الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٥
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

ينابيع الفقهية
الزكاة والخمس
الزكاة والخمس
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
الزكاة والخمس
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

الزكاة والخمس
فقه الرضا المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا ع
148 - 202 ه‍ ق
2

الزكاة
باب الزكاة:
اعلم أن الله تبارك وتعالى فرض على الأغنياء الزكاة بقدر مقدور وحساب محسوب،
فجعل عدد الأغنياء في مائتين مائة وخمسة وتسعين والفقراء خمسة، وقسم الزكاة على هذا
الحساب فجعل على كل مائتين خمسة حقا للضعفاء وتحصينا لأموالهم لا عذر لصاحب المال في
ترك اخراجه. وقد قرنها الله بالصلاة وأوجبها مرة واحدة في كل سنة. ووضعها رسول الله
ص على تسعة أصناف: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب
والإبل والبقر والغنم، وروي عن علي: الجواهر والطيب وما أشبه هذه الصنوف من الأموال.
وفي كلما دخل القفيز والميزان ربع العشر إذا كان سبيل هذه الأصناف سبيل الذهب
والفضة في التصرف فيها والتجارة، وإن لم يكن هذه سبيلها فليس فيها غير الصدقة فيما فيه
الصدقة، والعشر ونصف العشر فيما سوى ذلك في أوقاته وقد عفا الله عما سواها. وليس فيما
دون عشرين دينارا زكاة ففيها نصف دينار وكلما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير
فلا زكاة فيه، فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب. وليس على المال
الغائب زكاة ولا في مال اليتيم زكاة.
وأول أوقات الزكاة بعد ما مضى ستة أشهر من السنة لمن أراد تقديم الزكاة. وليس على
الغنم حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا زادت على الأربعين واحدة ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاثة إلى ثلاثمائة، فإذا كثر
الغنم سقط هذا كله ويخرج في كل مائة شاة.
ويقصد المصدق الموضع الذي فيها الغنم فينادي: يا معشر المسلمين هل لله في أموالكم
3

حق؟ فإن قالوا: نعم، أمر أن يخرج الغنم ويفرقها فرقتين ويخير صاحب الغنم في إحدى
الفرقتين ويأخذ المصدق صدقتها من الفرقة الثانية، فإن أحب صاحب الغنم أن يترك المصدق
له هذه فله ذاك ويأخذ غيرها، وإن لم يرد صاحب الغنم أن يأخذها أيضا فليس له ذلك، ولا
يفرق المصدق بين غنم مجتمعة ولا يجمع بين متفرقة. وفي البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع
حولي وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شئ، فإذا
بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا
بلغت سبعين ففيها تبيعة ومسنة إلى ثمانين، فإذا
بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبائع، فإذا كثرت
البقر سقط هذا كله ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل أربعين مسنة.
وليس في الإبل شئ حتى يبلغ خمسة، فإذا بلغت خمسة ففيها شاة، وفي عشرة شاتان، وفي
خمسة عشر ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين خمس شياة، فإذا زادت
واحدة فابنة مخاض وإن لم يكن عنده ابنة مخاض ففيها ابنة لبون ذكر إلى خمسة وثلاثين، فإن
زادت فيها واحدة ففيها بنت لبون، فإن لم يكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق
ابنة مخاض وأعطى معها شاة، وإذا وجبت عليها ابنة مخاض ولم يكن عنده وكان عنده ابنة
لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة، فإذا بلغت خمسة وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة
وسميت حقة لأنه استحقت أن يركب ظهرها إلى أن يبلغ إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها
جذعة إلى خمسة وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا كثر الإبل ففي كل
خمسين حقة.
وليس في الحنطة والشعير شئ إلى أن يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع
أربعة أمداد والمد مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل بغير خراج
السلطان ومؤونة العمارة للقرية أخرج منه العشر إن كان سقى بماء المطر أو كان
بعلا، وإن كان سقى بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر. وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير، فإن
بقي الحنطة والشعير بعد ما أخرج الزكاة ما بقي وحولت عليها السنة ليس عليها زكاة حتى
يباع ويحول على ثمنه حول. ونروي: أنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا
بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال وليس في نيف شئ حتى يبلغ أربعين، ولا يجوز في الزكاة أن يعطي
أقل من نصف دينار.
4

وأني أروي عن أبي العالم ع في تقديم الزكاة وتأخيرها: أربعة أشهر أو ستة
أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجب عليك، ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها لأنها
مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء
وكذلك الزكاة. وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه،
فإذا دخل عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر
القرض والزكاة. وإن كان لك على رجل مال ولم يتهيأ لك قضاؤه فاحسبها من الزكاة إن
شئت، وقد أروي عن العالم ع أنه قال: نعم الشئ القرض إن أيسر قضاك وإن عسر
حسبته من زكاة مالك.
وإن كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل
فعليك زكاته إذا جاء عليك الحول وإن لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة، وإن
غاب عنك مالك فليس عليك زكاته إلا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك إلا أن
يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته فإن رجع إليك نفعه لزمتك زكاته،
فإن استقرضت من رجل مالا وبقي عندك حتى حال عليه الحول فعليك فيه الزكاة، فإن بعت
شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه
دونك.
وليس على الحلي زكاة ولكن تعيره مؤمنا إذا استعاره منك فهو زكاته. وليس في مال
اليتيم زكاة إلا أن يتجر بها فإن اتجرت به ففيه الزكاة. وليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به
من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة. وإياك أن تعطي زكاة مالك غير أهل
الولاية ولا تعطي من أهل الولاية الأبوين والولد والزوجة والصبي والملوك وكل من هو في
نفقتك فلا تعطيه. وليس ذكر في سائر الأشياء زكاة مثل القطن والزعفران والخضر والثمار
والحبوب سوى ما ذكرتك زكاة إلا أن يباع ويحول على ثمنه الحول. وإن اشترى رجل أباه من
زكاة ماله فأعتقه فهو جائز، وإن مات رجل مؤمن وأحببت أن تكفنه من زكاة مالك فأعطها
ورثته فيكفنونه وإن لم يكن ورثة فكفنه أنت واحسب به من زكاة مالك فإن أعطى ورثته قوم
آخرون ثمن كفنه فكفنه من مالك واحسبه من الزكاة ويكون ما أعطاهم القوم لهم يصلحون
به شأنهم، وإن كان على الميت دين لم يلزم ورثته القضاء مما أعطيته ولا مما أعطاهم القوم لأنه
5

ليس بميراث وإنما هو شئ صار لورثته بعد موته، وإن استفاد المعتق مالا فماله لمن أعتق لأنه
مشتري بماله وبالله التوفيق.
باب الغنائم والخمس:
اعلم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وأروي عن العالم ع
أنه قال: ركض جبرائيل ع برجله حتى جرت خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه:
الفرات ودجلة والنيل ونهر مهربان ونهر بلغ، فما سقت وسقى منها فللإمام والبحر المطيف
بالدنيا. وروي أن الله جل وعز جعل مهر فاطمة عليها السلام خمس الدنيا فما كان لها صار
لولدها ع. وقيل للعالم ع: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: أن
يأكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم. وقال جل وعلا: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله
وللرسول ولذي القربى، إلى آخر الآية، فتطول علينا بذلك - امتنانا منه ورحمة - إذا كان المالك
للنفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي، وكان ما في أيدي الناس عواري وأنهم
مالكون مجازا لا حقيقة له.
وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الغي، الذي
لم يختلف فيه، وهو ما ادعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة وغلة الضيعة، وسائر الفوائد من
المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة من رزق الله تعالى. فإنه
روي أن الخمس على الخياط من إبرته والصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه
مالا فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدى حق الله عليه و تعرض للمزيد، وحل له الباقي من
ماله وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد من المزيد والتطهير من البخل على أن
يغني نفسه مما يديه عن الحرام الذي يحل فيه بل خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين،
فاتقوا الله وأخرجوا حق الله مما في أيديكم يبارك الله لكم في باقيه وتزكوا فإن الله تعالى الغني
ونحن الفقراء. وقد قال الله تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم،
فلا تدعوا التقرب إلى الله بالقليل والكثير على حسب الإمكان، وبادروا بذلك الحوادث
واحذروا عواقب التسويف فيها فإنما هلك من هلك من الأمم السالفة بذلك وبالله الاعتصام.
6

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
7

أبواب الزكاة
باب ما يجب الزكاة عليه:
اعلم أن الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل
والبقر والغنم والذهب والفضة. وعفا رسول الله ص عما سوى
ذلك.
باب زكاة الحنطة والشعير:
ليس على الحنطة والشعير شئ حتى يبلغ خمسة أوساق، والوسق ستون صاعا
والصاع أربعة أمداد والمد مائتان وتسعون درهما ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد
خراج السلطان ومؤونة القرية أخرج منه العشر إن كان سقى بماء المطر أو كان
سيحا وإن سقى بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر.
باب زكاة التمر والزبيب:
اعلم أن على التمر والزبيب من الزكاة ما على الحنطة والشعير.
باب زكاة الإبل:
اعلم أنه ليس على الإبل شئ حتى يبلغ خمسة، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة،
وفي عشر شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمسة
9

وعشرين خمس شياه، وإذا زادت واحدة فابنة مخاض، فإن لم تكن عنده ابنة مخاض
ففيها ابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون، فإن لم
تكن عنده ابنة لبون، وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض وأعطى
معها شاة، وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها
واسترجع من المصدق شاة، فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة "
وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها " إلى أن تبلغ ستين، فإذا زادت
واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة،
ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ويعد صغيرها وكبيرها.
باب زكاة البقر:
اعلم أنه ليس على البقر شئ حتى تبلغ ثلاثين بقرة، فإذا بلغت ففيها تبيع
حولي وليس فيها شئ إذا كانت دون ثلاثين بقرة، فإذا بلغت أربعين بقرة ففيها
مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، ثم فيها تبيعة ومسنة إلى
ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث
تبائع، فإذا كثر البقر أسقط هذا كله، ويخرج صاحب البقر من كل ثلاثين بقرة
تبيعا، ومن كل أربعين مسنة.
باب زكاة الغنم:
اعلم أنه ليس في الغنم شئ حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين وزادت
واحدة ففيها شاة، إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين،
فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله،
ويخرج في كل مائة شاة.
ويقصد المصدق الموضع الذي فيه الغنم، فينادي: يا معشر المسلمين هل لله في
أموالكم حق؟ فإن قالوا: نعم، أمر أن يخرج إليه الغنم، ويفرقها فرقتين ويخير
10

صاحب الغنم أحد الفرقتين ويأخذ المصدق صدقتها من الفرقة الثانية، فإن أحب
صاحب الغنم أن يترك له المصدق هذا فله ذلك ويأخذ غيرها فإن أراد صاحب الغنم
أن يأخذ هذه أيضا فليس له ذلك ولا يفرق المصدق بين غنم مجتمع ولا يجمع بين
متفرق.
باب زكاة الذهب:
اعلم أنه ليس على الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ ففيه نصف
دينار إلى أن يبلغ أربعة وعشرين، ثم فيه نصف دينار وعشر دينار، ثم على هذا
الحساب حتى زاد على عشرين أربعة، ففي كل أربعة عشر دينار حتى يبلغ أربعين
مثقالا، فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال، ولا يجزئ في الزكاة أن يعطي أقل من
نصف دينار، وقد روي أنه ليس على الذهب شئ حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ
ففيه مثقال.
باب زكاة الفضة:
اعلم أنه ليس على الفضة شئ حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغ مائتي درهم
ففيها خمسة دراهم، وليس فيها إذا كانت دون مائتي درهم شئ وإن كانت مائتي
درهم إلا درهم، ومتى زاد على مائتي درهم أربعون درهما ففيها درهم. وليس في
العطر والزعفران والخضر والثمار والحبوب زكاة حتى تباع ويحول على ثمنه الحول.
باب زكاة السبائك:
اعلم أنه ليس على السبائك زكاة إلا أن تفر به من الزكاة، فإن فررت به فعليك
الزكاة.
باب زكاة مال اليتيم:
11

اعلم أنه ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فإن اتجر به فعليه الزكاة.
باب تقديم الزكاة وتأخيرها وغير ذلك:
اعلم أنه قد روي في تقديم الزكاة وتأخيرها: أربعة أشهر وستة أشهر، إلا أن
المقصود منها أن يدفعها إذا وجبت عليه ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها لأنه مقرونة
بالصلاة، ولا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن يكون قضاء وكذلك
الزكاة، فإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج بها عن مؤمن فاجعله دينا
عليه، فإذا حلت عليك الزكاة فاحسبها له زكاة فتحسب لك من زكاة مالك
ويكتب لك أجر القرض. وقد روي عن العالم عليه السلام أنه قال: نعم الشئ
القرض إن أيسر قضاك وإن أعسر حسبته من الزكاة. وروي: أن القرض حمى
للزكاة، وهو إذا كان لك على رجل مالا ولم يتهيأ له قضاؤه فأحسبه من زكاة مالك
إن شئت.
باب من يعطي من الزكاة ومن لا يعطي:
لا تجوز أن تعطى زكاة مالك غير أهل الولاية ولا تعط من أهل الولاية الأبوين
والولد، ولا الزوج والزوجة والمملوك، ولا الجد وكل من يجبر الرجل على نفقته.
باب العتق من الزكاة:
ولا بأس أن تشتري مملوكا مؤمنا من زكاة مالك فتعتقه، فإن استفاد المعتق
مالا ومات فماله لأهل الزكاة لأنه اشترى بماله، وإن اشترى رجل أباه من زكاة
ماله فأعتقه فهو جائز.
باب تكفين الموتى من الزكاة:
إذا مات رجل مؤمن وأحببت أن تكفنه من زكاة مالك فأعطها ورثته يكفنونه،
12

فإن لم يكن له ورثة فكفنه واحسبه من الزكاة، فإن أعطى ورثته قوم آخرون ثمن
كفن فكفنه واحسبه من الزكاة وتكون ما أعطاهم القوم لهم يصلحون به شؤونهم،
وإن كان على الميت دين لم يلزم ورثته قضاؤه مما أعطيتهم ولا مما أعطاهم القوم
لأنه ليس بميراث وإنما هو شئ صار لورثته بعد موته.
باب زكاة الحلي:
اعلم أن زكاة الحلي أن تعيره مؤمنا إذا استعاره منك فهذه زكاته.
باب زكاة المال إذا كان في تجارة:
إذا كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك
الفضل فعليك زكاته إذا حال عليه الحول، فإن لم يطلب منك المتاع برأس مالك
فليس عليك زكاته، وإن غاب عنك مالك فليس عليك شئ إلى أن يرجع إليك
مالك ويحول عليه الحول وهو في يدك إلا أن يكون مالك على رجل متى أردت أخذه
منه تهيأ لك فإن عليك فيه الزكاة، فإن رجعت إليك منفعة لزمتك زكاته، وإن
بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن
ذلك جائز يلزمه من دونك، فإن استقرضت من رجل مالا وبقي عندك حتى حال
عليه الحول فإن عليك فيه الزكاة.
باب الخمس:
روى محمد بن أبي عمير: أن الخمس على خمسة أشياء: الكنوز والمعادن
والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامسة. وسأل زكريا بن مالك الجعفري
أبا عبد الله ع عن قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شئ
فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل،
فقال: أما خمس الله فهو للرسول ص يضعه في سبيل الله، وأما خمس
13

الرسول فلأقاربه، وخمس ذي القربى فهم أقرباؤه وأما اليتامى يتامى أهل بيته،
فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم وأما المساكين وأبناء السبيل، فقد عرفت أنا لا
نأكل الصدقة ولا تحل لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل.
وأيما رجل ذمي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس، وسئل أبو الحسن الرضا
ع عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، فقال: إذا بلغ
قيمته دينارا ففيه الخمس، وسأل أبو بصير أبا عبد الله ع فقال له: ما على
الإمام من الزكاة؟ فقال: يا أبا محمد أ ما علمت أن الدنيا للإمام يضعها حيث يشاء
ويدفعها إلى من يشاء جائز له من الله ذلك، إن الإمام لا يبيت ليلة أبدا ولله عز وجل
في عنقه حق حتى سأله عنه. وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر ع عن
الملاحة، فقال: وما الملاحة؟ فقال: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير
ملحا، فقال: مثل المعدن فيه الخمس، قال: فالكبريت والنفط يخرج من
الأرض، فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس.
باب الصدقة:
عليك بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب عن العباد وتدفع القضاء المبرم وهو
الموت وتزيد في العمر وتدفع البلوى وتشفي من الأسقام والأوجاع وتبارك في المال.
وسأل الحلبي الصادق ع عن قول الله عز وجل: وآتوا حقه يوم
حصاده، كيف أعطي؟ قال: تقبض بيدك الضغث فتعطيه المسكين ثم المسكين
حتى تفرع منه.
وإذا ناولت السائل صدقة فقبلها قبل أن تناولها إياه فإن الصدقة تقع في يد الله
قبل أن تقع في يد السائل، وهو قوله عز وجل: أ لم يعلموا أن الله هو يقبل
التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم. وسأله الحلبي
عن صدقة الغلام إذا لم يحتلم، قال: نعم لا بأس به إذا وضعها في موضع الصدقة.
وسأله عن قول الله عز وجل: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، فقال: كان
14

الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا ومن أموال خبيثة فكان الرجل
يتعمدها من بين ماله فيتصدق بها فنهاهم الله عن ذلك وأن الصدقة لا تصلح إلا من
كسب طيب
وقال سفيان بن عيينة: قلت لأبي عبد الله ع: أ كل الأنبياء
وأولادهم حرمت عليهم الصدقة، فقال: لا، أما سمعت قول إخوة يوسف:
وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين، حلت لهم الصدقة وحرمت عليهم
الغنائم، وحرمت علينا الصدقة لأنها أوساخ أيدي الناس وطهارة لهم، سمعت قول
الله عز وجل: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن
صلاتك سكن لهم.
واعلم أن صدقات رسول الله ص تحل لبني هاشم ولمواليهم،
وروي: أن فاطمة ع جعلت صدقاتها لبني عبد المطلب وبني هاشم.
وسئل أبو عبد الله ع عن صدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟
فقال: هي الزكاة، قيل، فتحل صدقة بعضهم على بعضهم؟ قال: نعم. وروي:
أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم وإنما تحرم على النبي وعلى
الإمام الذي يكون من بعده وعلى الأئمة ع.
15

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
17

أبواب الزكاة
باب ما يجب عليه الزكاة:
سئل الصادق ع عن الزكاة على كم أشياء هي؟ قال: على الحنطة
والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة وعفا رسول الله ص
عما سوى ذلك، فقال له السائل: فإن عندنا حبوبا مثل الأرز
والسمسم وأشباهها؟ فقال الصادق ع: أقول لك: إن رسول الله ص
عفا عما سوى ذلك فتسألني؟
باب الغلات الأربع:
اعلم أنه ليس على الحنطة والشعير شئ حتى يبلغ خمسة أوساق، والوسق ستون
صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد وزن مائتين واثنين وتسعين درهما ونصف، فإذا
بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤونة القربة أخرج منه العشر إن كان سقى
بماء المطر أو كان سيحا وإن كان سقيا بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر، وفي
التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير، وإن بقي الحنطة والشعير بعد ذلك ما بقي
فليس عليه شئ حتى يباع ويحول عليه الحول.
باب زكاة الإبل:
اعلم أنه ليس على الإبل شئ حتى تبلغ خمسة، فإذا بلغت خمسة ففيها شاة،
19

وفي عشر شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس
وعشرين خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن عنده ابنة
مخاض ففيها ابن لبون ذكر إلى خمسة وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون،
فإن لم تكن عنده ابنة لبون وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض
وأعطى معها شاة، فإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة
لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة، فإذا بلغت خمسا وزادت واحدة ففيها حقة "
وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها " إلى أن تبلغ ستين، فإذا زادت
واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين، فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين، فإذا بلغت
تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا زادت واحدة إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا
الفحل، فإذا كثرت الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، ولا
تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ويعد صغيرها كبيرها.
باب زكاة البقر:
واعلموا أنه ليس على البقر شئ حتى تبلغ ثلاثين بقرة، فإذا بلغت ففيها تبيع
حولي وليس فيما دون ثلاثين بقرة شئ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين،
فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ثم فيها تبيعة ومسنة إلى ثمانين، فإذا بلغت
ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبائع، فإذا كثر
البقر سقط هذا كله، ويخرج صاحب البقر من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل
أربعين مسنة.
باب زكاة الغنم:
ليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها
شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإن زادت
واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم سقط هذا كله وأخرج عن
20

كل مائة شاة.
باب زكاة الذهب:
اعلموا أنه ليس على الذهب شئ حتى يبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ ففيه
نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة وعشرين، ثم فيه نصف دينار وعشر دينار، ثم على
هذا الحساب متى زاد على عشرين أربعة ففي كل أربعة عشر دينار إلى أن يبلغ
أربعين، فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال.
باب زكاة الفضة:
اعلموا أنه ليس على الفضة شئ حتى تبلغ مائتي درهم، فإن بلغت مائتي
درهم ففيها خمسة دراهم، ومتى زاد عليها أربعون درهما ففيها درهم.
باب من يعطي ومن لا يعطي من الزكاة:
اعلموا رحمكم الله أنه لا يجوز أن يدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية، ولا يعطي من
أهل الولاية الأبوان والولد ولا الزوج ولا الزوجة والمملوك وكل من يجبر الرجل على
نفقته، وقد فضل الله بني هاشم بتحريم الزكاة عليهم، فأما اليوم فإنها تحل لهم
لأنهم قد منعوا الخمس.
باب الخمس:
كل شئ تبلغ قيمته دينارا فعليه الخمس لله ورسوله ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل. فأما الذي لله فهو لرسوله، وما لرسوله فهو لذوي القربى
منهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، والمساكين مساكينهم، وابن السبيل ابن
سبيلهم، وأمر ذلك إلى الإمام يفرقه فيهم كيف شاء حضر كلهم أو بعضهم.
21

باب حق الحصاد والجذاذ:
قال الله تبارك وتعالى: وآتوا حقه يوم حصاده. وهو أن تقبض بيدك
الضغث بعد الضغث فتعطيه المسكين ثم المسكين حتى تفرع منه، وعند الصرام
الحفنة بعد الحفنة حتى تفرع منه، وكذلك في البذر وكذلك عند جذاذ النخل.
ولا يجوز الحصاد والجذاذ والبذر بالليل لأن المسكين لا يحضره، وسئل الصادق
ع عن قول الله عز وجل: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا
يحب المسرفين، قال: الإسراف أن يعطي بيديه جميعا.
باب الحق المعلوم:
سئل الصادق ع عن قول الله عز وجل: وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم، قال: هذا شئ سوى الزكاة وهو شئ يجب أن يفرضه على نفسه كل
يوم أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة.
باب الماعون:
سئل الصادق ع عن قول الله عز وجل: ويمنعون الماعون، قال:
القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره. وقال النبي ص:
لا تمنعوا الخمير والخبز فإن منعهما يورث الفقر.
باب القرض:
قال الصادق ع: مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشرة والقرض
بثمانية عشرة، وإنما صار القرض أفضل من الصدقة لأن المستقرض لا يستقرض إلا
من حاجة وقد يطلب الصدقة من لا يحتاج.
22

باب الصدقة:
الصدقة تدفع البلوى وتزيد في الرزق والعمر وتدفع ميتة السوء وصدقة السر
تطفئ غضب الرب، ولا تحل الصدقة إلا لمحتاج، ولا يجوز دفعها إلى النصاب.
وقال الصادق ع: اقرأ آية الكرسي واحتجم أي يوم شئت وتصدق
واخرج أي يوم شئت.
23

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
25

كتاب الزكاة
قال الله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم
ترحمون. فالفرض التالي لفرض الصلاة في محكم التنزيل هو الزكاة فلا بد من
معرفته وتحصيله، فإذا كان في الجهل به جهلا بأصل من الشريعة يكفر المنكر له برده
ويؤمن بالإقرار به لعموم تكليفه وعدم سقوطه عن بعض البالغين، ثم معرفة تفصيله
تلزم على شروط وله ترتيب وحدود فزكاة الذهب والفضة غير زكاة الإبل والبقر
والغنم، والعبرة في أحد هذين غير العبرة في الآخر.
والزكاة إنما تجب جميعها في تسعة أشياء خصها رسول الله بفريضتها فيها وهي:
الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم. وعفا رسول
الله ص سوى ذلك رواه حريز عن زرارة بن أعين الشيباني ومحمد بن
مسلم الثقفي، ورواه أبو بصير المرادي وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار
النهدي كلهم عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين ع، ورواه
عبد الله بن مسكان عن أبي بكر الحضرمي وصفوان بن يحيى عن ابن بكير عن محمد
بن الطيار عن أبي عبد الله ع.
باب زكاة الذهب:
فإذا بلغ الذهب مقدارا في الوزن مخصوصا وجبت فيه الزكاة وهو عشرون دينارا
مضروبة وازنة مثاقيل ففيها نصف مثقال وليس فيما دون ذلك زكاة ولو نقص حبة
27

واحدة في الوزن على التحقيق، فإن زادت عليه أربعة دنانير مثاقيل ففيها عشر
مثقال، ثم على هذا الحساب في كل عشرين مثقالا نصف مثقال وفي كل أربعة بعد
العشرين عشر مثقال، وليس في عشرين مثقال غير حبة زكاة كما قدمناه ولا في
أربعة وعشرين مثقالا غير حبة أكثر من نصف مثقال، فإذا صيغت الدنانير حليا أو
سبكت سبيكة لم يجب فيها زكاة ولو بلغت في الوزن مائة وألفا وكذلك لا زكاة في
التبر قبل أن يضرب دنانير، وقد روي: أنه إذا فر بها من الزكاة لزمته زكاتها عقوبة
ولا ينفعه فراره بسبكها أو صياغتها.
باب زكاة الفضة:
وليس فيما دون المائتي درهم زكاة، فإذا بلغت المائتين ففيها خمسة دراهم فإن
نقصت حبة واحدة في التحقيق لم يجب فيها شئ، ثم إذا زادت أربعين درهما
ففيها ستة دراهم فإن نقصت الأربعون دانقا لم يجب فيها أكثر من الخمسة
دراهم، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت الدراهم في كل مائتين خمسة وفي كل
أربعين درهما درهم، وحكم حلي الفضة وسبائكها حكم حلي الذهب وسبائكه
فاعتبره.
باب زكاة الحنطة والشعير:
وهذان الصنفان مع التمر والزبيب زكاتها واحدة والعبرة فيها واحدة إذا بلغ
أحدها خمسة أوسق والوسق ستون صاعا وجبت فيه الزكاة، ويخرج منه العشر إن
كان سقى سيحانا وبالسماء، وإن سقى بالغرب والدوالي والنواضح ولزمت في
سقيه المؤونة فنصف العشر، وليس فيما دون خمسة أوسق زكاة وما زاد على الخمسة
أوسق فبحسابه.
باب زكاة الإبل:
وليس فيما دون خمس من الإبل شئ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة وليس فيما
28

زاد على الخمس شئ حتى تبلغ عشرا، فإذا بلغت ذلك ففيها شاتان ثم ليس فيما
زاد بعد ذلك شئ حتى تبلغ خمس عشرة، فإذا بلغت ذلك ففيها ثلاث شياه، ثم إذا
بلغت عشرين ففيها أربع شياه، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس شياه، فإذا
زاد واحدة ففيها ابنة مخاض حتى تبلغ ستا وثلاثين، فإذا بلغته ففيها ابنة لبون إلى
أن تبلغ ستا وأربعين، فإذا بلغت ذلك ففيها حقة إلى إحدى وستين، فإذا كملت
أحد وستين ففيها جذعة إلى ستة وسبعين، فإذا بلغت ذلك ففيها بنتا لبون إلى
التسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت ذلك
وزادت عليه ترك هذا الاعتبار وأخرج من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين بنت
لبون.
باب زكاة البقر:
وليس فيما دون ثلاثين من البقر شئ، فإذا كملت ثلاثين ففيها تبيع حولي
أو تبيعة إلى الأربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم في ستين تبيعتان، وفي
سبعين تبيعة ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاث تبائع، وفي مائة تبيعتان
ومسنة، ثم على هذا الحساب إلى ما بلغت ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل
أربعين مسنة.
باب زكاة الغنم:
والغنم إذا بلغت أربعين شاة وجب فيها شاة وما دون ذلك فليس فيه شئ،
وليس فيما فوق الأربعين شئ إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت ذلك وزادت
واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا كملت مائتين وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه
إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العبرة وأخرج من كل مائة شاة، ولا يفرق
بين مجتمع منها ولا يجمع منها بين متفرق.
29

باب زكاة أموال الأطفال والمجانين:
ولا زكاة عند آل الرسول ع في صامت أموال الأطفال والمجانين من
الدراهم والدنانير إلا أن يتجر الولي لهم أو القيم عليهم بها، فإن اتجر بها وتركها وجب عليه
اخراج الزكاة منها، فإذا أفادت ربحا فهو لأربابها، وإن حصل فيها خسران ضمنه المتجر
لهم بها، وعلى غلاتهم وأنعامهم الزكاة إذا بلغ كل واحد من هذين الجنسين الحد الذي يجب
فيه الزكاة وليس يجري ذلك مجرى الأموال الصامتة على ما جاء عن الصادقين ع.
باب زكاة مال الغائب والدين والقرض:
ولا زكاة على المال الغائب عن صاحبه إذا عدم التمكن من التصرف فيه
والوصول إليه، ولا زكاة في الدين إلا أن يكون تأخيره من جهة مالكه ويكون بحيث يسهل
عليه قبضه متى رامه، ولا زكاة على المقرض فيما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته، وعلى
المقترض زكاته ما دام في يده ولم يستهلكه لأن له نفعه، فمتى تمكن رب المال الغائب منه
ورجع الدين إلى صاحبه ووصل القرض إلى مالكه وحال على كل واحد منهم الحول عنده
وجبت فيه الزكاة.
باب وقت الزكاة: ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وهو على كمال حد ما تجب فيه الزكاة وكذلك
لا زكاة على غلة حتى تبلغ حد ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص والجذاذ والحصاد وخروج
مؤونتها منها وخراج السلطان، فأما الأنعام فإنما يجب الزكاة فيها على السائمة منها خاصة
إذا حال عليها الحول وهي في مدة زمانه على الحد من العدد الذي يجب فيه ببلوغه الزكاة
على ما قدمنا ذلك في الأموال.
باب تعجيل الزكاة وتأخيرها عما تجب فيه من الأوقات:
والأصل في اخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه
30

كالصلاة، وقد جاء عن الصادقين ع رخص في تقديمها شهرين قبل محلها
وتأخيرها شهرين عنه وجاء ثلاثة أشهر أيضا وأربعة عند الحاجة إلى ذلك وما يعرض
من الأسباب، والذي أعمل عليه وهو الأصل المستفيض عن آل محمد ص
لزوم الوقت فإن كان حضر قبله من المؤمنين محتاج تجب صلته وأحب الانسان
أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضا له، فإذا حل وقت الزكاة والمقترض على حاله
من الفقر أجزأت عنه في الزكاة وإن تغيرت حاله إلى الغنى لم يجز ذلك عنه في
الزكاة.
وإن جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحق الزكاة عزلها من جملة ماله إلى
أن يجد من يستحقها من أهل الفقر والإيمان، وإن قدر على اخراجها إلى بلد يوجد فيه
مستحق الزكاة أخرجها ولم ينتظر بها وجود مستحقها ببلده إلا أن يغلب في ظنه
قرب وجوده ويكون أولى بها ممن يحمل إليه من أهل الزكاة على ما جاء به الأثر عن
آل الرسول ع، فإن هلكت الزكاة في الطريق المحمول فيها إلى مستحقها
أجزأت عن صاحب المال ولا يجزئه ذلك إذا حملها فهلكت وقد كان واجدا لمستحقها
في بلده وإنما أخرجها منه إلى غيره لاختيار أهل الاستحقاق ووضعها في بعض يؤثره
منهم دون من حضره على ما قد بيناه.
باب أصناف أهل الزكاة:
قال الله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء: وهم
الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد، والمساكين وهم المحتاجون السائلون لشدة
ضرورتهم، والعاملين عليها وهم السعاة في جبايتها، والمؤلفة قلوبهم وهم الذين
يستمالون ويتألفون للجهاد ونصرة الاسلام، وفي الرقاب وهم المكاتبون ويعاونون
بالزكاة على فك رقابهم وفي العتق أيضا على الاستئناف، والغارمين وهم الذين قد
ركبتهم الديون في غير معصية ولا فساد، وفي سبيل الله وهو الجهاد، وابن السبيل
وهم المنقطع بهم في الأسفار.
31

وقد جاءت رواية: أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجة إلى ذلك وإن
كان له في موضع آخر غنى ويسار وذلك راجع إلى ما قدمناه.
باب صفة مستحق الزكاة للفقر والمسكنة من جملة الأصناف:
ولا يجوز الزكاة في اختصاص الصنفين إلا لمن حصلت له حقيقة الوصفين وهو أن
يكون مفتقرا إليها بزمانة تمنعه من الاكتساب أو عدم معيشة تغنيه عنها فيلتجئ إليها للحاجة لاضطرار.
روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر ع أنه قال: لا تحل الصدقة لمحترف ولا
لذي مرة سوى قوي فتنزهوا عنها. ولا تجوز لأحد من هذين الصنفين ولا من الستة
المقدم ذكرهم إلا بعد أن يكون عارفا تقيا.
روى زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد العجلي عن أبي جعفر وأبي
عبد الله ع أنهما قالا: موضع الزكاة أهل الولاية.
وروى إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا ع قال: سألته عن
الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال: لا ولا زكاة الفطر.
وروى محمد بن عيسى عن داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطي
من الزكاة شيئا؟ قال: لا.
باب من تحل له من الأهل وتحرم عليه الزكاة:
وتحل الزكاة للأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة وأبنائهم وقراباتهم
وأهليهم إذا كانوا من أهل المعرفة والرشاد، وتحرم على الأب والأم والابن والبنت
والزوجة والجد والجدة والمملوك لأن هؤلاء جميعا ممن يجبر الانسان على نفقتهم عند
اضطرارهم إليها فلأجل ذلك لم يجز لهم منه الزكاة.
باب ما يحل لبني هاشم ويحرم عليهم من الزكاة:
32

وتحرم الزكاة الواجبة على بني هاشم جميعا من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ع وجعفر وعقيل والعباس رضي الله عنهم إذا كانوا متمكنين من
حقهم في الخمس من الغنائم على ما نطق به القرآن، فإذا منعوه واضطروا إلى
الصدقة حلت لهم الزكاة، وتحل صدقة بعضهم على بعض وجميع ما يتطوع به عليهم
من الصدقات.
روى جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله قال: قلت له: تحل الصدقة
لبني هاشم؟ فقال: أما الصدقة الواجبة فلا تحل لنا، وأما غير ذلك فليس بأس ولو
كان ذلك ما استطاعوا - يعني بني هاشم - أن يخرجوا إلى مكة هذه المياه عامتها
صدقة. فبين ع أن التطوع عليهم طلق جائز ليس به بأس.
باب مقدار ما يخرج من الصدقة وأقل ما يعطي الفقير من الزكاة:
ولا بأس باخراج قليل الصدقة في التطوع وكثيرها وإعطائه واحدا أو جماعة،
وأقل ما يعطي الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا لأنها أقل ما يجب في
الحد الأول من الزكاة، وليس لأكثره حد مخصوص لتفاوت الناس في كفاياتهم
وجواز اخراج غنى الفقير إليه من الزكاة.
روى الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله ع قال:
لا يعطي أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم وهي أقل ما فرض الله عز وجل من
الزكاة في الأموال.
وروى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى ع قال: قلت له:
أعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: نعم. قلت: أعطيه مائة درهم؟
قال: نعم أعطه وأغنه إن قدرت أن تغنيه.
وروي عن أبي جعفر ع أنه قال: إذا أعطيت الفقير فأغنه.
باب حكم الحبوب بأسرها في الزكاة:
33

ويزكي سائر الحبوب مما أنبتت الأرض، فدخل القفيز والمكيال بالعشر
ونصف العشر كالحنطة والشعير سنة مؤكدة دون فريضة واجبة وذلك أنه قد ورد في
زكاة سائر الحبوب آثار عن الصادقين ع مع ما ورد عنهم في حصرها في
التسعة الأشياء المقدم ذكرها، وقد ثبت أن أخبارهم لا تتناقض فلم يكن لنا طريق
إلى الجمع بينها إلا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه فيه وحمل ما اختلفوا فيه مع
عدم ورود التأكيد في الأمر به على السنة المؤكدة على ما بيناه في أول هذا الباب إذ
كان الحمل لها على الفرض معا تتناقض به الألفاظ الواردة فيه، وإسقاط أحدهما
إبطال الاجماع وإسقاط الآخر إبطال إجماع الفرقة المحقة على المنقول في معناه وذلك
فاسد وفي فساده صحة ما أوردناه من الفتوى.
روى محمد بن مسلم قال: سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ قال: البر والشعير
والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم كل هذا يزكى وأشباهه.
وروى زرارة عن أبي عبد الله ع مثله وقال: كل ما كيل بالصاع فبلغ
الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه الزكاة.
باب حكم الخضر في الزكاة:
ولا خلاف بين آل الرسول ع كافة وبين شيعتهم من أهل الإمامة
أن الخضر كالغضب والبطيخ والقثاء والخيار والباذنجان والريحان وما أشبه ذلك
مما لا بقاء له لا زكاة فيه ولو بلغت قيمته ألف دينار ومائة ألف دينار، ولا زكاة
على ثمنه بعد البيع حتى يحول عليه الحول وهو على كمال قدر ما يجب فيه الزكاة.
باب حكم الخيل في الزكاة:
وتزكى الخيل العتاق الإناث السائمة والبراذين الإناث السائمة سنة غير فريضة
لما روي عن أمير المؤمنين: أنه وضع على الخيل العتاق الإناث السائمة عن كل فرس
في كل عام دينارين، وجعل على البراذين السائمة الإناث في كل عام دينارا.
34

وروى زرارة قال: قلت لأبي عبد الله: هل في البغال شئ؟ قال: لا. فقلت
له: فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ قال: لأن البغل لا يلقح والخيل
الإناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور إذا انفردت في الملك وإن كانت سائمة
شئ. قلت: فما في الحمير؟ فقال: ليس فيها شئ. قال: قلت: هل على الفرس
أو البعير يكونان للرجل يركبهما شئ؟ قال: لا ليس على ما تعلف شئ إنما
الصدقة على السائمة.
باب حكم أمتعة التجارات في الزكاة:
وكل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طالبا
للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته إذا بلغت ما يجب في مثلها
من المال الصامت الزكاة سنة مؤكدة على المأثور عن الصادقين ع،
ومتى طلب بأقل من رأس ماله فلم يبعه فلا زكاة عليه وإن حال عليه حول
وأحوال، وقد روي: أنه إذا باعه زكاه لسنة واحدة وذلك هو الاحتياط.
روى إسماعيل بن عبد الخالق قال: سأله سعيد الأعرج وأنا أسمع قال: إنا
نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عند أحدنا السنة والسنتين
فهل عليه زكاة؟ فقال: إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فلا تبيعه فعليك
زكاته، وإن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعته فليس عليك زكاة حتى
يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي اتجر فيها.
باب زكاة الفطر:
وزكاة الفطر واجبة على كل حر بالغ كامل بشرط وجود الطول لها بخرجها عن
نفسه وعن جميع من يعول من ذكر وأنثى حر وعبد وعن جميع رقيقه من المسلمين وأهل
الذمة في كل حول مرة.
روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ع قال: تجب الفطرة
35

على كل من تجب عليه الزكاة.
وروى يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: تحرم
الزكاة على من عنده قوت السنة، وهي سنة مؤكدة على من قبل الزكاة لفقره،
وفضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته دون السنة المؤكدة والفريضة.
روى الفضيل بن يسار وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع أنهما
قالا لهما: هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقالا: أما من قبل زكاة المال فإن عليه
زكاة الفطرة وأما من قبل زكاة الفطرة فليس عليه زكاة الفطرة.
وروى زرارة عن أبي عبد الله ع قال: على الفقير الذي يتصدق عليه
إعطاء الفطرة مما يتصدق به عليه. فكان الحديثان الأولان يدلان على وجوب
فرض الفطرة على الأغنياء خاصة لتميزهم بالذكر في فريضتها، واقتضى الحديث
الأول من هذين الحديثين الآخرين لزومها بالسنة بعض الفقراء لاستحالة إيجابه
بالفرض عليهم والدخول في المميزين المخصوصين منهم بمعنى القول المنطوق به فيهم
ودل على أنها سنة فوق الفضيلة في الرتبة بتضمنه اسقاطها عمن هو دونهم في طبقة
الفقر مع ورود ظاهر ما يقتضي وجوبها عليهم في الحديث الذي يليه واستحالة
تناقض أقوال الصادقين ع.
باب وقت زكاة الفطرة:
ووقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل صلاة العيد. قال الله عز وجل: قد
أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. وقال الصادقون ع: نزلت
هذه الآية في زكاة الفطرة خاصة، فمن أخرج فطرته قبل صلاة العيد فقد أدرك وقت
فرضها ومن أخرها إلى بعد الصلاة فقد فاته الوقت وخرجت عن كونها زكاة الفرض
إلى الصدقة والتطوع. وقد جاء: أنه لا بأس بإخراجها في شهر رمضان من أوله إلى
آخره. وهو على جواز تقديم الزكاة والأصل هو لزوم الوقت على ما بيناه.
36

باب ماهية زكاة الفطرة:
وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر
والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من
قوتهم ولا بأس أن يخرجوا قيمتها ذهبا أو فضة.
باب تمييز أهل الأمصار:
روي عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري ع أنه قال: الفطرة على
أهل مكة والمدينة واليمن وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس
والأهواز وكرمان من التمر، وعلى أوساط الشام ومرو وخراسان والري من الزبيب،
وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها وباقي خراسان من الحب والحنطة والشعير،
وعلى أهل طبرستان من الأرز، وعلى أهل مصر من البر، ومن سكن البوادي من
الأعراب فعليه الفطرة من الأقط ومن عدم الأقط من الإعراب ووجد اللبن فعليه
الفطرة منه.
باب كمية الفطرة ووزنها ومقدارها:
والفطرة صاع من تمر أو صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من زبيب ومن
جميع ما تقدم ذكره صاع، والصاع أربعة أمداد والمد مائتان درهم واثنان وتسعون
درهما ونصف وذلك جملة الصاع في الوزن ألف درهم وأحد ومائة وسبعون درهما
بأوزان بغداد، والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير
وهو ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي.
باب أفضل الفطرة ومقدار القيمة:
وأفضل ما أخرجه المسلم في فطرته التمر لأنه أصل السنة من النبي ص
وبه قال الصادق ع: لأن أتصدق بصاع من تمر في الفطرة أحب
37

إلى من أن أتصدق بصاع من ذهب وقال ع: من تصدق بصاع من تمر
جعل الله له بكل تمرة نخلة في الجنة. وسأله بعضهم عن الأنواع أيها أحب إليه في
الفطرة؟ فقال: أما أنا فلا أعدل بالتمر للسنة شيئا. وسئل عن القيمة مع وجود
النوع فقال: لا بأس بها. وسئل عن مقدار القيمة فقال: درهم في الغلاء والرخص
وأن أقل قيمة في الرخص ثلثا درهم. وذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه
والأصل اخراج القيمة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه.
باب مستحق الفطرة وأقل ما يعطي الفقير منها:
ومستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقراء ولا ثم
المعرفة والإيمان، ولا يجوز اخراج الفطرة إلى غير أهل الإيمان لأنها من مفروض
الزكاة، وأقل ما يعطي الفقير منها صاع ولا بأس بإعطائه أصواعا.
باب وجوب اخراج الزكاة إلى الإمام:
قال الله عز وجل: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل
عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم. فأمر نبيه ص
بأخذ صدقاتهم تطهيرا لهم بها من ذنوبهم وفرض على الأمة حملها إليه بفرضه عليها
طاعته ونهيه لها من خلافه، والإمام قائم مقام النبي ص فيما فرض
عليه من إقامة الحدود والأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيناه فيما
سلف وقدمناه، فلما وجد النبي ص كان الفرض حمل الزكاة إليه
ولما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته، فإذا غاب
الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه
وبين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأن الفقيه أعرف
بموضعها ممن لا فقه له في ديانته.
38

باب من الزيادات في الزكاة:
ولا بد في علم الزكاة من معرفة أربعة حدود: أولها: حد كمال ما تجب فيه
الزكاة وثانيها: وقت وجوب الزكاة وثالثها: المقدار الواجب من الزكاة ورابعها:
صفة المستحق للزكاة. ومتى اجتمع نوعان فلم يبلغ كل واحد منهما حد ما يجب
فيه الزكاة فلا زكاة فيهما، وإن كانا جميعا يزيدان في القيمة على حد كمال ما
يجب فيه الزكاة مثل اجتماع درهم وتسعين درهما من الورق وتسعة عشر دينارا من
الذهب وكاجتماع عشرين من البقر وأربع من الإبل وأربعة أوسق من الحنطة وأربعة
أوسق من الشعير وليس يجب في شئ من ذلك زكاة حتى يبلغ كل نوع منه على
حيالة الحد الذي فرض الله تعالى فيه الزكاة.
والزكاة في كل نوع من جنسه إلا الإبل خاصة ففيها الشاة حتى تبلغ ستا
وعشرين، ولا بأس باخراج الذهب عن الفضة بالقيمة وإخراج الفضة عن الذهب
بالقيمة على حسب ما تيسر على الانسان، وكذلك لا بأس باخراج الشعير عن الحنطة
بقيمتها والحنطة عن الشعير، والذهب والفضة عن الحنطة والشعير وإن كان الأفضل
اخراج الجنس، ولا يجوز اخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تقدم ذوات الأسنان
المخصوصة في الزكاة.
روى محمد بن عيسى عن محمد بن مهران عن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن
جده: أن أمير المؤمنين ع كتب في كتابه الذي كتبه له بخطه حين بعثه
على الصدقات: من بلغ عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده
حقة فإنه يقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه يقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق
شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون
فإنه يقبل منه ابنة لبون ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته
ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ويعطيه المصدق
شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل
39

منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض
وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق
شاتين أو عشرين درهما، ومن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون
ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شئ، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل
وليس له مال غيرها فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغ ماله خمسا ففيه
شاة.
وروى حماد عن حريز عن بريد العجلي قال: سمعت أبا عبد الله ع
يقول: بعث أمير المؤمنين ع مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له: يا عبد
الله أنطلق وعليك بتقوى الله ولا تؤثرن دنياك على آخرتك وكن حافظا لما ائتمنتك
عليه راعيا لحق الله عز وجل حتى تأتي نادى بني فلان، فإذا قدمت فانزل بما بهم
من غير أن تخالط بيوتهم ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم
ثم قل:
يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله
في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال لك قائل: لا. فلا تراجعه، وإن أنعم لك
منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخفيه أو تعده إلا خيرا، فإذا أتيت ماله فلا تدخله
إلا باذنه فإن أكثر له وقل:
يا عبد الله أ تأذن لي في دخول مالك. فإذا أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه
فيه ولا عنف به، فاصدع المال صدعين فخيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا
تعرض له، ثم أصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم أصدع
الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما
فيه وفاء لحق الله عز وجل في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، وإن
استقالك فأقله ثم اخلطها فاصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في
ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشئ
منها ثم أحدر ما اجتمع من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عز وجل، فإذا انحدر
40

بها رسولك فأوعز إليه لا يحول بين ناقة وفصيلها ولا يفرق بينهما ولا يمصر لبنها فيضر
ذلك بفصيلها ولا يجهدنها ركوبا وليعدل بينهن في ذلك وليوردهن كل ماء يمر به ولا
يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق في الساعات التي تريح وتعنق وليرفق
بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سحاجا سمانا غير متعبات ولا مجهدات فنقسمهن
على كتاب الله وسنة نبيه ص على أولياء الله، فإن ذلك أعظم
لأجرك وأقرب لرشدك ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصحك لمن بعثك وبعثت
في حاجته فإن رسول الله ص قال:
ما نظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لإمامه إلا كان معنا في
الرفيق الأعلى. قال: ثم بكى أبو عبد الله ع ثم قال: يا بريد لا والله ما
بقيت لله حرمة إلا انهتكت ولا عمل بكتاب ولا سنة في هذا العالم ولا أقيم في هذا
الخلق حد منه قبض أمير المؤمنين ع ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس
هذا. ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت
الأحياء ويرد الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ولنبيه ص
فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم.
وروى إسماعيل بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي
طالب ع على بانقيا وسواد من سواد الكوفة فقال لي والناس حضور: انظر
خراجك فجد فيه ولا تترك منه درهما فإذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمر بي. قال:
فأتيته فقال: إن الذي سمعت مني خدعة. إياك أن تضرب مسلما أو
يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو،
ولا تجمع بين متفرق ولا تفرق بين مجتمع. يعني في الملك على ما قدمناه والمعنى في
ذلك أنه لا يؤخذ من الشريكين صدقة إذا بلغ ملكهما جميعا مقدار ما يجب فيه الزكاة
ولا تسقط الزكاة عن المالك وإن كان ملكه في الأماكن على الافتراق وإن أخذ
المصدق حقه من الأنعام فباعها في من يريد فطلبها المتصدق بالثمن فهو أحق بها.
وروى زرارة عن أبي جعفر ع قال: قلت له: في الجواميس زكاة؟
41

قال: نعم مثل ما في البقر.
ومال القرض لا زكاة فيه على ربه وإنما الزكاة على المستقرض لأنه ينتفع به إلا
أن يختار المقرض الزكاة عنه فإن اختار ذلك فعليه إعلام المستقرض ليسقط عنه
بالعلم فرض الزكاة، ولا زكاة في الحلي وسبائك الذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر
والزبرجد إلا أن يتطوع مالكه فيتصدق عنه تبرعا، وكل مال تجب فيه الزكاة إذا
أحل الشهر الثاني عشر من السنة عليه فقد وجبت الزكاة فيه فلو وهبه أو أخرجه من
يده بغير الحقية بعد دخول الشهر الثاني عشر بيوم واحد لم تسقط عنه بذلك الزكاة.
وإذا ترك الرجل عند أهله نفقة لسنين فبلغت ما يجب فيه الزكاة فإن كان
حاضرا وجبت عليه فيها الزكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة، وإذا لم يجد
المسلم مؤمنا يستحق الزكاة وقد وجبت عليه ووجد مملوكا مؤمنا يباع فاشتراه بمال
الزكاة وأعتقه أجزأه ذلك في الزكاة وكذلك إذا وجد مستحقا للزكاة إلا أنه رأى
مملوكا مؤمنا في ضرورة فاشتراه بزكاته وأعتقه أجزأه فإن استفاد المعتق بعد ذلك
مالا وتوفي ولا وارث له كان ما ترك من المال للفقراء والمساكين من المؤمنين لأنه
إنما اشترى بحقهم من الزكاة.
ولا بأس بتفضيل القرابة على غيرهم بإعطاء الزكاة إذا كانوا من أهل الفضل
والإيمان بل ذلك أفضل من إعطاء البعداء مع حصول الفقر في الأقرباء، ويجب
تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه والبصيرة والطهارة والديانة، ومن
لا يسأل أولى بالزكاة ممن يسأل إذا تساوت أحوالهم في المعرفة والفضل، ولا بأس
بإعطاء الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم إليها بعد موت آبائهم فإذا بلغوا فاعتقدوا
الإيمان سلك بهم سبيل المؤمنين في الزكاة وإن خالفوا قطعت عنهم الزكاة.
ولا بأس أن يقضي بالزكاة عن المؤمن في حياته وبعد موته الديون، ومن أعطى
موسرا شيئا من الزكاة وهو يرى أنه معسر ثم تبين بعد ذلك يساره فعليه الإعادة ولم
يجزه ما سلف في الزكاة، ومن أعطى زكاته رجلا من أهل الخلاف لم يجزه وكان
عليه الإعادة إلا أن يكون اجتهد في الطلب فأعطاها على ظاهر الإيمان ثم علم بعد
42

ذلك بالخلاف فلا شئ عليه، ومن حمل زكاته من بلده إلى بلد آخر فهلكت فهو
ضامن لها وعليه الإعادة إن كان وجد لها ببلده موضعا فلم يضعها فيه وإن لم يكن
وجد لها موضعا فلا ضمان عليه.
وروى عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله ع قال: كان
رسول الله ص يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل
الحضر ولا يقسمها بينهم بالسوية وإنما يقسمه على قدر من يحضره
منهم وما يراه ليس في ذلك شئ مؤقت. وقال: تعطى صدقة الأنعام لذوي
التجمل من الفقراء لأنها أرفع من صدقة الأموال وإن كان جميعها صدقة وزكاة،
ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال. وقال أبو عبد الله ع:
تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها وقد وجبت عليه. وقال: قلت
لأبي جعفر ع: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة أ فأعطيه من
الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة؟ قال: أعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن.
وقال سألت أبا الحسن ع عن الرجل يعطي الرجل الدراهم ليقسمها
ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة أ يأخذ منها؟ قال: لا بأس أن يأخذ
لنفسه كما يعطي غيره ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا
باذنه. وقال ع في قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي. قال:
نزلت في الفريضة: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. قال: ذلك
في النافلة. وقال أبو عبد الله ع: صدقة السر تطفئ غضب الرب. وقال:
صدقة الليل تطفئ غضب الرب وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار
تزيد في العمر وتثمر المال.
وقال ع: سئل رسول الله ص: أي الصدقة أفضل؟
فقال: على ذي الرحم الكاشح. وقال رسول الله ص: الصدقة بعشر
والقرض بثماني عشرة وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربع وعشرين. وقال أبو
عبد الله ع: أ لا ترون أن في المال للزكاة وحدها ما فرض الله في المال من
43

غير الزكاة أكثر تعطى منه القرابة والمعترض لك ممن يسألك فتعطيه ما لم تعرفه
بالنصب فإذا عرفته بالنصب فلا تعطه شيئا إلا أن تخاف لسانه فتشتري دينك
وعرضك منه. وقال: سألت أبا عبد الله عن قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده.
قال: هو شئ سوى ما تخرجه من زكاتك الواجبة تعطى الضغث بعد الضغث
والحفنة بعد الحفنة. ونهى ص عن الحصاد والتضحية بالليل وقال:
إذا أنت حصدت بالليل لم يحضرك سائل وإن ضحيت بالليل لم يجئك قانع.
وقال: كان على ع يقول: قرض المال حمى الزكاة.
وقال قلت له: أعطى سائلا لا أعرفه؟ قال: نعم أعط من لا تعرفه بولاية ولا
عداوة للحق إن الله تعالى يقول: وقولوا للناس حسنا. ولا تعط من نصب لشئ
من الحق أو دعا إلى شئ من الباطل وقال ع: أعط من وقعت في قلبك
الرحمة له ولكن إذا لم تعرفه فأعطه ما دون الدرهم إلى أربعة دوانيق. وقال أبو عبد
الله ع: لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب ولا صدقة الأعراب
للمهاجرين. وقال: سألت أبا عبد الله ع عن الزكاة هل تصلح لصاحب
الدار والخادم؟ قال: نعم إلا أن تكون داره ذات غلة فيخرج له من غلتها ما
يكفيه وعياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم
وحاجتهم في غير إسراف فقد حلت له الزكاة، وإن كانت غلتها تكفيهم فلا.
وقال: سألت أبا الحسن الأول ع عن رجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه
يكفيه مؤونته أ يأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج
إليه؟ فقال: لا بأس. قال: وقلت لأبي عبد الله ع: ما يعطي
المصدق؟ قال: ما يرى الإمام، لا يقدر له شئ. وقال: قلت لأبي جعفر وأبي عبد
الله ع في قوله عز وجل: للسائل والمحروم. من هذا المحروم؟ فقال:
المحروم الرجل الذي ليس بعقله بأس ولم يبسط له في الرزق وهو محارق.
وروى أبو بصير وزرارة عن أبي عبد الله ع أنه قال: من تمام الصوم
إعطاء الزكاة يعني الفطرة كالصلاة على النبي ص من تمام الصلاة،
44

ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى ولم يصل على النبي
وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له، إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال: قد أفلح
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. ومن أضاف مسلما لضرورة به إلى ذلك طول
شهر رمضان أو في النصف الأخير منه إلى آخره موجب عليه اخراج الفطرة عنه لأنه
قد صار بالضيافة بحكم العيال.
وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال: كان أهل المدينة
يأتون بصدقة الفطرة إلى مسجد رسول الله ص.
وروى علي بن راشد قال: سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام قال
قلت: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم من أردت أن تطهره منهم.
وروى عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى أبي
الحسن الرضا ع بدراهم لي ولغيري وكتبت إليه أخبره بأنها فطرة العيال،
فكتب بخطه: قبضت. وقال أبو عبد الله ع: أحسنوا جواد النعم. فقيل له: وما حسن جواد النعم؟ فقال:
الشكر لمن أنعم بها وأدى حقوقها. وقال: سألت أبا جعفر ع عن قوله تعالى: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. قال:
صدق بأن الله يعطي بالواحد عشرة إلى مائة ألف فما زاد. قلت:
فسنيسره لليسرى. قال: لا يريد شيئا من الخير إلا يسر له. قال: قلت: وأما
من بخل واستغنى وكذب بالحسنى. قال: كذب بأن الله يعطي بالواحد عشرة
إلى مائة ألف فما زاد، قلت: فسنيسره للعسرى. قال: لا يريد شيئا من الشر إلا
يسر له. قلت: وما يغني عنه ماله إذا تردى. قال: أما والله ما هو ترد في بئر
ولا من جبل ولا من حائط ولكن ترد في نار جهنم.
قال: وقال أبو عبد الله ع: إن الله عز وجل يقول: ما من شئ إلا
وقد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقاها بيدي حتى أن الرجل
ليتصدق بالتمرة أو بشق التمرة فأربيها كما يربي الرجل فلوه وفصيله فيلقاها يوم
القيامة وهي مثل جبل أحد وأعظم من أحد. وقال: أحب الأعمال إلى الله عز وجل
45

إشباع جوعة المؤمن أو تنفيس كربته أو قضاء دينه. وقال ع: أفضل
الصدقة برد كبد حري. وقال: قال رسول الله ص: لا تقطعوا على
السائل مسألته فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم. وقال أبو جعفر ع:
أعط السائل ولو جاءك على ظهر فرس.
وقال رسول الله ص: من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته
يوم القيامة. وقال ص إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا
بذنوب أهل الدنيا رجل نصر ذريتي ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل
أحب ذريتي بالقلب واللسان ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا.
وقال أبو الحسن موسى بن جعفر ع: من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقير
شيعتنا. وقال أبو عبد الله ع: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا
مسلم وهو قوله تعالى: رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت. فلا تقبل
لمانع الزكاة صلاة.
وروى ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال: بينا رسول الله ص
في مسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال:
أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون. وقال سمعت أبا عبد الله ع
يقول: ما من رجل يمنع درهما في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه وما من
رجل يمنع حقا في ماله إلا طوقه الله به حية في النار يوم القيامة. وقال أبو عبد الله
ع: ما أدى أحد الزكاة فنقصت من ماله ولا منعها أحد فزادت في ماله.
وروى علي بن حسان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى ع
قال: حصنوا أموالكم بالزكاة.
46

باب الجزية:
والجزية واجبة على جميع كفار أهل الكتاب من الرجال البالغين إلا من خرج
عن وجوبها منهم بخروجه عن اعتقاد الكفر وإن دخل معهم في بعض أحكامهم
من مجانينهم ونواقص العقول منهم عقوبة من الله تعالى لهم لعنادهم الحق وكفرهم
بما جاء به محمد ص خاتم النبيين وجحدهم الحق الواضح باليقين.
قال الله عز وجل: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما
حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون، ففرض سبحانه على نبيه ص أخذ
الجزية من كفار أهل الكتاب، وفرض ذلك على الأئمة من بعده ع إذ
كانوا هم القائمين بالحدود مقامه والمخاطبين في الأحكام بما خوطب به وجعلها
تعالى حقنا لدمائهم ومنعا من استرقاقهم ووقاية لما عداها من أموالهم.
باب أصناف أهل الجزية.
والواجب عليه الجزية من الكفار ثلاثة أصناف: اليهود على اختلافهم
والنصارى على اختلافهم والمجوس على اختلافهم. وقد اختلف فقهاء العامة في
الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثلاثة الأصناف، فقال
مالك بن أنس والأوزاعي: كل دين بعد دين الاسلام سوى اليهودية والنصرانية
فهو مجوسية وحكم أهله حكم المجوس. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال:
47

الصابئون مجوس.
وقال الشافعي وجماعة من أهل العراق: حكمهم حكم المجوس. وقال بعض
أهل العراق: حكمهم حكم النصارى. فأما نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية على غير من عددناه لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد عنهم في
أحكامهم، وقد روي عن أمير المؤمنين أنه قال: المجوس إنما ألحقوا باليهود
والنصارى في الجزية والديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب، فلو خلينا
والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية أولى من الصابئين
لأنهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بها، فأما المرقوسية
والماهانية فإنهم إلى النصرانية أقرب من المجوسية لقولهم في الروح والكلمة والأقنوم
بقول النصارى وإن كانوا يوافقون الثنوية في أصول أخر، وأما الكينونية فقولهم
يقرب من النصرانية لا مثلهم في التثليث وإن كان أكثره أهل الدهر.
وأما السمتية فتدخل في حكم مشركي العرب وتضارع مذاهبها لقولها في
التوحيد للبارئ وعبادتهم سواه تقربا إليه وتعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق له
وقد حكي عنهم ما يدخلهم في جملة الثنوية.
فأما الصابئون فمتفردون بمذاهبهم عمن عددناه لأن جمهورهم يوجد الصانع في
الأزل، ومنهم من يجعله معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم
الأصل ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وأنه المدبر لما في هذا العالم والدال
عليه، وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله عز وجل، وسماها بعضهم ملائكة
وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات، وهؤلاء على طريق القياس إلى
مشركي العرب وعباد الأوثان أقرب من المجوس لأنهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله
سبحانه في التحقيق وعلى القصد والضمير وسموا من عداه من خلقه بأسمائه جل
عما يقول المبطلون، والمجوس قصدت بالعبادة لله تعالى على نياتهم في ذلك
وضمائرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجهة في الحقيقة
إلى القديم ولم يسموا من أشركوا بينه وبين الله عز وجل في القدم باسمه في معنى
48

الإلهية ومقتضى العبادة بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه لمشاركتهم
إياهم في اعتقاد الإلهية في غير القديم وتسميتهم له بذلك وهما الروح عندهم،
والنطق الذي اعتقدوه المسيح، وليس هذا موضع الرد على متفقهة العامة فيما
أوجبوه من خلافنا فنشرحه وإنما ذكرنا منه طرفا لتعلقه بما تقدم من وصف مذهبنا
في الأصناف وبيناه في التفصيل.
باب مقدار الجزية:
وليس في الجزية حد مرسوم لا يجوز تجاوزه إلى ما زاد عليه ولا حطه عما
نقص عنه، وإنما هي على ما يراه الإمام في أموالهم ويضعه على رقابهم على قدر غناهم
وفقرهم. وكان أمير المؤمنين ع قد جعل على أغنيائهم ثمانية وأربعين
درهما وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما وجعل على فقرائهم اثنى عشر درهما
وكذلك صنع عمر بن الخطاب قبله وإنما صنعه بمشورته ع.
روى حريز عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله ع ما حد الجزية
على أهل الكتاب؟ فقال: ذاك إلى الإمام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على
قدر ماله وما يطيق، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية
تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون.
وقال ع: إن الله عز وجل يقول: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون، فللإمام أن يأخذهم بما لا يطيقون حتى يسلموا. وإلا فكيف يكون
صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه فيألم لذلك فيسلم؟
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله ع: أ رأيت ما يأخذ
هؤلاء من أرض الجزية وما يأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم، أما عليهم في ذلك
شئ موظف؟ فقال: عليهم ما أجازوه على أنفسهم. وليس للإمام أكثر من
الجزية إن شاء وضعها على رؤوسهم فليس على أموالهم شئ وإن وضعها على أموالهم فليس على
رؤوسهم شئ. فقلت له: فهذا الخمس؟ فقال: هذا شئ كان
49

رسول الله ص صالحهم عليه.
وروي أيضا محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع أنه قال: إذا أخذت
الجزية من أهل الكتاب فليس على أموالهم ومواشيهم شئ بعدها.
باب مستحق عطاء الجزية من المسلمين:
وكانت الجزية على عهد رسول الله ص عطاء المهاجرين وهي من
بعده لمن قام مع الإمام مقام المهاجرين وفيما يراه الإمام من مصالح المسلمين.
باب الخراج وعمارة الأرضين:
وكل أرض أسلم أهلها طوعا تركت في أيديهم، فما عمروه منها كان عليهم
فيها العشر أو نصف العشر على ما ذكرناه في أبواب الزكاة، وما لم يعمروه، أخذه
الإمام فقبله من يعمره وكان على المتقبلين في حصصهم العشر أو نصفه على حساب
الأوساق. وكل أرض أخذت بالسيف فللإمام تقبيلها ممن يرى من أهلها وغيرهم
وليس يجب قسمتها بين الجيش ويقبلها الإمام بما يراه صلاحا ويطيقه المتقبل من
النصف والثلث والثلثين.
وكل أرض صولح أهلها عليها فهي على صلح الإمام وشرطه نافذ، حكم ذلك
في الأمة وعليها الرضاية وللأئمة ع من بعده الزيادة فيه والنقص منه على
حسب تغيير الأحوال الموجبة فيما سلف ذلك الصلح بعينه. وكل أرض سلمها أهلها
بغير حرب أو انجلوا عنها بغير قتال فهي للإمام خالصة يصنع فيها ما يشاء لأنها من
الأنفال.
وروى يونس بن إبراهيم عن يحيى بن الأشعث الكندي عن مصعب بن يزيد
الأنصاري قال: استعملني أمير المؤمنين ع على أربعة رساتيق المدائن،
البهقباذات، ونهر شير، ونهر جوير، ونهر الملك وأمرني أن أضع على كل جريب
زرع غليظ درهما ونصفا وعلى كل جريب وسط درهما واحدا وعلى كل جريب ذرع
50

خفيف ثلثي درهم وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم وعلى كل جريب نخيل
عشرة دراهم وعلى كل جريب من البساتين التي تجمع النخل والشجر عشرة
دراهم. وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق وابن السبيل ولا
آخذ منه شيئا، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون
بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما وعلى أوساطهم والتجار منهم
على كل رجل أربعة وعشرين درهما، وعلى سفلتهم وفقرائهم على كل انسان منهم
اثني عشر درهما. قال فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة.
51

باب الخمس والغنائم:
والخمس واجب في كل مغنم. قال الله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من
شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن
كنتم آمنتم بالله...
" الآية. والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والثياب والرقيق وما
استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكل ما فضل من أرباح التجارات
والزراعات والصناعات عن المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصار.
باب تمييز أهل الخمس:
ومستحقه ممن ذكره الله تعالى في القرآن، والخمس لله تعالى كما وصف
ولرسوله ص كما حكم. ولقرابة الرسول ص كما بين.
وليتامى آل الرسول كما أنزل ولمساكينهم ببرهان ما شرح ولأبناء سبيلهم بدليل ما
أخبر، وليس لغيرهم في الخمس حق لأن الله تعالى نزه نبيه ص عن
الصدقة إذ كانت أوساخ الناس ونزه ذريته وأهل بيته عنها كما نزهه فجعل لهم
الخمس خاصة من سائر الغنائم عوضا عما نزههم عنه من الصدقات وأغناهم به عن
الحاجة إلى غيرهم في الزكاة.
روى أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين
ع يقول: نحن والله الذين عني الله تعالى بذي القربى الذين قرنهم بنفسه
52

ونبيه فقال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل منا خاصة، فلم يجعل لنا سهما في الصدقة لكرم
الله تعالى نبيه ص وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس.
باب قسمة الغنائم:
وإذا غنم المسلمون شيئا من أهل الكفر بالسيف قسمه الإمام على خمسة أسهم،
فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم منها
ثلاثة له ع سهمان وراثة من الرسول ص وسهم بحقه
المذكور. وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله، فسهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم
وسهم لأبناء سبيلهم، فيقسم ذلك بينهم على قدر كفايتهم في السنة ومؤنتهم فما
فضل عنها أخذه الإمام منهم وما نقص منها تممه لهم من حقه وإنما كان له أخذ ما
فضل لأن عليه إتمام ما نقص.
53

باب الأنفال:
وكانت الأنفال لرسول الله ص خاصة في حياته وهي للإمام
القائم مقامه من بعده خالصة كما كانت له ص في حياته، قال الله
عز وجل: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات
بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. وما كان للرسول ص
من ذلك فهو لخليفته القائم في الأمة مقامه من بعده.
والأنفال كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب،
والأرضون الموات وتركات من لا وارث له من الأهل والقرابات والآجام والبحار
والمفاوز والمعادن وقطائع الملوك.
روي عن الصادق ع أنه قال: نحن قوم فرض الله تعالى طاعتنا في
القرآن لنا الأنفال ولنا صفو الأموال. " يعني بصفوها ما أحب الإمام من الغنائم
واصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء والفرس الفأرة والثوب الحسن وما
أشبه ذلك من رقيق أو متاع على ما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادة
ع وليس لأحد أن يعمل في شئ مما عددناه من الأنفال إلا بإذن الإمام
العادل فمن عمل فيها باذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها وللإمام الخمس، ومن
عمل فيها بغير إذنه فحكمه حكم العامل في ما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر
المملوكات.
54

باب الزيادات:
وإذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية سواء كان إسلامه قبل حلول أجل الجزية
عليه أو فيه أو بعده. وقد قيل أنه إن أسلم قبل الأجل فلا جزية عليه، وإن أسلم وقد
حل فعليه الجزية.
روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع أنه سأله عن خراج أهل الذمة
وجزيتهم إذا أدوها من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم، أ يحل للإمام أن يأخذها
وتطيب للمسلمين؟ فقال: ذلك للإمام والمسلمين حلال وهي على أهل الذمة حرام
وهم المحتملون لوزره.
وقال ع: لا يجوز رفع الجزية لأنها عطاء المهاجرين والصدقة لأهلها
المسلمين في القرآن وليس لهم من الجزية شئ، ثم قال: ما أوسع العدل إن الناس
يستغنون إذا عدل بينهم وتنزل عليهم السماء رزقها وتخرج الأرض بركاتها بإذن الله
عز وجل.
وروى أبو بصير عن أبي جعفر ع قال: كل شئ قوتل عليه على
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ص فإن لنا خمسه ولا يحل
لأحد أن يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا نصيبنا.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال: إن أشد ما فيه الناس
يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا
لتطيب ولادتهم.
55

وروى ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله ع: من أين دخل على
الناس الزنى؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا
شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم، لميلادهم.
وروى سالم بن مكرم عن أبي عبد الله ع قال: قال له رجل وأنا
حاضر: حلل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله ع. فقال له رجل: ليس
يسألك جعلت فداك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها
أو ميراثا يصيبه أو تجارة، فقال أبو عبد الله ع: هذا لشيعتنا حلال الشاهد
منهم والغائب والميت منهم والحي ومن يولد منهم إلى يوم القيامة فهو حلال لهم أما
والله لا يحل إلا لمن حللنا له ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة ولا لأحد منهم عهدا ولا
لأحد عندنا ميثاق.
وروى محمد بن أبي عمير عن الحكم بن علباء الأسدي قال: وليت البحرين
فأصبت بها مالا كثيرا، فأنفقت واشتريت ضياعا كثيرة واشتريت رقيقا وأمهات
أولاد وولد لي، ثم خرجت إلى مكة فحملت عيالي وأمهات أولادي ونسائي وحملت
خمس ذلك المال فدخلت على أبي جعفر ع فقلت له: إني وليت البحرين
فأصبت منها مالا كثيرا فاشتريت ضياعا واشتريت رقيقا واشتريت أمهات أولاد
وولد لي وأنفقت وهذا خمس ذلك المال وهؤلاء أمهات أولادي ونسائي قد أتيتك
بهن. فقال: قد قبلت ما جئت به وقد أحللت من أمهات أولادك ونسائك وما
أنفقت وضمنت لك على وعلى أبي الجنة.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال: قال أمير المؤمنين
ع: هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وأن
شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل.
وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال: سمعته يقول من أحللنا
له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمناه من ذلك فهو حرام.
وقال أبو عبد الله ع: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا ألا إنا
56

جللنا شيعتنا من ذلك.
وروى يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله ع فدخل عليه
رجل من القماطين فقلت: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات
نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله ع: ما
أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.
وسئل ع عن رجل اكتسب مالا من حلال وحرام ثم أراد التوبة من
ذلك ولم يتميز له الحلال بعينه من الحرام؟ فقال: يخرج منه الخمس وقد طاب، إن
الله تعالى طهر الأموال بالخمس.
وسئل الرضا ع عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس فقال ما يجب
فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه.
وسئل الصادق ع عن مقدار ما يجب فيه الخمس مما يخرج من البحر
كاللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة، فقال: إذا بلغ قيمته
دينارا ففيه الخمس. وقال: الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها
الخمس. وقال: في العنبر الخمس.
وروى محمد بن يزيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي
أبي الحسن الرضا ع يسأله الأذن في الخمس، فكتب إليه: بسم الله الرحمن
الرحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف العقاب لا يحل
مال إلا من وجه أحله الله إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما
نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم
دعاءنا بما قدرتم عليه، فإن اخراجه مفتاح أرزاقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون
لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه وليس المسلم من أجاب
باللسان وخالف بالقلب والسلام.
وروى أيضا محمد بن يزيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا
ع فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا تمحضونا
57

المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل لا
نجعل لا نجعل أحدا منكم في حل.
وروى إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني ع إذ
دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال له: يا سيدي
اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل، فإني أنفقتها، فقال له: أنت في حل فلما
خرج صالح، قال أبو جعفر ع: أحدهم يتعب على أموال محمد وأيتامهم
ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجئ فيقول اجعلني في حل أ تراه
ظن أني أقول لا أفعل. والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا.
وأعلم أرشدك الله أن ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس
والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن
الأئمة ع لتطيب ولادة شيعتهم وما يرد في الأموال وما أخرته عن المتقدم
مما جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال.
وقد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة وذهب كل فريق منهم فيه إلى
مقال، فمنهم من يسقط فرض اخراجه لغيبة الإمام وما تقدم من الرخص فيه من
الأخبار، وبعضهم يوجب كنزه ويتأول خبرا ورد أن الأرض تظهر كنوزها عند
ظهور القائم مهدي الأنام ع وأنه ع إذا قام، دله الله سبحانه
وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كل مكان، وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء
الشيعة على طريق الاستحباب ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب، وبعضهم
يرى عزله لصاحب الأمر ع، فإن خشي إدراك المنية قبل ظهوره وصى به
إلى من يثق به في عقله وديانته ليسلمه إلى الإمام ع إن أدرك قيامه، وإلا
وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر
إمام الزمان ع.
وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم لأن الخمس حق وجب لغائب لم
يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه أو
58

التمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه، وجرى أيضا مجرى الزكاة
التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدمه سقوطها ولا يحل التصرف فيها
على حسب التصرف في الأملاك، ويجب حفظها بالنفس والوصية بها إلى من يقوم
بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف.
وإن ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو حق خالص
للإمام ع، وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول ع
ومساكينهم وأبناء سبيلهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك، بل
كان على صواب وإنما اختلفوا أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يجب إليه فيه من
صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل
والأثر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ
الودائع لأهلها ورد الحقوق.
وللإمام قبل القسمة من الغنيمة ما شاء على ما قدمناه في صفو الأموال وله أن
يبدأ بسد ما ينويه بأكثر ذلك المال وإن استغرق جميعه فيما يحتاج إليه في مصالح
المسلمين كان ذلك له جائزا ولم يكن لأحد من الأمة عليه اعتراض. وليس لمن
قاتل معه شئ من الأرضين ولا ما غلبوا عليه إلا ما احتوى عليه العسكر وليس
للأعراب من الغنيمة شئ وإن قاتلوا مع الوالي لأن رسول الله ص
صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا، فمتى دهمه من عدوه داهم
استفزهم فقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب. والأرضون المأخوذة عنوة فهي
موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي عليه
بقدر طاقتهم من النصف والثلث والثلثين. أو دون ذلك حسب ما يراه أصوب في
تدبير عمارة الأرض واستقرار ارتفاعها كما تقدم شرحه.
فإذا خرج منها شئ بدأ الوالي فسلم إلى عمارها والعاملين فيها ما صالحهم
عليه مما سميناه، ثم أخرج مما بقي بعد ذلك العشر مما سقت السماء أو شرب
سيحا أو نصف العشر مما سقى بالدوالي والنواضح إذا كان قدره المبلغ الذي يجب
59

فيه الزكاة على ما قدمناه فوجهه في الجهة التي وجهها الله تعالى على ثمانية أسهم:
للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي
سبيل الله وابن السبيل فيقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا
تضييق ولا تقتير، فإن فضل من ذلك شئ رد إلى الوالي وإن نقص من ذلك شئ
ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر مؤنة سنتهم حتى يستغنوا،
ثم يأخذ ما بقي بعد العشر أو نصفه، فيقسمه بين شركائه من عمال الأرض
وأكرتها فيدفع إليهم أنصابهم على ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي بعد ذلك، يكون
أرزاق أعوانه على دين الله جل وعز، وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الاسلام وإقامة
الدين وفي وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل
ولا كثير.
والأنفال على ما قدمناه للإمام خالصة إن شاء قسمها وإن شاء
وهبها وإن شاء وقفها ليس لأحد من الأمة نصيب فيها ولا يستحقها من عير جهته.
روى السياري عن علي بن أسباط. قال: لما ورد أبو الحسن موسى ع
على المهدي وجده يرد المظالم، فقال له: ما بال مظلمتنا لا ترد يا أمير المؤمنين فقال
له: وما هي يا أبا الحسن؟ فقال:
إن الله تعالى لما فتح على نبيه ص فدك وما والاها ولم يوجف
عليها بخيل ولا ركاب أنزل الله تعالى على نبيه ص: وآت
ذا القربى حقه، فلم يدر رسول الله ص من هم، فراجع في ذلك
جبرئيل ع فسأل الله تعالى عن ذلك فأوحى إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة
سلام الله عليها فدعاها رسول الله ص فقال لها: يا فاطمة إن الله سبحانه
أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل
وكلاؤها فيها حياة رسول الله ص فلما ولى أبو بكر أخرج عنها
وكلاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها، فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك
بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين ع وأم أيمن فشهدوا لها،
60

فكتب لها بترك التعرض لها، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر بن الخطاب فقال
لها: ما هذا معك يا بنت محمد؟ فقالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال:
أرنيه، فأبت فانتزعه من يدها ونظر فيه وتفل فيه ومحاه وخرقه وقال، هذا لأن أباك
لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وتركها ومضى. فقال المهدي: حدها لي،
فحدها فقال: هذا كثير وأنظر فيه.
وروى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ع يقول: الأنفال هو
النفل وفي سورة الأنفال جدع الأنف. وقال: وسألته عن الأنفال فقال: كل أرض
خربة أو شئ كان يكون للملوك وبطون الأودية ورؤوس الجبال وما لم يوجف عليه
بخيل وركاب، فكل ذلك للإمام خالصا.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: أكبر الكبائر سبعة، فينا نزلت
وبنا استحلت. أولها الشرك بالله عز وجل، والثانية قتل النفس التي حرم الله،
والثالثة عقوق الوالدين والرابعة قذف المحصنات، والخامسة أكل مال اليتيم،
والسادسة الفرار من الزحف والسابعة إنكار حقنا أهل البيت.
فأما الشرك بالله تعالى فقد قال الله عز وجل فينا ما قال وأنزل فينا ما أنزل
وبين ذلك رسول الله ص فكذبوا الله ورسوله وردوا عليهما. وأما قتل
النفس التي حرم الله، فقد قتل الحسين ع ظلما في أهل بيته. وأما عقوق
الوالدين فقد عقوا رسول الله وأمير المؤمنين في ذريتهما. وأما قذف المحصنات فقد
قذفت الزهراء ع على منابرهم. وأما أكل مال اليتيم فإن الله تعالى جعل
لنبيه ص الأنفال وهي من بعده للإمام وأحل لذريته الخمس فعدوا
عليه فأخذوه ومنعوهم حقوقهم منه. وأما الفرار من الزحف فقد والله بايعوا عليا
طائعين ثم فروا عنه. وأما إنكار حقنا أهل البيت فوالله ما يتعاجم في هذا أحد.
61

جمل العلم والعمل
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
63

الزكاة
فصل: في شروط وجوب الزكاة:
الزكاة تجب على الأحرار البالغين المسلمين الموسرين، وحد اليسار ملك النصاب
وأن يكون في يد مالكه وهو غير ممنوع من التصرف فيه.
ولا زكاة في المال الغائب عن صاحبه الذي لا يتمكن من الوصول إليه، ولا
زكاة في الدين إلا أن يكون منه تأخير قبضه وأن يكون بحيث متى رامه قبضه.
فصل: في الأصناف التي تجب فيها الزكاة:
وهي تسعة: الدراهم والدنانير والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر
والغنم.
ولا زكاة في شئ سوى ذلك، ولا في عروض التجارة وقد روي: أنه إن طلبت
أمتعة التجارة من صاحبها بوضيعة فلا زكاة عليه، وإن طلبت بربح أو برأس المال
فأخر بيعها فعليه زكاة سنة مؤكدة غير واجبة.
وما تجب فيه الزكاة على ضربين: منه ما يعتبر مع ملك النصاب حول الحول
عليه وهو الدنانير والدراهم والإبل والبقر والغنم، وما عدا ذلك لا اعتبار فيه بل بلوع
حد النصاب. ويجوز اخراج القيمة في الزكاة دون العين المخصوصة.
فصل: في زكاة الدراهم والدنانير:
65

إذا بلغت الدنانير عشرين دينارا وحال عليها الحول وجب فيها نصف دينار ولا
زكاة فيما دون ذلك، وإن زادت أربعة دنانير ففيها عشر دينار، وعلى هذا الحساب
في كل عشرين دينار نصف دينار وفي كل أربعة بعد العشرين عشر دينار، فإن
صيغت الدنانير حليا أو سبيكة لم تجب فيها زكاة إلا أن يكون ذلك فرارا من الزكاة
فتلزمه.
وليس فيما دون مائتي درهم زكاة، فإذا بلغت ذلك وحال عليها الحول ففيها
خمسة دراهم، فإذا زادت على المائتين أربعين ففي الزيادة درهم واحد وعلى هذا
الحساب، وحكم ما صيغ من الفضة وسبيكته حكم الذهب وقد تقدم.
فصل: في زكاة الإبل:
لا زكاة في شئ من الأنعام إلا بعد أن تكون سائمة ويحول عليها الحول، وفي
طول زمان الحول على العدد الذي تجب في بلوغها به الزكاة، ولا زكاة في الصغار
حتى يحول عليها الحول من بعد نتاجها، ولا زكاة في خليطين من ماشية ولا زرع ولا
غيرهما حتى يبلغ مال كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة.
فإذا بلغت الإبل خمسا ففيها شاة ولا شئ فيما زاد على الخمس حتى تبلغ
عشرا، فإذا بلغها ففيها شاتان ثم لا شئ فيها حتى تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث
شياه، فإذا انتهت إلى عشرين ففيها أربع شياه، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها
خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض حتى تبلغ ستا وثلاثين، فإذا
بلغت ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة إلى إحدى وستين، فإذا
بلغتها ففيها جذعة إلى ست وسبعين، فإذا بلغتها ففيها بنت لبون إلى التسعين، فإذا
زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت ذلك ثم زادت عليه ترك
هذا الاعتبار، وأخرج عن كل خمسين حقة وعن كل أربعين بنت لبون.
فصل: في زكاة البقر:
66

ليس فيما دون ثلاثين منها شئ، فإذا كملت ثلاثين ففيها تبيع حولي أو
تبيعة إلى الأربعين، فإذا بلغتها ففيها مسنة، وفي ستين تبيعان ومسنة، وفي سبعين
تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاث تبائع، وفي مائة تبيعتان
ومسنة، ثم على هذا الحساب في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
فصل: في زكاة الغنم:
لا زكاة في أقل من أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا
زادت واحدة ففيها شاتان إلى ثلاثمائة، فإن كثرت ففي كل مائة شاة.
فصل: في زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب:
إذا بلغ شئ من هذه الأصناف خمسة أوسق " والوسق ستون صاعا " بعد
خراجها ومؤونتها، فإذا بلغت ذلك وكان مما يسقى سيحا أو من ماء السماء ففيها
العشر، فإن سقيت بالغرب والدوالي والنواضح فنصف العشر.
فصل: في تعجيل الزكاة:
الواجب اخراج الزكاة في وقت وجوبها وهو تكامل الحول فيما اعتبر فيه الحول،
وقد روي: جواز التقديم بشهرين أو ثلاثة، والأول أثبت.
وإن حضر مؤن محتاج قبل الوجوب وأراد عطاءه جعل ما يعطيه قرضا عليه،
وإن جاء وقت الوجوب وهو مستحق للزكاة احتسب ذلك من زكاته، فإن أيسر قبل
ذلك لم يجز قبل ذلك للمسلف الاحتساب بما أعطاه من زكاته وكان له الرجوع
بذلك القرض على من اقترض.
فصل: في وجوه اخراج الزكاة:
قد نطق القرآن بالأصناف الثمانية التي يخرج إليها الصدقات ويجوز أن يختص
67

بالزكاة بعض هذه الأصناف دون بعض، والأحوط أن لا يخلى صنفا من شئ
يخرجه قل ذلك أم كثر.
ولا تحل الصدقة لمن له حرفة أو معيشة تغنيه عنه أو كان صحيحا سويا يقدر
على الاكتساب والاحتراف، ولا تحل أيضا إلا لأهل الإيمان والاعتقاد الصحيح
وذوي الصيانة والنزاهة دون الفساق وأصحاب الكبائر، ولا تحل الزكاة على الأب
والأم والبنت والابن والزوجة والجد والجدة لأن جميع هؤلاء ممن يجبر على نفقتهم
عند الحاجة إليها.
وتحل للأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة ومن يجري مجراهم من
القرابات.
وتحرم الزكاة الواجبة على بني هاشم جميعا إذا كانوا متمكنين من حقهم في
خمس الغنائم، فإذا منعوا وافتقروا إلى الصدقة أحلت لهم الزكاة، وحلت صدقة
بعضهم على بعض وما يتطوع به من الصدقات.
ويجوز أن يعطي لواحد من الفقراء القليل والكثير، وروي: أنه لا يعطي لواحد
من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم، وروي: أن الأقل درهم واحد.
فصل: في زكاة الفطرة:
زكاة الفطرة تجب بالشروط التي ذكرناها في وجوه الزكاة وهي سنة مؤكدة في
الفقير الذي يقبل الزكاة ويجد ما يخرجه من الفطرة على الرجال إذا تكاملت شروطها
فيهم، فيخرجها عن نفسه وعن جميع من يعول ممن تجب عليه نفقته أو من يتطوع بها
عليه من صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى ملي أو كتابي.
ووقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم الفطر قبل صلاة العيد، وقد
روي: أنه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم الفطر. وهي فضلة
أقوات الأمصار على اختلاف أقواتهم من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأقط
واللبن.
68

ومقدار الفطرة صاع من تمر أو حنطة أو شعير أو من جميع الأنواع التي ذكرناها
" والصاع تسعة أرطال بالعراقي " ويجوز اخراج القيمة في الفطرة، وقد روي:
اخراج درهم عنها، وروي: اخراج ثلاثة دراهم، وهذا إنما يكون بحسب
الرخص والغلاء، والمعتبر اخراج قيمة الصاع في وقت الوجوب.
ومستحق الفطرة كمستحق الزكاة الجامع بين الفقر والإيمان والتنزه عن
الكبائر، ولا يعطي الفقير من الفطرة أقل من صاع، ويجوز أن يعطي أكثر منه، ولا
يجوز نقلها من بلد إلى بلد، والفطرة الواحدة تجزئ عن جماعة إذا تراددها.
فصل: في كيفية اخراج الزكاة:
الأفضل والأولى اخراج الزكاة " لا سيما في الأموال الظاهرة كالمواشي والحرث
والغرس " إلى الإمام ع وإلى خلفائه النائبين عنه، وإن تعذر ذلك فقد
روي: اخراجها إلى الفقهاء المأمونين ليضعوها في مواضعها. وإذا تولى اخراجها عند
فقد الإمام والنائبين عنه من وجب عليه جاز.
فأما صدقة الفطرة فيخرجها من وجبت عليه بنفسه دون الإمام ع.
69

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
71

كتاب الزكاة
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن الزكاة لا تجب إلا في تسعة أصناف:
الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم، ولا زكاة
فيما عدا ذلك. وباقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك، وحكي عن ابن أبي ليلى
والثوري وابن حي: أنه ليس في شئ من المزروع زكاة إلا الحنطة والشعير والتمر
والزبيب، وهذه موافقة للإمامية.
وأبو حنيفة وزفر يوجبان العشر في جميع ما أنبتت الأرض إلا الحطب والقصب
والحشيش، وأبو يوسف ومحمد يقولان: لا يجب العشر إلا في ماله ثمرة باقية ولا
شئ في الخضروات.
وقال مالك: الحبوب كلها فيها الزكاة وفي الزيتون. وقال الشافعي: إنما تجب
فيما يبس ويقتات ويذخر مأكولا، ولا شئ في الزيتون.
والذي يدل على صحة مذهبنا مضافا إلى الاجماع أن الأصل براءة الذمة من
الزكوات وإنما يرجع إلى الأدلة الشرعية في وجوب ما يجب منها، ولا خلاف فيما
أوجبت الإمامية الزكاة فيه وما عداه فلم يقم دليل قاطع على وجوب الزكاة فيه فهو
باق على الأصل وهو قوله تعالى: ولا يسألكم أموالكم، والمعنى أنه لا يوجب
حقوقا في أموالكم لأنه تعالى لا يسألنا أموالنا إلا على هذا الوجه وهذا الظاهر يمنع
من وجوب حق في الأموال فما أخرجناه منه فهو بالدليل القاطع وما عداه باق تحت
73

