الكتاب: مصباح الفقاهة
المؤلف: السيد الخوئي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى المحققة
سنة الطبع:
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: مكتبة الداوري - قم
ردمك: ٩٦٤-٩٠٩٠-٠١
ملاحظات: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (وفاة ١٤١١)

مصباح الفقاهة
1

مصباح الفقاهة
تقرير أبحاث
سماحة آية الله العظمى
السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره
بقلم
الشيخ محمد علي التوحيدي
الجزء الرابع
منشورات مكتبة الداوري
قم / إيران
3

خوئي، أبو القاسم 1278 - 1371
مصباح الفقاهة: تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره)
بقلم محمد على التوحيدي التبريزي - قم داوري، 1377.
5 ج
15000 ريال (هر جلد) (دوره) 1 0 - 9090 - ISBN 964
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرست نويسي پيش از انتشار).
أين كتاب در سالهاى مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر گرديده است.
كتابنامه
1 - معاملات (فقه) ألف - توحيدي، محمد على، 1303 - 1353، محرر بعنوان
6 م 9 خ / Br 190 373 / 297
1377 11456 - 77 م
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: مصباح الفقاهة ج 4
المؤلف: الشيخ محمد على التوحيدي
الناشر: مكتبة الداوري - قم - تليفون 732178
شابك: 5 - 2 - 90950 - 964 - (vol SET. 5)
المطبعة: العلمية - قم
الطبعة: الأولى المحققة
العدد: 1000 نسخة
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
1 - الخيار في اللغة والاصطلاح
قوله (رحمه الله): الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار.
أقول: الاختيار مصدر، والاسم منه الخيار، ومعنى الاختيار لغة هو
طلب الخير من أي شئ، فيصح تعلقه بالأمور التكوينية والاعتبارية،
نظير الكسب والاكتساب.
وحينئذ يكون وصفا لنفس الأفعال الخارجية والأمور الاعتبارية،
حسب اختلاف متعلقه من الأفعال والأعيان والاعتباريات، ويقال:
اختار أحدهما لمصاحبته، أي طلبه خيرا لنفسه، واختار بيع أمواله أي
جعله خيرا لشخصه، فالاختيار صفة لنفس ما أخذه خيرا وعنوان له،
من دون أن يكون من الأوصاف النفسانية، المعبر عنه بالإرادة تارة
وبالاختيار أخرى، ولا من الأفعال الخارجية، والاختيار كالانتفاع
والاصطفاء والانتقاء، ومنه أيضا استخارة المنزل.
5

والظاهر أنه بهذا المعنى اللغوي استعمل في الخيارات المختصة
بالمعاملات، من خياري المجلس والحيوان وغيرهما، فإن من له الخيار
يتخذ ما يختاره من الامضاء أو الفسخ خيرا لنفسه، وطلب كونه خيرا له،
واتصف كل منهما بالاختيار، وأصبح خيرا على سبيل البدلية، ومعنى:
البيعان بالخيار (1)، أي لكل منهما أن يأخذ ما يختاره خيرا لنفسه.
وليس المراد من الخيار هنا هو القدرة على الفسخ التي من الأوصاف
النفسانية، ولا السلطنة والمالكية على الفسخ، ولا غيرهما من المعاني
التي ذكروها في المقام، نعم تستفاد السلطنة والمالكية من موارد أخذ
الخير لنفسه واتخاذه لشخصه، مثلا إذا قيل: له الخيار، فتدل اللام على
الاختصاص والملكية.
وكذلك أن القدرة ليست من معنى الخيار في شئ، وإنما هي من
مقدمات اتخاذ الخير، فإن من ليست له هذه القدرة لا يتمكن من جعل
شئ خيرا لنفسه.
وعلى هذا فلا نحتاج في استعمال كلمة الخيار في الخيارات
المصطلحة في أبواب المعاملات إلى عناية زائدة غير ملاحظة المعنى
اللغوي، إلا أن يكون هنا اصطلاح خاص فلا مشاحة فيه، وبهذا اللحاظ
أيضا استعمل في مقابل الالتجاء والاضطرار.
فإن المضطر لا يتمكن من الاستخارة لنفسه واتخاذ الخير لشخصه
كالأعرج والأشل والأصم، فإنهم لا يقدرون أن يتخذوا المشئ أو

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، التهذيب 7: 20، الخصال
: 127، عنهم الوسائل 18: 5)، صحيحة.
6

الحركات الصادرة من اليد أو الكلام خيرا لأنفسهم، فجعل الاختيار
بمعنى القدرة في مقابل الاختيار إنما هو بحسب الاصطلاح فقط وإلا فهو
خارج عن القدرة كما عرفت، وإلا فنفس الاختيار يقع في مقابل
الاضطرار ويعد قسيما له.
الفرق بين معنى الخيار في أبواب المعاملات وغيرها من موارد الاستعمالات
ثم إن موارد استعمالات كلمة الخيار وما اشتق منها وإن كانت كلها
بحسب لحاظ المعنى اللغوي، ولكن الذي في أبواب المعاملات تمتاز
بخصوصية ليست في غيرها من موارد الاستعمالات، بداهة أنه فرق
واضح بين الاختيار المتعلق بالأكل والشرب والنوم، وبين تعلقه بالفسخ
والامضاء، فإن المراد بالأول هو جعل الفعل الخارجي أو العين
الخارجية خيرا لنفسه من غير أن يكون في البين ما يتصل بالمختار بصيغة
الفاعل، بخلاف ما إذا تعلق بالعقود باعتبار الفسخ وعدمه، فإن معناه أن
هنا شئ ثابت قابل لأن يتعلق به الفسخ أو الابقاء في حاله والاستمرار
عليه.
ونظير ذلك ما قلناه في أدلة الاستصحاب (1) من أن مفهوم النقض إنما
يتحقق إذا كان هناك أمر مبرم، وإلا فلا يقال للحجر أنه نقض الحجر.
فبهذه الخصوصية يمتاز الخيار المتعلقة بالعقود عن غيره من موارد
استعمالاته، وأيضا خرج بهذه الخصوصية الخيار الثابت للعمة والخالة
في العقد علي بنت الأخت وبنت الأخ (2)، فإنه لم يثبت فيها شئ للعمة

1 - مصباح الأصول 3: 15.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على
العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما
(الكافي 5: 424، الفقيه 3: 260، علل الشرايع: 499، عنهم الوسائل 20: 487)، موثقة.
عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على
خالتها إلا بإذن العمة والخالة (الكافي 5: 424، عنه الوسائل 20: 487)، ضعيفة.
7

والخالة حتى ترفعه العمة أو الخالة بالفسخ، بل هي تدفع ما يتصل إليها
بالرضا.
وكذلك الحال في العقود الفضولية في البيع وغيره، ولكن بقيت
العقود الجائزة بحسب الطبع واردة عليه أيضا، فإن فيها أيضا شئ ثابت
لذي الخيار له الفسخ وله الابقاء.
إلا أن في الخيارات المصطلحة خصوصية ليست موجودة في العقود
الجائزة بحسب الطبع، فهي أن ذي الخيار في موارد الخيارات
المصطلحة إنما ملك الفسح والامضاء أي له اتخاذ الفسخ خيرا لنفسه
وله ابقاء العقد على حاله أو امضائه، وأيضا فله مالكية على أصل
الاختيار والخيار بحيث له السلطنة على اعدام اختياره ورفع موضوعه
بحيث لا يبقى هنا موضوع للفسخ والامضاء ولاعمال الخيار، بأن يسقط
سلطنته على اتخاذ كل من طرفي الاختيار خيرا لنفسه.
وبعبارة أخرى أن لذي الخيار في موارد الخيارات المصطلحة
سلطنتان: إحداهما السلطنة المتعلقة باعمال الخيار، أي اتخاذ الفسخ أو
الابقاء خيرا لنفسه، وثانيتهما السلطنة على اعدام السلطنة على اعمال
الخيار واتخاذ شئ منهما خيرا لنفسه، فإنها من الحقوق، فهي قابلة
للاسقاط.
وهذا بخلاف العقود الجائزة، فإن فيها لكل من المتعاملين فسخ العقد
أو ابقائه على حاله، ولكن ليس لهما السلطنة على اعدام سلطنتهما على
8

الفسخ أو الابقاء، فإن الجواز فيها من الأحكام فهي غير قابلة للاسقاط ولو
أسقطه المتعاملان ألف مرة، وقد عرفت أن الجواز والتزلزل في موارد
الخيارات المصطلحة من الحقوق، فهي قابلة للاسقاط.
وبهذه الخصوصية لا يدخل شئ من غير الخيارات المصطلحة في
حدودها كما لا يخفى، وأيضا صح القول بأن الخيارات المصطلحة هو
اتخاذ الفسخ أو الامضاء خيرا لنفسه في العقود اللازمة بالطبع كالبيع
والإجارة والنكاح وغيرها.
بيان آخر للفرق بين معنى الخيار في أبواب المعاملات وغيرها
والحاصل أن المراد من الخيار هو المعنى اللغوي في جميع موارد
الاستعمالات حتى في باب العقود، وهو اتخاذ الخير لنفسه والانتقاء
والاصطفاء، كما صرح بذلك في اللغة، وليس بمعنى الملك في المقام،
بل إنما يستفاد الملكية من موارد الاستعمال، بحسب اقتران مادة الخيار
بكلمة اللام أو ذو أو صاحب أو الباء، أو بالهيئة المفيدة لهذا المعنى،
كهيئة المختار كما سنشير إليه.
وعليه فيكون الاختيار والخيار في مقابل الاضطرار والالتجاء بحسب
الحقيقة في جميع الموارد، فإن المضطر لا يقدر على اتخاذ الخير لنفسه
فيما اضطر إليه.
ثم لا يبعد أن يكون المراد من كون المكلف مختارا في الفعل أو الترك
في مقابل التكاليف الالزامية الملجأ إلى الفعل شرعا هو هذا المعنى
أيضا، غاية الأمر أن الاختيار والالجاء هنا شرعي وما ذكرناه فيما سبق
تكويني، ومن هنا يتضح أن اطلاق المختار على الفاعل المختار على هذا
المنهج أيضا.
9

ومن هنا ظهر أن استعمال المتكلمين الخيار في مقابل الاضطرار ليس
اصطلاحا آخر، كما ذهب إليه شيخنا المحقق، بل باعتبار المعنى
اللغوي كما عرفت.
ثم إن المشتقات قد استعمل في الاتصالات الفعلي كما هو الغالب،
وقد تستعمل في الشأنية والاقتضاء، وهذا أيضا كثير في نفسه، كما
يتضح ذلك لمن سبر واستقرأ موارد استعمالها، ومنه يقال: سم قاتل،
وسيف سبار، وأدوية مسهلة، وأشربة مبردة، وأغذية مسخنة أو
قابضة، فإن اتصاف الذات بالمبدء في أشباه هذه الموارد ليس فعليا وإنما
هو بحسب الشأنية والاقتضاء.
ومن هنا يمكن توجيه كلمات القائلين بأن الخيار بمعنى القدرة على
الفسخ بدعوى أن المختار - بصيغة الفاعل - له فسخ العقد مع ثبوت الخيار
له، وله ابقاؤه على حاله، وله اسقاط أصل سلطنته أيضا، فتكون القدرة
والسلطنة على الفسخ والابقاء مستفادة من هيئة المختار.
إذا كان اتصاف الذات فيه بالمبدء بحسب الشأن والاقتضاء فإن في
موارد ثبوت الخيار فصاحب الخيار مختار في أمر العقد من حيث الفسخ
والابقاء شأنا، بأن يأخذ الفسخ خيرا لنفسه أو الابقاء، فإن له الانتقاء
والاصطفاء في ذلك، والهيئة المستفادة من الهيئة عبارة أخرى عن
القدرة.
بل الأمر كذلك في جميع الموارد التي يتمكن الانسان من ايجاد فعل
بحسب طول الزمان، فإنه يقال: إنه مختار في ذلك، أي له القدرة على أن
يأخذ هذا الفعل خيرا لنفسه أو يتركه ويأخذ تركه خيرا لنفسه،
فلا يكون تعريف الخيار بأنه القدرة على فسخ العقد وابقائه منافيا لما
ذكرناه.
10

المراد من الخيار المصطلحة
ثم إنك قد عرفت أن الخيار في اللغة هو اتخاذ الخير والاصطفاء
والانتقاء، وبهذا اللحاظ قد استعمل في جميع الموارد، غاية الأمر أنه
تختلف متعلقاته.
فإنه قد يتعلق بالأكل، وقد يتعلق بالشرب، وقد يتعلق بالأعيان
الخارجية كاختيار الدار والرفيق والمركوب، وقد يتعلق بالأمور
الاعتبارية، وقد يتعلق بفسخ العقد وابقائه، وقد يتعلق برفع سلطنة على
الفسخ ويسقط خياره، وعليه فلا خصوصية لمادة الخيار في شئ من
موارد الاستعمال.
ولكن المراد من الخيار المصطلحة هو اختيار فسخ العقد أو ابقائه أو
اختيار اقرار العقد، فخرج بتعلقه بالفسخ جميع ما يتعلق بغير العقود من
الأفعال والأعيان الخارجية، وكذلك خرج به عقد بنت الأخ وبنت
الأخت على العمة والخالة، وكذلك جميع العقود الفضولية، فإن في
جميع تلك الموارد لم ينتسب إلى المختار شئ حتى يتعلق به الفسخ،
ويكون الفسخ فيه متعلقا للخيار.
أما في غير العقود المذكورة فواضح، فإن الخيار فيه ليس إلا اختيار
أحد الأمرين الذين هما طرفا الخيار، من الأكل وتركه والشرب وتركه
وهكذا، وأما في العقود المذكورة فلأنه وإن ثبت هنا شئ ولكنه
لم ينتسب إلى العمة والخالة وإلى المالك، بل مع الإجازة والامضاء
ينتسب العقد إليهم، ولكن إذا اختاروا الرد يرفعون ما ثبت بانشاء الغير،
لا أنهم يفسخونه، فإنه ليس هنا عقد حتى يتعلق به الفسخ بل ثبت لهم بعد
الانتساب إليهم، والفرض أنه لم ينتسب إليهم بعد، فبالرد يرتفع ولا يبقى
شئ حتى يفسخ.
11

وخرج بكون ذي الخيار مختارا في اقرار العقد وتثبيته العقود الجائزة
بحسب الطبع، وتوضيح ذلك:
إن ذا الخيار في موارد الخيارات المصطلحة كما له اختيار فسخ العقد
وابقائه على حاله، وكذلك له إزالة مالكيته على اختيار الفسخ والابقاء
وعلى الانتقاء والاصطفاء، بأن يقر العقد باسقاط الخيار وبجعله لازما
وغير قابل الفسخ.
ففي الحقيقة له خياران: أحدهما يتعلق بالفسخ والابقاء، والآخر
يتعلق بالسلطنة على الفسخ والابقاء، بخلاف العقود الجائزة فإن فيها
خيار واحد لكل من له الخيار، وليس له خيار آخر يتعلق بأصل السلطنة
على اختيار الفسخ أو الابقاء، ولو أسقطه ألف مرة لم يسقط كما تقدم،
فإنه من الأحكام فهي غير قابلة للاسقاط.
ومن هنا ظهر أن ما ذهب إليه بعضهم من أن الخيار المصطلحة ملك
اقرار العقد وإزالته هو الصحيح، فإن المراد من اقرار العقد هو اسقاط
الخيار وجعل العقد لازما وغير قابل للانفساخ من ناحية الخيار، وهو ما
ذكرناه من تعلق الخيار بإزالة السلطنة على الفسخ والابقاء، والمراد من
إزالته هو إزالة العقد بالفسخ واعدامه.
نعم التعبير بملك فسخ العقد مسامحة، فإن الخيار كما عرفت ليس
ملك فسخ العقد وإنما الملكية مستفادة من اللام وكلمة الصاحب والذو،
أو من الهيئة كما عرفت، فإن هيئة كلمة المختار تدل على ذلك، لما
عرفت أن المشتق إنما هو باعتبار الشأنية والاقتضاء، وأن ذي الخيار بما أن له مقتضى للفسخ وقادر عليه بأن يأخذه خيرا لنفسه وله شأنية
الاختيار والانتقاء، فينتزع من ذلك عنوان المالكية كما لا يخفى.
12

اشكالات الشيخ (رحمه الله) على التعريف والجواب عنها
وقد أشكل المصنف على هذا التعريف بوجهين:
1 - أنه إن أريد من اقرار العقد ابقاؤه على حالته الأولية بترك الفسخ
فذكره مستدرك، لأن القدرة على الفسخ عين القدرة على الترك، فإنها
لا تتعلق بأحد الطرفين فقط وإلا فلا تكون قدرة.
وفيه أنه ظهر جوابه مما تقدم، فإن المراد من ملك اقرار العقد ليس هو
تركه على حاله وعدم فسخه مع جواز أن يفسخه كيف ما يشاء، بل
المراد منه هو اقرار العقد واثباته وجعله لازما، بحيث لا يقبل الفسخ
بالخيار، فهو إشارة إلى أحد الاختيارين الذين تقدمت الإشارة إليهما،
وقوله: وإزالته، فالمراد منه إزالة العقد بالفسخ، فهو إشارة إلى الاختيار
الثاني.
وعلى الاجمال أن الخيارات المصطلحة منحلة إلى خيارين ومركب
منهما: أحدهما ما يكون متعلقا بالفسخ والآخر ما يتعلق بأصل اعدام
الخيار، أي اتخاذ اعدامه الذي عبارة أخرى عن اقرار العقد خيرا لنفسه -
ما شئت فعبر - فكل واحد من خيار الحيوان والمجلس والعيب والشرط
وغيرها مركب من خيارين المذكورين، فقد أشير إليهما في التعريف
المذكور، فذي الخيار مختار فيهما، نعم أخذ الملكية في التعريف ليس
من جهة اعتباره في مفهوم الخيار وتعريفه، بل هي مستفادة من الهيئة أو
من كلمة أخرى كما عرفت.
2 - إن أريد منه إلزام العقد وجعله غير قابل لأن يفسخ، ففيه أن مرجعه
إلى اسقاط حق الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار لكونه مستلزما
للدور، فإنه حينئذ يكون مفاد التعريف أن الخيار هو ملك إلزام العقد
باسقاط الخيار، فهذا أخذ بالخيار في تعريف نفسه فهو دوري.
13

وفيه قد ظهر جوابه مما مر، وتوضيح الاندفاع: أن الخيار وإن أخذ
في التعريف ولكن المأخوذ فيه ليس نفس المعرف بل هو غيره، أعني
الخيار الثاني، لما عرفت من كون الخيار المصطلح مركبا من خيارين،
فقول القائل: الخيار ملك اقرار العقد، أي الخيار المتعلق باعدام السلطنة
على الفسخ هو اقرار العقد اسقاط، فالمراد من الخيار الساقط هو المتعلق
بالفسخ، فالمعرف غير المعرف فلا يلزم الدور، وبقوله: وإزالته، أشار
إلى الخيار الثاني.
ثم أورد المصنف نقضا على التعريف المذكور، بأنه ينتقض بالخيار
المشترك، فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا، فلا يكون العقد لازما
باسقاط أحد الشركاء خيارهم.
وفيه أنه أيضا ظهر جوابه مما تقدم، فإن المراد من الاقرار هو اقرار
العقد من قبله لا من قبل غيره، ولا يقاس ذلك بالفسخ، فإن فيه خصوصية
لا يعقل بها أن يفسخ أحد المتعاملين دون الآخر، فإنه بالفسخ ينتقل مال
كل شخص إلى ملكه، ولا معنى لأن يفسخ العقد من طرف واحد فقط دون
الآخر، ولكن الاقرار والاثبات ليس كذلك، فإنه قابل لأن يكون العقد
لازما من طرف وجائزا من طرف آخر، وإذا كان ممكنا ثبوتا فلا نحتاج
في مقام الاثبات إلى شئ آخر غير ما يصدر من الشركاء في الخيار،
حيث إن أحدهم يسقط خياره والآخر لا يسقطه.
وما نحن فيه نظير رفع الحجر الثقيل بعشرة رجال، حيث إن ترك الرفع
يستند إلى ترك واحد منهم، ولكن رفعه مستند إلى جميعهم، ففي المقام
أيضا رفع العقد يحصل بفسخ واحد ولكن الاقرار التام يحصل
بالمجموع، ومع ذلك فكل واحد يجعله من قبله لازما، وإن شئت فمثل
بترك كل واحد من عشرة رجال قتل شخص، فإنه يصدق حينئذ أن كل
واحد منهم ترك قتله من قبله، وقد مثل الأستاذ بهذا المثال دون الأول.
14

الصحيح في تعريف الخيار
وعلى الاجمال فالأحسن أن يقال في تعريف مطلق الخيار هو ما
يرجح به أحد طرفي الممكن على الآخر، سواء كان هناك مرجح آخر أم
لم يكن، ويكون في مقابل الاضطرار، فإن الفاعل المضطر مجبور إلى
اختيار أحد طرفي الممكن الذي اضطر إليه، ولا يبقى معه اختيار في
الترك والانتقاء والاصطفاء.
وبهذا المعنى الواحد يستعمل في جميع الموارد، وإن كان هنا
اختلاف فإنما هو من ناحية المتعلق، وبيان ذلك:
إن الخيار قد يتعلق بالأفعال الخارجية كالأكل والشرب وغيرهما،
فيختار الفاعل إما الترك أو الفعل، فيرجح باختياره أحد الطرفين على
الطرف الآخر، وقد يتعلق بالأعيان الخارجية، فيرجح المختار أحد
الشيئين أو الأشياء على الآخر فيأخذه خيرا لنفسه، وقد يتعلق بدفع
العقود عن الانتساب إلى نفسه ورده عن الاتصال إليه من غير أن ينضم إليه
قبل ذلك شئ، وهذا كاختيار المالك رد عقد الفضولي واختيار العمة
والخالة عقد بنت الأخ وبنت الأخت.
وقد يتعلق بفسخ العقد وابقائه، وهو على قسمين، فإنه تارة يجتمع
مع الخيار الآخر المتعلق باقرار العقد وعدمه، وأخرى لا يجتمع معه،
بل لا يمكن أن يقترنه لحكم الشارع بعدم لزوم العقد إلى الأبد، والثاني
هو الخيار في العقود الجائزة التي كانت جائزة بحسب الطبع، والأول هو
المراد من الخيارات المصطلحة، فإن في مواردها قد ثبت لذي الخيار
خياران: أحدهما ملك فسخ العقد وابقائه على حاله، والثاني ملك اقرار
العقد باسقاط الخيار وعدم اقراره.
15

فيسمى مجمع هذين الخيارين خيارا اصطلاحيا، ولهذا لا تسمى
العقود الجائزة عقودا خيارية مع تحقق الخيار فيه أيضا، ولكنه ليس
مركبا من خيارين، نعم التعبير بالملك ليس من جهة أخذ الملك في
مفهوم الخيار.
ولعل النكتة في تعبير ملك فسخ العقد في تعريف الخيار هو أن معنى
الخيار هنا هو ترجح أحد الطرفين من الفسخ أو عدمه، وترجيح أحد
طرفين إزالة العقد وابقائه، لما عرفت أن الخيار المصطلح مجمع
الخيارين.
ومن الواضح أن الترجيح إنما يكون مع القدرة على الترجيح، فالخيار
عبارة عن القدرة على الترجيح، والقدرة ليست إلا عبارة عن السلطنة،
فيصح أن يقال إن الخيار ملك إزالة العقد.
ولكن هذا المعنى منتف في غير خيار المصطلح، فإن في الهبة مثلا
وإن كان الواهب قادرا على الفسخ أو الابقاء ولكن كون الجواز فيه
ضروري فليس له إزالته عنها، وكذلك إذا كان متعلق الخيار الأمور
الخارجية كالأكل والشرب، فإن أحد طرفي الفعل وإن كان في اختياره
ولكن أصل كونه مختارا في ذلك ضروري ولا يقدر أن يسلب اختياره عن
نفسه، بل هو مستفاد من شئ آخر ومنه الهيئة، فإن هيئة المختار أيضا
تدل على الملكية، فإنه قد أخذ فيها الهيئة وهذه الهيئة وإن كانت ظاهرة
في الهيئة الفعلية، ومنه ما في قضية الصديقة الطاهرة (عليها السلام): والمختار
لها سرعة اللحاق (1).

1 - عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير
المؤمنين سرا وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثري ببقعتك و
المختار الله لها سرعة اللحاق بك - الحديث (الكافي 1: 458)، ضعيفة.
16

ولكن قد يكون المراد منهما الهيئة الشأنية ولكن بواسطة القرائن،
فيكون المشتق حينئذ مستعملة في الشأنية، كسيف قاطع، وسم قاتل،
ومسهل نافع، وأشربه مبردة أو مسخنة، فإن القرينة قائمة في أمثالها
على أن الاستعمال بلحاظ التلبس الشأني دون الفعلية كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ حيث قال: إن الخيار المتعلق
باقرار العقد والزامه إنما هو أيضا اعمال الخيار، فإنه أحد طرفي ما تعلق
به الخيار، وليس مرجعه إلى اسقاط الحق الذي فوق اعمال الخيار.
ووجه الاندفاع هو ما تقدم، من أن ما تعلق باقرار العقد خيار آخر غير
ما تعلق بالفسخ والابقاء.
وتحصل من جميع ما ذكرناه أن ما ذكره بعض الأصحاب من أن الخيار
ملك اقرار العقد وإزالته هو المتعين، وأحسن منه ما تقدمت الإشارة إليه
من أن الخيار المصطلح اختيار فسخ العقد وابقائه، واختيار اقرار العقد
وعدمه (ما شئت فعبر).
وقد عرفت أنه لا يرد عليه ما أورده المصنف من الايراد الأول
والثاني، وكذلك نقضه بالخيارات المشتركة كما عرفت.
لا يتوهم أن المراد من الخيار المشترك هو الخيار الثابت للمجموع كما
في توارث الخيار عن المورث، بناء على عدم ثبوته لكل واحد من
الورثة، وعلى عدم ثبوته على الطبيعي من حيث هو، على ما هو أقوال
المسألة.
والوجه في ذلك هو أن أحد الشركاء لو أعمل خياره بأن يفسخ العقد،
أو ألزم العقد بأن أسقط خياره لا يضر بخيار الشريك الآخر بوجه، مع أن
17

المصنف فرض أن الفسخ يوجب انهدام العقد من طرف الشريك الآخر
ويؤثر تأثيره بخلاف الاقرار، فإنه من أحد الشركاء لا يوجب اقرار العقد
من الشريك الآخر.
فيعلم من ذلك أن المراد من الخيار المشترك في كلام المصنف هو
الخيار الثابت لكل من البايع والمشتري حين الثبوت كخيار المجلس مثلا
كما هو الحق، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا (1)،
هو ذلك، وأن لكل منهما خيار وإذا أراد أحدهما أن يفسخ العقد
فينفسخ من الطرف الآخر أيضا لخصوصية في الفسخ، وهي أنه لا يعقل
انفساخ العقد من طرف واحد، وهذا بخلاف الاقرار فإنه يعقل إلزام العقد
من طرف واحد كما عرفت هذه، هي المقدمة الأولى.
2 - الأصل في العقود هو اللزوم أو الجواز
المقدمة الثانية: وقع الكلام في تأثير الأصل في المقام ليرجع إليه عند
الشك في الجواز أو اللزوم، وقد وقع الكلام في أن الأصل في العقود هو
اللزوم إلا ما خرج بالدليل، أو الأصل فيها هو الجواز إلا ما خرج بالدليل.
فإذا علم من الخارج أن العقد الفلاني لازم أو جائز فلا كلام لنا فيه، فإن
كل واحد منهما يترتب عليه حكمه، وإنما الكلام في الموارد المشكوكة
بالشبهة الحكمية، كما إذا شككنا في أن العقد الفلاني كالسبق والرماية

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، التهذيب 7: 20، الخصال
: 127، عنهم الوسائل 18: 5)، صحيحة.
18

جائز أو لازم، أو بالشبهة الموضوعية، كما إذا وقع عقد في الخارج
وشككنا في كونه من القسم الجائز أو من القسم اللازم، فإن في جميع
ذلك يرجع إلى ما أسس من الأصل، فنقول:
ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه الأصل في البيع اللزوم (1)، وقد
وقع الكلام في بيان المراد من هذا الأصل، فذكر المصنف وجوها أربعة
في بيان ذلك:
1 - أخذه بمعنى الغلبة، فإن أغلب أفراد العقد هو اللزوم، والجايز منه
قليل، فإذا شككنا في عقد أنه جائز أو لازم فالظن يلحق الشئ بالأعم
الأغلب.
وفيه أنه مخدوش صغرى وكبرى، والمصنف لم يتعرض لفساد
الكبرى لوضوحه، أما الوجه في فساد الكبرى فلأن قاعدة الحاق
المشكوك بالأعم الأغلب أدون من الاستقراء الناقص، فحيث إن
الاستقراء الناقص ليس بحجة، فالقاعدة المذكورة أولى بأن لا تكون
حجة.
بيان ذلك: إن الاستقراء الناقص عبارة عن تتبع أفراد الطبيعة بقدر الطاقة
والتمكن، بحيث يحصل الظن من ذلك أن بقية الأفراد أيضا على هذا
النسق، ثم يتشكل من ذلك القياس فيوصل بالنتيجة، ويقال: إن ما
صادفنا من أفراد هذه الطبيعة، كالحيوان مثلا يتحرك فكه الأسفل عند
المضغ، وكل حيوان كذلك، فالحيوانات المشكوكة أيضا كذلك ظنا،
وهذا القياس بما أنه يفيد الظن فقط لا يكون حجة، فإن الظن لا يغني من
الحق شيئا.

1 - المختلف 5: 64، القواعد (جامع المقاصد 4: 282).
19

والقاعدة المذكورة أدون من ذلك، فإن جميع ما صودف به من أفراد
الطبيعة ليس على نسق واحد، لأن الفرض أنها على قسمين، غاية الأمر أن
قسم منهما أقل من القسم الآخر، فلا يمكن هنا تشكيل القياس بأن كل
أفراد الطبيعة كذلك حتى وهما فضلا عن الظن به، للعلم بأن قسم منها
على غير النسق الذي عليه القسم الآخر كما لا يخفى.
وبالجملة أن كبرى هذه القاعدة باطلة لعدم الدليل على صدقها.
وأما الوجه في بطلان الصغرى ما ذكره المصنف، إن أريد غلبة الأفراد
فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط، وإن
أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة، وذلك فإن مدة
اللزوم وإن كانت طويلة وزائدة ولكن لا يوجب الحاق المشكوك إليه
الذي لا ندري أنه تحقق لازما أو جائزا، فإن الأغلبية من حيث الأزمان
لا يرتبط بالأغلب من حيث الأفراد.
وبعبارة أخرى أن بناءا على تسليم الكبرى أن الظن إنما يلحق الشئ
بالأعم الأغلب من صنف نفس هذه الطبيعة لا من الأعم الأغلب من طبيعة
أخرى، مثلا أن الغلبة في سادات الكاظمية هي الطوال، فلو شككنا في
فرد منهم أنه طويل أو قصير فالظن يلحقه بالأغلب من هذه الطائفة
لا بالأغلب من جميع البشر، وكذلك أن الأغلب في المسلم أو في أهل
العلم التقي وإذا شك في فرد منهم فالظن يلحقه بالأغلب من المسلمين أو
من أهل العلم لا بالأغلب من جماهير العالم ولو من غير المسلمين.
وفي المقام إذا شك في عقد أنه جائز أو لازم فالظن يلحقه بالأعم
الأغلب من صنفه، وهو غلبة الآخر، بحيث يتصف حين الوجود بوصف
من اللزوم أو الجواز لا بالأغلب من صنف آخر أعني غلبة الأزمان، ومن
الواضح أن الغلبة في الأفراد هو الجواز، فإن أغلب أفراد العقد يوجد
20

جائزا لخيار المجلس أو الحيوان أو الشرط، إلا أن يشترط اللزوم في
ضمن العقد.
ومن هنا ظهر أن ما ذكره غير واحد من الأعلام من عدم الفرق في الحاق
المشكوك بالأعم الأغلب بين غلبة الأفراد وغلبة الزمان، لا يرجع إلى
محصل، وإنما هو ناشئ من عدم الوصول إلى مراد المصنف.
2 - وأما الأصل بمعنى القاعدة فسيأتي التكلم فيه، من أوفوا
بالعقود (1) وأحل الله البيع (2) وتجارة عن تراض (3).
3 - وأما الأصل بمعنى الاستصحاب فكذلك سيأتي البحث عنه، وإن
تكلمنا فيهما في المعاطاة، ولكن إذا تم الاستصحاب وقلنا بجريانه في
الشبهات الحكمية والأحكام الكلية يجري في موارد الشبهات الحكمية
والموضوعية.
وأما العمومات فلا تجري في الشبهات الموضوعية، كما إذا شك في
أن هذا العقد وجد لازما أو جائزا، لكونه تمسكا بالعمومات في
الشبهات المصداقية كما لا يخفى.
4 - وأما الأصل بالمعنى اللغوي، بأن يكون وضع البيع وبنائه عرفا
وشرعا على اللزوم، فهو الظاهر من كلام العلامة (رحمه الله) حيث قال:
والغرض تمكن كل من المتعاقدين - الخ (4)، فإن هذا وجه آخر غير
الاستصحاب، وأنه هو الوجه الرابع ظاهرا، بل هذا هو الصحيح، لقيام
بناء العقلاء من المتدينين وغيرهم على ذلك.

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
3 - النساء: 29.
4 - التذكرة 1: 312.
21

وعليه فالشرط الضمني في كل عقد البيع موجود على بقاء المعاقدة
على حالها، ولا ينفسخ العقد بفسخ كل منهما كيف شاء وفي أي وقت
أراد، وليس لأحد من المتبايعين أن يرجع إلى الآخر بعد مدة ويسترجع
العوض منه بفسخ العقد، وإلا لما استقر نظام المعاملات، ولا أظن أحد
ببقاء أمواله تحت يده، وإن مضى على بيعه وشرائه سنين متمادية
وقرون متوالية، فإن العقد الجائز قابل الانهدام ولو بعد سنين، وحينئذ
لا يستقر تملك الملاك في متملكاتهم المبتاعة من الغير، واختلت تجارة
التجار ونظام الاكتساب كما هو واضح.
عدم امكان احراز لزوم العقد أو جوازه بالأصل
نعم هذا يتم في البيع فقط، وأما في غيره كعقد السبق والرماية مثلا
فلا يتم فيه ذلك مع الشك في جوازه ولزومه، إذ لم نحرز كون بناء العقلاء
في غير البيع ونحوه كالنكاح مثلا على اللزوم حتى يعتبر اللزوم بالشرط
الضمني كما لا يخفى.
ولذا ذكر المصنف أن الأصل بهذا المعنى إنما ينفع مع الشك في
ثبوت خيار في خصوص البيع، لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلى
الدليل، أما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم والجواز فلا يقتضي
ذلك الأصل لزومه.
ثم ذكر المصنف (رحمه الله): ومن هنا ظهر أن ثبوت خيار المجلس في أول
أزمنة انعقاد البيع لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا على اللزوم، لأن الخيار
حق خارجي قابل للانفكاك، نعم لو كان في أول انعقاده محكوما شرعا
بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط كان
منافيا لبنائه على اللزوم.
22

وفيه أنه بعد ما تم بناء العقلاء على عدم جواز رجوع كل من المتبايعين
على الآخر وصار بناؤهم على صيرورة كل منهما أجنبيا عن ماله بعد
تمامية العقد، فكما لا ينافي ذلك ثبوت خيار المجلس أو الحيوان في
أول البيع لكونه تخصيصا للقاعدة الثانية ببناء العقلاء، فكذلك لا ينافيه
ثبوت الجواز الحكمي لعقد الهبة، فإنه أيضا يكون تخصيصا للقاعدة.
ولا يفرق في ذلك بين كون الجواز من الحقوق أو من الأحكام، وإنما
يظهر الفرق بينهما من حيث امكان الاسقاط وعدمه، فإن الجواز في الهبة
لا ينفك عنها ولو أسقطه الواهب ألف مرة، فإنه بعد ذلك أيضا بالخيار،
وهذا بخلاف الجواز الحقي، فإنه يسقط بالاسقاط كما عرفته في أول
البيع.
وأما الأصل بمعنى الاستصحاب، فهو إنما يتم إذا شك في لزوم عقد
وجوازه، بعد احراز أنه تحقق لازما وثبت اللزوم له ولو في آن قبل
الشك، فإنه حينئذ لا بأس بالتمسك للاستصحاب لاثبات اللزوم، وأما
إذا كان العقد حين التحقق جائزا ولم يطرء عليه اللزوم بعده ثم شككنا في
جوازه ولزومه فحينئذ نستصحب الجواز فيثبت عكس المقصود، على
أن الاستصحاب إنما يتم في الشبهات الموضوعية وأما الشبهات
الحكمية فقد حققنا في محله أنه لا يجري فيها الاستصحاب لكونه مبتلى
بالمعارضة دائما (1).
وعليه فإذا شككنا في أن عقد السبق والرماية جائز أو لازم فلا يمكن
احراز اللزوم فيه بالاستصحاب كما هو واضح.

1 - مصباح الأصول 3: 56.
23

مراد العلامة (رحمه الله) من أنه لا يخرج من هذا الأصل إلا بثبوت خيار أو ظهور عيب
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في معنى قول العلامة في القواعد (1) والتذكرة (2).
أقول: اختلف الكلمات في بيان مراد العلامة (رحمه الله) حيث قال: إنه
لا يخرج من هذا الأصل إلا بأمرين: ثبوت خيار أو ظهور عيب، مع أن
العيب من أسباب الخيار.
فعن جامع المقاصد أنه من قبيل عطف الخاص على العام، وهو كثير
في كلمات الفصحاء، وفي الكتاب العزيز: فيها فاكهة ونخل ورمان (3)،
مع أن الفاكهة شاملة لما ذكر بعدها.
وفيه أنه إنما يتم إذا ذكر في المعطوف عليه أسباب الخيار، فإن العيب
منها دون نفس الخيار وهما متبائنان، لا أن المعطوف عليه أخص من
المعطوف.
ووجهه المصنف بتوجيه آخر، وحاصله: أن العيب سبب مستقل
لتزلزل العقد في مقابل الخيار، لأن الخيار إنما يتعلق بتمام العقد، بحيث
إذا اختار ذو الخيار الفسخ فينعدم العقد من أصله فيصير كأن لم يكن،
وأما إذا ظهر نقص في أحد العوضين فإن نفس ظهوره موجب لثبوت
الأرش وثبوت الخيار لمالك العوض الناقص في استرداد جزء من الثمن
أو المثمن، فالعقد بالنسبة إلى الجزء الناقص متزلزل قابل لابقائه في ملك
المالك الأول وابقائه فيه، فهذا خيار متعلق بالمجموع من حيث
المجموع لا بالجميع.

1 - القواعد 1: 142.
2 - التذكرة 1: 516.
3 - الرحمن: 68.
24

وفيه أولا ما ذكره المصنف (رحمه الله)، من أنه مبني على كون الأرش جزءا
حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة، ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه
عند استرداده، وقد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الأرش كونه
جزءا من الثمن بل له ابداله لأن الأرش غرامة، وحينئذ فثبوت الأرش
لا يوجب تزلزلا في العقد.
وثانيا: ما ذكره السيد (رحمه الله) في حاشيته (1)، من أنه لا يعقل الفسخ بالنسبة
إلى الجزء إلا برد ما يقابله من العوض، إذ مقتضى مقابلة المجموع
بالمجموع كون بعض البيع في مقابلة هذا الجزء من الثمن، فإذا رجع إلى
المشتري يرجع ما يقابله إلى البايع، فلا بد من التزام أن هذا الفسخ
والاسترداد ابطال وإزالة للعقد بتمامه وجعله واقعا على مجموع المبيع
وما بقي من الثمن، وعلى هذا فالتزلزل إنما هو بالنسبة إلى الكل
لا خصوص جزء الثمن.
ووجهه شيخنا الأستاذ بوجه ثالث، وحاصله: أن ما ثبت ببناء العقلاء
أو غيره من اللزوم إنما ينحل إلى أمرين: الأول: أنه ثبت بناء العقلاء مثلا
على لزوم العقد بحيث ليس لكل واحد من المتعاملين أن يرجع إلى الآخر
بعد العقد، بأن يفسخ المعاملة ويرجع إلى ماله، الثاني: أنه ثبت بناء
العقلاء على عدم جواز مطالبة كل من المتعاملين من الآخر زائدا عن حقه
الذي جرى عليه العقد، ولكن يخرج من الأصل الأول بالخيار ومن
الأصل الثاني بظهور العيب فإنه يوجب مطالبة الأرش، فقول العلامة إنما
يخرج من هذا الأصل بالخيار ناظر إلى الأصل الأول، وقوله: أو بظهور
العيب ناظر إلى الأصل الثاني.
وهذا الذي ذكره شيخنا الأستاذ توجيه وجيه لا بأس به.

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 3.
25

ما يستدل به على اللزوم
أقول: قد استدل المصنف على اللزوم بوجوه:
الوجه الأول
قوله (رحمه الله): فمنها قوله تعالى: أوفوا بالعقود (1).
فذكر أن الآية: أوفوا بالعقود دلت على وجوب الوفاء بكل عقد،
وادعى أن المراد بالعقد مطلق العهد، كما فسر به في صحيحة ابن سنان
المروية في تفسير علي بن إبراهيم (2)، أو المراد منه ما يسمى عقدا لغة،
والمراد بالوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه والجري العملي على طبقه،
نظير الوفاء بالنذر.
فإذا باع أحد ماله من شخص فبمقتضى الآية وجب العمل بما يقتضيه
التمليك، من ترتيب آثار الملكية عليه وعدم جواز التصرف فيه، ويحرم
العمل بجميع ما يكون نقضا للعقد، ومنها التصرفات بعد الفسخ، فحرمة
التصرف لازم مساو للزوم العقد وعدم انفساخه بمجرد فسخ أحد
المتعاملين.
فيستدل بالحكم التكليفي أعني حرمة التصرف في المبيع على الحكم
الوضعي، أعني عدم نفوذ الفسخ وتأثره في العقد، فيكون العقد باقيا بعد

1 - المائدة: 1.
2 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود - المائدة: 1، قال: العهود (تفسير العياشي 1: 289، عنه الوسائل 23: 327)،
ضعيفة.
26

الفسخ أيضا في كل زمان ولا ينعدم بأي زماني، وقد تحقق في الأصول (1)
أن الحكم الوضعي منتزع من الحكم التكليفي على مذهبه.
وأشكل عليه بأن وجوب الوفاء فرع وجود العقد، وبعد الفسخ نشك
في بقائه، فلا يتم إلا بالاستصحاب - إلى أن قال: - نعم لو كان الموضوع
صدور العقد ولو لم يكن باقيا كان كما ذكر لكنه مقطوع العدم، إذ مع
فرض زوال العقد لا يجب الوفاء قطعا.
وفيه أن موضوع وجوب الوفاء إلى الأبد إنما هو العقد حدوثا، فإنه
بمجرد حدوثه يثبت له وجوب الوفاء إلى الأبد، فيكون العقد حدوثا
موضوعا لوجوب الوفاء المستمر بقاء، فلا يكون مشكوكا في نفسه لكونه
مقطوعا في ظرفه، فيتمسك بالاطلاق بعد الفسخ أيضا، فإن مقتضى ما
ذكره المصنف من جري العمل على طبق ذلك العقد الحادث لا يؤثر
الفسخ في شئ، ولا يوجب كون العقد مشكوكا حتى تصل النوبة إلى
الاستصحاب من جهة الشك في بقاء الموضوع وعدمه، نعم الملكية
تكون مشكوكة بعد الفسخ ولكنها أجنبية عما ذكرناه.
ودعوى أن العقد بعد الفسخ يكون مشكوكا في نفسه فلا يكون العقد
محرزا حتى نتمسك بالاطلاق، واضح الدفع بما ذكرناه، ويدفع ما ذكرناه
بملاحظة الوقف ونحوه من كون العقد حدوثا موضوعا لوجوب الوفاء
بقاء.
وعلى الاجمال أن العقد حدوثا يكون موضوعا لوجوب الوفاء بقاء،
وهو ليس بمشكوك أصلا حتى لا يفيد التمسك بالاطلاق ويلتجأ إلى
الاستصحاب بل هو مقطوع بعد الفسخ وقبله، نعم بعد تحقق الفسخ
تكون الملكية مشكوكة ولكنها لا ترتبط لما نحن فيه.

1 - مصباح الأصول 3: 81.
27

وعلى هذا فكلما نشك في ارتفاع ذلك، أي وجوب الجري على طبق
العقد السابق فيتمسك بالاطلاق، فكلام المصنف سليم عن هذا الاشكال.
نعم يرد على ما ذكره المصنف وجهان:
1 - إن حرمة التصرف إنما هي من الأحكام الشرعية المترتبة على
الملكية فلا ربط لها بالعقد الذي هو عبارة عن الالتزام النفساني، فلا دلالة
في الآية بناء على ما ذكره المصنف على لزوم العقد.
وتوضيح ذلك: أن الالتزام على شئ قد يكون متعلقا بالأمور
الخارجية كالنذر والعهد، بأن يتعهد بالالتزام النذري أو العهدي على
فعل شئ في الخارج أو على تركه فيه، وقد يكون متعلقا بأمر اعتباري
نفساني.
أما الأول فيكون نقضه بالفعل الخارجي لكونه التزاما خارجيا بأن يترك
ما التزم بفعله أو يفعل ما التزم بتركه، وعلى هذا فيكون التصرف
الخارجي نقضا للالتزام والعقد، فتدل حرمة التصرف على حرمة الفسخ
كما ذكره المصنف.
وأما الثاني فرفعه بنقضه في عالم الاعتبار ورفع المعاقدة النفسانية،
فلا ربط له بالتصرف الخارجي، حتى لو التزم بشئ وتعاهد عليه في
عالم الاعتبار وأوجد المعاقدة الاعتبارية في ذهنه، ومع ذلك التزم بنى
على التصرف الخارجي وعدم ترتب الحكم عليه، فلا يكون ذلك مخلا
بالتزامه العقدي أصلا، مثلا لو باع داره من زيد وبنى أن يأخذها منه بعد
الاقباض، أو تزوج امرأة وبنى أن لا يعطي لها نفقتها، فإن بناءه هذا
لا يضر بالالتزام العقدي بوجه.
وعليه فالآية الشريفة ناظرة إلى الوفاء بالمعاقدة الاعتبارية التي نقضها
برفع تلك الاعتبار النفساني لا بالتصرف الخارجي، فلا تدل الآية على
28

حرمة التصرف أصلا، حتى لو لم يكن دليل على حرمة التصرف في مال
غيره لم يظهر ذلك من الآية، ولجاز أن يبيع أحد أمواله ثم يتصرف فيها
تصرفا خارجيا، وهذا واضح جدا.
2 - لو سلمنا كون التصرف نقضا للعقد فلماذا يحرم التصرف بعد ذلك
التصرف الأولى، فإن لازمه جواز التصرف الثاني، والوجه فيه هو
الموجود في مقام البيع والنكاح والإجارة وغيرها من العقود هو الأمر
الوجداني المستمر، فإذا انقطع ذلك في آن فيرتفع العقد بارتفاع
الاستمرار وبعده لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء أصلا.
نعم لو كان هنا أمور متعددة والتزامات وعقود متكثرة حسب تعدد
الآنات والساعات والأيام، كان هنا أيضا وجوب متعدد منحل إلى
الأزمنة المتعددة، فلا يكون عدم الوفاء بواحد موجبا لرفع الحكم عن
الآخر، ولكنه بديهي البطلان، فإنما نحن فيه نظير النذر أو العهد أو
اليمين على القعود في مكان من أول الصبح إلى المغرب، فإذا تخلف آنا
واحدا ولم يجلس فيه فيرتفع وجوب النذر ولا يجب بعده الجلوس في
ذلك المكان، ويترتب عليه حكم مخالفة النذر والعهد واليمين.
وليس المقام من قبيل النذر على ايجاد أمور عديدة، بحيث لا يستلزم
الخلف في واحد الخلف في الآخر، كأن ينذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في
كل ليلة الجمعة، ولكن تخلف ولم يزر ليلة واحدة، فإنه لا يوجب
الحنث في الليالي الأخر أيضا، بل النذر في مثل هذا ينحل إلى نذور
متعددة ويترتب على كل واحد منها حكمه.
والتحقيق هو ما ذكرناه في بحث المعاطاة، من أن الوفاء عبارة عن
انتهاء الشئ واتمامه، ومنه الدرهم الوافي أي التمام، فالمراد من الأمر
بالوفاء عبارة عن الأمر بالتمام العقد الذي عبارة عن المعاقدة والمعاهدة،
29

فتدل الآية على وجوب اتمام العقد وعدم جواز فسخه، ولكن حيث إنه
ليس الفسخ من المحرمات قطعا، فإن رفع الالتزام النفساني والاعتبار
النفسي وعدم الوقوف على الالتزام الأولي ليس من المحرمات قطعا إلا
بعنوان التشريع والنسبة إلى الشارع، فيكون الأمر للارشاد إلى عدم تأثير
الفسخ في رفع الالتزام، نظير عدم صحة الصلاة عن الحائض وكون الأمر
بتركها ارشادا إلى ذلك، فتدل الآية بالمطابقة على اللزوم.
وبعبارة أخرى الظهور الأولي للأمر هو الوجوب المولوي كما حقق
في محله، ولكن نرفع اليد عنه بالقرائن الخارجية ويحمل على الإرشاد،
وفي المقام أن الأمر بالوفاء على العقد وإن كان ظاهرا في المولوية في
نفسه، ولكن بما أن الفسخ المتعلق به ليس من المحرمات بحيث يحرم
لأحد المتعاملين أن يفسخ التزامه وينقضه ولا ينهيه إلى الآخر، فيكشف
من ذلك عدم كونه ظاهرا في الوجوب المولوي ويحمل على الارشاد،
فتكون الآية ابتداء دالة على اللزوم بالمطابقة وأن العقد لا ينقض وينفسخ
بالنقض والفسخ.
فلا نحتاج في استفادة اللزوم إلى الالتجاء بكون الحكم الوضعي
منتزعا من الحكم التكليفي كما صنعه المصنف، على أنه لا يمكن
المساعدة عليه في نفسه كما حققناه في علم الأصول، وقلنا إن الأحكام الوضعية بنفسها مجعولة للشارع.
وقد أشكل على الاستدلال بآية أوفوا بالعقود (1) على اللزوم، بناء
على ما ذكرناه من دلالتها على اللزوم بالمطابقة، بأن مبنى الاستدلال بهذه
الآية على اللزوم هو أن الأمر في الآية إنما هو ارشاد إلى اللزوم، لأن رفع

1 - المائدة: 1.
30

العقد وفسخه وهدم كل من المتبايعين التزامه بدون رضا الآخر ليس
حراما في الشريعة، غاية الأمر أنه لا يؤثر في رفع العقد ولا يوجب نقضه
ورفعه إلا مع رضا الآخر ليكون إقالة، فيكون الأمر بهذه القرينة ارشادا إلى
أن العقد لا ينحل ولا ينفسخ بالفسخ ولا ينقض بالنقض، فتدل الآية
بالمطابقة على اللزوم.
وأشكل عليه بأن الأمر في المقام يدور بين رفع اليد عن ظهور الأمر في
المولوية وحمله على الارشاد كما ذكرتم، وبين رفع اليد عن ظهور في
أوفوا بالعقود جميع العقود، حتى الالتزامات الخارجية من النذر
والعهد وغيرهما، والالتزامات النفسية كالعقود من البيع ونحوه،
فتخصيصها بالالتزامية الخارجية فقط حتى لا يقال: إن الفسخ ليس من
المحرمات بل تختص الحكم بالوفاء في الآية بالنذر والعهد ونحوهما
من الالتزامات الخارجية، فلا مرجح لرفع اليد عن ظهور الأمر في
المولوية وحمله على الارشاد دون الثاني، فتكون الآية مجملة،
فلا يمكن الاستدلال بها على اللزوم.
وفيه أن هذا الدوران ممنوع جدا، فإن معنى رفع اليد عن ظهور الأمر
وحمله على الارشاد ليس هو ذلك، بل معناه إنا نرفع اليد عن ظهور الأمر
في الوجوب التكليفي ونحمله على الارشاد، وهذا لا ينافي المولوية،
فالأمر على كل حال باق على مولويته، سواء حملناه على الارشاد به أم
لا، ولكن بمقتضى القرينة المتقدمة نحمله على الارشادي المولوي.
والوجه في ذلك هو أن هذا المعنى الارشادي غير ما ذكروه من حمل
الأمر على الارشاد مقابل المولوي، فإنه ارشاد إلى حكم العقل كما في:
31

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول (1)، فإنه في موارد حكم العقل لا مجال
للمولوية، فلا بد من حمل الأوامر الواردة في تلك المقامات على
الارشادية وكونها ارشادا إلى حكم العقل فقط.
وهذا بخلاف حمل الأمر على الارشاد مقابل الوجوب والتكليف،
فإنه مع كون الأمر ارشاديا فهو باق على مولويته أيضا، فإن امضاء العقد
وجعله لازما بحيث لم ينفسخ بالفسخ، هذا أيضا حكم مولوي وثابت
بجعل الشارع.
كما أن الأمر بالوضوء عقيب الأحداث الناقضة للوضوء ارشاد إلى
بطلان الوضوء بها، والأوامر والنواهي المتعلقة بأجزاء الصلاة ارشادة
إلى المانعية أو الجزئية، ومع ذلك كلها أحكام مولوية، فإن أجزاء الصلاة
وموانعها كلها مجعولة للشارع، فالأمر بها مولوي محض غاية الأمر ليس
تكليفيا.
وعلى هذا فإذا حملنا الأمر بالوفاء بالعقود على الارشاد فلا يكون
رفعا لليد عن ظهور الأمر في المولوية، بل رفع اليد عن ظهوره في
الوجوب.
وعلى هذا فتدل الآية على لزوم الوفاء بكل عقد حتى العقود
والالتزامات الخارجية، وليس دائرا بين رفع اليد عن ظهور الأمر في
المولوية أو عن ظهور العقود في الأعم من الالتزامات النفسية
والالتزامات الخارجية، بل أريد من الأمر المولوية، وهو عبارة عن إظهار
ما في النفس من اعتبار الفعل على ذمة المكلف، سواء كان على سبيل
التكليف أو لا.

1 - النساء: 59.
32

فهذا المعنى يختلف بحسب الموارد، ففي مورد يكون امضاء محضا
فقط كما في البيع ونحوه، فإنه امضاء لما عقده المتعاملان بعنوان
المولوية، وفي العهد والنذر على نحو التكليف.
وعلى هذا فمعنى أوفوا بالعقود (1) أي أوفوا بجميع عهودكم
وعقودكم والتزاماتكم النفسية والخارجية، فيشمل ذلك عهد الله على
العباد الذي عهد عليهم في عالم الذر بقوله جل وعلا: ألم أعهد إليكم يا
بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين (2)، وأيضا يشمل عهد العباد
على الله تعالى كالنذر والعهد واليمين، ويشمل عهد العباد بعضهم
بعضا كما في موارد العقود.
وعلى الاجمال فالآية وافية الدلالة على اللزوم دلالة مطابقية كما
عرفت.
الوجه الثاني والثالث
قوله (رحمه الله): ومن ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالى: أحل الله
البيع (3) على اللزوم.
أقول: حاصل كلامه أن المراد من حلية البيع هو حلية جميع
التصرفات التي تترتب على البيع ويجوز لكل من المتبايعين أن يتصرف
فيما انتقل إليه جوازا تكليفيا مطلقا، فهو يشمل ما بعد الفسخ أيضا، فيدل
على عدم تأثير الفسخ في العقد وكونه لغوا، وإلا لكان التصرف بعد
الفسخ تصرفا محرما لكونه في مال الغير، فهذا المعنى يستلزم اللزوم،

1 - المائدة: 1.
2 - يس: 60.
3 - البقرة: 275.
33

فتدل الآية على أن الأصل في العقود هو اللزوم بالالتزام، وقد حقق في
محله أن الدلالات الالتزامية حجة في باب الألفاظ.
ومنه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم باطلاق حلية أكل المال
بالتجارة عن تراض، فإنه يدل على أن التجارة سبب لحلية التصرف بقول
مطلق حتى بعد الفسخ، فتدل هذه الآية أيضا على أصالة اللزوم بالالتزام،
فإن لازم جواز التصرف حتى بعد فسخ أحد المتعاملين هو لزوم العقد
وعدم انحلاله بالفسخ، وإلا لكان التصرف بعد الفسخ حراما كما
لا يخفى.
اشكال الشيخ (رحمه الله) على الاستدلال بهذين الوجهين
وقد أشكل المصنف (رحمه الله) على الاستدلال بالآيتين على أصالة اللزوم،
وأوضحه شيخنا الأستاذ، وحاصله: أن التمسك بالاطلاق إنما يفيد إذا
كان الشك في قيود الموضوع وحالته وأنحائه، مثلا إذا قال المولى:
جئني بالماء، فتمسك باطلاق كلامه بالنسبة إلى حالات الماء، ونحكم
بجواز اتيان أي ماء بحيث صدق عليه الماء، كما يمكن أن يكون الحكم
بالنسبة إلى حالات الموضوع مقيدا أيضا.
فالمقصود أن الاطلاق والتقييد في الحكم إنما هو بالنسبة إلى حالات
الموضوع فقط، وأما بالنسبة إلى حالات الحكم أو رافعه فلا يمكن أن
يكون الحكم مطلقا أو مقيدا، كما أن الأحكام الثابتة على الأشياء
بعناوينها الأولية لا اطلاق لها بالنسبة إلى العناوين الثانوية.
والسر في ذلك أن المحكوم عليه ليس ناظرا إلى نفسه، فضلا عن أن
يكون مطلقا بالنسبة إلى حاكمه.
وفي المقام إذا كان الفسخ مؤثرا فإنما هو يؤثر في رفع نفس الحلية،
34

وعليه فلا اطلاق في الحلية إلى رافعها، فإن الحكم ليس له اطلاق إلى
حالات نفسه فضلا عن أن يكون له اطلاق إلى رافعه.
وحينئذ فلا يمكن التمسك بالآيتين لاثبات أصالة اللزوم وعدم تأثير
الفسخ في رفعه، نعم لا بأس بجريان الاستصحاب في صورة الشك.
ثم وجه شيخنا الأستاذ جهة تخصيص المصنف هذا الاشكال بالآيتين
وعدم جريانه في الآية السابقة عليهما أي آية أوفوا بالعقود (1)،
وحاصله:
أن موضوع وجوب الوفاء كما ذكرناه هو المعنى المصدري من العقد،
الذي يعبر عنه في لغة الفرس بلفظ: گره زدن، دون الاسم المصدري،
أعني العقدة الحاصلة من المعنى المصدري، الذي يعبر عنه في لغة
الفرس بلفظ: گره، فإذا تحقق الفسخ فلا يكون مانعا عن التمسك
بالاطلاق، فنتمسك باطلاق أوفوا ونحكم بعدم تأثيره في رفع العقد،
فإنه لا يكون ما هو موضوع وجوب الوفاء أعني العقد بمعنى المصدري
مشكوكا بالفسخ كما تقدم، وإنما يكون المشكوك هو العقدة، أي العقد
بمعنى الاسم المصدري، فيجوز التمسك بالاطلاق كما لا يخفى.
التحقيق في المقام
أقول: الظاهر أنه لا يتم الاستدلال بالآيتين على أصالة اللزوم، وعلى
تقدير تماميته لا يرد عليه الاشكال المذكور، وعلى تقدير وروده
فلا فارق بين الآيتين وبين آية: أوفوا بالعقود، فلنا في المقام ثلاث
دعاوي:

1 - المائدة: 1.
35

الدعوى الأولى: أنه لا يتم الاستدلال بالآيتين على أصالة اللزوم،
والوجه في ذلك هو أن المراد من الحلية أما الحلية الوضعية أو الحلية
التكليفية أو الأعم منهما، وعلى كل حال لا دلالة في الآية على أصالة
اللزوم بوجه.
أما إذا كان المراد من الحلية هي الوضعية، فلأن معنى ذلك ليس إلا
نفوذ البيع في مقابل استناد الحرمة وعدم النفوذ إلى الربا، فلا تعرض فيها
لارتفاعه أو عدم ارتفاعه بالفسخ أصلا، كما أن قوله تعالى: وحرم
الربا (1) لا يدل على أزيد من حرمة المعاملة الربوية، فبقرينة المقابلة
تكون الحلية واردة على أصل البيع من حيث الحدوث، أي إن البيع جائز
ونافذ في الشريعة المقدسة وليس مثل الربا كما زعمه أهل الجاهلية،
فلا دلالة فيها إلى حلية التصرفات المرتبة على البيع.
وعلى الاجمال ليست الآية متعرضة لبقاء البيع وعدم بقائه بعد
التحقق، وأن الفسخ يؤثر فيه أم لا، وإنما هي ناظرة إلى أصل ثبوت البيع
ونفوذه في الشريعة المقدسة.
وأما إذا كان المراد من الحلية هي الحلية التكليفية، فلأن الآية أيضا
ناظرة إلى استناد الجواز والإباحة إلى البيع وكونه غير محرم في الشريعة
بقرينة مقابلته بحرمة الربا، فإن غرضه تعالى استناد الحرمة فقط إلى الربا
وبيان كونه حراما في الشريعة كشرب الخمر، بل يعاقب كاتبه وشاهده
والبايع والمشتري، فليست الآية ناظرة إلى جواز التصرف أصلا، أي
التصرفات المترتبة على البيع، بل ناظرة إلى حلية نفس البيع، كما أن قوله
تعالى: وحرم الربا ناظر إلى حرمته النفسية، فإنه من المحرمات
الشرعية، حتى يقتل منكر حرمته وتبان زوجته وتقسم أمواله.

1 - البقرة: 275.
36

وليس البيع الربوي مثل بيع الغرري، أو بيع ما ليس عندك، أو بيع ما
لا يقدر على تسليمه، وغير ذلك من البيوع الفاسدة، فإنها فاسدة فقط
وليس بحرام تكليفا إلا بالتشريع، فلو باع أحد بالبيع الفاسد لا يكون
فاسقا بخلاف البيع الربوي، ومقابل هذا أي البيع الربوي الحرام تكليفا
هو البيع الحلال الذي رخص فيه الشارع تكليفا، وأما التصرفات المترتبة
عليه فأجنبية عنه، فلا دلالة في آية حلية البيع على اللزوم.
ومن هنا ظهر الحال لو أريد من الحلية الحلية الوضعية والتكليفية
معا، كما لا يبعد أن يكون هو المراد من الآية، فإن معنى الحل في اللغة
هو الاطلاق، ويعبر عنه في الفارسية بكلمة: گره زدن وباز نمودن،
وهو أعم من الحلية الوضعية والتكليفية، لأنه لم يكن استعمال الحلية
تارة في الوضعية وأخرى في التكليفية مرسوما في اللغة وزمان
النبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام)، وإنما هو اصطلاح جديد في ألسنة
الفقهاء (رحمهم الله)، فلا يلزم من استعمال كلمة الحل فيهما استعمال اللفظ في
أكثر من معنى واحد.
وعلى الجملة، فالحلية عبارة عن الاطلاق، فهو يختلف بحسب
المصداق، لأنه تارة تكون وضعية بمعنى نفوذ المعاملة، وأخرى تكليفية
بمعنى الجواز وعدم المنع عنه شرعا.
وعلى كل حال فالآية ناظرة إلى ثبوتها للبيع وكونه حلالا في الشريعة
المقدسة وضعا وتكليفا، وأما أنه لا يرفع بالفسخ أو يرفع به فالآية أجنبية
عن ذلك بالمرة.
فتحصل أن الآية لا تعرض فيها عن حلية التصرفات المترتبة على البيع
فضلا عن استفادة اللزوم من ذلك بالالتزام.
37

ومن هنا ظهر الحال في قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض (1) بل
الأمر فيه أوضح، فإن المراد من قوله تعالى في المستثنى منه: لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل (2) ليس هو الأكل بمعنى الازدراد، لأنه إنما أضيف
إلى الأموال.
ومن الواضح أن المأكولات بالنسبة إلى غيرها كقطرة من البحر،
فبمناسبة الحكم والموضوع فلا بد وأن يراد منه التملك بأخذ الأكل
كناية عنه، كما هو المستعمل في ذلك كثيرا حتى في العرف الحاضر،
وقد استعمل الأكل بمعنى التملك في الكتاب الكريم في غير هذا المورد
أيضا، كقوله تعالى: وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس
بالإثم (3).
وعلى هذا فمعنى الآية أن تملك أموال الناس بأي سبب من الأسباب
حرام وغير جائز شرعا، إلا أن يكون التملك بسبب، وهو التجارة عن
تراض فإنه جائز، وحلال في الآية ناظرة إلى أصل جواز التملك، وأما
التصرفات المترتبة على التملك فخارجة عن حدود الآية بالكلية فضلا
عن دلالتها على أصالة اللزوم.
بيان آخر لما يستدل به على اللزوم
والحاصل أنه استدل المصنف بآية حل البيع على لزوم العقد،
بدعوى أنها تدل بالمطابقة على حلية مطلق التصرفات حتى التصرفات
الواقعة بعد الفسخ، ومن الواضح أنه لو كان الفسخ مؤثرا في حل العقد

1 - النساء: 29.
2 - البقرة: 188.
3 - البقرة: 188.
38

واعدامه لكانت التصرفات الواقعة بعد الفسخ محرمة، فتدل الآية
بالملازمة على لزوم البيع وعدم انفساخه بالفسخ.
وبهذا يظهر دلالة آية التجارة عن تراض، أعني قطعة المستثنى، فإنها
تدل بالمطابقة على حلية الأكل بالتجارة عن تراض مطلقا، وبعبارة أخرى
أنها ظاهرة في أن التجارة عن تراض سبب لحلية التصرف بقول مطلق
حتى بعد الفسخ من أحدهما من دون رضى الآخر.
ثم أشكل على الآيتين بأن الفسخ رافع للحلية فلا يكون الحكم شاملا
باطلاقه لرفع نفسه.
وأوضحه شيخنا الأستاذ بأن الحكم إنما له اطلاق بالنسبة إلى حالات
الموضوع وقيوداته، وأما حالات نفس الحكم فضلا عن رافعه فلا اطلاق
له بالنسبة إليها، فإنه لا يعقل أن يؤخذ الحكم مطلقا بالنسبة إلى حالة
نفسه وروافعه.
ثم فرق بين هاتين الآيتين وبين آية أوفوا، بدعوى أن موضوع الوفاء
في آية أوفوا هو العقد بمعنى المصدري فهو قطعي الوقوع، فلا يكون
مشكوكا بالفسخ وإنما المشكوك بعد تحقق الفسخ هو العقد بمعنى
الاسم المصدري.
فتدل الآية على حلية التصرفات المترتبة على العقد بمعنى المصدري
مطلقا حتى بعد الفسخ، كما هو مبنى استدلال المصنف، فشك في
رافعية الفسخ العقدة لئلا يجوز التصرفات بعد الفسخ، فنتمسك باطلاق
الآية ونحكم بعدم تأثير الفسخ بوجه، فليس الفسخ رافعا لنفس الحلية
حتى لا يمكن التمسك باطلاق، فتدل الآية على اللزوم بالالتزام كما هو
واضح، وهذا بخلاف الآيتين كما عرفت الحال فيهما.
39

بيان آخر للتحقيق في المقام
ولكن قلنا إنه لا يمكن التمسك بالآيتين على اثبات اللزوم في العقود،
وعلى تقدير تمامية الاستدلال بهما على اللزوم فلا يرد عليه ما أورده
المصنف، ولو تم الاشكال فهو مشترك الورود للآيتين وآية أوفوا
بالعقود (1) كما ذكره السيد (2) ولكن ببيان آخر.
ولنا في المقام ثلاث دعاوي:
الدعوى الأولى
في عدم صحة الاستدلال بالآيتين على أصالة اللزوم، فنقول: إن
المراد من الحلية إما وضعية أو تكليفية أو الأعم منهما، وعلى كل حال
لا دلالة في الآيتين على المقصود.
أما إذا كان المراد منها الحلية الوضعية، فلأن معناه نفوذ البيع وصحته
في الشريعة الاسلامية، وقد تدل آية حل البيع على كونها مستندة إلى
البيع، فلا دلالة فيها على أزيد من استناد الحلية الوضعية إلى البيع، وتدل
على ذلك مقابلته باستناد الحرمة إلى الربا، فإن معنى حرمة الربا بناء على
أخذ الحرمة أيضا وضعية بقرينة المقابلة هو عدم نفوذ الربا وأنه فاسد في
الشريعة من غير تعرض إلى حرمة التصرفات.
وعلى الاجمال فالآية ناظرة إلى استناد الحلية إلى البيع واستناد
الحرمة إلى الربا فقط، فلا دلالة فيها على حلية التصرفات المترتبة على
العقد حتى بعد الفسخ ليستفاد منه اللزوم، فإن مقابلة حلية البيع مع حرمة

1 - المائدة: 1.
2 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 4.
40

الربا تقتضي استنادهما إليها فقط، فإن الغرض من قوله تعالى وحرم
الربا (1) هو ذلك، فيكون هذا قرينة لأن يراد من حلية البيع أيضا هذا
المعنى.
وأما إذا كان المراد من الحلية هي التكليفية، فالآية ناظرة أيضا إلى
استناد الحلية التكليفية فقط إلى البيع بقرينة مقابلته مع حرمة الربا، فإنها
ناظرة إلى استناد الحرمة التكليفية فقط إلى الربا، وأما جواز التصرفات
المترتبة على العقد حتى بعد التصرف فلا يستفاد من الآية لخروجها عن
مفادها بالكلية، فيكون الغرض اثبات إباحة البيع في الشريعة المقدسة
حتى البيع الفاسد لعدم كونه حراما، كما أن حرمة الربا ناظرة إلى اثبات
حرمته في الشريعة.
وهكذا الكلام إذا كان المراد من الحلية أعم من الوضعية والتكليفية،
كما هو الظاهر بحسب لحاظ المعنى اللغوي كما عرفت.
ومن هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بآية التجارة عن تراض أيضا،
فإنها جملة استثنيت عن حرمة أكل المال بالباطل، ومن الواضح أن المراد
من حرمة الأكل بالباطل إنما هو حرمة التملك، كما هو المستعمل بهذا
المعنى في القرآن وفي محاورة اليوم، فيقال: إن فلانا أكل دار فلان مثلا،
فتكون الآية ناظرة إلى عدم جواز تملك مال الغير بغير التجارة عن تراض
أو عدم نفوذه، وأما حرمة التصرفات أو جوازها المترتبة على الأكل
بالباطل أو التجارة عن تراض فخارجة عن الآية.
وبعبارة أخرى أن الآيتين ناظرتان إلى حكم البيع والتملك من حيث
الوضع أو التكليف حدوثا فقط لا بقاء حتى يتمسك بالاطلاق، حتى لو

1 - البقرة: 275.
41

لم يكن عندنا ما دل على حرمة التصرف في مال الغير لقلنا بحرمة التملك
بهذه الآية وبجواز التصرف بالأصل، وكان لأحد أن يبيع حاله ثم
لا يسلمه بل يتصرف فيه كيف يشاء، فإن الآية لا تدل على ذلك كما ذكره
السيد (رحمه الله) أيضا، فراجع (1).
الدعوى الثانية
وأما الاشكال الذي ذكره المصنف وأوضحه شيخنا الأستاذ فلا يرد
عليها بوجه، وذلك فلأنه وإن لم يكن للحكم اطلاق بالنسبة إلى حالات
نفسه ورافعه، فإنه حكم مسلم وقاعدة مبرمة، فإن ملاحظة الاطلاق فرع
ورود الحكم على الشئ، فلا يعقل أن يلحظ الاطلاق أو التقييد إلا
بالنسبة إلى موضوع الحكم أو متعلقه كما هو واضح، ولكن المقام ليس
كذلك، فإن رافع الحلية ليس من حالات الحكم.
وتوضيح ذلك:
أنا ذكرنا في محله مرارا أن الاطلاق ليس إلا ما يمكن للمتكلم أن
يصرح به كما أن التقييد كذلك، مثلا إذا قال المولى: أعتق رقبة، فمعناه
أعتق رقبة، سواء كانت مؤمنة أم غير مؤمنة، كما أن معنى أعتق رقبة
مؤمنة معناه أعتق رقبة إن كانت مؤمنة، فما للمولى أن يصرح به من
الاطلاق والتقييد يطويه في كلامه على سبيل الاطلاق أو التقييد.
ففي المقام له أن يأخذ الحلية مطلقة بالنسبة إلى رافعها، ويقول أحل
الله البيع، سواء فسخ أحد المتبايعين أم لا، وله أن يصرح بالتقييد
ويقول: أحل الله البيع (2) إن لم يفسخ أحدهما، ولكن لم يصرح

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 4.
2 - البقرة: 275.
42

بالاطلاق، وإنما سكت عنه ولكن اكتفي منه بعدم التقييد، فبمقدمات
الحكمة نستفيد الاطلاق ونحكم بحلية البيع والتصرفات المترتبة عليه
حتى بعد الفسخ.
والسر في ذلك أن للجاعل أن يأخذ حكمه مطلقا أو مقيدا بالنسبة إلى
رفع شخص آخر لذلك الحكم، فيقول: أمضيت البيع إن لم يرفعه فلان،
أو أمضيته سواء رفعه فلان أم لا، أو يقول أكرم العلماء إن رضي فلان،
أو يقول أكرمهم سواء رضي فلان أم لا، فرفع شخص آخر الحكم ليس
من قبيل حالات الحكم حتى لا يمكن تكفل الحكم باطلاقه شموله لما
بعد تحقق الرفع كما هو واضح.
الدعوى الثالثة
وعلى تقدير ورود الاشكال على الآيتين فلا تختص الاشكال بهما بل
يجري في آية أوفوا بالعقود (1) أيضا، فإنه بناءا على مسلك المصنف
أنها تدل على حلية التصرفات المترتبة على العقد على وجه الاطلاق
حتى بعد التصرف، ومن الواضح أن الفسخ رافع لها، فكيف يؤخذ الحكم
مطلقا بالنسبة إلى رافعه.
فالمقصود أن ميزان الاستدلال بالآيات الثلاثة واحدة عند المصنف،
فما ذكره من الاشكال أيضا مشترك الورود بالنسبة إليها، وقد عرفت دلالة
آية الوفاء على اللزوم بالمطابقة.
وعرفت أيضا عدم دلالة آية أحل الله البيع (2) عليه، وقلنا إن الآية
ناظرة إلى استناد الحلية إلى البيع وأنها مستندة إليه في الشريعة، سواء

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
43

كانت وضعية أو تكليفية أو كليهما، بقرينة قوله تعالى: وحرم الربا (1)،
فإنه ناظر إلى استناد الحرمة إلى الربا، وأما حلية التصرفات فضلا عن
كونها مطلقة حتى بعد الفسخ فليست الآية متعرضة لها بوجه كما
لا يخفى.
وكذلك قوله تعالى: تجارة عن تراض (2)، فإنه ناظر إلى جواز التملك
بالتجارة عن تراض، لكونه استثناء عن حرمة أكل المال بالباطل، وهو
التملك بالباطل، فليس فيه أيضا التعرض بحلية التصرف بوجه، وإن كان
التملك يترتب عليه جواز التصرفات ولكنه بدليل آخر، وليس مستفادا
من الآية كما لا يخفى، فافهم.
الاستدلال بالآيتين بوجه آخر
نعم قد استدل بالآيتين بوجه آخر، وحاصله: أن معنى الخيار في البيع
ونحوه هو كون التمليك مقيدا بجهة خاصة لا من حيث الأمد والمدة،
بأن يكون إلى زمان خاص بل من حيث خاص، وهو أن ذي الخيار مالك
لارجاع العين بحل العقد وفسخه، فإذا باع شيئا مع الخيار فمعناه أنه
مالك لارجاعه إلى ملكه ثانيا.
وهذا بخلاف ما لم يكن له الخيار، فإنه يملك ماله من المشتري على
نحو الاطلاق وغير مقيد بجهة خاصة، وهذا القيد الذي نسميه خيارا
لا يجعل الملك مقيدا كما عرفت، بأن يكون التمليك إلى وقت ولا أنه
يقوم بالملكية، فإنه باق على حاله مع التلف أيضا فلو كان قائما بالملكية
لما بقي بعد تلف العين، مع أنه غير باق كما قلنا، فإن لذي الخيار أيضا

1 - البقرة: 275.
2 - النساء: 29.
44

اعمال خياره بعد تلف العين، ويترتب عليه حكمه بل متعلقه هو العقد
فقط ليس إلا.
ولا ينافي هذا الخيار بالملكية الأبدية أصلا، فإن شأنه شأن رافع
العقود والايقاعات، فكما أن الطلاق رافع للنكاح والإقالة رافع للعقد
فكذلك الخيار، فمالكية ذي الخيار على رفع العقد وارجاع المبيع على
ملكه ليس تناقضا بوجه، وليس معنى بعت مع الخيار أن الملكية باقية بعد
اعمال الخيار، فلو كان معنى جعل الخيار والقدرة والمالكية على ارجاع
المال إلى الحالة الأولية هو أن الملكية باقية بعد اعمال الخيار أيضا لكان
هذا تناقضا.
فتحصل أن مرجع جعل الخيار هو ابقاء المالكية على ذي الخيار فيما
انتقل عنه في جهة خاصة، وهي ارجاع العين إلى ملكه ثانيا وثبوت
القدرة له على رفع العقد وهدمه، كما أن الطلاق أو الإقالة يرفع العقد،
وعلى هذا فقوله تعالى: أحل الله البيع (1) هو جعل البيع ثابتا في محله،
فإن معنى: أحل، هو اقرار الشئ في محله، أحله أي أمره في محله،
وكونه ممضى في نظر الشارع، وأن المتبايعين في حل في ذلك
ومرخصون في فعله وايجاده، وليس لهم منع عن ذلك، وليس البيع
ممنوعا عنه في نظره وخارجا عن مقره في نظر الشارع، بل واقع في محله
ومقره، فإن الشارع أحله وأقره في مقره.
ولا شبهة أن هذا الكلام من الشارع المقدس امضاء لما أنشأه
المتبايعين، ومن الواضح أن المنشأ في البيوع المطلقة، أي فيما باع
المالك ماله مطلقا ويبقى لنفسه جهة خاصة هو مطلق التمليك الغير

1 - البقرة: 275.
45

المقيد بشئ خاص، وهو ابقاء المالكية لنفسه في جهة خاصة، فامضاء
هذا يكون امضاء مطلقا، فلو كان الامضاء مقيدا لحصل التناقض حينئذ،
فقوله تعالى: أحل الله البيع هو اقراره في مقره ومحله، والموضوع في
مقره هو هذا العقد المطلق بحيث ليس للمالك السابق فيه مالكية على
جهة خاصة كما لا يخفى، وهكذا تجارة عن تراض (1)، فتدل الآيتين
على اللزوم بهذا البيان..
الوجه الرابع
قوله (رحمه الله): ومنها قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (2).
أقول: حاصل كلامه أن الآية دلت على حرمة الأكل والتملك بكل
وجه باطل عرفا إلا موارد ترخيص الشارع، فإنه ليس باطلا عرفا، ومن
الواضح جدا أن أخذ مال الغير وتملكه بالفسخ من دون إذن صاحبه باطل
عرفا.
وفيه منع الكبرى، فإنه من أين علم أن المراد من الباطل هو الباطل
العرفي ومن أخبر بذلك، بل الباطل هو مقابل الحق، فما سوى الله باطل
في مقابل الحق جل وعلا، ومن هنا قيل: إن أصدق شعر صدر في
الجاهلية هو قول الشاعر: ألا كل شئ ما خلا الله باطل، والبيع حق
ومقابله الربا باطل وهكذا.
فالمقصود أن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية والمفاهيم العامة
فلا وجه لتخصيصه بجهة خاصة بل ينطبق ذلك الكلي على المصاديق،
وكذلك الباطل فإنه موضوع لمقابل الحق، وهذا يختلف باختلاف

1 - النساء: 29.
2 - البقرة: 188.
46

الموارد فلا وجه لتخصيصه بالباطل العرفي، وعليه فالتمسك به لكون
الفسخ من الباطل من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وأيضا نمنع الصغرى، فإنه من أين علم أن الفسخ باطل عرفي بل نشك
في ذلك، فلا يمكن التمسك بالمطلق في الفرد المشكوك واثبات كونه
فردا للمطلق.
نعم يمكن التمسك بالآية لاثبات اللزوم بمجموع المستثنى
والمستثنى منه، فإن الآية الشريفة في مقام حصر التملك الشرعي
بالتجارة عن تراض، ومن الواضح جدا أن التملك بالفسخ مع عدم رضا
الآخر ليس منها، فتدل على اللزوم.
بيان آخر للوجه الرابع
استدل المصنف (رحمه الله) أيضا بهذه الآية على اللزوم، بدعوى أن المراد
من الباطل هو الباطل العرفي وأن الفسخ من ذلك.
أقول: إن المراد من الباطل ما هو مقابل الحق، فإن الألفاظ موضوعة
للمفاهيم العامة فينطبق ذلك على موارده، فلا وجه لتخصيص الموضوع
له بالباطل العرفي، ومن هنا أطلق الباطل على مقابل الحق في تعداد
جنود العقل والجهل في رواية الكافي (1)، وعليه فالتمسك بالآية من قبيل
التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنا نشك في أن الفسخ مصداق
للباطل أم لا.

1 - عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه،
فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا
- إلى أن قال: - الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والايمان وضده
الكفر - إلى أن قال: - الحق وضده الباطل (الكافي 1: 14)، موثقة.
47

ولو سلمنا أن المراد من الباطل الباطل العرفي ولكن يصح الاستدلال
بالآية إذا كان خروج الموارد التي رخص الشارع في التصرف فيها
كالشفعة وحق المارة ونحوهما بالتخصيص، فإنه حينئذ يمكن أن يقال:
إن الفسخ ليس من الموارد التي خرجت عن الآية بالتخصيص فيكون
التملك به أكلا للمال بالباطل لكونه باقيا تحت الآية.
وإن قلنا إن خروجها بالتخصص كما ذكره المصنف، فحينئذ لا ندري
أن الفسخ من أفراد الخارج أو من أفراد الباقي، فيكون التمسك بالآية من
قبيل التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، فهو لا يجوز، نعم يجوز
التمسك بالاستصحاب ولكنه خروج عن الفرض، نعم يجوز التمسك
بمجموع المستثنى والمستثنى منه لاثبات اللزوم كما تقدم.
الوجه الخامس
قوله (رحمه الله): ومما ذكر يظهر وجه الاستدلال بقوله (عليه السلام): لا يحل مال امرء -
الخ (1).

1 - عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله)،
عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، قال: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير
إذنه (الإحتجاج: 479، اكمال الدين: 520، عنهما الوسائل 9: 540، 25: 386).
عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كانت عنده أمانة
فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (الكافي
7: 273، الفقيه 4: 66، عنهما الوسائل 5: 120)، موثقة بزرعة وسماعة الواقفين.
وعن تحف العقول، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة حجة الوداع: أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه (تحف العقول: 34)، مرسلة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه (عوالي
اللئالي 3: 473، عنه المستدرك 3: 331)، مرسلة.
48

أقول: إن كان المراد من الحلية هي الحلية التكليفية فلا تدل الرواية
على اللزوم، لأن التقدير أنه لا يحل التصرفات في مال امرء مسلم إلا
بطيب نفسه ونشك في أن التصرف بعد الفسخ من التصرف في مال امرء
مسلم بدون إذنه أم لا، لأنا نحتمل أن يكون ذلك تصرفا في مال نفسه
فيكون حلالا، فلا يمكن التمسك باطلاق الرواية في اثبات أن هذا الفرد
المشكوك مصداق للتصرف المحرم.
وإن كان المراد من الحلية هي الوضعية، فيكون المعنى أنه لا ينفذ
التصرف في مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه، فتدل الرواية على اللزوم
بدعوى أن نفوذ التصرف في مال الغير منحصر بكونه عن طيب نفسه، ومن
الواضح أن التصرفات الواقعة بعد الفسخ ليس عن طيب نفس من المالك
فلا تكون نافذة.
وأما الجامع من الحلية التكليفية والحلية الوضعية، وإن ذكرنا امكان
إرادة الجامع في قوله تعالى: أحل الله البيع (1)، بل قلنا إنه الظاهر، فإن
الحل بمعنى الترخيص وفي لغة الفرس: باز كردن ورها كردن، ومن
الواضح أنه أعم من الوضع والتكليف ولم يكن التفكيك بينهما مرسوما
في السابق بل جرى عليه الاصطلاح بين الفقهاء كما ذكرناه في أوفوا
بالعقود (2).
ولكن لا يمكن إرادة الجامع في الرواية، فإنه لو أريد من الحلية
التكليفية فمعنى الرواية كما عرفت أن التصرفات الواقعة على مال امرء
مسلم حرام بدون إذنه، فهذا يتوقف على أن يكون التصرف التصرف في
حال كون المال لامرء مسلم، وإلا فلا وجه للحرمة، لأن كون المال

1 - البقرة: 275.
2 - المائدة: 1.
49

لشخص آخر في زمان سابق لا يدل على حرمة التصرف في زمان متأخر
ولو مع كونه ملكا لشخص آخر أي منتقلا إليه.
وبعبارة أخرى لو أريد من الحلية التكليفية فظهور الرواية أن التصرف
حين كون المال لامرء مسلم حرام بدون إذنه، وأما التصرف في ماله كان
لامرء مسلم سابقا فلا دلالة في الرواية على حرمته، فحينئذ لا دلالة فيها
على حرمة التصرف بعد الفسخ، لاحتمال كونه تصرفا في مال نفسه لا في
مال امرء مسلم، نعم كان مالا لامرء مسلم قبل الفسخ والتمسك
بالاستصحاب خروج عن الفرض، فإن كلامنا في التمسك بالدليل
الفقاهتي.
وأما إذا أريد من الحلية الوضعية، فمعناه كما عرفت أنه لا ينفذ
التصرف في مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه، فإرادة هذا المعنى لا يتوقف
إرادته على احراز كون المال لامرء مسلم، ولذا يشمل بعد الفسخ أيضا،
فهذا أن المعنيان لا يجتمعان في الرواية، أي لا يمكن إرادتهما من الرواية
معا.
وبعبارة أخرى أن إرادة الحلية التكليفية في الرواية متوقفة على احراز
كون المال للغير لكي يحرم التصرف فيه، وهذا لا يشمل بعد الفسخ
لاحتمال خروج المال عن كونه مال امرء مسلم بالفسخ، وإرادة الحلية
الوضعية لا تتوقف عليه بل هي تعم بعد الفسخ أيضا كما عرفت، ومن
الواضح أن شموله بعد الفسخ يعدم موضوع حلية التكليفية فكيف يمكن
إرادتها كما لا يخفى.
بيان آخر للوجه الخامس
قوله (رحمه الله): ومنها: قوله (عليه السلام): لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه.
وفيه أولا: إن كان المراد من الحلية هي التكليفية فلا تشمل الرواية
50

التصرفات بعد الفسخ للشك في أنها محرمة أم لا، لاحتمال كون الفسخ
مملكا، فلا يجوز التمسك به في الفرد المشكوك، وإن كان المراد بها
الحلية الوضعية، كما هو الظاهر من كلام المصنف حيث جعل سبيل
الرواية سبيل الآية.
ومن الواضح أنه أراد من الآية الحلية الوضعية حيث أخذ الأكل بمعنى
التملك، لجاز التمسك بها لاثبات اللزوم، فإنها تفيد حصر نفوذ التصرف
بما إذا كان بطيب النفس من المالك، ومن الواضح أن الفسخ ليس منه،
وأما الجامع فلا يمكن إرادته كما تقدم، وبالجملة لو أريد من الحلية
الحلية التكليفية لا يمكن الاستدلال بالآية على اللزوم.
وثانيا: إن المراد من عدم حل مال امرء مسلم إلا بإذنه وبطيب نفسه هو
عدم حلية التصرفات المتعلقة به وجميع التقلبات الخارجية، فإن الحل
أو الحرمة إذا تعلقا بالعين الخارجية فحيث لا معنى لحرمتها وحليتها
فلا بد وأن يقدر في أمثال ذلك ما يناسب الحلية أو الحرمة، والمناسب
لهما بمناسبة الحكم والموضوع إما جميع الآثار أو الآثار المناسبة،
فالمناسب للحرمة المتعلقة على الخمر وعلى المسكر هو تقدير
الشرب.
فلا يتوهم أحد من قوله (عليه السلام): ما أسكر كثيره فقليله حرام (1)، أو غيره

1 - عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله حرم الخمر قليلها
وكثيرها، كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، وحرم النبي (صلى الله عليه وآله) من الأشربة المسكرة، وما
حرمه النبي (صلى الله عليه وآله) فقد حرمه الله عز وجل، وقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام (الكافي
6: 409، التهذيب 9: 115، عنهما الوسائل 25: 338)، صحيحة.
عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) أنه كتب إلى المأمون: محض الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله - إلى أن قال: - وتحريم الخمر قليلها وكثيرها، وتحريم كل شراب مسكر قليله وكثيره،
وما أسكر كثيره فقليله حرام (عيون الأخبار 2: 126، عنه الوسائل 25: 330).
51

من الأدلة الدالة على حرمة الخمر هو البيع، حتى لو لم يكن هنا دليل على
حرمة بيع الخمر لما أمكن استفادتها منها، والمناسب لحرمة الأمهات
في قوله تعالى (1) تقدير التزويج، فإنه لا يحتمل أن نظره أو خدمته أو شئ
آخر يتعلق بها حرام.
وعلى هذا فلا بد هنا أيضا من تقدير ما يصح تعلق عدم الحل به،
والمناسب للمقام هو تقدير جميع التصرفات الخارجية والتقلبات في
الخارج، وحينئذ فمعنى الآية: لا يحل جميع التصرفات والتقلبات
الخارجية في مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه.
وعليه فلا تشمل التصرفات الاعتبارية كاعتبار ملكية مال الغير لنفسه
وهكذا بالفسخ ونحوه، فلا تدل الرواية على عدم تأثير الفسخ في حل
العقد كما هو واضح.
وتوهم أن الرواية شاملة على التصرفات بعد الفسخ، وتدل على
حرمتها أيضا باطلاقها فتفيد اللزوم بالدلالة الالتزامية توهم فاسد، لما
عرفت من عدم شمولها التصرفات بعد الفسخ، لاحتمال كون الفسخ
مملكا كما تقدم، فيكون التمسك بها في التصرفات بعد الفسخ من قبيل
التصرف بالمطلق في الفرد المشكوك.
والحال إن كان نظر المصنف في الاستدلال بالرواية بأنه لا يحل تملك
مال الغير إلا بإذنه بأن يقدر التملك فقط بعد الحل، أي لا يحل تملك مال
غيره بالبيع ونحوه إلا بإذنه، فالرواية وإن كانت تدل على اللزوم ولكنه
خلاف الظاهر من الرواية، فلا يمكن أن يراد من الحلية الحلية الوضعية
لمكان خلاف الظهور، وإن كان النظر بتقدير جميع التصرفات كما هو

1 - قوله عز وجل: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم
وبنات الأخ وبنات الأخت، النساء: 23.
52

الظاهر والمناسب، بأن يراد من الحلية الحلية التكليفية أي يحرم جميع
التصرفات في مال غيره إلا بإذنه.
الوجه السادس
قوله (رحمه الله): ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون على أموالهم (1).
أقول: ذكر المصنف أن مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع أن
لا يجوز أخذه من يده وتملكه عليه من دون رضاه، ومن هنا استدل
المحقق في الشرايع والعلامة في بعض كتبه على عدم جواز رجوع
المقرض فيما أقرضه، بأن فائدة الملك التسلط، وبالجملة رجوع الفاسخ
إلى ما انتقل عنه إلى غيره بالعقد تملك لمال غيره ومناف لسلطنته، فتدل
الرواية على اللزوم.
وفيه أولا: أنها ضعيفة السند كما تقدم.
وثانيا: أنها ناظرة إلى ثبوت السلطنة للمالك في جميع تصرفاته في
ماله من الأكل والبيع والبذل وغيرها، وأنه ليس لأحد أن يمنع من هذه
التصرفات، وهذا لا ينافي ثبوت جواز التصرف لغيره أيضا بالفسخ، كما
وقع نظيره في الشريعة المقدسة، فإن لكل من الأب والجد سلطنة على
التصرف في مال الصغير سلطنة مطلقة وليس لكل منهما أن يمنع الآخر
من التصرفات، وكذلك في المقام، فلا دلالة في النبوي على اللزوم
بوجه، كما هو واضح.
على أن الرواية ناظرة إلى اثبات السلطنة لكل أحد على ماله، كما هو
مقتضى إضافة المال إلى الملاك، فتفيد الرواية ثبوت السلطنة لكل أحد

1 - عوالي اللئالي 1: 222، الرقم: 99.
53

على ماله، وهذا لا يعارض ما يرفع موضوع تلك السلطنة، أي ما يكون
رافعا لها كالفسخ.
وبعبارة أخرى أن دليل السلطنة يثبتها في فرض تحقق المالية وكون
الشئ مالا للشخص، وهذا لا ينافي بما يكون رافعا لموضوعها، فإن
الحكم لا يثبت موضوعا لنفسه، نعم لو كان النظر في الحديث إلى مفهوم
اللقب، بأن يكون المفهوم من قوله (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون على أموالهم،
يعني غير المالك ليس مسلطا على أموال غيره لصح به الاستدلال، ولكن
مفهوم اللقب ليس بحجة كما حقق في محله.
الوجه السابع
قوله (رحمه الله): ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم.
أقول: قد استدل به على اللزوم غير واحد من المحققين، بدعوى أن
المراد من الشرط مطلق الالتزام، فيشمل الشروط الابتدائية أيضا كالبيع
ونحوه.
وفيه أن الاستدلال به على اللزوم ممنوع صغرى وكبرى، أما الوجه
في منع الصغرى فلانا لو سلمنا اطلاق الشرط على الشروط الابتدائية في
كلمات البلغاء والفصحاء، كما أطلق في قوله (عليه السلام): ما الشرط في
الحيوان، قال (عليه السلام): ثلاثة أيام (1)، مع أنه يمكن ارجاعه إلى الشرط في
ضمن الالتزام الآخر، بأن يقال: إن امضاء البيع مشروط بكون صاحب
الحيوان ذي الخيار إلى ثلاثة أيام.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام
للمشتري - الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم
الوسائل 18: 11)، صحيحة.
54

ولكن اطلاق الشرط على البيع ونحوه من الالتزامات يعد في العرف
من الأغلاط، فإنه لا يقال لمن باع داره أنه شرط داره، وكذلك لا يقال لمن
باع ماله أنه شرط ماله، وهكذا، بل لو أطلقه أحد على أمثال ذلك فيضحك
منه وإن كان الاطلاق صحيحا في الواقع.
وعليه فالرواية منصرفة عن البيع ونحوه من الالتزامات الابتدائية،
وقد ناقش المصنف أيضا في صدق الصغرى.
وأما الوجه في منع الكبرى، فلأنا لو سلمنا أن الشرط يطلق على
الالتزامات الابتدائية أيضا، ولكن نمنع وجوب الوفاء بكل شرط، فإن
الرواية لا دلالة فيها على ذلك، لأن الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند
شروطهم (1)، هو الدلالة على الحكم التكليفي، بدعوى أنه وإن كان في
مقام الانشاء وجعل الحكم، ولكن النكتة في اتيان الجملة الخبرية لبيان
ذلك هي بيان أن مقتضى الايمان هو كون المؤمن عند شرطه وعدم تخلفه
عنه، نظير قوله (عليه السلام): المؤمن عند عدته، أي أن مقتضى الايمان هو أن
يفي المؤمن بوعده، كما أن مقتضى الايمان أن لا يكذب، وقد ورد في
باب الكذب أن المؤمن قد يزني وقد يسرق ولكنه لا يكذب وإنما يفتري
الكذب الذين لا يؤمنون (2).

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
2 - عن عبد الله بن حوراء قال: قلت للنبي (صلى الله عليه وآله): المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك،
قال: قلت: المؤمن يسرق؟ قال: قد يكون ذلك، قلت: يا رسول الله المؤمن يكذب؟ قال: لا،
قال الله تعالى: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون - النحل: 105 (دعوات الراوندي: 118،
عنه البحار 72: 263)، ضعيفة.
55

وعلى الاجمال فالرواية الشريفة اخبار عن كون المؤمن عند شرطه
وأنه لا يتخلف منه وعن وعده، لأن ايمانه مانع عن التخلف، وعليه
فتكون راجعة إلى الحكم التكليفي، أي يجب لكل مؤمن أن يفي بشرطه
ويحرم التخلف عنه، فتكون غريبة عن الدلالة على اللزوم كما هو
واضح.
وتوهم أن الحال كذلك في أوفوا بالعقود أيضا، لأنه خطاب إلى
المؤمنين بقوله عز من قائل: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (1)، فيكون
دالا على الحكم التكليفي توهم فاسد، فإنه انشاء من الأول، فليس انشاء
بالجملة الخبرية لتكون النكتة هي الإشارة إلى علة الحكم.
نعم مقتضى الخطاب إلى المؤمن يقتضي خروج غير المؤمن عن الآية،
كما هو كذلك في بقية الخطابات، ولكن مقتضى الاشتراك في التكليف
يقتضي التعميم فلا وجه للاختصاص هنا وفي بقية الخطابات كما
لا يخفى.
الوجه الثامن
ومنها: الأخبار المستفيضة في أن البيعان بالخيار ما لم يفترقا (2)، وأنه إذا افترقا
وجب البيع (3).

1 - المائدة: 1.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
3 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
56

أقول: استدل بها المصنف على اللزوم في البيع، وقد أشكل عليه
المحقق الخراساني وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه، بأن المستفيضة
ناظرة إلى لزوم البيع في نفسه وليست ناظرة إلى لزومه من جميع الجهات
كالغبن والعيب فلا تفيد اللزوم، ومن هنا أن أدلة سائر الخيارات لا تكون
مخصصة لها.
وقد أجاب شيخنا الأستاذ عن ذلك ونعم ما أجاب، وحاصله
بتوضيح منا:
إن الروايات المذكورة إنما تدل باطلاقها على اللزوم بلا شبهة، وأن
البيعان إنما لهما الخيار في المجلس فقط وإذا افترقا وجب البيع، بل
نفس تعرض الإمام (عليه السلام) لثبوت خيار الحيوان مع تعرضه لثبوت خيار
المجلس كالصريح في دلالة المستفيضة على اللزوم، فإنه (عليه السلام) بعد ما بين
حكم خيار الحيوان قال في جواب السائل عن الشرط في غير الحيوان بأن
البيعان بالخيار ما لم يفترقا وأنه إذا افترقا وجب البيع، وأنها لا خيار لهما
بعد الرضا (1)، فهو كالصريح في دلالة المستفيضة باطلاقها على اللزوم في
خصوص البيع.
وعلى هذا فتكون أدلة سائر الخيارات مخصصة لها، ومن الغرائب ما
أفاده المحقق الخراساني (2) من عدم كون أدلة سائر الخيارات مخصصة لها.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
2 - حاشية المحقق الخراساني (رحمه الله) على المكاسب: 145.
57

فتحصل من جميع ما تلوناه عليك أن الأصل في جميع العقود معاوضة
كانت أم لا، وسواء كانت الملكية حاصلة من الأول أم لا، أما إذا كانت
الملكية حاصلة من حين العقد وكان فيه تمليك وتملك من الأول، بأن
حصل شئ لأحد المتعاملين من الأول أم غير معاوضية مثل الهبة
ونحوها هو اللزوم.
فتدل على لزومها آية حرمة أكل المال بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض، فإنه لو ملك أحد ماله لغيره ولو بعنوان الهبة المجانية بحيث
حصل التمليك والتملك، فلا يجوز الرجوع إليه فإنه تملك لمال لغير
بدون التجارة عن تراض فهو حرام، فلو لم يثبت من الخارج ما يدل على
جواز الرجوع في الهبة المجانية لقلنا بعدم جواز الرجوع فيها أيضا
بمقتضى الآية.
وكذلك يدل على اللزوم هنا آية أوفوا بالعقود (1) كما هو واضح.
وأما العقود التي لم تحصل الملكية فيها من الأول، كعقد السبق
والرماية والمضاربة والمساقاة، فإنه لم يحصل النقل والانتقال فيها من
الأول، ولا يحصل لأحد المتعاملين فيها من الأول مال.
فلا تدل آية التجارة فيها على اللزوم من الأول، لعدم حصول
المعاوضة والنقل والانتقال والتمليك والتملك من الأول، حتى يكون
ارجاعه تملكا لمال الغير بدون الرضا ولا يكون تجارة عن تراض، وإنما
يحصل النقل والانتقال بعد تحقق الشرائط كما هو واضح.
نعم يدل على اللزوم هنا أيضا آية أوفوا بالعقود لتحقق العقد، كما
هو واضح.

1 - المائدة: 1.
58

الوجه التاسع
قوله (رحمه الله): وقد عرفت أن ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا.
أقول: قد عرفت أن الاستصحاب لا تجري في المقام، لكونه من
الشبهات الحكمية، وقد منعنا جريانه فيها في علم الأصول (1).
قوله (رحمه الله): وربما يقال إن مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن
العين.
أقول: حاصل كلامه أن الظاهر من كلمات بعضهم أنا نشك في أن
المالك هل انقطع علاقته من ملكه أم لا، فنستصحب بقاء علاقته فيكون
هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب اللزوم.
ورد بأنه إن أريد من تلك العلاقة علاقة الملكية أو ما يتفرع على
الملكية فهي انقطعت جزما، وإن أريد منها سلطنة إعادة العين فما دام
لم ينتقل المال من ملكه إلى غيره فتلك السلطنة مقطوعة العدم، فإنه
لا معنى لسلطنة الانسان على إعادة ماله إلى ملكه، وإنما تحصل تلك
السلطنة بعد خروجه عن ملكه، ومن الواضح جدا أنها مشكوكة بعد ذلك،
فالأصل عدمه.
قوله (رحمه الله): وإن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع فإنها تستصحب
عند الشك.
أقول: غرضه أن أريد بها العلاقة التي كانت تحدث في مجلس البيع
فإنها تستصحب عند الشك، فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار كما يقول
الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف، في مقابل من جعلها لازمة
بالتصرف.

1 - مصباح الأصول 3: 46.
59

ثم أجاب عنه أولا: بأن الدليل أخص من المدعى، فإنه إنما يتم في
موارد ثبوت خيار المجلس وكلامنا أعم من ذلك.
وثانيا: يرجع إلى عموم أوفوا بالعقود (1) في ظرف الشك لا إلى
الاستصحاب.
وثالثا: إن الأخبار قد تواتر بانقطاع السلطنة والخيار بعد الافتراق،
فلا مجال مع ذلك للرجوع إلى الاستصحاب، ثم أمر بالتأمل.
أقول: قد عرفت الكلام في دلالة الأخبار المستفيضة: البيعان بالخيار
ما لم يفترقا على اللزوم، بناء على تمامية اطلاقها كما هو كذلك، كما
اختاره المصنف.
وعليه فلا وجه للتمسك بها لبيان ارتفاع خيار المجلس، فإنه مع
تمامية دلالتها على اللزوم، كما لا مجال للتمسك باستصحاب الخيار،
وكذلك لا وجه للتمسك باستصحاب اللزوم، فإنه مع وجود الأصل
اللفظي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، إلا أن يكون غرضه من التمسك
بالأخبار مع الاغماض عن دلالتها على اللزوم من جميع الجهات، كما
عليه صاحب الكفاية، فإنه حينئذ يتم نفي خيار المجلس بها وثبوت
اللزوم في البيع من جهة خيار المجلس، ويبقى العقد مشكوكا من
الجهات الأخر، فحينئذ نتمسك في اثبات اللزوم للعقد من سائر الجهات
باستصحاب اللزوم كما لا يخفى.
ومن هنا ظهرت المناقشة في تمسكه بآية أوفوا بالعقود فإنه مع
وجود العموم لا مجال للاستصحاب، لا استصحاب اللزوم
ولا استصحاب الخيار، ولعله إلى ما ذكرناه أشار المصنف بالأمر
بالتأمل.

1 - المائدة: 1.
60

البحث في كلام العلامة (رحمه الله)
قوله (رحمه الله): ثم إنه يظهر من المختلف في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة.
أقول: ذكر المصنف أن العلامة ذكر في المختلف أن المسابقة لازمة أو
جائزة بأن الأصل عدم اللزوم، ولم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله
تعالى: أوفوا بالعقود (1)، ولم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل، نعم
هو حسن في خصوص المسابقة وشبهة مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا،
ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر وعدم زواله بدون رضا الطرفين.
ومحصل مراده أن استصحاب الملكية إنما تجري فيما إذا كانت
الملكية فعلية أي ثابتة حين العقد، أي تثبت الملكية فيما ينشأ العقد،
وحينئذ كلما شككنا في جواز العقد ولزومه نستصحب الملكية ونحكم
باللزوم بواسطة الاستصحاب الحكمي، فلا مجال حينئذ لدعوى أن
الأصل عدم اللزوم، بل لا بد وأن يقال إن الأصل هو اللزوم لمكان
استصحاب الملكية.
نعم لا بأس بهذا الأصل في مثل عقد المسابقة، حيث لم تثبت فيها
الملكية الفعلية، وإنما الملكية فيها تقديرية، أي تحصل الملكية لأحد
المسابقتين على تقدير سبقه في المسابقة، فحينئذ يقال: إن الأصل عدم
اللزوم هنا، وذلك لعدم حصول الملكية الفعلية حتى نستصحبه في مورد
الشك في أن العقد جائز أو لازم، ونحكم باللزوم بل نتمسك بأصالة عدم
اللزوم ونحكم بكون العقد جائزا، هذا كله مع قطع النظر عن أوفوا
بالعقود، وإلا فمقتضاه هو اللزوم.

1 - المائدة: 1.
61

أقول: كأن المصنف لم يبن المسألة على ما حرره في الأصول (1)، من
جريان الاستصحاب التعليقي، مع أن المقام ليس منه، بل من قبيل
الاستصحاب التنجيزي.
وذلك لأنما نحن فيه يشبه القضية الحقيقية، فإن الحكم فيها ثبت على
الموضوعات المقدرة فعلا ولكن يتنجز الحكم فيها بفعلية الموضوع،
أي كلما وجد الموضوع ثبت عليه الحكم بحيث إن الحكم فيها فعلي
ولكن الموضوع تقديري، وكذلك في المقام أن الالتزام فعلي والملتزم
به تقديري، فإن المتعاملين التزما فعلا على أن كل من سبق فله كذا،
وليس الحكم هنا تعليقا كما في العصير العنبي، فإن الحكم بالنجاسة أو
الحرمة فيه تعليقي، أي إذا غلى ينجس لا مطلقا.
فلو كان ينعكس المطلب لكان أحسن، بأن يقول بجريان الاستصحاب
هنا ولم يقل بجريانه في التعليقيات، فإن الحكم هنا كما عرفت فعلي
والملتزم به تقديري.
نعم لا نقول بجريان الاستصحاب هنا من جهة عدم جريانه في
الشبهات الحكمية لكونه دائما معارضة بأصالة عدم الجعل أو
باستصحاب المجعول، ولكن مع قطع النظر عن هذا الاشكال فلا محذور
فيه كما لا يخفى.
فتحصل أن استصحاب الملكية جارية في عقد المسابقة أيضا كالبيع،
فيكون الأصل فيه أيضا هو اللزوم، كما أن الأمر كذلك في البيع، فلا وجه
للمصنف لاستثنائه خصوصا على مسلكه، نعم على مسلكنا من منع
الاستصحاب في الشبهات الحكمية فهو لا يجري، فافهم.

1 - الرسائل: 653.
62

الكلام فيما إذا وقع العقد في الخارج ولا ندري أنه من القسم اللازم أو الجائز
قوله (رحمه الله): ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم إنما هو في
الشك في حكم الشارع باللزوم.
أقول: حاصل كلامه أن ما تقدم من التمسك بالعمومات إنما هو في
الشبهات الحكمية، وأما الشبهات الموضوعية بأن يقع العقد في الخارج
ولا ندري أنه من القسم اللازم أو من القسم الجائز، فإنه قلنا بجواز
التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية، فأيضا لا بأس بالتمسك
بالعمومات في الفرد المردد، وإلا فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي
وهو استصحاب الأثر أي الملكية ويسمى باستصحاب الحكمي.
أقول: تارة يكون في موارد الشبهات الموضوعية أصل موضوعي
يقتضي الجواز فلا كلام لنا فيه، كما إذا وقعت هبة في الخارج فلا ندري
أنها من القسم اللازم أو من القسم الجائز، بأن نشك في كونها على وجه
قربي ليدخل تحت قولهم (عليهم السلام): ما كان لله لا يرجع (1)، أوليس على وجه
قربي ليكون فيه حق الرجوع، فإن الأصل هنا عدم كونه على وجه قربي
فيثبت الجواز.

1 - عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق بالصدقة أله أن
يرجع في صدقته؟ فقال: إن الصدقة محدثة إنما كان النحل والهبة ولمن وهب أو نحل أن يرجع
في هبته حيز أو لم يحز، ولا ينبغي لمن أعطي شيئا لله عز وجل أن يرجع فيه (التهذيب
9: 153، الإستبصار 4: 108، الكافي 7: 30، عنهم الوسائل 19: 243)، موثقة.
عن جميل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهو صغار
أله أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى (الكافي 7: 31، التهذيب 9: 137، الإستبصار
4: 102، عنهم الوسائل 19: 179)، صحيحة.
63

وكذا إذا شككنا في كونها لذي رحم أو لغيره، فنقول: إن الأصل عدم
كونها لذي رحم فتكون الهبة جائزة، وهكذا إذا شككنا في اللزوم
والجواز مع كونه مسبوقا بالخيار، فإنه نستصحب الخيار فنحكم بالجواز،
وفي جميع ذلك مقتضى الأصل الموضوعي هو الجواز.
وأخرى يكون في تلك الموارد أصل موضوعي يقتضي اللزوم، كما
إذا علم بأن العقد الصادر بيع وشك في جعل الخيار فيه، فالأصل أنه
لم يجعل الخيار فيه فيكون لازما، وهكذا لو شك بعد سقوط خيار
المجلس بتفرق هل هنا خيار آخر أم لا، فنستصحب عدمه فيحكم
باللزوم.
وإنما الكلام فيما إذا لم يكن فيه أصل موضوعي يقتضي اللزوم أو
يقتض الجواز، فهل هنا ما يقتضي اللزوم أو يقتضي الجواز أو لا، فالتزم
المصنف (رحمه الله) باللزوم تمسكا باستصحاب الملكية، ولكن جريانه هنا
موقوف على جريان الاستصحاب في الأحكام الإلهية، وقد قلنا بعدم
جريانه فيها حتى في الشبهات الموضوعية، لابتلائه بأصالة عدم الجعل
دائما، ولم يحتمل في حقه البداء حتى يتوهم أنه جعل في زمان وبدا له
الخطأ العياذ بالله ونسخه في زمان آخر، بل لو كان مجعولا فهو مجعول
مطلق وإلا فلا.
وعلى هذا فلا يجري استصحاب الملكية في المقام، لأنا نشك في أن
الملكية هل جعلت بعد الفسخ أم لا، فنلتزم بعدم كونها مجعولة بعد
الفسخ كما هو واضح لا سترة فيه، وكلما نتأمل في عدم جريان
الاستصحاب في الأحكام يزداد لنا وضوحا.
وعلى مسلكنا هذا فينحصر الجواب عن هذا الاشكال بما حققناه في
محله من أصالة العدم الأزلي، وتوضيح ذلك:
64

أنا إذا شككنا في العقد الذي وقع في الخارج أنه من القسم الجائز أو من
القسم اللازم، فنقول إن الأصل عدم كونه هبة مثلا ليكون للواهب حق
الرجوع، ولا يعارض هذا الأصل بأصالة عدم كونه من البيع أو الصلح
أيضا، وذلك لأن الأثر أي اللزوم إنما ترتب على عدم كون العقد هبة
لا على احراز العناوين الوجودية من الصلح والبيع، فبأصالة عدم كونه
هبة ينقح موضوع وجوب الوفاء بالعقد فيكون شاملا عليه أيضا.
وبعبارة أخرى أن مقتضى أوفوا بالعقود (1) هو لزوم جميع العقود،
والخارج عنه ليس إلا عناوين وجودية، وإذا نفينا العنوان الوجودي
القائم بالعقد الجائز عن الفرد المردد بين كونه من الجائز أو من اللازم
بأصل العدم الأزلي وقلنا إنه ليس بهبة مثلا، يثبت موضوع وجوب الوفاء
بالعقد، فنحكم له باللزوم كما لا يخفى.
وعلى الاجمال فعنوان العقدية تحقق بالوجدان وعدم كونه هبة
يتحقق بالأصل، فيحصل موضوع وجوب الوفاء بالعقود في الخارج
فيحكم بكون الفرد المشكوك من العقد بين الجواز واللزوم لازما، هذا من
جملة ثمرات القول بالعدم الأزلي.
وإذا لم نقل بهذا الأصل، فلا أصل يتمسك به لاثبات اللزوم أو الجواز
في الفرد المشكوك، وعليه فتكون العين بعد رجوع المالك الأول مرددا
بين كونها للمالك الأول على تقدير الهبة وبين كونها للمشتري على تقدير
البيع، ولا بد في بيان حكم تلك العين في مرحلة الترافع أو في غير مقام
الترافع، كما إذا مات المالك للعين بعد نقله إلى شخص آخر وشك في أن
ما أوجده بيع أو هبة وفسخت الورثة، فإن كان بيعا فيطالب الورثة العين

1 - المائدة: 1.
65

ممن انتقل إليه الثمن وإلا فنطالب نفس العين، وهكذا لو نسيا المتبايعان
عنوان العقد من الرجوع إلى الصلح أو القرعة، وإلا فلا أصل هنا حتى
يبين حالها.
الأصل لا يفيد في تعيين العقد بأنه جائز أو لازم
قوله (رحمه الله): بل يرجع في أثر كل عقد إلى ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه.
أقول: جميع ما ذكرناه إنما يفيد في اثبات صفة اللزوم، وأما تعيين
العقد بأنه جائز أو لازم حتى يترتب عليه جميع آثار العقد اللازم فلا،
وعليه فلا بد وأن يرجع في أثر كل عقد إلى ما تقتضيه الأصل بالنسبة
إليه، إلا أنه فيما لم تلزم مخالفة عملية من اجراء الأصلين مع اجراء أصالة
اللزوم، وإن كان كلام المصنف مطلقا من هذه الجهة، حيث حكم بالبراءة
تارة وبالضمان أخرى، ولم يتعرض لصورة لزوم المخالفة القطعية،
ولكن لا بد في فرض لزوم المخالفة القطعية من اجراء قواعد العلم
الاجمالي.
مثلا إذا شككنا في كون العقد هبة أو بيعا ولم يتصرف من انتقل إليه
العين فيها وترجع مالك العين وفسخ العقد، فإنه إن كان العقد هبة تنفسخ
بالفسخ وترجع العين إلى مالكها الأول، وإن كان بيعا لا يؤثر الفسخ،
وحينئذ لا يمكن الرجوع في ضمان المشتري لو كان المحقق بيعا
وضمان الموهوب له على تقدير كون المحقق هبة أن يرجع إلى البراءة
كما هو ظاهر كلام المصنف، بل بحصل العلم الاجمالي بأنه إما أن المالك
الأول مستحق للعين على تقدير كون العقد هبة أو مستحق للثمن على
تقدير كونه عقدا، فلا بد حينئذ من اجراء قواعد العلم الاجمالي، وإلا
فيلزم من اجراء الأصل مخالفة قطعية.
66

أقسام الخيارات
1 - خيار المجلس
قوله (رحمه الله): الأول: في خيار المجلس.
أقول: ذكر المصنف أن الخيارات كثيرة، وقد أنهاها بعضهم إلى
السبعة وبعضهم إلى أزيد من ذلك، بل المذكور في اللمعة أربعة عشرة
مع عدم ذكر بعضها (1)، ولكن المناسب جعلها سبعة، لأن البقية تندرج في
خيار الشرط.
يقع الكلام فعلا في خيار المجلس، وإضافته إلى المجلس من جهة
الغلبة كما ذكره المصنف، لعدم اختصاص ثبوته بالمجلس، بل يثبت في
حال قيام المتعاملين أيضا، بل لا يختص بالمكان الذي وقع فيه البيع كما
ذكره المصنف، بل يثبت هذا الخيار في حال مشيهم أيضا، كما إذا تعاملا
في مكان ثم مشيا ولكن لم يفترقا حال المشئ، فإنه حينئذ أيضا يثبت
الخيار.
وبعبارة أخرى أن غاية هذا الخيار هو الافتراق، فما لم يتحقق في
الخارج فلا وجه لسقوطه، ولو سمي هذا الخيار بخيار الاجتماع كان
حسنا موافقا للأخبار، ولا شبهة ولا خلاف في ثبوت هذا الخيار
للمتبايعين بين الإمامية والنصوص به مستفيضة، ففي بعضها: البيعان

1 - خيار المجلس، خيار الحيوان، خيار الشرط، خيار التأخير، خيار ما يفسد ليومه،
خيار الرؤية، خيار الغبن، خيار العيب، خيار التدليس، خيار الاشتراط، خيار الشركة، خيار
تعذر التسليم، خيار تبعض الصفقة، خيار التفليس.
67

بالخيار ما لم يفترقا (1)، وفي بعضها: التاجر بالخيار (2).
وأما الموثق الحاكي لقول إمام (عليه السلام): إذا صفق الرجل على البيع فقد
وجب (3)، فذكر المصنف أنه إما مطروح وإن كان موثقا، لكونه منافيا
للضرورة والأخبار المستفيضة، أو يحمل على التقية أو يؤول، ولكن
الظاهر أنه لا يحتاج إلى التأويل ولا على الطرح أو الحمل على التقية، بل
هو وارد على طبق القاعدة، وذلك لأن التصفيق هو ضرب إحدى اليدين
على الآخر وهو كناية عن اللزوم وبهذا فسر في اللغة، وعلى هذا
فقوله (عليه السلام): إذا صفق الرجل على البيع كناية عن إلزام البيع باسقاط الخيار،
ومن الواضح أن لزوم البيع باسقاط خيار المجلس موافق القاعدة
فلا نحتاج إلى طرح الموثقة أو تأويلها.
المسألة (1)
ثبوته لغير المالكين الأصيلين
قوله (رحمه الله): مسألة: لا اشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصيلين.
أقول: لا شبهة في ثبوته للمتبايعين وللموكلين في الجملة، وإنما
الكلام في ثبوته لهم على وجه الاطلاق.

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
2 - عن الحسين بن عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما بالخيار ما لم يفترقا،
فإذا اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا (التهذيب 7: 26، الكافي 5: 174، الخصال: 45،
عنهم الوسائل 18: 7)، صحيحة.
3 - التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 73، عنهما الوسائل 18: 7، موثقة.
68

1 - ثبوته للوكيل
يقع الكلام أولا في ثبوته للوكيل، وتفصيل الكلام فيه:
أن الوكيل على ثلاثة أقسام:
1 - أن يكون وكيلا في اجراء الصيغة فقط من غير أن يكون له حق
التصرف في جهة من جهات العوضين، كما هو المرسوم في اجراء عقد
النكاح واجراء صيغة البيوع الخطيرة كثيرا، حيث يوكلون أحدا في
اجراء الصيغة، بحيث ليس له شأن من ذلك المعاملة إلا أن يكون كلسان
الوكيل فقط، ولا يكون وكيلا في أزيد من مجرد كونه آلة لاجراء العقد
فقط، كما هو واضح.
2 - أن يكون وكيلا مفوضا في أمر البيع إلى أن يتم وتتحقق المعاملة
في الخارج، ولا يكون وكيلا بعد ذلك بل ينتهي أمد وكالته بعد تمامية
البيع ووجوده في صفحة الوجود كأكثر الدلالين.
3 - أن يكون وكيلا مفوضا حتى بعد تمامية البيع، بأن كان له التصرف
في العوضين وكان مسلطا على قلبه وانقلابه بأنحاء التصرفات والتقلبات
من البيع ثانيا، أو الايجار أو غيرهما من التصرفات الخارجية
والاعتبارية، وهذا كعامل المضاربة، فإنه وكيل مفوض على وجه
الاطلاق بعد البيع وقبله، وبعبارة أخرى أن يكون وكيلا في التجارة بأي
نحو كان.
ما يستدل به على ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة
أما القسم الأول فظاهر الحدائق (1) ثبوته للوكيلين في اجراء الصيغة، بل

1 - الحدائق 19: 4.
69

يظهر منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل بزعم أن الخيار حق ثبت
للعاقد بمجرد اجرائه العقد فلا يبطل بمنع المالك، ولكن المشهور عدم
ثبوت الخيار له، فاختاره المصنف واستدل عليه بوجوه:
1 - إن أدلة الخيار منصرفة عن الوكيل في اجراء الصيغة، لأن المتبادر
من النص غيره.
وفيه نمنع الانصراف، إذ لا نجد منشأ لذلك، فإن منشأه إن كان هو
المادة فلا شبهة أنها صادقة عليه أيضا، لما عرفت في أول البيع أن البيع
هو مبادلة مال بمال، فلا شبهة في صدق هذا المفهوم عليه، إذ لم يقيد
هذا بكون المال للبايع بحيث يكون التبديل بين ماله ومال شخص آخر،
ضرورة عدم اعتباره في مفهوم البيع بوجه أصلا، ولذا لم يستشكل أحد
في صحة بيع الولي مال المولى عليه مع أن المال ليس للبايع، وكذلك في
صحة بيع الوقف وبيع ثمرته، وكذلك في صحة بيع الوكيل المفوض مع
أن المال في تلك الموارد ليس للبايع، ومن الضروري أنه لا يشك أحد
في صدق البايع على الأشخاص المتصدين للبيوع المذكورة.
وعلى الاجمال لا وجه لدعوى انصراف مادة البيع إلى غير الوكيل في
اجراء الصيغة.
وإن كان منشأ الانصراف دعوى انصراف هيئة البيع الذي هو الفعل عن
الوكيل في اجراء الصيغة، ففيه أن الهيئة لا تدل على أزيد من انتساب
المادة إلى ذاتها، وأما دلالتها على خصوصية أخرى فلا، كما لا يخفى.
2 - إن حكمة ثبوت خيار المجلس هو ارفاق المالك لكي يتروى
ويلاحظ صلاحه حتى يختار ما هو الأصلح لحاله أهو الفسخ أم
الامضاء، ومن البديهي أن هذه الحكمة غير جارية في الوكيل المذكور،
والحكمة وإن لم تكن مطردة ولكن نعلم بأن جعل هذا الخيار شرعا ليس
لمن له اختيار البيع بلا موجب.
70

وفيه أنها لا تزيد عن العلة المستنبطة، وقد حقق في محله أنها ليست
بحجة، وإنما هي من القيام الذي يحرم العمل به، نعم لو كانت علة
منصوصة لزم العمل بها قطعا فلا تكون مانعه عن شمول الاطلاقات
للوكيل في اجراء الصيغة أيضا، على أنها غير جارية في جميع الموارد،
كما إذا كان ابقاء البيع أصلح لهم، بأن باع ما يحاذي بدينار بخمسين دينارا
مع علم المشتري بالغبن، فإنه لا شبهة أن ابقاء البيع على حاله وعدم
فسخه أصلح لحال البايع من الفسخ، ومع ذلك فله خيار المجلس.
وعلى الجملة فلا وجه لرفع اليد عن المطلقات وعن شمولها للوكيل
المذكور بمثل هذه الحكمة العلية، نعم لهذه الحكمة وجه فيما كان دليل
الخيار هو قاعدة نفي الضرر ونحوها، كما إذا فرضنا أن دليل خيار الغبن
هو دليل نفي الضرر فإنها تقتضي ثبوته للمالك فقط لا لمجري الصيغة.
3 - إن بعض أدلة خيار المجلس قد تقارن بخيار الحيوان وكونه
مجعولا للبايع (1)، ومن الواضح أن خيار الحيوان مجعول للمالك، فاتحاد
السياق يقتضي أن يكون خيار المجلس أيضا كذلك، وليس هذا من باب
حمل المطلقات الواردة في جعل خيار المجلس بلا تقارن بجعل خيار
الحيوان على المقيد، حتى يقال إنه لا يجري في الأحكام الانحلالية،
كقوله أكرم العلماء وأكرم زيد العالم لعدم التنافي، بل من جهة عدم
الاطلاق للأخبار المطلقة، لأن الموضوع فيها من كان له خيار الحيوان
أعني المالك.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
71

وبعبارة أخرى نستكشف من تقارن خيار المجلس بخيار الحيوان أن
موضوع خيار المجلس من كان له خيار الحيوان، فأي ربط لذلك بحمل
المطلق على المقيد.
وفيه أن هذا من العجائب، فإنه لا ربط لخيار الحيوان بخيار المجلس
أصلا، فإن الموضوع في خيار الحيوان هو عنوان المالك، لقوله (عليه السلام):
وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام (1)، وموضوع خيار المجلس
هو عنوان البيع، وأي ربط لأحدهما بالآخر، ومجرد ذكرهما في رواية
واحدة لا يقتضي اتحاد الموضوع.
فهل يتوهم أحد أنه لو ذكر في رواية أن خيار الحيوان ثابت لابن البايع
أو أخيه، وقد ذكر فيها أيضا البيعان بالخيار، فهل يتوهم أن موضوع
خيار المجلس أيضا هو ابن البايع باتحاد السياق.
ومن هنا ظهر الجواب من قوله (رحمه الله): مضافا إلى أدلة سائر الخيارات،
فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.
فتحصل أنه لا يمكن رفع اليد عن الاطلاقات بمثل هذه الوجوه.
4 - ما هو العمدة، وحاصله أن المستفاد من أدلة هذا الخيار أنه حق
وسلطنة إنما ثبت لكل من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر، بأن
يرجعه إلى ملكه ويتملكه جديدا بالفسخ بعد الفراغ عن تسلطه على ما
انتقل إليه بأن يتصرف فيه كيف يشاء، ومن الواضح أن الوكيل في اجراء
العقد ليس له التسلط على التصرف فيما انتقل إلى البايع أو المشتري
فليس له التسلط على ما انتقل من أحدهما إلى الآخر بأن يرجعه بالفسخ،

1 - عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)
يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام (التهذيب 7: 67، عنه الوسائل 18: 10)،
موثقة.
72

ومن هنا لا يثبت بأدلة خيار المجلس هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه
في الخارج، فإنه لا يمكن التمسك باطلاق قولهم (عليهم السلام): البيعان بالخيار
ما لم يفترقا، لاثبات التسلط على ارجاع العين من الشخص الآخر
بالفسخ.
ألا ترى أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة
فلا يجوز أن يتمسك بادله خيار المجلس لاثبات السلطنة، وكذلك لو
نذر أن يعتقه أو يصرف المبيع في محل خاص فليس له أن يتمسك لرفع
الوجوب وجواز الرجوع بأدلة الخيار.
وفيه أن هذا الوجه بظاهره لا يترقب صدوره من المصنف، لكونه
منافيا لمبناه، فإنه التزم بكون مورد الخيار هو العقد دون العين، بمعنى أن
معنى الخيار هو فسخ العقد لا استرداد العين ابتداءا، نعم لازم فسخ العقد
هو استرجاع العين كما هو واضح.
وأما ما ذكره من الأمثلة فأجنبي عن المقام، أما ما ذكره من النذر فإن
مقتضى الاطلاقات هو ثبوت الخيار حتى فيما كان المبيع منذورا لأن
يصرف في مورد خاص، غاية الأمر أن اعمال الخيار وارجاع العين
الموجب لانهدام العمل بالنذر فعل محرم، فيكون مخالفة لحكم
تكليفي، وأما عدم ثبوت الخيار هنا وعدم جواز التمسك بالمطلقات فيه
فخال عن الوجه.
وأما ما ذكره من مسألة كون المبيع ممن ينعتق عليه، فأيضا لا محذور
في ثبوت الخيار هنا، غاية الأمر لا يرد العبد إلى البايع لعدم جواز
صيرورة الحر عبدا بل يرد بدله إليه.
وعلى الجملة فمثل هذه الأمثلة لا تكون مانعة عن التمسك باطلاق
أدلة خيار المجلس كما هو واضح.
73

بيان آخر لما يستدل به على ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة
وحاصل الكلام أنه استدل المصنف على عدم ثبوت خيار المجلس
للوكيل في اجراء الصيغة بوجوه قد عرفتها مع جوابها، وعمدتها
وجهان:
ألف - ما أشار إليه بقوله: مضافا إلى ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار
المقرون فيه بينه وبين خيار الحيوان الذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته
للوكيل في اجراء الصيغة.
أقول: حاصل كلامه أن بعض أخبار خيار المجلس قد تقارن بخيار
الحيوان، كقوله (عليه السلام) في الصحيحة في جواب السائل ما الشرط في
الحيوان قال: ثلاثة أيام، وقال: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال (عليه السلام):
البيعان بالخيار ما لم يفترقا (1).
وهذه الرواية وإن كانت مطلقة وغير مقيدة بكون من له الخيار في بيع
الحيوان هو صاحب الحيوان فقط، كما أن ثبوت خيار المجلس للبيع
أيضا مطلق من غير أن يكون مقيدا بثبوته للمالك أو الموكل أو لهما،
ولكن ورد في رواية أخرى أيضا معتبرة: أن صاحب الحيوان بالخيار إلى
ثلاثة أيام (2)، حيث ثبت الحكم لخصوص صاحب الحيوان فقط،

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
2 - عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)
يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام (التهذيب 7: 67، عنه الوسائل 18: 10)،
موثقة.
74

وبحسب القواعد وإن لم يكن بينهما تناف وتعاند ليلزم منه حمل
المطلق على المقيد لكون كل منهما مثبتين، ولكن نعلم من الخارج علما
جزميا أن موضوع الحكم في كلتا الروايتين هو شئ واحد، وأن
قوله (عليه السلام): صاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام، في مقام التحديد.
فبمقتضى هذه المقدمة الخارجية نحمل المطلق على المقيد ونلتزم
بثبوته لخصوص المالك، وإن كانت الرواية المطلقة مع قطع النظر عن
الرواية المقيدة تقتضي ثبوت خيار الحيوان لمطلق البايع وإن كان غير
المالك، وعلى هذا فاتحاد السياق يقتضي أن لا يثبت خيار المجلس
أيضا لغير المالك.
وفيه أن اختصاص خيار الحيوان لصاحب الحيوان لا يقتضي
اختصاص خيار المجلس به.
والوجه فيه: أن البيعان أو المتبايعان وإن استعملا في خياري
المجلس والحيوان في معنى واحد ولم يختلف المستعمل فيه فيهما
ولم يرد منهما المالك، بل عنوان المتبايعان بحيث لو كنا وهاتان
العبارتان لقلنا بثبوت كلا الخيارين لعنوان البيع والمتبايع، ولكن اختلفت
الإرادة الجدية بالنسبة إلى خيار المجلس وخيار الحيوان، حيث أريد من
البيعان والمتبايعان المذكورين في أدلة خيار المجلس عنوان البيع
والمتبايع الشامل للوكيل والموكل معا، وأريد منهما في خيار الحيوان
المالك وصاحب الحيوان من غير تخلف في الإرادة الاستعمالية.
والدليل على هذا التقييد هو القرينة الخارجية، حيث علم من الخارج
أن قوله (عليه السلام): صاحب الحيوان بالخيار، وارد مورد التحديد، وأن
الموضوع في قوله (عليه السلام): إن البيعان بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام،
والشرط فيه هذا هو الموضوع في قوله: صاحب الحيوان بالخيار، فقهرا
يقيد الحكم بتقيد الموضوع.
75

ومن الواضح أنه لا بعد في اختلاف الإرادة الجدية بالنسبة إلى حكمين
الثابتين بعبارة واحدة وباستعمال واحدة، أي بأن يكون الاستعمال في
أحدهما على نسق الاستعمال في الآخر.
ونظير ذلك ما إذا قال: الخمر حرام ونجس، ويحرم بيعها وامساكها
وجميع التقلب فيها، ثم ثبت التقييد في أحدهما وقال: يجوز بيعها من
الكافر، فهل فيه محذور عقلا أو شرعا أو عرفا، وكذلك في جميع
المقامات.
والسر في ذلك ما قلنا، من جواز اختلاف الإرادة الجدية في الحكمين
الثابتين على موضوع واحد بحيث يكون في أحدهما مطلقا وفي الآخر
مقيدا ويكون الموضوع أيضا مطلقا ومقيدا ويتعدد الموضوع بذلك
الاختلاف وإن كانت الإرادة الاستعمالية متحدة في كليهما، وذلك لأن
التقييد إنما يثبت من الخارج.
وعلى الاجمال ثبوت خيار الحيوان لصاحبه لا يدل على ثبوت خيار
المجلس للمالك، فإن قرينة الاختصاص موجودة في الأول دون الثاني،
ومن هنا ظهر أن خيار الحيوان مختص بصاحب الحيوان ولم يثبت
للمتبايعين مع أن خيار المجلس ثابت لهما.
وإن قلنا بعدم ثبوته للوكيلين في اجراء الصيغة مع اتحاد السياق
يقتضي اختصاص خيار المجلس أيضا بواحد منهما، على أنه لو كان
مقتضى السياق اختصاص خيار المجلس بمن له خيار الحيوان لزم له
الالتزام بعدم ثبوت خيار المجلس للوكيل المفوض أيضا، مع أنه
لم يستشكل أحد حتى هو (رحمه الله) كما سيأتي.
ب - أما الوجه الثاني، فحاصله أن خيار المجلس إنما ثبت للمتبايعين
بعد الفراغ عن جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إلى نفسه وقد أثبتت
أدلة الخيار المجلس لمن له هذا الشأن، ومن الواضح أن الوكيل في اجراء
76

الصيغة ليس له ذلك ولا يجوز له التصرف في شئ من العوضين من قبل
الموكل.
ومن هنا لو شك البايع أن المبيع هل هو ممن ينعتق عليه أو يجب
صرفه في نفقة من يجب انفاقه أو يجب عتقه لنذر ونحوه، لا يجوز أن
يتمسك بأدلة الخيار فيحكم بعدم الوجوب، لأن الحكم لا يثبت
الموضوع لنفسه.
وقد عرفت أنها تثبت الخيار في فرض تمكن ذي الخيار من التصرف
في المال الذي انتقل إلى ذي الخيار، وهذا المعنى موضوع للخيار
ومشكوك فيه، فلا يمكن اثبات الموضوع بذلك.
ويرد على ما ذكره أصلا وفرعا:
أما الأصل، مضافا إلى أن ما ذكره خلاف ظواهر الأدلة، أنه مخالف
لمسلكه، فإنه ذكر في مواضع متعددة من كتابه أن الخيار إنما يتعلق بالعقد
دون العين الخارجي، ولذا لا يدور الخيار وجودا وعدما مدار بقاء العين
وعدمه، بل يجوز أعماله لذي الخيار حتى مع تلف العين، وقد تقدم منه
(رحمه الله) في بعض تنبيهات المعاطاة أن الجواز الثابت فيها غير الجواز الثابت
في غيرها بالخيار، فإن متعلق الجواز في المعاطاة هو العين فلكل من
المتبايعين رد العين ولذا سقط مع التصرف كما قيل، ولكن جواز الفسخ
في العقد الخياري متعلق بالعقد ولذا يبقى مع التلف أيضا.
وأيضا ذكر في تعريف الخيار أنه ملك فسخ العقد، وقد كرر ذكر ذلك
في خلال كلماته كثيرا، فلا وجه لجعل متعلق الخيار هو العوضين.
وأما الفرع الذي رتبه على الأصل المذكور، فقد ظهر جوابه مما
ذكرناه، فإن متعلق الخيار هو العقد فهو لا يرتبط بحكم آخر ثابت للعين
المبيعة، ولا مساس لأحدهما بالآخر أصلا، فله أي لذي الخيار أن
يفسخ العقد في الموارد المذكورة وبعده يتبع في كل مورد حكمه على
77

ما تقتضيه القواعد الشرعية، فإن كان فيه ما يرفع التكليف المشكوك فبها
وإلا فلا بد من الامتثال.
مثلا لو اشترى عبدا وشك في قرابته وأنه هل ممن ينعتق على البايع
أم لا فيجوز أن يتمسك بأصالة عدم النسبة بينه وبين العبد ويرده إلى
مالكه الأول بعد فسخ العقد، وإن علم بكونه ممن ينعتق عليه فحينئذ
ينعتق بمجرد البيع وبما عرفت أن الفسخ لا يتوقف على بقاء العين، ولما
عرفت أن الخيار متعلق بالعين فيجوز له الفسخ ويعطي بدل العبد على
مالكه، وأما إذا كان المبيع ممن يجب عتقه لنذر فإذا لم يعتقه فعل حراما
فهو لا يزاحم ولا يعارض بأدلة الخيار، لعدم تعلقه بالعين حتى يصح
التمانع بينهما، وهكذا إذا كان المبيع مما يجب صرفه في نفقة من يجب
انفاقه عليه.
فإن في شئ من المذكورات لا يلزم ما ذكره المصنف، فجواز
التصرف في المبيع ليس موضوعا لأدلة الخيار أصلا، ولا له مساس
بأصل الخيار بوجه، نعم لو كان الخيار متعلقا بالعين لكان لهذا البحث
مجال واسع.
سائر ما يستدل به على ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة
5 - وقد ذكر شيخنا الأستاذ هنا وجها آخر وجعله محتمل كلام
المصنف، وحاصله أن موضوع خيار المجلس هو الذي يكون مالكا
لالتزام نفسه بحيث له أن يبقيه وله أن يرفعه بالإقالة إذا رضي الطرف
الآخر بذلك، وبعد الفراغ عن سلطنة كل من المتبايعين على ذلك يثبت له
الخيار وجواز الفسخ، فجواز الفسخ لهما متوقف على امكان الإقالة
لهما، وحيث إن الوكيل في اجراء الصيغة ليس له ذلك، فإنه لا يقدر على
حل العقد بالإقالة، فلا يثبت جواز الفسخ بخيار المجلس أيضا.
78

وفيه أولا: النقض بالنكاح، حيث إن الخيار لأجل العيوب المعلومة
ثابت فيه ولكن لا تجوز الإقالة للزوجين، فلا وجه لجعل ثبوت الخيار
متوقفا على جواز الإقالة.
وثانيا: بالحل، بأن يقال إن كان نظره إلى توقف الفسخ بالإقالة حقيقة
وأنه لا يؤثر الفسخ في مورد لا إقالة فيه، ففيه أن العقد شئ واحد وإنما
حصل بالالتزامين من الطرفين، نظير الحبلين المشدود أحدهما بالآخر
فإنه صار حبلا واحدا، وهذا الشئ الواحد وإن كان في حصوله متوقفا
على التزامين من شخصين ولكن في مقام الانحلال ينحل بانحلال من
الطرفين كما في الإقالة ومن طرف واحد كما في الفسخ، وقد عرفت
سابقا أن امضاء أحدهما العقد لا يستلزم الامضاء والالتزام من الطرف
الآخر، ولكن الفسخ من طرف يستلزم الفسخ من الطرفين، لأنه لا يبقى
مجالا للوفاء.
والوجه فيه أن الفسخ هو الحل، ويعبر في لغة الفرس بكلمة:
وا كردن وباز نمودن، وهذا المعنى شئ واحد ومعنى بسيط لا يعقل
أن يحصل من طرف ولم يحصل من طرف آخر، بل إذا تحقق الحل
تحقق من الطرفين.
وبالجملة العقد هو الالتزام من الطرفين، نظير البيعة وضم إحدى
اليدين بالأخرى، وهذا لا يتحقق حصولا إلا من الطرفين، ولكن انحلاله
لا يتوقف عليهما بل يحصل بحل واحد، وقد يكون ذلك هو الإقالة أي
المراضاة بالحل من الطرفين، وقد يكون الفسخ، ولا يعقل تحقق من
طرف وتوقفه على أن يتحقق من الآخر، وليس الفسخ في طول الإقالة
ولا متوقفا عليها ولا أن بينهما تلازم.
بل قد يتحقق أحدها بدون الآخر وقد يجتمعان، ففي النكاح يتحقق
الفسخ دون الإقالة وبعد سقوط جميع الخيارات في العقود اللازمة
79

يتحقق الإقالة دون الفسخ، وفي البيوع الخيارية يمكن الفسخ بكل من
الإقالة والفسخ، فلا معنى لهذا الوجه أيضا.
وإن كان نظره الانصراف وأن أدلة الخيار منصرفة إلى هذا القسم
فلا تثبت الخيار لغير ذلك فله وجه، ولكن عرفت جوابه، من أنه لا منشأ
للانصراف أيضا.
6 - وذكر بعض مشايخنا المحققين من أن الوكيل في اجراء الصيغة
فقط نادر في باب المعاملات جدا، لأنه لا يكون إلا في غير العربي مع
لحاظ صدور البيع عن صيغة لا عن التعاطي لترتيب آثار البيع بالصيغة،
وعلى هذا ينصرف دليل الخيار إلى غير الوكيل في اجراء الصيغة لكون
ذلك للغير غالبا من حيث الوجود.
وفيه أولا: إن غلبه الوجود لا توجب الانصراف، وقد اعترف هو
بذلك مرارا عديدة في كلماته السابقة.
وثانيا: إن الوكيل في اجراء الصيغة وإن كان قليلا بالنسبة إلى غيره،
ولكنه كثير في نفسه، كما هو المتعارف في النكاح، فإن المتعارف فيه
كون العاقد غير الزوجين، وفي البيع أن التوكيل في اجراء الصيغة
خصوصا في البيوع الخطيرة كثير جدا.
فتحصل أن عمدة الوجه لعدم ثبوت الخيار للوكيل في اجراء الصيغة
هو ما ذكره المصنف (رحمه الله)، من كونه موقوفا على جواز تصرف كل من
المتبايعين فيما انتقل إليه، وما ذكره شيخنا الأستاذ من توقف الفسخ على
الإقالة.
وقد عرفت أن ما أفاده المصنف لا دليل عليه في نفسه وأنه مخالف
لمذهبه، وما أفاده الأستاذ مضافا إلى عدم الدليل عليه وبطلانه في نفسه
والجواب الحلي عنه أنه منقوض بباب النكاح، فإنه ثبت الخيار فيه
ولم يتوقف على الإقالة لعدم جريانها في النكاح.
80

7 - ثم إن لشيخنا الأستاذ وجه آخر في المقام، وحاصله: أن أدلة
الخيار إنما أثبتت سلطنة على الفسخ لمن هو مأمور بالوفاء بالعقد، ومن
الواضح أن الوكيل في اجراء الصيغة لم يشمله دليل الوفاء بالعقد.
وبعبارة أخرى أن أدلة الخيار إنما هي مخصصة لقوله تعالى: أوفوا
بالعقود (1)، وحيث إن الآية لم تشمل الوكيل في اجراء الصيغة ولم يكن
هو مأمورا بالوفاء بالعقد، فيكون دليل التخصص أيضا غير شامل له.
وفيه أن هذا الوجه لا بأس به، بناء على ما ذكره المصنف (رحمه الله) في
معنى الوفاء، حيث جعل الأمر ظاهرا في الوجوب التكليفي الذي يدل
على اللزوم بالدلالة الالتزامية، فإن لقائل أن يقول: إن وجوب الوفاء إنما
هو حكم ثابت على ذمة الملاك أو من يقوم مقامهم، وأما الوكيل في
مجرد اجراء الصيغة فليس مأمورا بذلك، فإنه من الأول لم يجز له
التصرف في المبيع ولا في الثمن، وكذلك في حال العقد وبعده،
فلا معنى لأن يقال: يحرم عليك التصرف في العوضين، ليكون هذا
الحكم شاملا لما بعد الفسخ أيضا حتى يتمسك به لاثبات اللزوم.
وأما بناء على ما ذكرناه، من دلالة الآية على اللزوم بالمطابقة وكونها
ارشادا إلى لزوم العقود من غير أن تدل على حكم التكليفي، فلا مانع من
شمولها على الوكيل في اجراء الصيغة أيضا، فإنه ليس له فسخ العقد بعد
ايجاده كما لا يخفى، لما عرفت أن الآية ناظرة إلى أن كل من أوجد عقدا
يجب عليه الوفاء به، ومن جملة الموجدين للعقد هو الوكيل في اجراء
الصيغة كما هو واضح، فهذا الوجه أيضا لا يتم.

