفساد مما قد
نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد مما قد نهي عنه،
مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه
ذلك، فحرام ضار للجسم وفاسد للنفس.
وروي أن اتجر بغير علم ولا فقه ارتطم في الربا ارتطاما، وروي: إذا صفق الرجل
على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا، وروي: أن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام اشترط أم لم
يشترط، وروي: أن من باع أو اشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يبيع ولا يشترى:
الربا والحلف وكتمان العيب والمدح إذا باع والذم إذا اشترى، وروي: في الرجل يشترى
المتاع فيجد به عيبا يوجب الرد فإن كان المتاع قائما بعينه رد على صاحبه وإن كان قد
قطع أو خيط أو حدثت فيه حادثة رجع فيه بنقصان العيب على سبيل الأرش، وروي: ربح
المؤمن على أخيه ربا إلا أن يشترى منه شيئا بأكثر من مائة درهم فيربح فيه قوت يومه
أو يشترى متاعا للتجارة فيربح عليه ريحا خفيفا، وروي: أن كل زائدة في البدن مما هو في
أصل الخلق أو ناقص منه يوجب الرد في البيع، وروي: في الجارية الصغيرة تشتري ويفرق
بينها وبين أمها، فقال: إن كانت قد استغنت عنها فلا بأس.
3

واتق في طلب الرزق وأجمل في الطلب واخفض في المكتسب، واعلم أن الرزق
رزقان: فرزق تطلبه ورزق يطلبك، فأما الذي تطلبه فاطلبه من حلال فإن أكله حلال إن
طلبته من وجهه وإلا أكلته حراما وهو رزقك لا بد لك من أكله، وإذا كنت في تجارتك
وحضرت الصلاة فلا يشتغلك عنها متجرك فإن الله وصف قوما ومدحهم فقال: رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وكان هؤلاء القوم يتجرون، فإذا حضرت الصلاة
تركوا تجارتهم وقاموا إلى صلاتهم وكانوا أعظم أجرا ممن لا يتجر ويصلى، ومن اتجر
فليجتنب الكذب ولو أن رجلا خاط قلانس وحشاها قطنا عيقا لما جاز له حتى يبين عيبه
المكتوم، وإذا سألك رجل شراء ثوب فلا تعطه من عندك فإنها خيانة ولو كان الذي عندك
أجود مما عند غيرك.
وكسب المغنية حرام ولا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا ولا بأس بكسب
الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى، ولا تصل شعر المرأة بغير شعرها وأما شعر المعز فلا
بأس بأن يوصل، وقد لعن النبي ص سبعة: الواصل شعره بشعر غيره
والمشتبه من النساء بالرجال والرجال بالنساء والمفلج بأسنانه والموشم ببدنه والدعي إلى
غير مولاه والمتغافل عن زوجته وهو الديوث، وقال رسول الله ص: اقتلوا
الديوث.
واستعمل في تجارتك مكارم الأخلاق والأفعال الجميلة للدين الدنيا، ولو أن رجلا أعطته
امرأته مالا وقالت له: اصنع به ما شئت، فإن أراد الرجل يشترى به جارية يطأها لما جاز له
لأنها أرادت مسرته ليس له ما ساءها، وإذا أعطيت رجلا مالا فجحدك وحلف عليه ثم أتاك
بالمال بعد مدة وبما ربح فيه وندم على ما كان منه فخذ منه رأس مالك ونصف الربح ورد عليه
نصف الربح هذا رجل تائب، فإن جحدك رجل حقك وحلف عليه ووقع له عندك مال
فلا تأخذ منه إلا بمقدار حقك، وقل: اللهم إني أخذته مكان حقي، ولا تأخذ أكثر مما حبسه
عليك وإن استحلفك أنك ما أخذت فجائز لك أن تحلف إذا قلت هذه الكلمة فإن حلفت
أنت على حقك وحلف هو فليس لك أن تأخذ منه شيئا، فقد قال النبي ص:
من حلف بالله فليصدق ومن حلف له فليرض ومن لم يرض فليس من الله جل وعز، فإن
4

أتاك الرجل يحقك من بعد ما حلفته من غير أن تطالبه فإن كنت موسرا أخذته فتصدقت به
وإن كنت محتاجا إليه أخذت لنفسك، وإن كان لك على رجل حق فوجدته بمكة أو في الحرم
فلا تطالبه به ولا تسلم عليه فتفزعه إلا أن تكون أعطيته حقك في الحرم فلا بأس أن تطالبه
في الحرم.
واعلم أن أجرة الزانية وثمن الكلب سحت إلا كلب الصيد، وأما الرشا في الحكم
فهو الكفر بالله العظيم، والعلم أن البائعين بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار لواحد
منهما، واعلم أن أجرة المعلم حرام إذا شارط في تعليم القرآن أو معلم لا يعلمه إلا قرآنا
فحرام أجرته إن شارط أو لم يشارط، وروي: عن ابن عباس في قوله تعالى: أكالون للسحت
قال: أجرة المعلمين الذين يشارطون في تعليم القرآن، وروي: أن عبد الله بن مسعود جاء إلى
النبي ص فقال: يا رسول الله أعطاني فلان الأعرابي ناقة بولدها أني كنت
علمته أربع سور من كتاب الله، فقال: رد عليه يا بن مسعود فإن الأجرة على القرآن حرام.
فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري فالخيار إليه إن شاء رد وإن شاء أخذه ورد
عليه بالقيمة أرش العيب، وإن كان العيب في بعض ما اشترى وأراد أن يرده على البائع رد
تمامه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب، والقيمة أن تقوم السلعة صحيحة وتقوم معيبة فيعطى
المشتري ما بين القيمتين.
باب الربا والسلم والدين والعينة:
اعلم يرحمك الله أن الربا حرام سحت من الكبائر ومما قد وعد الله عليه النار فنعوذ
بالله منها، وهو محرم على لسان كل نبي وفي كل كتاب، وقد أروي عن العالم ع أنه
قال: إنما حرم الله تعالى الربا لئلا يتمانع الناس المعروف، وروي: أن أجر القرض ثمانية
عشر ضعفا من أجر الصدقة لأن القرض يصل إلى من لا يضع نفسه للصدقة لأخذ الصدقة،
وأروي: أنه إذا كان يوم القيامة رفع الله أعمال قوم كأمثال القباطي، فيقول الله: اذهبوا
فخذوا أعمالكم فإذا دنوا منها قال الله جل وعز: كن هباء، فصارت هباء وهو قوله: وقدمنا
إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا، ثم قال: أما والله لقد كانوا يصلون
5

ويصومون ولكن إذا عرض لهم الحرام الحرام كانوا يأخذون ولم يبالوا.
وروي: إذا كفل الرجل حبس إلى أن يأتي صاحبه، وروي: أن صاحب الدين يدفع إلى
غرمائه إن شاؤوا أجروه وإن شاؤوا استعملوه، وإن كان له ضيعة أخذ منه بعضها وترك
البعض إلى ميسرة، وروي أنه لا تباع الدار ولا الجارية على الدين، وإذا كان على رجل دين
إلى أجل فإذا مات الرجل فقد حل الدين وروي: من كان عليه دين ينوي قضاءه ينصر
من الله حافظاه يعينانه على الأداء، فإن قصرت نيته نفضوا عنه من المعونة بمقدار ما
يقصر منه من نيته، أروي: أنه شكا رجل إلى العالم ع دينا عليه فقال له العالم
عليه السلام: أكثر من الصلاة.
وروي: ليس على الضامن غرم الغرم على من أكل المال، وروي أنه من أقرض قرضا
وضرب له أجلا فلم يرد عليه عند انقضاء الأجل كان له من الثواب في كل يوم مثل صدقة
دينار، وروي: كما لا يحل للغريم المطل وهو موسر كذلك لا يحل لصاحب المال أن يعسر
المعسر، وأروي: من قدم غريما له إلى السلطان وهو يعلم أنه يحلف له فتركه تعظيما لله جل
وعز لم يرض الله له يوم القيامة إلا بمنزلة إبراهيم الخليل ع، أروي: أنه سئل عن
رجل له دين قد وجب فيقول: أخرني به وأنا أربحك، فيبيعه حبة لؤلؤ تقوم بألف درهم
بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألف فقال: لا بأس، وروي في خبر آخر بمثله: لا بأس، به وقد
أمرني أبي ع ففعلت مثل هذا.
وسئل عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين فقال: لا بأس إن لم يكن كيلا وسئل عن
حد الربا والعينة فقال: كلما يباع عليه فهو حلال وكل ما فررت به من الحرام إلى الحلال
فهو حلال، وكل بيع بالنسيئة سعر يومه ما لم ينقص والصرف بالنسيئة والدينار بدينار وحبة
وما فوقه وشراء الدراهم بالدراهم والذهب بالذهب لتفاضل ما بينهما في الوزن حتى طعام
اللين من الخبز باليابس والخبز النقي بالخشكار بالفضل، وما لا يجوز فهو الربا إلا أن يكون
بالسوي ومثله وأشباهه.
واعلم أن الربا رباءان: ربا يؤكل وربا لا يؤكل، وأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك
إلى رجل يطلب الثواب أفضل منه فأما الذي لا يؤكل فهو ما يكال ويوزن، فإذا دفع الرجل
6

إلى رجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها فهو الربا الذي نهى الله عنه فقال: يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا الآية، عني بذلك أن يرد الفضل الذي أخذه
على رأس ماله حتى اللحم الذي على بدنه مما حمله من الربا إذا تاب أن يضع عنه ذلك
اللحم عن بدنه بالدخول إلى الحمام كل يوم على الريق، هذا إذا تاب عن أكل الربا وأخذه
ومعاملته، وليس بين الوالد وولده ربا ولا بين الزوج والمرأة ربا ولا بين المولى والعبد ولا بين
المسلم والذمي، ولو أن رجلا باع ثوبا بثوبين أو حيوانا بحيوانين من أي جنس يكون
لا يكون ذلك ربا ولو باع ثوبا يساوي عشرة دراهم بعشرين درهما أو خاتما ما يساوي درهما
بعشر ما دام عليه فص لا يكون شيئا فليس بالربا.
7

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
9

باب المكاسب والتجارات
أوصاني والدي علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه الله. فقال في وصيته: اتق
الله يا بني وأجمل في الطلب واحفظ في المكتسب. واعلم أن الرزق رزقان: فرزق تطلبه
ورزق يطلبك، فأما الذي تطلبه فاطلبه من حلال، فإنك أكلته حلالا إن طلبته من وجهه.
وإلا أكلته حراما وهو رزقك لا بد لك من أكله. واعلم أن الكاد على عياله من حلال
كالمجاهد في سبيل الله.
ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى ولا تصل شعر المرأة بشعر
امرأة غيرها. وأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة. ولا بأس بكسب النائحة إذا
قالت صدقا. واعلم أن كسب المغنية حرام، وأجر الزانية وثمن الكلب الذي ليس
بكلب صيد سحت.
واعلم أن الرشى في الحكم هو الكفر بالله العظيم.
وإذا اتجرت فاجتنب خمسة أشياء: اليمين والكذب وكتمان العيب والمدح إذا بعت
والذم إذا اشتريت. وقال الصادق ع: من لزم التجارة استغنى عن الناس.
وقال: لا تترك التجارة، فإن تركها مذهبة للعقل. وأوسع على عيالك. وإياك أن يكونوا هم
السعاة عليك.
وقال والدي رحمه الله في وصيته إلى: استعمل يا بني في تجارتك مكارم الأخلاق
والأفعال للدين والدنيا. فلو أن رجلا أعطته امرأته مالا وقالت: اصنع به ما شئت. فأراد
11

الرجل أن يشترى جارية يطأها، لما جاز له. لأنها أرادت مسرته فليس له أن يعمل ما
أساءها. وإذا سألك رجل اشترى ثوبا فلا تعطه من عندك فإنه خيانة ولو كان الذي عندك
أجود مما تجده عند غيرك.
وإياك وأعمال السلطان فلا تدخل فيها. فإن دخلت فيها فأحسن إلى كل أحد ولا
ترد أحدا من حاجته ما تهيأ لك. فقد روي عن الرضا ع أنه قال: إن لله مع
السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه. وسئل أبو عبد الله ع عن رجل مسلم يحب
آل محمد وهو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رأيتهم. فقال: يبعثه الله على نيته. وإذا قال الرجل
لرجل: اعمل لي حاجة عند السلطان ولك كذا وكذا فلا بأس بذلك. ولا بأس بشراء
الطعام والثياب من السلطان.
واعلم أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا. فإذا افترقا، فلا خيار لهما. وصاحب الحيوان
بالخيار ثلاثة أيام للمشتري.
ولا بأس أن يشترى الرجل النخل والثمار ثم يبيعه قبل أن يقبضه ولا يجوز بيع
النخل إذا حمل حتى يزهو وهو: أن يحمر ويصفر، ولا يجوز أن يشترى النخل قبل أن يطلع
ثمره بسنة مخافة الآفة حتى يستبين. ولا بأس أن يشتريه سنتين أو ثلاث سنين أو أربع أو
أكثر من ذلك. وعلة ذلك أنه إن لم يحمل في هذه السنة حمل في قابل. وإن اشتريته سنة
واحدة فلا تشتره حتى يبلغ.
ولا يجوز أن تشتري الطعام ثم تبيعه قبل أن تكتاله. وما لم يكن فيه كيل ولا وزن فلا
بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه. وروي لا بأس أن يشترى الرجل الطعام ثم يبيعه قبل أن
يقبضه ويوكل المشتري بقبضه. وسئل أبو عبد الله ع عن رجل ابتاع من رجل
طعاما بدراهم فأخذ نصفها وترك نصفها. ثم جاءه بعد ذلك وقد ارتفع الطعام أو نقص.
فقال: إن كان يوم ابتاعه ساعره أن له كذا وكذا فإنما له سعره، وإن كان أخذ نصفه وترك
نصفه ولم يسعر سعرا فإنما له سعر يومه. وإن اشترى رجل طعاما فتغير سعره قبل أن
يقبضه فإن له السعر الذي اشتراه به.
وسئل أبو عبد الله ع عن الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب.
12

وآخر بعشرين درهما في ثوب. فبعث بالثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه، فقال: يباع
الثوبان جميعا فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ويعطي صاحب العشرين
خمسي الثمن، قيل: فإن قال، صاحب العشرين لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت. قال:
قد أنصفه.
واعلم أن من ترك دارا أو عقارا أو أرضا في يد غيره، فلم يتكلم ولم يطلب ولم
يخاصم في ذلك عشر سنين فلا حق له.
وإذا أعطيت رجلا ما لا فجحدك عليه وحلف. ثم أتاك بالمال بعد مدة وبما ربح
فيه وندم على ما كان منه. فخذ منه رأس مالك ونصف الربح ورد عليه نصف الربح، فإنه
تائب. وقال النبي ص: من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له فليرض ومن
لم يرض فليس من الله وليس لك أن تأخذ ممن حلفته شيئا. وإن جحد رجل حقك ثم وقع له
عندك مال فلا تأخذ منه إلا منه إلا حقك ومقدار ما حبسه عندك وتقول: اللهم إني لم أخذ
ما أخذت منه خيانة وظلما ولكني أخذته مكان حقي فإن أستحلفك على ما أخذت فجائز
لك أن تحلف إذا قلت هذه الكلمة.
ولا تطالب أحدا في الحرم ولا بمكة بحقك ولا تسلم عليه فتفزعه، إلا أن تكون
أعطيته حقك في الحرم فلا بأس أن تطالب به في الحرم. فإن أتاك رجل بحقك من غير أن
تطالبه فإن كنت موسرا فتصدق به وإن كنت محتاجا فخذه لنفسك.
وإن اشتريت نخلا لتقطعه للجذوع فغبت وتركت النخل كهيئته لم تقطعه. ثم
قدمت وقد حمل النخل فالحمل لك، إلا أن يكون صاحب النخل يسقيه ويقوم عليه فإن
أتى رجل أرض رجل فزرعها بغير إذنه، فلما بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال: زرعت
بغير إذني فزرعك لي وعلى ما أنفقت. فللزارع زرعه ولصاحب الأرض كراء أرضه.
فإن استقرضت من رجل دراهم ثم سقطت تلك الدراهم وتغيرت ولا يباع بها
شئ، فلصاحب الدراهم الدراهم التي تجوز بين الناس.
وإذا كان لك على رجل حق فوهبته له فليس لك أن ترجع فيه.
وإذا مررت ببساتين فلا بأس أن تأكل من ثمارها ولا تحمل معك منها شيئا ولا
13

بأس للرجل أن يأكل ويأخذ من مال ولده بغيره إذنه. وليس للولد أن يأخذ من مال
والده إلا باذنه. ولا بأس أن تأكل من بيت أخيك وأبيك وصديقك ما تخشى عليه الفساد من يومه
بغير إذنه، مثل البقول والفواكه والبطيخ. وإذا أرادت الأم أن تأخذ من مال ولده فليس
لها إلا أن تقومه على نفسها لترده عليه وللمرأة أن تنفق من بيت زوجها بغير إذنه
المأدوم دون غيره.
ولا بأس أن يشترى الرجل طعاما فلا يبيعه يلتمس به الفضل إذا كان بالمصر
طعام غيره. وإذا لم يكن بالمصر طعام غيره فليس له إمساكه وعليه بيعه. وهو محتكر.
ولا بأس بالسلف في كل شئ من حيوان أو طعام أو غير ذلك.
باب الربا
اعلم أن الربا رباءان: ربا يؤكل وهو هديتك إلى الرجل تريد الثواب أفضل منها.
وهو قول الله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله. وربا
لا يؤكل. وهو أن يدفع الرجل إلى الرجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها. وهو قول الله عز
وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله. وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم. يعني أن يرد أكل الربا
على صاحبه الفضل الذي أخذه عن رأس ماله. وروي حتى اللحم الذي على بدنه عليه أن
يضعه. فإذا وفق للتوبة أدمن دخول الحمام لينقص لحمه عن بدنه.
واعلم أنه لا رباء إلا في ما يكال أو يوزن. فلو أن رجلا باع بعيرا ببعيرين أو بقرة
ببقرتين. أو ثوبا بثوبين أو أشباه ذلك مما لم يكن فيه كيل ولا وزن لم يكن بذلك بأس.
ولا بأس بالسمن والزيت اثنين بواحد، يدا بيد. وإذا قال الرجل لصاحبه: عاوضني
بفرسك وفرسي وأزيدك فلا يصلح ولا يجوز ذلك ولكنه يقول: أعطني فرسك بكذا وكذا
وأعطيك فرسي بكذا وكذا وليس بين الوالد وولده ربا. ولا بين الزوج والمرأة. ولا بين المولى
والعبد. ولا بين المسلم والذمي. قد انتظمت لك أمر الربا كله.
14

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
15

باب المكاسب والتجارات
من اتجر فليجتنب خمسة أشياء: اليمين والكذب وكتمان العيب والمدح إذا
باع والذم إذا اشترى.
والكاد على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله. وقال الصادق
عليه السلام: ما أجمل في الطلب من ركب البحر. وقال ع الرزق رزقان، رزق
تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك، فاطلبه من حلال، فإنك أكله حلالا إن طلبته
من وجهه، وإلا أكلته حراما وهو رزقك ولا بد من أكله.
وكسب المغنية حرام، ولا بأس بكسب المغنية النائحة إذا قالت صدقا. وقد
روي أنها تستحله بضرب إحدى يديها على الأخرى. ولا بأس بكسب المعلم إذا لم
يأخذ ما يأخذه على تعليم القرآن. ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما
تعطى. ولا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها. فأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل
بشعر المرأة.
17

باب الربا
ليس الربا إلا في ما يكال أو يوزن، ودرهم رباء أعظم من سبعين زنية كلها
بذات محرم.
والربا رباءان، رباء يؤكل ورباء لا يؤكل، فأما الذي يؤكل، فهديتك إلى
الرجل تريد الثواب أفضل منها. وأما الذي لا يؤكل، فهو أن يدفع الرجل، إلى
الرجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها. فهو الربا الذي نهى الله عنه.
ومن أكل الربا جهالة، وهو لا يعلم أنه حرام، فله ما سلف، ولا إثم عليه في ما
لا يعلم، ومن عاد فأولئك من أصحاب النار.
18

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
19

أبواب المكاسب
قال الله عز وجل: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ
موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين، فجعل الله تعالى لخلقه من المعيشة
ما يتمكنون به من العبادة وأمرهم بالتصرف في ذلك من وجوه الحلال دون الحرام، فليس
لأحد أن يكتسب بما حظره الله تعالى ولا يطلب رزقه من حيث حرمه، وقد روي عن النبي
ص أنه قال لأصحابه: إن الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى
تتكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
وقال الصادق ع: الرزق مقسوم على ضربين: أحدهما وأصل إلى صاحبه
وإن لم يطلبه والآخر معلق بطلبه. فالذي قسم للعبد على كل حال يأتيه وإن لم يسع له،
والذي قسم له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه، وهو ما أحله تعالى له دون غيره،
فإن طلبه من جهة الحرام فوجده حسب عليه من رزقه برزقه وحوسب به، وكل ما أباحه الله
لخلقه من تجارة وصناعة ومكسب فهو وجه مطلبهم وطريق رزقهم.
وكل ما حرمه الله تعالى وحظره على خلقه فلا يجوز الاكتساب به ولا التصرف في،
فمن ذلك عمل الخمر في الصناعة وبيعها في التجارة وعمل العيدان والطنابير وسائر
الملاهي محرم والتجارة فيه محظور، وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة
والشطرنج والنرد وما أشبه ذلك حرام وبيعه وابتياعه حرام وعمل كل شراب مسكر وبيعه
وابتياعه حرام وعمل الفقاع والتجارة فيه حرام وعمل الأطعمة والأدوية الممزوجة بالخمر
21

والميتة ولحم الخنزير وشحمه حرام وبيع العذرة والأبوال كلها حرام إلا أبوال الإبل خاصة
فإنه لا بأس ببيعها والانتفاع بها واستعمالها لضرب من الأمراض، وبيع السلاح لأعداء الدين
حرام وعمله لمعونتهم على قتال المسلمين حرام، وكسب المغنيات حرام وتعلم ذلك
وتعليمه محظور في شرع الاسلام وكسب النوائح بالباطل حرام.
ولا بأس بالنوح على أهل الدين بالحق من الكلام ولا بأس بالأجر على ذلك والتنزه
عن التكسب به أولى في الدين، وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ويدلسن في عملهن
فيصلن شعر النساء بشعور غيرهن من الناس ويوشمن الخدود ويستعملن في ذلك
ما حرمه الله، فإن فعلن شيا من ذلك كان كسبهن حراما، وكسب القابلة حلال وكسب
الحجام حلال، ولا بأس بكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامه للنتاج
والتكسب بتغسيل الأموات وحملهم ودفنهم حرام لأن ذلك فرض على الكفاية أوجبه الله
تعالى على أهل الاسلام.
ولا بأس بالأجر على تعليم القرآن والحكم كلها والتنزه عن التكسب بذلك أفضل
والأجر على الأذان والصلاة بالناس حرام، ولا بأس بالأجر على الحكم والقضاء بين الناس
والتبرع بذلك أفضل وأقرب إلى الله تعالى والأجر على كتب المصاحف وجميع علوم الدين
والدنيا جائز، ولا يحل كتب الكفر وتخليده الصحف إلا لإثبات الحجج في فساده،
والتكسب بحفظ كتب الظلال وكتبه على غيره ما ذكرناه حرام والأجر على مدائح أهل
الإيمان بمنظوم الكلام جائز، ولا يجوز هجاؤهم ولا التكسب به على حال، ولا بأس بهجاء أهل
الضلال وذكر معايبهم والأجر عليه جائز في الاسلام.
وبيع الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله وكل محرم من الأشياء ونجس من
الأعيان حرام وأكل ثمنه حرام، والتجارة في القردة والسباع والفيلة والدببة وسائر المسوخ
حرام وأكل أثمانها حرام، وثمن الكلب حرام إلا ما كان سلوقيا للصيد فإنه لا بأس
ببيعه وأكل ثمنه، والتجارة في الفهودة والبزاة وسباع الطير التي يصاد بها حلال.
وبيع الجري والمارماهي والزمار والطافي وكل سمك لا فلس له حرام وكذلك بيع
الضفادع والسلاحف والرقاق وكل محرم من البحار حرام، ومعونة الظالمين على ما نهى
22

الله عنه حرام وأخذ الأجر على ذلك سحت حرام، وتزويق المساجد وزخرفة المصاحف
حرام والأجر عليه حرام والغش في كل متجر وصناعة حرام، ولا بأس بالأجر على الخطب في
الإملاكات والعقود للنكاح، ومعالجة الزينة للرجال بما حرمه الله تعالى حرام وتعليم ما حظر
الله علمه وتعلمه حرام والأجر عليه حرام.
باب المتاجر
قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، فنهى عن أكل الأموال
بالباطل واستثنى المتاجر من ذلك وجعلها حقا يخرج به مستعملها من الباطل، وقال
سبحانه: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، فندب تعالى إلى الانفاق من طيب الاكتساب ونهى عن
طلب الخبيث للمعيشة به والإنفاق، فمن لم يعرف الفرق ما بين الحلال من الكسب والحرام
لم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال ولا كان على ثقة في نفقته من طيب الاكتساب.
وقال تعالى: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا،
فينبغي للعبد أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله تعالى وحرم من
الأعمال في المتاجر والاكتساب، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين ع أنه كان
يقول: من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم، وكان يقول: يا معاشر التجار اجتنبوا
خمسة أشياء: حمد البائع وذم المشتري واليمين على البيع وكتمان العيوب والربا، يصح
لكم الحلال وتتخلصوا بذلك من الحرام، وقال الصادق ع: من أراد التجارة
فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في
الشبهات.
باب عقود البيوع:
والبيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا
23

بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان، ومن ابتاع شيئا معروفا بثمن مسمى ولم يقبضه ولا قبض
ثمنه وفارق البائع بعد العقد لينقده الثمن فهو أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام، فإن مضت
ثلاثة أيام ولم يحضر الثمن كان البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع وباع من سواه وإن شاء
طالبه بالثمن على التعجيل له والوفاء وليس للمبتاع على البائع في ذلك خيار، ولو هلك
المبيع في مدة هذه الثلاثة الأيام كان من مال المبتاع دون البائع لثبوت العقد بينهما عن
تراض، وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع لأنه أحق به وأملك على ما قدمناه.
وإذا تقاول اثنان في ابتياع شئ وتراضيا بالبيع وتقابضا ولم يفترقا في المكان لم يتم
البيع بينهما بذلك، وإن افترقا من غير تقابض كان العقد بينهما على ما وصفناه فالبيع ماض
إلا أن يعترض فيه شئ يبيح فسخه نحو ما ذكرناه.
ومن ابتاع شيئا بشرط الخيار ولم يسم وقتا كان له الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام ثم
لا خيار له بعد ذلك، فإن شرط يوما أو شهرا أو أكثر كان له شرطه بحسب ما سمى من
الزمان، فإن هلك الشئ في مدة الخيار كان من مال البائع إلا أن يحدث المبتاع فيه حدثا
يدل على الرضا بالابتياع فيكون حينئذ من ماله دون مال البائع بما وصفناه، وإذا مات
المشترط للخيار في مدته قام ورثته مقامه في الخيار، ومن ابتاع حيوانا فله فيه شرط ثلاثة أيام
اشترط ذلك أو لم يشترط، فإن هلك الحيوان في مدة هذه الثلاثة الأيام كان من مال البائع إلا
أن يحدث فيه المبتاع حدثا كما قدمناه.
ولو ابتاع انسان جارية وعد لها عند ثقة على استبرائها كانت النفقة عليها من مال
البائع في مدة الاستبراء فإن هلكت فيها كانت من ماله دون مال المبتاع، وإذا ابتاع جارية
فقبلها في مدة الخيار أو نظر منها إلى ما لا يحل نظره إلا لمالكها وجب عليه بذلك البيع وبطل
فيه الخيار. وكذلك إن أعتقها أو دبرها أو كاتبها أو وهبها أو زوجها فقد ثبت البيع وبطل
فيه الخيار.
ومن ابتاع متاعا أو غيره من المبتاعات بحكمه في الثمن ولم يسم شيئا كان البيع
مفسوخا وإن قبض المبيع، فإن هلك الشئ في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتياعه إلا أن
يحكم على نفسه بأكثر منها فيلزمه ما حكم به دون القيمة، وإن كانت عين الشئ قائمة لم
24

تهلك كان لصاحبه انتزاعه من يد المبتاع، فإن أحدث المبتاع فيه حدثا نقص به من قيمته
كان له انتزاعه منه وأرش ما كان أحدثه فيه، فإن كان الحدث يزيد في قيمته وأراد انتزاعه
منه كان عليه أن يرد على المبتاع قيمة الزيادة بحدثه فيه، فإن ابتاعه بحكم البائع في ثمنه
فحكم بأقل من قيمته كان له ذلك دون ما سواه وإن حكم بأكثر من قيمته لم يكن له ذلك إلا
أن يتبرع عليه بذلك المبتاع.
باب البيع المضمون:
ومن ابتاع شيئا معروفا بالصفات كان ذلك ماضيا وإن لم يكن الشئ حاضرا وقت
الابتياع، وإذا ابتاعه على ما ذكرناه كان في ضمان البائع حتى يسلمه إلى المبتاع، ولا بأس
ببيع الموجود في الوقت بالصفة وإن لم يشاهده المبتاع في الحال، فإن قبضه ووجده على
الصفة التي ابتاعه عليها كان البيع ماضيا وإن كان بخلاف الصفة كان مردودا.
ولا يصح بيع الموصوف مشترطا من أصله، ولا بأس ببيعه مطلقا بغير اشتراط،
والمشترط من أصله كبيع الحنطة من أرض مخصوصة والثمرة من شجرة بعينها والسخولة
من غنم على حبالها والزيت من الزيتون الفلاني والدهن من سمسم بعينه والثوب من
غزل امرأة مسماة، لأن ذلك ربما خالف الصفة بل هو غير مضمون لجواز فوته.
ولا بأس ببيع ذلك مطلقا من غير إضافة إلى أصل مخصوص من بين الأصول بعد أن
تميز بالصفات مما عداه كبيع كر من الحنطة الصربية النقية وكر من الشعير النقي
الصحيح وقفيز من السمسم الصافي ومائة رطل من التمر ومائة من الزبيب، وسخل
حولي وعشرة أمنان من الدهن ومائة رطل من من اللبن وعشرة أثواب من الكتان أو
الحرير طول كل واحد منها كذا وعرضه كذا وسمكه كذا ولونه كذا وما أشبه ذلك مما يتجدد
بالوصف ويتميز بالنعت، فإن لم يوصف بشئ مما ذكرناه بما يتبين به مما سواه كان البيع
باطلا، فإن نسب إلى أصله مع الصفة كان أيضا باطلا على ما قدمناه:
25

باب البيع بالنقد والنسيئة:
والبيع إذا انعقد بأجل معلوم كان على شرطه في أجله وإن ذكر في ثمنه النقد أو في
قبض المبيع التعجيل وجب فيه ما اشترط من ذلك ولم يجز خلافه، فإن لم يذكر فيه نقدا
ولا نسيئة فهو نقد عاجل بغير تأخير، وإن باع انسان شيئا نسيئة بغير أجل محدود كان
البيع باطلا.
ولا يجوز التأجيل بما لا يتحدد بوقت معين معلوم كقدوم الحجيج ورجوع الغزاة
ودخول القوافل وخروج الثمار ودخول الغلات وما أشبه ذلك لأن هذا كله غير معروف
بأجل محروس من الزيادة والنقصان، ولا يجوز البيع بأجلين على التخيير كقولهم هذا
المتاع بدرهم نقدا وبدرهمين إلى شهر أو إلى سنة أو بدرهم إلى شهر وباثنين إلى شهرين،
فإن ابتاع انسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين.
وإذا باع الانسان شيئا بنسيئة إلى أجل معلوم فأحضر المبتاع المال قبل الأجل كان
البائع بالخيار إن شاء قبضه وإن شاء لم يقبضه حتى يحل الأجل وكان المال في ذمة المبتاع
وضمانه إلى حلول الأجل، وكذلك إن ابتاع شيئا إلى أجل وأحضره البائع قبل الأجل كان
المبتاع بالخيار في قبضه والامتناع من ذلك إلى الأجل وكان في ذمة البائع وضمانه حتى يحل
الأجل فيقبضه المبتاع، فإن امتنع المبتاع من قبوله في الأجل وقد مكنه البائع من قبضه
فهلك كان من ماله دون البائع، وكذلك إن امتنع البائع من قبض ثمن ما باع وقد مكن
منه في الأجل فهلك كان من ماله دون مال المبتاع.
ولا بيس ما استوجبه المبتاع قبل قبضه إياه ويكون قبض المبتاع الثاني نائبا عن قبض
الأول، ويكره ذلك فيما يكال ويوزن وليس بمفسد للبيع ولا مانع من مضيه، وكل ما يصح بيعه
قبل قبضه صحت الشركة فيه، ومن ابتاع من انسان متاعا غير حاضر إلى أجل ثم باعه منه
قبل حلول الأجل بزيادة أو نقصان كان بيعه باطلا، فإن حل الأجل لم يكن بأس ببيعه إياه
بأقل مما ابتاعه منه وأكثر سواء حضر المتاع أو لم يحضر.
ولا يجوز تأخير الأموال عن آجالها بزيادة فيها، ولا بأس بتعجيلها قبل الآجال بشرط
النقصان منها، ولا بأس أن يبيع الانسان متاعا حاضرا إلى أجل ثم يبتاعه بعينه من المبتاع
26

نقدا أو نسيئة بنقصان مما باعه وزيادة فيه، وإذا أسلف الانسان غيره ما لا في متاع فجاء
الأجل ولم يجد إلا بعض ما أسلف فيه كان له أخذه بحساب السلف وأخذ الباقي من رأس
ماله بغير زيادة فيه، وليس للبائع الاختيار عليه في رد ما أسلف منه.
باب العيوب الموجبة للرد وأحكام ذلك:
ومن ابتاع شيئا على السلامة والصحة وظهر له فيه عيب سبق وجوده عقد البيع
كان بالخيار بين رده على البائع وارتجاع الثمن منه وبين أرش العيب بأن يقوم الشئ
صحيحا ويقوم معيبا ويرجع على البائع بقدر ما بين القيمتين وليس للبائع على المبتاع في
ذلك خيار، فإن اختلف أهل الخبرة بالشئ في قيمته عمل على أوسط القيم فيما ذكروه.
فإن كان للمبيع جملة وظهر العيب في بعضه كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي
وجد في، وإن شاء رد جميع المتاع واسترجع الثمن وليس له رد المعيب دون ما سواه، فإن لم
يعلم المبتاع بالعيب حتى أحدث في المبيع حدثا لم يكن له الرد وكان له أرش العيب خاصة،
وكذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم بالعيب ولا يكون إحداثه فيه الحدث بعد
المعرفة بالعيب رضا منه به، فإن لم يعلم بالعيب حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش
العيب المتقدم دون الحادث إن اختار ذلك، وإن اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث فيه هو
حدثا على ما ذكرناه.
ومن ابتاع أمة ثم وجد بها عيبا لم يكن عرفه قبل ابتياعها فله ردها واسترجاع ما نقده
من ثمنها أو أرش العيب دون ردها ولا يجبر على واحد من الأمرين، وإن وجد بها عيبا بعد أن
وطئها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب خاصة إلا أن يكون عيبها من خبل أو مع ظهور
حبل فله ردها، وطئها أو لم يطأها ويرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها.
وإذا وجد المبتاع بالعبد أو الأمة عيبا بعد عتقهما لم يكن له الرد وكان له أرش العيب،
فإن وجد ذلك بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيرا بين الرد وأرش العيب أيهما اختار كان له
ذلك، وليس العتق كالتدبير والهبة لأن للمدبر أن يرجع في تدبيره وللواهب الرجوع فيما
وهب ما لم يتعوض عنه، ولا يجوز رد الحر إلى العبودية على حال.
27

وترد الشاة المصراة وهي التي قد جمع بائعها في ضرعها اللبن يومين أو أكثر من ذلك
ولم يحلبها ليدلسها به على المشتري فيظن إذا رأى ضرعها وحلب لبنها أنه لبن يومها لعادة
لها، وإذا ردها رد معها قيمة ما احتلبه من لبنها وله اسقاط قدر ما أنفق عليها إلى أن عرف
حالها.
باب بيع البراء من العيوب والحكم في اختلاف المتبايعين في ذلك:
وإذا باع الانسان شيئا بالبراء من العيوب فليس عليه درك ما يوجد من عيب فيه وإن لم
يسمه ويذكره على التفصيل، والأفضل في بيع البراء أن يذكر البائع كل عيب يعرفه ويعينه
للمبتاع على التفصيل.
وإذا اختلف البائع والمبتاع في العيب فقال البائع: حدث هذا العيب عند المبتاع ولم
أبعه إلا سليما، وقال المبتاع: بل باعني معيبا ولم يحدث به عندي عيب، ولم يكن لأحدهما دليل
على دعواه كان على البائع اليمين أنه باعه صحيحا لا عيب فيه، فإن حلف برئ من عهدته
وإن لم يحلف كان عليه الدرك فيه، وإذا قال البائع: بعت على البراءة من العيوب، و أنكر
المبتاع ذلك فعلى البائع البينة فيما ادعاه، فإن لم تكن له بينة حلف المبتاع أنه لم يبرأ إليه من
العيب وباعه على الصحة، وكان له الرد إن شاء وأرش العيب حسب ما بيناه.
باب ابتياع الحيوان وأحكامه:
قد بينا فيما سلف أن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام اشترط ذلك المبتاع أو لم يشترط، فإن
هلك في مدة الثلاثة الأيام كان من مال البائع إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل
على الرضا فيكون هلاكه حينئذ من مال المبتاع دون البائع على ما قدمناه فيما مضى
وشرحناه.
ولا يصح استرقاق الرجل أبويه ولا ولده وأخته وعمته وخالته من جهة النسب،
وإذا ملكهم عتقوا في الحال وخرجوا بذلك عن تملكه سواء أعتقهم أو لم يعتقهم، ويملك من
سميناه من جهة الرضاع ومن سواهم من أقاربه من النسب والرضاع، ولا يصح
28

استرقاق المرأة أبويها ولا أولادها ولا أخاها ولا عمها ولا خالها من جهة النسب وتملكهم من
جهة الرضاع وسائر من عداهم من أقاربها نسبا ورضاعا. وإذا ملك الرجل أو المرأة أحدا
ممن ذكرنا أنه لا يصح استرقاقهم كان حرا في الحال وإن لم يحدث له عتقا كما وصفناه.
ولا يجوز ابتياع العبد الآبق إلا أن يبتاع معه شئ آخر فإن وجد العبد وإلا كان ما نقد
من الثمن في الشئ الموجود، ومن ابتاع أمة حاملا فولدها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
وكذلك القول في الحيوان من غير الناس، ومن ابتاع عبدا أو أمة لهما مال فهو للبائع إلا أن
يشترطه المبتاع، ولا بأس بابتياع عبد أو أمة لهما مال بأقل من مالهما وأكثر، ولا بأس بابتياع
أبعاض الحيوان كما يبتاع ذلك من غيره كالمتاع والعقار.
وإذا ابتاع اثنان عبدا ووجدا به عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الأرش لم يكن لهما إلا
واحد من الأمرين، وكذلك كل اثنين اشتركا في مشاع مبتاع من حيوان وغيره، وليس في
الإباق عهدة على البائع إلا أن يكون قد أبق عنده، ويرد العبد والأمة من الجنون والجذام
والبرص ما بين ابتياعهما وبين سنة واحدة ولا يردان بعد سنة، وذلك أن أصل هذه الأمراض
تتقدم ظهورها سنة ولا يتقدمها بأكثر من ذلك، فإن وطئ المبتاع الأمة في مد هذه السنة لم
يجز له ردها وكان له ما بين قيمتها صحيحة وسقيمة.
ولا يجوز وطء الإماء بملك اليمين حتى يستبرئن بحيضة إن كن ممن يحضن على
الاستقامة، وإن كن ممن قد ارتفع عنهن الحيض لعارض دون السن استبرئن بثلاثة أشهر،
وإن كن ممن قد ارتفع حيضهن بكبر لم يكن عليهن استبراء وينبغي للبائع أن يستبرئ
الأمة قبل بيعها، وإذا كان البائع عدلا فأخبر المبتاع أنه قد استبرأ الجارية قبل بيعها لم يكن
بأس بوطئها من غير استبراء والاستبراء أفضل.
ومن ابتاع من سوق المسلمين عبدا أو أمة فادعيا الحرية لم يسمع منهما ذلك إلا أن يكون
لهما بينة على صحة ما ادعياه، ومن ابتاع أمة فوطئها وأولدها ثم ظهر أن بائعها كان غاصبا
لها أو محتالا على مالكها ولم يكن يملك بيعها كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع واسترقاق
ولدها إلا أن يرضيه الأب بشئ عن ذلك، وللمبتاع الرجوع على البائع بما قبض من ثمنها
وغرمه عن ولدها.
29

ولا بأس ببيع أمهات الأولاد بعد موت أولادهن في حياة الآباء، ولا يجوز بيعهن ولهن
أولاد أحياء إلا أن يفلس السيد وتكون أثمانهن دينا فيبيعهن في قضاء الدين وإن كان
أولادهن أحياء، وإذا مات السيد وخلف أم ولد وولدها منه باق جعلت في نصيب ولدها
من الميراث وعتقت بذلك، فإن لم يخلف غيرها وكان له ورثة سوى ولدها كان نصيب
ولدها منها حرا واستسعيت في باقي حقوق الورثة تكتسب بخدمتها ما تؤديه إليهم من قيمة
نصيبهم منها، ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن.
ولا بأس بابتياع ما يسبيه الظالمون إذا بيع في بلاد الاسلام أو بيع لمن يخرجهم عن
دار الكفر إلى دار الاسلام بوطئ هذا السبي وإن كان فيه حقوق لآل محمد ص
لأنهم قد أحلوا ذلك لشيعتهم وآباء لطيب ولادتهم وحرموه على مخالفيهم، فمن كان من
شيعه آل الرسول ع حل له الوطء بملك اليمين ومن كان مخالفا لهم حرم عليه
ذلك.
باب بيع الثمار:
ويكره بيع الثمار سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها، ولا بأس ببيعها سنتين أو أكثر
من ذلك لأنها إن خاست في سنة زكت في أخرى على الغالب في العادات، وإذا بدا صلاح
بعض الثمرة جاز بيع جميعها ولم يكن بيعها مكروها ومن باع نخلا قد أبر فثمرته له دون
المبتاع إلا أن يشترط الثمرة المبتاع، وكذلك من ابتاع شجرا قد أثمر فالحكم فيه
ما ذكرناه، ومن ابتاع أرضا فيها زرع فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.
الزرع قصيلا وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار إن
شاء قطعه عليه وإن شاء تركه وكان على المبتاع خراجه دون البائع له، ويكره بيع
الخضروات قبل أن يبدو صلاحها كما يكره ذلك في النخل ولا يفسد بيعه ذلك، ولا بأس ببيع
ما يخرج حملا بعد حمل كالباذنجان والقثاء والخيار والبطيخ وأشباهه، والأولى في الاحتياط
بيع كل حمل منه إذا خرج وبدا صلاحه.
ولا بأس ببيع الرطبة الجزة والجزتين والقطعة والقطعتين، وإذا خاست الثمرة
30

المبتاعة قبل ظهورها كان للبائع قدر ما غلت دون ما انعقد به الثمن، فإن كان قد قبض
الجميع سلفا رجع المبتاع عليه بقدر ما بقي من السلف بعد الذي استغله منها من غير
زيادة ولا نقصان، ولا بأس ببيع الانسان ما ابتاعه من الثمرة بزيادة وإن كان قائما في
شجره.
باب الاستثناء في الثمار:
ولا بأس أن يستثني الانسان مما يبيعه من الثمار أرطالا معلومة ومكاييل موصوفة،
واستثناء الربع والثلث منها وأشباه ذلك أحوط في البيع، ولا بأس أن يستثني البائع من
النخل عددا معروفا، فإن لم يسم النخل ويعينه بما يتميز به من غيره كان الاستثناء باطلا.
ومن ابتاع ثمرة فأصابتها جائحة فليس له على البائع درك في شئ من ذلك، فإن
كان استثنى منها شيئا فله بحساب ما هلك من الثمرة، ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس
النخل بالتمر كيلا ولا جزافا ولا يجوز بيع الزرع أيضا بالحنطة كيلا ولا جزافا، وهذه هي
المحاقلة التي نهى النبي ص عنها وحظرها في شريعة الاسلام.
باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك وما يجوز منه وما لا يجوز:
وكل شئ موزون أو مكيل إذا اتفق نوعه لم يجز بيع الواحد منه بأكثر من واحد وإن
اختلف نوعه جاز بيع الواحد منه باثنين أو أكثر نقدا يدا بيد ولم يجز نسيئة، ولا يجوز بيع
درهم بدرهمين نقدا ولا نسيئة ولا دينار بدينارين نقدا ولا نسيئة، وكذلك لا يجوز بيع قفيز من
الحنطة بقفيزين منها ولا مكوك من الشعير كان عاصيا لله وبيعه باطلا.
ولا بأس ببيع دينار بعشرة دراهم يدا بيد من غير تأخير، وقفيز من الحنطة بقفيزين من
الذرة نقدا ومكوك من السمسم بمكوكين من الدخن نقدا، ولا يجوز شئ من ذلك نسيئة،
ولا بأس ببيع ما لا يكال ولا يوزن واحد باثنين أو أكثر من ذلك نقدا ولا يجوز نسيئة، كثوب
بثوبين وبعير ببعيرين وشاة بشاتين ودار بدارين ونخلة بنخلتين يدا بيد نقدا، وإن باع ذلك
31

نسيئة كان البيع باطلا، ولا يجوز بيع درهم بدرهم نسيئة ولا دينار بدينار نسيئة، وتباع الأمتعة
والعقارات بالذهب والفضة نقدا أو نسيئة ولا يباع بعضها ببعض نسيئة.
ولا يجوز بيع الغنم باللحم وزنا ولا جزافا لأنه مجهول، ولا بأس ببيع الدقيق بالسويق
مثلا بمثل نقدا ولا يجوز نسيئة، وكذلك الخبز بالدقيق متماثلا ولا يجوز متفاضلا ولا نسيئة،
واللبن بالسمن والزبد مثلا بمثل نقدا جائز ولا يجوز النسيئة فيه ولا التفاضل، وإذا اتفقت
اللحمان جاز بيع بعضها ببعض متماثلا في الوزن نقدا ولم يجز نسيئة، وإذا اختلفت كلحم
الغنم والبقر والإبل والجواميس جاز بيع الواحد منه بالاثنين نقدا من غير تأخير كما
ذكرناه.
وإذا كان الشئ يباع في مصر من الأمصار كيلا ووزنا ويباع في مصر آخر جزافا
فحكمه حكم المكيل والموزن إذا تساوت الأحوال فإن الحكم فيه حكم الأحوال، وإذا اتفق
في الجنس بيع واحد بواحد نقدا ولم يبع بأكثر من ذلك نقدا ولا نسيئة، وإن اختلف بيع
الواحد منه باثنين أو أكثر من ذلك نقدا ولم يجز بيعه نسيئة، وكل ما دخل القفيز والميزان لم
يجز بيعه جزافا، وحكم ما يبع عددا حكم المكيل والموزون، ولا يجوز في الجنس منه التفاضل
ولا في المختلف منه النسيئة.
باب بيع المرابحة:
ولا يجوز أن يبيع الانسان شيئا مرابحة مذكورة بالنسبة إلى أصل المال كقولهم: أبيعك
هذا المتاع بربح العشرة واحدا أو اثنين، وما أشبه ذلك ولا بأس أن يقول: ثمن هذا المتاع
علي كذا وأبيعك إياه بكذا، فيذكر، أصل المال والربح ولا يجعل لكل عشرة منه شيئا.
وإذا قوم التاجر على الواسطة المتاع بدرهم معلوم ثم قال له: بعه بما تيسر لك فوق هذه
القيمة وهو بهذه القيمة لي، جاز ذلك ولم يكن بين التاجر والواسطة بيع مقطوع، وإن باعه
الواسطة بزيادة على القيمة كانت له وإن باعه بها لم يكن له على التاجر شئ وإن باعه
بدونها كان عليه تمام القيمة لصاحبه، وإن لم يبعه كان له رده ولم يكن للتاجر الامتناع من
قبوله.
32

ولو هلك المتاع في يد الواسطة من غير تفريط منه فيه كان من مال التاجر ولم يكن على
الواسطة فيه ضمان، فإن قبض الواسطة من التاجر المتاع على ما وصفتنا لم يجز أن يبيعه
مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.
وإذا قال الواسطة للتاجر: خبر لي بثمن هذا الثوب واربح علي فيه شيئا لأبيعه، ففعل
التاجر ذلك وباعه الواسطة بزيادة على رأس المال والربح كان ذلك للتاجر دون الواسطة
إلا أن يضمنه الواسطة ويوجبه على نفسه، فإن فعل ذلك جاز له أخذ الفضل على الربح
ولم يكن للتاجر إلا ما تقرر بينه و بينه فيه.
باب إجازة البيع وصحته وفساده وحكم الدرك فيه:
ومن باع ما لا يملك بيعه كان البيع موقوفا على إجازة المالك له أو إبطاله إياه، فإن
أجازه كان ماضيا وإن لم يجزه كان مردودا.
وإن باع أمة لا يملك بيعها فأولدها المبتاع كان لمالك الأمة انتزاعها من يد المبتاع
واسترقاق ولدها على ما قدمناه ويرجع المبتاع بالدرك على البائع إن كان ائتمنه في
الابتياع منه، وإن لم يكن ائتمنه في ذلك لم يكن له عليه درك فيما أقيضه إياه، وإن أمضى
الملك البيع لم يكن له على المبتاع وولده من الجارية سبيل، ولو كان المبتاع قد أعتق
الجارية وتزوجها كان لسيدها إبطال العتق وفسخ النكاح وكان له إمضاء ذلك
وإنفاذه حسب ما ذكرناه.
ولو أن رجلا تزوج بامرأة على أنها حرة فأولدها فظهر بعد ذلك أنها أمة،
وحضر سيدها يلتمسها وولدها كان له ذلك إلا أن يقيم المتزوج بينة على أنه تزوجها
يولي ظاهر العدالة فيتسلم السيد الجارية ولا يكون له على الولد سبيل، وإن أمضى
السيد النكاح جاز ذلك وكانت على زوجية الرجل ولم يحتج مع العقد الأول إلى
استئناف عقد جديد.
ولو أن إنسانا غصب غيره متاعا وباعه من انسان آخر فوجده صاحبه عند المبتاع
لكان له انتزاعه من يده، فإن لم يجده حتى ملك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته
33

يوم غصبه إياه إلا أن يكون المبتاع قد كان يعلم بأنه مغصوب فتلزمه قيمته لصاحبه
ولا درك له على الغاصب فيما غرمه لصاحب المتاع، فإن اختلف في القيمة كان القول
قول صاحب المتاع مع يمينه بالله عز وجل، وإن أمضى المغصوب منه البيع لم يكن له درك
على المبتاع وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن فيه.
ومن ابتاع بيعا فاسدا فهلك المبيع في يده أو حدث فساد فيه كان ضامنا لقيمته في يوم
هلاكه وأرش ما نقص من قيمته بفساده، ومن ابتاع متاعا فقبض بعضه وتلف البعض
الآخر في يد البائع أو فسد شئ منه، كان بالخيار في الرجوع على البائع بثمن ما لم يقبضه
منه مما تلف أو عاب وفي قيمته ما تلف وأرش العيب فيما غاب، فإن ابتاع ما لا يتبعض
كالحيوان فتلف في يد البائع كان من ماله دون المبتاع، وإن حدث به عيب كان بالخيار إن
شاء قبضه بعيبه من غير أرش وإن شاء رده وقبض ما نقده فيه.
ومن قال لغيره: ابتع لي متاعا من جنس كذا أو أي متاع رأيت ابتياعه وانقد ثمنه
من مالك لأربحك فيه، فابتاعه الانسان على هذا الشرط لم ينعقد به بيع للقابل، وكان المبتاع
بالخيار إن شاء باعه إياه على ما اشترطه وإن شاء لم يبعه واقتناه لنفسه أو باعه من سواه.
باب اشتراط المبتاع على البائع فيما ابتاعه منه:
ولا بأس يشترط المبتاع على البائع شيئا من أفعال الآدميين ولا يجوز اشتراطه عليه
من أفعال الله عز وجل التي لا يقدر عليها المخلوقون فمن ذلك أن يبتاع الانسان من غيره
ثوبا على أن يقصره له أو يصبغه أو يخيطه، أو يبتاع منه نعلا على أن يحذوها أو يشركها
أو جلدا على أن يعمله له حقا أو وحنطة على أن يطحنها له دقيقا، ولا يجوز أن يبتاع منه
زرعا على أن يبلغ سنبلا، ويسرا على أن يصير رطبا ورطبا على أن ييبسه ويصيره تمرا، وما
أشبه ذلك مما ليس هو بمقدور للعباد.
باب اشتراط البائع على المبتاع فيما باعه إياه:
ولا بأس أن يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه مثل أن يبيعه شاة ويشترط
34

عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح لها أو يشترط جز صوفها في الحال أو بعدها، وبيع البعض
من ثوب يتعين بالإسلام أو الذرع جائز كبيع سدسه وربعه وثلثه ونصفه وذراع وذراعين
وأكثر من ذلك، ولا بأس ببيع الثوب واستثناء منه والثلث والنصف، والذراع منه
والذراعين وأكثر لأنه معلوم غير مجهول، وهو كبيع الربع والثلث والذراع والذراعين من
الثوب على ما ذكرناه.
ولا يجوز بيع أصواف الغنم وهو على ظهورها حتى تعاين، ولا بأس ببيعها بعد فراقها
الغنم أرطالا مسماة قبل أن تعاين، وذلك إن بيعها على ظهور الغنم من غير معاينة لها بيع
مجهول وبيعها أرطالا بيع معروف، ولا يجوز بيع اللبن من الغنم إلى وقت انقطاعه لأن ذلك
جزاف ومجهول، ولا بأس ببيعه أرطالا مسماة تكون في ضمان البائع حتى يستوفيها المبتاع.
باب بيع الأعدال المحزومة والجرب المشدودة:
ولا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة إلا أن يكون له بارنامج يوقف منه
على صفة المتاع في ألوانه وأقداره وجودته، فإن كان ذلك كذلك وقع البيع عليه فمتى خرج
المتاع موافقا للصفات كان البيع ماضيا وإن خرج مخالفا لها كان باطلا.
باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار وما يمكن فيه الاختبار:
وكل شئ المطعومات والمشمومات يمكن الانسان اختباره من غير إفساد له والأدهان
المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلواء المذوقة لا يصح بيعه بغير اختبار له، فإن بيع
من غير اختبار كان البيع باطلا والمتبايعان فيه بالخيار، وما لا يمكن اختباره إلا بإفساده
واستهلاكه كالبيض الذي لا يعرف جيدة من رديئه إلا بعد كسره والبطيخ والقثاء
والباذنجان وأشباه ذلك فابتياعه جائز على شرط الصحة، فإن وجد فيه فاسد كان
للمبتاع الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وإن شاء رد الجميع واسترجع الثمن وليس له
رد المعيب دون ما سواه.
ولا بأس بابتياع الأعمى بشرط الصحة أو البراءة من العيوب إليه، والأفضل أن
35

يوكل الأعمى من يبصر له ما يريد ابتياعه ولا يتولى هو ذلك بنفسه مع تمكنه من توكيل
نائب عنه، فإذا ابتاع الأعمى شيئا بشرط الصحة فكان معيبا كان له الخيار في رده أو أرش
العيب إلا أن يكون قد تصرف فيه على ما قدمناه ذكره في باب العيوب، وإذا ابتاع شيئا
على البراءة من البائع إليه من جميع العيوب لم يكن له أرش ولا رد حسب ما بيناه.
باب المبايعة باشتراط الإسلاف:
ولا بأس أن يبتاع الانسان من غيره متاعا أو حيوانا أو عقارا بالنقد والنسيئة معا على
أن يسلف البائع شيئا في مبيع أو يستسلف منه في مبيع أو يقرضه مائة درهم إلى أجل
أو يستقرض، منه وقد أنكر ذلك جماعة من أهل الخلاف ولسنا نعرف لهم حجة في الانكار
وذلك أن البيع قد وقع على حال.
والسلف والقرض جائزان واشتراطهما في عقد البيع غير مفسد له بحال، وقد سئل
الباقر ع عن القرض يجز النفع؟ فقال ع: خير القرض ما جر نفعا،
ولا يجوز إقراض درهم بأكثر منه ولا دينار بزيادة عليه لأن ذلك هو الربا المنهي عنه في
القرآن، فإن اقترض انسان من غيره درهما بغير شرط وأعطاه بدلا منه دينارا حل له
ذلك، فإن وقع في ذلك شرط حكم عليه بالفساد.
باب السلف في صنفين مختلفين والصفقة تجمع حلالا وحراما:
ولا بأس بالسلف في صنفين مختلفين كالحنطة والأرز والتمر والزبيب والمروي والحرير
بعد أن يذكر المبيع والثمن فيه، وقد أبن هذا كثير من العامة بغير حجة تعلقوا في فساده
فلم يلتفت إلى قولهم فيه، فأما الصفقة تجمع حلالا وحراما فإن البيع ماض في الحلال
باطل في الحرام ولا يبطل بأسره ولا يصح جميعه.
باب بيع ما يستحق على المبتاع:
وإذا ابتاع انسان أرضا فبنى فيها أو غرس وأنفق فاستحقها عليه انسان آخر كان
36

للمستحق قلع البناء والغرس ويرجع المبتاع على البائع بقيمة ما ذهب منه، فإن كان ما
غرسه قد أثمر كان ذلك لرب الأرض وعليه للغارس مثل ما أنفقه وأجرة مثله في عمله،
فإن فسدت الأرض بالغرس كان لربها عليه أرش ما أفسده ويرجع هو على البائع له بذلك.
باب دفع الحق قبل محله وتأخيره عن محله:
وإذا كان لإنسان على آخر مال أو متاع إلى أجل فدفعه إليه قبل محله كان بالخيار
إن شاء قبله وإن شاء لم يقبله وكان في ضمان المديون حتى يحل الأجل وليس لأحد إجباره على
قبضه قبل أجله، وإذا كان له على غيره مال بأجل فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان فأجابه
إلى ذلك كان بالخيار إن شاء أمضى التأجيل وإن شاء رجع فيه، وإن تقايلا البيع ثم عقداه
بعد ذلك بأجل متأخر لم يكن للبائع الرجوع والإقالة فسخ وليست بعقد بيع.
باب الإكراه على البيع:
ولا يصح بيع بإكراه ولا يثبت إلا بإيثار واختيار، وإذا باع انسان ملكا لغيره وهو
حاضر فسكت لم يكن سكوته إنفاذا للبيع، وكذلك لو صالح عليه مصالح وهو ساكت لم
يحكم عليه بثبوت الصلح وكان له المطالبة بعد ذلك، وبيع الأب على ابنه وهو كبير يلي أمر
نفسه غير ماض إلا أن يمضيه الابن فإن كان الابن صغيرا كان بيع الأب عليه ماضيا، ولا لأب
أن يأكل من مال ابنه الصغير بالمعروف عند الحاجة إليه، وعلى الابن إذا كان كبيرا أن
يسد حاجة أبيه بالمعروف إن كان له طول بذلك.
باب بيع الشرب والماء:
ومن كانت له قناة يملكها فاستغنى عن مائها جاز له بيعها بالذهب والفضة، وكذلك
إن كان له قسط من الماء فله بيع ذلك ممن شاء، ومن أخذ من الماء المباح شيئا لنفسه كان له
بيعه كما أن له شربه والصدقة به ولا يجوز للسلطان حظر الماء المباح، فإن حفر في أرض
موات بإذن سلطان الحق نهرا فأحياها بمائه كان له بيع ما فضل من ذلك الماء ممن شاء، وإن
37

جرى الماء إلى أرض قد هلك أهلها فالسلطان أحق به، وإن استأجمت الأرض فغلتها
للسلطان وليس لأحد أن يكتسب منها شيئا إلا باذنه.
باب بيع الأرزاق والديون:
ولا يجوز للإنسان بيع رزقه من السلطان حتى يقبضه فيبيع الورق منه بالعروض ويبيع
العروض بالذهب والورق، ولا بأس أن يبيع دينه على غيره قبل قبضه، والفرق بين الأمرين
أن السلطان غير مضمون لأنه ربما رأى اسقاط صاحبه من الديوان بحدث منه أو غناء عنه،
والدين مضمون لصاحبه حتى يصل إليه.
باب أجر الوزان والناقد والكيال والدلال:
وأجرة وزان المال وناقده على المبتاع لأن عليه أن يوفي البائع ماله جيدا سليما من
العيب، وأجرة الكيال ووزان المتاع على البائع لأن عليه توفية المبتاع ما اشتراه كيلا
معروفا ووزنا معلوما، وأجرة الدلال على المبتاع وأجرة المنادي على البائع.
ومن نصب نفسه لبيع الأمتعة كان له أجر البيع على البائع دون المبتاع، ومن نصب
نفسه للشراء كان أجر ذلك على المبتاع، فإن كان وسيطا يبيع للناس ويبتاع لهم كان أجره
على ما يبيع من جهة البائع وأجره على ما يشترى من جهة المبتاع.
وإذا دفع الانسان إلى السمسار سلعة وأمر ببيعها ولم يذكر له في ثمنها نقدا ولا نسيئة
فباعها نسيئة كان رب السلعة بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه، وكذلك إن قال
له: بعها نقدا، فباعها نسيئة فهو بالخيار في الفسخ والإمضاء، فإن قال له: بعها نسيئة بدرهم،
سماه فباعها نقدا بدون ذلك كان مخيرا بين أن يفسخ البيع وبين أن يمضيه ويطالب
الواسطة بتمام المال، وإن باعها نقدا بأكثر مما سمى له كان ذلك لرب السلعة إلا أن يفسخ
البيع لخلاف شرطه فيه.
ولو قال انسان لغيره: بع لي هذا المتاع، ولم يسم له ثمنا فباعه بفضل من قيمته كان
البيع ماضيا والثمن على تمامه لصاحب المتاع، فإن باعه بأقل من قيمته كان ضامنا
38

لتمام القيمة حتى يسلمها إلى صاحب المتاع على الكمال، وإذا اختلف الواسطة وصاحب
المتاع فقال الواسطة: قلت لي بعد بكذا، وقال صاحب المتاع: قلت لك بعه بكذا، وذكر أكثر
من ذلك ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله
عز وجل وله أن يأخذ المتاع إن وجده بعينه، فإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلكه
ضمن الواسطة من الثمن ما حلف عليه صاحب المتاع، وكذلك الحجم إذا اختلفا في النقد
سواء.
وليس على الواسطة ضمان ما يهلك من حرزه، ويضمن ما فرط فيه وتعدى ولا يضمن
ما غلبه ظالم عليه، والدرك في جودة المال وصحة المبيع على البائع والمبتاع دون الواسطة في
الابتياع.
باب تلقي السلع والاحتكار:
ويكره تلقي الغنم وغيرها من الحيوان والأطعمة والأمتعة التي يجلبها التجار إلى
الأسواق، وحد التلقي أربعة فراسخ فما دونها وما زاد على ذلك فليس بالتلقي المكروه،
والحكرة احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها وضيق الأمر عليهم فيها وذلك مكروه،
فإن كانت الغلات واسعة وهي موجودة في البلد على كفاية أهله لم يكره احتباس
الغلات وامتناع أربابها من البيع طلبا للفضل، وللسلطان أن يكره المحتكر على اخراج
غلته وبيعها في أسواق المسلمين إذا كانت للناس حاجة ظاهرة إليها، وله أن يسعرها
على ما يراه من المصلحة ولا يسعرها بما يخسر أربابها فيها.
مختصر كتاب ابتياع:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني: اشترى منه في عقد
واحد وصفقة واحدة جميع الأرض التي من أرض مدينة جذا من رستاق كذا، وأحد حدود
جماعة هذه الأرض ينتهي إلى كذا والحد الثاني ينتهي إلى كذا والحد الثالث ينتهي إلى كذا
39

والحد الرابع ينتهي إلى كذا - وإن كان المبيع دارا أثبت حدودها إلى ما يلاصقها من الدور
وغيرها، وإن كان بستانا فكذلك، ويذكر حقوق الضيعة والبستان والدار والأرض والبراح
وإن ذكرت جربان الضيعة والبستان ومساحة الأرض كان أوكد: اشترى فلان بن فلان
الفلاني من فلان بن فلان الفلاني جميع هذه الأرض المحدودة أو الدار أو البستان أو
البراح أو الحانوت المحدود في هذا الكتاب وهي في يد فلان بن فلان، ويذكر البائع
بحدودها كلها وأرضها وبنائها وسفلها وعلوها ونخلها وشجرها وسائر بنائها، ومشاربها
ومغائضها ومصانعها التي هي من حقوقها وطرقها التي هي لها ومرافقها التي هي من
حقوقها، وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها - بكذا وكذا دينارا ذهبا عينا مثاقيل وازنة
جيافدا بيعا صحيحا جائزا لا شرط فيه ولا خيار، و قد قبض فلان بن فلان من فلان بن
فلان جميع هذا الثمن المسمى في هذا الكتاب كله تاما وافيا وأبرأه من جميعه براءة قبض
واستيفاء وهو كذا وكذا دينارا، وسلم فلان بن فلان هذه الأرض المحدودة في هذا الكتاب
إلى فلان بن فلان بلا دافع ولا مانع ولا حائل دونها، وتسلمها فلان بن فلان بحدودها
كلها وجميع حقوقها وما فيها ومنها ولها من قليل وكثير داخل ذلك كله فيه وخارج منه،
وصارت له وفي يده بالشراء المسمى في هذا الكتاب بعد معرفته من فلان بن فلان وفلان بن
فلان بما تبايعا عليه من ذلك ومعاينة منهما له عند عقد البيع في هذا الكتاب، وقبل ذلك
فتبايعا عليه ثم تخايرا جميعا في هذا البيع فثبتا على إمضائه ثم تفرقا بأبدانهما بعد انعقاد
البيع عن تراض منهما به وحضور لهذا المبيع المحدود - ويذكر إن كان أرضا باسمها وإن
كان دارا أو حانوتا كذلك - فما أدرك فلان بن فلان في هذا المبيع المحدود في هذا الكتاب
أو في شئ منه ومن حقوقه من درك من أحد من الناس كلهم، فعلى فلان بن فلان تسليم
ما يوجبه بيع الاسلام وشرطه لفلان بن فلان في ذلك من حق وغرم وقيمة ورد ثمن وخلاص
وضمان قليل وكثير حتى يسلم ذلك له من كل درك وتبعة على ما سمى ووصف في هذا
الكتاب.
شهد على الإقرار فلان بن فلان وفلان بن فلان بجميع ما تضمنه من البيع والتسليم
والقبض والدرك وعلى معرفتهما وأنسابهما بعد أن قرئ عليهما فأقرا بفهمه ما فيه، وأشهدا
40

على أنفسهما بجميع ما سمى ووصف فيه من ثبت اسمه في هذا الكتاب في صحة من
عقولهما وأبدانهما وجواز من أمورهما طائعين غير مكرهين لا يولي عليهما ولا على واحد
منهما، وكتب في شهر كذا من سنة كذا.
فصل:
ويكتب في التحديد ذكر الطرق المسلوكة إلى المبيع وأبوابه التي من حقوقه، وإن كان
له حق خارج منه ذكر بعينه فهو أوكد من إجمال القول في، وإن كتب في آخر الكتاب: وصار
هذا الشئ المبيع - ويذكر باسمه - في يد فلان بن فلان - ويسمى المبتاع - بالبيع الموصوف
في هذا الكتاب، فهو جيد في الاحتياط، وإن كان في الشراء كفيل كتب قبل الشهادة: وقد
ضمن فلان بن فلان لفلان بن فلان تسليم ما أدركه في هذه الدار أو هذا البستان أو هذه
الأرض المحدودة في هذا الكتاب، أو في شئ منها أو من حقوقها من درك من أحد من الناس
كلهم، وإن كان مع البيع كفيلا مع كفيله أو كان الكفلاء جماعة غير البيع ذكر أسماءهم
وكفالتهم.
وإن وكل البائع المشتري في رفع إقراره إلى من أحب من الحكام كتب قبل الشهادة:
وقد جعل فلان بن فلان بعد ذلك كله جريه ووكيله في حياته ووصيه بعد وفاته مسلطا على
رفع إقراره إلى من أحب أن يرفع ذلك إليه من قضاة المسلمين وحكامهم وولاة أمورهم،
لينفذوا ذلك كله لفلان بن فلان على فلان بن فلان في حياته وبعد وفاته، وله أن يوليه من
شاء من جرى أو وكيل ليقوم فيه مقامه.
فصل:
وإن أبرأ المشتري البائع من عيوب ما اشترى منه كتب على إثر قوله عن تراض
منهما جميعا: وقد أبرأ فلان بن فلان فلانا بن فلان من جميع عيوب هذه الدار المحدودة
أو هذا الشئ المحدود في هذا الكتاب بعد نظره إلى عيوبه عيبا عيبا بتوقيف فلان بن فلان
إياه على تلك العيوب ومعرفة منهما ورضي منه بها، فما أدرك فلانا من هذا من درك فعلى
فلان تسليم ما يوجبه بيع الاسلام وشرطه لفلان في ذلك حتى يسلم ذلك لفلان من درك
وتبعة.
41

