الكتاب: المتعة النكاح المنقطع
المؤلف: مرتضى الموسوي الأردبيلي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

المتعة
" النكاح المنقطع "
مرتضى الموسوي الأردبيلي
1

تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في الجزء العشرين من (مجموع الفتاوى) للشيخ أحمد بن عبد الحليم ابن
تيمية الحراني الحنبلي المتوفي في محبس مراكش سنة 728 ه‍ (1):
أن عبد الله بن عمر سئل عن المتعة، فأمر بها، فعارضوه بقول أبيه، فقال: إنه لم
يرد ما يقولونه! فألحوا عليه فقال لهم: أمر رسول الله أحق أن يتبع أم أمر عمر؟!
وان رجلا ناظر عبد الله بن العباس في المتعة بقول عمر فقال ابن عباس: يوشك
أن تنزل عليكم حجارة من السماء: أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر
وعمر! (2)
وجاء في كتاب " فقه عمر بن الخطاب " للدكتور وهبة الزحيلي السوري الحنفي،
عن ابن عباس كان يقول: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة

(1) هدية الآجاب: 60.
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 20: 215 و 251.
5

محمد (ص)، ولولا نهي عمر عنها ما اضطر إلى الزنى الا شقي (1)، كذا بالقاف.
ورواه الطريحي في " مجمع البحرين ": " فلولا نهيه ما احتاج إلى الزنى إلا شفي "
بالفاء، أي: إلا قليل، من قولهم: غابت الشمس إلا شفي، أي: إلا قليل من ضوئها لم
يغب. وروي قبله حديث علي (عليه السلام) قال: " لولا ما سبق إليه بنو الخطاب ما زنا من
الناس إلا شفي " (2).
ثم قال الطريحي: والمراد بما سبقه: تحريم عمر المتعة، فإنه هو الذي حرمها بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم تكن محرمة في زمانه، ولا في زمان الأول من الخلفاء (3).
وحديث علي (عليه السلام) هذا رواه الترمذي في صحيحه.
وانتصرت الثورة الإسلامية بقيادة قائدها الفذ الإمام الخميني " قدس سره " ودعا
المسلمين إلى الاتحاد، ولا سيما في حجهم، وأوصى أهل العلم المرشدين للحجاج
الإيرانيين بأن يصلوا في حجهم بصلاة سائر المسلمين، ويلتقوا بأئمتهم وفقهائهم
وعلمائهم، ويدعونهم إلى موائدهم في منازلهم.
وقبل أكثر من خمسة عشر عاما بعد انتصار الثورة الإسلامية بخمس سنين
تقريبا، تشرفت بالحج إلى تلك الديار المقدسة بوصفي مرشدا لقافلة من الحجاج
الإيرانيين، وفي مكة المكرمة التقيت بأحد أئمة الجماعات، كان من أساتذة " جامعة
أم القرى " وعضوا في " الدعوة والإرشاد " يدعى الشيخ عبد السميع، يحمل الجنسية
السعودية من أصل باكستاني، ودعوته إلى الغداء في منزلنا، واستجاب، ودار الحوار
حتى أتى على " المتعة " وكان يدعي الاجتهاد فقال:

(1) فقه عمر بن الخطاب: 95 للدكتور الزحيلي.
(2) الوافي 12: 53.
(3) مجمع البحرين 1: 247.
6

- منذ رأيت حديث صحيح الترمذي عن علي (عليه السلام) في المتعة: " لولا نهى عنها عمر
لما زنى إلا شفي "، وبدعم من دليل العقل ذهبت إلى أن الحق معكم في استمرار
جواز المتعة.
ودليله العقلي لذلك كان: أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين (1)، وقد قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه (2) ولهم حاجات، وكثير منها لدى الغرب
الكافر، والقيام بالحاجات واجب كفائي على المسلمين، وطلب العلم لرفع هذه
الحاجات مقدمة للواجب، فهل يقبل الإسلام أن يبقى المسلمون محتاجين لرفع
حاجاتهم إلى الغرب؟! أو الأوفق بروح الإسلام أن يرحل بعضهم إلى الغرب فيطلبوا
العلوم الصناعية ليكتفوا ما أمكن لرفع حاجاتهم بأنفسهم؟ وطبيعي أن يكون هؤلاء
من شبابهم، وليس ميسورا أن يكونوا مزوجين، فهم شباب مجردون بلا أزواج في
الحياة الغربية الإباحية والخلاعية، فهل يكونون كما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: * إياك إياك أن تبتل بالماء!
أم ماذا؟ وهنا قال الشيخ عبد السميع المذكور: بهذه الدلالة العقلية اهتديت إلى
صحة حديث الترمذي عن علي (عليه السلام)، فصحة مذهبكم في استمرار جواز المتعة
كطريق وحل وحيد معقول لهذه المشكلة الاجتماعية، مذعنين لأثره في الإصلاح
الاجتماعي.
ومؤلف هذا الكتاب في هذا الباب أخونا العلامة الخطيب السيد مرتضى
الموسوي الأردبيلي النجفي، وبمقتضى قيامه بمهام التبليغ الديني الإسلامي في
الغرب وبالخصوص في ألمانيا، كان يواجه هذه المشكلة بين الشباب المسلم

(1) اقتباس من الآية الثامنة في سورة " المنافقون ".
(2) كشف اليقين: 108 ومثله عن الصادق (عليه السلام) في مشكاة الأنوار للطبرسي: 48.
7

الملتزم هناك ويراجعونه بهذا الصدد كثيرا، ومن جانب آخر يواجه كثيرا من
الشكوك والشبهات على المجوزين لهذا النكاح الشرعي المؤجل المؤقت، ومع
وجود غير واحد من الكتب المنشورة فيه، رأى الحاجة لا زالت قائمة إلى المزيد من
البحث والدراسة والتحقيق فيه، بغية أن يكون الكتاب اللاحق أجمع وأشمل وأكثر
استيعابا وتقصيا وتحقيقا في الموضوع، " فكم ترك الأول للآخر " فقام بهذا الجهد
مشكورا، والحق أنه جاء كما حاول، فلله دره وعليه أجره، وشكر الله مساعيه
المحمودة.
محمد هادي اليوسفي الغروي
قم المقدسة
ربيع 2 / 1420 ه‍ ق
8

المقدمة والأهداف:
موضوع النكاح المنقطع هو من المواضيع التي يجدر بنا الاهتمام به لا سيما في
عصرنا الملئ بالمغريات والهمجية الجنسية المتفشية في دول العالم وعلى الأخص
في الدول الغربية حيث أنذر علماء الاجتماع بوقوع خطر يقضي على كيان هذه
الشعوب مما حفز بعض زعماء هذه الدول والعلماء للتفكير في هذا الموضوع بجدية
والبحث عن الطرق والأساليب الكفيلة لمنع تفاقم الأمر أكثر فأكثر.
فقد خطب رئيس الجمهورية الفرنسية السابق: فرانسوا ميتران أيام حكومته
واشتكى من آثار الأفلام الأمريكية التي تبث الدعارة وتشجع على الخشونة.
وكذلك، أنذر المسؤولون الكنديون المجتمع من آفات تلك الأفلام وأما البلدان
الإسلامية فقد صبت الدول الكبرى حمم إعلامها المكثف وبدأت تروج فيها ثقافتها
المنحطة لتسلب من شعوبها إرادتها وإشغالها عما يجرى من المؤامرات عليها
وبالتالي تصدير منتجاتها وبيعها في أسواقها.
فالمدارس والجامعات المختلطة ودور السينما ومدن الملاهي ومحلات الفحشاء
وحوانيت الخمور والصور الخلاعية وأفلام الفيديو ووسائل الإعلام الأخرى مثل
الإذاعة والتلفزيون والكتب والمجلات وأوراق الدعايات وما يلصق على البضائع
الاستهلاكية ومحلات الرقص والغناء التي تديرها أيادي مشبوهة مع فنانين تربوا
9

بتربية الغرب حيث لا هم لهم الا جمع المال وهم لا يزنون للدين والوطن والمجتمع
أي زنة، خير شاهد على ما نقول.
وإن قبلنا ما نقله المخالفون للمتعة عن الخليفة عمر وابن عباس من أنها تحل
للمضطر، وأخذنا هذا الجانب فقط بنظر الاعتبار بالمقايسة ما بين عصر الرسالة
وعصرنا، لوجدنا الاختلاف الكبير بينهما كالثرى والثريا.
وإن كانت المتعة حلالا للضرورة (بنظر المخالفين) في عصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)
الذي كان المحور لأصحابه، ونورا يحوم حوله المؤمنون كالفراش وينتهلون من
منهله العذب ويترفعون عن الحرام بالاستفادة من معناه الرفيع. ولم تكن نساء
الصحابة بأقل ايمانا من أزواجهن، فكن يدنين عليهن من جلابيبهن ويضربن
بخمرهن على جيوبهن، فلا يرى لهن وجه ولا يسمع لهن صوت خاضع كي لا يطمع
الذي في قلبه مرض. وأما النساء المشركات أو الفاسدات، فغاية ما كانت الواحدة
تقوم به من استهواء الرجال وجلب انظارهم هو أن تضرب على الأرض برجلها
ليسمع صوت خلخالها، أو تبدي زينتها أو تتخذ خدنا ممن تهواه وذلك خوفا من
الفضيحة. وأين ضرورة ذلك اليوم من عصرنا هذا؟ فلا يوجد مكان الا وملؤه فساد و
اغراء، وحتى إن أغلق أحد باب بيته واختار عقر داره للانزواء عن المجتمع فشاشة
التلفزيون تلاحقه وأفراد عائلته من مختلف القنوات الفضائية.
وأما العلل التي دعتني للتحقيق في هذا الموضوع (النكاح المنقطع) فهي كما
يلي:
1 - كثرة الأسفار إلى أوروبا والاطلاع على الوضع المأساوي القائم هناك من
وجود الحرية الجنسية ونوع من الإباحية مما سهل لشبابنا المسلمين الارتباط مع
النساء الغربيات، أو أن الامتيازات الموجودة عند العوائل المسلمة، حثت المرأة
الأوربية بالبحث عن الشرقيين، فمنها: تقيد المسلمين والالتزام بالمعاشرة مع نسائهم
10

والانفاق عليهن والعلاقات الطيبة الموجودة لديهم، مما حدا بها إلى أن تتقبل كل
الشروط التي تملى عليها ومنها ترك المسيحية واعتناق الإسلام. ولكن الثفافتين
المتخالفتين تجر هذا النوع من الزواج أحيانا إلى الفشل وبالنتيجة يفترق الزوجان
ثم تبدأ المصيبة بعد ذلك حيث تحكم المحكمة للمرأة باستلام الأطفال المسلمين
ومن ثم تربيتهم بتربية المسيحيين..
2 - كثرة المراجعات من الشباب المسلمين لإجراء عقود المتعة مع المسيحيات
وتنوع الأسئلة في هذا الباب.
3 - طرح هذا الموضوع في خطبتي صلاة الجمعة في طهران وبعض أئمة الجمع
في سائر المدن مما أدى إلى مناقشته في الجرائد والمجلات وأصبح حديث الشارع
العام وعم الجدل بين الموالفين والمخالفين مصحوبا بعصبية و أحاسيس، كما حدث
لي ذلك كرارا ومرارا:
أما آراء المخالفين فهي كما يلي: الف - حلية التمتع تحث أهل الهوى بإساءة
الاستفادة منها.
ب - مخالفة النساء وقلقهن من ايجاد الوساوس لرجالهن بأن يصبحوا
" ذواقين ".
ج - يقول بعض المخالفين من المتدينين: إن المتعة ستعطي الحرية الجنسية
صيغة قانونية للرجال والنساء وبالنهاية يعود الفساد والفحشاء الموجودان في النظام
السابق مرة أخرى بلباس الدين.
د - قلق بعض علماء الاجتماع من أن المتعة ستهدد أساس العلاقات الزوجية.
ه‍ بعض النساء الجامعيات يتصورن أن النساء ستصبح ألعوبة بيد الأهواء
الشيطانية للرجال وأنها ستتبدل إلى بضاعة مزجاة للاستفادة منهن بأمد معين وهذا
هو إهانة للمرأة.
11

و - المفتونون بالثقافة الغربية يعتبرون المتعة والتعددية في الزواج أفكارا رجعية
وحصيلة قرون وسطانية فلا تناسب التقدم البشري، ويفسرون العلاقات الجنسية
القائمة في الغرب بأنها وليدة التطور والازدهار.
والموافقون للمتعة على قسمين: الف - قسم يقول بأنها حكم من أحكام
الله ولله في تشريعها حكمته الخاصة. بدون أن يفكر هؤلاء في الآثار الاجتماعية
السلبية منها والإيجابية بنظر الاعتبار.
ب - وآخرون ينظرون إلى الموضوع بعمق وتدبر فيقولون: إن أكثر الشباب في
هذا الجو السائد لا يستطيعون أن يتزوجوا دواما، وهم في أعلى درجات الغريزة
الجنسية وأشدها، فإما يلزم لهم أن يحرموا أنفسهم من طيبات ما أحل الله
ويستعدون لطي مرحلة رهبانية مؤقتة! يروضون خلالها أنفسهم على التحمل حتى
تتهيأ لهم إمكانية الزواج. والطبيعة تأبى أن تعفيهم من الوقوع تحت تأثير العوامل
النفسية السيئة والخطيرة الناتجة عن الامتناع من ممارسة مقتضيات الغريزة الجنسية
والتي كشفت عنها الدراسات العصرية.
والوضع الاجتماعي من حيث السكن ووجود المدارس والجامعات و.... مما
سبب تقارب الذكر والأنثى مع البعض وكذلك وجود المغريات التي تشغل وتؤجج
نار الغريزة الجنسية عند الشباب وإما أن نأذن للشاب بالاتصال بعشرات الفتيات،
أو نأذن للفتاة بأن تعاشر عشرات الشباب بصورة غير شرعية وتسقط جنينها حيثما
شاءت و.... ولذلك يعتقد هؤلاء بأن المتعة التي تحدد علاقات المرأة بالرجل
وتمنعهم من السقوط في المهالك وارتكاب المحرمات، هي الخيار الوحيد لحل هذه
المشكلة الاجتماعية التي كانت ولا تزال ثغرة يمكن لأعداء الإسلام الدخول منها.
كما قال تعالى: " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " (1).

(1) النساء: 27.
12

4 - الإعلام الوهابي المركز في كل المناطق والذي يعتبر المتعة وصمة عار في
جبين الشيعة ونقطة ضعف كبيرة لهم، والتصور الشائع عند الإخوان السنة من أن هذا
النكاح هو الزنى والسفاح (1) بعينهما، حيث كان يعتبر كعقبة عند بعض
المستبصرين الجدد لعدم اطلاعهم الكامل على أحكامه وحتى عن الرأي الحقيقي
لكبار علماء السنة وطرق الاستدلال للبعض منهم بحرمتها فكان الشرح الوجيز
كافيا لاقناعهم.
وأما ما استهدفته من كتابة هذه الرسالة فهو كما يلي:
1 - تبيين حقيقة النكاح المنقطع لمن يريد الاطلاع عليها.
2 - ذكر أحكامها بصورة تفصيلية لشبابنا المسلمين في أوربا لكي لا يقع البعض
منهم في الحرام.
3 - جلب أنظار أهل المنطق والمثقفين والأحرار من إخواننا السنة إلى ما يلي:
الف - إن التحقيق في موضوع المتعة فقط يكفي لمعرفة ضعف كثير من
المرويات الأخرى الموجودة في كتب الصحاح وغيرها.
ب - كيف يصبح الخبر الواحد الذي لا أصل له ناسخا للقرآن وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله)
وعمل الصحابة، مشهورا يملأ الآفاق؟ وفي المقابل كيف تصبح الأحاديث الصحيحة
المتواترة التي لا تقبل الشك والترديد وهي تعين مصير الأمة الإسلامية، خفية لا
يعلم بها أحد الا القليل النادر مثل حديث الغدير والثقلين وغيرهما من الأحاديث.

(1) يقول الجصاص في كتابه أحكام القرآن 2 / 180: فسمي الزنى سفاحا لانتفاء أحكام النكاح
عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة
كانت في معنى الزنى. ويقول في 181: والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب! فعلمنا أنها ليست
بنكاح. ويقول أيضا: والمتعة لا توجب عدة الوفاة! والحال أنه يقول في 179: من استأجر امرأة
وزنى بها لاحد عليه!!.
13

ولأجل التحقيق في الموضوع يمكن مراجعة كتاب " الغدير " للعلامة الأميني
وكتب السيد مرتضى العسكري مثل " معالم المدرستين " و " أحاديث أم المؤمنين
عائشة " و " مئة وخمسون صحابي مختلق " و " عبد الله بن سبأ " وكذلك كتب
الدكتور التيجاني مثل: " ثم اهتديت " " فاسألوا أهل الذكر " " لأكون مع الصادقين " و
" الشيعة هم أهل السنة ". وكذلك كتب المحامي الدكتور أحمد حسين يعقوب مثل
" الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية " و " عدالة الصحابة " وغيرها، وذلك
للتعرف على خبايا الأمور ومجريات الأحداث والقرارات المتخذة خلف الكواليس
لأجل القضاء على الدين المحمدي الأصيل.
ج - المتعة التي اتهم بها الشيعة وبهذه الصورة والكيفية المذكورة في كتب السنة
ليس لها أي أساس من الصحة، وكذلك ما ينسب إليهم من تحريف القرآن وسب
الصحابة وخطأ جبرائيل و.... فهو من وضع الحكام الظالمين وخدمهم، ومذهب أهل
البيت (عليهم السلام) منها براء. وينبغي للمسلم أن يترفع عن توجيه الاتهامات لأخيه المسلم
من دون تحقيق، ولا يكتفي بالمسموعات وقراءة الكتب التي دأبت على معاداة أهل
بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، بل يراجع الكتب والمصادر المعتمدة لدى الشيعة ثم يناقش الأفكار
مع علمائهم وبالتالي يبدي رأيه. قال تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع
والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " (1).
د - ليس الهدف من كتابة هذه السطور ذكر أخطاء بعض الصحابة الذين ذهبوا
إلى ربهم قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا، فرضي الله عن المحسنين منهم وغفر الله
لمن يستحق الغفران، كما وأنه لا يهمنا نفاق المنافقين الذين لا تربطنا بهم علاقة
تشريع أو أحكام، فالله أعلم بما يفعل بهم، وانما الذي نقوله: هو اننا لا نقبل بأي
تشريع في مقابل شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي جاء بها من عند الله، من قبل اي صحابي

(1) سورة الإسراء: 36.
14

ومهما بلغت منزلته، وإن الاجتهاد في مقابل النص باطل ولا قيمة له، ولا يجوز
تغيير أحكام الإسلام بحجة اجتهاد الصحابة، أو نسبة الاجتهاد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في
مجال التشريع، قال تعالى: " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (1).
وهذه هي نقطة الخلاف، وهذه هي الثغرة التي أوجدت الفراغ في الأحكام السياسية
والاقتصادية و.... وسيتأكد السابر في صفحات هذه الرسالة على صحة ما قلناه كما
وسيلاحق بقية الأحكام التي غيرت و حرفت... للوصول إلى النتيجة المطلوبة.
ه‍: إننا اليوم بحاجة ماسة إلى توحيد الصف ونبذ الخلافات المعتمدة على
الشائعات والأكاذيب والظنون، " وما يتبع أكثرهم الا ظنا وإن الظن لا يغني من الحق
شيئا " (2) " إن يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس " (3)، " وما لهم به من علم إن
يتبعون الا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " (4).
ولكن لا يمكن أن تتحقق الوحدة الإسلامية من دون الاطلاع على الآراء.
فان كان الحكام الظالمون في يوم ما يتربصون بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم الدوائر
ويتتبعونهم تحت كل حجر ومدر، ويزجون بهم في السجون وظلم المطامير،
ويكيلون عليهم الاتهامات لمصالحهم الدنيوية. ويتناقل رواتهم تلك الاتهامات خلفا
عن سلف و.... فان هذا العصر يختلف كثيرا عن تلك الظروف. مضافا إلى وجود
التقنية العالية في الارتباطات وامكانية التعرف على فكر الآخرين من مسافة آلاف
الكيلومترات خلال بضعة دقائق. فإنه يقطع كل الحجج التي يمكن ان يحتج بها
الإنسان أمام ربه يوم القيامة.

(1) سورة الحشر: 7.
(2) سورة يونس: 36.
(3) سورة النجم: 23.
(4) سورة النجم: 28.
15

فلماذا نفسح المجال للمستشرقين المسيحيين للتحقيق في أفكارنا وذلك لأجل
القضاء على مجدنا وعظمتنا الإسلامية، ونحن غير مطلعين على أراء بعضنا؟ وأنا
بدوري أؤكد أنه لا توجد مكتبة لعالم شيعي الا ولكتب علماء السنة السهم الوافر
فيها، ويا حبذا لو كان هذا العمل بصورة متقابلة حتى لا يقع الإخوة في الأخطاء
التي وقع بها السلف.
و - اعتذار: ما كتب في هذه الرسالة لا يخلو من أخطاء، وخصوصا مع كثرة
الأسفار والاشتغالات الأخرى وقلة المصادر عندي وعدم الاستمرار الدؤوب في
التحقيق، ولذلك استميح القراء الأعزاء عذرا، فان وجدوا فيه من العيب ما يستحق
المراسلة فجزاهم الله خيرا، ورحم الله من أهدى إلي عيوبي.
16

بسم الله الرحمن الرحيم
" المتعة " النكاح المنقطع
17

تعريفه:
النكاح: هو الوطي، ويقال للعقد، وقيل مشترك بينهما، وقيل حقيقة في الوطي
مجاز في العقد.
وهو في الشرع: عقد لفظي مملك للوطئ ابتداء. وهو من المجاز تسميته للسبب
باسم مسببه (1).
نكح: النون والكاف والحاء أصل واحد وهو البضاع، ونكح ينكح وامرأة ناكح
في بني فلان: اي ذات زوج منهم، والنكاح يكون العقد دون الوطئ، يقال: نكحت
اي تزوجت وأنكحت غيري (2).
وفي الجواهر عن محكي " المغرب ": أصل النكاح الوطئ ثم قيل للتزويج نكاح
مجازا لأنه سبب للوطئ، ولا ينافيه ما عن " القاموس " من أنه (الوطئ والعقد)
لأنه كثيرا ما يخلط بين الحقيقة والمجاز واللغة والشرع، بل قيل في الشرع كذلك.
وقيل: إن أصله الالتقاء، وعن " المصباح المنير ": يقال: إنه مأخوذ من نكحه الدواء
إذا خامره وغلبه، أو من تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض،. أو من نكح
المطر الأرض إذا اختلط بثراها.
وعلى هذا فيكون النكاح مجازا في العقد والوطئ جميعا، لأنه مأخوذ من
غيره، ويؤيده أنه لا يفهم العقد والنكاح الا بقرينة، وذلك من علامات المجاز (3).
كلمة النكاح تفيد عدة معاني في لغة القرآن:

(1) مجمع البحرين، مادة نكح.
(2) معجم مقاييس اللغة.
(3) الجواهر: 29 / 5.
19

1 - ما كني بالنكاح عن العقد. قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن... " (1) الخ، والمس: الدخول.
2 - نكاح أخر وهو اسم للوطئ والعقد في قوله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره " (2) بيانا لحكم التطليقة الثالثة وهو الحرمة حتى
تنكح زوجا غيره وقد نفى الحل عن نفس الزوجة مع أن المحرم إنما هو عقدها أو
وطؤها ليدل به على تعلق الحرمة بهما جميعا وليشعر قوله تعالى: " حتى تنكح
زوجا غيره " بالعقد والوطئ جميعا، وأريد به العقد والوطئ معا كناية مؤدبة (3).
3 - نكاح لا وطئ ولا عقد، وهو بمعنى الحلم والعقل وهو قوله تعالى: " وابتلوا
اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح " (4) الخ، الابتلاء: هو الامتحان والمراد من بلوغ
النكاح بلوغ أوانه.
4 - نكاح لا عقد ولا وطئ ولا حلم ولكن سمي المهر باسم النكاح. قال
تعالى: " وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا " (5). يعني عدم القدرة على المهر
والنفقة.
5 - نكاح أخر وهو قوله تعالى: " الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة " ومعناه في
هذا المورد هو السفاح. يقول السيد الخوئي " قدس " في تفسيره (البيان ص 363):
فالظاهر أن المراد من النكاح في الآية هو الوطئ، والجملة خبرية قصد بها
الاهتمام بأمر الزنى، ومعنى الآية: أن الزاني لا يزني الا بزانية أو بمن هي أخس

(1) الأحزاب: 49.
(2) البقرة: 230.
(3) الميزان 2 / 236.
(4) النساء: 6.
(5) النور: 33.
20

منها وهي المشركة، وأما المؤمن فهو ممتنع عن ذلك لأن الزنى محرم وهو لا
يرتكب ما حرم عليه.
المنقطع: اسم فاعل من باب الانفعال وهو صفة للنكاح. وبعد التعاريف المذكورة
وبقرينة: المنقطع هو: النكاح المؤجل والمفتقر إلى تعيين الأجر والأجل، أو ما يقال
عنه الزواج المؤقت، أو النكاح إلى أجل، أو العقد المنقطع. وكل ما ذكر ليس اسما
خاصا. واما الاسم المعبر أو اللفظ الخاص لهذا النوع من النكاح والذي هو عرف
الشريعة في القرآن والسنة النبوية هو: المتعة، بناء على ما أثبتناه في البحث.
ولفظ المتعة (بالضم والكسر): مشتق من متع يمتع متوعا اسم للتمتيع ويفيد
الاستمتاع والالتذاذ وهو: ما ينتفع انتفاعا غير باق بل ينقضي عن قريب.
وقد ذكر الله تعالى المتاع والتمتع والاستمتاع والتمتيع في مواضع من كتابه و
معانيها وإن اختلفت مراجعها إلى أصل واحد.
قال الأزهري: فكل متاع في الأصل وكل شئ ينتفع به ويتبلغ به ويتزود
والفناء يأتي عليه في الدنيا.
والمتعة اصطلاحا: أن تتزوج امرأة تتمتع بها أياما ثم تخلي سبيلها (1).
حقيقة النكاح في فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): أن تزوج المرأة نفسها أو يزوجها
وكيلها أو وليها إن كانت صغيرة لرجل تحل له، ولا يكون هناك مانع شرعا من نسب
أو سبب أو رضاع أو عدة أو إحصان، بمهر معلوم إلى أجل مسمى، وتبين عنه
بانقضاء الأجل، أو أن يهب الرجل ما بقي من المدة، وتعتد المرأة بعد المباينة مع
الدخول وعدم بلوغها سن اليأس بقرءين إن كانت ممن تحيض، والا فبخمسة

(1) ابن دريد الجمهرة 2 / 22 لسان العرب مادة (منع)، القاموس المحيط مادة (متع) نقلا عن
كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام.
21

وأربعين يوما، وإن لم يمسسها فهي كالمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها. وشأن
المولود من النكاح شأن المولود من الدائم في جميع احكامه (1).
النكاح المنقطع عند السنة: في تفسير القرطبي عن ابن عطية: وكانت المتعة أن
يتزوج الرجل بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما، و
يعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس عليها سبيل، وتستبري رحمها لأن
الولد لا حق فيه بلا شك، فإن لم تحمل حلت لغيره. وعن ابن عباس قال: عدتها
حيضة ولا يتوارثان. (2).
المتعة في القرآن:
" والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن
فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، ان الله كان عليما حكيما " (3).
تفسير الآية بصورة اجمالية من كتب الشيعة والسنة: ذكر الطبرسي في تفسيره
" مجمع البيان ": وقيل المراد به (بالاستمتاع) نكاح المتعة وهو النكاح المنعقد بمهر
معين إلى أجل معلوم، عن ابن عباس، والسدي، وابن سعيد، وجماعة من التابعين،
وهو مذهب أصحابنا الإمامية، وهو الواضح، لأن لفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان
في الأصل واقعا على الانتفاع والالتذاذ فقد صار يعرف في الشرع مخصوصا بهذا
العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء، فعلى هذا يكون معناه: فمتى عقدتم
عليهن هذا العقد المسمى متعة فآتوهن أجورهن، ويدل على ذلك أن الله علق

(1) نكاح المتعة من كتابي شرح اللمعة وشرائع الإسلام.
(2) نقل بالمعنى من كتاب معالم المدرستين 1 / 251.
(3) النساء: 24
22

وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص،
دون الجماع والاستلذاذ، لأن المهر لا يجب الا به، هذا وقد روى جماعة من
الصحابة منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود أنهم قرأوا: " فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " وفي ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة (1).
وذكر العلامة الطباطبائي في تفسير " الميزان " ما يلي: والجملة أعني قوله: " فما
استمتعتم به منهن ".. الخ تفريع لما تقدمها من الكلام لمكان الفاء - تفريع البعض
على الكل أو تفريع الجزئي على الكلي بلا شك فان ما تقدم من الكلام أعني قوله:
" أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " شامل لما في النكاح وملك اليمين
فتفريع قوله: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " عليه يكون من تفريع الجزء
على الكل أو تفريع بعض الأقسام الجزئية على القسم الكلي. وهذا النوع من التفريع
كثير الورود في كلام الله كقوله عز من قائل: " أياما معدودات فمن كان منكم مريضا
أو على سفر " (2) وقوله: " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " (3)، وقوله: " لا
اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله " (4).
والى غير ذلك.
والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية: نكاح المتعة بلا شك فأن الآية مدنية نازلة
في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة، على ما يشهد به
معظم آياتها. وهذا النكاح أعني نكاح المتعة كان دائرا بينهم معمولا عندهم في
هذه البرهة من الزمان من غير شك - إلى أن يقول: وكان اسمه هذا الاسم ولا يعبر
عنه الا بهذا اللفظ، فلا مناص من كون قوله: " فما استمتعتم به منهن " محمولا عليه

(1) مجمع البيان ج 5 / 23
(2) البقرة: 184.
(3) البقرة: 196.
(4) البقرة: 256.
23

مفهوما منه هذا المعنى كما أن سائر السنن والعادات والرسوم الدائرة بينهم في عهد
النزول بأسمائها المعروفة المعهودة كلما نزلت آية متعرضة لحكم متعلق بشئ من
تلك الأسماء بإمضاء أو رد أو أمر أو نهي لم يكن بد من حمل الأسماء الواردة فيها
على معانيها المسماة بها، من غير أن تحمل على معانيها اللغوية الأصلية، وذلك
كالحج والبيع والربا و... وسائر ما هو من هذا القبيل، فلم يكن لأحد أن يدعي أن
المراد بحج البيت قصده، وهكذا ما أتى به النبي (صلى الله عليه وآله) من الموضوعات الشرعية ثم
شاع الاستعمال حتى عرفت بأسمائها الشرعية كالصلاة والصوم والزكاة وحج
التمتع وغير ذلك، فلا مجال بعد تحقق التسمية لحمل ألفاظها الواقعة في القرآن
الكريم على معانيها اللغوية الأصلية بعد تحقق الحقيقة الشرعية أو المتشرعة فيها.
فمن المتعين أن يحمل الاستمتاع المذكور في الآية على نكاح المتعة لدورانه بهذا
الاسم عندهم يوم نزول الآية (1).
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بإسناد رجاله كلهم ثقات عن عمران بن
حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مات. (2).
وأخرج الطبراني في تفسيره بإسناده عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن
متعة النساء قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى قال: فما تقرأ فيها: فما
استمتعتم... إلى أجل مسمى؟ قال: قلت له: لو قرأتها هكذا ما سألتك. قال: فإنها كذا.
وفي حديث قال ابن عباس: والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرات). وكذلك عن قتادة
في قراءة أبي بن كعب، وعن عمر بن مرة في قراءة سعيد بن جبير. وأخرج بإسناد

(1) الميزان 4 / 272.
(2) سند أحمد 4 / 436.
24

صحيح عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا (1).
وأخرج الجصاص في أحكام القرآن 2 / 187 وذكر أحاديث ابن عباس وأبي
بن كعب كما ذكر من طريق ابن جريح أنها منسوخة، (والقول بالنسخ دال على أن
الآية في المتعة).
وأخرج أبو بكر البيهقي في سننه 7 / 205 عن محمد بن كعب عن ابن عباس
قال: كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرأون هذه الآية: " فما استمتعتم به منهن
إلى أجل مسمى ".
وقال الزمخشري في الكشاف 1 / 360 قيل: نزلت الآية في المتعة وعن ابن
عباس هي محكمة وكان يقرأ... " إلى أجل مسمى ".
وقال القاضي أبو بكر الأندلسي في أحكام القرآن 1 / 163: في الآية قولان..
الثاني: ان متعة النساء بنكاحهن إلى أجل.
وقال القرطبي في تفسيره 5 / 130 وفي رواية أخرى عن مالك: لا يرجم المتمتع
لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل أخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر
العلماء وهو: أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ (نقلا عن الغدير /
6 / 230).
وقال ابن رشد في بداية المجتهد 2 / 85: اشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبع ابن
عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن، ورووا: أن ابن عباس كان
يحتج لذلك بقول تعالى: " فما استمتعتم به منهن " وفي حرف عنه: " إلى أجل
مسمى ".

(1) تفسير الطبري 5 / 9.
25

أدلة الموافقين
لقد أجمعت الإمامية وانفردت بالقول بجواز المتعة ومشروعيتها إلى الأبد،
مستدلين في ذلك بالأدلة الأربعة وهي: الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
أولا: القرآن الكريم:
يقول الشيخ المقداد أحد أئمة الإمامية في القرن السابع الهجري في كتابه " كنز
العرفان في فقه القرآن ": إعلم أن الآية تدل صريحا على إباحة عقد المتعة من
وجوه:
1 - ان اللفظ الشرعي يحمل إذا ورد على الحقيقة الشرعية كما تقرر في
الأصول، ولا خلاف في أن النكاح المشترط بالأجل والمهر يسمى متعة، وفاعله
متمتع، ويؤيد معناها اللغوي كما قال الجوهري: استمتع بمعنى تمتع " والاسم:
المتعة.
إن قلت: لم لا يجوز أن يراد به الدائم هنا لأنه يحصل به الانتفاع فيسمى متعة
بذلك الاعتبار، ويؤيده هذا صدر الآية فإنه يتضمن انتفاء الإحصان، ومعلوم أن
المتعة لا تحصن عندكم.
قلت: الجواب عن الأول أنا قد بينا أن ذلك حقيقة في المتعة، فلو دل على غيره
لزم المجاز أو الاشتراك، وهو خلاف الأصل، ولو دل على القدر المشترك لم يفهم
أحدهما بعينه.
وعن الثاني بالمنع من إرادة الإحصان الذي يثبت معه الرجم، بل معنى التعفف،
ويؤيده قوله تعالى: " غير مسافحين ".
26

2 - لو لم يكن المراد المتعة المذكورة لم يلزم شئ من المهر من لا ينتفع من
المرأة الدائمة بشئ، واللازم باطل فكذا الملزوم، أما بطلان اللازم فللاجماع على
أنه لو طلقها قبل أن يراها وجب نصف مهرها. وأما بيان الملازمة: فأنه علق وجوب
إيتاء الأجرة بالاستمتاع فلا يجب بدونه....
إن قلت: لم لا يجوز أن يراد به المهر المستقر ومعلوم أنه لا يستقر الا مع
الدخول فعبر بالاستمتاع عن الدخول. قلت: لم يتعرض في الآية للاستقرار بل
لوجوب الإيتاء، على أنا نقول: الاستمتاع أعم من الدخول وعدمه، والعام لا دلالة له
على الخاص، ويكون حينئذ تقرير الآية: فالذي استمتعتم به منهن فآتوهن مجموع
أجورهن، لان الأجرة في الكل حقيقة وفي بعضه مجاز، فكان يجب الاستقرار ولو
بتقبيلة أو نظرة بشهوة، وهو باطل (1).
ويقول الطبرسي (رض) في " مجمع البيان " (مضافا إلى ما سبق في ص 21):
ومما يدل على أن لفظ الاستمتاع في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع
والجماع: انه لو كان كذلك لوجب ان لا يلزم شئ من المهر من لا ينتفع من المرأة
بشئ، وقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر، ولو كان المراد به
النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد، لأنه قال: " فآتوهن
أجورهن " ولا خلاف في أن ذلك غير واجب، وإنما تجب الأجرة بكمالها بنفس
العقد في نكاح المتعة.
ومما يمكن التعلق به في هذه المسألة الرواية المشهورة عن عمر بن الخطاب:
متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. فأخبر
بأن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضاف النهي إلى نفسه لضرب من
الرأي (2).

(1) المتعة لتوفيق العكيكي: 65.
(2) مجمع البيان 5 / 23.
27

ويقول العلامة الطباطبائي ردا على القائلين بان المقصود بالاستمتاع هو النكاح:
ومنه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في تفسير الآية ان المراد بالاستمتاع هو النكاح،
فان ايجاد علقة النكاح طلب منها هذا، وربما ذكر بعضهم ان السين والتاء في
استمتعتم للتأكيد والمعنى تمتعتم. وذلك لان تداول نكاح المتعة بهذا الاسم
ومعروفيته بينهم لا يدع مجالا لخطور هذا المعنى اللغوي بذهن المستمعين، على أن
هذا المعنى على تقدير صحته وانطباق معنى الطلب على المورد أو كون استمتعتم
بمعنى تمتعتم لا يلائم الجزاء المترتب عليه أعني قوله (فآتوهن أجورهن) فان المهر
يجب بمجرد العقد ولا يتوقف على نفس التمتع ولا على طلب التمتع الصادق على
الخطبة وإجزاء العقد والملاعبة والمباشرة وغير ذلك بل يجب نصفة بالعقد ونصفه
الآخر بالدخول.
على أن الآيات النازلة قبل هذه الآية قد استوفت بيان وجوب إيتاء المهر على
جميع تقاديره، فلا وجه لتكرار بيان الوجوب، وذلك كقوله تعالى: " وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة " (1) وقوله تعالى: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم
إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " (2) وقوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن على الموسع قدره وعلى
المقتر قدره "... إلى قوله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
لهن فريضة فنصف ما فرضتم " (3).
وما احتمله بعضهم أن الآية أعني قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن ". مسوقة
للتأكيد.

(1) النساء: 4.
(2) النساء: 20.
(3) البقرة: 238.
28

يرد عليه: أن سياق ما نقل من الآيات وخاصة سياق ذيل قوله تعالى: " وإن
أردتم استبدال " الآيتين أشد وآكد لحنا من هذه الآية، فلا وجه لكون هذه مؤكدة
لتلك (1).
وهكذا اتفق كل مفسري الإمامية على أن الآية في المتعة، مضافا إلى ما ورد في
أكثر التفاسير عند السنة على اختصاصها بها، وسيأتي ذكرها عند مناقشة الأقوال إن
شاء الله.
ثانيا: السنة والأخبار وهي كثيرة، فمنها:
1 - في عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى
المأمون: محض الإسلام شهادة أن لا إله الا الله - إلى أن قال: وتحليل المتعتين
الذين أنزلهما الله في كتابه وسنهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)، متعة النساء ومتعة الحج (2).
2 - قال الشيخ المفيد: وروى الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر (عليه السلام): أن عبد الله
بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى: " وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما
نبأت به وأظهره الله عليه قالت من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير، إن تتوبا إلى
الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين
والملائكة بعد ذلك ظهير، عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا " (3). فقال: إن
رسول الله تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة: فقال: إنه
لي حلال، إنه نكاح بأجل، فاكتميه فأطلعت عليه بعض نسائه (4).

(1) الميزان: 4 / 273.
(2) الوسائل: 14 ب 1 / ح 15 من أبواب المتعة.
(3) التحريم: 3 - 5.
(4) الوسائل: 14 ب 1 / ح 22 من أبواب المتعة.
29

3 - قال: وروى ابن بابويه بإسناده أن عليا (عليه السلام) نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل
متعة (1).
4 - في الكافي عن الصادق (عليه السلام): المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وفيه عن الباقر (عليه السلام): كان علي (عليه السلام) يقول: لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنا الا
شقي (شفى).
وفيه جاء عبد الله بن عمر الليثي إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: ما تقول في متعة
النساء؟ فقال (عليه السلام): أحلها الله في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) فهي حلال إلى يوم القيامة.
فقال يا أبا جعفر مثلك من يقول هذا؟ وقد حرمها عمر ونهى عنها؟.
فقال (عليه السلام): وإن كان فعل قال: إني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرمه عمر!
فقال له: فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الباطل ما قال
صاحبك.
فأقبل عبد الله بن عمير فقال: أيسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك
يفعلن ذلك؟ قال فأعرض عنه أبو جعفر (عليه السلام) حين ذكر نساءه وبنات عمه.
وعن الصادق (عليه السلام) أنه سأله أبو حنيفة عن المتعة فقال: عن أي المتعتين تسأل؟
قال: سألتك عن متعة الحج، فأنبئني عن متعة النساء أحق هي؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله
أما تقرأ كتاب الله: " فما استمتعتم به منهن ".. الخ فقال أبو حنيفة: والله لكأنها آية لم
أقرأها قط (2).
5 - في تفسير على بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: " ما يفتح الله

(1) الوسائل: 14 ب 1 / ح 23 من أبواب المتعة.
(2) تفسير الصافي 1 / 346
30

للناس من رحمة فلا ممسك لها ": قال: والمتعة من ذلك (1).
هذا غيض من فيض، ومن أراد الاستزادة فليراجع كتب الحديث، بالإضافة إلى
ما ورد من كتب السنة.
ثالثا: العقل: يقول المحقق ابن إدريس الحلي (قدس سره) وهو من أساطين القرن
السادس: فقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل أو آجل
مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة، فتجب اباحته بأصل العقل.
فان قيل من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الأجل، والخلاف في
ذلك؟!
- قلنا - من أدعى ضررا في الآجل فعليه الدليل.
ويقول (قدس سره): أنها منفعة خالية من جهات القبح، ولا نعلم فيه ضررا عاجلا أو آجلا،
وكل هذا شأنه فهو مباح، فأما المتعة فمباحة، ولأنه لو كان فيها شئ من المفاسد
لكان إما عقليا فهو منتف اتفاقا وإما شرعيا، وليس كذلك والا لكان أحد
مستمسكات الخصم (2).
رابعا الإجماع: يقول المحقق ابن إدريس الحلي (قدس سره): النكاح المؤجل مباح في
شريعة الإسلام مأذون فيه، مشروع بالكتاب والسنة المتواترة وبإجماع المسلمين،
الا أن بعضهم ادعى نسخه فيحتاج في دعواه إلى تصحيحها، ودون ذلك خرط القتاد.
ويضيف (رضي الله عنه): ويدل على إباحة هذا العقد وجوه أخر:
1 - اجتماع أهل البيت (عليه السلام) وروايتهم به مشهورة مذكورة في كتب أحاديثهم، وقد
قال (صلى الله عليه وآله): " اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي "... الخ.

(1) الوسائل 14 ب 1 ح 18.
(2) السرائر: 618 طبع جماعة المدرسين.
31

2 - انه لا نزاع ولا خلاف في أنها كانت مشروعة والخصم يقول إنها نسخت،
قلنا: المشروعية دراية والنسخ رواية ولا تطرح الدراية بالرواية (1).
ويقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ره): وعلى اي، فالإجماع بل
الضرورة على ثبوت مشروعيتها وتحقق العمل بها، غاية ما هناك أن المانعين يدعون
أنها نسخت وحرمت بعد ما أبيحت وحصل هنا الاضطراب في النقل والاختلاف
الذي لا يفيد ظنا فضلا عن القطع، ومعلوم حسب قواعد الفن ان الحكم القطعي لا
ينسخه الا دليل قطعي.
ويقول (قدس سره) في موضوع آخر: إن من ضروريات مذهب الإسلام التي لا ينكرها من
له أدنى إلمام بشرايع الدين الحنيف أن المتعة - بمعنى العقد إلى أجل مسمى - قد
شرعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأباحها وعمل بها جماعة من الصحابة في حياته بل وبعد
وفاته (2).

(1) المصدر السابق.
(2) أصل الشيعة وأصولها: 167.
32

أدلة المخالفين
السنة في مخالفتهم للنكاح المنقطع (المتعة) خمس طوائف:
الطائفة الأولى: هؤلاء يقولون: إن الله تبارك وتعالى لم ينزل آية صريحة في
المتعة.
الطائفة الثانية: وهي تشكل الأكثرية في صفوف المخالفين، وهم القائلون بأن
حكم المتعة كان في صدر الإسلام وأن الله تعالى أنزل آية صريحة فيها وهي: " فما
استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " الخ ولكنهم يقولون إن الآية نسخت. وهؤلاء
بدورهم ينقسمون إلى أربعة أقسام:
1 - قسم يقول: إن آية المتعة منسوخة بالآيات التالية (بالجمع أو الانفراد):
الف - " والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم "
الخ (1).
فالوطئ لا يحل الا في الزوجة والمملوكة وهذه المرأة لا شك أنها ليست زوجة
ولا مملوكة.
ب - آية الطلاق: " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " (2). والمتعة ليس فيها
طلاق.
ج - " ولكم نصف ما ترك أزواجكم "... الخ (3) وبالاتفاق لا توارث بينهما.

(1) المؤمنون: 5.
(2) الطلاق: 1.
(3) النساء: 12.
33

د - آية العدة: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهم أربعة
أشهر وعشرا " (1).
ه‍ - آية العدد: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " (2). فان
الآية حصرت النكاح في الأربع، والمتمتع يجوز له أكثر من هذا العدد.
و - آية الإحصان: " محصنين غير مسافحين " (3) ولا إحصان في المتعة.
ز - آية التحريم: " حرمت عليكم أمهاتكم " (4).. الخ.
2 - وقسم يقول بأن آية المتعة منسوخة بالأخبار.
3 - وقسم يقول بأن آية المتعة منسوخة بنهي عمر.
4 - وقسم يقول بأن المتعة منسوخة بالإجماع (أو الأدلة الأربعة، بالجمع أو
الانفراد).
الطائفة الثالثة: تقول بأن المتعة مذمومة، لأن المقصود من النكاح هو التوالد
والتناسل والحال أن الهدف من المتعة هو الإلتذاذ فقط، وهو بدوره يوجب الفحشاء
واختلاط المياه، وقاعدة الفراش لا طريق لها فيها، ولذا فان الآية منسوخة.
الطائفة الرابعة: تقول ان المتعة مخالفة لمقتضى عقد الزواج فهي باطلة.
الطائفة الخامسة: تقول أن المتعة ليس فيها لعان ولا ظهار ولا ايلاء ولا نفقة
ولذلك فهي باطلة. ث
وهناك طائفة سادسة: مخالفه للمتعة غير منتمية إلى اي مذهب أو دين، بل

(1) البقرة: 240.
(2) النساء: 5.
(3) النساء: 24.
(4) النساء: 23.
34

مخالفة لكل احكام الإسلام، تارة في أصل المتعة وتارة في أحكامها.
وسأتعرض إلى ذكر أفكارها وآرائها في موارد متعددة من هذه الرسالة محاولا
الجواب عن الأسئلة والاعتراضات انشاء الله.
واليك شرح ما ورد ذكره من أدلة الطوائف المخالفة للمتعة.
الطائفة الأولى وهم على صنفين: الصنف الأول: من ينفي نفيا باتا وجود آية
خاصة في المتعة وأنها لم تكن في الإسلام، فمن هؤلاء صاحب كتاب " الوشيعة "
لموسى جار الله حيث يقول: وليس بيد أحد دليل لإباحتها (اي المتعة) في زمن من
صدر الإسلام سوى أنها كانت قد تقع، على أنها بقية من بقايا الجاهلية، ولم تكن
باذن وإباحة من الشارع.
ثم يقول: فدعوى إباحة الشارع في صدر الإسلام ساقط.
ثم يضيف: والمتعة لم تكن مباحة في شرع الإسلام أصلا، ونسخها لم يكن نسخ
شرعي إنما كان نسخ أمر جاهلي تحريم أبد.
ويقول في ص 166 من كتابه: لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أن: " فما
استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " نزل في متعة النساء، وقد أجمعت الأمة على
تحريم المتعة، ولم يقل أحد ان قول الله " فما استمتعتم "، قد نسخ.
ويقول محمد رشيد رضا منشئ مجلة " المنار " المصرية في كتابه " حقوق
النساء " ص 40: كان عند العرب في الجاهلية أنواع من الزواج الفاسد الذي كان
يوجد عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضه إلى اليوم في البلاد التي تغلب عليها
الهمجية. ثم يقول: ومنها نكاح المتعة، وهو المؤقت، وقد شاع في بلاد الإفرنج
أخيرا ويسمى نكاح التجربة، وتبيحه الشيعة الإمامية من المسلمين.
وأما الصنف الثاني فقد سكت عن بحث المتعة وقال بأن الآية نزلت في النكاح
الدائم، ونفى نزولها في المتعة.
35

يقول أبو جعفر النحاس المتوفي سنة 338 ه‍ في كتابه " الناسخ والمنسوخ ":
وقوله: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " يقول (اي ابن عباس): إذا تزوج
الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله، والاستمتاع النكاح وهو
قوله عز وجل: (واتوا النساء صدقاتهن نحلة) فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو
النكاح بأحسن بيان. ثم قال: إن التقدير في العربية: فما استمتعتم به، ممن تزوجتموه
بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك فأعطوها الصداق كاملا، الا أن تهبه أو تهب منه.
ويقول في ص 103: وقد صح من الكتاب والسنة التحريم، ولم يصح التحليل من
الكتاب بما ذكر من قول من قال: أن الاستمتاع هو النكاح، على أن الربيع بن سبرة
قد روى عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لهم: استمتعوا من هذه النساء. قال:
الاستمتاع عندنا يومئذ التزويج (1) (المتعة للفكيكي ص 50).
ويقول النسفي صاحب التفسير المتوفى 701 ه‍: قوله تعالى: " فما استمتعتم به
منهن " الخ لا تدل على حل المتعة، والقول بأنها نزلت فيها وتفسير البعض لها بذلك
غلط وغير مقبول، لان نظم القرآن الكريم يأباه، حيث بين سبحانه أولا: المحرمات
ثم قال عز شأنه: " وأحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم " وقد شرط بحسب
المعنى فيبطل تحليل الفرج وإعارته. ثم قال جل وعلا: " محصنين غير مسافحين ".
وفيه إشارة إلى أن النهي عن كون القصد لا مجرد قضاء الشهوة وحب استفراغ
المني، وعليه تبطل المتعة بهذا القيد، لأن مقصود المتمتع ليس الا ذاك، دون التأهل
والاستيلاد وحماية النسب، كما أن كلمة الاستمتاع تدل على الوطئ والدخول
وليس بمعنى المتعة التي يقول بها الشيعة، وإن القراءة التي ينقلونها عمن تقدم من
الصحابة (اي قراءة أبي بن كعب وابن عباس و...) والتي مر التنويه عنها شاذة. وما
دل على التحريم آية: " الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم " الخ.