1 - المائدة: 1.
81

التحقيق في المقام
والتحقيق أن يقال:
أولا: إن الوكيل في مجرد اجراء الصيغة وإن صدق عليه البايع ولكن
ما دل على ثبوت خيار المجلس إنما هو ناظر إلى ثبوته للبايع الذي كان
البيع بيده وهو المالك أو من يقوم مقامه، وذلك لأن أحل الله البيع (1)
إنما هو ناظر إلى امضاء البيع، فيكون دالا على حلية البيع الصحيح، وهو
بيع المالك الموكل.
ومن الواضح أن البيع من غير المالك أو من يقوم مقامه غير صحيح من
حيث انتسابه إلى المالك، لا من حيث صدوره من العاقد والوكيل في
اجراء الصيغة ليس مالكا ولا قائما مقامه فيكون خارجا عن تحت الآية،
لأنه لم تمض البيع من حيث جهة الصدور أيضا، وهذا لا ينافي صدق
البايع على الوكيل في اجراء الصيغة، وعليه فأدلة خيار المجلس إنما
تثبت الخيار للبيع في البيع الصحيح، فلا تكون شاملة للوكيل في اجراء
الصيغة.
وثانيا: إن الوجوه المذكورة حتى الوجه الذي ذكرناه، وإن لم تتم في
نفسها ولا تكون دالة على عدم ثبوت الخيار للوكيل في اجراء الصيغة،
ولكنها توجب عدم تمامية مقدمات التمسك باطلاق قولهم (عليهم السلام):
البيعان بالخيار.
وتوضيح ذلك:
أن دليل خيار المجلس، من قوله (عليه السلام): المتبايعان بالخيار (2)، وقوله

1 - البقرة: 275.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
82

(عليه السلام): البيعان بالخيار (1)، إنما يدل على ثبوت الخيار لمطلق البيع
بالاطلاق دون العموم، فإنما يدل على السريان هنا هو المحلي باللام،
ومن الواضح أن دلالته على السريان ليس بالوضع بل بمقدمات الحكمة،
فالوجوه المذكورة توجب الشك في التمسك بالوضع بل وتمامية
مقدماته.
وعلى الاجمال لا نطمئن بشمول أدلة خيار المجلس للوكيل في
اجراء الصيغة، فلا أقل من الشك، على أنه لو كان مجرد اجراء الصيغة
موجبة لثبوت الخيار للمجري لها فكان ثابتا للفضولي أيضا بل أولى، مع
أنه لم يقل به أحد.
فتحصل أنه لا يكون للوكيل في اجراء الصيغة خيار المجلس.
ثبوته للوكيل المفوض حتى بعد تمامية البيع
وأما الوكيل المفوض، فلا شبهة في ثبوت الخيار له، لكونه بيعا
حقيقة وأن أمر البيع بيده، نظير الأولياء للأطفال والمجانين وغيرهما
كما لا يخفى، وهذا كعامل القراض ونحوه.
ثبوته للوكيل المفوض في الشراء فقط أو في البيع فقط
وأما الوكيل المفوض في الشراء فقط أو في البيع فقط، من غير أن
يكون وكيلا مفوضا في مطلق التصرف، ولا أن تكون وكالته منحصرة في
اجراء العقد فقط، بل واسطة بين الشقين.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
83

فذكر المصنف (رحمه الله) أن خيار المجلس لا يثبت لهذا القسم من الوكيل
أيضا، لأنا ذكرنا أن الميزان في ثبوت الخيار هو كون ذي الخيار متمكنا من
التصرف فيما انتقل إليه قبل ثبوت حق الفسخ له، ومن الواضح أن الوكيل
في أمر البيع فقط أو أمر الشراء فقط ليس متمكنا من التصرف فيما انتقل
إلى البايع المالك أو المشتري المالك، لتمامية أمد وكالته بعد البيع
والشراء، فيكون خارجا عن موضوع خيار المجلس.
وتبعه شيخنا الأستاذ على الوجه الذي تقدم بيانه في القسم الأول من
الوكالة، ولكن عرفت عدم تماميتها بوجه.
وأما بقية الوجوه لا تجري هنا، حتى ما ذكرناه من الوجهين، لكونه أي
هذا القسم من الوكيل بيعا حقيقة، فلا وجه لدعوى الانصراف أو غيره من
الوجوه.
والظاهر هو ثبوت الخيار لمثل هذا الوكيل، لأن أمد وكالته وإن كان
يتم بتمامية البيع أو الشراء، ولكن ثبوت الخيار للمتبايعين لا يدور مدار
عنوان الوكالة بقاء، بل المناط في تحقق الخيار هو صدق البيع، ومن
الواضح أن الوكيل المفوض في البيع أو الشراء بيع وإن خلص أمد وكالته
بعد البيع أو الشراء، فنتمسك باطلاق: البيعان بالخيار، فنحكم بثبوت
الخيار له وإن منعه المالك عن الفسخ، فكونه وكيلا مفوضا عند البيع أو
الشراء وصدق عنوان البيع عليه في تلك الحالة واسطة لثبوت الخيار له
حتى بعد تمامية وكالته.
2 - ثبوته للفضولي
وأما الفضوليين، فلا شبهة في ثبوت خيار المجلس لهما، لما عرفت أنه إنما ثبت لمن كان البيع مستندا إليه وكان أمر البيع بيده، وأنه من لوازم
البيع الصحيح، وقلنا إن بيع غير المالك ليس بصحيح، فإن الممضى بقوله
84

تعالى: أحل الله البيع (1) هو جهة انتساب البيع إلى المالك لا من حيث
صدوره من العاقد، ومن البديهي أن الفضولي أجنبي عن هذه المزايا وإن
صدق عليه عنوان البيع، بل هو مجرد آلة في انشاء البيع كالوكيل في
اجراء الصيغة، وأنه كلسان الموكل والأصيل، فلا وجه لثبوت الخيار
للفضوليين أيضا.
بيان آخر للمسألة الأولى: ثبوته لغير المالكين الأصيلين
كان الكلام في ثبوت خيار المجلس للوكيل وعدم ثبوته له، وقلنا: إنه
لا يثبت للوكيل في اجراء العقد فقط لأحد الأمرين المتقدمين.
وأما الوكيل المفوض فلا شبهة في ثبوت الخيار له، فإنه لا شبهة في
صدق البيع عليه وأن أمر البيع بيده، ولا يجري فيه شئ من الوجوه
المانعة عن ثبوت خيار المجلس للوكيل في اجراء الصيغة، غير ما ذكره
المصنف (رحمه الله)، من أن مقتضى اقتران خيار المجلس في بعض الروايات
بخيار الحيوان (2) يقتضي عدم ثبوت خيار المجلس لغير المالك، كما هو
الشأن في خيار الحيوان.
فاتحاد السياق يقتضي أن يثبت خيار المجلس لمن ثبت له خيار
الحيوان دون غيره وإن كان وكيلا مفوضا، ولا يكون له خيار المجلس بما أنه بايع، وأما ثبوته له بما أنه وكيل مفوض من قبل المالك وأن جميع

1 - البقرة: 275.
2 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
85

أموره في يده حتى أمر المعاملات من الفسخ والامضاء، فإن ذلك من
جهة كونه وكيلا مفوضا لا من جهة كونه بايعا.
وعلى الجملة فلازم كلام المصنف من تخصيص موضوع خيار
المجلس بمن له خيار الحيوان هو عدم ثبوته للوكيل المفوض أيضا بما أنه من المتبايعين ومن البيع، لا بما هو وكيل من قبل البايع، ويفسخ البيع
أو يمضه بأمر الموكل وتوكيله كما هو واضح.
بعبارة أخرى هذا نقض على المصنف، حيث التزم بعدم ثبوت خيار
المجلس للوكيل في اجراء الصيغة من جهة اختصاصه بمن له خيار
الحيوان، ومع ذلك التزم بثبوته للوكيل المفوض مع أنه لم يثبت له خيار
الحيوان.
ولكن قد عرفت أن مجرد ذكر خيار الحيوان فيما ذكر فيه خيار
المجلس لا يقتضي الاتحاد من جميع الجهات، وعلى الاجمال فلا شبهة
في ثبوت هذا الخيار للوكيل المفوض بل هو كالولي، فإن معنى الوكالة
كما ذكروا تفويض الأمر إلى الوكيل وجعله مسلطا على ما وكل لأجله
نظير السلطنة المجعولة للأولياء، غايته أن سلطنة الأولياء من قبل الله
تعالى وسلطنة الوكلاء من قبل الموكلين، وليس الأمر كذلك في الوكيل
في اجراء الصيغة.
وأما الوكيل في أمر البيع أو الشراء فقط، بحيث يكون وكيلا مفوضا
في جهة خاصة فقط وينتهي أمد وكالته بعد البيع، فهو واسطة بين
الوكيلين المتقدمين، وهو من جهة يشبهه الوكيل في اجراء الصيغة ومن
جهة يشبهه الوكيل المفوض إما من حيث إنه شبيه بالوكيل المفوض من
جهة كونه مستقلا في أمر البيع أو الشراء، ومن حيث إنه شبيه بالوكيل في
اجراء الصيغة هو تمامية أمد الخيار بتمامية العقد، كما أن الوكيل في
اجراء العقد كذلك.
86

وأما الوجوه التي ذكروها في عدم جريان الخيار للوكيل في اجراء
الصيغة، فبعضها لا يجري في المقام، كدعوى انصراف البيع أو المتبايع
عن هذا القسم من الوكيل فإنه بيع حقيقة، وأما ما ذكروا من أن جعل
الخيار أي خيار المجلس ارفاق للمالك فلا يجري في حق الوكيل، فهو
جار في المقام.
ولكن قد عرفت عدم تماميته، وهذا لا يجري في المفوض بالمعنى
الأول، فإنه لا بد وأن يلاحظ مصلحة المالك.
وكذلك يجري في المقام ما ذكره المصنف، من أن هذا الخيار إنما
جعل لمن يكون قادرا على الرد والوكيل المجري للصيغة وكذلك
الوكيل في البيع والشراء ليس قادرا على رد العين وكذلك ما ذكره شيخنا
الأستاذ من خيار المجلس مجعول لمن يكون قادرا على الإقالة فإن من
الواضح أن هذا الوكيل أيضا كالقسم الأول من الوكيل لا يقدر على الإقالة
إذا رضي بها الطرف الآخر.
ولكن قد عرفت أن هذا الوجه أيضا لم يتم في القسم الأول فكيف في
المقام، وقد عرفت أن الوجه في عدم ثبوت هذا الخيار للوكيل في اجراء
الصيغة فقط هو أحد الأمرين المذكورين، وهما أيضا لا يجريان في
المقام.
وإذن فلا مانع من ثبوت خيار المجلس هنا، لاطلاق قوله (عليه السلام):
المتبايعان أو البيعان بالخيار ما لم يفترقا، لأنه لا شبهة في صدق البيع
عليه حدوثا، فيكون ذلك موضوعا لثبوت الخيار له حدوثا وبقاءا، وإن
منعه المالك عن اعمال الخيار كما ذكره صاحب الحدائق، إذ لم يقيد
اطلاق الرواية بكون البيع هو المالك أو باقيا على وكالته لو كان هو غير
المالك.
87

وعلى الجملة فكونه وكيلا عند البيع أو الشراء في أمرهما يوجب
صدق البيع عليهما، وإذا صدق عليهما البيع في أن حدوث البيع يثبت
الخيار مطلقا، سواء زالت الوكالة بعد ذلك التي كانت واسطة لثبوت
الخيار له أم بقيت على حالها.
وعلى هذا فليس للمصنف نفي الخيار عن مثل هذا الوكيل أيضا.
3 - ثبوته للموكل
وأما ثبوته للموكل، فذكر المصنف: وعلى المختار فهل يثبت
للموكلين فيه اشكال.
والظاهر أن القول بثبوت خيار المجلس للموكل وعدمه لا يتوقف
على القول بثبوته للوكيل أصلا، فلا نعرف وجها صحيحا لتعليق
المصنف وقوع النزاع في ثبوت خيار المجلس للموكل أو عدمه بثبوته
للوكيل وعدمه، بل كل منهما أمر مستقل وبحث خاص لا يرتبط بالآخر.
وقد يتوهم أن أدلة الدالة على ثبوت خيار المجلس للمتبايعان أو
للبيع منصرفة إلى المالك العاقد، فإذا انتفى أحد الجزئين ينتفي موضوع
الخيار، وأيضا قيل: إن الموكل لو حلف على أن لا يبيع داره مثلا فباعها
وكيلها لم يحنث، فلو كان يصدق عليه عنوان البايع لحصل الحنث.
وفيه أما دعوى الانصراف فلا وجه له، لما ذكرنا أن البايع يصدق على
الوكيل في اجراء العقد فكيف لا يصدق بالموكل، فلو كان الموكل
حاضرا في مجلس العقد ووكل أحدا في اجراء العقد لبيع داره كما هو
المتعارف في النكاح وفي المعاملات الخطيرة حقيقة، يصدق أن
الموكل باع داره، فلا عناية فيه أصلا، ومن هنا ظهر ما عن بعض مشائخنا
المحققين من استناد الانصراف إلى غلبة الوجود.
88

وأما مسألة عدم الحنث إذا حلف الموكل أن لا يبيع داره فباع وكيله،
فإن كان قصد الموكل حين الحلف أن لا يبيع مباشرة، فلا شبهة في عدم
حصول الحنث ببيع الوكيل قطعا، وإن كان غرضه من ذلك أن لا يبيع على
وجه الاطلاق أعم من بيع نفسه وبيع وكيله بأن لا يستند إليه البيع أصلا،
فلا شبهة حينئذ في حصول الحنث بكل واحد من بيع وكيله وبيع نفسه،
لاستناد البيع إلى الموكل حقيقة وإن كان المباشر له هو الوكيل.
نعم لو حلف مطلقا على أن لا يبيع داره مثلا وكان غافلا عن توكيل
شخص آخر في بيع داره أو ناسيا فلا يحنث ببيع الوكيل في تلك الحالة
وإن كان صدور البيع في حضوره أيضا، لأن ظهور الحلف على عدم البيع
في العمل الاختياري، ففي هنا غير اختياري لعدم التفاته بكون الوكيل
في البيع وكيلا عنه لغفلته عن ذلك، فعدم الحنث من هذه الجهة، وإلا
فصدق عليه البايع حقيقة وإن كان غافلا عن وقوع البيع.
بيان تفصيلي لثبوت الحكم في الموكل
ثم إنه لا بد وأن يتكلم في ثبوت هذا الخيار وعدمه لأصناف الموكل
في مقابل أصناف الوكلاء، على الترتيب الذي ذكرناه في ثبوته وعدمه
لكل واحد من الوكلاء، فنقول:
القسم الأول
إن كان الموكل وكل أحدا في اجراء الصيغة، فهل يثبت له الخيار أم
لا، فنقول: تارة يكون الموكلان حاضرين في مجلس العقد وأخرى
لا يكونان حاضرين في مجلس العقد، وعلى الثاني قد يكونان حاضرين
في مجلس واحد حين تحقق العقد بين الوكيلين في مجلس آخر، وقد
يكونان متفرقين.
89

1 - أما الأول، فلا شبهة في ثبوت الخيار للموكلين لاستناد البيع إليهما
حقيقة، وأن الوكيلان المجريان للعقد ليسا إلا كالآلة المحضة وكونهما
كاللسانين للموكلين، ودعوى انصراف أدلة الخيار عن المالك غير العاقد
ولذا لا يحنث لو حلف على عدم البيع ببيع الوكيل، قد تقدم جوابهما.
2 - أما الثاني أي إذا كان الموكلان مجتمعين في محل آخر غير
مجلس العقد، بأن جمعتهما هيئة اجتماعية في محل واحد وكان بين
الوكيلين وبينهما واصل الصوت، بحيث علما بوقوع العقد، فيصدق
عليهما عنوان البيع، ولا يعتبر حضورهما في مجلس العقد كما يظهر من
شيخنا الأستاذ.
3 - أما الثالث بأن لا تجمعهما هيئة اجتماعية أصلا، بل كانا متفرقين
حال العقد، فلا شبهة حينئذ في عدم ثبوت الخيار لا للوكيل
ولا للموكل، أما عدم ثبوته للوكيل، فقد تقدم لكونه وكيلا في اجراء
الصيغة فقط وليس أمر البيع بيده، وقد قلنا إن الخيار إنما يثبت لمن كان
أمر البيع في يده والوكيل في اجراء الصيغة ليس كذلك.
وأما عدم ثبوته للموكل، فلأن الخيار إنما يثبت للبيعان في حالة
اجتماعهما إلى أن يتفرقا، ومن الواضح أنهما متفرقان من الأول فلا يكون
ثابتا لهما.
بيان آخر للقسم الأول
كان الكلام في ثبوت الخيار للموكل، وقد عرفت أن الوكيل على ثلاثة
أقسام: الأول: أن يكون وكيلا في اجراء الصيغة فقط، وحينئذ يكون أمر
البيع بتمام المعنى في يد الموكل، وحينئذ قد يكون الموكلين أو
أحدهما حاضرا في مجلس العقد وأخرى لا يكونان حاضرين في
مجلس العقد، وعلى الثاني فتارة تجمعان هيئة اجتماعية في مجلس
90

آخر غير مجلس العقد، وأخرى لا يجتمعان في محل واحد، بل كانا
متفرقين في الخارج.
1 - لا شبهة في ثبوت الخيار للموكلين الحاضرين في مجلس العقد
لاستناد البيع إليهما حقيقة، وتوهم انصراف البيع عنهما إلى المالك
العاقد فاسد كما عرفت، كما أن توهم استناد الانصراف إلى ندرة الوجود
فاسد هنا أيضا، وإن قلنا بصحته في الوكيل في اجراء الصيغة، لأن هذا
القسم من الموكل كثير جدا، ولا فرق في ذلك بين كونها ملتفتين بصدور
العقد وعدم التفاتهما إليه.
2 - هو أن يكون الوكيلان مجتمعين في مجلس آخر غير مجلس العقد
ووصل إليهما أن الوكيلين من قبلكما على اجراء العقد قد أوجدا العقد،
فإنه حينئذ يثبت لهما الخيار بلا شبهة، فإنهما حقيقة متبايعان ويصدق
عليهما عنوان البيع أو المتبايع والتاجر الواردة في الأخبار التي جعلت
بهذه العناوين موضوعة لخيار المجلس، ودعوى أن ثبوت الخيار لهما
مشروط بحضورهما في مجلس العقد كما عن ظاهر شيخنا الأستاذ
لا وجه له، فإن الاطلاقات محكمة عليه.
3 - هو أن يكونا خارجين عن مجلس العقد وكانا متفرقين في الخارج،
فالظاهر أنه لا خيار لهما حينئذ، وذلك فإن خيار المجلس إنما هو مغيا
بغاية وهي الافتراق، ومن الواضح أن تلك الغاية حاصلة هنا من الأول
فكيف يثبت لهما الخيار حينئذ، وهذا لا ينافي صدق البايع عليهما
واستناد البيع إليهما، فإن مجرد صدق البايع لا يصحح ثبوت الخيار
عليه، بل لا بد مع ذلك من اجتماعهما في مجلس واحد.
وبعبارة أخرى الافتراق رافع لخيار المجلس حين التحقق فلا يعقل
ثبوت الحكم مع وجود الرافع من الأول وإلا يلزم التنافي، ولا يثبت
الوكيل أيضا كما عرفت لكونه وكيلا في اجراء العقد فقط.
91

وعلى هذا فهل لهما أن يوكلا الوكيلين في اجراء العقد على هذا
الخيار، بأن فوضا أمره إلى الوكيلين ليثبت لهما الخيار عن قبل الموكلين
أم لا، الظاهر لا، فإنه لم يثبت لهما فكيف يوكلان الغير على ذلك، وأن
فاقد الشئ لا يكون معطيا له.
القسم الثاني
وأما الوكيل المفوض من جميع الجهات، فهل يثبت معه الخيار
للموكل أم لا، فهو أيضا على ثلاثة أقسام:
1 - أن يكون الموكلان حاضرين في مجلس العقد، فهذا لا شبهة أيضا
في ثبوت الخيار لهما كما ثبت للوكيلين حينئذ، فإنه يصدق عليهما البيع
حقيقة كما تقدم في القسم الأول، وتوهم الانصراف هنا قد تقدم جوابه،
كما تقدم الجواب أيضا عن أنه لو حلف على عدم البيع فباع الوكيل
لم يحنث.
2 - هو أن يكون الموكلان في خارج مجلس العقد ولكن تجمعهما
الهيئة الاجتماعية في محل واحد ويعامل الوكيلان المفوضان في محل
وأخبر الموكلين بصدور العقد، فإنه حينئذ حقيقة يصدق عليهما عنوان
البيع والمتبايع والتاجر التي هي موضوع خيار المجلس، ولا وجه
لاعتبار حضورهما في مجلس العقد كما عرفت في القسم الأول.
3 - هو أن يكون الموكلان خارجين عن مجلس العقد ولم يجتمعا في
محل واحد ولم تجمعهما هيئة اجتماعية في مكان واحد، وحينئذ
لا يثبت لهما الخيار كما تقدم لتحقق البيع حال التفرق.
وهذا نظير ما كتب كتابا إلى أحد وأنشأ فيه بيع داره مثلا ووصل
الكتاب إلى المشتري بعد مدة وقلنا بعدم اعتبار الموالاة بين الايجاب
92

والقبول، فقبل المشتري البيع فإنه لا يثبت الخيار في أمثال ذلك، فإن
البيع قد تحقق في حال التفرق فلا يكون لهما الخيار.
المناط في ثبوت الخيار للموكلين
قوله (رحمه الله): ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن
مجلسهما حال العقد.
أقول: بناءا على ثبوت الخيار للموكل أيضا، فإذا كانا الموكلين
موجودين في مجلس العقد مع الوكيلين المفوضين، فهل المناط في
سقوط خيارهما تفرقهما عن مجلس العقد، بأن يكون ثبوت خيار
المجلس دائرا مدار اجتماعهما في مجلس العقد وتفرقهما عنه، وإذا
تفرقا عنه يسقط الخيار عنهما وعن وكيلهما.
والوجه في جعل الميزان في ثبوت الخيار وعدمه هو تفرق الموكلين
وعدمه، من جهة أنهما أصيلين في المعاملة وحقيقة هما بايعان، فيكون
المناط هو الأصلان.
ويحتمل أن يكون المناط هو تفرق الوكيلين، لأنهما أوجدا المعاملة
وهما المناطان في ثبوت خيار المجلس وعدمه لأنهما أوجدا البيع ولو
عن وكالة.
ويحتمل أن يكون المناط هو تفرق الكل، فيكفي في بقاء الخيار بقاء
أحد الأصيلين مع أحد الوكيلين في مجلس العقد في بقاء خيار المجلس،
وهذا الوجه الأخير قد قواه المصنف.
وأشكل عليه شيخنا الأستاذ بأن كفاية بقاء أصيل مع وكيل آخر في
مجلس العقد مع اعتباره (رحمه الله) حضور الموكلين في المجلس حيث قال
آنفا: فالأقوى ثبوته لهما ولكن مع حضورهما في مجلس العقد متنافيان،
93

لأنه لو لم يعتبر استدامة الحضور ممن له الخيار لم يعتبر في الابتداء أيضا،
لأن استفادة الاجتماع في المجلس إنما هو من قوله (عليه السلام): ما لم يفترقا،
فلو صدق عدم تفرق الموكل ببقاء وكيله في المجلس صدق اجتماعه
أيضا ابتداءا، وإن لم يكن نفس الموكل حاضرا في المجلس رأسا.
وفيه أن هذا من غرائب الكلام شيخنا الأستاذ، فإن اعتبار المصنف
حضور الموكلين في مجلس العقد في ثبوت الخيار لهما من جهة عدم
تحقق موضوع الخيار بدونه، فإنه إنما ثبت على الهيئة الاجتماعية ومع
انتفائها ينتفي الخيار، وليس غرضه نفي الخيار عن الأصيل مع الوكيل بل
من هذا جهة أعم.
وأما الالتزام بثبوت الخيار لكل واحد من الوكيل والموكل مع بقائهما
في مجلس العقد وإن ذهب أحد الوكيلين مع الموكل الآخر، بل يكفي
وجود الأصيل مع الوكيل الآخر في ثبوت الخيار حدوثا أيضا، فلا ينافي
هذا بالكلام السابق أصلا، فإنما هو موضوع الخيار متحقق هنا أيضا،
أعني الهيئة الاجتماعية، غاية الأمر هو الاجتماع بين الوكيل والموكل
الآخر.
وبعبارة أخرى أن المصنف اعتبر الاجتماع في ثبوت خيار المجلس
ابتداءا واستدامة، غاية الأمر أن الاجتماع أعم من اجتماع الوكيلين
والموكلين وأحد الوكيلين مع أحد الموكلين حدوثا وبقاءا، وما ذكره
المصنف من جعل المناط في سقوط الخيار هو تفرق الكل بحيث يكفي
في ثبوت الخيار وبقائه بقاء الأصيل مع وكيل آخر فهو الأقوى.
وذلك لأن ظاهر قوله (عليه السلام): المتبايعان أو البيعان أو التاجر بالخيار
94

ما لم يفترقا (1)، هو ثبوت الخيار لطبيعي البيع والمتبايع وجنسهما من
غير اعتبار التقييد في ذلك، بأن يكون المراد اجتماع الوكيلين معا أو
الموكلين كذلك.
وعليه فيكفي في ثبوت الخيار وجود الأصيل مع الوكيل الآخر حدوثا
وبقاءا لصدق الطبيعة عليهما بلا شبهة.
ملخص الكلام في ثبوت الخيار للوكيل والموكل
كان الكلام في ثبوت خيار المجلس للوكيل، وقلنا بعدم ثبوته للوكيل
في اجراء الصيغة وبثبوته للوكيل المفوض في البيع فقط، خلافا
للمصنف ولشيخنا الأستاذ، لاعتبارهما في ثبوت الخيار قدرة ذي
الخيار مشروط بالتصرف فيما انتقل إليه على مسلك المصنف، وبقدرته
على حل العقد بالإقالة على مسلك شيخنا الأستاذ، والوكيل المفوض
في أمر البيع ليس له ذلك، وقد تقدم جوابهما وقلنا إن المناط في ثبوت
الخيار صدق البيع وهو حاصل، وإن تم أمد الوكالة كما تقدم خلافا
لصورة السابقة.
وأما الوكيل المفوض فثبوت الخيار له أوضح من أن يخفى، وإن كان

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار حتى
يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
عن الحسين بن عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا
التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما بالخيار ما لم يفترقا، فإذا اختلفا
فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا (التهذيب 7: 26، الكافي 5: 174، الخصال: 45، عنهم
الوسائل 18: 7)، صحيحة.
95

فيه شئ بناء على ما ذكره المصنف من تقييد ثبوت خيار المجلس بمن
يثبت له خيار الحيوان.
ثم انتقلنا من ذلك إلى ثبوت الخيار للموكل، وقلنا لا شبهة في ثبوته
للموكل الحاضر في مجلس العقد مع كون الوكيل وكيلا في اجراء العقد،
وكذا لا شبهة في ثبوته للموكلين إذا اجتمعا في مجلس غير مجلس
العقد، فإنه لم يعتبر في ثبوته حضورهما في مجلس العقد كما اعتبره
شيخنا الأستاذ، نعم إذا كانا متفرقين في الخارج فلا يثبت لهما الخيار،
لأن البيع استند إليهما في حال التفرق ولا يثبت للوكيل أيضا، لأن
المفروض أنه وكيل في اجراء الصيغة فقط.
وأما ثبوت الخيار للموكلين مع كون الوكيل مفوضا، سواء كان وكيلا
مفوضا في البيع والشراء أو وكيلا مفوضا على وجه الاطلاق، ونفرض
الكلام في الوكيل المفوض على وجه الاطلاق، ويظهر حكم الوكيل
المفوض في خصوص البيع والشراء من ذلك أيضا، فنقول:
لا شبهة في ثبوته للموكلين حينئذ مع حضورهما في مجلس العقد،
فإنه لا شبهة في صدق التاجر أو المتبايعين أو البيعين على كل منهما،
ومن الواضح أن خيار المجلس ثابت لهما بالأدلة الخاصة، وتوهم
انصرافها عن ذلك إلى المالك المجري للعقد فاسد كما تقدم، وكذلك
تقدم جواب الاشكال بأنه لو حلف أن لا يبيع داره فباع وكيله لم يحنث
فيعلم من ذلك أنه لا يثبت له الخيار لعدم صدق البايع عليه.
وكذلك لا شبهة في ثبوته لهما إذا اجتمعا في مجلس آخر غير
مجلس العقد، بأن جمعتهما الهيئة الاجتماعية فإنهما أيضا من
المتبايعين فيثبت لهما الخيار، فلو أخبرهما أحد أن الوكيلين من قبلكما
قد أجريا العقد على السلعة الفلانية وعلما بثبوت الخيار لهما فلهما
96

الامضاء والفسخ، ولا وجه أيضا لاعتبار الحضور في مجلس العقد كما
يظهر من شيخنا الأستاذ، وأما لو كانا متفرقين فلا يثبت لهما الخيار كما
تقدم تفصيله في القسم الأول.
ولا يفرق في ذلك كله بين كون الوكيلان من قبلهما مفوضين في البيع
والشراء فقط أو على وجه الاطلاق أو مختلفين.
إذا أعمل كل من الوكيل والموكل الخيار
وقد بقي الكلام في أمرين:
الأول: أنه إذا اجتمع الموكلان والوكيلان في مجلس العقد، فإنه
لا شبهة في ثبوت الخيار لهما كما عرفت، وإنما الكلام في أنه إذا أعمل
كل منهما الخيار من الفسخ أو الامضاء فهل يوجب ذلك لزوم البيع أو
انفساخه من قبل الجميع، سواء في ذلك الموكلان والوكيلان أم لا؟
أما الفسخ، فإنه إذا تحقق من أي من الوكيلان أو الموكلين من طرف
البايع أو من طرف المشتري، فإنه يوجب هدم البيع وانفساخه بلا شبهة،
والوجه فيه هو ما ذكرناه في تعريف الخيار، من أنه ملك فسخ العقد أو
اقراره، وقلنا هناك: إنه فرق بين الفسخ والاقرار، فإن الامضاء والالتزام
إذا تحقق من طرف واحد سواء كان من طرف المشتري أو من طرف البايع
لا يستلزم الامضاء من طرف الآخر، فإنه معنى قائم بالطرفين، فيمكن
الاقرار والاثبات من أحد الطرفين بأن يلزم أن يفسخ العقد ولا يرفع اليد
من التزامه ولكن يكون جائزا من الطرف الآخر، بأن يكون مختارا في
الفسخ أو الامضاء.
وهذا بخلاف الفسخ، فإنه لا يعقل أن يتحقق فسخ العقد من طرف
وبقائه من طرف آخر بل بمجرد تحققه من أحد الطرفين ينفسخ العقد من
97

أصله، وهذا لخصوصية في الفسخ، فإنه ليس إلا عبارة عن حل العقد
وهدمه، فلا معنى لأن ينحل العقد من أحد الطرفين ويبقى من الطرف
الآخر كما هو واضح.
وعليه فإذا فسخ أحدهم من الوكيلين أو الموكلين من طرف البايع أو
من طرف المشتري فينحل البيع من الطرفين وينفسخ من أصله، فلا يبقى
موقوفا من الطرف الآخر على الفسخ أيضا، كما كان لزوم العقد من
الطرفين موقوفا على امضاء كلا الطرفين كما هو واضح.
وأما الامضاء واسقاط الخيار فهل يوجب الالزام من أحد الطرفين
الالزام من الطرف الآخر أيضا كما ذكره المصنف والتزم به، أم لا بل يبقى
الطرف الآخر باقيا على خياره.
وتنقيح ذلك يحتاج إلى تحقيق معنى قوله (عليه السلام): البيعان بالخيار ما
لم يفترقا، من أن المراد من البيع هو الطبيعة أو أريد منها القضية
الحقيقية.
وقد يقال إن المراد من قوله (عليه السلام): المتبايعان أو البيعان بالخيار ما
لم يفترقا (1) هو جنس المتبايع والبيع، أي الطبيعة الكلية بحيث أثبت
الإمام (عليه السلام) الخيار لهذه الطبيعة إنما سرت، وقد تكون قائمة بفرد واحد
وقد تكون قائمة بأفراد عديدة، ولكن الثابت هو الخيار الواحد فقط القائم
بالطبيعة ولا يتعدد بتعدد الأفراد، فكل من سبق من أفراد هذه الطبيعة إلى
أعماله نفذ وسقط خيار الباقين بلزوم العقد.

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار حتى
يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
98

كما كان الأمر كذلك في الانفساخ أيضا، غاية الأمر اتيان البيع أو
المتبايع بكلمة التثنية في قوله (عليه السلام): المتبايعان بالخيار أو البيعان
بالخيار ما لم يفترقا، قرينة على أن الثابت للمتبايعين هو خياران:
أحدهما لطرف البايع، والثاني لطرف المشتري، واطلاق البيعين على
البايع والمشتري أو من جهة التغليب كاطلاق الشمسين على القمر
والشمس من باب المشاكلة والمشابهة، أو من جهة صحة اطلاق البايع
على المشتري حقيقة، فإنه بمعنى ترك شئ وأخذ شئ آخر بدله كما
في القاموس والراغب، وأما أن الثابت لكل طرف أيضا متعدد حسب
تعدد أشخاص هذا الطرف وذلك الطرف فلا، بل ثبت الخيار لصرف
الوجود.
بيان آخر
وعلى الاجمال فظهور الروايات الدالة على ثبوت خيار المجلس
للمتبايعين هو أن هنا خياران قد ثبتا على طبيعيين: أحدهما قد ثبت على
طبيعي البايع، والثاني قد ثبت على طبيعي المشتري، والاتيان بكلمة
التثنية إما من جهة المشاكلة أو من جهة الحقيقة كما تقدم، وهاتان
الطبيعتان سواء تعددت أفرادهما أو اتحدت لكل منها خيار واحد، فأي
من أفراد هذه الطبيعة سبق على اعمال الخيار بأن أمضى العقد فسقط
الخيار عن الباقين، لأن المفروض أنه كان هنا خيار واحد قائم بهذه
الطبيعة، فبمجرد اعمال فرد من هذه الطبيعة ذلك الخيار سقط عن
الباقين، فإن الطبيعي يحصل بصرف الوجود فقط، وكذلك الكلام في
الطرف الآخر من الطبيعي.
وعلى هذا فلكلام المصنف مجال واسع حيث قال: وحينئذ فقد
99

يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة من طرف واحد أو من
الطرفين، فكل من سبق من أهل الطرف الواحد إلى أعماله نفذ وسقط
خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه، فإن ذلك المسألة فيما إذا ثبت
للجانبين، وهذا فرض من جانب واحد، وليس المقام من تقديم الفاسخ
على المجيز.
فإنه على هذا قد اتضح الفرق بين هذه المسألة ومسألة تقديم الفاسخ
على المجيز، فإن مورد المسألة الثانية هو أن يكون الفسخ أو الامضاء من
أحد طرفي العقد لا من طرف واحد فقط، فإنه لا شبهة حينئذ أنه إذا فسخ
أحد الطرفين انفسخ العقد من الطرفين، وأما إذا أمضى أحدهما دون
الآخر لا يكون العقد لازما من الطرفين، وهذا هو الفارق بين المسألتين
كما لا يخفى.
ولكن الظاهر أنه ليس كذلك، فالظاهر من الروايات الدالة على ثبوت
خيار المجلس للمتبايعين على سبيل القضية الحقيقية كما هو كذلك في
جعل سائر الأحكام التكليفية والوضعية، فإنها جعلت على الموضوعات
المقدرة المفروضة وجودها وهكذا في المقام، وعلى هذا فظهور
الروايات أن خيار المجلس إنما ثبت على كل من صدق عليه المتبايع
والبيع والتاجر، فكل من صدق عليه شئ من هذه العناوين فله خيار
المجلس.
وعليه فإن سبق الوكيل المفوض من جميع الجهات إلى اعمال الخيار
بأن أمضى العقد فيكون امضاء من قبل الموكل أيضا، وإن كان لكل منهما
خيار مستقل، ولكن حيث كان الوكيل وكيلا مفوضا فله أن يفسخ
المعاملة من قبل المالك حتى فيما له خيار المجلس، كما إذا حضر
مجلس العقد بعد تحقق المعاملة بين موكله وشخص آخر، فإن له الفسخ
من قبل الموكل.
100

فإذا كان الوكيل المفوض الوارد بعد العقد له ذلك فالمفوض الحاضر
في مجلس والموجد للعقد أو بأن يفسخ من قبل الموكل أيضا فيكون
امضاؤه استقلالا من قبل نفسه ووكالة من قبل الموكل، فيسقط خيارهما
معا حتى لو كان غافلا عن ثبوت الخيار للموكل فإن الوكالة ليست من
الأمور التي اعتبر فيها قصد الوجه، ولذا لو وكل أحد شخصا في معاملة
وعامل الوكيل تلك المعاملة بقصد الفضولية لعدم علمه بالوكالة، فإنه
ليس للموكل أن يرد تلك المعاملة والمعاملة معها معاملة الفضولية كما
لا يخفى.
نعم لو قصد الموكل في امضائه العقد واسقاطه الخيار الحصة الخاصة
من الخيار المختص لنفسه أو لموكله فلا يسقط من كليهما، وأما في غير
هذه الصورة فيسقط خيار الجميع بإمضاء الوكيل العقد، وبهذا يمتاز
الوكيل المفوض من جميع الجهات عن الوكيل المفوض في خصوص
البيع والشراء فقط، فإنه ليس له اسقاط الخيار إلا من قبله لأنه ليس له
التصرف في الأمور الراجعة إلى الموكل في غير البيع أو الشراء اللذان قد
حصلا وخلصت وكالته.
نعم لو كان الخيار ثابتا لطبيعة البيع والمتبايع لكان هذا القسم من
الوكيل المفوض كالمفوض المطلق ونفس الموكل فيما ثبت له الخيار
لكونه فردا من طبيعة المتبايع والبيع أيضا.
المناط في ثبوت الخيار للموكلين
قوله (رحمه الله): ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه - الخ.
أقول: هذا هو الأمر الثاني، وحاصله: أن الغاية في خيار المجلس
الثابت للموكلين والوكيلين معا في مجلس العقد أي شئ، هل هي تفرق
الموكلين لكونهما أصلا في المعاملة أو هي تفرق الوكيلين لأنهما السبب
101

في ثبوت الخيار للموكلين، لأنهما أوجدا المعاملة أو بتفرق الكل،
فيكفي بقاء وكيل مع أصيل آخر في مجلس العقد، وجوه كما ذكره
المصنف، أو المناط في حصول الغاية هو تفرق واحد منهم أي منهم
كان كما احتمله السيد (رحمه الله) في حاشيته (1) وجوه.
وتحقيق الكلام أنه تارة نقول بثبوت الخيار للطبيعة أي طبيعة
المتبايعين والبيعين، وأخرى نقول إنه حكم انحلالي إلى كل ما يصدق
عليه عنوان المتبايع والبيع على سبيل القضية الحقيقية.
أما على الأول فلا يرتفع الخيار بتفرق بعضهم ما لم يتفرق مجموعهم،
بأن كان في المجلس من يصدق عليه عنوان المتبايع وطبيعة البيع
ويصدق ذلك ببقاء أحد الوكيلين مع الأصيل الآخر، بأن يبقى في
المجلس أحد الوكيلين من طرف واحد الأصيلين من طرف آخر وببقاء
الأصيلين وببقاء الوكيلين، وعلى هذا فكلام المصنف متين.
ولكن قد عرفت أن إرادة الطبيعة من البيع والمتبايع وجعلها موضع
الحكم في المقام خلاف ظواهر الأدلة، فإن الظاهر منها أن الخيار ثابت
للبيع على نحو القضية الحقيقية والمتبايع الذي يكون مفروض الوجود،
على أنه لو كان المراد من الأدلة هو ذلك فلازمه القول بثبوت الخيار
للموكل وإن لم يكونا مجتمعين في مجلس واحد بل متفرقين في الخارج.
فإن طبيعي البيع والمتبايع لم يحصل التفرق فيه، ومقتضى الاطلاق
أن طبيعي البيع بالخيار ما لم يحصل التفرق بينهما، ومن الواضح أن
الموكلين أيضا يصدق عليهم طبيعي البيع فيكون لهما الخيار ما
لم يحصل التفرق من الوكيلين الحاضرين في مجلس العقد، وهذا مما
لم يلتزم به المصنف، ولا أنه ينبغي أن يلزم به أحد.

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 5.
102

فيعلم من ذلك أي من عدم التزام المصنف بهذا النقض أنه لم يقل
بثبوت الخيار للطبيعة، ودعوى أن صدر الرواية وهو ثبوت الخيار
للطبيعي البيع معارض مع ذيله وهو ما لم يفترقا، فإنه يصدق على
المتفرقين أنهم بيع تفرقوا فلازم الصدر ثبوت الخيار لمن صدق عليه البيع
حتى المتفرقون ولازم الذيل عدم ثبوته للمتفرقين فيعارض الصدر
الذيل دعوى جزافية، فإن انتفاء الطبيعة بانتفاء جميع أفراده ولكن ثبوتها
بثبوت فرد واحد منها.
وعلى الجملة أن ما التزم به المصنف من كون المناط في التفرق هو
تفرق الكل صحيح، بناء على ثبوت الخيار للطبيعة، ولكنه يلازم بما
لم يلتزم به أحد.
وأما على الثاني، أعني ثبوت الخيار على الموضوع المفروض
الوجود الذي عبارة عن القضية الحقيقية فإن كان الموكلان مجتمعين في
مجلس غير مجلس العقد، بأن جمعتهما الهيئة الاجتماعية في مجلس
واحد.
فلا شبهة في أن المناط في التفرق الذي هو غاية للخيار هو تفرق
الموكلين عن مجلسهما، كما أن المناط في سقوط الخيار عن الوكيلين
تفرقهما عن مجلس العقد، فلا ربط لتفرق الموكلين بالوكيلين وبالعكس،
وإن كان المجموع من الموكلين والوكيلين حاضرون في مجلس العقد،
فالمناط في بقاء الخيار وسقوطه هو تفرق أي منهم وبقاء الآخرين، فكل
من خرج عن مجلس العقد سقط خياره وكل من بقي في المجلس فهو
مختار، بشرط أن يكون الباقين بعضهم من طرف البايع وبعضهم من طرف
المشتري.
وبعبارة أخرى أن الخيار ثابت لكل ما يصدق عليه المتبايع أو التاجر
أو البيع على نحو الانحلال، والغاية في سقوط ذلك هو التفرق، فإذا بقي
103

الوكيلين وخرج الموكلين فالخيار باق بالنسبة إلى الوكيلين وساقط عن
الموكلين، وإن كان العكس فالأمر بالعكس، وإن اختلف الأمر بأن بقي
أحد الوكيلين من طرف مع الأصيل الآخر من طرف آخر وخرج أحد
الوكيلين مع أحد الأصيلين فيبقى الخيار في الباقين ويسقط عن
الخارجين.
والحاصل أنه بناء على الانحلال فكل من صدق عليه البيع من أحد
الطرفين مع ما يصدق عليه البيع من الطرف الآخر اجتمعا في مجلس
العقد أي بقيا وأن تفرق غيرهما فهما بالخيار ويسقط الخيار عن
المتفرقين، لأن الغاية قد حصلت بالنسبة إلى المتفرقين ولكنها بعد
لم تحصل بالنسبة إلى الباقين كما هو واضح.
ومن هنا ظهر بطلان سائر الوجوه المذكورة في المقام.
عدم ثبوت الخيار للفضوليين
قوله (رحمه الله): ومما ذكرناه اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين وإن جعلنا
الإجازة كاشفة.
أقول: قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه عدم ثبوت الخيار للفضوليين وإن
صدق عليهما عنوان البايع والمشتري، فإنك قد عرفت أن المناط في
ثبوت خيار المجلس للبايع هو كون أمر البيع في يده، ومن الواضح أن
الفضوليين ليسا كذلك، ومن هنا ذكر المصنف أنه إذا لم يثبت الخيار
للوكيلين غير المستقلين في التصرف فعدم ثبوته للفضوليين أولى، كما
لا يخفى.
وأما دعوى أنه لا يصدق عليهما المتبايع فقد اتضح جوابه مما تقدم،
ومما ذكره المصنف (رحمه الله) من أن البيع هو النقل العرفي وهو موجود هنا
فيصدق عليهما المتبايع.
104

وأما ثبوته للمالكين فذكر المصنف أن له وجه بعد الإجازة مع
حضورهما في مجلس العقد واعتبار مجلس الإجازة على القول بالنقل له
وجه، خصوصا على القول بأن الإجازة عقد مستأنف جديد على ما تقدم
توضيحه في مسألة عقد الفضولي.
وقد أصر شيخنا الأستاذ على عدم ثبوته للمالكين في المعاملة
الفضولية إذا لم يحضرا في مجلس العقد وحضورهما في مجلس
الإجازة لا يكفي في ثبوت الخيار لهما، لأن الانتقال وإن حصل حال
الإجازة إلا أنه لو احتمل خصوصية الاجتماع حال العقد فلا مانع لهذا
الاحتمال واطلاق البيعان بالخيار ليس بصدد البيان من هذه الجهة.
أقول: قد عرفت أن قوله (عليه السلام): البيعان بالخيار حكم انحلالي ثابت
لكل من صدق عليه المتبايع مع حضورهما في مجلس واحد عند العقد
حتى صدق البيع والمتبايع عليهما.
ومن الواضح فإذا أجاز المالكين البيع فيستند البيع إليهما ويصدق
عليهما عنوان البيع حينئذ فيثبت لهما الخيار لتحقق موضوعه، ولا يفرق
في ذلك بين الكشف والنقل في ذلك، فإنه على كل حال فزمان الإجازة
زمان استناد البيع إلى المالكين وزمان الاستناد هو زمان صدق البيع
عليهما وهو موضوع الخيار، فيثبت لهما الخيار حين الإجازة.
والعجب من شيخنا الأستاذ كيف استشكل في اطلاق البيعان بالخيار
مع صدق البيع على المالكين هنا لا يقصر عن صدقه على سائر البياعين،
فلا نعرف الفرق بين المقام وبين سائر الموارد، لا من حيث مادة البيع
ولا من حيث هيئته.
105

المسألة (2)
في حكم ثبوت الخيار لشخص واحد من حيث كونه بايعا ومشتريا
قوله (رحمه الله): مسألة: لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره.
أقول: قد عرفت حكم ثبوت الخيار للبايع والمشتري في صورة
التعدد، سواء كانا وكيلين أو موكلين أو مختلفين، وكذلك لا شبهة في
ثبوت الخيار فيما إذا كان المنشئ واحدا وكان الموكلين من البايع
والمشتري متعددا وحاضرا في مجلس العقد، فإنه يثبت الخيار لكل
منهم ما لم يتفرقوا.
وإنما الاشكال فيما إذا كان شخص واحد وكيلا من قبل كل من البايع
والمشتري، فإنه لا تعدد في هذه الصورة من الطرفين، ومفروض
المسألة على ثلاثة أقسام، لأن الوكيل المذكور قد يبيع من الموكل
لنفسه، وقد يبيع من نفسه لموكله، وقد يبيع من أحد الموكلين للآخر،
وهل يثبت له الخيار حينئذ من كل من الطرفين أو لا يثبت الخيار له أصلا،
وقد وقع الخلاف في ذلك، والظاهر أن المعروف هو عدم ثبوت الخيار
له من الطرفين.
وذهب بعضهم إلى ثبوته ومنهم السيد (رحمه الله) في حاشيته (1)، واستدلوا
على ثبوته بالاطلاقات الدالة على ثبوت الخيار للمتبايعين ما لم يفترقا أو
حتى يفترقا، ومن الواضح أن الشخص الواحد يصدق عليه البايع
والمشتري باعتبارين، ولكن الكلام في ثبوت المانع عن ذلك في المقام،
وذكروا وجوها للمانعية:

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 6.
106

1 - إن المذكور في الروايات هو المتبايعان أو البيعان، ومن الواضح أن
الشخص الواحد لا يصدق عليه الاثنينية، فإن التثنية في حكم تكرار
المفرد ومجرد صدق العناوين المتعددة على شئ واحد لا يصح اطلاق
التثنية عليه إلا باعتبار هذا العنوان الانتزاعي مثلا، فيقال إن له عنوانين أو
عناوين.
ويمكن الجواب عنه بأن المراد من الروايات المشتملة على ذكر
التثنية هو ثبوت الخيار للبايع بعنوانه وللمشتري بعنوانه، فكأنه (عليه السلام)
قال: البايع بالخيار والمشتري بالخيار ما لم يفترق أحدهما عن الآخر،
وهذا لا ينافي ثبوته لشخص واحد يكون مجمعا للعنوانين، فالنكتة في
الاتيان بلفظ التثنية هي كون الغالب في البيوع تعدد المتعاملين وكون
البايع غير المشتري، بداهة عدم موضوعية التثنية والاثنينية في ثبوت
الخيار، وعليه فلا مانع من التمسك بالاطلاقات الدالة على ثبوت الخيار
للمتبايعين في المقام أيضا.
2 - إن الحكم أعني الخيار مغيا بالافتراق، أو الموضوع وهو
المتعاملين مغيا بالافتراق، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ، وقلنا في بعض
المباحث الأصولية أن جميع الشروط في القضايا الشرطية ترجع إلى
الموضوع، وعلى كل حال فهذه الغاية مستحيلة في شخص واحد، فإنه
لا يعقل الافتراق هنا، ومن الواضح أنه لا معنى لكون الحكم مغيا بغاية
مستحيلة، كما إذا قال أحد إن هذا الحكم ثابت حتى يلزم الدور أو
التسلسل أو اجتماع النقيضين أو الضدين. وهذا الوجه هو الظاهر من
المصنف.
107

وفيه أولا: ما أجابه السيد (1) نقضا، من أن الغاية المذكورة قد تكون
مستحيلة في شخصين، كما إذا كانا متلاصقين، فإنه لا شبهة في ثبوت
الخيار لهما، مع أن الافتراق فيه مستحيل أيضا.
وهذا النقض لا بأس به، وكذلك يصح النقض بما إذا كانا متعددين غير
متلاصقين ولكن كان الافتراق مستحيلا عادة، كما إذا كانا في السجن
المخلد فإنه لم يتوهم أحد عدم ثبوت الخيار في أمثال ذلك، وعليه
فيثبت له الخيار ولا يسقط إلا بمسقط غير الافتراق.
وثانيا: بالحل، بأن يقال: إن الحكم وإن كان مستحيل أن يكون مغيا
بغاية مستحيلة، كأن يجعل على موضوع معلقا باجتماع النقيضين ولكن
المقام ليس كذلك، فإنه لا بأس بأن يكون مغيا بغاية هي الجامع بين
الممكن والمستحيل.
كما إذا قال المولى: لا تجوز الصلاة في الثوب النجس حتى يغسل أو
إلى أن يغسل، وكقوله مثلا: لا تجوز أكل المتنجس إلى أن يغسل أو
حتى يغسل، فإن الغسل قد يكون مستحيل في بعض أفراد المتنجس
لكونه موجبا لانتفاء العين المغسولة، ومن الواضح أن الاستحالة في
خصوص فرد لا يوجب بطلان الحكم المجعول إلى غاية جامعة بين الفرد
الممكن والمستحيل.
وكذلك في المقام، فإن الخيار وإن كان مغيا بغاية وهي الافتراق،
ولكن هذه الغاية ليست مستحيلة دائما بل هي مستحيلة في بعض الأفراد
كما عرفت في الفروض المتقدمة، فمثل هذا لا يمنع عن جعل الحكم
مغيا بغاية، فكما لا يمنع استحالة الغسل في مثل السكر والقند والصبغ

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 6.
108

عن كون الغسل غاية لجواز أكل المتنجس أو لبسه، وكذلك الافتراق
المستحيل في فرد خاص لا يمنع عن جعل ثبوت الخيار للمتبايعين مغيا
بغاية وهي الافتراق.
وهل يتوهم أحد أنه يجوز أكل السكر المتنجس والحليب المتنجس
من جهة أن استحالة الغسل فيها أوجبت سقوط الحكم بوجوب الغسل،
نعم فيما كانت الغاية مستحيلة من جميع الجهات فلا معنى لكون الحكم
مغيا بتلك الغاية.
بيان آخر لهذه المسألة
كان الكلام في ثبوت خيار المجلس لشخص واحد الذي كان وكيلا
من قبل البايع والمشتري، وهو قد يبيع مال نفسه من أحد الموكلين أو
مشتري من أحدهما لنفسه أو يبيع من أحد الموكلين للآخر، وبناء على
ثبوت الخيار له لا يسقط إلا بمسقط آخر، وقد تقدم أن المانعين عن ثبوت
خيار المجلس له من الطرفين تمسكوا بوجوه:
1 - عدم شمول الاطلاقات الدالة على ثبوت خيار المجلس
للمتبايعين لما نحن فيه، فإنها تدل على ثبوته للمتبايعين والبيعين بحيث
يكونان متعددا والشخص الواحد لا يكون متعددا.
وبعبارة أخرى أن الاطلاقات تدل على ثبوت خيار المجلس للتثنية
بحيث يكون أحدهما بايعا والآخر مشتريا، والشخص الواحد وإن كان
يصدق عليه عنوان البايع وعنوان المشتري ولكنه لا يصدق عليه عنوان
التثنية، فإنها في حكم تكرار المفرد والمفرد لا يصدق عليه التكرار، نعم
يصدق عليه العناوين المتعددة.
وفيه أن الاتيان بالتثنية من جهة الغلبة، فإن الغالب أن المتصدي للبيع
109

والشراء هو شخصان، وهذا لا ينافي ثبوت الخيار للشخص الواحد أيضا
إذا تصدى للبيع والشراء بوحدته، كما يثبت له بقية أحكام البايع
والمشتري، والاتيان بالتثنية في حكم أن البايع له خيار ما لم يفترق عن
المشتري والمشتري له الخيار ما لم يفترق عن البايع، والقرينة على هذا
هو ثبوت الخيار لكل من البايع والمشتري مستقلا من غير أن يتوقف
اعماله على اعمال الطرف الآخر، فالاتيان بكلمة التثنية ليس له
موضوعية أصلا كما هو واضح.
2 - ما ذكره بعضهم، من أن ما يكون غاية للحكم الشرعي لا يمكن
أن يكون مستحيلا بل لا بد وأن يكون أمرا ممكنا، ومن الواضح أن
التفرق الذي غاية لثبوت الخيار للمتبايعين مستحيل في شخص واحد،
فلا يكون غاية لثبوت خيار المجلس له فيرتفع الخيار في حقه، نعم قد
يكون الغاية المستحيلة غاية لحكم مستحيل، كقوله تعالى: حتى يلج
الجمل في سم الخياط (1)، وكقولك: لا تقدر على الحركة وسكون معا حتى
يجتمع النقيضان، وهذا هو الظاهر من كلام المصنف.
وفيه حلا ونقضا، أما النقض فبما ذكره السيد (رحمه الله) من فرض المتبايعين
متلاصقين، فإنه مع كونهما شخصين يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر،
فلازم الاشكال المذكور أن لا يثبت الخيار لهما أيضا، مع أنه بديهي
البطلان، بل لازم ذلك عدم ثبوت الخيار لشخصين مع استحالة الافتراق
بينهما عادة، كما إذا كانا في السجن الذي لا يخرجان منه عادة.
وثانيا: بالحل، وهو أن الحكم الشرعي وإن لم يكن مغيا بغاية
مستحيلة ولكن لا شبهة في جواز كونه مغيا بغاية ممكنة، ولكن بعض
أفرادها ممتنعة كما مثلناه، كما إذا فرضنا أن الشارع حكم بحرمة أكل

1 - الأعراف: 40.
110

المتنجس أو لبسه حتى يغسل، فإن تلك الغاية ممكنة في نفسها ولكن
قد تكون مستحيلة لاستحالة الغسل في بعض الموارد لزوالها بالغسل،
وهذا لا يوجب ارتفاع حرمة الأكل أو اللبس عن تلك المورد مثلا،
وهكذا إذا كان ثبوت الحكم للحيوان مغيا بغاية وهي الطيران، فإن
استحالته في الانسان لعدم وجود الجناح له لا يوجب رفع الحكم.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الافتراق الجامع بين المستحيل
والممكن ممكن، ولكن قد استحال ذلك في بعض أفراد البايع
والمشتري، وهو ما إذا كان المتصدي للبيع والشراء شخص واحد، إلا
أنه لا يوجب رفع الحكم الشرعي أعني الخيار المجلس الثابت
للمتبايعين والبيعين.
3 - أن الغاية التي عبارة عن الافتراق غير متحقق في الشخص الواحد،
لا من جهة ما تقدم من عدم جواز كون الحكم الشرعي مغيا بغاية مستحيلة
بل من جهة إباء مادة الافتراق عن ذلك، وتوضيح ذلك:
أن الروايات الواردة في اثبات خيار المجلس على طائفتين:
الأولى: ما كان مقيدا بقيد عدمي، كقوله (عليه السلام): البيعان بالخيار ما
لم يفترقا (1).
والثانية: ما كان مغيا بغاية، وهو قوله (عليه السلام): البيعان بالخيار حتى
يفترقا (2).

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
111

كما أشرنا إلى هاتين الطائفتين في مطاوي ما ذكرناه، ولا فرق بين هاتين
الطائفتين، فإن قوله (عليه السلام): حتى يفترقا، أيضا راجع إلى القيد العدمي
من حيث المفهوم، فإن مفهوم حتى يفترقا أن عدم الافتراق شرط في
ثبوت الخيار، فتكون كلتا الطائفتين ناظرتين إلى اشتراط الموضوع بعدم
الافتراق وقهرا يكون الحكم أيضا مقيدا بذلك.
ثم إن التقابل بين الافتراق وعدم الافتراق وإن كان هو الايجاب
والسلب كما هو الشأن في كل عدم مضاف إلى شئ وبدله، وليسا هما
كتقابل الافتراق والاجتماع، فإنهما إنما يكونان في موضوع قابل فيكون
التقابل بينهما هو العدم والملكة، فالتقابل المستفاد من الأخبار الواقع بين
الافتراق وعدمه فيكون من تقابل السلب والايجاب.
ولكن المتفاهم من القضية السالبة بحسب العرف هو أن الانتفاء إنما هو
بحسب المحمول وإن كانت صادقة في نظر العقل بانتفاء الموضوع أيضا،
فإنه إذا قيل: إن فلانا ليس بوسيع الدار، أو ليست زوجته جميلة، أوليس
له ابن، يفهم أهل العرف أن له دار غير وسيعة، وأن له زوجة غير جميلة،
وأن له زوجة وليس له ابن، لا أنه ليس له هذه الأمور أصلا، وإن كان ذلك
أيضا صادقا، وعليه فيكون التقابل بين الافتراق ومقابله من العدم
والملكة.
وعلى هذا فكلمة عدم الافتراق إنما تحقق وتصدق في مورد يكون
قابلا للافتراق، ولكن لم يتحقق الافتراق لكي يكون السلب بانتفاء
المحمول، كما هو مقتضى الفهم العرفي حينئذ، فيكون السلب مساوقا
لثبوت الخيار للمتبايعين مع عدم التفرق في موضوع قابل للتفرق، ولو
عممنا السلب إلى السلب بانتفاء الموضوع لثبت الخيار بمقتضى الأخبار
في صورة السلب بانتفاء الموضوع أيضا، بحيث يكون التقابل حينئذ بين
112

الافتراق وعدمه هو التقابل في السلب والايجاب، ولكن قلنا هو خلاف
المتفاهم العرفي من القضية السالبة.
وإذن فمحط الروايات وموضعها هو ما كان الافتراق فيه ممكنا مع
حفظ الموضوع، بحيث يكون الموضوع قابلا له حتى يكون الخيار مع
عدم الافتراق ثابتا للمتبايعين، فتكون النتيجة حينئذ أن الخيار غير ثابت
في صورة اتحاد البايع والمشتري، إذ ليس المورد قابلا للتفرق، فيكون
المورد من باب السلب بانتفاء الموضوع، وقد عرفت أنه بعيد عن
المتعارف فلا يكون مشمولا للأخبار، نعم لو عممنا مورد الأخبار
للسلب بانتفاء الموضوع أيضا لكانت شاملة لما نحن فيه أيضا.
والحاصل أن مورد الأخبار ما يكون التقابل بين الافتراق وعدمه تقابل
العدم والملكة، بحيث يكون المتبايعين قابلين لذلك، وما نحن فيه من
قبيل السلب والايجاب، وإذا عممنا الأخبار إلى السلب بانتفاء
الموضوع أيضا فيكون المقام مشمولا لها ولكنه خلاف متفاهم العرف.
ومن هنا ظهر الجواب عن نقض السيد (رحمه الله) (1)، فإن الشخصين
المتلاصقين وإن كانا غير متفرقين ومستحيل افتراقهما ولكن عدم
افتراقهما من قبيل العدم والملكة، لكونها بحسب نوعهما قابلين
للافتراق، وإن كانا لا يقبلان ذلك بحسب التصادف، فيكون الخيار ثابتا
لهما لكون الأخبار شاملة لهما كما عرفت.
نعم لو كان الغرض من ثبوت الخيار للمتبايعين هو التروي حتى
يلاحظ كل منهما صلاح نفسه، بحيث يكون ذلك هو الحكمة في جعل
خيار المجلس لكان لثبوته لشخص واحد إذا كان وكيلا من الجانبين وجه

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 6.
113

وجيه، ولكن لا دليل على هذه الحكمة، وقد تقدم الكلام فيه، ولا يمكن
رفع اليد بها عن عموم الأدلة واطلاقاتها الدالة على صحة العقود
والايقاعات، فإن مثل ذلك من الوجوه الاستحسانية التي لا يمكن
الاعتماد عليها.
المسألة (3)
في استثناء بعض أشخاص المبيع عن ثبوت خيار المجلس
قوله (رحمه الله): مسألة: قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا
الخيار.
أقول: هنا موارد:
المورد الأول: من ينعتق على أحد المتبايعين
فإن المشهور ذهبوا إلى سقوط خيار المجلس في ذلك، بل الظاهر من
كلام بعضهم أنه موضع وفاق.
وقد استدل عليه بوجوه:
1 - إن البيع والشراء المتعلقين بالعمودين ليسا من البيع والشراء
الحقيقيين بل هما في الحقيقة عتق، فيكون البيع من البايع ايجادا للعتق
بصيغة البيع مع الضمان من المشتري، وعليه فلا يترتب عليه أحكام البيع
أصلا، وهذا الوجه هو محتمل كلام المصنف، حيث عبر عنه بالملك
التقديري والملك الفرضي، فإن الظاهر من ذلك أن ما يوجب حصول
الملكية أعني البيع منتف.
وفيه أنه لا وجه للالتزام به وأنه خلاف البداهة، فإنه لما ذا يترتب
العتق على قصد المتبايعين الملكية خصوصا إذا كانا جاهلين بالحكم أو
بالموضوع، فبأي دليل يحكم بترتب العتق على البيع، فإنه وإن كان
114

ممكنا ولكنه لا دليل عليه، فإنه لو ترتب العتق على البيع يلزم أن يقع ما
لم يقصد ولم يقع ما قصد، نعم لو قام الدليل عليه لما كان به بأس كما هو
كذلك في المعاطاة كما تقدم، فإنك قد عرفت أن مقتضى الجمع بين الأدلة
هو الحكم بالإباحة الشرعية على ما ذهب إليه بعضهم.
2 - ما ذكره المصنف في آخر كلامه، وحاصله: أن سقوط الخيار
بالتصرف الشامل للاتلاف معللا في أخباره بأنه رضا منه (1) يقتضي
بالفحوى والأولوية على عدم ثبوته في المقام، لأن بيع من ينعتق على
المشتري اتلاف له من البايع والمشتري له، فإذا كان الاتلاف رافعا للخيار
بعد ثبوته فبالأحرى أن يكون دافعا له.
ويرد عليه أولا: ما اعترف به المصنف قبل كلامه هذا، من اختصاص
ذلك بصورة العلم منهما، ولا يجري ذلك في فرض الجهل منهما على
الحكم بالكبرى أو الجهل بالصغرى والموضوع.
وثانيا: إن لازم ذلك هو سقوط الخيار من المشتري، فإنه أتلف المبيع
وأما البايع فلا وجه لسقوط خياره، واقدامه على البيع في صورة العلم
ليس اقداما على التلف عنه بل اقدام على التلف عن المشتري.
وثالثا: إن ما سيأتي الكلام فيه، من كون التلف بل أدنى التصرف مسقط
للخيار إنما هو بعد تمامية البيع والنقل والانتقال، لا التلف الذي يلزم من
قبل القبول، فإنه لا دليل على كونه مسقطا للخيار، بل هو مقوم للبيع الذي
موضوع الخيار، فإنه لا يتقوم بدون القبول.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
115

وبعبارة أخرى أن التلف بل التصرف ولو كان قليلا وإن كان يوجب
سقوط الخيار ولكنه واقع بعد تحقق البيع وحصوله النقل والانتقال،
وأما التصرف الحاصل بايجاد أحد ركني البيع كما يتحقق هنا بالقبول
فلا يوجب سقوط الخيار، وعليه فإذا فسخ كل من البايع أو المشتري
العقد فيرد بدل العين التي في حكم التالف كما هو واضح.
3 - إن في شراء العمودين وإن كان يحصل النقل والانتقال حقيقة إلا أنه آني، فلا يقبل إلا العتق، فلا يقبل المورد تعلق الفسخ والرد به، فإن
الحر لا يصير عبدا، وعلى هذا فأدلة الخيار تكون منصرفة عن المقام.
وبعبارة أخرى أن منصرف أدلة الخيار صورة بقاء العوضين، فإذا تلف
أحدهما أو كلاهما تلفا حقيقيا أو تلفا حكميا وشرعيا كالانتقال إلى الغير
بالبيع ونحوه أو كالعتق كما في المقام، خرج المورد عن منصرف الأدلة.
والحاصل أن المستفاد من دليل الخيار تقوم حق الخيار بقيام العوضين
إما بتعلق الحق بهما ابتداء أو كان الحق قائما بالعقد، ولكن ذلك لغرض
استرجاع العوضين، فلا يكون حيث لا يكونا العوضان قائمين.
وفيه أن متعلق الفسخ هو العقد كما تقدم بيانه سابقا دون العين كما هو
كذلك في المعاطاة، حيث إن معنى تزلزل العقد هو جواز تراد العينين،
وعلى هذا فيجوز اعمال الخيار حتى بعد تلف أحد العوضين أو كليهما
بحيث لا يكون مستندا إلى تصرف أحدهما، وعليه فإن كانت العين باقية
فتسترجع العين وإلا فبدلها.
ودعوى انصراف الأدلة الدالة على ثبوت الخيار إلى صورة بقاء العين
دعوى جزافية، فإنه لا منشأ له بوجه وإن كانت نتيجة فسخ العقد أيضا هو
استرجاع العين.
4 - إن معنى الفسخ هو فرض كون العين تالفة في ملك البايع في فرض
التلف، بأن يفرض أن المبيع لم يكن منتقلا إلى المشتري أصلا، لأن
116

الفسخ يجعل العقد كأن لم يكن وكان التصرف وقع في ملك البايع،
وفرض العقد كأن لم يكن مثلا إذا اشترى أحد من البايع خبزا فأكله ثم
فسخ العقد فمعناه أن الأكل قد وقع في ملك البايع.
وعليه فلا يجري ذلك في شراء الشخص عموديه، فإنه بمجرد
الاشتراء ينعتق عليه بعد حصول الملكية له آنا ما، وإذا انعتق فلا يمكن
أن يفرض بالفسخ كون العتق واقعا في ملك البايع، فإن العبد ليس من
عمودي البايع حتى ينعتق عليه بل هو من عمودي المشتري، فلا يعقل
جريان الفسخ هنا أصلا، فلا يجري خيار المجلس في شراء الشخص
عموديه كما هو واضح.
وبالجملة حيث لا يمكن فرض كون العتق في ملك البايع لعدم كون
العبد أبا له مثلا، فلا يمكن فرض الفسخ هنا لعدم تحقق معناه الذي كان
عبارة عن فرض كون التلف في ملك البايع، وإذا لم يجر معنى الفسخ هنا
فلا يجري فيه الخيار أيضا.
وفيه أولا: أن لا داعي لهذا الفرض فإنه التزام به بلا ملزم، فلماذا
نفرض كون الفسخ هو فرض تلف المبيع في ملك البايع كما لا يخفى.
وثانيا: لازم ذلك عدم الخيار في صورة التلف الحكمي، بأن يبيع
المشتري ما اشتراه من البايع إلى الثالث، فإنه لا يمكن هنا أيضا فرض كون
البيع في ملك البايع، فإنه مضافا إلى أنه لا بيع إلا في ملك لأنه وقع في ملك
المشتري أن لازم ذلك رجوع الثمن إلى البايع وليس كذلك قطعا، فإنه
مال للمشتري فلا مساس له بالبايع كما هو واضح، وأما في صورة التلف
الحقيقي فلا يجري النقض لامكان فرض كون التلف في ملك البايع،
فلا يقاس بالتلف الحكمي مثل البيع ونحوه.
5 - ما ذكره صاحب المقابيس، وحاصله أن ثبوت الخيار لمن انتقل
عنه مبني على أن الخيار والانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد
117

ثبوت الملك آنا ما، أو أن الخيار مبني على البيع والانعتاق مبني على
ثبوت الملك أو العكس، فعلى القول بحصول الخيار والانعتاق بمجرد
البيع أو القول بحصول الملك أو القول بكون الخيار مبنيا على الملك
والانعتاق على البيع فيقوي القول بعدم الخيار.
والوجه فيه أن أخبار العتق (1) نص في مفاده، والقول بالرجوع إلى
القيمة بعد اعمال الخيار فاسد، فإن القيمة بدل للعين فيمتنع استحقاقها
من دون المبدل، ولأن حق العتق سابق لتعلقه قبل تعلق الخيار فيكون
مقدما.
ثم قرب ثبوت الخيار على الوجه الأخير جمعا بين الحقين ودفعا
للمنافاة من البين، وعملا بكلا النصين والاجماع على عدم امكان زوال
يد البايع عن العوضين، وتنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في
أحدهما والعتق بمنزلة تلف العين، فكما أنه مع ظهور العيب في
أحدهما يؤخذ الأرش، وفي هنا يؤخذ البدل، إذ لا يمكن عود الحر
عبدا.
ثم وجه ثبوت الخيار بأنه يثبت بمجرد العقد وأن العقد علة له، كما أن
الملك علة للعتق، فلمكان عدم الانفكاك بين العلة والمعلول فيتعين
القول بثبوت الخيار بمجرد البيع كما هو واضح.
وفيه أنه لا يترتب ثمر على هذا التشقيق بوجه ولا طائل تحته أصلا،
فإنه إن كان المراد من تقدم الخيار على العتق هو التقدم الطبعي فلا فائدة
فيه، وإن كان المراد به هو التقدم الزماني فهو خارج عن المقام.

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الأول (عليه السلام) قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو
خالته أو عمته عتقوا، ويملك ابن أخيه وعمه ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة (الكافي
6: 177، التهذيب 8: 240، عنهما الوسائل 23: 18)، صحيحة.
118

أما الأول، فتوضيح ذلك: إن كان البيع متقدما رتبة على الملك وكان
الخيار أيضا مترتبا على البيع فيكون مقدما على الانعتاق رتبة، لأن
الفرض أن الانعتاق إنما ترتب على الملك، وإن كان الملك متقدما على
البيع رتبة وترتب الخيار على الملك والانعتاق على البيع كان الخيار أيضا
متقدما على الانعتاق، وإن كان العكس فالانعتاق مقدم على الخيار رتبة.
وبعبارة أخرى قد يكون الخيار مقدما على الانعتاق رتبة، وقد يكون
الانعتاق مقدما على الخيار رتبة، وعلى كل حال سواء كان الخيار مقدما
على الانعتاق أو الانعتاق مقدما على الخيار فلا يترتب عليه ثمر أصلا،
لأنا ذكرنا مرارا في كثير من الأبحاث أن المدار في اجتماع الحكمين
وعدمه وتقدم أحدهما على الآخر وبالعكس هو ملاحظة الاتحاد في
الزمان، فبمجرد الاختلاف بحسب الرتبة لا يفيدنا بوجه، ومن الواضح
سواء قلنا بتقدم الخيار على الانعتاق رتبة أو بالعكس، وعلى كل حال
فموضوع كليهما أعني البيع والانعتاق إنما تحققا في زمان واحد فيترتب
عليهما الخيار والانعتاق أيضا في زمان واحد، وإن كان ترتب أحد
الحكمين مقدما على الآخر من حيث الرتبة لتقدم موضوع أحدهما على
الآخر كذلك.
وأما على الثاني، بأن يكون موضوع أحد الحكمين مقدما على الآخر
من حيث الزمان، فيكون أحد الحكمين أيضا مقدما على الآخر من حيث
الزمان، كما إذا فرضنا في مورد قد حصل البيع ولم يحصل الملك بعد،
كما في بيع السلم، فإن البيع قد حصل عند اجراء الصيغة ولكن الملكية
مشروطة بالقبض.
وعليه فإن قلنا بكون الانعتاق مترتبا على البيع والخيار مترتبا على
الملك، فبمجرد تحقق البيع يترتب الانعتاق على البيع، كما إذا كان الثمن
119

عبدا فإنه ينعتق على البايع الذي هو ابنه، وعليه فلا يبقى موضوع للخيار
أصلا، فإنه كان مترتبا على الملكية وهي لم تحصل بعد، ولكن هذا
مجرد فرض، فإنه لا دليل على الانعتاق بمجرد البيع كما هو واضح، وإن
كان الخيار مترتبا على البيع وكان العتق مترتبا على الملك كما هو كذلك،
فحينئذ لو فسخ ذي الخيار العقد فإنه لا يبقى موضوع للانعتاق.
وهذا الفرض صحيح، ولكن كلام صاحب المقابس في البيع
المتعارف لا في البيع السلم، وقد ذكرناه من أن الفرض خارج عن مورد
كلامه، على أن مفروض الكلام هو اجتماع الخيار والانعتاق في محل
واحد وملاحظة دليلهما وتقديم أحدهما على الآخر، وفي المقام
لم يجتمعا في آن واحد بل كان الخيار مقدما على العتق موضوعا وكان
ثبوته أيضا مقدما عليه، فأعماله لا يبقى مجالا للعتق فضلا عن الاجتماع.
وعلى كل حال لم نتحصل من كلامه وتشقيقه ما يفيدنا بوجه أصلا،
وعلى الجملة لم نعرف وجها صحيحا وفائدة لما تشققه وقسمه إلى
شقوق و أقسام، والحق أنه لا وجه لسقوط الخيار هنا، لما ذكرناه من تعلق
الفسخ بالعقد دون العقد كما اعترف به صاحب المقابيس أخيرا، فيكون
ذلك مثل الأرش.
المورد الثاني: العبد المسلم المشترى من الكافر
قوله (رحمه الله): ومنها: العبد المسلم المشتري من الكافر، بناء على عدم تملك
الكافر المسلم اختيارا.
أقول: من جملة الموارد التي ذكر عدم ثبوت الخيار فيها هو بيع العبد
المسلم من الكافر جبرا، فإنه لا خيار للبايع حينئذ، وإلا يلزم أن يكون
مثل الأول.
120

وقد يقال في وجه ذلك: إن هذا ليس ببيع أصلا بل هو صورة بيع، نظير
الوجه الأول الذي تقدم في بيع العبد ممن ينعتق عليه، فكان هذا شئ
لاستخلاص العبد المسلم من الكافر واعطاء ثمنه إياه من أي شئ كان
من بيت المال ونحوه.
والحاصل أن خيار المجلس إنما ثبت في البيع للمتبايعين، فبيع العبد
المسلم من الكافر ليس بيعا لكي يثبت فيه الخيار بل هو استنقاذ له من
الكافر واعطاء بدله إياه بأي نحو كان، فلا يثبت حينئذ خيار المجلس
كما هو واضح، كما أن في المسألة الأولى كان بيع العبد ممن ينعتق عليه
صورة بيع، لكونه في الواقع انشاء لصيغة العتق كما لا يخفى.
هذا وإن كان ممكنا ولكنه خلافه ظواهر الأدلة، فإن قوله (عليه السلام) في
العبد المسلم عند مولاه الكافر قال: بيع ممن ينعتق عليه، أن الظاهر منه
أنه يباع عليه حقيقة لا أنه يستنقذ منه ويعطي عليه قيمته كما توهم.
وقد يقال بأن ثبوت الخيار للبايع الكافر اثبات سبيل له على المؤمن
وهو منفي بنص الآية الشريفة هنا، فلا يثبت خيار المجلس في مثل هذا
البيع.
ولكنك قد عرفت في شرائط العوضين أن الآية لا دلالة فيها على عدم
جواز تملك الكافر العبد المسلم، فإن مجرد التملك ليس سبيلا، وإنما
السبيل هو بقاء العبد تحت سلطنة الكافر، وأما إذا ملكه ثم أجبر بالبيع
فلا سبيل فيه، وعلى تقدير دلالتها على عدم جواز تملك الكافر العبد
المسلم إنما هو في الملك الابتدائي، بأن يشتري عبدا مسلما من شخص،
وأما الملك الاستمراري فلا يكون مشمولا للآية، بأن يبيع ما عنده من
العبد ثم يرجعه إلى ملكه بالفسخ.
وهذا وإن كان نحوا من التملك ولكنه ليس مشمولا للآية، وذلك فقد
121

عرفت مرارا أن الفسخ إنما يتعلق بالعقد ويرفع الالتزام الحاصل من
المتبايعين ويترتب عليه استرداد العين إن كانت باقية، ورد البدل إن كانت
العين تالفة.
وعليه فرد العين إلى ملكه ليس تملكا جديدا كالتملك الابتدائي بل
هي مملوكة للمولي بعين الملكية السابقة، غاية الأمر قد كانت منقطعة
بالبيع وممنوعا عنه به وقد ارتفع المانع بالفسخ ورجع إلى حاله الأولى
وصار أيضا مملوكا لمولاه بالملكية الأولية كما هو واضح، ومن هنا قال
الشافعي: إن الزائل العائد كأنه لم يزل، وما ذكروه موافق للاعتبار وإن لم يكن عليه دليل.
وعلى هذا فلا مانع من ثبوت الخيار هنا، فإذا أعمل الكافر خياره
وفسخ العقد وأرجع العبد إلى ملكه ثم يجبر على البيع أيضا.
وعلى الجملة لا نعرف وجها لسقوط الخيار هنا، فلا يكون هذا
المورد من المستثنيات كما لا يخفى، لاطلاق أدلة الخيارات.
وقد يقال إن رجوع العين بالفسخ إلى ملك الكافر ثانيا أيضا مثل
التملك الابتدائي فيكون سبيلا للكافر على المؤمن فلا يجوز، فلا يرجع
العبد المسلم الذي بيع على الكافر إليه ثانيا بالفسخ أيضا.
وقد ظهر جوابه مما تقدم، فإن الفسخ ليس من المملكات ليكون
ارجاع العين به تملكا جديدا، بل هو يرفع المانع عن استمرار الملك
الأول.
وعلى تقدير صحة هذا الوجه مع القول بثبوت الخيار للكافر أيضا كما
هو مقتضى الوجه الأول لاطلاق أدلة خيار المجلس، فلا بد من الالتزام
بثبوت الخيار وعدم رجوع العبد إلى ملك الكافر ثانيا، بل يرجع إليه
بدله.
122

والحاصل أن ضم الوجه الثاني بالوجه الأول ينتج أن الكافر البايع له
الخيار، ولكن لا يرتب على فسخه ارجاع العين، أعني العبد، بل ارجاع
بدله.
والحق أن هذا أيضا ليس من المستثنيات كالمورد السابق، بل أدلة
خيار المجلس في كلا الموردين محكمة.
وعلى الجملة فإنا نقول بعدم ثبوت الخيار أصلا، فهو مناف لأدلة
الخيار، أو نقول بثبوته ولكن لا يترتب على أعماله إلا رد البدل فقط،
حفظا لكلا الوجهين وجمعا بينهما، فإن الفسخ لم يتعلق برد العين حتى
لا يمكن الجمع بين الوجهين بل تعلق بالعقد، وهو في الحقيقة يرفع
الالتزام العقدي كما لا يخفى.
المورد الثالث: شراء العبد نفسه
قوله (رحمه الله): ومنها: شراء العبد نفسه، بناء على جوازه، فإن الظاهر عدم الخيار
فيه.
أقول: قد ذكروا من جملة موارد سقوط خيار المجلس شراء العبد
نفسه من سيده، فإنه بناء على جوازه كما هو الظاهر لا يثبت له الخيار،
لعدم شمول أدلة الخيار له.
والوجه في ذلك الفارق بين هذا وبين بيع العبد على من ينعتق عليه،
هو أن المانع هناك إنما هو الشرع، فإن الانسان لا يملك عموديه شرعا،
ولذا يملك آنا ما لتصحيح موضوع العتق ثم ينعتق عليه، بحيث لو
لم يكن هنا مانع شرعي لملكه دائما ولكن لمانع شرعي ينعتق على
المشتري إلا أنه ينعقد البيع، ولا يمنع ذلك عن انعقاده، وبقانون حكم
المعاوضات إذا أعمل البايع الخيار فيرجع إلى البدل كما أنه لو كان فيه
عيب فيرجع المشتري إلى الأرش.
123

وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن المانع هنا عقلي، بداهة أن المولى إنما
هو مالك للعبد بالإضافة الاعتبارية كملكه لبقية أمواله ملكية اعتبارية،
وإذا ارتفع هذا الاعتبار فيكون العبد مالكا لنفسه وكذا لجميع أفعاله
وأعماله ملكية ذاتية، بحيث لا يكون لأحد التسلط عليه، وهذا عين
الحرية وليس شيئا آخر وراءه.
ومع هذا لا معنى لاعتبار ملكيته على نفسه لكونه لغوا محضا، كما أن
اعتبار الملكية لكل أحد على نفسه أو على أعماله وذممه لغو، لوجود
إضافة الملكية في جميع ذلك ملكية ذاتية والسلطنة الحقيقية من غير أن
تقارنها سلطنة اعتبارية أصلا، وهذه السلطنة هي التي أشار إليها عز من
قائل: قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي (1).
عليه فلا معنى في هذه الصورة شراء العبد نفسه بل هو صورة بيع وإنما
حقيقته العتق، فيكون ذلك نظير العبد المكاتب، فإنه ليس إلا عتقا،
واطلاق البيع إنما هو بالمشابهة والمشاكلة كما لا يخفى، بل نظير ذلك
موجود في هذا الزمان أيضا، فإنه إذا كان شخص محكوما بالاعدام في
المحكمة الاختصاصية وأعطي مالا ونجي عن القتل، فإنه يقال: إنه
اشترى نفسه ممن كان حاكما على قتله، وكذلك المقام.
وعليه فلا معنى لحصول البيع من الأول أبدا حتى آنا ما، فإنه لا يقاس
بالمانع الشرعي، فإنه قلنا هناك بحصول الملكية آنا ما بمقتضى الجمع
بين الأدلة الشرعية، وهذا بخلاف المقام، فإن المانع عقلي فهو مانع من
الأول، وإلا فلو كانت الملكية حاصلة آنا ما لم يكن وجه للسقوط، بل كان
باقيا إلى الأبد لعدم الدليل عليه.

1 - المائدة: 25.
124

وعلى هذا فليس المقام من المستثنيات حتى موضوعا، لعدم كونه
بيعا أصلا كما لا يخفى.
أقول: الظاهر أنه لا مانع من الالتزام بصحة البيع هنا، فإن الشأن هنا هو
الشأن في أعمال الانسان والكلي في الذمة، فإنه يصح أن يشتري ويبيع
ما في ذمته للغير ومن الغير، غاية الأمر تبدل الملكية الاعتبارية بالملكية
الحقيقية لكونه لغوا، وأما عدم جواز بيع نفسه فمن جهة ما دل على
حرمة بيع الحر، فيصح بيع المولى عبده من نفسه بالملكية الاعتبارية،
وبعد الشراء يكون العبد مالكا بالملكية الذاتية، كما أنه مالك لعمله
وفعله وذمته كذلك.
المورد الرابع: اشتراء الجمد في شدة الحر
قوله (رحمه الله): ومنها أيضا: أنه لو اشترى جمدا في شدة الحر، ففي الخيار
اشكال.
أقول: قد وجه المصنف بأن هذا لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية
العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار، إلا أنه لا يوجب رفع اليد عن
اطلاق أدلة الخيار، فإنه لم يؤخذ فيها كون المبيع قابلا للبقاء، وعليه
فلا بأس بالحكم لثبوت الخيار بعد التلف أيضا، غاية الأمر أنه إذا تحقق
الفسخ فينتقل المبيع إلى البدل كما هو قانون المعاوضة، ولذا ذكر
المحقق الثاني في جامع المقاصد (1) أن الخيار لا يسقط بالتلف لأنه لا يسقط
به إذا ثبت قبله.
على أنه لو كان عدم كون العين قابلة للبقاء لزم منه ما لم يلتزم به أحد
من المتفقه فضلا عن الفقيه، وهو إذا كانت العادة جارية بعدم بقاء المبيع

1 - جامع المقاصد 4: 283.
125

أزيد من ساعة أو نصف ساعة كالمأكولات والمشروبات، بل في غير
ذلك أيضا إذا علم المتبايعان بعدم بقاء المبيع إلا زمانا قليلا، فإن
المشتري بمجرد الشراء يبيعه من غيره كما هو واضح، مع أنه لم يلتزم به
أحد، بل ولا يمكن الالتزام به، فلا مناص من القول بثبوت الخيار
لاطلاق الأدلة ولكن تنتقل العين بعد الفسخ إلى البدل.
وقد أشار شيخنا الأستاذ على ثبوت الخيار هنا، وحاصله: أن خيار
المجلس إنما يثبت فيما لم يكن بناء المتعاقدين على الاعراض عن
العوضين، ومع علمهما بخروج المال عن المالية بمجرد البيع إما حقيقة
أو شرعا فقد أقدما على ذهاب مالهما، ومن الواضح أن في بيع العبد ممن
ينعتق عليه أو في شراء العبد نفسه أو في بيع الجمد في شدة الحر قد
علما المتبايعان بأن المبيع تتلف، غاية الأمر أن التلف في الأولين شرعي
وفي الأخير مستند إلى الحر فالتلف عادي، وعلى كل حال فلا يثبت
الخيار في أمثال ذلك.
وفيه أولا: إن أدلة الخيار غير مقيدة بما ذكر، بل هي تدل على ثبوت
الخيار على وجه الاطلاق.
وثانيا: إن متعلق الخيار والفسخ هو العقد، فهذا لا يتوقف على البناء
على اعراض المتبايعين عن العوضين وعدم اعراضهما عنهما.
وثالثا: فلازم كلامه عدم ثبوت الخيار فيما جرت العادة بتلف المبيع،
أو علما بذلك بعد ساعة أو ساعتين، كما إذا كان المبيع طعاما كالخبر
ونحوه، فإن من يشتري الخبز فيأكله بعد زمان قليل فالبايع يعلم ذلك
وكذلك أمثاله، ولم يتوهم أحد سقوط الخيار هنا كما لا يخفى.
وعلى كل فلا نعرف وجها صحيحا لما ذكره العلامة (رحمه الله) من عدم
ثبوت الخيار في بيع الجمد ونحوه.
126

المسألة (4)
جريان خيار المجلس في سائر العقود
قوله (رحمه الله): مسألة: لا يثبت خيار المجلس في شئ من العقود سوى البيع عند
علمائنا.
أقول: لا شبهة أن مورد خيار المجلس إنما هو البيع، لاختصاص
الأدلة به، فلا يجري في غيره، ولكن ذكر الشيخ (رحمه الله) في المبسوط بعد
ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار والتي لا يدخلها قال: وأما
الوكالة والوديعة والعارية والقراض والجعالة فلا يمنع من دخول الخيار
فيها مانع - انتهى. (1)
ومراده من الخيارين هو خيار المجلس والشرط، وحكي نحوه عن
القاضي (2)، ولكن لا نعرف وجها لثبوت الخيار هنا، ومن هنا ذكر العلامة
في التذكرة (3) أن الخيار في أمثال هذه العقود أبدي، واحتمل في
الدروس (4) من أن يراد من الخيار هنا عدم جواز التصرف قبل انقضاء
الخيار.
ولعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذا العقود، كما
ذكره المصنف لا الموجب، إذ لا معنى لتوقف جواز تصرف المالك في
هذه العقود على انقضاء الخيار، لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك عن
التصرف، فهو الذي يمكن توقفه على انقضاء الخيار.

1 - المبسوط 2: 82.
2 - المهذب 1: 356، وفي السرائر 2: 246.
3 - التذكرة 1: 517، المختلف 5: 72.
4 - الدروس 3: 268.
127

والذي ينبغي أن يقال: إن غير البيع من العقود لا يخلو إما لازمة أو
جائزة:
أما الأولى، إن كان لثبوت الخيار فيها معنى وجيه فإنها عقود لازمة
فليس لأحد المتعاملين فسخها، فإذا ثبت الخيار لهما يتمكن كل منهما
من الفسخ ولكن الدليل في مقام الاثبات قاصر، فإن دليل ثبوت خيار
المجلس هي المطلقات الدالة على أن البيعين أو المتبايعين بالخيار ما
لم يفترقا أو حتى يفترقا، ومن الواضح أن هذه الأدلة مختصة بالبيع
فلا تشمل غيره.
وأما العقود الجائزة، فهي جائزة بطبعها كما ذكره العلامة، فلا وجه
لثبوت الجواز فيها ثانيا، فجعل الخيار فيها لغو محض، فإنه مضافا إلى
أنها في مقام الاثبات لا دليل عليه لما عرفت من اختصاص الأدلة بالبيع
ففي مقام الثبوت أيضا غير معقول فإنه بعد كون الشئ جائزا بطبعه وذاته
لا معنى لثبوت الخيار له ثانيا فإنه لغو محض.
ودعوى أن الثابت بالعرض هو الحق والثابت بالذات دعوى جزافية،
فإنه سواء كان هنا أمر عرضي يكون من قبيل الحق أم لا، فإن الواهب له أن
يفسخ العقد وله الابقاء، ففي هذه الجهة لا ثمرة، وأما من جهة اسقاط
الخيار وحق الفسخ فهو لا يسقط ولو أسقطه ألف مرة، ومعه أي فائدة
في ثبوت الخيار.
وبالجملة إنا لا نعقل معنى لثبوت الخيار في العقود الجائزة، لأنه
لا دليل عليه في مقام الاثبات.
وأما ما ذكره في المبسوط، فإما نحمله على ما ذكره المصنف (رحمه الله) من
اشتراطها في ضمن معاملة، فإنها حينئذ تكون لازمة، ولكن إذا فسخ
أصل المعاملة بخيار المجلس مثلا كالبيع، أو بخيار الشرط كمطلق
128

العقود اللازمة التي اشترط فيها لزوم عقد جائز فتكون تلك العقود
الجائزة التي الشرط لزومها فيها أيضا جائزة، أي ترجع إلى الحال
الأولية، وأما نقول لا نفهم معنى كلامه، وأما يحمل على سهو القلم.
المسألة (5)
جريان خيار المجلس في بيع السلم والصرف
قوله (رحمه الله): مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد.
أقول: وقع الكلام في أن خيار المجلس مختص ببعض أفراد البيع أو
يجري في جميعها، فعلى القول بوجوب التقابض في الصرف فلجريان
الخيار فائدة واضحة، وعلى القول بالعدم فالظاهر أنه لا ثمرة للخيار،
ومن هنا فلا بد من التكلم في المقامين: الأول في وجوب التقابض في
الصرف، والثاني في ثبوت الخيار وعدمه.
المقام الأول: في وجوب التقابض في الصرف
فقد استدل عليه بوجوه:
1 - بقوله تعالى: أوفوا بالعقود (1)، بدعوى أن الوفاء بالعقد واجب،
فعدم الاقباض مخالف للوفاء بالعقد فيجب الاقباض لذلك، وهذا هو
العمدة في المقام.
وفيه أولا: قد ذكرنا سابقا أن معنى الوفاء هو الانهاء والاتمام، فالأمر
بذلك ارشاد إلى أن هذا الالتزام الحاصل بين المتبايعين لا ينهدم
ولا ينعدم، فيدل على اللزوم بالمطابقة كما تقدم، فلا دلالة فيه على
الوجوب التكليفي حتى يدل على وجوب التقابض تكليفا.

1 - المائدة: 1.
129

وبعبارة أخرى أن وجوب التقابض على القول به وجوب تكليفي،
فالآية الشريفة ارشاد إلى لزوم العقد فلا تدل على ذلك.
وثانيا: على القول بكون وجوب الوفاء تكليفا، ولكنه إنما يفيد إذا
ترتب عليه أثر، فأي أثر يترتب على بيع الصرف والسلم قبل التقابض،
فإن أثر البيع هو الملكية وهي بعد لم تحصل، وعلى هذا فبيع الصرف
والسلم خارجان عن حدود وجوب الوفاء تكليفا، وعليه فلا يدل على
وجوب التقابض كما لا يخفى.
وثالثا: على القول بترتب الأثر أيضا فالعقد هنا لم يتم، فإنه إنما يتم إذا
كان موجبا لحصول الملكية، ومن الواضح أنه موقوف على التقابض،
وهو بعد لم يحصل فلا يكون العقد حاصلا.
وبعبارة أخرى العقد هو الالتزام الحاصل من الطرفين، بأن التزم كل
منهما بأن يكون ماله للآخر في مقابل مال الآخر، وهذا المعنى بعد
لم يحصل، فكيف يكون هذا واجب الوفاء كما لا يخفى.
وأما وجوب التقابض في بقية فليس من جهة أوفوا بالعقود (1) بل من
جهة حرمة التصرف في مال غيره بدون إذنه، فإن كل من العوضين صار
مالا للآخر، فلا بد من دفعه إلى صاحبه، وأما في بيع الصرف والسلم
فليس كذلك.
2 - ما ذكره العلامة (رحمه الله) من أن وجوب التقابض في الصرف والسلم من
جهة شباهة ذلك بالرباء، فإنه مع التأخير يكون الأجل أيضا قسطا من
الثمن فيكون زائدا على الثمن تقريبا، فيشبه الربا.
وفيه أن هذا الوجه عجيب من العلامة، بل هو شبيه بالوجوه التي تذكر

1 - المائدة: 1.
130

في كتب العامة، فإنه يرد عليه أولا: أن الدليل أخص من المدعى، حيث
إن ذلك لو تم إنما يتم فيما إذا كان العوضين كلاهما من جنس واحد، وأما
لو كان أحدهما ذهبا والآخر فضة فلا يلزم ذلك.
وثانيا: أيضا ذلك أي كون الدليل أخص من المدعى، أن هذا إنما يتم
في الطرف الذي لم يقبض بعد لا من الطرفين حتى من طرف من أقبضه كما
لا يخفى.
وثالثا: إن الشبيه بالربا ليس بحرام ما لم يكن بنفسه ربا، وإلا يلزم
أن يكون كل ما يكون شبيها بالحرام حراما، فالخمر حرام ولكن الشبيه
بالخمر ليس بحرام، والزنا حرام والشبيه بالزنا ليس بحرام، وهكذا فإن
دليل الحرمة لا يدل إلا على حرمة الشئ بنفسه لا على حرمة مشابهاته.
3 - الأخبار الواردة في بيع الصرف والسلم، الظاهرة في وجوب
التقابض في المجلس، كقوله (عليه السلام): وإن نزا حائطا فانز معه (1)، وكذلك
غيره من الأخبار، كقوله (عليه السلام): يدا بيد (2)، فيعلم من ذلك أن التقابض في
المجلس واجب، وإلا لم يقل (عليه السلام): فإن نزا حائطا فانز معه، فكان
وجوب تعقيب أحدهما الآخر من جهة التقابض لا من جهة وجوب النزو
في نفسه.
وفيه أن الأمر بالنزو ارشاد إلى اعتبار الاجتماع في المجلس، وأنه

1 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب
فلا تفارقه حتى تأخذ منه، وإن نزا حائطا فانز معه (التهذيب 7: 99، الإستبصار 3: 93، عنهما
الوسائل 18: 169)، صحيحة.
2 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يبتاع رجل
فضة بذهب إلا يدا بيد، ولا يبتلع ذهبا بفضة إلا يدا بيد (الكافي 5: 251، التهذيب 7: 99،
الإستبصار 3: 93، عنهم الوسائل 18: 168)، صحيحة.
131

يبطل العقد بدونه قبل القبض، وإلا لكان النزو على الحائط واجبا، مع أنه
لم يتوهم أحد ذلك، فيعلم أن ذلك ارشاد إلى انحلال العقد بالتفرق قبل
التقابض، وأن من يريد بقاء العقد وعدم بطلانه فلا بد وأن يصاحب
رفيقه، حتى لو نزي هو على الحائط فينزو صاحبه عليه أيضا، فيدل
الحديث على مبطلية التفرق قبل القبض.
المقام الثاني: في ثبوت الخيار وعدمه
أعني ثبوت الخيار في بيع الصرف والسلم، فيقع الكلام هنا أيضا في
مقامين: الأول في مقام الثبوت، والثاني في مقام الاثبات.
أما مقام الثبوت، فقد ذكر المصنف أنه بناءا على القول بوجوب
التقابض في المجلس تكليفا فأثر الخيار واضح، فإنه بعد اعمال الخيار
لا يبقى مجال لوجوب التقابض، فإنه لا يبقى مجال لذلك.
وأما على القول بعدم وجوب التقابض في المجلس فأثر الخيار وإن
كان خفيا، لأن سلطنة كل من المتعاقدين باقية على حالها، وأنه لا حق
لأحدهما في مال الآخر.
ولكن مع ذلك يمكن تصوير الفائدة والأثر للخيار، بأن يكون أثره
خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك فلو فرض
اشتراط سقوط الخيار في العقد أو أسقطه بنفسه لم يخرج العقد بفسخ
المشروط عليه عن ذلك.
وعلى الجملة فأثر الخيار بناء على وجوب التقابض هو فسخ العقد
وعدم بقاء الموضوع لوجوب التقابض، وعلى القول بعدم وجوب
التقابض هو اخراج العقد عن قابلية لحوق التقابض المملك كما هو
واضح، وعلى القول بوجوب التقابض فهو واضح.
132

وأما في مفام الاثبات، فقد يتوهم شمول الأدلة الواردة في باب خيار
المجلس وخيار الحيوان الدالة على ثبوت خيار المجلس للبيع
والمتبايع لما نحن فيه، ومن الواضح أنه يصدق البيع والمتبايع على
المتبايعين في الصرف والسلم، فلا وجه لاخراجهما عنها.
وفيه أن الموضوع في تلك الأدلة هو المتبايعان أو البيعان، ومن
الواضح أنهما لا يصدقان على المتعاوضين والمتبايعين في باب الصرف
والسلم قبل التقابض، لعدم حصول البيع والشراء وعدم حصول
التمليك والتملك، فكيف يصدق عليهما عنوان البيعان أو عنوان
المتبايعين كما لا يخفى.
على أن خيار المجلس إنما يثبت في مورد يكون التفرق موجبا للزوم
العقد، كما هو مذكور في الروايات الدالة على ثبوت خيار مجلس، ومن
المقطوع به أن التفرق هنا يبطل البيع لكونه قبل القبض كما لا يخفى.
ومن هنا اتضح أنه لا يثبت خيار المجلس وكذلك خيار الحيوان قبل
الإجازة للمالكين الحاضرين في مجلس العقد على الأول ومطلقا على
الثاني، فإنه ما لم يستند العقد إليهما فلا يصدق عليهما عنوان البايع
ولا عنوان المشتري، ومن الواضح أن استناد العقد إنما يكون بالإجازة
لا قبلها.
ولا يفرق في ذلك بين القول بالكشف والنقل، فإنه على كل حال
فاستناد البيع والشراء إليهما من حين الإجازة فصدق البيع والمتبايع
عليهما من زمان الإجازة وإن حصلت الملكية من حين العقد على
الكشف، فلا يمكن المساعدة على ما ذكره المصنف من الفرق
بين الكشف والنقل.
133

مسقطات خيار المجلس
قوله (رحمه الله): القول في مسقطات الخيار، وهي أربعة على ما ذكرها في
التذكرة (1).
1 - اشتراط سقوطه في ضمن العقد
أقول: من جملة مسقطات خيار المجلس اشتراط سقوطه في ضمن
العقد، ذكر المصنف (رحمه الله) أنه لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار
باشتراط سقوطه في ضمن العقد، وعن الغنية الاجماع عليه، وقد استدل
عليه بوجوه:
1 - دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه قد مر مرارا أن دعوى الاجماع في مثل هذه المسائل التي نعلم
فلا أقل نحتمل أن مدركها جهة كشفه عن قول المعصوم (عليه السلام) دعوى
جزافية، فإن الاجماع ليس بنفسه حجة وإنما حجة لكشفه عن قول
المعصوم (عليه السلام)، فلا يكشف عنه إلا مع القطع به.
2 - المستفيضة، وهي: المؤمنون عند شروطهم (2)، وقد يقال إنها
معارضة بعموم أدلة الخيار، ويرجح على أدلة الخيار بمرجح.

1 - التذكرة 1: 516.
2 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
134

ولكنه بديهي البطلان، فإنه على تقدير تمامية دلالة المستفيضة فهي
تكون حاكمة على أدلة الخيار، لكونها مأخوذة في موضوعها، كحكومة
أدلة الحرج والضرر على سائر الأحكام الإلهية، كما ذكره المصنف (رحمه الله)،
في جهة المعارضة.
وأجاب عنه بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فيكون فاسدا، فإن
مقتضاه على ما هو ظاهر قوله (عليه السلام): البيعان بالخيار (1)، هو ثبوت
الخيار، وهذا الاشتراط مخالف له، وفيه أن هذا شرط ليس مخالفا
لمقتضى العقد، فإن مقتضاه هو حصول الملكية وليس هذا مخالفا له، بل
هو مخالف لثبوت الخيار، ومن الواضح أن ثبوته من أحكام العقد لا من
مقتضياته، بل الوجه ليست هي هذه كما لا يخفى.
ولكن الظاهر أن الرواية لا تدل على المقصود، لا من جهة ما ذكره
المصنف، وذلك هو ما ذكرنا سابقا من أن الظاهر من هذه الجملة المباركة
هو الحكم التكليفي، فإن قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم، كقوله
(عليه السلام): المؤمن عند عدته، يعني أن مقتضى الايمان هو أن يجب
للمؤمن أن يفي بما التزمه وبما وعده، وهذا الاستعمال من الاستعمالات
المتعارفة أيضا، فيقال: المرء عند كلامه وعند رأيه وهكذا.
وعليه فلا دلالة في ذلك على المقصود هنا، فإن اشتراط سقوط الخيار
عند المعاملة غير قابل لتعلق الحكم التكليفي به، فإن اشتراط سقوط
الخيار بمعنى أن لا يكون له الخيار في هذا العقد غير مقدور له، بل هو من
فعل الله تعالى، فإن الله تعالى جعله ذا خيار، واشتراط عدمه أيضا راجع
إليه وليس من أفعال المتعاملين حتى يقدر على اسقاطه.

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)، صحيحة.
135

ومع الاغماض عن ذلك فهي مخالفة للسنة المعتبرة الدالة على ثبوت
الخيار للمتبايعين، فإنه ورد في ذيل بعض هذه الروايات: إلا شرطا
مخالفا للكتاب والسنة (1).
وبيان ذلك أن الشارع قد حكم بثبوت هذا الخيار للمتبايعين،
واشتراط عدمه مخالف للسنة، وهذا غير اشتراط اسقاط الخيار، فإنه من
قبيل شرط الفعل، وليس من قبيل شرط النتيجة، وفرق بين اشتراط
اسقاط الخيار وبين أن لا يكون له خيار أصلا، فإن الثاني مخالف للسنة
دون الأول.
نعم الظاهر من بعض الروايات أن الإمام (عليه السلام) طبق هذه الجملة
المباركة على بعض الشروط التي من قبيل ما ذكر، أي أن الاشتراط فيه
راجع إلى شرط السقوط وعدم الخيار، ولو كان ما ذكرناه من الاشكال
واردا عليه، أي على جملة: المؤمنون عند شروطهم، لما طبقها الإمام (عليه السلام) على ما ذكره.

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا
مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم
مما وافق كتاب الله عز وجل (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)،
صحيحة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط
خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز (الفقيه 3: 127، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)،
صحيحة.
عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قضى في رجل تزوج امرأة وأصدقته هي
واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنة ووليت حقا ليست بأهله، فقضى
أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنة (الفقيه 3: 269، الكافي 5: 403، التهذيب
7: 369، عنهم الوسائل 21: 289)، صحيحة.
136

وذلك كما في صحيحة مالك بن عطية قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كان له أب مملوك، وكانت لأبيه
امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك
في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي
إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون
لها الخيار عليه بعد ذلك، قال (عليه السلام): لا يكون لها الخيار، المسلمون عند
شروطهم (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية هو اشتراط عدم الخيار، مع أنه كان ثابتا
للأمة بعد ما صارت حرة، فيعلم من ذلك أن هذا الشرط ليس مخالفا
للسنة وإلا لما طبقها عليه الإمام (عليه السلام).
وفيه أولا: أن مورد الرواية أجنبي عما نحن فيه، فإن موردها هو من
قبيل اشتراط سقوط الخيار مما يقتضي الخيار في عقد ليس مقتضيا له،
فإن عقد المكاتبة ليست مقتضية للخيار بحيث إنه بمجرد ذلك يحكم
بكون الأمة ذا خيار، وإنما المقتضي له هو الحرية الحاصلة بعد أداء مال
الكتابة، ومن الواضح أنه لم يلتزم بذلك أحد، فلا بد من الاقتصار بمورد
الرواية.
ومن هنا لا وجه لتوهم الأولوية أيضا، بدعوى أن اشتراط سقوط
الخيار في عقد هو مقتضي لذلك بطريق أولى، فإنه لم يثبت في الأول
الخيار في جميع الموارد بل في مورد الرواية فقط، فكيف يمكن اثباته في
المقتضي للخيار بطريق الأولوية كما هو واضح.
وثانيا: قد ذكرنا في أول الخيارات أن اشتهار استعمال كلمة الخيار في

1 - الكافي 6: 188، التهذيب 8: 269، الفقيه 2: 352، عنهم الوسائل 23: 155، صحيحة.
137

الخيار المصطلح إنما هو من جهة ما جرى عليه اصطلاح الفقهاء، وإلا
فليس ذلك من معناه اللغوي ولا من مقتضيات الدليل، وقلنا إن معنى
الخيار لغة هو اختيار الخير لنفسه.
وأما القدرة على الفسخ إنما هو مستفاد من اللام الظاهر في الملكية
والاختصاص، فيقال: له الخيار، أي له القدرة على الفسخ والابقاء، بل
قلنا: إن كلمة الخيار وما اشتق منها يستعمل في هذا المعنى حتى في هذا
اليوم.
وعليه فقوله (عليه السلام): لا يكون له الخيار، المسلمون عند شروطهم،
هو بمعنى اللغوي، أي ليس له اختيار الفسخ في الخارج، بمعنى أنها
ملزمة في شرطها ولا توجد الفسخ الخارجي، ولا يكون هذا حينئذ
مخالفا للسنة، فإنها تدل على ثبوت القدرة للمتبايعين على فسخ العقد
وامضائه، وهذه القدرة باقية للمتبايعين وللمتعاملين.
وفي المكاتبة أنه إذا صارت حرة فله القدرة على فسخ عقد الزوجية
الواقعة بينها وبين العبد، وهذه القدرة باقية على حالها، ولكن الإمام (عليه السلام) طبق جملة: المسلمون عند شروطهم على اشتراط عدم الخيار
للأمة على الشرط الذي وقع بينها وبين ابن زوجها، من جهة أن تكون
الأمة ملزمة بابقاء العقد ولا تفسخ في الخارج ولا تختار فيه لنفسها
الفسخ بل يبقى عقد النكاح على حاله، لا أنه بمعنى أن لا يكون لها خيار
وقدرة على الفسخ ليكون على خلاف السنة، فإن هذا موافق للظواهر
والاستعمالات، فليس فيه ما يوجب خلاف ظهور كلمات المتحاورين
كما لا يخفى.
والشرط إنما يكون مخالفا للكتاب والسنة إذا كان مفاده على خلاف
الحكم الشرعي الثابت بالكتاب والسنة.
138

ونظير ذلك ما سيأتي في الشروط، من أن الرجل يتزوج على امرأة
وتشترط المرأة عليه أن لا يأخذ سرية أو امرأة أخرى (1)، فإن هذا الشرط
مخالف للكتاب والسنة، فإنه ثبت بهما جواز أخذ السرية والمرأة على
الزوجة، وشرط خلافه مخالف للكتاب والسنة فلا يكون متبعا.
إذن فلم يبق في الرواية ما يوجب الاشكال عليها، إلا توهم أن هذا
الاسقاط اسقاط لما لم يجب، فإن مقتضى الخيار ليس هو عقد المكاتبة
ليكون حاصلا عند الاشتراط بل هو الحرية، ومن الواضح أنها لم تحصل
حتى تكون الأمة الحرة ذا خيار في فسخ عقد النكاح وعدمه، فيكون
الاسقاط عند الاشتراط في ضمن الإعانة اسقاطا لما لم يجب، وقد ذكر
ذلك بعض الشافعية.
وفيه أن هذا صحيح، فإنه يلزم أن يكون الاسقاط في ضمن الإعانة أن
لا يكون لها خيار في فسخ عقد الزوجية، ولكنه لا دليل على عدم جواز
اسقاط ما لم يجب فإنه بلا دليل، فأي مانع أن يسقط الانسان ما لم يجب
عليه بعد كما هو واضح، فيكفي في صحة ذلك تحقق ما يترتب فيه
حصول ذلك الأمر الساقط فعلا.
غاية الأمر فللمدعي أن يدعي الاجماع على بطلان اسقاط ما لم يجب
بدعوى كونه تعليقا.

1 - عن ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها
رجل وشرط عليها وعلى أهلها أن تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فهي طالق،
فقال (عليه السلام): شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفي بشرطه وإن شاء أمسك امرأته وتزوج عليها
وتسري وهجرها إن أتت سبب ذلك، قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم - إلى آخره،
النساء: 3، وأحل لكم ما ملكت أيمانكم - النساء: 3، واللاتي تخافون نشوزهن - النساء
: 34 (تفسير العياشي 1: 240، عنه الوسائل 21: 277)، ضعيفة.
139

وفيه مضافا إلى أنه دليل لبي يقتصر فيه على المورد المتيقن، وهو
صورة التعليق في العقود، أن الاجماع هنا على خلافه كما تقدم، فلا وجه
للمناقشة من هذه الجهة، وبالجملة فلا دليل على بطلان اسقاط ما
لم يجب بوجه.
التحقيق في المقام
والذي ينبغي أن يقال: إن الخيار الثابت للمتبايعين في المجلس ما
لم يفترقا من قبيل الحقوق التي تقبل السقوط، وقد قلنا في أول البيع أنه
وإن كان لا فارق بين الحق والحكم، فإن جميع ذلك حكم إلهي مجعول
لله تعالى، ولكن بعض أقسام الحكم اختياره تحت يد المكلف، فله
اسقاطه أو ابقاؤه، ونسمي ذلك القسم من الحكم حقا، ولا يسقط حكما
كالجواز في الهبة.
ومن الواضح أن خيار المجلس مما يقبل الاسقاط، وأوضح شئ
يدل على أنه يسقط بالاسقاط ما في ذيل الأخيار الدالة على خيار
المجلس والحيوان، فإن في ذلك قال (عليه السلام): فذلك رضا بالبيع (1)، فإن
الظاهر من ذلك أن أمره بيده وليس ذلك مثل الهبة، فإن الجواز في ذلك
حكم لا يسقط بالاسقاط، بل ولو أسقطه ألف مرة، فأيضا يبقى الجواز
على حاله وإذا خالف ولم يسقط قد فعل فعلا محرما، ومع ذلك لو فسخ
كان فسخه مؤثرا لعموم أدلة الخيار.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
140

وعلى هذا فشرط السقوط في العقد، بأن يشترط أحد المتبايعين على
الآخر عند البيع سقوط خياره، فمرجعه إلى أن المشروط عليه يسقط
خيار الذي يثبت له بعد البيع عند العقد، وقد عرفت أنه من قبيل الحق
يقبل الاسقاط فليس لهذا البيان اشكال إلا ما ذكره بعض الشافعية، من أنه
اسقاط لما لم يجب، وهو وإن كان صحيحا ولكنه لا دليل عليه بوجه غير
دعوى أنه من التعليق والاجماع قائم على بطلانه، وهو أيضا فاسد لقيام
الاجماع هنا على السقوط كما عرفت، فإنه ادعى بعضهم الاجماع في
المقام.
وقد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن اشتراط سقوط الخيار موافق للقواعد
ولا يحتاج إلى عموم: المؤمنون عند شروطهم.
صور جعل شرط سقوط الخيار في ضمن العقد
قوله (رحمه الله): ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه: أحدها أن يشترط عدم
الخيار.
أقول: شرط سقوط الخيار في ضمن العقد يتصور على وجوه:
الصورة الأولى: شرط عدم الخيار
هذا الشرط هو المراد من اشتراط الخيار، وقد تقدم في ذلك وإن توهم
كونه مخالفا لمقتضى العقد تارة ولمقتضى الكتاب أخرى توهم فاسد كما
عرفت.
وقد عرفت أن الخيار من قبيل الحقوق فيسقط بالاسقاط بعد التحقق
وكذلك قبله، فليس فيه عيب إلا سقوطه قبل الثبوت الذي هو من قبيل
اسقاط ما لم يجب ولو خالف المشروط عليه فلم يسقط فيكون للمشروط
141

له الخيار ولو فسخ المشروط عليه كان فسخه مؤثرا، لعموم: البيعان
بالخيار ما لم يفترقا (1).
الصورة الثانية: اشتراط عدم الفسخ
فيقول: بعت بشرط أن لا أفسخ في المجلس، وهل يجب الوفاء بهذا
الشرط أم لا؟
وقد يقال بالثاني، فإنه من قبيل اشتراط في العقد الجائز فلا يزيد
الشرط على أصل العقد، فإن معنى أن لا يفسخ أن له خيار في العقد ولكن
لا يفسخ، فاشتراط عدم الفسخ إنما هو في عقد خياري فلا يجب الوفاء
به، كما إذا شرط في الهبة أو في الوكالة أو غيرهما من العقود الجائزة
شرطا، فإن هذا الشرط لا يكون واجب الوفاء.
وفيه أن جواز العقد في ذاته لا ينافي وجوب الوفاء بالشرط الواقع في
ضمنه، فإن مقتضى وجوب الوفاء بالشرط هو لزوم العمل بمقتضاه ما دام
العقد باقيا، وبعد زوال موضوعه يرتفع وجوب الوفاء بالعقد أيضا
لارتفاع موضوعه، فالجواز إنما هو ثابت لموضوع وجوب الوفاء بالشرط
فيكون وجوب الوفاء بالشرط قضية مادامية وقضية حقيقية، يعني أن كلما
وجد موضوع وجوب الوفاء بالشرط وجب الوفاء به.
وبعبارة أخرى أن عقد الهبة وعقد الوكالة ونحوهما من العقود وإن
كان بذاتها جائزة، بحيث لكل من الموجب والقابل أن يفسخ العقد في
أي وقت شاء، إلا أن اشتراط الشرط في ضمن هذه العقود الجائزة

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
142

لا يكون جائزا تبعا لها، فإن معنى الاشتراط فيها أن المشروط له يشترط
على المشروط عليه في ضمنها الشرط المعين، فهذا الشرط الواقع في
ضمن العقود الجائزة إنما يكون مصداقا لقوله (عليه السلام): المؤمنون عند
شروطهم، فيكون واجب الوفاء، ولكن مقيدا ببقاء ذلك العقد الجائز،
فإذا فسخ العقد الجائز يرتفع موضوع وجوب الوفاء، فكون الانسان
مخيرا في رفع موضوع الوجوب لا يدل على استحالة ثبوت الوجوب
على ذلك الموضوع.
وعليه فيمكن أن يشترط أحد الطرفين في العقد الجائز على الطرف
الآخر شرطا ويكون الشرط واجب الوفاء بدليل الشرط دون العقد،
فاشتراط عدم الفسخ بخيار المجلس من هذا القبيل، فيكون الشرط
واجب الوفاء بدليل وجوب الوفاء بالشرط.
نعم فرق بين ما نحن فيه وبين سائر العقود الجائزة التي يشترط فيها
شئ، وهو أنك قد عرفت أن في سائر العقود الجائزة يجوز لأحد
الطرفين فسخ العقد الجائز واعدام وجوب الوفاء بالشرط، ولكنه
لا يجري في المقام، فإن الشرط أعني عدم الفسخ إنما تعلق بنفس العقد،
فوجوب الوفاء بالشرط لا يمكن إلا بعدم الفسخ وحفظ العقد، فلو فسخ
العقد يلزم من ذلك عدم الوفاء بالشرط.
وبعبارة أخرى أن مفاد الشرط هو لزوم حفظ موضوعه، وأيضا فيحرم
الفسخ أبدا.
لا يقال: إنه لا معنى للاشتراط أصلا في ضمن العقود الجائزة، فإن
معنى الشرط هو كون الالتزام الشرطي منوطا بالالتزام بابقاء الالتزام
العقدي، ومن الواضح أنه ليس هنا التزام بالبقاء لفرض كون العقد جائزا
فيكون شرطا ابتدائية.
143

فإنه يقال: إن الجواز وعدمه من الأحكام الشرعية، فهو لا ينافي بالتزام
المشروط عليه بابقاء العقد مع بقاء الشرط كما هو واضح.
لو خالف الشرط وفسخ هل يوجب الفسخ التأثير وضعا؟
قوله (رحمه الله): فلو خالف الشرط وفسخ، فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ.
أقول: لا شبهة أن وجوب الوفاء بالشرط وجوب تكليفي فمخالفته
توجب العصيان، فهل يوجب الفسخ التأثير وضعا أيضا أم لا؟
قد احتمل المصنف عدم تأثير الفسخ حينئذ تارة وتأثيره أخرى،
وقرب الثاني لعموم دليل الخيار، وقرب الأول لأن وجوب الوفاء
بالشرط مستلزم لوجوب اجباره عليه وعدم سلطنته على تركه.
ثم اختاره وقال: إنه أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على
وجوب ترتب آثار الشرط، وهو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتى بعد
الفسخ، فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في
الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ أحدهما منفردا
لغوا لا يرفع وجوب الوفاء.
وقد اختار شيخنا الأستاذ أيضا عدم الفسخ، وأن الحكم التكليفي
والوضعي لا يجتمعان هنا، ولكن قربه بوجه آخر، وقد ذكر ذلك الوجه
في كثير من الموارد، واجبنا عنه في غير واحد من المباحث، وحاصل
هذا الوجه:
إن النهي تارة يتعلق بالسبب وأخرى بالمسبب، أما الأول فلا يوجب
حرمة المعاملة المسببة عن ذلك السبب، فإن حرمة السبب لا تستلزم
حرمة المسبب كما لا يخفى، وعلى الثاني فيستلزم الفساد، لأن الشرط
يوجب سلب قدرة المالك على البيع من زيد.
144

وفي المقام حيث إن المشروط له قد اشترط على المشروط عليه عدم
فسخ فيكون الوفاء به واجبا تكليفا، وإذا خالف ذلك وفسخ وقد فعل
فعلا محرما ولكن لا يترتب عليه الحكم الوضعي، فإن التكليف كما هو
مشروط بالقدرة العقلية فكذلك مشروط بالقدرة الشرعية، فنهى الشارع
عن شئ يوجب عجز المكلف عن اقدامه، ففي هنا أن نهي الشارع عن
الفسخ بمقتضى وجوب الوفاء بالشرط يوجب عجز المكلف عن الفسخ
شرعا، بمعنى أنه لا يكون مؤثرا في الفسخ على تقدير وقوعه.
وفيه قد ذكرنا مرارا أن الحرمة التكليفية عن الشئ لا يستلزم الحرمة
الوضعية وكون ذلك الشئ فاسدا وضعا، فإنه يحرم التصرف في مال
الغير بدون إذنه، مع أنه لو غصب أحد ماء الغير وطهر به ثوبه فإنه يكون
مؤثرا في الطهارة.
وفي هنا وإن كان النهي متعلقا بالسبب ولكن الأمر كذلك لو كان
متعلقا بالمسبب أيضا، فلو كانت الطهارة الخبثية بالماء المغصوب
مبغوضا للشارع مع عدم كون الفعل عباديا، وكأن يغصب أحد ماء من
الغير وطهر به ثوبه فإنه لا يتوهم أحد عدم حصول الطهارة هنا إذا لم يكن
الفعل مما يعتبر فيه قصد التقرب.
ومعنى أن النهي التكليفي يسلب القدرة عن المكلف شرعا يعني أنه
قبل تعلق النهي بالفعل كان مرخصا في الفعل والترك، وبعده ليس له هذه
السلطنة ولا يكون مرخصا في ذلك، بل لا بد من الترك، وأما أن هذه
الحرمة مستلزمة للحرمة التكليفية أم لا، فهو أول الكلام.
وتظهر الثمرة فيما إذا صدر منه الفعل في حال الغفلة والنسيان، فإنه
لا يكون حراما أيضا.
نعم إنما يدل النهي على الفساد إذا كان ارشادا إليه، كما في النهي عن
145

بيع الخمر، وعن بيع ما ليس عنده ونحوهما، نعم إنما يدل النهي
التكليفي على الفساد أيضا مع قيام القرينة عليه، كما في بيع الخمر، فإن
النهي إنما عن جميع شؤونه، وأنه يعلم من لسان الشرع أن جميع جهاتها
مبغوضة للشارع حتى التمليك والتملك فلا تحصل فيها ذلك.
وأما الجواب عما ذكره المصنف، أنا لو سلمنا أن معنى الوفاء بالعقد
هو ترتيب آثار العقد عليه، من حرمة التصرف في المثمن والثمن ولو بعد
الفسخ، بحيث تدل الآية بالملازمة إلى لزوم العقد، ولكنه لا يجري في
وجوب الوفاء بالشرط كما في المقام، فإن معنى الوفاء بالشرط هنا هو
عدم الفسخ، ومن الواضح أنه لا اطلاق له لما بعد الفسخ أيضا.
بيان ذلك: إن المشروط عليه إذا خالف الشرط وفسخ العقد، فإما أن
يكون فسخه مؤثرا أو لا، فعلى الثاني فلا وجه للتمسك باطلاق وجوب
الوفاء بالشرط بما بعد الفسخ أيضا، وعلى الأول فلا يبقى متعلق وجوب
الوفاء حتى يجب الوفاء به، فإنه بعد الفسخ ينحل العقد ولا يبقى شئ
حتى يجب الوفاء بالشرط ولا يفسخ العقد.
وعلى الجملة فإذا خالف المشروط عليه بالشرط وفسخ فينعدم
موضوع الشرط، ولا يبقى شئ حتى لا يفسخ ويبقى على حاله، وعلى
هذا فأدلة الخيار محكمة، فلكل من المتبايعين فسخ العقد وإن كان فسخ
من شرط عليه أن لا يفسخ محرما.
بيان آخر
ثم إن المعروف بين الفقهاء أن هذا الشرط صحيح وإن وقع الكلام
بينهم أن الفسخ يؤثر وضعا أو لا يؤثر، ولكن لنا مناقشة في صحة هذا
الشرط، قد ذكرناه في باب المزارعة في حاشية العروة، وحاصله:
146

إنا ذكرنا مرارا أن معنى الشرط في العقد لا يخلو عن معاني ثلاثة بالسبر
والتقسيم:
1 - أن يكون التزاما آخر في ضمن العقد مستقلا وغير مربوط بالالتزام
العقدي، بأن يلتزم كل من المتبايعين بمبادلة مال بمال، ويلتزم أحدهما
أيضا مقارنا لهذا الالتزام بأن يخيط ثوبا لصاحبه، فليس بينهما ربط إلا
صرف المقارنة الزمانية.
ولا شبهة أن هذا النحو من الشرط لا يجب الوفاء به بالاتفاق لكونه من
الشروط الابتدائية، فليس المراد من الشرط التي حكموا بوجوب الوفاء
بها هو ذلك.
2 - أن يكون الشرط مربوطا بالعقد، وهو على قسمين:
الأول: أن يكون الالتزام العقدي مربوطا بالالتزام الشرطي، بحيث إن
الالتزام العقدي منتف مع انتفاء الالتزام العقدي، مثلا معنى اشتراط
الخياطة في ضمن بيع الدار هو أن الالتزام ببيع الدار إنما هو في فرض
الالتزام بالخياطة والعمل به وانهائه، وإلا فلا بيع هنا أصلا.
وفيه أنه قام الاجماع على بطلان التعليق في العقود، فيكون هذا باطلا
حتى إذا كان المشروط عليه يفي بالشرط كما لا يخفى.
الثاني: أن يكون الالتزام العقدي غير مربوط بالالتزام الشرطي ليكون
تعليقا، ولكن كان الالتزام ببقاء العقد وابقائه منوطا بالتزام المشروط عليه
بانهاء الشرط وابقائه، فيكون الالتزام بابقاء العقد وعدم قدرته على
الفسخ والحل منوطا بكون المشروط عليه وافيا بالشرط وإلا فللمشروط
له خيار الفسخ كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن معنى الشرط في العقود بحيث يجب الوفاء
به بالسبر والتقسيم ليس إلا هو الثالث، وعليه فلا يعقل ولا نتصور
147

اشتراط عدم الفسخ في العقود بحيث لا يكون للمشروط عليه حق
الفسخ، وذلك فإنك لما عرفت أن معنى الاشتراط هو ثبوت الخيار
للمشروط له مع تخلف المشروط عليه الشرط.
ومن الواضح أنه بعد ما فسخ المشروط عليه لفرض تأثير فسخه
لعموم أدلة الخيار، لا يبقى موضوع ليكون للمشروط له الخيار بأن كان
مختارا في فسخ العقد وابقائه، ومع عدم الفسخ فالعقد أيضا باق على
حاله، سواء كان هنا شرط أم لا، فلا نعقل معنى محصلا لهذا الشرط،
فيكون لغوا ويدخل في الشروط الفاسدة، ويأتي الكلام فيه من أن
الشرط الفاسد مفسد للعقد أم لا.
نعم لو اشترط في ضمن عقد عدم فسخ عقد آخر فيكون صحيحا
كسائر الشروط الصحيحة، كاشتراط الخياطة أو البناية أو النجارة أو
نحوها كما لا يخفى.
الصورة الثالثة: اشتراط اسقاط الخيار
أن يكون المراد من شرط سقوط الخيار في العقد أن يشترط اسقاط
الخيار، بأن يكون هذا الفعل صادرا من المشروط عليه.
ولا شبهة في صحة هذا الشرط، لعدم ترتب المحذور عليه إلا اسقاط
ما لم يجب، وقد عرفت أن الاجماع على تقدير تحققه بعدم جواز ذلك
لكونه تعليقا فلا يجري في المقام، لقيام الاجماع على الصحة كما ادعاه
بعضهم، فيكون مشمولا لعموم وجوب الوفاء بالشرط، وعليه فلو أخل
المشروط عليه الشرط كله ولم يسقط الخيار ولم يف بالشرط، فيكون
للمشروط له خيار تخلف الشرط كما هو واضح.
ثم إذا فسخ المشروط عليه العقد فهل يكون فسخه مؤثرا أم لا؟ الظاهر
148

هو الأول، لعموم الأدلة الدالة على ثبوت خيار المجلس للمتبايعين كما
تقدم، وقد اختار المصنف أنه لا يؤثر الفسخ كما ذكره في الوجه الثاني،
وقد عرفت جوابه.
ثم إنه إذا تخلف المشروط عليه ولم يفسخ العقد، قد عرفت أنه يثبت
الخيار للمشروط له، ولا يفرق في ذلك بين كون الفسخ مؤثرا أم لا، فإن
نفس بقاء العقد متزلزلا مخالف لغرض المشروط له، فيكون له الخيار
لأجل التخلف بالشرط وإن لم يكن فسخ المشروط عليه مؤثرا على
تقدير الفسخ، إذ يكون البيع لازما وعدم كونه متزلزلا مما هو محط
غرض للعقلاء فلا أقل لنفس المشروط له.
ولا ينافي ذلك لزوم العقد شرعا، فإنه من الأحكام الشرعية، والتزلزل
إنما هو مع قطع النظر عنه وفي نظر المتبايعين الحكومة العرفية مع قطع
النظر عن الشرع والشريعة، كما إذا كان المتبايعين غير ملتزمين بالشرع
والشريعة.
أنحاء اعتبار الشرط في المعاملة
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في أن المشهور أن تأثير الشرط إنما هو مع ذكره في متن
العقد.
أقول: ما ذكره المصنف وإن كان له مناسبة لما نحن فيه ولكنه من
مسائل مبحث الشرط التي سنتكلم فيها، وتفصيل الكلام هنا على نحو
الاجمال:
إن اعتبار الشرط في المعاملة على أنحاء:
1 - أن لا يكون مذكورا، لا في ضمن المعاملة ولا قبلها ولا بعدها،
ولم ينشأه المعاملة بانيا عليها أيضا، وهذا على قسمين:
149

لأن الوصف إن كان مما يعتبر بحسب الارتكاز العقلائي سواء ذكر أم
لا كاعتبار التسليم والتسلم، وأوصاف الصحة كظهور المبيع على ما
وقعت المعاملة عليه، فلا شبهة في صحة ذلك الشرط ووجوب الوفاء
به، فإن مثل ذلك الشروط كالمذكور والارتكاز العقلائي، والارتكاز من
المتبايعين قائم مقام الذكر، فيكون واجب الوفاء لعموم: المؤمنون عند
شروطهم، بل في تخلف أوصاف الصحة تفسده المعاملة.
وإن كان من قبيل الأوصاف الكمالية، كوصف الخياطة والبناية
والنجارة ونحوها، فلا يكون واجب الوفاء، إذ ليس هنا شرط حتى يجب
الوفاء به كما سنذكر معنى الشرط، ولم يبرز هنا شئ يجب الوفاء به.
2 - وقد يكون الشرط مذكورا في ضمن العقد، إما تفصيلا كقوله:
بعتك العبد الكاتب، أو على أن يكون كاتبا، وإما اجمالا كما إذا ذكرت
الشروط كلها قبل العقد وعند اجراء صيغة العقد يقول: بعتك الشئ
الفلاني على ما ذكر من الشروط، فيشير بهذه الكلمة المبهمة إلى الشروط
المذكورة قبل العقد، فإنه أيضا مذكور في ضمن العقد، فيكون مشمولا
لعموم وجوب الوفاء بالشرط، فإن الغرض ارتباط الشرط بالعقد وهو
حاصل بمثل هذه الكلمات المبهمة.
وعلى الجملة الإشارة في ضمن العقد إلى الشرائط المذكورة قبل
العقد والمعاملة بانيا عليها مع إظهار تلك الشروط بمثل ما ذكر، كقوله:
بعتك العبد على ما ذكر، لا يقصر عن الشرط المذكور في ضمن العقد
صريحا في وجوب الوفاء بها، فإنه حينئذ يبرز البايع بقوله: بعت كذا،
تبديل ماله على هذا الشرط، فيكون ما بنى عليه من الشرط مبرزا مع
حقيقة المعاملة كما لا يخفى، فكما يكون الالتزام العقدي المظهر بكلمة
بعت واجب الوفاء، وكذلك الالتزام الشرطي المبرز بهذه الإشارة.
150

3 - وقد يكون الشرط مذكورا قبل العقد ولكن لا يشار إليها في ضمن
العقد لا تصريحا ولا اجمالا، فهو على قسمين:
الأول: أن يكون ذلك مغفولا عنه عند البيع وغير ملتفت إليه في مقام
المعاملة أو نسيه، أو كان ملتفت إليه ولكن لم يظهروا عند البيع
ولم ينشأه مبنيا على الشرط المذكور قبل العقد، فإن هذا كله لاحق
بالقسم الأول ولا يجب الوفاء به.
والثاني: أن يكون ملتفتا إليه عند المعاملة وكان بناؤها على ذلك حتى
في مرحلة انشاء واظهار المعاملة، ولكن لم يظهروا الشرط عند الانشاء،
وبعبارة أخرى الشرط موجود في مقام الثبوت ولكن ليس له دال في مقام
الاثبات، والظاهر أنه شرط حقيقة ويجب الوفاء به، ولكن المشهور
ذهبوا إلى بطلان الشرط المذكور قبل العقد وإن كان العقد بانيا عليه،
ولكن الظاهر من بعضهم هو كون مثل هذا الشرط أيضا واجب الوفاء
كالشيخ وغيره.
قال الشيخ في محكي الخلاف: إنه لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت
بينهما خيار بعد العقد صح الشرط ولزم العقد بنفس الايجاب والقبول،
ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي - الخ (1).
وقد منع المصنف عن كون مثل هذا الشرط واجب الوفاء كما ذكره في
المتن، بل منع نسبة ذلك إلى الشيخ أيضا، ولذا حاول أن يوجه كلامه،
بأنه أراد من قوله: قبل العقد، أي قبل تمام العقد، واستشهد عليه
بملاحظة عنوان المسألة في الخلاف والتذكرة (2)، وباستدلال الشيخ على
الجواز وبعض الشافعية على المنع، وقال: إن ذاك كله يكاد يورث القطع

1 - الخلاف 3: 21، المسألة: 28.
2 - التذكرة 1: 517، وكذا في المختلف 5: 63.
151

بأن مراد الشيخ ليس هو ظاهر كلامه بل مراده ما ذكرناه.
ولكن الظاهر أن ما يستفاد من ظاهر كلامه هو مراد الشيخ، ولذا أشكل
عليه العلامة بأنه لا يكون الشرط المذكور قبل العقد واجب الوفاء إلا إذا
كان ايقاع العقد بانيا عليه، فإنه يكون العقد مشروطا به.
وكيف كان فلا يهمنا كشف مراد الشيخ أنه أي شئ أراد، وإنما المهم
إنما هو بيان أن هذا الشرط واجب الوفاء أم لا.
والظاهر أنه لا قصور في صدق مفهوم الشرط عليه وكونه واجب
الوفاء أيضا بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالشرط.
والوجه في أن الثاني يجب الوفاء به دون الأول، هو أن معنى الشرط
هو الربط بين الشيئين كما في القاموس، حيث ذكر أن الشرط هو الالتزام،
والالتزام في البيع ونحوه فإنما يكون الالتزام بالشرط مربوطا بالالتزام
العقدي، إذا كان الالتزام العقدي وابرازه باقيا على الشرط ومربوطا إليه،
بحيث يكون بين الالتزامين ربط وعقدة ليتحقق معنى الشرط الذي ذكره
أهل اللغة، وهذا المعنى هو المتفاهم عرفا، وكذلك هو المستفاد من
قوله (عليه السلام): كل شرط سائغ ولازم إلا شرط خالف الكتاب والسنة (1).