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
43

كتاب البيوع والربا والصرف
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن الخيار يثبت للمتبايعين في بيع الحيوان خاصة ثلاثة أيام وإن
لم يشرط. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن الحيوان كغيره لا يثبت فيه الخيار إلا
بأن يشترط.
دليلنا الاجماع المتردد ويمكن أن يكون الوجه في ثبوت هذا الخيار في الحيوان خاصة أن
العيوب فيه أخفى والتغابن فيه أقوى، ففسخ فيه ولم يفسخ في غيره. وليس للمخالف أن
يقول: كيف يثبت بين المتبايعين خيار من غير أن يشترطاه وذلك أنه إذا جاز أن يثبت خيار
المجلس من غير اشتراط جاز أيضا أن يثبت الخيار الذي ذكرناه وإن لم يشرط.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به ولهم فيه موافق القول: فإن للمتبايعين أن يشترطا من الخيار
أكثر من ثلاثة أيام بعد أن تكون مدة محدودة، ووافقهم في ذلك ابن أبي ليلى ومحمد
وأبو يوسف والأوزاعي وجوزوا أن يكون الخيار شهرا أو أكثر كالأجل.
وقال مالك: يجوز على حسب ما تدعو الحاجة إليه في الوقوف على المبيع وتأمل حاله.
وحكى عن الحسن بن حي أنه قال: إذا اشترى الرجل الشئ فقال له البائع: اذهب فأنت
45

فيه بالخيار فهو بالخيار أبدا حتى يقول: قد رضيت. وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنه لا يجوز أن
يشرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام، فإن فعل فسد البيع وهو قول الشافعي.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا فإن خيار الشرط إنما وضع لتأمل حال
المبيع، وقد تخلف أحوال تأمله في الطول والقصر فجاز أن يزيد على الثلاث كما جاز أن
ينقص عنها، ولا يلزم على ذلك أن يثبت بلا انقطاع لأن ذلك ينقض الغرض بالبيع، فإن
اعترض المخالف بما يروونه عن النبي ص من أنه قال: الخيار ثلاثة أيام،
فالجواب عن ذلك إن هذا خبر واحد، وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يعمل عليها في الشريعة
وبإزائه الأخبار الواردة بجواز الخيار أكثر من ثلاثة أيام، ولأن قوله ع: الخيار ثلاثة
أيام لا يمنع من زيادة عليها، كما لم يمنع من نقصان عنها.
فإذا قيل: زيادة خيار الشرط على الثلاثة أيضا غرر، ودخول الغرر في البيوع لا يجوز.
قلنا: وثبوته في الثلاثة أيضا غرر لأنه لا يدري في هذه المدة أ يحصل له البيع أولا
يحصل، ومع ذلك فقد جاز البيع مع ثبوت هذا الغرر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بجواز شراء العبد الآبق مع غيره، ولا يشترى وحده
إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى أنه لا يجوز
بيع الآبق على كل حال إلا ما روي عن عثمان البستي أنه قال: لا بأس ببيع الآبق والبعير
الشارد وإن هلك فهو من مال المشتري، وهذا كالموافقة للإمامية، إلا أنه لم يشرط أن يكون
معه في الصفقة غيره كما شرطت الإمامية.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر، ومعول مخالفينا في منع بيعه على أنه
بيع غرر، وأنه نبينا ع نهى عن بيع الغرر، وربما عولوا على أنه مبيع غير مقدور
على تسليمه فلم يصح بيعه كالسمك في الماء والطير في الهواء، وهذا ليس بصحيح لأن
هذا البيع يخرجه من أن يكون غررا لانضمام غيره إليه، كبيع الثمرة الموجودة بعضها،
والمتوقع وجود باقيها، وهذا هو الجواب عن قياسهم، وإن كنا قد بينا أن القياس لا مدخل
له في الشريعة، لأنه لا يمكن تسليم، وإن جميع الثمرة التي وقع عليها العقد في وقت الصفقة
وإن كان العقد جائزا.
46

فإن قيل: نحن نخالف في ذلك ولا نجيز أن نبيع ثمرة معدومة مع موجودة.
قلنا: أما مالك فإنه يوافقنا على هذا الموضع، وحجتنا على من خالفنا فيه أنه لا خلاف
في أن طلع النخلة التي لم تؤبر داخل في البيع معها، وإن كان في الحال معدوما فكيف يجوز أن
يدعي أن بيع معدوم وموجود لا يجوز.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بتحريم بيع الفقاع وابتياعه، وكل الفقهاء يخالفون في
ذلك، وقد روي عن مالك كراهية بيع الفقاع.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا أن نبني هذه المسألة على تحريمه، فنقول: قد ثبت حظر
شربه، وكل من حظر شربه حظر ابتياعه وبيعه، والتفرقة بين الأمرين خروج عن إجماع
الأمة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية إن من ابتاع شيئا معينا بثمن معين ولم يقبضه ولا قبض ثمنه
وفارقه البائع بعد العقد ليمضى وينقد له الثمن فالمبتاع أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام،
فإن مضت الثلاثة أيام ولم يحضر المبتاع الثمن كان البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع
وباعه من غيره، وإن شاء طالبه بالثمن على التعجيل والوفاء، وليس للمبتاع على البائع
في ذلك خيار ولو هلك المبيع في مدة الأيام الثلاثة كان من مال المبتاع دون البائع فإن هلك
بعد الثلاثة الأيام كان من مال البائع، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يقل أحد منهم بهذا
الترتيب الذي رتبناه.
دليلنا: على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وإنما قلنا: أن المبتاع أحق به ما بينه وبين
ثلاثة أيام، لأنه بالابتياع واشتراط أن ينقد الثمن الذي مضى في إحضاره قد ملك وعليه
تعجيل الثمن، فإذا لم يحضره في هذه المدة المضروبة فكأنه رجع عن الابتياع ولم يف
بالشرط الذي شرطه من تعجيل الثمن، وصار البائع بالخيار، إن شاء فسخ، وإن شاء
طالب بالثمن فإنما جعلنا المبيع إذا هلك في الأيام الثلاثة من مال المبتاع، لأن العقد قد ثبت
بينهما.
وقد حكى عن مالك أنه كان يقول في الدابة إذا حبسها البائع حتى يقبض الثمن
47

فهلكت فهي من مال المشتري وذلك إذا كان بيعا على النقد، فإن كان على غير النقد فهو
من مال البائع وهذا موافقة للإمامية من بعض الوجوه، وقد قلنا أنه إن هلك بعد الثلاثة كان
من مال البائع لأنه بتأخير الثمن عنه قد صار أملك به وأحق بالتصرف فيه وإن هلك
فمن ماله.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من ابتاع شيئا وشرط الخيار ولم يسم وقتا ولا أجلا
مخصوصا بل أطلقه إطلاقا فإن له الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام ثم لا خيار له بعد ذلك،
وباقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك لأن أبا حنيفة يذهب إلى أنه إذا شرط الخيار إلى غير مدة
معلومة فالبيع فاسد فإن أجازه في الثلاثة جاز عند أبي حنيفة خاصة، وإن لم يجزه حتى مضت
الثلاثة أيام لم يكن له أن يجيزه.
وقال أبو يوسف ومحمد: له أن يجيز بعد الثلاثة، وقال مالك إن لم يجعل للخيار وقتا جاز
وجعل له من الخيار مثل ما يكون في تلك الساعة، وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا لم
يعين أجل الخيار كان له الخيار أبدا. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر. ويمكن أن
يكون الوجه مع إطلاق الخيار في صرفه إلى ثلاثة أيام أن هذه المدة هي المعهودة المعروفة في
الشريعة لأن يضرب الخيار فيها، والكلام إذا أطلق وجب حمله على معهود المألوف.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من ابتاع أمة فوجد بها عيبا ما عرفه من قبل بعد أن
وطئها لم يكن له ردها، وكان له أرش العيب، إلا أن يكون عيبها من حبل فله ردها مع
الوطء، ويرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فذهب الشافعي إلى أنه إذا ابتاع أمة ثيبا فوطئها ثم
أصاب بها عيبا فله ردها ولا مهر عليه. وقال ابن أبي ليلى: يردها بالعيب ويرد معها المهر
لأجل الوطء، وقد روي ذلك عن عمر، وذهب الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه
لا يملك الرد بالعيب، بل يمسكها ويأخذ الأرش، وانفراد الإمامية بالقول الذي ذكرناه ظاهر.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وليس يجري وطء الثيب مجرى وطء
48

البكر، لأن وطء البكر فيه إتلاف الجزء منها وليس كذلك الثيب، ويمكن أن يكون الفرق بين
الحمل وبين غيره من العيوب أن الحمل أفحش العيوب وأعظمها، فجاز أن يغلظ حكمه
على باقي العيوب.
مسألة:
ومما انفرد الإمامية به وقد وافقها فيه غيرها القول: بجواز أن يبيع الانسان الشاة أو
البعير ويشترط رأسه أو جلده أو عضوا من أعضائه، وروى ابن وهب عن مالك القول
بجواز ذلك وهو أن يستثني جلدها وهذه موافقة للإمامية وروى ابن القاسم عن مالك أنه إذ
باع شاة فاستثنى منها ثلثا أو ربعا أو نصفا أو فخذا أو كبدا أو صوفا أو شعرا أو كراعا فإنه
إن استثنى ثلثا أو ربعا أو نصفا فلا بأس بذلك، وإن استثنى جلدا أو رأسا، فإن كان
مسافرا فلا بأس به، وإن كان حاضرا فلا خير فيه، وهذه الرواية أيضا موافقة للإمامية في
السفر ولسنا نعرف فرقا بين السفر والحضر في هذا الموضع.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز ذلك البتة وهذا قول الثوري. وقال الشافعي:
لا يجوز أن يبيع الرجل الشاة ويستثني منها جلدا ولا غيره في سفر ولا حضر.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولأن هذا العقد يقع عليه اسم البيع باستثنائه
فيجب أن يدخل في عموم قوله تعالى: وأحل الله البيع، وليس يمكن أن يدعي في ذلك جهالة
فإن الأعضاء متميزة منفردة من غيرها وليس يجري مجرى غيرها مما يقع الاشتراك
والاختلاط.
مسألة:
في الربا:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأنه لا ربا بين الولد ووالده ولا بين الزوج وزوجته
ولا بين الذمي والمسلم ولا بين العبد ومولاه. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأثبتوا الربا بين
كل من عددناه، وقد كنت قديما في جواب مسائل وردت من الموصل تأولت الأخبار التي
ترويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه على أن المراد بذلك وإن كان بلفظ الخبر
معنى الأمر كأنه قال: يجب أن لا يقع بين من ذكرناه ربا، كما قال تعالى: ومن دخله كان آمنا،
49

وكقوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.
وقوله ع. العارية مردودة والزعيم غارم، ومعنى ذلك كله معنى الأمر أو النهي
وإن كان بلفظ الخبر، فأما العبد وسيده فلا شبهة في نفي الربا بينهما، لأن العبد لا يملك شيئا،
والمال الذي في يده مال لسيده، ولا يدخل الربا بين الانسان ونفسه ولهذا ذهب أصحابنا إلى
أن العبد إذا كان لمولاه شريك فيه حرم الربا بينه وبينه. واعتمدنا في نصرة هذا المذهب
على عموم ظاهر القرآن، وأن الله تعالى حرم الربا على كل متعاقدين، وقوله تعالى: لا
تأكلوا الربا، وهذا الظاهر يدخل تحته الوالد وولده، والزوج والزوجة.
ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب لأني وجدت أصحابنا مجتمعين على نفي الربا
بين من ذكرناه وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه
حجة، ويخص بمثله ظواهر الكتاب، والصحيح نفي الربا بين من ذكرناه.
وإذا كان الربا حكما شرعيا جاز أن يثبت في موضع دون آخر كما ثبت في جنس دون
جنس وعلى وجه دون وجه، فإذا دلت الأدلة على تخصيص من ذكرناه وجب القول بموجب
الدليل.
ومما يمكن أن يعارض ظواهر به من ظاهر الكتاب أن الله تعالى قد أمر بالإحسان
والإنعام، مضافا إلى ما دلت عليه العقول من ذلك، وحد الانسان إيصال النفع لا على وجه
الاستحقاق إلى الغير مع القصد إلى كونه إحسانا، ومعنى الإحسان ثابت في من أخذ من
غيره درهما بدرهمين، لأن من أعطى الكثير بالقليل وقصد به إلى نفعه فيه فهو محسن إليه،
وإنما أخرجنا من عدا من استثنيناه من الوالد وولده والزوج وزوجته بدليل قاهر تركنا له
الظواهر وهذا ليس مع المخالف في المسائل التي خالفنا فيها، فظاهر أمر الله تعالى في القرآن
في مواضع كثيرة كقوله تعالى وأحسن كما أحسن الله إليك وقوله تعالى: إن الله يأمر
والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء يعارض الآيات التي ظاهرها عام في
في تحريم الربا، فإذا قالوا نخصص آيات الإحسان لأجل آيات الربا، قلنا، ما الفرق بينكم وبين
من خصص آيات الربا لعموم آيات الأمر بالإحسان وهذه طريقة إذا سلكت كانت
قوية.
50

مسألة: في الصرف:
ومما انفردت به الإمامية القول: بجواز أن يبتاع الانسان من غيره متاعا أو غيره نقدا
أو نسيئة معا على أن يسلف البائع شيئا أو يقرضه مالا إلى أجل أو يستقرض منه، وأنكر
ذلك باقي الفقهاء وحظروه.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولأن الله تعالى أحل البيع بالإطلاق، وهذا
البيع الذي أشرنا إليه داخل في جملة الظاهر، والقرض أيضا جائز، واشتراطه في عقد البيع
غير مفسد له ولسنا ندري من أي جهة حظر المخالفون ذلك وإنما يرجعون إلى الظنون
والحسبان التي لا يرجع في الشرع إلى مثلها، ولا خلاف بينهم في أنه لو لم يكن يشرط القرض
عند عقد البيع، ثم رأى بعد ذلك أن يقرضه كان ذلك جائزا، وأي فرق بين أن يشرطه أولا
يشرطه.
مسألة: في الصرف:
ومما انفردت به الإمامية بأنه يجوز أن يكون للإنسان على غيره مال مؤجل فيتفقا على
تعجيله بأن ينقصه من مبلغه ولا يشبه ذلك تأخير الأموال عن آجالها بزيادة فيها لأن ذلك
محظور لا محالة، وخالفهم باقي الفقهاء في ذلك وسووا بين الأمرين في التحريم.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره، وأيضا فإن تصرف الانسان فيما يملكه
مباح بالعقل والشرع، وقد علمنا أن الدين المؤجل له مالك يصح تصرفه فيه فيجوز له
أن ينقص منه كما يجوز له الإبراء منه، ومن عليه أيضا هذا الدين هو مالك للتصرف في ماله
فله أن يقدمه، كما له أن يؤخره إلى أجله، ولا خلاف في أنه لو قبض بعضه وأبرأه من الباقي
من غير اشتراط لكان ذلك جائزا فأي فرق في جواز ذلك بين الاشتراط ونفيه.
51

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
53

المسألة الثانية والسبعون والمائة:
من باع بأكثر من سعر يومه مؤجلا فقد أربى. هذا غير صحيح وما أظن أن يبين
الفقهاء خلاف في جواز ذلك وإنما المكروه أن يبيع الشئ بثمنين، بقليل إن كان الثمن نقدا
وبأكثر منه نسيئة فإذا تراضيا المتبايعان بالثمن فإن كان بأكثر من سعر اليوم صح العقد
بينهما عليه نقدا أو نسيئة لأن التأجيل قد يدخل الثمن مع التراضي كما يدخله التعجيل
وإنما يحمل مع الإطلاق على التعجيل.
المسألة الثالثة والسبعون والمائة:
البيع لا يلزم بحصول الإيجاب والقبول ما لم يتفرق المتبايعان بأبدانهما عن
مكانهما. هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا وهو مذهب الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة
يلزم البيع بالإيجاب والقبول ولم يعتبر التفريق بالأبدان. دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد
الاجماع المتكرر وما رواه ابن عمر عن النبي ع أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم
يفترقا إلا بيع الخيار وفي بعض الأخبار البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وإنما يسمى المتبايعان بهذا
الاسم بعد وجود التبايع بينهما إليه اسم مشتق من فعل كالقتل والضرب وليس لأحد أن
يحمل لفظ المتبايعين على المتساومين أ لا ترى أن قائلا لو قال إن بعت هذا العبد فهو حر ثم
ساومه رجل فيه لم يعتق عليه وليس لأحد أن يحمل التفرق المذكور في الخبر على الافتراق
بالأقوال لأن العبارة بالافتراق والإجماع عن الكلام مجاز وإنما ذلك حقيقة في الأجسام
55

ومستعار في الإعراض ولأن الحالة التي يشيرون إليها من حصول الإيجاب والقبول هي
حالة اجتماع لا افتراق لأنهما يختلفان في الثمن والثمن قبل تلك الحال ثم يجتمعان عليه
ويعقدان البيع فهي حالة اجتماع لا افتراق وليس لأحد أن يعارض ما حكى عن أبي يوسف
من حمله ذلك على افتراق الأبدان وهو أن يقول أحد العاقدين بعتك هذا العبد ولصاحبه
أن يقبل فإن قبل القبول وتمام البيع لم يكن له أن يقبل بعد ذلك وانفسخ الإيجاب وذلك أنا قد بينا أن
اسم المتبايعين لا يقع عليهما إلا بعد الإيجاب والقبول وحصولهما معا فما تأوله أبو يوسف بخلاف
الظاهر وقد تعلقوا بما روي عنه ع أنه قال البيعان بالخيار ما لم
يفترقا ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقبله فأثبت الاستقالة في المجلس والاستقالة إنما
تثبت في عقد لازم والجواب أن المراد أنه لا يحل له أن يفارقه خشية أن يفاسخه ما ثبت له من
الخيار المجلس فعبر عن الفسخ بالاستقالة يدل على ما ذكرناه وجهان أحدهما أنه ذكر أمر
أيجب أن يقول بالتفريق والإقالة لا يقول بالتفرق وإنما الفسخ بحكم خيار المجلس يفوت
بالتفرق والثاني أنه نهاه عن المفارقة خوفا من الاستقالة والاستقالة غير منهي عنها لأن
الإقالة غير واجبة وإنما المنهي عنه فهو مفارقة المجلس خوف الفسخ لحق الخيار إليه لأنه
منهي عنه أي أن يفارق صاحبه بغير إذنه ورضاه ليلزم العقد بذلك.
المسألة الرابعة والسبعون والمائة:
يجوز بيع المدبر وأم الولد. الذي يذهب إليه أصحابنا أن بيع المدبر جائز وأما أم
الولد فإنما يجوز بيعها بعد موت ولدها، ووافقنا في جواز بيع المدبر من حاجة وغير حاجة
الشافعي وعثمان البتي وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والثوري والحسن لا يجوز بيع المدبر،
وقال مالك لا يجوز بيع المدبر فإن باع مدبرة فأعتقها المشتري فالعتق جائز وينتقض التدبير والولاء
للمعتق. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر ذكره وأيضا ما رواه
جابر أن رجلا من الأنصار أعتق عبدا له عن دبر منه واحتاج فقال النبي: من يشتريه مني
فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها النبي، فإن قيل يحتمل أن يكون ذلك
التدبير مقيدا مثل أن يقول إن مت من مرضي هذا فأنت حر لأنه قد روي عن أصحاب أبي
56

حنيفة أنهم أجازوا بيع المدبر إذا كان التدبير مقيدا قلنا التدبير في الخبر مطلق ولا نحمله
على المقيد إلا بدليل، على أن حمله على المطلق يفيد الحكم في موضع الخلاف وحمله على المقيد
لا يفيده فإن قيل نحمله على أنه ع آجره فنقل ابتياعه على أنه باع منافعه قلنا
حقيقة البيع تقتضي بيع الرقبة فحمله على بيع المنافع عدول باللفظ عن حقيقة بلا دلالة فإن
قيل كيف يبيعه بغير إذن مالكه قلنا يحتمل أن يكون استأذنه لكن ذلك لم ينقل لأنه لم يكن
مقصودا وإنما المقصود جواز بيع المدبر على أنه باعه في الدين وللإمام أن يبيع في الدين
من غير استئذان صاحب الملك فأما أم الولد فجميع فقهاء الأمصار في هذا الوقت
يخالفون فيه ويمنعون من بيعها وقد وافقنا على جواز بيع أمهات الأولاد جماعة من السلف
وأجازوا بيعهن ولم يفرقوا بين حياة الولد وموته كما فرقنا والذي يدل على جواز بيع أم
الولد الاجماع المقدم ذكره وأيضا فإن أم الولد رق للمولى ولم يخرج بالولد من ملكه.
الدليل على صحة ذلك أنه إذا وطئها فإنما يطأها عند جميع الأمة بملك اليمين وإذا كانت في
ملكه فبيع ما يملك جائز وكل خبر يروونه في تحريم بيع أمهات الأولاد حملناه على النهي عن
بيعهن مع بقاء الأولاد.
المسألة الخامسة والسبعون والمائة:
معرفة مقدار رأس المال شرط في صحة السلم. ما أعرف لأصحابنا إلى الآن نصا
في هذه إلا أنه يقوى في نفسي أن رأس مال السلم إذا كان معلوما بالمشاهدة مضبوطا
بالمعاينة لم يفتقر إلى ذكر صفاته ومبلغ وزنه وعدده وهو المعمول عليه من قول الشافعي
وقال أبو حنيفة إذا كان رأس مال السلم مكيلا أو موزونا أو مما يباع عددا فلا بد من ضبط
صفاته وإن كان مما عدا ذلك جاز ألا يضبط صفاته. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه ما روي عن
النبي ص أنه قال من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل
معلوم فأذن النبي في السلم على هذه الصفة ولم يشترط سواها فثبت ما قلنا وليس
للمخالف أن يقول إن السلم ربما انفسخ بأن يتعذر تسليمه فيحتاج أن يرجع المسلم إلى
بذل الثمن فإذا كان خبرا فلا يمكن الرجوع إلى بذله لجهالته فافتقر صحة العقد إلى ضبط
57

صفات الثمن حتى إن ثبت له حق الرجوع أمكنه ذلك وذلك أن هذا باطل بالإجارة لأنه
عقد غير مبرم بل هو مراعى وربما انهدمت الدار، قبل استيفاء المنافع فتنفسخ الإجارة
ويثبت للمستأجر الرجوع على المؤاجر بالأجرة ولم يشرط في الإجارة أن تكون الأجرة
مضبوطة الصفات والعقود مبنية على السلامة والظاهر دون ما يخاف طرده أ لا ترى أن من
باع شيئا بثمن معلوم بالمشاهدة صح البيع وإن جاز أن يخرج المبيع مستحقا فيثبت
للمشتري على البايع حق الرجوع ببدل الثمن ومع ذلك لم يشترط ضبط صفات الثمن.
المسألة السادسة والسبعون والمائة:
وإذا كان رأس المال عرضا لم يصح سلم. هذا غير صحيح ويجوز عندنا أن يكون
رأس المال في السلم عرضا غير ثمن من سائر المكيلات والموزونات ويجوز أن يسلم
المكيل في الموزون والموزون في المكيل فيختلف جنساهما وما أظن في ذلك خلافا بين الفقهاء
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وأيضا ما رواه عبد الله بن عباس أن النبي
ص قال من أسلف فليسلف بكيل معلوم ووزن إلى أجل معلوم ولم يفرق في
ذلك بين صفة الثمن فثبت جواز ما بيناه.
58

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
59

فصل في عقد البيع وشروط صحته وأحكامه
البيع عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما، وتفتقر صحته
إلى شروط ثمانية: صحة الولاية في المبيعين وتعيينهما بالصفة أو المبلغ أو بهما، وتعيين الأجل
في المؤجل وإمكان التسليم وقول يقتضي إيجابا من البائع وقبولا من المبتاع، وافتراق عن
مجلس العقد بالأبدان وحصول ذلك عن إيثار ووقوعه على أمر يسوع.
واعتبرنا صحة الولاية لتأثير حصولها بثبوت الملك أو الإذن وصحة الرأي في صحة
العقد وعدم ذلك في فساده.
واعتبرنا التعيين بالوصف أو المقدار لفساد العقد على المجهول.
واعتبرنا تعيين الأجل لفساده مؤجلا بما لا يتحدد.
واعتبرنا إمكان التسليم لفساد بيع ما لا يمكن تسليمه كالطير في الجو والسمك في الماء
وأمثال ذلك من بيع الغرر.
واشترطنا الإيجاب والقبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع.
واعتبرنا الافتراق بالأبدان لوقوف مضيع عليه.
واعتبرنا الإيثار لفساد بيع الإكراه.
واعتبرنا وقوعه على الوجه المشروع احترازا من بيع المحرم أو ابتياعه بالمحرم
والمحلل وعقود الربا والعقود الفاسدة.
فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع ولم يستحق التسليم، وإن جاز التصرف مع
61

اختلال بعضها للتراضي دون عقد البيع ويصح معه الرجوع، وإذا تكاملت الشروط صح
العقد وإن لم يتقابضا واقتضت صحته تسليم المبيع في الحال إن كان العقد مطلقا من
التأجيل، فإن امتنع البائع من تسليم المبيع حتى هلك فهو من ماله ويرد ما قبضه من
الثمن، وإن امتنع المبتاع من قبض المبيع أو رضي بتركه عند البائع فهلاكه من ماله.
فإن شفع إلى البائع في إنظاره بالثمن وقتا معينا فأجابه فهو من ماله دون البائع،
وإن لم يعين وقتا فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بعدهن بين الفسخ ومطالبة
الثمن، فإن هلك المبيع في مدة الثلاثة الأيام فهو من مال المبتاع وبعدهن من مال البائع،
وإن اقترن بالعقد شرط الخيار فالعقد صحيح والمشترط الخيار في مدته، فإن لم يعين مدة فله
الخيار ثلاثة أيام حسب.
والخيار في جميع الحيوان ثلاثة أيام اشترط أو لم يشترط، وفي الأمة مدة استبرائها، فإن
هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يحدث المبتاع فيه حدثا يدل على الرضا
فيبطل الخيار ويكون هلاكه من ماله، وإذا تصرف مستحق الخيار في المبيع بغير إذن البائع
بطل حكم الخيار.
وإذا وقع العقد بشرط حكم البائع أو المبتاع في الثمن فالعقد فاسد، وإن تراضيا
فحكم المبتاع بالقيمة فما فوقها أو حكم البائع بالقيمة فما دونها مضى ما حكما به، وإن
حكم المبتاع بأقل والبائع بأكثر منها لم يمض حكمهما، وإذا اقترن العقد باستثناء لبعض
ما تناوله معينا كالشاة إلا رأسها أو جلدها أو ربعها، والشجر إلا الشجرة الفلانية مضى
العقد فيما عدا المستثنى، وإن كان مجهولا فالبيع فاسد.
وإذا اشترط البائع أو المبتاع في العقد شيئا معلوما يمكن تسليمه كبيع ثوب على أن
يخيطه أو يصبغه، أو غزل على أن ينسجه أو جلد على أن يعمله خفا أو شرط عليه صفة
مخصوصة طول كذا أو عرض كذا أو سلك كذا، أو شرط أن يبيعه شيئا أو يبتاع منه أو يسلفه
أو يستسلف منه فالعقد ماض والشرط ثابت.
وإن شرط ما لا يمكن تسليمه كالرطب على أن يصير تمرا، والحصرم على أن يصير
زبيبا أو عنبا، والزرع على أن يسنبل، وكثوب من غزل امرأة بعينها، أو حنطة من أرش
62

بعينها، وزيت من شجر معين فالعقد فاسد، وإن وقع العقد على ما تصح فيه الولاية
وما لا يصح فالبيع ماض فيما يصح بيعه وفاسد فيما لا يصح ذلك فيه.
ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره ومعرفة مقداره بكيل أو
وزن أو عد أو ذرع أو شم أو ذوق أو مشاهدة وتقليب ولا يصح من دون ذلك، وإن تعذر
الاختبار إلا بالإفساد كالبيض والجوز والبطيخ وأشباه ذلك فالبيع ماض بشرط الصحة أو
البراء من العيوب، فإن خرج ما لم يبرئ إليه منه معيبا فله رد الجميع أو أرش المعيب أو
الرضا به دون رد المعيب خاصة، وإن كان المبيع غائبا أو مشدودا في وعاء جاز بيعه موصوفا
بما يختصه، فإن وجد على الصفة فالبيع ماض وإن خالفها فالعقد فاسد.
ويصح بيع الحيوان والثمار والعقار والأرضين موصوفا بشرط خيار الرؤية، ويصح
بيع ما استحق تسليمه قبل قبضه وينوب قبض الثاني عن الأول، وإذا انعقد البيع ولم
يتقابضا واختلفا في مقدار المبيع أو الثمن وفقدت البينة لزم كلا منهما ما أقر به وحلف على
ما أنكره، وفسخ البيع أولى.
ومن ابتاع شيئا بثمن معلوم غير متعين فنقده من مال حرام فالبيع ماض والمبيع
مستحق وتصرفه في المال قبيح، ولا يحل للبائع مع العلم به قبضه، وإن علم به بعد قبضه
فعليه رده ومطالبته بثمن مبيعه من مال حل، وإن وقع العقد على عين المال المحرم فهو
فاسد، وكذلك القول في المبيع المحرم، وإذا وقع العقد فاسدا على وجهه يحرم معه التصرف
حكم بفسخه والرجوع على كل منهما بما قبض، وإن كان مع كون العقد فاسدا مما يصح
التصرف فيه للتراضي فلكل منهما الرجوع بعين ما رضي بتسليمه خاصة، فإن هلكت العين
في يد أحدهما لم يصح الرجوع.
وإذا وقع العقد على متاع متعين فلم يقبضه المبتاع حتى هلك بعضه أو حدث فيه عيب
فهو بالخيار بين رد الجميع وبين قبض السليم واسترجاع ثمن الهالك بحساب البيع، وبين
مطالبته بقيمة يوم طالبه فامتنع من التسليم وبين أرش المعيب، فإن هلك جملة المبيع لم يكن
له إلا ما نقد من الثمن. فإن كان لتعد من البائع أو لمنع واجب فالمبتاع بالخيار بين
المطالبة بما نقد، وبين قيمة يوم استحق تسليمه. فإن كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه و
63

نقصه من ماله.
ولا يصح البيع على من لا يولي على مثله إلا باذنه، وسكوته ليس بإذن يعتد به، ولا يصح
بيع الثمار سنة واحدة حتى يبدو صلاحها ويجوز ذلك سنتين فما زاد، ولا يجوز بيع
الثمرة في رؤوس الشجر بكيل ولا وزن منها ولا بيع الزرع بكيل ولا وزن، ويصح ذلك
بالعين والورق، ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم ولا اللبن في ضروع الأنعام، ويجوز
ذلك أرطالا مسماة ويجوز أن يستثني البائع من الثمرة أرطالا مسماة.
ومن باع نخلا قد وبر أو شجرا قد أثمر أو أرضا فيها زرع أو نبات فحمل النخل
والشجر والزرع والنبات خارج عن البيع إلا أن يشترطه المبتاع، ولا يصح أن يبتاع المرء
من تحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه ومتى يفعل يعتقوا عليه عند مضي عقد ابتياعهم.
ومن ابتاع أمة حاملا أو حيوانا حاملا فحمله خارج عن البيع، ولا يصح بيع الآبق
إلا أن يكون معه شئ آخر، ومن ابتاع عبدا أو أمة ومعه مال فهو للبائع إلا أن يشترطه في
عقد البيع فيكون له، وكذلك حكم ما يصاحب مبيع سائر الحيوان من الأداة والدثار، ويجوز
ابتياع ما سباه الظالمون من الرقيق ويحل وطؤه بملك اليمين، وإذا ابتاع رقيقا من سوق
المسلمين فادعى الحرية لم تسمع دعواه إلا أن تقوم بينة فيفسخ العقد ويرجع بالدرك.
ومطلق العقد يقتضي التعجيل في المبيعين، والتأجيل موقوف على الاشتراط وهو
مختص بمبيع العين والورق وتحديد الأجل بزمان معين، ومضي العقد يقتضي تسليم المعجل
منهما وتأخير المؤجل وتسليمه عند حلول أجله سواء كان التأجيل مشروطا في المبيع أو
اليمن، وإذا حل الأجل ولم يكن عنده عين ما عقد عليه فعليه إحضاره، ويصح إقامة
العوض عنه من غير جنسه، ولا يجوز له ابتياعه من مستحقه عليه بمثل ما باعه منه في
الجنس ولا بزيادة عليه نقدا ولا نسيئة ولا نقله إلى سلف آخر، ويجوز له ابتياعه بغير ما
قبضه منه نقدا ويجوز تقديم المؤخر عن أجله بشرط النقص منه، ولا يجوز تأخيره عنه بشرط
الزيادة فيه.
وتعلف البيع بأجلين إلى مدة كذا بكذا أو إلى ما زاد عليها بكذا، وبأجل واحد غير
محدود كقدوم الحاج وقدوم القافلة وبلوغ الغلات يقتضي فساده، ودخول التأجيل في بيع
64

العروض بعض ببعض والعين بالعين والورق بالورق والورق بالعين وسائر ما يكال ويوزن
يقتضي فساد العقد وتحريم التصرف لكونه ربا.
ولا يجوز التفاضل بين متماثل ما يكال ويوزن وإن اختلفت عليه الأسماء كاللبن
والسمن والجبن والعنب والزبيب والرطب والتمر والبسر والحنطة والدقيق والخبز،
كالذهب بالذهب والفضة بالفضة والنحاس بالنحاس والحنطة بالحنطة أو الشعير والأرز
بالأرز والزيت بالزيت وأشباه ذلك، ويجوز بين مختلفيه كالعين بالورق والحنطة بالذرة وأمثال
ذلك وكذلك حكم العروض والحيوان، بيع الفاضل جائز فيه سواء اتفق الجنس أم اختلف
كثوب بثوبين ودار بدارين وفرس بفرسين.
ولا يجوز بيع ما يكال ويوزن في غير السلم إلا يدا بيد، ويجوز في غيرهما من سائر
المبيعات بالعين والورق تأخير تسليم المبيع أو الثمن، ولا يجوز لمن أسلم في متاع إلى أجل
أن يبيعه من مستسلمه ولا غيره قبل حلول أجله، فإذا حل جاز بيعه منه بمثل ما نقد وأكثر
منه من غير جنسه، ومن غير المستسلم بمثل ذلك وأكثر من ذلك من جنسه وغيره.
ومقتضى العقد المطلق يوجب تسليم المبيع صحيحا والثمن جيدا، فإن ظهر عيب
واحدهما فللمبتاع الرد والأرش، فإن كان العيب في بعض المبيع فله أرشه أو رد الجميع
وليس له رد المعيب خاصة، وإن كان العيب ببعض الثمن أو جميعه فللبائع بدل الردئ
وليس له الفسخ، وإذا برئ أحدهما من العيوب إلى الآخر فلا درك يلزمه لما يوجد من
عيب، وتعيين العيوب في بيع البر أحوط.
وإذا علم البائع بالعيب في النقد ورضي به لم يكن له بد منه، وإذا علم المبتاع بالعيب
في المبيع جاز له أن يمضى البيع ويطلب الأرش، ولا يكون تصرفه دلالة الرضا بالعيب وإنما
هو دلالة الرضا بالبيع، وإذا رضي بالبيع والعيب لم يكن له رد ولا أرش.
وحكم الحيوان في العيوب حكم العروض، ويرد العبد والأمة بالجنون والجذام والبرص
إلى مدة سنة، فإن وطأ الأمة لم يجز ردها بشئ من العيوب وله الأرش إلا الحبل فإنها ترد
بعد الوطء ويرد معها عشر قيمتها، فإن كان الوطء بعد علمه بالحمل ورضاه بالبيع لم يكن له
رد وله الأرش، ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان كسائر العروض، وإذا ابتاع اثنان أو أكثر من
65

ذلك حيوانا أو متاعا فظهر به عيب فأراد أحدهما الرد والآخر الأرش لم يكن لهما إلا أحد
الأمرين.
وبيع المرابحة مفتقر إلى ثبوت العقد وتعيين ما وقع عليه من الثمن بصفته وتعليق
الربح بعين المبيع دون ثمنه، فإن كان العقد بعين لم يجز له أن يخبر بورق وإن نقد ورقا، وإن
كان بورق لم يجز له أن يخبر بعين وإن كان ما نقده عينا، وإذا قوم التاجر المتاع على الواسطة
إن كان بيعا منجزا جاز له تخبير الشرى وإن كان موقوفا لم يجز له تخبير الشرى.
ولا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله: أربح عليك في كل عشرة دراهم من
ثمنه درهما أو درهمين، وإنما يصح بيع المرابحة بأن يخبر بجملة الثمن ويربح في عين
المبيع. ومن ابتاع متاعا بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين كيفية ما وقع العقد به،
ومن حفر بئرا أو قناة أو نهرا أو كان شريكا في شئ من ذلك جاز له بيع ما يستحقه منه و
بعضه كسائر المملوكات، وكذلك حكم ما يتناوله من الماء المباح وغيره لأنه بالحيازة صار
ملكا.
ويصح بيع ما تنبته أرضه من الكلأ، وإباحة الغير التصرف فيه بنفسه أو أنعامه
كل شهر أو كل سنة بشئ معلوم، ويصح بيع ما ليس عند البائع ويلزم بعد مضى العقد
إحضاره.
ومن ابتاع غصبا يعلمه كذلك فعليه رده إلى المالك ولا درك له على الغاصب، وإن لم
يعلمه فللمالك انتزاعه منه ويرجع هو بالدرك على من باع، فإن هلك قبل ثبوت استحقاقه
رجع على الغاصب بقيمته، وإن كان المغضوب أرضا أو دارا فبنى المبتاع فيها أو غرس فله
أعيان ما وقع البناء به من الآلات ونفس الغرس، فإن كان ذلك من جملة المغصوب لم
يرجع على المالك بشئ منه، ويرجع على الغاصب بما لزمه من غرامة البناء والغرس
وثمن المبيع إن كان جاهلا بالغصب، وإن كان عالما لم يرجع بشئ، وعليه أجر المسكن
والأرض لمدة تصرفه وما نقص بالبناء والغرس من قيمة المسكن والأرض.
ومن قال غيره: ابتع لي متاعا أو حيوانا على أن أربحك فيه كذا وأرضيك في الربح،
فابتاع ما سأله فيه لم ينعقد بينهما بيع، وكان له بيعه منه بما شرطه وهو أفضله وبيعه من غيره.
66

ويكره لمن سأله غيره أن يبتاع له متاعا أن يبيعه من عنده أو يبتاع منه ما سأله بيعه له
وليس بمحرم، ويكره تلقي الركبان لابتياع ما يجلبونه إلى المصر خارج المصر إلى مسافة
أربعة فراسخ فما دونها، ولا تلقى فيما زاد عليها وليس بمحرم.
ولا يحل لأحد أن يحتكر شيئا من أقوات الناس مع الحاجة الظاهرة إليها، وإذا فعل
خوطب في اخراجها إلى أسواق المسلمين فإن امتنع أكره على ذلك، وإن كانت الغلات
كثيرة جاز حرسها رجاء للربح فيها، وإن كان الأولى تجنب ذلك، ويكره احتكار ما عدا
الأقوات من المطعومات، ويستحب لذوي الأقوات في زمان القحط اخراجها إلى أسواق
المسلمين ومشاركتهم في الاقتيات مما يقتاتونه.
فصل فيما يحرم من المكاسب:
كل شئ ثبت تحريمه لعينه أو لوقوعه على وجه أو عمله أو تعليمه فثمنه وأجر عمله و
حمله وإبقاؤه وحفظه والمعونة عليه بقول أو فعل أو رأي والتعوض عنه محرم، وأجر تعليم
المعارف والشرائع وكيفية العبادة من النظر فيها والفتيا بها وتنفيذ الأحكام وتلقين القرآن
وعقد الجمع والجماعات والأذان والإقامة وتغسيل الأموات وتجهيزهم وحملهم والصلاة
عليهم ومواراتهم وجهاد الكفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر العبادات والمعونة
على ذلك محرم.
فصل فيما يكره من المكاسب:
يكره التكسب بالصرف وصياغة الذهب والفضة وذبح الحيوان والنياحة والحجامة
والنساجة وبيع الأكفان والأطراق واحتكار الغلات.
67

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
69

كتاب المكاسب
باب عمل السلطان وأخذ جوائزهم:
تولى الأمر من قبل السلطان العادل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الواضع
الأشياء مواضعها جائز مرغب فيه، وربما بلغ حد الوجوب لما في ذلك من التمكن من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع الأشياء مواضعها، وأما سلطان الجور فمتى علم
الانسان أو غلب على ظنه أنه متى تولى الأمر من قبله أمكنه التوصل إلى إقامة الحدود والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وقسم الأخماس والصدقات في أربابها وصلة الإخوان ولا يكون في
جميع ذلك مخلا بواجب ولا فاعلا لقبيح فإنه يستحب له أن يتعرض لتولي الأمر من قبلهم،
ومتى علم أو غلب على ظنه أنه لا يتمكن من جميع ذلك وأنه لا بد من أن يلحقه
ضرب من التفريط في القيام بالواجبات أو يحتاج إلى ارتكاب شئ من المقبحات فلا يجوز له
التعرض له على حال، فإن ألزم الولاية إلزاما لا يبلغ تركه إلى الخوف على النفس وسلب
الأموال غير أنه يلحقه بعض الضرر وتحمل بعض الأثقال فالأولى له أن يتحمل ذلك
ولا يتعرض لعمل السلطان، فإن خاف من الامتناع من ذلك على النفس أو على الأهل أو
على المال أو على بع المؤمنين في ذلك جاز له أن يتولى الأمر ويجتهد أن يضع الأشياء مواضعها،
فإن لم يتمكن من الجميع فما يتمكن منه يجتهد في القيام به وإن لم يمكنه ذلك ظاهرا فعله
سرا وإخفاتا وخاصة ما يتعلق بقضاء حقوق الإخوان والتخفيف عنهم فيما يلزمهم من جهة
السلاطين الجورة من الخراج وغيره، فإن لم يتمكن من إقامة حق على وجه والحال
71

ما وصفناه في التقية جاز له أن يتقى في جميع الأحكام والأمور ما لم يبلغ ذلك إلى سفك الدماء
المحرمة فإنه لا تقية له في سفكها على حال.
ومتى ما تولى شيئا من أمور السلطان من الأمارة والجباية والقضاء وغير ذلك من أنواع
الولايات فلا بأس أن يقبل على ذلك الأرزاق والجوائز والصلات، فإن كان ذلك من جهة
سلطان عادل كان ذلك حلالا له طلقا وإن كان من جهة سلطان الجور فقد رخص له في
قبول ذلك من جهتهم لأن له حظا في بيت المال، ويجتهد أن يخرج من جميع ما يحصل له من
جهتهم الخمس ويضعه في أربابه والباقي يواسي منه إخوانه من المؤمنين ويصلهم ببعضه
وينتفع هو بالبعض، ولا يجوز له أن يقبل من جوائزهم وصلاتهم ما يعلمه ظلما وغصبا
ويتعين له، فإن لم يتعين له ذلك وإن علم أن المجيز له ظالم لم يكن به بأس بقبول جوائزه
ويكون مباحا له والإثم على ظالمه.
وإذا تمكن الانسان من ترك معاملة الظالمين في التجارات والمعاملات والمبايعات فالأولى
تركها فإن لم يمكنه ذلك ولا يجد سبيلا إلى العدول عنه جاز له مبايعتهم ومعاملتهم
ولا يشترى منه مغصوبا يعلمه كذلك ولا يقبل منهم ما هو محظور في شريعة الاسلام، فإن
خاف من رد جوائزهم التي يعلمها غصبا على نفسه وماله فليقبلها فإن أمكنه أن يردها إلى
أربابها فعل وإن لم يتمكن من ذلك تصدق بها عن صاحبها.
ولا بأس بشراء الأطعمة وسائر الحبوب والغلات على اختلاف أجناسها من سلاطين
الجور، وإن علم من أحوالهم أنهم يأخذون ما لا يستحقون ويغصبون ما ليس لهم ما لم
يعلم في ذلك شيئا بعينه غصبا فإن علمه كذلك فلا يتعرض لذلك، فأما ما يأخذونه من
الخراج والصدقات وإن كانوا غير مستحقين لها جاز له شراؤها منهم.
ومتى غصب ظالم إنسانا ثم تمكن بعد ذلك المظلوم من ارتجاعه أو أخذ عوضه من ماله
بذلك القدر جاز له أن يأخذه من غير زيادة عليه وإن تركه كان أفضل له وأكثر ثوابا، فإن
أودعه الظالم وديعة وائتمنه منها لم يجز له حبسها ووجب عليه ردها ولا يخونه فيها وإن أودعه
شيئا يعلم أنه غصب ويعرف صاحبه لم يجز له رده على مودعه وينبغي له أن يرده على
صاحبه، وإن علم أنه غصب ولم يعرف صاحبه حبسه عنده إلى أن يعرف صاحبه فإن لم
72

يتبين له صاحبا تصدق به عنه ولا يرده على الظالم على حال.
باب ما يجوز للرجل أن يأخذ من مال ولده، وما للمرأة من مال زوجها، ومن
يجبر الانسان على نفقته:
لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا على حال إلا باذنه قل ذلك أم كثر لا مختارا
ولا مضطرا، فإن اضطر ضرورة شديدة حتى يخاف تلف النفس أخذ من ماله ما يمسك به رمقه
كما يتناول من الميتة والدم، والوالد فما دام الولد ينفق عليه مقدار ما يقوم بأوده وسد خلته
من الكسوة والطعام بالمعروف فليس لوالده أن يأخذ من ماله شيئا، فإن لم يكن الولد ممن
ينفق عليه وكان الوالد مستغنيا عن ماله فلا يجوز له أيضا أن يأخذ من ماله شيئا على حال
فإن احتاج إلى ذلك أخذ من ماله قدر ما يحتاج إليه من غير إسراف بل على طريق القصد،
وإذا كان للولد مال ولم يكن لوالده جاز له أن يأخذ منه ما يحج به حجة الاسلام فأما حجة
التطوع فلا يجوز له أن يأخذ نفقتها من ماله إلا باذنه، وإذا كان للولد جارية لم يكن وطئها
ولا مسها بشهوة جاز للوالد أن يأخذها ويطأها بعد أن يقومها على نفسه قيمة عادلة
ويضمن قيمتها في ذمته.
ومن كان له ولد صغار فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من أموالهم إلا قرضا على نفسه،
والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلا على سبيل القرض على نفسها،
ولا يجوز للمرأة أن تأخذ من بيت زوجها من غير أمره وإذنه إلا المأدوم فقط فإن ذلك مباح
لها أن تتصرف فيه وتهب لمن تشاء ما لم يؤد ذلك إلى الإسراف والضرر بزوجها، فإن أدى
ذلك إلى ضرره لم يجز لها أخذ شئ منه على حال.
ويجبر الرجل على نفقة ولده ووالديه وجده وجدته وزوجته ولا يجبر على نفقة أحد غير
من سميناه وإن كانوا من ذوي أرحامه، وقد روي: أنه يجبر على نفقة أقرب ذوي أرحامه
إليه إذا كان ممن يرثه ولم يكن له وارث غيره وذلك محمول على الاستحباب، وإذا وهبت
المرأة لزوجها شيئا كان ذلك ماضيا، فإن أعطته شيئا وشرطت له الانتفاع به جاز له ذلك
وكان حلالا له التصرف فيه والربح له، ويكره له أن يشترى بذلك المال جارية يطأها لأن
73

ذلك يرجع بالغم على زوجته التي أعطته المال فإن أذنت له في ذلك لم يكن به بأس.
باب التصرف في أموال اليتامى:
لا يجوز التصرف في أموال اليتامى إلا لمن كان وليا لهم أو وصيا قد أذن له في
التصرف في أموالهم، فمن كان وليا يقوم بأمرهم وبجمع أموالهم وسد خلاتهم وجمع
غلاتهم ومراعاة مواشيهم جاز له حينئذ أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير
إسراف ولا تفريط.
ومتى اتجر الانسان بمال اليتيم نظرا لهم وشفقة عليهم فربح كان الربح لهم وإن خسر
كان عليهم ويستحب له أن يخرج من جملته الزكاة، ومتى اتجر به لنفسه وكان متمكنا في
الحال من ضمان ذلك المال وغرامته إن حدث به حادث جاز ذلك وكان المال قرضا عليه فإن
ربح كان له وإن خسر كان عليه وتلزمه في حصته الزكاة كما يلزمه لو كان المال له ندبا
واستحبابا، ومتى اتجر لنفسه بما لهم وليس بتمكن في الحال من مثله وضمانه كان ضامنا للمال
فإن ربح كان ذلك للأيتام وإن خسر كان عليه دونهم، ومتى كان لليتامى على انسان مال
جاز لوليهم أن يصالحه على شئ يراه صلاحا في الحال ويأخذ الباقي وتبرأ بذلك ذمة من
كان عليه المال، وإذا كان لإنسان على غيره مال ومات جاز لمن عليه الدين أن يوصله إلى
ورثته وإن لم يذكر لهم أنه كان عليه دينا ويجعل ذلك على جهة الصلة لهم والجائزة ويكون
فيما بينه وبين الله تعالى غرضه فكاك رقبته مما عليه،
والمتولي للنفقة على اليتامى ينبغي أن يثبت على كل واحد منهم ما يلزمه عليه من
كسوته بقدر ما يحتاج إليه، فأما المأكول والمشروب فيجوز أن يسوى بينهم ومتى أراد
مخالطتهم بنفسه وأولاده جعلهم كواحد من أولاده وينفق من ماله بقدر ما ينفق من مال
نفسه ولا يفضله في ذلك على نفسه وأولاده بل يفضل نفسه عليه فإن ذلك أفضل له،
والمتولي لأموال اليتامى والقيم بأمورهم يستحق أجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير
زيادة ولا نقصان، فإن نقص نفسه كان له في ذلك فضل وثواب وإن لم يفعل كان له المطالبة
باستيفاء حقه من أجرة المثل، فأما الزيادة فلا يجوز له أخذها على حال.
74

باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة:
كل شئ أباحه الله تعالى أو ندب إليه ورغب فيه فالاكتساب به والتصرف فيه
حلال جائز سائغ من صناعة وتجارة وغيرهما، وكل شئ حرمه الله تعالى وزهد فيه فلا يجوز
التكسب به ولا التصرف فيه على حال.
فمن المحرمات الخمر فالتصرف فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع والشراء
والهبة والمعاوضة والحمل لها والصنعة لها وغير ذلك من أنواع التصرف، ومن ذلك لحم
الخنزير فبيعه وهبته وأكله حرام وكذلك كل ما كان من الخنزير من شعر وجلد وشحم وغير
ذلك، ومنها عمل جميع أنواع الملاهي والتجارة فيها والتكسب بها، مثل العيدان والطنابير
وغيرهما من أنواع الأباطيل محرم محظور، وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة
والصور والشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز فالتجارة فيها
والتصرف والتكسب بها حرام محظور.
وكل شراب مسكر حكمه حكم الخمر على السواء قليلا كان أو كثيرا وكذلك حكم
الفقاع حكمه فإن شربه وعمله والتجارة فيه والتكسب به حرام محظور، وكل طعام
أو شراب حصل فيه شئ من الأشربة المحظورة أو شئ من المحظورات والنجاسات فإن
شربه وعمله والتجارة فيه والتكسب به والتصرف فيه حرام محظور، وجميع النجاسات
محرم التصرف فيها والتكسب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة والأبوال
وغيرهما إلا أبوال الإبل خاصة فإنه لا بأس بشربه والاستشفاء به عند الضرورة.
وبيع الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والتصرف فيه والتكسب
به حرام محظور وبيع سائر المسوخ وشراؤها والتجارة فيها والتكسب بها محظور.
مثل القردة والفيلة والدببة وغيرها من أنواع المسوخ، والرشى في الأحكام سحت، وكذلك
ثمن الكلب إلا ما كان سلوقيا للصيد فإنه لا بأس ببيعه وشرائه وأكل ثمنه والتكسب
به، وبيع جميع السباع والتصرف فيها والتكسب بها محضور إلا الفهود خاصة فإنه لا بأس
بالتكسب بها والتجارة فيها لأنها تصلح للصيد، ولا بأس بشرى الهر وبيعه وأكل ثمنه،
وبيع الجري والمارماهي والطافي وكل سمك لا يحل أكله وكذلك الضفادع والسلاحف
75

وجميع ما لا يحل أكله حرام بيعه والتكسب به والتصرف فيه.
ومعونة الظالمين وأخذ الأجرة على ذلك محرم محظور وكل شئ غش فيه فالتجارة فيه
والتكسب به بالبيع والشراء وغير ذلك حرام محظور، وتعليم ما حرمه الله تعالى وتعلمه وأخذ
الأجرة على ذلك محظور في شريعة الاسلام ومعالجة الزينة للرجال بما حرمه الله عليهم حرام،
وبيع السلاح لسائر الكفار وأعداء الدين حرام وكذلك عمله لهم والتكسب بذلك
ومعونتهم على قتال المسلمين وأخذ الأجرة على ذلك حرام، وكسب المغنيات وتعلم الغناء
حرام وكسب النوائح بالأباطيل حرام ولا بأس بذلك على أهل الدين بالحق من الكلام.
وأخذ الأجرة على غسل الأموات وحملهم ومواراتهم حرام لأن ذلك فرض على الكفاية
على أهل الاسلام، وأخذ الأجر على الأذان والصلاة بالناس حرام، والتكسب بحفظ كتب
الضلال ونسخه حرام محظور والتكسب بهجاء أهل الإيمان حرام ولا بأس بهجاء أهل
الضلال وأخذ الأجر على ذلك، وكسب الزانية ومهور البغايا محرم محظور وتعلم السحر
وتعليمه والتكسب به وأخذ الأجرة عليه حرام محظور وكذلك التكسب بالكهانة والقيافة
والشعبذة وغير ذلك محرم محظور، ولا يجوز التصرف في شئ من جلود الميتة ولا التكسب
بها على حال.
وأما ما هو مباح فمن ذلك إذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو
محتاجا إلى شئ من ذلك جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره ولا يفضل نفسه على أحد
إلا أن يفضله صاحب المال، وإن أمر صاحب المال أن يضعه في مواضع مخصوصة لم يجز له
أن يتعدى ما أمره به على حال، ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح لأهل الكفر مثل الدروع
والخفاف وتجنب ذلك أفضل على كل حال.
وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ولا يدلسن في عملهن فيصلن شعر النساء
بشعر غيرهن من الناس ويوشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز في شريعة الاسلام، فإن
وصلن شعورهم بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس، وكسب القابلة حلال وكسب الحجام
حلال ويكره له أن يشرط وينبغي لذوي المروة أن ينزه نفسه عن أكل كسب الحجام، فإن
كان له غلام ذلك صنعته وكسبه فلا يأكل هو من كسبه ويعطيه غيره وليس ذلك بمحظور،
76

وكسب الفحل من الإبل والغنم إذا أقامه للنتاج ليس به بأس وتركه أفضل.
ويكره أخذ الأجرة على تعليم شئ من القرآن وكذلك على نسخ المصاحف وليس
ذلك بمحظور وإنما يكره ذلك إذا كان هناك شرط فإن لم يكن هناك شرط لم يكن به بأس،
ولا بأس بأخذ الأجر على تعليم الحكم والآداب وعلى نسخها وتخليدها الكتب وينبغي
للمعلم أن يسوي بين الصبيان في التعليم والأخذ عليهم ولا يفضل بعضهم في ذلك على
بعض، ولا بأس بأخذ الأجر والرزق على الحكم والقضاء بين الناس من جهة السلطان
العادل حسب ما قدمناه فأما من جهة سلطان الجور فلا يجوز إلا عند الضرورة أو الخوف على
ما قدمناه والتنزه عن أخذ الرزق على ذلك في جميع الأحوال أفضل.
ولا بأس بأخذ الأجر على نسخ كتب العلوم الدينية والدنيوية ولا يجوز نسخ كتب الكفر
والضلال وتخليدها إلا لإثبات الحجج بذلك على الخصم أو النقض له، ولا بأس بمدائح أهل
الإيمان وأخذ الأجر على ذلك بالصدق من الأقوال ولا بأس بأخذ الأجر على الخطب في
الإملاكات وعقود النكاح، ولا بأس بأجر المغنية في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل
ولا يدخلن على الرجال ولا يدخل الرجال عليهن ولا بأس بأخذ الأجر على ختن الرجال
وخفض الجواري.
ويكره من المكاسب مباشرة الصروف لأن صاحبها لا يكاد يسلم من الربا ويكره بيع
الأكفان لأن صاحبها لا يسلم من تمني موت الأحياء ويكره بيع الطعام لأنه لا يسلم معه من
الاحتكار ويكره بيع الرقيق وشراؤهم، وكذلك يكره صنعة الذبح والنحر لأنهما يسلبان
الرحمة من القلب وكل ذلك ليس بمحظور إذا أدى الانسان فيه الأمانة واستعمل ما يسوع في
شرع الاسلام، وكذلك كل صنعة من الصنائع المباحة إذا أدى فيه الأمانة لم يكن بها بأس
فإن لم يؤد فيها الأمانة أو لا يتمكن معها من القيام بالواجبات، وترك المقبحات فلا يجوز له
التعرض لشئ منها، ولا بأس بالحياكة والنساجة والتنزه عنهما أفضل.
ولا بأس بشراء المصاحف وبيعها والتكسب بها غير أنه لا يجوز أن يبيع المكتوب بل
ينبغي لي أن يبيع الجلد والورق وأما غيرها من الكتب فلا بأس ببيعها وشرائها بالإطلاق،
وكسب الصبيان من المماليك وغيرهم مكروه، ومن جمع مالا من حلال وحرام ثم لم يتميز له
77

أخرج منه الخمس وحل له الباقي، فإن تميز له الحرام منه وجب عليه رده على صاحبه
لا يسوع له سواه فإن لم يجده رده على ورثته فإن لم يجد له وارثا تصدق به عنه، ولا يجوز أخذ
شئ مما ينثر في الأعراس والإملاكات إلا ما أعطي باليد أو علم من قصد صاحبه الإباحة
لأخذه.
ولا بأس بأجر العقارات من الدور والمساكن إلا إذا عمل فيها شئ من المحظورات
والمحرمات وكذلك لا بأس بأجرة السفن والحمولات إلا ما علم أنه يحمل فيها وعليها
شئ من المحرمات ولا بأس ببيع الخشب لمن يجعله صنما أو صليبا أو شيئا من الملاهي لأن
الوزر على من يجعله كذلك لا على الذي باع الآلة، ولا بأس ببيع عظام الفيل والتكسب.
بصنعته واتخاذ الأمشاط منها وغير ذلك ولا بأس ببيع جلود السباع مثل الفهد والأسد
والنمر وغير ذلك إذا كانت مذكاة، ولا يجوز بيع السرقة والخيانة وشراؤهما إذا عرفهما
الانسان بعينهما فإذا لم يعرفهما بعينهما لم يكن به بأس، ومن وجد عنده سرقة كان ضامنا لها
إلا أن يأتي على شرائها ببينة.
ولا بأس أن يشترى من السلطان الإبل والغنم والبقر إذا أخذها من الصدقة وإن لم
يكن هو مستحقا لها وكذلك الحكم في الأطعمة والحبوب، ولا بأس بعمل الأشربة المباحة
وأخذ الأجر عليها، ويكره ركوب البحر للتجارة ولا يجوز سلوك طريق خطر مع ظهور أمارة
الخوف فيها، ولا بأس بأخذ الأجرة في النيابة عن انسان في وكالة بالشراء والبيع وغير ذلك،
ولا يجوز لأجير الانسان في وقت معلوم أن يعمل لغيره في ذلك الوقت عملا فإن أذن له
المستأجر في ذلك كان جائزا، ولا يجوز بيع تراب الصاغة ومتى باعوه وجب عليهم أن
يتصدقوا بثمنه.
وإذا مر الانسان بالثمرة جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يحمل شيئا على حال،
ويكره للإنسان أن ينزي الحمير على الدواب وليس ذلك بمحظور، ولا بأس أن يبدرق الانسان
القوافل ويأخذ على ذلك الأجر، ومن آجر مملوكا له فأفسد المملوك شيئا لم يكن على مولاه
ضمان ما أفسده لكنه يستسعي العبد في مقدار ما أفسده، ولا بأس ببيع جوارح الطير كلها
وأخذ ثمنها والتكسب بها بجميع الوجوه.
78

كتاب المتاجر
باب آداب التجارة:
ينبغي للإنسان إذا أراد التجارة أن يبتدئ أولا فيتفقه في دينه ليعرف كيفية الاكتساب
ويميز بين العقود الصحيحة والفاسدة ويسلم من الربا الموبق ولا يرتكب المأثم من حيث
لا يعلم به، فإنه روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: من اتجر بغير علم ارتطم في
الربا ثم ارتطم وكان ع يقول: التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق
وأعطى الحق، وكان ع يقول: معاشر الناس الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر،
والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا.
وكان ع بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق
الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر
التجار، اتقوا الله عز وجل، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم
وتسمعوا بأذانهم، فيقول: قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين
وتزينوا بالحلم وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وأنصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا
وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف
جميع الأسواق ثم يرجع فيقعد الناس، وروي عن الصادق عليه أنه قال: من لم يتفقه في دينه
ثم اتجر تورط في الشبهات.
وينبغي أن يجتنب الانسان في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع وذم المشتري وكتمان
79

العيوب واليمين على البيع والربا، ولا يجوز لأحد أن يغش أحدا من الناس فيما يبيعه أو
يشتريه ويجب عليه النصيحة فيما يفعله له لكل أحد، وإذا قال انسان للتاجر: اشتر لي متاعا،
فلا يعطه من عنده وإن كان الذي عنده خيرا مما يجده إلا بعد أن يبين أن ذلك من ذلك من
عنده ومن خاص ماله، ويجتنب بيع الثياب في المواضع المظلمة التي يستر فيها العيوب.
وينبغي أن يسوي بين الناس في البيع والشراء فيكون الصبي عنده بمنزلة الكبير
والساكت بمنزلة المماكس والمستحيي بمنزلة البصير المداق ولا يفضل بعضا منهم على
بعض، وإذا قال لغيره: هلم أحسن إليك باعه من غير ربح وكذلك إذا عامله مؤمن
فليجتهد ألا يربح عليه إلا في حال الضرورة ويقنع أيضا مع الاضطرار بما لا بد له من اليسير
وينبغي أن يقيل من استقاله ويكره السوم فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وإذا غدا
إلى سوقه فلا يكون أول من يدخلها وإذا دخلها سأل الله تعالى من خيرها وخير أهلها وتعوذ
به من شرها وشر أهلها وإذا اشترى شيئا شهد الشهادتين وكبر الله تعالى فإنه أبرك له فيما
يشتريه وسأل الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه.
وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم ولا يعامل إلا من نشأ في
خير ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد
ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم، وينبغي لمن أخذ شيئا بالوزن ألا يأخذه إلا
ناقصا وإذا أعطاه لا يعطيه إلا راجحا وإذا كال لا يكيل إلا وافيا فإن كان ممن لا يحسن
الكيل والوزن فلا يتعرض له ويوليه غيره، ولا ينبغي أن يزين متاعه بأن يرى خيره ويكتم
رديئه بل ينبغي أن يخلط جيدة برديئه ويكون كله ظاهرا، ولا يجوز أن يشوب اللبن بالماء لأن
ذلك لا يبين العيب فيه.
وينبغي ألا يطلب الغاية فيما يبيع ويشترى من الربح وليقنع باليسير وإذا تعسر عليه
نوع من التجارة فليتحول منه إلى غيره ويكره الاستحطاط من الثمن بعد الصفقة وعقد
البيع، ومن باع لغيره شيئا فلا يشتره لنفسه وإن زاد في ثمنه على ما يطلب في الحال إلا
بعلم من صاحبه وإذن من جهته، وإذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع فإذا
80

سكت المنادي زاد حينئذ إن شاء، ولا يجوز لأحد أن يدخل في سوم أخيه المؤمن.
باب الاحتكار والتلقي:
الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من البيع ولا يكون
الاحتكار في شئ سوى هذه الأجناس، وإنما يكون الاحتكار إذا كان بالناس حاجة شديدة
إلى شئ منها ولا يوجد في البلد غيره، فأما مع وجود أمثاله فلا بأس أن يحبسه صاحبه
ويطلب بذلك الفضل، ومتى ضاق على الناس الطعام ولم يوجد إلا عند من احتكره كان
على السلطان أن يجبره على بيعه ويكرهه عليه، ولا يجوز له أن يجبره على سعر بعينه بل يبيعه
بما يرزقه الله تعالى ولا يمكنه من حبسه أكثر من ذلك، وحد الاحتكار في الغلاء وقلة الأطعمة
ثلاثة أيام وفي الرخص وحال السعة أربعون يوما، وأما ما عدا الأجناس التي ذكرناها
فلا احتكار فيها ولأصحابها أن يبيعوها بما شاؤوا من الأسعار وفي أي وقت شاؤوه وليس
للسلطان أن يحملهم على شئ منها.
وأما التلقي فهو أن يستقبل الانسان الأمتعة والمتاجر على اختلاف أجناسها خارج
البلد فيشتريها من أربابها ولا يعلمون هم بسعر البلد، فمن فعل ذلك فقد ارتكب مكروها
لما في ذلك من المغالطات والمغابنات وكذلك أيضا يكره أن يبيع حاضر لباد لقلة بصيرته
بما يباع في البلاد وإن لم يكن شئ من ذلك محظورا لكن ذلك من المسنونات، وحد التلقي
روحة وحدها أربعة فراسخ فإن زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ولم يكن تلقيا.
باب الربا وأحكامه وما يصح فيه وما لا يصح
الربا محظور في شريعة الاسلام، قال الله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وقال تعالى:
يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقال: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وقال
تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس الآية،
وروي عن الصادق ع: أنه قال: درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية
كلها بذات محرم، فينبغي أن يعرفه الانسان ليجتنبه ويتنزه عنه.
81

فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله تعالى في المستقبل
وليس عليه فيما مضى شئ، ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من
ذلك محرم عليه ويجب عليه رده على صاحبه فإن لم يعرف صاحبه تصدق به عنه وإن عرفه
ولا يعرف مقدار ما أربى عليه فليصالحه وليستحله، وإن علم أن في ماله ربا ولا يعرف
مقداره ولا من أربى عليه فليخرج خمس ذلك المال ويضعه في أهله وحل له ما يبقى بعد ذلك،
ولا ربا بين الولد ووالده لأن مال الولد في حكم مال الوالد ولا بين العبد وسيده لأن مال العبد
لسيده ولا بين الرجل وأهله، ولا ربا أيضا بين المسلم وبين أهل الحرب لأنهم في الحقيقة فئ
للمسلمين وإنما لا يتمكن منهم، والربا يثبت بين المسلم وأهل الذمة كثبوته بينه وبين
مسلم مثله.
ولا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن فأما ما عداهما فلا ربا فيه، وكل ما يكال أو يوزن
فإنه يجرم التفاضل فيه والجنس واحد نقدا ونسيئة، مثل بيع درهم بدرهم وزيادة عليه
ودينار بدينار وزيادة عليه وقفيز حنطة بقفيز منها وزيادة عليه ومكوك شعير بمكوك منه
وزيادة وكذلك حكم جميع المكيلات والموزونات، وإذا اختلف الجنسان فلا بأس بالتفاصيل
فيهما نقدا ونسيئة إلا الدراهم والدنانير والحنطة والشعير فإنه لا يجوز بيع دينار بدراهم
نسيئة ويجوز ذلك نقدا بأي سعر كان، وكذلك الحكم في الحنطة والشعير فإنه لا يجوز
التفاضل فيهما لا نقدا ولا نسيئة لأنهما كالجنس الواحد، ولا بأس ببيع قفيز من الذرة أو
غيرها من الحبوب بقفيزين من الحنطة والشعير أو غيرهما من الحبوب يدا ويكره ذلك
نسيئة.
وأما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد نقدا ولا يجوز ذلك
نسيئة، مثل ثوب بثوبين ودابة بدابتين ودار بدارين وعبد بعبدين وما أشبه ذلك مما لا يدخل
تحت الكيل والوزن والأحوط في ذلك أن يقوم ما يبتاعه بالدراهم أو الدنانير أو غيرهما من
السلع ويقوم ما يبيعه بمثل ذلك وإن لم يفعل لم يكن به بأس، وما يكال ويوزن، فبيع المثل
بالمثل جائز حسب ما قدمناه يدا ولا يجوز ذلك نسيئة.
ولا بأس ببيع الأمتعة والعقارات والحبوب وغير ذلك بالدراهم والدنانير نقدا ونسيئة،
82