(1) المتعة للفكيكي ص 40
36

ثم قال: وروى أبو بصير من علماء الشيعة في صحيحه عن الصادق (رضي الله عنه) أنه سئل
عن امرأة المتعة أهي من الأربع؟ قال: لا ولا من السبعين. وهو صريح في أنها
ليست زوجة والا لكانت محسوبة من الأربع، وبالجملة الاستدلال بهذه الآية على
حل المتعة ليس بشئ كما لا يخفى (1).
وممن ذهب هذا المذهب أيضا القاضي أبو الحسن شيخ الطبقة الحادية عشر من
المعتزلة. وأيده أحمد أمين في كتابه " ضحى الإسلام " في الجزء الثالث (2).
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: المسألة الثالثة: في هذه الآية قولان: أحدهما و
هو قول أكثر علماء الأمة أن قوله " أن تبتغوا بأموالكم ". المراد منه ابتغاء النساء
بالأموال على طريق النكاح، وقوله: " فما استمتعتم به منهن " الخ. فان استمتع
بالدخول أتاها المهر بالتمام وإن استمتع بعقد النكاح أتاها نصف المهر (3).
الطائفة الثانية: القائلة بالنسخ، وقد جمع الفخر الرازي في تفسيره أكثر
الأقوال في هذا الباب حيث قال: والقول الثاني: أن المراد بهذه الآية حكم المتعة،
وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها،
واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام: روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قدم مكة في
عمرته تزين نساء مكة، فشكى أصحاب الرسول طول العزوبة فقال: استمتعوا من
هذه النساء. واختلفوا في أنها نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها
صارت منسوخة. وقال السواد منهم: أنها بقيت مباحة كما كانت، وهذا القول مروي
عن ابن عباس وعمران بن الحصين.
اما عن ابن عباس فعنه ثلاث روايات:

(1) الصدر السابق ص 50
(2) نقلا عن كتاب المتعة للفكيكي: 50.
(3) تفسير الرازي 10 / 50.
37

إحداها: القول بالإباحة المطلقة. قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة:
أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح قلت: فما هي؟ قال: هي متعة كما قال
تعالى، قلت: هل لها عدة؟ قال: نعم عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا.
والرواية الثانية: ان الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة
قال ابن عباس: قاتلهم الله انى ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق لكني قلت: إنها تحل
للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزيز له!.
والرواية الثالثة: أنه أقر بأنها صارت منسوخة، روى عطاء الخراساني عن
ابن عباس في قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن " الخ. قال: صارت هذه الآية
منسوخة بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم النساء " الخ. وروي أيضا انه قال
عند موته: اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف.
وأما عمران بن الحصين فإنه قال: نزلت المتعة في كتاب الله ولم تنزل بعدها آية
تنسخها وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمتعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ثم قال رجل
برأيه ما شاء.
وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة.
وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب أنه قال: لولا
أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنا الا شقي..
وروى محمد بن الحنفية: أن عليا مر بابن عباس وهو يفتي بجواز المتعة فقال
أمير المؤمنين: إنه (صلى الله عليه وآله) نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية: فهذا ما يتعلق بالروايات.
واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه: الأول: أن الوطئ لا يحل الا في
الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون " الخ. وهذه المرأة
لا شك انها ليست مملوكة وليست أيضا زوجة، ويدل عليه وجوه.
أحدها: لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما، ولقوله تعالى: " ولكم نصف ما ترك
38

أزواجكم ". وبالاتفاق لا توارث بينهما.
وثانيها: ولثبت النسب، لقوله (صلى الله عليه وآله): " الولد للفراش " وبالاتفاق لا يثبت.
وثالثها: ولوجبت العدة، لقوله تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " قال: واعلم أن هذه الحجة كلام حسن
مقرر.!!
الحجة الثانية: ما روي عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا
أنهى عنهما وأعاقب عليهما. ذكر هذا في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد،
فالحال هيهنا لا يخلو إما أن يقال: انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا
عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا
حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك. والأول هو المطلوب. والثاني يوجب
تكفير عمر وتكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي (صلى الله عليه وآله) حكم بإباحة المتعة ثم قال:
إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله! ومن صدقه عليه مع علمه
بكونه مخطئا كان كافرا أيضا! وهذا يقتضى تكفير الأمة وهو على ضد قوله: " كنتم
خير أمة ".
والقسم الثالث - وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا
سكتوا - فهذا أيضا باطل، لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح، واحتياج
الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل، ومثل هذا يمنع من
أن يبقى مخفيا بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح
مباح وأن إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك.
ولما بطل هذان القسمان ثبت ان الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر
لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة بالإسلام.
فان قيل: ما ذكرتم يبطل بما روي أن عمر قال: لا أوتى برجل نكح امرأة إلى
39

أجل الا رجمته، ولا شك أن الرجم غير جائز، مع أن الصحابة ما أنكروا عليه حين
ذكر ذلك، فدل هذا على أنهم إنما كانوا يسكتون على الإنكار على الباطل.
قلنا: لعله كان يذكر على سبيل التهديد والزجر في السياسة، ومثل هذه
السياسات جائزة للإمام عند المصلحة، ألا ترى انه (صلى الله عليه وآله) قال: من منع منا الزكاة فإنا
آخذوها منه وشطر ماله، وقد قاله للمبالغة في الزجر (لعدم جواز أخذ شطر المال)
فكذا هيهنا.
الحجة الثالثة على أن المتعة محرمة: ما روي عن مالك عن الزهري عن عبد الله
والحسن ابني محمد عن أبيهما عن علي (عليه السلام): ان الرسول (صلى الله عليه وآله) نهى عن متعة النساء،
وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
وروى الربيع بن سبرة عن أبيه قال: غدوت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو قائم بين
الركن والمقام مسند ظهره إلى الكعبة يقول: يا أيها الناس إني أمرتكم الاستمتاع من
هذه النساء، الا وأن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ
فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
وروى عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: متعة النساء حرام.
وهذه الأخبار الثلاثة ذكرها الواحدي في " البسيط " وظاهر أن النكاح لا يسمى
استمتاعا، لأنا قد بينا أن الاستمتاع هو التلذذ ومجرد النكاح ليس كذلك.
ثم يسرد الرازي أدلة المجوزين، وبعد ذلك يجيب عن إشكال أبى بكر الرازي
ويقول: والذي يجب ان يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول: انا لا ننكر أن المتعة
كانت مباحة، انما الذي نقوله: إنها صارت منسوخة. وعلى هذا التقدير فلو كانت
هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا.
وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس، فان القراءة بتقدير
ثبوتها - لا تدل على أن المتعة كانت مشروعة ونحن لا ننازع فيه، انما الذي نقوله
40

إن النسخ طرأ عليه، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا.
وقولهم: ان الناسخ إما أن يكون متواترا أو آحادا.
قلنا: لعل بعضهم سمعه ثم نسيه، ثم أن عمر لما ذكر ذلك في الجمع العظيم
تذكروه وعرفوا صدقه فسلموا له الأمر.
قوله: ان عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه،
قلنا: قد بينا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحة في شرع محمد (صلى الله عليه وآله) وانا أنهى
عنه لزم تكفيره وتكفير من لم يحاربه وينازعه، ويقضي ذلك إلى تكفير أمير
المؤمنين (عليه السلام) حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه، وكل ذلك باطل، فلم يبق الا
أن يقال: كان مراده أن المتعة كانت مباحة في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وانا انهى عنها. لما
ثبت عندي انه (صلى الله عليه وآله) نسخها، وعلى هذا التقدير يصير هذا الكلام حجة لنا في مطلوبنا
والله أعلم (1).
وقد ذكر صاحب تفسير " الدر المنثور " روايتين عن ابن عباس:
الأولى: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت متعة النساء في أول
الإسلام... إلى أن قال: وكان يقرأ " فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى " فنسختها
" محصنين غير مسافحين " وكان الإحصان بيد الرجل يمسك متى يشاء ويطلق متى
يشاء.
الثانية: أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة في
أول الإسلام وكانوا يقرأون هذه الآية " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " إلى
أن قال: حتى نزلت: " حرمت عليكم أمهاتكم " فنسخ الأولى فحرمت المتعة،
وتصديقها من القرآن: " الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم " وما سوى هذا الفرج

(1) تفسير الرازي 10 / 50.
41

فهو حرام (1).
وفي كتاب " معرفة الناسخ والمنسوخ " لأبي عبد الله محمد ابن حزم في هامش
كتاب " تنوير المقياس من تفسير ابن عباس " جاء ما نصه: الآية العاشرة قوله تعالى:
" فما استمتعتم به منهن ".. الخ نسخت بقوله (صلى الله عليه وآله): اني كنت أحللت هذه المتعة ألا وأن
الله ورسوله قد حرماها، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ووقع ناسخها من القرآن موضع
ذكر ميراث الزوجة الثمن والربع، فلم يكن لها في ذلك نصيب.
وقال محمد بن إدريس الشافعي: موضع تحريمها في سورة المؤمن وناسخها
قوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون " الخ وأجمعوا أنها ليست بزوجة ولا
ملك يمين فنسخها الله بهذه الآية (2).
واما النسخ بالأخبار:
1 - يقول ابن رشد الأندلسي: واما نكاح المتعة فإنه تواترت الأخبار عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بتحريمه، الا انها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي الروايات انه
حرمها يوم خيبر، وفي بعضها يوم الفتح، وفي بعضها غزوة تبوك، وفي بعضها حجة
الوداع، وفي بعضها في عمرة القضاء، وفي بعضها عام أوطاس، وأكثر الصحابة
وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها.
واشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل
مكة وأهل اليمن، ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى: " فما استمتعتم
به منهن فآتوهن ".. الخ (3).
2 - ويقول ابن حزم الأندلسي صاحب كتاب " المحلى " في الفقه 9 / 519: وصح

(1) نقلا عن كتاب المتعة ومشروعيتها في الإسلام: 52.
(2) تنوير المقياس من تفسير ابن عباس: 330.
(3) نقلا من كتاب المتعة للفكيكي: 51.
42

تحريمها عن ابن عمر وعن ابن أبي عمرة الأنصاري، واختلف فيها عن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) وعن ابن عباس وابن الزبير، وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من
المتأخرين أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو سليمان، وقال زفر يصح العقد ويبطل
الشرط.
ويقول أيضا: ان نكاح المتعة كان حلالا في عهد رسول الله ثم نسخ على لسان
الرسول (صلى الله عليه وآله).
3 - ويقول علاء الدين البغدادي في تفسيره المعروف " بتفسير الخازن " 1 / 357
بعد ذكر آية المتعة: وكان هذا في ابتداء الإسلام ثم نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة. ثم
ذكر حديث سبرة (في لفظ البيضاوي) فقال: والى هذا ذهب جمهور العلماء من
الصحابة فمن بعدهم اي أن نكاح المتعة حرام والآية منسوخة، واختلفوا في ناسخها
فقيل: نسخت بالسنة وهو ما تقدم من حديث سبرة.... وهذا على مذهب من يقول:
إن السنة تنسخ القرآن، ومذهب الشافعي ان السنة لا تنسخ القرآن فعلى هذا يقول:
ان ناسخ هذه الآية قوله تعالى في سورة المؤمنون: " والذين هم لفروجهم
حافظون ". الخ (1).
4 - يقول ابن جزي محمد بن أحمد الغرناطي في تفسيره " التسهيل " 1 / 137
بعد ذكر الآية: ثم حرم (اي نكاح المتعة) عند جمهور العلماء فالآية على هذا
منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة (2).
5 - ويقول ابن كثير في تفسيره 1 / 474 بعد ذكر الآية: فقال مجاهد: نزلت في
نكاح المتعة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن

(1) نقلا عن الغدير 6 / 232 و 233.
(2) نفس المصدر.
43

أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) (1).
النسخ بالإجماع: جاء في كتاب " الناسخ والمنسوخ " لأبي جعفر النحاس
المرادي في ص 104: وقال قوم من العلماء: إن الناسخ للمتعة الحديث عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كما قرأ علي أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن أبي داود، قال: حدثنا
عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري أن
عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه
سمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول لابن عباس: إنك رجل تائه (اي مائل) ان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة. قال أبو جعفر: فصار تحريم المتعة إجماعا لان ابن عباس.
لم يحاجج الإمام عليا (عليه السلام) لما خاطبه بهذا، لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن
عباس (2).
ولقد ذكر الإجماع بلفظ الجمهور أو جمهور العلماء بوساطة المفسرين في
الصفحة السابقة.
النسخ بقول عمر بن الخطاب:
ذكر الراغب الإصفهاني في كتابه " المحاضرات " 2 / 94: سأل يحيى بن أكثم
شيخا من أهل البصرة فقال له: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ فقال: بعمر بن الخطاب
فقال له: كيف وقد كان عمر من أشد الناس فيها؟ قال: نعم صح الحديث عنه انه صعد
المنبر فقال: أيها الناس متعتان أحلهما الله ورسوله لكم وأنا أحرمها عليكم وأعاقب
عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.
وذكر القوشچي في " شرح التجريد " في مبحث الإمامة: أن عمر قال وهو على
المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن

(1) المصدر السابق.
(2) المتعة للفكيكي: 54.
44

وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل. ثم اعتذر بقوله:
ان ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل
الاجتهادية ليس ببدع! (أخرجه الطبري في المستبين بزيادة في (الأذان) وحكاه
عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه " الصراط المستقيم ") (1).
كما أن الكثيرين من الصحابة أكدوا أن المتعة كانت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر
وشطر من خلافة عمر وقد نهى عنها الأخير وشدد على منعها وهدد فاعليها،
وسيأتي ذكر رواياتهم في محلها انشاء الله.
الطائفة الثالثة:
من هذه الطائفة صاحب كتاب " الفقه في المذاهب الأربعة " وكتاب " الأحوال
الشخصية " للزبياني وأحمد أمين في " ضحى الإسلام " وكتاب " الوشيعة " لجار الله.
حيث أنهم يقولون انه لا يعقل أن تكون المتعة من أحكام الإسلام، فإنها من الرذائل
والفحشاء، بدليل اختلاط المياه والأنساب، وفقد الحياء من النساء والرجال، وعدم
وجود قاعدة الفراش، والحال ان الهدف من النكاح هو التوالد والتناسل، والهدف من
المتعة هو الإلتذاذ فقط، والمرأة ليس لها عدة، فهي تتزوج في كل يوم برجال،
فيأخذها رجل ويتركها آخر، ولا يمكن أن يأمر به اي دين سماوي.
يقول أحمد أمين في ضحاه 3 / 259: وإذا كان المثل الأعلى للأسرة زواجا
واحدا وزوجة واحدة، وعروة وثقى باقية ابدا في سعادة ينشأ في أحضانها الأبناء
والبنات، فما أبعد نكاح المتعة من هذا المثل.
ويقول أيضا: ان هذا النوع من الزواج فيه تسهيل لمعيشة الإباحة التي لا تتقيد
بقيود ولا تتحمل أعباء الزواج، يضاف إلى ذلك ما يستتبعه إباحة المتعة من فساد

(1) نقلا عن الغدير 6 / 212 و 213 و 238.
45

المرأة واستهتارها وكثرة الضحايا منهن.
الطائفة الرابعة تقول:
بما أن تقييد النكاح بالمدة هو خلاف مقتضى العقد، ولذا يعتبر هذا النوع من
النكاح باطلا ويقول المالكية: نكاح المتعة هو أن يكون لفظ العقد موقتا بوقت...
فان قال (ذكر الأجل) وقع النكاح باطلا.
ويقول الشافعية: نكاح المتعة هو النكاح لأجل... وهو باطل. ويقول الحنفية:
فالنكاح إذا قيد بوقت أو كان بلفظ المتعة بدون شهود كان نكاح متعة. وكما ذكر
الحنابلة هو باطل على كل حال (1).
وأما الطائفة الخامسة:
فهي تعتبر اللعان والايلاء والنفقة والظهار من شروط النكاح وعدمها يستلزم
عدم المشروط.
وأما الطائفة السادسة فهم يقولون:
ان نكاح المتعة نوع من تعدد الزوجات فهو مرفوض، وإن أساس الزواج يجب
أن يكون دائما، ويتوجب على الزوجين منذ العقد أن يوطنا أنفسهما على أن يكون
كل منهما للآخر بصورة دائمة وان لا يخطر في مخيلتهما الانفصال. اذن فالزواج
المؤقت لا يصلح أن يكون مقبولا، وهو لا ينسجم مع مكانة المرأة، إذ يمثل نوعا
من استئجار الإنسان للإنسان وهو مما يخالف الكرامة الإنسانية للمرأة، حيث تضع
نفسها تحت تصرف رجل في مقابل نقود تقبضها منه (2).

(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 2 ص 93 و 94.
(2) نقلا من كتاب حقوق المرأة في الإسلام للشهيد المطهري (قدس سره) ص 44.
46

النكاح المنقطع في الميزان
مناقشة آراء الطائفة الأولى
47

مناقشة آراء الطائفة الأولى
وهي تشكل الأقلية من المخالفين وأكثر أصحابها من المتأخرين. وهم على
صنفين:
الف - القائلون بعدم وجود آية صريحة في القرآن حول المتعة وأنها لم
تكن مباحة في الإسلام...
أولا: لقد صرح أكثر علماء السنة والمفسرين منهم بأن آية " فما استمتعتم به
منهن فآتوهن أجورهن " نزلت في النكاح المنقطع، فمن هؤلاء:
1 - أخرج أبو جعفر الطبري المتوفي 310 ه‍ في تفسيره ج 5 / ص 9 بإسناده عن
أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال:
قلت: بلى، قال: فما تقرأ فيها " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى "؟ قلت له: لو
قرأتها هكذا ما سألتك، قال: فإنها كذا. وفي حديث: قال ابن عباس: والله لأنزلها الله
كذلك (ثلاث مرات).
وأخرج عن قتادة في قراءة أبي بن كعب: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل
مسمى ".
وأخرج باسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة
هي؟ قال: لا وقال علي: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي (1).
وروى عمر بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: " فما استمتعتم به منهن إلى

(1) هذا الحديث مذكور أيضا في تفسير الثعلبي والرازي وتفسير ابن حيان وتفسير النيسابوري
والدر المنثور بعدة طرق عند تفسير الآية.
49

أجل مسمى ".
وعن مجاهد: إنها في الآية، يعني نكاح المتعة.
وعن أبي ثابت: إن ابن عباس أعطاني مصحفا فيه: " فما استمتعتم به منهن إلى
أجل مسمى " (1).
2 - قال علاء الدين البغدادي في " تفسيره الخازن " 1 / 357: قال قوم: المراد من
حكم الآية هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشئ معلوم، فإذا
انقضت تلك المدة بانت منه بغير طلاق، ويستبرئ رحمها، وليس بينهما ميراث و
كان هذا في ابتداء الاسلام ثم نهى رسول لله عن المتعة، ثم ذكر روايات ابن عباس
ومنها: أن الآية محكمة لم تنسخ (2).
3 - أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفي 458 باسناده في " السنن الكبرى "
7 / 205 عن محمد بن كعب عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: كانت المتعة في أول الإسلام
وكانوا يقرأون هذه الآية " فما استمتعتم... إلى أجل مسمى " (3).
4 - وأخرج البخاري عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب لم
تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومات
ولم ينهنا عنها وقال رجل برأيه ما شاء (البخاري 3 / 151) (4).
5 - ذكر أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي: المتوفي 745 في تفسيره 3 / 218
قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير " فما استمتعتم به منهن إلى أجل
مسمى " وقال: قال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم: إن الآية في نكاح المتعة،

(1) نقلا عن الغدير: ج 6، ص 229 و 206 و 230. وقد ذكرنا هذا الأخير في السابق.
(2) نقلا عن الغدير: ج 6، ص 229 و 206 و 230. وقد ذكرنا هذا الأخير في السابق.
(3) نقلا عن الغدير: ج 6، ص 229 و 206 و 230. وقد ذكرنا هذا الأخير في السابق.
(4) نقلا عن الغدير 6 / 208.
50

وقال ابن عباس لأبي نضرة: هكذا أنزلها الله (1).
6 - قال الحافظ عماد الدين بن كثير الدمشقي المتوفي 774 في تفسيره
1 / 474: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك انه كان مشروعا
في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، ثم قال بعد ذكر بعض أقوال النسخ: وكان ابن
عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: " فما استمتعتم به منهن إلى
أجل مسمى ". وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة (2).
7 - قال أبو بكر بن سعدون القرطبي المتوفي 567 في تفسيره 5 / ص 130 عند
بيان الاختلاف في معنى الآية: قال الجمهور: ان المراد نكاح المتعة الذي كان في
صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأبي وسعيد بن جبير: " فما استمتعتم به منهن إلى
أجل مسمى ".
ثم يقول القرطبي في ص 133: وقال أبو بكر الطرسوسي: ولم يرخص في نكاح
المتعة الا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت (ثم
أضاف) وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن
هذه الآية منسوخة.
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد
الفريضة ": قال القائلون بأن الآية في المتعة هذه إشارة إلى ما تراضيا عليه من زيادة
في مدة المتعة في أول الإسلام، فإنه كان يتزوج المرأة شهرا على دينار مثلا فإذا
انقضى الشهر فربما كان يقول: زيديني في الأجل أزدك في المهر، بين أن ذلك كان
جائزا عند التراضي (3).
8 - ذكر الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي في " شرح صحيح مسلم " 9 / 181

(1) الغدير 6 / 233 و 230 و 231.
(2) الغدير 6 / 233 و 230 و 231.
(3) الغدير 6 / 233 و 230 و 231.
51

ان عبد الله بن مسعود قرأ: " فما استمتعتم... إلى أجل مسمى " (1).
9 - قال الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفي 911 ه‍ في " الدر المنثور ":
أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس: كانت المتعة في أول الإسلام
وكانوا يقرأون هذه الآية: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ".
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في " المصاحف " والحاكم
وصححه من طرق عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عباس... (وقد ذكرناه عن
الطبري في ص 22).
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة، وأخرج ابن الأنباري في
" المصاحف " عن سعيد بن جبير قراءة أبي بن كعب: " فما استمتعتم به منهن إلى
أجل ".
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قراءة ابن عباس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد: " فما استمتعتم به منهن " قال:
يعني نكاح المتعة.
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم انه سئل عن
هذه الآية أمنسوخة قال: لا (2).
10 - وقال فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي الزيلعي في " تبيان الحقائق
شرح كنز الدقائق ": قال مالك: هو نكاح المتعة جائز، لأنه كان مشروعا فيبقى إلى
أن يظهر ناسخه، واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من

(1) الغدير 6 / 232.
(2) الدر المنثور 2 / 140.
52

أهل اليمن ومكة، وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى: " فما استمتعتم به "... (1).
11 - قال القاضي الشوكاني المتوفي 1250 في تفسيره 1 / 414: قد اختلف أهل العلم
في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد (2) وغيرهما: المعنى فما انتفعتم وتلذذتم
بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي فآتوهن أجورهن اي مهورهن، وقال الجمهور:
ان المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبي
بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى
فآتوهن أجورهن ". ثم نهى عنها النبي (صلى الله عليه وآله) كما صح ذلك من حديث علي قال: نهى
النبي عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ثم ذكر حديث النهي عنها
يوم فتح مكة ويوم حجة الوداع، فقال: فهذا هو الناسخ، وحكي عن سعيد بن جبير
نسخها بآية الميراث إذ المتعة لا توارث فيها. وعن عائشة والقاسم بن محمد نسخها
بآية: " والذين هم لفروجهم حافظون ".
ثم قال في قوله تعالى: " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " اي
من زيادة أو نقصان في المهر فان ذلك سائغ عند التراضي. هذا عند من قال بأن الآية
في النكاح الشرعي، واما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة، فالمعنى: التراضي
في زيادة مدة المتعة ونقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها في مقابل الاستمتاع بها أو
نقصانه (3).
12 - ذكر شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي البغدادي المتوفي
1270 في تفسيره 5 / 5 قراءة ابن عباس وعبد الله بن مسعود الآية: " فما استمتعتم

(1) نقلا عن الغدير 6 / 223.
(2) لقد ذكرنا عن الطبري وابن كثير وابن حيان والسيوطي ان مجاهدا من رواة القول بنزولها في
المتعة.
(3) نقلا عن الغدير 6 / 235.
53

به منهن إلى أجل مسمى " ثم قال: ولا نزاع عندنا في أنها أحلت ثم حرمت،
والصواب المختار ان التحريم والإباحة كانا مرتين (1).
13 - قال ابن جزي محمد بن أحمد الغرناطي المتوفي 741 في تفسيره
" التسهيل " 1 / 137: قال ابن عباس وغيره: معناها: إذا استمتعتم بالزوجة ووقع
الوطئ، فقد وجب إعطاء الأجر وهو الصداق كاملا.
وقيل: إنها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث، وكان جائزا في
أول الإسلام فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه، ثم حرم عند جمهور العلماء،
فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة.
وقيل: نسختها آية الفرائض، لان نكاح المتعة لا ميراث فيها.
وقيل: نسختها " والذين هم لفروجهم حافظون " وروى عن ابن عباس: جواز
نكاح المتعة. وروى: أنه رجع عنه (2).
وغيرهم من العلماء والمفسرين الذين ذكرنا آراء البعض منهم في الصفحات
السابقة.
أقول: يظهر مما سبق من أقوال المفسرين والعلماء ما يلي:
1 - إن الآية خاصة في نكاح المتعة.
2 - ان جماعة من الصحابة والتابعين قرأوا آية المتعة بزيادة " إلى أجل مسمى "
مثل ابن عباس وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي وعبد الله بن مسعود
وغيرهم مما يؤكد على عدم امكان تفسير الآية بغير المتعة.
3 - يؤكد جمع من الصحابة على أن الآية محكمة وغير منسوخة.

(1) نقلا عن الغدير 6 / 235، 233.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 235، 233.
54

4 - الاضطراب في النقل حول المبيحين للمتعة مثل عبد الله ابن عباس وعلي
ابن أبي طالب (عليه السلام) وسعيد بن جبير ومجاهد الذين بلغت أحاديثهم حد التواتر
ونسبة القول بمخالفتهم إياها.
5 - الاختلاف في ذكر الآيات والروايات الناسخة لها.
6 - اعتبار المتعة بعنوان (نكاح) خلافا لمن يعتبرها زنا أو سفاحا.
7 - الاختلاف في زمان النهي عن المتعة.
8 - ذكر معنى المتعة وحدودها وحليتها في ابتداء الإسلام.
9 - القول بالنسخ دال على أن الآية نزلت في المتعة، وسيأتي الكلام ببطلان
النسخ مفصلا انشاء الله.
اذن فادعاء عدم وجود آية في القرآن حول المتعة باطل وغير صحيح.
ثانيا: لقد قال جماعة من الصحابة والتابعين بإباحتها (غير من ذكرناهم آنفا) مثل
عبد الله بن عمر وأسماء بنت أبي بكر ومعاوية بن أبي سفيان وجابر بن عبد الله
الأنصاري وأبو سعيد الخدري وسمرة بن جندب وسلمة بن أمية بن خلف، ومعبد بن
أمية بن خلف وعمرو بن حريث والزبير بن العوام وطاووس اليماني وعطاء أبو
محمد المدني وزفر بن أوس، وغيرهم (1).
إذن فالقول بأن المتعة لم تكن مباحة في الإسلام، وانه ليس بيد أحد دليل
لإباحتها و... إنما ينم عن جهل قائله.
ب - القائلون بأن آية المتعة هي تكرار لآية النكاح الدائم، والمراد من
الاستمتاع هو الجماع والانتفاع.

(1) نقلا عن الغدير 6 / 221.
55

يقول الفيروز آبادي في كتابه " تنوير المقايس من تفسير ابن عباس ": " فما
استمتعتم " استنفعتم " به منهن " بعد النكاح " فآتوهن " فأعطوهن " أجورهن "
مهورهن (1).
وقد قال آخرون تارة بالاستناد إلى قول ابن عباس ومجاهد، كما في تفسير
" التسهيل " لابن جزى، وهامش " تفسير الخازن " لأبي محمد البغوي، والقاضي
الشوكاني في تفسيره، وتارة بتفسير منهم مثل تفسير أبى السعود العماري الحنفي،
(هامش تفسير الرازي) وغيره، بأن الآية في النكاح الدائم.
ملاحظة: ذكرنا قول مجاهد من تفسير ابن كثير، وقول ابن عباس من تفاسير
أخرى عكس ما في تفاسير " التسهيل "، والبغوي وسيأتي الحديث مفصلا انشاء الله
عن رأي ابن عباس وما نسب إليه
وهذا الكلام مردود من وجوه:
1 - فإنه لا يشك ذو انصاف وسليقة حسنة ومن تعرف على أصول البلاغة بأن
التكرار في الكلام العادي قبيح وغير مقبول من الناحية الأدبية، فكيف يقبل صدوره
من الله في القرآن الكريم، الذي بلغ من البلاغة واعجاز البيان إلى درجة تحدى كل
المتضلعين بالأدب ورجال البلاغة وكل الإنس والجن، على أن يأتوا بسورة من
مثله أو بآية فما تمكنوا، وهو يكرر كلاما قاله وأكد عليه قبل بضع آيات وبدون اي
مبرر: فهذا خلاف الأصل، بل إن هذا يقتضي التأسيس وبيان حكم جديد، خصوصا
بعد الانتقال منه إلى ذكر المحرمات من النساء في قوله تعالى " حرمت عليكم
أمهاتكم "... الخ وقد بين تبارك وتعالى وبكل وضوح حكم النكاح الدائم وملك
اليمين والزنى، ولا ضرورة لبيان الحكم مرة أخرى، الا اللهم إذا قلنا أن في ذكر
الآية حكم تخصيص أو تقييد حيث قال تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا

(1) تنوير المقياس: 55.
56

بأموالكم محصنين غير مسافحين ".
يقول العلامة الطباطبائي في " الميزان " 4 / 275: ربما قيل: ان قوله تعالى:
" وأحل لكم.... غير مسافحين " حيث قيد حلية النساء بالمهر وبالإحصان من غير
سفاح ولا إحصان في النكاح المنقطع... ولذلك لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنى لعدم
كونه محصنا، يدفع كون المتعة مرادة بالآية.
قال: ولكن يرد عليه ما تقدم من أن المراد بالإحصان في قوله: " محصنين غير
مسافحين " هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملا لملك
اليمين كشموله النكاح.
ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج، عاد الأمر إلى تخصيص الرجم
في زنا المحصن بزنا المتمتع المحصن بحسب السنة دون الكتاب، فان حكم الرجم
غير مذكور في الكتاب. من أصله.
ملاحظة: للمزيد من المعلومات في هذا الموضوع يمكن مراجعة آراء العلامة
الطباطبائي (قدس سره) المذكورة في ص 21 و 26.
2 - قال أبو بكر الرازي: إنه تعالى ذكر المحرمات بالنكاح أولا في قوله:
" حرمت عليكم أمهاتكم * ثم قال في آخر الآية: " وأحل لكم ما وراء ذلكم ". فكان
المراد بهذا التحليل ما هو المراد هناك بهذا التحريم، لكن المراد هناك بالتحريم هو
النكاح، فالمراد بالتحليل هيهنا أيضا يجب أن يكون هو النكاح.
وقد أجابه الفخر الرازي بقوله: أما الذي ذكره في الوجه الأول فكأنه تعالى ذكر
أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن، ثم قال: " وأحل لكم ما وراء ذلكم ". اي
وأحل لكم وطئ ما وراء هذه الأصناف، فأي فساد في هذا الكلام (1)؟

(1) تفسير الرازي 10 / 53.
57

ملاحظة: لقد التزم البعض من علماء السنة بتأويل الآية بالنكاح الدائم كما
التزموا بأنها منسوخة، ولازم هذا أن يكون النكاح الدائم منسوخا، والمفروض أن
المتعة عندهم منسوخة، فعلى هذا لا يبقى طريق تحل فيه الفروج الا ملك اليمين،
وهذا لا يمكنهم الإلتزام به، فلا بد أن يبطل تأويلهم الآية بالنكاح الدائم، أو يبطل
قولهم بالنسخ.
3 - قال تعالى: " فما استمتعتم.... ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد
الفريضة ان الله كان عليما حكيما " (1).
يقول الطبرسي (قدس سره): من قال: بأن المراد من قوله: " فما استمتعتم ": الانتفاع
والجماع، قال: المراد " لا حرج " و " لا إثم عليكم فيما تراضيتم به " من زيادة مهر أو
نقصانه أو حط أو إبراء أو تأخير. وقال السدي: معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم
به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدة الأجل المضروب في عقد المتعة، يزيدها
الرجل في الآجر وتزيده في المدة، وهذا قول الإمامية وتظاهرت به الروايات عن
أئمتهم... (2).
أقول: سياق الآية الكريمة من قوله تعالى: " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم " إلى
آخرها يدل على اختصاصها في المتعة، إذ أن التراضي لا يقع عادة بعد الفريضة في
الدوام، بل يحصل قبل العقد وإبرام العهد، وذلك في مقدار المهر من تزييد أو تقليل،
كما أن الطرفين يعلمان بدوام العقد ووجوب النفقة وسائر الأحكام ولا معنى
لتراض آخر.
إن قلت: إنه يزيدها في المهر،
قلت: ان هذه الزيادة لا تسمى مهرا أو أجرا عند العرف بل تسمى هبة أو هدية أو

(1) النساء: 24.
(2) مجمع البيان 3 / 33.
58

ما شابه ذلك، وهي غير مختصة بهما بل بين أي انسان وانسان آخر. نعم إن تصورنا
زيادة فإنها قد تكون في الإنفاق، ولكنه يعبر من طرف واحد ولا يقال له (تراضي)
والذي هو من باب التفاعل، كما أن هذه الزيادة في الاتفاق لا تسمى مهرا فلذلك
ليس هذا محله. والحال ان للمتعة اجلا محدودا (بعكس الدوام) والتراضي يمكن ان
يحصل في زيادة المدة والتي تتبعها الزيادة في الأجر، والتراضي بعد الفريضة صادق
في هذا الموضع وهو أليق بالمقام.
ولذلك نرى صاحب القاموس (الفيروز آبادي) الذي فسر كلمته: " استمتعتم " ب‍
استنفعتم (كما ذكرنا)، عندما يصل إلى هذا الموضع لا يجد طريقا سوى تفسير بقية
الآية في المتعة، فيقول في كتاب تنوير المقياس من تفسير ابن عباس 7 ص 55:
" ولا جناح عليكم " ولا حرج عليكم " فيما تراضيتم به " فيما تنقصون وتزيدون في
المهر بالتراضي " من بعد الفريضة " الأولى التي سميتم لها " إن الله كان عليما " فيما
أحل لكم المتعة " حكيما " فيما حرم عليكم المتعة. ويقال: عليما باضطراركم إلى
المتعة حكيما فيما حرم عليكم المتعة. انتهى كلامه.
فيكون التراضي بهذه الصورة: هو يرضيها بزيادة في المهر وهي ترضيه بزيادة
في الأجل فيتحقق التراضي المطلوب في الآية، ولا يمكن ذلك الا إذا قلنا بان الآية
خاصة في المتعة.
وقد أشار القرطبي في تفسيره وكذلك القاضي الشوكاني إلى معنى التراضي في
أحد القولين راجع ص 49 و 51 من هذه الرسالة.
ملاحظة: قد يطلق الأجر ويراد به المهر في العقد الدائم، كما في قوله تعالى:
" ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن آجورهن " (1). وفي قوله تعالى:

(1) سورة الممتحنة: 10.
59

" فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن " (1) وفي قوله تعالى: " يا أيها النبي إنا
أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك " (2).
كما أن كلمة المهر وردت في روايات كثيرة من أهل البيت (عليهم السلام) في المتعة فراجع
باب 17 و 21 و 27 وأبواب أخرى في " وسائل الشيعة " من أبواب المتعة.
4 - من القائلين بأن آية: " فما استمتعتم به منهن ".. الخ هي في النكاح الدائم هو
أبو جعفر النحاس الذي نقلنا كلامه في ص 34 حيث يرد عليه:
الف - هذه الرواية انفرد النحاس بذكرها عن طريق علي بن طلحة عن ابن
عباس وليس لها ذكر في كتب أخرى.
ب - هذه الرواية تخالف أولا لما نقلها بنفسه في نفس الكتاب حيث قال: وقال
جماعة من العلماء: كانت المتعة حلالا ثم نسخ الله جل شأنه ذلك بالقرآن، ومما قال
هذا سعيد بن المسيب هو يروي عن ابن عباس وعائشة، وهو قول القاسم وسالم
وعروة. ومناقضة لما نقل عن ابن عباس في كتاب " تنوير المقياس من تفسير ابن
عباس " والمذكور في ص 53 من هذه الرسالة، ثانيا.
ج - يقول النحاس في شرحه للرواية التي نقلها: الا أن تهبه أو تهب منه. وهذه
الكلمة الأخيرة اي: أو تهب منه. مخصوصة في النكاح المنقطع وغير واردة في
الدوام البتة، لأنها اي المرأة تهب الزوج الصداق وهي تستوهب منه الأجل ولا غير،
وهذا هو قول المجوزين.
د - استناده إلى روايات متناقضة في ص 103 و 104 مثل ما روى عن ابن
عباس والربيع بن سبرة وخلطه في الشرح مما يدل على تحيزه في هذا الأمر. راجع

(1) سورة النساء: 25.
(2) سورة الأحزاب: 50.
60

كلامه في ص 34 من هذه الرسالة.
5 - وأما بالنسبة إلى قول النسفي المذكور في ص 34: بأن نظم القرآن الكريم
يأباه.. الخ يجيبه السيد الطباطبائي في تفسيره قائلا: فكلامه يعطى أنه جعل المراد
من المسافحة مجرد سفح الماء وصبه - أخذا بالأصل اللغوي المشتق منه - ثم
جعله أمرا منوطا بالقصد، ولزمه أن الازدواج الموقت بقصد قضاء الشهوة وصب
الماء سفاح لا نكاح، وقد غفل عن أن الأصل اللغوي في النكاح أيضا هو الوقاع،
ففي لسان العرب: قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب الوطئ، ولازم ما
سلكه أن يكون النكاح أيضا سفاحا، ويختل به المقابلة بين النكاح والسفاح على
أن لازم القول بأن قصد صب الماء يجعل الازدواج الموقت سفاحا أن يكون النكاح
الدائم بقصد قضاء الشهوة وصب الماء سفاحا، وهل يرضى رجل مسلم أن يفتي
بذلك؟
فان قال: بين النكاح الدائم والمؤجل في ذلك فرق: فان النكاح الدائم موضوع
بطبعه على قصد الإحصان بالازدواج وإيجاد النسل وتشكيل البيت، بخلاف النكاح
المؤجل.
فهذا منه مكابرة، فان جميع ما يترتب على النكاح الدائم من الفوائد كصون
النفس عن الزنى والتوقي عن اختلال الأنساب، وإيجاد النسل والولد، وتأسيس
البيت يمكن أن يترتب على النكاح المؤجل، ويختص بأن فيه نوع تسهيل وتخفيف
على هذه الأمة، يصون به نفسه من لا يقدر على النكاح الدائم، أو لعدم قدرته على
نفقة الزوجة، أو لغربة أو لعوامل مختلفة أخرى تمنعه عن النكاح الدائم. وكذا كل ما
يترتب على النكاح المؤجل - مما عده ملاكا للسفاح - كقصد صب الماء وقضاء
الشهوة فإنه جائز الترتب على النكاح الدائم، ودعوى أن النكاح الدائم بالطبع
موضوع للفوائد السابقة، ونكاح المتعة موضوع بالطبع لهذه المضار اللاحقة - على
أن تكون مضارا - دعوى واضحة الفساد.
61

فان قال: إن نكاح المتعة لما كان سفاحا كان زنا يقابل النكاح.
رد عليه: بأن السفاح الذي فسره بصب الماء أعم من الزنى، وربما شمل النكاح
الدائم ولا سيما إذا كان يقصد صب الماء (1). انتهى كلامه " ره ".
وما نقله النسفي عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (في ص 34 من هذه الرسالة)
واستدلاله على نفي زوجية المرأة المتمتع بها، دليل على جهله وقصر فهمه وعدم
ادراكه لكلام الإمام (عليه السلام) الذي يروي عنه الشيعة العشرات من الأحاديث المعتبرة
بحليتها، وبل باستحبابها في موارد خاصة. ويرد الفخر الرازي على كلام أبى بكر
الرازي بقوله: واما قوله: ثالثا: الزنا إنما سمي سفاحا لأنه لا يراد منه الا سفح الماء،
والمتعة ليست كذلك، فان المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه
من قبل الله، فان قلتم: المتعة محرمه، فنقول: هذا أول البحث، فلم قلتم: إن الامر
كذلك، فظهر أن الكلام رخو (2).
ولو أن النسفي كان يمعن النظر في كلام الإمام (عليه السلام) لعلم أنه (اي الإمام) قصد من
كلامه " لا ولا من السبعين ": ان حكم امرأة المتعة يختلف عن الدائمة من حيث
العدد، بل يجوز الزواج منهن بأكثر من أربع. وذكره (عليه السلام) لعدد السبعين انما هو من باب
المبالغة. ومعناه: اي يجوز الزواج حتى بسبعين من نساء المتعة وبدون التقيد
بالأربع. هذا ولم ينف (عليه السلام) زوجيتها.

(1) الميزان 4 / 301.
(2) تفسير الرازي 10 / 53.
62

مناقشة آراء الطائفة الثانية القائلة بالنسخ
مقدمة في معنى النسخ: النسخ في اللغة: النقل والتحويل، ومنه نسخ الكتاب،
وبمعنى الرفع أيضا، يقال: نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وأبطلته.
وفي الاصطلاح: هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه
سواء كان ذلك الأمر من الأحكام التكليفية أم الوضعية، أو الخطاب القاطع لحكم
خطاب شرعي سابق على وجه الخطاب القاطع لاستمرار ذلك الحكم. اي رفع
الحكم الثابت بدليل آخر متأخر، أو هو بيان انتهاء حكم شرعي بدليل شرعي (1).
إمكان النسخ: يقول السيد الخوئي (قدس سره): المعروف بين العقلاء من المسلمين
وغيرهم هو جواز النسخ بالمعنى المتنازغ فيه: رفع الحكم عن موضوعه في عالم
التشريع والإنشاء (2).
وقد اتفق العلماء على جواز نسخ القرآن بالقرآن، واختلفوا في جواز نسخ
الكتاب بالسنة كما اختلفوا في الوقوع أيضا. وسيأتي الكلام عن وقوع النسخ
بالسنة.
يقول الشيخ الطوسي (قدس سره): وكذلك لا يقولون (اي الإمامية): ان المتأخر ينسخ
المتقدم الا بالشرط الذي يقوله جميع من أجاز النسخ، وهو أن يكون بينهما تضاد و
تناف لا يمكن الجمع بينهما، وأما على خلاف ذلك فلا يقوله محصل منهم (3).
ويقول السيد الخوئي (ره): ولكن كثيرا من المفسرين وغيرهم لم يتأملوا حق

(1) المتعة ومشروعيتها في الإسلام: 45.
(2) البيان: 279.
(3) التبيان: 1 / 14.
63

التأمل في معاني الآيات الكريمة فتوهموا وقوع التنافي بين كثير من الآيات
والتزموا لأجله بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة، وحتى أن منهم
جعلوا من التنافي ما إذا كانت إحدى الآيتين قرينة عرفية على بيان المراد من الآية
الأخرى كالخاص بالنسبة للعام، وكالمقيد بالإضافة إلى المطلق، والتزموا بالنسخ
في هذه الموارد وما يشبهها (1). انتهى كلامه
أصحاب هذه الطائفة ينقسمون إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: القائل بأن آية المتعة منسوخة بالآيات التالية:
الآية الأولى:
" والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين ومن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " (2). وإن المرأة المتمتع بها ليست
مملوكة ولا زوجة، وإلا لثبت النسب ولحصل التوارث بينهما، ولانتفاء باقي لوازم
الزوجية.
الجواب: لا يمكن أن تكون هذه الآية ناسخة لآية المتعة من وجوه:
1 - إن آيتي المؤمنون أو المعارج مكيتان متقدمتان، وآية المتعة من سورة النساء
مدينة ومتأخرة، وتقدم الناسخ على المنسوخ محال. والذي يظهر من هذا الكلام هو
أن المستدلين بالنسخ لم يكونوا مطلعين بمحل نزول السور الثلاث!!
2 - عدم كونها زوجة ممنوع، لأن المتعة عقد نكاح نص بها القرآن وجاء بها
الرسول (صلى الله عليه وآله) من الله. وقد ورد على لسان الصحابة والتابعين والعلماء بأنها نكاح و
زواج، واليك بعض النماذج.

(1) البيان: 287.
(2) المؤمنون: 5 - 7 والمعارج 29 - 31.
64

الف - في رواية سبرة فتزوجتها (1).
ب - وفي لفظ عبد الرزاق: فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر يقول: من كان تزوج
امرأة إلى أجل فليعطها (2).
ج - وقال الزمخشري في تفسيره الكشاف 3 / 177: فان قلت: هل فيه دليل
على تحريم المتعة؟ قلت: لا، لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج (3).
د - في حديث عبد الله بن مسعود... ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل (4).
ه‍ - وقال القاضي عياض: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى
أجل لا ميراث فيها (5).
و - قال المازري: ثبت ان نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام... والمراد
بالنكاح الزواج (6) وللإطلاع على أقوال العلماء والمفسرين راجع من ص 47 إلى
53 من هذه الرسالة.
3 - وما قيل من عدم ثبوت النفقة للمرأة المتمتع بها يرد عليه:
الف - تثبت النفقة مع الشرط.
ب - لا ملازمة بين الزوجية والنفقة لصدق الزوجية مع عدم لزوم هذه الإحكام
كسقوط النفقة مع النشوز.
4 - إن دلالة الآيتين وسائر الآيات المدعى بها نسخ آية المتعة بطريق العموم لا

(1) سنن ابن ماجة رقم الحديث 1962.
(2) المصنف لعبد الرزاق 7 / 504.
(3) الكشاف 3 / 177.
(4) نقلا عن الغدير 6 / 22
(5) نقلا عن كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام: 58.
(6) نفس المصدر.
65

ينافي التخصيص، بمعنى أن آية: " الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم " عامة
قابلة للتخصيص بآية المتعة فيصير المراد، أن المحافظة على الفروج والتعفف لازم
الا على الأزواج وملك اليمين والمتمتع بها.
وكذلك المصير إلى النسخ يصح لو كان بين هذه الآية وغيرها وآية المتعة تضاد
وتناف، لا من حيث عدم ثبوت اللوازم والأحكام ولا من حيث عدم الزوجية، لأن
المفروض أنها زوجة فتدخل في الأزواج فلا منافاة بينها، وقد أجمعت الشيعة
الإمامية على أن المتمتع بها زوجة، كما أن الكثير من علماء السنة يقولون بذلك،
وسيأتي الحديث عن ذلك في محله انشاء الله.
الآية الثانية:
قوله تعالى: " ولكم نصف ما ترك أزواجكم ". (النساء 12). وأن الإرث من لوازم
الزوجية، ولا إرث بين الزوجين في المتعة.
الجواب: إن هذه المسألة خلافية بين علماء الإمامية وفيها أقوال أربعة:
1 - يتوارثان مطلقا بحكم ظاهر آية المواريث.
2 - يتوارثان الا أن يشترط عدمه، وهو مذهب السيد المرتضى وابن أبي عقيل و
جماعة (1).
3 - يتوارثان مع الشرط.
4 - ولا إرث بينهما وإن شرط.
وقد خرج القسمان الأخيران بالدليل الخاص فخصص به الكتاب، ويجوز ذلك،
من حيث أن نفس النكاح مؤجل بأجل فتكون العلاقة الزوجية مؤقتة ولا توجب

(1) نقله الشيخ محمد أمين زين الدين عن الشهيد الثاني في الروضة والمسالك والرياض و
غيرهم (المتعة للفكيكي: 129).
66

التوارث، مع أن جمهور أهل السنة جوزوا نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على
عدم التوارث بينها وبين زوجها المسلم، تخصيصا منهم لعموم الإرث بما رووه من
قول النبي (صلى الله عليه وآله): لا يتوارث أهل الملتين. وأجمع المسلمون على أن القاتل من أحد
الزوجين للآخر لا يرث منه. وعليه فان الإحتجاج بآية المواريث على نسخ المتعة
غير صحيح ولا يدعمه البرهان العلمي. فضلا عن ذلك، فان آية المواريث مكية
وآية المتعة مدنية نزلت بعد الهجرة ولا يمكن تقدم الناسخ على المنسوخ.
ودليل آخر على بطلان قول المحتج: أن نكاح الإماء والمملوكات لغير الناكح،
وهن لسن بزوجات للناكح، ولا ملك يمين لم يجر نسخه في سورة المؤمنون للعلة
التي ذكرناها، كما أن نفس المحتج يحتج بها عند توجه الاعتراض عليه فيما
يختص بنكاح الإماء والمملوكات فتدبر (1).
بمعنى أن المتعين هو تخصيص العمومات المتقدمة بهذا الخاص المتأخر،
كتخصيص آية الحفظ بأمة الغير التي أذن في وطئها فإنها ليست زوجة ولا ملك
يمين، وقد أفتى بجواز هذا الإذن والتحليل كل من ابن عباس وطاووس، وقال
طاووس: هي أحل من الطعام، بل ربما يظهر من بعض النصوص الصحيحة السند:
أن ذلك كان شائعا ومعروفا جدا في زمن التابعين فراجع ما قاله عطاء لابن جريح
في خصوص ذلك (2).
وهناك موارد أخرى لا يوجد فيها توارث مثل: الوطئ بملك اليمين، نكاح الأمة
لغير المالك (كما ذكرنا) والمعقود عليها في المرض مات زوجها قبل الدخول، كما

(1) المتعة للكفليكي نقلا عن البلاغي: 98 و 99 (والظاهر أن المقصود من كلمة (لغير الناكح) هو
لغير الناكح الأول الذي يعتبر هو المالك.
(2) عن كتاب الحافظ عبد الرزاق، المصنف 7 / 216 نقلا عن كتاب الزواج المؤقت للسيد جعفر
مرتضى.
67

أنها قد ترث حق الزوجة مع خروجها عن الزوجية في العدة قبل انقضاء الحول، كما
لو طلق زوجته في المرض ومات بعد خروجها عن العدة قبل انقضاء الحول.
اذن فالإرث لا يلازم الزوجية طردا ولا عكسا، فغاية ما ينتجه ذلك أن التوارث
مختص بالنكاح الدائم وأين هذا من النسخ؟!.
الآية الثالثة والرابعة:
قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " (1) " والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " (2) ولأن
المتعة لا طلاق فيها ولا عدة.
الجواب: يقول السيد الخوئي (قدس سره): أما الإحتجاج بآية الطلاق فلا يمكن القول بأن
هذه الآية ناسخة لآية المتعة، لأن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطئ
ومشروعيته بما كان موردا للطلاق، وإلا فما تقول في التسري في الوطئ وملك
اليمين، فان مورد الطلاق هو العقد المبني على الدوام، لأن الطلاق هو الحل لعقدة
الزواج الدائم وقطع لدوامه، وعليه فليس هناك أي تعارض بين الآيتين، ولا يصح
القول - من جميع الوجوه - بأن آية المتعة منسوخة بناسخ من القرآن الكريم، وإن
هبة المدة تغني عن الطلاق ولا حاجة إليه (3).
ويقول السيد مكي: وأما دعوى النسخ بآية الطلاق والميراث فالاستدلال بها
دوري، فان استدل على النسخ بعدم ثبوت الطلاق والميراث في المتعة وعدمها
موقوف على ثبوت النسخ فيلزم الدور الباطل، فيبطل أصل دعوى النسخ، هذا مع
أن أصل نكاح المتعة موضوع وما ذكر من الطلاق والميراث والعدة وغيرها هو من

(1) الطلاق 1
(2) البقرة 234
(3) البيان 317.
68

الأحكام، لذلك لا يلزم منه عدم ثبوته. مثلا زيد يكون من عوارضه واحكامه
المرض، فلا يلزم من عدم تمرضه أن لا يكون موجودا، فآية الطلاق لم تحصر
إباحة الوطئ وشرعيته بخصوص ما كان موردا للطلاق، والا فما تقول في التسري
والوطئ بملك اليمين؟ فإنه لا طلاق فيه، فمورد الطلاق خصوص العقد الدائم، فعدم
ثبوت هذه الأحكام للمتعة لا يلزم منه انتفاؤها ونسخ مشروعيتها، هذا مع أنها
كانت مشروعة باتفاق الكل في أول الإسلام في مقابل عقد النكاح المطلق، ولم
تكن كل هذه الأحكام ثابتة لها، فكيف بعد هذا في الأزمنة المتأخرة عن وفاة
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) صارت منتفية لأن هذه الأحكام لا تثبت لها؟ هذا مع أن العدة
ثابتة في المتعة، وأما الطلاق فثبوته وعدم ثبوته لا يتبع آراءنا بل إلى المشرع وهو
الله تبارك وتعالى الذي جعل سبب الفراق في النكاح الدائم هو الطلاق وسبب
ارتفاع الزوجية في المتعة هو انتهاء المدة أو هبتها للزوجة، وكذلك الميراث فأمره
يرجع إلى الشارع، وأما الفراق وانقطاع علقة الزوجية فيحصل بغير الطلاق كما في
الملاعنة والمرتدة أو المرتد عنها زوجها والأمة المبيعة (1) والمعتقة، والزوجة التي
ترضع أم زوجها طفلتها الصغيرة فهي تبين بغير طلاق وكذلك زوجة المجنون إذا
فصخت فهذه أحكام ولوازم تنتفي مع كون العقد دائما، ولا يلزم من انتفائها انتفاؤه
وذلك دليل على عدم التلازم بين حصول الزوجية بالعقد دائما كان أو منقطعا وبين
عدم ترتب هذه الأحكام عليها.
فدعوى النسخ بهذه الآيات لا يعول عليها وإننا بغنى عن النظر في هذه الدعوى
لوضوح بطلانها (2).