1 - عن علي (عليه السلام) أنه قال: أرادت عائشة أن تشتري بريرة، فاشترط مواليها عليها
ولاءها، اشترتها منهم على ذلك الشرط، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصعد المنبر فحمد الله
وأثني عليه ثم قال: ما بال قوم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، يبيع أحدهم الرقبة
ويشترط الولاء، والولاء لمن أعتق وشرط الله آكد، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد (
دعائم الاسلام 2: 247، عنه المستدرك 15: 31)، ضعيفة.
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث ولا
توهب؟ فقال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد
(الكافي 5: 212، التهذيب 7: 67، عنهما الوسائل 18: 267)، صحيحة.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى جارية وشرط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب، قال: يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث (التهذيب 7: 25، التهيب
7: 373، عنهما الوسائل 18: 268)، ضعيفة.
152

وعلى الجملة المستفاد من كلمة الشرط الذي يجب الوفاء به إلا شرطا
خالف الكتاب والسنة هو المربوط بالعقد لا ما يكون خارجا عنه، فإنه
مجرد وعد، فيجري عليه حكمه من وجوب الوفاء وعدمه.
ومن الواضح أن المذكور قبل العقد إذا كان مغفولا عنه حين انشاء البيع
أو منسيا أو متروكا عمدا، بحيث أنشأ البيع غير مبني على الشرط،
فلا يجب الوفاء به، لا من جهة القصور في أدلة وجوب الوفاء بالشرط،
ولا من جهة التمسك بالاجماع على عدم وجوب الوفاء به حتى يقال إن
المسألة مختلف فيها فليس في المقام اجماع، بل من جهة منع صدق
الشرط عليه.
إذ هو بالنسبة إلى العقد المنشأ خاليا عن ذكره وخاليا عن البناء عليه،
أي انشاء المعاملة بانيا على هذا الشرط كسائر الأمور الأجنبية عن العقد،
فلا يكون واجب الوفاء، وإنما هو كسائر المواعيد التي أجنبية عن هذا
العقد، فيكون عدم وجوب الوفاء به من جهة عدم الموضوع وعدم صدق
الشرط عليه كما هو واضح، فلا يكون هذا كالمحذوف النحوي ليكون
في حكم المذكور.
وأما إذا كان الشرط مذكورا قبل العقد وكان العقد المنشأ مبنيا عليه،
من غير أن يكون مغفولا عنه عند البيع، فيصدق عليه الشرط حقيقة في
مقام الثبوت، غاية الأمر أن الدلالة عليه في مقام الاثبات منفية، بحيث لو
سمع أحد الكلام الذي أنشأ به البيع خاليا عن ذلك الشرط حسب أنه
مطلق والمعاملة المنشأة بهذا الانشاء خالية عن الشرط.
153

والوجه في ذلك هو ما عرفت، من أن المستفاد من معنى الشرط
بحسب المتبادر من كلمته في الأخبار ومن العرف ومن تصريح أهل اللغة
هو ما يكون مربوطا بشئ، وليس إظهاره بمظهر في مقام الانشاء من
مقومات ذلك، فإذا كان ابراز المعاملة بانيا عليه فيكون مربوطا بها، فيكون
الالتزامين أي العقدي والشرطي مرتبطين أي أحدهما بالآخر.
ولا يقاس ذلك بحقيقة المعاملات التي لا يترتب عليه الأثر إلا بعد
الاظهار والابراز لا بمجرد الاعتبار، وذلك لأنا ذكرنا في أول البيع أن
حقيقته عبارة عن اعتبار الكلية لكل من العوضين من كل من المالكين
للآخر واظهاره بمبرز في الخارج وكذلك سائر المعاملات، فإنها ليست
مجرد اعتبار نفساني وإلا للزم أن يكون بمجرد الاعتبار النفساني أن
يملك الآخر وليس كذلك حتى مع العلم بالاعتبار، كما إذا علم كل من
المتبايعين بعلم الاشراق أن الآخر اعتبر ملكية ماله له وكذا العكس، فإنه
لا يكون هذا بيعا ما دام لم يقترن بالاظهار، فحقيقة البيع وكذلك أن حقيقة
سائر المعاملات متقومة بالاعتبار النفساني وبالاظهار الخارجي كما
لا يخفى.
وهذا بخلاف حقيقة الشرط، فإنه ليس متقوما بالاعتبار وبالاظهار
الخارجي معا، بل معناه كما ذكرناه هو الربط بين الشيئين، وهو حاصل
بمجرد البناء والقصد واظهار المعاملة وابرازها وانشائها بانيا عليه، فإنه
بمجرد ذلك يحصل الربط كما لا يخفى، فلا يحتاج إلى اللفظ بوجه،
وقد ذكر ذلك المحقق الإيرواني أيضا (1)، فيجب الوفاء به للعموم، على
أن التزامهما مقيد في نفس الأمر، فلا يعقل التفكيك بينهما لكي يكون
أحدهما واجب الوفاء دون الآخر.

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 3.
154

وأما ما ذكره المصنف، من أن الشرط المذكور قبل العقد إذا لم يذكر
في العقد ولو بالإشارة كان لغوا وإن وقع العقد بانيا عليه، وأما ما ذكره
فقد ظهر جوابه مما حققناه، فكان المصنف حسب أن قوام الربط
والشرط كقوام المعاملات بالاظهار والابراز، وقد عرفت أنه ليس كذلك.
والحاصل أن الشرط المذكور قبل العقد الذي يقع العقد في الخارج
بانيا عليه كالمحذوف المقدر، فإنه في حكم المذكور.
ومن هنا ظهر بطلان ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ أيضا، من أن القصود
والدواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها، فمجرد
وقوع العقد مبنيا على شرط مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثر في سقوط
الخيار، وذلك لأن الشرط إلزام مستقل لا يرتبط بالعقد، فارتباطه به
يتوقف على الالتزام به في العقد ومجرد البناء ليس التزاما به، ولا يقاس
ذلك على أوصاف المبيع المعتبرة فيه بالارتكاز.
ووجه الظهور أن الغرض من الشرط هو ارتباط الالتزام العقدي
بالالتزام الشرطي في نظر المتعاملين، بحيث يكون أحدهما مربوط
بالآخر، ولا يلزم أن يكون على نحو معرفة غيرهما أيضا، فإن تحقق
حقيقة الشرط لا يتوقف على الاظهار كما يتوقف البيع عليه، فلو كان
تحققه محتاجا إلى فهم الغير أيضا لزم أن لا تحقق المعاملات الواقعة في
الخفاء التي لا يطلع عليها غير المتعاملين.
فرع: فيما قيل بعدم جواز اشتراط اسقاط الخيار في مورد
قوله (رحمه الله): فرع: ذكر العلامة (رحمه الله) في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي
الخيار.
أقول: كان كلامنا في سقوط الخيار بالشرط، وقد ذكر العلامة في
155

التذكرة (1) أنه قد لا يجوز اشتراط اسقاط الخيار، لا من جهة اسقاط ما
لم يجب، فإنه لو كان صحيحا لكان جاريا في جميع موارد اشتراط اسقاط
الخيار، بل من جهة أخرى، كما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه بأن
قال: لله علي أن أعتقك إذا بعتك، وقال: لو باعه بشرط نفي الخيار
لم يصح البيع، لصحة النذر ويجب الوفاء به، ولا يتم ذلك برفع الخيار
لرفع موضوع النذر.
وقد ذكر المصنف أن ما ذكره العلامة مبني على أن النذر المعلق
بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له، ثم قال: وقد
مر أن الأقوى في الشرط أيضا كونه كذلك.
أقول: لا يتم ما ذكره العلامة وارتضاه المصنف و أضاف إليه الشرط،
صغرى وكبرى:
وأما الوجه في عدم تمامية الصغرى، فلأن عتق العبد لا ينحصر
بفسخ العقد بخيار المجلس ثم عتقه، بل يمكن بوجه آخر كالشراء ثانيا
أو تملكه بغير الشراء كالاتهاب أو التوارث، فإنه مع الاطمينان برجوعه
إلى ملكه ثانيا لا مانع من عدم الفسخ، فعتقه لا ينحصر بصورة الفسخ فقط
بل يمكن بغيره أيضا كما هو واضح.
وأما الوجه في عدم تمامية الكبرى، أن وجوب الوفاء بالنذر وكذا
وجوب الوفاء بالشرط وجوب تكليفي كما تقدم قريبا، وقد عرفت أنه
لا ملازمة بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، بأن تكون المخالفة
بالحكم التكليفي موجبة لبطلان المعاملة المنهية عنها أيضا، فلا دلالة
للنهي عن شئ تكليفا على فساده وضعا إلا بالقرائن كما في الخمر، نعم

1 - التذكرة 1: 518.
156

لو كان النهي ارشاديا فيدل على الفساد، كما في نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع
الغرر (1) ونحوه.
وعلى هذا فمخالفة الناذر نذره أو مخالفة الشارط شرطه حرام تكليفا،
فإذا نذر أن يعتق عبده إذا باعه أو شرط ذلك على نفسه في ضمن معاملة
ثم باعه بيعا لازما وخالف نذره فلم يعتق، فلا تدل مخالفته هذه على
بطلان البيع، وقد تقدم في المكاسب المحرمة كثيرا أن الحرمة التكليفية
لا يلازم الحرمة الوضعية، بل هي تدل على مبغوضية الفعل فقط لا على
عدم نفوذه.
وتظهر الثمرة فيما إذا باعه في حال الغفلة والنسيان عن نذره، فإنه
لا يكون حراما أيضا تكليفا، لكونه مرفوعا عند الغفلة والنسيان، كما هو
واضح.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ، من أن الحكم الشرعي يجعل الانسان
مسلوب القدرة، فقد تقدم جوابه وتقريب كلامه.
2 - اسقاطه بعد العقد
قوله (رحمه الله): مسألة: ومن المسقطات اسقاط هذا الخيار بعد العقد، بل هذا هو
المسقط الحقيقي.
أقول: لا شبهة في جواز اسقاط خيار المجلس بعد العقد، بل هو
المسقط الحقيقي كما ذكره المصنف، وإنما الكلام في دليل ذلك، وقد
استدل عليه المصنف بوجوه:
1 - دعوى الاجماع عليه.

1 - دعائم الاسلام 2: 21، عيون الأخبار 2: 45، صحيح مسلم 3: 1153، السنن للترمذي
3: 532، السنن لابن ماجة 2: 739، مسند أحمد 1: 302.
157

ولكنه تقدم غير مرة أن الاجماع في مثل هذه المسألة ليس تعبديا، بل
هو مبني على الوجوه المذكورة في المسألة.
2 - القاعدة المسلمة بين الفقهاء، أن لكل ذي حق اسقاط حقه، ولعل
الوجه في ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون على أموالهم، فإن مقتضى
ذلك هو تسلط ذي الحق بحقه فيفعل فيه ما يشاء بالفحوى وبالطريق
الأولوية، فإن الانسان إذا كان مسلطا لماله الذي من قبيل الأعيان فهو
مسلط على حقه أيضا.
وفيه أما لمن له الخيار حق لاسقاطه أولا، أي أن هذا الخيار الثابت له
إما من قبيل الحقوق أو من قبيل الحكم، فإن كان من قبيل الحقوق
فلا يحتاج إلى التمسك بفحوى دليل السلطنة أو بمنطوقه، فإن معنى
الحق هو كون ذي الحق مسلطا على حقه بحيث يفعل فيه ما يشاء، وإن لم يكن من قبيل الحقوق بل من قبيل الحكم فلا يقبل الاسقاط، سواء كان
هنا دليل السلطنة أم لا.
وبعبارة واضحة قد ذكرنا في أول البيع أنه لا فرق بين الحق والحكم
من حيث كونهما مجعولين للشارع، بل كلاهما من الأحكام الشرعية التي
جعلها الشارع، ولكن بعض هذه الأحكام قد فوضه إلى المكلف وجعل
اختياره بيده فله أن يتصرف فيه كيف يشاء، ونسمي ذلك حقا في
الاصطلاح، وإن كان حكما في الحقيقة أيضا، وهذا لا يكون إلا إذا ثبت
بالدليل، فبدونه لا يمكن أن يقال: إن هذا الحكم اختياره بيد المكلف،
ولذا كلما شككنا في مورد أنه يسقط باسقاط من له ذلك أو لا فالأصل
بقاؤه وعدم سقوطه بالاسقاط تمسكا بدليله.
وعلى هذا فلا يمكن اثبات الحقية بدليل السلطنة، فإنه ناظر إلى
الكبرى، وأن كل من له السلطنة على شئ فله التصرف في متعلق سلطنته
كيف يشاء، وبالفحوى يثبت جواز التصرف في الحق ومتعلقه، ولكن
158

لا يثبت بذلك أن الحكم الفلاني حق والحكم الفلاني ليس بحق.
3 - قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (1)، بدعوى أنه إذا شمل
الشروط الابتدائية لكان شاملا لذلك أيضا، فإن اسقاط الخيار بعد العقد
التزام بأن لا يكون له خيار، فيكون من الشروط الابتدائية.
وفيه أولا: أنه لا تشمل الشروط الابتدائية، للاتفاق بعدم كونها واجب
الوفاء، بل ليست من الشروط وقد تقدم من القاموس أن الشرط هو الالزام
والالتزام في بيع ونحوه.
وثانيا: على تقدير كونه شاملا للشروط الابتدائية، فلا شبهة لعدم
شموله لاسقاط الخيار بعد العقد الذي هو محل كلامنا، وذلك فإن معنى
اسقاط الخيار هو الالتزام بأن لا يكون له خيار، ولا شبهة أن ثبوت الخيار
له وعدم ثبوته له من الأحكام الشرعية، فلا يكون تحت اختيار المكلف
كما لا يخفى، فلا يعقل شمول: المؤمنون عند شروطهم لذلك.
4 - وهو العمدة، وحاصله: أنا استفدنا من النص الدال على سقوط
الخيار بالتصرف معللا بأنه رضا بالبيع (2).

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
2 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
159

فيدل ذلك على أن الرضا بالبيع وبسقوط الخيار يوجب السقوط بأي
كاشف كان ذلك الدال، فكلما دل على رضا ذي الخيار بسقوط الخيار
فيكون ذلك موجبا للسقوط كما لا يخفى، فإن المناط هو الرضا لا أن
للفظ خاص موضوعية بحيث يكون سببا للسقوط تعبدا، كما لا يخفى.
ويترتب على ذلك المسألتان اللتان ذكرهما المصنف بعد ذلك:
المسألة الأولى: عدم اعتبار لفظ خاص في اسقاط الخيار
الأولى: أنه لا يعتبر في اسقاط الخيار لفظ خاص كما يعتبر ذلك في
العقود والايقاعات على المشهور من العربية والماضوية وغيرهما، بل
يسقط الخيار بكل ما يكون كاشفا عن الرضا من ذي الخيار على ذلك، لما
عرفت أن المناط هو الرضا بالبيع وكونه لازما، وهو يحصل ولو بالإشارة
بالحواس ونحوه.
وعلى هذا فيجري في الاسقاط ما يكون شبيها بالبيع الفضولي، كما إذا
قال أحد غير ذي الخيار: أسقط خيار الفلاني، ثم يقول صاحب الخيار:
أمضيت، فإنه يكون ذلك اسقاطا، فإن الامضاء مصداق لسقوط الخيار
ومصداق للرضا به كما لا يخفى، فلا يعتبر هنا لفظ خاص لتحقق المناط
المذكور بأي كاشف.
المسألة الثانية: اسقاط الخيار بلفظ: اختر
ما ورد في بعض الروايات وإن كانت غير جامعة لشرائط الحجية، أنه لو
قال أحدهما لصاحبه اختر (1)، فهل يكون هذا اسقاطا للخيار أم لا؟ وقد

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر
(درر اللئالي 1: 336، عنه المستدرك 13: 299)، ضعيفة.
160

وقع ذلك محل الكلام بين الأعلام، لا شبهة أن كلمة اختر ليس من
مسقطات الخيار تعبدا، فيقع الكلام في دلالته على ذلك.
وقد يقال: إن كلمة اختر معناه اسقاط خياره عن نفسه وارجاع أمر
العقد إلى الطرف الآخر، وأما إذا لم يكن له خيار فمعناه تمليك خياره
إليه، والحاصل أن قول القائل لصاحبه: اختر هذا العقد، معناه ارجاع أمر
العقد وتفويضه إليه، بحيث لا يكون للقائل اختيار في العقد أصلا،
وعليه فإن كان للطرف الآخر خيار أيضا فيسقط خيار القائل وإلا فيكون
تمليكا لخيار نفسه إلى الطرف الآخر.
وقد يقال: إن معنى كلمة اختر تفويض الخيار إلى الطرف الآخر،
بحيث يكون هو المفوض إليه في ذلك إما يعمل أو لا يعمل دون
الاسقاط.
وقد يقال: إن معنى كلمة اختر هو استكشاف حال الطرف بالنسبة إلى
العقد، أنه أي شئ يختار في العقد الفسخ أو الامضاء.
وعلى الثالث لا يكون التكلم به موجبا لسقوط الخيار، لكونه مسوقا
للتجربة والامتحان، بل قيل على الثاني أيضا لا يدل على سقوط الخيار،
فإن تفويض الأمر إلى صاحبه في أمر خيار المجلس لا يدل على سقوط
خيار نفسه، غاية الأمر أنه يكون مثل الموكل الذي فوض أمر شئ إلى
الوكيل المفوض، فإنه مع كونه وكيلا مفوضا فللموكل أيضا أن يتصرف
في ذلك الشئ الذي وكل غيره فيه.
وقال شيخنا الأنصاري (رحمه الله) وهو الحق، أن كلمة: اختر، لا يدل إلا
على كشف حال الطرف وامتحانه، وأما أزيد من ذلك فلا شئ من
الدلالات المطابقية وغيرها، إلا أن تكون هناك قرينة حالية أو مقالية تدل
على كون مراد المتكلم هو اسقاط الخيار، وهو كذلك، فإن مادة كلمة
161

اختر هي لا تدل على أزيد من الاختيار وهيئتها هي صيغة الأمر،
فلا دلالة في شئ من المادة والهيئة على ذلك أي سقوط الخيار، بل
لا يستفاد منها إلا امتحان الطرف وكشف حاله أنه يمضي العقد ويسقط
خياره أم لا بد يريد الفسخ.
معارضة الفسخ والامضاء
قوله (رحمه الله): ثم إنه لا اشكال في أن اسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار
الآخر.
أقول: قد تقدم في أوائل الخيار أن امضاء أحدهما العقد لا يوجب
سقوط خيار الآخر وكون العقد لازما من قبله بل هو باق على خياره، نعم
إن فسخ أحدهما يوجب فسخ الآخر كما ذكره المصنف.
ثم تصدى المصنف لبيان صورة معارضة الفسخ والامضاء، وقال: لو
اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين، كما لو فرض ثبوت الخيار من
طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما لمتعدد كالأصيل والوكيل، فأجاز
أحدهما وفسخ الآخر دفعة واحدة، أو تصرف ذو الخيار في العوضين
دفعة واحدة، كما لو باع عبدا بجارية ثم اعتقهما جميعا، حيث إن اعتاق
العبد فسخ واعتاق الجارية إجازة، أو اختلف الورثة في الفسخ والإجازة
تحقق التعارض، وظاهر العلامة في جميع هذه الصور تقديم الفسخ،
ولم يظهر وجه تام، وسيجئ الإشارة إلى ذلك في موضعه إن شاء الله
تعالى.
والتحقيق في بيان الكبرى في المقام، أنه قد يقال بثبوت الخيار
للطبيعي، بحيث كل من سبق إلى اعمال الخيار من الفسخ أو الامضاء
لا يبقى مجال للآخر أصلا، كما أن الشخص الواحد ليس له إلا خيار
162

واحد من الفسخ أو الامضاء، فالطبيعي أيضا في حكمه، فكأنه فرد
واحد، وقد احتمل هذا الوجه في ثبوت الخيار للورثة بموت المورث،
وقالوا بأن هنا حينئذ خيار واحد، فأي من الورثة سبق إلى أعماله فيسقط
عن الباقين.
وقد يقال بكونه ثابتا لكل واحد، ولكن يكون الخيار الثابت للثاني في
طول الخيار الثابت للأول أي من فروعه وشؤونه، سواء كان خياره في
طول خيار الأول متعددا أو واحدا، وهذا كخيار الوكيل الواحد أو
المتعدد من الموكل في اعمال الخيار.
وقد يقال بثبوته لكل واحد واحد من الأشخاص على نحو الاستقلال
من غير أن يرتبط بالآخر أصلا.
أما على الأول فلا شبهة في سقوط الخيار عن البقية بسبق أحد أفراد
الطبيعة إلى أعماله إما بالفسخ أو بالامضاء كما عرفت، فإنه حينئذ ليس
هنا إلا خيار واحد، فلا يعقل بقاؤه بعد سقوطه بالأعمال اسقاطا أو
اعمالا، فلا يبقى لخيار الثاني موضوع أصلا، لارتفاعه بفسخ السابق أو
امضائه.
وعلى هذا فلو تقارن فسخ أحد أفراد الطبيعة مع امضاء الفرد الآخر
فلا مناص عن التساقط حينئذ، ولا يكون شئ من الفسخ أو الامضاء
مؤثرا في العقد، فيكون الخيار باقيا على حاله، فإن سقوطه وعدمه معا
مستحيل للتناقض، لما عرفت أن ثبوت الخيار للطبيعة كثبوته لفرد
واحد.
فكما لا يعقل تأثير صدور الفسخ والامضاء من شخص واحد، بأن
يكتب بإحدى يده الفسخ وبالآخر الامضاء ويبرزهما معا، أو يفسخ
بلسانه ويمضي بكتابته أو بإشارته، فإن شيئا من ذلك لا يعقل، لأنه
163

مستلزم لتناقض وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح، فيلغو
كلاهما، وكذلك في هذه الصورة، فإنه حينئذ ليس هنا إلا خيار واحد،
فهذا الخيار الواحد لا يعقل أن يؤثر في العقد الفسخ والامضاء معا.
وعلى هذا الفرض لا وجه لكلام العلامة أصلا، لا أنه لم يظهر له وجه
تام كما ذكره المصنف، لما عرفت أنه غير معقول وأنه مستحيل كما
لا يخفى.
وأما على الثاني، بأن يكون خيار أحدهما في طول خيار الآخر، فقد
عرفت أنه على قسمين:
الأول: أن يكون الثاني الذي خياره في طول خيار الأول واحدا، كما
إذا وكل أحد شخصا آخر في أمر الخيار، فإن خيار الوكيل في طول خيار
الموكل أي من فروعه وشؤونه.
الثاني: أن يكون الوكيل في اعمال خيار الموكل متعددا، كان وكل
نفرين في اعمال خيار المجلس الثابت، فإن هذا الخيار الثابت للوكيل في
طول خيار الموكل.
وعلى كل حال، فكل من سبق من الوكيل أو من الموكل إلى اعمال
الخيار فيرتفع الخيار ولا يبقى للآخر مجال أصلا، فإن سبق الموكل
فلا يبقى مجال لخيار الوكيل، وإن سبق الوكيل فلا يبقى مجال لخيار
الموكل، وكذلك الحال في سبق أحد الوكيلين على الوكيل الآخر
والموكل، والوجه في ذلك أن هنا خيار واحد ثابت للموكل وللوكيل في
طوله، فبعد اعمال كل منهم ذلك لا يبقى مجال لخيار الآخر أصلا.
وإن تقارنا بأن فسخ الوكيل وأمضى الموكل أو فسخ أحد الوكيلين
وأمضى الآخر، فإنه حينئذ لا مناص من التساقط أيضا ومن عدم تأثير
شئ من الفسخ والامضاء، لما عرفت من أنه ليس هنا إلا خيار واحد
164

فلا يعقل أن يعمل هذا الخيار الواحد بالفسخ تارة وبالإمضاء أخرى معا،
فقهرا يحكم بالتساقط كما عرفت في ثبوته على الطبيعي، فهذان
الاحتمالان، أي احتمال ثبوته للطبيعة واحتمال ثبوته للمتعدد طولا
متحدان من حيث النتيجة، فلا مجال لكلام العلامة في هاتين الصورتين.
وأما على الثالث، فلكل منهما خيار مستقل، فله أعماله من غير أن
يرتبط بالآخر، كما تقدم نظيره في ثبوت خيار المجلس للوكيل والموكل
معا على نحو الاستقلال، مع اجتماعهم في مجلس واحد أو مع كون
الوكيلين في مجلس والموكلين في مجلس آخر مجتمعين كما تقدم،
وحينئذ فكل يترتب حكم خيار نفسه على حده من دون ربط بالآخر.
وعلى هذا فلو فسخ أحدهما، سواء كان قبل امضاء الآخر أو مقارنا
بإمضائه أو بعده فيبطل العقد وينحل، فلا يبقى شئ أصلا، فإن الفسخ
يقدم على الامضاء حتى بعد امضاء الآخر، وقد تقدم وجهه سابقا، من أن
في الفسخ خصوصية يوجب انحلال المعاملة، لأنه عبارة عن الحل
والحل إنما يكون من الطرفين بخلاف الامضاء، فإنه اقرار العقد فهو
تحصل من قبله أيضا وحده.
وعلى هذا الفرض فمع التقارن يقدم الفاسخ ومع التأخر عن الامضاء
يقدم على الامضاء، فمع التقارن يقدم أيضا بطريق الأولوية، ولو كان
مراد العلامة من تقديم الفاسخ على المجيز هذا فله وجه وجيه.
وعلى الجملة فكلما كان الفسخ مقدما على الامضاء في فرض تأخره
عنه فيقدم في فرض التقارن بالأولوية أيضا، وكلما وقع التعارض بينهما
في صورة المقارنة فلا يكون الفسخ مقدما في صورة التأخر أيضا
بالأولوية، لعدم بقاء الموضوع له حينئذ.
165

3 - افتراق المتبايعين
قوله (رحمه الله): من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين.
أقول: يقع الكلام في جهتين:
الجهة الأولى: في أن المدار في الافتراق الموجب لسقوط الخيار أي
شئ، هل هو طبيعي الافتراق ولو بمقدار إصبع أو بمقدار شعره، أو
المناط هو الافتراق بمقدار خطوة، أو المناط هو الافتراق العرفي، وجوه
ثلاثة التي ذكرها المصنف.
الجهة الثانية: في أن ما يوجب سقوط الخيار من الافتراق وأن موضوع
الحكم هو الافتراق بما هو افتراق، أو أن الموضوع هو الافتراق الكاشف
عن الرضا، وأما ما كان عن اكراه لا يوجب سقوط الخيار.
الجهة الأولى: المدار في الافتراق الموجب لسقوط الخيار
1 - ذكر المصنف أن الافتراق بما هو افتراق موجب لسقوط الخيار
قليلا كان أم كثيرا، فإن الظاهر من الأدلة هو حصول الخيار بمجرد
الافتراق وانفصال الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد، فإذا
حصل مسمى الافتراق وصدق الطبيعي سقط الخيار.
والذي يصرح أن مراد المصنف هو ذلك ما ذكره في ذيل كلامه، من
قوله: فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفى مجرد افتراقهما.
2 - اعتبار الخطوة في الافتراق المسقط للخيار، فقد ذكره جماعة
اغترارا بالتمثيل بالخطوة الواقعة في كلمات جماعة، ولكنه لا دليل عليه
بوجه، وإنما ذكره جماعة من باب المثال، وعلى تقدير أنهم ذكروا ذلك
من باب التحديد فلا دليل عليه، لأنه لم يرد من الشرع ما يوجب التحديد،
166

كما ورد ذلك في تعيين الكر والنصاب في الزكاة ونحوهما.
3 - أن يقال بأن المناط في ذلك هو الافتراق العرفي.
وأما الوجهان الأولان فلا دليل عليهما، وبيان ذلك: أن المراد من
الافتراق ليس هو مجرد الانفصال بأي نحو كان، ولو كان طبيعي الانفصال
بين المتبايعين لحصوله من الأول بالبديهة، فإنه قلما يتفق أن يكون امضاء
أحد المتبايعين متلاصقا بالآخر باليد أو بشئ آخر من أعضاء بدنهما.
وعليه فالمراد من الافتراق ليس هو افتراق بدن كل منهما عن الآخر،
فلا بد وأن يراد من ذلك هو الافتراق عن مجلس العقد، سواء كانا جالسين
أم قاعدين أو مضطجعين، أي عن مجلس العقد للمعاملة ولو كان في
حالة المشئ.
فلو كانا في قبة واجتمعا في تلك القبة للمعاملة الخاصة فالاجتماع
فيها اجتماع للمعاملة، فيكون هذا المجلس مجلس المعاملة فلا يحصل
التفرق حينئذ إلا بالتفرق من هذا القبة وانقضاء مجلس البيع عرفا، فإنه
ما دام هذا الاجتماع في هذه القبة باق لا يصدق التفرق عن مجلس
المعاملة كما لا يخفى، فلو قام أحدهما لشرب الماء في زاوية أخرى من
القبة أو للتوضؤ لا يحصل الافتراق عرفا وإن حصل التفرق بالدقة
العقلية.
وهكذا أن التفرق في كل مجلس اجتمعا للمعاملة بحسب حال ذلك
المجلس عرفا وعلى هذا لا يضر التفرق بمقدار عشرة خطا فضلا عن
الخطوة الواحدة كما ذكره جماعة بل فضلا عن التفرق بالمسمى كما ذكره
المصنف بل المناط هو الصدق العرفي وانهدام الهيئة الاجتماعية لأجل
المعاملة عرفا هذا بحسب ما يستفاد من الروايات.
ولكن ورد في رواية صحيحة أنه (عليه السلام) قال: فلما أوجب البيع قمت
167

فمشيت خطأ ليجب البيع (1)، فإن الظاهر من هذه الرواية الشريفة أن المشي
خطأ يوجب سقوط الخيار، وأن المشي لأجل اسقاط الخيار لا لغرض
آخر.
وعليه فالمناط في سقوط الخيار هو ذلك وأقله بثلاثة خطوات، فإنه
لو لم يكن المشي خطأ موجبا لسقوط الخيار لكان ذكره في الحديث
لغوا، فإنه ليس من باب الصدفة، فإن الحالات الموجودة حال البيع وبعده
كثيرة، فلو لم يكن لذكر ذلك موضوعية لم يذكره الإمام (عليه السلام) ولذكر
غيره، فيعلم من ذلك أن المناط في سقوط الخيار بالتفرق هو ذلك، وأن
الإمام (عليه السلام) طبق الكبرى الكلية على المورد الخاص، لا أن القضية
شخصية في مورد خاص كما لا يخفى.
فتحصل أن ما يظهر من هذه الرواية الشريفة هو الميزان في سقوط
الخيار بالتفرق.
الجهة الثانية: المدار هو الافتراق الكاشف عن الرضا أم لا؟
ثم إنه هل يحصل التفرق بحصوله بالاختيار من أحد الطرفين
وبالاضطرار عن الآخر أو بالاضطرار من الطرفين، أو لا بد وأن يكون
اختياريا من كلا الطرفين.

1 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إني ابتعت أرضا فلما استوجبتها
قمت فمشيت خطا ثم رجعت فأردت أن يجب البيع (التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، الفقيه
3: 127، عنهم الوسائل 18: 8)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: بايعت رجلا فلما بايعته قمت فمشيت
خطا ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا (الكافي 5: 171، عنه الوسائل 18: 8)،
صحيحة.
168

وبعبارة أخرى هل يعتبر في التفرق أن يكون اختياريا من كلا الطرفين
أو يكفي من أحد الطرفين، أو لا يعتبر الاختيار في شئ من الطرفين
أصلا.
الظاهر أنه لا يعتبر الاختيار في حصول مفهوم التفرق أصلا، فإنه أمر
تكويني يحصل بمجرد انفصال أحد الجسمين عن الآخر، وبعبارة
أخرى أن التفرق والانفصال من الأمور النسبية، وهو يتحقق من الطرفين
بمجرد تباعد أحد الجسمين عن الآخر، وإذا انفصل أحدهما عن الآخر
بأي نحو كان يحصل التفرق من الطرفين حقيقة، وأما سقوط الخيار
بمطلق التفرق وعدم سقوطه فهو مطلب آخر غير مربوط بالمقام.
وأما ما ذكره المصنف من قوله: فذات الافتراق من المتحرك واتصافها
بكونها افتراقا من الساكن، فلا معنى له، فإن الافتراق حقيقة يحصل من
الطرفين بمجرد تفرق أحدهما عن الآخر كما لا يخفى، فلا نعقل معنى
لكون ذات الافتراق من المتحرك واتصافها بكونها افتراقا من الساكن كما
هو واضح لا يخفى.
ويدل على تحقق الافتراق بمجرد تفرق أحدهما قوله (عليه السلام): قمت
فمشيت خطأ ليجب البيع حين افترقنا، حيث أثبت افتراقهما بمجرد
انفصاله (عليه السلام) عن الآخر من غير أن يكون الآخر متحركا بل كان جالسا.
المسألة (1)
عدم اعتبار الافتراق عن اكراه
قوله (رحمه الله): مسألة: المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن اكراه إذا منع من
التخاير.
أقول: لا شبهة أن موضوع عدم الفسخ هنا مركب من أمرين: أحدهما
التفرق، والثاني عدم الفسخ.
169

وعليه قد يكون كل منهما اختياريا، بأن يكون متمكنا من الفسخ
ولا يكون مكرها عليه، ويكون مختارا في التفرق وعدمه، وهذا هو
القدر المتيقن من مورد سقوط خيار المجلس بالتفرق، أي إذا كان متمكنا
من الفسخ وكان مختارا في التفرق، ومع ذلك تفرق باختياره ولم يفسخ
كذلك باختياره يسقط خياره.
وقد يكون مختارا في الفسخ وعدمه ومتمكنا عنه، ومع ذلك كان
مكرها على التفرق، وقد يكون عكس ذلك، بأن يكون مكرها على عدم
الفسخ ولكن كان مختارا في التفرق، فالمعروف المشهور في هذين
الفرضين أيضا سقوط الخيار، والوجه فيه ما سيأتي، من أنه مع كون أحد
جزئي الموضوع المركب اكراهيا والجزء الآخر غير اكراهي لا يوجب
رفع الحكم المتعلق به أو المترتب عليه لكونه اختياريا كما لا يخفى،
فافهم.
قد يكون مكرها على كليهما، بأن يكون مكرها على التفرق وغير
متمكن من الفسخ، أي مكرها على عدم الفسخ، فالمشهور هنا هو عدم
سقوط الخيار.
قد استدل على هذا بوجوه كما يظهر من كلام المصنف:
ما يستدل به على عدم الاعتبار
الوجه الأول: الاجماع
الاجماع المنقول المنجبر بفتوى المشهور.
وفيه أن كلا من الاجماع المنقول والشهرة ليس بحجة، فلا يكون ضم
غير الحجة بمثله مفيدا للحجية، أما عدم حجية الشهرة الفتوائية
فواضح، وأما عدم حجية الاجماع المنقول فمن جهة أن المظنون أن
170

مدركه هو الوجوه المذكورة في المقام، فلا يكون هنا اجماع تعبدي
كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام).
الوجه الثاني: المتبادر من الفعل هو الاختياري
إن المتبادر من الفعل هو الاختياري، فالحكم المترتب على فعل يكون
مترتبا على فعل اختياري لا على فعل غير اختياري، فالمناط في التفرق
الموجب لسقوط الخيار هو التفرق الصادر عن المتفرق باختياره لا الصادر
بالاكراه، فإنه حينئذ لا يسقط الخيار بل يتمسك بأصالة بقاء الخيار
ويحكم بعدم سقوطه.
وقد أشكل عليه المصنف بأنه يمكن منع التبادر، فإن المتبادر هو
الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لا يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس
الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر، لا في مقابل المكره
الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد على تركه، فإن التبادر ممنوع، ثم
ذكر ثانيا: أنه لو تم هذا إنما يتم في صورة الاكراه والاضطرار على التفرق
مع التمكن من الفسخ، مع أن المشهور ذهب في هذه الصورة إلى سقوط
الخيار.
أقول: أما جوابه الثاني، أي النقض بصورة الاكراه على التفرق مع
تمكنه من الفسخ، فهو متين.
وأما جوابه الأول فلا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا فرق بين الاضطرار
والاكراه، بل الظاهر أن المتبادر من الفعل هو الأعم من الاختياري وغير
الاختياري الشامل لصورة الاضطرار أيضا، فإن الاختيار لم يؤخذ في
الأفعال لا بموادها ولا لهيئاتها، أما موادها فواضح، فلأن مثل التفرق
والقعود والقيام والجلوس والنوم ونحوها من مواد الأفعال أعم من
171

الاختيارية وغيرها، فتخصيصها بحصة خاصة وهي كونها اختيارية
مجازفة، وأما الهيئات فهي مختلفة بحسب المشتقات، فإنها قد تدل
على صدور الفعل، وقد تدل على حلوله ووقوعه على المواد وهكذا،
فليس فيها اختيار أصلا، نعم قد يكون الاختيار مأخوذا في مفهوم المواد
لعنوان التعظيم والإهانة والصوم والصلاة ونحوها من الأمور التي من
العناوين القصدية، فإن الاختيارية مأخوذة فيها بحسب المفهوم كما هو
واضح.
وعلى الجملة لا وجه للقول بأن المتبادر من الأفعال هو كونها
اختيارية، سواء كان الاختيار في مقابل الاكراه أو في مقابل الاضطرار،
فإن الأفعال غير ما يكون الاختيار مأخوذا في مفهومه أعم من الاختيارية
وغيرها، ومن هنا تري أنها تنقسم إلى الاختياري وغير الاختياري،
فيقال: قيام اختياري وقيام غير اختياري، وموت اختياري وموت غير
اختياري، وقعود واضطجاع اختياريين وغير اختياريين وهكذا.
الوجه الثالث: حديث الرفع
الاستدلال بحديث الرفع، فإنما أكره عليه أو اضطر عليه الانسان
مرفوع في الشريعة المقدسة بمقتضى حديث الرفع، وقد أجاب عنه
المصنف بأنه لا يمكن أن يجعل التفرق كلا تفرق بمقتضى حديث الرفع
لأن المفروض أن التفرق الاضطراري أيضا مسقط مع وقوعه في حال
التمكن من التخاير فلو كان حديث رفع الاكراه رافعا لحكم التفرق مع عدم
التمكن من التخاير لكان حديث رفع الاضطرار رافعا لحكم التفرق أيضا
مع التمكن من التخاير.
ولكن يرد عليه أنه لا مجال لهذا النقض، لما عرفت أن موضوع عدم
172

الخيار هو التفرق وعدم الفسخ، وهو إنما يكون حكما اكراهيا إذا كان
كلا الجزئين من موضوعه المركب اكراهيا، وأما إذا كان أحد الجزئين
اختياريا والآخر اكراهيا فيكون الحكم أيضا حكما غير اكراهي، وحينئذ
لا يترتب عليه حكم الاكراه مثلا إذا كان شخص مكرها على التكلم بكلمة
بعت، وتكلم المكره بكلمة بعت منشاء بها بيع داره مثلا، فإنه لا يتوهم
أحد أن هذا الانشاء غير مؤثر باعتبار كون بعض أجزاء ما أنشأ به البيع
صادرا عن اكراه.
وهكذا في جميع الموضوعات المركبة، ففي المقام كذلك، فإن
الاكراه بأحد الجزئين لا يجعل الحكم اكراهيا مع كون الجزء الآخر من
الموضوع باقيا على اختياريته، بحيث يكون الحكم غير اكراهي به، فإذا
كان البايع مثلا مكرها على التفرق ولكن كان مختارا في الفسخ وعدمه،
فله أن يفسخ ذلك فلا يكون مجبورا ومكرا على عدم الفسخ، فلا وجه
لهذا النقض.
وقد أجاب شيخنا الأستاذ عن حديث الرفع أولا: أن النسيان مرفوع
فيه أيضا، مع أن القائل باعتبار الاختيار مقابل الاكراه يلتزم بسقوط الخيار
مع النسيان والغفلة، فيستكشف من السقوط في مورد النسيان أن ذات
الافتراق بما أنه فعل، لا بما هو صادر عن اختيار جعل من المسقطات.
وثانيا: أن حديث الرفع وإن لم يختص بالحكم التكليفي ولكن
لا يمكن التعدي منه إلى غير الحكم التكليفي إلا إلى متعلقاته، أي يكون
المرفوع به وراء الحكم التكليفي متعلقات التكاليف لا موضوعاته، لأن
مورد بعض المرفوعات منحصر في متعلق التكليف كالحسد والوسوسة
والطيرة، فتعميم الرفع لموضوعات التكاليف كالسفر والحضر والتفرق
مع عدم الجامع بين المتعلق وموضوع التكليف لا وجه له، فيجب أن يراد
173

منه أنه لو شرب المكلف نسيانا أو كرها أو أفطر كذلك فشربه كالعدم،
لا أنه لو تحقق السفر أو الإقامة أو التفرق عن كره فوجوده كالعدم، ولذا
لا يلتزم أحد بأنه لو أقام مثلا عن كره يجب عليه القصر.
أما نقضه بالنسيان فهو متين، ولكن لا وجه لجوابه الثاني، بل لم يلتزم
به في الأصول، وأنه التزم فيه بعدم الفرق في شمول حديث الرفع بين
الموضوع والمتعلق، لأن المرفوع بحديث الرفع هو الحكم المتعلق
بفعل المكلف، وهو قد يكون متعلقا للتكليف والمراد به ما يكون
مطلوبا أو منهيا عنه، وقد يكون موضوعا له ويكون الحكم مترتب عليه،
والمراد به ما كان شرطا للتكليف لا مطلوبا بنفسه.
فالأول مثل الشرب الذي هو متعلق النهي في شرب الخمر ونحو
ذلك، والثاني كالتفرق الذي موضوع لسقوط الخيار، فإنه على كل تقدير
يرتفع بحديث الرفع كما هو واضح، وقد عرفت أنه لم يلتزم بذلك في
الأصول.
والحاصل أن المرفوع إنما هو فعل المكلف الذي يقع عليه الاكراه،
وهذه قضية حقيقية، فأيما تحققت يتحقق الحكم، بمعنى أنه إنما وجد
الفعل وتعلق به الاكراه يكون هذا الفعل كعدمه بارتفاع الحكم، بل
لا يمكن الالتزام به أصلا، فإن لازم ذلك أن يلتزم بثبوت الكفارة للافطار
في شهر رمضان إذا كان عن اكراه، بأن يقال: إن المرفوع إنما هو الحرمة
لأن افطاره كالعدم، وأما الكفارات فهي تترتب عليه، فإن حديث الرفع
لا يجعل الافطار المتحقق الذي هو موضوع الكفارة كعدم الافطار، مع أنه
لم يلتزم به.
وكذلك لازم الفرق بين المتعلقات والموضوعات في مفاد حديث
الرفع أن يلتزم بثبوت الكفارات للمحرمات في باب الحج التي حكم
174

الشارع بثبوت الكفارات على ارتكابها عن العمد إذا صدرت عن اكراه
ونسيان وغفلة أيضا، بأن يقال إنه لو أكره أحد على الصيد في حال
الاحرام أو نسي فاصطاد فتثبت له الكفارة، لأن حديث الرفع لا يرفع
موضوع الحكم، فالصيد الذي موضوع لثبوت الكفارة غير مرفوع، بل
المرفوع إنما هو الحكم التكليفي ومتعلقاته، أي جعل الصيد كعدمه
بالنسبة إلى الحكم التكليفي، ولم يلتزم المشهور بذلك.
و أما ما ذكره من الاستشهاد على عدم شمول حديث الرفع
لموضوعات الأحكام، بعدم كون الإقامة والسفر عن اكراه كغير الإقامة
وكغير السفر، حيث إن وظيفة المكلف في الأول هو الاتمام وفي الثاني
هو القصر، مع أن لازم القول شمول حديث الرفع لموضوعات الأحكام
هو الالتزام بكون الإقامة والسفر هنا كعدمهما، فهو محض اشتباه، حيث
إن المستفاد من الأخبار أن موضوع القصر والاتمام إنما هو علم المكلف
بالإقامة وعدم علمه بذلك لا الإقامة الخارجية وعدمها، وأن العلم هنا
تمام الموضوع لا جزؤه.
ولذا لو علم بأنه يقيم في مكان عشرة أيام فصلى تماما ثم تبين أنه
لا يبقى إلا أربعة أيام صحت صلاته، فلا معنى للنقض بأنه لو كان حديث
الرفع شاملا لموضوعات الأحكام ورافعا لها أيضا للزم القول بوجوب
القصر مع الاكراه على الإقامة أو السفر.
ولذلك لا يرتفع النجاسة بالملاقاة عن نسيان أو عن اكراه، لأن موضوع
الحكم فيها هو الإصابة كما يظهر من الروايات، ومن هنا ذكرنا في محله
أن شرائط التكاليف قد تكون أمورا غير اختيارية كالوقت، نعم التقيد بها
أمر اختياري أي تحت اختيار المكلف.
175

بيان آخر لعدم جواز التمسك بحديث الرفع
والحاصل أنه لا يمكن التمسك هنا بحديث الرفع لوجهين:
1 - أن الظاهر من حديث الرفع هو الاكراه يوجب رفع الحكم الثابت
على ما أكره عليه، من موضوع الحكم الذي ترتب عليه الحكم ومن
متعلقه الذي ترتب تعلق به الحكم، وأما ترتب الحكم على الاكراه بعدم
شئ فلا يستفاد من حديث الرفع.
وتوضيح ذلك أنه إذا كان أحد مضطرا إلى شئ أو مكرها عليه أو
ناسيا، فكان الحكم المتعلق به أو المترتب عليه حراما في الواقع مثلا، فإن
حديث الرفع يرفع هذا الحكم كما هو الظاهر، وأما لو كان الشئ متروكا
عن اكراه أو نسيان فلا يوجب حديث الرفع ترتب الحكم على العمد، أي
ليس الاكراه على عدم شئ موردا لحديث الرفع وموجبا لثبوت الحكم
الذي كان ثابتا مع عدم الاكراه.
مثلا إذا كان أحد يختار صلاة الجماعة لأن يستريح من الشكوك
الطارئة عليه أو يستريح من قراءة الفاتحة، فإذا أكرهه أحد على ترك
الجماعة فلا يوجب الاكراه ترتب أحكام الجماعة عليه من عدم الاعتناء
بشكه، لأنه حين ما كان يصلي الجماعة لا يعتني بشكه لحفظ الإمام،
وكذلك لو كان أحد متجهزا إلى الجهاد ومتلبسا بلباس الحرير، لأنه
يجوز لبسه في الحرب، ولكن منعه شخص عن ذلك اكراها، فإن الاكراه
حينئذ لا يجوز لبس الحرير.
والحاصل أن دليل الاكراه يرفع الحكم المترتب على الموضوع الذي
أكره عليه أو المتعلق الذي تعلق به الحكم، ولا يكون ناظرا أبدا إلى
اثبات الحكم مع الاكراه على ترك موضوع ترتب عليه الحكم أو متعلق
176

تعلق به الحكم، أي لا يكون حديث الرفع متكفلا لاثبات الحكم الذي
ترتب على الموضوع أو تعلق بالمتعلق حين الاكراه بترك المتعلق
والموضوع.
نعم لو كان حديث الرفع شاملا للمباحات لكان الاكراه على البقاء
موجبا لرفع جواز الفسخ، ولكنه فرض غير واقع، فإن حديث الرفع يرفع
الالزام لا الجواز، وعلى هذا فلا يمكن الحكم ببقاء الخيار مع الاكراه على
التفرق، بدعوى أنه قد أكره على التفرق فيكون الاكراه موجبا لاثبات
حكم عدم التفرق والاجتماع.
وأما توهم أن حديث الرفع يرفع لزوم العقد مع الاكراه على التفرق،
فهو توهم فاسد، فإن التفرق ليس موضوعا لوجوب العقد ولزومه،
ولا أنه مما تعلق به لزوم العقد، بل هو غاية للجواز والخيار الثابت في
المجلس، تخصيصا لعموم وجوب الوفاء بالعقد بمقتضى: أوفوا
بالعقود (1)، فمع التفرق ينتهي أمد الجواز.
وبعبارة أخرى أن العقد كان لازما من الأول بدليل وجوب الوفاء
بالعقد، وقد خرجنا عن ذلك في زمن خيار المجلس، أي بالجواز الثابت
في المجلس، وقد كان هذا الجواز مغيا بالافتراق، وإذا افتراقا حصلت
الغاية، لا أنه وجب البيع، فإن وجوب البيع كان من الأول كما لا يخفى،
فالجواز إنما هو ثابت مع انحفاظ أمرين: أحدهما عدم الفسخ، والثاني
عدم حصول الافتراق، فافهم واغتنم، فليس اللزوم مترتبا بالافتراق أو
متعلقا به ليرتفع مع الاكراه على التفرق ويبقى الجواز على حاله.
2 - إنه على تقدير شمول حديث الرفع لما ذكر وكونه موجبا لاثبات

1 - المائدة: 1.
177

الحكم ولكنه وارد في مقام الامتنان، ومن الواضح أن شموله للمقام على
خلاف الامتنان، فإنه يوجب أن ينتزع مال الغير منه بالفسخ وهو على
خلاف الامتنان.
بيان ثالث للبحث
والحاصل أنه ذكرت وجوه ستة على عدم سقوط الخيار بالتفرق عن
اكراه مع عدم التمكن من الفسخ، وقد عرفت أن شيئا منها لا يرجع إلى
محصل، وقد عرفت أن من جملة ما استدل به على عدم سقوط الخيار
وقد عرفت ما أجاب عنه المصنف وشيخنا الأستاذ، وعرفت أيضا أن
شيئا من المذكورات لا تصلح للجواب عن ذلك.
وقد عرفت أنا أجبنا عنه بجوابين:
الأول: إن حديث الرفع لا يثبت الحكم على نقيض ما أكره عليه
الشخص كالأمثلة المتقدمة، فلو أكره على التفرق فلا يوجب حديث
الرفع اثبات الحكم، أعني عدم سقوط الخيار على عدم التفرق الذي هو
نقيض التفرق.
الثاني: إن حديث الرفع إنما ورد في مقام الامتنان، ومن الواضح أن
الحكم بعدم سقوط الخيار لحديث الرفع على خلاف الامتنان، لأنه
يوجب انتزاع مال الغير من ملكه، فإنه بعد الحكم بعدم سقوط الخيار فإذا
أعمل الشخص خياره فيكون ذلك سببا لرد ما كان تملك المشتري مال
البايع بالبيع والشراء إلى ملك البايع بالفسخ ورد الثمن إلى ملك المشتري
كذلك، وهو على خلاف الامتنان.
ثم أجبنا عن أن حديث الرفع يرفع اللزوم المترتب على التفرق، بأن
التفرق غاية لسقوط الخيار وليس موضوعا للزوم العقد، وإنما الموضوع
178

له هو العقد والموجب للزومه هو دليل الوفاء بالعقد، وأما التفرق فليس
سببا للزومه، وإنما هو غاية جواز الفسخ أعني الخيار في المجلس.
ولكن الظاهر أن هذا الجواب لا يفيد، بيان ذلك:
قد تقدم في جواب شيخنا الأستاذ أن في الموضوعات المركبة
لا يكون حديث الرفع رافعا للحكم المترتب عليها إلا بالاكراه على
كلا جزئي الموضوع، كما إذا كان التكلم في حال القيام حراما، فإنه إذا
أكره أحد على التكلم في حال القيام فيرتفع الحكم بالحرمة عند الاكراه
بحديث الرفع وهكذا، وأما إذا كان أحد الأجزاء مقدورا والآخر غير
مقدور فلا موجب لرفع الحكم بحديث الرفع، لعدم كون المترتب على
الموضوع مما يترتب على موضوع اكراه أو متعلقا بالمتعلق الاكراهي
كما لا يخفى، فافهم.
ولذا قلنا في محله إنه لا مانع من كون التكليف مشروطا بشروط غير
مقدورة إذا كان متعلق التكليف أو المشروط بهذا الشرط غير المقدور
أمرا مقدورا، وكان ذلك الأمر المقدور مقيدا بهذا الشرط غير المقدور
بحيث يكون التقيد مقدورا، أي اتيان العمل مقيدا بهذا الشرط.
وهذه الكبرى وإن كانت مسلمة، ولذا عرفت كون التكليف مشروطا
بشرط غير مقدور، ولكنه لا يصح في المقام، وليس ما نحن فيه من
صغريات هذه الكبرى.
وذلك من جهة أن أحد جزئي الحكم باللزوم هو العقد وقد تحقق
على الفرض، والجزء الآخر التفرق و هو إنما تحقق بالاكراه، فلا يكون
الموضوع الذي ترتب عليه الحكم اختياريا فعليا بل اكراهيا، فيرتفع
الحكم باللزوم بحديث الرفع، نظير ما إذا كان موضوع الحرمة التكلم في
حال القيام كما تقدم، وقد تحقق القيام باختياره وبعد تحققه بالاختيار
فأكره القائم على التكلم، فإنه ترتفع الحرمة حينئذ.
179

وما ذكرناه من الكبرى فمورده قبل تحقق أحد جزئي الموضوع
المركب، فإنه حينئذ الاكراه بأحد الأجزاء لا يوجب كون الموضوع
اكراهيا ليوجب رفع الحكم، بل المكلف بعد على اختياره بالنسبة إلى
ايجاد الجزء الآخر، فلا يكون الموضوع اكراهيا حتى يوجب رفع الحكم
كما لا يخفى.
ففي المقام أن موضوع اللزوم هو العقد والتفرق على الفرض كما
عرفت، فإن دليل الوفاء بالعقد وإن كان تمام الموضوع للزوم حين تحقق
العقد ولكن بعد التخصيص بأدلة الخيار صار مقيدا بالافتراق عن مجلس
العقد، لأن الخاص يوجب تعنون العام به، فيكون الموضوع هما معا أي
العقد والتفرق، وقد تحقق العقد على الفرض وهو لا ينقلب عما هو
عليه، فهو أمر لا مناص عنه ومما لا بد منه، ولكن التفرق أمر اختياري،
فيدور سقوط الخيار وعدمه على الفسخ وعدمه وعلى التفرق وعدمه،
ولكن إذا أكره أحد المتبايعين أو كلاهما على التفرق فيكون موضوع
اللزوم متحققا في الخارج بالاكراه، فيكون ذلك مشمولا لحديث الرفع
فيرتفع الحكم المترتب على الموضوع بحديث الرفع كما لا يخفى،
فافهم.
فلا يتوهم أن الجزء الآخر وهو العقد قد تحقق بالاختيار، فإنه بعد
تحققه لا ينقلب عما هو عليه، نعم قبل العقد فموضوع اللزوم هو العقد
والتفرق، فإذا أكره على أحدهما أوجد الآخر بالاختيار لا يكون مترتبا
على موضوع اكراهي كما لا يخفى.
التحقيق في المقام
والتحقيق في الجواب أن يقال: إن الأفعال قد يكون ظاهرا في
الاختيارية وقد يكون أعم من الاختيارية وغيرها، أما الأول فلا شبهة في
180

كون الحكم المترتب عليها أو المتعلق بها مرتفعا عند الاكراه، وأما الثاني
فلا يرتفع بذلك لكونه أعم.
وبعبارة أخرى قد يراد من الفعل هو الفعل النحوي، من الماضي
والمضارع والأمر و نحوها، فإن ذلك إذا نسب إلى الفاعل يكون أعم من
الاختيارية وغيرها، كقولنا مات زيد أو قعد وتفرق ونحو ذلك، وقد
يكون المراد من الفعل ما يصدر من الفاعل بالإرادة والاختيار، فهذا ظاهر
في الاختيارية.
وعليه فإن كان الفعل الاختياري الصادر من المكلف بالإرادة
والاختيار متعلقا للتكليف كقوله: لا تشرب الخمر، أو من موضوعا له
كقوله: من أفطر في شهر رمضان فله كذا كفارة، فلا شبهة أن الحكم
المتعلق به أو المترتب عليه يرتفع عند الاكراه بلا شبهة، وأما الفعل
الجامع بين الاختياري وغيره فلا يرتفع عند الاكراه، كالتفرق فيما نحن
فيه، حيث إن قوله (عليه السلام): ما لم يفترقا (1)، فعل أعم من الاختياري
وغيره فيكون مع هذا العموم موضوعا للحكم، فلا يكون الحكم
المترتب عليه مرفوعا عند الاكراه.
وعليه فكما يسقط الخيار بالتفرق بالإرادة والاختيار، فكذلك يسقط
الخيار بمطلق التفرق وإن كان بالاكراه والاضطرار، هذا كله، فالنقض
المذكور أي النقض بالنسيان كاف في الجوابية عن عدم شمول حديث
الرفع لما نحن فيه، والفرق بين الاكراه والنسيان كما صنعه شيخنا الأستاذ
لا يرجع إلى محصل لعدم النص في المقام، فافهم.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
181

الوجه الرابع: ظهور المطلقات
ما أشار إليه شيخنا الأنصاري (رحمه الله) من أن الظاهر من المطلقات الواردة
في جعل الخيار ما لم يفترقا هو ما كان التفرق عن رضا بالعقد، سواء وقع
اختيارا أو اضطرارا، فإذا كان عن غير اختيار لا يكشف عن الرضا،
فلا يوجب سقوط الخيار.
وفيه أولا: أنه لا موجب لذلك ولا منشأ لهذا التبادر، وبأي وجه
نستكشف عن كاشفية التفرق الذي يوجب سقوط الخيار عن الرضا كما
لا يخفى.
وثانيا: أنه يلزم الالتزام بذلك في صورة النسيان أيضا، فإنه ليس
التفرق نسيانا أو غفلة كاشفا عن الرضا بالعقد، مع أن المشهور التزموا
بسقوط الخيار بالتفرق مع النسيان والغفلة كما لا يخفى، فافهم.
الوجه الخامس: صحيحة الفضيل
ما ذكره المصنف أيضا من صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد
الرضا منهما (1)، دل على أن الشرط في سقوط الخيار الافتراق والرضا
منهما، ولا ريب أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق بحيث يكون
التفرق عنه، إذا لا يعتبر الرضا في زمان آخر اجماعا.
والحاصل أن النص إنما يدل باعتبار التفرق مع الرضا في سقوط خيار
المجلس، ومن الواضح أنه منتف في صورة التفرق مع الاكراه، فلا يكون
الخيار ساقطا مع عدم التمكن من الفسخ.

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
182

وفيه أن الرواية وإن كانت صحيحة ولكن لازم ما ذكره المصنف أن
يكون الحال كذلك في صورة النسيان أيضا، وليس كذلك على ما ذكره
المشهور، وأما معنى الرواية - والله العالم - أن المراد من قوله (عليه السلام):
فلا خيار بعد الرضا منهما، هو الرضا الجديد بالعقد، ليكون الحديث
دالا على اعتبار كون التفرق كاشفا عن الرضا بالعقد بكون التفرق وعدم
الفسخ عن الرضا، بل المراد من هذا الرضا هو الرضا الأولى المتعلق
بالعقد حين البيع، غاية الأمر أنا خرجنا من ذلك في زمن الخيار، ومع
التفرق يكون الرضا الأولي باقيا على حاله أيضا، لا أن هنا رضا جديدا
متصلا بالتفرق.
وبعبارة أخرى أن المراد من الرضا في الرواية الرضا الذي ثبت عليه
لزوم العقد، لا الرضا بالعقد وبعدم الفسخ عند التفرق، لكونه هو الذي
وقعت المعاملة عليه، كما هو المفروض، فإن البيع لم يقع عن اكراه.
الوجه السادس: ذيل صحيحة الفضيل
ما ذكره المصنف أيضا في ذيل الصحيحة، فكأنه (رحمه الله) طبق الصحيحة
عليه، وقال: أو يقال: إن قوله بعد الرضا إشارة إلى إناطة السقوط بالرضا
بالعقد المستكشف عن افتراقهما، فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا
نوعا عن رضاهما بالعقد واعراضهما عن الفسخ.
وفيه أيضا أنه ظهر جوابه مما تقدم، من أنه على تقدير تماميته يجري
في صورة النسيان أيضا، فإنه ليس التفرق هنا كاشفا عن الرضا نوعا مع أن
المشهور التزموا بسقوط الخيار عنده كما عرفته.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لما ذكره شيخنا الأستاذ، من أن الفارق بين
الاكراه والنسيان هو النص، حيث قال: إن النص دل على سقوط الخيار
مع الافتراق نسيانا.
183

ووجه الاندفاع أنه لم نجد نصا يدل على ذلك، وأما صحيحة الفضيل
فهي أجنبية عن المقام، فتحصل أن الخيار يسقط بجميع أقسام التفرق كما
لا يخفى.
المسألة (2)
إذا كان أحدهما مختارا في التفرق والآخر مكرها في ذلك
قوله (رحمه الله): مسألة: لو أكره أحد على التفرق ومنع عن التخاير وبقي الآخر في
المجلس.
أقول: بناءا على أن التفرق يوجب سقوط الخيار مطلقا، سواء كان
بالاكراه أو بغيره، وسواء كان عن التفات أو بغيره، فلا مجال للبحث على
هذه المسألة، فإنه بجميع أقسامه يوجب سقوط الخيار، وأما بناءا على
أن التفرق الحاصل عن اكراه لا يوجب سقوط الخيار فنقول:
قد يكون تفرق كل من المتبايعين عن الاختيار، وقد يكون أحدهما عن
اختيار والآخر بغير اختيار، وعلى الأول فقد يكون كل منها أيضا متمكنا
عن الفسخ أيضا وقد لا يكون كلاهما أو أحدهما كذلك، وعلى الثاني
فقد يكون أحدهما مكرها على التفرق وترك التخاير أيضا وبقاء الآخر
في مجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير، وأخرى بالعكس بابقاء
أحدهما في المجلس كرها مع المنع من التخاير وذهاب الآخر اختيارا،
فذكر المصنف أن محل الكلام هو الأول، وسيتضح حكم الثاني هذا،
فنقول:
إنه بناءا على اعتبار الاختيار في التفرق، فهل لا بد من كون كل من
المتبايعين مختارا في التفرق، بحيث إن الغاية لسقوط الخيار هو التفرق
منهما اختيارا، أو يكون في سقوط خيار المجلس كون أحدهما مختارا
في التفرق فقط وإن لم يكن الآخر كذلك.
184

وعلى الأول فهل التفرق الموجب لسقوط الخيار بعنوان الاستغراق،
بمعنى أن تفرق كل منهما يوجب سقوط خيار نفسه أو بعنوان المجموع،
بمعنى أن تفرقهما مجموعا عن اختيار يوجب سقوط خيارهما، وعلى
الثاني فهل يكون مجرد كون أحدهما متفرقا بالاختيار موجبا لسقوط
الخيار عن الآخر الذي كان باقيا في المجلس، أو يفصل بين بقاء المختار
في المجلس فالثبوت لهما وبين مفارقته فالسقوط عنهما، وقد اختار
القول بهذا التفصيل العلامة (رحمه الله) في التحرير.
إذن فالأقوال في المسألة أربعة.
والتحقيق أنه لا بد من ملاحظة مدرك الحكم باعتبار الاختيار في
التفرق وترك التخاير في المسألة السابقة، فإن كان مدركه هو الاجماع،
فبناء على حجيته وانجباره بالشهرة الفتوائية كما في المتن فلا يشمل
المقام، فإن المتيقن منه ما إذا كان كل من التفرق وترك التخاير اكراهيا من
الطرفين، فلا يشمل ما إذا كان أحدهما مختارا في ذلك، فإنه دليل لبي
فلا بد من أخذ المتيقن منه.
وأما إذا كان مدرك اعتبار الاختيار في التفرق الموجب لسقوط الخيار
هو غير الاجماع، فالظاهر أنه لا يسقط الخيار إلا بحصول التفرق بالرضا
والاختيار من الطرفين، وأنه لا يمكن الاكتفاء بتفرق واحد منهما عن
اختياره مع كون التفرق من الآخر عن غير اختياره.
والوجه في ذلك أن التفرق من الأمور الإضافية ومن المقولات النسبية،
كعنوان الأبوة والبنوة والأخوة والعمومة، والسببية والمسببية، والعلية
والمعلولية، وغيرها من المقولات الإضافية
ومن الواضح أن شيئا من المقولات الإضافية لا توجد في الخارج
ولا تحقق إلا بالطرفين، فلا يعقل الأبوة بدون الابن ولا البنوة بدون الأب
185

وهكذا سائر المقولات الإضافية، ومفهوم التفرق أيضا كذلك، فإنه
لا يتحقق إلا بالطرفين، فإنه عبارة عن انفصال شئ عن شئ وافتراق
جسم عن جسم، فلا يعقل أن يصدق هذا العنوان على شئ واحد،
فقهرا يعتبر افتراقه عن شئ آخر ويلاحظ باعتباره.
وعليه فلا يسقط خيار المجلس الذي كان مغيا بالافتراق إلا
بافتراقهما.
ثم نقول: إن هذا المفهوم وإن لم يعتبر في تحققه الاختيار كما تقدم،
لا من حيث المادة ولا من حيث الهيئة، لصدقه على الجمادات أيضا
فضلا عن اعتبار الاختيار فيه، فإنه يصح أن يقال: إن الجدار افترق بعضه
عن بعض، وكذلك يصح نسبته إلى كل جماد وغيره، باعتبار انفصال
بعض أجزائه عن بعض، فإنه بمعنى الانفصال، فكما لا يعتبر فيه ذلك
فلا يعتبر في الافتراق أيضا ذلك.
ولكن مع لحاظ تلك الدلالة على اعتبار الاختيار في التفرق، فيكون
التفرق الحاصل من الاكراه وبعدم الرضا من أحدهما كعدم التفرق
فلا يكون موجبا لسقوط الخيار، فتكون النتيجة هو سقوط الخيار
بمجموع التفرق منهما باختيار كليهما مع عدم المنع من التخاير.
أما إذا كان دليل اعتبار الاختيار هو تبادر اختيارية التفرق، بدعوى أن
المتبادر من الفعل المسند إلى الفاعل المختار هو اختياريته، فلأن ما
يكون صادرا عن غير اختيار لا يكون تفرقا أصلا كما هو المفروض،
وعليه فلا يكون خروج أحدهما ولو باختياره عن المجلس تفرقا.
وأما إذا كان دليل اعتبار الاختيار هو صحيحة الفضيل، من كون التفرق
الحاصل برضاهما موجبا لسقوط الخيار، فلأنه مع كون أحدهما مكرها
على التفرق لا يكون التفرق منهما كاشفا عن رضاهما، فلا يكون موجبا
186

لسقوط الخيار، ومن هنا ظهر أنه بناءا على كون التفرق كاشفا عن الرضا
النوعي كما ذكره المصنف في ذيل الصحيحة فلا يكون التفرق الحاصل
باختيار من أحدهما دون الآخر موجبا لسقوط الخيار لعدم كشفه عن
الرضا نوعا.
وأما لو كان دليل اعتبار الاختيار في التفرق هو حديث الرفع كما هو
العمدة، فلأن التفرق الحاصل بالاكراه من أحدهما كعدم التفرق،
وحينئذ فيكون ما يتحرك ويخرج باختياره في حكم العدم بحديث
الرفع، فقد عرفت أن التفرق من المقولات الإضافية فلا يتحقق من شخص
واحد أو في شئ واحد، بل لا بد وأن يتحقق بين شيئين، فحيث كان
تفرق المكره في حكم العدم بحديث الرفع فلا يصدق عنوان التفرق على
خروج الآخر أيضا، وإن كان خروجه بالاختيار كما هو واضح.
وبالجملة فلا نعرف وجها صحيحا، بناءا على اعتبار الاختيار في
التفرق المسقط للخيار لسقوط الخيار إذا كان أحدهما مختارا في التفرق
والآخر مكرها في ذلك.
ولكن هنا شئ، وهو أنه ورد في الصحيحة على ما تقدم، أنه قال (عليه السلام): فلما استوجبت البيع قمت فمشيت خطا ليجب البيع (1)، فإن
الظاهر منه أن التفرق من طرف واحد يوجب سقوط الخيار ووجوب
البيع، فإنه (عليه السلام) لم يتعرض بكون تفرقه كان مع التفات الآخر واختياره،

1 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إني ابتعت أرضا فلما استوجبتها
قمت فمشيت خطا ثم رجعت فأردت أن يجب البيع (التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، الفقيه
3: 127، عنهم الوسائل 18: 8)، صحيحة.
عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: بايعت رجلا فلما بايعته قمت فمشيت
خطا ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا (الكافي 5: 171، عنه الوسائل 18: 8)،
صحيحة.
187

فيكون اطلاق كلامه شاملا لكون الطرف الآخر مكرها في البقاء أو غافلا
عن تفرقه (عليه السلام)، فيكون دالا على كفاية التفرق من طرف واحد عن رضا
واختيار.
ولكن ذلك لا يزيد عن حكاية فعل المعصوم (عليه السلام) فلا اطلاق فيه،
فلعله مشى مع التفات الآخر وعدم متابعة الآخر مع التفاته واختياره،
فلا يكون دليلا لكفاية التفرق الاختياري من طرف واحد مع كون الطرف
الآخر مكرها في ذلك..
المسألة (3)
إذا ارتفع الاكراه هل الخيار فوري أم لا؟
قوله (رحمه الله): مسألة: لو زال الاكراه فالمحكي عن الشيخ (1) وجماعة (2) امتداد
الخيار بامتداد مجلس.
أقول: إذا ارتفع الاكراه بعد التفرق عن كره فهل يكون خياره فوريا كما
زعمه بعض أو يكون ممتدا إلى أن يطرأه المزيل الآخر غير التفرق
لحصول التفرق، أو المناط في التفرق هو التفرق بعد زوال الاكراه عن
الهيئة التي كان المتعاملان عليها، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس
العقد.
أما الوجه الأخير فذكر المصنف أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين
العقد قد ارتفعت حسا، غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها وهو الخيار بسبب
الاكراه، ولم يجعل مجلس زوال الاكراه بمنزلة مجلس زوال العقد،
والحاصل أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد، فالنص

1 - المبسوط 2: 84.
2 - الدروس 3: 266.
188

ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد إما من القول بالفور كما عن التذكرة (1)،
ولعله لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين، وأما من القول
بالتراخي إلى أن يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار، والوجهان
جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة.
وبالجملة فالقول بامتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال لا وجه له،
لعدم كونه خارجا عن ظهور الأدلة، فيدور الأمر بين القول بفورية الخيار
وبين القول باستمراره ما لم يطرأه مزيل غير التفرق، لأن المورد من موارد
دوران الأمر بين التمسك بالعام، وهو هنا ما دل على اللزوم، وبين
استصحاب حكم المخصص، لأنه لم يدل دليل على ثبوته بالخصوص
بعد زوال الاكراه.
أقول: قد تعرض المصنف فيما يأتي لحكم الخيار فيما لم يدل عليه
دليل بالخصوص ودار الأمر فيه بين التمسك بالعام فيكون الخيار فوريا،
وبين استصحاب حكم المخصص ويكون الخيار مستمرا، وتعرضه في
خيار الغبن.
ولكن المورد ليس من هذا القبيل، والوجه فيه هو أن التفرق قد حصل
بين المتبايعين ولو كان بالاكراه وبعدم الرضا، ولا ينقلب الشئ عما هو
عليه، فإن التفرق هو افتراق جسم عن جسم وانفصال كل منهما عن الآخر
فهو حاصل لا محالة، بل قد عرفت فيما سبق أنه لا يعتبر الاختيار لا في
مادة التفرق ولا في هيئته، إلا أنه مع ذلك فهذا التفرق كعدمه من حيث
عدم ترتب الأثر عليه في نظر الشارع.
وذلك لأنه قد دلت الأدلة السابقة على عدم كون التفرق بنفسه غاية
لسقوط الخيار بل هو مع القيد الآخر الوجودي كما هو مقتضى بعض

1 - التذكرة 1: 518.
189

الوجوه السابقة، والعدمي كما هو مقتضى بعض الوجوه الأخر، فإنه على
تقدير انصراف الفعل إلى الفعل الصادر عن الفاعل المختار، كما هو
مقتضى بعض الوجوه السابقة، أو على فرض اعتبار الرضا في التفرق
لصحيحة فضيل، أو لكشف التفرق عن الرضا نوعا، فيكون التفرق المقيد
بالرضا موجبا لسقوط الخيار.
فحيث كان التفرق عن كره عادما للرضا وحاصلا بدونه، فيكون لغوا
ولا يترتب عليه ثمر أصلا، فيكون أدلة الخيار محكمة لعدم حصول
الغاية، وبعد ذلك لا تحصل تلك الغاية أيضا، فإن التفرق قد حصل
بالاكراه قطعا، وقد عرفت أن الشئ لا ينقلب عما هو عليه وبعده
لا يعقل حصول التفرق عن الرضا، فإنه ذكر المصنف أن المراد من الرضا
هو الرضا المقارن بالتفرق وبعد حصول التفرق بلا رضا كيف يمكن
حصول التفرق ثانيا مع الرضا كما لا يخفى.
وعلى تقدير أن يكون دليل عدم تأثير التفرق عن اكراه وثبوت الخيار
معه هو دليل رفع الاكراه، فتكون الغاية لارتفاع الخيار هو التفرق عن غير
كره، فيكون القيد عدميا فلا يرتفع الخيار بالتفرق الخالي عن عدم الاكراه،
فبعده لا يمكن حصول التفرق عن غير كره لحصول التفرق مستقلا،
فلا ينقلب الشئ عما هو عليه.
وعلى هذا فيكون الخيار باقيا وممتدا ما لم يطرأه المسقط الآخر
بمقتضى أدلة الخيار، لكونها مغياة بغاية إما الوجودي أو العدمي، فإذا
حصل التفرق بغير تلك الغاية فيكون الخيار باقيا على حاله إلى الأبد،
فلا يمكن أن يكون التفرق بعد ذلك مسقطا له، واعتبار التفرق عن مجلس
زوال الاكراه كما توهمه بعضهم خارج عن مفاد أدلة الخيار كما ذكره
المصنف، فإن الاعتبار في تلك الأدلة على التفرق عن مجلس العقد عن
كل مجلس وعن كل حالة.
190

فالحق أنه بناءا على اعتبار الاختيار في التفرق فالخيار باق مع التفرق
الاكراهي حتى بعد ارتفاع الاكراه إلى أن يطرأه المسقط الآخر غير التفرق
كما لا يخفى، فافهم.
بيان آخر
والحاصل أنه إذا قلنا بعدم سقوط الخيار بالتفرق الاكراهي فإذا زال
الاكراه فهل الخيار فوري أو مستمر، كما هو مورد النزاع في كل مورد
ثبت الخيار بغير دليل اجتهادي من الأمارات، فإنه يدور الأمر بين
التمسك بعموم أدلة اللزوم فيكون الخيار فوريا، وبين التمسك
باستصحاب حكم المخصص فيكون الخيار مستمرا.
ذكر المصنف (رحمه الله) أنه ذكر بعضهم أن المناط على التفرق بعد زوال
الاكراه، فالمناط هو مجلس زوال الاكراه، وذكر أنه لا وجه لذلك، لأنه
ليس لنا ما يدل على جعل مجلس زوال الاكراه مجلس العقد، بحيث
يكون التفرق عن ذلك المجلس مسقطا للخيار، وإنما الأدلة دلت على أن
الخيار باق ولم يرتفع بالتفرق، وأما التفرق فهو حسي لا شك فيه وأدلة
الخيار ساكت عن غاية هذا الخيار، أي الأدلة الدالة على ثبوت الخيار مع
التفرق عن اكراه ساكتة عن بيان أمد الخيار، بل هي ناظرة إلى أصل ثبوت
الخيار وعدم سقوطه بالاكراه كما لا يخفى، وأما بيان الأمد فخارج عنها،
فافهم.
فيكون هذا الخيار من مصاديق ما سيأتي في خيار الغبن، من ثبوته بغير
نص، فيدور الأمر فيه بين القول بفورية الخيار وبين استصحاب حكم
المخصص والقول بثبوته مستمرا.
أقول: أما ما أفاده من عدم دلالة الدليل على جعل التفرق كعدم التفرق
191

فهو متين جدا، فإن التفرق حاصل تكوينا فلا يمكن أن بعد ذلك غاية
للخيار، فإن الشئ لا ينقلب عما هو عليه.
والحاصل أنه لا يمكن القول بأن المناط هو التفرق عن مجلس زوال
الاكراه في سقوط خيار المجلس، فإنه كما ذكر المصنف لم يدل دليل
على تنزيل مجلس الزوال منزلة مجلس العقد ولا على بقاء التفرق، وأن
الحاصل منه كعدم بحيث يلاحظ ذلك جديدا بعد زوال الاكراه، فإنه كما
عرفت قد حصل التفرق حسا فلا يمكن أن يكون ذلك غاية للخيار بعد.
ولكن ما ذكره من جعل الأمر دائرا مدار فورية الخيار للتمسك بعموم
أدلة اللزوم، فإنه يقتصر فيما لم يدل دليل خاص على ثبوت الخيار على
المتيقن وهو الفور، وأما من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص
والحكم بثبوت الخيار على الدوام، ووجه الضعف هو أنا نحكم بثبوت
الخيار هنا تمسكا بعموم أدلة الخيار، ولا يسقط ذلك إلا بمسقط آخر
غير التفرق، فإن التفرق الحاصل بالاكراه لا يكون غاية لسقوطه، فإنه
لم يكن بما هو تفرق غاية لسقوط الخيار، بل الغاية إنما هو التفرق المقيد
بعدم الكره، بناءا على أن دليل الدال على اعتبار الاختيار هو دليل رفع
الاكراه والمقيد بقيد وجودي وهو الرضا، بناء على أن دليل اعتبار
الاكراه هو صحيحة الفضيل أو انصراف الفعل إلى الفعل الصادر من
الفاعل المختار.
فالحاصل على كل تقدير هو التفرق، وهو بنفسه ليس غاية، وما هو
غاية أعني التفرق المقيد فلم تحصل، فيكون المورد مشمولا لأدلة
الخيار، فتكون أدلة الخيار دالا على ثبوته من غير أن يكون مغيا بغاية، إذ
الغاية كما عرفت هو التفرق المقيد بأحد القيدين المذكورين، ومن
الواضح أنه حصل بغير ذلك القيد، فلا يمكن أن يحصل بعد ذلك، فتكون
دالة على بقاء الخيار إلى الأبد ما لم يطرء عليه مسقط آخر غير التفرق.
192

وعلى الجملة فالخيار ثابت هنا باطلاق أدلة الخيار، فلا يقاس ذلك
بما يأتي في خيار الغبن، من أنه مع عدم ثبوت الخيار بالنص مع ثبوته
قطعا فلا بد إما من القول بالفورية تمسكا بعموم أدلة اللزوم أو القول
باستصحاب حكم المخصص تمسكا بالاستصحاب.
4 - التصرف
قوله (رحمه الله): ومن مسقطات هذا الخيار التصرف.
أقول: لم يرد في نص ولا في رواية أن التصرف يوجب سقوط خيار
المجلس أو خيار الشرط، إلا أن يدعي بقيام الاجماع عليه، وهو كما
تري، نعم ذلك في خيار الحيوان.
وقد تمسك المصنف وجعل التصرف مسقطا للخيار بالتعليل
المذكور في بعض أدلة خيار الحيوان، حيث قال: فإن أحدث المشتري
فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط (1)، فإن المنفي
يشمل شرط المجلس والحيوان، ثم عقب قوله هذا بالتأمل، وهو في
محله.
بيان ذلك أنه لا يمكن التعدي عن مورد الرواية، وهو خيار الحيوان إلى
غيره، فإن سقوط الخيار فيه أنما هو بالتعبد والتعليل وارد في مورد
التعبد، فلا يمكن تسريته إلى غيره، لأنه لا شبهة أن التصرف مسقط لخيار
الحيوان، سواء كان مقارنا بالرضا أم لا، حتى لو صدر مع الغفلة عن

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
193

حكمه فيكون أيضا مسقطا، كما إذا اشترى الجارية فقبلها بتخيل أنها
مملوكة له مع عدم كونه راضيا بالبيع، أي رضاء جديدا غير الرضا بأصل
العقد بل يريد التروي، ومع ذلك يكون مسقطا كما في رواية أخرى:
أرأيت إن لامس أو قبل فذلك رضا فيه بالبيع (1).
وعلى هذا فكيف يمكن التعدي إلى غير مورده، مع ما نرى بالعيان
ونشاهد بالوجدان أن التصرف لا يكشف عن الرضا بالبيع.
نعم لا نضائق باستفادة الكبرى الكلية من هذه الرواية، وهي أنه يسقط
الخيار باسقاط ذي الخيار لكونه راضيا بالبيع، كما أشرنا إلى ذلك في
التكلم على أن اسقاط الخيار يوجب سقوطه أم لا؟ وأما الزائد عن ذلك
فلا، إذن فالحق أن تصرف المتبايعين أحدهما أو كلاهما فيما انتقل
إليهما لا يوجب سقوط الخيار كما لا يخفى، إلا أن يدعي في المقام
اجماع على مسقطية التصرف فهو كما تري.

1 - عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟
فقال: الخيار لمن اشترى - إلى أن قال: - قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس؟ قال:
فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضي الشرط ولزمته (قرب الإسناد: 78، عنه الوسائل 18: 13)، صحيحة.
194

2 - خيار الحيوان
قوله (رحمه الله): الثاني: خيار الحيوان.
أقول: لا خلاف بين الفريقين في ثبوته في الجملة في بيع الحيوان،
وإنما الكلام في خصوصية ذلك، ويقع الكلام في ذلك في جهات
عديدة:
الجهة الأولى: في المراد بالحيوان
إن المراد بالحيوان هل هو مطلق الحيوان أو ما لم يقصد منه إلا لحمه،
فظاهر النص والفتوى هو العموم، فيشمل كل حيوان حتى الزنبور
والجراد والسمك ونحوها.
ولكن ذكر المصنف أنه لا يبعد اختصاصه بما كان المقصود منه حياته
في الجملة، فبمثل السمك المخرج من الماء والجراد المحرز في الإناء
خارج عن مورد هذه الأدلة، لأنها لا تباع من حيث إنها حيوان، بل من
حيث إنه لحم، ثم أشكل على نفسه بالصيد المشرف على الموت بإصابة
السهم أو بجرح الكلب.
وإن كان مراده من ذلك الكلام أن ما يقصد لحمه بشخصه فلا خيار فيه،
فلا بد وأن يلتزم بما لم يلتزم به أحد، بأن يقول بسقوط الخيار فيما كان
الشراء للحمه أو لأجل الهدي ونحوه ثم بدا فلم يذبح، فإنه لم يقل أحد
ولم يتوهم متفقه بسقوط الخيار هنا.
وإن كان غرضه أن ما كان بنوعه مقصودا منه اللحم فلا خيار فيه، وفيه:
195

أولا: إنه من أين استفيد هذا الحكم مع كون الأدلة مطلقا.
وثانيا: إنه أمر لا ينضبط، إذ يمكن أن يكون غرض المشتري فيما كان
الغرض النوعي منه اللحم أن يكون هو الابقاء كالسمك مثلا، نعم في مثل
الجراد لا يكون غرض للإبقاء.
وثالثا: قد لا يمكن أن يكون الغرض في بعض الحيوانات الحياة من
النوع الذي قصد منه الحياة، كما إذا أصابه جرج من السهم أو من الكلب
كالغزال مثلا بحيث لا يعيش، مع أن الغرض تعلق بحياته، وبالجملة أن
هذا الحكم لا يمكن تصديقه.
نعم قد يتعلق الغرض بكون المراد من الحيوان هو اللحم فقط، حتى لو
ذبحه البايع ثم أعطاه لا يضمن بشئ أصلا، وقد ذكرنا في البحث عن بيع
هياكل العبادة المبتدعة أنه قد يكون الغرض الأصيل من المبيع هو المادة
فقط كبيع الصليب للحطب، وعليه فلا تلاحظ الهيئة أصلا ولو كان فيها
عيب، وكذلك في المقام فإذا كان المقصود بالذات هو اللحم فلا يلاحظ
الهيئة أصلا.
ثم إنه فيما ثبت الخيار فظاهر الاطلاقات أن الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام
فلا يكون فوريا.
ثم ذكر المصنف أنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع الشخصي أو يعم
الكلي أيضا، ثم قرب اختصاصه بالشخصي، ولكن لا ندري من أين جاء
هذا الاحتمال.
ودعوى أن الحكمة من جعل الخيار وهو التروي مختصة بالمبيع
الشخصي لعدم جريانه في الكلي مجازفة، لعدم لزوم الاطراد في
الحكمة أولا، ولأن المراد من التروي في أصل البيع لا في المبيع، وهو
جار فيما إذا كان المبيع كليا، وهذا ثانيا، فلا مجال لهذا الاحتمال أصلا.
196

شموله للمبيع إذا كان كليا
قوله (رحمه الله): ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع كما هو المنساق في النظر من
الاطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الاجماع.
أقول: قد يكون الكلي في المعين، وقد يكون في الذمة، وعلى الثاني
قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا كالسلم، وقد تقدم أقسامه في بيع صاع
من صبره.
أما الأول فلا شبهة في ثبوت خيار الحيوان فيه، والشيخ أيضا
لم يستشكل فيه، بل كلامه ناظر إلى القسمين الأخيرين، فإن القسم الأول
نظير البيع الشخصي، كما إذا كان عنده حيوانان متماثلان فيبيع أحدهما
أو انسانان متماثلان فيبيع أحدهما، فإنه يكون الخيار حينئذ ثابتا
للمشتري، أو له وللبايع معا.
وأما القسم الثالث من الكلي، فذكر شيخنا الأستاذ أنه يختص بالبيع
الشخصي، بدعوى أن المشتري لا يملك مطالبة الكلي في باب السلم
قبل موسم قبضه، فلا يمكن جعل مبدأ الخيار قبل حلول الأجل، وأما
بعد القبض فلا دليل على أن مبدأ الثلاثة من حين القبض، فهذا القسم لو
لم يمكن الالتزام بثبوت الخيار فيه لا يمكن الالتزام بثبوته في الكلي
الحالي لعدم الفرق بينهما.
ثم ذكروا أن أدلة الخيار منصرفة عن بيع الكلي وأن حكمة ثبوته هي
النظرة والتروي في مدة ثلاثة أيام حتى يبين أن الحيوان الذي اشتراه هل
فيه نقص أم لا، وأنه صلاح له أم لا، ومن الواضح أن هذه الحكمة غير
جارية في الكلي في الذمة، إذ لم يسلم المبيع فيه بعد حتى يتروى
المشتري فيه ويري أنه صلاح له أو لا؟
197

أقول: الظاهر ثبوت الخيار في بيع الحيوان في البيع الشخصي والكلي
أيضا بأقسامها الثلاثة.
أما ما ذكروه من الانصراف فلا وجه له بوجه بعد ما كانت الأدلة مطلقة،
ولا نعرف منشأ للانصراف خصوصا بعد ملاحظة أن خيار الحيوان قد
ذكر في بعض الأحاديث مع خيار المجلس (1)، ومن الواضح أنه لو
يستشكل أحد في ثبوت خيار المجلس في البيع الكلي، وليس بينهما
فرق، ولا في أحدهما خصوصية إلا أن أمد خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام
وأمد خيار المجلس إلى حين الافتراق، فلا وجه لتخصيص خيار
الحيوان بخصوصية دون خيار المجلس.
وأما ما ذكروه من أن حكمة خيار الحيوان هو التروي وملاحظة أن
الحيوان صلاح للمشتري أم لا، وفيه أولا: إن الحكمة غير سارية إلى
جميع الأفراد، بل قد توجد في بعض الأفراد وقد لا توجد، كما هو شأن
الحكمة في كل مورد.
وثانيا: إن ثبوت خيار الحيوان وإن كان هو التروي إلا أنه لا بد من
التروي في البيع وملاحظة أنه صلاح للمشتري أو لا، دون التروي في
المبيع، ومن الواضح أنه بناء على هذا فللمشتري أن يتروى في البيع لكي
يري أنه صلاح له أم لا.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ، فيرد عليه أن بيع السلم ليس ببيع قبل
القبض بل هو قبله نظير الايجاب الخالي عن القبول، فكما أن الايجاب

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
198

الخالي عن القبول ليس ببيع فكذلك بيع السلم، فإنه قبل القبض ليس ببيع
وإنما يتم ويكون بيعا بعد القبض، كما أن الايجاب يكون بيعا مع القبول،
وعليه فلا بأس من القول بثبوت الخيار في بيع السلم ويكون مبدؤه حين
تحقق القبض كما لا يخفى، فيكون مشمولا لأدلة خيار الحيوان.
وعلى الجملة لا نرى مانعا عن شمول أدلة خيار الحيوان لكل بيع
حيوان، سواء كان البيع شخصيا أم كليا، وسواء كان الكلي في المعين أم
في الذمة، مؤجلا أم حالا، فدعوى انصرافها عن القسمين الأخيرين من
الكلي دعوى جزافية كما لا يخفى.
المسألة (1)
اختصاص هذا الخيار بالمشتري
قوله (رحمه الله): المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري (1).
أقول: في المسألة ثلاثة أقوال:
1 - اختصاص الخيار بالمشتري، وهو المشهور بين الأصحاب حديثا
وقديما.
2 - ثبوته للبايع والمشتري معا، وهو المنسوب إلى السيد المرتضى (2)،
وهو أول من ذهب إلى هذا القول، ولعل مراده فيما كان المبيع حيوانا
دون ما كان الثمن حيوان.
3 - ثبوته لصاحب الحيوان، سواء كان هو البايع أم المشتري.
وأما مدارك الأقوال:
فمدرك القول الأول هو جملة من الروايات الدالة على اختصاص خيار

1 - المقنعة: 592، النهاية 2: 140، المهذب 1: 353، السرائر 2: 379، المختلف 5: 64.
2 - الإنتصار: 207.
199

الحيوان بالمشتري، وفي بعضها تصريح بذلك (1)، وفي بعضها: نظرة
ثلاثة أيام (2)، أي مهلة ثلاثة أيام، ولا شبهة أن جملة منها صحيحة
وبعضها موثقة.
ومدرك القول الثاني صحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار
ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (3)، فإنها
قريب من الصراحة في كون الخيار ثابتا لكل من البايع والمشتري.
ومدرك القول الثالث صحيحة محمد بن مسلم أيضا: المتبايعان
بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (4)، وفي بعضها
قيد صاحب الحيوان بالمشتري كما في موثقة ابن فضال (5).
أما الطائفة الأولى من الروايات، فلا شبهة في دلالتها على اختصاص

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري -
الحديث (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل
18: 11)، صحيحة.
2 - عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار،
للمشتري أو للبايع أو لهما كلاهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة
أيام فقد وجب الشراء - الحديث (قرب الإسناد: 78، عنه الوسائل 18: 12)، صحيحة.
3 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
4 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)،
صحيحة.
5 - عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)
يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام (التهذيب 7: 67، عنه الوسائل 18: 10)،
موثقة.
200

الحكم بالمشتري، بل قد عرفت أن بعضها صريح في ذلك، فتدل
بمفهومها على نفي الخيار عن غير المشتري، لا من جهة القول بمفهوم
الوصف بل هي مسوقة لبيان التحديد وأن خيار الحيوان لا يثبت في غير
المشتري، وهذا هو صريح الأسئلة في بعضها وصريح الجواب في
بعضها الآخر.
وأصرح من الكل رواية قرب الإسناد حيث فصل فيها ثبوت الخيار
للمشتري أو البايع أو لهما وهذا واضح.
ونظير ذلك التحديد ما ورد في بعض روايات عدم تنجس الماء الكر
حيث سئل (عليه السلام): أي مقدار لا ينجس ولا ينفعل من الماء قال (عليه السلام): كر
من الماء (1)، فإن الجواب حيث كان في مقام التحديد فيدل على
المفهوم، وكذلك ما ورد في قصر الصلاة، حيث سئل في كم يقصر
المسافر قال (عليه السلام): في أربعة فراسخ ذهابا وإيابا، أو ثمانية فراسخ
ذهابا (2)، على ما هو مضمون الرواية.
وعلى هذا فتقع المعارضة بين هذه الطائفة وصحيحة محمد بن
مسلم، وعليه فإن كان مجرد تعدد الرواية موجبا للترجيح، فنأخذ

1 - عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ،
فقال: كر، قلت: وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (الكافي 3: 3، التهذيب 1: 41،
عنهما الوسائل 1: 159)، ضعيفة.
2 - عن سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم،
وذلك بريدان، وهما ثمانية فراسخ - الحديث (التهذيب 3: 207، الإستبصار 1: 222، عنهما
الوسائل 8: 453)، موثقة.
عن سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه (عليه السلام): التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد
ذاهبا وجائيا، والبريد ستة أميال وهو فرسخان، والتقصير في أربعة فراسخ - الحديث
(التهذيب 4: 226، الإستبصار 1: 227، عنهما الوسائل 8: 457)، صحيحة.
201

الروايات الدالة على اختصاص الخيار بالمشتري، ولكن قد ذكرنا في
مبحث التعادل والتراجيح (1) أن الشهرة على تقدير كونها مرجحة ليس
معناها أن يكون أحد المتعارضين أكثر من حيث العدد من الآخر، بل كون
الرواية ظاهرا في نفسها لكونها منقولة في الأصول ولم يكن نادرا، ولذا
جعلها في الرواية من الأمر البين رشده، ومن الواضح أن كل من الطائفة
الدالة على اختصاص الخيار بالمشتري وصحيحة محمد بن مسلم من
الأمور البينة رشدها كما لا يخفى.
وعليه فلا بد من أخذ مرجح آخر، ومن الواضح أن ما دل على
اختصاص الخيار بالمشتري موافق لعموم الكتاب والسنة دون
الصحيحة، فإن العمومات كقوله تعالى: أوفوا بالعقود (2) وأحل الله
البيع (3) وتجارة عن تراض (4)، وقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (5)،
وقوله (عليه السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع (6)، وغير

1 - مصباح الأصول 3: 412.
2 - المائدة: 1.
3 - البقرة: 275.
4 - النساء: 29.
5 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
6 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
202

ذلك من العمومات الدالة على اللزوم، فلولا المعارضة بين الروايات
لأخذنا بصحيحة محمد بن مسلم ونخصص بها العمومات، ولقلنا بعدم
لزوم البيع بالنسبة إلى المتبايعين في بيع الحيوان لثبوت الخيار
للمتبايعين، كما أنها خصصت بثبوت خيار المجلس لهما كما لا يخفى،
ولكن لأجل المعارضة لا يمكن الأخذ بها، فلا بد من الأخذ بما هو موافق
للكتاب كما لا يخفى.
وإذن فلا بد من رفع اليد عن صحيحة محمد بن مسلم مع جلالته
وعظمته لقانون المعارضة، ويؤيد ذلك اعتضاد ما دل على اختصاص
الحكم بالمشتري بالشهرة، بل قيل إن رواية محمد بن مسلم قد أعرض
عنها الأصحاب ولم يعمل بها إلا السيد المرتضى.
وقد يقال بتأويل رواية محمد بن مسلم، بأن المراد منها هو ثبوت
الخيار للمشتري، وحيث إن البايع طرف له ويقع الخيار بينهما، ولذا
قيل: المتبايعان بالخيار، ولكنه تأويل بارد وعلى خلاف الظاهر، بل
خلاف الصراحة منها، فلا يمكن حمل الصحيحة عليه، فإنه حمل بلا
وجه.
وقد يقال بأن المراد من الصحيحة هو صورة كون العوضين حيوانا، بأن
يكون كل من الثمن والمثمن حيوانا، فإنه حينئذ يكون كل منهما ذي
خيار.
ولكن يرد عليه أولا: أنه خلاف ظاهرها بل خلاف صراحتها.
وثانيا: إن حملنا الصحيحة عليه هذا الاحتمال لزم أن يهمل الإمام (عليه السلام) حكم ما هو الغالب، فإن الصحيحة على هذا يتعرض حكم بيع غير
الحيوان بقوله: وفي غير الحيوان حتى يفترقا، وأيضا تعرض حكم البيع
الذي اشتمل على كون كل من العوض والمعوض حيوانا، ولكن أهمل ما
هو الغالب، أعني ما يكون المبيع حيوان، فهو بعيد غايته.
203

وقد يتوهم أن التعليل في بعض الروايات من الطائفة الأولى يدل على
اختصاص الحكم بالمشتري فيما كان المبيع حيوانا، لأن قوله (عليه السلام):
نظرة ثلاثة أيام، هو منطبق على المشتري، فله أن ينظر ثلاثة أيام.
وفيه أن النظرة بمعنى المهلة فليس هنا تعليل أصلا، فهو اشتباه
محض.
وأما الطائفة الثالثة الدالة على أن صاحب الحيوان بالخيار، سواء كان
هو البايع أو المشتري، فقد يقال باختصاص هذه الطائفة بالمشتري،
بدعوى أنه ذكر في بعضها: صاحب الحيوان المشتري بالخيار (1)،
فيكون مطلق مقيدا بذلك.
وفيه أنه لا معنى لحمل المطلق على المقيد في الأحكام الانحلالية
غير المتنافية، فلا تنافي بين كون الخيار لمطلق صاحب الحيوان وبين
كونه للمشتري أيضا.
وعليه فيدور الأمر بين رفع اليد عن اطلاق هذه الطائفة من الروايات
وحملها على صاحب الحيوان المشتري، أعني من انتقل إليه المبيع،
وبين رفع يد عن ظهور الطائفة الأولى من الرواية في التقييد واختصاص
الحكم بالمشتري ونفيه عن البايع، بل يحمل على الفرد الغالب لأن
الأغلب أن الحيوان يكون مبيعا في بيع الحيوان، فحيث إن الطائفة الأولى
ظهورها في التقييد أقوى من ظهور الطائفة الثالثة في الاطلاق، فترفع اليد
عن ظهور الطائفة الثالثة.
ومع الاغماض عن ذلك فإنه لا بد من رفع اليد عن الطائفة الثالثة

1 - عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)
يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام (التهذيب 7: 67، عنه الوسائل 18: 10)،
موثقة.
204

والعمل بالطائفة الأولى، لأن الطائفة الأولى موافقة للكتاب والسنة
بخلاف الطائفة الثالثة، فإنه قد ثبت بالعمومات من السنة والكتاب لزوم
العقد، والقدر المتيقن من رفع اليد عن هذا اللزوم هو ثبوت الخيار
للمشتري.
وأما ما دل على ثبوته للبايع فمع قطع النظر عن ابتلائه بالمعارضة كان
مخصصا للعمومات، وحيث ابتليت بالمعارضة فإنه لا بد من رفع اليد عن
ذلك، لكونها مخالفة للعمومات الكتاب والسنة..
المسألة (2)
عدم الفرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: لا فرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار.
أقول: قد ذكر في الغنية (1) أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها، وحكم غير
واحد من القدماء بضمان البايع لها مدة الاستبراء.
وتوهم بعضهم ملازمة ذلك مع ثبوت الخيار للمشتري، ولكن
لا نعرف وجها صحيحا لكلا الحكمين، أي الحكم بثبوت الخيار مدة
الاستبراء والحكم بضمان البايع.
أما الأول فلأنه لا ملازمة بين القول بثبوت الخيار للمشتري وبين كون
ضمان الأمة على البايع في مدة الاستبراء، إذ لم تثبت الملازمة بين ضمان
شخص وبين ثبوت الخيار لطرفه، بل الملازمة بالعكس، فإنه ثبت أن من
له الخيار ضمان ماله على من لا خيار له، وأما في كل مورد ثبت الضمان
نحكم بثبوت الخيار لطرفه فهو بلا وجه أصلا، فإن كثيرا ما يثبت الضمان
ولا يكون خيار لطرفه، كما إذا كان المنشأ للتلف شيئا آخر.

1 - كذا الحلبي في الكافي: 353، عنه الدروس 3: 272.
205

وعلى الجملة فلا يمكن كشف الخيار للمشتري من ثبوت الضمان
على البايع.
وأما الثاني، أي الحكم بثبوت ضمان الأمة في مدة الاستبراء على
البايع، فأيضا لا دليل عليه، فإنه لم يثبت لنا ضمان البايع على الأمة في
مدة الاستبراء.
وكيف كان فالحكم في الأمة هو الحكم في بقية الحيوانات من غير فرق
بينهما فأدلة خيار الحيوان محكمة في جميعها.
المسألة (3)
مبدأ خيار الحيوان
قوله (رحمه الله): مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد.
أقول: الظاهر من الروايات الدالة على ثبوت خيار الحيوان ظاهرة في
أن ثبوت خيار الحيوان كثبوت خيار المجلس، فإن قوله (عليه السلام): الشرط
في الحيوان ثلاثة أيام (1)، وفي غيره: حتى يفترقا (2)، إن خيار الحيوان
إنما يثبت من حين خيار المجلس، وإن خيار المجلس إنما يثبت من حين
العقد كما هو واضح.
وعليه فلو انقضى ثلاثة أيام انقضى به خيار الحيوان، سواء حصل
التفرق أم لا.

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
206

ولكن قد استدل على أن مبدأه بعد حصول التفرق بوجوه:
1 - الأصل العملي، بأن يقال: إن الأصل بقاء الخيار إلى ثلاثة أيام،
مثلا إذا فرضنا أنه حصل التفرق بعد مضي ساعة من حين العقد ومضي
ثلاثة أيام من حين التفرق وثلاثة أيام وساعة من حين العقد، فنشك
حينئذ في أنه هل الخيار ثابت في هذه الساعة الأخيرة أم لا، فنستصحب
بقاءه.
وبتقريب آخر فنشك في ثبوت خيار الحيوان من حين العقد وعدم
ثبوته، فالأصل عدم ثبوته من حين العقد إلى زمان التفرق.
وكلا الأصلين لا وجه له، أما الأصل الأول فيرد عليه:
أولا: إن الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكلية كما حققناه في
محله.
وثانيا: إن هذا المورد من قبيل الشك في المقتضي، بمعنى أنا نشك في
ثبوت الحكم في عمود الزمان من جهة حصول الغاية وامتداد المقتضي
وعدمهما، وقد ذهب المصنف إلى جريانه في ذلك، ومنع شيخنا
الأستاذ عنه وخص جريان الاستصحاب بموارد الشك في الرافع.
مثلا إذا شككنا في تحقق الطلاق وعدمه في العقد الدائم، فنجري
الاستصحاب ونقول إن الأصل عدم تحقق الطلاق وبقاء الزوجية كما
كانت، وأما إذا شككنا في ارتفاع العقد المنقطع فلا يمكن اجراء
الاستصحاب فيه، بل نشك في أن المقتضي موجود أم لا، فنشك في
امتداد المقضي حسب عمود الزمان، فحيث لا يقين لنا بأن المقتضي لبقاء
العقد المنقطع أي مقدار من الزمان فنحكم بعدم جريانه، كما ذهب إليه
الأستاذ.
وعلى الجملة أن الشك في المقتضي بهذا المعنى، أي بمعنى أن
207

المقتضي أهو أمر ممتد أم لا لا يجري فيه الاستصحاب، وإن ذهب
المصنف إلى جريانه، فمقامنا من هذا القبيل، لأنا نشك أن أمد خيار
الحيوان والمقتضي لثبوته هل هو ثلاثة أيام من حين العقد أو من حين
التفرق، فإذا شككنا في ساعة أن الخيار باق أم لا من جهة الشك في مبدأ
الخيار، فلا يجري فيه الاستصحاب من جهة الشك في المقتضي، لعدم
جريانه فيه.
وأما الأصل الثاني فجوابه واضح، فإن عدم حدوث خيار الحيوان قبل
انقضاء المجلس لا يثبت الخيار بعد انقضاء ثلاثة أيام من حين العقد في
الساعة المشكوكة كما في المثال المذكور إلا على القول بالأصل المثبت،
فإن ثبوت الخيار في ذلك الساعة بأصالة عدم حدوثه إلى انقضاء
المجلس من اللوازم العقلية كما هو واضح.
ومع الاغماض عن جميع ذلك فالأصل لا مجال له، لأن الأدلة الدالة
على ثبوت خيار الحيوان ظاهرة في ثبوته للمشتري من حين العقد، وأنه
على نسق خيار المجلس الثالث للمتبايعين من حين العقد.
2 - الأخبار الدالة على أن تلف الحيوان في الثلاثة ممن انتقل عنه، أي
ممن ليس له الخيار (1)، وبضميمة ما دل على أن التلف في الخيار المشترك
ممن انتقل إليه يستكشف أن مبدأ خيار الحيوان بعد التفرق، لأنه لو كان
مبدؤه أول زمان العقد الذي يشترك فيه البايع والمشتري في الخيار لما
كان التلف على البايع.

1 - عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى أمة
بشرط من رجل يوما أو يومين، فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان؟ فقال:
ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه (الكافي 5: 171، التهذيب 7: 24، عنهما
الوسائل 18: 14)، موثقة.
208

أقول: تنقيح المقام أن مقتضى القاعدة الأولية هو أن تلف كل مال من
مالكه، ولا يكون محسوبا من كيس شخص آخر بل من كيسه، إلا إذا ثبت
بالدليل الخارجي، وعليه فكلما حوسب التلف على المالك فهو موافق
للقاعدة.
وعليه فإذا دل الدليل على أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له
يكون ذلك تخصيصا للقاعدة المذكورة، كما أن التلف قبل القبض كذلك،
أي تخصيص للقاعدة المذكورة، فكذلك أن كون التلف في زمن خيار
المشترك أي عند اجتماع خيار الحيوان مع خيار المجلس من مال البايع
تخصيص لهذه القاعدة في المورد المذكور، فإن كون التلف على مالك
في زمن خيار المشترك لم يرد عليه دليل خاص، بل هو مما تقتضيه
القاعدة الأولية.
وبعبارة أخرى فلا تنافي بين كون خيار الحيوان مبدأه من حين العقد
ومع ذلك يكون التلف محسوبا من البايع، فإن أدلة خيار الحيوان كما
يكون تخصيصا للقاعدة الأولية القائمة على أن تلف كل مال على صاحبه
فكذلك يكون تخصيصا لها في زمن خيار المشترك، فيحكم بكون التلف
من البايع، فإن زمان خيار المشترك من مصاديق القاعدة المذكورة، لا أنه
ورد نص خاص على كون التلف على المالك كما لا يخفى.
وقد ذكر المصنف أن أدلة التلف من البايع يمكن أن يكون محمولة
على الغالب، حيث يكون التلف غالبا بعد التفرق وإن كان قد يكون قبله
أيضا، ولكنه نادر.
وفيه مضافا إلى أن التلف قبل التفرق ليس بقليل في نفسه، وإن كان
قليلا بالنسبة إلى التلف بعد التفرق، وأن غلبة الأفراد لا يكون موجبة
لصرف المطلق إلى الفرد الغالب، وقد ذكرناه مرارا كثيرة.
209

3 - إنه لو كان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد لزم أن يجتمع سببان
على مسبب واحد، فهو كما لا يمكن في الأسباب التكوينية فكذلك
لا يمكن في الأسباب الشرعية.
وفيه أن هذا الوجه لا يحتاج إلى الجواب، فإن اجتماع خيارين في عقد
واحد كثير، كاجتماع خيار الغبن مع خيار العيب، واجتماع خيار العيب
مع خيار الشرط وهكذا، فلا يكون هذا اشكالا في المسألة.
بيان آخر لتبيين مبدأ الخيار
والحاصل أنه قد استدل على أن مبدأ خيار الحيوان هو زمان العقد
بوجوه:
1 - الأصل العملي، ويرد عليه أن مقتضى الأدلة الدالة على ثبوت
خيار الحيوان للمشتري هو ثبوته له من حين العقد، ومع ذلك فلا مجال
للأصل كما لا يخفى.
2 - الأخبار الدالة على أن التلف في ثلاثة أيام ممن لا خيار له، مع
ضميمة أن التلف في زمن خيار المشترك من مال المالك، فإنه لو كان خيار
الحيوان ثابتا من حين العقد لكان التلف على البايع دون المشتري.
وفيه أنه لم يرد في آية ولا رواية أن التلف في زمان خيار المشتري من
مال البايع ليؤخذ باطلاقه ويحصل التنافي، بل هو حكم على طبق
القاعدة الأولية، لأن القاعدة الأولية: أن تلف مال كل أحد على مالكه،
فكما ثبت التخصيص لهذه القاعدة الأولية في موارد خيار الحيوان وكون
التلف على البايع، وكذلك ثبت التخصيص لذلك في مورد خيار
المشترك، أي مع اجتماع خيار الحيوان مع خيار المجلس الذي هو
مشترك بين البايع والمشتري.
210

وحمل ما دل على كون التلف بعد التفرق لكونه هو الغالب، كما صنعه
المصنف، لا يمكن الالتزام به، فإنه مضافا إلى أن غلبة الأفراد لا يوجب
الانصراف، أن اخراج الساعة الأولى أعني ساعة عدم التفرق وملاحظته
نادرة بالنسبة إلى البقية من ثلاثة أيام لا وجه له، فإن كل ساعة من ثلاثة
أيام نادرة بالنسبة إلى مجموع ثلاثة أيام، وعليه فلما ذا لا نخرج الساعة
الأخيرة من ثلاثة أيام ونقول بعدم كون التلف فيها من البايع بل من
المالك، فإن الغالب أن التلف يكون في غيرها، فتكون الاطلاقات
منصرفة إلى غيرها، وهكذا فترجيح إحدى الساعات على غيرها
بلا مرجح.
3 - إن الخيار مسبب واحد فلا يعقل أن يكون له أسباب عديدة، وإلا
لزم تأثير علتين في معلول واحد وهو محال، فلا بد وأن يكون مبدأ خيار
الحيوان من حين التفرق وانقضاء خيار المجلس، وقد عبر بعضهم عن
ذلك باجتماع المثلين.
أقول: لا شبهة في أن الخيار حكم شرعي كسائر الأحكام الشرعية
والأمور الخارجية أجنبية عن ذلك بالكلية، لا أنها من قبيل الأسباب
ولا أنها من قبيل المعرفات بل هي أجنبيات في ذلك، بل الحكم الشرعي
من حيث إنه فعل للشارع وهو حكيم فلا بد وأن يكون تابعا للمصلحة
والمفسدة وأنها ناشئة عن ذلك، فليس للأمور الخارجية تماس بالأحكام الشرعية أصلا.
وعلى الجملة فلو كان غرضهم من كون الأمر الخارجي سببا
اصطلاحيا أو معرضا فهو باطل من أصله.
وإن كان غرضهم من كون الأمور الخارجية سببا للحكم الشرعي هو أن
يكون موضوعا له تمام الموضوع كالنجاسة والطهارة، بأن يكون نسبة
211

الحكم إلى الموضوع كنسبة العلة إلى المعلول، بأن لا ينفك الحكم عن
ذلك الأمر الخارجي كما لا ينفك المعلول عن علته، وإن كان مرادهم
ذلك فلا شبهة أن الأمور الخارجية حينئذ حقيقة أسباب للأحكام الشرعية لا أنها معرفات.
وعليه فإن كان موضوع كل واحد من خيار الحيوان وخيار المجلس
أمرا مستقلا فيثبت له الحكم، أي الخيار، مستقلا من غير أن يرتبط
أحدهما بالآخر، كما هو كذلك في باب الكفارات، حيث إن كل سبب
خاص من موجبات الكفارة موضوع لوجوب الكفارة فلا يرتبط أحدهما
بالآخر، وإن لم يكن كذلك، بأن لا يكون المورد قابلا لتعدد الحكم،
فيحكم بالتداخل إن لم يمكن التأكد كما في باب النجاسة، وفي المقام
نحكم بالتداخل، لما عرفت سابقا أن الخيار ملك فسخ العقد، فهو حكم
وضعي اعتباري.
ومن الواضح أنه لا معنى لتعدد ملك فسخ العقد، وكذلك في بقية
المملوكات، فإن الشئ الواحد لا يملك مرتين كما هو واضح، فلا يعقل
أن يملك الانسان بفسخ العقد مرتين، كما لا معنى لذلك في غير هذا
المورد، لأن الأمور الاعتبارية لا تعدد فيها.
بل يمكن أن يقال: إن هذا الاشكال مدفوع من أصله، حيث إنه ليس هنا
خياران حتى يقال بكونهما مسببين عن سببين، ولا يمكن اجتماعهما في
محل واحد، بل هنا خيار واحد، وتقسيمه إلى خيار المجلس تارة وإلى
خيار الحيوان أخرى اصطلاح من الفقهاء، وإلا فالظاهر من الأخبار هو أن
هنا خيار واحد ثابت للمتبايعين ما لم يتفرقا وللمشتري إلى ثلاثة أيام
وبيان ذلك:
أنه ثبت في طائفة من الروايات أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا وإذا
212

افترقا وجب البيع (1)، ودلت صحيحة محمد بن مسلم على أن المتبايعين
بالخيار في الحيوان ثلاثة أيام، وفي غير الحيوان ما لم يفترقا (2)، ولكن
رفعنا اليد عن ذلك لمعارضتها بالروايات الدالة على اختصاص خيار
الحيوان بالمشتري، ودلت صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم على أن
المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام (3)،
مع حمل صاحب الحيوان على المشتري.
ويكون المستفاد أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا، سواء كان في
الحيوان أم في غيره، وأن صاحب الحيوان الذي هو المشتري بالخيار
إلى ثلاثة أيام.
فملاحظة هذه الرواية مع الروايات الدالة على ثبوت خيار المجلس
للمتبايعين ما لم يفترقا، ومع ما دل على ثبوت خيار الحيوان للمشتري
إلى ثلاثة أيام تنتج أن هنا خيار واحد ثابت للمتبايعين إلى حين التفرق
وللمشتري إلى ثلاثة أيام، فعلم أن هنا خيار واحد وليس هنا خياران،

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
2 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في
الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (التهذيب 7: 23، عنه الوسائل 18: 10)، صحيحة.
3 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)،
صحيحة.
213

حتى يقال إنه لا يمكن أن يجتمع سببان على مسبب واحد لاستحالة
صدور الواحد عن الكثير.
المراد بزمان العقد هو زمان الملك
قوله (رحمه الله): ثم إن المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي،
على القول بكون الإجازة ناقلة، أو زمان الملك.
أقول: إذا كان زمان العقد غير زمان الملك، كما في العقد الفضولي
بناءا على النقل، وكعقد الصرف والسلم قبل القبض، فهل خيار الحيوان
ثابت في مثل ذلك من حين العقد أو من حين حصول الملك، واختار
المصنف الثاني تبعا لما استظهره بعض معاصريه، وهو صاحب
الجواهر (1).
أقول: الظاهر أن الخيار إنما يثبت في زمان حصول الملك، سواء في
العقد الفضولي أم في عقد الصرف والسلم، وفي الفضولي أيضا سواء
قلنا بالنقل أو بالكشف، والوجه في ذلك:
أما العقد الفضولي، فقد تقدم الكلام أن البيع إنما ينسب إلى المالك
ويكون بيعا له ومستندا إليه بعد الإجازة وقبلها ليس بيعا للعاقد، وهو
واضح، ولا بيعا للمالك، إذ المفروض أن البيع لا يستند إليه إلا بعد
الإجازة.
وقد عرفت أن الأمر كذلك على القول بالكشف أيضا، حيث إنه يحكم
من زمان الإجازة أن البيع بيع للمالك من الأول، أي يحكم بحصول
الملكية للمالك في زمان الإجازة من الأول، وهذا أمر موافق للعرف

1 - جواهر الكلام 23: 24.
214

أيضا، فإن العرف يبعد أن يحكم بحصول الملكية من الأول عند الإجازة
وترتيب آثار الملك على العقد من الأول وقد تقدم ذلك.
وقد عرفت في هذا البحث أي بحث الخيار، أن الظاهر من الأدلة أن
خيار المجلس وخيار الحيوان إنما يثبتان للبيع وما يصدق عليه البايع،
وقد عرفت في صحيحة محمد بن مسلم قال (عليه السلام): المتبايعان بالخيار
ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام (1)، وحيث إن زمان
الإجازة زمان صدق البيع على البايع والمشتري فيحكم في زمان الإجازة
بترتب آثار العقد عليه من الأول حتى على الكشف، لا بمعنى أن كل أثر
يترتب عليه ويحكم بكون النماءات الحاصلة له بل من الآن يحكم
بحصول الملكية من زمان العقد وترتب الأثر عليه، وهذا الذي يساعده
العرف.
إذن فتشمل عليه أدلة خيار الحيوان من زمان الإجازة، كما هو واضح،
سواء قلنا بالكشف أو النقل.
وأما بيع الصرف والسلم، فقد ظهر الحال فيهما من بيع الفضولي،
حيث إن الخيار إنما يترتب على العقد الصحيح، وبيع الصرف والسلم
قبل القبض ليسا بعقدين صحيحين، فإنهما مع فقدهما القبض كالايجاب
الخالي عن القبول، فكما أن الايجاب ليس موضوعا للخيار وكذلك
الايجاب والقبول فيهما بدون القبض، فإن القبض بمنزلة الايجاب.
وبعبارة أخرى أن أدلة الخيار إنما هي تخصيص لأدلة لزوم الوفاء
بالعقد، واللزوم إنما هو ثابت للعقد الصحيح دون الفاسد، فعقد الصرف

1 - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار
حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (الكافي 5: 170، عنه الوسائل 18: 5)،
صحيحة.
215

والسلم بدون القبض ليسا بصحيحين فكيف تشملهما أدلة اللزوم حتى
تخصصها بأدلة الخيار، فمبدأ ثبوت الخيار الحيوان في الصرف والسلم
إنما هو زمان القبض.
ثم إنك قد عرفت أن خيار الحيوان يثبت في المبيع الشخصي وفي
المبيع الكلي أيضا، وعليه فلا وجه لتخصيص المثال في بيع السلم بما إذا
كان الثمن حيوانا بعنوان السلم كما صنعه صاحب الجواهر، حيث قال:
فعلى هذا لو أسلم حيوانا في طعام وقلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان
وإن كان بايعا كان مبدؤه بعد القبض تخصيص، وتمثيله بما ذكر مبني
على اختصاص الخيار المعين بالحيوان.
المسألة (4)
دخول الليالي في الثلاثة أيام
قوله (رحمه الله): مسألة: لا اشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام
لا لدخول الليل في مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج.
أقول: وقع الكلام بين الأصحاب في أن المراد من ثلاثة أيام هل هو
النهار فقط والليل خارج عنه، أو المراد من اليوم هو مجموع أربع
وعشرين ساعة، وهذا البحث جار في المقام، وفي أيام الحيض، وفي
إقامة عشرة أيام.
وربما يقال: إن اليوم اسم لمجموع اليوم والليل، وأن مجموع أربع
وعشرين ساعة يسمى يوما، ولكنه بديهي البطلان، لعدم اطلاق اليوم
على ذلك المجموع، وإنما اليوم اسم لما هو بين طلوع الشمس وبين
غروبها، فالقوس النهاري يوم والقوس الليلي يسمى ليلا، ودائرة نصف
النهار منصفة للقوس النهاري إلى نصفين، ونصف الليل منصف الليل إلى
نصفين، وليس أحدهما داخلا في الآخر إلا بالدليل الخارجي، كما في
216

الصوم، حيث إن الشارع اعتبر كونه من أول الفجر إلى زوال الحمرة عن
قمة الرأس، وأما في غير ما اعتبر الشارع دخول أحد القوسين في الآخر
فلا يطلق أحدهما على الآخر.
وعليه فلا تكون الليالي داخلة في الأيام فيما كانت الأيام موضوعة
للحكم بحسب المفهوم، إلا من جهة عناية أخرى من اعتبار الاستمرار
في الحكم مثلا.
وعليه فلو عامل أحد مع غيره وباعه حيوانا في أول طلوع الشمس
فيمتد خياره إلى غروب الشمس من يوم الثالث، ولا تكون الليلة الأخيرة
داخلة ولا يثبت له الخيار فيها، بخلاف ما لو قلنا بدخول الليل في مفهوم
اليوم فإنه يمتد الخيار إلى صبيحة يوم الثالث ويكون له الخيار في الليل
أيضا.
وأما الليلتان المتوسطتان فهما داخلتان بلا شبهة، لا من جهة أن الليل
داخل في مفهوم اليوم، بل من جهة أن الخيار حكم ثابت لذي الخيار إلى
ثلاثة أيام مستمرا، فلو لم تكن الليلتان المتوسطتان داخلتين في
الموضوع لانقطع الخيار، فهو خلاف الظاهر من الأدلة، وهكذا الحال في
إقامة عشرة أيام، وأيام حيض المرأة ونحوهما.
وأما الليلة الأخيرة فهي خارجة عن حريم الخيار، فإنها غير داخلة
لا من حيث صدق اليوم عليها ولا من حيث الاستمرار.
وأما الليلة الأولى فيما إذا وقعت المعاملة في أول الليلة أو نصفها فهي
أيضا داخلة بلا شبهة، لما عرفت من أن الأدلة ظاهرة في اتصال مبدأ
الخيار بالعقد، فإذا تحقق العقد تحقق الخيار فيستمر إلى ثلاثة أيام،
فدخول الليلة الأولى من جهة اتصال مبدأ خيار الحيوان بالعقد
واستمراره إلى ثلاثة أيام.
217

وقد يتوهم أن الليلة الأخيرة أيضا داخلة لدخول الليلتين أصالة
فتدخل الثالثة وإلا لاختلفت مفردات الجمع في استعمال واحد، ولكن
قد ظهر جوابه فيما ذكرناه، حيث إن دخول الليلتين المتوسطتين أيضا
ليس من جهة الأصالة بل من جهة استمرار الخيار إلى ثلاثة أيام واتصال
الخيار بالعقد فلا مجال لهذا الاشكال.
وأما مسألة التلفيق فيما إذا وقع العقد في نصف اليوم، أو ورد المسافر
في بلد في نصف اليوم، أو حاض المرأة في وسط النهار، فهل يجوز أن
يحسب نصف هذا اليوم والنصف من اليوم الثالث وجعلهما يوما واحدا
أم لا، الظاهر هو التلفيق كما هو الموافق للعرف.
ويؤيد ذلك أنه قل ما يتفق أن المرأة تحيض في أول طلوع الشمس،
والمسافر لا يرد البلد الذي يقيم فيه في أول طلوع الشمس وهكذا، فلو
لم يعتبر التلفيق في اليوم ولم يكن موضوعا للحكم لتعرض له الإمام (عليه السلام)، وهذا المعنى موافق للعرف، فلو قال أحد: بقيت في محل كذا
يوما، مع أنه بقي في نصفين من يومين صح ذلك، ولو بقي نصف يوم
لا يصدق عليه أنه بقي يوما، وكل ذلك لا شبهة فيه، وما أفاده المصنف
هنا متين جدا.
مسقطات خيار الحيوان
1 و 2 - اشتراط عدم الخيار واشتراط اسقاطه في ضمن العقد
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور: أحدها اشتراط سقوطه في العقد.
أقول: قد تقدم في خيار المجلس اشتراط عدم الخيار أو اشتراط
اسقاطه في ضمن العقد، ولا نحتاج إلى الإعادة.
ولكن ذكر المصنف هنا شيئا يجري في خيار المجلس أيضا، فلا بأس
بالتعرض له، وحاصله:
218

أنه لا شبهة في جواز اسقاط الخيار من مجموع المبيع، بأن يقول أسقط
خياري من مجموع هذا الحيوان، وهل يجوز اسقاط الخيار من نصفه أم
لا، فالظاهر هو عدم الجواز، لأن نصف الحيوان ليس بحيوان فلا يثبت
خيار الحيوان إلا فيما إذا كان المبيع حيوانا.
وأما اسقاط بعضه من حيث الزمان بأن أسقط خياره يوما أو يومين أو
أقل أو أكثر، فالظاهر هو الجواز لأنه ملك فسخ العقد، فذي الخيار مالك
لذلك، فله أن يسقط حقه بأجمعه أو ببعضه ولا يلزم المحذور المذكور
هنا، لأن اطلاق الأدلة تشمله حتى في الآن القليل من الزمان.
وبعبارة أخرى فأدلة الخيار تشمل المبيع إذا كان حيوانا في كل آن
وزمان.
3 - التصرف
قوله (رحمه الله): الثالث: التصرف، ولا خلاف في اسقاطه في الجملة.
أقول: قد اضطربت كلمات الفقهاء في مسقطية التصرف غاية
الاضطراب، ولعل مثل هذه المسألة قليلة في الفقه، ومنشأ الاختلاف
اختلاف الروايات والقواعد.
والتحقيق أنك قد عرفت في مبحث المعاطاة أن مقتضى القاعدة كفاية
كل ما يكون مصداقا للانشاء في مقام انشاء العقد ونحوه، فإن المناط في
ذلك صلاحية ما يتحقق به الانشاء لاظهار ما في النفس وابرازه، سواء
كان من قبيل الفعل أو من قبيل القول واللفظ، من أفراد ما يظهر به ما في
الضمير وينشأ به المعاملة، وإلا فلا خصوصية له إلا إذا قام الدليل على
عدم كفاية غير اللفظ في مقام الانشاء كما في الطلاق.
وعليه فكما أنه يكتفي في انشاء العقد بكل ما يصلح أن ينشأ به العقد،
وكذلك يكتفي بكل ما يبرز ما في الضمير في اسقاط الخيار.
219

هذا مما لا شبهة فيه وأنه أمر تقتضيه القواعد، ولكن الكلام في
الصغرى وأنه أي شئ يكون صالحا لأن يتحقق به اسقاط الخيار من
الأفعال، فهل هو مطلق الفعل والتصرف أو التصرف الخاص، فليس هنا
قاعدة تتكفل لبيان ذلك المقدار المتيقن كون التصرف مصداقا للاسقاط،
وإلا فلا دليل على كونه مسقطا للخيار حتى التصرفات الجليلة فضلا عن
التصرفات الحقيرة.
فإنه ربما لا يكون المتصرف عالما بالموضوع أو الحكم، أو يكون
غافلا عن ثبوت الخيار له ويتصرف فيه، وحينئذ كيف يمكن الحكم بأن
التصرف مصداق للاسقاط، فلو وطأ الجارية التي اشتراها لا يكون ذلك
مسقطا للخيار، وإن أصر عليه شيخنا الأستاذ وقال بكون مثل الوطئ
مصداقا للاسقاط حتى مع الجهل بالحكم أو الموضوع، هذا ما تقتضيه
القاعدة.
وأما الأخبار فقد ذكر فيها أن احداث الحدث في الحيوان يوجب
سقوط الخيار (1)، فكل تصرف أوجب حدوث الحدث فيوجب سقوط
الخيار بلا شبهة للتعبد الشرعي، وأما ما لا يوجب الاحداث فلا، فقد
ذكرت أمور في الرواية التي سئل فيها عن تفسير الحدث أنها احداث
الحدث مع أنه ليس بحدث في العرف، وذلك كالنظر إلى الجارية
واللمس والتقبيل ونحوها، مع أنها ليس بحدث، فيكون مثل ذلك
داخلا في الحدث بدليل الحاكم وبالتعبد الشرعي، فنحكم بسقوط

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
220

الخيار بمثل هذه التصرفات أيضا، هذا ما يتحصل من الأخبار.
وتحصل أن لنا ضابطتان لسقوط الخيار بالتصرف: أحدهما ما تقتضيه
القاعدة، من كون التصرف مصداقا لسقوط الخيار، والثاني: التصرف
الذي يوجب احداث الحدث في الحيوان المبيع، أو ما جعله الشارع
مصداقا للحدث تعبدا وحكومة، فإن هذا أيضا يوجب سقوط الخيار،
وأما في غير هذه الموارد فلا دليل على كون التصرف مسقطا للخيار، ولو
كان التصرف من التصرفات الجليلة كما تقدم فضلا عن التصرفات
الخفيفة.
كيف فإنك عرفت أن أي تصرف كان لا يوجب سقوط الخيار ما لم يكن
مصداقا للتصرف، فأي معنى لسقوط الخيار بالتصرفات الصادرة حال
الغفلة أو النسيان أو الجهل بالحكم أو الموضوع فيكون الخيار باقيا على
حاله، ولو كان التصرف مثل وطئ الأمة كما عرفت.
بل الظاهر من صحيحة الصفار أن مطلق التصرف لا يكون مسقطا
للخيار، حيث سأل فيها عن أمرين أحدهما الحدث والثاني ركوب
الدابة، وسئل بكلمة أو أنهما يسقطان الخيار أم لا؟ فوقع الإمام (عليه السلام):
إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله (1)، فلو كان مثل
الركوب أيضا مسقطا للخيار لأجابه أيضا بأنه يسقط الخيار.
بل يمكن أن يقال: إن بعض التصرفات في الحيوان المشتري مما لا بد

1 - عن محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) في الرجل اشترى من
رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردها في
الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟
فوقع (عليه السلام): إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله (التهذيب 7: 75، عنه الوسائل
18: 13)، صحيحة.
221

منه، فلو كان كل تصرف موجبا لسقوط الخيار لكان جعل الخيار
وتشريعه لغوا محضا كقود الحيوان إلى القبة وركوبه من مكان المعاملة
إلى منزله للتجربة والامتحان، والأمر بمشي الأمة أو العبد للتجربة
والامتحان، وأمرهما بسقي الماء ونحوه، بل النظر إلى شعر الأمة ليرى
أنها شابة أو كبيرة قد بيض شعره، إلى غير ذلك من التصرفات التي مما
لا بد منه عادة في مدة ثلاثة أيام.
وعلى الجملة مقتضى أدلة اللزوم من الآيات والروايات هو لزوم
العقد وقد خصصت بأدلة خيار الحيوان كما خصصت بغيرها، فلا بد من
رفع اليد عن اطلاق أدلة الخيار وعمومه بما يدل على التخصيص
والتقييد، وليس لنا تخصيص إلا ما ذكرناه من الضابطتين، ففي أي
مورد تحقق واحدة من هذه الضابطة نحكم بسقوط الخيار وإلا فلا،
فافهم.
بيان آخر لمسقطية التصرف
والحاصل أن كلمات الفقهاء في أن التصرف مسقط أم لا مضطربة غاية
الاضطراب، فذكر بعضهم أن التصرف لكونه كاشفا عن الرضا الشخصي
مسقط للخيار.
وذكر بعضهم كشيخنا الأنصاري وغيره أن التصرف كاشف عن الرضا
النوعي فيكون مسقطا للخيار لذلك، وذكر بعضهم أن مطلق التصرف
حتى مثل ناولني الماء ونحوه مسقط للخيار.
ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار وتفصيل الكلام فيه: أن
الروايات في المقام متعددة.
منها صحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل
222

ثلاثة أيام فذلك رضا منه، ولا شرط له، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن
لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان محرما عليه قبل الشراء (1).
فإن الظاهر من هذه الرواية أن الحدث مسقط للخيار، فإذا أحدث
المشتري حدثا فذلك رضا بالبيع فيكون الخيار ساقطا، ثم سأل ابن رئاب
عن الحدث وأنه أي شئ فقال (عليه السلام): إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما
يحرم على غيره فقد انقضي الشرط ولزم البيع، فهذا الكلام الصادر من
الإمام (عليه السلام) من جعل اللمس أو التقبيل أو النظر إلى ما يحرم النظر إليه
ليس احداث حدث قطعا، وإذن فيدور الأمر بين أن يكون ذلك حاكما
بتوسعة دائرة الحدث وجعل كل واحد من الأمور المذكورة من أقسام
الحدث، أو بجعلها مثالا لمطلق التصرف بحيث يكون مطلق التصرف
مسقطا للخيار.
فإذا لم تكن الرواية ظاهرة فيما ذكرناه، من جعل الأمور المذكورة
مصداقا للحدث تعبدا، فليس لها ظهور في جعلها أمثلة لمسقطية
التصرف ليكون مطلق التصرف موجبا لسقوط الخيار، وكيف كان
فلا دلالة فيها على كون التصرف على اطلاقها موجبا للسقوط.
ومنها صحيحة الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) في الرجل
اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا، من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب
ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار
بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها في فراسخ،

1 - عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه
فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أن نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل
الشراء - الحديث (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 24، عنهما الوسائل 18: 13)، صحيحة.
223

فوقع (عليه السلام): إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله (1).
فهذه الرواية صريحة في أن احداث الحدث يوجب سقوط الخيار،
وأما دلالتها على أن التصرف موجب لسقوط الخيار أم لا فإما ممنوعة
لعدم تعرض الإمام (عليه السلام) لذلك، أو هي تدل على أن التصرف لا يسقط
الخيار ما لم يكن بعنوان أنه مصداق للمسقط أو مصداق للحدث، فإن
السائل إنما سأل عن أمرين: أحدهما احداث الحدث في المبيع، والثاني
الركوب، فقد أجاب الإمام (عليه السلام) عن الحدث وأنه مسقط للخيار، وسكت
عن الركوب الذي هو من أظهر أفراد التصرف، فهذا السكوت لو لم يدل
على عدم كون التصرف مسقطا للخيار، فلا دلالة فيها على كون التصرف
مسقطا.
وعلى الجملة فإما لا دلالة في الرواية على كون التصرف مسقطا أو
فيها دلالة على عدم كونه مسقطا.
ومنها صحيحة قرب الإسناد قال: قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري
أو لامس، فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد
انقضى الشرط ولزم البيع (2)، فقد جعل الإمام (عليه السلام) في هذه الرواية نفس
الأمور المذكورة موجبا لسقوط الخيار من غير تعرض للتصرف والحدث
أصلا.
والمتحصل أن ما يكون مسقطا للخيار من التصرف أمور ثلاثة من غير
أن يكون لعنوان التصرف موضوعية أصلا:

1 - التهذيب 7: 75، عنه الوسائل 18: 13، صحيحة.
2 - عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟
فقال: الخيار لمن اشترى - إلى أن قال: - قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس؟ قال:
فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضي الشرط ولزمته (قرب الإسناد: 78، عنه الوسائل 18: 13)، صحيحة.
224

1 - ما يكون مصداقا للاسقاط ومبرزا لما في ضمير المتكلم من كونه
موجبا لسقوط الخيار، وهو ما تقتضيه القاعدة الأولية، ولا شبهة فيه.
2 - أن يكون التصرف احداث حدث في الحيوان، فإنه أيضا يكون
موجبا لسقوط الخيار، فقد ثبت ذلك بصحيحة علي بن رئاب وصحيحة
الصفار، واطلاق الحدث شامل لكل حدث ولو كان بمثل جز الشعر
ونحوه.
3 - أن يكون المشتري لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم النظر
إليه، فإنه أيضا موجب لسقوط الخيار.
وأما في غير هذه الأمور الثلاثة فلا يكون التصرف موجبا لسقوط
الخيار بوجه، فإنه لا دليل عليه من الروايات كما عرفت.
المراد من قوله (عليه السلام): فذلك رضا منه بالبيع
ثم إنه بقي الكلام في أن المراد من قوله: (عليه السلام) فذلك رضا منه بالبيع،
في صحيحة ابن رئاب أي شئ، فذكر المصنف احتمالات أربعة:
1 - أن يكون المراد من ذلك الرضا الشخصي، فيكون المعنى أن
التصرف الموجب لاحداث الحدث في المبيع يكون كاشفا عن الرضا
الشخص.
وهذا واضح الدفع، فإن كثيرا ما لا يلتفت المشتري إلى ثبوت الخيار
له فيحدث حدثا في المبيع، فكيف يكون ذلك كاشفا عن الرضا الشخص
بالبيع وبسقوط الخيار.
مثلا لو اشترى أحد دجاجة وقص جناحها لئلا يطير إلى مكان آخر
من غير أن يلتفت إلى ثبوت الخيار له في ذلك، كما هو كذلك في نوع
الناس حتى من أهل العلم، حيث إنهم لا يلتفتون بثبوت الخيار لهم في
225

مثل الدجاجة ونحوها، وفي مثل ذلك فلا وجه لدعوى كون التصرف
كاشفا عن الرضا الشخص كما هو واضح.
2 - أن يكون كاشفا نوعيا عن الرضا بالبيع وسقوط الخيار كما ذكره
المصنف.
وهذا أيضا لا يمكن المساعدة عليه، فإنك قد عرفت أن نوع الناس
لا يلتفتون بخيار الحيوان، فكيف يكون تصرفهم كاشفا عن الرضا النوعي،
بحيث يكون المناط في كون التصرف مسقطا للخيار هو الرضا النوعي،
فإنه لا وجه لدعوى أن في أغلب الناس يكون التصرف كاشفا عن الرضا
النوعي، فإن أغلب الناس لا يلتفتون إلى ذلك، كيف فإن خيار الحيوان
لا يختص بطائفة خاصة من الشيعة ليكون الغالب فيهم الالتفات إلى
الخيار عند التصرف، بل يثبت لكل شخص حتى اليهود والنصاري
والمخالفين وغيرهم.
ومن الواضح أنه مع ذلك فالغلبة في غير الملتفتين بالخيار عند
التصرف، فكيف يكون التصرف كاشفا عن الرضا النوعي من جهة التفات
أغلب الناس بالخيار عند التصرف، وكيف كان فلا وجه لجعل التصرف
كاشفا نوعيا عن الرضا بالبيع.
3 - أن يكون ذلك بنفسه جوابا للشرط وحكما ثابتا للموضوع، فيكون
ذلك إشارة إلى نفس ذلك التصرف الذي هو الحدث.
4 - أن يكون توطئة للجواب، وهو قوله: ولا شرط له، لكنه توطئة
لحكمة الحكم وتمهيد لها لا علة حقيقة، فيكون إشارة إلى أن الحكمة
في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا على الرضا، نظير كون الرضا
حكمة في سقوط خيار المجلس بالتصرف، ومرجع هذين الاحتمالين
إلى شئ واحد وإن كان البيان فيهما مختلفا.
226

وقد ذكر المصنف أن لازم أخذ هذين الاحتمالين هو الالتزام بكون
مطلق التصرف مسقطا للخيار.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن قوله (عليه السلام): فذلك رضا منه بالبيع، هو أن
نفس هذا التصرف الذي يوجب احداث الحدث رضا بالبيع لا كل تصرف
كما هو واضح، فإن الموضوع هو الحدث حيث قال (عليه السلام): إن أحدث
حدثا فذلك رضا منه بالبيع.
227

3 - خيار الشرط
قوله (رحمه الله): الثالث: خيار الشرط، أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد.
أقول: لا شبهة في جواز جعل الشرط في العقود ولا خلاف فيه بين
الأصحاب، سواء كان متصلا بالعقد أو منفصلا عنه، ويمكن الاستدلال
على جواز ذلك بطائفتين من الروايات:
الطائفة الأولى: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث
قال: وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن
يمضي الشرط فهو من مال البايع (1).
وفي رواية السكوني: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل اشترى
ثوبا بالشرط إلى نصف النهار (2)، فإنها تدل على جواز جعل الخيار في
هذين الموردين الخاصين.
والطائفة الثانية: الأخبار المستفيضة الواردة في اشتراط الفسخ برد
الثمن كما سيأتي نقلها، فإنها أيضا تدل على جواز جعل الخيار في
موردها، فإن جاز التعدي عن مواردها فبها، لدعوى الضرورة أنه

1 - التهذيب 7: 24، عنه الوسائل 18: 20، صحيحة.
2 - عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل اشترى
ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنه قد رضيه فاستوجبه ثم
ليبعه إن شاء فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه (الكافي 5: 173، التهذيب 7: 23،
عنهم الوسائل 18: 25)، موثقة.
228

لا خصوصية لموردها، وإلا فلا بد من التماس دليل آخر، وحينئذ نأتي
إلى العمومات.
وقد استدل على مشروعية هذا الخيار وجواز جعله واشتراطه بالأدلة
المستفيضة بل المتواترة بين الفريقين: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا
خالف كتاب الله وسنة نبيه (1)، فإنها تدل باطلاقها على لزوم الوفاء بكل
شرط، غاية الأمر خرج عنها الشروط الابتدائية وبقي الباقي، ومن
جملته اشتراط الخيار في العقود.
وقد أشكل عليه في المستند (2) بأن الأدلة العامة لا تكفي لاثبات صحة
اشتراط الخيار لاستثناء الشرط المخالف للكتاب والسنة، لأن السنة تدل
على أن بالافتراق يجب البيع، فاشتراط عدم وجوبه بعد الافتراق مخالف
لها، وعلى الجملة فلا يمكن الاستدلال بهذه الأدلة على جواز جعل
الخيار.
وقد أجيب عنه بجوابين:

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه - إلى أن قال (عليه السلام): - قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم
الوسائل 21: 277)، صحيحة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا
لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم مما
وافق كتاب الله عز وجل (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)، صحيحة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط
خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز (الفقيه 3: 127، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)،
صحيحة.
2 - المستند 1: 384.
229

1 - ما ذكره شيخنا الأستاذ، من أن الجواز وكذلك اللزوم على قسمين:
الأول الجواز واللزوم الحكمي، والثاني اللزوم والجواز الحقي، أما
الأول فلا يتبدل بفسخ المتبايعين أصلا، أما الجواز فكالهبة، حيث إن
جوازها حكمي فلا يتغير أصلا، ولو قال الواهب: أسقط حق الرجوع
ألف مرة، وأما اللزوم فكعقد النكاح، حيث لا يتغير عما هو عليه بإقالة
ونحوه، فيعلم من ذلك أن اللزوم هنا حكمي لا حقي، وأما الثاني
فالجواز الحقي مثل الوكالة ونحوها، واللزوم الحقي كجميع العقود التي
تجري فيها الإقالة، حيث إنه يستكشف من ذلك أن اللزوم فيها حقي وإلا
لم يرتفع بالإقالة، فما يكون مخالفا للكتاب والسنة هو الخيار في العقود
التي أن اللزوم فيها حكمي كالنكاح لا في مطلق العقود حتى فيما يكون
اللزوم فيها حقيا.
وفيه أنه قد عرفت في أول البيع أنه لا فرق بين الحق والحكم أصلا،
فإن كلاهما بحكم الشارع وجعله، غاية الأمر قد سمو الفقهاء الحكم
الذي اختياره بيد المتبايعين حقا، وهذا لا يوجب اختلافهما في
الحقيقة، وعليه فكما أن الجواز حقيقة واحدة مجعولة بجعل الشارع
وكذلك اللزوم فهو حقيقة واحدة والاختلاف بحسب الحكم الطارئ
عليه، لا أن هنا حقيقتان إحداهما حقي والآخر حكمي كما لا يخفى،
وعليه فيبقى اشكال صاحب المستند على حاله، فإن جعل الخيار في
العقد مخالف لحكم الشارع بلزومه.
وبعبارة أخرى أن اللزوم في جميع العقود إنما هو حكم الشارع وثابت
بدليل واحد، غاية الأمر أنه مطلق في بعض الموارد كما في النكاح،
ومشروط بعدم الإقالة في بعض الموارد الأخر كما في البيع ونحوه، على
أن النكاح أيضا قد يطرؤه حق الفسخ لبعض الأمور كما هو واضح.
230