ولا يجوز بيع الغنم باللحم ولا وزنا ولا جزافا ولا يجوز أيضا بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل لأنه
إذا جف نقص، ولا بأس ببيع الحنطة بالدقيق والسويق مثلا بمثل ولا يجوز التفاضل فيه
ويكون ذلك نقدا ولا يجوز نسيئة، ولا بأس ببيع الحنطة والدقيق بالخبز مثلا بمثل نقدا
ولا يجوز نسيئة والتفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة، ولا بأس ببيع اللبن والسمن والزبد
كله مثلا بمثل ولا يجوز نسيئة والتفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة، واللحمان إذا اتفق
أجناسها جاز بيع بعضها ببعض مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز ذلك نسيئة ولا يجوز التفاضل
فيها لا نقدا ولا نسيئة وإذا اختلف أجناسها جاز التفاضل فيها نقدا ولا يجوز نسيئة، مثل
رطل من لحم الغنم برطلين من لحم البقر نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة، ولا بأس ببيع الغزل
بالثوب وإن كان الثوب أكثر وزنا منه، وإن كان الشئ يباع في بلد جزافا وفي بلد آخر كيلا
أو وزنا فحكمه حكم المكيل والموزون في تحريم التفاضل فيه ويجوز بيع المثل بالمثل نقدا
ولا نسيئة.
وكل ما يكال أو يوزن فلا يجوز بيعه جزافا وكذلك ما يباع عددا فلا يجوز بيعه جزافا،
فإن كان ما يباع بالعدد يصعب عده فلا بأس أن يكال أو يوزن منه مقدار بعينه ثم يعد
ويؤخذ الباقي بحسابه، ولا بأس ببيع السمن بالزيت متفاضلا يدا بيد ولا يجوز ذلك نسيئة
ولا يجوز التفاضل في الأدهان إذا كان الأصل يرجع إلى جنس واحد، مثل أن يباع الشيرج
بالبنفسج أو دهن الورد وما أشبه ذلك مما كان الأصل فيه دهن الشيرج ولا يجوز بيع السمسم
بالشيرج ولا الكتان بدهنه بل أن يقوم كل واحد منهما على انفراده.
ولا يجوز بيع البسر بالتمر متفاضلا وإن اختلف جنسه ولا بيع نوع من تمر بأكثر منه من
غير ذلك لأن ما يكون من النخل في حكم النوع الواحد وحكم الزبيب وتحريم التفاضل فيه،
وإن اختلف جنسه مثل التمر سواء لأن جميعه في حكم الجنس الواحد، ولا يجوز بيع الدبس
المعمول من التمر متفاضلا ولا بأس ببيعه مثلا بمثل يدا ولا يجوز نسيئة، ولا بأس ببيع التمر
بالزبيب متفاضلا نقدا ولا يجوز نسيئة وكذلك لا بأس ببيع الزبيب بالدبس المعمول من
التمر متفاضلا ولا يجوز بيعه بما يعمل من الزبيب من الدبوس متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة،
ولا يجوز بيع العنب بالزبيب إلا مثلا بمثل وتجنبه أفضل، والعصير والبختج لا يجوز
83

التفاضل فيهما ويجوز بيع ذلك مثلا بمثل يدا ولا يجوز نسيئة.
وما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد والجنس واحد ذلك نسيئة مثل
البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين والحلة بالحلتين وما أشبه ذلك مما قد بيناه فيما مضى.
باب الصرف وأحكامه:
قد بينا أنه لا يجوز بيع درهم بدرهمين لا نقدا ولا نسيئة ولا بيع درهم بدرهم نسيئة
ولا بأس بذلك نقدا، وكذلك لا يجوز بيع دينار بدينارين لا نقدا ولا نسيئة ولا بيع دينار بدينار
نسيئة ولا بأس بذلك نقدا، ولا بأس ببيع دينار بدراهم نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة وإذا كان
للإنسان على غيره دراهم جاز له أن يأخذ بها دنانير وكذلك إن كان له دنانير فيأخذ بها
دراهم لم يكن به بأس، فإن كان له دنانير وأخذ الدراهم ثم تغيرت الأسعار كان له سعر يوم
قبض الدراهم من الذي كان له عليه المال.
وإذا كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير فيقول له: حول الدنانير إلى الدراهم أو
الدراهم إلى الدنانير وساعره على ذلك كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه في الحال ولا يناقده لأن
النقدين جميعا من عنده، وإذا أخذ انسان من غيره دراهم وأعطاه الدنانير أكثر من قيمة
الدراهم أو أخذ منه الدنانير وأعطاه الدراهم مثل ماله أو أكثر من ذلك وساعره على ثمنه،
كان جائزا وإن لم يوازنه ولا يناقده في الحال لأن ذلك في حكم الوزن والنقد، ولا يجوز ذلك إذا
كان ما يعطيه أقل من ماله فإن أعطاه أقل من ماله وساعره مضى البيع في المقدار الذي
أعطاه ولم يمض فيما هو أكثر منه والأحوط في ذلك أن يوازنه ويناقده في الحال أو يجدد العقد في
حال ما ينتقد ويتزن.
ولا بأس أن يبيع الانسان ألف درهم ودينارا بألفي درهم من ذلك الجنس أو من غيره من
الدراهم وإن كان الدينار لا يساوى ألف درهم في الحال، وكذلك لا بأس أن يجعل بدل
الدينار شيئا من الثياب أو جزءا من المتاع أو غير ذلك ليتخلص به من الربا ويكون ذلك
نقدا ولا يجوز نسيئة وكذلك لا بأس أن يبيع ألف درهم صحاحا وألفا غلة
بألفين صحاحا أو بألفين غلة نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة وكذلك لا بأس أن ويشترط معه
84

صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء، وإذا باع الانسان دراهم بالدنانير لم يجز له أن يأخذ
بالدنانير دراهم مثلها إلا بعد أن يقبض الدنانير ثم يشترى بها دراهم إن شاء.
وإذا اشترك نفسان في شراء دراهم بدنانير ونقد أحدهما الدنانير عن نفسه وعن
صاحبه وجعل نقده عنه دينا عليه ثم أراد أن يشترى منه حصته بالدنانير التي له عليه من
ثمنها أو أقل منها أو أكثر لم يكن به بأس، ولا بأس ببيع دينار ودرهم بدينارين وكذلك
لا بأس ببيع درهم ودينار بدرهمين ويكون ذلك نقدا ولا يجوز نسيئة، ولا يجوز إنفاق الدراهم
المحمول عليها إلا بعد أن يبين حالها.
ولا يجوز بيع الفضة إذا كان فيها شئ من المس أو الرصاص أو الذهب أو غير ذلك إلا
بالدنانير إذا كان الغالب الفضة فإن كان الغالب الذهب والفضة الأقل فلا يجوز بيعه إلا
بالفضة ولا يجوز بيعه بالذهب، هذا إذا لم يحصل العلم بمقدار كل واحد منهما على التحقيق
فإن تحقق ذلك جاز بيع كل واحد منهما بجنسه مثلا بمثل من غير تفاضل، ولا بأس أن يعطي
الانسان غيره دراهم أو دنانير ويشترط عليه أن ينقدها إياه بأرض أخرى مثلها في العدد أو
الوزن من غير تفاضل فيه ويكون ذلك جائزا لأن ذلك يكون على جهة القرض لا على جهة
البيع لأن البيع في المثلين لا يجوز إلا مثلا بمثل نقدا ولا يجوز نسيئة.
وجوهر الفضة لا يجوز بيعه إلا بالذهب أو بجنس غير الفضة جوهر الذهب لا يجوز
بيعه إلا بالفضة أو بجنس غير الذهب، وجوهر الذهب والفضة معا يجوز بيعه بالذهب
والفضة معا، ولا يجوز بيع تراب الصاغة فإن بيع كان ثمنه للفقراء والمساكين يتصدق به
عليهم لأن ذلك لأربابه الذين لا يتميزون، وجوهر الأسرب والنحاس والصفر لا بأس
بالإسلاف فيه دراهم أو دنانير إذا كان الغالب عليه ذلك وإن كان فيه فضة يسيرة أو ذهب
قليل.
والأواني المصاغة من الذهب والفضة معا إن كان مما يمكن تخليص كل واحد منهما من
صاحبه فلا يجوز بيعها بالذهب أو الفضة وإن لم يمكن ذلك فيها فإن كان الغالب فيها
الذهب لم تبع إلا بالفضة وإن كان الغالب فيها الفضة لم تبع إلا بالذهب فإن تساويا
النقدان بيع بالذهب والفضة معا، وإن جعل معها شئ آخر من المتاع كان أولى وأحوط.
85

والسيوف المحلاة والمراكب المحلاة بالذهب والفضة فإن كانت محلاة بالفضة وعلم
مقدار ما فيها جاز بيعها بالذهب والفضة نقدا ولا يجوز نسيئة، فإن بيع بالفضة، فيكون
ثمن السيف أكثر مما فيه من الفضة وإن كان أقل، لم يجز ذلك فيه، وكذلك إن كان مثله إلا
أن يستوهب السيف والسير وكذلك الحكم فيها إذا كانت محلاة بالذهب وعلم مقدار
ما فيها بيع بمثلها وأكثر منه بالذهب، ولا يجوز بيعها بأقل مما فيها من الذهب ويجوز بيعها
بالفضة سواء كان أقل مما فيها من الذهب أو أكثر إذا كان نقدا ولا يجوز ذلك نسيئة على
حال، ومتى لم يعلم مقدار ما فيها وكانت محلاة بالفضة فلا يباع إلا بالذهب وإن كانت محلاة
بالذهب لم تبع إلا بالفضة أو بجنس آخر سوى الجنسين من السلع والمتاع، ومتى كانت
محلاة بالفضة وأراد بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها فليجعل معها
شيئا آخر وبيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيه تقريبا ولم يكن به بأس و كذلك الحكم فيما
كان من الذهب، ولا بأس ببيع السيوف المحلاة بالفضة نسيئة إذا نقد مثل ما فيها
من الفضة ويكون ما يبقى ثمن السير والنصل.
ولا يجوز أن يشترى الانسان سلعة بدينار غير درهم لأن ذلك مجهول، وإذا حصل مع
انسان دراهم محمول عليها لم يجز له صرفها إلا بعد بيانها ولا إنفاقها وإن كانت صارت
إليه بالجياد، ومن أقرض غيره دراهم ثم سقطت تلك الدراهم وجاءت غيرها لم يكن له
عليه إلا الدراهم التي أقرضها إياه أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه.
باب الشرط في العقود:
لا يجوز أن يبيع الانسان إلا ما يملكه في الحال فإن باع ما لا يملك كان البيع موقوفا على
صاحبه فإن أمضاه مضى وإن لم يمض كان باطلا، وإن باع ما يملك وما لا يملك في صفقة واحدة
مضى البيع فيما يملك وكان فيما لا يملك موقوفا حسب ما بيناه، وإذا باع ما يجوز بيعه من جملة
ما يملك وما لا يجوز بيعه من المحظورات مضى البيع فيما يصح بيعه وبطل فيما لا يصح البيع
فيه، وإذا باع فلا ينعقد البيع إلا بعد أن يفترق البيعان بالأبدان فإن لم يفترقا كان لكل واحد
منهما فسخ البيع والخيار.
86

ومتى شرط المبتاع على البائع مدة من الزمان كان ذلك جائزا كائنا ما كان فإن هلك
المتاع في تلك المدة من غير تفريط من المبتاع كان من مال البائع دون المبتاع. وإن كان
بتفريط من جهته كان من ماله دون مال البائع، وإن هلك بعد انقضاء المدة كان من مال
المبتاع دون البائع على كل حال، وإذا باع الانسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن
ومضى المبتاع كان العقد موقوفا إلى ثلاثة أيام فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان البيع له
وإن مضى ثلاثة أيام كان البائع أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم يكن
قبضه إياه كان من مال البائع دون مال المبتاع وأن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة الثلاثة
أيام كان من مال المبتاع دون البائع وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل
حال لأن الخيار له بعد انقضاء الثلاثة أيام.
وإذا اشترى انسان عقارا أو أرضا وشرط البائع أن يرد على المبتاع بالثمن الذي
ابتاعه به في وقت بعينه، كان البيع صحيحا ولزمه رده عليه في ذلك الوقت. وإن مضى الوقت
ولم يجئ البائع، كان بالخيار فيما بعد بين رده وإمساكه. فإن هلك المبيع في مدة الأجل
المضروبة، كان من مال المبتاع دون مال البائع. وكذلك إن استغل منه شيئا، كان له وكان
له أيضا الانتفاع به على كل حال.
والشرط في الحيوان كله الدواب والحمير والبغال وغيرها وفي الأناسي من العبيد أيضا
ثلاثة أيام شرط ذلك في حال العقد أو لم يشرط ويكون الخيار للمبتاع خاصة في هذه المدة ما لم
يحدث فيه حدثا، فإن أحدث فيها حدثا بأن يركب دابة أو يستعمل حمارا أو يقبل جارية أو
يلامسها أو يعتقها أو يدبرها أو يكاتبها أو غير ذلك فإن كان الحدث يزيد في قيمته وأراد
انتزاعه من يده كان عليه أن يرد على المبتاع قيمة الزيادة لحدثه فيه، فإن ابتاعه بحكم
البائع في ثمنه فحكم بأقل من قيمته كان ذلك ماضيا ولم يكن لي أكثر من ذلك وإن حكم
بأكثر من قيمته لم يكن له أكثر من القيمة في حال البيع اللهم إلا أن يتبرع المبتاع بالتزام
ذلك على نفسه فإن لم يفعل لم يكن عليه شئ، ومن باع شيئا بدراهم أو دنانير وذكر النقد
بعينه كان له من النقد ما شرط فإن لم يذكر نقدا بعينه كان له ما يجوز بين الناس، وإن اختلف
النقد كان البيع باطلا.
87

باب البيع بالنقد والنسيئة:
من باع شيئا بنقد كان الثمن عاجلا وإن باعه ولم يذكر لا نقدا ولا نسيئة كان أيضا
الثمن حالا، فإن ذكر أن يكون الثمن آجلا كان على ما ذكر بعد أن يكون الأجل معينا
ولا يكون مجهولا مثل قدوم الحاج ودخول القافلة وإدراك الغلات وما يجري مجراها، فإن
ذكر شيئا من هذه الأوقات كان البيع باطلا وكذلك إن باع بنسيئة ولم يذكر الأجل أصلا كان
أيضا البيع باطلا، فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين مختلفين بأن يقول: ثمن هذا المتاع كذا
عاجلا وكذا آجلا، ثم أمضى البيع كان له أقل الثمنين وأبعد الأجلين.
ومتى باع الشئ بأجل ثم حضر الأجل ولم يكن مع المشتري ما يعطيه إياه جاز له أن
يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه، فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن
ذلك صحيحا ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في
الحال لم يكن بذلك بأس، وإذا باع شيئا إلى أجل وأحضر المبتاع الثمن قبل حلول الأجل
كان البائع بالخيار بين قبض الثمن وبين تركه إلى حلول الأجل ويكون ذلك في ذمة المبتاع
فإن حل الأجل ومكنه المبتاع من الثمن ولم يقبض البائع ثم هلك الثمن كان من مال
البائع دون المبتاع، وكذلك إن اشترى شيئا إلى أجل وأحضر البائع المبيع قبل حلول
الأجل كان المبتاع مخيرا بين أخذه وتركه، فإن هلك قبل حلول الأجل كان من مال البائع
دون مال المبتاع فإن حل الأجل وأحضر البائع المبتاع ومكن المبتاع من قبضه فامتنع من
قبضه ثم هلك المتاع كان من مال المبتاع دون البائع.
ولا بأس أن يبيع الانسان متاعا حاضرا إلى أجل ثم يبتاعه منه في الحال ويزن الثمن
بزيادة مما باعه أو نقصان، وإن اشتراه منه بنسيئة أيضا كان جائزا، ولا يجوز تأخير الثمن
عن وقت وجوبه بزيادة فيه ولا بأس بتعجيله بنقصان شئ منه، ويكره الاستحطاط من
الأثمان بعد انتقال المبيع وانعقاد البيع وليس ذلك بمحظور، وكل شئ يصح بيعه قبل
القبض صح أيضا الشركة فيه، ولا بأس بابتياع جميع الأشياء حالا وإن لم يكن حاضرا في
الحال إذا كان الشئ موجودا في ذلك الوقت أو يمكن وجوده، ولا يجوز أن يشترى حالا
ما لا يمكن وجوده في الحال مثال ذلك أن يشترى الفواكه حالة في غير أوانها فإن ذلك
88

لا يمكن تحصله، فأما ما يمكن تحصيله فلا بأس به، مثل الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والثياب وغير ذلك وإن لم يكن عند بائعه في الحال.
ومن اشترى شيئا بنسيئة فلا يبيعه مرابحة فإن باعه كذلك كان للمبتاع من الأجل
مثل ماله، ولا يجوز أن يبيع الانسان متاعا مرابحة بالنسبة إلى أصل المال بأن يقول: أبيعك
هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين، بل يقول بدلا من ذلك: هذا المتاع على بكذا
وأبيعك إياه بكذا، بما أراد.
وإذا قوم التاجر متاعا على الواسطة بثمن معلوم وقال له: فما زدت على رأس المال
فهو لك والقيمة لي، كان ذلك جائزا وإن لم يواجبه البيع، فإن باع الواسطة المتاع بزيادة
على ما قوم عليه كان له وإن باعه برأس المال لم يكن له على التاجر شئ وإن باعه بأقل من
ذلك كان ضامنا لتمام القيمة فإن رد المتاع ولم يبعه لم يكن للتاجر الامتناع من أخذه، ومتى
أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة
في الشراء، وإذا قال الواسطة للتاجر: خبرني بثمن هذا المتاع واربح على فيه كذا وكذا،
ففعل التاجر ذلك غير أنه لم يواجبه البيع ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على
رأس المال والثمن كان ذلك للتاجر وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك وإن كان قد ضمن
الثمن كان له ما زاد على ذلك من الربح ولم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره
معه، وإذا قال الانسان لغيره: اشتر لي هذا المتاع وأزيدك شيئا، فإن اشترى التاجر ذلك لم
يلزم الآمر أخذه ويكون في ذلك بالخيار إن شاء اشتراه وإن شاء لم يشتره.
ومتى أخذ الانسان من تاجر مالا واشترى به متاعا يصلح له ثم جاء به إلى التاجر ثم
اشتراه منه لم يكن بذلك بأس إذا كان قد ناب عنه في الشراء ويكون التاجر مخيرا بين أن
يبيعه وألا يبيعه، فإن كان شراؤه لنفسه وإنما ضمن المال، لم يكن للتاجر عليه سبيل،
ولا بأس أن يبيع الانسان متاعا بأكثر مما يساوي في الحال بنسيئة إذا كان المبتاع من أهل
المعرفة فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا، وإذا اشترى الانسان ثيابا جماعة بثمن معلوم ثم
قوم كل ثوب منها على حدة مع نفسه لم يجز له أن يخبر بذلك الشراء ولا أن يبيعه مرابحة إلا
بعد أن يبين أنه إنما قوم ذلك كذلك، وإذا اشترى الانسان متاعا جاز له أن يبيعه في الحال وإن
89

لم يقبضه ويكون قبض المتاع الثاني قبضا عنه وإذا اشترى الانسان ثيابا جماعة فلا يجوز أن
يبيع خيارها مرابحة لأن ذلك لا يتميز وهو مجهول ولا يجوز أن يشتري الانسان ثوبا بدينار إلا
درهما لأنه مجهول، وإذا باع الانسان المتاع مرابحة فلا بد أن يذكر النقد الذي وزنه وكيفية
الصرف في يوم وزن المال وليس عليه شئ من ذلك إذا باعه مساومة.
ولا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة إلا أن يكون له برنامج يوقفه منه
على صفة المتاع في ألوانه وأقداره فإذا كان كذلك جاز بيعه، فإذا نظر إليه المبتاع وراءه
موافقا لما وصف له وذكر كان البيع ماضيا وإن كان بخلاف ذلك كان البيع مردودا، ومن أمر
غيره أن يبتاع له متاعا وينقد من عنده الثمن عنه فاشتراه ونقد عنه ثمنه ثم سرق المتاع
أو هلك كان من مال الآمر دون المبتاع.
باب العيوب الموجبة للرد:
من اشترى شيئا على شرط الصحة والسلامة ثم ظهر له فيه عيب سبق وجوده
عقدة البيع ولم يكن قد تبرأ صاحبه إليه من العيوب كلها كان له أن يرد المتاع ويسترجع
الثمن إن شاء أو يطالب بالأرش بين قيمة المتاع صحيحا وبينه معيبا وليس للبائع عليه في
ذلك خيار، ومتى كان البائع قد تبرأ إلى المتاع من جميع العيوب لم يكن له الرجوع عليه
بشئ من ذلك وإن لم يفصل له العيوب في الحال والأفضل أن يفصل له العيوب كلها
ويظهرها في حال البيع ليقع العقد عليه مع العلم بها أجمع وليس ذلك بواجب بل يكفي
التبرؤ من العيوب.
ومتى اختلف البائع والمشتري في العيب فذكر البائع: أن هذا العيب حدث عند
المبتاع ولم يكن في المتاع وقت بيعي إياه، وقال المبتاع: بل باعني معيبا ولم يحدث فيه عندي
عيب، ولم يكن لأحدهما بينة على دعواه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا
لا عيب فيه فإن حلف، برئ من العهدة وإن لم يحلف كان عليه الدرك فيه، وإذا قال البائع:
بعت على البراءة من العيوب، وأنكر المبتاع ذلك فعلى البائع البينة فيما ادعاه فإن لم يكن
معه بينة حلف المبتاع أنه لم يتبرأ إليه من العيوب وباعه على الصحة فإذا حلف كان له
90

الرد إن شاء أو أرش العيب حسب ما قدمناه.
ومتى اختلف أهل الخبرة في قيمته عمل على أوسط القيم فيما ذكروه، فإن كان المبيع
جملة فظهر العيب في البعض وأن للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجد فيه وإن شاء
رد جميع المتاع واسترجع الثمن وليس له رد المعيب دون ما سواه، ومتى أحدث المشتري
حدثا في المتاع لم يكن له بعد ذلك رده وكان له الأرش بين قيمته معيبا وصحيحا وسواء كان
إحداثه ما أحدث فيه مع علمه بالعيب أو مع عدم العلم وليس علمه بالعيب ووقوفه عليه
بموجب لرضاه، ومتى حدث فيه حادث ينضاف إلى العيب الذي كان فيه كان له أرش
العيب الذي كان فيه وقت ابتياعه إياه ولم يكن له أرش ما حدث عنده فيه على حال.
ومن ابتاع أمة فظهر له فيها عيب لم يكن علم به في حال ابتياعه إياها كان له ردها
واسترجاع ثمنها أو أرش العيب دون الرد [جبر على واحد من الأمرين، فإن وجد بها
عيبا بعد أن وطئها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب خاصة اللهم إلا أن يكون العيب من
حبل فيلزمه ردها على كل حال وطئها أو لم يطأها ويرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها،
ومتى وجد عيبا فيها بعد أن يعتقها لم يكن له ردها وكان له أرش العيب، فإن وجد العيب
بعد تدبيرها أو هبتها كان مخيرا بين الرد وأرش العيب أيهما اختار كان له ذلك لأن التدبير
والهبة له أن يرجع فيهما وليس كذلك العتق لأن لا يجوز الرجوع فيه على حال.
وترد الشاة المصراة وهي التي جمع بائعها في ضرعها اللبن يومين وأكثر من ذلك ولم
يحلبها ليدلسها به على المشتري فيظن إذا رأى ضرعها وحلب لبنها أنه لبن يومها لعادة لها،
وإذا ردها رد معها قيمة ما احتلب من لبنها بعد اسقاط ما أنفق عليها إلى أن عرف حالها،
ويرد العبيد والإماء من أحداث السنة، مثل الجذام والجنون والبرص ما بين وقت الشرى
وبين السنة، فإن ظهر بعد مضى السنة شئ من ذلك لم يكن له رد شئ من ذلك على حال،
وإذا أبق المملوك من عند المشتري ثم وجده لم يكن رده على البائع بالعيب إلا أن يعلم أنه
كان قد أبق أيضا عنده فإن علم ذلك كان له رده عليه واسترجاع الثمن، وما يحدث من
العيب في شئ من الحيوان ما بين حال البيع وبين الثلاثة أيام، كان للمبتاع رده ما لم يحدث
فيه حدثا، وإذا حدث بعد انقضاء الثلاثة أيام لم يكن رده على حال إلا ما استثنيناه من
91

أحداث السنة، ومتى أحدث في مدة الثلاثة أيام فيه حدثا ثم وجد فيه عيبا لم يكن له رده.
ومن اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ولا الرجوع على البائع
بشئ من الأرش لأن ذلك قد يذهب من العلة والنزوة، ومن اشترى جارية لا تحيض في مدة
ستة أشهر ومثلها تحيض كان له ردها لأن ذلك عيب، ومن اشترى زيتا أو بزرا ووجد فيه
درديا فإن كان يعلم أن ذلك يكون فيه لم يكن له رده وإن لم يعلم ذلك كان له رده، ومن
اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه عيب كان له رده وإن أراد أخذه وأخذ الأرش كان له
ذلك وإذا قبض بعضه ولم يقبض البعض الآخر كان الحكم فيما لم يأخذه إذا حدث فيه
حادث ما قدمناه، ومتى هلك المبيع كله كان من مال البائع دون مال المبتاع.
باب السلف في جميع المبيعات:
السلف جائز في جميع المبيعات إذا جمع شرطين: أحدهما تمييز الجنس من غيره من
الأجناس وتحديده بالوصف والثاني ذكر الأجل فيه، فإن ذكر الجنس ولم يحدد بالوصف كان
البيع باطلا وإن ذكر الجنس والوصف ولم يذكر الأجل كان البيع غير صحيح فإذا جمع
الشرطين معا صح البيع، وكل شئ لا يتحدد بالوصف ولا يمكن ذلك فيه لا يصح السلف
فيه، ولا يجوز أن يكون ذكر الأجل بما لا يتعين مثل قدوم الحاج ودخول القوافل وإدراك
الغلات وهبوب الرياح وما يجري مجراه وإنما يصح من ذلك ما يذكره من السنين والأعوام
أو الشهور والأيام.
فإذا أسلف الانسان في شئ من الثياب فينبغي أن يعين جنسها ويذكر صفتها ويصف
طولها وعرضها وغلظها ورقتها فإن أخل بشئ من ذلك كان العقد باطلا، ولا يجوز أن يذكر
في الثوب نساجة انسان بعينه أو غزل امرأة بعينها فإن اشتراه كذلك كان البيع باطلا، وإذا
أسلف في طعام أو شئ من الغلات فليذكر جنسه ويعين صفته فإن لم يذكره لم يصح البيع،
ولا يذكر أن تكون الغلة من أرض بعينها أو من قرية مخصوصة فإن اشتراه كذلك لم يكن
البيع مضمونا لأنه إذا اشترى الحنطة مثلا من أرض بعينها ولم تخرج الأرض الحنطة لم يلزم
البائع أكثر من رد الثمن، ومتى اشتراه ولم ينسبه إلى أرض بعينها كان لازما في ذمته إلى أن
92

يخرج منه.
ولا بأس أن يسلف الانسان في شئ وإن لم يكن للمستسلف شئ من ذلك غير أنه إذا
حضر الوقت اشتراه ووفاه إياه، ولا يجوز السلف فيما لا يتحدد بالوصف مثل الخبز واللحم
وروايا الماء لأن ذلك تحديده لا يمكن بوصف لا يختلط به سواه،
ولا بأس بالسلم في الحيوان كله إذا ذكر الجنس والوصف والأسنان من الإبل والغنم
والدواب والبغال والحمير والرقيق وغيرها من أجناس الحيوان، فإذا أسلم الانسان في
شئ مما ذكرناه ثم حل الأجل ولم يكن عند البائع ما يوفيه إياه جاز له أن يأخذ منه رأس
المال من غير زيادة عليه.
فإن أعطاه البائع مالا وجعل إليه أن يشترى لنفسه ما كان باعه إياه ووكله في ذلك لم
يكن به بأس والأفضل أن يتولى ذلك غيره، وإن حضر الأجل وقال البائع: خذ مني قيمته
الآن، جاز له أن يأخذ منه في الحال ما لم يزد ثمنه على ما كان أعطاه إياه فإن زاد على ذلك لم
يجز بيعه إياه هذا إذا باعه بمثل ما كان اشتراه من النقد، فإن اختلف النقدان بأن يكون كان
قد اشتراه بالدراهم والدنانير وباعه إياه في الحال بشئ من العروض والمتاع أو الغلات أو
الرقيق أو الحيوان لم يكن لذلك بأس وإن كان لو قوم ما يعطيه في الحال زاد على ما كان
أعطاه إياه.
ولا بأس بالسلم في مسوك الغنم إذا عين الغنم وشوهد الجلود ولم يجز ذلك مجهولا،
ولا بأس أن يبيع الانسان ما هو موجود في الوقت وإن لم يكن حاضرا بالصفة، فإذا أحضر
وكان على ما وصف كان البيع ماضيا فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا، ولا بأس بالسلف
في الفواكه كلها إذا ذكر جنسها ولم ينسب إلى شجرة بعينها ولا بأس بالسلف في الشيرج
والبزر إذا لم يذكر أن يكون من سمسم بعينه أو كتان بعينه فإن ذكر ذلك، كان البيع باطلا،
ولا بأس بالسلف في الألبان والسمون إذا ذكر أجناسها.
ومتى أعطى الانسان غيره دراهم أو دنانير وأخذ منه شيئا من المتاع ولم يساعره في حال
ما أعطاه المال كان المتاع بسعر يوم قبضه دون يوم قبض المال، ولا يجوز أن يبيع الانسان ماله
على غيره في أجل لم يكن قد حضر وقته وإنما يجوز له بيعه إذا حل الأجل، فإذا حضر جاز له
93

أن يبيع على الذي عليه أو على غيره من الناس وإن باع على غيره وأحال عليه بالمتاع كان
ذلك جائزا وإن لم يقبض هو المتاع ويكون قبض المبتاع الثاني قبضا عنه وذلك فيما لا يكال
ولا يوزن ويكره ذلك فيما يدخله الكيل والوزن، فإن وكل المبتاع منه بقبضه ويكون هو
ضامنا لم يكن بذلك بأس على كل حال، ولا بأس أن يبتاع الانسان ما اكتاله غيره من الناس
ويصدقه في قوله غير أنه إذا أراد بيعه لم يبعه إلا بعد الكيل، وكل ما يكال أو يوزن فلا يجوز
بيعه جزافا وكذلك حكم ما يباع عددا فلا يجوز بيعه جزافا.
وإذا اشترى الانسان شيئا بالكيل أو الوزن وعيره فزاد أو نقص منه شئ يسير
لا يكون مثله غلطا ولا تعديا لم يكن به بأس، فإن زاد ذلك أو نقص شيئا كثيرا ولا يكون مثله
إلا غلطا أو تعمدا وجب عليه رده على صاحبه ما زاد وكان فيما نقص بالخيار إن شاء طالبه
به وإن شاء تركه، ومن أسلف في متاع موصوف ثم أخذ دون ما وصف برضا منه كان ذلك
جائزا، وكذلك إن أعطي فوق ما وصف برضا من الذي باعه لم يكن به بأس.
ولا بأس بالسلف في الصوف والشعر والوبر إذا ذكر الوزن فيه، فإن أسلف في الغنم
وشرط معه أصواف نعجات بعينها كائنا ما كان لم يكن به بأس، ولا يجوز أن يسلف السمسم
بالشيرج ولا الكتان بالبزر بل ينبغي أن يثمن كل واحد منهما على حياله، ولا بأس بالسلف
في جنسين مختلفين كالحنطة والأرز والتمر والزبيب والمروي والحرير وما أشبه ذلك بعد أن
يذكر المبيع ويميز بالوصف ويذكر الثمن والأجل على ما قدمناه.
باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز:
قد بينا أن ما يباع كيلا أو وزنا فلا يجوز بيعه جزافا فإن بيع كذلك كان البيع باطلا،
فإن كان ما يباع وزنا يتعذر وزنه جاز أن يكال ثم يعير مكيال منه ويؤخذ الباقي على ذلك
الحساب وكذلك ما يباع بالعدد لا يجوز بيعه جزافا، فإن تعذر عده وزن مكيال وعد وأخذ
الباقي على حسابه، ولا يجوز أن يباع اللبن في الضروع فمن أراد بيع ذلك حلب من الغنم
شيئا من اللبن واشتراه مع ما يبقى في ضرعه في الحال أو مدة من الزمان وإن جعل معه
غرضا آخر كان أحوط، ولا بأس أن يعطي الانسان الغنم والبقر بالضريبة مدة من الزمان
94

بشئ من الدراهم والدنانير والسمن وإعطاء ذلك بالذهب والفضة أجود في الاحتياط.
ولا يجوز أن يبيع الانسان أصواف الغنم وشعرها على ظهورها فإن أراد بيعها جعل
معها شيئا آخر وكذلك لا يجوز أن يبيع ما في بطون الأنعام والأغنام وغيرهما من الحيوان فإن
أراد بيع ذلك جعل شيئا آخر فإن لم يكن ما في البطون حاصلا كان الثمن في الآخر، ومتى
اشترى أصواف الغنم مع ما في بطونها في عقد واحد كان البيع صحيحا ماضيا، ولا يجوز أن
يبتاع الانسان من الصياد ما يضرب بشبكته لأن ذلك مجهول، ولا بأس أن يشتري الانسان أو يتقبل
بشئ معلوم، جزية رؤوس أهل الذمة وخراج الأرضين وثمرة الأشجار وما في الآجام
من السموك إذا كان قد أدرك شئ من هذه الأجناس وكان البيع في عقد واحد ولا يجوز ذلك
ما لم يدرك منه شئ على حال.
ولا بأس أن يشترى الانسان تبن البيدر لكل كر من الطعام تبنه بشئ معلوم وإن لم
يكل بعد الطعام، وإذا اشترى انسان من غيره شيئا من القصب أطنانا معروفة ولم
يتسلمها غير أنه شاهدها فهلك القصب قبل أن يقبض كان من مال البائع دون المبتاع
لأن الذي اشترى منه في ذمته، ولا يجوز بيع ما في الآجام من السمك لأن ذلك مجهول فإن كان
فيها شئ من القصب فاشتراه واشترى معه ما فيها من السموك لم يكن به بأس وكذلك
إن أخذ شيئا من السمك وباعه إياه مع ما في الأجمة كان البيع ماضيا، ولا بأس أن يندر
لظروف السمن والزيت وغيرهما شيئا معلوما إذا كان ذلك معتادا بين التجار ويكون مما
يزيد تارة وينقص أخرى ولا يكون مما يزيد ولا ينقص، فإن كان مما يزيد ولا ينقص لم يجز
ذلك على حال.
ومن وجد عنده سرقه كان غارما لها إلى يأتي ببينة أنه اشتراها ومتى اشتراها مع العلم
بأنها سرقة كان لصاحب السرقة أخذها ولم يكن له الرجوع على البائع بالثمن، فإن لم
يعلم أنها سرقة كان له الرجوع على بائعها إذا كان موجودا فإن كان قد مات رجع على
ورثته بالثمن، ولا يجوز أن يشتري من الظالم شيئا يعلم أنه ظلم بعينه ولا بأس أن يشتري
منه إذا لم يعلم كذلك وإن علم أن بائعه ظالم وتجنب ذلك أفضل، ولا بأس بشراء ما يأخذ
السلطان من الغلات والثمرات والأنعام على جهة الخراج والزكاة وإن كان الأخذ له غير
95

مستحق لذلك.
ومن وجد عنده سرقة كان غارما لها إلى أن يأتي ببينة أنه اشتراها ومتى اشتراها مع
العلم بأنها سرقة كان لصاحب السرقة أخذها ولم يكن له الرجوع على البائع
بالثمن، فإن لم يعلم أنها سرقة كان له الرجوع على بائعها إذا كان موجودا فإن كان قد
مات رجع على ورثته بالثمن، ولا يجوز أن يشترى من الظالم شيئا يعلم أنه ظلم بعينه
ولا بأس أن يشترى منه إذا لم يعلم كذلك وإن علم أن بائعه ظالم وتجنب ذلك أفضل،
ولا بأس بشراء ما يأخذ السلطان من الغلات والثمرات والأنعام على جهة الخراج
والزكاة وإن كان الأخذ له غير مستحق لذلك.
ومن غصب غيره متاعا وباعه من غيره ثم وجده صاحب المتاع عند المشتري كان له
انتزاعه من يده فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه
إياه إلا أن يكون المشتري علم أنه مغصوب واشتراه فيلزمه قيمته لصاحبه ولا درك له
على الغاصب فيما غرمه لصاحب المتاع، فإن اختلف في قيمة المتاع كان القول قول
صاحبه مع يمينه بالله تعالى، ومتى أمضى المغصوب منه البيع لم يكن له بعد ذلك درك على
المبتاع وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن فيه، ومن ابتاع بيعا فاسدا
فهلك المبيع في يده أو حدث فيه فساد كان ضامنا لقيمته في هلاكه ولأرش ما نقص من قيمته
بفساده.
ولا بأس أن يشترط الانسان على البائع فيما يشتريه منه شيئا من أفعاله مثل أن يشترى
ثوبا على أن يقصره أو يخيطه أو يصبغه وما أشبه ذلك وكان البيع ماضيا ويلزمه ما شرط
له، ولا يجوز له أن يشرط ما ليس في مقدوره مثل أن يبيع الزرع على أن يجعله سنبلا والرطب
على أن يجعله تمرا فإن باع ذلك بشرط أن يدعه في الأرض أو الشجر إلى وقت ما يريد المبتاع
كان البيع صحيحا، ولا بأس أن يبيع الانسان ثوبا ويستثني منه نصفه أو ثلثه أو ما أراد من
الأذرع لأن ذلك معلوم ولا يجوز أن يبيع متاعا بدينار غير درهم لأنه مجهول.
ولا بأس ببيع الجوارح من الطير والسباع من الوحش ولا يجوز بيع المسوخ منها على
حال، ولا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها وغيرها من الآلات ولا بأس باستعمال
96

ما يعمل منها، ولا يشترى الانسان الجلود إلا ممن يثق من جهته أنه لا يبيع إلا ذكيا فإن
اشترها ممن لا يثق به فلا يجوز له بيعها على أنها ذكية بل يبيعها كما اشتراها من غير ضمان،
ولا بأس ببيع الخشب ممن يتخذه ملاهي وكذلك بيع العنب ممن يجعله خمرا ويكون الإثم على
من يجعله كذلك واجتناب ذلك أفضل، ويكره استعمال الصور وشراء ما عليه التماثيل
ولا بأس باستعماله في الفرش وما يوطأ بالأرجل، ولا بأس ببيع الحرير والديباج وأنواع
الإبريسم ولا يجوز لبسه للرجال ولا الصلاة فيه إلا ما كان مختلطا حسب ما بيناه فيما مضى
من كتاب الصلاة، ولا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب الصيد خاصة فإنه لا بأس
ببيعه والانتفاع بثمنه.
والمجوسي إذا باع ما لا يجوز للمسلم بيعه من الخمر والخنزير وغير ذلك ثم أسلم كان
له المطالبة بالثمن وكان حلالا له، وإذا أسلم وفي ملكه شئ من ذلك لم يجز له بيعه على
حال فإن كان عليه دين جاز أن يتولى بيع ذلك غيره ممن ليس بمسلم ويقضي بذلك دينه
ولا يجوز له أن يتولاه بنفسه ولا أن يتولى عنه غيره من المسلمين، ومن غصب غيره ما لا
واشترى به جارية كان الفرج له حلالا وعليه وزر المال، ولا يجوز له أن يحج به فإن حج به لم
يجزئه عن حجة الاسلام.
وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختباره من غير إفساد له كالأدهان
الطيبة المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلاوات والحموضات فإنه لا يجوز بيعه بغير
اختبار له، فإن بيع من غير اختبار كان البيع غير صحيح والمتبائعان فيه بالخيار، فإن
تراضيا بذلك لم يكن به بأس، وما لا يمكن اختباره إلا بإفساده وإهلاكه كالبيض والبطيخ
والقثاء والباذنجان وأشباه ذلك فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراء من العيوب،
فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا وإن شاء رد الجميع واسترجع
الثمن وليس له رد المعيب دون ما سواه.
ولا بأس بابتياع الأعمى بشرط الصحة أو البراء من العيوب إليه والأفضل أن يوكل
الأعمى من يشترى له ما يريد ولا يتولى ذلك بنفسه مع التمكن وحال الاختيار، وإذا ابتاع
الأعمى شيئا بشرط الصحة فكان معيبا كان بالخيار في رده أو أرش العيب إلا أن يكون
97

تصرف فيه على ما بيناه في باب العيوب وإذا ابتاع الأعمى شيئا بشرط البراء من العيوب لم
يكن له بعد ذلك رده ولا أرش العيب مثل البصراء سواء، ولا بأس أن يبتاع الانسان من
غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك بالنقد والنسيئة ويشرط أن يسلفه البائع شيئا في مبيع أو
يستسلف منه في شئ أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض منه، وإذا ابتاع على ذلك
كان البيع صحيحا ووجب عليهما الوفاء بما اشترطا فيه.
وإذا ابتاع الانسان أرضا فبنى فيها أو غرس وأنفق عليها فاستحقها عليه انسان آخر
كان للمستحق الأول قلع البناء والغرس ويرجع المبتاع على البائع بقيمة ما ذهب منه، فإن
كان ما غرسه قد أثمر كان ذلك لرب الأرض وعليه للغارس ما أنفقه وأجر مثله، فإن
فسدت الأرض بالغرس كان لربها عليه أرش ما أفسد ويرجع هو على البائع له بذلك، ومن
كان له على غيره مال أو متاع إلى أجل فدفعه إليه قبل حلول الأجل كان بالخيار بين قبضه
وبين تركه إلى وقت حلول الأجل وكان ذلك في ضمان المديون عليه وليس لأحد أن يجبره على
قبضه قبل حلول أجله، وإذا كان له على غيره مال بأجل فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان
فأجابه إلى ذلك كان بالخيار إن شاء أمضى الأجل الثاني وإن شاء لم يمضه.
ومتى تقايل المتبايعان البيع انفسخ البيع فإن عقداه بعد الإقالة بأجل لم يكن للبائع
الرجوع فيه ووجب عليه الوفاء به، ولا يصح بيع بإكراه ولا يثبت إلا بإيثار صاحبه، وإذا
باع انسان ملكا لغيره والمالك حاضر فسكت ولم يطالب ولا أنكر ذلك لم يكن ذلك دلالة
على إجازته البيع ولا دليلا على أنه ليس المبيع ملكا له وكذلك لو صالح عليه مصالح وهو
ساكت لم يمض الصلح عليه وكان له المطالبة به، وبيع الأب على الابن إذا كان كبيرا غير
جائز فإن كان صغيرا جاز بيعه عليه.
باب أجرة السمسار والدلال والناقد والمنادي:
أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع لأن عليه توفية المتاع وأجرة الناقد ووزان
المال على المبتاع لأن عليه توفية المال على الكمال، ومن نصب نفسه لبيع الأمتعة كان له
أجر البيع على البائع دون المبتاع ومن كان منتصبا للشرى كان أجره على المبتاع دون
98

البائع، فإن كان ممن يبيع ويشتري للناس كان له أجره على ما يبيع من جهة البائع
وأجره على ما يشتري من جهة المبتاع، وإذا دفع الانسان إلى السمسار متاعا ولم
يأمره ببيعه فباعه كان بالخيار بين إمضاء البيع وبين فسخه، فإن أمره ببيعه ولم يذكر
له لا نقدا ولا نسيئة فباع نسيئة كان صاحب السلعة بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن
شاء أمضاه وكذلك إن قال له: بعها نقدا، فباعها نسيئة كان أيضا بالخيار بين
إمضاء البيع وبين فسخه على ما قدمناه، فإن قال له: بعها نسيئة بدراهم معلومة،
فباعها نقدا بدون ذلك كان مخيرا في ذلك بين إمضاء البيع وفسخه، فإن أمضى
البيع كان له مطالبة الوسيط بتمام المال وإن باعها نقدا بأكثر مما سمى له كان ذلك
لصاحب السلعة إلا أن يفسخ البيع لمخالفة الوسيط له وخلافه شرطه.
وإذا اختلف الواسطة وصاحب المتاع فقال الواسطة قلت لي: بعه بكذا
وكذا، وقال صاحب المال بل قلت: بعه بكذا وأكثر من الذي قال، ولم يكن
لأحدهما بينة على دعواه كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله وله أن
يأخذ المتاع إن وجده بعينه، وإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلك ضمن
الواسطة من الثمن ما حلف عليه صاحب المتاع وكذلك الحكم إذا اختلفا في
النقد، ومتى هلك المتاع من عند الواسطة من غير تفريط من جهته كان من مال
صاحب المتاع ولم يلزم الواسطة شئ فإن كان هلاكه بتفريط من جهة الواسطة كان
ضامنا لقيمته، فإن اختلفا في ذلك كان على صاحب المتاع البينة أنه فرط فيه فإن
عدمها فعلى الواسطة اليمين بأنه لم يفرط في ذلك.
وإذا قال الانسان لغيره: بع لي هذا المتاع ولم يسم له ثمنا فباعه بفضل من
قيمته كان البيع ماضيا والثمن على تمامه لصاحب المتاع، وإن باعه بأقل من ثمنه
كان ضامنا لتمام القيمة حتى يسلمها إلى صاحب المتاع على الكمال، ولا ضمان على
الواسطة فيما يغلبه عليه ظالم والدرك في جودة المال والمبيع على المبتاع والبائع دون
الواسطة في الابتياع.
باب ابتياع الحيوان وأحكامه:
قد بينا أن الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام فإن حدث في هذه الثلاثة أيام فيه حدث
99

وهلك عينه كان من مال البائع دون المشتري ما لم يحدث فيه المشتري حدثا، فإن
أحدث فيه حدثا كان ذلك رضا منه بالبيع ولم يكن له بعد ذلك رده إلا أن يجد فيه
عيبا يوجب الرد على ما ذكرناه فيما مضى، ولا يصح أن يملك الانسان أحد والديه
ولا واحدا من أولاده ذكرا كان أو أنثى ولا واحدة من المحرمات عليه مثل الأخت
وبناتها وبنات الأخ والعمة والخالة صح أن يملك من الرجال من عدا الوالد والولد
من الأخ والعم والخال ومهما حصل واحدة من المحرمات اللاتي ذكرناهن في ملكه
فإنهن ينعتقن في الحال.
ويكره للإنسان أن يملك أحدا من ذوي أرحامه ويستحب له متى ملكه أن
يعتقه، في حال، وكل من ذكرناه ممن لا يصح ملكه من جهة النسب فكذلك لا
يصح ملكه من جهة الرضاع، ولا يصح أيضا أن يملك الرجل زوجته إذا كانت
أمة ولا المرأة أن تملك زوجها فمتى ملك واحد منهما زوجه بطل العقد بينهما في
الحال، وكل من اشترى شيئا من الحيوان وكان حاملا من الأناسي وغيره ولم يشرط
الحمل كان ما في بطنه دون المبتاع، فإن اشترط المبتاع ذلك كان له.
ولا يجوز أن يشتري الانسان عبدا آبقا على الانفراد فإن اشتراه لم ينعقد البيع
ومتى اشتراه مع شئ آخر من متاع أو غيره كان العقد ماضيا، ومن ابتاع عبدا أو
أمة وكان لهما مال كان ما لهما للبائع دون المبتاع اللهم إلا أن يشرط المبتاع ماله
فيكون حينئذ له دون البائع سواء كان ما معه أكثر من ثمنه أو أقل منه، ويجوز
ابتياع أبعاض الحيوان كما يصح ابتياع جميعه وكذلك يصح الشركة فيه، وإذا ابتاع
اثنان عبدا أو أمة ووجدا به عيبا وأراد أحدهما الأرش والآخر الرد لم يكن لهما إلا
واحد من الأمرين حسب ما يتراضيان عليه.
ومن اشترى جارية لم يجز له وطؤها إلا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت ممن
تحيض وإن كانت ممن لا تحيض فخمسة وأربعين يوما وإن كانت آيسة من المحيض
مثلها لا تحيض لم يكن عليها استبراء، ويجب على البائع أن يستبرئ الأمة قبل
بيعها ومتى استبرأها وكان عدلا مرضيا جاز للمبتاع أن يعول على قوله ولا يستبرئها
والأحوط له استبراؤها فيما بعد، ومن اشترى من سوق المسلمين عبدا أو أمة فادعيا
الحرية لم يلتفت إلى دعواهما إلا ببينة المسلمين عبدا أو أمة فادعيا الحرية لم يلتفت إلى
ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن، ومن
100

اشترى جارية فأولدها ثم ظهر له أنها كانت مغصوبة لم تكن لبائعها كان لمالكها
انتزاعها من يد المبتاع وقبض ولدها إلا أن يرضيه الأب بشئ عن ذلك وللمبتاع
الرجوع على البائع بما قبضه من ثمنها وغرمه ولدها.
ولا بأس ببيع أمهات الأولاد بعد موت أولادهن على كل حال ولا يجوز بيعهن
مع وجود أولادهن إلا في ثمن رقبتهن بأن يكون دينا على مولاها، وإذا مات السيد
وخلف أم ولد وولدها وأولادا جعلت في نصيب ولدها واستسعيت فيما بقي لباقي
الورثة من غيرها، ولا بأس أن يشتري الانسان ما يسبيه الظالمون إذا كانوا
مستحقين للسبي، ولا بأس بوطئ من هذه صفتها وإن كان فيها الخمس لمستحقيه
لم يصل إليهم لأن ذلك قد جعلوه لشيعتهم من ذلك في حل وسعة.
ومن قال لغيره: اشتر حيوانا بشركتي والربح بيني وبينك فاشتراه ثم هلك
الحيوان كان الثمن بينها كما لو زاد في ثمنه كان أيضا بينهما على ما اشترطا عليه، فإن
اشترط عليه أنه يكون له الربح إن ربح وليس عليه من الخسران شئ كان على ما
اشترطا عليه، والوصي والمتولي في أموال اليتامى لا بأس أن يبيع من ما لهم العبد
والأمة إذا رأى ذلك صلاحا لهم، ولا بأس لمن يشتري الجارية منه أن يطأها
ويستخدمها منه من غير حرج في ذلك، ولا بأس بشراء المماليك من الكفار إذا
أقروا لهم بالعبودية وإذا اشتريت مملوكا فلا ترين ثمنه في الميزان لأنه لا يفلح على ما
جاء في الأخبار.
ومن اشترى من رجل عبدا وكان عند البائع عبدان فقال للمبتاع: اذهب
بهما فاختر أيهما شئت ورد الآخر وقبض المال، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من
عنده فليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطى ويذهب في طلب
الغلام، فإن وجده اختار حينئذ أيهما شاء ورد النصف الذي أخذ وإن لم يجد كان
بينهما نصفين، وإذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطئها فإنه
يدرأ عنه من الحد بقدر ماله منها من الثمن ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة
وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به
ألزم ثمنها الأول وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من
101

ثمنها ألزم ذلك الأكثر، فإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها ولا يلزمه إلا ثمنها
الذي يساوي في الحال.
والمملوكان إذا كانا مأذونين في التجارة فاشترى كل واحد منهما صاحبه من مولاه
فكل من سبق منهما بالبيع كان البيع له وكان الآخر مملوكا له، فإن اتفق أن يكون العقدان
في حالة واحدة أقرع بينهما فمن خرج اسمه كان البيع له ويكون الآخر مملوكه، وقد روي:
أنه إذا اتفق العقدان في حالة واحدة كانا باطلين والأحوط ما قدمناه وإذا قال مملوك انسان
لغيره: اشترني فإنك إذا اشتريتني كان لك على شئ معلوم فاشتراه فإن كان للمملوك في
حال ما قال ذلك له مال لزمه أن يعطيه ما شرط له وإن لم يكن له مال في تلك الحال لم يكن
عليه شئ.
وإذا أراد الانسان شراء أمة جاز له أن ينظر إلى وجهها ومحاسنها نظرا من غير شهوة
ولا يجوز له النظر إليها وهو لا يريد شرائها على حال، وإن كان لإنسان جارية فجاءت بولد
من الزنى جاز له بيعها وبيع الولد ويجوز له أن يحج بذلك الثمن ويتصدق به وينفقه على
نفسه حسب ما أراد والتنزه عن ذلك أفضل على كل حال، ويجتنب أيضا من وطئ من ولد
من الزنى مخافة العار بالعقد والملك معا فإن كان لا بد فاعلا فليطأهن بالملك دون العقد
وليعزل عنهن، واللقيط لا يجوز بيعه ولا شراؤه لأنه حر حكمه حكم الأحرار.
ولا يجوز للإنسان أن يشترى شيئا من الغنم أو غيره من الحيوان من جملة القطيع بشرط
أن ينتقي خيارها لأن ذلك مجهول بل ينبغي أن يميز ما يريد شراءه أو يعينه بالصفة، وإذا
اشترك نفسان في شراء إبل أو بقر أو غنم ووزنا المال وقال واحد منهما: إن لي الرأس والجلد
بمالي من الثمن كان ذلك باطلا ويقسم ما اشترياه على أصل المال بالسوية، ومتى اشترى
الانسان حيوانا فهلك في مدة الثلاثة أيام كان لصاحبه أن يحلفه بالله تعالى أنه ما كان
أحدث فيه حدثا، فإن حلف برئ من الضمان وكان من مال البائع وإن امتنع من اليمين
لزمه البيع ووجب عليه الثمن، وإذا باع الانسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى الرأس
والجلد كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد.
وإذا اشترى الانسان ثلاث جوار مثلا كل واحدة منهن بثمن معلوم ثم حملهن إلى البيع
102

وقال له: بع هؤلاء الجواري ولك على نصف الربح فباع الثنتين منها بفضل وأحبل هو
الثالثة لزمه أن يعطيه نصف الربح فيما باع وليس عليه فيما أحبل شئ من الربح، ومن
اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصلح كان له ردها على من اشتراها منه
واسترجاع ثمنها، وإن كان قد مات فعلى ورثته فإن لم يخلف وارثا استسعيت الجارية في
ثمنها، ومن أعطى مملوك غيره مأذونا له في التجارة مالا ليعتق عنه نسمة ويحج فاشترى
المملوك أباه وأعتقه وأعطاه بقية المال ليحج عن صاحب المال ثم اختلف مولى المملوك
وورثة الآمر ومولى الأب الذي اشتراه منه فكل واحد منهم قال: إن المملوك اشترى بمالي
كان الحكم يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له كما كان ثم أي الفريقين
الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم إليه وإن كان المعتق قد حج ببقية المال لم
يكن إلى ردها سبيل.
باب بيع الثمار:
إذا أراد الانسان بيع ثمرة من شجرة بعينها فلا يبعها إلا بعد أن يبدو صلاحها إذا
باعها سنة واحدة، وحد بدو صلاحها إن كان كرما أن ينعقد الحصرم وإن كان شجر
الفواكه أن ينعقد بعد ما يسقط عنه الورد وإن كان نخلا فحين يصفر البسر ويتلون فإن باع
قبل أن يبدو صلاحها لم يكن البيع ماضيا، ومتى هلكت الثمرة والحال هذه كانت من مال
البائع دون مال المبتاع ومتى باعها بعد بدو صلاحها ثم هلكت كان من مال المبتاع دون
البائع ومتى أراد بيع الثمرة سنتين فصاعدا جاز أن يبيعها وإن لم يبد صلاحها، فإن
خاست في سنة زكت في الأخرى وإن أراد بيعها في سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها ويكون
معها شئ من غلة الأرض من الخضر أو غيرها كان أيضا جائزا، وإذا كانت الثمرة أنواعا
كثيرة وبدا صلاح بعضها وأدرك جاز بيع الجميع فإن هلك منها نوع أو خاس كان الثمن في
النوع الآخر.
ومتى باع الانسان نخلا قد أبر ولقح كانت ثمرته للبائع دون المبتاع إلا أن يشرط
المبتاع الثمرة فإن شرط كان له على ما شرط وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجرة
103

الفواكه، ولا يجوز بيع الخضروات قبل أن يبدو صلاحها ولا بأس ببيع ما يخرج حملا بعد حمل،
كالباذنجان والقثاء والخيار والبطيخ وأشباهها، والأحوط بيع كل حمل منه إذا بدا صلاحه
وخرج، ولا بأس ببيع الزرع قصيلا وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل فإن لم يقطعه كان
البائع بالخيار إن شاء قطعه وإن شاء تركه وكان على المبتاع خراجه، وإن اشترى الانسان
نخلا على أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر كانت الثمرة له دون صاحب الأرض فإن
كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له أجرة المثل، ولا بأس ببيع الرطبة الجزة
والجزتين وكذلك ورق الشجر من التوت والآس والحناء وغير ذلك ولا بأس ببيعها خرطة
وخرطتين.
ولا بأس أن يبيع الانسان ما ابتاعه من الثمرة بزيادة مما اشتراه وإن كان قائما في
الشجر. ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا وهي المزابنة التي
نهى النبي ص عنها وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك الأرض
لا كيلا ولا جزافا وهي المحاقلة، فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس
وكذلك إن باع التمرة بالتمر من غير ذلك النخل لم يكن أيضا به بأس، ولا بأس أن يبيع
الانسان الثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة أو كيلا معلوما واستثناء الربع أو الثلث أو
النصف أحوط، ولا بأس أن يبيع النخل ويستثني منه نخلة بعينها أو عددا منه مذكورا إذا
خصصه وعينه بالذكر، ومتى استثنى شيئا من النخل ولم يعينه بالصفة كان استثناء
باطلا ومتى اشترى الثمرة فهلكت لم يكن للمبتاع رجوع على البائع، فإن كان قد استثنى
من ذلك شيئا كان له من ذلك بحسابه من غير زيادة ولا نقصان.
وإذا مر الانسان بشئ من الفواكه جاز له أن يأكل منها مقدار كفايته من غير إفساد
ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا معه إلا بإذن صاحبه، وإذا كان بين نفسين نخل أو شجر
فاكهة فقال أحدهما لصاحبه: أعطني هذا النخل بكذا وكذا رطلا أو خذ مني أنت بذلك
فأي الأمرين فعل كان ذلك جائزا.
104

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
105

كتاب المكاسب
المكاسب على خمسة أضرب: واجب وندب ومكروه ومباح ومحظور.
فأما الواجب: فهو كل حلال بيعه والاحتراف به إذا كان لا معيشة للإنسان سواه.
وأما الندب: فهو ما يكتسب به على عياله ما يوسع عليهم به.
وأما المكروه: فإن يكتسب محتكرا وله عنه غنى ويحمل به مشقة.
وأما المباح: فإن يكتسب ما لا يضره تركه ولا يقيم بأوده بل له مغني عنه.
وأما المحظور: فإن يكتسب ما لا لينفق في الفساد أو يحترف بالحرام.
والمعائش على ثلاثة أضرب: مباح ومكروه ومحرم.
فالمباح: التجارات والصنائع التي ليست محرمة كالتجارات في الثياب والأطعمة
والأسلحة التي لا يقصد بها فساد. وغير ذلك.
فأما المكروه: فهو الكسب بالنوح على أهل الدين صوابه للحق، وكسب الحجام،
والأجر على القضاء بين الناس، والأجر على قول للشعر الحق، والأجر على عقد النكاح
بالخطب.
فأما المحرم: فبيع كل غصب ولمالكه استرجاعه كيف أمكن، فإن كان المغصوب
أرضا فبنى فيها أو غرس فيها أو زرع فللمالك قلع ذلك كله ويرجع المشتري على البائع
بما أنفق.
وبيع المسكرات من الأشربة والفقاع، وعمل الملاهي والتجارة فيها، وعمل الأصنام
107

والصلبان، وكل آلة تظن الكفارة أنها آلة عبادة لهم، والتماثيل المجسمة، والشطرنج
والنرد وما أشبه ذلك من آلات اللعب والقمار وبيعه وابتياعه، وعمل الأطعمة والأدوية
الممزوجة بالخمر، والتصرف في الميتة، ولحم الخنزير وشحمه، والدم والعذرة والأبوال ببيع
وغيره حرام إلا بول الإبل خاصة، وبيع السلاح لأعداء الله تعالى وعمله لهم، وكسب
المغنيات والنوائح بالباطل، وأجر تغسيل الأموات ودفنهم وحملهم، والأجر على كتب الكفر
إلا أن يراد به النقض، والأجر على هجاء المؤمنين، وبيع القردة والسباع والفيلة والذباب،
وبيع الكلاب إلا السلوقي وكلب الماشية والزرع، وبيع ما لا يجوز أكله من السمك، وبيع
الضفادع والسلاحف والرقاق، وكل محرم الأكل في البحر أو البر، وكسب معونة الظالمين
على ما نهى الله عز وجل عنه، وأجر زخرفة المساجد وتزويقها وزخرفة المصاحف،
وكسب تعليم ما حظره الله عز وجل كل ذلك حرام التكسب به، والتجارة فيما يتجر منه فيه
وأكل ثمن ما يباع منه، أو أجر ما له أجر منه. وأما كسب المواشط إذا لم يغشش وكسب
القابلة وفحولة الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير المقامة للنتاج وكتب المصاحف
والعلوم فحلال طلق.
ذكر: البيوع:
البيع له أعداد وشروط وأحكام.
فأعداده تنقسم بانقسام المبيعات وهو على أقسام سبعة:
بيع المتاع من الثياب وغيرها، وبيع الحيوان، وبيع الثمار، وبيع الخضراوات
والزرع والرطبة، وبيع الواحد بالاثنين فزائدا، وبيع الشرب والماء، وبيع الأرزاق والديون.
فأما شروطه فعلى ضربين: عام وخاص.
فالعام: أن يكون المبيع ملك البائع أو ملك موكله، أو يكون أب المالك ويكون
صغيرا فإنه يبيع عليه بلا رد، وتسمية الثمن، والإيجاب والقبول، والتفرق بالأبدان عام
أيضا. فأما الخاص فعلى ضربين: خاص في المبيع، والآخر خاص البيع والمبيع.
فأما الأول: فالنظر إلى المبيع خاص فيما حضر، والخيار شرط خاص، والبيع
بالوصف خاص، والبيع بالنسيئة، وبيع المعيب بالبراء وغير البراء، وبيع المرابحة.
108

وأما الثاني: فالخاص في البيع والمبيع وهي: شروط بيع الحيوان، والثمار
والخضراوات، وبيع الواحد بالاثنين، وبيع المحزوم والمشدود، وبيع ما يعرف بالاختبار،
وبيع المياه، وبيع الديون والأرزاق.
ذكر الأول:
لا يمضى بيع إلا في ملك البائع أو لمن للبائع أن يبيع عنه.
والمبيع على ضربين: حاضر وغير حاضر. فإن كان حاضرا فتسمية الثمن وقبض
المبيع شرط في صحة البيع فإن عجل الثمن فقد تم البيع. وإن أخره وترك المبيع عند
البائع ليمضى ويأتي بالثمن فهذا ينتظر به ثلاثة أيام فإن جاء فيها فهو له وإلا كان
البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء طالبه بتعجيل الثمن، وإن هلك في الثلاثة الأيام
فهو من مال البائع وإن هلك بعدها فهو من مال المبتاع.
ولو تقابضا بالمال والسلعة ولم يفترقا بالأبدان كان البيع موقوفا. ومن لم يسم ثمنا
بطل بيعه أو شراؤه، فإن هلك المبيع في يد من ابتاع - ولم يسم الثمن - كان عليه قيمته يوم
أخذه، فإن كان باقيا فللبائع أخذه، وإن كان قد أحدث فيه حدثا فلا يخلو أن تنقص قيمته
به أو تزيد فإن نقصت فللبائع أرش قدر النقصان وإن زادت فالأرش للمبتاع.
وأما الثاني:
فالنظر إلى المبيع وقد بينا أنه شرط في الحاضر خاصة دون الغائب، فلو عدم هذا
الشرط في الحاضر لفسد البيع.
وأما شرط الخيار فينقسم على ضربين: أحدهما يلزم بالتسمية في مدة مسماة مهما
كانت، والآخر يلزم وإن لم يسم في زمان مخصوص ويلزم بالتسمية ما جاوزه.
فالأول في كل المبيعات التي ليست بحيوان فإنه لو تراضيا بأن يكون له الخيار ثلاثا
أو عشرا أو أكثر أو أقل لجاز، وإن هلك المبيع في مدة شرط الخيار فهو من مال البائع ما لم
يحدث فيه المبتاع حدثا يؤذن بالرضا، وإن مات المبتاع في هذه المدة قام ورثته مقامه في
الشرط.
والثاني في الحيوان فإنه يلزم الخيار للمشتري ثلاثة أيام وإن لم يشترط، فإن اشترط ما
109

زاد فهو له.
ونفقة الأمة في مدة استبرائها من مال البائع فإن هلكت في هذه المدة فهي من مال
البائع.
ذكر: البيع بالصفة:
البيع بالوصف على ضربين: أحدهما يصح والآخر لا يصح.
فأما الأول: فهو أن ينعت المبتاع شيئا غير مشاهد موجودا كان في الوقت أو غير
موجود فيبتاعه بالوصف، فالبيع مراعى فإن وجده على الوصف وإلا كان له رده.
وأما الثاني: فهو أن يوصف بأن يكون من الحنطة التي من أرض كذا والتمر من
نخلة كذا والثوب من غزل كذا، فلا يصح. ولا ضمان على البائع في تعيينه بل إن قال:
حنطة صريبة نقية وقفيز من سمسم ومائة رطل من التمر، فهذا صحيح. وعدم الوصف في
غير المشاهد أو تعيين أصله مع الصفة يبطل البيع.
ذكر: البيع بالنسيئة:
البيع بالنسيئة جائز كما يجوز بالنقد. وهو على ضربين: معلق بأجل وغير معلق.
فما لم يعلق بأجل فهو باطل، وما علق بأجل فهو على ضربين: معلق بأجل معلوم
وبأجل غير معلوم. فالمعلق بأجل معلوم على ضربين: معلق بأجلين ومعلق بأجل واحد.
فما علق بأجل واحد غير معين كدخول الحاج وقدوم الغزاة باطل.
وما علق بأجلين وهو أن يقول: بعتك هذه السلعة إلى عشرة أيام بدرهم وإلى
شهرين بدرهمين، وهو باطل أيضا لا ينعقد. وما علق بأجل واحد صحيح.
ويلزم الشرط الذي يشرطه المتبايعان في النسيئة حتى يكون ضمان المال مدة الأجل
على المبتاع، وإن باعه متاعا غير حاضر إلى أجل فالضمان على البائع ولكل منهما - إذا جاء
صاحبه بما يثبت له في ذمته قبل حلول الأجل - أن لا يأخذه. فإن هلك كان من مال من هو
عليه لا ممن هو له فأما بعد الأجل فمتى جاء به فلم يأخذه فهلك كان من مال من هو له لا
من مال من هو عليه، فإن باع ما ابتاعه إلى أجل قبل حلول الأجل فبيعه باطل، وإن باعه بعده
110

- وإن لم يوف ثمنه - جاز ذلك.
ذكر: البيع بالبراء من العيوب وغير البراء:
البيع بالبراء من العيوب صحيح لا يلزم معه درك سواء عين العيب أو لم يعينه
والأفضل تعيينه.
فإن باع على الصحة فظهر عيب فالمشتري بالخيار إن شاء رده بالعيب وإن شاء
أخذ أرشه ولم يرده، ولا خيار للبائع، ويرجع إلى أهل الخبرة في الأرش فإن اختلفوا عمل
على الأوسط من أقوالهم. وإن كان المتاع جملة فظهر في بعضه عيب فللمبتاع رد الكل أو
أخذ الأرش وليس له رد المعيب وحده، فإن كان قد أحدث في المبيع حدثا فليس له الرد وإنما
له الأرش سواء علم بالعيب قبل الإحداث أو بعده، وإنما يرد أو يأخذ الأرش بما يحدث من
العيوب قبل عقد البيع. فعلى هذا لو ابتاع أمة فوجد بها عيبا بعد أن وطئها فله الأرش دون
الرد إلا أن تكون حبلى فيردها على كل حال ويرد معها نصف عشر قيمتها.
ذكر: بيع المرابحة:
وهو أن يقول: أبيعك هذا بربح العشرة واحدا، أو أكثر بالنسيئة وهذا لا يصح.
فأما إذا قال: ثمنه كذا والربح فيه كذا، فهو جائز.
ذكر: الشرط الخاص في البيع والمبيع:
فأوله بيع الحيوان: كل حيوان بيع فالشرط فيه ثلاثة أيام على ما ذكرنا أولا بالرسم
الشرعي شرط أو لم يشرط، وبينا أنه متى هلك في هذه المدة فهو من مال البائع إلا أن يكون
المبتاع أحدث فيه حدثا يؤذن بالرضا. ونقول:
إن ما يباع من المماليك لا يخلو أن يكون ذا رحم من المبتاع أو أجنبيا. فإن كان ذا
رحم فلا يخلو أن يكون أحد أبويه أو ولده أو أخته أو عمته أو خالته أو غير هؤلاء. فإن كان
أحدا ممن ذكرنا فحين يشتريه يعتق عليه، فأما الباقون من الأقارب ومن ماثل الأولين من
الرضاعة والأجانب فيثبت في ملكه رقا.
111

وشراء العبد الآبق لا يصح إلا أن يضم إليه في عقد البيع غيره. والحامل من الإماء
إذا ابتيع فلا يخلو أن يشترط المشتري الولد أو لا يشترطه، فإن اشترط ذلك في عقد البيع فهو
له وإن لم يشترط فهو للبائع. وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم فهو جائز.
ويجوز شراء كل الحيوان بين الشركاء فإن وجد به عيب فليس للشركاء أن يختلفوا
فيريد بعضهم الأرش وبعضهم الرد.
ولا عهدة في الإباق الحادث بعد العقد، فأما الجنون والجذام والبرص فيرد به العبد
بعد سنة لا أكثر إلا أن يحدث المبتاع فيه ما يدل على الرضا بعد علمه بالعيب. وادعاء العبد
الحرية في سوق الاسلام لا يقبل إلا ببينة. ولا يفرق بين
الأطفال وأمهاتهم بالبيع حتى تستغني الأطفال. وشراء سبي الظلمة في بلاد الاسلام جائز.
ذكر: بيع الثمار والخضراوات:
وهو على ضربين: مكروه وغير مكروه.
فالمكروه: بيع ما لم يبد صلاحه في التمر والخضراوات سنة واحدة أو حملا بعد حمل
في القثاء والباذنجان والبطيخ والخيار وما أشبه ذلك.
وغير المكروه: أن يبيع ما بدا صلاحه من الثمار سنة واحدة والحمل إذا خرج من
الخضروات، وبيع ما لم يبد صلاحه سنتين وأكثر.
ويباع الزرع قصيلا، وقطعه على المبتاع واجب قبل أن يسنبل، فإن أخر قطعه
فالبائع بالخيار إن شاء قطعه عليه وإن شاء تركه، وعلى المبتاع خراجه، وتباع الرطبة
الجزة والجزتين والقطعة والقطعتين، ومتى خاست المرة المبتاعة قبل بدو صلاحها فللبائع ما
أغلت دون ما انعقد عليه البيع من الثمن، والاستثناء في ذلك جائز بالأرطال والمكاييل
الموصوفة، والاستثناء بالربع والثلث في أشباه ذلك أولى.
وإن استثنى نخلا معينا جاز أيضا، فإن لحق الثمار جائحة كان في المستثنى
بحساب ما أصابه.
والمحاقلة محرمة وهو أن يبيع الثمرة في رؤوس النخل بالثمر، والزرع بالحنطة
كيلا وجزافا.
وكل شرط شرط البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها وجلدها أو بعضها
112