(1) الأمة المبيعة هي: إذا تزوج أحد بأمة غيره مع الاستئذان من مولاها ثم باعها مولاها من
شخص آخر وهذا الثاني لم يجز هذا التزويج.
(2) المتعة ومشروعيتها في الإسلام: 61.
69

هذا التلازم المدعى لماذا لم يمنع من تشريع المتعة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مع أن آية
المتعة وتشريعها قد كان بعد نزول آية الطلاق وغيرها من الآيات المثبتة لبعض
اللوازم؟
يقول السيد الخوئي (قدس سره): إن الإلتزام بالنسخ إن كان لأجل أن عدد عدة المتمتع بها
أقل من عدة المطلقة فلا دلالة في الآية ولا في غيرها على أن عدة النساء لابد وأن
تكون على نحو واحد، وإن كان لأجل أنه لا طلاق في نكاح المتعة فليس للآية
تعرض لبيان موارد الطلاق وأنه في أي مورد يكون وفي اي مورد لا يكون. وقد
نقل في تفسير (1) المنار عن بعض المفسرين أن الشيعة يقولون بعدم العدة في نكاح
المتعة! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم وهذه كتب فقهاء الشيعة من قدمائهم
ومتأخريهم ليس فيها من نسب إليه هذا القول وإن كان على سبيل الشذوذ فضلا عن
كونه مجمعا عليه بينهم (2).
أقول: أحسب إن القائلين من علماء السنة بنسخ آية المتعة بآية العدة تصوروا
بأن الشيعة تنفي العدة من المرأة المتمتع بها (كغيرها من عشرات التهم التي ألصقوها
بهم وهم منها براء) ولذلك اعتبروا هذه الآية ناسخة لتلك من عند أنفسهم ولم
يستندوا في ذلك إلى اي سند، ولم يتمسكوا بأية عروة.
والعجيب أنهم يقولون بأن المتعة منسوخة وفي نفس الوقت ينفون العدة من
المرأة المتمتع بها، سبحان الله وهل كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتمتعون من النساء
من دون ملاحظة العدة "، أو كانت النساء المؤمنات يتمتعن من دون ملاحظة العدة؟!
هذا مع أن العدة ثابتة باجماع الامامية قولا واحدا، بل وعند كل من قال
بمشروعية المتعة، وعدتها حيضتان أو 45 يوما، وعدة الوفاة مثل الدائمة.

(1) المنار: 5 / 13 و 14.
(2) البيان: 315.
70

الآية الخامسة (آية العدد):
قال تعالى: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وإن لم تعدلوا
فواحدة " (1) وان المرأة المتمتع بها ليست من الأربع.
يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره 4 / 274: ان النسبة بينها وبين آية المتعة
ليست نسبة الناسخ والمنسوخ، بل نسبة العام والمخصص أو المطلق والمقيد، فان
آية الميراث مثلا تعم الأزواج جميعا من كل دائم ومنقطع، والسنة تخصصها باخراج
بعض أفرادها وهو المنقطع من تحت عمومها، كذلك القول في آية العدد وهو ظاهر،
ولعل القول بالنسخ ناشئ من عدم التمييز بين النسبتين. نعم ذهب بعض الأصوليين
فما إذا ورد خاص ثم عقبه عام يخالفه في الإثبات والنفي إلى أن العام ناسخ
للخاص، لكن هذا مع ضعفه على ما بين في محله غير منطبق على مورد الكلام،
وذلك لوقوع الطلاق وهي العام في سورة البقرة وهي أول سورة مدنية نزلت قبل
سورة النساء المشتملة على آية المتعة، وكذلك آية العدد في سورة النساء متقدمة
في النزول على آية المتعة، فالخاص آية المتعة متأخر عن العام على أي حال.
الآية السادسة (آية التحريم):
قوله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ".. الخ (2). وقالوا بأن
المتعة داخلة في محرمات النكاح.
الجواب: ان المتعة استثنيت من آية التحريم، ومن البديهيات أن يكون حكم
المستثنى غير حكم المستثنى منه. ويقول العلامة الطباطبائي في تفسيره (3): وأما النسخ
بآية التحريم فهو أعجب ما قيل في هذا المقام.

(1) النساء: 3.
(2) النساء 23.
(3) الميزان 4 / 275
71

أما أولا: فلأن مجموع الكلام الدال على التحريم والدال على حكم نكاح المتعة
كلام واحد مسرود ومتسق الأجزاء متصل الأبعاض، فكيف يمكن تصور تقدم ما
يدل على المتعة ثم نسخ ما في صدر الكلام لذيله؟
وأما ثانيا: فلأن الآية غير صريحة ولا ظاهرة في النهي عن زوجية غير الدائمة
بوجه من الوجوه، وانما هي في مقام بيان أصناف النساء المحرمة على الرجال، ثم
بيان جواز نيل غيرها بنكاح أو ملك يمين، ونكاح المتعة نكاح على ما تقدم، فلا
نسبة بين الأمرين بالمباينة حتى يؤول إلى النسخ. انتهى كلامه (قدس سره).
الآية السابعة:
قوله تعالى: " أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن " (1).
حيث قيد حلية النساء بالمهر والإحصان من غير سفاح، ولا إحصان في المتعة،
لأنه لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنى يقول السيد مكي: إن رواية نسخ آية الإحصان
لآية المتعة عن ابن عباس يكذبها ما عرف عنه من التزامه بإباحة المتعة إلى آخر
حياته حتى اشتهرت فتياه بالمتعة ونظمت فيها الأشعار وسارت بها الركبان هذا مع
أن ثبوت الناسخ بخبر الواحد غير صحيح، لأنه يلزم منه نسخ القرآن بخبر الواحد.
ولا يعقل أن تكون هذه الآية ناسخة لأنها وردت بعد ذكر المحرمات من النساء
وإباحة ما وراءهن ومعناه: أن ابتغوا بأموالكم من النساء غير المحرمات بطريق غير
السفاح، والاستمتاع بهن من الإحصان لا من السفاح والزنى، وشرط الشئ وقيده
لا يكون ناسخا لمشروطه والمقيد به، بل يكون من مقدمات وجوده، وعدمه موجب
لعدم أصل تحققه وثبوته، والنسخ ليس هذا معناه رفع الحكم الثابت (2).
مضافا إلى ذلك أنه لا توجد ملازمة دائمة بين الزوجية والإحصان كالمرأة

(1) النساء 24
(2) المتعة ومشروعيتها في الإسلام: 62 (باختصار).
72

المعقود عليها دائما تعتبر زوجة والإحصان لا يثبت لهما قبل الدخول.
وقال أبو بكر الجصاص الرازي: ان قوله تعالى " محصنين " والإحصان لا يكون
الا في نكاح صحيح، لأن الوطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا يتناوله هذا الاسم،
فعلمنا أنه أراد النكاح الدائم.
فأجاب عنه الفخر الرازي في تفسيره: قوله " ثانيا " الإحصان لا يكون الا في
نكاح صحيح - اي في نكاح دائم لم يذكر عليه دليلا (1). يعني: من أين أثبت أن
الإحصان خاص بالنكاح الدائم؟ بل هو موجود في المنقطع أيضا من غير فرق لأن
المراد بالإحصان حفظ الفرج عن ارتكاب الحرام اي الزنى دون النكاح مطلقا.
وللسيد الطباطبائي بحث في هذا الكلام فليراجع ص 55 من هذه الرسالة.

(1) التفسير الكبير للرازي 10 / 53.
73

بحث عام في النسخ بالآيات
تعريف نكاح المتعة من مصادر السنة ومناقشة الأقوال:
1 - في تفسير القرطبي 5 / 132: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة
نكاح إلى أجل لا ميراث فيه. وقال ابن عطية: وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة
بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما ويعطيها ما اتفقا
عليه، فإذا انقضت المدة فليس عليها سبيل، وتستبري رحمها لأن الولد لا حق فيه
بلا شك، فان لم تحمل حلت لغيره. وعن ابن عباس قال: عدتها حيضة وقال: لا
يتوارثان.
2 - وفي مصنف ابن أبي شيبة عن جابر قال: إذا انقضى الأجل فبدلها أن يتعاودا
فليمهرها مهرا آخر، فسئل كم تعتد؟ قال: حيضة واحدة كن يعتددنها للمستمتع
منهن (1).
3 - وفي تفسير الطبري 5 / 9: عن السدي: " فما استمتعتم به منهن ".. فهذه المتعة
الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح باذن وليها،
وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برية، وعليها أن تستبري ما في
رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه (2).
4 - قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا
ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق... ومذهبنا أنه لا يحد

(1) المصنف لعبد الرزاق 7 / 499 باب المتعة.
(2) و كذلك في تفسير الدر المنثور 5 / 484.
74

لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الإجماع
بعد الخلاف هل يرفع الخلاف ويصير المسألة مجمعا عليها؟ والأصح عند أصحابنا
أنه لا يرفعه بل يدوم الخلاف، ولا يصير المسألة بعد ذلك مجمعا عليها ابدا (1).
5 - وفي صحيح البخاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما
بينهما ثلاث ليال، فان أحبا ان يتزايدا أو يتتاركا (2).
6 - وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم
الله عمر، ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها أمة محمد... وهي التي في سورة
النساء " فما استمتعتم "... وكذا من الأجل على كذا وكذا... قال: وليس بينهما وراثة
فان بدا لهما أن يتراضيا فنعم... وأخبر أنه سمع ابن عباس يراها الان حلالا (3).
7 - وأخرج ابن المنذر عن طريق مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن
المتعة: أسفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح ولا نكاح. قلت: فما هي؟ قال: هي
المتعة كما قال الله. قلت هل لها من عده؟ قال: نعم. عدتها حيضة. قلت: هل
يتوارثان؟ قال: لا (4).
وكذلك في تفسير الخازن. يراجع صفحة 48 من هذه الرسالة.
أقول: يظهر من هذه الرويات ما يلي:
الف - إن المتعة نكاح وزواج إلى أجل (وهو عقد شرعي للزوجين كما في في
الدائم) وباتفاق العلماء ومن دون اختلاف كما في تفسير القرطبي.
ب - ليس بينهما ميراث.

(1) صحيح مسلم شرح النووي 9 / 181.
(2) صحيح البخاري 3 / 164 نقلا عن معالم المدرستين.
(3) الدر المنثور 5 / 487.
(4) الدر المنثور 5 / 487.
75

ج - تبين منه بلا طلاق كما أن لهما الحق في العودة بمهر آخر.
د - تعتد المرأة وعدتها حيضة واحدة (طبق رأي علماء السنة)
ه‍ - تستبري ما في رحمها والولد يلحق بأبيه.
و - يعطيها من المهر ما اتفقا عليه.
ز - أن يتزوج المرأة بشاهدين وإذن وليها.
هذه هي حدود المتعة المذكورة في كتب علماء السنة، وهي لا تختلف عما هو
مذكور في كتب فقهاء الإمامية الا في موضوع العدة، فإنهم يقولون ان عدتها
حيضتان أو 45 يوما.
وأما الإشكالات الواردة على القائلين بنسخها:
أولا: لقد اتفق كل علماء الإمامية والكثيرون من علماء السنة (كما ذكرنا) على أن
المرأة المتمتع بها تعتبر زوجة، وهذا الزواج يقال له: نكاح. اذن أي نسخ يتصور في
الآية؟
ثانيا: - يقولون ومنهم الفخر الرازي في تفسيره (كما ذكرنا) انها (المرأة المتمتع
بها) ليست زوجة لعدم وجود لوازم الزوجية، ولو كانت كذلك لثبت النسب
وبالاتفاق لا يثبت، ولو وجبت العدة ولحصل التوارث. ثم قال: إعلم أن هذه الحجة
كلام حسن مقرر!!.
والجواب: لقد قلنا أن التوارث لا يلازم الزوجية، وأن هذا النوع من الزواج ليس
فيه توارث حسب أقوال العلماء من السنة والشيعة. وليست المشكلة في ادعاء نسخ
آية المتعة بآية الحفظ أو الإرث، فإن الرد عليه لا يحتاج إلى تكلف، كما أن جهل
القائلين به واضح من دون ريب، ان المصيبة التي ابتلي بها الإسلام والمسلمون من
هؤلاء ليس جعل احكام لا تمت للإسلام بصلة فقط، بل هو ضرب الإسلام من
76

جذوره وهدم كيانه من أساسه لأجل تبرير موقف انسان واحد! في هذه المسألة
وهو نفي العدة والنسب من دون دليل. أولا يسأل سائل ان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) لماذا
أذن في هذا النوع من النكاح قبل نسخه (1)؟ وماذا تعمل المرأة المؤمنة الحامل بحملها
هل تقذفه في الأزقة والشوارع أو تقتله لتتخلص من العار ومغبة الإنفاق؟ ثم يأتي
اللاحقون ليقولوا بأنه بقية من بقايا الجاهلية، نعم لا يقول بهذا حتى الفجار من كفار
الجاهلية في أقذر نكاح لهم.
فعن عروة قال: أخبرتني عائشة أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء:
فنكاح منها نكاح الناس اليوم...
ونكاح آخر، كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان
استبضعي منه (وهو طلب المرأة نكاح الرجل لتنال منه الولد فقط) فإذا تبين حملها
من ذلك الرجل الذي تستبضع منه أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة
في نجابة الولد! فكان يسمى نكاح الاستبضاع.
ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم
فيصيبونها، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع، أرسلت إليهم فلم يستطع
رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم أن الذي كان من
أمركم وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان تلحقه بمن أحببت فلا يستطيع أن يمتنع.
ونكاح آخر رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة فلا تمتنع ممن
جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن الرايات، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا
حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا حملها ودعوا لها القافة (وهم الذين

(1) وفي كتاب النحاس أن الولد لا يلحق في نكاح المتعة، قلت: هذا هو المفهوم من عبارة
النحاس، فإنه قال: وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوما أو ما أشبه ذلك - على أن لا عدة
عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك!!! (تفسير القرطبي 5 / 132)
77

يشبهون بين الناس فيلحقون الولد بالشبهة، فألحقوا ولدها بالذين يرون، فالتاط به
(اي ألصقه بنفسه وجعله ولده) ودعي ابنه لا يمتنع منه، فلما بعث محمد (صلى الله عليه وآله) بالحق
هدم نكاح الجاهلية كله الا نكاح الناس اليوم (1). هذا نكاح الجاهلية التي غلبت
عليها الهمجية والوحشية.
أفهل من الإنصاف أن ينسب نكاح المتعة بهذه الكيفية إلى كتاب الله وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله)؟ وأتصور أي بعض من نسب نفسه إلى العلم طالع بعض كتب السنة ثم
دفعته الحمية الدينية من دون وعي وبدأ يتهجم على المتعة بفاحش القول، ويقذف
الشيعة بلسان بذي وألفاظ نابية.
فمن هؤلاء موسى جار الله في كتابه " الوشيعة " (قد ذكرنا بعض ما قاله في
ص 33) الذي يقول في ص 32 من كتابه: وأرى أن أدب البيان يأبى وعربية هذه
الجملة الكريمة تأبى أن تكون هذه الجملة الجليلة الكريمة قد نزلت في المتعة، لأن
تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة يخل لو قلنا إنها نزلت فيها.
ويقول في ص 149: أستبعد غاية الاستبعاد أن يكون مؤمن يعلم لغة القرآن
الكريم ويؤمن باعجازه ويفهم حق الفهم إفادة النظم يقول: إن قول الله جل جلاله:
" فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " نزلت في متعة النساء، قول لا
يكون الا من جاهل يدعي ولا يعي.
ويقول أيضا: والمتعة بأجرة سماها القرآن الكريم البغاء فقال: " ولا تكرهوا
فتياتكم على البغاء ".
ويقول في ص 168: " ومن لم يستطع طولا أن ينكح المحصنات، فالقرآن
الكريم قد نقله من نكاح إلى نكاح حيث يقول: " فانكحوهن بإذن أهلهن " ثم لم

(1) أخرجه البخاري وأبو داود عن كتاب تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول:
4 نقلا عن كتاب المتعة للفكيكي: 93.
78

يذكر في آية من الآيات حديث المتعة وهي استئجار باتفاق كتب الشيعة لا وقت لها
ولا عدة... الخ (1).
ويقول السائح المصري محمد ثابت في كتابه عن زواج المتعة في النجف...
وللفتاة أن تتزوج مرات في الليلة الواحدة، والعدة... وعند انتهاء مدة الزواج يفترق
الزوجان ولا تنتظر المرأة أن تعتد، بل تتزوج بعد ذلك بيوم واحد إلى آخر مفترياته
وأكاذيبه (2).
ومن هؤلاء: صاحب المنار حيث يقول في تفسيره: ان التمتع ينافي الإحصان بل
يكون قصده الأول المسافحة، لأنه ليس من الإحصان في شئ أن تؤجر المرأة
نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:
كرة حذفت بصوالجة يتلقاها رجل رجل (3)
ومن هؤلاء: أبو الغنائم محمد بن علي الترسي الكوفي كما في كتاب " تحريم نكاح
المتعة " حيث قال:
الا يا صاح فأخبرني بما قد قيل في المتعة * ومن قال حلال هي كمن قد قال في الرجعة
كذبتم لا يحب الله شيئا يشبه الخدعة * لها زوجان في طهر وفي طهر لها سبعة
إذا فارقها هذا أخذها ذاك بالشفعة * فهي من كل إنسان لها في رحمها متعة (4).

(1) نقلا عن كتاب الغدير 6 / 227 والمتعة للفكيكي: 101.
(2) نقلا عن المتعة للفكيكي: ص 31.
(3) تفسير المنار 5 / 16.
(4) كتاب تحريم نكاح المتعة لأبي الفتح بن إبراهيم المقدسي: 146 (المطبوع في المدينة)
79

ويقول البر الغزي كما في كتاب " اللمعة في نكاح المتعة " الذي ألفه حامد أفندي
الغماري استجابة لطلب الوزير سليمان باشا:
ما قاله هنا فليست زوجا * وإن أباح عند بعض فرجا
إذ لا توارثا ولا اتفاقا * وولدا يلحق أو طلاقا
زعم في الكشاف غير هذا * فإنه مما يعد شاذا (1).
وكذلك يقول ابن سكرة وهو يهجو الشيعة:
يا من يرى المتعة في دينه * حلا وإن كانت بلا مهر
ولا يرى سبعين تطليقة * تبين منه ربة الخدر (2)
وقال النحاس: هي الزنى لم تبح قط في الإسلام (3).
ومن هؤلاء أحمد أمين حيث قال في كتابه " ضحى الإسلام " 3 / 258: وقد
أصاب عمر وجه الصواب بإدراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنى (4).
وغير هؤلاء الذين ضاعوا في متاهات كتب أهل السنة وفقدوا صوابهم. إلا أني
أقول لهم: إن كل ما ذكرتموه عن المتعة وبهذه الكيفية لا يمكن أن يكون صادرا من
الشارع المقدس، وحاشا لله عز وجل ورسوله الكريم أن يأمرا بشئ وقد نهيا عنه
وهو الزنى، بل أؤكد لهم أن أبشع نكاح في الجاهلية هو أفضل بكثير من هذا النوع
من النكاح، لأن الولد من البغية كان يلحق بأحد الزناة (برأي القافه) كما ذكرنا.
ولكن الرازي وأمثاله يقولون بعدم ثبوت النسب وعدم وجوب العدة! وأن المتعة

(1) المصدر السابق
(2) نفس المصدر.
(3) نقلا عن الغدير 6 / 225.
(4) نقلا عن المتعة للفكيكي 75.
80

كانت حتى غزوة خيبر أو فتح مكة أو غزوة تبوك أو... وطرأ عليها النسخ بعد ذلك
الوقت فحرمت. بمعنى أنها كانت موجودة ومباحة من دون عدة ولحوق الولد،
بمرأى ومسمع من النبي (صلى الله عليه وآله)! " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا
حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " (1)
وكذلك أقول لهؤلاء البسطاء السذج الذين لا تتجاوز أنظارهم محل أقدامهم: إنكم
لم تكلفوا أنفسكم مطالعة مراجع السنة فضلا عن مراجع الشيعة، وان الباحث من
واجبه أن يراجع تلكم الكتب ثم ينقض ويبرم ويزن ويرجح، لئلا يوجه قوارصه من
دون علم. " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤولا " (2).
كما أقول للأخوة السنة المعاصرين: إن كبار علمائكم وقعوا في ورطة التعصب
المقيت والأعمى فكتبوا ما سمعوا وتكلموا بالحلال والحرام من دون أن يميزوا
بينهما، وبالتالي حكموا من دون علم، هذا جزاء من ترك جادة الحق ولجأ إلى
التشبث بالحشيش. هذا جزاء من أصم أذنه عن قول النبي (صلى الله عليه وآله): " اني مخلف فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا "
وقوله (صلى الله عليه وآله): " أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا من وتخلف عنها غرق وهوى "
ولهذا غرقوا وهووا وضلوا (يرى أبو حنيفة سقوط الحد إذا تزوج الرجل بامرأة
نكاحا فاسدا أو بإحدى محارمه في النكاح، ودخل بها مع العلم بالحرمة وفساد
العقد (3). وأنه إذا استأجر امرأة فزنى بها سقط الحد لأن الله تعالى سمى المهر
أجرا (4)!!.)

(1) سورة النحل: 16.
(2) سورة الإسراء 36.
(3) الهداية وفتح القدير 4 / 147.
(4) احكام القرآن للجصاص 2 / 146 نقلا عن كتاب البيان للسيد الخوئي (قدس) 327.
81

وقال أبو محمد " رحمه الله ": قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة (درأ عمر بن الخطاب
الحد عن راعية الغنم) ولم ير الزنى الا ما كان مطارفة وأما ما كان فيه عطاء
واستئجار فليس زنا ولا حد فيه. وأما الحنفيون... إذ يرون المهر في الحلال الا
عشرة دراهم لا أقل، ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام... (1)! " فاعتبروا يا أولي الأبصار
".
ثالثا: إن صح ما قيل من نسخ آية المتعة بواسطة آية الميراث فيكون معنى
الكلام هو: أن حكم النكاح كان منحصرا في نكاح المتعة (قبل نزول آية النسخ)
وأن النكاح الدائم لم يكن من لوازمه الميراث إلى ذلك الوقت وهذا لا يقبله عقل
سليم.
رابعا: إن قيل: أن آية الميراث نسخت المتعة (لأن المتعة ليس فيها ميراث)
قلت فإن الميراث جزء من حدود المتعة وليس كل المتعة، فتكون النتيجة هكذا:
ان المتعة جائزة بشرط الميراث أو أن المتعة التي لم يكن فيها ميراث أنزل الله آية
ليؤكد وجود الميراث فيها اي ان النسخ ترتب على هذا الجزء (عدم الميراث) وهذا
يوافق قول بعض علماء الإمامية بلزوم الميراث في هذا النوع من النكاح كما ذكرنا.
خامسا: بناء على ما سبق يمكن أن يقال: إن نكاح المتعة كان موجودا منذ بعثة
النبي (صلى الله عليه وآله) وقبل نزول آية المتعة، فعلى هذا يكون معناه: أن آية المتعة نزلت لتؤكد
على جواز هذا النوع من النكاح، فان كان هذا الكلام مقبولا عند أهل السنة فلا
داعي للنسخ، فان الإسلام لو قصد تحريم المتعة لما احتاج إلى ذكر آية المتعة في
القرآن أو سكت عنها النبي (صلى الله عليه وآله) في بادئ الأمر ثم حرمها على مراحل مثل الخمر.
سادسا: هذا الإبهام في تحريم المتعة، بدأ من القول بالنسخ بالآيات والأخبار

(1) المحلى لابن حزم 11 / 350.
82

وتضارب الأقوال في ذلك وحتى تحريم عمر، على تناف وتضاد كامل مع قوله
تعالى: " وقد فصل لكم ما حرم عليكم " (1).
القسم الثاني: القائلون بأن آية المتعة منسوخة بالأخبار.
مقدمة: النسخ بالسنة: اختلف العلماء في جواز نسخ الكتاب بالسنة:
الف - النسخ بالسنة المتواترة، يقول السيد الخوئي (قدس سره): ان الحكم الثابت بالقرآن
ينسخ بالسنة المتواترة، أو بالإجماع القطعي الكاشف صدوره عن المعصوم (عليه السلام) وهذا
القسم لا إشكال فيه عقلا ونقلا، فان ثبت في مورد فهو المتبع والا فلا يلتزم
بالنسخ (2).
ويقول (قدس سره) في موضع آخر: بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر
بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، واليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى
الروايتين عنه، بل إن جماعة ممن قال بامكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع
وقوعه (3).
وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن
نسبة النسخ إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الإسقاط قد
وقع بعده. وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فهو
عين القول بالتحريف (4).
ملاحظة: قال ابن كثير في تفسيره: وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى

(1) الانعام 119.
(2) البيان: 286.
(3) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3 / 217.
(4) البيان: 206.
83

أنه (اي نكاح المتعة) أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين (1)!
أقول: إن صح ما نقله ابن كثير عن الإمام الشافعي فإنه يبعث على العجب بسبب
التناقض الصريح في رأيه.
ب - النسخ بالآحاد: يقول السيد الخوئي (قدس سره): لقد أجمع المسلمون على أن
النسخ لا يثبت بخبر الواحد، كما أن القرآن لا يثبت به، والوجه في ذلك - مضافا
إلى الإجماع - أن الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس، وانتشار
الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد، فان اختصاص نقلها ببعض
دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه (2).
وقال قاضي القضاة البيضاوي في كتابه " منهاج الوصول ": الأكثر على جواز
نسخ الكتاب بالسنة، وصرح بأنه لا ينسخ المتواتر بالآحاد (3).
وبعد هذه المقدمة: أتعرض إلى ذكر الأخبار المعتمدة لدى المخالفين ومن ثم
مناقشتها.
1 - روى مالك عن الزهري عن عبد الله والحسن بن محمد بن علي عن أبيهما
عن علي: أن الرسول (صلى الله عليه وآله) نهى عن متعة النساء، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية بخيبر.
وروى أيضا بنفس السند أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: إنك
رجل تائه (اي مائل). ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة.
2 - روى الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: غدوت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا
هو قائم بين الركن والمقام مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا أيها الناس اني أمرتكم

(1) ابن كثير 1 / 474.
(2) البيان: 285.
(3) نقلا عن كتاب المتعة، ومشروعيتها في الإسلام: 46.
84

بالاستمتاع من هذه النساء، الا وان الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة، فمن كان
عنده منهن فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
3 - وروى عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: متعة النساء حرام. وهذه الأخبار الثلاثة ذكرها
الواحدي في البسيط (1).
4 - أخرج الشيخان أن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا النبي (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس
في المتعة ثم نهى عنها (2).
5 - روايات ابن عباس:
الف - وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة أول
الإسلام وكانوا يقرأون هذه الآية: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " فكان
الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته،
لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه، حتى نزلت هذه الآية: " حرمت عليكم
أمهاتكم " (3)... إلى آخر الآية، فنسخ الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن:
" الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " (4). وما سوى هذا الفرج فهو حرام. (5) ب
- وآخر ابن أبي حاتم عن ابن عباس... نسختها: " محصنين غير مسافحين ".
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن
عباس... قال: نسختها: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " (6).

(1) تفسير الزاري 10 / 51 وأكثر مصادر أهل السنة.
(2) صحيح مسلم باب المتعة: 1023 ح 1405 وسند احمد 4 / 55 وسنن البيهقي 7 / 104 وفتح
الباري 11 / 73 نقلا عن معالم المدرستين 3 / 277.
(3) النساء: 23.
(4) المؤمنون 6.
(5) الدر المنثور 5 / 484
(6) الطلاق: 1.
85

" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " (1). " واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر " (2) (الدر المنثور 5 / 485).
ج - وقد ذكر الفخر الرازي ما يلي: اما ابن عباس فعنه ثلاث روايات (3):
إحداها بالإباحة المطلقة... الخ
والرواية الثانية: أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة
قال ابن عباس: قاتلهم الله اني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت: انها تحل
للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير له.
والرواية الثالثة: أنه أقر بأنها صارت منسوخة... وروى أنه قال عند موته:
اللهم إني أتوب إليك في قولي في المتعة والصرف.
وأخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن
عباس: ماذا صنعت، ذهب الركاب (الركبان) بفتياك؟ وقالت فيه الشعراء؟ قال: وما
قالوا؟! قلت: قالوا:
أقول للشيخ لما طال مجلسه * يا صاح حل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللتها
الا للمضطر، ولا أحللت منها الا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير. (4)
وهناك روايات أخرى وردت عن طريق السنة عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن
جبير وأبي وغيرهم سنتحدث عنها انشاء الله.

(1) البقرة: 228.
(2) الطلاق: 4.
(3) تفسير الرازي 10 / 49
(4) الدر المنثور 5 / 487
86

مناقشة هذه الروايات
(الرواية الأولى)
ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) إياها يوم خيبر، وقد أخرج
هذه الرواية خمسة من أئمة الصحاح الست في صحاحهم وغيرهم من أئمة الحديث
في مسانيدهم (1) وقد قال القاضي عياض وحكاه عنه الزرقاني في (شرح الموطأ
3 / 24) بأن تحريم المتعة يوم خيبر صحيح لا شك فيه (2) وهناك مصادر أخرى
كثيرة تقول بأن تحريم المتعة كان يوم خيبر وبالاستناد إلى الإمام علي (عليه السلام) كما
وردت روايات كثيرة أخرى ليس فيها ذكر للمتعة.
الف - تحريم لحوم الحمر الأهلية بخيبر: روى (3) ابن حجر عن ابن عباس أنه
استدل على إباحة الحمر الأهلية بقوله تعالى: " قل لا أجد فيما أوحي إلى
محرما " (4).
وفي السيرة النبوية لابن هشام قال ابن إسحاق: حدثني سلام بن كركرة، عن
عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله الأنصاري (ولم يشهد جابر خيبر): أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر أذن لهم في أكل لحوم الخيل.

(1) صحيح البخاري 8 / 23. صحيح مسلم 1 / 397، سنن ابن ماجة 1 / 604. سنن الدارمي
1 / 140، صحيح الترمذي 1 / 209 وسنن النسائي 6 / 126 نقلا عن الغدير 6 / 226.
(2) المصدر السابق.
(3) فتح الباري 12 / 70 باب لحوم الخيل.
(4) الانعام: 145.
87

وقال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري، عن عبد الله بن
أبي سليط، قال: أتانا نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أكل لحوم الحمر الإنسية والقدور تفور
بها فكفأناها على وجوهها.
وقال ابن إسحاق: وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها فقام رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فنهى عن أمور سماها لهم.
وعن عبد الله بن أبي نجيح عن مكحول: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاهم يومئذ عن أربع:
عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من
السباع وعن بيع الغنائم حتى تقسم (1).
أقول: يظهر مما سبق: أولا: أن اكل لحوم الحمر الإنسية غير محرم. وثانيا: أن
النهي عن أكل لحوم الحمر أنما هو للحمر الموجودة في منطقة خيبر فقط. واليك
بعض الروايات الأخرى من طريق أهل السنة المؤيدة لذلك:
1 - في صحيح البخاري عن ابن أبي أوفى قال: أصابتنا مجاعة يوم خيبر فان
القدور لتغلي، قال: وبعضها نضجت فجاء منادي النبي (صلى الله عليه وآله): لا تأكلوا من لحوم الحمر
شيئا وأهريقوها. قال ابن أبي أوفى فحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس. وقال
بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة (2).
2 - ولعل السبب ما رواه أبو داود في سننه في كتاب الخراج باب تعشير أهل
الذمة 2 / 64 عن العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا خيبر ومعه من معه من
أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد
ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟! فغضب (يعني النبي (صلى الله عليه وآله))
وقال: يا ابن عوف إركب فرسك ثم ناد: ألا إن الجنة لا تحل الا لمؤمن، وأن اجتمعوا

(1) السيرة النبوية لابن هشام 3 / 345.
(2) البخاري باب لحوم الخيل كما في فتح الباري.
88

للصلاة. قال: فاجتمعوا، فصلى بهم النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئا
على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا الا ما في هذا القرآن! ألا وإني وعظت
وأمرت ونهيت عن أشياء انها لمثل القرآن أو أكثر، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا
بيوت أهل الكتاب الا بأذنهم، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي
عليهم.
3 - وفي سنن أبي داود في النهي عن النهبى عن رجل من الأنصار قال: خرجنا
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما
فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي! إذ جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي على قوسه فأكفا قدورنا
بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة (1).
نستنتج مما سبق ما يلي: أولا: أن حرمة اكل الحمر خاصة في خيبر لأسباب:
منها: لأنها لم تخمس، أو أنها كانت تأكل العذرة، أو لأنها لأهل الكتاب الذين أعطوا
ما عليهم، أو أنها نهبي.
ثانيا: ان الروايات خاصة بالنهي عن أكل لحوم الحمر الإنسية، ولا غير، ولأجل
ذلك احتمل بعضهم أن تكون جملة (زمن خيبر) في الرواية راجعة إلى تحريم لحوم
الحمر الأهلية لا إلى تحريم المتعة، ونقل هذا الاحتمال عن ابن عينية كما في
" المنتقى " و " سنن البيهقي " في باب المتعة (2) و " زاد المعاد " (3): ان التاريخ في
الحديث إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في النهي عن نكاح المتعة
فتوهم بعض الرواة فجعله ظرفا لتحريمها.
ب - تحريم المتعة يوم خيبر: لقد اتفق أكثر الرواة وتناصر أغلب علماء الحديث

(1) سنن أبي داود 3 / 66.
(2) ج 7 ص 207.
(3) 1 / 443.
89

من أتباع المذاهب الأربعة (كما ذكرنا بعضهم) وتتابع أيضا أئمة أهل الظاهر وبعض
شيوخ المعتزلة بدليل الإجماع على أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) قد نادى بتحريم المتعة
في غزوة خيبر. ومن العجب العجاب أن رجال الحديث وأهل الفقه والمفسرين من
المانعين كلهم يرون أن تحريم متعة النساء جاءت مع تحريم أكل الحمر الأهلية في
حديث واحد أو خطبة واحدة وأنها في غزوة خيبر، والأعجب من ذلك أنهم يروونها
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن طريق ابني محمد ابن الإمام علي (عليه السلام) والقائل بحليتها كما
سيأتي...
أقول: إن ما ذكر من التحريم لا يمكن الاعتماد عليه بل نجزم بعدم صحته
بالدلائل الآتية:
1 - عند رجوعنا إلى كتب السير وأسفار التاريخ والى الحواشي والشروح لا
نجد أثرا لهذا الحديث في الخطب النبوية الشريفة التي خطبها في خيبر. فمنها كتاب
السيرة النبوية لابن هشام المعتمد عند علماء السنة. فان المحقق إذا تصفح الجزء
الثالث منه وطالع ما رواه حول عزوة خيبر (كما ذكر بعضهم) فإنه لا يجد اي ذكر
لهذا الحديث المزعوم سوى النهى عن أكل الحمر الأهلية أو الانسية. كما أن روايات
الطبري وابن الأثير وغيرها من المؤرخين لكلمات النبي (صلى الله عليه وآله) الصادرة يوم خيبر تنفي
وجود هذا الحديث وقد قال السهيلي مؤلف كتاب " الروض الأنف " في تفسير سيرة
ابن هشام 2 / ص 238: ومما يتصل بحديث النهي عن أكل لحوم الحمر تنبيه على
إشكال في رواية مالك عن ابن شهاب فإنه قال فيها: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن نكاح المتعة
يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية، وهذا شئ لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة
الأثر أن المتعة حرمت يوم خيبر (1).
وقد روى ابن عينية عن ابن شهاب عبد الله بن محمد فقال فيه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى

(1) ونقل ابن حجر قول ابن القيم في فتح الباري 11 / 74.
90

عن أكل لحوم الحمر الأهلية عام خيبر، وعن المتعة فمعناه على هذا اللفظ: ونهى
المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم، فهو إذن تقديم وتأخير وقع في لفظ ابن شهاب
لا في لفظ مالك وقد اختلف في تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية
من قال أن ذلك كان في غزوة تبوك.... إلى آخر كلامه بالتشكيك في وقوع التحريم
في الغزوات الأخرى.
ويرد السيد الخوئي (قدس سره) على هذه الرواية بقوله: وهذا الاحتمال باطل من وجهين:
الف - مخالفته للقواعد العربية لأن النهي في الرواية لم يذكر الا مرة واحدة في
صدر الكلام فلا بد وأن يتعلق الظرف به، فالذي يقول: أكرمت زيدا وعمروا يوم
الجمعة لا بد وأن يكون مراده أنه أكرمهما يوم الجمعة، أما إذا كان المراد أن إكرامه
لعمرو بخصوصه كان يوم الجمعة، فلا بد له من أن يقول: أكرمت زيدا وأكرمت
عمروا يوم الجمعة.
ب - إن هذا الاحتمال مخالف لصريح رواية البخاري ومسلم وأحمد عن
علي (عليه السلام) انه قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن متعة النساء يوم خيبر: وعن لحوم الحمر
الإنسية (وفي لفظ عن مسلم في صحيحه: نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وفي لفظه
الآخر: نهى عن المتعة يوم خيبر، وفي ثالث الألفاظ له: نهى عنها يوم خيبر، وفي
لفظ رابع له: (نهى رسول الله عن متعة النساء يوم خيبر) (1).
وروى البيهقي - في باب المتعة - عن عبد الله بن عمر أيضا رواية تحريم المتعة
يوم خيبر (2)
2 - مخالفة جمع من العلماء في تحريم المتعة يوم خيبر (لقد ذكرنا بعضهم واليك
البعض الآخر):

(1) تاريخ بغداد 6 / 102 و 8 / 461.
(2) البيان: 322.
91

قال أبو عمرو صاحب " الإستيعاب " وحكاه عنه الزرقاني في (شرح المواهب
2 / 239) وفي (شرح الموطأ 2 / 24): أنه غلط ولم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء.
ويقول ابن القيم في كتابه (زاد المعاد 2 / 158): فصل في بحث زمن تحريم
المتعة: وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا
ولا تحريما.
وقال: لو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين وهذا لا عهد بمثله في
الشريعة البتة ولا يقع مثله فيها.
وقال أيضا: فان خيبر لم تكن فيها مسلمات وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء
أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد، وإنما أبحن بعد ذلك في " سورة المائدة " بقوله " اليوم
أحل لكم... والمحصنات من النساء الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " (1). وهذا كان
في آخر الأمر بعد حجة الوداع أو فيها، فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن
خيبر. ويقول: ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد
الفتح استرق من استرق منهن وصرن إماء للمسلمين. (ونقل ابن حجر قول ابن القيم
فتح الباري 11 / 74).
وقال ابن حجر في شرح الحديث في باب غزوة خيبر: وليس يوم خيبر ظرفا
لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء (2).
وأما النقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في تحريم المتعة فهو مردود من وجوه:
1 - تواتر الروايات عن الفريقين الواردة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل

(1) المائدة: 5.
(2) فتح الباري 9 / ص 22.
92

البيت (عليهم السلام) بإباحة المتعة: الف - أخرج الحفاظ عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه
وابن جرير الطبري عن علي (أمير المؤمنين) قال: لولا ما سبق من رأى عمر بن
الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى الا شقي (1). وفي لفظ عبد الرزاق: ان عليا قال
بالكوفة: لولا ما سبق... (2).
وفي تفسير الطبري 5 / 17 والنيسابوري 5 / 17 والفخر الرازي، وتفسير ابن
حيان 3 / 218 " والدر المنثور " للسيوطي 2 / 40 واللفظ للأول: لولا أن عمر نهى
عن المتعة ما زنى الا شقي (3). (أو شفي اي قليل من الناس).
وعن الحكم: انه سئل عن هذه الآية - آية متعة النساء - أمنسوخة؟ قال: لا و
قال علي (عليه السلام): لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي. (تفسير الطبري 5 / 9)
باسناد صحيح وتفسير الثعلبي، والرازي، وتفسير ابن حيان 3 / 218 وتفسير
النيسابوري، و (الدر المنثور 2 / 40) بعدة طرق وكان عبد الله بن عباس أخذ هذا
المعنى من أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله: ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها أمة
محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه (عمر) لما احتاج إلى الزنى الا شقي. وسنذكر الكلام بكامله
مع المصادر في محله انشاء... مع التدليل على رأي ابن عباس في حلية المتعة.
ويقول السيد الخوئي (قدس سره): وأما ما روي عن علي (عليه السلام) في تحريم المتعة فهو
موضوع قطعا، وذلك لاتفاق المسلمين على حليتها عام الفتح فكيف يمكن أن
يستدل (عليه السلام) على ابن عباس بتحريمها في خيبر؟ ولأجل ذلك احتمل بعضهم أن
تكون جملة (زمن خيبر) في الرواية المتقدمة راجعة إلى تحريم لحوم الحمر الأهلية
لا إلى تحريم المتعة، ونقل هذا الاحتمال عن ابن عينيه كما في " المنتقى " و " سنن

(1) كنز العمال 8 / 294.
(2) المصنف لعبد الرزاق 7 / 496 المتعة.
(3) وما قبله نقلا عن معالم المدرستين 2 / 263. بدون ذكر خيبر وبلا تعريض لابن عباس!.
93

البيهقي " في باب المتعة (1).
ب - الاستناد إلى تحريم المتعة عن علي (عليه السلام) لا يقبله ذو لب، خصوصا وإن
حليتها صارت شعارا لأهل البيت (عليهم السلام) يتناقلها خلف عن سلف، ولا يوجد اي شك
بنقل حليتها عن الباقر والصادق (عليهم السلام) حيث إنهما استندا بحليتها عنه (عليه السلام) وعن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كما ذكرنا.
يقول أبو بكر الطرسوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة الا عمران بن حصين
وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت (عليهم السلام) (2).
وقال أبو حيان بعد نقل حديث إباحتها: وعلى هذا جماعة من أهل البيت
والتابعين (3).
وإن كانت الحرمة المنتسبة لعلي (عليه السلام) صحيحة لنقلها ولده الحسن (عليه السلام) وهو الإمام
الثاني من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والمفترى عليه من قبل أعدائه وبعض رواة السنة
بالزواج بالعشرات من النساء حتى (70) امرأة، أو لنقلها ولده الحسين (عليه السلام) وقد قال
فيهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أحاديث متفق عليها عن الفريقين: " الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة وهما إمامان قاما أو قعدا ". وإليهما كانت مراجعات المؤمنين في
الأحكام بعد أبيهما (وأهل البيت ادرى بما في البيت).
ج - نقل الشيخ المفيد في رسالته: قال ابن بابويه: أن عليا (عليه السلام) نكح في الكوفة
امرأة من بني نهشل متعة (4).
2 - اسناد الروايات: الراوي للرواية المنسوبة للإمام علي (عليه السلام) بتحريم النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) البيان: 322.
(2) تفسير ابن بكير يحيى بن سعدون القرطبي 5 / 130.
(3) نقلا عن الغدير 6 / 222.
(4) وسائل الشيعة الباب 1 حديث 23 من أبواب المتعة.
94

للمتعة في خيبر وتأنيبه لعبد الله بن عباس، هو سفيان بن عينية (1) المشهور
بالتدليس عن لسان الثقات قال الذهبي في " ميزان الإعتدال 2 / 170 ": وكان يدلس،
ولكن المعهود منه انه لا يدلس الا عن ثقة (2).
والبديع في الأمر انهم رووا هنا عن ابني محمد عن محمد عن الإمام علي (عليه السلام)
رواية تحريم متعة النساء، وإنهم ركبوا نفس السند على روايتهم أمر الإمام علي (عليه السلام)
بافراد الحج عن العمرة ولعل مبتكر الرواية واحد (3). هذا مع ثبوت عدم وجود نهي
للنبي (صلى الله عليه وآله) عن المتعة في خيبر، والجزم برأي الإمام علي (عليه السلام) في حليتها، والتدليس
في سند الرواية المزعومة، ورأي ابن عباس المشهور واصراره على أنها رحمة من
الله، فمع ذلك يقول أبو جعفر النحاس المرادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ: 104)
بعد ذكر ما نسب للإمام (عليه السلام) في قوله لابن عباس: " انك رجل تائه! أن رسول الله نهى
عن المتعة): فصار تحريم المتعة إجماعا لأن ابن عباس لم يحاجج الإمام (عليه السلام) لما
خاطبه بهذا، لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس!!!.
وقد انتفع علماء مدرسة الخلفاء بتلكم الأحاديث في تأييد تحريم المتعة، مثل ما
وقع ليحيى بن أكثم والمأمون كما رواه ابن خلكان في " وفيات الأعيان " (4) عن
محمد بن المنصور قال: كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة،
فقال يحيى بن أكثم لي ولأبي العيناء: بكرا غدا إليه، فان رأيتما للقول وجها فقولا،
والا فاسكتا إلى أن أدخل، قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان
كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى عهد أبى بكر (رض) وأنا أنهى عنهما! ومن أنت
يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر (رض)؟

(1) اقتصر عليه البخاري لتقديره أصح سندا من غيره فكيف بالبقية؟ 9 / 16 طبع مشكول.
(2) نقلا عن اللمعة الدمشقية 5 / 261.
(3) نقلا عن معالم المدرستين 2 / 280.
(4) وفيات الأعيان 5 / 199.
95

فأوما: أبو العيناء إلى محمد بن المنصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب
ما يقول نكلمه نحن؟! فأمسكنا فجاء يحيى بن أكثم فجلس وجلسنا، فقال المأمون
ليحيى: ما لي أراك متغيرا؟ فقال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال:
وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنى قال: الزنى؟ قال: نعم، المتعة زنا، قال:
ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله عز وجل وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال الله
تعالى: " قد أفلح المؤمنون " إلى قوله: " والذين هم لفروجهم حافظون الا على
أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون " يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا، قال: فهي الزوجة التي
عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا، قال: فقد صار متجاوز
هذين من العادين.
وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية
عن أبيهما عن علي بن أبي طالب (رض) قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أنادي بالنهي
عن المتعة وتحريمها بعد أن كان قد أمر بها، فالتفت إلينا المأمون فقال: أمحفوظ هذا
من حديث الزهري؟ فقلنا: نعم يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم مالك (رض)
فقال: أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة، فنادوا بها.
قال أبو إسحاق إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي القاضي الفقيه
المالكي البصري، وقد ذكر يحيى بن أكثم (1) فعظم أمره وقال: كان له يوم في

(1) أبو محمد يحيى ابن أكثم من ولد أكثم بن صيفي التميمي الأسدي، ولاه المتوكل على قضاء
القضاة وتدبير أهل مملكته، كان يرمى بعمل قوم لوط، وقال فيه الشاعر:
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها وقاضي قضاة المسلمين يلوط. وقال
غيره: قاض يرى الحد في الزنى ء ولا على من يلوط من باس.
مات بالربذة عند رجوعه من الحج وفيات الأعيان 5 / 197 و 213.
96

الإسلام لم يكن لأحد مثله، وذكر هذا اليوم (1).
وهناك رواية ثالثة نقلها البيهقي في سننه 7 / 207 عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما انزل النكاح
والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت به.
علة الحديث: في سند الحديث موسى بن أيوب ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال
عنه يحيى بن معين والساجي: منكر الحديث (2).
أقول: طبق ما ذكرت في فصل (بحث عام آخر في النسخ بالآيات) فان ما نقله
البيهقي هو كذب وافتراء على الإمام (عليه السلام) وإهانة إلى ساحته المقدسة.
3 - مع أن رجال الحديث والفقه والتفسير من المانعين كلهم يروون أن تحريم
متعة النساء جاء مع تحريم أكل الحمر الأهلية في حديث واحد (3). أو خطبة
واحدة، وأنها في غزوة خيبر والحال انه لا وجود لهذا الحديث ولا أثر في الخطب
النبوية الشريفة المذكورة في كتب السير وأسفار التاريخ والحواشي والشروح مثل
السيرة النبوية لابن هشام وروايات الطبري وابن الأثير وغيرها، مضافا إلى حضور
المئات من المقاتلين (الأنصار والمهاجرين) الذين لم يرو عن أحدهم سوى أمير
المؤمنين (عليه السلام)، هذا الموضوع المهم الذي يلزم أن يعرف كل المسلمين احكامه. فعلى
هذا سقط الإحتجاج بهذا الخبر وكل رواية رويت عما جرى بين أمير المؤمنين (عليه السلام)
وابن عباس من المحاججة بشأن تحريم متعة النساء مهما كانت منزلة الرواة لتلك
الرواية.