2 - ما يظهر من السيد (رحمه الله) (1)، من أن جعل الخيار مخالف لاطلاق العقد
لا لمقتضاه، فإن اطلاق العقد يقتضي الملكية على وجه الاطلاق،
فاشتراط الخيار مخالف لاطلاقه لا لمقتضى أصل العقد.
وهذا الجواب من العجائب، فإن كلامنا في الشروط المخالف للكتاب
والسنة لا في الشروط المخالفة لمقتضى العقد أو لاطلاقه.
وتوضيح الكلام:
إن الشرط قد يكون مخالفا لمقتضى العقد، بأن يشترط البايع على
المشتري أن لا يتملك، أو يقول الواهب: وهبتك هذه على أن تبقى العين
الموهوبة في ملكي وهكذا، فإن هذه الشروط كلها مخالفة لمقتضى
العقد، ولكن لا دليل على بطلانه إلا لزوم المناقضة والتناقض، فإن معنى
البيع هو تمليك العين المبيعة وكونها ملكا للمشتري، ومعنى اشتراط
عدم كونه ملكا للمشتري هو أن لا يكون المبيع ملكا للمشتري، وهما
متناقضان، وكذلك في الهبة.
وأما إذا كان الشرط مخالفا لاطلاق العقد فلا محذور فيه أصلا، لعدم
لزوم التناقض ومحذور آخر فيه كما ذكره السيد، فإنه أي محذور في أن
يقول البايع: بعتك هذا الثوب، وشرط عليك أن تخيط لي ثوبا آخر، فإن
اطلاق العقد يقتضي كون المبيع ملكا للمشتري على وجه الاطلاق و
الشرط مخالف له.
وأما الشروط المخالفة للكتاب والسنة، فهي أمر آخر غير مربوط
بالشروط المخالفة للعقد أو لاطلاقه، فإنه لا يفرق في الشروط المخالفة
للكتاب والسنة بين أن تكون مخالفة لأصل الكتاب والسنة أو

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 24.
231

لاطلاقهما، مثلا لو باع حيوانا واشترط أحدهما على الآخر في ضمن
العقد أن يشرب الخمر في حال المرض تنزها لا دواء، فإنه هل يتوهم
أحد جواز ذلك لكونه مخالفا لاطلاق الكتاب لا أصله.
والحق في الجواب أن يقال إن هذه الروايات إنما وردت لجعل خيار
الشرط في مورد لزوم العقد، فتكون مخصصة للأدلة الدالة على اللزوم
لا منافية لها لتكون مطروحة أو مأولة، وتوضيح ذلك:
إن معنى اشتراط شئ في العقد هو توقف لزوم العقد على وفاء
المشروط عليه بالشرط، وإلا فلا يلزم عليه أن يتوقف على اللزوم،
ومعنى عدم وجوب التوقف على اللزوم هو ثبوت الخيار له بحيث إن
شاء يفسخ وإن شاء يمضي وإن شاء يبقى العقد على حاله، غاية الأمر أن
اشتراط شئ على البايع أو المشتري في العقد جعل خيار بالدلالة
الالتزامية، وجعل الخيار لأحدهما أو كلاهما في العقد جعل خيار
بالدلالة المطابقية، وقد تقدم ذلك فيما سبق وقلنا بأن مرجع الاشتراط
إلى جعل الخيار.
والحاصل أن الأدلة الدالة على أن المؤمنين عند شروطهم واردة في
مورد جعل الخيار، بناء على أن كل شرط يرجع إلى جعل الخيار بالبيان
المتقدم، فلا يكون الشرط مخالفا للكتاب والسنة.
وبعبارة أخرى أن هذه الروايات الدالة على لزوم الوفاء بالشرط وارد
في مورد جعل الخيار، بناء على أن مرجع جعل الشرط إلى ثبوت الخيار
بالالتزام، فإن بقاء الالتزام على العقد منوط على بقاء الالتزام على الشرط
ومع التخلف يثبت الخيار، وعليه فلا يكون جعل الشرط مخالفا للكتاب
والسنة إلا أن الشرط مخالفا لهما.
والحاصل أن في العالم شروط صحيحة غير منافية للكتاب والسنة،
فهذه الروايات واردة في هذه الموارد التي مرجعها إلى جعل خيار.
232

ويمكن الجواب عن صاحب المستند بناء على المشهور أيضا من عدم
رجوع الشرط إلى جعل الخيار، بدعوى عدم مخالفة الشرط الخيار
للكتاب والسنة.
أما عدم مخالفته للكتاب من جهة أن: أوفوا بالعقود (1) ناظر إلى إفادة
اللزوم للعقد المنشأ على النحو الذي أنشأه المنشئ، وهذا المنشأ إما
هو مطلق في الواقع أو مقيد، لما ذكرناه مرارا أن الاهمال في الواقعيات
من الأمور المستحيلة، وعليه فهذا العقد الذي اشترط فيه الخيار لا يعقل
أن يكون منشأ على وجه الاطلاق، فلا بد وأن يكون منشأ على وجه
التقييد، فيكون الملكية المنشأة بقيد خاص موردا للأمر بالوفاء بالعقد،
فلا يكون الشرط مخالفا للكتاب، بل دليل اللزوم من الأول لا يشمل إلا
هذه الملكية الخاصة المقيدة بحد خاص.
وبعبارة أخرى أن دائرة الملكية من الأول محدودة ومقيدة بعدم
الفسخ، فإن الحاصل من البيع قد يكون ملكية مطلقة ويكون المنشأ هو
ذلك، وقد يكون المنشأ ملكية مقيدة بحصة خاصة وبحد خاص أي
المقيدة بعدم الفسخ، وحينئذ أي منافاة لهذا الشرط للكتاب، بل الكتاب
لا يشمل من الأول الملكية المطلقة بل يشمل الملكية المقيدة وهو
واضح.
لا يقال: إن الملكية المنشأة مطلقة حتى بعد الفسخ، فإنه لا معنى للبيع
إلى وقت خاص كسنة أو سنتين لكونه باطلا اجماعا.
فإنه يقال: لا شبهة في أن المنشأ مطلق من حيث الزمان، وأن البايع
أنشأ ملكية مطلقة للمشتري وأبدية، ولكن كلامنا ليس في الاطلاق

1 - المائدة: 1.
233

والتقييد من حيث الزمان بل من حيث الحالات، ولا شبهة أن المنشأ
بالنسبة إلى الفسخ وعدمه اللذان من الحالات الطارئة لعقد إما مطلق أو
مقيد، وذكرنا أنه مقيد، فالملكية المنشأة محدودة بالنسبة إلى الفسخ
وعدمه إلى الزمان، فتشملها أدلة اللزوم مع هذه الحيثية المقيدة، فيكون
لازما إلى أن لا يفسخ، وإلا فلا لزوم لعدم شمول أدلته له.
ودعوى أن المنشأ مطلق بالنسبة إلى الفسخ وعدمه، أي أنه أنشأ
الملكية سواء فسخ أم لا مع في العقد، دعوى متناقضة
كما هو واضح، فإن هذه الدعوى تشبه دعوى أن يقصد أحد الإقامة في
بلد وكان عالما بمسافرته أو شاكا فيه، فإن هذا ليس إلا التناقض الواضح،
ولا يقاس كون المنشأ ملكية محدودة بالفسخ بالبيع إلى سنة، فإن الثاني
باطل بالضرورة بخلاف الأول، فإنه كان متعارفا في جميع الأزمنة فيكون
مشمولا لوجوب الوفاء بالعقد.
وكيف كان بناء على المشهور أيضا لا يكون شرط الخيار مخالفا
للكتاب بوجه لقصور دليل اللزوم عن ذلك، فلا يكون الأمر بالوفاء
بالعقود شاملا له إلا ما أنشأ بأي كيفية أنشأ، فاللازم بدليل وجوب الوفاء
بالعقد هو الملكية المحدودة بعدم الفسخ.
وأما السنة، فقد ظهر جواب توهم مخالفة الشرط للسنة من ذلك
أيضا، فإن قولهم (عليهم السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا وإذا افترقا وجب
البيع (1)، ليس المراد من الوجوب الوجوب على كل حال، بحيث يكون
المنشأ ملكية لازمة على وجه الاطلاق بعد انقضاء المجلس بل الملكية

1 - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع - الحديث (الكافي 5: 170، الفقيه 3: 126، التهذيب 7: 20،
الإستبصار 3: 72، عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
234

المحدودة بعدم الفسخ، فلا تكون هذه الأخبار شاملة من الأول إلى ما بعد
الفسخ حتى يتوهم كون الاشتراط مخالفا لمقتضى الكتاب.
المسألة (1)
جواز جعل الخيار مدة خاصة معينة
ثم إنه لا شبهة في جواز جعل الخيار مدة خاصة معينة إما متصلا
بالعقد أو منفصلا عنه لاطلاق الأدلة، نعم ذكر بعض الشافعية أنه لا يجوز
جعل الخيار بعد لزوم العقد، فإنه لا ينقلب إلى الجواز بعد اللزوم، ولكنه
بديهي البطلان، فإن كثيرا ما يطرء الجواز على العقد بعد اللزوم كما في
موارد خيار تأخير الثمن، وموارد خيار الرؤية، وموارد تخلف الشرط،
فإن جميع ذلك وأشباهه يطرء الجواز على العقد بعد اللزوم، فلا يمكن
الالتزام بكلام هذا القائل أيضا.
جواز جعل الخيار إلى الأبد ومدة العمر
وهل يجوز جعل الخيار إلى الأبد ومدة العمر نظير الوقف بحسب
العمر أم لا؟ فلم يستشكل أحد في جوازه إلا شيخنا الأستاذ حيث منع
عن جواز مثل هذا الشرط لوجهين:
1 - أنه يوجب كون العقد غرريا، وذلك لأنه لا يعلم المتبايعان أن عمر
المشروط له أي مقدار فيوجب البيع غرريا فيبطل لذلك.
وفيه أن الغرر هو الخطر ولا نرى في ذلك خطرا أصلا، غاية الأمر أنه
يكون مثل العقود الجائزة، فهل يتوهم أحد أن الهبة أو الوكالة أو نحوهما
من العقود الجائزة غررية، وسيأتي الكلام في نفس الغرر مع الجهل
بالشرط.
235

2 - ما ذكره (رحمه الله) من أن جعل الخيار إلى الأبد مخالف لمقتضى العقد،
فإن للعقد دلالة مطابقية أعني حصول الملكية للمشتري، فالبيع يقيد
بالمطابقة حصول الملكية للمشتري على وجه الاطلاق ودلالة التزامية،
أعني كون المتبايعين ملتزمين بمفاد العقد وأنه لا يختص التزامهما بزمان
خاص بل هو ثابت إلى الأبد، فاشتراط الخيار إلى الأبد وإن لم يكن مخالفا
لمقتضى العقد بحسب الدلالة المطابقية أعني حصول الملكية المطلقة،
ولكنه مناف لمقتضى العقد بحسب الدلالة الالتزامية أعني لزوم العقد
إلى الأبد، وأما جعل الخيار في زمان خاص فلا بأس به، لعدم كونه
مخالفا لمقتضى العقد من الجهتين، غاية الأمر أنه شرط الخيار في زمان
خاص.
وفيه قد عرفت أنه لا دليل على بطلان الشروط المخالفة لمقتضى
العقد إلا من جهة المناقضة، ومن الواضح أن اشتراط عدم حصول
الملكية للمشتري مثلا مناقض لمقتضى العقد، بأن يبيع بشرط أن
لا يملك المشتري، أو يهب بشرط أن يبقى العين الموهوبة في ملك
الواهب، وأما جعل الخيار في البيع إلى الأبد فلا يستلزم التناقض
لمقتضى العقد كما هو واضح، فإنه أي مناقضة لبيع متاع أو دار بشرط أن
يكون للبايع أو للمشتري خيار مدة العمر فيكون نظير العقد الجائز.
نعم لو كان هنا دليل تعبدي يدل على أن الشروط لا بد وأن لا يكون
مخالفة لمقتضى العقد لأخذنا باطلاقه وبالنسبة إلى الدلالة المطابقية
والالتزامية.
والحاصل قد علم أن المنشأ في موارد جعل الخيار بالشرط ملكية
محدودة، فأدلة اللزوم من الأول قاصرة عن الشمول لذلك فضلا عن أن
يلزم من جعل الخيار مخالفة الكتاب أو السنة.
236

ومع الاغماض عن ذلك فنقول: إن الظاهر من السنة الدالة على لزوم
العقد هو الحصة الخاصة من العقد الذي لم يجعل فيه الخيار، وأما ما
جعل فيه الخيار فلا يكون مشمولا لها.
وتوضيح ذلك: أن الأدلة الدالة على ثبوت خيار المجلس وإن دلت
على لزوم البيع بمجرد الافتراق وكونه واجبا على وجه الاطلاق، ولكن
لا بد من تقييدها بما ذكرناه، من أنه ورد في بعضها أن اللزوم والوجوب
إنما هو بعد الرضا بالعقد، كقوله (عليه السلام): فلا خيار لهما بعد الرضا (1)،
وقد ذكر أن المراد من هذه العبارة الشريفة أنه لا خيار مجلس لهما بعد ما
أقدما على المعاملة ورضيا بها.
وعليه فهي صريحة في عدم شمول السنة لعقد جعل فيه الخيار، فإن
المتبايعين لم يقدما ولم يرضيا على المعاملة إلا على النحو الذي أنشأها،
ومن الواضح أنهما أنشآ ذلك بحيث يكون لهما أو لأحدهما حق الفسخ
بعد شهر مثلا، أو إلى شهر من زمان العقد، فلا يشمله قوله (عليه السلام): فإذا
افترقا وجب البيع بعد الرضا، إذ لم يحصل الرضا بدون الشرط المعلوم.
المسألة (2)
اشتراط الخيار في مدة مجهولة في الظاهر
ثم إنه قد عرفت أنه لا شبهة في جواز اشتراط الشرط في العقد من دون
أن يلزم فيه محذور أصلا، وقد عرفت أنه يجوز أن يشترط فيه الخيار
مدة معينة بل ما دام العمر، وقد عرفت مناقشة شيخنا الأستاذ في ذلك

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
237

وعرفت الجواب عنه، وهل يجوز اشتراط الخيار في مدة مجهولة في
الظاهر ومعينة في الواقع، كأن يجعل البايع المشتري لنفسه الخيار إلى
قدوم الحاج أو نزول المطر ونحوهما، أو لا يجوز.
والظاهر هو الجواز لعموم الأدلة المتقدمة الدالة على أن المؤمنين
عند شروطهم.
والذي يمكن أن يكون مانعا عن ذلك أحد الأمور الثلاثة:
1 - ما أرسله العلامة (رحمه الله) من أنه نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر، فإن هذا
الشرط غرري فيكون منهيا عنه، ويكون المشروط به أيضا منهيا عنه.
وفيه مضافا إلى عدم ثبوته، إذ الثابت المنقول هو نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن
بيع الغرر (1)، أنه لا دلالة فيها على فساد المعاملة المشروط بهذا الشرط
الفاسد، إلا بناء على سرايته إلى المشروط، وهو فاسد، وسيأتي الكلام
منه.
2 - إن هذا الشرط، أي شرط الخيار في مدة مجهولة مخالف للسنة
فيكون فاسدا، وذلك فإنه ورد النهي عن بيع الغرر في الشريعة المقدسة،
فاشتراط الشرط الغرري مخالف له فيكون فاسدا، وهذا هو الذي ذكره
المصنف وذكر أنه أكل من القفاء، فإن له أن يستدل من الأول بفساد هذا
الشرط بدليل النهي عن البيع الغرري.
وكيف كان هذا الوجه أيضا لا يتم، فإنه إن كان المراد من الشرط
المخالف للكتاب هو نفس الالتزام بحيث يكون نفس الالتزام بما يكون
مخالفا للكتاب والسنة أيضا مخالفا لهما، فيرد عليه أنه مبني على سراية
فساد الشرط الفاسد إلى المشروط، وبعبارة أخرى فالصغرى مسلم،

1 - دعائم الاسلام 2: 21، عيون الأخبار 2: 45، صحيح مسلم 3: 1153، السنن للترمذي
3: 532، السنن لابن ماجة 2: 739، مسند أحمد 1: 302.
238

ولكن الاشكال في الكبرى، من أن الشرط الفاسد يوجب بطلان العقد
أم لا.
وإن كان المراد به نفس الملتزم به ليكون هو بنفسه مخالفا للكتاب
والسنة، فلا شبهة أن الملتزم به ليس مخالفا للكتاب والسنة، فإن جعل
الخيار ليس فيه مخالفة لهما، وإلا لكان كل خيار في كل عقد مخالفا
للكتاب والسنة.
وعلى الجملة فإن كان المراد من الشرط نفس الملتزم به فليس فيه
مخالفة للكتاب والسنة، وإن كان المراد به نفس الالتزام، وهو وإن كان
مخالفا للكتاب والسنة لكونه حراما على الفرض ولكن لا يرى كونه
موجبا لبطلان العقد، لأنه متوقف على كون الشرط الفاسد موجبا لبطلان
العقد أم لا.
3 - النبوي المعروف، من أنه نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، بدعوى أن
اشتراط الخيار في البيع مدة مجهولة غرري فيسري إلى البيع، فيكون
البيع أيضا غرريا.
وعلى هذا فلا يتوقف الاستدلال على جعل الشرط مخالفا للكتاب
والسنة لنحتاج إلى ارجاع الشرط إلى نفس الملتزم به، ولا إلى النهي عن
مطلق الغرر لنحتاج إلى البحث عن ثبوته وعدمه.
ولكن يرد عليه أنه إن كان المراد من الغرر هو الجهالة، فلا جهالة في
المبيع وإن كان الشرط مجهولا، فإنه أي جهالة في المبيع المعلوم من
جميع الجهات الذي وقع عليه البيع، إذ لا تسري الجهالة من ناحية
الشرط إلى المبيع أصلا.
وبعبارة أخرى بناءا على تمامية ما دل على النهي عن الغرر من حيث
السند وكون الغرر بمعنى الجهالة، فما يكون موجبا للبطلان هو جهالة ما
239

يرجع إلى الثمن والمثمن لا جهات الخارجية، ومن الواضح أن العوضين
هنا معلوم فلا تسري الجهالة إليهما من ناحية الشرط المجهول كما هو
واضح، على أن الرواية ضعيفة السند والغرر ليس بمعنى الجهالة.
وإن كان المراد من الغرر هو الخطر، كما هو الظاهر، على ما قربناه
سابقا، فلا خطر هنا أيضا، فإن الخطر إنما يكون فيما لم يعلم أن ما بذله
البايع أو المشتري أي مقدار وقع في مقابله من المال، بحيث تكون
المالية التي تحصله في مقابل ما يعطيه مجهولة، فإن هذا خطر.
وأما إذا كان ما يساوي ماله معلوما، فإن فسخ يملك ما بذله نفسه وإلا
يملك ما بيده الذي أخذه من طرفه، فأي خطر في ذلك، ولو لم يعلم أن
العقد يفسخ أو لا، وأنه في أي وقت يفسخ، فإن هذا لا يضر بمالية المبيع
أو الثمن فلا يجعلهما خطرية، وإلا فهذا يجري في جميع موارد
الخيارات، إذ لا يعلم أن ذي الخيار يفسخ أو لا، فهذا بنفسه لا يوجب
الغرر.
نعم فالمالية في الثمن أو المثمن تكون خطرية باعتبار ترقي القيمة
السوقية أو تنزلها إلى زمان الخيار والفسخ، إذ لا يعلم أنه متى يجئ
الحاج أو ينزل المطر حتى يثبت الخيار لذي الخيار، فيمكن أن تكون
قيمة المبيع نازلة بحيث لا يسوى شيئا، فيكون البيع حينئذ خطريا من
ناحية هذا الشرط، على أن دليل نفي الغرر ضعيف وغير منجبر بشئ
وقد عرفته في البحث عن القدرة على التسليم.
ولكن هذا يجري في جميع موارد الخيارات فلا يختص بالمقام، فإنه
يمكن أن يطرأ هذه الحالة للمبيع في بقية الخيارات أيضا، ففيما ليس فيه
خطر لا وجه لفساد الشرط، وفيما فيه خطر فهو مشترك بين المقام وبين
بقية موارد الخيارات.
240

اشتراط الخيار في مدة مجهولة في الواقع
هذا كله إذا كانت المدة مجهولة في الظاهر ومعلومة في الواقع، كان
قال: بعتك هذا الشئ على أن يكون لي الخيار مدة خاصة، أما إذا لم يبين
المدة، أو قال: لي الخيار، وأطلق، فهذا باطل ثبوتا أيضا لاستحالة
امضاء أمر المجهول.
إلا أن يقال: إنه يحمل على ثلاثة أيام، كما أفتى به جمع من الأكابر،
وذكر الشيخ الطوسي أن عليه أخبار الفرقة (1)، وقد عامل بعضهم معاملة
الرواية.
ولكن الظاهر أنه لا يكون دليلا في المقام، إذ لم نجد رواية تدل على
هذا الرأي ولم ينقله أحد حتى الشيخ في كتابيه، فلو كان هنا خبر يدل
على ذلك لنقله هو أو غيره، والظاهر أنه استنبط ذلك من الروايات وذكر
أن عليه أخبار الفرقة، وقد ذكر نظير ذلك في قصر الصلاة عند الخروج
إلى الصيد ووجدنا الموارد التي استنبط ذلك منها.
وعليه فإن كان هنا اجماع أو تسالم على حمل مثل هذا الشرط على
ثلاثة أيام نأخذ به وإلا فيحكم بالبطلان كما هو الظاهر.
المسألة (3)
مبدأ خيار الشرط
قوله (رحمه الله): مبدأ هذا الخيار من حين العقد.
أقول: إن كان وقت خيار الشرط معلوما بالنص، كأن يجعل لنفسه
الخيار في اليوم الفلاني فهو، وإلا بأن أطلق وقال: بعتك على أن يكون

1 - الخلاف 2: 5، المسألة: 25، كما في المختلف 5: 67، الدروس 3: 269.
241

لي الخيار إلى خمسة أيام، فإن ظاهر الاطلاق هو كون الخيار من حين
العقد وإلا كان الاطلاق لغوا.
ولو جعل لأحدهما الخيار في اليوم المعين فالاطلاق يقتضي أن
يكون مبدأ الخيار من أول ذلك اليوم، وقال المصنف إنه لو شرط خيار
الغد كان مبدؤه من طلوع الفجر، ولكنه مبني على أن يكون أول النهار من
طلوع الفجر ولكنه فاسد، بل النهار المقابل لليل أوله من طلوع الشمس
وآخره غروبها، وبعبارة أخرى قد ذكرنا في مباحث الصلاة أن قوس
النهار من طلوع الشمس فما دام أنها تحت الأرض لا يتحقق النهار
ومقابل ذلك الليل.
وقد ذهب الشيخ (1) والحلي (2) إلى أن مبدأه من حين التفرق، ووجهه
الشيخ فيما سبق بأنه لا معنى لتعدد السبب لخيار واحد، وقد تقدم جوابه
بأنه لا مانع من استناد الخيار الواحد إلى أسباب عديدة، ويترتب عليه
الثمر فيما إذا سقط واحد فإنه يفسخ بالآخر، وقد تقدم أيضا النقض بأنه
قد يجتمع خيارات عديدة في محل واحد، وكيف كان فلا محذور فيه،
على أنه يرد عليه بأن لازم كلامه هذا أن يكون خيار الشرط بعد خيار
الحيوان أيضا.
ثم إن المصنف قد ادعى التبادر هنا أن المتعاقدين إنما يجعلان الخيار
في زمان ليس لهما الخيار وإلا لم يجعلاه لنفسهما، وقد أشار إلى ذلك
في السرائر.
وفيه أولا: أن التبادر في نفسه ممنوع.
وثانيا: ما ذكر المصنف أنه لو تم هذا لاقتضى كونه في الحيوان من

1 - المبسوط 2: 85.
2 - السرائر 2: 247، عنه الدروس 3: 269.
242

حين انقضاء الثلاثة، ولم يلتزموا بذلك، على أنه إنما يتم مع العلم بثبوت
خيار المجلس ومع الجهل به لا يقصد من يجعله لنفسه الخيار إلا الجعل
من حين العقد لعدم التفاته بخيار المجلس، بل هذا هو الأغلب إذ
لا يلتفت نوع الناس بخيار المجلس.
ثم أورد المصنف على دعوى أنه بعد انقضاء المجلس الحكم على
المتعاقدين بخلاف قصدهما، وأورد عليه شيخنا الأستاذ بأن تبعية
العقود للقصود ووجوب عدم تخلفها عنها إنما هو لو قصد عنوانا خاصا
وترتب عليه عنوان آخر مضاد له، كما إذا قصد المتبايعين البيع وترتب
عليه الهبة أو الإجارة، أو قصد المتعة وترتب عليه الدوام، بناء على
كونهما حقيقتين، وأما بيع ما يملك وما لا يملك فحيث إن القصد فيه في
الحقيقة ينحل إلى قصدين فهو ليس من تخلف القصد عن العقد، وفي
المقام وإن قصدا كون مبدأ الخيار من حين العقد إلا أنهما قصدا من حينه
إلى سنة مثلا، فلو حكم الشارع بأنهما ما داما في المجلس ليس لهما
خيار الشرط فهو ليس من تخلف العقد عن القصد.
أقول: إن كان مراد المصنف أنه يلزم التخلف إذا كان قصد المتبايعين
ثبوت الخيار لهما من حين العقد إلى خمسة أيام، فأمضي الشارع بعد
التفرق إلى خمسة أيام ومقدار زمان قبل التفرق كخمسة أيام ونصف أو
ساعة، بحيث يضيف الناقص من الأول إلى الآخر، فلا شبهة في كون ذلك
من تخلف العقد عن القصد، فلا يرد عليه ما أورده شيخنا الأستاذ.
وإن كان مراده أن المتبايعين قصدا لنفسهما الخيار من حين العقد إلى
خمسة أيام ولكن الشارع ضيق دائرة خيارهما ونقص من خمسة أيام
بمقدار بقائهما في المجلس، فحينئذ لا يلزم التخلف، فإن المورد حينئذ
من قبيل بيع ما يملك مع ما لا يملك، وامضاء البيع في ما يملك وعدمه
فيما لا يملك، وعليه فاشكال شيخنا الأستاذ متين، ونظير ذلك كثير في
243

الشريعة كبيع الصرف والسلم، فإن الشارع أمضاهما بعد القبض، وكبيع
الفضولي ونحو ذلك.
ثم إنه ذكر المصنف أنه لو جعل مبدأ الخيار من حين التفرق بطل لأدائه
إلى جهالة مدة الخيار، وقد تقدم أن الشرط إذا كان غرريا يفسد ويستلزم
كون البيع فاسدا، بناء على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد، وإلا فيكون
الفاسد هو الشرط فقط، ولا يسري الغرر إلى المبيع وقد تقدم.
ولكن يمكن عدم الغرر والجهالة هنا في هذا المثال، كما إذا جعلا
الخيار من حين التفرق، فإن الشرط هنا لا يكون مجهولا، لأن آخره معلوم
فهذه المدة مدة الخيار، سواء كان بالمجلس أو بغيره، فما داما في
المجلس فيه وبعده بخيار الشرط، غاية الأمر سبب الخيار مجهول.
المسألة (4)
جعل الخيار للأجنبي
قوله (رحمه الله): مسألة: يصح جعل الخيار لأجنبي.
أقول: يقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: كونه بعنوان الوكيل
هل يشرع الخيار لأجنبي بعنوان أنه وكيل، لأن جعل الخيار له في قوة
جعل الخيار لنفسه، ولا شبهة أيضا في احتياجه إلى القبول.
وكيف كان فهذا خارج عن محل الكلام، وإنما الكلام في جعله
للأجنبي بغير عنوان الوكالة، فقد يقال بعدم جوازه، فإن جعل الخيار في
العقد إنما يشرع في حق من كان طرفا للالتزام ويكون له الخيار في حل
التزامه وابقائه على حاله، ومن الواضح أن الأجنبي خارج عن ذلك.
244

ويضاف إلى ذلك أنه لا دليل على مشروعية هذه الشرط فيكون مخالفا
للمشروع، فإن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار
بالأصل كخياري المجلس والشرط، أو بالعارض كخيار الفسخ برد
الثمن لنفس المتعاقدين.
أقول: لا وجه للتمسك في ذلك بالروايات المستفيضة المتقدمة الدالة
على أن المؤمنين عند شروطهم، وذلك لما عرفت سابقا أن هذه
الروايات ناظرة إلى الحكم التكليفي، وأنه لا بد وأن يكون المؤمن عند
شرطه، كقوله (عليه السلام): المؤمن عند عهده، بل في بعضها: وليف
بشرطه (1)، فتكون خارجة عن الأحكام الوضعية وعن نفوذ الشرط وضعا،
على أن هذه الروايات ناظرة إلى الشروط التي سائغة شرعا فيجوز جعلها
في العقود في الشريعة المقدسة، فلا تكون دالة على تشريع الشروط
وجعلها.
وبعبارة أخرى أنها مسوقة لتجويز جعل الشروط التي سائغة في
الشريعة، فلا تكون مشرعة في نفسها وموجبة لجعل شرط لا نعلم
مشروعيته قبل ذلك وعدمها، ولذا قلنا إن هذه الروايات واردة في مقام
جعل الخيار لرجوع الشروط بالآخرة إلى جعل الخيار بالالتزام، ومن
الواضح أن مشروعية الخيار ثابت في الشريعة المقدسة، وأما في غير
ذلك فالشروط مخالفة للكتاب والسنة فلا يجب الوفاء بها.

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
245

والظاهر أنه لا دافع لهذا الاشكال، إلا ما ذكرناه سابقا من أن المنشأ هو
الملكية المحدودة بعدم الفسخ، فإن التزام المتعاقدين إنما هو على هذا
النحو الخاص وليس على وجه الاطلاق، فإنك قد عرفت أن الملكية
المنشأ قد يكون مطلقة وقد تكون مقيدة، لاستحالة الاهمال في
الواقعيات، فالملكية المنشأة هنا مقيدة بعدم فسخ الأجنبي، فيكون ما
هو يكون مشمولا للعقد الملكية المقيدة كما هو.
وبالجملة فكون الملكية محدودة بجعل الخيار للأجنبي كتحديد
الملكية بجعل الخيار لنفسه، فتكون أدلة اللزوم من الأول دالة على لزوم
هذه الحصة فقط فيكون غير هذه الحصة خارجة بالتخصص، وقلنا إن
تمليك المبيع وبيعه بالملكية المحدودة من حيث الكيف لتقيده بعدم
الفسخ لا بحسب الزمان متعارف في الخارج، فيكون مشمولا لأدلة
اللزوم، فنفس أدلة اللزوم تدل على نفوذ هذا النحو من الشروط فلا تكون
هذا الشروط مخالفة للكتاب والسنة.
ولا دافع لهذا الاشكال إلا هذا، وإلا فلا مقتضي لمشروعية هذا النحو
من الشرط.
الجهة الثانية: احتياجه إلى القبول
في أنه هل يحتاج هذا الشرط إلى القبول، بحيث ما لم يقبل الأجنبي
هذا الشرط لا يثبت له الخيار وللمتبايعين الشرط، كما أن توكيل الغير
يحتاج إلى قبول أو لا يشترط فيه ذلك.
وربما يقال إن مقتضى كون كل شخص مسلطا على نفسه هو أن يكون
تملكه شيئا باختياره وسلطنته، فإن هذا المضمون وإن لم يكن واردا في
الأخبار وإنما الوارد: الناس مسلطون على أموالهم، ولكن هذا أمر
246

وجداني بل ثابت بالأولوية، فإن كون الانسان مسلطا على ماله يقتضي
كونه مسلطا على نفسه بالأولوية القطعية، وقد قال موسى (عليه السلام): قال
رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي (1)، وحكاه سبحانه وتعالى في كتابه
الكريم، وعلى هذا فمقتضى القاعدة عدم ثبوت الخيار للأجنبي إلا
بقبوله.
أقول: لا شبهة في أن تملك أي شئ إنما هو بالأسباب الاختيارية
التي جعلت في الشريعة المقدسة من الأسباب المملكة، غاية الأمر ثبت
على خلاف هذه القاعدة تملك الورثة أموال المورث بالأسباب القهرية،
وكذلك في بعض الموارد من غير مسألة الإرث كالمصالحات القهرية
ونحو ذلك، فليس لأحد جبر غيره تملك شئ إلا باختياره، ولذا أفتوا
بعدم وجوب قبول البذل في الحج ليكون مستطيعا ويجب عليه الحج.
ولكن الظاهر أن الخيار خارج عن حدود الملك، وإن فسرناه بملك
فسخ العقد.
وتحقيق ذلك أنه قد تقدم في أول البيع في بيان الفرق بين الحق
والحكم أن الجواز الثابت في العقود الجائزة أو اللازمة بواسطة جعل
الشارع أو جعل المتعاقدين حكم شرعي من ناحية الشارع، غاية الأمر أن
ما ثبت في العقود اللازمة يفترق عما ثبت في العقود الجائزة بوجهين:
1 - إن الثابت في العقود اللازمة إما بالجعل أو بواسطة جعل الشارع
كخياري المجلس والحيوان يقبل السقوط بالاسقاط بخلاف العقود
الجائزة، فإن الجواز فيها أمر ثابت بجعل الشارع ولا يقبل السقوط حتى
باسقاط المتعاقدين ولو قالوا: أسقطنا ألف مرة، وقد تقدم فيما سبق في

1 - المائدة: 25.
247

أدلة خيار المجلس والحيوان قوله (عليه السلام): فذلك رضا بالبيع، فعلم أنه
سقط بالاسقاط، وبعبارة أخرى أن في ذيل تلك الأدلة ما دل على سقوط
الخيار بالرضا.
2 - إن الخيار الثابت في العقود اللازمة ينتقل إلى الوارث بموت
المورث ونحوه، والخيار الثابت في العقود الجائزة بحسب الطبع بحكم
الشارع لا يقبل ذلك بوجه.
ولكن هذان الوجهان يرجعان إلى الفرق من حيث الحكم الشرعي
ولا يوجب بينونتهما بحسب الحقيقة، وإلا فالجواز شئ واحد بحسب
الحقيقة ولا ميز بينهما ولا بينونة بينهما بحسب الحقيقة، فالنتيجة إن
الخيار والجواز في العقود الجائزة والعقود اللازمة شئ واحد وحكم
شرعي جعله الشارع للمتعاقدين، وكذلك ما جعله المتعاقدان فإنه أيضا
من قبيل الحكم، فقد أعطي الشارع اختيار جعله بيد المتعاقدين، وعلى
هذا المنهج فباب الخيارات بالكلية أجنبية عن حدود الأملاك المصتلحة.
وعليه فلا مانع من جعل الخيار للأجنبي من غير أن يكون ثبوته له
محتاجا إلى القبول، فإن هذا حكم شرعي يثبت للأجنبي، وكونه من قبيل
الحقوق والأملاك الحقيقة سالبة بانتفاء الموضوع كما هو واضح، فيكون
الالتزام بالعقد مقيدا بعدم فسخ الأجنبي، فإذا فسخ بطل العقد وإلا فيبقى
على حاله ولا يكون لقبوله وعدمه أصلا مدخل في ذلك، فمعنى جعل
الخيار له هو كون العقد مقيدا بعدم فسخه ما هو واضح، غايته بجعل
المتعاقدين.
ومن هنا يظهر أنه لا يسقط باسقاط الأجنبي، فإن الدليل على سقوط
الخيار باسقاط ذي الخيار إنما هو في المتعاقدين، فإن الظاهر من أدلة
ثبوت أنواع الخيار لهما هو ذلك، وأما الأجنبي بعد قيام الدليل على
جوازه فلا يكون قابلا للسقوط باسقاطه، فلا يكون ساقطا كما لا يخفى.
248

الجهة الثالثة: امكان اسقاط هذه الخيار عن الأجنبي للمتعاقدين
في أنه هل يجوز للمتعاقدين اسقاط هذه الخيار عن الأجنبي أم لا،
فقد اختار السيد (رحمه الله) في حاشيته الوجه الأول (1)، قال: إن شرطه كون
الأجنبي ذا خيار فخيار الأجنبي حق للمشروط له، فكما يجوز اسقاط
خيار نفسه لو جعله لنفسه فكذلك في الأجنبي، وليس الشرط حدوث
الخيار للأجنبي بل دوامه، فيكون كخيار نفسه في جواز اسقاطه،
ولا يضر سقوط حق الأجنبي أيضا من غير اختياره، كما أنه يجوز
للأجنبي اسقاطه فيسقط المشروط له أيضا قهرا عليه.
أقول: إن ثبوت الخيار للأجنبي وإن كان حق للمتعاقدين ولكن ذلك
في ناحية الحدوث دون البقاء، فثبوت الخيار للأجنبي حدوثا إنما هو
بجعل المتعاقدين، وحق لهما في أن يجعلا الخيار في العقد لنفسهما أو
لغيرهما، وأما من حيث البقاء فلا دليل على قبوله السقوط باسقاط
المتعاقدين، بل قلنا إنه لا يسقط باسقاط نفس الأجنبي أيضا، فكون
ثبوت الخيار للأجنبي حدوثا حقا للمشروط له لا يلازم كونه بيده أيضا
بقاء، بل لا بد بعد ثبوته للأجنبي ملاحظة ما دل على سقوط الخيار
بالاسقاط.
ومن الواضح أنه ليس لنا ما يدل على سقوطه باسقاط المتعاقدين بل
باسقاط نفس الأجنبي، فيكون نظير الجواز الثابت في الهبة وغيرها من
العقود الجائزة، فلا يعقل انفكاكه عن العقد ما دام العقد باقيا، ولا شبهة
أن سقوط الخيار بالاسقاط يحتاج إلى دليل، وقد دل الدليل على سقوطه

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 25.
249

بالاسقاط في الخيارات المجعولة لنفس المتعاقدين، فإن في ذيل أدلة
خياري المجلس والحيوان ما يدل على سقوطه بالرضا (1)، وأما ما جعلاه
للأجنبي فلا دليل على سقوطه بالاسقاط.
وبعبارة أخرى تارة يشترط المشروط له في العقد أن يخيط المشروط
عليه له الثوب، ولا شبهة أن مرجع ذلك إلى جعل الخيار لنفسه على
تقدير أن لا يخيط له الثوب، وله حينئذ أن يسقط خياره على تقدير
تخلف الشرط فإن ذلك حق للمشروط له، وأخرى يجعل الخيار
للأجنبي، فلا شبهة حينئذ أن المشروط له له حق الجعل حدوثا وأما
بعده فليس له فسخ ذلك، لكونه حقا ثابتا للأجنبي فلا دليل لسقوطه
باسقاط غيره.
وقد انتهى الكلام إلى جعل الخيار للأجنبي وقد قلنا إن مرجعه إلى
تحديد الملكية المنشأة، وكون المنشأ من الأول مقيدا، فتكون أدلة
اللزوم من الأول قاصرة الشمول لما بعد الفسخ فضلا عن أن يكون الشرط
مخالفا للكتاب والسنة.
الجهة الرابعة: كونه مشروطا بملاحظة الغبطة والمصلحة
في أن خيار الأجنبي هل هو مشروط بملاحظة الغبطة والمصلحة أم
لا، فنقول:
قد يكون جعل الخيار للأجنبي مشروطا بمراعاة مصلحة من جعل
الخيار له، وحينئذ فلا شبهة في كون خياره مقيدا بذلك فلا يكون فسخه

1 - عن فضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (الكافي 5: 170، الخصال: 127، التهذيب 7: 20، الإستبصار 3: 72،
عنهم الوسائل 18: 6)، صحيحة.
250

نافذا بغير ملاحظة المصلحة، وقد يجعل له الخيار على وجه الاطلاق،
سواء كان في الفسخ مصلحة أم لا، وحينئذ فيكون له الخيار على وجه
الاطلاق، هذا لا شبهة فيه مع التصريح بذلك في مقام الاثبات، وأما لو
جعل الخيار للأجنبي مع عدم التصريح بكونه ذي خيار على وجه
الاطلاق بل أطلق، فهل يثبت له الخيار أيضا على وجه الاطلاق أم
ينصرف إلى صورة كون الفسخ مصلحة للمشروط له.
أقول: إن كان جعل الخيار للأجنبي من كلا المتبايعين فلا وجه
لملاحظة المصلحة لهما حينئذ، فإن الغالب أن البيع يكون مصلحة
لأحدهما وغير مصلحة للآخر فإن الغالب إما أن يكون فيه ربح المشتري
أو ربح البايع، وقلما يتفق أن يكون البيع مصلحة للبايع والمشتري معا،
وعليه فلا وجه لملاحظة المصلحة لهما.
ولو كان جعل الخيار للأجنبي عن أحدهما فقط دون الآخر، ومع ذلك
أطلق في جعله فهل ينصرف حينئذ إلى صورة وجود المصلحة في
الفسخ أم لا؟ فنقول:
إن ثبوت الخيار للأجنبي على وجه الاطلاق وإن كان ممكنا ثبوتا
ولكنه ينصرف إلى صورة كون فسخ الأجنبي مصلحة للمشروط له، فإن
الظاهر أن جعل الخيار له ليس على وجه يكون في نفس الجعل غرض،
بل هو من جهة أن المشروط له ليس له بصيرة على حال البيع وأنه جاهل
بخصوصيات البيع والمبيع، وأن هذه المعاملة مصلحة له أم لا، لكونه
غريبا مثلا، فجعل الخيار له من جهة أن يلاحظ مصلحة هذا الشخص
وإلا فيكون نقضا للغرض كما لا يخفى.
وعليه فدعوى الانصراف إلى صورة وجود المصلحة ليست بدعوى
جزافية، إلا أن يصرح على كون الخيار للأجنبي على وجه الاطلاق.
251

الجهة الخامسة: لو جعل الخيار لشخصين أو لنفسه مع الأجنبي أو لعدة أشخاص
أنه لو جعل الخيار لشخصين أو لنفسه مع الأجنبي أو لعدة أشخاص
فهل يكون الخيار لكل منهما أو على المجموع أو غير ذلك، وقد عرفت
في خيار المجلس نظير ذلك، فنقول اجمالا:
إن الخيار تارة يكون ثابتا للطبيعة على نحو الكلي الطبيعي، بحيث كل
من سبق إلى اعمال الخيار من الفسخ أو الامضاء يتحقق الطبيعي في
ضمنه، فلا يبقى خيار لفرد آخر من هذه الطبيعة أصلا، وهذا لا شبهة
فيه.
وقد يكون ثابتا لكل فرد فرد بعنوان الفردية لا بما أنهم من مصاديق
الطبيعة، وعلى هذا فيكون كل واحد منهم ذي خيار، وعليه فإن سبق
أحدهما إلى الفسخ فلا يبقى موضوع لخيار الثاني، فإنه يوجب انهدام
العقد وانحلاله من أصله، فلا يبقى شئ حتى يكون الثاني يعمل خياره،
وإن كان أمضى العقد فيكون العقد ممضى من قبله فقط، فلا يكون ذلك
امضاء من قبل الآخرين، وقد عرفت النكتة بين الفسخ والامضاء في خيار
المجلس، وقلنا: إن الفسخ هو انحلال العقد، فلا يعقل إلا من الطرفين،
وهذا بخلاف الامضاء، فإن الامضاء من أحد الطرفين لا يستلزم الامضاء
من الطرف الآخر.
وقد يكون الخيار ثابتا للمجموع من حيث المجموع، فقد قربنا في
خيار الورثة، وعليه فامضاء كل من الطرفين أو فسخه لا يؤثر إلا من قبله
فقط، فيكون خيار الآخرين باقيا على حاله، فلهم الفسخ أو الامضاء، فإن
اتفق جميع هؤلاء على الفسخ انفسخ العقد وإلا يبقى العقد على حاله،
وكيف كان فالخيار تابع لجعل الجاعل كما هو واضح.
252

المسألة (5)
الاستيمار في أمر العقد
قوله (رحمه الله): مسألة: يجوز لهما اشتراط الاستيمار بأن يستأمر المشروط عليه
الأجنبي في أمر العقد.
أقول: حيث كان الكلام في جعل الخيار للأجنبي، فلمناسبة ذلك ذكر
مسألة الاستيمار في أمر العقد وإن لم يكن من جعل الخيار في شئ،
فنقول:
أنه يمكن تصوير ذلك بوجوه، ولكن المناسب للمقام أعني مسألة
جعل الخيار للأجنبي وجهان اللذان ذكرهما السيد (رحمه الله) (1):
1 - أن يكون مرجع ذلك إلى جعل الخيار لنفسه على تقدير أمر
الأجنبي بالفسخ وإلا فلا، وعليه فهل يجوز له أن يفسخ قبل الأمر
والاستيمار أم لا؟ الظاهر بل المقطوع به هو العدم، لأنه إنما جعل لنفسه
الخيار على تقدير خاص فليس له أن يفسخ بغير هذا التقدير، إذ لا خيار
له بدونه.
وأما لو أمر الأجنبي الذي جعل لنفسه الاستيمار منه قبل الاستيمار
فهل يجوز له الفسخ بذلك أم لا؟ والظاهر هو جواز الفسخ بهذا الأمر،
وذلك لأن الاستيمار ليس له موضوعية في ثبوت الخيار للمشروط له،
وإنما هو طريق إلى تحصيل الأمر من الغير، فإنه لا داعي لهذا الغير أن
يأمر بالفسخ أو الامضاء بدون الاستيمار، ولذا يستأمر منه وإلا فالغرض
هو تحصيل الأمر فقط، وعليه فيجوز الفسخ إن أمر به الأجنبي بدون
الاستيمار، فإنه يثبت له الخيار بذلك الأمر.

1 - حاشية العلامة الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 25.
253

ثم إنه إذا استأمر من الشخص المعلوم فلم يأمر بالفسخ بل بارك له في
معاملته فليس للمستأمر حق الفسخ أصلا إذا كان له الخيار على تقدير
أمره بالفسخ، وإن أمر بالفسخ فيجوز له أن يفسخ ويجوز له أن لا يفسخ
لأن الحق له، نعم لو كان عند أمره بالفسخ حق للطرف الآخر أيضا بأن كان
الطرف اشترط عليه أن يفسخ بأمر المستأمر بالفسخ وجب عليه الفسخ
كما لا يخفى.
وأما وجوب الفسخ فلا يثبت له حكم تكليفي وجوبي، لما عرفت أن
الخيار حق لذي الخيار فيثبت به له حق في الفسخ العقد أو امضائه، وأما
الحكم التكليفي فلا يثبت هنا بوجه.
ثم إنه بناء على ما تقدم من ذهاب المشهور إلى بطلان الشرط بكونه
مجهولا، كجعل الخيار لأحدهما على تقدير نزول المطر أو قدوم
المسافر فلا شبهة في بطلان البيع لمجهولية الخيار الناشئ من جعل
الاستيمار من شخص لنفسه، بناءا على هذا الوجه الذي هو الظاهر
والمناسب لمسألة جعل الخيار للأجنبي، فإن الشرط حينئذ يكون
مجهولا، إذ لا فرق بين هذا وبين جعل الخيار على تقدير قدوم الحاج،
ومن الواضح أن جعل الخيار على تقدير أمر الفلان بالفسخ إذا استأمره
أمر مجهول فلا مناص لهم من القول بالبطلان لجهالة المعاملة على مذاق
المشهور.
وأما بناءا على ما ذكرناه من عدم كون البيع غرريا بذلك مع كون ما
يأخذ كل منهما أو يراجعه من الآخر بعد الفسخ معلوما أعني العوضين،
وقد عرفت ذلك، وهذا هو الوجه الأول، وهذا هو المرتكز في الأذهان
وينصرف إليه الاطلاق.
2 - أن يشترط أحد الطرفين على الآخر عدم الفسخ ما لم يأمر الأجنبي
254

بذلك، بحيث يكون في ذلك حق لكليهما معا بخلاف السابق، فإنه كان
الشرط لأحدهما فقط، وهذا الوجه لا محصل له أصلا.
فإنه إن كان المراد به اشتراط عدم الفسخ ما لم يأمر به المستأمر بالفتح
فلو فسخ قبل الأمر ينفسخ العقد ولكن يثبت للطرف الآخر خيار تخلف
الشرط كما هو الظاهر من الاشتراط، وحينئذ فلا يبقى مجال لثبوت
الخيار للطرف الآخر مع التخلف، إذ لا يبقى موضوع للخيار أصلا بعد
انهدام العقد.
وتوضيح ذلك أنه على المختار، من رجوع الشرط إلى جعل الخيار
على تقدير التخلف فلا يبقى موضوع لذلك، فإنه يكون فسخه مؤثرا في
العقد فلا يبقى هنا عقد حتى يفسخ الطرف الآخر بخيار تخلف الشرط من
جهة عدم وفاء الطرف الآخر بالشرط، أعني به عدم الفسخ قبل الأمر،
وبالجملة فاشتراط عدم الفسخ حينئذ لا أثر له أصلا.
وعلى مسلك المشهور، من كون الاشتراط موجبا لمجرد اثبات حكم
تكليفي أعني وجوب الوفاء بالشرط، فلو خالف من له خيار الفسخ بالأمر
بعد الاستيمار ففسخ قبل الأمر قد فعل فعلا محرما، وأما عدم نفوذ
فسخه فلا مانع منه، فإن ثبوت الحكم التكليفي لا يمنع عن تأثير الحكم
الوضعي، فيمكن أن يكون الفسخ حراما ومع ذلك يكون نافذا.
وأما على مسلك شيخنا الأستاذ من كون الشرط موجبا لعجز المكلف
تكليفا عجزا شرعيا لكون المنع الشرعي كالمنع العقلي، فلا يكون الفسخ
مؤثرا، ولكن قد عرفت عدم تماميته، ويأتي التعرض بذلك في باب
الشروط إن شاء الله.
وإن كان المراد من اشتراط عدم الفعل أعني عدم الفسخ أن لا يكون له
حق الفسخ قبل الأمر، فيكون ذلك عين الوجه الأول، فلا يكون وجها
آخر غيره، فيكون معناه جعل الخيار على تقدير أمر الأجنبي به.
255

3 - أن يكون المراد من الاستيمار اشتراط أحدهما الفسخ بعد أمر
المستأمر - بالفتح - بذلك، بحيث يشترط الفعل الوجودي دون العدمي،
وهذا صحيح غير الوجه الأول، ولكنه خلاف المرتكز وخلاف
الانصراف، وعليه فإذا أمر المستأمر - بالفتح - ففسخ المستأمر - بالكسر -
فبها وإلا فيثبت للطرف الآخر خيار تخلف الشرط فيفسخ هو بنفسه كما
هو واضح.
المسألة (6)
صحة بيع الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه ويقال له بيع
الخيار، وهو جايز عندنا.
أقول: قد عرفت أصل خيار الشرط ووجه ثبوته للمشروط له، ويقع
الكلام في بعض أقسام الخيار، ومن أفراده ما هو المعروف الذي يسمى
ببيع الخيار في العرف، أي بيع فيه الخيار، ومعناه أن يبيع متاعا على أن
يكون له الخيار بعد رد الثمن، وقد تعارف ذلك في الخارج لعلاقة الناس
بأموالهم واحتياجهم إلى البيع، ويريد أن يجمع بين الحقين، وهذا
لا خلاف في جوازه بين الأصحاب، ولكن العامة بنوا على خلافه وجرى
عليه القانون الحكومي في الخارج، ولذا لا يمضون مثل هذه المعاملة بل
بنوا على معاملة الرهون.
1 - صور تصوير اعتبار رد الثمن في هذا الخيار
وكيف كان فلا شبهة في مشروعية هذه المعاملة، ويكفي في
مشروعيته مضافا إلى التسالم بين الفقهاء، الأدلة المستفيضة المتقدمة
256

الدالة على أن المؤمنين عند شروطهم، وأن القاعدة تقتضي صحة ذلك
لكون انشائهم على هذا النحو الخاص.
ويدل على صحة ذلك مضافا إلى ما ذكر من الروايات الكثيرة بين
صحيحة وموثقة وغيرهما فإنه صريحة في صحة هذا النحو من البيع،
وإنما الكلام في تصوير ذلك.
فقد ذكر المصنف هنا وجوها خمسة:
1 - أن يكون الخيار معلقا برد الثمن، بحيث متى رد الثمن أن يكون له
الخيار في رد المبيع.
2 - أن يكون الثمن قيدا للفسخ، بأن يشترط على الطرف أن يكون الرد
قيدا للفسخ، بمعنى أن له الخيار في كل جزء في المدة من زمان العقد إلى
زمان رد الثمن، ولكن ليس له أن يفسخ إلا بعد رد.
والظاهر أن هذا الوجه ليس وجها آخر في مقابل الوجه الأول، فإنه إذا
كان الفسخ مقيدا برد الثمن فمعناه أنه لا يقدر على الفسخ قبل رد الثمن،
ومعنى عدم قدرته على الفسخ قبله أنه لا خيار له قبل رد الثمن، فيكون
الفرق بين الوجهين بحسب الصورة فقط، وإلا ففي الثاني أيضا نفس
الخيار مقيد برد الثمن وقبله لا خيار له أصلا.
3 - أن يكون رد الثمن فسخا فعليا، بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك
منه المبيع.
أقول: الظاهر أن هذا الوجه أيضا عند التحقيق ليس وجها آخر في
مقابل الوجه الأول، فإن معنى كون رد الثمن فسخا فعليا أنه لا خيار له قبل
رد الثمن، غاية الأمر أن فسخه مقيد بكونه برد الثمن وعدم تحققه بالقول
فتكون دائرة الفسخ مضيقة، وهذا لا يوجب جعله قسما آخر في مقابل
الأول.
257

وإلا فيمكن أن يكون هنا تقسيمات كثيرة باعتبار القيام والقعود ولبس
البياض ولبس السواد وغير ذلك من الاعتبارات، ولا شبهة أن المراد
بكون رد الثمن فسخا ليس رده على وجه الاطلاق، ولو كان الرد بعنوان
الوديعة أو العارية أو غير ذلك من العناوين بل بعنوان أن يكون فسخا
ويتحقق به الفسخ. وإذن فيكون معناه أن له الخيار بعد رد الثمن بشرط أن
يكون الفسخ برد الثمن دون غيره، وليس هذا إلا كون أصل ثبوت الخيار
مقيدا بقيد خاص.
4 - أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد.
والظاهر أن هذا أيضا ليس في مقابل الوجه الأول وجها آخر في
المقام، وذلك لأن مرجع هذا إلى أن العقد ينفسخ بحصول سبب الفسخ
وايجاد ما يتحقق به الفسخ، وهو عين الوجه الأول، فإنه عليه أيضا
ينفسخ العقد بايجاد ما يتحقق به الفسخ من الفسخ القولي أو الفعلي كما
هو واضح.
5 - أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري، بأن يلتزم
المشتري على نفسه أن يقبله إذا جاء الثمن واستقاله.
وهذا الوجه مغائر للوجه الأول، فإن المشتري يشترط على البايع
أن يقبله إذا جاء بالثمن، فليس هذا اشتراط خيار على تقدير بل معناه أنه
يشترط الإقالة.
وحينئذ فإذا جاء بالثمن فاستقاله البايع فأقاله فبها وإلا كان للمشتري
خيار تخلف الشرط كما هو واضح، فيفسخ هو بنفسه.
وعلى الجملة فمرجع الوجوه الخسمة إلى الوجه الأول إلا هذا الوجه
الأخير.
258

2 - جعل الخيار برد الثمن
قوله (رحمه الله): الأمر الثاني: الثمن المشروط رده.
ألف - إذا كان الثمن كليا
أقول: قد عرفت أنه لا شبهة في جواز جعل الخيار برد الثمن، ثم إن
الثمن الذي كان الخيار مشروطا برده قد يكون كليا في ذمة البايع قبل
البيع، وقد يكون عند المشتري.
أما الأول فكما إذا كان البيع مقروضا لزيد عشرة دنانير فباع منه كتابا
بعشرة أيضا، فإنه لا شبهة حينئذ في سقوطه عن البايع فلا يعقل هنا
اشتراط الخيار برد الثمن، وهذا خارج عما نحن فيه، نعم لو تفاسخا ورد
المشتري المبيع إلى البايع يكون ذمة البايع أيضا مشغولة بما كان مشغولة
به أولا كما هو واضح.
وأما الثاني، أي إذا كان الثمن عند المشتري كليا أو شخصيا أو في
ذمة شخص آخر على نحو الكلي في الذمة أو في المعين، فنقول حينئذ:
إن الكلام تارة يقع قبل القبض وأخرى بعده، أما إذا كان قبل القبض فقد
يكون كليا وقد يكون شخصيا، أما الأول فالظاهر ثبوت الخيار للبايع،
فإنه وإن كان الخيار مشروطا برد الثمن إلى المشتري وكان المتفاهم
العرفي من الرد كونه بعد القبض، فإن معنى الرد هو رد المأخوذ ولكن
الرد بنفسه ليس له موضوعية بل الغرض وصول الثمن إلى المشتري
وكونه عنده.
ومن الواضح أن هذه النتيجة حاصلة قبل القبض والاقباض، فما
لم يقبض المشتري الثمن من البايع فله الخيار إلى الوقت الذي جعل فيه
الخيار مشروطا برد الثمن، ولا شبهة أن هذا مما عليه الارتكاز العرفي.
259

وهل له الخيار بعد انقضاء المدة وقبل الاقباض، بأن اشترط البايع
على المشتري ثبوت الخيار له إذا رد الثمن إلى ثلاثة أشهر وتم ثلاثة
أشهر فلم يقبض المشتري الثمن حتى أنقضت المدة، فقد احتمل
المصنف هنا وجهان:
1 - لزوم البيع لانقضاء المدة التي اشترط فيها الخيار برد الثمن.
2 - عدم اللزوم، بناء على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله،
فإن الرد بدون القبض لا معنى له، فحيث لم يحصل الشرط فلم يكن البيع
لازما بل يكون متزلزلا كما هو واضح.
وفيه أن الرد بحسب المتعارف والمتفاهم وإن كان منوطا بالقبض
ولكن ارتفاع الخيار المشروط بالرد ليس متوقفا على تحقق القبض،
فليس له موضوعية، فما لم يخرج أمد الزمان الذي فيه الخيار مشروطا
بالرد الثمن فللمشروط له الخيار قبل القبض وبعد انقضاء المدة يتم أمد
زمان الخيار المجعول لعدم الاشتراط وراء هذا الزمان، فليس هنا شرط
آخر أيضا يدور مداره الخيار.
ولا يفرق في ذلك حصول القبض وعدمه، نعم قبل انتهاء زمان الخيار
فعدم القبض يفيد فائدة الرد كما عرفت.
والحاصل أن رد الثمن وإن كان موجبا لثبوت الخيار وأن عدم القبض
يفيد فائدته ولكن في زمان خاص، والمفروض أنه تم هذا الزمان كما
لا يخفى، فافهم.
نعم يثبت للبايع الخيار لكن لا بهذا الشرط بل لتخلف الشرط الضمني،
حيث إن من المرتكزات الضرورية أن كل من يعامل فيشترط في ضمن
العقد وصول بدل ماله إليه في أي وقت يطالبه إلا مع اشتراط التأخر، فإذا
تخلف الشرط وتأخر الثمن ثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط
الضمني.
260

ب - إذا كان الثمن شخصيا
وأما إذا كان الثمن شخصيا، فتارة يشترط البايع على المشتري ثبوت
الخيار برد عين الثمن، وأخرى برد بدله مع التلف وإلا فيرد عينه، وثالثة
يشترط لنفسه ثبوت الخيار برد بدل الثمن، سواء كانت عين الثمن
موجودة أو تالفة، ورابعة يشترط لنفسه الخيار بشرط رد الثمن، ويطلق
ولم يصرح برد بدله وعدمه.
أما الأول، فلا شبهة في ثبوت الخيار له برد نفس الثمن، ومع التلف
يسقط الشرط ويكون البيع لازما، لاستحالة رد عين الثمن بعد التلف.
وأما الثاني فهو واضح أيضا، فإن ثبوت الخيار تابع للشرط، فإذا سقط
الشرط ثبت الخيار برد عينه مع البقاء ورد بدله مع التلف، وثبت له الخيار
بحسب هذا الاشتراط إذا كان الرد في زمن الشرط.
وأما الثالث فهو اشتراط الخيار برد مثل الثمن ولو مع بقاء العين، فقد
أشكل المصنف في ذلك، فإن قانون الفسخ يقتضي رجوع كل من العوض
والمعوض إلى صاحبه فرد بدله مخالف لذلك.
أقول: تارة يشترط البايع على المشتري ثبوت الخيار لنفسه برد مثل
الثمن، لا من جهة أن يكون الثمن باقيا في ملك البايع ويعطي بدله
للمشتري، بل غرضه أن يكون بدل الثمن نظير الوثيقة عند المشتري
ليطمئن من رد أصل الثمن ويرد بدله إلى نفس البايع، وهذا لا شبهة فيه
بوجه، فلا يكون البدل ملكا للبايع إلا إذا حصلت مراضاة جديدة ومبادلة
جديدة.
وإن كان غرضه كون المثل عوضا عن الثمن فحينئذ يرد عليه ما ذكره
المصنف، من أن قانون الفسخ يقتضي رجوع كل من العوضين إلى
صاحبه، ولكن الظاهر أنه لا مانع من ذلك، فإن معنى ثبوت الخيار برد مثل
261

الثمن ليس هو ما ذكره المصنف ليرد عليه الاشكال المذكور، بل معناه أن
البايع عند اشتراط هذا الشرط يفعل أمرين: أحدهما أنه يجعل لنفسه
الخيار بحيث يقدر على الفسخ، والثاني يشترط على المشتري المبادلة
بين الثمن وبدله على تقدير الفسخ، ولو كان الشرط الثاني بحسب
الارتكاز.
وعليه فإذا فسخ المعاملة برد بدل العين يفعل أمرين: أحدهما فسخ
المعاملة، والثاني تبديل بدل الثمن بأصله بمراضاة جديدة، ولا شبهة
في صحة مبادلة مال بمال وإن لم يكن أحدهما ثمنا والآخر مثمنا، فإن
نفس عنوان المبادلة عن تراض من المعاملات المشروعة في الشريعة
المقدسة.
وبعبارة أخرى أن تبديل الثمن بغيره ولو كان ذلك الغير مثله من جميع
الجهات وإن كان يحتاج إلى مراضاة جديدة ولكن البايع قد اشترط ذلك
في ضمن العقد، وقد اشترط فسخ المعاملة بالرد واشترط أيضا تبديل
بدل الثمن بالمثمن، فافهم.
وأما إذا كان البايع اشترط ثبوت الخيار له برد الثمن مطلقا، فقد
استظهر المصنف من ظاهر اللفظ كون الخيار مشروطا برد نفس الثمن دون
مثله، فإن المرتكز من الثمن هو نفسه لا بدله.
وهذا الذي أفاده وإن كان متينا في غير هذا المورد ولكنه لا يمكن
المساعدة عليه في خصوص المقام، فإن من الواضح بحسب مرتكزات
العرفية ومتفاهمهم أن من يبيع داره بهذا الشرط معناه أن له احتياج إلى
الثمن ليصرفه في محاوجه، ولكن حيث كان له رغبة إلى ماله فلا يريد أن
يخرج من تحت تصرفه فيبيعه بهذا الشرط ليكون جمعا بين الحقين، فإذا
لاحظ العرف هذا المعنى يقطع أن اشتراط ثبوت الخيار برد الثمن هو رد
بدله مع التلف وإن أطلق البايع في مقام الاشتراط، وهذا واضح جدا.
262

بيان آخر لجعل الخيار برد الثمن
وبعبارة أخرى قد ذكر المصنف أنه إذا اشترط البايع على المشتري
الخيار على تقدير رد الثمن فيحمل على رد الثمن فقط دون بدله، فإن
الظاهر من الثمن بحسب الارتكاز هو ذلك فلا يطلق على بدله، فاشتراط
رد الثمن يكون منصرفا إلى ما هو الظاهر والغالب، أعني نفس الثمن دون
بدله.
وذكرنا أن هذا الذي ذكره المصنف إنما هو متين في غير هذا المورد،
فإن الظاهر من اطلاق الثمن هو نفسه، وأما في المقام فلا، لخصوصية
تقتضي أن يراد من اشتراط رد الثمن رد الأعم منه ومن بدله، وهذه
الخصوصية أعني قيام القرينة الخارجية على ذلك فإن كون المشتري في
مقام صرف الثمن واحتياجه إلى ذلك مع اشتراط الخيار على تقدير رد
الثمن يقتضي إرادة الأعم من رد نفس الثمن ورد بدله، وهذه القرينة
تقتضي رفع اليد عما ذكره المصنف في خصوص المقام.
ولكن لا بد من تخصيص ذلك بما إذا كان الثمن الذي احتاج إلى صرفه
من النقود أو ما يشبه النقود كالحنطة ونحوها، بحيث إذا صرف في
المحاوج لا يبقى له موضوع أصلا، وأما إذا كان مما لا يكون كذلك
بحيث يبقى مع رفع الاحتياج كان أخذ كتاب الجواهر للمطالعة بعنوان
جعله ثمنا لمتاع، فاشترط ثبوت الخيار على تقدير رد الثمن، فإنه
لا يمكن رفع اليد عما ذكره المصنف وحمل كلامه على الأعم من رد
الثمن ورد بدله.
هذا كله إذا كان الثمن شخصيا، وأما إذا كان كليا فإن كان كليا في ذمة
البايع فقد عرفت خروجه عن مورد الكلام، فإنه بمجرد تحقق البيع يسقط
263

ولا يبقى شئ فلا يعقل رد الثمن حينئذ، غاية الأمر إذا تفاسخا تكون
ذمة البايع أيضا مشغولة بالثمن ثانيا.
وإن كان كليا في ذمة المشتري أو شخص آخر، بحيث يكون ما يعطيه
المشتري للبايع مصداقا من ذلك الكلي لا عين الثمن، فإن المفروض أن
الثمن هو الكلي وحينئذ أن اشتراط المشتري أن يكون المردود عند الرد
هو نفس ما يعطيه للبايع وإلا فلا خيار له.
فهذا لا اشكال فيه، فإن رد البايع نفس ما أخذه ثبت له الخيار نظير ما
تقدم في الثمن الشخصي، وأن اشتراط البايع ثبوت الخيار له برد الثمن
أعم من رد عينه أو بدله، وهذا أيضا لا شبهة فيه فيكون الشرط متبعا كما
تقدم في الثمن الشخصي.
وأما إذا اشترط البايع على المشتري ذلك وأطلق فهذا هو محل
الكلام بين الأعلام، فذكر المصنف أن المتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم
من البيع المشتهر ببيع الخيار، وهو رد ما يعم البدل إما مطلقا أو مع فقد
العين، ويدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة، إلا أن المتيقن منها
صورة فقد العين.
أقول: لا شبهة في أنه إذا كان الثمن كليا فلا يكون المدفوع بعينه ثمنا
بل مما ينطبق عليه الثمن الكلي، وعلى هذا فلو اشترط البايع ثبوت
الخيار له مع رد الثمن مطلقا فلا يعقل رد نفس الثمن على كليته لأنه غير
قابل لذلك، مع أنه لم يؤخذ حتى يرد.
وعليه فيكون مقتضى الاطلاق هو رد ما يكون مصداقا للكلي ومما
ينطبق عليه الثمن، ومن الواضح أن صدق هذا المعنى بالنسبة إلى
المأخوذ وإلى بدله سيان، فإن كليهما ليس بثمن حقيقة وأن كليهما مما
ينطبق عليه الثمن الكلي، فدعوى انصرافه إلى المأخوذ وبدله يحتاج إلى
264

عناية زائدة وهي منتفية كما هو واضح، إلا إذا اشترطا رد خصوص
المأخوذ الشخصي وهو خارج عن الفرض.
وعليه فالاطلاق هنا متعاكس مع الاطلاق في صورة كون الثمن
شخصيا، فإن الاطلاق هنا كما عرفت منصرفة إلى رد خصوص نفس
الثمن ولكنه في المقام يعم المأخوذ وبدله على حسب القاعدة من غير
احتياج إلى دعوى الغلبة أصلا كما كان كذلك في السابق.
3 - كفاية مجرد الرد في الفسخ وعدمه
قوله (رحمه الله): الأمر الثالث: قيل ظاهر الأصحاب - الخ.
أقول: قد ذكر أن ظاهر الأصحاب على ما تقدم، من أن رد الثمن في
هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البايع أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ،
وعللوا ذلك أيضا بأن الرد من حيث هو لا يدل على الفسخ أصلا.
وذكر المصنف أن هذا حسن مع عدم الدلالة أما مع فرض الدلالة عرفا
بكون رد الثمن تمليكا للمشتري وأخذا للمبيع على وجه المعاطاة
فلا وجه لعدم الكفاية مع تصريحهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك
دلالة.
أقول: قد يقال إن الوجه في قولهم هذا هو اشتراط كون الفسخ بلفظ،
كما اشترطوا ذلك في العقود وايقاعات، ومن الواضح أنهم لم يشترطوا
في الفسخ ذلك بل اكتفوا بمطلق ما يكفي فيه إظهار الفسخ ولو كان برد
الثمن، بل بما هو أخفي منه كما ذكره المصنف.
وذكر شيخنا الأستاذ أن رد الثمن مقدمة للخيار أو للفسخ أو للإقالة،
فيجب بعده انشاء الفسخ أو اعمال الخيار أو الإقالة بغير هذا الرد الذي به
يتحقق ملك الخيار أو الفسخ أو الإقالة.
265

وفيه أن رد الثمن إن كان بعنوان التمليك أي تمليكه للمشتري ليأخذ
المبيع لا تمليكا مجانيا، فلا شبهة في تحقق الفسخ بذلك وكونه مبرزا
للفسخ، فلا يكون الرد مقدمة للخيار أو الفسخ، بل يكون الفسخ بنفس
الرد بل بما هو أخفي منه كما ذكره المصنف وغيره، وإن كان بعنوان
أن يبقى في ملكه ولكن يكون عند المشتري وديعة أو عارية على نحو
الوثيقة العرفية ليطمئن بأنه يرد الثمن بعد ما فسخ العقد، فلا شبهة حينئذ
أن كون ما عند المشتري بدلا عما بذله للبايع يحتاج إلى مراضاة ومعاملة
جديدة كما عرفت، وهو خلاف الظاهر وخلاف المرتكز العرفي،
وبدون ذلك فلكل منهما مطالبة حقه من الآخر.
وبعبارة أخرى أن ما رده البايع إلى المشتري إما بعنوان التمليك أو
بعنوان العارية يبقى في ملك البايع أو مجهول المالك، فلا سبيل إلى غير
الشق الأول، وقد عرفت أنه عين الفسخ كما هو واضح.
4 - سقوط هذا الخيار بالاسقاط
قوله (رحمه الله): الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار باسقاط.
أقول: ذكروا أن من جملة مسقطات هذا الخيار هو الاسقاط، ولا شبهة
في سقوطه بالاسقاط، ولكن مقتضى ما ذكره العلامة في التذكرة (1) من أنه
لا يجوز اسقاط خياري الحيوان والشرط بعد العقد، بناء على أن مبدأ
خياري الحيوان والشرط بعد انقضاء المجلس لا بعد العقد، فإن ذلك
اسقاط لما لم يجب، فإنه عليه لا يجوز اسقاط هذا الخيار أيضا، بناء على
أنه إنما يثبت بعد رد الثمن كما هو واضح.

1 - التذكرة 1: 519.
266

وقد أجاب عنه المصنف بأنه بناء على عدم جواز اسقاط ما لم يجب
بأنه فرق بين المقام وبين ما في التذكرة، من أن المشروط له هنا متمكن من
الفسخ ولو بايجاد سببه، حيث إن له أن يعطي الثمن ويفسخ، ولكن الأمر
ليس كذلك في خياري الحيوان والشرط، بناء على كون مبدأهما بعد
انقضاء المجلس.
ولكن يرد عليه وجهان:
أولا: إن الدليل أخص من المدعى، فإنه قد لا يكون المشروط له
متمكنا من الرد، فلا يكون ما ذكره المصنف جاريا هنا.
وثانيا: إن المتمكن من ايجاد الخيار برد ثمنه لا يثبت الحق الفعلي له
ليسقطه حتى يخرج عن اسقاط ما لم يجب، بل هو باق بعد على
تقديريته.
والتحقيق أنه لا دليل لفظي على عدم جواز اسقاط ما لم يجب، غير أنه
ذكره جمع من الفقهاء، بل في بعض الموارد لا يساعده العرف أيضا، كما
إذا أسقط خياره المجلس قبل البيع مثلا.
وعليه ففي كل مورد قامت السيرة على عدم الجواز نأخذ به، وفي
غيره لا بأس من الالتزام بجواز اسقاط ما لم يجب كما هو واضح، إذ
لا يلزم منه محذور عقلي ولا شرعي أصلا.
ثم إنه يسقط هذا الخيار بانقضاء المدة مع عدم رد الثمن أو بدله مع
الشرط، فإنه لا شبهة في سقوط هذا الخيار حينئذ، لأنه بعد خروج المدة
لا مورد للخيار بل هو رضا بالبيع كما في خياري المجلس والحيوان.
تأثير الفسخ إذا كان الثمن المردود معيبا
ثم إنه إذا رد البايع الثمن فتبين بعد انقضاء المدة أن المردود من غير
جنس الثمن الذي أخذه، فلا شبهة في عدم تأثير الفسخ حينئذ حتى لو
267

كان رد غير الجنس غفلة، فإنما رده غير ما اشترط الخيار برده، وما
اشترط الخيار برده لم يرد إلى المشتري، فلا يكون فسخه برد غير
الجنس مؤثرا في الفسخ وليس له حق الفسخ بعد ذلك، ولو رد عين الثمن
أيضا لانقضاء المدة كما هو المفروض.
ثم إنه إذا ظهر الثمن المردود معيبا، فهل يكون الفسخ مؤثرا حينئذ أم
لا؟ والظاهر أن تأثير الفسخ حينئذ وعدم تأثيره مبني على ما ذكر في بيع
الكلي، من انصراف الثمن أو المثمن إلى العوضين الصحيحين، أي فيما
إذا كان كل من الثمن أو المثمن كليا، فإنه لو أعطي كل منهما الآخر عينا
شخصية معيبة بعنوان الثمن أو المثمن فهل يحسب هذا ثمنا أو مثمنا
بحيث ليس للبايع مطالبة ذلك لو رضي به المشتري، أو لا يكون ذلك من
الثمن أو المثمن في شئ، بل لكل منهما مطالبة ماله من الآخر، غاية
الأمر لو رضيا بكون المعيب بدلا عن الثمن أو المثمن فإنما هو بمعاملة
جديدة.
والظاهر أنه لا شبهة في انصراف العوضين في البيع الكلي إلى
الصحيح، ومع ذلك لو رضي كل منهما بالمعيب يكفي عن العوض
الصحيح من غير احتياج إلى المبادلة الجديدة.
وتوضيح ذلك أنه: إذا باع أحد داره بالثمن الكلي، فإنه يكون ذلك
منصرفا بحسب الشرط الضمني إلى الثمن الصحيح، فإذا طبقه المشتري
في مقام الاعطاء والاقباض بثمن معيب فللبايع استبداله بثمن آخر
صحيح، وله اسقاط وصف الصحة أيضا والرضا بالمعيب، وليس للبايع
مطالبة هذا المعيب بدعوى أنه ليس بثمن، كما كان له ذلك إذا ظهر من غير
جنسه، والوجه فيه أن المعيب حقيقة مصداق لكلي الثمن غاية الأمر قد
فقد وصفا من الأوصاف المعتبرة فيه.
268

وبعبارة أخرى أن هنا معاملتان: أحدهما بيع المتاع المعين أو الكلي
بثمن كلي، وهذا قد تم بالايجاب والقبول، ولا شبهة في انصراف الثمن
في هذه المعاملة إلى الثمن الصحيح بحسب الشرط الضمني الارتكازي.
ثم إن الثمن بعد ما كان كليا فيحتاج تطبيقه على أي فرد من أفراد ذلك
إلى معاملة ومراضاة جديدة، حيث إن ما انطبق عليه الكلي ليس بثمن
واقعا بل الثمن هو الكلي، فتطبيقه على أي فرد يحتاج إلى المراضاة، فإذا
طبقوه بفرد فظهر معيبا فللبايع فقط هنا استبدال، لأنه إنما رضي بتطبيقه
على هذا الفرد بشرط كونه صحيحا، فإذا تخلف فله هدم هذه المعاملة
الثانية ومطالبة الثمن الصحيح وتطبيق الكلي على غيره ثانيا وهكذا، وله
أيضا اسقاط هذا الشرط والقيد الذي اعتبره في الثمن من الصحة، وليس
للبايع دعوى مطالبته كما كان له ذلك عند ظهوره بغير جنسه وللمشتري
مطالبة ثمنه وكان جعل غير الجنس عوضا عنه محتاجا إلى معاملة
جديدة بخلافه إذا ظهر معيبا كما لا يخفى.
ولكن هذا الكلام لا يجري في المقام، أعني ما إذا كان الخيار مشروطا
برد الثمن أو الفسخ كان مشروطا برده، وإن قلنا إن مرجعهما عند
التحقيق إلى شئ واحد وإن كان الثمن منصرفا إلى الفرد الصحيح.
وتوضيح ذلك أنه بعد البناء على انصراف الثمن إلى الثمن الكلي
لا يجري هنا ما ذكرناه في البيع الكلي، فإنك قد عرفت أن الثمن قابل
الانطباق على الصحيح والمعيب في بيع الكلي، غاية الأمر قد اعتبر
بحسب الارتكاز والشرط الضمني في الثمن الكلي قيد وهو وصف
الصحة، فإذا تخلف فللبايع استبداله والرضا به، بأن يرفع اليد عن القيد
المعتبر في الثمن.
ولكنه لا يجري في المقام، فإن هنا قد ترتب شرط الخيار على رد
269

الثمن واشترط البايع على المشتري أني متى رددت الثمن أو بدله مثلا
فلي الخيار أو ينفسخ العقد، فإذا انصرف الثمن أو بدله إلى الصحيح
فمعناه أنه متى رددت الثمن الصحيح أو بدله الصحيح فلي الخيار، فكأنه
قد صرح بذلك، فإنه حينئذ يكون رد غير الصحيح خارجا عن حدود
الشرط، فكأنه قد رد غير الجنس من الثمن، فهل يتوهم أحد أنه مع
التصريح برد الثمن الصحيح لو رد الثمن المعيب يفسخ، فكذلك إذا
لم يصرح بذلك فينصرف الثمن الكلي إلى الثمن الصحيح كما لا يخفى.
وبالجملة أن انصراف الثمن إلى الصحيح وإن كان صحيحا في بيع
الكلي وفي المقام، ولكن المقام من حيث ظهور الثمن المردود إلى
المشتري معيبا كظهوره من غير جنسه فيكون باطلا، فلا يقاس بالكلي
كما عرفت.
نعم إذا رضي المشتري بهذا المعيب بمعاملة جديدة عن عوض ثمنه
الصحيح ورد المبيع إلى البايع، فيكون ذلك إقالة للبيع وفسخا له بغير
عنوان رد الثمن، وهذا واضح جدا.
سقوطه بالتصرف في الثمن المعين
قوله (رحمه الله): ويسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين مع اشتراط رد العين.
أقول: المعروف بين الأصحاب سقوط الخيار بالتصرف في الثمن هنا،
وفي المثمن في خيار الحيوان، وفي العوضين في خيار المجلس، سواء
كان الثمن شخصيا أو كليا، ولكن اشترط رد عين هذا المأخوذ، وذلك
لاطلاق ما دل على أن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد
ولا خيار، وقد عمل الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري
المجلس والشرط.
270

والمحكي عن المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية - أي السبزواري -
أن الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في هذا
الخيار عليه لأنه شرع لانتفاع البايع بالثمن، فلو سقط الخيار سقط الفائدة،
وللموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البايع في الثمن وبيع الدار
لأجل ذلك (1).
وأشكل عليه السيد بحر العلوم صاحب المصابيح، بأن ذهاب
المشهور إلى مسقطية التصرف إنما هو في التصرفات التي في زمن الخيار
دون غيره، ومن الواضح أن التصرف قبل الرد ليس تصرفا في زمان
الخيار، لأن الخيار إنما هو بعد الرد كما هو واضح، فلا تكون التصرفات
قبل الرد تصرفا مسقطا.
وبعبارة أخرى أن صاحب المصابيح تسلم كلام الأردبيلي من حيث
النتيجة، أعني عدم سقوط الخيار بالتصرف قبل الرد، ولكن الأردبيلي
التزم بالعدم تخصيصا والسيد التزم بعدم ثبوته تخصصا.
وقد أشكل صاحب الجواهر (2) على السيد بوجوه:
1 - إن لازم كون الخيار بعد الرد يقتضي أن يكون مبدأ الخيار مجهولة،
إذ لا يعلم تحقق الرد في أي زمان.

1 - عن إسحاق بن عمار قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله رجل وأنا عنده،
فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه وتكون لك أحب
إلى من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال:
لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه، قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن
تكون الغلة؟ فقال: الغلة للمشتري ألا تري أنه لو احترقت لكانت من ماله (التهذيب 7: 23،
الفقيه 3: 128، الكافي 5: 171، عنهم الوسائل 18: 19)، موثقة.
2 - جواهر الكلام 23: 66.
271

2 - إن المتفاهم من العرف كون الخيار من الأول، فإنهم يفهمون في مثل
ذلك ثبوت الخيار من زمان العقد.
3 - إن الظاهر من تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ الطوسي
بتوقف الملك على انقضاء الخيار، بأن الظاهر من بعض الأخبار المتقدمة
أن غلة المبيع للمشتري كون مجموع المدة زمان الخيار.
وقد ناقش المصنف في جميع ذلك:
أما ما ذهب إليه الأردبيلي من عدم كون التصرف قبل الرد مسقطا، بأنه
لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المستحب في غير مورد النص
عليه باتفاق الأصحاب.
وأما ما ذكره من كون بناء هذا العقد على التصرف، فلأن الغالب
المتعارف هو البيع بالثمن الكلي، بحيث يكون ما دفع المشتري إلى البايع
مما انطبق عليه الكلي لا ثمنا واقعيا، وقامت القرينة الحالية أيضا إن رد
مثل الثمن يكفي في تحقق الشرط أعني رد الثمن، ولذا قوينا حمل
الاطلاق في هذه الصورة على ما يعم البدل، وعليه فلا يكون التصرف في
عين الثمن المدفوع موجبا لسقوط الخيار ودليلا على الرضا بالعقد، نعم
لو كان الثمن شخصيا أو كان كليا ولكن اشترط المشتري على البايع رد
عين المأخوذ لكان لهذا الكلام مجالا واسعا.
وكيف كان فلا منافاة بين فسخ العقد وصحة هذا التصرف واستمراره،
وهو مورد الموثق المتقدم أو منصرف اطلاقه، أو من جهة تواطئ
المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف أيضا، أو للعلم بعدم الالتزام
بالعقد بمجرد التصرف، لأنه ليس مسقطا تعبديا بل لكونه كاشفا عن
الرضا بالعقد.
وأما ما ذكره صاحب المصابيح من كون التصرفات قبل الرد خارجا
272

عن عنوان التصرف المسقط تخصصا، يرد عليه أنه لا شبهة أن الاسقاط
القولي قبل الرد مسقط لهذا الخيار، وكذلك لا شبهة أن التصرف يسقط
الخيار كالقول، وعليه فنكشف من ذلك أن الخيار ثابت قبل الرد،
ولا شبهة أن الظاهر من كون القول مسقطا هو المسقط الفعلي، فيكون
التصرف مثله.
وبالجملة أن الظاهر كون التصرف مسقطا فعليا في كل زمان يكون
القول مسقطا، بحيث إن القول مسقط فعلي قبل الرد فيكون التصرف أيضا
كذلك، وإن ذكر المصنف أنه يصح اسقاط الخيار الثابت بعد الرد إذا كان
ذي الخيار متمكنا من اثباته برد الثمن وعدمه، ولكنه خلاف الظاهر، فإن
الظاهر من الاسقاط هو الاسقاط الفعلي.
وأما ما ذكره صاحب الجواهر من المناقشة في كون الخيار مجهولا لو
كان مبدؤه بعد الرد، وفيه أنها لا تقدح مع تجديد زمان التسلط على الرد
والفسخ بعد انشائه، وفرق واضح بين المقام الذي اختياره من حيث الرد
وعدمه ليكون له الخيار، وبين ما ذكره في التذكرة من أنه لا يجوز
اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الاطلاق من حين
العقد.
ووجه الفرق أن التصرف هناك ليس في اختيار أحدهما، فإنه إذا أراد
التفرق يتبعه الآخر بخلافه في المقام فلا تكون هنا جهالة تضر بالعقد،
وقد تقدم منا أنه ليس هنا جهالة أصلا، غاية الأمر لا يعلم سبب الخيار،
وقلنا أيضا إن جهالة الشرط لا تضر بالعقد بعد عدم وجود الخطر هنا، إذ
يرجع مع الفسخ أيضا مال كل من المتعاملين إلى صاحبه.
وأما ما ذكره من فهم العرف وحكمهم بكون الخيار من الأول وقبل
الرد، ففيه أن زمان الخيار إما بجعل الشارع أو بجعل المتعاقدين، ففي
273

المقام هو الثاني، ومن الواضح أن المتعاقدين شاكان في ثبوته قبل الرد،
فكيف يفهم العرف من ذلك ثبوته من الأول.
وأما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض أخبار المسألة،
فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقا
حتى المنفصل، كما لا يبعد عن اطلاق كلامه واطلاق ما استدل به من
الأخبار.
وما أفاده المصنف متين جدا، ولكن لنا كلام في أصل مسقطية
التصرف كما تقدم في خيار المجلس، وأي اطلاق دل على ذلك حتى
يقول المصنف: واطلاقات أدلة مسقطية التصرف يقتضي سقوطه
بالتصرف مطلقا، غير أن التصرف إنما يكون مسقطا إذا كان مصداقا
للاسقاط أو موجبا للحدث، وقد ثبت في غير هذين الموردين سقوطه
بالتقبيل واللمس بدليل الحاكم، وفي غير ذلك فلا دليل عليه، فيتمسك
بعموم أدلة الشروط كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى أن هنا تصرفات ثلاث:
1 - ما يكون نفسه مصداقا للاسقاط، وهذا لا شبهة فيه.
2 - أن يكون موجبا لاحداث الحدث حقيقة أو نازلا بمنزلته بدليل
الحاكم كالتقبيل ونحوه.
3 - ما لا يكون كذلك.
أما القسم الأول، فلا اشكال في كونه مسقطا للخيار في جميع
الموارد، وأما الثاني فهو وإن كان يوجب سقوطه ولكنه أمر تعبدي
يقتصر به في خيار الحيوان فقط، وأما في المقام فلو اشترى جارية
وشرط أن يردها متى شاء فتصرف فيها بما شاء، من غير أن يكون
التصرف مصداقا للتصرف، بل مع العلم بأنه يردها حتى قبلها و لمسها،
فإنه لا دليل على كون التصرف مسقطا هنا.
274

وأما القسم الثالث فلا دليل على كونه مسقطا للخيار، لا في المقام
ولا في غير هذا المقام، أعني بيع الحيوان، وكيف كان فلا دليل على
مسقطية التصرف بوجه كما هو واضح.
5 - لو تلف المبيع كان من المشتري
قوله (رحمه الله): الأمر الخامس: لو تلف المبيع كان من المشتري، سواء كان قبل
الرد أو بعده.
أقول: مقتضى القاعدة الأولية أن تلف مال كل أحد عليه ولا يحسب
على غيره، وهذا مما عليه السيرة القطعية، وقد ذكر ذلك في بعض
الروايات المذكورة في أحكام الخيار وسيأتي، من أنه سئل (عليه السلام) من أنه
إذا تلف المبيع ممن يكون، قال (عليه السلام): إن نفعه على من؟ قال: من المالك،
فقال (عليه السلام): فهو على مالكه. (1)
وكيف كان فهذه القاعدة لا شبهة فيها، وقد ورد عليها مخصصان:
1 - إن التلف قبل القبض من مال البايع، مع أنه من ملك المشتري،
ويحتمل أن يكون هذا مورد السيرة أيضا.
2 - إن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، وهذا مما لم تقم عليه
السيرة بل هو صرف التعبد، فإنه مع قطع النظر عن التعبد لم يكن معنى

1 - عن معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع
دارا من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني
بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال (عليه السلام): له شرطه، قال له أبو الجاورد: فإن
ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله، وقال أبو عبد الله (عليه السلام):
أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري (التهذيب 7: 24، عنه
الوسائل 18: 20)، ضعيفة.
275

لأن يحسب تلف مال زيد مع كونه عنده من زيد، ولا يساعده فهم العرفي
أصلا فضلا عن قيام السيرة عليه، ولكن التعبد يقتضي ذلك.
ثم إنه لا معنى لكون التلف محسوبا على البايع قبل القبض أو على من
لا خيار له إلا أن يفرض كماله، فكما أن ماله إذا تلف عنده يذهب هدرا
وكذلك تلف المبيع قبل القبض أو في زمن الخيار، ولا يعقل ذلك إلا
بانفساخ العقد، بأن يحكم قبل التلف بدخوله في ملكه آنا ما ويتلف
ويرجع الثمن إلى المشتري أيضا كما هو قانون الانفساخ، لا أن معنى كون
التلف على البايع أو من لا خيار له أن يضمن مثل العين فيجب عليه رد
مثله، فإنه لو لم نحكم بالانفساخ لكان ضامنا بالمثل، مع أنه لم يقل به
أحد كما هو واضح.
والوجه في ذلك أنه فرض في الرواية أن التلف في زمن الخيار من مال
من لا خيار له، فإنه لا يعقل أن يكون التالف من ماله إلا بالالتزام بانفساخ
العقد، وإلا نحكم بالضمان بالمثل كما عرفت.
إذا عرفت ذلك فنقول في المقام أنه إذا باع شخص داره بشرط أن يكون
له الخيار متى رد الثمن فتلف الثمن أو المبيع، فهل يحسب ممن لا خيار
له أم لا؟
فيقع الكلام في مقامين:
المقام الأول: إذا تلف المبيع
فيما إذا تلف المبيع، فهل هو من المشتري إذ لا خيار له أو من البايع،
فنقول:
إنه لا شبهة في كون التلف من المشتري، ولكن لا من جهة القاعدة
المذكورة، من أن كل تلف في زمن الخيار ممن لا خيار له التي تثبت على
276

خلاف القاعدة وكونها مخصصة للقاعدة الأولية من أن تلف مال كل أحد
على مالكه، وذلك لأن كون تلف مال شخص على شخص آخر مخالف
لهذه القاعدة الأولية كما قلنا بأن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له،
كما إذا تلف الحيوان عند المشتري في ضمن ثلاثة أيام، فإن مقتضى
التعبد حكم بكونه على البايع، مع أن الحيوان ملك للمشتري وكانت
القاعدة الأولية تقتضي كون التلف من المشتري وكذلك التلف قبل
القبض.
وأما في المقام، وإن كان التلف في زمن الخيار ولكن قد تلف مال
المشتري عند نفسه، فكونه على نفسه موافق للقاعدة الأولية لا مخالف
لها، وعليه فلا وجه للانفساخ هنا كما قلنا بالانفساخ في الموردين
الأولين.
وعلى الجملة فكون تلف مال كل شخص على نفسه ليس أمرا مخالفا
للقاعدة بل موافق لها كما عرفت، فتلف المبيع عند المشتري تلف من
ماله فيكون من ماله على ما تقتضيه القاعدة، وعليه فلا يمكن الحكم
بانفساخ العقد من هذه الجهة ليكون ضمان المبيع على المشتري.
وهل في هذه الصورة يبقى خيار البايع على حاله بحيث له أن يفسخ
العقد ويسترد مثل المبيع أم لا؟
وقد يقال إنه لا خيار له، من جهة أن غرضه قد تعلق باسترداد العين
وإذا تلف ينتفي هذا الغرض، فلا وجه لثبوت الخيار له حينئذ.
وفيه أن هذا الكلام وإن كان صحيحا حيث تعلق غرض البايع بحفظ
العين، ولكن لا يلزم من ذلك سقوط خياره أيضا، إذ قد عرفت في أول
الخيارات أن الخيار ليس متعلقه رد العين بل إنما متعلقه العقد، نعم إنما
جعل له الخيار مشروطا ببقاء العين، بحيث إن العين متعلق أمد الخيار
277

وقد اشترط البايع عدم اتلافه ووجوب بقائه، ومع هذا الشرط فقد
اشترط لنفسه الخيار بعد رد الثمن، وقد تعلق الغرض بحفظ العين على
هذا النحو، وبلحاظ أن الخيار مقيد ببقائها.
والحاصل قد اشترط بقاء العين لشرط الخيار، وهذا لا ينافي بمالية
العين، بل كما تعلق غرضه بحفظ العين وكذلك تعلق غرضه بحفظ المالية
أيضا، وإنما باعه بأقل من ثمن المثل لأجل جعل الخيار، إذ لا يرغب
المشتري اشتراءه بثمن المثل مع جعل الخيار للبايع، ولو كان البايع قد
أغمض نظره عن مالية العين لكان باعه في السوق بثمن المثل، وإنما
اقدامه على البيع بأقل من ثمن المثل من جهة أن تبقى العين له مع هذه
المالية وإلا ليست الخصوصيات العينية غير الدخيلة في المالية موردة
للرغبة غالبا، وعليه فيبقى خيار البايع على حاله.
ومن جميع ذلك ظهر حكم الجهة الثانية أيضا، من أنه ليس للمشتري
أن يتلف العين بل لا بد له من ابقائه، فإن البايع اشترط له ذلك ولو بالشرط
الضمني، وعليه فإذا تخلف وأتلف فهل فعل فعلا محرما فقط لمخالفة
الحكم التكليفي كما هو المختار عندنا، أو خالف الحكم الوضعي كما
ذهب إليه شيخنا الأستاذ، وسيأتي الكلام في ذلك في أحكام الخيار إن
شاء الله تعالى.
المقام الثاني: إذا كان التالف هو الثمن
وأما إذا كان التالف هو الثمن، فهل يكون ذلك على البايع أو على
المشتري؟
وقد يفرض الكلام بعد رد الثمن إلى المشتري، وأخرى قبل رده،
ولا بد وأن يعلم قبل ذلك أن الثمن أو المثمن إذا كان كليا فتلف هو خارج
278

عن موضوع بحثنا، فإن كلامنا فيما يكون التالف هو المبيع أو الثمن،
ونتكلم في أنه من البايع أو المشتري، أي ممن لا خيار له أم لا.
ومن الواضح أن هذا إنما يجري فيما كان التالف هو المبيع أو الثمن
لا غير، وإلا يلزم أن يكون تلف مال آخر لأحد المتبايعين الذي له خيار
من صاحبه الذي لا خيار له، وبديهي أن المدفوع إلى المشتري إذا كان
المبيع كليا أو المدفوع إلى البايع إذا كان الثمن كليا ليس مبيعا وثمنا، فإن
المبيع والثمن ما جرى عليه العقد وإن تلف ما جرى عليه العقد ممن
لا خيار له، وهذان الفردان لم يجر عليهما العقد، بل العقد إنما جرى
على الكلي والمدفوع مصداق له، فمع تلفه يبقى الثمن أو المثمن على
حالهما أيضا، إذا فالكلي خارج عن المقام.
بيان آخر
انتهى الكلام إلى أن التلف في زمن هذا الخيار من البايع أو المشتري،
وقد عرفت أن كون تلف المبيع من مال المشتري حكم على طبق القاعدة،
ولا يحتاج إلى التمسك بأن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، وأما
ثبوت الخيار للبايع حينئذ فقد عرفت كما تقدم.
وأما لو كان التالف هو الثمن فتارة نفرضه كليا وأخرى شخصيا، أما إذا
كان كليا فلا شبهة في خروجه عن مورد الكلام، فإنما يدفع إلى البايع من
العين عوضا عن الثمن ليس هو نفس الثمن بل هو ما ينطبق عليه الثمن
الكلي، ولا فرق بين هذا وبين ما يرده البايع بدلا عن ذلك، فإن كلا منهما
مما ينطبق عليه الكلي كما لا يخفى.
وأما إذا كان الثمن شخصيا فتارة يكون التلف قبل رده إلى المشتري
وأخرى بعد رده، وأما إذا كان التلف بعد رده، فإن كان الرد بعنوان الفسخ
فلا شبهة في انفساخ العقد.
279

وعليه فلا يبقى مجال للبحث عن أنه من مال البايع أو من مال
المشتري، إذ لا موضوع حينئذ للخيار أصلا، فهذا خارج أيضا عن
موضوع البحث، وأما إذا كان الرد لا بعنوان الفسخ بل بعنوان الوديعة أو
نحوها ليفسخ بعد ذلك وتلف الثمن عند المشتري، فيقع الكلام حينئذ
في أن تلفه من البايع أو المشتري، فمقتضى القاعدة الأولية تقتضي كونه
من البايع لكونه مالكا له وتلف مال كل مالك عليه، ومقتضى العمل
بقاعدة أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له أن يكون من المشتري فإنه
لا خيار له في هذا الزمان بل الخيار للبايع.
بيان ثالث
وتنقيح المقام أن يقال: إنه لم يرد نص بالخصوص بلفظ أن التلف أو
كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممن لا خيار له، ولا أنه ورد نص بهذا
المضمون، بل ورد هنا روايتان تدلان على كون تلف المبيع من مال من
لا خيار له في الموردين الخاصين.
الأولى: ما في الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان، من أنه إذا تلف
الحيوان في ضمن ثلاثة أيام فهو من مال البايع الذي لا خيار له (1).
والثانية في خيار الشرط، وهي صحيحة ابن سنان من أن التلف في
زمن خيار الشرط من مال من لا خيار له (2).

1 - عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حدث بالحيوان قبل
ثلاثة أيام فهو من مال البايع (التهذيب 7: 67، الفقيه 3: 127، عنهما الوسائل 18: 15).
2 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط
إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على
البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري (الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126،
عنهم الوسائل 18: 15)، صحيحة.
280

وألحقوا بذلك خيار المجلس أيضا لاستفادة العموم من أخبار الخيار،
فإن ذيل بعضها: حتى ينقضي الشرط، وقد استفاد ذلك العموم المصنف
من تلك الأخبار، ويأتي في أحكام الخيار.
وأما إذا كان التالف هو الثمن فلا دليل يدل على كون التلف ممن
لا خيار له بحيث ينفسخ العقد بذلك كما عرفت سابقا، من أن كون تلف
مال أحد من الآخر بقانون أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له يوجب
انفساخ العقد، إذ لا يعقل أن يكون تلف مال أحد من شخص آخر بدون
انفساخ العقد، فيكون حكم الشارع بكون التلف ممن لا خيار له حكما
بانفساخ العقد كما لا يخفى.
وعلى الجملة لا دليل على كون تلف الثمن في زمن الخيار من مال من
لا خيار له ليكون ذلك تخصيصا للقاعدة الأولية وحكما بانفساخ العقد
كما لا يخفى.
المناقشة في كلام صاحب الجواهر (رحمه الله)
ثم إنه استظهر صاحب الجواهر (1) من رواية معاوية بن ميسرة أن التلف
من المالك، ولا يكون ذلك لمن لا خيار له، فيكون تلف الثمن من البايع
المالك بالثمن عند التلف، فتدل الرواية على أن تلف الثمن حينئذ من
البايع وإن كان له خيار، وقد منع المصنف عن ذلك الاستظهار وحكم
بعدم ظهور رواية معاوية بن ميسرة فيما ذكر صاحب الجواهر، وهو
كذلك، لأنا بعد التأمل لم نفهم وجه الاستظهار.
وذلك لأن رواية معاوية بن ميسرة كما تقدم اشتمل على حكمين:
أحدهما: أن رجلا باع دارا من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى

1 - جواهر الكلام 23: 80.
281

منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار
دارك، فأتاه بماله قال (عليه السلام): له شرطه، قال أبو الجاورد: فإن ذلك الرجل
قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله، وقال أبو عبد الله
(عليه السلام): أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار
المشتري (1).
ولا شبهة أنه لا اشعار فيها على كون التلف من المالك في زمان الخيار،
أما لزوم الوفاء بالشرط الذي كان في العقد فهو على طبق القواعد
المتصيدة من لزوم الوفاء بالشرط، وأما كون منفعة الثمن للبايع فهو أيضا
موافق للقاعدة فإن منفعة مال كل أحد له.
ومن الواضح أن الثمن ملك للبايع كما هو واضح، وكذلك كون تلف
الدار من المشتري أيضا موافق للقاعدة، فإنك قد عرفت أن تلف مال كل
أحد على نفسه إلا إذا ثبت نص خاص على خلافه كما في تلف المبيع في
زمن الخيار، فإنك قد عرفت كونه ممن لا خيار له بدليل خاص ويكون
العقد منفسخا كما لا يخفى.
وعلى الجملة فلا اشعار في شئ من الأحكام المزبورة بكون التلف
في زمن الخيار من المالك كما استظهره صاحب الجواهر، ولذا ذكر
المصنف أنه ليس في الرواية إلا أن نماء الثمن للبايع وتلف المبيع من
المشتري، وهما اجماعيان حتى في مورد كون التلف ممن لا خيار له،

1 - عن معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع
دارا من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني
بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال (عليه السلام): له شرطه، قال له أبو الجاورد: فإن
ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله، وقال أبو عبد الله (عليه السلام):
أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري (التهذيب 7: 24، عنه
الوسائل 18: 20)، ضعيفة.
282

فلا حاجة لهما إلى تلك الرواية، أي الرواية اشتملت على هذين
الحكمين كما ذكرناه، فشئ منهما لا مساس بما ذكره صاحب الجواهر،
فإنما اشتمل عليه الرواية حكم موافق للقاعدة الأولية كما ذكره المصنف
فلا يحتاج إلى الرواية، فلا تكون الرواية مخالفة للقاعدة.
نعم يمكن أن يكون نظر صاحب الجواهر على ما ذكره المصنف إلى
قاعدة الخراج بالضمان (1)، بدعوى أن منافع الثمن ملك للبايع، فيكون
ضمانه عليه.
أقول: إن هذه القاعدة ليس له أساس صحيح بل هي مذكورة في
النبوي الضعيف المنقول من طرق العامة، وقد عملوا بها حتى أن
أبا حنيفة عممتها إلى موارد الغصب، وقال: إن منفعته للغاصب لكون
الضمان عليه، وقد وقع النكير عليه في صحيحة أبي ولاد (2) في كراء

1 - عوالي اللئالي 1: 219، الرقم: 89.
عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى من
الروايات: أنه قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله): الغلة بالضمان.
سنن النسائي 2: 215 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، سنن أبي داود 3: 284 الرقم: 3508
كتاب البيع باب من اشترى عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا، سنن البيهقي 5: 321 كتاب البيع باب
المشتري يجد فيما اشتراه عيبا وقد استغله زمانا، مصابيح السنة للبغوي 2: 10 كتاب البيع باب
المنهي عنه من البيوع، مسند أبي داود الطيالسي 6: 206، الحاكم للمستدرك 2: 15 كتاب البيع،
المسند لأحمد 6: 208، سنن ابن ماجة 2: 31 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، تاريخ بغداد
للخطيب 8: 298 ترجمة خالد بن مهران، كنز العمال 2: 211 الرقم: 4571 باب خيار العيب.
2 - قال: اكتريت بغلا إلى القصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا، وخرجت في طلب
غريم لي، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل، فتوجهت نحو
النيل، فلما أتيت النيل خبرت أن صاحبي توجه إلى بغداد، فاتبعته وظفرت به وفرغت مما
بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب
البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن
يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل، فقال لي: وما صنعت بالبغل،
فقلت: قد دفعته إليه سليما، قال: نعم بعد خمسة عشر يوما، فقال: ما تريد من الرجل، قال:
أريد كري بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: ما أري لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن
هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكري، فلما رد البغل
سليما وقبضته لم يلزم الكري.
قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتي به أبو حنيفة،
فأعطيته شيئا وتحللت منه، فحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) بما أفتي به
أبو حنيفة، فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها، قال:
فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فما تري أنت، قال: أري له عليك مثل كري بغل ذاهبا من الكوفة إلى
النيل، ومثل كري بغل راكبا من النيل إلى بغداد، ومثل كري بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه
إياه، قال: فقلت: جعلت فداك إني قد علفته بدراهم فلي عليه علفه، فقال: لا لأنك غاصب،
فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني، قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز (وفي التهذيب: عقر، وفي الوافي: غمر) فقال: عليك قيمة ما
بين الصحة والعيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك، قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على
القيمة فتلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل
بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين أكري كذا وكذا فيلزمك، قلت: إني كنت أعطيته دراهم
ورضي بها وحللني، فقال: إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم،
ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك بعد ذلك.
قال أبو ولاد: فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله
(عليه السلام) وقلت له: قل ما شئت حتى أعطيكه، فقال: قد حببت إلي جعفر بن محمد (عليهما السلام) ووقع
في قلبي له التفضيل وأنت في حل، وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذت منك فعلت (الكافي
5: 290، التهذيب 7: 215)، صحيحة.
283

البغل إلى قصر بني هبيرة ومخالفته ذلك وركوبه إلى بغداد، فلا يمكن
العمل بهذه القاعدة.
284

نعم لو كان معنى القاعدة هو أن منفعة مال كل مالك كما هو مقتضى
القاعدة وكذلك تلفه أيضا عليه، إذ لا معنى لكون تلف مال شخص على
شخص آخر، وقد عرفت أن هذا حكم موافق للقاعدة، فلا يحتاج إلى
هذه القاعدة، وفي المقام نحكم بكون تلف الثمن من البايع لكونه مالكا له
ومنفعته له فيكون غرامته أيضا عليه.
وعلى هذا لو كانت تلك القاعدة أي قاعدة كل التلف في زمن الخيار
ممن لا خيار له ثابتا في جميع موارد تلف المبيع والثمن لكان تخصيصا
لقاعدة الخراج بالضمان على المعنى الذي ذكرناه لورودها في مورد
قاعدة الخراج بالضمان، ولكن قد عرفت أنه لا دليل على كلية تلك
القاعدة في جميع موارد تلف المبيع فضلا عن الثمن، بل هي مختصة
بموردين بحسب النص، أعني مورد خيار الحيوان ومورد خيار الشرط،
وتفصيل الكلام في أحكام الخيار.
فتحصل أنه لا يكون تلف الثمن من المشتري بل من البايع، ولو قلنا
بكون تلف المبيع في زمن الخيار من المشتري، إذ لا دليل على التعدي
والحكم بكون تلف مال الغير على شخص آخر كما لا يخفى.
إن كان التلف قبل الرد
وإن كان التلف قبل الرد فيجري فيه جميع ما ذكرناه في صورة كون
التلف بعد الرد، ولكن في المورد خصوصية وهو أن التلف قبل الرد
لا يحسب إلا من البايع، بناءا على عدم ثبوت الخيار قبل الرد.
وأشكل عليه المصنف أولا بمنع المبنى، فإنه لا نسلم كون الخيار بعد
الرد بل يكون قبل الرد كما تقدم في جواب صاحب المصابيح، ثم أشكل
بمنع البناء، بدعوى أن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه هو تزلزل
البيع، سواء كان بخيار متصل أو منفصل كما يقتضيه أخبار تلك المسألة،
285

فإن في ذيل بعضها حتى ينقضي (1)، وهو يجري في خيار المنفصل،
فلا وجه لبناء المسألة على كون الخيار بعد الرد، وسيأتي الكلام في
جميع ذلك.
ثم إن المصنف أشار إلى ثمرة البحث، وحاصله أنه: بناءا على كون
تلف الثمن من المشتري انفسخ العقد، وإن قلنا بكونه من البايع، وإن كان
الشرط أعم من رد عين المأخوذ أو بدله فيرد البايع مثل الثمن ويرتجع
العين المبيعة وإلا فلا خيار، فلزم البيع كما هو واضح.
6 - كفاية رد الثمن إلى الحاكم
قوله (رحمه الله): الأمر السادس: لا اشكال في القدرة على الفسخ.
أقول: لا اشكال في أنه إذا باع عمرو متاعا من زيد واشترط عليه أن
يكون له الخيار متى رد الثمن إلى شخص المشتري فلا بد من رده إلى
شخصه وإلا فلا يثبت له الخيار برده إلى غيره، وإذا اشترط رده إلى أعم
منه ومن وكيله أو الحاكم أو شخص آخر فيتبع شرطه.
وعلى كل حال فهذا الخيار خيار جعلي فيتبع الشرط، فإذا حصل
فيكون له الخيار وإلا فلا خيار له كما لا يخفى.
وإنما الكلام في صورة اطلاق الشرط، بأن جعل لنفسه الخيار مع رد
الثمن، فهل تختص رده إلى شخص المشتري أو يكفي رده إلى وكيله
أيضا، أو إلى الحاكم كما إذا كان المشتري غائبا أو مريضا أو مجنونا،

1 - عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط
إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على
البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري (الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126،
عنهم الوسائل 18: 15)، صحيحة.
286

وذكر المصنف في حصول الشرط برده إلى الحاكم كما اختاره المحقق
القمي في بعض أجوبة مسائله، وعدمه كما اختاره سيد مشائخنا في
مناهله قولان.
وظهر من صاحب الحدائق (1) على ما ذكره المصنف الاتفاق على عدم
لزوم رد الثمن إلى المشتري مع غيبته، حيث إنه وقع الخلاف في أنه هل
يعتبر في فسخ العقد حضور المفسوخ عليه أو الاشهاد عليه أم لا؟
فذهب العامة وبعض الشيعة إلى اعتبار حضور المفسوخ عليه أو الاشهاد
على الفسخ، والمشهور من علمائنا إلى عدمه.
وبعد ما ذكر صاحب الحدائق ذلك قال: إن ظاهر الرواية اعتبار حضور
المشتري ليفسخ البايع بعد دفع الثمن إليه، فما ذكروه من جواز الفسخ مع
عدم حضور المشتري وجعل الثمن أمانة إلى أن يجئ المشتري وإن
كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة.
وهذا الكلام عجيب من صاحب الحدائق كما يظهر الاستصحاب منه
من المصنف أيضا، وذلك لأن هنا مسألتان:
إحداهما: مسألة حضور المفسوخ عليه عند الفسخ أو الاشهاد عليه،
بل بعض من اعتبر هنا حضور المفسوخ عليه أو الاشهاد على الفسخ
حكم بعدم نفوذ الفسخ بغير ذلك، نظير الطلاق الذي لا ينفذ بدون
حضور العدلين، ومع عدم الاعتبار يفسخ في عالم نفسه، وفي مرحلة
الاثبات يحتاج إلى الترافع، وعلى كل حال ليس هنا من مسألة رد الثمن
عين ولا أثر حتى لو كان الفسخ بنفس الرد، فإن اعتبار حضور المشتري
ورده إليه ليس من جهة اعتبار حضور المشتري في الفسخ بل من جهة
اعتبار رده إليه.

1 - الحدائق 19: 39.
287

والثانية: مسألة رد الثمن إلى المشتري، وأنه مع شرط الخيار برد الثمن
هل يكفي الرد إلى الوكيل أو الحاكم أو لا بد من الرد إلى نفس المشتري.
ومن الواضح أن إحدى المسألتين غير الأخرى فلا ترتبط إحداهما
بالأخرى، فما ذكره صاحب الحدائق من الخلاف في حضور المفسوخ
عليه أو الاشهاد على الفسخ إنما هو في المسألة الأولى دون الثانية، فإن
المسألة الثانية كما ذكره المصنف غير مفروض في كلمات القوم،
ولم نجد من يتعرض لها إلا ما أشار إليها المحقق القمي في أجوبة
المسائل، وكيف يمكن دعوى الاتفاق على اعتبار حضور المشتري،
وكيف قد خلط صاحب الحدائق إحدى المسألتين على الأخرى، وأما
أصل مسألتنا هذه غير مذكور في كلمات الأصحاب، فنقول:
إنه ليس هذا الخيار من الأمور المجعولة شرعا حتى نتمسك بظهوره
ونحكم بثبوت الخيار له، بل هذا خيار جعلي إنما جعل بجعل
المتعاقدين فبأي نحو جعلاه فيتبع رأيهم في ذلك، وإذا شك في مورد
فلا بد في كشف المراد إلى الارتكازات العرفية، والذي نفهم من الرجوع
إلى الارتكازات العرفية أن العرف لا يرى فرقا بين رد الثمن إلى نفس
المشتري وبين رده إلى وكيله، فإنه بعد العلم بأن غرض البايع هو انحفاظ
المبيع له وعدم جواز أن يتلفه المشتري وأنه لا موضوعية لرد الثمن إلى
نفس المشتري إلا وصول ماله إليه.
وعليه فإن كان المشتري حيا وكان الوصول إليه ممكنا فيرد الثمن إليه
ويفسخ المعاملة، وإلا فيرده إلى وكيله أو الحاكم أو من يرده إليه، بحيث
يصل الثمن إلى المشتري وينفسخ ذلك بملاحظة أنه لو كان المشتري
محبوسا أو مريضا أو غائبا وكان له وكيل فالظاهر أنه لا يشك أحد في
جواز رده إلى الوكيل ونحوه، فإن معنى رد الثمن إلى المشتري ليس هو
288

رده إلى نفسه بل معناه وصول الثمن إليه، بأن يكون من جملة أمواله،
اللهم إلا أن يشترطا الرد إلى شخصه فهو أمر آخر.
وكذلك الكلام في طرف البايع، فإنه لو لم يتمكن أن يرد الثمن إلى
المشتري لمرض أو موت فيرد وكيله أو ورثته إلى المشتري أو إلى
وكيله أو ورثته مع عدمه أو موته، وليس رد الثمن من ورثة البايع إلى
المشتري أو إلى وكيله من باب إرث الخيار، بل من جهة عدم الفرق في
نظر العرف في الرد بين كونه من نفس البايع أو من ورثته، فإن الغرض كون
المال عند المشتري أو عند من يقوم مقامه كما لا يخفى.
وعلى الجملة فالارتكاز العرفي يقتضي أن المناط في جعل الخيار برد
الثمن إنما هو رجوع كل من العوض و المعوض إلى حالتهما الأولية،
وهو يحصل ولو برده إلى من يقوم مقام المشتري، كما يحصل برد من
يقوم مقام البايع، وهو واضح كما ذكره المصنف.
لو اشترى الأب أو الجد شيئا للطفل هل يكفي الرد إلى الجد أو الأب بالعكس؟
ثم إنه لو اشترى الأب أو الجد شيئا للطفل واشترط البايع عليه أن
يكون له الخيار متى رد الثمن، فهل يكفي الرد هنا إلى الجد مع كون
المشتري هو الأب أو إلى الأب مع كون المشتري هو الجد أم لا؟
والظاهر هو الأول، لأن لكل من الأب والجد ولاية مطلقة على الطفل
الثابتة بالأدلة اللفظية، فيكفي الرد إلى أي منهما يشاء وهو واضح.
ثم إذا اقتضت المصلحة حتى اشترى الحاكم بولايته على الطفل مالا له
ببيع الخيار، فهل يجوز رده إلى حاكم آخر أم لا؟
فذكر المصنف أنه يجوز للحاكم الثاني أخذه، إذ ليس في أخذ الحاكم
الثاني ذلك مزاحمة للحاكم الأول، فبناء على عدم جواز مزاحمة الحاكم
289

لا بد له أن يرده إلى الحاكم الأول مع احتمال عدم الوجوب، فإنه مال آخر
للصغير يتملكه بالفسخ الذي هو معاملة جديدة، وليس له ربط بالمعاملة
الأولى التي وضع الحاكم عليها اليد حتى تحصل المزاحمة.
ولكن قد ذكرنا في باب الولاية أنه لا دليل على ولاية الحاكم للصغير
إلا من باب الحسبة، ومعنى الحسبة اتيان الأمر من باب كونه أمرا قربيا،
بحيث إن الشارع يرضى بذلك ولا يرض بحيفه، فيؤتي ذلك حسبة إلى
قربة إلى الله، ومن باب كونه مطلوبا للشارع، ويكون حفظه محبوبا.
وعليه فولاية الحاكم من باب القدر المتيقن، فإنه لا نحتمل أن علمه
مانعا عن التصرف في مال الصغير مع الاحتياج، وكذلك لا نحتمل أن
عدالته مانعة، وإذا كان مال الصغير ونفسه محتاجا إلى الحفظ وإلى النقل
والانتقال وإلى التصرف فيه وكان الأمر دائرا بين أن يباشره الحاكم أو
غيره، فالمتيقن هو الحاكم كما هو واضح.
وعليه فلا يجوز أن يتصرف فيه الحاكم الثاني بعين هذا الملاك، فإنه
نشك في أنه بعد وضع الحاكم الأول يده عليه أن لا يجوز للثاني أن
يتصرف فيه، فحيث إن المورد مما لا بد من أخذ القدر المتيقن لعدم وجود
الدليل اللفظي على ولاية الحاكم كما عرفت، إذا فلا يجوز للثاني
أن يتصرف فيما وضع الحاكم الأول يده عليه،.
نعم لو شككنا في جواز تصرف الحاكم الأول بعد التصرف، فمقتضى
أخذ القدر المتيقن هو المنع عن تصرفه ولكنه بديهي البطلان، فإنه غير
محتمل قطعا.
وكيف كان فليس المورد من موارد مزاحمة الحاكم حتى يقال لا تجوز
مزاحمته.
290

7 - إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك إلا برد الجميع
قوله (رحمه الله): الأمر السابع: إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك إلا
برد الجميع، فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ.
أقول: الظاهر من اشتراط الخيار برد الثمن إلى المشتري أنه رد جميع
الثمن، وعليه فلو رد بعض الثمن فهو كمن لم يرد شيئا أصلا، فلا يثبت له
الخيار، فإن هذا خيار جعلي تابع لما جعله المشروط له، وعلى هذا ليس
للمشتري التصرف في ذلك فإنه باق على ملك مالكه وهو البايع وتصرف
المشتري تصرف في مال الغير بدون إذنه فهو حرام، بل يكون ذلك وديعة
عنده.
وتوهم أن هذا يكون إقالة، فإن المشتري إذا أخذ بعض الثمن المردود
إليه كشف ذلك عن رضاه بالفسخ فيكون إقالة.
وفيه أنه مضافا إلى منع كشفه عن رضاه بالانفساخ فإن الأخذ أعم من
ذلك ومن كونه إقالة، ثم إن الإقالة غريبة عن ذلك، فإن كلامنا في تحقق
الفسخ بالرد أو ثبوت الخيار للبايع بذلك على النحو الذي تقدم، سواء
رضى المشتري بالفسخ أم لم يرض، وأي ربط له برضاهما بالإقالة
والفسخ كما هو واضح.
ضمان المشتري إذا تلف الثمن
قوله (رحمه الله): والظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه على وجه الثمنية.
أقول: حاصل كلامه إذا دفع البايع بعض الثمن إلى المشتري على وجه
الثمنية كان ضامنا له إذا تلف، إلا أن يصرح البايع بكونه أمانة عنده، فإنه
حينئذ لو تلف لا يكون ضامنا.
291

أقول: لا وجه لهذا الكلام، فإنه إذا كان الخيار مشروطا برد تمام الثمن
فلا معنى لرد بعضه بعنوان الثمنية بحيث يكون ثمنا بالفعل، فإن كونه
ثمنا بالفعل ملازم لانفساخ العقد كونه داخلا في ملك المشتري،
والمفروض أن العقد لا ينفسخ إلا برد الجميع ولا يثبت له الخيار برد
البعض.
وعليه فلا معنى لكون رد البعض بعنوان الثمنية بل يكون ذلك أمانة
مالكية عند المشتري ليكون ثمنا عند الفسخ بعد رد تمام الثمن، فيكون
ثمنا بالقوة كما لا يخفى.
نعم إذا اشترط في مقام الرد أن يكون المشتري ضامنا عند التلف
وقبل المشتري فيكون شرط لازم الوفا.
وقد يتوهم الضمان بدعوى أنه نظير المقبوض بالسوم الذي ذهب
المشهور إلى الضمان في تلفه في يد من أخذه أي المشتري.
وفيه أنه فرق واضح بين المقامين، فإن المقبوض بالسوم على تقدير
الضمان في تلفه إنما أخذه المشتري لصلاح نفسه وملاحظة أنه مصلحة
له أم لا، فيكون ضامنا إذا تلف المقبوض بالسوم في يده، وهذا بخلاف
المقام فإن البايع إنما أقبض بعض الثمن لصلاح نفسه لا لصلاح المشتري
بل كثيرا أن المشتري لا يرضي بالفسخ أصلا، فإن الغالب بل الدائم في
مثل هذا البيع أي البيع بالخيار أن المبيع يكون ثمنه أقل من البيع بدون
الخيار، فإن غرض البايع كان هو رد عينه فلذا باعه كذلك لرفع احتياجه
فلو كانت قيمته مساوية لقيمة المبيع الذي يشتري بالقيمة السوقية
بلا خيار لم يقدم المشتري بذلك.
وكيف كان لا نعرف وجها للقول بضمان المشتري إذا تلف بعض الثمن
عنده كما لا يخفى، فافهم.
292

اشتراط الفسخ برد الثمن للبايع
قوله (رحمه الله): ولو شرط البايع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن، جاز
الفسخ فيما قابل المدفوع، وللمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البايع بقية
المبيع.
أقول: قد عرفت أن هذا الخيار خيار جعلي من المتعاقدين فيتبع
الشرط على النحو الذي شرطاه، فلو شرط البايع على المشتري ثبوت
الخيار له برد بعض الثمن يثبت له ذلك إذا رد ما يصدق عليه بعض الثمن
المقصود في العرف لا بمقدار يكون خارجا عن الصدق العرفي أو عن
كونه مقصودا لهما.
ولا يقاس ذلك بخياري المجلس والحيوان فإنه لا يجوز الفسخ فيهما
في بعض المبيع دون بعض، فإنهما إنما ثبتا بجعل الشارع بالنسبة إلى
مجموع الثمن والمثمن، فإذا فسخ من له الخيار البيع لا بد له أن يفسخ في
المجموع دون البعض، وأما في المقام فالخيار بجعل المتعاقدين فيتبع
جعلهما على النحو الذي جعلاه كما لا يخفى، فافهم.
وقد ذكر المصنف (رحمه الله): ولو شرط البايع الفسخ في كل جزء برد ما
يخصه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع وللمشتري خيار
التبعيض إذا لم يفسخ البايع بقية المبيع وخرجت المدة، وهل له ذلك
قبل خروجها، الوجه ذلك.
أقول: الظاهر أنه لا وجه لهذا الكلام وأنه لا نتعقل مورد في هذا المقام
يثبت فيه للمشتري خيار تبعض الصفقة، وبيان ذلك أنه قد عرفت أن هذا
الخيار إنما بجعل المتعاقدين فبأي كيفية جعلاه كان متبعا.
وعليه فشرط الخيار وفسخ العقد برد بعض الثمن لا يخلو عن وجوه:
293

1 - أن يشترط على المشتري فسخ مجموع العقد برد جزء معين من
الثمن أو جزء غير معين، ولكن فسخا متدرجا بأنه يفسخ المجموع برد
الثمن تدريجا، بأنه كلما أدى من الثمن جزء يفسخ في مقابله إلى أن يفسخ
المجموع، ففي الحقيقة يكون ذلك توسعة للبايع في رد الثمن كما
لا يخفى، إذ رد مجموعه دفعة واحدة كلفة عظيمة عليه.
وعليه فلو فسخ في بعض وبقي بعض الآخر حتى خرجت المدة
كشف ذلك عن بطلان الفسخ من الأول، فإن كل جزء جزء من الفسخ كان
مشروطا بفسخ الجزء الآخر حتى يتم فسخ مجموع العقد، فإذا فسخ
ولكن بقي جزء واحد كان الفسخ باطلا من الأول لعدم حصول شرطه،
وهذا نظير مشروطية عتق المكاتب برد مجموع مال الكتابة، ونظير
اشتراط صحة الصلاة بالتشهد والسلام، ونظير اشتراط الصوم بالجزء
الأخير من الوقت، فيكون العمل صحيحا بشرط حصول هذا الشرط،
وإلا فيبطل كما هو واضح.
2 - إنه أن يشترط البايع على المشتري فسخ كل جزء برد جزء من
الثمن من غير أن يكون الفسخ أو ثبوت الخيار بالرد - أي سواء قلنا
بحصول الفسخ بالرد أو كان الرد من مقدمات الفسخ - مشروطا بالفسخ في
الجزء الأخير، وهذا على قسمين: فإنه تارة يشترط أن يكون رد كل جزء
من الثمن فسخا للعقد أو مقدمة للفسخ على التقريب المتقدم من غير
أن يكون منوطا برد جزء آخر وفسخ العقد في ذلك الجزء الآخر،
وأخرى يكون هذه الصورة ولكن يشترط المشتري أيضا على البايع أنه
إذا فسخ فلا بد له أن يفسخ في الكل وإلا فلم يفسخ أصلا.
أما الأول فمقتضى وجوب الوفاء بالشرط هو العمل بطبق الشرط على
النحو المقرر عند العقد، لما عرفت أن هذا خيار جعلي فيتبع فيه جعل
294

المتعاقدين على النحو الذي جعلاه، ولا يقاس ذلك بخياري المجلس
والحيوان كما عرفت.
وعليه فلو فسخ البعض ولم يفسخ البقية حتى خرجت المدة فليس
على البايع شئ أصلا، فإن المؤمنون عند شروطهم فلازم الوفاء به هو
ذلك، ولا يثبت هنا شئ للمشتري، ويكون ذلك نظير المعاملتين اللتين
ثبت فيهما الخيار، فهل يتوهم أحد أنه إذا فسخ البايع هذه المعاملة
وذلك يستلزم الفسخ في معاملته الأخرى أيضا، وكذلك المقام كما
لا يخفى.
وأما الثاني فإن كان مقتضى الوفاء بالشرط هو نفوذ فسخ البايع العقد
في كل جزء جزء من المبيع برد كل جزء جزء من الثمن، سواء فسخ في
البقية أيضا أم لا كما عرفت في سابقه، ولكنه حيث اشترط المشتري
أيضا عليه أنه إذا فسخ في جزء فلا بد له أن يفسخ في البقية أيضا، فإذا
لم يفسخ البايع في البقية ألزمه المشتري بذلك على حسب اشتراطه وإلا
فيثبت له خيار تخلف الشرط، وكذلك لو لم يفسخ حتى خرجت المدة
كما هو واضح.
وفي جميع هذه الأقسام لا نرى موردا لتبعض الصفقة أصلا كما هو
واضح.
وأعجب من ذلك أن المصنف (رحمه الله) ذكر بعد ما حكم بثبوت خيار
تخلف الشرط، بأنه لا يبعد ثبوت خيار تخلف الشرط قبل خروج المدة،
ووجه العجب مضافا إلى ما ذكرناه من عدم الوجه وتعقل خيار تبعض
الصفقة أصلا، أنه كيف يثبت ذلك للمشتري قبل خروج المدة، فإنه في
ضمن هذه المدة لعمل البايع برد الثمن ويفسخ البيع، فثبوت خيار
تبعض الصفقة ينافي ذلك.
295

وبعبارة أخرى أنه لم يتم أمد خيار البايع، ومع ذلك كيف يثبت
للمشتري خيار تبعض الصفقة، وقد كان جعلهما هذا الشرط للمشتري
على هذا النحو، بأن يرد الثمن و يفسخ البيع إلى وقت معين، والفرض أنه
لم يخرج الوقت والمدة بعد كما لا يخفى.
ولعل هذه العبارة من غلط النسخة، ولم نر من الحواشي من يتعرض
لذلك.
8 - اشتراط الفسخ برد المثمن للمشتري
قوله (رحمه الله): الثامن: كما يجوز للبايع اشتراط الفسخ برد الثمن، كذلك يجوز
للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن.
أقول: قد عرفت أنه لا شبهة في جواز البيع واشتراط الخيار فيه برد
الثمن وأنه مقتضى القاعدة، مضافا إلى ورود الروايات عليه، وكذلك
يجوز للمشتري أن يشترط لنفسه الخيار متى رد المبيع، فإن الروايات
وإن وردت في اشتراط الخيار برد الثمن.
ولكن قد عرفت أن مشروعية هذا الشرط لا تحتاج إلى الروايات لكونه
موافقا للقواعد، فإن القاعدة الأولية تقتضي مشروعية هذا الشرط في
الثمن والمثمن، إما على النحو الذي ذكرناه، من كون انشاء الملكية من
الأول مضيقة، أو بمقتضى المؤمنون عند شروطهم كما هو واضح،
وكيف كان لا شبهة في جواز اشتراط الخيار للمشتري برد المبيع.
نعم فرق بين المقام وبين اشتراط الخيار برد الثمن، وهو أنك عرفت
قيام القرينة العرفية والارتكاز العرفي على أن اشتراط رد الثمن أعم من رد
شخصه أو بدله، فإنما أوجب البايع أو يبيع داره مثلا من زيد على هذا
النحو هو احتياجه إلى ثمنه واشتراط الخيار برد نفس الثمن لا يفيد
ولا يرفع حوائجه كما هو واضح.
296

ولكن تلك القرينة العامة في المقام على العكس، حيث إنه قد تعلق
غرض البايع بحفظ المبيع كما عرفت، وإلا لباع متاعه بأكثر من ذلك، فإن
اشتراط الخيار يوجب نقص القيمة كما عرفت، وعليه فاشتراط
المشتري الخيار لنفسه متى رد المبيع إنما هو ظاهر بحسب الارتكاز
العرفي في رد عين المبيع كما هو واضح.
وعليه فلو تلف المبيع سقط خيار المشتري، وأما البايع فسقوط
خياره وعدمه تابع لشرطه كما لا يخفى، نعم لو اشترط المشتري على
البايع ثبوت الخيار لنفسه متى رد المبيع أو بدله فلا يسقط خياره بتلف
المبيع، بل له الخيار برد بدله كما هو واضح.
ثم إنه هل يجوز اشتراط الخيار بالرد أعم من أن يكون برد المبيع أو
بدله حتى مع عدم تلف العين أو لا، وقد استشكل المصنف في ذلك هنا
كاستشكاله في اشتراط الخيار برد الثمن أعم من رد العين أو البدل حتى
مع بقاء الثمن
والوجه فيه ما ذكره هناك من أنه مخالف لقانون الفسخ فيكون غير
مشروع، وذلك لأن مقتضى قانون الفسخ أن يرد كل مال إلى صاحبه
بالفسخ ويكون الثمن راجعا إلى المشتري ويرجع المبيع إلى البايع، فإن
معنى الفسخ هو كون المبيع كعدمه واشتراط رد بدله مع الانفساخ
مخالف لذلك كما هو واضح.
وقد ذكرنا سابقا أن ما ذكره المصنف وإن كان متينا ولكن يمكن أن
يكون ذلك بشرط آخر ولو كان ضمنيا بأن يشترط في نفس هذا البيع، بأن
يشترط الفسخ برد المبيع ويشترط أيضا أن يبادل المبيع بعين آخر بحيث إن المشتري يفعل فعلين بحسب الاشتراط: أحدهما فسخ العقد،
والثاني تبديل المبيع بعين آخر ولو كان هذا التبديل بالوكالة من قبل
البايع كما عرفت ذلك في السابقة.
297

وعلى الجملة فاشتراط الخيار برد المبيع أو بدله حتى مع البقاء ينحل
إلى شرطين: أحدهما ثبوت الخيار للمشتري أو فسخ العقد بالرد،
والثاني تبديل كونه وكيلا في تبديل المبيع بعين آخر، فرد البدل من جهة
المبادلة المستقلة الجديدة الحاصلة بعد الفسخ، فلا يكون الشرط مخالفا
لقانون الفسخ.
ودعوى أنه لو كان التبديل بعنوان المبادلة الخاصة لكون المشتري
وكيلا في ذلك لكان باطلا بعزل الموكل الوكيل، قلنا هذا مبنى على جواز
عزل الوكيل الذي اشترطت وكالته في ضمن العقد اللازم وعدمه، فإنه
بناءا على الجواز فلا مانع منه هذا فيما إذا كان الشرط شرط الفعل، وأما
إذا كان الشرط شرط النتيجة بأن يشترط المبادلة بعد الفسخ فالأمر
أوضح، فإنه بمجرد انفساخ العقد يتبدل المبيع ببدل آخر، كما هو
واضح.
والأمر أوضح إذا اشترط رد التالف بالمثل في القيمي و بالقيمة في
المثلي، فإنه حينئذ تكون المبادلة في الذمة بين القيمي والمثلي، وتكون
الذمة مشغولة بالقيمة بعد ما كانت مشغولة بالمثل، وحيث إن الأمر هنا
أوضح.
ولذا لم يستشكل المصنف هنا بعد منع الجواز في العين الخارجية،
بدعوى أن اشتراط التبديل هنا بمنزلة اشتراط ابقاء ما في الذمة بغير
جنسه لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة وبالعكس، وهذا بخلافه
في السابق، فإن اشتراط البدل هناك اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع
لكونه مخالفا لقانون الفسخ، فيكون مخالفا للكتاب والسنة، ثم أمر
بالتأمل.
ولكن على ما ذكرناه لا فارق بين المسألتين إلا أن التبديل في الأولى
في العين الخارجية وفي الثانية في الذمة وهو واضح.
298

ثم إنه يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله
ويجري في كل من الطرفين كل واحدة على حدة الذي ذكرناه مفصلا.
المسألة (7)
جريان خيار الشرط في سائر العقود
قوله (رحمه الله): مسألة: لا اشكال ولا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع
وجريانه في كل معاوضة لازمة.
أقول: هل يجري خيار الشرط في غير البيع من العقود أم لا؟
الظاهر أنه لا خلاف في عدم اختصاصه بالبيع وجريانه في غيره أيضا،
لا من جهة الروايات الخاصة الواردة في هذه المسألة، فإنها مختصة
بموارد خاصة كما عرفت، بل لأن خيار الشرط موافق لمقتضى القاعدة
فيجري في غيره أيضا، ولذا تعدوا من موارد الروايات، فإن موردها
صورة رد تمام الثمن وتعدوا والتزموا بجوازه أي بجواز اشتراط الخيار
برد بعض الثمن كما عرفت.
وهذه القاعدة إما لعموم المؤمنون عند شروطهم، أو لما ذكرناه في
كون الشرط مرجعه إلى انشاء الملكية المحدودة أو غير ذلك.
جريان خيار الشرط في الايقاعات
وهذا في الجملة مما لا شبهة ولا خلاف فيه، وإنما الكلام في جريان
هذا الخيار في جميع أفراد المعاملات حتى الايقاعات أم لا.
وقد يقال بمنع جريانه في الايقاعات، بدعوى أن المفهوم من الشرط
ما كان بين اثنين، كما ينبه عليه جملة من الأخبار، والايقاع إنما تقوم
بواحد.
299

وفيه ما ذكره المصنف، من أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما
بشخصين: المشروط له والمشروط عليه، لا كونه متوقفا على الايجاب
والقبول، ألا تري أنهم جوزوا أن يشترط في اعتاق العبد اشتراط خدمة
مدة، متمسكا بعموم المؤمنون عند شروطهم، وهذا لا شبهة فيه، وعليه
فلا مانع من اشتراط شئ في الطلاق والعتاق تمسكا بعموم القاعدة الدالة
على جواز الشرط كما هو واضح.
وقد يظهر من المصنف وجه آخر في المنع عن جريانه في الايقاعات،
وقد أصر عليه شيخنا الأستاذ في عدة موارد، وحاصله:
إن الخيار إنما يجري في مورد يكون العقد قابلا للإقالة والانفساخ بها،
فإنه يستكشف من ذلك أن اللزوم لزوم حقي، فكل ما يكون اللزوم فيه
حقيا يدخل فيه الشرط أيضا، وأما ما لا تدخل فيه الإقالة فيستكشف من
ذلك كون اللزوم حكميا، فلا يمكن رفع اللزوم بجعل الخيار في العقد،
وحيث إن الايقاعات مما لا تدخل فيه الإقالة فيستكشف من ذلك كون
اللزوم حكميا، فلا يدخل فيه خيار الشرط، وهذا هو الكبرى الكلي في
كل عقد يدخل فيه خيار الشرط وما لا يدخل فيه خيار الشرط.
أقول: قد عرفت في أول البيع أنه لا فارق بين الحكم والحق من حيث
الحقيقة، بل كلاهما من حقيقة واحدة ومن مجعولات الشارع، غاية الأمر
أن الشارع قد أعطى الاختيار بيد المتعاملين فيقبل الحل والفسخ وكذلك
في الجواز، وسمي ذلك بحسب الاصطلاح حقا، وفي الآخر لم يجعل
فيه لأحد سلطنة أصلا ولا يقبل الفسخ أصلا، كما أن الجواز الحكمي
كذلك، فإنه لا يقبل النقل والاسقاط، وسمي ذلك بحسب الاصطلاح
حكما كما هو واضح.
و عليه فلا بد في تمييز اللزوم الذي لا يقبل الفسخ عما يقبل الفسخ و
300

كذلك في الجواز من الرجوع إلى الأدلة كما هو واضح، ومن هنا نرى أن
النكاح لا تدخل فيه الإقالة ولكن يدخل فيه الخيار من بعض الجهات كما
في موارد العيوب الخاصة، ولا يدخل فيه الخيار من غير هذه الجهة.
على الجملة فدخول الإقالة في العقد وعدم دخوله ليس ميزانا في
المقام، وعليه فكما دل الدليل بعد الرجوع إليه من عدم دخول الشرط
والخيار بعقد أو ايقاع وكونه لازما من جميع الجهات أخذ به وإلا
فعمومات وجوب الوفاء بالشرط متبع.
وعليه فيجري الخيار في كل عقد وايقاع حتى الطلاق ما لم يدل دليل
على خلافه.
بيان آخر لجريان الخيار في الايقاعات
وقد يستدل على ذلك بدليل لزوم الوفاء بالشرط، وقد منع بعضهم
جريانه في الايقاعات، بدعوى أن مفهوم الشرط ما كان بين اثنين
والايقاعات لا تقوم إلا بواحد.
وفيه أن المستفاد من الشروط ما كان بين شخصين لا كونها متوقفة على
الايجاب والقبول كما هو واضح.
ثم منع المصنف عن جريان شرط الخيار في الايقاعات بدعوى منع
صدق الشرط في الايقاعات وانصرافه إلى العقود، خصوصا على ما في
القاموس من تفسير الشرط بما كان في العقود.
ثم ذكر وجها آخر لمنع جريانه في الايقاعات، وأصر عليه شيخنا
الأستاذ في موارد عديدة، وحاصله ما أشرنا إليه، من أن الخيار إنما
يجري في عقد كان اللزوم فيه حقيا بحيث يتمكن المتعاقدان عن فسخ
العقد بالإقالة، وأما فيما كان اللزوم فيه حكميا فلا يجري فيه ذلك، ومن
301

الواضح أن الايقاعات لا تدخل فيها الإقالة فنكشف من ذلك عدم جريانه
في الايقاعات كما هو واضح.
وقد عرفت الجواب عنه وقلنا إن اللزوم حكم إلهي قد جعل في
العقود، وفي أي مورد دل دليل على جواز دخول الخيار فيه نأخذ به
وإلا فلا، فدخول الإقالة في بعض العقود وعدم دخولها في بعض ليس
ميزانا لجريان الخيار فيها وعدم جريانه فيها، فلا يوجب ذلك كون حقيقة
اللزوم متعددا حقيا تارة وحكميا أخرى، بل الحقيقة في جميعها على
نسق واحد، ومن هنا تري جريان الخيار في عقد النكاح من بعض
الجهات دون بعض مع عدم جريان الإقالة فيه.
وعلى الجملة جواز جعل الخيار في العقود وعدم جواز جعله فيه
تابع للدليل، ففي كل مورد دل الدليل على جواز نأخذ به وإلا فنحكم
باللزوم للعمومات الدالة على اللزوم.
بيان ثالث لجريان الخيار في الايقاعات
والتحقيق أن يقال إنه بناءا على كون دليل شرط الخيار في العقود هو
دليل الوفاء بالشرط، أعني المؤمنون عند شروطهم الذي ورد في
الروايات المستفيضة، لا يمكن التمسك بها لوجه آخر، بل دليل الشرط
هو شئ آخر قد أشرنا إليه فيما سبق، وحاصله:
أن المنشأ الذي يشترط الخيار في العقود إنما ينشأ من الأول
ملكية محدودة بعدم الفسخ، فيكون ما التزمه كل منهما في مقام الانشاء
مشمولا لأدلة الوفاء بالعقد، ولا تكون تلك الأدلة شاملة لها من الأول
حتى يتنازع في خروجها عنها.
وعليه فيجوز لكل من المتعاقدين في العقود ولخصوص المنشئ في
الايقاعات أن ينشئ من الأول حصة خاصة، وملكية محدودة،
302

وزوجية محدودة، وطلاقا محدودا من الأول، فلا يكون المشمول لأدلة
اللزوم إلا خصوص هذه الحصة الخاصة فقط، فإن أدلة اللزوم تدل على
لزوم ما التزمه العاقد لا غيره وإلا لتخلف العقد عن القصد.
وأما إن كان المدرك لجعل الخيار في العقود والايقاعات هو دليل
الوفاء بالشرط، وهو لا يشمل الايقاعات أصلا لوجهين:
1 - إنك قد عرفت فيما سبق أن معنى المؤمنون عند شروطهم هو
الحكم التكليفي، أي أن المؤمن لا بد وأن يقف عند شرطه ولا يتجاوز
عنه بالتخلف.
نظير: المؤمن عند عهده ووعده، وفي بعض الروايات: وليف
بشرطه (1)، ونظير ذلك: وليس للمؤمن أن يتخلف من شرطه وعهده بعد
ما عهد واشترط على نفسه فعلا، فإن من لوازم الايمان هو ذلك، كما أن
من لوازم الايمان هو اتيان الواجبات وترك المحرمات، وكذلك من لوازم
الايمان أن يفي المؤمن بشرطه (2).