بالوزن وشرط بعض المكيل أو المزروع جائز. وشرط المبتاع على البائع ما يدخل تحت
قدرته فجائز وأن يعصر الثوب المبتاع ويصنع شيئا مما ابتاعه إلى غير ذلك.
ذكر: بيع الواحد بالاثنين وأكثر:
المبيع على ثلاثة أضرب: أحدها يدخل المكيال والميزان. وما يعد. والآخر لا يدخل
في ذلك. فما يدخلهما على ضربين: متفق النوع وغير متفق.
فالمتفق: لا يجوز بيعه واحدا باثنين من جنسه: فلا يجوز بيع قفيز حنطة بقفيزين منها
ولا أكثر من قفيزين، وكذلك الحكم في الشعير لأنه نوعه، فأما بيع قفيزين من حنطة بقفيزين
من ذرة أو أرز أو دخن أو سمسم فجائز هذا نقدا لا نسيئة. ويجوز بيع الدنانير بالدراهم
متفاضلا نقدا لا نسيئة.
فأما الموزونات - غير الذهب والفضة - فهذا حكمها لا يباع رطل لحم من لحم
الغنم إلا برطل منه، ولا رطل دقيق إلا برطل خبز من جنسه.
فأما لحم الجواسيس والبقر والإبل والغنم فجائز بيع الواحد بالاثنين منه إذا
اختلف النوع كأن يباع رطل لحم غنمي برطلين بقري.
وما يباع عددا فحكمه حكم المكيل والموزون.
وإذا بيع الشئ في موضع بالكيل أو الوزن وفي موضع أخر جزافا، فحكمه حكم
المكيل والموزون.
واعلم أن ما لا يجوز بيعه إلا واحدا بواحد، وما يجوز بيعه واحدا باثنين كل ذلك
إنما يجوز بالنقد، وأما النسيئة فلا يجوز.
وبيع الغنم باللحم لا يجوز، لأنه مجهول.
فأما ما لا يدخل مكيالا ولا ميزانا فبيع الواحد بالاثنين منه جائز نقدا ولا يجوز
نسيئة هذا في الثياب والحيوان، فأما في مثل الجوز والقثاء والبطيخ فقد بينا حكمه.
ذكر: بيع الأعدال المحزومة والجرب المشدودة:
لا يجوز بيعها إلا بالوصف للألوان والمقادير والجودة، فإذا كان كذلك كان البيع
مراعى بأن يكون على الوصف وإلا بطل.
113

فأما ما يختبر بالذوق والشم فعلى ضربين: أحدهما لا يفسده الاختبار، والآخر
يفسده. فما لا يفسده إذا بيع من غير اختبار لم ينعقد إلا بعد اختباره.
وما يفسده كالبيض والبطيخ والقثاء وما شاكل ذلك فيصح شراؤه بشرط
الصحة، فإن خرج غير صحيح فله أرشه لا رده اللهم إلا أن يشتريه أعمى فإنه يكون له
أرشه أو رده.
ذكر: بيع الشرب:
بيع الشرب جائز وكل المياه ولا يجوز لأحد المنع من ذلك سواء باع ما هو ملك له في
الأصل أو ما أخذه من ماء مباح.
ومن حفر نهرا في أرض موات فأحياها بمائه فله بيع فاضله وإن جرى الماء إلى
أرض قد هلك أهلها فالسلطان أحق به. فإن استؤجرت الأرض فعليها للسلطان العشر.
ذكر: بيع الأرزاق والديون:
لا يجوز بيع الرزق إلا بعد قبضه، ويجوز بيع الدين قبل قبضه فيباع الذهب والفضة
منه بالعروض والعروض بالذهب والفضة.
واعلم أن البيع كما يجوز بالنسيئة فقد يجوز بالسلف، ولا بأس أن يبتاع شيئا بشرط
أن يقرضه شيئا أو يسلفه في مبيع آخر، ويستلف منه أو لا يشرط في صحة البيع.
والسلف فيما له صفتان مختلفتان كالحنطة والأرز والتمر والزبيب والرومي والحرير -
إذا عين المسلف فيه صفته وقيمته - فجائز، ومن عقد بيعا بصفقة واحدة في حلال وحرام
صح البيع في الحلال وبطل في الحرام.
فأما أجرة الوزان والناقد والكيال والدلال، فإن الوزان إذا وزن المال فأجرته
وأجرة الناقد على المشتري، وإن وزن المتاع فأجرته وأجرة كيل ما يكال منه على البائع.
وأجرة الدلال على المبتاع وأجرة المنادي على البائع. وأما أجرة بيع الأمتعة فعلى البائع،
وأجرة ما يشترى على المبتاع، ومتى اختلف صاحب المتاع والواسطة - فيما أمره أن يبيع به
المتاع أو في النقد - وعدما البينة فالقول قول صاحب المتاع مع يمينه.
114

والواسطة يضمن ما يهلك من المتاع بتفريطه ولا يضمن ما هلك من حرزه، ودرك
الجودة - في المتاع أو المال - على المتبايعين لا على الواسطة.
115

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
117

باب مسائل يتعلق بالبيوع
مسألة: إذا باع الانسان شيئا، كان المشتري قد رآه قبل العقد ولم يره في حال العقد
وكان مما يتلف أو لا يتلف. هل يصح بيعه أم لا؟
الجواب: هذا البيع ماض إذا وجده المشتري كما رآه. فإن خالف ذلك، كان مخيرا
بين إمضاء البيع وفسخه، لقول الله سبحانه: وأحل الله البيع وحرم الربا. فأباح ما يتناوله
اسم البيع وهذا بيع والمنع منه يحتاج إلى دليل ولا دليل في الشرع عليه.
مسألة: إذا باع شيئا على أن يسلمه إلى ستة أشهر. هل يصح هذا البيع أم لا؟
الجواب: هذا البيع صحيح للآية التي تقدم ذكرها ولأن المنع منه يفتقر إلى دليل.
مسألة: إذا ملك الشفيع المبيع وانتزعه من يد المشتري هل له خيار المجلس أم
لا؟
الجواب: ليس له خيار المجلس، لأن هذا الخيار إنما يثبت في البيع والشفيع إنما يأخذ
ذلك بالشفعة لا بالبيع وإلحاق ذلك بالبيع يفتقر إلى دليل ولا دليل شرعي عليه.
مسألة: إذا باع شيئا بشرط، مثل أن يقول بعتك إلى سنة أو شهر، فإن رددت على
الثمن وإلا فالمبيع لي. هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: هذا صحيح. فإذا رد عليه المال وجب عليه رد الملك فإن جازت المدة،
ملك بالعقد الأول وإنما كان كذلك لقوله ص الشرط جائز بين المسلمين ما لم
يمنع منه كتاب أو سنة. ومن ادعى المنع من ذلك، فعليه الدليل ولا دليل عليه. ولأن إجماع
119

الطائفة عليه أيضا.
مسألة: إذا باع شيئا غير معين بثمن معين ولم يقبضه ولا قبض الثمن وفارق
البائع والمشتري من يستحقه منها؟
الجواب: المشتري أحق بهذا البيع إلى أن يمضى ثلاثة أيام فإن مضت ولم يحضر
الثمن كان البائع أحق به بعد ذلك وهو مخير بين فسخ البيع وبين المطالبة بالثمن لأن
إجماع الطائفة على ذلك.
مسألة: إذا باع غيره شيئا بشرط الخيار ولم يعين أجلا ولا وقتا بل أطلق على ذلك
إطلاقا هل يصح له الخيار أم لا؟
الجواب: الخيار يصح ثلاثة أيام فإذا مضت الثلاثة لم يكن له خيار، لأن إجماع
الطائفة عليه.
مسألة: إذا شرط البائع على المشتري قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد
هل يصح ذلك الشرط أم لا؟
الجواب: يصح ذلك ويلزم العقد بنفس الإيجاب والقبول لأن الأصل جواز هذا
الشرط ولا مانع يمنع منه، وعموم الأخبار يتناوله، ومن ادعى المنع منه فعليه الدليل.
مسألة: إذا اشترى مملوكا ثم أعتقه في مدة الخيار ومضت هذه المدة وتم البيع، هل
يصح هذا العتق أم لا؟
الجواب: عتق هذا المملوك صحيح، لما روي عنهم صلوات الله عليهم من أن
المشتري إذا تصرف في المبيع بطل خياره وهذا المشتري قد تصرف بالمبيع، بالعتق.
فيجب لزوم البيع له. وإذا لزمه فقد تم عتقه عند تمام البيع.
مسألة: إذا أكره المتبايعان أو واحد منهما على التفرق بالأبدان على وجه يتمكنان أو
أحدهما من الفسخ والخيار فلم يفعلا ذلك ولا أحدهما هل يبطل بذلك خيارهما أم لا؟
الجواب: يبطل خيارهما أو خيار أحدهما لأنه إذا كان متمكنا من الفسخ والإمضاء
فلم يفعل حتى حصل الافتراق، دل ذلك على الإمضاء.
مسألة: إذا باع مملوكين وشرط مدة الخيار في واحد منهما من غير تعيين، ما الحكم
120

فيه؟
الجواب: الحكم في ذلك أنه إذا لم يتعين من شرط الخيار فيه منهما وأيهما ذلك كان
البيع فاسدا، لأنه مجهول بغير خلاف. فإن عين ذلك في إحديهما ثبت الخيار في ما عين فيه
وبطل في ما لم يعينه، لأن قوله ص: المؤمنون عند شروطهم، يتناول ذلك لأنه
شرط ومن ادعى بطلان ذلك فعليه الدليل.
مسألة: إذا هلك المبيع في مدة الخيار بعد القبض هل ينقطع الخيار أم لا؟
الجواب: ينقطع الخيار. لأن الأصل ثبوته والقول بانقطاعه يفتقر إلى دليل ولا دليل
في الشرع عليه.
مسألة: إذا قال المشتري للبائع بعني بكذا وقال البائع بعتك هذا. هل ينعقد البيع
أم لا؟
الجواب: لا ينعقد البيع بذلك وإنما ينعقد بأن يقول له المشتري بعد ذلك: قبلت أو
اشتريت، لأن ما ذكرناه مجمع على ثبوت العقد وصحته به وليس كذلك ما خالفه. ومن ادعى
ثبوته وصحته بغير ما ذكرناه، فعليه الدليل. وأيضا فالأصل عدم العقد وعلى من يدعي
ثبوته الدليل.
مسألة: إذا دفع قطعة إلى بقلي أو سقاء وقال له: أعطني ماء أو بقلا فأعطاه. هل
يكون ذلك بيعا في الحقيقة أم لا؟
الجواب: هذا ليس ببيع في الحقيقة لأنه ليس فيه إيجاب ولا قبول وإنما هو إباحة ولأن
العقد، حكم شرعي ولا دليل يدل على ثبوت العقد ههنا وعلى من يدعي ذلك الدليل.
مسألة: إذا باع ثمرة وتسلمها المشتري ثم هلكت أو هلك بعضها بحاجة. هل
ينفسخ البيع أم لا؟
الجواب: لا ينفسخ العقد بذلك، لأن العقد قد ثبت وعلى من يدعي الفسخ في جميع
المبيع أو في بعضه الدلالة ولا دلالة عليه.
مسألة: إذا قال البائع لاثنين بعتكما هذا العبد بمائة أو بألف، فقال أحدهما قبلت
نصفه بخمسين أو بخمسمائة هل يصح العقد أم لا؟
121

الجواب: هذا عقد غير صحيح، لأنه لا دليل على صحة ثبوته في حصة هذا القائل
وأيضا فإن قبوله لما ذكر في المسألة غير مطابق للإيجاب.
مسألة: إذا اشترى جارية على أنها بكر فوجدت ثيبا هل له ردها أم لا؟
الجواب: ليس له ردها لأن الأصل صحة العقد وإثبات ذلك عيبا يفتقر فيه إلى دليل
شرعي ولا دليل في الشرع عليه.
مسألة: إذا اشترى مملوكا فكان المملوك يبول في الفراش صغيرا كان أو كبيرا. هل
له الخيار فيه؟
الجواب: لا خيار له في ذلك لأن الأصل صحة العقد وإثبات ذلك عيبا يفتقر فيه إلى
شرع.
مسألة: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية. أو عبدا فوجده كذلك هل له خيار فيه
أم لا؟
الجواب: لا خيار له فيه لأن الأصل صحة العقد وعلى من يدعي أن ذلك عيب
يقتضي الرد، الدليل ولا دليل. وأيضا فإن العلم بالغناء غير محرم وإنما المحرم إظهار
صنعته واستعماله، وبالعلم لا يجب الرد.
مسألة: إذا ابتاع مملوكا ثم قتله وعلم أنه كان معيبا هل له الرجوع على البائع
بالأرش أم لا؟
الجواب: إذا كان ذلك العيب يوجب الرد كان له الأرش ومن ادعى سقوطه كان
عليه الدليل ولا دليل في الشرع عليه.
مسألة: إذا كان له مملوك فجنى المملوك على غيره وباعه مولاه بغير إذنه من
المجني عليه هل يصح بيعه أم لا؟
الجواب: إذا كانت هذه الجناية توجب القود لم يصح بيعه لأنه قد باع منه ما لا
يملكه لأن ذلك حق للمجني عليه. وإن كانت توجب الأرش صح بيعه لأن رقبته سليمة من
العيب وإذا التزم سيده الأرش عن الجناية صح البيع لأنه لا وجه بعد ذلك يفسده ومن ادعى
فساده فعليه الدليل ولا دليل على ذلك.
122

مسألة: إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن فقال البائع: بعتك بمائة. وقال
المشتري: بخمسين. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إن كان المبيع قد تلف، كان القول قول المشتري مع يمينه وإن كان سالما
كان القول قول البائع مع يمينه لأن إجماع الطائفة على ذلك. وأيضا قوله ص
البينة على المدعي واليمين على من أنكر والمشتري مدعى عليه وهو المنكر لأنهما قد اتفقا
على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك ويذكر أن الثمن خمسون والبائع يدعي
عليه مائة فوجب أن يكون القول قول المشتري وليس يلزمنا مثل ذلك مع بقاء المبيع، لأن
القول حينئذ قول البائع لأنه لو تركنا وظاهر الخبر لقلنا به، لكن المروي عن الأئمة صلوات
الله عليهم أن القول قول البائع فحملناه على أنه إذا كان مع بقاء السلعة. وما يرويه
المخالف مما يقتضي الخلاف لما ذكرناه أخبار آحاد لا يقتضي علما.
مسألة: إذا باع انسان غيره شيئا بثمن في الذمة وقال البائع: لا أدفع المبيع حتى
أقبض الثمن. وقال المشتري: لا أدفع الثمن حتى أقبض المبيع. ما حكمهما في ذلك؟
الجواب: إذا جرى الأمر بين المتبايعين على ذلك وجب على الحاكم أن يجد البائع
على دفع المبيع إلى المشتري ويسلمه إليه، ثم يأمر المشتري بعد ذلك يدفع به الثمن إلى
البائع لأن الثمن إنما يستحق على المبيع فيجب تسليمه أولا ليستحق الثمن عليه.
مسألة: إذا باع عبدا مطلقا فخرج خصيا هل له الخيار أم لا؟
الجواب: إذا خرج العبد المذكور خصيا كان للمشتري الخيار لأن مطلق العبد،
يقتضي سلامة الأعضاء والأطراف، والخصي ليس كذلك، فللمشتري الخيار كما ذكرناه.
مسألة: إذا ادعى عمرو عبدا في يد زيد وأقام البينة بأنه له، اشتراه من زيد وأقام
زيد البينة أنه له، وإنه هو الذي اشتراه من عمرو. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن البينة بينة الخارج وهو عمرو لقولهم ع:
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه والمدعى عليه ههنا هو زيد، لأن العبد في يده.
مسألة: إذا اختلف البائعان في قدر الثمن، فقال المشتري: بعني هذين العبدين
123

بمائة. وقال البائع: بل هذا العبد بمائة. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول قول البائع مع يمينه، لقولهم ع إذا
اختلف المتبائعان، فالقول قول البائع.
مسألة: إذا ابتاع عبدا وعلم بعد ذلك أنه مأذون له في التجارة وعليه دين. هل
يكون له خيار في رده أم لا؟
الجواب: ليس له خيار في ذلك، لأن دين التجارة يكون في ذمته ولا يتعلق برقبته ولا
يباع فيه وإنما يطالب به إذا أعتق وملك مالا، وإذا كان كذلك لم يلحق المشتري منه مضرة،
وإذا لم يلحقه ذلك لم يكن فيه له خيار.
مسألة: إذا اشترى انسان من آخر مملوكين ووجد بهما عيبا غير أن أدهما مات. هل
يجوز له الرد أو الأرش وما الحكم في ذلك؟
الجواب: لا يجوز له رد الباقي فأما الأرش فإنه يستحق ذلك، لأن رد جميع ذلك لا
يمكنه.
مسألة: إذا باع من غيره شيئا وقبض ثمنه. ثم ادعى على المشتري في ما قبضه منه
زيفا وأنكر المشتري ذلك. ما حكمه؟
الجواب: إذا ادعى البائع ذلك، كان القول قول المشتري مع يمينه وكان على المدعي
البينة لأنه يدعي عليه أنه قبضه منه زيفا فعليه البينة في ذلك والأصل أنه قبضه جيادا.
مسألة: إذا اشترى انسان مملوكا وقطع عنده طرف من أطرافه ثم وجد به عيبا
قديما. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: يجب لهذا المشتري الأرض. فأما رده فلا يصح لأن حكم الرد ها هنا يسقط
بالإجماع.
مسألة: هل يجوز بيع الحمل في بطن أمه أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأنه لا يعلم هل هو ذكر أو أنثى ولا يقدر على تسليمه إلى
المشتري ولا يعلم إمكانه.
مسألة: هل يجوز بيع الدابة على أنها تحمل أم لا؟
124

الجواب: لا يجوز بيعها بهذا الشرط، لأنه مما لا يعلمه.
مسألة: إذا باع الدابة على أنها تحمل. فوافق ذلك. هل يكون البيع ماضيا أم لا.
وهل يكون للمشتري الخيار أم لا؟
الجواب: إذا وافق ذلك، كان البيع ماضيا ولم يكن للمشتري خيار، لأن الشرط قد
حصل. وإن لم تحمل، كان مخيرا بين الإمضاء والفسخ.
مسألة: هل يجوز أن يبيع جارية أو بهيمة حاملة ثم يستثني الحمل لنفسه أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأن الحمل يجري مجرى عضو من أعضائها، وكما لا يجوز
بيعها ثم يستثني عضوا منها وكذلك الحمل.
مسألة: إذا كان كافرا وله أب مسلم فاشترى أباه المسلم هل ينعتق عليه أم
لا؟
الجواب: لا ينعتق عليه لأن الكافر لا يملك المسلم والعتق لا يكون إلا في ما يملك.
مسألة: إذا اشترى شيئا ولم يقبضه ثم رهنه. هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: يصح ذلك، لأنه مالك له بالعقد.
مسألة: إذا اشترى انسان من غيره مملوكا بقميص وقبض المملوك ولم يسلم
القميص وتلف وباع المملوك هل يصح له ذلك أم لا؟
الجواب: يصح بيعه لأنه قد قبضه وانتقل ضمانه إليه. وإذا باعه وسلمه إلى
المشتري وتلف القميص الذي في يد البائع انفسخ البيع ووجب عليه قيمة المملوك لبائعه،
لأنه غير قادر على إعادته بعينه فجرى مجرى المستهلك.
مسألة: هل يجوز أن يسلم في ثوب على صفة خرقة أحضرها أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك لأنه يجوز في خرقة أن يهلك فيصير مجهولا.
مسألة: إذا أسلف في مخيض هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لأن فيه ماء لأن الزبد لا يخرج إلا بالماء فلا يمكن المعرفة
بمقدار اللبن.
مسألة: هل يجوز أن يسلف به في القز أم لا؟
125

الجواب: لا يجوز ذلك، لأن دوده فيه وهو غير مقصود ولا فيه مصلحة لأنه إن ترك
فيه، أفسده لأنه يقرضه ويخرج منه وإن كان يابسا مات الدود فيه لم يجز بيعه أيضا لأنه ميتة.
مسألة: هل يجوز بيع الترياق أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك لأن فيه لحم الأفاعي وإذا قتلت كانت نجسة بلا خلاف. وبيع
ذلك والسلف فيه أيضا لا يجوز.
مسألة: إذا أسلف في شئ فقال له غيره قبل قبضه: شاركني في نصفه بنصف
الثمن أو ولني جميعه بجميع ذلك أو نصفه بنصف الثمن هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: الشركة والتولية إذا كانت على الوجه المذكور قبل القبض للمتسلف فيه
غير جائزة لأن رسول الله ص نهى عن بيع ما لم يقبض وقال: من أسلف في
شئ فلا يصرفه إلى غيره وأراد قبل القبض لأنه إذا قبضه صح ذلك فيه بغير إشكال.
مسألة: إذا قال المسلم إليه لمن أسلم: زدني شيئا حتى أقدم لك ذلك هل يجوز أم
لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك بغير خلاف.
مسألة: هل يجوز السلف في الجوهر مثل اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والفيروزج
والعقيق وما يجري مجرى ذلك أم لا يجوز؟
الجواب: لا يجوز السلف في ذلك لأنه ممن تباين تباينا شديدا في صغر وكبر وصفاء
وتدوير وغير ذلك ولا ينضبط بصفة وما كان كذلك، فلا يجوز السلف فيه.
مسألة: هل يجوز السلف في النبل المعمول أم لا؟
الجواب: لا يجوز السلف في ذلك، لأنه من آلات مجموعة من خشب وحديد وريش
وما يلف عليه أيضا ولا يمكن ضبط ذلك بصفة. وما كان كذلك، فلا يجوز السلف فيه.
مسألة: هل يجوز السلف في قصب السكر خرما أو عددا أو لا يجوز ذلك؟
الجواب: لا يجوز السلف فيه على هذا الوجه لأنه تتباين في كبره وصغره ولا ينضبط
بصفة ولا يجوز السلف فيه إلا وزنا.
مسألة: إذا اختلف المسلم والمسلم إليه في قدر الثمن أو قدر المبيع أو في الأجل
126

أو في مقداره. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول في جميعه إلا الثمن، قول البائع مع يمينه، وفي
الثمن قول المشتري مع يمينه إن لم يحضر لهما بينة لأن البائع مدع على المشتري في ذلك.
والمشتري مدعى عليه في الثمن. وإن اتفقا على الأجل وقدره واختلفا في انقضائه. فقال
المشتري: قد انقضى الأجل ووجب لي ما أسلفت فيه. وقال البائع: لم ينقض ذلك ولا وجب
لك ما ذكرته. كان القول قول البائع مع يمينه إن لم يحضر بينة لأن الأصل بقاء الأجل و على من
يدعي بقاء انقضائه البينة.
مسألة: إذا أمر انسان مملوكا لغيره بأن يبتاع نفسه له من سيده هل يصح ذلك أم
لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأنه لا يملك من نفسه شيئا فيكون وكيلا في ذلك ولا غيره.
مسألة: إذا قال اشتريت منك أحد هذه المماليك بكذا أو أحد من هذين المملوكين
بكذا هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأنه مجهول.
مسألة: إذا باع من انسان ثوبا أو عبدا وهرب المشتري قبل دفع الثمن إلى
البائع. ما حكمه؟
الجواب: إذا هرب هذا المشتري فلا يخلو من أن يكون هربه بعد حجر وتفليس أو لا
يكون كذلك. فإن كان بعد الحجر، كان البائع مخيرا في عين ماله بفسخ البيع وإذا لم يكن
هربه بعد حجر، تثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم ينظر الحاكم فإن وجد لهذا المشتري مالا
غير المبيع وفاه منه وإن لم يجد ذلك، باع المبيع وفاء في ثمنه. وإن كان الثمن مساويا لما لم
ير المشتري من ثمن، ما اشتراه. وإن كان أقل من ذلك، بقي الباقي عليه إذا رجع طالبه
به وإن كان أكثر يقدم الحاكم ويحفظه. فإذا عاد، دفع إليه.
مسألة: إذا كان لرجلين مملوكان لكل واحد منهما بانفراده. فباعاهما من انسان
بثمن واحد هل يصح البيع أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأن هذا العقد بمنزلة عقدين لأنه لعاقدين وثمن كل واحد
127

منهما مجهول لأنه ينقسط على قدر قيمتها وذلك مجهول والثمن إذا كان مجهولا بطل العقد
وليس يرجع علينا مثل ذلك في المملوكين إذا كانا لواحد وباعهما بثمن معلوم لأن ذلك يصح
عندنا لأنه يكون عقدا واحدا وإنما لم يصح الأول من حيث كانا عقدين فافترق الموضعان.
128

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
129

كتاب المكاسب
قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في
الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "، وقال سبحانه: والأرض
مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون وجعلنا لكم فيها معايش
الآية.
وأمر الله تعالى بالاكتساب من فضله وبين أنه قد جعل لعباده من المعيشة ما يتمكنون
به من التصرف فيه بما يقوم بهم ويستعينون به على صلاح أحوالهم، وروي عن النبي
ص أنه قال: إذا أعسر أحدكم فليخرج يضرب في الأرض يبتغي من
فضل الله ولا يغم نفسه وأهله، وروي عن ص أنه قال لأصحابه في
حجة الوداع: إني والله لا أعلم عملا يقربكم من الجنة إلا وقد نبأتكم به ولا أعلم عملا
يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه وأن الروح الأمين نفث في روعي: إن نفسا لا تموت
حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب، وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: ما غدوة
أحدكم في سبيل الله بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم.
باب ضروب المكاسب:
المكاسب على ثلاثة أضرب: محظور على كل حال ومكروه ومباح على كل حال،
131

ونسخ كتب الضلال وحفظه وإيراد الشبهة القادحة وتخليدها في الكتب من غير
نقض لها وتزويق المساجد وزخرفة المساجد وجمع تراب الصياغة لبيعه فإن جمعه انسان
فعليه أن يتصدق به، وإيجار العقارات والمساكن لعمل المنكر فيها مع القصد وإيجار السفن
وغيرها مما يحمل عليها المحرمات مع العلم بذلك والقصد إليه أيضا، واحتكار الغلات
عند عدم الناس لها وحاجتهم الشديدة إليها وبيع المصاحف إذا كان ذلك في المكتوب
وبيع السرقة وابتياعها مع العلم بها، ونثار الأعراس إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة له
وسلوك طريق يظهر منها أمارة الخوف مع ترك التحرز والكسب من ذلك.
وأما المكروه فجميع ما كره من المآكل والمشارب وسنورد ذلك في موضعه أيضا من
هذا الكتاب بعون الله سبحانه وتعالى ومشيئته، وكسب الحجام والأجر على القضاء وتنفيذ
الأحكام من قبل الإمام العادل والأجر على تعليم القرآن ونسخ المصاحف مع الشرط في
ذلك وأجر المغنيات في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل والضرب، وبيع الرقيق والطعام
وعظام الفيل وعملها والأكفان والحياكة والنساجة والذباحة وكسب الصبيان وركوب
البحر للتجارة.
وأما المباح على كل حال فهو كل مباح من المآكل والمشارب وكل ما لم يكن من جملة
ما ذكرناه في كونه محظورا ومكروها.
باب خدمة السلطان وأخذ جوائزه:
السلطان على ضربين: أحدهما سلطان الاسلام العادل والآخر السلطان الجائر، فأما
سلطان الاسلام العادل فهو مندوب إلى خدمته ومرغب فيها، وربما وجب ذلك على
المكلف طائفة لما فيه من وجب اتباعه وطاعته في أمره ونهيه، فإذا ولى السلطان إنسانا
إمارة وحكما أو غير ذلك من الولاة عليه وجب عليه طاعته في ذلك وترك الخلاف له فيه
وجاز قبول جوائزه وصلاته والتصرف في الجميع على كل حال.
وأما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الأمور من قبله إلا أن يعلم أو
132

يغلب على ظنه أنه إذا تولى ولاية من جهته تمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقها وصلة الإخوان، ولا يكون في شئ من ذلك
تاركا لواجب ولا مخلا به ولا فاعلا بشئ من القبائح فإنه حينئذ مستحب له التعرض
لتولي الأمور من جهته وإن علم أو غلب على ظنه أنه لا يتمكن من ذلك وأنه لا يخلو من
تفريط يلحقه في الواجبات ويحتاج إلى ارتكاب بعض المقبحات لم يجز له تولى ذلك.
فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة إلى ذلك الخوف على
النفس وسلب المال وإن كان ربما لحقه بعض الضرر أو لحقه في ذلك مشقة فالأولى أن
يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها ولا يتعرض للولاية من جهته، وإن خاف على نفسه
أو على أحد من أهله أو بعض المؤمنين أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك ويجري على وضع
الأمور في مواضعها، وإن لم يتمكن من فعل ذلك اجتهد فيما يتمكن منه وإن لم يتمكن من
فعل ذلك ظاهرا فعله سرا لا سيما حقوق الإخوان والتخفيف عنهم من جور السلاطين
الجور من خراج أو غيره.
وإذا لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له أن
يتقى في سائر الأمور والأحكام التي لا يبلغ إلى سفك دم محرم لأن هذا الدم ليس في سفكه
تقية، وإذا تولى انسان من قبل السلطان الجائر ولاية جاز له على جهة الرخصة قبول
الأرزاق والجوائز منه لأن له قسطا من بيت مال المسلمين، وينبغي له أن يجتهد ويحرص في
اخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك ويوصله إلى مستحقه ويصل إخوانه من
الباقي، ويتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك،
وليس يجوز لأحد أن يقبل صلات سلاطين الجور وجوائزهم ما يعلم أنه بعينه غصب
وظلم فإن لم يتعين جاز له قبوله، وإن علم أن السلطان المجيز له بذلك ظالم ويكون الإثم
على الظالم دونه.
وإذا تمكن الانسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى تركها
ولا يتعرض لشئ منها جملة، وإن لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في
133

ذلك جائزة إلا أنه لا يشترى منه شيئا يعلم أنه مغصوب ولا يقبل منهم ما هو محرم في
الشرع، فإن خاف من رد جوائزهم وصلاتهم على نفسه وماله جاز له قبولها ثم يردها على
أصحابها.
ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه السلطان الجور من الصدقات والخراج وإن كانوا
غير مستحقين لأخذ شئ من ذلك إلا أن يتعين له في شئ منه معين أنه غصب فإنه
لا يجوز له أن يبتاعه، وكذلك يجوز له أن يبتاع منهم ما أراد من الغلات على اختلافها وإن
كان يعلم أنهم يغصبون أموال الناس ويأخذون ما لا يستحقون إلا أن يعلم أيضا في شئ
منه معين أنه غصب فلا يجوز له أن يبتاعه منهم، وإذا غصب الظالم إنسانا وتمكن المظلوم
من أخذه أو أخذ عوضه كان ذلك جائزا له وتركه أفضل،
فإن أودعه الظالم وديعة لم يجز له أن يأخذ منها عوض ماله ولا يتعرض لها بذلك ولغيره
بل يردها عليه على حالها ولا يخونه فيها، فإن أودعه وديعة يعلم أنها بعينها غصب وعرف
صاحبها فلا يجوز له ردها على الغاصب لها بل يعيدها على صاحبها، فإن علم أنها غصب
ولم يعرف لها صاحبا أبقاها عنده إلى أن يعرفه فإذا عرفه ردها عليه وإن لم يعرفه لم يجز ردها
على غاصبها بل ينبغي أن يتصدق بها عمن هي له.
باب ما يجوز للوالد أخذه من مال ولده
والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها:
إذا كان الوالد مستغنيا عن مال ولده بأن يكون له مال ينفق منه على نفسه أو يكون
ولده ينفق عليه لم يجز له أخذ شئ من مال ولده إلا برضا الولد، فإن احتاج الوالد إلى
أخذ شئ من مال ولده أخذ منه مقدار حاجته على وجه القصد من غير إسراف في
الأخذ، وإذا لم يكن للوالد مال جاز أن يأخذ من مال ولد ما ينفقه على نفسه في
حجة الاسلام ولا يجوز له أن يأخذ ذلك في حجة التطوع وكذلك إن كان على الوالد دين لم
يجز له أن يأخذ من مال ولده ما يقتضي به ذلك الدين، وإذا كان للوالد أولاد صغار لم يجز
134

له أخذ شئ من ما لهم إلا على جهة القرض على نفسه دون غيره.
وإن كان لولده جارية ولم يكن ولده وطأها أو لامسها بشهوة فإنه يجوز له أخذها
ووطأها بعد أن يقومها على نفسه ويضمن القيمة لولده، وإذا كان الولد في منزل أبيه
وتنازعا في شئ من متاع البيت لم يكن للولد إلا ببينة لأن الظاهر أنه للأب لأنه في منزله
ويده عليه فإن ثبت للابن ببينة فإنه سلم إليه ولم يسلم إلى الأب،
ولا يجوز للوالدة أخذ شئ من مال ولدها إلا على جهة القرض لا غير، ولا يجوز
للوالد أن يأخذ من مال ولده شيئا إلا باذنه أو من ضرورة شديدة يخاف على تلف النفس
معها فإنه إذا كان ذلك جاز أن يأخذ ما يمسك به رمقه كما يتناول من الدم والميتة عند
الضرورة التي يخاف فيها من تلف النفس، ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها
ولا من بيته شيئا إلا ما يكون أدما، فإن لها أن تأخذ منه وتطعم من غير إسراف في ذلك أو
إضرار بالزوج، فإن أدى إلى ذلك لم يجز لها أخذ شئ منه إلا ما تأكله هي دون غيرها،
وإن وهبت الزوجة شيئا لزوجها كانت الهبة ماضية فإن دفعت إليه شيئا وشرطت له
الانتفاع به كان جائزا، وإن ربح كان الربح له، ويكره له أن يشترى بذلك جارية
يطأها لأنها يعود بالغم على الزوجة فإن فعل ذلك بإذنها كان جائزا على كل حال.
135

كتاب البيوع وعقودها وأحكامها
عقد البيع لا تصح إلا بشرط وهي ثبوت الولاية في المبيعين إما بملك أو إذن أو ما يقوم
مقامه، وإمكان التسليم ورفع الحظر وتعيين الأجل فيما يكون مؤجلا والتعيين بالمبلغ أو
الصفة أو هما جميعا، والقول المقتضي للإيجاب من البائع والقبول من المبتاع والافتراق
بالأبدان من مجلس البيع ووقوع ذلك على إيثار واختيار المتبايعين وحصول ذلك منها
أيضا على وجه يحل.
وإذا باع انسان ما ليس بملك له من غير إذن أو ما يقوم مقام الإذن أو ما لا يمكن
تسليمه ولا رفع الحظر عنه أو باع شيئا إلى أجل ولم يعين الأجل أو باعه ولم يعينه بالمبلغ أو
الصفة أو بهما جميعا كان جميع ذلك باطلا والبيع فاسدا، فإن باع من غيره شيئا ولم يجر
بينهما من القول ما يقتضي الإيجاب والقبول، مثل أن يقول البائع للمشتري: قد بعتك
هذا، ويقول المشتري: قد اشتريته أو قد قبلت ذلك أو أوجبت على نفسي، أو يقول
المشتري: بعتني هذا، فيقول البائع: قد بعتك إياه، لم يصح البيع وكان فاسدا.
وإذا باع من غيره شيئا ولم يفترقا من المجلس على وجه التراضي لم ينعقد البيع لأن
الخيار بينهما لم يرتفع بكونهما مغيبين عن مجلس العقد فإنما يرتفع إذا افترقا على ما ذكرناه،
ومتى لم يفترقا كان لكل واحد منهما الرجوع في البيع، وإذا باع من غيره شيئا على وجه
الإكراه لم يصح البيع وكان البيع مفسوخا لأنه لا بد فيه من الرضا، ولا يحل لأحد أخذ
مال مسلم من غير إيثاره واختياره وإذا باع شيئا على وجه حرام لم يصح ذلك.
136

والبيع على ثلاثة أقسام: أولها بيع عين مرئية وثانيها بيع عين موصوفة في الذمة وثالثها
بيع خيار الرؤية.
فأما بيع الأعيان المرئية فمثل أن يبيع انسان عبدا حاضرا أو غير ذلك من الأعيان
الحاضرة فيشاهد البائع والمشتري ذلك فيكون بيعا صحيحا لا شبهة في صحته.
وأما بيع الموصوف في الذمة مثل أن يسلم في شئ موصوف إلى أجل معلوم ويذكر
الصفات المقصودة وهذا أيضا بيع صحيح.
وأما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة، وهو أن يبيع شيئا لم يرده مثل أن يقول:
بعتك هذا الثوب الذي في الصندوق أو في كمي أو ما جرى مجرى ذلك، فيذكر جنس
المبيع ويذكر الصفة، ولا فرق بين أن يكون البائع رآه والمشتري لم يره أو يكون المشتري
رآه والبائع لم يره أو لم يره هذا ولا هذا.
فإذا عقد البيع فرأى المبيع بعد ذلك فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا، وإن
وجده بخلاف ذلك كان له رده وفسخ العقد ولا بد من ذكر الجنس والصفة، وإذا لم
يذكرهما أو واحدا منهما كان البيع باطلا، وإذا شرط البائع خيار الرؤية لنفسه كان ذلك
جائزا فإذا رآه على الصفة لم يكن له الخيار وإن كان على غير الصفة كان الخيار له، هذا إن
لم يكن رآه فإن كان قد رآه لم يكن لشرط الرؤية وجه لأنه عالم قبل ذلك.
وإذا باع عينا بصفة مضمونة مثل أن يقول: بعتك هذا الثوب على أن طوله كذا
وعرضه كذا، أو غيره من العقار على أنه متى كان بهذه الصفة وإلا فعلي بدله على هذه
الصفة، لم يصح البيع لأن العقد وقع على شئ بعينه فإذا لم يصح فيه كان ثبوته في بدله
يفتقر إلى استئناف عقد مجدد، ويجوز أن يبتاع الانسان شيئا ويشترط تسليمه إلى المشتري
بعد مدة مثل شهر أو أكثر منه، وإذا باع انسان عينا حاضرة بعين حاضرة أو بدين في الذمة
كان البيع صحيحا.
وإذا كان الثوب على آلة النساج وقد نسج بعضه فباعه على أن ينسج ما بقي منه ويدفعه
إليه لم يصح بيعه لأن ما شاهده من المنسوج البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية وما لم
137

يشاهده مما لم يتمم نسجه يقف الأمر فيه على خيار الرؤية وهذا فاسد لأنه شئ واحد
يجتمع فيه خيار الرؤية وانتفائها وذلك باطل لا شبهة فيه، وإذا ابتاع انسان شيئا قد شاهده
قبل العقد ولم يره في حال العقد كان ذلك جائزا، فإن كان هذا المبيع من الأشياء التي
لا يسرع التلف والهلاك إليها ولا يتغير في العادة مثل النحاس والصفر والأراضي
وما جرى مجرى ذلك كان البيع صحيحا إذا شاهده على صفة لم يتغير عنها، وإن وجده قد
تغير عن صفته كان له رده على البائع وإن اختلفا في ذلك كان القول قول المبتاع مع
يمينه.
وإن كان مما يسرع إليه التلف مثل الفاكهة والبقول والخضر وما جرى مجرى ذلك
فإنه إن كان ابتاعه بعده بزمان يعلم أنه قد تلف فيه مثل أن يراه ويبتاعه بعد ذلك
بشهرين أو ثلاثة كان البيع فاسدا، وإن كان ابتاعه بعد مدة يجوز أن يكون تالفا فيها وغير
تالف كان البيع صحيحا إذا رآه على الصفة لم يتغير عنها، وكذلك الحكم فيما قد
يتلف ولا يتلف مثل الحيوان وما جرى مجرى ذلك.
باب خيار المتبائعين وما يدخل فيه الخيار وما لا يدخل من العقود:
بيع الخيار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أو لها خيار المجلس، وهو أن ينعقد بين المتبائعين
العقد بالإيجاب والقبول فيثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا من المكان بأبدانهما فإذا ثبت العقد
بينهما وأرادا أن يوجباه ويبطل الخيار جاز لهما أن يقول أحدهما ويرضى الآخر به، أو يتولاه
معا: قد أوجبنا العقد وأبطلنا خيار المجلس، فإذا فعل ذلك بطل هذا الخيار.
وثانيها: أن يشترطا في حال العقد أن لا يثبت بينهما خيار المجلس فيكون ذلك جائزا.
وثالثها: أن يشترطه مدة معينة قليلة كانت أو كثيرة، هذا فيما عدا الحيوان، وأما
الحيوان فيثبت الخيار فيه ثلاثا للمشتري دون البائع اشترط المشتري ذلك أو لم يشترطه،
وإن زاد الشرط على ذلك كان بحسب ما يستقر بينهما للواحد منهما أو لجميعهما.
ومتى أوجب البيع بعد أن يشترطا مدة معينة ثبت العقد وبطل الشرط الذي تقدم
138

على هذا في العقد.
ومن أراد أن يبتاع من نفسه لولده وأراد الانعقاد فينبغي له أن يختار لزوم العقد عند
انعقاد العقد أو يختار بشرط بطلان الخيار، وقد ذكر أنه إذا أراد ذلك انتقل من الموضع
الذي ينعقد العقد فيه إلى غيره فيجري ذلك مجرى افتراق المتبائعين ونحن بعد هذا نذكر
فيما يدخله الخيار وما لا يدخله فيه من العقود:
إذا كان عقد البيع على عين حاضرة مشاهدة دخله خيار المجلس بحصول العقد مطلقا
ويدخله خيار المدة بحسب ما استقر الشرط عليه، وإذا كانت العين حيوانا دخل فيه خيار
المجلس وخيار الثلاث، فإن زاد على هذه المدة شيئا كان بحسب ما استقر الشرط أيضا
عليه، وإن كان بيع فيه خيار الرؤية دخله خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية إذا
رآه، وإن كان الصرف دخله خيار المجلس فقط لأن خيار الشرط لا يدخله من حيث أن
القبض من شرط صحة هذا العقد، وإن كان مع السلم دخله خيار المجلس وخيار الشرط.
وأما الرهن: فإن كان رهنا بدين ويقول هذا المملوك أو هذا الشئ رهن به ويقبل
ذلك صح العقد ويكون الخيار إلى الراهن بين أن يقبض أو لا يقبض، فإن قبض لزم من
جهته وكان جائزا من جهة المرتهن إن أراد الإمساك أمسك وإن أراد الفسخ فسخ، وإن
كان رهنا في بيع مثل أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا الدار بمائة دينار على أن ترهن
عندي هذا الشئ فإن استقر بينهما البيع على هذا الشرط وكان ذلك في مدة خيار المجلس
أو الشرط فالراهن مخير بين قبض الرهن أو تركه، فإن قبضه لزم من جهة كونه رهنا
ويكون البيع على حاله في مدة الخيار لكل واحد من المتبائعين الفسخ.
فإن لزم بالافتراق أو ينقضي خيار الشرط فالرهن على ما هو عليه من اللزوم، وإن
فسخ البيع أحدهما أو هما جميعا بطل الرهن وإن لم يقبض الرهن إلى أن لزم البيع بالافتراق
أو تنقضي مدة الخيار كان الراهن مخيرا بين أن يقبض أو لا يقبض، وإن قبض لزم الرهن
من جهة الراهن وإن لم يقبض لم يجبر عليه ويكون البائع المرتهن حينئذ مخيرا بين أن يقيم
على البيع ويمضيه بغير رهن وبين فسخه.
139

وأما الصلح: فإن كان إبراء أو حطيطة مثل أن يقول أحدهما للآخر: لي عندك مائة
دينار وقد أبرأتك من خمسين دينارا أو حططتها عندك وادفع إلى الباقي، فليس له الخيار
فيما أبرأه منه أو حطه عنه من ذلك وله المطالبة بالباقي، وإن كان معاوضة مثل أن يقول:
أقر له بدين أو عين، ثم يصالحه على ذلك فليس له الرجوع فيما وقع الصلح عليه.
وأما الضمان: فإنه إن كان له دين على غيره فبدل له ضمان غيره له فهو مخير بين أن
يضمن أو لا يضمن فإن ضمن لزم من جهته دون المضمون عنه، وإن كان في بيع مثل أن
يقول: بعتك على أن يضمن لي زيد أو تقيم لي ضامنا، فإن استقر ذلك بينهما وكان في مدة
الخيار في البيع لزم من جهة الضمان فإن فسخه أحدهما أو جميعهما زال الضمان، وإن لم
يضمن حتى لزم البيع كان مخيرا بين أن يضمن أو لا يضمن، فإن ضمن صح على كل
حال وإن لم يضمن كان البائع مخيرا بين إمضائه بغير ضمان وبين فسخه، وإذا حال
الواجد غيره بمال على غيره وقبل الحوالة صح دخول خيار الشرط فيه، فأما خيار المجلس
فلا يدخله لأنه مخصوص بالبيع.
وأما خيار الشفيع على الفور فإن بادر إلى الأخذ لم يكن للمشتري خيار لأن المبيع
يؤخذ منه بالقهر فلا خيار له مع ذلك، وأما الشفيع فقد ملك البيع بالثمن وليس له خيار
المجلس لأن هذا الخيار كما قدمناه مخصوص بالبيع وهذا إنما يؤخذ ذلك بالشفعة لا بغيرها.
وأما الإجارة فقد تكون في معين مثل أن يقول المؤجر: أجرتك داري هذه أو دابتي
هذه أو مملوكي هذا، شهرا أو سنة أو من وقتي هذا أو يومي هذا، وإذا ذكر هذه المدة المعينة
لم يدخل عقد هذه الإجارة خيار المجلس فأما خيار الشرط فيجوز فيه، وإن كانت الإجارة،
إجارة في الذمة مثل أن يقول المستأجر لغيره: استأجرتك لتبني لي حائطا أو تخيط لي ثوبا
أو ما أشبه ذلك، فيصح دخول خيار الشرط فيه، فأما خيار المجلس فلا يصح دخوله فيه
لأنه ليس ببيع لأنه مخصوص بالبيع كما قدمناه.
وأما المساقاة فيصح دخول خيار الشرط فيها لقول النبي ص: المؤمنون
عند شروطهم، فأما خيار المجلس فلا يدخل في ذلك.
140

وأما الوقف فلا يدخله خيار المجلس ولا خيار الشرط جملة، فأما خيار المجلس فلانه
ليس بيعا كما قدمناه وأما الشرط فلأنه متى دخل فيه بطل الوقف وأيضا فإن هذين
الخيارين خيار مجلس أو خيار شرط لا يدخلان فيه لأن دخول الخيار فيه يبطل كونه وقفا
سواء كان الخيار خيار المجلس أو خيار الشرط.
وأما عقد النكاح فلا يدخل فيه الخيار جميعا لمثل ما قدمناه ولأن الاجماع حاصل، فإذا
دخل فيه كان على حسب ما يستقر الشرط فيه ولا يبطل به عقد النكاح، فإن تعلق الشرط
بالعقد وبالصداق بطل النكاح.
وأما الهبة فيدخلها الخيار إن كانت بغير عوض أو لم يتصرف الموهوب له فيها أو
لا يكون لولده الأصاغر، فإن لم يكن لشئ من ذلك صح دخوله فيها قبل القبض وبعده.
وأما الخلع فمثل أن تقول له: طلقني طلقة بمائة، فيقول لها: طلقتك بها طلقة فلا يكون
له خيار في قبض المائة ليكون الطلاق رجعيا، وأما الطلاق والعتق فلا يدخل في واحد
منهما الخيار.
وأما السبق والنضال فيصح دخول خيار الشرط فيهما فأما خيار المجلس فلا يدخلهما
على ما قدمناه.
وأما القراض فيصح دخول خيارين فيه، وأما العارية والوديعة فيصح دخول ذلك
أيضا فيهما، وأما الوكالة والجعالة فيصح أيضا دخوله فيهما،
وأما القسمة فيصح دخول خيار الشرط فيها سواء كانت القسمة فيها رد، أو كانت
لا رد فيها وسواء كان القاسم الحاكم الشريكين أو غيرهما، وأما خيار المجلس فلا يدخل
فيها على جميع الوجوه التي ذكرناها.
وأما الكتابة إذا كانت مشروطة لم يكن للسيد فيها خيار المجلس فأما خيار الشرط
فيصح في ذلك، وأما العبد فله الخيار إن شاء لأنه متى عجز نفسه كان الفسخ حاصلا،
وإن كانت الكتابة مطلقة وأدى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولا خيار لواحد
منهما فيها لأنه لا يرد حرفي الرق.
141

وإذا كنا قد بينا صحة ثبوت خيار المجلس فليس ينقطع إلا بتفرق أو خيار، فأما
التفرق الذي يلزم البيع به وينقطع عنده الخيار فهو مفارقة المجلس بخطوة أو أكثر منها، فإن
أقام المتبائعان في مكانهما وثبتا فيه ولو كان زمانا طويلا وبني بينهما حائط فإن ذلك
لا يبطل به خيار المجلس، فإن كان بعد العقد فمثل أن يقول أحدهما للآخر بعد العقد وقبل
أن يفترقا: اختر الإمضاء به، وإن قال الآخر: اخترت إمضاء البيع، لزم العقد وانقطع
الخيار، فإن سكت ولم يختر الفسخ ولا الإمضاء فخيار الساكت باق بحاله ولم يبطل خيار
الأول لأنه إذا ثبت الخيار للواحد منهما ثبت الخيار للآخر لأن رسول الله صلى الله عليه
وآله جعل الخيار لهما جميعا.
وإن كان في نفس العقد فمثل أن يقول: بعتك بشرط أن لا يثبت خيار المجلس بيننا
فإذا قال المشتري: قبلت، ثبت العقد ولم يكن لهما خيار على وجه، فإن قال: بعتك بشرط
ولم يعين مقدار الشرط كان البيع فاسدا: وإذا ثبت لزوم البيع إما بوقوعه مطلقا أو تنقضي
المدة إن كان مشروطا أو تصرف المشتري فيه بتمليك أو عتق أو هبة أو ما أشبه ذلك لزم
العقد من جهته ونفذ تصرفه وبطل اختياره ولم يبطل خيار البائع بل هو باق بحاله، فإن
تصرف البائع فيه بتمليك أو عتق أو هبة أو ما أشبه ذلك كان هذا التصرف منه فسخا
للعقد.
وإذا كان المبيع في يد البائع وهلك في مدة الخيار كان من ماله دون مال المشتري إذا
لم يكن المشتري تصرف فيه، وإذا اختلف البائع والمشتري في حصول إيجاده كان على
المشتري البينة بأنها حدثت في مدة الخيار وهكذا يلزمه إذا اختلفا في حصول إيجاده في
العيب الموجب للرد.
فإن وطأ المشتري في مدة الخيار لزم البيع ولم يجب عليه، فإن أتت الموطوءة بولد لحق به
إن لم يفسخ البائع العقد فإن فسخه كان عليه قيمته ويلحق به، وإن لم تأت هذه الموطوءة
بولد وكانت بكرا وجب عليه عشر قيمتها وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ويبطل مع
ذلك خياره.
142

وأما خيار البيع فليس يبطل بوطئ المشتري كان ذلك بعلمه أو بغير علمه إلا أن يثبت
رضاه به وإذا ثبت ذلك وعلم بطل خياره، وإن وطئ البائع في مدة الخيار كان ذلك
فسخا للبيع وقد ذكرنا فيما تقدم أن ما يقع من البائع من التصرف في مدة الخيار يكون
فسخا للعقد وما يقع منه من المشتري يلزم العقد به من جهته ويبطل خياره، فإن رضيا على
إمضاء شئ من ذلك أو اتفقا عليه في مدة الخيار مثل بيع المشتري ما اشتراه أو عتقه إن
كان مما يصح عتقه أو ما جرى مجرى ذلك بطل خيارهما جميعا ومضى البيع والعتق أو
ما أشبه ذلك مما يتفقان عليه أو يتراضيان به أو يأذن البيع للمشتري فيه.
في إرث خياري المجلس والشرط:
واعلم: أن خيار المجلس أو الشرط يصح كونهما موروثين فإن مات المتبائعان أو واحد
منهما كان يتعلق بهما من ذلك موروثا عنه، ولا فرق في ذلك بين أن يكونان حرين أو
مملوكين مأذونا لهما في التجارة أو أحدهما حرا والآخر مملوكا أو مكاتبا فإن وليه أو سيده
يقوم مقامه فيه، فإن عرض له جنون أو إغماء أو خرس في مدة الخيار وكان الأخرس مما
لا يعرف إشارته ولا يحسن شيئا من الكتابة قام وليه مقامه وفعل ما يكون له فيه الحظ
والصلاح في ذلك، وإن كان ممن يفهم إشارته أو يحسن شيئا من الكتابة كان خياره
باقيا وفعل في ذلك بحسب ما يشير إليه أو يكتب به، وإذا تصرف ولي هؤلاء القوم فيما
ذكرنا عنهم ثم زال المرض العارض لهم عنهم لم يجز لهم الاعتراض عليه ولا خيار لهم فيه
بحال.
وإذا أكره المتبائعان على الافتراق من المجلس ومنعا من الخيار والفسخ لم يؤثر ذلك في
خيارهما ولا يبطله بل يكون ثابتا بحاله، وإذا زال ذلك عنهما كان الخيار لهما في مجلس زواله
إذا لم يفترقا منه، وإن لم يمنعا من ذلك ووقع التفرق من غير أن يختار شيئا فقد بطل
خيارهما، وإذا كان الوارث لخيار الشرط حاضرا عند موت صاحبه قام مقامه كما قدمناه،
فإن كان قد مضى بعض ذلك كان الباقي له، وإن كان ولده غائبا وبلغه موت صاحبه
143

بعد انقضاء مدة الخيار بطل خياره، ومن باع شيئا بشرط الخيار متى أراد كان فاسدا لأنه
كان مجهولا.
إذا تقابض المتبائعان الثمن والمبيع في مدة خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية
كان ذلك جائزا ويكون الخيار باقيا على حاله، وإذا باع شيئا معينا وهلك بعد العقد فإن
كان ذلك قبل القبض بطل البيع ولا فرق في ذلك بين أن يكون هلاكه في مدة الخيار أو
بعد تقضيها، وإن كان البائع قد قبض الثمن كان عليه رده وإن لم يكن قبضه فقط سقط
ذلك عن المشتري، وإن كان هلاكه بعد القبض لم يبطل البيع في يد المشتري أو البائع
مثل أن يكون قبضه المشتري ورده إلى البائع وديعة أو عارية.
وإذا لم يبطل البيع بما ذكرناه وكان هلاكه في مدة الخيار لم ينقطع الخيار، وإذا لم
ينقطع الخيار فلا يخلو من أن يكون المتبائعان يجيزان البيع أو يفسخان أو أحدهما، فإن
فسخا سقط الثمن ووجب القيمة على المشتري وإن اختار إمضاء البيع أو سكتا حتى
انقضت مدة الخيار لزمه الثمن دون القيمة لأن الثمن المسمى لا يسقط مع بقاء العقد، وإن
كان هلاكه بعد تقضي مدة الخيار كان ماضيا على المشتري وعقد النكاح ينعقد ويصح
بالإيجاب والقبول، ولا اعتبار في ذلك بتقدم الإيجاب ولا تأخره.
فأما البيعان فتصح عقودهما بتقدم الإيجاب، فلو قال البائع: قد بعتك هذا الشئ،
وقال المشتري: قد قبلت، لصح ذلك بغير خلاف، فأما في التأخير فإذا قال المشتري: بعني
هذا الشئ بمائة وقال البائع: قد بعتك، فلا يتم انعقاد العقد حتى يقول المشتري بعد
ذلك: اشتريت.
فإذا علم بما ذكرناه كيفية انعقاد العقد في البيوع فجميع ما يقع من الناس على غير
هذا الوجه فليس ببيع في الحقيقة ويجوز الرجوع في كل ما وقع منه كذلك، وإنما يكون
واقعا منهم على وجه الإباحة والتراضي لا على أنه بيع في الحقيقة، ومثال ما ذكرنا أن يدفع
الانسان قطعة إلى بقلي فيعطيه بها بقلا أو على سقاء فيدفع بها إليه شربة من ماء أو يدفع
درهما أو أقل منه أو أكثر إلى خباز فيعطيه بذلك خبزا ولا يجزئ من واحد منهما قول في
144

إيجاب ولا قبول وكل ما جرى هذا المجرى، ولو أن واحدا منهم أراد الرجوع في ذلك لكان
له الرجوع فيه لأن ذلك ليس ببيع وقع على عقد صحيح كما ذكرناه.
في خيار الغبن:
ومن ابتاع شيئا وظهر له فيه غبن فلا يخلو أن يكون من أهل الخبرة أو لا يكون كذلك،
فإن كان من أهل الخبرة لم يكن له رده وإن لم يكن من أهل الخبرة وكان مثله لم تجر
العادة فسخ العقد إن أراد وإن كانت العادة جرت بمثله لم يكن له خيار، وإذا قال
البائع للمشتري: بعتك هذا على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة فإن نقدتني وإلا فلا بيع
لك، ثم جاء بالثمن في الثلاث كان البيع له وإن لم يجئ فيها كان البيع باطلا، وروى
أصحابنا أنه إذا ابتاع شيئا معينا بثمن معلوم وقال: أجيئك بالثمن، فإن جاء به مدة
الثلاث كان البيع له وإن لم يأت به في ذلك بطل البيع.
باب الربا وما يصح فيه ذلك وما لا يصح:
قال الله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس، وقال تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقال الله جل اسمه: وأحل الله
البيع وحرم الربا.
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: طرق طائفة من بني إسرائيل عذاب
فأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف من الناس: الكيالين والمغنين والمحتكرين وآكلي
الربا، وروي عن الصادق ع أنه قال: درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية
كلها بذات محرم.
والربا محرم في شرع الاسلام وهو الفاضل من الشيئين إذا كانا من جنس واحد من
المكيلات أو الموزونات، وليس يصح الربا إلا فيما كان مكيلا أو موزونا فأما ما كان من
غير ذلك فلا يدخل فيه، ومثال ما ذكرنا دخول الربا فيه من المكيلات والموزونات إذا
145

كان الجنس واحدا هو: بيع مثقال من الذهب بمثقال منه وزيادة عليه ومثل بيع درهم
من فضة بدرهم منها وزيادة عليه وقفيز من حنطة بقفيز منها وزيادة عليه.
وكذلك الحنطة مع الشعير لأن جنسهما في الربا عندنا واحد، وفي الزكاة جنسان،
فإذا بيع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير أو بالعكس كان ربا لما ذكرناه، وما ذكرنا
دخول الربا فيه مما يكال أو يوزن، فإن ما كان منه رطبا فإنه يجوز بيعه مثل بمثل والجنس
واحد يدا بيد ولا يجوز ذلك متفاضلا، وما كان منه يابسا جاز أيضا بيع بعضه ببعض
والجنس واحد متماثلا يدا بيد ولا يجوز متفاضلا.
وأما الإهليلج والبليلج والأملج والسقمونيا وما جرى مجرى ذلك مما يدخل في
الأدوية من العقاقير فإن الربا يدخل فيه لأنه من الموزونات، وأما ما يدخل في الأدوية من
الطين الأرمني والخراساني فلا يجوز بيعه لأنه حرام فلا معنى لذكر دخول الربا، وأما الماء
فلا يدخل فيه الربا لأنه مما لا يكال ولا يوزن.
واعلم أن المماثلة شرط في الربا والمعتبر فيها بعرف العادة فيها بالحجاز على عهد النبي
ص، فإن كانت العادة فيه الكيل لم يجز له إلا كيلا في جميع البلاد
وما كان في العرف فيه الوزن لم يجز له إلا وزنا في جميع البلاد، فأما المكيال فمكيال أهل
المدينة والميزان فميزان أهل مكة بغير خلاف في ذلك، وما كان مما لا يعرف فيه عادة على
عهد النبي ص فإنه يحل على عادة البلد الذي هو فيه، فما عرف منه بالكيل
فلا يباع إلا كيلا وما كان العرف فيه بالوزن فلا يباع إلا وزنا.
وأما الخبز فيجوز بيع اللين منه باللين واليابس باليابس متماثلا غير متفاضل، فأما
بيع لينه بيابسه فلا يجوز لا متماثلا ولا متفاضلا فإن كانا من جنسين مثل خبز الحنطة أو
الشعير بخبز الأرز فيجوز بيعه متماثلا فيه ومتفاضلا، وأما بيع الحنطة بدقيقها فيجوز
متماثلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، وقد ذكر أن الاحتياط يقتضي أن يباع بعض ذلك ببعض
وزنا مثلا بمثل لأن الكيل يقتضي التفاضل من حيث أن الدقيق أخف في الوزن من
الحنطة وهو الصحيح.
146

وإذا كان الواحد منهما يباع كيلا والآخر وزنا مثل الحنطة والخبز فلا يباع أحدهما
بالآخر إلا وزنا ليرتفع التفاضل بينهما، ويجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ودقيق الشعير
بدقيق الشعير والسويق بالسويق ودقيق الحنطة بالسويق وخل العنب بخل العنب وخل
التمر وخل الزبيب بخل الزبيب وكل ذلك مثلا بمثل ولا يجوز بيعه متفاضلا يدا بيد ولا
نسيئة، ويجوز بيع الحنطة بالسويق وبالخبز وبالفالوذج المتخذ من النشاء مثلا بمثل
لا متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، ويجوز بيع خل العنب والزبيب بخل التمر متفاضلا
لأن أصله مختلف.
وأما العصير فيجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا هذا إذا لم يغل
الغليان المحرم فأما إذا بلغ ذلك حرم بيعه جملة ولم يكن لذكر الربا فيه معنى، وحد الغليان
الذي ذكرناه أن يصير أسفله أعلاه.
وأما عصير التفاح والسفرجل والعناب والغضب والرمان فأجناس مختلفة لأن أصولها
مختلفة، فإن بيع بعض جنس ببعض منه جاز متماثلا ولم يجز متفاضلا مطبوخا كان أو غير
مطبوخ، فإن بيع بعض من ذلك ببعض جنس آخر جاز ذلك متماثلا ومتفاضلا مطبوخا
كان أو غير مطبوخ.
فأما الزيت والشيرج ودهن اللوز الحلو ودهن الجوز والفجل وما أشبه ذلك فيدخل
فيه الربا - لأنه إما أن يكون مكيلا أو موزونا - إذا كان الجنس واحدا، فإن بيع بعض
جنس ببعض جنس منه جاز ذلك مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز التفاضل فيه، فإن بيع بعض
منه ببعض جنس آخر مخالف له جاز ذلك مماثلا ومتفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، وأما
دهن البزر والسمك وما أشبههما مما لا يعمل للأكل ولا الطيب يدخل فيه الربا لأنه أيضا
إما أن يكون مكيلا أو موزونا، وأما دهن الجوز ودهن اللوز المر فيدخل فيه الربا لأنه إما
أن يكون مكيلا أو موزونا.
واسم العسل إذا أطلق كان المراد به عسل النحل ويجوز بيع بعضه ببعض منه متماثلا
يدا بيد ولا يجوز التفاضل فيه سواء كان فيه شمع أو كان مصفى، وأما ما يتخذ من
147

العنب والسكر وإن سمى بعسل فيجوز بيع الجنس منه بعسل النحل أو بغير جنسه متماثلا
أو متفاضلا يدا بيد.
وأما الألبان فهي أجناس مختلفة فألبان الغنم الأهلي الضأن منه والمعز منه فهو جنس
واحد، وأما جنس لبن البري مثل الظباء فهو جنس آخر، وأما ألبان البقر الأهلي
جاموسيا كان أو غير جاموسي فهو جنس واحد وأما لبن البقر الوحشي فهو جنس آخر،
وأما لبن الإبل بخاتيا كان أو غير ذلك فهو جنس واحد، فما كان من هذه الألبان جنسه
واحدا جاز بيع بعضه ببعض آخر منه مثلا بمثل يدا بيد، وإن كان الجنس مختلفا جاز
التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة سواء كان رطبا أو يابسا، وجميع ما يعمل من الألبان
مثل السمن والزبد والمصل والأقط وغير ذلك فالحكم فيه كما ذكرنا في اللبن.
ويجوز بيع مد من حنطة ودرهم بمدين من حنطة أو مدين من شعير ودرهم بمدين من
شعير ومد من تمر أو مدين من تمر، ويجوز بيع درهم وثوب بدرهمين وبيع دينار وثوب
بدرهمين وبيع دينار وثوب بدينارين وكل ما جرى هذا المجرى يجوز بيعه على ما ذكرناه.
والحنطة إذا كانت مبلولة لم يجز بيعها بالجاف منها وزنا مثلا بمثل لأنه يؤدى إلى الربا
من حيث أن المبلول ينقص إذا جف فلا سبيل إلى معرفة مقدار ما فيها من الماء، والفواكه
والبقول التي تباع مكيلة أو موزونة يجوز بيع بعضها ببعض ويجوز بيع الرطب بالرطب سواء
كان مما يصير تمرا أو لا يصير كذلك، والشلجم والفجل المغروس في الأرض والجزر يجوز
بيع ورقه وأصله بشرط التبقية والقطع، ومن اشترى من غيره سلعة بدنانير معينة أو دراهم
معينة لم يجز أن يدفع غير ذلك إلا برضاه.
في خيار العيب:
فإن اشترى دنانير بدراهم معينة ودراهم بدنانير أعيانيهما ووجد أحدهما الذي قبضه
من جنس غير الجنس المعقود عليه كان البيع فاسدا مثال ذلك: أن يباع دنانير فتخرج
نحاسا أو يبتاع دراهم فتخرج رصاصا، وعلى هذا لو قال: بعتك هذا الثوب على أنه قز
148

فخرج كتانا أو كتانا فخرج قزا، أو قال: بعتك هذا البغل، فخرج حمارا أو الفرس
فخرج بغلا فإنه إذا كان من الجنس الآخر بطل البيع، فإن كان الكل من غير جنسه بطل
البيع في الجميع وإن كان البعض من غير جنسه بطل البيع فيه ولا يبطل في الباقي كما
ذكرناه في تبعيض الصفقة، ويأخذ من الثمن بحصته ويكون مخيرا بين رده وفسخ البيع
وبين أن يرضى بحصته من الثمن هذا إذا كان العيب من غير جنسه.
فإذا كان العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو ذهبا خشنا أو يكون السكة
فيه مضطربة مخالفة لسكة السلطان فذلك عيب وهو مخير بين الرد واسترجاع الثمن وبين
الرضا به وليس له المطالبة ببدل لأن العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله، وإن
كان العيب في الجميع كان مخيرا بين رد الجميع وبين الرضا به، وإن كان العيب في
البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة وليس له رد البعض المعيب وأخذ
البعض الآخر.
وإذا باع دنانير بدنانير أو دراهم بدراهم ووجد عيبا في بعضها من جنسها كان
للمشتري رد المعيب بالعيب أو يفسخ العقد وكل هذا إذا كان قد تبايعا دراهم معينة
بدنانير معينة، فإن لم يكونا تبايعا كذلك بل تبايعا في الذمة فإنه إذا كان تبايعهما كذلك
فإما أن تقع مطلقا مثل أن يبيع دينارا بعشر دراهم أو يقع موصوفا مثل أن يبيع دينارا
قاسانيا بعشر دراهم راضية، فإن كانا تبايعا على الوجه الأول المطلق فإما أن يكون نقد
البلد الذي تبايعا فيه واحدا غير مختلف أو يكون مختلفا، فإن كان واحدا غير مختلف يرجع
الإطلاق إليه دون غيره ووجب فيه ذلك وإن كان النقد مختلفا وليس البعض منه بأغلب
من بعض كان البيع فاسدا.
وإن كان تبايعا على الوجه الثاني الموصوف كان البيع صحيحا، وإذا كان كما
ذكرناه صحيحا لم يجز أن يفترقا حتى يتقابضا، فإن تقابضا ووجد أحدهما فيما قبضه عيبا
وكان وجوده لذلك قبل التفرق من المجلس كان له إبداله سواء كان العيب من جنسه أو
من غير جنسه لأن العقد وقع في الذمة صحيحا بلا عيب، فإذا دفع إليه معيبا كان له
149

مطالبته بما في ذمته مما تناوله العقد، وإن كان وجوده لذلك بعد التفرق فإما أن يكون
العيب من جنسه أو من غير جنسه،
فإن كانت من غير جنسه كان الصرف باطلا لأن المتبائعين تفرقا من غير قبض فيما
تناوله العقد ثم ينظر فيه، فإن كان ذلك في الجميع بطل عقد الصرف رأسا وإن كان في
البعض بطل في ذلك البعض دون الباقي كما ذكرناه في تبعض الصفقة، وإن كان العيب
من جنسه فإما أن يكون في الجميع أو في البعض، فإن كان في الجميع كان له الرد
واسترجاع الثمن والرضا لأنه من جنس ما تناوله العقد وإن اختار أن يبدله بغير معيب
كان له ذلك، وإن كان في البعض فله إبدال ذلك البعض أو فسخ العقد في الكل.
يجوز للإنسان أن يبيع عشرين دينارا عشرة منها جيدة وعشرة رديئة بعشرين دينارا
وسطا من غير تداخل في ذلك وكذلك يجوز بيع دينارين أحدهما صحيح والآخر قراضة
بدينارين صحيحين أو رديئين، ويجوز أيضا بيع درهمين أحدهما صحيح والآخر مكسور
بدرهمين صحيحين أو معا مكسورين، فإن باع دينارا جيدا بدينار ردئ كان ذلك جائزا
بغير خلاف.
ولا يجوز بيع السيوف المحلاة واللجم المحلاة وما جرى مجرى ذلك بما يخالطه فيه الفضة
من العروض وبالذهب نسيئة، فإن اشترى شيئا من ذلك بالدراهم نقدا استحب له أن
يجعل فيها عرضا، فإن كان المتبايعان عالمين بمقدار الفضة التي فيه وكانت الدراهم أكثر
منها لم يكن بذلك بأس، فإن جعل المشتري ثمن ما كانت حلية فضة ذهبا وما كانت
حلية ذهب فضة كان جيدا،
فإن كان الشئ من جنسه وكان أكثر من الحلية كان الذهب بالذهب الذي في
الحلية والفضة بالفضة سواء والفاضل عن ذلك من الثمن يكون ثمنا للعروض، وكذلك
إن جعل في الثمن عروضا وكان ما في الحلية من الفضة أكثر من الثمن كان الفضة
بالفضة والفاضل من الحلية من العروض التي مع الدراهم، ويجوز أن يبتاع الانسان فضة
بيضاء جيدة بفضة سوداء أكثر منها إذا كان مع السوداء شئ من الفلوس وما جرى
150