(1) وفيات الأعيان 5 / 199 نقلناه من معالم المدرستين 2 / 286.
(2) بترجمة موسى بن أيوب من تهذيب التهذيب 1 / ص 236 نقلا عن معالم المدرستين
2 / 272.
(3) نقل نصر بن إبراهيم المقدس في كتابه تحريم المتعة هذه الرواية عن ابني محمد بن الحنفية
عن 18 طريقا.
97

هذا أصح خبر عند أهل السنة لتحريم المتعة، بل البعض منهم يتمسك به
للإجماع، فاذن ما حال بقية الأحاديث الصحيحة؟!
الرواية الثانية: المروية عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه، وهذه
الرواية مذكورة بأشكال مختلفة:
ففي سنن الدارمي وابن ماجة وأبي داود والبيهقي ومسلم في صحيحه، واللفظ
لمسلم بسنده عن الربيع بن سبرة: أن أباه غزا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتح مكة، قال: أقمنا
خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم) فأذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في متعة النساء،
فخرجت أنا ورجل من قومي (ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة)
مع كل واحد منا برد، فبردي خلق وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض، حتى إذا كنا
بأسفل مكة أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة، قلنا لها: هل لك أن يستمتع
منك أحدنا، قالت وماذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده، فجعلت تنظر إلى الرجلين
ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال: إن برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول:
برد هذا لا بأس به، ثلاث مرات، أو مرتين ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى
حرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
ويروي مسلم هذه الرواية بأشكال مختلفة أخرى عن الربيع بن سبرة عن أبيه.
منها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى يوم الفتح عن متعة النساء.
ومنها: وبسنده... أن نبي الله عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء:
فخرجت أنا و صاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر... فكنا
معا ثلاثا، ثم أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفراقهن.

(1) صحيح مسلم باب نكاح المتعة من كتاب النكاح: 1024، ومجمع الزوائد 4 / 264 وسنن
البيهقي 7 / 202 والعنطنطة كالعيطاء: الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام. نقلا عن معالم
المدرستين 2 / 276.
98

ومنها: أنه أخبره أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة زمان الفتح، وإن أباه تمتع
ببردين أحمرين.
ومنها: فمكثت معها ثلاثا، ثم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كان عنده شئ من هذه
النساء فليخل سبيلها (1).
ومنها: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم يخرج حتى
نهانا عنها.
ومنها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة وقال: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم
القيامة ومن أعطى شيئا فلا يأخذه.
ومنها: أن أباه قال: قد كنت استمتعت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) امرأة من بني عامر،
ببردين أحمرين، ثم نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة.
ومنها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن نكاح المتعة.
وأما الإمام أحمد بن حنبل أخرج عن الربيع بن سبرة عن أبيه في مسنده بصور
مختلفة.
فمنها: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الفتح فأقمنا خمس عشرة بين ليلة ويوم،
فأذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المتعة فخرجت وابن عم لي في أسفل مكة، فلقينا فتاة
من بني عامر بن صعصعة، كأنها البكرة العنطنطة، وأنا قريب من الدمامة وعلي برد
جديد غض، وعلى ابن عمي برد خلق، فقلنا لها: هل لك في أن يستمتع منك أحدنا؟
قالت: وهل يصلح ذلك؟ قلنا: نعم، فجعلت تنظر إلى ابن عمي، فقلت لها: ان بردي
هذا جديد وبرد ابن عمي هذا خلق مح، قالت: برد ابن عمك هذا لا بأس به،

(1) صحيح مسلم كتاب النكاح، ج 1406: ص 1024 وسنن البيهقي 7 / 202 و 203 ومسند أحمد
3 / 405 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 257.
99

فاستمتع منها فلم نخرج من مكة حتى حرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومنها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن متعة النساء يوم الفتح (1).
ومنها: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة.
ومنها: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة في حجة الوداع، إلى أن قال: فلما
قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم أمرنا بمتعة النساء، فرجعنا إليه فقلنا
يا رسول الله إنهن قد أبين الا إلى أجل مسمى، قال: فافعلوا، فخرجت أنا وصاحب
لي علي برد وعليه برد فدخلنا على امرأة فعرضنا عليها أنفسنا، فجعلت تنظر إلى
برد صاحبي فتراه أجود من بردي، وتنظر إلى فتراني أشب منه، فقالت: برد مكان
برد، واختارتني، فتزوجتها عشرا ببردي، فبت معها تلك الليلة، فلما أصبحت
غدوت إلى المسجد فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على المنبر يخطب يقول: من كان
منكم تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما أعطاها شيئا،
وليفارقها فان الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة.
الإمام أحمد في مسنده عن الربيع بن سبرة عن أبيه: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
المتعة.
ومنها (بنفس السند): عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أمرهم بالمتعة قال: فخطبت أنا ورجل
امرأة فلقيت النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ثلاث فإذا هو يحرمها أشد الترحيم ويقول فيها أشد القول
وينهى عنها أشد النهي.
ابن ماجة القزويني في سننه بسنده عن الربيع بن سبرة عن أبيه: خرجنا مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع فقالوا: يا رسول الله إن العزوبة قد اشتدت علينا، قال:
فاستمتعوا من هذه النساء فأتيناهن فأبين أن ينكحنا إلا أن نجعل بيننا وبينهن أجلا،

(1) نقلا عن كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص 69.
100

فذكروا ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) فقال: اجعلوا بينكم وبينهن أجلا، فخرجت أنا وابن عم لي
معه برد ومعي برد، وبرده أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا إلى امرأة فقالت برد
كبرد، فتزوجتها فمكثت عندها تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قائم بين الركن
والباب وهو يقول: أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وإن لله قد
حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما
آتيتموهن.
هذه روايات سبرة التي أخرجها مسلم وابن حنبل وابن ماجة، وكانت عمادهم
في التحريم والنسخ، وهي لا يمكن أن تكون دليلا على تحريم المتعة من وجوه:
1 - ان هذه الرواية بالرغم من كثرة طرقها فهي بمنزلة رواية واحدة وخبر واحد
ولا يرويها الا الربيع بنفسه عن أبيه.
2 - إنها مختلفة في تاريخ الإباحة والنسخ، ففي بعضها من روايات مسلم وابن
حنبل: أنهما كانا يوم الفتح، وفي بعضها من روايات ابن حنبل وابن ماجة: أنهما كانا
في حجة الوداع، وفي بعضها من روايتهما لم يعين الوقت، وإذا ما ضممنا إلى ذلك ما
ورد في اباحتها وتحريمها يوم خيبر وعمرة القضا وحنين وأوطاس وتبوك تكون قد
أبيحت ونسخت سبع مرات!
3 - إن مضامينها متنافية، مع كونها حكاية لواقعة واحدة مع شخص واحد،
فرواية سبرة الأولى التي فيها التحريم يوم الفتح، فيها تناقض بين روايتي مسلم وابن
حنبل، فمسلم روى أن سبرة كان جميلا وبرده خلق، وصاحبه من قومه كان قريبا
من الدمامة وبرده جيد، وان التي تمتع بها سبرة دون صاحبه، وأحمد بن حنبل روى:
أن القريب من الدمامة هو سبرة وبرده جيد غض، وبرد ابن عمه خلق، وأن الذي
استمتع بها ابن عمه، لا هو.
ورواية سبرة الأولى في صحيح مسلم وابن حنبل ظاهرها ان الأذن كان بعد 15
101

يوما من دخول مكة، وروايتا مسلم وأحمد الأخريان ظاهرهما أن الترخيص كان
حين دخول مكة لقوله: حين دخلنا مكة، فلما قدمنا مكة طفنا ثم أمرنا بمتعة
النساء، وروايتان لمسلم دلتا على أنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد، ورواية
ثالثة ببردين أحمرين، فكم مرة تمتع سبرة يوم فتح مكة؟ مع أنها حكاية لواقعة
واحدة، وراوي الروايات كلها شخص واحد وهو ابنه الربيع، وهي متحدة في كل
الخصوصيات، فكيف تتفق معه كل هذه الخصوصيات كل مرة؟ ومع ذلك فمرة كان
هذا يوم الفتح ومرة في حجة الوداع، ومرة كان هو الشاب الجميل الذي برده ردئ
فاختارته المرأة، ومرة بالعكس، كل هذا مما يدل على أن هذه الروايات موضوعة.
تناقض آخر: أن رواية تقول: انه في اليوم الثاني غدا على النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا هو يعلن
تحريمها، وأخرى تقول: إنما لقيه بعد ثلاث فإذا هو يحرمها أشد التحريم، وثالثة
تقول: أن رفيق سبرة كان ابن عم له وسبرة من جهينة وهي بطن من قضاعة، ورابعة
تدعي: أن صاحبه كان من بني سليم وهم إما بطن من عدنان أو من قحطان (1).
4 - سند الرواية: الربيع هذا مجهول الشخصية في تراجم الرواة، ولا وثقه أحد
من أئمة الحديث والنقل، ولا جاء ذكره في عداد الرواة في كتب الحديث على
الإطلاق (لا توجد له رواية غير هذه الرواية فقط) ولم يرو عنه مسلم غير هذا
الحديث بشأن حرمة المتعة، ولم يأت ذكره في غير هذا الباب من كتابه (2).
وقال ابن القيم في (زاد المعاد 1 / 444): ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث
سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن
سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين، ولم ير البخاري إخراج حديثه في

(1) جمهرة انساب العرب لابن حزم: 261 و 379 و 408 و 444 نقلا عن كتاب المتعة
ومشروعيتها في الإسلام مع تصرف وإضافات: 67.
(2) الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 135 نقلا عن اللمعة الدمشقية 5 / 265 كتاب النكاح.
102

صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلا من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم
يصبر عن إخراجه والاحتجاج به، قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن
مسعود حتى يروى أنهم فعلوها ويحتج بالآية. وأيضا ولو صح لم يقل عمر أنها
كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى وأعاقب عليها، بل كان يقول: انه (صلى الله عليه وآله) حرمها
ونهى عنها. قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا.
والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصح فقد صح حديث
علي (رض): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر " كنا
نستمتع بالقبضة من التمر.. " على أن الذي أخبر عنها بعضها لم يبلغه التحريم الخ (1).
5 - المطالع والساير في كتب السير والمغازي والتاريخ وخصوصا السيرة النبوية
لابن هشام الثقة والثبت وكتب أخرى (2). وخطب النبي (صلى الله عليه وآله) الثلاث في فتح مكة
وحجة الوداع ومعظمها احكام شرعية مثل احكام الديات وذكر المساواة بين أبناء
البشر، ومسائل القضاء، وحول الأمور المتعلقة بالنساء وحقوقها الزوجية وحدود
الآداب الاجتماعية، وتنظيم العائلة، والوصية بالنساء. وليس فيها أي ذكر للمتعة
وتحريمها. كما لا يعقل ان يعلن النبي (صلى الله عليه وآله) تحريمها أمام جمع حاشد من المسلمين
يربو على عشرة آلاف مقاتل ثم لا يسمعه سوى سبرة ولا ينقله أحد غيره!
والمسلمون كانوا يهتمون بحفظ إشارات يد النبي (صلى الله عليه وآله) ولحظات عينه فضلا عن
أوامره ونواهيه.
وكذلك رواية سبرة تقول: انه (صلى الله عليه وآله) أمر أو أجاز متعه النساء في يوم ونهى عنها في
يوم آخر (بعد يوم أو ثلاثة أيام) ولازم الأمر انه (صلى الله عليه وآله) خطب في يوم وأمر بها وخطب
في يوم آخر ونهى عنها، ولم يسمع الخطبتين الا هو.

(1) نقلا عن الغدير 6 / 239.
(2) مثل الواقدي والطبري وابن الأثير.
103

الصحيح والمعذرون، يقول السيد مرتضى العسكري: أما رواية سبرة الجهني
فالصحيح ما أوردناه عن صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي (1)، التي يقول
فيها: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذن لهم بالمتعة وأنه تمتع من امرأة من بني عامر بردائه وكان
معها ثلاثا، ثم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كان عنده شئ من هذه النساء فليخل
سبيلها. اي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرهم بفراق النسوة اللاتي تمتعوا بهن، استعدادا
للرحيل من مكة، ثم جاء المعذرون للخليفة عمر فحرفوا لفظ الرواية من (ليخل
سبيلها) إلى (أنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة) وما شابهها من ألفاظ تدل
على تأبيد الحرمة منذ يوم فتح مكة، ولما كانت هذه الرواية تناقض روايات أخرى
نصت على أن التحريم كان قبل فتح مكة، وبما أنهم التزموا صحة جميع الروايات
المتناقضات، اضطروا إلى أن يخترعوا جوابا لهذا التناقض فنسبوا إلى التشريع
الإسلامي ما هو منه براء، فنسبوا تكرار النسخ في هذه الواقعة (2).

(1) صحيح مسلم كتاب النكاح: 1024 ح 1406، سنن البيهقي 7 / 202 و 203، مسند أحمد
3 / 405 وبعد قال أففارقتها.
(2) معالم المدرستين 2 / 281.
104

تقويم وتحليل
أولا: رواية سبرة تقول: لقد أذن، أو أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنا (اي للمسلمين) في
المتعة نحن نسأل: إن كان كذلك فلماذا لم يذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدودها واحكامها
(لأنها لم تكن في السابق كما يزعم البعض) حتى لا يختلف المسلمون ويتيهون في
نسخها بآيات من القرآن الكريم ومن دون مبرر؟ أو يختلفون في حدودها فينفون
العدة وثبوت النسب أو يقولون: بأنها من الزنى والسفاح أو....؟ أفهل يعقل أن يعلن
صاحب الشريعة للأمة حكما شرعيا جديدا من دون ذكر حدوده وقيوده؟ والا
فلماذا يكتفي سبرة بهذا المقدار من كلامه: أجاز، أمر، أو نهى؟!!
ثانيا: بعد إذن النبي (صلى الله عليه وآله) أو أمره بمتعة النساء، يتوزع عشرة آلاف (طبق مقتضى
الحال) مقاتل ومعظمهم من الشباب، في شوارع مكة وأزقتها بحثا عن النساء
لامتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله) (طبق الرواية) أو إشباع رغباتهم الجنسية (لأنه أبيح لهم ذلك)
ثم يعرضون أنفسهم بمتاعهم على النساء لإقناع امرأة (وكأنها مدينة العراة) فيقول
أحدهم: ان بردي هذا جديد وبرد ابن عمي خلق و.... وبعد الوفاق يدخل الصحابة
بيوت النساء فيستمتع كل واحد منهم بامرأة أو يتمتع (1). الثلاثة والأربعة مع امرأة
واحدة (لأن المتعة لا عدة فيها حسب ما يقوله بعض علماء السنة) ثم بعد يوم أو
ثلاثة أيام يحرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد التحريم ويمنعهم من تكرار هذا العمل لأن الله
حرم المتعة إلى يوم القيامة!! وبعد الانتهاء من فتح مكة يعود المسلمون إلى بيوتهم،
فتبقى النساء الحوامل (لعدم وجود حبوب منع الحمل!) ببطونها المنتفخة وأحشائها
المتورمة فيضعن حمولتهن بعد تسعة أشهر (من دون أن يعرف للمولود أصل ولا

(1) اي يأذن لهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالزنا لان المتعة حسب رأي البعض أنها زنا.
105

نسب، لأن الرازي يقول (1): وبالاتفاق لا يثبت النسب!) (2) وعدد المواليد بالمئات
أو بالألوف، وفرارا من الإنفاق لأطفال مجهولين من حيث الحسب والنسب أو خوفا
من الآباء والأبناء وقوانين العشيرة التعسفية، فيبحثن عن (حسب مقتضى الحال)
أساليب مختلفة لأجل التخلص منهم اما بتركهم في ممر الطريق داخل خرقة، أو
وأدهم أو قتلهم بأية وسيلة... وبهذا تقر عين مسلم وأحمد بن حنبل وابن ماجة
وغيرهم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) حرم المتعة في مكة برواية سبرة! فاذن، تحريم الخليفة عمر
إياها لم يكن من عند نفسه بل ناشئ من تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) إياها سابقا.
وسبرة بن معبد الجهني يحتكر هذا الخبر الذي سمعه بوحده، عن كل المسلمين
ولا يسمعه أحدا حتى همسا الا لولده الربيع، وحتى ان الخليفة عمر بن الخطاب لم
يتسن له أن يسترق السمع ليتخذ من نهي النبي (صلى الله عليه وآله) وبرواية سبرة) ذريعة له في
توعده لمرتكبيها (المتعة) ولئلا ينسب تحريمها لنفسه!. ثم يقرأ هذا الخبر وصحائف
اللاعبين بالقرآن والسنة وقول الشيعة بحليتها (اي المتعة) من ملء قلبه البغض
والحنق لعظماء أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ثم يتمشى في شوارع النجف فإذا ما
رأى (3) أطفالا تزين الأقراط حلقات آذانهم، قال: هؤلاء ذرية زواج المتعة! وإذا ما
حل زائرا فندقا (4) وشاهد امرأة جاءت مع زوجها وأطفالها لزيارة قبر علي (عليه السلام)

(1) وذلك بالاستناد إلى الجمهور.
(2) اي يأذن أو يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بإباحة نساء مكة كما اذن يزيد بن معاوية لجيشه بإباحة المدينة
المنورة وبنفس المدة (ثلاثة أيام) حيث حبلت الف امرأة من غير زوج، وفي رواية إفتض فيها
الف بكر، راجع تاريخ اليعقوبي 6 / 51، تاريخ ابن كثير 6 / 234 و 8 / 22 وتاريخ الخلفاء للسيوطي
: 209 وتاريخ الخميس 2 / 302، نقلا عن معالم المدرستين 3 / 237.
(3) السائح المصري محمد ثابت.
(4) يقول الفكيكي في كتابه " المتعة " رادا على هذا السائح في ص 31: ان هذا البلد المقدس
خال من الفنادق والاتيلات والمنازل العصرية المبثوثة في مصر.
106

حكم عليها بأنها معدة للمتعة!. أو إذا ما سمع (1) عدوا (2) لدودا للإسلام والمسلمين
وعميلا متشددا لبريطانيا يحكم الشعب المسلم الإيراني بالحديد والنار ويحاول
وبمنتهى القسوة والشدة أن يرفع الحجاب من رؤوس نسائهم المؤمنات، ويمنع
رجال الدين وعلماء المسلمين من الاحتفاظ بزيهم، فيصبح هذا الملك: " فحكومة
الدولة الإيرانية التي كانت قد أخذت مرات عديدة من قبل في إبطال متعة الفقهاء
نراها اليوم بفضل ملكها الأعظم قد نسخت المتعة نسخا قطعيا بتاتا) (3) هذا مع العلم
أنه لم يمنع المتعة لحظة واحدة ولا داعي لذلك، فإنه أراد اجتثاث الإسلام من
جذوره.
نعم استجاب ملكه الأعظم لرغبة أسياده وكشف الحجاب عن رؤوس بعض
النساء وبكل شراسة وسمح للاستهتار وتوسيع حوانيت الخمور وتأسيس المراقص
وأماكن الدعارة بحضور المومسات والمغنيات لأجل تشجيعهن على امتاع جار الله
وزملائه.
وما يدريك لعل المادح مثل الممدوح في التفكير والرأي والعمالة، ولعل هذا هو
السبب الذي جعله يجاهد من أجل تمزيق صفوف المسلمين وتصعيد روح الخلاف
والنزاع بينهم ليعيدها جذعة! وذلك لفتح الطريق لسيده ومولاه بالسيادة والسيطرة
على الأمة الإسلامية وثرواتها " فرق تسد ".
الرواية الثالثة: في صحيح مسلم ومصنف ابن أبي شيبة ومسند أحمد وغيرها
واللفظ للأول عن سلمة بن الأكوع، قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس في

(1) موسى جار الله صاحب كتاب الوشيعة.
(2) رضا خان (أبو الشاه المقبور).
(3) كتاب الوشيعة: 189.
107

المتعة ثلاثا ثم نهى عنها (1). (أوطاس واد بالطائف).
ان هذه الرواية ألصقوها بهذا الصحابي الكبير انما هي فرية وليس لها أساس من
الصحة من وجوه:
أولا: إنه من القائلين بحلية المتعة بالأدلة التالية:
الف - روى البخاري في صحيحه ما يلي: روى جابر بن عبد الله وسلمة بن
الأكوع قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إنه أذن لكم أن تستمتعوا
فاستمتعوا. وهذه الرواية صريحة في حلية المتعة، كما أن اشتراك جابر بن عبد الله
في نقل الحديث والذي يعتبر هو من المجوزين، مما يؤكد لنا ذلك، وسنذكر رأيه في
الصفحات القادمة انشاء الله...
ب - وروى البخاري أيضا عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فأن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا
تتاركا (2). ثم قال سلمة: فما أدري أشئ كان لنا خاصة، أم للناس عامة؟
ملاحظة: على الرغم من أن البخاري عقد هذا الباب للتحريم الا أنه يروي عن
سلمة الرخصة والإباحة، ثم يقول: قال أبو عبد الله: وقد بينه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه منسوخ.!
أقول: بالنظر إلى هاتين الروايتين نستنتج ما يلي:
1 - ان سلمة (3) يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إباحة المتعة.

(1) صحيح مسلم كتاب النكاح باب المتعة 1023 ح 1405 ومصنف ابن أبي شيبه 4 / 292 و مسند أحمد
4 / 55 وسنن البيهقي 7 / 104 وفتح الباري 11 / 73 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 277.
(2) صحيح البخاري طبع مشكول 9 / 16 باب نهى رسول الله عن نكاح المتعة أخيرا.
(3) وقد عده المحقق الحلي في السرائر وأبو جعفر محمد بن حبيب المتوفي 245 ه‍ من
المبيحين لها. نقلا عن المتعة للفكيكي: 64.
108

2 - ان التشكيك في تخصيص جماعة دون جماعة لا معنى له لأن الأحكام
الصادرة عنه (صلى الله عليه وآله) عامة ولا تخص انسانا دون آخر، خصوصا مع عدم وجود
تخصيص، وكذلك عدم وجود نص صريح في تحريم النبي (صلى الله عليه وآله).
كما أن قوله (صلى الله عليه وآله): " أيما رجل وامرأة " يؤكد ان هذا الحكم للناس عامة، ولذلك
يمكن ان نقول ان جملة التشكيك موضوعة ولا أصل لها.
3 - إن صحت جملة التشكيك، فان الشك هو بخصوص سلمة. ولا اعتبار لغيره.
4 - بالاستناد إلى قول البخاري المذكور في أول البحث يعلم بأنه لا يعتمد على
ما نقل من سلمة بخصوص النهي للمتعة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يمكن الاعتماد عليه.
ج - ويروي (1) مسلم الحديث بلفظ آخر عن جابر بن عبد الله وسلمة بن
الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أذن لكم
أن تستمتعوا. قال مسلم: يعني متعة النساء. هذا مع العلم أن مسلم تفرد عن البخاري
برواية النهي عن طريق سلمة، ولذا يحتمل أن يكون لفظ النهي في الرواية بصيغة
المبني للمفعول (2) أي ثم نهي، وأريد منه نهي عمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو أن جملة
(ثلاثا ثم نهى عنها) من وضع الواضعين.
ثانيا: سند الرواية: إن رواية النهي مروية عن مسلم بالإسناد إلى يونس بن محمد
وعبد الواحد بن زياد:
اما يونس بن محمد فقد ضعفه ثلاثة من أئمة النقد والتمحيص مثل ابن معين
والنسائي وأحمد (3).

(1) صحيح مسلم 4 / 130.
(2) أي ثم نهى عنها
(3) ميزان الإعتدال 4 / 485.
109

وأما عبد الواحد بن زياد: يقول الذهبي (1): انه كان من واضعي الإسناد كذبا،
كان يحدث عن الأعمش بصيغة السماع منه وهو لا يعرف منه حرفا.
وقال أبو داود: عمد عبد الواحد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش، فوصلها
بقوله: حدثنا الأعمش... حدثنا مجاهد في كذا وكذا (2).
ثالثا: بالاستناد إلى كتب السير وغيرها من الآثار التاريخية المعتبرة والمراجع
المهمة الشهيرة مثل تاريخ الواقدي والطبري وابن الأثير والبلاذري والمسعودي
وروض الأنف والى غير ذلك من المصادر الموصوفة بصحة نقلها وروايتها عند
السنة، لا يوجد اي حديث أو شبه حديث مرفوع أو موضوع يؤيد أنه (صلى الله عليه وآله) قد رفع
حكم النكاح المؤجل في غزوة أوطاس (حنين) التي كانت في السنة الثامنة من
الهجرة، واما غزوة الطائف فقد وقعت في نفس العام وبعد غزوة حنين وقد أجمع
الرواة على أن نسخ المتعة لم يقع أيضا في عمرة القضاء وكانت في السنة السادسة
من الهجرة ولا في غزوة تبوك الواقعة في السنة التاسعة (3).
وروي ان عدد المقاتلين لجيش النبي (صلى الله عليه وآله) كان يربو على اثني عشر الف مقاتل
في حنين ولم يرو أحد منهم تحريم نكاح
المتعة.
الرواية الرابعة: ما روي عن ابن عباس من تحريمه للمتعة أو رجوعه عن
تحليلها مردود من وجوه:
1 - لقد ذكرنا في ما مضى (في ص 22 و 23 وص 46 - 52 وصفحات أخرى)
أقوال العلماء والمفسرين المعتمدين عند السنة عن ابن عباس بأن آية: " فما

(1) المصدر السابق 2 / 672 نقلا عن كتاب اللمعة الدمشقية 5 / 263.
(2) المصدر السابق رقم 5287.
(3) المتعة للفكيكي ص 88 و 90.
110

استمتعتم به منهن ".. بزيادة: " إلى أجل مسمى " نزلت في المتعة وانها محكمة وغير
منسوخة. وعلى الأخص قولته الشهيرة التي يرويها ابن جريج عن عطاء: رحم الله
عمر ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه لما احتاج
إلى الزنى الا شفا (1)، والتي نقلها كبار علماء السنة في كتبهم مثل (2)، (أحكام
القرآن للجصاص 2 / 179، بداية المجتهد لابن رشد 2 / 58، النهاية لابن الأثير
2 / 249، الغريين للهروي الفائق للزمخشري 1 / 331، تفسير القرطبي 5 / 130 وفيه
بدل: الا شفا، الا شقي، وكذلك تفسير السيوطي 2 / 140 من طريق الحافظين عبد
الرزاق وابن المنذر عن عطاء، ولسان العرب لابن منظور 19 / 166، وتاج العروس
10 / 200 وحذف من صدر الحديث (رحم الله عمر) وزاد هو وابن منظور قال
عطاء: والله لكأني اسمع قوله: الا شقي. كما أن ابن عباس ذكر احكام المتعة مثل
الأجل وعدم الميراث وعدة المرأة المتمتع بها والتراضي بعد الأجل وأنها ليست
نكاحا ولا سفاحا.
فإن صح ما نقل عن ابن عباس بأنها (اي المتعة) ليست نكاحا، فالقرينة دالة
على أن المقصود هو النكاح الدائم كما يظهر من كلامه (لا سفاح) والا فما ليس
بنكاح فهو سفاح.
2 - محاورات ومناقشات لابن عباس الدالة على دفاعه الشديد عن حلية
المتعة:
الف - مع عروة بن الزبير: أخرج الطبري عن عروة بن الزبير أنه قال لابن
عباس: أهلكت الناس، قال: وما ذاك؟ قال: تفتيهم في المتعتين وقد علمت أن أبا
بكر وعمر نهيا عنهما، فقال: ألا للعجب إني أحدثه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحدثني عن

(1) اي الا قليلا من الناس. قاله ابن الأثير في النهاية.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 206.
111

أبي بكر وعمر. فقال: هما كانا أعلم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأتبع لها منك (1).
محاورة أخرى مع عروة: أخرج أبو عمر في العلم 2 / 196 وفي مختصره
ص 226 عن أيوب قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله وترخص في المتعة؟ فقال
ابن عباس: سل أمك يا عرية؟ فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا. فقال ابن
عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، نحدثكم عن النبي (صلى الله عليه وآله) وتحدثونا عن
أبي بكر وعمر (2).
فهاتان المحاورتان دلتا على أن عروة كان قليل الفقه، لأن الأمر بالمتعتين هو من
قبل النبي (صلى الله عليه وآله) وكما رواه أكثر الصحابة المعتمد عليهم بالرواية.
وثانيا: ان الناهي عن المتعتين هو عمر وليس أبو بكر، وقد روى هو بنفسه ذلك،
فقد أخرج مالك (3) والشافعي والبيهقي باسناد رجالهم كلهم ثقات، عن عروة بن
الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت إن ربيعة بن أمية
استمتع بامرأة... فقال (اي عمر): هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيه لرجمته. فان دل
هذا على شئ انما يدل على عناد ابن الزبير، وثالثا: قول ابن عباس له: سل أمك يا
عرية دال على عدم علمه بأن أباه استمتع بأمه (ابنة أبي بكر) وكذلك هو تحقير من
ابن عباس له لضعف شخصيته وقلة تفكيره وتدخله فيما لا يعنيه.
والنقطة الجديرة بالذكر: ان عروة بن الزبير وقع في ورطة التعصب التي وقع بها
أكثر علماء السنة الذين يقدمون كلام بعض الصحابة على كتاب الله وسنة نبيه. وهذا
هو الذي جعل ابن عباس يشتد في تهجمه على ابن الزبير. وسيأتي قول عبد الله بن
عمر المشابه لقول ابن عباس.

(1) كنز العمال 8 / 293 ومرآة الزمان للسبط الحنفي ص 99 نقلا عن الغدير 6 / 212.
(2) وذكر هذا الخبر ابن القيم في زاد المعاد 1 / 219، نقلا عن الغدير 6 / 208.
(3) الموطأ لمالك 2 / 30، الام للشافعي 7 / 219، والسنن الكبرى للبيهقي 7 / 206.
112

ب - مع عبد الله بن الزبير:
1 - روى مسلم في صحيحه والبيهقي في سننه واللفظ للأول: عن عروة بن الزبير
قال: إن عبد الله بن الزبير قام بمكة، فقال: إن أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى
أبصارهم يفتون بالمتعة، (يعرض بالرجل) فتاواه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد
كانت المتعة على عهد إمام المتقين (يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله)) فقال ابن الزبير: فجرب
بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك (1).
2 - وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2): خطب ابن الزبير بمكة المكرمة
على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال: إن هاهنا رجلا - قد
أعمى الله قلبه كما أعمى بصره - يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله،
ويفتي في القملة والنملة،
وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى.
وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن وقاه
بيده!
فقال ابن عباس لقائده سعد بن خزيمة: استقبل بي وجه ابن الزبير وأقام قامته
فحسر عن ذراعيه ثم قال:
قد أتصف القارة من راماها * إنا إذا ما فئة نلقاها
نرد أولاها على أخراها * حتى تبصر حرضا دعواها
يا ابن الزبير: أما العمى فان الله يقول: " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب

(1) عن معالم المدرستين 2 / 265 نقلا عن صحيح مسلم باب نكاح المتعة: 1026 ح 27 وسنن
البيهقي 7 / 205.
(2) شرح نهج البلاغة 4 / 489.
113

التي في الصدور ". وأما فتواي في القملة والنملة فان فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا
أصحابك.
وأما حملي المال فإنه مالا جبيناه فأعطيناه كل ذي حق حقه، وبقيت بقية هي
دون حقنا في كتاب الله فأخذناه بحقنا.
واما المتعة فسل أمك أسماء إذا أنزلت عن بردي عوسجة.
وأما قتالنا أم المؤمنين، فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك، فانطلق أبوك و
خالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا
حلائلهما في بيوتهما، فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه
وصانا حلائلهما.
وأما قتالنا إياكم فانا لقيناكم زحفا فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا، وإن كنا
مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا،
وأيم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد ابن
العزى عظما الا كسرته.
فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردي عوسجة فقالت، ألم أنهك عن ابن
عباس وعن بني هاشم؟ فإنهم كعم الجواب إذا بدهوا. قال: بلى وعصيتك، فقالت:
يا بني احذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن واعلم أنه عنده فضائح
قريش بأسرها فإياك آخر الدهر.
فقال أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي:
يا ابن الزبير لقد لا قيت بائقة * من البوائق فالطف لطف محتال
لاقيته هاشميا طاب منبته * في مغرسيه كريم العم والخال
ما زال يقرع عنك العظم مقتدرا * على الجواب بصوت مسمع عال
114

حتى رأيتك مثل الكلب منحجرا * خلف الغبيط وكنت البازح العالي
إن ابن عباس المعروف حكمته * خير الأنام له حال من الحال
عيرته المتعة المتبوع سنتها * وبالقتال، وقد عيرت بالمال
لما رماك على رسل بأسهمه * جرت عليك كسوف الحال والبال
فاحتز مقولك الأعلى بشفرته * حزا وحيا وبلا قيل ولا قال
واعلم بأنك إن عاودت غيبته * عادت عليك مخاز ذات أذيال (1)
هذه الرواية يرويها الراغب الإصفهاني في كتابه الموسوم بالمحاضرات بعبارته
الآتية: إن عبد الله بن الزبير عير ابن عباس بتحليله المتعة، فقال له ابن عباس: سل
أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك، فسألها، فقالت: والله ما ولدتك إلا
بالمتعة (2).
ويظهر من هذه المحاورة ما يلي:
1 - ان ابن الزبير لم يكن لديه حتى دليل واحد في حرمة المتعة والا لدافع عن
نفسه.
2 - عبد الله بن الزبير معروف بعداوته لبني هاشم، والذي حصرهم في الشعب
وأراد إحراقهم إن لم يبايعوا، كما قطع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله كي لا يشمخ بنو
هاشم بأنوفهم! كما أنه هدد ابن عباس بقوله: فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك،
وقد أجاب ابن عباس بما سلب منه كل ما يمكن أن يقوم به ابن الزبير من تنفيذ
تهديده، كما أنه لم يكن ذلك سهلا له في مقابل شخصية ابن عباس ومعروفيته
بصدقه بين الناس، خصوصا وإن القضية مرتبطة بالأعراض والنواميس واعتقاد ابن

(1) نقلا عن كتاب المتعة للفكيكي: 46.
(2) المحاضرات ج 2 نقلا عن المتعة للفكيكي: 44.
115

الزبير بأن المتعة زنى (1) ولهذا سكت عند ذكر أمه ليتحقق عن الموضوع، والا
لأحدث بلبلة في المجتمع وانهال جميع الناس إلى بيت أسماء بنت أبي بكر
للاستفسار.
كما سألها البعض بعد ذلك ومنهم ولدها فأجابتهم جميعا بالإيجاب.
ولم يسكت ابن عباس بعد ذلك وانما قال تأييدا لكلامه: أول مجمر سطع في
المتعة مجمر آل الزبير (2) وقد اثر كلام ابن عباس على سائر الناس فاندفعوا
يسألون أم عبد الله بن الزبير.
فقد أخرج مسلم في صحيحه 1 / 354 عن مسلم القرى قال: سألت ابن عباس
عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه أم ابن الزبير
تحدث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها. قال: فدخلنا عليها
فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: رخص رسول الله فيها. أخرجه بهذا اللفظ من
طريقين ثم قال: فأما عبد الرحمن ففي حديثه (المتعة) ولم يقل (متعة الحج) وأما
ابن جعفر فقال: قال شعبه: قال مسلم (يعني القرى): لا أدري متعة الحج أو متعة
النساء؟!
والمتعة وإن أطلقت في لفظ عبد الرحمن ولا يدري مسلم اي المتعتين هي غير
أن أبا داود الطيالسي أخرج في مسنده ص 227 عن مسلم القري قال: دخلنا على
أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
نعم فيما أخرجه أحمد في مسنده 6 / 348 (متعة الحج) رواه من طريق شعبة
وقد سمعت حكايته عن مسلم وترديده، فلعلها قيدت بعد ذلك تحفظا على كرامة

(1) المغنى لابن قدامة 7 / 571 ورواه ابن أبي شيبه في مصنفه عن ابن أبي ذئب، نقلا عن معالم
المدرستين 2 / 265.
(2) العقد الفريد 2 / 139.
116

ابن الزبير على القارئ كونه وليد المتعة (1).
أقول: لا أرى اي دليل على شك مسلم (القري) لأن الدخول على امرأة والسؤال
عنها لا يدل الا على أن المسألة خاصة بالنساء، كما أن اخبار عروة وأخيه عبد الله
بن الزبير مع ابن عباس والتدليل إليها هو الداعي إلى السؤال منها.
3 - جواب أسماء بنت أبي بكر لدليل واضح على إباحة المتعة قبل وبعد نهي
عمر وعدم تحريم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياها واستمرارية هذا الحكم، وعدم تأثير نهي عمر
في ذلك.
4 - يظهر من هذه المحاورة أنها كانت إبان حكم ابن الزبير وفي أواخر حياة ابن
عباس وإنه لم يرجع عن رأيه وفتواه، كما ادعى البعض ذلك.
5 - جواب ابن الزبير يدل على أنه وسائر الحكام كانوا يستفيدون من منطق
القوة لتحريم المتعة، بينما يستند المجوزون بالقرآن والسنة عند إتاحة الفرصة لهم
والإدلاء بحججهم.
ففي (صحيح مسلم ص 1023 ح 1405) و (مسند أحمد 1 / 52) باختلاف في
اللفظ و 3 / 325 و 363 منه باختصار و (سنن البيهقي 7 / 206) و (كنز العمال
8 / 293) وغيره واللفظ للأول: عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه
آت فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعدلهما (2).
هذا هو استناد المجوزين وهو سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مضافا إلى عمل الصحابة
ومنهم الزبير والد عبد الله بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر.

(1) نقلا عن الغدير 6 / 209.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 209.
117

وقد كان ابن عباس شاهدا على غيرهما أيضا.
فعن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعرض بابن
عباس يعتب عليه قوله في المتعة فقال ابن عباس: يسأل أمه إن كان صادقا. فسألها
فقالت: صدق ابن عباس قد كان ذلك، فقال ابن عباس: لو شئت سميت رجالا من
قريش ولدوا فيها. يعني المتعة (الطحاوي في باب نكاح المتعة من شرح معاني
الآثار) (1).
ج - ومن محاورات ابن عباس أيضا، قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن
المهاجر بن سيف الله: أنه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة
فأمره بها، فقال له أبو عمرة الأنصاري: مهلا، قال: ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد
إمام المتقين (2).
د - في مصنف عبد الرزاق: وقال ابن صفوان: هذا ابن عباس يفتي بالزنا فقال
ابن عباس: إني لا أفتي بالزنا أفنسي ابن صفوان أم أراكة؟ فوالله إن ابنها لمن ذلك،
أفزنى هو استمتع بها رجل من بني جمح (3).
وفي رواية أخرى: عن طاووس قال: قال ابن صفوان: يفتي ابن عباس بالزنا،
قال: فعدد ابن عباس رجالا كانوا من أهل المتعة قال: فلا أذكر ممن عدد معبد بن
أمية (4). معبد هو: معبد بن سلمة بن أمية.
وفي رواية أخرى: عن ابن عباس: لم يرع أمير المؤمنين الا أم أراكة خرجت
حبلى فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بن سلمة بن أمية بن خلف، فلما أنكر

(1) نقلا عن معالم المدرستين 2 / 266.
(2) مصنف عبد الرزاق 7 / 502 وصحيح مسلم باب نكاح المتعة ص 1026 ح 27 وسنن
البيهقي 7 / 209 نقلا عن الكتاب المذكور.
(3) مصنف عبد الرزاق 7 / 498 و 499.
(4) مصنف عبد الرزاق 7 / 498 و 499.
118

ابن صفوان على ابن عباس ما يقول في ذلك، قال: فسل عمك (1).
وفي كتاب " جهرة انساب العرب " لابن حزم: فولد أمية بن خلف الجمحي: علي
وصفوان وربيعة ومسعود وسلمة. فولد سلمة بن أمية معبد بن سلمة، أمه أم أراكة
نكحها سلمة نكاح متعة في عهد عمر أو في عهد أبي بكر فولد له منها معبد، فولد
صفوان بن أمية عبد الله الأكبر (2).
ه‍ - بين عبد الله بن عمر وابن عباس: روى أحمد عن عبد الرحمن بن نعيم
الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر وأنا عنده، عن المتعة متعة النساء، فغضب وقال:
والله ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) زنائين ولا مسافحين (3).
وفي مصنف عبد الرزاق، قيل لابن عمر: ان ابن عباس مرخص في متعة النساء،
فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا، قالوا: بلى والله إنه ليقوله، قال: أما والله ما كان
ليقوله هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا وما أعلمه الا
السفاح (4).
وفي مصنف ابن أبي شيبة " والدر المنثور " عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن متعة
النساء فقال: حرام، فقيل له: ان ابن عباس يفتي بها. فقال: هلا تزمزم بها في زان
عرم. الزمزمة (5): صوت خفي لا يكاد أن يفهم وفي " سنن البيهقي " بعد حرام: أما
أن عمر بن الخطاب لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة (6).

(1) مصنف عبد الرزاق 7 / 498 و 499.
(2) ج 2 / 159 و 160 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 268.
(3) مسند أحمد 2 / 95 ح 5694 و 2 / 104 ح 5808.
(4) المصنف لعبد الرزاق 7 / 502.
(5) مصنف ابن أبي شيبه - 4 / 293 - الدر المنثور 2 / 140.
(6) سنن البيهقي نقلا عن معالم المدرستين 2 / 268.
119

أقول: يحتمل أن يكون رأي عبد الله بن عمر بتحليل المتعة أقرب منه بتحريمها
من وجوه:
1 - قوله: والله ما كنا... زنائين ولا مسافحين. بمعنى: أننا كنا نستمتع على عهد
النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يكن ذاك زنى لا سفاحا.
2 - يسأل ابن عمر عن متعة الحج فيقول: ويلك إن كان أبي نهى عنها وقد نقله
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر به أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قم عني (1).
وفي لفظ آخر: أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر؟ (2).
وفي لفظ آخر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (عليه السلام) أأمر أبي تتبع
أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الرجل: بل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لقد صنعها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
وليس ببعيد ان يكون جواب ابن عمر عن متعة النساء كذلك لأنها موجودة في
كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وعمل الصحابة، وان التحريم من قبل عمر جاء بلفظ واحد.
كما يشهد بذلك خبر الترمذي في صحيحه: إن رجلا من أهل الشام سأل ابن
عمر عن متعة النساء فقال: هي حلال فقال: إن أباك قد نهى عنها فقال: أرأيت إن
كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أنترك السنة ونتبع قول أبي؟ (4) مضافا إلى ذلك
فإنه ليس ببعيد أن تلعب يد التحريف في تغيير كلام ابن عمر، ففي (مجمع الزوائد

(1) تفسير القرطبي 2 / 365 نقلا عن الدارقطني.
(2) السنن الكبرى 5 / 21.
(3) صحيح الترمذي 1 / 157، زاد المعاد لابن القيم 1 / 194 وفي هامش شرح المواهب
للزرقاني 2 / 252 نقلا عن الغدير 6 / 202.
(4) نقلا عن المتعة للفكيكي: 72 واللمعة الدمشقية 5 / 296 بنقل الفصول المهمة 64 نقلا عن
الترمذي.
120

4 / 265): وعن ابن عمر أنه سئل عن المتعة فقال: حرام، فقيل إن ابن عباس لا يرى
بها بأسا؟ فقال: والله لقد علم ابن عباس أن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وما كنا
مسافحين. قال: رواه الطبراني وفيه منصور بن دينار وهو ضعيف (1). وقد ذكرنا في
السابق تغيير جملة متعة النساء إلى متعة الحج.
وكما لا أستبعد تحريم ابن عمر إياها (متعة النساء) وذلك نكاية لبني هاشم
وعلى رأسهم أمير المؤمنين (عليه السلام) القائل بحليتها أو الازدواجية في آرائه مثل مدحه
لعلي (عليه السلام) وعدم بيعته إياه، ومبايعته للحجاج بأفظع صورة.
3 - الوجه الثالث في رد تحريم ابن عباس للمتعة أو رجوعه عن تحليلها:
تحريف الروايات وعدم صحة ما نقل واليك بعضها:
الف - روى الترمذي والبيهقي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن
عباس أنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام فكان الرجل يقدم البلدة ليس له
بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه،
حتى إذا نزلت الآية: " الا على أزواجهم أو ما مكلت ايمانهم "، قال ابن عباس فكل
فرج سوى هذين فهو حرام (2).
علة الحديث: في سند الحديث موسى بن عبيدة، وفي ترجمته من (تهذيب
التهذيب 10 / 356): قال أحمد: منكر الحديث، لا تحل الرواية عندي عنه، حدث
بأحاديث منكرة.
وفي متن الحديث: كانت المتعة في أول الإسلام... حتى نزلت " الا على
أزواجهم " فكل فرج سوى هذين حرام.

(1) نقلا عن معالم المدرستين 2 / 268.
(2) الترمذي 5 / 50 والبيهقي 7 / 205.
121

أقول: ان بعض الوضاعين يضعون ما يريدون وضعه حتى في الأحاديث
الموضوعة!
ب - في سنن البيهقي: إن ابن عباس كان يفتى بالمتعة ويغمص ذلك عليه أهل
العلم، فأبى ابن عباس أن ينتكل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء يقول:
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس * هل لك في ناعم خود مبتلة
تكون مثواك حتى مصدر الناس؟! قال: فازداد أهل العلم بها قذرا ولها بغضا
حين قيل فيها الأشعار (1).
وفي مصنف عبد الرزاق عن الزهري 7 / 503 قال: ازداد العلماء لها استقباحا
حين قال الشاعر: يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟!
وفي هذه الرواية: إن ابن عباس أبى أن ينتكل عنها مهما غمص عليه الناس
وأنشدوا فيه الشعر.
ج - حرفوا الرواية الآنفة ورووا عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لابن عباس
أتدري ما صنعت؟ وبما أفتيت؟ سارت بفتياك الركبان وقالت فيه الشعراء قال: وما
قالوا: قلت: قالوا:
أقول للشيخ لما طال مجلسه * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
يا صاح هل لك في بيضاء بهكنة * تكون مثواك، حتى مصدر الناس
فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون "! والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت، ولا أحللت
منها الا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير (2).
وفي " المغني " لابن قدامة: فقام خطيبا وقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم

(1) 7 / 205.
(2) المصدر السابق نقلا عن معالم المدرستين 2 / 269.
122

الخنزير، فأما إذن رسول الله فقد ثبت نسخه (1).
علة الحديث: في (مجمع الزوائد 4 / 265) قال: وفي سند الحديث - الحجاج بن
أرطأة مدلس، وفي ترجمة الحجاج راوي هذا الحديث في " تهذيب التهذيب ": كان
يرسل عن يحيى بن أبي كثير ومكحول ولم يسمع منهما، وانما يعيب الناس منه
التدليس، ليس يكاد له حديث الا فيه زيادة، وقال ابن المبارك: كان الحجاج يدلس
فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه العرزمي. متروك. وقال
يعقوب بن أبي شيبة: واهي الحديث، وفي حديثه اضطراب كثير (2).
اذن فكل ما ينقل عن ابن عباس بحرمة المتعة فهو موضوع ولا أساس له
من الصحة.
4 - أقوال العلماء في بقاء ابن عباس وأصحابه على القول بحلية المتعة:
الف - قال أبو عمر صاحب (الإستيعاب): أصحاب ابن عباس من أهل مكة
واليمن فكلهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس وحرمها سائر الناس. (3)
وأهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا.
ب - قال السرخسي في " المبسوط ": تفسير المتعة أن يقول لامرأة: أتمتع بك
كذا من المدة بكذا من المال، وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر
من قول ابن عباس (4).
وقال فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي الزيلعي في " تبيان الحقائق شرح كنز
الدقائق ".... واشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من أهل

(1) المغني 7 / 573.
(2) نقلا عن معالم المدرستين 2 / 270.
(3) تفسير القرطبي 5 / 133 وفتح الباري 9 / 42 نقلا عن الغدير.
(4) نقلا عن الغدير 6 / 322.
123

اليمن ومكة، وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهن " (1).
ج - وفي " المغني " لابن قدامة 7 / 571: وحكي عن ابن عباس أنها جائزة،
وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج، وحكي ذلك عن أبي سعيد
الخدري، وجابر، واليه ذهب الشيعة، لأنه قد ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) أذن فيها.
د - وقال ابن حزم في مقدمة كلامه عن نكاح المتعة: إن الذين أصروا على
تحليله بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبد الله،
وابن مسعود، وابن عباس... (2).
ه‍ - وقال أبو بكر الطرسوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة الا عمران بن
حصين، وابن عباس، وبعض الصحابة، وطائفة من أهل البيت، وفي قول ابن عباس
يقول الشاعر:
أقول للركب إذ طال الثواء به * يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
في بضة رخصة الأطراف ناعمة * تكون مثواك، حتى مصدر الناس (3).
و - وقال الشيخ محمد بن عبده: فالانصاف ان مجموع الروايات تدل على
إصرار ابن عباس على فتواه (4) بالمتعة.
ز - قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروى
عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة أصح (5).