الظاهر، فإن تعلقوا بقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، وأنه عام في جميع
الزروع وغيرها مما ذكره في الآية، فالجواب عنه أنا لا نسلم أن قوله تعالى: وآتوا
حقه يوم حصاده، يتناول العشر أو نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة، فمن
ادعى تناوله لذلك فعليه الدلالة.
وعند أصحابنا أن ذلك يتناول ما يعطي المسكين والفقير والمجتاز وقت الحصاد
من الحفنة والضغث، فقد رووا ذلك عن أئمتهم ع فمنه ما روي عن
أبي جعفر ع في قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، قال: ليس ذلك
الزكاة ألا ترى أنه تعالى قال: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، وهذه نكتة منه
ع مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا فيما ليس بمقدر، والزكاة
مقدرة.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قيل له: يا ابن رسول الله وما حقه؟
قال: تناول منه المسكين والسائل، والأحاديث بذلك كثيرة، ويكفي احتمال
اللفظ، وإن كان يقوى هذا التأويل أن الآية تقتضي أن يكون العطاء في وقت
الحصاد، والعشر المفروض في الزكاة لا يكون في تلك الحال لأن العشر مكيل ولا
يؤخذ إلا من مكيل، وفي وقت الحصاد لا يكون مكيلا ولا يمكن كيله، وإنما يكال
بعد جفافه وتذريته وتصفيته، فتعليق العطاء بتلك الحال لا يليق إلا بما ذكرناه.
ويقوى أيضا هذا التأويل ما روي عن النبي ص من
النهي عن الحصاد والجذاذ بالليل، فالجذاذ هو صرام النخل وإنما نهى ع
عن ذلك لما فيه من حرمان المساكين عما ينبذ إليهم من ذلك، وما يقوله قوم في هذه
الآية من أنها مجملة فلا دليل لهم فيها ليس بصحيح لأن الاجمال هو مقدار الواجب
لا الموجب فيه.
فإن قيل: قد سماه الله تعالى حقا وذلك لا يليق إلا بالواجب.
قلنا: قد يطلق اسم الحق على الواجب والمندوب إليه، وقد روى جابر أن رجلا
قال: يا رسول الله هل على حق في إبلي سوى الزكاة؟ فقال ع: نعم
74

تحمل عليها وتسقي من لبنها.
فإن قالوا: ظاهر قوله تعالى: وآتوا حقه، يقتضي الوجوب وما ذكرتموه ليس
بواجب.
قلنا: إذا سلمنا أن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب كان لنا طريقان من
الكلام:
أحدهما أن نقول أن ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر آخر له كترك ذلك
الظاهر ليسلم هذا، وأنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب هاهنا تركتم تعليق العطاء
بوقت الحصاد، ونحن إذا حملنا الأمر في الآية على الندب يسلم لنا ظاهر تعلق العطاء
بوقت الحصاد، وليس أحد الأمرين كصاحبه وأنتم المستدلون بالآية فخرجت من أن
تكون دليلا لكم.
والطريق الآخر: إنا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد وإن لم يكن
مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطى لم تكن بعيدا من الصواب، فإن تعلقوا بقوله
تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض، فإن
المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة
ولا ينفقونها في سبيل الله، يعني لا يخرجون زكاتها، فالجواب عن ذلك أن اسم
النفقة لا يجري على الزكاة إلا مجارا ولا يعقل من إطلاق لفظ الانفاق إلا ما كان في
المباحات وما جرى مجراها، ثم لو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة
التي ذكرناها.
فإن قيل: كيف تدعون إجماع الإمامية وابن الجنيد يخالف في ذلك ويذهب إلى
أن الزكاة واجبة في جميع الحبوب التي تخرجها الأرض وإن زادت على التسعة
الأصناف التي ذكرتموها، وروي في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتهم ع
وذكر أن يونس كان يذهب إلى ذلك؟
قلنا: لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد ولا يونس وإن كان يوافقه، والظاهر من
مذهب الإمامية ما حكيناه. وقد تقدم إجماع الإمامية وتأخر عن ابن الجنيد
75

ويونس، والأخبار التي تعلق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الإمامية
معارضة بأظهر وأكثر وأقوى منها من رواياتهم المعروفة المشهورة، ويمكن حملها بعد
ذلك على أنها خرجت مخرج التقية، فإن الأكثر من مخالفي الإمامية يذهبون إلى
أن الزكاة واجبة في الأصناف كلها، وإنما يوافق الإمامية منهم الشاذ النادر،
ومما يقوى مذهبنا في هذه المسألة أن الذرة والعدس وكثيرا من الحبوب الخارجة عن
الحنطة والشعير كانت معروفة بالمدينة وأكنافها، وما نقل أحد من أهل السير عن
أحد ممن بعثه النبي ص لأخذ الصدقة أنه أخذ في جملة ما أخذ
عدسا ولا ذرة كما رووا، وعينوا الحنطة والشعير والتمر فدل ذلك على أنه خارج
عن أصناف ما يؤخذ منه الزكاة.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به نفي الزكاة عن عروض التجارة وقد وافقهم في ذلك
داود بن علي وهو قول ابن عباس رحمة الله عليه فيما رواه الحراني عنه.
وأبو حنيفة وأصحابه يوجبون في عروض التجارة الزكاة إذا بلغت قيمتها
النصاب وهو قول الثوري والأوزاعي وابن حي والشافعي.
وقال مالك: إن كان إنما يبيع العرض بالعرض فلا زكاة حتى يقبض ماله
وإن كان يبيع بالعين والعرض فإنه يزكى.
وقال الليث: إذا ابتاع متاعا للتجارة فيبقي عنده أحوالا فليس عليه إلا زكاة
واحدة.
دليلنا على صحة هذه المسألة كل شئ دللنا به على أن الزكاة لا تجب فيما عدا
الأصناف التسعة التي عيناها، وعروض التجارة خارجة عن تلك الأصناف
فالطريقة تتناولها، ويمكن أن يعارضوا بما رووه عن النبي ص من
قوله: ليس على المسلم في عبده ولا على فرسه صدقة.
وعموم هذا القول يقتضي نفي الصدقة عما هو معرض للتجارة وعما ليس بمعرض
76

لها، لأنه ع لم يفصل بينهما، وإذا ثبت نفي الصدقة عن العبد والفرس
وإن كان للتجارة ثبت فيما عداهما من العروض لأن أحدا لم يفصل بين الأمرين.
وأيضا فإن أصول الشريعة تقتضي أن الزكاة إنما تجب في الأعيان لا الأثمان،
وعروض التجارة عندهم إنما تجب في أثمانها لا أعيانها، وذلك مخالف لأصول
الشريعة، فإن تعلقوا بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، وإن عموم الآية بقوله
يتناول عروض التجارة.
فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما والعموم
معرض للتخصيص، ونحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا على أن
مخالفينا لا بد لهم من ترك الظاهر في عروض التجارة لأنهم يضمرون في تناول هذا
اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة، وهذا ترك للظاهر وخروج
عنه ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظة في الآية على الأصناف التي أجمعنا على
وجوب الزكاة فيها، وإذا قمنا في ذلك مقامهم وهم المستدلون بالآية بطل استدلالهم
بمثل هذا الكلام ويبطل تعلقهم بقوله تعالى: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم،
ويمكن في هذه الآية أن يقال أنها خرجت مخرج المدح لهم فيما فعلوه لا على سبيل
إيجاب الحق في أموالهم لأنه تعالى قال: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون
وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم، فأخرج
الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه، وليس في إيجاب الله تعالى في أموالهم حقا
معلوما للسائل والمحروم مدحا لهم ولا ما يوجب الثناء عليهم، فعلم أن المعنى
ويعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم
أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا وتطوعا، فقد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما
يمدح على فعل ما يجب عليه، ولا تعلق لهم بقوله تعالى: وآتوا الزكاة، لأن اسم
الزكاة اسم شرعي ونحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم فعلى
من ادعى ذلك أن يدل عليه، ولا تعلق لهم بما روي عنه ع من قوله:
حصنوا أموالكم بالصدقة، وأن لفظة الأموال يدخل تحتها عروض التجارة، وذلك
77

أنه ليس في الظاهر إنما يحصن كل مال بصدقة منه، وليس يمتنع أن تحصن أموال
التجارة وما لا يجب فيه الزكاة بالصدقة مما يجب فيه الزكاة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية نفي الزكاة عن الذهب والفضة على اختلاف
أحوالهما إلا أن يكون درهما أو دينارا مضروبا منقوشا، وباقي الفقهاء يخالفون في
ذلك ويوجبون الزكاة في جميع الأحوال إلا الشافعي فإنه لا يوجب الزكاة في الحلي
والحلل المباح على أظهر قوليه.
دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة ما قدمنا ذكره أيضا من أن الأصل
براءة الذمة، ولم يقم دليل قاطع على أن ما عدا الدراهم والدنانير من المصوغات
وغيرها يجب فيه الزكاة ونحن على حكم الأصل، فإن تعلقوا بالأخبار التي وردت
في إيجاب الزكاة على الذهب والفضة على الإطلاق فهذه أولا كلها أخبار آحاد
تعارضها الأخبار الواردة بأنه لا زكاة إلا في الدراهم والدنانير على أنا نحمل تلك
الأخبار العامة على أن المراد بها الدراهم والدنانير لأنهما من فضة وذهب.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الإبل إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس
شياه لأن باقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون في خمس وعشرين ابنة مخاض،
دليلنا الاجماع المتقدم.
فإن قيل: قد خالف أبو علي ابن الجنيد في ذلك وقال: إن في خمس وعشرين
ابنة مخاض، فإن لم تكن في الإبل فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياه، فإن
زادت على خمس وعشرين واحدة ففيها ابنة مخاض.
قلنا: إجماع الإمامية قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد في
هذا المذهب على بعض الأخبار المروية عن أئمتنا ع ومثل هذه الأخبار
78

لا يعول عليها، ويمكن أن نحمل ذكر بنت المخاض وابن اللبون في خمس وعشرين
على أن ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياة وعندنا أن القيم يجوز
أخذها في الصدقات.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به وقد وافقها غيرها من الفقهاء فيه قولهم: إن الإبل
إذا بلغت مائة وعشرين ثم زادت فلا شئ عليهم في زيادتها حتى تبلغ مائة
وثلاثين، فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة وابنتا لبون، وأنه لا شئ في الزيادة ما بين
العشرين والثلاثين، وهذا مذهب مالك بعينه، والشافعي يذهب إلى أنها إذا زادت
واحدة على مائة وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون.
وعند أبي حنيفة وأصحابه فيما زاد على مائة وعشرين أنه يستقبل الفريضة
ويخرج من كل خمسة زائدة على العشرين شاة، فإذا بلغت الزيادة خمسا وعشرين
أخرج ابنة مخاض.
والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الأصل هو براءة الذمة من
الزكاة، وقد اتفقنا على ما يخرج من الإبل إذا كانت مائة وعشرين واختلفت الأمة
فيما زاد على العشرين في ما بينها وبين الثلاثين، ولم يقم دليل قاطع على وجوب
شئ ما بينها وبين العشرين إلى أن تبلغ الزيادة ثلاثين فيجب فيها حقة وابنتا لبون
عندنا وعند الشافعي ومالك، وعند أبي حنيفة يجب حقتان وشاتان، وقد أجمعنا على
وجوب الزكاة في مائة وثلاثين، ولم يجمع على وجوب شئ في الزيادة في ما بين
العشرين والثلاثين، ولم يقم دليل قاطع فيجب أن يكون على الأصل.
فإذا ذكرت الأخبار المتضمنة أن الفريضة إذا زادت على العشرين ومائة تعاد
الفريضة إلى أولها في كل خمس شياه أو الخبر المتضمن أنها إذا بلغت مائة وإحدى
وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، فجوابنا عن ذلك أن هذه كلها أخبار آحاد لا
توجب علما ولا تقتضي قطعا ويعارضها ما رووه عن طرقهم ووجد في كتبهم أنه
79

وجد في كتاب رسول الله ص أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة
فليس في ما زاد شئ دون ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون وحقة، فأما ما
يعارض ما رووه من روايات أصحابنا عن أئمتنا ع فأكثر من أن تحصى
وإنما عارضناهم بما يعرفونه ويألفونه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الزكاة لا تجزئ إلا إذا انصرفت إلى
إمامي ولا تسقط عن الذمة بدفعها إلى مخالف، والحجة في ذلك مضافا إلى الاجماع
أن الدليل قد دل على أن خلاف الإمامية في أصولهم كفر وجار مجرى الردة، ولا
خلاف بين المسلمين في أن المرتد لا تخرج إليه الزكاة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الزكاة لا تخرج إلى الفساق وإن كانوا
معتقدين الحق، وأجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفساق وأصحاب الكبائر.
دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة
أيضا لأن اخراجها إلى من ليس بفاسق مجزئ بلا خلاف، وإذا أخرجها إلى
الفاسق فلا يقين ببراءة الذمة منها، ويمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن
أو سنة مقطوع عليها تقتضي النهي عن معونة الفساق والعصاة وتقويتهم وذلك كثير.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأنه لا يعطي الفقير الواحد من الزكاة
المفروضة أقل من خمسة دراهم، وروي: أن الأقل درهم واحد، وباقي الفقهاء
يخالفون في ذلك، ويجيزون إعطاء القليل والكثير من غير تحديد. وحجتنا على ما
ذهبنا إليه إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط وبراءة الذمة أيضا.
80

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من فر بدراهم أو دنانير من الزكاة
فسبكها أو أبدل في الحول جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة فإن الزكاة تجب
عليه إذا كان قصد بما فعله الهرب منها، وإن كان له غرض آخر سوى الفرار من
الزكاة فلا زكاة عليه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يوجبون على من ذكرنا
الزكاة وإن كان قصده الهرب منها.
وروي عن مالك وبعض التابعين: أن عليه الزكاة. دليلنا على صحة ما ذهبنا
إليه إجماع الطائفة.
فإن قيل: قد ذكر أبو علي ابن الجنيد أن الزكاة لا تلزم الفار منها ببعض ما
ذكرناه.
قلنا: إن الاجماع قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد على
أخبار رويت عن أئمتنا ع وتتضمن أنه لا زكاة عليه وإن فر بماله،
وبإزاء تلك الأخبار مما هو أظهر منها وأقوى وأولى وأوضح طرقا تتضمن أن الزكاة
يلزمه ويمكن حمل ما تضمن من الأخبار أنها لا تلزمه على التقية، فإن ذلك مذهب
جميع المخالفين، ولا تأويل للأخبار التي وردت بأن الزكاة تلزمه إذا فر منها إلا
إيجاب الزكاة، فالعمل بهذه الأخبار أولى.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن السخال والفصال والعجاجيل لا تضم
إلى أمهاتها في الزكاة وإن بلغ عدد الأمهات النصاب، وسواء كانت هذه السخال
متولدة عن هذه الأمهات التي في ملك صاحبها أو كانت مستفادة من جهة أخرى
لأن النخعي والحسن البصري يذهبان إلى مثل ما تذهب إليه الإمامية ولا يجعلان
حول الكبار حولا للصغار، وأبو حنيفة وأصحابه يضمون المستفاد إلى الأصل على كل
حال ويزكونه بحول الأصل، والشافعي يضم إلى الأصل ما تولد منه خاصة بعد أن
81

يبلغ الأصل النصاب.
والحجة لمذهبنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن الأصل براءة الذمة من الحقوق ولم
يثبت بيقين وعلم قاطع أن في السخال زكاة مع الأمهات وإنما يضم إليها في
الحول، ويمكن أن يعارض المخالف بما يروونه عن النبي ص
من قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.
فظاهر هذا الخبر يوجب أن المستفاد لا يضم إلى الأصل ويجعل أصل الحول حولا
له، بل لا بد من المستفاد إذا كان من الجنس الذي يجب فيه الزكاة أن يستأنف له
حول على استقلاله بحصوله في الملك، وليس لهم أن يحتجوا بما روي عن النبي ص
من قوله: ويعد صغيرها وكبيرها، ولم يفرق بين أحوالها، وذلك أن
المراد بهذا الخبر أنه يعد الصغير والكبير إذا حال عليهما الحول لأنه لا خلاف في أن
الحول معتبر، ومعنى الصغير والكبير هاهنا ليس المراد به ما ينقص في سنه عن الحد
الذي يجب فيه الزكاة، وإنما المراد الصغير والكبير مما بلغ سن الزكاة، ويجوز أن
يراد بالصغير والكبير هاهنا العالي المنزلة والمنخفض المنزلة والكريم وغير الكريم فقد
يكون في المواشي الكرائم وغير الكرائم.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأنه يجوز أن يأخذ الهاشمي من زكاة
الهاشمي، وإنما حرم على بني هاشم زكاة من عداهم من الناس، وقد وافقهم في
ذلك أبو يوسف صاحب أبي حنيفة فيما رواه عنه ابن سماعة وحكى عنه أن الزكاة
من بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل لهم ذلك من غيرهم.
والحجة فيما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ويمكن أن يقوى ذلك بأن الصدقة إنما
حرمت عليهم تنزيها وتعظيما، وفي الأخبار الواردة بحظر الصدقة عليهم ما يقتضي
التنزيه والصيانة عما فيه مذلة وغضاضة، وهذا المعنى مفقود في بعضهم مع بعض.
82

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا
تمكنوا من الخمس الذي جعل الله لهم عوضا عن الصدقة، فإذا حرموه حلت لهم
الصدقة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ويقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار
بأن الله تعالى حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم بالخمس عنها، فإذا سقط ما
عوضوا به لم تحرم عليهم الصدقة.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به إجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق،
ويقولون: إنه متى استفاد المعتق مالا ثم مات فماله لأهل الزكاة لأنه اشترى من
مالهم.
وقد روي عن مالك وأحمد بن حنبل مثل هذا القول الذي حكيناه. وروي عن
ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال: أعتق من زكاتك. فأما باقي الفقهاء من أبي
حنيفة والشافعي وغيرهما فعندهم أنه لا يجوز العتق من الزكاة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وقوله تعالى: إنما الصدقات
للفقراء والمساكين إلى قوله تعالى: وفي الرقاب، وهذا نص صريح في جواز
عتق الرقبة من الزكاة.
فإن قيل المراد بقوله تعالى: " وفي الرقاب " المكاتبون، فإن الفقهاء كلهم
يجيزون أن يعطي المكاتب من مال الزكاة إلا مالكا، فإنا نحمله على المكاتب وعلى
من يبتاع فيعتق لأنه لا تنافي بين الأمرين، وظاهر القول يقتضي الكل.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الزكاة يجوز أن يكفن منها الموتى ويقضى
83

بها الدين عن الميت، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك كله.
والحجة لأصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله تعالى في آية وجوه الصدقات: إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثوابه
والوصلة إلى التقرب إليه، ولما كان ما ذكرناه متقربا إلى الله تعالى وموصلا إلى
الثواب جاز صرفه فيه.
فإذا قيل: إن المراد بقوله تعالى: " وفي سبيل الله " ما ينفق في جهاد العدو.
قلنا: كل هذا مما يوصف بأنه في سبيل الله تعالى وإرادة بعضه لا تمنع من إرادة
بعض آخر.
وقد روى مخالفونا عن ابن عمر: أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله، فقال ابن
عمر: إن الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه، وروي عن النبي ص أنه
قال: الحج والعمرة من سبيل الله تعالى.
وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بماله في سبيل الله تعالى:
إنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به. وكل هذا يدل على أن هذا الاسم لا يختص
بجهاد العدو.
84

كتاب الخمس
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب
ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات
والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على اقتصاد، وجهات
قسمته هو أن يقسم هذا الخمس على ستة أسهم ثلاثة منها للإمام القائم مقام
الرسول ص وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذوي القربى،
ومنهم من لا يخص الإمام بسهم ذي القربى ويجعله لجميع قرابة الرسول ع
من بني هاشم، فأما الثلاثة الأسهم الباقية فهي ليتامى آل محمد ع
ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يتعداهم إلى غيرهم ممن استحق هذه الأوصاف.
ويقولون: إذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر بالسيف قسم الإمام الغنيمة
على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين من قاتل على ذلك وجعل السهم الخامس
على ستة أسهم، ثلاثة منها له ع، وثلاثة للأصناف الثلاثة من أهله من
أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وخالف سائر الفقهاء في ذلك وقالوا كلهم
أقوالا خارجة عنه، والحجة فيه الاجماع المتكرر.
فإن قيل: هذا المذهب يخالف ظاهر الكتاب لأن الله تعالى قال: واعلموا أن
ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى. وعموم الكلام
يقتضي ألا يكون ذوي القربى واحدا، وعموم قوله تعالى: " ولليتامى والمساكين
85

وابن السبيل " يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات ولا يختص ببني هاشم.
قلنا: ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة على أنه لا خلاف بين الأمة
في تخصيص هذه الظواهر لأن ذوي القربى عام وقد خصوه بقربى النبي ص
دون غيره، ولفظ اليتامى والمساكين وابن السبيل عام في المشرك والذمي
والغني والفقير، وقد خصته الجماعة ببعض من له هذه الصفة على أن من ذهب من
أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الإمام القائم مقام الرسول ع خاصة. وسمي
بذلك لقربه منه نسبا وتخصصا، فالظاهر معه لأن قوله تعالى " وذي القربى " لفظ
وحدة ولو أراد تعالى الجمع لقال " ولذوي القربى " فمن حمل ذلك على الجماعة فهو
مخالف للظاهر.
فإن قيل: فمن حمل ذا القربى في الآية على جميع ذوي القرابات من بني هاشم
يلزمه أن يكون ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين منهم غير الأقارب لأن
النبي لا يعطف على نفسه.
قلنا: لا يلزم ذلك لأن الشئ وإن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على
صفة أخرى والموصوف واحد، لأنهم يقولون: جاءني زيد العاقل الظريف
والشجاع، والموصوف معا واحد. وقال الشاعر،
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
والصفات كلها لموصوف واحد وكلام العرب مملوء في نظائر ذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية أن الصاع تسعة أرطال بالعراقي، وخالف سائر
الفقهاء في ذلك.
فقال أبو حنيفة ومحمد بن أبي ليلى والثوري وابن حي: الصاع ثمانية أرطال
بالعراقي. وقال أبو يوسف والشافعي: الصاع خمسة أرطال وثلث. وقال شريك ابن
عبد الله: الصاع أقل من ثمانية أرطال وأكثر من سبعة.
86

والدليل على صحة مذهبنا بعد إجماع الطائفة أن من أخرج تسعة أرطال فلا
خلاف في براءة ذمته، وليس كذلك من أخرج دون ذلك، وإذا وجب حق في
الذمة بيقين فيجب سقوطه عنها بيقين، ولا يقين إلا في ما ذهبنا إليه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأنه لا يجوز أن يعطي الفقير الواحد أقل من
صاع وإن جاز أن يعطي أكثر من ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة لنا فيه بعد الاجماع المتردد اليقين ببراءة الذمة وحصول الاجزاء وليس
ذلك إلا فيما نذهب إليه دون غيره، وأيضا فكل من قال: إن الصاع تسعة أرطال،
ذهب إلى ما ذكرناه فالتفرقة بين المسألتين خلاف الاجماع.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب
عليه اخراج الفطرة عنه، والحجة فيه الاجماع المتردد، وليس لهم أن
يقولوا: أن الضيف لا يجب عليه نفقته فلا يجب عليه فطرته لأنا ليس نراعي في وجوب الفطرة
وجوب النفقة بل نراعي من يعوله سواء كان ذلك وجوبا أو تطوعا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الفطرة لا يجوز أن يعطي المخالف لها ولا
الفاسق وإن كان موافقا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وقد تقدم هذا الكلام
على نظير هذه المسألة في باب الزكاة فلا معنى لإعادته.
87

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
89

كتاب الزكاة
المسألة الخامسة عشر والمائة:
تجب الزكاة في الأموال يوم تستفاد.
الذي يذهب إليه أصحابنا أن الزكاة لا تجب في الدراهم والدنانير والمواشي إلا
بالحول وهو مذهب جميع الفقهاء، وقال ابن عباس وابن مسعود: إذا استفاد مالا
زكاه في الحول.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره، وأيضا ما رواه أنس أن
النبي قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وأيضا فإن النبي ص
كان يبعث السعاة في كل حول دفعة، وأيضا فالإجماع منعقد بعد ابن
عباس وابن مسعود على هذه العدة ولا اعتبار بما يتجدد من الخلاف بعد الاجماع.
المسألة السادسة عشر والمائة:
ما زاد على نصاب الذهب والفضة يجب فيه ربع العشر.
الذي يذهب إليه أصحابنا أنه لا زكاة فيما زاد على نصاب الدنانير الذي هو
عشرون دينارا حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير، وإذا بلغت ذلك ففيها عشر دينار
وكذلك لا زكاة فيما زاد على نصاب الدراهم الذي هو مائتا درهم حتى تبلغ الزيادة
أربعين درهما، فإذا بلغت ذلك ففيها درهم واحد وعلى هذا الحساب، ووافقنا على
ذلك أبو حنيفة.
91

وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي: ما زاد على النصاب في الورق والدنانير
ففيه الزكاة على حساب ما يجب في النصاب.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ما رواه معاذ بن جبل أن
النبي ص قال: في مائتي درهم خمسة دراهم وليس في الزيادة شئ
حتى تبلغ أربعين درهما، وأيضا ما روي عنه ع أنه قال: هاتوا زكاة
الرقة من كل أربعين درهما درهما، فحصره بعدد يدل على أن ما عداه بخلافه،
فإن احتج المخالف بما يروى عنه أنه قال: في الرقة ربع العشر، فالجواب عنه: أن
خبرهم عام وخبرنا مخصص له.
المسألة السابعة عشر والمائة:
هل في عروض التجارة زكاة؟
ليس عندنا أن الزكاة تجب في عروض التجارة. وقال مالك: إن كان إنما يبيع
العرض بالعرض فلا زكاة حتى يقبض ماله، وإن كان يبيع بالعين والعرض فإنه
يزكى، وإن لم يكن ممن يريد التجارة واشترى أشياء يريد نفعها وبقيت عنده حتى
مضت أحوال فلا زكاة عليه فإذا باع زكى زكاة واحدة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كانت العروض للتجارة ففيها الزكاة إن بلغت
قيمتها النصاب، وهو قول الثوري والأوزاعي وابن حي والشافعي.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره، وأيضا فإن الأصل ألا
زكاة ولا حق في الأموال فمن أثبت ذلك فعليه دليل يقطع العذر ويوجب العلم،
وأيضا قوله: ولا يسألكم أموالكم، فظاهر هذه الآية يقتضي أنه لا حق في المال على
العموم وإنما أوجبنا ما أوجبناه من ذلك بدليل اضطرنا إلى تخصيص العموم، فمن
ادعى زكاة في عروض التجارة فهو مخصص للآية بغير دليل ومما يعتمد عليه في ذلك
من أخبار الآحاد لا يعني لأن أخبار الآحاد لا يخص بها القرآن، وأيضا ما روي
عنه ع من قوله: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقه، وهذا عام
92

في عروض التجارة وغيرها.
فإن احتج المخالف عن وجوب الزكاة في عروض التجارة بقوله تعالى: خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، وبقوله: في أموالهم حق للسائل
والمحروم، فذلك عموم نخصه بالأدلة التي ذكرناها على أن هاتين الآيتين
يعارضهما قوله: لا يسألكم أموالكم، وينفي سائر ما احتججنا به من الأدلة.
المسألة الثامنة عشر والمائة:
ويضم الذهب إلى الفضة وهما إلى عروض التجارة لإكمال النصاب.
عندنا أنه لا يضم ذهب إلى فضة ولا فضة إلى ذهب ولا نوع إلى غير جنسه في
الزكاة بل يعتبر في كل جنس النصاب بنفسه، وهو قول الشافعي. وذهب الثوري
والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه: إلى أنه يضم الجنس إلى غيره.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر ذكره أن الأصل أنه لا حق
في الأموال فمن أوجب في ذهب لم يكمل نصابه إذا هو انضم إليه ورق الزكاة فقد
أوجب حقا في الذمة فعليه الدليل لأن الأصل بخلاف قوله، وأيضا ما رواه جابر
أن النبي قال: ليس فيما دون خمس أواقي صدقة، فنفى الصدقة عن الورق إذا لم
يبلغ خمس أواقي ولم يفصل بين أن يكون معه ذهب أو لم يكن.
المسألة التاسعة عشر والمائة:
وإذا كثر الإبل ففي كل خمسين حقة.
الذي نذهب إليه أن الإبل إذا كثرت وزادت على مائة وعشرين أخرج من كل
خمسين حقة ومن كل أربعين بنت لبون، ووافقنا عليه الشافعي. وقال مالك: إذا
زادت على إحدى وتسعين فلا شئ فيها حتى تبلغ مائة وثلاثين، ثم تجب في كل
أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقه. وقال أبو حنيفة: إذا زادت على مائة
وعشرين استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت
93

مخاض مثل ابتداء الفريضة. وقال ابن جرير الطبري: رب المال بالخيار بين ما قلناه
وبين ما قاله أبو حنيفة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره ما رواه أنس بن مالك
وعبد الله بن عمر أن النبي ص قال: إذا زادت الإبل على مائة
وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. فإن عارضوا بما روي عنه
ع من قوله: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كل
خمس شاة. فالجواب عنه: إنا نحمل هذا الخبر على وجهين من التأويل:
أحدهما: أن معنى استئناف الفريضة أنها صارت على جهة واحدة بعد أن
كانت على جهات مختلفة ويكون القول: بأن في كل خمس شياه، من جهة الراوي
لا من جهة نقله كأن الراوي فسر لفظ الاستئناف وظن على ما قاله دون ما بيناه.
والوجه الثاني: أن يريد أنه استفاد مالا زائدا على مائة وعشرين في أثناء الحول
فإنه يستأنف به الفريضة ولا يبني على جواز حول الأصل.
المسألة العشرون والمائة:
ما بين أربعين من البقر إلى الستين عفو لا شئ فيها.
هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا ووافقنا على ذلك الشافعي وهو إحدى
الروايتين عن أبي حنيفة وبه يقول أبو يوسف ومحمد، وفي الرواية الأخرى عن أبي
حنيفة قال: لا شئ فيها حتى يبلغ خمسين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع، وعنه
رواية ثالثة: أنه إذا زادت واحدة ففيها بحساب الأربعين.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن الأصل نفي الحقوق عن الأموال فمن ادعى
فيما بين الأربعين إلى الستين حقا واجبا فعليه دليل شرعي يقطع العذر، وأيضا ما
رواه ابن عباس عنه ع أنه قال: لا شئ في الأوقاص، والوقص يقع على
ما بين النصابين وظاهر قوله ع يقتضي أنه لا شئ فيه.
94

المسألة الحادية والعشرون والمائة:
في قليل العسل وكثيرة الخمس لأنه من جنس الفئ.
لا عشر عندنا في العسل ولا خمس ووافقنا على ذلك الشافعي، وقال أبو حنيفة:
إذا وجد العسل في غير أرض الخراج ففيه العشر، وهو مذهب أحمد وإسحاق.
دليلنا بعد الاجماع المقدم ذكره ما روي من: أن النبي ص لما
بعث معاذا إلى اليمن قال له: لا تأخذ العشر إلا من أربعة: الحنطة والشعير والكرم
والنخل. وأيضا فإن الأصل أن لا حق في الأموال فمن أثبت حقا في العسل إما
خمسا أو غيره فعليه إقامة الدليل ولا دليل.
المسألة الثانية والعشرون والمائة:
ولا زكاة في مال الصبي في أحد القولين.
الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي والورق فأما الزرع والضرع فقد ذهب
أكثر أصحابنا إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا زكاة
في مال اليتيم على العموم، وقال ابن أبي ليلى: في أموالهم الزكاة فإن أداه الوصي
عنهم وإلا فهو ضامن، وقال الأوزاعي والثوري: إذا بلغ الصبي دفع الوصي إليه
ماله وأعلمه ما دخل فيه من الزكاة فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك، وقال مالك
والشافعي وابن حي والليث: في مال اليتيم الزكاة، وقال ابن شبرمة: لا زكاة في
الذهب والفضة من ماله وفي الإبل والبقر والغنم الصدقة ولا خلاف في وجوب العشر
في أرضه.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره، وأيضا فإن الأصل نفي
الحقوق عن الأموال، فمن ادعى في مال اليتيم حقا فعليه الدليل والأصل ألا حق
في ماله، وأيضا ما روي عن النبي ص أنه قال: رفع القلم عن ثلاثة عن
الصبي حتى يحتلم، وفي إيجاب الزكاة في ماله إثبات جرى القلم عليه.
فإن قيل: أنتم توجبون في مال الصبي العشر وضمان الجنايات ونحوها، قلنا:
95

كل هذا خرج بدليل والظاهر بخلافه.
فإن احتجوا بما رواه عبد الله بن عمر أنه قال: من ولى يتيما له مال فليتجر ولا
يتركه حتى تأكله الصدقة. الجواب عن ذلك ما قيل: من أن المراد بالصدقة في هذا
الخبر النفقة لأن النفقة تسمى صدقة شاهده ما روي عنه ع أنه قال: نفقة
الرجل على عياله صدقة، ويقوى هذا التأويل أنه قال: حتى تأكلها، وأشار إلى
جميع المال وزكاة المال لا تأتي على جميع المال والنفقة تأتي على جميعها.
المسألة الثالثة والعشرون والمائة:
في يسير ما أخرجته الأرض وكثيره العشر أو نصف العشر إلا البر والشعير والتمر
والزبيب والأرز إذا كان في بلاد يقتاته أهلها حتى يبلغ كل جنس منها لشخص
واحد في سنة واحدة خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال، وثبت
عندنا أنه لا زكاة فيما تنبت الأرض على اختلاف أنواعه إلا الحنطة والشعير والتمر
والزبيب دون ما عدا ذلك.
وقال الشافعي: لا شئ في المزروعات إلا فيما يقتات ويدخر كالحنطة والشعير
والأرز والذرة والباقلي والحمص واللوبياء وما يخرج من الشجر كالعنب والرطب
فقط، وقال أبو حنيفة وزفر: كلما أخرجته الأرض ففيه العشر إلا الحطب
والحشيش، وقال أبو يوسف ومحمد: لا تجب إلا فيما له ثمرة باقية ولا شئ في
الخضراوات.
وعندنا أن النصاب معتبر في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا زكاة في شئ
منها حتى يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال ويخرج منه
العشر إن كان سقى سيحا أو بالسماء، فإن سقى بالغرب والدوالي والنواضح
فنصف العشر.
واعتبر الشافعي النصاب في الحبوب والثمار كلها وهو أن يبلغ كل صنف منها
خمسة أوسق غير أنه خالفنا في الصاع فذهب إلى أنه: خمسة أرطال وثلث، ووافقه
96

مالك في ذلك، ووافقنا أبو يوسف ومحمد في نصاب الحبوب فإنه: خمسة أوسق،
وقال أبو يوسف: الصاع خمسة أرطال وثلث، كما قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
ومحمد: الصاع ثمانية أرطال.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه في أنه لا عشر إلا في الأصناف التي ذكرناها بعد
الاجماع المتقدم ما روي من أن النبي لما بعث معاذا إلى اليمن قال: لا تأخذ العشر
إلا من أربعة من الحنطة والشعير والكرم والنخل. وأيضا فإن الأصل نفي وجوب
الزكاة عن الأموال، فمن ادعى فيما نفينا عنه الزكاة حقا فعليه الدليل والأصل
معنا.
وأما الدليل على اعتبار النصاب وهو خمسة أوسق فهو الاجماع المتردد ذكره
، وأيضا فإن ما نقص عن الأوساق التي ذكرناها الأصل ألا حق فيه وعلى مدعي
الحق فيما نقص عن النصاب الذي اعتبرناه الدليل، وأيضا ما رواه أبو سعيد
الخدري من أن النبي ص قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر
صدقة ولا زكاة، قلنا: العشر زكاة، بدليل ما رواه عتاب بن أسيد: أن النبي ص
أمر أن يخرص الكرم كما يخرص النخل ثم يؤدى زكاته زبيبا كما
يؤدى زكاة النخل تمرا. وأيضا فما يدل على المسألة ما رواه عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي ص قال: ما سقته السماء ففيه العشر وما
سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، فإن احتجوا بما روي
عنه ع أنه قال: فيما سقت السماء العشر، قلنا هذا خبر عام والخبر الذي
رويناه يخصصه بل سائر ما ذكرناه من الأدلة مخصص له.
فأما الذي يدل على أن الصاع تسعة أرطال بعد الاجماع المتكرر ذكره أنه لا
خلاف في أن من أخرج وقد وجب عليه صاع تسعة أرطال فقد برئت ذمته مما
أوجب عليه بيقين وليس كذلك إذا أخرج ثمانية أو خمسة وثلث، فإذا كان الواجب
فيما يثبت بيقين في الذمة أن تيقن سقوطه عن الذمة وجب في الصاع ما حددناه لأن
من أخرجه تيقن براءة ذمته.
97

فإن قيل: إذا كنتم توجبون في الصاع ما حددتموه من طريق الأحوط والأولى
أ فليس إذا أخرج تسعة أرطال بنية الوجوب واعتقد وجوب الفعل فقد فعل ما لا
يؤمن كونه قبيحا من اعتقاد ونية؟
قلنا: ما أوجبنا ما حددناه في الصاع من حيث الأولى بل تيقن براءة ذمته كما
تيقن اشتغال ذمته قبل الأداء ولا طريق إلى اليقين ببراءة الذمة إلا بما ذكرناه وما لا
يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإن قيل: إذا ثبت أن الصاع في الفطرة تسعة أرطال فمن أين أنه في صدقة
نصاب الحبوب كذلك؟
قلنا: لأن أحدا ما فرق بين الأمرين ولأن الصاع إذا ثبت مبلغه في موضع من
المواضع كذلك مبلغه في كل موضع.
المسألة الرابعة والعشرون والمائة:
لا تحل الصدقة لقوي مكتسب.
هذا صحيح عندنا أن من كان مكتسبا محترفا لقدر كفايته وقادرا لصحته وقوته
على الاكتساب فهو كالغني في أن الصدقة لا تحل له، وقال الشافعي: الاستغناء
بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال إذا كان ذلك يقوم بالكفاية، وقال أبو حنيفة لا
يحرم الكسب أخذ الصدقة وإنما يخرجها إن يكون معه مائتا درهم فصاعدا أو
قيمتها.
دليلنا الاجماع المتقدم ذكره، وأيضا ما روي: أن رجلين أتيا النبي ص
يسألانه الصدقة فصعد بصره فيهما وصوبه ثم قال: إن شئتما أعطيتكما
ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب، وأيضا ما روي عنه ع أنه
قال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي.
98

المسألة الخامسة والعشرون والمائة:
من ملك خمسين درهما حرمت عليه الزكاة في أحد القولين.
الأولى على مذهبنا أن تكون الصدقة محرمة على كل مستغن عنها، ومن ملك
خمسين درهما أو دونها فهو قادر على أن يكفي نفسه ويسد خلته فلا تحل له الصدقة
لغني لأنه ليس بمضطر إليها، وراعى أبو حنيفة في تحريم الصدقة ملك النصاب وهو
مائتا درهم أو عشرون دينارا.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره، وأيضا فلا خلاف في أن
من ذكرناه يستحق الصدقة والزكاة ومن أعطاه برئت ذمته منها وليس كذلك ما
يقوله المخالف وليس إذا جعل الله للزكاة نصابا لم يوجب فيها عما نقص عنه
ووجب أن يكون ذلك النصاب معتبرا في تحريم الصدقة.
99

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
374 447 ه‍ ق
101

فصل: في بيان حقوق الأموال:
حقوق الأموال تسعة: الزكاة والفطرة والخمس والأنفال وفي سبيل الله والنذور
والكفارات وصلة الأرحام وبر الإخوان، ولكل حكم.
فصل: في ذكر ما يجب فيه الزكاة وأحكامها:
فرض الزكاة يتعلق بثلاثة أصناف: الأموال والحرث والأنعام.
فأما فرض زكاة المال فيختص بكل حر بالغ كامل العقل بشرط أن يكون المال
عينا أو ورقا بالغا نصابه حائلا عليه الحول من غير أن يتخلله نقصان ولا تبدلت
أعيانه، وبحيث يتمكن مالكه من التصرف فيه بالقبض أو الإذن، فإذا تكاملت
هذه الشروط وبلغ العين عشرين مثقالا والورق مائتي درهم ففي العين نصف دينار
وفي الورق خمسة دراهم ولا شئ فيما زاد على ذلك حتى تبلغ زيادة العين أربعة
دنانير وزيادة الورق أربعين درهما، فيكون في ذلك عشر دينار، وفي هذه درهم.
ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ العين والورق من كل عشرين مثقالا نصف
مثقال، ومن كل أربعة دنانير بعد العشرين عشر مثقال، وفي كل مائتي درهم خمسة
دراهم، ومن كل أربعين درهما درهم، ولا زكاة فيما بين النصابين.
ومن مسنون الزكاة تزكية البضائع إذا حال عليها الحول وهي تفي برأس المال
أو زيادة بحسب ما ابتيعت يا من عين أو ورق كزكاة العين.
ومن ذلك أن يقرر ذو المال على ماله في كل جمعة أو كل شهر شيئا معينا يخرجه
103

في أبواب البر.
ومن ذلك افتتاح النهار واختتامه بالصدقة، وافتتاح السفر والقدوم منه بها،
وإعطاء السائل ولو بشق تمرة، واصطناع ذوي اليسار الطعام في كل يوم أو كل جمعة
أو كل شهر لذوي الفاقة من المؤمنين، وتفقد مخلفي المؤمن في غيبته وبعد وفاته،
وقرض ذوي الحاجة وإنظاره إلى ميسرة، وتحليل المؤمن بعد وفاته مما في ذمته من
الدين، والتكفل به لمدينه.
وأما فرض زكاة الحرث فمختص بالحنطة والشعير والتمر والزبيب دون سائر ما
تخرجه الأرض من الحبوب والثمار والخضر إذا بلغ كل صنف منها بانفراده خمسة
أوسق والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال بالعراقي.
على كل مالك بعد المؤن وحق المزارع أن يخرج منه أو وليه، إن كان يسقي
حرثه سيحا أو بماء المطر العشر، وإن كان يسقي بالقرب والنواضح فنصف العشر،
وإن سقى بعض مدة الحاجة بماء المطر وبعضها بالنواضح والقرب زكى بأكثر
المدتين، فإن تساوت مدة الشربين زكى نصفه بالعشر ونصفه بنصف العشر، ويزكي
ما زاد على النصاب بزكاته ولو كان صاعا، ولا يلزم تكرير الزكاة فيه وإن بقي في
ملك مزكيه أحوالا.
ومن مسنون صدقة الحرث أن يزكي كل ما دخل المكيال من الحبوب إذا بلغ
كل جنس منها خمسة أوسق بالعشر أو نصف العشر، فإن نقص عن ذلك تصدق بما
تيسر.
ومن ذلك الصدقة حين صرام النخل وقطاف الكرم وجذاذ الزرع بالضغث من
الزرع والضغثين والعذق من الرطب والعذقين والعنقود من العنب والعنقودين، فإذا
صار الرطب تمرا والعنب زبيبا والغلة حبا وأراد المالك دفع ذلك تصدق منه
بالقبضة والقبضتين.
ومن ذلك أن يجعل مالك التمر أو الخضر قسطا لمن لا يتمكن من التفكه
والتطرف بالخضر من فقراء المؤمنين.
104

ومن ذلك إباحة عابر السبيل تناول اليسير مما تنبت من الثمار والزرائع.
وأما فرض زكاة الأنعام فمتعين على كل مالك أو وليه بشرط أن تكون سائمة
وتبلغ كل جنس منها النصاب ويحول عليه الحول كاملا لا يتخلله نقصان ولا تبدل
أعيانه، ولكل منها حكم.
أما الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا ففيها شاة، وفي عشرين أربع شياه وفي
خمس وعشرين خمس شياة، وفي ست وعشرين بنت مخاض " وهي التي كملت حولا
وسميت بصفة أمها المتمخضة بالحمل " إلى خمس وثلاثين، فإنها بلغت ستا
وثلاثين ففيها بنت لبون " وهي التي قد كملت حولين ودخلت في الثالث وسميت
بأمها اللبون بأختها " إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة "
وهي التي قد كمل بها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وسميت بذلك من حيث
يحق لها أن تطرق الفحل ويحمل على ظهرها " إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين
ففيها جذعة " وهي التي قد كمل بها أربع سنين ودخلت في الخامسة " إلى خمس
وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة
ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت على ذلك أسقط هذا الاعتبار وأخرج من
كل أربعين بنت لبون، ومن كل خمسين حقة.
ومن وجبت عليه سن ولم تكن عنده وكان عنده أعلى منها بدرجة أخذت منه
وأعطى شاتان أو عشرين درهما فضة، وإن كان عنده أدنى منها بدرجة أخذت منه
ومعها شاتان أو عشرون درهما، وإن كان بينهما درجتان فأربع شياه، وإن كان
ثلاث درج فست شياة أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم، وحكم البخت " والبخت
الإبل " حكم العربية.
وأما زكاة البقر فلا شئ فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع حولي إلى تسع
وثلاثين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم على هذا بالغ ما بلغت البقر من كل
ثلاثين تبيع أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، وحكم الجواميس حكم البقر.
فأما زكاة الغنم فلا شئ فيها حتى يبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة إلى
105

عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها
ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت عليها واحدة ففيها أربع شياه، فإذا زادت على
ذلك وكثرت أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة، وحكم المعز حكم
الشياه.
ولا يعد في شئ من الأنعام فحل الضراب، ولا ما لم يحل عليه الحول في الملك
مبيع ولا منتوج، ولا زكاة فيما بين النصابين من الأعداد.
ومن مسنون صدقة الأنعام أن يجعل من أوبارها وأصوافها وأشعارها وألبانها
قسط للفقراء، وتمنح الناقة والشاة والبقرة الحلوبة من لا حلوبة له، ويعان بظهور
الإبل وأكتاف البقر على الجهاد والحج والزيارة من لا ظهر له ويسعد يساعد ظ
بذلك الفقراء على مصالح دينهم ودنياهم.
ومن وكيد السنة أن تزكى إناث الخيل السائمة بعد حول الحول عن كل فرس
عتيق ديناران وعن كل هجين دينار.
فصل: في الفطرة:
زكاة الفطرة واجبة على كل حر بالغ كامل العقل غنى، يخرجها عنه وعن كل
من يعول من ذكر وأنثى صغير وكبير حر وعبد مسلم وكافر قريب وأجنبي، عن كل
منهم صاع من فضل ما يعتاده من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط أو ذرة أو أرز
أو غير ذلك من الأقوات، والصاع تسعة أرطال بالعراقي.
ووقتها من عند طلوع الفجر من يوم الفطر إلى أن يصلى صلاة العيد، فإن أخرها
إلى بعد الصلاة سقط فرضها إلا أن يعزلها من ماله انتظارا لوجود من يخرجه إليه
فتجزئ وهو مندوب إلى التصدق بها، فإن كان عن تفريط لزمته التوبة مما فرط
فيه، ويجوز اخراج القيمة بسعر الوقت.
ومن وكيد السنة وأفضل الأعمال تفطير الصوام ولو بكف سويق أو تمر أو شربة
ماء بارد.
106

فصل: في الخمس:
فرض الخمس مختص بقليل المستفاد بالحرب من الكفار من مال أو رقيق أو
كراع أو سلاح أو غير ذلك مما يصح نقله قليله وكثيره، وما بلغ من الكنوز ما تجب
فيه أو في مثل قيمته الزكاة، وما بلغ من المأخوذ من المعادن والمخرج بالغوص قيمة
دينار فما زاد، وما فضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو
صناعة أو زراعة وإجارة أو هبة أو صدقة أو ميراث أو غير ذلك من وجوه الإفادة،
وكل ما اختلط حلاله بحرامه ولم يتميز أحدهما من الآخر ولا يعين مستحقه.
فصل: في الأنفال:
فرض الأنفال مختص بكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقطائع
الملوك والأرضون الموات وكل أرض عطلها مالكها ثلاث سنين ورؤوس الجبال
وبطون الأودية من كل أرض والبحار والآجام وتركات من لا وارث له من الأموال
وغيرها.
فصل: في جهة هذه الحقوق:
يجب على كل من تعين عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما
وجب عليه من ذلك إلى سلطان الاسلام المنصوب من قبله سبحانه أو إلى من ينصبه
لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن
تعذر أو آثر المكلف تولى ذلك نفسه، فمستحق الزكاة والفطرة الفقير المؤمن العدل
دون من عداه.
وأقل ما يعطي من زكاة المال خمسة دراهم ومن الفطرة صاع، ويجوز أن يعطي
الفقير الواحد ما يغنيه ما لم يكن هناك جماعة من الفقراء.
وفقراء بني هاشم أحق بذلك من غيرهم، ومن لا يجب نفقته من الأقارب أولى
من الأجانب، والجيران أولى من الأباعد، وأهل المصر أولى من قطان غيره، فإن
107

لم يكن في المصر من تتكامل فيه صفات مستحقها أخرجت إلى من يستحقها.
وإذا أريد حملها إلى مصر آخر مع فقد من يستحقها في المصر فلا ضمان على
مخرجها في هلاكها، فإن كان السبيل مخوفا لم يخرجها إلا بإذن الفقير، فإن حملت
من غير إذنه فهي مضمونة حتى تصل إليه، فإن كان في مصره من يستحقها فحملها
إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه إلا أن يكون حملها إليه باذنه
فيسقط الضمان.
فإن أخرجها إلى من يظن به تكامل صفات مستحقها ثم انكشف له كونه مختل
الشروط رجع عليه بها، فإن تعذر ذلك فكان المنكشف هو الغنى وجب إعادتها
ثانية، وإن كان غير ذلك فهي مجزئة.
ويجوز اخراجها إلى أيتام المؤمن لحرمته فإذا بلغوا حكم فيهم بحسب ما يذهبون
إليه مما يقتضي ولايتهم أو قطعها، ويجوز عتق أهل الإيمان وقضاء ديونهم في الصلاح
من مال الزكاة، ويجوز اخراج الزكاة والفطرة قبل دخول وقتهما على جهة القرض،
فإذا دخل الوقت عزم المطالب على اسقاط المطالبة وجعل المسقط الزكاة.
ويلزم من وجب عليه الخمس اخراجه من ماله وعزل شطره لولي الأمر انتظارا
للتمكن من إيصاله إليه، فإن استمر التعذر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه
وبصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل علي
وجعفر وعقيل والعباس وأيتامهم وأبناء سبيلهم لكل صنف ثلث الشطر وشطر ثبوت
الإيمان بحسب ما يراه من تفضيل بعضهم على بعض.
ويلزم من تعين عليه شئ من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه في شطر
الخمس لكون جميعها حقا للإمام ع، فإن أخل المكلف بما يجب عليه من
الخمس وحق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه
من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد ع وآجل العقاب لكونه مخلا بالواجب
عليه لأفضل مستحق.
ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لأن فرض الخمس والأنفال ثابت
108

بنص القرآن وإجماع الأمة، وإن اختلفت في من يستحقه، ولإجماع آل محمد ع
على ثبوته وكيفية استحقاقهم وحمله إليهم وقبضهم إياه ومدح مؤديه وذم
المخل به، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار.
فصل: في الانفاق في سبيل الله تعالى:
قد تعبد الله سبحانه بالإنفاق في سبيله كما تعبد بالجهاد بالأنفس، فقال
تعالى: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، فسوى سبحانه بين فرض
الانفاق في سبيله والجهاد بالأنفس. وقال سبحانه: وأنفقوا في سبيل الله ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فأمر بالإنفاق وتوعد المخل به بالهلاك وذلك
برهان وجوبه في أمثال هذه الآيات.
فلزم كل ذي مال معونة المجاهدين بالخيل والسلاح والأزواد والظهر وما جرى
مجرى ذلك من سد الثغر وحراسته من العدو بحسب الحاجة إلى ذلك والغنى عنه
سواء كان المنفق من أهل الحرب أو لم يكن، وفرض الانفاق على من ليس من أهل
الحرب لعدم أو زمانة أشد لزوما.
فصل: في النذر:
ومن نذر لبلوغ طاعة أو مباح أن يتصدق بمال أو يخرج شيئا من ماله في بعض
أبواب البر، فبلغ ما علق النذر به فعليه الخروج مما نذره، فإن فرط فيه فهو مأزور،
ويلزمه تلافي ما فرطه بتأديته إن أمكن فيه، وإن تعذر لتعلقه بزمان لا مثل له فعليه
التوبة وكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وإن
كان لضرورة أو سهو فعليه الخروج مما نذره ولا إثم عليه.
فصل: في الكفارات:
يلزم من وجب عليه اخراج شئ من ماله لكفارة تعينت عليه من أحد الوجوه
109

التي بينتها في مواضعها أن يبادر بإخراجها في أول أحوال التمكن، فإن تعين فرضها
وهو غير مستطيع في الحال لأدائها ففرضه العزم عليه أول أحوال الإمكان وفعله له
فيها.
فصل: في حق ذوي الأرحام:
بر ذوي الأرحام على ضربين: واجب وندب.
فالواجب الوالدين على الولد بشرط الحاجة، والولد عليهما بشرط السعة أو
الحاجة مع عدم الاستطاعة للتكسب.
وأما الزوجة وملك اليمين ففرض القيام بهما واجب على كل حال، فإن عجز
الزوج عن القيام بحق الزوجة لزمه التطليق لتصرف المرأة في نفسها. فإن عجز
المالك لزمه البيع أو العتق أو إباحة العبد أو الأمة التصرف بما يحفظان به حياتهما
وإن استطاعا العود على مالكهما لزمهما ذلك.
والمسنون بر الوالدين والولد وإن كانا ذوي يسار، ومن عداهم من الإخوة
والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم.
فإذا امتنع من تجب عليه نفقة الوالد أو الولد أو الزوجة أو الرقيق أجبره الناظر في
أحكام المسلمين على ذلك، ولا يجبره على نفقة من عداهم لكنه مرغب في ذلك.
فصل: في حق الإخوان:
بر الإخوان في الدين على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: بر من علم عجزه عما يحفظ به حياته بما يبقى معه من غذاء أو
لباس، وهو على الكفاية، إن قام به بعض الأغنياء سقط عن غيره، وإن لم يقم به
أحد فكل منهم مخاطب به وملام للإخلال بفرضه.
وأما المندوب: فبر من عدا من ذكرناه من فقرائهم وصلة أوساطهم وإتحافهم
ومهاداة أمثالهم وبذل المصون لهم وتخفيف الثقل عنهم.
110

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
111

كتاب الزكاة
الزكاة على ضربين: مفروض ومسنون. وكل واحد منهما ينقسم قسمين:
فقسم منهما زكاة الأموال، والثاني زكاة الرؤوس.
فأما زكاة الأموال فيحتاج في معرفتها إلى ستة أشياء: أحدها معرفة وجوب
الزكاة، والثاني معرفة من تجب عليه ومن لا تجب عليه، والثالث معرفة ما تجب فيه
وما لا تجب، والرابع معرفة المقدار الذي تجب فيه ومعرفة مقدار ما لا تجب،
والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه، والسادس معرفة من يستحق ذلك ومقدار ما
يعطي من أقل أو أكثر.
وأما زكاة الرؤوس فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستة أشياء: أحدها معرفة
وجوبها، والثاني معرفة من تجب عليه، والثالث معرفة ما يجوز اخراجه وما لا يجوز،
والرابع معرفة مقدار ما تجب، والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه، والسادس من
المستحق له وكم أقل ما يعطي وأكثر. وليس يخرج من هذه الأقسام شئ مما يتعلق
بأبواب الزكاة ونحن نبين قسما قسما من ذلك ونستوفيه على حقه إن شاء الله.
باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه:
الزكاة المفروضة في شريعة الاسلام واجبة على كل مكلف حر بالغ رجلا كان
أو امرأة. وهم ينقسمون قسمين: قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة
كان ثابتا في ذمتهم وهم جميع من كان على ظاهر الاسلام، والباقون هم الذين متى
113

لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة لم يلزمهم قضاؤه وهم جميع من خالف الاسلام
فإن الزكاة وإن كانت واجبة عليهم بشرط الاسلام ولم يخرجوها لكفرهم فمتى
أسلموا لم يلزمهم إعادتها.
وأما المجانين ومن ليس بكامل العقل فلا تجب عليهم الزكاة في أموالهم
المودعة، وتجب فيما يحصل لهم من الغلات والمواشي، وحكم الأطفال حكم من
ليس بعاقل من المجانين أو غيرهم فإنه لا تجب في أموالهم الصامتة زكاة.
فإن اتجر متجر بأموالهم نظرا لهم يستحب له أن يخرج من أموالهم الزكاة وجاز
له أن يأخذ من الربح بقدر ما يحتاج إليه على قدر الكفاية، وإن اتجر لنفسه دونهم
وكان في الحال متمكنا من ضمان ذلك المال كانت الزكاة عليه والربح له، وإن
لم يكن متمكنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطفل وتصرف فيه لنفسه من
غير وصية ولا ولاية لزمه ضمانه وكان الربح لليتيم ويخرج منه الزكاة.
فأما ما عدا الأموال الصامتة من الغلات والمواشي فإنه يجب على من سميناه
الزكاة في أموالهم وعلى أوليائهم أن يخرجوها ويسلموها إلى مستحقيها.
باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وما يستحب فيه الزكاة:
الذي تجب فيه الزكاة فرضا لازما تسعة أشياء:
الذهب والفضة " إذا كانا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين، فإذا كانا سبائك
أو حليا فلا تجب فيهما الزكاة إلا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزكاة، فمتى
فعل ذلك قبل حال وجوب الزكاة استحب له أن يخرج منهما الزكاة وإن جعله
كذلك بعد دخول الوقت لزمته الزكاة على كل حال " والحنطة والشعير والتمر
والزبيب والإبل والبقر والغنم. وكل ما عدا هذه التسعة أشياء فإنه لا تجب فيه
الزكاة.
ولا زكاة على مال غائب إلا إذا كان صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء، فإن
كان متمكنا منه لزمته الزكاة، فإن لم يكن متمكنا وغاب منه سنين ثم حصل
114

عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة.
ومن ورث مالا ولا يصل إليه إلا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال فليس عليه
زكاة إلا أن يصل إليه ويحول عليه حول، وما القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل
تجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول وإن تصرف فيه
بتجارة وما أشبهها لزمته الزكاة استحبابا.
وكل ما يملكه الانسان مما عدا التسعة أشياء التي ذكرناها فإنه يستحب له أن
يخرج منه الزكاة.
فإن كان معه مال يديره في التجارة استحب له اخراج الزكاة منه إذا دخل وقتها
وكان رأس المال حاصلا أو يكون معه الربح، فإن كان قد نقص ماله أو كان ما
اشتراه طلب بأقل من رأس المال فليس عليه فيه شئ، فإن بقي عنده على هذا الوجه
أحوالا ثم باعه أخرج منه الزكاة لسنة واحدة.
وكل ما يدخل فيه المكيال والميزان من الحبوب وغيرها مثل الجاورس والذرة
والسلت والأرز والباقلاء والسمسم والكتان وما أشبه ذلك يستحب له أن يخرج
منه الزكاة سنة مؤكدة.
وأما الخضراوات مثل القضب والباذنجان والبقول كلها وما أشبهها فليس في
شئ منها زكاة وإن بلغ ثمنه شيئا كثيرا إلا أن يباع ويحول على ثمنه الحول، وأما
الإبل والبقر والغنم فليس في شئ منها زكاة إلا إذا كانت سائمة ويكون قد حال
عليه الحول فصاعدا، فأما المعلوفة منها فليس في شئ منها زكاة على حال، وحكم
الجواميس حكم البقر في وجوب الزكاة عليها، وأما الخيل ففيها الزكاة مستحبة إذا
كانت إناثا سائمة فإن كانت معلوفة فليس فيها شئ.
وليس على الانسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها إلا أن تكون
دار غلة فإن كان كذلك يستحب أن يخرج منها الزكاة، فأما زكاة الحلي فإعارته
لمن يحتاج إليه إذا كان مأمونا.
115

باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب:
أما الذهب فليس في شئ منه زكاة ما لم يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ ذلك
كان فيه نصف دينار ثم ليس فيه شئ ما لم تزد عليه أربعة دنانير، فإذا زاد ذلك
كان فيه ستة أعشار، ثم على هذا الحساب كلما زادت أربعة دنانير كان فيها زيادة
عشر دينار بالغا ما بلغ وليس فيما دون ذلك شئ.
وأما زكاة الفضة فليس فيها شئ ما لم تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت ذلك
كان فيها خمسة دراهم ثم ليس فيها شئ إلى أن تزيد أربعون درهما فإذا زاد ذلك
كان فيها ستة دراهم، ثم على هذا الحساب كلما زادت أربعون درهما كان فيها
زيادة درهم بالغا ما بلغ وليس فيما دون الأربعين بعد المائتين شئ من الزكاة.
وإذا خلف الرجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله لسنة أو سنتين أو أكثر من ذلك
مقدار ما تجب فيه الزكاة وكان الرجل غائبا لم تجب فيها زكاة، فإن كان حاضرا
وجبت عليه الزكاة.
وأما زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب فعلى حد سواء، وليس في شئ من
هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان وإخراج المؤن
عنها، كل وسق ستون صاعا كل صاع تسعة أرطال بالعراقي يكون مبلغه ألفين
وسبع مائة رطل، فإذا بلغ ذلك كان فيه العشر إن كان سقى سيحا أو شرب بعلا،
وإن كان قد سقى بالغرب والدوالي والنواضح وما أشبه ذلك كان فيه نصف العشر.
وإن كان مما قد سقى سيحا وغير سيح اعتبر الأغلب في سقيه، فإن كان سقيه
سيحا أكثر كان حكمه حكمه يؤخذ منه العشر، وإن كان سقيه بالغرب والدوالي
وما أشبههما أكثر كان حكمه حكمه يؤخذ منه نصف العشر، فإن استويا في ذلك
يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر ومن النصف الآخر بحساب نصف العشر. وما
زاد على خمسة أوسق كان حكمه حكم الخمسة أوسق في أن يؤخذ منه العشر أو
نصف العشر قليلا كان أو كثيرا.
وأما زكاة الإبل فليس في شئ منها زكاة إلى أن تبلغ خمسا، فإذا بلغت ذلك
116

كان فيها شاة وليس فيما يزيد عليها شئ إلى أن تبلغ عشرا، فإذا بلغت ذلك كان
فيها شاتان وليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ خمس عشرة، فإذا بلغت ذلك
كان فيها ثلاث شياه ثم كذلك ليس فيها شئ إلى أن تبلغ عشرين، فإذا بلغت
ذلك كان فيها أربع شياه ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ خمسا وعشرين، فإذا بلغت
ذلك كان فيها خمس شياه فإن زادت على خمس وعشرين واحدة كان فيها بنت
مخاض وليس فيها شئ بعد ذلك إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين وتزيد واحدة، فإذا بلغت
كان فيها بنت لبون وليس فيها شئ إلى أن تبلغ ستا وأربعين، فإذا بلغت ذلك
كان فيها حقة وليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ إحدى وستين، فإذا بلغت ذلك
كان فيها جذعة ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ ستا وسبعين، فإذا بلغت
ذلك كان فيها بنتا لبون ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ إحدى وتسعين، فإذا بلغت
ذلك كان فيها حقتان ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين، فإذا بلغت
ذلك تركت هذه العبرة وأخذت من كل خمسين حقة ومن كل أربعين بنت لبون.
فإن كان الذي تجب عليه زكاة الإبل ليس معه عين ما يجب عليه جاز أن يؤخذ
منه قيمته، فإن لم تكن معه القيمة وكان معه من غير السن الذي وجب عليه جاز
أن يؤخذ منه، فإن كان دون ما يستحق عليه أخذ منه مع ذلك ما يكون تماما للذي
وجب عليه، وإن كان فوق الذي يجب عليه أخذ منه ورد عليه ما فضل له، مثال
ذلك أنه إذا وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده وعنده ابن لبون ذكر أخذ منه
ذلك وليس عليه شئ ولا له شئ، فإن كان عنده بنت لبون وقد وجبت عليه بنت
مخاض أخذت منه وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما، فإن كان قد وجبت
عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض أخذت منه وأخذ معها شاتان أو عشرون درهما،
وإذا وجبت عليه حقة وليست عنده وعنده بنت لبون أخذت منه وأعطى معها
شاتين أو عشرين درهما، وإن كان قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقة أخذت
منه ورد عليه شاتان أو عشرون درهما، وإذا وجبت عليه جذعة وليست عنده وعنده
حقة أخذت منه وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما، فإن وجبت عليه حقة
117

وعنده جذعة أخذت منه ورد عليه شاتان أو عشرون درهما.
فأما زكاة البقر فليس في شئ منها زكاة إلى أن تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ذلك
كان فيها تبيع حولي ثم ليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت
ذلك كان فيها مسنة، وكل ما زاد على ذلك كان هذا حكمه في كل ثلاثين تبيع
أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
وأما الغنم فليس فيها زكاة إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت ذلك كان فيها شاة
ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ مائة وعشرين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة كان
فيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة كان فيها ثلاث
شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة كان فيها أربع شياه ثم
تترك هذه العبرة فيما زاد عليه وأخذ من كل مائة شاة.
وأما الخيل إذا كانت عتاقا كان على كل واحدة منها في كل سنة ديناران وإن
كانت براذين كان على كل واحدة منها دينار واحد.
ومن حصل عنده من كل جنس تجب فيه الزكاة أقل من النصاب الذي فيه
الزكاة وإن كان لو جمع لكان أكثر من النصاب والنصابين لم يكن عليه شئ حتى
يبلغ كل جنس منه الحد الذي تجب فيه الزكاة، ولو أن إنسانا ملك من المواشي ما
تجب فيه الزكاة وإن كانت في مواضع متفرقة وجب عليه فيها الزكاة، وإن وجد في
موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملاك جماعة لم يكن عليهم فيها شئ
على حال، ولا بأس أن يخرج الانسان ما تجب عليه من الزكاة من غير الجنس الذي
يجب عليه فيه بقيمته وإن أخرج من الجنس كان أفضل.
باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة:
لا الزكاة في الذهب والفضة حتى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك
، فإن كان مع انسان مال أقل مما تجب فيه الزكاة ثم أصاب تمام النصاب في وسط
السنة فليس عليه فيه الزكاة حتى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزكاة،
118

وإذا استهل هلال الشهر الثاني عشر فقد حال على المال الحول ووجبت فيه الزكاة،
فإن أخرج الانسان المال عن ملكه قبل استهلال الثاني عشر سقط عنه فرض
الزكاة، وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشهر الثاني عشر وجبت عليه الزكاة
وكانت في ذمته إلى أن يخرج منه.
وأما الحنطة والشعير والتمر والزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد
والجذاذ والصرام، ثم ليس فيها بعد ذلك شئ وإن حال عليها حول إلا أن تباع
بذهب أو فضة وحال عليها الحول فتجب حينئذ فيه الزكاة.
وأما الإبل والبقر والغنم فليس في شئ منها زكاة حتى يحول عليها الحول من
يوم يملكها، وكل ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم لا تجب فيه
الزكاة، ولا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها، فإن حضر مستحق لها قبل وجوب
الزكاة جاز أن يعطي شيئا ويجعل قرضا عليه، فإذا جاء الوقت وهو على تلك
الصفة من استحقاقه لها احتسب له من الزكاة، وإن كان قد استغنى أو تغيرت
صفته التي يستحق بها الزكاة لم يجزئ ذلك عن الزكاة وكان على صاحب المال
أن يخرجها من الرأس.
وإذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخره، فإن
عدم المستحق له عزله عن ماله وانتظر به المستحق، فإن حضرته الوفاة وصى به أن
يخرج عنه، وإذا عزل ما يجب عليه من الزكاة فلا بأس أن يفرقه ما بينه وبين شهر
وشهرين ولا يجعل ذلك أكثر منه، وما روي عنهم ع من الأخبار في
جواز تقديم الزكاة وتأخيرها فالوجه فيه ما قدمناه في أن ما يقدم منه يجعل قرضا
ويعتبر فيه ما ذكرناه وما يؤخر منه إنما يؤخر انتظار المستحق فأما مع وجوده
فالأفضل اخراجه إليه على البدار حسب ما قدمناه.
باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطي وأكثر:
الذي يستحق الزكاة هم الثمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن
119

وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي
سبيل الله وابن السبيل.
فأما الفقير فهو الذي له بلغة من العيش، والمسكين الذي لا شئ معه، وأما
العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصدقات، وأما المؤلفة قلوبهم فهم الذين
يتألفون ويستمالون إلى الجهاد، وفي الرقاب وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون
تحت الشدة العظيمة وقد روي: أن من وجبت عليه كفارة عتق رقبة في ظهار أو قتل
خطأ وغير ذلك ولا يكون عنده يشترى عنه ويعتق. والغارمون هم الذين ركبتهم
الديون في غير معصية ولا فساد، وفي سبيل الله وهو الجهاد، وابن السبيل وهو المنقطع
به وقيل أيضا: أنه الضيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال وإن كان
له يسار في بلده وموطنه.
فإذا كان الإمام ظاهرا أو من نصبه الإمام حاصلا فتحمل الزكاة إليه ليفرقها
على هذه الثمانية الأصناف ويقسم بينهم على حسب ما يراه، ولا يلزمه أن يجعل
لكل صنف جزءا من ثمانية بل يجوز له أن يفضل بعضهم على بعض إذا كثرت
طائفة منهم وقلت آخرون.
وإذا لم يكن الإمام ظاهرا ولا من نصبه الإمام حاصلا فرقت الزكاة في خمسة
أصناف من الذين ذكرناهم وهم: الفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين وابن
السبيل. ويسقط سهم المؤلفة قلوبهم وسهم السعاة وسهم الجهاد لأن هؤلاء لا
يوجدون إلا مع ظهور الإمام لأن المؤلفة قلوبهم إنما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه،
والسعاة أيضا إنما يكونون من قبله في جمع الزكوات، والجهاد أيضا إنما يكون به أو
بمن نصبه، فإذا لم يكن هو ظاهر ولا من نصبه فرق في من عداهم.
والذين يفرق فيهم الزكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصفات التي ذكرناها أن
يكونوا عارفين بالحق معتقدين له فإن لم يكونوا كذلك فلا يجوز أن يعطوا الزكاة،
فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق لم يجزئه وكان عليه الإعادة، ولو أن مخالفا
أخرج زكاته إلى أهل نحلته ثم استبصر كان عليه إعادة الزكاة، ولا يجوز أن يعطي
120

الزكاة من أهل المعرفة إلا أهل الستر والصلاح فأما الفساق وشراب الخمور فلا يجوز
أن يعطوا منها شيئا، ولا بأس أن تعطى الزكاة أطفال المؤمنين ولا تعطى أطفال
المشركين.
ولا يجوز أن يعطي الانسان زكاته لمن تلزمه النفقة عليه مثل الوالدين والولد
والجد والجدة والزوجة والمملوك، ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل
والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعم والخال والعمة والخالة وأولادهم،
والأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك إلى البعيد فإن جعل
للقريب قسط وللبعيد قسط كان أفضل.
ومتى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقا لها عزلها من ماله وانتظر بها
مستحقها، فإن لم يكن في بلده من يستحقها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر،
فإن أصيبت الزكاة في الطريق أو هلكت فقد أجزأ عنه، وإن كان قد وجد في بلده
لها مستحقا فلم يعطه وآثر من يكون في بلد آخر كان ضامنا لها إن هلكت ووجب
عليها إعادتها.
ومن وصى إليه باخراج زكاة أو أعطى شيئا منها ليفرقه على مستحقيه فوجده
ولم يعطه بل أخره ثم هلك كان ضامنا للمال.
ولا تحل الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة وهم الذين ينتسبون إلى
أمير المؤمنين ع وجعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وعباس بن عبد
المطلب، فأما ما عدا صدقة الأموال فلا بأس أن يعطوا إياها، ولا بأس أن تعطى
صدقة الأموال مواليهم، ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال وإنما يحرم
عليهم صدقة من ليس من نسبهم.
وهذا كله إنما يكون في حال توسعهم ووصولهم إلى مستحقهم من الأخماس،
فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم فلا بأس أن
يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.
ولا يجوز أن تعطى الزكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله،
121

فإن كانت حرفته لا تقوم به جاز له أن يأخذ ما يتسع به على أهله، ومن ملك خمسين
درهما يقدر أن يتعيش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته لم يجز له أن يأخذ الزكاة،
وإن كان معه سبعمائة درهم وهو لا يحسن أن يتعيش بها جاز له أن يقبل الزكاة
ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة فيتسع به على عياله.
ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه جاز له أن يقبل الزكاة، فإن كانت داره
دار غلة تكفيه ولعياله لم يجز له أن يقبل الزكاة، فإن لم يكن له في غلتها كفاية جاز
له أن يقبل الزكاة.
وينبغي أن تعطى زكاة الذهب والفضة للفقراء والمساكين المعروفين بذلك
وتعطى زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التجمل، فإن عرفت من يستحق الزكاة وهو
يستحيي من التعرض لذلك ولا يؤثر أن تعرفه جاز لك أن تعطيه الزكاة وإن لم تعرفه
أنه منها وقد أجزأت عنك.
وإذا كان لك على انسان دين ولا يقدر على قضائه وهو مستحق لها جاز لك أن
تقاصه من الزكاة وكذلك إن كان الدين على ميت جاز لك أن تقاصه منها، وإن
كان على أخيك المؤمن دين وقد مات جاز لك أن تقضي عنه من الزكاة وكذلك إن
كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك جاز لك أن تقضيه عنهم من الزكاة.
فإذا لم تجد مستحقا للزكاة ووجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة
وتعتقه، فإن أصاب بعد ذلك مالا ولا وارث له كان ميراثه لأرباب الزكاة،
وكذلك لا بأس مع وجود المستحق أن يشترى مملوكا ويعتقه إذا كان مؤمنا وكان
في ضر وشدة فإن كان بخلاف ذلك لم يجز ذلك على حال.
ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها وكان مستحقا للزكاة جاز
له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره اللهم إلا أن يعين له على أقوام بأعيانهم فإنه لا
يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئا ولا أن يعدل عنهم إلى غيرهم.
وأقل ما يعطي الفقير من الزكاة خمسة دراهم أو نصف دينار وهو أول ما يجب في
النصاب الأول، فأما ما زاد على ذلك فلا بأس أن يعطي كل واحد ما يجب في
122

نصاب نصاب وهو درهم إن كان من الدراهم أو عشر دينار إن كان من الدنانير
وليس لأكثره حد، ولا بأس أن يعطي الرجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.
باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه:
الفطرة واجبة على كل حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال ويلزمه أن
يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة مسلما كان أو
ذميا صغيرا كان أو كبيرا، فإن كان لزوجته مملوك في عياله أو يكون عنده ضيف
يفطر معه في شهر رمضان وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة.
وإن رزق ولدا في شهر رمضان وجب عليه أيضا أن يخرج عنه، فإن ولد المولود
ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد لم يجب عليه اخراج الفطرة عنه فرضا واجبا
ويستحب له أن يخرج ندبا واستحبابا، وكذلك من أسلم ليلة الفطر أو يوم الفطر
قبل الصلاة يستحب له أن يخرج زكاة الفطرة وليس ذلك بفرض، فإن كان إسلامه
قبل ذلك وجب عليه اخراج الفطرة.
ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزكاة يستحب له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا
عن نفسه وعن جميع من يعوله، فإن كان ممن يحل له أخذ الفطرة أخذها ثم أخرجها
عن نفسه وعن عياله، فإن كان به إليها حاجة فليدر ذلك على من يعوله حتى ينتهي
إلى آخرهم ثم يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم وقد أجزأ عنهم كلهم.
باب ما يجوز اخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه:
أفضل ما يخرجه الانسان في زكاة الفطرة التمر ثم الزبيب، ويجوز اخراج الحنطة
والشعير والأرز والأقط واللبن، والأصل في ذلك أن يخرج كل أحد مما يغلب على
قوته في أكثر الأحوال.
فأما أهل مكة والمدينة وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس
والأهواز وكرمان فينبغي لهم أن يخرجوا التمر، وعلى أوساط الشام ومرو من خراسان
والري أن يخرجوا الزبيب، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها وخراسان أن
123

يخرجوا الحنطة والشعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البر، ومن
سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط فإذا عدموه كان عليهم اللبن.
ومن عدم أحد هذه الأصنام التي ذكرناها أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت
ذهبا أو فضة لم يكن به بأس وقد روي رواية: أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس
درهما، وقد روي أيضا: أربعة دوانيق، والأحوط ما قدمناه من أنه يخرج قيمته
بسعر الوقت.
فأما القدر الذي يجب اخراجه عن كل رأس فصاع من أحد الأشياء التي قدمنا
ذكرها وقدره تسعة أرطال بالعراقي وستة أرطال بالمدني وهو أربعة أمداد والمد مائتان
واثنان وتسعون درهما ونصف، والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثماني حبات من
أوسط حبات الشعير، فأما اللبن فمن يريد اخراجه أجزأه أربعة أرطال بالمدني أو
ستة بالعراقي.
باب الوقت الذي يجب فيه اخراج الفطرة ومن يستحقها:
الوقت الذي يجب فيه اخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد ولو أن إنسانا
أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أول الشهر إلى آخره لم يكن به بأس غير
أن الأفضل ما قدمناه.
فإذا كان يوم الفطر فليخرجها ويسلمها إلى مستحقيها، فإن لم يجد لها مستحقا
عزلها من ماله ثم يسلمها بعد الصلاة أو من غد يومه إلى مستحقها، فإن وجد لها أهلا
وأخرها كان ضامنا لها إلى أن يسلمها إلى أربابها، وإن لم يجد لها أهلا وأخرجها
من ماله لم يكن عليه ضمان.
وينبغي أن تحمل الفطرة إلى الإمام ليضعها حيث يراه، فإن لم يكن هناك إمام
حملت إلى فقهاء شيعته ليفرقوها في مواضعها وإذا أراد الانسان أن يتولى ذلك بنفسه
جاز له ذلك غير أنه لا يعطيها إلا لمستحقها.
والمستحق لها هو كل من كان بالصفة التي تحل له معها الزكاة وتحرم على كل
124

من تحرم عليه زكاة الأموال، ولا يجوز حمل الفطرة من بلد إلى بلد، وإن لم يوجد لها
مستحق من أهل المعرفة جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم، ولا يجوز إعطاؤها لمن
لا معرفة له إلا عند التقية أو عدم مستحقيها من أهل المعرفة، والأفضل أن يعطي
الانسان من يخافه من غير الفطرة ويضع الفطرة في مواضعها.
ولا يجوز أن يعطي أقل من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار، فإن حضر
جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كل واحد منهم صاع جاز
أن يفرق عليهم، ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.
والأفضل أن لا يعدل الانسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا إلى
الأقاصي مع وجود الجيران، فإن فعل خلاف ذلك كان تاركا فضلا ولم يكن عليه
بأس.
باب الجزية وأحكامها:
الجزية واجبة على أهل الكتاب ممن أبي منهم الاسلام وأذعن بها وهم اليهود
والنصارى، والمجوس حكمهم حكم اليهود والنصارى، وهي واجبة على جميع
الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلفين وتسقط عن الصبيان والمجانين والبله
والنساء منهم، فأما ما عدا الأصناف المذكورة من الكفار فليس يجوز أن يقبل منهم
إلا الاسلام أو القتل، ومن وجبت عليه الجزية وحل الوقت فأسلم قبل أن يعطيها
سقطت عنه ولم يلزمه أداؤها.
وكل من وجبت عليه الجزية فالإمام مخير بين أن يضعها على رؤوسهم أو على
أرضيهم، فإن وضعها على رؤوسهم فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا وإن وضعها
على أرضيهم فليس له أن يأخذ من رؤوسهم شيئا، وليس للجزية حد محدود ولا قدر
مؤقت بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما
يكونون به صاغرين.
وكان المستحق للجزية في عهد رسول الله ص المهاجرين دون
125

غيرهم وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الاسلام والذب عنه من سائر المسلمين.
ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب مما أخذوه من ثمن الخمور والخنازير
والأشياء التي لا يحل للمسلمين بيعها والتصرف فيها.
باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح:
الأرضون على أربعة أقسام:
ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال فتترك في
أيديهم ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر وكانت ملكا لهم يصح لهم التصرف فيها
بالبيع والشرى والوقف وسائر أنواع التصرف.
وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها، فإن تركوا عمارتها وتركوها
خرابا كانت للمسلمين قاطبة وعلى الإمام أن يقبلها ممن يعمرها بما يراه من
النصف أو الثلث أو الربع وكان على المتقبل بعد اخراج حق القبالة ومؤونة الأرض
العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصته إذا بلغ إلى الحد الذي يجب فيه ذلك وهو
خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدمناه.
والضرب الآخر من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف فإنها تكون للمسلمين
بأجمعهم وكان على الإمام أن يقبلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث
أو الربع وكان على المتقبل اخراج ما قد قبل به من حق الرقبة وفيما يبقى في يده
وخاصه العشر أو نصف العشر.
وهذا الضرب من الأرضين لا يصح التصرف فيه بالبيع والشرى والتملك
والوقف والصدقات، وللإمام أن ينقله من متقبل إلى غيره عند انقضاء مدة ضمانه
وله التصرف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين، وهذه الأرضون للمسلمين
قاطبة وارتفاعها يقسم فيهم كلهم المقاتلة وغيرهم فإن المقاتلة ليس لهم على جهة
الخصوص إلا ما تحويه العسكر من الغنائم.
والضرب الثالث كل أرض صالح أهلها عليها وهي أرض الجزية يلزمهم ما
126

يصالحهم الإمام عليه من النصف أو الثلث أو الربع وليس عليهم غير ذلك.
فإذا أسلم أربابها كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء
ويسقط عنهم الصلح لأنه جزية بدل من جزية رؤوسهم وأموالهم وقد سقطت عنهم
بالإسلام، وهذا الضرب من الأرضين يصح التصرف فيه بالبيع والشرى والهبة وغير
ذلك من أنواع التصرف وكان للإمام أن يزيد وينقص ما صالحهم عليه بعد انقضاء
مدة الصلح حسب ما تراه من زيادة الجزية ونقصانها.
والضرب الرابع كل أرض انجلى أهلها عنها أو كانت مواتا فأحييت أو كانت
آجاما وغيرها مما لا يزرع فيها فاستحدثت مزارع.
فإن هذه الأرضين كلها للإمام خاصة ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له
التصرف فيها بالقبض والهبة والبيع والشرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبلها بما
يراه من النصف أو الثلث أو الربع وجاز له أيضا بعد انقضاء مدة القبالة نزعها من
يد من قبله إياها وتقبيلها لغيره إلا الأرضين التي أحييت بعد مواتها فإن الذي
أحياها أولى بالتصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره، فإن أبي ذلك كان للإمام
أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه وعلى المتقبل بعد اخراجه مال القبالة والمؤن
فيما يحصل في حصته العشر أو نصف العشر.
باب الخمس والغنائم:
الخمس واجب في جميع ما يغنمه الانسان، والغنائم كل ما أخذ بالسيف من
أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسلاح والكراع والثياب
والمماليك وغيرها مما يحويه العسكر ومما لم يحوه.
ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الانسان من أرباح التجارات والزراعات
وغير ذلك بعد اخراج مؤونته ومؤونة عياله، ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من
الذهب والفضة والحديد والصفر والملح والرصاص والنفط والكبريت وسائر ما يتناوله
اسم المعدن على اختلافها، ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من
127

وجدها وفي العنبر وفي الغوص.
وإذا حصل مع الانسان مال قد اختلط الحلال بالحرام ولا يتميز له وأراد تطهيره
أخرج منه الخمس وحل له التصرف في الباقي وإن تميز له الحرام وجب عليه اخراجه
ورده إلى أربابه، ومن ورث مالا ممن يعلم أنه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل
الربا والغصب وما يجري مجراهما ولم يتميز له المغصوب منه ولا الربا أخرج منه
الخمس واستعمل الباقي وحل له التصرف فيه، والذمي إذا اشترى من مسلم أرضا
وجب عليه فيها الخمس.
وجميع ما قدمنا ذكره من الأنواع يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا إلا الكنوز
ومعادن الذهب والفضة فإنه لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب
فيه الزكاة، والغوص لا يجب فيه الخمس إلا إذا بلغ قيمته دينارا.
وأما الغلات والأرباح فإنه يجب فيها الخمس بعد اخراج حق السلطان ومؤونة
الرجل ومؤونة عياله بقدر ما يحتاج إليه على الاقتصاد، والكنوز إذا كانت دراهم أو
دنانير يجب فيها الخمس فيما وجد منها إذا بلغ إلى الحد الذي قدمناه ذكره وإن كان
مما يحتاج إلى المؤونة والنفقة عليه يجب فيه الخمس بعد اخراج المؤونة منه.
باب قسمة الغنائم والأخماس:
كل ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدمنا ذكرها مما
حواه العسكر يخرج منه الخمس وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة، وما لم
يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس
والباقي تكون للمسلمين قاطبة مقاتليهم وغير مقاتلتهم يقسمه الإمام بينهم على قدر
ما يراه من مؤونتهم.
والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستة أقسام:
قسما لله وقسما لرسوله وقسما لذي القربى، فقسم الله وقسم الرسول وقسم
ذي القربى للإمام خاصة يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مؤونة غيره.
128

وسهم ليتامى آل محمد وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، وليس لغيرهم
شئ من الأخماس، وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم
في السنة على الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شئ كان له خاصة، وإن نقص كان
عليه أن يتم من خاصته.
وهؤلاء الذين يستحقون الخمس هم الذين قدمنا ذكرهم ممن تحرم عليهم
الزكاة ذكرا كان أو أنثى، فإن كان هناك من أمه من غير أولاد المذكورين وكان
أبوه منهم حل له الخمس ولم تحل له الزكاة، وإن كان ممن أبوه من غير أولادهم
وأمه منهم لم يحل له الخمس وحل له الزكاة.
باب الأنفال:
الأنفال كانت لرسول الله خاصة في حياته وهي لمن قام مقامه بعده في أمور
المسلمين، وهي كل أرض خربة قد باد أهلها عنها وكل أرض لم يوجف عليها
بخيل ولا ركاب ولا يسلمونها هم بغير قتال ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام
والأرضون الموات التي لا أرباب لها وصوافي الملوك وقطائعهم مما كان في أيديهم من
غير وجه الغصب وميراث من لا وارث له.
وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم الجارية الحسناء والفرس الفارة والثوب
المرتفع وما أشبه ذلك مما لا نظير له من رقيق أو متاع، وإذا قاتل قوم أهل حرب من
غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة دون غيره.
وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقه الإمام من الأنفال والأخماس إلا باذنه،
فمن تصرف في شئ من ذلك بغير إذنه كان عاصيا وارتفاع ما يتصرف فيه مردود
على الإمام، وإذا تصرف فيه بأمر الإمام كان عليه أن يؤدى ما يصالحه الإمام عليه
من نصف أو ثلث أو ربع، هذا في حال ظهور الإمام.
فأما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق
بالأخماس وغيرها فيما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا
129

ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز
وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس فيه نص معين إلا أن
كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.
فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح
والمتاجر.
130

الجمل والعقود
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
131

كتاب الزكاة
الزكاة تحتاج إلى معرفة خمسة أشياء:
ما تجب فيه الزكاة، ومن تجب عليه، ومقدار ما تجب فيه، ومتى تجب، ومن
المستحق لها.
وربما يتداخل هذه الأبواب في العقود فليتأمل ذلك فإنه لا يخرج شئ عن
بابه.
فصل: فيما تجب فيه الزكاة وشرائط وجوبها:
الزكاة تجب في تسعة أشياء: الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة و الحنطة
والشعير والتمر والزبيب، وما عداها لا تجب فيه.
وهي على ضربين: أحدهما يراعى فيه حؤول الحول، والآخر لا يراعى فيه ذلك.
فما يراعى فيه حؤول الحول الأجناس الخمسة التي هي سوى الغلات والثمار.
وما لا يراعى فيه الحول الأجناس الأربعة من الغلات والثمار.
وشرائط ما يراعى فيه الحول على ضربين: أحدهما يرجع إلى المكلف، والآخر
يرجع إلى الأجناس.
فما يرجع إلى المكلف على ضربين: أحدهما شرائط الوجوب والآخر شرائط
الضمان. فشرائط الوجوب اثنان: الحرية وكمال العقل. فالحرية شرط في الأجناس
الخمسة كلها.
133

وكمال العقل شرط فيما عدا المواشي من الأثمان لأن من ليس بكامل العقل
من الصبيان والمجانين تجب في مواشيهم الزكاة.
وشرائط الضمان اثنان: الاسلام وإمكان الأداء. وما يرجع إلى الأجناس
فشرطه اثنان: حؤول الحول وبلوغ النصاب. وما لا يراعى فيه الحول فشرطه اثنان:
أحدهما يرجع إلى من تجب عليه، والثاني يرجع إلى الأجناس. فما يرجع إلى من
تجب عليه الحرية فقط لأن غلات من ليس بكامل العقل يجب فيها الزكاة وليس في
مال من ليس بكامل العقل شرط الضمان.
وما يرجع إلى الأجناس شرط واحد: وهو بلوع النصاب. ونحن نبين لكل
جنس منه فصلا مفردا إن شاء الله.
فصل: في زكاة الإبل:
لا تجب الزكاة في الإبل إلا بشروط أربعة: الملك والنصاب والسوم وحؤول
الحول.
وما لا يتعلق به الزكاة يسمى شنقا وما تجب فيه يسمى فريضة، فالنصب في
الإبل ثلاثة عشر نصابا: خمس، عشر، خمس عشرة، عشرون، خمس وعشرون،
ست وعشرون، ست وثلاثون، ست وأربعون، إحدى وستون، ست وسبعون،
إحدى وتسعون، مائة وإحدى وعشرون، وما زاد على ذلك أربعون أو خمسون.
والأشناق ثلاثة عشر:
خمسة منها أربعة أربعة أولها الأربعة الأولة، والثاني ما بين الخمس إلى العشر،
وما بين العشر إلى خمس عشرة، وما بين خمس عشرة إلى عشرين وما بين عشرين إلى
خمس وعشرين، وليس بين خمس وعشرين وست وعشرين شنق.
واثنان تسعة تسعة: ما بين ست وعشرين إلى ست وثلاثين، وما بين ست
وثلاثين إلى ست وأربعين.
وثلاث بعد ذلك كل واحد أربع عشرة ما بين ست وأربعين إلى إحدى وستين
134