مجراها، وكذلك الذهب بالذهب ومع أقلها شئ آخر.
وإذا كان الشئ من الحلي المذهب فيه لؤلؤ وشئ من الجوهر ولا يمكن تخليصه إلا
بضرر يلحق ماله في ذلك فاشتراه انسان آخر منه بدينار وهو لا يعلم أن الدينار أكثر من
الذهب، لم يصح بيعه ولا يجوز بيعه بالدراهم نسيئة، ولا يجوز ابتياع الذهب بالذهب ولا
الفضة بالفضة مجازفا يدا بيد ولا نسيئة، ومن اشترى خاتما فضة بفضة وكان الثمن أكثر
مما فيه من الفضة كان البيع صحيحا فإن كان مثله أو أقل كان باطلا.
وإذا كان مع انسان ألف درهم صحاحا يريد أن يشترى بها أكثر منها مكسرة وزنا
فاشترى بالصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من الصحاح كان جائزا إذا
تقابضا وافترقا بالأبدان ولا فرق بين أن يكون ذلك مرة أو أكثر منها، والتفرق بالأبدان
لا بد منه فإن لم يفترقا وخير أحدهما الآخر في إمضاء البيع أو فسخه، فإن اختار الإمضاء
لزم البيع وبطل الخيار وقام التخاير مقام التفرق إلا أنه ينبغي أن يكون التخاير بعد
التقابض فإن افترقا قبل التقابض بطل الصرف وإن تقابضا ولم يفترقا ولم يتخايرا ثم
اشترى منه بالذهب الذي قبضه دراهم مكسرة كان الشراء صحيحا لأنهما إنما شرعا في
البيع فانقطع خيارهما، أ لا ترى إنا قد بينا أنه إذا تصرف فيه أو أحدث المشتري فيه حدثا
فقد بطل خياره، وقد حصل التصرف هاهنا فيها فبطل خيارهما وكان الشراء الثاني
صحيحا.
وإذا باعه قبل التخاير أو التصرف من غير بائعه لم يصح ذلك لأن حق الخيار للبائع،
هذا إذا كان المشتري قد اشترى من البائع دراهم، فأما إذا لم يكن ذلك وأقرضه الصحاح
التي معه واقترض منه مكسرة أكثر منهما ثم أبرأ كل منهما صاحبه كان ذلك جائزا، وهكذا
إذا وهب كل واحد منهما لصاحبه ما معه وأقبضه فإنه أيضا يكون جائزا وهكذا إذا باع
الصحاح بوزنها مكسرة ووهب له الفضل من المكسرة كان جائزا.
وإذا كان للإنسان على غيره خمسة دنانير فدفع إليه خمسة عددا فوزنها القابض لها
فكانت ستة دنانير فإن الدينار الزائد للقابض مشاعا فيها ولا يكون مغصوبا على القابض
151

من أجل أنه أخذه عوضا بل يكون بمنزلة الأمانة في يده، فإذا كان كذلك فإن أراد
استرجع منه دينارا وإن أراد هبة وهبها له وإن أراد اشترى منه عوضا به وإن أراد أخذ به
دراهم ويكون ذلك صرفا.
ولا يجوز أن يفارقه قبل أن يقبض الدراهم فإن أراد جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى
أجل سلما، اثنان مع أحدهما دينار قيمته عشرون درهما والآخر معه عشرة دراهم، فإن
أراد أن يشترى الدينار منه بعشرين درهما فاشترى نصف دينار بعشرة وسلم العشرة إليه
وقبض الدينار منه فيكون نصفه عن بيع ونصفه وديعة في يده إن تلف لم يضمن، ثم
استقرض منه العشرة التي سلمها إليه واشترى منه بها النصف الباقي من الدينار صح ذلك
ويصير جميع الدينار للمشتري والبائع قد استوفى جميع الثمن وله على المشتري عشرة دراهم
قرضا، فإن لم يفعل ما ذكرنا واشترى جميع الدينار بعشرين درهما ودفع إليه العشرة التي
معه ثم استقرضها منه وقضاه بها له من العشرة في ذلك المجلس كان ذلك أيضا جائزا.
إذا كان مع انسان تسعة عشر درهما واشترى دينارا بعشرين درهما ولم يقرضه الآخر
فالعمل في ذلك أن يفاسخه الصرف ثم يشترى منه بقدرها فيكون جزء من عشرين جزء
من الدينار في يده مقبوضا عن وديعة والباقي عن الصرف، وإذا كان هذا عمل في الجزء
الزائد بمثل ما قدمناه من العمل في الدينار في المسألة المتقدمة سواء، فإن لم يفاسخه غير أنه
قبض الدينار ثم فارقه ليوفيه الدرهم الباقي من التسعة عشر فإن الصرف ينفسخ في قدر
الدرهم ولا ينفسخ في الباقي.
وإذا اشترى انسان من غيره عشرين درهما نقرة بدينار فقال له انسان آخر: ولني
نصفها بنصف الثمن صح ذلك والتولية بيع، ولو قال له: اشتر عشرين درهما نقرة بدينار
لنفسك وولني نصفها بنصف الثمن لما جاز ذلك لأنه إذا ابتاعها لنفسه وولاه ذلك
كانت التولية بيعا من الغائب وذلك فاسد.
إذا قال انسان لصائغ: صغ لي خاتما من فضة وأنا أعطيك وزنه فضة وأجرة
صياغتك وعمل الصائغ الخاتم لم يجز أن يفعلا ذلك وكان الخاتم باقيا على ملك الصائغ
152

لأنه شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة وافترقا قبل التقابض وذلك مفسد للبيع، وإذا أراد بعد
صياغة الخاتم أن يشترى اشتراه شراء مستأنفا بغير جنسه كيف أراد أو بجنسه مثل وزنه،
فعلى هذا لا يصح إذا اشترى ثوبا أو ما جرى مجراه بمائة دينار إلا درهما أو بمائة درهم إلا
دينارا وكان باطلا لأن الثمن مجهول من حيث أنه لا يعلم كم الدرهم من الدنانير ولا
حصة الدينار من الدراهم إلا بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة، فإن استثنى من الجنس
فباع بمائة دينار إلا دينارا أو مائة درهم إلا درهما كان البيع صحيحا لأن الثمن حينئذ
يكون معلوما وهو الباقي بعد الاستثناء.
إذا باع ثوبا بمائة درهم صرف عشرين درهما بدينار كان الشراء باطلا لأن الثمن غير
معين ولا موصوف بصفة يصير معلوما بها، وإذا اشترى انسان من غيره ثوبا بنصف دينار
وجب عليه شق دينار ولا يلزمه ذلك من دينار صحيح، وهكذا إذا اشترى منه ثوبا آخر
بنصف دينار لزمه نصف آخر مكسور ولا يلزمه دينار صحيح لأن نصف دينار يقتضي
ذلك مفردا فإن دفع إليه دينارا صحيحا كان جائزا لأنه يكون قد زاده جزاء.
فإن شرط في البيع الثاني أن يدفع إليه عن البيع الأول والثاني دينارا صحيحا حتى
يزيد في ثمن الثوب الأول فيجعل المكسور من دينار صحيح فهذه الزيادة لا تلحق بالأول
لثبوته وإبرامه ولأن الزيادة مجهولة وإذا لم تلحق بالأول لم تثبت في الثوب الثاني لأن ذلك
مجهول فكان باطلا، وإن لم يكن البيع الأول قد لزمه ولا انقطع الخيار فالخيار باق بينهما
فقد بطل الأول ولم يصح الثاني لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة لم يصح ولا
يلحق بالثمن فلم يثبت، وإذا لم تثبت هذه الزيادة معه ولم يرض بأن يكون نصف دينار
ثمنا للواحد حتى تكون هذه الزيادة معه في ثمن الثوب الآخر فكان الثمن مجهولا فلا
يصح.
وإذا ابتاع انسان من غيره ثوبا بعشرين درهما وأحضره عشرين درهما صحاحا وزنها
عشرون درهما ونصف فقبض وأخذ بنصف درهم فضة كان جائزا، فإن كان قد شرط
ذلك في أصل بيع الثوب كان البيع فاسدا لأنه شرط عليه بيع نصف درهم وهذه بيعتان
153

وذلك غير صحيح.
واعلم أن الربا لا ينعقد بين الولد وولده والسيد وعبده والحربي والمسلم، والمرأة
وزوجها، وينعقد بين من خالف هؤلاء وعلى ما ذكرنا يجوز أن يعطي كل من ذكرنا من
صاحبه الدرهم بدرهمين والدينار بدينارين وكذلك في كل موزون ومكيل.
واللحوم فيها أجناس مختلفة فلحم الغنم الضأن منها والماعز فهو جنس واحد ولحم البقر
الإنسي جواميسها وغير جواميسها جنس واحد ولحم البقر الوحشي جنس واحد ولحم
الإبل عرابها وبخاتيها وغير ذلك منها فهو جنس واحد ولحم القطاة جنس واحد ولحم
الكراكي جنس واحد ولحم الحبارى جنس واحد ولحم الحمام جنس واحد ولحم
القماري جنس واحد ولحم الحجل جنس واحد ولحم الدراج جنس واحد ولحم الطيهوج
جنس واحد ولحم الدجاج الحبشي وغير الحبشي جنس واحد ولحم العصافير جنس
واحد.
وأما السمك فكل ما اختص منه باسم فهو جنس واحد، وكل جنس مما ذكرنا من
اللحوم فإنه يجوز بيعه بجنس آخر مثلا بمثل ومتفاضلا رطبين كانا أو يابسين أو كان
أحدهما رطبا والآخر يابسا، فأما بيع بعض جنس الواحد ببعض الآخر منه فيجوز مثلا
بمثل، ويجوز بيع المطبوخ بعضه ببعض وكذلك ما كان مشويا، ويجوز بيع المشوي بالمطبوخ
والمطبوخ بالنيئ والنئ بالمشوي، ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان الجنس واحدا
مثل أن باع شاة بلحم شاة أو بقرة بلحم بقرة أو جملا بلحم جمل أو لحم جمل بلحم شاة أو
لحم شاة بلحم غنم وهكذا جميع ما يجري هذا المجرى لأنه لا يؤمن الربا فيه، ويجوز بيع
دجاجة فيها بيض ببيض وبيع سمكة حية بلحم بقرة أو شاة أو ما أشبه ذلك.
باب أحكام العقود:
كل عقد انعقد في نخل من بيع أو إجارة أو نكاح أو مخالعة أو مصالحة وكان النخل قد
أبر فإن الثمرة تكون للمالك الأول دون الذي انتقل ملك النخل إليه، وإن لم يكن أبره
154

كانت الثمرة للذي انتقل ملك النخل إليه دون المالك، فإن انتقل ملك النخل من غير
عقد معاوضة ومثاله أن يبتاع الانسان من غيره نخلة حائلا فتطلع في ملك المشتري ثم
تفلس بالثمن ويرجع البائع بالنخلة فليس له الرجوع عليه بالطلع، وإذا طلعت النخلة في
يد زوجة رجل وطلقها قبل الدخول بها رجع إليها بنصف النخلة دون الطلع.
فإن رهن انسان نخلة قبل التأبير لم يدخل الطلع في الرهن لأن عقد الرهن لم يتناول
الطلع وإنما يتناول غيره، ومن وهب نخلة مطلعة قبل تأبيرها وسلمها لم يدخل الطلع في
الهبة، وإن وهب نخلة حائلة وكان ممن له الرجوع في هذه الهبة وأطلعت في يد الموهوب له
ورجع الواهب فيها لم يكن له الرجوع في الطلع لأنه حصل في يد الموهوب له.
والنخل إذا كان في بستان وفيه ما قد أبر وفيه ما لم يؤبر وباع المؤبر لإنسان والثاني لغير
ذلك الانسان كانت ثمرة المؤبر للبائع وثمرة ما لم يؤبر للمشتري، فإذا طلع نخل البستان
وأبر منه نخلة واحدة فليس يصير الباقي بذلك في معنى المؤبرة كانت ثمرتها للبائع
فإن باع غير المؤبرة كانت ثمرتها للمشتري ولم يتعد حكم المؤبرة إلى ما لم يؤبر،
وإذا تشقق طلع النخلة وظهرت الثمرة بالرياح اللواقح، وهو أن يكون فحول
النخلة في جهة الصبا في وقت الإبار فإن الإناث تتأبر بذلك، وإذا باع نخلة من
الفحول مطلعة كان طلعها للبائع دون المشتري سواء تشقق أو لم يتشقق.
واعلم أن القطن يختلف ففيه ما يكون له أصل يبقى سنين يحمل في كل سنة وذلك
يكون بأرض الحجاز والبصرة وفيه ما لا يكون كذلك، فإذا باع انسان شيئا مما ذكرنا أن
أصله يكون ثابتا وكانت جوزقة قد خرجت وتشققت كان القطن للبائع إلا أن يشترط
المبتاع ذلك لنفسه، فإن لم يكن جوزقة خرجت أو خرجت ولم تتشقق فإنه يكون
للمشتري،
وما يكون من القطن زرعا وهو الذي لا يكون له أصل ثابت مثل ما يكون منه
بخراسان والعراق وغير ذلك من البلدان المخالفة للحجاز والبصرة، فإنه إذا باع الأرض
155

وفيها شئ من هذا القطن وكان زرعا أو جوزقا لم يشد فهو للبائع إلا أن يشترطه، وإن
كان قد قوي وتشقق وظهر القطن كان للبائع أيضا إلا أن يشترطه المشتري فيكون له،
وإن كان جوزقا قد قوي واشتد ولم يتشقق ولم يظهر القطن كان للبائع وكانت الأرض
للمشتري، فإن شرط المشتري أن يكون القطن له كان هذا الشرط باطلا، وكذلك إذا باع
أرضا وفيها حنطة قد أخرجت سنابل واشتدت وشرط السنابل للمشتري كان هذا الشرط
في الحنطة باطلا وغير باطل فيما عداه من الأرض.
فأما ما يخالف النخل والقطن من الأشجار الثابتة التي تحمل في كل سنة فمنها ما يخرج
ثمرته في غير ورود وأكمام وفيها ما يخرج في ذلك، فأما الأول فهو مثل التين والعنب فإن
باع انسان أصل شئ من ذلك وكانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع إلا أن يشترطها
المشتري فإنها تكون للمشتري فيكون له بالشرط، فإن كانت لم تخرج وقد خرج في ملك
المشتري فإنها تكون للمشتري دون البائع.
فأما ما يخرج ثمرته في ورد فإن كان باع شيئا من أصول ذلك وقد خرج الورد وتناثر
وظهرت الثمرة كانت للبائع إلا أن يشترطها المشتري، فإن لم يتناثر وردها ولم تظهر
الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري، وأما ما يخرج في كمام مثل الجوز وغيره مما دونه قشر
يستره إذا ظهرت ثمرته فإن الثمرة للبائع إلا أن يشترطها المشتري، فأما ما يكون وردا بغير
ثمرة مثل شجر الياسمين والنسترن والبنفسج والورد والنرجس وما جرى مجرى ذلك مما
يبقى أصله في الأرض ويحمل حملا بعد حمل فإنه إذا باع شيئا من أصله وكان ورده قد تفتح
كان للبائع وإن لم يكن قد تفتح فهو للمشتري.
وإذا باع شيئا من شجر التوت وكان ورقه قد خرج فهو للمشتري ولا شئ للبائع لأن
الورق يجري مجرى الأغصان، ومن باع أرضا وكان فيها زرع له عروق يبقى ويجز مرة بعد
مرة نظر فيه، فإن كان مجزوزا كان للمشتري وما ينبت في ملكه وإن لم يكن مجزوزا وكان
ظاهرا كانت الجزة الأولى للبائع والثانية للمشتري لأنها نبتت في ملكه.
وإذا عطشت أصول الشجرة كان للمشتري سقيها ومؤونة السقي عليه ولا يجوز للبائع
156

لهذه الشجرة منعه من ذلك، فإن عطشت الثمرة على ملك البائع كان له سقيها ومؤونة
السقي عليه دون المشتري وليس للمشتري منعه من ذلك، فإن كان سقي الأصول يضر
بالثمرة أو سقي الثمرة يضر بالأصول ووقعت المشاحة بينهما في ذلك فسخ العقد بينهما وقد
ذكر أن الممتنع من ذلك يجبر عليه.
ومن باع أرضا وفيها شجر وبناء وقال للمشتري: بعتك هذه الأرض بحقوقها، دخل
البناء والشجر في البيع وإن لم يقل بحقوقها لم يدخل ذلك في البيع.
وقولنا: بستان، بالإطلاق اسم للأرض والشجر، فإن قال: بعتك هذا البستان،
دخل في ذلك الشجر مع الأرض، وقولنا: قرية، اسم يقع على البيوت دون مزارعها، فإن
قال: بعتك هذه القرية بحقوقها، لم يدخل المزارع في البيع إلا بالتسمية مثل أن يقول:
ومزارعها، فإن لم يقل ذلك لم يدخل المزارع في البيع، فإن كان في بيوت القرية شجر
وقال: بعتك هذه القرية بحقوقها، دخلت الأشجار التي من البيوت في البيع لأنها من
حقوق القرية، وقولنا: دار، اسم للأرض والبنيان، فمن باع دارا قال: بعتك هذه الدار
بحقوقها، وكان فيها شجر كان الشجر داخلا في البيع لأن الشجر من حقوقها.
فأما البنيان فيدخل في البيع جميع ما كان من الحيطان والسقوف والدرج المعقودة
والأبواب المنصوبة، وما كان فيها من سلم ينقل من مكان إلى آخر لم يدخل في البيع، وإن
كان مسمرا دخل فيه، وإذا كان فيها خوابي مدفونة دخلت في البيع لأنها تجري مجرى
الخزائن، فإن كان فيها من الحجارة أو الآجر أو اللبن ما هو مدفون ويخرج للبناء لم يدخل
في البيع، والأغلاق والمفاتيح والبئر وما فيها من الحجر والآجر يدخلان في البيع.
والبئر والماء الذي فيها مملوكان، إلا أن هذا الماء وإن كان مملوكا فإنه لا يصح بيعه وإذا
لم يصح بيعه لم يدخل في البيع وإن كان مملوكا، والمياه التي تجري في الأنهار مثل النيل
والفرات والدجلة وما جرى مجرى ذلك غير مملوكة ولا يصح بيع شئ منها إلا بالحيازة فإذا
حاز الانسان منها شيئا جاز وصح بيعه، وأما قبل الحيازة فلا يصح ذلك وهكذا الحكم فيما
يجري منها إلى ملك الانسان في أنه لا يملكه إلا بالحيازة.
157

وما كان من معادن الذهب أو الفضة أو ما جرى مجرى ذلك فإن الجامد من أجزاء
الأرض المملوكة مملوك ويصح بيعه معها، والنخل إذا لم يؤبر وباع مالكه منه شيئا فقد
قلنا فيما تقدم: إن ثمرته للمشتري، فإن هلكت هذه في يد البائع قبل التسليم كان المشتري
مخيرا بين فسخ البيع لهلاك المبيع وبين إمضائه في الأصول بجميع الثمن أو بجنسه.
وإذا باع السيد عبده وقطعت يد العبد قبل تسليمه وقبض المشتري له كان المشتري
مخيرا بين فسخ البيع لنقصان المبيع وبين إمضائه بجميع الثمن لأن الثمن لا يصح انقسامه
على هذه الأطراف.
وإذا باع انسان أرضا وفيها زرع ظاهر بيعا مطلقا وكان الزرع مما يحصد مرة واحدة
مثل الحنطة والشعير وما جرى مجرى ذلك فقد ذكرنا أن الزرع يكون للبائع، فإذا كان
كذلك فله أن يبقيه في الأرض إلى أوان الحصاد ولا يلزمه أجرة المثل للمشتري، فإن
حصده قصيلا وأراد أن ينتفع بالأرض إلى أوان الحصاد لم يكن له ذلك، فإن كان له فيها
زرع من غير الحنطة وحصده في أوان الحصاد وكان له عروق يضر بقاؤها بالأرض وجب
عليه نقلها، فإن نقلها وصارت الأرض بذلك حفرا وجب عليه إصلاحها وتعديلها وإن لم
يبق له عروق يضر بها لم يلزمه ذلك.
ومن باع دارا وله فيها رحل أو متاع أو قماش وجب عليه نقله منها وتفريغها له من
ذلك، فإن كان فيها ما لا يخرج من بابها مثل الخابية والحب وما أشبه ذلك فإنه يجب عليه
هدم الباب وإخراجه وبناء الباب كما كان ولا يلزم المشتري في ذلك شئ، فإن غصب
غيره بهيمة صغيرا أو فصيلا وأدخله داره وبقي فيها حتى كبر وطلبه مالكه ولم يخرج من
بابها وجب عليه هدم الباب وإخراجه ولم يلزم مالك البهيمة ولا الفصيل في ذلك شئ
لأنه متعد.
فإن لم يكن البيع مطلقا أو باع الأرض مع الزرع وكان الزرع لم يسنبل ويشتد، فهما في
المبيع سواء والشرط في ذلك صحيح ويكون الأرض والزرع جميعا للمشتري، وإن كان
الزرع قد سنبل واشتد الحب جاز بيعه منفردا.
158

وإذا كان الزرع مما لا يحصد مرة واحدة بل هو مما يحصد مرة بعد أخرى مثل
الكرفس والهندباء والنعناع وما أشبه ذلك من البقول وكان قد جز جزة أولى كانت
العروق داخلة في بيع الأرض لأنها من حقوقها، وإن كانت لم تجز الجزة الأولى كانت هذه
الجزة للبائع والباقي للمشتري، وإذا كانت الجزة الأولى للبائع وجب عليه جزها في وقت
البيع وليس له تركها إلى أن يبلغ أوان الجزاز لأن ذلك يؤدى إلى اختلاط حق البائع بحق
المشتري لأن الزيادة التي تحصل للمشتري تنبت مع أصوله التي ملكها بالبيع.
فإن باع أرضا قد غرس فيها غرسا أو بذر فيها بذرا لما يبقى أصوله حملا بعد حمل مثل نوى
الشجر وبذر ألقت وما جرى مجرى ذلك مما يجز دفعة بعد أخرى كان ذلك داخلا في
البيع لأنه من حقوقه.
فإن باع الأرض بيعا مطلقا وفيها بذر لما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير لم
يدخل ذلك في البيع، وإذا لم يدخل في البيع وكان المشتري عالما بهذا البذر كان البيع
ماضيا عليه ولم يكن له خيار فيه لأنه قد رضي بضرره ووجب عليه تركه إلى وقت
الحصاد، وإذا لم يكن عالما به كان مخيرا بين فسخ البيع وبين إمضائه بجميع الثمن لأن
النقص الذي في الأرض بترك الزرع إلى أوان الحصاد ليس مما يتقسط الثمن عليه وإنما
هو عيب محض فله الخيار فيما ذكرناه، وإن شرط البائع نقل ذلك في مدة يسيرة لم يكن
للمشتري خيار في ذلك لزوال العيب بهذا النقل، وإن لم يبع الأرض بيعا صحيحا مطلقا
وباعها مع البذر كان البيع صحيحا.
باب بيع الثمار:
بيع الثمرة على ضربين: إما أن يكون بيعا لسنة واحدة أو سنتين فصاعدا، فإن كان
لسنة واحدة فهو على ثلاثة أضرب: إما أن يكون لما بدا صلاحه أو لما بدا صلاح بعضه
أو لما لم يبد صلاح شئ منه جملة، فإن كان لما بدا بعضه أيضا كان البيع صحيحا وإن
كان لما لم يبد صلاح شئ منه جملة، فإما أن يكون المبيع يضم مع الثمرة غيرها من
159

الخضر من تلك الأرض أو غيرهما أو لا يكون يضم مع ذلك شئ، فإن كان يضم معها
غيرها كان البيع صحيحا فإن كان لم يضم مع ذلك شيئا كان البيع فاسدا.
وإن كان البيع لسنتين أو أكثر فهو على ثلاثة أضرب: إما أن يكون بدا صلاح ذلك
أو بدا صلاح بعضه أو لم يبد صلاح شئ منه وعلى الثلاثة الأضرب يكون البيع
صحيحا، بخلاف البيع في السنة الواحدة لأنها إن خاست في سنة زكت في الأخرى على
الأكثر في مجرى العادة.
وحد بدو صلاح الثمرة في النخل احمرار البسر أو تغيره، وفي الفاكهة انعقادها بعد
شموط وردها عنه، وفي الكرم انعقاد الحصرم وفي البطيخ حصول النضح فيه وفي القثاء
والخيار أن ينتهي كبر بعضه، وإن كانت الثمار مختلفة أو غير مختلفة وهي في بستان واحد
وبدا صلاح بعضها يصح بيع الجميع وإن كانت أجناسا مختلفة، وإذا كانت في بساتين
وظهر صلاحها في البستان الواحد ولم يظهر في الآخر لم يصح بيع شئ من ثمار البستان
الذي لم يبد صلاح شئ من ثمرته ولا يضم مع ثمار البستان الآخر لأن لكل بستان
حكم نفسه.
والأرض إذا كان فيها أصول القثاء والبطيخ والخيار والباذنجان وقد حملت وباع شيئا
من ذلك فعلى ضربين: إما أن يكون باع الحمل الظاهر منفردا أو يكون باعه مع الأصول،
وإن كان باع الحمل الظاهر دون الأصول وكان قبل بدو صلاحه لم يجز بيعه إلا بشرط
القطع، فأما مطلقا أو بشرط التبقية إلى أوان اللقاط والبلوع فلا يصح، فإن كان قد بدا
صلاحه جاز بيعه بشرط القطع والتبقية إلى أوان اللقاط والبلوع ويجوز أيضا بيعه مطلقا من
غير شرط.
وإذا كان قد اشتراه ولقطه فقد استوفى حقه، فإن تركه حتى اختلط بحمل حادث
بعده وكان الحملان يتميزان كان الأول للمشتري والثاني للبائع، وإن لم يكن ذلك
متميزا قيل للبائع: سلم الجميع إلى المشتري، فإن فعل أجبر المشتري على قبوله ومضى
البيع لأنه زيادة وإن امتنع البائع من ذلك وفسخ البائع من ذلك فسخ البيع.
160

وإذا باع انسان ثمرة بستان واستثنى من ذلك نخلات معينة أو أرطالا معلومة كان
البيع صحيحا وإن استثنى ما لم يعينه لم يصح البيع، فإن قال للمشتري: بعتك هذه الصبرة
إلا مكوكا، كان البيع صحيحا لأن ذلك معلوم وإن قال: بعتك هذا الثوب بدينار إلا
درهما، لم يصح البيع لأن الدرهم ليس من جنس الدينار ولا معلوم كم هو منه في حال
انعقاد البيع، فإن قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يخص ألفا منها، كان البيع
صحيحا ويكون المبيع منها نصفها وربعها لأن الذي يخص ألفا منها ربعها، وإن قال:
بعتكها بأربعة آلاف إلا ما يساوى ألفا منها بسعر اليوم لم يصح ذلك لأن ما يساوى ألف
درهم من الثمرة لا يعلم قدره فيكون مجهولا.
فإن باع ثمرتها على رؤوس النخل بعد بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها وأصابتها
جائحة نظر فيها، فإن كان قبل التسليم فإن هلك الجميع بطل البيع ووجب على البائع رد
الثمن على المشتري، فإن هلك البعض انفسخ البيع في الهالك دون الباقي ويأخذ بحصته
من الثمرة، وإن كانت الهلاكة بعد التسليم لم ينفسخ البيع، وإذا باع شاة واستثنى جلدها
أو رأسها أو كارعها في سفر كان أو حضر لم يصح البيع وإن فعل ذلك كان له مقدار الجلد
والرأس وما يستثنيه من أطرافها.
وإذا هلك المبيع قبل القبض وكان ثمرة مجذوذة مقطوعة على الأرض فإن القبض فيها
النقل لأنها مما ينقل ويحول فإن فيها الأربعة الأقسام التي سلف ذكرها، وإن كانت على
رؤوس الشجرة والقبض فيها التخلية بينها وبين المشتري، فإذا هلك قبل ذلك فيها أيضا
الأربعة الأقسام السالف ذكرها، وإن كان هلاكه بعد التخلية قبل الحصاد كانت من
مال المشتري لأن بالتخلية تكون مقبوضة وهلاك المبيع بعد القبض غير مؤثر في صحة
البيع بغير خلاف في ذلك.
وإن كان المبيع غير ثمرة بل مثل الحيوان أو العقار والعروض وما جرى مجرى ذلك
فهلاكه لا يخلو من أن يكون بأمر سماوي أو بإهلاك البائع أو أجنبي أو المشتري.
فإن كان سماويا انفسخ البيع لأن الإقباض فيه غير متمكن، فإن كان المشتري قد
161

سلم الثمن إلى البائع وجب رده عليه وإن لم يكن سلمه إليه فقد برأ منه ولم يلزمه منه شئ
على كل حال، وإن كان البائع أهلكه انفسخ البيع أيضا لمثل ما قدمناه من أن الإقباض
فيه غير ممكن، وإن كان الأجنبي أهلكه كان المشتري مخيرا بين فسخه واسترجاع الثمن
إن كان قد سلمه وبين إمضاء البيع والرجوع عليه بالقيمة لأن الأجنبي يصح الرجوع
بذلك عليه، فإن كان المشتري أهلكه لم ينفسخ البيع وكان ماضيا ولازما له ويكون
إهلاكه كذلك بمنزلة قبضه له.
بيع المحاقلة والمزابنة:
ولا يجوز بيع المحاقلة، وهو بيع السنابل التي قد انعقد الحب فيها واشتد بحب من ذلك
السنبل، وقد ورد في بعض الأخبار جواز بيعه بحب من جنسه والأحوط ما ذكرناه لأنه إن
بيع بحب من جنسه كان مؤديا إلى الربا وذلك باطل، ولا يجوز بيع المزابنة، وهو بيع الثمرة
على رؤوس الشجر بثمر منه، وقد ذكر جواز بيعه بثمر موضوع على الأرض، والأحوط
ما ذكرناه لمثل ما تقدم ذكره في السنبل من كونه مؤديا إلى الربا.
وإذا تبايع اثنان بطيخا أو قثاء مجموعا فقال أحدهما للآخر: عد بطيخك أو قثائك
المجموع فإن نقص عن مائة كان على تمامه وإن زاد فهو لي، أو قال له: أطحن حنطتك
هذا فما زاد على كذا فلي وما نقص كان على تمامه، لم يجز ذلك وكان باطلا. وإذا قال له:
أنا أضمن لك صبرتك هذه بخمسين صاعا فما زاد على ذلك فلي وما نقص فعلى إتمامها،
لم يجز ذلك
بيع العرية:
ويجوز بيع العرايا بخرصها تمرا، والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في
بستان غيره يشق عليه الدخول إليها، فإن كان له نخل متفرق في كل بستان منه نخلة جاز
بيعها واحدة واحدة بخرصها تمرا سواء بلغ الأوساق أو لم يبلغ، فإن كان له نخلتان عليهما
162

ثمرة فخرصاهما تمرا، فإن كانا عريتين صح بيعهما وإن لم يكونا عريتين لم يجز ذلك،
ولا يجوز بيع الرطب في رؤوس النخل خرصا برطب على الأرض كيلا لأنه من المزابنة.
والتقابض قبل التفرق من شرط صحة البيع لأن ما فيه الربا لا يجوز التفرق فيه قبل
التقابض، والقبض في التمر الموضوع على الأرض النقل وفي الرطب التخلية بين المشتري
وبينه كما قدمناه، ومن شرطه أن يحضره التمر موضع النخل لأن المتبايعين إذا تعاقدا
وخلى البائع بين الثمرة وبين المشتري جاز أن يمضيا إلى موضع التمر ويستوفى لأن التفرق
إنما هو بالبدن وذلك لا يحصل إذا انتقلا جميعا من مجلس البيع إلى مكان آخر، وبالجملة:
فإن المراعي شرطان: أحدهما المماثلة من طريق الخرص والآخر التقابض قبل التفرق
بالبدن، والعرية لا تكون إلا في النخل دون غيرها من الشجر.
ومن باع غيره صبرة من طعام بصبرة من جنسها وكانا قد اكتالا ذلك وعرفا تساويهما
في المقدار كان البيع جائزا، وإن جهلا تساويهما ولم يشترطا التساوي لم يجز ذلك لأن
ما يجري فيه الربا لا يجوز بيعه ببعض جزافا.
ولو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال المشتري:
اشتريت، فإنهما يكالان، فإن كانا متساويين كان البيع صحيحا وإن كان أحدهما أكثر
من الآخر كان البيع فاسدا لأنه ربا، فإن كانت الصبرتان من جنسين مختلفين فإن لم
يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء كان البيع صحيحا لأن الجنسين المختلفين يجوز التفاضل
فيهما فإن شرطا كيلا بكيل وخرجا متساويين في ذلك كان البيع جائزا، وإن خرجت
الواحدة أكثر من الأخرى وتبرع صاحب الصبرة الزائدة بالزيادة كان جائزا وإن لم يتبرع
صاحب الصبرة بذلك ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأخذها بقدرها من الصبرة الزائدة
كان البيع أيضا جائزا وإن لم يتبرع صاحب الزيادة بها ولا رضي المشتري بأخذ الأخرى
وتمانعا في ذلك كان البيع مفسوخا ولم يكن فسخه لأجل الربا لكن لأن كل واحد منهما
باع صبرته بجميع صبرة الآخر على أنهما متساويان في المقدار، فإذا تفاضلا وتمانعا كان
فسخ البيع بينهما هو الواجب.
163

باب بيع ما لم يقبض:
من اشترى طعاما وأراد بيعه قبل القبض لم يجز ذلك، فأما ما عدا الطعام من الأموال
فإنه يجوز بيعه قبل القبض.
فأما بيان كيفية القبض: فهو إن كان المبيع من الدنانير والدراهم والجواهر وما جرى
مجرى ذلك مما ينقل ويحول ويتناول باليد فقبضه هو التناول، وإن كان من الأرضين
والعقارات وما جرى مجرى ذلك مما لا ينقل ولا يحول فقبضه التخلية بينه وبين المشتري،
وإن كان من الحيوان كالعبيد والمماليك فقبضهم أن يقيمهم من مكانهم إلى موضع آخر،
وإن كان من البهائم فقبضه منه أن يمشي به من موضعه إلى موضع آخر فإن كان اشتراه
جزافا فقبضه نقله من موضعه فإن كان اشتراه مكائلة فقبضه أن يكيله.
فأما القبض الصحيح فعلى وجهين: أحدهما أن يسلم المبيع باختيار فيصح قبضه
والآخر أن يكون الثمن حالا أو مؤجلا، فإن قبضه المشتري من غير اختيار البائع لم يصح
القبض وكان البائع مطالبا برد المبيع إلى يده لأن له حبس الحق والتوثق به حتى يستوفي
الثمن، فأما إجارته قبل القبض فإنه يصح إلا فيما لا يصح بيعه قبل القبض لأن الإجارة
ضرب من البيوع، وكذا الكتابة يصح أيضا فيها لأنها ضرب من البيع إلا فيما استثناه.
وأما الرهن فيصح على كل حال لأنه ملكه فيصح منه التصرف، ويجوز تزويج الأمة
قبل قبضها أيضا ويكون وطء المشتري أو الزوج قبضا صحيحا.
وأما الصداق فيجوز من المرأة المستحقة له بيعه قبل قبضه وكذلك يجوز للرجل بيع
مال المخالعة
قبل القبض أيضا.
وأما الثمن فإذا كان معينا جاز بيعه قبل قبضه وكذلك إن كان في الذمة، فأما إن
كان صرفا فليس يجوز بيعه قبل القبض.
فإذا ورث انسان طعاما أو وصى له به ومات الموصي وقبل الوصية أو اغتنمه أو تعين
عليه ملكه فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، فإن أسلم في طعام معلوم و استسلف من آخر مثله
فلما حل الطعام عليه قال لمن أسلم إليه: أحضر لي عند من أسلمت إليه فإن لي قفيزا من
164

الطعام حل عليه حتى أكتاله لك فإنه يجوز أن يكتاله لنفسه ويقبضه إياه بكيله إذا
شاهده، وإن أمره أن يكال له عن ذلك الغير ووكله فيه فإذا قبضه احتسب به عنه كان
جائزا.
فإن أسلم في طعام وباعه من آخر لم يصح ذلك إلا أن يجعله وكيله في قبضه وإذا
قبض عنه كان القبض حينئذ قبضا فإن اكتال هو لنفسه منه ووثق به ذلك الغير الذي له
عليه كان جائزا، وإن قال له: امض إليه واكتل لنفسك، لم يكن صحيحا لأنه يكون باع
طعاما قبل أن يكتاله ويحتاج أن يرد من أخذه على صاحبه ثم يكتاله إما عن الذي أمره
بقبضه أو يكتاله الآمر فيصح له قبضه منه إما بكيل مجدد أو يصدقه فيه، فإن كاله الآمر
ثم كاله المشتري منه كان صحيحا والأول أحوط.
إذا حل على انسان طعام لعقد السلم فدفع إلى المسلم دراهم وقال له: خذها بدل
الطعام لم يصح ذلك لأن بيع المسلم قبل قبضه لا يصح سواء باعه من المسلم إليه أو من
أجنبي بغير خلاف، فإن دفع إليه الدراهم وقال له: اشتر الطعام بها لنفسك لم يصح أيضا
لأن الدراهم باقية على ملك المسلم فلا يصح أن يبتاع بها لنفسه طعاما، فإن ابتاع الطعام
وكان ابتياعه له بعينها لم يصح البيع وإن كان ابتياعه في الذمة ملك الطعام وضمن
الدراهم التي عليه لأنها مضمونة عليه فيكون للمسلم إليه في ذمته دراهم وعليه له الطعام
الذي كان له في ذمته.
وإن قال له: اشتر لي الطعام ثم اقبضه لنفسك صح الابتياع لأنه وكله في ابتياع
الطعام، وإذا قبضه لنفسه فهل يصح أم لا؟ فهو على ما تقدم ذكره في المسألة المتقدمة، وإذا
قال: اشتر لي بها طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك من نفسك، لم يجز قبضه من نفسه
لنفسه لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه.
وإذا كان للإنسان قفيز من الطعام على غيره مسلما والذي عليه هذا الطعام له على
غيره طعام قرضا فأحاله على من له عليه من جهة القرض كان جائزا، فإن كان الطعام
الذي له قرضا والذي عليه سلما جاز أيضا، فإن كان هذان الطعامان سلمين لم يجز ذلك
165

لأن بيع السلم قبل القبض لا يجوز بغير خلاف، وإن كان هذان الطعامان قرضين كان
جائزا بغير خلاف أيضا.
ومن كان له على انسان طعام بكيل معين منه فقبضه من غير كيل كان هذا القبض
فاسدا، فإن قال الانسان الذي عليه هذا الطعام: قد كلته وهو كذا وكذا وذكر قفيزة
معلومة فقبل صاحب الحق قوله صح القبض، فإن كاله بعد ذلك فوجده ناقصا عن حقه
كان له مطالبته بإتمامه وإن كان أكثر من حقه أعاد الزيادة إليه وإن كان قد استهلكه
كان القول قوله مع يمينه في مقداره، فإن باع الطعام الذي قبضه من غير كيل مضى البيع
فيما تحقق أنه حقه ولم يمض في الزيادة، وإن كان أقل من حقه أو هو حقه كان البيع
صحيحا.
ومن كان له على غيره طعاما قرضا فدفع إليه طعاما من جنسه كان جائزا، فإن كان
الذي دفعه إليه من غير جنسه فإما أن يكون ما دفعه إليه طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى
مجرى ذلك وإما أن يكون من غير هذا الطعام مثل الدنانير أو الدراهم أو غيرهما من العروض
أو الحيوان، فإن كان طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك فإما أن يكون في الذمة أو
عينا.
فإن كان في الذمة وعينه قبل التفرق وقبضه كان جائزا، وإن فارقه قبل القبض
وتعيينه لم يجز لأنه يكون حينئذ بيع دين بدين، وقد نهى عن بيع الكالئ بالكالي وهو الدين
بالدين، وإن كان مثل الدنانير والدراهم وغيرهما من العروض أو الحيوان كان جائزا، فإن
كان في الذمة ثم قبضه جاز في المجلس فإن كان في الذمة وفارقه قبل القبض لم يجز لأنه
يكون بيع دين بدين، وإن كان معينا ثم فارقه قبل القبض كان جائزا وجرى مجرى بيع
طعام ضمن في الذمة ويفترق قبل القبض فإنه يصح.
ومن كان له في ذمة غيره طعام فباع منه طعاما معينا ليقبضه من الطعام الذي له في
ذمته لم يصح لأنه شرط أن يقبض الدين الذي في ذمته من هذا الطعام بعينه وهذا غير لازم
له ولا يجوز أن يجب عليه، وإذا كان كذلك كان الشرط فاسدا وفسد البيع لأن الشرط إذا
166

كان فاسدا واقترن بالبيع فسد البيع، وقد ذكر جواز ذلك والأحوط ما ذكرناه
وإن اشترى انسان من غيره نخلة حائلة وتركها في يد البائع حتى أبرت كانت الثمرة
للمشتري، فإن هلكت الثمرة في يد البائع وسلمت الأصول لم يجب عليه ضمان في
هلاكها، وإن هلكت النخيل دون الثمرة انفسخ البيع وسقط الثمن عن المشتري وكانت
الثمرة له لأنه ملكها بغير عوض، وهكذا إذا كان المبيع في يد البائع واستفاد مالا أو وجد
كنزا أو لقطة أو وهب له أو أوصي له بشئ فإن ذلك كله للمشتري،
ومن ابتاع شقصا من أرض أو دار بمملوك وقبض الشقص ولم يسلم المملوك كان
للشفيع أن يأخذ منه بقيمة المملوك، وإن قبض وهلك المملوك في يده بطل البيع ولم تبطل
الشفعة في الشقص، ووجب عليه أن يدفع إلى البائع قيمة الشقص حين قبضه ووجب
على الشفيع للمشتري قيمة المملوك حين وقع البيع عليه لأن ثمن الشقص إذا كان لا مثل
له وجبت قيمته حين البيع.
ومن ابتاع من غيره عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب وباع العبد صح بيعه
لأنه قبضه وانتقل ضمانه إليه، وإن اشترى العبد وتسلمه ثم هلك الثوب الذي في يد
البائع انفسخ البيع ولزمه قيمة العبد لبائعه لأنه غير قادر على رده بعينه فهو بمنزلة المستهلك،
فإن اشترى العبد ولم يسلمه البائع حتى هلك العبد والثوب جميعا في يده لم يصح واحد من
البيعين وبطلا جميعا، فإذا اشترى انسان من غيره صبرة من طعام فوجدها مصبوبة على
نشو من الأرض أو ربوة أو صخرة أو دكة كان البيع باطلا لأن بيع ما يكال أو يوزن جزافا
لا يصح.
ومن أقرض غيره بمصر طعاما ثم اجتمعا بمكة وطالبه المقرض بالطعام لم يلزمه دفعه
إليه ولا أن يجبره الحاكم على ذلك لأن قيمته تختلف، فإن طالبه المقترض بقبضه لم يجبر
المقرض أيضا على ذلك لأنه يلزمه في حمله مؤونة، فإن تراضيا على ذلك كان جائزا، وإن
طالبه المقرض بقيمة الطعام جاز ذلك وصح أن يجبر على دفعها إليه.
ومن غصب من غيره طعاما وأتلفه كان الحكم فيه مثل ما ذكرنا، فإن أسلم إلى غيره
167

كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك القرض لأن بيع المسلم فيه قبل قبضه لا يجوز، ومن كان
له على غيره طعام فباعه طعاما بخمسة دراهم على أن يقبضه الطعام الذي له عليه أجود
منه لم يجز ذلك لأن الجودة بانفرادها لا يجوز أن تكون ثمنا، وإن قضاه أجود منه ليبيعه
طعاما بخمسة دراهم لم يجز أيضا، إذا باع طعاما بخمسة دراهم مؤجل وحل الأجل فأخذ
بها طعاما مثل ما أعطاه كان جائزا وإن أخذ أكثر من ذلك لم يجز.
باب بيع المصراة وأحكامها:
المصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة يجمع لبنها في ضرعها يوما أو أكثر من ذلك، فإذا
عرضت للبيع رآها من يريد ابتياعها كبيرة الضرع يوما فظن أنها تحلب في كل يوم مثل
ما هو في ضرعها من اللبن، فإذا حلبت نقص لبنها ورجعت إلى عادتها فقد دلس بجمع
اللبن في ضرعها على من يريد ابتياعها وذلك لا يجوز، وإنما سمي بهذا الاسم لجمع اللبن
في ضرعها ولا فرق في تناول ذلك بما ذكرناه بين ناقة أو بقرة أو شاة، فأما ما عدا ذلك من
الحيوان فمختلف فيه وليس في صحة أجرته عليه دليل فيقال به، ومدة الخيار في بيع ذلك
ثلاثة أيام كسائر الحيوان.
فمن ابتاع مصراة وهو عالم بالتصرية لم يكن له خيار في ردها، فإن ابتاعها وهو غير عالم
بذلك من حالها فدر لبنها وصار لبن العادة بتغيير المرعى ثم علم بأنها كانت وقت البيع
مصراة وأراد ردها لم يكن له ذلك لأن العيب قد زال عنها، فإن حلبها ورضي بها ثم
وجد بها عيبا جاز له الرد بالعيب لا بالتصرية، وإذا ابتاعها وأراد ردها وكان قد حلبها ردها
مع صاع من تمر أو صاع من بر، فإن كان لبنها باقيا وأراد رده معها لم يجبر البائع لها على
أخذه، فإن لم يرض بأخذ اللبن كان له الصاع الذي ذكرناه من التمر أو البر فإن لم يجد
ذلك كان عليه القيمة ولو بلغت فيه القيمة قيمة الشاة.
وإذا اشتراها غير مصراة ثم حلبها يوما أو أكثر منه ووجد بها عيبا وأراد ردها وكانت
وقت ابتياعها محلوبة ليس في ضرعها لبن كان له ردها وكان ما في ضرعها من اللبن له ولم
168

يلزمه شئ لأن ذلك حدث في ملكه، وإن كانت وقت ابتياعها غير محلوبة وفي ضرعها
لبن فإن استهلك لم يكن له الرد لأن بعض المبيع قد هلك ولم يكن له المطالبة بالأرش،
وإن كان قائما لم يستهلك كان له الرد.
باب بيع المعيوب:
لا يجوز لأحد أن يبيع غيره شيئا معيبا حتى يبين العيب للمشتري ويطلعه عليه وقد
ذكرنا في كتابنا " الكامل " أنه إذا تبرأ البائع إلى المشتري من جميع العيوب لم يكن له الرد
فكان ذلك كافيا ومغنيا عن ذكر العيوب على التفصيل، والذي ذكرناه هاهنا من تبيين
العيب للمشتري واطلاعه عليه على التفصيل أحوط والذي ينبغي أن يكون العمل عليه،
وعلى هذا إذا باع انسان غيره سلعة أو بهيمة وقال له: برأت إليك من جميع العيوب، لم يبرأ
من ذلك حتى يخبر بالعيب الذي تبرأ منه ولا تصح البراءة من عيب غير معلوم للمشتري.
والتبري من العيب إنما يكون عند عقد البيع وما كان قبل ذلك فإن علم المشتري
بالعيب ثم اشترى وأحدث في المبيع حدثا لزمه البيع، وإن لم يحدث شيئا ثم وجد به عيبا
لم يخبر به البائع كان مخيرا بين الرضا به وبين رده واسترجاع الثمن إن كان قد قبضه، فإن
اختلفا فقال البائع للمشتري: هذا العيب حدث عندك، وقال المشتري للبائع: لم يحدث
عندي بل بعتنيه معيبا ولم يكن لواحد منهما بينة كان على البائع اليمين بأنه باعه سالما، فإن
حلف لم يكن للمشتري عليه سبيل وإن لم يحلف كان الدرك عليه في ذلك.
ومن اشترى جارية ووطأها ووجد بها عيبا لزمته وله قيمة العيب وكذلك الحكم لو
زوجها، فإن كان لها زوج عند البائع وأقره المشتري على النكاح ووطأها زوجها عند
المشتري كان له ردها بالعيب، وإن كانت بكرا ولم يكن دخل بها عند البائع ودخل بها
عند المشتري ثم وجد بها عيبا لم يكن له ردها.
فإن اشترى بهيمة حائلا ثم حملت عند المشتري وولدت ووجد بها عيبا كان عند
البائع لم يكن له ردها وكان له أرش العيب، فإن ابتاعها حاملا ثم ولدت ووجد بها عيبا
169

كان عند البائع فله ردها ويرد الولد معها لأن الولد له قسط من الثمن.
فإن اشترى جارية ووطأها ثم بان له فيها بعد وطئه لها عيب لم يكن له ردها وكان له
الأرش سواء كان ثيبا أو بكرا، فإن غصب جارية وافتضها كان عليه ما نقص من قيمتها،
إذا عفا الشفيع عند الشفعة بعوض يشترط على المشتري كان جائزا وقد ذكر أنه لا يملك
العوض وإن قبضه، والأولى ما قلناه لأن الشفعة حق الشفيع وإذا عفا عن حقه وأسقطه
سقط.
وإذا اشترى اثنان مملوكا صفقة واحدة ووجدا به عيبا كانا مخيرين بين رده وبين
إمساكه، فإن أراد أحدهما رده وأراد الآخر إمساكه لم يكن للذي أراد الرد أن يرده حتى
يتفقا، فإن كان أحدهما اشترى نصفه بعقد واشترى الآخر النصف الآخر بعقد ووجدا به
عيبا كان لكل واحد منهما رد نصيبه بالعيب بغير خلاف، فإن ابتاع عبدين صفقة واحدة
ووجد فيهما عيبا وأراد الرد، ردهما جميعا وليس له رد المعيب وإمساك الصحيح.
وإذا قال رجل لرجلين: بعتكما هذا العبد، فقال الواحد منهما: قبلت نصفه بنصف
ما قال من الثمن، لم ينعقد البيع لأنه ليس مطابقا لإيجابه، فإن قال: بعتكما هذين
العبدين بألف، فقبل أحد العبدين بخمس مائة لم يجز بغير خلاف وفي الناس من خالف
في المسألة الأولى، والفرق بينهما أنه إذا قال: بعتكما هذين العبدين فإنما أوجب لكل
واحد منها نصف كل واحد من العبدين، وإذا قبل أحد العبدين فقد قبل ما لم يوجبه
وبثمن لا يقتضيه إيجابه لأن الثمن ينقسم على قدر قيمة العبدين ولا يقابل بنصف الثمن
أحدهما، فإن قال: قبلت نصف كل واحد منهما بنصف الثمن، كان مثل المسألة الأولى، فإن
قال: قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن، لم يصح أيضا لأن حصته مجهولة.
وإذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذين العبدين بألف درهم، هذا العبد منك وهذا
العبد منك، فقبله أحدهما بخمس مائة لم يصح لأنه قبله بالثمن الذي لم يوجب لأن
الألف مقسومة على قدر القيمتين لا على عددهما إجماعا، وإن قال لرجل: بعتك هذين
170

لأن مطلق العبد يتضمن سلامة الأعضاء، وإن شرط كونه خصيا فخرج فحلا كان له
الخيار فإن خرج العبد مخنثا كان له الخيار وكذلك له الخيار إذا خرج آبقا أو سارقا، وإذا
بألف درهم، فقال: قبلت البيع، صح وإن جهل ما يقابل كل واحد من العبدين من
الألف لأن ذلك صفقة واحدة والثمن معلوم في الجملة، فإن باعهما لاثنين كان ذلك
صفقتين ويجب أن يكون الثمن معلوما في كل واحد منهما، فإن قال: بعتكما هذين العبدين
هذا العبد منك بخمس مائة وهذا الآخر منك بخمس مائة، كان البيع صحيحا لأن
الثمن على كل واحد منهما قد حصل معلوما، فإن قال: بعتك هذين العبدين بألف،
فقال: قبلت نصفي هذين العبدين بخمس مائة، لم يصح ذلك لمثل ما قدمناه.
وإذا وكل اثنان إنسانا في ابتياع عبد فاشتراه من رجل وكان هذا المشتري قد بين
للبائع أنه يشترى العبد لموكليه صح الشراء لهما وانتقل الملك إليهما ولم يجز للواحد منها رد
نصيبه منه كما قدمناه في الاثنين إذا ابتاعا عبدا، وإن كان اشترى العبد مطلقا ولم يبين
للبائع ما ذكرناه ووجد به عيبا وأراد واحد منهما رد نصيبه لم يجز له ذلك بغير خلاف لأن
الظاهر أنه اشتراه له صفقة واحدة وقوله لا يقبل بعد البيع بأنه اشتراه لهما.
وإذا ابتاع انسان جارية جعدة فخرجت سبطة كان له الرد إذا اختار ذلك فإذا
ابتاعها سبطة وخرجت جعدة لم يكن له الرد لأنها خير مما شرط، وقد ذكر أنه له الرد
لأنها خلاف ما شرط والأول أقوى لما ذكرناه، وإن اشتراها وقد بيض وجهها بطلاء ثم
أسمر أو احمر خدها بالكلكون ثم أصفر كان مخيرا بين ردها وإمساكها.
فإن أسلم في جارية سبطة فسلم إليه جعدة فعلى ما قدمناه،
وإذا اشترى جارية ولم يشترط أنها بكر أو ثيب فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار
وكان له الأرش، ومن ابتاع عبدا مطلقا فخرج مسلما أو كافرا لم يكن له خيار لأنه لم
يشترط واحدا من الأمرين، فإن شرط كونه مسلما فخرج كافرا كان له الخيار لأنه
بخلاف ما شرط، وإن شرط كافرا فخرج مسلما لم يكن له خيار، وقال بعض الناس له
الخيار لأنه بخلاف ما شرط، والذي ذكرناه أصح لقول رسول الله ص:
171

الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فإن ابتاع عبدا مطلقا فخرج فحلا لم يكن له خيار وإن خرج خصيا كان له الخيار
اشترى عبدا وجارية مطلقا فخرجا غير مختونين لم يكن له خيار فإن شرط كونهما مختونين فلم
يكونا كذلك كان له الخيار، فإن اشترى عبدا أو جارية فظهر بهما جذام أو برص أو جنون
كان مخيرا في الرد إلى سنة.
ومن اشترى من غيره وباعه ثم وجد به عيبا فإن كان عالما بالعيب قبل بيعه كان
ذلك رضي منه بالعيب لأنه تصرف فيه، والعلقة فيه بينة وبين من ابتاعه منه منقطعة
لا سبيل له عليه بوجه من الوجوه، وإن كان المشتري الثاني علم بالعيب ورده عليه لم يكن
له رده على الذي اشتراه، فإن حدث عنده عيب ورجع بأرش المعيب عليه لم يكن له رجوع
على بائعه بأرش العيب لأنه قد رضي به، فإن كان لم يعلم بالعيب إلا بعد بيعه له لم يكن
له رده لأن ملكه قد زال ولم يجب له الأرش أيضا لأنه لم ييأس من الرد على البائع.
فإن كان كذلك لم يخل المشتري الثاني من أن يرده بالعيب على المشتري الأول أو يجد
من عنده عيب ويرجع بأرشه على المشتري الأول فإن رده رده هذا أيضا على الذي ابتاعه
منه ويسترجع منه الثمن، وإن رجع عليه بأرش العيب رجع هذا على بائعه بأرش العيب
وإن رضي بالعيب سقط رده والرجوع بأرش.
وأما المشتري الأول فإنه لا يرجع بأرش العيب إجماعا ثم لا يخلو المبيع من أن يرجع إلى
المشتري الأول بإرث أو بيع أو هبة أو لا يرجع إليه بذلك بل يعرض فيه ما يسقط الرد
بالعيب، فإن رجع إليه بأحد الوجوه التي ذكرناه كان له الرد على بائعه، فإن عرض
ما يسقط الرد وهو أن يهلك في يد المشتري الثاني أو يحدث به عيب أو يعتقه إن كان مملوكا
أو يوقفه إن كان مما يصح أن يوقف فإنه يرجع بأرش العيب لأنه آيس من الرد هذا إذا
باعه، فأما إن وهبه ثم علم بالعيب فليس له الرجوع لأنه مما لم ييأس من الرد لأنه يمكن
رجوعه فيه فيرده على بائعه.
وإذا ابتاع انسان من غيره عبدا فأبق منه، فإن كان الإباق به قبل البيع فهو عيب
172

يوجب الرد إلا أن يكون المشتري لا يمكنه رد العبد ما دام آبقا وليس له الرجوع أيضا
مع هذه الحال بأرش العيب لأنه لم ييأس من الرد، فإن رجع الأبق رده على بائعه وإن لم
يرجع وهلك في الإباق كان له الرجوع عليه بأرش العيب، وإذا لم يكن الإباق ثابتا قبل
البيع فهو حادث عند المشتري فلا يجب له الرد ولا الرجوع بالأرش.
وإن اشترى عبدا ثم وجد به عيبا مثل برص أو جذام أو غير ذلك ثم أبق العبد قبل أن
يرده، فإن كان الإباق عند البائع فرده غير ممكن في الحال ولا يرجع بأرش العيب، وإن
كان الإباق حادثا فقد حدث به عيب عنده فلا يجوز له رده وله أن يرجع بأرش العيب
في الحال، ومن اشترى شيئا وقبضه ثم وجد به عيبا كان عند البائع وحدث به عنده عيب
آخر لم يجز له الرد إلا برضا البائع فإن رضي ورده لم يكن له مطالبته بالأرش.
فإن ابتاع عبدا وأعتقه أو قتله أو مات حتف أنفه أو وقف ثم وجد به عيبا كان له
الرجوع بأرش العيب على البائع وكذلك الحكم إذا ابتاع طعاما فأكله ثم علم أنه كان به
عيب في أن له الرجوع بالأرش وكذلك الحكم إذا ابتاع ثوبا فصبغه أو قطعه ثم وجد به
عيبا فإن له الرجوع بالأرش، فإن اشترى دابة أو ثوبا فركب الدابة أو لبس الثوب بعد
علمه بالعيب لزمه فإن ركب الدابة لسقيها أو ليردها لم يلزمه على ذلك الركوب شئ.
وإذا اشترى انسان جارية وولدت عنده أو وطأها وباعها ولم يعلم الذي اشتراه منه
بذلك لم يكن عيبا إلا أن تنقصها الولادة أو الوطاء، ومن ابتاع نعلين أو زوجي خف أو
مصراعي باب ثم وجد بأحدهما عيبا فله ردهما جميعا لأنهما يجريان مجرى الشئ الواحد
وليس له رد المعيب منهما وإمساك ما لا عيب فيه منهما، فإن كان قد باع السالم من العيب
لم يكن له رد الباقي ولا الرجوع بشئ من الأرش، وكذلك إذا اشترى كرين من طعام أو
سائر ما يتساوى، وإذا ابتاع عبدا ورده على بائعه بعيب من غير حكم الحاكم لم يكن له
رده على الأول لأن ذلك بمنزلة الصلح.
ومن اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فحلبها وشرب لبنها لم يكن له ردها بعيب يظهر فيها
وله الأرش إلا بالتصرية وقد تقدم ذكرها، فإن اشترى عبدا فوجده مخنثا أو كافرا أو
173

سارقا كان ذلك عيبا وله الرد به، فإن وجده ولد الزنى أو شارب خمر لم يكن ذلك عيبا
يوجب ردا ولا غيره، فإن اشترى جارية فوجدها زانية كان ذلك عيبا وله أن يردها
بذلك، وإذا اشترى جارية أو عبدا ووجد بأحدهما من التآليل ما ينقص
الثمن كان ذلك عيبا وإن كان لا ينقص الثمن فليس بعيب، والأدرة
عيب والسمط والبخر والعشي والسن السوداء والسن الساقطة والضرس الساقط كل ذلك
عيب، والظفر الأسود القبيح إذا كان ينقص الثمن عيب وكذلك القرن وكل ما ينقص
من الرقيق فهو عيب والسلع والفتق عيب والكي والقروح والقرع والفحج والقدم عيوب
كلها، وكذلك الشتر في الرقيق والحول والخرس والظفر والشعرة في العين والجرب فيها وفي
غيرها من الجسم، والماء في العين والسبل والاستحاضة والسعال القديم وكل ما ينقص
الأيمان من العيوب، والعيوب التي في الدواب والإبل والبقر والغنم تجري مجرى العيوب
التي في الرقيق، والحبل في الجارية عيب وليس كذلك في البهائم.
وعيوب البهائم مثل الخنف والصدف والصكك والشدق والدحس والجرد والنطح
والزوائد والمشش والقمع والجمح والخرق ومنع السرج واللجام وحل الرسن وبل المخلاة
والقعاص والانتشار وما يعرفه النخاسون عيبا زائدة على ما ذكرناه وينقص من أثمان
البهائم،
فإن اشترى جارية محرمة لم يكن ذلك عيبا لأن له أن يحللها، فإن اشترى عبدا وعليه
دين لم يعلم به ثم علم كان له رده إلا أن يقضى عنه بائعه الدين، وإذا ابتاع عبدا وقطع
عنده طرف من بعض أطرافه وظهر له فيه عيب كان عند البائع سقط حكم الرد وكان له
الأرش.
وإذا اشترى انسان بيضا أو جوزا أو بطيخا أو ما جرى مجرى ذلك من الفواكه فوجد
جميعه فاسدا وقد كسره كان له رده وأخذ جميع الثمن ولم يكن للبائع مطالبة المشتري برد
ذلك كما كان لأنه سلطه على ذلك، فإن اشترى عبدا قد حل دمه لقصاص أو ردة وهو
غير عالم بذلك فقتل عند المشتري كان له الرجوع على البائع بجميع الثمن.
174

وإذا اشترى انسان من غيره إبريق فضة بمائة درهم فوزنه بمائة درهم فظهر به عيب ثم
حدث به عنده عيب آخر لم يجز له رده لحدوث العيب عنده ولم يجز له أيضا الرجوع بالأرش
لأنه ينقص الثمن عند وزنه فيصير ربا وإسقاط حكم العيب لا يجوز، وإذا كان كذلك
فقد ذكر أن البيع ينفسخ ويغرم المشتري قيمة الإبريق من الذهب ولا يجوز رده على البائع
لحدوث العيب عنده ويكون جاريا مجرى التالف، وذكر أيضا أن البيع ينفسخ ورد
الإبريق على البائع مع أرش النقصان الذي حصل في يد المبتاع ويكون ذلك جاريا مجرى
المأخوذ على طريق السوم، وإذا حدث النقص فيه فإنه يجب رده مع أرش النقصان وإن
كان الإبريق تالفا فسخ البيع ورد قيمته من الذهب وتلفه غير مانع من فسخ البيع.
وإذا اختلف المتبايعان في العيب وكان مما يمكن حدوثه عند البائع وعند المشتري
كان على المشتري البينة، فإن لم يكن بينة كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل
السلامة من العيب والأصل لزوم العقد والمشتري يدعي حدوث العيب في يد البائع
ويدعي ما يفسخ البيع به فيكون البينة عليه، وإن كان العيب مما لا يجوز أن يكون حادثا
في يد المشتري مثل أن يكون إصبعا زائدة أو قطع إصبع قد اندمل موضعه وقد ابتاعه من
يومه أو من أمسه ولا يكون الجراحة تبرأ في مثله فيكون القول قول المشتري من غير يمين،
فإن كانت الجراحة طرية وقد اشتراه من سنة ولا يجوز أن تكون الجراحة من سنة فإن
القول قول البائع من غير يمين.
وإذا ابتاع ثوبا فنشره فظهر له فيه عيب وكان النشر لا ينقصه من الثمن كان له رده
بالعيب، وإن كان ينقصه مثل ما ينطوي على طاقين ويلتصق أحدهما بالآخر فيكسره
بالنشر فيه الأرش ولا يجوز رده بالعيب.
وإذا جنى العبد جناية توجب القصاص وباعه سيده من غير إذن المجني عليه كان
البيع باطلا، وإن كانت الجناية توجب الأرش كان البيع صحيحا إذا تطوع السيد بالتزام
أمر الجناية، فإن كان العبد مرهونا وجنى العبد بيع في الجناية فإن كانت موجبة للأرش
يبطل الرهن وينتقل ما على الرهن إلى الذمة، وإذا بطل بيعه في القصاص على ما ذكرناه
175

فإنه يرد ويسترجع الثمن ويصير الحكومة بين سيده وبين المجني عليه وإن كانت الجناية
عمدا توجب القصاص اقتص منه وقد استوفى حقه، وإن عفي على مال أو كانت الجناية
توجب مالا كان المال متعلقا برقبة العبد ويكون السيد مخيرا بين أن يسلمه وأن يفديه من
ماله، فإن سلمه فبيع وكان الثمن مثل أرش الجناية دفع إلى المجني عليه وإن كان أقل منه
لم يلزم سيده غيره لأن الأرش لم يثبت في ذمة السيد ولا يتعلق بماله، ولو كان أكثر من
الأرش كان الفاضل مردود إلى السيد، وإن أراد يفديه فإن كانت الجناية أقل من قيمته
لزمه أرش الجناية وإن كانت أكثر من رقبته لم يلزمه الزائد على ذلك.
فإن غصب غيره عبدا فجنى العبد في يد الغاصب جناية توجب قصاصا ثم رد
الغاصب العبد على سيده فقتل قصاصا كان لسيده الرجوع بقيمة العبد على الغاصب لأنه
قتل بجناية حدثت في يده، وإذا ابتاع جارية حاملا ولم يعلم بذلك وكان بها عيب فماتت
في الطلق كان له الرجوع بأرش العيب على البائع لأنها ماتت من آلام الطلق وهي حادثة
في يد المشتري.
والعبد إذا كان مرتدا فقتل بردته رجع على البائع لأنه قتل بردة كانت عند البائع هذا
إذا كان غير عالم بالخيار بعد الشراء، فإن كان عالما قبل الشراء لم يكن له رده لأن ذلك
رضا منه، وإذا ابتاع عبدا وقد استحق قطع يده في يد البائع كان بالخيار، إن شاء رده
وفسخ البيع لأن القطع وجب في ملكه، فإن علم بذلك قبل الشراء لم يكن له الرجوع على
البائع بشئ لأنه رضا بالعيب.
والعبد لا يملك شيئا فإن ملكه سيده مالا لم يملك رقبته وإنما يملك التصرف فيه، فإن
باعه وله مال والسيد عالم به كان المال للمشتري وإن لم يكن عالما به كان المال للسيد،
فإن شرط المشتري أن يكون المال له كان له فإن لم يشترط ذلك كان للسيد، وإذا ابتاع
انسان عبدا له مال بشرط أن يكون المال للمبتاع فقبضه وظهر به عيب فإن كان علم
بالعيب بعد أن حدث به عنده نقص وعيب لم يكن له الرد وكان له الأرش الذي يرجع به
هاهنا و هو أن يقوم عبد ذو مال لا عيب فيه وعبد ذو مال به العيب الأول.
176

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
177

كتاب المكاسب
قال الله تعالى: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون
وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين، فقد جعل الله لخلقه من المعيشة
ما يتمكنون به من التقدير وأمرهم بالتصرف في ذلك من وجوه الحلال دون الحرام فليس
لأحد أن يتكسب بما حظره الله ولا يطلب رزقه من حيث حرمه.
والمعايش جمع معيشة وهي طلب أسباب الرزق مدة الحياة فقد يطلبها الانسان لنفسه
بالتصرف والتكسب وقد يطلب له فإن أتاه أسباب الرزق من غير طلب فذلك العيش الهنئ.
باب في تفصيل ما أجملناه:
قوله تعالى: ومن لستم له برازقين، من في موضع النصب عطفا على قوله: معايش،
والمراد به العبيد والإماء والدواب والأنعام، والعرب لا تجعل " من " إلا في الناس خاصة وغير
هم من العلماء فلما كان مع الدواب المماليك حسن حينئذ، ويجوز أن يكون " من " في موضع
خفض نسقا على الكاف والميم في " لوم "، وإن كان الظاهر المخفوض قلما يعطف على
المضمر المخفوض، ويجوز أن يكون في موضع رفع لأن الكلام قد تم قبله ويكون التقدير ولكم
فيها من لستم له برازقين.
وإن من شئ إلا عندنا خزائنه، أي ليس شئ إلا وهو قادر من جنسه على ما لا نهاية له،
179