(1) نقلا عن الغدير 6 / 223.
(2) المحلى 9 / 519 و 520.
(3) تفسير أبو بكر يحيى القرطبي 5 / 130 نقلا عن الغدير.
(4) المنار 5 / 15.
(5) فتح الباري 9 / 242.
124

5 - دعوى رجوع ابن عباس عن المتعة: يقول جمهور فقهاء أهل السنة: أن ابن
عباس ما خرج من الدنيا حتى رجع عن قوله في تحليل المتعة، يقول الشعبي:
حدثني بضعة عشر نفرا من أصحاب ابن عباس أنه ما خرج من الدنيا حتى رجع
عن قوله في الصرف والمتعة، فان لم يقبل رجوعه فاجماع التابعين بعده يرفع قوله!
والأمة ترث العلم ولا ترث ضلال أحد.
ويرد السيد الأمين على هذا القول يقول: دعوى رجوع ابن عباس عن المتعة
باطلة فقد اشتهر القول بها عنه اشتهارا ماله من مزيد، حتى نظمت فيه الأشعار.
والرواية بذلك عن الشعبي مع ارسالها وكون النفر الذين رووا ذلك عن ابن عباس
مجهولين، ومع انحراف الشعبي عن علي وبني هاشم، وكونه نديم الحجاج وقاضي
عبد الملك بن مروان، لم تكن لتعارض ما صحت واستفاضت روايته (1).
أقول: ويرد على قوله الشعبي:
1 - لماذا لم يبح الشعبي بأسماء هؤلاء النفر من أصحاب ابن عباس ان كان
صادقا، مما يدل بوضوح على دفاعه المستميت وتبرير عمل الخليفة في المنع.
2 - في قوله: فان لم يقبل رجوعه... الخ لدليل واضح على شكه وترديده وحتى
كذبه في كلامه.
3 - وأما اجماع التابعين بعده فإنه لم يثبت، وما قيمة هذا الإجماع؟ وهل هو الا
انشاء حكم مخالف لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
الرواية الخامسة: روي في " مجمع الزوائد " و " فتح الباري " عن جابر أنه قال:
خرجنا ومعنا النساء التي استمتعنا بهن فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هن حرام إلى يوم
القيامة. فودعتنا عند ذلك، فسميت عند ذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك الا ثنية

(1) نقلا عن كتاب المتعة ومشروعيتها في الإسلام: 78.
125

الركاب (1).
هذا الحديث لا اعتبار له من وجوه:
الف - لقد تواترت الروايات عن جابر انه من القائلين بحليتها والعاملين بها
فمنها:
1 - عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى - ثم - نهى عنه عمر في شأن عمرو بن
حريث (2).
2 - وفي " صحيح مسلم " و " مسند أحمد " وغيرهما واللفظ للأول قال عطاء:
قدم جابر بن عبد الله معتمرا، فجئناه في منزله. فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا
المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر (3).
3 - عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله قالا: تمتعنا إلى النصف من خلافة
عمر (رض) حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث (4).
4 - عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس
وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عنهما

(1) مجمع الزوائد 4 / 264 وفتح الباري 11 / 34.
(2) صحيح مسلم 1 / 395، جامع الأصول لابن الأثير، زاد المعاد 1 / 444: فتح الباري 9 / 141،
كنز العمال 8 / 294.
(3) صحيح مسلم كتاب النكاح 1023 ح 1405 بشرح النووي 9 / 183 ومسند أحمد 3 / 380
ورجال أحمد رجال الصحيح وأبو داود في باب الصداق: تمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر
ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر، وراجع عمدة القارئ للعيني 8 / 310 نقلا عن معالم
المدرستين 2 / 257 (وفي بداية المجتهد 2 / 63: ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر الناس).
(4) عمدة القاري للعيني 8 / 310.
126

عمر فلم نعدلهما (1).
ويروي العلامة الأميني (قدس سره) هذا الحديث (2) بصور مختلفة من (مسند أحمد
3 / 356 و 363) بطريقين أحدهما طريق عاصم صحيح رجاله كلهم ثقات
بالإتفاق. وعن السيوطي في (كنز العمال 8 / 293) عن الطبري و (صحيح مسلم
1 / 467) و (احكام القرآن للجصاص 2 / 178) و (تفسير الرازي) و " الدر المنثور "
وغيرهم.
5 - في المصنف لعبد الرزاق 7 / 496 باب المتعة: ابن جريج عن عطاء قال:
لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى، قال: أخبرني أن معاوية استمتع بامرأة
بالطائف... فلم يقر في نفسي حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله فسأله
القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي
بكر وعمر حتى إذا كان في أواخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث... وفيه
ص 496 أن معاوية بن أبي سفيان استمتع مقدمة الطائف على ثقيف بمولاة ابن
الحضرمي يقال لها: معانه. قال جابر: ثم أدركت معانه خلافة معاوية حية فكان
معاوية يرسل إليها بجائزة كل عام حتى ماتت.
6 - وفي المصنف لعبد الرزاق 7 / 499 عن جابر (وهو يذكر أحكام المتعة) قال:
إذا انقضى الأجل فبدا لهما ان يتعاودا فليمهرها مهرا آخر، فسئل كم تعتد؟ قال:
حيضة واحدة كن يعتددنها للمستمع منهن.
ويقول ابن حزم: ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله وأبي بكر وعمر
إلى قرب آخر خلافة عمر (3).

(1) صحيح مسلم 1 / 395 وسنن البيهقي 7 / 206.
(2) الغدير 6 / 210.
(3) المحلى 9 / 519.
127

ب - والدليل الثاني على عدم اعتبار الحديث المنقول عن جابر بحرمة المتعة
هو ضعف السند:
قال الهيثمي: الطبراني في " الأوسط " وفيه صدقه بن عبد الله، وقد قال أحمد بن
حنبل فيه: ليس يسوى شيئا، أحاديثه مناكير. وقال مسلم: منكر الحديث (1).
والعجب أن ابن القيم يقول بعد رد رواية سبرة: والطائفة الثانية التي رأت صحة
خبره: فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه
التحريم!.. (2).
الرواية السادسة: روى البيهقي في سننه 7 / 207 والهيثمي في (مجمع الزوائد
4 / 264) و (فتح الباري 11 / 73) واللفظ للأول، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك فنزلنا ثنية الوداع، فرأى نساء يبكين، فقال: ما هذا؟
قيل نساء تمتع بهن أزواجهن ثم فارقوهن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرم أو هدم المتعة
النكاح والطلاق والعدة والميراث. وفي رواية: فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصابيح ورأى
نساء يبكين.
علة الحديث: في سند الحديث: مؤمل بن إسماعيل، وهو أبو عبد الرحمن
العدوي، مولاهم نزيل مكة، مات سنة خمس أو ست وماءتين، في ترجمته في
" تهذيب التهذيب ": قال البخاري: منكر الحديث. وقال غيره: دفن كتبه وكان يحدث
من حفظه فكثر خطأه!
وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه فأنه يروي المناكير عن ثقات
شيوخه وهذا أشد! فلو كانت هذا المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذرا (3).

(1) قول احمد ومسلم من تهذيب التهذيب عن ترجمة صدقة 4 / 416.
(2) زاد المعاد 1 / 444.
(3) تهذيب التهذيب 10 / 380.
128

وفي متن الحديث: أنهم نزلوا ثنية الوداع، وثنية الوداع كما في " معجم البلدان "
ثنية مشرفة على المدينة يطأها من يريد مكة، وقال: والصحيح أنه اسم جاهلي
لتوديع المسافرين (1). ويؤيد ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما ورد المدينة في الهجرة لقيته
نساء الأنصار يقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع (2). فسمي بهذا الاسم قبل
الإسلام وليس بعده.
أضف إلى ذلك: أنه ما سبب خروج نساء المتعة لتوديع أزواجهن دون نساء
النكاح الدائم؟ وما سبب بكائهن وليس الأزواج ذاهبين إلى غير رجعة؟
الرواية السابعة: روى البيهقي عن عبد الله بن مسعود قال: المتعة منسوخة،
نسخها الطلاق والصداق والعدة والميراث.
ويرد على هذه الرواية:
1 - أن عبد الله بن مسعود من جملة الصحابة الذين قرأوا آية المتعة بزيادة: " إلى
أجل مسمى " تفسيرا: فقد ذكر الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي المتوفي 676 ه‍
في شرح صحيح مسلم 9 / 181: إن عبد الله بن مسعود قرأ: " فما استمتعتم به منهن
إلى أجل مسمى " وذكر شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي البغدادي
1270 ه‍ في تفسيره ج 5 / ص 5 قراءة ابن عباس وعبد الله بن مسعود الآية: " فما
استمتعتم به منهن... إلى أجل مسمى ".
2 - روى (البخاري في صحيحه 8 / 7) كتاب النكاح، و (صحيح مسلم 1 / 354)،
و (صحيح أبي حاتم البستي)، و (احكام القرآن للجصاص 2 / 184) و (سنن البيهقي
7 / 200) و (تفسير القرطبي 5 / 130) نقلا عن صحيح البستي، و (تفسير ابن كثير
2 / 87) و (الدر المنثور 2 / 307) نقلا عن تسعة من الأئمة والحفاظ، وفي (مصنف

(1) بمادة ثبتة الوداع من معج البلدان.
(2) بمادة ينية الوداع من الروض المعطار للحميري. نقلا عن معالم المدرستين 2 / 272.
129

عبد الرزاق 7 / 506) مع أضافة إلى آخر الحديث وفي (مصنف ابن أبي شيبه
4 / 294) وفي (مسند أحمد 1 / 420) عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس لنا نساء، فقال: الا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن
ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قال: يا " أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم " (1). وفي مسند أحمد بهامشه: وكان ابن مسعود يأخذ بهذا ويرى ان نكاح
المتعة حلال وقال الجصاص بعد ذكر الحديث: إن الآية من تلاوة النبي (صلى الله عليه وآله) عند
إباحة المتعة، وذكر ابن كثير في تفسيره 2 / 87 نقلا عن الشيخين، وأدخل من نفسه:
(ثم قرأ عبد الله)!
أقول: تلاوة الآية من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) دال على تأكيده في حلية المتعة وأنها من
طيبات ما أحل الله، وإن كانت من قبل عبد الله بن مسعود فمعناه ان تحريمها ليس
من الله ولا من رسوله، وانه (اي ابن مسعود) غير راض بتحريم عمر إياها، كما أنها
صريحة في دوام الحل وعدم النسخ.
يقول السيد الخوئي (قدس سره) في تعليقه برقم 7 تحت عنوان: تحريف حديث المتعة في
صحيح البخاري: رواها عن البخاري جماعة من المحدثين والمفسرين والفقهاء بهذا
النص، ولكن الموجود في صحيح البخاري المتداول 6 / 53 يخالف ما ذكره هؤلاء
من وجهين:
1 - حذف كلمة (ابن مسعود) من سند الحديث وقد ذكره معظمهم - لأنه كان
يقول بجواز المتعة، حتى لا تكون قرينة على أن المراد بهذه الرواية هو جواز نكاح
المتعة وترخيصه.
2 - حذف كلمة: " إلى أجل " من آخر الرواية لأنها صريحة في ترخيص نكاح
المتعة كما فهمها الشراح وفسروها، لأن الترخيص في النكاح - في هذا المورد لا

(1) المائدة: 87.
130

بد وأن يكون ترخيصا لنكاح المتعة دون النكاح الدائم خاصة، وإن كان المقصود
من (ليس معنا نساء) اي نساؤنا وزوجاتنا، لا مطلق النساء، والا لم يكن معنى
للترخيص في النكاح في تلك الحالة، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض المصادر (ليس
لنا نساء).
ولدلالة هذه الرواية على نكاح المتعة ادعى غير واحد من الفقهاء نسخ الحكم
الثابت في هذه الرواية بتحريم نكاح المتعة بعد ذلك بروايات آخري تفيد تحريمها.
مع أن ذلك لا يتم لهم ذلك، فان يد التحريف تناولت هذه الرواية فغيرتها عما كانت
عليه من الصحة، الا قاتل الله التحريف وأهواء المحرفين!
ومن المحدثين والمفسرين والفقهاء الذين رووا الحديث المذكور عن البخاري
على وجه الصحة هم: البيهقي، السيوطي، الزيلعي، ابن تيمية، ابن القيم، القنوجي
ومحمد بن سليمان. ولهذه الرواية مصادر أخرى وهي، مسند أحمد، تفسير
القرطبي، تفسير ابن كثير، احكام القرآن، الاعتبار، صحيح حاتم البستي وغيرها من
الكتب (1).
3 - سند الرواية الموضوعة: في سند رواية منه، الحجاج بن أرطأة عن الحكم
عن أصحاب عبد الله، والحجاج بن أرطاة سبق تعريفه أنه مدلس متروك يزيد في
الحديث، ولا ندري من اي واحد من أصحاب عبد الله روى الحكم؟!
وسند الأخرى (قال بعض أصحابنا عن الحكم بن عيينة عن عبد الله بن مسعود)
ولم ندر من هو بعض الأصحاب هذا، وكيف روى الحكم بن عيينة المتوفي سنة
ث 113 ه‍ وبعدها له نيف وستون عن عبد الله بن مسعود المتوفي سنة 32 ه‍ (2).
وفي متن الأحاديث (عن أبي هريرة وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وعبد الله بن مسعود

(1) البيان: 510.
(2) ترجمة الحكم وابن مسعود في تقريب التهذيب ج 1 / 192 و 459.
131

وعبد الله بن عباس و...) ان النكاح والطلاق والعدة والميراث حرمت أو هدمت أو
نسخت المتعة، ومعنى هذا أن المتعة شرعت قبل الدائم، ولم يكن فيها طلاق ولا
عدة ولا ميراث حتى نزول حكم الدائم!!.
4 - تأييد علماء السنة القول بحلية المتعة بواسطة عبد الله بن مسعود:
الف - قال ابن حزم في " المحلى " وقد ثبت على تحليلها بعد وفاة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) جماعة من السلف (رض) منهم ومن الصحابة.... وابن مسعود (1).
ب - يقول ابن القيم: قالوا: لو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى
يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية (2).
إذن فلا شك ولا ريب ان ابن مسعود يقول بحلية المتعة، وكل ما يروى عنه بصدد
التحريم لا يعبأ به وهو غير صحيح.
الرواية الثامنة: في " مجمع الزوائد " عن زيد بن خالد الجهني، قال: كنت أنا
وصاحب لي نماكس امرأة في الأجل وتماكسنا، فأتانا آت فأخبرنا أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) حرم نكاح المتعة، وحرم أكل كل ذي ناب من السباع، والحمر الإنسية (3).
علة الحديث: في سند الحديث: قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه موسى بن عبيدة
الربذي وهو ضعيف (4)، وسبق قولنا في ضعفه.
في متن الحديث: يبدو أن مخترع هذه الرواية قد جمع بين رواية ابن سبرة
الجهني في فتح مكة وما روي عن يوم خيبر، وأضاف إليهما حكم تحريم أكل لحم
كل ذي ناب، وركب لهن سندا واحدا ورواهن في سياق واحد.

(1) المحلى 9 / 519.
(2) زاد المعاد 1 / 444.
(3) 4 / 266.
(4) المصدر السابق نقلا عن معالم المدرستين 2 / 274.
132

الرواية التاسعة: ما روي عن سعيد بن جبير من تأنيبه لابن عباس (راجع
ص 121) (في فتياه في المتعة) مردود بالأدلة الآتية:
1 - قراءته لآية المتعة بزيادة (إلى أجل مسمى) تفسيرا. وقد وردت في كتب
التفاسير وغيرها مثل الطبري عن عمر بن مرة 5 / 9 وتفسير يحيى بن سعدون
(القرطبي 5 / 130) وتفسير (ابن حيان 3 / 218) وتفسير (ابن كثير 1 / 474) وتفسير
السيوطي بإخراج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وإخراج ابن الأنباري في
(المصاحف 2 / 140)، والقاضي الشوكاني في تفسيره 1 / 141 حيث يقول: وقال
الجمهور: ان المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك
قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير: فما استمتعتم... إلى أجل مسمى.
2 - زواجه بالمتعة من امرأة عراقية وقوله: هي أحل من شرب الماء (وسيأتي
حديثه) (1).
3 - وقال ابن حزم عدة جملة ممن ثبت على إباحة المتعة: ومن التابعين
طاووس وسعيد بن جبير.... (2). وقد ذكرنا رواية سعيد بن جبير في ص 116 التي
فيها اعتراف أسماء بنت أبي بكر وكلام ابن عباس.... اذن كيف يمكن أن تلصق هذه
الأكذوبة بحق سعيد بن جبير.
4 - اما علة الحديث: فقد ذكرناها في ص 121 فراجع.
الرواية العاشرة: في " مجمع الزوائد " عن الحارث بن غزية، قال: سمعت
النبي (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة يقول: متعة النساء حرام (ثلاث مرات) (3).
علة الحديث: قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.

(1) في باب المتزوجين متعه من الصحابة والتابعين.
(2) المحلى 9 / 520.
(3) مجمع الزوائد 4 / 266.
133

وقال غيره من العلماء في ترجمته: يروي أحاديث منكرة لا يحتجون بحديثه. تركوه
لا تحل الرواية عنه، لا يكتب حديثه (1).
الرواية الحادية عشر: في " مجمع الزوائد " عن كعب بن مالك قال: نهى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عن متعة النساء، قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه يحيى بن أنيسه (2).
وقال العلماء في ترجمته: كان ضعيفا، أصحاب الحديث لا يكتبون حديثه، انه
كذاب متروك الحديث (3).
الرواية الثانية عشر: روى البيهقي في سننه الكبرى عن عبد الله بن عمر قال:
صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه
المتعة وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها. ألا، لا أوتى بأحد نكحها الا رجمته. (7 / 206).
علة الحديث: في سند الحديث: منصور بن دينار، قال فيه يحيى بن معين:
ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري: في حديثه نظر، وذكره
العقيلي في الضعفاء (ترجمة منصور بن دينار في الجرح والتعديل للرازي
4 / ق / 171 وميزان الإعتدال 6 / 184 ولسان الميزان 4 / 95).
الرواية الثالثة عشر: رووا عن أبي ذر أنه قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب
محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة. وقال: كانت لنا رخصة. ورووا في متعة النساء أنه قال: إنما أحلت
لنا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعة النساء ثلاثة أيام، ثم نهى عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأنه
قال: كانت المتعة لخوفنا ولحربنا (4).
ومن الغريب في روايتي أبي ذر هنا وهناك أن في طريق كليهما إبراهيم التيمي

(1) بترجمة اسحق من تهذيب التهذيب 1 / 240 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 274.
(2) مجمع الزوائد 4 / 266.
(3) تهذيب التهذيب 11 / 183.
(4) سنن البيهقي 7 / 207.
134

وعبد الرحمن بن الأسود، وشأن روايتي أبي ذر في السند شأن روايتي الإمام
علي (عليه السلام) (في تحريم متعتي الحج والنساء) (1).
ويقول ابن القيم حول ما نقل عن أبي ذر في اختصاص متعة الحج بالصحابة: إن
تلكم الآثار الدالة على الإختصاص بالصحابة بين باطل لا يصح عمن نسب إليه
البتة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص المشرع المعصوم،
ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال: متعتنا هذه يا رسول الله
لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: لا بل للأبد - لأبد الأبد (2). ويقول العيني في " عمدة
القاري ": وقد خالف أبا ذر، علي، وسعد، وابن عباس، وابن عمر، وعمران بن
حصين (3)... إلى آخر كلامه، مما يدل على عدم قبول ما نسب إليه من تحريم متعة
الحج، ويمكن أن يستدل كذلك بالنسبة لمتعة النساء، لمخالفته لقول علي (عليه السلام) وابن
عباس وجابر وعمران بن حصين و.... على أننا نؤكد أن أبا ذر (رضي الله عنه) من الموالين
لعلي (عليه السلام) والمخالفين لعثمان وغيره، ولا شك ان الواضعين أرادوا أن يستفيدوا من
هؤلاء لتبرير ساحة الخليفة عمر في تحريم المتعة.

(1) معالم المدرستين 2 / 280.
(2) زاد المعاد 1 / 213.
(3) عمدة القاري 4 / 562.
135

تضارب الأقوال
لقد لمسنا اختلاف الآراء والتباين الفاحش بينها وتناقض الأخبار والخلافات
المريبة والداحضة لبعضها البعض. ويتضح من خلال هذا المنطلق للإنسان المتعمق
في الروايات تدخل الأيدي الآثمة والواضعة لها، وتحكم التعصب الأعمى والمقيت
فيها، وتارة بنسخ مزعوم بواسطة الآيات القرآنية، رجما بالغيب، لا عن الله ولا عن
رسوله بمجرد توهم وتصور وظن ودعاو فارغة، وأخرى بالروايات الموضوعة
التي ملأت كتب ما يسمى بالصحاح بحيث وضع كل واحد من الرواة خبرا لا يلائم
ما وضعه الآخر، ثم دونت الأخبار في هذه الكتب بدون تمحيص وإن المطالع
اللبيب إن تمعن في هذا الحكم (المتعة) فقط وتعرف على اللعب بشرعة الله ورسوله
يتأكد له أن بقية الأحكام والأخبار المروية الأخرى عن غير طريق أهل البيت (عليهم السلام)
هي كذلك، حذو النعل بالنعل، " وعلى هذه فقس ما سواها ".
وأما الأقوال، فقد ذكر العلامة الأميني (قدس سره) في موسوعته (الغدير) جملة منها، وهي
كالآتي (1).
1 - كانت رخصة في أول الإسلام نهى عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر.
2 - لم تكن مباحة الا للضرورة في أوقات ثم حرمت آخر سنة حجة الوداع
(قاله الحازمي)
3 - لا تحتاج إلى الناسخ إنما أبيحت ثلاثة أيام فبانقضائها تنتهي الإباحة.
4 - أبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها.

(1) الغدير 6 / 225.
136

5 - كانت مباحة ونهي عنها في غزوة تبوك.
6 - أبيحت في حجة الوداع ثم نهي عنها.
7 - أبيحت ثم نهي عنها عام الفتح.
8 - أبيحت يوم الفتح ونهي عنها يومذاك.
9 - ما حلت قط الا في عمرة القضاء.
10 - هي الزنى لم تبح قط في الإسلام (قاله النحاس).
11 - أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر، ثم اذن فيها عام الفتح ثم حرمت بعد ثلاث.
12 - أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة
أوطاس ثم حرمت.
13 - أبيحت في صدر الإسلام وعام أوطاس ويوم الفتح وعمرة القضاء وحرمت
يوم خيبر وغزوة تبوك وحجة الإسلام.
14 - أبيحت ثم نسخت ثم أبيحت ثم نسخت ثم أبيحت ثم نسخت.
15 - أبيحت سبعا ونسخت سبعا فنسخت بخيبر وحنين وعمرة القضاء وعام
الفتح وعام أوطاس وغزوة تبوك وحجة الوداع (1).
وقد ذكرنا الحديث الأول الذي نقله خمسة من أئمة الصحاح الست وغيرهم من
أئمة الحديث (ص 88 و 95) وناقشناه وأثبتنا عدم صحته من طرق أهل السنة، وهو
عمدة ما اعتمد عليه هؤلاء، إذن فما حال بقية الأحاديث الصحيحة؟! وتتميما
للفائدة نذكر موارد أخرى في حلية المتعة حتى لا يبقى اي شك عند كل مخالف
متعند يقرأ هذه السطور.

(1) احكام القرآن للجصاص 2 / 182، صحيح مسلم 1 / 394، زاد المعاد 1 / 442، فتح الباري
9 / 138، إرشاد الساري 8 / 41، شرح صحيح مسلم للنووي هامش الإرشاد 6 / 124 - 130، شرح
الموطأ للزرقاني 2 / 24.
137

أولا: القائلون بحليتها من الصحابة والتابعين.
فأما الصحابة: 1 - عمران بن حصين: قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى
لم تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومات
ولم ينهنا عنها قال رجل برأيه ما شاء! وفي بعض نسخ " صحيح البخاري " قال
محمد - اي البخاري - يقال: انه عمر. قال القسطلاني في " الإرشاد ": لأنه كان
ينهى عنها. ذكره ابن كثير في تفسيره 1 / 233 نقلا عن البخاري فقال: هذا الذي قاله
البخاري قد جاء مصرحا به: إن عمر كان ينهى الناس عن التمتع (1).
ذكره المفسرون عند قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن
فريضة ". في بيان حجة من جوز متعة النكاح، وبعضهم في مقام اثبات نسبة الجواز
إلى عمران بن حصين (2).
أقول: إن هذه الرواية عامة وشاملة لمتعة الحج (كما ذكر بعضهم) (3) ومتعة النساء
(كما ذكرنا).
خصوصا في رواية البخاري ومسند أحمد وتفسير الرازي وغيرهم حيث لا
يوجد فيها ذكر لنوع المتعة.
وكما ذكر بعض العلماء رأي عمران بن حصين في متعة النساء مثل تفسير أبي
بكر يحيى بن سعدون القرطبي المتوفي 567 حيث ينقل عن أبي بكر الطرسوسي

(1) صحيح مسلم 1 / 474 وأخرجه القرطبي بهذا اللفظ في تفسيره 2 / 365 وصحيح البخاري
قريب منه 3 / 151 ط 1372 وصحيح البخاري كتاب التفسير، سورة البقرة 7 / 24 ط 1377 نقلا
عن الغدير 6 / 199.
(2) تفسير الثعلبي وتفسير الرازي 3 / 200 و 202، تفسير ابن حيان 3 / 218 وتفسير النيسابوري
نقلا عن الغدير 6 / 208.
(3) صحيح مسلم والقرطبي.
138

قوله: ولم يرخص في نكاح المتعة الا عمران بن حصين وابن عباس وبعض
الصحابة وطائفة من أهل البيت... (1).
ويقول الرازي في تفسيره: وقال السواد منهم، أنها بقيت مباحة كما كانت، وهذا
القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين.
ويظهر من كلام عمران بن حصين ما يلي:
الف - أن آية المتعة خاصة بحكم المتعة المألوفة والمعروفة.
ب - يظهر أن ابن حصين اطلع على من يريد أن يلتمس عذرا للخليفة من نسخ
آية المتعة بآيات أخرى من القرآن، ولذلك نفى وجود أية آية ناسخة لها. كما وأن
النسخ المطروح على الساحة هو خاص بمتعة النساء.
ج - كما أنزل الله آية في المتعة كذلك أمر بها الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضا.
د - وفعلا تمتع عمران بن حصين على عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
ه‍ - عدم نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عنها حتى آخر حياته، وكذلك عدم صحة ما ينسب
إليه (صلى الله عليه وآله) من تحريمها.
و - ان الناهي لها عمر.
ز - قوله: قال رجل برأيه ما شاء، تعريض بالخليفة، حيث إنه نهى عما أمر به الله
ورسوله، وهو رجل عادي كسائر الناس ليس لرأيه أثر في الحرمة ولا يعبأ بكلامه
وقد استند برأيه الخاص، فهو يقول ما يشاء لا ما يشاء الله ورسوله.
2 - من القائلين بحليتها: جابر بن عبد الله الأنصاري.
3 - عبد الله بن مسعود.

(1) تفسير القرطبي 5 / 130.
139

4 - الإمام علي (عليه السلام) ورأيه مشهور.
5 - عبد الله بن عباس.
6 - عبد الله بن عمر.
7 - معاوية بن أبي سفيان (1): وقد عده ابن حزم وصاحب " نبل الأوطار " و " فتح
الباري " منهم (اي من المجوزين) وكذلك الزرقاني في " شرح الموطأ " و " المصنف "
لعبد الرزاق 7 / 499.
8 - أبو سعيد الخدري: ذكره " المحلى " لابن حزم و " شرح الموطأ " للزرقاني
والعيني في (عمدة القاري 8 / 310) عنه وعن جابر: قالا: تمتعنا إلى نصف من
خلافة عمر (رض) حتى نهى عمر الناس في شأن عمرو بن حريث، وفي مسند
أحمد وغيره قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالثوب (2)، وفي المصنف لعبد
الرزاق (3): لقد كان أحدنا يستمتع ملء القدح سويقا.
9 - أسماء بنت أبي بكر، ذكرها ابن حزم وغيره.
10 - الزبير بن العوام.
11 - عمرو بن حريث. وقد عده ابن حزم ممن أصر على إباحتها. وسيأتي
الحديث عنه.
12 - سلمة بن أمية بن خلف.
13 - معبد بن أمية بن خلف وقد عد الأخيرين ابن حزم في " المحلى "

(1) نقلا عن الغدير 6 / 221 ومعالم المدرستين 2 / 263.
(2) مسند أحمد 3 / 22 ومجمع الزوائد 4 / 264 رواه احمد والبزار.
(3) المصنف 7 / 458 نقلا عن الغدير ومعالم المدرستين 6 / 208، 2 / 257.
140

والزرقاني في " شرح الموطأ " (1).
14 - أبي بن كعب: وهو ممن قرأ " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " كما
روى عن قتادة، ورد هذا في تفسير الطبري (2) وكذلك في " أحكام (3) القرآن "
للجصاص و القرطبي (4) لأبي بكر يحيى بن سعدون وتفاسير الرازي وأبي حيان
وابن كثير والسيوطي والقاضي الشوكاني (راجع ص 47 - 52).
15 - خالد بن مهاجر بن سيف الله (قد مر حديثه ص 116).
16 - ربيعة بن أمية. وقد استمتع بامرأة، وسيأتي حديثه.
17 - سمرة بن جندب: وقد قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
18 - سلمة بن الأكوع (مر حديثه في ص 105).
19 - عمر بن جويدة.
20 - صفوان بن أمية.
21 - معلى بن أمية.
22 - البراء بن عازب.
23 - ربيع بن ميسرة.
24 - سهل بن سعد الساعدي (6).

(1) نقلا عن الغدير 6 / 221.
(2) تفسير الطبري 5 / 9.
(3) احكام القرآن 2 / 178.
(4) تفسير القرطبي 5 / 130.
(5) الإصابة 2 / 81.
(6) من رقم 19 - 24 في كتاب الجواهر 30 / 150 منقول عن صحيح مسلم وكتاب الألفة لأبي
الحسن علي بن زيد.
141

25 - المغيرة بن شعبة (1).
26 - خالد بن عبد الله الأنصاري.
27 - زيد بن ثابت الأنصاري.
وأما القائلون بحليتها من التابعين:
1 - سعيد بن جبير. وقد قرأ آية المتعة بزيادة " إلى أجل مسمى " تفسيرا كما في
تفسير الطبري 5 / 9 برواية عمر بن مرة، وتفسير أبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي
5 / 130 وتفسير أبي حيان الأندلسي 3 / 218 وتفسير ابن كثير 1 / 474 والسيوطي
2 / 140 بإخراج ابن الأنباري في المصاحف وتفسير القاضي الشوكاني 1 / 414
وغيرهم (2). وهو من جملة المتزوجين متعة وينسب إليه نسخ آية المتعة بآية
الميراث!.
2 - مجاهد. وهو أيضا ممن قرأ آية المتعة بزيادة: " إلى أجل مسمى ". كما في
تفسير السيوطي باخراج عبد بن حميد وابن جرير 2 / 140، وتفسير ابن كثير حيث
يقول: قال مجاهد: نزلت (اي الآية) في نكاح المتعة 1 / 474. وكذا في تفسير أبي
حيان الأندلسي 3 / 218 وتفسير الطبري 5 / 9. ولكن في تفسير البغوي الشافعي
(هامش تفسير الخازن) 1 / 423 نسب إلى مجاهد قوله: ان الآية في النكاح
الصحيح. ويقول أيضا أبو بكر الأندلسي في احكام القرآن 1 / 162: في الآية
قولان (3): أحدهما أنه أراد استمتاع النكاح المطلق، قال جماعة منهم الحسن
ومجاهد.!

(1) الجواهر 30 / 150 وكتاب المتعة للفكيكي: 64 نقلا عن ابن إدريس الحلي (قدس) في كتابه
السرائر.
(2) المصدر السابق نقلا عن كتاب المحبر لأبي جعفر محمد بن حبيب المتوفى 245 ه‍.
(3) المصدر السابق نقلا عن كتاب المحبر لأبي جعفر محمد بن حبيب المتوفى 245 ه‍.
142

3 - عطاء بن أبي رياح (1) وقد عده ابن حزم ممن ثبت على اباحتها حيث قال:
ومن التابعين عطاء... وساير فقهاء مكة.
4 - طاووس اليماني، كذلك ذكره ابن حزم من المبيحين للمتعة.
5 - زفر بن أوس المدني، وقد ذكره ابن نجيم في كتابه (البحر الرائق
3 / 115) (2) وارشاد الساري (11 / 78).
6 - السدي، وقد ذكر قراءته لآية المتعة ابن كثير في تفسيره 1 / 474 حيث قال:
وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير يقرأون: " فما استمتعتم.... إلى أجل
مسمى " كما ذكر السيوطي في تفسيره 2 / 140 وأبو حيان محمد بن يوسف
الأندلسي المتوفي 745 في تفسيره 3 / 218 (3) في قوله بإباحتها وان الآية في
المتعة.
7 - حبيب بن أبي ثابت: يروي الطبري عنه قوله: إن ابن عباس أعطاني مصحفا
فيه " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " (4) وفي احكام القرآن للقاضي أبي بكر
الأندلسي يقول الثاني (اي القول الثاني): أنه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل. ثم رواه
ابن عباس وحبيب بن أبي ثابت وأبي بن كعب (5).
8 - الحكم بن عينية وهو القائل بأن آية المتعة غير منسوخة (راجع ص 91).

(1) هكذا في الجواهر 30 / 150 وقد ورد هذا الاسم في كتاب الغدير 6 / 222 باسم عطاء أبو
محمد المدني ممن عده ابن حزم وفي تفسير القرآن (أحكام القرآن) ذكره أبو بكر الجصاص باسم
عطاء الخراساني.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 222 و 233.
(3) نقلا عن الغدير 6 / 222 و 233.
(4) تفسير الطبري 5 / 9.
(5) 1 / 162.
143

9 و 10 - الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) وقد ذكرنا رواياتهما (1).
11 - أبو الزهري مطرف (2).
12 - الحسن البصري.
13 - إبراهيم النخعي.
14 - سعيد بن حبيب.
15 - عمرو بن دينار (3).
16 - ابن جرير: عده الشوكاني منهم (نيل الأوطار 6 / 272 عن الحازمي في
الناسخ والمنسوخ).
17 - ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز المكي المتوفي سنة 150 ه‍، قال
الشافعي استمتع ابن جريج بسبعين امرأة. وقال الذهبي: تزوج نحوا من تسعين امرأة
نكاح المتعة (4). وقال ابن كثير بعد ذكر ابن عباس وقوله بحلية المتعة: وقد تبعه
على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى
زمن ابن جريج وبعده. (البداية والنهاية 4 / 194).
قال ابن حزم في " المحلى " بعد عد جملة ممن ثبت على إباحة المتعة من
الصحابة: ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر إلى
قرب آخر خلافة عمر. ثم قال: وعن عمر بن الخطاب أنه انما أنكرها إذا لم يشهد

(1) ينقل ذلك الشوكاني نيل الأوطار 6 / 272 والبحر الزاخر 3 / 22.
(2) الجواهر 30 / 150.
(3) من رقم 12 - 15. كتاب سير العباد أبي الحسن علي بن الحسين الحافظ نقلا عن الجواهر
30 / 150.
(4) تهذيب التهذيب 6 / 406 وميزان الاعتدال 2 / 151.
144

عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين (1).
وقال أبو عمرو صاحب " الاستيعاب ": أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن
كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس وحرمها سائر الناس (2). وقال
القرطبي في تفسيره: أهل مكة وكانوا يستعملونها كثيرا (3) وقال الرازي في
تفسيره (10 / 50): اختلفوا في أنها نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة
إلى أنها صارت منسوخة، وقال السواد منهم أنها بقيت مباحة كما كانت.
ويقول العسقلاني: اختلف السلف في نكاح المتعة: قال ابن المنذر: جاء عن
الأوائل الرخصة فيها (4).
وقال الشوكاني: قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في " علوم الحديث ": يترك من
قول أهل مكة خمس. فذكر منها متعة النساء (5).
قال أبو حيان (بعد أن نقل حديث إباحتها): وعلى هذا جماعة من أهل البيت
والتابعين (6).
وقال أبو بكر الطرسوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة الا عمران بن حصين
وابن عباس وطائفة من أهل البيت (7).
وقال السرخسي في " المبسوط ": تفسير المتعة أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا من

(1) المحلى لابن حزم 9 / 520.
(2) تفسير القرطبي 5 / 133 وفتح الباري 9 / 142.
(3) تفسير القرطبي 5 / 132 نقلا عن الغدير 6 / 222.
(4) نيل الأوطار للشوكاني 6 / 271 وفتح الباري 9 / 150.
(5) نيل الأوطار 6 / 271.
(6) نقلا كتاب الغدير 6 / 222 و 223.
(7) المصدر السابق.
145

المدة بكذا من المال. وهذا باطل عندنا، جائز عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من
قول ابن عباس (1).
وقال فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي الزيلعي في " تبيان الحقائق شرح كنز
الدقائق ": قال مالك: هو - نكاح المتعة - جائز لأنه كان مشروعا فيبقى إلى أن
يظهر ناسخه، واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من أهل
اليمن ومكة، وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهن ". وعن عطاء أنه قال: سمعت جابرا يقول: تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى الناس عنه وهو يحكي عن أبي سعيد
الخدري واليه ذهب الشيعة.
وينسب جواز المتعة إلى مالك في فتاوى الفرغاني تأليف القاضي فخر الدين
حسن بن منصور الفرغاني، وفي " خزانة الروايات في الفروع الحنفية " تأليف
القاضي جكن الحنفي، وفي كتاب " الكافي في الفروع الحنفية " وفي " العناية شرح
الهداية " تأليف أكمل الدين محمد بن محمود الحنفي... ويظهر من " شرح الموطأ "
للزرقاني أنه أحد قولي مالك (2) وقال عبد الباقي المالكي الزرقاني في شرحه على
مختصر أبى الضياء: 3 / 190: حقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ مطلقا أن يقع العقد مع
ذكر الأجل من الرجل أو المرأة أو وليها بأن يعلمها بما قصده. وأما إذا لم يقع ذلك
في العقد ولكنه قصده الرجل وفهمت المرأة ذلك منه فإنه يجوز. قاله مالك، وهي
فائدة حسنه تنفع المتغرب (نقلا عن البيان ص 314).
وقال الباجي المالكي في المنتقى: ومن تزوج امرأة لا يريد إمساكها، وإنما يريد
أن يستمتع بها مدة ثم يفارقها، فقد روى محمد عن مالك: أن ذلك جائز وإن لم يكن

(1) نقلا كتاب الغدير 6 / 222 و 223.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 223.
146

من الجميل ولا من أخلاق الناس. وعلق (1) الباقوري عليه: بأن أهل المدينة وأهل
الحديث لا فرق عندهم في الشروط بين القول وبين التواطئ والقصد، فالمتواطأ
عليه كالملفوظ عندهم، والمالكية يقدمون في الاستدلال على الحكم عمل أهل
المدينة على الحديث لاحتمال نسخه.
رأي الإمام أحمد بن حنبل: يقول ابن كثير (2) وفي " البداية والنهاية " (3) وقد
روي عن ابن عباس، وطائفة من الصحابة إباحتها للضرورة، وهو رواية الإمام
أحمد.
وقال أيضا (4).... وقد حكي عن الإمام أحمد بن حنبل رواية كمذهب ابن
عباس.... إلى أن قال: حاول بعض من ضعف نقل رواية أخرى عن الإمام أحمد
بمثل ذلك.
أقول: أن من قال بإباحة المتعة عند الضرورة فقد قلد في ذلك عمر بن الخطاب
في اسقاطه الحد من راعية الغنم ففي كتاب " المحلى لابن حزم، مسألة رقم 2213
ج 11 / ص 250 ": قال أبو محمد: حدثنا همام، حدثنا ابن مفرج، حدثنا ابن
الأعرابي، حدثنا الديري، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، حدثني محمد بن
الحرث بن سفيان عن أبي سلمة ابن سفيان: أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب
فقالت: يا أمير المؤمنين: أقبلت أسوق غنما لي، فلقيني رجل فحفن لي حفنة من
تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر ثم أصابني، فقال عمر: ما
قلت؟ فأعادت، فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده: مهر مهر مهر ثم تركها.

(1) مع القرآن ص 176.
(2) تفسير ابن كثير 1 / 474.
(3) البداية والنهاية 4 / 194.
(4) المصدر السابق.
147

وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع
- عن أبي الطفيل أن امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى
تعطيه نفسها، قالت فحثى لي ثلاث حثيات من تمر، وذكرت أنها كانت جهدت من
الجوع فأخبرت عمر فكبر وقال: مهر مهر مهر، ودرأ عنها الحد.
قال أبو محمد (رحمه الله): قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى إلا ما كان
مطارفة، وأما ما كان فيه عطاء واستئجار فليس زنى ولا حد فيه، وقال أبو يوسف
ومحمد وأبو ثور وأصحابنا وسائر الناس: هو زنى كله وفيه الحد.
وأما المالكيون والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف
له مخالف إذا وافق تقليدهم، وهم قد خالفوا عمر (رض) ولا يعرف له مخالف من
الصحابة رضي الله عنهم بل هم يعدون مثل هذا إجماعا، ويستدلون على ذلك
بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك (فان قالوا): إن أبا الطفيل ذكر
في خبره أنها قد كان جهدها الجوع (قلنا لهم): وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ولا
ترونه عذرا مسقطا للحد، فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل، مع أن خبر أبي
الطفيل فيه أن عمر عذرها بالضرورة، بل فيه أنه درأ الحد من أجل التمر الذي
أعطاها وجعله عمر مهرا.
وأما الحنفيون المقلدون لأبي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد
يوجد لها نظير أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد هيهنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر،
وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه
مهرا، بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك. فهذا هو الاستخفاف حقا والأخذ
بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا ما اشتهوا تركه من قول الصاحب إذا
اشتهوا، فما هذا دينا وأف لهذا عملا إذ يرون المهر في الحلال لا يكون إلا عشرة
دراهم لا أقل، ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام، إلا أن هذا هو التطريق إلى
الزنى وإباحة الفروج المحرمة وعون لإبليس على تسهيل الكبائر، وعلى هذا لا
148

يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية إلا فعلا وهما في أمن من الحد بأن يعطيها
درهما يستأجرها به للزنى، فقد علموا الفساق حيلة في الطريق بأن يحضروا مع
أنفسهم امرأة سوء زانية وصبيا بغاء ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا ولا قتل عليهم
من أجل المرأة الزانية والصبي البغاء فكلما استوفروا من الفسق خفت أوزارهم
وسقط الخزي والعذاب عنهم، ثم علموهم وجه الحيلة في الزنى وذلك أن
يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب
بالحد الذي افترضه الله تعالى ثم علموهم الحيلة في وطئ الأمهات والبنات بأن
يعقدوا معهن نكاحا ثم يطؤنهن علانية آمنين من الحدود. انتهى كلام بن حزم.
وربما المنسوب لابن عباس بأن المتعة للضرورة وأنها مثل الميتة و... هو تبرير
موقف الخليفة من درئه الحد من هذه المرأة. ومن طريق أهل البيت (عليهم السلام) رواية
مشابهة سنذكرها في محلها انشاء الله. ولكن أكثر الصحابة يقولون بحليتها مطلقا
سواء في حالة الضرورة أو في غيرها. كما ذكرنا.
أقول: يظهر مما ذكرنا ما يلي:
1 - ان القائلين بإباحة المتعة من الصحابة والتابعين كثيرون جدا (لا يعلم عددهم
الا الله) وقد ذكرنا أقوال المجاهرين من أعاظم الصحابة، وأما غير المجاهرين منهم
فإننا نستطيع أن نتعرف عليهم من خلال الروايات: فقد رواه جابر عن جميع
الصحابة وإن قراءة آية التمتع بزيادة " إلى أجل مسمى " لم تكن منحصرة ببعض
الصحابة بل كما يقول البيهقي في " السنن الكبرى ": كان المسلمون يقرأونها
كذلك (1). وإن المسلمين في مكة واليمن كانوا يرون المتعة حلالا وعلى رأسهم أهل
البيت (عليه السلام) ولا توجد رواية واحدة على تحريمها منهم وقد أثبتنا فيما مضى عدم
صحة الروايات التي رويت عنهم بحرمتها.

(1) السنن الكبرى 7 / 205.
149

2 - يظهر أن عدد المخالفين بعد عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وحتى أيام ابن الزبير كانوا
قليلين جدا ولم يكن يوجد لديهم دليل واحد بحرمتها غير تحريم عمر، ولم يكن
اي خبر عن النسخ بالآيات والروايات إلى ذلك الحين.
ثانيا: المتزوجون متعة من الصحابة التابعين:
1 - جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد وردت عنه روايات كثيرة (ص 123).
2 - أبو سعيد الخدري راجع (ص 124)
3 - عمرو بن حريث: أخرج الحافظ عبد الرزاق (1) في مصنفه عن ابن جريج
قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر قال: قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة،
فأتي بها عمر وهي حبلى فسأله فاعترف، قال: فذلك حين نهى عنها عمر.
وأخرج الطبري عن سعيد بن المسيب قال: استمتع ابن حريث وابن فلان كلاهما
وولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر (2).
4 - الزبير بن العوام وأسماء بيت أبي بكر (ص 111).
5 - ربيعة بن أمية: ورد باسناد صحيح رجاله كلهم ثقات عن عروة بن الزبير: ان
خوله بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب (رض) فقالت: إن ربيعة بن أمية
استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر (رض) يجر رداءه فزعا فقال: هذه
المتعة لو كنت تقدمت فيه لرجمته (3).
6 - سلمة بن أمية بن خلف وسلمى مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص الأسلمي،

(1) فتح الباري 9 / 141 نقلا عن الغدير: ج 6 - ص 207.
(2) كنز العمال 8 / 293.
(3) أخرجه مالك في الموطأ 2 / 30 والشافعي في كتاب الأم 7 / 219 والبيهقي في السنن
الكبرى 7 / 206، نقلا عن الغدير 6 / 206.
150

حيث استمتع بها سلمة فولدت له فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة (1).
وعن ابن عباس قال: لم يرع أمير المؤمنين إلا أم أراكة قد خرجت حبلى،
فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية بن خلف (2).
وفي المصنف لابن أبي شيبة (3) عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: قال عمر: لو
أتيت برجل تمتع بامرأة لرجمته إن كان أحصن، فإن لم يكن أحصن ضربته.
7 - عن (4) سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خثيمة: أن رجلا قدم من
الشام فنزل عليها فقال: إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها. قالت:
فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن
يمكث، ثم إنه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلي فسألني أحق ما
حدثت؟ قلت: نعم قال: فإذا قدم فأذنيني، فلما قدم أخبرته، فأرسل إليه فقال: ما
حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لم ينهنا حتى قبضه الله، ثم
مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر:
أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من
السفاح.
8 - عمران بن سوادة: الذي قال لعمر: إنك حرمت متعة النساء، وقد كانت رخصة
من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث (5). وسيأتي ذكر الرواية في باب
المعترضين على الخليفة.