1 - عن منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج
عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع وما كان
يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
المؤمنون عند شروطهم (التهذيب 7: 371، الإستبصار 3: 322، الكافي 5: 404، عنهم الوسائل
21: 277)، صحيحة.
2 - عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد (الكافي 2: 270، عنه الوسائل 12: 165)، صحيحة.
عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له،
فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض - الحديث (الكافي 2: 270، عنه الوسائل 12: 165)،
صحيحة.
303

2 - إن مقتضى الظاهر من قولهم (عليهم السلام): المؤمنون عند شروطهم، هو
أن من التزم بشرط واعتبر على نفسه في عقد فلا بد من الوفاء عليه، ومن
الواضح أن هذا لا يتم في الايقاعات، فإن المطلق مثلا هو الذي يشترط
على الزوجة شرطا من غير اطلاق منها، فلا يكون شرطا عليها ليشملها
المؤمنون عند شروطهم، إذ ليس عندها شرط أصلا حتى يفيها، ومع
الغض عن الاشكال الأول فأيضا لا يشمل الحديث الايقاعات.
وعليه فيختص بمورد كان متعلق الشرط هو الفعل ليكون العمل به
ممكنا، وعليه فشرط الخيار خارج عن مفاده لعدم كونه فعلا، وهذا هو
الظاهر من قضية المؤمنون عند شروطهم، وإن قلنا إن مرجع الشرط
بالآخرة إلى جعل الخيار ولكن بالالتزام لا بالمطابقة.
وأما إذا كان المدرك لجعل الخيار في العقود ما ذكرناه، فهل يمكن
جعله في جميع العقود والايقاعات، بأن يكون المنشئ قد أنشأ الطلاق
المضيق ومقيدا بعدم الفسخ مثلا أم لا؟
والظاهر هو الثاني، فإن المتفاهم من جعل الشروط أن يكون
للمشروط له خيار تخلف الشرط ويكون له خيار في اعدام الأمر الثابت
بالانشاء، وفي الايقاعات مثل الطلاق والعتاق والابراء ليس الأمر
كذلك، فإنها أمور عدمية.
وتوضيح ذلك أنه لو أغمضنا عن عدم شمول دليل الوفاء بالشرط
لجعل الخيار وقلنا بشمول الرواية لشرط الخيار أيضا، ولكن الظاهر من
الشرط ما يكون المشروط فيه اثباتا لشئ وايجادا له في مقام الاعتبار
بحيث لو تخلف المشروط عليه لثبت للمشروط له الخيار، والايقاعات
المسلمة مثل الطلاق والعتق والابراء خارجة عن ذلك بحسب الارتكاز
العرفي.
304

فإنها عبارة عن رفع شئ وإزالته، فإن الطلاق رفع الزوجية، والعتاق
رفع العبودية، والابراء اعدام اشتغال الذمة، وهكذا، فليس هنا اثبات
شئ وايجاده للطرف الآخر بحيث إذا تخلف بالشرط فيفسخ المشروط
له ذلك ويعدم ما أثبته للمشروط عليه ويحله، فإن الطلاق يعدم
الزوجية، ولذا ورد في بعض الروايات يلقي حبلها عليها، أي يقطع
العلاقة بينهما.
ومن الواضح لو ثبت فيه الخيار فلازم ذلك أن يرجع إليها من التخلف
ولو بعد سنين واختياره زوجا آخر، فبناء على عدم اختصاص دليل
الوفاء بالشرط بالأفعال فالارتكاز العرفي مانع عن جريانه في الايقاعات
أيضا حتى على ما ذكرنا أيضا من المبنى، فإن المتفاهم من الأمور
المذكورة اعدام الموضوع على وجه الاطلاق، فالتوقيت ينافي ذلك كما
هو واضح.
وأما ما ورد من جواز عتق العبد والأمة مع الشرط عليها، فليس ذلك
في الحقيقة اشتراطا للخيار أو الشرط في الايقاع، بل العبد وجميع
شؤونه من الأول ملك لمالكه، والمالك إنما رفع اليد عن مقدار من ملكه
وأبقي مقدارا آخر، لا أنه يعتق العبد على وجه الاطلاق ثم يشترط عليه
شرطا كما هو واضح.
والحاصل أنه بناءا على ما ذكرناه من أن مرجع الاشتراط هو انشاء
المنشأ مقيدا ومضيقا بحد خاص ليكون المشمول لأدلة اللزوم هو هذه
الحصة الخاصة، فأيضا لا يمكن جعل الخيار في الطلاق والعتق والابراء
لأنها أمور عدمية، فالطلاق اعدام الزوجية، والعتاق اعدام الرقية،
والابراء اعدام اشتغال الذمة.
والظاهر من مفهوم هذه الأمور بحسب الارتكاز اعتبار الشرط والخيار
305

فيها منافيا لمفهومها، فإن معنى الطلاق هو الاطلاق والارسال المعبر
عنه في الفارسية: رها كردن، ومن الواضح أن شرط الخيار بحيث
أن يكون له الفسخ ولو كانت المرأة المتزوجة ليضرها مناف لهذا
المفهوم كما هو واضح، وكذا مفهوم العتق ومفهوم الابراء.
عدم جريان خيار الشرط في النكاح
وأما الوقف والايصاء، فبناء على كونهما من الايقاعات كما هو
الظاهر فليسا من الأمور العدمية فيكونا مثل العقود، فلا بد أيضا من التكلم
فيهما بأنه هل يجري فيهما وفي جميع أقسام العقود أم لا.
فنقول: أما النكاح فقد ادعوا الاجماع على عدم جريان الخيار
وشرطه فيه، وذكر السيد (رحمه الله) (1) أن عدم جريانه فيه وكونه مفسدا للنكاح
على تقدير الاشتراط من جهة الاجماع، وإلا فمقتضى القاعدة هو جواز
الاشتراط فيه وعدم كون الشرط مفسدا له.
ولكن الظاهر أنه لا يجري فيه الشرط، وعلى تقديره يكون مفسدا،
وليس ذلك مثل بقيه الشروط التي لا تكون مفسدة للعقد.
والوجه في ذلك هو ما ذكرناه، من أن مرجع الاشتراط في العقود هو
تضييق دائرة المنشأ وجعله على قسم خاص وكونه مقيدا بعدم الفسخ،
وعليه فإذا اشترط الخيار في عقد النكاح فمعناه أن للمشروط له الفسخ
متى أراد، وعليه فلا يعلم أنه يفسخ النكاح أو لا يفسخ، وعلى تقدير أنه
يفسخ فلا يعلم أنه متى يفسخ.
وعليه فيكون وقت الفسخ مجهولا، وحيث إنه لم يرد النكاح في

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 32.
306

الشريعة إلا على قسمين: دائمي وموقت، وهذا العقد خارج عن
كليهما، فإنه ليس بدائمي لكون الزواج مقيدا بعدم الفسخ كما عرفت، إذ
لا معنى لاعتبار الزواج بعدم الفسخ أيضا ليكون دائميا لكونه تناقضا
واضحا ولغوا محضا، وأما الموقت فلأنه مشروط بكون الوقت معلوما
ومسمى، كما ورد في الروايات الكثيرة (1)، بل في قراءة ابن عباس: إلى
أجل مسمى (2)، حيث أضاف لفظ المسمى، وحيث ليس الأجل هنا
معلوما فيكون باطلا.
فلا يقاس ذلك ببقية الشروط الفاسدة الغير المبطلة للعقد، وإذن
فاشتراط الخيار في النكاح فاسد ومفسد للعقد.
نعم لو كان التوقيت بما وقت به الشارع كالطلاق والعيوب الخمسة
فلا مانع منه، فإنه أمر تعبدي، حتى لو صرحا الزوج والزوجة من الأول
بذلك لكان صحيحا أيضا، بأن قال: زوجت إلى أن أطلق، أو إلى أن يظهر
شئ من العيوب.
عدم جريان خيار الشرط في الوقف
وأما الوقف، سواء كان من العقود أو الايقاعات، فقد ذكرنا في بيع
الوقف أنه على قسمين:
1 - أن يكون تحريرا وفكا للملك كالمساجد ونحوها، فهو مثل العتق
فيكون من الأمور العدمية، فبالوقف يعدم الملكية ويفكها ويجعلها

1 - عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكون متعة إلا بأمرين: أجل مسمى وأجر
مسمى (الكافي 5: 455، التهذيب 7: 262، عنهما الوسائل 21: 42).
2 - عن الصدوق: قرأ ابن عباس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن
أجورهن فريضة (الفقيه 3: 292، عنه الوسائل 21: 8)، ضعيفة، والآية في النساء: 24.
307

محررة، ويجري فيه جميع ما ذكرناه في الطلاق والعتق والابراء،
فلا يمكن فيه جعل الخيار لكونه منافيا لمفهوم التحرير بحسب الارتكاز
العرفي، فإنه لا معنى للتحرير مع كونه مختارا في ارجاعه إلى ملكه،
نعم لو كان كذلك لم يكن وقفا، بل يكون من قبيل السكنى والعمرى
والرقبى.
2 - وهو ما كان من قبيل التمليك كالأوقاف الخاصة وكالوقف على
المسجد، بناءا على كونه ملكا للمسجد لا أنه يكون مثل المسجد
محررا، فالظاهر أنه مبني على أن التأبيد مأخوذ في حقيقة الوقف أم لا،
فإنه بناءا على أخذه فيه لا يجوز هذا الاشتراط، لأنه يكون الاشتراط
بالنسبة إلى الوقف متناقضا، لأن اعتبار الوقف مقتضى التأبيد والاشتراط
يقتضي التوقيت، بناءا على ما ذكرناه من رجوع الشرط إلى تضييق دائرة
المنشأ، وهما لا يجتمعان، واعتبار التأبيد حتى ما بعد الفسخ لغو ظاهر
كما هو واضح.
وأما بناءا على عدم أخذ التأبيد في الوقف والقول بجوازه سنة، نظير
السكنى والرقبى، فلا بد من تنقيح هذه الكبرى وأن التأبيد مأخوذ في
الوقف أم لا.
وأما ما في الموثقة من قوله (عليه السلام): من أوقف أرضا ثم قال: إن
احتجت إليها فأنا أحق بها، ثم مات الرجل، فإنها ترجع في الميراث (1)،
فلا دلالة فيها على المدعى، حيث إن محل كلامنا في شرط الخيار

1 - عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق ببعض ماله
في حياته في كل وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلى شئ من المال فأنا أحق به، ترى
ذلك له وقد جعله لله يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال:
يرجع ميراثا على أهله (التهذيب 9: 146، عنه الوسائل 19: 178)، موثقة.
308

والرواية أرجعه إلى شرط النتيجة ورجوع الوقف إلى ملك الواقف مع
الاحتياج، فأحدهما أجنبي عن الآخر.
وربما علل على عدم جريان الخيار في الوقف باشتراط القربة في
الوقف، وهو ممنوع صغرى وكبرى، أما الكبرى فلعدم الدليل على
اعتبار القربة في الوقف، وأما الصغرى فكذلك، فإنه لا دليل على أن
القربة مانعة عن الاشتراط مع وجود الدليل على الاشتراط، إما دليل الوفاء
بالشرط أو ما ذكرناه في الوقف كما هو واضح، فالظاهر أن شرط الخيار
وعدمه متوقف على ما ذكرناه من اعتبار من التأبيد في الوقف وعدمه.
المناط في جريان خيار الشرط في العقود
والحاصل أنه قسم المصنف العقود على ثلاثة أقسام:
1 - ما لا يدخل فيه الخيار اتفاقا، كالنكاح ونحوه.
2 - ما يدخل فيه الخيار، كالبيع ونحوه من أقسام المعاملات.
3 - ما يكون مختلف فيه كالوقف ونحوه.
أقول: التحقيق أن يقال إن في كل مورد نعلم بجواز شرط الخيار في
عقد نحكم بصحة أخذه فيه، وفي كل مورد نعلم بعدم جواز أخذ الخيار
في عقد نحكم بعدم صحة أخذه فيه، وفي مورد الشك نرجع إلى الأصل،
ومن الواضح أن مقتضاه هو جواز أخذه فيه وعدم ترتب الأثر على غير ما
أخذه المتبايعان في العقد.
بيان ذلك أنك قد عرفت آنفا أن معنى جعل الخيار في العقد هو تحديد
المنشأ بحد خاص، بحيث ينشئ البايع مثلا بيع داره مقيدا بعدم فسخه،
وقلنا إن التمليك الموقت وإن كان لا معنى له، فإن معنى بيع الدار هو
تمليكها مؤبدا من حيث الزمان وغير مقيد بزمان، ولكن ينافي ذلك
309

تحديده من حيث الزمانيات، فيبيع داره مقيدا بعدم فسخه أي ينشئ
ملكية داره لزيد مقيدا بالقيد المذكور لا على وجه الاطلاق.
وعليه فيكون أدلة اللزوم والصحة شاملة لذلك، فإذا شككنا في جواز
ذلك فبمقتضى القاعدة نحكم بجوازه وبعدم كون غير ذلك منشئا،
وعدم كون التمليك على وجه الاطلاق، فإن القدر المتيقن هو التمليك
الخاص فالزائد عنه مشكوك فالأصل عدمه.
وبعبارة أخرى أن الحكم بكون مال شخص لشخص آخر يحتاج إلى
سبب، والفرض أن المالك لم ينشئ إلا ملكية محدودة، فإن أمضى
الشارع ذلك فهو وإلا، أي وإن أمضى ملكية مطلقة يلزم أن يمضي
الشارع ما لم ينشئ، فيكون المنشئ غير ممضي والممضي غير منشئ،
وعليه فكلما شككنا في نفوذ شرط وخيار فالأصل يقتضي نفوذه، فإن
مقتضى عدم النفوذ هو الحكم بما نشك في انشائه، فالأصل عدمه كما
لا يخفى، هذا ما يقتضيه الأصل الذي لا بد من الرجوع إليه عند الشك.
التحقيق في معنى الشرط
ثم إن الشرط قد يرجع إلى الخيار وقد لا يرجع، ويتضح ذلك بما
سنذكره، وإذا عرفت ذلك فنقول:
لا بد من تحقيق معنى الشرط وما يجوز جعله في العقود وما لا يجوز
ليتضح ما هو الضابط في المقام، أعني ما يدخل فيه الخيار وما لا يدخل
فيه الخيار حتى نرجع في غيره إلى الأصل.
أما الشرط الذي اشترط في العقود قد يكون راجعا إلى اشتراط أمر غير
اختياري، وأخرى يرجع إلى اشتراط أمر اختياري، وعلى كل حال قد
يرجع الاشتراط إلى جعل الخيار وقد لا يرجع.
310

أما إذا كان الاشتراط اشتراط أمر غير اختيارية، كما إذا اشترى عبدا
فشرط كونه كاتبا، أو اشترى متاعا آخر فشرط كونه على وصف خاص،
فإنه لا شبهة في أن كون العبد كاتبا أو كون المبيع على وصف خاص من
الأوصاف التي ليس في اختيار البايع وهو غير اختياري للبايع.
وعليه فلا معنى للاشتراط إلا توقف الالتزام البيعي على الالتزام
الشرطي، فإنه لا يتصور لهذا الاشتراط معنى إلا أن يكون العقد معلقا
عليه، أي أبيع على هذا الشرط وإلا فلا أبيع، مثلا معنى بيع العبد بشرط
كونه كاتبا أنه أبيع ذلك على أن يكون كاتبا وإلا فلا أبيع فيكون باطلا
للتعليق.
وأما أن يكون المراد من الالتزام الشرطي التزام آخر في ضمن الالتزام
البيعي من غير أن يرتبط أحدهما بالآخر، وأما أن يراد ما ذكرناه من
توقف الالتزام البيعي على الالتزام الشرطي من غير أن يكون البيع متوقفا
على ظهور المبيع بوصف خاص، بل الالتزام على البيع والوقوف عليه
موقوف على الشرط كما هو واضح.
وعلى هذا فلو تخلف الوصف فيكون المشروط له مخيرا في بقائه
على التزامه وعدم بقائه فيكون له الخيار.
وأما إذا كان الشرط في العقود من الأمور الاختيارية، فهو على
قسمين:
1 - أن لا يكون العقد مما يجري فيه الخيار كمثل النكاح مثلا، فإن
معنى الشرط حينئذ هو مجرد توقف الالتزام العقدي على الالتزام
الشرطي من غير أن يكون مرجعه إلى جعل الخيار أصلا، بل فائدته ليس
إلا إلزام المشروط عليه تكليفا على الوفاء والوقوف على التزامه، فإن
المشروط له إنما أنشأ العقد على هذا الالتزام بحيث لو كان المشروط
311

عليه لقبل الايجاب المنشأ على هذا النحو لقبل مقيدا لكان باطلا لعدم
المطابقة بينهما، وقد ذكرنا في أوائل البيع أنه لو أنشأ الموجب عقدا
مشروطا بشرط فقبل القابل بلا شرط لبطل، فإنما أنشأه البايع لم يقبله
المشتري وما قبله القابل لم ينشأه الموجب.
وعلى كل حال فهذا الاشتراط ليس له فائدة إلا إلزام المشروط عليه،
ولا بأس بذلك أيضا، ويترتب عليه الأثر من حكم النشوز ونحوه في
النكاح، ولا يضر تعليق العقد بذلك، فإن بطلان التعليق في العقود ليس
إلا من جهة الاجماع، ومن الواضح أن المتيقن منه صورة كون المعلق
عليه مشكوكا لا فيما يكون منجزا، ولذا قالوا يعتبر التنجز في العقود،
وهذا المعنى متعارف في العرف أيضا، فإنه يقول بعضهم لبعض: بعتك
هذا المتاع لك بشرط أن تلتزم بذلك الشرط، أو يقول أحد الزوجين
للآخر: زوجتك نفسي بشرط أن تلتزم بالشرط الفلاني من تعيين المكان
ونحو ذلك.
ومن هذا القبيل اشتراط الشرط الفاسد في العقد، من شرب الخمر
ونحوه، فإن الشرط أعني الالتزام حاصل بالنسبة إلى المشروط عليه
ولكن لم يمضه الشارع، فمورد الشروط الفاسدة هو ذلك، فيصح العقد
لأن شرطه وهو التزام الطرف حاصل وإن لم يمضه الشارع.
2 - أن يكون الشرط مرجعا لكلا الأمرين، بأن يكون الشرط أمرا
اختياريا ويكون معناه التزام الموجب بالبيع ونحوه مثلا مقيدا بالتزام
الطرف الآخر بالشرط، فيكون منحلا إلى أمرين: أحدهما إلزام الطرف
أي المشروط عليه أولا بالوفاء بالشرط، ومع عدم الوفاء يثبت
للمشروط له خيار تخلف الشرط، وسيأتي تفصيل ذلك في باب
الشروط.
312

بيان آخر في تبيين المناط في جريان خيار الشرط
وبعبارة أخرى أن الشروط على ثلاثة أقسام:
1 - أن يكون مرجعه إلى جعل الخيار للمشروط له، كاشتراط
الأوصاف في المبيع مثلا الخارجة عن القدرة، كما إذا باع عبدا فشرط
المشتري على البايع كونه كاتبا، فإن كونه كاتبا ليس في قدرة البايع، فإذا
ظهر غير كاتب فليس للمشتري إلزامه بكونه كاتبا، وهكذا في جميع
الأوصاف غير الاختيارية، غاية الأمر فيثبت للمشروط له خيار تخلف
الشرط، فله أن يرضى بالمبيع الفاقد للوصف وله أن يفسخ العقد ويرجع
الثمن.
2 - أن يكون متعلق الشرط أمرا اختياريا، كما إذا اشترى أحد شيئا
وشرط في ضمنه أمرا مقدورا للبايع، كخياطة ثوبه وبناية داره أو نجارة
بابه، ونحو ذلك من الأمور المقدورة للبايع، وفي مثل ذلك فالشروط
مجمع للأمرين: إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط ومع عدم الوفاء
ثبت له خيار تخلف الشرط، فله أن يرضى بالعقد بدون الشرط وله أن
يفسخ العقد.
3 - أن يشرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا في العقد الذي
لا يجري فيه الخيار إلا فيما عينه الشارع بدليل خاص كعقد النكاح، فإنه
لا يجري فيه الخيار إلا بالأسباب التي عينها الشارع بدليل خاص،
فمقتضى الشرط هنا ليس إلا تعليق الالتزام العقدي على الالتزام
الشرطي، فلا شبهة في جواز التعليق حينئذ، فإن المعلق عليه وهو التزام
المشروط عليه حاصل، والتعليق إنما يضر إذا كان متعلقه مشكوكا
وليس كذلك، فما هو باطل هو الثاني دون الأول، فإن مورد المتيقن من
الاجماع هو الثاني، وأما الأول فالتعليق على نفس وجود المبيع مثلا.
313

وعليه فلو تخلف المشروط عليه عن شرطه فلا يثبت للمشروط له
الخيار، فإن فائدة هذا الشرط ليس إلا إلزام المشروط عليه على الوفاء
ومع عدمه لا يثبت الخيار.
نعم يمكن ترتب بعض الآثار عليه في مثل عقد النكاح، من عدم تحقق
النشوز ونحوه، مثلا كما اشترط الزوجة مكانا خاصا لزوج فلم يف
فذهاب الزوجة إلى ذلك المكان لا يوجب النشوز، ولا يضر ذلك بصحة
العقد، فإن المعلق عليه حاصل جزما، أعني التزام المشروط عليه،
وكذلك إذا كان الشرط فاسدا، فإن تعليق العقد بالوفاء بالشرط الفاسد من
هذا القبيل، أي الشرط حاصل وهو الالتزام بالوفاء بالحرام غاية الأمر
لم يمضه الشارع.
ومن هنا نقول إن الشرط الفاسد لا يفسد العقد، كما سيأتي في باب
الشروط.
نعم مع عدم الالتزام في جميع الصور المتقدمة من الأول لم يبطل
العقد من الأول، لأنما أنشأه البايع لم يقبله المشتري وما قبله المشتري
لم ينشأه البايع كما لا يخفى.
ثم إنك عرفت من جميع ما تقدم في معنى الخيار أن معناه ليس إلا
تحديد الملكية المنشأة بزمان، ومعنى التحديد أن البايع مثلا يعتبر
ملكية داره لزيد إلى الأبد من حيث الزمان، ويلزم بذلك على وجه
الاطلاق ولم يقيد أصل التزامه بشئ، فإن الاطلاق والتقييد في أصل
الالتزام غير معقول، ولكن يقيد ذلك بحسب الطواري والكيفيات من
حيث الزمانيات.
ونتيجة ذلك أن المشتري له التصرف في المبيع بأي كيفية يريد حتى
بالاعدام ونحوه، فإن له ذلك على وجه الاطلاق ولكن ملكيته وسلطنته
314

أعني الواجدية هي محدودة بحد خاص، وهو عدم الفسخ، فإذا فسخ
ترتفع هذه السلطنة وما يجوز له من التصرفات، وتنقطع سلطنته عن
العين، ونظير ذلك كثير في العرف، فإنه يكون شخص سلطانا إلى سنة،
كما هو كذلك في الرئاسة الجمهورية، ولكن تصرفاته في الأملاك مطلقة،
فله أن يتصرف في زمان سلطنته تصرفا مطلقة وتصرف خمسين سنة، بأن
يؤجر أرضا إلى خمسين سنة وهكذا.
وكذلك المتصرفين المنصوبين في البلاد من قبل الملك، فإن
سلطنتهم وإن كانت مقيدة بأمد خاص ولكن تصرفاتهم مطلقة، ولذا تنفذ
أمورهم بعد انعزالهم أيضا كالطرق والشوارع، وكذلك رئيس الوزراء
ونحوهم، وكذلك الأمر في كل معاملة خيارية، فإن معناه تحديد
المنشأ، فيكون نفس السلطنة خاصة ولكن نفوذ التصرف بجميع أنحائه
مطلقا.
والحاصل أن أصل الالتزام وإن كان غير قابل للاطلاق والتقييد، فإنه
كالانشاء إما يوجد أو لا، وإنما الاطلاق والتقييد باعتبار المتعلق، ولكن
تقييد استمراره باعتبار متعلقه شئ ممكن، بأن يقيد الوقوف عليه
واستمراره بشرط، وعليه فلا مانع من تحديد الالتزام البيعي بحسب
الاستمرار بالالتزام الشرطي، فتكون النتيجة من المجموع كون الملكية
مقيدة بحد خاص كما هو واضح.
الفرق بين التلف والفسخ
ثم إنه كما يوجب الفسخ انقطاع سلطنة المشتري عن العين بالكلية،
وكذلك التلف، فإنه إذا تلف مال أحد تنقطع سلطنته عن العين وعن ماليته
بالكلية، إلا إذا كان التلف مستندا إلى شخص يكون اتلافه موجبا
315

للضمان، فإنه حينئذ تكون سلطنته باقية في المالية، فإن ذمة المتلف
تكون مشغولة بذلك، وأما إذا لم يكن مستند إلى شخص فتكون سلطنة
المالك منقطعة عن العين وعن ماليته بالمرة كما كان تنقطع بالفسخ، فإذا
تلف المبيع عند المشتري في غير زمان الخيار فتكون سلطنته منقطعة
عنه.
ولكن مع ذلك هنا فرق بين التلف وبين الفسخ، وإن كانا مشتركين في
أصل انقطاع سلطنة المالك عن العين، فإنه في صورة التلف فالمعاقدة
باقية على حالها، بحيث إن المتبايعين وكذلك العرف والعقلاء يعتبرون
ملكية العين التالفة للمشتري في هذا الزمان أيضا قبل التلف، فيعتبرون أن
المشتري كان مالكا قبل التلف بخلافه في الفسخ، فإنه بالفسخ تنفسخ
المعاملة من الأول، ولذا لو ادعى البايع ملكية المبيع وضمان المشتري
عليه بالمثل بحيث أن يرد ثمنه ويأخذ مثل ماله، فيقول المشتري كان
التلف في ملكي وأنا كنت مالكا بالعين قبل التلف بالمعاقدة التي تبقى.
والمقام شبيه بالحجة، حيث إن الفاعل إذا أتى بعمل مستندا إلى حجة
شرعية، ففي أي وقت سئل عن وجه اتيانه فيقول كانت الحجة عندي،
فلو قيل: أعد، فيقول: الحجة تقتضي عدم الإعادة، وكذلك بعد الوقت،
ففي كل وقت يدعى بقاء الحجة واستناد عمله إليه.
وكذلك في المقام، فإن المشتري في كل وقت يدعي كون التلف في
ملكه وعدم الضمان لبدل المبيع لبقاء المعاقدة معه، فيقول: أنا لست
ضامنا بمثله أو قيمته، فإني عاملت عليه ويدعي في كل وقت بقاء
المعاقدة واستناد عدم الضمان على مثله أو قيمته إلى المعاقدة، ومن
هنا تجوز الإقالة بعد التلف، فحينئذ يرجع البايع إلى مثل العين أو قيمته،
ويرد الثمن إلى المشتري إن كانت عينه باقية وإلا فمثله أو قيمته.
316

فحال الفسخ ورفع الملكية وقطعها عن العين حال الإقالة بعد تلف
العين، فمع الفسخ أيضا إن كانت العين باقية فترد إلى البايع وإلا فيرد
المثل إن كان له الخيار حتى بعد تلف العين.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لقياس الفسخ وانقطاع السلطنة به بالتلف
وانقطاع السلطنة به من جميع الجهات، بل القياس في انقطاع السلطنة
بهما فقط ليس إلا، فافهم.
الضابطة الكلية في جعل الخيار في العقود والايقاعات
إذا عرفت ذلك كله فاعلم أن الميزان الكلي والضابطة الكلية في جعل
الخيار في العقود والايقاعات هو أن لا يلزم من جعله ما ينافي مفهوم
العقد، بأن ينافي التحديد مفهوم نفس العقد أو الايقاع، كما إذا طلق مع
جعل الخيار لنفسه، أو ابراء ذمة المديون موقتا، أو أعتقه كذلك، فإن
المتبادر من مفهومها هو الأبدية والتوقيت ينافيها، فمعنى الابراء افراغ
الذمة إلى الأبد والتوقيت امهال لا ابراء، ومعنى الطلاق الارسال
والاطلاق والتوقيت ينافيه، وكذلك العتق.
أو كان هنا اطلاق أو عموم يقتضي صحة العقد الذي يجعل فيه
الخيار، ففي البيع ونحوه من المعاملات مقتضى أوفوا بالعقود (1) وسائر
الأدلة هو صحة المعاملة التي جعل فيه الخيار، فيكون شمولها عليها بهذا
المقدار، وأما بعد الفسخ فلا فتكون المعاملة المنشأة بقيد، أي المنشئ
المحدود بحد، مشمولا لأدلة لزوم المعاملة، فالزائد عن ذلك يكون
خارجا عن حدود الأدلة الدالة على اللزوم من الأول.

1 - المائدة: 1.
317

وأما في مثل النكاح فليس هنا اطلاق أو عموم تقتضي صحة عقد
النكاح المقيد بوقت والمحدود بحد، بعد ما كان ممكنا ثبوتا، مع العلم
من الخارج بأن عقد النكاح لا بد وأن يكون دائميا أو موقتا، ولكن إلى
أجل معلوم، أي مسمى كما في بعض الروايات، وفي قراءة ابن عباس (1).
وعليه فجعل الخيار في عقد النكاح لا يدل دليل على صحة هذا
القسم من النكاح أي المحدود بحد خاص لو لم يكن من الخارج ما يدل
على كونه منحصرا بقسمين لكانت العمومات الدالة على لزوم مطلق
العقد محكمة ولكن قد عرفت جوابه.
عدم جريان خيار الشرط في الوقف
ثم إنك عرفت عدم جواز جعل الخيار في النكاح، بل الخيار فيه
منحصرا بالأسباب الخاصة، وقد عرفت عدم جريانه في الايقاعات
المذكورة من الطلاق والعقد والابراء.
وعرفت أيضا أن جريانه في الوقف مبني على اعتبار التأبيد في الوقف
وعدمه، فإنه بناءا على الأول لا يجري فيه الخيار لكونه منافيا لمفهوم
الوقف كما عرفت في الطلاق والعتق والابراء، وهذا هو المشهور بين
الفقهاء.
وهذا هو الظاهر من الرواية التي ذكرها المصنف هنا، من أنه وقف
الواقف شيئا واشترط عوده إلى ملكه مع الاحتياج، فحكم الإمام (عليه السلام)
بعوده ميراثا وبطلان الوقف (2)، بل هو الظاهر من غير واحد من الروايات

1 - عن الصدوق: قرأ ابن عباس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن
أجورهن فريضة (الفقيه 3: 292، عنه الوسائل 21: 8)، ضعيفة، والآية في النساء: 24.
2 - عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق ببعض ماله
في حياته في كل وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلى شئ من المال فأنا أحق به، ترى
ذلك له وقد جعله لله يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال:
يرجع ميراثا على أهله (التهذيب 9: 146، عنه الوسائل 19: 178)، موثقة.
318

المذكورة في باب الوقف، بل في بعضها ذكر الإمام (عليه السلام) أنه وقف إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها (1).
عدم جريان خيار الشرط في الصدقة
وأما الصدقة، فالظاهر عدم جريان الخيار فيه، فإنها لله، فما كان لله
لا يرجع (2)، بل هو كذلك في اعتبار العرف أيضا، فإنه لا يجوز العرف
جواز رجوع المصدق إلى الصدقة بعد مدة، فهي نظير الوقف بناءا على
اعتبار التأبيد فيه بل قسم من الوقف، وعلى الجملة فالصدقة حيث كانت
أمرا قربيا فلا ترد.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: أوصى أبو الحسن (عليه السلام) بهذه الصدقة: هذا ما تصدق
به موسى بن جعفر، تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها - إلى أن قال: - تصدق موسى بن
جعفر بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبسا بتلا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا رد، ابتغاء وجه
الله والدار الآخرة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يبتاعها، ولا يهبها
ولا ينحلها، ولا يغير شيئا مما وصفته عليها حتى يرث الله الأرض ومن عليها (الكافي 7: 53،
التهذيب 9: 149، الفقيه 4: 184، عيون الأخبار 1: 37، عنهم الوسائل 19: 202)، صحيحة.
2 - عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق بالصدقة أله أن
يرجع في صدقته؟ فقال: إن الصدقة محدثة إنما كان النحل والهبة ولمن وهب أو نحل أن يرجع
في هبته حيز أو لم يحز، ولا ينبغي لمن أعطى شيئا لله عز وجل أن يرجع فيه (التهذيب
9: 153، الإستبصار 4: 108، الكافي 7: 30، عنهم الوسائل 19: 243)، موثقة.
عن جميل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهو صغار
أله أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى (الكافي 7: 31، التهذيب 9: 137، الإستبصار
4: 102، عنهم الوسائل 19: 179)، صحيحة.
319

جريان خيار الشرط في الوصية والهبة
وأما الوصية، سواء كانت ايقاعا أو عقدا، فإن كان قبل الموت فهو
جائز بطبعه، فلا يدخل فيه الخيار بل كلما أراد الفسخ يفسخ، وإن كان
بعد الموت فهو لازم فيجوز فيه جعل الخيار، إذ لا نرى فيه ما ينافي
مفهوم الايصاء وأنه موافق لما دل باطلاقه على صحة الوصية.
ولكن في جعل الخيار فيها استبعادا محضا، وذلك فإن مقتضى جعل
الخيار فيه أنه بالفسخ من المورث أو من له الخيار أن المال يرجع إلى ملك
الميت، فإنه الذي أنشأ العقد وجعل فيه الخيار وكان المال في ملكه، ثم
بتوسط الميت ينتقل إلى الورثة، فإن في هذا استبعادا محضا بأنه كيف
يملك الميت بعد موته ولكنه مجرد استبعاد فلا محذور فيه.
وأما الهبة المعوضة التي لا تكون لذي رحم أو على وجه قربي أو من
الزوج للزوجة، فلا شبهة في جعل الخيار فيه، فإنه من العقود التي
لا محذور فيها لجعل الخيار بوجه كما لا يخفى، فافهم.
خلاصة الكلام في معنى جريان خيار الشرط في العقود
والحاصل أنك قد عرفت أن معنى جعل الخيار في العقد هو جعل
المنشأ مقيدا بقيد خاص وبحد خاص، فيكون مفاد العقد هي الملكية
المحدودة بعدم الفسخ، ثم إنك قد عرفت أيضا أن معنى جعل الشرط في
العقد هو كون البيع أي الملتزم به معلقا بذلك الالتزام الشرطي، بحيث إنه
لولا ذلك الالتزام الشرطي المعلق عليه لما باع البايع ماله أصلا، وقلنا إن
التعليق في أمثال ذلك لا يضر، فإنه إنما يضر إن كان لأمر مشكوك
الحصول لا لأمر منجز كما لا يخفى.
320

ولا يفرق في ذلك أي صحة العقد المعلق على الالتزام الشرطي بين
كون الشرط فاسدا كشرب الخمر ونحوه وبين كونه سائغا، فإنما علق
عليه العقد وهو الالتزام قد حصل تكوينا وإن لم يمضه الشارع كما
لا يخفى، فافهم.
ثم إنك قد عرفت أن العقد إذا توقف على شئ بحيث قد حصل مقيدا
بذلك الشرط والالتزام كان المنشأ محدودا بحد خاص وبقيد خاص،
بحيث إن المنشأ قد أنشأ هكذا، فيكون المشمول لعموم أوفوا بالعقود (1)
وسائر أدلة اللزوم هذه الحصة الخاصة من المنشأ المحدود، ولا شبهة
أنه مع تخلف هذا الشرط فللمشروط له خيار تخلف الشرط، فيكون هنا
التزام آخر من المشتري، على أنه إذا خالف الشرط فيكون للمشروط له
خيار تخلف الشرط فيما إذا كان مرجع الشرط إلى الخيار كما ذكرناه
سابقا، ويكون ذلك في العقود التي يجري فيه الخيار، فافهم.
فيكون دليل الوفاء شاملا للعقد المقيد والمحدود بالتزامين والعقد
بجميع هذه الشؤون يكون مشمولا له.
والحاصل إذا كان البيع مثلا معلقا على شرط كالخياطة ونحوها
والتزم المشتري بالوفاء بها فيكون البيع مقيدا بهذا الشرط، بحيث يكون
المنشأ محدودا بذلك فيكون مشمولا لما دل على اللزوم على هذا النحو
الخاص.
ثم إن معنى جعل الشرط في العقد هو كون المشروط له مخيرا في حل
ذلك العقد على تقدير مخالفة المشروط عليه بالشرط، وعليه فالعقد
معلق على التزامين: أحدهما التزام المشتري بالشرط، والثاني التزامه

1 - المائدة: 1.
321

بأن للمشتري حل العقد على تقدير مخالفته، وحينئذ فيكون المنشأ
مقيدا ومحدودا بكلا الالتزامين ومعلقا عليهما، ويكون العقد المقيد
والمحدود بهما مشمولا لأوفوا بالعقود وسائر أدلة اللزوم.
وعليه فلا مجال لتوهم أن حل العقد على تقدير تخلف الشرط مناف
لأوفوا بالعقود، بل هو مأخوذ فيه، فإن أوفوا يشمل العقود بجميع
شؤونها كما هو واضح، ومع تخلف الشرط ينتفي المشروط أعني
اللزوم، فثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط، وهذا معنى ما ذكر من
أنه ينتفي المشروط مع تخلف الشرط كما هو واضح، فإن من التزم بالبيع
التزمه على تقدير، ولا شبهة في عدم جواز قبوله بدون ذلك التقدير،
بداهة تفاوت قيمة المبيع مع الخيار وبدونه، فإذا كانت قيمة المبيع
خمسين بلا شرط وباعه عشرين مع الشرط، فلو لم يكن للشرط دخل في
نقصان الثمن لم يقدم بهذه المعاملة إلا السفيه كما هو واضح، هذا،
فاغتنم.
عدم جريان خيار الشرط في الوقف والصدقة
ثم إنه وقع الخلاف في جريان الخيار وعدمه في بعض العقود، وقد
عرفت عدم جريانه في النكاح، وما عن السيد في العروة أنه لا يجري في
النكاح للاجماع في غير محله بل لا يجري لما ذكرناه.
وقد عرفت أيضا عدم جريانه في الوقف أيضا، بناءا على اعتبار
التأبيد فيه كما هو الظاهر من الرواية التي ذكرها المصنف في المقام ومن
بقية الروايات الدالة على كون الموقوف وقفا إلى أن يرث الله الأرض
ومن عليها، وعليه فيكون جعل الخيار في الوقف منافيا لمفهومه.
وأما الصدقة فلا يجري الخيار فيها أيضا، لأنه كالوقف في اعتبار
322

التأبيد فيها، وأنها وقعت لله وما كان لله لا يرجع (1)، كما ذكر المصنف،
بل في بعض الروايات أن آخذ الصدقة هو الله تعالى (2)، فإذا كان الطرف
هو الله فكيف ترجع الصدقة.
وربما يتوهم كما توهم بعض المحشين، من أن ما ذكره المصنف هنا
من كون الصدقة لله تعالى وما كان لله لا يرجع مناف لما ذكره في الوقف،
من الاشكال في الكبرى في عدم اعتبار القربة، أي عدم الدليل على ذلك.
ولكن قد ظهر جوابه مما ذكرناه، وبيانه أن الروايات الكثيرة قد دلت
على اعتبار القربة في الصدقة وكونها على وجه قربي، ومعنى اعتبار

1 - عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق بالصدقة أله أن
يرجع في صدقته؟ فقال: إن الصدقة محدثة إنما كان النحل والهبة ولمن وهب أو نحل أن يرجع
في هبته حيز أو لم يحز، ولا ينبغي لمن أعطى شيئا لله عز وجل أن يرجع فيه (التهذيب
9: 153، الإستبصار 4: 108، الكافي 7: 30، عنهم الوسائل 19: 243)، موثقة.
عن جميل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهو صغار
أله أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى (الكافي 7: 31، التهذيب 9: 137، الإستبصار
4: 102، عنهم الوسائل 19: 179)، صحيحة.
2 - عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: إن الله لم يخلق شيئا إلا
وله خازن يخزنه إلا الصدقة، فإن الرب يليها بنفسه، وكان أبي إذا تصدق بشئ وضعه في يد
السائل ثم ارتجعه منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل، وذلك أنها تقع في يد الله قبل أن تقع
في يد السائل، فأحببت أن أقبلها إذ وليها الله - الحديث (الكافي 4: 8، ثواب الأعمال: 173،
عنهما الوسائل 9: 406، تفسير العياشي 2: 107، عنه الوسائل 9: 434)، صحيحة وإن كان فيه
معلى بن خنيس، لأنه موثق وتضعيف النجاشي إياه في غير محله، فراجع معجم رجال
الحديث.
عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أعطى السائل
قبل يد السائل فقيل له: لم تفعل ذلك؟ قال: لأنها تقع في يد الله قبل يد العبد (تفسير العياشي
2: 108، عنه الوسائل 9: 434)، ضعيفة.
323

القربة هنا أن طرف الصدقة هو الله والآخذ هو، كما في بعض الروايات،
فكان المصدق يعطي الصدقة لله تعالى وما أخذه الله تبارك وتعالى
لا يرجع، وهذا غير كون الفعل قربيا أي مأتيا به على وجه قربي لأجل
ابتغاء الثواب، وهذا لا ينافي جواز حل ذلك العقد وارجاع ما أعطى على
وجه قربي، ولو قلنا بكون المعاملة مستحبة بذاتها.
وإن أنكرنا ذلك في المكاسب المحرمة وقلنا إن الاستحباب من جهة
الفعل، فلا يكون ذلك موجبا للزوم البيع كما هو واضح هنا، لو باع أحد
داره من عالم أو سيد قربة إلى الله تعالى وقصد في معاملته التقرب بها إلى
الله تعالى، فهل يتوهم أحد أن ذلك مانع عن جريان خيار المجلس في
ذلك.
فالكبرى الذي تسلمها المصنف هنا غير الكبرى الذي منعها في
الوقف، فإن الآخذ هنا هو الله، فلا معنى لارجاع ما أخذه، بل هذا كذلك
في العرف أيضا، فإن من أعطى شيئا للسلطان ليس له أن يدق بابه بعد مدة
ويطلب ذلك، بل يعد العقلاء من المجانين لو فعل ذلك، وعلى تقدير
تسليم اعتبار القربة في الوقف فهو من القبيل الثاني دون الأول.
وعليه فلا مانع من جعل الخيار في الوقف مع قطع النظر عن كون
التأبيد فيه مانعا عن جريان الخيار فيه، على أنا قد استشكلنا في اعتبار
القربة في الوقف تبعا للمصنف، وقلنا إنه لا دليل عليه كما عرفت.
عدم جريان خيار الشرط في الصلح
وأما الصلح، فإن كان لقطع الخصومة فلا بأس لجعل الخيار فيه، فإن
مرجع جعل الخيار فيه هو تقييد المنشأ وتحديده بعدم الفسخ، ومن
الواضح أنه لا بأس لقطع الخصومة إلى زمان خاص، ولو صرح أحد
المتخاصمين أو كليهما بذلك فهل فيه محذور.
324

وإن كان الصلح لاسقاط الدعوى، فيكون ذلك مثل الابراء، فلأن لكل
شخص أن يدعي على أخيه المسلم وغيره من حقه ويحضره عند
الحاكم للمحاكمة وله حق الاحضار عنده، وليس للمدعى عليه الإباء
عن ذلك بوجه، فإذا أسقط حقه هذا بالمصالحة فيكون ذلك مثل الابراء،
وعليه فيكون جعل الخيار فيه منافيا لمقتضى الصلح كما هو واضح، فإن
معنى الاسقاط هو عدم بقاء حق للمدعي على المدعى عليه فيما ادعاه،
وأنه سقط إلا إذا ادعى حقا آخر غير الساقط، والشئ بعد سقوطه
لا يرجع إلى حالته الأولية.
والحاصل معنى السقوط والابراء هو فراغ ذمة من عليه الحق من الحق
إلى الأبد، فاشتراط التوقيت في ذلك مناف لذلك، فلا يكون حينئذ
اسقاطا وابراء كما لا يخفى.
عدم جريان خيار الشرط في الضمان
وأما الضمان، وهو عند الخاصة عبارة عن انتقال الدين من ذمة
المديون إلى ذمة الضامن، فيكون ذمة المديون بريئا، ويكون ذلك أيضا
مثل الابراء كما هو واضح.
جريان خيار الشرط في الرهن
وأما الرهن، فقد يقال بكون جعل الخيار فيه منافيا لمقتضى الرهنية،
فإن الرهن وثيقة وكون المرتهن على اطمينان من دينه، فجعل الخيار فيه
ينافي الاطمينان.
وفيه أن الرهن وإن كان وثيقة إلا أنه وثيقة للدين، ومعنى كونه وثيقة
للدين هو وصلة به، أي أن الرهن متصل به، ولذا يقال وثيقة للدين، أي
مشدود به، فيحل عند أداء الدين، وأخذ الوثيقة بمعنى الاطمينان لسهو
325

بل الاطمينان من لوازم الوثيقة، وإلا فمعنى الوثاقة في اللغة هو الشد،
ومنه قوله تعالى: فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء (1)، أي شدوا
وصالكم وعهدكم، ومن هنا يقال للشخص الذي أمين أنه موثق، أي أنه
لا تجر في أخبار ولا ترد، بل خبره متصل باعتقاده وليس كاذبا فيه، ولذا
يطلق الاعتقاد على وثاقة القلب بشئ، ويقال: اعتقد عليه وليس له تردد
ليقدم رجلا ويؤخر أخرى كما هو واضح.
وعليه فلا مانع في جعل الخيار في الرهن فيه أيضا، إذ لا تنافي فيه
بمقتضى الرهن أصلا، فإنه مع جعل الخيار فيه أيضا، فالرهن متصل
بالدين وبعد الفسخ يبقى الدين كحال لا رهن فيه، فلا مانع في ذلك مع
اقدام المرتهن عليه بنفسه.
وكيف كان فالضابط الكلي في جعل الخيار في عقد أو ايقاع هو عدم
منافاة الخيار بمفهوم العقد وعدم كونه مخالفا لعموم دليل ذلك العقد أو
اطلاقه كما عرفت في النكاح، بل وكونه موافقا للعموم أو الاطلاق الدال
على صحة هذا العقد كما عرفت.
جريان خيار الشرط في المعاطاة
ثم إنه ذكر المصنف عدم جريان الخيار في المعاطاة، بدعوى أن
المعاطاة إنما هي بالتراضي الفعلي، ومن الواضح أن الشرط الذكري
لا يرتبط بالتراضي الفعلي وهو واضح.
ولكن يرد عليه أن التراضي أمر قلبي وإنما يحصل في أفق النفس
ويحصل ارتباط كل من الشرط والمشروط في ذلك الصقع، وإنما المبرز
مختلف، ومع اختلافه يبرز شيئا واحدا، فعدم ارتباط أجزاء المبرز

1 - محمد (صلى الله عليه وآله): 4.
326

بعضها ببعض لا يستلزم عدم ارتباط بعض أجزاء المبرز بعضه ببعض،
وعلى الجملة فالبيع مثلا عبارة عن إظهار ما في النفس من الاعتبار بأي
مبرز كان، فكما لا يفرق في كون أصل مبرز المعتبر النفساني بين أي
مبرز، وكذلك لا يفرق بين ما كان مبرز أصل الاعتبار النفساني فعلا، وبين
ما كان مبرز ما يعتبر في أصل المعتبر النفساني من الشروط قولا كما هو
واضح.
فما ذكره المصنف من عدم ربط الشرط القولي بالمراضاة الفعلية
لا يمكن المساعدة عليه، فإنك قد عرفت أن المناط في ارتباط الشرط
بالمشروط هو في عالم الاعتبار، وأما في عالم الابراز فلا يلزم ربط جميع
أجزاء المبرز بعضه ببعض، وهذا واضح جدا كما لا يخفى، فافهم.
327

4 - خيار الغبن
قوله (رحمه الله): الرابع: خيار الغبن.
أقول: من جملة الخيارات الثابتة في المعاملات خيار الغبن، وهو
بمعنى الخديعة، ولكن تحقق خيار الغبن في البيع ونحوه لا يتوقف على
صدق الخديعة، بل يجري ذلك في بعض الموارد مع عدم تحقق
الخديعة، كما إذا كان البايع والمشتري كلاهما جاهلين بالغبن أي
التفاوت.
ثم إنه إنما يلاحظ الغبن بالنسبة إلى جميع القيود والشرائط التي
اعتبرت في العقد، فإنه لا شبهة أن قيمة المبيع تختلف باعتبار الطواري
والعوارض والقيود والشروط، وقد يكون ثمن شئ خمسين دينارا
ويكون مع الشرط ثلاثين دينارا، فهذه التفاوت لا يكون غبنا وخديعة،
بداهة تفاوت القيمة بالخيار وعدمه، نعم يلاحظ النقصان والزيادة
بالنسبة إلى مجموع المبيع والشروط والقيود، وهو واضح.
شرائط تحقق الغبن
ثم إنه قد اعتبر الفقهاء (رحمهم الله) شرطين في تحقق الغبن:
1 - أن يكون المشتري جاهلا بالقيمة السوقية واشترى المبيع بأكثر ما
يسوى في السوق، وأما علم البايع فإنها هو شرط في تحقق الخديعة،
وإلا فالغبن يتحقق بجهل المتبايعين أيضا.
328

ثم إنه قد يكون الغبن في الثمن، فيشترط فيه جهل البايع بقيمة الثمن
إذا كان من غير النقد، وهذا نادر، والغالب هو الأول.
2 - أن يكون ما أخذه الغابن من زيادة القيمة بما يتسامح، كأن كانت
قيمة العين خمسين دينارا فباعها من المشتري بمائة دينار، فإنه لا شبهة
في تحقق الغبن هنا، فإن الزيادة حينئذ ليس بما يتسامح، وأما إذا كان
الاقدام بالزيادة بعلم من المتبايعين معا أو كانت الزيادة بما يتسامح، بأن
باع ما يسوى بخمسين دينارا بأحد وخمسين دينار، فإنه لا خيار
للمشتري، إذ لا يتحقق الغبن بزيادة الدينار فيما يسوى بخمسين في
السوق.
ولعل هذا المقدار من التفاوت كان من جهة التفاوت في الأسواق، فإن
قل متاع يكون قيمته في جميع الأسواق وفي جميع الدكاكين واحدة، بل
المتاع واحد تختلف قيمته بحسب الدكاكين والأسواق مع كون المتاع
واحد في جميع الخصوصيات من حيث الجودة ونحوها كما لا يخفى،
ونتعرض لوجه هذين الشرطين قريبا.
استدلال على مشروعية خيار الغبن وثبوته بآية التجارة
ثم إنه لا شبهة في ثبوت هذا الخيار في الجملة، بل ادعى بعضهم
الاجماع عليه، ولكن أنكر المحقق (1) هذا الخيار لعدم كونه منصوصا.
1 - وقد استدل العلامة في التذكرة (2) على ثبوت هذا الخيار بقوله
تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض (3)، بدعوى أن المعاملة الغبنية ليست

1 - حكى عنه الشهيد (رحمه الله) في الدروس 3: 275 عن مجلس درسه.
2 - التذكرة 1: 522.
3 - النساء: 29.
329

تجارة عن تراض إذا علم المغبون بالحال لم يرض بها أصلا، وحيث إن ما
كان مفقودا أعني التساوي في المالية إنما هو وصف من أوصاف المبيع
الذي هو قيد له وليس من الأركان ففقدانه لا يوجب البطلان بل يوجب
الخيار كما هو واضح.
وقد ناقش المصنف في ذلك صغرى وكبرى، أما الصغرى فلأن كون
العوضين متساويين في المالية ليس إلا من قبيل الداعي، ولا شبهة
أن تخلف الداعي لا يوجب الخيار، ثم ناقش في الكبرى بأنه لو سلمنا أن
أخذ ذلك في المبيع على وجه التقييد ولكن تخلفه لا يوجب الخيار، فإنه
ليس من الأوصاف المذكورة في ضمن العقد، فلا يوجب تخلفه الخيار
بوجه أصلا.
أما الأول فيرد عليه أن تخلف الداعي وإن كان لا يوجب الخيار أصلا،
كما إذا اشترى متاعا بداعي الضيافة فلم يفعل الضيافة، فإن تخلفه
لا يوجب الخيار أصلا، لكون الدواعي كلها غريبة عن العقد فتخلفها
لا يستتبع شيئا، ولكن المقام ليس كذلك، إذ الدواعي هي تصور الغايات
ليبعث إلى ايجاد العمل في الخارج، ولا يعقل أن يكون ذلك قيدا في
العمل الموجود في الخيار.
وهذا بخلاف المقام، فإن البناء على تساوي العوضين في المالية
مأخوذ في العقد أخذ وصفا ضمنيا في العقد، فيكون على وجه التقييد،
فإن تعين بني آدم موقوف على تبديل الأموال وبناء المتعاقدين على
تساوي العوضين في المالية، فيناط التبديل بالتساوي، وحيث كان هذا
البناء نوعيا بحسب العرف والعادة جرى نفس اجراء العقد بين العوضين
مجري اشتراط تساويهما في المالية، فلا يكون ذلك إلا كالشرط
المذكور صريحا وكيف يكون من قبيل الدواعي.
330

وأما ما ذكره من المناقشة في الكبرى، من أن الشرط إذا لم يذكر في
متن العقد فلا يكون تخلفه موجبا للخيار، ففيه أن عدم الذكر إنما يوجب
عدم الخيار مع التخلف إذا لم يكن في حكم الذكر، وأما إذا كان مأخوذا
فيه ضمنا وبالدلالة الالتزامية فلا شبهة في أنه بمنزلة أخذه في العقد
صريحا.
وبعبارة أخرى أن الشروط الابتدائية وإن لم تكن واجبة الوفاء
ولا يكون تخلفها موجبا للخيار، ولكن إذا قامت قرينة على اعتبار وصف
في المبيع وإن لم يكن مذكورا في متن العقد فيكون ذلك مثل المذكور،
ومن الواضح أن بناء العرف والعقلاء وارتكازاتهم على اعتبار تساوي
المالية في تبديل العوضين، وهذا بمنزلة الصغرى، وحيث إن ذلك من
المقومات للعقد ومن أركانه، كما إذا باع عبدا فظهر حرا، أو باع ذهبا
فظهر مذهبا، فيكون تخلفه موجبا للخيار، وهذا بمنزلة الكبرى، فقد
ثبت أن تخلف الشروط الضمنية موجب للخيار، ومن ذلك تساوي
العوضين في المالية.
وقد ثبت في بعض الموارد أن تخلف الشرط الضمني الذي اعتبر في
العقد بحسب الارتكاز وبالقرائن الحالية يوجب الخيار، منها اعتبار نقد
البلد، فلو باع وأعطي المشتري غير نقد البلد ثبت للبايع خيار تخلف
الشرط الضمني، ومنها اعتبار التسليم، فلو لم يسلم المشتري إلا في
وقت يشاء نفسه، فلم يشك أحد ثبوت الخيار للبايع، وليس للمشتري
أن يقول: إن العقد لازم لدليل الوفاء به ونعطي الثمن في أي وقت نريد،
ونظائر ذلك كثيرة في الفقه، وقد اعترف المصنف به أيضا.
وعلى هذا فما ذكره العلامة في غاية الجودة والمتانة، مع قطع النظر
عن الآية أيضا.
331

والحاصل أن مقتضى بناء العقلاء وارتكازاتهم هو تساوي المالية في
العوضين بحسب العادة، ولو كان التفاوت في ذلك لا بد وأن يكون مما
يتسامح ويكون اعتبار التساوي في المالية مشروطا في ضمن العقد
ومنوطا به.
وهذا مما لا شبهة فيه بحسب الصغرى، وأما الكبرى فهو ثبوت
الخيار مع تخلف الشرط الضمني، والذي يكون دليلا على ثبوت خيار
الغبن هذا ليس إلا كما لا يخفى.
استدلال على مشروعيته وثبوته بآية النهي عن أكل المال
وقد استدل على مشروعية خيار الغبن وثبوته بآية النهي عن أكل
المال بالباطل بوجهين:
1 - ما ذكره المصنف وحاصله:
إن المعاملة التي وقع فيها غبن قد لا يلحق بها العلم بالتبين ولم يظهر
الغبن فيها بعد وقد تبين الغبن فيها، وهو على قسمين: لأنه قد يكون
التبين قبل الرضا بالعقد، وقد يكون التبين فيها بعد الرضا بالعقد، أما إذا
كان راضيا بالمعاملة بعد تبين الغبن، فلا شبهة في صحة المعاملة حينئذ،
فإنه لا يكون فيها ما يمنع عن صحته ولا يكون أكلا للمال بالباطل لأنه
تجارة عن تراض، وأما إذا كان التبين قبل الرضا بالعقد فتكون المعاملة
أكلا للمال بالباطل، إذ المشتري لم يرض بذلك فيكون أكلا للمال
بالباطل، وأما إذا كان قبل تبين الخدع في المعاملة فذكر (رحمه الله) أن مقتضى
الآية وإن كان حرمة الأكل حتى قبل التبين إلا أنه خرج بالاجماع وبقي ما
بعد اطلاق المغبون ورده للمعاملة.
أقول: يرد عليه أولا: أن مقتضى التمسك بالآية في المقام هو بطلان
332

العقد وانفساخه بمجرد ظهور الغبن فيه من غير أن يثبت للمغبون خيار
الفسخ، فإنه بمجرد ظهور الغبن فيها قبل الرضا بذلك يشمل عليه قوله
تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (1)، فيحكم ببطلانه لأن أكل المال
بالباطل حرام وضعا وتكليفا، ولا يحتاج بطلانه إلى الفسخ، مع أن
الفقهاء (رحمهم الله) ذكروا أن المغبون بعد ظهور الغبن في المعاملة مخير بين
الفسخ والامضاء.
وثانيا: أنه لا وجه لاخراج ما قبل تبين الخدع عن الآية بالاجماع،
بحيث إنه لولا الاجماع كانت الآية شاملة له ولكن الاجماع أوجب
التخصيص، وذلك إذ بعد شمول الآية بالمعاملة وحكمها بكونها أكلا
للمال بالباطل وحراما وضعا وتكليفا لا معنى للتخصيص، فهل يتوهم
أحد أن أكل المال بالباطل حرام إلا في المورد الفلاني، فإنه مع كونه أكلا
للمال بالباطل جائز وهذا لم يلتزم به فقيه.
وثالثا: أنه لا يفرق في شمول الآية وحكمها بالبطلان بين ظهور الغبن
وعدمه مع عدم الرضا بالمعاملة الغبنية، أي على كل تقدير، فإن الآية
إنما فصلت بين الأسباب الصحيحة والأسباب الباطلة ونهي عن المعاملة
بالأسباب الباطلة وفصل بينهما كما مر مرارا، وتكون الآية ناظرة إلى
أسباب المعاملات، وعليه فلا يفرق فيه بين تبين الغبن قبل الرضا أو
بعده، ففي جميع الصور الثلاثة يحكم بصحة المعاملة لكون سببها تجارة
عن تراض كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أنه لا معارضة بين حرمة الأكل بالباطل وبين تجارة عن
تراض.

1 - البقرة: 188.
333

2 - ما ذكره شيخنا الأستاذ، بأن الرضا الحاصل من المتعاملين
بالمعاملة حين ايجادها إنما هو الرضا بمعنى الاسم المصدري الذي له
بقاء، فيكون الرضا موجودا حدوثا وبقاءا، فما لم تبين الغبن تكون
المعاملة تجارة عن تراض ومشمولة للمستثنى، أعني قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض (1)، من غير أن نحتاج في تصحيح ذلك إلى
الاجماع ليكون ذلك تخصيصا، وبعد ظهور الغبن مع عدم رضا المغبون
بالعقد يكون مشمولا للمستثنى منه، فيحكم بالبطلان، وهذا معنى
ثبوت الخيار للمغبون.
وفيه أنه يرد عليه ما أوردناه أولا على المصنف، من أن لازم ذلك
بطلان العقد بنفسه من غير أن يحتاج إلى الفسخ أصلا كما لا يخفى، مع
أن الفقهاء (رحمهم الله) لم يلتزموا بذلك.
وثانيا: إن المراد من التجارة هو المعنى المصدري الذي وجوده
حدوثا دون المعنى الاسم المصدري الذي له بقاء، وإلا فلازم ذلك
أن يكون له الفسخ فيما إذا ترقت القيمة السوقية، فإن البايع ليس براض
بكون العين للمشتري بعد ما ترقت القيمة، كما إذا باعها بدينار ثم صارت
بدينارين.
استدلال عليه بما ورد في تلقي الركبان
وقد استدل على ثبوت هذا الخيار أيضا بالنبوي الدال على ثبوت
خيار الغبن للبايع فيما اشترى في تلقي الركبان (2)، وليس ذلك إلا من جهة

1 - النساء: 29.
2 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن تلقي الركبان وقال: من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل
السوق (عوالي اللئالي 1: 218، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (الغنية
: 526، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
334

الغبن، ولا يفرق في ذلك بين الموارد أصلا، فورود الرواية هنا لا يدل
على الاختصاص، بعد القطع بأن الخيار للغبن وأن المكاري صاروا
مغبونين لعلم المتلقين بالسعر وعدم علم المكارين به.
ولكن يرد عليه أنه لم يثبت هذا الحديث، ولم يذكر في الكتب
المودعة للرواية، وإنما هو مذكور من طرق العامة، فلا يعلم كونه رواية
أصلا، وعليه فلا ينجبر ضعفه بالشهرة، لو قلنا بانجبار ضعف الخبر
بالشهرة كما لا يخفى.
استدلال عليه بقاعدة لا ضرر
وقد استدل أيضا بقوله (صلى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام (1)، بل
ذكر المصنف أن أقوى ما يستدل به على ثبوت هذا الخيار حديث لا ضرر
ولا ضرار في الاسلام، بدعوى أن لزوم هذه المعاملة وعدم تسلط
المغبون على الفسخ ضرر عليه واضرار به فيكون منفيا، لأن الشارع
لم يحكم بحكم ضرري أصلا ولم يسوغ اضرار بعض المسلمين ببعض.
ولكن أشكل عليه بوجهين:
1 - ما عن صاحب الكفاية، بأن غاية ما استدل عليه الرواية هو رفع
اللزوم، وأما ثبوت الخيار بحيث يكون للمغبون حق ثابت في العقد فلا،

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام، فالاسلام يزيد المسلم خيرا
ولا يزيده شرا (الفقيه 4: 243، عنه الوسائل 26: 14)، ضعيفة.
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا ضرر ولا ضرار
(الكافي 5: 292، عنه الوسائل 18: 32)، موثقة.
335

فلماذا لا يكون الجواز هنا جواز حكميا نظير الجواز في الهبة، وأما
ثبوت الحق له بحيث يكون له حق الاسقاط أو انتقاله إلى الورثة بعد
الموت ونحو ذلك فلا يستفاد من الرواية.
والحاصل أن دليل نفي الضرر ناظر إلى رفع اللزوم الذي نشأ منه
الضرر، وأما اثبات حق يترتب عليه حكمه فلا يتكفله دليل نفي الضرر
كما هو واضح، ويكون الثابت خصوص الجواز الحكمي فقط، نظير
الجواز في الهبة، فلا يكون للمغبون حق الاسقاط وحق المصالحة عليه
ولا ينتقل إلى الوارث.
وفيه أولا: قد عرفت مرارا أنه لا فرق بين الجواز الحكمي والجواز
الحقي، بل هما من جنس واحد وحقيقة واحدة، وقد جعلها الشارع
لأحد المتعاقدين أو كليهما في موارد خاصة، غاية الأمر قد أعطى
السلطنة في بعض الأحيان لأحدهما بحيث ترتب عليه جميع آثار الحق
الآدمي من الانتقال والنقل بأي نحو كان، ولم يرتب عليه ذلك في بعض
الموارد كما في الهبة، حيث إنه ليس للواهب غير حق الرجوع إلى
المتهب.
وعليه فإن دليل نفي الضرر إنما رفع اللزوم الذي يلزم الضرر من قبله،
فيكون المرفوع من اللزوم مقدارا يرتفع به الضرر، وحينئذ فيكون الخيار
فوريا عرفيا، بحيث لو لم يعمل خياره من الفسخ والامضاء لسقط خياره،
فيعلم من ذلك أنه من الحقوق فيسقط باسقاط ذي الخيار أيضا.
ودعوى ثبوت الجواز الذي يكون ثابتا إلى الأبد نظير الجواز في الهبة
يحتاج إلى العناية الزائدة، فلا دلالة في دليل نفي الضرر عليه، وإذا ثبت
كون الجواز الثابت هنا مما يكون اختياره بيد المغبون فله أن يصالح عليه
بالمال.
336

وأما انتقاله إلى الورثة فلا يتكفله دليل نفي الضرر، بل لا بد من مقدمة
خارجية، لأن عدم انتقال مقدار من مال الوارث إلى الورثة ليس ضررا
عليهم بل يقل نفعهم بذلك، فلا يشمله دليل نفي الضرر، فنقول:
إنه ورد في بعض روايات الوصية أنه لا يجوز للمورث الايصاء على
المال بأزيد من الثلث لأنه اضرار للورثة (1)، فيعلم من ذلك أن الورثة وجود
تنزيلي للمورث وقائم مقامه فيكون الغبن علي المورث غبنا على
الورثة، فيكون الخيار الثابت له بدليل نفي الضرر ثابتا للورثة أيضا، كما
هو واضح.
وثانيا: إنه لا شبهة في جواز المعاملة مع اسقاط جميع الخيارات، بأنه
اقدام على المعاملة على متاع على أي نحو كان في الواقع، بحيث لو كان
المبيع يسوى في الوقع بدينار وأقدم المشتري على شرائه بخمسين
دينار على أي نحو كان في الواقع، بحيث غرضه نفس هذا الشئ،
لا شبهة في صحة هذه المعاملة وعدم ثبوت الخيار له بوجه، وأوضح
من ذلك لو أقدم على ذلك مع العلم بأنه لا يسوى في الواقع إلا بدينار،
فإذا صح اسقاط الخيار في الحدوث صح اسقاطه بقاء بالأولوية، كما هو
واضح لا يخفى.

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل توفي
وأوصى بماله كله أو أكثره، فقال له: الوصية ترد إلى المعروف غير من ظلم نفسه وأتى في
وصيته المنكر والحيف فإنها ترد إلى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم (التهذيب
9: 192، الكافي 7: 11، الفقيه 4: 136، عنهم الوسائل 19: 267)، حسنة لإبراهيم بن هاشم.
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: أن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء
ما دام حيا، إن شاء وهبه، وإن شاء تصدق به، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به
فليس له إلا الثلث، إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته (الكافي 7: 8،
التهذيب 9: 188، الإستبصار 4: 121، الفقيه 4: 149، عنهم الوسائل 19: 297).
337

وقد أجاب عن ذلك شيخنا الأستاذ بجواب آخر، وهو أنه لو كان
اعتبار التساوي بين الأموال من الشروط الضمنية فالاستدلال بلا ضرر في
محله، لأن مفاده أن الحكم الذي ينشأ منه الضرر مرفوع والحكم بلزوم
العقد مع عدم التزام المغبون بالغبن ضرري عليه، لأنه وإن جهل بالغبن
وأقدم بما فيه الضرر إلا أنه حيث شرط التساوي فهو بالشرط يملك على
المشروط عليه حقا، فإذا تخلف الشرط يكون كسائر الشروط المتخلفة
التي يوجب تخلفها أو تعذرها الخيار.
وأما لو كان اعتبار التساوي من الأمور البنائية أو الدواعي التي لا إشارة
في العقد إليها بنحو من الأنحاء لا مطابقة وإلا التزاما، فلا وجه للاستدلال
بلا ضرر لاثبات الخيار، فإن الضرر لم ينشأ من حكم الشارع باللزوم، بل
إنما نشأ من اقدام المشتري أو البايع بذلك ولو كان اقدامه عن جهل، فإنه
حيث تخيل التساوي بين المالين فأقدم عليه فلا يكون ما أقدمه عليه
مشمولا لدليل نفي الضرر، فلو كان مجرد الجهل يكون اقدامه ضرريا
لحكم بعدم الضمان بدليل نفي الضرر فيما لو أقدم أحد على اتلاف مال
غيره جهلا، مع أنه لا شبهة في الضمان حينئذ لأنه أقدم على اتلاف مال
غيره فيكون ضامنا.
والحاصل أن مجرد الجهل لا يكون مانعا عن كون الاقدام على الضرر
عن ثبوت الضمان وسببا لشمول دليل نفي الضرر عليه، فهو واضح.
والجواب عن ذلك، أما عن نقضه بباب الضمانات فهو أجنبي عن
المقام، فإن دليل نفي الضرر لا يشمل ذلك، فإنه على خلاف الامتنان،
فإن شموله له يوجب الضرر على المالك.
وقد ذكرنا في محله أن حديث لا ضرر لا يشمل الموارد التي على
338

خلاف الامتنان (1)، كما أن بقية أدلة الرفع لا تشمل الموارد التي على
خلاف الامتنان (2)، وهو واضح.
وعلى الجملة نفي الضرر عن متلف مال الغير غفلة بحديث لا ضرر
يوجب الضرر على المالك فيكون على خلاف الامتنان، وقد حقق في
محله أنه لا يشمل موارد خلاف الامتنان.
وأما المقام، ولو قلنا بعدم الشرط الضمني بكون القيمتين متساويتين
ومع ذلك لا يوجب الاقدام على هذه المعاملة التي معاملة غبنية اقدامه
على الضرر حتى لا يثبت له خيار الغبن، وذلك لأن المشتري مثلا إنما
أقدم عليها باعتقاد أن قيمة العين متساوية مع الثمن، وإن لم يكن التساوي
في القيمة مأخوذا في ضمن العقد، وعليه فلو لم يكن العقد لازما
لم يتضرر المغبون فيفسخ العقد، ولكن حيث حكم الشارع بلزوم العقد
فيأتي الضرر من قبل حكم الشارع باللزوم ويكون مرتفعا بدليل نفي
الضرر كما هو واضح.
وعلى الجملة فحيث إن المغبون إنما أقدم على المعاملة باعتقاد
التساوي مع عدم تساوي القيمتين في الواقع فالتزامه على ذلك ضرري
عليه، فيكون مرفوعا بحديث لا ضرر.
مناقشة الشيخ (رحمه الله) في حديث لا ضرر والجواب عنها
ثم إنه ناقش المصنف في الحديث بأنه يمكن رفع الضرر من غير ثبوت
الخيار بوجهين:
1 - إن انتفاء اللزوم وثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار

1 - مصباح الأصول 2: 520.
2 - مصباح الأصول 2: 257.
339

للمغبون بين الرد والامضاء بكل الثمن، إذ يحتمل أن يتخير بين امضاء
العقد بكل الثمن ورده في المقدار الزائد، غاية الأمر ثبوت الخيار للغابن
لتبعض المال عليه، ويكون ذلك مثل ما اختاره العلامة في التذكرة
واحتمله في القواعد، من أنه إذا ظهر كذب البايع مرابحة في اخباره
برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري، فإن مرجع
هذا إلى تخيير البايع بين رد التفاوت وبين الالتزام بفسخ المشتري.
ويرد عليه أنه لا وجه لكون المغبون مخيرا بين امضاء العقد بكل الثمن
ورده في المقدار الزائد، فإن الالتزام بالتقسيط إنما يصح إذا أمكن الالتزام
بالانحلال ويقال بكون البيع الواحد منحلا إلى بيوع عديدة، كبيع ما
لا يملك مع ما يملك كالشاة مع الخنزير، وكبيع مال نفسه مع مال غيره،
فإن في أمثال ذلك يلتزم بصحة البيع فيما يملك أو في المملوك وببطلانه
في ما لا يملك وغير المملوك، غاية الأمر يثبت للمشتري خيار تبعض
الصفقة لو كانت الهيئة الاجتماعية دخيلة في المالية، وإلا فلا يلزم
محذور أصلا.
والوجه فيه هو أن البيع وإن كان واحدا ولكنه بحسب الحقيقة بيوع
متعددة حسب تعدد المبيع وهذا واضح، وأما في المقام لا يمكن ذلك
لعدم الانحلال هنا حتى يلتزم برد بعضه وامضاء بعضه الآخر، لأن المبيع
هنا واحد والبيع واحد، وقد وقع البيع على المثمن بثمن خاص وهو
دينارين مثلا، وقد كان ثمنه في الواقع دينارا واحدا.
فلو التزمنا بما ذكره المصنف وقلنا بجواز رد التفاوت للزم القول
بإمضاء الشارع غير ما أنشأه المتعاقدان، فإن البايع أنشأ بيع ماله بدينارين
فامضاء الشارع ذلك بدينار واحد، كما هو معنى رد التفاوت وامضاء لما
لم ينشأه البايع، فلا يكون ما امضاء منشئا وما يكون منشئا ليس
بممضى، وكم فرق بين المقامين.
340

وأما ما ذكره من تنظير المقام ببيع المرابحة، من أنه مع كذب البايع في
اخباره برأس المال بأن أخبر أنه دينار اخبار بربح نصف دينار فظهر أنه
كان نصف دينار فربح دينارا، فأيضا لا يرتبط بالمقام، وذلك فإن في
المقام قد أنشأ البيع على مبيع جعل ثمنه دينارين، فالالتزام بكونه دينارا
التزام بكون ما أنشأه الشارع غير منشأ كما عرفت، وليس كذلك في بيع
المرابحة، فإن المعاملة قد جري على المتاع بثمن اشتراه البايع واقعا مع
ربع معلوم، فظهور كذب البايع في اخباره برأس المال وجواز رجوع
المشتري إلى التفاوت لا يوجب الالتزام بكون الممضي غير المنشأ، بل
هو في الحقيقة رجوع إلى الزائد من الثمن الذي أخذه البايع من
المشتري.
وبعبارة أخرى أن البيع في بيع المرابحة إنما وقع على الثمن الذي
اشترى به البايع من شخص آخر مع ربح معلوم، وهما ثمن في الواقع
وتطبيقه على الزائد عن ذلك من جهة كذب البايع في اخباره، فيكون نظير
خطائه في الاخبار فيكون ذلك من باب الخطأ في التطبيق فلا يجوز
رجوعه بالتفاوت هنا بالبيع أصلا،، نعم يكون المقام نظير بيع المرابحة لو
قال البايع للمشتري: إنما أبيعك هذا المتاع بالقيمة السوقية، وهي
دينارين مع كونها دينارا واحدا.
2 - ثم إنه ذكر المصنف احتمالا آخر لعدم ثبوت الخيار بدليل نفي
الضرر، بدعوى أنه يمكن أن يكون نفي اللزوم بتسلط المغبون على إلزام
الغابن بأحد الأمرين، من الفسخ في الكل ومن تدارك ما فات على المغبون
برد القدر الزائد أو بدله، ومرجعه إلى أن للمغبون الفسخ إذا لم يبذل
الغابن التفاوت، فالمبذول غرامة لما فات على المغبون على تقدير امضاء
341

البيع لا هبة مستقلة كما في الإيضاح وجامع المقاصد (1).
ويرد عليه أنه لا ملزم لذلك، فإنه بعد صحة البيع كما هو المشهور بل
المجمع عليه حيث لم يستشكل أحد في هذا البيع، فبأي ملزم يغرم
البايع، فهل هنا موجب للضمان والغرامة من اليد والاتلاف، غاية الأمر
أن للمشتري مطالبة التفاوت من القيمة المتعارفة، وأما قبل المطالبة
فلا شئ للبايع أي الغابن أصلا، لفرض أن المغبون لم يلتفت بالغبن حتى
مات، فهل يتوهم أحد أن يكون البايع مشغول الذمة للمشتري المغبون
أو يكون البيع باطلا، وكيف كان فلا نعرف وجها للغرامة أصلا.
ومن هنا التزم الفخر والمحقق الثاني وشيخنا الأستاذ بكون المأخوذ
هبة مستقلة، لعدم ارتباطه بالمعاملة أصلا.
وعلى الجملة لا نعرف وجها لمنع التمسك بدليل نفي الضرر بشئ
من هذين الوجهين اللذين ذكرهما المصنف.
التحقيق في قاعدة لا ضرر
والذي ينبغي أن يقال إنه لو جاز التمسك بحديث نفي الضرر فلازمه
بطلان العقد لا ثبوت خيار الغبن، وذلك لأن الضرر إنما يلزم من جهة
الحكم بصحة العقد واللزوم إنما هو لزوم الضرر، لا أن الضرر يلزم من
ناحية اللزوم، ومن الواضح أن دليل نفي الضرر إنما هو ناظر إلى رفع
الحكم الضرري فقط ولا يكون ناظرا إلى اثبات الخيار، بدعوى أن الضرر
يرتفع برفع اللزوم وثبوت الخيار، فإن حديث لا ضرر لا يتكفل باثبات
الحكم وإنما هو يرفع الحكم الضرري، وهو صحة العقد كما عرفت،
فيكون العقد باطلا.

1 - إيضاح الفوائد 1: 484، جامع المقاصد 4: 294.
342

ولكن ذلك مخالف للاجماع والضرورة، فإنه لو كانت المعاملة الغبنية
باطلة لبان وظهر كظهور حرمة الربا، فإن وجود الغبن في المعاملات بين
المسلمين من الكثرة بمكان، مع أنه لم يسمع من فقيه أن يلتزم بذلك،
فيكون خروج المعاملة الغبنية عن مورد الاجماع بالتخصيص.
على أن حديث نفي الضرر إنما ورد في مقام الامتنان، ومن الواضح أن
شموله في المقام بحيث يحكم ببطلان المعاملة الغبنية خلاف الامتنان،
لأنه ورد في مقام الامتنان لجميع الأمة، ومن الواضح أنه على خلاف
الامتنان على البايع، فإن الحكم بكون هذه المعاملة باطلة يوجب ضرره،
ولو من جهة فوت المنفعة من كيسه، فتكون هذه المعاملة خارجة عن
حديث لا ضرر تخصصا وهو واضح.
استدلال على خيار الغبن بالروايات الناهية عن الغبن
ثم إنه استدل على بطلان المعاملة الغبنية بجملة من الروايات الناهية
عن الغبن، وفي بعضها: الغبن من السحت، وقد ذكرها المصنف في
المتن (1).
وفيه أن الظاهر من غير رواية ابن عمار، المتضمنة لكون غبن
المسترسل سحتا، هو التحريم التكليفي، فلا دلالة فيها على الحرمة
الوضعية، ويمكن أن يراد منها حرمة الغبن - بفتح الباء - فيكون من الخيانة

1 - عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المسترسل سحت (الكافي
5: 153، عنه الوسائل 17: 395).
عن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المؤمن حرام (الكافي 5: 153، التهذيب 7: 7،
عنهم الوسائل 17: 395).
عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المسترسل ربا (الفقيه 3: 173، عنه
الوسائل 17: 396).
343

في الرأي والمشاورة، فإنه من المحرمات، فتكون مثل الروايات الدالة
على حرمة خيانة المؤمن.
وأما رواية ابن عمار، فذكر المصنف أنها وإن كانت ظاهرة فيما يتعلق
بالأموال لكن يحتمل حينئذ أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في
استحقاق العقاب على أصل العمل، وهي الخديعة في أخذه المال،
ويحتمل أن يراد المقدار الذي يأخذه زائد على ما يستحقه بمنزلة
السحت في الحرمة والضمان، ويحتمل إرادة كون مجموع العوض
المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة،
وهي اطلاق المغبون ورده للمعاملة المغبون فيها، ثم ذكر أن الحمل
على أحد الأولين أولى ولا أقل من المساواة للثالث.
ولكن ما ذكره المصنف من الحملين الأولين بعيد.
أقول: لا شبهة أن السحت يطلق على المال الحرام وعلى نفس الحرام
أيضا في اللغة، ومن الأول ما ورد في الروايات الكثيرة التي تقدمت في
المكاسب المحرمة، كقولهم (عليهم السلام): ثمن الخمر سحت، وثمن العذرة
سحت، وأجور الفواجر سحت، والسحت أقسام كثيرة منها الرشوة (1)،
وهكذا.

1 - يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثمن العذرة من السحت (التهذيب
6: 372، الإستبصار 3: 56، عنهما الوسائل 17: 175)، مجهولة لعلي بن مسكين أو سكن.
دعائم الاسلام: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع العذرة، وقال: هي ميتة (دعائم الاسلام
2: 18، عنه المستدرك 13: 71)، مرسلة.
عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر،
ومهر البغي - الخبر (الكافي 5: 126، التهذيب 6: 368، الخصال: 329، عنهم الوسائل 17: 93)،
موثقة.
344

ومن الواضح أن كون الغبن من السحت إنما يلائم المعنى الثاني، أعني
نفس الحرام، فإنه هو الفعل أعني أخذه الزيادة في المعاملة، ويمكن
أن يراد منه الغبن - بفتح الباء - فيكون المراد منه الخيانة، أي الخيانة
سحت، وقد ورد النهى عن خيانة المؤمن في روايات كثيرة (1).
وكيف كان فتكون هذه الروايات كالروايات الأخرى، فلا تكون لها
خصوصية.
المسألة (1)
شرائط تحقق هذا الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: يشترط في هذا الخيار أمران.
أقول: قد أشرنا فيما سبق إلى أنه يشترط في خيار الغبن أمران:
1 - جهل المغبون بالتفاوت.
2 - عدم كون التفاوت مما يتسامح.
الأمر الأول: جهل المغبون بالتفاوت
فلا شبهة في أنه لا يثبت الخيار مع علم المغبون بتفاوت القيمة، وكذا
ما يقوم مقام العلم من الاطمينان، فإنه مع ذلك قد أقدم على الضرر
ولا يثبت الخيار له مع اقدامه عليه، من دون فرق في ذلك بين ما إذا كان

1 - عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس
منا من ماكر مسلما (عقاب الأعمال: 320، الكافي 2: 252، عنهما الوسائل 12: 242)، موثقة.
عن الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): من كان مسلما فلا يمكر ولا يخدع، فإني سمعت جبرئيل يقول: إن المكر والخديعة في
النار، ثم قال:: ليس منا من غش مسلما وليس منا من خان مسلما (أمالي الصدوق: 223، عنه
الوسائل 12: 241).
345

مدرك هذا الخيار هو دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني، فإنهما ينتفيان
مع الاقدام على المعاملة مع العلم بالتفاوت.
وكذلك لا شبهة في عدم ثبوت الخيار له إذا لم يعلم بالتفاوت ولم يكن
مطمئنا بعدمه، بل كان شاكا فيه ومحتملا لذلك، ولكن يقدم على
المعاملة على أي تقدير، بمعنى أنه يشتري المتاع سواء كانت قيمته
متساوية للقيمة السوقية أم لا بحيث لا يتسامح، فإنه حينئذ لا يثبت
الخيار له، إذ هو قد أقدم على الضرر على تقدير تفاوت القيمة.
وليس المراد من اقدامه على الضرر اقدامه على المعاملة، بأن يقال
حيث إن المشتري قد أقدم على البيع فقد أقدم على الضرر المتحقق فيه
أيضا، وذلك لأن الاقدام بالبيع لا يستلزم الاقدام على الضرر، لأنه يمكن
أن يقدم على البيع الخياري فإذا شاهد الضرر والغبن فيه يفسخ المعاملة،
بل المراد اقدامه على نفي الضرر، أي يقدم على المعاملة على تقدير
الضرر فيه، كما إذا صرح بأني أقدم على هذه المعاملة بأي قيمة كان
المبيع في السوق ولو كان التفاوت بمقدار لا يتسامح، فإنه لا يكون هنا
أيضا خيار للمغبون من الأول مع ظهور الغبن أنه كان له الخيار فيسقط،
ولا يفرق في ذلك أيضا بين كون المدرك هو دليل نفي الضرر أو الشرط
الضمني.
وقد ذكرنا سابقا أن ثبوت الخيار في موارد تخلف الشرط إنما هو من
جهة انتفاء الملتزم به، حيث قلنا إن الوقوف على الالتزام من قبل
المشروط له متوقف على وقوف المشروط عليه على التزامه، بحيث
لا يتخلف الملتزم به عن واقعه، وإذا تخلف ثبت له الخيار، وأما إذا
لم يكن هنا التزام وملتزم بحيث يتوقف عليه التزام المشتري فلا موضوع
لتخلف الشرط أصلا، فضلا عن ثبوت الخيار مع التخلف كما لا يخفى.
346

وفي المقام بعد ما فرضنا أن المشتري إنما أقدم على المعاملة على
أي نحو اتفق وبأي قيمة كان المبيع في السوق، فقد أقدم عليها مطلقا
بلا توقف وقوفه عليها على تحقق الملتزم به من البايع، فلا يكون هنا
خيار من ناحية التخلف، إذ ليس هنا شرط ضمني حتى يقع التخلف فيه،
وهو واضح.
ثبوت الخيار وعدمه مع الشك في عدم تساوي قيمة المبيع مع الثمن
هذا كله لا شبهة فيه، وإنما الكلام في ثبوت الخيار وعدمه مع الشك
في عدم تساوي قيمة المبيع مع الثمن مع الظن الغير المعتبر بالتساوي مع
عدم اقدامه على المعاملة على أي تقدير بالمعنى الذي ذكرناه، فهل
يثبت الخيار حينئذ للمشتري أم لا؟
الظاهر أنه لا شبهة في ثبوت الخيار في جميع صور الشك، من غير
فرق بين كون المدرك هو دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني وفاقا
للمصنف ولشيخنا الأستاذ.
والوجه في ذلك أن المشتري لم يقدم على الضرر حتى مع الظن
بالتساوي بل معتمدا على الشرط الضمني، وهو تساوي العوضين في
القيمة، ولذا ربما يبنى على الفسخ مع ظهور عدم التساوي، فالاقدام
على المعاملة مع ظن التساوي والشك أو الاحتمال في عدم التساوي
يثبت له خيار الغبن مع الغبن، سواء كان المدرك هو دليل نفي الضرر أو
الشرط الضمني.
بل الأمر كذلك مع الظن بالتفاوت إذا لم يكن الظن معتبرا، فإن ذلك كله
لا يوجب أنه قد أقدم على الضرر، فإنه مع ذلك يحتمل عدم الضرر
ويقدم عليه، وعليه فالشرط الضمني أعني اشتراط تساوي العوضين في
347

المالية موجود فيثبت الخيار مع التخلف، وكذلك يجري دليل لا ضرر
بناءا على كونه دليل ذلك الخيار.
ولا شبهة أن بناء العقلاء وارتكازهم على هذا حتى من غير المتشرعة،
ولذا يثبت هذا الخيار فيما إذا عامل يهودي مع نصراني فغبن أحدهما
الآخر، فإنه يثبت خيار الغبن في ذلك، فإن بناء العقلاء كان موجودا على
تساوي العوضين وإن لم يذكر صريحا، فمع التخلف يثبت الخيار ما
لم يقم دليل معتبر على خلاف بناء العقلاء.
ومن الواضح أن الظن بالتفاوت أو احتماله أو الشك فيه لا يقاوم بناء
العقلاء ولا يكون قرينة لرفع الشرط الضمني، ولا يصح اقدام هذا
الشخص على الضرر بمجرد ظنه وشكه ووهمه، وهو واضح لا شبهة
فيه.
نعم قد يكون الاقدام على الفعل مع الشك والاحتمال مصححا للؤم
والذم بل الضمان، ويحكم عليه بالمؤاخذة في المحاكمات العرفية فيما
إذا كان الفعل مما اهتم الشارع بعدم وقوعه بحيث يكون المورد مورد
الاحتياط لكثرة اهتمام الشارع بالحفظ.
كما إذا رأى أحد شبحا من بعيد وشك في كونه انسانا أو غير انسان أو
احتمل كونه انسانا فأرسل إليه بندقة فقتله، فبان أنه انسان محقون الدم،
فإنه يذم في المحاكم العرفية بلا شبهة، بل يعزر لو لم يحد ويقتل قصاصا
ويؤخذ منه الدية.
وكذا لو أوقع أحد بالماء مزاحا بزعم أنه ليس بعميق مع احتمال كونه
عميقا يغرق الواقع فيه، إذا لم يحسن السباحة وعلم الموقع أن من أوقعه
عليه لا يحسن السباحة، فإنه لا شبهة في كونه مؤاخذا حينئذ في المحاكم
العرفية، وإن لم يؤخذ في المحكمة الشرعية، نعم يترتب عليه حكم
القتل الخطئي.
348

والوجه في ترتب الضرر على الاقدام مع الشك والاحتمال في أمثال
ذلك كون الموارد مما اهتم الشارع بحفظه، وكونه مما يجب فيه
الاحتياط، ولذا يترتب عليها الحكم مع الاقدام في حال الشك أيضا،
وهذا بخلاف ما نحن فيه كما عرفت.
والحاصل أنه فرق بين المقام وبين الموارد المذكورة، فإن في الموارد
المذكورة قد تنجز الواقع فلا يجوز الاقدام عليها إلا مع وجود المعذر
والحجة الشرعية من الأمارات والأصول، وإلا فمجرد احتمال ترتب
قتل النفس المحترمة على الفعل يتنجز التكليف ويحكم بعدم الجواز،
وهذا بخلاف المقام، فإن الواقع لم يتنجز فالشرط الضمني موجود ما
لم يقم دليل على رفع اليد، فمقامنا عكس الموارد المذكورة، حيث إن
الاقدام على الضرر لا يتحقق إلا مع قيام دليل شرعي عليه، فإذا أقدم على
معاملة ولو مع ظن عدم التساوي لا يوجب ذلك رفع اليد عن الشرط
الضمني لعدم كون الظن حجة شرعية.
لو ظهر التفاوت بأزيد مما اعتقده المشتري
ثم إنه لو اعتقد المشتري عدم كون قيمة هذا المتاع مساويا مع القيمة
السوقية، ومع ذلك قد أقدم عليه وظهر التفاوت بأزيد مما اعتقده، فهل
يتحقق خيار الغبن في ذلك أم لا؟
فصور المسألة أربعة:
1 - أن يكون ما اعتقده من زيادة بما يتسامح ومع ذلك أقدم عليه
ولم يعرض عنه لزعم عدم اتحاد قيمة الأمتعة في الأسواق، فإنه قلما
يوجد شئ تتحد قيمته في الأسواق بل الدكاكين في الأسواق مختلفة،
فإن بعض الناس يأخذ الربح الكثير وبعضهم يقنع بالقليل لقلة مخارجه
أو قلة طمعه أو كثرة منافعه، وبعضهم لا يقنع بالقليل لعكس الأمور
349

المذكورة، فإذا عامل مع هذا الاعتقاد لعلمه هذا باختلاف قيم الأشياء
فظهر التفاوت بأزيد مما اعتقده بما لا يتسامح، بأن اشترى شيئا بدينار
مع اعتقاده بكون قيمته أقل من الدينار بدرهم، ومع ذلك ظهر التفاوت
بأربعمائة فلس، ومن الواضح أن الدرهم في الدينار مما يتسامح ولكن
الثلثمائة وخمسين مما لا يتسامح.
2 - أن يعتقد التفاوت بما لا يتسامح فظهر التفاوت أزيد منه بما
لا يتسامح أيضا، كما إذا اعتقد أن قيمة المبيع عشرة دنانير في السوق
وأقدم على شرائه بأربعة عشر دينار، فظهر أن قيمته لا يسوى إلا ستة
دنانير.
فإنه لا شبهة في ثبوت خيار الغبن في هذين الصورتين بلا شبهة، لأنما
أقدم عليه من الضرر غير الضرر الذي لم يقدمه، ومن الواضح أن ما
لم يقدمه ضرر غير متسامح فيوجب خيار الغبن، ولا يفرق في ذلك أيضا
بين القول بأن مدرك خيار الغبن هو الشرط الضمني أو دليل نفي الضرر،
كما هو واضح.
3 - أن يقدم على ما يتسامح به فبان أزيد مما لا يتسامح بالمجموع منه
ومن المعلوم.
وقد ذكر المصنف وشيخنا الأستاذ أنه يثبت الخيار في هذه الصورة
أيضا، فإنما أقدمه المغبون وإن كان مما يتسامح كالدرهم في الدينار،
والوجه فيه أن ما أقدمه وإن كان مما يتسامح به ولكن المجموع ليس مما
يتسامح به ولم يقدم عليه المشتري، فيكون التفاوت بذلك موجبا
للخيار.
وبعبارة أخرى أن ما أقدمه من الضرر الذي يتسامح به لم يلاحظ بشرط
لا بحيث يلاحظ ما يظهر من التفاوت الذي لم يقدم عليه مما يتسامح
أيضا بشرط لا وهكذا حتى يجري عليه حكم ما يتسامح، بل المراد مما
350

أقدم عليه مما يتسامح يلاحظ لا بشرط، فإذا انضم إلى تفاوت آخر الذي
لم يقدم عليه مع كونه مما يتسامح يكون المجموع مما لا يتسامح، وهو
ضرر لم يقدم عليه المغبون فيثبت له الخيار، من غير فرق بين كون
المدرك هو دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني كما هو واضح، ولولا
ذلك للزم عدم ثبوت الخيار على هذا النحو.
4 - الاقدام على ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا.
فذكر المصنف ثبوت الخيار هنا أيضا، ولكن شيخنا الأستاذ قوى
عدم الثبوت في هذه الصورة، وذكر أنه لا يقاس على الصورة الأولى، لأن
في الصورة الأولى موجب الخيار وهو المجموع لم يقدم عليه وما أقدم
عليه لم يكن موجبا للخيار، وفي المقام أقدم على ما يوجبه وما لم يقدمه
لا يكون موجبا للخيار.
ولكن الظاهر ثبوت الخيار في هذه الصورة أيضا، وذلك لأنما أقدمه
مما لا يتسامح لا يوجب اقدامه على كل مرتبة من الضرر، ومن الواضح أن
المرتبة التي ظهرت بعد الاقدام مما لا يتسامح وإن كان التفاوت بين ما
أقدمه وما لم يقدمه مما يتسامح.
وبعبارة أخرى بحيث يظهر وجه ثبوت الخيار هنا، أن ظهور التفاوت
بين ما أقدمه المتعامل وبين القيمة السوقية لا يوجب الخيار بلا شبهة،
وهو واضح، فالمراد من التفاوت مما يتسامح هو هذا أي ما يكون تفاوت
قيمة المبيع مما أقدم عليها المشتري من القيمة السوقية، وأما في غير
المتسامح فالشرط الضمني موجود بثبوت الخيار للمغبون، وحيث إنه
أقدم على مرتبة من الضرر وهو لا يوجب الخيار، ولكن لا يلزم منه
الاقدام على مرتبة أخرى منه أيضا، وإن كان التفاوت بين الضررين مما
يتسامح فإن التفاوت بما يتسامح إنما يكون معفوا في أصل ظهور
التفاوت بين أصل قيمة المبيع وبين ما أقدمه المشتري لا بين ما أقدمه من
351

الضرر وما لم يقدمه، فالشرط الضمني باق على حاله، فيثبت للمغبون
الخيار.
المراد من متساوي القيمة حال العقد أو بعده
ثم إن المراد من متساوي القيمة حال العقد أو بعده، ذكر المصنف أن
المعتبر القيمة حال العقد، فلو زادت بعده ولو قبل اطلاع المغبون على
النقصان حين العقد لم ينفع، لأن الزيادة إنما حصلت في ملكه والمعاملة
وقعت على الغبن.
ثم احتمل عدم الخيار بدعوى أن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت
المراد المشروع لتدارك الضرر، كما لو برأ المعيوب قبل الاطلاع على
عيبه بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، ثم
ذكر: وأشكل منه ما لو توقف الملك على القبض فارتفع الغبن قبله، لأن
الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته، نعم لو قلنا بوجوب
التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة (1) في الصرف يثبت الخيار
لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد في مقابلة الناقص.
أقول: إن ما احتمله المصنف ثانيا، من عدم ثبوت الخيار فهو متين،
بناءا على كون مدرك خيار الغبن هو دليل نفي الضرر في الاسلام، فإنه قد
ارتفع بزيادة القيمة أو بنقصانها وبعده لا خيار لأحدهما كما هو واضح،
لارتفاع الضرر الذي يدور الحكم بثبوت الخيار مداره.
وبعبارة أخرى أن الحكم إنما هو تابع لثبوت موضوعه فكلما ثبت
الموضوع ثبت الحكم وإلا فلا، فاستمرار الحكم تابع لاستمرار
الموضوع، وحيث إن مدرك ثبوت خيار الغبن هو دليل نفي الضرر

1 - المختلف 5: 107.
352

يقتضي دوران الحكم مدار الضرر وجودا وعدما، فما دام هو موجود
فيكون الخيار ثابتا وإلا فيرتفع بارتفاعه، سواء كان الارتفاع قبل العلم به
أو بعده ما لم يرد العقد ولم يعمل خياره، وهو واضح فيما ذكره
المصنف في بيع الصرف والسلم مما اعتبر القبض في حصول الملكية،
إذ لم يحصل الملك حتى يتحقق الضرر ويوجب ذلك شمول دليل
الضرر عليه كما هو واضح، إلا على ما ذكره العلامة من وجوب الاقباض
وهو كما تري.
وأما إذا كان المدرك لخيار الغبن هو الشرط الضمني، كما هو الموافق
للتحقيق فلا بد حينئذ وأن يلاحظ أن الشرط الذي اشترط في ضمن العقد
أعني تساوي القيمتين أي مقدار من التساوي من حيث الزمان، فهل
المراد منه التفاوت الموجب للخيار هو التفاوت المستمر، أي يكون
العوضين متفاوتين في عمود الزمان وطوله بحيث لو حصل التساوي في
آن من الآنات لسقط الخيار، أو المراد منه هو التفاوت حال القبض بحيث
لا اعتبار بالتفاوت قبله أو بعده، أو المراد من التفاوت الموجب لسقوط
الخيار هو التفاوت حال العقد كما هو الظاهر.
إن كان المراد من التفاوت الموجب لسقوط الخيار هو الشق الأول
فلا شبهة في سقوط الخيار في أي زمان حصل التساوي بين العوضين من
حيث القيمة، لحصول الشرط الذي هو تساوي القيمتين في أي وقت من
الأوقات في عمود الزمان وطوله وهو واضح.
وبعبارة أخرى أن المتعاقدين إنما اشترطا التساوي بين العوضين في
المالية في أي وقت من الأوقات، بحيث لو حصل ذلك وتحقق حال البيع
وبعده من أي وقت كان حصل الشرط وكفي ذلك في صحة المعاملة،
وأما لو لم يحصل ذلك بل كان التفاوت بين العوضين مستمرا إلى الأبد
فهو يوجب الخيار كما هو واضح.
353

ولكن هذا مخالف للاجماع والضرورة والارتكاز العقلائي، وقد
ادعى المصنف قيام الاجماع على عدم الاعتناء بالزيادة والنقصان بعد
العقد، وهذا الاجماع وإن كان يبعد كونه تعبديا ولكنه موافق للارتكاز
وخلاف بناء العقلاء، فإن هذا الشرط الذي ذكرناه إنما هو بحسب العقلاء
فلا يثبت البناء في مثل ذلك كما هو واضح.
وأما التفاوت حال التقابض، بأن كان ما يوجب الخيار هو التفاوت
حال القبض دون غيره فلا خيار لو كان التفاوت بعد ذلك أو قبله، وهذا
مناف لما ذكره المصنف في الفرع الآتي، من أنه لو ثبتت الزيادة أو
النقيصة بعد العقد فإنه لا عبرة بهما اجماعا كما في التذكرة (1)، فإن الظاهر أن الفرعين من واد واحد كما ذكره المصنف.
وبيان ذلك أنه إذا كان التفاوت الذي يوجب الخيار هو التفاوت حال
العقد بحيث يكون الشرط الضمني هو التساوي حال العقد فيكون
التفاوت عنده موجبا لتخلف الشرط وثبوت الخيار بالتخلف، فلازم
ذلك أن لا يفيد حصول التساوي بعد العقد ولو كان ذلك عند القبض
فلا يكون ذلك موجبا لسقوط خيار المغبون الثابت بتخلف شرط حين
العقد.
وعليه فلا مجال لما ذكره المصنف من عدم ثبوت الخيار أي سقوط
الخيار بالتدارك الحاصل بعد العقد، سواء كان ذلك قبل العلم بالتفاوت
أو بعده، وهو واضح.
وإن كان المناط في ثبوت الخيار هو التفاوت والتساوي حال القبض،
بحيث لو كان العوضان متفاوتين حال العقد ولكن حصل التساوي حال

1 - التذكرة 1: 523.
354

العقد أو كانا عند العقد متساويين، ولكن حصل التفاوت حال القبض
ثبت الخيار في الثاني وارتفع الخيار في الأول، كان لما ذكره المصنف في
الفرع الأول، وهو ما كان العوضان عند العقد متفاوتين وحصل التساوي
بعد ذلك وجه، ولكنه مخالف لما ذكره بعد ذلك في الفرع الثاني، وهو
حصول الزيادة والنقصان بعد العقد، بأن كان التساوي حين العقد حاصلا
وحصلت الزيادة أو النقيصة بعد ذلك، حيث قال: لا عبرة بهما اجماعا.
وكيف كان فلا يمكن التفريق بين الفرعين بل هما من واد واحد، وعليه
فلا وجه لما أصر به شيخنا الأستاذ من الفرق بين المقامين، فراجع كلامه.
بيان آخر
والظاهر أن المناط في الشرط الضمني هو حال العقد، ويتضح ذلك
بضم أحد الفرعين بالآخر والاجماع الذي ذكره المصنف في الفرع
الثاني، وإن لم يكن اجماعا تعبديا لبعده كما هو واضح، ولكنه موافق
للارتكاز كما ذكرناه آنفا، فإن بناء العقلاء وارتكازهم إنما قام على كون
العوضين متساويين حال العقد.
ويتضح ذلك بملاحظة حال التجار حيث يربحون في المعاملات أو
يخسرون فيها بعد العقد، ويغبن أحد المتبايعين ويربح الآخر من غير أن
يدعي أحدهما الغبن ويدعي ثبوت الخيار لنفسه، وليس ذلك إلا من
جهة عدم ثبوت الخيار له وعدم بناء العقلاء وارتكازهم على ذلك بعد
العقد، بل هو كذلك عند العقد.
والحاصل أنه إن كان المراد مما هو شرط في ضمن العقد من اشتراط
تساوي القيمتين هو التساوي المستمر أو التساوي حال العقد وهو
مخالف للاجماع، فإنه قائم على عدم الاعتناء بالزيادة والنقصان بعد
355

العقد، فإن الظاهر أن الفرعين من واد واحد، فإنه لو كان التساوي المستمر
شرطا أو التساوي حال القبض شرطا فحصلت الزيادة والنقصان بعد
العقد يكون هذا داخلا تحت الاجماع، بأنه لا اعتناء بالزيادة والنقصان
بعد العقد، أي ما يحصل بعده فيكون داخلا تحت هذا الاجماع، مع أن
المصنف تسلم عدم الاعتناء بالثاني مدعيا الاجماع عليه والتزم بجوازه
حتى تدارك الضرر في الأول، وقد عرفت عدم الفرق بينهما.
ولا يفرق في ذلك بين كون المدرك هو دليل نفي الضرر أو الشرط
الضمني العقدي، والظاهر أن المراد من التساوي وهو التساوي حال
العقد وما يوجب الخيار من التفاوت هو التفاوت حاله، ويدل على ذلك
ما هو المرتكز بين العقلاء، ويتضح ذلك من ضم الفرع الثاني إلى الأول
وملاحظة عدم الفرق بينهما، وأن ما ادعى عليه الاجماع في الفرع الثاني
هو الارتكاز، إذ من البعيد أن يكون المراد من ذلك الاجماع التعبدي وهو
واضح.
ثبوت الخيار في حق الوكيل
وأما الوكيل، فإن كان وكيلا في مجرد اجراء الصيغة فهو خارج عن
المقام، فإنه ليس إلا آلة محضة وليس له شأن مما يرجع إلى البيع حتى
يتكلم في ثبوت الخيار له وعدمه، وإنما البايع هو الموكل بلسان الوكيل
الذي يجري الصيغة كما هو واضح، وقد تقدم تفصيل ذلك في خيار
المجلس.
وإن كان وكيلا في أمر البيع أيضا، بأن يكون وكيلا مفوضا في البيع
بحيث له أن يبيع المتاع من أي شخص شاء وكيف يشاء، ولكن ينتهي
أمد وكالته إلى تمامية البيع وبعد ذلك ليس له وكالة، والظاهر أنه لا يثبت
356

له الخيار في هذا الصورة أيضا لو ظهر غبن في المعاملة، فإن الوكيل وإن
كان بايعا حقيقة ولكن الخيار إنما ثبت بدليل الشرط الضمني لمن كان
مغبونا في المعاملة، ومن الواضح أن المغبون إنما هو الموكل وليس
للوكيل بشئ من أمر البيع بعد تمامية البيع، فضلا عن أن يكون مغبونا أو
غير مغبون، وأما ثبوت خيار المجلس لمثل هذا الوكيل في خيار
المجلس فإنما هو من جهة النص الدال على أن البيع بالخيار ما لم يفترق،
ومن الواضح أن هذا القسم من الوكيل يصدق عليه البايع، فلا يقاس
بالمقام كما هو واضح.
نعم لو كان وكيلا مفوضا حتى بعد البيع أيضا، بحيث يكون أمر البيع
راجعا إليه حتى بعد البيع ويكون أمر المال راجعا إليه كالعامل في
القراض مثلا، فلا شبهة في ثبوت خيار الغبن له حينئذ بالشرط الضمني
كما هو واضح.
وأما الوكيل في خصوص أمر الخيار، بأن يكون وكيلا في اعمال
الخيار الثابت للمغبون فهو أمر آخر غير ما نحن فيه، وكلامنا في ثبوت
الخيار له ابتداء بالشرط الضمني كما هو واضح.
لو اطلع الموكل على معاملة الوكيل بأقل من قيمة المثل
ثم إنه لو اطلع الموكل على معاملة الوكيل ويري أنه يعامل بأقل من
قيمة المثل، فهل يكون اطلاعه تقريرا للبيع ولا يثبت الخيار له حينئذ أم
لا؟
فربما يظهر من المصنف وغيره عدمه، ولكن الظاهر أنه ليس كذلك،
وذلك لأنه إن الوكيل وكيلا عن الموكل بالبيع على التساوي فقط دون
غيره، فلا شبهة أنه كان البيع حينئذ فضوليا، لأن الوكيل إنما هو وكيل في
357

مجرد البيع مع تساوي العوضين دون غيره، فإن أجاز الموكل صح البيع
وإلا فلا، وإن كان وكيلا على نحو الاطلاق فلا شبهة في ثبوت الخيار
للموكل، حيث إن اطلاعه على المعاملة لا يوجب سقوط الخيار، فإن
اطلاعه عليه كاطلاعه على أن الوكيل يعامل معاملة وشرط فيه الخيار
للموكل، غاية الأمر أن الاشتراط في المقام ضمني، فهل اطلاع الموكل
على ايجاد الوكيل معاملة خيارية له يوجب سقوط خياره، وهذا واضح
جدا.
ما يثبت به الغبن
قوله (رحمه الله): ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن.
أقول: إن اعترف الغابن بالغبن أو أن المغبون أقام بينة عليه فلا شبهة في
ثبوت خيار الغبن حينئذ، وأما إذا لم يعترف الغابن ذلك أو لم يتمكن
المغبون من إقامة البينة فهل لنا طريق إلى اثبات الخيار أم لا؟
فشقوق المسألة ثلاثة:
1 - أن يكون الاختلاف فيه من جهة العلم والجهل، بأن يدعي الغابن
علم المغبون بالقيمة وينكره المغبون مع الاتفاق بالتفاوت.
2 - أن يكون الاختلاف في أصل زيادة الثمن ونقصانها، سواء كان
المنشأ في ذلك هو زيادة الثمن ونقصانه، أو الاختلاف في التغير، أو في
المكان، أو في زمان العقد، بأن يدعي المغبون أن العقد قد وقع على
المتاع في مكان فلأني الذي كانت القيمة فيه أقل من القيمة السوقية
ويقول الغابن بل وقع العقد عليه في مكان فلأني فالقيمة فيه مساوية مع
القيمة السوقية فلا غبن فيه.
وهنا صورة ثالثة قد تعرض لها المصنف في الأمر الثاني، وسنتعرض
لها هناك.
358

الصورة الأولى: الاختلاف في العلم والجهل
أما الاختلاف في العلم والجهل فقد ذكر المصنف وجهين في ثبوت
الخيار للمغبون.
الوجه الأول: إنه مع الجهل بأن المشتري عالم بذلك أو غير عالم
فالأصل عدم العلم، فحيث إن الغبن ثابت بالوجدان فيكون عدم العلم
أيضا ثابتا بالأصل، فيتم موضوع الخيار للمغبون فيحكم بثبوت الخيار له
وهو واضح.
الوجه الثاني: ما ذكره في أثناء كلامه، من أن كون المشتري عالما
بقيمة المبيع أو غير عالم بها لا يعلم إلا من قبله، فعليه يعسر له إقامة البينة
على ذلك، أي على جهله، مع أنه لا يمكن للغابن أيضا الحلف على علم
المغبون بالحال لجهل الغابن بالحال، ثم أمر بالتأمل.
ويمكن المناقشة في كلا الوجهين:
أما الثاني فباب المناقشة فيه واسع، وذلك إذ لا وجه لمنع أنه لا يمكن
إقامة البينة للمغبون على جهله، فإنه كسائر الأوصاف النفسانية التي
يمكن له إقامة البينة عليها ولو باعتبار آثارها، وكذلك لا وجه لمنعه من
حلف الغابن علي علم المغبون، بداهة أنه كثيرا ما يطلع عليه بالمجالسة
والممارسة كما هو واضح، على أنه لا وجه لهذه الكبرى، أي أن كل ما
يعسر إقامة البينة عليه فيقبل من المدعى، إذ لا دليل عليه بوجه أصلا كما
سيأتي.
وأما الوجه الأول، فأصالة عدم العلم لا فائدة لها، إذ العلم أو الجهل
ليسا موضوعين للخيار وعدمه، فلو بدل أصالة عدم العلم بأصالة عدم
الاقدام على الضرر لكان حسنا، فإن الضرر إنما هو موضوع الخيار
فالاقدام مزيل له، فأصالة عدم الاقدام على الضرر يثبت موضوع الخيار،
359

إذ الجزء الآخر وهو الغبن محرز بالوجدان، وأما العلم والجهل
فلا يترتب عليهما الأثر بوجه إلا من جهة أن العلم من مقدمات عدم
الاقدام على الضرر والجهل من مقدمات الاقدام على الضرر، ولا يكون
أصالة عدم الاقدام على الضرر مثبتا.
وتوضيح ذلك: أن الشرط الضمني موجود في كل معاملة بتساوي
القيمتين، سواء كانا ملتفتين بذلك أم لا، وقد جرت المعاملة على الأشياء
بهذا الشرط، وإذا شككنا في أن المغبون هل أقدم على المعاملة مع العلم
بعدم التساوي بحيث يكون اقدامه على الضرر مزيلا لهذا الشرط فالأصل
عدمه، أي عدم اقدامه على ذلك، فيكون الشرط باقيا على حاله مع كون
الضرر وجدانيا، فلا يترتب ثبوت الشرط على الأصل بل الشرط ثابت
ببناء العقلاء.
على أنا نشك في اعتبار الملكية بعد الفسخ للغابن فالأصل عدمه، إلا أن يعارض بمثله، وتحقيق الكلام في الاستصحاب.
وعلى الجملة هذا الذي أفاده المصنف (رحمه الله) متين لو بدل أصالة عدم
العلم بأصالة عدم الاقدام، فإن عدم العلم ليس موضوعا للخيار بل
الموضوع هو الضرر مع عدم اقدامه عليه أي مقيدا بذلك، فلا شبهة أن
الضرر محرز بالوجدان والقيد محرز بالأصل، فيثبت الحكم وهو الخيار
للمغبون بالأصل الموضوعي الحاكم على أصالة اللزوم.
لو كان المغبون من أهل الخبرة
هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة، وإلا فالظاهر عدم الاعتناء
بقوله، فإنه لا معنى لكونه أهل الخبرة ومع ذلك يدعي الجهل بالقيمة،
فإنه يرجع إلى التناقض أو يكون دعواه غير عقلائي أصلا، فإن مقتضى
الظاهر من كونه من أهل الخبرة هو صدور المعاملة منه عن علم.
360

فإن دعوى كونه جاهلا بالقيمة نظير أن يدعي أحد ليس له مال
ولا صنعة بل يتعيش بالتساؤل أن لي على ذمة فلان خمسين ألف دينار،
فإنه لا يسمع منه أصلا ولا يترتب عليه أثر التداعي والمحاكمة، إلا أن
يدعي الغفلة على ذلك وكان دعواه الغفلة عقلائيا، فإنه حينئذ يسمع
دعواه ولكن يكون قوله مخالفا للظاهر ويكون مدعيا لذلك، فإن الظاهر أن المعاملة قد صدرت منه في غير حال الغفلة وأنه أقدم على الغبن عن
علم لكونه من أهل الخبرة كما هو واضح.
وعلى هذا فلا بد له من إقامة البينة على ذلك، أو يحلف الآخر بأنه
لا يعلم بكونه غافلا بالقيمة حال العقد أو أنه كان غير غافل عن ذلك أن كان
يعلم أنه لم يكن غافلا عن القيمة حال العقد.
وقد يتوهم أنه إذا ادعى الغفلة يسمع دعواه، فإنما لا يعلم إلا من قبله
فيسمع دعواه فيه، وقد أجاب عنه المصنف بما فيه من الخلط بين
الكبريين: إحداهما دعوى قبول قول المدعي فيما يتعسر عليه إقامة
البينة، والثانية دعوى قبول قول المدعي فيما لا يعلم إلا من قبله، ونقض
عليه بأن هذا يستلزم قبول دعوى مدعي الفساد مع تعسر إقامة البينة
عليه.
أما الكبرى الأولى فلا دليل عليه أصلا، وإلا فيلزم أن يقبل قول كل من
يدعي شيئا ولكن على نحو يتعسر عليه إقامة البينة، وحينئذ فيلزم
تأسيس فقه جديد، على أن اليمين للمنكر دون المدعي، وأما الكبرى
الثانية فلم يثبت إلا في موارد خاصة، أعني دعوى المرأة كونها حاملا أو
حائضا أو طاهرة، وأنها خرجت عن العدة، وأما في غير هذه الموارد
فلا دليل عليه بوجه.
على أنا لو سلمنا صدق الكبريين فلا نسلم كون المقام منهما أو من
إحداهما، فإنه لا يتعسر إقامة المدعي البينة على غفلته، حيث إنه يقم
361

البينة على أنه كان مشغولا بأمور أخر أو كان مصابا من جهات قد وقع من
اختلال الأفكار ولم يدر أنه أي شئ فعل، وكذلك لا نسلم كون المقام
مما لا يعلم إلا من قبله.
وبالجملة فأصل الغفلة وإن كان أمرا نفسيا لا يعلم إلا من قبل الشخص
ولكنها معلومة للغير أيضا بحسب الآثار، كسائر الملكات والأفعال
والصفات النفسانية كالعدالة والعلم ونحوهما، وهذا لا شبهة فيه، وأين
هذا مما يتعسر عليه إقامة البينة أو لا يعلم إلا من قبله.
الصورة الثانية: الاختلاف في زيادة القيمة ونقصانها
وأما إذا كان الاختلاف في زيادة القيمة ونقصانها وكان منشؤه أي أمر
من الأمور المذكورة من الزمان أو المكان أو التغير، فنقول:
1 - قد يكون الاختلاف في زيادة الثمن ونقصانه من حيث الاختلاف
في أصل قيمة الشئ مع اتفاقهما على ما وقع عليه العقد، كما إذا اتفقا
على أن العقد وقع على خمسين ولكن يدعي المشتري أن قيمته ثلاثين
فحصل فيه الغبن، ويدعي البايع أن قيمته خمسين فلا غبن فيه مع
اتفاقهما على أن العقد قد وقع على خمسين، وهذا يكثر وقوعه في
الأشياء التي يقل وجودها في السوق بحيث تخفى قيمته على المتبايعين
كالجواهر ونحوها، وإلا فيعرضون المتاع للسوق ويكشفون عن قيمتها.
2 - أن يكون الاختلاف فيما وقع عليه العقد، بأن يدعي المغبون أن
العقد قد وقع على خمسة وعشرين والعين تساوي عشرة، فله حق
الفسخ فيفسخ العقد في خمسة وعشرين، وأما العشرة فلم يقع عليه
العقد، ويدعي البايع أن العقد قد وقع على عشرة فلا غبن حتى يثبت
للمشتري خيار الغبن.
362

3 - أن يكون النزاع في التغير وعدمه، بأن يدعي أحدهما من الغابن أو
المغبون التغير ويدعي الآخر عدمه.
وهذه الصورة الثالثة تنحل إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتفقا على أن قيمة العين كانت عشرة قبل وقوع العقد عليه
وقد اشتراه المشتري بثلاثين، أو كانت القيمة قبل العقد ثلاثين وقد باعه
من شخص بعشرين، فالغابن في الشق الأول يدعي التغير وكون القيمة
حال وقوع العقد على العين بثلاثين دينارا، وفي الثاني يدعي التغير وهو
المشتري ويقول: إن القيمة تغيرت وكانت عند وقوع العقد على العين
بعشرين ولو كانت قبله ثلاثين.
الثاني: أن يقع الاختلاف في حال وقوع العقد على المبيع مع اتفاقهما
على القيمة الفعلية، بأن يدعي البايع أن المبيع حال العقد يسوى عشرة
وإنما تنزلت قيمته فعلا وصارت ثمانية فلا غبن، لكون التغير في ملك
المشتري.
والحاصل أن البايع يدعي التغير والمشتري يدعي عدم التغير وكون
المبيع في حال وقوع العقد عليه يسوى بثمانية فالمعاملة غبنية فله
الخيار.
الثالث: أن تكون قيمة العين قبل وقوع العقد عليها عشرين وبعده أيضا
كذلك، ولكن يدعي البايع أنها لم تتغير وإنما وقع العقد على العين حال
كون قيمتها عشرين، كما أنها تساوي عشرين بالفعل فيكون مغبونا
ويدعي المشتري أن قيمتها وإن كانت قبل وقوع العقد عليها تساوي
عشرين وكذلك بعده ولكن تغيرت عند وقوع العقد عليها وكانت
تساوي بعشرة فليس هنا غبن.
وقد ادعى المصنف في جميع هذه الصور كما هو مقتضى اطلاق
كلامه لزوم العقد لوجهين:
363

1 - أصالة عدم التغير وأنه موافق للزوم ومرادف له.
وفيه أولا: أنه لا يثبت الخيار إلا على القول بالأصل المثبت، فإن عدم
التغير ليس موضوعا للخيار كما هو واضح، على أنه لا يعم أصل عدم
التغير جميع صور الاختلاف، فإن في الصورة الأولى أعني ما كان
الاختلاف في أصل القيمة، وفي الصورة الثانية أعني ما كان الاختلاف
فيما وقع عليه العقد ليس الاختلاف والنزاع في التغير وعدمه حتى
نجري فيه أصالة عدم التغير بل فيما وقع عليه العقد كما هو واضح.
وثانيا: أن أصالة عدم التغير ليس موافقا للزوم العقد دائما، بل قد
يكون مفاده ثبوت الخيار مع قطع النظر عن المثبتية، كما عرفت في الشق
الأول والثاني وهو واضح.
2 - مما استدل المصنف على اللزوم هو أصالة اللزوم.
وفيه أن كان المراد من ذلك اللزوم والمستفاد من أدلة اللزوم من أوفوا
بالعقود (1) وأحل الله البيع (2) وتجارة عن تراض (3)، وغير ذلك من أدلة
اللزوم، فلا شبهة في عدم صحة ذلك، فإنه قد خصصت تلك العمومات
ونشك في أن الفرد المشكوك من الخارج أو من الباقي تحت العام، ومن
الواضح أن اثبات اللزوم فيه من قبيل التمسك بالعام في الشبهات
المصداقية فلا يجوز.
وإن كان المراد منه الأصل الحكمي أعني استصحاب بقاء الملكية بعد
الفسخ بحيث تكون النتيجة هي اللزوم، وهو وإن كان له وجه بناءا على
جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ولكن يمكن المناقشة فيه

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
3 - النساء: 29.
364

أيضا من جهة أن الشك في أن الملكية المجعولة إنما هي محدودة بما بعد
الفسخ أو مطلق لا يرفعه الفسخ، فلا يكون الاستصحاب جاريا، للشك
في أصل الجعل فيكون معارضا بأصالة عدم الجعل، وعلى الجملة
فلا وجه لجريان الاستصحاب أي أصالة اللزوم هنا.
التحقيق في المقام
والتحقيق أن يقال إن المراد من الشرط الضمني في المعاملة الذي
عليه يدور خيار الغبن وجودا وعدما إن كان هو تساوي القيمة أي تساوي
الثمن والمثمن، فحينئذ يكون الشرط عنوانا وجوديا، فلا شبهة في أنه
كلما شككنا في هذا العنوان الوجودي فالأصل عدمه، فتكون النتيجة هو
الخيار، لعدم حصول الشرط في جميع تلك الصور المتقدمة كما هو
واضح.
وإن كان المراد من الشرط هو عدم الخديعة وأن لا يخدع كل منهما
الآخر، وأن لا تكون القيمة زائدة عن القيمة السوقية وأن لا يشتري
المشتري بأقل من القيمة السوقية، بحيث يكون الشرط عنوانا عدميا،
فحينئذ لا شبهة في كون الأصل الجاري هنا موافقا للزوم العقد، فإن
أصالة عدم الزيادة عن القيمة السوقية وأصالة عدم النقيصة هي أصل
العدم الأزلي يوافق لزوم العقد، فيكون الأصل الجاري حينئذ موافق
للزوم العقد كما هو واضح.
ويؤيد اطلاق القوم خيار الغبن علي ذلك، فإنه يلائم كون الشرط هو
عدم الخديعة.
وبعبارة أخرى كلما شككنا في الزيادة أو النقيصة فأصالة عدم الأزلي
تحكم بعدمه فلا يترتب عليه محذور أصلا، فيكون مفاد هذا الأصل
موافقا للزوم العقد كما هو واضح.
365

وهذا من جملة الثمرات بين كون دليل خيار الغبن هو دليل نفي الضرر
أو الشرط الضمني وهذه نعمت الثمرة.
الأمر الثاني: لو كان التفاوت فاحشا
وهذا الشرط مما لا ريب فيه، فإنه لا شبهة في تفاوت قيمة الأشياء
بحسب الأسواق بل بحسب الدكاكين حتى الشئ الواحد ولو كان مطلق
التفاوت موجبا للغبن لم تبق معاملة إلا ويكون فيه الغبن، ولذا قيدوا
التفاوت بكونه مما لا يتسامح.
وإنما الكلام في تعيين حد ما يتسامح فيه وما لا يتسامح، فعن بعض
العامة أن التفاوت بالثلث مما يتسامح فيه، وأشكل عليه المصنف بأن
التفاوت بهذا المقدار مما لا يتسامح فيه قطعا، بل التفاوت بالربع بل
بالخمس أيضا مما لا يتسامح فيه، وسكت عن التفاوت بما فوق
الخمس.
أقول: الظاهر أن ذلك يختلف باختلاف المعاملات، فإنه قد يكون
التفاوت بالخمس مما يتسامح فيه، بل يكون التفاوت بأقل منه أيضا مما
يتسامح فيه، كما إذا كانت المعاملة في المحقرات، كأن اشترى خضرة
من الخضراوات بخمس أفلس مع أنه يساوي بأربعة أفلس أو ثلاثة
ونصف، فإنه لا يعتني على ذلك في العرف، ولا يقال إنه معاملة غبنية،
وقد يكون التفاوت بالخمس بل العشر بل المائة غبنا، كما إذا باع ما
يساوي أربعة آلاف بخمسة آلاف أو باع ما يساوي مائة مليون بمائة
وواحد مليون، فإنه لا شبهة في كون المعاملة حينئذ غبنية، نعم الواحد
في ألف لا يكون غبنا قطعا.
وعلى الجملة قد يكون التفاوت غبنا بلا شبهة، وقد لا يكون غبنا
366

بلا شبهة لكونه مما يتسامح فيه، وقد يشك في كونه غبنا وعدم كونه
غبنا، ولا بد وأن يلاحظ في أن مقتضى القاعدة حينئذ أي شئ يقتضي.
وقد يقال كما عن شيخنا الأستاذ إذا كان الشك في المصداق فلا يمكن
التمسك بقاعدة نفي الضرر، لأن التخصيص وإن كان لبيا أعني بناء
العقلاء على عدم الاعتناء بضرر يتسامح فيه ووقع الاقدام عليه إلا أن
الخارج إذا كان عنوانا كليا كخروج يد المحسن عن قاعدة على اليد يكون
اللبي كاللفظي في عدم جواز التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية.
ولكن يرد عليه أن هذا الكلام إنما يجري فيما إذا كان هنا خارج معلوم
ولكن يشك في أن المشكوك من الخارج أو من الأفراد الباقية تحت العام،
وأما المقام فأجنبي عن ذلك، فإن الضرر له مراتب، فيصدق عليها على
نحو التشكيك، فمرتبة منها خارج قطعا، وهي ما أقدم عليها المتبايعان
والباقي مشكوك، فيتمسك باطلاق الدليل كما هو واضح، فالمقام لا ربط
له بالشبهة المصداقية أصلا.
وذكر المصنف أولا أن المرجع في ذلك هو أصالة ثبوت الخيار، لأنه
ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه، فإن الخارج من دليل لا ضرر هو الضرر
الذي يتسامح، وأما ما يشك في كونه مما يتسامح أولا فيبقى تحت
الاطلاق.
ثم عدل عن ذلك ووجه اللزوم، وذكر أنه يحتمل الرجوع إلى أصالة
اللزوم، لأن الخارج هو الضرر الذي يناقشون فيه ولا يكون موردا
للتسامح بل يعد ضررا عند العقلاء، وأما في غيره فيشك في خروجه عن
تحت الأدلة الدالة على لزوم العقد وعدمه، فيرجع إلى العمومات لعدم
ثبوت مخصص هنا ليرفع اليد عن العمومات كما لا يخفى.
أقول: إن كان دليل خيار الغبن هو دليل نفي الضرر فلا بد من اختيار
367

الوجه الأول، فلا مسوغ له لرفع اليد عن الأول والميل إلى الثاني، وذلك
فإن المخصص للعمومات الدالة على لزوم العقد حينئذ هو دليل نفي
الضرر، وهو دليل لفظي يتمسك باطلاقه في كل مورد يصدق فيه الضرر
إلا إذا ثبت التخصيص.
ومن الواضح أن التخصيص إنما هو اقدام المغبون بالضرر فيرفع اليد
عنه بالمقدار الذي ثبت فيه الاقدام، وفي البقية يرجع إلى دليل نفي
الضرر حتى لو لم يكن دليل على خروج الضرر الذي يتسامح فيه أو أقدم
عليه المغبون لشمله اطلاق دليل نفي الضرر، ولكن خرج ذلك ببناء
العقلاء، ففي غيره نرجع إلى الاطلاق.
وتوهم أن التمسك في المورد المشكوك بدليل نفي الضرر تمسك
بالعام في الشبهة المصداقية، قد تقدم جوابه كما هو واضح، ولكن قد
عرفت أن دليل نفي الضرر لا يكون دليلا لخيار الغبن كما لا يخفى.
وأما إذا كان الدليل لخيار الغبن هو الشرط الضمني وبناء العقلاء على
أن المعاملة مشروط بتساوي القيمتين، فلو زاد الثمن على قيمة المثمن
أو زادت قيمة المثمن على الثمن ثبت الخيار للآخر كما هو واضح.
وعليه فما ذكره من أصالة اللزوم هو المتبع، والوجه في ذلك أن
المعاملة إنما وقعت على المبيع مطلقا من غير تقييد بقيد بحسب اللفظ،
فمقتضى الاطلاق في مقام الثبوت هو عدم تقيدها بقيد، وبحسب تبعية
مقام الثبوت ونفس الأمر لمقام الاثبات نكشف الاطلاق في مقام الثبوت
أيضا، فنحكم بكون العقد مطلقا، فيكون مشمولا لأدلة اللزوم، وليس
في المقام شئ يصلح للقرينية إلا ما نذكره، وليس أزيد من ذلك شئ
يصلح للقرينية.
نعم قد ثبت التقييد بحسب الارتكاز وبناء العقلاء لبا في صورة عدم
368

تساوي القيمتين على نحو لا يتسامح، فإنه قامت السيرة القطعية على
اعتبار التساوي بين القيمتين ومع التخلف على نحو لا يتسامح الذي
مورد الشرط قطعا يثبت الخيار للمغبون، وأما في غير هذه الصور ليس
هنا دليل لفظي نتمسك به ونحكم بثبوت الخيار، بل لا بد من أخذ اطلاق
الكلام في المعاملة والتمسك بأدلة اللزوم كما هو واضح، وهذا هو
الصحيح في المقام كما لا يخفى.
عدم الفرق في موضوع قاعدة نفي الضرر في المعاملات والعبادات
قوله (رحمه الله): بقي هنا شئ، وهو أن ظاهر الأصحاب وغيرهم.
أقول: قد ذكر المصنف بما حاصل كلامه، أن دليل رفع الضرر في
الاسلام إنما هو دليل واحد يشمل على أفراده على نسق واحد، سواء كان
المورد من المعاملات أو من العبادات.
وعلى هذا فما الفارق بين المعاملات حيث إن الفقهاء (رحمهم الله) ذكروا في
باب المعاملات أن الضرر نوعي فيلاحظ فيه نوع الناس مع قطع النظر عن
ملاحظة حال الناس، ولكن في باب العبادات ذكروا أنه شخصي فيلاحظ
فيه حال الأشخاص.
وبعبارة أخرى ذكروا أن المناط في باب المعاملات هو ملاحظة
الضرر بالنسبة إلى المال بحيث يصدق عليه أنه ضرر مالي، ولذا إذا تحقق
في مورد ثبت عليه حكمه، سواء تضرر به صاحب المال أو لم يتضرر
بأضعاف مقابله من المضرات، ولكن المناط في باب العبادات حال
الأشخاص، ولذا ذكروا أنه إذا كان شراء ماء الوضوء لا يضر على حال
شخص لا يرتفع وإن كان هنا ضرر مالي وبلغ ما بلغ، وأما إذا كان مضرا
لشخص فإنه يرتفع بدليل نفي الضرر، وما الفارق بين المقامين، وكذلك
الحال في دليل نفي الحرج.
369

أقول: والذي ينبغي أن يقال: إن نفي الضرر ونفي الحرج كسائر
الأحكام تابع لموضوعهما، ففي كل مورد تحقق ضرر أو حرج ثبت نفي
الحرج والضرر.
كما هو الحال في سائر الأحكام الثابتة على الموضوعات على عنوان
القضية الحقيقية، كما أن بقية الأحكام تدور مدار ثبوت الموضوع وعدمه
نفيا واثباتا، ويلاحظ بحسب حال كل شخص شخص، وهكذا الضرر
والحرج ونفيهما، فأدلة نفي الضرر ونفي الحرج ناظرة إلى نفي الحرج
والضرر عن الموضوعات المحققة.
مثلا قد ورد في الشريعة أنه إذا زالت الشمس وجب الظهران (1)، ومن
الواضح أن هذا حكم كلي ثابت بعنوان القضية الحقيقية، ويلاحظ بالنسبة
إلى كل شخص لكونه موضوعا لهذا الحكم، فزوال كل شخص يلاحظ
بالنسبة، فأي شخص أدرك الزوال صار موضوعا لوجوب الصلاة مع
دركه بقية الشرائط، فيلاحظ زواله بالنسبة إليه، ولا يقال زال أي نقطة من
النقاط بالنسبة إليه بحيث إذا تحقق في نقطة وجب الظهران على شخص
وإن لم يكن في هذه النقطة بل في نقطه كانت ليلا حين الزوال في تلك
النقطة كما هو واضح.
وعلى هذا فدليل نفي الحرج والضرر حكمان واردان على موضوع
مقدار الوجود، أي بعنوان القضية الحقيقية، ففي أي مورد تحقق الضرر
في أي نحو كان سواء كان ماليا أو عرضيا أو نفسيا أو غير ذلك لشمله
حكمه، سواء كان المورد عبادة أم معاملة، فإن الضرر المالي أيضا ضرر،

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر،
فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة (الفقيه 1: 140، التهذيب 2: 19،
عنهما الوسائل 4: 125)، صحيحة.
370

فلا وجه أصلا لملاحظة الضرر والحرج نوعيا، بل لا أساس له، وإنما
هما كبقية القضايا الحقيقية كما هو واضح.
وعليه فلا يفرق بين المعاملات والعبادات أصلا، نعم قد يكون نفس
الضرر والحرج موضوعا للحكم أو حكمة للتشريع، كما أن اختلاط
المياه حكمة لتشريع العدة (1)، وهو مطلب آخر غير مربوط بنفس لا ضرر
ولا حرج اللذين كبقية الأحكام الشرعية كما هو واضح، وهذا كما في
قوله (صلى الله عليه وآله): لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك (2)، ولو لم يكن
حرج على الأمة لحكم بنجاسة الحديد (3).
أما ملاحظة الضرر بحسب الأحوال في باب الوضوء فهو بنص خاص
في باب الوضوء، وأنه لا بد وأن يشتري الماء للوضوء وإن بلغ ما بلغ إلا أن يكون مضرا بحاله بحيث له عيال يموتون جياعا لو أعطى ماله وأخذ
ماء للوضوء ويكون الضرر مجحفا عليه، أي لا يبقى له مال يمون به
عياله، فباب الوضوء إنما خصص لهذا النص الخاص، ومن هنا يلتزم
الفقهاء (رحمهم الله) بذلك في غير باب الوضوء من العبادات، كما إذا صلى في
مكان فلأني لسرق السارق ماله، فافهم، هذا.