وما بين إحدى وستين إلى ست وسبعين وما بين ست وسبعين إلى إحدى وتسعين.
وواحد تسع وعشرون وهو ما بين إحدى وتسعين إلى مائة وإحدى وعشرين.
وبعد ذلك واحد ثمانية وهو ما بين مائة وإحدى وعشرين إلى مائة وثلاثين ثم
بعد ذلك تستقر الأشناق تسعة تسعة لا إلى نهاية.
فأما الفريضة المأخوذة منها فاثنتا عشرة فريضة: خمس منها متجانسة، وهو ما
يجب في كل خمس من الإبل شاة إلى خمس وعشرين. وسبعة مختلفة في ست وعشرين
بنت مخاض أو ابن لبون ذكر، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين
حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين
حقتان. فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين
بنت لبون.
فصل: في زكاة البقر:
شرائط زكاة البقر شرائط الإبل سواء وهي: الملك والنصاب والسوم والحول وما
لا يتعلق به الزكاة يسمى وقصا وما يؤخذ منه يسمى فريضة.
فالنصب في البقر أربعة: أولها ثلاثون فيه تبيع أو تبيعة، والثاني أربعون فيه
مسنة، والثالث ستون فيه تبيعان أو تبيعتان، والرابع في كل
أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة.
والأوقاص فيها أربعة: أولها تسعة وعشرون، والثاني تسعة ما بين ثلاثين إلى
أربعين، والثالث تسعة عشر ما بين أربعين إلى ستين، والرابع تسعة تسعة بالغا ما
بلغ.
والفرض فيه اثنان: تبيع أو تبيعة ومسنة.
فصل: في زكاة الغنم:
شرائط زكاة الغنم شرائط الإبل والبقر: وهي الملك والنصاب والسوم والحول.
135

وما لا يتعلق به الفرض يسمى عفوا وما يؤخذ يسمى فريضة.
والنصب في الغنم خمسة: أولها أربعون فيه شاة، والثاني مائة وإحدى وعشرون
فيه شاتان، والثالث مائتان وواحدة ففيه ثلاث شياه، والرابع ثلاث مائة وواحدة
ففيه أربع شياه، والخامس أربع مائة يؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ.
والعفو خمسة: أولها تسعة وثلاثون، والثاني ثمانون وهو ما بين أربعين إلى مائة
وإحدى وعشرين، والثالث أيضا ثمانون إلا واحدة وهو ما بين مائة وإحدى
وعشرين إلى مائتين وواحدة، والرابع مائة إلا واحدة وهو ما بين مائتين وواحدة إلى
ثلاث مائة وواحدة، والخامس مائة إلا اثنتين وهو ما بين ثلاث مائة وواحدة إلى
أربع مائة.
فصل: في زكاة الذهب والفضة:
شروط زكاة الذهب والفضة أربعة: الملك والنصاب والحول وكونهما مضروبين
دنانير ودراهم. ولكل واحد منهما نصابان وعفوان.
فأول نصاب الذهب عشرون مثقالا ففيه نصف دينار، والثاني كل ما زاد أربعة
ففيه عشر دينار بالغا ما بلغ.
والعفو الأول فيه ما نقص عن عشرين مثقالا، والثاني ما نقص عن أربعة
مثاقيل.
وأول نصاب الفضة مائتا درهم ففيه خمسة دراهم، والثاني كل ما زاد أربعون
درهما ففيه درهم.
والعفو الأول ما نقص عن المائتين، والثاني ما نقص عن الأربعين.
فصل: في زكاة الغلات:
شرائط زكاة الغلات اثنان: الملك والنصاب. فالنصاب فيها واحد والعفو
واحد.
136

فالنصاب ما بلغ خمسة أوساق والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد،
والمد رطلان وربع، فإذا بلغ ذلك ففيه العشر إن كان سقى سيحا أو بعلا أو
كان عذيا، وإن سقى بالغرب والدوالي وما يلزم عليه مؤن ففيه نصف العشر، وما
زاد على النصاب فبحسابه بالغا ما بلغ.
والعفو ما نقص عن خمسة أوساق.
فصل: في ذكر أحكام الأرضين:
الأرضون على أربعة أقسام: أرض أسلم أهلها عليها طوعا فهي ملك لهم،
وعليهم في غلاتهم العشر أو نصف العشر إذا اجتمعت الشرائط التي ذكرناها.
والثاني: أرض الصلح وهي أرض الجزية يؤخذ منها ما يصالحهم الإمام أو
من ينوب منابه عليه، ويكون ذلك لمستحقي الجزية وهم المجاهدون في سبيل الله، فإذا
أسلموا سقط عنهم مال الصلح وكان عليهم العشر أو نصف العشر مثل ما على
المسلمين.
والثالث: ما أخذ بالسيف عنوة وهي أرض الخراج، وهي للمسلمين قاطبة
يقبلها الإمام لمن شاء بما يراه أو من يقوم مقامه، ويصرف ذلك إلى مصالح المسلمين
كافة وما يفضل بعد ذلك للمتقبل، فإذا بلغ الأوساق الخمسة لزمه فيه العشر أو
نصف العشر مثل أرض الزكاة.
والرابع: أرض الأنفال وهي كل أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا لغير
مالك فأحييت، والآجام ورؤوس الجبال وبطون الأودية، أو كانت ملكا لمن لا
وارث له، وقطائع الملوك التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب. فهذه كلها
للإمام خاصة يعمل بها ما شاء، ويقبل بما شاء، وينقل كيف شاء، وعلى المتقبل
فيما يفضل معه من مال الضمان إذا بلغ النصاب، العشر أو نصف العشر.
فصل: في ذكر ما يستحب فيه الزكاة:
137

يستحب الزكاة في خمسة أجناس: أولها مال التجارة إذا طلبت برأس المال أو
الربح فتخرج الزكاة عن قيمته دراهم أو دنانير، وثانيها كل ما يخرج من الأرض
مما يكال أو يوزن سوى الأجناس الأربعة يخرج منه العشر أو نصف العشر، وثالثها
الخيل ففي العتاق منها ديناران وفي البراذين دينار ويراعى فيها السوم والحول والملك
ولا يراعى فيها النصاب، ورابعها سبائك الذهب والفضة، وخامسها الحلي المحرم
لبسه مثل حلي النساء للرجال وحلي الرجال للنساء ما لم يفر به من الزكاة فإن
قصد الفرار به من الزكاة وجبت فيه الزكاة.
وألحق بهذا سادس وهو كل مال غاب عن صاحبه ولا يتمكن منه، فإذا مضى
عليه سنون ثم عاد إليه زكاه لسنة واحدة.
فصل: في ذكر مال الدين:
مال الدين على ضربين: أحدهما تأخره من جهة صاحبه فهذا يلزمه زكاته،
والآخر يكون تأخره من جهة من عليه الدين فزكاته على مؤخره.
فصل: فيما لا يجب فيه الزكاة:
لا يجب الزكاة في أحد عشر جنسا: مال الطفل ومن ليس بكامل العقل من
الدراهم والدنانير وما عدا الأجناس التي ذكرناها من الحيوان مثل الحمير والبغال
وغير ذلك، والخضراوات، والفواكه كلها، والعقارات، والأرضين والمساكن،
والآلات، والأثاث، والمماليك، والحلي المباح استعماله. وإذا اجتمعت أجناس
مختلفة مما تجب فيه الزكاة فنقص كل جنس عن النصاب فلا يضم بعض إلى بعض
إلا إذا فر به من الزكاة.
فصل: في مستحق الزكاة ومقدار ما يعطي:
يستحق الزكاة ثمانية أصناف: الفقراء وهم الذين لا شئ لهم، والمساكين
138

وهم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم، والعاملون عليها وهم السعاة للصدقات،
والمؤلفة قلوبهم وهم الذين يستمالون للجهاد، وفي الرقاب وهم المكاتبون والعبيد إذا
كانوا في شدة، والغارمون وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية الله، وفي سبيل
الله وهو الجهاد وما جرى مجراه، وابن السبيل وهم المنقطع بهم وإن كانوا في بلدهم
ذوي يسار. ويراعى فيهم أجمع إلا المؤلفة قلوبهم شروط أربعة: الإيمان، والعدالة،
وأن لا يكون من بني هاشم مع تمكنهم من الأخماس، وأن لا يكون ممن يجبر على
نفقته من الوالدين والولد والزوجة والمملوك وغيرهم.
فأما المؤلفة قلوبهم فيتألفون بشئ يعطون يستعان بهم على الجهاد وإن كانوا
كفارا، ويجوز وضع الزكاة في واحد من الأصناف، والأفضل أن يجعل لكل صنف
منهم شيئا ولو قليلا، وأقل ما يعطي المستحق ما يجب في نصاب أوله خمسة دراهم أو
نصف دينار وبعد ذلك درهم أو عشر دينار.
فصل: في ما يجب فيه الخمس:
الخمس يجب في خمسة وعشرين جنسا: في الغنائم التي تؤخذ من دار الحرب،
وفي كنوز الذهب والفضة والدراهم والدنانير، والمعادن كلها الذهب والفضة،
والحديد، والصفر، والنحاس، والرصاص، والزئبق والكحل والملح والزرنيخ،
والقير، والنفط، والكبريت، والمومياء، والغوص، والياقوت، والزبرجد،
والبلخش، والفيروزج، والعقيق، والعنبر، وأرباح التجارات والمكاسب، وفيما
يفضل من الغلات عن قوت السنة له ولعياله، وفي المال الذي يختلط الحرام بالحلال
فلا يتميز، وفي أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.
ووقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله، ولا يراعى فيه النصاب الذي في
الزكاة إلا الكنوز فإنه يراعى فيها النصاب الذي فيه الزكاة، والغوص يراعى فيه
مقدار دينار، وما عداهما لا يراعى فيه مقدار.
139

فصل: في قسمة الخمس وبيان مستحقه:
يقسم الخمس ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله وسهم لذي القربى، فهذه
الثلاثة للإمام.
وسهم ليتامى آل محمد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم.
فصل: في ذكر الأنفال ومن يستحقها:
الأنفال كانت لرسول الله ص خاصة، لمن قام مقامه في أمور
المسلمين، وهي خمسة عشر صنفا: كل أرض خربة باد أهلها، وكل أرض لم
يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض أسلمها أهلها من غير قتال، ورؤوس
الجبال، وبطون الأودية، والأرضون الموات التي لا أرباب لها، والآجام، و صوافي
الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم من غير جهة غصب، وميراث من لا وارث
له، ومن الغنائم: الجارية الحسناء، والفرس الفارة، والثوب المرتفع، وما أشبه ذلك
مما لا نظير له من رقيق، أو متاع، وإذا قوتل قوم من أهل حرب فأخذ غنائمهم من
غير إذن الإمام فذلك له خاصة.
فصل: في زكاة الفطرة:
تحتاج زكاة الفطرة إلى معرفة ستة أشياء: من تجب، ومتى تجب، وما الذي
يجب، وكم يجب، ومن يستحقه، وكم أقل ما يعطي.
فالذي تجب عليه: كل حر بالغ مالك لما يجب عليه فيه زكاة المال يخرجه عن
نفسه وجميع من يعوله من والد وولد وزوجة ومملوك وضيف مسلما كان أو ذميا،
ويستحب اخراجها لمن لا يجد النصاب.
وتجب الفطرة بدخول هلال شوال ويتضيق يوم الفطر قبل صلاة العيد.
ويجب عليه صاع من أحد الأجناس السبعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والأرز، والأقط، واللبن. والصاع تسعة أرطال بالعراقي من جميع ذلك إلا اللبن
140

فإنه أربعة أرطال بالمدني أو ستة أرطال بالعراقي، ويجوز اخراج القيمة بسعر
الوقت.
ومستحق الفطرة هو مستحق زكاة الأموال، وتحرم على من تحرم عليه زكاة
الأموال، ويعتبر فيه خمسة أوصاف: الفقر والإيمان أو حكمه وارتفاع الفسق ولا
يكون ممن يجب عليه نفقته ولا يكون من بني هاشم.
ولا يعطي الفقير أقل من صاع، ويجوز أن يعطي أصواعا.
141

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 448 ه‍ ق
143

كتاب الزكاة
الزكاة على ضربين: واجب وندب. فالواجب على ضربين: زكاة الأموال
وزكاة الأبدان.
وزكاة الأموال إنما تجب في النعم والذهب والفضة والتمر والغلة، فالنعم الإبل
والبقر والغنم والتمر، التمر والزبيب والغلة الحنطة والشعير.
فأما زكاة الأبدان فزكاة الفطرة.
ثم أبواب الزكاة لا تعدو أقسامها عن ثمانية:
أولها: ما يجب فيه الزكاة. ثانيها: من تجب عليه الزكاة. وثالثها: وقت
وجوب الزكاة. ورابعها: المبلغ الذي تجب فيه الزكاة، وخامسها: الصفة التي
بحصولها تجب الزكاة. وسادسها: مبلغ ما يجب فيه من النصب. وسابعها: من
تخرج إليه الزكاة. وثامنها: أقل ما يخرج إلى الفقراء من الزكاة.
فأما الأول: فقد بينا أنه الأشياء التسعة وأنه لا تجب في غيرها زكاة.
وأما من تجب عليه الزكاة: فهم الأحرار العقلاء البالغون المالكون للنصاب.
فإن صحت الرواية بوجوب الزكاة في أموال الأطفال حملناها على الندب.
وأما الوقت الذي تجب فيه الزكاة: فعلى ضربين: أحدها رأس حول يأتي على
نصاب ثابت في المال، والآخر وقت الحصاد. فأما رأس الحول فيعتبر في النعم الغنم
والذهب والفضة وإنه إذا أتى الحول على نصاب من ذلك وجبت فيه الزكاة، وأما
ما يعتبر فيه الحصاد والجذاذ فالباقي من التسعة، فأما أعطاء الحفنة والحفنتين عند
145

القسمة فندب. وقد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق فإذا دخل
وقت الوجوب ولم يحضر مستحق فرسم عزل من ماله إلى أن يحضر مستحقها، فإن
غلب في ظنه أنه لا يحضر أخرجها إلى بلد يعلم أنه فيه، فإن هلكت في الطريق فلا
شئ عليه، وإن أخرجها مع حضوره فهلكت فعليه الغرامة.
فأما المبلغ الذي تجب فيه الزكاة: فهو النصب، وهو في كل ما تجب فيه الزكاة
ثلاثة وعشرون نصابا.
في الإبل اثنا عشر نصابا: من خمس إلى عشرة، إلى خمس عشرة، إلى عشرين،
إلى خمس وعشرين، إلى ست وعشرين، إلى ست وثلاثين، إلى
ست وأربعين، إلى إحدى وستين، إلى ست وسبعين، إلى إحدى وتسعين، إلى مائة وإحدى وعشرين.
وفي البقر نصابان: أولها ثلاثون إلى أربعين.
وفي الغنم أربعة أنصاب: أولها أربعون، إلى مائة وإحدى وعشرين، إلى مائتين
وواحدة، إلى ثلاثمائة وواحدة.
وفي الذهب نصابان: من عشرين إلى أربعة وعشرين.
وفي الفضة نصابان: من مائتين إلى مائتين وأربعين.
وفي الباقي من التسعة كله نصاب واحد: وهو خمسة أوسق، والوسق ستون
صاعا.
ذكر: الصفة التي إذا حصلت وجبت الزكاة:
وهي على ثلاثة أضرب: أحدها السوم، والثاني التأنيث " وكلاهما يعتبر في
الغنم ولا يجب في المعلوفة زكاة ولا في الذكورة (الذكارة) بالغا ما بلغت " فأما
الثالث فإنما يعتبر في الذهب والفضة وهي أن تكون دراهم منقوشة ودنانير وتكون في
اليد غير قرض ولا تجارة ولا بحيث لا يقدر عليها.
ذكر: مقدار ما يجب من الزكاة في النصب:
146

نصب الإبل: الأول وهو خمس شاة، وفي الثاني وهو عشر شاتان، وفي الثالث
ثلاث شياه، وفي الرابع أربع شياه، وفي الخامس خمس شياه، ثم ينتقل بزيادة
واحدة إلى بنت مخاض في السادس، وينتقل بزيادة عشر في السابع إلى بنت لبون،
ثم ينتقل بزيادة عشرة أيضا في الثامن إلى حقة، ثم ينتقل بزيادة خمس عشرة في
التاسع إلى جذعة، ثم ينتقل بزيادة خمس عشرة أيضا في العاشر إلى بنتي لبون، ثم
ينتقل بزيادة خمس عشرة أيضا في الحادي عشر إلى حقتين، ثم بزيادة ثلاثين في
الثاني عشر عن هذا الاعتبار إلى أن يخرج من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين
بنت لبون.
وكل من وجب عليه سن أعلى أعطى ما يجب في النصاب الذي قبله بلا فصال
فليؤخذ معه شاتان أو عشرون درهما، فإن أعطى ما في النصاب الذي بعده بلا
فصال أخذ شاتين أو عشرين درهما، كأنه تجب عليه بنت مخاض فيعطي بنت لبون
فإنه يأخذ هو شاتين أو عشرين درهما إلا في موضع واحد وهو من وجب عليه بنت
مخاض وعنده ابن لبون ذكر فإنه يؤخذ منه ما وجب عليه بلا فصل.
ذكر: واجب البقر:
وهو ثلاثون تبيع حولي أو تبيعة، ثم ينتقل بزيادة عشر في الثاني إلى مسنة.
وعلى هذا الحساب أبدا بالغا ما بلغت. وحكم الجواميس حكم البقر.
ذكر: واجب الغنم:
في الأول: وهو أربعون شاة، ثم ينتقل بزيادة إحدى وثمانين في الثاني إلى
شاتين، ثم ينتقل بزيادة ثمانين من الثالث إلى ثلاث شياه، ثم ينتقل بزيادة
مائة، إلى أن يخرج من كل مائة شاة.
ذكر: واجب الدنانير:
147

في الأول والثاني جميعا ربع العشر من عشرين نصف دينار، ومن أربعة دنانير
قيراطان، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغت.
ذكر: واجب الدراهم:
في النصابين كليهما أيضا ربع العشر، في المائتين خمسة دراهم، وفي الأربعين
درهما درهم.
ذكر: واجب باقي التسعة:
وهو على ضربين: أحدهما يسقى بماء السماء والسيح وفيه العشر بعد اخراج
المؤن، والآخر مسقي بماء الدوالي والنواضح والغرب وفيه نصف العشر
. ذكر: من يجوز اخراج الزكاة إليه:
لا بد في من تخرج إليه الزكاة من أوصاف، وهي على ضربين: أحدهما أعم من
الآخر.
فالأعم الفقراء المحتاجون الذين لا يسألون، والمساكين وهم المحتاجون
السائلون، والعاملون عليها وهم السعاة في جباية الزكاة، والمؤلفة قلوبهم وهم الذين
يستمالون لنصرة الدين، وفي الرقاب وهم المكاتبون ومن يعتق لأنه يجوز أن يعان
المكاتب في فك رقبته ويشترى العبد فيعتق من مال الزكاة، والغارمون وهم من عليه
دين ولا وجه له يقضيه منه، وفي سبيل الله وهو الجهاد، وابن السبيل وهم المنقطع
بهم، وقيل: الأضياف.
وأما الأخص فهو من جمع فيه أربع سمات:
أولها: بأن يكون معتقدا للحق، وأن يكون على صفة تمنعه من الاحتراف أو
عدم معيشة، وأن يكون غير هاشمي لأن الزكاة الواجبة الخارجة من يد غير هاشمي
محرمة على بني هاشم وقد عوضوا منها الخمس، فإن منعوا الخمس حلت لهم، فأما
148

زكاة بني هاشم فهي حلال لأمثالهم وإن أعطوا بالخمس وكذلك ندب الزكاة
، ومنها أن يكون المخرج إليه لا يجب على المخرج النفقة عليه كأجنبي أو ذي قرابة
غير الأب والأم والولد والزوجة والجد والجدة والمملوك لأن هؤلاء يجب عليه أن ينفق
عليهم، فأما الوالدان والولد فينفق عليهم أولادهم وآباؤهم عند الحاجة، وأما
الزوجة والمملوك فينفق عليهما الزوج والسيد على كل حال.
ذكر: أقل ما يجزئ اخراجه من الزكاة:
أقله ما يجب في نصاب، ومن أصحابنا من قال: أقله نصف دينار وخمسة
دراهم، ومنهم من قال: أقله قيراطان ودرهم، فالأولون قالوا بواجب النصاب
الأول، والآخرون قالوا بالثاني، والأثبت الأول. وكذلك في سائر ما يجب فيه
الزكاة، فأما أكثر ما يعطي فلا حد له.
ويجوز أن يعطي الفقير غناه ويزاد على ذلك إلا أنه يعطي ضربة واحدة لأنه إذا
استغنى لم يجزه صرف الزكاة الواجبة إليه.
ذكر: القسم الثاني من واجب الزكاة وهو الفطرة:
وهذا الضرب يشتمل على سبعة أقسام:
أولها: من تجب عليه الفطرة. وثانيها: من تخرج عنه. وثالثها: وقتها.
ورابعها: ما يخرج فيها. وخامسها: مبلغها. وسادسها: أقل ما يجوز اخراجه منها.
وسابعها: من يجوز اخراجها إليه.
ذكر: من تجب عليه:
وهو كل من تجب عليه اخراج زكاة المال.
فأما من تخرج عنه: فإنه يخرجها الانسان عن نفسه وعن جميع من يعول من حر
وعبد وذمي ومسلم واجب عليه ذلك.
149

فأما وقت هذه الزكاة: فهو يوم عيد الفطر من بعد الفجر إلى صلاة العيد هذا
وقت الوجوب، وقد روي جواز تقديمها في طول شهر رمضان. ومن أخرجها آخر ما
حددناه كان قاضيا.
فأما ما يخرج في الفطرة: ففضله أقوات أهل البلد من التمر والزبيب والحنطة
والشعير والأرز والأقط واللبن، إلا أنه إن اتفق أن يكون في بلد بعض هذه الأشياء
أغلى سعرا وهو موجود فإخراجه أفضل ما لم يجحف.
وروي: أن التمر أفضل على كل حال.
فأما مبلغها: فصاع، وهو أربعة أمداد، والمد مائتا درهم واثنتان وتسعون درهما
ونصف بوزن بغداد، وهو ستة أرطال بالمدني، وتسعة أرطال بالعراقي.
فأما أقل ما يجزئ اخراجه إلى فقير واحد فصاع، ولا حد لأكثره، وجائز اخراج
قيمته إذا تعذر، وقد روي: أن قيمته درهم، والأول أثبت.
وأما من يخرج إليه: فهو من كان على صفات مستحق زكاة الأموال فلا وجه
لإعادته، غير أنها تحرم على من عنده قوت سنة وإن جمع الأوصاف.
ذكر: الضرب الثاني من أصل القسمة وهو المندوب في الزكاة:
وهو على ضربين: مطلق ومعين. فالأول كل صدقة قصد بها وجه الله تعالى،
وأما المتعين فيدخل في أربعة أشياء: في الخيل، والحبوب، وأمتعة التجارة التي دفع
بها رأس مالها أو ربح فلم يوجد، والفطرة ممن لا يملك نصابا.
وأما الخيل: فالشرط فيها السوم ورأس الحول من زمان نتاجها وكونها إناثا
كما ذكرنا في النعم، وهي على ضربين: عتاق وبراذين ففي العتيق ديناران ندبا،
وفي البرذون دينار واحد.
وأما الحبوب: فشرطه شرط الحنطة والشعير، والعشر فيما سقت السماء
والسيح، والنصف فيما سقى بالقروب والدوالي والنواضح، في كل ما يدخل القفيز
من ذرة ودخن وأرز وعدس وسمسم وغير ذلك، والنصاب والوقت مثل ما ذكرنا في
150

الواجب من الزكاة.
فأما أمتعة التجارة: فروي: أنها إذا حال عليها حول طلبت فيه برأس المال أو
بالربح فلم تبع طلبا للزيادة ففيها الزكاة ندبا ينظر ثمنه ويخرج منه على قدر ما فيه
من النصب.
والفطرة: إذا أخرجها من لا يملك النصاب فيها فضل كبير إذا كان له ما
يخرجه، فأما من له أخذ زكاة الفطر، وليس له ما يخرجه إلا بأن يأخذ ويخرج
فإن أخذ وأخرج فله ثواب وليس بسنة.
ذكر ما عوض الهاشميون من الزكاة وهو الخمس
وهو يشتمل على ثلاثة أضرب: فيما ذا الخمس، ولمن الخمس، وكيف ينقسم
الخمس.
فالأول بيانه:
في المأثور عن آل الرسول ص: أنه واجب في كل ما غنم بالحرب
وغيرها من الأموال والسلاح والرقيق والمعادن والكنوز والغوص والعنبر وفاضل
أرباح التجارات والزراعات والصناعات غير المؤنة وكفاية طول عامه إذا اقتصد.
فأما من لهم الخمس:
فهم الله تعالى ورسوله وقرابة رسول الله ص واليتامى منهم
ومساكينهم وأبناء سبيلهم خاصة.
فأما بيان القسمة:
فهو أن يقسمه الإمام ع على ستة أسهم، منها ثلاثة له ع
وسهمان وراثة عن رسول الله ص وسهم حقه، وثلاثة أسهم سهم
لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم.
يقسم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام ع وما نقص
تممه من حقه.
151

والمأخوذ منه الخمس إن كان مأخوذا منه بالسيف فأربعة أخماسه بين من قاتل
عليه، وإن اختار الإمام ع قبل القسمة شيئا من الغنيمة كائنا ما كان
فهو له.
والأنفال له أيضا، وهي كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل أو
ركاب.
والأرض الموات وميراث الحشري الحربي والآجام والمفاوز والمعادن والقطائع
فليس لأحد أن يتصرف في شئ من ذلك إلا باذنه، فمن تصرف فيه باذنه فله أربعة
أخماس المستفاد وللإمام الخمس.
وفي هذا الزمان قد أحلونا مما نتصرف فيه من ذلك كرما وفضلا لنا خاصة.
ذكر: الجزية:
وهي تشتمل على ذكر من تجب عليه الجزية ومبلغها ولمن هي.
إنما تجب على بالغ الذكور الذكران من اليهود والنصارى والمجوس خاصة،
فمن عداهم من الكفار لا ذمة له.
والمبلغ لا حد له في الرسم الشرعي بل هو مفوض إلى الإمام ع على قدر
ما يراه في الأغنياء والفقراء إلا أنه روي عن أمير المؤمنين ع جعل على كل
غنى ثمانية وأربعين درهما، وعلى الأوساط نصف ذلك، وعلى فقرائهم ربعة.
فأما مستحقها فمن قام مقام المهاجرين لأنها كانت في أيام النبي ع
للمهاجرين، وللإمام أن يصرفها أيضا في مصالح المسلمين.
ذكر: حكم من أسلم:
من أسلم سقطت عنه الجزية، وإسلامه على ضربين: طوعا وكرها. فمن
أسلم طوعا فأرضه تترك في يده، فإذا عمرها فعليه فيها ما يجب في الزكاة في
الغلات من العشر أو نصف العشر وما لم يعمره قبله الإمام لمن يعمره، وعلى المتقبل
152

في حصته العشر أو نصف العشر في الأوساق.
وإن أسلم كرها بالسيف فللإمام أن يؤجر أرضه أيضا من شاء منهم ومن
غيرهم وليس يجب قسمتها في الجيش الذين حاربوهم ويقبلها الإمام بما يراه
صلاحا من النصف والثلثين والثلث.
ثم الأرضون على أربعة أضرب: ما أسلم أهلها طوعا، وما أسلموا كرها، وما
صالحوا عليه، وما أسلمها أهلها بغير حرب وجلوا عنها.
فالأول والثاني قد ذكرنا حكمهما، وأما الثالث فأمره إلى الإمام ويجب اتباعه
فيما يفعله فيه ولمن بعده من الأئمة ع أن ينقصوا ويزيدوا في ذلك على
حسب ما يرونه صالحا وذلك إليهم خاصة، وأما الرابع فهو للإمام وله أن يفعل به
ما يريد بلا مشارك ولا معارض.
153

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
155

باب مسائل يتعلق بالزكاة
مسألة: إذا كان عند انسان من الإبل ست وعشرون ومضت ثلاث سنين ما
الذي يجب عليه؟
الجواب: يجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى، ثم ينقص النصاب الذي يجب
فيه بنت مخاض فيجب عليه في السنة الثانية خمس شياه، ثم ينقص النصاب عما
يجب عليه في ذلك فيجب عليه أربع شياه فيجتمع عليه في ذلك بنت مخاض وتسع
شياه.
مسألة: إذا كان عنده خمس من الإبل ومضت عليه ثلاث سنين هل يجب عليه
أكثر من شاة واحدة أو لا؟
الجواب: لا يجب عليه أكثر من شاة واحدة لأن الشاة استحقت بها فينبغي أقل
من خمسة فلا يجب عليه شئ منها.
مسألة: إذا كانت البقرة معلوفة أو عاملة في بعض الحول وسائمة في البعض
الآخر هل يجب عليه فيها زكاة أم لا؟
الجواب: الحكم في ذلك بالأغلب، فإن كان الأغلب هو السوم حكم فيه بذلك
وإن لم يكن هو الأغلب لم يحكم بذلك فيها.
مسألة: إذا كانت البقرة معلوفة أو عاملة في بعض الحول وسائمة في البعض
الآخر وكان ذلك فيها متساويا هل يجب فيها زكاة أم لا؟
الجواب: فيها الزكاة لأن الاحتياط يقتضي ذلك، وإن قيل: بأنه ليس فيها
زكاة، كان قويا لأن الأصل براءة الذمة والقول بذلك يفتقر فيه إلى دليل ولأن
الشرط فيما يجب فيه الزكاة من ذلك حول الحول عليه مع كونه سائما وهذا غير
حاصل في ذلك.
مسألة: إذا كان عنده من الغنم أو غيرها ما يبلغ النصاب وذكر: أنه وديعة
عنده، هل يقبل قوله أم لا وهل يجب عليه في ذلك يمين أم لا؟
الجواب: قوله في ذلك مقبول ولا يلزمه على ذلك يمين لأن أمير المؤمنين ع
157

أمر ساعيه في الصدقات بأن يجعل الأمر في ذلك إلى أصحابها ولم يأمره
بيمين في ذلك.
مسألة: إذا كان عنده أربعون شاة فلما حال عليها الحول ولدت واحدة ولما
حال عليها الحول الثاني ولدت واحدة ولما حال عليها الحول الثالث ولدت واحدة
ما الذي يجب عليه في ذلك؟
الجواب: الذي يجب عليه في ذلك ثلاث شياه لأن الحول الأول حال عليها وهي
أربعون شاة فوجب فيها شاة فلما ولدت الواحدة تمت من الرأس أربعين شاة فلما
حال عليها الحول الثاني كان قد حال على الأمهات والسخل الحول وهي أربعون
وجب فيها شاة أخرى فلما تمت أربعين فلما حال عليها الحول وجب عليها ثلاث
شياه.
مسألة: إذا كان عنده مائتا شاة وواحدة ومضت ثلاث سنين ما الذي يجب عليه
في ذلك؟
الجواب: الذي يجب عليه في ذلك سبع شياه لأنه يجب عليه في السنة الأولى
ثلاث شياه وفي كل سنة شاتان لأن المال الثاني والثالث قد نقص عن المائتين
وواحدة فلم يجب عليه أكثر من شاتين أيضا، وينبغي أيضا أن يحكم فيه كذلك
بالغا ما بلغ المال وبقي منه ما بقي.
مسألة: إذا كان عنده من المواشي ما يبلغ النصاب فغصب ذلك ثم عاد إليه قبل
حول الحول ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك استأنف بها الحول سواء كانت عنده سائمة
وعند الغاصب معلوفة أو كانت عنده معلوفة وعند الغاصب سائمة لأنه يراعى في
المال إمكان التصرف فيه طول مدة الحول وهذا غير متمكن من ذلك.
مسألة: إذا كان المكلف في بلاد الشرك وله مال في بلاد الاسلام هل يجب عليه
زكاة أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه زكاة فإن زكاه سنة واحدة استحبابا كان جائزا وإن
مرت عليه سنون لأن إمكان التصرف فيه غير حاصل له ولقولهم ع: لا
158

زكاة في المال الغائب.
مسألة: إذا وجب عليه زكاة وتمكن من الأداء وكان في بلده مستحق لها فحملها
إلى بلد آخر وهلكت هل يجب عليه ضمانها أم لا؟
الجواب: عليه ضمانها لأن إجماع الطائفة عليه ولأنه بالتمكن من الأداء وحصول
المستحق يلزمه الضمان.
مسألة: إذا وجب عليه زكاة وتمكن من الأداء ولم يكن في بلده من يستحقها
وحملها إلى بلد آخر وهلكت هل يجب عليه ضمان أم لا؟
الجواب: لا ضمان عليه لإجماع الطائفة عليه ولأنه مع عدم المستحق غير متمكن
من الأداء.
مسألة: ما يتوالد من الغنم والظبي هل فيه زكاة أم لا؟
الجواب: إذا كان ما يتوالد من ذلك يسمى غنما كان فيه الزكاة لأن رسول الله
ص قال: في سائمة الغنم الزكاة، وهذا الاسم يتناول ذلك فيجب
فيه الزكاة.
مسألة: إذا كان عنده أربعون شاة واستأجر لها أجيرا بشاة هل يجب عليه فيها
زكاة أم لا؟
الجواب: لا زكاة عليه في ذلك لأن النصاب قد نقص بدفع الشاة إلى الأجير.
مسألة: المكاتب إذا كان عنده مال هل يجب عليه زكاة أم لا؟
الجواب: إذا كان مشروطا عليه وكان معه نصاب لم يكن عليه زكاة لأنه يعد
بحكم الرق لا يملك شيئا ولا بد من مراعاة الملك في ذلك، فإن كان غير مشروط
عليه وتحرر منه بمقدار ما أداه وكان معه نصاب بحصته من الحرية كان عليه فيه
الزكاة لأنه مالك له على كل حال.
مسألة: إذا كان عنده نصاب ومات في بعض الحول وانتقل هذا النصاب إلى
وارثه هل يجب عليه فيه الزكاة أم لا؟
الجواب: لا يلزم الوارث الزكاة عن ذلك لأنه لم يحل الحول في ملكه وعليه أن
159

يستأنف الحول فإذا حال الحول على هذا النصاب كان عليه الزكاة.
مسألة: يدفع من وجبت عليه الزكاة ذلك إلى مستحقها ولم ينوبها في حال
الدفع الزكاة هل يكون ذلك مجزئا عنه أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك مجزئا عنه وعليه اخراجها بهذه النية لأن الأعمال
بالنيات، كما قال رسول الله ص، وأيضا قوله تعالى: وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، والإخلاص لا يكون إلا بالنية، وأيضا
فإنه إذا نوى فلا خلاف في أن ذلك يجزئ عنه وليس كذلك إذا لم ينو.
مسألة: إذا كان معه مائتا درهم أو غيره من النصب فقال: لله على أن أتصدق
بمائة من المائتين أو بالنصف من نصاب غيرها، وحال الحول هل عليه في ذلك زكاة
أم لا؟
الجواب: لا زكاة عليه في ذلك لأنه بالنذر قد خرج بعض النصاب بذلك قبل أن
يحول الحول عليه من ملكه ولما حال الحول عليه لم يحل وهو مالك لجميع النصاب.
مسألة: إذا كان عنده مائتان وحال الحول عليهما ووجب الزكاة عليه فيها
فتصدق بجميعها هل تسقط عنه فرض الزكاة أم لا؟
الجواب: لا يسقط ذلك عنه فرض الزكاة عليه فيها لأن اخراج الزكاة عبادة
وقربة ويفتقر في اخراجها كذلك إلى نية الوجوب وإخراجها على الوجه المقدم ذكره
متعر من نية الوجوب فلا يكون ذلك مجزئا عنه.
مسألة: إذا كان للإنسان مملوك غائب يعلمه حيا هل يجب عليه فطرته أم لا؟
الجواب: الفطرة عنه تلزم سيده لأن الخبر وارد عن النبي ص
بإخراجها عن نفسه وعن مملوكه والخبر يتناول ذلك.
مسألة: إذا كان العبد لاثنين هل يجب عليهما جميعا الفطرة عنه أم لا؟
الجواب: يجب عليهما ذلك بحصته والكل واحد منهما منه لأن الأخبار الواردة
في ذلك تتضمن باخراج الانسان عن عبده وهي عامة في ذلك وأيضا فالاحتياط
يقتضيه.
160

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
161

باب حقوق الأموال
حقوق الأموال التي ذكرنا في أول الكتاب أنها من العبادات يحتاج في بيان
أحكامها إلى أشياء وهي: الزكاة والخمس وأحكام الأرضين والجزية والغنائم
والأنفال، ونحن نبين أحكام كل واحد منها في باب مفرد بعون الله وتوفيقه.
باب في الزكاة:
قال الله تعالى، قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين
هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون، إلى قوله: يرثون الفردوس
هم فيها خالدون.
وقال تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. وروي عن رسول الله
ص أنه قال في الزكاة: إنما يعطي أحدكم جزءا مما أعطاه الله
فليعطه بطيب نفس منه ومن أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره.
وروي عن محمد بن علي الباقر ع، أنه قال: ما نقصت زكاة من
مال قط ولا هلك مال في بر أو بحر أديت زكاته.
واعلم إن الزكاة على ضربين، أحدهما زكاة الأموال والآخر زكاة الرؤوس،
ويؤدى ذلك إلى بيان أشياء منها: من يجب عليه الزكاة ومنها ما الذي يجب فيه
الزكاة ومنها ما المقدار الذي يجب اخراجه منها ومنها من المستحق لها ومنها ما
المقدار الذي ينبغي دفعه إلى مستحقه منها ومنها الوقت الذي ينبغي اخراجها فيه.
163

باب من يجب عليه الزكاة:
الذي يجب عليه الزكاة هو كل حر كامل العقل ذكرا كان أو أنثى مخاطب
بشريعة النبي ص مالك لنصاب يجب فيه الزكاة.
وإنما شرطنا الحرية لأن من ليس بحر لا يجب عليه الزكاة بل ليس يملك ما
تجب فيه زكاة عليه.
وشرطنا كمال العقل لأن من ليس بكامل العقل لا يجب عليه زكاة ولا
غيرها، وذكرنا كون من تجب عليه ذكرا كان أو أنثى لنبين أن وجوبها لا يختص
بالذكر دون الأنثى، ولا بالأنثى دون الذكر بل ذلك يعمهما، وشرطنا كونه مخاطبا
بشريعة نبينا محمد ص لنبين أن وجوبها متعلق بالمسلمين والكفار لأن
الكفار عندنا مخاطبون بالشرائع وإنما لا يصح منهم أداؤها مع المقام على كفرهم
لأن الاسلام شرط في صحة أدائها لا في وجوبها.
وشرطنا كونه مالكا لنصاب يجب فيه الزكاة لأن من لا يملك ذلك لا تجب
عليه.
باب ما الذي تجب فيه:
الذي تجب فيه الزكاة تسعة أشياء وهي: الذهب والفضة والإبل والغنم والبقر
والحنطة والشعير والتمر والزبيب.
باب زكاة الذهب:
ليس تجب الزكاة في الذهب إلا أن يجتمع فيه شروط وهي: الملك والنصاب
وكونه مضروبا منقوشا دنانير أو كان كذلك فسبك عند دخول وقت الزكاة فرارا
بذلك منها وحلول الحول على النصاب وهو حال فيه من أوله إلى أول يوم من الشهر
الثاني عشر، فإذا اجتمعت هذه الشروط وجب فيه الزكاة.
فإذا بلغ الذهب عشرين مثقالا، كان فيه نصب المثقال وليس فيه بعد ذلك
164

شئ حتى يبلغ بعد العشرين أربع مثاقيل، فإذا بلغ ذلك كان فيه عشر مثقال
، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال، وإذا لم يبلغ المال عشرين مثقالا لم يجب فيه
جملة وما لا يجب الزكاة فيه يسمى عفوا.
والمعتبر في ما ذكرناه من مثاقيل الذهب، والدراهم في المائتين، وفي العشرين
والأربعين - بالوزن، لا بالعدد. وسبائك الذهب وما كان منه حليا، أو
أواني أو مراكب أو ما جرى مجرى ذلك فإنه ليس في شئ منه زكاة إلا أن يكون قد عمل
كذلك فرارا منها.
وإذا كان شئ من المال يبلغ نصابا - دينا - كانت الزكاة عنه واجبة على
المستدين، فإن ضمن المدين ذلك لزمه ولم يكن على المستدين - من ذلك عليه
- شئ.
ومن كان في مال لا يبلغ النصاب وله مال غائب لا يبلغ أيضا ذلك وهو
متمكن منه وإذا اجتمعا وكان فيهما نصاب أو أكثر وجب عليه جمعهما والإخراج
عنهما.
فإن كان له مال غائب وهو متمكن من التصرف فيه وكان فيه نصاب أكثر
وجب زكاته، فإن لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يكن عليه شئ، وحلي
الذهب محرم استعماله على الرجال وفي الآلات لهم أيضا.
ومن ترك نفقة لعياله دنانير أو دراهم ويبلغ ذلك نصابا تجب فيه الزكاة وكان
قد ترك ذلك لهم لسنة أو لسنتين، فإن كان حاضرا وجب عليه في ذلك الزكاة،
وإن كان غائبا لم يكن في ذلك شئ.
ومن ورث مالا ولم يصل إليه ولا يمكن من التصرف فيه إلا بعد الحول لم يلزمه
زكاته من ذلك الحول.
باب زكاة الفضة:
زكاة الفضة لا تجب إلا بشروط، وهي وشروط الذهب سواء، فإذا اجتمعت
165

لم يكن فيها شئ حتى يبلغ مائتي درهم. فإذا بلغت ذلك كان فيها خمسة دراهم،
ثم ليس فيها شئ بعد ذلك حتى تزيد أربعين درهما، فيكون فيها درهم واحد،
وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال. ولما لا يجب الزكاة فيه من الفضة، يسمى
عفوا أيضا. وما يتعلق منها بدين، أو غيبة، فالحكم فيه ما ذكرنا في الذهب.
باب زكاة الإبل:
ليس تجب زكاة الإبل إلا بشروط وهي الملك والسوم والنصاب وحلول الحول،
فإذا اجتمعت هذه الشروط لم يكن فيها شئ حتى تبلغ خمسا فإذا بلغت ذلك كان
فيها شاة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرا فيكون فيها شاتان، ثم ليس فيها شئ
حتى تبلغ خمس عشرة فيكون فيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ
عشرين، ففيها أربع شياه، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين فيكون فيها
خمس شياه. فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أو لبون ذكر.
ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستا وعشرين فيكون فيها بنت لبون، ثم ليس
فيها شئ حتى تبلغ ستا وأربعين فيكون فيها حقة، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ
إحدى وستين فيكون فيها جذعة، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستا وسبعين فيكون
فيها بنتا لبون، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ إحدى وتسعين فيكون فيها حقتان،
ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فيطرح هذا الاعتبار الذي
قدمناه، وتخرج من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين بنت لبون بالغا ما بلغت.
وبنت المخاض: هي التي مضت لها سنة ودخلت في الثانية وسميت بذلك لأن
أمها تكون قد حملت، وهي تمخض بولدها، وأما ابن اللبون: فهو الذي قد مضى له
سنتان ودخل في الثالثة وسمي بذلك لأنه أمه قد وضعت وصار لها لبن، وكذلك
بنت اللبون، وأما الحقة فهي التي قد مضى لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة
وسميت بذلك لأنها قد استحقت أن يحمل عليها. وأما الجذعة فهي التي قد مضى
لها أربع سنين ودخلت في الخامسة ولذلك سميت جذعة.
166

وما يتعلق به زكاة الإبل منها تسمى فريضة وما لا يجب تسمى شنقا.
ومن وجبت زكاة الإبل عليه ولم يكن عنده عين ما وجب عليه وتمكن من
دونها أخذ منذ ذلك ودفع معه ما يكون تماما لما وجب عليه، وإن كان عنده أزيد
مما وجب عليه أخذ منه ورد عليه الفاضل له مثال ذلك أن يجب عليه بنت لبون
وليس عنده ويكون عنده بنت مخاض فليأخذ منه ويدفع معها شاتين أو عشرين
درهما جيادا أو يجب عليه بنت لبون وليست عنده ويكون عنده حقة فليؤخذ منه
ويرد عليه شاتان أو عشرون درهما.
وإن وجب عليه بنت مخاض وليست عنده وعنده ابن لبون ذكر فإنه يؤخذ منه
ولا يرد عليه شئ ولا يدفع هو أيضا شيئا لأنه لا فضل بين بنت مخاض وابن لبون
الذكر.
وإذا كان عند الانسان خمس من الإبل ومر به ثلاث سنين لم يجب عليه في
ذلك غير شاة واحدة لأن الشاة استحقت بها وما يبقى منها أقل من خمس فلا يجب
عليه غير ما ذكرناه.
فإن كان عنده منها ست وعشرون ومر ثلاث سنين وجب عليه بنت مخاض
للسنة الأولى ثم ينقص النصاب الذي يجب فيه بنت مخاض فيجب عليه خمس شياه
للسنة الثانية والسنة الثالثة ينقص عن النصاب الذي فيه خمس شياه فيجب عليه
أربع شياه، فيجتمع عليه بنت مخاض، وتسع شياه.
باب زكاة البقر:
الشروط التي يجب الزكاة في البقر باجتماعها هي: الشروط التي ذكرناها في
الإبل، فإذا اجتمعت فليس يجب عليها زكاة حتى يبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ذلك
كان فيها تبيع أو تبيعة وقد ذكر أن التبيع هو الذي له سنتان وذكر أن هذا الاسلام
لا يدل على شئ، ذكر ذلك عن أبي عبيد، وذكر غيره أنه إنما سمي بهذا الاسم
لأنه يتبع أمه في المرعى، وذكر غير من ذكرناه أنه الذي يتبع قرنه أذنه.
167

وإذا لم تستقر من جهة اللغة في حقيقة التبيع ما يعتمد عليه في هذا الباب فإن
المعول على ما ورد في الشرع، وقد ورد عن رسول الله ص أنه قال:
تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفسر ذلك الباقر والصادق ع بالحول.
وليس بعد الثلاثين شئ حتى يبلغ أربعين فيكون فيها مسنة وذكر أنها التي لها
أربع سنين وذكر أنها التي لها سنتان وهي الثني في اللغة، وروي عن النبي ص
أنه قال: المسنة هي الثنية فصاعدا، ثم ليس فيها بعد الأربعين شئ
حتى يبلغ ستين فيكون فيها تبيعان، فإذا زادت على ذلك أخرج من كل ثلاثين
تبيع أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة، ثم كذلك بالغا ما بلغت.
ومن كان عنده من البقر ثلاثون بعضها سوسي أو حبشي وبعضها جواميس
وبعضها نبطي كان الذي يؤخذ منه تبيع أو تبيعة من أوسط ذلك على قدر المال وما
لا يجب الزكاة فيه من البقر يسمى وقصا.
باب زكاة الغنم:
الغنم لا يجب فيها الزكاة إلا بشروط وهي الشروط التي ذكرناها في الإبل
والبقر، فإذا حصلت لم يجب فيها شئ حتى يبلغ أربعين فإذا بلغت كان فيها شاة
وليس فيها بعد ذلك شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها شاتان،
وليس فيها بعد ذلك شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة فيكون فيها ثلاث شياة وليس
فيها بعد ذلك شئ حتى تبلغ ثلاث مائة وواحدة، فيكون فيها أربع شياة، فإذا
زادت على ذلك تركت هذه العبرة وأخرج عن كل مائة شاة ثم على هذا الحساب
بالغا ما بلغت.
ومن كانت له من المواشي متفرقا في مواضع مختلفة ما إذا اجتمع كان نصابا
فإن الزكاة واجبة فيه، وإن كان لاشتراك جماعة في موضع واحد مقدار نصاب أو
أكثر منه وكان ما يختص به كل واحد منهم أقل من نصاب لم يجب في شئ من
ذلك زكاة.
168

ومن أنكر حلول الحول على ماشيته وشهد شاهدان عدلان على أن الحول قد حال
عليهما قبلت شهادتهما وأخذت منه الزكاة.
ومن كان عنده من جنس واحد نصاب وهو من أنواع مختلف مثل أن يكون
عنده أربعون شاة بعضها ضأن وبعضها معز وبعضها شامية وبعضها عربية وبعضها
مكية فليؤخذ منها شاة لأن الاسم يتناوله ولا ينبغي أن يؤخذ الأجود ولا الأدون بل
يؤخذ الأوسط أو ما يكون قيمته على قدر المال.
ومن كان له في بلدين نصاب واحد وجب عليه زكاته فإن كانت أقل من
نصاب واحد متفرقة في بلدين لم يجب عليه الزكاة في شئ فإن كان له في بلدين أو
أكثر منها ثمانون شاة أو مائة وعشرون شاة لم يجب عليه غير شاة واحدة لأنها في
ملك واحد.
فإن كان في كل بلد منها نصاب وحضره الساعي في طلب الزكاة من المال
فقال له المطلوب منه ذلك: هذه عندي وديعة، قبل قوله ولم يطالبه على ذلك بينة
وكذلك إن ادعى حلول الحول إلا أن يثبت عليه ببينة بخلاف ما قاله في الحول كما
قدمناه.
وإذا كان عنده أربعون شاة فحال الحول عليها وولدت شاة منها ثم حال عليها
الحول الثاني ثم ولدت شاة ثانية ثم حال عليها الحول الثالث وجب عليها ثلاث
شياه لأن الحول الأول حال عليها وهي أربعون فوجبت فيها شاة فلما ولدت تمت
أربعين فلما حال عليها الحول وجبت منها ثلاث شياه.
ومن كان عنده من الغنم أربعون ولم يكن ولد منها شئ وحال عليها حول ثان
وثالث لم يجب عليه فيها غير شاة واحدة.
ومن كان له مائتا شاة وواحدة ومرت ثلاث سنين وجب عليه سبع شياه لأن
الواجب عليه في السنة الأولى ثلاث شياه وفي كل سنة شاتان لأن المال الثاني
والثالث قد نقص عن المائتين وواحدة فلم يجب غير شاتين، وهذا على قولنا في أن
الزكاة تتعلق بالمال، فأما من قال بأنها تتعلق بالذمة فقوله في ذلك يخالف ما
169

ذكرناه.
ومن كان عنده نصاب فغصب غاصب ذلك النصاب ثم عاد إليه قبل حلول الحول
لم يجب عليه زكاة لأن إمكان التصرف في جميع الحول يراعى في ذلك
وكذلك القول في غير هذا الوجه من وجوه الزكاة.
وإذا وقف على انسان نصاب من الغنم وحال عليه الحول لم يجب عليه في ذلك
زكاة لأنها غير مملوكة، فإن ولدت وحال على أولادها، وكان الواقف لها لم يشترط
كون أولادها وقفا معها كان فيها الزكاة وإن كان شرط ذلك لم يكن فيها
الزكاة.
ومن ابتاع من الغنم نصابا ولم يقبضها حتى حال الحول عليها نظر فإن كان
متمكنا من قبضها كان عليه فيها الزكاة وإن لم يكن متمكنا من قبضها لم يكن
عليه فيها زكاة، وما يجب فيه زكاة الغنم، يسمى فريضة وما لا يجب فيه يسمى
عفوا.
باب زكاة الغلات الأربع:
التي هي الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
ليس تجب الزكاة في الغلات إلا بشرطين وهما الملك والنصاب، فإذا حصل في
أحدها هذان الشرطان لم يكن فيه زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق بعد اخراج المؤن
وحق السلطان من مقاسمة وغيرها، فإذا بلغ ذلك بعد ما ذكرناه فإن كان سقيه
سيحا أو بعلا أو عذيا كان فيه العشر وإن كان سقيه بالقرب أو الدوالي كان فيه
نصف العشر، فإن زاد على الأوسق شيئا أخرج من الزائد بحساب ذلك.
وما كان سقيه سيحا وغير سيح فيجب أن يعتبر في ذلك الأغلب، فإن كان
سقيه سيحا هو الأكثر أخرج منه العشر، وإن كان سقيه بالقرب والدوالي أكثر من
السيح أخرج منه نصف العشر، وإن تساويا ولم يغلب أحدهما على الآخر أخرج
من نصفه بحساب العشر، ومن نصفه الآخر بحساب نصف العشر.
170

والوسق: ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطلان وربع بالعراقي. ووزنه
بالدراهم ألف مائة وسبعون درهما، والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات من
أوسط حبات الشعير وهو تسعة أرطال بالعراقي وستة أرطال بالمدني، وما لا يجب
فيه الزكاة من هذه الغلات يسمى عفوا،
وإذا وقف انسان على غيره ضيعة وبلغت غلتها نصابا فإن كانت وقفا على
واحد كان عليه الزكاة في ذلك وإن كانت وقفا على جماعة وبلغ نصيب كل واحد
منهم النصاب كان على كل واحد منهم الزكاة.
واعلم أن الاعتبار فيما تخرجه الأرض مما يكال أو يوزن مما عدا هذه
الغلات الأربع يجري مجرى الاعتبار فيما تقدم مما الزكاة فيه مفروضة، وإنما
ذكرنا ذلك لأن هذه الغلات يستحب اخراج الزكاة عنها وأردنا أن نبين أن
الاعتبار فيها كالاعتبار في الغلات الأربع التي الزكاة واجبة فيها.
وأموال التجارة يجري الاعتبار فيها مجرى الاعتبار في الأموال التي يجب فيها
الزكاة، لأن اخراج ذلك عنها مستحب أيضا، ويزيد مال التجارة على ذلك بأن
يطلب برأس المال أو الربح، فإذا اجتمعت الشروط المقدم ذكرها وطلب رأس المال
أو الربح صح اخراج الزكاة عنها، وإن طلب تجارة لم يكن فيها زكاة جملة.
وأما الخيل ففيها أيضا الزكاة مستحبة ولها شروط وهي الملك والسوم وحلول الحول
عليها وليس بها نصاب يراعى في ذلك، فإذا حصلت فيها الشروط التي
ذكرناها كان على كل رأس من العتاق منها ديناران وكل رأس من البراذين دينار
واحد.
والمال الذي يغيب عن صاحبه سنين ثم يعود إليه ولم يكن متمكنا في حال
غيبته من التصرف فيه فإنه يستحب أن يزكي لسنة واحدة، وأما مال الأطفال
والمجانين الصامت ففيه الزكاة أيضا مندوبة إذا اتجر الولي به نظرا لهم فعليه
اخراجها عنهم، ويجوز أن يأخذ لنفسه من الربح مقدار ما يحتاج إليه على قدر
الكفاية والأفضل له ترك ذلك.
171

فإن اتجر لنفسه وكان في تلك له ذمة تفي بالمال كان عليه ضمانه وكان الربح
له، وإن كان لا ذمة له تفي بذلك وتصرف فيه من غير ولاية ولا وصية كان عليه
ضمان المال ويكون الربح لأصحابه وليس له فيه شئ ويخرج الزكاة عنه، فأما ما
عدا أموالهم الصامتة - من المواشي والغلات - فإن كان الزكاة واجبة فيها وعلى
وليهم اخراجها إلى مستحقها.
وسبائك الذهب والفضة قد ذكرنا أنها متى سبكت فرارا من الزكاة كانت
الزكاة واجبة عليها، فإن كان لم يسبكها فرارا من ذلك فالزكاة مستحبة فيها، وما
كان حليا كانت زكاة إعارته.
وكل ما خالف ما ذكرناه " إن الزكاة يتعلق به " من الخضر كالبقول
والباذنجان والبطيخ وما أشبه ذلك وليس يتعلق بشئ من الزكاة.
باب المقدار الذي ينبغي اخراجه من الزكاة:
المقدار الذي ينبغي اخراجه منها هو ما يجب في النصاب، وقد تقدم في ما سلف
ذكر ذلك.
باب في " من المستحق " للزكاة:
الذي يستحق الزكاة هو من ذكره الله تعالى في القرآن من الأصناف الثمانية
وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي
سبيل الله وابن السبيل.
فأما الفقراء فهم الذين لا شئ لهم وأما المساكين فهم الذين يكون لهم مقدار
من القوت لا يكفيهم، وأما العاملون عليها فهم عمال الصدقات والسعاة فيها،
وأما المؤلفة قلوبهم الذين يستمالون إلى الجهاد، وأما الرقاب فهم العبيد والمكاتبون
منهم إذا كانوا في ضر وشدة، فإنه يجوز ابتياعهم من الزكاة ويستنقذون ذلك مما
يكونون فيه من الضر والشدة، فأما الغارمون فهم الذين قد ركبتهم الديون في غير
172

معصية الله تعالى لأنه متى كان عليهم دين أنفقوه في ذلك فلا يجوز أن يقضى ذلك
عنهم من الزكاة، وأما سبيل الله فهو الجهاد وما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة
الجسور والقناطر وما جرى مجرى ذلك، فأما ابن السبيل فهو المنقطع به وإن كان
غنيا في بلده وقد ذكر أنه الضيف الذي ينزل بالإنسان وإن كان أيضا غنيا في
بلده.
ويجب أن يعتبر في سائر ما ذكرناه من هؤلاء إلا المؤلفة قلوبهم شروط ثلاثة:
أولها: أن يكونوا من أهل العدالة والإيمان المعتقدين له لأن من لا يكون كذلك
بأن يكون ليس من أهل الإيمان والمعرفة به ولا من المعتقدين له ولا هو على ظاهر
العدالة والصلاح أو كان فاسقا يشرب الخمر أو غيره من أنواع الفسق وهو من أهل
الإيمان فإنه لا يستحق شيئا من الزكاة ولا يجزئ دفع شئ منها إليه عمن وجبت
عليه.
وثانيها: أن لا يكون من بني هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه
لأن من يتمكن منهم من أخذه لم يجز له أخذ الزكاة، وإن كانت حالهم حال
ضرورة وهم غير متمكنين من أخذ ذلك معها جاز لهم أخذ الزكاة والاستعانة بها
على أحوالهم رخصة لهم عند عدمهم لأخذ ما يستحقونه من الأخماس وكانت مجزئة
عمن أخرجها إليهم وهم على هذه الحال، وسيأتي في باب الخمس ذكر من يستحق
من بني هاشم بعون الله سبحانه.
وثالثها: أن يكونوا ممن لا يجب على المكلف الانفاق عليه مثل الوالدين،
والولد والجد والجدة والزوجة والمملوك، فأما من خالف هؤلاء من الأقارب فإنه يجوز
دفع الزكاة إليه إذا كانت على الشروط التي تقدم ذكرها.
والأفضل أن لا يعدل الانسان بالزكاة غير هؤلاء بل يفرقها عليهم فإن جعل لهم
قسطا وللأجنبي المستحق بها قسطا كان جائزا.
ومن كان له مملوك يخدمه ودار يسكنها وليس دار غلة فإنه يجوز له أخذ الزكاة
وهكذا إذا كانت دار غلة غير أن غلتها ليست تقوم بحاله وحال عياله فإنه يجوز
173

أخذها وإن كان في غلتها كفاية لذلك لم يجز دفع الزكاة.
ومن كان له صناعة أو معيشة لا تقوم بحاله وحال عياله فإنه يجوز له أخذها،
وإن كان ما يكسبه منها يقوم بحاله أو حالهم لم يجز دفعها إليه.
ومن لا يحسن أن يعيش ويكسب ما يقوم بحاله فإنه يجوز له أخذها ولو كان
معه سبعمائة درهم كما ورد الخبر بذلك.
ولو كان معه خمسون درهما ويحسن أن يتعيش بها ويكسب ما يقوم بحاله وحال
عياله فليس يجوز له أخذها.
ومن كان عليه دين أنفقه في غير معصية كما ذكرناه فيما سلف فإنه يجوز
قضاؤه عنه من الزكاة وكذلك العبد والمكاتب يجوز له ابتياعهما على ما قدمناه من
الزكاة والميت إذا كان عليه دين فإنه يجوز أن يحتسب به من الزكاة، فإن كان على
ميت من المؤمنين دين جاز أن يقضى عنه ذلك، ويجوز للولد قضاء الدين من والديه
أو ولده من الزكاة إذا كان عليهم شئ من ذلك.
ويجب حمل الزكاة إلى الإمام ع إذا كان ظاهرا ليفرقها على مستحقيها
وإن كان غائبا فإنه يجوز لمن وجبت عليه أن يفرقها في خمسة أصناف وهم: الفقراء
والمساكين والرقاب والغارمون وابن السبيل.
ويسقط من الأصناف الثانية - التي ذكرنا أنهم يستحقون الزكاة ويصح
دفعها إليهم - من لا يتم إلا مع ظهور الإمام ع أو من نصبه الثلاثة
الأصناف الباقية وهم العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي سبيل الله لأن وجودها لا
على الوجه الذي معه يستحقون الزكاة.
وإذا عرف الانسان مستحق الزكاة وهو يستحيي من أخذها والتعرض لها جاز
دفعها إليه من غير أن يعلم أنها من الزكاة.
وإذا دفع انسان إلى غيره زكاة ليفرقها في مستحقيها وكان الذي دفع إليه من
المستحقين لأخذها جاز له أن يأخذ منها مثل ما يدفعه منها إلى غيره، فإن عين له
على أقوام يدفع ذلك إليهم لم يجز له أخذ شئ منها بل يدفعها إلى الذي عين له
174

دفعها إليهم دون غيرهم.
ومن وجب اخراج الزكاة عليه أخرجها إلى مستحقها على الفور والبدار دون
التراخي، فإن مطل بإخراجها مع تمكنه من ذلك وإيصالها إلى مستحقها وهلكت
كان عليه ضمانها وإخراجها ثانيا. ومن وجبت عليه الزكاة وكان في بلده مستحق
لها وهو عالم به فلم يدفعها إليه وأخرجها إلى مستحقها في بلد آخر فهلكت في
الطريق فعليه ضمانها وإخراجها ثانيا أيضا إلى مستحقها، وإن لم يعلم في بلده
مستحقا لها وأخرجها إلى من يستحقها في بلد آخر فهلكت لم يكن عليه شئ.
وكذلك الحكم إذا لم يجد من يستحقها في بلده ولا في غيره ثم عزلها إلى أن يجد
لها مستحقها أو كأن يجد مستحقها في غير بلده ولا يقدر على إنفاذها إليه ثم هلكت
فإنه لا شئ عليه في شئ من ذلك ولا يلزمه ضمانها ولا اخراجها دفعة أخرى.
فإذا لم يجد من وجبت عليه الزكاة مستحقا لها وعزلها ثم مات وهي باقية
فيجب عليه أن يوصي إلى من يثق به ليدفعها إلى مستحقها إذا تمكن من ذلك فإذا
فعل ما ذكرناه برأت ذمته منها.
وإن حضره مستحق للزكاة قبل دخول وقتها فإنه يجوز أن يدفع إليه بنية القرض
ثم يعتبر حاله إذا دخل الوقت، فإن كانت على ما كانت عليه - ولم يتغير ولا
صار بصفة من لا يستحقها ولا يجوز له أخذها - جاز أن يحتسب بها منها وإن
كانت حاله قد تغيرت وصار بصفة من لا يستحقها لم يجز الاحتساب بها فإن
احتسب لم يجز عنه ووجب عليه اخراجها ودفعها إلى مستحقها.
باب المقدار الذي ينبغي دفعه إلى مستحق الزكاة منها:
أقل ما ينبغي دفعه من الزكاة إلى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد ويجوز
أن يدفع إليه أكثر من ذلك ويجوز أيضا أن يدفع من وجبت عليه الزكاة زكاة ماله
بمجموعها إلى واحد ممن يستحقها وينبغي أن يدفع زكاة الذهب والفضة إلى الفقراء
المعروفين بأخذ ذلك ويدفع زكاة المواشي إلى المتحملين ممن يستحقها.
175

باب الوقت الذي ينبغي اخراج الزكاة فيه:
الوقت الذي ينبغي اخراج الزكاة فيه هو دخول أول يوم من الشهر الثاني عشر
من السنة التي حالت على المال ويتضيق الوجوب في ذلك إلى آخره، فإذا خرج
الثاني عشر كان قاضيا لها إذا أخرجها هذا إذا كان المال حاصلا في جميع الحول
من أوله إلى اليوم الذي ذكرناه ولم يكن من الغلات لأن الغلات لا يراعى فيها
الحول على ما قدمناه وإنما يراعى فيها الملك وحصول النصاب.
واليوم الذي هو أول يوم من الشهر الثاني عشر هو أول وقت الوجوب ثم كلما
مضى من الشهر شئ ازداد تضييق الوجوب إلى آخره، وإن لم يخرجها من وجبت
عليه إلى مستحقها مع تمكنه من ذلك أو عزلها من ماله مع عدم تمكنه من اخراجها
إليه إلى أن ينقضي الشهر الثاني عشر من الحول كان مخطئا وكانت في ذمته إلى أن
يوصلها إلى المستحق لها.
ولا يجوز تقديم اخراجها على وقت الإخراج لها إلا بنية القرض وقد وردت
أخبار تتضمن جواز تأخيرها عن وقتها وتقديمها عليه والوجه في تقديمها ما ذكرناه من
الإخراج لها بنية القرض، وأما التأخير لها فهو محمول على انتظار من يستحقها.
باب زكاة الرؤوس:
زكاة الرؤوس هي زكاة الفطرة وينبغي أن يبين من وجب عليه وما يجب فيه
ومن يستحقها وما أقل ما يدفع عليه منها وما الوقت الذي يجب اخراجها فيه.
باب في من يجب عليه زكاة الفطرة، وما يتعلق به من ذلك:
الذي يجب عليه الفطرة هو كل من يجب عليه زكاة أول نصاب من الأموال
ومن لا يملك ذلك فليست الفطرة واجبة عليه، ويستحب له أن يخرجها عن نفسه
وعمن يعول إن كان له عيال، فإن لم يكن له ذلك أخرجها عن نفسه استحبابا،
فإن كان ممن يستحق أخذها فليأخذها ويخرجها عن نفسه وعمن يعوله إن كان له
176

ذلك وعن نفسه إن لم يكن له عيال، فإن كان محتاجا إليها أدارها على عياله إلى
أن ينتهي إلى آخرهم ثم يخرج منهم إلى غيرهم مما ينبغي اخراجه عن رأس كل
واحد.
وإذا كان عند انسان ضيف يفطر عنده في شهر رمضان أو كان لزوجة مملوك في
عياله أو ولد له فيه مولود كان عليه اخراج الفطرة عنه وجوبا اللهم إلا أن يكون
المولود يولد ليلة الفطر أو في يومه التي قبل صلاة العيد فيكون اخراج ذلك عنه
استحبابا.
والمكاتب إذا لم يكن مشروطا عليه لم يجب على مكاتبه اخراج الفطرة عنه فإن
كان مشروطا عليه كان على سيده اخراجها عنه.
والكافر إذا أسلم في شهر رمضان قبل ليلة الفطر وجب عليه اخراجها وإن كان
أسلم ليلة الفطر أو في يومه قبل صلاة العيد لم يجب عليه ذلك وكان عليه أن يخرجها
استحبابا، وإذا ملك عبد عبدا كان على السيد اخراج الفطرة عنهما جميعا.
باب ما تجب فيه الفطرة:
تجب في الحنطة والشعير على أهل الموصل والجزيرة والجبال وباقي خراسان.
والتمر على أهل مكة والمدينة واليمن واليمامة والبحرين وأطراف الشام والعراقيين
وفارس والأهواز وكرمان. والزبيب على أهل أوساط الشام و " مرو " من خراسان
والري. والأرز على أهل طبرستان. والبر على أهل مصر. والأقط على الأعراب
وسكان البوادي ومن لم يجد منهم الأقط أخرج عنه اللبن والتمر والزبيب وهو
أفضل ما يخرج في الفطرة لمن وجبت عليه.
باب في من المستحق للفطرة وكم أقل ما يدفع منها إليه:
الذي يستحق أخذ زكاة الفطرة هو كل من يستحق أخذ زكاة الأموال وقد
ذكرناه في ما تقدم.
177

وإذا كان الإمام ع ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها
إليه ليدفعها إلى مستحقها ولا يتولى هو ذلك بنفسه فإن لم يكن الإمام ع
ظاهرا كان عليه حملها إلى فقهاء الشيعة ليضعها في مواضعها لأنهم أعرف بذلك ولا
يجوز أن يدفع إلا إلى أهل الإيمان والمعرفة كما ذكرناه في من يستحق أخذ زكاة
الأموال. ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة الأموال إليه إلا في حال التقية،
والأفضل له في هذه الحال أن لا يدفعها إلى من ذكرناه، بل يدفع إليه عن غيرها.
والحكم في حملها من بلد إلى آخر كالحكم فيما ذكرناه في زكاة الأموال،
وكذلك الحكم في عزلها.
والأفضل لمخرج الفطرة أن لا يتعدى أقاربه إذا كانوا من المستحقين لها،
وكذلك الأفضل أن لا يتعدى إلى من يستحقها من جيرانه إذا كانوا على الشروط
التي قدمنا ذكرها، فإن تعدى بها من ذكرناه من الأقارب والجيران ودفعها إلى من
يستحقها من غيرهم لم يكن عليه شئ بل يكون تاركا للأفضل، فأما أقل ما
ينبغي دفعه إلى المستحق لها منها فهو أن يدفع إلى الواحد ممن ذكرناه ما يجب
اخراجه عن رأس واحد، فأما ما كان أكثر من ذلك فيجوز دفعه إليه.
باب في ذكر الوقت الذي يجب اخراج الفطرة فيه:
هذا الوقت هو من طلوع الفجر من يوم العيد إلى قبل صلاة العيد، وكل ما قرب
وقت هذه الصلاة تضيق الوجوب. فمن لم يخرجها حتى قضيت الصلاة كان
تاركا لما وجب عليه، ومخطئا في ذلك، فإن أخرجها بعد هذه الصلاة لم تكن
واجبة، وجرى مجرى الصدقة المتطوع، وقد ورد جواز تقديم اخراجها في شهر
رمضان، والأفضل اخراجها في الوقت المضروب لوجوبها.
178

باب الخمس وأحكامه
أحكام الخمس تتبين بذكر أشياء:
منها ما الذي يجب الخمس فيه، ومنها ما يراعى فيه
مقدار، وما لا يراعى فيه ذلك، ومنها متى يجب، ومنها من المستحق له، ومنها كيفية قسمته.
باب في ذكر ما يجب الخمس فيه:
الخمس يجب في " كنوز " الذهب والفضة والدنانير والدراهم، " والغنائم
الحربية "، و " جميع المعادن " من الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس
والرصاص والزيبق والكحل والزرنيخ والنفط والقير، " والغوص " والموميا والكبريت
والزبرجد والياقوت والفيروزج والبلخش والعنبر والعقيق " وأرباح التجارات
والمكاسب كلها " و " المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز " و " الأرض إذا
ابتاعها الذمي من المسلم ".
فأما الكنز إذا وجد فليس يخلو إما في دار الحرب أو في دار الاسلام، فإن كان
في دار الحرب كان فيه الخمس على كل حال.
فإن كان في دار الاسلام فلا يخلو من أن يكون وجد في ملك الانسان أو في
أرض ليس لها مالك، فإن كان في ملك الانسان أو في أرض ليس لها مالك كان
عليه أن يعرف به فإن عرف كان لمن عرفه.
وإن لم يعرفه فليس يخلو من أن يكون عليه أثر الاسلام مثل سكة الاسلام، أو
179

لا يكون عليه أثر لذلك، فإن كان عليه أثر الاسلام كان بمنزلة اللقطة وسيجئ
أحكام اللقطة بعون الله سبحانه. وإن لم يكن عليه أثر الاسلام فإنه يخرج منه
الخمس ويكون الباقي لمن وجده.
فأما الغنائم الحربية فهي كل ما يغتنمه المسلم في دار الحرب مما يحويه العسكر
ومما لا يحويه ومما يمكن نقله إلى دار الاسلام وما لا يمكن ذلك فيه من الأموال
والأرضين والذراري والعقار والكراع والسلاح وغير ذلك مما يصح تملكه وكان في
يد أهل الحرب على جهة الإباحة أو الملك ولم يكن غصبا لمسلم، ففي ذلك كله
الخمس في كل شئ منها.
وأما المعادن التي ذكرناها فإنه يجب الخمس في كل شئ منها.
وأما الغلات والأرباح والمكاسب ففيها الخمس كما ذكرناه بعد اخراج حق
السلطان وقوت الرجل لنفسه وعياله على الاقتصاد في ذلك.
ويجب الخمس في العسل الذي يؤخذ من رؤوس الجبال، وكذلك في المعدن إذا
كان لمكاتب، والعامل في المعدن إذا كان مملوكا كان فيه الخمس لأن كسبه
لسيده.
وأما المال الحرام إذا اختلط بالحلال فإنه ينبغي أن يحكم فيه بالأغلب، فإن
كان الحرام الغالب احتاط من هو في يده في اخراج الحرام منه، فإن لم يتميز له
ذلك أخرج منه الخمس، ويصح تصرفه في الباقي على وجه الحلال.
ومن ورث من المال ما يعلم أن صاحبه جمعه من وجوه محرمة مثل الربا
والمغصوب وغير ذلك - ولم يتحقق مقداره فليخرج منه الخمس ويتصرف في
الباقي، فإن غلب في ظنه أو علم أن الأكثر حرام احتاط في اخراجه قليلا كان أو
كثيرا، أو رده إلى من هو له أن تميز له ذلك، فإن لم يتميز ذلك له تصدق به عنهم.
وأما الأرض إذا ابتاعها ذمي من مسلم ففيه الخمس كما ذكرناه.
180

باب ذكر ما يراعى فيه مقدار وما لا يراعى فيه ذلك:
ما يراعى فيه مقدار: شيئان أحدهما يراعى فيه بلوع النصاب الذي تجب الزكاة
فيه، والآخر يراعى في بلوغه مقدار دينار فصاعدا، وأما الأول فهو في جميع الكنوز
وأما الثاني فهو الغوص فليس يراعى مقدار في شئ يجب الخمس فيه إلا في هذين
الجنسين. فأما ما خالفهما فلا يراعى فيه ذلك على وجه من الوجوه.
باب ذكر الوقت الذي يجب اخراج الخمس فيه:
الوقت الذي يجب اخراج الخمس فيه هو حصول المال من غير مراعاة لحلول الحول
عليه ولا غير ذلك.
باب ذكر مستحق الخمس:
الذي يستحق الخمس ستة وهم: الله سبحانه وتعالى ورسوله ص
وذو والقربى وهو الإمام ع واليتامى والمساكين وابن السبيل ممن
ينتهي إلى أمير المؤمنين ع علي بن أبي طالب ع بالولادة وجعفر
وعقيل والعباس بن عبد المطلب ع
. باب ذكر قسمة الخمس:
قال الله سبحانه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول،
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
فعلى هذا يقسم الخمس ستة أسهم ثلاثة منها وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله
ص وسهم ذي القربى للإمام ع والثلاثة أسهم الباقية
يفرقها الإمام ع على يتامى آل محمد ص ومساكينهم وأبناء
سبيلهم لكل صنف منهم سهم. وعلى الإمام ع تسليم ذلك على قدر
كفايتهم ومؤونتهم للسنة على جهة الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شئ كان له،
وإن نقص فعليه أن يتمه مما يختصه، وليس لغير من تقدم ذكره في الخمس حق بل
181

هو لمن يحرم عليه الزكاة ذكرا كان أو أنثى ممن ذكرناه فيما تقدم.
وكل ما يختص من الخمس بالمساكن أو المناكح أو المتاجر فإنه يجوز التصرف
فيه في زمان غيبة الإمام ع، لأن الرخصة قد وردت في ذلك لشيعة
آل محمد ع دون من خالفهم.
وأما ما يختص به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شئ
منه، ويجب على من وجب عليه حمله إلى الإمام ع، ليفعل فيه ما يراه،
فإن كان ع غائبا فينبغي لمن لزمه اخراج الخمس أن يقسمه ستة أسهم
على ما بيناه، ويدفع منها ثلاثة إلى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما
سلف.
والثلاثة الأخر للإمام ع ويجب عليه أن يحتفظ بها أيام حياته، فإن
أدرك ظهور الإمام ع دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق
بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصى بدفع ذلك إلى الإمام ع إن أدرك
ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك، وقد ذكر بعض أصحابنا أنه
ينبغي أن يدفنه تعويلا في ذلك على الخبر المتضمن لأن الأرض تظهر كنوزها عند
ظهور الإمام ع، والأول أحوط وأقوى في براءة الذمة من ذلك.
وذكر بعض أصحابنا أيضا أن ما يختص بغير المساكن والمتاجر والمناكح يجوز
التصرف فيه فإنه يجري مجرى ما يختص بالمساكن والمتاجر والمناكح وهذا لا يعول
عليه ولا يعمل به.
باب أحكام الأرضين:
الأرضون تنقسم أربعة أقسام أولها: قسم يسلم أهلها عليها طوعا وثانيها:
أرض افتتحت بالسيف عنوة وثالثها: كل أرض صالح عليها أهلها ورابعها: أرض
الأنفال. ونحن نفرد لكل واحد منها بابا إن شاء الله تعالى.
182

باب ذكر الأرض التي يسلم عليها طوعا:
الأرض إذا أسلم أهلها عليها طوعا من غير حرب تركت في أيديهم وكانت
ملكا لهم يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوصية والهبة وغير ذلك من أنواع
التصرف.
وإذا عمروها فليس عليهم إلا فيما تخرجه وهو العشر ونصف العشر بحسب
سقيها، كما ذكرناه في باب الزكاة، وإن تركوا عمارتها حتى صارت خرابا،
كانت حينئذ لكافة المسلمين يقبلها الإمام ع ممن يقوم بعمارتها بحسب
ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع وعلى متقبلها بعد اخراج مؤونة الأرض وحق
القبالة فيما يبقى في خاصة من عليها إذا بلغ خمسة أوسق أو أكثر من ذلك العشر أو
نصف العشر بحسب سقيها على ما سلف بيانه.
باب ذكر الأرض المفتتحة بالسيف عنوة:
الأرض إذا فتحت عنوة كانت لجميع المسلمين للمقاتل منهم وغير المقاتل
وارتفاعها يقسم بينهم ولا للمقاتل منهم إلا بما يكون في العسكر فإن ذلك يقسم في
المقاتلة دون غيرهم، ولا يصح التصرف فيها بوقف ولا صدقة ولا بيع ولا بغير ذلك
من سائر ضروب التمليك.
وللإمام ع أن يقبلها بما يراه لمن يعمرها أما بالنصف أو الثلث أو
الربع وللإمام ع أن ينقلها من متقبل إلى آخر بعد انقضاء مدة زمان التقبل
وله التصرف في هذه الأرض بحسب ما يراه صلاحا للمسلمين، ويجب على المتقبل
فيما يبقى في يده مما تخرجه بعد اخراج المال الذي يقبلها به العشر
أو نصف العشر حسب السقي كما تقدم القول به.
باب ذكر أرض الصلح:
أرض الصلح هي أرض الجزية، فإذا صالح الإمام ع أهلها عليها
183

وجب عليهم الأداء لما يصالحهم عليه، من نصف أو ثلث أو ربع، ولا يجب على
رؤوسهم لأن ما وضع على هذه الأرض بالمصالحة بدل من جزية رؤوسهم فليس يجب
على رؤوسهم بعد ذلك، ومن أسلم من ملاكها سقط عنه ما وضع على أرضه
بالصلح كما يسقط عنه الجزية التي على رأسه بالإسلام لأنه بدل من الجزية ويكون
حكم من أسلم من أربابها فيها حكم المسلم عليها طوعا وهذه الأرض يصح
التصرف فيها بسائر أنواع التصرف، وللإمام ع الزيادة والنقصان فيما
يصالحهم عليه بعد أن يمضى مدة الصلح بحسب ما يراه من الصلاح في ذلك.
باب ذكر أرض الأنفال:
كل أرض انجلى أهلها عنها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب إذا
أسلمها أهلها من غير قتال وكل أرض باد أهلها ورؤوس الجبال وبطون الأودية
والآجام وصوافي الملوك وقطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا وكل أرض كانت آجاما
فاستحدثت مزارع أو كانت مواتا فأحييت فجميع ذلك من الأنفال وهي للإمام
ع خاصة دون غيره من سائر الناس وله أن يتصرف فيها بالهبة والبيع وغير
ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه وله ع أن يقبلها بما يراه من
نصف أو ثلث أو ربع وله بعد انقضاء مدة القبالة أن يقبضها وينزعها ممن هي في
يده بالقبالة ويقبلها لغيره إلا أن يكون مما كانت مواتا فأحييت فإنها إذا كانت
كذلك لم ينتزع من يد من أحياها، وهو أولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها بما
يتقبلها به غيره، فإن لم يتقبلها بذلك جاز للإمام ع أن ينتزعها من يده
ويقبلها لغيره كما يراه، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده بعد اخراج مال القبالة
وما لحقه عليها من المؤن العشر أو نصف العشر حسب ما يراه الإمام ع.
باب الجزية:
أحكام الجزية تبين بذكر أشياء: منها من يجب أخذ الجزية منه ومن لا يجوز
184

أخذها منه، ومنها ما ينبغي أخذه منها، ومنها من المستحق لها، ونحن نفرد كل
واحد من ذلك بابا نذكره فيه، إن شاء الله.
باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ومن لا يجوز أخذها منه:
الذي يجوز أخذ الجزية منه هو كل مكلف ذكر من اليهود والنصارى والمجوس
امتنع عن الاسلام وأجاب إلى إعطائها، وأما الذي لا يجوز أخذها من الكفار فهو
جميع النساء والأطفال والبله والمجانين من اليهود والنصارى والمجوس.
فأما جميع أصناف الكفار المخالفين لليهود والنصارى والمجوس فلا يقبل
منهم إلا الاسلام أو القتل ولا يقبل من أحد منه جزية على حال.
ومن لم يؤد الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إلى أن أسلم فقد أسقطت عنه
بالإسلام ولم يجز أخذها منه ولا إلزامه بها على وجه من الوجوه وسائر الأحوال سواء
كان إسلامه حصل قبل حلولها عليه أو في وقت حلولها أو بعد ذلك. وقد ذكر جواز
أخذها منه إن كان إسلامه حصل وقد حلت عليه والصحيح ما قدمناه.
باب في ذكر ما ينبغي أخذه من الجزية:
الذي ينبغي أخذه من الجزية ليس له مقدار معين بل ذلك إلى الإمام ع،
يأخذ من كل واحد ممن يجب عليه أخذها منه ويضعها عليه بحسب ما
يراه، وهو مخير بين وضعها على رؤوسهم أو على أرضيهم إلا أنهم متى وضعها على
أرضيهم لم يضعها على رؤوسهم.
وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أنه وضع على
الأغنياء منهم ثمانية وأربعين درهما وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما وعلى
الفقراء منهم اثني عشر درهما وذلك منه ع بحسب ما يراه في وقته.
وإذا وجبت الجزية على واحد ممن ذكرناه ودفعها من ثمن ما يستحله مثل
الخمر وغيره من المحرمات في شريعة الاسلام كان أخذ ذلك منه جائزا والإثم فيه
185

عليه ولا إثم على أخذ له منه.
باب في ذكر المستحق للجزية:
المستحق لأخذ الجزية هو كل من قام مع الإمام ع من المسلمين - في
نصرة الاسلام والذب عنه - مقام المهاجرين لأن المهاجرين في عصر النبي ص
هم الذين كانوا يستحقون أخذها فمن كانت صفته ما ذكرنا من
المسلمين فهو الذي يستحق أخذها وإليه يدفع دون غيره من الناس.
باب الغنائم:
كل ما يغتنمه المسلمون من الكفار فيجب اخراج الخمس منه ابتداء ويصرف
الباقي إلى ما يستحقه، وذلك على ضربين: أحدهما يختص المقاتلة دون غيرهم من
جميع المسلمين. والآخر لا يختص مقاتلا دون غيره بل هو لجميع المسلمين المقاتلة
منهم وغير المقاتلة، والذي يختص المقاتلة دون غيرهم هو جميع ما حواه العسكر
فقط.
وهذا يقسم في المقاتلة فحسب ولا يدفع إلى أحد ممن عداهم منه شئ إلا
الإمام ع فإنه يجوز أن يأخذ ذلك قبل القسمة ما يختار أخذه من الجارية
الحسناء والفرس الجواد والثوب الرفيع وما جرى مجرى ذلك.
وما لا يختص بمقاتل دون غيره ويكون لجميع المسلمين فهو كل ما اغتنمه
المسلمون ما لم يحوه العسكر من الأراضي والعقارات وغير ذلك فإن جميعه لكافة
المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل، والغائب منهم والحاضر على السواء. فإن أدرك
انسان المقاتلة لمعونتهم بعد أن قاتلوا وغنموا كان شريكا لهم فيما غنموا.
وينبغي للإمام أن يسوي بين المسلمين في القسمة ولا يفضل أحدا منهم على
أحد لشرف فيه أو زهد أو علم على من ليس هو كذلك، ويعطي للفارس سهمين
وللراجل سهما واحدا فإن كان مع الفارس منهم أكثر من فرسين لم يسهم إلا
186

لفرسين فقط، وإذا ولد في أرض الجهاد مولود دفع إليه كما يدفع إلى المقاتل وحكم
القسمة في البحر إذا كان مع المقاتلة فرسان ورجالة كحكمهما في البر لا يختلف
الأمر في شئ من ذلك.
باب في ذكر الأنفال:
الأنفال هي كل أرض تقدم ذكرها وميراث من لا وارث له وجميع المعادن وكل
غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير إذن الإمام ع، أو ممن نصبه وما
يريده الإمام أخذه لنفسه مما تقدم ذكره وجميع الأنفال كانت لرسول الله ص
في حياته وهي بعده للإمام القائم مقامه ولا يجوز لأحد من الناس
التصرف في شئ منها إلا باذنه ع.
187

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
189

كتاب الزكاة
باب وجوب الزكاة:
قال الله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم
ترحمون.
أمر الله سبحانه في هذه الآية جميع المكلفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللتين
أوجبهما عليهم وأن تطيعوا الرسول في كل ما يأمرهم به ويدعوهم إليه ليرحموا جزاء
على ذلك ويثابوا بالنعم الجزيلة. فالفرض التالي لفرض الصلاة في محكم التنزيل هو
الزكاة، فلا بد من معرفته وتحصيله إذ كان في الجهل به جهل أصل من الشريعة،
يكفر المنكر له برده ويؤمن بالإقرار به لعموم تكليفه وعدم سقوطه عن بعض البالغين
إلا لعذر.
وفي قوله " وآتوا الزكاة " في آي كثيرة ومواضع متفرقة من كتاب الله دلالة
قاطعة على أنها واجبة لأن ما رغب الله فيه فقد أراده، وكل ما أراده من العبد وأمره
به في الشرع فهو واجب إلا أن يقوم دليل على أنه نفل، وقيل: الاحتياط يقتضي
الوجوب.
وسمي بالزكاة ما يجب اخراجه عن المال لأنه نماء لما يبقى وتثمير له، وقيل: بل
هو مدح لما يبقى بعد الزكاة، فإنه زكى به أي مطهر، كما قال: أ قتلت نفسا
زكية، أي طاهرة.
وقوله في أول البقرة: ومما رزقناهم ينفقون. عن ابن عباس: إنه الزكاة
191

المفروضة يؤتيها احتسابا، وقال الضحاك: هو التطوع بالنفقة فيما قرب من الله.
والأولى حمل الآية على عمومها في من أخرج الزكاة الواجبة والنفقات الواجبة وتطوع
بالخيرات.
فصل:
وقال تعالى: وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا
بالله.
وقال: أ لم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة.
هذه الآية نزلت في ناس من الصحابة استأذنوا النبي ص في قتال
المشركين منهم عبد الرحمن بن عوف وهم بمكة فلم يأذن لهم، فلما كتب عليهم
القتال وهم بالمدينة قال فريق منهم: ما حكاه الله في الآية.
فإن قيل: كيف يصح ذلك قد أمرهم الله بإيتاء الزكاة ولم تكن الزكاة فرضت
بمكة.
قلنا: إنما قال الله ذلك وأمر بها على وجه الاستحباب والندب دون الزكاة
المقدرة على وجه مخصوص.
وقيل: الآية نزلت في اليهود، نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا مثل صنيعهم
. على أن العقل دال على حسن الإحسان والإنفاق، فجائز أن يعلم الكافر
حسنه، غير أنه وإن علم ذلك لا يقع منه على وجه يكون طاعة لأنه لو واقعها على
ذلك الوجه لا يستحق الثواب، وهذا لا يجوز، فبين الله في الآية الأولى أنه لا يثيب
من فعل الخيرات إذا كان كافرا.
فصل:
وقوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق، إلى قوله: وآتى
192

المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي
الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة.
لا خلاف أن هذه الآية تدل على وجوب إعطاء الزكاة، وتدل أيضا في قول
الشعبي والجبائي على وجوب غيره مما له سبب وجوب كالإنفاق على من يجب عليه
نفقته وعلى من يجب عليه سد رمقه إذا خاف التلف، وعلى ما يلزمه من النذور
والكفارات، ويدخل أيضا منها ما يخرجه الانسان على وجه التطوع والقربة إليه
تعالى لأن ذلك كله من البر.
ومعنى قوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، أي
ليس الدين والخير الصلاة وحدها لكنه الصلاة مع العبادات الأخر المذكورة.
عن ابن عباس فإن قيل: فقوله " وأقام الصلاة وآتى الزكاة " معطوف على قوله "
وآتى المال على حبه ذوي القربى " فلم كرر وليس فيه زيادة فائدة؟
قلنا: إنما قال تعالى " وآتى الزكاة " وقد تضمن قوله " وآتى المال على
حبه ذوي القربى " إيتاء الزكاة توكيدا لأمر الزكاة وتنبيها على أنها تالية
للصلاة، فجمع بينهما في الذكر كما تحبان على حد واحد.
وقيل: إن قوله " وآتى المال على حبه ذوي القربى " ليس يتناول الزكاة
المفروضة في هذه الآية، وإنما تدل على وجوب الزكاة قوله " وآتى الزكاة "،
وإنما يدل قوله " وآتى المال على حبه " على الانفاق على أولئك إذا عرف منهم
شدة الحاجة، ولا يخرجه ذلك من أن يكون واجبا كما يجب عليه النفقات في أهله
وولده، ورتب الله هذا الترتيب لتقديم الأولى فالأولى.
فصل:
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "
والفقير لا تجب عليه الصدقة وإن لم ينفق فإنه غير مخاطب به.
قلنا: الكلام خرج مخرج الحث على الصدقة إلا أنه على ما يصح ويجوز من
193

إمكان النفقة، فهو مقيد في الجملة بذلك إلا أنه أطلق الكلام به للمبالغة في
الترغيب فيه. وقال الحسن: هو الزكاة الواجبة وما فرض الله في الأموال خاصة.
والأولى أن تحمل الآية على الخصوص، بأن تقول: هي متوجهة إلى من يجب
عليه اخراج شئ أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه، ويكون ذلك أيضا
مشروطا بأن لا يعفو الله عنه. أو نقول: " لن تنالوا البر " الكامل الواقع على
أشرف الوجوه " حتى تنفقوا مما تحبون ".
وقيل في معنى " البر ": إنه الجنة، وقيل: إنه البر من الله بالثواب والجنة،
وقيل: البر فعل الخير الذي يستحقون به الأجر.
فإذا ثبت وجوب الزكاة فاعلم أنه يحتاج فيها إلى معرفة خمسة أشياء: ما تجب
فيه، ومن يجب عليه، ومقدار ما تجب فيه، ومتى تجب، ومن المستحق لها. ويدخل
في القسم الأخير مقدار ما يعطي.
والطريق إلى معرفتها الكتاب والسنة جملة وتفصيلا، ونحن نشير إليها في
أبواب.
الباب الأول:
فيما تجب فيه الزكاة وكيفيتها وما تستحب فيه الزكاة:
الزكاة عندنا لا تجب إلا في تسعة أشياء بينها رسول الله ص،
بقوله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه، وقال: وأنزلنا إليك الذكر لتبين
للناس ما نزل إليهم. وهي الأنعام والأثمان والغلات والثمار، وما عداها من
الحبوب تستحب فيه الزكاة.
فصل:
والذي يدل على صحته زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى: ولا يسألكم
أموالكم، والمعنى أنه لا يوجب في أموالكم حقوقا لأنه تعالى لا يسألنا أموالنا إلا
194

على هذا الوجه.
وهذا الظاهر يمنع من وجوب حق في الأموال مما أخرجناه منه، فهو بالدليل
القاطع وما عداه باق تحت الظاهر، فإن تعلق المخالف بقوله " وآتوا حقه يوم
حصاده " وأنه عام في جميع الزروع وغيرها مما ذكر في الآية.
فالجواب عنه: إنا لا نسلم أن قوله تعالى " وآتوا حقه " يتناول العشر أو
نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة، فمن ادعى تناوله لذلك فعليه الدلالة.
وعند أصحابنا أن ذلك يتناول ما يعطي المسكين والفقير المجتاز وقت الحصاد
والجذاذ من الحفنة والضغث، فقد رووا ذلك عن الأئمة ع، فمنه ما
روي عن أبي جعفر ع في قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، قال:
ليس ذاك الزكاة، أ لا ترى أنه قال: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.
وهذه نكتة منه ع مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا فيما
ليس بمقدر، والزكاة مقدرة. وليس لأحد أن يقول: إن الإسراف هنا هو أن يعطي غير
المستحق، لأن ذلك مجاز، ولا يجوز ترك الظاهر الذي هو الحقيقة والخروج إلى المجاز
إلا بدليل ولا دليل ههنا.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قيل له: يا ابن رسول الله وما حقه؟
قال: يناول منه المسكين والسائل.
والأحاديث بذلك كثيرة ويكفي احتمال اللفظ، وإن كان يقوى هذا التأويل
أن الآية تقتضي أن يكون العطاء في وقت الحصاد والعشر المفروض أو نصفه في
الزكاة لا يمكن في تلك الحال لأن العشر أو نصفه مكيل ولا يؤخذ إلا من مكيل وفي
وقت الحصاد لا يكون مكيلا ولا يمكن كيله، وإنما يكال بعد تذريته وتصفيته،
فتعليق العطاء بتلك الحال لا يمكن إلا بما ذكرناه.
ويقوى هذا التأويل ما روي عن النبي ص من النهي عن الحصاد والجذاذ بالليل، وإنما نهى عن
ذلك لما فيه من حرمان المساكين ما ينبذ
إليهم من ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا
195

يستثنون.
وما يقوله قوم في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده، من أنها مجملة ولا دليل
فيها، فليس بصحيح لأن الاجمال هو في مقدار الواجب لا الموجب فيه.
فصل:
فإن قيل في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده، قد سماه الله تعالى حقا، وذلك
لا يليق إلا بالواجب.
قلنا: قد يطلق اسم " الحق " على الواجب والمندوب إليه، ألا ترى إلى ما روي
عن جابر أن رجلا قال لرسول الله ص: هل على حق في إبلي سوى
الزكاة؟ قال: نعم تحمل عليها وتسقي من لبنها.
فإن قالوا: فظاهر قوله " وآتوا حقه " يقتضي الوجوب، وما ذكرتموه ليس
بواجب.
قلنا: إذا سلمنا أن ظاهر الأمر شرعا على الوجوب أو الإيجاب كان لنا من
الكلام طريقان:
أحدهما: أن نقول: إن ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر
آخر له كترك ظاهر ذلك ليسلم هذا، وأنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب ههنا تركتم تعلق العطاء بوقت
الحصاد، وليس أحد هذين الأمرين إلا كصاحبه، وأنتم المستدلون بالآية فخرجت
من أن تكون دليلا لكم.
والطريق الآخر: إنا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد، وإن لم يكن
مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطى لم نقل بعيدا من الصواب.
فإن تعلق مخالفنا بقوله تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا
لكم من الأرض، وأن المراد بالنفقة ههنا الصدقة، بدلالة قوله تعالى: والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، يعني لا يخرجون زكاتها.
فالجواب عن ذلك أن اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلا مجارا، ولا يعقل من
196

إطلاق لفظ الانفاق إلا ما كان من المباحات وما جرى مجراها، ثم لو سلمنا ظاهر
العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة التي ذكرناها.
فصل:
وقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل
عليهم. أمر من الله لنبيه ص أن يأخذ من المالكين النصاب، الإبل
إذا بلغت خمسا، والبقر إذا بلغت ثلاثين، والغنم إذا بلغت أربعين، والورق إذا بلغ
مائتين، والذهب إذا بلغ عشرين مثقالا، والغلات والثمار إذا بلغت خمسة أوسق.
تطهيرا لهم بها من ذنوبهم، ووجب على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته ونهيه
لها عن خلافه، والإمام قائم مقام النبي ص فيما فرض عليه من
إقامة الحدود والأحكام لأنه مخاطب في ذلك الخطابة.
وقوله: خذ من أموالهم، بدل على أن الأخذ يجب من اختلاف الأموال لأنه
تعالى جمعه، ولو قال: خذ من مالهم، لأفاد وجوب الأخذ من جنس واحد متفق.
و " من " دخلت للتبعيض، فكأنه قال: خذ بعض مختلف الأموال.
وظاهر الآية لما ذكرنا لا يدل على أنه يجب أن يأخذ من كل صنف لأنه لما
ذكرنا لا يدل على أنه يجب أن يأخذ من كل صنف لأنه لو أخذ من صنف واحد
لكان قد أخذ بعض الأموال، وإنما يعلم ذلك بدليل آخر.
و " الصدقة " عطية ماله قيمة في الشرع للفقير والحاجة، و " البر " عطية
لاجتلاب المودة، ومثله " الصلة ".
وإنما ارتفع " تطهرهم " لأمرين: إما أن يكون صفة الصدقة وتكون التاء
للتأنيث، وقوله " بها " تبيين له، والتقدير صدقة مطهرة. وإما أن تكون التاء
لخطاب النبي ع، والتقدير فإنك تطهرهم بها وهو أيضا صفة الصدقة إلا
أنه اجتزأ بذكر " بها " في الثاني عن الأول.
وقيل: يجوز أن يكون على الاستئناف وحمله على الاتصال أولى
197

وقيل: في هذه الصدقة قولان: أحدهما قال الحسن: إنها كفارة الذنوب التي
أصابوها، وقال غيره: هي الزكاة الواجبة.
وأصل " التطهير " إزالة النجس، فالمراد ههنا إزالة نجس الذنوب على المجاز
والاستعارة.
وقوله تعالى: وصل عليهم، أمر من الله لنبيه ص أن يدعو لمن
يأخذ منه الصدقة، وقال قوم: يجب ذلك على كل ساع يجمع الصدقات أن يدعو
لصاحبها بالخير والتزكية والبركة كما فعل رسول الله ص.
وعن ابن عباس: قالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا،
فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله " خذ من أموالهم صدقة ".
فصل:
ولا تجب الزكاة في عروض التجارة، وإنما تستحب على بعض الوجوه. فإن
تعلق المخالف بقوله: خذ من أموالهم صدقة، وأن عموم القول يتناول عروض
التجارة.
فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما، والعموم
معرض للتخصيص، ونحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا.
على أن مخالفينا لا بد لهم من ترك هذا الظاهر في عروض التجارة لأنهم
يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة، وهذا
ترك للظاهر وخروج عنه. ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظ في الآية على
الأصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها، وإذا قمنا في ذلك مقامهم وهم
المستدلون بالآية بطل استدلالهم.
وبمثل هذا الكلام نبطل تعلقهم بقوله: وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم.
ويمكن أن يقال في هذه الآية: إنها خرجت مخرج المدح لهم لما فعلوه لا على
198

سبيل إيجاب الحق في أموالهم لأنه تعالى قال: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون
وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم، فأخرج
الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه، وليس في إيجاب الله في أموالهم حقا معلوما
للسائل والمحروم، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا
ومتطوعا به، وقد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب إليه.
ولا تعلق لهم بقوله: وآتوا الزكاة، لأن اسم الزكاة اسم شرعي، ونحن لا
نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم، فعلى من ادعى ذلك أن يدل
عليه.
والدين إذا كان يد صاحبه تمتد إليه ولا يتعذر عليه كانت الزكاة فيه، وإذا لم
يتمكن من قبضه لتأجيله أو دفعه باليد عنه فلا زكاة فيه على صاحبه. وبذلك
نصوص عن آل محمد ع وأن الله لم يجعل في الدين من حرج ولا كلف
عسيرا بنص التنزيل.
فصل:
وقوله تعالى: أ لم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ
الصدقات.
سبب ذلك أنهم لما سألوا النبي ص أن يأخذ من مالهم ما يكون
كفارة لذنوبهم فامتنع النبي ص من ذلك حتى أذن له فيه بقوله
تعالى: خذ من أموالهم صدقة، على ما قدمناه، فبين الله تعالى ههنا أنه ليس إلى
النبي ص قبول توبتكم وأن ذلك إلى الله دونه، فإنه تعالى هو الذي "
يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات " أي يأخذها بتضمن الجزاء عليها
كما يؤخذ الهدية.
قال الجبائي: جعل الله أخذ النبي والمؤمنين للصدقة أخذا له تعالى على وجه
المجاز، من حيث كان يأمره وأكده النبي ص بقوله: إن الصدقة تقع
199

في يد الله قبل أن تصل إلى السائل.
وفي التفسير: أن أبا لبابة وأصحابه لما بشرهم رسول الله بقبول الله توبتهم
ومغفرته لهم قالوا: نتقرب بجميع أموالنا شكرا لما أنعم الله به علينا من قبول توبتنا،
فقال النبي ص: يكفيكم الثلث.
فصل:
وقوله تعالى: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم
المضعفون. يدل على أن النية واجبة في الزكاة لأن إعطاء المال قد يقع على وجوه
كثيرة: منها إعطاؤه على وجه الصدقة، ومنها إعطاؤه على وجه الهدية، ومنه
الصلة، ومنه الوديعة، ومنه قضاء الدين، ومنه القرض، ومنه البر، ومنه الزكاة،
ومنه النذر وغير ذلك. وبالنية يتميز بعضها من بعضها.
قال الكلبي في معنى الآية: يضاعف الله أموالهم في الدنيا، ونحوه قوله: مثل
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في
كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء.
قال الربيع والسدي: الآية تدل على النفقة بسبع مائة ضعف لقوله: سبع
سنابل، فأما غيرها فالحسنة بعشرة لقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها، ومعنى الآية أي يضاعف الله لهم الحسنات.
فإن قيل: هل رئي في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟
قلنا: إن ذلك متصور، فشبه به لذلك وإن لم ير، كقول امرئ القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقال تعالى: طلعها كأنه رؤوس الشياطين. وقيل: يرى ذلك في سنبل
الدخن، وقد يكون ذلك عبارة عن حب كثير.
وهذه الآية متصلة بقوله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا، وهذا
مجاز لأن حقيقته أن يستعمل في الحاجة ويستحيل ذلك، ومعناه التلطف في
200

الاستدعاء إلى أعمال البر.
وحملت اليهود لما نزلت هذه الآية، فقالوا: الذي يستقرض منا فنحن أغنياء
وهو فقير إلينا، فأنزل الله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن
أغنياء.
فصل:
وقوله تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات... الآية. دلالة على أنهم لم
ينظروا إلى كيفية القسمة أ هي عادلة أم جائرة، وإنما اعتبروا إعطاءه إياهم فقط،
فإن أعطاهم قالوا: عدل وأحسن، وإن لم يعطهم سخطوا وأنكروا. وهذا جهل
ومعلوم أن من لم يرض قسمة النبي ع الصدقات وطعن عليه فيها سرا
وجهرا إما كافر أو منافق.
و " اللمز " العيب في خلوة، أي من المنافقين من يعيبك في تفريق الصدقات.
وقال النبي ع: لا أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن أضع
حيث أمرت.
ولا تعجب إن اختلف أحكام الصدقات، فالغلات والثمار لا يراعى فيها حؤول
الحول وشرطها اثنان الملك والنصاب، ويراعى الحول الحول في الأنعام والأثمان،
ومن شرط الأنعام الملك والنصاب والسوم، ومن شرط الأثمان الملك والنصاب،
وكونهما مضروبين منقوشين دنانير ودراهم.
وهذا التفصيل إنما نعلمه ببيان الرسول ع، قال تعالى: ما آتاكم
الرسول فخذوه، فبيانه في مثل ذلك بالقول وبيانه في تفريقها بالعمل وكلاهما
بيان.
ثم قال تعالى: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله، وجوابه محذوف، أي لكانوا
مؤمنين. والحذف في مثل هذا أبلغ لأن الذكر يقصره على معنى، والحذف يجوز،
كل ممكن محتمل، تذهب النفس معه كل مذهب، والله أعلم.
201

الباب الثاني: في ذكر من يستحق الزكاة وأقل ما يعطي:
قال الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها
والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة
من الله.
أخبر الله في هذه الآية أنه ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا الفقراء
والمساكين ومن ذكرهم الله في الآية.
وفسر العالم ع هذه الأصناف الثمانية فقال: الفقراء الذين لا يسألون
لقوله تعالى في سورة البقرة: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله... الآية،
والمساكين هم أهل الديانات منهم الرجال والنساء والصبيان، والعاملين عليها هم
السعاة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها، والمؤلفة قلوبهم
قال: هم قوم وحدوا الله ولم يدخل قلوبهم أن محمدا رسول الله ص
فكان ع يتألفهم فجعل لهم نصيبا بأمر الله لكي يعرفوا ويرغبوا، وفي
الرقاب قوم لزمتهم كفارات من قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في
الحرم وليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون.
وقال بعض العلماء: جعل الله الزكوات لأمرين: أحدهما سد خلة، والآخر
تقوية ومعونة لعز الاسلام. واستدل بذلك على أن المؤلفة قلوبهم في كل زمان،
والغارمين الذين ركبتهم الديون في مباح أو طاعة، وفي سبيل الله الجهاد وجميع
مصالح المؤمنين، وابن السبيل المسافر المنقطع به والضيف.
فصل:
اختلفوا في الفرق بين الفقير والمسكين، فقال ابن عباس وجماعة: الفقير المتعفف
الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل، ذهبوا إلى أنه مشتق من المسكنة بالسؤال.
وهذا الخلاف في الفقير والمسكين لا يخل بشئ في باب الزكاة لأنهما جميعا من
جملة ذوي السهام الثمانية سواء كان هذا أشد حالا أو ذاك، إلا أنه ليس كلا
202

اللفظين عبارة عن شئ واحد.
وقال النبي ع: ليس المسكين الذي يرده الأكلة والأكلتان والتمرة
والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى فيعينه ولا يسأل الناس إلحافا.
وقال قتادة: الفقير ذو الزمانة من أهل الحاجة، والمسكين من كان صحيحا
محتاجا.
وقال قوم: هما بمعنى واحد إلا أنه ذكر بالصفتين لتأكيد أمره، وليعطى من له
شئ لا يكفيه كما يعطي من لا شئ له.
وسمي المحتاج فقيرا من حيث كأنه كسر فقار ظهره، والمسكين كأن الحاجة
سكنته عن حالة أهل السعة والثروة.
ومن قال: المساكين أحسن حالا، استدل بقوله: أما السفينة فكانت
لمساكين، ومن قال: هما سواء، قال كانت السفينة مشتركة بين جماعة لكل واحد
شئ يسير.
" والعاملين عليها " يعني سعاة الزكاة وجباتها.
" والمؤلفة قلوبهم " أقوام أشراف كانوا في زمن النبي ع، فكان
يتألفهم على الاسلام ويستعين بهم على قتال غيرهم، فيعطيهم سهما من الزكاة.
فقال قوم: كان هذا خاصا على عهد النبي ص، وروى جابر عن
الباقر ع: أنه ثابت في كل عصر إلا أن من شرطه أن يكون هناك إمام
عدل يتألفهم على ذلك، واختاره الجبائي.
" وفي الرقاب " يعني المكاتبين. وأجاز أصحابنا أن يشترى به عبد مؤمن إذا
كان في شدة ويعتق من مال الزكاة ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة، وهو قول ابن
عباس وجعفر بن مبشر.
والمكاتب إنما يعطي من الصدقة إذا لم يكن معه ما يعطي ما عليه من مال
الكتابة فإن كان ذلك عنده فإنه لا يعطي شيئا، هذا إذا حل عليه نجم وليس معه
ما يعطيه أو ما يكفيه لنجمه، وإن لم يكن معه شئ غير أنه لم يحل عليه نجم فإنه
203

يجوز أيضا أن يعطي لعموم الآية.
" والغارمين " هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف فيقضى
عنهم ديونهم. هذا قول أبي جعفر ع، وعليه جميع المفسرين.
" وفي سبيل الله " يعني الجهاد بلا خلاف. ويدخل فيه عند أصحابنا جميع
مصالح المسلمين، وهو قول ابن عمر وعطاء، وبه قال البلخي، فإنه قال: يبني منه
المساجد والقناطر وغير ذلك، وهو قول جعفر بن مبشر.
" وابن السبيل " هو المسافر المنقطع به فإنه يعطي من الزكاة وإن كان غنيا في
بلده من غير أن يكون دينا عليه. وهو قول قتادة ومجاهد، ويستحب له إذا وصل إلى
ماله أن يتصدق مثل ما أخذه حيث انقطع به.
فصل:
إذا دفع صاحب المال زكاته إلى الفقير بغير إذن الإمام عند حضوره فللإمام أن
يعيد عليه ويطالبه بالزكاة، بدلالة تعلق فرض الأداء به، قال الله تعالى: خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، والإمام مخاطب بعد النبي ص
بما خوطب به في تنفيذ الأحكام.
واختلفوا في مقدار ما يعطي الجابي للصدقة، فقال مجاهد والضحاك: يعطي
الثمن بلا زيادة، وقال به عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن وابن نهد، وهو قدر
عمالته وهو المروي في أخبارنا.
واللام في قوله " للفقراء " ليست للملك، إذ لا خلاف أن الصدقات لا
يملكها الفقراء بالوجوب وإنما تصير حقا لهم ولمن عطف عليهم، واللام إذا دلت
على الحق لم يجب فيها العموم، إذ الحق قد يكون للفقراء ويكون الاختيار إلى من
يضعه فيهم فله أن لا يعمهم، وإن كان قبل الوضع لجماعتهم فقد صار التخصيص
في التمليك يصح مع كونه حقا على طريق العموم، فإذا أبيت من ذلك فالواجب
من الظاهر أن لا يقطع على كونه حقا لجماعتهم. يبين ذلك أنه لو كان كذلك لما
204

جاز في الصدقة أن يوضع في ثلاثة مساكين بل كان يجب وضعها في جميع من يتمكن
منه في البلد، وقد أجمعوا على خلافه.
وقال الباقر ع: إن لقاسم الزكاة أن يضعها في أي الأصناف شاء،
وإليه ذهب ابن عباس وحذيفة وعمر وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير.
وقال بعض المتأخرين: لا يضعها إلا في سبعة أصناف لأن المؤلفة قلوبهم قد
انقرضوا، وإن قسمها الانسان عن نفسه ففي ستة لأنه بطل سهم العامل عليها،
وزعم أنه لا يجزئ في كل صنف أقل من ثلاثة.
وعندنا أن سهم المؤلفة والسعاة وسهم الجهاد قد سقط اليوم ويقسم في الخمسة
الباقية كما شاء رب المال، وإن وضعها في فرقة منهم جاز إلا أن أقل ما يعطي
مستحق ما يجب في نصاب ولا يكسر إلا في الغلات والثمار، والاحتياط فيها أن لا
يكسر في نصابها أيضا.
وأجمعت الأمة على أن الصدقات يخالف حكمها حكم الوصية لأنه إن أوصى
بسهام ثم تعذر بعضها في البلد لم يجز صرفها إلى الموجودين فيه، ولم يختلفوا في جواز
ذلك في الزكاة، فقد ثبت أن هذه السهمان جهات لجواز الوضع فيهم، فكان الله
وسع على المصدق القاسم الحال في ذلك، فجاز أن يضعه في جميعهم كيف شاء،
وجاز أن يضع جميعه في بعضهم إذا رأى ذلك أولى وأحق في الحال.
فصل:
قد ذكرنا من قبل أنه يجوز أن يشترى المملوك من مال الزكاة فيعتق إذا كان
حاله ما قدمناه، والدليل عليه قوله: إنما الصدقات للفقراء، إلى قوله: وفي
الرقاب. وهذا نص صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة.
فإن قيل: المراد بقوله " وفي الرقاب " المكاتبون، فإن الفقهاء كلهم يجيزون أن
يعطي المكاتب من مال الزكاة إلا مالكا.
قلنا: نحمله على المكاتب وعلى من يبتاع فيعتق لأنه لا تنافي بين الأمرين،
205

فظاهر القول يتناول الكل ولا مخصص لعمومه، فمتى استفاد هذا المعتق من الزكاة
مالا ثم مات فماله إذا لم يكن له وارث من النسب والزوجية لأهل الزكاة لأنه
اشترى من مالهم.
ويجوز أن يكفن من الزكاة الموتى ويقضى بها الدين عن الميت، وباقي الفقهاء
يخالفوننا فيه.
والحجة لأصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله " وفي سبيل الله " في آية وجوه
الصدقة التي ذكرناها. ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثواب الله والوصلة إلى التقرب
إليه تعالى، ولما كان ما ذكرنا مقربا إلى الله وموصلا إلى الثواب جاز صرفه فيه.
فإن قيل: المراد بقوله " وفي سبيل الله " ما ينفق في جهاد العدو.
قلنا: كل هذا مما يوصف بأنه سبيل الله، وإرادة بعضه لا يمنع من إرادة بعض
آخر.
وقد روى مخالفونا عن ابن عمر: أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله، فقال
ابن عمر، إن الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه.
ورووا عن النبي ص: أن الحج والعمرة من سبيل الله.
الباب الثالث: في ذكر من يجب عليه الزكاة وذكر أحكام الزكاة كلها:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم.
هذا وإن كان خطابا للمؤمنين دون سائر الناس، فلا يدل على أن الكافر غير
متعبد به لأن الأمر المتوجه إليك لا يكون نهيا لغيرك. مع أن جميع المؤمنين لا يجب
عليهم الزكاة، وإنما تجب على من يكون حرا يملك النصاب مع شرائطها الأخر
المذكورة، وقد قال الله تعالى: وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة،
فقد توعدهم على ترك الزكاة الواجبة عليهم لأنهم متعبدون بجميع العبادات
ومعاقبون على تركها.
قال الزجاج: معناه ويل للمشركين الذين لا يؤمنون بأن الزكاة واجبة عليهم.
206

وإنما خص الزكاة بالذكر تقريعا لهم على شحهم الذي يأنف منه أهل
الفضل، والصحيح أنه عام في جميع ذلك، وحسن الإحسان والإنعام يعلم على
الجماعة عقلا.
ولا زكاة واجب في صامت أموال الصبيان، وتجب فيما عدا ذلك من أنعامهم
وغلاتهم وثمارهم. وبهذا نصوص عن آل محمد عليه وعليهم السلام، ويؤيدها قوله
تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة
والصبي غير مخاطب بالصلاة، وقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها، والصبي لا يحتاج إلى التطهير إذ لا ذنب له ولا تكليف عليه.
فأما زكاة حرثه ونعمه فمأخوذ من قوله: والذين في أموالهم حق معلوم.
وقد ثبت أن القرآن لا يتناقض ولا تختلف معانيه، ولم يكن طريق إلى الملائمة بين
معانيه إلا على الوجه الذي ذكرناه مع وفاق السنة في ذلك له.
وقوله تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم، يدخل في الزكاة المفروضة
وغيرها من أنواع النفقة.
وقال عبيدة السلماني والحسن: هي مختصة بالزكاة، لأن الأمر على الإيجاب
ولا يجب من الانفاق على الكل إلا الزكاة.
وقال الجبائي: هي في التطوع، لأن الفرض من الصدقة له مقدار من القيمة إن
قصر كان دينا عليه إلى أن يؤديه على التمام.
فصل:
وقوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.
عن أمير المؤمنين ع والبراء والحسن وقتادة: أنها نزلت لأن بعضهم
كان يأتي بالحشف فيدخله في تمر الصدقة. وقال ابن زيد: الخبيث الحرام، والأول
أقوى، والعموم يستغرقهما إلا أنه تعالى قال: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما
أخرجنا لكم من الأرض، ثم قال: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، يعني
207

من الذي كسبتم أو أخرجه الله من الأرض، والحرام وإن كان خبيثا فليس من
ذلك غير أنه يمكن أن يراد بذلك لأنه لا ينافي السبب.
فأما إذا كان مال المزكي كله رديئا فجائز له أن يعطي منه ولا يدخل فيما نهي
عنه لأن تقدير ما جعله الله للفقير في مال الغني تقدير حصة الشريك، فليس لأحد
الشريكين أن يأخذ الجيد ويعطي صاحبه الردئ لما فيه من الوكس، فإذا استوى
في الرداءة جاز له إعطاء الزكاة من الردئ لأنه حينئذ لم يبخسه حقا هو له كما
يبخسه في الأول.
ويقوى القول الأول قوله: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، لأن الإغماض
لا يكون إلا في الشئ الردئ دون ما هو حرام.
والأجناس التسعة التي تجب فيها الزكاة تدخل تحت قوله: أنفقوا من
طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض، وكذا الأجناس الخمسة
التي يستحب فيها الزكاة تدخل تحته.
وعن الصادق ع: أن الآية نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية
كانوا يتصدقون منه، فنهى الله عنه وأمر بالصدقة من الطيب الحلال.
فعليك أيها الناظر في كتابي هذا أن تتدبره، فإن السنة منهاجي ومنها
أجئ، وبيان الكتاب من السنة.
فصل:
وقوله تعالى: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، في معناه قولان:
أحدهما أن لا تتصدقوا بما لا تجدونه من غرمائكم إلا بالمسامحة والمساهلة،
فالإغماض المساهلة.
والآخر معناه لا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا أن تحظوا من الثمن فيه، ومثله قول
الزجاج، أي لستم تأخذونه إلا بوكس فكيف تعطونه في الصدقة.
ثم قال: إن الله غنى عن صدقاتكم يقبلها منكم ويحمدكم عليها ويجازيكم
208

عليه، ثم حذر من الشيطان المانع من الصدقة فإنه يعدكم الفقر بتأدية زكاتكم
ويأمركم بالإنفاق من الردئ، وسماه " فحشاء " لأن فيه معصية الله، والله يعدكم
أن يخلف عليكم خيرا من صدقتكم.
وعن ابن عباس: اثنان من الله واثنان من الشيطان. وقال الصادق ع:
للشيطان لمة وللملك لمة، فلمة الشيطان وعده بالفقر وأمره بالفاحشة،
ولمة الملك أمره بالإنفاق ونهيه عن المعصية.
ثم ذكر تعالى صفة الانفاق ورغب فيه، فقال: إن تبدوا الصدقات فنعما
هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم.
اعلم أن صدقة التطوع إخفاؤها أفضل لأنه أبعد من الرياء، والمفروض لا يدخله
الرياء ويلحقه تهمة المنع بإخفائها فإظهارها أفضل، عن ابن عباس، وكذا روي
عن الصادق ع أنه قال: الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية،
وغير الزكاة إن دفعه سرا فهو أفضل. وقيل: الإخفاء في كل صدقة من واجب وغيره
أفضل، عن الحسن، وهو الأشبه بعموم الآية، وعليه يدل إخبارنا على أن الأول
حسن، ونحوه أن إظهار الصلوات الخمس أفضل دفعا للتهمة، وإخفاء النوافل
أحسن دفعا للرياء.
والصدقة والزكاة يتداخل معناهما وإن كان الزكاة وضعت عرفا أولا في
الفرض، والصدقة في النفل. والإبداء الإظهار، والإخفاء الإسرار.
وقوله تعالى " فنعما هي " أي نعم شيئا أبداؤها، " فما " نكرة وهي في موضع
نصب لأنه يفسر الفاعل المضمر قبل الذكر في نعم، والإبداء هو المخصوص بالمدح،
فحذف المضاف الذي هو الإبداء وأقيم المضاف إليه الذي هو
ضمير الصدقات، وهو " هي ".
فصل:
وقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة. عن الصادق ع: نزلت هذه
209

الآية في شهر رمضان، فأمر رسول الله ص مناديه فنادى في الناس:
إن الله قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض عليكم من
الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعفا عما
سوى ذلك، ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل
فصاموا وأفطروا، فأمر ع مناديه فنادى: أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل
صلاتكم، قال: ثم وجه عمال الصدقة.
وقد بعث أمير المؤمنين ع مصدقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له:
يا عبد الله عليك بتقوى الله، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك، وكن حافظا لما ائتمنتك
عليه راعيا لحق الله فيه حتى تأتي نادى بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير
أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ثم
قل لهم: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل
لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم
لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا، فإذا أتيت ماله فلا
تدخله إلا باذنه فإن أكثره له، فقل: يا عبد الله أ تأذن لي في دخول مالك، فإن أذن
لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثم خيره
فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في
ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلطها واصنع
مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلا
ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشئ منها، ثم احدر ما اجتمع عندك من
كل فأد إلينا نصيره حيث أمر الله، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين
ناقة وفصيلها ولا يفرق بينهما ولا يصر لبنها فيضر ذلك بولدها، ولا يجهدنها
ركوبا، وليعدل بينهن في ذلك وليوردهن كل ماء يمر به، ولا يعدل بهن عن نبت
الأرض إلى جواد الطرق حتى تأتينا سجاحا سمانا غير متعبات ولا مجهدات،
فنقسمهن على كتاب الله وسنة نبيه على أولياء الله فإن ذلك أعظم لأجرك.
210

فقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، أمر منه تعالى نبيه بأخذ صدقاتهم على ما
تقدم، وفرض على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته، والإمام قائم مقامه فيما
فرض على النبي ص من إقامة الحدود والأحكام لأنه مخاطب بخطابه
في ذلك. ولما وجد النبي ع كان الفرض حمل الزكاة إليه، فلما غاب
من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته، فإذا غاب الخليفة كان
الفرض حملها إلى من نصبه في مقامه من خاصته، فإذا عدم السفراء بينه وبين رعيته
وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأن الفقيه أعرف بموضعها ممن لا
فقه له.
فصل:
وقوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا. قال المبرد: يعني أن
السنة للمسلمين على الأهلة لا على ما يعده أهل الكتاب، فسمى الله كل ثلاثين
يوما أو تسعة وعشرين يوما - عند تجدد رؤية الهلال بعد استسراده - شهرا، وسمي
كل اثني عشر شهرا سنة وعاما وحولا، إذ كان لا ينتظم أمر الناس إلا بضبط هذا
الحساب وإجراء الأحوال على مقتضى هذا المثال في جميع الأبواب.
ولما كان سائر الأمم سوى العرب يجعلون الشهر ثلاثين يوما والسنة بحلول
الشمس أول الحمل، وذلك إنما يكون بانقضاء ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع
يوم، واليهود والنصارى عبادتهم المتعلقة بالأوقات تجري على هذا الحساب، بين
الله أنه حكم بأن تكون السنة قمرية لا شمسية وأنه تعبد المسلمين بهذا، فجعل
حجهم وأعيادهم ومعاملاتهم وحسباناتهم ووجوب الزكوات عليهم معتبرة بالقمر
وشهوره لا بالشمس.
فإن كان مع انسان مال تام النصاب وحال عليه الحول تجب فيه الزكاة وحد
حؤول الحول فيها أنه إذا استهل هلال الشهر الثاني عشر.
والأثمان والأنعام لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول، فأما الغلات فوقت
211

الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ، وتفصيل ذلك أن وقت وجوب
الزكاة في الغلات إذا كانت حبوبا إذا اشتدت، وفي الثمار إذا بدأ صلاحها،
وعلى الإمام أن يبعث سعاته لحفظها في الاحتياط عليها كما فعل رسول الله ص
بخيبر.
ووقت الإخراج إذا ديس الحب ونقى وصفي، وفي الثمر إذا جففت وشمست
والمراعي في النصاب مجففا مشمسا.
وقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده. عن ابن عباس أنه: الزكاة العشر أو
نصف العشر، وعن الصادق ع أنه: مما ينشر مما يعطي المساكين
الضغث بعد الضغث والجفنة بعد الجفنة.
وعن السدي: الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر، لأن الزكاة لا تخرج
يوم الحصاد، ولأن هذه الآية مكية وفرض الزكاة نزل بالمدينة، ولما روي بأن الزكاة
نسخت كل صدقة. وقال الرماني: هذا غلط، لأن يوم حصاده ظرف لحقه وليس
بظرف الإيتاء المأمور به.
وقوله " ولا تسرفوا " نهى عن وضع الزكاة في غير أهله، وأن من أعطى زكاة
ماله الفاسق والفاجر فقد أسرف ووجب عليه الإعادة.
قال النبي ص: المعتدي في الصدقة كمانعها. والإسراف مجاوزة
حد الحق، وهو يكون بالتفريط والإفراط والتقصير والزيادة. والخطاب لأرباب
المال، وقيل: للسلطان، وقيل: خطاب للجميع، وهو أعم فائدة.
وروي عن ثابت بن قيس بن شماس: أنه كان له خمسمائة رأس نخلة،
فصرمها وتصدق بها ولم يترك لأهله منها شيئا، فنهى الله عن ذلك وبين أنه
سرف، ولذلك قال ع: ابدأ بمن تعول.
والآية الأولى تدل على أن الواجب تعليق الأحكام المتصلة بالشهور والسنين من
عبادات وغيرها بهذه الأشهر دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم، فمن هذا
الوجه يجب تعليق الصيام وأخذ الجزية وغيرهما بحؤول هذا الحول مؤكدة قوله: منها
212

أربعة حرم، والعدة اسم المعدود.
فصل:
وقوله تعالى: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، أي ما تنفقوا في وجوه البر من
مال فلأنفسكم ثوابه، ثم قال " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " أخبر تعالى عن
صفة المؤمنين أنهم لا ينفقون إلا طلب رضوان وقيل: معناه النهي وإن كان ظاهره
الخبر، أي لا تنفقوا إلا طلبا لرضوان الله).
ثم قال: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. قيل: هو بدل من قوله "
فلأنفسكم " والأحسن أن يكون العامل محذوفا، أي النفقة المذكورة للفقراء
الذين حبسوا ومنعوا في طاعة الله إما لخوف العدو وإما للمرض والفقر وإما للإقبال
على العبادة.
ثم وصفهم بقوله: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم
بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا.
ثم حث الناس عليها فقال: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية، أي ينفقون على الدوام إذ لا وقت سواها " فلهم أجرهم " أتى بالفاء
ليدل على أن الأجر إنما هو من أجل الانفاق في طاعة الله.
ثم عقب بآية الربا، ثم قال: وإن كان ذو عسرة، أي إن وقع في غرمائكم فقر
فتأخير إلى وقت يساره. وقال الصادق ع في حد هذا الإعسار: هو إذا لم
يقدر على ما يفضل عن قوته وقوت عياله على الاقتصاد، وهو واجب في كل دين.
وقال الباقر ع " إلى ميسرة " معناه إلى أن يبلغ خبره الإمام فيقضي
عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معروف.
" وأن تصدقوا " أي أن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدين " خير لكم إن
كنتم تعلمون " الخير من الشر، فإن كان الدين على والدك أو على والدتك أو
ولدك جاز لك أن تقضيه عنهم من الزكاة وإن لم يجز إعطاء الزكاة إياهم.
213

وقوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا
منا ولا أذى. فالمن هو ذكر ما ينقص المعروف، بأن يقول: أحسنت إلى فلان
وأغنيته ونحوه، والأذى أن يقول: أنت أبدا فقير ومن أبلاني بك وأراحني الله منك.
ثم قال: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء
الناس. فالمنافق والمنان يفعلان لغير وجه الله فلا يستحقان عليه ثوابا، ولا دليل
فيها على أن الثواب الثابت يزول بالمن.
أما قوله: يسألونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين. فقال
السدي: الآية واردة في الزكاة: يستحب تبيان مصارف الزكاة، والأظهر أن
المراد به نفقة التطوع على من لا يجوز وضع الزكاة عنده ولمن يجوز وضع الزكاة عنده،
فهي عامة في الزكاة المفروضة وفي التطوع لأنه لا دليل على نسخها.
والآية نزلت في عمرو بن الجموح، كان شيخا كبيرا ذا مال قال: يا رسول الله
بما ذا أتصدق وعلى من أتصدق؟
ثم قال: ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو. عن الباقر ع: العفو
ههنا ما فضل عن قوت السنة، فنسخ ذلك بآية الزكاة. وعن الصادق ع:
العفو الوسط، أي الإقتار ولا إسراف.
فصل:
وقوله تعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات. نزل في
حبحاب، لأنه أتى النبي ع بصاع من تمر وقال: يا رسول الله إني عملت
في النخل بصاعين فتركت للعيال صاعا وأهديت لله صاعا، فقال المنافقون: إن
الله لغني عما أتى به.
والمتطوع المتنفل من طاعة الله ما ليس بواجب.
وقوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة. أكثر المفسرين والعلماء على أن
الوعيد تناول مانع الزكاة الواجبة لأن جمع المال ليس بمحظور، وبعد اخراج حق الله
214

منه فحفظه إليه إن شاء أحرزه بالدفن في الأرض أو بالوضع في الصندوق.
وقال النبي ص: ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاة كنزه إلا
جئ بكنزه يوم القيامة فيحمى به جنبه وجبينه لعبوسه وازوراره، وجعل السائل
والساعي وراء ظهره.
روى ابن مهرايزد في تفسيره أن سائلا سأل أبا ذر وهو بالربذة: ما أنزلك هذا
المنزل؟ فقال: كنا بالشام فسألني معاوية عن هذه الآية أ هي فينا أم في أهل
الكتاب؟ فقال: قلت فينا وفيهم، فقال معاوية: بل هي في أهل الكتاب، ثم
كتب إلى عثمان أن أبا ذر يطعن فينا، فاستقدمني عثمان المدينة، فلما أقبلت قال:
تنح قليلا فتنحيت إلى منزلي هذا.
وعن الصادق ع من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت، وهو قول الله
تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا
فيما تركت.
باب ذكر الخمس وأحكامه:
قال الله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال وهي هبة من الله
للمسلمين.
والخمس يجب فيها وفي كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح
التجارات وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك، وهي خمسة وعشرون جنسا وكل
واحد منها غنيمة، فإذا كان كذلك فالاستدلال يمكن عليها كلها بهذه الآية، ويدل
عليها جملة قوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.
ووقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله، لا يراعى فيه حؤول الحول ولا
النصاب الذي في الزكاة إلا في شيئين منها: أحدهما الكنوز، فإنه يراعى فيها
215

النصاب الذي يجب فيه زكاة الأثمان، والثاني الغوص، فإنه يراعى فيه مقدار
دينار، وما عداهما لا يعتبر فيه مقدار. والتقدير واعلموا أن ما غنمتموه، " ما "
نصب اسم أن وغنمتم صلته.
وقوله: فإن لله خمسه، أي فأمره وشأنه أن لله خمسه، " فما " بمعنى الذي ولا
يجوز أن يكتب إلا مفصولا لأن كتبه موصولا يوجب كون ما كافة على ما عليه عرف
أهل اللغة والنحو.
وقال الشيخ المفيد: الخمس يجب في المعدن إذا بلغ الموجود منه مبلغا قيمته
مائتا درهم، وبذلك نصوص عن أئمة آل محمد ع، ويؤيد ذلك
قوله تعالى: واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه، وما وجد في المعدن فهو
من الغنائم بمقتضى العرف واللسان.
فصل:
فأما قسمة الخمس فإنه عندنا على ستة أقسام على ما ذكره الله: سهم
لله وسهم لرسوله، وهذان مع سهم ذي القربى للقائم مقام النبي ص ينفقهما
على نفسه وأهل بيته من بني هاشم، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء
السبيل كلهم من أهل بيت الرسول ص لا يشركهم فيها باقي الناس
لأن الله عوضهم ذلك عما أباح لفقراء سائر المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم من
الصدقات الواجبة المحرمة على أهل بيت النبي ص، وهو قول زين
العابدين والباقر ع، روى الطبري بإسناده عنهما.
واعلم أن الفقير إذا أطلق مفردا دخل فيه المسكين، وكذا لفظ المسكين إذا
أطلق مفردا دخل فيه الفقير لأنهما متقاربان في المعنى، ولم يذكر في آية الخمس
الفقراء كما جمع الله في آية الزكاة بينهما لأن هناك لهما سهمان من ثمانية أسهم،
وههنا أفرد لفظ المساكين وأراد بهم من له شئ لا يكفيه ومن لا شئ له، ولكليهما
سهم واحد من ستة أسهم.
216

فصل:
وقوله تعالى: واليتامى والمساكين وابن السبيل.
قال المغربي حاكيا عن الصابوني: إن هؤلاء الثلاث الفرق لا يدخلون في
سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه لأن سهامهم مفردة، وهو الظاهر من
المذهب.
وإفراد لفظ " ذي " في " ذي القربى " دون أن يكون ذوي القربى على الجمع
يحقق ما ذكرناه أنه للإمام القائم مقام الرسول ع.
والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب، لأن هاشما لم
يعقب إلا منه من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين، فأما ولد عبد مناف
من المطلبيين فلا شئ لهم فيه.
وعن ابن عباس (رض): الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله وسهم رسوله
واحد. وقال قوم: يقسم أربعة أقسام سهم لبني هاشم وثلاث للذين ذكرهم الله بعد
ذلك من سائر المسلمين، ذهب إليه الشافعي. وقال أهل العراق: يقسم ثلاثة أقسام
لأن سهم الرسول صرف الأئمة الثلاثة إلى الكراع والسلاح. وقال مالك: يقسم
على ما ذكره الله. وقال أبو العالية وهو رجل من صلحاء التابعين: يقسم على ستة
أقسام فسهم الله تعالى للكعبة والباقي لمن ذكر بعده.
فصل:
وعن ابن عباس ومجاهد: ذو القربى بنو هاشم. وقد بينا أن المراد بذي القربى
من كان أولى به من أهل بيته في حياته، وبعد النبي هو القائم مقامه، وبه قال على
ابن الحسين ع في رواياتهم. وقال الحسن وقتادة: سهم الله وسهم رسوله وسهم
ذي القربى لولي الأمر من بعده، وهو مثل مذهبنا.
واليتيم هو من مات أبوه وهو صغير ولم يبلغ. وابن السبيل هو المنقطع به في
سفره سواء كان له في بلده يسار أو لم يكن، ولا يجب أن يكون له في بلده يسار
217

وانقطع به في السفر لأن ذلك لا يقتضيه كلمة الأصل التي هي ابن السبيل، ولا
تفسيره الذي هو المنقطع به لأن المسافر إنما قيل له: ابن السبيل،
لأن السبيل أخرجه إلى هذا المستقر كما أخرجه أبوه إلى مستقره لقي محتاجا، والمنقطع به هو
الذي نفد ما عنده بل ضاع منه أو قطع به الطريق أو لغير ذلك، سواء كان ما
عنده قليلا أو كثيرا وسواء كان من ورائه شئ أو لم يكن.
وذكر الشيخ في المبسوط أن ابن السبيل على ضربين: أحدهما المنشئ للسفر من
بلده، الثاني المجتاز بغير بلده. وكلاهما مستحق للصدقة عند أبي حنيفة والشافعي،
ولا يستحقها إلا المجتاز عند مالك، وهو الأصح لأنهم ع فسروه فقالوا:
هو المنقطع به وإن كان في بلده ذا يسار، فدل ذلك على أنه المجتاز. وقد روي: أن
الضيف داخل فيه. والمنشئ للسفر من بلده إذا كان فقيرا جاز أن يعطي من سهم
الفقراء دون سهم ابن السبيل.
ثم قسم السفر إلى طاعة ومعصية، قال: فإذا كان طاعة أو مباحا يستحق بهما
الصدقة، ولا يستباح بسفر المعصية الصدقة. ثم قال: فابن السبيل متى كان منشئا
للسفر من بلده ولم يكن له مال أعطي من سهم الفقراء عندنا ومن سهم ابن السبيل
عندهم، وإن كان له مال لا يدفع إليه لأنه غير محتاج بلا خلاف، وإن كان مجتازا
بغير بلده وليس معه شئ دفع إليه وإن كان غنيا في بلده لأنه محتاج في موضعه.
هذا كلامه في باب الزكاة، والصحيح أن المنشئ من بلده للسفر ليعطي شيئا
في بلد آخر لا مانع من أن يدفع إليه من سهم ابن السبيل مقدار ما يوصله إلى بلده.
فصل:
قال المرتضى رضي الله عنه: إن تمسك الخصم بقوله " واعلموا أن ما غنمتم من
شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " وقال: عموم الكلام يقتضي ألا
يكون ذو القربى واحدا، وعموم قوله " واليتامى والمساكين وابن السبيل "
يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات ولا يختص ببني هاشم، ومذهبكم
218

يخالف ظاهر الكتاب لأنكم تخصون الإمام بسهم ذي القربى ولا تجعلونه لجميع قرابة
الرسول من بني هاشم، وتقولون: إن الثلاثة الأسهم الباقية هي ليتامى آل محمد
ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا تتعدونهم إلى غيرهم ممن استحق هذا الاسم وهذه
الأوصاف.
وأجاب عنه فقال: ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة، على أنه لا
خلاف بين الأمة في تخصيص هذه الظواهر لأن ذا القربى عام وقد خصوه بقربى
النبي ع دون غيره، ولفظ اليتامى والمسكين وابن السبيل عام في المشرك
والذمي والغني والفقير، وقد خصته الجماعة ببعض من له هذه الصفة، على أن من
ذهب من أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الإمام القائم مقام النبي خاصة وسمي بعد
ذلك لقربه منه نسبا وتخصصا، فالظاهر معه لأن قوله " ذي القربى " لفظ وحدة،
ولو أراد الجمع لقال: ذوي القربى، فمن حمل ذلك على الجمع فهو مخالف للظاهر.
فأما الاستدلال بأن ذا القربى في الآية لا يجوز أن يحمل على جميع ذوي
القرابات من بني هاشم، فإن ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين
وابن السبيل إذا يلزم أن يكونوا غير الأقارب لأن الشئ لا يعطف على نفسه،
فضعيف وذلك غير لازم لأن الشئ وإن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على
أخرى والموصوف واحد.
فصل:
والفئ ما أخذ بغير قتال في قول عطاء والسائب وسفيان الثوري، وهو قول
الشافعي، وهو في أخبارنا. وقال قوم: الغنيمة والفئ واحد.
وقوله تعالى: واعلموا أن ما غنمتم إلى آخر الآية، ناسخ للآية التي في الحشر
من قوله تعالى: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، قالوا: لأن الله بين في آية الغنيمة أن
الأربعة الأخماس للمقاتلة وخمسها للرسول ولأقربائه، وفي آية الحشر كلها له، وعلى
219

القول الأول لا يحتاج إلى هذا لأنه الفئ.
وعندنا الفئ اليوم للإمام خاصة، يفرقه في من يشاء يضعه في مؤونة نفسه وذي
قرابته واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل بيت النبي ص،
وليس لسائر الناس فيه شئ.
وكذلك قيل في قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء
ذي القربى، إن الأمر فيه بإعطاء ذي القربى هو أمر بصلة قرابة النبي ص،
وهم الذين أرادهم الله بقوله تعالى: فإن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى.
باب الأنفال:
روي أنه لما نزل قوله عز وجل: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى
فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل... الآية، قال
رسول الله ص لجبرئيل ع: لمن هذا الفئ؟ فأنزل الله
تعالى قوله: وآت ذا القربى حقه، فاستدعى النبي ص فاطمة
ع فأعطاها فدك وسلمها إليها، فكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي
ع من عند نزولها، فلما مضى رسول الله ص أخذها أبو بكر
ولم يقبل بينتها ولا سمع دعواها، فطالبت بالميراث لأن من له حق إذا منع من وجه
جاز له أن يتوصل إليه بوجه آخر، فقال لها: سمعت رسول الله ص
يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فمنعها الميراث بهذا الكلام،
وهذا مشهور.
وروى علي بن أسباط قال: لما ورد أبو الحسن موسى ع على المهدي
الخليفة وجده يرد المظالم فقال: ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال: ما هي يا أبا
الحسن؟ فقال: إن الله لما فتح على نبيه فدك وما والاها ولم يوجف عليها بخيل
ولا ركاب فأنزل الله على نبيه " وآت ذا القربى " فلم يدر رسول الله ص
220

من هم، فراجع في ذلك جبريل، فسأل الله عن ذلك، فأوحى الله تعالى أن
ادفع فدك إلى فاطمة، فدعاها رسول الله ص فقال لها: يا فاطمة إن
الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك، فلم
يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ص، فلما ولى أبو بكر أخرج عنها
وكلاءها، فأتته فسألته أن يرد عليها، فقال، ائتيني بأسود أو أحمر، فجاءت بأمير
المؤمنين والحسن والحسين ع وأم أيمن، فشهدوا لها فكتب لها بترك
التعرض فخرجت والكتاب معها فلقيت عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟
قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أباك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب،
وتركها ومضى، فقال له المهدي: حدها، فحدها، فقال: هذا كثير وأنظر فيه.
فصل:
وقوله تعالى: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول. روي عن الباقر
والصادق ع: أن الأنفال ما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى
أهلها عنها.
وقسمها الفقهاء فيئا وميراث من لا وارث له وغير ذلك مما هو مذكور في كتب
الفقه، قالا هو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه
ومن يلزمه مؤونته، ليس لأحد فيه شئ.
وقالا: كانت غنائم بدر للنبي ص خاصة فسألوه أن يعطيهم.
وفي قراءة أهل البيت ع: يسألونك الأنفال، فأنزل الله قوله: قل
الأنفال لله وللرسول، ولذلك قال تعالى: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، ولو
سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل: فاتقوا الله، وقد اختلفوا في ذلك اختلافا
شديدا، والصحيح ما ذكرناه.
وقال قوم: نزلت في بعض أصحاب النبي ع سأله من المغنم شيئا
قبل القسمة فلم يعطه إياها، فجعل الله جميع ذلك للنبي ع وكان نفل
221

قوما. وقال آخرون: لو أردنا لأخذنا، فأنزل الله الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول
الله ص ماض، وقال: معنى " عن " معنى من، وكان ابن مسعود
يقرأ " يسألونك الأنفال ".
وقال الحسن: قال النبي ع: أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما
أصابت من شئ فهو غلول.
واختلفوا هل لأحد بعد النبي ع أن ينفل، فقال جماعة من الفقهاء
واختاره الطبري: إن للأئمة أن يتأسوا بالنبي ع في ذلك.
و " ذات بينكم " قال الزجاج: أراد الحال التي ينصلح بها أمر المسلمين.
فصل:
وأما قوله تعالى: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول
ولذي القربى. فأوله: وما أفاء الله على رسوله منهم، يعني من اليهود والذين
أجلاهم من بني النضير وإن كان الحكم ساريا في جميع الكفار إذا كان حكمهم
حكمهم.
والفئ رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك على ما شرط
فيه، وقال عمر: الفئ مال الخراج والجزية، وقيل: هو كل ما رجع من أموال
الكافرين إلى المؤمنين فمنه غنيمة وغير غنيمة.
والذي نذهب إليه أن مال الفئ غير مال الغنيمة، فالغنيمة كل ما أخذ
بالسيف من دار الحرب عنوة على ما قدمناه، والفئ كل ما أخذ من الكفار بغير
قتال أو انجلى أهلها وكان ذلك للنبي ع، وهي لمن قام مقامه. ومال
بني النضير كان له ع لأنه لما نزل المدينة عاقدوه على أن لا يكونوا لا عليه
ولا له، ثم نقضوا العهد وأرادوا أن يطرحوا عليه حجرا حين مشى النبي ع
إليهم يستعين بهم، فأجلاهم الله تعالى عن منازلهم.
و " ما أفاء الله " يعني ما رجعه الله على رسوله منهم، يعني من بني النضير،
222

فهو له يفعل فيه ما يشاء وليس فيه لأحد حظ.
وقال النبي ع: أيما قرية فتح الله ورسوله بغير قتال فهو لله ولرسوله،
وأيما قرية فتحها المسلمون عنوة فإن لله خمسه وللرسول ولأقربائه وما بقي غنيمة لمن
قاتل عليها إذا كان يصح نقله إلى دار الاسلام، فإن لم يمكن نقله فهو لبيت المال.
ثم قال: فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، يعني لم يوجفوا على ذلك
بخيل ولا ركاب وإنما جلوا عن الرعب ولم يكن هناك قتال.
ثم بين المستحق لذلك فقال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى،
يعني قرى بني النضير " فلله وللرسول ولذي القربى " يعني من أهل بيته، وظاهره
يقتضي أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء أو فقراء، ثم بين لم فعل ذلك فقال " كي لا
يكون دولة بين الأغنياء منكم " فالدولة نقل النعمة من قوم إلى قوم.
ثم قال " وما آتاكم الرسول فخذوه " أي ما أعطاكم الرسول من الفئ فخذوه
وارضوا به، فإن مال بني النضير ص فإنه فئ لا غنيمة، والنبي ع
إنما وضعه في المهاجرين إذا كان بهم حاجة ولم يعط الأنصار إلا أبا دجانة
وسهل بن حنيف لفقرهما، وإنما وضعه في المذكورين للفقر لا من حيث كان لهم
نصيب، وهو لمن قام مقامه من الأئمة.
وقوله تعالى " للفقراء " ليست هذه اللام للتمليك والاستحقاق وإنما هي
للتخصيص من حيث تبرع النبي ع لشئ منه لهم كما تقدم، بل اللام
يتعلق بمعنى الكلام في قوله: ما آتاكم الرسول، أي ما آتاكم الرسول إيتاءا
للفقراء. ومن قال " للفقراء " بدل من قوله " لذوي القربى " غفل عن سبب
نزول الآية.
وأما قوله: والذين تبوؤوا الدار، فمبتدأ وخبره " يحبون "، وكذا " والذين
جاؤوا " مبتدأ وخبره " يقولون "، فلا يوهم أن هؤلاء كلهم مشركون في ذلك
الفئ كما يدعيه المخالفون.
كل آية دلت على زكاة المال تدل على زكاة الرؤوس لعمومها ولفقد
223

الاختصاص، وقد روي عن آل محمد ع أن قوله تعالى: قد أفلح من
تزكى، المراد به زكاة الفطرة وفيها نزلت خاصة، فمن ملك قبل أن يهل شوال
بلحظة نصابا وجب عليه اخراج الفطرة.
وقوله تعالى: وذكر اسم ربه فصلى، إشارة إلى صلاة العيد، وذلك لأن اخراج
الفطرة يجب يوم الفطر قبل صلاة العيد على ما بدأ الله به في الآية.
وقال العلماء والمفسرون: كل موضع من القرآن يدل على الصلوات الخمس
وزكاة الأموال فذكر الصلاة فيه مقدم لقوله تعالى: أقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة، وقدم الزكاة في هذه الآية على الصلاة فقال: قد أفلح من تزكى وذكر
اسم ربه فصلى، إعلاما أن تلك الزكاة زكاة الفطرة وأن تلك الصلاة صلاة
العيد.
ويحتاج في زكاة الفطرة إلى معرفة خمسة أشياء: من تجب عليه، ومتى تجب،
وما الذي يجب، وكم يجب، ومن يستحقها، ويعلم تفصيلها من سنة النبي ص،
وقد بينها لقوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم.
وتجب الفطرة على كل حر بالغ مالك لما تجب فيه زكاة المال، ويلزمه أن يخرجه
عن نفسه وعن جميع من يعوله حتى فطرة خادمة زوجته، لقوله تعالى: وعاشروهن
بالمعروف، وهذا من المعروف، فإن أهل شوال وزوجته المدخول بها مقيمة على
النشوز لم تلزمه فطرتها. والمرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر لا يلزمها فطرة نفسها،
وتسقط عن الزوج لإعساره، ولو قلنا: إنها إذا ملكت نصابا وجب عليها الفطرة
كان قويا لعموم الخبر إذا كان الحال هذه.
والفطرة صاع من أحد أجناس ستة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز
والأقط.
ولا يجوز أن يخرج صاع من جنسين ويجوز اخراج قيمته، ولا يجوز اخراج
المسوس والمدود منها لقوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.
224

وقال الصادق ع: تمام الصوم إعطاء الزكاة " يعني الفطرة " كالصلاة
على النبي وآله تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ومن
صلى ولم يصل على النبي وآله فلا صلاة له، إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة
وقال: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى.
ويمكن أن يقال: إن هذا في من صام واعتقد أن الفطرة لا تجب عليه على وجه
وكان ابن مسعود يقول: رحم الله امرءا تصدق ثم صلى، ويقرأ هذه الآية.
فصل:
فإن قيل: روي في قوله عز وجل " قد أفلح من تزكى " عن ابن عمر
وأبي العالية وعكرمة وابن سيرين أنه أراد صدقة الفطرة وصلاة العيد، وكيف يصح
ذلك والسورة مكية ولم يكن هناك صلاة عيد ولا زكاة فطر.
قلنا: يحتمل أن يكون نزلت أوائلها بمكة وختمت بالمدينة.
قال تعالى: فلا صدق ولا صلى، أي لم يتصدق ولم يصل " ولكن
كذب " بالله " وتولى " عن طاعته، وكأنه في زكاة الفطرة لأنه ابتداء بذكر
الصدقة ثم بالصلاة على ما قدمناه، والصدقة العطية للفقير.
وقال تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. والشح منع
الواجب في الشرع، وكذا البخل وقال الله تعالى: سيطوقون ما بخلوا به. وقال
النبي ع: إنه شجاع أقرع طوقوا به. رواه أبو جعفر ع.
باب الجزية:
قال الله تعالى: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. والجزية عبارة
شرعية عن حق مخصوص يؤخذ من أهل الكتاب ليقروا على دينهم، كما أن المأخوذ
من أموال المسلمين على جهة الطهر يسمى زكاة، وكلاهما اسم شرعي.
والمعنى أن ذلك إذا أدوه أغنى عنهم لاجتزاء المؤمنين به منهم والإبقاء به على
225

دمائهم، مأخوذة من قولهم: هذا الشئ يجزئ عن فلان، أي يغني عنه ويكفي.
وقد طعن الدهرية في أمر الجزية وأخذها وإبقاء العاصي على كفره لهذا النفع
اليسير من جهته، فكأنه إجازة الكفر لأجل الرشوة المأخوذة من أهل الذمة.
الجواب: لم تؤخذ الجزية للرضا بالكفر وفيه وجه حسن، وهو أن إبقاءه أحسن
في العقل من قبله لأن الغرض بتكليفه نفعه، وهو ما دام حيا فعلى حد الرجاء من
التوبة والإيمان بأن يتذكر ما غفل عنه، وإذا قتل فقد انقطع الرجاء، وهم أهل
الكتاب يوحدون الله باللسان، بخلاف الكافر الحربي فإن الحكمة تقتضي قتله إلا
أن يسلم، وإذا أخذ الجزية من هؤلاء وبقوا ربما يكون سببا للإيمان، وذو النفس
الدنية ربما يفادي من ذهاب المال عنه الدخول في الدين، وفيه منفعة المؤمنين جملة
وعلى أهل الذمة إهانة، فالطعن ساقط.
فصل:
قيل: إن قوله تعالى " وقولوا للناس حسنا " نزلت في أهل الذمة، ثم نسخها
قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله ويدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون، فأوجب الجزية على جميع أهل الكتاب من الرجال البالغين.
والفقير الذي لا شئ معه يجب عليه الجزية لأنه لا دليل على اسقاطها منه وعموم
الآية يقتضيه، فإذا لم يقدر على أدائها كانت في ذمته، فإذا استغنى أخذت منه من
يوم ضمنها، وبدليل العقل تسقط من مجانينهم وناقصي العقول منهم.
وما للجزية حد يأخذ الإمام لأنه من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله ومما
يطيق، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فتؤخذ منهم على قدر ما
يطيقون حتى يسلموا، فإن الله قال: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون،
فمنهم من لا يكترث مما يؤخذ منه، فإذا وجد ذلا بأن يسلم الجزية بيده صاغرا
قائما على طريق الإذلال (بذلك وقابضها منه يكون قاعدا يألم لذلك فيسلم).
226

وقوله تعالى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في
الدين، يدل على أن من وجبت عليه الجزية وحل الوقت فأسلم قبل أن يعطيها
سقطت عنه ولم يلزمه أداؤها لأن ذلك على العموم.
وأما عقد الجزية فهو الذمة، ولا يصح إلا بشرطين: التزام الجزية، وأن يجري
عليهم أحكام المسلمين من غير استثناء.
فالتزام الجزية وضمانها لا بد منه لقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون، إلى قوله:
حتى يعطوا الجزية، وحقيقة الإعطاء هو الدفع غير أن المراد ههنا هو الضمان وإن
لم يحصل الدفع.
وأما التزام أحكامنا عليهم فلا بد منه أيضا وهو الصغار المذكور في الآية، ففي
الناس من قال: الصغار هو وجوب جرى أحكامنا عليهم، ومنهم من قال: الصغار
أن تؤخذ الجزية منه قائما والمسلم جالس عن خشوع وضراعة وذل واستكانة من
الذمي وعن يد من المسلمين ونعمة منهم عليهم في حقن دمائهم وقبول الجزية منهم.
ولا حد لها محدود بل يضعها الإمام على أرضهم أو على رؤوسهم على قدر أحوالهم
من الضعف والقوة بقدر ما يكونون به صاغرين، وما روي: أن أمير المؤمنين ع
وضع على الموسر منهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرين
درهما، وعلى المتجمل اثني عشر درهما، إنما فعله لما رآه في تلك الحال من
المصلحة.
باب الزيادات:
وأما قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء، فقصر لجنس الصدقات على
الأصناف المعدودة وأنها مختصة بهم، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم، ونحوه
قولهم: إنما الخلافة لقريش، يريدون لا تتعداهم، ولا يكون لغيرهم، فيحتمل أن
تصرف إلى الأصناف كلها وأن تصرف إلى بعضها.
227

مسألة:
فإن قيل: لم عدل عن اللام التي في الأربعة الأولة من قوله " للفقراء " إلى
في الأربعة الأخيرة؟
قلنا: قال بعض المفسرين: إن ذلك للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق
عليهم ممن سبق ذكره لأن " في " للدعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم
الصدقات، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة والرق أو الأسر، وفي فك الغارمين
من الغرم من التخليص والإنقاذ.
ويجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعيالة، وكذلك ابن السبيل
الجامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال، وتكرير " في " في قوله: وفي سبيل
الله، فيه فضل ترجيح لهذين على الغارمين.
وقيل: اللام في الأصناف الأربعة تدل على أن تلك الصدقة لهم يفعلون به ما
أرادوا وينفقون كما شاؤوا مما أبيح لهم، و " في " تدل أن الصدقة التي تعطى
المكاتب والغارم ليس لهما أن ينفقا على أنفسهما وأهاليهما وإنما يضعان في فك
الرقبة والذمة، فيوصل المكاتب إلى سيده والمديون إلى غريمه.
وقوله تعالى " فريضة " مصدر مؤكد، لأن قوله تعالى: إنما الصدقات
للفقراء، معناه فرض الله الصدقات لهم.
مسألة:
وقوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول، قال النبي
ص: أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، صلوا خمسكم
وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم تدخلوا جنة ربكم. فاشتملت
هذه الآية على جميع العبادات.
228

مسألة:
وأما قوله تعالى: واعلموا أن ما غنمتم من شئ، " فما " بمعنى الذي، ومن
شئ بيانه.
قيل: من كل شئ حتى الخيط والمخيط، وقيل: من بعض الأشياء لا من
جميعها، فيكون التقدير من شئ مخصوص، فحذف الصفة كقوله تعالى: فإن كان
له إخوة، أي من الأم.
وقوله تعالى " فإن لله " تقديره فواجب أن لله خمسه، كأنه قيل: فلا بد من
ثبات الخمس فيه من حيث أنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات
كقولك: ثابت واجب حق لازم وما أشبه ذلك، كان أقوى لإيجابه من النص على
واحدة وتعلق قوله " إن كنتم آمنتم بالله " بمحذوف، يدل عليه " اعلموا " أي
إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس لهؤلاء المذكورين، وليس المراد العلم المجرد
ولكنه العلم المضمن بالعمل والطاعة لأمر الله لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن
والكافر.
مسألة:
فإن قيل: ما معنى ذكر الله وعطف الرسول وغيره عليه في قوله تعالى: فإن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى... الآية، وما المراد بالجمع بين الله ورسوله في قوله
تعالى: قل الأنفال لله والرسول؟
قلنا: أما آية الغنيمة فإن الله لما رأى المصلحة أن يكون خمس الغنيمة على ستة
أقسام ويكون لرسوله سهمان منه في حال حياته وسهم لذي قرباه وثلاثة الأسهم
الباقية ليتامى آل محمد ع ومساكينهم وأبناء سبيلهم ويكون بعد وفاة
رسول الله ص وسهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى لذي قربى
الرسول القائم مقامه، فصل تفصيلا في ذلك تمهيدا لعذره ع وقطعا
لأطماع كل طامع.
229

وكذلك آية الأنفال لما علم الله الصلاح في الأنفال أن تكون خاصة لرسوله
وبعده لمن يقوم مقامه من ذي قرباه أضافها إلى نفسه وإلى رسوله لكي لا تكون دولة
بين هذا وهذا، وأبي القوم إلا أن تكون دولة بينهم.
مسألة:
وقوله تعالى: وما أفاء الله على رسوله، أي ما جعله الله فيئا له خاصة، فما
أوجفتم على تحصيله خيلا ولا تعبتم في القتال عليه ولكن سلط الله رسوله على مال
بني النضير ونحوه فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء، يعني أنه لا يقسم قسمة
الغنائم التي قوتل عليها، وذلك أنهم طلبوا القسمة فنزلت الآية.
ثم قال: ما أفاء الله على رسوله، ولم يدخل الواو العاطفة لأنه بيان للجملة
الأولى، والجملة الأخيرة غير أجنبية عنها، بين لرسول الله ما يصنع بما أفاء الله عليه
وإن كان هو حقه نحلة من الله في هذه الآية وفي قوله: وآت ذا القربى حقه.
مسألة:
وعن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد الله ع: أ رأيت قول
الله " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية، أ كل هؤلاء يعطي وإن كان
لا يعرف؟ فقال: إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون بالطاعة، وإنما يعطي
من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطيها أنت وأصحابك إلا
من تعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.
مسألة:
فإن قيل: كيف قال " وفي الرقاب " بعد قوله " وآت المال على حبه
ذوي القربى " ولا يقال: أتى المال فيه.
قلنا: المفعول محذوف، والتقدير وآت في فك الرقاب سيدهم وفي حق الغارمين
230

أصحاب ديونهم ولا يعطي المملوك المال لينفق على نفسه وإنما يعطي ليدفع إلى مولاه
فينعتق سواء كان مكاتبا أو مملوكا.
مسألة:
قال الصادق ع في قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من
أمر بصدقة أو معروف، المعروف القرض.
وقال في قوله تعالى: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، هو الرجل
يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يدعه لمن يعمل بطاعة الله أو بمعصيته، فإن
عمل فيه بطاعة الله رآه في ميزان فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن عمل به في
معصيته قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله.
مسألة:
قال أمير المؤمنين ع: في قوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم
ربه فصلى، إنه التصدق بصدقة الفطر، وقال: لا أبالي أن لا أجد في كتابي غيرها
لقوله تعالى: قد أفلح من تزكى، أي أعطاه زكاة الفطرة فتوجه إلى المصلى فصلى
صلاة العيد.
مسألة:
روى أبو سعيد الخدري: كنا نخرج - إذا كان فينا رسول الله ص -
صاعا من تمر أو طعام أو شعير أو أقط، فقدم معاوية حاجا فقال: أرى
مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر، وذلك في عهد عثمان، فقال علي ع
وقد سئل عن الفطرة فقال: صاع من طعام: قيل أو نصف صاع؟ قال:
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان.
231

مسألة:
وقال الرضا ع: إن الخمس بعد المؤونة.
وقال الصادق ع: إن الله لما حرم علينا الزكاة أنزل لنا الخمس،
قال الله تعالى: واعلموا أن ما غنمتم من شئ... الآية، فالصدقة علينا حرام
والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال.
مسألة:
وقال أبو عبد الله ع في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى: إنه من
أهل هذه الآية " يسألونك عن الأنفال ".
وعن علي بن أبي راشد قلت لأبي الحسن ع: عندنا لأبي جعفر ع
شئ فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي ع بسبب الإمامة فهو
لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه ع.
232

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
233

الزكاة
يحتاج في الزكاة إلى العلم بسبعة أشياء: أقسامها وما تجب فيه وشرائط وجوبها
وصحة أدائها ومقدار الواجب منها ومن المستحق ومقدار ما يعطي منها وما يتعلق
بذلك من الأحكام.
أما أقسامها فعلى ضربين: مفروض ومسنون: فالمفروض على ضربين: زكاة
الأموال وزكاة الرؤوس، فزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء: الذهب والفضة
والخارج من الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي الإبل والبقر والغنم بلا
خلاف. ولا تجب فيما عدا ما ذكرناه بدليل الاجماع الماضي ذكره في كل المسائل
ولأن الأصل براءة الذمة وشغلها بإيجاب الزكاة من غير ما عددناه يفتقر إلى دليل
شرعي وليس في الشرع ما يدل على ذلك، وأيضا فظاهر قوله تعالى: ولا يسألكم
أموالكم، يدل على ما قلناه لأن المراد أنه تعالى لا يوجب فيها حقوقا ولا يخرج من
هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع.
ويعارض المخالف في وجوب الزكاة في عروض التجارة خاصة بما روي من
طرقهم من قوله ص ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة، ولم
يفصل بين ما كان معرضا للتجارة وبين ما ليس كذلك، وإذا ثبت ذلك في العبد
والفرس ثبت في غيرهما لأن أحدا لم يفصل بين الأمرين، وتعلق المخالف بقوله
تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، لا يصح لأنا نقول له: لم قلت أن المراد بذلك
الحق المأخوذ على سبيل الزكاة وما أنكرت أن يكون به الشئ اليسير الذي يعطاه
235

الفقير المجتاز من الزرع وقت الحصاد على جهة التبرع؟ وليس له أن ينكر وقوع لفظة
حق على المندوب لأنه قد روي من طريقه أن رجلا قال: يا رسول الله هل على حق
في إبلي سوى الزكاة؟ فقال ع: نعم تحمل عليها ويسقي من لبنها.
ويشهد بصحة ما قلناه في الآية أمور أربعة: أحدها: ورد الرواية بذلك عندنا
وثانيها: قوله تعالى: ولا تسرفوا، لأن الزكاة الواجبة مقدرة والسرف لا ينهى عنه
في المقدر وثالثها: أن عطاء الزكاة الواجبة في وقت الحصاد لا يصح بعد الداسر
والتصفية من حيث كانت مقدارا مخصوصا من الكيل وذلك لا يؤخذ إلا من مكيل
ورابعها: ما روي من نهيه ع عن الحصاد والجذاذ وهو صرم النخل بالليل
وليس ذلك إلا لما فيه من حرمان الفقراء والمساكين كما قلناه.
وقوله تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
الأرض، لا يصح أيضا التعلق به لأنا لا نفهم أن اسم الانفاق يقطع بإطلاقه على
الزكاة الواجبة بل لا يقع بالإطلاق إلا على غير الواجب ولو سلمنا ذلك لخصصنا
الآية بالدليل، وتعلق المخالف بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، وأن ذلك
يدخل فيه عروض التجارة وغيرها متروك الظاهر عندهم لأنهم يضمرون أن تبلغ
قيمة العروض مقدار النصاب، وإذا عدلوا عن الظاهر لم يكونوا بذلك أولى من
مخالفهم إذا عدل عنه وخص الآية بالأصناف التي أجمع على وجوب الزكاة فيها
وبهذا نجيب عن تعلقهم بقوله تعالى: وفي أموالهم حق معلوم للسائل
والمحروم، وأيضا فسياق هذه الآية يدل على أنها خارجة مخرج المدح المذكورين
فيها بما فعلوا وعلى هذا يكون معناها ويعطون من أموالهم حقا للسائل والمحروم
وإعطاؤهم قد يكون ندبا كما يكون واجبا لأن المدح جائز على كل واحد منهما.
وقوله تعالى: وآتوا الزكاة، لا يصح لهم أيضا التعلق به لأن اسم الزكاة
شرعي فعليهم أن يدلوا على أن في عروض التجارة وغيرها مما ينفي وجوب الزكاة
زكاة فيه حتى يتناولها الاسم فإن ذلك غير مسلم لهم، وقوله ع: حصنوا
أموالكم بالصدقة لا دليل لهم أيضا فيه لأنه خبر واحد ثم هو مخصوص بما قدمناه على
236

أن ظاهره لا يفيد تحصين كل مال بصدقة منه، ويجوز تحصين أموال التجارة و ما لا
زكاة تجب فيه بالصدقة مما تجب فيه الزكاة.
فصل:
وأما شرائط وجوبها في الذهب والفضة: فالبلوغ وكمال العقل وبلوغ النصاب
والملك له والتصرف فيه بالقبض أو الإذن وحؤول الحول عليه وهو كامل في الملك لم
يتبدل أعيانه ولا دخله نقصان وأن يكونا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين أو سبائك
فر بسبكها من الزكاة.
والدليل على وجوب اعتبار هذه الشروط الاجماع الماضي ذكره وأيضا فالأصل
براءة الذمة من الحقوق، وقد ثبت وجوب الزكاة إذا تكاملت هذه الشروط وليس
على وجوبها مع اختلاف بعضها دليل، ويعارض المخالف في الصبي و المجنون بما
روي من طرقهم من قوله ص: رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ
وعن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق. ولا يلزمنا مثل ذلك في المواشي
والغلات لأنا قلنا ذلك بدليل واشتراط النصاب والملك له لا خلاف فيه وقد خرج
العبد باشتراط الملك لأن العبد لا يملك شيئا وإن ملكه سيده لما يؤدى ذلك إليه من
الفساد.
واشتراط الملك للمتصرف فيه بما ذكرناه احتراز من مال الدين الذي لا يقدر على
ذلك فيه ويعارض المخالف في اعتبار كمال الحول في السخال والفصلان
والعجاجيل بما روي من طرقهم من قوله ص: لا زكاة في مال حتى يحول
عليه الحول.
وشرائط وجوبها في الأصناف الأربعة من الغلات شيئان: الملك لها وبلوغ
النصاب، وفي الأصناف الثلاثة من المواشي أربعة: الملك والحول والسوم وبلوغ
النصاب، بدليل ما قدمناه.
وأما شرائط صحة أدائها: فالإسلام والبلوغ وكمال العقل والنية ودخول الوقت
237

في أدائها على جهة الوجوب ولا أعلم في ذلك خلافا.
فصل:
وأما مقدار الواجب من الزكاة فنقول:
أما الذهب فلا شئ فيه حتى يبلغ عشرين مثقالا وذلك المقدار النصاب
الأول، فإذا بلغها وتكاملت الشروط وجب فيه نصف مثقال بلا خلاف ثم لا شئ
فيما زاد على العشرين حتى تبلغ الزيادة أربعة مثاقيل وذلك نصابه الثاني، فيجب
فيها عشر مثقال وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ في كل عشرين مثقالا نصف مثقال
وفي كل أربعة بعد العشرين عشر مثقال.
وأما الفضة فلا شئ فيها حتى تبلغ مائتي درهم وذلك مقدار نصابها الأول،
فإذا بلغتها وتكاملت الشروط وجب فيها خمسة دراهم بلا خلاف ثم لا شئ فيما
زاد على المائتين حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما فيجب فيها درهم واحد ثم على هذا
الحساب بالغا ما بلغت، والدليل على مقدار النصاب الثاني فيهما الاجماع الماضي
ذكره وأيضا فالأصل براءة الذمة وشغلها بإيجاب الزكاة في قليل الزيادة وكثيرها
يفتقر إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه، ويعارض المخالف في ذلك بما روي
من طرقهم من قوله ص لمعاذ حين أنفذه إلى اليمن: لا شئ في الورق
حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغتها فخذ خمسة دراهم ولا تأخذ من زيادتها شيئا حتى
تبلغ أربعين درهما فإذا بلغتها فخذ درهما، وهذا نص. وقوله: هاتوا زكاة الرقة من
كل أربعين درهما درهما.
وأما الغلات فالواجب في كل صنف منها إن كان سقيه سيحا أو بعلا أو بماء
السماء العشر، وإن كان بالغرب والدوالي والنواضح فنصف العشر، وإن كان
السقي بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المدتين فإن تساويا زكى النصف
بالعشر والنصف بنصف العشر، هذا إذا بلغ بعد اخراج المؤن وحق المزارع
النصاب على ما قدمناه وهو خمسة أوسق - والوسق ستون صاعا - بدليل الاجماع
238

الماضي ذكره ولأن ما اعتبرناه من النصاب لا خلاف في وجوب الزكاة فيه وليس
على وجوب فيما نقص عنه دليل، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله
ص: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وقوله ع
: ما سقت السماء ففيه العشر وما سقى بنضح أو غيره ففيه نصف العشر
إذا بلغ خمسة أوسق، وقوله ع في رواية أخرى: لا زكاة في شئ من الحرث
حتى يبلغ خمسة أوسق فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الصدقة. والوسق ستون صاعا
والصاع عندنا أربعة أمداد بالعراقي والمد رطلان وربع بالعراقي بدليل الاجماع المشار
إليه وطريقة الاحتياط باليقين لبراءة الذمة، لأن من أخرج ما ذكرناه برئت ذمته
بيقين وليس كذلك إذا أخرج دونه، فإذا وجب فيما ثبت في الذمة بيقين أن يسقط
عنها بيقين وجب في قدر الصاع ما ذكرناه.
وأما الواجب في الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا وهو نصابها الأول، فإذا
بلغتها وتكاملت شروطها الباقية ففيها شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث
شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين خمس شياه وفي ست وعشرين بنت
مخاض وهي التي لها حول كامل وفي ست وثلاثين بنت لبون وهي التي لها حولان
ودخلت في الثالث وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاثة أحوال ودخلت في
الرابع وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربعة أحوال ودخلت في الخامس وفي
ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين
فصاعدا سقط هذا الاعتبار ووجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة،
ولا شئ فيما بين النصابين ولا خلاف فيما ذكرناه من ذلك كله إلا في خمس
وعشرين وست وعشرين وفيما زاد على المائة والعشرين، والدليل على ما قلناه في
ذلك الاجماع الماضي ذكره وأيضا فالأصل براءة الذمة، وقد اتفقنا على وجوب
الزكاة في مائة وثلاثين فعندنا وعند الأكثر من المخالفين أن في ذلك حقة وابنتا
لبون، وعند أبي حنيفة حقتان وشاتان، ولم يقم دليل على أن فيما بين العشرين
والثلاثين حقا فوجب البقاء على حكم الأصل، ونعارض المخالف بما روي من
239

طرقهم أنه وجد في كتاب رسول الله ص أن الإبل إذا زادت على مائة
وعشرين فليس فيما زاد شئ دون ثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها ابنتا لبون وحقة.
وأما الواجب في البقر ففي كل ثلاثين منها تبيع حولي أو تبيعة وهو الجذع
منها، وفي كل أربعين مسنة وهي الثنية فصاعدا، ولا شئ فيما دون الثلاثين ولا
فيما بين النصابين بدليل الاجماع الماضي ذكره وأيضا فالأصل براءة الذمة من
الحقوق في الأموال، فمن ادعى أن فيما بين الأربعين والستين حقا واجبا لزمه
الدليل الشرعي، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله ص: لا
شئ في الأوقاص، والوقص يقع على ما بين النصابين.
وأما الواجب في الغنم ففي كل أربعين منها شاة وفي مائة وإحدى وعشرين
شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه وفي ثلاث مائة وواحدة أربع شياه فإذا زادت
على ذلك سقط هذا الاعتبار وأخرج عن كل مائة شاة، ولا شئ فيما دون الأربعين
ولا فيما بين النصابين، والمأخوذ من الضأن الجذع ومن المعز الثني ولا يؤخذ دون
الجذع ولا يلزم فوق الثني بدليل الاجماع المشار إليه.
فصل:
وأما المستحق لذلك فالأصناف الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: إنما
الصدقات للفقراء والمساكين... الآية، فالفقراء هم الذين لهم دون كفايتهم،
و المساكين هم الذين لا شئ لهم بدليل الاجماع المشار إليه وقد نص على ذلك الأكثر
من أهل اللغة، والعاملون عليها هم عمالها والسعاة في جبايتها، والمؤلفة قلوبهم هم
الذين يستمالون إلى الجهاد بلا خلاف.
وأما الرقاب فالمكاتبون بلا خلاف أيضا، ويجوز عندنا أن يشترى من مال
الزكاة كل عبد هو في ضر وشدة ويعتق بدليل الاجماع المشار إليه وأيضا فظاهر الآية
يقتضيه.
وأما الغارمون فهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية بدليل الاجماع المشار إليه
240

وطريقة الاحتياط.
وأما سبيل الله فالجهاد بلا خلاف. وعندنا أنه يجوز صرفها فيما عدا ذلك مما
فيه مصلحة للمسلمين كعمارة الجسور والسبل وفي الحج والعمرة وتكفين أموات
المؤمنين وقضاء ديونهم للإجماع المشار إليه ولاقتضاء ظاهر الآية له لأن سبيل الله هو
الطريق إلى ثوابه وما أفاد المتقرب إليه، وإذا كان ما ذكرناه كذلك جاز صرف
الزكاة فيه.
وأما ابن السبيل فهو المنقطع به وإن كان في بلده غنيا وروي أيضا أنه الضيف
الذي ينزل بالإنسان وإن كان في بلده غنيا أيضا.
ويجب أن يعتبر في من تدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية - إلا المؤلفة
قلوبهم والعاملين عليها - الإيمان والعدالة، وأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما
يكفيه، وأن لا يكون ممن تجب على المرء نفقته وهم الأبوان والجدان والولد والزوجة
والمملوك، وأن لا يكون من بني هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه،
بدليل الاجماع المتكرر وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة، وقد روي من طرق
المخالف: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي، وفي رواية أخرى: ولا لذي قوة
مكتسب. فإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكي هاشميا
مثله جاز دفع الزكاة إليه بدليل الاجماع المشار إليه.
فصل:
وأما مقدار المعطى منها فأقله للفقير الواحد ما يجب النصاب الأول فإن كان
من الدنانير فنصف دينار وإن كان من الدراهم فخمسة دراهم وكذا في الأصناف
الباقية بدليل الاجماع وطريقة الاحتياط، وقد روي أن الأقل من ذلك ما يجب في
أقل نصب الزكاة وذلك من الدنانير عشر مثقال ومن الدراهم درهم واحد ويجوز أن
يدفع إليه منها الكثير وإن كان فيه غناه بدليل الاجماع المذكور.
241

فصل:
فيما يتعلق بالزكاة من الأحكام يجب اخراجها على الفور فإن أخرها من وجبت
عليه لغير عذر ضمن هلاكها، ويجب حملها إلى الإمام ليضعها مواضعها وإلى من
نصبه لذلك، فإن تعذر ذلك وكان من وجبت عليه عارفا لمستحقها جاز له اخراجها
إليه، وإن لم يكن عارفا بها حملها إلى الفقيه المأمون من أهل الحق ليتولى
اخراجها.
ولا يجوز لأحد سوى الإمام أو من نصبه أن يصرف شيئا من مال الزكاة إلى
المؤلفة ولا إلى العاملين ولا في الجهاد لأن تولى ذلك مخصوص بهما، كل ذلك بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، ومن يجوز له أخذها من بني هاشم أولى بها من
غيرهم، ومن لا تجب نفقته من الأقارب أولى من الأجانب، والجيران أولى من
الأباعد، وأهل البلد أولى من قطان غيره بدليل الاجماع المشار إليه، ومن لم يدفعها
إلى من يعلمه مستحقا لها في بلده وحملها إلى غيره ضمن هلاكها ولم يضمن إذا لم
يعلم لها في بلده مستحقا، وإن حملها مع خوف الطريق بغير إذن مستحقها ضمن ولا
ضمان عليه مع استئذانه بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.
ويجوز اخراج الزكاة إلى أيتام المستحق لها عند فقده، ويجوز اخراجها قبل وقت
وجوبها على جهة القرض بدليل الاجماع المشار إليه، فإن دخل الوقت والمعطى من
أهل الاستحقاق أجزأت عن مخرجها وإن لم يكن من أهله لم تجز عنه بدليل الاجماع
المتردد وطريقة الاحتياط.
ومن وجب عليه سن ولم يكن عنده فإن كان عنده أعلى منها بدرجة أخذت منه
ويرد عليه شاتان أو عشرون درهم فضة وإن كان عنده أدنى منها بدرجة أخذت منه
ومعها شاتان أو عشرون درهما، مثال ذلك أن يجب عليه بنت
مخاض وعنده بنت لبون أو يجب عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض وعلى هذا الحساب يؤخذ مع ما علا
أو دنا بدرجتين أو ثلاث بالإجماع المشار إليه فإن أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ
القيمة في الزكاة وعندنا أن بنت المخاض يساويها في القيمة ابن اللبون الذكر.
242

فصل في زكاة الرؤوس:
زكاة الفطرة واجبة على كل حر بالغ كامل العقل مالك لمقدار أول نصاب تجب
فيه الزكاة عنه وعن كل من يعول من ذكر وأنثى وصغير وكبير وحر وعبد ومسلم
وكافر وقريب وأجنبي بدليل الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة
الذمة. ويعارض المخالف في الزوجة والعبد والكافر والضيف بما روي من طرقهم
عن ابن عمر أنه قال: أمر رسول الله ص بصدقة الفطرة عن الصغير والكبير
والحر والعبد ومن تمونون لأنه قال: والعبد. ولم يفصل بين المسلم والكافر، وقال:
فمن تمونون والزوجة والضيف طول شهر رمضان كذلك.
ومقدار الواجب صاع عن كل رأس من فضلة ما يقتات الانسان به سواء كان
حنطة وشعيرا أو تمرا أو زبيبا أو ذرة أو أرزا أو إقطا أو غير ذلك، وقد بينا مقدار
الصاع فيما مضى ويجوز اخراج قيمة الصاع بدليل الاجماع المشار إليه، ووقت
وجوبها من طلوع الفجر من يوم العيد إلى قبيل صلاته فإن أخر اخراجها إلى بعد
الصلاة لغير عذر أخل بواجب وسقط وجوبها وجرت إن أخرجها مجرى ما يتطوع به
من الصدقات بدليل الاجماع المشار إليه.
وقد روي من طرق المخالف عن ابن عمر أن النبي ع فرض صدقة
الفطرة طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة
كانت له زكاة ومن أداها بعد الصلاة كانت صدقة من الصدقات وإن كان عزلها
من ماله انتظارا لمستحقها فهي مجزئة عنه بدليل الاجماع المشار إليه، والمستحق لها هو
المستحق لزكاة الأموال وأقل ما يعطي منها الواحد ما يجب عن رأس واحد لمثل ما
قدمناه.
فصل:
وأما المسنون من الزكاة ففي أموال التجارة إذا طلبت برأس المال أو الربح وفي
كل ما يخرج من الأرض مما يكال ويوزن سوى ما قدمناه فإن الزكاة واجبة فيه،
243