(1) ترجمة سلمة من الإصابة 2 / 61.
(2) المصنف لعبد الرزاق 7 / 499.
(3) المصنف لابن أبي شيبة 4 / 293 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 259.
(4) كنز العمال 8 / 294 من طريق الطبري.
(5) الطبري في سيرة عمر 5 / 32.
151

9 - عمرو بن حوشب: عن محمد بن الأسود بن خلف: أن عمرو بن حوشب
استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي، فحملت، فذكر ذلك لعمر، فسألها، فقالت:
استمتع منها عمرو بن حوشب فسأله فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ - قال - لا
أدري، أقال أمها أو أختها أو أخاها وأمها، فقام عمر على المنبر فقال: ما بال رجال
يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبينها الا حددته. (كذا في المصنف ولكن
عبارة " كنز العمال " عن ابن عساكر وسعيد بن منصور هكذا: ولا أجد رجلا من
المسلمين متمتعا إلا جلدته مئة جلدة).
قال: أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره فسمعه حين يقوله، قال:
فتلقاه الناس منه (1).
قال العسقلاني، هنا: أن روايات عبد الرزاق عن تمتع التابعين وبعض الصحابة
صحيحة السند (2).
10 - معاوية بن أبي سفيان: (راجع ص 124).
11 - سعيد بن جبير: عن عبد الله بن عثمان بن خثيم قال: كانت بمكة امرأة
عراقية تنسك جميلة، لها ابن يقال له: أبو أمية، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول
عليها، قال: قلت: يا أبا عبد الله! ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة! قال: إنا قد
نكحناها ذلك النكاح - المتعة - قال: وأخبرني أن سعيدا قال له: هي أحل من
شرب الماء - المتعة - (3).
12 - خالد بن المهاجر بن سيف الله بن خالد المخزومي والقائل: والله لقد فعلت
في عهد إمام المتقين (ص 116)

(1) مصنف عبد الرزاق 7 / 501.
(2) فتح الباري 9 / 151.
(3) المصنف لعبد الرزاق 7 / 496.
152

أقول: هنا نقطتان:
الأولى: ان حرف التاء في كلمة (فعلت) يمكن ان يكون للمتكلم فيكون معناه
هكذا: أني عملت بالمتعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله). وإما ان يكون للتأنيث، اي ان المتعة
عمل بها في ذلك الوقت. وعلى كلتا الحالتين فإنها شهادة صحابي ولها اعتبارها
الخاص.
الثانية: الاستفادة من جملة (امام المتقين) في هذه الرواية ورواية ابن عباس
عند محاورته مع ابن الزبير لها مغزاها الخاص وذلك بمعنى: أن الذي أمر بالمتعة هو
إمام المتقين، فلو كانت المتعة خلاف التقوى لما كان يأذن فيها، وليس من منع ونهي
أتقى!.
13 - عبد الملك بن عبد العزيز المكي. فقيه مكة وقد روى 18 حديثا في المتعة،
وقد رآه إمام الحنابلة أحمد، أثبت الناس، وكانوا يسمون كتبه كتب الأمانة (1). وقد
سمعوا منه اثني عشر الف حديثا يحتاج إليها الفقهاء (2) وقد أخرج عنه أئمة
الحديث أرباب الصحاح الست كلهم وحشوا المسانيد مروياته وأسانيده. وقد
استمتع بسبعين امرأة كما قال الشافعي وتسعين امرأة كما قال الذهبي (3).
14 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (راجع ص 28).
سؤال وجواب:
عند مناقشتنا مع بعض إخواننا من علماء السنة كانوا يطرحون هذا السؤال وهو:
إن كانت المتعة مشروعة فلماذا لم يعمل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

(1) تهذيب التهذيب 6 / 404.
(2) مفتاح السعادة 3 / 120.
(3) تهذيب التهذيب 6 / 404 وميزان الإعتدال 2 / 151.
153

الجواب:
أولا: لا يلزم للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يعمل بكل ما يأمر به حتى يكون ملزما للناس، فان
هناك أحكاما صدرت عنه (صلى الله عليه وآله) ولم تسمح له الظروف باجرائها، مثل بعض احكام
الزراعة والتجارة والأطعمة وغيرها.
ثانيا: نحن نعلم أن قول النبي (صلى الله عليه وآله) حجة، لقوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن
هو إلا وحي يوحى " (1). وقوله تعالى: " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بأذن
الله " (2). وقوله تعالى: " ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (3). والامتثال
لأوامره (صلى الله عليه وآله) واجب ولا يحق لأحد الاعتراض عليه والا فهو من المنافقين لقوله
تعالى: " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون
عنك صدودا " (4).
ثالثا: وما قيمة عمل النبي (صلى الله عليه وآله) لمن يريد مخالفته، فإن متعة الحج عمل بها (صلى الله عليه وآله)
وأمر بها وعضب على أولئك الذين خالفوا أمره (كما سيأتي بحثه) ثم منعوها بعد
وفاته (صلى الله عليه وآله) كما في رواية البخاري في كتاب التفسير (تفسير سورة البقرة) 7 / ص 24
عن عمران بن حصين حيث قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول
الله.... مضافا إلى ذلك فقد ورد تمتع النبي (صلى الله عليه وآله) بمتعة النساء عن طريق أهل البيت (عليهم السلام)
(راجع ص 27) وأهل البيت أدرى بما في البيت.
رابعا: الدلائل تؤكد على جواز المتعة في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) ووقوع التحريم في
عهد عمر بن الخطاب. لقد أثبتنا فيما مضى عدم اعتبار نسخ المتعة بالقرآن والسنة،

(1) النجم 3 و 4.
(2) النساء: 64.
(3) الحشر: 7.
(4) النساء 61.
154

وأن كل ما روي في تحريمها لا أساس له من الصحة، كما أن جماعة من الصحابة
قالوا بجوازها، وعمل البعض منهم بها في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وبعده، وسار التابعون على
هذا النهج من أهل مكة واليمن، ولم يبق لنا سوى نهي عمر، وسنناقش كلامه
بالتفصيل انشاء الله.
1 - قول علي (عليه السلام) المشهور: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت
بالمتعة ثم ما زنى الا شقي (راجع ص 91).
2 - قول جابر بن عبد الله الأنصاري (راجع ص 124).
3 - رواية أبي سعيد الخدري (راجع ص 124).
4 - عمران بن حصين (راجع ص 136).
5 - قول ابن عباس بان المتعة كانت رحمة من الله وقد نهى عنها عمر.
(راجع ص 109)
6 - سأل يحيى بن أكثم شيخا من أهل البصرة فقال له: بمن اقتديت في جواز
المتعة؟ فقال: بعمر بن الخطاب، فقال له: كيف؟ وكان عمر من أشد الناس فيها. قال:
نعم صح الحديث عنه أنه صعد المنبر فقال: أيها الناس، إن الله ورسوله قد أحلا
لكم متعتين وإني محرمهما عليكم وأعاقب عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل
تحريمه (1).
7 - رواية عبد الله بن مسعود وتلاوة النبي (صلى الله عليه وآله) أو تلاوته كما في بعض الروايات
لقوله تعالى: " يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله " صريحة على أن
تحريم المتعة لم يكن من الله ورسوله وإنما حدث بعد النبي (صلى الله عليه وآله) (2).

(1) المحاضرات للراغب الإصفهاني 2 / 94.
(2) راجع: 128 من هذه الرسالة.
155

8 - قول الحكم بن عينية بأن الآية في المتعة وهي غير منسوخة واستناده بكلام
الإمام علي (عليه السلام) (ص 91).
9 - رواية سليمان بن يسار عن أم عبد الله أبي خيثمة في الرجل الشامي
(راجع ص 149).
10 - قول عبد الله بن عمر للرجل الشامي (ص 118)
11 - ذكر القوشجي متكلم الأشاعرة في " شرح التجريد " في مبحث الإمامة: أن
عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى
عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن، متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل، ثم
اعتذر عنه بقوله: إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فان مخالفة المجتهد لغيره في
المسائل الاجتهادية ليس ببدع (1)!
12 - قد ذكر أحمد أمين في كتابه ما يلي: وقد أكد عمر بن الخطاب تحريمها في
خلافته وأخذ الناس بتحريمها أخذا شديدا. ثم قال: وقد أصاب عمر وجه الصواب
بادراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنى (2).
ويقول العلامة الأميني (قدس سره): هذا شطر من أحاديث المتعتين وهي تربو على
أربعين حديثا بين صحاح وحسان تعرب عن أن المتعتين كانتا على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ونزل فيهما القرآن وثبت اباحتهما بالسنة، وأول من نهى عنهما عمر. وعده
العسكري في أولياته، والسيوطي في (تاريخ الخلفاء ص 93) والقرماني في تاريخه
- هامش الكامل - 1 / ص 203، أول من حرم المتعة (3)

(1) أخرجه الطبري في المستبين وحكاه عن الطبري الشيخ البياض في كتابه الصراط المستقيم
نقلا عن الغدير 6 / 213.
(2) ضحى الإسلام 3 / 258.
(3) أخرجه الطبري في المستبين وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه الصراط
المستقيم نقلا عن الغدير 6 / 213.
156

القسم الثالث: القائلون بأن المتعة منسوخة بنهي عمر
يقول الرازي في تفسيره: والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول: إنا
لا ننكر أن المتعة كانت مباحة، إنما الذي نقوله: إنها صارت منسوخة، وعلى هذا
التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا.
وهذا الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس، فان تلك القراءة بتقدير
ثبوتها - لا تدل على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، إنما الذي نقوله:
أن النسخ طرأ عليه... إلى آخر كلامه (1).
ملاحظة: بعد ما رأى الرازي أن حجج المجوزين للمتعة دامغة، وأن النسخ
المدعى بالآيات والروايات لا طريق له فيها لجأ إلى القول بالنسخ بقول عمر (كما
يظهر من كلامه) ودافع عنه أشد الدفاع ولكن بلا جدوى، وسنحاول انشاء الله
مناقشة تحريم عمر وآراء المدافعين عن رأيه بصورة مفصلة.
كلام الخليفة في تحريم متعة النساء: يظهر من الروايات أن عمر بن الخطاب
تكلم في تحريم المتعة كرارا فكان تارة يغضب وبكل شدة ويتكلم بمنتهى القسوة، و
أخرى يتراخى، خصوصا عند اعتراض بعض المسلمين، وعلى الرغم من عدم
اطلاعنا بصورة دقيقة على تاريخ أقواله لنتبين على أسرار النهي أكثر، ولكننا نعلم
أن نهيه كان في أواخر أيامه أو بعد النصف الثاني من حكومته، حيث كان نكاح
المتعة فاشيا في المجتمع الإسلامي. واليك ما روي عن أبي حفص بتحريمها:
1 - قول عمر (كما في المحاضرات للراغب الإصفهاني): إن الله ورسوله قد أحلا
لكم متعتين وأني محرمهما عليكم وأعاقب عليهما (2). (راجع ص 153 رقم 6).

(1) تفسير الرازي ج 10: 53.
(2) المحاضرات 2 / 94.
157

2 - ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا محرمهن ومعاقب عليهن، متعة الحج
ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان (1) (راجع ص 154).
3 - عن أبي نضرة عن جابر (رضي الله عنه) قال: قلت: إن ابن الزبير ينهى عن
المتعة وأن ابن عباس يأمر به قال: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ومع أبي بكر (رض) فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله هذا
الرسول وإن القرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى
عنهما وأعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى
أجل الا غيبته بالحجارة، والأخرى: متعة الحج. (سنن البيهقي 7 / 206) فقال:
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام.
وأخرج أحمد بن حنبل هذا الحديث باللفظ الثاني لجابر وحذف منه ما حسبه
خدمة للمبدأ ولفظه: فلما ولي عمر (رض) خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن
وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الرسول وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إحداهما
متعة الحج والأخرى متعة النساء.
وفي لفظ آخر عن جابر: فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما
شاء، فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله، وانتهوا - وابتوا - عن نكاح هذه النساء لا
أوتى برجل نكح - تزوج امرأة إلى أجل الا رجمته (2).
4 - قول الخليفة للرجل الشامي (ص 148): أما والذي نفسي بيده لو كنت
تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.
وفي رواية عروة بن الزبير: فخرج عمر (رض) يجر رداءه فزعا فقال: هذه المتعة
لو كنت تقدمت فيه لرجمته (راجع ص 149).

(1) نقلا عن شرح التجريد للقوشچي في مبحث الإمامة.
(2) صحيح مسلم 1 / 467، أحكام القرآن للجصاص 2 / 178، سنن البيهقي 5 / 21، تفسير الرازي
3 / 26، كنز العمال 8 / 293، الدر المنثور 1 / 216 نقلا عن الغدير 6 / 210 و 211.
158

وفي رواية أخرى عن عروة: فقام (اي عمر) يجر صنفة ردائه من الغضب حتى
صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة
بشهادة امرأتين، وإني لو كنت تقدمت في هذا لرجمت (1).
5 - فقال (اي عمر): ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبينها
إلا حددته.
وفي عبارة " كنز العمال " عن ابن عساكر وسعيد بن منصور: ولا أجد رجلا من
المسلمين متمتعا إلا جلدته مئة جلدة. (راجع ص 149).
6 - قول عمر لعمران بن سوادة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها في زمان ضرورة، ثم
رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن
من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق (2). (وسيأتي حديثه في باب
المعترضين على حكم الخليفة).
7 - ذكر سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان ": كان عمر " رضوان الله عليه "
يقول: والله لا أوتى برجل أباح المتعة إلا رجمته (3).
أقول: إن أغلب كتب السنة تذكر كلام عمر بن الخطاب بهذه الصورة: متعتان كانتا
على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النساء.
وفي قول آخر منقول عنه: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى عهد أبي
بكر وأنا أنهى عنهما (ص 94). وبما أن النهي عن المتعتين وقع بلفظ واحد، ولذلك
أرى من اللازم أن أذكر متعة الحج باختصار ليتسنى للمطالع التعرف على أهداف
الخليفة ونواياه من تحريمه لهما.

(1) المصنف لعبد الرزاق 7 / 503، مسند الشافعي 132 وترجمة ربيعة بن أمية من الإصابة
1 / 514 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 259.
(2) أخرجه الطبري في تاريخه 5 / 32.
(3) نقلا عن الغدير 6 / 208.
159

متعة الحج:
تقع متعة الحج ضمن حج التمتع، وهو فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام، وصورته أن يحرم بالعمرة إلى الحج، ويلبي من الميقات في أشهر الحج، ثم
يأتي مكة ويطوف بالبيت، ويصلي ركعتي الطواف، ويسعى ثم يقصر، فيحل، ويقيم
بمكة محلا حتى ينشئ من تلك السنة إحراما آخر للحج، ثم يقف في عرفات والى
المشعر ومنها إلى منى و.... وهذا يسمى حجه بحج التمتع وعمرته عمرة التمتع.
والتمتع هو: تمتع الحاج بالحل بين إحرامي الحج والعمرة، قال تعالى: " فإذا أمنتم
فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، واتقوا الله واعلموا
أن الله شديد العقاب " (1).
وقد أخبر ابن عباس عن المشركين في الجاهلية فقال: كانوا يرون العمرة في
أشهر الحج من أفجر الفجور ويجعلون المحرم صفر ويقولون: إذا برأ الدبر (اي ظهر
الإبل) وعفى الأثر (اي اثر الإبل) وانسلخ سفر (كانوا يجهلون المحرم صفر) حلت
العمرة لمن اعتمر (2).
قال ابن القيم: إعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة،
وأيد ذلك بما رواه عن أنس وابن عباس وعائشة وفي لفظ الأخيرين: لم يعتمر

(1) البقرة: 96.
(2) البخاري، كتاب الحج، باب التمتع والقرآن والإفراد. فتح الباري 4 / 168 - 169 وكتاب
مناقب الأنصار منه، وصحيح مسلم باب جواز العمرة في أشهر الحج، الحديث 198، ومسند
أحمد 1 / 249 و 252 و 332 و 339 وسنن أبي داود كتاب المناسك باب العمرة، والنسائي كتاب
الحج 77، وسنن البيهقي 4 / 345، والمنتقى الحديث 2422 والطحاوي في مشكل الآثار 3 / 155
وشرح معاني الآثار 1 / 381 في مناسك الحج نقلا عن معالم المدرستين 2 / 198.
160

رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا في ذي القعدة (1).
وقال ابن القيم: والمقصود أن عمرته كلها كانت في أشهر الحج مخالفة لهدي
المشركين، فأنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ويقولون هي من أفجر
الفجور (2). وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوادي العقيق يقول:
أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة. وفي
لفظ البيهقي: فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (3).
وقد كرر رسول (صلى الله عليه وآله) التبليغ بعسفان وسرف وبطحاء مكة (4).
وفي زاد المعاد قال: وفي الصحيحين عن عائشة: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا
نذكر الا الحج... فلما قدمنا مكة قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه اجعلوها عمرة، فأهل الناس إلا
من كان معه الهدي (5).
وعن حفصة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقلت: ما
منعك أن تحل، فقال: أني لبدت رأسي وقلدت بدني فلا أحل حتى أنحر الهدي.

(1) زاد المعاد 1 / 209، صحيح البخاري 1 / 212، البيهقي في سننه 4 / 357 وفي 5 / 1 - 12 وابن
كثير 5 / 109.
(2) زاد المعاد 1 / 211 والبيهقي 4 / 345.
(3) صحيح البخاري 1 / 186 وسنن أبي داود المناسك 2 / 159 وابن ماجة الحديث 2976 ص
991 باب التمتع بالعمرة إلى الحج وسنن البيهقي 5 / 13 وفتح الباري 4 / 135 وتاريخ ابن كثير
5 / 117 و 128 و 136. و 5 / 4 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 201.
(4) سنن أبي داود 1 / 159، البخاري 1 / 189 والبيهقي 4 / 356 و 5 / 4 نقلا عن معالم المدرستين
3 / 202.
(5) 1 / 246 و 247.
161

وفي البخاري، قال سراقة: ألنا هذا خاصة؟ قال: لا بل للأبد (1).
وعن جابر قال: فقدم النبي (صلى الله عليه وآله) صبح رابعة مضت من ذي الحجة فلما قدمنا،
أمرنا النبي (صلى الله عليه وآله) أن نحل.... فبلغه أنا نقول: لما لم يكن بيننا وبين عرفة الا خمس
أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة نقطر مذاكيرنا!، قال: فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت... (2).
وفي البخاري.... فقام خطيبا فقال: بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر
وأتقي الله منهم (3).
وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة و... فغضب فانطلق ثم دخل على عائشة
غضبان، فرأيت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك أغضبه الله. وفي رواية:
أدخله الله النار، قال (صلى الله عليه وآله) مالي لا أغضب وأنا أمر أمرا فلا أتبع. وقد فاتت عائشة
العمرة لأنها نفست فأمرها النبي (صلى الله عليه وآله) أن تعتمر بعده (4).
وجرد أبو بكر وعمر وعثمان وكذلك معاوية بعد النبي (صلى الله عليه وآله). اي أفردوا الحج (5).

(1) صحيح البخاري كتاب التمني 4 / 166.
(2) فتح الباري 17 / 108 وصحيح مسلم ص 883 باب وجوه الإحرام الحديث 141 وسنن أبي
داود باب افراد الحج وابن ماجة باب التمتع بالعمرة والبيهقي 4 / 338 و 5 / 19 وزاد المعاد
3 / 246 ومسند أحمد 3 / 356 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 207.
(3) البخاري 2 / 52 كتاب الشركة باب الاشتراك في الهدي وسنن ابن ماجة 1 / 992 الحديث
298.
(4) مسند أحمد 4 / 268، سنن ابن ماجة 993 وزاد المعاد 1 / 247.
(5) سنن البيهقي 5 / 5 وتاريخ ابن كثير 5 / 123.
162

سبب نهي عمر
1 - عن الأسود بن يزيد قال: بينما أنا واقف مع عمر بعرفة عشية عرفة فإذا هو
برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أمحرم أنت؟ قال: نعم، فقال
عمر: ما هيئتك بهيئة محرم، إنما المحرم الأشعث الأغبر، قال: إني قدمت متمتعا
وكان معي أهلي وإنما أحرمت اليوم، فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الأيام
فاني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا (1).
قال ابن القيم: وهذا يبين أن هذا من عمر رأي رآه،
قال ابن حزم: وكان ماذا وحبذا ذلك وقد طاف النبي (صلى الله عليه وآله) على نسائه ثم أصبح
محرما.
وفي رواية مسلم و (مسند الطيالسي) و (مسند أحمد) و (سنن النسائي) والبيهقي
وابن ماجة و " كنز العمال " قال عمر: قد علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله وأصحابه ولكن
كرهت أن يظلوا بهن معرسين في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (2).
2 - يقول عمر: إن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرأ
عليهم (3) وعندما اعترض عليه الإمام علي (عليه السلام) قال عمر: ولكني أردت كثرة زيارة
البيت (4).
3 - عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: والله إني لأنها كم عن المتعة وإنها لفي

(1) أخرجه أبو حنيفة كما في زاد المعاد لابن القيم 1 / 220.
(2) صحيح مسلم الحديث 157: 896 ومسند الطيالسي الحديث 516 ج 2 / 70 ومسند أحمد
1 / 49 و 50 وسنن النسائي كتاب الحج باب التمتع 2 / 16 وسنن البيهقي 5 / 20 وابن ماجة
الحديث 2979 ص 692 وكنز العمال 5 / 86 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 215.
(3) كنز العمال 5 / 86 وحلية الأولياء 5 / 205.
(4) سنن البيهقي 5 / 21 تاريخ ابن كثير 5 / 122 قال ابن كثير اسناده جيد ولم يخرجوه.
163

كتاب الله ولقد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعني العمرة في الحج (1).
وكان (اي عمر) يضرب الناس عليها (2).
وقد كان الصحابة يهابونه كثيرا فلا يتجاسرون على مخالفته (3).
وكان ابنه عبد الله يخالفه، فيقال له: إن أباك كان ينهى عنها، فيقول: خشيت أن
يقع عليكم حجارة من السماء! قد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أفسنة رسول تتبع أم سنة
عمر بن الخطاب؟ (4).

(1) أخرجه النسائي في سننه 5 / 153 وتاريخ ابن كثير ولفظه (وقد فعله النبي) 5 / 122 قال ابن
كثير: اسناده جيد ولم يخرجوه نقلا عن معالم المدرستين 2 / 214.
(2) نقله النووي في شرح صحيح مسلم 1 / 170 عن القاضي عياض.
(3) تاريخ ابن كثير 5 / 141.
(4) المصدر السابق.
164

مناقشة أقوال عمر بن الخطاب
المناقشة الأولى:
يدافع الفخر الرازي في تفسيره الكبير عن قول عمر (المذكور في ص 39) بهذه
الصورة: فلم يبق إلا أن يقال: كان مراده أن المتعة كانت مباحة في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)
وأنا أنهى لما ثبت عندي أنه (صلى الله عليه وآله) نسخها. ويعتبر سكوت الصحابة دليلا على علمهم
بالحرمة وإلا لزم تكفيرهم وتكفير عمر.
الجواب:
أولا: إن الصحابة كانوا عالمين بحلية المتعة وعدم نسخها في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله).
كما ذكرنا.
ثانيا: نحن نعلم أن بعض الصحابة استنكروا تحريم الخليفة حضورا أو غيابا في
عهده أو بعده حتى ولو سكتوا في مجلسه، أو أنهم اعترضوا ولكن لم يبلغنا ذلك.
المعترضون على حكم الخليفة من الصحابة
الف - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
1 - قال علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لعمر (رض): أنهيت عن المتعة؟ قال: لا ولكني
أردت كثرة زيارة البيت، قال: فقال علي (رض): من أفرد الحج فحسن ومن تمتع
فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) (1).

(1) سنن البيهقي 5 / 21 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 215.
165

أقول: يظهر من هذه الرواية أن عليا (عليه السلام) اعترض على نهي عمر عن المتعة، ولما
سمع توجيهه غير الشرعي قال: من أفرد الحج فحسن. وأعتقد أن هذه الجملة
موضوعة، بدليل قوله (عليه السلام): ومن تمتع اخذ بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ولا شك أن عليا
لم يكن ليرضى بحكم مخالف لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فكأن الراوي أراد أن يقول:
إنه لا إشكال في كلام عمر، لأنه إن لم يكن موافقا لكتاب الله وسنة نبيه فهو غير
مخالف لهما، أو إن هذا النوع من المخالفة للشرع ليس أمرا مهما بدليل قبول علي
لها! إذ كيف يمكن ان يكون الأخذ بغير كتاب الله وسنة نبيه أمرا حسنا؟!.
وقد اعترض علي (عليه السلام) على عثمان الذي حذا حذو عمر في تحريمه لمتعة الحج:
ففي مسند أحمد (1) عن عبد الله بن الزبير قال: والله إنا لمع عثمان بن عفان
بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان،
وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج: إن أتم للحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج،
فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فإن الله تعالى قد
وسع الخير.
وعلي بن أبي طالب في بطن الوادي يعلف بعيرا له، فقال: فبلغه الذي قال عثمان،
فأقبل حتى وقف على عثمان فقال: أعمدت إلى سنة سنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورخصة
رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه تضيق عليهم فيها وتنهى عنها وقد كانت لذي
الحاجة ولنائي الدار؟! ثم أهل بحجة وعمرة معا. فأقبل عثمان على الناس فقال:
وهل نهيت عنها؟! إني لم أنه عنها إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء
تركه.
وفي موطأ مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد.... حتى دخل (اي

(1) مسند أحمد 1 / 92 حديث 707 وذخائر المواريث 416 نقلا عن معالم المدرستين
2 / 216.
166

علي) على عثمان بن عفان فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال
عثمان ذلك رأيي، فخرج علي مغضبا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة
معا (1).
وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند أحمد.... فقال علي: ألم أخبر
أنك تنهى عن التمتع؟ قال: بلى، قال له (اي عثمان) علي: فلم تسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تمتع؟ قال: بلى (2).
وفي (صحيح مسلم) و (مسند أحمد) و (سنن البيهقي) وغيرها واللفظ للأول،
عن شعبة عن قتادة عن عبد الله بن شقيق، قال: كان عثمان ينهى عن المتعة وكان
علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أجل، ولكنا كنا خائفين!
وفي رواية بمسند أحمد: فقال عثمان لعلي إنك كذا وكذا. وفي رواية أخرى:
فقال عثمان لعلي قولا (3). وفي آخر الرواية: قال شعبة فقلت لقتادة: ما كان خوفهم؟
قال: لا أدري (4).

(1) موطأ مالك، الحديث 40 من باب القرآن في الحج: 336 وابن كثير 5 / 129.
(2) سنن النسائي 2 / 15 كتاب الحج باب التمتع، ومسند أحمد 1 / 57 الحديث 402 ومستدرك
الصحيحين 1 / 472 وتاريخ ابن كثير 5 / 126 و 129.
(3) هذا هو الأسلوب المتبع لإخفاء الحقائق.
(4) صحيح مسلم الحديث 158 باب جواز التمتع من كتاب الحج ومسند أحمد 1 / 97 الحديث
756 والرواية الثانية في: 60 الحديث 431 ونظيره الحديث 432 بعده، وسنن البيهقي 5 / 22
والمنتقى الحديث 2382 وراجع كنز العمال الطبعة الأولى 3 / 33 وشرح معاني الأخبار كتاب
مناسك الحج: 380 و 381 وفي تاريخ ابن كثير 5 / 127 بايجاز وقال في 129 منه بعد ايراد
الحديث: فهذا اعتراف من عثمان (رض) بما رواه علي. ومعلوم ان عليا (رض) أحرم في حجة
الوداع باحلال النبي. نقلا عن معالم المدرستين 2 / 218.
167

قال ابن كثير: ولست أدري على م يحمل هذا الخوف، من أي جهة كان؟ (1).
وعن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان وكان عثمان ينهى عن
المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه؟ فقال عثمان:
دعنا منك! قال: لا أستطيع أن أدعك مني، فلما رأى علي ذلك أهل بهما جميعا (2).
وعن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهى عن المتعة وأن
يجمع بينهما، فلما رأى علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة معا، قال: ما كنت لأدع
سنة النبي (صلى الله عليه وآله) لقول أحد.
وفي لفظ النسائي.... فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال علي: لم أكن
لأدع سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحد من الناس. وفي أخرى: لقولك.
قال ابن القيم بعد إيراد الأحاديث الآنفة: فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعا
عندهم، وأن هذا هو الذي فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد وافقه عثمان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فعل ذلك لما قال له: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنهى عنه. لم يقل له. لم
يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولولا أنه واقفه على ذلك لأنكره، ثم قصد علي موافقة النبي (صلى الله عليه وآله)
والاقتداء به في ذلك وبيان أن فعله لم ينسخ فأهل بهما جميعا تقريرا للاقتداء به و
متابعة للقرآن والسنة نهى عثمان متأولا. انتهى (3).
وعلى الرغم من تشدد عثمان أنه فلقد كان علي (عليه السلام) يجاهر بمخالفته، وذلك من

(1) تاريخ ابن كثير 5 / 137.
(2) صحيح مسلم: 897، صحيح البخاري 1 / 190 باب التمتع والإقران ومسند الطيالسي 1 / 16
ومسند أحمد الحديث 1146 وسنن البيهقي 5 / 22 ومنحة المعبود 1 / 210 باب ما جاء في
القرآن الحديث 1005 وراجع شرح معاني الآثار 1 / 371 وزاد المعاد 1 / 218 فصل في حجة بين
الحج والعمرة وص: 220 ابن كثير 5 / 129.
(3) زاد المعاد 1 / 218.
168

أجل الدفاع عن كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وبلغ من تشدد عثمان أنه ضرب وحلق من
فعل ذلك. فقد روى ابن حزم: أن عثمان سمع رجلا يهل بعمرة وحج فقال: علي
بالمهل فضربه وحلقه (1).
2 - قول علي المشهور: لولا ما سبق من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما
زنى إلا شقي (راجع ص 92)
هذا الكلام منه (عليه السلام) هو بالواقع اعتراض واستنكار للخليفة الناهي عن المتعة،
والذي لو لم يكن نهيه عنها لما زنى إلا القليل من الناس الذين بلغوا الغاية القصوى
من الشقاء، ونهيه عنها أوجب فسح المجال للزنى، وبذلك يتحمل أعباء هذا النهي.
ومن هنا نعلم أن المتعة رحمة إلهية تمنع من ارتكاب الفحشاء كما أنها من الطيبات
التي بمنعها ترتكب الخبائث، ورحمة الله هي التي حللت الطيبات لعباده و....
ب - أبي بن كعب: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 5 / 143 وذكره الهيثمي في
(مجمع الزوائد 3 / 246) نقلا عن أحمد وقال: رجاله رجال الصحيح، والسيوطي في
" جمع الجوامع " كما في ترتيبه 3 / 33 نقلا عن أحمد وفي الدر المنثور 1 / 216 نقلا
عن (مسند ابن راهويه) وأحمد ولفظه: إن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة
الحج فقام إليه أبي بن كعب فقال: ليس ذلك لك قد نزل بها كتاب الله واعتمرنا مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل عمر. وفي (زاد المعاد 1 / 220): وقد تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فلم ينه عنها ولم ينزل الله تعالى فيها نهيا (2).
ج - سعد بن مالك: عن محمد بن عبد الله نوفل قال: سمعت عام حج معاوية
يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: حسنة جميلة، فقال:
قد كان عمر ينهى عنها، فأنت خير من عمر؟ قال: عمر خير مني وقد فعل ذلك

(1) المحلى لابن حزم 7 / 107.
(2) نقلا عن الغدير 6 / 203.
169

النبي (صلى الله عليه وآله) وهو خير من عمر (1).
د - سعد بن أبي وقاص. عن محمد بن عبد الله: إنه سمع سعد بن أبي وقاص
والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى
الحج، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله تعالى. فقال سعد: بئسما
قلت يا ابن أخي. قال الضحاك. فان عمر بن الخطاب نهى عن ذلك. قال سعد: قد
صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنعناها معه (2).
ه‍ - عبد الله بن عمر بن الخطاب. عن سالم قال: إني لجالس مع ابن عمر في
المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن
عمر: حسن جميل، قال: فان أباك كان ينهى عنها. فقال: ويلك إفان كان أبي ينهى
عنها وقد فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر به، أفبقول أبي أأخذ أم بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قم
عني (3).
وفي (صحيح الترمذي) و (زاد المعاد): أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أأمر أبي تتبع أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال الرجل: بل أمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله). فقال (اي عبد الله بن عمر): لقد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
و - عمران بن سوادة: أخرج الطبري في تاريخه 5 / 32 عن عمران بن سوادة
قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثم انصرف وقمت معه فقال:

(1) سنن الدارمي 2 / 35.
(2) الموطأ لمالك 1 / 148 كتاب الأم للشافعي 7 / 199 سنن النسائي 5 / 52، صحيح الترمذي
1 / 157 فقال: هذا حديث صحيح. أحكام القرآن للجصاص 1 / 335، سنن البيهقي 5 / 17 تفسير
القرطبي 2 / 365 وقال هذا حديث صحيح، زاد المعاد لابن القيم 1 / 84 وذكر تصحيح الترمذي له،
وغيرها نقلا عن الغدير 6 / 201.
(3) تفسير القرطبي 2 / 365 نقلا عن الدارقطني.
(4) صحيح الترمذي 1 / 157، زاد المعاد 1 / 194 وفي هامش شرح المواهب للزرقاني 2 / 252.
170

أحاجة؟ قلت حاجة، قال: فالحق. قال: فلحقت فلما دخل أذن لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا
هو على سرير ليس فوقه شئ فقلت: نصيحة. فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا.
قلت: عابت أمتك أربعا. قال: فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه
ثم قال: هات.
قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا
أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال.
قال: هي حلال، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم، فكانت
قائبة (1) قوب عامها، فقرع حجهم، وهو بهاء: من بهاء الله وقد أصبت.
قلت: وذكروا إنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة
ونفارق عن ثلاث.
قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ثم لم
أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق
عن ثلاث بطلاق وقد أصبت.
قلت: وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها قال: ألحقت حرمة
بحرمة وما أردت الا الخير واستغفر الله.
قلت: وتشكو منك نهر الرعية وعنف السياق قال: فشرع الدرة ثم مسحها على
آخرها ثم قال:
أنا زميل محمد - وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر - فوالله إني لأرتع فأشبع،

(1) القائبة: البيضة التي تنفلق عن فرخها، والفرخ: القوب. ضرب هذا مثلا لخلو مكة من
المعتمرين في باقي السنة، وفرع حجهم اي خلت أيام الحج من الناس.
171

وأسقي فأروي. وأنهز (1) اللفوت وأزجر العروض (2) وأذب قدري وأسوق خطوى
وأضم العنود (3) وألحق القطوف (4) وأكثر الزجر وأقل الضرب وأشهر العصا وأدفع
باليد، لولا ذلك لأعذرت.
قال: فبلغ ذلك معاوية فقال: كان والله عالما برعيتهم (5).
أقول: يظهر من هذه الرواية ما يلي:
1 - ان المسلمين عابوا على عمر هذه الموارد الأربعة (وسنشرح المورد الرابع
قريبا انشاء الله) اي أنهم لم يكونوا راضين من تصرفاته وأوامره ونواهيه، وأنها
خلاف كتاب الله وسنة نبيه.
2 - جواب الخليفة في قوله: لو أنهم اعتمروا... مناقض تماما لقوله: فكانت قائبة
قوب عامها. لأن المعتمر في أشهر الحج يبقى في مكة بعد أعمال العمرة ويحل من
إحرامه ثم يحرم مرة ثانية للحج ولا يأتي البيت مرتين، كما أن الخليفة ذكر سبب
فتواه في موضع آخر (كما ذكرنا) وقال: ولكني أردت كثرة زيارة البيت. وقال في
موضع آخر: إن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم
وهو تراجع عن الفتوى.
3 - قول عمر: ولو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية عن حجهم. ولينه
في التراجع عن فتواه مخالف لتحريمه المصحوب بالغلظة والشدة وتصريحه
بمخالفة الله ورسوله.

(1) النهز: الضرب والدفع: واللفوت: الناقة الضجور عند الحلب.
(2) العروض: الناقة تأخذ يمينا وشمالا ولا تلزم المحجة.
(3) العنود: المائل عند القصد.
(4) القطوف: من الدواب التي تسئ السير.
(5) ذكره ابن أبي الحديد في شرحه 3 / 28 نقلا عن ابن قتيبة والطبري. نقلا عن الغدير 6 / 212.
172

4 - قول الخليفة: إن رسول الله أحلها في زمان ضرورة... فان الأخبار الواردة
بتحليلها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقول الصحابة الكرام ليس فيها قيد الضرورة. مضافا إلى
ذلك فان الضرورة لا تخص زمانا دون زمان، ثم كان اللازم على الخليفة ان يذكر
هذا القيد عند تحريمه إياها.
5 - وقوله فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق. فان كان ذلك عن
تراض فهو نكاح المتعة ولا إشكال فيه سوى التضييق، إذا كان بتبييت نية من الزوج
وإخفائها عن الزوجة فهو غدر بها بعد الوفاق على الدائم (عرفا) ولماذا الالزام بهذا
شرعا ولا ملزم بهذا خلاف ما شرع الله ورسوله.
7 - لقد ثبت في هذه الرواية أن كل ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) بتحريم المتعة والذي
ملأ كتب الصحاح وغيرها وضع بعد عمر، ولا أساس له من الصحة، ولذلك يجب
على العلماء ان يجددوا النظر في الإعتقاد بصحة ما يروى في هذه الكتب أو
غربلتها.
ز - عبد الله بن عباس. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال عروة: نهى أبو بكر عن المتعة. فقال ابن عباس: ما يقول عرية؟ قال:
يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون. أقول: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولون: قال أبو بكر وعمر (1). وفي قول آخر لابن عباس: يوشك
أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقولون قال أبو بكر
وعمر (2).

(1) مسند أحمد 1 / 337، كتاب مختصر العلم لأبي عمر: 226، تذكرة الحفاظ للذهبي 5 / 53، زاد
المعاد لابن القيم 1 / 219.
(2) زاد المعاد 1 / 215 وهامش شرح المواهب 2 / 328.
173

وعن أبي جمرة نصر بن عمران (1): قال: سألت ابن عباس (رض) عن المتعة
فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها - في المتعة - جزور أو بقرة أو شاة أو
شرك في دم. قال: وكأن ناسا كرهوها، فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي
حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس " رضي الله عنهما " فحدثته فقال: الله أكبر
سنة أبي القاسم (صلى الله عليه وآله). وقال القسطلاني في إرشاد الساري 3 / 204 (وكأن ناسا
كرهوها) يعني كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل الخلاف في
ذلك.
وفي الصفحات السابقة ذكرت بعض الروايات عن ابن عباس ولا داعي
لتكرارها.
قال العيني في (عمدة القارئ 4 / 562): فان قلت: قد نهى عنها (اي متعة الحج)
عمر وعثمان ومعاوية، قلت: قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم في فعلها
والحق مع المنكرين عليهم دونهم.
ملاحظة: بما أن نهي عمر عن المتعتين كان بلفظ واحد ولذلك استندت في
المناقشة إلى كلتيهما.
هذا بعض ما ورد من اعتراض الصحابة على نهي الخليفة ولا فرق في ذلك
حضورا أو غيابا، كما أن اعتراض صحابي واحد يكفي عن اعتراض بقية الصحابة،
لأنه بمثابة اعتراض كل صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وربما كانت الاعتراضات أكثر مما هو
مذكور في الكتب، ولكن المؤرخين اكتفوا بذكر جماعة منهم، بدليل رواية أكثر من
عشرين صحابي بأن آيتي متعة الحج ومتعة النساء محكمة وغير منسوخة، وأنهم
عملوا بها أيام حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، خلافا لما يقوله الرازي في تفسيره، بل وإن

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 3 / 114 كتاب الحج باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، وذكره
السيوطي في الدر المنشور 1 / 217 نقلا عن البخاري ومسلم، نقلا عن الغدير 6 / 203 و 204.
174

الصحابة لم يسكتوا عن نهيه وأنكروا عليه ذلك، ولكن أذني الرازي لم يصلهما
الإنكار، وسيأتي سبب سكوت البعض منهم.
ثالثا: إن لسكوت الصحابة عللا وأسبابا، إليك بعضها:
الف - فظاظة عمر بن الخطاب وخشونته في التعامل، كما في الروايات
والنصوص الآتية:
1 - رواية عمران بن سوادة (راجع ص 169) حيث يقول لعمر: وتشكو منك نهر
الرعية وعنف السياق. قال: فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها، ثم قال:
أنا زميل محمد....
أقول: قوله: أنا زميل محمد: حاشا لرسول الله ان يكون كذلك فقد قال الله العظيم
في حقه: " وإنك لعلى خلق عظيم ".
2 - يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته المعروفة بالشقشقية: فصيرها في حوزة
خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها
كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط
وشماس وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة (1).
3 - قيل لابن عمر: إن ابن عباس يرخص في متعة النساء. قال: ما أظن ابن
عباس يقول هذا، قالوا والله إنه ليقوله. قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر
وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا (2) وفي رواية أخرى، فقال (اي عبد الله بن
عمر): هلا تزمزم بها في زمان عمر (3). وفي رواية أخرى أيضا: أما أن عمر لو أخذ

(1) شرح نهج البلاغة للإمام محمد عبده: 33.
(2) مصنف عبد الرزاق 7 / 502.
(3) مصنف ابن أبي شيبة 4 / 293 والدرر المنثور 2 / 140.
175

فيها أحدا لرجمه بالحجارة (1).
4 - عن مطرف قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال:
إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فان عشت فاكتم علي وإن
مت فحدث بها إن شئت، إنه قد سلم علي، واعلم أن نبي الله قد جمع بين حج
وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله (صلى الله عليه وآله) قال رجل فيها برأيه ما
شاء (2).
وفي رواية: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنها حتى مات
ولم ينزل فيه قرآن يحرمه (3).
وفي لفظ مسلم الآخر ارتأى رجل برأيه ما شاء، يعني عمر (4).
5 - تهديده بالعقاب والرجم على العاملين بالمتعتين. (وسيأتي الحديث مفصلا
عن هذا الموضوع).
ب - السبب الآخر لسكوت الصحابة هو أن الخليفة نسب التحريم إلى نفسه،
والا لو كان ثمة ناسخ يدعيه من كتاب الله وسنة نبيه وكان الصحابة يرون عدم صحة
ذلك النسخ أو الحرمة لوقفوا معترضين، ولشهدوا بحليتها من الكتاب والسنة (مثل
ادعائه لآية الرجم التي لم يقبلها المسلمون لأنه كان وحده) (5) وربما فهم بعض
الصحابة من تهديد الخليفة مثل ما فهمه الرازي من جواز التهديد والزجر والسياسة

(1) البيهقي 7 / 206.
(2) صحيح مسلم 1 / 474، مسند أحمد 4 / 428، سنن النسائي 5 / 149.
(3) سنن الدارمي 2 / 35 وصحيح مسلم 1 / 474.
(4) صحيح مسلم 1 / 474 مسند أحمد 4 / 434 وسنن ابن ماجة 2 / 229 والسنن الكبرى
4 / 344 وفتح الباري 3 / 338 نقلا عن الغدير 6 / 200 و 201.
(5) الإتقان 1 / 101.
176

للإمام عند المصلحة. ولكن مع هذا فقد اعترض البعض من الصحابة مشافهة وغيابا
كما ذكرنا.
ج - إن كان تهديد الخليفة لمصلحة (كما يجوزه الرازي وغيره) فان سكوت
المسلمين أيضا يمكن ان يكون لمصلحة أو مصالح. وتوضيح ذلك: إن أكثر الصحابة
في زمان عمر كانوا مشغولين في الجهاد ومعارك الفتوحات في جبهتي الحرب مع
الفرس والروم، ولم يبق في المدينة من الرجال إلا من سقط عنه تكليف القتال أو
منعه الخليفة من مغادرة المدينة لمصلحة رآها، مثل بني هاشم، أو حاشيته التي
يعتمد عليهم في إدارة شؤون المسلمين مثل كعب الأحبار وغيره، كما أن زعزعة
الاستقرار في عاصمة المسلمين تؤدي بلا شك إلى انهيار قوتهم وضعف معنوياتهم،
وبالتالي تصبح المدينة وهي عاصمة الإسلام تهددها الأخطار من كل مكان، ولذلك
يقول الإمام علي (عليه السلام) في خطبته: فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى... (1) كذلك فانا
نرى أن عمران بن سوادة لا يعترض على الخليفة أمام المصلين، على الرغم من أن
نهيه عن المتعتين لم يكن خفيا عليهم، بل يجلس معه سرا ثم ينقل جوابه إلى
الناس، وكذلك سائر الصحابة على هذا المنوال.
د - علل أخرى: إن فرضنا أن الصحابة سكتوا لعلمهم بأن متعة النساء (إحدى
المتعتين) صارت منسوخة (كما يدعي الرازي) لكن أو لم يكن المسلمون يعلمون
بأن الرجم من حدود الله ولا يشترعه الا نبي، ورجم من لا يستحق الرجم مخالف
للشريعة؟ ولو سلمنا أن مثل هذه السياسة جائزة للإمام عند المصلحة! (كما يقول
الرازي) الا أنه يبرر عمل الخليفة ولا الصحابة، لأن كلام الخليفة مخالف للشرع
وعدم الإنكار عليه يؤدي إلى كفر الصحابة، فكان اللازم أن ينكروا عليه، أو يسألوه
عن تشريعه لحكم مخالف لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وهو بدوره يوضح المصلحة

(1) شرح نهج البلاغة للإمام محمد عبده: 31.
177

لهم، ولكن كل هذا لم يقع.
وكان من الأفضل ان يقول الرازي بأن الخليفة منع ونهى عن المتعتين لمصلحة
رآها، كما نهى عن جملة حي على خير العمل في الأذان و.... لنفس السبب،
وسكت المسلمون لإطلاعهم على ما يراه الخليفة من مصالح كسكوتهم في موارد
أخرى! أو أنهم سكتوا لمصالح هم أعرف بها من غيرهم، أو تكلموا وأنكروا ولكن
لم يبلغنا الا استنكار البعض منهم. الا اننا نعلم بأن سكوت البعض منهم لم يكن
لتأييد نهي عمر، لأنهم اعترضوا بعد ذلك حضورا وغيابا.
ه‍ - الغيرة على الأعراض والنواميس: هنا سؤال يطرح نفسه وهو: لماذا خولف
الخليفة في حقل متعة الحج بأكثر من متعة النساء؟ وذلك بواسطة الصحابة والتابعين
(وأكثر علماء السنة يقولون في متعة الحج بخلاف ما قاله الخليفة). مع أن تحريمه
للمتعتين كان بلفظ واحد؟
أعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى أن الكلام عن متعة النساء ونكاحهن إلى أجل
ثقيل على الألسن، خصوصا إذا أسئ استعماله، وعرف الاستمتاع عند الناس
بمعنى الاستلذاذ والجماع، والعرب تستقبح تعاطي لفظ الجماع في كلامها المتداول،
بل تستفيد من كلمات هي بالواقع كناية مثل النكاح والوطئ وأمثالهما.
ولذلك يقول الراغب: أنه محال أن يكون (لفظ النكاح) في الأصل للجماع... لأن
أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم تعاطيه (1).
وينقل صاحب الجواهر (قدس سره) عن بعض العلماء قولهم (2): حتى قيل أنه لم يرد لفظ
النكاح في الكتاب العزيز بمعنى الوطئ (اي الجماع) الا في قوله تعالى: " حتى

(1) الجواهر 29 / 5 و 6.
(2) الجواهر 29 / 5 و 6.
178

تنكح زوجا غيره " (1) بل وأحيانا يستفيد القرآن العزيز من كلمات أكثر متانة وارفع
أدبا مثل قوله تعلى: " أو لامستم النساء " (2) أو قوله تعالى: " أحل لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم " (3) و... خصوصا مما يرتبط بالأعراض والنواميس فان
أصحاب الشيمة والعربية والغيرة الإسلامية تتأبى من ذكر نواميسها على الألسن،
والخصم عند مناقشة موضوع المتعة يستفيد من كلمات لاذعة وتعابير نابية تقشعر
منها الجلود، ويحتسب القائل بجواز المتعة كعارض بناته وأخواته إلى الآخرين
لغرض الاستمتاع بهن. كقول عبد الله بن عمير الليثي لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): أيسرك
أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك؟ فأعرض عنه الباقر (عليه السلام) حين
ذكر نساءه (راجع ص 28).
أو قول أبي حنيفة لأبي جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق: فما يمنعك أن
تأمر نساءك يستمتعن ويكسبن عليك؟ (4). وأيضا راجع (ص 120) وما قيل من
الشعر في فتوى ابن عباس، حبر الأمة، وراجع أيضا (عنوان تقويم وتحليل في
ص 103) فإنك تجد الإعلام المكثف من قبل المهرجين والمشينين لسمعة المتعة
إلى حد دعا المجوزين بعدم التطرق إلى ذكرها، أو الاعتراض على الخليفة عمر (5)،
أو أن بعض المؤرخين أو الرواة استبدلوا كلمة النساء بالحج في المتعة أو ذكروا
المتعة من دون قيد وذلك للحفاظ على كرامة من يتولونهم. وإني لا أرى اي فرق في
ذكر المتعة وحدها أو بالإضافة إلى النساء أو الحج فإنها تعتبر مخالفة لحكم الله
ومقابلة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

(1) البقرة: 230.
(2) النساء: 43 والمائدة: 6.
(3) البقرة: 187.
(4) تفسير الصافي 1 / 347.
(5) وذلك من قبل الصحابة.
179

اذن فان سكوت الصحابة لا يدل على أنهم تلقوا النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو أنهم
راضون بكلام الخليفة. وإذا جعل الرازي سكوت الصحابة وعدم انكارهم عليه
شاهدا على أن عمر تلقى النسخ من الرسول (صلى الله عليه وآله) فلماذا لا يجعل إصرار كبار
الصحابة على مخالفته، واستمرارهم حتى بعد تحريمه على الفتوى بحلية المتعة من
أعظم النكير عليه؟ وإذا كانوا غير منكرين عليه، اذن فما معنى نقمهم وغضبهم من
تحريمه لها؟
ولو قبلنا توجيه الرازي لكلام عمر وهو: أنه نهى عنها لما ثبت أنه (صلى الله عليه وآله) نسخها،
فماذا يقول الرازي في متعة الحج وأكثر أهل السنة يعتمرون عمرة التمتع في أشهر
الحج، ويخالفون عمر في نهيه إياها؟
فقد قال العيني في (عمدة القاري 4 / 562): فان قلت: روي عن أبي ذر أنه قال:
كانت متعة الحج لأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة، في (صحيح مسلم). قلت: قالوا: هذا
قول صحابي يخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه. أما الكتاب
فقوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ". وهذا عام، وأجمع المسلمون على إباحة
التمتع في جميع الأعصار وإنما اختلفوا في فضله، وأما السنة فحديث سراقة: المتعة
لنا خاصة أو هي للأبد؟ قال: بل هي للأبد، وحديث جابر المذكور في (صحيح
مسلم) في صفة الحج نحو هذا، ومعناه أن أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع ولا
يرون العمرة في أشهر الحج الا فجورا فبين النبي (صلى الله عليه وآله) إن الله قد شرع العمرة في
أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة، رواه سعيد بن منصور من قول طاووس
وزاد فيه: فلما كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج فدخلت العمرة في
أشهر الحج إلى يوم القيامة. وقد خالف أبا ذر علي وسعد وابن عباس وابن عمر
وعمران بن حصين وسائر الصحابة وسائر المسلمين، قال عمران: تمتعنا مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ونزل فيه القرآن فلم ينهنا عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينسخها شئ فقال فيها
رجل برأيه ما شاء، متفق عليه. وقال سعد بن أبي وقاص: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
180

(يعني المتعة) وهذا (يعني الذي نهى عنها) يومئذ كافر، بالعرش (يعني بيوت مكة)
كذا رواه مسلم. إنتهى. يعني به معاوية بن أبي سفيان كما في (صحيح مسلم).
فرأي الخليفة وأمره بالعمرة في غير أشهر الحج عود إلى الرأي الجاهلي قصده
أو لم يقصد، فان أهل الجاهلية كما سمعت كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج.
قال ابن عباس: والله ما أعمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائشة في ذي الحجة الا ليقطع بذلك
أمر أهل الشرك.
وقال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض (1).
أقول: كيف حاول مسلم تغيير كلمة العرش إلى العرش (بضمتين) وذلك لأجل
تخفيف الوطأة على معاوية وكلمة كافر خير قرينة على مقصود سعد بن أبي وقاص
من أنه لم يكن أنذاك مسلما.
وأجاب العيني في " عمده القاري " عما رواه أبو داود في سننه (2) عن سعيد بن
المسيب: أن رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة إلى الحج. قال العيني:
أجيب عن هذا بأنه حالة مخالفة للكتاب والسنة والإجماع كحديث أبي ذر بل هو
أدنى حالا منه، فإن في إسناده مقالا (3).
وأجاب عنه الزرقاني: بأن إسناده ضعيف ومنقطع كما بينه الحفاظ (4).