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج
امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: إنما العدة
من الماء (الكافي 6: 109، عنه الوسائل 21: 319)، صحيحة.
2 - عن النبي (صلى الله عليه وآله): لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة
(الكافي 3: 22، الفقيه 1: 34، المحاسن: 561، عنهم الوسائل 2: 17 - 19)، صحيحة.
3 - عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو جز
شعره أو حلق قفاه، فإن عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي، سئل: فإن صلى ولم يمسح من
ذلك الماء؟ قال: يعيد الصلاة لأن الحديد نجس، وقال: لأن الحديد لباس أهل النار والذهب
لباس أهل الجنة (التهذيب 1: 425، الإستبصار 1: 96، عنهما الوسائل 1: 288)، موثقة.
حمله الشيخ الطوسي (رحمه الله) على الاستحباب، والحر العاملي (رحمه الله) على التقية.
371

المناقشة في كلام الشيخ (رحمه الله) بامكان الالتزام بعدم الضرر في باب العبادات
ثم إنه ذكر المصنف في آخر كلامه أنه يمكن الالتزام بعدم الضرر أصلا
في باب العبادات، لأنما يصل إليه من الأجر أعظم مما يفوت عنه من
المال، وقد وقع في مقابل ماله أجر كما أنه لا يقال: إن فلانا تضرر، إذا باع
ماله وأخذ الدينار، فإن في مقابل ماله وصل إليه الدينار، فلماذا يكون
ضرر عليه.
وفيه أولا: النقض بسائر أبواب العبادات، فإنهم لم يلتزموا بذلك في
غير باب الوضوء، كما أشرنا إليه.
وثانيا: إن وصول الأجر إليه غير معلوم، فإنه مع نفي الحكم بادله نفي
الضرر وحكومة أدلته على الأحكام الأولية لا يبقى هنا أمر بالوضوء حتى
يؤجر ويصل إليه الثواب، فإن الثواب إنما يترتب على امتثال الأمر لا على
مجرد الحركات الخارجية.
والحاصل أنه ذكر المصنف أن الضرر المالي في باب الوضوء
لا يتحقق فإنه يحصل في مقابله أجر له، فلا يكون ضررا عليه، وقد ذكر
وجه ذلك في قاعدة لا ضرر حيث قال: إن المنفي بدليل نفي الضرر إنما
هو الضرر غير المتدارك والضرر هنا متدارك بالثواب، أو أن هنا ليس
ضرر أصلا حتى يكون متداركا، فإن ذلك نظير اعطاء الفلس وأخذ المتاع
كما لا يخفى، فافهم، وعليه فلا يكون الضرر المالي في باب الوضوء
ضررا.
أقول: أما تفصيل نفي الضرر بالضرر الغير المتدارك مما لا وجه له
أصلا لعدم الدليل عليه، وأما أن القول بأنه ليس هنا ضرر لوصول الأجر
عليه فهو يشبه العرفان، بداهة أن هذا ضرر بلا شبهة.
372

على أنه لو كان وصول الأجر في مقابل المال في باب الوضوء موجبا
لتدارك الضرر أو أن لا يكون هنا ضررا أصلا، فلازم ذلك أن نقول بذلك
في جميع أبواب العبادات، مثلا لو توقف تحصيل الماء على بذل مال
كثير لا بد من بذله لعدم الضرر فيه، مع أنه لم يقل به فقيه، على أنك قد
عرفت أن وصول الأجر إليه غير معلوم كما لا يخفى.
تصوير الغبن من الطرفين البايع والمشتري
قوله (رحمه الله): فيقع الاشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا.
أقول: قد وقع الكلام في تصوير الغبن من الطرفين البايع و المشتري
في المعاملة، وذكروا في تصوير ذلك وجوها:
1 - ما ذكره صاحب القوانين عند السؤال عن عبارة اللمعة في تصوير
الغبن من الطرفين، وحاصله أنه لو باع متاعه بأربعة توأمين على أن يعطيه
ثمانية دنانير بزعم أن ثمانية دنانير يسوى أربع توأمين، والحال أن المتاع
يسوى بخمسة توأمين وأن ثمانية دنانير تسوي بخمسة توأمين، فإنه
حينئذ يكون البايع مغبونا، لأنه باع ما يسوى بخمسه توأمين بأربعة
توأمين، والمشتري مغبون لأن أعطي ثمانية دنانير بزعم أنه يسوى بأربعة
دنانير مع أنه يسوي في الواقع بخمسه.
وقد أشكل عليه المصنف بأنه إنما يلاحظ الغبن في المعاملة بالنسبة
إلى مجموع ما يرجع إليها من الشرائط والعوض والمعوض، ومن
الواضح أنها ليست بمعاملة غبنية من حيث المجموع، فلا يكون هذا
وجها لتصوير الغبن من الطرفين، لأن هذه المعاملة مع ملاحظة الشرائط
مجموعا من حيث المجموع ليست بمعاملة غبنية.
وبعبارة أخرى إن كان الشرط والمشروط ملحوظا معا ولوحظ معاملة
373

واحدة مستقلة فلا شبهة أنها ليست بغبنية، وإن كان الشرط أجنبيا عن
المشروط ولم يكن له تماس بالمعاملة بل لوحظ مستقلا فيكون هنا
معاملتان، فيكون المغبون في أحدهما المشتري وفي الآخر البايع، كما
لا يخفى.
ومن هنا ظهر الجواب عما نقله المصنف عن بعض معاصريه من فرض
المسألة فيما إذا باع شيئين في عقد واحد بثمنين، مثلا بأن باع كتاب
المكاسب وكتاب الرسائل صفقه واحدة ولوحظ كتاب الرسائل نصف
دينار مع أنه يسوى بدينار، وكتاب المكاسب بدينارين ونصف مع أنه
يسوى بدينارين، ففي هذه المعاملة يكون كل من البايع والمشتري
مغبونا كما هو واضح.
ووجه الظهور أنه إن لوحظ مجموع الكتابين مبيعا واحدا فيلاحظ
المجموع من حيث المجموع، ومن الواضح أن المجموع من حيث
المجموع ليس بمعاملة غبنية، وإن لوحظ كل من الكتابين مبيعا واحدا
مستقلا فيكون البايع مغبونا في أحدهما والمشتري مغبونا في الآخر،
فلم تكن هنا معاملة يتصور فيها الغبن من الطرفين كما هو واضح.
2 - ما ذكره بعض من فرض المتعاملين وقت العقد في مكانين مع كون
قيمة المثمن مختلفا بحسب المكانين، كما إذا فرضنا أن المبيع هو الحنطة
وكان ثمن كل من منها في خارج البلد دينارا لنزول العسكر فيه مثلا
ولكن في داخل البلد نصف دينار، فاشترى البلدي من أهل الخارج بكل
من بثلاثة أرباع دينار، فإنه يكون البايع مغبونا في هذه المعاملة، فإن
الفرض أن كل من من الحنطة كان دينارا فقد باعها بثلاثة أرباع دينار،
والمشتري أيضا مغبون فإن المفروض أن قيمة الحنطة في البلد كانت كل
من بنصف دينار وقد صار مغبونا بربع دينار.
374

وفيه أن المراد من الغبن في المعاملة هو ملاحظة مكان تحققها، فإن كان بيع الحنطة في خارج البلد مع كون التسليم فيه، ومن الواضح أن
البايع مغبون فإن قيمة كل من من الحنطة في ذلك المكان دينار فقد باعه
بثلاثة أرباع دينار، وإن كان البيع في البلد أو بشرط أن يسلم المبيع في
البلد فيكون المشتري مغبونا كما لا يخفى، فلا يلاحظ المكانين في
معاملة واحدة كما هو واضح لا يخفى، فافهم.
3 - قد نقل المصنف عن مفتاح الكرامة (1) تصوير كون الغبن من الطرفين
بحسب الحكم الظاهري دون الواقعي، كما إذا ادعى كل من المتبايعين
الغبن، كما إذا باع ثوبا بفرس بظن المساواة ثم ادعى كل منهما نقص ما في
يده عما في يد الآخر، ولم يوجد المقوم ليرجع إليه، فتخالفا فيثبت
الغبن لكل منهما فيما وصل إليه، مع أن في الواقع المغبون أحدهما
لا كلاهما.
أقول: هذا إنما يبتني على أن كل من يدعي شيئا ويتعسر عليه إقامة
البينة فإنه يقبل قوله مع يمينه كما تقدم، وعليه فكل من البايع والمشتري
إنما يتعسر عليه إقامة البينة فيقبل قوله مع يمينه فيثبت ما يدعيه من
الغبن، ولكن قد عرفت أنه لا دليل عليه خصوصا إذا كانت الدعوى مما
يطلع عليه كل أحد، وإنما لم يطلع عليه من جهة العوارض كعدم وجود
من يطلع عليهما في مقام البيع ليكون بينة للواقعة، وقلنا في السابق أن
الحلف إنما هو للمنكر وليس من وظيفة المدعي الحلف.
وأما بناءا على فساد هذا المبنى، كما هو كذلك، فيكون من يدعي
الغبن مدعيا والآخر منكرا فللمدعي البينة وللمنكر اليمين، ومع كون

1 - مفتاح الكرامة 4: 581.
375

كل منهما مدعيا للغبن ومنكرا لكون الآخر مغبونا فيتحالفان، فيحكم
بعدم غبن كل منهما لا بغبن كليهما، فلا يكون لأي منهما خيارا أصلا كما
عرفت، على أن مقتضى التحالف أن يحلف كل منهما على أنه لم يغبن
الآخر، فيكون مقتضى ذلك أن لا يكون أي منهما مغبونا لا أن يكون
كلاهما مغبونا وهو واضح.
فتحصل أنه لا يمكن تصوير الغبن من الطرفين في معاملة واحدة كما
ذكره بعض المحشين للروضة، وقال: فلا يعقل كونهما معا مغبونين وإلا
لزم كون الثمن أقل من القيمة السوقية وأكثر وهو محال، فتأمل.
نعم يمكن تصوير ذلك إذا كان الغبن بمعنى مطلق الخديعة، كما إذا باع
فرشا بأربعة دنانير على أنه من شغل كاشان، فبان أنه من شغل همدان،
ومع ذلك أنه يسوى بثمانية دنانير، وحينئذ فقد خدع كل منهما في هذه
المعاملة وهو واضح.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان مدرك خيار الغبن هو دليل نفي الضرر
يمكن فرض الغبن من الطرفين، بخلافه إذا كان مدركه الشرط الضمني
الذي ذكرناه.
أما الأول كما إذا باع حطبا من زيد كل حقة بمائة فلس، مع كون
الحطب كل حقة بدرهم، واشترط المشتري عليه أن ذلك من خشبة
أبنيته، وواضح أن هذه المعاملة ضررية لكل من البايع والمشتري، أما
كونها ضررية للبايع فلأن تسليم المبيع يتوقف على تخريب الدار، وهو
ضرر على البايع.
وأما كونه ضررا على المشتري فلأن قيمة الحطب إنما هي كل حقة
بدرهم وقد باع منه البايع كل حقة بمائة فلس، فيكون الدرهم زائدا عن
القيمة السوقية.
376

ولا يجري هنا ما ذكره المصنف من الجواب عن المحقق القمي، فإن
هذا الشرط ليس له دخل في زيادة الثمن أصلا، فإنه لا يفرق في الحطب
بين كونه من أخشاب البناء وبين كونه من أخشاب الحديقة، بل ربما
يوجب كونه من أخشاب البناء نقصا في الحطب لكونه بالية كثيرا بخلاف
ما إذا كان من أخشاب الحديقة، فهذا الشرط ليس مثل اشتراط كون أربعة
توأمين ثمانية دنانير، وعلى هذا فيكون العقد جائزا من الطرفين كما هو
واضح (1).
وأما إذا كان دليل خيار الغبن هو الشرط الضمني فلا يعقل الغبن من
الطرفين، بحيث يثبت الخيار للمتبايعين ويكون العقد جائزا من الطرفين،
فإن الشرط الضمني أعني اشتراط تساوي القيمتين أو عدم زيادة القيمة
وعدم نقصه لا يعقل إلا من طرف واحد، فيكون الغبن من طرف واحد كما
هو واضح، فافهم.
-
1 - إلا أن يقال: إن هذا الشرط أيضا ليس له دخل في المزية، وإنما المزية من جهة الخطأ
في التطبيق - منه (رحمه الله).
377

المسألة (2)
ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته
قوله (رحمه الله): مسألة: ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي
عن ثبوته حين العقد.
أقول: قد عرفت أنه لا شبهة في ثبوت خيار الغبن في المعاملات،
وإنما الكلام في أن ثبوت هذا الخيار من حين تبين الغبن أو من حين العقد،
وجهان.
وقد اختلفت كلمات الفقهاء في ذلك اختلافا شديدا، وصار ذلك
منشأ للوجهين، وقد جمع المصنف بين شتات آرائهم بالفرق بين ثبوت
الخيار فعلا، بحيث يكون لذي الخيار سلطنة فعلية على الفسخ، وبين
ظهور الخيار له واقعا، فالأول لا يثبت إلا بعد ظهور الغبن بخلاف الثاني،
ثم تكلم في آثار ذلك الخيار.
ولكن الظاهر أنه لا وجه لذلك التفصيل، فإن معنى الخيار هو السلطنة
الفعلية، أعني السلطنة على فسخ العقد كما تقدم في أول الخيارات،
وإذا ثبت ثبت له ذلك وإلا فلا، يعني معنى ثبوت الخيار هو ثبوت
السلطنة لذي الخيار على فسخ العقد كما هو واضح، فليس لهذا التفصيل
مجال أصلا.
وإنما المهم هو التكلم في جهتين:
الجهة الأولى
في أن هذا الخيار ثابت من الأول أو من حين تبين الغبن.
والذي ينبغي أن يقال: إنه لا بد من ملاحظة دليل هذا الخيار. فلو قلنا
378

بكون دليله هو دليل نفي الضرر، كما ذهب إليه المشهور من المتأخرين
واختاره المصنف، أو قلنا بأن دليله هو الشرط الضمني، فعلى كل حال
فلا شبهة في كونه ثابتا من الأول، فإن دليل نفي الضرر ينفي الضرر
الواقعي، وكذلك أن شرط الضمني هو اشتراط التساوي الواقعي بين
العوضين، أي كون هذا لازم الشرط الضمني كما تقدم، فإن الشرط
الضمني هو عدم الزيادة أو عدم النقيصة، أي يشرط كل من المتبايعين
على الآخر أن لا يكون ماله زائدا عن مال طرفه بما لا يتسامحه، وهذا
واضح، ونعبر عن ذلك بلازمه أعني تساوي القيمتين.
وعلى الجملة فبناء على كون دليل خيار الغبن، أي من هذين الوجهين
يثبت الخيار للمغبون من الأول، كما هو واضح.
نعم لو كان دليل خيار الغبن هو الاجماع أو ما تقدمت الإشارة إليه من
النبوي، حيث نهى عن تلقي الركبان، وقال (صلى الله عليه وآله): إذا جاؤوا بالسوق
فلهم الخيار (1)، بناءا على انصراف ذلك النبوي إلى صورة ظهور الغبن
لا اثبات الخيار على وجه الاطلاق بمجرد المجئ إلى السوق، سواء
ظهر غبن في المعاملة أم لا، كما ذهب إليه ابن إدريس، الذي هو خلاف
منصرف النبوي، فإنه بناءا على ما هو الظاهر من النبوي، من كونهم ذي
خيار بعد مجيئهم إلى السوق إذا تبين لهم الغبن لا مطلقا، فإنه لا معنى
لثبوت الخيار لهم بعد المجئ إلى السوق تعبدا، وإلا لكان ثابتا من
الأول.

1 - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن تلقي الركبان وقال: من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل
السوق (عوالي اللئالي 1: 218، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (الغنية
: 526، عنه المستدرك 13: 281)، ضعيفة.
379

وكيف كان فبناء على ظاهر النبوي، فيكون دليلا على ثبوت الخيار من
حين تبين الغبن لا من حين العقد.
وكذلك لو كان المدرك هو الاجماع، فإن المتيقن منه هو ثبوت الخيار
مع ظهور الغبن.
ولكن يرد على الاجماع أنه ليس بحجة، وعلى النبوي أنه ضعيف
السند، إذ لم نجده في كتب الأصحاب المعدة للحديث، وإنما ذكروه في
كتب الاستدلال وأخذوه من العامة، ولم ينجبر ضعفه بشئ، إذ لم يثبت
كون عملهم على طبقه، وإنما استندوا بغيره من الوجوه المذكورة في
المسألة، بل ثبت عدم استنادهم إليه إلا قليل، كما يظهر من ملاحظة
كلماتهم.
على أنه يمكن المناقشة في دلالته أيضا، بدعوى أن المراد من ثبوت
الخيار بعد المجئ بالسوق هو تبين الغبن كما عرفت، وأن هذا التبين
طريق إلى الواقع لا أنه موضوع بنفسه لثبوت الخيار، فحيث إن الغبن من
الأول وإن كان تبينه من الآن فيثبت له الخيار من الأول.
وبعبارة أخرى أنا لا نحتمل أن العلم جزء الموضوع لثبوت خيار
الغبن، بل تمام الموضوع له إنما هو الغبن لا الغبن المعلوم، فإذا يثبت
الخيار للمغبون من الأول، ونظير كون التبين هنا طريقا إلى الواقع كتبين
الفجر في شهر رمضان في قوله تعالى: كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (1)، فإن التبين هنا ليس له موضوعية
لحرمة الأكل بحيث لو لم يتبين الفجر لغيم ونحوه إلى أن مضي ساعة من
طلوع الشمس فأيضا يجوز الأكل، فهذا غير محتمل قطعا، إذن فيكون
التبين طريقا إلى الفجر كما هو واضح، وكذلك في المقام.

1 - البقرة: 187.
380

فتحصل أن ثبوت خيار الغبن من حين العقد، هذا ما يرجع إلى الجهة
الأولى، وعليه فلا وجه لتفصيل المصنف بين ثبوت الخيار له واقعا
وكونه ذي حق في الواقع وبين ثبوت السلطنة الفعلية له فعلا على فسخ
العقد.
الجهة الثانية
أعني التكلم في ترتب آثار الخيار على خيار الغبن، وأنه هل يترتب
على هذا الخيار من الآثار ما يترتب على بقيه الخيارات من الآثار بعنوان
الخيار من خصوصية لإحدى الخيارات، أو لا يترتب عليه آثار بقية
الخيارات.
1 - من جملة آثار الخيار انتقاله إلى الورثة بعد موت المورث، وعليه
فإن قلنا بثبوت خيار الغبن من حين العقد كما هو كذلك ومات المورث
قبل أن يتبين الغبن، فإنه يثبت الخيار لوارثه، فإن الخيار من الحقوق لذي
يورث، فلا فارق في ذلك بين خيار الغبن وسائر الخيارات.
2 - ومن جملة الآثار أنه يجوز اسقاطه قبل ظهور الغبن، كما إذا قال: إن
كان لي خيار في هذا العقد فأسقطه، أو يقول بنحو العموم: إن كل خيار
لي فقد أسقطه، فإنه حينئذ يسقط خياره هذا، وإن لم يعلم به كما هو
واضح.
3 - والجهة الأخرى من الثمرات أنه وقع الخلاف بين العلماء في أنه
يجوز التصرف في الثمن أو المثمن في زمان الخيار أو لا؟.
فذهب بعضهم إلى عدم الجواز مطلقا وبعضهم إلى الجواز مطلقا،
وقد فصل بعضهم بين بيع الخيار فالتزم بعدم الجواز وبين غيره والتزم
بالجواز، ولكن ادعوا عدم الخلاف وثبوت الاتفاق على عدم جواز
381

التصرف في العوضين في زمان خيار الغبن، فإن التصرف يوجب كون
العين في معرض التلف، ومن المحتمل أن ذي الخيار يفسخ العقد
ويرجع بالعين، وأن اتفاقهم على هذا إنما هو بعد ظهور الغبن لا قبله،
وقد ذكروا أنه يكشف من هذا الاتفاق أن خيار الغبن إنما يثبت للمغبون من
حين ظهور الغبن.
ولكن الظاهر أن جميع الخيارات في ذلك على حد سواء، إن جاز
التصرف في زمان الخيار جاز في كلها وإلا فلا يجوز في شئ منها، وأنه
لا يكون هذا الاتفاق مائزا بين المقامين.
وذلك لعدم ثبوت هذا الاتفاق، فإنه لا نطمئن باتفاقهم على عدم جواز
التصرف قبل ظهور الغبن من جهة أنهم يرون عدم جواز التصرف في زمان
الخيار وجوازه في غير زمان الخيار، وحيث إنهم اتفقوا على جواز
التصرف قبل ظهور الغبن فيكشف من ذلك أنه ليس لهم خيار قبل ظهور
الغبن كما هو واضح، وليس لنا علم بذلك من جهة أنه يحتمل قريبا أن
جملة من القائلين بجواز التصرف في العوضين قبل ظهور الغبن أنهم
التزموا بذلك، لذهابهم إلى جواز التصرف في العوضين في زمان الخيار
كما هو كذلك.
وعليه فلا يكون اتفاقهم على جواز التصرف قبل ظهور الغبن كاشفا
عن اتفاقهم على عدم ثبوت الخيار قبل ظهور الغبن.
نعم لو كان لنا علم بأن اتفاقهم على جواز التصرف قبل ظهور الغبن من
جهة كونه غير زمان الخيار لكان ذلك كاشفا عن ثبوت الخيار بعد ظهور
الغبن، ولكن أني لهم باثباته.
على أنه لا دليل على عدم جواز التصرف في العوضين في زمان الخيار،
وتوهم أن التصرف يوجب كون العين في معرض التلف لا يكون مانعا عن
382

ذلك، لما عرفت سابقا أن متعلق الخيار هو العقد وهو باق حتى بعد تلف
العين، فإنه إذا أعمل صاحب الخيار خياره يرجع إلى بدل العين لا إلى
نفسه.
نعم مع بقاء العين يرجع إلى نفسها مع الفسخ، وأما أنه لا يجوز
التصرف في العين في زمان الخيار فهو باطل، فإنه بعد كونه مالا لمالكه
فبأي وجه نمنع عن تصرفاته مع كون الناس مسلطا على أموالهم.
4 - ومن جملة الثمرات أنه هل التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له،
أو أنه من مالكه؟
وقد تقدم سابقا في خياري المجلس والحيوان أن مقتضى القاعدة
الأولية هو كون تلف مال كل شخص على صاحبه، وأن لا يحسب على
شخص آخر، ولكن قد ورد النص على أن تلف الحيوان في زمان الخيار
ممن لا خيار له (1)، فإن تعدينا إلى غير خيار الحيوان وقلنا بكون تلف
المبيع مطلقا في زمان الخيار ممن لا خيار له، وكذلك تعدينا إلى تلف
الثمن أيضا، لقلنا في جميع الخيارات وفي تلف الثمن والمثمن في زمان
الخيار في جميع المعاملات، حتى خيار المجعول الذي من مصاديقها
خيار الغبن الثابت بخيار تخلف الشرط، وإن اقتصرنا بمورد النص فقط
فلا يحسب تلف المبيع أو الثمن على من لا خيار له في زمن الخيار، سواء
كان خيار الغبن أو غيره، وهو واضح جدا.

1 - عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حدث بالحيوان قبل
ثلاثة أيام فهو من مال البايع (التهذيب 7: 67، الفقيه 3: 127، عنهما الوسائل 18: 15).
عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى
يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على البايع
حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري (الكافي 5: 169، الفقيه 3: 126، عنهم
الوسائل 18: 15)، صحيحة.
383

ولكن قد تقدم أن هذا الحكم قد ثبت في مورد خاص بالنص،
فلا يجوز التعدي إلى غير مورده، فتكون القاعدة الأولية المذكورة
محكمة، فافهم.
وعلى كل حال فلو عمم ذلك، أي كون التلف المبيع في زمن الخيار
ممن لا خيار له إلى غير مورده لكن في مورد خيار الغبن أيضا ممن لا خيار
له قبل ظهور الغبن وبعده، بناءا على ما ذكرناه من ثبوته من الأول، وإن لم يعلم به المغبون.
5 - ومن جملة الآثار أنه إذا قلنا بثبوت الخيار من الأول وقلنا بكون
التصرف مسقطا للخيار مطلقا، فيكون هنا أيضا مسقطا كما هو واضح.
وقد تقدم فيما سبق أنه لم يثبت كون التصرف مسقطا تعبديا إلا في
مورد خاص، أعني بيع الحيوان، فإنه ثبت فيه أن التصرف الخاص موجب
لسقوط الخيار، كقوله (عليه السلام): أرأيت أن لامس أو قبل - الخ (1)، وكذلك
ثبت كون التصرف مسقطا في خيار المجلس، وكذلك التصرف المغير،
وأما كون مطلق التصرف مسقطا للخيار فلم يثبت بدليل، وإنما كونه
مسقطا من جهة الظهور العرفي وكونه ظاهرا في اسقاط الخيار عرفا،
فكلما كان له ظهور في الاسقاط الفعلي يحكم بمسقطيته وإلا فلا.
والحاصل أن الأفعال كالأقوال في ابراز ما في الضمير واظهاره، فكما أن الاسقاط القولي موجب لسقوط الخيار ويكون كاشفا عن ابراز ما في
الضمير وكذلك الاسقاط الفعلي، فإنه أيضا يكون من مصاديق الاسقاط،

1 - عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟
فقال: الخيار لمن اشترى - إلى أن قال: - قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس؟ قال:
فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته (قرب الإسناد: 78، عنه الوسائل 18: 13)، صحيحة.
384

وإذا لم يكن التصرف بحيث يكون من الاسقاط فلا يكون له قابلية لاسقاط
الخيار وظهوره في ذلك، فيكون وجوده كعدمه، والمفروض أنه لم يرد
التعبد بكونه مسقطا على أي وجه اتفق كما هو واضح، فافهم.
مسقطات خيار الغبن
1 - اسقاطه بعد العقد
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور: أحدها اسقاطه بعد العقد.
أقول: يقع الكلام هنا في أربع مسائل:
1 - أن يسقط خياره قبل العلم بالغبن مجانا.
2 - الاسقاط به قبل العلم بظهور الغبن من العوض.
3 - الاسقاط به مع العلم به مع العوض.
4 - الاسقاط به مع العلم به مع عدم العوض.
المسألة الأولى والثانية
لا شبهة في سقوط الخيار قبل العلم بالغبن، بأن يقول: أسقط خيار
الغبن في هذه المعاملة، ولا شبهة في ذلك بناءا على ثبوت الخيار من
الأول، غاية الأمر أنه لا علم بالخيار، فمجرد عدم العلم به لا يمنع عن
تأثير الاسقاط، فإنه لو قال أحد: كلما لي من الخيار فقد أسقطه، فإنه
لا شبهة في شموله لكل خياره، وإن كان لم يعلم به وهو واضح جدا.
وأما لو قلنا يكون حدوث الخيار بعد تبين الغبن فاسقط المغبون
خياره بعد الغبن وقبل ظهوره والعلم، فهل يجوز ذلك أم لا؟
فذكر المصنف أنه يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار وهو
الغبن الواقعي وإن لم يعلم به، وهذا كان في جواز اسقاط المسبب قبل
حصول شرطه ولا يكون من قبيل اسقاط ما لم يجب.
385

ولكن يرد عليه أن المقتضي إن كان تام التأثير بحيث يؤثر في المعلول
بالفعل فيكون الخيار ثابتا بالفعل، ولا يكون معلقا على حدوثه بعد العلم
بالغبن، وهو خلف الفرض، وإن لم يكن المقتضي تام التأثير فلا يكون
الاسقاط بمثل هذا المقتضي من تحت الاسقاط لما لم يجب، فيبقى
المحذور في حاله.
ولكن الظاهر أنه لم يدل دليل على عدم جواز الاسقاط بما لم يجب إلا
ما يتوهم من كونه تعليقا، ومن الواضح أن المتيقن من ذلك هو العقود
بالنسبة إلى التعليق بأمر مجهول، فلا يجري في غيره.
وعلى الجملة لا نعرف أساسا صحيحا لعدم جواز اسقاط ما لم يجب،
فلا نرى في أن يسقط الانسان بما يتعلق له من الحق بذمة غيره قبل تعلقه
بها، ولم يرد في آية ولا في رواية ما يمنع عن ذلك، كما هو واضح
لا يخفى، بل هو من جهة الاجماع، ولعله ليس اجماعا تعبديا، بل من
جهة عدم اعتبار العقلاء بمثل ذلك، ويمكن أن يكون مدرك الاجماع ما
ورد من النهي عن بيع ما لم يملك بعد وعن بيع ما ليس عندك، والعقلاء
لا يعتبرون الملكية في أمثال ذلك أيضا.
وعليه فإذا اعتبر العقلاء أثرا عليه في مورد فلا مانع من اسقاط ما
لم يجب.
لو كان ما أسقطه أزيد مما اعتقده
ثم إنه مع العلم بالغبن تارة يكون ما أسقطه من الغبن موافقا للواقع،
وهذا لا شبهة فيه، وقد يكون أقل مما اعتقده، وهذا أيضا لا شبهة فيه،
وقد يكون مخالفا، بأن يكون الغبن أزيد مما اعتقده، فحينئذ يقع الكلام
في صحة الاسقاط وعدمه، وأنه اسقاط للغبن من أصله أو بمقدار ما
اعتقده، وتوضيح ذلك أنه:
386

إذا أسقط خياره قبل العلم بالغبن باعتقاد أنه إذا كان هنا غبن يكون
خمسا في الخمسين، ولكن لما تبين الحال فظهر أنه مغبون في الخمسين
بثلاثين فهل يسقط خياره مطلقا، أو يسقط بالنسبة إلى مرتبة خاصة،
أعني ما اعتقده في مقدار الغبن.
وقد عنون المصنف ذلك في صورة كون الغبن معلوما، ولكن
المسألتان من واد واحد، فيجري هذا البحث في كلتا المسألتين كما هو
واضح.
وعلى كل حال فلا يمكن أن يكون المقام من باب التقييد، بأن يكون ما
أسقطه من الخيار مقيدا بكون الغبن خمسة في الخمسين ويكون خياره
باقيا في المرتبة أخرى التي لم يسقطها.
وبعبارة أخرى اسقاط ما احتمله أو اعتقده من مرتبة الغبن لو كان
موجبا لتقييد الاسقاط بتلك، نظير تقييد المبيع بالصورة النوعية، لكان
لعدم سقوط الخيار عند تبين زيادة الغبن عما احتمله أو اعتقده وجه، إلا
أنه لا يمكن التقييد في المقام، لأن الخيار أمر واحد بسيط ليس ذا مراتب
ولا يقبل التأكد، وفي المقام لا يقبل التخصص بسبب دون سبب، كما
في اجتماع خياري الحيوان والمجلس في عقد واحد، فإن مائة دينار
مثلا مرتبة واحدة من الغبن، فلا يعقل اسقاط مقدار منه وبقاء مقدار آخر.
وإذن فيكون من قبيل الداعي، يعني أن اعتقاده بكون الغبن خمسة في
الخمسين داع إلى اسقاط خيار الغبن علي ما هو عليه في الواقع بأي نحو
كان كما هو واضح وبأي مرتبة وصل، فيكون اسقاطه خيار الغبن باعتقاد
كونه بمقدار خاص اسقاطا لخيار غبنه من أصله وأساسه.
ولا يقاس ذلك بباب الدين، فإنه إذا اعتقد عمرو كون زيد مديونا له
عشرة دنانير وأسقطه، فبان أنه مائة دينار، أو اعتقد كذلك وقال: أسقط
جميع ما في ذمة زيد من الدين لي، فإنه لا بأس هنا من الالتزام بأن الساقط
387

عن ذمته إنما هو بمقدار عشرة دنانير، ولكن لا يمكن الالتزام بذلك هنا،
والوجه فيه أن خيار الغبن كما عرفت أمر واحد بسيط ليس ذا مراتب، إن
سقط سقط من أصله وإن لم يسقط فلا يسقط من أصله، وقد قلنا إن اعتقاد
كونه بمقدار خاص ثم اسقاطه من باب الداعي، فيكون الاسقاط اسقاطا له
من أصله.
وهذا بخلاف باب الدين، فإنه منحل إلى ديون متعددة نظير بيع أمور
عديدة في صفقة واحدة، فإنه كما ينحل البيع هنا إلى بيوع متعددة
فكذلك الدين، فمائة دينار من الدين منحل إلى ديون عديدة بحساب
الدينار بل بحساب الدراهم، بل أقل من الدرهم إلى أن ينتهي إلى ما
لا يقبل المالية ولا ينصف بها.
وعليه فاسقاط مرتبة من الدين لا يضر ببقاء مرتبة أخرى في ذمة
المديون كما هو واضح.
وعليه فلا بد إما من الالتزام بسقوط الخيار من أصله أو من الالتزام
ببطلان الاسقاط لبطلان التقييد كما عرفت، وحيث عرفت أن الظاهر في
مثل المقام هو الداعي، فيكون اسقاطه بداعي كون الغبن بمقدار خمسة
في الخمسين فبان أنه بمقدار عشرين في الخمسين اسقاطا لأصل خيار
الغبن فلا يضر به تخلف الداعي.
نعم يمكن أن يقال بكون سقوط الخيار مشروطا بظهور الغبن بالمقدار
الذي اعتقده، بأن يكون اسقاط المغبون خياره معلقا بكون الغبن خمسة
في خمسين وإلا فلا يسقط خياره، وهذا لا محذور فيه إلا اشكال
التعليق، فإن هذا الاسقاط ليس منجزا فيكون باطلا.
ولكن يرد عليه أن بطلان التعليق في العقود والايقاعات لم يثبت بدليل
لفظي بل بالاجماع، وهو دليل لبي فلا بد من أخذ المتيقن من ذلك، وهو
ما لا يتوقف أصل تحقق العقد عليه، ولعل الاجماع أيضا ليس بتعبدي،
388

بل من جهة أن العقلاء لا يعتبرون في مثل موارد التعليق الملكية، كما
لا يعتبرون في بيع ما لم يملك.
فالمقام نظير طلاق مشكوك الزوجية، وعتق مشكوك الرقية، فإن
مشكوكية المعلق عليه لا يضر بصحة الطلاق وبصحة العتق، فإن الطلاق
والعتق مما يتوقف أصل تحققه على الزوجية والرقية، فلا يضر التعليق
في مثل ذلك بصحة العتق والطلاق، فقد ظهر من جميع ما تقدم حكم
صورة الاسقاط مع العلم بالغبن.
وعلى الجملة أن المسقط الأول هو الاسقاط، وقد ذكرنا أن في المقام
أربع مسائل: الأولى الاسقاط قبل العلم بالغبن، والثانية الاسقاط بعد
العلم بالغبن، والثالثة والرابعة الفرضين مع كون الاسقاط في مقابل
العوض.
أما المسألتان الأولتان فقد ظهر حكمهما مما ذكرناه، وحاصله:
إن المحذور من الاسقاط هنا ليس إلا أمران: أحدهما في صورة كون
الخيار مشروطا شرعا بظهور الغبن، وذكروا أن ذلك من قبيل أسقط ما
لم يجب، والثاني في صورة العلم بالغبن مع الاعتقاد بأنه خمسة في
الخمسين فبان أنه أكثر، وقد قلنا إن سقوط الخيار هنا إذا كان الغبن
بالخمسة فقط إنما يصح إذا كان الاسقاط على نحو التعليق، وعليه
فيتوجه المحذور بأنه من قبيل التعليق فهو باطل.
وجوابه ما تقدم من أن التعليق إذا كان بما يتوقف عليه وجود العقد أو
الايقاع لا يضر لكونه خارجا عن الاجماع كما هو واضح.
المسألة الثالثة والرابعة
ثم إنه يقع الكلام في حكم المسألة الثالثة والرابعة، أعني اسقاط
الخيار في الصورتين بالعوض كالمصالحة مثلا.
389

أما المسألة الأولى، بأن يسقط خيار الغبن قبل ظهوره بالعوض
ويصالح سقوطه بعوض، فالظاهر أنه لا يجوز ذلك، فإن أخذ العوض
على ذلك باطل وأكل للمال بالباطل، إذ لا بد وأن يكون ما يأخذه
المسقط لخياره من العوض واقعا في مقابل شئ كما هو شأن المصالحة
والمبادلة.
وقد عرفت أنه لا تجوز المصالحة على سقوط الخيار قبل ظهور الغبن
والعلم بوجوده، بل يحتمل أنه موجود أوليس بموجود، ومعه
لا تحصل المبادلة بين سقوط الحق الموهوم وبين ما يأخذه في مقابله من
العوض، فلا يكون شئ في مقابل العوض، فتخرج عن المبادلة بين
الشيئين، وقلنا لا مدفع لهذا الاشكال إلا أن يكون ما يعطيه الغابن من
العوض بعنوان المحاباة.
ولكن يمكن تصحيح المصالحة هنا أيضا بتقريب آخر، بأن يقال: إن
المصالحة واقعة على اسقاط الخيار بعد العقد على تقدير ثبوته،
والعوض الذي يأخذه من يحتمل أن يكون مغبونا إنما يأخذه في مقابل
الفعل الذي هو اسقاط الخيار على تقدير ثبوته.
ومن الواضح أن هذا الفعل كان متعلقا بالخيار على تقدير ثبوته لا أنه
اسقاط على كل تقدير، ولكن فائدته للطرف الآخر على كل تقدير، فإن
يحصل منه الاطمينان له فلا يحصل تزلزل في العقد بعد ذلك بحيث
ينجر إلى المحاكم العرفية.
ومن الواضح أن حصول الاطمينان له غرض عقلائي يوجب مالية
للاسقاط الذي هو فعل المغبون، وهذه وإن كانت مصالحة ولكن نتيجة
الإجارة، فتكون كإجارة شخص لايجاد فعل في الخارج، فكما أن
المستأجر يملك فعل الأجير بالإجارة، وكذلك أن من يحتمل أن يكون
390

غابنا إذا أعطى درهما لمن يحتمل أن يكون مغبونا في مقابل اسقاطه
الخيار المحتمل فيكون مالكا لفعله أعني الاسقاط، كما هو واضح.
ومن الواضح أنه ليس هنا شئ حتى يقع العوض في مقابله، فإنه
لا يعلم أنه مغبون في الواقع حتى يكون له حق الخيار، ويكون سقوطه
في مقابل هذا العوض، بل ليس هنا إلا احتمال الخيار الناشئ من
احتمال الغبن، فمجرد احتمال الحق لا يصح أن يكون عوضا في
المصالحة عليه وسببا لأكل أموال الناس في مقابل سقوطه.
وعليه فلا يصح المصالحة على سقوط خيار الغبن قبل ظهور الغبن
كما هو واضح، إلا إذا كان ذلك في ضمن عقد آخر، كان تكون المصالحة
بين شيئين، أو أوقعا معاملة مستقلة واشترطا في ضمنه سقوط خيار
الغبن علي تقدير وجوده، فلو أراد المغبون اسقاط خياره على تقدير
وجوده بإزاء العوض تعين عليه ذلك، وإن ذكر المصنف الأولى هو ذلك،
نعم لو كانت المصالحة محاباتية بأن يهب من يتوهم كونه غابنا مالا للآخر
والآخر يسقط خياره المحتمل، فإن هذا أمر آخر، وإلا فلا مدفع
للاشكال المذكور.
وأما لو علم المغبون بوجود الغبن فأراد أن يصالح ذلك بشئ، فإن
صالح ما اعتقده من الغبن بشئ فظهر مطابقا للواقع فلا كلام لنا فيه، وإن
ظهر الواقع أزيد من ذلك، فذكر المصنف هنا ثلاث محتملات: بطلان
الصلح من أصله، وصحته مع كونه لازما، وصحته متزلزلا، والحق هو
الأخير، ويظهر بطلان الوجهين الأولين من بيان وجه الصحة في الثالث،
فنقول إنه:
كما أن الشرط الضمني موجود في المعاملات بكون العوضين
متساويين، أي لا يكون كل منهما زائدا وناقصا، وقد قلنا إن ذلك
391

مقتضى بناء العقلاء وإلا يثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط، وهذا
المعنى بعينه جار في المصالحة أيضا، فإن كل من المتصالحين يشترط
على الآخر أن يكون ما أعطاه للآخر من المال أو ما أسقطه من الحق زائدا
عن المقدار الذي تسالما عليه، وكذلك أن يكون بدلا عما يعطيه ناقصا
عن المقدار الذي تسالما عليه.
فهذا الشرط الضمني موجود في المصالحة، فإذا تخلف في مورد
يثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط، نظير تخلف الشروط المجعولة
في المعاملات، والمصالحة في المقام كذلك، فإن المغبون بعد ما علم
بالغبن بمقدار معين يصالح حق خيار غبنه بمبلغ معين، وهذه المصالحة
وإن كانت مطلقة ولكن يشترط فيها بالضمن العقدي، أن لا يكون الغبن
أزيد من المقدار الذي جري عليه التسالم، وإلا فيثبت له خيار تخلف
الشرط، وهذا واضح جدا.
ومن هنا ظهر بطلان توهم لزوم المصالحة وصحتها بدعوى أن الحق
أي خيار الغبن حق واحد بسيط فلا يعقل جريان المصالحة على بعضه
وسقوطه بالمصالحة وبقاء بعضه الآخر، فإنا لا ندعي سقوط الحق
بمقداره وبقائه بمقداره الآخر ليلتزم فيه هذا المحذور.
وكذلك بطل قول من توهم أن المصالحة باطلة، بدعوى أن تحقق
المصالحة لم يقع على الحق الموجود، وما هو موجود من الحق لم تجر
عليه المصالحة، فلا وجه لسقوطه، فيحكم ببطلان المصالحة.
ووجه البطلان أن المصالحة قد جرت على الحق الموجود ولكن
متزلزلا، فقد ظهر أن هذين القولين بين افراط وتفريط.
ثم إن ما ذكرناه جار في خيار الرؤية وخيار العيب أيضا على النحو
الذي تقدم، فإن الخيار فيهما ثابت بالشرط الضمني، وخيار العيب وإن
392

كان منصوصا ولكنه ليس على خلاف القاعدة، بل النص ورد على طبق
القاعدة، نعم ثبوت الأرش في خيار العيب بالنص على خلاف القاعدة.
2 - اشتراط سقوط الخيار في متن العقد
قوله (رحمه الله): الثاني من المسقطات: اشتراط سقوط الخيار في متن العقد.
أقول: قد تقدم ذلك في خياري الحيوان والمجلس، وقد ذكر
المصنف ذلك هناك وما أشكل عليه بوجوه عمدتها أنه اسقاط لما
لم يجب، فإن الخيار لم يثبت حين العقد، فاشتراط اسقاطه فيه اسقاط لما
لم يجب، وقد أجاب عنه المصنف واجبنا عنه أيضا بما عندنا
ولا نعيده.
ولكن مما يجب التنبيه عليه هنا أن هذا الاشكال إنما يتوجه لنحتاج
إلى الجواب إذا كان مدرك الخيار هو دليل نفي الضرر، أو الخبر الوارد في
تلقي الركبان، فإنه عليهما لم يثبت حق حين العقد حتى يشترط سقوطه
في ضمن العقد، ولكن بناءا على ما ذكرناه من كون دليل خيار الغبن هو
الشرط الضمني فلا مجال لهذا الاشكال أصلا، فإن مرجع سقوط الخيار
هو عدم الاشتراط من الأول، إذ خيار الغبن كان ثابتا بالشرط الذي
يجعلانه المتعاملان بالشرط الضمني، فإذا لم يجعلا ذلك لم يثبت خيار
الغبن بتخلف الشرط، فيكون نظير التصريح بعدم هذا الشرط كما هو
واضح، فلا يرد اشكال حينئذ أصلا.
نعم يبقى هنا ما ذكره الشهيد (رحمه الله) من اشكال الغرر (1)، بأن هذه المعاملة
غررية وسيأتي تفصيل ذلك.

1 - الدروس 3: 275.
393

بيان آخر
وأما الكلام في المسألة الثانية، أعني اسقاط الخيار في ضمن العقد
فقد تقدم تفصيل ذلك في خياري المجلس والحيوان، وعمدة الاشكال
في ذلك هو لزوم اسقاط ما لم يجب كما عرفت من جهة أن في ظرف
الاسقاط ليس حق وفي ظرف الحق ليس اسقاط، وقد تقدم الجواب عن
ذلك، وقلنا: إنه لم يرد في دليل أنه لا يجوز اسقاط ما لم يجب، وإنما هو
من جهة اللغوية، وعدم اعتبار العقلاء أثرا عليه، ولو كان هنا اجماع
فمنشؤه هو ذلك، وإذا فرض في مورد ترتب الأثر عليه وتعلق غرض
عقلائي باسقاط الحق الموجود في ظرفه من الآن فلا محذور فيه، فإنه
يخرج عن اللغوية كما هو واضح، وهذا لا شبهة فيه.
ولكن الذي يسهل الخطب أنه يجري هذا الاشكال في المقام بناءا
على كون دليل الخيار دليل نفي الضرر، أو الخبر الوارد في تلقي الركبان،
وأما بناءا على ما ذكرناه من كون دليل خيار الغبن هو الشرط في ضمن
العقد، فمعنى اشتراط عدم الخيار في متن العقد هو عدم اشتراط الشرط
الضمني من الأول، فلا يلزم هنا اشكال اسقاط ما لم يجب أصلا،
فلا يتوجه أن الاسقاط بالفعل ليس له متعلق لعدم وجود الحق وحين
وجود الحق ليس اسقاط.
ولكن يتولد من ذلك اشكال آخر، وهو أن المعاملة حينئذ تكون
غررية، فإنهما أقدما على شئ لا يعلم أن مقدار ماليته، في أي مرتبة
وبأي مقدار، وقد ذكر ذلك الشهيد في المقام وفي خيار الرؤية (1)، وبيان
ذلك:

1 - الدروس 3: 277.
394

أما لزوم الغرر في اسقاط خيار الرؤية من جهة أن بيع العين الغائبة
لا يصح إلا بذكر الأوصاف التي بها تختلف مالية المال، ومرجع اسقاط
الخيار إلى اشتراء المال بأي وصف كان، وهذا غرري، لأن الأوصاف لها
دخل في المالية، فمقدار المالية من هذا المبيع غير معلوم، وأما في خيار
الغبن فكذلك، فإن اعتبار ذكر أوصاف المبيع ليس إلا لأجل العلم بمقدار
ماليته، فإذا كان الجهل بالمبيع أو بالصفة راجعا أي الجهل بالمالية
فاسقاط خيار الغبن أيضا يرجع إلى الجهل بمقدار مالية المال، فيلزم
الغرر.
وعلى الجملة فاسقاط الخيار، أي عدم جعل الخيار في العقد مع
احتمال الغبن يوجب غررية المعاملة، إذ لا يعلم أن ما تملكه وأخذه أي
مقدار من المال وأي مقدار له مالية، وهو واضح.
وقد أشكل عليه المصنف بما حاصله: إن الخيار من الأحكام الشرعية
فلا يكون ثبوته في البيع موجبا لارتفاع الغرر، وإلا لصح كل بيع غرري
على وجه التزلزل، فثبوت الخيار وعدمه بالنسبة إلى ثبوت موضوع
الغرر في المعاملة وعدمه سيان.
ويرد عليه أن هذا المطلب متين فيما كان الخيار ثابتا بجعل الشارع،
فإنه من الأحكام الشرعية التي لا ترتبط بالغرر نفيا واثباتا، فلا يكون ثبوته
رافعا للغرر، ولا أن سقوطه يوجب الغرر، ولكن لا شبهة في أن الخيار
الثابت بجعل المتعاقدين يوجب رفع الغرر، فإن المعاملة مع اشتراط
أن يكون له الخيار مع ظهور الغبن فيها لا تكون غررية، أي يكون هذا
الاشتراط رافعا للغرر وموجبا لسقوطه، فإن الغرر هو الخطر، فمع هذا
الشرط فأي خطر في المعاملة، فإنه مختار مع ظهور الغبن فيها أن يرض
أو يفسخها، وهو واضح، فتحصل أن جعل الخيار في المعاملة يوجب
رفع الغرر فيها.
395

ولكن الذي ينبغي أن يقال إن المعاملة بدون جعل هذا الخيار أيضا
ليست بغررية، وذلك لأن الغرر بمعنى الخطر فهو إنما يكون إذا لم يعلم
أن تصاحبه بالمبادلة أي شئ، أو أنه متصف بأي وصف، ولذا اشترطوا
في البيع كون المبيع معلوم الوجود ومعلوم الوصف، وإذا انتفي أحدهما
أو كلاهما كان البيع غرريا، فلو باع أحد داره بما في الكيس فلا يعلم أنه
أي مقدار في الكيس، وأنه أي شئ فيكون البيع غرريا.
وأما إذا علم كل من البايع والمشتري ما يأخذه من الآخر وتملكه أي
شئ بل يراه، وهو في نصب عينيه ولكن لا يعلم أن قيمته السوقية أي
مقدار، والجهل بالمالية من جهة الجهل بالقيمة السوقية فإنه لا يكون
ذلك غرريا، فنفرض أنه ليس في العالم سوق ولا عقلاء إلا البايع و
المشتري، فهل يتوهم أحد أن معاملتهما غررية، وهذا بخلاف الجهل
بأصل الشئ أو بوصفه فإنهما يوجبان الخطر، حتى لو لم يكن في العالم
سوق ولا عقلاء غير المتبايعين فإن الرغبات تختلف بينا باختلاف
الأشياء وأوصافها، وهو واضح.
ولو سلمنا أن اعتبار العلم بالقيمة السوقية أيضا من شرائط البيع
وأضفنا ذلك إلى شرائط البيع وقلنا لا بد من العلم بأصل وجود المبيع
وبأوصافه وبماليته، مع أنه لم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء أنه ليس هنا
غرر أيضا، فإنه يرتفع بالاطمئنان الحاصل، إما من اخبار الثقة أو بأصالة
الصحة بناءا على اعتبارها، أو الرؤية السابقة أو غير ذلك، وإن لم يكن
اطمينانه بمرتبة القطع.
فإذا اطمأن البايع بعدم كون المبيع أقل من القيمة السوقية أو اطمأن
المشتري بعدم كونه أزيد من القيمة السوقية فلا يكون البيع خطريا حينئذ
وإن لم يكن في الواقع كذلك، لما عرفت في البحث عن بيع الغرري أن
396

الخطر إنما هو قائم بحالة ترد النص وعدم اطمئنانها، وإذا اطمأن وأن
يكن قاطعا بعدم كون قيمة المبيع أقل من القيمة السوقية فباع على هذا
الاطمينان فلا يكون غرريا، وبهذا قلنا إن اسقاط خيار العيب والاقدام
بمعاملة مع الاطمينان يكون المبيع صحيحا وإن كان معيبا واقعا لا يكون
غرريا بل يصح المعاملة، كشراء الجارية مع الاطمينان بكونها صحيحة
مع أنها مسلولة.
ومن هنا ظهر حكم الشراء بانيا على الرؤية السابقة على البيع يوما أو
يومين بحيث يطمئن عادة أن المبيع لا يتغير في هذه المدة، فإنه يكون
البيع حينئذ صحيحا مع اسقاط الخيار وإن لم يكن المبيع كذلك في
الواقع، إذ لا تردد للمشتري في ذلك ليكون خطرا.
فتحصل أن الاقدام على المعاملة مع الاطمينان بالصحة إما اعتمادا
على قول الثقة أو على الرؤية السابقة، أو على أصالة الصحة بناءا على
اعتبارها مع اسقاط خياري الغبن والرؤية، وحينئذ لا يوجب كون
المعاملة غررية.
3 - تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات
قوله (رحمه الله): الثالث: تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات
المتقدمة بعد علمه بالغبن.
أقول: ذكر المصنف أن المشهور بين الفقهاء هو الفرق بين التصرف
الواقع بعد العلم بالغبن وبين التصرف الواقع قبل العلم بالغبن، فإنهم
التزموا بكونه مسقطا لخيار الغبن والعيب والتدليس في الأول دون
الثاني.
فإن كان المراد بذلك هو الطريقية فهو متين، بأن كان التصرف كاشفا عن
الرضاء بالعقد وطريقا إليه، إذ لا فرق في المسقط بين المسقط القولي
397

وبين المسقط الفعلي، إذ الميزان إنما هو كونه مبرزا لما في النفس من
الرضاء بالعقد وكاشفا عن سقوط الخيار، ومن الواضح أن التصرف حين
العلم بالغبن له طريقية إلى سقوط الخيار، إلا إذا قامت قرينة على عدم
كونه طريقا إلى السقوط في هذه الحالة.
وإن كان المراد من هذا الفرق الموضوعية، بأن كان التصرف مع العلم
بالغبن له موضوعية في سقوط الخيار فهو باطل، إذ كثيرا يوجد التصرف
مع العلم بالغبن ولا يكون مسقطا للخيار، كما إذا علم بالغبن وبنى على
الفسخ ولكن لم يفسخ ليتصرف في المبيع ولا يكون التصرف في ملك
الغير.
كان اشترى لحافا والتفت الليل إلى الغبن وبنى على الفسخ، بناءا على
عدم فورية هذا الخيار، ولكن لم يفسخ الليلة من جهة برودة الهوى
ليتصرف في اللحاف مع كونه في ملكه وأصبح وفسخ، فإن القرينة قائمة
على عدم كون التصرف كاشفا عن سقوط الخيار، فلو كان له موضوعية
لكان مثل هذه التصرفات أيضا مسقطا للخيار.
وهكذا لو كان التصرف واقعا في مقدمة الاسقاط، كما إذا اشترى
حيوانا فالتفت إلى كون المعاملة غبنية وركبه ليرده إلى البايع ويفسخ
العقد عنده، فإن مثل هذا التصرف لا يكون مسقطا للخيار.
بل قد يكون موجبا لسقوط الخيار مع الجهل بالغبن، كما إذا تصرف
المغبون تصرفا كاشفا عن الرضا بالعقد، حتى لو ظهر فيه غبن، كما هو
المفروض، فلو كان التصرف مع العلم بالغبن له موضوعية في سقوط
الخيار لما كان ذلك موجبا لسقوط الخيار.
نعم مع العلم بالغبن يكون التصرف كاشفا عن سقوط الخيار غالبا إلا إذا
قامت قرينة على الخلاف، وعكس ذلك وقوع التصرف مع الجهل
بالغبن.
398

وعلى الجملة ما ذكره المشهور من الفرق في مسقطية التصرف بين ما
بعد العلم بالغبن وبين ما قبل العلم بالغبن لا يرجع إلى محصل إذا كان
غرضهم الموضوعية، بل له وجه إذا كان غرضهم الطريقية، وقد ذكرنا
سابقا أنه لا يفرق في ابراز الاسقاط بين المبرز الفعلي والمبرز القولي كما
هو واضح.
ثم إنه لا وجه لقياس خيار الغبن بخيار العيب والتدليس، فإن سقوط
الخيار بالتصرف في خيار العيب بالنص فإما يفسخ أو يأخذ الأرش، وأما
في خيار التدليس فلا دليل فيرجع إلى دليل الخيار.
هذا كله فيما إذا كان المدرك لهذا الخيار هو دليل لا ضرر وصدق على
هذا التصرف الاقدام على الضرر، فإنه مع هذا الصدق يسقط الخيار في
صور العلم بالغبن وعدمه، وأما إذا لم يصدق على التصرف الاقدام على
الضرر فلا يسقط الخيار على كل تقدير، أي مع العلم بالغبن وعدمه.
وهكذا إذا كان الدليل هو الشرط الضمني، فإنه إن كان التصرف
مصداقا للاسقاط يسقط به الخيار وإلا فلا، فلا يفرق في ذلك أيضا بين
صورتي العلم بالغبن وعدمه، غاية الأمر أنه بناءا على الأول فالخيار
مجعول شرعا وبناءا على الثاني فهو مجعول بجعل المتعاقدين.
وأما إذا كان المدرك هو الاجماع، فهل هو غير ثابت مع الرضاء، أو
يقال إن الشك في الرفع لا الدفع فيستصحب كما ذكره المصنف، فيه
بحث، ثم أمر بالتأمل.
وقد يقال إن الاستصحاب لا يجري هنا من جهة أن المدرك للخيار هنا
هو الاجماع، وقد حقق في محله أنه إذا كان المدرك هو الدليل اللبي
فلا مطرح للاستصحاب فيكون دفعا لا رفعا.
ولكن يرد عليه أنه لا فرق عند التحقيق وعند المصنف في جريان
399

الاستصحاب بين كون دليل الحكم هو الاجماع أو غيره كما حقق في
محله.
وقد يقال إن وجه الاشكال في الاستصحاب هو كون الشك في
المقتضي، أي لا يعلم وجود المقتضي للخيار مع التصرف، للشك في أن
المستصحب له اقتضاء البقاء أم لا؟
وفيه أن مورد الشك في المقتضي ما إذا كان الشك في نفس الزمان، بأن
لا يعلم مقدار بقاء المستصحب من حيث الزمان لا بقائه من حيث الزماني،
وبالنسبة إلى كل طار وعارض، وإلا لرجع كل ما يشك في الرافع إلى
الشك في المقتضي.
وقد يقال بأن الوجه في عدم جريان الاستصحاب هو عدم بقاء
الموضوع، كما ذكره شيخنا الأستاذ، فإن الموضوع في المقام ليس ذات
المغبون بل هو مع الرضاء، كما أن عنوان السفر والحضر لهما دخل في
القصر والاتمام، وعنوان العدالة له دخل في جواز تقليد المجتهد بحيث
يعد الفاسق موضوعا آخر غير العادل، وهكذا هنا، فالوصف العنواني
يوجب تعنون الموضوع بعنوان خاص، وإن كان الموضوع حقيقة شيئا
واحدا ولكن طرو الأوصاف المتغايرة يوجب التعدد.
ولكن هذا أيضا ليس بصحيح، وإن كان صحيحا في المسافر
والحاضر والعادل والفاسق في مسألة التقليد، إذ ليس لعنوان الرضاء
دخل في ثبوت الخيار، بل هو ثابت لذات المغبون، غاية الأمر أن
التصرف الصادر عن الرضا مصداق للاسقاط نظير الاسقاط القولي.
بل الوجه في عدم جريان الاستصحاب ما ذكرناه في علم الأصول، من
400

عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية (1)، فلو لا هذه الجهة
لم يكن مانع في جريان الاستصحاب هنا، وكان الشك في الرفع لا الدفع،
ولحكمنا معه بجريان الاستصحاب، فافهم، وإذا لم يتم الاستصحاب
فترجع إلى دليل لزوم العقد.
4 - التصرف المخرج عن الملك
قوله (رحمه الله): الرابع من المسقطات: تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن
تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم كالبيع والعتق.
أقول: نسب المصنف (رحمه الله) إلى المحقق (2) ومن تأخر عنه سقوط خيار
الغبن بالتصرف المخرج عن الملك، بل هو المشهور بين المتأخرين، بل
يظهر ذلك من كلام الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البايع أنه
لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد، واستظهره المصنف اتحاد هذا
الخيار مع خيار الغبن علي حد ما استظهره من جامع المقاصد في شرح
قول الماتن: ولا يسقط الخيار بتلف العين (3).
وكيف كان إنما الكلام في دليل ذلك، فنقول:
إن كان المدرك لخيار الغبن هو الاجماع، فيمكن أن يقال: إن الاجماع
دليل لبي فالمتيقن منه إنما هو فرض بقاء العين، وأما في فرض تلف العين
فلا اجماع في البين، على أن هذا الفرع ليس معنونا في كلمات القدماء،
فكيف يمكن دعوى الاجماع التعبدي على ذلك، وإن كان يمكن
استظهاره من بعض كلماتهم، كما استظهره المصنف من الشيخ (رحمه الله).

1 - مصباح الأصول 3: 231.
2 - راجع الشرايع 2: 22.
3 - جامع المقاصد 4: 295.
401

وإن كان المدرك هو دليل لا ضرر، وهو ثابت في هذه الصورة أيضا،
لأن لزوم هذا العقد ضرر على المغبون فيرتفع بدليل نفي الضرر، ومن
الواضح أن متعلق الفسخ هو العقد فيفسخ العقد ويرد مثل العين إلى
الغابن، وهكذا الحال فيما إذا كان دليل الخيار هو الشرط الضمني، فإنه
موجود في صورتي بقاء العين وتلفها.
ولكن الكلام في أنه على القول بكون مدرك الخيار هو دليل لا ضرر
أشكل عليه بوجهين:
1 - أنه يسقط الخيار مع التصرف في العين تصرفا مخرجا عن الملك،
فإنه اقدام على الضرر فمعه يسقط الخيار.
وفيه ما ذكره شيخنا الأنصاري ناقلا عن شيخنا الشهيد (رحمه الله)، بأن الضرر
الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف والتصرف مع الجهل
بالضرر ليس اقداما على الضرر، فإن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا
صورة الاقدام عليه عالما به، فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من
الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها على ملكه وبدلها مع عدمه.
وعلى الجملة فمثل هذا التصرف الواقع في حال الجهل ليس اقداما
على الضرر إلا إذا قامت قرينة على ذلك، فإنه يوجب سقوط الخيار على
النحو الذي تقدم في المسقط الثالث، وعدم بقاء العين لا يضر ببقاء
الخيار، لأن متعلقه العقد كما عرفت مفصلا دون العين.
2 - إن عدم سقوط الخيار بمثل هذا التصرف المخرج عن الملك ضرر
على الغابن أيضا فيكون مشمولا لدليل نفي الضرر، وحينئذ فيتعارض
دليل لا ضرر بالنسبة إليهما ويتساقط وهو واضح، فالوجه الأول ناظر
إلى منع المقتضي، والوجه الثاني ناظر إلى ايداع المانع.
وفيه أيضا ما ذكره شيخنا الشهيد، من أنه لا ضرر في ذلك على الغابن
402

لأن العين المبيعة إن كانت مثلية فلا ضرر عليه لأنه يأخذ المثل، وإن كانت
قيمية فيأخذ القيمة، وعلى كل حال لا ضرر على الغابن، غاية الأمر
تفوت الأوصاف الشخصية الغير الدخيلة في زيادة القيمة، وليس فيه
ضرر على الغابن.
وإن كان مثل تلك الأوصاف أيضا موردا لغرض الغابن بشخصه، كما
إذا كان كتابا مخطوطا بخط أبيه فإنه خصوصية شخصية وله دخل في
الغرض الشخص، ولكنها لا توجب التفاوت في القيمة السوقية كما هو
واضح.
وتحصل أنه لو تصرف المغبون في العين جهلا تصرفا مخرجا عن
الملك لا يوجب هذا التصرف سقوط الخيار، بناءا على كون مدرك الخيار
هو دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني، إلا إذا قامت قرينة على كونه
اقداما على الضرر أو مصداقا لسقوط الخيار، فإنه حينئذ يسقط الخيار
بذلك.
عدم الفرق بين كون المغبون هو البايع أو المشتري
قوله (رحمه الله): ثم إن مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين
البايع والمشتري.
أقول: الظاهر هو عدم الفرق بين كون المغبون هو البايع أو المشتري،
بناءا على كون المدرك هو دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني، فإنه على
كلا التقديرين لعموم الدليل بهما.
نعم بناءا على كون مدرك الخيار هو الاجماع لا يشمل ذلك البايع، لأن
المذكور في كلماتهم هو المشتري فيكون هذا حكما تعبديا مختصا
بالمشتري كما هو واضح، ولكن قد عرفت عدم وجود الاجماع التعبدي
في المقام.
403

عدم الفرق بين التصرف المخرج عن الملك
قوله (رحمه الله): ومقتضى اطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم وبين فك المالك
كالعتق والوقف، وبين المانع عن الرد مع البقاء كالاستيلاد.
أقول: بناءا على عدم ثبوت الخيار بالتصرف المخرج عن الملك لا
فرق فيه بينما يكون التصرف موجبا لاعدام العين، كأن اشترى الخبز
المساوي بستة فلوس بخمسين فلسا فأكله، أو كانت العين باقية ولكن
زالت الملكية عنها، كما إذا اشترى عبدا فأعتقه ثم علم بالغبن، أو كانت
العين باقية مع وصف الملكية ولكن كانت ملكا للغير، كما إذا باعها
المغبون من غيره بالبيع اللازم، أو كانت العين باقية في ملك المغبون أيضا
ولكن تصرف فيها تصرفا أوجب ذلك التصرف المنع عن الرجوع، كما
إذا اشترى أمة فاستولدها فإن العين لم تتلف ولم تزل عنها الملكية أيضا
ولكن وجد فيها وصف أوجب المنع عن ردها إلى الغابن، فإنه على القول
بعدم سقوط الخيار بالتصرف المخرج عن المالك جهلا لا يفرق بين هذه
الصور بل يبقى الخيار على حاله، كما أنه على القول بعدم بقائه أيضا
لا يفرق بين هذه الصور.
وهل يلحق بما ذكر نقل العين إلى غيره بالعقد الجائز أو التدبير
والوصية أم لا؟
ذكر المصنف ما صرح به جماعة أن الناقل الجايز لا يمنع الرد بالخيار
إذا فسخه، فضلا عن مثل التدبير والوصية من التصرفات الغير الموجبة
للخروج عن الملك فعلا.
وذكر شيخنا الأستاذ أن في مورد النقل يمتنع الفسخ ما دام العين
المغبون فيها خارجة عن ملك المغبون ولو كان النقل جائزا، لأن الفسخ
404

يقتضي رد العين من ملك الفاسخ إلى ملك المفسوخ عليه ورد بدلها من
ملك المفسوخ عليه إلى ملك الفاسخ والعين إذا لم تكن ملكا للفاسخ
يمتنع الرد، ولكنه تسلم امكان الرد في التدبير والوصية، لأن نفس
الفسخ ابطال لهما.
أقول: يمكن أن يقال إن النزاع بأنه يمكن الفسخ في مورد النقل بالعقود
الجائزة كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري، أو يستحيل كما ذهب إليه
شيخنا الأستاذ خارج عن المقام أصلا، ولا موضوع لهذا البحث، وذلك
لأن من يفسخ العقد يقصد مع ذلك رد العين إلى البايع، فما يفسخ به العقد
من الفعل أو القول يكون ذلك انشاء لفسخ العقد الذي غبن فيه المغبون،
وأيضا انشاء للعقد الجائز الناقل للعين إلى غيره، فيكون فعله هذا أو قوله
الذي يقع به الفسخ مبرزا لفسخ عقدين العقد اللازم الذي وقع فيه الغبن
والعقد الجائز الناقل للعين إلى غيره.
وبعبارة أخرى أن المغبون إذا فسخ العقد يقصد بذلك رد العين إلى
الغابن، ومعنى رد العين إلى الغابن ليس إلا فسخا للعقد الجائز، فيكون
فسخ المغبون العقد الذي وقع فيه الغبن بالالتزام فسخا للعقد الجائز
أيضا.
وعليه فلا موضوع لما ذكره المصنف من امكان الرد، ولا لما ذكره
شيخنا الأستاذ من عدم امكان الفسخ، هذا كله لا اشكال فيه.
وأما إذا نقل المغبون العين إلى غيره بالإجارة، فهل يبقى الخيار مع
ذلك أم لا؟
أما بناءا على بقاء الخيار مع ما ذكرناه من النواقل اللازم والجائزة
فواضح لا شبهة فيه، وأما على القول بعدم بقاء الخيار مع الأمور
المذكورة، فهل يبقى الخيار هنا أم لا؟
405

فالظاهر هو بقاء الخيار، وذلك لأن العين باقية في ملك المغبون وليس
عن ردها إلى الغابن مانع أصلا، وليس المقام مثل الأمور السابقة الناقلة
للعين إلى ملك الغير نقلا لازما أو نقلا جائزا، ولا أن هنا مانعا عن الرد
كالاستيلاد، غاية الأمر أن العين مسلوبة المنفعة إلى مدة معلومة فيفسخ
المغبون العقد ويملك الغابن العين ولكن مسلوبة المنفعة إلى مدة
معلومة، على أنك عرفت أنه مع عدم امكان رد العين أيضا يمكن، لأن
متعلقه هو العقد دون العين الخارجية كما لا يخفى.
وعلى الجملة أن التصرف المخرج عن الملك حقيقة أو حكما لا يمنع
عن بقاء الخيار، وهكذا التصرف في المنفعة كما في الإجارة، بل عدم
سقوط الخيار هنا أولى.
لو امتزجت العين بشئ آخر
ثم إنه لو امتزجت العين بشئ آخر ثم علم الغبن فهل يوجب ذلك
سقوط الخيار أم لا، وعلى تقدير أن لا يكون موجبا لسقوطه فهل يكون
ذلك مانعا عن الرد أم لا؟
وهنا مسألتان: الأولى: في أن الخيار هل يبقى مع الامتزاج أم لا،
والثانية: أنه مع القول بالبقاء هل يكون ذلك مانعا عن الرد أم لا؟
أما المسألة الأولى فقد ظهر حكمها من السابق، حيث عرفت أن
التصرف الموجب للتلف موضوعا أو حكما لا يكون سببا لسقوط
الخيار، وكذلك في المقام سواء كان الامتزاج بالأعلى أو بالأدنى أو
بالمساوي، وسواء اختلط بمال المشتري المغبون أو بمال غيره، وذلك
لما عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد دون العين حتى يلزم من تلفه أو
انتقاله إلى شخص آخر انتفاء موضوع الفسخ
406

وأما أن الامتزاج مثل التصرف المخرج عن الملك فمن جهة أن
الامتزاج يوجب خروج العين عن الملك لا تمامها بل ببعضها، وبهذا
الخروج تحصل الشركة الإشاعة فينتقل بعض من كل من الممتزجين
بعضا مشاعا إلى ملك مالك الآخر فتصبح العين بينهما مشتركة على وجه
الإشاعة.
وأما المسألة الثانية، فهي أنه هل يمكن الرد هنا أم لا، فنقول: أما إذا
لم يرض الغابن لما امتزجه، سواء كان الامتزاج بالأعلى أم لا، فلا شبهة
في انتقال حقه إلى المثل أو القيمة، فإنما أخذه المغبون من الغابن لم يكن
ممتزجا بغيره ولم يكن مشتركا بينه وبين غيره، فالشركة عيب في ماله فله
أن لا يقبله ويطلب من المغبون مثله أو قيمته، فإنه حين ما سلمه إلى
المغبون لم يكن معيوبا بهذا العيب كما هو واضح.
وعلى الجملة فللغابن أن لا يرض بالممتزج وطلب منه غيره، وإن
رضي بذلك فليس للمغبون أن يمنع من أدائه، لأن الشركة وإن كانت عيبا
في المال وموجبة لانتقال بعض مال الغابن إلى المغبون لحصول الإشاعة
بذلك إلا أنه مع ذلك متعلق حقه وماله، غاية الأمر ماله المعيوب بعيب
حصل بفعل المغبون وله مطالبة نفس ذلك، وليس للمغبون أن يمنع من
رده، لأن الغابن له أن يسقط ما كان في ماله من القيمة عن العيب الذي هو
الشركة وليس ذلك اعتبار وصف زائد فيه حتى يكون ذلك عناية زائدة
ولا يكون للغابن حق المطالبة.
والأمر كذلك في جميع المقامات التي يشترط المشتري كون المبيع
واجدا لوصف الكمال، ولكن في مقام التسليم والتسلم يغمض النظر عن
حقه ولا يطلب الواجد للوصف كما لا يخفى، مثلا لو فرضنا أن زيدا
اشترى عبدا كاتبا من عمرو وهو عند المطالبة يطالب عبدا فاقدا للكتابة
407

ويغمض عن جهة الكتابة، لأنه اغماض عن حقه، وليس للبايع اجباره
بالعبد الكاتب مثلا.
إلا إذا كان الواجد للوصف مبائنا مع الفاقد كفرش كاشان مع فرش
همدان، فإنه لو وقعت المعاملة على فرش كاشان ورضي البايع بفرش
همدان ولكن لا يرض المشتري بفرش همدان، إما لعدم وجوده عنده أو
من جهة أخرى فإنه ليس له أن يجبر البايع بذلك، وإن كان اغماضا عن
الحق، بل ينفي البيع الأول في تسليم فرش همدان بل يحتاج إلى معاملة
أخرى لأنها بجودة الأول وردائة الثاني من المتباينين.
وهذا بخلاف ما كان الوصف وصف الكمال فقط، كما إذا كان المبيع
الحنطة الفلانية التي جيدة ورضا البايع بالحنطة الفلانية التي رديئة
ورضي المشتري بالردي، فإنه ليس للبايع اجباره بالجيد، لأن المبيع
شئ واحد غاية الأمر قد اعتبر فيه وصف الكمال فيسقط المشتري هذا
الشرط، فلا محذور فيه كما لا يخفى، فافهم وتأمل.
ومن هنا ظهر حكم لو تعيب المبيع بفعل المغبون ولم يخرج عن
ملكه، فإنه لو لم يرض به الغابن لا بد له من اعطاء المثل أو القيمة، وأما لو
رضي به فليس للمغبون اجباره بالمثل أو القيمة، بدعوى أنه صار معيبا،
و ذلك لأن العيب ليس مانعا عن مطالبة الغابن ماله كالامتزاج، غاية الأمر
أن حصول العيب يجوز له مطالبة المثل أو القيمة مع عدم الرضاء
بالمعيب، وأما مع الرضاء به فليس لأحد أن يمنعه من ذلك لكونه ماله،
كما هو واضح.
وأما لو زادت العين، فقد تكون الزيادة عينية وقد يكون حكمية، وأما
إذا كانت الزيادة عينية، كما إذا اشترى حيوانا صغيرا فصار شابا كبيرا، أو
اشترى حيوانا هزالا فصار سمينا، أو اشترى شجرا صغيرا فصار كبيرا،
408

فهل تكون مثل هذه الزيادة مانعة عن ثبوت الخيار للمغبون وعن الرد
على تقدير ثبوت الخيار أم لا؟
الظاهر أنه لا يمنع ذلك عن ثبوت الخيار لو كان مغبونا حين العقد، لما
عرفت أن الفسخ قد تعلق على العقد دون العين، فيمكن فسخ العقد مع
ذلك، وأما رد العين فالظاهر أنه ليس للغابن رد العين على هذه الحالة،
بل لا بد إما من الرضاء بالمثل أو القيمة أو الرضا بالعين على هزالتها
وصغرها مثلا، وتكون الزيادة للمغبون لحصولها في ملكه، فتحصل
الشركة ويكونان شريكين للعين بحسب حصتهما، كما هو واضح، فافهم
وتأمل.
بيان آخر لصورة امتزاج العين بشئ آخر
وقد عرفت أن الامتزاج ليس مانعا عن رجوع الغابن إلى ملكه، ولكن
نقول: أنه يكون مانعا عن ذلك، وتفصيل الكلام:
أن الشركة قد تكون بمعنى كون كل من الشريكين مالكا لنصف العين
المشتركة بجميع أجزائها، بحيث يكون حق كل منهما معلوما عند الله،
ولعل هذا هو المعروف بين الأصحاب، الثاني: أن يكون كل من
الشريكين مالكا لمجموع العين المشتركة ملكية ناقصة.
والفرق بين الأول والثاني أن ملكية المالك في الوجه الأول مستقلة،
لما عرفت أنه مالك لمجموع النصف مستقلا ولكن المملوك ناقص فإنه
هو النصف، وأما في الوجه الثاني فالمملوك مستقل وهو مجموع العين
المشتركة، ولكن مالكية المالك ناقصة، فإن كل منهما نصف المالك
والمجموع مجموع المالك منهما مالك واحد مستقلا كما هو واضح.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن الامتزاج أيضا مانع عن الرد كبقية النواقل
اللازمة، وذلك لأنه يوجب الشركة بحسب السيرة العقلائية ليكون كل
409

جزء مشتركا بين الشريكين إلى أن ينتهي الأمر إلى الأجزاء الصغار التي
لا تفيد القسمة بالآلة التي لا يعتبر لها العقلاء المالية، فيكون الامتزاج من
أسباب الشركة وفاقدا عن الرد.
فأما على الاحتمال الأول من وجهين الشركة، فمن جهة أنه ينتقل
بالامتزاج نصف مال كل من الشريكين إلى الآخر وبالعكس، فيكون كل
جزء مشتركا بين الشريكين واقعا.
وما قيل إنهما يكونان مشتركين في الظاهر فلا وجه له، إذ ليس الواقع
مجهولا لنا حتى نقول بالملكية الظاهرية، وعليه فيكون الامتزاج مثل
سائر النواقل اللازمة مانعة عن الرد فينتقل الضمان إلى البدل من المثل أو
القيمة.
وعلى الوجه الثاني من وجهين الشركة، فربما يتوهم أن المملوك هنا
شئ واحد ولكن المالكية ناقصة فلا مانع من الرد، ولكنه واضح الفساد
أيضا، بداهة أن مالكية كل من الشريكين ناقصة بالنسبة إلى المملوك، وأن
كل واحد منهما نصف المالك على مجموع العين.
فمالكية كل من الشريكين المستقلة انتقلت إلى الشريك الآخر،
فبالعرض يكون المملوك أيضا منتقلا إلى الآخر، بمعنى أن العين تكون
مملوكة للشريك الآخر مجموعا بنصف المالكية ولم تكن العين قبل
الشركة كذلك ومنتقلة إلى الآخر، فالنقل متحقق على كل تقدير كما هو
واضح، وعليه فلا يمكن رد العين أيضا، لكون المقام كسائر النواقل
اللازمة.
لو أنتقل المبيع بناقل لازم أو جائز إلى غيره ثم رجع إلى ملكه
ثم إنه لو أنتقل المبيع بناقل لازم أو جائز إلى غيره ثم رجع إلى ملكه
فهل للغابن مطالبة ذلك وليس للمغبون منعه عن رده، أوليس له مطالبته
410

وأن ذلك أيضا مانع عن الرد، أو يفصل بين ما كان الارجاع بسبب جديد
كالشري والتوارث والهبة فلا يرجع إلى الغبن، أو بسبب هو من شؤون
السبب الأول كالفسخ والإقالة ونحوهما فله حق الرجوع إلى المغبون،
وجوه.
وقد ذكر شيخنا الأستاذ تفصيلا في المقام، وتفصيل المقام في
جهتين: الأولى في ثبوت الخيار، والثاني في رد العين.
أما الأول، فلا شبهة في ثبوت الخيار حينئذ لعين ما تقدم، فإنك قد
عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد دون العين، فالعين سواء كانت باقية أو
تالفة فالخيار على حاله، ومع الفسخ يرجع إلى العين مع البقاء وإلا فإلى
المثل أو القيمة، ففي المقام على فرض أن نقول إن رجوع العين إلى ملك
المغبون بعد انتقالها إلى غيره مانعة عن الرد فلا مانع أيضا من ثبوت الخيار
كما لا يخفى، فافهم.
وأما الجهة الثانية، فسيأتي الكلام فيه في تصرف الغابن، هذا كله في
تصرف المغبون.
لو تصرف الغابن في العين التي انتقلت إليه بالنواقل اللازمة
وأما لو تصرف الغابن في العين التي انتقلت إليه بالنواقل اللازمة كالبيع
والهبة لذي رحم والهبة المعوضة، ونحوها من النواقل اللازمة فهل
يوجب ذلك سقوط الخيار وعدم جواز رد العين أم لا؟
أما سقوط الخيار فلا وجه له أصلا، فإنا لم نقل بسقوطه بتصرف
المغبون الذي هو ذي الخيار مع أن للسقوط فيه وجه، فكيف بسقوطه
بتصرف الغابن الذي عليه الخيار، فالخيار باق على حاله كما هو واضح
لا يخفى.
411

وأما بالنسبة إلى رد العين، أي فهل للمغبون رد العين التي نقلها الغابن
إلى غيره بالنواقل اللازمة أم لا، ففيه وجوه: الأول: تسلط المغبون على
ابطال ما أوجده الغابن من أصله، الثاني: تسلطه على ابطاله من حين
الفسخ، الثالث: لا هذا ولا ذاك، بل إذا فسخ المغبون وكانت العين منتقلة
إلى شخص آخر بناقل لازم كالوقف والعتق ونحوهما، فيرجع إلى
البدل من المثل أو القيمة.
أما مدرك القول الأول، أعني البطلان من رأسه، فمن جهة أن العقد
الذي أوقعه الغابن فإنما أوقعه في متعلق حق الغير، كما في بيع الرهن،
فيكون ذلك موجبا لتزلزل العقد من الأول.
وعليه فمقتضى قانون الفسخ هو تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع
معه لا من المشتري الثاني، وحينئذ فيكون الفسخ ابطالا لعقد الغابن
ليمكن رد العين من الغابن بمقتضى العمل بقانون الفسخ كما هو واضح،
فإن معاملته لا يزيد على المعاملة الفضولية، وعلى بيع الراهن العين
المرهونة، فيكون الفسخ ردا لذلك.
وأما مدرك القول الثاني، إن العقد إنما وقع على العين التي هي متعلق
حق الغير لثبوت حق المغبون بأصل المعاملة الغبنية، وإنما يظهر له
بظهور السبب، فللمغبون استرداد العين إذا ظهر السبب وحيث وقع
العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من أصله بل يبطل من حين الفسخ.
وبعبارة أخرى أن الجمع بين دليل سلطنة الناس ودليل الخيار يقتضي
نفوذ تصرفات الغابن ما لم تبلغ حد المزاحمة لحق المغبون، فإذا بلغ هذا
الحد اقتضى دليل الخيار السلطنة على فسخ المعاملة وأخذ العين عمن
كانت بيده.
وأما مدرك القول الثالث، فهو أنه لا وجه لتزلزل عقد الغابن حتى يكون
412

فسخ العقد الأول فسخا له، إما من أصله أو من حين الفسخ، بل نقول بلزوم
عقد الغابن ورجوع المغبون بعد فسخ عقده إلى البدل من المثل أو
القيمة، وذلك أما من جهة أن التصرف في زمان خيار الغير المتصرف
صحيح لازم كما هو الحق، وسيأتي في أحكام الخيار، فيسترد الفاسخ
البدل، وأما من جهة عدم تحقق الخيار قبل ظهور العيب كما تقدمت
الإشارة إليه، وسيأتي التعرض له في أحكام الخيار.
أما الوجه الأول فيمكن المناقشة فيه، أن هذا إنما يصح إذا قلنا إن
متعلق الفسخ هو العين، فإنه حينئذ يكون الفسخ المغبون ابطالا لعقد
الغابن من الأول، لكون العين متعلقة بحقه فيكون الفسخ ردا لها من الأول،
فيحكم ببطلان عقده من رأسه كما هو واضح، ولكن الأمر ليس كذلك،
بل متعلق الفسخ إنما هو العقد كما عرفت، وعليه فلا مجال لبطلان عقد
الغابن.
بناءا على الأول يكون عقد الغابن كعقد الفضولي، لكون العين متعلقة
لحق الغير، كالعين المرهونة إذا باعها الراهن، فإن الفضولي ليس منحصرا
ببيع مال الغير، بل يعم بيع متعلق حق الغير أيضا، وعليه فيكون فسخ
المغبون ردا لبيع الغابن من الأول، ولكن قد عرفت أن الأمر ليس كذلك،
على أن كون المقام بمنزلة الفضولي يقتضي أن لا يكون عقد الغابن
صحيحا مع عدم الامضاء أن لا يكون بطلانه متوقفا على الرد فقط، فإنا لو
فرضنا أن المالك لم يلتفت إلى العقد الفضولي حتى مات فهل يتوهم
أحد أن ذلك العقد يكون صحيحا، نعم لو التفت إلى العقد الفضولي ومع
ذلك سكت فيمكن أن يكون سكوته إجازة، فافهم.
وأما الوجه الثاني فيرد عليه أن متعلق حق الخيار إن كان هو العين
فتكون تصرفات الغابن مراعي بإجازة المغبون لعقد الفضولي، فإن أجاز
413

صحت تصرفاته وإلا فتكون باطلة من الأول، وعلى الثاني فتكون
تصرفات الغابن نافذة، سواء فسخ المغبون العقد أم لا، فلا وجه لابطال
عقد الغابن من حين الفسخ أصلا، لأنه إما أن يكون باطلا من الأول أو أنه
صحيح لا يبطل أصلا كما هو واضح، وإذا بطل الوجهان ثبت الوجه
الثالث، وقد عرفت.
وسيأتي في أحكام الخيار أن تصرفات من عليه الخيار نافذة من دون
توقف على إجازة المغبون، وعليه فإذا فسخ المغبون العقد وكانت العين
منتقلة إلى الغير بتصرف الغابن فيرجع المغبون إلى المثل أو القيمة.
نعم لا يجوز لمن عليه الخيار في العين في البيع الخياري كما عرفت،
فإنك قد عرفت أن بناء المتعاقدين في مثل ذلك على بقاء العين كما هو
واضح.
الاستيلاد مانع عن الرد
وأما الاستيلاد فهو لا يمنع عن ثبوت الخيار ولا يوجب سقوطه، لما
عرفت أن متعلق الفسخ هو العقد فيفسخ المغبون العقد ويرجع إما إلى
العين أو البدل، وأما بالنسبة إلى رد العين بأن يقال هل يكون الاستيلاد
مانعا عن رد الأمة نفسها أو لا؟
فقد احتمل المصنف جواز الرد وعدم كون الاستيلاد مانعا عن الرد،
من جهة أن سبب حق الخيار سابق على الاستيلاد، فلذي الخيار رد العين
بعد الفسخ، ولكن الظاهر عدمه، فإن حق الاستيلاد يرفع موضوع حق
الخيار وإن كان متقدما فلا يوجب تقديمه على جواز الرد، إذ ليسا هما
أي حق الخيار وحق الاستيلاد من المتزوجين حتى يتقدم حق الخيار
لتقدم سببه، بل حق الاستيلاد يرفع موضوعه حتى مع تقدم حق الخيار،
414

فإنه ورد في الشريعة المقدسة أن أم الولد لشرافتها لا تخرج عن ملك
مولاها إلا في قيمة رقبتها (1)، ومن الواضح أن النفي يعم جميع أنحاء
الخروج عن الملك ولو بفسخ العقد، كما هو واضح لا يخفى، وعليه
فالاستيلاد مانع عن الرد.
إذا تصرف الغابن في العين المنتقلة إليه بعقد جائز
وأما العقد الجائز فهل هو مانع عن ثبوت خيار المغبون أو رد العين أم
لا، كما إذا تصرف الغابن في العين المنتقلة إليه بعقد جائز، بأن وهبها
لشخص بهبة جائزة، فهل يوجب ذلك سقوط خيار المغبون أو يمنع
ذلك عن جواز رد المغبون العين بالفسخ أم لا؟
أما سقوط الخيار فقد اتضح مما تقدم أنه باطل، فإن التصرف بالعقد
الناقل اللازم لا يوجب السقوط، فالعقد الجائز كيف يكون موجبا لذلك،
والسر فيه ما تقدم أن تصرف نفس ذي الخيار لا يوجب السقوط لكون
الفسخ متعلقا بالعقد وكيف تصرف الغابن.
وأما رد العين فحكم عقد الجائز هنا بالنسبة إلى رد العين غير حكم
عقد الجائز في تصرف المغبون، وذلك لأنك قد عرفت أن فسخ المغبون
مع قصد رد العين إلى الغابن والالتفات بأن الفسخ يستلزم رد العين إليه
يكون فسخا لكلا العقدين أي أصل العقد، وعقد المغبون أعني العقد
الجائز الذي هو محل الكلام هنا.

1 - عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): أسألك؟ قال: سل، قلت: لم باع أمير
المؤمنين (عليه السلام) أمهات الأولاد؟ قال: في فكاك رقابهن، قلت: وكيف ذلك؟ قال: أيما رجل
اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها فبيعت
وأدى ثمنها، قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال: لا (الكافي 6: 193، التهذيب 8: 238،
الفقيه 3: 83، عنهم الوسائل 18: 278)، صحيحة.
415

وبعبارة أخرى الفسخ الواحد يكون مبرزا لفسخ كلا العقدين ولكن
لا يجري ذلك في المقام، حيث إن العقد الجائز هنا إنما صدر بفعل الغابن
وفي ملكه وفسخ المغبون أصل العقد ولو مع قصد رد العين لا يكون
فسخا لعقد الغابن، لو صرح المغبون بأني فسخت عقد الغابن أيضا لا يفيد
إلا أن يفسخ الغابن بنفسه، فإنه ينفسخ بفسخه، فهذا الوجه لا يفيد.
وقد ذكر صاحب المسالك (1) لو كان الناقل مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار
ألزم بالفسخ، فإن امتنع فسخه الحاكم، وإن امتنع فسخه المغبون.
وتنظر فيه المصنف بأن فسخ المغبون أصل العقد، إما بدخول العين
في ملكه، وإما بدخول بدلها، فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى
يتكلم في الفاسخ، وعلى الثاني فلا وجه للعدول مما استحقه بالفسخ إلى
غيره.
ثم قال: اللهم إلا أن يقال: إنه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ إنما
هو للحيلولة، فإذا أمكن رد العين وجب على الغابن تحصيلها، ثم قال:
لكن ذلك أنما يتم مع كون العين باق على ملك المغبون، وأما مع عدمه
وتملك المغبون للبدل فلا دليل على وجوب تحصيل البدل، على أنا
لم نقل ببدل الحيلولة لعدم الدليل عليه كما عرفت في محله سابقا.
والتحقيق أنه لا دليل على تسلط المغبون على ارجاع العين إذا فسخ
العقد إذا كانت العين منتقلة إلى غيره من الغابن، سواء كان الانتقال بعقد
لازم أو جائز، فإن المغبون ليس له أزيد من التسلط على فسخ العقد ورد
العين إذا كانت غير منتقلة إلى شخص آخر، وإلا فلا دليل على اجبار
الغابن علي فسخه عقده الجائز، ومع امتناعه يفسخ الحاكم، ومع عدمه

1 - المسالك 1: 180.
416

يفسخ المغبون كما هو واضح، فإنه ليس للمغبون شئ من ذلك لعدم
الدليل عليه وحق فسخه إنما تعلق بالعقد دون العين حتى يقال إن العين
مورد لحق المغبون.
بيان آخر
والحاصل أنك قد عرفت أنه يقع الكلام في مقامين: الأول: في فسخ
المغبون العقد قبل رجوع العين إلى ملك الغابن، والثاني: في فسخه بعد
رجوعه إليه.
أما الأول فقد عرفت أنه لا وجه لانفساخ عقد الغابن أو فسخه، لأنه إنما
وقع في ملكه، بل يرجع المغبون إلى البدل، نعم بناءا على بدل الحيلولة
يمكن أن يكون أخذ البدل من جهة الحيلولة بين المالك وانتفاعه عن
العين، ولكنه مضافا إلى بطلان القول بالبدل الحيلولة أنه فرق بين المقام
وبين موارد بدل الحيلولة كما عرفت.
وأما إذا كان الفسخ بعد رجوع العين إلى ملك الغابن بأن كانت العين
منتقلة إلى الغير ثم رجعت إلى ملك الغابن، فهل للمغبون أن يأخذ العين
من الغابن أوليس له ذلك.
فالظاهر من المصنف وصريح شيخنا الأستاذ هو التفصيل بين ما إذا
رجعت العين إلى الغابن بسبب جديد وبين ما رجعت إليه بزوال السبب
الذي به انتقلت العين إلى الغير كفسخ العقد وإقالته، فإنه على الأول التزما
بعدم جواز رجوع المغبون إلى العين، بل لا بد وأن يرجع إلى البدل من
المثل إن القيمة، وعلى الثاني فله الرجوع إلى العين.
وذكر شيخنا الأستاذ أن كلام الشافعي من العائد الزائل كأنه لم يزل أو
كأنه لم يعد، له وجه هنا، وليس نقله لمجرد حسنه، كما أورده بعض
417

على المصنف، فإنه على الأول فالزائل العائد كأنه لم يعد، فإنه إذا كان
العود بسبب جديد فيفرض الزائل العائد كأنه لم يعد إلى الغابن، وأما
على الثاني فكان الزائل العائد لم يزل، أي كان العين لم ينتقل من ملك
الغابن إلى شخص آخر ولم يزل من ملكه بل هي باقية على ملكه على
السبب الذي انتقل إليه بهذا السبب.
ولكن الظاهر أنه لا فرق بين الصورتين، فإنه على كلا التقديرين يرجع
المغبون إلى العين لكونها متعلقة لحق المغبون، فإذا وجدت في ملك
المغبون فله الرجوع إليها، وليست الملكية قابلة للرد حتى يقال إن
الملكية الزائلة كالذي لم تزل أو كالذي لم تعد، أو يقال بأن قانون الفسخ
هو تلقي الملك من الغابن علي النحو الذي تلقاه من المغبون، بل هي إذا
زالت زالت بالكلية ولم تعد بعد، وإنما الكلام في كون العين متعلقة لحق
المغبون فإذا وجدت في ملك الغابن يرجع إليها كيف ما كان، وقد ذكر
ذلك السيد (رحمه الله) (1).
إذا لم يكن التصرف موجبا للخروج عن الملك
هذا كله فيما إذا كان التصرف موجب للخروج من الملك، وأما إذا
لم يكن التصرف موجبا للخروج عن الملك، فقد قسمه المصنف إلى
أقسام:
1 - أن لا يكون موجبا للتغير بوجه، لا من حيث الزيادة ولا من حيث
النقيصة، وهذا خارج عما نحن فيه، فإنه لا شبهة في عدم منعه عن الرد،
وأما أنه يوجب النقيصة أو يوجب الزيادة، وقد يكون موجبا للامتزاج،
وأما على تقدير كونه موجبا للنقيصة، فذلك قد يكون بنقصان جزء من

1 - حاشية المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على المكاسب 2: 44.
418

المبيع، وأخرى بنقصان وصف الصحة، وثالثة بنقصان وصف الكمال،
بحيث لها دخل في زيادة المالية، ورابعة بنقصان وصف ليس دخيلا في
زيادة القيمة.
أما الأخير فهو أيضا خارج عن المقام، فإنه لا يوجب شيئا أصلا، كما أن المبيع كان واجدا لوصف غير دخيل في زيادة المالية، وقد فقد بالفعل
كان يكون عبدا كان يحب المحل البارد وفعلا لا يحبه.
أما الوجه الأول أعني النقصان بنقصان جزء المبيع فلا شبهة أيضا في
أنه يرجع المغبون إلى البقية ويأخذ البدل للجزء الفائت لكونه تالفا.
وأما المتوسطان، أعني ما كان الفائت هو وصف الصحة أو وصف
الكمال، فقد فصل المصنف فيهما بين فوات وصف الصحة والتزم
بلحوقه بالجزء الفائت، وبين فوات وصف الكمال والتزم برجوع
المغبون إلى العين بدون شئ فيه أصلا.
ثم ترقى المصنف وألحق بوصف الكمال ما لو وجدت العين
مستأجرة، فإن على الفاسخ الصبر إلى أن ينقضي مدة الإجارة، ولا يجب
على الغابن بدل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقية المدة بعد
الفسخ، لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد والفسخ،
فهي ملك للمفسوخ بالمنفعة الدائمية تابعة للملك المطلق، فإذا تحقق
في زمان ملك منفعة العين بأسرها.
ثم ذكر أنه يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة، لأن ملك منفعة
الملك المتزلزل متزلزل، وهو الذي جزم به المحقق القمي إذا فسخ
البايع بخياره المشروط له في البيع، ثم أشكل على ذلك بمنع تزلزل ملك
المنفعة.
419

نعم ذكر العلامة في القواعد (1) فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف
المتبايعين، أنه إذا وجد البايع العين مستأجرة كانت الأجرة للمشتري
المؤجر ووجب عليه للبايع أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ، وقرره
على ذلك شراح الكتاب.
أقول: أما ما ذكره من الفرق بين وصف الصحة والتزم بالأرش وبين
وصف الكمال والتزم بالرجوع إلى العين بدون شئ، لا يرجع إلى
محصل، وذلك لأن الأوصاف مطلقا، سواء كانت أوصاف الصحة أو
أوصاف الكمال إن كانت تقابل بالمال فلا بد من الرجوع إلى الأرش في
كليهما وإلا فلا.
وإذن فلا وجه للفرق بين وصف الصحة وبين وصف الكمال، وحيث
ذكرنا مرارا وستعرف في أحكام الشروط أن الأوصاف مطلقا لا تقابل
بالمال، فأذن فلا وجه للرجوع إلى الأرش، بل إذا رجع المغبون إلى العين
وواجدة لها ويرجع إلى التفاوت بينهما، لا أن الأوصاف لها قيمة فيرجع
إليها.
على أنه لو كانت الأوصاف تقابل بالمال، فمقتضى القاعدة أن تنقص
من الثمن سواء طالب المغبون أم لا، لا أن يرجع إلى الغابن ويؤخذ منه
الأرش، وأما ثبوت الأرش في خيار العيب مع المطالبة فمن جهة النص.
مناط الفرق بين وصف الكمال ووصف الصحة في الضمان
وبعبارة أخرى أن التفرقة بين وصف الكمال ووصف الصحة إنما
يكون بأحد الوجهين:

1 - القواعد: 143.
420

1 - كون وصف الصحة بمنزلة الجزء الفائت، بأن يقع مقدار من الثمن
بإزائه، بحيث لازمه أن ينقص من الثمن مع فوته عند الغابن دون وصف
الكمال، ولهذا مما لم يلتزم به المصنف، بل ولا يمكن الالتزام به، لأن
الأوصاف وإن كانت موجبة لزيادة مالية المال إلا أنها لا تقع في مقابلها
شئ من العوض في عقد المعاوضة.
وثبوت الأرش في خيار العيب في مقابل وصف الصحة إنما هو
بالتعبد لا من جهة وقوع الثمن بإزائه، وإلا كان اللازم رد بعض من
خصوص الثمن.
2 - أن يكون زوال وصف الصحة تحت اليد موجبا للضمان دون
وصف الكمال، فيقال بأن الضمان المعاوضي وأن تبديل بضمان اليد بعد
القبض، إلا أن تبدله إنما هو في خصوص العين ووصف الصحة دون
وصف الكمال، وهذا أيضا مما لا يمكن الالتزام به، لأنه لا فرق بين
الأوصاف في أنها بأجمعها مضمونة على المفسوخ عليه، كما تكون
مضمونة على الغاصب، لأن وجه الضمان في البابين إنما هو قاعدة ضمان
اليد، وأنه لا بد من رد العين على الوجه الذي وضع الغاصب عليه اليد،
ففي كل مورد كانت اليد يد ضمان فلا وأن ترد العين على النحو الذي
أخذت، وحيث كانت فاقدة لجهة دخيلة في مالية العين فلا بد وأن تقوم
العين واجدة لها وفاقدة لها ويؤخذ التفاوت.
وعلى الجملة لو تمت هذه القاعدة لا يكون ضمان لوصف الصحة
أيضا بل العين، لأن كلا منهما ملك الغابن وتلف تحت يده، مع أنه ضامن
بلا شبهة.
وكيف كان فمقتضى قاعدة ضمان اليد هو الرجوع إلى الغابن علي
العين على النحو الذي وضع الغابن يده عليها، فإن كانت موجودة
421

صحيحة أخذت العين، وإلا فالبدل بالمقدار الذي فاتت عنها كلا أو جزء
كما لا يخفى، فافهم.
لا يقال: أن يوم الفسخ هو يوم الضمان، ومن الواضح أن العين في هذا
اليوم فاقده للوصف، فلا يكون وصف الصحة تحت الضمان.
فإنه يقال: إن الضمان المعاملي الذي هو المعنى في كل عقد يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده موجود من الأول، فلا بد وأن يخرج من عهدته،
كما إذا تلفت العين قبل الفسخ بلا عيب ونقصان، فإن المغبون يرجع بعد
الفسخ على العين الصحيح عينا أو بدلا، فافهم.
وأما ما أورد على المحقق القمي من عدم كون الملكية متزلزلة من
الأولى في عقد الإجارة صحيحة، ولكن ليس لازمه أن لا يكون للمغبون
إلا العين الخالية عن المنفعة، وإلا فربما يكون الغبن في ارجاع العين
بلا منفعة إلى نهاية مدة الإجارة أكثر من الغبن في أصل العقد، ولا أنه لنا
دليل على الرجوع إلى أجرة بقية المدة كما ذكره في القواعد (1)، بل
مقتضى قانون الفسخ وقاعدة ضمان اليد أن يرجع إلى العين على النحو
الذي أسلمها إلى الغابن بجميع خصوصيات تلك العين، وحيث كانت
الخصوصيات فائتة فتقوم العين صحيحة وواجدة لجميع المنافع بالفعل
وفاقدة للمنفعة إلى مدة فيؤخذ التفاوت.
ولكن هنا نكتة تنبه بها شيخنا الأستاذ، وليس أن نقصان العين عن
القيمة المتعارف إنما كان فاقدة لمنفعة مدة خاصة، وإذا فيكون التفاوت
بمقدار أجرة مثل بقية المدة، ولذا عبر في القواعد بأجرة المثل، فافهم.

1 - القواعد: 143.
422

الكلام في صورة النقيصة وأقسامها
والحاصل أن التصرف قد لا يكون موجبا للتغير، لا عينا ولا حكما،
وهذا لا شبهة في أنه يرجع الفاسخ إلى المفسوخ عليه بلا ضمان على
شئ آخر، وقد يكون موجبا للتغير إما بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج،
أما النقيصة فقد عرفت أنها قد تكون بنقصان الجزء، وقد يكون بنقصان
وصف الصحة، وقد يكون بنقصان وصف الكمال، وقد يكون بنقصان
وصف لا دخل له في زيادة المالية أصلا.
أما الأخير فلا شبهة في خروجه عن محل الكلام، بداهة عدم دخله في
المالية أصلا، فلا يكون نقصانه موجبا للضمان أصلا.
وأما بقيه الأقسام، فلا شبهة في كون النقصان فيها موجبا للضمان
فتقوم العين واجدة للخصوصية الفائتة وفاقدة لها فتؤخذ التفاوت.
والوجه في ذلك أن قاعدة ضمان اليد تقتضي ضمان العين على النحو
الذي أخذها من المالك ووجب عليه ردها إلى صاحبها بجميع
الخصوصيات الدخيلة في المالية.
وما ذكره المصنف من الفرق بين وصف الصحة ووصف الكمال
لا يمكن المساعدة عليه، فإنهما مشتركان من حيث عدم مقابلتها بالمال
بنفسهما، ومن حيث دخلهما في زيادة المالية كما لا يخفى.
وكذا إذا كانت العين مستأجرة، فإن مقتضى اليد هو ارجاع العين على
النحو الذي أخذها الغابن من المغبون، ومن الواضح أن العين لم تكن
مسلوبة المنفعة حين ما أخذها الغابن من المغبون، فلا بد من ردها واجدة
للمنفعة، وحيث إنها مستأجرة ومسلوبة المنفعة إلى مدة معينة فتقوم
واجده للمنفعة وفاقدة لها ويؤخذ التفاوت، ولا وجه لما ذكره
المصنف من عدم الشئ على الغابن كما هو واضح.
423

ثم إن هنا قسما آخر من النقيصة الذي لم يتعرض له المصنف، ولعله
كان من جهة الوضوح، وهو أن النقصان قد يكون حكميا بمعنى يكون
نقصان في القيمة السوقية وهذا لا يدخل تحت الضمان بوجه، فإن
مقتضى ضمان اليد هو ارجاع العين على النحو الذي أخذت من المالك،
ومن الواضح أن العين إذا ردت كذلك يسقط الضمان عن ذي اليد، وأما
تفاوت القيمة فلا يدخل تحت الضمان كما هو واضح، فافهم.
وأما إذا كان التصرف موجبا للزيادة، فقد تكون الزيادة حكمية، بأن
يكون التفاوت في زيادة القيمة السوقية، وهذا لا يوجب الضمان أيضا،
كما كان لا يوجب في طرف النقيصة فليس للغابن أن يرجع إلى المغبون
بزيادة القيمة، فإن مقتضى قاعدة اليد هو ضمان العين بجميع
خصوصياتها الدخيلة في ماليتها، والمفروض أنها رجعت كذلك.
وأما زيادة القيمة السوقية كنقصانها فلا تدخل تحت الضمان،
فلا مقتضى للضمان هنا أصلا لا زيادة ولا نقيصة كما لا يخفى.
إذا فسخ المغبون ورجع إلى العين
وإذا فسخ المغبون ورجع إلى العين فليس للغابن أن يدعي أن العين قد
زادت قيمتها، وأن ترد الزيادة لعدم كون المغبون ضامنا لهذه الزيادة،
وأنه أخذ العين على النحو الذي كان دفعها إلى الغابن مع الخصوصيات
الدخيلة في المالية، فزيادة القيمة أو نقصانها بحسب السوق ليست من
تلك الخصوصيات، فافهم.
وإن كانت الزيادة في الأوصاف التي لا تكون دخيلة في المالية أصلا
كما تقدم نظيره في طرف النقيصة أيضا كقصارة الثوب أو غسله وصفاء
الذهب بأن نظفه فصار نظيفا، وهكذا فمثل هذه الزيادة أيضا لا شئ
عليها كما لا شئ على مثلها في طرف النقيصة.
424

وأما إذا كانت الزيادة في الأوصاف التي لها دخل في زيادة المالية
كتعليم العبد صفة العلم والكتابة والخياطة أو صنعه من الصنايع،
وكصيرورة العين سمينا، وغيرها من الأوصاف التي أحدثها المشتري في
العين وأوجبت زيادة المالية، فإذا فسخ المغبون العقد وقد صارت العين
متغيرة بمثل هذه الزيادة في ملك الغابن مثلا، فهل للغابن أن يرجع إلى
هذه الزيادة أم لا، فقد ذكر المصنف أنه يصير شريكا للعين مع المغبون.
أقول: إن أراد من الشركة الشركة في العين فلا وجه له، وذلك لأن
الأوصاف وإن كانت واسطه لثبوت المالية أو زيادتها في العين، ولكنها
بأجمعها لا تقابل بالمال كما عرفت، وعليه فلا وجه لحصول الشركة في
العين بزيادة تلك الأوصاف لعدم المقتضي لذلك.
وإن أراد أن حصول الشركة في المالية فهو متين، بمعنى أن تلك
الأوصاف قد أوجبت زيادة المالية في العين، فتلك الأوصاف بنفسها وإن لم يقابل بالمال ولا تدخل تحت الضمان ولكنها تقابل المال بتبع العين،
فهي واسطه لثبوت المالية أو زيادتها في العين، والعين واسطه لعروض
المالية على تلك الأوصاف.
وعليه فيكون الغابن بعد فسخ المغبون شريكا في مالية العين مع زيادة
الوصف الموجب لزيادة قيمة العين.
ومن هنا تكون هذه الأوصاف داخلة تحت الضمان في طرف النقيصة
أيضا كما هو واضح، والشاهد على حصول الشركة في المالية هي السيرة
العقلائية، فإن سيرتهم قائمة على أن زيادة الأوصاف توجب زيادة
المالية بحيث يكون المحدث شريكا مع أصل المالك، كما إذا اشترى
صفرا من شخص فجعله قدرا أو اشترى صوفا، وجعله عباءا أو فراشا
وهكذا، ثم ظهر أن المعاملة مشتملة على الغبن، فإن السيرة قائمة على
425

أن الغابن شريك في مالية العين في مقابل تلك الأوصاف التي أوجدها في
العين، وليس للمغبون أخذ العين بلا رد شئ إلى الغابن، مع أن الصفر
الخالص أو الصوف الخالص يساوي عشر ما يساوي القدر والعباء.
والفرق بين الشركة في العين والشركة في المالية أنه لو أخذ المغبون
العين وزالت صفة الزيادة الموجبة لزيادة المالية بلا تفريط من المغبون
وقبل رد حصة الغابن، كما إذا زالت صفة السمن أو صفة الكتابة أو صفة
العلم ونحوها فإنه يزول حق الغابن لقوامه بالصفة الزائدة، والمفروض
أنها زالت، وهذا بخلاف ما إذا قلنا الشركة في العين، فإنها قائمة بنفس
العين، فما دامت العين موجودة فالشركة موجودة، سواء زالت الأوصاف
أم لا.
عدم الفارق بين حدوث هذه الأوصاف بفعل الغابن أو بفعل الله تعالى
ثم إن الظاهر أنه لا فارق بين حدوث هذه الأوصاف بفعل الغابن أو بفعل
الله تعالى، فإنه على كل تقدير فالشركة في المالية حاصلة، فإنما يقابل
الأوصاف الزائدة من المالية ليست أجرة لعمل الغابن حتى يتوهم أن
الزيادة إذا كانت بفعل الله تعالى، فلا عمل للمشتري حتى يقابل بالأجرة
بل المقابل بالمال إنما هي نتيجة العمل الصادر من الغابن.
وعليه فسواء كانت الزيادة بفعل الله تعالى أو بفعل الغابن، فهما
مشتركتان في النتيجة فتكونان موجبتين للشركة في المالية، فلا وجه لما
فرق به شيخنا الأستاذ بين ما كانت الزيادة بفعل الغابن فللشركة وجه،
وبين ما كانت الزيادة بفعل الله تعالى فلا وجه للشركة، ولو كان للعمل
دخل فلا بد من القول بثبوت الأجرة فيما إذا عمل عملا كثيرا ولم ينتج
كما إذا علم العبد الكتابة ولم يتعلم لبلادته، فافهم.
426

الكلام في صورة الزيادة وأقسامها
وقد عرفت أن الكلام قد يقع في صورة الاتلاف وقد تقدم الكلام فيه،
وقد يقع في صورة النقيصة على أقسامها، وقد يقع في صورة الزيادة،
وقد عرفت أن الزيادة إذا كانت في القيمة السوقية فلا حق للغابن أن
يطالبها من المغبون لعدم المقتضي، فإن له رد العين على النحو الذي
أخذها والمفروض أنه لم يحدث في العين حدثا حتى يوجب زيادة
المالية، بل هي من جهة زيادة القيمة السوقية، وكذلك الكلام في
النقيصة.
وأما زيادة أوصاف الكمالية أو الصحة، فقد عرفت أنها تدخل تحت
الضمان وتوجب الشركة في المالية كما لا يخفى، وأما الزيادة في
الأوصاف غير الدخيلة في المالية فلا توجب شيئا بوجه.
ثم إن الزيادة قد تكون عينا ممتازا عن المبيع أو الثمن الذي غبن فيه،
وهذه الزيادة قد تكون أجنبية عن العين بالكلية وغير مربوطة بها، وهذا
كما إذا اشترى الغابن دكانا في الجادة ووضع فيه المتاع والتفت المغبون
بالغبن ففسخ العقد فإنه يأخذ دكانه، وليس للغابن أن يقول إن ثمن متاع
في هذا المكان أغلى من المكان الآخر وانتقل إليه يكون ضررا عليه،
فلو انتقل لحديث نفي الضرر فإن ذلك الزيادة من جهة خصوصية المكان
لا من جهة أن الغابن عمل هنا عملا فذلك العمل قد أوجب الزيادة وهذا
خارج عن المقام.
وقد تكون الزيادة مع كونها ممتازة عن العين التي وقعت عليها
المعاوضة مربوطة بالعين، كما إذا اشترى الغابن أرضا فغرس فيها
الأشجار أو بنى فيها البناء، أو اشترى قميصا وخاط فيه النقوش التي هي
موجودة بعينها.
427

تفصيل الكلام إذا كانت الزيادة في الأرض
وتفصيل الكلام هنا أنه قد يكون الأرض ملكا طلقا لشخص ولكن
أشغلها شخص آخر غصبا، بأن غصبها وبنى فيها البناء أو غرس فيها
الأشجار وكذلك لو انتقلت الأرض إليه بعقد فاسد وغرس فيها الأشجار،
ومثل ذلك ما لو آجرها من شخص وانتهى أمد الإجارة وقد أشغلها
المستأجر بالبناء نحو ذلك من الموارد.
فإنه لا شبهة في أمثال ذلك أن لمالك الأرض أن يطالب من مالك البناء
تفريغ أرضه، فإنه لا عرق لظالم (1)، وإذا منع فرغه بنفسه كما حقق في
محله وليس عليه شئ أصلا، فإنه مالك على الأرض وليس للغاصب
أن يمنعه من التصرف في ملكه حتى لو كانت قيمة البناء عشرة آلاف
دينار وقيمة الأرض عشرة دينارا، فأيضا لمالك الأرض مطالبة أرضه
ولو مع رضاء مالك البناء بالبقاء على الشركة كما هو واضح، لأن مالك
الأرض له السلطنة على ملكه بمقتضى دليل السلطنة، وليس لأحد أن
يمنعه من ذلك، وليس المقام مشمولا لدليل نفي الضرر لكونه في مقام
الامتنان والمقام ليس كذلك، على أن مالك البناء قد أقدم على الضرر
باختياره.

1 - عن عبد العزيز بن محمد الدرآوردي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن أخذ أرضا بغير
حقها وبنى فيها؟ قال: يرفع بناؤه وتسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثم قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر (التهذيب
6: 294، عنه الوسائل 25: 388)، ضعيفة.
عن عبد العزيز بن محمد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من أخذ أرضا بغير حقها أو بنى
فيها، قال: يرفع بناؤه وتسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق (التهذيب 7: 206، عنه
الوسائل 19: 157)، ضعيفة.
428

وقد يكون ملك المالك على الأرض ملكية محدودة من الأول، كما إذا
كان لأحد حديقة فوهب أرضها لأحد أولاده وأشجارها لأولاده الأخر،
فإنه ليس لمالك الأرض أن يجبر مالك الأشجار على اجبار تفريغ
الأرض، فإنه مالك على الأرض من الأول ملكية محدودة لا ملكية مطلقة،
وعليه إذا باع مالك الأشجار أشجاره من شخص فيبيعها بهذه
الخصوصية، بأن تبقى الأشجار فيها لا أنها تقلع.
ومن هذا القبيل إرث الزوجة من البناء دون العقار، فإنه إذا باعته من
شخص ليس للورثة أن يجبروا المشتري بقلع البناء، وليس لهم
أن يجبروها بقلع البناء فإنها تستحق البناء لا الأحجار والأخشاب كما
لا يخفى.
وهنا قسم ثالث لا يعلم حاله، فيشك كونه من القسم الأول أو من
القسم الثاني، وهو ما نحن فيه، أعني تملك الأرض بفسخ العقد بخيار
الغبن، فهل يتملك المغبون الأرض ملكية مطلقة حتى يكون له مطالبة
الغابن بتفريع أرضه بلا أرش أصلا أو لا يملكه إلا ملكية محدودة فليس له
ذلك، ومثل ذلك تملك الأرض بحق الشفعة.
ففي المقام أقوال ثلاثة: قول بأنه مثل القسم الأول، فلمالك الأرض
الذي هو المغبون أن يطالب الغابن تفريغ أرضه من دون أن يكون عليه
شئ، كما اختاره في المختلف في الشفعة، أو عدم تسلطه عليه كما
عليه المشهور فيما إذا رجع بايع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري
أو تسلطه عليه مع الأرش، كما اختاره في المسالك هنا.
ومنشأ الخلاف أن الغابن الذي يستوفي منفعة الأرض إلى مدة هل
يكون بذلك مالك لمنفعة الأرض إلى انتهاء المدة التي استوفي منفعتها
إلى تلك المدة، بحيث لو عادت الأرض إلى ملك المغبون تبقى المنفعة
في ملك الغابن أيضا بغير أن يكون عليه شئ من الأجرة كما هو كذلك في
429

الإجارة، بأن آجر العين إلى مدة معينة حيث الإجارة لم تفسخ لوقوعها
في ملك الغابن، وكذلك الأمر هنا، فإن التصرف قد وقع في ملك نفس
الغابن فلا يتوجه عليه غرامة أصلا.
وبعبارة أخرى شأن الغرس والزرع والبناء على الأرض شأن إجارتها
من شخص آخر إلى مدة، فكما أنها تكون مسلوبة المنفعة في الإجارة
ومع ذلك ليس للمغبون فسخ عقد الإجارة، وكذلك في المقام فإن
الاستيفاء يكون سببا لتملك المنفعة، فتكون الأرض مسلوبة المنفعة
وليس للمغبون أن يطالب تفريغ الأرض، غاية الأمر له حق مطالبة الأجرة
على الأرض.
وبعبارة أخرى أن الغارس قد استوفى منفعة الأرض ما دام غرسه باقيا
كما في الإجارة، فيجب عليه بعد الفسخ أو الانفساخ تدارك ما استوفاه
بأجرة المثل أو قيمة النقص والتفاوت، ولا يبعد أن يكون هذا القول هو
المشهور بين العلماء.
أو يقال: إن مالك الأرض قد دفع العين إلى الغابن فارغة عن البناء
والأشجار وواجدة للمنفعة، فله مطالبة أرضها بعد فسخ العين أو
انفساخه على النحو الذي دفعها إليه، ولم تكن ذلك مسلوبة المنفعة أو
تطلبها من الغابن كذلك بمقتضى قانون الفسخ، ودليل ضمان اليد كما هو
واضح.
والحق هو الثاني، فإن مقتضى ضمان اليد هو رد العين على النحو
الذي دفعها إلى الغابن، ومن الواضح أن الأرض التي دفعها إليه لم تكن
مسلوبة المنفعة، فلا بد له من ردها كذلك.
وأما قياس المقام بالإجارة فبلا وجه، لكونه مع الفارق، فإن في عقد
الإجارة قد يعتبر ملكية المنافع إلى مدة للمستأجر، وهذا لا بأس به، فإن
الاعتبار خفيف المؤونة ولا بأس من تعلقه على الأمر المعدوم، وأما
430

تصرف الغابن بنفسه في الأرض على نحو يستلزم كون الأرض مسلوبة
المنفعة إلى مدة ويستوفي منفعتها لنفسه، فهذا لا يعتبره العقلاء الملكية
له بوجه، وإذا فإذا فسخ المغبون العقد فله مطالبة أرضه فارغة عن البناء
والغرس، وله قلع ذلك كله وتفريغ أرضه، فإن مقتضى اليد هو ذلك.
هل يثبت للغابن تفاوت قيمة الأشجار المغروسة أو البناء أم لا؟
وهل يثبت للغابن تفاوت قيمة الأشجار المغروسة أو البناء، فإنها بعد
القلع تكون أحجارا وأخشابا فيكون متضررا وهو منفي في الشريعة
المقدسة، أوليس له ذلك؟
وقد يقال بثبوت تفاوت القيمة بين البناء والأحجار وبين الشجر
والخشب على صاحب الأرض، فلا بد له أن يعطي ذلك للغابن لوجهين:
1 - قاعدة نفي الضرر، فإن قلع بناء الغابن أو أشجاره عن الأرض ضرر
عليه فيكون منفيا بحديث نفي الضرر، فيجب على صاحب الأرض
أن يعطي الأرش لصاحب البناء أو الأشجار.
وفيه أولا: ما ذكره المحقق الإيرواني (1)، من أنه ليس هنا ضرر على
الغابن بل هو من قبيل عدم النفع، فإنه قد بنى في هذه الأرض البناء
وغرس فيها الأشجار أو علم العبد الصناعة مثلا لينتفع بها ولم يتمكن من
الانتفاع، لا أنه تضرر، إذ ليس له ملكية مطلقة على الأرض مع البناء
والأشجار الموجودة فيها، بل كانت ملكيته محدودة بحد خاص وبوقت
معين، واجبار مالك الأرض الغابن بقلع شجره أو بنائه ليس ضررا عليه،
بل منع عن الانتفاع به كما هو واضح.

1 - حاشية المحقق الإيرواني (رحمه الله) على المكاسب 2: 38.
431

وثانيا: إن دليل لا ضرر لا يشمل موردا يلزم من شموله له ضرر على
شخص آخر، فإنه بالنسبة إلى كل منهما على حد سواء، فيكون شموله
لأحدهما معارضا بشموله للآخر، فإن اجبار صاحب البناء على قلع بنائه
بدون الأجرة ضرر عليه، واعطاء صاحب الأرض قيمة البناء باستثناء
أحجاره ضرر على صاحب الأرض، فإنه بأي وجه يلزم بذلك مع أنه
لا يطلب إلا أرضه، فمقتضى قاعدة اليد هو وجوب رد أرضه عليه على
النحو الذي أعطاها للغابن، ولا وجه لتضرره من جهة فعل الغابن كما هو
واضح.
وبعبارة أخرى أن حديث لا ضرر وارد في مقام الامتنان، فلا يشمل
موردا يكون شموله ضررا على الغير، لأنه خلاف الامتنان، وهنا وجه
ثالث نذكره في الوجه الثاني.
2 - إن قاعدة احترام مال المسلم تقتضي أن لا يذهب ماله هدرا، فإن
اجباره على قلع شجره أو أشجار عن أرض المغبون بلا اعطاء تفاوته
خلاف احترام مال المسلم، فلا بد له من اعطاء تفاوت القيمة بين البناء
والأحجار وبين الأخشاب والأشجار، وقد ذكر ذلك شيخنا الأستاذ.
وفيه أولا: إن حفظ احترام مال المسلم يقتضي حرمة اتلافه، وإلا
يكون المتلف ضامنا، وأما ثبوت ضمانه على شخص آخر فلا تقتضيه
تلك القاعدة، ففي المقام أن صاحب الأرض لا يطلب من الغابن إلا أرضه
على الذي أعطاه إياها، فلا بد للغابن أن يردها إلى المغبون، وحيث كانت
تلك الأرض فارغة وغير مسلوبة المنفعة فلا بد للغابن أن يردها كذلك،
ومن الواضح أن ذلك لا يمكن إلا أن يفرغ الغابن الأرض ويقلع بناءه
وأشجاره، وأي ربط لذلك على ثبوت الضمان للمغبون.
وبعبارة أخرى أن احترام مال المسلم يقتضي أن لا يذهب هدرا باتلاف
432

أحد، لا أنه يقتضي أن يكون ضمانه في مورد التلف على شخص لا يتلفه
أصلا، فالمغبون لا يطلب إلا أرضه وليس له شغل باتلاف مال الغابن،
وإنما الغابن يتصدى باتلاف ماله لعدم حق له في ابقائه في أرض الغير.
وبعبارة أخرى أن ابقاء الغابن ماله في أرض المغبون بعد الفسخ حرام،
وليس لبقائه في أرض الغير احترام أصلا، فإنه بعد الفسخ يكون ابقاؤه
ذلك في أرض الغير غصبا، وليس لعرق الظالم حق.
ويرد على كلا الوجهين النقض بما إذا غرس أحد أشجارا في أرض
الغير جهلا بأنها للغير، فلم يستشكل أحد في أنه تقلع الأشجار وليس
على الغارس شئ مع أنه ليس غاصبا حتى يقال إنه يؤخذ بأشق الأحوال،
مع أن لازم القول بثبوت التفاوت على المغبون لقاعدة الضرر أو لقاعدة
احترام مال المسلم لكان لازم ذلك أن يثبت التفاوت على صاحب
الأرض في هذه المسألة أيضا، وقد عرفت أنه لم يقل أحد بضمان
التفاوت هنا كما هو واضح، فتحصل أنه لا يثبت تفاوت القيمة على
المغبون كما هو واضح.
بيان آخر
وقد عرفت أنه كان الكلام في تصرف الغابن مع ثبوت الخيار للمغبون
وكان الكلام في صورة الزيادة بما لا يكون متصلا بالعين، وانتهى إلى
ما إذا غرس الغابن أشجارا في أرض المغبون، فهل له حق لابقائها فيها
أو لا؟
وقد عرفت أن هنا أقوال ثلاثة:
1 - عدم ثبوت حق للمغبون على قلع الأشجار لكون تصرف الغابن
واقعا في ملكه، فيكون نظير استيفاء المنفعة بالإجارة.
433

2 - تسلطه على اجباره على القلع من غير ثبوت حق للغابن أصلا، وقد
اختاره العلامة في شفعة المختلف.
3 - للمغبون أن يبقي أشجاره في أرضه مع الأجرة، وهذا القول قد
اختاره المسالك وتبعه جمع من المتأخرين.
وقد ذكرنا مدرك جواز القلع بلا أجرة الذي هو قول العلامة واخترناه،
لأن المغبون له حق مطالبة أرضه من الغابن علي النحو الذي سلمها إليه
لدليل اليد، وإن كان لازم ذلك صيرورة أشجار الغابن حطبا، وقد عرفت
أيضا مدرك ثبوت الأجرة من قاعدة لا ضرر وقاعدة احترام مال المسلم،
وقد عرفت جوابهما أيضا.
وقد ذكر شيخنا الأستاذ أن الغابن وإن كان لم يملك الأرض ملكية
مطلقة ولكنه مالك للأشجار، فإذا أجبره المغبون على القلع تكون
الصورة الشجرية متبدلة بصورة الحطبية فتزول المالية الشجرية، ومن
الواضح أن هذا ضرر عليه.
ولكن قد عرفت جوابه مما ذكرناه سابقا، فإن المغبون لا شغل له بإزالة
المالية عن الأشجار، وإزالة الصور الشجرية، وإنما له مطالبة أرضه فارغة
كانت أو لا، بمقتضى دليل اليد، ولا يستند انتفاء المالية عن الشجرة إلى
المغبون بوجه، وإنما لازم مطالبته الأرض هو ذلك، وهو بمجرده
لا يستلزم الضمان.
وهل يتوهم أحد أنه إذا نسي أحد أو غفل أن الأرض الفلانية ملك
شخص آخر فغرس فيها أشجار أن تفاوت القيمة بين الشجرية الخشبية
بعد القلع على صاحب الأرض وليس كذلك.
وعلى الجملة فنقطة الكلام هو أن مقتضى دليل اليد هو وجوب رد
أرض المغبون على النحو الذي أخذها الغابن منه، وما يترتب على الرد
434

من اللوازم فهو مطلب آخر لا يكون مستندا إلى المغبون، كما هو واضح،
ولا يقاس المقام باستيفاء المنفعة بالإجارة لكون ذلك بالملك كما
عرفت.
تفريق صاحب المسالك (رحمه الله) بين الغرس والزرع
ثم إنه فرق صاحب المسالك بين الغرس والزرع، فالتزم في الأول
بعدم لزوم الصبر على المالك لعدم وجود مدة ينتظر فيها، وفي الثاني
بلزوم الصبر مع الأجرة لوجود مدة ينتظر فيها.
ولكن لا نعرف وجها صحيحا لهذه التفرقة إلا طول المدة وبعدها، فإن
المدة كما كانت محدودة في الزرع كذلك كانت محدودة في الغرس
أيضا، فأي معنى للقول بأن في الزرع مدة فيتفرغها دون الغرس، فأطول
ما يعيش من الشجر هو النخلة، فإنها على ما يقولون تعيش مائة سنة،
ومع ذلك فهذه المدة محدودة فتنحل بعدها.
نعم فرق بينهما من حيث طول المدة وقصرها، ولكنه لا يكون فرقا
في المقام، فإن المغبون له مطالبة أرضه من الغابن مطلقا ولا يجوز له
الامتناع عن ذلك ولو كانت مدته قليلة.
ودعوى عدم ثبوت حق اجبار قلع الزرع مع قصر المدة دعوى بلا
وجه، لكونه تخصيصا في دليل اليد، ومن البديهي أنه لا دليل عليه كما
هو واضح، فإنه فأي مخصص لها بالنسبة إلى ما إذا كانت مدة التصرف في
العين قليلة.
وقد وجه شيخنا الأستاذ كلام المسالك بأنه إذا كانت الأرض مشغولة
بالزراعة فليس فيها ضرر على المالك، إذ الأرض قابلة للزرع ومعدة له،
وإذا أعطى الغابن أجرة الأرض فلا يكون هنا ضرر على المالك حتى
435

يتعارض الضرران، هذا بخلاف كون الأرض مشغولة بالغرس، فإنه ضرر
على المالك.
وفيه أنه ليس لهذا الكلام إلا الصورة، فإنه يمكن أن يقال إن الأرض
المغروسة معدة للشجر، فإذا غرس الغابن فيها شجرا وأعطى أجرتها
لمالكها لا يكون في ذلك ضرر على المالك حتى يتعارضان، وهو
واضح، فلا دليل على هذه التفرقة أيضا.
وعلى الجملة أن مقتضى دليل اليد هو تسلط صاحب الأرض على
مطالبة أرضه من الغابن، وإن استلزم ذلك ضررا على الغابن، فإن ذلك
لا يستند إليه، فافهم.
هل يفرق بين المقام وبين مسألة التفليس أم لا؟
ثم إنه هل يفرق بين المقام وبين مسألة التفليس أم لا؟ وقد ذهب
المشهور إلى أنه ليس للبايع الفاسخ قلع الغرس ولو مع الأرش في
التفليس.
وذكر المصنف أنه يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك
متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس
بخلاف مسألة التفليس، لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس، فيشبه بيع
الأرض المغروسة، وليس للمشتري قلعه ولو مع الأرش بلا خلاف.
أقول: لا شبهة على تقدير ثبوت خيار التفليس فليس بين المقام وبينه
فرق أصلا، بل في كلا الموردين للمالك بعد الفسخ أن يطالب ماله
بمقتضى دليل ضمان اليد، وليس لأحد أن يمنع من ذلك كما هو واضح،
فلا وجه لما ذكره المصنف من ملاحظة الأسبقية واللاحقية، فإن على
القول بالثبوت يتزاحمان ولو كان أحدهما سابقا والآخر لاحقا، إذ
436

الأسبقية يوجب عدم التزاحم في المدة الخالية عن المزاحم، ولكن في
مدة وجود المزاحم يتزاحمان بقاء كما لا يخفى.
ولكن الذي يسهل الخطب ما ذكرناه في عدم ثبوت حق للمشتري في
مسألة التفليس أيضا حتى يتكلم في التزاحم، بل من له الخيار يفسخ
ويأخذ أرضه من المشتري وإن استلزم ذلك ضررا على المشتري كما
لا يخفى.
إلا أن الكلام في أصل ثبوت الخيار في مسألة التفليس مع انتقال العين
إلى غيره بالهبة أو بالبيع، فإنه مع ذلك لا يصدق بقاء العين كما هو واضح،
وقد حقق ذلك في كتاب التفليس، نعم مع ثبوت الخيار فلصاحب الخيار
ارجاع العين كما في المقام..
هل له قلع أشجاره مباشرة أو يطالب قلعه من الغابن؟
ثم إنه على القول بثبوت حق المطالبة لمالك الأرض أرضه من الغابن
الغرس، فهل له قلع أشجاره مباشرة أو يطالب قلعه من الغابن، فإذا امتنع
باشره بنفسه، وجوه:
الظاهر أنه ليس له مباشرة قلعها، فإن الثابت على ما ذكره المصنف لكل
من المتبايعين مطالبة حقه عن الآخر، فلمالك الأرض مطالبة أرضه من
الغابن، فلمالك الشجر مطالبة أشجاره من المغبون، فإذا امتنع أحدهما
عن ذلك رجع إلى الحاكم وهو يجبره على ذلك، وإلا باشر كل منهما
على تفريغ حقه بنفسه، ولو باشر مالك الأرض مثلا قلع أشجار الغابن
بدون مطالبته من الغابن فيضمن نقصان القيمة، لكونه اتلافا لمال الغير
بدون إذنه فيكون ضامنا.
ومن هنا ظهر حكم الأغصان الداخلة على الجار، فإن الجار له اجبار
437

مالك الأغصان على القلع وتفريع أرضه من ذلك، وهكذا الحيوان الداخل
على ملك الغير فالمالك يجبر صاحب الحيوان على الأخذ وإلا فيخرجه
بنفسه، فلو أخرجه بنفسه وتلف يكون ضامنا.
وما ذكره المصنف بين الأغصان الداخلة على الجار فلا يجوز للجار
اجبار المالك لكونه بلا اختيار، وبين غرس الأشجار في أرض الغير فله
اجبار المالك على الغرس لكونه مع الاختيار لا وجه له، فإن دخول
الأغصان على الجار وإن كان بلا اختيار حدوثا ولكنها باقية في ملك
الغير باختيار المالك بقاء، فله مطالبة تفريغ داره عن ملك الغير كما
لا يخفى، فافهم.
لو كان التغير بالامتزاج
1 - لو كان أحد الممتزجين تالفا في الآخر
وأما لو كان التغير بالامتزاج، ذكر المصنف (رحمه الله) صورا في المقام، لأنه
أما أن يكون بغير جنسه، وأما أن يكون بجنسه، فإن كان بغير الجنس فإن كان على وجه الاستهلاك عرفا لا يحكم في مثله بالشركة، كامتزاج ماء
الورد بالزيت فإنه يعد تالفا، غاية الأمر يوجب مزية المالية في الخليط
الآخر في بعض الأحيان.
وهذا يكون من صور زيادة مالية العين بفعل الغابن، وقد تقدم الكلام
في ذلك.
وإن كان الامتزاج على وجه لا يعد تالفا كالخل الممتزج بالانجبين،
ففي كونه شريكا أو كونه كالمعدومة وجهان، وإن كان الامتزاج بالجنس
فإن كان بالمساوي تثبت الشركة وكذلك بالأردأ، ولو كان بالأجود
احتمل الشركة في الثمن، وإن كان الأجود يساوي قيمت الردئ كان
المجموع بينهما أثلاثا - الخ.
438

والظاهر أن ما ذكره المصنف من الأول إلى آخره من التقسيمات
مناقض لما ذكره سابقا من حكم الامتزاج في تصرفات المغبون، والظاهر أنه لا فرق بينهما موضوعا وحكما، وقد ذكر سابقا أن الامتزاج في حكم
التالف لحصول الشركة المانعة عن الرد.
وعليه فلا وجه لما ذكره هنا من حصول الشركة بين البايع والمشتري،
وقد ذكرنا سابقا في تقريب كلام المصنف أن قانون الفسخ يقتضي رد كل
من العوضين إلى الآخر على النحو الذي أخذ، ومن الواضح أن الامتزاج
يوجب الشركة التي عبارة عن انتقال مقدار من مال كل من الشريكين إلى
الآخر، لتحصل الشركة في تمام الأجزاء التي لا تقبل القسمة عرفا.
وعليه فإذا فسخ المغبون وأراد رد عينه فلا يرجع إليه جميع ما أعطاه
الآخر من العوض بل مقدارا منه ومقدارا من مال الغير، لأن المفروض هو
حصول الشركة كما لا يخفى، وعلى هذا فلا بد من الرجوع إلى البدل بعد
الفسخ.
وبعبارة أخرى تارة نتكلم في بقاء الخيار وعدمه مع حصول الامتزاج،
وهذا لا شبهة فيه، لأنا قلنا بثبوته مع التلف وكيف بالامتزاج والشركة،
وأخرى نتكلم في امكان رد العين مع الامتزاج، وهو لا يمكن، فإن قانون
الفسخ يقتضي رد العين على النحو المأخوذ، والمفروض أنها امتزجت
بغيرها وحصلت الشركة بينهما، فلو رجعت رجع نصف من العوض
ونصف عن المال الآخر كما هو واضح، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى
البدل من المثل أو القيمة.
هذا الذي ذكرناه سابقا ويجري مثله في المقام أيضا، فإنه لا فرق بين
الامتزاج الحاصل بفعل الغابن أو بفعل المغبون، وهذا واضح جدا.
ثم إن التكلم في أقسام الامتزاج وحصول الشركة في بعضها دون بعض
وإن كان خارجا عن المقام، ولكن لا بأس بالتعرض لذلك لمناسبة تعرض
439

المصنف له، وإلا فليس مربوطا بخيار الغبن، لما عرفت أن المزج يلحق
بالخروج عن الملك، ومعه يمتنع الرد كما لا يخفى، فنقول:
إن ما يمتزج من المال بمال آخر أما أن يكون بحيث يعد معدوما عرفا
إذا امتزج الآخر ويكون مستهلكا فيه عرفا، من غير أن يكون ذلك موجبا
للشركة قطعا، وهذا كما إذا اشترى الغابن زيتا من المغبون ومزج فيه
مقدارا من العطر، فإنه يعد ذلك العطر تالفا في نظر العرف، فلا يوجب
المزج الشركة هنا.
نعم قد يوجب ذلك زيادة المالية وحينئذ يكون ذلك من صغريات
الزيادة بتصرف الغابن، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا، وهذا نظير
أن يقع الجرة من الحائط وحسب مائه الحلو بحوض أحد فيه ماء المر،
فإنهما وإن كانا من جنسين وقد امتزج أحدهما بالآخر ولكن ماء الجرة
لقلته يعد تالفا في ماء الحوض كما هو واضح، فهذا القسم من الامتزاج
لا يوجب الشركة قطعا.
ثم إن كان ذلك بغير اختيار فيذهب العطر وماء الجرة هدرا لعدم ما
يوجب الضمان على صاحب الزيت والحوض من اليد والاتلاف فلا
يرجع عليه لعدم استناده إليه، ولا أن هنا ما يوجب الاشتراك كما عرفت
وإن كان باختيار شخص، وإن كانت يده يد ضمان فلا بد عليه من أداء بدل
العطر والماء، وإن كانت يده يد أمانة فلا شئ عليه، هذا حكم ما لو كان
أحد الممتزجين تالفا في الآخر مع التفصيل في الضمان.
2 - إن كان الامتزاج بحيث يستهلك كل من الخليطين في الآخر
وإن كان الامتزاج بحيث يستهلك كل من الخليطين في الآخر ولا تبقى
لكل منهما الصورة النوعية، بل تحصل هنا صورة نوعية أخرى، وإن كان
المادة منهما باقية.
440

وهذا كمزج الترياق مع الزعفران مع بعض الأجزاء الأخر، فإن ذلك
يوجب تشكيل صورة نوعية التي تسمى بمعجون البزرج الذي كان
مرسوما سابقا وكان يأكله الشيوخ، ولا تبقى الصورة النوعية لكل من
الأجزاء في نظر العرف.
ولا يبعد أن يكون السكنجبين من هذا القبيل، حيث إن كل من الخل
والعسل قد زالت صورتهما النوعية في نظر العرف وإن كانت باقية بالدقة
العقلية، وإنما تحققت هنا حقيقة أخرى.
وعليه فيكون كل من مالك الخل ومالك العسل شريكا في العين
بحسب المالية لا بحسب مقدار الممزوجين، يعني يقوم العسل ويقوم
الخل وينسب أحدهما إلى الآخر، فيكون كل منهما مالكا للماهية
المركبة الحاصلة من الخليطين بحساب المالية لا بحساب مقدار
العوضين، وإلا فلازم ذلك أن يكون السكنجبين الحاصل من العسل
والخل اللذان كل منهما كيلو واحد أن يكونا شريكين في السكنجبين
على نسق واحد، مع أن قيمة العسل عشر مقابل قيمة الخل بل أزيد،
ويختلف ذلك زيادة ونقيصة باختلاف الموارد، أي باختلاف مالية
الممزوجين.
وكيف كان فتحصل الشركة هنا في العين باعتبار نسبة مالية
الممزوجين لا قدرهما، وليست الشركة هنا في المالية فقط ولا في
المقدار فقط.
3 - إذا لم يكن الامتزاج موجبا لاتلاف
أن يكون الممتزجان من جنس واحد ولم يكن الامتزاج موجبا لاتلاف
أحدهما أو كليهما كما في القسمين المتقدمين، بل تكون عين كل منهما
441

موجودة حتى في نظر العرف، وإن كانا مع ذلك متساويين من حيث
الجودة والرداءة، فلا شبهة في حصول الشركة في العين كما هو واضح.
وإذا كان المزج بالجنس ولكن بالأردأ لا بالمساوي، فذكر
المصنف أنه تحصل الشركة أيضا، وهل يستحق المغبون أرش النقص
أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه، ولو امتزج
بالأجود احتمل الشركة في الثمن أو في المالية.
ثم إن هذه الوجوه تجري فيما إذا مزج المغبون، ففي صورة مزج
الردئ بالمتوسط وجوه ثلاثة، وبالأجود وجهان، كما ذكره المصنف.
وذكر شيخنا الأستاذ أن الشركة في المزج بالأردأ أو الأجود إنما
تكون في العين بحسب المقدار لا بحسب المالية، وذلك لأن الفائت ليس
إلا الخصوصية الشخصية دون أصل المال ووصفه وماليته، فيأخذ كل
منهما بمقدار ماله ولا وجه للشركة في المالية، لأنه إذا أمكن الشركة في
المقدار لا تصل النوبة إلى الشركة في القيمة، نعم لو كان المزج بفعل
الغاصب أو الغابن بالأردأ فعليه أرش النقص.
أقول: لا شبهة في أن المزج يوجب الاشتراك، سواء كان بفعل الغابن
أو بفعل المغبون، اختياريا كان أم قهريا، فإنه على كل تقدير يوجب
الشركة، وذلك لبناء العقلاء على ذلك.
وعلى هذا فلو حصلت الشركة القهرية بين مالي شخصين بأن مزج
حيوان حنطة أحد بحنطة غيره مع كون أحدهما أجود بحيث يساوي منا
منها بدرهمين والآخر أردأ منه، والظاهر أنه لا يتوهم أحد أن الشركة
الحاصلة هنا بالمزج ليست باعتبار المالية بل باعتبار المقدار، بأن يقسم
بينهما على حسب مقدار المالين.
مثلا إذا كان لصاحب الردئ منان ولصاحب الجيد منا يأخذ صاحب
442

الردي منان وصاحب الجيد منا ويكون التفاوت بينهما بين الجيد
والردئ تالفا، يعني تذهب صفة الجودة هدرا، إذ ليس المزج مستندا
إلى أحد حتى يكون أرش النقص عليه، والظاهر أن هذا لا يلتزم به أحد،
ولا يشك ذو مسكة أن الشركة هنا في المالية، فإن بناء العقلاء كما أنه
على حصول الشركة بالمزج وكذلك بنائهم على كونها في العين بحسب
المالية في مثل المزج بالردئ أو بالجيد.
وعليه فلا وجه لما ذكره شيخنا الأستاذ من القول بكون الشركة في
القيمة، وأما الرجوع إلى الأرش فليس له دليل أيضا بعد ما يمكن الرجوع
إلى نفس المال، وكذلك لا دليل أيضا على بيع العين الممتزجة و
الاشتراك في الثمن، بل لا بد من الشركة في العين باعتبار ملاحظة المالية
كما هو واضح.
وعليه فلا وجه لما ذكره شيخنا الأستاذ من القول بكون الشركة في
القيمة.
نعم بقي هنا شئ، وهو ما ذكره شيخ الطائفة من أنه إذا كانت الشركة
في المالية يلزم الربا، فإنه إذا مزج من من الحنطة الجيدة بمن من الحنطة
الرديئة وقلنا بالشركة بحسب المالية، فإنه يكون لصاحب الحنطة الجيدة
أكثر من صاحب الحنطة الرديئة، كما إذا كانت قيمة الردئ درهما وقيمة
الجيد درهمين، فإن العين الممزوجة تقسم بينهما أثلاثا، فيأخذ صاحب
الجيد ثلثين وصاحب الردئ ثلثا، ويلزم الربا.
ولكن يرد عليه أن الربا لا يجري إلا في المعاملات المشتملة على
المعاوضات، وحصول الشركة القهرية بسبب المزج ليس كذلك،
فلا يجري فيها الربا.
ثم إنه ربما يقال: إن المزج إذا كان بفعل الغاصب، بأن مزج الحنطة
443

الرديئة المغصوبة بحنطته الجيدة فتكون الشركة هنا في المقدار، لأن
الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.
ولكن يرد عليه أنه لا دليل على أنه يؤخذ الغاصب بأشق الأحوال، وما
ذكرناه من الشركة في المقدار جار هنا أيضا، فيكون ذلك نظير مزج الخل
بالانجبين، سواء كان المزج بفعل الغاصب أو بفعل غيره، اختياريا أم غير
اختياري.
إذا يوجب المزج نقصان القيمة
ثم هذا كله إذا لم يكن المزج موجبا لنقصان القيمة، بأن تكون قيمة كل
من الردئ والجيد محفوظا، كما إذا اشترى الغابن منا من الحنطة الجيدة
من المغبون التي قيمتها درهمان ومزجه بمن من حنطته الرديئة التي
قيمته درهم واحد، وكانت المجموع المركب قيمته ثلاث دراهم، فإنه
حينئذ لم ينقص من قيمتهما شئ.
وقد ينقص من قيمة الجيد بواسطة المزج، كما إذا اشترى كيلوا من
الأرز الرشتي بمائة فلس ومزج ذلك بارز كانت قيمته عشرين فلسا
ومزجهما الغابن، فإنه حينئذ تكون قيمة الأجود نازلا، فإن زيادة القيمة
من جهة جودته وصفائه، ولعل قيمة الممتزجة لا تسوي أكثر من درهم
واحد.
وعلى هذا فإن كان المزج بفعل الغابن أو الغاصب أو شخص آخر كان
أرش النقص عليه لكونه سببا في هذا النقص، وإن كان المزج قهريا أو
بفعل صاحب الجيد، سواء كان هو الغابن أو المغبون فلا شئ على
صاحب الردئ، لأنه يطالب ماله بجميع الخصوصيات، فحيث لا يمكن
رده كذلك فيأخذه بحسب المالية، يعني يأخذ من العين بنسبة مالية ماله
444

لا بحسب مقداره، كما عرفت من غير أن يعطي تفاوت القيمة لعدم
استناده إليه، وهذا واضح جدا.
إذا كان المزج بحيث يكون كل منهما ممتازا عن الآخر
ثم بقي هنا شئ، وهو أنه لو امتزج غير الجنس بغير جنسه، من غير
أن يكون أحدهما مستهلكا في الآخر، بحيث يكون تلفا كما تقدم من
مزج العطر بالزيت، ولا أن يكون كلاهما مستهلكا، بحيث يكون المزج
موجبا لتشكيل هيئة خاصة وماهية مركبة وتكون صورتها النوعية
العرفية غير الصورة النوعية في أجزاء المركب، بحيث تكون الشركة في
المالية كما تقدم في مثل مزج الخل بالانجبين، ولا أن يكون من قبيل مزج
الجنس بالجنس، بحيث تكون الشركة في العين في فرض تساوي
القيمتين وفي المالية في فرض عدم تساويهما.
بل يكون مزج غير جنس بغير جنسه بحيث يكون كل منهما ممتازا عن
الآخر كمزج الحمصة مع الأرز، وكمزج دقيق الأرز مع دقيق الشعير،
وهكذا، فإن هذا القسم لا يجري فيه شئ من الأقسام المذكورة، فلا بد
فيه من الحكم بالشركة في العين بحسب المالية أيضا كما هو واضح.
ثم إنك قد عرفت أن التكلم في أقسام الشركة بالمزج لا يرتبط بخيار
الغبن أصلا، فإن المزج الذي يوجب الشركة كسائر النواقل اللازمة،
وإنما التكلم هنا بمناسبة تكلم المصنف فيه.
فتحصل أن المزج يوجب الشركة في العين إما باعتبار المالية أو باعتبار
المقدار، فلا يلزم منه الربا أيضا، ولا يرجع إلى الأرش أو البيع
والاشتراك في الثمن.
445

حكم تلف العوضين مع الغبن
قوله (رحمه الله): بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن.
أقول: التكلم في التلف من جهة دفع توهم أن تصرف المغبون يكون
مسقطا للخيار، فالتلف أولى بأن يكون مسقطا للخيار، وإلا كان الأولى
التعرض لذلك في أحكام الخيار، وإنما ذكروه هنا لدفع هذا التوهم.
ثم إن المصنف قسم التلف إلى أقسام، فإنه إما أن يكون فيما وصل إلى
الغابن أو فيما وصل إلى المغبون، وعلى كل تقدير أن التلف إما بآفة
سماوي، أو باتلاف أحدهما، أو باتلاف الأجنبي.
والظاهر أنه لا فائدة لهذا التقسيم كما ذكره المصنف، فإنه لا يفرق
الحكم بين أن يكون التلف فيما وصل إلى الغابن أو فيما وصل إلى
المغبون، وبين ما أن يكون التلف بنفسه أو بتسبيب غيره من أحدهما، أو
من الأجنبي، بل اللازم أن نتكلم هنا في مسائل ثلاث:
1 - في حكم التلف والاتلاف، فإنهما واحد.
2 - في حكم اتلاف كل من الغابن والمغبون مال الآخر الذي انتقل من
أحدهما إلى الآخر.
3 - في حكم اتلاف الأجنبي.
المسألة الأولى: في حكم التلف والاتلاف
فقد يكون التلف بعد الفسخ، وقد يكون قبل الفسخ.
أما الأول فلا شبهة في كونه موجبا للضمان، فإنه بعد الفسخ يكون
المال مال الغير، فيكون حكمه حكم الغصب، فيكون ضمانه على
الفاسخ، فإن يده بعد الفسخ يد ضمان، فلا بد من الخروج عن عهدته، لأنه
446

على اليد ما أخذت حتى تؤدي، ولو كان ذلك بالسيرة، سواء كان التلف
غير مستند إلى شخص أي شخص كان أو مستند إليه.
وأما إذا كان التلف قبل الفسخ، فتارة يكون الكلام بالنسبة إلى الخيار،
وأخرى بالنسبة إلى الضمان.
أما الأول فقد عرفت فيما سبق أن الفسخ متعلقه العقد لا العين، وعليه
فيبقى الخيار على حاله، سواء كان التلف بفعل المغبون أو الغابن أو
الأجنبي أو بنفسه، فإذا فسخ ذو الخيار العقد فيرجع كل منهما إلى البدل
مع تلف العينين، لأن الرجوع إلى العين مستحيل، نعم بناءا على كون
متعلق الفسخ هو العين، كما أن متعلق جواز الرجوع في المعاطاة هو
العين، لكان لسقوط الخيار بالتلف وجه، ولكن ليس الأمر كذلك.
وأما الكلام في الضمان، فلا شبهة أنه إذا فسخ ذو الخيار العقد فيكون
ضامنا للعوض، فلا بد من الخروج عن عهدته بمقتضى دليل اليد أو
السيرة العقلائية، ولكن حيث يستحيل الرجوع إلى العين فلا بد من
الرجوع إلى البدل من المثل أو القيمة.
وهذا لا شبهة فيه، وإنما الكلام في أنه مع الرجوع إلى القيمة هل إلى
أعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان الأداء أو قيمة يوم الفسخ أو قيمة
يوم التلف أو قيمة يوم الأداء، وجوه.
وقد تقدم تفصيل المسألة في المقبوض بالعقد الفاسد، وقد تعرضنا
هنا لحكم الغصب وما في حكمه من المقبوض بالعقد الفاسد ونحوه،
واجمال الكلام هنا أنه:
قد يقال بضمان أعلى القيم، فإن مقتضى اليد أن لا يخرج من عهدة
الضمان إلا بأداء ما وضع يده عليه، ومن المعلوم أن العين مع قيمته
الأعلى تحت يد الغاصب، فتكون مضمونة على الغاصب ومن في حكمه
ممن يأخذ بالعقد الفاسد أو بالفسخ.
447

ولكن الظاهر أنه لا دليل على الضمان بأعلى القيم بوجه كما تقدم في
مسألة الغصب، وقد أشرنا إلى ذلك آنفا، والوجه فيه أن ما يدخل تحت
اليد بواسطة الغصب ونحوه إنما هو العين مع الأوصاف الدخيلة في زيادة
المالية، فإن دليل على اليد أو السيرة العقلائية يقتضي أداء العين مع
جميع تلك الخصوصيات، وحيث استحال ذلك فلا بد من الرجوع إلى
البدل من المثل أو القيمة، وأما ترقي القيمة السوقية أو تنزلها فلا يدخل
تحت الضمان أصلا، فإن القيمة السوقية قائمة بالاعتبار فتزيد تارة
وتنقص أخرى، فلا تدخل تحت قاعدة ضمان اليد كما هو واضح، فإنها
لم تؤخذ حتى تكون معنى بالأداء.
وأما ضمان العين بقيمة يوم التلف، فقد يقال به من جهة أن وقت
الانتقال إلى القيمة هو ذلك اليوم فيضمن الغاصب ومن في حكمه بذلك
القيمة.
وقد أجبنا عن هذا الوجه فيما سبق بأنه وإن كان يوم التلف هو يوم
الانتقال إلى القيمة، ولكن أي القيمة هل هي قيمة يوم التلف كما زعمه
المستدل أو قيمة يوم الغصب أو قيمة يوم الأداء أو أعلى القيم، فمجرد
كون يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة لا يدل على أن تلك القيمة هي
قيمة يوم التلف كما هو واضح.
وعلى القول بتماميته في مسألة الغصب لا يجري هنا، فإنه فيما يكون
المال مغصوبا ومضمونا بعينه لكي ينتقل إلى البدل يوم التلف، وفي
المقام ليس كذلك، فإن التلف إنما وقع في ملك الغابن أو المغبون على
الفرض، فإن المفروض أن التلف إنما هو قبل الفسخ، فلا ضمان هنا حتى
يوجب ذلك انتقال العين إلى القيمة يوم التلف كما هو واضح، نعم يمكن
أن يقال باعتبار ضمان قيمة يوم التلف من حين الفسخ أو يوم الأداء ولكنه
لا دليل عليه.
448

المناط في وقت الضمان هل هو يوم الفسخ أو يوم الأداء؟
بقي الكلام في أن المناط في وقت الضمان هل هو يوم الفسخ أو يوم
الأداء، فذهب شيخنا الأستاذ في خصوص هذه المسألة أن المناط هو
قيمة يوم الأداء كما هو مقتضى القاعدة، وتقريب ذلك أن الغاصب إذا
غصب عينا فتبقى تلك العين حتى مع تلفها في ذمة الغاصب ومن في
حكمه إلى وقت الأداء، و حينئذ حيث لا يفعل رد العين التالفة مع التلف
فقهرا تنتقل إلى القيمة أو المثل، فيكون المناط حينئذ قيمة يوم الأداء،
وهذا الذي تقتضيه القواعد، وقد اعتمدنا عليه في تلك المسألة، أي
مسألة الغصب.
ولكن قلنا في تلك المسألة أن صحيحة أبي ولاد (1) واردة على خلافها،
فإنها اعتبرت في الضمان و في وجوب أداء القيمة قيمة يوم الغصب،
وعليه فرفعنا اليد عن القاعدة في مسألة الغصب وما في حكمه وحكمنا
بوجوب قيمة يوم الغصب.
وهل يجوز التعدي من مورد الصحيحة الذي هو الغصب إلى غيره أم
لا، فالظاهر أنه لا مانع من التعدي، وتقريب ذلك:
إن النسبة بين قيمة يوم الغصب ويوم الأداء هي العموم من وجه، فإنه
قد تكون قيمة يوم الغصب أكثر وقد تكون قيمة يوم الأداء أكثر، وقد
يتساويا، فإذا كانت قيمة يوم الغصب أقل من قيمة يوم الأداء فيحتمل
أن يكون الشارع قد لاحظ حال الغاصب وراعاه ولم يلاحظ حال غيرهم
من الضمانات، واعتبر عليهم قيمة يوم الأداء، وهو مقطوع العدم، فإن
القاعدة عكس ذلك، وقد ذكر الفقهاء أن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.