وفي الحلي والسبائك من الذهب والفضة إذا لم يفر بذلك من الزكاة، والمال الغائب
الذي لا يتمكن مالكه من التصرف فيه إذا قدر على ذلك وقد مضى عليه حول أو
أحوال، والمال الصامت لمن ليس بكامل العقل إذا اتجر به الولي نظرا لهم.
وفي الإناث من الخيل في كل رأس من العتاق ديناران ومن البراذين دينار
واحد، وشرائط الاستحباب مثل شرائط الوجوب، ويسقط في الخيل اعتبار
النصاب، والمقدار المستحب اخراجه مثل المقدار الواجب إلا في الخيل على ما
بيناه، ويستحب اخراج الفطرة لمن لا يملك النصاب، وذلك كله بدليل الاجماع
الماضي ذكره.
فصل:
واعلم أن مما يجب في الأموال الخمس والذي يجب فيه الغنائم الحربية والكنوز
ومعادن الذهب والفضة بلا خلاف، ومعدن الصفر والنحاس والحديد والرصاص
والزئبق على خلاف في ذلك، والكحل والزرنيخ والقير والنفط والكبريت والموميا
والزبرجد والياقوت والفيروزج والبلخش والعنبر والعقيق والمستخرج بالغوص بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة وظاهر قوله تعالى:
واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه.
وهذه الأشياء إذا أخذها الانسان كانت غنيمة وقد روي من طرق المخالف أن
النبي ص قال: في الركاز الخمس، فقيل: يا رسول الله وما الركاز؟
فقال: الذهب والفضة اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض يوم خلقها. وهذه صفة
المعادن.
ويجب الخمس أيضا في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد
بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان بدليل
الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط، وفي المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه،
وفي الأرض التي يبتاعها الذمي من مسلم بدليل الاجماع المتردد، ووقت وجوب
244

الخمس حين الاستفادة لما تجب فيه.
ويعتبر في الكنوز بلوع النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وفي المأخوذ بالغوص بلوع
قيمة دينار فصاعدا بدليل الاجماع المتكرر، والكنز يجب فيه الخمس ويكون الباقي
لمن وجده إذا وجد في دار الحرب على كل حال، وكذا إن وجد في دار الاسلام في
المباح من الأرض وفيما لا يعرف له مالك من الديار الدارسة، فإن وجد في ملك
مسلم أو ذمي وجب تعريفه منه فإن عرفه أخذه وإن لم يعرفه وكان عليه سكة
الاسلام فهو بمنزلة اللقطة، وإن لم يكن كذلك كان بعد اخراج الخمس لمن وجده
بدليل الاجماع المشار إليه.
والخمس يقسم على ستة أسهم ثلاثة منها للإمام القائم بعد النبي ع
مقامه وهو سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهو الإمام، وثلاثة لليتامى
والمساكين وابن السبيل ممن ينتسب إلى أمير المؤمنين ع وجعفر وعقيل
والعباس رضي الله عنهم لكل صنف منهم سهم يقسمه الإمام بينهم على قدر
كفايتهم للسنة على الاقتصاد، ولا بد فيهم من اعتبار الإيمان أو حكمه وذلك بدليل
الاجماع الماضي ذكره، وليس لأحد أن يقول أن ذلك مخالف لظاهر قوله تعالى:
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. لأنا نخص ذلك بالدليل وهذه
الآية مخصوصة بلا خلاف لأن ذي القربى مخصوص بقربى النبي ع،
واليتامى والمساكين وابن السبيل مخصوص بمن له صفة مخصوصة من الاسلام وغيره،
على أن ظاهر قوله تعالى: ولذي القربى. معينا لأنه لفظ توحيد ولو أراد الجمع
لقال: ولذوي القربى.
245

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الذين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
247

كتاب الزكاة
هذا الفصل يشتمل على بيان زكاة الأموال وزكاة الرؤوس، وزكاة الأموال
يحتاج إلى معرفة ستة عشر شيئا: معرفة وجوبها، ومن تجب عليه وتصح منه أداؤها،
ومن تجب عليه ولا تصح منه أداؤها، ومن لا تجب عليه ويلزم في ماله، ومن ضمن
إذا لم يؤد، ومن لم يضمن، ومن سقط عنه أداؤها، وما تجب فيه الزكاة من
الأموال، وما يستحب، وما ليس فيه الزكاة من الأموال، والقدر الذي يجب فيه،
والقدر الذي يجب اخراجه منه إلى المستحق، والوقت الذي يجب فيه، ومن المستحق
لها، ومن له صرفها إلى المستحق، ومن إذا أخرج الزكاة وجب عليه إعادتها.
فأما الأول: فمعلوم ضرورة من دين نبينا محمد ص والثاني:
كل مكلف مسلم. والثالث: الكافر. والرابع: الصبي.
والخامس: كل من يتمكن من اخراجها من المال وأيضا لها إلى المستحق أو إلى من إليه
التفرق على المستحق ولم يود أو لم يتمكن ولم يعزل قدر الفريضة عن المال
إذا وجب.
والسادس: من لم يتمكن وقد عزل حق الزكاة عن ماله ولم يفرط فيه.
والسابع: الكافر إذا أسلم فإنه تسقط عنه الزكاة التي كانت واجبة عليه
كافرا.
والثامن: تسعة أشياء: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل
والبقر والغنم.
249

والتاسع: ستة أشياء: الخيل السائمة ومال التجارة إذا طلبت برأس المال أو
بأكثر فإن طلبت بأقل لم يلزم، وقال قوم من أصحابنا: تجب في قيمته الزكاة. ومن
قال بالاستحباب، قال بعضهم: تكون فيه زكاة سنة وإن مر عليه سنون. وقال
آخرون: يلزم في كل سنة. وسبائك الذهب والفضة ما لم يفر به من الزكاة فإن فر
به وجبت، والحلي المحرم لبسه مثل حلي الرجال للنساء وحلي النساء للرجال ما
لم يفر به من الزكاة، وكل ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن سوى الأجناس
التسعة إذا بلغ النصاب، وكل مال غاب عن صاحبه سنين ثم تمكن منه أخرج
الزكاة لسنة واحدة استحبابا.
والعاشر: ستة عشر شيئا: العاملة من الحيوان، وغير السائمة من الغنم،
والحمير، والبغال، والمتولدة بين الغنم والظباء على قول، وغير الأهلي من الحيوان إذا
ملك وتأنس، وكل مال سوى ما ذكرناه مما تجب فيه الزكاة، أو تستحب من
الدور، والمساكن، والضياع، والعقار، والأثاث، والحلي المباح الاستعمال، ومال
الطفل والمجنون من الذهب والفضة، وكل ما لم يتمكن منه صاحبه قرضا كان أو
غير قرض، والخضراوات.
والحادي عشر: المال الزكوي إذا بلغ مقدار النصاب فصاعدا.
والثاني عشر: قدر الفريضة.
والثالث عشر: مضى السنة على النصاب التام إن كان المال مما يعتبر فيه
حؤول الحول وهو خمسة أشياء: الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم، من المال
الذي تجب فيه الزكاة، وخمسة أشياء مما تستحب فيه الزكاة وهي ما سوى ما يخرج
من الأرض مما يكال ويوزن فإذا مر على المال أحد عشر شهرا واستهل الشهر الثاني
عشر فقد وجبت الزكاة، وبدو الصلاح في الغلة والتمر في الواجب من الزكاة
والمستحب فإن وقت الوجوب في ذلك غير وقت الأداء ووقت الوجوب والأداء واحد
فيما سواه.
والرابع عشر: الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله: إنما الصدقات
250

للفقراء... الآية. وهم ثمانية نفر.
والخامس عشر: ثلاثة نفر الإمام إذا حضر وطلب حتى يقسم، ثم صاحب
المال إذا كان عارفا بذلك، ثم من أذن له الإمام في ذلك من نوابه والفقهاء
الأمناء.
والسادس عشر: ستة نفر أحدها من أدى زكاة المال ولم ينو، أو دفع إلى غير
المستحق لها عالما بذلك، أو دفع وظن أنه مستحق ثم ظهر أنه غير مستحق، أو
دفعها معجلة ثم تغير حال المدفوع إليه بفسق قبل حؤول الحول ثم حال الحول وبقي
على الفسق ولم يمكن الارتجاع منه، أو دفع إلى وكيل له ليؤدي فتلف، أو دفع إلى
غير المستحق.
فصل: في بيان زكاة الإبل:
إنما تجب الزكاة فيها بأربعة شروط: الملك والنصاب وحؤول الحول والسوم
للدر والنسل. فالنصاب المبلغ الذي تجب فيه الزكاة وما لا تجب فيه الزكاة يسمى
شنقا كان تحته نصاب أو لم يكن، وما يؤخذ منها يسمى فريضة وفيها ثلاثة عشر
نصابا خمسة منها متجانسة وهي: خمسة ثم عشرة ثم خمسة عشر ثم عشرون ثم خمسة
وعشرون، وثمانية مختلفة: ستة وعشرون، ستة وثلاثون، ستة وأربعون، وأحد وستون،
ستة وسبعون، أحد وتسعون، مائة وأحد وعشرون، ثم يغير ذلك الحكم وصار النصاب
أربعين أو خمسين. والأشناق كذلك لأن تحت كل نصاب شنقا إلا في ستة
وعشرين، وفيها اثنتا عشرة فريضة خمسة منها متجانسة وهي كل ما تجب في خمسة
إلى خمسة وعشرين وهي جذع من الضأن أو ثني من المعز من غنم ذلك البلد والردئ
لا يجزئ.
والباقي مختلفة وهي: بنت مخاض أو ابن لبون ذكر في ستة وعشرين وبنت لبون
في ستة وثلاثين وحقة في ستة وأربعين وجذعة في أحد وستين وبنتا لبون في ستة
وسبعين وحقتان في إحدى وتسعين وثلاث بنات لبون في مائة وإحدى وعشرين
251

وبنتا لبون وحقة في مائة وثلاثين. وعلى ذلك فإن لم يكن له ما يجب عليه وكان
معه ما يجب فيما دونه من النصاب أو فوقه دفعه واسترد شاتين أو عشرين درهما إن
كان فوقه ودفع معه ما ذكرنا إن كان دونه مثل من وجب عليه بنت لبون ومعه بنت
مخاض أو ما هو في حكمها من ابن لبون أو حقة، وإن حصل معه من النصب ما
ينقسم على أربعينات وخمسينات مثل مائتين فإنها تنقسم على خمس أربعينات وأربع
خمسينات كان مخيرا إن شاء دفع أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون والحقة
أفضل، وإن كانت الإبل صحاحا ومراضا أو سمانا ومهازيل لم يجزئ الأدون
ولم يلزم الأعلى بل يلزم الوسط، وإن تبرع بالأجود فقد أحسن ولا يجمع فيها بين
المتفرق ولا يفرق بين المجتمع.
فصل: في بيان زكاة البقر:
شروط زكاة البقر مثل شروط زكاة الإبل من الملك والنصاب وحؤول الحول
والسوم. وما تعلق به الزكاة نصاب وما لم يتعلق به وقص والمأخوذ منه فريضة،
فالنصاب فيها اثنان وهما: ثلاثون وأربعون. والوقص اثنان وهما: ما تحتهما.
والفريضة اثنان: تبيع أو تبيعة ومسنة. فإن انقسم المال على أربعين وثلاثين مثل
مائة وعشرين أو كان المال صحيحا أو معيبا أو جيدا ورديئا وسمينا وهزيلا كان
حكمه على ما ذكرنا في الإبل والبقر والجاموس جنس في الزكاة.
فصل: في بيان زكاة الغنم:
شروط وجوب زكاة الغنم مثل شروط الإبل والبقر وما يتعلق به النصاب وما
يؤخذ منه الفريضة وما لا يتعلق به يسمى عفوا، فالنصاب فيها أربعة والعفو كذلك
والفريضة جنس واحد وهو في كل نصاب واحد من جنسه وباختلاف الغنم بالبلد
لا يتغير الحكم، والنصاب الأول أربعون والثاني مائة وإحدى وعشرون والثالث
مائتان وواحدة والرابع ثلاثمائة وواحدة. فإذا زاد على ذلك تغير هذا الحكم وكان
252

في كل مائة شاة.
ولا يجزئ الردئ ولا يلزم الأفضل، فحكم الصحيح والمريض والسمين
والهزيل والجيد والردئ على ما ذكرنا. والسخال لها حكم حول أنفسها وكذلك
حكم ولد الإبل والبقر. والضأن والمعجز جنس، وأقل الأسنان التي تجزئ الجذع
من الضأن وما تم له سنة من المعز. وإذا حال الحول وباع أو رهن النصاب لم ينفذ
في الفريضة، وإن ضلت واحدة من النصاب قبل الحول وعادت لم تسقط الزكاة
وإن لم تعد سقطت.
فصل: في بيان زكاة الذهب والفضة:
شروط زكاة الذهب والفضة أربعة: الملك والنصاب والحول وكونهما مضروبين
منقوشين أو في حكم المضروبين والمنقوش. وفي كل واحد نصابان وعفوان والمأخوذ
منهما يسمى فريضة والفريضة فيهما ربع العشر.
فالنصاب الأول في الذهب عشرون دينارا وفيه نصف دينار، وفي الفضة مائتا
درهم وفيها خمسة دراهم والنصاب الثاني في الذهب أربعة دنانير وفيها عشر دينار،
وفي الفضة أربعون درهما وفيها درهم وعلى هذا بالغا ما بلغ.
والعفو الأول في الذهب قدر ما نقص عن العشرين، وفي الفضة ما نقص عن
المائتين، والعفو الثاني في الذهب ما نقص عن الأربعة ويستمر هذا الحكم، وفي
الفضة ما نقص عن الأربعين وعلى ذلك أبدا.
وإن كان الذهب والفضة المضروبان غير خالصين اعتبرتا بالخالص، وإن تم
النصاب طرفي السنة دون وسطها أو في أحد طرفيها لم تجب فيه الزكاة، وإن كان
ما له غائبا عنه ولم يتمكن منه أو وديعة ولم يصل إليه أو قرضا على أحد ولم يرد
عليه أو دفينا وقد نسي أو لم يتمكن منه أو غير مضروب ولا منقوش ولم يفر به من
الزكاة لم تجب الزكاة فيه، وإن تمكن منها أو فر بغير المنقوش المضروب من الزكاة
أو لم يأخذ المال من المستقرض وهو يرد عليه وجب فيه الزكاة.
253

فصل: في بيان زكاة الغلات والثمار:
إنما تجب الزكاة في الجميع بشرطين: الملكية والنصاب. فالنصاب فيها واحد
والعفو واحد، فالنصاب خمسة أوساق والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال
بالعراقي، والعفو ما نقص عن ذلك. ولم يخل جميع ذلك من ثلاثة أوجه: إما سقى
سيحا أو بعلا أو عذيا، أو سقى بالغرب والدوالي أو ما يلزم عليه المؤن الكثيرة، أو
سقى بهما معا. فالأول يلزم فيه العشر والثاني نصف العشر والثالث على ثلاثة
أضرب: إما كان الغالب ما يلزم معه العشر أو نصف العشر أو كان متساويا.
فالأول يلزم فيه العشر والثاني نصف العشر والثالث يلزم في نصفه العشر وفي نصفه
نصف العشر.
والثمر ضربان: إما اختلف زمان إدراكها في السنة أو حمل شجرها كل سنة
مرتين. فالأول يضم بعضها إلى بعض والثاني لا يضم ويكون لكل حمل حكم
نفسه. وأنواع الثمر والغلة في حكم جنس ولا يلزم الأعلى إلا إذا تبرع به ولا يجزئ
الأدنى، وإن لم يقبل الجفاف بعض الثمر اعتبر بالحساب.
فصل: في بيان من يستحق الزكاة:
المستحق الزكاة ثمانية أصناف: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل. فالفقير من لا شئ له،
والمسكين من له قدر من المال ولا يكفيه، والعامل الساعي لجمع المال وقد سقط
سهمه اليوم، والمؤلفة قلوبهم الذين يستمالون من الكفار استعانة بهم على قتال
غيرهم من أمثالهم فيتألفون وسقط سهمهم أيضا اليوم، وفي الرقاب العبيد المضيق
عليهم عند ساداتهم فإن اشتروا وأعتقوا عن أهل الصدقة أو عمن وجب عليه عتق
رقبة ولم يجد أجزأ من الزكاة وكذلك المكاتب إذا عجز عن أداء مال الكتابة أعين
بمال الصدقة على فك رقبته، والغارم من ركبه الدين في مصلحة نفسه أو غيره في غير
معصية الله تعالى، وسبيل الله الجهاد والرباط والمصالح وسبيل الخير وقد سقط اليوم
254

سهم الجهاد والرباط دون المصالح وسبيل الخير، وابن السبيل المجتاز بغير بلده
المنقطع به غير منشئ للسفر، وقال بعض أصحابنا: الضيف إذا كان فقيرا داخل
فيه.
ومن يأخذ الصدقة ثلاثة أقسام: إما يعرف استحقاقه بظاهر الحال أو لا يعرف
إلا بالبينة أو يعرف تارة بهذا وتارة بذلك. فالأول ستة أصناف: العامل والمؤلفة
وسبيل الله وابن السبيل والفقير والمسكين ابتداء. والثاني صنفان: الفقير والمسكين
بعد الغنى. والثالث صنفان: الرقاب والغارم.
وينقسمون من وجه آخر قسمين: إحديهما: يأخذ مع الغنى والفقر وهم خمسة
نفر: العامل والمؤلفة والغزاة والغارم لمصلحة ذات البين وابن السبيل وإن كان في
بلده ذا يسار. والآخر لا يأخذ إلا مع الفقر وهم أيضا خمسة أصناف: الفقير
والمسكين والرقاب والغارم لمصلحة نفسه وابن السبيل المنشئ للسفر.
وينقسمون قسمين آخرين: أحدهما يعطي مستقرا وهو أربعة أصناف: الفقير
والمسكين والعامل والمؤلفة. والآخر يعطي غير مستقر وهو الباقي والغارم إن كان
أنفق ما استدان في معصية الله عز وجل وتاب لم يعط من سهم الغارمين شيئا
وأعطي من سهم الفقراء. ويعتبر الإيمان في جميع الأصناف إلا في المؤلفة والعدالة إلا
في المؤلفة والغزاة، وتحرم الزكاة على بني هاشم من غيرهم مع تمكنهم من الخمس،
ولا يجوز دفع الزكاة إلى الولد وإن سفلوا وإلى الوالدين وإن علوا من سهم الفقراء
والمساكين وجاز من سهم الرقاب والغارم والعامل والغزاة، وحكم الزوجة من سهم
الغارمين كذلك، ولا يجوز للمولى أن يدفع صدقته إلى مملوكه، ومن اجتمع فيه
سببان أو أكثر استحق بجميع الأسباب.
والمخالف إذا استبصر ودفع الزكاة إلى أهل نحلته أعاد، وإذا حضر الإمام
وطلب مال الزكاة وجب أن يدفع إليه فإن لم يدفع إليه وأعطى صاحبه لم يجز وإن
لم يطلب جاز أن يباشر بنفسه والأولى أن يدفع إليه زكاة المال الظاهر، وإن لم
يحضر الإمام ولم يعلم وضعها في مواضعها دفع إلى الفقهاء الديانين ليضعوها
255

مواضعها.
ومن كان له دين على مؤمن ومات فقيرا جاز له أن يحتسب من الزكاة، وينبغي
أن تدفع زكاة الذهب والفضة إلى الضعفاء وزكاة المواشي إلى المتجملين ولا يجوز أن
يعطي من زكاتهما المستحق أقل من نصاب ويجوز أن يعطي قدر غناه وقال قوم
بواجب النصاب الأول والآخرون بالثاني، وإذا استحقها قرابته فالأولى صرفها
إليها وإن كثرت جعل للقرابة قسطا وللأجانب قسطا، وإذا وجد المستحق في البلد
كره له نقلها إلى آخر فإن نقل ضمن وإن لم يجد لم يضمن.
فصل: في بيان زكاة الرؤوس:
وهي زكاة الفطرة وهي ضربان: واجب ومستحب، فالواجب إنما يجب على
من فيه أربعة أوصاف: الحرية والبلوغ وكمال العقل واليسار بكونه مالك نصاب
مما تجب فيه الزكاة، ولا بد في ذلك من معرفة عشرة أشياء: من تجب عليه وتصح
منه، ومن تجب عليه ولا تصح منه، ومن لا تجب عليه ولا تستحب له، ومن عليه
الإخراج عن غيره، ومن الذي يجب أن يخرج عنه، وما يجب فيه الإخراج، ومقدار
ما يجب اخراجه فيها، والوقت الذي تجب فيه، ومن يستحقها، والقدر الذي لا يجوز
اخراج أقل منه.
فأما الأول: فقد ذكرناه والثاني: الكافر والثالث: غير من تجب عليه أو
تستحب له والرابع: من وجبت عليه وكان ذا عيال.
والخامس: خمسة أصناف: نفسه، وجميع عياله من تجب عليه الفطرة من
الوالدين وإن علوا والولد وإن سفلوا والزوجة، والمماليك، وخادمة الزوجة ومملوكه
إذا عالهما، وكل ضيف أفطر عنده شهر رمضان.
والسادس: أحد سبعة أصناف: التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز
والأقط واللبن. وإنما تجب عليه من ذلك الأغلب من قوته وأفضلها التمر ثم
الزبيب.
256

والسابع: صاع قدره تسعة أرطال بالعراقي إلا اللبن فإنه يجب فيه ستة أرطال
وإذا لم يجد أخرج قيمته وروي: أنه يخرج عنه درهما في الغلاء وثلثي درهم في
الرخص والأول أحوط.
والثامن: إذا طلع هلال شوال إلى أن يتضيق وقت صلاة العيد ويجوز تعجيلها
من أول شهر رمضان فإن لم تدفع قبل الصلاة لم يخل من وجهين: إما وجد
المستحق أو لم يجد، فإن وجد فقد فاته الوقت والفضل ولزمه قضاؤها وروي: أنه
يستحب له قضاؤها، وإن لم يجد وعزل عن ماله وتلف لم يضمن وإن لم يعزل
ضمن.
والتاسع: من يستحق زكاة الأموال، والأولى أن يحملها إلى الإمام إن حضر
وإلى الفقهاء إن لم يحضر ليضعوها مواضعها وإن قام بنفسه بذلك جاز إذا علم
مواضعها.
والعاشر: صاع، ويجوز أن يعطي مستحق أصواعا فإن كان له صاع واحد
وحضر جماعة من المستحقين جاز له أن يفرقه عليهم.
وأما من يستحب له ذلك فثلاثة نفر: من لا يملك نصابا من المال ومن أسلم
بعد استهلال شوال ومن يأخذ زكاة الأموال. ومن عسر عليه أو أخذ الزكاة وبه
حاجة أدارها على عياله من هذا إلى ذاك ثم أخرج رأسا عن الجميع، وفطرة
المكاتب المشروط عليه على سيده والمكاتب المطلق إذا أدى بعض مال الكتابة وجب
عليه بقدر ما تحرر إذا كان موسرا والمعسر إذا تزوج أمة لم يلزمه ولا مولاها فطرتها
ويستحب اخراج الفطرة عن المولود بعد استهلال شوال إلى وقت صلاة العيد
وروي: إلى وقت الزوال.
فصل: في بيان أحكام الأرضين:
الأرضون أربعة أقسام: أرض أسلم أهلها عليها طوعا وأرض الجزية وهي ما
صولح عليها أهلها وأرض أخذت عنوة بالسيف وأرض الأنفال.
257

فالأولى لأربابها ولهم التصرف فيها بما شاءوا ما قاموا بعمارتها فإذا تركوا
عمارتها صارت للمسلمين وأمرها إلى الإمام.
والثانية حكمها موكول إلى الإمام يصالحهم على ما يراه صلاحا من المبلغ وله
بعد مضى مدة الصلح الزيادة والنقصان في ماله ولم يخل حالها بعد ذلك من ثلاثة
أوجه: إما باعوها أو أسلموا عليها أو تركوها بحالها. فإن باعوها انتقلت الجزية إلى
رؤوسهم، وإن أسلموا عليها سقطت الجزية عنهم ولهم التصرف فيها بأنواعه، وإن
تركوها بحالها لزمهم ما صالحوا عليها.
والثالثة تكون بأسرها للمسلمين وحكمها إلى الإمام يتصرف فيها بما يراه
صلاحا ويكون أعود على المسلمين.
والرابعة للإمام خاصة وهي عشرة أجناس: كل أرض جلا أهلها، وكل أرض
خراب باد أهلها، وكل أرض أسلمها الكفار بغير قتال، وكل أرض لم يوجف
عليها بخيل ولا ركاب، والبائرة التي لا أرباب لها، والآجام، ورؤوس الجبال،
وبطون الأودية، وكل ما يصطفيه الملوك لأنفسهم، وقطائعهم التي كانت في أيديهم
من غير جهة غصب. فجميع ذلك حكمه إلى الإمام يبيع ما يشاء
ويهب ما يشاء ويقطع ما يشاء ويحمي ما يشاء ويضمن ما يشاء بما يشاء كيف يشاء وينقل من آخر
إلى غيره ويزيد وينقص في النصيب بعد انقضاء المدة وعلى المتقبل في الأنفال
وغيرها من الأرضين في فاضل الضريبة له العشر أو نصفه.
258

ومن هذا الكتاب باب الخمس
الباب يحتاج إلى بيان خمسة أشياء: ما يجب فيه الخمس، ومن يستحق ذلك،
وكيف يقسم، ومن إليه قسمته وأشياء يتعلق بذلك.
فالأول: ثلاثة وثلاثون صنفا: كل ما أخرجته المعادن من الذهب والفضة
والرصاص والنحاس والأسرب والحديد والزئبق والياقوت والزبرجد والبلخش
والفيروزج والعقيق والكحل والزرنيخ والملح والكبريت والنفط والقير والمومياء وكنوز
الذهب والفضة وغيرهما - إذا لم يعرف لها مالك، والغوص وما يوجد على رأس
المال في البحر. والعنبر والمن والعسل والمشار من الجبال والغنائم التي تؤخذ من دار
الحرب عنوة، قلت أو كثرت، من المال والسلاح والثياب والمماليك والكراع
والأرضين والعقار. والفاضل من الغلات عن قوت السنة بعد اخراج الزكاة منها،
وكل مال اختلط فيه الحرام بالحلال على وجه لا يتميز والميراث الذي اختلط
الحلال بالحرام كذلك، وفاضل المكاسب عما يحتاج إليه لنفقة سنته، وأرباح
التجارات، وكل أرض اشتراها ذمي من مسلم.
والثاني: من ولده هاشم من الطرفين أو من قبل الأب خاصة بعد حق الله
تعالى. وينقسم ستة أقسام: سهم لله تعالى، وسهم لرسوله ص،
وسهم لذي القربى. فهذه الثلاثة للإمام. وسهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم،
وسهم لأبناء سبيلهم. فإذا لم يكن الإمام حاضرا فقد ذكر فيه أشياء، والصحيح
عندي أنه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد.
259

والثالث: يقسم بالسوية من الذكر والأنثى، والوالد والولد والصغير والكبير،
ويراعى فيه الإيمان. والعدل أفضل من الفاسق، ولا ينقل مع وجود المستحق إلى
بلد آخر، وإن لم يوجد نقل ولا يعطي نصيب هذا ذاك.
وإذا بلغ اليتيم سقط حقه من هذا الوجه دون المسكنة وغيرها، وبلوغ الرجل
يحصل بأحد ثلاثة أشياء: الاحتلام والإنبات وتمام خمسة عشر سنة. وبلوغ المرأة
بأحد شيئين: الحيض وتمام عشر سنين والحبل علامة البلوغ.
والرابع: يكون إلى الإمام إن كان حاضرا أو إلى من وجب عليه الخمس إن
كان الإمام غائبا وعرف صاحبه المستحق، وأحسن القسمة، وإن دفع إلى بعض
الفقهاء الديانين ليتولى القسمة كان أفضل، وإن لم يحسن القسمة وجب عليه أن
يدفع إلى من يحسن من أهل العلم بالفقه.
والخامس: لم يخل المال الذي وجب فيه الخمس من أن يعتبر فيه النصاب أو
لا يعتبر، فالأول ثلاثة أشياء: معدن الذهب والفضة وكنوزهما والغوص فإنه يعتبر
في المعادن والكنوز قدر النصاب الذي يجب فيه الزكاة. وفي الغوص بلوع قيمته
دينارا. والثاني ما سوى ذلك. وإن أنفق على تحصيله مالا وضع مقداره عنه ووقت
الأداء في الغنائم بعد الفراع من قسمتها وفي ما يوجد من الذهب والفضة من المعادن
بعد الفراع من تصفيته وفي ما سوى ذلك حالة حصوله.
260

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
261

كتاب الزكاة
الزكاة اخراج بعض المال لينمو الباقي بالبركات ويزيد لصاحبه من الدرجات
ويطهر هو من الحرام وصاحبه من الآثام. ويحتاج فيها إلى معرفة سبعة أشياء:
أقسامها وما يجب فيه وشرائط وجوبها وصحة أدائها ومقدار الواجب منها ومن
المستحق لها ومقدار ما يعطي منها وأحكامها.
أما أقسامها فضربان: مفروض ومسنون. فالمفروض زكاة الأموال وزكاة
الرؤوس. وزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء: الذهب والفضة والخارج من
الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي الإبل والبقر والغنم. ولا يجب في ما
عدا ذلك.
وشرائط وجوبها في الذهب والفضة: البلوغ وكمال العقل وبلوغ النصاب
والملك له والتصرف فيه بالقبض أو الإذن وحؤول الحول عليه وهو كامل في الملك لم
يتبدل أعيانه ولا دخله نقصان وأن يكونا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين أو
سبائك فر بسبكها من الزكاة. وفي الأربعة الأصناف من الغلات شرطان: الملك
وبلوغ النصاب. وفي الأصناف الثلاثة من المواشي أربعة شروط: الملك والحول
والسوم وبلوغ النصاب.
وشرائط صحة أدائها: الاسلام والبلوغ وكمال العقل والنية ودخول الوقت في
أدائها على جهة الوجوب ومقدار الواجب من الزكاة.
وأما الذهب فلا شئ فيه حتى يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغها وتكاملت الشروط
263

وجب فيه نصف مثقال، ثم لا شئ فيما زاد عليه حتى تبلغ الزيادة أربعة مثاقيل
ففيها عشر مثقال، وهكذا في كل عشرين مثقالا نصف مثقال وفي كل أربعة بعد
العشرين عشر مثقال.
وأما الفضة فلا شئ فيها حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغها وتكاملت الشروط
وجب فيها خمسة دراهم، ثم لا شئ زاد في الزائد حتى تبلغ أربعين درهما ففيها
درهم واحد، ثم على هذا الحساب.
وأما الغلات فالواجب في كل صنف منها إن كان سقيه سيحا أو بعلا أو بماء
السماء العشر وإن كان بالغرب والدوالي والنواضح نصف العشر وإن كان السقي
بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المدين فإن تساوى زكى النصف بالنصف
العشر هذا إذا أبلغ بعد اخراج المؤن وحق الزراع، خمسة أوسق والوسق ستون صاعا
والصاع أربعة أمداد بالعراقي والمد رطلان وربع. وما زاد على النصاب قل أو كثر
فبحسابه بالغا ما بلغ. وأما الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا وفيها إذا تكاملت
الشروط شاة. وفي عشر شاتان. وفي خمس عشرة، ثلاثة شياه. وفي عشرين أربعة شياه وفي
خمس وعشرين، خمس شياه، وفي ست وعشرين، بنت مخاض وهي ما لها حول كامل. وفي
ست وثلاثين، بنت لبون وهي التي لها حولان ودخلت في الثالث. وفي ست وأربعين،
حقة وهي التي لها ثلاث أحوال ودخلت في الرابع. وفي إحدى وستين، جذعة وهي
التي لها أربعة أحوال ودخلت في الخامس. وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى
وتسعين حقتان، وإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين، فصاعدا سقط هذا الاعتبار
ووجب في كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة. ولا شئ فيما بين النصابين. وأما
الواجب في البقر ففي كل ثلاثين، تبيع حولي أو تبيعة وهو الجذع منها. وفي كل أربعين
مسنة وهي الثنية فصاعدا. ولا شئ فيما دون الثلاثين ولا فيما بين النصابين
وحكم الجاموس حكم البقر. وأما الواجب من الغنم ففي كل أربعين منها شاة. وفي
كل مائة وإحدى وعشرين، شاتان. وفي مائتين وواحدة، ثلاث شياه. وفي ثلاث مائة
وواحدة، أربع شياه. وإذا زاد على ذلك سقط هذا الاعتبار وأخرج عن كل مائة شاة
264

ولا شئ فيما دون الأربعين ولا في ما بين النصابين والمأخوذ من الضأن الجذع ومن
المعز الثني. ولا يؤخذ دون الجذع ولا يلزم فوق الثني. وأما المستحقون فالفقير الذي
دون كفايته والمسكين الذي لا شئ له وقيل بالعكس منه والعامل عليها الساعي في
جبايتها والمستمال للجهاد والمكاتب والعبد المبتلى بالضر والشدة ويجوز أن يشترى
من مال الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة والذي ركبه الدين في غير
معصية. وفي الجهاد وغيره من مصالح المسلمين، كعمارة الجسور والسبل وفي الحج
والعمرة وتكفين أموات المؤمنين وقضاء ديونهم. وأما ابن السبيل فهو المنقطع به وإن
كان في بلده غنيا. ويعتبر في من عدا الساعي في جباية الزكاة والمستمال للجهاد
الإيمان والعدالة وأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه وأن لا يكون ممن يجب
على المرء نفقته وهو الأبوان والجدان والولد والزوجة والمملوك وأن لا يكون من بني
هاشم المستحقين المتمكنين من أخذه فإن كان غير متمكن من أخذه أو كان المزكي
هاشميا مثله جاز دفع الزكاة عليه. وأما أقل ما تعطى الفقير الواحد ما يجب في
النصاب الأول فإن كان من الدنانير فنصف دينار وإن كان من الدراهم فخمسة
دراهم وكذا في الأصناف الباقية. وقد روي أن الأقل من ذلك ما يجب في أقل
نصاب الزكاة من الدنانير عشر مثقال ومن الدراهم درهم واحد ويجوز أن يدفع إليه
منها الكثير وإن كان فيه غناه.
فصل
لا اعتبار في الذهب والفضة بالعدد وإنما يراعى الوزن. وزن أهل الاسلام كل درهم ستة دوانيق وكل
عشرة دراهم سبعة مثاقيل. وإن كان معه دراهم جيدة
الثمن ودراهم دونها في القيمة ومثلها في العيار، ضم بعضها إلى بعض وأخرج منه
الزكاة والأفضل أن يخرج من كل جنس ما يخصه وكذا حكم الدنانير والدراهم
المحمول عليها لا يجب فيه الزكاة إلا أن يبلغ ما فيها من الفضة نصابا وحينئذ لا
يجوز أن يخرج دراهم مغشوشة بل يجب دراهم فضة خالصة وإن لم يكن معه إلا
265

المغشوش وأحاط علمه بقدر ما فيها من الفضة أخرج منها مقدار ما يكون فيه من
الفضة بمبلغ ما يجب عليه فيه من الزكاة كأن يكون معه ثلاث مائة درهم مغشوشة
وهو يعلم أن فيها مائتي درهم فضة أخرج من جملة ذلك سبعة دراهم ونصف درهم
وقد أجزأه لأنه أخرج الواجب والجمل زائدة وإن لم يحط على ما فيها من الفضة
صفاها حتى يعرف مقدار خالصها وأعطى زكاة ذلك أو أعطى ما يقطع منه أنه
أخرج قدر الواجب استظهارا وكذا في الدنانير المغشوشة ويجوز اخراج الزكاة من غير
الجنس بالقيمة إذا لم يكن مما فيه ربا. فإن كان فيه ربا وأخرج مثلا بمثل ترك
الاحتياط بعدوله عن الجنس الذي يجب فيه وسبائك الذهب والفضة لا يجب فيه
الزكاة وإن مضت فيها أحوال كثيرة إلا إذا قصد به صاحبه الفرار من الزكاة
فحينئذ يجب وكذا في الحلي والأواني والمراكب وغير ذلك أو كان مجرى في السقوف
المذهبة لا فرق ذلك بين الحلي المباح المحظور كحلي الرجال للنساء أو بالعكس.
فصل
من وجب عليه بنت مخاض، وليست عنده وعنده بنت لبون، أخذت منه وأعطى
شاتين أو عشرين درهما. وإن وجب عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض، أخذت منه
مع شاتين أو عشرين درهما. وبين بنت لبون وحقة من التفاوت في القيمة ما بين
بنت لبون وبنت مخاض. وكذا ما بين الحقة والجذعة. وإن وجبت عليه بنت مخاض أو جذعة أو
غيرهما، وليس معه إلا فوق الجذعة أو دون بنت مخاض من الأسنان، فلا
شئ مقدر فيه إلا أنه يقوم ويترادان الفضل. ويجوز النزول من الجذعة إلى بنت
مخاض والصعود من بنت مخاض إلى جذعة بما سومه التفاوت. وإن اجتمع عدد يمكن
أن يخرج كل منه على الانفراد، كان مخيرا في اخراج أي ذلك شاء، كأن يكون مائتين
فإنه يخرج أربع حقاق أو خمس بنات لبون غير أن الفضل اخراج أربع الأسنان. وكذا
في البقر. لا يؤخذ ما دون التبيع والتبيعة ولا ما فوق المسنة من الأسنان ولا الذكر
إلا بالقيمة الغنم إن كان كلها فوق السن الواجب فيها أو دونها جاز أن نأخذ
266

بالقيمة إذا كان المال ضأنا وماعزا وبلغ النصاب أخرج من أيهما شاء رب المال
بعموم اسم الغنم. وكذا أعطى بدل الذكر الأنثى أو بالعكس أخذت إذا كانت
الأمهات من الغنم والذكور من الظباء والأولى وجوب الزكاة فيها لتناول اسم
الغنم لذلك وإن كان بالعكس من ذلك فلا يجب ولا يؤخذ في الزكاة ذات عوار ولا
هرمة ولا مهزولة إلا إذا كانت كلها كذلك فيؤخذ من وسطها ولا يؤخذ السمينة في
العامة إلا إذا تبرع بها صاحبها فإن يشاء حينئذ رب المال والساعي أقرع بين المال
ويقسم إلى أن لا يبقى إلا الواجب فيخرجه إذا كان النصاب مختلفا كأن يكون
بعض الغنم ضأنا ومن بعضها فبطنا أو بعض الإبل نجيبا وبعضها أو كان يؤخذ
من كل جنس ما يكون قيمته مقدار ما يجب فيه على قدر قيمة المال وكذا الغلات
إذا اختلفت أجناسها من كان له نصاب في البلدين من أي جنس كان لم يسقط
عنه الزكاة وإذا ملك من أجناس ما يجب في الزكاة ما يكون بمجموعه أكثر من
نصاب إلا أنه لا يبلغ كل جنس منه نصابا لا تجب الزكاة إلا إذا قصد به الفرار
منها فإذا يجب فيه.
فصل
إذا كانت الماشية نصابا ومعلوفة مدة الحمل أو في أكثره فلا زكاة فيها وإن
كانت سائمة في أكثر الحول، تجب الزكاة. فإن تساوت المدتان، زكى منها احتياطا
ومن استأجر أجيرا ليرعي له أربعين شاة بشاة معينة منها حولا، لم يجب فيه الزكاة
وإن لم يعينها، بل جعلها في ذمته وجب فيها الزكاة. ومن اشترى نصابا ولم يقبضها
حتى حال عليه الحول فإن كان متمكنا من قبضها متى شاء، كان عليه الزكاة وإلا
فلا. وهكذا في الدين إذا كان معه بعض النصاب والآخر دين متمكن من أخذه متى
شاء، تجب الزكاة منها وإن لم يتمكن من أخذ البعض الآخر متى شاء فلا زكاة.
مال القرض على المستقرض إلا إذا ضمنها المقرض ومن كان عنده نصاب
فغصبت منه أو غاب أو ضل ولا يتمكن منه ثم عاد إليه في أثناء الحول استأنف به
267

الحول غير معتد بما سبق وكذا إذا مات المالك وانتقل إلى الوارث استأنف الحول إذا
بادل جنسا بجنس مخالف له استأنف الحول بالبدل إلا إذا فر به من الزكاة أو
كانت المبادلة فاسدة وإن بادله بجنس موافق له لم يستأنف. من باع نصابا قبل
حؤول الحول بشرط خيار المدة فحال الحول في مدة الشرط فإن كان الشرط للبائع
أو لهما، فعليه الزكاة لأن ملكه لم يبدل وإن كان للمشتري استأنف الحول. من باع
زكاة قبل اخراج الزكاة منه انعقد البيع في حقه دون المساكين لأن حقهم يتعلق
بالغير لا بالذمة وللمشتري رده بالعيب إلا أن يقيم حق المساكين من غيره. ولا يسقط
الدين عن صاحب المال الزكاة لأنها تتعلق بالمال والدين يتعلق بالذمة. إذا كان
معه مائتا درهم فقال: لله على أن أتصدق بمائة درهم وحال الحول على المائتين
وجب فيها الزكاة. وإن كان قال بمائة من جملة المائتين فلا، لأن ملكه زال عن مائة
قبل دخول الحول وكذا إن هلك بعض النصاب قبل الحول لا يجب. يقف وجوب
الزكاة مع حصول شرائطها على إمكان الأداء فمتى أمكنه الإخراج ولم يخرج فهلك،
ضمن. فالإمكان شرط في الضمان لا في الوجوب. ووقت وجوب الزكاة في الحبوب
إذا اشتدت. وفي الثمار إذا بدأ صلاحها. ووقت اخراجها إذا ديس الحب ونقى
وجففت الثمرة وسميت فإن أراد صاحبها زادها رطبا خرجت عليه ما تكون تمرا.
إذا وقف على جماعة صنعة وأخرجت الغلة وبلغت النصاب حصة كل واحد منهم
كان عليهم الزكاة وإن نقص فلا. وإن وقف على انسان أربعون شاة ويحال عليها
الحول فلا زكاة فيها لأنها غير مملوكة بخلاف المسألة الأولى لأن الغلة هناك وإن
نتجت وحال على الأولاد الحول فكانت نصابا ففيها الزكاة إلا إذا شرط الواقف
أن يكون الولد أيضا وقفا. من استأجر أرضا فزرعها فالزكاة عليه في زرعه دون
مالك الأرض لأنه يأخذ الأجرة. ولا تجب الزكاة في الأجرة وكذا إذ استأجرها بغلة
من تلك الأرض بعد الإجارة والغلة للزارع وعليه أجرة المثل والزكاة أيضا.
268

فصل
حكم غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم حكم أموال البالغين في وجوب
الزكاة ويتولى اخراج ذلك الولي أو الوصي لا غير فإن قصر في اخراجها حتى هلك
المال فالضمان على الولي إلا في مال الصبي وما كان من الدراهم والدنانير لهؤلاء
فلا تتعلق به الزكاة ومن اتجر بمالهم نظرا لهم، أخرج منه الزكاة قدما وإن اتجر به
لنفسه فالزكاة على المكاتب المشروط عليه وغير مشروط إن لم يؤد بأشياء لا زكاة
عليهما في مالهما ولا على سيدهما لأنه ليس بملك لهما إذ العبد لا يملك شيئا ولا
لسيدهما ملكا صحيحا لأنه لا يملك إلا بعد عجز العبد عن أداء مال المكاتبة وإذا
أخذ السيد المال استأنف به الحول من يوم أخذه وكذا المكاتب إذا أدى المال
استأنف بما بقي الحول وغير المشروط عليه إذا تحرر منه أعطى الزكاة بحساب حريته
إذا بلغ ما يصيبه بالحرية النصاب.
لا يجب على العبد الزكاة بتمليك المولى إياه النصاب وإنما يجب على المولى لبقاء
ملكيته بعد وإن جاز للعبد التصرف فيه وأما حاصل الضريبة وأرش الجناية في نفسه
فقيل: يملك. وهو الصحيح فتكون زكاته على المولى أيضا والمرتد إذا كان معه مال
يعتبر فيه الحول وقد حال عليه أخذ منه الزكاة.
إذا استهل الشهر الثاني عشر فقد وجبت الزكاة فيما يراعى فيه الحول ويجب
اخراجها على الفور. فمن لم يخرجها مع الإمكان، كان ضامنا إن كان من أهل
الضمان. وما لا يراعى فيه الحول تجب الزكاة فيه إذا بدا صلاحها. لا يجوز تقديم
الزكاة قبل محلها إلا على وجه الفرض فإذا دخل الوقت وكان الدافع والمدفوع إليه
على ما يعتبر من الصفة أو مات المدفوع إليه احتسب به من الزكاة وإلا استردها إذا
عجل زكاته ثم تغير حال المدفوع بغنى أو ردة أو فسق استردها إذا أعطاه مقيدا بأن
قال: هذه زكاة عجلتها. وإن أعطاه مطلقا فلا. وإن كان المعطى الوالي جاز له
استرجاعها مقيدا أو مطلقا. إذا أطلق الزكاة لمسكين قبل الحول ثم حال وقد أيسر
من هذا المال فإن كانت ماشية فتوالدت أو مالا فاتجر به وربح فلا يجوز له
269

استرجاعها وإن كان أيسر من غيره استرجعها أو أخرج عوضها.
فصل:
النية المعتبرة في الزكاة نية المعطى مالكا كان أو وكيله أو وليه فينبغي أن
يقارن حال الإعطاء وينوي الزكاة أو صدقة القرض ولا يحتاج أن ينوي أن هذا زكاة
مال معين ومن كان له سالما فهذه زكاته أجزائه إن سلم وإن تلف لم يجز أن ينقله
إلى زكاة مال سواه لفوات وقت النية وهو حال الإعطاء ولا بد من نية الموكل
والوكيل إذ نية الوكيل بانفرادها لا تجزئ لأنه ليس برب المال ونية رب المال
بانفرادها لا تجزئ لأنها تقدمت حال الإعطاء. من يقدر على أن يكتسب بأوده
وأود عياله أو يكون له ضيعة أو عقار ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته تحرم
عليه الزكاة وإن كانت لا ترد عليه ذلك حلت له ويجوز أن يعطاها من له مملوك
يخدمه ودار يسكنها فأما إذا كانت دار غلة تكفيه وعياله على الاقتصاد فلا. ومن
ادعى أنه يحتاج إلى الصدقة لا تقبل إلا ببينة ويجوز أن يعطي الزكاة أو يقاصه من له
دين عليه وإن لم يعلمه ذلك ويجوز أن يعطي أطفال المؤمنين دون المشركين ومن
أعطي زكاة ليفرقها وكان محتاجا إليها جاز أن يأخذ منها بمثل ما يعطي غيره لا ما
إذا عين لها قوم مخصوص فحينئذ لا يجوز. ومنهم المؤلف القلب وهو الكافر
المستمال للجهاد والإسلام بشئ من المال لا يجوز دفع ذلك إليه إلا للنبي والإمام
القائم مقامه ومن وجب عليه عتق رقبة في كفارة ولا يقدر عليه جاز أن يعتق عنه من
سهم الرقاب والمكاتب لا يعطي من الزكاة إلا إذا فقد ما وجب عليه من مال
المكاتبة أو حل به نجم جاز أن يعطي إن لم يكن معه ما يكفيه لنجمه فإن لم يحل
عليه نجم جاز أن يعطي إن لم يكن معه شئ. الغارم إذا كان استدان في معصية
وقد تاب عن ذلك وكان فقيرا أعطي لفقره وإلا فلا وإن صرف الغارم ما أخذه في
غير قضاء الدين لم يسترجع منه وقضاء الدين عن الميت داخل في سبيل الله سواء
كان الميت ممن يجب عليه نفقته في حياته أولا. العاصي بسفره لا يستحق شيئا من
270

سهم ابن السبيل وكذا المنشئ للسفر من بلده إلا أن يكون فقيرا فيعطى من سهم
الفقير لا غير ومتى أعطي ابن السبيل بقدر كفايته لذهابه ومجيئه فبدا له من السفر
وأقام استرجع منه وإذا اجتمع لشخص واحد شيئان أو أكثر مما استحق بكل واحد
الصدقة جاز أن يأخذ بجميع ذلك الساعي للصدقة والغازي والمؤلف والغارم لمصلحة
ذات البين وابن السبيل هؤلاء يأخذون الصدقة مع الغنى والفقر والفقير والمسكين
والرقبة والغارم لمصلحة نفسه لا يأخذها إلا مع الفقر ومن عدا المؤلف القلب من
المستحقين إنما يستحق الزكاة بشرط الإيمان والعدالة وكل من يجب على المزكي
نفقته إن كان من الغانمين أو الغارمين أو الرقاب أو الغزاة أو المؤلفة جاز أن يعطي
من سهم هؤلاء دون سهام المساكين والفقراء. وابن السبيل إن كان ممن يجب على
المزكي نفقته جاز أن يدفع عليه حاجة للمحمولة دون النفقة وتحرم الصدقة الواجبة
على ولد هاشم مع تمكينهم من خمسهم ويحل لهم إذا كانوا ممنوعين من الخمس وأما
الصدقة المندوبة أو صدقة بعضهم على بعض فلا تحرم عليهم مع تمكنهم من الخمس
وأجرة الكاتب والحاسب والكيال والوزان تكون من سهم العامل إن احتيج إليهم
وفي حال الغيبة مع وجود المستحق فيه أجزأه وإن هلك في الطريق كان ضامنا
قريبا كان ذلك البلد أو بعيدا وإن نقلها مع فقد المستحق فهلك فلا ضمان عليه
وزكاة الفطرة تفرق في بلد صاحبها لأنها تتعلق بالأبدان لا بالأموال ويجوز وضع
الزكاة في صنف واحد من أربابها مع وجود الباقين والأفضل أن يجعل لكل صنف
منهم سهما إن وجد والأقارب الحصر أولى من الأجانب يجوز أن يشرط بين الجماعة
فيما يجب في نصاب المواشي والأفضل أن يعطي كل مستحق ما يجب في نصاب إذا
رفع زكاة ماله إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه كان غنيا أو إلى من ظاهره الاسلام
أو الصلاح ثم بان أنه كان بخلاف ذلك أو كان هاشميا فإن كان الآخذ قد مات
أو لم يبق معه شئ فلا ضمان على المعطى وإن كان قد أعلمه حال الدفع أنه صدقة
واجبة وله استرجاعه إن بقي أو أخذ قيمته إن هلك من لم يجد المستحق لزكاته ولا
الإمام وجب أن يعزلها من ماله أو ينتظر به وجود المستحق أو حضور الإمام فإن
271

حضرته الوفاة وصى بذلك فإن مات والحال هذه وجب أن تخرج الزكاة من ماله
وصى أو لم يوص إن كانت معلومة الوجوب والمقدار كالدين. ودفع الزكاة إلى
سلطان الجور أو أخذها منه لم يجزه ولا يحل وروي أنه يجزيه والأول أحوط
والمخالف إذا أعطى الزكاة لأهل نحلته ثم اعتقد الحق أعادها.
فصل:
كل أرض أسلم أهلها طوعا من غير قتال كان ملكا لهم إذا قاموا بعمارتها
ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر عند اجتماع الشروط فإن تركوها خرابا كان
للإمام أن يقبلها ممن يعمرها بما يراه وعلى المتقبل إذا بقي له النصاب بعد اخراج
حق القبالة ومؤونة الأرض العشر أو نصف العشر ويعطي الإمام أمامها حق الرقبة
وكل أرض صالح أهلها عليها يلزمهم ما صالحهم الإمام عليه لا غير ويكون ذلك
للمجاهد في سبيل الله ويصرفها لأهلها وللإمام أن يزيد وينقص مال الصلح بعد
انقضاء مدته فإذا أسلموا فحكم أرضهم حكم العشر الأول يسقط عنهم مال الصلح
لأنه جزية وعليهم العشر أو نصفه وكل أرض أخذت بالسيف عنوة فهي للمسلمين
قاطبة للمقاتلة وغيرهم يقبلها الإمام ممن يقوم بعمارتها بما يراه وعلى المتقبل فيما
يفضل له بعد اخراج مال القبالة وحق الرقبة إذا بلغ نصابا العشر أو نصفه فلا يصح
التصرف في هذا النوع بالبيع والوقف وغير ذلك وللإمام التصرف فيه حسب ما يراه
من مصلحة المسلمين وأن ينقله من مستقبل إلى آخر إذا انقضت مدة زمانه وانتفاعه
ينصرف إلى المسلمين ومصالحهم وأراضي الأنفال تذكر بعد.
فصل:
وأما المسنون من الزكاة في أموال التجارة إذا طلبت برأس المال أو الربح وفي
كل ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن سوى ما تقدم وفي الحلي المحرم لبسه
وسبائك الذهب والفضة والأواني المصاغة منهما إذا لم يفر بذلك من الزكاة والمال
272

الغائب الذي لا يتمكن مالكه من التصرف فيه إذا قدر عليه وقد مضى عليه حول أو
أحوال زكاه لحول والمال الصامت لمن ليس بكامل العقل إذا اتجر به الولي تكرما
لهم. في الإناث من الخيل في كل رأس من العتاق ديناران ومن البراذين دينار
واحد. وشرائط الاستحباب كشرائط الوجوب ويسقط في الخيل اعتبار النصاب
والمقدار المستحق اخراجه مثل مقدار الواجب إلا في الخيل ويستحب أيضا في
المنازل والدكاكين والعقار وغيرها إذا كانت للغلة وقال بعض أصحابنا: إذا طلب
مال التجارة برأس المال أو الربح يجب فيه الزكاة. إذا اشترى سلعة بمائتين وأقامت
عنده حولا فباعها بالعين زكى المائتين بحوله ويستأنف الزكاة لفائدة الحول من حين
ظهورها. إذا اشترى سلعة فحال عليه الحول فحولها حول الأصل لأنها مردودة إليه
بالقيمة ولا يستأنف وإن كان اشتراها بعرض للقنية استأنف الحول والزكاة تتعلق
بقيمة التجارة لأنها بعينها إذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقط زكاتها
وإن كانت للقنية فنوى بها التجارة لا تصير تجارة حتى تصرف فيها للتجارة وما لزم
في رأس مال المضاربة من الزكاة على رب المال وما لزم في الربح كان بينهما.
فصل:
زكاة الرؤوس هي زكاة الفطر وتجب على كل حر بالغ مالك النصاب يجب فيه
الزكاة مسلما كان أو كافرا غير أنه لا يصح من الكافر اخراجها إلا بعد الاسلام
ولا يضمن إلا بشرط الاسلام فمن وجب عليه يلزمه أن يخرجها عن نفسه وجميع من
يعوله من والد وولد وزوجة ومملوك غائبا كان أو حاضرا أو ضيف مسلما كان أو
ذميا وعن المدبر والمكاتب المشروط عليه وغير المشروط عليه إذا لم يتحرر منه شئ
فإن تحرر بعضه لزمه بحساب ذلك إن لم يكن ممن يعوله لزمه كمال فطرته وكذا غير
المكاتب إن كان بعضه ملكا له والعبد المغصوب لا يلزم الغاصب فطرته ولا المغصوب
منه ومن ولد له مولود أو ملك عبدا قبل هلال شوال ولو بلحظة لزمته فطرتهما وإن
كان بعد هلاله قبل صلاة العيد استحب ذلك وما بعدها فلا شئ.
273

من ملك نصابا من الأموال الزكوية قبل أن يهل شوال ولو بلحظة وجب عليه
الفطرة، وكذا إذا أسلم قبل الهلال وإن كان بعد ذلك وقبل الصلاة فندب.
والمرأة إذا كانت مطلقة طلاقا يملك رجعتها إذا أهل شوال لزم الزوج فطرتها، فإن لم
يملك نصابا لا يجب عليه الفطرة بل يستحب له ذلك، وإن أراد فقراء أهل بيت فضيلة
الفطرة تزاد وفطرة رأس واحد ثم أخرجوها إلى خارج، وقيل تجب الفطرة على الفقير وإن
لم يملك النصاب، وليس بصحيح.
والمرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزمها فطرة نفسها، وكذا الأمة
الموسرة تحت معسر أو مملوك لأن بالتزويج سقط عنها فطرتها ونفقتها وسقط عن الزوج أيضا
لإعساره.
ويخرج في الفطرة التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن أيها شاء
إلا أن الأفضل التمر والزبيب أو ما هو أعلى من قوته، والأصل أن يخرج ما هو أغلب على
قوته، يخرج عن كل رأس صاعا واحدا، وهي تسعة أرطال بالعراقي أو ستة بالمدني، إلا
اللبن فإنه يجزئ منه ستة أرطال بالعراقي أو أربعة بالمدني.
ويجوز اخراج القيمة من أي جنس كانت، ولا يجوز اخراج صاع واحد من جنس
إلا على جهة القيمة.
ووقت وجوب الفطرة حين استهل هلال شوال، فإن قدمها على جهة القرض جاز،
وآخر وقتها حين الفراع من صلاة العيد فإن لم يجد المستحق قبل الصلاة عزلها عن ماله
ثم يسلمها بعده، فإن هلكت فلا ضمان عليه، وإن وجد المستحق ولم يدفعها إليه فهلكت
فعليه الضمان، وإن قصر في اخراجها حتى صليت صلاة العيد فعليه قضاؤها وقيل: وقت
وجوبها من طلوع الفجر من يوم العيد إلى قبيل صلاته.
فإن أخر اخراجها إلى بعد الصلاة بغير عذر أخل بواجب وسقط وجوبها وجبرت
إن أخرجها مجرى ما يتطوع من الصدقات، وإن كان عزلها عن ماله انتظارا لمستحقها فهي
مجزئة عنه، ومستحقها مستحق زكاة الأموال الجامع بين الفقر والإيمان والتنزه عن الكبائر.
ويجوز إعطاؤها أطفال المؤمنين ومن كان بحكمهم من مجانين أهل الإيمان والبله منهم،
فإن فقد المستحق في البلد جاز أن يعطي المستضعفين من غيرهم.
274

ولا يجوز حملها من بلد إلى بلد آخر، ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له إلا عند التقية
أو عدم المستحق فالأفضل ألا يعدل عن الأقارب إلى الأباعد وعن الجيران إلى قاص، وأقل
ما يعطي الفقير منها صاع واحد، وقد روي أنه إذا حضر جماعة وليس هناك من الأصواع
ما يصيب كلا منهم صاع جاز أن يفرق عليهم ولا يجوز مع الاختيار ويجوز أن يعطي الواحد
أصواعا.
فصل: في الخمس:
الخمس يجب في كل ما يغنم من دار الحرب ما يحويه العسكر وما لم يحوه ما يمكن نقله
إلى دار الاسلام وما لا يمكن من الأموال والذراري والأرض والعقار والسلاح والكراع وغير
ذلك مما يصح تملكه وكانت في أيديهم من غير جهة الغصب لمسلم.
وفي المعادن كلها ما ينطبع منها كالذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس
والرصاص، وما لم ينطبع كالكحل والزرنيخ والياقوت والزبرجد والبلخش والفيروزج
والعقيق والقير والنفط والزرنيق والكبريت والملح والمومياء والمن والعسل الذي يوجد في
الجبال، وكل ما يخرج بالغوص من البحر أو يوجد على رأس الماء، وفي العنبر، وفي أرباح
التجارات والمكاسب، وفيما يفضل من الغلات المذكورة من قوت السنة له ولعياله، وفي
الكنوز التي توجد في دار الحرب من الذهب والفضة والدراهم والدنانير كان عليه أثر
الاسلام أولا، وفيما يوجد منها في بلاد الاسلام ولم يكن عليها أثر الاسلام أو كان عليها أثر
الجاهلية هذا إذا لم يعرف لها أهل، وفيما اختلط الحلال بالحرام من المال ولم يتميزا.
وفي المعدن الخمس وإن كان لمكاتب أو كان العامل فيه عبدا، وما يجب فيه الخمس
لا يعتبر فيه الحول ويجب في قليله وكثيره إلا الكنوز ومعادن الذهب والفضة فإنها لا يجب
فيها الخمس إلا إذا بلغت النصاب الذي فيه الزكاة.
والغوص لا يجب فيه الخمس إلا إذا بلغ قيمته دينارا، ولا خمس فيما يصطاد من
حيوان البحر، والغلات والأرباح يجب فيها الخمس بعد اخراج حق السلطان ومؤونة
الرجل ومؤونة عياله لسنته على الاقتصاد.
والكنوز والمعادن يجب فيها الخمس بعد اخراج مؤنها.
والخمس نصفه للإمام القائم مقام الرسول والنصف الآخر فيقسم ثلاثة أقسام، قسم
275

ليتامى آل محمد وقسم لمساكينهم وقسم لأبناء سبيلهم لا غير، يقسم الإمام بينهم على قدر
كفايتهم في السنة على الاقتصاد، ولا يختص بذلك فريق منهم دون فريق، وليسوى بين
الذكور والإناث والصغير والكبير، فإن فضل شئ كان له خاصة، وإن نقص كان عليه
إتمامه من حصته. واليتامى وأبناء السبيل يعطيهم مع الفقر والغنى لأن الظاهر يتناولهم.
ومستحق الخمس من يحرم عليه الزكاة الواجبة من بني هاشم ولا يستحقه من كانت
أمه هاشمية دون أبيه وإن كان بالعكس منه جاز، ولا يخص بالخمس ولا يفضل بعضهم على
بعض، ولا يعطي إلا من كان مؤمنا أو بحكم الإيمان من الأطفال والمجانين، ويكون عدلا
مرضيا، فمن فرق في الفساق فلا ضمان عليه لأن الاسم يتناولهم، ولا يحمل الخمس من بلده
إلى غيره مع وجود مستحقه إلا بشرط الضمان، وإذا لم يوجد صنف أو صنفان جاز أن يفرق
فيهم ولا ينتظر غيرهم.
فصل: في الأنفال:
الأنفال كل أرض خربة باد أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي
ما انجلى أهلها، وكل أرض أسلمها أهلها بغير قتال، ورؤوس الجبال وبطون الأودية
والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصواف الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم
لا على وجه الغصب، وميراث من لا وارث له، ومن الغنائم قبل القسمة الجارية الحسناء
والفرس الفأرة والثوب المرتفع، وما لا يظهر له من رقيق أو متاع ما لم يجحف ذلك بالغانمين
ولم يستغرق القيمة.
وما غنم من أهل الحرب بغير إذن الإمام كان كل هذا للإمام القائم مقام الرسول، فمن
تصرف فيه بغير إذنه كان عاصيا، وما يحصل من الفوائد يكون للإمام دونه، وقد ورد
الرخصة عن الأئمة ع بشيعتهم خاصة أن يتصرفوا في حقوقهم مما يتعلق
بالأخماس وغيرها مما لا بد منه من المساكين والمتاجر والمناكح رفعا للحرج عنهم وتطييبا
لولادتهم، فأما ما عدا ذلك من أخماسهم فلا يجوز لأحد التصرف فيه، وحكمه في أيدي
شيعتهم ومن اشتغل به ذمتهم حكم ودائع المسلمين وأماناتهم وقد أمليت في ذلك مسألة
مستقصاة وسميتها بتنبيه الأنام لرعاية حق الإمام يطلع بها على ثنايا هذه المسألة
وبأخبارها.
276

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
548 - 598 ه‍ ق
277

كتاب الزكاة
باب في حقيقة الزكاة وما تجب فيه وبيان شروطها:
الزكاة في اللغة هي النمو يقال: زكا الزرع إذا نما، وزكا الفرد إذا صار
زوجا. فسمي في الشرع اخراج بعض المال زكاة لما يؤول إليه من زيادة الثواب
وقيل أيضا: إن الزكاة هي التطهير لقوله تعالى: أ قتلت نفسا زكية، أي طاهرة
من الذنوب، فسمي اخراج المال زكاة من حيث يطهر ما بقي ولولا ذلك لكان
حراما من حيث أن فيه حقا للمساكين، وقيل أيضا: تطهير المالك من مأثم
منعها.
ومدار الزكاة على أربعة فصول: أحدها ما يجب فيه الزكاة وبيان أحكامه،
وثانيها مقدار ما تجب فيه، وثالثها من تجب عليه، ورابعها بيان المستحق وكيفية
القسمة.
فأما الذي تجب فيه الزكاة فتسعة أشياء: الإبل والبقر والغنم والدنانير والدراهم
والحنطة والعلس
بالعين المفتوحة غير المعجمة واللام المفتوحة والسين غير المعجمة ضرب من الحنطة
إذا ديس بقي كل حبتين في كمام ثم لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحى
خفيفة ولا يبقى بقاء الحنطة وبقاؤها في أكمامها، ويزعم أهلها أنها إذا هرست أو
طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف فإذا اجتمع عنده حنطة وعلس ضم
بعضه إلى بعض لأنها كلها حنطة.
279

والشعير والسلت.
بضم السين غير المعجمة واللام المسكنة والتاء المنقطة بنقطتين من فوقها وهو شعير
فيه ما في الشعير فإذا اجتمع عنده شعير وسلت ضم بعضه إلى بعض لأنه كله شعير
لونه لون الشعير وطعمه طعمه إلا أن حبه أصغر من حب الشعير.
والتمر والزبيب.
وشروط وجوب الزكاة في هذه الأجناس التسعة أن يكون مالكها حرا بالغا
كامل العقل موسرا وحد اليسار ملك النصاب وأن يكون في يد مالكه وهو غير ممنوع
من التصرف فيه. ولا زكاة في المال الغائب عن صاحبه الذي لا يتمكن من الوصول
إليه ولا زكاة في الدين إلا أن يكون تأخره من جهة مالكه وأن يكون بحيث متى
رامه قبضه.
وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي: وشروط وجوب الزكاة من هذه
الأجناس ستة: اثنان يرجعان إلى المكلف وأربعة ترجع إلى
المال، فما يرجع إلى المكلف الحرية وكمال العقل، وما يرجع إلى المال الملك والنصاب والسوم وحؤول
الحول. وينبغي أن يلحق شرطا سابعا فيما يرجع إلى المكلف وهو إمكان التصرف
طول الحول فتصير ثلاثة ترجع إلى المكلف.
فالحرية شرط في الأجناس كلها لأن المملوك لا يجب عليه الزكاة لأنه لا يملك
شيئا.
وكمال العقل شرط في الدنانير والدراهم فقط فأما ما عداهما فإنه يجب فيه
الزكاة وإن كان مالكها ليس بعاقل من الأطفال والمجانين.
والصحيح من المذهب الذي تشهد بصحته أصول الفقه والشريعة أن كمال العقل
شرط في الأجناس التسعة على ما قدمناه أولا واخترناه، وهو مذهب السيد المرتضى
والشيخ الفقيه سلار والحسن بن أبي عقيل العماني في كتابه كتاب " المتمسك
بحبل آل الرسول " وهذا الرجل وجه من وجوه أصحابنا ثقة ففيه متكلم كثيرا كان
يثني عليه شيخنا المفيد وكتابه كتاب حسن كبير هو عندي قد ذكره أبو جعفر في
280

الفهرست وأثنى عليه. وقد ذهب إليه أيضا أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب
الإسكافي وهذا الرجل جليل القدر كبير المنزلة صنف وأكثر ذكره في كتابه " مختصر الأحمدي
للفقه المحمدي " وإنما قيل له: الإسكافي، منسوب إلى إسكاف وهي مدينة النهروانات
وبنو الجنيد متقدموها قديما من أيام كسرى وحين ملك المسلمون العراق في أيام عمر بن
الخطاب فأقرهم عمر على تقدم المواضع والجنيد هو الذي عمل الشاذروان على النهروانات في
أيام كسرى وبقيته إلى اليوم مشاهدة والمدينة يقال لها إسكاف بني الجنيد، قد ذكره المرتضى في
جمل العلم والعمل الذي اختار فيه وحقق وعقد وجمل أصول الديانات وأصول الشرعيات.
والدليل على صحة ذلك من وجوه كثيرة:
أحدها ظاهر كتاب الله تعالى وهو قوله سبحانه وتعالى: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فكان
ظاهر الخطاب في الزكاة متوجها إلى من توجه إليه في الصلاة لاقترانهما في الظاهر
واجتماعهما في معنى التوجه بالاتفاق فلما بطل توجه الخطاب في الصلاة إلى المجانين
والأطفال بطل توجهه إليهم في الزكاة كما بيناه، وقوله تعالى في الأمر لرسوله ع بأخذ
الزكاة: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، والطفل لا ذنب له فتكون الصدقة
تطهيرا له منه والمجنون لا جرم له فتكون التزكية كفارة له عنه وهذا بين بحمد الله لمن تدبره
وترك تقليد ما يجده في بعض الكتب.
وأيضا فالخطاب في جميع العبادات ما توجه إلا إلى البالغين المكلفين بغير خلاف فمن أدخل
من لا يعقل في الخطاب يحتاج إلى دليل، فإن فزع إلى الاجماع فلا خلاف بين أصحابنا أن في
المسألة خلافا بين أصحابنا، فبعض منهم يوجب الزكاة فيما عدا الدنانير والدراهم في أموال
الأطفال والمجانين، وبعض منهم لا يوجب ذلك، والجمع متفقون على أنه لا زكاة عليهم في
الدنانير والدراهم وإنما اختلفوا فيما عدا الدنانير والدراهم، فإذا فقدنا دليل الاجماع " والأصل
براءة الذمة من العبادات وإنما الخطاب لا يتوجه إلا إلى العقلاء في ظاهر التنزيل من الآيتين
المقدم ذكرهما " فلا يعدل عن دليل الأصل وظاهر الكتاب إذا فقدنا الاجماع.
فإن قيل: فقد روي عن الرسول ع أنه قال: أمرت أن آخذ الصدقة من
أغنيائكم فأردها في فقرائكم، ولا خلاف أن الطفل والمجنون متى كان لهما مال
281

فهما غنيان فيجب أخذ صدقتهما على كل حال.
فأول ما نقوله في ذلك: إن هذا من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا
على ما قدمناه، ثم لو سلمناه تسليم جدل قلنا: هذا دليل لنا على المسألة دون
المخالف فيها لأن رسول الله ص واجه بخطابه البالغين ولم
يواجه الأطفال والمجانين فظاهر الكلام على هذا الترتيب لا ينصرف عن المواجهين
إلى غيرهم إلا بدليل، والدليل يمنع من خالف القوم في الوصف وفارقهم في المعنى
بعدم كمال العقل لاستحالة إرادتهم بالمواجهة والتفهيم والمخاطبة ووجوب كون
الداخل في المواجهة له من حكم جواب المخاطبة ما كان لمن قصدهم المخاطب
بالمواجهة مع قوله تعالى في الأمر له بأخذ الصدقات: خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم وتزكيهم بها، والطفل لا ذنب له فتكون الصدقة تطهيرا له منه
والمجنون لا جرم معه فتكون التزكية كفارة له عنه على ما أسلفنا القول في ذلك
وشرحناه.
والملك:
شرط في الأجناس كلها وكذلك النصاب، والسوم في المواشي لا غير،
وحؤول الحول شرط في المواشي والدنانير والدراهم لأن الغلات لا يراعى فيها حؤول
الحول فهذه شرائط الوجوب.
وقال شيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده: لا تجب الزكاة في الإبل إلا بشروط أربعة:
الملك والنصاب والسوم وحؤول الحول، وكذلك قال في البقر والغنم والذهب
والفضة فإنه قال: شروط زكاة الذهب والفضة أربعة: الملك والنصاب والحؤول
وكونهما مضروبين دنانير ودراهم.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الأظهر أن يزاد في شروط الإبل والبقر والغنم
شرطان آخران وهما: إمكان التصرف بلا خلاف بين أصحابنا وكمال العقل على
الصحيح من المذهب على ما قدمناه، فأما الذهب والفضة فيزاد الشرطان بلا
خلاف على رأي شيخنا لأن الذهب والفضة إذا كانا للأطفال والمجانين فلا خلاف
بين أصحابنا أن الزكاة غير واجبة فيهما عليهما فإذن لا بد من اعتبار شروط ستة
في الذهب والفضة فليلحظ ذلك، فما المعصوم إلا من عصمه الله فإن الخواطر لا
تحضر في كل وقت والله الموفق للصواب.
282

فأما شرائط الضمان فاثنان: الاسلام وإمكان الأداء، لأن الكافر وإن وجبت
عليه الزكاة لكونه مخاطبا بالعبادات كلها عندنا فلا يلزمه ضمانها إذا أسلم،
وإمكان الأداء لا بد منه لأن من لا يتمكن من الأداء وإن وجبت عليه ثم هلك
المال لم يكن عليه ضمان ونحن نذكر الجميع في فصل ثم نذكر لكل جنس من ذلك
بابا مفردا إن شاء الله تعالى.
فصل في الأصناف التي تجب فيها الزكاة على الجملة وكيفية ذلك:
فرض الزكاة يتعلق بثلاثة أصناف: الأموال الصامتة والحرث والأنعام.
فأما فرض زكاة الصامتة فيختص بكل حر بالغ كامل العقل بشرط أن يكون
الصامت بالغا نصابه حائلا عليه الحول من غير أن يتخلله نقصان ولا أن تتبدل
أعيانه متمكنا مالكه من التصرف فيه بالقبض أو الإذن، فإذا تكاملت هذه
الشروط وبلغ العين عشرين مثقالا والورق مائتي درهم مضروبة منقوشة للتعامل فإذا
تكسرت هذه المضروبة دنانير ودراهم وصارت قراضة فحكمها حكم الدنانير
والدراهم لأنها ليست حليا ولا سبائك، وقد ذكر هذا شيخنا أبو جعفر الطوسي
رضي الله عنه في مبسوطه في زكاة الغنم، ففي العين نصف دينار وفي الورق خمسة
دراهم ولا شئ فيما زاد على ذلك حتى تبلغ زيادة العين أربعة دنانير وزيادة الورق
أربعين درهما فيكون على تلك عشر دينار وفي هذه درهم ثم على هذا الحساب بالغا
ما بلغ العين، والورق من كل عشرين مثقالا نصف مثقال ومن كل أربعة دنانير بعد
العشرين عشر مثقال وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل أربعين درهما درهم
ولا زكاة فيما بين النصابين.
ومن مسنون الزكاة تزكية البضائع إذا حال عليها الحول وهي تفي برأس المال
أو زيادة بحسب ما ابتيعت به من عين أو ورق كزكاة العين والورق ومن ذلك أن
يقرر ذو المال على ماله في كل جمعة أو كل شهر شيئا معينا يخرجه في أبواب البر
ومن ذلك افتتاح النهار وختامه بالصدقة وافتتاح السفر والقدوم منه وإعطاء السائل
283

ولو بشق تمرة واصطناع ذوي اليسار الطعام في كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر لذوي
الفاقة من المؤمنين وتفقد مخلفي المؤمن في غيبته وبعد وفاته وقرض ذوي الحاجة
وإنظاره إلى ميسرة وتحليل المؤمن بعد وفاته مما في ذمته من الدين والتكفل به
لمدينه.
وأما فرض زكاة الحرث فمختص بالحنطة والشعير والتمر والزبيب دون سائر ما
تخرجه الأرض من الحبوب والثمار والخضر إذا بلغ كل صنف منها بانفراده خمسة
أوسق " والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال بالبغدادي يكون ذلك ألفين
وسبعمائة رطل بأوزان بغداد " على كل من وجبت عليه زكاة الدنانير والدراهم على
ما قدمنا القول فيه وشرحناه وقويناه بالأدلة وأوضحناه بعد المؤن التي تنمي الغلة بها
وتزيد بها ولها فيها صلاح إما من حفاظ أو زيادة ربع فيها وبعد حق المزارع وخراج
السلطان إن كانت الأرض خراجية أن يخرج منه إن كان سقى حرثه سيحا أو
بعلا أو عذيا العشر وإن كان سقى بالغرب والنواضح فنصف العشر وإن سقى بعض
مدة الحاجة سيحا وبعض تلك المدة بالنواضح والغروب زكى بأكثر المدتين، فإن
تساوت مدة الشربتين زكى نصفه بالعشر ونصفه بنصف العشر ويزكي ما زاد على
النصاب بزكاته ولو كان جفنة واحدة ولا يلزمه تكرير الزكاة فيه وإن بقي في ملك
مزكيه أحوالا.
ومن مسنون صدقة الحرث أن يزكي كل ما دخل المكيال من الحبوب إذا بلغ
كل جنس منها نصاب ما يجب فيه الزكاة وهو خمسة أوسق بالعشر أو نصف العشر
فإن نقص عن ذلك تصدق بما تيسر ومن ذلك الصدقة حين صرام النخل وقطاف
الكرم وحصاد الزرع بالضغث من الزرع والضغثين والعذق " بكسر العين " والعذقين
والعنقود من العنب والعنقودين فإذا صار الرطب تمرا والعنب زبيبا والغلة حبا وأراد
المالك رفع ذلك تصدق منه بالقبضة والقبضتين ومن ذلك إباحة عابر السبيل تناول
اليسير مما تنبته الأرض من الثمار والمباطخ.
وأما فرض زكاة الأنعام فمتعين على كل من وجبت عليه زكاة الدنانير والدراهم
284

بشرط أن تكون سائمة ويبلغ كل جنس منها النصاب ويحول عليه الحول كاملا لا
يتخلله نقصان ولا يتبدل أعيانه ويكون المالك متمكنا من التصرف فيه طول الحول
غير ممنوع منه بضلال أو اغتصاب ولكل منها حكم.
فأما الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا ففيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي
خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين خمس شياه،
وفي ست وعشرين بنت مخاض " وهي التي قد كملت حولا وسميت بصفة أمها
المتمخضة بالحمل " إلى خمس وثلاثين، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون "
وهي التي قد كملت حولين ودخلت في الثالث وسميت بأمها اللبون بأختها " إلى
خمس وأربعين.
فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة " وهي التي قد كمل لها ثلاث سنين
ودخلت في الرابعة وسميت بذلك من حيث يحق لها أن يطرقها الفحل ويحمل على
ظهرها " إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة " بفتح الذال وهي التي قد
كمل لها أربع سنين ودخلت في الخامسة " إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا
وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة
وعشرين، فإذا زادت على ذلك أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل أربعين بنت
لبون ومن كل خمسين حقة. ومن وجبت عليه سن ولم يكن عنده وعنده أعلى منها
بدرجة أخذت منه وأعطى شاتين أو عشرين درهما فضة، وإن كان عنده أدنى منها
بدرجة أخذت منه ومعها شاتان أو عشرون درهما.
وقال بعض أصحابنا: وإن كان بينهما درجتان فأربع شياه، وإن كانت ثلاث
درج فست شياه أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم، وهذا ضرب من الاعتبار
والقياس، والمنصوص عن الأئمة ع والمتداول من الأقوال والفتيا بين
أصحابنا أن هذا الحكم فيما يلي السن الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها.
وحكم البخت والنجب حكم الإبل العربية.
وأما زكاة البقر فلا شئ فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع حولي أو تبيعة مخير
285

بين الذكر والأنثى في النصاب الأول إلى تسع وثلاثين، فإذا بلغت أربعين ففيها
مسنة ثم على هذا بالغا ما بلغت ولا يجوز اخراج الذكران في النصاب الثاني من
البقر إلا بالقيمة من كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة وحكم الجواميس حكم
البقر.
فأما زكاة الغنم فلا شئ فيها حتى تبلغ أربعين فإذا بلغتها ففيها شاة إلى
عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها
ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ذلك أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل
مائة شاة بالغا ما بلغت الغنم. وحكم المعز حكم الضأن.
وقال بعض أصحابنا: إذا زادت الغنم على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه إلى
أربعمائة فإذا بلغت أربعمائة أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة، وهذا
مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله والأول مذهب السيد المرتضى وشيخنا
المفيد وسلار وغيرهم من المشيخة وهو الأظهر والأصح ويعضده أن الأصل براءة
الذمة وأما الاجماع فغير منعقد على المسألة بل بين أصحابنا فيها خلاف ظاهر فما
بقي إلا لزوم الأصول من حفاظ الأموال على أربابها وإخراجها من أيديهم يحتاج
إلى دليل شرعي، ويقوى ذلك أيضا قوله تعالى: ولا يسألكم أموالكم.
وقال شيخنا أبو جعفر في جمله وعقوده في فصل في زكاة الغنم: العفو خمسة: أولها
تسعة وثلاثون، والثاني ثمانون، والثالث أيضا ثمانون وهو ما بين مائة وأحد
وعشرين إلى مائتين وواحدة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا سهو منه رحمه الله وهم في الحساب لأن العفو
الثالث تسعة وسبعون ثمانون إلا واحدة والسبر بيننا وبينه أن الحساب كما يقال:
عبد صالح، وسلار في رسالته قد حقق ذلك وقال: النصاب الثالث في الغنم
ثمانون، ونعم ما قال لأن تمام العفو الذي هو ثمانون إلا واحدة، فإذا تمت واحدة
صار ثمانين يكمل نصابا، وقد يوجد في بعض نسخ الجمل والعقود: الثالث ثمانون
إلا واحدة، وخط المصنف بيده: ثمانون، من غير استثناء وقد استدرك شيخنا في
مبسوطه على نفسه فقال: الثالث تسعة وسبعون، ونعم ما قال. وقد روي: أنه لا
286

يعد في شئ من الأنعام فحل الضراب، والأظهر أنه يعد، وذهب سلار من
أصحابنا: إلى أن الذكورة لا زكاة فيها، وهذا القول لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه
لأنه بخلاف الاجماع وما عليه عموم النصوص ولا يعد ما لم يحل عليه الحول في
الملك متبع أو منتوج.
ولا زكاة فيما بين النصابين من الأعداد، ولا تؤخذ ذات عوار ولا
هرمة بل تؤخذ من أوساطها، ولا يجوز أن يكون له أقل من سبعة أشهر إن
كان من الضأن فإن كان من المعز فسنة وقد دخل في جزء من الثانية، ولا
تؤخذ الربا " وهي التي تربي ولدها " ومثل الربا من الضأن الرغوث من
المعز ومن بنات آدم النفساء، ولا يؤخذ المجاهز وهي الحامل، ولا الأكولة
وهي السمينة المعدة للأكل، ولا يؤخذ الفحل وأسنان الغنم أول ما تلد
الشاة يقال لولدها: سخلة، ذكرا كان أو أنثى في الضأن والمعز سواء ثم
يقال بعد ذلك: بهمة، ذكرا كان أو أنثى فهما سواء، فإذا بلغت أربعة
أشهر فهي من المعز جفر " بالجيم المفتوحة والفاء المسكنة والراء غير
المعجمة " وللذكر والأنثى جفرة وجمعها جفار، فإذا جازت أربعة أشهر فهي
العتود والعريض، ومن حين تولد إلى هذه الغاية يقال لها: عناق، وللذكر
والأنثى جدي فإذا استكمل سنة ودخل في جزء من الثانية فالأنثى عنز والذكر
تيس.
ومن مسنون صدقة الأنعام أن يجعل من أصوافها وأوبارها وأشعارها
وألبانها قسط للفقراء ويمنح الناقة والشاة والبقرة الحلوبة من لا حلوبة له،
ويعان بظهر الإبل وأكتاف البقر على الجهاد والحج والزيارة من لا ظهر له
ويسعد بذلك الفقراء على مصالح دينهم ودنياهم، ومن وكيد السنة أن
تزكى إناث الخيل السائمة بعد حؤول الحول عن كل فرس عتيق ديناران وعن كل
هجين دينار.
وذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الأول من مسائل خلافه: مسألة المتولد بين
287

الظباء والغنم إن كان يسمى غنما أخرج منه وإن كان لا يسمى غنما لا يخرج منه الزكاة، ثم
قال في استدلاله: وقد قيل: إن الغنم المكية آباؤها الظباء، وتسمية ما يتولد بين الظباء والغنم
رقلا وجمعه رقال لا تمنع من تناول اسم الغنم له فمن أسقط عنها الزكاة فعليه الدلالة، هذا
آخر المسألة.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: ما وجدت في كتب اللغة في الذي يبني من الراء
والقاف واللام ولا الراء والفاء واللام ولا الزاء والقاف واللام ولا الزاء والفاء واللام ما يقارب
ما ذكره شيخنا، وأظن هذه الصورة جرى فيها تصحيف أو طغيان قلم إما من الكتاب
الذي نقلت منه أو من النساخ لخلل في نظام الكتابة وقصور فيها فرأى الكاتب النون
منفصلة من القاف والدال فيها طول فظنها لا ما وظن النون المنفصلة عن القاف راء
فكتبها: رقل، وإنما هي " نقد " محركة القاف، والنقد بالتحريك والدال غير المعجمة جنس من
الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه يكون بالبحرين، هكذا ذكره الجوهري في كتاب
الصحاح وغيره من أهل اللغة، وقال ابن دريد في الجمهرة: دقال الغنم صغارها، يقال:
شاة دقلة، على وزن فعلة إذا كانت صغيرة " بالدال غير المعجمة المفتوحة والقاف " وهذا
أقرب إلى تصحيف الكلمة والأول هو الذي يقتضيه ظاهر الكلام. فعلى قول ابن دريد في
الجمهرة يكون الناسخ قد قصر مدة الدال الفوقانية وظنها راء وهذا وجه التصحيف.
والزكاة على ضربين: مفروض ومسنون، وكل واحد منهما ينقسم قسمين:
فقسم منهما زكاة الأموال، والثاني زكاة الرؤوس وهي المسماة بزكاة الفطرة.
فأما زكاة المال فيحتاج في معرفتها إلى ستة أشياء: أحدها معرفة وجوب
الزكاة، والثاني معرفة من تجب عليه ومن لا تجب، والثالث معرفة ما يجب فيه
الزكاة وما لا يجب، والرابع معرفة المقدار الذي تجب فيه ومعرفة مقدار ما لا تجب،
والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه، والسادس معرفة من يستحق ذلك ومقدار ما
يعطي من أقل وأكثر.
وأما زكاة الرؤوس فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستة أشياء: أحدها معرفة
وجوبها، والثاني معرفة من تجب عليه، والثالث معرفة ما يجوز اخراجه وما لا يجوز،
288

والرابع معرفة مقدار ما يجب، والخامس معرفة الوقت الذي يجب فيه، والسادس من
المستحق لها وكم أقل ما يعطي وأكثر. وليس يكاد يخرج عن هذه الضروب شئ
مما يتعلق بأبواب الزكاة ونحن نأتي عليها قسما قسما ونستوفيه على حقه إن شاء
الله تعالى.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه: مسألة، ذهب الشافعي إلى أن لجام
الدابة لا يجوز أن يكون محلى بفضة وهو حرام، ثم أورد أقوال أصحاب الشافعي
قالوا: المصحف لا يجوز أن تحليه بفضة، وأما تذهيب المحاريب وتفضيضها قال
أبو العباس: ممنوع منه وكذلك قناديل الفضة والذهب، قال: والكعبة وسائر
المساجد في ذلك سواء، قال شيخنا أبو جعفر: لا نص لأصحابنا في هذه المسائل غير
أن الأصل الإباحة فينبغي أن يكون ذلك مباحا.
قال محمد بن إدريس: هذه المسائل بعضها منصوص على تحريمها والبعض الآخر
معلوم تحريمه على الجملة لأنه داخل في الإسراف والإسراف فعله محرم بغير خلاف،
وأما تفضيض المحاريب فلا خلاف بيننا في أن ذلك لا يجوز وأنه حرام، وأن تزويق
المساجد وزخرفتها لا يجوز منصوص على ذلك عن الأئمة ع قد أورد
ذلك شيخنا في نهايته وغيره من أصحابنا في كتبهم، وأن اتخاذ الأواني والآلات
من الذهب والفضة عندنا محرم لأنه من السرف والقناديل أوان، وحلية المصحف
ولجام الدابة من السرف أيضا وأن ذلك غير مشروع ولو كان جائزا لنقل نقل
أمثاله من المباحات مثل الخاتم من الفضة والمنطقة وحلية السيف فليلحظ ذلك
ويتأمل، ثم إن شيخنا قال في مسألة قبل هذه: إذا كان له لجام لفرسه محلى بذهب
أو فضة لم تلزمه زكاته واستعمال ذلك حرام لأنه من السرف فليلحظ المسألة في
مسائل خلافه ويحصل ما قلناه.
باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه:
الزكاة المفروضة في شريعة الاسلام واجبة بدليل القرآن وإجماع المسلمين على
كل مكلف حر رجلا كان أو امرأة، وهم ينقسمون قسمين: قسم منهم إذا لم
يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة كان ثابتا في ذممهم وهم جميع من هو على ظاهر
289

الاسلام، والقسم الآخر متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزكاة لم يلزمهم قضاؤه
وهم جميع من خالف الاسلام فإن الزكاة وإن كانت واجبة عليهم عندنا هي وباقي
العبادات واجبة لأنهم مخاطبون بالشرعيات، فإذا لم يخرجوا الزكاة لكفرهم فمتى
أسلموا لا يجب عليهم إعادتها.
وأما المجانين ومن ليس بكامل العقل فلا يجب عليهم شئ من الزكوات على ما
مضى شرحنا لذلك، وحكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين ومن ليس
بكامل العقل فإنه لا يجب في أموالهم الصامتة وغير الصامتة - على ما اخترناه -
الزكاة، فإن اتجر متجر بأموالهم نظرا لهم روي: أنه يستحب له أن يخرج من
أموالهم الزكاة وجاز له أن يأخذ من أموالهم ما يأكله قدر كفايته، وإن اتجر لنفسه
دونهم وكان في الحال متمكنا من ضمان ذلك المال كانت الزكاة عليه والربح له
وإن لم يكن متمكنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطفل وتصرف فيه
لنفسه من غير وصية ولا ولاية لزمه ضمانه وكان الربح لليتيم ويخرج منه الزكاة.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته وهذا غير واضح ولا يجوز لمن
اتجر في أموالهم أن يأخذ الربح سواء كان في الحال متمكنا من مقدار ما يضمن به
مال الطفل أو لم يكن والربح في الحالين معا لليتيم ولا يجوز للولي والوصي أن
يتصرف في المال المذكور إلا بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه إلى الطفل دون
المتصرف فيه وهذا هو الذي يقتضيه أصل المذهب فلا يجوز العدول عنه بخبر واحد
لا يوجب علما ولا عملا وإنما أورده رحمه الله إيرادا لا اعتقادا.
باب ما يجب فيه الزكاة وما لا يجب وما يستحب فيه الزكاة:
الذي يجب فيه الزكاة فرضا لازما عند أهل البيت ع تسعة أشياء:
الذهب والفضة إذا كانا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين للتعامل، فإذا كانا
سبائك أو حليا فلا يجب فيهما الزكاة سواء قصد صاحبهما الفرار بهما من الزكاة
أو لم يقصد.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته: متى فعل ذلك قبل حال وجوب
290