(1) صحيح البخاري 3 / 96 ومسلم 1 / 355 وسنن البيهقي 4 / 345 وسنن النسائي 5 / 180 نقلا
عن الغدير 6 / 217.
(2) سنن أبي داود 1 / 283.
(3) عمدة القاري 4 / 562.
(4) شرح الموطأ 2 / 180.
181

ويقول ابن القيم ردا على ما أخرجه أبو داود في سننه (1): إن معاوية بن أبي
سفيان قال لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله): هل تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن صفف
النمور؟ قالوا: اللهم نعم. قال: وأنا أشهد. قال: أتعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس
الذهب الا مقطعا؟ قالوا: اللهم نعم! قال: أتعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يقرن بين الحج
والعمرة؟ قالوا: اللهم لا. قال: والله إنها لمعهن، وفي رواية: ولكنكم نسيتم. قال ابن
القيم: ونحن نشهد بالله أن هذا وهم من معاوية أو كذب عليه فلم ينه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن ذلك قط (2).
والطريف أن معاوية يروي رواية أخرى يناقض فيها نفسه: فعن ابن عباس قال:
قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند المروة بمشقص،
فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك:
قال ابن القيم: وهذا مما أنكره الناس عليه (3). المشقص: نصل عريض يرمى به
الوحش.
أقول: يظهر من رواية مسلم عن سعد بن أبي وقاص وهاتين الروايتين ما يلي:
1 - أن معاوية كان ينهى عن متعة الحج كأسلافه عثمان وعمر.
2 - ان معاوية وضع هذا الحديث بنفسه وذلك تأييدا لمرامه وهو المنع من عمرة
التمتع في أشهر الحج وأن بعض الروايات التي رويت في هذا الصدد وضعت في
عهده تأييدا لرأي السلطة التي كان زعيمها لا يتأبى عن وضع الحديث.

(1) باب افراد الحج: 157.
(2) زاد المعاد 1 / 229 وسنن البيهقي 5 / 20 ومجمع الزوائد 3 / 236 باختصار وتاريخ ابن كثير
5 / 140 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 222.
(3) البخاري 1 / 207 ومسلم 209 باب التقصير في العمرة وسنن أبي داود 2 / 159 ح 1802 و
1803 من كتاب المناسك ومسند أحمد 4 / 96 - 98 والمنتقى 2 / 270 ح 2579، 2580.
182

3 - أراد معاوية ان يقول بأنه أعلم بأحكام الإسلام من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله).
4 - حاول معاوية (في الرواية الثانية) أن يتظاهر بمظهر الإنسان القريب من
النبي (صلى الله عليه وآله) ليتبجح ولكنه نسي أن كلامه مناقض تماما لما رواه وهو بنفسه من نهي
النبي (صلى الله عليه وآله) عن الجمع بين الحج والعمرة.
قال العيني في عمدة القاري، فان قلت: قد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية،
قلت: قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم في فعلها، والحق مع المنكرين
عليهم دونهم (1).
ويقول ابن القيم (2) ردا على ما نسب لعثمان والصحابي العظيم أبي ذر الغفاري:
إن تلكم الآثار الدالة على الإختصاص بالصحابة بين باطل لا يصح عمن نسب إليه
البتة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص المشرع المعصوم،
ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال: متعتنا هذه يا رسول الله
لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: لا بل لأبد - لأبد الأبد (3).
وقال أيضا (4) في رد ما نقل من حديث بلال: وإن هذا الحديث لا يصح أن
النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر عن المتعة أنها للأبد، فنحن نشهد بالله أن حديث بلال هذا لا يصح
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو غلط عليه، وكيف تقدمت رواية بلال على رواية الثقات
الأثبات.

(1) 4 / 562.
(2) زاد المعاد 1 / 213.
(3) صحيح البخاري 3 / 148 كتاب الحج عمرة التنعيم وصحيح مسلم 1 / 346، كتاب الآثار
للقاضي أبي يوسف 126، سنن ابن ماجة 2 / 230، مسند أحمد 3 / 388 وج 4 / 175، سنن أبي
داود 2 / 282، صحيح النسائي 5 / 178، سنن البيهقي 5 / 19 نقلا عن كتاب الغدير 6 / 214.
(4) زاد المعاد 1 / 215.
183

إلى أن قال: قال المجوزون للفسخ: هذا قول فاسد لا شك فيه، بل هذا رأي لا
شك فيه، وقد صرح بأنه رأي من هو أعظم من عثمان وأبي ذر وعمران بن حصين،
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل القرآن فقال رجل
برأيه ما شاء، ولفظ مسلم: نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل، يعني متعة الحج
وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حتى مات قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ: يريد عمر. وقال عبد الله بن عمر لمن
سأله عنها وقال إن أباك نهى عنها: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن يتبع أو أبي؟ وقال ابن
عباس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من
السماء أقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقولون: قال أبو بكر وعمر. فهذا جواب العلماء لا
جواب من يقول: عثمان وأبو ذر أعلم برسول الله منكم، وهلا قال ابن عباس وعبد
الله بن عمر: أبو بكر وعمر أعلم برسول الله (صلى الله عليه وآله) منا؟ ولم يكن أحد من الصحابة ولا
أحد من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم كانوا
أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم.
ثم ثبت النص عن المعصوم بأنها باقية إلى يوم القيامة، وقد قال ببقائها علي بن
أبي طالب " رضي الله عنه " وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن عباس، وأبو
موسى، وسعيد بن المسيب، وجمهور التابعين.
ويدل على أن ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمر بن
الخطاب (رض) لما نهى عنها قال له أبو موسى الأشعري: يا أمير المؤمنين ما
أحدثت في شأن النسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب ربنا فان الله يقول: " وأتموا الحج
والعمرة لله ". وإن نأخذ بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان رسول الله لم يحل حتى نحر. فهذا
اتفاق من أبي موسى وعمر على أن منع المتعة والإحرام بها ابتداء إنما هو رأي منه
أحدثه في النسك ليس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن استدل له بما استدل، وأبو موسى كان
يفتي الناس بالفسخ في خلافة أبي بكر (رض) كلها وصدرا من خلافة عمر حتى
184

فاوض عمر (رض) في نهيه عن ذلك واتفقا على أنه رأي أحدثه عمر في النسك ثم
صح عنه الرجوع عنه. انتهى.
وقال ابن القيم أيضا: ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا
فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتباعا لأمره، فوالله ما نسخ هذا
في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من
بعدهم، بل أجرى الله على لسان سراقة أن يسأل هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب:
(بأن ذلك كائن لأبد الأبد). فما ندري ما تقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر
المؤكد الذي غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على من خالفه.
ولله در الإمام أحمد إذ يقول لسلمة بن شيب وقد قال له: يا أبا عبد الله كل أمرك
عندي حسن الا خلة واحدة قال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج إلى العمرة، فقال:
يا سلمة: كنت أرى لك عقلا، عندي في ذلك أحد عشر حديثا صحاحا عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أأتركها لقولك؟!.
وقال أيضا: وقد روى عنه الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة
وأحاديثهم كلها صحاح، وهم عائشة وحفصة أما المؤمنين، وعلي بن أبي طالب،
وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وأبو
سعيد الخدري، وبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو موسى
الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسبرة بن معبد الجهني، وسراقة بن مالك المدلجي
(رض) (1).
وقال ابن حزم: روى أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لا هدي له أن يفسخ حجة بعمرة
ويحل، بأوكد أمر جابر بن عبد الله و.... خمسة عشر من الصحابة " رضي الله عنهم ".
ورواه عن هؤلاء نيف وعشرون من التابعين، ورواه عن هؤلاء من لا يحصيه الا الله

(1) زاد المعاد 1 / 246.
185

عز وجل فلم يسع أحدا الخروج عن هذا (1)
وقال أيضا: وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) كل من لا هدي معه عموما بأن يحل بعمرة، وأن هذا
هو آخر أمره على الصفا بمكة، وأنه (صلى الله عليه وآله) أخبر بأن التمتع أفضل من سوق الهدي
معه، وتأسف إذ لم يفعل ذلك هو، وأن هذا الحكم باق إلى يوم القيامة وما كان هكذا
فقد أمنا أن ينسخ أبدا، ومن أجاز نسخ ما هذه صفته فقد أجاز الكذب على خبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا ممن تعمده كفر مجرد، وفيه: أن العمرة قد دخلت في الحج،
وهذا هو قولنا، لأن الحج لا يجوز إلا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا، أو بعمرة
مقرونة معه (2) ولا مزيد.
وقال أيضا: قد أفتى بها أبو موسى مدة إمارة أبي بكر وصدرا من إمارة عمر
(رض) وليس توقفه - عندما بلغه نهي عمر - حجة على ما روي عن النبي و
حسبنا قوله لعمر: ما الذي أحدثت في شأن النسك؟ فلم ينكر ذلك عمر، وأما قول
عمر في قول الله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " فلا إتمام لهما الا علمه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) الناس وهو الذي أنزلت عليه الآية وأمر ببيان ما أنزل عليه من ذلك.
وأما كونه لم يحل حتى نحر الهدي فان حفصة ابنة عمر روت عن النبي (صلى الله عليه وآله) بيان
فعله قالت: سألته: ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك؟ فقال: إني قلدت
هديي فلا أحل حتى أنحر، ورواه أيضا علي... ثم قال: فهذا أولى أن يتبع من رأي
رآه عمر.
وفي مكان آخر أورد الروايات التي جاء فيها أن فسخ الحج خاص بأصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم استشهد على بطلانها... ثم قال: فبطل التخصيص والنسخ وأمن
من ذلك أبدا.

(1) المحلي لابن حزم 7 / 101.
(2) 7 / 103 المحلى.
186

والله إن من سمع هذا الخبر ثم عارض أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكلام أحد ولو أنه كلام
أمي المؤمنين حفصة وعائشة وأبويهما (رض) لهالك! فكيف بأكذوبات كنسيج
العنكبوت الذي هو أوهن البيوت عن الحارث بن بلال و.... الذين لا يدرى من هم
في الخلق!
وليس لأحد أن يقتصر بقوله (عليه السلام): دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، على
أنه أراد جوازها في أشهر الحج، دون ما بينه جابر وابن عباس من إنكاره (عليه السلام) أن
يكون الفسخ لهم خاصة أو لعامهم دون ذلك، ومن فعل ذلك فقد كذب على رسول
الله جهارا.
وقال أيضا: وأتى بعضهم بطامة، وهي أنه ذكر الخبر الثابت عن ابن عباس أنهم
كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض فقال قائلهم: إنما
أمرهم بذلك ليوقفهم على جواز العمرة في أشهر الحج قولا وعملا. وهذه عظيمة
أول ذلك أنه كذب على النبي (صلى الله عليه وآله) في دعواهم: أنما أمرهم بفسخ الحج في عمرة
ليعلمهم جواز العمرة في أشهر الحج، ثم يقال لهم: هبك لو كان ذلك ومعاذ الله من أن
يكون أبحق أمر أم بباطل؟ فان قالوا: بباطل، كفروا، وإن قالوا: بحق، قلنا: فليكن
أمره (عليه السلام) بذلك لأي وجه كان فإنه قد صار بعد ما أمر حقا واجبا. ثم لو كان هذا
الهوس الذي قالوا فلأي معنى كان يخص بذلك من لم يسق الهدي دون من ساق؟
وأطم من هذا كله أن هذا الجاهل القائل بذلك قد علم أن النبي (صلى الله عليه وآله) اعتمر بهم
في ذي القعدة عاما بعد عام قبل الفتح، ثم اعتمر في ذي القعدة عام الفتح ثم قال لهم
في حجة الوداع: في ذي الحليفة من شاء منكم أن يهل بعمرة فليفعل ومن شاء أن
يهل بحج وعمره فليفعل ومن شاء أن يحل بحج فليفعل (1). ففعلوا كل ذلك، فيالله

(1) قصد ان الأمر بعمرة التمتع كان في بدء الأمر في حجة الوداع تخييريا ونزل القضاء به حتما
عند ما كان الرسول في آخر شوط من سعيه.
187

ويا للمسلمين أبلغ الصحابة " رضي الله عنهم " من البلادة والبله والجهل أن لا
يعرفوا مع هذا كله أن العمرة جائزة في أشهر الحج؟ وقد عملوها معه (صلى الله عليه وآله) عاما بعد
عام في أشهر الحج، حتى يحتاج إلى أن يفسخ حجهم في عمرة ليعلموا جواز ذلك
تالله إن الحمير لتميز الطريق من أقل من هذا فكم هذا الإقدام والجرأة على مدافعة
السنن الثابتة في نصر التقليد؟ مرة بالكذب المفضوح، ومرة بالحماقة المشهورة،
ومرة بالغثاثة والبرد حسبنا الله ونعم الوكيل (1).
أقول: إن كل ما قاله ابن القيم وابن حزم والعيني لا يختص بمتعة الحج، ولو أنهم
تتبعوا موضوع متعة النساء (وبقية الأحكام التي كانت على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)) لتعرفوا
على صورة أبشع من متعة الحج، واطلعوا على أعذار الرواة المفتعلة التي لا تدعم
قولا ولا تغني من الحق شيئا. وإن هؤلاء العلماء تهجموا على من خالف سنة
الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى وإن كانوا من الخلفاء الراشدين وغيرهم (2). إذن ماذا يقولون في
متعة النساء التي عمل بها أيام أبي بكر وشطر من خلافة عمر، وقال بحليتها معاوية
بن أبي سفيان وعمل بها؟
وهنا يرد هذا السؤال: لماذا خالف أهل السنة (جلهم أو كلهم) أبا بكر وعمر
وعثمان ومعاوية في عمرة التمتع في الحج ووافقوا عمر بن الخطاب (فقط) في
تحريمه لمتعة النساء؟ مع أن تحريم المتعتين جاء بلفظ واحد؟
أقول: ربما السبب في ذلك يعود إلى الضيق الذي يلاقيه المسلمون في الأفراد
(كما في تعبير الإمام علي (عليه السلام)) مما دعا علماء السنة إلى التحقيق بالإفراد والوصول
إلى النتيجة المطلوبة، خصوصا بعد الاطلاع على آراء كبار الصحابة ورواياتهم، مثل

(1) المحلى لابن حزم 7 / 102 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 238.
(2) وقد روآه جرد أبو بكر وعمر وعثمان (اي أفردوا الحج) كما في سنن البيهقي 5 / 5 باب من
اختار الإفراد أفضل وتاريخ ابن كثير 5 / 123. وقد تبعهم معاوية بالإفراد.
188

ما ذكره ابن القيم وابن حزم والعيني وأحمد بن حنبل وغيرهم، فيقول ابن القيم (1):
وقد روى هذا - اي حج التمتع - عن النبي من سمينا وغيرهم، وروى ذلك عنهم
طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين، ولا
يمكن لأحد أن ينكره أو يقول: لم يقع، وهو مذهب أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومذهب
حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه، ومذهب أبي موسى الأشعري، ومذهب
إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل واتباعه، ومذهب أهل الحديث معه، إنتهى.
فلو أن المسلمين كان يجب عليهم أن يزوروا البيت زورتين (كما قال عمر) فإنه
كان يوجب عليهم العسر والحرج، والتحقيق وليد الحاجة (وليتهم حققوا في كل ما
ورد عن غير طريق أهل البيت (عليه السلام)) ليتوصلوا إلى النتيجة التي وصل إليها إخوانهم
علماء الشيعة) ولكن متعة النساء وإن كانت مشابهة لمتعة الحج من نزول آية في
القرآن فيها والأخبار الصحيحة الكثيرة الواردة في حليتها وعمل الصحابة بها و.....
إلا أن جهل أكثر القائلين بحرمتها، لأحكامها والخوف من الاتهامات (كما ذكرنا في
ص 176) وعدم الاكتراث والتألم لما يحدث حولهم من الزنى والفجور، جعلها
مخبأة مسدولة الستار عليها وأرضية مناسبة للتهجم على مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
عذر أقبح من الفعل: أخرج البيهقي (2) عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرئيل وأنا بالعقيق فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل:
عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. (راجع ص 159) وقد
ذكر هذه الرواية جماعة من علماء السنة مثل البخاري وغيره.
وبعد 8 صحائف يلتمس عذرا للخليفة فيقول: أراد عمر (رض) بالذي أمر به من
ترك التمتع بالعمرة إلى الحج تمام العمرة التي أمر الله عزو جل بها، وأراد عمر

(1) زاد المعاد 1 / 249.
(2) سنن البيهقي 5 / 13.
189

(رض) أن يزار البيت في كل عام مرتين وكره أن يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج
فيلزم ذلك الناس فلا يأتوا البيت الا مرة واحدة في السنة.
ثم قال البيهقي: اتبعوا ما أمر به عمر بن الخطاب (رض) في ذلك احتسابا
للخير! (1).
فإذا كان الخليفة يسمع أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي جاء به جبرئيل من عند الله ثم
يخالفه ويتهدد بالعقاب على فاعله ثم ينقله البيهقي وهو عالم من علماء السنة
المعروفين ويلتمس له عذرا... فعلى الإسلام السلام.
وبالنهاية نقول للرازي: إن الخليفة عمر والصحابة كانوا عالمين بحلية المتعتين
وعدم نسخهما، والصحابة لم يسكتوا بل واعترضوا، والذين سكتوا لم يكن سكوتهم
بلا سبب.

(1) سنن البيهقي 5 / 21.
190

المناقشة الثانية:
في الإشكالات الواردة على قول عمر بن الخطاب
1 - الأنا في تحريم المتعتين: قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا
محرمهما.
لقد أيد الخليفة بان المتعتين كانتا موجودتين أيام النبي (صلى الله عليه وآله) (هذا جواب من يقول
بان المتعة نسخت في عهد الرسالة) اي بمرأى ومسمع منه (صلى الله عليه وآله). حتى آخر حياته
وبلا نهي أو نسخ. إذ لو كانت منسوخة لنسبت الحرمة أو النسخ إلى الله أو إلى
الرسول (صلى الله عليه وآله). ولو فرضنا ثبوت النسخ في علم الخليفة أيام النبوة (كما يقول الرازي)
لكان اللازم أن يشهد بذلك، ليكون ذلك حقا واجبا على المسلمين بإطاعته (ولو أنه
خبر واحد) ولكن ليس له ان يستفيد من كلمة (انا) في التحريم لأن الله هو المشرع
الأول والنبي (صلى الله عليه وآله) مبلغ شريعة الله إلى الناس، ولا يحق له أن يجعل نفسه مع الله
والرسول في التشريع في صف واحد فهو خلاف الأدب، اللهم إلا إذا قلنا أن هذا
التعبير تعبير من لا يعرف اللغة العربية أو على أقل تقدير جاهل بمعاني كلماتها
واصطلاحاتها، وهو غير قادر على وضع الكلمة في المكان المناسب للجملة، وهذا
ما لا يمكن تصوره بالنسبة إلى الخليفة، لأنه ترعرع في مهد الأدب العربي أنذاك
وهو مكة.
وانا أحرمهما: يمكن ان يكون حرف (الواو)، كما أن كلمة (أحرم) للمتكلم اي:
انا أحرم فيكون معنى كلامه هكذا: ان الله أحل المتعة والرسول كذلك والحال انا
بنفسي أحرمهما (المتعتين) وأعاقب من لا يطيعني بتحريمهما. اي أن أمري هو
الناسخ وهو المتبع وإطاعتي أولى من إطاعة الله ورسوله (والعياذ بالله). وهذه
191

الأنانية يمكن ان نشاهدها بصراحة أكثر في الروايات التالية:
الف - قول عمر كما في سنن النسائي (راجع ص 162 رقم 3) وهو تحد صارخ
لحكم الله ورسوله!
ب - أقوال أبي حفص (ص 153 رقم 6 وص 154 رقم 11) ولعمري هذا هو
التحريف بالأحكام الشرعية.
ج - عن أبي موسى: إنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك
فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، حتى لقيته فسألته، فقال
عمر: قد علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعله وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا معرسين بهن
في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (1). اي فعله النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه
(بأمر الله) و (أنا) أكره ذلك.
د - روى أبو نعيم في " حلية الأولياء) والمتقي في " كنز العمال " واللفظ للأول
قال: إن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج وقال: فعلتها مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) و (أنا) أنهى عنها وذلك أن أحدكم يأتي من أفق من الآفاق شعثا نصبا
معتمرا أشهر الحج (2) و....
ه‍ - قول عمر: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء.... (راجع ص 156)
رواية أبي نضرة عن جابر، ويكون معنى هذا الكلام: أن الله كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)
يحل بما شاء وان إشاءة الله هي التي أحلت متعة النساء وأوجبت عمرة الحج، ولكن
إشاءتي هي المفروضة عليكم بدل إشاءة الله.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1 / 472 وابن ماجة في سننه 229 وأحمد في مسند 1 / 50
والبيهقي في سننه ج 5 / 20 والنسائي في سننه 5 / 153 ويوجد في تيسير الوصول 1 / 288 وشرح
الموطأ للزرقاني 2 / 179 نقلا عن الغدير 6 / 200.
(2) حلية الأولياء 5 / 205 وكنز العمال 5 / 86 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 214.
192

2 - قول عمر: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته. وفي رواية أخرى قال
للشامي: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك.
أقول: ان هذه العبارة تدل أولا: على أن المتعة لم تكن محرمة ولم ينزل فيها اي
تحريم من كتاب الله وسنة نبيه حتى نهي عمر عنها في الشطر الثاني من حكومته.
وثانيا: تدل هذه العبارة إلى أن الصحابة كانوا يستمتعون لعدم وجود نهي سابق
عنها، وذلك باعتراف عمر وروايات جابر بن عبد الله وغيره، وعلى هذا فان كل ما
ورد من الروايات بحليتها وعدم نسخها بالقرآن أو بالسنة صحيح لا يشوبه شك،
ومن طرف آخر فان كان ما ورد من النسخ بالقرآن أو من تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) إياها في
خيبر أو فتح مكة أو... موضوع قطعا ولا قيمة له.
3 - قول عمر: بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح. وهذا يعني أن موضوع
المتعة واحكامها كان مجهولا عند الخليفة أو فهم من كلمة السفاح ما فهمه
المتأخرون من معناها اللغوي (كما ذكرنا)، أو وضعت هذه الجملة عن لسان الخليفة
لتبرير موقف جماعة من علماء السنة، الذين لا يعتبرون المتعة نكاحا على الرغم
من كثرة استفادتهم من هذه الكلمة (النكاح) في المتعة. أو أن هناك سرا جهله
الرواة، أو أغفلوه فلم يصل إلينا خبره. ولكن الذي نفهم من كلام الخليفة انه استنجد
بالناس ليبينوا له النكاح والسفاح ليتعرف على حدودهما بصورة جيدة، وهذا ليس
ببعيد فان المراجع لكتاب " الغدير " بحث " نوادر الأثر في علم عمر " يطلع على
واقع الأمر أكثر فأكثر (1).
4 - أدلة الخليفة في النهي عن المتعتين: ففي متعة الحج يستند الخليفة إلى
سببين: أولهما: لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهن تحت الأراك، وإنما المحرم
الأشعث الأغبر الأذفر.

(1) الغدير 6 من: ص 83 - 322.
193

وثانيهما: إن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرأ
عليهم (1).
وأما متعة النساء: فيقال: إن سبب نهيه كان في قضية عمرو بن حريث وعمرو بن
حوشب و... (راجع ص 148 و 149) وما ذكر من الدلائل في نهي الخليفة، لا تبلغ
تلك الدرجة من الأهمية، إذ أن إساءة التصرف في أمر متعة النساء لا يمكن حلها
بوضع قوانين صارمة.
وأما في متعة الحج: فلربما أن يكون أحد الأسباب كامنا في ما تعود عليه الناس
من الاعتمار في غير أشهر الحج، حيث كان أهل الجاهلية يعتبرون ذلك من أفجر
الفجور في الأرض، وعمر بن الخطاب كان منهم ولا يمتاز عنهم بشئ، ولقد كانت
قريش (وعمر من قريش) تمتنع الامتثال لأمر النبي (صلى الله عليه وآله) وتخالفه أشد المخالفة مما
أثار غضبه (صلى الله عليه وآله) حيث قال عبد الله بن عباس في حديث له: إن هذا الحي من قريش
ومن دان دينهم كانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة ومحرم (2). ولا شك في
أن رواسب الجاهلية لها أثرها في اتخاذ القرارات.
والنقطة الأخرى هي: التوجه إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي لذوي أرومته من
قريش (مكان الحرم) حتى ولو أدى ذلك إلى المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)،
وأحسب أن موافقة عبد الله بن الزبير في تحريم متعة الحج ناشئ من هذا التفكير
وهو تحسين الوضع المادي لعاصمة حكومته.
5 - يقول عمر: والله لا أوتى برجل أباح المتعة الا رجمته. وقال أيضا: لا أوتى

(1) كنز العمال 5 / 86 وحلية الأولياء 5 / 205.
(2) سنن البيهقي 4 / 354 باب العمرة في أشهر الحج وراجع مشكل الآثار للطحاوي 3 / 155
معالم المدرستين 2 / 210.
194

برجل تزوج امرأة إلى أجل الا رجمته (1).
يقول السيد الخوئي (قدس سره) (2): وهذا من الغريب، وكيف يستحق الرجم رجل من
المسلمين خالف عمر في الفتيا واستند في قوله هذا إلى حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونص
الكتاب؟ ولنفرض أن هذا الرجل كان مخطئا في إجتهاده أفليست الحدود تدرأ
بالشبهات؟! على أن ذلك فرض محض، وقد علمت أنه لا دليل يثبت دعوى
النسخ. وما أبعد هذا القول من مذهب أبي حنيفة حيث يرى سقوط الحد إذا تزوج
الرجل بامرأة نكاحا فاسدا أو بإحدى محارمه في النكاح، ودخل بها مع العلم
بالحرمة وفساد العقد (3) وأنه إذا استأجر امرأة فزنى بها سقط الحد لأن الله تعالى
سمى المهر أجرا، وقد روي نحو ذلك من عمر بن الخطاب أيضا. (4) انتهى.
ويقول الفخر الرازي مبررا رجم الخليفة للمستمتع: قلنا: لعله كان يذكر ذلك على
سبيل التهديد والزجر والسياسة، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة
ألا ترى انه (عليه السلام) قال: من منع منا الزكاة فانا آخذوها وشطر ماله (5).
أقول: كان الرازي نسي أن النبي (صلى الله عليه وآله) صاحب شريعة، وأن ما يأمر به وحي منزل
من الله لقوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " (6) وقوله تعالى:
" ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (7) وقوله تعالى: " قل ما يكون لي أن

(1) مرآة الزمان للجوزي نقلا عن الغدير 6 / 208.
(2) البيان: 327.
(3) الهداية وفتح القدير 4 / 147 نقلا عن البيان وراجع: 92 من هذه الرسالة.
(4) راجع ص 37.
(5) احكام القرآن للجصاص 2 / 146 راجع: 92.
(6) سورة النجم 3 و 4.
(7) الحشر: 7.
195

أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي " (1) وأن التشريع خاص بالنبي (صلى الله عليه وآله) ولا
يجوز لأحد من الناس أن يشترع حدا من حدود الله في غير محله خصوصا في
رجم من يستند في حلية المتعة إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله). وإن صح ما نقله
الرازي من قول النبي (صلى الله عليه وآله) بالنسبة لمانع الزكاة فهو نص خاص ولا يتعدى إلى غيره
الا اللهم إذا كان منصوص العلة، والوصول إلى حلية شئ أو حرمته لا يمكن إلا بعد
علة منصوصة عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثل علة حرمة الخمر وهي السكر فيصبح كل مسكر
حراما. والقياس بين حكم النبي (صلى الله عليه وآله) وعمر بن الخطاب، قياس مع الفارق. نعم لو
كان الرازي يعتبر حكم عمر لمصلحة خاصة ارتآها في زمانه لكان فيه نوع من
المقبولية.
وبتعبير آخر: فان حكم الرجم في غير محله مع عنوان المصلحة أمر غير مقبول
للأسباب التالية:
أولا: لا بد من ذكر العلة لهذه المصلحة. فمثلا يقول: بما أن غالبية المسلمين
يزنون تحت ستار المتعة (والعياذ بالله) أو لا يتقيدون بشروطها أو النبي نسخها وهي
اليوم تعتبر زنى، وهذا سبب إشاعة الفساد في المجتمع ولذلك فاني حكمت بالرجم
لفاعلها إن كان محصنا أو غير محصن. ولكن لا يوجد اي ذكر للعلة في الروايات.
ثانيا: يزول الحكم بزوال المصلحة، لأنها لابد وأن تكون لفترة معينة وأمد
خاص وعنوان ثانوي لا بصورة دائمية، لأن الله أعرف بالمصالح.
ثالثا: إن حكم الرجم للزاني المحصن موجود في السنة فقط، وإذا كان تهديد
الخليفة مأخوذا من سنة النبي (صلى الله عليه وآله)، لا سيما إذا كان معتقدا بنسخها فلا داعي لتكراره
أو جعله سياسة خاصة واعتباره مصلحة، وإن لم يكن كذلك اي بمعنى أنه رأى من
الصلاح ان يهدد بما يراه مصلحة ثم استمتع أحد المسلمين بعد هذا التهديد فماذا

(1) سورة يونس: 15.
196

سيفعل الخليفة به؟ هل يرجمه؟ أو يكرر التهديد ثانيا وثالثا و... فإنه إن لم ينفذ
تهديده فسوف يسقط من أعين الناس ولا يصدق له قول بعد ذلك، وإن أقام الرجم
(لمن لا يستحقه) ومات المرجوم فمن المسؤول عن دمه؟!.
والنقطة الأخرى: أو ليس عدم رجم الخليفة أو إجراء الحد للمستمتعين من
الصحابة دالا على عدم نسخ المتعة وحليتها حتى بعد تحريمه؟ لأنها لو كانت
منسوخة لكانت زنى والزاني يقام عليه الحد من جلد ورجم. هذا مع العلم أن المتعة
مسبوقة باجراء عقد شرعي والحال ان الخليفة لم يجر الحد للمرأة الراعية التي
أصابها رجل بحفنات من تمر ومن دون عقد كما ذكرناه (في ص 92) واعتبر
الحفنات من التمر مهرا ودرأ عنها الحد.
6 - قول عمر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها في زمان ضرورة.. إلى آخر كلامه الذي
قاله لعمران بن سوادة. وهذا الاستدلال مردود من وجوه:
الف - هذا تفسير من الخليفة والذي استنبطه من تحليل النبي (صلى الله عليه وآله) للمتعة هذه
الضرورة غير مذكورة في القرآن، وآية المتعة حكم عام من دون تقيد. وأما في السنة
فان ذكر الضرورة موجود في رواية منسوبة لابن عباس وهي موضوعة كما أثبتنا
وفيها اعتبرت المتعة مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
ب - الضرورة لا تخص زمنا دون زمن، وهذا دليل على أن تفسير الخليفة خطأ،
أو الخبر موضوع.
يقول العلامة الطباطبائي (قدس سره): سلمنا أن اباحته كانت باذن النبي (صلى الله عليه وآله) لمصلحة
الضرورة، لكنا نسأل أن هذه الضرورة هل كانت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أشد وأعظم منها
بعده ولا سيما في زمن الراشدين، وقد كان يسير جيوش المسلمين إلى مشارق
الأرض ومغاربها بالألوف بعد الألوف من الغزاة؟ وأي فرق بين أوائل خلافة عمر
وأواخره من حيث تحول هذه الضرورة من فقر وغزوة واغتراب في الأرض وغير
197

ذلك؟ وما هو الفرق بين الضرورة والضرورة؟ وهل الضرورة المبيحة اليوم في جو
الإسلام الحاضر أشد وأعظم أو في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والنصف الأول من عهد
الراشدين؟ وقد أظل الفقر العام على بلاد المسلمين، وقد مصت حكومات
الإستعمار والدول القاهرة المستعلية والفراعنة من أولياء أمور المسلمين كل لبن في
ضرعهم، وحصدوا الرطب من زرعهم واليابس، وقد ظهرت الشهوات من مظاهرها،
وازينت بأحسن زينتها وأجملها، ودعت إلى اقترافها بأبلغ دعوتها، ولا يزال الأمر
يشتد والبلية تعم البلاد والنفوس، وشاعت الفحشاء بين طبقات الشباب من
المتعلمين والجنود وعمال المعامل، وهم الذين يكونون المعظم من سواد الإنسانية
ونفوس المعمورة. ولا يشك شاك ولن يشك في أن الضرورة الموقعة لهم في فحشاء
الزنى واللواط وكل انخلاع شهواني عمدتها العجز من تهيئة نفقة البيت، والمشاغل
المؤقتة المؤجلة المانعة من إتخاذ المنزل والنكاح الدائم بغربة أو خدمة أو دراسة
ونحو ذلك. فما بال هذه الضرورات تبيح في صدر الإسلام - (وهي أقل وأهون عند
القياس) - نكاح المتعة لكنها لا تقوم للإباحة في غير ذلك العهد وقد أحاطت البلية
وعظمت الفتنة؟ (1).
ج - ذكر الضرورة موجود في كتب السنة في روايتين: إحداهما عن الخليفة،
والثانية عن ابن عباس في قوله: والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت منها
إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير.
فسبب الضرورة في الروايتين هما: الفقر (في رواية عمر) وما يجوز به من أكل
الميتة والدم و... (في رواية ابن عباس) هنا يطرح هذا السؤال: فإذا كانت المتعة
منسوخة بالقرآن والسنة (كما يقول علماء السنة) وأنها زنى (كما قال آخرون) أو
أنها كانت مجهولة عند الخليفة (قوله: بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح) ولذلك

(1) تفسير الميزان 4 / 302.
198

حكم الخليفة بإجراء الرجم لفاعلها، ومع هذا كله أفهل يمكن ان يصبح الفقر
ضرورة لعمل السفاح؟ وهل أن ضرورة الاستمتاع تساوي ضرورة أكل الميتة والدم
و...؟ فيكون معنى كلام الخليفة جواز استمتاع الملايين من الفقراء المسلمين اليوم
في العالم! وكأن النكاح الدائم الشرعي لا يمكن أن يتحقق بدون مال، وان الفقراء
المحتاجين إلى لقمة العيش يزنون بأجمعهم أو يتزوجون بمتعة الخليفة! ولا يوجد
بينهم نكاح شرعي أبدا!
وأما ضرورة أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فهي مأخوذة من القرآن في قوله
تعالى: " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا
عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " (1) ولا شك فان هذه الضرورة لأجل انقاذ حياة
الإنسان من الموت الحتمي.
هنا سؤال: هل أن الإنسان يموت إن لم يقض وطره الجنسي؟ فإذا كان الجواب
بالنفي، فلا معنى لما يروى عن ابن عباس؟ وانه مكذوب عليه، وساحة حبر الأمة
بريئة من هذا الكلام. وإن كان الجواب بالإيجاب ومثل أكل الميتة، فمعناه انه يجوز
تفريغ الشهوة في أي موضع كان (والعياذ بالله) وذلك لأجل الحفاظ على حياة
الإنسان من التلف! وهذا لا يقبل به مسلم ابدا.
د - إن كان رأي الخليفة في حلية المتعة أو حرمتها تابعا للوضع المعيشي
للناس، لكان اللازم عليه ان يعلن أن النكاح بأجل مختص بالفقراء، وإن الأغنياء لا
يحق لهم ذلك،
فيصبح مثل بعض الأحكام الخاصة للفقراء والمساكين مثل مستحقي الزكاة
والصدقة.

(1) البقرة: 173.
199

ه‍ يقول الخليفة: ثم رجع الناس إلى السعة. فان كان يقصد بالناس أهل السعة
من أهل المدينة، فان الأحكام العامة لا تخص بلدا دون بلد، إذن فما ذنب المسلمين
الذين يقطنون خارجها. وإن كان يقصد كل المسلمين، فهو غير معقول ولا يمكن
قبوله ابدا.
و - معنى آخر لكلام الخليفة: إن المسلمين كانوا فقراء في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي
بكر والنصف الأول من خلافته، ولذلك فان الاستمتاع كان جائزا، وقد رجعت
الناس إلى السعة في النصف الثاني من حكومته، إذن فما يقول علماء السنة من
تحريمها المؤبد إلى يوم القيامة وبدون استناد إلى العلة التي استند عليها الخليفة؟
والمسألة لا تخلو من أمرين وهما: اما أن كلام الخليفة غير صحيح، وأما ان
تحريمها المؤبد من قبل علماء السنة لا قيمة له.
7 - قول عمر: ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها.
ويرد على هذا الكلام:
أولا: إذا لم يكن أحد من المسلمين عمل بها فما معنى عدم العود إليها؟ إذ كان
اللازم أن يقول: إن المتعة كانت في عهد الرسول وهي للضرورة أو أنها نسخت وما
عاد إليها أحد.
ثانيا: إذا لم يكن أحد من المسلمين عمل بها فما معنى قوله: فالآن من شاء نكح
بقبضة وفارق عن ثلاث؟
ثالثا: إذا لم يكن أحد من المسلمين عمل بها فما معنى تحريم المتعة وتهديده
بالرجم لفاعلها؟
رابعا: عدم علم الخليفة لا يدل على عدم العمل بها من قبل أحد، وقد عمل بها
عمرو بن حريث وربيعة بن أمية وغيرهما، وهذا كلام من يعلم الغيب أو نزل له
وحي بذلك! كما أن عدم علم الخليفة لا يوجب ابتداع حكم من الأحكام أو تحريم
200

ما أنزل الله وما أباحه الرسول (صلى الله عليه وآله).
8 - يقول عمر: فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت.
هذا القول مردود أيضا بالأدلة الآتية:
الأول: أن الخليفة انسحب عن موقفه وغير رأيه عند ما اعترض عليه أحد
المسلمين وهو عمران بن سوادة، فهو يحرم ويحلل بكلام واحد من المسلمين فلو
كان يستشير الصحابة في المتعة لأشار إليه جمع غفير منهم بحليتها وقد ذكرنا أسماء
البعض منهم.
الثاني: لا توجد أية محدودية للأجر (المهر) فيمكن أن يكون بقبضة من تمر أو
تبر كما أن تعيين المهر من الخليفة لا معنى له. وقد اعترض عليه في السابق على
تعيينه حيث قام خطيبا وقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كانت مكرمة
عند الله لكان أولاكم بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثني عشر
أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين! لم تمنعنا حقا جعله الله لنا؟ والله
يقول: " وآتيتم إحداهن قنطارا " فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر، ثم قال
لأصحابه: أتسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة
ليست من أعلم النساء؟. وفي لفظ الرازي في أربعينه ص 467: كل الناس أفقه من
عمر حتى المخدرات في البيوت (1).
أقول: إن هذه الرواية كافية للرد على الرازي وغيره.
الثالث: كما أنه لا يوجد حد للمهر فكذا لا يوجد حد للأجل، فكما يمكن أن
تكون المدة بأقل من ثلاثة أيام فكذلك يمكن ان تكون بأكثر منها اي: ثلاث سنين

(1) تفسير الكشاف 1 / 357 وشرح صحيح البخاري للقسطلاني 8 / 57 نقلا عن الغدير 6 / 98 و
99.
201

أو ثلاثين سنة أو أزيد، وكما أن هذا التحديد ظلم للزوجين فكذلك هو ظلم
للمجتمع وهو سوقه إلى ارتكاب الحرام، لأن المرأة المتمتع بها يلزم أن تعتد بعد
المدة (ثلاثة أيام) بخمسة وأربعين يوما أو حيضتين حتى تحل لرجل آخر وإلزام
المرأة بالعدة لأجل ثلاثة أيام مع هذا المهر القليل هو ظلم بحقها وجعلها أداة
وألعوبة بيد الرجال لقضاء شهواتهم فقط، والحال أن الشهوة الجنسية هي جزء من
أهداف المتعة.
الرابع: هل يحق للرجل أن ينكح بقبضة ثم يفارق عن ثلاث بطلاق، بدون اتفاق
سابق مع تبيت نية الطلاق للزوج؟ وهذا أيضا ظلم آخر.
الخامس: قوله: ثم يفارق عن ثلاث بطلاق. فإذا كانت مدة الزواج ثلاثة أيام اذن
ما معنى الطلاق وقد ذكرنا سابقا من كتب علماء السنة بأنها (بعد انقضاء الأجل)
تبين منه بغير طلاق وليس له عليها سبيل. فان صح ما روي عن عمر، فإنه يدل على
جهله بأحكام المتعة.
السادس: دلت هذه الرواية على أن الخليفة عدل عن رأيه وقال بحليتها، فاذن ما
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتحريمها والمنقول من أمهات كتب الحديث مثل الصحاح
وكتب التفسير والتأريخ كذب محض وموضوع بوساطة المدلسين والوضاعين
المعتمد عليهم عند علماء السنة، حيث لعبوا في مصير الأمة ومقدراتها في حقول
أخرى أيضا. ويظهر أن هذه الروايات وضعت بعد عمر، فإنه لو كان له أو لأحد
الصحابة رواية واحدة في تحريم المتعتين لما توانى عن نقله بل نشرها بين الناس
ليبرر بها تهديده وتوعده بالعقاب للعاملين بهما، ولما احتاج الخليفة إلى هذا العنف
والقسوة في الكلام.
السابع: ما اعتذر به الخليفة في رواية عمران بن سوادة من قوله: هي حلال لو
أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم مناقض تماما لما قال به في
202

السابق حيث نهى عن الجمع بين الحج والعمرة (كما ذكرنا) وانما الصحيح ما رواه
البيهقي في السنن الكبرى 4 / 345 باب العمرة في أشهر الحج عن ابن عباس: قال:
ما أعمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائشة في ذي الحجة الا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فان
هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفى الأثر وبرأ الدبر ودخل
صفر حلت العمرة لمن اعتمر، وكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة
ومحرم.
كذلك فان قوله لعمران مخالف لما قاله الخليفة في تحريمها: إن أهل مكة لا
ضرع لهم ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يفد إليهم (1).
9 - يقول الخليفة: ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا.. (راجع
ص 96) يظهر من كلام الخليفة بان المشكلة ليست قانونية وإنما هي تنفيذية، وهذا
صحيح، لأن القوانين لا بد لها من منفذ، وعلى أثر ازدياد السكان أو أي عامل آخر
فان المشاكل تبدأ بالظهور شيئا فشيئا، وهذا أمر طبيعي في تنفيذ كل القوانين في
العالم، بحصول بعض الثغرات عند تنفيذها والحكومات تحاول سدها، لتنفيذ
القوانين على أحسن ما يرام، ولكن هذا لا يختص بالنكاح المنقطع، فهو يشمل
النكاح الدائم وقوانين الإرث والإجارة والبيع والتجارة وغيرها، فكان اللازم على
الخليفة ان يصر على الإشهاد وكتابة الزواج مثلا، وإعطاء نسخ مما كتب للزوج
والزوجة مع ذكر الشروط والمسائل المتفقة عليها بينهما، والاحتفاظ بنسخة منه
عند المسؤول أو....
وليس من حقه النهي عن حكم من أحكام الله بمجرد حصول أية مشكلة.
مثال لذلك: كلنا نعلم أن إعطاء القرض لمن يحتاج إليه فيه اجر كبير وثواب

(1) مسند أحد 1 / 161 الحديث 2361 وسنن البيهقي 4 / 354 وسنن أبي داود باب العمرة
2 / 204 نقلا عن معالم المدرستين 2 / 210.
203

عظيم، فلو أن أحدا من المتداينين أساء التصرف في ذلك فهل يحق للحاكم ان يحرم
القرض لرفع هذه الإساءة؟ كلا.
ويؤيد ما ذكرناه من عمل الخليفة ما يروى عن سعيد بن المسيب قوله: رحمة الله
على عمر، لولا أنه نهى عن المتعة لكان الزنى جهارا (1) (عكس ما يروى عن
علي (عليه السلام) وابن عباس).
فيظهر مما مضى أن أفرادا أساؤوا التصرف في موضوع المتعة، ولذلك نهى عنها
عمر.
يقول ابن حزم: وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان
فقط، وأباحها بشهادة عدلين (2).
10 - يقول عمر: فلا أوتي برجل تزوج امرأة إلى أجل.... خلافا لما يقوله جمع
من علماء السنة بأن المتعة لا تسمى زواجا وان آية المتعة منسوخة بآية " الا على
أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم ".
11 - قول الخليفة: ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا محرمهن ومعاقب
عليهن، متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل في الأذان. (راجع ص 99).
اجتهاد الخليفة: ذكر متكلم الأشاعرة وزعيمهم القوشچي في " شرح التجريد "
أواخر مبحث الإمامة قول الخليفة، ثم اعتذر عنه بقوله: إن ذلك ليس مما يوجب
قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع!
ويقول فاضل الأشاعرة الفضل بن روزبهان: قد سبق أن متعة النساء كانت إلى
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نسخت، واختلف في أنه تقرر الأمر على الحرمة أو الإباحة،

(1) كتاب تحريم المتعة لأبي الفضل نصر بن إبراهيم المقدسي ط المدينة المنورة.
(2) المحلي لابن حزم 19 / 520.
204

والنص يقتضي الحرمة كما ذكرنا، وأكثر العلماء على الحرمة، وبعض الصحابة كانوا
يقولون بالإباحة، ولكن الأكثرون تابعوا رأي عمر! واليه ذهب الأئمة الأربعة وسائر
أصحاب الحديث. ومن اعترض من الصحابة على عمر لم يبلغه أن الأمر تقرر على
الحرمة، فأي ذنب يتصور فيه لعمر حتى يقول إنه فعل كبيرة؟! نعوذ بالله من هذه
الإعتقادات.
ثم ما ذكر (يقصد العلامة الحلي (قدس سره)) في متعة الحج فقد ذكر نهي عمر وأنه نهى
عن المتعة، فان الإمام المجتهد أن يختار طريقا من الطرق المتعددة التي جوزها
الشريعة. والحج ينعقد بثلاثة طرق بالإفراد والقران والتمتع، فكان لعمر أن يختار
القران والإفراد وينهى عن المتعة لمصلحة رآها وهذا لا ينافي كونه جائزا، فان
المباح قد يصير منهيا عنه لتضمنه أمرا مكروها وللإمام النهي عنه. وأيضا يحتمل أن
عمر سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا في المتعة فعمل بما سمع هو بنفسه، لأن الدليل
عنده يقين، وأمثال هذا لا يعد من الكبائر كما عده هذا الرجل وأساء الأدب (1).
أقول: ويرد على كلام القوشجي وروزبهان:
أولا: يظهر أن بعض المخالفين للمتعة لم يبق عندهم موضع للدفاع، وهذا هو
آخر متراس يتترسون به، وآخر سهم يرمونه من كبد القوس، ولكنه سهم أخيب،
ويظهر من هذا القول أن كل المتاريس (نسخ المتعة بالقرآن والسنة و...) لا يمكن
الاعتماد عليها، وأن كل المحاولات المبذولة لمقابلة المجوزين باءت بالفشل
والخسران، وثبت لديهم أن نسائجهم أوهن من بيت العنكبوت، وأن آيات الله أعظم
وأجل وأرفع من أن يصبح ألعوبة بيد الأهواء، " ذلك لأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط

(1) دلائل الصدق القسم الثاني من 3: 81 وقد كتب الفضل بن روزبهان كتاب ابطال الباطل للرد
على كتاب نهج الحق للعلامة الحلي.
205

أعمالهم " (1).
هذا وقد اعترف الخليفة بذلك كما في " صحيح مسلم " و " سنن ابن ماجة "
وغيرهم بقوله: قد علمت أن النبي فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا بهن
معرسين في الأراك... (راجع ص 162 مع مصادره).
ويقول ابن سيرين: كرهها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فان يكن علما
فهما أعلم مني، وإن يكن رأيا فرأيهما أفضل (2).
وفي صحيح البخاري عن أبي جمرة... قال (اي ابن عباس): وكأن ناسا كرهوها.
(راجع ص 172) قال القسطلاني في " إرشاد الساري " (وكأن ناسا كرهوها) يعني
كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل الخلاف في ذلك (3).
وعلى اي حال فان هؤلاء تصوروا أن اجتهاد الخليفة سيحميهم من مهاجمة
القرآن الكريم، حيث يحكم بكفر من يجعل نفسه موضع التشريع أمام شرعة الله
وحكمه وأمر نبيه الكريم، حيث يقول تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم
الكافرون " (4) " الظالمون " (5) " الفاسقون " (6)، ويقول تعالى: " وإذا قيل لهم تعالوا إلى
ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " (7)، ويقول تعالى:
" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من

(1) سورة محمد: 8.
(2) أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 2 / 31 وفي مختصر: 111 نقلا عن الغدير 6 / 204.
(3) ارشاد الساري 3 / 204.
(4) سورة المائدة: 43.
(5) سورة المائدة 44.
(6) سورة المائدة: 46.
(7) سورة النساء: 61.
206

أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (1). وقد تطرق بعض علماء
السنة إلى هذه النقطة (راجع ص 179 - 187) ولو كان لهؤلاء دليل واحد فقط
بالتحريم لما وصلوا إلى هذه المرحلة من الضعف في الاستدلال.
ثانيا: لا معنى لاجتهاد الخليفة بعد شهادة جماعة من الصحابة بنزول القرآن فيها
وبحليتها إبان حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله). والنقطة الأخرى هي: ان هذا الاجتهاد لا يجدي
غيره ممن لم يؤمر باتباع اجتهاده ورأيه. إذن فتعين ان التحريم كان اجتهادا منه على
خلاف قول النبي (صلى الله عليه وآله) في الإباحة، ولأجل ذلك لم تتبعه الأمة في تحريمه متعة
الحج، وفي ثبوت الحد في نكاح المتعة، فان اللازم على المسلم أن يتبع قول
النبي (صلى الله عليه وآله) وأن يرفض كل اجتهاد يكون على خلافه.
ثالثا: أي اجتهاد هذا وما قيمته أن يقول أحدهم هذا رأيي ويقول الآخر قال الله
وقال رسول الله، فيصبح الأول صاحب اجتهاد والثاني مجرما يستحق الرجم؟
رابعا: قول القوشجي وأمثاله باجتهاد النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الصورة (في حكم أنزل الله
فيه آية في القرآن وأمر به الرسول وغضب من عدم إطاعة البعض لأمره وما نزلت
آية تنسخه أو حديث يرفعه فان معناه جواز الخطأ على النبي (صلى الله عليه وآله) في كل ما يقوله
ويفعله، سواء كان في تبليغ الدعوة أو في غيره).
ملاحظة: لا يوجد عندنا دليل واحد على أن كل ما فعله النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن تبليغا
بدليل قوله تعالى: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (2) ودلائل أخرى.
والحال ان أكثر علماء السنة يقولون بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) في تبليغ الدعوة، وتشريع