1 - مر ذكرها في البحث فيما لو تلف المبيع كان من المشتري.
449

ويحتمل أن يكون ذكر يوم الغصب في الصحيحة من جهة كونه هو
المناط في الضمان بالقيمة، فحيث كان الأول مقطوع العدم فيتعين الثاني
كما هو واضح، فيحكم بكون المناط في الضمان هو يوم الغصب حتى مع
القول بأن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال، فإن المراد من أخذه بأشق
الأحوال هو عدم المسامحة في المطالبة، سواء كان واجدا أم فاقدا، كما
يجب المسامحة في مطالبة الدين مع العسر، بل الغاصب حكمه حكم
الواجد يحل عرضه وعقوبته.
والعجب من شيخنا الأستاذ مع أنه بنى في المقبوض في العقد الفاسد
على أن المناط في الضمان إنما هو يوم الغصب لصحيحة أبي ولاد ومع
ذلك بنى في المقام بأن المناط هو قيمة يوم الأداء عملا بالقاعدة.
المسألة الثانية: في حكم اتلاف كل من الغابن والمغبون مال الآخر
فيما كان تلف كل من العوضين بفعل الطرف، بأن أتلف الغابن ما انتقل
منه إلى المغبون وبالعكس، ثم فسخ المغبون العقد.
والغرض هنا بيان أن الغابن بأي شئ يضمن باتلافه، وأن المغبون بأي
شئ يضمن بفسخه وهكذا إذا تلف المغبون ما انتقل منه إلى الغابن،
ويتكلم في أن المغبون أي شئ يضمن باتلافه مال الغابن وأن الغابن بأي
شئ يضمن بفسخ المغبون العقد، وتحقيق الكلام:
إذا أتلف الغابن مثلا مال المغبون الذي انتقل منه إليه، فإن أدى الغرامة
فلا كلام لنا فيه، وإن بقيت الغرامة حتى فسخ المغبون العقد فإنه يرجع
إلى الغابن بماله، وحيث ليست العين موجودة فيأخذ قيمتها إن قلنا إن
المناط في الضمان بقيمة العين إنما هو يوم التلف، فلا كلام لنا فيه.
وكذا إذا قلنا بكون المناط قيمة يوم الأداء، إذ لا يختلف الحال حينئذ
بين ضمان المتلف والضمان الحاصل بالفسخ، فإن المناط في الضمان
450

إنما هو قيمة يوم التلف وإن كان الفسخ متأخرا، فإنه حينئذ يسقط
الضمانين بالتهاتر، فإن المغبون يطلب ماله من الغابن الذي أتلفه بقيمة يوم
التلف، والغابن يطلب عين هذا المال من المغبون الفاسخ أيضا بقيمة يوم
التلف، فيقع بينهما التهاتر، وهكذا لو كان المناط هو قيمة يوم الأداء كما
هو واضح.
وإنما الكلام فيما إذا قلنا بأن المناط في ضمان القيمة إنما هو قيمة يوم
الغصب، فإنه حينئذ يختلف ضمان الغابن بقيمة العين وضمان المغبون
بها، وكثيرا ما يكون أحدهما أكثر من الآخر، كما إذا أتلف الغابن العين
التي انتقلت منه إلى المغبون وكانت قيمته في ذلك اليوم الذي هو يوم
الغصب والضمان عشرة، ثم مضت مدة ففسخ المغبون العقد وكانت
قيمة العين في يوم الفسخ عشرين، وكان هذا اليوم اليوم الذي ضمن
المغبون القيمة لكونه بمنزلة يوم الغصب.
وعليه فتكون ما ضمنه المغبون في صورة كون الغابن متلفا لما انتقل
منه إلى المغبون أقل مما ضمنه المغبون بالفسخ وضمان اليد، وعليه
فلا يمكن أن يقع التهاتر بينهما بالنسبة إلى تمام ما اشتغلت ذمة المتلف
وذمة الفاسخ بل بالنسبة إلى مقدار خاص، وأما المقدار الزائد فلا بد
للمغبون أن يخرج من عهدته ويطلب من الغابن ثمنه.
وبعبارة أخرى أن المغبون في الفرض المذكور يطلب من الغابن
شيئين: أحدهما عين ماله التي أتلفها الغابن، والثاني الثمن الذي أعطاه
للغابن، فإنه يطلب منه ذلك بعد الفسخ، أما الثمن فلا شبهة في أنه يطلبه
من الغابن علي كل تقدير، وأما العين التي أتلفها الغابن، فإن كان اشتغال
ذمتهما بقيمة يوم واحد إما يوم التلف أو يوم الأداء بحيث تكون ذمة
الفاسخ أيضا مشغولة بقيمة يوم التلف من حين الفسخ أو كان اشتغال
ذمتهما بقيمة يوم الأداء، فلا شبهة في سقوط حق كل منهما عن ذمة
451

الآخر بالتهاتر، سواء طلب كل منهما حقه عن الآخر أو أحدهما، وهذا
لا شبهة فيه.
وإن قلنا بضمان قيمة يوم الغصب فحينئذ تختلف الحال في ضمان
كل منهما للآخر، فإنه ربما يكون ذلك في أحدهما أزيد من الآخر كما
عرفت، فحينئذ لا يحصل التهاتر إلا في الجزء فقط.
ولكن يمكن أن يقال بحصول التهاتر هنا، وإن قلنا في المقبوض
بالعقد الفاسد ومثله، بكون المناط في الضمان بالقيمة هو قيمة يوم
الغصب لصحيحة أبي ولاد، لأنها لا تشمل ما نحن فيه، وبيان ذلك:
إن مقتضى القاعدة كما عرفت أنما هو ضمان نفس العين ابتداءا، وإنما
ينتقل إلى مثل أو القيمة مع عدم امكان رد العين، وعرفت أيضا أن العين
تبقى في الذمة إلى وقت الأداء، ففي ذلك الوقت تنتقل إلى القيمة كما هو
واضح لعدم امكان أدائها، حتى لو عادت العين إلى ملك الضامن بقدرة
إلهية كان الواجب على الضامن أن يؤديها إلى المضمون له كما هو واضح.
وعليه فإذا كان ذمة كل من الغابن والمغبون مشغولة بعين واحدة
أحدهما بالاتلاف والآخر بالفسخ، فإن مقتضى الفهم العرفي هو وقوع
التهاتر في ذلك، وعدم ثبوت حق مطالبة كل منهما على الآخر.
كما إذا أخذ أحد خبزا من الخباز بعشرين فلسا مع كون الخبز خمس
أفلس، ثم غصب الخباز ذلك الخبز فأكله، ثم التفت المغبون إلى الغبن
ففسخ العقد، فإنه يرجع إليه ويأخذ منه عشرين فلسا وليس للغابن في
نظر العرف أن يطالب منه خبزه ويقول وجب عليك أن تعطي خبزي
ووجب على أن أعطي خبزك، فإن أهل العرف يقولون إن ما أعطيته هو
الذي أخذته وأكلته.
وبعبارة أخرى أن الضمان بالقيمة إنما هو مع عدم التمكن من العين،
وقد عرفت أن العين إنما هو باقية في ذمة الضامن إلى وقت الأداء، وعليه
452

فإذا أتلف الغابن العين التي انتقل إلى المغبون فتكون ضامنا لنفس ذلك
العين وحيث طلبها المغبون فلا يمكن أداء نفسها فلا بد من أداء مثلها أو
قيمتها، وإذا فسخ المغبون العقد فتكون ذمته أيضا مشغولة بنفس تلك
العين، فإذا لم يخرج عن عهدة الغرامة قبل الفسخ ليكون المغبون متمكنا
من أداء العين، فإن ذمة كل منهما مشغولة بالعين كما عرفت، فيقع التهاتر
فيحصل الأداء كما هو واضح، وحينئذ تنقلب القيمة أو المثل إلى نفس
العين، كما إذا عادت العين بمعجزة، ومن الواضح أن مورد الصحيحة إنما
هو صورة عدم التمكن من أداء العين وكون الضمان في طرف واحد
فلا تشمل المقام.
وتوهم أنها مطلقة بالنسبة إلى عود العين أيضا لاستحالة الاهمال في
الواقع فاسد، بل الحكم مقيد في الواقع وفي مقام الثبوت بعدم العود،
وفي مقام الاثبات لم يقيد المولى، وإنما أهمل لعدم كونه في مقام البيان
من هذه الجهة، وقد فرضنا الكلام في اتلاف الغابن مال المغبون ويجري
جميع ذلك في عكس ذلك، كما يظهر بالتأمل، فلا يحتاج إلى التكرار.
ثم لا يخفى أنه في حكم الأداء لو أبرأ أحد ذمة المتلف فهو بمنزلة
القبض.
المسألة الثالثة: في حكم اتلاف الأجنبي
أن يكون المتلف هو الأجنبي فلو أخذ منه صاحب المال قبل الفسخ
قيمة يتعين رجوع الفاسخ إلى المفسوخ عليه وكذا العكس، وأما لو
لم يأخذها ففسخ ذو الخيار فلا يتعين على كل منهما الرجوع إلى طرفه
بل يتخير بين الرجوع إلى الطرف والرجوع إلى المتلف، كما هو مقتضى
ضمان شخصين لمال واحد على التعاقب.
453

ولكن لا يجري ذلك بناءا على اعتبار قيمة يوم الفسخ، بل يتعين
حينئذ الرجوع إلى الطرف، سواء كان هو الغابن أو المغبون، لأن المال
وإن كان في ذمة المتلف أيضا إلا أنه قد أتلف هو ما ليس للفاسخ قبل
الفسخ بل لطرفه، فيكون الأجنبي ضامنا للمالك الفعلي دون المالك
الأصلي، والمالك الأصلي يطلب مصداق مالية يوم الفسخ فلا يشتغل
بقيمة يوم الفسخ إلا الطرف لا المتلف، لكونه مكلفا بأداء قيمة يوم التلف
أو يوم الأداء.
وما ذكرناه أوضح بناءا على كون الطرف ضامنا لنفس العين بمقتضى
دليل اليد، والله العالم بالأحكام ورسوله وخلفائه الكرام، صلوات الله
عليه وعليهم إلى يوم القيامة.
المسألة (3)
ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية
قوله (رحمه الله): مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية، بناءا على
الاستناد في ثبوته في البيع إلى نفي الضرر.
أقول: لم يقع التعرض لثبوت هذا الخيار في غير البيع في كلمات
الأصحاب كما وقع التعرض بجريان خيار الشرط في غيره، ولكن عدم
تعرضهم لذلك لا يكشف عن اعتقادهم بعدم جريانه في غير البيع أو
جريانه فيه، وأما تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع من
جهة ذهاب بعض العامة إلى جريانه في ما عدا البيع أيضا.
ثم إنه لا دليل بالخصوص على جريانه في غير البيع أو عدم جريانه
فيه، وإنما المهم هو التعرض لمدرك هذا الخيار حتى يعلم أنه على نحو
يجري في غير البيع أيضا أو لا؟
454

فنقول: إن كان مدرك خيار الغبن هو الاجماع، فلا شبهة في عدم
جريانه في غير البيع، لأنه دليل لبي ولا بد من أخذ المتيقن منه، وهو
البيع، وإن كان مدركه هو نفي الضرر فيشمل ذلك غير البيع أيضا، إلا إذا
كان هنا اقدام على الضرر، فإنه مع الاقدام لا يكون هنا خيار، ولا يبعد
صدق الاقدام على الضرر مع العلم والجهل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك
سابقا، ولا يختص ذلك بصورة العلم بالغبن كما ذكره المصنف وبنى
عليه.
وكيف كان لا يهمنا التكلم في ذلك، بعد ما عرفت من عدم تمامية
دلالة حديث لا ضرر على المقصود، وإنما المدرك هو الشرط الضمني
كما تقدم تفصيله، وعليه فلا بد من التكلم على هذا المبنى.
فنقول: قد يكون البناء في المعاملة على الدقة وعدم المغابنة، وقد
يكون على السمحة والمسامحة، وقد لا يكون العقد مبنيا على شئ.
أما الأول، فلا شبهة في تحقق الشرط الضمني فيه، فإن بناء العقلاء
على تساوي القيمتين فيه، فتكون قرينة نوعية على تساوي القيمتين،
ومع انتفاء القرينة النوعية فتلاحظ القرينة الشخصية على ذلك، ومن
ذلك الإجارة والصلح في مقام البيع والإجارة، ولا يفرق فيه أيضا بين
أفراده إلا إذا قامت قرينة خارجية على عدم تحقق ذلك الشرط، كالبيع
بين الوالد والولد، فإنه إذا وقع الغبن في ذلك فالارتكاز قائم على عدم
الشرط فيه نوعا.
وأما الثاني، فلا يجري فيه الشرط الضمني، كالصلح في مقام المرافعة
حيث إن بنائه على قطع النزاع والتشاح، فجريان الخيار فيه ينافي ذلك،
وكذلك الصلح في غير موارد البيع والإجارة، بأن كان على ابراء جميع ما
في الذمة كائنا ما كان، إلا إذا ظهر الحال وعلم أن ما في ذمة المديون من
455

الديون أضعاف ما اعتقده المتصالح، فإنه حينئذ لا قرينة نوعية
ولا شخصية على عدم الشرط هنا، بل القرينة الشخصية قائمة على
تحقق الشرط الضمني كما هو واضح.
وأما الثالث، فلا بد فيه من ملاحظة حال الأشخاص في شخص
المعاملة كالجعالة.
فعلم أن جريان الغبن في أي معاملة يحتاج إلى جريان الشرط الضمني
فيه على تساوي القيمتين وجريان الشرط الضمني على تساوي القيمتين
يحتاج إلى القرينة النوعية أو الشخصية.
والحاصل أن مقتضى أصالة اللزوم إنما هو الحكم بلزوم كل معاملة،
وعليه فمقتضى الأصل الأولى هو اللزوم في جميع المعاملات، وحينئذ
فلا بد من رفع اليد عنها من ملاحظة القرائن الخارجية القائمة على عدم
اللزوم فيها.
فإن قامت قرينة عامة كبناء العقلاء أو خاصة على عدم التسامح
والتساهل في المعاملة أزيد مما لا بد منه فلا شبهة في تحقق الشرط
الضمني فيها على التساوي وعدم التغابن، لأن هذه القرينة قرينة على
الاشتراط فيلزم الخيار من تخلفه، ويجري ذلك في كل عقد ومعاملة
حتى الصلح الذي كان البناء فيه على التسامح والتساهل، إلا إذا ظهر
التفاوت أزيد مما اعتقد المتصالح، فإنه بالنسبة إلى الزائد يجري
الاشتراط المذكور ويلزم من تخلفه الخيار.
وقد تقدم ذلك في السابق، أي جريان الخيار في التفاوت الزائد عن
المقدار الذي وقع فيه التسامح، وفي كل مورد قامت قرينة عامة أو
خاصة على أن بناء المتعاقدين على المسامحة والمساهلة بحيث تكون
هذه القرينة دالة على عدم الاشتراط فلا يجري فيه الخيار، سواء كان
ذلك صلحا أو بيعا.
456

فإنه ربما تقوم القرينة على عدم الاشتراط وإن لم يلتفت المتعاملان
إلى الغبن، كما إذا باع الوالد مالا من ولده بخمسين دينارا مع الغفلة عن
كونه يساوي بالمائة، فإنه وإن تحقق غبن لا يتسامح هنا ولكن الارتكاز
العرفي بل القرينة الخاصة أعني رأفة الوالد على ابنه قائمة على عدم
الاشتراط، إلا إذا لم تكن بينهما رأفة تقتضي ذلك، فإن القرينة العامة أو
الخاصة قائمة على اشتراط تساوي القيمتين هنا أيضا.
ومن هنا ظهر أن المناط في الاشتراط وعدم الاشتراط إنما هو البناء
الشخصي على الاشتراط، وإن كانت القرينة على الاشتراط ربما تكون
نوعية أعني بناء العقلاء على الاشتراط، ولكن مع ذلك قد تكون القرينة
الحاصلة أيضا موجودة على ذلك أعني بناء الشخصي من المتعاملين على
التساوي أو على عدمه، وقد نقل المصنف عن بعض وقواه شيخنا
الأستاذ بل قد تنحصر القرينة بالثاني مع انتفاء الأولى.
وقد تكون القرينة الخاصة أعني البناء الشخصي مقدما على القرينة
العامة، كما أن بناء العقلاء على التساوي في البيع، ومع ذلك قد يكون
بناء المتعاقدين على التسامح كما تقدم.
ومن هنا ظهر أنه لا نحتاج إلى تحقيق مفهوم الغبن وكون الحكم دائرا
مدار صدق الغبن وعدمه كما ذكره بعضهم، لا من جهة عدم وروده في
الأخبار كما ذكره المصنف، بل من جهة أن مبنى المسألة لا يحتاج إلى
ذلك كما هو واضح.
المسألة (4)
كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي؟
قوله (رحمه الله): مسألة: اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على
التراخي على قولين.
457

أقول: ذهب المشهور إلى كون الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه
على المتيقن، وذهب بعض آخر إلى ثبوته ما لم يطرءه رافع
للاستصحاب، وذكر في الرياض (1) أن المستند في الخيار إن كان الاجماع
المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب وإن كان نفي الضرر وجب الاقتصار
على الزمان الأول إذ به يندفع الضرر، هذا، فنقول:
إن ثبوت الخيار بعد الآن الأول يحتاج إلى انتفاء أحد أمرين: الأول
عدم وجود المقتضي للزوم في الآن الثاني، والثاني عدم المانع عنه، فإذا
ثبت أحدهما لا يثبت الخيار مستمرا بل لا بد من الأخذ بالقدر المتيقن،
فلا بد في المقام من تنقيح هذا المطلب أي المقتضي والمانع، ولذا ذكر
جامع المقاصد (2) أن العموم الثابت للعقد مستمر بحسب الزمان والمانع
عنه مفقود، فلا بد من الاقتصار بالقدر المتيقن.
وقد أشكل المصنف عليه وعلى بقية الوجوه المذكورة في المقام بما
أشار إليه في المقام، وذكر تفصيله في كتاب الرسائل، وحاصله:
إن الحكم الثابت على العام تارة يكون ثابتا على أفراده بحسب التعدد
والتكثر، بأن يكون لما تحت العام حكم في كل آن بحيث يتكثر الحكم
في طول الزمان ويكون للعام أفراد طولية كما تكون له أفراد عرضية، كما
إذا قال أكرم العلماء، فيكون غرضه تعدد الحكم بحسب قطع الزمان،
فيكون الزمان مكثرا للحكم، ويكون هنا اكرام متعدد حسب تعدد الآنات
والساعات.
وقد يكون الحكم الثابت لأفراد العام حكما واحدا مستمرا إلى الأبد،
بحيث لا يكون الزمان مفردا ومكثرا وقيدا للحكم وموضوعا له بل يكون

1 - الرياض 1: 525.
2 - جامع المقاصد 4: 297.
458

ظرفا، كما إذا فرضنا في المثال المتقدم أن وجوب الاكرام شئ واحد
ثابت لأفراد العلماء من غير أن يكون التعدد بحسب الآنات، بل لكل
واحد من أفراد العام حكم واحد مستمر من غير أن يتعدد حسب تعدد
الآنات.
فعلى الأول فإذا ورد مخصص على العام بأن خرج اكرام زيد العالم عن
تحت العموم في يوم الجمعة، فلا بد من الاقتصار في التخصيص
بخصوص ذلك فقط، فلا يمكن التعدي إلى اليوم الثاني أيضا
بالاستصحاب، لأنه من قبيل اسراء الحكم عن موضوع إلى موضوع آخر
فهو لا يجوز، لأن الحكم في حكم آن مستقل، وهذا بخلاف الثاني فإنه
إذا ورد التخصيص على العام وأخرج الفرد عن تحت حكمه كان ذلك
موجب لخروجه عن تحته مستمرا وإلى الأبد.
وفي هنا إذا شك في ثبوت حكم العام بعد المخصص نستصحب
حكم المخصص، فلا مورد هنا للاقتصار بالقدر المتيقن لكونه خروجا
واحدا عن تحت العام، فلا يفرق فيه بين خروج عن حكم العام دائما أو
في زمان ما، إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتى
يقتصر عند الشك فيه على المتيقن.
وأما كشف أن الحكم الثابت على العام استمراري أو لا، فلا بد وأن
يثبت من الخارج أو بدليل اللغوية، كما أن قوله (عليه السلام): حلال محمد
(صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة (1)، يدل على
استمرار الأحكام إلى يوم القيامة.

1 - عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد (صلى الله عليه وآله)
حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره،
وقال: قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة (الكافي 1: 58)، صحيحة.
459

فلو ثبت من الخارج انقطاع الحلية أو الحرمة وعدم استمرارهما إلا
إلى وقت خاص لا يكون ذلك مشمولا للرواية فيكون خارجا عنها، فإنها
تدل على استمرار الأحكام إلى يوم القيامة مع عدم الانقطاع، وبعده
لا حلال ولا حرام حتى يستمر إلى يوم القيامة، وليس فيها تعرض
لايجاد الحلال حتى يكون مستمرا، وإلا يلزم ايجاد الحكم موضوع
نفسه.
وعليه فإذا ورد عام ووردت رواية مثلا على استمرار حكم العام أو
قامت قرينة على ذلك من لغوية عدم الاستمرار نحكم بذلك، فإذا ارتفع
الحكم في زمان يخرج عن تحت العام ونستصحب مع الشك حكم
الخاص، ولا يكون ذلك الدليل مقتضيا لاستمراره مثلا أن أوفوا
بالعقود (1) يدل على وجوب الوفاء بكل عقد.
ولا شبهة أنه لا معنى لحصول الملكية في آن دون الآن الثاني بحيث
يكون في كل آن حكم مستقل، فمن جهة لزوم لغوية حكم الوفاء بالعقد
استفدنا استمرار الحكم في جميع الأزمنة، وإذا رفع الحكم في زمان
أعني الوفاء لارتفاع الملكية كما في المعاطاة، بناءا على عدم إفادتها
الملكية، وكعقد ازدواج بعد رفعه بالطلاق، فإنما يقتضي لغوية الزوجية
في آن دون غيره لا تشمل بعد الرفع ولم يبق هنا شئ حتى يجب الوفاء
به.
ولا يكون الدليل الدال على الاستمرار جاريا في المقام، فإن الدليل
إنما كان هو لزوم لغوية الملكية في آن واحد دون غيرها، والمفروض أنه
ليس هنا ملكية حتى يلزم اللغوية من اعتبارها في زمان دون زمان آخر

1 - المائدة: 1.
460

كما هو واضح، وأن اللغوية لا توجد الملكية وإلا يلزم تعرض الحكم
لموضوعه.
والحاصل أن روح كلام المصنف أنه إذا ورد الحكم على الاستمرار
والزمان فيكون حينئذ للعام أفراد طولية نظير الأفراد العرضية، فيكون
الزمان قيدا للحكم ومكثرا له، فإذا ورد التخصيص في زمان لا يكون
مخصصا إلا في ذلك الزمان الخاص كما هو واضح، وأما إذا ورد
الاستمرار على الحكم بحيث يكون الحكم موضوعا للاستمرار فيكون
الحكم ثابتا للفرد مستمرا، فإذا خرج عن تحت العام خرج أبديا كما هو
واضح، وإن ورود الاستمرار على الحكم إنما هو إما بدليل اللغوية أو
بدليل خاص، كما إذا فرضنا ورود الرواية عليه مثلا.
وأما الوجه في ملاحظة الاستمرار هو ما ذكره المصنف من لزوم
اللغوية، من عدم ملاحظة الاستمرار أو قيام الدليل الخارجي على ذلك،
وإلا فالظاهر من تعلق الحكم بالفعل هو الآن الأول لا الاستمرار.
ومن هنا ظهر ما ذكره من تغاير مورد التمسك بالعام ومورد التمسك
بالاستصحاب، فإن مورد التمسك بالعام إنما هو صورة كون الزمان مكثرا
فلا يجوز حينئذ التمسك بالاستصحاب حتى مع وجود المانع عن
التمسك بالعام، بل لا بد من التمسك بأصل آخر، ومورد التمسك
بالاستصحاب هو فرض كون الزمان ظرفا، فإنه حينئذ لا يجوز التمسك
بالعام حتى مع المنع عن التمسك بالاستصحاب.
التفصيل في كلام الشيخ (رحمه الله) بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية
أقول: هذا الذي أفاده المصنف إنما يتم في الجملة، لأنه لا يجري
بالنسبة إلى الأحكام التكليفية بل يجري في الأحكام الوضعية، أما الأول
فلأنه لا معنى لتوهم الاستمرار في الأحكام التكليفية أصلا، فإن الحكم
461

الوارد على الأفعال، سواء كان بعنوان الاستقلال والعام الاستغراقي أو
بعنوان العام المجموعي، يلاحظ بالنسبة إلى كل فرد، وعلى
كلا التقديرين لا يلاحظ الاستمرار فيه، مثلا لو قال المولى: أكرم هؤلاء
العشرة، ثم أخرج منها واحدا، لا يرتفع الحكم عن الباقي، بل لا بد له في
اكرام العشرة، أو قال: الكذب حرام، فإن الظاهر منه أن كل فرد من
الكذب فيكون لكل فرد حكم أي حرمة خاصة، ويسري الحكم إلى
جميع الأفراد بعنوان الاستغراق.
وعلى الجملة أن ملاحظة الاستمرار في الأحكام التكليفية مما
لا معنى له، فإنما تتعلق بالأفعال إما بعنوان الاستغراق أو بعنوان العام
المجموعي، وعلى الأول تكون الحكم بالنسبة إلى كل فرد مستقلا
واضح، فإذا ورد التخصيص باخراج فرد من العام يبقى الباقي تحته،
كالحكم بحرمة الكذب مع اخراج فرد منها، وكذا في ناحية الوجوب،
وعلى الثاني أن الظاهر أيضا من تعلق الحكم بالفعل هو ثبوته له على نحو
الاستقلال، كما إذا قال أكرم هؤلاء العشرة، فإذا أخرج منها واحدا تبقى
التسعة تحت العام ويجب اكرامهم وليس هنا استمرار أيضا، فإن اعتبار
وجوب الاكرام في ساعة دون غيرها لا يستلزم اللغوية.
وأما في الحكم الوضعي فيجري ما ذكره المصنف، مثلا إذا ورد من
استولى على شئ فهو له (1) أو من حاز ملك، واستفدنا من دليل خارجي
أو من لزوم لغوية أن تكون الملكية حاصلة في آن دون آن آخر، فتحكم
حينئذ بحصول الملكية المستمرة.

1 - عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل
المرأة، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما،
ومن استولى على شئ منه فهو له (التهذيب 9: 302، عنه الوسائل 26: 216)، موثقة.
462

فإذا ورد في دليل خاص أن اللقطة العمران لا يملكها الواحد، فيكون
ذلك خارجا عن عموم من حاز ملك على تقدير كونه رواية، وعن عموم
من استولى على شئ فهو له، ولا يكون الدليل الخارجي أو لزوم اللغوية
المقتضية للملكية المستمرة شاملة للاستيلاء على اللقطة وحيازتها،
لعدم حصول الملكية هنا حتى تكون مستمرة، فما ذكره المصنف
صحيح في مثل ذلك.
بيان آخر لهذا التفصيل
وقد انتهى كلامنا إلى التمسك بالعموم بعد ورود التخصيص عليه،
وأن المصنف قد ذكر أن مورد التمسك بالعام يغاير مورد التمسك
بالاستصحاب، ففي مورد نتمسك بالعام لا يجوز التمسك بالاستصحاب
حتى مع عدم التمسك بالعام، وفي مورد التمسك بالاستصحاب لا يجوز
التمسك بالعام حتى مع ثبوت المنع عن التمسك بالاستصحاب، وفيما
ورد الزمان على الحكم وثبت الاستمرار عليه فلا يجوز التمسك بالعام
بعد ثبوت التخصيص، لأن الحكم لا يتعرض على موضوعه أعني
الاستمرار، وإنما هو من دليل خارجي، فحيث ورد التخصيص في
الأفراد الطولية على هذا الدليل الخارجي المثبت للاستمرار لا يجوز
بعده التمسك بالعام في المشكوك، فالمورد هنا مورد الاستصحاب،
وإذا كان الحكم في العام ثابتا على الزمان فيكون ثابتا لكل فرد طولي أيضا
كما هو واضح.
ثم طبق ذلك على المقام، فقال: إن مقتضى أوفوا بالعقود (1) هو ثبوت
الحكم لكل عقد من الأفراد الطولية، فإذا خصص هذا العام وخرج منه

1 - المائدة: 1.
463

عقد واحد في زمان فلا يجوز التمسك بالعموم بالنسبة إليه في زمان آخر
لعدم امكان تعرض الحكم لاستمراره الثابت بدليل خارجي، أعني لزوم
اللغوية من اعتبار الملكية مثلا في زمان دون زمان آخر، فلا بد من
التمسك بالاستصحاب.
أقول: لا بأس بما ذكره على نحوه الاجمال، لا في جميع الأحكام التكليفية
والوضعية، بل في الثانية في الجملة.
وتوضيح ذلك: أن الأحكام التكليفية لا معنى فيها لورود الاستمرار
أي الزمان على الحكم، بحيث تلاحظ على نحوين، وذلك لأنها
تحريمية كانت أو وجوبية استغراقية كانت أو مجموعية، إنما تتعلق
بالأفعال أي بأفعال المكلفين، ولا شبهة أن الفعل يتقدر ويتقطع بالزمان،
وإذا كان ذلك الفعل متعلق للعام أو المطلق توجد له أفراد طولية كما له
أفراد عرضية، سواء كان الحكم تحريميا أو وجوبيا، غاية الأمر الأمر في
الأول أوضح.
وعلى هذا فقد ذكرنا في علم الأصول أن الاهمال في الواقع ومقام
الثبوت محال، فلا يعقل أن يكون الحكم في الواقع لا مطلقا ولا مقيدا بل
كان مهملا، لأنه لا يعقل أن يجعل المولى حكما ولكن لا يلتفت إلى أنه
بأي نحو مطلق أم مقيد، وإن كان ذلك ممكنا في مقام الاثبات.
وعلى هذا فإذا ورد حكم من المولى وكان في مقام البيان ولم يقيده
بشئ نستكشف من ذلك سريان الحكم إلى جميع أفراد العام أو المطلق
الأفراد العرضية أو الأفراد الطولية، وعليه فإذا ورد تخصيص أو تقييد
فأخرج فرد من أفراد العام أو المطلق نتمسك في الباقي بالاطلاق أو
العموم، فنثبت الحكم للفرد المشكوك، فلا مورد هنا للاستصحاب
أصلا.
464

مثلا إذا ورد عام أو مطلق على أن الكذب حرام أو كل كذب حرام،
فلا شبهة أن متعلق الحرمة هنا هو الفعل الخاص الصادر من المكلف،
وأنه يتقدر بالزمان بحيث إن الكذب الصادر منه في هذا الزمان غير
الكذب الصادر منه في زمان قبله، كما أنه غير الكذب الصادر منه في زمان
بعده، فيكون كل كذب بحسب طول الزمان وعرضه فردا مغايرا للأفراد
الأخر، فحيث إن الاهمال في الواقع محال فلا بد وأن يكون الحكم فيه إما
مطلقا أو مقيدا، فحيث لم يقيد الخطاب في مقام الاثبات مع كونه في مقام
البيان، فحسب تبعية مقام الثبوت لمقام الاثبات من حيث الاطلاق
والتقييد فنكشف الاطلاق في مقام الثبوت أيضا كما هو واضح.
وعلى هذا فإذا خرج فرد من أفراد الكذب عن تحت الاطلاق أو
العموم فإنه لا شبهة في جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق في الأفراد
الأخر، فلا مجال بوجه لتوهم جريان الاستصحاب فيه، وكذلك إذا ورد
النهي عن شرب الخمر، فإن مقتضى الاطلاق حرمة الشرب كان من أفراد
العرضية والطولية، فإذا خرج فرد من تحته نتمسك في الباقي بالاطلاق
كما هو واضح، إلا لوحظ الحكم بعنوان العام المجموعي أي يكون
الحكم الواحد ثابتا للأفراد بين المبدأ والمنتهى، من غير أن يكون لكل
فرد حكم واحد.
وكذلك الكلام في الأحكام الوجوبية، سواء كانت استغراقية أم
مجموعية ثم ورد مخصص، فإنه يرجع في الأفراد الباقية العام والمطلق،
أما في الاستغراقي فواضح، وأما في المجموعي فأيضا كذلك، كما إذا
قال: أكرم هؤلاء العشرة ثم أخرج واحدا، فإنه لا محالة يمنع عن التمسك
بالعام في التسعة الباقية.
465

المناقشة في كلام المحقق النائيني (رحمه الله) على ورود الاستمرار على الحكم في
الأحكام التحريمية
والعجب من شيخنا الأستاذ حيث أصر في المقام وفي الأصول على
ورود الاستمرار على الحكم في الأحكام التحريمية، بدعوى أنه لا معنى
لكون الشئ حراما في آن واحد، لأنه حاصل بالضرورة، إذ ما من محرم
إلا ويكون متروكا آنا ما، فيكون الحكم التحريمي لغوا، فنكشف من
ذلك أن الحكم التحريمي مستمر دائما، فيكون الاستمرار واردا على
الحكم، وعليه فإذا ورد عام مشتمل على حكم تحريمي ثم ورد عليه
تخصيص فلا وجه للتمسك بالعام بل يتمسك باستصحاب حكم الخاص
كما هو واضح.
ولكنه واضح الدفع، فإن مقتضى اطلاق الخطاب هو كون كل فرد من
أفراده الطولية بحسب قطع الزمان محرما، وأن المولى قد لاحظ في مقام
الثبوت اطلاق الحكم وشموله بجميع الأفراد، مع ما عرفت أن الفعل
الذي هو متعلق الحكم يتقدر بالزمان، فلا يكون الحكم ثابتا على جميع
الأفراد بحسب الاطلاق.
ففي المقام وإن كان الاستمرار موجودا ولكنه ليس بمعنى أن الحكم
الواحد مستمر كالملكية مثلا، بل معناه هنا أنه يستمر الحكم باستمرار
موضوعه، يعني أن حرمة شرب الخمر مستمرة حسب تعدد الشرب
واستمراره، ويكفي في ذلك كون الحكم ثابتا على الطبيعة الصرفة غير
مقيد بقيد بل ترفع عنها جميع القيود كما هو معنى الاطلاق، لا أن هنا
استمرار ثابت من الخارج ببرهان اللغوية.
وعلى الجملة استمرار الحكم في التكاليف المحرمة من جهة اطلاق
466

الحكم وتعدد متعلقه، أعني فعل المكلف المتقدر بالزمان، لا من جهة
دليل خارجي كما لا يخفى.
وأعجب من ذلك ما استشهد على مراده بأن الفقهاء لم يجوزوا شرب
الخمر في حال المرض لاستصحاب الحرمة، فلو كان الاستمرار ثابتا من
ناحية الحكم دون الخارج لم يكن لهم وجه للتمسك بالاستصحاب بل
لا بد لهم من التمسك بالعام، فحيث إن الاستمرار في الأحكام التحريمية
ثبت من الخارج لا من ناحية الحكم ولم يكن تعرض الحكم لاستمرار
موضوعه مستمرا، فلذا تمسكوا بالاستصحاب في اثبات الحرمة في
حال المرض.
ووجه العجب أن ذلك خارج عما نحن فيه، فإن كلامنا فيما ورد عام
ثم مخصص في زمان وشك في أن الفرد الخارج خارج دائم أو في الزمان
الأول، وأما إذا لم يرد تخصيص أصلا فلا مجال لذلك، ففي المثال
المذكور لم يجد تخصيص لحرمة شرب الخمر بالنسبة إلى حال المرض
حتى نتمسك بالنسبة إلى المريض في غير حال مرضه بالاستصحاب أو
بالعام، بل إنما هو شك في ثبوت الحكم في جميع الحالات أو في
بعضها، فنتمسك بالاطلاق لما عرفت من اطلاق الحكم ثبوتا واثباتا.
على أنه لا نعرف ذهاب الفقهاء إلى الحرمة للاستصحاب، مع أن
الكتب الاستدلالية قليل، ومع ذلك فليس كلهم ذاهبين إلى الحرمة
للاستصحاب، نعم لا بأس بالواحد والاثنين.
التحقيق في قابلية الاستمرار للأحكام الوضعية
فتحصل أن الأحكام التكليفية بأجمعها تحريمية أو وجوبية،
استغراقية أو مجموعية، وأما الأحكام الوضعية فحيث إن متعلقها ليس
467

فعل المكلف حتى يتقدر بالزمان بل هو أمر آخر، كالملكية والزوجية
ونحوهما له قابلية الاستمرار، فيمكن تصديق كلام المصنف هنا في
الجملة.
وتوضيح ذلك: أن اعتبار الاستمرار قد يكون بدليل خارجي بحيث
يكون واردا على الحكم من جهة اقتضاء الدليل الخارجي ذلك، وقد
يعتبر في الحكم من جهة دلالة نفس الدليل المتكفل لبيان الحكم على
ذلك، أما الأول كما إذا لم يكن نفس الدليل متضمنا لذلك باطلاقه أو
بعمومه، بل لو اعتبر الاستمرار فيه أنما يعتبر من جهة برهان اللغوية أو
الدليل الآخر من الرواية ونحوها.
كما إذا ورد أن من استولى على شئ فهو له أو من حاز ملك، فإنه
لا معنى لحصول الملكية بالحيازة أو بالاستيلاء آنا، لكون ذلك لغوا بل
حصول الملكية في زمان مقيد به كالشهر أو شهرين أو سنة، فهو ترجيح
بلا مرجح، فلا بد من القول بحصول الملكية الدائمية، ففي مثل المقام
فالعموم أو الاطلاق إنما يتضمن بيان أصل الحكم أي حصول الملكية
بالاستيلاء والحيازة، وأما الاستمرار فهو يعلم من الدليل الخارجي، فإذا
ورد تخصيص على ذلك ودل دليل على عدم حصول الملكية بالحيازة
والاستيلاء كاللقطة ومجهول المالك، وشككنا في أن ذلك خارج عن
تحت العام أو المطلق في زمان خاص أو دائما فلا يمكن التمسك
بالاطلاق أو العام، إذ المفروض عدم الاطلاق أو العموم، وأما الدليل
الخارجي الدال على الاستمرار فهو لا يمكن أن يتعرض موضوعه، بل
هو ثابت متى ثبت موضوعه.
وفي المثال المذكور متى ثبتت ملكية فهي تستمر، وأما مع عدم
ثبوت الملكية فأي شئ تستمر، ولا شبهة أن دليل الاستمرار يستحيل
468

أن يتعرض لايجاد موضوعه، فإنه في فرض وجود موضوعه يدل على
الاستمرار، ولا يمكن أن يتعرض الحكم لموضوعه.
فما ذكر المصنف صحيح في مثل ذلك، وأما إذا كان الدليل الدال
على الحكم بنفسه دالا على العموم أو الاطلاق إما بقيد أضيف إلى
الخطاب أو بمقدمات الحكمة، فحينئذ لا شبهة في جواز التمسك
بالاطلاق، سواء كان الحكم ثابتا لمتعلقه على نحو العموم الاستغراقي أو
العموم المجموعي.
وتوضيح ذلك: أن الاستمرار تارة يفرض في الجعل، من أنه مستمر
أو لا، وأخرى في المجموع، أما الأول بأن الجعل يدل على الاستمرار ما
لم يطرءه النسخ أم لا، فهو خارج عن المقام، وأما الثاني فلا شبهة في
جواز التمسك باطلاق المجعول أو بعمومه واثبات الحكم للأفراد
العرضية والطولية للعام، لأن الاهمال مستحيل في مقام الثبوت والمولي
في مقام البيان وفي مقام الاثبات ولم يقيد كلامه بقيد، فنكشف منه
الاطلاق.
مثلا أن أوفوا بالعقود (1) يدل على وجوب الوفاء بكل عقد، فإذا
فرضنا أن الملكية المنشأة لم تقيد بشئ في مقام الانشاء وهكذا
الزوجية، فنكشف من ذلك كونهما دائمية، فإن اطلاق المنشأة يدل على
ثبوتهما وتحققهما في الأفراد العرضية والطولية.
ولا يفرق في ذلك كون الحكم على نحو العام المجموعي، كما إذا
أنشأ الملكية الواحدة بين المبدأ والمنتهى، وهذا هو المعروف، أو على
نحو الاستغراق، كما إذا كانت هنا في كل آن ملكية مستقلة منضمة بعضها

1 - المائدة: 1.
469

مع بعض بحيث تستمر أفراد الملكية بحسب الانضمام، لا أن هنا ملكية
مستمرة بين المبدأ والمنتهى.
وعليه فإذا أورد تقييد أو تخصيص بالنسبة إلى فرد في زمان وشككنا
في كونه دائما أو لا فالمورد مورد التمسك بعموم العام دون استصحاب
حكم المخصص.
وهكذا الكلام إذا لم يكن هنا اطلاق بمقدمات الحكمة أو عموم ولكن
يكون في الدليل دال آخر على الاستمرار، كما إذا قال المولى مثلا:
أمضيت الزوجية المستمرة أو الملكية المستمرة، فإن الاستمرار يستفاد
من القيد ومن دال آخر، فإنه أيضا إذا شككنا في مورد في ارتفاع الحكم
عن فرد بعد التخصيص إلى الأبد أو موقتا فنتمسك بعموم العام أو
باطلاق المطلق، لأن الحكم والاستمرار كلاهما يستفاد من دليل واحد،
وإن كان الدال متعددا، وتعدد الدال غير استفادة الاستمرار بدليل آخر
المانع من التمسك بالعموم، وإلا فلا طلاق دائما يستفاد من مقدمات
الحكمة، فلو كان مجرد تعدد الدال ولو في دليل واحد مانعا عن التمسك
بالاطلاق أو العموم لكان لازم ذلك عدم جواز التمسك بالاطلاق في
مورد أصلا في الفرد المشكوك بعد التخصيص كما هو واضح.
وعلى الجملة حيث إن متعلق الأحكام الوضعية ليس هو الفعل ليتقدر
بالزمان بل هو أمر موجود مستقل أجنبي عن الفعل فيلاحظ فيه
الاستمرار وعدمه.
وعليه فإن كان الاستمرار مستفادا من دليل خارجي بحيث يكون
الاستمرار واردا على الحكم فلا يجوز التمسك بالعام، فالمورد مورد
الاستصحاب كما ذكره المصنف، وإن كان مستفادا من اطلاق الدليل أو
عمومه بحيث يكون المنشأ مطلقا بالنسبة إلى الأفراد كما عرفت،
470

فلا بأس بالتمسك إلى الاطلاق أو العموم الدال على اطلاق المنشأ
وعمومه بالنسبة إلى كل فرد عرضيا كان أو طوليا، وإن كان ذلك الاطلاق
مستفادا من مقدمات الحكمة.
بيان آخر لهذا البحث
وحاصل الكلام من الأول، أن الحكم قد يكون متعلقا بفعل المكلف،
وقد لا يتعلق بفعل المكلف بل يلاحظ منحازا عنه ومستقلا في نفسه،
أما الأول فكالأحكام التكليفية، فإنها متعلقة بأفعال المكلفين، فيكون
متقدرا بالزمان فيلاحظ العموم أو الاطلاق في نفس الحكم باعتبار
متعلقه.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون العموم استغراقيا كان يكون الحكم
ثابتا لكل فرد فرد من الفعل المتقدر بالزمان، بحيث يكون لكل منها حكم
مستقل أو يكون العموم مجموعيا، بحيث يلاحظ مجموع الأفراد
مجموعا ويجعل لها حكم واحد، بحيث يكون كل فرد جزء للموضوع،
كقول المولى: أكرم هؤلاء العشرة، فإن الحكم هنا ثابت للمجموع من
حيث المجموع، فإذا شككنا في أن الخارج عن تحت هذا الحكم هو
دائمي أو مقيد بيوم الجمعة فنتمسك بعموم العام.
وأيضا لا يفرق بين كون الحكم ايجابيا أو تحريميا، وعليه فإذا ورد
على الحكم تقييد أو تخصيص بالنسبة إلى جزء في العام المجموعي
وبالنسبة إلى فرد في العام الاستغراقي وشككنا في خروج فرد آخر أو
خروج الجزء دائما أو في ساعة فيتمسك بعموم العام أو باطلاقه فرد
المشكوك، فليس المورد من مورد التمسك بالاستصحاب.
والوجه في ذلك أن الحكم في جميع هذه الصور وارد على الزمان،
471

سواء كان الزمان قيدا للحكم أو ظرفا، فعلى كل لا يجري الاستصحاب،
أما إذا كان قيدا فلأن الاستصحاب فيه من قبيل اسراء الحكم من موضوع
إلى موضوع آخر، وأما إذا كان ظرفا فلأن الأصول اللفظية لا يجري مع
الأصل اللفظي الحاكم عليها.
وأما إذا لم يكن الحكم متعلقا بالفعل كالأحكام الوضعية وإن كان ذلك
حاصلا من فعل المكلف فيلاحظ العموم أو الاطلاق بالنسبة إلى نفس
الحكم المجعول فيتمسك بالاطلاق أو العموم لورود الحكم في ذلك
أيضا على الزمان، لأن الظاهر أن الحكم المجعول إنما جعل مطلقا،
فالملكية المجعولة أو الزوجية المجعولة إنما جعلتا مطلقتين، سواء كان
ملحوظا بعنوان الاستغراق، كما إذا لوحظت هنا أحكام متعددة بحسب
قطع الزمان بحيث يلاحظ هنا ملكية متعددة منضمة بعضها إلى بعض، أو
بعنوان المجموعي، كما إذا لوحظت هنا ملكية واحدة مستمرة بين
المبدأ والمنتهى، فعلى كل حال جاز التمسك بالاطلاق أو العموم
الملحوظان بالنسبة إلى نفس الحكم الوضعي.
وعليه فإذا خرج عن العام فرد واحد أو انقطعت الملكية في زمان
خاص وشككنا في خروج فرد آخر طولي عنه، بحيث أن يكون الملكية
في الآن الثاني أيضا خارجة عن العموم أو الاطلاق أو شككنا في انقطاع
الملكية في المجموعي إلى الأبد أو في جزء واحد من الزمان، فنتمسك
باطلاق الحكم المجعول أو بعمومه.
والوجه في ذلك أيضا هو ما ذكرناه من ورود الحكم على الزمان دون
العكس، لما عرفت أن المجعول مطلق أو عام.
أما ما ذكره شيخنا الأستاذ من عدم تعرض الحكم لاستمراره وهو
يجري في الجعل فقط لا في المجعول لعدم تعرض الجعل لاستمراره
472

وأنه ينسخ أو لا، وإن كان الجعل والمجعول من قبيل الايجاد والوجود
ولكن بينهما فرق من جهة، وهي أن الجاعل يمكن أن يجعل الحكم عاما
أو مطلقا، ومع ذلك لا يكون جعله مطلقا فلا أقل إنه بالنسبة إلى النسخ
فإن الجعل لا يتعرض ببقائه ولو من حيث نسخه.
هذا كله فيما إذا كان الاستمرار مفهما من نفس الحكم بحيث يكون
الحكم واردا على الاستمرار كما عرفت، وأما إذا كان الاستمرار واردا
على الحكم ويكون مفهوما من دليل خارجي، كما إذا كان دليل الحكم
بالنسبة إلى الاستمرار مهملا وغير مقيد بالاستمرار وعدمه، ولكن
استفدنا من الخارج كونه مستمرا، فإنه حينئذ يجوز التمسك
بالاستصحاب بعد التخصيص في بعض الصور.
مثلا إذا ورد أن من استولى على شئ فهو له، أو من حاز ملك، ورد
تخصيص على ذلك من الأول، بأن قال إلا الصبي مثلا، بأن اعتبر في
التملك بالاستيلاء أو الحيازة البلوغ وأن غير البالغ لا يملك بالحيازة،
وحينئذ إذا شككنا في أنه يملك بعد بلوغه ما حازه في الصباوة أو لا،
فلا بد من التمسك باستصحاب حكم المخصص، فإن نفس الدليل الدال
على الحكم ليس له عموم أو اطلاق كما هو المفروض، وأما الدليل
الآخر الدال على الاستمرار إنما يدل على استمرار الحكم الثابت، ولكن
لا يمكن أن يتكفل الدليل الخارجي الدال على اعتبار الاستمرار باثبات
الحكم، لأن الحكم مأخوذ في موضوع ما يدل على الاستمرار، فالحكم
أعني الاستمرار لا يعقل أن يتكفل بموضوعه كما هو واضح.
وعلى الجملة فإذا كان الاستمرار مستفادا من دليل خارجي وكان
التخصيص واردا من الأول ثم شككنا في كون الخارج دائما أو موقتا
لا يمكن التمسك بالعام أو المطلق.
473

ولا يفرق في ذلك أيضا بين كون الحكم استغراقيا أو مجموعا، وأما
إذا كان التخصيص واردا من الوسط بأن تحقق الحكم من الأول، ثم ورد
تخصيص فإنه أيضا يكون المورد مورد التمسك بالعام، فإن العام قد
شمل جميع الأفراد الطولية والعرضية قبل التخصيص وبعده، فإذا خرج
فرد واحد نتمسك في الباقي بالعام.
إذا كان ثبوت الحكم في كل زمان مفهوما من الدليل التزاما لا مطابقة
ثم إن ما ذكرناه من الأول إلى هنا فيما إذا كان ثبوت الحكم في كل زمان
وبقائه مدلولا للدليل، سواء كان مدلولا بما دل على الحكم أو مدلولا
لدليل خارجي، وأما إذا كان ثبوته في كل زمان مفهوما من الدليل التزاما
لا مطابقة، بأن دل الدليل على الاستمرار مطابقة ولازم الاستمرار هو
ثبوت الحكم في كل زمان، فإنه حينئذ إذا انقطع الاستمرار بورود
التخصيص عليه ينقطع الدلالة الالتزامية أيضا، فلا يمكن حينئذ التمسك
بالعام، فإن مدلول العام كان هو الاستمرار فقد انقطع بالتخصيص،
فلا يجوز بعد ذلك التمسك بالعام.
والظاهر أنه قد استوفينا جميع صور التمسك بالعام وعدمه، وأما
تطبيق ذلك على المقام أعني أوفوا بالعقود (1)، فنقول:
إن كان المراد من أوفوا بالعقود ما ذكره المصنف من وجوب ترتيب
الأثر على العقد، فيكون مفاد العموم هو الحكم التكليفي أعني وجوب
ترتيب الأثر على العقد، وعليه فيتمسك بعموم أوفوا حتى بعد الفسخ
أيضا، فإن الحكم التكليفي أعني وجوب ترتيب الأثر على العقد حكم
تكليفي استغراقي بحسب الأفراد العرضية، أي بالنسبة إلى كل عقد

1 - المائدة: 1.
474

وبالنسبة إلى الأفراد الطولية الملحوظة بحسب الآنات والأزمنة، فإذا
خرج فرد واحد فيتمسك في الباقي بعموم العام، وهو واضح.
وأما بناءا على ما ذكرناه في معنى أوفوا بالعقود، من كونه ارشادا إلى
الحكم الوضعي، أعني لزوم العقد وأنه لا ينفسخ بالفسخ، فالأمر أوضح،
فإن الآية تدل على أن كل عقد في كل زمان لازم لا ينفسخ بالفسخ، فإذا
خرج فرد من الأفراد الطولية يتمسك بالعموم كما يتمسك به في الأفراد
الطولية.
ومع التنزل عن ذلك فيكفينا التمسك بقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل (1)، فإن النهي عن الأكل باعتبار الأفراد المتعدد، أعني هذا
الأكل وذلك الأكل، فإذا خرج فرد وشككنا في خروج فرد آخر أيضا
فنتمسك بالعموم، وهكذا قوله (عليه السلام): لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب
نفسه (2)، فإن ذلك يدل على تعدد الحكم حسب تعدد الزمان وأنه في كل
زمان، وأن اخراج فرد واحد لا يمنع ذلك عن التمسك بالعموم.

1 - البقرة: 188.
2 - عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله)،
عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، قال: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير
إذنه (الإحتجاج: 479، اكمال الدين: 520، عنهما الوسائل 9: 540، 25: 386).
عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كانت عنده أمانة
فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (الكافي
7: 273، الفقيه 4: 66، عنهما الوسائل 5: 120)، موثقة بزرعة وسماعة.
وعن تحف العقول، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة حجة الوداع: أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه (تحف العقول: 34)، مرسلة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه (عوالي
اللئالي 3: 473، عنه المستدرك 3: 331)، مرسلة.
475

وإذا شككنا في أن المغبون هل له الخيار إلى الأبد أو لا فلا بد من
الاقتصار بالقدر المتيقن، لأنه بالنسبة إلى غيره نتمسك بالعموم، فإنما
يرفع لزوم العقد بالنسبة إلى زمان خاص يتمكن المغبون فيه من الفسخ
قطعي وفي غيره مشكوك فنتمسك بالعموم.
وعلى هذا فيصح توجيه كلام جامع المقاصد من الاقتصار في الخيار
للمغبون بالمتيقن والرجوع في الزائد إلى أصالة اللزوم، وليس في كلامه
غبار أصلا.
وقد تحصل موارد استمرار حكم العام عن غير الاستمرار كما هو
واضح.
التمسك بعموم العام في مورد الشك بثبوت الخيار
ثم إنه هل يتمسك بعموم العام في مورد الشك بثبوت الخيار أو
يستصحب حكم الخاص؟
فذهب المحقق الثاني إلى التمسك بعموم العام، وخالفه شيخنا
الأستاذ والمصنف، فذهبا إلى استصحاب حكم المخصص، فيقع الكلام
في أنه هل يمكن الحكم بجريان الاستصحاب هنا مطلقا أو لا، سواء
أمكن التمسك بعموم العام أم لا، أو يفصل بين إذا كان مدركه الاجماع أو
غيره، كما ذهب إليه صاحب الرياض (1).
فنقول: أما بناءا على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية
فواضح، فلا مورد للاستصحاب لابتلائه دائما بالمعارضة، وأما بناءا
على جريانه فيها فهل هنا خصوصية نمنع عن جريان الاستصحاب هنا أم
لا؟

1 - الرياض 1: 525.
476

الظاهر أن في المقام خصوصية تقتضي عدم جريان الاستصحاب فيه،
وتفصيل ذلك:
إن مدرك خيار الغبن إما الشرط الضمني أو قاعدة نفي الضرر أو
الاجماع، أما إذا كان مدركه الشرط الضمني فلا شبهة في عدم جريان
الاستصحاب عند الشك في ثبوته في الآن الثاني وعدمه، وذلك لأن هذا
الخيار إنما جعل في فرض التخلف على حسب الارتكاز، وهذا الارتكاز
إنما هو موجود في الآن الأول دون الآن الثاني المشكوك، فاثبات الحكم
في الآن الثاني من باب القياس ومن قبيل اسراء الحكم من موضوع إلى
موضوع آخر، إذ لم يحرز موضوع الخيار في الآن الثاني.
وبعبارة أخرى أن شرط الخيار على تقدير تخلف الشرط الضمني
ليس أمرا دائميا، وإنما هو في وقت ثبت التخلف فيه، وأما الفرد الآخر
الذي لم يثبت التخلف فيه فاستصحاب الحكم فيه من باب القياس كما
لا يخفى.
وهكذا الكلام إذا كان مدرك الخيار هو قاعدة نفي الضرر، فإن الخيار
إنما يثبت بها من مقدار يرتفع به الضرر لا أنه أمر دائمي، فاثبات الحكم
أعني الخيار في أن آخر قياس.
وبعبارة أخرى أن الضرر إنما توجه من دوام اللزوم، فإذا ارتفع اللزوم
في آن ارتفع الضرر أيضا، فاثبات الحكم لغير المتضرر قياس، فإن اللزوم
في الآن الثاني مثلا ليس بضرري أصلا، والحاصل أنه على تقدير كون
دليل الخيار الشرط الضمني أو قاعدة نفي الضرر فالخيار ليس بدائمي
كما هو واضح.
ومن هنا ظهر الحال إذا كان مدرك الحكم هو الاجماع، وذلك من جهة
أن الاجماع دليل لبي فلا بد من الأخذ بالمتيقن وهو المتضرر، نعم لو كان
477

الاجماع على ثبوت الخيار للمغبون كان الاستصحاب جاريا في الآن
الثاني أيضا، ولكن لا نحتمل ثبوت الاجماع التعبدي على ذلك، بل
مدركه إما قاعدة نفي الضرر أو الشرط الضمني، فعلى كل تقدير
فلا يمكن اثبات الحكم في الآن المشكوك بالاستصحاب.
وبعبارة أخرى أن الأمر دائر بين أن يكون معقد الاجماع هو المتضرر
أو المغبون، فحيث إنه أمر لبي فلا بد من أخذ المتيقن، وهو المتضرر،
على أنه لا نحتمل وجود الاجماع التعبدي على ثبوت الخيار للمغبون،
فأذن لا يمكن اثبات الخيار للمشكوك أيضا.
والحاصل أنه مع القول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية
فلا يجري الاستصحاب في المقام لعدم بقاء موضوعه بل تغيره كما
عرفت.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه لا يمكن التمسك باستصحاب حكم
الخاص وهو الخيار، فلا بد من الرجوع إلى عموم العام، ومع عدم
جريانه فيرجع إلى أصالة الفساد كما هو واضح.
فتحصل أن الخيار فوري خلافا لشيخنا الأستاذ وللمصنف، من حيث
المدرك لا المدعى كما لا يخفى.
المراد بالفورية هل هي الفورية الحقيقية أم لا؟
ثم إن المراد بالفورية هل هي الفورية الحقيقية والآن الدقي العقلي،
أي الزمان الذي يمكن فيه الفسخ ولو كان مقدارا يمكن فيه الأخذ
بالخيار، أو المراد من ذلك ما لا ينافي بعض الأفعال عادة مثل الصلاة
والأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، أو هي أمر عرفي لا أمر دقي
ولا أمر عادي؟
478

الظاهر هو كذلك، فإن هذا الشرط كما ذكرنا ثابت بالارتكاز، وهو قائم
وموجود ما لم يتحقق التواني عرفا، وهذا لا ينافي بالاشتغال ببعض
الأفعال من الصلاة والنوم إذا كان وقته، ولعل ذلك يختلف باختلاف
الأشخاص بل الأمكنة ونحوها كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أن الحكم في أصل الخيار في أمده كل ذلك بالارتكاز،
فبالمقدار الذي يساعده الارتكاز يحكم بثبوت الخيار وإلا فلا، كما
لا يخفى، فافهم.
ثم إن هذا الخيار إنما يثبت لمن التفت بالغبن، فلو التفت بعد سنة أو
سنتين فيحكم بثبوت الخيار له بعد ذلك على المقدار المتعارف من
الفورية، بحيث لا يكون ذي الخيار متوانيا ولا يقول من عليه الخيار في
أي مكان كنت في طول هذا الزمان (1).
-
1 - إلى هنا تم الجزء السادس من الكتاب حسب تجزئة المؤلف (رحمه الله)، وذكر: قد وقع الفراغ
منه يوم الأحد أول شهر ربيع الأول سنة 1376 هجري، والحمد لله أولا وآخرا.
479

5 - خيار التأخير
قوله (رحمه الله): الخامس: خيار التأخير.
أقول: قال العلامة في التذكرة (1): من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري
ولا قبض الثمن ولا شرط تأخيره ولو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام، فإن جاء
المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين، وإن مضت الثلاثة
ولم يأت بالثمن تخير البايع بين فسخ العقد والصبر والمطالبة بالثمن عند
علمائنا أجمع.
ما يستدل به على اثباته
وإنما الكلام في مدرك ذلك، فقد ذكر وجوه لاثباته:
1 - ذهاب المشهور إليه، بل ادعى عليه الاجماع (2)، وقد ذهب الشيخ
الطوسي إلى البطلان (3)، واختاره صاحب الحدائق (4) عملا بظاهر الأخبار،
وتردد فيه الأردبيلي (5).
وفيه أن الشهرة والاجماع المنقول ليسا بحجتين، فلا يكونان مدركا
لذلك، كما هو واضح، على أنا نمنع وجود الاجماع في المقام مع ذهاب

1 - التذكرة 1: 523.
2 - الخلاف 3: 20، احتج فيه باجماع الفرقة وأخبارهم.
3 - المبسوط 2: 83.
4 - الحدائق 19: 45.
5 - مجمع الفائدة 8: 405.
480

الشيخ وصاحب الحدائق وصاحب الكفاية إلى البطلان، وتردد
الأردبيلي في ذلك.
2 - إن لزوم البيع هنا ضرري، بل الضرر هنا آكد من الضرر الموجب
للخيار الغبن، فيكون اللزوم مرتفعا، وتقريب شمول قاعدة نفي الضرر
للمقام بجهات:
الجهة الأولى: ما ذكره في التذكرة، من أن الصبر على ذلك ضرر على
البايع، فيثبت له الخيار.
الجهة الثانية: إن المبيع هنا في ضمان البايع وتلفه منه، وليس له
التصرف فيه لكونه ملكا للغير، وهذا ضرر على البايع.
الجهة الثالثة: إن حفظ المبيع على البايع وهو ضرر عليه، فلا بد من
ثبوت الخيار له لكي يرتفع الضرر بذلك.
أما الجهة الأولى، فيرد عليها أن الصبر على البيع وإن كان ضرريا إلا أنه
كسائر الديون، فلا ربط له بالخيار، فإن الخيار متعلق للعقد فالصبر على
الدين أو عدمه أجنبي عنه، فلو قلنا بشمول القاعدة للمقام ترتفع بها لزوم
الصبر على الديون.
وعليه فإن قدرت على المطالبة والأخذ فيأخذ الثمن من المشتري
وإلا فيبقى في ذمته كما هو واضح.
وعلى الجملة ارتفاع وجوب الصبر عن البايع لا يوجب ثبوت الخيار،
بل له أن لا يصبر ويطلب الثمن من المشتري، لا أن يكون له الخيار إن شاء
فسخ العقد وإن شاء لم يفسخ.
وأما الجهة الثانية فيرد عليها أولا: إن كون التلف على البايع في ثلاثة
أيام أيضا ضرر على البايع، فلا يختص ذلك بما بعد ثلاثة أيام.
وثانيا: إن كون تلف المبيع على البايع ضرر عليه فيرتفع بدليل
481

لا ضرر، ويكون ذلك تخصيصا لقاعدة كل مبيع تلف قبل القبض فهو من
مال بايعه، فلا مساس له بثبوت الخيار للبايع، ويمكن أيضا رفع الضرر
بالتقاص وهو ليس خيارا بل له مع ذلك مطالبة الثمن أيضا.
ومن هنا ظهر الجواب عن الجهة الثالثة أيضا، ويضاف إلى جميع ذلك أنه لماذا يختص الخيار بما بعد ثلاثة أيام فلا يجري فيها أيضا، مع أن
شمول القاعدة بالنسبة إليها وإلى غيرها على حد سواء كما لا يخفى،
فافهم.
3 - الأخبار الكثيرة المستفيضة، فإنها تدل على أنه إذا باع أحد ماله
ولا يقبض صاحبه ولا يقبض الثمن أن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن
أقبضه المشتري الثمن فبها وإلا فلا بيع بينهما، كما في رواية علي بن
يقطين (1)، ولا بيع له أي المشتري كما في غيرها من الروايات (2)، حيث

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى
جارية وقال: أجيئك بالثمن؟ فقال: إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له (التهذيب 7: 80،
الإستبصار 3: 78، الفقيه 3: 127، عنهم الوسائل 18: 22)، معتبرة على نقل الشيخ، وضعيفة
على نقل الصدوق.
2 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه
عنده، فيقول: حتى آتيك بثمنه، قال: إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له (الفقيه
3: 127، الكافي 5: 170، عنهما الوسائل 18: 21)، صحيحة.
عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه
ثم احتبست أياما، ثم جئت إلى بايع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكت، ثم قلت:
لا والله لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضي بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيته فقصصنا
عليه قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تريد أن أقضي بينكما؟ أبقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت:
بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا
بيع له (الكافي 5: 172، التهذيب 7: 21، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
عن إسحاق بن عمار عن عبد صالح (عليه السلام) قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ
فلا بيع له (التهذيب 7: 22، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل 18: 22)، موثقة.
482

استدل بها على ثبوت خيار التأخير للمشتري.
ولكن يرد عليه أنها ظاهرة في بطلان البيع لا في نفي اللزوم، فإن كلمة:
لا تنفي الجنس، وكلمة البيع موضوعة للمبادلة الخاصة، فمن أين
يستفاد نفي اللزوم.
ما ذكر لصرف ظهور الأخبار إلى نفي اللزوم
وقد ذكرت وجوه لصرف ظهور هذه الأخبار إلى نفي اللزوم:
1 - ما ذكره المصنف، من أن الروايات وإن كانت ظاهرة في بطلان البيع
بتأخير الثمن ولكن نستكشف من ذهاب المشهور إلى ثبوت الخيار للبايع
وعدم بطلان البيع أن المراد الجدي من تلك الروايات هو نفي اللزوم
لا نفي الصحة، فيكون فهم العلماء وحملة الأخبار نفي اللزوم مما يقرب
هذا المعنى، لأنا نكشف من فهمهم أن المراد من تلك الأخبار هو نفي
اللزوم لا نفي الصحة.
وفيه أن هذا يتم فيما إذا فهم هؤلاء الأعلام وحملة الأخبار من كلمة:
لا بيع، المذكورة في هذه الأخبار نفي اللزوم، بحيث كان المنشأ
لذهابهم إلى هذا الرأي فهمهم ذلك من تلك الأخبار ابتداء، وأما إذا كانت
القرينة الخارجية والتسالم الخارجي موجبة لحملهم تلك الأخبار على
نفي اللزوم، فلا يكون ذهابهم إلى هذا موجبا لتقريب هذا المعنى، فإن
483

أبيت عن الثاني فلا أقل من الاحتمال، فلا يكون ذلك قرينة على إرادة نفي
اللزوم من تلك الأخبار.
على أنا نجزم بالوجه الثاني إذ لا يتوهم أحد من أهل العرف واللسان
أن معنى: لا بيع له أو بينهما، هو نفي اللزوم بل يراد من ذلك نفي الصحة
كما هو واضح.
2 - ما ذكره المصنف أيضا، من أن ذهاب المشهور إلى ثبوت الخيار
للبايع دون بطلان البيع بتأخير الثمن يوجب اجمال تلك الروايات،
وحينئذ ترجع إلى استصحاب صحة البيع.
وفيه أنه ظهر جوابه مما تقدم في الجواب عن الوجه الأول، فإن
الروايات ظاهرة في نفي الصحة بتأخير الثمن فكيف يكون ذهاب
المشهور إلى ذلك موجبا للاجمال فيكون الاستصحاب ساقطا هنا.
3 - ما يستفاد من كلام المصنف أيضا، المذكور في تلك الأخبار هو
نفي البيع للمشتري، حيث قال (عليه السلام): لا بيع له، ومن الواضح أن نفي
البيع حقيقة لا يمكن إلا بإرادة نفي البيع من الطرفين، وعليه فإما لا بد من
ذكر كلا الطرفين في متعلق نفي البيع أو ترك ذكر المتعلق أصلا
لا تخصيص الذكر بالمشتري فقط كما لا يخفى.
فيعلم من ذلك أن المراد من نفي البيع نفي لزوم البيع وثبوت الخيار
للبايع، وقد عبر بذلك بعد ثبوت الخيار له يكون أمر البيع بيد البايع كما
لا يخفى.
وفيه أن هذا الوجه وإن كان وجيها بالنسبة إلى الوجهين المذكورين
ومع ذلك ليس بتمام، لأنه أولا: قد ذكر في رواية علي بن يقطين نفي البيع
من الطرفين، وهو مورد التفات المصنف أيضا.
وثانيا: إن تخصيص ذلك بالمشتري ليس من جهة اختصاص الحكم
484

به، بل من جهة أن مورد السؤال في تلك الروايات هو المشتري، فلذا
خصه الإمام (عليه السلام) بالذكر، لا أن ذلك من جهة كون أمر البيع بيد البيع (1).
4 - ما ذكره شيخنا الأستاذ: أن بعد القطع بأن تشريع هذا الخيار
لخصوص البايع دون المشتري إنما هو لأجل الارفاق على البايع، أما
لكون المبيع قبل القبض في ضمانه، وأما لتوقف ثمنه وعدم انتفاعه به
مع خروج المبيع عن ملكه، وعلى أي حال الارفاق عليه لا يقتضي أزيد
من خياره، بل ربما يكون الحكم بالبطلان منافيا له كما لا يخفى.
وفيه أنه لم يظهر لنا من الروايات أن نفي البيع هنا من جهة الارفاق
حتى نجعل ذلك موجبا لرفع اليد عن ظهور تلك الروايات، وجعل ذلك
حكمة بحسب الاعتبار العقلي وإن لم يكن بعيدا ولكن لا يوجب ذلك
ترتب الأثر عليها بحيث ترفع اليد بها عن ظهور الروايات أيضا.
وعلى هذا فنقول بكون ثلاثة أيام شرطا في صحة البيع، كما أن القبض
في المجلس شرط في صحة بيع الصرف والسلم.
وعلى هذا فالصحيح هو بطلان البيع بتأخير الثمن كما ذهب إليه شيخ
الطوسي ناسبا ذلك إلى رواية الأصحاب، وتبعه صاحب الحدائق طاعنا
على العلامة حيث قال بصحة البيع عملا بالاستصحاب، فافهم، فإن
مقتضى الجمود في ظاهر الأخبار هو ما ذهب إليه هؤلاء الأعلام من
الشيخ ومن تبعه.

1 - على أنه يمكن أن يقال: إن عدم كون نفي البيع من جهة يمكن أن يكون قرينة لنفي
البيع من طرف آخر أيضا، لا أن يكون قرينة لثبوت الخيار للبايع، فإن الثاني ليس أرجح من
الأول لو لم يكن الأول أرجح من الثاني، فغاية الأمر تكون الروايات مجملة، وحينئذ فيرجع
إلى رواية علي بن يقطين في رفع الاجمال عن بقية الروايات ويؤخذ بظاهرها، وهو نفي صحة
البيع - منه (رحمه الله).
485

الكلام في شروط خيار التأخير
ثم إن الكلام يقع في شروط هذا الخيار، وعلى مسلكنا في شروط
بطلان البيع بتأخير الثمن، وهي أمور:
الشرط الأول: عدم قبض المبيع بأن لا يقبض البايع المبيع من المشتري
والظاهر أنه لا خلاف في اشتراطه، وقد خالف في ذلك صاحب
الرياض (1)، وتبعه بعض معاصري المصنف (2)، فأنكر دلالة الأخبار على
هذا الشرط، ولكن قوله (عليه السلام) في رواية علي بن يقطين: الأجل بينهما
ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما (3)، حجة عليه، إذ المراد من
البيع في هذه الرواية هو المبيع.
وقد اعتذر المصنف عن صاحب الرياض في دلالة الرواية على
المقصود بأنه يحتمل سقوط هذه الفقرة من الرواية عن النسخة التي
أخذها صاحب الرياض منها، أو احتمال قراءة قبض بالتخفيف وبيعه
بالتشديد، يعني قبض بايعه الثمن.
ثم أشكل عليه بأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد مع
امكان اجراء أصالة عدم التشديد، نظير ما ذكره في الروضة من أصالة
عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة، فإنه بالمد بمعنى البكاء

1 - رياض المسائل 2: 525.
2 - الجواهر 23: 53.
3 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
486

مع الصوت وبالقصر هو البكاء بلا صوت، فبأصالة عدم المد ينفي الأول
ويبقى الثاني (1).
أقول: أما احتمال سقوط هذه الفقرة من نسخة صاحب الرياض فبعيد
جدا، وأما احتمال أنه قرأ لفظ قبض بالتشديد ولفظ البيع بالتخفيف
فمدفوع من جهة أن الأخبار الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) قد وصل إلينا
بواسطة الرواة يدا بيد، وكانت عادتهم على نقل الأخبار بعد قراءة كل
واحد منهم على أستاذه واستجازته منه، ولم يكن بينهم طريق آخر غير
هذا الطريق لكي تحفظ به اشكال الألفاظ الواردة في الروايات، ومن
الواضح جدا أن المشهور قد اعتبروا هذا الشرط استنادا إلى هذه الرواية،
ولم ينكر أحد ذلك غير صاحب الرياض وبعض معاصري المصنف،
فلو كان لفظ قبض بالتخفيف ولفظ البيع بالتشديد لأفتى أحد على
مضمونه.
فيعلم من ذلك أن ما احتمله المصنف من الوجه توجيها لكلام صاحب
الرياض لا يمكن المساعدة عليه، وهذا الذي ذكرناه هو الوجه في
جواب ما ذهب إليه صاحب الرياض من انكار الشرط المذكور.
وأما ما ذكره المصنف أولا من عدم استعمال لفظ البيع بالتشديد
مفردا، فيرده أنه لم يتفحص جميع لغة العرب حتى يرى أنه استعمل أو
لا، فبعد كون اللفظ صحيح الصيغة فلا يضر عدم وجدانه في الاستعمال
المتعارفة على استعماله في موارد خاص، فيمكن أنه استعمل في موارد
آخر لم نصل إليها، على أنه إنما يضر عدم الاستعمال إذا كان الاطلاق من
السماعيات وليس كذلك في المقام، فإن البيع بالتشديد على وزن فعيل

1 - الروضة البهية 1: 233.
487

من الأوزان القياسية فيصح استعماله على هذا القياس، سواء وجد
استعماله في مورد آخر أم لا.
وأما ما ذكره من أصالة عدم التشديد لفظ البيع، فمضافا إلى معارضتها
بأصالة عدم صدور لفظ البيع بالتخفيف عن الإمام (عليه السلام) أن التشديد
موجود في الرواية على كل تقدير، فإنه إذا قرأنا لفظ البيع بالتخفيف كان
لفظ قبض بالتشديد، فلصاحب الرياض أن نقول: إن الأصل عدم كونه
بالتشديد لكونه أمرا زائدا فالأصل عدمه، على أن أصالة عدم كون البيع
مشددا لا يثبت كونه مخففا فإن كلا منهما أجنبي عن الآخر، فيكون
الأصلان معارضان كما عرفت.
نعم ما ذكره الشهيد من اجراء أصالة عدم المد في لفظ البكاء فله وجه،
لكون البكاء بالمد والقصر مادة واحدة، فيمكن اجراء عدم زيادة المد
هنا، فإن هذه المادة قد صدرت قطعا ولا ندري أنها بالمد أو بالقصر،
فالأصل عدم المد.
وعلى الجملة أن الجواب عن الرياض هو ما ذكرناه كما عرفت.
وعليه فمقتضى الرواية هو اعتبار الشرط المذكور في المقام، فبناء
على المشهور يكون ذلك شرط في ثبوت الخيار، فبناء على ما ذكرناه
يكون شرطا في بطلان البيع، فلو باع أحد شيئا فلم يقبض المبيع
ولم يأخذ ثمنه فينتظر ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن وإلا فللبايع
الخيار أو يبطل البيع من الأول بعد ثلاثة أيام.
وكيف كان فالرواية صريحة في هذا الشرط، نعم لا دلالة للروايات
الآخر على ذلك.
وعلى الجملة فاطلاق رواية علي بن يقطين حجة لنا وعلى صاحب
الرياض.
488

عدم كون هذا الخيار من جهة الارفاق، ولا يبتني على قاعدة نفي الضرر
ومن هنا ظهر الحال في الفرعين الآتيين:
أحدهما: أن يكون عدم قبض المشتري المثمن من جهة عدوان
البايع، بأن بذل المشتري الثمن للبايع ولكنه امتنع من أخذه واقباض
المثمن.
الثاني: أن يأخذ المشتري المبيع بغير إذن البايع واطلاعه مع عدم
اقباض المشتري الثمن منه.
فذكر المصنف أن ظاهر النص والفتوى كون هذا الخيار ارفاقا للبايع
ودفعا لتضرره فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله.
وذكر أيضا أنه لو قبض المشتري المبيع على وجه يكون للبايع
استرداده، كما إذا كان بدون إذنه، فثبوت الخيار وعدمه مبني على كفاية
هذا المقدار من القبض في ارتفاع الضمان عن البايع وعدمه، فإن قلنا
بكفاية التخلية بين المال ومالكه في رفع الضمان عن البايع إذا تلف لعدم
كونه قبل القبض سقط الخيار لعدم جريان قاعدة نفي الضرر هنا، وأما
ضرر عدم وصول الثمن إليه فمدفوع بامكان دفعه بالمقاصة ونحوه، وإذا
لم نقل بكفاية ذلك في القبض بحيث كان ضمان المبيع إذا تلف على البايع
لكونه قبل القبض كان له الخيار لتوجه الضرر عليه، فتشمله قاعدة نفي
الضرر كما هو واضح.
أقول: قد عرفت في الجواب عن شيخنا الأستاذ أن مقتضى اطلاق
الروايات هو بطلان البيع، وليس فيها ما يدل على أن ذلك من جهة
الارفاق على البايع حتى نلاحظ ذلك، فإذا تحقق في مورد نحكم بثبوت
الخيار وإلا فلا، بل اطلاق الروايات حجة على ذلك.
489

وعليه فمقتضى قوله (عليه السلام): فإن قبضه بيعه وإلا فلا بيع بينهما، أن
شرط لزوم البيع على المشهور وصحة البيع على ما اخترناه هو عدم
تحقق الاقباض مستندا إلى البايع، فإذا تحقق ذلك فلا خيار له وصح
البيع وإلا فله الخيار أو بطل البيع، سواء كان ضمان المبيع مع التلف على
البايع أو لا، فإن الواجب علينا ملاحظة ظهور الرواية.
نعم لو كان مدرك هذا الخيار هو دليل لا ضرر لكان لابتناء المقام
بالمسألة الآتية وجه، فإنه مع عدم ضمان المبيع على البايع ليس عليه
ضرر، ولكن قد عرفت الجواب عنه وأن المدرك لذلك أنما هو الروايات
كما عرفت، وإلا فيمكن دفع الضرر بغير الخيار أيضا كالمقاصة ونحوها.
والحاصل أنه إذا باع أحد شيئا فلم يقبض إلى ثلاثة أيام فله الخيار أو
بطل البيع، سواء كان عدم الاقباض مستندا إلى العدوان أو إلى عدم دفع
الثمن، أو كان المشتري أخذه بدون اقباض من البايع، فإن في جميع ذلك
يصدق عليه أنه لم يقبض البايع المبيع كما هو واضح، فهذا الاطلاق متبع
والحكمة المذكورة مندفعة بهذا الاطلاق أيضا.
وحاصل الكلام أن اطلاق رواية علي بن يقطين يقتضي اعتبار عدم
اقباض المبيع في خيار الشرط أو في بطلان البيع كما عرفت وقد انتهى
الكلام إلى فروع هذا الشرط.
فروع
الفرع الأول
هل يعتبر في عدم ثبوت هذا الخيار عدم تحقق الاقباض الجائز،
بحيث يجوز للبايع أن لا يقبض المبيع لعدم وصول الثمن إليه، أو يشمل
الحكم لمطلق عدم الاقباض وإن كان ذلك عن عدوان، بأن جاء المشتري
الثمن وامتنع البايع عن أخذه واعطائه المثمن.
490

قد عرفت أنه ذكر المصنف اختصاص الحكم بالصورة الأولى، لأن
هذا الحكم مبني على الارفاق وهو منفي في صورة العدوان، ولا تشمله
قاعدة نفي الضرر أيضا لأنه امتنع عن الاقباض بنفسه، فقد أقدم على
الضرر.
ولكن قد عرفت أن الأخبار المذكورة خالية عن اعتبار الارفاق في
الحكم، ولا وجه لاعتباره هنا كما هو واضح.
والذي يستفاد من الأخبار أمران: أن يقبض البايع الثمن، وقد دلت
على هذا عدة من الروايات، فعمدتها الصحيحة الأخيرة في كلام
المصنف (1)، فمضمون تلك الأخبار أن المشتري إذا جاء بالثمن فبها وإلا
فلا بيع له، ورواية علي بن يقطين (2) قد دلت على اعتبار أمر آخر وراء هذا
الشرط، وهو أن يقبض المبيع.
فلا تنافي بينها وبين تلك الروايات بوجه لكي يتوهم التعارض بينهما
بالعموم من وجه، بل مفاد رواية علي بن يقطين أن البيع يبطل من جهة
أخرى أو يكون خياريا، وهي عدم اقباض البايع مع عدم أخذ الثمن وإن
أمكنه المشتري من ذلك، كما أن بطلان البيع من جهة الغرر مثلا لا ينافي
بطلانه من جهة انتفاء شرط آخر له، وأن بطلانه مثلا للغرر لا ينافي بطلانه
أو خياريته من جهة عدم اقباض الثمن كما لا يخفى.

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه
عنده، فيقول: حتى آتيك بثمنه، قال: إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له (الفقيه
3: 127، الكافي 5: 170، عنهما الوسائل 18: 21)، صحيحة.
2 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
491

وعلى هذا فلا يفرق بين كون عدم اقباض جائزا كما في صورة عدم
دفع المشتري الثمن إليه، أو عدوانيا كما إذا أمكنه المشتري من قبض
الثمن، وهو أي البايع لا يقبضه ولا يدفع إليه المبيع عدوانا، فإنه حينئذ
أيضا يبطل البيع بعد ثلاثة أيام على المختار ويكون ذي خياري على
المشهور.
الفرع الثاني
فقد عرفت الكلام فيه، وهو أن يأخذ المشتري المبيع بدون إذن
المالك، فقد ذكر المصنف أنه مبني على المسألة الآتية، من ارتفاع
الضمان بمثل هذا القبض وعدمه، فإنه مع ارتفاع الضمان بذلك لا يتوجه
دليل نفي الضرر كما هو واضح.
وقد ذكرنا أنه يصح بناءا على كون المدرك في المقام هو دليل نفي
الضرر، وقد عرفت بطلانه، بل المدرك لذلك هو الروايات، وهي تدل
على بطلان البيع أو تزلزله بدون اقباض المبيع بحيث يكون عدم الاقباض
مستندا إلى البايع، كما عرفت ذلك من اطلاق رواية علي بن يقطين،
فافهم.
الفرع الثالث
أن يقبض البايع بعض المبيع، فهل هو كلا قبض لظاهر الأخبار، فإنها
ظاهرة في قبض مجموع المبيع أو كالقبض، فيحكم بالصحة على
مسلكنا أو باللزوم على المشهور، لا نصرف الأخبار إلى صورة عدم
قبض شئ منه أو يفصل بين الجزء المقبوض وغيره وجوه، وحيث إن
المصنف جعل مدرك الحكم دليل نفي الضرر فالتزم بالتفصيل، لعدم
تضرر البايع في المقدار المقبوض، ولكن قد عرفت جوابه.
492

والتحقيق هو اختيار التفصيل بوجه آخر، وهو أنا ذكرنا مرارا أن
المبيع إذا كان ذي أجزاء بحيث يعد في العرف متعددا وباعه صفقة
واحدة فالبيع ينحل إلى بيوع متعددة، كانحلال الأحكام الاستغراقية
حسب تعدد الأفراد إلى أحكام عديدة، ويكون ذلك في الحقيقة بيعان
مستقلان.
وبهذا صححنا ما إذا باع شخص شيئا فظهر بعضه مستحقا للغير،
فحكمنا بصحته على طبق القاعدة، وهكذا ما إذا باع أحد الشاة
والخنزير أو الخمر والخل صفقة واحدة، فإن البيع يصح في ما يملك
ويبطل في غيره، وكذا إذا باع مال غيره فأجاز المالك بعضه دون بعض،
أو كان المبيع لمالكين فأجاز مالك بعض ولم يمض مالك البعض الآخر،
فإن البيع في جميع هذه الصور يصح في جزء ويبطل في الجزء الآخر.
والوجه في جميع ذلك هو انحلال البيع إلى بيوع متعددة، لأنه واحدا
بحسب الانشاء لا في الحقيقة، كاتحاد الحكم الاستغراقي بحسب الانشاء
وتعدده في الحقيقة، ومع عدم القول بالانحلال أو في الموارد التي
لا يمكن القول بالانحلال فلا وجه أصلا للحكم بالصحة مطلقا كما شقق
المصنف، بل لا بد من الحكم بالبطلان.
فإن البيع بيع واحد فمع قبض بعض المبيع لا يصدق عليه اقباض
المبيع، كما أنه إذا غسل أحد رأسه لا يصدق عليه أنه غسل تمام بدنه، بل
ما لم يقبض البايع تمام المبيع إلى ثلاثة أيام بطل البيع أو كان البايع له
الخيار كما لا يخفى، فافهم.
الشرط الثاني: عدم قبض البايع مجموع الثمن
فقد ذكر المصنف أن هذا الشرط مجمع عليه نصا وفتوى، وقبض
البعض كلا قبض بظاهر الأخبار المعتضد بفهم أبي بكر العياش القاضي
493

الذي ذكر ذلك في رواية ابن الحجاج، وهي أنه قال:
اشتريت محملا وأعطيت بعض الثمن وتركته عند صاحبه، ثم
احتسبت أياما ثم جئت إلى بايع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته،
فضحكت ثم قلت: لا والله لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضي
بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيته فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر:
بقول من تريد أن أقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره، قال: قلت: بقول
صاحبي، قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين
ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له (1).
حيث إن مورد المحاكمة والسؤال عن أبي بكر هو مورد بحثنا، وقد
حكم فيه أبي بكر بعدم البيع، واستفاد ذلك من قول الإمام (عليه السلام)، بل ذكر
المصنف أنه ربما يستدل بهذه الرواية تبعا للتذكرة (2)، وفيه نظر.
أقول: إن تم الاجماع على اعتبار قبض مجموع الثمن في لزوم أو
صحته فهو وإلا فلا دليل على ذلك، ولكن الاجماع التعبدي لم يتم، فإنه
قد استدل بعضهم كالتذكرة وغيره بالروايات تعبا لفهم أبي بكر بن عياش،
ومع تسليم أن أبا بكر بن العياش رجل صحيح ثقة (3)، ولكن فهمه ليس
بحجة لنا، لعدم كونه معصوما قطعا.
وعلى هذا فإن قلنا بالانحلال، كما قلنا في طرف البيع، فيحكم
باللزوم أو الصحة في الجزء المقبوض، وبالبطلان أو التزلزل في الجزء
الغير المقبوض، وهذا هو الأقوى، وإلا فيحكم بالبطلان في الجميع كما
عرفت في طرف المبيع، وأما الصحة مطلقا فلا وجه له أصلا، فافهم.

1 - الكافي 5: 172، التهذيب 7: 21، عنهما الوسائل 18: 22، صحيحة.
2 - التذكرة 1: 524.
3 - هو كوفي عامي، ذكره البرقي في أصحاب الصادق (عليه السلام).
494

لو قبض البايع الثمن بغير رضا المشتري
ثم إنه لو قبض البايع الثمن بغير رضا المشتري فهل يحكم بسقوط
الخيار أو بصحة البيع حينئذ لتحقق قبض الثمن؟
فإن من شرائط صحة البيع على المختار أو من شرائط لزومه على
المشهور هو عدم تحقق قبض الثمن، فإذا تحقق بأي نحو قد حصل
الشرط، أو أن هذا القبض كلا قبض، فإن الظاهر من الأخبار هو تحقق
ذلك بالاختيار والرضا من المشتري، كما قلنا بلزوم تحقق اقباض المبيع
باختيار البايع ورضاه، وإلا فيكون وجوده كعدمه.
نعم إذا أمكن البايع المشتري من المبيع ولم يقبض المشتري ذلك فإنه
حينئذ جاز للبايع أخذ الثمن من المشتري بأي نحو كان ولو بالجبر
والاكراه، فإنه حينئذ يجب على المشتري اقباض الثمن، وإنما لم يقبض
ذلك عدوانا بخلاف الفرع الأول، فإن أخذ الثمن من المشتري بغير إذنه
عدوان فلا يجوز وإن كان المال أي الثمن للبايع، ولكن ما لم يعطي
المبيع للمشتري أو لم يمكنه من المبيع ليس له شرعا أخذ ماله،
والمفروض أنه لم يقبضه ولم يمكنه أيضا من ذلك.
وبعبارة أخرى أن المستفاد من الأخبار المتقدمة أنه إذا لم يترتب أثر
البيع عليه، وهو اقباض البايع المبيع واقباض المشتري الثمن فلا يجب
لكل منهما الاقباض، ولا يجوز لكل منهما الأخذ من الآخر بدون إذن
الآخر، فإن وجوب الاقباض أو جواز الأخذ ولو بغير إذن الطرف الآخر
إنما هو مشروط باقباض أحدهما وإلا فلا يجوز، وقد ذكر في الأخبار أنه
لا بيع إذ لم يجئ المشتري الثمن ولم يقبض البايع المبيع، وظاهر ذلك
كون كل منهما متحققا برضا الآخر كما لا يخفى.
495

وهذا بخلاف ما إذا تحقق الاقباض من أحد الطرفين، فإنه حينئذ
يجب ترتيب أثر البيع عليه من الطرف الآخر أيضا، وهو واضح جدا.
إذا أخذ البايع الثمن بغير رضي المشتري ثم أجاز
ثم إنه إذا أخذ البايع الثمن بغير رضي المشتري ثم أجاز المشتري،
فهل يكون ذلك موجبا لصحة البيع أو سقوط الخيار أم لا؟
فنقول: إن الإجازة قد تكون في ضمن ثلاثة أيام وقد يكون بعدها،
وإن كانت في ضمنها فلا شبهة في صحة البيع أو لزومه، فإن بطلان البيع
أو كون البايع على خيار كان مشروطا بأن لا يجئ المشتري الثمن في
ضمن ثلاثة أيام، ومن الواضح أن قبل انقضاء الثلاثة لما أخذ البايع يكون
مثل مجئ الثمن كما هو واضح.
وعليه فلا ثمرة حينئذ في البحث عن أن الإجازة كاشفة أو ناقلة، أي
الثمرة المترتبة على الإجازة بعد ثلاثة أيام، وإن كانت هنا ثمرة أخرى.
وإن كانت الإجازة بعد ثلاثة أيام فعلى القول بالكشف فيحكم بصحة
البيع أو بلزومه، وذلك لأن بالإجازة تكشف عن أن القبض إنما تحقق قبل
انقضاء الثلاثة، وقد عرفت أن الخيار كان مشروطا بعدم مجئ الثمن بعد
الثلاثة كما هو واضح، وعلى القول بالنقل فيحكم ببطلان البيع على
المسلك الحق، ويكون البايع ذي خيار على المشهور، إذ الاتيان بالثمن
إنما تحقق بعد ثلاثة أيام الذي كان موضوعا لثبوت الخيار للبايع، وهذا
واضح لا شبهة فيه.
هل الإجازة هنا كاشفة أو ناقلة؟
ثم هل الإجازة هنا كاشفة أو ناقلة؟
496

يظهر من المصنف أن الإجازة هنا ناقلة، مع أنه ذهب في البيع الفضولي
إلى الكشف الحكمي، وعليه فلا ملازمة بين المسألتين، وهذا هو الحق،
فالقول بالكشف هناك لا يلازم القول بالكشف في هذه المسألة أيضا،
وتوضيح ذلك:
أن البيع والشراء وكذا سائر العقود والايقاعات أمور خفيفة المؤونة،
لأن قوامها بالاعتبار الذي هو خفيف المؤونة، فيمكن أن تتعلق بالأمور
السابقة، فلا مانع في نفسه أن يبيع أحد دار نفسه قبل سنة بأن اعتبر كونها
ملكا لزيد قبل سنة وهكذا في بقية العقود، فلا يرى العقل محذورا في
ذلك، إلا أن ذلك مما لا يساعده العرف وأنه بعيد عن أذهانهم و
مرتكزاتهم ولا يعتبرون ذلك بوجه.
وعليه فتكون أدلة امضاء العقود منصرفة عن ذلك، فلا يشمله أوفوا
بالعقود (1) ونحوه من أدلة اللزوم والصحة فيحكم بالبطلان، ولكن قد
ذكرنا في بيع الفضولي أن هذا الاعتبار يساعده أهل العرف وأنه ليس ببعيد
عن مرتكزاتهم، بل جري عليه عملهم كثيرا، فيكون مشمولا للأدلة
الدالة على لزوم العقود وصحته كما هو واضح، فلا شبهة في أن العرف
يعتبر البيع إذا صدر عن غير المالك وإذا لحقته إجازة المالك حكم
بصحته ولزومه لكونه مشمولا للأدلة المذكورة.
وهذا المعنى أي اعتبار العرف البيع ونحوه قبل زمان الإجازة
لا يجري في التكوينيات، إذ لا معنى لكون الأمر التكويني الواقع في
زمان واقعا في زمان آخر بالاعتبار، فإن الأمور التكوينية لا تختلف
بالاعتبار، وعليه فاقباض الثمن أو المثمن في ضمن الثلاثة أيام الذي هو

1 - المائدة: 1.
497

شرط للزوم البيع على المشهور أو صحته على المختار أمر تكويني،
فهذا الأمر التكويني لا بد وأن يتحقق في ضمن الثلاثة، فلو تحقق بعد
ثلاثة فلا يكون موجبا للصحة أو اللزوم، ولذلك ما إذا لم يتحقق أصلا.
وعليه فإذا أخذ البايع الثمن في ضمن الثلاثة بغير رضي المشتري فهو
كلا قبض، فلا يكون موجبا لصحة البيع أو لزومه، والمفروض أنه أمر
تكويني فلا يختلف بالاعتبار فلا يكون قبضا في ضمن الثلاثة بالإجازة
بعد ثلاثة أيام فيكون الكشف حينئذ لغوا، فلا مناص من القول بالنقل هنا
كما ذهب إليه المصنف، وحينئذ فيحكم ببطلان البيع على المختار
وبثبوت الخيار للبايع على المشهور، لتحقق القبض من حين الإجازة كما
هو واضح.
لو أخذ المشتري المثمن من البايع بدون إذنه
ثم إن هنا شئ لم يتعرض المصنف، وهو أنه إذا انعكس ما ذكرناه بأن
أخذ المشتري المثمن من البايع بدون إذنه، بأن سرقه منه أو أخذه منه
قهرا واكراها من غير أن يقبضه الثمن أو مكنه منه ثم أجاز البايع ذلك بعد
ثلاثة أيام.
فعلى القول بالبطلان كما اخترناه فلا شبهة في ظهور الثمرة هنا، فإنه
على القول بالنقل يحكم بالبطلان، وعلى القول بالكشف يحكم بالصحة
بعين ما ذكرناه في طرف المشتري، وأما على مسلك المشهور فالظاهر
أنه لا يترتب عليه ثمر الكشف والنقل.
ولعل المصنف لأجل ذلك لم يتعرضه، لأنه ذهب إلى صحة العقد مع
الخيار دون البطلان، والوجه في ذلك أن الخيار هنا للبايع، فإذا أجاز
القبض فإن قلنا بالكشف فلا شبهة في صحة البيع لتحقق شرطه على
498

الفرض وعلى القول بالنقل فإن البايع وإن كان يقبض المبيع من حين
الإجازة ولكنه يسقط الخيار بذلك، فإن إجازته القبض السابق اسقاط
للخيار كما هو الظاهر.
ولا يرد عليه أنه يقبض مال المشتري إليه بالإجازة، فاعطاء مال الناس
إليه لا يكون موجبا لسقوط خياره.
فإنه يقال: إن المال ولو كان للمشتري ولكن لم يكن له حق الأخذ
بدون إذن البايع، فإذا أخذه بدون إذنه فأجازه البايع يكون ذلك كشفا
بالالتزام عن سقوط خياره وإلا فلم يجز القبض، وليس من المتعارف
أن يجز القبض ويبقى خياره إلى مدة كما هو واضح.
الشرط الثالث: أن لا يشترط المشتري على البايع تأخير الثمن وإلا فلا خيار
بتأخير الثمن
والوجه في ذلك أن الأخبار المتقدمة منصرفة عن هذه الصورة، وذلك
لأنها متوجهة إلى فرض أن يكون للبايع حق مطالبة الثمن لكي يترتب
عليه أنه إذا لم يجئ بالثمن فله الخيار إذ المشتري لم يعمل بوظيفته،
وأما إذا اشترط ذلك المشتري على البايع فإنه ليس للبايع الخيار كما
لا يخفى، فافهم.
الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة
نص عليه الشيخ في المبسوط (1)، وهو ظاهر كثير من الفقهاء (2)، على ما
في المتن، وذكر المصنف أن هذا الخيار أي خيار تأخير الثمن مختص

1 - المبسوط 2: 83.
2 - المقنعة: 599، النهاية: 386، المختلف 5: 67، السرائر 2: 276، المهذب 1: 358.
499

بالعين الشخصية فلا يجري في المبيع الكلي، وقال: إن كلمات الفقهاء
موردها ذلك وكذلك معاقد اجماعاتهم، فإنها مختصة بالعين الشخصية
فلا تشمل المبيع الكلي كما لا يخفى.
وأما حديث نفي الضرر فهو أيضا مختص بالشخصي، لأنه المضمون
على البايع قبل القبض فيتضرر بضمانه وعدم جواز التصرف فيه وعدم
وصول بدله إليه بخلاف الكلي، فإنه لا تلف فيه ليكون دركه على البايع
ويتضرر من ذلك.
ثم ذكر النصوص فروايتا ابن يقطين (1) وابن عمار (2) مشتملتان على لفظ
البيع المراد به المبيع، والوجه في اطلاقه على المبيع قبل المبيع هو كون
البيع معرضا للبيع ولا مناسبة لاطلاقه على الكلي لعدم صحة كونه
معرضا للبيع، فلا يصح هذا الاطلاق فيه فلا تشمل الروايتان على الكلي.
وأما رواية زرارة، فهي أيضا ظاهرة في المبيع الشخصي، فلا تشمل
الكلي، وذلك لأن قول السائل فيها: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم
يدعه عنده فيقول: حتى آتيك بثمنه، قال: إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة
أيام وإلا فلا بيع له (3)، ظاهر في المبيع الشخصي، فإن المتاع ظاهر في
ذلك، وكذا قوله: ثم يدعه، فإن الايداع لا يمكن في المبيع الكلي كما
لا يخفى.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
2 - عن إسحاق بن عمار عن عبد صالح (عليه السلام) قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام
ولم يجئ فلا بيع له (التهذيب 7: 22، الفقيه 3: 126، عنهما الوسائل 18: 22)، موثقة.
3 - الفقيه 3: 127، الكافي 5: 170، عنهما الوسائل 18: 21، صحيحة.
500

وأما رواية أبي بكر بن عياش: من اشترى شيئا (1)، فإن اطلاقه وإن
شمل المعين والكلي كليهما، إلا أن الظاهر من لفظ الشئ الموجود
الخارجي، ومن الواضح أن الكلي المبيع ليس موجودا خارجيا، والوجه
في ذلك هو أن الشئ مجاز مشهور في الأمور الخارجية فلا يحتاج في
اطلاقه عليها إلى القرائن الخارجية كما لا يخفى.
المناقشة في كلام الشيخ (رحمه الله)
هذا حاصل ما ذكره المصنف، ولكن جميع ما ذكره مورد للمناقشة:
أما ما ذكره من ظهور كلمات الفقهاء في الشخصي واختصاص معاقد
اجماعاتهم بالمبيع المعين الخارجي، فهو واضح البطلان، فإنه وإن كان
بالنسبة إلى بعضهم مسلما، كعبارة الشيخ في المبسوط، وأنها ظاهرة في
ذلك، ولكن لا شبهة في صراحة عبارة بعضهم أيضا في المبيع الكل كما
لا يخفى، بل نسب الشهيد (رحمه الله) (2) تخصيص الحكم بالعين الشخصية إلى
الشيخ (3).
فيعلم من ذلك أنه لم يقل بذلك غير الشيخ ومن تبعه فضلا عن اتفاق
كلماتهم أو اجماعهم، على ذلك فلو كان هنا اجماع لم يذكر الشهيد (رحمه الله)
ذلك، وواضح أن الشهيد ممتاز في فهم كلمات الفقهاء، بل قيل إنه لسان
الفقهاء، ولو سلمنا اختصاص كلمات المشهور فهم بذلك فإنه لا يصل
إلى حد الاجماع بعد كلام الشهيد (رحمه الله).
وأما حديث نفي الضرر، فقد ذكرنا أنه لا يثبت الخيار، فلا يكون دليلا

1 - الكافي 5: 172، التهذيب 7: 21، عنهما الوسائل 18: 22، صحيحة.
2 - الدروس 3: 273.
3 - المبسوط 2: 78.
501

على المطلب، وعلى تقدير كونه دليلا على الخيار فلا شبهة في شموله
على المبيع الكلي أيضا، وذلك لما عرفت أن الضرر هنا يكون من جهات
ثلاث: الأولى: الضرر من جهة تلف المبيع، والثانية: من جهة حفظها
للمشتري وعدم جواز التصرف فيه، وهاتان الجهتان لا تجريان في
المبيع الكلي، والثالثة: أن يكون الضرر من جهة أن عدم اعطاء المشتري
الثمن للبايع ضرر عليه، فلا شبهة أن هذه الجهة تجري في صورتي كون
المبيع شخصيا أو كليا كما هو واضح.
على أنك قد عرفت أن لا ضرر ليس دليلا على ثبوت خيار التأخير
للبايع، ودعوى أن عدم دفع الثمن إلى البايع من ترك المنفعة كما توهم
لا من الضرر دعوى جزافية كما هو واضح.
وأما الروايات، فلا شبهة في ظهور روايتي ابن يقطين وابن عمار في
البيع الكلي، فإن المراد من البيع فيهما هو المبيع كما استظهره المصنف،
من جهة أن قول السائل: فلا يقبضه، في رواية علي بن يقطين، وقول
الإمام (عليه السلام): من اشترى بيعا، في رواية ابن عمار، صريح في إرادة
المبيع من البيع، فإنه لا معنى لقبض البيع، وكذلك قوله (عليه السلام): اشترى
بيعا، فإنه أيضا لا معنى لشراء البيع، وهذا واضح لا شبهة فيه.
إلا أنه لا وجه لاستظهاره اختصاص الروايتين بالشخصي، من جهة أن
لفظ البيع إنما أطلق على المبيع من كون المبيع معرضا للبيع فلا معرضية
في الكلي، وذلك لأنه يرد عليه:
أولا: إن الوجه في اطلاق البيع على المبيع ليس هو ما ذكره المصنف،
بل من جهة ما يؤول إليه، وأنه حيث يؤول المتاع مبيعا ويعرض عليه
البيع فلذا أطلق عليه البيع، كما يقال: من قتل قتيلا فله سلبه، وفي قوله
502

تعالى: إني أراني أعصر خمرا (1)، وغير ذلك من الموارد التي يصح
الاطلاق فيها باعتبار ما يؤول إليه.
على أنه يصح المعرضية في الكلي أيضا، فإن الكليات الذمية قابلة
للمعرضية على البيع، بل غالب البيوع من هذا القبيل، كالبيوع الواقعة بين
التجار، فإن معاملاتهم بالبيوع الكلية، فإنهم عقدوا في حجراتهم
فيبيعون ويشترون كليا.
وعلى الجملة فظهور البيع أعم من الكلية والشخصية كما هو واضح،
ففي كفاية هاتين الروايتين في شمول الحكم للكلي غنى وكفاية، وإن لم
تكن الروايات الأخر ظاهرة في الكلي كما لا يخفى.
وأما صحيحة زرارة، فالمتاع المذكور فيها في قول السائل كلفظ
المال والماء من المفاهيم الكلية، فلا وجه لدعوى اختصاصه بالعين
الشخصية.
وأما دعوى اختصاصه بالشخصي من جهة قوله: ويدعه عنده،
فممنوع، فإنه بمعنى الترك، فمراده السؤال من السائل اشترى متاعا
وتركه عند البايع، ولا شبهة في صدق ذلك على الكلي بل كثر اطلاق
ذلك في الثمن، فإنه يقال: إنه باع ولم يأخذ الثمن بل تركه عند البايع حتى
مع التصريح بكون الثمن كليا يصح هذا الاطلاق، ومع ظهوره في العين
الشخصية فلم يذكر ذلك في كلام الإمام (عليه السلام) ليكون موجبا لتقييد الحكم
واختصاصه بالشخصي، بحيث يلزم رفع اليد بها عن الروايتين
المتقدمتين أيضا.
فغاية الأمر فلا ظهور لهذه الرواية في الكلي، ولكن ليس له ظهور في

1 - يوسف: 36.
503

نفي الحكم عن المبيع الكلي، وعليه فتكفينا الروايتان المتقدمتان كما هو
واضح.
وأما رواية أبي بكر عياش أولا: إنها ضعيفة السند، وثانيا: إنه لا شبهة
في شمولها للمبيع الكلي والشخصي، لأن الشئ من المفاهيم العامة
يطلق على جميع الأشياء، بل لا شئ أعم منه، لاطلاقه على الواجب
والممكن وعلى الأمور الاعتبارية والمتأصلة كما هو واضح.
ولا شبهة أن الكلي قبل تعلق الاعتبارية وكونه مبيعا وإن لم يكن شيئا
ولكن يطلق عليه الشئ بعد تعلق البيع به كما هو واضح، فيكون مشمولا
للحديث، وقد ذكر لعدم شموله على الكلي وجهان:
1 - إن الشئ عبارة عما هو مشي وجوده فلا يطلق على غير الأمور
الوجودية لكونه مساوقا للوجود، فلا يشمل الكلي ولا يطلق الشئ
عليه.
وفيه أن هذا إنما هو في اصطلاح الفلاسفة، وإلا فلا شبهة في اطلاق
الشئ على جميع الأشياء الوجودية والعدمية، وسلب الشيئية في بعض
الموارد وعن الأمور العدمية باعتبار عدم المحمول، كما في قوله تعالى:
يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا (1)، أي لم يجد شيئا، وهو
الماء الذي يطلبه، و إلا كان هناك شئ قطعا، فلا أقل من التراب، حتى لو
وجد عنده كنزا فأيضا يقال لم يجد شيئا، لأنه كان في صدد الماء، وقد
عرفت أن الشئ من المفاهيم العامة فيشمل جميع الأشياء الموجودة
والمعدومة، ولا شبهة أن الكلي الذي تعلق به البيع واعتبار العقلاء
الشئ ثابت في ذمة البايع كما لا يخفى.

1 - النور: 39.
504

2 - ما ذكره المصنف من انصراف لفظ الشئ عن الكلي إلى الموجود
الخارجي، بحيث صار مجازا مشهورا لا يحتاج في اطلاقه إلى القرائن.
وفيه أنه لا وجه لهذه الدعوى، فإنه بعد تسليم اطلاق الشئ على
جميع المفاهيم حتى الواجب وجميع الأشياء الموجودة والمعدودة
والاعتباريات، فأي موجب للانصراف كما لا يخفى.
على أن لازم كلام المصنف أنه لورود النهي عن بيع شئ مثلا في وقت
كيوم الجمعة، فلازم ذلك عدم شموله بالبيع الكلي، فلو عامل أحد
معاملة كلية لا تكون ذلك محرمة، على أنه لو أغمضنا عن جميع ذلك
وسلمنا ظهور هذه الرواية الضعيفة في المبيع الشخصي ولو بضميمة
الانصراف، ولكن لا يوجب ذلك رفع اليد عن الروايتين الأولتين في الكلي
كما تقدم، فافهم.
شرائط آخر قيل باعتبارها في هذا الخيار
قوله (رحمه الله): ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار.
أقول: قد ذكرت هنا أمور بلحاظ أنها معتبرة في هذا الخيار:
1 - عدم الخيار لأحدهما أو لهما
قال في التحرير: ولا خيار للبايع لو كان في البيع خيار لأحدهما، وفي
السرائر (1) قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله: ولم يشترط خيار لهما أو
لأحدهما.
وقد أنكر المصنف اشتراط هذا الخيار بكونه مشروطا بهذا الشرط
على وجه الاطلاق، سواء كان المراد من الخيار المشروط عدمه في هذا

1 - السرائر 2: 276.
505

الخيار هو خيار الشرط أم خيار الحيوان أم غيرهما، والوجه في ذلك هو
عدم الدليل على اعتبار هذا الشرط كما هو واضح.
ثم وجه هذا القول بأمرين الذين ينتج ضم أحدهما إلى الآخر اشتراطه
خيار التأخير بهذا الشرط، أي بعدم الخيار لأحدهما أولهما:
1 - إن النصوص الواردة في مشروعية هذا الخيار كلها منصرفة عن
ذلك، لأنه إنما ثبت في حق من له حق المطالبة لبدل ماله من الآخر، ومع
اشتراط التأخير ليس له حق المطالبة، ولا أن وظيفة من له الخيار وجوب
التسليم بل له أن يقبض وله أن لا يقبض كما هو واضح.
2 - إن من أحكام الخيار أنه لا يجب على من له الخيار اقباض الثمن أو
المثمن من الطرف الآخر، كما في التذكرة (1) حيث قال: إنه لا يجب على
البايع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار، ولو
تسلم أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على التسليم،
وضم أحد الأمرين إلى الآخر ينتج أن من له حق تأخير العوض وعدم
اقباضه من الطرف الآخر بحيث له أن يؤخر الاقباض لحق لا يثبت عليه
خيار التأخير لانصراف الأدلة عن ذلك.
والحاصل أن من له الخيار كأنه شرط على الأخير تأجيل العوض
فلا يثبت عليه خيار التأخير.
وقد أجاب عنه المصنف على فرض تسليم المقدمتين حيث قال:
وفيه بعد تسليم المقدمتين، فإن كلامه هذا ظاهر في أنه لا يسلم
المقدمتين، وحاصل جوابه على فرض تسليم المقدمتين النقض بخيار
المجلس وخيار الحيوان، وقال::

1 - التذكرة 1: 524.
506

إن لازم ذلك كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق في خيار المجلس،
وكون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان، مع اتفاقهم على ثبوته فيه كما
يظهر من المختلف (1)، وإن ذهب الصدوق إلى كون الخيار في الجارية بعد
شهر إلا أنه قول اختص به الصدوق للنص الخاص (2).
ثم حيث إنه ما من معاملة إلا وقد ثبت فيها خيار المجلس إلا ما شذ
وندر، فلذا لو خص خيار التأخير بغيره لزم حمل الأخبار الواردة فيه
على مورد نادر.
فلذا ذكر المصنف أنه يلزم أن يكون خيار التأخير في ذلك بعد التفرق،
وأما لو قلنا باختصاص ذلك بغير موارد خيار الحيوان فلا يلزم فيه
المحذور المذكور، ولذا نقض المصنف بأنه يلزم اختصاص ذلك بغير
خيار الحيوان كما هو واضح.
اشكال المحقق النائيني على الشيخ (قدس سرهما)، والمناقشة فيه
وقد أشكل شيخنا الأستاذ على ما ذكره المصنف، وتسلم ما ذكره
العلامة في التذكرة وابن إدريس في السرائر، وقال: كلتا المقدمتين مما
لا بد من تسلمهما: أحدهما أن من له حق التأخير لا يثبت عليه خيار كما
هو واضح، والثانية: هي أن من أحكام الخيار عدم وجوب التسليم
والاقباض.
أما المقدمة الأولى، فلأن الأخبار منصرفة عمن جاز له التأخير وليس
موظفا بالاتيان، لأن الظاهر من تلك الأخبار هو أن الاتيان بالثمن كان لازما،
حيث قال (عليه السلام): ولم يقبض الثمن أو أن جاء بين ثلاثة أيام وإلا فللبايع

1 - المختلف 5: 66.
2 - يأتي البحث عنه، فانتظر.
507

الخيار، وأما مع ثبوت خيار التأخير له فلا مجال لثبوت الحكم كما
لا يخفى، فافهم.
وهذه المقدمة مما لا شبهة فيها، بل ذكر المصنف في الشرط الثالث
أن الأخبار منصرفة عن صورة اشتراط التأخير، وقلنا إن خيار التأخير إنما
جعل لمن كان له المطالبة ولم يكن للآخر حق التأخير، بل كان موظفا
بالأداء.
وأما المقدمة الثانية، فقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ من أن له لا يجب
عليه التسليم، وتوضيح ذلك:
إن بناء المعاملة على التسليم والتسلم والتبديل والتبدل، فيصير
القبض والاقباض من الشروط الضمنية التي التزم بها المتعاقدان في متن
العقد، فمرجع كون العقد خياريا إلى أنه بجميع ما تضمنه من الشروط
الضمنية أو الصريحة غير واجب الوفاء، فكما لا يجب الوفاء بنفس العقد
كذلك لا يجب الوفاء بما في ضمنه من التعهدات الضمنية بل الصريحة
غير لازمة الوفاء، فلا يجب التسليم والتسلم في العقد الخياري، وعليه
فلا يجري فيه خيار التأخير.
وهذا المعنى قد التزم به المصنف في أحكام القبض، حيث ذكر
الأردبيلي أن من ظلم على أحد ولم يسلم المبيع الذي باعه منه ليس
للآخر منع تسليم الثمن فإنه أيضا معصية، وأجاب عنه المصنف بأنه إذا
منع البايع في التسليم فللمشتري أيضا لا يجب تسليم الثمن، نعم قد أنكر
المصنف ذلك هنا وفي أحكام الخيار.
ثم ذكر أن هذا الخيار لا ينافي خيار المجلس إلا في فرض نادر، بأن
بقيا في مجلس العقد إلى بعد ثلاثة أيام لسجن ونحوه، وحينئذ نلتزم
أيضا بعدم خيار التأخير، وأما خيار الحيوان فهو أيضا لا يمنع عن هذا
508

الخيار، فإن غاية ما يمكن أن يلتزم به ويستظهر من الأدلة من مناسبة
الحكم والموضوع أن يكون التأخير عند انقضاء الثلاثة بغير حق،
فالواجب أن لا يكون له خيار في هذا الحال وأما قبله أو بعده، فلا وجه
للالتزام به بلا اشكال، فلا ينافي اعتبار ذلك مع ما في المختلف من
الاتفاق على ثبوته في الحيوان.
نعم بقي هنا شئ، وهو أنه لو اجتمع خيار التأخير مع خيار الحيوان
لزم تعدد السبب مع كون المسبب واحد، فهذا لا محذور فيه كما في
تقرير شيخنا الأستاذ، فراجع.
أقول: أما ما ذكره من أن مطلق الشروط الضمنية والصريحة ليس
بواجب الوفاء في العقد الخياري ومنها التسليم والتسلم، فيرد عليه أن
هذا إنما يتم بناءا على كون دليل اللزوم هو الأمر بوجوب الوفاء على
العقد، وكان المراد من ذلك هو ترتيب الأثر عليه، ويكون المراد من
وجوب الوفاء هو الحكم التكليفي على ما ذكره المصنف.
وعليه فيقال إن ترتيب جميع آثار العقد عليه إنما يصح فيما إذا لم يكن
العقد خياريا وإلا فلا يجب ذلك كما هو واضح، وقد ذكرنا في محله أن
معنى الوفاء هو الانهاء، والوفاء بالعقد هو انهاؤه واتمامه، وحيث
لا يناسب ذلك بالوجوب التكليفي فيكون الأمر به ارشادا إلى أنه لا ينحل
وأنه لازم، وذكرنا أيضا أن من أدلة اللزوم ما دل على حرمة التصرف في
مال الغير بدون إذنه، وأنه يحرم أكل مال الناس بغير تجارة عن تراض
وغير ذلك.
فلا شبهة أنه إذا تحقق البيع و حصل النقل والانتقال فيكون المبيع ملكا
للمشتري والثمن ملكا للبايع، فيحرم لكل منهما التصرف في الآخر
بدون إذنه، لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وأنه لا يجوز لكل أحد
أن يتصرف في مال غيره بدون إذنه.
509

ولا يفرق في ذلك بين كون العقد خياريا أم لا، نعم من لا يريد أن يسلم
العوض في المعاملة مع كونه ذي خيار فسخ المعاملة ثم لا يسلم العوض
كما هو واضح.
وأما ما ذكره، من أن المصنف ذكر ذلك في أحكام القبض فهو ممنوع،
لأنما ذكره في القبض لا يمس بالمقام، فإنه مبني على أن من الشروط
الضمنية في العقد أن يسلم كل من المتعاملين العوض من الآخر، ومع
تخلف أحدهما يجوز التخلف للآخر أيضا كما هو واضح، وهذا غير
كون من له الخيار لا يجب عليه التسليم كما هو واضح.
وأما ما ذكره من أنه لا ينافي خيار الحيوان لأن اللازم أن لا يكون أداء
الثمن متأخرا من الجزء الذي يتم به الثلاثة فليس بمتين، وذلك لأن
مقتضى الظاهر من روايات الباب أنه يجب على المشتري أن يسلم الثمن
إلا أنه قد أمهل الشارع للمشتري في ضمن الثلاثة بالنسبة إلى ثبوت
الخيار للبايع، فبمجرد انتهائه يثبت الخيار للبايع أو يبطل البيع كما هو
واضح، فلا يحتاج إلى التأخير في الآن الذي تم الثلاثة.
وبعبارة أخرى أن الروايات قد دلت على أن المشتري إن جاء بالثمن ما
بين ثلاثة أيام فبها وإلا فلا بيع، فالظاهر من ذلك أن الثلاثة إنما هي أيام
النظرة بالنسبة إلى ثبوت الخيار للبايع أو لعدم بطلان البيع كما هو واضح،
فلا ينافي ذلك بوجوب تسليم الثمن في الثلاثة أيضا، وأما ثبوت الخيار
فليس مشروطا بالتأخير عن الجزء الذي يتم به الثلاثة، بل في نفس ذلك
الجزء يثبت الخيار للبايع كما لا يخفى.
تفصيل آخر بين ثبوت الخيار للبايع والمشتري
ثم إنه قد يفصل بين ثبوت الخيار للبايع من جهة أخرى، فيسقط معه
هذا الخيار، وبين ما كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه.
510

وقد أفاد فيه وجهين:
1 - إن خيار التأخير شرع لدفع ضرره وقد اندفع ضرره بغير خيار،
وأجاب عنه المصنف بأن ضرر الثلاثة بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في
الثلاثة.
وكان المصنف فهم من كلام المفصل أنه اشترط عدم ثبوت الخيار
للبايع بعد الثلاثة، ولذا أجاب عنه بأن الضرر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار
في الثلاثة، ولكن الظاهر أن كلام المفصل ناظر إلى اشتراط عدم ثبوت
الخيار للبايع بعد الثلاثة، وعليه فيندفع الضرر بغير خيار التأخير، فيصح
كلامه كما هو واضح، فلا يرد عليه ما ذكره المصنف.
نعم يرد عليه أن هذا الوجه مبني على كون مدرك هذا الخيار هو دليل
نفي الضرر، فإنه حينئذ يشترط في ثبوته أن لا يثبت خيار آخر للبايع،
وأما إذا كان مدركه غيره فلا يتم ما ذكر المفصل.
2 - النصوص والفتاوى تدل على لزوم البيع في الثلاثة، فيختص هذا
الخيار بغير صورة ثبوت الخيار له، فإن الظاهر من قولهم (عليهم السلام) إن جاء
بالثمن ما بين الثلاثة وإلا فله الخيار، أن البيع لازم في ضمن الثلاثة، فإذا
كان للبايع خيار في ذلك لا يكون البيع لازما، فلا يكون هذه الصورة
مشمولة للأخبار كما هو واضح، وعلى هذا فلا يكون هذا الخيار ثابتا في
مورد خيار الحيوان.
وأورد هذا المفصل على نفسه بأن التأخير للخيار ولا يتقيد الحكم
بسببه، يعني أن الخيار هنا حكم ثابت للبايع ولا يكون مقيدا بسببه وهو
التأخير، بحيث يكون البيع لازما بانتفائه من هذه الجهة فقط لا ينافي
ثبوت خيار آخر للبايع كما هو واضح، بل الثابت هو طبيعي الخيار الثابت
للبايع كما هو واضح.
511

والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق. الوجه السابق ليس ناظرا إلى
لزوم البيع في الثلاثة بخلاف هذا الوجه.
ولكن يرد عليه أن الظاهر من الروايات أن المشتري إذا جاء بالثمن ما
بين ثلاثة أيام فهو وإلا فله الخيار، فالظاهر من ذلك أن الاتيان بالثمن في
الثلاثة يوجب نفي خيار التأخير، ولا ينافي ذلك ثبوت خيار آخر للبايع
غير خيار التأخير، وليس هذا من قبيل تقيد الحكم بسببه بل الثابت هو
طبيعي الخيار ولكن يكون البيع لازما بانتفاء هذا الطبيعي من هذه الجهة
فقط، ولزوم البيع من هذه الجهة لا ينافي ثبوت خيار آخر للبايع من جهة
آخر كما هو واضح.
ومن هنا لا ينافي هذا الخيار ثبوت خيار المجلس، فإنه مع أن لازم
الوجه الثاني عدم ثبوت خيار المجلس أيضا في ضمن الثلاثة.
2 - تعدد المتعاقدين
قوله (رحمه الله): ومنها: تعدد المتعاقدين.
أقول: قد ذكر المصنف وجهين لاختصاص الخيار بصورة تعدد
العاقد:
1 - اختصاص النص الوارد في المقام بصورة التعدد.
2 - إن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس وخيار المجلس باق مع
اتحاد العاقد إلا مع اسقاطه.
أما الأول فلأنه لا شبهة في أن الظاهر من النصوص الواردة في المقام
وإن كان هو تعدد المتعاملين ومن بيده العقد، أي المالكين أو من يكون
نازلا منزلة المالك من الولي والوكيل المفوض، ولكن لا ارتباط له بتعدد
العاقد بوجه، بل يمكن ذلك مع اتحاده أيضا، فإنه بمنزلة الآلة فقط ليس
له إلا اجراء العقد، كما هو واضح.
512

وبعبارة أخرى أن المناط في ذلك هو عدم الاقباض والقبض،
ولا اشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما، فأصل
توهم اشتراط تعدد العاقد في ثبوت خيار التأخير لغو محض وغلط
فاحش.
وأما الوجه الثاني، فقد ناقش فيه المصنف من حيث الصغرى من أنه
قد عرفت أنه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد، وعلى تقديره فيمكن
اسقاطه واشتراط عدمه، نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق
الشرطان الأولان أعني عدم الاقباض والقبض، وليس ذلك من جهة
اشتراط التعدد.
ولكن الظاهر المناقشة في الكبرى أيضا، بأنه لا دليل على كون خيار
التأخير بعد خيار المجلس، غاية الأمر أن خيار المجلس في الأغلب
يبقى إلى ساعة وساعتين أو أقل أو أكثر، ولا يبقى إلى الثلاثة أيام حتى
يجتمع مع خيار التأخير ولو بقي المجلس إلى الثلاثة مع عدم تحقق
القبض والاقباض، لكان خيار المجلس مجتمع مع خيار التأخير كما هو
واضح.
3 - أن لا يكون المبيع حيوانا
قوله (رحمه الله): ومنها: أن لا يكون المبيع حيوانا.
أقول: من جملة الشروط لثبوت خيار التأخير أن لا يكون المبيع
جارية بل حيوانا مطلقا.
فإن المحكي عن الصدوق في المقنع أنه إذا اشترى جارية فقال:
أجيئك بالثمن، فإن جاء بالثمن فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع (1)، وظاهر

1 - المقنع: 365.
513

المختلف (1) نسبة الخلاف إلى الصدوق في مطلق الحيوان.
ولكن الظاهر أن الصدوق التزم بذلك في خصوص الجارية، وذكر في
المقنع: إن الخيار في ما يفسد بيومه بعد يوم وفي غيره إلى ثلاثة أيام إن
جاء بالثمن ما بين ذلك وإلا فله الخيار، ثم ذكر خصوص الجارية، وذكر
أن الخيار فيها بعد شهر، ولم يذكر في الفقيه (2) أيضا إلا ذلك، فما حكي
عن المختلف من نسبة ذلك إلى الصدوق في مطلق الحيوان لا نفهم له
وجها.
وكيف كان فذهب المشهور إلى عدم الاشتراط بذلك الشرط،
وخالف فيه الصدوق استنادا إلى رواية علي بن يقطين، وقد أشكل على
الرواية بوجهين:
1 - من حيث السند، فإنه حكي عن العلامة في المختلف (3) أن الرواية
ضعيفة، ولكن لا نفهم لضعف الرواية وجها، وقد اعترف باعتبارها
صاحب الحدائق (4) وصاحب الجواهر (5)، وقد عرفت أنه ذهب الصدوق
(رحمه الله) إلى ثبوت الخيار للبايع في الجارية بعد شهر، وقد ضعف العلامة عن
هذه الرواية.
ولكن لا ندري أن وجه تضعيف العلامة أي شئ، فإن هنا روايتان:
إحداهما رواها الصدوق (6) عن ابن فضال عن علي بن رباط عن زرارة - أو

1 - المختلف 5: 66.
2 - الفقيه 3: 203.
3 - المختلف 5: 70.
4 - الحدائق 19: 46.
5 - الجواهر 23: 52.
6 - الفقيه 3: 127.
514

عمن رواه كما في الوسائل (1)، أو عمن رواه كما في الوافي (2) - وهذه
الرواية على تقدير عدم الارسال فهي ضعيفة لعلي بن رباط، والرواية
الثانية قد رواها في التهذيب (3) عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي
إسحاق عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين.
فهذه الرواية معتبرة، أما غير أبي إسحاق فواضح، وأما أبو إسحاق،
وهو إن كان مشتركا بين أشخاص عديدة ضعاف وثقات، ولكن الأشهر
هو إبراهيم بن هاشم، على أنه ينقل عن ابن أبي عمير وينقل عنه محمد بن
أحمد بن يحيى وغيرهم أكثرهم من أصحاب الصادق والباقر (عليهما السلام)،
ومن هو من أصحاب الهادي (عليه السلام) لم ينقل عنهم محمد بن أحمد، وأما
إبراهيم بن مهزيار فلم ينقل عن ابن أبي عمير، على أنه أيضا معتبر (4)،
فراجع كتب الرجال.
2 - اعراض المشهور عن العمل بها، فإنهم لم يعملوا بها، بل لا ينسب
العمل بها إلا إلى الصدوق، ولا شبهة أن اعراضهم عن العمل بالرواية
يوجب وهنها، ولعل مراد العلامة من الضعف هو ذلك، فإنه لم يقيد
الضعف بكونه في السند بل ذكر أن الرواية ضعيفة، ولا شبهة أن اعراض
المشهور عندهم يوجب الوهن، فتكون الرواية ضعيفة بالعرض
لا بالذات.

1 - الوسائل 18: 23.
2 - الوافي 3: 70، كتاب المعايش والمكاسب.
3 - التهذيب 7: 80، الإستبصار 3: 78.
4 - هذا، لكن عدل عن هذا الرأي وضعف ما يستدل به على توثيقه في معجم الرجال
1: 306، ولكن التزم بتوثيقه لوجوده في اسناد كامل الزيارات، وعدل عن هذا المبنى أيضا في
أواخر عمره الشريف.
515

ويرد عليه أولا: الاشكال في الصغرى، حيث لم يعلم اعراض
المشهور عن هذه الرواية، بل يحتمل أن يكون عدم عملهم بها من جهة
أنهم حملوها على بعض الوجوه، بأن تكون محمولة على صورة اشتراط
المجئ بالثمن إلى شهر، إذ كلامنا في صورة عدم اقباض المبيع كما
تقدم، وليس في هذه الرواية عدم اقباض الجارية حتى لا يمكن رفع اليد
من ظاهرها.
وإذن فلا بأس من حملها على صورة اشتراط تأخير الثمن إلى شهر في
ضمن العقد وإلا فله الخيار، أو يمكن أن يكون عدم عملهم بها من جهة
حملها على استحباب الصبر بعد ثلاثة أيام إلى شهر، وعلى هذا
فلم يثبت اعراض المشهور عنها ليكون موجبا للضعف كما هو واضح.
وثانيا: الاشكال في الكبرى، وهو أن اعراض المشهور عن الرواية
لا يوجب وهنها، كما أن عملهم بها لا يوجب الاعتبار، وقد تقدم ذلك
مرارا، وقد نقحناه في علم الأصول، وعلى هذا فلا وجه لرفع اليد عن
هذه الرواية.
وقد حملها المصنف على الوجهين المتقدمين، ولكنهما بعيد
خصوصا الحمل على الاستحباب، فلا بد حينئذ من العمل بها في
خصوص الجارية كما عمل بها الصدوق (رحمه الله)، فظاهرها ثبوت الخيار
للبايع في بيع الجارية بعد شهر، سواء أقبضها من المشتري أم لا،
لاطلاقها، ولا وجه لتقييدها بصورة الاقباض.
وعلى الجملة فحيث إن النص وارد في خصوص الجارية فيكون
أخص من الرواية المتقدمة فتكون مقيدة لها.
وقد يتوهم أن النسبة بينها وبين الروايات المتقدمة هي العموم من
وجه، حيث إن هذه الرواية أخص من حيث الموضوع وهو الجارية
516

والروايات المتقدمة أعم من الجارية وغيرها، وأن هذه الرواية أعم من
حيث اقباض المبيع والروايات المتقدمة ناظرة إلى خصوص اقباض
المبيع، ويقع التعارض في مورد الاجتماع وهو صورة الاقباض، فإن
هذه الرواية تدل على ثبوت الخيار بعد الشهر والروايات المتقدمة تدل
على ثبوت الخيار بعد الثلاثة أيام، وحينئذ فيحكم بالتساقط.
ولكن الظاهر أن هذا التوهم فاسد:
أولا: إن النسبة بينها وبين الروايات المتقدمة إنما تلاحظ من حيث
الموضوع، ولا شبهة أن هذه الرواية أخص من حيث الموضوع من
الروايات المتقدمة.
وثانيا: على تقدير لحاظ النسبة بينهما من حيث الموضوع والحكم
معا أنه لا يمكن الحكم بالتساقط في مادة الاجتماع، إذ من البعيد جدا
أن يكون الخيار في صورة الاقباض بعد شهر وفي صورة عدم الاقباض
أن لا يكون للبايع خيار أصلا، وإذن فلا بد من ترجيح هذه الرواية على
فرض المعارضة، وهذا واضح جدا.
ثم إن الظاهر من قولهم (عليهم السلام): فإن جاء بالثمن ما بين ثلاثة أيام وإلا
فله الخيار، أي للبايع، أن مبدأ الثلاثة من حين العقد، وتوهم أنه من حين
التفرق بحيث تكون مدة الغيبة ثلاثة أيام خلاف الظاهر من الرواية.
مسقطات خيار التأخير
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور.
1 - اسقاطه بعد الثلاثة
أقول: الأول: اسقاطه بعد الثلاثة، وهذا لا شبهة فيه، بل لا خلاف فيه
أيضا، إذ لا محذور فيه بوجه أصلا.
517

وأما سقوطه بالاسقاط في الثلاثة فأشكل فيه المصنف، من أن مدركه
دليل نفي الضرر، وهو حاصل بعد الثلاثة فلا سبب له قبلها، ومن أن
العقد سبب الخيار فيكفي وجوده في اسقاطه بوجود المقتضي، والأمر
أشكل فيما إذا اشترط سقوطه في ضمن العقد.
ووجه الأشكلية أن المقتضي الذي هو العقد كان موجودا في اسقاطه
بعد العقد وقبل الثلاثة ولكنه منفي هنا، لعدم تمامية العقد بعد كما هو
المفروض.
وأيضا ذكر المصنف أن السقوط لعله من جهة عموم أدلة الشروط،
ويشكل على عدم جواز اسقاطه في الثلاثة، بناءا على أن السبب في هذا
الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد، فإن الشرط إنما يسقط به ما
يقبل الاسقاط بدون الشرط ولا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه
بدون شرط، وعليه فإن كان هنا اجماع على السقوط بالشرط فهو وإلا
فللنظر فيه مجال واسع لعدم شمول أدلة الشروط لمثل هذا الشرط كما
هو واضح.
وقد يقال بجواز شرط النتيجة بأن يشترط السقوط بعد الثلاثة، وفيه أن كان
المراد هو اشتراط السقوط بعد الثلاثة بلا سبب وهو بديهي
البطلان إذ لا موجب لسقوطه بلا سبب، وإن كان المراد من سقوطه بعدها
بالاسقاط قبل الثلاثة بحيث ينشأ من الآن سقوطه بعد الثلاثة فيعود
المحذور، فإنه من قبيل اسقاط من لم يجب.
أقول: قد ذكر المصنف في خيار المجلس جواز الاسقاط في مثل هذه
الموارد من جهة وجود المقتضي، وقد ذكرنا أن عدم جواز اسقاط ما
لم يجب ليس مدلولا لدليل لفظي، بل إنما هو من جهة الاجماع على
بطلان التعليق في العقود وإلا فلا استحالة عقلية هنا، بل لا يرى العقل
محذورا في انشاء الطلاق قبل التزويج وانشاء البيع قبل الشراء، وإنما
518

نحكم ببطلان أمثال ذلك من جهة الاجماع، ولا شبهة أن جواز اسقاط ما
لم يجب أمر معروف بين الفقهاء فلا يكون داخلا في معقد الاجماع،
فيكون ذلك مشمولا لأدلة الشروط كما هو واضح.
وقد ذكر شيخنا الأستاذ أن للبايع حق المطالبة حتى في ضمن الثلاثة،
فله أن يسقط حق المطالبة ولا يكون الاسقاط حينئذ اسقاطا لما يجب.
وفيه أن هذا عجيب من شيخنا الأستاذ، حيث إن حق المطالبة أمر
أجنبي عن الخيار، ولا شبهة في ثبوت ذلك الحق في زمان الخيار وقبله
وبعده، فاسقاط أحدهما غير مربوط باسقاط الآخر كما هو واضح، على
أن حق المطالبة من الأحكام فلا يقبل الاسقاط.
2 - اشتراط سقوطه في متن العقد
حكي عن الدروس (1) وجامع المقاصد (2) وتعليق الارشاد، ولعله
لعموم أدلة الشروط، قد مر جواب عن ذلك.
3 - بذل المشتري للثمن
وقد ذكره العلامة في التذكرة (3) استصحابا لوجوده، وذكر المصنف أن
هذا حسن لو استند في الخيار إلى الأخبار، وأما إذا استند إلى قاعدة
الضرر فإن الضرر الوارد على البيع يتدارك ببذل الثمن، فلا يبقى مجال
للخيار ليتدارك به الضرر، ثم ذكر أنه لا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى
صورة التضرر أيضا، وعليه فما ذكره في التذكرة متين جدا.