الزكاة استحب له أن يخرج منها الزكاة وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته
الزكاة على كل حال، قوله رحمه الله: وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت لزمته
الزكاة على كل حال، هذا لا خلاف فيه بين المسلمين إنما الخلاف في جعله
كذلك قبل دخول الوقت، فذهب فريق من أصحابنا إلى أن الزكاة واجبة عليه
بالفرار، وقال فريق منهم: لا تجب، وهو الأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب وهو
أن الاجماع منعقد على أنه لا زكاة إلا في الدنانير والدراهم بشرط حؤول الحول
والسبائك والحلي ليسا بدنانير ودراهم والإنسان مسلط على ماله يعمل فيه ما شاء
وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته، وقال في جمله وعقوده
بخلاف ذلك.
وذهب سيدنا المرتضى رحمه الله إلى أنه لا زكاة في ذلك، ذهب إليه في الطبريات في
مسألة ذكر الشفعة وقال: إذا فر الرجل بسهامه من دار فوهبها له ولم يأخذ منه عن
ذلك ثمنا وأعطاه ذلك الموهوب له شيئا على سبيل الهدية والهبة سقط حق الشفعة
عن هذا الموهوب لأنه عقد بغير عوض ولم يلزمه فيه الشفعة بخروجه عن الصفة التي
يستحق معها الشفعة، فإن قال: أ لستم تروون أن من فر من الزكاة بأن سبك
الدراهم والدنانير سبائك حتى لا يلزمه الزكاة وما جرى هذا المجرى من فنون الهرب
من الزكاة: فإن الزكاة تلزمه ولا ينفعه هربه؟ قلنا: ليس يمتنع أن يكون لزوم
الزكاة من هرب من الزكاة لسبك السبائك وما أشبهها لم يجب عليه بالسبب
الأول الذي يجب له فيه الزكاة في الأصل لأن الزكاة لا تجب عندنا فيما ليس
بمضروب من العين والورق وأن تكون الزكاة إنما يلزمه ههنا عقوبة على فراره من
الزكاة لا لأن هذا العين في نفسها يستحق الزكاة فيها ويمكن أن يكون ما ورد من
الرواية في الأمر بالزكاة لمن هرب من الزكاة هو على سبيل التغليظ والتشديد لا على
سبيل الحتم والإيجاب، هذا آخر كلام السيد المرتضى.
والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما عدا هذه
التسعة الأجناس فإنه لا يجب فيه الزكاة، ولا زكاة على مال غائب إذا لم يكن
صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء بحيث متى رامه قبضه، فإن كان متمكنا منه
291

لزمته الزكاة، وقد وردت الرواية: إذا غاب عنه سنين ولم يكن متمكنا منه فيها
ثم حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة وذلك على طريق الاستحباب دون
الفرض والإيجاب.
وقال بعض أصحابنا: زكاة الدين إن كان تأخره من جهة من عليه فالزكاة لازمة
له وإن كان تأخره من جهة من هوله فزكاته عليه، وقال الآخرون من أصحابنا:
زكاته على من هو عليه على كل حال، ولم يفرق بالفرق الذي فرقه الأولون، فمن
جملة من قال بهذا ابن أبي عقيل في كتابه الموسوم بكتاب " المتمسك بحبل
آل الرسول " فإنه قال: ولا زكاة في الدين حتى يرجع إلى صاحبه فإذا رجع إليه
فليس فيه زكاة حتى يحول عليه الحول في يده وزكاة الدين على الذي عليه الدين
وإن لم يكن له مال غيره إذا كان مما تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول في يده
بذلك جاء التوقيف عنهم ع، ثم قال: ومن استودعه ماله وجب عليه زكاته إذا حال عليه
الحول إذا كان مما تجب فيه الزكاة.
فإن قيل: فلم لا قلتم في الدين كما قلتم في المال المستودع إذا كان لك على رجل
دين وهو عندك ممن إذا اقتضيته أعطاك.
قال: قيل له: الفرق بينهما أن الدين مال مجهول العين ليس بقائم ولا مشار إليه
ولا زكاة في مال هذا سبيله والوديعة سبيلها سبيل مال له أخذه بعينه وحرام على
المستودع الانتفاع بها، وإن ضاعت لم يضمن وليس له أن يتصرف فيها وليس
كذلك الدين، هذا آخر كلام الحسن بن أبي عقيل رحمه الله وكان من جلة
أصحابنا المصنفين المتكلمين والفقهاء المحصلين قد ذكره شيخنا أبو جعفر في
فهرست المصنفين وأثنى عليه وذكر كتابه وكذلك شيخنا المفيد كان يثني عليه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وإلى هذا القول والمذهب أذهب لوضوحه عندي
ولأن الأصل براءة الذمة فمن أوجب الزكاة على مال ليست أعيانه في ملكه يحتاج
إلى دليل وهذا يدل على ما ننبه عليه من فساد بيع الدين إلا على من هو عليه، وإلى
ما اخترناه ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره فإنه قال: لا زكاة في الدين حتى
يقبضه صاحبه ويحول بعد ذلك عليه الحول، بخلاف قوله في جمله وعقوده، وإلى هذا
يذهب أبو علي بن الجنيد في الأحمدي.
292

ومال القرض ليس فيه زكاة على المقرض بل يجب على المستقرض إن تركه
بحاله حتى يحول عليه الحول بغير خلاف بين أصحابنا في مال القرض، فإن تصرف
فيه بتجارة وما أشبهها لزمه الزكاة استحبابا إذا طلب برأس المال أو الربح، ولا
تجب في عروض التجارة الزكاة لا منها ولا من قيمتها على الصحيح من أقوال
أصحابنا فإن قوما منهم يذهبون إلى وجوب الزكاة فيها يقومونها ذهبا وفضة
ويخرجون من القيمة إذا حال الحول، والأظهر من المذهب الأول.
وقد روي: أنه إن طلبت أمتعة التجارة من صاحبها بوضيعة فلا زكاة عليه وإن
طلبت بربح أو برأس المال فأخر بيعها فعليه الزكاة، وهي سنة مؤكدة غير واجبة.
وكل ما يدخل الميزان والمكيال ما عدا الفواكه والخضر من الحبوب وغيرها
مثل الدخن والذرة والقرطمان والأرز والسمسم والباقلاء والفول " وهو الباقلي "
والجلبان " وهو الماش " والجلجلان " وهو السمسم "، وقال بعض أهل اللغة: إنه
الكزبرة، والدجر " بالدال المفتوحة غير المعجمة والجيم المسكنة والراء غير المعجمة
وهو اللوبياء "، والفث " بالفاء المفتوحة والثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط وهو
الأشنان "، والثفاء " بالثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط المضمومة والفاء وهو الخردل "
، وبزر قطونا وحب الرشاد والجزر والترمس " وهو الباقلي المصري " وبزر الكتان
والقطنية " وهي ما يقطن في البيوت من الحبوب مثل العدس والحمص " بكسر
القاف وتسكين الطاء وما أشبه ذلك.
يستحب أن يخرج منه الزكاة سنة مؤكدة إذا بلغ مقادير ما يجب فيه الزكاة من
الغلات.
وأما الإبل والبقر والغنم فليس في شئ منها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول
الحول بكماله ولا يعتبر الأغلب في ذلك، ولا زكاة في شئ من العوامل ولا
المعلوفات فإن كانت المواشي معلوفة أو للعمل في بعض الحول وسائمة في بعضه حكم
بالأغلب، فإن تساويا فالأحوط اخراج الزكاة،
هذا قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه، ثم قال في أثناء ذلك في
293

مبسوطه: وإن قلنا: لا تجب فيها الزكاة كان قويا لأنه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع
والأصل براءة الذمة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: نعم ما قال شيخنا أخيرا فإن ما قواه هو الصحيح الذي
لا يجوز خلافه وما قاله في صدر المسألة أضعف وأوهن من بيت العنكبوت.
وحكم الجواميس حكم البقر على ما قدمناه وكذلك حكم المعز حكم الضأن وقد قدمنا
أيضا ذلك، وأما الخيل ففيها الزكاة مستحبة بشرط أن تكون إناثا سائمة لا يلزم مالكها
عنها مؤونة، فإن لزمته عنها مؤونة فليس فيها شئ مستحب.
وما يجب فيه الزكاة على ضربين: منه ما يعتبر مع ملك النصاب حؤول الحول عليه وهو
الدنانير والدراهم والإبل والبقر والغنم، وما عدا ذلك لا اعتبار للحول فيه بل بلوع حد
النصاب فيه. ويجوز اخراج القيمة عندنا في الزكاة دون العين المخصوصة، فأما
الكفارات فلا يجوز اخراج القيمة فيها.
باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما يجب:
أما الذهب فليس في شئ منه زكاة ما لم يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ ذلك على
لصفة المتقدمة بيانها كان فيه نصف دينار، وقال بعض أصحابنا وهو ابن بابويه في
رسالته: إنه لا يجب في الذهب الزكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا، وهذا خلاف إجماع
المسلمين. ثم ليس فيه شئ ما لم يزد أربعة دنانير على العشرين الأولة فإذا زاد
ذلك كان فيه قيراطان مضافان إلى ما في العشرين دينارا وهو نصف دينار، ثم على
هذا الحساب في كل عشرين نصف دينار وفي كل أربعة بعد العشرين قيراطان بالغا
ما بلغ الذهب.
وأما زكاة الفضة فليس فيها شئ ما لم تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت ذلك كان
فيها خمسة دراهم، ثم ليس فيها شئ إلى أن يزيد أربعون درهما فإذا زادت ذلك
كان فيها درهم، ثم على هذا الحساب كلما زادت أربعون درهما كان فيها زيادة
درهم بالغا ما بلغت وليس فيما دون الأربعين بعد المائتين شئ من الزكاة.
294

وقال بعض أصحابنا: وإذا خلف الرجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله لسنة أو سنتين
أو أكثر من ذلك وكان مقدار ما تجب فيها الزكاة وكان الرجل غائبا لم تجب فيها
الزكاة فإن كان حاضرا وجبت عليه الزكاة، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي
في نهايته وهذا غير واضح بل حكمه حكم المال الغائب إن قدر على أخذه متى أراده
بحيث متى رامه أخذه فإنه يجب عليه فيه الزكاة سواء كان نفقة أو مودعا أو كنزه
في كنز فإنه ليس بكونه نفقة خرج من ملكه ولا فرق بينه وبين المال الذي له في يد
وكيله ومودعه وخزانته وإنما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا فإنه خبر من
أخبار الآحاد لا يلتفت إليه.
وأما زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب فعلى حد واحد سواء وليس في شئ
من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ كل جنس منها على حدته خمسة أوسق ومبلغه
ألفان وسبعمائة رطل بالبغدادي بعد اخراج المؤن المقدم ذكرها أولا ومقاسمة
السلطان إن كانت الأرض خراجية، فإذا بلغ ذلك كان فيه العشر إن كان سقى
سيحا أو شرب بعلا
والبعل الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي، يقال: قد استبعل النخل، قال
أبو عمر: والبعل والعذي واحد وهو ما سقته السماء، وقال الأصمعي: العذي ما
سقته السماء والبعل ما شرب بعروقه من غير سقي.
وإن كان مما قد سقى بالغرب والدوالي والنواضح وما أشبه ذلك كان فيه
نصف العشر، وإن كان قد مما سقى سيحا وغير سيح اعتبر الأغلب فإن كان
سقيه سيحا أكثر كان حكمه حكم ما يؤخذ منه العشر وإن كان سقيه بالغرب
والدوالي وما أشبههما أكثر كان حكمه حكمه يؤخذ منه نصف العشر فإن استويا
في ذلك يؤخذ من نصفه بحساب العشر ومن النصف الآخر بحساب نصف العشر
وما زاد على خمسة أوسق كان حكمه حكم الخمسة الأوسق في أن يؤخذ منه العشر
أو نصف العشر قليلا كان أو كثيرا.
وأما زكاة الإبل فليس في شئ منها زكاة إلى أن تبلغ خمسا فإذا بلغت ذلك
295

كان فيها شاة، وليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ عشرا فإذا بلغت ذلك كان
فيها شاتان، وليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ خمس عشرة فإذا بلغت ذلك
كان فيها ثلاث شياه، ثم كذلك ليس فيها شئ إلى أن تبلغ عشرين فإذا بلغت
ذلك كان فيها أربع شياه، ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت
ذلك كان فيها خمس شياه، والشاة المخرجة عنها إن كانت من الضأن فأقل ما
يجزئ الجذعة " محركة الذال " وهو الذي تم له سبعة أشهر وإن كانت من المعز فلا
تجزئ إلا ما تم له سنة ودخل في جزء من الثانية.
فإن زاد على خمس وعشرين واحدة كان فيها بنت مخاض أو ابن لبون، وليس
فيها شئ بعد ذلك إلى أن تبلغ خمسة وثلاثين وتزيد واحدة فإذا بلغت ذلك كان
فيها بنت لبون، وليس فيها شئ إلى أن تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغت ذلك كان
فيها حقة، وليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ إحدى وستين فإذا بلغت ذلك
كان فيها جذعة " محركة الذال " ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ ستا وسبعين فإذا
بلغت ذلك كان فيها بنتا لبون، ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ إحدى وتسعين فإذا
بلغت ذلك كان فيها حقتان، ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين
فإذا بلغت ذلك تركت هذه العبرة ويؤخذ من كل خمسين حقة ومن كل أربعين
بنت لبون.
قال السيد المرتضى في انتصاره: إن الإبل إذا بلغت مائة وعشرين ثم زادت فلا
شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة وثلاثين فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة وابنتا لبون
وأنه لا شئ في الزيادة ما بين العشرين والثلاثين، هذا آخر كلامه رحمه الله.
والذي تقتضيه أدلتنا ويشهد به أصول مذهبنا والمتواتر من الأخبار والإجماع منعقد
عليه ما ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه فإنه قال مسألة: إذا بلغت الإبل
مائة وعشرين ففيها حقتان بلا خلاف فإذا زادت واحدة فالذي يقتضيه المذهب أن
تكون فيها ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون إلى مائة
وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، هذا آخر كلامه رحمه الله وهذا هو الصحيح
المتفق عليه المجمع، والسيد المرتضى قد رجع عما قال في جواب الناصريات وحقق
296

ذلك وناظر الفقهاء على صحة مذهبنا.
فإن كان الذي يجب عليه زكاة الإبل ليس معه عين ما يجب عليه جاز أن يعطي
قيمته، فإن لم يكن معه القيمة وكان معه من غير السن الذي وجب عليه جاز أن
يؤخذ منه، فإن كان دون ما يستحق عليه أخذ منه مع ذلك ما يكون تماما للذي
وجب عليه، وإن كان فوق الذي يجب عليه أخذ منه ورد عليه ما فضل له مثال
ذلك أنه إذا وجبت عليه بنت مخاض وعنده ابن لبون أخذ منه ذلك نصابا بالقيمة
عندنا وليس عليه شئ ولا له شئ فإن كان عنده بنت لبون وقد وجبت عليه بنت
مخاض أخذت منه وأعطاه المصدق " بتشديدة واحدة على الدال وهو العامل " شاتين
أو عشرين درهما، وإن كانت قد وجبت عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض أخذت
منه وأخذ معها شاتان أو عشرون درهما.
وإذا وجبت عليه حقة وليست عنده وعنده بنت لبون أخذت منه وأعطى معها
شاتين أو عشرين درهما، فإن كان قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقة أخذت
منه ورد عليه شاتان أو عشرون درهما، وإذا أوجبت عليه جذعة وليست عنده
وعنده حقة أخذت منه وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما، فإن وجبت عليه حقة
وعنده جذعة أخذت منه ورد عليه شاتان أو عشرون درهما.
وأما زكاة البقر فليس في شئ منها زكاة إلى أن تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ذلك
كان فيها تبيع أو تبيعة " وهو الذي تم له حول كامل ودخل في جزء من الثاني " وهو
مخير بين الذكر والأنثى، ثم ليس فيما زاد عليها شئ إلى أن تبلغ أربعين فإذا بلغت
ذلك كان فيها مسنة " وهي التي تم لها سنتان ودخلت في جزء من الثالث " ولا
يجزئ إلا الأنثى، وكل ما زاد على ذلك كان هذا حكمه في كل ثلاثين تبيع أو
تبيعة وفي كل أربعين مسنة بالغا ما بلغت.
وأما الغنم فليس فيها زكاة إلى أن تبلغ أربعين فإذا بلغت ذلك كان فيها شاة،
ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة كان
فيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة كان فيها ثلاث
297

شياه إلى أن تبلغ ثلاث مائة، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة طرحت هذه العبرة
وأخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغت على الصحيح من الأقوال على ما قدمنا القول
فيه.
ومن حصل عنده من كل جنس تجب فيه الزكاة أقل من النصاب الذي فيه
الزكاة وإن كان لو جمع لكان أكثر من النصاب والنصابين لم يكن عليه شئ حتى
يبلغ كل جنس منه الحد الذي يجب فيه الزكاة، ولو أن إنسانا ملك من المواشي ما
تجب فيه الزكاة وإن كانت في مواضع متفرقة وجب عليه فيها الزكاة وإن وجد في
موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملاك جماعة لم يكن عليهم فيها شئ
على حال، وقول الرسول ع للعامل: لا تجمع بين متفرق ولا تفرق بين
مجتمع، يريد به لا تجمع بين متفرق في الأملاك حتى تأخذ منه الزكاة، وقوله: لا
تفرق بين مجتمع، يريد في الملك حتى لا يأخذ منه الزكاة لا ما يذهب إليه
المخالف. ولا بأس أن يخرج الانسان ما يجب عليه من الزكاة من غير الجنس الذي
تجب فيه بقيمته وإن أخرج من الجنس كان أفضل.
باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة:
لا زكاة في الذهب والفضة حتى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك،
فإن كان مع انسان مال أقل مما يجب فيه الزكاة ثم أصاب تمام النصاب في وسط
الحول فليس عليه فيه الزكاة حتى يحول على الجميع الحول من وقت كمال
النصاب، وإذا استهل هلال الثاني عشر فقد حال على المال الحول ووجبت الزكاة
في المال ليلة الهلال لا باستكمال جميع الشهر الثاني عشر بل بدخول أوله، فإن
أخرج الانسان المال عن ملكه أو تبدلت أعيانه سواء كان البدل من جنسه أو غير
جنسه قبل استهلال الثاني عشر سقط عنه فرض الزكاة وإن أخرجه من ملكه بعد
دخول الشهر الثاني عشر وجبت عليه الزكاة وكانت في ذمته إلى أن يخرج منه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في بعض تصنيفه: إنه إن بادل بجنسه بنى
298

على الحول المبدل وإن بادل بغير جنسه فلا يبني على الحول المبدل، والصحيح ما
قلناه لأن هذه الطريقة تفريع المخالف ومقالته ذكره في المبسوط ومسائل الخلاف
ومن المعلوم أنه رحمه الله يذكر في هذا الكتاب أقوال المخالفين ولا يميز قولنا من
قولهم.
فأما نصوص أصحابنا وكتبة كتب الأخبار وروايات أصحابنا فإنه رحمه الله لم
يتعرض فيها لشئ من ذلك لأنها خالية من ذلك وكذلك باقي أصحابنا المصنفين
لم يتعرضوا فيها لشئ ولا أورده أحد منهم، وأيضا إجماعنا بخلاف ما ذهب إليه
في مبسوطه وأصول مذهبنا منافية لذلك لأنهم ع أوجبوا الزكاة في
الأعيان دون غيرها من الذمم بشرط حؤول الحول على العين من أوله إلى آخره فيما
يعتبر فيه الحول ومن المعلوم أن عين البدل غير عين المبدل وأن إحديهما لم يحل
عليها الحول، وأيضا الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل.
وأما الحنطة والشعير والتمر والزبيب فلها أحوال ثلاثة: حال تجب فيها ولا
يجب الإخراج ولا الضمان، وحال يجب فيها ويجب الإخراج ولا يجب الضمان،
وحالة يجب فيها ويجب الإخراج ويجب الضمان.
فالحالة الأولى عند اشتداد الحب واحمرار البسر وانعقاد الحصرم فإنه تجب الزكاة
فيها، ولا يجب الإخراج منها وإن حضر المستحق، ولا يجب الضمان إن تلفت،
والذي يدل على أن الزكاة تجب فيها أن مالكها إذا باعها بعد بدو الصلاح فالزكاة
عليه دون المشتري ولو باعها قبل بدو الصلاح كانت الزكاة على المشتري إذا بدأ
الصلاح فيها وهي على ملكه.
فأما الحالة الثانية فعند الذراوة والكيل والتصفية والجداد
بفتح الجيم وبالدال غير المعجمة وبعض المتفقهة يقول بالذالين المعجمتين، والأول
قول أهل اللغة وإليهم المرجع في ذلك.
والصرام بشرط التشميس والوزن تمرا فإنه يجب الإخراج إذا حضر المستحق، ولا
يجب الضمان إذا لم يحضر المستحق.
فأما الحالة الثالثة فإنه إذا حضر المستحق ولم يعطه المالك وذهب المال فإنه
299

يجب عليه الضمان لأنه يجب عند هذه الحال الإخراج ويجب الضمان إذا لم
يخرجها، فإذا أخرج زكاة هذه الغلات والثمار الأربع فليس فيها بعد ذلك شئ
وإن حال عليها حول وأحوال.
وأما الإبل والبقر والغنم فليس في شئ منها زكاة حتى يحول عليها الحول من
يوم يملكها، وكل ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم لا يجب فيها
الزكاة ولا يعد مع أمهاته ولا منفردا، ولا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها، فإن
حضر مستحق لها قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطي شيئا ويجعل دينا عليه وقرضا،
فإذا جاء الوقت وهو على الصفة التي يستحق معها الزكاة احتسبت بذلك من الزكاة
إن شاء وإن كان قد استغنى بعينها فيجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة وإن كان قد
استغنى بغيرها فلا يجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة وكان على صاحب المال أن
يخرجها من رأس مستأنفا.
وقال بعض أصحابنا: وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس، والأولى
عند أهل اللغة أن يقال: من رأس، بغير ألف ولام ولا يقال: من الرأس، ويجعلونه
فيما يخطأ فيه العامة.
وإذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق، فإن
أخر ذلك إيثارا به مستحقا غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف إلا أنه إن هلك
قبل وصوله إلى من يريد إعطاءه إياه فيجب على رب المال الضمان.
وقال بعض أصحابنا: إذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه على
الفور ولا يؤخره، فإن أراد: على الفور، وجوبا مضيقا فهذا بخلاف إجماع
أصحابنا لأنه لا خلاف بينهم في أن للإنسان أن يخص بزكاته فقيرا دون فقير ولا
يكون مخلا بواجب ولا فاعلا لقبيح، وإن أراد بقوله: على الفور، يريد به أنه إذا
حضر المستحق فإنه يجب عليه اخراج الزكاة فإن لم يخرجها طلبا وإيثارا بها لغير
من حضر من مستحقها وهلك المال فإنه يكون ضامنا وتجب عليه الغرامة للفقراء
فهذا الذي ذهبنا إليه واخترناه.
300

فإن عدم المستحق له عزله من ماله وانتظر به المستحق، فإن هلك بعد عزله من
غير تفريط فلا ضمان ولا غرامة، فإن حضرته الوفاة وصى به أن يخرج عنه.
وما روي عنهم ع من الأخبار في جواز تقديم الزكاة وتأخيرها
فالوجه فيه ما قدمناه في أن ما تقدم يجعل قرضا ويعتبر فيه ما ذكرناه وما يؤخر منه
إنما يؤخر انتظارا لمستحق فأما مع وجوده فالأفضل اخراجه إليه على البدار،
هكذا أورده وذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته وهو الذي قال في هذا الباب: وإذا
حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخره، قال محمد بن
إدريس رحمه الله وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك وتكلمنا عليه قبل هذا والذي ذهب
إليه شيخنا أخيرا هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة وظواهر النصوص والإجماع.
قال بعض أصحابنا في كتاب له: إذا أيسر من دفع إليه شئ من الزكاة قبل
وجوبها على جهة القرض ثم حال الحول وهو موسر فإن كان أيسر بغير ما دفع إليه
من المال فلا يجوز لمن وجبت عليه الزكاة الاحتساب بها ولا يجزئ عنه وإن كان
أيسر واستغنى بما دفع إليه فإنها تجزئ عن دافع الزكاة.
قال محمد بن إدريس: الذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته النظر وأصول المذهب
أنه إذا كان عند حؤول الحول غنيا فلا تجزئ عن الدافع لأن الزكاة لا يستحقها
الغني سواء كان غناه بها أو بغيرها على كل حال لأنه وقت الدفع والاحتساب
غنى له مال وهو القرض لأن المستقرض يملك مال القرض دون القارض بلا خلاف
بيننا وهو حينئذ غنى، وعندنا أن من عليه دين وله من المال الذهب والفضة بقدر
الدين وكان ذلك المال الذي معه نصابا فلا يعطي من الزكاة، ولا يقال: إنه فقير
يستحق الزكاة، بل يجب عليه اخراج الزكاة مما معه لأن الدين عندنا لا يمنع من
وجوب الزكاة لأن الدين في الذمة والزكاة في العين.
باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطي منها وأكثر:
الذي يستحق الزكاة هم الثمانية الأصناف الذين ذكرهم الله تعالى في محكم
التنزيل وهو قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها
والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل.
301

فأما الفقير فهو الذي لا شئ معه، وأما المسكين فهو الذي له بلغة من العيش لا
يكفيه طول سنته،
وقال بعض أصحابنا عكس ذلك وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته وقال في
جمله وعقوده وفاق ما ذهبنا إليه واخترناه وهكذا في مسائل خلافه ومبسوطه وهو
الصحيح من أقوال أهل اللغة والفقهاء لأن بين الفريقين اختلافا في ذلك والذي
يدل على صحة ذلك قوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في
البحر، فسماهم مساكين ولهم سفينة بحرية تساوى جملة من المال، وهذا بخلاف
ما ذهب إليه المخالف في المسألة وقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء، ووجه
الدلالة من الآية أن القرآن نزل على لسان العرب ولغتها ومذاهبها ومخاطباتها
وموضوع كلامها والعرب تبدأ بالأهم فالأهم فلما كان الفقير أسوأ حالا من
المسكين بدأ به تعالى، ولا يلتفت إلى قول الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
لأنه لا يجوز العدول عن الآيتين من القرآن إلى بيت شعر، وأيضا فالبيت المتمسك
به ليس فيه دلالة على موضع الخلاف لأن كل واحد من الفقير والمسكين إذا ذكر
على الانفراد دخل الآخر فيه وإنما يمتاز أحدهما عن الآخر ويحتاج إلى الفرق إذا
اجتمعا في اللفظ وآيات القرآن جمعتهما في اللفظ.
وأما العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصدقات، وأما المؤلفة قلوبهم
فهم الذين يتألفون ويستمالون إلى الجهاد فإنهم يعطون سهما من الصدقات مع
الغنى والفقر والكفر والإسلام والفسق لأنهم على ضربين: مؤلفة الكفر ومؤلفة
الاسلام.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي: المؤلفة ضرب واحد وهم مؤلفة الكفر، والأول
مذهب شيخنا المفيد وهو الصحيح لأنه يعضده ظاهر التنزيل وعموم الآية فمن
خصصها يحتاج إلى دليل.
والعامل يعطي مع الغنى والفقر ولا يجوز أن يعطي مع الفسق ولا يكون من
بني هاشم لأن عمالة الصدقات حرمها الرسول ع على بني هاشم قاطبة
302

لأنهم لا يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة المفروضة، وقال قوم: يجوز ذلك لأنهم يأخذون
على وجه العوض والأجرة فهو كسائر الإجارات، والأول هو الصحيح لأن الفضل
بن العباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي ص أن يوليهما
العمالة، فقال لهما: الصدقة إنما هي أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد
وآل محمد، هذا إذا كانوا متمكنين من الأخماس فأما إذا لم يكونوا كذلك فإنه يجوز
لهم أن يتولوا الصدقات ويجوز لهم أخذ الزكوات الواجبات عند الحاجة والاضطرار،
فأما موالي بني هاشم فإنه يجوز لهم أن يتولوا العمالة ويجوز لهم أخذ الزكوات بلا
عمالة.
وسهم المؤلفة والعمال ساقط اليوم لأن المؤلف إنما يتألفه الإمام ليجاهد معه
والعامل إنما يبعثه الإمام لجباية الصدقات.
وفي الرقاب وهم العبيد عندنا والمكاتبون بغير خلاف ويعتبر فيهم الإيمان
والعدالة.
والغارمون وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا فساد.
وفي سبيل الله وهو كل ما يصرف في الطريق التي يتوصل بها إلى رضي الله
وثوابه ويدخل في ذلك الجهاد وغيره من جميع أبواب البر والقرب إلى الله تعالى من
معونة الحاج والزوار وتكفين الموتى وبناء المساجد والقناطر وغير ذلك،
وبعض أصحابنا يقصر السهم على الجهاد فحسب ذهب إلى ذلك شيخنا أبو جعفر
رحمه الله في نهايته والأظهر والأصح ما اخترناه أولا لأنه يعضده ظاهر التنزيل وعموم
الآية والمخصص يحتاج إلى دليل وشيخنا أبو جعفر رجع عما في نهايته في مسائل
خلافه فقال بما قلناه واخترناه.
وابن السبيل وهو المنقطع به
يقال: المنقطع بفتح الطاء ولا يقال: المنقطع بكسر الطاء في الأسفار ويكون
محتاجا في الحال وإن كان له يسار في بلده وموطنه.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: إذا أقام هذا في بلد بنية المقام عشرة أيام خرج
303

من أن يكون ابن سبيل، وهذا ليس بواضح وإنما يخرج من حكم المسافرين في
تقصير الصوم والصلاة ولا يخرج من كونه ابن سبيل ولا منقطعا به لحاجته إلى
النفقة إلى وطنه إلا أن يعزم على الاستيطان في هذا البلد ويترك السفر إلى بلده
ونزوعه إليه ويستوطن غيره فحينئذ يخرج من كونه ابن سبيل.
ويعتبر فيه الإيمان والعدالة وأن لا يقدر على الاكتساب بقدر ما ينهضه إلى بلده
ومؤونته.
وإذا كان الإمام ظاهرا أو من نصبه الإمام حاصلا فيستحب حمل الزكاة إليه
ليفرقها على هذه الأصناف الثمانية ويقسم بينهم على حسب ما يراه ولا يلزمه أن
يجعل لكل صنف جزء من ثمانية بل يجوز له تفضيل بعض منهم على بعض، وإذا
لم يكن الإمام ظاهرا ولا من نصبه الإمام حاصلا فرقها الانسان بنفسه على ستة
أصناف ويسقط بعض السادس لا جميعه على ما قررناه وشرحناه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: إذا لم يكن الإمام ظاهرا ولا من نصبه الإمام
فرقت الزكاة على خمسة أصناف من الذين ذكرناهم وهم: الفقراء والمساكين وفي
الرقاب والغارمون وابن السبيل، ويسقط سهم المؤلفة قلوبهم وسهم السعاة وسهم
الجهاد، وقد قلنا نحن: إن السهم الذي هو في سبيل الله ليس هو مخصوصا بالجهاد
على انفراده دون غيره من أبواب البر، قال رحمه الله: لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع
ظهور الإمام لأن المؤلفة إنما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه والسعاة إنما يكونون
أيضا من قبله في جميع الزكوات والجهاد أيضا إنما يكون به أو بمن نصبه، فإذا لم
يكن ظاهرا ولا من نصبه فرق في من عداهم.
والذين يفرق فيهم الزكوات اليوم ينبغي أن يحصل فيهم مع إحدى الصفات
الأصلية وهي المسكنة والفقر وكونه ابن سبيل وكونه غارما أن ينضاف خمس
صفات أخر إلى الصفة الأصلية فيجتمع فيه ست صفات وهي: الفقر، والإيمان،
والعدالة أو حكمهما، وأن لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأوده وسد
خلته وأود من يجب عليه نفقته " والأود بفتح الواو الاعوجاج " ولا يكون من
304

بني هاشم مع تمكنهم من أخماسهم ومستحقاتهم، ولا يكون ممن يجبر المعطى على
نفقته وهم العمودان الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا والزوجة والمملوك فإن لم
يكونوا كذلك فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. فمن أدى زكاته لغير من سميناه مع
العلم بحاله فإنه لا تبرأ ذمته مما وجب عليه بغير خلاف ووجب عليه اخراجها
ثانيا بغير خلاف أيضا، وإن لم يعرفه فقد برئت ذمته وأخذها من أخذها حراما
إذا علم أنها من الزكاة وأنه غير مستحق لها.
ولو أن مخالفا أخرج زكاته إلى أهل معتقده من الإسلاميين ثم استبصر وعاد إلى
الحق كان عليه إعادة الزكاة دون سائر ما فعله من العبادات الشرعية قبل رجوعه
واستبصاره لأن الزكاة حق للآدميين وباقي العبادات حق لله وقد فعلها على ما كان
يعتقده، ولا بأس أن يعطي الزكاة أطفال المؤمنين سواء كان آباؤهم المؤمنون فساقا
أو عدولا وكل خطاب دخل فيه المؤمنون دخل فيه من جمع بين الفسق والإيمان،
وإلى هذا ذهب السيد المرتضى في الطبريات وشيخنا أبو جعفر الطوسي في التبيان
وستراه محققا محررا في كتاب الوقوف من كتابنا هذا إن شاء الله وهو الصحيح
الذي لا خلاف فيه من محصل.
ولا يجوز أن يعطي أطفال مخالفي الحق من سائر الأديان.
ومتى لم يجد من وجبت عليه الزكاة مستحقا لها في بلده وبعث بها إلى بلد آخر
لتفرق هناك فأصيبت في الطريق وكان الطريق آمنا لم يظهر فيه أمارة الخوف فقد
أجزأت عنه، وإن كان قد وجد لها في بلده مستحقا فلم يعطه وآثر من يكون في بلد
آخر كان ضامنا لها إن هلكت ووجب عليها إعادتها.
ومن وصى إليه باخراج زكاة أو أعطي منها شيئا ليفرقه على مستحقه فوجده
ولم يعطه من غير عذر أباح له التأخير ثم هلكت كان ضامنا للمال، ولا تحل
الصدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين ع
وجعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وعباس بن عبد المطلب.
305

قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا القول ليس بواضح والصحيح أن قصي بن
كلاب واسمه زيد وكان يسمى مجمعا لأنه جمع قبائل قريش وأنزلها مكة وبنى
دار الندوة ولد عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى وعبدا. فأما عبد مناف واسمه
المغيرة فولد هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا وأبا عمرو، فأما هاشم بن
عبد مناف فولد عبد المطلب وأسدا وغيرهما ممن لم يعقب، وولد عبد المطلب عشرة
من الذكور وست بنات أسماؤهم: عبد الله وهو أبو النبي ع، والزبير،
وأبو طالب واسمه عبد مناف، والعباس، والمقوم، وحمزة، وضرار، وأبو لهب واسمه
عبد العزى، والحارث، والغيداق واسمه جحل " الجيم قبل الحاء بفتح الجيم
وسكون الحاء " والجحل: اليعسوب العظيم، وأسماء البنات، عاتكة، وأميمة
والبيضاء، وبرة، وصفية، وأروي.
هؤلاء الذكور والأناث لأمهات شتى فلم يعقب هاشم إلا من عبد المطلب ع
ولم يعقب عبد المطلب من جميع أولاده الذكور إلا من خمسة وهم: عبد الله
وأبو طالب والعباس والحارث وأبو لهب، فجميع هؤلاء وأولاد هؤلاء يحرم عليهم
الزكاة الواجبة مع تمكنهم من أخماسهم ومستحقاتهم على ما قدمناه وهؤلاء
بأعيانهم أيضا مستحقو الخمس، وإلى ما حررناه واخترناه يذهب شيخنا في
مسائل خلافه وإنما أورده إيرادا في نهايته للحديث الواحد لا اعتقادا.
فأما ما عدا صدقة الأموال الواجبة فلا بأس أن يعطوا إياها، ولا بأس
أن يعطوا صدقة الأموال مواليهم، ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة
الأموال الواجبة في حال تمكنهم من مستحقاتهم وإنما يحرم عليهم صدقة
من ليس من نسبهم، ولا يجوز أن يعطي الزكاة لمحترف يقدر على
اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله على ما قدمناه فإن كانت صناعته لا
تقوم به جاز له أن يأخذ ما يتسع به على أهله.
واختلف أصحابنا في من يكون معه مقدار من المال ويحرم عليه بملك ذلك المال أخذ
الزكاة، فقال بعضهم: إذا ملك نصابا من الذهب وهو عشرون دينارا فإنه يحرم
عليه أخذ الزكاة، وقال بعضهم: لا يحرم على من يملك سبعين دينارا، وقال
306

بعضهم: لا أقدره بقدر بل إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمؤونته طول
سنته على الاقتصاد فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة سواء كان نصابا أو أقل من نصاب
أو أكثر من النصاب فإن لم يكن بقدر كفايته سنته فلا يحرم عليه أخذ الزكاة،
وهذا هو الصحيح وإليه ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف.
ومن ملك دارا يسكنها بقدر حاجته وخادما يخدمه جاز له أن يقبل الزكاة،
فإن كانت داره دار غلة تكفيه ولعياله لم يجز له أن يقبل الزكاة، فإن لم يكن له في
غلتها كفايته جاز له أن يقبل الزكاة، وقد روي: أنه ينبغي أن تعطى زكاة الذهب
والفضة للفقراء والمساكين المعروفين بذلك ويعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل
التجمل.
فإن عرف الانسان من يستحق الزكاة وهو يستحيي من التعرض لذلك ولا يؤثر
أن تعلمه أنها من الزكاة جاز لك أن تعطيه الزكاة وإن لم تعلمه أنه منها وقد
أجزأت عنك إذا نويت، وإن كان لك على انسان دين ولا يقدر على قضائه وهو
مستحق له جاز لك أن تقاصه من الزكاة وكذلك إن كان الدين على ميت جاز لك
أن تقاصه منها، وإن كان على أخيك المؤمن دين وقد مات جاز لك أن تقضي عنه
من الزكاة وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك جاز لك أن تقضيه
عنهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا من الزكاة لأن قضاء الدين لا يجب أن يقضيه
الولد عن الوالد وإن كانت نفقته واجبة عليه إلا أن قضاء دينه غير واجب على من
تجب عليه نفقته، وإذا صرفت سهما في الرقاب وأعتق الذي اشترى من الزكاة فإن
أصاب بعد ذلك مالا ثم مات ولا وارث له كان ميراثه لأرباب الزكاة.
وروي: أن من أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها وكان مستحقا
للزكاة جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره اللهم إلا أن يعين موكله له أعيانا
بأسمائهم فإنه لا يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئا ولا أن يعدل عنهم إلى غيرهم،
والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية وإن كان قد أوردها شيخنا أبو جعفر في
نهايته إلا أنه حقق القول فيها وفي أمثالها في مبسوطه في الجزء الثاني فإنه قال: إذا
307

وكله في إبراء غرمائه لم يدخل هو في الجملة وكذلك في حبس غرمائه ومخاصمتهم
وكذلك إذا وكله في تفرقة ثلثه في الفقراء والمساكين لم يجز له أن يصرف إلى نفسه
منه شيئا وإن كان فقيرا مسكينا لأن المذهب الصحيح أن المخاطب لا يدخل في
أمر المخاطب إياه في أمر غيره فإذا أمر الله تعالى نبيه بأن يأمر أمته أن يفعلوا كذا لم
يدخل هو في ذلك الأمر، هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه وهو سديد في موضعه.
واختلف أصحابنا في أقل ما يعطي الفقير من الزكاة في أول دفعة، فقال بعض
منهم: أقله ما يجب في النصاب الأول من سائر أجناس الزكاة، وقال بعض
منهم: أخصه بأول نصاب الذهب والفضة فحسب، وبعض قال: أقله ما يجب في
النصاب الثاني من الذهب والفضة، وذهب بعض آخر إلى: أنه يجوز أن يعطي من
الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير ولا يحد القليل بحد لا يجزئ غيره، وهذا
هو الأقوى عندي لموافقته ظاهر التنزيل وإليه ذهب السيد المرتضى في جمل العلم
والعمل وما روي من الأخبار في المقدار فمحمول على الاستحباب دون الفرض
والإيجاب ولأنه إذا آتاها وأخرجها قليلا قليلا في دفعات عدة فلا خلاف أنه ينطلق
عليه اسم مؤت ومعط فإن الله تعالى قال: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة،
وهذا قد آتاها وامتثل ما أمر به، وأيضا الأصل براءة الذمة من المقادير والكيفيات
لأنه أمور شرعية تحتاج في إثباتها إلى أدلة شرعية ولا دليل على ذلك لأن في المسألة
بين أصحابنا خلافا على ما صورناه وإذا لم يكن إجماع فبقي الأصل وهو براءة
الذمة وليس لأكثر ما يعطي الفقير حد محدود بل إذا أعطاه دفعة واحدة ما أراد
فجائز له ولو كان ألف قنطار.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته في باب من الزيادات في الزكاة: وروى حماد عن
حريز عن بريد العجلي قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: بعث
أمير المؤمنين ص مصدقا من الكوفة إلى باديتها، ثم أورد الحديث
بطوله إلى قوله: ولا تعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعات التي
تريح وتعنق وارفق بهن جهدك.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب سمعت من يقول: تريح وتغبق " بالغين
المعجمة والباء " يعتقده أنه من الغبوق وهو الشرب بالعشي وهذا تصحيف فاحش
308

وخطأ قبيح وإنما هو من العنق " بالعين غير المعجمة المفتوحة والنون المفتوحة " وهو
ضرب من سير الإبل وهو سير شديد، قال الراجز:
يا ناق سيرى عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا
لأن معنى الكلام أنه لا تعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعات
التي لها فيها راحة ولا في الساعات التي عليها فيها مشقة ولأجل هذا قال: تريح،
من الراحة، ولو كان من الرواح لقال: تروح، وما كان يقول: تريح، ولأن
الرواح عند العشي يكون وقريبا منه والغبوق هو شرب العشي على ما ذكرناه فلم
يبق له معنى وإنما المعنى ما قلناه، وإنما أوردت هذه اللفظة في كتابي لأني
سمعت جماعة من أصحابنا الفقهاء يصحفونها.
باب وجوب زكاة الفطر ومن تجب عليه:
الفطرة واجبة على كل مكلف مالك - قبل استهلال شوال - أحد الأموال
الزكاتية، فأما من ملك غير الأموال الزكاتية فلا تجب عليه اخراج الفطرة
على الصحيح من الأقوال، وهذا مذهب جميع مصنفي أصحابنا ومذهب شيخنا
أبي جعفر في سائر كتبه إلا في مسائل خلافه، والصحيح ما وافق فيه أصحابه لأن
الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل شرعي.
ويلزمه أن يخرجها عنه وعن جميع من يعول ممن يجب عليه نفقته أو من يتطوع بها
عليه من صغير وكبير حر وعبد ذكر وأنثى ملي أو كتابي، ويجب عليه اخراج الفطرة
عن عبده سواء كان آبقا أو غير آبق مغصوبا أو غير مغصوب لعموم أقوال أصحابنا
وإجماعهم على وجوب اخراج الفطرة عن العبيد، وكذلك تجب اخراج الفطرة عن
الزوجات سواء كن نواشز أو لم يكن وجبت النفقة عليهن أو لم يجب دخل بهن أو
لم يدخل دائمات أو منقطعات للإجماع والعموم من غير تفصيل من أحد من
أصحابنا.
فأما الأولاد والوالدان فإن كانوا في عياله وضيافته فيجب عليه اخراج الفطرة
عنهم، وإن لم يكونوا في عيلته وضيافته فلا يجب عليه اخراج الفطرة عنهم سواء
309

وجبت نفقتهم عليه أو لم تجب بخلاف الزوجات والعبيد على ما قدمناه لأن
أصحابنا خصوا ذلك وأجمعوا عليه.
وذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه قال: ويلزم الرجل اخراج الفطرة عن خادم
زوجته، قال محمد بن إدريس رحمه الله: لا يلزمه ذلك إلا إذا كان الخادم في عيلته
وضيافته إذا لم يملكه فليلحظ ذلك ويتأمل تأملا جيدا.
ويجب اخراج الفطرة عن الضيف بشرط أن يكون آخر الشهر في ضيافته، فأما
إذا أفطر عنده مثلا ثمانية وعشرين يوما ثم انقطع باقي الشهر فلا فطرة على
مضيفه، فإن لم يفطر عنده إلا في محاق الشهر وآخره بحيث يتناوله اسم ضيف فإنه
يجب عليه اخراج الفطرة عنه، ولو كان إفطاره عنده في الليلتين الأخيرتين فحسب.
وإن رزق ولدا في شهر رمضان وجب عليه أن يخرج عنه إذا رزقه في جزء من
نهار شهر رمضان، وإن رزقه بعد خروج شهر رمضان فإنه لا يجب عليه اخراج
الفطرة عنه بل يستحب ذلك ولو كان ذلك قبل الزوال من يوم العيد، فأما إذا ولد
بعد الزوال فلا يجب ولا يستحب، وكذلك من أسلم ليلة الفطر أو يوم الفطر قبل
الزوال يستحب أن يخرج زكاة الفطرة وليس ذلك بفرض فإن كان إسلامه في جزء
من نهار رمضان وجب عليه اخراج الفطرة.
ومن لا يملك أحد الأموال الزكاتية يستحب له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن
نفسه وعن جميع من يعول، فإن كان ممن يحل له أخذ الفطرة أخذها ثم أخرجها عن
نفسه وعن عياله، فإن كان به حاجة شديدة إليها فليدر ذلك على من يعوله حتى
ينتهي إلى آخرهم ثم يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم وقد أجزأ عنهم كلهم.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه: وإذا كان له مملوك غائب يعرف حياته
وجب عليه فطرته رجا عوده أو لم يرج فإن لم يعلم حياته لا يلزمه اخراج فطرته،
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: يجب عليه اخراج الفطرة عن عبده وإن
لم يقطع على حياته ولا يعلمها حقيقة ويقينا ولهذا يعتقه في الكفارات بغير خلاف
ولم يشرط أصحابنا علمه بالحياة وقطعه عليها.
310

وقال أيضا في كتاب المبسوط: وإن كان له عبد مغصوب لا يلزمه فطرته ولا
يلزم الغاصب أيضا، قوله رحمه الله: ولا يلزم الغاصب، صحيح وقوله: ولا يلزم
سيده، الذي هو المغصوب منه غير صحيح، وليس التمكين شرطا في وجوب اخراج
الفطرة عن عبيد الانسان بل الواجب اخراج الفطرة عن مماليك الانسان سواء كان
متمكنا من التصرف فيهم أو غير متمكن لأن شيخنا أبا جعفر قال: لأنه غير
متمكن منه، فجعل التمكن شرطا في وجوب الفطرة.
وقال رحمه الله في المبسوط: فإن كان له عبد مقعد وهو المعضوب " بالضاد
المعجمة " قال: لا يلزمه فطرته لأنه ينعتق عليه، أما قوله في المقعد فصحيح، وأما
تفسيره بالمعضوب فغير واضح لأن المعضوب غير المقعد وهو النضو الخلقة النحيف وإن
كان أعضاؤه صحيحة فالمعضوب ينعتق على مالكه بل المقعد لأن أصحابنا لم يرووا
في أن ينعتق العبد إلا إذا أقعد بزمانة أو جذام أو عمى فبهذه الآفات ينعتق فحسب
ولم يقولوا: ينعتق المعضوب.
وقال شيخنا: والمرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزمها فطرة
نفسها وكذلك أمة الموسر إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا تلزم المولى فطرتها، قال
محمد بن إدريس رحمه الله: بل الواجب على المرأة الموسرة وسيد الأمة اخراج الفطرة
عنها لأنها مكلفة باخراج الفطرة عن نفسها وكذلك المولى، فإن أراد الشيخ
أبو جعفر أنه كان يجب على الزوج فصحيح لأن الزوج كان يجب عليه أن يخرج
فسقط لفقره وبقي ما يجب عليها وعلى المولى للأمة كما يجب أن يخرج عن الضيف
مضيفه ويجب أن يخرج الضيف عن نفسه إذا كان موسرا.
وذكر في المبسوط: أنه لا يلزم الرجل فطرة زوجته الناشزة، والصحيح أنه يلزمه
وكذلك يلزمه اخراج الفطرة عن الزوجة التي لا يجب عليه نفقتها من النكاح
المؤجل لعموم قولهم ع: يجب اخراج الفطرة عن الزوجة.
باب ما يجوز اخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه:
أفضل ما يخرجه الانسان في زكاة الفطرة التمر ثم الزبيب ويجوز اخراج الحنطة
311

والشعير والأرز والأقط واللبن، والأصل في ذلك أن يخرج كل واحد مما يغلب على
قوته في أكثر الأحوال، ومن عدم الأقوات الغالبة على بلده أو أراد أن يخرج ثمنها
بقيمة الوقت ذهبا أو فضة لم يكن بذلك بأس وإن كانت موجودة لأنه يجوز عندنا
اخراج القيم في الزكوات دون الكفارات على ما قدمنا القول في ذلك.
فأما القدر الذي يجب اخراجه عن كل رأس فصاع من أحد الأشياء التي قدمنا
ذكرها وقدره تسعة أرطال بالبغدادي وستة أرطال بالمدني إلا اللبن فمن يريد
اخراجه أجزأه ستة أرطال بالبغدادي وأربعة بالمدني، وقدر الصاع أربعة أمداد والمد
مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمان حبات من
أوسط حبات الشعير، وقد روي: أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهم، وقد
روي أيضا: أربعة دوانيق، والأحوط الذي يقتضيه الأصول أن يخرج قيمة الصاع
يوم الأداء.
وذكر شيخنا في مبسوطه فقال: ويجوز اخراج القيمة عن أحد الأجناس التي
قدمناها سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا، قال محمد بن إدريس مصنف هذا
الكتاب: الحب والخبز هو الأصل المقوم وليس هو القيمة وإنما هذا مذهب
الشافعي ذكره ههنا فلا يظن بعض غفلة أصحابنا أنه مذهبنا بل نحن نخرج الحب
الذي هو الحنطة والشعير وغير ذلك وكذلك نخرج الخبز لا بالقيمة بل هو الأصل
المقوم.
باب الوقت الذي يجب فيه اخراج الفطرة ومن يستحقها:
تجب زكاة الفطرة على مكلفها بدخول شوال واستهلاله ويتضيق التأكد يوم
الفطر قبل صلاة العيد، فإن لم يخرجها في ذلك الوقت فإنه يجب عليه اخراجها وهي
في ذمته إلى أن يخرجها،
وبعض أصحابنا يقول: يكون قضاء، وبعضهم يقول: سقطت ولا يجب اخراجها،
وهذا بعيد من الصواب لأنه لا دليل على سقوطها بعد وجوبها لأن من ادعى سقوطها
بعد موافقته على وجوبها فعليه الدلالة ومن قال: إنها قضاء بعد ذلك، فغير واضح
312

لأن الزكاة المالية والرأسية تجب بدخول وقتها فإذا دخل وجب الأداء ولا يزال
الانسان مؤديا لها لأن بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه.
وقال أبو جعفر الطوسي في نهايته: الوقت الذي يجب فيه اخراج الفطرة يوم الفطر
قبل صلاة العيد، وذهب في جمله وعقوده إلى ما ذكرناه أولا واخترناه وإنما أورد ما
ذكره في نهايته من طريق أخبار الآحاد إيرادا لا عملا واعتقادا.
فإن قدمها الانسان على الوقت الذي قدمناه فيجعل ذلك فرضا على ما بيناه في
زكاة المال وتقديمها قبل وجوبها وحلولها ويعتبر فيه ما قدمناه عند وجوبها والأفضل
لزوم الوقت، فإن لم يجد لها مستحقا من ماله ثم يسلمها إليه إذا وجده، فإن وجد
لها أهلا وأخرها وهلكت كان ضامنا إلى أن يسلمها إلى أربابها، فإن لم يجد لها
أهلا وأخرجها من ماله لم يكن عليه ضمان وله أن يحملها من بلد إلى بلد إذا لم يجد
المستحق كما أن له حمل زكاة المال يعتبر إلى هلاكها في الطريق ما اعتبرناه في
هلاك زكاة المال حرفا فحرفا،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لا يجوز حمل الفطرة من بلد إلى بلد، وهذا على
طريق الكراهية دون الحظر، وقال في مختصر المصباح: ويجوز اخراج الفطرة من أول
الشهر رخصة، قال محمد بن إدريس: لا يجوز العمل بهذه الرواية في الرخصة إلا
على ما قدمناه من تقديمها على جهة القرض وينوي الأداء عند هلال شوال وإلا
فكيف يكون ما فعل قبل تعلق وجوبه بالذمة مجزئا عما يتعلق بها في المستقبل.
وقد ذكر شيخنا أبو جعفر في الجزء الثالث من مسائل خلافه في كتاب الأيمان: أنه
لا يجوز تقديم الكفارات والزكوات قبل وجوبها بحال عندنا، وناظر على ذلك وهو
الحق اليقين.
وينبغي أن تحمل الفطرة إلى الإمام ليضعها في مواضعها حيث يراه فإن لم يكن
هناك إمام حملت إلى فقهاء شيعته ليفرقوها في مواضعها فإنهم أعرف بذلك، وإذا
أراد الانسان أن يتولى ذلك بنفسه جاز له ذلك غير أنه لا يعطيها إلا لمستحق زكاة المال
فإن لم يجد لها مستحقا انتظر بها المستحق ولا يجوز له أن يعطيها لغيره فإنه لا يجزئه.
313

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته: فإن لم يوجد لها مستحق من أهل المعرفة
جاز أن يعطي مكلفها المستضعفين من غيرهم ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له به
إلا عند التقية أو عدم مستحقيه من أهل المعرفة، وهذا غير واضح بل ضد الصواب
والصحيح، والصواب ما ذكره في جمله وعقوده من أنه: لا يجوز أن تعطى إلا
لمستحق زكاة الأموال فإن لم يوجد عزلت وانتظر بها مستحقها، وإنما أورده إيرادا
من طريق أخبار الآحاد دون الاعتقاد منه والفتيا.
وقال في نهايته أيضا: والأفضل أن يعطي الانسان من يخافه من غير الفطرة ويضع
الفطرة مواضعها، قال محمد بن إدريس رحمه الله: والأصل ما قدمناه فلا يجوز
العدول عنه بغير دليل وما ذكره من طريق أخبار الآحاد فأورده إيرادا لا اعتقادا،
ولا يجوز أن يعطي أقل من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار على ما وردت به
الأخبار، فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كل
واحد منهم صاع جاز أن يفرق عليهم، ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين وأصواعا
دفعة واحدة سواء قلت الأصواع أو كثرت، والأفضل أن لا يعدل الانسان بالفطرة
إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا إلى الأقاصي مع وجود الجيران فإن فعل خلاف
ذلك كان تاركا فضلا ولم يكن عليه بأس.
ذكر شيخنا في الجزء الأول من مسائل خلافه في كتاب الزكاة أنه لا زكاة في
الحلي، ثم استدل بأن قال: وروت فريعة بنت أبي أمامة قالت: حلاني
رسول الله ص رعاثا وحلى أختي وكنا في حجرة فما أخذ منا زكاة
حلي قط.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: فريعة " بالفاء " اسمها الفارعة وإنما
صغرت واسم أختها حبيبة ولهما أخت أخرى اسمها كبشة، وهن بنات أبي أمام
أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي العقبي رأس النقباء أول مدفون بالبقيع مات
في حياة الرسول ع وأوصى ببناته إليه ع، والرعاث " بالراء غير
المعجمة المسكورة والعين غير المعجمة المفتوحة والثاء المنقطة ثلاث نقط " وهي
الحلق، والقرطة مأخوذ من رعثاث الديك.
وذكر أيضا شيخنا أبو جعفر الطوسي أيضا في مسائل الخلاف: أن التحلية بالذهب
314

حرام كله على الرجال إلا عند الضرورة وذلك مثل أن يجدع أنف انسان فيتخذ
أنفا من ذهب أو يربط به أسنانه، قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: فإن
قال قائل: وأي ضرورة ههنا يربط أسنانه بفضة أو نحاس أو حديد وغير ذلك
وكذلك يعمل أنفا من فضة؟ قلنا: جميع ذلك ينتن إلا الذهب فإنه لا ينتن فلأجل
ذلك قال: إلا عند الضرورة.
باب الجزية وأحكامها:
الجزية واجبة على أهل الكتاب ومن حكمه حكمهم ممن أبي منهم الاسلام
وأذعن بها والتزم أحكامها، فأهل الكتاب اليهود والنصارى ومن حكمه حكمهم
المجوس، وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلفين
ويسقط عن الصبيان والمجانين والنساء والبله منهم، فأما من عدا الأصناف
المذكورة الثلاثة من جميع الكفار فليس يجوز أن يقبل منهم إلا الاسلام أو القتل.
ومن وجبت عليه الجزية وحل الوقت فأسلم قبل أن يعطيها سقطت عنه ولم
يلزمه أداؤها على الصحيح من المذهب، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنها: لا
تسقط، والأول هو الأظهر والذي يعضده دليل الأصل. وكل من وجبت عليه
الجزية فالإمام مخير بين أن يضعها على رؤوسهم أو على أرضيهم فإن وضعها على
رؤوسهم فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا وإن وضعها على أرضيهم فليس له أن
يأخذ من رؤوسهم شيئا، وليس للجزية عند أهل البيت ع حد محدود ولا
قدر موظف بل ذلك موكول إلى تدبير الإمام ورأيه فيأخذ منهم على قدر أحوالهم من
الغنى والفقر بقدر ما يكون فيه صاغرا،
والصغار اختلف المفسرون فيه، والأظهر أنه التزام أحكامنا عليهم وإجراؤها ولا
يقدر الجزية فيوطن نفسه عليها بل يكون بحسب ما يراه الإمام بما يكون معه ذليلا
صاغرا خائفا لا يزال كذلك غير موطن نفسه على شئ فحينئذ يتحقق الصغار الذي
هو الذلة، وذهب بعض أصحابنا وهو شيخنا المفيد إلى: أن الصغار هو أن يأخذهم
الإمام بما لا يطيقون حتى يسلموا وإلا فكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث بما يؤخذ
315

منه فيألم لذلك فيسلم.
وكان المستحق للجزية على عهد رسول الله ص المهاجرين دون
غيرهم على ما روي وهي اليوم لمن قام مقامهم مع الإمام في نصرة الاسلام والذب
عنه ولمن يراه الإمام من الفقراء والمساكين من سائر المسلمين.
ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب مما أخذوه من ثمن الخمور والخنازير
والأشياء المحرمة التي لا يحل للمسلمين بيعها والتصرف فيها بغير خلاف.
وروى أصحابنا: أنهم متى تظاهروا بشرب الخمور أو أكل لحم الخنزير أو نكاح
المحرمات في شرعنا والربا نقضوا بذلك العهد.
وروي عن النبي ع أنه قال في أهل الذمة: لا تبدأوهم بالسلام
واضطروهم إلى أضيق الطرق ولا تساووهم في المجالس.
وأما مماليك أهل الذمة فلا جزية عليهم لقوله عليه السلام: لا جزية
على العبد. وأما المستأمن والمعاهد فهما عبارتان عن معنى واحد وهو من
دخل إلينا بأمان لا للبقاء والتأبيد فلا يجوز للإمام أن يقره في بلد الاسلام
سنة بلا جزية لكن يقره أقل من سنة على ما يراه بعوض أو غير عوض، وأما
عقد الجزية فهو عقد الذمة ولا يصح إلا بشرطين: التزام الجزية وأن يجري
عليهم أحكام المسلمين مطلقا من غير استثناء وهو الصغار المذكور في الآية
على الأظهر من الأقوال.
والفقير الذي لا شئ معه تجب عليه الجزية لأنه لا دليل على اسقاطها
عنه وعموم الآية تقتضيه ثم ينظر فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمته
فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها وعقد العقد له بعد أن يحول
عليه الحول،
هذا قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطه، وقال في مسائل خلافه: لا شئ عليه،
واستدل بقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وما ذكره في مبسوطه
أقوى وأظهر ولي في ذلك نظر.
البلاد التي ينفذ فيها حكم الاسلام على ثلاثة أضرب: ضرب أنشأه المسلمون
316

وأحدثوه، وضرب فتحوه عنوة، وضرب فتحوه صلحا.
فأما البلاد التي أنشأها المسلمون مثل البصرة والكوفة فلا يجوز للإمام أن يقر
أهل الذمة على إنشاء بيعة أو كنيسة ولا صومعة راهب ولا مجتمع لصلاتهم، فإن
صالحهم على شئ من ذلك بطل الصلح بلا خلاف وكذلك البلاد التي فيها البيع
والكنائس وكانت في الأصل قبل بنائها.
وأما البلاد التي فتحت عنوة فإن لم يكن فيها بيع ولا كنائس أو كانت لكن
هدموها وقت الفتح فحكمها حكم بلاد الاسلام لا يجوز صلحهم على إحداث ذلك
فيها.
وأما ما فتح صلحا فعلى ضربين:
أحدهما أن يصالحهم على أن تكون البلاد ملكا لهم ويكونوا فيها عين مواد على
مال بذلوه وجزية عقدوها على أنفسهم فهاهنا يجوز إقرارهم على بيعهم وكنائسهم
وإحداثها وانشائها وإظهار الخمور والخنازير وضرب النواقيس فيها لأن الملك لهم
يصنعون به ما أحبوا.
وإن كان الصلح على أن يكون ملك البلد لنا والسكنى لهم إن شرط أن يقرهم
على البيع والكنائس جاز وإن لم يشرط ذلك لهم لم يكن لهم ذلك لأنها صارت
للمسلمين.
وأما دور أهل الذمة على ثلاثة أضرب: دار محدثة ودار مبتاعة ودار مجددة.
فأما المحدثة فهو أن يشترى عرصة يستأنف فيها بناء فليس له أن يعلو به على
بناء المسلمين لقوله ع: الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، وإن ساوى بناء
المسلمين ولم يعل عليه فعليه أن يقصره عنه.
وأما الدور المبتاعة فإنها تقر على ما كانت لأنه هكذا ملكها.
وأما البناء الذي يعاد بعد انهدامه فالحكم فيه كالحكم في المحدث ابتداء لا
يجوز أن يعلو به على بناء المسلمين ولا المساواة على ما قلناه، ولا يلزم أن يكون أقصر
من بناء مسلمي أهل البلد كلهم وإنما يلزمه أن يقصره عن بناء محلته، ولا يجوز أن
317

يمكنوا أن يدخلوا شيئا من المساجد في سائر البلاد لا بإذن ولا بغير إذن لأنهم
أنجاس والنجاسة تمنع المساجد.
باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشراء وما لا يصح
: الأرضون على أربعة أقسام:
ضرب منها أسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال مثل أرض
المدينة فيترك في أيديهم ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر بحسب سقيها، وهي
ملك لهم يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرفات وهذا
حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها، فإن تركوها خرابا أخذها إمام المسلمين
وقبلها من يعمرها وأعطى أصحابها طسقها وأعطى المتقبل حصته وما يبقى فهو
متروك لمصالح المسلمين في بيت ما لهم
على ما روي في الأخبار أورد ذلك شيخنا أبو جعفر، والأولى عندي ترك العمل
بهذه الرواية فإنها تخالف الأصول والأدلة العقلية والسمعية فإن ملك الانسان لا
يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير إذنه واختياره فلا يرجع عن الأدلة بأخبار
الآحاد، والطسق: الوضيعة، توضع على صنف من الزرع لكل جريب وهو
بالفارسية تسك وهو كالأجرة للإنسان، فهذا حقيقة الطسق.
والضرب الثاني من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف " عنوة بفتح العين " وهو ما
أخذ عن خضوع وتذلل، قال الله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم، أي
خضعت وذلت. فإن هذه الأرض تكون للمسلمين بأجمعهم المقاتلة وغير المقاتلة،
وكان على الإمام أن يقبلها من يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع
أو غير ذلك وكان على المتقبل اخراج ما قبل به من حق الرقبة يأخذه الإمام فيخرج
منه الخمس يقسمه على مستحقيه والباقي منه يجعله في بيت المال للمسلمين يصرف
في مصالحهم من سد الثغور وتجهيز الجيوش وبناء القناطر وغير ذلك، وليس في هذا
السهم الذي هو حق الرقبة زكاة لأن أربابه وهم المسلمون ما يبلغ نصيب كل واحد
318

منهم ما يجب فيه الزكاة وما يبقى للمتقبل يخرج منه الزكاة إذا بلغ النصاب بحسب
سقيه.
وهذا الضرب من الأرضين لا يصح التصرف فيه بالبيع والشراء والوقف والهبة
وغير ذلك " أعني نفس الرقبة " فإن قيل: نراكم تبيعون وتشترون وتقفون أرض
العراق وقد أخذت عنوة، قلنا: إنما نبيع ونقف تصرفنا فيها وتحجيرنا وبناءنا فأما
نفس الأرض لا يجوز ذلك فيها، وللإمام أن ينقلها من متقبل إلى غيره عند انقضاء
مدة تقبيله وله التصرف فيها بحسب ما يراه صلاحا للمسلمين لأن هذه الأرضين
للمسلمين قاطبة وارتفاعها يقسم فيهم كلهم المقاتلة وغيرهم فإن المقاتلة ليس لهم
على جهة الخصوص إلا ما يحويه العسكر من الغنائم وأمكن نقله.
والضرب الثالث كل أرض صالح أهلها عليها وهي أرض الجزية يلزمهم ما
يصالحهم الإمام عليه من النصف أو الثلث أو الربع وغير ذلك وليس عليهم غيره،
فإذا أسلم أربابها كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم عليها طوعا ابتداء من
قبل نفوسهم ويسقط عنهم الصلح لأنه جزية بدلا من جزية رؤوسهم وقد سقطت
عنهم بالإسلام، وهذا الضرب من الأرضين يصح التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة
وغير ذلك من أنواع التصرف وكان للإمام أن يزيد وينقص ما صالحهم عليه بعد
انقضاء مدة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
والضرب الرابع كل أرض جلا أهلها عنها أو كانت مواتا فأحييت أو كانت
آجاما وغيرها مما لم يزرع فيها فأحدثت مزارع فإن هذه الأرضين كلها للإمام
خاصة ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التصرف فيها بالقبض والهبة والبيع
والشراء حسب ما يراه، وكان له أن يقبلها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع،
وجاز له أيضا بعد انقضاء مدة القبالة نزعها من يد من قبله إياها وتقبيلها لغيره،
وقد استثني من ذلك الأرض التي أحييت بعد مواتها فإن الذي أحياها أولى
بالتصرف فيها ما دام يقبلها غيره فإن أبي ذلك كان للإمام أيضا نزعها من يده
وتقبيلها من يراه على ما روي في بعض الأخبار، وعلى المتقبل بعد اخراجه مال
319

القبالة والمؤن فيما يحصل في حصته العشر أو نصف العشر بحسب الماء إذا بلغ
الأوساق الخمسة وكان أيضا على الإمام في حصته الزكاة إذا بلغت الأوساق
الخمسة.
وقال شيخنا محمد بن محمد بن النعمان في مقنعته في باب من الزيادات في الزكاة
أورد خبرا قال: روى إسماعيل بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال: استعملني
علي بن أبي طالب ع بانقيا وسواد من سواد الكوفة.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: بانقيا هي القادسية وما والاها وأعمالها وإنما
سميت: القادسية، بدعوة إبراهيم الخليل ع لأنه قال: كوني مقدسة
، أي مطهرة، من التقديس، وإنما سميت: القادسية: بانقيا، لأن إبراهيم ع
اشتراها بمائة نعجة من غنمه لأن " با " مائة و " نقيا " شاة بلغة النبط، وقد
ذكر بانقيا أعشى قيس في شعره وفسره علماء اللغة وواضعو كتب الكوفة من أهل
السيرة بما ذكرناه.
والبلاد على ضربين: بلاد الاسلام وبلاد الشرك.
فبلاد الاسلام على ضربين: عامر وغامر
فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد الشروع فيه والتصرف إلا بإذن صاحبه،
وروي عن ابن عباس أن النبي ص كتب لبلال بن الحرث المزني:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقطع بلال بن الحرث المزني من معادن القبلية
جلسيها وغوريها وحيث ما يصلح للزرع، ولم يعطه حق مسلم.
وجلسيها " بالجيم واللام بعده والسين " ما كان إلى ناحية نجد وغوريها ما كان إلى
ناحية الغور، قال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي:
لقد جئت غوري البلاد وجلسها وقد ضربتني شمسها وطلولها
جلسها يريد نجدها، لأن جلسا هو نجد، والقبلية " محرك القاف والباء التي تحتها
نقطة واحدة " منسوبة إلى القبل وهو كل نشر من الأرض يستقبلك، يقال: رأيت
بذلك القبل شخصا، وجلس " بالجيم المفتوحة واللام المسكنة والسين غير المعجمة "
نجد. إذا ثبت هذا فإن مرافقها التي لا بد لها منها مثل الطريق ومسيل الماء
320

ومطارح التراب وغير ذلك فإنها في معنى العامر من حيث أن صاحب العامر أحق
به، ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا باذنه فعلى هذا إذا حفر بئرا في موات ملكها
وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة.
فأما الغامر " بالغين المعجمة " وهو الخراب فعلى ضربين: غامر لم يجر عليه ملك
لمسلم وغامر جرى عليه ملك مسلم. فأما الذي لم يجر عليه ملك مسلم فهو لإمام
المسلمين يفعل به ما شاء، وأما الذي جرى عليه ملك مسلم فمثل قرى المسلمين
التي خربت وتعطلت فإنه ينظر فإن كان صاحبه أو وارثه معينا فهو أحق به وهو في
معنى العامر ولا يخرج بخرابه عن ملك صاحبه فإن لم يكن له صاحب معين ولا
عقب ولا وارث فهو لإمام المسلمين خاصة فإذا ثبت ذلك ثبت أنها مملوكة لا يملكها
من يحييها إلا بإذن الإمام.
وأما بلاد الشرك فعلى ضربين: عامر وغامر.
فالعامر ملك لأهله وكذلك كل ما كان به صلاح العامر من الغامر كان صاحب
العامر أحق به كما قلنا في العامر في بلاد الاسلام حرفا فحرفا، ولا فرق بينهما
أكثر من أن العامر في بلاد الاسلام لا يملك بالقهر والغلبة والعامر في بلاد الشرك
يملك بالقهر والغلبة.
وأما الغامر في بلاد الشرك فعلى ضربين: أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد والآخر
جرى عليه ملكه. والذي لم يجر عليه ملك أحد فهو للإمام خاصة لعموم الأخبار،
وأما الذي جرى عليه ملك فإنه ينظر فإن كان صاحبه معينا فهو له ولا يملك
بالإحياء بلا خلاف وإن لم يكن صاحب معين ولا وارث فهو للإمام عندنا.
والأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلا أن يأذن
الإمام له، وأما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الاسلام وكذلك المستأمن
إلا أن يأذن له الإمام، فأما ما به يكون الأحياء
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: لم يرد الشرع ببيان ما يكون
إحياء دون ما لا يكون غير أنه إذا قال النبي ع: من أحيا أرضا ميتة فهي
321

له، ولم يوجد في اللغة معنى ذلك فالمرجع فيه إلى العرف والعادة فما عرف الناس
إحياء في العادة كان إحياء وملك به الموات، كما أنه ع قال: البيعان
بالخيار ما لم يفترقا، وأنه نهى عن بيع ما لم يقبض يرجع في جميع ذلك إلى العادة.
هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله ونعم ما قال فهو الحق اليقين فهذا هو
الذي يقتضيه أصل المذهب ولا يلتفت إلى قول المخالفين فإن لهم في ذلك تفريعات
وتقسيمات فلا يظن ظان إذا وقف عليها أن يعتقدها قول أصحابنا ولا مما ورد به
خبر أو قال به مصنف من أصحابنا وإنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله بعد
أن حقق ما يقتضيه مذهبنا، فجملة ما عند المخالف في ذلك: أن الأرض تحيي
للدار والحظيرة والزراعة.
فإحياؤها للدار عندهم فهو بأن يحوط عليها حائط ويسقف عليه فإذا فعل ذلك فقد
أحياها عندهم وملكها ملكا مستقرا ولا فرق بين أن يبني الحائط بطين أو بآجر
وطين أو آجر وجص أو خشب هذا عند المخالف، فأما عندنا فلو خص عليها خصا
أو حجرها أو حوطها بغير الطين والآجر والجص ملك التصرف فيها وكان أحق بها
من غيره.
ثم قال المخالف: فأما إذا أخذها للحظيرة فقدر الأحياء أن يحوطها بحائط من آجر
أو لبن أو طين وهو الرهص أو خشب وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف
وتعليق الأبواب في الدور والحظيرة ليس من شرطه، ومنهم من قال: هو شرط.
وأما الأحياء للزراعة فهو إن جمع حولها ترابا وهو الذي يسمى مرزا " الراء قبل
الزاء " وأن يرتب لها الماء إما بساقية يسوق الماء فيها أو بقناة يحفرها أو بئر أو عين
يستنبطها. فهذا جميعه أورده شيخنا في كتابه المقدم ذكره شارحا وذاكرا تقسيمات
المخالف وما هو عندهم إحياء وكيفيات ذلك بعد أن أحكم في الأول ما هو عندنا
إحياء والذي يقتضيه مذهبنا من الرجوع فيه إلى العرف والعادة لأنه قال: لم يرد
الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون غير أنه إذا قال النبي ع: من
أحيا أرضا ميتة فهي له، ولم يوجد في اللغة معنى ذلك فالمرجع فيه إلى العرف
والعادة، ثم أورد بعد ذلك تقسيمات المخالف في كيفية الأحياء فلا يتوهم من
يقف عليها أنها مقالة أصحابنا فإن هذا الكتاب " أعني المبسوط " قد ذكر فيه
322

مذهبنا ومذهب المخالف ولم يبين أحد المذهبين من الآخر تبيينا جليا وإنما
يحققه ويعرفه من اطلع على المذهبين معا وسبر قول أصحابنا وحصل خلافهم وما
تقتضيه أصول مذهبهم وإلا فالقارئ فيه يخبط خبط عشواء.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي: إذا تحجر أرضا وباعها لم يصح بيعها، وفي الناس
من قال: يصح، وهو شاذ، قال شيخنا: فأما عندنا فلا يصح بيعه لأنه لا يملك رقبة
الأرض بالإحياء وإنما يملك التصرف بشرط أن يؤدى إلى الإمام ما يلزمه عليها،
وعند المخالف لا يجوز لأنه لا يملك بالتحجر قبل الأحياء فكيف يبيع ما لا يملك
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا يدلك أرشدك الله أن التحجر عند المخالف غير
الأحياء وأن الأحياء غير التحجر وشيخنا جعل التحجر مثل الأحياء الذي قسمه
المخالف إلى التقسيمات الأولة، ولا فرق عندنا بين التحجر الذي هو الآثار سواء
كانت للدار أو للزراعة أو للحظيرة وبين الأحياء الذي يذهب إليه المخالف ويقسمه
إلى ثلاثة أقسام: للدار والحظيرة والزراعة.
وأما المعادن فعلى ضربين: ظاهرة وباطنة، فالباطنة لها موضع نذكره إن شاء
الله.
وأما الظاهرة فهي: الماء والقير والنفط والمومياء والكبريت والملح وما أشبه
ذلك، فهذا لا يملك بالإحياء ولا يصير أحد أولى به بالتحجر من غيره وليس للسلطان
أن يقطعه بل الناس كلهم فيه سواء يأخذون منه قدر حاجتهم بل يجب عندنا فيه
الخمس ولا خلاف في أن ذلك لا يملك بالإحياء.
وأما المعادن الباطنة مثل الذهب والفضة والنحاس والرصاص وحجارة البرم
وغيرها، مما يكون في بطون الأرض والجبال ولا يظهر إلا بالعمل فيها والمؤونة عليها
فهل تملك بالإحياء أم لا؟ قيل: فيه قولان أحدهما أنها تملك وهو الصحيح وذلك
مذهبنا والثاني قال المخالف: لا تملك، لأنه لا خلاف في أنه لا يجوز بيعه فلو ملك
لجاز بيعه وعندنا يجوز بيعه بغير خلاف بيننا فإذا ثبت أنها تملك بالإحياء فإن
إحياءه أن يبلغ نيله وما دون البلوغ تحجر وليس بإحياء فيصير أولى به وهذا عند
المخالف، فأما عندنا لا فرق بين التحجر والأحياء.
323

وقد أورد شيخنا المفيد في مقنعته في باب الخراج وعمارة الأرضين خبرا وهو: روى
يونس بن إبراهيم عن علي بن الأشعث الكندي عن مصعب بن يزيد الأنصاري
قال: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه على أربعة
رساتيق: المدائن والبهقباذات وبهرسير ونهر جوير ونهر الملك.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: بهرسير " بالباء المنقطة من تحتها نقطة
واحدة والسين غير المعجمة " هي المدائن والدليل على ذلك أن الراوي قال:
استعملني على أربعة رساتيق، ثم عد خمسة فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة
بهرسير فعطف على اللفظ دون المعنى، فإن قيل: لا يعطف الشئ على نفسه،
قلنا: إنما عطفه على لفظه دون معناه وهذا كثير في القرآن والشعر قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
فكل هذه الصفات راجعة إلى موصوف واحد وقد عطف بعضها على بعض
لاختلاف ألفاظها، وقول الحطيئة:
وهند أتى من دونها النأي والبعد. والبعد هو النأي.
ويدل على ما قلناه أيضا ما ذكره أصحاب السيرة في كتاب صفين قالوا: لما سار
أمير المؤمنين ع إلى صفين قالوا ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة
بهرسير وإذا رجل من أصحابه ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل بقول ابن يعفور
التميمي:
جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد
فقال ع: أ فلا قلت: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام
كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين الآية فأما
البهقباذات فهي ثلاثة: البهقباذ الأعلى وهو ستة طساسيج: طسوج بابل وخطرنية
والفلوجة العليا والسفلى والنهرين وعين التمر، والبهقباذ الأوسط أربعة طساسيج
طسوج الجبة والبدأة وسوراء وبريسما ونهر الملك وباروسما، والبهقباذ الأسفل
خمسة طساسيج منها: طسوج فرات وبادقلى، وطسوج السيلحين الذي فيه الخورنق
والسدير ذكر ذلك عبيد الله بن خرداذبه في كتاب الممالك والمسالك.
324

باب الخمس والغنائم:
الخمس يجب في كل ما يغنم من دار الحرب ما يحويه العسكر وما لم يحوه
العسكر وما يمكن نقله إلى دار الاسلام وما لا يمكن من الأموال والذراري والأرضين
والعقارات والسلاح والكراع وغير ذلك مما يصح تملكه وكان في أيديهم على وجه
الإباحة أو الملك ولم يكن غصبا لمسلم.
ويجب أيضا الخمس في جميع المعادن ما ينطبع منها مثل الذهب والفضة والحديد
والصفر والنحاس والرصاص والزئبق، وما لا ينطبع مثل الكحل والزرنيخ والياقوت
والزبرجد والبلخش والفيروزج والعقيق والزمرذ " بالذال المعجمة ".
ويجب أيضا في القير والكبريت والنفط والملح والمومياء وكل ما يخرج من البحر
وفي العنبر وهو نبات من البحر.
ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب الاقتصاد، وفي المبسوط: أنه
نبات من البحر، وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة
فلا يأكل منه شئ إلا مات ولا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره وإذا وضع
رجليه عليه نصلت أظفاره فإن كان قد أكل منه قتله ما أكل وإن لم يكن أكل منه
فإنه ميت لا محالة لأنه إذا بقي بغير منقار لم يكن للطائر شئ يأكل به والعطارون
يخبروننا أنهم ربما وجدوا المنقار والظفر كذا ذكره الجاحظ، وقال المسعودي
صاحب كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر: أصل الطيب خمسة أصناف: المسك
والكافور والعود والعنبر والزعفران، كلها تحمل من أرض الهند إلا الزعفران والعنبر
قد يوجد بأرض الزنج والأندلس، قال: والأفاوية خمسة وعشرون صنفا وذكر في
جملة ذلك السليخة والورس وقصب الذريرة واللاذن والزبادة.
وقال ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان: العنبر هو من عين في البحر،
واللاذن هو رطوبة وطل يقع من السماء فيتعلق بشعر المعزى الراعية ولحاها إذا
رعت نباتا بقلسوس، والزبادة عرق دابة مثل السنور، وفي المغرة والنورة كل ما
يتناوله اسم المعدن على اختلاف ضروبه سميناه وذكرناه أو لم نذكره فقد حصره
بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي في جمله وعقوده، فقال: الخمس يجب
325

في خمسة وعشرين جنسا، وهذا غير واضح وحصر ليس بحاصر ولم يذكر في جمله
ذلك الملح ولا الزمرذ ولا المغرة ولا النورة.
ويجب الخمس أيضا في أرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلات
والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤونة السنة له ولعياله وفي الكنوز التي توجد
في دار الحرب من الذهب والفضة والدراهم والدنانير سواء كان عليها أثر الاسلام أو
لم يكن عليها أثر الاسلام.
فأما الكنوز التي توجد في بلاد الاسلام فإن وجدت في ملك الانسان وجب أن
يعرف أهله فإن عرفه كان له وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها أخرج
منها الخمس وكان له الباقي،
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه فهي على ضربين: ما كان عليها أثر
الاسلام مثل أن يكون عليها سكة الاسلام فهي بمنزلة اللقطة وإن لم يكن عليها أثر
الاسلام أو كان عليها أثر الجاهلية من الصور المجسمة وغير ذلك فإنه يخرج منها
الخمس وكان الباقي لمن وجدها، والصحيح ما قدمناه أولا في أنه يخرج منها
الخمس سواء كان عليها أثر الاسلام أو لم يكن، وما ذكره شيخنا في مبسوطه
مذهب الشافعي والصحيح ما ذكره في مسائل خلافه فإنه قال: يجب في الجميع
الخمس، وأورد خلاف الشافعي وفرقه وزيفه ولم يلتفت إليه وقال: دليلنا عموم
الأخبار في وجوب الخمس من الكنوز، ولم يفرقوا بين كنز وكنز.
وإذا اختلط المال الحرام بالحلال حكم فيه بحكم الأغلب، فإن كان الغالب
حراما احتاط في اخراج الحرام منه فإن لم يتميز له أخرج الخمس وصار الباقي
حلالا والتصرف فيه مباحا وكذلك إن ورث ما لا يعلم أن صاحبه جمع بعضه من
جهات محظورة من غصب وربا وغير ذلك ولم يعلم مقداره أخرج الخمس واستعمل
الباقي استعمالا مباحا، وإن غلب في ظنه أو علم أن الأكثر حرام احتاط في
اخراج الحرام منه، هذا إذا لم يتميز له الحرام، فإن تميز له بعينه أو بمقداره وجب
اخراجه قليلا كان أو كثيرا ولا يجب عليه اخراج الخمس منه ويرده إلى أربابه إذا
326

تميزوا، فإن لم يتميزوا جد في طلبهم وطلب وراثهم فإن لم يجدهم وقطع على
انقراضهم سلمه إلى إمام المسلمين فإنه ماله إن كان ظاهرا أو حفظه عليه إن كان
مستترا غائبا من أعدائه، وقد روي: أنه يتصدق به عنهم.
وإذا اشترى ذمي من مسلم أرضا كان عليه فيها الخمس، والعسل الذي يوجد
في الجبال وكذلك المن يؤخذ منه الخمس، وجميع الاستفادات من الصيود
والاحتطاب والاحتشاش والاستقاء والإجارات والمجتنيات والاكتسابات يخرج منه
الخمس بعد مؤونة مستفيدة طول سنته على الاقتصاد دون التقتير والإسراف، والمعدن
يملك منه أصحاب الخمس خمسهم والباقي لمن استخرجه إذا كان في المباح فأما إذا
كان في الملك فالخمس لأهله والباقي لمالكه، ولا يعتبر في شئ من المعادن والكنوز
التي يجب فيها الخمس حؤول الحول لأنه ليس بزكاة بل يجب اخراجه عند أخذها
ولا يضم أيضا إلى ما معه من الأموال الزكاتية لأنه لا يجب فيها الزكاة فإذا حال
بعد اخراج الخمس منه حول كان عليه فيه الزكاة إن كان دراهم أو دنانير وإن كان
غيرهما فلا شئ فيه، وجميع ما ذكرناه يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا إلا
الكنوز فحسب فإنه لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيها
الزكاة فيكون مقدارها أو قيمتها عشرين دينارا، والغوص لا يجب فيه الخمس إلا
إذا بلغ دينارا أو ما قيمته دينار.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي: إلا الكنوز ومعادن الذهب والفضة، وهذا ليس
بواضح لأن إجماع أصحابنا منعقد على استثناء الكنوز واعتبار المقدار فيها وكذلك
الغوص ولم يستثنوا غير هذين الجنسين فحسب بل إجماعهم منعقد على وجوب اخراج
الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا
كان أو فضة من غير اعتبار مقدار وهذا إجماع منهم بغير خلاف.
ويجب اخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور بعد أخذها ولا يعتبر مؤونة
السنة بل يعتبر بعد اخراج مؤنها ونفقاتها إن كانت تحتاج إلى ذلك، وأما ما عدا
الكنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات فلا يجب فيها
327

الخمس بعد أخذها وحصولها بل بعد مؤونة المستفيد ومؤونة من تجب عليه مؤونته سنة
هلالية على جهة الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شئ أخرج منه الخمس
قليلا كان الفاضل أو كثيرا، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس بعد حصوله له
وإخراج ما يكون بقدر نفقته لأن الأصل براءة الذمة وإخراجه على الفور أو وجوبه
ذلك الوقت يحتاج إلى دليل شرعي والشرع خال منه بل إجماعنا منعقد بغير خلاف
أنه لا يجب إلا بعد مؤونة الرجل طول سنته فإذا فضل بعد ذلك شئ أخرج منه
الخمس من قليله وكثيره، وأيضا فالمؤونة لا يعلمها ولا يعلم كميتها إلا بعد مضى
سنته لأنه ربما ولد له الأولاد أو تزوج الزوجات أو انهدمت داره ومسكنه أو ماتت
دابته التي يحتاج إليها أو اشترى خادما يحتاج إليه أو دابة يحتاج إليها إلى غير ذلك
مما يطول تعداده وذكره والقديم ما كلفه إلا بعد هذا جميعه ولا أوجب عليه شيئا
إلا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته.
وقول شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في جمله وعقوده: ووقت وجوب الخمس فيه
وقت حصوله، يريد به المعادن التي عددها بدليل قوله واستثنائه الكنوز فإنه قال:
إلا الكنوز فإنه يراعى فيها النصاب الذي فيه الزكاة والغوص يراعى فيه مقدار
دينار وما عداهما لا يراعى فيه مقدار، ولو أراد شيخنا جميع ما يجب فيه الخمس على
اختلافه لما قال: ووقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله، لأن أحدا لا يقول بذلك
لأنه وغيره من أصحابنا يقول في المكاسب والأرباح والزراعات والاستفادات: لا
يجب فيها الخمس إلا بعد مؤونة الرجل طول سنته، ولا يطلقون الوجوب فيها وقت
حصوله بل يقيدونه ويقولون: لا يجب فيها الخمس إلا بعد مؤونة الرجل طول سنته،
وقد ذكر ابن البراج في كتابه الموسوم بالتعريف قال: والوقت الذي يجب اخراج
الخمس فيه من المعادن هو وقت أخذها، فلو كان يجب اخراج الخمس من جميع ما
يجب فيه الخمس من الأجناس وقت حصوله لما أفرد المعادن بالذكر دون غيرها
فليتأمل ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: وما يصطاد من البحر من سائر
أنواع الحيوان لا خمس فيه لأنه ليس بغوص فأما ما يخرج منه بالغوص أو يوجد قفيا
328

على رأس الماء ففيه الخمس، قال محمد بن إدريس: أما قوله رحمه الله: لأنه ليس
بغوص، فصحيح بل هو استفادة ومكتسب وعندنا بلا خلاف أن في الاستفادة
الخمس بعد المؤونة ففارق ما يصطاد من البحر الغوص بأن الخمس لا يجب فيه إلا
إذا بلغت قيمته دينارا ولا يعتبر مؤونة السنة فيه وما يصطاد بلا غوص لا يعتبر فيه
مقدار الدينار بل يعتبر فيه مؤونة السنة لأنه استفادة وليس بغوص فليحصل عني ما
ذكرته ففيه غموض.
وقال بعض أصحابنا: إن الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح
الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه ولم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه ولو
كان صحيحا لنقل نقل أمثاله متواترا والأصل براءة الذمة فلا نشغلها ونعلق عليها
شيئا إلا بدليل، وأيضا قوله: ولا يسألكم أموالكم.
سؤال: إن قيل في غائص: غاص دفعة فأخرج أقل من قيمة دينار ثم غاص ثانية
فأخرج أقل من قيمة دينار إلا أن بمجموعهما يكونان دينارا فهل عليه فيهما
الخمس؟
قيل له: نعم يجب عليه فيهما الخمس لأن الغوص مصدر ومعناه المغوص والمغوص
اسم جنس يتناول الدفعة والدفعات، وكذلك القول في رجل وجد كنزا ينقص عن
عشرين دينارا ثم وجد دفعة ثانية كنزا ينقص عن عشرين مثقالا المسألة الواحدة
والجواب عنهما سواء، والأولى عندي والأقوى أنه لا يجب في المسألتين معا الخمس
إلا أن يبلغ كل دفعة في الغوص والمكنوز المقدار المراعي في كل واحد منهما بانفراده
لا مجتمعا مع الدفعة الأخرى لأن كل دفعة ينطلق عليه اسم المغوص عليه حقيقة لا
مجارا وكذلك المكنوز ويعضد ذلك أن الأصل براءة الذمة وقوله تعالى: ولا يسألكم
أموالكم، وأيضا إذا وجد الانسان لقطة أقل من قيمة الدرهم ثم وجد أخرى أقل
من قيمة الدرهم فلا خلاف أنه لا يجب عليه التعريف وإن كان بمجموعهما يبلغان
الدرهم وأكثر، قال محمد بن إدريس رحمه الله: ولي في الأول نظر.
باب قسمة الغنائم والأخماس ومن يستحقها:
كل ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدمنا ذكرها فما
329