ولست أنزل من ذلك الشئ إلا ما هو مصلحة لهم في الدين وينفعهم دون ما يكون مفسدة
لهم ويضرهم، وصدر الآية إشارة إلى قوله ع: اطلبوا الرزق في خبايا الأرض، فإنه
تعالى بسطها وجعل لها طولا وعرضا وطرح فيها جبالا ثابتة وأعلاما يهتدي بها وأخرج منها
النبات فيها من كل شئ بقدر معلوم، ومن الأشياء التي توزن من الذهب والفضة والنحاس
والحديد وغيرها.
فصل:
وقال الصادق ع في قوله تعالى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، أي سعة في الرزق
والمعاش وحسن الخلق في الدنيا: وفي الآخرة حسنة، رضوان الله والجنة في الآخرة.
وقال تعالى: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، أخبر تعالى على وجه
الامتنان على خلقه بأصناف نعمه أنه مكن عباده في الأرض من التصرف فيها من سكناها
وزراعتها وجعل لهم فيها ما يعيشون به مما أنبت لهم من الحبوب والثمرات وغيرها، والمعيشة
وصلة من جهة مكسب المطعم والمشرب والملبس إلى ما فيه الحياة، والتمكين إعطاء
ما يصح معه الفعل مع ارتفاع المنع لأن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى آلة وإلى
دلالة وإلى سبب كما يحتاج إلى رفع المنع والتمكين عبارة عن جميع ذلك.
وقال تعالى: كلوا من طيبات ما رزقناكم، المراد به الإباحة لأنه تعالى لا يريد المباحات من
الأكل والشرب وغيرهما: ولا تطغوا فيه، أي لا تتعدوا فيه فتأكلوه على وجه حرمه الله
فمتى طغيتم فيه وأكلتموه على وجه الحرام نزل عليكم غضبي.
فصل:
وقال بعض المفسرين: إن قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا،
إشارة إلى ما ذكره النبي ع تفصيلا لتلك الجملة وهو قوله: إذا مر الانسان
بالثمرة جاز له أن يأكل منها بقدر كفايته ولا يحمل منها شيئا على حال، ولذلك قال تعالى
بعده: ولا تتبعوا خطوات الشيطان.
180

وكان لموسى بن جعفر ع ضيعة فيها كروم وفواكه فأتاه آت وقت الإدراك
ليشتريها فقال ع: إني أبيعها مشروطة أن تجعل من أربع جوانب الحائط مدخلا
ليأكل كل من يمر عليها مقدار ما يشتهيه فإني لا يمكنني أن أبيع القدر الذي يأكله من
يمر عليها، فاشترها على ما تريد بهذا الشرط واحفظه لئلا يحمل شيئا ويخرج.
وقد بين الله الحلال فقال: ونزلنا من السماء ماءا مباركا فأنبتنا به جنات وحب
الحصيد والنحل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد، يعني بحب الحصيد حب البر و
الشعير وكل ما يحصد لأن من شأنه أن يحصد أي خلقنا ما ذكرناه من حب النبت الحصيد
والطلع النضيد رزقا لهم وغذاءا، وكل رزق فهو من الله إما بفعلنا أو فعل سببه، ولما كانت
المكاسب وما يجري مجراها تنقسم إلى المباحات والمكروهات والمحظورات لم يكن بد من
تميزها.
باب المكاسب المحظورة والمكروهة:
اعلم أن تقلد الأمر من قبل السلطان الجائر إذا تمكن معه من إيصال الحق إلى
مستحقه جائز، يدل عليه بعد الاجماع المتردد والسنة الصحيحة قول الله تعالى حكاية عن
يوسف ع: قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، طلب ذلك إليه
ليحفظه عمن لا يستحقه ويوصله إلى الوجوه التي يجب صرف الأموال إليها ولذلك رغب
إلى الملك فيه لأن الأنبياء لا يجوز أن يرغبوا في جمع أموال الدنيا إلا لما قلناه، فقوله: حفيظ، أي
حافظ للمال عمن لا يستحقه عليهم بالوجوه التي يجب صرفه إليها، ومتى علم الانسان
أو غلب على ظنه أنه لا يتمكن من جميع ذلك فلا يجوز له التعرض له على حال.
وعن أبي بصير: سألت أبا عبد الله ع عن كسب المغنيات؟ قال: التي
تدعي إلى العرائس ليس به بأس والتي يدخل عليها الرجال حرام، وهو قول الله تعالى:
ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله.
وعن ابن سنان قال: سألت أبا الحسن ع عن الإجارة قال: صالح لا بأس به
إذا نصح قدر طاقته فقد آجر موسى ع نفسه واشترط، فقال: إن شئت ثمانيا
181

وإن شئت عشرا فأنزل الله فيه: على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن
عندك.
وعن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله ع: الرجل يتجر، فإن هو آجر
نفسه أعطي ما يصيب في تجارة؟ فقال: لا يؤاجر نفسه ولكن سيرزق الله تعالى ويتجر فإنه
إذا آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق. ولا تنافي بينهما لأن الخبر الأول محمول على ضرب
من الكراهية والوجه في كراهة ذلك أنه لا يأمن أن لا ينصحه في عمله فيكون مأثوما وقد نبه
على ذلك في الخبر الأول بقوله: لا بأس إذا نصح قدر طاقته.
فصل:
وعن عمار بن مروان: سألت أبا جعفر ع عن الغلول، فقال: كل شئ غل
من الإمام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت، والسحت أنواع كثيرة: منها أجور
الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر والربا بعد البينة، وأما الرشى في الحكم فإن ذلك الكفر
بالله العظيم وبرسوله. وروي عن النبي ص في قوله تعالى أكالون للسحت،
قال: السحت الرشوة في الحكم.
وعن أمير المؤمنين ع أنه قال: السحت الرشوة في الحكم ومهر البغي
وعسيب الفحل وكسب الحجام وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة ولحوان الكاهن.
وروي عن أبي هريرة مثله، وقال مسروق: سألت أبا عبد الله ع عن الجور في
الحكم. قال: ذلك الكفر، وعن السحت، فقال: الرجل يقضي لغيره الحاجة فيهدي له
الهدية، قال الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، هذا إذا كان مستحلا
لذلك. وقال الخليل: السحت القبيح الذي فيه العار نحو ثمن الكلب والخمر وأصل
السحت الاستيصال.
وعن الصادق ع في قوله: أكالون للسحت، أنه قال: ثمن العذرة من
السحت، وقال: أربعة لا تجوز في أربعة: الخيانة والغلول والسرقة والربا لا تجوز في حج
ولا عمرة ولا جهاد ولا صدقة، وقال: لا تصلح السرقة والخيانة إذا عرفت. والآية تدل على
182

جميع ذلك بعمومها.
فصل:
أما قوله تعالى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا، فهو نهي عن
إكراه الأمة على الزنى، إنها نزلت على سبب فوقع النهي عن المعين على تلك الصفة، قال
جابر بن عبد الله: نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول حين أكره أمته مسيكة على هذا. وهذا
نهي عام لكل مكلف أن يكره أمته على الزنى طلبا لكسبها بالزنى، وقوله: إن أردن تحصنا،
صورته صورة الشرط وليس بشرط وإنما ذكر لعظم الإفحاش في الإكراه على ذلك.
ومهور البغايا محرمة كرهن أو لم يكرهن.
وقوله تعالى: ومن يكرههن، يعني على الفاحشة: فإن الله من بعد إكراههن، أي لهن:
غفور رحيم، إن وقع منها مكرهة في ذلك الوزر على المكره.
وقال أبو جعفر ع: لما أنزل الله على رسوله ص: إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، قيل: يا رسول الله ما
الميسر؟ فقال: كلما يقامر به حتى الكعاب والجوز، قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوه
لآلهتهم، قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي كانوا يستقسمون بها.
ونهى ع أن يؤكل ما تحمل النملة بفيها وقوائمها، وقال تعالى: وكأين من
دابة لا تحمل رزقها، الله يرزقها وإياكم، أي لا تحمل رزقها للادخار، وقيل أي لا تدخره
لغد، وروي أن الحيوان أجمع من البهائم والطير ونحوها لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم
والنملة والفأرة بل تأكل منه كفايتها فقط.
ونزلت الآية من أولها: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون، إلى
هاهنا في أهل مكة المؤمنين منهم فإنهم قالوا: يا رسول الله ليس لنا بالمدينة أموال ولا منازل
فمن أين المعاش؟ فأنزل الله الآية.
183

فصل:
وقوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم، معناه لتختبرن بما يفعل بكم من الفقر وشدة
العسر وبما تؤمرون من الزكوات والإنفاق في سبيل الله في أموالكم كما تختبرون بالعبادات في
أنفسكم، وإنما فعله لتصبروا فسماه بلوى مجازا لأن حقيقة لا تجوز على الله.
وكفى للمكلفين واعظا بقوله تعالى: لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين
وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له، فإن أرض سبأ كانت من أطيب البقاع لم يجعل
الله فيها شيئا من هوام الأرض نحو البق والبراغيث ولا العقرب ولا غيرها من المؤديات
وكان الغريب إذا دخل أرضهم وفي ثيابه قمل مات، فهذه آية. والآية الثانية أن المرأة
كانت تأخذ على رأسها مكيلا فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا، ثم فسر الآية
فقال " جنتان " أي هي جنتان من عن يمين الوادي وشماله. ثم قال: كلوا من رزق ربكم،
المراد به الإباحة وإن كان لفظه لفظ الأمر. " بلدة طيبة " ليس فيها سبخة فأعرضوا عن ذلك
فلم يشكروا الله فجازاهم تعالى على ذلك بأن سلبهم نعمة كانت بها وأرسل عليهم سيل
العرم، وقد كانت تجتمع مياه وسيول في هذا الوادي وسدوه بالحجارة والقار بين الجبلين
فجعلوا له أبوابا يأخذون الماء منه بمقدار الحاجة ما شاؤوا فلما تركوا أمر الله بعث عليهم
جرذا فنقبته فأغرق عليهم جنتهم وأفسد أرضهم.
ثم قال: وبدلناهم بجنتيهم جنتين، وإنما سماهما بعد ذلك أيضا جنتين ازدواجا للكلام.
" ذواتي أكل خمط " فالأكل جناء الثمر الذي يؤكل والخمط شجر له ثمر مر، ثم قال: ذلك
جزيناهم بما كفروا، ثم من الله تعالى عليهم بما يذكر بعد فظهر فيما بينهم المحاسدة فكان كما
قال: فجعلناهم أحاديث، أي أهلكناهم وألهمنا الناس أحاديثهم ليعتبروا بها.
باب المكاسب المباحة:
قال أبو عبد الله ع: إن قوما من الصحابة لما نزل: ومن يتق الله يجعل له
مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا،
فبلغ ذلك النبي ص فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا:
184

يا رسول الله تكفل الله لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة فقال ع: إنه من فعل ذلك
لم يستجب الله له، عليكم بالطلب طلب الحلال فريضة بعد الفريضة، وقال: ملعون من ألقى
كله على الناس، وقال الله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ
وهو كل على مولاه، أي ثقل على وليه، هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل.
وعن سعيد بن يسار: قلت لأبي عبد الله ع: امرأة دفعت إلى زوجها مالا من
مالها ليعمل به وقالت له حين دفعته إليه: أنفق منه، فإن حدث بك حادث فما أنفقت منه
لك حلال طيب وإن حدث بي حادث فهو لك حلال فقال: أعد علي يا سعيد المسألة، فلما
ذهبت أعيد المسألة عليه اعترض فيها صاحبها وكان صاحبها معي فقال له: يا هذا إن كنت
تعلم أنها قد أوصت بذلك إليك فيما بينك وبينها وبين الله فحلال طيب ثم قال: يقول الله
تعالى: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا، يعني بذلك أموالهن التي في
أيديهن مما يملكن.
وعن أبي جعفر ع قال رسول الله ص لرجل: أنت ومالك
لأبيك ثم قال أبو جعفر ع: وقال رسول الله ع: لا يجب أن يأخذ من مال
ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه إن الله لا يحب الفساد.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير
ناظرين إناه، نهاهم عن دخول دار النبي ع بغير إذن إلى طعام غير منتظرين
بلوغ الطعام وغير نصب على الحال وأن الطعام إذا بلغ حال النضج ثم قال: ولكن إذا
دعيتم فادخلوا، أي إذا دعيتم إلى الطعام فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا، أي تفرقوا
ولا تستأنسوا بطول الحديث وإنما منعوا من الاستئناس لأجل طول الجلوس ثم بين أن
الاستئناس بطول الجلوس يؤذي النبي وأنه يستحي من الحاضرين فيسكت على مضض
ومشقة.
فصل:
أما قوله تعالى: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج ولا على الأعرج حرج ولا
185

على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم، إلى آخر الآية.
فقد قال ابن عباس: ليس في مؤاكلتهم حرج لأنهم كانوا يتحرجون من ذلك، قال
الفراء: كانت الأنصار تتحرج من ذلك لأنهم كانوا يقولون الأعمى لا يبصر فيؤكل الطعام
دونه والأعرج لا يتمكن من الجلوس والمريض يضعف عن المأكل، وقال مجاهد: أي ليس
عليكم في الأكل من بيوت من سمي على جهة حمل قراباتكم إليهم تستتبعونهم في ذلك
حرج.
وقال الزهري: ليس عليهم حرج في أكلهم من بيوت الغزاة إذا خلفوهم فيها
بإذنهم، وقيل: كان المخلف في المنزل المأذون له في الأكل، يتحوب لئلا يزيد على مقدار
المأذون له فيها، وقال الجبائي: الآية منسوخة بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه.
ويقول النبي ع: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، والذي روي
عن أهل البيت ع أنه لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكره الله بغير إذنهم
قدر حاجتهم من غير إسراف، وهم عشرة، وقوله: ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم،
قال الفراء: لما نزل قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلا أن تكون تجارة، ترك الناس
مؤاكلة الصغير والكبير ممن أذن الله في الأكل معه فقال تعالى: وليس عليكم في أنفسكم
وفي عيالكم أن تأكلوا معهم إلى قوله: أو صديقكم، أي بيوت صديقكم أو ما ملكتم مفاتحه،
أي بيوت عبيدكم وأموالهم.
وقال ابن عباس: معنى ما ملكتم مفاتحه هو الوكيل ومن جرى مجراه، وقال مجاهد
والضحاك: هو ما ملكه الرجل نفسه في بيته، وقال قتادة: معنى قوله أو صديقكم لأنه لا بأس
في الأكل من بيت صديقه بغير إذن، وقوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو
أشتاتا، قيل يدخل فيه أصحاب الآفات على التغليب للمخاطب كقولهم: أنت وزيد
قمتما، وقال ابن عباس: معناه لا بأس أن يأكل الغني مع الفقير في بيته وقال الضحاك: هم
قوم من العرب كان الرجل منهم يتحرج أن يأكل وحده وكانوا من كنانة. وقال أبو صالح:
كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا أن يأكلوا إلا معه فأباح الله الأكل مفردا
186

ومجتمعا، والأولى حمل ذلك على عمومه وأنه يجوز الأكل وحدانا وجماعا.
باب التصرف في أموال اليتامى:
قال الله عز وجل: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم
فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم، معنى الآية إذن لهم فيما
كانوا يتحرجون منه من مخالطة الأيتام في الأموال من المأكل والمشرب والمسكن ونحو ذلك
فأذن الله لهم في ذلك إذا تحروا الإصلاح بالتوفير على الأيتام، في قول الحسن وغيره وهو
المروي في أخبارنا.
وقوله: فإخوانكم، أي فهم إخوانكن خالطتموهم، أو لم تخالطوهم، ولو شاء الله
لأعنتكم: الإعنات الحمل على مشقة لا تطاق ومعناه التذكية بالنعمة في التوسعة على ما
توجبه الحكمة مع القدرة على التضييق الذي فيه أعظم المشقة، وقال أحمد بن محمد بن أبي
نصر: سألت أبا الحسن ع عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمد
يده فيأخذه وينوي أن يرده قال: لا ينبغي له أن يأكل إلا القصد ولا يسرف فإن كان من
نيته أن لا يرده إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل: إن الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما.
وعن سماعة عن الصادق ع في قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل
بالمعروف، قال: من كان يلي شيئا من أموال لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى
أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف، فإن كان ضيعتهم لا تشغله عما يعالج
لنفسه فلا يرزأن من أموالهم شيئا، وسئل ع عن قوله تعالى: وإن تخالطوهم
فإخوانكم، قال: يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله على قدر
ما يحتاج إليه على قدر ما يخرج لكل انسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعا ولا يرزأن من
أموالهم شيئا إنما هي النار أي لا يصب منه، وقال ع في قوله تعالى: فليأكل
بالمعروف، المعروف هو القوت وإنما عني الوصي والقيم في أموالهم بما يصلحهم.
وعن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل
187

بالمعروف، فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا
كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا، قال: قلت أ رأيت قول الله
عز وجل: وإن تخالطوهم فإخوانكم؟ قال: تخرج من أموالهم بقدر ما يكفيهم وتخرج من
مالك ما يكفيك ثم تنفقه، قلت، أ رأيت إن كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلا كسوة
من بعض وبعضهم آكل من بعض وما لهم جميعا، فقال: أما الكسوة فعلى كل.
انسان منهم ثمن كسوته، وأما الطعام فاجعلوه جميعا فإن الصغير يوشك أن يأكل
مثل الكبير.
188

كتاب المتاجر
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
عن تراض منكم.
نهى الله تعالى عن أكل الأموال بالباطل واستثنى المتاجر من ذلك وجعلها حقا يخرج
به مستعملها من الباطل.
وقيل في معناه قولان: أحدهما، قال السدي: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالربا والقمار
والبخس والظلم، وهو المروي عن أبي جعفر ع، الثاني، قال الحسن: بغير
استحقاق من طريق الإعواض.
وكان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما أنزلت هذه الآية إلى أن
نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج
ولا على المريض حرج ولا على نفسكم أن تأكلوا من بيوتكم...
إلى قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا، والأول أقوى لأن ما أكل
على وجه مكارم الأخلاق فليس هو أكلا بالباطل، وقيل: معناه التجاوز والأخذ من غير
وجهه ولذلك قال تعالى: بينكم.
وقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة، فيه دلالة على بطلان من حرم الكسب لأن الله تعالى
حرم أكل الأموال بالباطل وأحله بالتجارة على طريق المكاسب، ومثله قوله: وأحل الله
البيع وحرم الربا وقوله تعالى: عن تراض منكم، قيل في معنى التراضي بالتجارة قولان:
189

أحدهما: إمضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد في قول شريح والسدي وابن
سيرين، لقوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يكون بيع خيار، وربما قالوا
أو يقول أحدهما للآخر: اختر، وهو مذهبنا.
الثاني: إمضاء البيع بالعقد على قول مالك بن أنس وأبي حنيفة بعلة رده إلى عقد
النكاح، ولا خلاف أنه لا خيار فيه بعد الافتراق. وقيل: معناه إذا تغابنوا فيه مع التراضي
فإنه جائز.
ثم قال تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، أي لا تهلكوها بترك التجارة وبارتكاب الآثام
والعدوان في أكل الأموال بالباطل وغيره: ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه
نارا، الإشارة إلى أكل الأموال بالباطل.
وقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة من رفع فالمعنى إلا أن يقع ومن نصب فمعناه إلا أن
تكون الأموال تجارة أي أموال تجارة وحذف المضاف ويكون الاستثناء منقطعا، ويجوز أن
يكون التقدير إلا تكون التجارة تجارة، والرفع أقوى لأنه أدل على الاستثناء، فإن التحريم
لأكل المال بالباطل على الإطلاق.
باب آداب التجارة:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.
فندب تعالى إلى الانفاق من طيب الاكتساب ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة به
والإنفاق، فمن لم يتفقه لم يميز بين العقود الصحيحة والفاسدة ولم يعرف فرق ما بين الحلال
والحرام من الكسب فلم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال، وينبغي للتاجر إذا عامله مؤمن
أن لا يربح عليه إلا في حال الضرورة ويقنع بما لا بد له من اليسير مع الاضطرار أيضا.
قال تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، أمر الله تعالى نبيه عليه
السلام أن يأخذ مع الناس بالعفو وهو التساهل فيما بينه وبينهم، وأن يترك الاستقصاء
عليهم في ذلك، وهذا يكون في مطالبة الحقوق الواجبة لله تعالى وللناس وفي غيرها، وهو في
190

معنى الخبر عن النبي ع: رحم الله سهل القضاء سهل الاقتضاء بائعا ومشتريا،
ولا ينافي ذلك أن لصاحب الحق والديون وغيرها استيفاء الحق وملازمة صاحبه حتى
يستوفيه لأن ذلك مندوب إليه دون أن يكون واجبا.
" وأمر بالعرف " أي المعروف، وهو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع " وأعرض
عن الجاهلين " أمر بالإعراض عن السفيه الذي إن بايعه أو شراه سفه عليه وآذاه، وإلى هذا
أشار أمير المؤمنين ع بقوله لأهل السوق كل بكرة يغتدي إليهم: تبركوا بالسهولة
واقتربوا من المبتاعين وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب والظلم ولا تقربوا الربا، وأوفوا
الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، وإياكم ومخالطة
السفلة وهو الذي لا يبالي بما قال وبما قيل له، ولا تعاملوا إلا من يشاء في خير، قال تعالى
" وأعرض عن الجاهلين ".
فصل:
قال الله تعالى: وأوفوا الكيل إذا كلتم ولا يكون الوفاء حتى يميل الميزان، وكان عليه
السلام يقول: زن يا وزان وأرجح، فلهذا أمرنا أن لا نأخذ إلا ناقصا وأن لا نعطي
إلا راجحا.
وقال النبي ع: من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشتري
ولا يبيع: الربا والحلف وكتمان العيب والمدح إذا باع، والذم إذا اشترى.
قال الله تعالى: أحل الله البيع وحرم الربا، وقال: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، وقال:
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
فلا ينبغي أن يزين متاعه بأن يري جيدة ويكتم رديئه، ولقوله تعالى: وما كان لنبي أن
يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة، فالغلول الخيانة لأنه تجري في الملك على خفي من
غير الوجه الذي يحل كالغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر. وإنما خصت الخيانة
بالصفة دون السرقة لأنه يجري إليها بسهولة لأنها مع عقد الأمانة، وقال النبي عليه
السلام حين مر على رجل يبيع التمر وكان يخلط الردئ بالجيد: من غشنا فليس منا،
191

ولا يجوز أن يشوب اللبن بالماء لأن العيب لا يتبين فيه.
وعن إسحاق: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له:
ابتع لي ثوبا، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده؟
قال: لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه، إن الله عز وجل يقول: إنا عرضنا الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما
جهولا، وإن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده إلا بإعلامه ذلك
وكذلك من باع لغيره شيئا فلا يشتر لنفسه وإن زاد في ثمنه على ما يطلب في الحال إلا بعلم
من صاحبه وإذن من جهته.
ولا يجوز للرجل أن يدخل في سوم أخيه، فقد عاتب الله تعالى داود ع فقال
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها...، وإذا تعسر عليه نوع
من التجارة فليتحول منه إلى غيره.
باب أحكام الربا:
قال الله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس.
أصل الربا الزيادة من قولهم: ربا الشئ يربو إذا زاد، والربا هو الزيادة على رأس المال
في جنسه أو مماثله وذلك كالزيادة على مقدار الدين للزيادة في الأجل أو كإعطاء درهم بدر
همين أو دينار بدينارين والمنصوص عليه تحريم التفاضل في ستة أشياء: الذهب والفضة
والحنطة والشعير والتمر والملح، وقل: الزبيب، فقال رسول الله ع فيها: مثلا
بمثل يدا بيد من زاد واستزاد فقد أربى، فهذه الستة الأشياء لا خلاف بينهم في حصول الربا
فيها وباقي الأشياء عند الفقهاء مقيس عليها، وفيها خلاف بينهم.
وعندنا أن الربا في كل ما يكال ويوزن إذا كان الجنس واحدا منصوصا عليه والعموم
يتناول كل ذلك فلا نحتاج إلى قياس، والربا محرم متوعد عليه كبيرة موبقة بلا خلاف بهذه
الآية وبقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا، وبقوله
192

تعالى: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.
أما قوله تعالى: لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، قال ابن عباس:
إن قيامهم على هذه الصفة يكون يوم القيامة إذا قاموا من قبورهم ويكون ذلك أمارة على
أنهم آكلة الربا، وقوله تعالى: يتخبطه الشيطان من المس، مثل لا حقيقة عند الجبائي على
وجه التشبيه بحال من تغلب عليه المرة السوداء فتضعف نفسه، ونسب إلى الشيطان مجازا
لما كان عند وسوسته.
ثم قال: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، معناه ذلك العقاب لهم بسبب قولهم إنما
البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا، قال ابن عباس: كان الرجل منهم
إذا منهم إذا حل دينه على غريمه يطالبه به، قال المطلوب منه له زدني في الأجل وأزيدك في المال
فيتراضيان عليه ويعملان به، فإذا قيل لهم: هذا ربا قالوا: هما سواء، يعنون به أن الزيادة في
الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء، فذمهم الله وأوعدهم
وخطأهم.
وقال بعضهم: إنهم قالوا الزيادة على رأس المال بعد تصييره على جهة الدين
كالزيادة عليه في ابتداء البيع وذلك خطأ لأن أحدهما محرم والآخر مباح، وهو أيضا منه في
العقد لأن الزيادة في أحدهما لتأخير الدين وفي الآخر لأجل البيع، والفرق بين البيع والربا أن
البيع ببدل لأن الثمن فيه بدل المثمن والربا ليس كذلك، وإنما هو زيادة من غير بدل
للتأخير في الأجل أو زيادة في الجنس.:
وقد أحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي له ما
أكل وليس عليه رد ما سلف إذا لم يكن علم أنه حرام، قال أبو جعفر ع: من أدرك
الاسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف، فمن ارتكب ربا بجهالة ولم
يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله في المستقبل وليس عليه فيما مضى شئ، ومتى علم أن
ذلك حرام أو تمكن من علمه فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه ويجب عليه رده إلى
صاحبه، وقال السدي في معنى قوله: فله ما سلف، له ما أكله وليس عليه رد ما سلف، فأما من
لم يقبض بعد فلا يجوز له أخذه وله رأس المال، ويحتمل أن يكون أراد " فله ما سلف " يعني من
193

الربا المأخوذ دون العقاب الذي استحقه.
وقوله: وأمره إلى الله، معناه في جواز العفو عنه إن لم يتب " ومن عاد " لأكل الربا بعد
التحريم " فأولئك أصحاب النار " لأن ذلك لا يصدر إلا عن كافر لأن مستحل الربا كافر
بالإجماع.
فصل:
والوعيد في الآية متوجهة إلى من أربى وإن لم يأكله، وإنما ذكر الله الذين يأكلون الربا
لأنها نزلت في قوم كانوا يأكلون الربا فوصفهم بصفتهم فحكمها ثابت في جميع من أربى،
والآية الأخرى التي ذكرناها تبين ما قلناه وعليه أيضا الاجماع، وقيل: الوجه في تحريم الربا أن
فيه تعطيل المعايش والأجلاب، فالتاجر إذا وجد المربي ومن يعطيه دراهم وفضلا بدراهم
لا يقرض، وقد قال أبو عبد الله ع: إنما شدد في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من
اصطناع المعروف قرضا أو رفدا، ثم قال تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات المحق
نقصان الشئ حالا بعد حال. قال البلخي: محقه في الدنيا بسقوط عدالته والحكم بفسقه
وتسميته بهو الله لا يجب كل كفار أثيم.
وقال هاهنا: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قيل في تحريم الربا مع
ما في قوله: أحل الله البيع وحرم الربا، وغير ذلك قولان:، ا - التصريح بالنهي عنه بعد
الأخبار بتحريمه لما في ذلك من تصريف الحظر له وشدة التحذير منه، ب - لتأكيد النهي عن
هذا الضرب منه الذي يجري على الأضعاف المضاعفة. وقيل في معناه هاهنا قولان: أحدهما
للمضاعفة بالتأخير أجلا بعد أجل كما أخر أجلا عن أجل إلى غيره زيد عليه زيادة على
المال الثاني أي تضاعفون به أموالكم.
والربا المنهي عنه قال عطاء ومجاهد: هو ربا الجاهلية، وهو الزيادة على أصل المال
بالتأخير عن الأجل الحال ويدخل فيه كل زيادة محرمة في المعاملة من جهة المضاعفة، ووجه
تحريم الربا هو المصلحة التي علم الله تعالى، فإن ذلك يدعو إلى العدل ويحض عليه ويدعو
أيضا إلى مكارم الأخلاق بالإقراض وإنظار المعسر من غير زيادة.
194

ومعنى: لا تأولوا الربا، لا تزيدوا على رأس المال، وليس المراد النهي عن الأكل فقط وإنما
جاز ذلك لأنه معلوم المراد، وقوله تعالى: أضعافا مضاعفة، حال للربا والأضعاف جمع ضعف
والربا مصدر فكأنه قال: لا تزيدوا زيادة متكررة، وقد بين رسول الله ع أن قليل
الربا حرام ككثيره.
وسئل الصادق ع عن قوله: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقيل قد
أربى من يأكل الربا يربو ماله؟ أي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين، وإن تاب منه ذهب
ماله وافتقر.
باب البيع بالنقد والنسيئة والشرط في العقود:
البيع نقدا ونسيئة جائز لأن قول الله تعالى: وأحل الله البيع، يتناوله على كلا الوجهين،
فمن باع شيئا ولم يذكر في ثمنه نقدا ولا نسيئة كان الثمن حالا، فإن ذكر أن يكون
أثمن آجلا فلا يخلو إما أن يكون أجلا مجهولا مثل قدوم الحاج وإدراك الغلات فالبيع
باطل على هذا، وإن كان الأجل معينا كان البيع صحيحا والأجل على ما ذكر، والذي يدل
على هذا الفصل والتفصيل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى، وكذلك إذا باع بنسيئة ولم يذكر الأجل أصلا كان البيع أيضا باطلا لأن الله اعتبر في
هذه الآية الأجل وأن يكون ذلك الأجل مسمى معينا، والآية تدل على صحة اشتراء السلف
وصحته بيع النسيئة بشرط تعيين أجلهما، ولا بد من حضور الثمن والمثمن ولا يجوز تأخير
الثمن عن وقت وجوبه لزيادة فيه لأنه ربا على ما ذكرناه، ولا بأس بتعجيله بنقصان شئ
منه لقوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يصلحا.
فصل:
وقوله تعالى: وأحل الله البيع، عام في كل بيع شرعي.
ثم اعلم أن البيع هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه
التراضي على ما يقتضيه الشرع، وهو على ثلاثة أضرب: بيع عين مرئية وبيع موصوف في
195

الذمة وبيع خيار الرؤية.
فأما بيع الأعيان المرئية: فهو أن يبيع انسان عبدا حاضرا أو ثوبا حاضرا أو عينا من
الأعيان حاضرة فيشاهد البائع والمشتري ذلك، فهذا بيع صحيح بلا خلاف.
وأما بيع الموصوف في الذمة: فهو أن يسلم في شئ موصوف إلى أجل معلوم ويذكر
الصفات المقصودة، فهذا أيضا صحيح بلا خلاف.
وأما بيع خيار الرؤية: فهو بيع الأعيان الغائبة، وهو أن يبتاع شيئا لم يره مثل أن يقول:
بعتك هذا الثوب الذي في كمي، أو: الثوب الذي في الصندوق، وما أشبه ذلك، فيذكر
جنس المبيع فيتميز من غير جنسه ويذكر الصفة. ولا فرق بين أن يكون البائع رآه
والمشتري لم يره أو يكون المشتري رآه والبائع لم يره أو لم يرياه معا، فإذا عقد البيع ثم رأى
المبيع فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا، وإن وجده بخلافه كان له رده وفسخ العقد.
ولا بد من ذكر الجنس والصفة، فمتى لم يذكرهما أو واحدا منهما لم يصح البيع، ومتى
شرط المشتري خيار الرؤية لنفسه كان جائزا، فإذا رآه بالصفة التي ذكرها لم يكن له الخيار
وإن وجده مخالفا كان له الخيار هذا إذا لم يكن رآه، وإن كان قدر رآه فلا وجه لشرط الرؤية
لأنه عالم به قبل الرؤية، وقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، يدل أيضا على
أكثر ما ذكرناه.
فصل:
وقوله تعالى: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى، يدل على صحة السلف في جميع
المبيعات وإنما يجوز ذلك إذا جمع الشرطين: تمييز الجنس من غيره مع تحديده بالوصف والثاني
ذكر الأجل فيه، فإذا اختل شئ منهما لم يصح السلف وهو بيع مخصوص.
وكل شئ لا يتحدد بالوصف مثل روايا الماء والخبز واللحم لم يصح السلف فيه لأن
ذلك لا يمكن تحديده بوصف لا يختلط به سواه، وقال بعض أصحابنا إنه جائز والأول أظهر،
وكل شئ يوافق شريعة الاسلام اعتبره المشتري فإنه يلزم، لقوله تعالى: أوفوا بالعقود،
ولقول رسول الله ع: المؤمنون عند شروطهم.
196

وعن فضيل، قلت لأبي عبد الله ع: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام
شرط ذلك في حال العقد أو لم يشرط ويكون الخيار للمبتاع خاصة في هذه المدة ما لم يحدث فيه
حدثا، قلت: فما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما إلا أن يشترطا إلى مدة معينة، وقال ع: لا بأس بالسلم
في المتاع إذا وصفت الطول والعرض إلى أجل معلوم، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها،
وقوله تعالى: وأشهدوا إذا تبايعتم، يختص بهذا النوع من المبايعة.
باب في أشياء تتعلق بالمبايعة ونحوها:
الاحتكار يكون في ستة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح، وهو
حبسها من البيع ولا يجوز ذلك وبالناس حاجة ولا يوجد غيره في البلد. فمتى ضاق الطعام
ولم يوجد إلا عند من احتكره كان على للسلطان أن يجبره على بيعه ولا يكرهه على سعر
بعينه إذا باع هو على التقريب من سعر الوقت، فإن كان سعر الغلة مثلا عشرين منا بدينار
فلا يمكن أن يبيع خمسة أمنان بدينار، ويجبره على ما هو مقاربة للعشرين، وقد بينها رسول الله
ع لقوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، وقال ع:
علامة رضا الله في خلقه عدل سلطانهم ورخص أسعرهم وعلامة غضب الله على خلقه
جور سلطانهم وغلاء أسعارهم، وعلى هذا قوله تعالى حكاية عن إخوة يسوف له: يا أيها
العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة فأوف لنا الكيل، وأتى رسول الله قوما فشكوا إليه
سرعة نفاد طعامهم. فقال تكيلون أم تهيلون؟ فقالوا: نهيل يا رسول الله، يعنون الجزاف،
فقال ع لهم: كيلوا ولا تهيلوا فإنه أعظم للبركة، وروي: أن من أهان بالمأكول
أصابه المجاعة.
وقال أبو عبد الله ع: إذا أصابتكم مجاعة فأعينوا بالزبيب وقوله تعالى:
ولو كنت أعلم العيب لاستكثرت من الخير، معناه لو كنت عالما بما يكون من أحوال الدنيا
لاشتريت في الرخص وبعت في الغلاء " وما مسني السوء " أي الفقر، فإن قيل: فهل أطلع
نبيه على الغيب؟، قلنا: على الإطلاق لا، لأن الله تعالى يقول: وما كان الله ليطلعكم على
197

الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء والمعنى ولكن الله اجتبى رسوله بإعلامه كثيرا
من الغائبات.
وقال أبو جعفر ع: إذا حدثتكم بشئ فسلوني من كتاب الله تعالى. ثم قال
في حديثه: إن الله نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال. فقالوا: يا بن رسول
الله أين هذا من كتاب الله تعالى - فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: لا خير في كثر من
نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، وقال: ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم التي جعل الله لكم قياما، وقال تعالى: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، ثم
قال: لا تمانعوا قرض الخمير والجبن فإن منعه يورث الفقر.
أمير المؤمنين ع: من باع الطعام نزعت منه الرحمة وقال أبو الحسن عليه
السلام: من اشترى الحنطة زاد ماله ومن اشترى الدقيق ذهب نصف ماله ومن اشترى
الخبز ذهب ماله، وذلك لمن يقدر ولا يفعل.
فصل:
وقوله تعالى: أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم،
المعنى أعطوا الواجب وافيا غير ناقص، ويدخل الوفاء في الكيل والذرع والعدد.
والمخسر: المعرض للخسران في رأس المال، يقال: أخسر يخسر إذا جعله يخسر في ماله وهو
نقيض أربحه. والقسطاس الميزان، نهاهم الله أي يكونوا من المخسرين، وقال تعالى:
ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير، نهاهم أن يبخسوا الناس فيما يكيلونه
أو يزنونه، وقال لهم: إني رآكم بخير أي برخص السعر، وحذرهم الغلاء في قول ابن
عباس.
وقال تعالى: ويل للمطففين، هدد الله بهذا الخطاب كل من بخس غيره حقه ونقصه
ماله من مكيل وموزون، فالبائع والمشتري مخاطبان بهذا لأن الكيل ووزن المتاع على البائع
فتوفية ذلك عليه ووزن الثمن على المشتري، فإن لم يحسنا ذلك لم يتعرضا له وليول كل
واحد منهما ما عليه غيره وأجرته عليه، والكيال ووزان الأمتعة يعينان البائع فأجرتهما عليه،
198

والناقد ووزان الذهب والفضة يعينان المشتري فأجرتهما عليه.
والتطفيف التنقيص على وجه الخيانة في الكيل أو الوزن، ولفظة " المطففين " صفة ذم
لا يطلق على من طفف شيئا يسيرا إلى أن يصير إلى حال يتفاحش، وفي الناس من قال:
لا يطلق حتى يطفف أقل ما يجب فيه القطع في السرقة لأن ما يقطع فيه فهو كثير، قال ابن
عباس: كان أهل المدينة من أخبث الناس كيلا إلى أن أنزل الله تعالى هذه الآية فأحسنوا
الكيل، ثم قال تعالى: الذين إذا اكتالوا على الناس، أي أخذوا ما عليهم: وإذا كالوهم أو
وزنوهم، كان بعض المفسرين يجعلهم فصلا في موضع رفع بمعنى الفاعل والباقون يجعلونه
في موضع نصب، وهو الصحيح.
فصل:
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم، يدل على أنه
إذا كان لرجل مال فيه عيب وأراد بيعه وجب عليه أن يبين للمشتري عيبه ولا يكتمه أو
يتبرأ إليه من المعيوب والأحوط الأول.
قال تعالى: وتخونوا أماناتكم، أي ولا تخونوا أماناتكم وعمومه يدل على أكثر مسائل
البيع، فإن لم يبين البائع العيب الذي في المبيع واشتراه انسان فوجد به العيب كان المشتري
بالخيار إن شاء رضي به وإن شاء رده بالعيب واسترجع الثمن وإن شاء أخذ الأرش.
وإن اختار فسخ البيع ورد المبيع فإن لم يكن حصل من جهة المبيع نماء رده واسترجع
الثمن، وإن حصل نماء وفائدة فلا يخلو أن يكون كسبا من جهة أو نتاجا وثمرة، فإن كان
كسبا مثل أن كسب بعمله أو بتجارته أو يوهب له شئ أو يصطاد أو يحتطب فإنه يرد المعيب
ولا يرد الكسب، لقول النبي ع: الخراج بالضمان والخراج اسم الفائدة والغلة
التي تحصل من جهة المبيع، ومعنى الخبر أن الخراج لمن يكون المال يتلف من ملكه، ولما كان
المبيع إن تلف يتلف من ملك المشتري لأن الضمان انتقل إليه كان الخراج له والنتاج
والثمرة أيضا للمشتري، وإن حصل من المبيع نماء قبل القبض كان ذلك للبائع إذا أراد
الرد بالعيب لأن ضمانه على الظاهر من الخبر على البائع ههنا.
199

ولا يجوز لكافر أن يشتري عبدا مسلما ولا يثبت ملكه عليه، لقوله تعالى: ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلا، ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارته، لقوله تعالى: سواء
العاكف فيه والبادي، وقال أبو عبد الله ع: اشتروا إن كان غاليا فإن الرزق ينزل
مع الشراء، وقال: إن رسول الله ع لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له
إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحق وإعطاء الحق.
وقيل في قوله تعالى: أحل الله البيع وحرم الربا، يحتمل إحلال الله البيع معنيين:،
أحدهما - أن يكون أحل كل بيع يعقده البيعان عن تراض منهما وكانا جائزي الأمر، وهذا
لا يصح لأن الله تعالى لما أحل البيع وحرم الربا وقد يتراضيان بما يؤدي إلى الربا، ولا يصح
ذلك.
والثاني - أن يكون الله أحل البيع المشروع فيكون من العام الذي أراد به الخاص فبين
النبي ع ما أحله الله وما حرمه أو يكون داخلا فيهما، فأصل البيع كله مباح إلا
ما نهى منه ع وما فارق ذلك من البيوع التي لا ربا فيها أبحناه بما وصفنا من
إباحة الله البيع، ونظيره قولنا: إن السلم مخصوص من خبر النبي عن بيع ما ليس عند
الانسان ولا يكون داخلا في عمومه.
ومن هذا الجنس ما أمر الله به من قتال المشركين كافة، وقوله تعالى: حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون، فلم يدخل أهل الكتاب في عموم النهي أمرنا فيها بقتال المشركين،
فلما قال رسول الله ع يا حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك، وأذن في السلف
علمنا أن هذا لا يدخل في عموم الأموال.
200

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
201

كتاب البيع
جملة ما يحتاج إليه معرفة أقسامه وشروطه وأسباب الخيار فيه ومسقطاته وما يتعلق
بذلك من الأحكام به.
أما أقسامه فأربعة: بيع عين حاضرة مرئية، وبيع خيار الرؤية في الأعيان الغائبة، وبيع
ما فيه الربا بعضه ببعض، وبيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم وهو السلم.
وأما شروطه فعلى ضربين: أحدهما شرائط انعقاده، والثاني شرائط لزومه.
فالضرب الأول: ثبوت الولاية في المعقود عليه، وأن يكون معلوما مقدورا على
تسليمه، منتفعا به منفعة مباحة، وأن يحصل الإيجاب من البايع والقبول من المشتري من
غير إكراه ولا إجبار إلا في موضع نذكره، ويختص بيع ما فيه الربا وبيع السلم بشروط زائدة
على ذلك نبينها في بابها إن شاء الله.
اشترطنا ثبوت الولاية احترازا من بيع ليس بمالك للمبيع ولا في حكم المالك له، وهم
ستة: الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه والوكيل، فإنه لا ينعقد وإن أجازه المالك بدليل
الاجماع الماضي ذكره، ولأن صحة انعقاده حكم شرعي يفتقر ثبوته إلى دليل شرعي وليس في
الشرع ما يدل على ثبوت ذلك هاهنا، ويعارض المخالف بما رووه من نهيه
ص عن بيع الانسان ما ليس عنده، ومن قوله: لا بيع إلا فيما يملك، ولم يفصل بين ما أجازه
المالك وما لم يجزه.
وقد دخل فيما قلناه جواز بيع أم الولد إذا مات ولدها أو كان حيا وثمنها دينا على
203

سيدها ولا يقدر على قضائه إلا ببيعها لأنها مملوكة للسيد بلا خلاف، ولهذا جاز له وطؤها
وعتقها ومكاتبتها وأخذ ما كاتبها عليه عوضا عن رقبتها، ولهذا وجب على قاتلها قيمتها
دون الدية، فالأصل جواز بيعها لأنه في حكم الملك وإنما منعنا منه مع بقاء الولد وعدم
الاستدانة لثمنها والعجز عن وفائه من غيرها لدليل وهو الاجماع على ذلك وبقينا فيما عدا
هذا الموضع على حكم الأصل.
ويدل على ما قلناه بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا،
لأنه عام في أمهات الأولاد وغيرهن ولا يخرج من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع،
وما يتعلق به المخالف في المنع من بيعهن. أخبار آحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة على
ما بيناه فيما مضى، ثم غاية ما يحصل بها غالب الظن وما هذه حاله لا يجوز الرجوع به عما
يوجب العلم، على أنها معارضة بأخبار مثلها واردة من طرقهم تقتضي جواز بيعهن وإذا
تعارضت الأخبار سقط التعلق بها.
وقول من يقول منهم إذا كان ولد هذه الأمة حرا وكان كالجزء منها فحريته متعدية إليها
ظاهر البطلان لأن أول ما فيه أن يقال لهم: كيف ادعيتم أن حرية الولد تتعدى إلى الأم؟ -
ومن مذهبكم أن الأم لا تتبع الولد في الأحكام بل الولد هو الذي يتبعها، ولهذا إذا أعتقت الأم
عتق ما في بطنها ولا تعتق هي إذا عتق، ثم يلزمهم أن يعتق في الحال وفي تأخر العتق إلى موت
السيد ما يبطل ما قالوه، على أن من مذهب الشافعي أن من تزوج أمة ثم اشتراها بعد
ما أولدها لم تتعد الحرية من الولد إليها بل هي أمة حتى تحمل منه وهي في ملكه فلا يصح له
التعلق بذلك.
وقد دخل أيضا فيما قلناه جواز بيع المدبر بعد نقض تدبيره - إن كان تدبيره تطوعا -
لأنه مملوك، وتدبيره يجري مجرى الوصية وتغييرها جائز للموصي ما دام حيا، وإن كان تدبيره
واجبا - بأن يكون قضاء لنذر - لم يجز بيعه لأن ما هذه حاله لا يجوز نقضه ولا الرجوع فيه،
وجواز بيع المكاتب أيضا متى شرط عليه أنه إن عجز عن الأداء وعن بعضه عاد رقا فعجز،
فأما إذا كوتب من غير شرط فإنه لا يجوز بيعه، ويدل على ذلك كله الاجماع المشار إليه.
وقد دخل فيما أصلنا نفوذ بيع ما يصح بيعه إذا بيع معه في صفقة واحدة ما لا يجوز بيعه
204

لأنه مملوك يصح بيعه منفردا بلا خلاف، فمن أبطله في هذه الصورة فعليه الدليل، ويدل
على ذلك بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى: وأحل الله البيع،
وقد دخل فيه أيضا جواز بيع المعقود عليه قبل قبضه من الثمن والمثمن معا، وسواء
في ذلك المنقول وغيره إلا أن يكون المبيع طعاما فإن بيعه قبل قبضه لا يجوز إجماعا، ويدل
على ما قلناه الاجماع المتكرر ودلالة الأصل وظاهر القرآن، ويحتج على المخالف بما رووه من
قوله ص: من ابتاع طعاما فلا يبيعه قبل أن يستوفيه، فخص الطعام بذلك
ولو كان حكم غيره حكمه لبينه.
ويخرج على ما اشترطناه بيع العبد الجاني جناية توجب القصاص بغير إذن المجني
عليه فإنه لا يجوز بيعه لأنه قد صار حقا له، فأما إن كانت توجب الأرش والتزمه السيد فإنه
يجوز بيعه لأنه لا وجه يفسده.
ويخرج عن ذلك أيضا بيع من ليس بكامل العقل وشراؤه فإنه لا ينعقد وإن أجازه
الولي بدليل ما قدمناه من الاجماع ونفي الدليل الشرعي على انعقاده، ويحتج على المخالف
بما روي من قوله ص: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن
النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق،
ويخرج عن ذلك أيضا شراء الكافر عبدا مسلما بدليل ما قدمناه من الاجماع ونفي
الدليل الشرعي، وأيضا قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، لأنه عام
في جميع الأحكام، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: الاسلام يعلو
ولا يعلى عليه.
واشترطنا أن يكون المعقود عليه معلوما لأن العقد على المجهول باطل بلا خلاف لأنه
من بيع الغرر فلو قال: بعتك عبدا أو ثوبا أو بما يبيع به فلان سلعته، لم يصح، بل لا بد من
علمه بالمشاهدة وعلم مقداره وأوصافه إن كان حاضرا ظاهرا، أو بتمييز الجنس
وتخصيص العين بالصفة أو المبلغ أو بهما معا بالقول إن كان غائبا.
ويدل على جواز بيع الأعيان الغائبة إذا علمت بما ذكرناه من الاجماع الماضي ذكره
وظاهر قوله تعالى: وأحل الله البيع، وقوله: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، ويحتج
205

على المخالف بما رووه من قوله ص: من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا
رآه.
ويدخل فيما قلناه جواز بيع الأعمى وشرائه سواء ولد أعمى أو عمي بعد صحة ويرجع
في حصول صفة المبيع وانتفائها إلى من يثق به.
ويدخل فيه أيضا المبيع إذا استثنى منه شئ معين كالشاة إلا رأسها أو جلدها أو ربعها
والشجر إلا الشجرة الفلانية لأن ما عدا المستثنى والحال هذه معلوم.
واعتبرنا أن يكون مقدورا على تسليمه تحفظا مما لا يمكن ذلك فيه كالسمك في الماء
والطير في الهواء فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف لأنه من بيع الغرر، وقد دخل فيما
قلناه بيع الآبق،
وقد رووا أصحابنا جواز بيعه إذا بيع معه في الصفقة سلعة أخرى وبيع سمك الآجام
مع ما فيها من القصب، ويدل على هذا الموضع الاجماع المشار إليه وظاهر القرآن وإنما
أخرجنا منه ما عدا هذا الموضع لدليل قاطع، والبيع لما ذكرناه في هذه الصورة ليس بغرر
لأن ما ينضم في العقد إليه يخرجه عن ذلك، ولهذا جاز بيع الثمرة الموجود بعضها المتوقع
وجود باقيها - عندنا وعند مالك - وطلع النخل الذي لم يؤبر مع أصوله وأن كان في الحال
معدوما ولا يمكن تسليمه بلا خلاف.
ولما ذكرناه من هذين الشرطين نهى النبي ص عن بيع الثمرة قبل
بدو صلاحها وذلك لا يجوز فيها منفردة عن الأصول سنة واحدة بشرط التبقية إجماعا
بلا خلاف، ويجوز بشرط القطع في الحال إجماعا، ولا يجوز بيعها مطلقا وفي ذلك خلاف،
ودليلنا عليه إجماع الطائفة.
ويجوز عندنا خاصة بيعها مطلقا سنتين فصاعدا لأنها إن خاست في سنة زكت في
أخرى. وظاهر القرآن ودلالة الأصل تدلان على ذلك بعد إجماع الطائفة، فإذا بدا صلاحها
وأمنت العاهة جاز بيعها على كل حال، مطلقا وبشرط القطع أو التبقية بدليل ما قدمناه في
المسألة الأولى.
ولما ذكرناه من الشرطين نهي أيضا عن بيع حبل الحبلة - وهو نتاج النتاج - عن بيع
206

الملاقيح - وهو ما في بطون الأمهات - وعن بيع المضامين - وهو ما في أصلاب الفحول - لأن
ذلك مجهول غير مقدور على تسليمه.
ولذلك نهي أيضا عن بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر لأنهما مجهولان،
فإن تركا وتأخر أحدهما صار غير مقدور على تسليمهما لاختلاطهما بما يحدث بعدهما.
وللجهالة بالمبيع نهى ص عن بيع الحصاة على أحد التأويلين وهو أن
ينعقد البيع على ما تقع عليه الحصاة. وللجهالة بالثمن والأجل أيضا نهى ص
عن بيعتين في بيعة نحو أنه يقول: بعتك كذا بدينار إلى شهر وبدينارين إلى شهر
وبدينارين إلى شهرين، فيقول المشتري: قد قبلت به. واشترطنا أن يكون منتفعا به تحرزا
مما لا منفعة فيه كالحشرات وغيرها. وقيدنا بكونها مباحة تحفظا من المنافع المحرمة،
ويدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهير إلا ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلم
للصيد والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء وهو إجماع الطائفة، ويحتج على من
قال من المخالفين بجواز بيع الكلاب مطلقا وبيع سرجمين ما لا يؤكل لحمه وبيع الخمر
بوكالة الذمي على بيعها بما رووه من قوله ص: إن الله إذا حرم شيئا حرم
ثمنه، ويحتج على من منع من جواز بيع كلب الصيد والزيت النجس للاستصباح به
بعموم الآيتين اللتين قدمناهما وبما رووه عن جابر من أنه ص نهى عن ثمن
الكلب إلا أن يكون للصيد وبما روى أبو علي بن أبي هريرة في كتابه الإفصاح من أنه
ص أذن في الاستصباح بالزيت النجس وهذا يدل على جواز بيعه لذلك.
واعتبرنا حصول الإيجاب من البائع والقبول من المشتري تحرزا عن القول بانعقاده
بالاستدعاء من المشتري والإيجاب من البائع وهو أن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك، فإنه
لا ينعقد بذلك بل لا بد أن يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت، حتى ينعقد، واحترازا
أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة ويقول: أعطني بقلا،
فيعطيه فإن ذلك ليس ببيع وإنما هو إباحة للتصرف،
يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه، وأيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به
وليس على صحته بما عداه دليل، ولما ذكرناه نهى ص عن بيع الملامسة
207

فأما المحظور على كل حال فهو كل محرم من المآكل والمشارب - وسنورد ذلك في موضعه
من هذا الكتاب بمشيئة الله سبحانه وتعالى - وخدمة السلطان الجائر ومعونته وتولى الأمور
من جهته واتباعه في فعل القبيح وأمره بذلك والرضا بشئ منه مع التمكن من ترك
ذلك وارتفاع التقية فيه والإلجاء إليه والتعرض لبيع الأحرار وأكل أثمانهم، وكذلك
مملوك الغير بغير إذن مالكه وآلات الملاهي والزمر مثل النأي وجميع ما جرى مجراه
والقصيب، والشين وما جرى مجرى ذلك.
والحبال على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته والغناء وسائر التماثيل مجسمة كانت
أو غير مجسمة، والشطرنج والنرد وجميع ما خالف ذلك من سائر آلات القمار كالأربعة
عشر وبيوت الروعات وما جرى مجرى ذلك واللعب باللوز والجوز وما جرى مجرى ذلك
وأحاديث القصاص وأسباب الفرح بالأباطيل والنميمة والكذب والسعي في القبيح
ومدح من يستحق الذم وذم من يستحق المدح وغيبة المؤمنين والتعرض لهجوهم، والأمر
بشئ من ذلك والنهي عن مدح من يستحق المدح أو عن الحسن والأمر بمدح من يستحق
الذم أو بشئ من القبائح، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار وما جرى
مجرى ذلك.
واقتناء السباع والحيات وما خالف ذلك من المؤذيات وخصي الحيوان وبناء
الكنائس والبيع وكل ما يكون معبدا لأهل الضلال والصلبان، والتطفيف في الوزن
والكيل والغش في جميع الأشياء وعمل المواشط بالتدليس بأن يسمن الخدود ويصلن شعر
النساء بشعر غيرهن من النساء وما جرى مجرى ذلك مما يلتبس به على الرجال في ذلك،
وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه لهم والجمع بينهم وبين أهل الفسق
والفجور، والفتيا بالباطل والحكم به ولو مع العلم والارتشاء على ذلك أو ما يجري مجرى
الارتشاء، والأذان والإقامة لأجل الأجرة عليهما والصلاة بالناس لمثل ذلك وتغسيل الموتى
وتكفينهم وحملهم والصلاة عليهم ودفنهم والكهانة والشعبذة وما أشبه ذلك من القيافة
والسحر والزنى والتلوط.
208

والمنابذة وعن بيع الحصاة على التأويل الآخر ومعنى ذلك أن يجعل اللمس للشئ أو النبذ
له وإلقاء الحصاة بيعا موجبا. واشترطنا عدم الإكراه لأن حصوله مفسد للعقد بلا خلاف،
واستثنينا الموضع المخصوص وهو الإكراه في حق نحو إكراه الحاكم على البيع لإيفاء ما يلزم
من حق لأنه يصح البيع معه بلا خلاف أيضا.
واعلم أن ما يقترن بعقد البيع من الشروط على ضروب:
منها ما هو فاسد مفسد للعقد بلا خلاف، نحو أن يشترط في الرطب أن يصير تمرا وفي
الحصرم أن يصير عنبا وفي الزرع أن يسنبل، ومثل أن يسلف في زمن مثلا على أن يكون
حادثا في المستقبل من شجر معين لأن ذلك غير مقدور على تسليمه، وهذا قد دخل فيما
قدمناه.
ومنها ما هو صحيح والعقد معه كذلك، وهذا على ضربين: أحدهما لا خلاف فيه، نحو أن
يشترط في العقد ما يقتضيه أو ما للمتعاقدين مصلحة فيه مثل أن يشترط القبض وجواز
الانتفاع والأجل والخيار والرهن والكفيل، والثاني فيه خلاف، وهو أن يشترط ما يمكن
تسليمه نحو أن يشترى ثوبا على أن يخيطه البائع أو يصبغه أو يبيعه شيئا آخر أو يبتاع
منه، وأن يبيع ويشترط على المشتري إن رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له، وأن
يشترط على مشتري العبد عتقه. ويدل على صحة العقد مع ذلك الاجماع الماضي ذكره
وظواهر القرآن ودلالة الأصل، ويحتج على المخالف في صحة هذه الشروط بما رووه من قوله
ص: المؤمنون عند شروطهم، ومن قوله: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع
منه كتاب ولا سنة، وبما رووه من خبر جابر أن النبي ص لما ابتاع منه البعير
بمكة شرط عليه أن يحمله عليه إلى المدينة وأنه ع أجاز البيع والشرط.
ومن الشروط ما هو فاسد بلا خلاف غير مفسد للعقد وفي ذلك خلاف، نحو أن يشترط
ما يخالف مقتضى العقد مثل أن لا يقبض المبيع أو لا ينتفع به، أو يشترط ما يخالف السنة نحو
أن يشترط بائع العبد أن يكون ولاؤه له إذا أعتق، ويدل على صحة العقد ما قدمناه من
الاجماع وظاهر القرآن ودلالة الأصل، ونحتج على المخالف بما رووه من خبر بريرة وأن
مولاتها شرطت على عائشة حين اشترتها أن يكون ولاؤها لها إذا أعتقها فأجاز النبي صلى
209

الله عليه وآله البيع وقال: الولاء لمن أعتق، فأفسد الشرط.
واعلم أنه قد نهى ص عن سوم المرء على سوم أخيه وهو أن يزيد على
المشتري قبل العقد وبعد استقرار الثمن والإنعام له بالبيع، ونهى عن البيع على بيعه وهو
أن يعرض على المشتري مثل ما اشتراه بعد العقد وقبل لزومه، ونهى عن النجش في البيع
وهو أن يزيد في الثمن من لا رغبة له في الشراء ليخدع المشتري، ونهى أن يبيع حاضر
لباد وهو أن يصير سمسارا له ويتربص بما معه حتى يغالى في ثمنه فلا يتركه يبيع بنفسه
حتى يكون للناس منه رزق وربح، ونهى عن تلقي الركبان للشرى منهم وقال ع:
فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق، إلا أن ذلك عندنا محدود بأربعة
فراسخ فما دونها، فإن زاد على ذلك كان جلبا ولم يكن تلقيا، وكل هذه المناهي لا تدل
على فساد عقد البيع إذا وقع مع شئ منها فاعرف ذلك إن شاء الله.
وأما شرائط لزومه فهي مسقطات الخيار في فسخه وها نحن ذاكروها:
فصل: في أسباب الخيار ومسقطاته:
إذا صح العقد ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بأحد أمور خمسة:
أحدها: اجتماعهما في مجلس العقد وهذا هو خيار المجلس. ولا يسقط إلا بأحد
أمرين: تفرق وتخاير، فالتفرق أن يفارق كل واحد منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن
إيثار، والتخاير على ضربين: تخاير في نفس العقد، وتخاير بعده، فالأول أن يقول البائع: بعتك
بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس، فيقول المشتري: قبلت، والثاني أن يقول أحدهما
لصاحبه في المجلس: اختر فيختار إمضاء العقد.
يدل على ذلك إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله: ص:
المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار، فسماهما متبايعان وذلك لا يجوز إلا بعد
وجود التبايع منهما - لأنه اسم مشتق من فعل كالضارب والقاتل - ثم أثبت لهما الخيار قبل
التفرق - وأقل ما يحصل به ما ذكرناه - ثم استثنى بيع الخيار وهو الذي لم يثبت فيه الخيار
بما قدمناه من حصول التخاير. وفي خبر آخر: ما لم يفترقا عن مكانهما فإذا تفرقا فقد وجب
210

البيع، وفي آخر: ما لم يفترقا أو يكون بيعهما عن خيار فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب
البيع، وفي آخر: ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر.
وحمل لفظ المتبايعين في الخبر الأول على المتساومين غير صحيح لما ذكرناه في الروايات
الأخر، ولأن من قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم ساوم عليه لم يعتق بلا خلاف، ولو ساع
ذلك في الخبر مجازا لكان الأصل الحقيقة ولا يجوز العدول عنها إلا لدليل، وما يتعلق به من نفي
خيار المجلس - في قوله ص في بعض الأخبار: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا
ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله، وقولهم أنه أثبت الاستقالة في المجلس وذلك إنما
يثبت في عقد لازم - لا دلالة له فيه وهو بأن يكون دلالة عليه أولى لأن المراد ولا يحل له أن
يفارقه خشية أن يفاسخه ما ثبت له من خيار المجلس فعبر عن الفسخ بالاستقالة، وقلنا
ذلك لأمرين: أحدهما: أنه ذكر أمرا يفوت بالتفرق والاستقالة ليست كذلك وإنما الذي
يفوت بالتفرق هو الفسخ بحق خيار المجلس، والثاني: أنه نهى عن المفارقة خوفا من
الاستقالة والاستقالة غير منهي عنها لأن الإقالة غير واجبة وإنما المنهي عنه مفارقة المجلس
خوفا من الفسخ بحق الخيار لأنه مأمور باستئذان صاحبه واعتبار رضاه.
والسبب الثاني للخيار: اشتراط المدة. ويجوز أن تكون ثلاثة أيام فما دونها بلا خلاف
ويجوز الزيادة على الثلاث ويلزم الوفاء بذلك ولا يفسد به العقد بدليل إجماع الطائفة، ويدل
على صحة العقد أيضا ظاهر القرآن ودلالة الأصل.
ويحتج على المخالف في جواز اشتراط ما زاد على الثلاث بقوله ص:
المؤمنون عند شروطهم، وبقوله: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة،
وما روي من قوله ص: الخيار ثلاثا، خبر واحد. ثم إذا لم يمنع من النقصان
منها لم يمنع من الزيادة عليها، فإن شرط الخيار ولم يعين مدة كان الخيار ثلاثا.
ويثبت خيار الثلاث في الحيوان بإطلاق العقد للمشتري خاصة من غير شرط وفي الأمة
مدة استبرائها، بدليل الاجماع المتكرر، ولأن الثلاث هي المدة المعهودة في الشريعة لضرب
الخيار والكلام إذا أطلق حمل على المعهود، ولأن العيوب في الحيوان لما كانت أخفى والتغابن
فيه أقوى فسح فيه ما لم يفسح في غيره، ولا يمتنع أن يثبت هذا الخيار من غير شرط وما ثبت
211

خيار المجلس.
وينقطع هذا الضرب من الخيار بأحد ثلاثة أشياء: انقضاء المدة المضروبة له بلا خلاف،
والتخاير في إثباتها بدليل الاجماع من الطائفة على ذلك، والتصرف في المبيع، وهو من
البائع فسخ ومن المشتري إجازة بلا خلاف، وقد روى أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض
المبيع وقال للبائع: أجيئك بالثمن، ومضى فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بين
فسخ العقد ومطالبته بالثمن، هذا إذا كان المبيع مما يصح بقاؤه، فإن لم يكن كذلك
كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار على ما بيناه، وهلاك المبيع في هذه
المدة من مال المبتاع وبعدها من مال البائع، ويدل على ذلك كله إجماع الطائفة.
السبب الثالث للخيار: الرؤية في بيع الأعيان الغائبة التي لم يتقدم من المتبايعين أو
من أحدهما رؤية لها، وقد دللنا على صحة هذا البيع فيما تقدم، وينقطع هذا الخيار ويزول
حكمه بأحد أمرين:
أحدهما: يرى المبيع على ما عين ووصف بدليل إجماع الطائفة، وأيضا فجواز الخيار مع
ما ذكرناه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.
والثاني: أن يرى بخلاف ما وصف ويهمل الفسخ لأنه على الفور.
واعلم أن ابتداء المدة للخيار من حين التفرق بالأبدان لا من حين حصول العقد لأن
الخيار إنما يثبت بعد ثبوت العقد وهو لا يثبت إلا بعد التفرق فوجب أن يكون الخيار ثابتا من
ذلك الوقت، ويدخل خيار المجلس في جميع ضروب البيع - السلم وغيره - لإجماع الطائفة
على ذلك، وكذا خيار الشرط لمثل ما قدمناه إلا عقد الصرف فإن خيار الشرط لا يدخله
بلا خلاف.
ولا يدخل خيار المجلس فيما ليس ببيع من سائر العقود بدليل إجماع الطائفة، ويحتج
على المخالف بما رووه من قوله: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا، يخص بذلك المتبايعين دون
غيرهما فمن ادعى دخول ذلك فيما ليس ببيع فعليه الدليل.
ولا مانع من دخول خيار الشرط فيما ليس ببيع وقوله ص: المؤمنون عند
شروطهم، يدل على ذلك.
212

ومن له الخيار لو انفرد بالفسخ أجزأ ويفتقر إلى حضور صاحبه، وكذا الفسخ بالعيب،
وسواء في ذلك قبل القبض وبعده لأن حق الفسخ بالخيار قد ثبت لكل واحد منهما فمن
ادعى أنه لا يصح لأحدهما إلا مع حضور الآخر فعليه الدليل.
وإذا هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه
حدثا يدل على الرضى فيكون هلاكه من ماله.
وإذا وطئ المشتري في مدة الخيار لم يكن مأثوما ويلحق به الولد ويكون حرا ويلزم
العقد من جهته على ما قدمناه - كل ذلك بدليل إجماع الطائفة - ولم ينفسخ خيار البائع
ولو شاهده يطأ فلم ينكر لأنه لا دليل على ذلك، فإن فسخ البائع العقد لزم قيمة الولد
للمشتري وعشر قيمة الأمة - إن كانت بكرا - ونصف عشر قيمتها - إن كان ثيبا - لأجل
الوطء بدليل الاجماع المشار إليه.
وخيار المجلس والشرط موروث بدليل إجماع الطائفة، ولأنه إذا كان حقا للميت ورث
كسائر حقوقه لظاهر القرآن، وإذا جن من له الخيار أو أغمي عليه انتقل الخيار إلى وليه
بدليل الاجماع المشار إليه
السبب الرابع للخيار:
ظهور عيب إذا كان في المبيع قبل قبضه بلا خلاف، ولا ينقطع إلا بأحد أمور خمسة:
أحدها: اشتراط البراءة من العيوب حالة العقد، فإنه يبرأ من كل عيب ظاهرا كان
أو باطنا، معلوما كان أو غير معلوم، حيوانا كان المبيع أو غيره، بدليل إجماع الطائفة. ويحتج
على المخالف بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، وقوله: الشرط جائز بين المسلمين
ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة.
وثانيها: تأخير الرد مع العلم بالعيب لأنه على الفور بلا خلاف.
وثالثها: الرضى بالعيب بلا خلاف أيضا.
ورابعها: حدوث عيب آخر عند المشتري، وليس له هاهنا إلا الأرش - وهو أن يرجع
على البائع من الثمن بمقدار ما نقص من قيمة المبيع صحيحا - إلا أن يكون المبيع حليا أو
213

آنية من ذهب أو فضة قد بيع بجنسه فإن أخذ الأرش لا يجوز لما يؤدى ذلك إليه من الربا،
والأولى فسخ العقد واستئنافه بثمن ليس من جنس المبيع ليسلم من ذلك.
وخامسها: التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملك أو الإذن الحاصل له بعد
العلم بالعيب فإنه يمنع من الرد بشئ من العيوب، ولا يسقط حق المطالبة بالأرش لأن
التصرف دلالة الرضى بالبيع لا بالعيب، وكذا حكمه إن كان قبل العلم بالعيب وكان مما
يغير المبيع بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان منه كالقطع له، وإن لم يكن كذلك فله
الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن المبيع أمة فيطأها فإن ذلك يمنع من ردها بشئ من العيوب
إلا الحبل فإنها ترد به ومعها نصف عشر قيمتها لأجل الوطء على ما مضى، كل ذلك بدليل
الاجماع من الطائفة - وأحداث السنة الجنون والجذام والبرص فإنه يرد بكل واحد من ذلك
العبد والأمة إلى مدة سنة - إذا لم يمنع من الرد مانع - بدليل الاجماع المشار إليه أيضا.
وترد الشاة المصراة ومعها صاع من تمر أو بر عوض لبن التصرية بدليل هذا
الاجماع، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: من اشترى شاة
مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر، في رواية
أخرى: أو بر.
وإذا كان العيب في بعض المبيع فله أرشه أورد الجميع وليس له رد المعيب خاصة بدليل
الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بقوله ص: لا ضرر ولا إضرار، وفي
رد المعيب خاصة إضرار بالبائع.
ولا يمنع من الرد بالعيب الزوائد المنفصلة الحاصلة من المبيع في ملك المشتري
كالثمرة والنتاج، ومتى رد فذلك له دون البائع بدليل الاجماع المتكرر ذكره، ويحتج على
المخالف بما رووه من أنه ص قضى بين الخراج بالضمان ولم يفرق بين الكسب
وغيره.
السبب الخامس للخيار: ظهور غبن لم تجر العادة بمثله بدليل الاجماع المشار إليه،
ويحتج على المخالف بقوله ص: لا ضرر ولا ضرار - ومن اشترى بمائة
ما يساوى عشرة كان غاية في الضرر - وبنهيه ص عن تلقي الركبان، وقوله:
214

فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق، لأنه إنما جعل له الخيار لأجل
الغبن.
فصل:
فأما الربا فيثبت في كل مكيل وموزون سواء كان مطعوما أو غير مطعوم بالنص
لا بعلة بدليل إجماع الطائفة، فلا يجوز بيع بعضه ببعض - إذا اتفق الجنس أو كان في حكم
المتفق كالحنطة والشعير عندنا - إلا بشروط ثلاثة زائدة على ما مضى: الحلول النافي للنسيئة،
والتماثل في المقدار، والتقابض قبل الافتراق بالأبدان، بلا خلاف إلا من مالك فإنه قال:
إذا كان أحد العوضين مصوغا جاز بيعه بأكثر من وزنه وتكون الزيادة قيمة الصنعة،
ويحتج عليه بما رووه من قوله ع: لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا
سواء بسواء، ولم يفصل، فأما قول ابن عباس ومن وافقه من الصحابة بجواز التفاضل
نقدا فقد انقرض وحصل الاجماع على خلافه.
فإن اختلف الجنس وكان أحدهما ذهبا والآخر فضة سقط اعتبار التماثل فقط واعتبر
الحلول والتقابض بلا خلاف، فإن لم يكونا ذهبا وفضة سقط اعتبار التماثل بلا خلاف، وأما
اعتبار الحلول والتقابض هاهنا فهو الأحوط ويصح البيع من دونهما وإن كان مكروها
بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: فإن
اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم.
وإن كان أحدهما ذهبا أو فضة والآخر مما عداهما سقط اعتبار الشروط الثلاثة
بلا خلاف، وقد روى أصحابنا أنه إذا اتفق كل واحد من العوضين في الجنس وأضيف إلى
أحدهما ما ليس من جنسه سقط اعتبار التماثل في المقدار، مثل بيع دينار ودرهم بدينارين
أو بدرهمين، وألف درهم وثوب بألفين، ويدل على ذلك بعد الاجماع المشار إليه ظاهر القرآن
ودلالة الأصل.
واللحمان أجناس مختلفة فلحم الإبل جنس منفرد عرابها وبخاتيها، ولحم البقر كذلك
عرابها وجواميسها، ولحم الغنم صنف واحد ضأنها وماعزها، ولحم البقر الوحشي صنف
215

غير الأهلي، وكذا لحم الغنم الوحشي مثل الظباء، وحكم هذه الأصناف في الاختلاف
حكمها، يدل على ذلك إجماع الطائفة، وأيضا فهذه لحوم لأجناس مختلفة ينفرد كل جنس
منها باسم وحكم في الزكاة فكانت تابعة لها في الاختلاف.
ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا اتفق الجنس بدليل الاجماع الماضي ذكره، ويحتج على
المخالف بما رووه من نهيه عن بيع اللحم بالحيوان، فأما إذا لم يكن من جنسه فلا بأس ببيعه
لإجماع الطائفة وظاهر القرآن ودلالة الأصل.
ويجوز بيع الحيوان بالحيوان متماثلا ومتفاضلا سواء كان صحيحا أو كسيرا نقدا - لمثل
ما قلناه في المسألة الأولى - ولا يجوز ذلك نسيئة في الظاهر من روايات أصحابنا، وطريقة
الاحتياط تقتضي المنع منه، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: الحيوان
بالحيوان واحد باثنين لا بأس به نقدا ولا يجوز نسيئة.
ونهى ص عن بيع المحاقلة وهو بيع السنابل التي انعقد فيها الحب
واشتد بحب منه أو من غيره، وعن بيع المزابنة وهو بيع التمر على رؤوس النخل بتمر منه
أو من غيره، لأن ذلك لا يؤمن فيه الربا.
ورخص ع بيع العرايا وهي جمع عرية وهي النخلة تكون لإنسان في بستان
غيره أو في داره ويشق عليه دخوله إليها فيبتاعها منه بخرصها تمرا بدليل الاجماع من
الطائفة على هذا التفسير، وقد فسر أبو عبيدة العرية بما قلناه، ويحتج على المخالف بما رووه
من أنه ص نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا أن يباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا وهذا نص.
ولا يجوز بيع الرطب بالتمر في غير العرايا لا متماثلا ولا متفاضلا بدليل الاجماع المشار
إليه، ويحتج على المخالف بما رووه من أنه ص سئل عن بيع الرطب بالتمر
فقال: أينقص إذا جف؟ فقيل له: نعم، فقال: فلا.
فأما ما عدا التمر من الثمار فلا نص لأصحابنا في المنع من بيع رطبه بيابسه، ويدل
على جوازه ظاهر القرآن ودلالة الأصل، وحمله على الرطب قياس وذلك عندنا لا يجوز.
ولا ربا عندنا بين الوالد وولده والسيد وعبده والزوج وزوجته والمسلم والحربي
216

بدليل إجماع الطائفة وبه يخص ظاهر القرآن في تحريم الربا على العموم وإذا اختص تحريمه
بجنس دون جنس فما المنكر من اختصاصه بمكلف دون مكلف؟ -
فصل:
وأما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة: ذكر الأجل المعلوم، وذكر موضع
التسليم، وأن يكون رأس المال مشاهدا، وأن يقبض في مجلس العقد، بدليل الاجماع من
الطائفة ولأنه لا خلاف في صحته مع تكامل هذه الشروط ولا دليل على ذلك إذا لم يتكامل،
ويحتج على المخالف في اعتبار الأجل المعلوم بما رووه من قوله ص: من
أسلف فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم، وظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب.
ولا يجوز التأجيل إلى الحصاد أو الدياس أو ما أشبه ذلك مما يختلف زمانه بدليل
الاجماع الماضي ذكره، ويحتج على المخالف بما رووه من قولي ص: لا تتبايعوا
إلى الحصاد ولا إلى الدياس ولكن إلى شهر معلوم، وهذا نص.
ولا يجوز السلف فيما لا ينضبط بوصف يتميز به كالمعجونات والمركبات والخبز واللحم -
نيئا كان أو مطبوخا - وروايا الماء، ولا في المعدودات كالجوز والبيض إلا وزنا، ويجوز السلف
في الحيوان بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج على المخالف بما رووه من أمره ع
حين أراد تجهيز بعض الجيوش بأن يبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدق.
ولا يجوز لمن أسلم في شئ بيعه من المسلم إليه ولا من غيره قبل حلول أجله - وقد
دخل في ذلك الشركة فيه والتولية له لأنهما بيع - فإذا جاز بيعه من المسلم إليه بمثل ما نقد
فيه وبأكثر منه من غير جنسه ومن غير المسلم إليه بمثل ذلك وأكثر منه من جنسه وغيره
بدليل إجماع الطائفة وظاهر القرآن ودلالة الأصل إلا أن يكون المسلم فيه طعاما فإن بيعه
قبل قبضه لا يجوز إجماعا على ما قدمناه.
وتجوز الإقالة على كل حال لأنها فسخ وليست ببيع، ويحتج على المخالف في ذلك
بما رووه من قوله ص: من أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة، وإقالة
نفسه هو العفو والترك فوجب أن تكون الإقالة في البيع كذلك، وعلى هذا لا يجوز الإقالة بأكثر
217

من الثمن أو بأقل أو بجنس غيره.
وإذا جئ بالمسلم فيه قبل محله لم يلزم المشتري قبوله لأنه لا يمتنع أن يكون له في
تأخيره غرض لا يظهر لغيره ولأن إجباره على ذلك يحتاج إلى دليل، ويجوز التراضي على
تقديم الحق عن أجله بشرط النقص منه بدليل الاجماع المشار إليه ولأنه لا مانع من ذلك،
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ص: المؤمنون عند شروطهم، وقوله:
الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما، فأما تأخير الحق عن أجله
بشرط الزيادة فيه فلا يجوز بلا خلاف لأنه ربا.
فصل
وأما ما يتعلق بالبيع من الأحكام فقد مضى في خلال الفصول المقدمة منه مما يناسبها
وبقي ما نذكر منه اللائق بغرض الكتاب.
واعلم أن من حكم البيع وجوب تسليم المعقود عليه في الحال إذا لم يشرط التأجيل
بلا خلاف، فإن تشاحا وقال كل واحد منهما لا أسلم حتى أتسلم فعلى الحاكم إجبار البائع
على تسليم المبيع فوجب الإجبار على تسليمه ليستحق الثمن، فإن امتنع البائع من
التسليم حتى هلك المبيع فهلاكه من ماله على كل حال ويبطل العقد لتعذر تسليمه، وإن
كان قبضه المشتري فهلك وقد لزم البيع فهلاكه من ماله دون مال البائع سواء كان قبضه أو
رضي بتركه في يد البائع.
والقبض فيم لا يمكن نقله كالأرضين التخلية ورفع الحظر، وكذا حكم ما يمكن ذلك فيه
مما يتصل بها من الشجر وثمره المتصل به والبناء، وفيما عدا ذلك التحويل والنقل كل
ذلك بدليل إجماع الطائفة.
ويكره بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله: ثمن هذه السلعة كذا وقد بعتكها
برأس مالي وربح درهم في كل عشرة، والأولى تعليق الربح بعين المبيع.
ومن ابتاع شيئا بثمن مؤجل لم يجز أن يبيع مرابحة حتى يخبر بذلك، فإن باع ولم يخبر
بالأجل صح البيع بلا خلاف إلا أن المشتري إذا علم ذلك كان بالخيار بين أن يدفع الثمن
218

حالا وبين أن يرد بالعيب لأن ذلك تدليس في الثمن.
ومن قال لغيره: هذه السلعة على بمائة بعتكها بربح درهم في كل عشرة، فقال:
اشتريته، ثم قال: غلطت بل اشتريتها بتسعين، فالبيع صحيح لأنه لا دليل على فساده،
والمشتري بالخيار بين أن يأخذها بمائة وعشرة لأن العقد على ذلك وقع وبين أن يردها لأن
ما علمه من النقصان في الثمن عيب له ردها به إن شاء.
ومن حط من الثمن بعد لزوم العقد شيئا وأراد البيع مرابحة لم يلزمه حطه بل يخبر بما
وقع العقد عليه لأن الثمن قد استقر، ومن قال أن الحط بعد لزوم العقد يلحق به فعليه
الدليل، وإذا أراد أن يحسب أجرة القصارة مثلا والطراز في بيع المرابحة قال: صار على
بكذا أو جاء على، ولم يقل: اشتريته.
ومن باع بشرط حوم البائع والمشتري في الثمن فالبيع فاسد لما قدمناه من الجهالة
بالثمن، فإن تراضيا بإنفاذه فحكم المشتري بالقيمة فما فوقها أو حكم البائع بالقيمة
فما دونها مضى ما حكما به، وإن حكم البائع بأكثر والمشتري بأقل لم يمض، وقد قدمنا أن
تعليق البيع بأجلين وثمنين كقوله: بعت إلى مدة كذا بكذا وإلى ما زاد عليها بكذا، يفسده،
فإن تراضيا بإتمامه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين بدليل إجماع الطائفة على ذلك.
وقد قدمنا أن من جمع في صفقة واحدة بين شيئين يصح بيع أحدهما دون الآخر نفذ
البيع فيما يصح فيه، فإذا ثبت ذلك فالمشتري بالخيار بين أن يرد الجميع أو يمسك ما يصح
فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه لأن جميع الثمن إنما كان في مقابلتهما
ويتقسط عليهما معا فإذا بطل بيع أحدهما سقط من الثمن بحسابه، ومن أوجب الجميع
فعليه الدليل، ولا خيار للبائع على المشتري في ذلك لأن البيع قد ثبت من جهته فمن جوز
له الخيار فعليه الدليل.
ولا يدخل في بيع الشجر ما عليه من ثمر إلا بالشرط، وكذلك حكم الزرع مع الأرض،
والحمل مع الحيوان، وما يصاحبه من أداة ودثار ومال يكون مع العبد أو الأمة.
ومن قال: بعت هذه الأرض بحقوقها، دخل فيها الشجر، فإن قال: بعت هذه الدار
بحقوقها، دخل في ذلك كل شئ ثابت ثبوت البناء كالشجر والرفوف والأوتاد والأغلاق
219

المنصوبة والفرد التحتاني من الرحى المبنية بلا خلاف، وعندنا الرحى الفوقاني والمفتاح
أيضا كذلك لأنهما من حقوقها المنتفع بها.
ومن اشترى من يحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه عتق عليه عقيب العقد.
وإذا اختلف المتبائعان في جنس المبيع أو في عينه وفقدت البينة لزم كل واحد منهما أن
يحلف على ما أنكره لأنه مدعى عليه، فيحلف البائع أنه لم يبع ما ادعاه المشتري ويحلف
المشتري أنه لم يشتر ما ادعاه البائع.
وإن اختلفا في مقدار المبيع فالقول قول البائع مع يمينه لأنه المنكر، وإن اختلفا في مقدار
الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه، ويعتبر أصحابنا هنا أن تكون السلعة تالفة، فإن كانت
سالمة فالقول عندهم قول البائع مع يمينه.
وإن اختلفا في أصل الأجل أو الخيار أو مقدار مدتهما أو في وقت حدوث العيب أو في
كون العقد واقعا على البراءة من العيوب فاليمين على من أنكر منهما لأنه لا خلاف أن
اليمين على من أنكر على ما ورد في الخبر.
ولا يجوز الاحتكار في الأقوات مع الحاجة الظاهرة إليها، ولا يجوز إكراه الناس على
سعر مخصوص.
220

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
221

كتاب البيع
فصل في بيان أحكام البيع وحقيقته:
البيع: عقد على انتقال عين مملوكة أو ما هو في حكمها من شخص إلى غيره بعوض
مقدر على جهة التراضي، ويحتاج في صحته إلى تسعة أشياء:
كون المبيع ملكا للبائع أو في حكمه بأن يكون البائع وكيلا لمالكه أو وليا أو يجيز
المالك بيعه، والثاني: كون المتبايعين نافذي التصرف في مالهما، والثالث: كون المبيع
مشاهدا أو في حكمه، والرابع: كون الثمن كذلك، والخامس: تعيين مقدار الثمن،
والسادس: الإيجاب، والسابع: القبول، والثامن: تقديم الإيجاب على القبول، والتاسع: أن
يؤتى بالإيجاب والقبول بلفظ الماضي.
وإن كان البيع نسيئة احتاج إلى شرط آخر: وهو تعيين أجل الثمن.
وإن كان البيع سلفا احتاج إلى ستة شروط أخر وهي: كون المبيع من ذوات الأمثال،
وتعيين أجله، وتسليم الثمن قبل التفوق، وكون المسلف فيه موجودا عند حلول الأجل عام
الوجود، وتعيين موضع التسليم إن كان لنقله أجرة، وأن لا يكون منسوبا إلى ما يحصل منه.
وإن كان البيع مرابحة احتاج إلى شرطين آخرين: الأخبار برأس المال وبيان
عليه من الربح غير منسوب إلى أصل المال، وإن كان البيع صرفا احتاج إلى شروط ثلاثة
وهي: التبايع بالنقد والتقابض قبل التفرق وتساوي البدلين في القدر إذا كانا من جنس
223

واحد، وإن اختلفت الصفات. وحكم سائر ما يدخله الربا في تساوي البدلين مع اتحاد
الجنس أو حكمه كذلك.
ويدخل البيوع ثماني خيارات: خيار الإجارة وخيار الغين وخيار العيب وخيار
تبعض الصفقة، ويتذكر أحكامها في أبوابها.
فخيار الإجارة: أنه متى ما آجره من غيره ولم يعرف المبتاع بذلك، فإذا عرف كان مخيرا
بين الفسخ وبين الإمضاء ويلزمه الصبر إلى انقضاء مدة الإجارة، وخيار الغبن: أن يبيع
شيئا أو يبتاع وهو غير عالم بالقيمة وفيه غبن لا يتغابن بملكه في مثله فإذا علم كان له
الخيار، وخيار العيب: أن يبتاع شيئا معيبا لم يعرف به إذا عرف كان له الخيار على ما
سنذكره، وخيار تبعض الصفقة: أن يبتاع شيئا فاستحق بعضه، فإذا علم كان مخيرا بين
الرضى بقدر ما للبائع وبين فسخ البيع.
وخيار المدة وخيار المجلس وخيار الرؤية وخيار الشرط.
فخيار المدة يدخل في بيع الحيوان والفواكه، والمبتاع في الحيوان له الخيار ثلاثة أيام ما
لم يوجب البيع على نفسه أو لم ينصرف فيه أو لم يعقد البيع على انتفاء الخيار أو لم يوجبا
معا، وخيار الفواكه للبائع فإذا مر على البيع يوم ولم يقبض المبتاع كان للبائع الخيار.
وخيار المجلس للمتبايعين معا ما لم يتفرقا، وينقطع بأحد خمسة أشياء: بالتفرق ولو
بخطوة وبإيجاب البيع منهما أو من أحدهما، ورضي الآخر به وبإبطال الخيار وبالعقد على
شرط انتفاء الخيار.
وخيار الرؤية للمبتاع وقد يقع للبائع أيضا، ويختص بالأعيان غير المرئية أو بما هو في
حكمها، فإذا باع البائع شيئا ولم يره المبتاع أو رآه قبل ولم يره حال البيع وكان المبيع على
ما وصف، أو رآه قبل نفذ البيع وإن لم يكن، كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء،
وينقطع بأحد ثلاثة أشياء: بكون المبيع على ما وصف وبالرضا به وإن لم يكن على ما وصف
و بتأخير الفسخ مع الإمكان، لأن الخيار يجب على الفور.
وخيار الشرط يكون بمن شرط له: إما للمتبايعين أو لأحدهما أو لغيرهما، فإن شرط
لأحدهما مدة معينة من الزمان كان له الخيار في المدة، وإن شرطت لهما واجتمعا على فسخ
224

وإمضاء نفذ وإن لم يجتمعا بطل، وإن شرط لغيرهما ورضي نفذ البيع وإن لم يرض كان
المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء، وإن أرادا رفع الخيار كان لهما، وإن شرطا مدة مجهولة أو
مطلقة لم يصح.
والبيع ينقسم عشرين قسما: بيع الأعيان المرثية وبيع خيار الرؤية وبيع النسيئة وبيع
السلف وبيع المرابحة وبيع الصرف وبيع الجزاف وبيع الغرر وبيع تبعض الصفقة وبيع
الحيوان وبيع الفضولي وبيع الإقالة وبيع الثمار وبيع المياه وبيع الديون، والأرزاق وبيع ما لم
يقبض وبيع ما يباع حملا بعد حمل أو جزة بعد جزة وبيع يدخله الربا والبيع الفاسد، وأحكام
الرد بالعيب.
فصل في بيان بيع الأعيان المرئية:
بيع الأعيان المرئية ضربان: مطلق ومشروط.
فالمطلق يجب بنفس العقد ويستقر بالتفرق أو بما هو في حكمه من العقد على انتفاء
الخيار، أو إيجاب البيع أو إبطال خيار المجلس. فإن كان الثمن مشاهدا وخرج معيبا ولم
يرض المبتاع انفسخ البيع، وإن خرج أحد البدلين مستحقا أو كلاهما ولم يجزه المستحق
بطل البيع، وإن كان الثمن موصوفا وتقابضا أو أحدهما صح البيع، وإن خرج الثمن
معيبا أو مستحقا وإن لم يتقابضا ولا أحدهما كان المبتاع أولى به إلى ثلاثة أيام، فإن وفي
الثمن أو قبض المبيع استقر البيع فإن لم يفعل كان البائع بعد الثلاثة الأيام مخيرا بين فسخ
البيع وإمضائه، وإن تلف المبيع قبل التسليم كان من ضمان البائع وإن كان بغير تفريط منه
إلا أن يكون عرض للتسليم ولم يتسلم المبتاع، فإن تلف بتفريطه كان من ضمانه على كل
حال.
والمشروط ضربان: مشروط بنفس العقد مثل شرط انتفاء الخيار وقد بينا حكمه،
ومشروط لا بنفس العقد وهو أيضا ضربان: أحدهما يكون الشرط غير مقدور يفسد به البيع
والثاني يكون أيضا ضربان: أحدهما يكون من أحكام المبيع، وهو صنفان: الحيوان والفواكه
على ما ذكرنا.
225

والثاني أيضا ضربان: أحدهما يقتضيه العقد فإن شرط كان تأكيدا، وهو ثلاثة أشياء:
خيار المجلس وضمان الدرك ونقد البلد، أو الغالب من النقود إن كان ما يتعامل به أهل
البلد أكثر من واحد من النقود، وإن لم يكن أحدهما غالبا ولم يعين بطل العقد.
والثاني لا يقتضيه العقد وهو أيضا ضربان: أحدهما يكون مصلحة للمتعاقدين، وهو
تسعة أشياء: أجل الثمن وخيار المدة والإقالة والرهن بالثمن والإقراض والإسلاف
والاستسلاف في مبيع آخر والضامن للعهدة والأشهاد، والثاني ضربان: أحدهما قد رغب
فيه الشرع ولزم مثل شرط الإعتاق في بيع المملوك، والآخر قد منه منه الشرع وكان باطلا
مثل الشرط بترك التصرف في المبيع بما يقتضيه التملك.
وإن كان المبيع بستانا أو أرضا فيها بناء أو شجر أو زرع أو معدن أو غير ذلك وقال:
بعتك هذه الأرض، كان البيع واقعا على الأرض دون ما فيها، وإن قال: بعتك بما فيها، دخل
جميع ما فيها في البيع أمكن نقله أو لم يمكن، وإن قال: بعتكها بحقوقها، دخل فيها كل
ما كان ثابتا فيها دون المنفرد، فإن كان فيها عين يجري ماؤها لم تدخل فيه وإن لم تجرد دخل
فيه.
فصل في بيان خيار الرؤية:
كل ما يباع موصوفا غير مرئي ولا مؤجل فهو مشروط بخيار الرؤية، فإن كان على ما
وصف كان البيع ماضيا وإن لم يكن كان المبتاع بالخيار على الفور بين الفسخ والإمضاء وإنما
يصح بثلاثة شروط: بيان أوصافه التي يتفاوت الثمن لأجلها وتعيين جنس الثمن
ومقداره، وإذا نعت إلى البائع بأعدال محزومة وجرب مشدودة فيها متاع ومعها كتاب فيه
أوصافه فباعها عليها، فإذا فتحت وكانت دون الوصف كان للمبتاع الخيار وإن كان فوقه
فالخيار للبائع.
فصل في بيان البيع بالنسيئة:
إنما يصح ذلك بثلاثة شروط: تعيين المبيع أو وصفه وبيان مقدار الثمن وجنسه
226

وتعيين أجل الثمن بالشهور أو بيوم مشهور، وإن باع بثمنين متفاوتين إلى أجلين مختلفين لم
يصح، وقيل: يلزم أقل الثمنين في أبعد الأجلين والأول هو الصحيح.
فصل في بيان بيع السلف:
أنما يصح ذلك في ذوات الأمثال دون ذوات القيمة إذا اشتمل على تسعة شروط: وصف
المبيع وبيان النوع والمقدار بالشئ المعلوم وبيان الأجل وأن يؤمن انقطاع المسلف فيه عند
محله عام الوجود وتعيين موضع التسليم إن كان لنقله أجرة ومشاهدة رأس المال أو وصفه،
وتبيين مقداره وقبضه قبل التفرق.
فإن أسلف في الحبوب صح بستة شروط: النسبة والبلد المحمول منه واللون والهيئة
والجودة أو الرداءة، والحداثة أو العتاقة، وإن أسلف في الحيوان وصف بستة أوصاف: النسبة
والسن واللون والذكورة والأنوثة والجودة أو الرداءة، والنتاج إن كان له فإن اختلف النتاج
احتاج إلى بيان نوع آخر.
والتمر يوسف أيضا بستة أوصاف: بالنوع والبلد واللون والكبر أو الصغر والجودة
أو الرداءة والحداثة أو العتاقة لسنة أو أكثر، وحكم الفواكه كذلك.
ويوصف المملوك باللون والنوع والسن والقد والذكورة، والأنوثة والجودة أو الرداءة،
وإن كان النوع الواحد يختلف بالبلد أو اللون، جمع ذلك إلى ما ذكرناه. ويوصف الثوب
بثمانية أوصاف:
لألأ ثوب بثمانية أو صاف: بالجنس والبلد والطول والعرض واللين والخشونة والرقة
والغلظ والجودة أو الرداءة والصفاقة أو كونه شافا، والقطن يوصف بستة أشياء: بالجنس
والبلد واللون والنعومة أو الخشونة والجودة والرداءة وطول العطب أو قصره، وكذلك
حكم جميع ما يسلف فيه في ضبط كل صفة يتفاوت الثمن لأجلها.
ولا يجوز السلف فيما لا يتحدد بالوصف ولا في الأشياء المختلطة ولا الأمتعة المتخذة من
جنسين فصاعدا ولا في المنسوب إلى شئ مخصوص، قبله بجنس ما ابتاعه بأكثر من
الثمن الذي ابتاعه به لم يجز، وإن باع باع بجنس غير ذلك جاز، ويجوز للمسلف توكيل
227

المستسلف في ابتياع المسلف فيه بماله له وقبضه عوضا عن حقه، ويجوز الإسلاف في جنسين
إذا روعي فيه شروط السلف.
فصل في بيان بيع المرابحة:
إنما يصح ذلك بشرطين: تعيين رأس المال وبيان مقدار الربح، ويتعين رأس المال بأحد
أربعة ألفاظ: اشتريت بكذا أو رأس مالي فيه كذا أو قوم علي بكذا أو هو علي بكذا، ويعين
مقدار الربح بأحد وجهين: أبيعك بكذا أو أربح عليك كذا.
وإن أحدث في المبيع صنعة زاد بسببها في قيمته بالأجرة زاد في اللفظ: وعملت عملا
أجرته كذا، وما ابتاعه نسيئة لم يبعه مرابحة بالنقد إلا بعد البيان، فإن باع
وعلم المبتاع كان له من الأجل مثل ما للبائع، وإن ابتاع نقدا جاز أن يبيعه مرابحة
بالنسيئة، وإن ابتاع شيئين أو أكثر صفقة واحدة وأراد بيع بعض ذلك مرابحة لم يجز إلا
بعد البيان.
فصل في بيان بيع الصرف:
بيع الصرف يصح باجتماع ثلاثة شروط وهي: التبايع بالنقد والتقابض قبل التفرق
وتساوي البدلين في القدر مع اتحاد الجنس، وإن اختلفت الصفات من النعومة والخشونة
وجودة الصفة والرداءة وكونها صحاحا، دغلة.
وبيع الذهب على ثمانية أوجه: بيع الذهب بالذهب وبالفضة وبجوهر الذهب
وبالذهب المخلوط بالفضة وبالذهب المغشوش، وبيع جوهر الذهب بجوهره وبيع
المخلوط والمغشوش بالمغشوش.
فإن بيع الذهب بالذهب لم يخل: إما كان مشارا إليها أو موصوفين، فإن بيع مشارا
إليهما وتقابضا وظهر ببعض أحد البدلين عيب من جنسه أو من غير جنسه كان لمن لم يعب
ماله الخيار بين رد المعيب وبين فسخ البيع في الكل، فإن بيع في الذمة، وتقابضا التفرق وظهر
بالبعض عيب في المجلس كان له الإبدال لا غير.
228

وإن بيع الذهب بالفضة مشارا إليهما وتقاضا وظهر عيب في المجلس من جنسه في
البعض أو الكل من أحد البدلين كان بالخيار بين الفسخ والإمضاء، فإن كان العيب من غير
جنسه وظهر في البعض تبعضت الصفقة، وإن ظهر في الكل انفسخ البيع.
وإن تبايعا في الذمة وقالا: دينار بعشرة دراهم لزم نقد البلد أو الغالب وإن عينا لزم
المعين، فإن ظهر بأحدهما عيب في المجلس بعد التقابض كان له الإبدال، وإن ظهر بعد
التفرق في البعض عيب من جنسه فصاحبه مخير بين ثلاثة أشياء: الرضا بالبيع والفسخ
والإبدال.
وإن ظهر عيب بالكل فله الخيار أيضا بين ثلاثة أشياء: الرضا والفسخ في الجميع
والإبدال، وإن كان العيب من غير جنسه وظهر بالبعض تبعضت الصفقة وإن ظهر بالكل
انفسخ البيع، وجوهر الذهب يجوز بيعه بالفضة ولا يجوز بيعه بالذهب، ولا يجوز بجوهره
إلا إذا صفي، وإن علم مقدارهما جاز.
والمخلوط بالفضة ضربان: فإن أمكن تخليص أحدهما من الآخر ولم يعلم مقدار ما
فيه من الذهب والفضة لم يجز بيعه بالذهب ولا بالفضة ولا بالمخلوط، فإن أراد ذلك تواهبا
وإن علم مقدارهما جاز، وإن لم يمكن التخليص وعلم مقدار كل واحد منهما جاز أن يباع
بالذهب أو بالفضة أو بكيلهما وبمخلوط مثله، وإن لم يعلم المقدار وعلم
الغالب بيع بغير الغالب، فإن اشتبه بيع بكليهما، وإن ضم جنس آخر معه كان أحوط، وإن كان كلا البدلين
مخلوطا كذلك لم يصح بيع أحدهما بالآخر.
وأما الذهب المغشوش فلا يجوز بيعه بالذهب ولا بالذهب المغشوش إلا إذا كان
معلوم المقدار ويجوز بيعه بالفضة، وحكم الفضة مثل حكم الذهب في الأوجه الثمانية،
ويجوز بيعها بالذهب متماثلا ومتفاوتا نقدا، والمحلى من السيف والمنطقة وغيرهما بالذهب
أو الفضة، فإن كان معلوم المقدار جاز بيعه بجنسه بأكثر مما فيه ولم يجز بمثله ولا بأقل إلا
يستوهب المبتاع الزائد وجاز بيعه بغير جنسه،
وإن ابتاع أحد الجنسين من غيره بماله عليه من الدين جاز، وإن دفع المستدين إلى
المدين شيئا من جنس ماله عليه ولم يساعره ثم تغير السعر قوم بقيمة يوم الدفع، فإن أتلف
229

على غيره فاثورة من أحد الجنسين غرم مثله من جنسه وأجرة العمل.
فصل في بيان بيع الجزاف:
كل ما يباع كيلا أو وزنا أو عددا لا يجوز بيعه جزافا، فإن أراد ذلك كال بعض المكيل
ووزن بعض الموزون وعد بعض المعدود وباع مع الباقي من جنسه.
فصل في بيان بيع الغرر:
الغرر: ما لا يمكن ضبطه وتحصيله بالمقدار أو لا يؤمن فيه التلف قبل التسليم،
ويدخل الغرر في بيع الأعيان المرئية وبيع خيار الرؤية وبيع السلف، ولا يصح بيع ما فيه
غرر إلا إذا ضم معه غيره مما لا يكن فيه غرر.
فالغرر في الأعيان المرئية مثل بيع المحاقلة والمزابنة إلا في العرايا، وبيع الملامسة
والمنابذة والحصاة والطير المرئي في الهواء والصيد القريب منك في الصحراء، وبيع الصوف
والشعر والوبر منفردا على ظهر الحيوان.
والغرر الداخل في بيع خيار الرؤية مثل بيع ثوب على أن طوله وعرضه كذا فإن لم
يكن كذلك لزمه ثوب له على ما وصف، وبيع العبد آبقا وبيع اللبون على أنها تحلب في كل
يوم كذا رطلا، وبيع نافجة المسك على أن ما في جوفه كذا من المسك وأمثالها، والغرر
الداخل في بيع السلف مثل بيع المجر: وهو بيع ما في الأرحام وثمرة شجرة بعينها قبل بدو
صلاحها سنة وطعام أرض بعينها وبيع البيض في جوف البائض وضربة الغائص وأمثالها،
وبيع ما لا يمكن ضبط وتحديد كذلك، وجميع هذه البيوع باطل على الانفراد.
ويجوز بيع العبد الآبق وبيع المجر وبيع البيض في جوف البائض مع غيره وكذلك بيع
الصوف والشعر والوبر على ظهر الحيوان مع غيرها، وجاز بيع ثمرة شجرة بعينها سنتين
أو أكثر وبيع اللبن في الضرع إذا حلب بعضه وبيع المحلوب مع ما في الضرع وبيع الثمار
إذا أدرك بعضها وبيع ما في الأجمة من السمك إذا أخذ شيئا منها أو مع قصبها وشجرها،
وبيع الطير الطيارة إذا آوت برجها وسد عليها بابه بحيث يمكن أخذها، ويجوز الندر
230

للظروف إذا كانت مما تزيد تارة وتنقص أخرى وقد جرت عادتها بين التجار، وشرط عمل
على البائع في البيع يقدر عليه دون ما لا يقدر عليه.
وابتياع جزية أهل الذمة وقبولها بشئ معلوم، وابتياع تبن كل كر أو قدر من الطعام
بشئ معلوم قبل الكيل وابتياع شئ من الظالم إذا لم يعلم كونه غصبا، واستثناء البعض
من الكل في البيع إذا غبن، وكل ما أمكن اختياره من غير إفساده لم يصح بيعه من غير
اختيار، فإن لم يمكن ذلك جاز بيعه على الصحة وعلى البراءة، فإن باع على الصحة
وخرج معيبا كان البائع بالخيار بين أخذ الأرش والرد، فإن خرج البعض معيبا كان مخيرا بين
رد الجميع والأرش، فإن أفسد الجميع لم يكن له غير الأرش، ويحرم النجش والسوم على
السوم والشرى قبل البيع، وعرض سلعة مماثلة لما بيع في مجلس البيع مع ثبوت الخيار بأقل
من ثمن ما بيع.
وإذا ابتاع أرضا وغرس فيها واستحقت ولم يثمر الغرس كان المستحق مخيرا بين أن
يقلع ويأخذ أرش ما فسد وبين أن يأخذ لنفسه ويرد أجرة المثل وما اتفق فيه عليه،
وللغارس الرجوع على البائع إن لم يعلم بذلك، وإن أثمر الغرس كان له الأرض بما
فيها ورد عليه ما أنفقه مع أجرة العمل.
فصل في بيان بيع تبعض الصفقة:
تبعض الصفقة، أن يبتاع الانسان شيئا فخرج بعضه مستحقا أو بطل البيع في بعضه
مثل أن يبتاع دارا أو ضيعة أو متاعا أو مملوكا أو غيرها وكان بعض جميع ذلك لغير البائع
ولم يجزه مالكه، أو يبتاع حرا وعبدا أو خمرا وخلا أو خنزيرا وغنما في صفقة، فإذا تبعضت
الصفقة كان المبتاع بالخيار بين فسخ البيع فيما صح واسترداد جميع الثمن وبين الرضى
ببيع ما صح واسترداد الثمن بقدر ما خرج مستحقا، والمستحق للشفعة مخير بين الأخذ
بالشفعة فيما يدخل فيه الشفعة وبين اسقاطها.
فصل في بيان بيع الحيوان:
الحيوان: آدمي وبهيمة، فالآدمي أنما يجوز منه بيع المماليك من العبد والأمة أو من كان
231

في حكمها من المدبر إذا فسخ التدبير، والمكاتب المشروط إذا عجز عن أداء مال
الكتابة، وأم الولد إذا مات ولدها أو في ثمن رقبتها مع بقاء الولد.
والبهيمة ضربان: إما يحل لحمها أو يحرم، فالأول: يحل بيعها إلا إذا عرض
أمر يمنع من ذلك، والثاني: إما يمكن الانتفاع بها مثل جوارح الطير والسباع وكلب
الصيد والماشية والزرع والحراسة والسنجاب والفنك والسمور وسباع الوحش
للانتفاع بجلدها، وصيدها مثل الفهد والنمر والذئب وأشباه ذلك، وجاز بيع جميع
ذلك وإما لا يمكن الانتفاع بها ويحرم بيعه وهو ما سوى ذلك والإناث من الآدمي
والنعم إذا كانت حوامل وبيعت مطلقا كان الولد للمبتاع إلا إذا شرط البائع، وقال
الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله: يكون للبائع إلا إذا شرط المبتاع.
وللمبتاع في بيع الحيوان خيار ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط، فإن مات في مدة هذه الثلاثة
الأيام في يد البائع كان من ماله، وإن مات في يد المبتاع ولم يتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو
الإجارة أو الوقف أو العتق أو التدبير أو الكتابة إن كان مملوكا أو بالوطئ إن كان أمة
فكذلك، وإن تصرف فيه بشئ من ذلك كان من مال المبتاع.
والأمة إن كانت من ذوات الأقراء استبرأت بحيضة وإن كانت من ذوات الشهور
فبخمسة وأربعين يوما والنفقة مدة الاستبراء على البائع، وإن كان المملوك له مال ولم يعرف
البائع وباعه كان للبائع، وإن عرف أن له مالا وباعه مع المال صح إن كان الثمن أكثر مما
معه إن كان من جنسه وإن كان من غير جنس ما معه صح على كل حال، وإن لم يعرف مقدار
ما معه وباعه بجنسه لم يصح وإن باع بغير جنسه صح، وإن باع المملوك دون المال صح
فإن شاء سوغه المال وإن شاء استرد.
فصل في بيان بيع الفضولي:
بيع الفضولي: هو أن يبيع الانسان ما ليس له ولا يكون وكيلا لمالكه ولا وليا عليه بوجه من
غير إذنه، فإذا باع كان البيع موقوفا فإن أجاز مالكه صح بيعه وإن لم يجزه بطل.
232

فصل في بيان بيع الإقالة:
بيع الإقالة إنما يصح بأربعة شروط:
أحدها: أن يبيع بما يكون من ذوات الأمثال:
والثاني: أن يعين المدة التي يقبل فيها.
والثالث: أن يشرط أن يشرط أن يرد عليه مثل الثمن الذي باعه به من غير زيادة ولا
نقصان.
والرابع: أن يكون المبيع مما يبقى إلى تلك المدة من غير أن يفسد ويتغير عن حاله، فإذا
باع شيئا على أن يقيل البيع في وقت كذا بمثل الثمن الذي باعه به منه لزمته الإقالة إذا جاء
بمثل الثمن في المدة أو قبلها، فإن جاء به بعد انقضاء المدة لم تلزمه وكان مخيرا، فإن تلف
المبيع في المدة المضروبة كان من مال المبتاع، وإن حصل منه غلة كانت له لأن الخراج
بالضمان.
فصل في بيان بيع الثمار:
بيع الثمر وما يحصل من الأشجار لم يخل: إما باع مع أصله أو منفردا، فإن باع مع
أصله صح ولم يخل: إما أطلق بيع الأصل أو بيع الثمر أو قيد وقال: بعتك الشجر والثمر،
فإن قيد صح البيع وإن أطلق مع الأصل وقد بدا صلاح الثمر كان الثمر للبائع إلا أن
يشرط المبتاع، وإن لم يبد صلاحها كان الثمر للمبتاع إلا أن يشرط البائع.
وإن باع الثمر وقد بدا صلاحه صح البيع وإن لم يبدأ لم يخل: إما باع لسنتين أو أكثر
أو باع لسنة واحدة، فإن باع لسنة واحدة لم يخل: إما باع بشرط القطع في الحال وقد صح،
وإن باع أن يترك على الشجر أو باع مطلقا لم يصح، فإن تلف مع صحة البيع كان من مال
المبتاع وإن تلف وكان البيع فاسدا كان من مال البائع، وإن باع لسنتين أو أكثر صح وإن لم
يبد صلاحه.
والمحاقلة والمزابنة حرام، فالمحاقلة: بيع السنابل التي انعقد الحب فيها واشتد الحب
من ذلك السنبل. والمزابنة: بيع التمر على رؤوس النخل بتمر منه، وإن باع بحب آخر من
233

جنسه وبثمر آخر كذلك لم يصح أيضا إلا في العرايا، وإنما يصح ذلك بشرطين: المماثلة من
طريق الخرص والتفرق. والعرية: إنما تكون في النخل دون غيره، وقد روي في بعض الأخبار
جواز بيع ما في السنبلة وما على رأس النخل بحب من غيره وتمر من غيره، وفي العرية بيع
ما على النخل بتمر منه والصحيح ما ذكرنا.
فصل في بيان بيع الشرب:
الماء ضربان: مباح وملك، فالمباح ضربان: إما يجري إلى مزارع الناس وأراضيهم أو
لا يجري، فإن جرى كان للأعلى أن يحبس على الأسفل للزرع إلى الشراك وللنخل إلى
الكعب ثم ثم يرسل إلى من هو أسفل منه، وليس لأحد أن يبيع شيئا من ذلك ولا أن
يستحدث نهرا آخر عليه إلا إذا فضل عن مزارع من يجري الماء إلى مزارعه.
وإن لم يجر إلى مزارع الناس لم يجز لأحد أن يبيع شيئا من ذلك إذا تملكها بالحيازة: إما
بأن يستقي في قربة أو جرة واستحدث نهرا عليه في ملكه أو في أرض لا مالك له وأجرى
الماء فيه، فإذا ملكه بالحيازة جاز له أن يبيع، والأفضل أن يبذل الفاضل من ضباعة بغير
ثمن لمن يحتاج إليه.
والملك جاز له بيعه سواء كان من عين مملوكة أو قناة أو نهر استحدثه على أرض
مملوكة أو بائر لا مالك لها وأجرى فيه الماء من الماء المباح، وسواء باع نصيبا من أصله أو
قدرا معينا ينتفع به يوما أو أياما أو بعض يوم.
فصل في بيان بيع الديون والأرزاق:
الدين: سلف وغير سلف، فما أسلف فيه لا يجوز بيعه قبل القبض إلا من المسلف إليه
بمثل الثمن الذي ابتاعه منه أو بأقل منه إن باع بجنس ما ابتاع، وإن باع بغير جنس ما
ابتاع جاز أن يبيع منه بما هو أكثر قيمة من ذلك، وغير السلف لم يخل إما كان ثمنا أو غير
ثمن، فإن كان ثمنا لم يجز بيعه بالثمن وجاز بالعروض، وإن كان غير ثمن جاز
بالثمن بيعه وبالعروض من غير جنسه، ولا يجوز بيع الدين بالدين ولا بيع الأرزاق إلا بعد
القبض لأن ذلك غير مضمون.
234

فصل في بيان بيع ما لم يقبض وبيان حكم القبض:
كل حق يكون لأحد على غيره ضربان: سلف وغير سلف، وغير السلف ضربان: طعام
وغير طعام.
فالسلف: لا يجوز بيعه قبل القبض إلا من المسلف إليه على ما ذكرنا.
والطعام: لا يجوز أيضا بيعه قبل القبض سواء كان مبيعا أو قرضا، فإن باع القرض من
الطعام من المستقرض بطعام مثله كان قضاء لدينه، وإن باع بطعام من غير جنسه وقبض في
المجلس أو باع بغير طعام وعين في المجلس صح وإن لم يقبض. وغير الطعام جاز بيعه قبل القبض على كل حال.
والقبض يختلف باختلاف المبيع، فقبض ما يمكن تناوله باليد التناول وقبض الحيوان
الاستياق إلى مكان آخر وقبض المماليك إقامتها في موضع آخر وقبض المكيل الكيل
والموزن الوزن والمعدود العد، وما بيع جزافا فالنقل، وقبض الأرضين والعقارات التخلية بين
المبتاع وبينهما.
فصل في بيان بيع ما يباع حملا بعد حمل أو جزة بعد جزة:
كل ما يخرج الحمل بعد الحمل من الشجر مثل التين ومن الخضر مثل القثاء والبطيخ
والباذنجان وأشباهها فإنه يجوز بيع الحاصل من الحمل إذا بدأ صلاحه دون ما لم يحصل
ويجوز أن يبيع الحاصل وغيره، فإن باع الحاصل وجنى فذاك وإن لم يجن حتى حصل حمل
آخر، فإن تميز استقر البيع فيما باع وإن اختلط ولم يتميز ولم يسلم البائع حقه فسخ العقد
بينهما.
ويجوز أيضا بيع الرطبة وأمثالها الجزة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو جميعا وكذلك بيع
ورق التوت والحناء والآس خرطة أو خرطتين، فإن باع الفصيل على أن يقطع في الحال
فترك كان للبائع أن يقطع عليه، فإن لم يقطع وسنبل كان عليه أجرة الأرض وخراجها.
235

فصل في بيان الربا:
الربا: فيما يكال ويوزن مع اتحاد الجنس أو حكمه ولا يجوز بيع ما يكال أو يوزن بجنسه
متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة ولا متماثلا نسيئة، والذهب والفضة جنسان ويجوز بيع أحدهما
بالآخر متماثلا ومتفاضلا نقدا، والحنطة والشعير جنسان في الزكاة وجنس في البيع ولم يخل
من ستة أوجه: إما يباع مكيل بمكيل من جنسه أو من غير جنسه أو بموزون مما هو في حكم
جنسه أو بموزون من غير ذلك أو بغير موزون أو يباع معدود بمعدود.
فالأول: يجوز بيعه بمثله نقدا لا غير، وأنواع التمر جنس وكذلك الزبيب والحنطة
والشعير ولبن البقر والغنم والإبل، ولا يجوز بيع التمر بالرطب ولا بيع الزبيب بالعنب لا
متماثلا ولا متفاضلا، فإن أريد ذلك بيع بذهب أو فضة وابتيع الآخر به، والحنطة ودقيقها
وسويقها وخبزها، وكذلك الشعير في حكم الجنس الواحد.
والثاني: يجوز بيع أحدهما بالآخر متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسيئة على كراهية.
والثالث: لا يجوز بيعهما إلا موزونا نقدا متماثلا مثل الحنطة وخبزها.
والرابع: يجوز بيع أحدهما بالآخر متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسيئة مثل الحنطة أو الشعير
بالتمر والزبيب أو بالعكس، ومثل الذهب والفضة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب وغير
ذلك أو بالعكس.
والخامس: يجوز التبايع فيه نقدا ونسيئة وعلى كل حال مثل بيع الثياب بالموزونات
والمكيلات ومثل بيع الحيوانات بذلك وبالعكس.
والسادس: يجوز التبايع فيه متماثلا ومتفاضلا نقدا لا نسيئة إذا كان من جنس واحد
مثل بيع بيضة بيضتين وجوزة بجوزتين وحلة بحلتين، فإن اختلف الجنس جاز التفاضل
فيه نقدا ونسيئة مثل بيضة بجوزتين وحلة بغنمين وغنم بدجاجات.
وأنواع الغنم الأهلي جنس وكذلك الوحشي وأنواع البقر والجاموس جنس وأنواع
الإبل جنس، ولا يجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز متفاضلا، ويجوز متماثلا نقدا وكذلك حكم
جميع ما ذكرنا في جنسه، ويجوز بيع لحم الغنم بلحم البقر أو الظباء أو الإبل متماثلا ومتفاضلا
نقدا، ولا يجوز بيع الغنم بلحمه بحال ويجوز بيعه بلحم البقر وعكسه على ما ذكرناه،
236

ولا ربا بين الولد ووالده ولا بين العبد وسيده ولا بين الرجل وزوجته ولا بين المسلم
والحربي.
فصل في بيان البيع الفاسد:
البيع الفاسد ينقسم على بضعة عشر قسما: بيع المجهول وبيع الغرر منفردا وبيع الجزاف فيما
يباع مكيلا أو موزونا وبيع يدخله الربا وبيع ما لا يجوز تملكه في شريعة الاسلام للمسلم إلا بيع من
أسلم بعد الكفر وعليه دين وله خمر أو خنزير فإنه جاز له أن يوكل كافرا حتى يبيع عليه ذلك
ويقضي به دينه، وبيع ملك الغير إذا لم يجزه المالك وبيع اللقطة مما يجب فيها التعريف قبله، والبيع
إذا اختل أحد شروط صحته وبيع المحجور عليه وبيع من لم ينفذ تصرفه في ملكه والبيع إذا أطلق
الثمن ونقد البلد أكثر من واحد ولم يغلب أحد النقود، والبيع بما لا يجوز أن يكون ثمنا وبيع ما لم
يتحدد بالصفة إذا كان غير مشاهد، وبيع الحصاة والمنابذة والملامسة والمجر وغير ذلك، وبيع
المحاقلة والمزابنة.
فإذا باع أحد بيعا فاسدا وانتفع به المبتاع ولم يعلما بفساده ثم عرفا واسترد البائع المبيع لم
يكن له استرداد ثمن ما انتفع به أو استرداد الولد إن حملت الأم عنده وولدت، لأنه لو تلف لكان
من ماله والخراج بالضمان، فإن غصب انسان أو سرق مال غيره أو أمة غيره أو حيوان غيره
وباع من آخر ثم استخرج مالكه من يده شرعا وكان المبتاع عارفا بالحال لم يكن له الرجوع على
البائع، وإن لم يكن عارفا كان له الرجوع عليه بالثمن وبما غرم للمالك.
فصل في بيان أحكام الرد بالعيب:
إذا باع الانسان شيئا لم يخل: إما باع على البراءة من العيوب أو باع مطلقا، فإن باع
على البراءة وعين العيب أو لم يعين صح البيع ولم يجز له رده بالعيب سواء كان بصيرا أو
أعمى، وإن باع مطلقا وظهر به عيب كان عند البائع لم يخل: إما حدث عند المبتاع عيب
آخر أو لم يحدث، فإن حدث لم يكن له الرد وكان له الأرش إلا أن يقبل البائع المبيع بما
حدث عنده العيب، فإن لم يحدث عنده عيب آخر لم يخل: إما ظهر ببعض المبيع عيب أو
237

بالكل، فإن ظهر بالكل فسنذكر حكمه وإن ظهر بالبعض لم يكن له رد المعيب دون غيره،
فإن شاء رد الجميع واسترد الثمن وإن شاء أخذ الأرش.
وعلى ذلك لو ابتاع جماعة متاعا بالشركة وظهر به عيب وأراد بعضهم الرد وبعضهم
الأرش لم يكن لهم ذلك حتى يتفقوا على أرش أورد، فإن كان قد عرب المبتاع حال البيع
العيب لم يكن له رده، وإن عرف بعد ذلك ورضي به وعرف أنه عيب لم يكن له الرد، وإن لم
يعرف أنه عيب ثم عرف كان له الرد.
وإذا ظهر العيب كان مخيرا بين ثلاثة أشياء: الرد والأرش والرضى به، ويسقط الرد
بأحد ثلاثة أشياء: بالرضا وبترك الرد بعد العلم به إذا عرف أن له الرد وبحدوث عيب
آخر عنده، والعيب ما يكون عيبا عند أهل الخبرة والمعرفة بها.
والعيب في المماليك عشرة: الجنون والجذام والبرص وهي من أحداث السنة أي إن
ظهرت بالمملوك قبل سنة من يوم البيع كان له الرد ما لم يحدث عنده عيب آخر، وإن حدث
لم يكن له الرد وكان له الأرش، فإن زاد يوم على السنة لم يكن له الرد. والجب ونقصان
الأعضاء وزيادتها وكونها مخنثا أو سارقا أو آبقا أو كافرا إذا شرط كونه مسلما.
والأمة والعبد في ذلك سواء، ويزيد فيها خضاب شعرها وأن لا تحيض في مدة ستة أشهر
إذا كان مثلها تحيض، وإذا وطئ الأمة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردها إلا إذا كان العيب
حملا وكان حرا فإنه وجب عليه ردها ورد معها نصف عشر قيمتها، وإن الحمل مملوكا لم
يجب ذلك.
وإذا اختلفا المتبايعان في العيب لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أمكن حدوث العيب عند
كل واحد منهما أو لم يمكن إلا عند واحد منهما، فإن لم يمكن إلا عند واحد منهما لم يحتج إلى بينة
وإن أمكن أن يكون عند كل واحد منهما وكان هناك بينة حكم عليها، فإن تعارضت بينتان
أقرع بينهما وإن لم يكن لأحدهما بينة كان اليمين على البائع، وإن اختلفا في البراءة من
العيب كانت البينة على البائع وإن علم بالعيب ثم تصرف فيه لم يكن له الرد ولا الأرش،
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في النهاية: كان له الأرش لأن تصرفه ليس
بموجب لرضاه.
238

فصل في بيان أشياء تتعلق بالباب:
من كان له حق على غيره مؤجلا وأتاه به قبل حلول أجله لم يلزمه قبضه، وإن أتاه به
بعد حلول أجله في غير موضع التسليم فكذلك وإن أتاه به في موضع التسليم وكان من غير
جنسه ونوعه فكذلك وإن أتاه من جنسه في موضع التسليم وكان مثله لزمه القبض فإن لم
قبيض وتلف كان من ماله، وإن أتاه به زائدا عليه في الصفة لزمه قبوله وإن كان زائدا في
القدر لزمه قبول مثل حقه من دون الزائد، وإن أتاه به ناقصا عنه في الصفة لم يلزمه قبوله
وإن أتى به ناقصا في القدر لزمه قبوله وطالب بالباقي.
والإقالة فسخ ويجوز قبل القبض وبعده بثلاثة شروط: الإقالة على مثل الثمن بغير
زيادة ولا نقصان، ومن استصنع شيئا قبل، وفعل الصانع كان مخيرا بين التسليم والمنع،
والمستصنع بين القبول والرد. ولا يجوز بيع واحد من جماعة، وإذا باع ثوبا بدينار على أن
طوله كذا فزاد ذراعا كان للبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء ويكون شريكا له بقدر الزيادة،
وإن نقص ذراع كان الخيار للمبتاع إن شاء رضي وإن شاء رد وعلى هذا حكم الأرض إذا
باع أرضا، وقال: هي كذا جريبا فمسحت فزادت أو نقصت.
باب الاحتكار والتلقي:
الاحتكار يدخل في ستة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح.
ولا احتكار مع فقد الحاجة، وإذا مست الحاجة إليها فحده ثلاثة أيام في الغلاء
وأربعون يوما في الرخص، وإذا احتبس لقوته وقوت عياله لم يكن ذلك احتكارا، فإذا
احتبس للبيع ومست الحاجة إليه من الناس ولم يبعه أجبر على البيع دون السعر إلا إذا
تشدد، فإن خالف أحد في السوق بزيادة أو نقصان لم يعترض عليه.
والتلقي: استقبال المتاجر والمتاع إلى خارج البلد دون أربعة فراسخ وهو مكروه،
وللبائع الخيار على الفور مع الإمكان، فإن آخر لغير عذر بطل خياره فإن كان راجعا من
موضع ورأى جلبا وابتاع شيئا جاز، وللسمسار أن يبيع متاع البدوي في الحضر ويستقصي
في بيعه، وليس له أن يبيع لباد في البدو.
239

باب في بيان حكم الوزان والناقد والمنادي والكيال والواسطة:
الوزان: إما يزن الثمن وأجرته على المبتاع أو المتاع وأجرته على البائع، وأجرة
الناقد والدلال على المبتاع وأجرة المنادي والكيال على البائع.
والواسطة إن نصب نفسه للبيع فأجرته على البائع وإن نصب للشراء فأجرته على
المبتاع وإن نصب نفسه للأمرين فأجرته على من عمل له، وإن أعطاه المتاع التاجر
وواجبه البيع كان أصل المال للتاجر والربح للواسطة والوضعية عليه، وإن لم يواجبه البيع
وبين له بيعه لم يكن له خلافه فإن خالفه لم ينعقد بيعه، فإن باع وتلف غرم وإن لم يبين له بيان
البيع لزمه أن يبيع نقدا بقيمة المثل بنقد البلد، فإن خالف ورضي التاجر صح وإن لم يرض لم
يصح البيع فإن فات ضمن تمام القيمة نقدا، فإن اشترى به متاعا آخر وكان قد ضمن من
التاجر كان المتاع له دون التاجر وإن لم يضمن من التاجر ثمنه وناب عن التاجر في البيع
والابتياع كان المتاع للتاجر، وإن لم ينب عنه كان المتاع للواسطة وعليه قيمة متاع التاجر.
فصل في بيان التصرف في مال اليتيم:
لا يجوز التصرف في مال اليتيم إلا لأحد ثلاثة: أولها الولي وهو الجد ثم الوصي وهو
الذي ينصبه أبوه ثم الحاكم إذا لم يكن له جد ولا وصي أو كانا غير ثقة، وكل واحد من
الجد والوصي لم يخل من ثلاثة أوجه: إما يكون ثقة مليا بالأمر ولزم إقراره أو ثقة غير ملي
ولزم تقويته بآخر أو غير ثقة ولزم الإبدال به.
ويلزم المتصرف فيه القيام بأمره وحفظ مصالحه، فإذا فعل جاز له أن يأخذ من ماله
قدر الكفاف ويجب عليه أن ينفق عليه بالمعروف، فإن أسرف ضمن الزائد وإن خلطه بعاليه
جعله كأحدهم من غير زيادة وإن سامح له كان أفضل، فإن اتجر بماله (إذا كان معسرا) كان
الربح له والخسران عليه وإن اتجر لنفسه كان له الربح وعليه الخسران إذا كان مليا بمثل
المال، وإن لم يكن مليا أو تصرف فيه غير من له التصرف كان الربح لليتيم والخسران على
المتصرف، وإن كان له مال على الغير ورأى له الغبطة في المصالحة عليه جاز له أن
يصالح وكان الصلح ماضيا.
240

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
241

كتاب البيع
البيع عقد ينتقل به عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مثلها أو مخالفا لها في
الصفة على وجه التراضي ولا بد من معرفة أقسامه وشروطه وأسباب الخيار فيه
ومسقطاته وأحكامه
وأقسامه أربعة: بيع عين حاضرة مرئية وبيع خيار الرؤية في الأعيان الغائبة وبيع ما
فيه الربا بعضه من بعض وبيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم وهو السلم.
وأما شروطه فضربان: أحدهما شرائط صحة انعقاده والثاني شرائط لزومه. فالأول
ثبوت الولاية في المعقود عليه وأن يكون معلوما مقدورا على تسليمه منتفعا به منفعة مباحة
وأن يحصل الإيجاب من البائع والقبول من المشتري بلا إكراه إلا في موضع نذكره. ولبيع ما
فيه الربا وبيع السلم شروط أخر تأتي بعد.
احترزنا بثبوت الولاية من بيع من ليس بمالك للمبيع ولا في حكم المالك وهم ستة:
الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه والوكيل، واشترطنا أن يكون المعقود عليه معلوما لأن
العقد على المجهول باطل لأنه من بيع الغرر، واحترزنا بكونه مقدورا على تسليمه مما لا
يمكن ذلك فيه كالسمك في الماء والطير في الهواء فإنه لا يجوز بيعه لأنه من بيع الغرر.
واحترزنا بكونه منتفعا به مما لا منفعة فيه كالحشرات وقلنا: مباحة، تحرزا من المنافع
المحرمة والنجس إلا ما يستثني بدليل واعتبرنا الإيجاب والقبول تحرزا من القول بانعقاده
بالاستدعاء من المشتري والإيجاب من البائع من غير قبول وبالمعاطاة أيضا واشترطنا عدم
243

الإكراه لأن حصوله مفسد للعقد بلا خلاف إلا إكراه الحاكم على البيع لإيفاء ما يلزم من حق
لأنه يصح البيع معه.
والشروط المقترنة بعقد البيع ضروب:
أولها: ما هو فاسد مفسد للعقد كأن يشرط في الرطب أن يصير تمرا وفي الزرع أن
يسنبل وكأن يسلف في زيت على أن يكون حادثا في المستقبل من شجر معين إذ هو غير
(معين) مقدور على تسليمه.
وثانيها: ما هو صحيح والعقد معه كذلك كأن يشرط في العقد ما يقتضيه وما
للمتعاقدين مصلحة فيه كاشتراط القبض وجواز الانتفاع والأجل والخيار والرهن
والكفيل أو كأن يشرط ما يمكن تسليمه كأن يشري ثوبا على أن يخيطه البائع أو يصبغه أو
يبيعه شيئا آخر أو يبتاع منه، وأن يشترط البائع على المشتري كون المبيع له إن رد الثمن
عليه في وقت كذا وأن يشترط على مشتري العبد عتقه.
وثالثها: ما هو فاسد غير مفسد للعقد كأن يشترط بائع العبد أن يكون ولاؤه له إذا
عتق. وأما شرائط لزومه فهي مسقطات الخيار في فسخه.
فصل:
أسباب الخيار خمسة: أحدها: اجتماعهما في مجلس العقد وهو خيار المجلس. والثاني:
اشتراط المدة. والثالث: إن لم يتقدم من المتبايعين أو من أحدهما رؤية ما يبيعه منه في الحال
غائبا. الرابع: ظهور عيب كان في المبيع قبل قبضه. الخامس: ظهور غبن لم تجر العادة بمثله
ولم يكن المشتري من أهل الخبرة فإن فقد أحد الشرطين فلا رد.
أما خيار المجلس فلا يسقط إلا بأحد أمرين: تفرق وتخاير. فالتفرق أن يفارق كل
منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن اختيار. والتخاير ضربان: تخاير في نفس العقد، كأن
يقول: بعتك بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس، فيقول المشتري: قبلت. وتخاير بعد
العقد، كأن يقول أحدهما لصاحبه في المجلس: اختره فيختار إمضاء العقد.
وأما الخيار باشتراط المدة فينقطع بأحد ثلاثة أشياء: انقضاء المدة المضروبة له
244

والتخاير في انتهائها والتصرف في المبيع، وهو من البائع فسخ ومن المشتري إجازة.
وأما خيار الرؤية فينقطع بأحد أمرين: أحدهما أن يرى المبيع على ما عين ووصف.
الثاني: أن يرى بخلاف ما وصف ويهمل الرد لأنه على الفور.
وأما خيار ظهور عيب كان في المبيع قبل قبضه فلا ينقطع إلا بأحد أمور خمسة:
أحدها: اشتراط البراءة عن العيوب حالة العقد. وثانيها: تأخير الرد مع العلم بالعيب لأنه
على الفور. وثالثها: الرضا بالعيب. ورابعها: حدوث عيب آخر عند المشتري. وخامسها:
التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملك أو بإذن حاصل بعد العلم بالعيب أو قبل
العلم به وكان مما يغير المبيع بزيادة فيه كالصبغ للثوب أو نقصان منه كقطعه.
فصل:
وشروط جواز بيع بعض المكيل والموزون ببعض إذا اتفق الجنس أو كان في حكم
المتفق كالحنطة والشعير ثلاثة زائدة على ما سبق: الحلول النافي للنسيئة والتماثل في
المقدار، والتقابض قبل الافتراق بالأبدان فإن اختلف الجنس سقط اعتبار التماثل.
ويصح البيع بدون الآخرين وإن كان مكروها هذا إن لم يكونا ذهبا وفضة فإن كان
أحدهما ذهبا أو فضة والآخر مما عداهما سقط اعتبار الشروط الثلاثة وروي أنه إذا اتفق كل
واحد من العوضين في الجنس وأضيف إلى أحدهما ما ليس من جنسه سقط اعتبار التماثل
في المقدار كبيع دينار ودرهم بدينارين.
فصل:
وللسلم أربعة شروط تخصه زائدة على ما سبق وهي: ذكر الأجل، وذكر موضع
التسليم، وأن يكون رأس المال مشاهدا، وأن يقبض في مجلس العقد.
فصل:
إذا قال المشتري للبائع: بعينه بكذا، فقال [البائع]: بعتك، لم يصح حتى يقول
245

المشتري بعده: اشتريت، فعلى هذا كل ما يجري بين الناس إنما هي استباحة وتراض،
وليس ذلك بيعا منعقدا، ويصح لكل واحد من المتبايعين الرجوع.
من باع عينا غائبة ولم يذكر الصفة والجنس أو أحدهما لم يصح البيع، ولا يجوز
بيع عين بصفة مضمونة كأن يقول: بعتك هذا الثوب على أن طوله كذا وعرضه كذا فإن لم
يكن كذا فعلى بدله بتلك الصفة، لأن العقد لم يقع على البدل ويحتاج فيه إلى استئناف
عقد.
ولو باع ثوبا على خف نساج وقد نسج بعضه على أن ينسج الباقي بطل لاجتماع
خيار الرؤية وانتفائها في شئ واحد.
إذا اشترى شيئا مما يسرع إليه التلف كالفواكه بعد أن رآه بزمان يعلم أنه قد تلف
فيه بطل.
كل ما يمكن اختباره من المطعوم والمشروب من غير إفساد له لا يجوز بيعه بغير
اختباره فإن تبايعا كانت الصحة موقوفة على تراضيهما.
فصل:
يثبت في الحيوان الخيار ثلاثا للمشتري خاصة شرطا أو لا، وما زاد فبحسب الشرط، فإن
شرطا مدة معلومة ثم أوجبا البيع ثبت العقد وبطل الشرط المتقدم.
إذا ابتاع بشرط الخيار ولم يسم وقتا بل أطلقه فله الخيار ثلاثا لا غير. وإذا ابتاع
معينا وتفرقا بلا تقابض فالمبتاع أحق به إلى ثلاثة أيام، فإن مضت ولم يحضر الثمن
فالبائع بالخيار بين الفسخ والمطالبة بالثمن، وإن هلك في مدة الثلاثة فهو من مال
البائع.
إذا أراد انعقاد ما يشتريه لولده من نفسه اختار لزوم العقد عند انعقاده أو يختار
بشرط بطلان الخيار على كل حال، وقيل: ينتقل من مكان العقد.
بيع العين المشاهدة يدخله خيار المجلس بإطلاق العقد وخيار الشرط بحسب
الشرط ثلاثا فصاعدا، وبيع الحيوان يدخله خيار المجلس وخيار الثلاثة بإطلاق العقد وما
246

زاد فبالشرط، وبيع خيار الرؤية يدخله الخياران معا، وخيار الشرط إذا رآه.
وخيار الرؤية يكون على الفور دون خيار المجلس، وكذا بيع السلم
الصرف يدخله خيار المجلس دون خيار الشرط لأن من شرط صحته القبض.
وأما النكاح والطلاق والخلع والعتق والوقف والصلح فلا يدخلها الخياران معا،
وكذا المكاتبة المطلقة إذا أدى شيئا، فأما المشروطة فللمولى خيار الشرط دون خيار
المجلس وللعبد الخياران معا، وأما الإجارة والمزارعة والمساقاة والقسمة والسبق والرماية
والحوالة والجعالة والقراض فلا يدخلها خيار المجلس لأنه يختص البيع، ولا مانع من
دخول خيار الشرط. وأما الهبة فللواهب الخيار قبل القبض وبعده ما لم يتعوض منها أو لم
يتصرف فيها الموهوب له ولم يكن الهبة لولده الصغار.
والشفيع إذا ملك الشقص بالثمن وانتزع من يد المشتري فليس له خيار
المجلس والرهن بدين للراهن الخيار بين أن يقبض أو لا، فإن أقبض لزم من جهته
وكان من جهة المرتهن جائزا إن شاء أمسك أو فسخ، قال الشيخ: والأحوط أن يقول إن
الرهن يلزم من جهة الراهن بالقول ويلزمه إقباضه و (أما) من جهة المرتهن فهو جائز على
كل حال، وإن كان رهنا في بيع كأن يقال: بعتك هذه الدار بألف على أن ترهن عبدك،
فالراهن بالخيار في مدة خيار المجلس أو الشرط بين أن يقبض الرهن أو لا، فإن أقبض لزم
الرهن من جهته ولكل منهما فسخ البيع في مدة الخيار، فإن لزم بالتفرق أو بانقضاء خيار
الشرط فقد لزم الرهن على ما كان، وإن فسخا أو أحدهما البيع بطل الرهن، وإن لم
يقبض الرهن حتى لزم البيع بالتفرق أو بانقضاء مدة الخيار فالراهن بالخيار بين أن يقبض
أو لا، فإن أقبض لزم الرهن من جهته وإن امتنع لم يجبر عليه وكان البائع المرتهن بالخيار
إن شاء أقام على البيع بلا رهن وإن شاء فسخ، وعلى ما سبق من لزوم الرهن بالقول من
الراهن ولزوم الإقباض، متى لزم البيع لزم إقباض الرهن.
خيار الشرط يورث إذا مات أحد المتبائعين أو كلاهما يقوم الوارث مقامه، وإن كان
عبدا أو مكاتبا قام مولاه مقامه، وكذا إن جن أحدهما أو أغمي عليه في مدة الخيار قام الولي
مقامه ولا اعتراض له إذا أفاق.
247

يجوز التقابض في مدة الخيارات الثلاث والخيار باق. ومبدأ خيار الشرط من حين
التفرق بالأبدان لا من حين العقد لأن الخيار يدخل بعد ثبوت العقد والعقد لا يثبت إلا بعد
التفرق فإن شرطا أن يكون من حين العقد أو يكون مدة أحدهما أقل من مدة الآخر صح
ولكل منهما الفسخ بالعيب والإمضاء قبل القبض وبعده ولا يحتاج إلى حضور صاحبه.
إذا باع وشرط الخيار لأجنبي صح، وإذا قال: بعتك على أن أستأمر فلانا في الرد، كان
على ما شرط ولا حد لاستئماره إلا أن يذكر زمانا معينا.
إذا قال: بعتك على أن تنقد لي الثمن إلى عشر مثلا فإن نقدتني وإلا فلا بيع، كان
على ما شرط.
إذا باع عبدين وشرط مدة الخيار في أحدهما ولم يعينه بطل البيع، وإن عينه ثبت
الخيار فيما عين لا غير.
إذا اشترى شاة فحبسها ثلاثة أيام ثم أراد ردها رد معها ثلاثة أمداد من طعام إن
كان لها لبن وقد شربه وإلا فلا.
وروى أصحابنا أن البيع بشرط (لا) يجوز وهو أن يقول: بعتك إلى شهر. قال الشيخ:
والأحوط عندي أن يكون المراد بذلك أن يكون للبائع خيار الفسخ دون أن يكون مانعا من
انعقاد العقد.
كل تصرف لو وقع من البائع كان فسخا، ومتى وقع من المشتري كان إقرارا
بالرضا بالبيع ولزم العقد من جهته.
الإكراه على التفرق لا يبطل خيار المجلس.
إذا قال: بعتك بشرط، ولم يذكر مقدار الشرط كان البيع باطلا. وقيل: يصح البيع
ويرجع ويثبت شرطا فقط.
إذا باع بشرط الخيار متى شاء فالبيع باطل لأنه مجهول.
إذا هلك المبيع قبل القبض في مدة الخيار أو بعدها بطل البيع وهلك على البائع
المماثلة المعتبرة في الربا بأعرف أهل الحجاز، على عهد الرسول ع، وإن
وبطل الثمن ورد الثمن إن كان مقبوضا ويسقط عن المشتري إن لم يكن مقبوضا، وإن
248