1 - الدروس 3: 274.
2 - جامع المقاصد 4: 297.
3 - التذكرة 1: 523.
519

أقول: أما الوجه الأول فهو متين، فإنه بناءا على كون مدرك خيار
التأخير هو قاعدة نفي الضرر، فلا شبهة في أنه يرتفع بأداء الثمن، ولكن
قد عرفت سابقا أن مدركه ليس دليل نفي الضرر وإلا لأمكن رفعه بغير
الخيار أيضا.
وأما الوجه الثالث وهو صورة بذل المشتري فلا وجه له، لأن مقتضى
الأخبار أنه إذا جاء بالثمن ما بين الثلاثة وإلا فله الخيار وهو مطلق بالنسبة
إلى صورة بذل الثمن وغيرها، ودعوى الانصراف إلى صورة عدم بذل
الثمن بلا وجه.
4 - أخذ الثمن من المشتري
قوله (رحمه الله): الرابع: أخذ الثمن من المشتري.
أقول: بناءا على سقوط الخيار ببذل الثمن فلا موضوع لهذا البحث،
حيث إنه بمجرد البذل يسقط الخيار فلا تصل النوبة إلى الأخذ كما هو
واضح.
وأما بناءا على عدم سقوطه بالبذل، فهل يسقط ذلك بالأخذ أم لا،
فنقول:
إنه بناءا على السقوط وكون الأخذ موجبا له وكاشفا عنه فليس ذلك
أمرا مستقلا بل مرجعه إلى المسقط الأول وهو الاسقاط، فإنه أعم من
الاسقاط الفعلي أو القولي كما هو واضح.
نعم ينبغي أن يبحث بعنوان التنبيه بأنه هل يشترط إفادة العلم بكون
الأخذ لأجل الالتزام بالبيع أو يكفي الظن بذلك، وأن البايع راض به، فإنه
أمارة عرفية على الالتزام كالقول أو لا يعتبر الظن أيضا في ذلك، وجوه،
فذكر المصنف أن خيرها أوسطها، لكن الأقوى الأخير، ولكن لم نفهم
520

معنى هذه العبارة، فإن الخير ما كان أقوى وبالعكس، فلا معنى لكون
الوسط خيرا، والأقوى هو الأخير.
وكيف كان قد ذكرنا في خيار الحيوان أن أقوى الوجوه هو العلم بالرضا
وإلا فلا موجب لسقوط، أما الوجه الأوسط أعني اعتبار الظن على كون
الأخذ كاشفا عن الرضا فلا دليل عليه، لأن الظن لا يغني من الحق شيئا،
وأما الوجه الأخير وهو الاكتفاء بمطلق الأخذ وكونه كاشفا عن الرضاء
بالعقد فأيضا لا دليل عليه، فإنه يمكن أن لا يكون الأخذ بعنوان الثمنية،
كما إذا كان ذلك عن غفلة وجهل، فإنه لا كاشفية له حينئذ عن الرضا
بالعقد، بل مع العلم بكونه بعنوان الثمنية أيضا، فإن الثمن مال للبايع
فيمكن أن يأخذه ومع ذلك يبقى خياره على حاله، ولا يكون الأخذ
بعنوان الرضا بالعقد ويأخذ الثمن ويتصرف فيه تصرفا لا يوجب السقوط
ثم يفسخ، بل يجوز ذلك مع التصريح بأن الأخذ ليس بعنوان الرضا
بالعقد.
وبعبارة أخرى أن الكاشفية النوعية إنما هي في باب حجية الظواهر،
حيث إن الألفاظ تدل على المعاني التي وضعت عليها الألفاظ بحسب
الكاشفية النوعية العقلائية، وظاهرة في ذلك لا من جهة التعبد ببناء
العقلاء بل من جهة تعهد الواضح، على أنه متى أطلق اللفظ الفلاني فقد
أراد المعنى الفلاني ويكون ذلك التعهد سببا لكون الظواهر كواشف عن
المداليل وكونها مرادة للمتكلم، وأما في المقام فلم يتعهد البايع بأني
متى أخذ الثمن فرضيت بالمعاملة ليكون الأخذ كاشفا نوعيا عن الرضا
بالعقد كما هو واضح.
وعليه فلا كاشفية للأخذ عن ذلك، وإذا فلا بد من الاقتصار بالعلم أو
الظن الاطمئناني بأن تقوم القرينة على الكاشفية وحصل القطع فلا أقل من
الاطمئنان على ذلك الذي هو حجة عقلائية، ومن هنا ظهر أن مطالبة
521

البايع الثمن أيضا يكشف عن رضايته بالعقد، فإن المطالبة أعم من الأخذ،
وقد ذكرنا أن الأخذ أعم من الرضا بالعقد وعدمه، فكيف تكون المطالبة
كاشفة عن الرضا كما هو واضح.
نعم قد ذكرنا في خيار الحيوان سقوط الخيار بمثل اللمس والتقبيل
وركوب الدابة، ولكن ذلك من جهة النص الخاص لا من جهة كاشفية أي
تصرف من الرضا بالعقد كما هو واضح، بل من جهة النص الخاص الوارد
في خيار الحيوان.
المسألة (1)
خيار التأخير فوري أم لا؟
قوله (رحمه الله): مسألة: في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي.
أقول: وقع الكلام في أن خيار التأخير فوري أم لا؟ تحقيق الكلام هنا
في مقامين: الأول: بحسب الأصول العملية، والثاني: من حيث الروايات.
أما المقام الأول، فقد استوفينا الكلام فيه في خيار الغبن، وقلنا إن
الاستصحاب أي استصحاب الخيار لا يجري في المقام، بل لا بد من
التمسك بالعموم، وعليه فلا بد من الاقتصار بالمتيقن، ففي الزائد عن
ذلك نرجع إلى العمومات الدالة على لزوم البيع.
ولا يضر عدم امكان التمسك ب‍ أوفوا بالعقود (1) فيرجع إلى الأدلة
الأخرى، مما دل على حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه وحرمة
تملكه إلا بالتجارة عن تراض، ومن الواضح أن الفسخ في الآن الثاني الذي
نشك في ثبوت الخيار أكل لمال الغير بدون إذنه، فلا يكون مؤثرا، فراجع
إلى خيار الغبن، فقد تقدم تفصيل الكلام هناك.

1 - المائدة: 1.
522

وبعبارة أخرى أنه وإن لم يجز التمسك بعموم أوفوا بالعقود على ما
تقدم في خيار الغبن من الانحلال وعدمه فراجع، إلا أن في العمومات
الأخر الدالة على اللزوم غنى وكفاية، فينقطع التمسك بالاستصحاب أي
استصحاب حكم الخيار، فالنتيجة هي فورية الخيار، وعلى القول بكون
دليل الخيار هو نفي الضرر فكون الخيار فوريا أوضح لاندفاع الضرر به.
أما المقام الثاني، فالروايات الواردة في المقام بناءا على دلالتها على
ثبوت خيار التأخير بعد الثلاثة أيام لا على البطلان مطلقة بالنسبة إلى الآن
الأول والآن الثاني.
فمقتضى التمسك بها هو ثبوت الخيار للبايع على وجه الاطلاق بعد
الثلاثة، وعلى القول بفورية الخيار في خيار الغبن كما هو كذلك، فلا بد
من الالتزام بعدم الفورية في المقام لخصوص هذه الروايات، فتكون
مخصصة للعمومات كما لا يخفى، وكان هذا العقد يصير جائزا بالعرض
بعد الثلاثة، غاية الأمر أن الجواز في الهبة حكمي، وفي المقام حقي،
فللبايع اسقاط حقه أي خياره.
ونعم ما ذكره المصنف من هذه الرواية بعد عدم امكان نفي الحقيقة
فيها ناظرة إلى نفي اللزوم إلى الأبد، ولا يرد عليه ما ذكره الأستاذ من
الالتزام بامحاء النص، فإن ذلك خلاف الظاهر من الرواية.
المسألة (2)
لو تلف المبيع بعد الثلاثة
قوله (رحمه الله): مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البايع.
أقول: ذهب الفقهاء إلى أن التلف قبل القبض من مال البايع، وإنما
الكلام في مدرك هذا الحكم.
523

ويقع الكلام في مقامين:
الأول: أن يكون التلف بعد الثلاثة.
الثاني: أن يكون ذلك قبل الثلاثة.
المقام الأول: أن يكون التلف بعد الثلاثة
أما الأول فقد استدل بوجوه:
1 - الاجماع.
وفيه أنه على تقدير تحققه فالمظنون أن مدركه النبوي الذي سنذكره،
فلا يكون اجماع تعبدي.
2 - النبوي المعروف: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه (1).
وفيه أن هذا النبوي وإن كان مشهورا ولكنه لم يذكر إلا في كتب
العامة، وعليه فلا يمكن الالتزام بانجبار ضعفه صغرى وكبرى.
أما من حيث الصغرى فلأنه لم يذكر في كتب الأصحاب بعنوان
الاستدلال به على ذلك، إذ لم يكن لهم كتاب استدلال حتى يستدلوا فيه
به، وإنما ذكروا فتاواهم بغير تعليل، وعليه فلا ندري أن استنادهم بذلك
حتى يوجب ذلك انجبار ضعف النبوي.
وأما من حيث الكبرى فقد عرفت مرارا أن عمل المشهور لا يوجب
الانجبار لضعف الرواية، كما لا يوجب اعراضهم وهن الرواية الصحيحة.
3 - رواية عقبة بن خالد في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه له غير
أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، وقال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق
المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع - الذي هو في بيته -

1 - عوالي اللئالي 3: 212، عنه المستدرك 13: 303.
524

حتى يفيض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن
لحقه حتى يرد ماله إليه (1).
وفيه أن هذه الرواية لا يكون دليلا لهذا الحكم، لأنها ضعيفة السند،
ولا يكون منجبرا بعمل المشهور أيضا، حتى بناءا على تسليم ذلك
الكبرى، فإنه لم يعمل أحد بمضمونها، فإنها تدل على كون الضمان على
البايع ما لم يقبض خارجا ولم يخرج عن بيته، ومن الواضح أن الأكثر
التزم بكفاية التخلية بين المشتري والمبيع في القبض، ولا يجب
الاقباض الخارجي، أما الاخراج من البيت فلم يقل به أحد وكونه معتبرا
في القبض على خلاف الضرورة، بل يمكن أن يقبض المشتري المال
ويجعل عند البايع أمانة كما هو واضح.
وعلى الجملة فلا دليل على أن تلف المبيع قبل القبض من مال البايع،
نعم يمكن الالتزام بذلك بحسب الارتكاز العقلائي، فإن بناء العقلاء قائم
على أن التلف قبل القبض يحسب على البايع، إذ الأخذ والاعطاء من
متممات البيع.
وعليه فمع تلف المبيع لا يبقى مجال للبيع بل ينفسخ من أصله، إذ
البيع مبادلة مال بمال، فمع تلف المبيع أي شئ يعطي البايع للمشتري
ومع انتفاء القبض فلا اعطاء حتى يطالب بدله أي الثمن.
والظاهر أنه لم يلتزم أحد بأنه إذا باع أحد عباءة من شخص وتلفت
بعد ساعة وقبل القبض أن له حق مطالبة الثمن عن المشتري، مع أنه
لا يعطي شيئا، ففي الحقيقة أن البيع إنما هو مشروط بشرط متأخر وهو
اعطاء المبيع واقباضه، أو أنه موقت أي يحكم بصحته ما دام المبيع

1 - الكافي 5: 171، التهذيب 7: 21 و 230، عنهما الوسائل 18: 24، مجهولة بمحمد بن
عبد الله بن هلال وبعقبة بن خالد.
525

لم يتلف قبل القبض، وإذا تلف فدركه على البايع.
وكيف كان فلا ثمرة في بيان أن ما نحن فيه من قبيل المشروط بالشروط
المتأخر، أو من قبيل كون البيع موقتا، ومعنى كون ضمانه عليه أنه
ينفسخ العقد به لا أنه يجب على البايع اعطاء بدله، كما هو كذلك في
الغاصب.
وهذا الذي ذكرناه غير مربوط بصورة عدم تسليم المبيع قهرا على
المشتري وغصبا عليه، فإنه يجبر على الاقباض ولا يحكم بالانفساخ
بذلك، بل ما ذكرناه في فرض عدم التمكن من التسليم تكوينا كما في
صورة التلف.
وكيف كان أن معنى البيع هو الأخذ والاعطاء، ومع تلف المبيع قبل
تسليمه إلى المشتري يوجب انعدام مفهوم البيع ويكون ضمانه على
البايع، وإن كان المال من المشتري ولكن ضمانه بحسب الارتكاز على
البايع فإنه مشاهد صدق على انفساخ البيع.
لا يتوهم أنه إذا انفسخ البيع كان التلف في ملك البايع، فلا يكون
تخصيصا لقاعدة الخراج بالضمان بل تخصصا.
فإنه يقال: إنه إنما يدخل في ملكه في آن قبل التلف والتخصيص
باعتبار أنه لو كان له نماء في آن قبل التلف لكان للمشتري دون البايع،
فافهم.
ما يمكن أن ينافي قاعدة أن تلف المبيع قبل القبض من مال البايع
والذي يمكن أن ينافي هذه القاعدة الارتكازية أمران:
526

1 - قاعدة الخراج مع الضمان، فإنها وإن ذكرت في روايات العامة (1)
والتزم بها أبو حنيفة، ولكنها قاعدة مسلمة وليست مختصة بالعامة، بل
هي أيضا قاعدة ارتكازية، فإن العقلاء حاكمون على أن ضمان المال لمن
كانت المنافع له، وحيث إن المنافع للمالك فيكون ضمانه أيضا عليه، بل
ذكرت هذه القاعدة في بعض الروايات أيضا حيث تقدم في خيار الحيوان
في بعض الروايات أنه سأل السائل عن التلف بأنه ممن يكون قال
الإمام (عليه السلام): أرأيت أنه إذ كان له نماء فهو لمن؟ قال: للمالك، فقال (عليه السلام):
فضمانه أيضا له، على ما هو مضمون الرواية.
وعلى هذه القاعدة فلا بد وأن يكون التلف من المشتري لكونه مالكا
ومنفعة المال على تقدير وجودها له فيكون ضمانه أيضا عليه.
2 - القاعدة المعروفة: أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، فإنه
لا شبهة أن الخيار بعد الثلاثة للبايع، فمقتضى هذه القاعدة أن يكون
التلف من المشتري لعدم وجود الخيار.
وعلى الجملة مقتضى هاتين القاعدتين أن التلف إنما يكون من

1 - عوالي اللئالي 1: 219، الرقم: 89.
عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى من الروايات:
أنه قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخراج بالضمان، وفي جملة أخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الغلة
بالضمان.
سنن النسائي 2: 215 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، سنن أبي داود 3: 284 الرقم: 3508
كتاب البيع باب من أشتري عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا، سنن البيهقي 5: 321 كتاب البيع باب
المشتري يجد فيما اشتراه عيبا وقد استغله زمانا، مصابيح السنة للبغوي 2: 10 كتاب البيع باب
المنهي عنه من البيوع، مسند أبي داود الطيالسي 6: 206، الحاكم للمستدرك 2: 15 كتاب البيع،
المسند لأحمد 6: 208، سنن ابن ماجة 2: 31 كتاب البيع باب الخراج بالضمان، تاريخ بغداد
للخطيب 8: 298 ترجمة خالد بن مهران، كنز العمال 2: 211 الرقم: 4571 باب خيار العيب.
527

المشتري فتكونان متنافيتين لمقتضى القاعدة المتقدمة، من أن التلف من
البايع.
أما القاعدة الأولى فهي أعم من تلك القاعدة الارتكازية، لأنها واردة
في موردها، حيث إن مقتضى الارتكاز على كون التلف والضمان ممن له
المنافع، إلا أنه ثبت الارتكاز العقلائي في موارد البيع على كون التلف قبل
القبض من البايع وإن كان المال لشخص آخر، فتكون هذه القاعدة
الارتكازية مانعة عن تحقق تلك القاعدة في جميع الموارد، بل تكون
لأعميتها مخصصة بذلك، كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أن قاعدة الخراج بالضمان مقتضى لكون التلف من
المالك، وقاعدة كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال البايع مانع عن كون
الضمان للمالك، فلا منافاة بين المقتضي والمانع، ولا بعد في كون
ضمان مال أحد على شخص آخر كما في الغاصب، فإنه إذا غصب مال
شخص فتلف عنده فإن ضمانه على الغاصب.
نعم الضمان في باب الغصب إنما هو بالمثل أو القيمة، فإنه إذا تلف
المال تحت يد الغاصب فيكون ضامنا ببدله فيجب عليه إما أداء المثل أو
القيمة، وأما الضمان هنا إنما هو كون المبيع تالفا من كيس البايع بحيث
لا يجوز له مطالبة الثمن من المشتري فيحكم حينئذ بانفساخ العقد، لا أنه
يجب عليه أن يعطي بدل المبيع كما هو واضح.
وأما القاعدة الثانية، أعني الحكم بكون التلف في زمن الخيار ممن
لا خيار له، فلا دليل عليها حتى بمثل النبوي ونحوه، فإن قاعدة كل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال البايع قد ذكر لها دليل من النبوي ونحوه،
ولكن هذه القاعدة لا دليل عليها أصلا، غير أنها مورد التسالم والاجماع،
نعم ثبت ذلك في خيار المجلس والحيوان والشرط وأما في غيرها
528

فلا دليل عليه، فيحكم بعدم ذلك فضلا عن يكون منافيا لما ذكرناه من
الارتكاز وفي الموارد التي ثبت ذلك يكون تخصيصا لما ذكرناه.
بيان آخر لهذا البحث
وحاصل الكلام أن التلف قد يكون بعد الثلاثة وقد يكون قبل الثلاثة،
أما إذا كان بعد الثلاثة فهو من مال البايع، لا من جهة الرواية كما تقدم بل
من جهة القاعدة العرفية الارتكازية على أن التلف قبل القبض من مال
البايع، فإن حقيقة البيع قائمة بالأخذ والاعطاء، ومن الواضح أنه إذا تلف
المبيع تنعدم تلك الحقيقة وتنهدم ولا يبقى ذلك المفهوم لعدم بقاء
الأخذ والاعطاء حينئذ، ولا ينافي ذلك إلا أمران:
أحدهما دعوى الملازمة بين كون منفعة الملك لمالكه وبين كون دركه
عليه المعبر عنها بقاعدة الخراج بالضمان، وقد ثبت هذه القاعدة بالنص
والاجماع عندنا وكذلك عند العامة، وكذلك حكم بها العرف أيضا.
الثاني: قاعدة أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.
أما القاعدة الأولى فلا تنافي لما ذكرناه من القاعدة على كون الضمان
قبل القبض على البايع، لأنما ذكرناه وارد في مورد تلك القاعدة ومانع
عنها، فتكون مخصصة لها باعتبار أنه لو كان لهذا المال نماء قبل التلف
كان للمشتري، وكان لازم ذلك أن يكون دركه أيضا عليه لكونه مالكا،
ولكن الارتكاز خصصها وأثبت الضمان للبايع، وحينئذ لا يكون
الارتكاز من العقلاء على كون الضمان للمشتري المالك لكون الارتكاز
الثاني الذي ذكرنا على كون الضمان للبايع مانعا عنه وقرينة على عدمه
هنا.
وأما قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، فلا دليل عليه
حتى يتمسك باطلاقه في جميع الموارد، بل إنما ثبت في خيار الحيوان
529

والشرط وألحق بهما خيار المجلس، وأما في غير هذه الموارد فلا كما
هو واضح.
المقام الثاني: أن يكون التلف قبل الثلاثة
وأما إذا كان التلف في ضمن الثلاثة وقبل القبض، فالمنسوب إلى
المفيد (1) والسيدين (2) هو كونه من المشتري، ولكن الظاهر أنه أيضا من
البايع (3) بل كونه من البايع هنا أولى من كونه له فيما إذا كان التلف بعد
الثلاثة وقبل القبض.
فإنه يمكن أن يقال فيما إذا كان بعد الثلاثة وقبل القبض أن التلف من
المشتري ولو بوجه غير وجيه، بأن يقال: إن التلف بعد الثلاثة إنما هو في
زمن الخيار والتلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، وإذا تعارض في مورد
مع القاعدة الارتكازية بأن التلف قبل القبض من مال البايع تعارض العموم
والخصوص من وجه حكم بالتساقط، فيرجع إلى القاعدة الأولية من أن
تلف كل مال على مالكه.
وعلى الجملة أن كون التلف من المشتري بعد الثلاثة وقبل القبض له
وجه، وإن كان هذا الوجه غير تمام، لعدم الدليل على كون التلف في زمن
الخيار من البايع، ولكن لا وجه لكون التلف هنا من المشتري أصلا، إذ
ليس هنا زمان خيار ليتحمل كون التلف من المشتري من جهة عدم ثبوت
الخيار هنا للبايع، لأن البيع هنا لازم على الفرض والقاعدة المسلمة أن
التلف قبل القبض من البايع لا دافع عنها.

1 - المقنعة: 592.
2 - الإنتصار: 434.
3 - كما في النهاية: 386، الدروس 3: 273، الوسيلة: 248، المختلف 5: 73.
530

وتوهم أن المالك للمبيع هو المشتري فمقتضى الملازمة بين النماء
والدرك هو كون التلف من المشتري قبل الثلاثة، ولكن قد عرفت فيما
سبق أن قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه واردة في تلك
القاعدة، فلا بد من كون الدرك على البايع لكون التلف قبل القبض.
وعلى الجملة لا نعرف وجها أصلا لكون التلف قبل الثلاثة وقبل
القبض من المشتري، وما نسب إلى المفيد والسيد إن لم نحققه ولعل
النسبة غير صحيحة، وعلى تقدير الصحة لعلها ناشئة من غلط النسخة
وإلا فلا يحتمل أن يقول مثل المفيد والسيدان بكون التلف من المشتري
مع كون القاعدة المسلمة، وهي أن التلف قبل القبض من مال البايع، على
أنه لو كان نظرهم في كون التلف قبل الثلاثة من البايع على قاعدة الخراج
بالضمان، فلماذا لم يلتزموا بذلك بعد الثلاثة، بل كان الالتزام به هناك
أولى.
توجيه كلام الشيخ الطوسي (رحمه الله)
ثم إن للشيخ الطوسي هنا عبارة قد تعرض بها المصنف، ولا بأس
بالتعرض لها وتوجيهها على نحو يليق بمقام الشيخ.
حكى العلامة في المختلف عن الشيخ أنه قال في النهاية (1): إذا باع
الانسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضي المبتاع فإن العقد
موقوف ثلاثة أيام، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له وإن
مضت ثلاثة أيام كان البايع أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة
أيام ولم يكن قبضه إياه كان من مال البايع دون المبتاع، وإن كان قبضه إياه
ثم هلك في مدة الثلاثة أيام كان من مال المبتاع وإن هلك بعد الثلاثة أيام

1 - النهاية 2: 137.
531

كان من مال البايع على كل حال، لأن الخيار له بعدها - انتهى المحكي في
المختلف (1).
وقد وقع الكلام في كلام الشيخ وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال
البايع على كل حال، فإنه كالصريح في شموله لما بعد القبض أيضا، مع
أنه إذا كان القبض متحققا لا يكون التلف من البايع، ولذا تنظر العلامة في
ذلك بعد ما نقلها في المختلف، وقال: وفيه نظر، إذ مع القبض يلزم
البيع.
وذكر صاحب الحدائق: أن مراد الشيخ من هذه العبارة هو صورة
الخيار، وإن كانت عبارته غير ظاهرة فيه، وكثيرا عبر الشيخ بعبارة ظاهرة
في غير مراده، وتعميم العلامة إلى صورة اللزوم أيضا بلا وجه (2).
واختار المصنف أيضا هذا الوجه، وذكر أن العلامة جعل الفقرة
الثالثة، وهي قوله: وإن هلك بعد الثلاثة أيام - الخ، مقابلة للفقرتين،
فيشمل الحكم ما بعد القبض أيضا، خصوصا مع قوله: على كل حال،
لكن التعميم مع أنه خلاف الاجماع مناف لتعليل الحكم بعد ذلك بقوله:
لأن الخيار له بعد الثلاثة أيام، فإن من المعلوم أن الخيار إنما يكون له مع
عدم القبض، فيدل ذلك على أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل
القبض، فلا يشمل لما بعد القبض كما زعمه العلامة.
والظاهر أن عبارة الشيخ ونظر العلامة، واشكال صاحب الحدائق
والمصنف على العلامة، وتوجيههما عبارة الشيخ لا يظهر لنا وجه ذلك
كله، فإن التعليل الذي ذكره الشيخ بقوله: لأن الخيار له، بعد قوله: كان من
البايع على كل حال، صريح في أن البايع له الخيار، كما ذكره المصنف،

1 - المختلف 5: 69،
2 - الحدائق 19: 49.
532

وأخذه قرينة على عدم إرادة الشيخ صورة اللزوم، وبذلك أشكل على
العلامة.
وحينئذ فمقتضى ذلك التعليل أن يكون التلف من المشتري لأنه ممن
لا خيار له، وكان المصنف وصاحب الحدائق غفلا من هذه الجهة، وأن
مقتضى كون الخيار للبايع هو كون الضمان على المشتري.
وعلى الجملة أنا وإن قلنا إن قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار
له لا دليل عليها، ولكن الشيخ وغيره تسلموا ذلك وعلل كلامه بها،
وعليه فمقتضى هذا التعليل أن يكون التلف على البايع، فلا يمكن
تصديق كلام صاحب الحدائق والمصنف ولا كلام العلامة أيضا، فإن
قول الشيخ: على كل حال، وإن كان كالصريح في شمول الحكم لصورة
اللزوم أيضا، ولكن تعليله كالصريح أيضا في عدم إرادة صورة اللزوم كما
لا يخفى.
ويمكن أن يوجه كلام الشيخ بأن النسخة فيه غلط، وإنما أبدلت كلمة:
المبتاع الذي هو المشتري، بكلمة البايع اشتباها، وقد استعملت كلمة
المبتاع في كلامه في المشتري كثيرا، وتعليله كون التلف من المشتري
على كل حال من جهة أن القبض بعد الثلاثة لا يوجب سقوط خيار البايع،
وحينئذ فيكون التلف في زمان خيار البايع والتلف في زمن الخيار ممن
لا خيار له، فكان الشيخ تعمل بهذه القاعدة، أو أن غرضه من التعليل هو
التعليل على أحد طرفي الحكم، وهو صورة عدم القبض، وأما صورة
القبض فحكمها واضح، من جهة أن التلف بعد القبض من مال المشتري
وهذا الثاني أليق بكلام الشيخ.
لو مكن البايع المشتري من القبض فلم يقبض المشتري
ثم لو مكن البايع المشتري من القبض فلم يقبض المشتري المبيع
533

ولم يتسلمه، ثم تلف عند البايع، فهل يكون ضمانه على البايع أو على
المشتري؟
فذكر المصنف أنه لو كان الضمان المترتب على عدم القبض مرتفعا
بهذا المقدار من القبض، أي التخلية بين المبيع والمشتري، كان الضمان
على المشتري، وإلا كان الضمان على البايع، ثم ذكر أن ارتفاع الضمان
بذلك هو الأقوى.
والذي ينبغي أن يقال إنه:
إن كان مدرك القول بأن التلف قبل القبض من مال البايع هو النبوي أو
رواية عقبة بن خالد (1)، فلا شبهة في كون التلف من البايع، فإن معنى
القبض المذكور فيهما هو الأخذ الخارجي، ولا يصدق ذلك على مجرد
التخلية بين المالك والمال، بل اعتبر في رواية عقبة بن خالد أن يخرج
البايع المتاع من بيته وإلا فيكون ضمانه عليه، ولكن قد عرفت أن كلتا
الروايتين ضعيفتا السند وغير منجبرة بشئ، خصوصا الرواية الثانية،
لعدم عمل أحد على مضمونها، كما لا يخفى.
وإن كان مدرك الحكم المذكور هو الارتكاز العرفي وبناء العقلاء،
ولا شبهة في حصول القبض بمجرد التخلية وتمكين المشتري من
القبض، فإنه لا يشك أحد في أنه إذا باع أحد متاعا ومكن المشتري من
القبض فلم يقبض حتى تلف يكون التلف من المشتري، مثلا إذا اشترى
أحد شيئا وقال البايع: خذ متاعك، وقال المشتري: يبقى عندك أجيئك
بعد ساعة، فمضي المشتري واحترق المتاع، وهل يتوهم أن ضمان في
مثل ذلك على البايع.

1 - الكافي 5: 171، التهذيب 7: 21 و 230، عنهما الوسائل 18: 24، مجهولة بمحمد بن
عبد الله بن هلال وبعقبة بن خالد.
534

وعلى هذا فما ذكره المصنف هو الأقوى، على أنه ليس من المتعارف
في الخارج اقباض المبيع من المشتري خارجا.
المسألة (3)
لو اشترى ما يفسد من يومه
قوله (رحمه الله): مسألة: لو اشترى ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه وبين
الليل وإلا فلا بيع له.
أقول: ذهب المشهور إلى أنه لو اشترى أحد متاعا يفسد من يومه
ولم يقبضه ولم يقبض الثمن، فإن جاء الثمن ما بين الثلاثة وإلا فلا بيع له،
وللبايع الخيار.
والتحقيق في مدرك ذلك، فقد استدل عليه بمرسلة محمد بن أبي
حمزة (1)، وهي من حيث السند مرسلة، ولكن الظاهر أن المشهور
استندوا إليها في فتياهم بكون البايع على خيار في هذه المسألة، وعليه
فلا تجري فيها المناقشة الضرورية من احتمال استنادهم إلى غيرها، نعم
يبقى الاشكال فيها من حيث الكبرى، حيث قلنا إن الشهرة لا توجب جبر
ضعف الرواية كما لا يخفى.
ثم إن في الوسائل نقل عن الصدوق عن ابن فضال عن الحسن بن علي بن
رباط عن زرارة قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ
والفواكه يوم إلى الليل (2).

1 - عن محمد بن أبي حمزة أو غيره عمن ذكره عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) في
الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن، قال: إن جاء فيما بينه
وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له (الكافي 5: 172، التهذيب 7: 25، الإستبصار 3: 78، عنهم
الوسائل 18: 24)، ضعيفة بالارسال.
2 - الفقيه 3: 127، عنه الوسائل 18: 25.
535

ويقع الكلام تارة من حيث السند، وأخرى من حيث الدلالة.
أما من حيث السند، إن السند الذي نقل صاحب الوسائل هذه الجملة
ونسب روايتها إلى الصدوق وإن كان لا بأس به، ولكن الاشكال فيه من
جهتين:
الأولى: إن الصدوق نقل في الفقيه ما دل على ثبوت الخيار في الحيوان
للمشتري إلى ثلاثة أيام وكون الحدث للبايع، ثم ألحق بذلك قوله: ومن
اشترى جارية وقال للبايع أجيئك بالثمن فإن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا
فلا بيع، ثم قال: والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ
والفواكه يوم إلى الليل.
والذي نظن ظنا اطمئنانيا أن الصدوق نقل الرواية الدالة على كون
الحدث في الحيوان للبايع إلى الثلاثة، وأراد أن يجمع ما يشبهه، فألحق
به مضمون رواية علي بن يقطين (1) الدالة على ثبوت خيار تأخير الثمن في
الجارية بعد شهر، وألحق به مضمون مرسلة محمد بن أبي حمزة الدالة
على ثبوت الخيار للبايع فيما يفسده بيومه، إذن فتكون الرواية هنا
مختصة بمرسلة ابن أبي حمزة، وقد أفتي الصدوق بطبقها في ذيل
الرواية الدالة على ثبوت خيار الحيوان للمشتري، كما هو دأبه كثيرا بعد
نقل الروايات فإنه ألحق بها مضمون رواية أخرى مسانخ لها.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى
جارية وقال: أجيئك بالثمن؟ فقال: إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له (التهذيب 7: 80،
الإستبصار 3: 78، الفقيه 3: 127، عنهم الوسائل 18: 22)، معتبرة على نقل الشيخ، وضعيفة
على نقل الصدوق.
536

ويؤيد ذلك أن الرواية قد نقلها الشيخ في التهذيب (1) بالسند الذي نقلها
الصدوق وليست مذيلة بهاتين الجملتين، على أن سوق العبارة يقتضي أن
لا يكون الجملتان من الرواية، ولا يشبه كلام الإمام (عليه السلام) كما يقتضيه
الذوق السليم.
فالحاصل أن الذيل من كلام الصدوق، كما عليه الأكثر كصاحب
الحدائق وغيره.
ومع الغض عن حصول الظن الاطمئناني بذلك فلا أقل من الشك، فما
يشك كونه جزءا لا تشمله أدلة حجية الخبر، بل لا بد من احرازه كما
لا يخفى.
الثانية: ومع الاغماض عن جميع ذلك فالرواية ليست منقولة عن
زرارة، بل أيضا مرسلة كمرسلة ابن أبي حمزة، فإن الحسن بن علي بن
رباط ينقل عمن رواه لا عن زرارة، وإنما كتب لفظ زرارة وعمن رواه
كليهما في نسخة الوسائل (2)، والظاهر أنه اشتباه من الناسخ لا اشتباه عمن
رواه بزرارة، وإلا فهي مرسلة كما في الحدائق (3) والوافي وغيرهما (4).
وأما من حيث الدلالة، فمع الاغماض عن ضعف سندها فلا دلالة فيها
على المقصود، حيث إن المراد من كون العهدة على البايع إلى الليل ليس
هو ثبوت الخيار له في أول الليل، بل معناه أن الضمان له إلى الليل وبعده
ليس عليه ضمان وإن كان تالفا قبل القبض، فإن الظهور العرفي من كلمة
العهدة هو الضمان كما يطلق عليه كثيرا في العرف.

1 - التهذيب 7: 25.
2 - الوسائل 18: 25.
3 - الحدائق 19: 50.
4 - الجواهر 23: 59.
537

وأما مرسلة محمد بن أبي حمزة، فمن حيث السند قد تقدم الكلام
فيها، وقلنا: إن الظاهر أن المدرك هنا منحصر بها، فيكون ذهاب
المشهور إلى ذلك نفس هذه المرسلة، فبناء على انجبار ضعف الرواية
بالشهرة فتكون منجبرة بها، وإنما الاشكال في الكبرى.
وأما من حيث الدلالة، فدلالتها على المقصود يحتاج إلى تأويل
اجمالا وإن كان لا بأس به، وتوضيح ذلك:
أن ظاهر المشهور أن ما يفسد من يومه فللبايع فيه الخيار من أول الليل
كما هو المستفاد من ظاهر النص أيضا، وعليه فلا فائدة لثبوت الخيار
للبايع، فإن أول الليل أول شروع المبيع بالفساد فبعد شروعه بالفساد
فأي فائدة للخيار، فإنه مع فسخ العقد أيضا يقع البايع في الضرر.
نعم لو كان مراد الفقهاء ما ذكره الشهيد كما هو المظنون، فإنه لسان
الفقهاء ويطلع على مرادهم، وإن كان كلامهم مجملا فلا اضطراب في
كلمات الفقهاء، فإنه عبر عن هذا الخيار في الدروس (1) بخيار ما يفسده
المبيت، وعليه فأول الليل ليس زمان الشروع بالفساد، لأن المبيت هو
المفسد للمبيع فيكون الخيار في أول الليل دافعا لضرر البايع.
وأما تطبيق الرواية على هذا، فيمكن أن يراد من اليوم اليوم مع ليلة،
كما هو المتعارف في الاطلاقات كثيرا، وعلى هذا فلا فساد في استناد
المشهور في فتياهم على المرسلة، فلا بأس بهذا المقدار من خلاف
الظاهر.
ولكن الذي يسهل الخطب أن الشهرة لا تجبر ضعف الرواية، إذن
فلا مدرك للقول بثبوت الخيار هنا.

1 - الدروس 3: 274.
538

استدلال المصنف (رحمه الله) على ثبوت الخيار هنا للبايع بقاعدة لا ضرر
ثم إنه قد استدل المصنف على ثبوت الخيار هنا للبايع بقاعدة لا ضرر،
وقد تقدم الجواب عنها، فإنه لم ينشأ الضرر من ناحية لزوم العقد بوجه،
بل أما من جهة ضمان البايع به فإنه التلف قبل القبض من مال البائع، فيرفع
ضمانه، وإن كان من جهة لزوم حفظه للمشتري فيرفع وجوب ذلك،
وأما من جهة تأخير الثمن فيرتفع الضرر بغير الفسخ من المقاصة ونحوها.
وكيف كان فدفع الضرر عن البايع ليس منحصرا بفسخ العقد حتى
يلتزم بالخيار بدليل نفي الضرر، كما هو واضح.
ثم إن الشروط التي ذكرناها في خيار التأخير جار هنا، بناءا على ثبوت
الخيار هنا للبايع، فإن هذا أيضا قسم من خيار التأخير.
ضمان البايع المبيع لو تلف عنده
ثم هل يضمن البايع المبيع لو تلف عنده ولم يجئ المشتري بالثمن
أم لا؟
قد تقدم في خيار التأخير أن التلف سواء كان قبل الثلاثة أو بعده على
البايع إذا كان قبل القبض للارتكاز العقلائي، ولكن هذا الارتكاز منفي في
المقام، فإنه لا يساعد أحد على أنه إذا اشترى أحد متاعا يفسد من يومه
وخلي عند البايع وتلف عنده كان البايع ضامنا، لو ادعى أحد ضمانه
على البايع يضحك عليه.
وبعبارة أخرى أن ما ذكرناه سابقا لم يكن التلف فيه مستند إلى عدم
مجئ المشتري، وفي المقام أن التلف مستندا إلى عدم مجيئه، لأن
المبيع لا دوام للبقاء فيتلف من جهة تأخيره، والحكم أوقع فيما إذا كان
539

المتاع يفسد من ساعته كالثلج ونحوه، وفي جميع ذلك أن التلف عن
المشتري.
ومن هنا يعلم أن الحكم في أمثال المقام لا يحتاج إلى الرواية بل هو
على طبق القاعدة، من كون التلف عن المالك كما هو واضح.
بيان آخر للمسألة الثالثة وأن المدرك فيه هو السيرة
والحاصل إن كان مدركه هو مرسلة ابن أبي حمزة، فهي من حيث
الدلالة وإن كانت تامة، لأن المراد من اليوم المذكور فيها هو اليوم وليلة،
فلا يرد عليها أنها لا تنطبق على فتوى المشهور، ولكن ضعف السند مانع
عن الأخذ بها إلا بناءا على انجبار ضعف الرواية بالشهرة.
وإن كان المدرك لذلك هو قاعدة نفي الضرر، فقد عرفت أن ارتفاعه
لا يتوقف على ثبوت الخيار للبايع، على أن النسبة بين ما ذكره المشهور
من ثبوت الخيار للبايع من أول الليل وبين مفاد لا ضرر عموم من وجه،
فإنه قد يكون الضرر قبل انتهاء اليوم وقد يكون في وسط الليل، وقد
يكون أول الليل، فأذن فلا تنطبق القاعدة على فتوى المشهور.
وقلنا: إن الذي ينبغي أن يقال: إن السيرة قائمة على أن التلف قبل
القبض من مال البايع كما تقدم، لأن الأخذ والاعطاء من متممات البيع
ومع الانتفاء ينتفي البيع، وقد عرفت ذلك آنفا، ولكن هذه السيرة غير
جارية في بيع ما يفسد ليومه.
وذلك لأنما ذكرنا أنما هو في مورد يكون التلف سماويا ولم يكن
مستندا إلى تأخير المشتري في الاتيان بالثمن، بأن اشترى متاعا يفسد
ليومه وتأخر في اتيان الثمن حتى تلف المبيع، فإنه حينئذ يحسب التلف
على المشتري، وإن كان قبل القبض فإن البايع لم يمنع عن التسليم من
540

قبله بل مكنه من الأخذ وتركه المشتري عند البايع ليجئ بالثمن
فلم يجئ فتلف المبيع لتأخيره.
وعليه فلا يختص الحكم بما يفسد ليومه بل يجري فيما يفسد من
ساعته أو نصف يوم أو يومين فإن السيرة الدالة على ضمان البايع قبل
القبض لا يجري في ذلك كله بوجه.
وعلى هذا فهل يثبت الخيار للبايع هنا من جهة تأخير الثمن، بأن
يفسخ المعاملة ويبيع المبيع من شخص آخر، لأنه يحتمل أن لا يجئ
بالثمن أصلا، فإذا تلف المبيع فيذهب ماله هدرا، خصوصا إذا لم يعرف
المشتري لكونه غريبا أو لا يتمكن من أخذ الثمن منه، أوليس له خيار؟
يمكن أن يقال بثبوته له من جهة السيرة أيضا، بدعوى أنها جارية على
حفظ المالية في المبادلات، وإنما وقعت المبادلة بين المالين، فإذا كان
مال البايع في معرض التلف والزوال فلا يبعد قيام السيرة وبناء العقلاء
على ثبوت الخيار للبايع لئلا يتضرر بذهاب ماله، فالخيار حينئذ يكون
ثابتا بالسيرة، فتكون حكمته نفي الضرر، ومع عدم الجزم بهذه السيرة
فاثبات الخيار مشكل جدا.
اثبات هذا الخيار بالسيرة ببيان آخر
ويمكن اثبات الخيار بالسيرة أيضا، ولكن ببيان آخر حاصله: أن
المعاملة الواقعية بين المشتري والبايع حينئذ ليست بنسيئة، غاية الأمر
أن المشتري استمهل من البايع أن يتأخر بالاتيان بالثمن على هذا،
فالمتبايعان قد اشترطا في المبيع من الأول ضمنا بحسب بناء العقلاء
وارتكازهم وسيرتهم أنه يجب على كل من المتبايعين اعطاء العوض
للآخر.
541

فإذا تخلف أحدهما عن ذلك ثبت للآخر خيار تخلف الشرط، غاية
الأمر أن البايع قد أسقط خياره هذا في الجزء الأول من الزمان، وأما في
غيره فخياره باق على حاله، فالخيار في أمثال المقام من جهة تخلف
الشرط.
ودعوى أن له خيار واحد فإذا أسقطه في أول الوقت سقط دائما لعدم
تعدد الخيار حتى يبقى الآخر بعد سقوط واحد من ذلك دعوى جزافية،
لأن الخيار هنا واحد بلا شبهة إلا أنه ينحل بحسب الزمان، فالاسقاط
بحسب مقدار من الزمان لا أصله، فيكون في غير زمان الاسقاط باقيا على
حاله كما هو واضح.
وبعبارة أخرى قد ذكرنا في معنى جعل الخيار لأحد المتبايعين أن
مرجعه إلى ايقاف التزام البايع بالبيع على التزام المشتري بالشرط الذي
اشترط في البيع، كان باع ماله منه واشترط عليه خياطة ثوبه مثلا، فإن
توقف التزامه بالبيع بالتزام المشتري بالشرط يشمله دليل وجوب الوفاء
بالشرط، فيكون الشرط واجب الوفاء على المشتري.
ويكون مرجع هذا الاشتراط إلى كون البيع مقيدا بذلك، وأنه مع عدم
هذا الالتزام الشرطي ليس هنا التزام بالبيع، فإذا تخلف البايع عن التزامه
يتخلف المشتري أيضا عن التزامه، فلازم ذلك ثبوت الخيار للبايع،
فالخيار وإن لم يثبت بالاشتراط بالمطابقة ولكن يثبت بذلك بالالتزام،
كما هو واضح.
وعلى هذا ففي المقام أن البايع قد اشترط في ضمن العقد ولو بحسب
الارتكاز وبناء العقلاء وسيرتهم على المشتري وجوب تسليم الثمن نقدا
ولكن امهاله في تأخيره مقدارا من الزمان وأسقط شرطه الثابت بحسب
السيرة مدة خاصة لأنه حق له، فقد قامت السيرة القطعية على جواز
542

اسقاط الحق، فلا يرد أن الاسقاط بلا دليل في مقام الاثبات وإن كان
ممكنا ثبوتا، فإذا لم يجئ المشتري الثمن في هذه المدة فللبايع الخيار
من جهة تخلف ذلك الشرط في ضمن العقد، فثبوت الخيار حينئذ على
القاعدة، وهذا لا بأس به بل نجزم بذلك جزما قطعيا.
ولا يفرق في ذلك بين كون المتاع من يفسد ليومه أو في يومين أو في
ساعة أو في ساعتين، بل يجري في جميع ذلك، بل يجري ذلك فيما
لا يتلف بل يبقى مدة كثيرة ولكن يذهب سوقه لبعض الأمتعة في هذه
البلاد في أيام الزوار، فإذا اشترى أحد سبحة من شخص وخلي عنده
وقال: أجئ بالثمن، فلم يجئ، وكان الصبر أزيد من ساعة مثلا موجبا
لزوال السوق، فله الخيار، فإذا فسخ العقد وإذا جاء المشتري فليس له
شئ.
543

6 - خيار الرؤية
قوله (رحمه الله): السادس: خيار الرؤية.
أقول: إن كان المراد من خيار الرؤية الخيار المسبب عن اشتراط
المتبايعين كون المبيع على وصف كذا، فإذا رآه المشتري مثلا فوجده
غير واجد للوصف فيحكم بثبوت الخيار له، فلا شبهة حينئذ في كون
ذلك من صغريات خيار تخلف الشرط، وإنما ذكروا ذلك مستقلا لورود
النص عليه.
وهذا الوجه يظهر من الفقهاء خصوصا من شيخنا الأنصاري، حيث
جعل عنوان المسألة ما هو ظاهر في ادراج ذلك من خيار تخلف الشرط
وقال: المراد به الخيار المسبب عن روية المبيع على خلاف ما اشترطه
فيه المتبايعان، وعليه فلا يفرق في ثبوت ذلك بين المشتري والبايع في
الثمن والمثمن.
وإن كان المراد من ذلك أن المشتري قد أقدم على الشراء باعتقاد أن
المبيع واجد لوصف كذا، كان اشترى عبدا باعتقاد أنه عالم لكون والديه
عالما، أو حصل له الاعتقاد من توصيف المشتري من غير اشتراط ذلك
في البيع بالشرط الضمني، ثم ظهر الخلاف من غير أن يكون نقص القيمة
ليدخل في خيار الغبن، فيكون للمشتري الخيار، وعلى هذا الوجه
لا يكون مندرجا في خيار تخلف الشرط، بل يكون خيارا آخر في مقابل
خيار تخلف الشرط وغيره.
544

ولا شبهة أن كلمات الفقهاء مضطربة في هذا المقام، ولم يعنون هذه
المسألة على ما ينبغي في كلماتهم، وقد عرفت أنه يظهر منهم كون هذا
الخيار من ناحية الاشتراط، ولكن الظاهر من الرواية هو الوجه الثاني، وأنه
خيار آخر في مقابل بقية الخيارات.
والرواية هي صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال
صار إلى الضيعة فقلبها، ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): أنه لو قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي
منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية (1).
فإن اطلاقها يشمل صورة عدم الاشتراط أيضا، بأن اعتقد كون جميع
الضيعة على النحو الذي رآها جملة منها، وعلى الوجه الذي اعتقد بها،
ولو من توصيف البايع فاشتراها بغير اشتراط ثم دخلها فقلبها فوجدها
على غير الذي اعتقد بها، فقال الإمام (عليه السلام) في ذلك أن له خيار الرؤية،
ومع الحمل على التوصيف لا يكون بيع مجهول.
فهذه الرواية تدل باطلاقها على ثبوت خيار الرؤية للمشتري، بل
يمكن دعوى اختصاصها بصورة عدم الاشتراط الذي هو مورد خيار
الرؤية، وتوضيح ذلك:
إن الرؤية ليست لها موضوعية في صحة البيع بالضرورة ولا في لزومه،
بحيث أن يحكم ببطلان البيع مع عدم الرؤية أو بثبوت الخيار فيه، بأن باع
شيئا بالتوصيف ثم رآه المشتري فيثبت له خيار الرؤية بمجرد ذلك، بل
إنما يثبت خيار الرؤية مع الاعتقاد بكون المبيع واجدا لوصف كذا، إما

1 - التهذيب 7: 26، الفقيه 3: 171، عنهما الوسائل 18: 28، صحيحة.
545

بالتوصيف من البايع أو بحسب الاعتقاد المبني على المواطاة بينهما، ثم
ظهر خلاف اعتقاده من غير أن يكون ذلك موجبا لنقص القيمة، فإنه يثبت
للمشتري حينئذ خيار الرؤية، وهذا النحو من التخلف غير التخلف في
صورة الاشتراط، فتكون الرواية شاهدة لثبوت خيار الرؤية.
وعلى الجملة لا يدور خيار الرؤية مدار الرؤية وعدمها، لعدم
الموضوعية لنفسها بالضرورة، بل مدار خلاف الاعتقاد الحاصل من
التوصيف ونحوه، فليس كل تخلف تخلفا للشرط الموجود في العقد
حتى يرجع ذلك إلى خيار تخلف الشرط، فتكون الرواية حينئذ أجنبية
عن خيار تخلف الشرط بهذا البيان.
على أن مورد الرواية هو صورة عدم الاشتراط، حيث إن المشتري بعد
ما اشترى الضيعة فدخلها وخرج منها فاستقال من البايع فلم يقله، فقال
الإمام (عليه السلام) فله خيار الرؤية، فلو كان هنا اشتراط فإنه لم يكن محتاجا إلى
الاستقالة، بل فسخه بمقتضى خيار تخلف الشرط، وكيف كان فلا بأس
بدلالة الصحيحة على ثبوت خيار الرؤية.
شمول صحيحة جميل للبايع
ثم إنه لم يذكر في الرواية إلا خصوص المشتري، فلا تشمل الرواية
على البايع إلا بدعوى الاجماع على عدم الفرق بينهما، أو بتنقيح المناط
في الرواية.
بأن يقال: إن البيع قائم بالطرفين من البايع والمشتري، فإذا ثبت خيار
الرؤية فيه للمشتري يثبت للبايع أيضا، إذ نقطع بأن المناط في ثبوت
الخيار له ليس إلا ارفاق حال وملاحظة أنه لا يقع في الضرر، وهو جار في
البايع أيضا ومن لم يذكر في الرواية، إلا أن المشتري اشترى ضيعة
546

ودخلها وقلبها - أو فتشها، كما في بعض النسخ (1) - فخرج منها واستقال
البايع فلم يقله فقال الإمام (عليه السلام) إنه إذا لم ير قطعة منها فله الخيار، ومن
البديهي أن عدم رؤية المشتري لا خصوصية فيها لكي نخصص الحكم
به، بل نقطع من ذلك أن المناط في ثبوت الخيار له هو الارفاق وعدم
الرؤية، وإذن فلا بأس بتعميم الخيار للبايع أيضا.
أقول: أما الوجه الأول فهو دعوى الاجماع على التعميم، فمضافا إلى
عدم حجية الاجماع المنقول إنه من المحتمل أن يكون مدرك المجمعين
هو ارجاعهم هذا الخيار بخيار تخلف الشرط، فحينئذ يكون ثبوت
الخيار على القاعدة فلا يكون الاجماع حينئذ اجماعا تعبديا، بل يكون
مدركه هو اشتراط المتبايعين كما هو واضح.
أما الوجه الثاني فنقول: إن دعوى ثبوت خيار الرؤية للبايع قد يكون
في الثمن وأخرى في المثمن، أما الأول فلا شبهة في صحة تنقيح المناط
لأن نسبة البيع إلى البايع والمشتري وإلى الثمن والمثمن على حد سواء،
فإذا ثبت الحكم بالنسبة إلى المثمن لخصوص المشتري في مورد مع
عدم ذكر خصوصية له فيما دل على ثبوت ذلك الحكم له فنجزم من ذلك
أن الحكم يعم البايع أيضا.
وأما دعوى ثبوت ذلك في المثمن بأن باع شيئا باعتقاد أنه كذا اعتمادا
على توصيف شخص ثم رأى أنه أرقى مما وصفوه له ولكن لا بحيث
يكون موجبا للغبن، وإلا فيكون له خيار الغبن، بل كانت الارقائية على
نحو لا يوجب زيادة الثمن بل كانت القيمة التي باع المتاع بها قيمة عادلة
بل أكثر من ثمن المثل، فهل له خيار الرؤية هنا بتنقيح المناط أو لا،

1 - الفقيه 3: 171، عنه الوسائل 18: 29.
547

فالظاهر هو عدم الجزم بذلك، وإن كان محتملا، ولكن بمجرد الاحتمال
لا يمكن الحكم بثبوت الخيار للبايع بمجرد تخلف اعتقاده عن الواقع كما
هو واضح.
وذكر المصنف أنه حكي عن بعض أنه يحتمل في صحيحة جميل
أن يكون التفتيش عن البايع، بأن يكون البايع باعه بوصف المشتري
وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما.
وفيه أنه واضح الفساد، ولا ندري أن المصنف لماذا نقله، فإنه خلاف
ظاهر الرواية بل صراحتها، حيث إن الضمائر كلها ترجع إلى المشتري،
على أن مورد الرواية هو المشتري، والسائل إنما سأل عنه، فكيف يمكن
حمل التفتيش على تفتيش البايع، وحمل الجواب على الأعم من البايع
والمشتري.
وكيف كان أن ظهور الرواية في ثبوت خيار الرؤية لخصوص
المشتري مما لا ينكر، ولا بأس باثباته للبايع في خصوص الثمن بتنقيح
المناط.
الاستدلال على هذا الخيار برواية زيد الشحام
ثم إنه استدل في الحدائق (1) على ثبوت خيار الرؤية على المشتري
بصحيحة زيد الشحام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم، فقال: لا تشتر شيئا حتى يعلم
أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج (2).
ثم قال: وتوضيح هذا الخبر ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح

1 - الحدائق 19: 56.
2 - التهذيب 7: 79، الكافي 5: 323، الفقيه 3: 146، عنهم الوسائل 18: 29، صحيحة.
548

عن عبد الرحمان بن الحجاج عن منهال القصاب، وهو مجهول، قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم يدخل
دارا، ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا واثنين وثلاثة وأربعا
وخمسا ثم يخرج السهم، قال: لا يصلح هذا، إنما تصلح السهام إذا
عدلت القسمة - الخبر (1).
أقول: لم نفهم وجه الاستدلال على المقصود برواية زيد الشحام،
ولا وجه الاستشهاد عليه برواية عبد الرحمان بن الحجاج، أما الثاني فلأن
رواية عبد الرحمان ناظرة إلى بطلان القسمة المذكورة، بأن اشترى
جماعة أغناما إما مشاعا كما هو الظاهر أو معينا، ثم ادخلوها في قبة ثم
بخروجها منها، فيقف رجل بالباب فيعد لصاحب الخمسة خمسة، و
لصاحب الاثنين اثنين، ولصاحب العشرة عشرة وهكذا، وبين الإمام (عليه السلام) وجه البطلان، وهو أن هذه ليست بقسمة عادلة، لتفاوت الأفراد
بالسمن والهزال، ويمكن جريان هذه القسمة في الغنم الواحد أيضا، بأن
ذبحوه بعد الشراء ويأخذ واحد صدره والآخر رجله، وهكذا، فافهم،
وهذا واضح.
فليس في هذه الرواية اشعار بثبوت خيار الرؤية لأحد المتبايعين،
ولا أن فيه إشارة إلى شراء لشخص واحد سهام القصابين قبل خروج
السهم، فالرواية أجنبية عن المقام.
وأما صحيحة زيد الشحام فهي أيضا خارجة عن المقام، والوجه في
ذلك هو ما ذكره المصنف، من أن المشتري لسهم القصاب إن اشتراه
مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية لعدم التعين، وإن اشترى سهمه المعين
الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين وشراء قبل التملك، فهو لا يصح

1 - التهذيب 7: 79، الكافي 5: 323، عنهما الوسائل 17: 356.
549

فضلا عن ثبوت خيار الرؤية فيه، وعلى تقدير الصحة فلا خيار فيه
للرؤية كالمشاع.
ثم ذكر المصنف تفسير الرواية بأنه يمكن حملها على شراء عدد معين
نظير الصاع من الصبرة، فيكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم.
وفيه أن خيار الحيوان إنما يثبت في البيع من حين العقد لا من بعده،
فلا وجه لحمل الرواية على ذلك.
ويمكن أن يقال: إن المراد من الرواية أن الإمام (عليه السلام) قد حكم ببطلان
البيع لكونه من قبيل شراء ما لا يملكه البايع، لعدم خروج السهم على
الفرض، ثم حكم بالخيار بعد ذلك أي بكونه مختارا في الشراء وعدمه
بعد القسمة وخروج السهم، فيكون المراد من الخيار الاختيار أعني
معناه اللغوي.
فتحصل أن خيار الرؤية خيار مستقل في عرض خيار الشرط، ودليله
صحيحة جميل بن دراج، فافهم.
المسألة (1)
مورد هذا الخيار
قوله (رحمه الله): مسألة: مورد هذا الخيار.
أقول: ذكر المصنف أن مورد هذا خيار الرؤية بيع العين الشخصية
الغائبة، وذكر أن المعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع التي
يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر، إذ لولاه لكان غررا.
أقول: الظاهر أن مراده من ذلك نفي خيار الرؤية في المبيع الكلي في
الذمة، فإنه لا يمكن في مثل ذلك الالتزام بخيار الرؤية، فإنه إذا لم يكن ما
سلمه البايع إلى المشتري موافقا للمبيع الكلي فله التبديل دون الخيار،
وأما في الكلي في المعين وفي المشاع يعني إذا كان المبيع شيئا منهما
550

فلا بأس بثبوت خيار الرؤية فيه على مسلك المصنف، حيث ذهب إلى أن
خيار الرؤية من جهة تخلف الشرط الضمني، فإنه لا شبهة في امكان
تخلف الوصف في مثل بيع المشاع والكلي في المعين، كما إذا وصف
صبرة واعتقد المشتري أنها واجدة لوصف فلأني أو وصف شخص آخر
ذلك، واعتقد عليه المشتري فاشترى نصف المشاع منها أو اشترى
صاعا منها، ثم انكشف أن الصبرة غير واجدة لذلك الوصف، فإن له خيار
لتخلف الوصف.
لا يقال: إن المصنف قد صرح في المسألة السابقة بانتفاء خيار الرؤية
في المبيع المشاع في الجواب عن الاستدلال برواية شراء سهام القصابين،
فكيف يمكن شرح كلامه هنا على هذا النحو.
وفيه أن المصنف لم يذهب هناك إلى نفي خيار الرؤية عن المبيع
المشاع، بل كان غرضه في مورد شراء سهام القصابين ليس خيار الرؤية،
سواء كان المبيع مشاعا أو معينا، لأنه قد رأى المبيع واطلع عليها
ولا يلزم بعد الرؤية والاطلاع على أوصافه تخلف ليلزم خيار التخلف
الوصف، وإنما التفاوت منشئا من ناحية شراء سهامهم قبل الشراء،
حيث لا يعلم أنها على أي كيفية أنها أقل أو أكثر، وأنها جيدة أم لا،
فالمورد له خصوصية تقتضي انتفاء خيار الرؤية، لأن المبيع قد لوحظ
قبلا فلا يكون هنا خيار الرؤية، سواء كان المبيع مشاعا أو معينا، على
أنه إذا كان معينا فهو باطل، ولا يلزم من ذلك نفي خيار الرؤية فيما كان
المبيع مشاعا أو كليا في المعين بأن اعتقد على توصيف فظهر خلافه.
وأما على مسلكنا من كون خيار الرؤية للرواية، فلا شبهة في ثبوته في
العين الشخصية الغائبة، لكون ذلك مورد الرواية، ولا يبعد الالتزام بثبوته
في المبيع المشاع، لأنه وإن كان خارجا عن مورد الرواية ولكن مقتضى
فهم العرفي هو أن لا يفرق بين شراء الضيعة بتمامها الذي هو مورد الرواية
551

وبين شراء نصفها مثلا مشاعا، فيمكن بذلك أن يدخل المبيع المشاع
أيضا مورد الرواية، وأما بيع الكلي في المعين فهو خارج عن ذلك قطعا
كما هو واضح.
ما هو أوصاف المبيع التي ترتفع بها الجهالة؟
ثم ذكر المصنف أنه عبر جماعة عن أوصاف المبيع التي ترتفع بها
الجهالة بما يختلف الثمن باختلافها كما في الوسيلة (1) وجامع المقاصد (2)
وغيرهما، لأن الرغبات يختلف باختلاف أوصاف الأشياء، وعبر عنها
جمع آخر بما يعتبر في صحة السلم، بحيث لا يكون بيع السلم غرريا،
وجمع آخر والشيخين اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة (3).
ثم ذكر أن مراد جميعهم واحد، وهو اعتبار ذكر الوصف على نحو
يرفع الغرر، ثم ذكر عبارة التذكرة (4) وذكر أنه قد يترائى التنافي بين اعتبار
ما يختلف الثمن باختلافه وكفاية ذكر أوصاف السلم، من جهة أنه قد
يتسامح في السلم ذكر بعض الأوصاف لافضائه إلى عزة الوجود أو لتعذر
الاستقصاء على التحقيق، ثم وجه ذلك ورفع توهم التنافي بوجهين.
ولا يهمنا شرح كلام القوم، والذي يهمنا أنه لا شبهة في شمول
العمومات الدالة على صحة البيع لكل بيع، ولم يخرج عن تلك
العمومات إلا ورود النهي في النبوي عن بيع الغرر الذي تقدم ذلك في
شرائط العوضين.

1 - الوسيلة: 256.
2 - جامع المقاصد 4: 301.
3 - السرائر 2: 304.
4 - التذكرة 1: 524.
552

وتوضيح ذلك: أنه قد يراد من نفي الغرر لزوم ذكر الأوصاف في السلم
وغيره بما يرفع الجهالة المداقة، بأن لا يبقى جهل بخصوص وصف
بأوصاف المبيع حتى الطمع مثلا في مثل البطيخ ونحوه، وهو بديهي
البطلان قطعا، لعدم اعتبار ذلك في صحة بيع السلم قطعا لافضائه إلى
عزة الوجود.
وقد يراد من نفي الغرر ذكر الأوصاف على نحو الاجمال والتسامح
في ذلك، بحيث لم يحصل الاطلاع على الأوصاف التي تختلف بها
الرغبات، وهذا أيضا منفي وبديهي البطلان، لأنه ينجر إلى الغرر
والنزاع والمشاحة، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر (1)، بناءا على
تماميته، أو قيام السيرة على ذلك كما تقدم في شرائط العوضين.
بل لا بد من الأخذ بالوسط والأمر بين الأمرين، بحيث يلزم ذكر
الأوصاف على نحو يرفع الجهالة عرفا، ولا يلزم المداقة في ذلك،
ولا يكفي المسامحة في ذلك، وعلى هذا فيرتفع الغرر بذلك ثم، ولو
كان هذا التوصيف بذكر الأجانب غير المالك.
وعلى هذا فإذا تخلف الوصف يثبت للمشتري خيار الرؤية بمقتضى
الرواية، وإن لم يكن اشتراط في العقد ليلزم تخلف الوصف ويثبت
الخيار من جهة ذلك لعدم التزام البايع بذلك، بل يذكر الوصف بعنوان أنه
مخبر عن ذلك أو يسأل المشتري الأوصاف من الأجانب الذين يطلعون
على المبيع كما لا يخفى، وعلى الجملة فلا بد في الغرر وأن يرجع إلى
العرف كما اعترف به المصنف أيضا، بل السيرة قائمة على عدم اعتبار
الاطلاع بأوصاف المبيع بأجمعها كما هو واضح.

1 - دعائم الاسلام 2: 21، عيون الأخبار 2: 45، صحيح مسلم 3: 1153، السنن للترمذي
3: 532، السنن لابن ماجة 2: 739، مسند أحمد 1: 302.
553

ومن هنا ظهر أنه لا وجه لاعتبار العرف والشرع في الغرر والقول بأن
الغرر العرفي أخص من الشرعي كما في كلام المصنف، إذ لم يرد في
الشريعة ما يرجع إلى الغرر إلا قول النبي (صلى الله عليه وآله): نهي النبي عن بيع الغرر،
من دون بيان مفهومه وحقيقته، فلا وجه لأخذ الغرر الشرعي أعم من
العرفي بل الغرر عرفي دائما.
نعم ورد اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون، ولكن لا من جهة
نفي الغرر بل لموضوعية المكيل والموزون، حتى لو كان الغرر مرتفعا
بوجه آخر فأيضا لا يصح فيهما البيع بدون الكيل والوزن، بأن جعل مثلا
الحنطة في أحد كفتي الميزان والشعير في الطرف الآخر مع كون قيمتهما
مساوية فرضا، ومع ذلك لا يصح البيع، وكذا أن اعتبار العلم بجنس
المبيع ليس من جهة الغرر، بل للاجماع على ذلك.
إلا أن يناقش فيه بأن مدرك المجمعين هو دليل نفي الغرر، وأن اعتبار
العلم بجنس المبيع من جهة أن لا يكون البيع غرريا، كما هو واضح.
اشكال الشيخ (رحمه الله) بأن ذكر الأوصاف لا يخرج المبيع عن كونه غرريا
ثم ذكر المصنف أنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر
الأوصاف لا يخرج المبيع عن كونه غرريا، لأن الغرر بدون أخذ الصفات
من حيث الجهل بصفات المبيع، فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك
الوجود، لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في
الخارج والغرر فيه أعظم.
ثم أجاب أولا، وحاصله ما ذكره في البحث عن بيع الغرر، أنه بمعنى
الخطر وهو أمر نفساني يزول بالاطمئنان على وجود المبيع وأوصافه،
فإذا وصفه البايع أو شخص آخر ذلك المبيع واطمئن المشتري على
554

كونه متصفا بوصف كذا ارتفع الغرر حينئذ، وإذا انكشف الخلاف ثبت له
خيار الرؤية بالرواية المتقدمة، وهي صحيحة جميل بن دراج (1)، وهذا
وجه وجيه.
ثم أجاب ثانيا بأن أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط لا التقييد، فيبيع
العبد مثلا ملتزما بكونه كذا وكذا ولا ضرر فيه حينئذ عرفا، وهذا الوجه
أيضا وجيه، وإن كان الخيار الثابت في البيع حينئذ خيار تخلف الشرط.
وتوضيح ذلك: أن الأعيان الخارجية غير قابلة للاطلاق والتقييد، بل
هي موجودة على ما هي عليها، فلا تتغير عن واقعها بقيد من القيود،
وعليه فلا مناص من رجوع التقييد فيها إلى الاشتراط، فمعنى أنه بعتك
العبد الكاتب أن البيع مشروط بالكتابة، أي أن التزام المشتري بالكتابة
مشروط بكون العبد كاتبا وإلا فله الخيار في ذلك، إذن فلا وجه لبطلان
البيع كما هو واضح.
ثم إنه لا معنى لكون الاشتراط هو الالتزام بالوصف الخارجي، بأن
يلتزم البايع بكون المبيع متصفا بوصف كذا.
وعلى هذا فالاشتراط قد يكون راجعا إلى البيع، بمعنى أن انشاء البيع
يكون معلقا بكون المبيع واجدا لذلك الوصف وإلا فلا بيع أصلا، فهذا
لا شبهة في بطلانه لكونه تعليقا والتعليق في العقود يوجب البطلان، إلا
أن يكون الوصف المعلق عليه البيع من الصورة النوعية العرفية، بحيث

1 - عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ضيعة وقد كان
يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها، ثم رجع فاستقال صاحبه
فلم يقله، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنه لو قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها
قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية، التهذيب 7: 26، الفقيه 3: 171، عنهما الوسائل
18: 28، صحيحة.
555

يرجع التعليق إلى التعليق بأصل وجود المبيع، فحينئذ لا يحكم
بالبطلان، فإن ذلك ضروري فضلا عن يكون موردا للاجماع القائم على
بطلان التعليق.
وإن كان راجعا إلى الالتزام، بأن يلتزم كل من البايع والمشتري على
البيع بشرط أن يظهر المبيع بوصف الكتابة أو يخيط البايع للمشتري ثوبا
ونحو ذلك، بأن يشترط في البيع وجدان المبيع وصف الكمال وظهر
خلاف، فحينئذ للمشروط له خيار تخلف الوصف.
وإن لم يكن ذلك بالاشتراط بل بالتوصيف ولو من غير البايع ثم ظهر
الخلاف ثبت للمشتري خيار الرؤية بالرواية على مسلكنا، وإن كان
التخلف في أوصاف الصحة ثبت للمشروط له خيار العيب، سواء كان مع
ذلك خيار تخلف الشرط وخيار الرؤية أم لا، وحينئذ كان المشروط له
مخيرا بين الفسخ والامضاء مع الأرش أو بدونه، وأما في غير صورة
انتفاء وصف الصحة فلا مجال للأرش بل يكون له الخيار فقط، لأنه إنما
ثبت بدليل خاص في فرض ظهور المبيع أو الثمن معيوبا أي منتفيا عنه
وصف الصحة لا مطلقا كما لا يخفى.
بطلان العقد بانتفاء الشرط على القاعدة أم لا؟
ثم إنه جعل جمع كثير من المتأخرين بطلان العقد بانتفاء الشرط على
القاعدة، كما يظهر من المنتهي، وذهب إليه المحقق الأردبيلي، بل مال
إليه المصنف، ولكن ذكر أن ملاحظة موارد ذلك في الفقه يقتضي
الخروج عن ذلك، وعدم كون التخلف موجبا للبطلان، بل ثبوت الخيار
فقط.
والوجه في ذلك أن ما وقع عليه العقد أي المبيع المشروط بشرط كذا
556

غير واقع والمبيع المطلق لم يقع عليه العقد فيحكم بالبطلان، فالمعقود
عليه غير موجود والموجود غير معقود عليه.
ولكن يرد عليه أن الشرط إن كان راجعا إلى أصل البيع، فقد عرفت أنه
يوجب البطلان، لا من جهة الغرر بل للتعليق المجمع على بطلانه في
العقود، إلا إذا كان التعليق بأصل وجود المبيع أو بما يكون نازلا منزلته.
وإن كان راجعا إلى الالتزام كما هو كذلك فلا يوجب تخلف الشرط إلا
الخيار كما ذكرناه، نعم لو كان الوصف المتخلف من الصورة النوعية
فيكون موجبا للبطلان وكان لما ذكرناه وجه، لأنما جري عليه العقد فهو
غير واقع وما هو واقع لم يجر عليه العقد كما لا يخفى، وعلى هذا
فالبطلان ليس موافقا للقاعدة.
والعمدة في ذلك الذي استند إليه القائل بالبطلان وإن لم يكن الوصف
المتخلف من الصورة النوعية ما ذكره المصنف، من قياس المقام بالشروط
الفاسدة، بناءا على كون الشرط الفاسد موجبا لبطلان العقد، بأن المقام
وإن لم يكن من باب التخلف في الصورة النوعية، كما إذا قال: بعتك ما في
البيت على أنه عبد حبشي، فبان أنه حمار وحشي، ولكن تلتزم بالبطلان
في المقام أيضا أعني صورة تخلف الشرط.
فإن اتصاف المبيع بالأوصاف في معنى كون القصد إلى بيعه بانيا على
تلك الأوصاف، فإذا فقد ما بني عليه العقد فالمقصود غير حاصل،
فينبغي بطلان البيع كما التزموا بالبطلان في اشتراط الشرط الفاسد في
البيع كما هو واضح.
ولكن يرد عليه أن بطلان العقد لاشتراط الشرط الفاسد فيه بناءا عليه
إنما هو من جهة كون البيع مقيدا بالالتزام على هذا الشرط، وقد جعل
الشارع هذا الالتزام كلا التزام وأخرجه عن عموم: المؤمنون عند
557

شروطهم، بكونه مخالفا للشرع، فيكون ذلك موجبا للبطلان، وهذا
بخلاف صورة تخلف الشرط، فإن الالتزام لم يجعل كلا التزام بل إنما
لم يوجد متعلق الشرط في الخارج فيكون ذلك موجبا للخيار، وكم فرق
بين الأمرين.
ودعوى أن البيع إنما هو على هذا الشرط، أي إنما انشاء البيع على
تقدير هذا الشرط وإلا فلا بيع، فيكون الالتزام حينئذ أيضا منتفيا بانتفاء
الشرط دعوى جزافية، فإنه خارج عن الفرض، وأنه تعليق مجمع على
بطلانه، وكلامنا في فرض التخلف فقط دون التعليق كما هو واضح.
التعليق بالصور النوعية لا يكون موجبا للبطلان
والحاصل أنه قد تحصل مما ذكرناه أنه لا معنى للالتزام بوجود
الوصف في العوضين، بأن يكون معنى اشتراط كون العبد كاتبا هو التزام
البايع بكتابة العبد، فلا بد أما أن يرجع الاشتراط إلى أصل العقد والالتزام
العقدي أو يرجع إلى الالتزام بلزومه، بأن يكون لزومه مقيدا باتصاف
العبد بالكتابة وكون البيع على تقدير أن يكون العبد كاتبا، فعلى تقدير
اشتراط اللزوم بالكتابة كان العقد صحيحا، سواء كان تخلف الوصف أم
لا، ولكن ثبت للمشتري خيار تخلف الوصف، وعلى تقدير اشتراط
البيع بكون العبد كاتبا مثلا كان البيع باطلا للتعليق، سواء تخلف الوصف
أم لم تخلف، لقيام الاجماع على بطلان العقود بالتعليق.
نعم إذا كان التعليق بالصور النوعية فلا يكون ذلك موجبا للبطلان فإنه
ضروري، سواء ذكر في اللفظ أم لم يذكر، إذ التعليق بالصور النوعية
كالتعليق بأصل وجود المبيع فهو لا بد منه، لأنه ما يتوقف عليه صحة
العقد، فإنه لا يصح العقد بدون وجود المبيع كما هو واضح.
558

ومن هنا يحكم ببطلان العقد مع التخلف في الأوصاف التي من الصور
النوعية، كان اشترى عبدا فظهر حمارا، أو اشترى كأسا فظهر جرة،
ونحو ذلك.
وعلى الجملة أن التعليق في العقود إذا كان بالأوصاف الكمالية يوجب
البطلان، إلا أن تخلفها لا يوجب البطلان بل يوجب الخيار، وأما التعليق
بالصور النوعية لا يوجب البطلان ولكن تخلفها يوجب البطلان.
المراد من الصور النوعية
ثم إن المراد من الصور النوعية هنا ليس ما هو المعروف في علم
الفلسفة المبني على التدقيق والتحقيق، بل المراد منها هو الصور النوعية
العرفية، وبينهما عموم من وجه.
إذ قد يكون الوصف من الصور النوعية العرفية ولا يكون منها بحسب
الدقة والفلسفة، كما إذا اشترى أحد أمة شابة فظهر عبدا شائبا، فإن
الأنوثة والرجولة وإن كانتا من حقيقة واحدة عند الدقة، حيث إنهما من
أفراد الانسان والانسان نوع واحد، ولكنهما في نظر العرف نوعان،
وعليه فلا شبهة في بطلان البيع حينئذ، لأنما وقع عليه العقد غير
موجود والموجود غير ما جري عليه العقد، ومن هذا القبيل الفراش
والكتب.
وقد يكون الوصف في نظر العرف من غير الأوصاف المقومة والصور
النوعية، ولكنه يكون من الصور النوعية في نظر العقل، وقد يجتمعان.
وأما ما ذكره المصنف من المثال باللبن علي المختلفة الحقيقة، بأن باع
لبن شاة فظهر لبن جاموس لا يمكن المساعدة عليه، فإن الغنم
والجاموس وإن كانا من جنسين ولكن لبنهما شئ واحد حقيقة وجنس
559

واحد، وعلى تقدير الفرق بينهما فالاختلاف بحسب نظر العرف دون
العقل.
إذا شك في وصف أنها من الصور النوعية أو من الأوصاف الكمالية؟
هذا كله فيما علم كون الوصف من الصور النوعية أو من الأوصاف
الكمالية، وأما فيما شك في ذلك ولم يعلم أن الوصف من الصور النوعية
أو من الأوصاف الكمالية، فهل مقتضى القاعدة هنا البطلان أو الصحة؟
وبعبارة أخرى تارة تعلم كون الوصف من الصور النوعية، ولا شبهة
في أن التخلف فيه يوجب البطلان، وأخرى يعلم كونه من الأوصاف
الكمالية، ولا شبهة في أن التخلف هنا لا يوجب البطلان، بل إنما يوجب
الخيار، وأما إذا شككنا في كون الوصف من الصور النوعية العرفية
المقومة أو من الأوصاف الكمالية، فهل مقتضى القاعدة هنا هو البطلان
عند التخلف أو عدمه، وهل يجوز التعليق في مثل ذلك أم لا يجوز؟
ويقع الكلام هنا في مقامين: الأول في جواز التعليق في مثل ذلك
وعدمه، والثاني في حكمه مع التخلف فيما وقع البيع على الارتكاز من
غير تعليق واشتراط.
المقام الأول
الظاهر أنه لا يوجب البطلان، وتوضيح ذلك: أنه لا دليل لفظي على
بطلان التعليق في العقود، وإنما الدليل على بطلانه إنما هو الاجماع،
ومن الواضح أنه دليل لبي فلا بد من أخذ المتيقن منه، ولا ريب أن المتيقن
إنما هو فيما كان التعليق على الأوصاف الكمالية، بحيث أحرز كونها من
ذلك، وأما إذا احتمل كونها من الأوصاف الكمالية أو من الصور النوعية
560

فلا نجزم بوجود الاجماع هنا على بطلان التعليق، إذ نحتمل أن يكون
ذلك من الصور النوعية التي يجوز التعليق فيها.
وتوهم أنا نكشف من الاجماع ببطلان التعليق أينما سري مفهومه إلا
التعليق بالصور النوعية أو بأصل وجود المبيع توهم فاسد، لعدم
الاطمئنان بذلك كما لا يخفى.
وعليه فتشمله العمومات الدالة على صحة البيع ولا يكون تمسكا
بالعام في الشبهات المصداقية حيث لا نشك في أنه داخل تحت الاجماع
أولا بل نقول إنه خارج عن الاجماع فيكون العمومات بالنسبة إليه سليمه
عن المخصص كما هو واضح.
ثم إذا ظهرت المخالفة في هذه الصورة فيحكم ببطلان العقد على كل
تقدير، لأنه إن كان التخلف في الواقع في الصورة النوعية فيحكم بالبطلان
لعدم وجود المبيع وأن الثمن لم يعلم في مقابل أي شئ وقع، وإن لم يكن في
الصورة النوعية فيحكم ببطلانه للتعليق في غير الصورة
النوعية.
المقام الثاني
هو ما تعاملا على شئ بحسب الارتكاز على كون واجدا للوصف
الكذائي ثم ظهر الخلاف، فلم يعلم أنه من الصور النوعية ليوجب
التخلف البطلان أو من الأوصاف الكمالية حتى لا يوجب التخلف
البطلان.
كما إذا باع كتاب شرح اللمعة على أنه مخطوط بخط عبد الرحيم
بحسب ارتكازهما، ثم ظهر أنه مخطوط بخط أحمد التفريشي فلم يعلم
أن هذا الوصف هل هو من الصور النوعية حتى يكون التخلف موجبا
للبطلان، أم من الصور الكمالية حتى لا يكون التخلف موجبا للبطلان.
561

فالظاهر هو البطلان هنا، فلا تشمله العمومات، لأنه لم يعلم أن الثمن
في مقابل أي شئ وقع ولم يحرز المبيع، فيكون التمسك بالعمومات
تمسكا بها في الشبهات المصداقية وهو لا يجوز.
وعلى هذا فلا يجوز لكل من المتبايعين التصرف في الثمن والمثمن،
لأنه لا يجوز التصرف في مال الغير إلا مع الإذن منه أو بالتجارة عن
تراض، ومن الواضح أن العوض مال الغير فلم يعلم إذن صاحبه فيه
ولا كون الأخذ تجارة عن تراض، إذ المفروض أنه لم يعلم أن الثمن في
مقابل أي شئ وقع في الخارج فيكون باطلا.
وعلى الجملة أن العمومات إنما نحكم بصحة المعاملة بعد احراز
تحقق البيع في الخارج ووقوعه بمبيع كلي أو شخصي، ومن الواضح أنه
لم يحرز في أن المبيع أي شئ وأن البيع بأي شئ وقع، فإنه على كون
الوصف المتخلف من الصور النوعية فلا بيع أصلا، وعلى تقدير كونه من
الأوصاف الصحة أو الكمال فالبيع صحيح، فلم يحرز وجود البيع حتى
تمسك بالعمومات ولم يتحقق وقوع الثمن بإزاء أي شئ.
فإنه مع كون الوصف من الصور النوعية فما هو مبيع غير موجود، لأن
المفروض أن البيع وقع بحسب الارتكاز على الوصف ومع كونه من
أوصاف الكمال فقط فما هو مبيع فهو موجود، فلا يكون أخذ الثمن في
مقابله إلا تجارة عن تراض، فحيث لم يحرز كونه من الأول أو من الثاني،
فلم يحرز وجود المبيع وأن الثمن قد وقع في مقابل أي شئ، فيكون
المورد مشمولا لما دل على حرمة أكل مال الناس بغير رضي منه
ولا تجارة عن تراض، كما هو واضح.
ولم نر التعرض لهذا البحث، وهو بحث لطيف.
562

المسألة (2)
خيار الرؤية فوري أم لا؟
قوله (رحمه الله): مسألة: الأكثر (1) على أن الخيار عند الرؤية فوري.
أقول: وقع الخلاف بين الأصحاب في أن خيار الرؤية فوري أم لا؟
وتحقيق ذلك في مقامين: الأول: من حيث القواعد، والثاني: من حيث
الروايات.
المقام الأول: من حيث القواعد
فمقتضى القواعد أي العمومات هو ثبوت الخيار في كل آن وزمان،
لما عرفت سابقا في خيار الغبن أن العموم الزماني ثابت للعمومات،
فنتمسك بها في كل آن فنثبت فيه الخيار، وإذا خرج فرد من ذلك يقتصر
بالمقدار المتيقن، فلا يمكن استصحاب حكم المخصص في الزمان
البعد.
وهكذا الحال إذا كان الدليل لخيار الرؤية هو الشرط الضمني، حيث إن
مقتضى ما شرطاه المتبايعان بحسب الارتكاز هو أن يكون لكل منهما
الخيار مع التخلف.
ولا شبهة أن هذا الاشتراط موجود في مقدار من الزمان بعد الرؤية
بحيث يتمكن المشروط له من الفسخ الذي سميه فوريا، وأما الأزيد من
ذلك فلا يقتضيه الارتكاز.

1 - الدروس 3: 276.
563

المقام الثاني: من حيث الروايات
أما بحسب الروايات فقد عرفت أن الدليل على ذلك أنما هو رواية
جميل (1)، وتحقيق الكلام في دلالة ذلك:
إن قوله (عليه السلام) فيها: فله خيار الرؤية، أن الخيار الذي أضيف إلى شئ
لا يخلو بحسب الاستقراء عن أقسام ثلاثة، وإن كان لها أقسام كثيرة
بحسب التقسيم العقلي.
1 - أن تكون إضافته من باب إضافة الخيار إلى متعلقه، كخيار الحيوان،
حيث إن الحيوان ليس سببا للخيار ولا ظرفا له بل هو متعلق الخيار، أي
هو المبيع الذي تعلق به الخيار.
2 - وقد يكون من باب إضافة المسبب إلى السبب، كخيار الغبن، فإن
الخيار هنا مسبب عن الغبن، ولا يبعد أن يكون من هذا القبيل إضافة
الخيار إلى العيب، فإن العيب هو سبب الخيار.
3 - وقد تكون من قبيل إضافة المظروف إلى ظرفه، كخيار المجلس،
فإن المجلس ليس سبب الخيار ولا متعلقه، بل الخيار واقع في هذا
الظرف كما هو واضح.
ففي المقام أن الرؤية ليست متعلقة للخيار بلا شبهة بحيث تكون شأنها
شأن الحيوان في بيع الحيوان، فإن الرؤية غير قابلة للبيع وتعلق الخيار بها

1 - عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ضيعة وقد كان
يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها، ثم رجع فاستقال صاحبه
فلم يقله، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه لو قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها
قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية، التهذيب 7: 26، الفقيه 3: 171، عنهما الوسائل
18: 28، صحيحة.
564

وبعيد أن تكون سببا له أيضا، وذلك من جهة أن الرؤية ليست سببا للخيار
بحيث أن يوجد الخيار بمجرد الرؤية وتكون لها موضوعية في ذلك، فإن
هذا غير محتمل.
ولكن يمكن الجواب عن ذلك بأن الرؤية كاشفة عن ثبوت الخيار عند
التخلف ويكون السبب للخيار هو التخلف، وتكون الرؤية كاشفة عن
التخلف، وهذا الاشكال لا يكون مانعا عن كون الرؤية سببا للخيار كما هو
واضح.
ولكن يرد عليه أن مقتضى كون الرؤية سببا للخيار أن يكون الحكم أي
الخيار مقيدا بها وهو لغو محض، وبيان ذلك: أن رواية جميل دلت على
أن المشتري للضيعة إنما رأى مقدارا منها واشتراها ثم دخلها فقلبها
فخرج منها واستقال من البايع فلم يقله، فقال الإمام (عليه السلام): لو لم ير قطعة
منها فله خيار الرؤية، فإن ظاهر هذه الرواية أن المشتري قد رأى الضيعة
وسئل عن حكم المسألة بعد الرؤية.
فمقتضى الحال حينئذ أن يقال فله الخيار، دون أن يقال: فله خيار
الرؤية، فإن التقييد حينئذ لغو محض، فإنه بعد تحقق الرؤية لا وجه
لتفريع الحكم على التخلف الحاصل بأن له خيار الرؤية، بل يقال: فله
الخيار، فإن ذلك نظير أن يقال: إذا دخل شهر رمضان فيجب صوم شهر
رمضان وهكذا، بل الصحيح أن يقال: يجب الصوم، وعلى هذا فلا يبقى
للرواية ظهور في ذلك.
بل الصحيح أن الإضافة من قبيل إضافة المظروف إلى ظرفه، كخيار
المجلس، فإن التقدير حينئذ يكون هكذا: فله خيار إذا رأى أي في زمان
الرؤية، وعلى تقدير أن لا تكون الرواية ظاهرة في ذلك فليس لها ظهور
في السببية، فتكون مجملة، فلا يمكن الأخذ بمفاد السببية.
والفرق بين الوجهين هو أن مقتضى كون الرؤية سببا للخيار هو عدم
565

الفورية تمسكا باطلاق الرواية، فيحكم ببقاء الخيار أبدا ما لم يطرأه
مسقط، فتكون الرواية نظير الروايات الواردة في خيار التأخير، حيث
ذكرنا أن مقتضى اطلاق قوله (عليه السلام): لا بيع بينهما (1)، هو نفي اثبات الخيار
إلى الأبد ولو بعد سنة ولو أعطاه الثمن ما لم يطرأ عليه مسقط، فتكون
هذه الرواية أيضا باطلاقها دالة على ثبوت خيار الرؤية إلى الأبد ما
لم يطرأ عليه مسقط، وهذا بخلاف الوجه الأخير، أعني أخذ الرؤية ظرفا
للخيار، فإن مقتضى ذلك هو أن الخيار ثابت حال الرؤية.
وحينئذ لو كان للرؤية مجلس تدوم بدوام المجلس مثلا كخيار
المجلس، لكان لما ذكره أحمد بن حنبل وجه، وليس ما ذكره بلا وجه
أصلا كما ذكره المصنف، بل يمكن دعوى أن الرؤية ما دامت ممتدة في
مجلس واحد مثلا فيثبت الخيار، ولكن ذلك بعيد، فإن الظاهر من الرواية
أن الخيار ثابت في حال الرؤية من غير أن تكون ظاهرة في امتداد الخيار
بامتداد الرؤية.
وحينئذ فأما أن يقتصر من الفورية بالآن الأول الحقيقي من الرؤية أي
الآن الدقي الفلسفي، فتكون الفورية فورية حقيقية، ولكن لا شبهة في أنه
خلاف المتفاهم العرفي، وإذن فيثبت كون خيار الرؤية فورية بالفورية
العرفية كما هو واضح.

1 - عن عبد الرحمان بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما (التهذيب 7: 22، الإستبصار 3: 78، عنهما الوسائل 18: 22)، صحيحة.
عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى
جارية وقال: أجيئك بالثمن؟ فقال: إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له (التهذيب 7: 80،
الإستبصار 3: 78، الفقيه 3: 127، عنهم الوسائل 18: 22)، معتبرة على نقل الشيخ، وضعيفة
على نقل الصدوق.
566

المسألة (3)
الاسقاط يسقط خيار الرؤية
قوله (رحمه الله): مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا.
أقول: من جملة المسقطات لخيار الرؤية الاسقاط، فتارة نتكلم في
جواز اسقاطه بعد العقد وقبل الرؤية، وأخرى في ضمن العقد.
ألف - جواز اسقاطه بعد العقد
أما الأول، فإن كانت الرؤية كاشفة عن ثبوت الخيار قبله، فلا شبهة في
جواز الاسقاط قبل الرؤية، ولكن ذلك خلاف الظاهر من الرواية.
وإن كانت الرؤية كاشفة عن ثبوته عنده وحال الرؤية، فلا اشكال في
جواز الاسقاط قولا، إلا من جهة اسقاطه اسقاطا لما لم يجب، فقد تقدم
سابقا أنه لا شبهة في جواز اسقاط ما لم يجب، بأن ينشئ من الآن اسقاط
حقه في ظرفه على تقدير تحققه، ففي المقام ينشئ سقوط خياره فعلا
بعد الرؤية إذا كان له خيار، فهذا لا محذور فيه، نعم لو أنشأ سقوط خيار
بالفعل فهو غير معقول، إذ لم يتحقق هنا حق بالفعل حتى يسقطه.
وعلى الجملة لا دليل على بطلان اسقاط ما لم يجب إلا قيام الاجماع
على بطلان التعليق في الانشاء، فالمتيقن منه ما لم يوجد المقتضي، وأما
إذا كان المقتضي موجودا فلا يشمله الاجماع.
ففي المقام أن المقتضي للخيار هو العقد موجود فلا بأس بانشاء
سقوط الخيار في ظرفه بالفعل، نعم فيما يكون التعليق موردا للاجماع
فلا يجوز، كما أنه لا يجوز أيضا فيما كان على خلاف الارتكاز مع قطع
النظر عن الاجماع، كانشاء الطلاق قبل التزويج وانشاء الهبة قبل التملك
كما هو واضح.
567

هذا كله إذا كان الاسقاط قوليا، وأما إذا كان بالفعل فقد عرفت سابقا في
خيار الحيوان أن كلما كان من الفعل مصداقا للاسقاط الفعلي فيكون
مسقطا للخيار، وإلا فلا دليل على كونه مسقطا للخيار إلا ما ثبت في
موارد خاصة في خيار الحيوان من اللمس والتقبيل ونحو ذلك.
نعم ظاهر الرواية هنا هو عدم ثبوت الخيار بعد التلف الحقيقي، لا من
جهة أن الخيار يتعلق بالعين فهي تالفة، بل من جهة أن الرواية ظاهرة في
ثبوت الخيار حال الرؤية وعندها، ومن الواضح أنه مع تلف العين
فلا يبقى موضوع للرؤية أصلا كما هو واضح، وأما في موارد التلف
الحكمي مثل الهبة والبيع ونحو ذلك فلا وجه لسقوط الخيار، حيث إنه
يصدق حينئذ أن له خيار حال الرؤية كما هو واضح.
ب - جواز اسقاطه في ضمن العقد
في صورة اشتراط الخيار في ضمن العقد وجوه:
1 - أن يكون الشرط فاسدا والعقد صحيحا، والوجه فيه أنه اسقاط لما
لم يجب فهو باطل، وهذا بناء على أن الشرط الفاسد لا يوجب فساد
العقد.
وفيه ما مر مرارا أن عدم جواز اسقاط ما لم يجب إنما يضر من جهة
الاجماع وبناء العقلاء على عدم ترتيب الأثر عليه في بعض الموارد، ففي
المقام لا يطمئن بوجود الاجماع على عدم الجواز، وبناء العقلاء أيضا
يساعده كما هو واضح، نعم الاسقاط قبل العقد لا يساعده الاعتبار
العرفي، وهو مورد الاجماع أيضا.
وعلى هذا فيدور الأمر بين الوجهين الآخرين:
568

2 - الفساد مطلقا، أي الشرط والعقد، كما ذهب إليه العلامة (1)،
واختاره المصنف، والوجه في ذلك أن دفع الغرر عن هذه المعاملة وإن
لم يكن لثبوت الخيار، لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر
العرفي المتحقق في البيع، إلا أنه لأجل سبب الخيار، وهو اشتراط تلك
الأوصاف المنحل إلى ارتباط الالتزام العقدي بوجود هذه الصفات،
واشتراط سقوط الخيار راجع إلى الالتزام بالعقد على تقدير وجود تلك
الصفات وعدمها، والتنافي بين الأمرين واضح، فيكون الشرط فاسدا
ومفسدا للعقد.
3 - الالتزام بصحة الشرط والعقد كليهما.
وأما إذا علم واطمئن البايع والمشتري بكون المبيع على وصف
خاص وأن العين الغائبة متصفة بوصف كذا، ولو كان ذلك بوصف البايع
أو بتوصيف الأجنبي، ومع ذلك احتمل البايع التخلف في الوصف
ويشترط الاسقاط في ضمن العقد، وهذا لا يوجب الغرر أصلا، فإنه
أجنبي عن الغرر حينئذ، إذ قد عرفت سابقا أن الغرر هو الخطر، وهو أمر
نفساني فيدفع بالاطمئنان، فالاسقاط لا يوجب الغرر حينئذ أصلا.
ثم إن المصنف نقل في آخر عبارته: أن دليل نفي الغرر لا يشمل المقام
لأن المشتري قد أقدم عليه بنفسه، كما أن حديث نفي الضرر لا يشمل
صورة اقدام المتبايعين على الضرر، وهذا عجيب، حيث إن حديث نفي
الغرر إنما مورده صورة اقدام المتبايعين على المعاملة الغررية، فلو كان
هذا خارجا عن تحت الحديث لكان الحديث لغوا، وهذا بخلاف حديث
نفي الضرر، فإن مورده غير هذه الصورة، وأنه ورد في مقام الامتنان
فشموله لصورة الاقدام على الضرر لا ينافي الامتنان.

1 - الدروس 3: 276.
569

وكيف كان فلا وجه لقياس حديث نفي الغرر بحديث نفي الضرر كما
هو واضح.
التفصيل في جواز اسقاط خيار الرؤية وعدم جوازه
ولكن الظاهر هو التفصيل، بأن يقال: إن كان الغرر في المعاملة مرتفعا
بواسطة الاشتراط وجعل الخيار، فيحكم بفساد الشرط والعقد كليهما
وإلا فلا.
وتوضيح ذلك: أن المشتري قد لا يكون عالما بأوصاف المبيع أصلا،
لا باخبار البايع ولا باخبار شخص آخر، ومع ذلك يقدم على المعاملة
ويشتري المتاع المجهول والعين الغائبة، ولكن يشترط لنفسه الخيار مع
التخلف، ففي مثل ذلك لا شبهة في كون المعاملة غررية مع قطع النظر
عن الاشتراط ومعه يرتفع الغرر.
ولا وجه لما ذكره المصنف من أن الخيار حكم شرعي يثبت للبيع
الصحيح فلا ربط له بالغرر ولا يوجب رفعه، وذلك لما عرفت سابقا أنه
مع الخيار يرتفع الغرر، فإنه إذا تخلف الوصف يفسخ المعاملة، ومع ذلك
أي خطر هنا لا بد من ذكر ما بعد ذلك قبل التفصيل.
وأيضا لا وجه لما ذكره المصنف من أن الالتزام بالصفات أما شروط
للبيع وأما قيود للبيع، وذلك لما ذكرناه سابقا من أنه لا وجه للالتزام
بالأوصاف الخارجية إلا أن يرجع إلى الالتزام بالبيع، أي بلزومه على
تقدير هذه الصفات، لأن العين الخارجية غير قابلة للاطلاق والتقييد بل
هي موجودة على ما هي عليها، فلا معنى لكون الاشتراط راجعا إلى
تقييد العين الخارجية، وأما ارجاع الاشتراط بها إلى اشتراط البيع بها
تعليق مجمع على بطلانه، فلا يبقى مجال لما ذكره المصنف بل لا بد من
الالتزام بما ذكرناه.
570

جريان هذا التفصيل في خيار العيب
ثم إن ما ذكرناه من التفصيل في جواز اسقاط خيار الرؤية وعدم جوازه
جار في خيار العيب أيضا، ففي كل مورد اطمأن كل من البايع والمشتري
بأوصاف الصحة في العين وعدم كونها معيبة، سواء كان ذلك بتوصيف
كل منهما أوصاف العين على الآخر أم بتوصيف الأجنبي، يصح في هذه
الصورة اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد، فإن ذلك لا يترتب بالغرر،
فإن الغرر يرتفع بالاطمئنان بوصف المبيع كما هو واضح، ففي أي مورد
لم يحصل الاطمئنان منهما على ذلك وإنما يقدمان على المعاملة على
الاشتراط بحيث تكون المعاملة بدونه غررية، فلا يصح اشتراط الاسقاط
حينئذ لأن المعاملة حينئذ تعود غررية فتبطل كما هو واضح.
هذا ما تقتضيه القاعدة، ولكن ورد النص في خيار العيب بأنه يثبت
خيار العيب للمشتري مع عدم تبري البايع من العيب، فيعلم من ذلك أنه
مع التبري لا يثبت الخيار للمشتري مطلقا، وحينئذ لا يجري التفصيل
المذكور في المقام من جهة النص كما هو واضح.
وعلى الجملة فالمدار في فساد الشرط وافساده للعقد على كون
الاسقاط موجبا لغررية المعاملة وعدم كونه موجبا لذلك، كما هو
واضح.
وأيضا فلا وجه لنفي قياس المقام بالبيع مع البراءة من العيوب، لما
عرفت من جهة الاعتماد في صورة البراءة من العيوب على أصالة الصحة
الموجبة لنفي الغرر بخلاف المقام، وذلك لما عرفت عدم الفارق بينهما
إلا النص الوارد في خيار العيب، وأما أصالة الصحة فإن كانت بحيث
توجب خروج البيع عن الغررية كأن كان بناء العقلاء بحسب ارتكازهم
على كون المبيع صحيحة أو قامت بينة على ذلك، أو التوصيف من البايع
571

أو من الأجنبي فإنه يحمل المبيع حينئذ على ذلك، وإلا فلا يوجب رفع
الغرر كما هو واضح.
والحاصل أنه إن كان رفع الغرر بالاشتراط فلا شبهة في كون اسقاط
الخيار موجبا للغرر، وإلا بأن كان رفع الغرر بالتوصيف أو بشئ آخر أو
بأصالة الصحة التي توجب رفع الغرر بحسب بناء العقلاء، فلا يكون
اسقاط الخيار في ضمن العقد موجبا للغرر، كما هو واضح.
المسألة (4)
عدم سقوطه ببذل التفاوت والابدال
قوله (رحمه الله): مسألة: لا يسقط هذا الخيار.
أقول: قد عرفت الحال في حكم صورة تخلف الأوصاف، ويقع
الكلام في سقوط الخيار ببذل التفاوت، والظاهر أنه لا دليل على سقوطه
ببذل التفاوت، لأن الخيار إن كان ثابتا بالتعبد فنتمسك باطلاق دليل
التعبد، وإن كان ثابتا بالاشتراط وتخلف الشرط فنتمسك باطلاق دليل
ذلك، فنحكم بثبوت الخيار حتى بعد بذل التفاوت.
وأما الابدال بأن يشترط المشتري ابدال المبيع على تقدير التخلف
على نحو شرط النتيجة، بأن يكون شئ آخر بدلا عن المبيع في صورة
التخلف من غير أن يكون التبديل بفعلهما، بل يكون الابدال في ظرف
التخلف بهذا الاشتراط، لأن المبيع عين شخصية فالابدال محتاج إلى
معاوضة جديدة ومراضاة جديدة وهي منفية كما هو واضح.
ونقل المصنف عن الشهيد (1) أن الأقرب الفساد، وذكر في وجه ذلك،
أن البدل الذي يستحقه المشتري في صورة التخلف إن كان بإزاء الثمن،

1 - الدروس 3: 276.
572

بأن يرجع المبدل إلى ملك البايع ويدخل البدل في ملك المشتري بإزاء
الثمن، فلازم ذلك أن ينفسخ البيع بهذا الشرط في ظرف التخلف،
وتكون هنا بعد ذلك معاوضة جديدة بين البدل والثمن.
ويرد عليه أولا: إنه لا مقتضي هنا للمعاوضة الجديدة بحيث يكون
هنا بيع بدون الانشاء، بل بمجرد الشرط السابق في ضمن العقد، ولم يدل
دليل على صحة مثل هذا المعاملة من النقل والعقل، ولم يقم على
صحته ارتكاز من العرف والعقلاء، ولا مقتضي أيضا لانفساخ العقد
بنفسه.
وثانيا: إن دليل وجوب الوفاء بالشرط ليس مشرعا حتى يدل على
وجوب الوفاء بكل شرط، بل مفاده أن كل ما كان ثابتا في نفسه ومشروعا
فدليل وجوب الوفاء بالشرط يلزمه حين الاشتراط، ومن الواضح أن
اشتراط انفساخ المعاملة قبل تحققها بظهور التخلف شرط لم يثبت
جوازه في نفسه، فيكون غير موافق للكتاب والسنة، فيدخل تحت
المستثنى في قوله (عليه السلام): إلا شرطا مخالفا للكتاب والسنة (1).
وثالثا: إن المعاوضة الواقعة بين البدل والثمن على تقدير ظهور
المخالفة معاوضة تعليقية، أي ينشئ البيع على تقدير المخالفة فهو
معاملة تعليقية فيحكم بالبطلان اجماعا.

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا
مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم
مما وافق كتاب الله عز وجل (الكافي 5: 169، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)،
صحيحة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط
خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز (الفقيه 3: 127، التهذيب 7: 22، عنهما الوسائل 18: 16)،
صحيحة.
573

وإن كانت المعاوضة واقعة بين المثمن والبدل بأن يكون البدل واقعا
في مقابل المبدل على تقدير ظهور المخالفة وتقع المعاوضة بينهما،
وفيه أنه مضافا إلى عدم المقتضي لذلك بأن تقع هنا معاملة في صورة
المخالفة بغير معامل بل بمجرد الاشتراط في ضمن العقد، ولا دليل على
صحة ذلك بحسب نفسه من الآية والرواية والسيرة والارتكاز، وكون
المعاملة تعليقية وهي باطلة، أن المعاملة هنا غررية، حيث إن المفروض
جهالة المبدل، وعلى أي تقدير أن الظاهر في مثل ذلك أن يفسد الشرط
ويفسد العقد أيضا.
والحاصل أن شرط الابدال على تقدير ظهور المخالفة على نحو شرط
نتيجة لا يمكن تصديقه، لأنه أمر غير مشروع فلا يكون مشمولا لدليل
وجوب الوفاء بالشرط، لأن مرجع ذلك إلى انفساخ العقد بنفسه بمجرد
هذا الشرط.
من الواضح أن انفساخ العقد بلا موجب لم يثبت جوازه شرعا،
فلا مقتضى له، على أن اشتراط انفساخ العقد في نفسه قبل تحققه أمر غير
مشروع، فلا يكون دليل الوفاء بالشرط موجبا لكونه مشروعا.
بيان آخر
أقول: أما بناءا على كون الاشتراط من قبيل شرط النتيجة، فالشرط
وإن كان فاسدا لأن اشتراط انفساخ العقد بدون سبب قبل في عقد
لم يتحقق بعد، أمر لم يثبت في الشريعة المقدسة قبل هذا الاشتراط،
فيكون من الشروط غير المشروعة، ولكن يكون المقام حينئذ من
صغريات الشرط الفاسد، فلا يكون مفسدا للعقد إلا بناءا على كون الشرط
الفاسد مفسدا للعقد، وحيث إن الموافق للتحقيق وفتاوي المشهور عدم
كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد فلا يكون العقد فاسدا.
574

ودعوى كون العقد باطلا من جهة الغرر حيث لم يعلم أن المبدل بأن
وصف وبأي كيفية دعوى جزافية، وذلك لأن الظاهر أن الشهيد قد تكلم
في صحة العقد وفساده من ناحية الشرط الفاسد بعد الفراغ عن صحة
العقد من بقية الجهات، فيمكن ارتفاع الغرر هنا من جهة الاطمئنان
بوصف المبدل من القرائن الخارجية من توصيف البايع أو شخص آخر
فلم يصبح المبدل مجهولا حتى يكون البيع غرريا.
ثم ساق كلامه - أي الشهيد - إلى أنه يفسد بالشرط الفاسدة أم لا، وأما
بناءا على كون اشتراط الابدال من شرط الفعل، بأن يشترط المشتري
على البايع أن يبدل المبيع بغيره على تقدير التخلف، كما هو ظاهر من
كلام الشهيد، حيث عبر بلفظ الابدال، ولا شبهة أن الظاهر منه هو ابدال
البايع، وهو فعل من أفعاله، فالظاهر حينئذ أن العقد والشرط كلاهما
صحيحان، ولا وجه لكون الشرط حينئذ فاسدا فضلا عن كونه مفسدا
للعقد، بل هذا هو المتعارف في السوق كثيرا، حيث إن المشتري يشتري
عينا شخصية ويطمئن بكونها من الجنس الذي يريده.
ولكن يحتمل التخلف ويشترط عليه البايع الابدال على فرض
التخلف، ولا شبهة أن الابدال في نفسه معاوضة مشروعة في الشريعة
المقدسة، فيكون لازما بدليل وجوب الوفاء بالشرط على الاشتراط، فإن
ظهرت المخالفة فأراد المشتري الابدال فأبدله البايع فبها، وإلا فيثبت
للمشتري خيار تخلف الشرط فيفسخ العقد بذلك.
والعجب من الشهيد (رحمه الله) كيف رضي مع ذلك بفساد الشرط والعقد بل
هذا النحو من المعاملات من المعاملات المتعارفة كما هو واضح.
نعم لو كان البيع من الأول واقعا على المبدل على تقدير عدم المخالفة
وعلى البدل على تقدير المخالفة وكان المبيع أمرا مرددا لكان العقد
والشرط باطلا للتعليق كما تقدم في شرائط العوضين.
575

وعلى الجملة سواء قلنا بكون الشرط هنا من قبيل شرط النتيجة أو
قلنا بكونه من قبيل شرط الفعل لا دليل على كونه مفسدا للعقد، غاية الأمر
أنه على فرض كون الشرط شرط النتيجة يكون الشرط فاسدا فقط، وأما
توهم كون المعاملة غررية فقد عرفت الجواب عنه وكذلك يكون هنا
تعليق.
بيان ثالث
وحاصل الكلام أن المحتمل في كلام الشهيد ثلاثة:
1 - أن يكون مراده من شرط الابدال هو شرط الفعل، كما هو الظاهر من
ظاهر لفظ الابدال، بأن يشترط المشتري على البايع تبديل المبيع على
تقدير ظهور المخالفة، وعلى هذا فلا شبهة في صحة الشرط والعقد
كليهما، فإن لم يظهر المخالفة كان العقد لازما، ومع ظهور المخالفة
يطالب المشتري الابدال، فإن بدله فهو وإلا كان له الخيار، كما هو
واضح.
2 - أن يكون المراد من الاشتراط شرط النتيجة، يعني يشترط
المشتري على البايع المبادلة، بأن يكون الثمن في مقابل البدل أو تقع
المبادلة بين المثمن والبدل بنفس هذا الشرط لا بشرط آخر.
وقد عرفت أنه على هذا كان الشرط فاسدا لكونه مخالفا للشرع، حيث إن اشتراط انفساخ العقد في نفس ذلك العقد قبل تحققه لم تثبت في
الشريعة المقدسة، وكذا انفساخ بلا موجب وتحقق معاوضة أخرى
بلا سبب، فإن كل ذلك لم يثبت فلا يكون مشمولا للعمومات.
ولكن قد عرفت أنه على هذا وإن كان الشرط فاسدا إلا أن المشهور بين
المتأخرين أن فساد الشرط لا يسري إلى فساد المشروط كما هو واضح،
576

على أن الظاهر أن هذا الشق ليس مراد الشهيد، لمكان الابدال في كلامه
الظاهر في شرط الفعل.
3 - أن يراد من الاشتراط التعليق من الأول، بأن مبيع المبدل على تقدير
عدم المخالفة والمبدل على تقدير المخالفة، وعلى هذا وإن كان البيع
باطلا للتردد والتعليق ولكن ليس ذلك محتمل كلام الشهيد.
وكيف كان فالظاهر من كلامه هو الشق الأول، وعليه فلا وجه لما
التزم به الشهيد من فساد العقد والشرط، بل يصح كلاهما كما هو واضح.
ثم إن هنا كلاما لصاحب الحدائق (1) أشكل به على الشهيد، ولكن فيه
تهافت لا يمكن حله، فإنه ذكر في صدر كلامه بعد نقل كلام الشهيد
وبنائه على الفساد: أن ظاهر كلامه أن الحكم أعم من أن يظهر على
الوصف أو لا (2)، أي أن ظاهر كلام الشهيد من الحكم بالفساد في صورة
الاشتراط أي من أن يكون مع ظهور المخالفة أو ظهور الموافقة.
ثم أورد على هذا الاطلاق بأنه لا موجب للفساد مع ظهوره على
الوصف المشروط، ومجرد شرط البايع الابدال مع عدم ظهور الوصف
لا يصلح سببا في الفساد لعموم الأخبار المتقدمة، ولعل مراده من
الأخبار المتقدمة هو أخبار الخيار، حيث إنها تدل بالملازمة على الصحة
مع عدم الخيار في صورة عدم المخالفة، وليس المراد من دلالتها على
الصحة بالملازمة أن لازم ثبوت الخيار في البيع هو صحته وإلا لم يكن
وجه للخيار، لأن مراده دلالة الأخبار على الصحة مع اللزوم لا عليها مع
الخيار، وهذا لا يجتمع إلا مع الاحتمال الأول من الدلالة دون الثاني،
ومع عدم الأخبار في العمومات الآيات غنى وكفاية.

1 - الحدائق 19: 59.
2 - الدروس 3: 276.
577

وكلامه إلى هنا صريح في أنه يستشكل على الشهيد بأنه لا وجه للقول
بالبطلان على الاطلاق بل على تقدير ظهور المخالفة فقط، وهكذا ذيل
كلامه حيث قال: وبالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة
المذكورة على الاطلاق وجها يحمل عليه، ولكن ينافي ذلك ما صدر
عنه (رحمه الله) في وسط كلامه حيث قال: نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فساد
من حيث المخالفة ولا يجبره هذا الشرط الاطلاق الأخبار في الخيار.
ثم ذكر أن الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور
حيث لا تأثير له مع الظهر وعدمه، حيث مدعاه في هذه العبارة هو فساد
العقد حيث قال: نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا، ودليله يدل على
ثبوت الخيار من غير فساد العقد حيث قال: ولا يجبره هذا الشرط
لاطلاق الأخبار في الخيار، وهذا مما لا يمكن حله.
المسألة (5)
ثبوت خيار الرؤية في كل عقد
قوله (رحمه الله): مسألة: الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد.
أقول: وقع الخلاف بين الفقهاء في ثبوت خيار الرؤية في غير البيع من
الصلح والإجارة وغيرهما وعدم ثبوته.
فذكر المصنف أنه يثبت في كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة
كالصلح والإجارة، وذكر في وجه ذلك أن المحتملات هنا ثلاث وليس
هنا شق رابع، وذلك مع تبين المخالفة، فأما أن يحكم ببطلان العقد كما
تقدم عن الأردبيلي في بيع العين الغائبة، وأما أن يحكم بلزومه مع عدم
الخيار، وأما أن يحكم بصحته مع الخيار.
أما البطلان فهو مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروط
في المعقود عليه، وأما احتمال اللزوم بدون الخيار فهو أيضا فاسد لأن
578

دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد وحرمة نقضه، ومن المعلوم أن عدم
الالتزام بترتيب أثر بالعقد على العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس
نقضا للعقد، وحينئذ فيثبت الاحتمال الثالث وهو صحة العقد مع الجواز
والخيار.
أقول: إن كان مدرك خيار الرؤية هو الشرط الضمني على ما ذكرناه في
أول المسألة فلا شبهة في ثبوته في كل عقد تخلف فيه الوصف، كجريان
خيار الغبن في كل عقد وقع فيه الغبن، ولكن مع ذلك لا نحتاج إلى
التقسيم الذي ذكره المصنف على تقدير صحته، فإنه يشبه الأكل من
القفاء، بل يثبت الخيار ابتداء لتخلف الوصف كما هو واضح.
وإن كان مدركه هو النص والتعبد به، فلا شبهة في اختصاصه بالبيع،
وتقدم أن فيه قرينة على كون مورد خيار الرؤية قريبا من صورة تخلف
الشرط، حيث إن المشتري بعد ما رأى الضيعة وقبلها أو فتشها فخرج
فاستقال فلم يقبله، فإن لو كان هنا اشتراط لما احتاج إلى الاستقالة بل
فسخ ابتداء لتخلف الشرط، وعلى هذا فالخيار يختص بالبيع فقط
فلا يجري في غيره.
ثم إن التقسيم الذي ذكره المصنف ليس بصحيح، فإن بطلان توهم
بطلان العقد من جهة أن بناء الفقهاء ليس هو البطلان في تخلف الأوصاف
المشروطة في المعقود عليه، لا يستلزم ذلك جواز العقد وكونه خياريا،
بل يمكن أن يكون لازما.
ودعوى المصنف أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد ولا يصدق
النقض على عدم الوفاء مع تخلف الوصف لا يمكن المساعدة عليه، فإنه
أولا: إن عدم شمول دليل اللزوم عليه لا يكفي في اثبات كونه جائزا، بل
لا بد في ذلك من اثبات عدم اللزوم كما هو واضح.
579

وثانيا: إن عدم شمول آية وجوب الوفاء بالعقد للمقام لا يدل على
عدم شمول غيره لذلك، لعدم انحصار دليل اللزوم بها، فيكفي في لزومه
أحل الله البيع (1) وتجارة عن تراض (2)، والروايات الدالة على لزوم
العقد على ما تقدم.
وثالثا: يكفي في اثبات اللزوم استصحاب الملكية على مسلك
المصنف، فإنه مع الشك في أن الملكية الحاصلة بالعقد ترتفع بالفسخ أم
لا فنستصحب الملكية ونثبت اللزوم.
وعلى هذا فمقتضى القاعدة هو اللزوم في غير البيع وعدم جريان
خيار الرؤية في غير البيع، كما هو واضح.
المسألة (6)
اختلاف البايع والمشتري في الاشتراط
قوله (رحمه الله): مسألة: لو اختلفا فقال البايع لم يختلف صفة.
أقول في توضيح المقام: إن لهذه المسألة صور ثلاث، وقد أشار إليها
المصنف وإن لم يصرح بجميع الأقسام:
1 - أن يكون اختلافهما في أصل الاشتراط، بأن ادعى المشتري
اشتراط وصف في المبيع من الكتابة والخياطة والبناية ونحوها، وادعى
البايع خلاف ذلك وكون البيع مطلقا.
2 - أن يتفقا على أصل اشتراط ولكن كان الاختلاف في متعلق الشرط،
بأن ادعى أحدهما كونه خياطة ويدعي الآخر كونه كتابة العبد، وهذا في
النتيجة يرجع إلى الأول.

1 - البقرة: 275.
2 - النساء: 29.
580

3 - أن يتفقا على أصل الاشتراط وعلى اتحاد متعلقه ولكن يدعي
البايع وجوده وينكره المشتري، أو يدعي البايع أنه كان موجودا فقد زال
فيدعي المشتري أنه لم يكن موجودا أصلا.
أما الكلام في الصورة الأولى والصورة الثانية التي مرجعها إلى الصورة
الأولى، فذكر المصنف بما حاصله: أنه إذا اختلف المشتري والبايع في
اشتراط وصف في المبيع وعدمه أو فيما يرجع إلى ذلك، فالقول قول
مدعي الخيار، لا من جهة أن مدعي الاشتراط تقدم قوله يثبت الخيار عند
التخلف.
فإن المصنف صرح هنا بأن الأصل هو عدم الاشتراط، فإنه إذا اختلف
البايع والمشتري في أصل اشتراط شرط في البيع وعدمه، فإن أصالة
عدم الاشتراط يدفعه، فيكون البيع لازما بمقتضى العمومات بل من جهة
ما أشار إليه هنا وصرح به في أوصاف المبيع أن الأوصاف التي اشترطت
في المبيع الشخصي راجعة إلى التقييد، أي تكون العين الشخصية
المبيعة مقيدة بهذه الأوصاف، وإن كان ذلك في صورة الاشتراط.
وعلى هذا فمرجع الاختلاف إلى الشك في أصل تعلق البيع بالعين
الملحوظ فيها صفات مفقودة أو تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات
الموجودة، أي أن المبيع كان مقيدة بصفات فهي مفقودة وقد كان البيع
واقعا على المبيع المقيد بتلك الصفات، أو أنه قد وقع بالموجود فعلا أو
أعم من الصفات الموجود والمفقودة، ومن الواضح أن اللزوم من أحكام
البيع المتعلق بالعين على الوجه الثاني والأصل عدمه، وأما الطرف
الآخر أعني عدم التقييد فلا أثر له، فليس اللزوم من آثاره حتى يترتب
على نفسه اللزوم كما هو واضح..
أقول: يرد على المصنف:
581

أولا: بفساد المبنى، حيث إنك قد عرفت سابقا أنه لا معنى لتقييد
العين الخارجية، إذ الاطلاق والتقييد فيها مستحيل وغير معقول،
فلا ينقلب الشئ عن واقعه بالاشتراط وعدمه.
وإذن فيدور الأمر بين رجوع القيد إلى أصل البيع، بأن يكون البيع على
تقدير وجود الوصف الخاص في المبيع واتصافه به وبين رجوعه إلى
الالتزام بالبيع، وحيث إن الأول يوجب البطلان لكونه تعليقا فهو خلاف
المتفاهم العرفي من الاشتراط وخلاف ارتكازهم، فيكون الثاني هو
المراد، فإن بناء المتعاقدين على المعاملة الصحيحة لا على المعاملة
الفاسدة، فيكون الثاني هو المراد.
وعليه فيرجع الأمر إلى النزاع في أصل الاشتراط ليلزم من التخلف
الخيار أو عدم الاشتراط، فقد عرفت أنه (رحمه الله) التزم في هذه الصورة بعدم
الخيار، لأن الأصل عدمه.
وثانيا: أنا لو سلمنا رجوع الاشتراط إلى تقييد المبيع، وأغمضنا عن
استحالة ذلك، ولكن لا نسلم كون مقتضى ذلك هو ثبوت الخيار
للمشتري من جهة كون اللزوم من أحكام البيع المتعلق بالعين من حيث
كونها على هذا الوصف الموجود، بل لنا أن نقول: إن الخيار إنما هو من
أثرات تخلف الوصف الذي اعتبر كون المبيع مقيدا به في البيع، ومن
الواضح أنا لا نعلم بوجود هذا الاشتراط بل نشك فيه فالأصل عدمه،
ولا يعارض هذا الأصل بأصالة عدم كون العقد واقعا على العين
الموجودة مطلقا، لأن اللزوم ليس من آثار ذلك بل اللزوم من مقتضيات
طبيعة العقد، فإن طبع كل عقد على اللزوم حتى يثبت كونه جائزا خياريا
كما هو واضح.
ودعوى أن الأصل عدم الاطلاق يكفي في عدم لزوم العقد، فلا نريد
582

أن نثبت الخيار حتى يقال إن أصالة عدم الاطلاق بالنسبة إليه مثبت، فإنها
فاسدة، لأن مقتضى هذا الأصل هو بطلان العقد بمثل تخلف الوصف
وهو خلاف المفروض أن العقد صحيح.
على كل حال حيث ذكر المصنف سابقا أن ديدن العلماء وسيرتهم
على عدم المعاملة في تخلف الأوصاف معاملة الفساد، بحيث أن
يحكموا في صورة تخلف أوصاف المبيع بفساد العقد بل حكموا بصحة
العقد مع الخيار.
وعلى هذا فأصل صحة العقد مفروغ عنه، وإنما الخلاف في ثبوت
الخيار في ذلك وعدم ثبوته بحيث يكون الاطلاق والتقييد من
المتضادين، يعني يدور الأمر بين وقوع العقد على العين الموجودة مطلقا
أو مقيدا فيكونان من المتضادين، وأما إذا عملنا بأصالة عدم كون العقد
مطلقا فلا يكفي ذلك في عدم لزوم العقد وكفاية فسخت في الفسخ، لأن
المراد من الفسخ ليس هو لفظ فسخت فقط بحيث يكون له موضوعية، بل
المراد منه هو البناء على اعدام العقد وعدم استمراره.
وبعبارة أخرى أن المتبايعين كانا بانيين على المعاملة والمبادلة والنقل
والانتقال، وبالفسخ يبنيان على عدم ذلك، ومن الواضح أن هذا المعنى
لا يترتب على أصالة عدم وقوع العقد مطلقا، فإن ذلك من اللوازم الأعم
لهذا الأصل، لاحتمال أنه لم يقع هنا عقد أصلا، فإنه مع عدم وقوع العقد
أيضا يصدق أن الأصل عدم وقوعه مطلقا، وعلى تقدير وقوعه فمقتضى
هذا الأصل كما عرفت هو الفساد، والمفروض أن العقد ليس بفاسد بل
الصحة مفروغ عنها كما عرفت، وإنما الكلام في كونه خياريا وعدمه
وحيث كانت الصحة مفروغا عنها فأصالة عدم الاطلاق لا تثبت ثبوت
الخيار إلا بالملازمة.
583

وعلى هذا فيكون الاطلاق وعدمه من المتضادين كما عرفت فنفي
أحدهما وإن كان لا يثبت الآخر إلا بالملازمة العقلية ويكون الأصل
حينئذ مثبتا، ولكن أصالة عدم وقوع العقد على هذا الموجود، فإن الأول
له أثر وهو عدم الخيار لأن الخيار كما عرفت مترتب على تخلف الوصف
المشروط به في العقد فالأصل عدمه، وأما اللزوم فليس مترتبا على عدم
كون العقد واقعا على هذا الموجود مطلقا بل من مقتضيات طبع العقد كما
عرفت، وعلى هذا فلا يصح بناء المصنف أيضا.
التحقيق في المقام
فتحصل أن ما ذكره المصنف لا يمكن المساعدة عليه مبنى وبناءا
فلا بد من الحكم بلزوم العقد، هذا على ما ذكره المصنف (رحمه الله)، وتحقيق
الكلام وتفصيله:
أنا ذكرنا سابقا أن الخيار في الحقيقة عبارة عن الاختيار، وهو من
الافتعال بمعنى طلب الخير، وهذا المعنى هو المراد في الخيارات
المصطلحة، ومرجع جعل الخيار في العقود كالبيع مثلا إلى انشاء
الملكية المحدودة، لما ذكرنا أن الاهمال في الواقعيات محال، فلا بد إما
أن يكون المنشأ مطلقا أو مقيدا، فحيث إن الاطلاق غير موجود مع
جعل الخيار، لأن المفروض أن المتبايعان أو أحدهما جعل لنفسه
الخيار فقهرا تكون الملكية مقيدة أي محدودة بحد خاص وإلى زمان
خاص، وهو زمان اختيار ذي الخيار فسخ ذلك العقد، ومع هذا التقييد
الفعلي لا يكون الاطلاق معقولا، وإن كان معقولا بحسب نفسه قبل
التقييد.
على هذا فنشك في أن الملكية هل وجدت مطلقة أو مقيدة، فنقول:
584

إن الأصل عدم كونها مقيدة فنتمسك بالعمومات الدالة على اللزوم،
ولا يعارض ذلك بأصالة عدم كونها مطلقة لنفي اللزوم، لما عرفت أن
اللزوم من مقتضيات طبع العقد لا من آثار اطلاقه حتى يترتب على نفيه
نفي اللزوم كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أنه إذا اختلف البايع والمشتري في اعتبار شرط في
البيع وعدمه، أي اعتبار وصف في المبيع وعدمه، أو كان الاختلاف في
متعلق الشرط فلا يمكن التمسك هنا بعموم أوفوا بالعقود (1)، لأن
التمسك به هنا لاثبات اللزوم من قبيل التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية، إذ لا نعلم أن الملكية الحاصلة هنا هل هي مطلقة ليجوز
التمسك به أو لا.
ولكن لا بأس من التمسك بما دل على حرمة التصرف في مال الغير
بدون إذنه، وحرمة أكل المال بالباطل إلا بالتجارة عن تراض، وبقوله
تعالى: أحل الله البيع (2)، فإن مقتضى ذلك أن التصرف في مال الغير بغير
تجارة عن تراض حرام إلا في موارد الخيار، فإن أكل ذي الخيار مال
الطرف الآخر بالفسخ ليس بحرام، ولكن نشك في مورد اختلاف
المتبايعين في جعل الشرط و عدمه أن الملكية المنشأة مطلقة لئلا يكون
له الخيار.
فبناءا على ما ذكرناه من معنى الخيار فالأصل عدم تحقق الملكية
المقيدة، فنتمسك بعموم ما دل على حرمة أكل مال الغير بغير تجارة عن
تراض، فلا يكون الفسخ مؤثرا، ولا يلزم حينئذ محذور التمسك بالعام
في الشبهات المصداقية بأن يدعي أن هذا المورد لا نعلم أنه من القسم

1 - المائدة: 1.
2 - البقرة: 275.
585

الخارج عن العموم أم لا، فيكون التمسك بالعام من قبيل التمسك به في
الشبهات المصداقية فهو لا يجوز.
بيان آخر للمسألة الثالثة
وحاصل الكلام أن البحث هنا يقع في جهتين:
الأولى: فيما كان الاختلاف في أصل الاشتراط وعدمه أو فيما يرجع
إلى ذلك، كان يكون الاختلاف في متعلق الاشتراط مع الاتفاق على أصل
الاشتراط.
الثاني: أن يكون الاختلاف في وجود متعلق الشرط وعدمه، مع
الاتفاق على أصل الاشتراط ومتعلقه، كأن يقول البايع أن المشروط هو
خياطة العبد وهي موجودة، ويقول المشتري أنها معدومة، أو يقول
البايع أنها كانت حين البيع موجودة فقد انعدمت، ويقول المشتري
لم تكن موجود.
الجهة الأولى: فيما كان الاختلاف في أصل الاشتراط وعدمه
أما الكلام في الجهة الأولى، فقد عرفت كلام المصنف وجوابه، وأما
تحقيق المسألة ومحصل الكلام، بعد كون الخيار راجعا إلى تقييد
الملكية، فلا شبهة في معارضة أصالة عدم الملكية المطلقة مع أصالة
عدم انشاء الملكية المقيدة، إذا لاحظنا الاطلاق والتقييد بحسب أنفسها،
وأما إذا لاحظنا أصالة عدم الخيار والملكية المقيدة مع ملاحظة
العمومات الدالة على حرمة أكل مال الغير بغير تجارة عن تراض
وبلا طيب نفس فلا معارضة بينهما، لعدم الأثر في أصالة عدم كون العقد
مطلقا، فإن اللزوم يفهم عموم حرمة الأكل وأصالة عدم وجود الخيار
586

لمدعيه ينقح موضوع العام، فقد عرفت أن مرجع جعل الخيار في البيع
إلى تقييد الملكية المنشأة، أي انشاء الملكية المحدودة بعدم الفسخ،
ولا ينافي ذلك بكون الملكية مطلقة، أي في جميع الأزمنة على تقدير
عدم الفسخ، فلا يرد أن البيع إلى زمان معين ليس بصحيح، وقد تقدم
تفصيل ذلك.
وعلى هذا، فأصالة عدم كون المنشأ هي الملكية المقيدة معارضة مع
أصالة عدم كون الملكية هي الملكية المطلقة، فلكل منهما أثر خاص
فيسقطان للمعارضة.
لا يقال: إن أصالة عدم كون العقد مطلقة تجري فيترتب عليه ثبوت
الخيار من غير احتياج إلى اثبات الخيار حتى يلزم كونها من الأصول
المثبتة، ولا شغل لنا بأصالة عدم كون الملكية مقيدة لتلزم المعارضة،
وإن كان بينهما معارضة من حيث لحاظ الاطلاق ولحاظ التقييد ولكن
لا يترتب عليها أثر.
فإنه يقال: قد عرفت أنه لازم ذلك هو بطلان العقد، والمفروض
صحته، وأن الفسخ ليس نفس فسخت حتى يترتب على أصالة عدم
الاطلاق بل اعتبار العقد كالعدم، ولا يثبت ذلك بأصالة عدم الاطلاق إلا
على القول بالأصول المثبتة.
وكيف كان فلا شبهة في معارضة الأصلين من حيث النظر إلى الملكية
المطلقة والملكية المقيدة.
نعم لا مانع من جريان أصالة عدم التقييد واحراز أن العقد لم يقع
بالمقيد ثم التمسك بالعمومات الدالة على لزوم كل عقد.
وتوضيح ذلك: أنه ثبت في الشريعة المقدسة أنه لا يجوز التصرف في
مال أحد إلا بإذنه، وأنه لا يحل أكل مال الغير إلا بالتجارة عن تراض، وإذا
587

باع أحد ماله من شخص آخر في مقابل ثمن خاص فيكون كل منهما مالا
للآخر، فيحرم لكل منهما بعد ذلك أن يتصرف فيما انتقل إلى غيره
ويأخذه منه إلا أن يكون هنا أيضا تجارة عن تراض، وقد خرج عن تلك
العمومات ما إذا جعل المتعاقدان لنفسهما أو لأحدهما الخيار، أو جعل
الشارع لأحدهما أو لهما خيارا في البيع مثلا كخيار المجلس، فإنه
حينئذ يجوز لمن له الخيار أن يأخذ مال صاحبه بالفسخ وبغير تجارة عن
تراض وبغير طيب نفس منه.
وعلى هذا فإذا شككنا في أن العقد هل وقع على المطلق أو على
المقيد، أي المنشأ هل هو ملكية مطلقة أو ملكية مقيدة، فنجري أصالة
عدم وقوعه على المقيد، فنحرز بها موضوع التمسك بتلك العمومات،
وليس لأصالة عدم وقوع العقد على المطلق حينئذ أثر حتى تكون
معارضة بذلك وإن كانتا متعارضتين بحسب أنفسهما، لأن الأثر مترتب
على عدم التقييد فقط لا على عدم الاطلاق، والعام ليس أمرا وجوديا
ليلزم احرازه ولا يمكن التمسك به، ويكون الأصلان متعارضان بخلاف
الخاص فإنه أمر وجودي وجب احرازه، ولا يلزم من ذلك التمسك بالعام
في الشبهة المصداقية إذ بالأصل نحرز أن الأمر الوجودي الذي هو حق
فسخ العقد ليس لمن يدعي الخيار فيتحقق به موضوع التمسك بالعام.
وبعبارة أخرى أن الشارع قد حكم بحرمة أكل مال الناس مطلقا إلا أن
تكون تجارة عن تراض، وإلا يكون بغير جعل حق الفسخ في البيع مثلا،
غايته أن الثاني مخصص منفصل فهو كالمتصل، وإذا شككنا في مورد في
ثبوت حق الفسخ لأحد المتعاملين فننفيه بالأصل، لأن الخارج عن العام
أمر وجودي، فكلما شككنا فيه فالأصل عدمه، وليس عنوان العام أمرا
وجوديا أيضا حتى يحتاج إلى الاحراز فيجري فيه الأصل أيضا، بل هو
588

أمر عدمي وهو عدم جواز أكل مال الغير وحرمة التصرف فيه بدون إذنه،
فليس للأصل في ناحية الاطلاق هنا أثر.
وعلى هذا فلا مانع من احراز موضوع تلك العمومات بالأصل ثم
التمسك بالعام، وذلك نظير ما إذا شككنا في ثبوت الخيار الشرعي في
معاملة مثلا، فإنه نتمسك بالعمومات فنحكم باللزوم، كما إذا شك في
ثبوت خيار الحيوان في الصلح مع عدم كونه بيعا كما هو واضح.
نعم لا يمكن التمسك هنا بعموم أوفوا بالعقود (1)، فإن الآية تدل على
الوفاء بكل عقد وهو انتهاء أمده وعدم انهدام الالتزام به، ومن الواضح أن
الالتزام بالعقد التزام واحد، إما يتعلق بالملكية المطلقة أو يتعلق
بالملكية المقيدة، فالآية تدل وتلزم على انهاء ما تعلق به الالتزام إن مطلقا
فمطلقا إن مقيدا فمقيدا، فلا بد حينئذ من احراز ذلك من الخارج، فحيث
لم يحرز أن الالتزام على أي كيفية هنا فلا يمكن التمسك بالآية واثبات
اللزوم بها في المقام كما هو واضح.
وهذا بخلاف بقية العمومات المتقدمة، فإنك قد عرفت أنها تدل على
حرمة أكل مال الغير وعدم جواز التصرف فيه بدون إذنه في جميع
الأوقات والحالات والأزمان، وقد خرج عن ذلك خصوص ما ثبت
لأحد المتبايعين أو كلاهما حق الفسخ وأخذ مال صاحبه، إما بجعل
منهما أو بجعل من الشارع وهو أمر وجودي، إذا شككنا فيه فالأصل
عدمه حتى أن نحرزه، ولا يعارضه الأصل في طرف الاطلاق لعدم ترتب
الأثر عليه، إذ عنوان العام أمر عدمي أعني عدم جواز التصرف في مال
الغير فلا يلزم احرازه، أي لم يترتب الأثر على احرازه حتى ننفيه بالأصل
ونحكم بعدمه ما لم نحرز وجوده قطعا.

1 - المائدة: 1.
589

الجهة الثانية: أن يكون الاختلاف في وجود متعلق الشرط وعدمه
وأما الجهة الثانية، أعني الاختلاف في أن ما تعلق به الشرط موجود
أم لا، ففي هنا ينعكس المطلب، فيقدم قول مدعي الخيار حتى يثبت
مدعي اللزوم دعواه، والوجه في ذلك أن ما تعلق به الشرط قد يكون
وصفا مفارقا، وقد يكون وصفا غير مفارق.
أما الأول فكالخياطة والكتابة ونحوهما، فإذا وقع الاختلاف في
وجود مثل تلك الأوصاف، فالأصل عدم تحقق تلك الأوصاف إلى زمان
البيع، فيثبت أن البيع لم يقع على العبد الكاتب.
وبعبارة أخرى وقوع العقد على العبد محرز بالوجدان وعدم وقوعه
على الكاتب محرز بالأصل، فليتم الموضوع المركب فيترتب عليه
حكمه، وعلى هذا فيثبت للمشتري في هذه الصورة الخيار وكذا للبايع
لو كان وصف من أوصاف الثمن مورد للاختلاف على هذا النحو،
والوجه في كون الأصل هنا مع مدعي الخيار أن تلك الأوصاف أمور
مسبوقة بالعدم ولها حالة سابقة فمع الشك فيها يستصحب عدمه.
وأما الثاني، أعني ما كان مورد الاختلاف في الأوصاف الغير المفارقة
فكالقرشية، وككون الحنطة من المزرعة الفلانية وهكذا، ففي هنا وإن
لم يكن لتلك الأوصاف حالة سابقة، لأن الحنطة الخارجة من العدم إلى
الوجود أما خرجت متصفة بكونها من المزرعة الفلانية أو غير متصفة
بكونها من المزرعة الفلانية، ولكن نحن نقول بجريان الاستصحاب في
الأعدام الأزلية، وأن الأصل عدم اتصاف الحنطة بكونها من المزرعة
الفلانية فيما خرجت من العدم إلى الوجود، كما هو كذلك في القرشية.
590

المسألة (7)
لو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي
قوله (رحمه الله): مسألة: لو نسج بعض الثوب.
أقول: قد ذكر غير واحد من الفقهاء هنا فرعا، وهو أنه لو نسج بعض
الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل، كما عن المبسوط
والقاضي وابن سعيد والعلامة في كتبه وجامع المقاصد (1)، وعن
المختلف (2) صحته، وقد ذكر المصنف أنه لا يحضرني المختلف الآن
حتى أتأمل في دليله، ولكن ذكر بعد أسطر أن الظاهر لم يف كلمات
المختلف في بعض صور للتي ذكرها.
والذي يخطر بالبال أن النزاع هنا لفظي، لأنه من البعيد جدا أن يلتزم
شيخ الطائفة ونظائره على البطلان فيما لا بد من القول بالصحة، ويلتزم
العلامة بالصحة في مورد لا بد فيه من البطلان.
وتوضيح ذلك: إن الشقوق المتصور في هذا الفرع أربعة:
1 - أن يبيع البايع المنسوج الشخصي الذي موجود مع منسوج آخر
كلي في الذمة مثل ذلك المنسوج الخارجي، فيكون المبيع مركبا من
الشخصي والكلي.
فالظاهر أنه لا شبهة في صحة هذا القسم، ولا يتوهم أحد بطلان بيع
الكلي، ولا يحتمل قول الشيخ بالبطلان هنا، وعليه فإن كان المنسوج
الآخر مثل المنسوج سابقا فهو وإلا فلا بد للبايع من تبديله ويطالبه مثل

1 - المبسوط 2: 77، المهذب 1: 352، الخلاف 3: 24، السرائر 2: 248، النهاية 2: 140،
الوسيلة: 238، جامع المقاصد 4: 302.
2 - المختلف 5: 73.
591

المنسوج الأول ولا يثبت الخيار للمشتري، نعم لو كانت الهيئة الاتصالية
لها مدخلية في زيادة الثمن ثبت له خيار تخلف الوصف وتبعض الصفقة
كما هو واضح.
2 - أن يبيع هذا المنسوج الموجود الخارجي الشخصي مع مقدار
خاص من الغزل الخارجي الشخصي أيضا، ولكن يشترط المشتري على
البايع نسجه مثل الأول، وهذا أيضا لا شبهة في صحته، لأن الشرط سائغ
غير مخالف للكتاب والسنة، ولا فيه جهالة ليوجب البطلان من جهة
الغرر، وعليه فإذا تخلف الشرط ثبت للمشتري خيار تخلف الشرط كما
هو واضح.
3 - أن يبيع المنسوج الخارجي الشخصي مع مقدار معين من الغزل
الكلي في الذمة، ولكن يشترط المشتري على البايع أن ينسجه مثل
الأول، ففي هنا أيضا لا طريق إلى البطلان مع معلومية الشرط
ومشروعيته، ولا يحتمل أن يقول الشيخ وأضرابه بالبطلان هنا.
وعليه فإذا تخلف لا يثبت الخيار للمشتري ابتداء إلا إذا انجر إلى
تخلف الوصف وتبعض الصفقة الموجب لقلة مالية المبيع كما هو واضح.
4 - أن يبيع الثوب مع غير المنسوج من غير أن يدخل تحت أحد
العناوين المتقدمة، وهذا باطل، لأنه بيع آخر غير موجود ومبيع معلق،
وقد دلت الأخبار الكثيرة على بطلان بيع ما ليس عندك، ومن الواضح أن
هذا منه، وأما بيع الكلي فقد خرج عن بيع ما ليس عندك، وهو محكوم
بالصحة كما أن السلم كذلك أي كالكلي.
والمظنون فلا أقل من الاحتمال أن النافين لصحة البيع في هذا الفرع
كالشيخ ونظائره ناظرين إلى الوجه الأخير، ومثبت الصحة كالعلامة في
المختلف ناظر إلى الوجوه الثلاثة الأول، وإذن فالنزاع لفظية، وعلى
تقدير أن لا يكون النزاع لفظيا، فالحق هو ما ذكرناه كما هو واضح.
592