حواه العسكر يخرج منه الخمس بعد ما يصطفي الإمام ع ما يختاره ما لم
يجحف بالغانمين وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة، وما لم يحوه العسكر من
الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس والباقي يكون
للمسلمين قاطبة مقاتلتهم وغير مقاتلتهم من حضر ومن لم يحضر من ولد ومن لم يولد
يقسمه الإمام بينهم على قدر ما يراه من مؤونتهم،
هكذا ذكره شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ولا أرى لهذا القول وجها لأن المؤونة ههنا غير
معتبرة بل الواجب قسمة الغنيمة بين الغانمين على رؤوسهم وخيلهم دون مؤونتهم بغير
خلاف بين أصحابنا في ذلك، للمقاتل سهم سواء كان قليل المؤونة أو كثيرها.
والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستة أقسام: قسما لله وقسما لرسوله وقسما
لذي القربى " فقسم الله وقسم رسوله وقسم ذي القربى للإمام خاصة يصرفه في أمور
نفسه وما يلزمه من مؤونة من يجب عليه نفقته " وسهم ليتامى بني هاشم وسهم
لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغير بني هاشم شئ من الأخماس وهؤلاء
الذين يحرم عليهم زكاة الأموال الواجبة مع تمكنهم من مستحقاتهم وأخماسهم وقد
شرحناهم وحققنا نسبهم فيما مضى من أبواب الزكاة فلا نطول بذكره ههنا.
وعلى الإمام أن يقسم سهامهم بينهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم في السنة على
الاقتصاد فإن فضل من ذلك شئ كان هو الحافظ له والمتولي بحفظه عليهم ولا يجوز
أن يتملك منه شيئا لنفسه لأن الحق لهم فلا يجوز له أن يأخذ من مالهم شيئا،
وما يوجد في بعض كتب أصحابنا من القول المسطور: فإن فضل من ذلك شئ
كان له خاصة، معناه كان له القيام عليه والولاية لحفظه والتدبير دون رقبته، وقد
يضاف الشئ إلى الغير بأن يكون قائما عليه ومتوليا بحفظه فيقال: إنه له، وفي
القرآن مثل ذلك قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم، فأضاف تعالى
المال إلينا وإن كان مالا لليتيم، ولا يملك المتولي والوصي رقبته بحال بغير خلاف
بل أضافه إلينا لأنا القوام عليه والحفاظ له ومثله في كلام العرب كثير.
330

ويدل على ما قلناه أنه لا خلاف بين المسلمين ولا بين الشيعة خاصة أن سهام هؤلاء "
أعني اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم خاصة عندنا " لا يستحق
الإمام منها شيئا جملة بل له سهمه ولهم سهمهم لأن الله تعالى كما ملكه سهمه
بلام الملك والاستحقاق ملكهم سهمهم بذلك اللام الذي الواو نائبة عنه لأن
المعطوف في لسان العرب له حكم المعطوف عليه بغير خلاف.
وقد يوجد أيضا في سواد الكتب وشواذ الأخبار: وإن نقص كان عليه أن يتم من
خاصته، وهذا غير صحيح والكلام عليه ما تقدم قبله بلا فصل لأن الله تعالى ملكه
سهمه بلام الملك والاستحقاق بنص القرآن والأصل براءة الذمة للإمام وبراءة ذمة
غيره إلا بدليل شرعي وذلك مفقود هاهنا، وقوله تعالى: ولا يسألكم أموالكم،
دليل أيضا والقرآن والإجماع من أصحابنا دليلان على استحقاقه ع
لنصف الخمس فمن أخرج منه شيئا وشغل ذمته بتمام كفاية الغير الذين لا يجب
عليه نفقتهم ولا هم ممن يجبر الانسان على نفقته يحتاج إلى دليل ولن نجده بحمد
الله تعالى بل دونه خرط القتاد أو المكابرة والعناد، وما يوجد في سواد الكتب فإنه
من أضعف أخبار الآحاد لأنه مرسل غير مسند وعند من يعمل بأخبار الآحاد لا
يعمل بذلك لأنه لا يعمل إلا بالمسانيد التي يرويها العدول دون المراسيل.
قد أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في تهذيب الأحكام فقال: محمد بن
الحسن الصفار عن أحمد بن محمد قال: حدثنا بعض أصحابنا وأرسله وذكر الحديث
بطوله " حذفه مخافة التطويل وأثبت منه المقصود " وقال في آخر الخبر: فأما الخمس
فيقسم ستة أسهم: سهم لله وسهم للرسول ص وسهم لذي القربى
وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل. فالذي لله فلرسوله ص
ورسول الله أحق به فهو له، والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في
زمانه فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد
ع الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك الخمس
فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل شئ فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم
أتمه من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان.
ثم أورد خبرا آخر مرسلا غير مسند أضعف من الأول قال: الحسن بن علي
331

بن فضال قال: حدثني علي بن يعقوب أبو الحسن البغدادي عن الحسن بن
إسماعيل بن صالح الصيمري قال: حدثني الحسن بن راشد قال: حدثني حماد
بن عيسى قال: رواه لي بعض أصحابنا ذكر عن العبد الصالح أبي الحسن الأول
قال: الخمس من خمسة أشياء، وذكر في آخر الحديث فقال: فله " يعني الإمام "
نصف الخمس كملا ونصف السهم الباقي بين أهل بيته ثلاثة: سهم لأيتامهم
وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكفايات والسعة ما
يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شئ يستغنون فهو للوالي وإن عجز ونقص
استغناؤهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه
أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: فهذان الحديثان الضعيفان أوردهما في تهذيب
الأحكام الذي لم يصنف كتابا في الأخبار أكبر منه ولم يورد فيه غيرهما مع ما قد
جمع فيه من الأخبار المتواترة والآحاد والمراسيل والمسانيد وإلا السبر بيننا وبين
المخالف في ذلك، فهل يحل لمن له أدنى تأمل ومعرفة أن يعدل عن كتاب الله تعالى
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلى هذين الخبرين المرسلين
وراوي أحدهما فطحي المذهب كافر ملعون مع كونه مرسلا وهو الحسن بن فضال
وبنو فضال كلهم فطحية والحسن رأسهم في الضلال.
ثم لو سلمناهما تسليم جدل ما كان فيهما ما ينافي ما ذكرناه لأنه قال فيهما: وإن
نقص استغناؤهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، لأنه ع
القائم بأمور الرعية الناظر في أحوالهم سواء كانوا هاشميين أو عاميين فإنه
يجب عليه أن ينفق عليهم من بيت مال المسلمين لا من ماله لأن لهم في بيت المال
حظا مثل سائر الناس وليس المال الذي في بيت مال المسلمين مختصا بأرباب
الزكاة بل الناس فيه جميعهم شرع سواء وهو المتولي لتفرقته عليهم، فقوله: من
عنده، أي من تحت يده.
وأيضا فقد بينا أنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد وإن كانت رواتها ثقات عند أهل
البيت ع لأنها لا توجب علما ولا عملا وأكثر ما يثمر غلبة الظن، ولا
يجوز العدول عن المعلوم الذي هو كتاب الله تعالى إلى المظنون، و أدلة العقول تعضد
332

ذلك وتشهد به لأن مال الغير لا يجوز التصرف فيه إلا باذنه ولو لم يكن في ذلك إلا
طريقة الاحتياط لبراءة الذمة لكفى لأن الذمة مشغولة بهذا المال وإيصاله إلى
صاحبه ومستحقه فإذا فعل ذلك تيقن براءة ذمته مما لزمها وإذا أعطاه لغيره ففيه
الخلاف ولم يتيقن براءة ذمته، وإذا لم يكن مع المخالف إجماع فدليل القرآن وأدلة
العقول ودليل الاحتياط التمسك بها في المسألة هو الواجب الذي لا يجوز العدول
عنه لذي لب وتأمل وتحصيل.
وأيضا فالمسألة الشرعية لا نعلمها إلا من أربع طرق: كتاب الله العزيز وسنة رسوله
المتواترة وإجماع الشيعة الإمامية لدخول قول معصوم فيه، فإذا فقدنا الثلاث الطرق
فدليل العقل المفزع إليه فيها. فهذا معنى قول الفقهاء دلالة الأصل، فسبرنا كتاب
الله تعالى فما وجدنا فيه أن مال ابن الحسن يعطي لغيره ويستحقه سواه ويسلم إليه
بغير إذنه وكذلك السنة المتواترة ولا أجمعنا على أن مال ابن الحسن يستحقه غيره
ويسلم إلى سواه بغير إذنه فلم يبق معنا من الأدلة والطرق الأربع سوى دليل العقل
ودليل العقل يحظر علينا التصرف في مال الغير بغير إذنه، هذا لا معدل للمنصف
المتأمل عن هذا الاستدلال إلا إليه أعوذ بالله من سوء التوفيق.
ثم لا نجد مصنفا من أصحابنا بعد ذكره لهذه المسألة إلا ويودع في كتابه ويفتي
ويقول: إن نصف الخمس يوصى به لصاحبه أو يحفظ لصاحبه أو يودع لصاحبه على
اختلاف العبارات، فلو أراد أنه يستحقه غيره مع غيبته ويسلم إلى من سواه لكانوا
مناقضين في أقوالهم والأدلة لا تتناقض وإلا ما السبر بيننا وهؤلاء الذين يستحقون
الخمس هم الذين قدمنا ذكرهم ممن يحرم عليهم الزكاة ذكرا كان أو أنثى، فإن
كان هناك من أمه من غير أولاد المذكورين وكان أبوه منهم حل له الخمس ولم
تحل له الزكاة، وإن كان ممن أبوه من غير أولادهم وأمه منهم لم يحل له الخمس
وحلت له الزكاة، واليتامى وابن السبيل يعطيهم مع الغنى والفقر لأن الظاهر
يتناولهم.
وينبغي أن يفرق الخمس في الأولاد وأولاد الأولاد ولا يخص بذلك الأقرب
فالأقرب لأن الاسم يتناول الجميع وليس ذلك على وجه الميراث، ولا يفضل ذكر
على الأنثى من حيث كان ذكرا لأن التفرقة إنما هي على قدر حاجتهم إلى ذلك
333

وذلك يختلف بحسب أحوالهم، ويعطي الصغير منهم والكبير لتناول الاسم لهم،
والظاهر يقتضي أنه يفرق في جميع من تناوله الاسم كان في بلد الخمس أو في غيره
من البلاد قريبا كان أو بعيدا إلا أن ذلك يشق والأولى أن نقول: يخص به من
حضر البلد الذي فيه الخمس ولا يحمل إلى غيره إلا مع عدم مستحقه.
ولو أن إنسانا حمل ذلك إلى بلد آخر ووصل إلى مستحقه لم يكن عليه شئ إلا
أنه يكون ضامنا إن هلك مثل الزكاة، ولا ينبغي أن يعطي إلا من كان مؤمنا أو
بحكم الإيمان ويكون عدلا مرضيا فإن فرق في الفساق جاز ذلك ولم يكن عليه
ضمان لأن الظاهر يتناولهم، ومتى حضر الثلاثة الأصناف ينبغي أن لا يخص به قوم
دون قوم بل الأفضل تفريقه في جميعهم وإن لم يحضر عند المعطى إلا فرقة منهم جاز
أن يفرق فيهم ولا ينتظر غيرهم ولا يحمل إلى بلد آخر على ما قلناه وحررناه.
باب ذكر الأنفال ومن يستحقها:
الأنفال جمع نفل ونفل " يقال بسكون الفاء وفتحها ". وهي الزيادة. وهي كل
أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جرى عليها ملك أحد، وكل أرض ميتة خربة لم
يجر عليها ملك لأحد، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب " والإيجاف
السير السريع " أو أسلمها أهلها طوعا بغير قتال، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية،
والآجام التي ليست في أملاك المسلمين بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض،
والمعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه وكذلك رؤوس الجبال.
فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه ع
بل ذلك في الأرض المفتتحة عنوة، والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له،
والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في
أيديهم لا على وجه الغصب، وميراث من لا وارث له، ومن الغنائم - قبل أن
تقسم - الجارية الرائعة الحسناء والفرس الجواد،
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: الفرس الفارة، وأهل اللغة يأبون هذا ويقولون:
334

إن الفرس لا يقال له: فأره، بل يقال: فرس جواد وحمار فارة.
والثوب المرتفع، وما أشبه ذلك من الدرع الحصينة والسيف القاطع مما لا نظير
له من رقيق أو متاع ما لم يجحف بالغانمين، وإذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام
فغنموا كانت الغنيمة خاصة للإمام دون غيره.
فجميع ما ذكرناه كان للنبي ع خاصة وهو لمن قام مقامه من الأئمة
في كل عصر لأجل المقام لا وراثة، فلا يجوز لأحد التصرف في شئ من ذلك إلا
باذنه فمن تصرف في شئ من ذلك بغير إذنه كان غاصبا وما يحصل منه من الفوائد
والنماء للإمام دون غيره، ومتى تصرف في شئ منه بأمر الإمام وبإباحته أو بضمانه
وقبالته كان عليه أن يؤدى ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ما تقرر
بينهما والباقي له، وكل منهما تجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته النصاب، هذا
إذا كان في حال ظهور الإمام وانبساط يده.
فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره ع من أعدائه خوفا على نفسه
فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد لهم
من المناكح والمتاجر
والمراد بالمتاجر أن يشترى الانسان مما فيه حقوقهم ع ويتجر في ذلك ولا
يتوهم متوهم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس فليحصل ما قلناه
فربما اشتبه
والمساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال.
وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز والمعادن والأرباح والمكاسب و الزراعات
الفاضلة عن مؤونة السنة وغير ذلك في حال الغيبة فقد اختلف أقوال الشيعة الإمامية
في ذلك وليس فيه نص معين.
فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر
والمساكن، وهذا لا يجوز العمل عليه ولا يلتفت إليه ولا يعرج عليه لأنه ضد الدليل
ونقيض الاحتياط وأصول المذهب وتصرف في مال الغير بغير إذن قاطع.
335

وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الانسان حيا، فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى
من يثق بديانته من إخوانه ليسلم إلى صاحب الأمر إذا ظهر ويوصي به كما وصى
إلى أن يصل إلى صاحبه ع.
وقال قوم: يجب دفنه لأن الأرضين تخرج ما فيها عند قيام القائم مهدي الأنام عليه
السلام، واعتمد في ذلك على خبر واحد، قال محمد بن إدريس: والأولى عندي
الوصية به والوديعة ولا يجوز دفنه لأنه لا دليل عليه.
وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع
من يوثق بأمانته والثلاثة الأقسام الأخر تفرق على مستحقها من أيتام بني هاشم
ومساكينهم وأبناء سبيلهم لأنهم المستحقون لها وهم ظاهرون، وعلى هذا يجب أن
يكون العمل والاعتماد والفتيا لأن مستحقها ظاهر وإنما المتولي لقبضها وتفريقها
ليس بظاهر، فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا الذي اخترناه وحققناه وأفتينا به هو الذي
يقتضيه الدين وأصول المذهب وأدلة العقول وأدلة الفقه وأدلة الاحتياط، وإليه
يذهب ويقول به جميع محققي أصحابنا المصنفين المحصلين الباحثين عن مأخذ
الشريعة وجهابذة الأدلة ونقاد الآثار فإن جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه
المقالة ويعتمدون على القول الأخير الذي ارتضيناه بغير خلاف بينهم ويقولون ما
حكيناه ويذكرون ما شرحناه ويصرحون بأنه ليس فيه نص معين، فلو كان الخبران
الضعيفان صحيحين ما كانوا يقولون: ليس فيه نص معين، وشيخنا المفيد يقول:
وإنما اختلف في ذلك لعدم ما يلجأ إليه من صريح المقال.
وما سطرناه واخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله واختياره في مبسوطه
وهذا الكتاب المهم آخر ما صنفه في الفقه فإنه بعد النهاية والتهذيب والاستبصار
والجمل والعقود ومسائل الخلاف وإن كان في جميع كتبه هذا اختياره وفتواه
واعتقاده مع اختلاف عباراته في كتبه وتصنيفاته وإن كان المعنى واحدا، وقد أفتى
فتيا صريحة في جواب المسائل الحائريات فقال له السائل: وعن رجل وجد كنزا لم
يجد من يستحق الخمس منه ولا من يحمله إليه ما يصنع به؟ فقال: الجواب:
الخمس نصفه لصاحب الزمان يدفنه أو يودعه عند من يثق به ويأمره بأن يوصي
336

بذلك إلى أن يصل إلى مستحقه والنصف الآخر يقسمه في يتامى آل الرسول
ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإنهم موجودون وإن خاف من ذلك أودع الخمس كله أو
دفنه، هذا آخر فتياه رحمه الله، فلو كان يرى أن حق صاحب الزمام يجوز صرفه إلى
بني هاشم في حال الغيبة لما أفتى بما ذكرناه عنه.
والسيد المرتضى رضي الله عنه أفتى في المسائل الموصليات الثانية الفقهية وهي المسألة
الثلاثون فقال: والخمس ستة أسهم: ثلاثة منها للإمام القائم بخلافة الرسول
وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم الإمام والثلاثة الباقية ليتامى آل الرسول
ومساكينهم وأبناء سبيلهم خاصة دون الخلق أجمعين، وتحقيق هذه المسألة إن اخراج
الخمس واجب في جميع الغنائم والمكاسب وكل ما استفيد بالحرف وما استخرج
أيضا من المعادن والغوص والكنوز وما فضل من أرباح التجارات والزراعات
والصناعات عن المؤونة والكفاية، وقسمة هذا الخمس وتمييز أهله هو أن يقسم على
ستة أسهم: ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول عليهما السلام وهي سهم الله
وسهم رسوله وسهم ذي القربى " لأن إضافة الله تعالى ذلك إلى نفسه هي في المعنى
للرسول ع وإنما أضافها إلى نفسه تفخيما لشأن الرسول وتعظيما
كإضافة طاعة الرسول ع إليه تعالى وكما أضاف رضاه ع وأذاه
إليه جلت عظمته، والسهم الثاني المذكور المضاف إلى الرسول ع بصريح
الكلام وهذان السهمان معا للرسول ع في حياته ولخليفته القائم مقامه
بعده، فأما المضاف إلى ذي القربى فإنما عني به ولي الأمر من بعده لأنه القريب
إليه الخصيص به " والثلاثة الأسهم الباقية ليتامى آل محمد ع
ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وهم بنو هاشم خاصة دون غيرهم.
وإذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر بالسيف قسمه الإمام على خمسة أسهم:
فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم وهي
التي قدمنا بيانها: ثلاثة منها له ع وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله من
أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، والحجة في ذلك إجماع الفرقة عليه وعملهم به.
فإن قيل: هذا تخصيص بعموم الكتاب لأن الله تعالى يقول: واعلموا أنما غنمتم
من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى، فأطلق وعم وأنتم جعلتم المراد
337

بذي القربى واحدا، ثم قال: واليتامى والمساكين وابن السبيل، وهذا عموم
فكيف خصصتم بني هاشم خاصة؟
فالجواب عن ذلك: أن العموم قد يخص بالدليل القاطع، فإذا كانت الفرقة المحقة
قد أجمعت على الحكم الذي ذكرناه خصصنا بإجماعهم الذي هو غير محتمل الظاهر
المحتمل على أنه لا خلاف بين الأمة في تخصيص هذه الظواهر لأن إطلاق قوله
تعالى: ذي القربى، يقتضي عمومه قرابة النبي ع وغيره، فإذا خص به
قرابة النبي ع فقد عدل عن الظاهر وكذلك إطلاق لفظة اليتامى
والمساكين وابن السبيل يقتضي دخول من كان بهذه الصفة من مسلم وذمي وغنى
وفقير ولا خلاف في أن عموم ذلك غير مراد وأنه مخصوص على كل حال، هذا آخر
كلام السيد المرتضى لا زيادة فيه ولا نقصان.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: فهل ترى أرشدك الله خللا في كلام السيد أو أنه
أعطى مال ابن الحسن لغيره أو تمم لشركائه ع من سهمه إذا نقص
سهمهم عن كفايتهم بل قسمه على ما قسمه الله سبحانه وأعطى كل ذي حق حقه
ولم يلتفت إلى خبر شاذ وقول سخيف ومذهب ضعيف، وإلى هذا القول ذهب
رحمه الله في كتابه كتاب الانتصار.
وأما شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله فقد قال في مقنعته: وقد
اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة وذهب كل فريق منهم إلى مقال،
فمنهم من أسقط فرض اخراجه لغيبة الإمام وما تقدم في الرخص فيه من الأخبار،
وبعضهم يوجب كنزه ويتأول خبرا ورد: أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم
مهدي الأنام وأنه ع إذا قام دله الله سبحانه على الكنوز فيأخذها من كل
مكان، وبعضهم يرى صلة الذرية به وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ولست
أدفع قرب هذا القول من الصواب، وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر ع
فإذا خشي إدراك المنية قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته ليسلمه
إلى الإمام ع إن أدرك قيامه وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة
والديانة ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان ع، وهذا القول
عندي أوضح من جميع ما تقدم لأن الخمس حق واجب لغائب لم يرسم قبل غيبته
338

رسما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه أو التمكن من إيصاله
إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه وجرى أيضا مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها
مستحقها فلا يجب عند عدمه سقوطها ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف
في الأملاك ويجب حفظها بالنفس والوصية بها إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها
من أهل الزكاة من الأصناف.
وإن ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو حق خالص للإمام
ع وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول ع وأبناء سبيلهم
ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على
صواب، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح
الألفاظ وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر
من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ الودائع
لأهلها ورد الحقوق، هذا آخر قول شيخنا المفيد جليل القدر مقتدى بأقواله انتهت
رئاسة الشيعة الإمامية في عصره وزمانه إليه على ما حكاه شيخنا أبو جعفر الطوسي
رحمه الله عنه، وهو صاحب النظر الثاقب والمناظرات في الإمامة والمقالات
المستخرجة التي لم يسبق إليها فانظر أرشدك الله إلى قوله: وإنما اختلف أصحابنا
في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ فلو كان فيه نص صريح
وأخبار متواترة ما جاز له أن يقول ذلك، ثم قال: وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ
المحنة، ثم قال: مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الأصول في حظر
التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك، مقصوده أن الله تعالى لا يكلفنا شيئا إلا
وينصب عليه الأدلة وإلا يكون تكليفا لما لا يطاق وتعالى الله عن ذلك، فلما
عدمت النصوص والخطاب من جهة الشارع كان لنا أدلة العقول منارا وعلما على
المسألة يهتدي بها إليها على ما مضى شرحه في باب قسمة الغنائم والأخماس فقد
أشبعنا القول في ذلك وحققناه وقلنا: إذا عدم أدلة الكتاب والأخبار المتواترة
والإجماع في المسألة الشرعية كان فرضنا وتكليفنا فيها العمل بما يقتضيه العقل لأنها
تكون مبقاة عليه بغير خلاف من محصل، ولو اقتصر في المسألة على دليل الاحتياط
لكفى فكيف والأدلة العقلية والسمعية قائمة عليها.
339

ثم قال الشيخ المفيد في جواب المسائل التي سأل عنها محمد بن محمد الرملي وهي
مشهورة:
سؤال: وعن رجل وجد كنزا ثم لم يجد من يستحق الخمس منه ولا من يحمل إليه
ما يصنع به وليس له في بلده الذي هو فيه أهل يدفع إليه ما يصنع به؟
جواب: يصرف نصف الخمس ليتامى آل محمد ع ومساكينهم وأبناء
سبيلهم ويجوز النصف الآخر لولي الأمر ع، فإن أدركه سلمه إليه وإن لم
يدركه وصى به له وجعله عند ثقة يوصله إليه، فإن لم يجد الموصى إليه وصى به إلى
من جعله يقوم مقامه في ذلك، وإذا لم يجد في بلده من يتامى آل محمد ومساكينهم
وأبناء سبيلهم أحدا نفذه إلى بلد يكون فيه ليصل إليهم منه، فانظر إلى فتوى هذا
الشيخ.
340

إشارة السبق
إلى معرفة الحق
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل
الحسن بن أبي المجد الحلبي
341

الزكاة
وأما الكلام في الحقوق المالية اللازمة للأحرار دون العبيد فمنها الزكاة:
وهي إما فرض فمتعلقة بالأموال وبالرؤوس، فما يجب فيه الزكاة من
الأموال تسعة أصناف:
الذهب والفضة، ويشترط في وجوبهما: البلوغ وكمال العقل وبلوغ النصاب
وكونه مملوكا مقدورا على التصرف فيه بقبضه أو بالإذن فيه مع مضى الحول عليه
وهو كذلك بكماله لم ينقص ولا تبدلت أعيانه بتغيير دنانيره ودراهم مضروبة
منقوشة أو سبائك قصد الفرار من الزكاة بسبكها، ويعتبر في شروطه صحة أدائها
زيادة على ما ذكرناه: الاسلام والنية ودخول وقتها. فنصاب الذهب أولا عشرون
مثقالا ففيه نصف مثقال وثانية أربعة مثاقيل ففيهما عشر مثقال، والفضة نصابها
الأول مائتا درهم ففيها خمسة دراهم والثاني أربعون درهما ففيها درهم بالغا ما
بلغا.
والحنطة والشعير والتمر والزبيب وشرطها: الملك وحصول النصاب. وهو بعد
المؤن وحق السلطان خمسة أوسق، الوسق ستون صاعا، الصاع أربعة أمداد عراقية
جملته بالبغدادي ألفان وسبعة مائة رطل، فبلوغه تجب فيه إن كان سقيه بماء السماء
أو سيحا العشر، وإن كان بالنواضح وما أشبهها مما يحتاج إلى كلفة فنصف
العشر، وإن كان من الجهتين معاقبا لأغلب وبالتساوي العشر في نصف ونصفه من
النصف الآخر.
343

والإبل والبقر والغنم باشتراط: الملك والسوم والحول وتمام النصاب. فأول
نصاب الإبل خمس فيها شاة، ثم عشر ففيها شاتان، ثم خمس عشرة ففيها ثلاث
شياه، ثم عشرون ففيها أربع شياه، ثم خمس وعشرون ففيها خمس شياه، ثم ست
وعشرون ففيها بنت مخاض لحولها بكماله، ثم ست وثلاثون ففيها بنت لبون لحولها
داخلة في الثالثة، ثم ست وأربعون ففيها حقة لأحوالها الثلاثة داخلة في الرابع، ثم
إحدى وستون ففيها جذعة لأحوالها الأربعة داخلة في الخامس، ثم ست وسبعون
ففيها بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون ففيها حقتان إلى مائة وإحدى وعشرين فصاعدا
يسقط هذا الاعتبار، ويلزم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة كذا إلى
غير حد، والمأخوذ فريضة وما بين النصابين شنق لا شئ فيه.
وأول نصاب البقر ثلاثون فيه إما تبيع لحوله أو تبيعة حولية، ثم أربعون ففيه
مسنة وهي الثنية فما فوقها، وما بين النصابين وقص لا يلزم فيه شئ ولا فيما دون
النصاب الأول.
وأول نصاب الغنم أربعون فيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرين فيه شاتان، ثم
مائتان وواحدة ففيه ثلاث شياه، ثم ثلاث مائة وواحدة فيه أربع شياه إلى أن يزيد
على ذلك فيرتفع هذا الحكم، ويلزم في كل مائة شاة مهما بلغت، وما بين النصابين
عفو لا شئ فيه ولا فيما لم يبلغ الأربعين وسواء في هذا الحكم الضأن والمعز
بالفريضة المأخوذة، من الضأن جذعة لا دونها، ومن المعز ثنية لا فوقها.
وما يجب على الرؤوس هي الفطرة الواجبة عند هلال شوال على كل حر بالغ
عاقل مالك أول نصاب تجب فيه الزكاة يؤديها عنه وعن جميع من يعول من ذكور
وإناث وصغار وكبار وأحرار وعبيد وأقارب وأجانب وذوي إيمان أو كفر، يجب
اخراجها قبل صلاة العيد مع وجود مستحقها ومع فقده تعزل من المال انتظارا له وإلا
فتأخرها عن وقتها لا لذلك مسقط وجوبها ومجر لها إن صرفت مجرى صدقات
التطوع.
والواجب عن كل رأس منها صاع أفضله من غالب المؤونة على اختلافها حنطة
344

كانت أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو أرزا أو ذرة أو إقطا أو لبنا أو غير ذلك، ولو دفع
قيمة الصاع بسعر الوقت لجاز.
ومستحقي زكاة المال والرؤوس كل واحد من الأصناف الثمانية: الفقراء وهم
من لا يملكون الكفاية، والمساكين وهم من لا يملكون شيئا، والعاملون عليها وهم
الساعون في جبايتها، والمؤلفة قلوبهم وهم المستعان بهم في الجهاد وإن كانوا
كفارا، وفي الرقاب وهم المكاتبون ومن في حكمهم من كل عبد مغرور بالعبودية،
والغارمون وهم المدينون في غير معصية ولا سبيل لهم إلى قضاء ديونهم، وفي سبيل الله
وهو الجهاد الحق، وابن السبيل وهو المنقطع به وإن كان غنيا في بلده.
فما عدا المؤلفة والعاملين من الأصناف الستة يعتبر فيهم: الإيمان والفقر
والعدالة والعجز عن قيام الأولاد بالاكتساب، والانفصال عمن يجب نفقته على
المزكي كالأبوين والجدين والزوجات والأولاد والمماليك وعن الهاشميين المتمكنين
من أخذ الخمس لكونهم مستحقين له، فأما إن استحقوه ومنعوا منه ومن بلوع
كفايتهم بما يأخذونه منه فلا بأس بأخذهم منها، وأقل ما يعطي مستحقها ما يجب
في أول نصاب من أنصبتها ولو أعطي أكثر من ذلك لجاز.
وأما سننه ففي كل ما يكال ويوزن غير ما بينا وجوبها فيه، وفي سبائك الذهب
والفضة والحلي الذي لم يفر به منها، وفي أموال التجارة المطلوبة برأس المال أو بربح
عليه، وفي المال الغائب عن صاحبه ولا يتمكن من التصرف فيه إذا حضره وتمكن
من ذلك بعد مضى حول عليه أو أحوال، وفي صامت أموال من ليسوا بكاملي العقول
إذا تاجر بها الأولياء شفقة عليهم ونظرا لهم، وفي إناث الخيل عن كل رأس ديناران
إن كانت عتاقا ودينار إن كانت براذين ولا نصاب لها معتبر في الشروط في
مستحقها ما يعتبر في واجبها وكذا في مقدار المعطى منها، ومن لا يجب عليه الفطرة
يخرجها استحبابا والخمس منها، ويجب في المعادن على كثرتها واختلافها، وفي
الغنائم الحربية، وفي مال اختلط حلاله بحرامه ولم يتميزا، وفي كل ما فضل عن
مؤونة السنة من كل مستفاد بسائر ضروب الاستفادات من تجارة أو صناعة أو
345

غيرهما، وفي أرض شراها ذمي لمسلم وعند حصول ما يجب فيه وتعينه يكون وقت
وجوبه فإن كان من الكنوز اعتبر فيه بلوع نصاب المزكاة، وفي المستخرج بالغوص
بلوع قيمته دينار مما زاد وقسمته على ستة أسهم هي: سهم الله وسهم
رسوله وسهم ذي القربى " لا يستحقها بعد الرسول سوى الإمام القائم مقامه " وثلاثة ليتامى
آل محمد ص ومساكينهم وأبناء سبيلهم ممن جمع مع فقره وإيمانه
صحة النسب إلى أمير المؤمنين ع أو إلى أحد أخويه جعفر وعقيل أو إلى عمه
العباس رضي الله عنهم، يعطي كل فريق منهم مقدار كفايتهم للسنة على
الاقتصاد.
346

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
347

كتاب الزكاة
وفيه قسمان:
القسم الأول: في زكاة المال:
والنظر في من تجب عليه وما تجب فيه ومن تصرف إليه:
النظر الأول:
في من تجب عليه:
فتجب الزكاة على البالغ العاقل الحر المالك المتمكن من التصرف.
فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضة إجماعا، نعم إذا اتجر له من إليه النظر استحب
له اخراج الزكاة من مال الطفل، وإن ضمنه واتجر لنفسه وكان مليا كان الربح
له ويستحب له الزكاة، أما لو لم يمكن مليا أو لم يكن وليا كان ضامنا ولليتيم
الربح ولا زكاة هاهنا.
ويستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه، وقيل: تجب، وكيف قلنا
فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه. وقيل: حكم المجنون حكم الطفل،
والأصح أنه لا زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا.
والمملوك لا تجب عليه الزكاة سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك، ولو ملكه سيده
مالا وصرفه فيه لم تجب عليه الزكاة، وقيل: يملك ويجب عليه الزكاة، وقيل: لا
يملك والزكاة على مولاه. وكذا المكاتب المشروط عليه، ولو كان مطلقا وتحرر منه
شئ وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا.
والملك شرط في الأجناس كلها ولا بد أن يكون تاما، فلو وهب له نصاب لم
349

يجز في الحول إلا بعد القبض، وكذا لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول.
ولو اشترى نصابا جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة، ولو شرط
البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة بنى على القول بانتقال الملك والوجه أنه من
حين العقد، وكذا لو استقرض مالا وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه.
ولا يجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة، ولو عزل الإمام قسطا جرى في
الحول إن كان صاحبه حاضرا وإن كان غائبا فعند وصوله إليه، ولو نذر في أثناء
الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول لتعينه للصدقة.
والتمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها، وإمكان أداء
الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب.
ولا تجب الزكاة في المال المغصوب ولا الغائب إذا لم يكن في يد وكيله أو وليه
ولا الرهن على الأشبه ولا الوقف ولا الضال ولا المال المفقود، فإن مضى عليه سنون
وعاد زكاه لسنته استحبابا، ولا القرض حتى يرجع إلى صاحبه ولا الدين حتى
يقبضه، فإن كان تأخيره من جهة صاحبه قيل: تجب الزكاة على مالكه، وقيل:
لا، والأول أحوط.
والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها فإذا تلفت لا يجب عليه
ضمانها وإن أهمل، والمسلم إذا لم يتمكن من اخراجها وتلفت لم يضمن ولو تمكن
وفرط ضمن، والمجنون والطفل لا يضمنان إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في
الغلات والمواشي.
النظر الثاني:
في بيان ما تجب فيه وما تستحب:
تجب الزكاة في الأنعام الثلاث: الإبل والبقر والغنم، وفي الذهب والفضة،
والغلات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب. ولا تجب فيما عدا ذلك.
وتستحب في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن عدا الخضر كالقت
350

والباذنجان والخيار وما شاكله، وفي مال التجارة قولان: أحدهما الوجوب
، والاستحباب أصح، وفي الخيل الإناث. وتسقط عما عدا ذلك إلا ما سنذكره، ولا
زكاة في البغال والحمير والرقيق، ولو تولد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاتي روعي
في إلحاقه بالزكاتي إطلاق اسمه.
القول في زكاة الأنعام:
والكلام في الشرائط والفريضة واللواحق.
أما الشرائط فأربعة:
الأول: اعتبار النصب:
وهي في الإبل اثنا عشر نصابا: خمسة كل واحد منها خمس، فإذا بلغت ستا
وعشرين صارت كلها نصابا، ثم ست وثلاثون، ثم ست وأربعون، ثم إحدى
وستون، ثم ست وسبعون، ثم إحدى وتسعون، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين
فأربعون أو خمسون أو منهما.
وفي البقر نصابان: ثلاثون وأربعون دائما.
وفي الغنم خمسة نصب: أربعون وفيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها
شاتان، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة، فإذا بلغت ذلك
قيل: يؤخذ من كل مائة شاة، وقيل: بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ
من كل مائة شاة بالغا ما بلغ، وهو الأشهر.
وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان، والفريضة تجب في كل نصاب من
نصب هذه الأجناس وما بين النصابين لا يجب فيه شئ، وقد جرت العادة بتسمية
ما لا يتعلق به الفريضة من الإبل شنقا، ومن البقر وقصا ومن الغنم عفوا ومعناه
في الكل واحد.
فالتسع من الإبل نصاب وشنق، فالنصاب خمس والشنق أربع، بمعنى أنه لا
351

يسقط من الفريضة شئ ولو تلفت الأربع. وكذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب
ووقص فالفريضة في الثلاثين والزائد وقص حتى تبلغ أربعين. وكذا مائة وعشرون
من الغنم نصابها أربعون، والفريضة فيه وعفوها ما زاد حتى تبلغ مائة وإحدى
وعشرين، وكذا ما بين النصب التي عددناها.
ولا يضم مال انسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وكانا في مكان واحد
بل يعتبر في مال كل واحد منهما بلوع النصاب، ولا يفرق بين مال المالك الواحد
ولو تباعد مكاناهما.
الشرط الثاني: السوم:
فلا تجب الزكاة في المعلوفة ولا في السخال إلا إذا استغنت عن الأمهات
بالرعي، ولا بد من استمرار السوم جملة الحول فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف
الحول عند استئناف السوم ولا اعتبار باللحظة عادة، وقيل: يعتبر في اجتماع السوم
والعلف الأغلب، والأول أشبه. ولو اعتلفت من نفسها بما يعتد به بظل حولها
لخروجها عن اسم السوم، وكذا لو منع السائمة مانع كالثلج فعلفها المالك أو غيره
باذنه أو بغير إذنه.
الشرط الثالث: الحول:
وهو معتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه وفي مال التجارة والخيل مما
يستحب فيه، وحده أن يمضى له أحد عشر شهرا ثم يهل الثاني عشر فعند هلاله تجب
ولو لم يكمل أيام الحول، ولو اختل أحد شروطها في أثناء الحول بطل الحول مثل إن
نقصت عن النصاب فأتمها أو عاوضها بمثلها أو بجنسها على الأصح، وقيل: إذا
فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة، وقيل: لا تجب، وهو الأظهر.
ولا تعد السخال مع الأمهات بل لكل منهما حول على انفراده، ولو حال الحول
فتلف من النصاب شئ فإن فرط المالك ضمن وإن لم يكن فرط سقط من الفريضة
352

بنسبة التالف من النصاب، وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزكاة واستأنف
ورثته الحول وإن كان بعده وجبت، وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول
ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا.
الشرط الرابع: ألا يكون عوامل:
فإنه ليس في العوامل زكاة ولو كانت سائمة.
وأما الفريضة فيقف بيانها على مقاصد:
الأول: الفريضة:
في الإبل شاة في كل خمسة حتى تبلغ خمسا وعشرين، فإنه زادت واحدة كانت
فيها بنت مخاض، فإذا زادت عشرا كان فيها بنت لبون، فإذا زادت عشرا أخرى
كان فيها حقة، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة، فإذا زادت خمس عشرة
أخرى كان فيها بنتا لبون، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقتان، فإذا
بلغت مائة وإحدى وعشرين طرح ذلك وكان في كل خمسين حقة وفي كل أربعين
بنت لبون.
ولو أمكن في كل عدد فرض كل واحد من الأمرين كان المالك بالخيار في
اخراج أيهما شاء.
وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.
الثاني: في الإبدال:
من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر، ولو لم يكونا
عنده كان مخيرا في ابتياع أيهما شاء، ومن وجبت عليه سن وليست عنده
وعنده أعلى منها بسن دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما، وإن كان ما عنده أخفض منها
بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهما والخيار في ذلك إليه لا إلى العامل سواء
353

كانت القيمة السوقية مساوية لذلك أو ناقصة عنه أو زائدة عليه، ولو تفاوتت
الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في النقاص إلى
القيمة السوقية على الأظهر، وكذا ما فوق الجذع من الأسنان، وكذا ما عدا أسنان
الإبل.
الثالث: في أسنان الفرائض:
بنت المخاض هي التي لها سنة ودخلت في الثانية أي أمها ماخض بمعنى
حامل، وبنت اللبون هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة أي أمها ذات لبن،
والحقة هي التي لها ثلاث ودخلت في الرابعة فاستحقت أن يطرقها الفحل أو يحمل
عليها، والجذعة هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة وهي أعلى الأسنان المأخوذة
في الزكاة، والتبيع هو الذي ثم له حول، وقيل: سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه أو
تبع أمه في الرعي، والمسنة هي الثنية التي كملت لها سنتان ودخلت في الثالثة.
ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ومن العين أفضل وكذا
في سائر الأجناس، والشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل: أقله الجذع من الضأن أو
الثني من المعز، وقيل: ما يسمى شاة، والأول أظهر. ولا تؤخذ المريضة ولا الهرمة
ولا ذات العوار، وليس للساعي التخيير فإن وقعت المشاحة قيل: يقرع حتى يبقى
السن التي تجب عليه.
وأما اللواحق:
فهي أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة، فإذا تمكن من إيصالها إلى مستحقها
فلم يفعل فقد فرط، فإن تلفت لزمه الضمان وكذا إن تمكن من إيصالها إلى الساعي
أو إلى الإمام.
ولو أمهر امرأة نصابا وحال عليه الحول في يدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول
كان له النصف موفرا وعليها حق الفقراء، ولو هلك النصف بتفريط كان للساعي
354

أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به لأنه مضمون عليها.
ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال فإن أخرج زكاته في كل سنة من غيره
تكررت الزكاة فيه فإن لم يخرج وجب عليه زكاة حول واحد.
ولو كان عنده أكثر من نصاب كانت الفريضة في النصاب ويجبر من الزائد
وكذا في كل سنة حتى ينقص المال عن النصاب، فلو كان عنده ست وعشرون من
الإبل ومضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه، فإن مضى عليها
ثلاثة أحوال وجب عليه بنت مخاض وتسع شياه.
والنصاب المجتمع من المعز والضأن وكذا من البقر والجاموس وكذا من الإبل
العراب والبخاتي تجب فيه الزكاة والمالك بالخيار في اخراج الفريضة من أي
الصنفين شاء، ولو قال رب المال: لم يحل على مالي الحول وقد أخرجت ما وجب
على، قبل منه ولم يكن عليه بينة ولا يمين، ولو شهد عليه شاهدان قبلا. وإذا
كان للمالك أموال متفرقة كان له من أيها شاء اخراج الزكاة، ولو كانت السن
الواجبة في النصاب مريضة لم يجز أخذها وأخذ غيرها بالقيمة، ولو كان كله مراضا
لم يكلف شراء صحيحة.
ولا تؤخذ الربا وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما، وقيل: إلى خمسين. ولا
الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل، ولا فحل الضراب، ويجوز أن يدفع من غير غنم
البلد وإن كان أدون قيمة ويجزئ الذكر والأنثى لتناول الاسم له.
القول في زكاة الذهب والفضة:
والكلام في النصاب والشرائط والأحكام.
أما النصاب:
ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ففيه عشرة قراريط ثم ليس
في الزائد شئ حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان، ولا زكاة فيما دون عشرين
355

مثقالا ولا فيما دون أربعة دنانير، ثم كلما زاد المال أربعة ففيها قيراطان بالغا ما
بلغ، وقيل: لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين دينارا ففيه دينار، والأول أشهر.
ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم كلما زادت
أربعين كان فيها درهم، وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة كما ليس فيما نقص
عن المئتين شئ، والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير
ويكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل.
وأما الشروط:
ومن شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير ودراهم منقوشين بسكة
المعاملة أو ما كان يتعامل بهما وحول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع،
فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب بغير جنسه أو بجنسه لم تجب الزكاة،
وكذا لو منع من التصرف فيه سواء كان المنع شرعيا كالوقف والرهن أو قهريا
كالغصب.
ولا تجب الزكاة في الحلي محللا كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل أو محرما
كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة، وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة وآلات
اللهو لو عملت منهما، وقيل: يستحب فيه الزكاة. وكذا لا زكاة في السبائك
والنقار والتبر، وقيل: إذا عملهما كذلك فرارا وجبت الزكاة ولو كان قبل الحول،
والاستحباب أشبه. أما لو جعل الدراهم والدنانير كذلك بعد الحول وجبت الزكاة
إجماعا. وأما أحكامها فمسائل:
الأولى: لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوى الجوهرين بل يضم بعضها إلى
بعض وفي الإخراج إن تطوع بالأرغب وإلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه.
الثانية: الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا، ثم لا يخرج
356

المغشوشة عن الجياد.
الثالثة: إذا كان معه دراهم مغشوشة فإن عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها
فضة خالصة وعن الجملة منها، وإن جهل ذلك وأخرج عن جملتها من الجياد
احتياطا جاز أيضا، وإن ماكس ألزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب.
الرابعة: مال القرض إن تركه المقترض بحاله حولا وجبت الزكاة عليه دون
المقرض، ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض قيل: يلزم الشرط، وقيل: لا يلزم،
وهو الأشبه.
الخامسة: من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم يصل إليه ومضى عليه
أحوال ثم وصل إليه زكاه لسنة استحبابا.
السادسة: إذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف تسقط الزكاة عنها مع
غيبة المالك وتجب لو كان حاضرا، وقيل: تجب فيها على التقديرين، والأول
مروي.
السابعة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا، ولو قصر كل جنس أو
بعضها لم يجبر بالجنس الآخر كمن معه عشرة دنانير ومائة درهم أو أربعة من الإبل
وعشرون من البقر.
القول في زكاة الغلات:
والنظر في الجنس والشروط واللواحق.
أما الأول:
فلا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض إلا في الأجناس الأربعة: الحنطة
والشعير والتمر والزبيب. لكن يستحب فيما عدا ذلك من الحبوب مما يدخل
المكيال والميزان كالذرة والأرز والعدس والماش والسلت والعلس، وقيل: السلت
كالشعير والعلس كالحنطة في الوجوب، والأول أشبه.
357

وأما الشروط:
فالنصاب وهو خمسة أوسق " والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال بالعراقي
وستة بالمدني وهو أربعة أمداد والمد رطلان وربع " فيكون النصاب ألفين وسبعمائة
رطل بالعراقي وما نقص فلا زكاة فيه وما زاد فيه الزكاة ولو قل.
والحد الذي تتعلق به الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو
زبيبا، وقيل: بل إذا أحمر ثمر النخل أو أصفر أو انعقد الحصرم، والأول أشبه.
ووقت الإخراج في الغلة إذا صفت وفي التمر بعد اختراقه، وفي الزبيب بعد
اقتطافه.
ولا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة لا بغيرها من الأسباب
كالابتياع والهبة، ويزكي حاصل الزرع ثم لا تجب بعد ذلك فيه زكاة ولو بقي
أحوالا، ولا تجب الزكاة إلا بعد اخراج حصة السلطان والمؤن كلها على الأظهر.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: كل ما سقى سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر، وما سقي بالدوالي
والنواضح ففيه نصف العشر، وإن اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر فإن
تساويا أخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العشر.
الثانية: إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض
ضمت الجميع وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد فما أدرك وبلغ نصابا
أخذ منه ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر، وإن سبق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في
وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك دفعة أو
اختلف الأمران.
الثالثة: إذا كان له نخل تطلع مرة وأخرى تطلع مرتين قيل: لا يضم الثاني إلى
الأول، لأنه في حكم ثمرة سنتين، وقيل: يضم، وهو الأشبه.
الرابعة: لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ولا العنب عن الزبيب ولو أخذه
358

الساعي وجف ثم نقص رجع بالنقصان.
الخامسة: إذا مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت نصابا لم يجب على
الوارث زكاتها، ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة لأنها على
حكم مال الميت، ولو صارت ثمرا والمالك حتى ثم مات وجبت الزكاة وإن كان
دينه يستغرق تركته، ولو ضاقت التركة عن الدين قيل: يقع التحاص بين أرباب
الزكاة والديان، وقيل: تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها، وهو
الأقوى.
السادسة: إذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه وكذا إذا
اشترى ثمره على الوجه الذي يصح فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المملك
والأولى الاعتبار بكونه تمرا لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا.
السابعة: حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم الأجناس
الأربعة في قدر النصاب وكيفية ما يخرج منه واعتبار السقي.
القول في مال التجارة:
والبحث فيه وفي شروطه وأحكامه.
أما الأول:
فهو المال الذي ملك بعقد معاوضة وقصد به الاكتساب عند التملك فلو انتقل
إليه بميراث أو هبة لم يزكه وكذا لو ملكه للقنية وكذا لو اشتراه للتجارة ثم نوى
القنية.
وأما الشروط فثلاثة:
الأول: النصاب ويعتبر وجوده في الحول كله، فلو نقص في أثناء الحول ولو
يوما سقط الاستحباب، ولو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال ثم زاد كان
359

حول الأصل من حين الابتياع وحول الزيادة من حين ظهورها.
الثاني: أن يطلب برأس المال أو زيادة، فلو كان رأس ماله مائة فطلب بنقيصة
ولو حبة لم يستحب، وروي: أنه إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال زكاه
لسنة واحدة استحبابا.
الثالث: الحول ولا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره، فلو
نقص رأس ماله أو نوى به القنية انقطع الحول، ولو كان بيده نصاب بعض الحول
فاشترى به متاعا للتجارة قيل: كان حول العرض حول الأصل، والأشبه استئناف
الحول. ولو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا.
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: زكاة التجارة يتعلق بقيمة المتاع لا بعينه ويقوم بالدنانير أو الدراهم.
تفريع: إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلقت بها
الزكاة لحصول ما يسمى نصابا.
الثانية: إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة
سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ولا تجتمع الزكاتان، ويشكل ذلك على
القول بوجوب زكاة التجارة، (وقيل: تجتمع الزكاتان هذه وجوبا وهذه
استحبابا
الثالثة: لو عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية
والتجارة واستأنف الحول فيهما، وقيل: بل يثبت زكاة المال مع تمام الحول دون
التجارة لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك،
والأول أشبه.
الرابعة: إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على رب المال
لانفراده بملكه وزكاة الربح بينهما يضم حصة المالك إلى ماله ويخرج منه الزكاة لأن
رأس ماله نصاب، ولا يستحب في حصة الساعي الزكاة إلا أن يكون نصابا، وهل
360

تخرج قبل أن ينض المال؟ قيل: لا، لأنه وقاية لرأس المال، وقيل: نعم، لأن
استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية، وهو أشبه.
الخامسة: الدين لا يمنع من زكاة التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه،
وكذا القول في زكاة المال لأنها تتعلق بالعين.
ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان:
الأولى: العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله، ولو بلغ نصابا وحال
عليه الحول وجبت الزكاة، ولا تجب في المساكن ولا في الثياب ولا الآلات ولا
الأمتعة المتخذة للقنية.
الثانية: الخيل إذا كانت إناثا سائمة وحال عليها الحول ففي العتاق عن كل
فرس ديناران وفي البراذين عن كل فرس دينار استحبابا.
النظر الثالث:
في من تصرف إليه ووقت التسليم والنية
القول في من تصرف إليه:
ويحصره أقسام: القسم الأول: أصناف المستحقين للزكاة سبعة:
الفقراء والمساكين: وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤونة سنتهم، وقيل: من
يقصر ماله عن أحد النصب الزكوية، ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد
ومنهم من فرق بينهما في الآية، والأول أشبه. ومن يقدر على اكتساب ما يمون به
نفسه وعياله لا يحل له أخذها لأنه كالغني وكذا ذو الصنعة، ولو قصرت عن كفايته
جاز أن يتناولها، وقيل: يعطي ما يتم به كفايته، وليس ذلك شرطا. ومن هذا
الباب تحل لصاحب ثلاثمائة وتحرم على صاحب الخمسين اعتبارا بعجز الأول عن
تحصيل الكفاية وتمكن الثاني.
ويعطي الفقير ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غناء له
عنهما، ولو ادعى الفقر فإن عرف صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه وإن جهل
361

الأمران أعطي من غير يمين سواء كان قويا أو ضعيفا، وكذا لو كان له أصل مال
وقيل: بل يحلف على تلف.
ولا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها وهو
مستحق جاز صرفها إليه على وجه الصلة، ولو دفعها إليه على أنه فقير فبان غنيا
ارتجعت مع التمكن وإن تعذر كانت ثابتة في ذمة الآخذ، ولا يلزم الدافع ضمانها
سواء كان الدافع المالك أو الإمام أو الساعي، وكذا لو بان أن المدفوع إليه كافر أو
فاسق أو ممن تجب عليه نفقته أو هاشمي وكان الدافع من غير قبيله.
والعاملون: وهم عمال الصدقات ويجب أن يستكمل فيهم أربع صفات:
التكليف والإيمان والعدالة والفقه. ولو اقتصر على ما يحتاج إليه منه جاز، وأن لا
يكون هاشميا، وفي اعتبار الحرية تردد، والإمام بالخيار بين أن يقرر له جعالة
مقدرة أو أجرة عن مدة مقدرة.
والمؤلفة قلوبهم: وهم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد ولا نعرف مؤلفة
غيرهم.
وفي الرقاب: وهم ثلاثة: المكاتبون والعبيد الذين تحت الشدة والعبد يشترى
ويعتق وإن لم يكن في شدة لكن بشرط عدم المستحق. وروي: رابع وهو من
وجبت عليه كفارة ولم يجد فإنه يعتق عنه، وفيه تردد.
والمكاتب إنما يعطي من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته، ولو
صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه، وقيل: لا. ولو دفع إليه من سهم الفقراء لم
يرتجع، ولو ادعى أنه كوتب قيل: يقبل، وقيل: لا إلا بالبينة أو بحلف، والأول
أشبه.
ولو صدقة مولاه قبل.
والغارمون: وهم الذين علتهم الديون في غير معصية فلو كان في معصية لم يقض
عنه، نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء وجاز أن يقضي هو، ولو جهل في ما ذا
أنفقه قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو الأشبه. ولو كان للمالك دين على الفقير جاز أن
يقاصه وكذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه وأن يقاص، وكذا لو كان الدين
362

على من يجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا أو ميتا وأن يقاص.
ولو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه على
الأشبه، ولو ادعى أن عليه دينا قبل قوله إذا صدقه الغريم، وكذا لو تجردت دعواه
عن التصديق والإنكار، وقيل: لا يقبل، والأول أشبه.
وفي سبيل الله:
وهو الجهاد خاصة، وقيل: يدخل فيه المصالح كبناء القناطر والحج ومساعدة
الزائرين وبناء المساجد، وهو الأشبه. والغازي يعطي وإن كان غنيا قدر كفايته
على حسب حاله، وإذا غزا لم يرتجع منه وإن لم يغز استعيد، وإذا كان الإمام
مفقودا سقط نصيب الجهاد وصرف في المصالح، وقد يمكن وجوب الجهاد مع عدمه
فيكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير، وكذا يسقط سهم السعاة وسهم المؤلفة
ويقتصر بالزكاة على بقية الأصناف.
وابن السبيل:
وهو المنقطع به ولو كان غنيا في بلده وكذا الضيف، ولا بد أن يكون سفرهما
مباحا، فلو كان معصية لم يعط ويدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده، ولو فضل منه
شئ أعاده، وقيل: لا.
القسم الثاني: في أوصاف المستحق:
الوصف الأول: الإيمان فلا يعطي كافرا ولا معتقدا لغير الحق، ومع عدم
المؤمنين يجوز صرف الفطرة خاصة إلى المستضعف وتعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون
أطفال غيرهم، ولو أعطى مخالف زكاته لأهل نحلته ثم استبصر أعاد.
الوصف الثاني: العدالة وقد اعتبرها كثير، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر
كالخمر والزنى دون الصغائر وإن دخل بها في جملة الفساق، والأول أحوط.
الوصف الثالث: ألا يكون ممن تجب نفقته على المالك كالأبوين وإن علوا
والأولاد وإن سفلوا والزوجة والمملوك، ويجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب
363

ولو قربوا كالأخ والعم، ولو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ من الزكاة
وكذا الغازي والغارم والمكاتب وابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته
الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة.
الوصف الرابع: أن لا يكون هاشميا فلو كان كذلك لم تحل له زكاة غيره
ويحل له زكاة مثله في النسب، ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز
له أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي، وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة. ويجوز
للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره، والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة
من ولد هاشم خاصة على الأظهر وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث
وأبي لهب.
القسم الثالث: في المتولي للإخراج:
وهم ثلاثة: المالك والإمام والعامل. وللمالك أن يتولى تفريق ما وجب عليه
بنفسه وبمن يوكله والأولى حمل ذلك إلى الإمام ويتأكد ذلك الاستحباب في الأموال
الظاهرة كالمواشي والغلات.
ولو طلبها الإمام وجب صرفها إليه، ولو فرقها المالك والحال هذه قيل: لا
يجزئ، وقيل: يجزئ وإن أثم، والأول أشبه. وولي الطفل كالمالك في ولاية
الإخراج.
ويجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات ويجب دفعها إليه عند
المطالبة، ولو قال المالك: أخرجت ما وجب على، قبل قوله ولا
يكلف بينة ولا يمينا.
ولا يجوز للساعي تفريقها إلا بإذن الإمام فإذا أذن له جاز أن يأخذ نصيبه ثم
يفرق الباقي، وإذا لم يكن الإمام موجودا دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية فإنه
أبصر بمواقعها، والأفضل قسمتها على الأصناف واختصاص جماعة من كل صنف،
ولو صرفها في صنف واحد جاز، ولو خص بها ولو شخصا واحدا من بعض
364

الأصناف جاز أيضا، ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود ولا إلى غير أهل البلد مع
وجود المستحق في البلد ولا أن يؤخر دفعها مع التمكن فإن فعل شيئا من ذلك أثم
وضمن، وكذا كل من كان في يده مال لغيره فطالبه فامتنع أو أوصى إليه بشئ فلم
يصرفه فيه أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره.
ولو لم يجد المستحق جاز نقلها إلى بلد آخر ولا ضمان عليه مع التلف إلا أن
يكون هناك تفريط، ولو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها إلى بلد المال، ولو دفع
العوض في بلده جاز، ولو نقل الواجب إلى بلده ضمن إن تلف، وفي زكاة الفطرة
الأفضل أن يؤدى في بلده وإن كان ماله في غيره لأنها تجب في الذمة، ولو عين زكاة
الفطرة من مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد مع وجود المستحق فيه.
القسم الرابع: في اللواحق وفيه مسائل:
الأولى: إذا قبض الإمام أو الساعي الزكاة برئت ذمة المالك ولو تلفت بعد
ذلك.
الثانية: إذا لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل له عزلها، ولو أدركته الوفاة
أوصى بها وجوبا.
الثالثة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب
الزكاة، وقيل: بل يرثه الإمام، والأول أظهر.
الرابعة: إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك،
وقيل: يحتسب من الزكاة، والأول أشبه.
الخامسة: إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة كالفقر
والكتابة والغزو جاز أن يعطي بحسب كل سبب نصيبا.
السادسة: أقل ما يعطي الفقير ما يجب في النصاب الأول عشرة قراريط أو خمسة
دراهم، وقيل: ما يجب في النصاب الثاني قيراطان أو درهم، والأول أكثر ولا حد
للأكثر إذا كان دفعة.
ولو تعاقبت العطية فبلغت مؤونة السنة حرم ما زاد.
365

السابعة: إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوبا، وقيل: استحبابا
، وهو الأشهر.
الثامنة: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا واجبة كانت أو مندوبة ولا
بأس إذا عادت إليه بميراث وما شابهه.
التاسعة: يستحب أن يوسم نعم الصدقة في أقوى موضع منها وأكشفه كأصول
الآذان في الغنم وأفخاذ الإبل والبقر ويكتب في الميسم ما أخذت له زكاة أو صدقة
أو جزية.
القول في وقت التسليم:
إذا أهل الثاني عشر وجب دفع الزكاة ولا يجوز التأخير إلا لمانع أو لانتظار من له
قبضها، وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين، والأشبه أن التأخير إن كان
لسبب مبيح دام بدوامه ولا يتحدد، وإن كان اقتراحا لم يجز ويضمن إن تلفت،
ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب، فإن أثر ذلك دفع مثلها قرضا ولا يكون ذلك
زكاة ولا يصدق عليها اسم التعجيل، فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة
كالدين على الفقير بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق وبقاء الوجوب في
المال. ولو كان النصاب يتم بالقرض لم يجب الزكاة سواء كانت عينه باقية أو
تالفة على الأشبه.
ولو خرج المستحق عن الوصف استعيدت وله أن يمتنع من إعادة العين ببذل
القيمة عند القبض كالقرض، ولو تعذر استعادتها غرم المالك الزكاة من رأس، ولو
كان المستحق على الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن يستعيدها ويعطي
عوضها لأنها لم تتعين، ويجوز أن يعدل بها عمن دفعت إليه أيضا.
فروع:
الأول: لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متصلة كالسمن لم يكن له استعادة
366

العين مع ارتفاع الفقر وللفقير بذل القيمة، وكذا لو كانت الزيادة منفصلة كالولد
لكن لو دفع الشاة لم يجب عليه دفع الولد.
الثاني: لو نقصت قيل: بردها ولا شئ على الفقير، والوجه لزوم القيمة حين
القبض.
الثالث: إذا استغنى بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه ولا يكلف
المالك أخذه وإعادته، وإن استغنى بغيره استعيد القرض.
القول في النية:
والمراعي نية الدافع إن كان مالكا وإن كان ساعيا أو الإمام أو وكيلا جاز أن
يتولى النية كل واحد من الدافع والمالك.
والولي عن الطفل والمجنون يتولى النية أو من له أن يقبض منه كالإمام
والساعي، وتتعين عند الدفع ولو نوى بعد الدفع لم استبعد جوازه، وحقيقتها القصد
إلى القرية والوجوب أو الندب وكونها زكاة مال أو فطرة، ولا يفتقر إلى نية الجنس
الذي يخرج منه.
فروع:
لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته، وإن كان تالفا فهي نافلة،
صح. ولا كذا لو قال: أو نافلة.
ولو كان له مالان متساويان حاضر وغائب فأخرج زكاة ونواها عن أحدهما
أجزأته، وكذا لو قال: إن كان مالي الغائب سالما.
ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره على
الأشبه.
ولو نوى عن مال يرجو وصوله إليه لم يجز ولو وصل، ولو لم ينو رب المال ونوى
الساعي أو الإمام عند التسليم، فإن أخذها الساعي كرها جاز، وإن أخذها طوعا
367

قيل: لا يجزئ، والإجزاء أشبه.
القسم الثاني: في زكاة الفطرة:
وأركانها أربعة:
الأول: في من تجب عليه:
تجب الفطرة بشروط ثلاثة:
الأول: التكليف فلا تجب على الصبي ولا على المجنون ولا على من أهل شوال
وهو مغمى عليه.
الثاني: الحرية فلا يجب على المملوك ولو قيل: يملك. ولا على المدبر، ولا على
أم الولد، ولا على المكاتب المشروط، ولا المطلق الذي لم يتحرر منه شئ، ولو
تحرر منه شئ وجبت عليه بالنسبة، ولو عاله المولى وجبت عليه دون المملوك.
الثالث: الغنى فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية،
وقيل: من تحل له الزكاة، وضابطه ألا يملك قوت سنة له ولعياله، وهو الأشبه.
ويستحب للفقير اخراجها وأقل ذلك أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به، ومع
الشروط يخرجها عن نفسه وعن جميع من يعوله فرضا أو نفلا من زوجة وولد وما
شاكلهما وضيف وما شابهه صغيرا كان أو كبيرا حرا أو عبدا مسلما أو كافرا.
والنية معتبرة في أدائها فلا يصح اخراجها من الكافر وإن وجبت عليه، ولو
أسلم سقطت عنه.
مسائل ثلاث:
الأولى: من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يصير به غنيا
وجبت عليه، ولو كان بعد ذلك ما لم يصل العيد استحبت، وكذا التفصيل لو ملك
مملوكا أو ولد له.
الثانية: الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما
368

غيره، وقيل: لا تجب إلا مع العيلولة، وفيه تردد.
الثالثة: كل من وجبت زكاته على غيره سقطت عنه وإن كان لو انفرد وجبت
عليه كالضيف الغني والزوجة.
فروع:
الأول: إن كان له مملوك غائب يعرف حياته، فإن كان يعول نفسه أو في عيال
مولاه وجبت على المولى، وإن عاله غيره وجبت الزكاة على العائل.
الثاني: إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما، فإن عاله أحدهما فالزكاة
على العائل.
الثالث: لو مات المولى وعليه دين، فإن كان بعد الهلال وجبت زكاة مملوكه في
ماله، وإن ضاقت التركة قسمت على الدين والفطرة بالحصص، وإن مات قبل
الهلال لم تجب على أحد إلا بتقدير أن يعوله.
الرابع: إذا أوصي له بعبد ثم مات الموصي فإن قبل الوصية قبل الهلال وجبت
عليه وإن قبل بعده سقطت، وقيل: تجب على الورثة، وفيه تردد. ولو وهب له ولم
يقبض لم تجب الزكاة على الموهوب له، ولو مات الواهب كانت على ورثته، وقيل:
لو قبل ومات ثم قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم، وفيه تردد.
الثاني: في جنسها وقدرها:
والضابط اخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما،
والتمر والزبيب والأرز واللبن والأقط. ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية،
والأفضل اخراج التمر ثم الزبيب، ويليه أن يخرج كل انسان ما يغلب على قوته.
والفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع، والصاع أربعة أمداد، فهي تسعة
أرطال بالعراقي، ومن اللبن أربعة أرطال، وفسره قوم بالمدني، ولا تقدير في عوض
الواجب بل يرجع إلى قيمة السوق، وقدره قوم بدرهم، وآخرون بأربعة دوانيق فضة
369

وليس بمعتمد وربما نزل على اختلاف الأسعار.
الثالث: في وقتها:
وتجب بهلال شوال ولا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض على الأظهر،
ويجوز اخراجها بعده وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل، فإن خرج وقت الصلاة
وقد عزلها أخرجها واجبا بنية الأداء، وإن لم يكن عزلها قيل:
سقطت، وقيل: يأتي بها قضاء، وقيل: أداء، والأول أشبه. وإذا أخر دفعها بعد العزل مع
الإمكان كان ضامنا، وإن كان لا معه لم يضمن، ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع
وجود المستحق ويضمن، ويجوز مع عدمه ولا يضمن.
الرابع: في مصرفها:
وهو مصرف زكاة المال ويجوز أن يتولى المالك اخراجها والأفضل دفعها إلى
الإمام أو من نصبه ومع التعذر إلى فقهاء الشيعة، ولا يعطي غير المؤمن أو المستضعف
مع عدمه ويعطي أطفال المؤمنين ولو كان آباؤهم فساقا، ولا يعطي الفقير أقل من
صاع إلا أن يجتمع جماعة لا يتسع لهم، ويجوز أن يعطي الواحد ما يغنيه دفعة،
ويستحب اختصاص ذوي القرابة بها ثم الجيران.
370

كتاب الخمس
وفيه فصلان:
الفصل الأول: في ما يجب فيه:
وهو سبعة:
الأول: غنائم دار الحرب مما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم
يكن غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا.
الثاني: المعادن سواء كانت منطبعة كالذهب والفضة والرصاص، أو غير
منطبعة كالياقوت والزبرجد والكحل، أو مائعة كالقير والنفط والكبريت. ويجب
فيه الخمس بعد المؤونة، وقيل: لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا، وهو المروي،
والأول أكثر.
الثالث: الكنوز وهو كل مال مذخور تحت الأرض، فإن بلغ عشرين دينارا
وكان في أرض دار الحرب أو دار الاسلام وليس عليه أثر وجب الخمس، ولو وجده
في ملك مبتاع عرفه البائع، فإن عرفه فهو أحق به وإن جهله فهو للمشتري وعليه
الخمس، وكذا لو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئا له قيمته ولو ابتاع سمكة
فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان له الباقي ولا يعرف.
تفريع:
إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الاسلام فإن لم يكن عليه سكة، أو كان
371

عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان الباقي له، وإن كان عليه سكة الاسلام قيل:
يعرف كاللقطة، وقيل: يملكه الواجد وعليه الخمس، والأول أشبه.
الرابع: كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر والدرر بشرط أن يبلغ قيمته
دينارا فصاعدا، ولو أخذ منه شئ من غير غوص لم يجب الخمس فيه.
تفريع:
العنبر إن أخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار، وإن جني من وجه الماء أو من
الساحل كان له حكم المعادن.
الخامس: ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات
والصناعات والزراعات.
السادس: ما اشترى الذمي من أرض مسلم، إذا اشترى الذمي أرضا من
مسلم وجب فيها الخمس سواء كانت مما وجب فيه الخمس كالأرض المفتوحة
عنوة أو ليس فيه كالأرض التي أسلم عليها أهلها.
السابع: ما اختلط بالحرام، الحلال إذا اختلط بالحرام ولا يتميز وجب فيه
الخمس.
فروع:
الأول: الخمس يجب في الكنز سواء كان الواجد له حرا أو عبدا صغيرا أو
كبيرا وكذا المعادن والغوص.
الثاني: لا يعتبر الحول في شئ من الخمس ولكن يؤخر ما يجب في أرباح
التجارات احتياطا للمكتسب.
الثالث: إذا اختلف المالك والمستأجر في الكنز فإن اختلفا في ملكه فالقول قول
المؤجر مع يمينه، وإن اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر.
الرابع: الخمس يجب بعد المؤونة التي يفتقر إليها اخراج الكنز والمعدن من حفر
372

وسبك وغيره.
الفصل الثاني: في قسمته:
يقسم ستة أقسام:
ثلاثة للنبي ص وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى
وهو الإمام ع وبعده للإمام القائم مقامه، وما كان قبضه النبي ص
أو الإمام ينتقل إلى وارثه.
وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، وقيل: بل يقسم خمسة أقسام،
والأول أشهر. ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة، فلو
انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر، ولا يجب استيعاب
كل طائفة بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز.
وهنا مسائل:
الأولى: مستحق الخمس وهو من ولده عبد المطلب، وهو بنو أبي طالب
والعباس والحارث وأبي لهب، الذكر والأنثى، وفي استحقاق بني المطلب تردد،
أحوطه المنع.
الثانية: هل يجوز أن يخص بالخمس طائفة؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو
الأحوط.
الثالثة: يقسم الإمام على الطوائف الثلاث قدر الكفاية مقتصدا، فإن فضل
كان له، وإن أعوز أتم من نصيبه.
الرابعة: ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيا
في بلده، وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل: نعم، وقيل: لا، والأول أحوط.
الخامسة: لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق، ولو حمل والحال
هذه ضمن ويجوز مع عدمه.
السادسة: الإيمان معتبر في المستحق على تردد، والعدالة لا تعتبر على الأظهر.
373

ويلحق بذلك مقصدان:
الأول: في الأنفال:
وهي ما يستحقه الإمام من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبي ع،
وهي خمسة: الأرض التي تملك من غير قتال سواء انجلى أهلها أو سلموها
طوعا، والأرضون الموات سواء ملكت ثم باد أهلها، أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز
وسيف البحار ورؤوس الجبال وما يكون بها وكذا بطون الأودية والآجام، وإذا
فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع وصفايا فهي للإمام إذا لم تكن
مغصوبة من مسلم أو معاهد وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس أو
ثوب أو جارية أو غير ذلك ما لم يجحف، وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له ع.
الثاني: في كيفية التصرف في مستحقه:
وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه، ولو تصرف متصرف كان
غاصبا، ولو حصل له فائدة كانت للإمام.
الثانية: إذا قاطع الإمام على شئ من حقوقه حل له ما فضل عن القطيعة
ووجب عليه الوفاء.
الثالثة: ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة وإن كان ذلك
بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب اخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه.
الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده، ومع عدمه قيل:
يكون مباحا، وقيل: يجب حفظه ثم يوصي به عند ظهور إمارة الموت، وقيل:
يدفن، وقيل: يصرف النصف إلى مستحقيه ويحفظ ما يختص به بالوصاة أو
الدفن، وقيل: بل تصرف حصته إلى الأصناف الموجودين أيضا، لأن عليه الإتمام
عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته، وهو
374

الأشبه.
الخامسة: يجب أن يتولى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين من إليه
الحكم بحق النيابة كما يتولى أداء ما يجب على الغائب.
375

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
377

كتاب الزكاة
وهي قسمان:
الأول: زكاة المال: وأركانها أربعة:
الأول: من تجب عليه:
وهو كل بالغ عاقل حر مالك للنصاب متمكن من التصرف.
فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضة إجماعا، نعم لو اتجر من إليه النظر أخرجها
استحبابا، ولو ضمن الولي واتجر لنفسه كان الربح له إن كان مليا وعليه الزكاة
استحبابا، ولو لم يكن مليا ولا وليا ضمن ولا زكاة والربح لليتيم.
وفي وجوب الزكاة في غلات الطفل روايتان أحوطهما الوجوب. وقيل: تجب
في مواشيهم، وليس بمعتمد. ولا تجب في مال المجنون صامتا كان أو غيره، وقيل:
حكمه حكم الطفل، والأول أصح.
والحرية معتبرة في الأجناس كلها وكذا التمكن من التصرف، فلا تجب في مال
الغائب إذا لم يكن صاحبه متمكنا منه، ولو عاد اعتبر الحول بعد عوده، ولو مضت
عليه أحوال زكاه لسنة استحبابا. ولا في الدين، وفي رواية: إلا أن يكون صاحبه
هو الذي يؤخره. وزكاة القرض على المقترض إن تركه بحاله حولا ولو اتجر به
استحب.
379

الثاني: فيما تجب فيه وما يستحب:
تجب في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم. وفي الذهب والفضة، وفي
الغلات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ولا تجب فيما عداها. ويستحب
في كل ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن عدا الخضر، وفي مال التجارة قولان
أصحهما الاستحباب. وفي الخيل الإناث، ولا تستحب في غير ذلك كالبغال
والحمير والرقيق، ولنذكر ما يختص كل جنس إن شاء الله تعالى.
القول في زكاة الأنعام والنظر في الشرائط واللواحق:
والشرائط أربعة:
الأول: في النصب، وهي في الإبل اثنا عشر نصابا: خمسة، كل واحد خمس
وفي كل واحد شاة، فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض، فإذا بلغت ستا
وثلاثين ففيها بنت لبون، وإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة، فإذا بلغت إحدى
وستين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى
وتسعين ففيها حقتان، ثم ليس في الزائد شئ حتى يبلغ مائة وإحدى وعشرين،
ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون دائما.
وفي البقر نصابان: ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة، وأربعون وفيها مسنة.
وفي الغنم خمسة نصب: أربعون وفيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها
شاتان، ثم مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان
أشهرهما أن فيها أربع شياه حتى يبلغ أربعمائة فصاعدا، ففي كل مائة شاة وما
نقص فعفو.
وتجب الفريضة في كل واحد من النصب ولا يتعلق بما زاد، وقد جرت العادة
بتسمية ما لا يتعلق به الزكاة من الإبل شنقا ومن البقر وقصا ومن الغنم عفوا.
الشرط الثاني: السوم، فلا تجب في المعلوفة ولو في بعض الحول.
الثالث: الحول، وهو اثنا عشر هلالا وإن لم يكمل أيامه، وليس حول
380

الأمهات حول السخال بل يعتبر فيها الحول كما في الأمهات، ولو تم ما نقص عن
النصاب في أثناء الحول استأنف حوله من حين تمامه، ولو ملك مالا آخر كان له
حول بانفراده، ولو ثلم النصاب قبل الحول سقط الوجوب، وإن قصد الفرار ولو كان
بعد الحول لم يسقط.
الرابع: ألا تكون عوامل.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: الشاة المأخوذة في الزكاة أقلها الجذع من الضأن أو الثني من المعز
ويجزئ الذكر والأنثى.
وبنت المخاض هي التي دخلت في الثانية، وبنت اللبون هي التي دخلت في
الثالثة، والحقة هي التي دخلت في الرابعة، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة،
والتبيع من البقر هو الذي يستكمل سنة ويدخل في الثانية، والمسنة هي التي تدخل
في الثالثة. ولا تؤخذ الربا ولا المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار ولا تعد الأكولة
ولا فحل الضراب.
الثانية: من وجب عليه سن من الإبل وليست عنده وعنده أعلى منها بسن
دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما، ولو كان عنده الأدون دفعها ومعها شاتان أو
عشرون درهما. ويجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير
جبر، ويجوز أن يدفع عما يجب في النصاب من الأنعام وغيرها من غير الجنس
بالقيمة السوقية والجنس أفضل ويتأكد في النعم.
الثالثة: إذا كانت النعم مراضا لم يكلف صحيحة، ويجوز أن يدفع من غير
غنم البلد ولو كانت أدون.
الرابعة: لا يجمع بين متفرق في الملك ولا يفرق بين مجتمع فيه ولا اعتبار
بالخلطة.
381

القول في زكاة الذهب والفضة:
ويشترط في الوجوب النصاب، والحول وكونهما منقوشين بسكة المعاملة. وفي
قدر النصاب الأول من الذهب روايتان أشهرهما عشرون دينارا ففيها عشرة
قراريط، ثم كلما زاد أربعة ففيها قيراطان، وليس فيما نقص عن أربعة زكاة.
ونصاب الفضة الأول مائتا درهم ففيها خمسة دراهم، ثم كلما زاد أربعون
ففيها درهم، وليس فيما نقص عن أربعين زكاة، والدرهم ستة دوانيق، والدانق
ثماني حبات من الشعير يكون قدر العشرة سبعة مثاقيل.
ولا زكاة في السبائك ولا في الحلي وزكاته إعارته، ولو قصد بالسبك الفرار قبل
الحول لم تجب الزكاة، ولو كان بعد الحول لم تسقط، ومن خلف لعياله نفقة قدر
النصاب فزائدا لمدة وحال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهدا ولم تجب
لو كان غائبا، ولا يجبر الجنس بالجنس الآخر.
القول في زكاة الغلات:
لا تجب الزكاة في شئ من الغلات الأربع حتى تبلغ نصابا وهو خمسة أوسق "
وكل وسق ستون صاعا يكون بالعراقي ألفين وسبعمائة رطل " ولا تقدير فيما زاد
بل تجب فيه وإن قل، ويتعلق به الزكاة عند التسمية حنطة أو شعيرا أو زبيبا أو
تمرا، وقيل: إذا أحمر تمر النخل أو أصفر أو انعقد الحصرم. ووقت الإخراج إذا
صفت الغلة وجمعت الثمرة.
ولا تجب في الغلات إلا إذا نمت في الملك لا ما يبتاع حبا أو يستوهب، وما
يسقى سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر، وما يسقى بالنواضح والدوالي ففيه نصف
العشر، ولو اجتمع الأمران حكم للأغلب، ولو تساويا أخذ من نصفه العشر، ومن
نصفه نصف العشر والزكاة بعد المؤونة.
382

القول فيما تستحب فيه الزكاة:
يشترط في مال التجارة الحول وأن يطلب برأس المال أو الزيادة في الحول كله
وأن يكون قيمته نصابا فصاعدا فيخرج الزكاة حينئذ عن قيمته دراهم أو دنانير.
ويشترط في الخيل حؤول الحول والسوم وكونها إناثا، فيخرج عن العتيق ديناران
وعن البرذون دينار. وما يخرج من الأرض مما تستحب فيه الزكاة حكمه حكم
الأجناس الأربعة في اعتبار السقي وقدر النصب وكمية الواجب.
الركن الثالث: في وقت الوجوب:
إذا أهل الثاني عشر وجبت الزكاة وتعتبر شرائط الوجوب فيه كله، وعند
الوجوب يتعين دفع الواجب ولا يجوز تأخيره إلا لعذر كانتظار المستحق وشبهه،
وقيل: إذا عزلها جاز تأخيرها شهرا أو شهرين، والأشبه أن جواز التأخير مشروط
بالعذر فلا يتقدر بغير زواله. ولو أخر مع إمكان التسليم ضمن، ولا يجوز تقديمها قبل
وقت الوجوب على أشهر الروايتين.
ويجوز دفعها إلى المستحق قرضا واحتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق
الوجوب وبقي القابض على صفة الاستحقاق، ولو تغير حال المستحق استأنف
المالك الإخراج، ولو عدم المستحق في بلده نقلها ولم يضمن لو
تلفت، ويضمن لو نقلها مع وجوده، والنية معتبرة في اخراجها وعزلها.
الركن الرابع: في المستحق:
والنظر في الأصناف والأوصاف واللواحق.
أما الأصناف فثمانية:
الفقراء والمساكين وقد اختلف في أيهما أسوأ حالا ولا ثمرة مهمة في تحقيقه
والضابط من لا يملك مؤونة سنة له ولعياله، ولا يمنع لو ملك الدار والخادم، وكذا من
في يده ما يتعيش به ويعجز عن استنماء الكفاية ولو كان سبعمائة درهم، ويمنع من
383

يستنمي الكفاية ولو ملك خمسين، وكذا يمنع ذو الصنعة إذا نهضت بحاجته، ولو
دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحق ارتجعت، فإن تعذر فلا ضمان
على الدافع.
والعاملون وهم جباة الصدقة.
والمؤلفة وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالأسهام في الصدقة وإن كانوا كفارا.
وفي الرقاب وهم المكاتبون والعبيد الذين تحت الشدة ومن وجب عليه كفارة
ولم يجد ما يعتق، ولو لم يوجد مستحق جاز ابتياع العبد ويعتق.
والغارمون وهم المدينون في غير معصية دون من صرفه في المعصية، ولو جهل
الأمران قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو أشبه. ويجوز مقاصة المستحق بدين في ذمته،
وكذا لو كان الدين على من يجب الانفاق عليه جاز القضاء عنه حيا وميتا.
وفي سبيل الله وهو كل ما كان قرية أو مصلحة كالحج والجهاد وبناء القناطر،
وقيل: يختص بالجهاد.
وابن السبيل وهو المنقطع به ولو كان غنيا في بلده والضيف، ولو كان سفرهما
معصية منعا.
وأما الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين فأربعة:
الإيمان: فلا يعطي منهم كافر ولا مسلم غير محق، وفي صرفها إلى المستضعف
مع عدم العارف تردد، أشبهه المنع وكذا في الفطرة، ويعطي أطفال المؤمنين، ولو
أعطى مخالف فريضة ثم استبصر أعاد.
والثاني: العدالة وقد اعتبرها قوم وهو أحوط، واقتصر آخرون على مجانبة
الكبائر.
الثالث: ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا
والزوجة والمملوك ويعطي باقي الأقارب.
الرابع: ألا يكون هاشميا فإن زكاة غير قبيلته محرمة عليه دون زكاة الهاشمي،
384

ولو قصر الخمس عن كفايته جاز أن يقبل الزكاة ولو من غير الهاشمي، وقيل: لا
يتجاوز قدر الضرورة وتحل لمواليهم. والمندوبة لا تحرم على هاشمي ولا غيره،
والذين يحرم عليهم الواجبة ولد عبد المطلب.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: يجب دفع الزكاة إلى الإمام إذا طلبها ويقبل قول المالك لو ادعى
الإخراج، ولو بادر المالك بإخراجها أجزأته.
ويستحب دفعها إلى الإمام ابتداء ومع فقده إلى الفقيه المأمون من الإمامية لأنه
أبصر بمواقعها.
الثانية: يجوز أن يخص بالزكاة أحد الأصناف ولو واحدا وقسمتها على
الأصناف أفضل، وإذا قبضها الإمام أو الفقيه برئت ذمة المالك ولو تلفت.
الثالثة: لو لم يجد مستحقا استحب عزلها والإيصاء بها.
الرابعة: لو مات العبد المبتاع من مال الزكاة ولا وارث له ورثته أرباب
الزكاة، وفيه وجه آخر وهذا أجود.
الخامسة: أقل ما يعطي الفقير ما يجب في النصاب الأول، وقيل: ما يجب في
الثاني، والأول أظهر. ولا حد للأكثر فخير الصدقة ما أبقت غنى.
السادسة: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا ولا بأس أن يعود إليه
بميراث وشبهه.
السابعة: إذا قبض الإمام أو الفقيه الصدقة دعا لصاحبها استحبابا على
الأظهر.
الثامنة: يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة والمؤلفة، وقيل: يسقط سهم
السبيل، وعلى ما قلناه لا يسقط.
التاسعة: ينبغي أن يعطي زكاة الذهب والفضة أهل المسكنة، وزكاة النعم
أهل التجمل والتوصل إلى المواصلة بها ممن يستحيي من قبولها.
385

القسم الثاني: في زكاة الفطر:
وأركانها أربعة:
الأول: في من تجب عليه:
إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغني يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم
وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا، ويعتبر النية في أدائها وتسقط عن
الكافر لو أسلم.
وهذه الشروط تعتبر عند هلال شوال، فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو ملك
الفقير القدر المعتبر قبل الهلال وجبت الزكاة، ولو كان بعده لم تجب، وكذا لو ولد
له أو ملك عبدا، وتستحب لو كان ذلك ما بين الهلال وصلاة العيد، والفقير
مندوب إلى اخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها ومع الحاجة يدير على عياله
صاعا ثم يتصدق به على غيرهم.
الثاني: في جنسها وقدرها:
والضابط اخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز
والأقط واللبن، وأفضل ما يخرج التمر ثم الزبيب ويليه ما يغلب على قوت بلده،
وهي من جميع الأجناس صاع، وهو تسعة أرطال بالعراقي، ومن اللبن أربعة
أرطال، وفسره قوم بالمدني.
ولا تقدير في عوض الواجب بل يرجع إلى قيمة السوقية.
الثالث: في وقتها:
ويجب بهلال شوال ويتضيق عند صلاة العيد ويجوز تقديمها في شهر رمضان ولو
من أوله أداء، ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلا لعذر أو انتظار المستحق، وهي قبل
صلاة العيد فطرة وبعدها صدقة، وقيل: يجب القضاء، وهو أحوط. وإذا عزلها
وأخر التسليم لعذر لم يضمن لو تلفت ويضمن لو أخرها مع إمكان التسليم، ولا
386

يجوز نقلها مع وجود المستحق، ولو نقلها ضمن، ويجوز مع عدمه ولا يضمن.
الرابع: في مصرفها:
وهو مصرف زكاة المال، ويجوز أن يتولى المالك اخراجها، وصرفها إلى الإمام أو
من نصبه أفضل ومع التعذر إلى فقهاء الإمامية، ولا يعطي الفقير أقل من صاع إلا
أن يجتمع من لا تتسع لهم، ويستحب أن يخص بها القرابة ثم الجيران مع
الاستحقاق.
387

كتاب الخمس
وهو يجب في غنائم دار الحرب والكنائز والمعادن والغوص وأرباح التجارات
وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم وفي الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز.
ولا يجب في الكنز حتى تبلغ قيمته عشرين دينارا، وكذا يعتبر في المعدن على
رواية البزنطي، ولا في الغوص حتى تبلغ دينارا، ولا في أرباح التجارات إلا فيما
فضل منها عن مؤونة السنة له ولعياله، ولا يعتبر في الباقية مقدار.
ويقسم الخمس ستة أقسام على الأشهر: ثلاثة للإمام، وثلاثة لليتامى
والمساكين وأبناء السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب بالأب، وفي استحقاق من
ينتسب إليه بالأم قولان أشبههما أنه لا يستحق.
وهل يجوز أن تخص به طائفة حتى الواحد؟ فيه تردد؟ والأحوط بسطه عليهم
ولو متفاوتا. ولا يحمل الخمس إلى غير بلده إلا مع عدم المستحق فيه، ويعتبر الفقر
في اليتيم ولا يعتبر في ابن السبيل، ولا تعتبر العدالة، وفي اعتبار الإيمان تردد
واعتباره أحوط.
ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: ما يخص به الإمام من الأنفال وهو ما يملك من الأرض بغير قتال
سلمها أهلها أو انجلوا، والأرض الموات التي باد أهلها أو لم يكن لها أهل،
ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وما يختص به ملوك أهل الحرب من
388

الصوافي والقطائع غير المغصوبة وميراث من لا وارث له.
وفي اختصاصه بالمعادن تردد أشبهه أن الناس فيها شرع، وقيل: إذا غزا قوم بغير
إذنه فغنيمتهم له، والرواية مقطوعة.
الثانية: لا يجوز التصرف فيما يختص به مع وجوده إلا باذنه، وفي حال الغيبة
لا بأس بالمناكح، وألحق الشيخ المساكن والمتاجر.
الثالثة: يصرف الخمس إليه مع وجوده وله ما يفضل عن كفاية الأصناف من
نصيبهم وعليه الإتمام لو أعوز، ومع غيبته يصرف إلى الأصناف الثلاثة مستحقهم،
وفي مستحقه ع أقوال أشبهها جواز دفعه إلى من يعجز حاصلهم من
الخمس عن قدر كفايتهم على وجه التتمة لا غير.
389

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
391

كتاب الزكاة
باب ما يجب فيه الزكاة:
باب ما يجب فيه الزكاة: لا تجب الزكاة إلا في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل
والبقر والغنم.
وشروط زكاة الذهب والفضة أربعة: الملك والحول والنصاب وكونهما
مضروبين ومنقوشين.
فنصاب الذهب عشرون دينارا ففيه نصف دينار، ولا شئ في الزيادة حتى يبلغ
أربعة ففيها عشر دينار وما زاد على هذا كذلك.
ونصاب الفضة مائتا درهم ففيها خمسة دراهم، ولا شئ في الزيادة حتى تبلغ
أربعين ففيها درهم وعلى هذا، والعفو في الذهب ما نقص من العشرين وفي الفضة ما
نقص عن المائتين، وما نقص من الزائد على العشرين عن أربعة، ومن الزائد على
المائتين عن أربعين أبدا.
والحول اثنا عشر هلالا، ويعتبر النصاب طول الحول، وحكم الأنعام في ذلك
كذلك، ولا زكاة في مال غائب لا يتمكن صاحبه منه، ولو فر من الزكاة باخراج
بعض النصاب أو تبديله قبل الحول لم يجب عليه زكاته ويستحب له.
ولا زكاة في مال الدين حتى يقبض وزكاة القرض على المستقرض خاصة إن
تركه بحاله، ومن خلف ذهبا أو فضة نفقة لعياله وهو حاضر فعليه الزكاة، و إن
كان غائبا بحيث لا يتمكن منه فلا زكاة عليه.
393