هلك قبل القبض لم يبطل البيع وإن رده على البائع وديعة أو عارية.
فصل:
الربا هو التفاضل بين شيئين من جنس واحد من المكيل والموزون خاصة وذلك
محظور غير سائغ لا نقدا ولا نسيئة ولا تفاوت في ذلك إن كان النقدان من الذهب
والفضة أحدهما مضروبا أو مصاغا أو لا يكون كذلك وإن كان المصاع أكثر قيمة.
والمغشوش من الذهب والفضة لا يجوز بيعه بغير المغشوش من ذلك الجنس لأن ما
فيه من الذهب أو الفضة مجهول سواء كان الغش مستهلكا أولا، فإن اشترى بالمغشوش
ثوبا مثلا جاز، وإن اشترى بالذهب المغشوش فضة أو بالعكس كان جائزا.
ويجوز بيع الذهب بالفضة متفاضلا نقدا لا نسيئة، وكذا في كل جنسين اختلفا مما
يكال أو يوزن، ولا يجوز فيه التفرق قبل القبض، فإن فعلا بطل البيع.
إذا باع موزونا أو مكيلا بجنس آخر منه غير الثمنين كبر بتمر مثلا، أو مكيلا
بموزون جاز التفاضل فيه والتماثل، فإن افترقا قبل القبض لم يبطل البيع، والأحوط
التقابض قبل التفرق. ويجوز بيع جنس بجنس مثله متماثلا، وأما متفاضلا فلا، والأحوط أن
يكون يدا بيد.
ما لا يكون فيه الربا كالثياب والحيوان مثلا وما لا يكال ولا يوزن يكره التفاضل
فيه نسيئة كبيع ثوب بثوبين.
البر والشعير جنس واحد في الربا، وفي الزكاة جنسان.
بيع الرطب بالتمر لا يجوز متفاضلا ومتماثلا.
ما يتداوى به من الطين الأرمني وغيره مما يوزن ففيه الربا وأما الطين الذي يؤكل
فحرام أكله وبيعه.
الماء لا ربا فيه لأنه لا يكال ولا يوزن.
كانت العادة فيه الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد وكذا الوزن. والمكيال مكيال أهل
المدينة، والميزان ميزان أهل مكة.
249

ما لا تعرف له عادة في عهد النبي ص يحمل على عادة بلد
ذلك الشئ.
بيع الحنطة بدقيقها متماثلا نقدا جائز، ولا يجوز نسيئة لا متماثلا ولا متفاضلا،
والأحوط في ذلك الوزن دون الكيل لأن الدقيق أخف وزنا من الحنطة.
ولا يجوز بيع لين الخبز بيابسه لا متماثلا ولا متفاضلا إذا كان من جنسه، وبغير
جنسه يجوز متماثلا ومتفاضلا كخبز الحنطة بخبز الذرة.
الأدهان إذا كانت في الأصل واحدا - وإن اختلفت أسماؤها - لا يجوز التفاضل فيها
كدهن الورد والنيلوفر والياسمين والبنفسج إذ الأصل فيها دهن الشيرج.
يجوز بيع الشهد بالعسل مثلا بمثله وإن كان في الشهد الشمع، وكذا الحبوب وإن
كان في أحد المثلين قليل تبن أو زوان أو غيرهما.
لبن الغنم الأهلي جنس غير لبن الغنم الوحشي وهو الظباء، وكذا لبن البقر
الأهلي خلاف لبن بقر الوحش ولبن الإبل جنس آخر يجوز بيع جنس منها بجنس آخر
متفاضلا، وأما بجنسه فلا إلا متماثلا، وكذا حكم ما يتخذ من اللبن كالسمن والزبد
والجبن والأقط والمصل وغيرها.
واللحمان كالألبان في اختلاف الأجناس وكذا الحيتان.
والطيور كل ما اختص منها بصفة واسم فهو صنف غير الآخر لا يجوز بيع جنس
منها بجنسه متفاضلا نيئا كان أحدهما والآخر مشويا أو مطبوخا سمينا كان (أحدهما)
والآخر مهزولا.
والشحم والألية واللحم ليس بعضها جنسا لبعض.
بيع اللحم بحيوان من جنسه لا يجوز كبيع لحم شاة بشاة وبغير جنسه يجوز وإن
كان الحيوان غير مأكول اللحم كالبغل والعير.
يجوز بيع دجاجة فيها بيض بالبيض وشاة في ضرعها لبن باللبن.
وما يجري فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعضه جزافا، وكذا ما يباع عددا لا يجوز بيعه
جزافا. ويجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ومتماثلا كبيضة ببيضتين وحلة بحلتين وحمار
250

بحمارين. ويجوز بيع مد من بر ودرهم بمدين وبيع دينار وألف درهم بألف دينار، وزيادة كل
ذلك نقدا.
لا يجوز بيع التمر بالتمر إذا كان خرصا بما يوجد منه.
ومن كان معه دراهم أو دنانير محمول عليها لم يجز صرفها بالجياد إلا بعد بيانها وإن
كانت صارت إليه بالجياد.
إذا اشترى سلعة بدراهم أو دنانير معينة لم يجز تسليم غيرها إلا برضا البائع.
إذا خرج المبيع من غير جنس ما وقع عليه البيع بطل البيع، وإن خرج بعض من
غير جنسه دون الباقي بطل البيع في ذلك البعض خاصة.
إذا اشترى دراهم بدنانير بأعيانها فوجد ببعضها عيبا كان البيع صحيحا
وللمشتري أن يرد المعيب بالعيب أو يفسخ البيع في الجميع، وإن كان في الذمة بلا تعيين
وأطلقا رجع الإطلاق إلى نقد البلد إن كان واحدا وإلى الغالب من نقوده إن اختلفت، وإن
لم يكن غالب لم يصح البيع إلا إذا وصف وذكر حال العقد، ولا يجوز أن يتفرقا حتى
يتقابضا، فإذا وجد أحدهما بعد التقابض عيبا من جنسه أو لا من جنسه قبل التفرق فله
الإبدال وبعد التفرق إن كان العيب لا من جنسه بطل الصرف لأنهما تفرقا من غير
قبض لما تناوله العقد، وإن كان العيب في البعض بطل العقد في ذلك البعض لا
غير، وإن كان العيب من جنسه بأن يكون الذهب خشنا أو سكة أحدهما مخالفة للسكة
المعروفة وكان في الكل فله إما الرد واسترجاع ثمنه أو الرضى أو إبداله، وإن كان في
البعض أبدل أو فسخ في الجميع.
الأواني المصاغة من الذهب والفضة معا إذا لم يمكن تخليص أحدهما من الآخر
وكذا الدنانير المضروبة منهما لم تبع إلا بالذهب إذا كان الغالب فيها الفضة أو بالفضة إذا
كان الغالب الذهب فإن تساويا بيعت بالذهب والفضة معا، والأحوط أن يجعل معهما شئ
آخر غير جوهر الذهب والفضة. ومعادنهما لا يجوز بعهما إلا بغير جنسهما ليؤمن فيه من
الربا. وجوهر الأسرب والنحاس والرصاص لا بأس بالإسلام فيه وإن كان فيه ذهب يسيرا
وفضة قليلة.
251

إذا باع سيفا محلى بفضة بدراهم أو سيفا محلى بذهب بدنانير وكان ما فيه من الذهب أو
الفضة أقل من الثمن في الوزن جاز وكان الفاضل من الثمن ثمن النصل والعلاقة
فإن كان ما فيه من الذهب أو الفضة مثله أو أكثر منه لم يجز إلا أن يستوهب السير والنصل
إذا كان مثله، فأما إذا كان أكثر فلا يجوز على حال، ويجوز بيعه بغير جنس حليته أو بعوض.
إذا اشترى خاتم فضة مع فصه بفضة جاز إذا كان الثمن أكثر مما فيه من الفضة.
من كان معه مائة درهم صحاح يريد أن يشترى بها مكسرة أكثر منها وزنا فاشترى
بصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب دراهم مكسرة أكثر وزنا من الدراهم الصحاح جاز.
إذا تقابضا وافترقا بالأبدان أو تخايرا إمضاء البيع بعد التقابض فإن تخايرا قبل
التقابض بطل الصرف، فأما إذا تقابضا قبل التفرق والتخاير لكنه اشترى منه بالذهب
الذي قبضه دراهم مكسرة صح الشرى لأن هذا تصرف منه والتصرف إمضاء للبيع
وقطع للخيار، فإذا باع الصحاح بوزنها من المكسرة ووهب الزيادة جاز، وكذا إن ضم
إلى الصحاح جنسا آخر يكون ثمنا للزيادة.
إذا اشترى دينارا بعشرين درهما ومعه تسعة عشر درهما فسلمها إليه ثم قبض
الدينار منه ثم استقرض منه درهما مما دفعه إليه وأعطاه في المجلس إتماما جاز، فإن لم يقرضه
فاسخه الصرف واشترى منه من الدينار بقدر دراهمه التسعة عشر
فيكون في يده جزء من عشرين جزء من الدينار مقبوضا عن وديعة والباقي عن الصرف،
فإن شاء استرجع ذلك الجزء منه أو وهبه له أو اشترى به عوضا منه أو جعله ثمنا لموصوف في
ذمته إلى أجل فيكون سلما. وإن لم يفاسخه لكن قبض الدينار وفارقه ليوفيه الدرهم انفسخ
الصرف في قدر الدرهم دون الباقي، فإن تصارفا فلا بأس أن يطول مقامهما في مجلسهما
وأن يصطحبا من مجلسهما إلى غيره ليوفيه لأنهما لم يتفرقا.
والتوكيل في القبض لا يكون قبضا بل يجب أن يقبض الوكيل قبل تفرقهما لأن
قبض وكيله بمنزلة قبضه ولا يجوز التفرق إلا بعد القبض أو المفاسخة لأنه ربا.
إذا اشترى عشرين درهما بدينار فقال له آخر: ولني نصفها بنصف الثمن،
صح. والتولية بيع. وإن قال له: اشتر عشرين درهما نقرة بدينار لنفسك ثم ولني نصفها
252

بنصف الثمن لم يجز لأنه إذا اشتراها لنفسه ثم ولاه كانت التولية بيعا من الغائب وذلك لا
يجوز.
إذا كان له عند صيرفي دينار فقبض منه الدراهم من غير أن يبتاع لم يكن ذلك
صرفا وكان للصيرفي في ذمته تلك الدراهم وله عند الصيرفي دينار ولا يجوز أن يتقاصا
لأنهما جنسان مختلفان، فإن أبرأ كل منهما صاحبه مما له عليه فقد برأت ذمتهما.
من كان له على غيره دنانير وأخذ منه الدراهم ثم تغيرت الأسعار كان له أن يسعر
يوم قبض الدراهم.
إذا كان له على صيرفي دنانير فقال له: حولها إلى الدراهم، وساعره على ذلك جاز
وإن لم يوازنه ويناقده في الحال لأن النقدين جميعا من عنده.
إذا قال للصائغ: صغ لي خاتما من فضة لأعطيك وزنها فضة وأجرتك للصياغة،
فعمل لم يصح وكان الخاتم ملك الصائغ واحتاج في شرائه إلى عقد مستأنف.
ولا بأس بابتياع درهم بدرهم يشترط معه صياغة خاتم أو غيره، وكذا لا بأس أن
يشترى طعاما على أن يطحنه ودقيقا على أن يخبزه وثوبا على أن يخيطه ونحو ذلك مما يكون
في مقدوره فأما ما لا يكون في مقدوره من الشرط كأن يشترى الزرع على أن يسلمه إليه
سنبلا أو الرطب على أن يسلمه تمرا فلا يجوز، ولا يجوز أن يبيع ثوبا بمائتي درهم من صرف
عشرين درهما بدينار لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يعلم بها، وكذا لا يصح أن
يشترى ثوبا بمائتي درهم دينارا أو بمائة دينار إلا درهما لأن الثمن مجهول لا يدرى إلا
بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة.
لا ربا بين الولد ووالده لأن مال الولد في حكم مال الوالد ولا بين العبد وسيده لأن
مال العبد لسيده ولا بين الرجل وأهله ولا بين المسلم والحربي لأنهم في الحقيقة فئ
للمسلمين وإنما لا يتمكن منهم، ويثبت بين المسلم والذمي فمتى اشترى المسلم من
الحربي درهمين بدرهم جاز ولا يجوز أن يبيعه درهمين بدرهم.
من ارتكب الربا جاهلا بتحريمه ثم علم به استغفر الله ولم يعد، وإن كان عالما
بتحريمه وجب عليه رد كل ما جمع من الربا على صاحبه، فإن جهل المقدار صالحه على ما
253

يرضى به، وإن لم يعرف صاحبه تصدق به عنه، فإن لم يعرف المقدار ولا الصاحب أخرج
الخمس والباقي مباح.
فصل: في أحكام العقود:
من باع نخلا قد أطلع فإن كان قد أبر فثمرته له وإلا للمشتري، وكذا في وجوه
التمليك، وإن أطلعت النخلة في ملك المشتري ثم أفلس بالثمن رجع البائع عليه بالنخلة
دون الطلع فإن أبر بعض دون بعض فثمره المأبور للبائع وثمره غير المأبور للمشتري، وإن
هلكت الثمرة للمشتري في يد البائع قبل التسليم كان للمشتري فسخ البيع وإجازته في
الأصول بجميع الثمن أو بحصته من الثمن، وإذا اشترى عبدا فقطعت يده قبل
القبض فالمشتري مخير بين فسخ البيع وإجازته بجميع الثمن لا غير لأن الثمن لا ينقسم
على الأطراف وينقسم على أصول النخل والثمرة.
إذا باع أرضا وفيها القطن وقد خرجت جوزته فإن كان قد تشقق الجوز فالقطن
للبائع وإلا فللمشتري إلا أن يقع الشرط بخلافه في الحالين وإن كان بدل القطن الحنطة
اعتبر باخراج السنابل.
يجوز بيع أصول القطن دون القطن ودون الأرض إذا كان مما يبقى فيحمل سنتين
فصاعدا.
ما لا يكون في الأكمام من الثمرة كالعنب والتين والتفاح إذا بيع أصله وقد خرجت
الثمرة فهي للبائع إلا بالشرط، وإن خرجت في ملك المشتري فهي له.
وما يخرج من ثمرته في أكمام ودونه قشر كالجوز واللوز إذا بيع الأصل وقد ظهرت
الثمرة فهي للبائع إلا بالشرط.
وإذا بيع شجر الورد أو الياسمين أو النسرين أو البنفسج أو النرجس وغير ذلك مما
يبقى أصله في الأرض ويحمل حملا بعد حمل فإن كان تفتح ورده فللبائع وإلا فللمشتري.
إذا باع أصل التوت وقد خرج ورقه فهو للمشتري تفتح أولا لأن الورق من الشجر
بمنزلة الأغصان وليس بثمر.
254

إذا باع نخلا على أن يقطعه المشتري أجذاعا فتركه حتى أثمر فالثمرة
للمشتري، فإن كان البائع سقاه وراعاه فله أجرة المثل.
إذا باع شجرة تين وعليها تين ظاهر ولم يلقطه حتى حدث حمل آخر للمشتري
فاشتبها سلم الجميع إلى المشتري أو يفسخ البيع إذ لا يمكن تسليم المبيع، وكذا في
الباذنجان والقثاء والبطيخ.
إذا قال بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل البناء والشجر في البيع وإن لم يقل
بحقوقها لم يدخل. واسم البستان يشتمل على الأرض والشجر.
إذا قال: بعتك هذه القرية بحقوقها، لم يقع اسم القرية إلا على البيوت ولا يكون
المزارع من حقوقها، وإن كان بين البيوت أشجار دخلت في البيع لأنها من حقوق القرية
والبيوت.
إذا باع دارا دخل في البيع الأرض والبناء والشجرة النابتة فيها والحيطان
والسقوف والأغلاق والأبواب المنصوبة والبئر وما فيها من الآجر والماء دون متاع البيت
والأبواب المقلوعة وشبهها مما لا يدخل تحت اسم الدار.
لا يصح بيع ماء البئر لأنه إن باع الجميع فهو مجهول لأن له مددا وإن باع الموجود
منها لم يمكن تسليمه إلا بأن يختلط بغيره، فإن باع منه أرطالا معلومة وعلم أن الماء أكثر
منها جاز ويجوز بيع العين كلها أو سهم منها.
يباع معدن الذهب والفضة بغير جنسه ليؤمن من الربا.
إذا باع أرضا وفيها بذر لم ينبت بعد وكان بذرا لما يجز دفعة بعد أخرى كالقت
أو لأصل يبقى لحمل بعد حمل كنوى التمر دخل في البيع لأنه من حقوقه وهكذا إذا غرس في
الأصل غراسا أو باع قبل أن ينبت الغراس ويرسخ عروقه دخل في البيع. وإن كان بذرا لما
يحصد مرة واحدة كالحنطة فإن كان قد باع الأرض مطلقا لم يدخل البذر في البيع وللمشتري
الخيار بين الفسخ والإجازة إن لم يعلم ذلك وإن علم فلا وعليه تركه إلى أوان الحصاد
وإن كان باع الأرض مع البذر صح وحيث قلنا يترك إلى أوان الحصاد إن حصده البائع
قصيلا لم يكن له الانتفاع بالأرض إلى وقت الحصاد لأن الذي استحقه هو تبقية الزرع
255

الذي حصده.
إذا كان الزرع مما يحصد مرة بعد أخرى وكان مجزوزا دخلت العروق في بيع الأرض
لأنها من حقوقه وإن لم يكن مجزوزا فالجزة الأولى للبائع لا غير إلا إذا شرطها المشتري وإن لم
يشترط طالب البائع بجزها في الحال لئلا يختلط حقهما، ولا بأس ببيع الزرع قصيلا وعلى
المبتاع قطعه قبل أن يسنبل فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار بين أن يقطعه وأن يتركه فإن
تركه إلى أوان الحصاد كانت الغلة للمشتري وعليه خراج ذلك.
فصل:
بيع الثمرة دون الشجر بعد بدو صلاحها جائز وأما قبل بدو صلاحها فإن كان
البيع سنتين فصاعدا جاز وإن كان سنة واحدة جاز بشرط القطع في الحال وأما بشرط
التبقية أو مطلقا بلا شرط فلا. وإن كان الأصل لواحد والثمرة لآخر فباع الثمرة صاحبها
من صاحب الأصل لم يصح كما لم يصح من غيره.
وبدو الصلاح في النخل أن يتلون البسر ويصفر وفي الورد أن ينشر ورده وتنعقد
الثمرة وفي الكرم أن ينعقد الحصرم وفي القثاء أن يتناهى عظم بعضه.
إذا كان في البستان ثمار مختلفة وبدا صلاح بعضها جاز بيع الجميع سواء كان من
جنسه أو من غير جنسه، وأما البستانان فلكل واحد حكم نفسه.
بيع الحمل الظاهر دون الأصل من مثل القثاء قبل بدو الصلاح مطلقا أو بشرط
التبقية إلى أوان اللقاط لا يجوز ويجوز بشرط القطع وبعد بدو الصلاح يجوز على الوجوه
الثلاثة، فإن اشتراه وتركه حتى اختلط بحمل حادث ولم يتميزا سلم البائع الجميع إلى
المشتري أو فسخ البيع.
يجوز أن يبيع الثمار في بستان ويستثني منها أرطالا معلومة أو ثمار نخلات معينة
واستثناء الربع أو الثلث أحوط. واستثناء نخلة غير معينة لا يجوز لأن ذلك مجهول.
إذا أصاب الثمرة جائحة قبل التخلية بينها وبين المشتري بطل البيع إن تلف
الجميع وإن تلف البعض انفسخ في التالف لا غير وبعد التسليم لا ينفسخ وكان من مال
256

المشتري وإذا عجز البائع عن سقي الثمرة وتسليم الماء فللمشتري الخيار.
وحكم التالف من جهة البائع كالتلف بالجائحة وأما التلف بأجنبي فالمشتري مخير
بين فسخ البيع واسترداد الثمن وبين إجازته ورجوعه بالقيمة إلى الأجنبي، هذا قبل
القبض، وأما بعده فمن ضمان المشتري وله الرجوع بالقيمة إلى المتلف إن كان غير الله،
بائعا كان أو غيره.
لا بأس أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة مما اشتراه وإن كان قائما في الشجر.
لا يجوز بيع محاقلة، ما انعقد فيه الحب واشتد من السنبل بحب من ذلك السنبل
وأما بحب سواه من جنسه فجائز وإن كان الأحوط أن لا يفعل تحرزا من الربا.
ولا يجوز بيع مزابنة الثمرة على رؤوس الشجر بثمر منه وأما على الأرض فلا بأس
والأحوط أن لا يجوز لما سبق في السنبل.
ومن له نخلة في دار غيره ويشق عليه الدخول إليها فيبيعها منه بخرصها تمرا جاز
فيها لا غير أعني في النخلة خاصة.
وما فيه الربا لا يجوز التفرق عن المكان قبل القبض، والقبض فيما على النخلة
التخلية وفي التمر النقل.
إذا كان شجر بين اثنين فقال أحدهما لآخر: أعطنيه بكذا رطلا، أو: خذه مني به،
جاز ما اتفق.
فصل:
يجوز بيع ما ابتاعه قبل القبض إلا في الطعام، وقبض ما لا ينقل كالعقار التخلية
بينه وبين المبيع وفي الحيوان أن يمشي به إلى مكان آخر وفي العبد أن يقيمه إلى موضع آخر،
وفيما يباع جزافا أن ينقله من موضعه وفيما يكال أن يكيله. والقبض الصحيح أن يسلم
البائع المبيع باختياره، وأن يكون الثمن مؤجلا أو حالا إلا أن يكون المشتري أوفاه
فيصح قبضه بغير اختيار البائع، فأما إذا كان حالا ولم يوفه فلا يصح قبضه بلا
اختياره وللبائع مطالبته برد المبيع إلى استيفاء الثمن، وإذا كان الثمن معينا جاز بيعه
257

قبل قبضه إلا إذا كان صرفا. ويجوز بيع صداق المرأة ومال الخلع للرجل قبل القبض.
إذا أسلم في طعام ثم باعه من آخر لم يصح إلا أن يجعله وكيله في القبض.
إذا أسلم في طعام معلوم واستسلف من آخر مثله فلما حل عليه الأجل قال لمن
أسلم إليه: امض إلى من أسلمت إليه واكتل إليه لنفسك، لم يصح لأنه يكون قد باع
طعاما قبل أن يكيله ويحتاج أن يرد ما أخذ على صاحبه ويكتال عن الأمر بقبضه بتوكيله إياه
أو يكتال الأمر ويقبضه إياه بكيل مجدد إذا شاهده أو يصدقه فيه، والأحوط للمشتري أن
يكتاله بعد اكتيال الأمر.
إذا حل عليه الطعام بعقد السلم ودفع بدله إلى المسلم دراهم لم يجز لأن بيع
المسلم فيه لا يجوز قبل القبض، وإن قال: اشتر بها الطعام لنفسك لم يصح لأن الدراهم
باقية على ملك المسلم إليه فلا يصح أن يشترى بها طعاما لنفسه هذا إذا اشتراه بعينها،
وأما إذا اشتراه في الذمة ملك الطعام وضمن الدراهم التي عليه فيكون للمسلم في ذمته
دراهم وله عليه الطعام الذي أسلمه فيه.
من كان له على غيره طعام من سلم ولذلك الغير على آخر طعام سلما أيضا فأحاله
عليه لم يجز لأن بيع المسلم فيه لا يجوز قبل القبض، فإن كان أحد الطعامين أو كلاهما قرضا
جاز.
من كان له على غيره طعام فباع منه جنسا آخر من الطعام في الذمة وفارقه قبل
القبض لم يجز لأنه بيع دين بدين، وأما من غير الطعام فيجوز، وإن فارقه قبل القبض إذا
كان معينا في الذمة.
إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما مثل ما أعطاه جاز فأما
أكثر منه فلا، وروي جوازه مطلقا.
إذا اشترى نخلا حاملة ثم أثمرت في يد البائع كانت الثمرة للمشتري وهي
أمانة في يد البائع فإن هلكت الثمرة في يده لم يجب عليه ضمانها للمشتري إذا سلمت
الأصول، فإن هلكت الأصول دون الثمرة انفسخ البيع وسقط الثمن عن المشتري وله
الثمرة بلا عوض لأنه ملكها.
258

فصل: في العيوب:
لا يجوز بيع المصراة من الناقة والبقرة والشاة وهي التي لا تحلب يوما فصاعدا
إذا أريد عرضها للبيع فيظنها المشتري كثيرة الدر فيرغب في ابتياعها وذلك تدليس، فمن
اشتراها على غير بصيرة ثم حلبها وأراد ردها رد معها صاعا من تمر أو برهان لم يجد
فقيمة اللبن وجوبا، ولا حكم للتصرية فيما عدا ما ذكرنا، فإن صار لبن المصراة عادة
لجودة المرعى أو كان المشتري عالما بالتصرية وقت الابتياع فلا خيار له.
إذا ابتاع شاة محلوبة حال البيع وحلبها أياما ثم وجد بها عيبا كان له ردها دون ما
حلبه من لبنها لأنه حدث في ملكه.
يجب على بائع المعيب أن يبين للمشتري عيبه أو يتبرأ إليه من العيوب، فإن خالف
ارتكب محظورا، وإن وقف المشتري على العيب بعد استرد الثمن ورد المعيب دون ما
استفاد من نتاج أو ثمرة أو كسب لقوله ع: الخراج بالضمان، فإن كانت الفائدة
مما حصل قبل القبض ردها مع المعيب.
من اشترى بهيمة حائلا فحملت عنده ونقصت قيمتها بالولادة ثم اطلع على
عيب كان بها فله الأرش دون الرد لتعذر ردها كما أخذ، وإن كان اشتراها حاملا والحال ما
سبق ردها مع الولد.
إذا اشترى أمة حائلا فولدت عنده عبدا مملوكا ثم وجد بها عيبا ردها دون الولد ما لم
تنقص قيمتها بالولادة، فإن نقصت فله الأرش دون الرد كالبهيمة، فإن كان وطأها فله
أرش ما بين قيمتها صحيحة ومعيبة لا غير، وكذا في الجارية إذا وطأها وإن لم تلد بكرا كانت
أو ثيبا سواء كان العيب قبل البيع أو حدث بعده في يد البائع.
لا يصح شراء الجارية حتى ينظر شعرها لأنه مقصود ويختلف الثمن باختلاف
لونه من السواد والبياض والشقرة والجعودة والسبوطة، فإن جعد شعرها ثم بان سبوطه
فللمبتاع الرد لأنه عيب، وكذا إذا أبيض وجهها ثم أسمر أو احمر ثم أصفر وإن قلنا: لا رد
لفقد الدليل على أنه عيب يوجب الرد، كان قويا.
إذا رضي المشتري بالعيب فلا خيار له ولا أرش.
259

إذا أجاز المشتري البيع مع أرش العيب لم يجبر البائع على بذل الأرش.
إذا اشترى اثنان عبدا بعقد واحد فليس لهما الرد بالعيب إلا بالاتفاق فأما إذا
اشترى كل منهما نصفه بعقد على حدة فله رد نصيبه.
إذا اشترى جارية بشرط البكارة فخرجت ثيبا فله الأرش لا الخيار.
إذا خرج العبد مخنثا أو خصيا أو سارقا فله الخيار وإن شرط أن يكون خصيا
فخرج فحلا فله الخيار أيضا لأنه بخلاف الشرط، وكذا إذا كان مجنونا أو أبرص أو أجذم،
ويرد من هذه الأحداث الثلاثة إذا ظهر بعد البيع إلى سنة وبعدها فلا.
إذا اشترى عبدا بشرط الاسلام فخرج كافرا فله الرد، وأما بالعكس فلا لقوله عليه
السلام: الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
إذا اشترى جارية ولا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيض فله الرد.
إذا اشترى شيئا وباعه بعد علمه بالعيب فبيعه رضي، وإن باعه قبل علمه فلا رد
لزوال الملك ولا أرش لرجاء الرد، فإن رجع المبيع إليه برد أو هبة أو إرث فله الرد أو أرش
العيب، فإن هلك في يد المشتري الثاني أو حدث به عيب أو عتق أو وقف فللمشتري الأول
الأرش ليأسه من الرد.
إذا اشترى عبدا فأبق وكان يأبق قبل البيع صبر فإن رجع رده وإن هلك في الإباق
أخذ الأرش، فأما في الإباق الحادث عند المشتري فلا رد ولا أرش.
إذا اشترى عبدا فوجده مأذونا في التجارة وعليه دين فلا خيار. ودين التجارة في
ذمة العبد، وإن كان مأذونا في الاستدانة فالدين في ذمة السيد الآذن.
إذا اشترى عبدا فأعتقه أو وقفه أو قتله أو هلك ثم علم بعيبه فله الأرش، فإن علم
به بعد تدبيره أو هبته فله الرد أو الأرش لأن الرجوع هنا جائز.
إذا اشترى طعاما فأكله أو ثوبا فقطعه أو صبغه ثم علم بالعيب فله الأرش أو يقبل
البائع الثوب مع العيبين أو يضمن قيمة الصبغ.
إذا حدث بالمعيب عيب عند المشتري زائدا على ما كان عند البائع فله الأرش
دون الرد.
260

وكيفية الأرش أن يقوم المبيع صحيحا ومعيبا فينظر ما نقص من القيمة ينقص بقدره
من الثمن ويعتبر التقويم في أقل الحالين قيمة من وقتي العقد والقبض.
يسقط الرد بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بحدوث عيب
آخر عند المشتري أو تصرف منه زاد به ثمنه أو نقص إلا أن يكون العيب من حبل في
أمة وقد تصرف فيها بالوطئ فعليه ردها مع نصف عشر قيمتها للوطء (إن كانت ثيبا فإن
كانت بكرا فعليه عشر قيمتها للوطء).
إذا اشترى عبدين أو ثوبين أو درهمين أو زوجي خف أو مصراعي باب ونحو ذلك
فوجد بأحدهما عيبا فله رد الجميع أو أرش المعيب وليس له رد المعيب دون الصحيح،
وكذا إذا مات أحد العبدين لتعذر رد الجميع.
إذا اشترى ما يكون مأكوله في جوفه بعد كسره كالجوز والبطيخ والرمان ونحوها
فكسره فوجده فاسدا فله الأرش دون الرد إلا أن يكون مما لا قيمة لفاسده كبيض الدجاج
فيبطل بيعه.
يصح العقد مع البراءة من العيوب وتصح هي سواء كان العيب معلوما أو مجهولا
ظاهرا أو باطنا حيوانا أو غيره، فإن لم يبرأ من العيب ثم ظهر عيب يوجب الرد فله الرد
سواء كان ذلك في المبيع قبل البيع أو بعده قبل القبض فإن قبض المشتري بعض المبيع دون
بعض وحدث العيب بما لم قبض فكما سبق.
إذا جنى العبد جناية فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه فلا يصح بيعه ويسترد إن
كانت الجناية مما يوجب القصاص، وإن كانت مما يوجب الأرش صح بيعه إذا التزم مولاه
الأرش.
إذا اشترى جارية حاملا ولم يعلم بحملها فماتت من الطلق في يده فله الأرش.
إذا كان العبد مستحقا للقتل أو القطع في يد البائع فقتل أو قطع في يد المشتري ولم
يعلم به حال الشرى يرجع على البائع في القتل بقيمة العبد وفي القطع مخير بين الفسخ
والإمضاء، وإن علم قبل الشرى فلا شئ.
إذا اشترى زيتا أو بذرا فوجد فيه رديئا ولم يعلم به حال الابتياع فله الرد وإن
261

علم فلا.
إذا اختلف أهل الخبرة في القيمة عمل على أوسط ما ذكروه من القيمة. فصل في ابتياع الحيوان
لا يصح أن يملك الانسان أحد أبويه أو جديه وإن عليا ولا أولاده وإن نزلوا ولا
إحدى المحرمات عليه كالأخت وبناتها وبنات الأخ وإن نزلن والعمة والخالة، ويصح
فيما عدا هؤلاء ومتى حصل أحدهم في ملكه انعتق في الحال.
ومن يحرم تملكه من جهة النسب يحرم تملك مثله من جهة الرضاع.
ومن ملك ذا رحم ندب إلى إعتاقه في الحال ولا يصح أن يملك أحد الزوجين
الآخر، فإن ملك بطل العقد بينهما في الحال، ولا يملك الكافر المسلم ولا يعتق بإعتاقه. وإذا
اشترى الكافر أباه المسلم لم يعتق عليه لأن الكافر لا يملك المسلم. فصل:
من باع عبدا له مال فالمال لمولاه إلا أن يشترط أنه للمشتري، وروي أن البائع إذا
علم أن له مالا حال البيع فالمال للمشتري وإن لم يعلم فله. ويجوز أن يشترى عبدا آبقا مع
شئ آخر وأما منفردا فلا.
ومن اشترى جارية فهلكت أو عابت في يده مدة الاستبراء وكان المشتري سلمها
إلى العدل بعد القبض فمن ماله ولا خيار له إن هلكت وإن كان البائع يسلمها إلى
العدل قبل القبض بطل البيع وإن عابت فالمشتري بالخيار. ومن اشترى رقبة من سوق
المسلمين فادعى الحرية لم تقبل إلا ببينة.
ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن، ولا بأس
ببيع أمهات الأولاد بعد موتهم فأما مع وجود الولد فلا إلا إذا كان ثمن رقبتهن دينا على
مولاها ولا تقدر على قضائه إلا ببيعها.
المملوكان إذا كانا مأذونين في التجارة فاشترى كل منهما صاحبه من مولاه فالبيع
262

للسابق منهما والآخر مملوك فإن اتفق العقدان في حال واحدة أقرع بينهما، وروي: بطلان
العقدين، والأول أحوط.
من أتت جاريته بولد من الزنى جاز له بيعهما معا. ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان
ولا يجوز أن يشترى شيئا من الحيوان من جملة قطيع على أن يبقى خيارها لأن ذلك مجهول
لكن تميز وتعين ما يشترى بالصفة.
إذا اشترك اثنان في شراء حيوان وقال أحدهما: إن الرأس والجلد لي بما لي من
الثمن بطل بل يقتسمان على أصل المال بالسوية
إذا باع حيوانا واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع فيه بما استثناه.
فصل: في البيع بالنقد والنسيئة والوفاء:
من باع شيئا ولم يذكر لا نقدا ولا نسيئة كان الثمن عاجلا فإن ذكر أحدهما كان
على ما ذكر ولو ذكر أجلا مجهولا غير معين كقدوم الحاج وإدراك الغلات وهبوب الرياح أو
باع نسيئة ولم يذكر الأجل بطل البيع، وإذا قال: ثمن هذا المتاع مثلا عشرون إلى سنة
وأربعون إلى سنتين، ثم أمضى البيع كان له أقل الثمنين وأبعد الأجلين.
إذا باع شيئا إلى أجل فحل الأجل وليس ثمنه عند المشتري فأخذ منه المبيع
بأنقص مما باعه لم يصح ولزمه الثمن وإن أخذه بما باعه سواء جاز، وكذا إن أخذ منه
متاعا يساوي ماله عنده.
إذا أحضر المبتاع الثمن قبل حلول الأجل فالبائع مخير في قبضه، وكذا في المثمن.
لا يجوز تأخير الثمن عن وقت وجوبه بزيادة فيه ولا بأس بتعجيله بنقصان
منه، ولا بأس أن يشترى حالا ما ليس بحاضر في الحال إذا أمكن وجوده كالحنطة والشعير
والتمر والزبيب والثياب وأما فيما لا يملك وجوده في الحال كالبطيخ والقثاء في أوان
الشتاء فلا يجوز. وكذا لا يجوز بيع ما لا يملك بعد لا حالا ولا نسيئة ليشتريها ويسلمها إلى
المشتري إذا اشترى من غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك نقدا أو نسيئة، ويشترط أن يسلفه
منه البائع في مبيع أو يستلف منه في شئ أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض منه
263

صح البيع ووجب الوفاء بالشرط، وكذا إن اشترى أرضا أو حيوانا أو غيرهما وشرط البائع
أن يرد عليه بما اشتراه به من الثمن في وقت معلوم صح البيع ولزم الرد في الوقت، فإن
مضى الوقت ولم يجئ البائع كان المشتري مخيرا بين بيعه منه وإمساكه وإن هلك في مدة
الأجل كان من مال المشتري والمنافع له أيضا فيها.
من اشترى عدة أشياء بحكم نفسه ولم يذكر الثمن بعينه بطل البيع وإن هلك
كان عليه قيمته يوم اشتراه إلا أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك فيلزمه ما حكم دون
القيمة، وإن كان المبيع قائما بعينه فللبائع انتزاعه من يده وإن أحدث فيه ما نقص قيمته
أخذ أرشه وإن زاد الحدث في قيمته رد عليه قيمة الزيادة، وإن اشتراه بحكم البائع في
ثمنه فحكم بأكثر من قيمته لم يكن له أكثر من القيمة حال البيع إلا أن يتبرع المشتري
بأكثر منه وإن حكم بأقل مضى، وإذا باع ملك غيره والمالك حاضر فسكت ولم يطالب به
ولا أنكر ذلك لم يدل ذلك على إجازته البيع ولا على فقد تملكه وكان له المطالبة متى شاء.
من قال للغير: اشتر لي هذا المتاع وأزيدك شيئا ففعل لم يلزم الآمر أخذه ويكون
مخيرا في اشترائه. ولا بأس أن يبيع متاعا بأكثر مما يساوي في الحال نسيئة إذا كان المشتري
من أهل المعرفة، وإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا.
إذا قال الواسطة للتاجر: خبرني بثمن هذا المتاع واربح على فيه كذا، ففعل
غير أنه لم يواجبه البيع ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على ذلك كان ذلك
للتاجر وله أجره المثل لا أكثر، فإن كان قد ضمن الثمن فله الربح الزائد وللتاجر ما قدر
معه من رأس المال لا غير.
ولا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة إلا أن يكون لهما بارنامج
يوقف منه على صفة المتاع في ألوانه وأقداره فحينئذ يجوز بيعه فإن وجد بخلاف ما وصف
بطل البيع.
فصل:
يجوز بيع المرابحة إذا ذكر ما وزن من النقد وكيفية الصرف يوم وزن المال ومقدار
264

ما يربح فإن كان رأس المال أو الربح مجهولا بطل البيع كأن يقول: بعتك بربح عشرة، ولم
يذكر رأس المال أو يقول: رأس المال كذا والربح ما نتفق عليه.
ويكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال كأن يقول: بعتك بربح عشرة واحدا أو
بربح ده يازده أو ده دوازده.
إذا اشترى متاعا بمائة ثم عمل فيه هو أو أحد من قبله ما أجرته عشرة لم يصح أن
يقول: اشتريته بمائة وعشرة أو رأس مالي فيه مائة وعشرة أو هو على بمائة وعشرة، لأن عمله
على ماله لا يقابله ربح بل يقول: هو على بمائة وعملت فيه ما قيمته عشرة وبعتك بمائة
وعشرة وربح درهم على كل عشرة، ليصح على كراهية.
وإن لم يعمل هو ولا غيره فيه فيقول مثلا: اشتريته بمائة وأبيعك بمائة وعشر صح.
إذا اشترى ثوبا بخمسين فباعه من غلامه الحر بمائة بشرط ألا يبيعه إلا منه ثم
اشتراه بمائة وباعه من غيره مرابحة وأخبر بالثمن الثاني بطل لأنه خيانة وللمشتري
الخيار إذا علم به، وما يحطه من الثمن في مدة الخيار يلحق العقد ويجب أن يحط عنه عند
عقد المرابحة، وإن كان الحط بعد لزوم العقد كان ذلك هبة للمشتري والثمن ما عقد عليه
ولم يجب حطه عند عقد المرابحة.
إذا اشترى سلعتين صفقة واحدة لم يجز أن يبيع إحداهما مرابحة بتقويمه على نفسه
إلا أن يبين ذلك، وكذا الحكم في بعض السلعة.
إذا اشترى ثيابا فلا يجوز له أن يبيع خيارها مرابحة لأن ذلك مجهول.
إذا اشترى سلعة إلى أجل ثم باعها مرابحة في الحال ثم علم المشتري به كان مخيرا
بين أخذه بالثمن حالا وبين رده بالعيب لأنه تدليس.
إذا قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة، صح وكان الثمن تسعين.
إذا قال: اشتريته بمائة وبعتك بربح درهم على كل عشرة لا بل اشتريته بتسعين،
صح البيع ولزمه من الثمن تسعة وتسعون، وإن قال: لا بل اشتريته بأكثر من مائة، لم يقبل
وإن أقام البينة لأنه كذبها بالقول الأول وكان البيع الأول صحيحا.
إذا اشترى جارية فولدت أو ماشية فنتجت أو شجرة فأثمرت وأراد بيعها
265

مرابحة فعليه أن يخبر بما اشتراها ولا يطرح قيمة الفائدة لأنها تجددت في ملكه، فإن
اشترى شجرة مثمرة فأكل الثمرة ثم أراد بيع الشجرة مرابحة وجب أن يضع حصة
الثمرة من الثمن ويخبر عن حصة الشجرة من الثمن الباقي لأنها أثمرت قبل أن
يشتريها.
إذا اشترى عبدا فجنى جناية تعلق أرشها برقبته ففداه سيده وأراد بيعه مرابحة لم
يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه لأنه إنما فداه لاستنقاذ ملكه، فإن جنى على العبد فأخذ السيد
أرشه ثم أراد بيعه مرابحة لم يلزمه حط ذلك من ثمنه إلا أن تكون الجناية نقصت من
ثمنه فحينئذ يلزمه أن يخبر بحاله.
فصل: في تفريق الصفقة واختلاف المتبايعين:
إذا باع شيئين صفقة واحدة ينفذ في أحدهما البيع دون الآخر صح فيما ينفذ وبطل
فيما لا ينفذ سواء كان أحدهما مالا والآخر غير مال ولا في حكم المال كان باع
خلا وخمرا أو حرا وعبدا أو شاة وخنزيرا، أو كان أحدهما ماله والآخر مال غيره أو شيئا
لا يجوز بيعه كوقف أو أم ولد مع بقاء ولدها ويقسط الثمن على أجزائهما.
إذا أمسك المشتري ما نفذ فيه البيع يأخذه بحصته من الثمن وإن شاء رده، وإن
أخذه بجميع الثمن فلا خيار للبائع.
إذا باع ثمرة فيها الزكاة بطل البيع في قدر الزكاة دون ما عداه.
إذا باع عبدين فمات أحدهما قبل القبض بطل البيع في الميت لا غير وللمشتري
الخيار بين الإمساك بالحصة والرد ولا خيار للبائع إذا أمسكه المشتري بكل الثمن.
إذا باع شيئا من غيره بثمن في الذمة وقال كل واحد منهما: لا أسلم حتى تسلم،
يجبر الحاكم البائع أولا على تسليم المبيع ثم المشتري على تسليم الثمن لأن الثمن تابع
للمبيع.
إذا باع عبدا بيعا فاسدا وأقبضه لم يملكه المبتاع بالقبض ولم ينفذ عتقه ولا بيعه ولا
هبته ولا وقفه ويجب رده ورد ما كان من نمائه المنفصل منه وإن كان ناقصا كان عليه أرش
266

ما نقص وإن تلف في يده كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت القبض إلى وقت التلف،
وإن كان المبيع جارية فوطئها فلا حد لأنه اعتقد أنه ملكها ويجب عليه المهران كانت بكرا
فعشر قيمتها وإن كانت ثيبا فنصف العشر، فإن كان أحبلها كان الولد حرا للشبهة ولا
ولا ولا حد عليه ويجب على الواطئ قيمته يوم سقط حيا وإن سقط ميتا فلا شئ عليه، وإن ماتت
الجارية في الولادة لزمته قيمتها وإن سلمت وجب ردها وما ينقص من قيمتها بالولادة، وإن
ردها حاملا وولدت في يد البائع لزمه ما ينقص من قيمتها بالولادة، وإن ماتت لزمته قيمتها
لأنها تلفت بسبب من جهته وإن ملكها بعد كانت أم ولده.
إذا اشترى عبدا بشرط أن يعتقه صح البيع والشرط ويجب الوفاء فإن لم يف فالبائع
بالخيار.
إذا باع شيئا بثمن مؤجل وشرط أن يرهن عبدا بعينه فامتنع المشتري من ذلك
فالبائع مخير بين فسخ البيع وإجازته من غير رهن.
إذا باع دارا وشرط سكناها لنفسه مدة معلومة أو باع دابة وشرط ركوبها مدة معلومة
أو مسافة معلومة صح.
إذا تلف المبيع أو الثمن المعين قبل القبض بطل البيع.
إذا اشترى جارية بشرط ألا خسارة عليه أو بشرط ألا يبيعها أولا يعتقها أو
لا يطأها صح البيع وبطل الشرط.
كل شئ يوافق مقتضى العقد أو يتعلق به مصلحة العقد للمتعاقدين كالأجل
والخيار والرهن والضمان والشهادة أو لا يتعلق به مصلحة العقد لكنه بنى على التغليب
والسراية كشرط العتق فإنه جائز، وما لا يتعلق به مصلحة العقد ولم يبن على التغليب
والسراية فهو باطل إلا أنه لا يفسد العقد إذ لا دليل عليه.
إذا اختلفا في الثمن فالقول قول البائع مع يمينه إذا بقيت السلعة وإن تلفت فقول
المشتري مع اليمين وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه وكذا إذا اختلفا
في أصل الأجل أو قدره.
إذا قال: بعتك بخمر، فقال المشتري: بل بعتني بذهب، فالقول قول من ينفي ما
267

يفسد البيع، وكذا إذا قال البائع: تفرقنا عن فسخ، وقال المشتري: بل عن تراض، فالقول
قول من يدعي الإبرام.
إذا قال: بعتك هذا العبد بألف، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف، ولا بينة
فالقول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية وقيل قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد.
فصل: فيما يوزن أو يمسح:
إذا قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم أو نصفها أو ربعها، لم يصح البيع لأنه
جزاف.
يجوز أن يستثني مدا أو قفيزا من الصبرة إذا كانت معلومة المقدار ويجوز بيع صبرة
معلومة المقدار بمثلها، والسمن في الظرف مفتوح الرأس ينظر إليه المتبايعان يجوز بيعه
والنظر إليه كالنظر إلى ظاهر الصبرة لتساوي أجزائه.
إذا باع ولم يذكر نقدا معينا فله ما يجوز بين الناس في البلد من النقد فإن اختلف
النقد بطل البيع.
ما اختلف قيمة أجزائه كالأرض والدار والثوب لا ينقسم الثمن على أجزائه.
إذا قال: بعتك نصيبا من هذه الدار أو نصيبين منها بكذا، لم يجز لأنه مجهول.
إذا قال: بعتك هذه الأرض على أنها كذا ذراعا فنقصت فالمشتري مخير بين فسخ
البيع وإجازته بجميع الثمن، وإن زادت فللبائع ذلك الخيار بعينه وكذا في الثوب
المنشور.
فصل:
السلم والسلف أن يسلف عوضا حاضرا أو في حكم الحاضر بعوض موصوف في
الذمة إلى أجل معلوم. ولا بد أن يذكر النوع وصفاته ومقداره وأجله وموضوع تسليمه إذا
كان لحمله مؤنة وأن يكون مأمون الانقطاع في محله عام الوجود وأن يكون الثمن مشاهدا
أو وصفه مع مشاهدته وأن يقبض الثمن في مجلس العقد. فإن اختل شئ من هذه الشروط
268

الثمانية بطل السلم ووجب على المسلف إليه رد ما قبضه من الثمن إن بقي أو مثله إن
تلف، وإن اختلفا في المقدار فالقول قول المسلم إليه مع اليمين لأنه الغارم.
وإذا كان الثمن جوهرا أو لؤلؤة مشاهدة لم يلزم ذكر الوصف لأنه ليس مما يكال أو
يوزن أو يذرع.
من أسلم في الرطب مثلا في أوانه إلى أجل فلم يتمكن من مطالبة المسلم إليه
به لغيبة أحدهما فإذا تحاضرا انقطع الرطب وفقد فالمسلف بالخيار بين فسخه وتأخيره
إلى قابل.
كل حيوان يجوز بيعه يجوز السلم فيه إذا ذكر الجنس والأسنان والأوصاف بالشرائط
المذكورة ما لم ينسب إلى قطيع بعينه، وكذا يجوز في الأثمان إذا كان ثمنها من غير جنسها،
وكذا في الغلات ما لم تكن منسوبة إلى أراض معينة أو قرى مخصوصة، والفواكه إلى
أشجار مسماة، والأدهان إلى بزور معينة، والثياب إلى نساجة أشخاص مذكورة أو غزل
شخص معين، والشحوم والسمون والألبان إلى نعاج معروفة وكذا الأصواف والأوبار والأواني
والأمتعة إلى صنعة صانع معين، والأجر إلى ضرب المسلم إليه أو أحد سواه معين فمهما ذكر
ذلك في حال العقد لم ينعقد وكان المبيع غير مضمون. وينبغي أن يذكر في الثياب طولها
وعرضها وغلظها ودقتها وجنسها، ولا يجوز السلم فيما لا يحدده بحد ولا يتصفه بصفة
يتميز بهما، كروايا الماء واللحم والخبز بر.
ولا يجوز أن يسلم الجنس الواحد مما يدخله الربا بعضه ببعض وزنا إذا كان أصله
الكيل ولا كيلا إذا كان أصله الوزن لئلا يتفاضل لثقل أحدهما وخفة الآخر.
ولا يجوز أن يسلم السمسم بالشيرج ولا الكتان بالبزر بل يثمن كلا منهما على
حياله.
ولا بأس بالسلف في جنسين مختلفين أو جنس واحد إلى أجلين أو أكثر.
والمختلط من الطيب كالغالية والند والعود والمطر لا يجوز السلم فيه لأن كل نوع
منه مقصود ولا يعرف قدره فيكون سلما في مجهول، وكذا لا يجوز السلم في متاع الصيادلة
إذا كان مختلطا كالمعجونات أو كان جنسا مجهولا عند عدول المسلمين وإن كان معروفا عند
269

الأطباء من غيرهم.
ولا يجوز بيع الترياق والسلف فيه لأنه يعمل من لحوم الأفاعي وهي نجسة إذا قتلت
وكذا سموم الحيات كلها.
والسم النباتي ما كان قليله وكثيره قاتلا لم يجز بيعه، وما كان قليله نافعا وكثيره
قاتلا كالسقمونياء يجوز بيع قليله وكثيره والسلف فيه ولا يجوز السلم في اللبن المشوب
بالماء لأن الماء قد أفسده، وكذا المخيض لما فيه من الماء ولا في القز الذي فيه دود لأن الدود
ليس بمقصود ولا في النبل لأن فيه الخشب والريش والحديد والغراء والقشر فلا يضبط
بالصفة، ولا في الجواهر التي يتحلى بها من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وعقيق وفيروزج وغيرها
لأنها لا تنضبط بالصفة وتتباين تباينا عظيما ولا في نبات الأرض كالقثاء والبطيخ والفجل
والبقول والفواكه عددا لتفاوتها إلا وزنا معلوما، ولا في قصب السكر إلا وزنا بعد أن قطع
أعلاه وأسفله وما لا حلاوة له ويطرح ما عليه من القشور وكذا القصب والقصيل.
وكل ما أنبتته الأرض لا يسلم فيه إلا وزنا ويجوز في التين كيلا ووزنا من جنس
معين، وفي اللوز والفستق والفندق لا يجوز (فيه) إلا كيلا أو وزنا ويجوز في البيض والجوز
وزنا ولا يجوز في الرؤوس وجلود الغنم لتفاوتها وتعذر ضبطها بالصفة، ولا فيما يتخذ
منها من الخفاف والنعال وغيرهما، وروي جوازه في الجلود إذا شوهد الغنم والأول أحوط،
ويجوز في القرطاس إذا ضبط بصفته بالطول والعرض والرقة واللون والوزن كالثياب، ولا
يجوز في العقار لأنه يختلف باختلاف الأماكن وإن عين الموضع لم يصح لأن بيع العين
بصفة مضمونة لا تصح.
ولا يجوز عقد السلم بالسلم لوجوب قبض الثمن قبل التفرق حتى يصح
السلم.
إذا أسلم مائة درهم في كر من طعام وشرط خمسين نقدا وخمسين دينا له في ذمته صح
في النقد بالحصة دون الدين.
تصح الإقالة في جميع المسلم فيه وفي بعضه، وكذا في سائر البيوع. والإقالة فسخ
وليست ببيع ولذلك لا يثبت حق الشفعة عندنا إذا أقاله بأكثر من الثمن أو أقل أو
270

بجنس غيره في أنواع البيوع فسدت الإقالة والمبيع على ملك المشتري، وإذا حصلت
الإقالة جاز أن يأخذ بدل ما أعطاه من غير جنسه.
إذا أسلف في شئ لم يجز أن يشرك فيه غيره ولا توليته قبل القبض ويجوز أن بعده،
وروي جواز الشركة في بيوع الأعيان قبل القبض.
إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه قبل محله لم يلزم المسلم قبوله، وإذا قال المسلم
إليه: زدني شيئا وأقدم لك المسلم فيه قبل أجله، لم يجز. وإذا لم يكن عنده ما باعه جاز
للمسلم أن يأخذ رأس ماله بلا زيادة.
إذا أخذ قيمة المسلم فيه عند محل الأجل جاز ما لم يزد ثمنه على ما أعطاه، فإن زاد
وقد باعه بمثل ما اشتراه من الجنس لم يجز بيعه، فإن اختلف الجنسان جاز.
إذا كان له عليه طعام كيلا لم يجز أن يأخذه وزنا وكذا بالعكس.
إذا شرط مكان التسليم حال البيع فبذله في غير موضعه لم يجبر على قبوله وإن بذل
أجرة المثل لحمله.
إذا وجد المسلم بالمسلم فيه عيبا فله الرد بالعيب والمطالبة بما في ذمة المسلم
إليه فإن حدث عنده عيب آخر فيه فله الأرش دون الرد.
لا يجوز بيع مؤجل لم يحل فإن حل جاز أن يبيعه من الذي عليه أو من غيره وإن باعه
من غيره وأحال عليه بالمتاع جاز وإن لم يقبض هو المتاع. ويكره ذلك فيما يكال أو يوزن،
فإن وكل المبتاع منه بقبضه جاز. ويجوز أن يجوز أن يبتاع ما اكتال غيره ويصدقه إلا أنه لا
يبيعه إلا بعد الكيل.
ولا يجوز أن يزيد في ثمن سلعته زيادة لا يشترى بها غير راغب في شرائها بل
ليقتدي به المستام.
إذا تبايع اثنان سلعة وهما بعد في مجلس الخيار فجاء آخر يعرض على المشتري سلعة
كسلعته بأقل منها أو خيرا منها ليفسخ ما اشتراه أو يشتريها منه فقد فعل محظورا غير أنه
ينفسخ بفسخ المشتري ويصح شرى الثانية، وكذا يحرم السوم على سوم أخيه إلا أن يكون
المبيع في المزايدة. ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد بأن يكون سمسارا له ولا يجوز تلقي الجلب
271

فإن فعل واشترى صح البيع وللبائع الخيار إذا ورد السوق فإذا وردها ولم يشتغل بتعرف
السعر وتبين الغبن بطل خياره.
وحد التلقي المنهي عنه أربع فراسخ فما دونها فإن زاد فلا بأس وكذا لا بأس إذا
رجع من ضيعته فلقي جلبا فاشتراه.
الآدمي إذا كان حرا أو مملوكا لكن موقوفا أو مكاتبا غير مشروط وقد أدى شيئا من
مكاتبته أو أم ولد حي لم يكن ثمنها باقيا في ذمة صاحبها فإنه لا يجوز بيع هؤلاء. واللقيط
كالحر.
وغير الآدمي من الحيوان ضربان: نجس وطاهر. والنجس ضربان: نجس العين
ونجس الحكم.
فنجس العين: الكلب والخنزير وجميع المسوخ كالقردة والدببة وغيرهما من مسوخ
الماء فلا يجوز بيع شئ من ذلك ولا الانتفاع به إلا الكلب المعلم للصيد وكلب الماشية
والحائط للزرع أو البيوت خاصة.
ونجس الحكم ضربان: ما ينتفع به وما لا ينتفع به. فما ينتفع به يجوز تملكه وبيعه
كالفهد والنمر والثعلب والأرنب والسنور وجوارح الطير. وما لا ينتفع به لا يجوز بيعه ولا
تملكه كالأسد والذئب والضبع والحدأة والنسر والرخمة وبغاث الطير وأنواع الغربان
وسائر الحشرات من الحيات والعقارب والفأرة والجعلان والديدان.
وأما الطاهر من الحيوان فيجوز بيعه وتملكه.
وغير الحيوان ضربان: نجس وطاهر. فالنجس ضربان: نجس العين ونجس
الحكم.
فنجس العين لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به كالخمر وكل مسكر والفقاع والمني من
كل حيوان والبول والعذرة والسرقين مما لا يؤكل لحمه وميتات كل ما له نفس سائلة
وجلودها قبل الدباع وبعده ودماؤها.
ونجس الحكم ضربان: جامد ومائع. والجامد إن كانت النجاسة على ظاهره ولم
يختلط به غسل فإن تعذر الغسل أزيلت النجاسة وشئ مما حوله ثم يبيع ذلك كالجمد
272

والفواكه والخضر والبواري والثياب والأحجار وغيرها، ومتى اختلطت النجاسة بالماء ثم
أجمد أو بالدقيق أو العجين ثم خبز أو باللبن ثم اتخذ منه الجبن والأقط لم يجز بيعه بحال.
والمائع من السمن والدهن واللبن والعسل والخل إذا نجس لم يجز بيعه [بحال] وكذا الماء
النجس لا يجوز بيعه قبل تطهيره، ولا يمكن تطهير الدهن المائع إذا نجس لأنه لا يمتزج بالماء
فيطهر به، ورخص في بيع الدهن [النجس] ممن يستصبح به تحت السماء، ويجوز بيع لبن
المرأة والأتان، ولا يجوز بيع شعر الانسان وظفره وغيره مما ينفصل عنه لأنه لا ثمن له وأما
عذرته وسرقين ما لا يؤكل لحمه وخرء الكلاب والنعم فيجوز الانتفاع بها في الزرع وأصول
الأشجار وإن لم يجز بيعها.
إذا باع مجوسي خمرا أو خنزيرا ثم أسلم وقبض الثمن بعد الاسلام حل له، ولا يجوز أن
يبيع شيئا من ذلك بعد الاسلام لأن تملكه قد زال وروي أنه إذا كان عليه دين جاز أن يبيعه
عنه من ليس بمسلم ويقتضي بذلك دينه ولا يجوز أن يتولى ذلك مسلم.
فصل: فيما يجوز بيعه وما لا يجوز ووجوه المكاسب:
ما يكال أو يوزن أو بعد يبطل بيعه جزافا فإن تعذر الوزن أو العد يوزن مكيال أو يعد
ويعتبر الباقي بحسابه كيلا كالجوز.
لا يجوز بيع ما لا يملك في الحال ليشتريه ويسلمه إلى المشتري بعد، ولا بيع الدابة على
أنها تحمل لأنه غير معلوم فإن اتفق ذلك مضى البيع ولا خيار للمشتري وإن لم تحمل فله
الخيار وإن اشترط أنها لبون جاز، وإن شرط أنها تحلب كل يوم أرطالا لم يجز.
إذا باع بهيمة حاملا أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه لم يجز لأن الحمل كالعضو
من الأم، وإن باع جارية حبلى بولد حر لم يجز لأن الحمل يكون مستثنى وهو يمنع من صحة
البيع وبيع الحمل في بطن أمه منفردا عن الأم ولا يجوز ولا يجوز بيع عبد شائع من عبيد لأنه
مجهول.
وبيض ما لا يؤكل لحمه كلحمه في أن لا يجوز بيعه، ويجوز بيع دود القز وبذره،
والنحل إذا حبسها في بيتها ورآها المشتري.
273

ولا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء لفقد الملك وتعذر التسليم ويجوز بيع
القصب في الآجام مع ما فيها من السمكة. والحمامة الطيارة التي تأوي إلى البروج لا يجوز
لأصحابها بيعها إلا إذا كانت البروج مسدودة لا طريق لها إلى الطيران منها، وكذا حكم
السمك في الماء، ويجوز تقبيل برك الحيتان إذا قبل الأرض والماء، فإن قبل السمك دون غيره
لم يجز، ولا يجوز أن يشترى من الصياد ما يضرب بشبكته لأنه مجهول، ومن دخل الماء أرضه
فبقي فيها سمك فصاحب الأرض أحق به، ولا يملك إلا بالأخذ وإن كان الأرض استأجرها
غيره فالمستأجر أحق به.
وإذا عشش طائر في دار انسان أو أرضه وفرخ أو انكسرت رجل ظبي وخاض في
الطين فبقي فيها أو نزل الثلج فمكث فصاحب الأرض أحق بذلك فإن أخذه غيره ملكه
بالأخذ. ومن وقع طائر في شبكته ملكه وإن أخذه غيره وجب رده عليه.
ويجوز اكتراء شبكة الصيد ولا يجوز بيع اللبن في الضرع ولا الصوف على الغنم
إلا إذا باع معهما شيئا آخر وإن حلب شيئا من اللبن واشتراه مع ما بقي في الضرع في
الحال جاز، وكذا لا يجوز بيع ما في بطون الأنعام والطيور من الحمل والبيض وغيرهما منفردا
لأنه مجهول ولا يمكن تسليمه، وله أن يبيعه مع شئ آخر فإن لم يحصل مما في البطون شئ كان
الثمن فيما معه.
ولا بأس أن يعطي الانسان الغنم والبقر بالضريبة مدة بالسمن والمصل وإعطاء
ذلك بالذهب والفضة أحوط.
المسك طاهر يجوز بيعه في فأره قبل أن يفتح والأحوط أن يباع بعده.
وإذا أتى بثوب في ظلماء وقال: بعتكه بكذا فإذا لمسته وجب البيع ولا خيار بعد، لم
يصح للجهل بالمبيع.
رجلان لكل منهما عبد على حدة فباعاه من آخر بثمن واحد لم يجز لأن ثمن كل
منهما مجهول فإن كانا شريكين في العبدين جاز، ولا يجوز بيعتان في بيعة واحدة كأن يقول:
بعتك بألف درهم نقدا وبألفين نسيئة بأيهما شئت فخذه، لأن الثمن غير معين، وكذا إذا
قال: بعتك بألف على أن تبيعني دارك بألف، لم يصح لأنه لا يلزمه بيع ذلك.
274

ولا يجوز بيع أنواع الملاهي كالطنابير والعيدان وغيرهما وكذلك عمل الأصنام
والصلبان والتماثيل المجسمة وصور الحيوان محظور بيعها وشراؤها ولا بأس باستعمالها في
الفرش وما يوطأ بالأرجل. واللعب بالشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار وبيعها وشراؤها
محرم وكذلك معونة الظالمين وأخذ الأجرة على ذلك وبيع السلاح لسائر الكفار وكسب
المغنيات والنوائح بالأباطيل، وأخذ الأجرة على غسل الأموات و حملهم ودفنهم والتكسب
بنسخ كتب الضلال وحفظها، وأخذ الأجرة على الأذان والصلاة بالناس وكسب الزواني
ومهور البغايا وتعلم السحر والكهانة والقيافة والشعبذة والتكسب بها كلها وبهجاء أهل
الإيمان ومدائح أهل الضلال بلا ضرورة، وأما أخذ الأجرة على مدائح أهل الإيمان بالصدق
وعلى نسخ كتب الضلال وانتساخها لإثبات الحجج على الخصم والنقض فلا بأس، وكذا
أخذ الأجرة على الخطبة في الأملاك وأجرة المغنية في الأعراس إذا لم تغن بالأباطيل ولا
يدخلن على الرجال وختن الرجال وخفض الجواري لا بأس بذلك ويحل كسب
الماشطة إذا لم تغش ولم تدلس في العمل بأن تصل شعر المرأة بشعر غيرها من النساء
وتشم الخدود وتستعمل ما لا يجوز في شريعة الاسلام، ولا بأس أن تصل بشعر غير الناس،
ويحل كسب القابلة وكذا كسب الحجام إذا لم يشرط ويكره له الشرط والأفضل لذي المروءة
أن ينزه نفسه عن أكل أجرة الحجام.
ولا بأس بأخذ الأجرة والرزق على الحكم والقضاء بين الناس من السلطان العادل
خاصة دون الظالم والتنزه عنه أفضل، ولا بأس بشراء المصاحف وبيعها غير أنه لا يباع
المكتوب بل يباع الجلد والأوراق، ولا بأس ببيع ما يكن به من آلة السلاح كالدروع
والخفاف من الكفار والتنزه عنه أفضل، ولا يأخذ ما ينثر في الأعراس والإملاكات إلا إذا
علم من قصد صاحبه الإباحة ولا بأس بأخذ أجر العقارات والدور والمساكن إلا إذا عمل
فيها شئ من المحظورات باختياره ورضاه فإنه لا يجوز إذا، ولا بأس بأجرة السفن
والحمولات إلا إذا علم أنه يحمل فيها أو عليها شئ من المحرمات فإنه لا يجوز، ولا بأس
يبيع الخشب ممن ينحت منه الصنم أو الصليب أو شيئا من الملاهي، ولا بأس ببيع العنب
والعصير ممن
275

يجعله خمرا فأما إذا باع الخشب على أن ينحت منه ذلك أو باع العنب على أن يجعله خمرا
فلا يجوز، ولا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ المشط والمدهن وغير ذلك منها والتكسب بها، ولا
بأس ببيع جلود السباع كالأسد والنمر والفهد وغيرها إذا كانت مذكاة ومدبوغة.
ومن مر بالثمرة جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يجوز حمل شئ منها وإفساده.
ولا يجوز بيع السرقة والخيانة وشراؤهما إذا عرفهما بعينهما فإن لم يعرفهما فلا بأس،
ولا يجوز بيع تراب الصياغة لأن له أربابا لا يتميزون فإن باعه تصدق به على الفقراء.
إذا انكسرت سفينة في البحر فأخرج البحر بعض ما غرق وأخرج بعض بالغوص
فما أخرجه البحر لأربابه وما أخرج بالغوص لمن أخرجه، ولا يجوز بيع الأرزاق من
السلطان لأن ذلك غير مضمون، ولا يجوز شرى ما يعلمه غصبا فإن ألجأته الضرورة إلى ذلك
رده إلى صاحبه إن تمكن وإلا تصدق به عنه، ولا بأس بشرى الأطعمة والحبوب على
اختلافها من سلاطين الجور ما لم يعلم شيئا من ذلك غصبا وإن علم فلا يجوز، ويجوز أخذ
جوائزهم وشرى ما يأخذونه من الخراج والصدقات وإن لم يستحقوها إذا لم يعلمها
غصبا، وكذا شرى ما يسبونه لأن الأئمة ع أحلوا لشيعتهم من ذلك، ولا يجوز
شراء الجلود إلا ممن يثق أنه لا يبيعه إلا ذكيا فإن اشتراها ممن لا يثق به فلا يجوز أن يبيعها
على أنها ذكية بل يبيعها بلا ضمان.
ويكره استعمال الصروف لأن صاحبها لا يكاد يسلم من الربا، وبيع الأكفان لأن
صاحبها لا يسلم من تمني موت الأحياء، وبيع الطعام لأنه لا يسلم من الاحتكار، وبيع
الرقيق وشراؤهم وصنعة الذبح والنحر لأن ذلك يسلب الرحمة من القلب، وكل حرفة فيها
استخراج نجاسة ومباشرتها كالكناس والقصاب. ولا بأس بالنساجة والحياكة والتنزه
عنه أفضل.
ويكره كسب الصبيان وأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونسخ المصاحف إذا شرط
المعلم أو الناسخ وإن لم يشرط فلا بأس، ويكره أن ينزي الحمير على الدواب، ولا بأس
بكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامها للنتاج، ويكره عقد الإجارة على
ذلك.
276

ينبغي أن يجتنب مدح ما يبيعه وذم ما يشتريه واليمين على ذلك وكتمان العيب فيما
يبيعه وعرض الجيد دون الردئ، وإذا قال له غيره: اشتر لي شيئا، فلا يعطيه من عنده وإن
كان ما عنده خيرا إلا بعد إعلامه به، وكذا إذا قال له: بعه لي، فلا يشتريه لنفسه وإن
زاد في ثمنه إلا بإعلامه، ولا يربح على المؤمن إلا عند الضرورة ويقبل المستقبل ويسوي
بين الصغير والكبير والساكت والمماكس والعارف بالسعر والجاهل به في البيع والشراء،
ويكره الاستحطاط من الثمن بعد عقد البيع وقبض المبيع، ويجتنب مبايعة السفلة وذوي
العاهات والمحارفين والأكراد، ويكره السوم فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ولا تكونن أول من يدخل السوق.
فصل:
أجرة المنادي على من أمر به وأجرة لكيال ووزان المتاع على البائع لأن عليه توفير
المتاع وأجرة الناقد ووزان المال على المبتاع لأن عليه توفية المال ومن ينتصب للبيع
والشرى للناس فأجرة ما يبيعه على البائع وأجرة ما يشتريه على المبتاع.
من دفع متاعا إلى السمسار ولم يأمره ببيعه فباعه أو أمره ببيعه ولم يذكر له لا نقدا
ولا نسيئة فباع نسيئة أو أمره ببيعه نقدا فباعه نسيئة أو بالعكس منه كان مخيرا بين الفسخ
والإمضاء، وكذا إن باعه بأقل مما رسمه نقدا ونسيئة فإن أمضى كان له مطالبة الوسيط بتمام
المال وإن باعه بأكثر مما سمي له كان ذلك لصاحب المال إن لم يختر فسخ البيع لمخالفة
الوسيط له.
إذا هلك المتاع عند الواسطة بتفريط منه ضمن قيمته وأما بغير تفريط فلا ولا ضمان
على الواسطة فيما يغلبه عليه ظالم، والدرك في جودة المبيع على البائع وفي جودة المال على
المبتاع.
فصل:
يكره حبس الأقوات الستة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح، إذا لم
277

يوجد ذلك إلا عند انسان بعينه وأضر ذلك بالمسلمين، ويجب إذا على السلطان إجبار
صاحبه على بيعه من غير تعيين سعر ولا يمكنه الإمام من حبسه في حال الغلاء وقلة
الأطعمة أكثر من ثلاثة أيام، وفي الرخص والسعة أكثر من أربعين يوما.
ولا يكره حبس ما عدا ما ذكرنا لا في الرخص ولا في الغلاء ولا حبسها مع
وجودها. ومن كان عنده فاضل طعام في القحط وبالناس ضرورة وجب عليه بذله.
278