ولا زكاة على الحلي والسبائك والنقار والأواني، وزكاة الحلي إعارته للمأمون
استحبابا، ويعتبر الوزن لا العدد كل درهم ستة دوانيق وكل عشرة سبعة مثاقيل،
وإن كان فيها غش اعتبر خالصها قدر النصاب وإلا فلا.
ومن حصل معه ذهب وفضة ومن الحرث حنطة وشعير وشبهها فنقص كل جنس
عن النصاب لم يكن عليه زكاة، ويجوز اخراج القيمة بسعر الوقت في الكل
والأفضل الإخراج من الجنس.
في زكاة الأنعام الثلاثة:
وأما الإبل: فشروط الزكاة فيها الملك والنصاب والسوم والحول. فالنصب
ثلاثة عشر نصابا: خمس وفيها شاة، وعشر ففيها شاتان، وعلى هذا إلى خمس
وعشرين ففيها خمس شياه.
والشاة جذعة الضأن أو ثني المعز إلى ست وعشرين ففيها بنت مخاض تمت لها
سنة، فإن لم تكن فابن لبون ذكر له سنتان مجز بلا رد إلى ست وثلاثين ففيها بنت
لبون إلى ست وأربعين، ففيها حقة لها ثلاث سنين فاستحقت الركوب وطرق الفحل
إلى إحدى وستين، ففيها جذعة " بفتح الذال المعجمة " لها أربع سنين إلى ست
وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى إحدى وتسعين، ففيها حقتان إلى مائة وإحدى
وعشرين، ففيها ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين، ففيها حقة وبنتا لبون، وعلى
هذا في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وتحت كل نصاب شنق إلا
ستا وعشرين، والأشناق ثلاثة عشر خمسة منها متجانسة، أربعة أربعة، ثم تسعة
مرتين، ثم أربعة عشر ثلاثا، ثم تسعة وعشرون، ثم ثمانية ما بين مائة وإحدى
وعشرين إلى مائة وثلاثين، ثم تسعة تسعة أبدا، لا تتعلق بذلك كله زكاة.
وإذا لم يكن عنده الفريضة وكان عنده أعلى منها أو أدون أخذ منه الأعلى ورد
عليه شاتان أو عشرون درهما، والأدون ودفع معه شاتين أو عشرين درهما،
ويضاعف له أو منه إن علت أو سفلت بدرجتين أو ثلاث.
394

وإن كانت الإبل صحاحا أو مراضا أو سمانا أو مهازيل فمن أوسطها
الفريضة، ولا يجزئ الأدون ولا يلزم الأعلى، ولا يجمع بين متفرق في ملكين وإن
اجتمع في مرعى ومشرب ومراح ومحل، ولا يفرق بين مجتمع في
الملك وإن تفرق في ذلك.
وليس من شرط وجوب الزكاة الاسلام وإمكان الأداء وهما شرطا الضمان، فلو
كان عنده خمس من الإبل وتلفت واحدة منها بعد الحول وإمكان الأداء لكان عليه
شاة، وإن تلفت بعده وقبل إمكان الأداء كان عليه أربعة أخماس شاة لأن حق
المساكين أمانة في يده ولم يفرط فيه، وعلى هذا الحساب ولو هلك الكل كذلك لم
يكن عليه شئ.
ولو كان عنده تسع وهلك بعد الحول وقبل إمكان الأداء أو بعده منها أربع لكان
عليه شاة لحصول النصاب وتلف العفو، ولو هلك خمس منها بعد الحول وإمكان
الأداء لكان عليه شاة لتفريطه، وإن كان قبل إمكان الأداء فعليه أربعة أخماس
شاة.
والكلام في الذهب والفضة والبقر والغنم على هذا، فإن كانت الغنم مراضا
وصحاحا لم يؤخذ منه المريض، فإن تبرع بالصحيح فهو فضل وإلا أخذ منها
بالقيمة.
والزكاة تجب في العين لقوله ع في أربعين شاة شاة، وفي خمس من
الإبل شاة والدين لا يمنع وجوب الزكاة، وإن كانت الغنم سمانا وهزالا فتبرع بالسمين
جاز وإن لم يفعل قوم ما يجب عليه مهزولا وسمينا، ويؤخذ منه نصفه بقيمة الهزيل
ونصفه بقيمة السمين، فإن وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده ولا ابن لبون
اشترى أيهما شاء، فإن بقيت عنده ست وعشرون ثلاثة أحوال كان عليه بنت
مخاض وتسع شياه، فإن بقيت الخمس عنده حولين فصاعدا فالشاة لنقصان النصاب
باستحقاقها وكذلك لو بقيت عنده أربعون شاة حولين أو أحوالا، وليس في معلوفة
الأنعام وعواملها زكاة ولا في سخالها حتى يحول عليها الحول.
395

وأما البقر: فشروط الزكاة فيها مثل شروط الإبل ونصابها اثنان.
أحدهما: ثلاثون وفيها تبيع حولي أو تبيعة.
والثاني: أربعون ففيها مسنة وهي الثنية فصاعدا، فكيف يقسم المال عمل
عليه ففي سبعين مسنة وتبيع أو تبيعة وفي ثمانين مسنتان، وفي مائة وعشرين أربعة
تبائع أو أربع تبيعات أو ثلاث مسنات، والوقص ما لا يتعلق به الزكاة وهو دون
الثلاثين، وتسعة بين الثلاثين إلى أربعين، وتسعة عشر ما بين أربعين إلى ستين،
وتسعة تسعة أبدا.
وبعد الجاموس أيضا فيها، والأحكام مذكورة في الإبل.
وأما الغنم: فشروط الزكاة فيها مثل الإبل والبقر ونصبها أربعة: أولها: أربعون
وفيها شاة جذع من الغنم أو ثني من المعز، وثانيها: مائة وإحدى وعشرون ففيها
شاتان، وثالثها: مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه، ورابعها: ثلاث مائة وواحدة
ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغت، والعفو ما نقص عن النصاب، وما بين النصابين بعد
ذلك، وما دون المائة بالغا ما بلغت.
ولا يؤخذ الربا " بضم الراء المهملة وتشديد الباء وجمعها رباب بضم الراء "
وهي الشاة إذا ولدت وأتى عليها من ولادتها عشرة أيام أو بضعة عشر يوما،
والماخض: الحامل، والأكولة: السمينة تعد للأكل، ولا فحل الضراب ولا هرمة
ولا ذات عوار.
ويعد الضأن والمعز المكي والشامي والعربي، وتعد بخت الإبل وعرابها ولوكها
وجيد الثمار والغلات ورديئها وصحيح الذهب والفضة ومكسرهما، وإذا قال رب
المال: لم يحل عليه الحول، وشهد عليه عدلان بخلافه أخذ منه الزكاة وإلا فالقول
قوله بغير بينة ولا يمين.
فإن ادعى أنه في يده وديعة فالقول قوله.
وإذا غصب النصاب أو بعضه ثم عاد في الحول استأنف به الحول لأنه يراعى
إمكان التصرف فيه طول الحول، ومن غل ماله أو بعضه خوف أخذ الصدقة ثم وجد
أخذت الصدقة منه فقط ويعزر المتغلب على أمر المسلمين.
396

إذا أخذ الزكاة من شخص لم يجز عنه وأعادها، وروي: أنه يجزئه. والمتولد
بين الغنم والظباء إن أطلق عليه اسم الغنم وجبت فيه الزكاة، وإذا بلغت غلة
الوقف على واحد نصابا أو بلغ نصيب كل واحد منهم إن كان على جماعة نصابا
وجبت عليه أو عليهم الزكاة، ولا يجب الزكاة على الموقوف عليه أربعون شاة، ولو
ولدت وحال الحول على أولادها وبلغت النصاب وجبت فيها الزكاة.
وإذا اشترى أربعين شاة ولم يتمكن من قبضها طول الحول لم يزكها وإن لم
يقبضها مع التمكن زكاها، وإذا استأجر أجيرا بشاة من الأربعين لم يجب عليه
زكاة لنقصانها، ولا زكاة على مكاتب مشروط عليه في ماله ولا عشر في حرثه وثمره
ولا على سيده.
وإذا ملك السيد عبده شيئا لم يملكه وزكاته على سيده وكذلك فاضل ضريبته
وأرض الجناية على بدنه، ويجوز للعبد التصرف فيه ولا زكاة عليه.
وإذا بادل إيلا ببقر أو غنما بذهب أو ذهبا بفضة أو بادل الجنس بمثله استأنف
الحول بالبدل لأنه لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول عند ربه، وإذا باع المال
بعد الحول صح في حقه وبطل في حق المساكين.
وإذا أصدق امرأته أربعين شاة في الذمة لم يكن عليها زكاة لأنها إنما تجب في
السائمة وما في الذمة لا يكون سائما، وإن أصدقها أربعين حاضرة وتمكنت من
قبضها جرت في الحول إذ ذاك، فإن دخل بها استقر ملكها عليها، وإن طلق قبل
الدخول وقبل الحول أخذ نصفها، وإن كان بعد الحول وأخرج شاة منها أو من
غيرها أخذ نصف الصداق لأنه حاصل، فإن لم يكن أخرجت أخذ الزوج
النصف، فإن اقتسما فالزكاة في حقها، وإن تلف أخذت من نصيب الزوج لأن
الزكاة في العين ويرجع الزوج عليها بقيمته ولا تبطل القسمة، وإذا وجبت الشاة في
الأربعين فرهنها ربها أو باعها لم تصح في حق المساكين وصح فيما عداه.
فإن أخرج الراهن الزكاة من غيره صح الرهن كله والبيع، فإن لم يكن له
سواه أخرج منه، وإذا رهنه قبل الوجوب ثم حال الحول وهو رهن والدين حال وهو
397

متمكن من قضائه وجبت الزكاة لحصول الملك والتمكن منه وتكلف اخراجها من
غيره، وإن أراد أن يفكه ويخرج من العين جاز، وإن أعسر بعده فقد تعلق به الزكاة
لأنها في العين وحق المرتهن في الذمة، فإن كان عليه دين سواه أخرجت الزكاة ثم
حق المرتهن ثم باقي الغرماء.
في زكاة الغلات الأربع:
وأما الحنطة والشعير والتمر والزبيب فشروط الوجوب فيها الملك والنصاب.
فالنصاب خمسة أوسق فصاعدا بعد اخراج حق السلطان، والوسق ستون
صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالبغدادي، والرطل مائة وثلاثون
درهما، والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثماني حبات من أوسط حبات الشعير،
والعفو عما نقص عن الخمسة الأوسق.
والفرض فيها العشر إن سقيت سيحا أو بعلا أو عذيا، وإن سقيت بالنواضح
والغروب فنصف العشر، فإن سقيت من سيح وناضح فالأغلب، وإن استويا فثلاثة
أرباع العشر، وقول صاحبه فيه مقبول.
ووقت الوجوب فيها إذا اشتد الحب وبدء صلاح الثمرة ويبعث الإمام السعاة
لحفظها، ووقت الإخراج بعد التصفية وتجفيف الثمرة وإن شاء ربها أخذها رطبا
خرصت عليه تمرا وأخرج من الثمر.
وإذا أخرج الزكاة منها لم يتكرر عليه، فإن باعها وحال الحول على الثمن
زكاه، والخارص بعد بدء الصلاح يحرز كما يجنى العنب والرطب تمرا وزبيبا، فإن
بلغ النصاب خير المالك بين أن يأخذ بذلك ويضمن الزكاة أو يأخذها منه ويضمن
له حقه، وإن تركها في يده أمانة إذا كان أهلا لها جاز، ولا يجوز له التصرف فيها
ببيع ولا أكل لحق المساكين، وإن ضمنه الزكاة جاز له ذلك، فإن هلكت بآفة أو
ظلم ظالم بلا تفريط منه يسقط عنه الضمان لأنه أمين في المعنى وكذلك لو هلكت
قبل الخرص، وإن اقتضت المصلحة تخفيف الحمل فعل وسقط بحسابه.
398

وإن أراد قسمة الثمرة على رؤوس النخل جاز، وإذا لم يكن صاحبها ضمن له
لم يجز له قطع الثمر إلا بإذن الساعي، فإن قطعها وهي طلع جاز، ويكره له ذلك
وإن قصد الفرار من الزكاة ولا زكاة عليه.
فإن كان فيها ما لا يجئ منه تمر وزبيب فلا بد من خرصه، وإن كان أنواعا
أخرج من كل نوع، وإن كان نوعا أخرج من أوسطه، وخارص واحد أمين عارف
يكفي، والسلت شعير، والعلس حنطة، والحنطة جنسان، ويضم الزروع والثمار
للمالك الواحد في بلاد، والعشر أو نصف العشر في أرض الخراجية مما يبقى بعد
الخراج.
وإذا باع الثمرة من ذمي قبل بدء صلاحها ثم شراها منه بعده لم يكن عليه
زكاة، وإذا خلف نخيلا وعليه دين بقيمتها لم يرثها الوارث حتى يقضي، فإن
طلعت بعد وفاته أو قبلها طلع تعلق الدين بالكل، فإن قضي وفضل شئ ورثه، وإن
بدأ صلاحها قبل موته وجبت فيها زكاة، وإن بدأ بعد موته لم تجب فيها زكاة لأنها
لم تدخل في ملك الوارث.
وإن حصل للمكاتب المطلق ثمار وقد أدى بعض كتابته وبلغ قدر حريته نصابا
زكاه، ولا زكاة عليه لما بقي، ولا على سيده إذا اشترى الثمرة قبل بدء صلاحها
على وجه يصح فلا زكاة على البائع.
وإذا بدأ الصلاح عند المشتري فالزكاة عليه، وإن كان على وجه يبطل ثم بدأ
صلاحها فالزكاة على البايع، وإن اشتراها بعد البدء والخرص وتضمين البائع حق
المساكين صح البيع، وإن شراها بعد البدء وقبل ذلك صح في حقه دون حق
المساكين.
وإن أوصي له بالثمرة قبل بدء صلاحها وقبلها بعد موت الموصي ثم بدأ صلاحها
فزكاتها عليه، والمؤونة على رب المال دون المساكين إجماعا إلا عطاء فإنه جعلها بينه
وبين المساكين.
ويزكي ما خرج من النصاب بعد حق السلطان، ولا يندر البذر لعموم الآية
399

والخبر ولأن أحدا لا يندر ثمن الغراس، وآلة السقي وأجرته كالدولاب والناضح إلى
أن يثمر، ولا فرق بين الثمرة والغلة.
وقال شيخنا المفيد والطوسي في بعض كتبهما: إن الزكاة بعد البذر.
باب ما يستحب فيه الزكاة وما لا يستحب:
يستحب الزكاة في مال التجارة، والمال الذي لم يتمكن منه صاحبه إذا عاد
إليه لسنة واحدة، وسبائك الفضة والذهب، والحلي المحرم كحلي الرجال للنساء
وبالعكس، والمال الذي غيره صاحبه أو نقصه فرارا من الزكاة، والدين إذا كان
على مليئ باذل، والخيل بشرط الحول والأنوثية والملك والسوم في عتيقها ديناران وفي
البرذون دينار، والخارج من الأرض من مكيل أو موزون سوى الأجناس الأربعة
يخرج منه العشر أو نصف العشر بعد حق السلطان.
وشرط زكاة التجارة أن يطلب طول الحول بنصاب وبرأس المال أو بربح،
ويخرج الزكاة عن قيمتها ذهبا أو فضة ويزكيها كلما حال عليه الحول على الشرط،
فإن طلبت بدون رأس المال لم يزكها ولو بقيت كذلك أحوالا ثم باعها زكاها لسنة
واحدة، وإن طلبت طول الحول بربح زكى الأصل والربح، وإن طلبت بعض الحول
بربح وبعضه برأس المال زكى الأصل، وإن اشترى سلعة للتجارة بسلعة للتجارة،
بنى على حول الأصل، وإن اشترى بسلعة للقنية سلعة للتجارة استأنف الحول.
وإن اشترى بالأثمان سلعة للتجارة بنى على حول الأصل لأنه مردود إليه ويقوم
ما اشترى بالعرض بقيمته من غالب نقد البلد، وإن اشتراها بذهب وفضة قومت
بهما، وإن بلغا النصاب زكى الأصل وإلا زكى ما بلغه منهما.
فإن نوى بسلعة التجارة القنية فلا زكاة عليه، وإن نوى بسلعة القنية التجارة لم
تصر للتجارة حتى يتصرف فيها للتجارة، فإن باع سلعة التجارة بعد الحول صح البيع
لأن الزكاة هنا في القيمة دون العين.
400

فإن اشترى ما يجب الزكاة في عينه للتجارة كخمس من الإبل أو أربعين شاة
بسلعة للقنية واتفق حول السوم وحول التجارة أخرج زكاة العين لوجوبها بالإجماع.
وإن اشترى بنصاب من الأثمان لدون الحول مثلا خمسا من الإبل للتجارة أو
بدونه ذلك أو به دون ذلك أو بدونه دون ذلك، فالأول يبني على حول الأصل
ويخرج زكاة التجارة في قول وفي قول يستأنفه ويخرج زكاة العين، والثاني يستأنف
الحول ويخرج زكاة العين، وفي الثالث يبني على حول الأصل ويخرج زكاة التجارة،
وفي الرابع إن بذل فيه تمام النصاب من حين الشراء إلى حول أخرج زكاة التجارة
وإلا فلا.
وإن باع نصابا بنصاب للتجارة في أثناء الحول والجنس واحد كإبل بابل
وذهب بذهب بنى على حول الأصل وزكى التجارة، وقال بعض الأصحاب: يخرج
زكاة العين.
وإن اختلف الجنس بنى على حول الأصل وزكى التجارة في قول، وفي قول
يستأنف الحول ويزكي العين.
وإن اشترى أرضا ونخلا للتجارة أو نخلا لها فأثمرت زكى الثمرة وأخرج زكاة
الأصل للتجارة لاختلاف السبب، ومال المضاربة إذا ظهر ربح وبلغت حصة العامل
نصابا زكاه وزكى صاحب الأصل الأصل وحصته من الربح.
وإن كان على شخص ديون وحجر عليه الحاكم ثم حال الحول قبل أن يقبضها
الغرماء فلا زكاة عليه لعدم تمكنه من المال.
وإن نذر أن يتصدق إن برأ مريضه من العشرين دينارا بدينار عينه وبرأ قبل
الحول لم تحب فيها زكاة لنقصانها، وإن برأ بعده وجبت الزكاة.
وإذا التقط نصابا في غير الحرم وعرفه حولا جرى في الحول الثاني ووجبت عليه
زكاته، ولا زكاة على من سقط منه، وما عدا ما ذكرناه لا يجب فيه الزكاة ولا
يستحب كالأثاث والآلات والمتاع والحلي المباح والرقيق والخضراوات والفواكه
والحيوان عدا ما ذكرنا والمساكن والعقارات والأرضين إلا ذات غلة.
401

ويستحب في الغلة الصدقة وأموال من ليس بكامل العقل من الذهب والفضة
إلا أن يتجر بها فيستحب زكاتها، وأما ما كان لهم من الغلات والثمار والأنعام
فيجب على الولي اخراج الزكاة منها، فإن لم يخرج مع الإمكان حتى تلف المال
فعليه الضمان، وليس على الصبي إذا بلغ الضمان، وقال بعض أصحابنا: لا
يزكى.
ويستحب صلة آل الرسول ص وقرض المحتاج والإحسان على
الإخوان بالطعام والشراب والكسوة وقرى الضيف وإكرامه وتحمل الحمالة وتكفين
الميت والتصدق يوم البذر منه ويوم الحصاد والصرام بالضغث والعذق والحفنة ومثل
ذلك وذلك قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا.
والإسراف أن يعطي منه بيديه جميعا، ويكره الحصاد والصرام والبذر والتضحية
ليلا لأنه لا يحضره سائل وأقلهم ثلاثة، ولافتتاح السفر والسعي للحاجة بالصدقة.
ويتصدق المريض بيده ويأمر الفقير بالدعاء له، وأول النهار على ثلاثة مساكين
وكذلك أول الليل، ويكره رد السائل وخاصة سائل الليل، والتصدق بجميع المال،
ويستحب العتق والصدقة عند تجديد نعمة لمن وجدهما، ويبدأ بذوي رحمه ومنهم
بوالديه ثم بعد الرحم بالجار وأن يزيد عياله على الواجب في النفقة وأن يطرف عياله
كل جمعة،
وكان النبي ص يتصدق بالخبز ويكثر في شهر رمضان.
ويستحب حمل الزكاة إلى الإمام وخاصة الأموال الظاهرة والفطرة ودعاء الإمام
له عند أخذها منه، فإن طلبها وجب حملها إليه، فإن منعها أخذها منه قهرا.
ويستحب لذي الماشية إعارتها للضراب والحمل عليها وشرب لبنها وركوبها
وإقراض الخبز والخمير وإعارة متاع البيت للجار كالقدر والفأس وشبههما، والحق
المعلوم غير الزكاة هو ما يخرج كل جمعة أو شهر على قدر الطاقة.
ويكره له أن يتملك ما تصدق به ولا بأس به إن ورثه، وإذا أخرج شيئا للصدقة
ففاته من يريده فليتصدق به استحبابا.
402

باب الفطرة:
وهي واجبة على كل حر بالغ كامل العقل واجد للطول بحيث يحرم عليه أخذ
الزكاة لذلك، فإن حل له أخذها لم يجب عليه ويستحب له، فإن كان قد تناولها
استحب له أن يعطي صاعا بعض عياله ثم ترددها ويخرج عن كلهم فطرة واحدة،
ويجب أن يخرج الفطرة عن نفسه ومن يعول من زوجته ورقيقه وعياله وضيفه والمسلم
والذمي منهم والصغير والكبير سواء عن كل رأس صاعا من غالب قوته، والتمر
أفضل ثم الزبيب.
والصاع تسعة أرطال بالبغدادي، ومن لا يجد الأقوات من البوادي أخرج أربعة
أرطال لبنا بالمدني عن كل رأس، ويجوز اخراج القيمة عن القوت بسعر الوقت،
ويخرج صاعا من الحنطة والشعير والأرز والأقط والذرة والعدس وشبهها.
ويستحب لأهل مكة واليمن وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين
وفارس والأهواز وكرمان التمر، ولأهل أوساط الشام الزبيب، ولأهل الجزيرة
والجبال والموصل بر أو شعير، ولأهل طبرستان الأرز، ولأهل خراسان البر إلا "
مرو " والري فإنهم يخرجون الزبيب، ويخرج أهل المصر البر، وأهل البوادي الأقط
فإن عدموه فاللبن.
ووقت وجوبها ليلة الفطر وقبل وقت طلوع الفجر من يوم الفطر، فإن ولد المولود
أو أسلم الكافر قبل الهلال وجب الفطرة على المسلم وعن المولود، فإن كان بعد
الهلال إلى قبل الزوال كانت مستحبة فإن كانت بعد الزوال لم يستحب.
ويجوز تعجيل الفطرة من أول الشهر، ويخرج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد،
فإن لم يحضر مستحقها عزلها وانتظر المستحق، فإن تلفت بلا تفريط فلا ضمان
عليه، وإن لم يخرجها ولم يعزلها حتى صلى العيد لم يسقط عنه بذلك ووجب
اخراجها وفات ذلك الفضل، وليس على الكافر إذا أسلم ضمانها.
ولا يخرجها صاعا من جنسين، ويجوز أن يخرج عن كل رأس من جنس، وإن
أخرج دون الغالب على قوته أجزأه، وتحمل الزكاة إلى الإمام سنة، فإن تعذر فإلى
403

الفقهاء لعلمهم بمستحقها، وإن تولى تفريقها بنفسه وأصاب الموضع أجزأه
، ومستحقها من كان على صفة يحل له معها الزكاة وتحرم على غيره.
ولا يجوز حملها إلى بلد آخر إلا عند عدم المستحق إلا بشرط الضمان، فإن عدم
المستحق أو اتقى جاز له إعطاء المستضعفين من غيرهم والأفضل إعطاء من يخاف
من غيرها، ولا يعطي المستحق دون صاع.
فإن حضر جماعة وليس عنده سواه أعطاهم ذلك، ويجوز إعطاء الواحد أصواعا
كثيرة وأغناه منها دفعة واحدة، وأقاربه أفضل من الأجانب وجيرانه أفضل من
الأباعد.
وإذا نشزت زوجته وخرجت عن عياله أو أبق عبده قبل هلال الشهر فلا فطرة
عليه لهما، ولا يلزم الزوجة الموسرة تحت الزوج فطرة نفسها وفطرتها عليه.
ومن أوصي له بعبد وقبل الوصية بعد موت الموصي قبل هلال الشهر أو وهب له
وأقبضه قبل الهلال أو اشتراه كذلك وجبت الفطرة على الموصى له والموهوب له
والمشتري، فإن اختل شئ من ذلك لم يكن عليه فطرته.
وإن مات وعليه دين بعد الهلال وله عبد أخرج من تركته الفطرة والدين وإن
مات قبله فلا فطرة على أحد، وإن لم يكن عليه دين ومات قبل الهلال كان على
الوارث فطرته، وإن كان المدبر أو المكاتب في عيال السيد كان عليه فطرتهما
وكذلك خادم زوجته، وإن لم يكن المكاتب في عيال السيد فلا فطرة عليه.
وروي: متى لم يخرج الفطرة عن العيال خيف عليهم الفوت، وهو الموت.
والعيال: الولد والمملوك والزوجة وأم الولد.
وروى حريز عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال: قلت: رقيق بين قوم
عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال: إذا كان لكل انسان رأس فعليه أن يؤدى عنه فطرته، وإذا
كان عدة العبيد وعدة الموالي سواء وكانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد
منهم على قدر حصته، وإن كان لكل واحد منهم أقل من رأس فلا شئ عليه.
ولا فطرة على متكلف نفقة وكسوة من ليس من عياله لأجلها.
404

باب حكم الأرضين:
وهي أربع: الأولى ما أسلم أهلها عليها طوعا كأرض البحرين والمدينة فهي
ملك لهم يبيعون ويشترون ويقفون وغير ذلك، وليس عليهم فيها إلا الزكاة العشر أو
نصف العشر، فإن تركوا عمارتها لصلاحها لم يعترضوا، وإن تركوها خرابا قبلها
الإمام ممن يعمرها بما يراه وأخرج المتقبل الزكاة بعد حق القبالة وأعطى الإمام ربها
حق الرقبة.
والثانية: ما قهر عليها أهلها بالسيف بإذن الإمام فإنه يقبلها بما يراه، والزكاة
بعد القبالة على المتقبل لما يفضل معه من النصاب، وليس لأحد التصرف فيها من
غير إذنه يقسم ارتفاعها في جماعة المسلمين والزكاة لأهلها.
والثالثة: أرض الجزية يصالحهم الإمام على ما يرى وله أن يزيد وينقص بعد
انقضاء مدة الصلح، فإن باعوها على مسلم صارت الجزية إلى رؤوسهم، فإن أسلموا
فلا جزية ولحقت بالأولى.
والرابعة: ما أسلمها أهلها أو جلوا عنها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب والآجام ورؤوس الجبال وبطون الأودية وصوافي الملوك وقطائعهم غير المغصوبة
من مسلم وكل خربة باد أهلها وأرض موات لا رب لها وكل أرض غنمت بقتال لم
يأذن فيه الإمام، وهذه كلها له خاصة يبيع ويهب ويقطع ليس لأحد معارضته ولا
التصرف فيها إلا باذنه وله تقبيلها بما شاء.
ومن أحيا أرضا منها كان أولى بها إذا قبلها بما يقبلها الغير، فإن أبي فله نزعها
من يده، والزكاة على المتقبل لما فضل في يده من النصاب عن القبالة، وقد أبيح
التصرف في أرض الأنفال حال غيبة الإمام فإذا حضر رأى رأيه. وأجازوا شراء
أرض الخراج والصلح وبيعهما.
روى حماد بن عيسى عن إبراهيم بن أبي زياد قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الشراء من أرض الجزية، فقال: اشترها فإن لك من الحق ما هو أكثر
من ذلك.
405

وعنه عن حريز عن أبي عبد الله ع: رفع إلى أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج، قال أمير المؤمنين ع:
له ما لنا وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا له ما لأهل الله وعليه ما عليهم.
وروى أبو بردة بن رجاء قال: قلت لأبي عبد الله ع: كيف ترى في
شراء الأرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك هي أرض المسلمين؟ قال: قلت يبيعها
الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا بأس اشتر حقه
فيها ويحول حق المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه.
باب قسم الصدقات:
مستحق الصدقات ثمانية أصناف:
الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي
سبيل الله وابن السبيل. والفقير أسوأ حالا من المسكين، وقيل بالعكس.
وفائدة الخلاف لا تظهر في الزكاة لجواز إعطاء أحدهما فقط، وإنما تظهر فيما
إذا أوصى بمائة للفقراء وبتمام الثلث للمساكين.
والعامل هو الساعي، والمؤلفة قلوبهم كفار يستعان بهم على الجهاد وقوم يرجى
حسن إسلامهم، وفي الرقاب المكاتب يعان منها في فك رقبته ويشترى العبد المؤمن
يكون في ضر وشدة أو في غير ضر وشدة منها مع عدم المستحق ويعتقان، وإذا مات
وترك مالا ولا وارث له ورثه الفقراء لأنه اشترى بمالهم.
والغارم من عليه دين أنفقه في طاعة، فإن كان أنفقه في معصية أو لا يدري فيم
أنفقه لم يقض منها شئ، ولا يقضي منها مهور النساء، ومن تحمل حمالة لم يعط
منها إذا كان غنيا.
وسبيل الله الجهاد والحج يعان الشخص على الحج ويعتق عنه رقبة منها إذا كان
عليه كفارة لا يجدها، ويبني منها المسجد والقنطرة ويكفن الميت.
وابن السبيل المنقطع به لينفق نفقته أو نفوق دابته وإن كان غنيا في بلده،
406

وقيل: الضيف ينزل بك لحاجته إلى الضيافة. وإذا أعطي ابن السبيل والغارم
والغازي والمكاتب فلم ينفقه في ذلك أو بقي منه عن حاجته شئ استرد منه،
وقيل: لا يسترد.
ولا تحل الزكاة لمخالف في الاعتقاد، ولا لفاسق وإن وافق فيه، ولا لكافر إلا
المؤلفة قلوبهم، ولا لعبد، ولا لغني وهو من عنده قوت العام والمؤونة، ولا لقوي
يكتسب ويحل لصاحب الدار والخادم والضيعة إلا إذا كان في غلتها كفاية ولا يلزمه
أن يقتر على نفسه، ولا لهاشمي وهم أولاد أبي طالب والعباس والحرث
وأبي لهب، فإن منعوا الخمس واحتاجوا حاجة ضرورية حلت لهم ويحل من بعضهم
على بعض.
ويحل عليهم صدقة التطوع من غيرهم، ويحل لمواليهم الزكاة منهم ومن غيرهم،
ولا يحل أن يكون الساعي عليها منهم، ولا يحل لمن يجب على المخرج نفقته كالآباء
والأمهات وإن علوا والأولاد وإن سفلوا والزوجة والمملوك.
ويستحب أن يبدأ منها بأرحامه غير من ذكرنا إذا كانوا لها أهلا، ويقسم صدقة
البوادي في أهل البوادي وصدقة الحضر في أهل الحضر، فإن لم يجد لها مستحقا في
موضعها جاز حملها إلى بلد آخر، فإن هلكت فلا ضمان ومع وجود المستحق يضمن.
ومن وكل أو أوصى إليه باخراج الزكاة ووجد المستحق وأخرها ضمن، ومن
أعطي زكاة ليفرقها على المستحقين وكان منهم أخذ منها، وكذلك إن وصى إليه
شخص أن يحج عنه جماعة بأجرة جاز أن يكون منهم، فإن عين صاحب الزكاة أو
الحج أشخاصا لم يجز صرفها إلا إليهم.
ومن ملك خمسين درهما يحسن التعيش بها وتكفيه لم يحل له الزكاة، ومن ملك
سبع مائة درهم وهو بخلاف ذلك لحلت له، فإن حصل عليه الزكاة أخرجها إلى
المستحق، فإن كان بعياله حاجة صرفها فيهم، ولا يلزم أن يقسمها أثمانا بل إذا
حضره صنف جاز أن يوصلهم جميع ما عنده منها.
ويجوز أن يعطيها المستحق من غير أن يعلمه أنها زكاة، وينبغي إعطاء زكاة
407

الأثمان من يعرف بأخذ الزكاة، وزكاة الأنعام لأهل التجمل، وينبغي أن لا
يعطي الفقير أقل من واجب النصاب الأول أو الثاني ولو أعطى دونه أجزأه.
وإذا أعطاها من يظنه أهلا لها ثم بان له خلافه وكان قد اجتهد لم يعد وإن لم
يكن اجتهد أعاد. ولا يلزم التسوية في إعطاء الزكاة وينبغي تفضيل من لا يسأل.
وتارك الزكاة وقد وجبت له كمانعها وقد وجبت عليه، ومن كان مسلما على
أحد هذه الأهواء ثم استبصر لم يعد شيئا مما فعله إلا الزكاة لأنه وضعها في غير
أهلها، والأولى الإعلان باخراج الزكاة الواجبة والإسرار بالنفل، وكان جعفر بن
محمد عليهما السلام يتصدق بالسكر لأنه كان يحبه، وقال: كان أبي ع
إذا تصدق بشئ وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل.
وقال رسول الله ص: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.
ولا بأس أن يأخذ زكاة يوسع بها على نفسه ومن وجبت نفقته على غيره إذا كان
لا يوسع عليه في كل ما يحتاج إليه والإمام يعطي الساعي ما يرى، فإن منع انسان
الزكاة وقال: ليست واجبة، وكان مسلما كان مرتدا، وإن أقر بوجوبها ألزم بها
وعزر بتركها.
والنية واجبة في الزكاة ووقتها حال إعطاء الفقير، فإن لم ينو لم يقع زكاة وإن
أعطاها الإمام أو ساعيه نوى عند ذلك، فإن تلفت في يد الإمام أو الساعي قبل
الوصول إلى المستحق برئت ذمته، وإن سلمها إلى وكيل يخرجها نوى عند تسليمها
إليه ونوى الوكيل عند تسليمها إلى المستحق.
وإن منعها فأخذها الإمام قهرا أجزأت، وتعطى الزكاة أيتام المؤمن عدلهم
وغيرهم ولا تعطى أطفال المشركين، ولا بأس أن يقضى الدين عن المؤمن بعد موته
من الزكاة إذا لم يخلف وفاءا له وكان أنفقه في طاعة ولو كان أباه أو ابنه، وإن
كان الدين له احتسبه من الزكاة، وقد رخص في تعجيل الزكاة قبل محلها بسبعة
أشهر وأربعة أشهر وشهرين.
وقال زرارة لأبي جعفر ع: أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟
408

قال: لا، أ يصلي الأولى قبل الزوال، فعلى الرخصة إن مات المعطى قبل تمام
الحول أو ارتد المعطى له أو فسق أو استغنى بغيرها استرجعت منه إن كان عين له
أنها معجلة، فإن كان قال له: إنها زكاة أو صدقة، لم تسترجع منه، وإذا عجل
من أربعين شاة شاة لم ينتقص عن النصاب بذلك، فإن استهلكها الفقير في الحول
فلا زكاة لنقصان النصاب ويسترجع القيمة منه، وأبي بعض أصحابنا الرخصة
وحملها على القرض على المستحق.
قال: والمقرض ضامن إذا أيسر المعطى له وقت الوجوب، فإن لم يكن أيسر
أجزأت عنه.
قال: ولا فرق بين أن يكون شهرين أو ما زاد.
واحتج لهذه الجملة بحديث الأحول عن أبي عبد الله ع: عن رجل
عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى له قبل رأس السنة، قال: يعيد المعطى الزكاة،
وأراه صرح بتعجيل الزكاة ولم يذكر قرضا ولا حكما يختص به.
ويجوز تأخير اخراج الزكاة عن الحول لفقد المستحق إلى أن يجده، فإن عزلها فهي
أمانة لا يضمن إلا بالتفريط، وليس على الكافر إذا أسلم زكاة لما مضى، ولو كان
النصاب باقيا وقد حال عليه الحول ثم أسلم لم يخرجها.
وإذا كان الشخص ضعيفا في الظاهر أعطى منها من غير بينة ولا يمين، فإن
كان جلدا في الظاهر حلفه، فإن عرف له مال ثم ادعى ذهابه أو ادعى العبد أن
سيده أعتقه أو كاتبه أو ادعى الشخص أن عليه دينا أو أن له عيالا كلفوا البينة،
وإن لم يعرف له أصل مال أعطى منها بلا بينة ولا يمين، ويعطي الغازي والمؤلفة
وابن السبيل مع الغنى والفقر.
ويجوز أن يعطي والده وولده من سهم الغزاة والمؤلفة والرقاب إن كان منهم،
ويقبل قول صاحب المال أنه أخرج زكاة المال بلا بينة ولا يمين.
ولا يملك الفقير الزكاة إلا بعد الإيجاب والقبول والقبض، ولو جمعها الساعي ثم
مات واحد من المستحقين قبل القبض لم يرث منها وارثه، وينبغي أن يسم إبل
409

الصدقة وبقرها في أصول أفخاذها والغنم في أصول آذانها يكتب صدقة لله أو زكاة،
وعلى نعم الجزية جزية أو صغار.
باب الخمس والأنفال وقسمتهما:
الخمس واجب في الغنائم من دار الحرب على اختلافها ما ينقل كالأمتعة
والأثمان والذراري والحيوان وما لا ينقل كالأرض والعقار، وفي جميع المعادن على
اختلافها، وفي كنوز الذهب والفضة، وفي العنبر والغوص، وفي الفاضل عن مؤونة
السنة له ولعياله وضيفه وتبرعاته من التجارات والزراعات والمكاسب، وفي أرض
شراها ذمي من مسلم، وفي مال اختلط حلاله بحرامه ولم يتعين صاحب الحرام ولا
قدره فإن تعين صاحبه صولح وإن تعين قدره فقط تصدق به عنه.
ويراعى قدر دينار في الغوص، وقدر نصاب الزكاة في كنوز الذهب والفضة،
ولا يعتبر قدره في المعادن على قول، وعلى قول آخر يعتبر نصاب الزكاة، وقيل: يعتبر
فيها دينار.
وما أوجب أصحابنا فيه الخمس أخرج من الغنم في الحال، وبعد اخراج ما
خرج على المعدن، وبعد مؤونة الحول في التجارة والزرع والتكسب.
فإن وجد الكنز في دار الحرب خمس، وإن وجد في دار اشتراها عرف البائع
فإن عرفه وإلا خمسه وأخذ الباقي لنفسه، وإن وجدها في دار ورثها مع غيره كان
له ولشركائه بعد الخمس، ويخرج العبد والمكاتب والخمس من المعدن، والخمس في
العسل من الجبال والمن.
وإن وجد الكنز في أرض لا مالك لها وعليها سكة الاسلام فهي لقطة، وإن
كان عليها أثر الكفر ففيها الخمس والباقي لواجدها، وإذا اختلف مكري الدار
والمكتري في الكنز فالقول قول المالك للظاهر، ولا خمس فيما يصاد من البحر لأنه
ليس بغوص.
ومستحق الخمس هم الهاشميون وقد ذكرناهم، ويقسم ستة أقسام: سهم لله
410

وسهم لرسوله وسهم لذي القربى فهذه للإمام، وسهم ليتاماهم وسهم لأبناء
سبيلهم وسهم لمساكينهم.
وقيل: يقسم خمسة أقسام: سهم لرسول الله ص وسهم لذي
القربى فهما للإمام ع، والباقي على ما ذكرنا على قدر كفايتهم عامهم فما
فضل فله وما أعوز أتمه من عنده، والظاهر يقتضي وجوب القسمة على الجميع من
حضر بلد الخمس ومن غاب.
قال بعض أصحابنا: والأولى أن يخص به حاضره ولا يحمل إلى غير بلده إلا مع
عدم المستحق.
فإن حمل مع وجوده ضمن، ولا يعطي إلا مؤمن أو بحكمه، ويخص به العدل،
ولو فرق في الفساق لم يضمن للظاهر.
فإن فضل منه عن مؤونة الحاضرين حمل إلى القريب منه وكذا الزكاة، ويقسمها
الإمام في الثمانية الأصناف المذكورين في كتاب الله فما فضل رد إليه وما نقص
فعليه أن يمونهم من عنده.
فإن حضر الأصناف الثلاثة من مستحقي الخمس لم يخص بعضهم، وإن حضر
فرقة فقط جاز التفريق فيهم ولم ينتظر سواهم، ولا يعطي منه إلا من أبوه منهم
يعطي اليتيم وابن السبيل مع الغنى والفقر للظاهر.
والأنفال قد تقدمت في حكم الأرضين ومنها ميراث من لا وارث له، وكل
غنيمة قوتل عليها أهلها الحربيون من غير إذن الإمام، وصفو الغنيمة مما
يصطفيه مما لا نظير له من فرس ورقيق ومتاع.
ولا يجوز لأحد التصرف في ذلك إلا بإذن الإمام حال حضوره، فأما حال الغيبة
فقد أحلوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من الأخماس وغيرها من المناكح والمتاجر
والمساكن.
وقال الصادق ع: كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها
محللون إلى أن يقوم القائم، كرما منهم وفضلا.
411

وأما ما يستحقونه في الكنوز وغيره فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من رأى
بإباحته لما ترادف في ذلك من الرخص عنهم ع، ومنه من احتاط بحفظه
والوصاة به من ثقة إلى ثقة إلى ظهوره ع فيسلم إليه، ومنهم من رأى دفنه
لما روي: أن الأرض يخرج كنوزها عند قيامه ع. ومنهم من رأى تفريقه
عليهم لما روي: أن الإمام إذا حضر قسمه فيهم، فإن أعوز فعليه إتمامه وهو الآن
معوز فيفعل فيه كما لو كان لفعل إعانة. ومنهم من رأى حفظ نصفه لأنه لغائب لم
يرسم فيه رسما والنصف الآخر يقسم على المستحقين لحضورهم كما يقسم الزكاة
على مستحقها وإن كان ولي تفريقها غائبا، ومنهم من رأى صرفه إلى صلحاء فقراء
شيعته لما روي: أنه يقسم الزكاة عليهم، فإن أعوزهم فعليه إتمامه، والله أعلم.
وقد أومأت إلى وجه كل قول فليفهم إن شاء الله تعالى،
واعلم أن الله تعالى فرض الزكاة على قدر المستحقين فما جاع فقير إلا بما منع
غنى.
ومن لم يؤد الزكاة لم تقبل صلاته، وصلاة فريضة خير من عشرين حجة،
وحجة خير من بيت مملوء ذهبا ينفق منه في سبيل الله حتى يفنى.
412

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الذين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
413

كتاب الزكاة
وفيه أبواب: الباب الأول: في زكاة المال: وفيه مقاصد:
الأول: في الشرائط: وفيه فصلان:
الفصل الأول: في الشرائط العامة: وهي أربعة:
آ: البلوغ فلا تجب على الطفل نعم لو اتجر له الولي استحبت، ولو ضمن واتجر
لنفسه وكان مليا ملك الربح واستحب له الزكاة، ولو انتفى أحدهما ضمن والربح
لليتيم ولا زكاة، ويستحب في غلات الطفل وأنعامه على رأي ويتناول التكليف
الولي.
الثاني: العقل فلا زكاة على المجنون وحكمه حكم الطفل فيما تقدم، ولو كان
يعتوره اشترط الكمال طول الحول.
الثالث: الحرية فلا زكاة على المملوك سواء ملكه مولاه النصاب وقلنا بالصحة
أو منعناه نعم تجب الزكاة على المولى، ولا فرق بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب
المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا ولو أدى وتحرر منه شئ وبلغ نصيبه النصاب
وجبت فيه الزكاة خاصة وإلا فلا.
الرابع: كمالية الملك، وأسباب النقص ثلاثة:
الأول: منع التصرف فلا تجب في المغصوب ولا الضال ولا المجحود بغير بينة
ولا الدين على المعسر والموسر على رأي ولا المبيع قبل القبض إذا كان المنع من قبل
البائع، ولو اشترى نصابا جرى في الحول حين العقد على رأي وكذا لو شرط خيارا
415

زائدا فلا تجب في الغائب إذا لم يكن في يد وكيله ولم يتمكن منه، ولو مضى على
المفقود سنون ثم عاد زكاة لسنة استحبابا.
الثاني: تسلط الغير عليه فلا تجب في المرهون وإن كان في يده ولا الوقف لعدم
الاختصاص ولا منذور التصدق به وأقوى في السقوط ما لو جعل هذه الأغنام ضحايا
أو هذا المال صدقة بنذر وشبهه، أما لو نذر الصدقة بأربعين شاة ولم يعين لم يمنع
الزكاة إذ الدين لا يمنع الزكاة، وفي النذر المشروط نظر، ولو استطاع بالنصاب
ووجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة.
وإذا اجتمع الزكاة والدين في التركة قدمت الزكاة، ولو حجر الحاكم على
المفلس ثم حال الحول فلا زكاة، ولو استقرض الفقير النصاب وتركه حولا وجبت
الزكاة عليه، ولو شرطها على المالك لم يصح على رأي والنفقة مع غيبة المالك لا
زكاة فيها لأنها في معرض الإتلاف ويجب مع حضوره.
الثالث: عدم قرار الملك فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبول
والقبض، ولو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول، ولو استقرض نصابا جرى
في الحول حين القبض ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة ولا يكفي عزل
الإمام بغير قبض المغانم.
ولو قبض أربعمائة أجرة المسكن حولين وجب عند كل حول زكاة الجميع وإن
كان في معرض التشطير وكذا تجب على المرأة لو كمل الحول قبل الدخول، فإن
طلقها أخذ الزوج النصف كملا وكان حق الفقراء عليها أجمع، ولو تلف النصف
بتفريطها تعلق حق الساعي بالعين وضمنت للزوج.
تنبيه:
إمكان الأداء شرط في الضمان، فلو لم يتمكن المسلم من اخراجها بعد الحول
حتى تلفت لم يضمن، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره، ولو تمكن
المسلم من الأداء بعد الحول وأهمل الإخراج ضمن.
والكافر وإن وجبت عليه لكنها تسقط عنه بعد إسلامه ولا يصح منه أداؤها قبله
416

ويستأنف الحول حين الاسلام، ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان.
الفصل الثاني: في الشرائط الخاصة:
أما الأنعام فشروطها أربعة:
النصاب.
الثاني: الحول، وهو مضى أحد عشر شهرا كاملة، فإذا دخل الثاني عشر
وجبت إن استمرت شرائط الوجوب طول الحول، فلو اختل بعضها قبل كماله ثم
عاد استؤنف الحول من حين العود، وفي احتساب الثاني عشر من الحول الأول
أو الثاني إشكال.
والسخال ينعقد حولها من حين سومها ولا يبني على حول الأمهات، فلو كان
عنده أربع ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولا، ولو تلف بعض
النصاب قبل الحول فلا زكاة وبعده يجب الجميع إن فرط وإلا فبالنسبة.
ولو ملك خمسا من الإبل نصف حول ثم ملك أخرى ففي كل واحدة عند كمال
حولها شاة، ولو تغير الفرض بالثاني بأن ملك إحدى وعشرين فالشاة عند تمام حول
نصابها وأحد وعشرون جزء من ستة وعشرين جزء من بنت مخاض عند حول
الزيادة.
ولو ملك أربعين شاة ثم أربعين فلا شئ في الزيادة.
ولو ملك ثلاثين بقرة وعشرا بعد ستة أشهر فعند تمام حول ثلاثين تبيع أو تبيعة
وعند تمام حول العشر ربع مسنة، فإذا ثم حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع
مسنة، وإذا حال آخر على العشر فعليه ربع مسنة وهكذا، ويحتمل التبيع وربع المسنة
دائما وابتداء حول الأربعين عند تمام حول الثلاثين، ولو ارتد في الأثناء عن فطرة
استأنف ورثته الحول ويتم لو كان عن غيرها.
الثالث: السوم فلا زكاة في المعلوفة ولو يوما في أثناء الحول بل يستأنف الحول
من حين العود إلى السوم، ولا اعتبار بالساعة وسواء علفها مالكها أو غيره باذنه أو
بغير إذنه من مال المالك وسواء كان العلف لعذر كالثلج أولا، ولا زكاة في السخال
417

حتى يستغني عن الأمهات وتسوم حولا.
الرابع: أن لا يكون عوامل فلا زكاة في العوامل السائمة وفي اشتراط الأنوثة
قولان.
وأما الغلات: فشروطها ثلاثة: النصاب.
الثاني: بدء الصلاح وهو اشتداد الحب واحمرار الثمرة أو اصفرارها وانعقاد
الحصرم على رأي.
الثالث: تملك الغلة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتهاب نعم لو اشترى الزرع
أو ثمرة النخل قبل بدو الصلاح ثم بدأ صلاحها في ملكه وجبت عليه، ولو انتقلت
إليه بعد بدو الصلاح فالزكاة على الناقل، ولو مات وعليه دين مستوعب وجبت
الزكاة إن مات بعد بدو الصلاح وإلا فلا، ولو لم يستوعب وجبت، وعامل المساقاة
والزراعة تجب عليه في نصيبه إن بلغ النصاب.
وأما النقدان فشروطهما ثلاثة: النصاب. الثاني: حول العام. الثالث:
كونهما مضروبين منقوشين بسكة المعاملة أو ما كان يتعامل بها.
تتمة:
يشترط في الأنعام والنقدين بقاء عين النصاب طول الحول فلو عاوض في أثنائه
بغيره سقطت سواء كان بالجنس أو بغيره وسواء قصد الفرار أولا وكذا لو صاع النقد
حليا محرما أو محللا، أما لو عاوض أو صاع بعد الحول فإن الزكاة تجب، ولو باع في
الأثناء بطل الحول، فإن عاد بفسخ أو بعيب استأنف حين العود، ولو مات
استأنف وارثه الحول إن كان قبله وإلا وجبت.
المقصد الثاني: في المحل:
إنما تجب الزكاة في تسعة أجناس: الإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر
والزبيب والذهب والفضة.
والمتولد بين الزكوي وغيره يتبع الاسم فهنا فصول:
418

الفصل الأول: في النعم:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: مقادير النصب والفرائض:
أما الإبل فنصبها اثنا عشر: فخمسه في كل واحد هو خمس شاة، ثم ست
وعشرون وفيه بنت مخاض وهي ما دخلت في الثانية فأمها ماخض أي حامل
ويجزئ عنها ابن لبون ويتخير في الإخراج لو كانا عنده وفي الشراء لو فقدهما، ثم
ست وثلاثون وفيه بنت لبون وهي ما دخلت في الثالثة فصار لأمها لبن ولا يجزئ
الحق إلا بالقيمة، ثم ست وأربعون وفيه حقه وهي ما دخلت في الرابعة فاستحقت
الحمل أو الفحل، ثم إحدى وستون وفيه جذعة وهي ما دخلت في الخامسة، ثم
ست وسبعون وفيه بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون وفيه حقتان، ثم مائة وإحدى
وعشرون فيجب في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وهكذا دائما ويتخير
المالك لو اجتمعا.
ولا يجزئ في مائتين حقتان وبنتا لبون ونصف ويجزئ في أربع
مائة أربع حقاق وخمس بنات لبون وفي إجزاء بنت المخاض عن خمس شياه مع قصور
القيمة عنها بل وعن شاة في الخمس مع قصور القيمة نظر.
وأما البقر فنصبها اثنان: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة وهي ما كمل له حول،
وأربعون وفيه مسنة وهي ما كمل لها حولان ولا يجزئ المسن ويجزئ عن التبيعة.
وأما الغنم فنصبها خمسة: أربعون وفيه شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيه
شاتان، ثم مائتان وواحدة ففيه ثلاث، ثم ثلاث مائة وواحدة وفيه أربع على رأي،
ثم أربع مائة ففي كل مائة شاة وهكذا دائما. وقيل: بل يؤخذ من كل مائة شاة
في الرابع وتظهر الفائدة في الوجوب والضمان.
المطلب الثاني: في الأشناق:
كل ما نقص عن النصاب يسمى في الإبل شنقا وفي البقر وقصا وفي الغنم
وباقي الأجناس عفوا، فالتسع من الإبل نصاب وشنق وهو أربعة ولا شئ فيه، فلو
419

تلف بعد الحول قبل إمكان الأداء لم يسقط من الفريضة شئ وكذا باقي النصب
مع الأشناق، ولا يضم مالا شخصين وإن وجدت شرائط الخلطة كما لا يفرق بين
مالي شخص واحد وإن تباعدا.
المطلب الثالث: في صفة الفريضة:
الشاة المأخوذة في الإبل والغنم أقلها الجذع من الضأن وهو ما كمل سبعة أشهر
ومن المعز الثني وهو ما كمل سنة والخيار إلى المالك في اخراج أيهما شاء، ولا تؤخذ
مريضة ولا هرمة ولا ذات عوار ولا الربا وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما ولا
الأكولة وهي المعدة للأكل ولا فحل الضراب، ولو كان النصاب مريضا أو معيبا
لم يكلف الصحيح ويجزئ الذكر والأنثى في الغنم ومن غير غنم البلد وإن قصرت
قيمتها، ولا خيار للساعي في التعيين بل للمالك، والعراب والبخاتي من الإبل
جنس وعراب البقر والجاموس جنس والضأن والمعز جنس والخيار إلى المالك في
الإخراج من أي الصنفين في هذه المراتب.
ويجوز اخراج القيمة في الأصناف التسعة والعين أفضل، ولو فقد بنت المخاض
دفع بنت اللبون واسترد شاتين أو عشرين درهما ولا اعتبار هنا بالقيمة السوقية قلت
عنه أو زادت عليه، ولو انعكس الفرض دفع بنت المخاض وشاتين أو عشرين
درهما وكذا الجبران بين بنت اللبون والحقة وبين الحقة والجذعة، ولو وجد الأعلى
والأدون فالخيار إليه، ولو تضاعفت الدرجة فالقيمة السوقية على رأي وكذا ما زاد
على الجذع وأسنان غير الإبل.
الفصل الثاني: في النقدين:
للذهب نصابان: عشرون مثقالا ففيه نصف دينار ثم أربعة وفيها قيراطان وهكذا دائما
ولا زكاة فيما نقص عنهما وإن خرج بالتام، فللفضة نصابان: مائتا درهم ففيه خمسة دراهم
وأربعون وفيها درهم ولا زكاة فيما نقص عنهما ولو حبة، والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني
حبات من أوسط حب الشعير، والمثاقيل لم يختلف في جاهلية ولا إسلام أما
420

الدراهم فإنها مختلفة الأوزان واستقر الأمر في الاسلام على أن وزن الدرهم سنة
دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب، ولو نقص في أثناء الحول أو بادل
بجنسه أو بغيره أو اجتمع النصاب من النقدين أو كان حليا محرما أو محللا أو آنية
أو آلة أو سبائك أو نقارا أو تبرأ وإن فعل ذلك قبل الحول فلا زكاة وبعده تجب.
فروع:
أ: يكمل جيد النقرة برديئها كالناعم والخشن ثم يخرج من كل جنس بقدره.
ب: لا زكاة في المغشوشة ما لم يبلغ قدر الخالص نصابا وإن كان الغش أقل،
ولو جهل مقدار الغش ألزم التصفية إن ماكس مع علم النصاب لا بدونه، ولو علم
النصاب وقدر الغش أخرج عن الخالصة مثلها وعن المغشوشة منها.
ج: لا تجزئ المغشوشة عن الجياد وإن قل.
د: لو كان الغش مما يجب فيه الزكاة وجبت عنهما فإن أشكل الأكثر منهما
ولم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر مرتين، فلو كان قدر أحد النقدين ستمائة
والآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا وستمائة فضة ويجزئ ستمائة من الأكثر
قيمة وأربعمائة من الأقل.
ه‍: لو تساوى العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية استحب التسقيط
وأجزأ التخيير.
الفصل الثالث: في الغلات:
ولها نصاب واحد بلوع خمسة أوسق كل وسق ستون صاعا كل صاع أربعة أمداد
كل مد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني ولا زكاة في الناقص. فإذا
بلغت النصاب وجب العشر إن سقيت سيحا أو بعلا أو عذيا، ونصف العشر إن
سقيت بالغرب والدوالي والنواضح، فإن اجتمعا حكم للأكثر ويقسط مع التساوي
ثم كلما زادت وجب بالحساب.
421

ويتعلق الزكاة عند بدء صلاحها، والإخراج واعتبار النصاب عند الجفاف حال
كونها تمرا أو زبيبا، وفي الغلة بعد التصفية من التبن والقش.
وإنما تجب الزكاة بعد المؤن جمع كالبذر وثمن الثمرة وغيره لا ثمن أصل
النخل وبعد حصة السلطان، ولا تتكرر الزكاة فيها بعد الإخراج وإن بقيت أحوالا،
ولا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ولا العنب عن الزبيب ولو أخذه الساعي رجع بما
نقص عند الجفاف.
فروع:
آ: تضم الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم سواء اتفقت في الإيناع أو
اختلفت، وما يطلع مرتين في الحول يضم السابق إلى اللاحق.
ب: الحنطة والشعير جنسان هنا لا يضم أحدهما إلى الآخر.
ج: العلس حنطة حبتان منه في كمام على رأي، والسلت يضم إلى الشعير
لصورته ويحتمل إلى الحنطة لاتفاقهما طبعا وعدم الانضمام.
د: لا يسقط العشر بالخراج في الخراجية.
ه‍: لو أشكل الأغلب في السقي فكالاستواء وهل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر
عددا أو نفعا ونموا؟ الأقرب الثاني.
و: مع اتحاد الجنس يؤخذ منه ومع الاختلاف إن ماكس قسط.
ز: للساعي الخرص فيضمن المالك حصة الفقراء أو الساعي حصة المالك أو تجعل
حصة الفقراء أمانة في يد المالك فليس له الأكل حينئذ، ومع التضمين لو تلف من
الثمرة شئ بغير تفريط أو أخذه ظالم سقط الضمان عن المتعهد، ويجوز تخفيف
الثمرة بعد الخرص مع الحاجة فيسقط بحسابه ويجوز القسمة على رؤوس النخل
والبيع، ولو ادعى المالك النقص المحتمل قبل دون غيره ويقبل قوله لو ادعى
الجائحة أو غلط الخارص أو التلف من غير سبب لا كذب الخارص عمدا.
ح: الرطب الذي لا يصير تمرا تجب الزكاة فيه، ويعتبر بالخرص على تقدير
422

الجفاف إن بلغ النصاب وجبت ويخرج منه عند بلوغه رطبا وكذا العنب.
ط: يكفي الخارص الواحد.
ي: لو باع الثمرة بعد الخرص والضمان صح البيع ولو كان قبله بطل في حصة
الفقراء ما لم يضمن القيمة.
مسائل: الزكاة تجب في العين لا الذمة فإن فرط ضمن، والتأخير مع إمكان التفريق أو
الدفع إلى الساعي أو الإمام تفريط، ولو أهمل المالك الإخراج من النصاب الواحد
حتى تكرر الحول فزكاة واحدة، ولو كان أكثر من نصاب جبر ناقص الأول
بالزيادة فلو حال على تسع حولان فشاتان وهكذا إلى أن ينقص عن النصاب فلا
يجب شئ، ويصدق المالك في عدم الحول وفي الإخراج من غير بينة ولا يمين ويحكم
عليه لو شهد عليه عدلان.
المقصد الثالث: فيما يستحب فيه الزكاة:
وفيه مطلبان:
الأول: مال التجارة على رأي:
وهو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملك فلا يستحب في الميراث ولا
الهبة ولا ما يقصد به القنية ابتداء أو انتهاء ولا ما يرجع بالعيب ولا
عوض الخلع ولا النكاح ولا ما قصد به الاكتساب بعد التملك، ولو اشترى عرضا للقنية بمثله ثم رد
ما اشتراه بعيب أو رد عليه ما باعه به فأخذه على قصد التجارة لم ينعقد لها، ولو
اشترى عرضا للتجارة بعرض قنية فرد عليه بالعيب انقطع حول التجارة، ولو كان
عنده عرض للتجارة فباعه بآخر للقنية ثم رد عليه لم يكن مال التجارة لانقطاع
التجارة بقصد القنية.
ولا بد من استمرار نصاب أحد النقدين طول الحول فلو نقص في الأثناء ولو
حبة فلا زكاة، ومن عدم الخسران فلو طلب بنقص من رأس المال ولو حبة سقطت
423

إلا أن يمضى أحوال كذلك فيستحب زكاة سنة، ولو طلب في أثناء الحول بزيادة
فحول الأصل من حين الانتقال والزيادة من حين ظهورها، ولو اشترى بنصاب
زكاة في أثناء الحول متاع التجارة استأنف حولها من حين الشراء على رأي ولو كان
أقل من نصاب استأنف إذا بلغه، والزكاة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه ويقوم
بالنقدين ويستحب لو بلغته بأحدهما دون الآخر والمخرج ربع عشر القيمة وإن شاء
أخرج من العين.
فروع:
آ: لو ملك أربعين شاة للتجارة فحال الحول وجبت المالية وسقطت الأخرى، ولو
عاوض أربعين سائمة بمثلها للتجارة استأنف حول المالية على رأي.
ب: لو ظهر في المضاربة الربح ضممنا حصة المالك منه إلى الأصل وتخرج منه
الزكاة ومن حصة العامل إن بلغت نصابا، وإن لم ينض المال على رأي لأن
الاستحقاق أخرجه عن الوقاية والأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية فيضمن
العامل الزكاة لو تم بها المال.
ج: الدين لا يمنع الزكاتين وإن فقد غيره.
د: عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة، ولو اشترى معلوفة للتجارة ثم
أسامها فالأقرب استحباب زكاة التجارة في السنة الأولى.
ه‍: في كون نتاج مال التجارة منها نظر فعلى تقديره لو اشترى نخلا للتجارة فأثمر
فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة على الثمرة ولا على الأصل، ولو
اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية وجبت المالية في الزرع ولم يسقط
استحباب التجارة عن الأرض.
المطلب الثاني: في باقي الأنواع:
الأول: كل ما عدا ما ذكرنا من الغلات يستحب فيه الزكاة كالعدس
424

والماش والأرز وغيرها مما تنبته الأرض من مكيل وموزون وحكمه في قدر النصاب
واعتبار السقي وقدر المخرج وإسقاط المؤن حكم الواجب، ولا زكاة في الخضراوات
وفي ضم ما يزرع مرتين في السنة كالذرة بعضه مع بعض نظر.
الثاني: الخيل تستحب فيها الزكاة بشرط الأنوثة والسوم والحول، فعن كل
فرس عتيق ديناران في كل حول وعن كل برذون دينار.
الثالث: العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصله، فإن بلغ نصابا وحال
عليه الحول وجبت ولا يستحب في شئ غير ذلك.
المقصد الرابع: في المستحق:
وفيه فصلان:
الفصل الأول: في الأصناف:
وهم ثمانية: الأول والثاني: الفقراء والمساكين ويشملهما من قصر ماله عن مؤونة سنة له
ولعياله واختلف في أيهما أسوأ حالا فقيل: الفقير، للابتداء بذكره الدال على
الاهتمام ولقوله: أما السفينة فكانت لمساكين، ولتعوذ النبي ص
منه وسؤال المسكنة، وقيل: المسكين، للتأكيد به ولقوله تعالى: أو مسكينا ذا
متربة.
ويمنع القادر على تكسب المؤونة بصنعة وغيرها وصاحب الخمسين إذا قدر على
الاكتفاء بالمعاش بها، ويعطي صاحب ثلاثمائة مع عجزه وصاحب دار السكنى
وعبد الخدمة وفرس الركوب وثياب التجمل ولو قصر التكسب جاز أن يعطي أكثر
من التتمة على رأي، ويصدق مدعي الفقر فيه من غير يمين وإن كان قويا أو ذا مال
قديم إلا مع علم كذبه فإن ظهر استعيد منه ومع التعذر فلا ضمان على الدافع
مالكا كان أو إماما أو ساعيا أو وكيلا وكذا لو بان كافرا أو واجب النفقة أو
هاشميا ولا يجب إعلامه أنها زكاة.
الثالث: العاملون وهم السعاة في جباية الصدقة ويتخير الإمام بين الجعالة
425

والأجرة عن مدة معينة.
الرابع: المؤلفة وهم قسمان: كفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الاسلام،
ومسلمون إما من ساداتهم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في
الاسلام، وإما سادات مطاعون يرجى بعطائهم قوة إيمانهم ومساعدة قومهم في
الجهاد، وإما مسلمون في الأطراف إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول، وإما
مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها. وقيل: المؤلفة الكفار خاصة.
الخامس: في الرقاب وهم ثلاثة: المكاتبون والعبيد تحت الشدة والعبد يشترى
للعتق مع عدم المستحق. ويعطي مدعي الكتابة من غير بينة ولا يمين مع انتفاء
التكذيب، ويجوز الدفع قبل النجم ولو صرفه في غيره ارتجع إلا أن يدفع إليه من
سهم الفقراء، ويدفع السيد الزكاة إلى المكاتب ثم يدفعها إليه ويجوز إعطاء سيد
المكاتب والأقرب جواز الاعتقاق من الزكاة وشراء الأب منها.
السادس: الغارمون وهم المدينون في غير معصية والأقوى في المجهول حاله
الاستحقاق، وله أن يدفع إلى من أنفق في معصية من سهم الفقراء ثم يقضي هو
ويجوز المقاصة، ولو كان الغارم ميتا جاز ألقاء عنه والمقاصة، وإن كان واجب
النفقة جاز القضاء عنه حيا وميتا والمقاصة، ولو صرف ما أخذه في غير القضاء
ارتجع ويقبل قوله في الغرم من غير يمين إذا تجرد عن تكذيب الغريم.
السابع: في سبيل الله وهو كل مصلحة كبناء القناطر وعمارة المساجد وإعانة
الزائر والحاج ومساعدة المجاهدين، وقيل: يختص الأخير. ولو أعطى الغازي فيه
فصرفه في غيره استعيد ويسقط سهم المؤلفة والساعي والغازي حال الغيبة إلا مع
الحاجة إلى الجهاد ولا يشترط في الغازي والعامل الفقر.
الثامن: ابن السبيل وهو المنقطع به وإن كان غنيا في بلده وكذا الضيف ولا
يزاد على قدر الكفاية فإن فضل أعاده.
426

الفصل الثاني: في الأوصاف:
يشرط في الأصناف السبعة غير المؤلفة الإيمان فلا يعطي كافر ولا مخالف للحق
والأولاد تتبع الآباء في الإيمان وعدمه ويعيد المخالف ما أعطي مثله وفي اعتبار
العدالة قولان، ويشترط أن لا يكون هاشميا إلا أن يكون المعطى منهم أو يقصر ما
يصل إليه من الخمس عن كفايته مع حاجته أو تكون مندوبة وهم الآن أولاد
أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب ويجوز إعطاء مواليهم، ويشترط في الفقراء
والمساكين أن لا يجب نفقتهم على المعطى بالنسب والملك والزوجية ويجوز الدفع إلى
غيرهم وإن قرب كالأخ ولو كان عاملا أو غازيا أو غارما أو مكاتبا أو ابن سبيل
جاز إعطاؤه مطلقا إلا ابن السبيل فيعطى الزائد عن النفقة مع الحاجة إليه
كالحمولة.
ويشترط في العامل بعد الإيمان العدالة والفقه في الزكاة والحرية على إشكال،
وفي المكاتب عدم ما يصرفه في الكتابة سوى ما يعطي، وفي ابن السبيل أو الضيف
إباحة سفرهما.
المقصد الخامس: في كيفية الإخراج:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: في الوقت:
ويتعين على الفور مع المكنة ووجود المستحق ولا يكفي العزل على رأي فيضمن
لو تلفت ويأثم وكذا الوصي بالتفريق أو بالدفع إلى غيره والمستودع مع مطالبة
المالك، ولو لم يوجد مستحق أو حصل مانع من التعجيل جاز التربص ولا ضمان
حينئذ، ولا يجوز تقديمها فإن فعل كان قرضا لا زكاة معجلة على رأي، فإن تم بها
النصاب سقطت وإلا احتسبها عند الحول منها مع بقاء الأخذ على الاستحقاق
والمال على الوجوب وله استعادتها والصرف إلى غيره أو صرف غيرها إليه أو إلى الغير
وللقابض دفع العوض مثلا أو قيمة إن كانت ذات قيمة وقت القبض وإن كره المالك،
427

ولو خرج عن الاستحقاق وتعذرت الاستعادة غرم المالك.
ولو قال المالك: هذه الزكاة معجلة، فله الرجوع وإن لم يصرح بالرجوع والقول
قول المالك في دعوى قصد التعجيل أو ذكره مع اليمين على إشكال ينشأ من أن
المرجع إلى نيته وهو أعرف ومن إصالة عدم الاشتراط وأغلبية الأداء في الوقت، ولو
لم يذكر التعجيل وعلم الفقير ذلك وجب الرد مع الطلب، ولو انتفى العلم فالأقرب
عدم الرجوع، ولو تلفت في يد القابض ضمن المثل إن كان مثليا وإلا القيمة.
المطلب الثاني: في المخرج:
يتخير المالك بين الصرف إلى الإمام أو إلى المساكين أو إلى العامل أو إلى
الوكيل. والأفضل الإمام خصوصا في الظاهرة، فإن طلبها تعين فإن فرقها المالك
حينئذ أثم وفي الاجزاء قولان، وولي الطفل والمجنون كالمالك، ويجب أن ينصب
الإمام عاملا فيجب الدفع إليه لو طلبه وليس له التفريق بغير إذن الإمام فإن أذن
جاز أن يأخذ نصيبه، ويصدق المالك في الإخراج من غير بينة ويمين.
ويستحب دفعها إلى الفقيه المأمون حال الغيبة وبسطها على الأصناف وإعطاء
جماعة من كل صنف وصرفها في بلد المال وفي الفطرة في بلده والعزل مع عدم
المستحق ودعاء الإمام عند القبض على رأي ووسم النعم في القوي المنكشف وكتبة
ما يفيد التخصيص ويجوز تخصيص صنف بل واحد بالجميع ولا يجوز العدول بها إلى
الغائب مع وجود المستحق، ولا النقل من بلد المال معه وإن كان إلى بلد المالك
فيضمن ويأثم، ولو فقد المستحق جاز النقل ولا ضمان به، ولو عين الفطرة من
غائب ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه.
المطلب الثالث: في النية:
وهي القصد إلى اخراج الزكاة المفروضة والنافلة لوجوبها أو ندبها قربة إلى الله
ويشترط تعيين كونها زكاة مال أو فطرة ولا يشترط اللفظ ولا تعيين الجنس المخرج
428

عنه، فلو نوى عن أحد ماليه ولم يعين جاز، ولو قال: إن كان مالي الغائب باقيا
فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي نفل، أجزأ. ولو قال: إن كان باقيا فهذه زكاته
أو نفل، أو قال: هذه زكاة أو نفل، أو نوى عن مال مترقب التملك وإن حصل لم
يجز. ولو قال: إن كان الغائب سالما فهذه زكاته، فبان تالفا ففي النقل إلى غيره
إشكال.
ووقت النية عند إعطاء المالك للفقراء أو الساعي أو الإمام سواء نوى الإمام
حالة الدفع إلى الفقراء أو لا، ولو لم ينو المالك ونوى الإمام أو الساعي حالة الدفع
فإن كان أخذها كرها أجزأت لأنه أخذ الواجب وسقط اعتبار نية المالك بمنعه وإن
أخذها طوعا لم يجزئ فيجب على الإمام النية في الأول خاصة، ولو دفع إلى
وكيله ونوى حينئذ ونوى الوكيل حال الدفع أجزأ، ولو فقدت نية أحدهما لم يجزئ
على إشكال أقربه الاكتفاء بنية الوكيل، وولي الطفل والمجنون يتولى النية هو أو
الساعي أو الإمام.
المطلب الرابع: في بقايا مباحث هذا الباب:
إذا تلفت الزكاة بعد قبض الساعي أو الإمام أو الفقيه لم يضمن المالك ويبرأ
ذمته حين القبض ومع عدم هؤلاء والمستحق وإدراك الوفاة يجب الوصية بها، وأقل
ما يعطي الفقير عشرة قراريط أو خمسة دراهم على رأي استحبابا ولا حد للأكثر مع
اتحاد الدفع ويشترط مع الكثرة عدم الاستغناء، ولو دفع قرضا قبل الحول جاز
الاحتساب بعده وإن استغنى به لا بغيره، ولو تعدد سبب الاستحقاق جاز تعدد
الدفع، ولو فقد وارث المشتري من الزكاة ورثه الإمام على رأي، وأجرة الكيال
والوزان على المالك على رأي.
ويكره تملك ما تصدق به اختيارا إلا بميراث وشبهه، وفي تعلق الزكاة بالعين
احتمال الشركة لأخذ الإمام منها قهرا لو امتنع وعدمها لجواز اخراج القيمة فيحتمل
حينئذ تعلق الدين بالرهن إذ مع امتناع المالك من أداء الواجب يبيع الإمام من عين
429

النصاب إذا لم يشتمل على الواجب كما يباع الرهن وتعلق أرش الجناية برقبة العبد
لسقوطها بتلف النصاب كسقوط الأرش بتلف العبد فلو باع قبل الأداء صح، ويتبع
الساعي المال إن لم يؤد المالك فينفسخ البيع فيه ويتخير المشتري في الباقي، ولو لم
يؤد المالك من غيره ولم يأخذ الساعي من العين فللمشتري الخيار لتزلزل ملكه، ولو
أدى المالك من غيره فلا خيار لزوال العيب ويحتمل ثبوته لاحتمال استحقاق المدفوع
فيتبع الساعي المال.
الباب الثاني: في زكاة الفطرة:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: المكلف:
وهو كل كامل حر غنى، فلا يجب على الطفل ولا المجنون ولا من أهل شوال
وهو مغمى عليه ولا العبد قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم
يؤد شيئا فإن تحرر بعضه قسطت الفطرة عليه وعلى المولى بالحصص إلا أن يختص
المولى بالعيلولة فيختص بها ولا على الفقير وهو من لا يملك قوت سنة له ولعياله نعم
يستحب له اخراجها وإن أخذها فيدير صاعا على عياله ثم يخرجها، ولو بلغ قبل
الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو استغنى أو ملك عبدا أو ولد له وجبت وإلا استحبت
إن لم يصل العيد.
والكافر تجب عليه وتسقط بإسلامه ولا يصح منه أداؤها قبله، ولا تسقط عن
المرتد بالإسلام ويجب أن يخرجها عنه وعن كل من يعوله فرضا أو نفلا صغيرا كان
المعال أو كبيرا حرا أو عبدا مسلما أو كافرا.
فروع:
آ: الزوجة والمملوك يجب عليه فطرتهما وإن لم يعلهما إذا لم يعلهما غيره سواء كانا
حاضرين أو غائبين، ولو عالهما غيره وجبت على العائل.
430

ب: زكاة المشترك على أربابه بالحصص، فإن اختص أحدهم بالعيلولة تبرعا
اختص بها.
ج: لو اجتمع الدين وفطرة العبد على الميت بعد الهلال قسمت التركة عليهما
بالحصص مع القصور، ولو مات قبل الهلال فلا زكاة على الوارث ولا على غيره إلا
أن يعوله أحدهما والأقرب الوجوب على الوارث.
د: لو قبل الوصية بالعبد من الميت قبل الهلال فالزكاة عليه، ولو قبل بعده
سقطت وفي الوجوب على الوارث إشكال.
ه‍: لا تجب الزكاة على الموهوب له إلا بعد القبض، فلو مات الواهب قبله بطلت
الهبة ووجبت على الوارث، ولو مات المتهب قبل القبض بطلت.
و: كل من وجبت زكاته على غيره سقطت عنه كالزوجة والضيف الموسرين، ولو
كان الزوج معسرا وجبت نفقتها دون فطرتها والأقرب وجوبها عليها.
ز: الأمة زوجة المعسر فطرتها عن مولاها إن لم يعلها الزوج.
ح: لو أخرجت زوجة المعسر عن نفسها بإذن الزوج أجزأ وبدونه إشكال ينشأ من
التحمل أو الأصالة.
ط: المطلقة البائن الحامل فطرتها عليه إن جعلنا النفقة لها وإلا فلا.
ي: لو وقعت مهاياة بين المتحرر بعضه وبين مولاه فوقع الهلال في نوبة أحدهما وفي
اختصاصه بالفطرة إشكال.
يا: لا يسقط وجوب النفقة بالإباق فيجب الفطرة وكذا المرهون والمغصوب
والضال وإن انقطع خبره ما لم يغلب ظن الموت.
يب: نفقة زوجة العبد على مولاه وفطرتها.
المطلب الثاني: في وقتها:
وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، ولا يجوز تقديمها على الهلال إلا قرضا،
ويجوز تأخيرها بل يستحب إلى قبل صلاة العيد ويحرم بعده، ثم إن عزلها وخرج
431

الوقت أخرجها واجبا ببينة الأداء وإلا قضاها على رأي، ولو أخر مع الإمكان
والعزل ضمن ومع انتفاء الإمكان ينتفي الضمان والتحريم والحمل كالتأخير، ولو
أخر العزل مع عدم المستحق فلا إثم ويقضي.
ومستحقها هو مستحق زكاة المال.
ويستحب اختصاص القرابة ثم الجيران، وأقل ما يعطي الفقير صاع إلا مع
الاجتماع والقصور ولا حد للكثرة، ويتولى التفريق المالك ويستحب الإمام أو نائبه
ومع الغيبة الفقيه، وتجب النية فإن أخل بها لم يجزئه ويشترط قصد التعيين
والوجوب أو الندب والتقرب إلى الله.
المطلب الثالث: في الواجب:
وهو صاع مما يقتات غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز واللبن
والأقط، والدقيق والخبز أصلان ويخرج من غيرهما بالقيمة السوقية من غير تقدير
على رأي إن شاء والأفضل التمر ثم الزبيب ثم غالب القوت، ويجزئ من اللبن
أربعة أرطال بالعراقي على رأي والأقرب في الجبن والمخيض والسمن القيمة، ولا
يجزئ العنب والرطب والمعيب والمسوس، ولو اختلف قوت مالكي عبد جاز
اختلاف النوع على رأي والأقرب إجزاء المختلف مطلقا.
الباب الثالث: في الخمس:
ومطالبة أربعة:
المطلب الأول المحل:
إنما يجب الخمس في سبعة أشياء:
آ: غنائم دار الحرب وإن قلت سواء حواها العسكر أو لا مما ينقل ويحول
كالأمتعة أو لا كالأرض.
ب: المعادن جامدة منطبعة كالذهب والفضة والرصاص أو لا كالياقوت
432

والزبرجد والكحل أو سائلة كالقير والنفط والكبريت والمومياء.
ج: الكنز وهو المال المذخور تحت الأرض في دار الحرب مطلقا أو دار الاسلام
ولا أثر له للواجد وعليه الخمس سواء كان الواجد حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا وكذا
المعادن والغوص، ويلحق به ما يوجد في ملك مبتاع أو جوف الدابة مع انتفاء معرفة
البائع فإن عرف فهو أحق من غير يمين وما يوجد في جوف السمكة من غير احتياج
إلى تعريف والأقرب اشتراط عدم أثر الاسلام، ولو وجده في دار الاسلام وأثره عليه
فلقطة وإن كانت مواتا على رأي، ولو اختلف مستأجر الدار ومالكها في ملكية
الكنز قدم قول المالك مع اليمين على إشكال، ولو اختلفا في القدر قدم قول
المستأجر مع اليمين، ولو اختلف البائع والمشتري أو المعير والمستعير قدم قول صاحب
اليد.
د: ما يخرج من البحر كالجواهر واللآلئ والدرر.
ه‍: أرباح التجارات والصناعات والزراعات.
و: أرض الذمي إذ اشتراها من مسلم سواء كانت مما فيه الخمس كالمفتوحة
عنوة أو لا كمن أسلم أهلها عليها طوعا.
ز: الحلال الممتزج بالحرام.
المطلب الثاني: الشرائط:
يشترط في الغنائم انتفاء العصبية من مسلم أو معاهد، وفي المعادن اخراج المؤونة
من حفر وسبك وغيره والنصاب على رأي وهو عشرون دينارا، وفي الكنز هذان
الشرطان، وفي المأخوذ من البحر الغوص وبلوغ القيمة دينارا فلو أخذ منه بغير غوص
أو قلت قيمته عن الدينار سقط الخمس ولا يشترط اتحاد الغوص في الدينار بل لو
أخرج ما قيمته دينار في عدة أيام وإن تباعدت وجب الخمس، والعنبر إن أخرج
بالغوص اعتبر الدينار وإن أخذ من وجه الماء فمعدن، وفي الأرباح كونها فاضلة عن
مؤونة السنة له ولعياله من غير إسراف ولا تقتير، وفي الممتزج بالحرام الاشتباه في
433

القدر والمالك فلو عرفهما سقط ولو عرف المالك خاصة صالحه والمقدار خاصة أخرجه
ولا يعتبر الحول فيما يجب فيه الخمس لكن يؤخر ما يجب في الأرباح احتياطا
للمكلف.
المطلب الثالث: في مستحقيه:
وهم ستة: الله تعالى ورسوله ع وذو القربى وهو الإمام فهذه الثلاثة
كانت للنبي ع وهي بعده للإمام ع، واليتامى والمساكين وأبناء
السبيل. ويشترط انتساب الثلاثة إلى عبد المطلب وهم الآن أولاد أبي طالب
والعباس والحارث وأبي لهب سواء الذكر والأنثى ويعطي من انتسب بأبيه خاصة
دون أمه خاصة على رأي، وإيمانهم أو حكمه، وحاجة ابن السبيل في بلد التسليم لا
في بلده، وفقر اليتيم على رأي. ولا يعتبر العدالة ولا التعميم وإن استحبا، وينتقل
ما قبضه النبي أو الإمام بعده إلى وارثه وللإمام فاضل المقسوم على الكفاية للطوائف
مع الاقتصاد وعليه المعوز على رأي، ولا يجوز النقل مع وجود المستحق فيضمن ولا
ضمان مع عدمه.
المطلب الرابع: في الأنفال:
وهي المختصة بالإمام ع وهي عشرة: الأرض المملوكة من غير قتال
انجلى أربابها عنها أو سلموها طوعا، والموات تقدم الملك أو لا، ورؤوس الجبال،
وبطون الأودية وما بهما، والآجام، وصوافي الملوك، وقطائعهم غير المغصوبة من
مسلم أو معاهد، وغنيمة من يقاتل بغير إذنه، وميراث من لا وارث له، وله أن
يصطفي من الغنيمة ما شاء كثوب وفرس وجارية وغيرها من غير إجحاف.
ولا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه والفائدة حينئذ له وعليه الوفاء بما قطع ويحل
الفاضل، وأبيح لنا خاصة حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر وهي أن يشترى
الانسان ما فيه حقهم ع ويتجر فيه لا اسقاط الخمس من ربح ذلك
434

المتجر، ومع حضوره ع يجب دفع الخمس إليه، ومع الغيبة يتخير المكلف
بين الحفظ بالوصية به إلى أن يسلم إليه وبين صرف النصف إلى أربابه وحفظ الباقي
وبين قسمة حقه على الأصناف، وإنما يتولى قسمة حقه ع الحاكم.
435

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
437

كتاب الزكاة
وفصوله أربعة:
الأول:
تجب زكاة المال على البالغ العاقل الحر المتمكن من التصرف في الأنعام الثلاثة
والغلات الأربع والنقدين. وتستحب فيما تنبت الأرض من المكيل والموزون وفي مال
التجارة، وأوجبها ابن بابويه فيه، وفي إناث الخيل السائمة ديناران عن العتيق ودينار عن
غيره، ولا يستحب في الرقيق والبغال والحمير.
فنصب الإبل اثنا عشر: خمسة كل واحد خمس، في كل واحد شاة، ثم ست
وعشرون بنت مخاض، ثم ست وثلاثون بنت لبون، ثم ست وأربعون حقة، ثم إحدى
وستون فجذعة، ثم ست وسبعون فبنتا لبون، ثم إحدى وتسعون حقتان، ثم كل خمسين
حقة وكل أربعين بنت لبون.
وفي البقر نصابان: ثلاثون فتبيع أو تبيعة، وأربعون فمسنة.
وللغنم خمسة: أربعون فشاة، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثم مائتان وواحدة
فثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع على الأقوى، ثم في كل مائة شاة.
وكل ما نقص عن النصاب فعفو ويشترط فيها السوم والحول بمضي أحد عشر شهرا
هلالية، وللسخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي، ولو ثلم النصاب قبل الحول فلا شئ
ولو قربه ويجزئ الجذع من الضأن والثني من المعز، ولا تؤخذ الربا ولا ذات العور ولا
المريضة ولا الهرمة، ولا تعد الأكولة ولا فحل الضراب، وتجزئ القيمة ومن العين
439

أفضل، ولو كانت النعم مرضى فمنها، ولا يجمع بين مفترق في الملك ولا يفرق بين مجتمع
فيه.
وأما النقدان يشترط فيهما النصاب والسكة والحول. فنصاب الذهب عشرون دينارا ثم أربعة دنانير،
ونصاب الفضة مائتا درهم ثم أربعون درهما، والمخرج ربع العشر من
العين وتجزئ القيمة.
وأما الغلات: فيشترط فيها التملك بالزراعة أو الانتقال قبل انعقاد الثمرة والحب،
ونصابها ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي، ويجب في الزائد مطلقا، والمخرج العشر إن
سقى سيحا أو بعلا أو عذيا ونصف العشر بغيره، ولو سقى بهما فالأغلب، ومع
التساوي ثلاثة أرباع العشر.
الفصل الثاني:
إنما تستحب زكاة التجارة مع الحول وقيام رأس المال فصاعدا ونصاب المالية
فتخرج ربع عشر القيمة، وحكم باقي أجناس الزرع حكم الواجب، ولا يجوز تأخير الدفع
عن وقت الوجوب مع الإمكان فيضمن ويأثم ولا تقدم على وقت الوجوب إلا قرضا
فتحتسب عند الوجوب بشرط بقاء القابض على الصفة، ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلا
مع إعواز المستحق فيضمن لا معه، وفي الإثم قولان ويجزئ.
الفصل الثالث: في المستحق:
وهو الفقراء والمساكين ويشملهما من لا يملك مؤونة سنة، والمروي أن المسكين أسوأ
حالا، والدار والخادم من المؤونة، ويمنع ذو الصنعة والصنيعة إذا نهضت بحاجته وإلا
تناول التتمة لا غير، والعاملون وهم السعاة في تحصيلها، والمؤلفة قلوبهم وهم كفار
يستمالون إلى الجهاد قيل: ومسلمون أيضا، وفي الرقاب وهم المكاتبون والعبيد تحت
الشدة، والغارمون وهم المدينون في غير معصية، والمروي: أنه لا يعطي مجهول الحال
ويقاص الفقير بها وإن مات أو كان واجب النفقة، وفي سبيل الله وهو القرب كلها،
440

وابن السبيل وهو المنقطع به ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه ومنه
الضيف.
وتشترط العدالة في من عدا المؤلفة، ولو كان السفر معصية منع، ويعطي الطفل ولو
كان أبواه فاسقين وقيل: المعتبر تجنب الكبائر. ويعيد المخالف الزكاة لو أعطاها مثله
ولا يعيد باقي العبادات ويشترط أن لا يكون واجب النفقة على المعطى ولا هاشميا إلا
من قبيله أو تعذر الخمس.
ويجب دفعها إلى الإمام مع الطلب بنفسه أو بساعيه، قيل: والفقيه في الغيبة ودفعها
إليهم ابتداء أفضل وقيل: يجب. ويصدق المالك في الإخراج بغير يمين.
وتستحب قسمتها على الأصناف وإعطاء جماعة من كل صنف ويجوز للواحد
والإغناء إذا كان دفعة، وأقل ما يعطي استحبابا ما يجب في أول النقدين، ويستحب
دعاء الإمام أو نائبه للمالك ومع الغيبة لا ساعي ولا مؤلف إلا لمن يحتاج إليه، وليخص
بزكاة النعم المتجمل وإيصالها إلى المستحيين من قبولها هدية.
الفصل الرابع: في زكاة الفطرة:
وتجب على البالغ العاقل الحر المالك قوت سنته عنه وعن عياله ولو تبرعا، وتجب على
الكافر ولا تصح منه، والاعتبار بالشرط عند الهلال، ويستحب لو تجدد السبب ما بين
الهلال إلى الزوال، وقدرها صاع من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز أو
الأقط أو اللبن، وأفضلها التمر ثم الزبيب ثم ما يغلب على قوته، والصاع تسعة أرطال،
ولو من اللبن في الأقوى، ويجوز اخراج القيمة بسعر الوقت.
وتجب النية فيها وفي المالية، ومن عزل إحديهما لعذر ثم تلفت لم يضمن ومصرفها مصرف
المالية، ويستحب أن لا يقصر العطاء عن صاع إلا مع الاجتماع وضيق المال،
ويستحب أن يخص بها المستحق من القرابة والجار ولو بان الآخذ غير مستحق ارتجعت،
ومع التعذر يجزئ إن اجتهد إلا أن يكون عبده.
441

كتاب الخمس
ويجب في الغنيمة بعد اخراج المؤن والمعدن والغوص وأرباح المكاسب والحلال
المختلط بالحرام ولا يتميز ولا يعلم صاحبه والكنز إذا بلغ عشرين دينارا قيل: والمعدن
كذلك. وقال الشيخ في الخلاف: لا نصاب له. واعتبر أبو الصلاح فيه دينارا، كالغوص
وأرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ولم يذكرها كثير، وأوجبه أبو الصلاح في الميراث
والصدقة والهبة وأنكره ابن إدريس والأول أحسن. واعتبر المفيد في الغنيمة والغوص
والعنبر عشرين دينارا عينا أو قيمة، والمشهور أنه لا نصاب للغنيمة، ويعتبر في الأرباح
مؤونته ومؤونة عياله مقتصدا.
ويقسم ستة أقسام: ثلاثة للإمام ع تصرف إليه حاضرا وإلى نوابه غائبا
أو تحفظ، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين بالأب وقال المرتضى:
وبالأم. ويشترط فقر شركاء الإمام، ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولا
يعتبر العدالة ويعتبر الإيمان.
ونفل الإمام أرض انجلى عنها أو تسلمت طوعا أو باد أهلها، والآجام، ورؤوس
الجبال، وبطون الأودية وما يكون بها، وصوافي ملوك الحرب، وميراث فاقد الوارث،
والغنيمة بغير إذنه. أما المعادن فالناس فيها شرع.
442