(1) سورة الأحزاب: 36.
(2) سورة الأحزاب: 21.
207

المتعتين جزء من هذا التبليغ بلا شك، ولكن القوشجي الذي الف كتاب " شرح
تجريد الإعتقاد " للرد على الشيخ الطوسي (قدس سره) وحاول أن يدحض كلما جاء به
الشيخ لئلا يعزى إليه العجز والتواني في الحجاج، ثم أتى بكل ما دب ودرج سواء
كان حجة له أو وبالا عليه، ينفي كل قيمة لمقام النبوة والوحي الإلهي، وينزل
مستوى النص المنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أقل منزلة من كلام عمر والذي نسخ
باجتهاده ذلك النص (والمنسوخ أقل رتبة من الناسخ لأن المنسوخ يزول حكمه
لقصر عمره ولكن الناسخ يبقى حكمه دائما والى الأبد) وبهذا رفع القوسچي
وروزبهان وغيرهما رتبة كلام عمر إلى رتبة أعلى من كلام الله ورسوله، لأن اجتهاده
نسخ اجتهادهما!. وعلى هذا الرأي يصبح عمر هو المشرع الأول لهؤلاء (1)!.
ونحن نعلم أن السائغ من المخالفة الاجتهادية هو: إذا ما قابل المجتهد مجتهدا
مثله، وكذلك فان كلام المجتهد المستند إلى الكتاب والسنة حجة له ولمقلديه. ولكن
القوشچي وروزبهان ومن شابههما يعتبرون الباري عز شأنه ورسوله الكريم
مجتهدين في مقابل المجتهد عمر! كما لا داعي لهذا المجتهد الأخير أن يستند في
رأيه بالكتاب والسنة ويسري مفعوله على كل المسلمين مر العصور! (استغفر الله).
رابعا: ما ذكره الفضل بن روزبهان ردا على العلامة من أن الحج ينعقد بثلاثة
طرق... توجيه غير موجه، لأنه إن كان كذلك فما معنى غضب الرسول (صلى الله عليه وآله) من عدم
تنفيذ بعض الصحابة القرشيين لأمره في متعة الحج؟ هل كان ذلك لأمر مباح؟
خامسا: قول الفضل بن روزبهان: فكان لعمر أن... وينهى عن المتعة لمصلحة
رآها، غير مقبول من وجوه:

(1) راجع ص 200 وقول عمر: كل الناس أفقه من عمر.
208

1 - لا بد من توجيه هذه العلة وذكر المصلحة للناس ليسهل القبول والتطبيق لهم.
2 - أية مصلحة يقتضي نهيه عن أداء عمرة التمتع في أشهر الحج ليعاقب الخليفة
فاعليها من المسلمين. فان قلت: لأن أهل مكة ليس لهم ضرع ولا زرع، قلت: ألم
يكن الله عالما بالوضع المعيشي لأهل مكة ليفرض على الناس زيارة البيت الحرام
مرتين أو ثلاث أو... في السنة؟
وهل السبب الأول في تشريع الحج هو إغناء أهل مكة؟ حتى يكون العامل
الاقتصادي سببا لتشريع جديد؟ ولماذا تختص مكة بهذه الميزة دون غيرها؟.
ربما يقال: ان العامل الإنساني هو الذي دفع الخليفة إلى هذا التشريع.
قلنا: إن كان كذلك، فان استغنى أهل مكة نتيجة هذا التشريع، ثم افتقر أهل مدينة
أخرى، فهل يأمر الخليفة بنقل الكعبة إلى تلك المدينة؟ أو يمنع الناس من زيارة
البيت الحرام بمكة حتى يعتدل الوضع المعيشي لأهلها؟
3 - أية مصلحة تترتب للمسلمين إذا ذهبوا إلى عرفة شعثا غبرا منتنة
أجسامهم؟ وما يضر الخليفة إذا كانت " شعورهم مرجله و....؟ وما يضره لو دخل
المسلم بزوجته محلا بعده العمرة؟ وما المانع إذا عرس المسلم بزوجته في الأراك
وقبل الإحرام للحج؟.
4 - أية مصلحة تترتب على نهي المسلم المسافر بإجراء عقد النكاح المنقطع؟
أفيستخصي هؤلاء (كما في رواية عبد الله بن مسعود) لإرضاء الخليفة أو يزنون
ليريحوا ضميره؟ وليت شعري أية مصلحة علم بها عمر ولم يعلم بها الله ورسوله؟
5 - لقد ظهر مما سبق ذكره أن الخليفة عمر حرم متعة النساء لأن واحدا من
الصحابة جحد ولده وآخر لم يشهد عدلين.
209

وهنا يرد سؤال: لو أن إنسانا أساء استعمال حكم من الأحكام أو قانون من
القوانين، هل المصلحة تقتضي نسخ ذلك الحكم؟ إذن فلتنسخ القوانين والأحكام
مثل الزواج والطلاق والصلاة و... وهذا مما لا يمكن الذهاب إليه ولا المساعدة عليه
أو الإلتزام به من اي مشرع ومقنن على الإطلاق، فإذن لا توجد مصلحة لتحريم
المتعتين والله ورسوله أعلم بالمصالح.
ربما يقال: ان الخليفة عمر حرم المتعتين لمصلحة رآها بنفسه فقط اي تصور أن
في النهي مصلحة وهو خليفة المسلمين.
قلنا: الف - إن الإمام هو الناقل والمطبق لحكم الله المنزل على رسوله وليس
مشرعا.
ب - ليس للخليفة أن يشخص المصلحة بوحده (لأنه غير مستظهر بعلم الغيب)
وكان يلزم له أن يستشير كبار الصحابة (وهو لم يتم قطعا بدليل مخالفتهم إياه) ثم
يعطي رأيه بالنهاية.
ج - فان علم أن رأيه مخالف لمصلحة المسلمين فيجب ان يعلف عن تراجعه
عنه.
د - لقد ظهر مما سبق: أن الخليفة قد حرم المتعتين خلافا لأمر الله والرسول (صلى الله عليه وآله)
وأن الصحابة كانوا يعملون بهما، كما اعترض بعضهم على نهيه، وان تحريم عمر لهما
لم يكن فيه أية مصلحة للأمة، وانه لم يسمع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكما لم يسمعه
غيره، وهو واحد من الصحابة لا يمتاز عنهم بشئ، ولم يبق لنا إلا أن نقول إن كلمة
خرجت من فم الخليفة وبقي مصرا عليها، أو رأيا ارتآه فاستبد له أو أثرت عليه
وشيجة رحم لقريش التي أسلمت كرها قبل سنين عديدة خوفا من سيوف بني عبد
المطلب وصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وقد انتقم منهم بعد ذلك في قتل أولاد النبي وسبي
210

ذراريه والمذبحة التي قام بها يزيد في واقعة الحرة في المدينة وقتل أكثر من 700
نفر من وجوه المهاجرين والأنصار وحملة القرآن (1) وأحرقت وهدمت الكعبة التي
أصبحت قبلة للمسلمين مرة (2) في زمن يزيد وأخرى في زمن عبد الملك بن
مروان.
سادسا: ما احتمله ابن روزبهان من أن عمر سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا في
المتعة فعمل بما سمعه بنفسه، غير وارد، لأن الروايات التي وردت في متعتي الحج
والنساء بلغت حد التواتر.
وهنا أسئلة تفرض نفسها: إذا فصل الله ما حرم على الناس " وقد فصل لكم ما
حرم عليكم " (3) فلماذا لم يخبر رسول الله هذا التحريم بقية الصحابة؟ وهل اختص
عمر بابلاغ هذا التحريم دون غيره في النصف الثاني من حكومته (تحريم متعة
النساء) ولماذا لم يخبر عمر أحدا من الصحابة قبل ذلك الوقت؟ فمعنى هذا الكلام
هو: ان الرسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب أو رضي أن يرتكب المسلمون الحرام من بعد وفاته
وحتى أخريات عهد عمر! (نعود بالله).
نعم: الغريق يتشبث بكل حشيش، وليت الحشيش الذي تشبث به القوشجي
وابن روزبهان والرازي يقاوم لحظة واحدة. قال تعالى: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم
الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله
الكذب لا يفلحون " (4) وقال تعالى: " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله

(1) تاريخ ابن كثير 8 / 22 و 6 / 234.
(2) مروج الذهب 3 / 71 وتاريخ اليعقوبي 2 / 251 وتاريخ الخميس 2 / 303.
(3) الأنعام: 119.
(4) النحل: 116.
211

وأولئك هم الكاذبون " (1).
هذه هي حجة ابن روزبهان الواهية التي أصبحت وبالا عليه. والأوهن منها قول
الرازي في تفسيره في الرد على أدلة الشيعة: وقولهم (اي الشيعة): إن الناسخ إما أن
يكون متواترا أو آحادا، قلنا (اي الرازي): لعل بعضهم (اي الصحابة) سمعه ثم نسيه،
وما أدحضها من حجة.
12 - من الإشكالات الواردة على كلام الخليفة عمر قوله: والله إني لأنهاكم عن
المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله). (راجع ص 163).
وقوله: وقد علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين
في الآراك... (راجع ص 162).
وقوله: ان الله ورسوله قد أحلا لكم متعتين وأنا أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما
(راجع ص 154).
وقوله: ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا محرمهن ومعاقب عليهن متعة الحج
ومتعة النساء وحي على خير العمل (راجع ص 155).
أقول: القائل لهذا الكلام بغض النظر عن قائله فإنه كافر قطعا بحكم القرآن
والسنة وكافة علماء المسلمين إلا اللهم إذا قطعنا بعدم صحة هذه الروايات.

(1) النمل: 105.
212

المناقشة الثالثة:
أوجه الشبه بين المتعتين وتحريمهما بلفظ واحد.
1 - قول عمر: متعتان: اي متعة النساء ومتعة الحج والجامع لهاتين الكلمتين هو
الاستمتاع بالنساء اما مستقلا وهو النكاح إلى أجل، وأما في الزمن الفاصل بين
عمرة التمتع واحرام الحج، ثم يعلن الخليفة بأنه سيعاقب المتمتعين.
ويقول في موضع آخر: ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته
بالحجارة.
ويقول في موضع آخر: لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهن في الآراك.
ويقول أيضا: والله لأوشكتم لو خليت بينكم وبين المتعة أن تضاجعوهن تحت
أراك عرفة ثم تروحون حجاجا (1).
ويقول أيضا لا تتمتعوا في هذه الإيام فاني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن
في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا (2).
ويقول أيضا: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته. ويقول أيضا: بينوا حتى
يعرف النكاح من السفاح.
أقول: ما هو سبب كره الخليفة للتمتع من النساء؟ أو المضاجعة أو العرس؟ إني لا
أعلق على هذا الكلام فان القاري لهذه السطور سيستنبط مغزى كلامه!. والحر
تكفيه الإشارة.

(1) أخرجه أبو يوسف القاضي في كتاب الآثار: 97 رواية عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم
عن عمر بن الخطاب نقلا عن الغدير 6 / 204.
(2) زاد المعاد 1 / 220.
213

2 - عن الأسود بن يزيد قال: بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية
عرفة فإذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أمحرم أنت؟
قال: نعم، فقال عمر: ما هيئتك بهيئة محرم إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر (1).
أخرج أبو يوسف القاضي رواية عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر
ابن الخطاب، أنه بينما هو واقف بعرفات إذ أبصر رجلا يقطر رأسه طيبا فقال له
عمر: ألست محرما؟ ويحك! فقال: بلى يا أمير المؤمنين قال: مالي أراك يقطر رأسك
طيبا؟ والمحرم أشعث أغبر (2).
وعن سعيد بن المسيب: (3) إن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج
وقال: فعلتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنها، وذلك أن أحدكم يأتي من أفق من
الأفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته، ثم
يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله إن كانوا معه، حتى إذا
كان يوم التروية أهل بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا
تلبية الا يوما، والحج أفضل من العمرة...
ويقول عمر أيضا: ولكن كرهت أن يضلوا بهن معرسين في الأراك ثم يروحون
في الحج تقطر رؤوسهم (راجع ص 162). ونحن نعلم أن الرجل المستمتع بامرأة
يغسل غسل الجنابة بعد المضاجعة.
فأي شئ سبب غضب الخليفة ونقمته على المتمتعين أهو غسل الجسم وتطهيره
وتنظيفه؟ أم الطيب الذي يفوح من رأس الرجل الذي واقع أهله؟! أو تعجبه الريح
النتنة (الأذفر) التي تشمئز منها النفوس. وما سبب ارتياحه من الأشعث الأغبر

(1) المصدر السابق.
(2) كتاب الآثار: 97.
(3) ذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبة الكنز 3 / 32 نقلا عن حل حم خ م ن ق نقلا
عن الغدير 6 / 205.
214

الأذفر؟! أو يجب أن يضيق على المسلم بعد رخصة رخص الله تعالى بها للعباد؟
(حسب تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام) لعثمان بن عفان) (راجع 165).
3 - قول عمر: كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)... وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما.
اعتقد ان الخليفة صادق في مخالفته لمن استن بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل المتعتين،
وحي على خير العمل في الأذان، كما أنه ابتدع أحكاما لم تكن في عهده (صلى الله عليه وآله) مثل
صلاة التراويح (1) وزيادة جملة: الصلاة خير من النوم، في أذان الصبح، والتكفير في
الصلاة، وإجراء الطلقات الثلاث بلفظ واحد، ومنعه للخمس من آل الرسول (صلى الله عليه وآله)
و... (2).
وهذا الصدام من أبي حفص لم يكن الأول منه، وإنما سبقه وتلته مرات، وأشهره
يوم الرزية عندما قال النبي (صلى الله عليه وآله): هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، فقال عمر: إن
النبي يهجر، أو غلبه الوجع وعندكم كتاب الله فحسبنا كتاب الله. وعندما كثر اللغط
والاختلاف قال (صلى الله عليه وآله): قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع (3).
وذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، ذروني فالذي أنا فيه خير مما
تدعوني إليه. فصدم عمر خاطره الشريف بهذه الكلمات النابية وحال بينه وبين ما
أراد من كتابة الوصية وقد وصى هو وأبو بكر في وجع أشد منه.

(1) راجع كتاب الشيعة أهل السنة: 175 وكتاب فاسألوا أهل الذكر: 141 و 221 للدكتور محمد
التيجاني السماوي.
(2) راجع صحيح البخاري كتاب التراويح 2 / 252 وموطأ مالك 1 / 114 وقول عمر: تمت
البدعة. وقال السيوطي وابن الأثير 3 / 31: ان عمر أول من سمى أمير المؤمنين وأول من سن قيام
شهر رمضان بالتراويح وأول من حرم المتعة و.... نقلا عن كتاب الخطط السياسية: 492.
(3) راجع صحيح البخاري 7 / 9 باب قول المريض قوموا عني وج 4 / 31، 1 / 37، 5 / 137،
2 / 132، 4 / 65، 8 / 161 وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية 5 / 75 و 2 / 61 وصحيح مسلم بشرح
النووي 11 / 95، مسند أحمد 1 / 2 و 3 / 286 و 4 / 256 ح 2992 وتاريخ الطبري 2 / 193 وتاريخ
ابن الأثير 2 / 320 و....
215

المناقشة الرابعة:
نظرة عامة في تحريم عمر واعتبار نهيه نسخا
1 - أكثر علماء السنة يخالفون عمر في نهيه عن متعة الحج، بينما يوافقونه في
تحريمه لمتعة النساء، مع أن تحريمه لهما بلفظ واحد وصيغة واحدة، فلماذا لم
يحمل نهيه عن متعة الحج على النسخ كما يحمل كلامه في متعة النساء؟ وإذا كانوا
يعتبرون نهيه عن متعة الحج محمولا على الكراهة بل عن بعضهم الإجماع (1) في
جوازها، مع أنهم ذكروا توعد الخليفة بالعقاب لفاعلها! فليحمل نهيه عن متعة النساء
على الكراهية أيضا. وإذا كان نهيه عن متعة الحج اجتهادا ولأجل أن لا يعرس
المسلمون بنسائهم في الأراك ثم يهلون بالحج ورؤوسهم تقطر، فليكن تحريمه
لمتعة النساء اجتهاديا أيضا فيكون قوله حجة له فقط، لا للمسلمين جميعا، وإذا
أعتبر قول عمر حجة لكل المسلمين لأنه صحابي، فليكن قول جابر وابن مسعود
وابن عباس وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وغيرهم كذلك.
ولو سلمنا أن نهي عمر مستند إلى نهي النبي (صلى الله عليه وآله) من رواية يرويها بنفسه لا تشريع
(رغم انه ينسب التحريم لنفسه ورغم مخالفة الكثيرين من الصحابة والتابعين
واستنكار ذلك من قبل البعض منهم) فهو خبر واحد لا يثبت به النسخ، ولست أدري
لماذا أخفى عمر هذه الرواية من عهد أبي بكر وحتى الشطر الثاني من حكومته؟!
2 - تحامل البعض من علماء السنة على الشيعة واستنادهم إلى قول الخليفة
واعتبارهم متعة النساء سفاحا، لدليل واضح على عدم فهمهم واستيعابهم الكامل
لكلام الخليفة وجهلهم لأحكام المتعة المدون بعضها في كتبهم وعدم اطلاعهم عليها
وعلى كتب المجوزين.

(1) نقله صاحب الجواهر 30 / 146.
216

المناقشة الخامسة:
يظهر من أقوال عمر بن الخطاب أنه نهى أو حرم متعة النساء نتيجة هياجه في
واقعة فأفرط في كلامه، ولكنه سرعان ما هدأت فورته بعد الاعتراض عليه حتى
صرح بقوله: فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق... وكما قال ابن حزم: وعن عمر بن
الخطاب: أنه إنما أنكرها إذ لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين (1).
فإساءة التصرف من البعض أغضبت الخليفة وجعلته يقابل حكم الله وأمر
الرسول (صلى الله عليه وآله) وذلك لأمد قصير ولأنه بشر وغير معصوم فهو يخطأ ويصيب ويغضب
ويرضى ويشتد ويفتر ويأمر وينهى أحيانا بخلاف ما أنزل الله وبعد فتوره يعود إلى
رشده ثم يصحح كلامه.
ومن هنا تتضح لنا فائدة العصمة وعظمتها في قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (2) وقوله تعالى: " أفمن يهدى إلى الحق
أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (3) وقوله تعالى:
" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " (4).
وقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): " إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي
ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " (5) وقوله (صلى الله عليه وآله): " أهل بيتي كسفينة نوح من

(1) المحلى لابن حزم 9 / 520.
(2) الأحزاب: 33.
(3) يونس 35.
(4) الزمر: 9.
(5) الترمذي: 13 / 199 باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، كنز العمال 1 / 48، صحيح مسلم باب
فضائل علي بن أبي طالب، مسند أحمد 4 / 366، سنن الدارمي 2 / 431، سنن البيهقي 2 / 148 و
7 / 30، الطحاوي في مشكل الآثار 4 / 368، أسد الغابة 2 / 12 في ترجمة الإمام الحسن، الدر
المنثور في تفسير آية المودة، مستدرك الصحيحين وتلخيصه 3 / 109، خصائص النسائي: 30،
صفحات ابن سعد 2 / ق 2 / 2، كنز العمال 1 / 47 وكتب أخرى نقلا عن معالم المدرستين
ج 1 / 532. وراجع كتاب الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية للأستاذ المحامي أحمد حسين
يعقوب: 164.
217

ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى " (1).
وهذا هو الفرق بين من نصبه وعينه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمر من الله عز وجل إماما
على الخلق (2) وبين من نصبه انسان مثله. وخليفة النبي (صلى الله عليه وآله) يجب أن يكون مرجع
الناس في دينهم وقائدهم السياسي في دنياهم، ويجب ان يكون الأعلم والأفهم
والأفضل من بين اتباع الملة، والأصلح لقيادة المسلمين حتى يكون اهلا لخلافة
النبي (صلى الله عليه وآله). وكل هذه الصفات خفية لا يعلمها على وجه الجزم واليقين الا الله تبارك
وتعالى والعالم بالسر وما يخفى، والله هو وحده يعرف من تتوفر فيه الصفات
المرجعية والسياسية معا.
وشتان بين من قال: سلوني قبل أن تفقدوني، والله لا تسألوني عن شئ يكون
إلى يوم القيامة الا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا وأنا أعلم

(1) ذخائر العقبى للمحب الطبري: 20، مستدرك الحاكم 2 / 343 و 2 / 150، حلية الأولياء لأبي
نعيم 4 / 306، تاريخ بغداد للخطيب 12 / 19، مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 168، كنز العمال 6 / 153
و 216، الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: " وادخلوا الباب سجدا " سورة البقرة 58
تاريخ الخلفاء للسيوطي: 270، الصواعق لابن حجر: 757 نقلا عن معالم المدرستين 1 / 508.
(2) لقد جمع العلامة الأميني (قدس) في كتابه الغدير في الجزء الأول حديث الغدير الذي رواه
من 110 صحابيا و 84 تابعيا و 360 عالما من كبار علماء السنة وفيه ذكر استخلاف رسول الله
لعلي (عليه السلام) ونصبه أماما وخليفة على المسلمين.
218

بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل (1) وقول ابن عباس حبر الأمة في حقه:
والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في
العشر العاشر (2) والقول المشهور للنبي (صلى الله عليه وآله): انا مدينة العلم وعلي بابها (3).
وبين من يقول: لولا علي لهلك عمر (4)، (قيل سبعين مرة) وكل الناس أفقه من
عمر (5).
وعلى أي حال نحن لا نتوقع من الخليفة أكثر مما ذكرنا، فهو إنسان كسائر
الناس الا أنه صحب النبي (صلى الله عليه وآله) وسمع حديثه كسائر الصحابة، ولا أتصور أنه يرى
نفسه أكثر من ذلك، ولكن الخطب الفادح والمصيبة العظمى التي ألمت بالأمة
الإسلامية من أولئك المدعين للعلم والفهم، حيث لا يقبلون بأي حال من الأحوال
أن يسمعوا خطأ واحدا من الخليفة الذي يعتبرونه مجتهدا، بينما ملأوا كتبهم وحشوا
مسانيدهم من أخطاء منسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لا بقبلها عقل سليم في حق اي قائد
عادي.
ولو أمعنوا النظر في ما ورد عن عمر بن الخطاب في حلية متعة النساء لظهر لهم
كذب الراوي والرواية ولتركوا كل ما نقلوه في حقول أخرى، ولكنهم دأبوا على

(1) أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 / 114 والمحب الطبري في الرياض 2 / 198، تاريخ
الخلفاء للسيوطي: 124 والإتقان 2 / 319 وتهذيب التهذيب 7 / 338 وفتح الباري 8 / 485 وعمدة
القارئ 9 / 167 ومفتاح السعادة 1 / 400 نقلا عن الغدير 6 / 193.
(2) الإستيعاب 3 / 40، الرياض 2 / 194 ومطالب السؤول: 30 نقلا عن الغدير ج 3: 98.
(3) الغدير 6 / 61 حيث ذكر الأميني إخراجه من 143 من أئمة القوم وحفاظ حديثهم في
الصحاح والمسانيد بطرقهم عن النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله).
(4) السنن الكبرى الأميني 7 / 442، مختصر جامع العلم: 150، الرياض النضرة 2 / 194، ذخائر
العقبى ص 82 تفسير الرازي 7 / 484 الدر المنثور 1 / 288 و 6 / 40 نقلا عن جمع من الحفاظ، كنز
العمال 3 / 96 نقلا عن خمس من الحفاظ وغيرهم، الغدير 6 / 94.
(5) ابن كثير في تفسيره 1 / 467 والهيثمي 4 / 284 وغيرهم الغدير 6 / 96.
219

الاستناد إلى أخبار الآحاد الضعيفة وترك المتواتر.
يقول العلامة كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه (أصل الشيعة وأصولها: 175) تحت
عنوان التمحيص وحل العقدة: وإذا أردنا نسير على ضوء الحقائق ونعطي المسألة
حقها من التمحيص والبحث عن سر ذلك الارتباط وبذرته الأولى التي نمت
وتأثلت، لا نجد حلا لتلك العقدة الا أن الخليفة عمر اجتهد برأيه لمصلحة رآها
بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه اقتضت من أن يمنع استعمال المتعة، منعا مدنيا لا
دينيا، لمصلحة زمنية ومنفعة وقتية، ولذا تواتر النقل عنه انه قال: متعتان كانتا على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)... ولم يقل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمها ونسخها بل نسب التحريم
إلى نفسه وجعل العقاب عليها منه لامن الله سبحانه... إلى أن يقول: ولكن بعض
معاصريه ومن بعده من المحدثين البسطاء لما غفلوا عن تلك النكتة الدقيقة،
واستكبروا من ذلك الزعيم العظيم القائم على حراسة الدين أن يحرم ما أحل الله...
اضطروا إلى استخراج مصحح فلم يجدوا الا دعوى النسخ من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد
الإباحة، فارتبكوا ذلك الإرتباك واضطربت كلماتهم ذاك الاضطراب... انتهى كلامه.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا المضمار فلا يبقى
اي شك للإنسان المسلم عن حقيقة الأمر، ففي كتاب " مستدرك الوسائل " في باب
إباحة المتعة الحديث 12، عن الفضل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: بلغ عمر أن
أهل العراق يزعمون أن عمر حرم المتعة، فأرسل فلانا سماه، فقال: أخبرهم أني لم
أحرمها وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله ولكن عمر قد نهى عنها.
فتكون النتيجة هكذا: ان الخليفة استاء من إساءة التصرف بالمتعة في مواقف
متعددة فتألم من ذلك، وتكلم بشئ من النهي عنها، ثم تراجع بعد ذلك.
ولكن الذي يبعث على الأسف ان الرواة الراوين في فضائل بعض الصحابة
احتسابا للخير! (كما أمر معاوية) والعلماء الذين جاؤوا من بعدهم، غير مستعدين
220

للتراجع، والسلفية في هذا اليوم ينظرون إلى تلكم الأقوال والمرويات واجتهاد
العلماء الماضين المبنية على أصول غير متينة والتي كتبت في عهد الحكام الظالمين
وطبق رغباتهم وتحت إشرافهم، وقد اعتبروها وكأنها وحي واجتهادهم فوق الوحي
وأعلى رتبة من سنة النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلى هذا أصبح اللعب بكتاب الله ووضع الحديث
والاعتماد على الوضاعين جائزا.
وفي المقابل توجد عشرات الأحاديث التي تجاوزت حد التواتر ورواها
عشرات الصحابة والتابعين من عشرات الطرق والمؤيدة بكلام الله العزيز، وهي
تشكل الأساطين للبناء الفكري للإنسان المسلم والتي حفلت بها أمهات كتبهم، كيف
تصبح نسيا منسيا؟
أو لا تعجب معي أيها المسلم عندما يقف النبي (صلى الله عليه وآله) في حر الهجير وبأمر من
الباري عز وجل وبحضور سبعين إلى مئة الف من الحجاج، ولأجل تقرير مصير
الأمة الإسلامية بل ومصير الإسلام لنصب إمام للمسلمين، ثم يروي هذه الرواية
110 من الصحابة و 84 من التابعين (من عشرات الطرق) و 360 عالما من كبار
علماء السنة، وإذا عرضت هذه الرواية على علماء السنة في هذا اليوم يستوحشون
من سماعها لأنها لم تطرق أسماعهم ولأنهم قرأوا من كتبهم مواضيع خاصة، أو قرأوا
وسمعوا ولكن إن قبلوا بها فان صرح بنائهم الفكري سيتلاشى برمته، ولا يبقى منه
شئ يذكر وفي المقابل يروون ان رجلا واحدا سمع حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
معركة خيبر، أو في وادي أوطاس، أو فتح مكة أو... في تحريم متعة النساء، وهذا
الخبر مخالف لكتاب الله وسنة نبيه ولم تذكره كتب السير و... فيصبح كل اعتماد
هؤلاء العلماء على هذا الخبر ولا يرويه من تلك الجموع المحتشدة الا شخص
واحد، ثم يشاع هذا الخبر الموضوع مع إضافات بين الناس إلى درجة بحيث عندما
يشاهد أحد السنة شيعيا (إن كان عالما أو غير عالم) يتبادر في ذهنه لأول وهلة
متعة الشيعة التي سمع من العلماء أو قرأ في كتب السنة أنها سفاح! وعلى هذه فقس
ما سواها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
221

القسم الرابع
القائلون بأن المتعة منسوخة بالإجماع
معنى الإجماع عند السنة: قال الدواليبي في معنى الإجماع في (المدخل
ج 5 / ص 334).
الباب التاسع: الإجماع على قسمين:
1 - اتفاق العالمين من الأمة في الموضوع المبحوث فيه وليس اتفاق الأمة
بكاملها.
2 - الاتفاق الكائن في مكان ما من الأمكنة التي تحدث فيها الحادثة، أو تعرض
فيها، كالمدينة المنورة، وليس هو الاتفاق الكائن في جميع الأمكنة والأمصار.
وقال: فلما مضى الصحابة وجاء من بعدهم من العلماء، أخذ هؤلاء بالإجماع
أيضا كأصل من أصول الشريعة، غير أن هؤلاء لم يجدوا أنفسهم أمام أصل واضح
في حدوده (1).
ويقول السيد الخوئي (قدس سره): (2) إن الإجماع لا حجية له إذا لم يكن كاشفا عن قول
المعصوم (عليه السلام) وقد عرفت ان تحريم المتعة لم يكن في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بعده إلى
مضي مدة من خلافة عمر، أفهل يجوز في حكم العقل أن يرفض كتاب الله وسنة
نبيه بفتوى جماعة لم يعصموا من الخطأ؟ ولو صح ذلك لأمكن نسخ جميع الأحكام
التي نطق بها الكتاب، أو أثبتتها السنة القطعية، ومعنى ذلك أن يلتزم بجواز نسخ

(1) نقلا عن معالم المدرستين 2 / 299.
(2) البيان: 325.
222

وجوب الصلاة أو الصيام أو الحج بآراء المجتهدين، وهذا مما لا يرضى به مسلم.
أضف إلى ذلك أن الإجماع لم يتم في مسألة تحريم المتعة وكيف يدعى الإجماع
على ذلك مع مخالفة جمع من المسلمين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده ولا سيما
أن قول هؤلاء بجواز المتعة موافق لقول أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا. وإذن فلم يبق الا تحريم عمر.
ومن البين ان كتاب الله وسنة نبيه أحق بالاتباع من غيرهما، ومن أجل ذلك أفتى
عبد الله بن عمر بالرخصة، فقال له ناس: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فقال
لهم: ويلكم إلا تتقون... أفرسول الله أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ (1) (انتهى
كلامه).
أقول: إن سلمنا بما قال الدواليبي من الاتفاق (من دون قول المعصوم (عليه السلام)) فأين
اتفاق العالمين من الصحابة بالقول في تحريم المتعة؟ وأين الاتفاق في المكان الذي
حدثت فيه الحادثة؟
وأين القائلون بالحرمة حيث لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع بما فيهم عمر مع
اضطراب رواياتهم والاختلافات الفاحشة فيها والموجبة للاعتقاد بخلافها، كما ظهر
مما مضى، لأن المتحصل للمحقق من مضامين الأخبار التي ادعي بواسطتها
الإجماع ساقطة عن الاعتبار ونفس الإجماع لا عبرة به لمخالفته للنص والأخبار
الصحيحة الكثيرة الواردة في حليتها، والتي يستنبط منها الإجماع على حليتها إلى
النصف الثاني من حكومة عمر بن الخطاب مع تأييد المعصوم (عليه السلام) وادعاء الإجماع
بعد تحريم الخليفة إياها لمخالفته للإجماع السابق الذي كان مؤيدا بالمعصوم (عليه السلام)
ومخالفة جمع من الصحابة والتابعين وأهل البيت (عليهم السلام) للإجماع المزعوم. وقد قال ابن
حزم: وحكاه جابر عن جميع الصحابة. وأين هذا من قول أبي جعفر النحاس

(1) مسند أحمد 1 / 95.
223

المرادي (راجع ص 41): فصار تحريم المتعة إجماعا لأن ابن عباس لم يحاجج
الإمام علي (عليه السلام) لما خاطبه بهذا (إنك رجل تائه) لأن الذين يحلونها اعتمادهم على
ابن عباس!!!.
مضافا إلى ذلك فقد نسب إلى الجمهور من أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به (1).
فكيف بهذا الإجماع إذا كان متأخرا عن عهد الصحابة والتابعين؟
نعم أجمع علماء المسلمين من الطرفين بأن التحريم وقع من نفس الخليفة عمر
وبتحريمه لا يثبت الحرمة.
الطائفة الثالثة: القائلون بأن المتعة مذمومة عقلا، لإن المقصود من النكاح هو
التوالد والتناسل والمقصود من المتعة هو سفح الماء والالتذاذ وهو يوجب الزنى
والفحشاء و....
الجواب: كما قلنا فيما مضى ان هؤلاء الأخوة لم يعرفوا المتعة وحدودها واكتفوا
بما قرأوه في كتب أسلافهم الذين لم يكلفوا أنفسهم بالتحقيق عنها، وأخذها السلف
كغيرها من الأحكام بصورة مشوهة. والحال أنه لا توجد فوارق أساسية بين الدائم
والمنقطع كما أن الفارق بين الزنى والمتعة كبير جدا مثل اختلافه مع الدائم بل
وأكثر، وذلك حيث أن المتعة تعتبر سدا منيعا في مقابل الزنى وقد يعجز الدائم القيام
بنفس الدور. واليك أيها القارئ الفوارق والمشتركات.

(1) شرح التلويح، للتفتازاني والمستصفى للغزالي 1 / 126 وشرح النووي على صحيح مسلم
هامش ارشاد الساري 1 / 50 ومنهاج الوصول للبيضاوي، والأحكام للآمدي نقلا عن كتاب المتعة
للسيد جعفر مرتضى: 52.
224

موجز الأحكام المشتركة بين المتعة والدائم
1 - انهما لا يكونان الا بعقد من ايجاب وقبول لفظيين فلا يكفي التراضي
والمعاطاة.
2 - العقد فيهما لا يكون الا بلفظ الزواج والنكاح والمتعة. (هذا الأخير خاص
بالمنقطع).
3 - كلاهما ينشران الحرمة بالنسب والمصاهرة والرضاع.
4 - الولد من المتعة كالولد من الدائم تترتب عليه جميع الحقوق والواجبات
والآثار من الإرث ومن النفقة عليه ومن نفقة الولد على والديه وغير ذلك.
5 - وجوب العدة على المتمتع بها بعد انتهاء مدتها كوجوبها على الدائم بعد
طلاقها إن كانت مدخولا بها.
6 - لا عدة على غير المدخول بها ولا اليائس ولا الصغيرة كالدائم.
7 - لا يجوز أن يدخل العمة المتمتع بها ابنة أخيها أو ابنة أختها الا باذنها
كالدائم.
8 - لا يجوز مقاربة المتمتع بها في حال حيضها أو نفاسها كالدائم.
9 - الزوجة المتمتع بها فراش مع الدخول هو موجب لإلحاق الولد بالزوج وإن
عزل كالدائم.
10 - يجوز في النكاحين اشتراط كل أمر سائغ غير مخالف للكتاب والسنة ولم
يكن محرما لحلال ومحللا لحرام.
11 - عقد المتعة بعد وقوعه بشروطه لازم فلا تقابل فيه، كالدائم.
12 - لا يجوز للمسلمة ان تتمتع بالكافر، كالدائم، كما لا يجوز للمسلم ان يتمتع
بالمشركة غير الكتابية.
225

13 - إذا تبين فساد عقد المتعة لسبب من الأسباب بطل، فان كان لم يدخل بها
فلا مهر لها وإن كان قد دخل مع عدم علمها سابقا بالفساد فلها المهر، وإن كانت
حين العقد عالمة بالفساد ومكنت نفسها فهي بغي ولا مهر لها كالدائم تماما.
14 - يتساويان في وجوب عدة المتوفي عنها زوجها في أنها أربعة أشهر
وعشرة أيام.
15 - يتساويان في عدة الحامل فيهما وهو وضع حملها.
ويختص بنكاح الدائم جملة من الأحكام:
1 - لا طلاق في المتعة بخلاف الدائم.
2 - لا نفقة للمتمتع بها إلا مع الشرط اما الدائم فلها النفقة حتى ولو اشترط
عدمها.
3 - لا ميراث للمتمتع بها إلا مع الشرط على قول المشهور بخلاف الدائم فيثبت
به الميراث حتى مع اشتراط عدمه، لأن هذا الشرط باطل لمخالفته للكتاب والسنة
ومقتضى العقد.
4 - لا قسم لها ولا يجب لها المضاجعة.
5 - لا تجب مقاربتها في كل أربعة أشهر مرة بخلاف الدائم.
6 - لا رجعة لها في أثناء عدتها بخلاف الدائم المطلقة رجعيا أو المطلقة خلعيا
عن بذل منها ثم رجعت بالبذل أثناء العدة.
7 - يجوز الزيادة في المتعة على أربعة في آن واحد على قول مشهور -
بخلاف الدائم.
8 - يجوز العزل فيها، على خلاف الدائم، فإنه لا يجوز إلا برضاها على القول
المشهور وقيل - يجوز ولو لم ترض.
9 - لا يقع بالمتمتع بها ظهار ولا ايلاء ولا لعان.
10 - لا يقع المحلل بعقد نكاح المتعة.
226

11 - وجوب ذكر الأجل والمهر في المتعة.
12 - إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء المدة ولم يدخل بها استحقت المهر كله.
13 - تستحق المتمتع بها المهر كاملا إذا انتهت مدتها ولم يدخل بها ولم يكن من
قبلها مانع.
14 - يجوز في المتمتع بها العقد إلى مدة، وبعد انتهاء المدة يعقد عليها مرة ثانية
وثالثة بعقد جديد وبدون محلل.
وأما نقاط الافتراق بين المتعة والزنى:
1 - أن الزنى لا تقره الشرائع السماوية ولا المجتمعات وإن استعمله الكثير من
الشعوب. والزاني يعلم أنه مقدم على جريمة يأباها الضمير الإنساني والوجدان.
بينما المتعة هي مثل النكاح الدائم مع فوارق بسيطة. فليست المرأة سلعة تؤجر
للمتعة وإنما كالطرف الآخر تعطى من الالتزامات بمقدار ما تأخذ منها، ولعل هذه
العلاقة تبدل المنقطع إلى دائم، إن كسب كل منهما رضا الآخر. ويا حبذا لو حل هذا
النوع من الزواج محل فترة الخطوبة التي يقضونها باسم التعرف على بعضهما
مرتكبين بذلك الحرام بالنظر واللمس وغيرهما.
2 - لا تتقيد المرأة الزانية بأية قيود مع الزاني، بل ترتبط مع الجميع بينما تتقيد
المرأة في المتعة بتوحيد علاقتها الجنسية ما دامت في حبال الزوج، وإذا انتهت المدة
يمكن لهما تجديد العقد.
3 - وأما اختلاط المياه فهو خاص بالزنى، بينما المرأة المتمتع بها تعتد وعدتها
حيضتان والطفل يعود إلى أبويه من دون فرق بينه وبين سائر الأولاد.
4 - الهدف الأساسي من الزنى هو الإيلاج وسفح الماء، ولكن في المتعة يجوز
للصغار التمتع بوكالة من الأولياء كالدائم، وكذلك يجوز لها أن تشترط ترك الجماع
(هذا الشرط باطل في الدائم) وكذلك لا يجوز التمتع بالمرأة المتزوجة والمعتدة في
عدة الغير (كالدائم) اذن أين سفح الماء في هذه الموارد؟
فان قيل: إن الاستمتاع مثل الزنى من حيث قصد سفح الماء والتلذذ، والنكاح
227

الدائم يقصد منه التوالد وتشكيل العائلة.
يقال: فعلى هذا الأساس لا يجوز الجماع الا لطلب الولد وبشرط عدم
الاستلذاذ، وكذلك لا يجوز الزواج بقصد الاستمتاع وسفح الماء، وكذلك لا يجوز
زواج الصبي والصبية والسقيم، والمباشرة مع الزوجة طيلة مدة الحمل و... وإلا لزم
ان يكون الدائم كالزنا! هذا الكلام باطل. فكما لا منافاة وطلب الولد فكذلك لا
منافاة بين قصد سفح الماء والتلذذ بالدائم.
ريما يقال: إن علم بحمل المرأة بعد انتهاء الأجل فماذا تفعل المرأة حينئذ؟
فيقال: إن هذا ممكن في النكاح الدائم أيضا ولا فرق.
يرى بعض أهل السنة أن الرخصة في المتعة مرة أو مرتين يقرب من التدريج في
منع الزنى منعا باتا كما وقع في تحريم الخمر، وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في
الجاهلية، ولكن فشو الزنى كان في الإماء دون الحرائر (اي منع النبي (صلى الله عليه وآله) اقسام
الزنى (غير المتعة) وأبقى زنى المتعة فرخص فيه ثم منع ثم رخص ثم نهي عنها
وحرمها إلى الأبد).
يقول العلامة الطباطبائي (قدس سره) في الرد على هذا الرأي: ولعمري أنه من فضيح
اللعب بالتشريعات الدينية الطاهرة التي لم يرد الله بها إلا تطهير الأمة واتمام النعمة
عليهم.
ففيه:
أولا: ما أصر عليه هذا القائل ليس إلا نسبة نسخ الآيات إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بالترخيص
ثم نسخ هذا النسخ وإحكام الآيات ثم نسخ الآيات إحكامها وهكذا، وهل هذا الا
نسبة اللعب بكتاب الله تعالى؟
ثانيا: إن الآيات الناهية عن الزنا مكية مثل: " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة
ومقتا وساء سبيلا " (1)، وقوله تعالى: " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " (2)

(1) الاسراء: 32
(2) الانعام: 151
228

كلمة الفواحش جمع محلى باللام واقعة في سياق النهى مفيدة لاستغراق النهي لكل
فاحشة وزنى.
وقوله تعالى: " قل إن ربي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " (1). وقوله الله: "
والذين هم لفروجهم حافظون (2) " والآيات تحرم المتعة كما تحرم سائر أقسام
الزنى كما يقول، فأين ما ذكره من التدرج في التحريم والمنع؟.
أو انه يقول - كما هو اللازم الصريح لقوله، بدلالة آيات المؤمنون على الحرمة -
إن الله تعالى حرمها تحريما باتا، ثم النبي (صلى الله عليه وآله) تدرج في المنع عملا بالرخصة بعد
الرخصة مداهنة لمصلحة الايقاع موقع القبول، وقد شدد الله على نبية (صلى الله عليه وآله) في هذه
الخلة بعينها، قال تعالى: " وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا
غيره وإذا لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا " (3).
ثالثا: إن هذا الترخيص المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) مره بعد مره إن كان ترخيصا من
غير تشريع للحل ولفرض كون المتعة زنى وفاحشة، كان ذلك مخالفة صريحة
منه (صلى الله عليه وآله) لربه لو كان من عند نفسه وهو معصوم بعصمة الله تعالى، ولو كان من عند
ربه كان أمرا منه تعالى بالفحشاء " وقد رده تعالى بصريح قوله خطابا لنبيه (صلى الله عليه وآله): " قل
ان الله لا يأمر بالفحشاء " (4) وإن كان ترخيصا مع تشريع للحل لم يكن زنى
وفاحشة فإنها سنة مشروعة محدودة بحدود محكمة، لا تجامع الطبقات المحرمة
كالنكاح الدائم والعدة المانعة عن اختلاط المياه واختلال الأنساب، ومعها ضرورة
حاجة الناس إليها، فما معنى كونها فاحشة:؟ وليست الفاحشة الا العمل المنكر الذي

(1) الاعراب: 33
(2) المؤمنون: 7 والمعارج: 3
(3) الاسراء: 75
(4) الأعراف: 28
229

يستقبحه المجتمع لخلاعته من الحدود وإخلاله بالمصلحة العامة ومنعه عن القيام
بحاجة المجتمع الضرورية في حياتهم.
رابعا: أن القول بكون التمتع من أنواع الزنى الدائرة في الجاهلية اختلاف في
التاريخ واصطناع لا يرجع إلى مدرك تاريخي، إذ لا عين منه في كتب التاريخ ولا
أثر بل هو سنة مبتكرة اسلامية وتسهيل من الله تعالى على هذه الأمة لإقامة أودهم،
ووقايتهم من انتشار الزنى.
وكون الزنى فاشيا في الإماء دون الحرائر مما لا أصل له يركن إليه فان الشواهد
التاريخية المختلفة المتفرقة تؤيد خلاف ذلك، كالأشعار التي قيلت في ذلك، وقد
تقدم في رواية ابن عباس أن أهل الجاهلية لم تكن ترى بالزنى بأسا إذا لم يكن
علنيا. ويدل عليه مسألة الإدعاء والتبني الدائر في الجاهلية فان الإدعاء لم يكن
بينهم مجرد تسمية ونسبة، بل كان ذلك أمرا دائرا بينهم، يبتغي به أقوياؤهم وتكثير
العدة والقوة بالالحاق، ويستندون فيه إلى زنى ارتكبوه مع الحرائر حتى ذوات
الأزواج منهن، وأما الإماء فهم ولا سيما أقوياؤهم يعيبون الاختلاط بهن والمعاشقة
والمغازلة معهن. (1)
ويقول في موضع آخر: وهذا الكلام المبني على الصفح عما يدل عليه الكتاب
والحديث والاجماع والتاريخ، يتم به تحول الأقوال في هذه المسألة تحولها
العجيب: فقد كانت سنته قائمه في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ثم نهي عنا في عهد عمر ونفذ
النهي عند عامة الناس، ووجه النهي بانتساخ آية الاستمتاع بآيات أخرى أو بنهي
النبي (صلى الله عليه وآله) عنها وخالف في ذلك عده من الأصحاب وجم غفير ممن تبعهم من فقهاء
الحجاز واليمن وغيرهم حتى مثل ابن جريج من أئمة الحديث وكان يبالغ في التمتع
حتى تمتع بسبعين امرأة، ومثل مالك أحد أئمة الفقه الأربعة، هذا، ثم أعرض
المتأخرون من أهل التفسير عن دلالة آية الاستمتاع على المتعة وراموا تفسيرها
بالنكاح الدائم وذكروا أن المتعة كانت سنة من النبي (صلى الله عليه وآله) ثم نسخت بالحديث، ثم
راموا في هذه الأواخر أنها كانت من أنواع الزنى في الجاهلية رخص فيها النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الميزان ج 4 / 308
230

رخصة بعد رخصه ثم نهى عنها نهيا مؤبدا إلى يوم القيامة ثم ذكر هذا القائل الأخير
أنها زنى جاهلي محض لا خبر عنها في الاسلام قط الا ما وقع في كتب الشيعة،
والله أعلم بما يصير إليه حال المسألة في مستقبل الزمان (1)
الطائفة الرابعة القائلة بأن المتعة مخالفة لمقتضى العقد
الجواب:
أولا: يلزم أن نعلم أن ذكر المدة في عقد الزواج هو قيد، وهو خلاف اطلاق العقد
الدائم وليس خلاف مقتضى العقد ولذلك يقول أكثر الفقهاء: أن الأجل إن ترك ذكره
حين العقد فإنه ينقلب دواما. (وسيأتي بحثه في ذكر الأجل).
ثانيا: الشرط لا يكون مخالفا لمقتضى العقد الا إذا أثر على العقد نفسه وأخرجه
من حيز العقد، فمثلا: عند شرائنا لبيت، لا يحق للبائع أن يشترط حين البيع عدم
الاستفادة منه أو عدم دخول البيت. فان هذا الشرط يقضي على أصل عقد البيع
فيكون خلافا لمقتضى العقد.
فكذلك لو اشترطت المرأة عند العقد على الزوج عدم المباشرة معها (خلافا
للمنقطع فإنه جائز بالتخصيص كما أشرنا) ولذلك فان قيد المدة في المتعة لا يخالف
مقتضى العقد.
الطائفة الخامسة القائلة ببطلان المتعة لعدم ترتب أحكام اللعان،
الايلاء، الظهار والنفقة الملازمة للزوجية
الجواب:
لا ملازمة بين الزوجية والاحكام السابقة، لصدق الزوجية مع عدم لزوم هذه الأحكام
فان النفقة تسقط بالنشوز، والقسم لا يجب دائما ويسقط في السفر، ولأن
من لوازم الايلاء المطالبة بالوطئ وهو منتف في المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي
الملزوم، واللعان لا يقع بين الحر والأمه، كما أنه لا لعان ولا إيلاء ولا ظهار بين الزوج

(1) الميزان ج 4 / 310
231

والمرتدة، فكما خصت تلك العمومات بوجود الدلالة فكذا هنا.
الطائفة السادسة: هذه الطائفة مؤلفة من فئتين:
الفئة الأولى:
الذين لا يعتقدون بأي دين ومبدأ فكل شئ له صلة وخصوصا بالاسلام،
فيعتبرونه أمرا خرافيا بعيدا عن روح العصر والتقدم والازدهار و.... فهم يتطلعون
على أفواه الغربيين، فكل ما يقولونه يعتبرونه حجة لهم.
إذا قالت حذام فصدقوها * فإن القول ما قالت حذام
ولأنهم تربوا بتربية الغربيين وترعرعوا على منهاجهم وربما يعيشون على عطاياهم
ويقتاتون من موائدهم ويشربون من دلائهم، ولذلك فهم ملزمون لامتثال أوامرهم،
هؤلاء معارضون للمتعة بحجة أنها نوع من تعدد الزوجات وأن أساس الزواج يجب
أن يكون دائما وأن لا يخطر الافتراق في مخيلة أحدهما بأي حال من الأحوال.
كما أن هؤلاء يتهجمون وبكل شراسة على أحكام الزواج الدائم وحقوق الزوجين
في الشريعة. بل ما بقي حكم من أحكام الاسلام الا وتعرض لهجومهم وأعتقد أن
ذلك لسببين:
1 - جهلهم بأحكام الاسلام.
2 - التقليد الأعمى من الغرب. وهاتان الظاهرتان نجدهما بعينهما عند البعض من
إخواننا علماء السنة، فهم من جانب يجهلون أحكام المتعة ومن جانب آخر يقلدون
أخطاء السلف.
وأما الفئة الثانية:
فهم بعض المثقفين من أخواننا السنة كأمثال أحمد أمين ورشيد رضا
وغيرهما. حيث أنهم بدل التحقيق والاستطلاع على أحكام المتعة، يشنون عليها
غارات مشابهة تماما لغارات الغربيين وأتباعهم بحيث لا يمكن التمييز بينهم إن لم
نطالع كتبهم ونتعرف على أسمائهم، وسنجيب على آرائهم عند ذكر الاحكام
انشاء # الله.
232

أركان النكاح المنقطع (المتعة)
233

الركن الأول:
الصيغة
بما أن المتعة من العقود فلا تتم الا برضى الطرفين والإيجاب والقبول اللفظيين،
ولا يكفي رضاهما من دون وقوع اللفظ.
سؤال للمادتين: إن كان العقد عبارة عن تركيب الألفاظ التي تحكي عن إرادة ما
في الضمير للفرد، وإبراز كلمات الايجاب والقبول من أجل إظهار الرضا وقبول
شروط الزواج، وقد أعلن وأثبت ذلك بالفعل، فإن عمل الطرفين كاشف عن ذلك
العقد، فما يضر هذا بوضع الزواج؟ ولماذا يؤثر فقدان التلفظ على منع تكوين الزواج
حيث يشترط وقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح (الصيغة) وما هي فائدة العقد
واثر التلفظ بالايجاب والقبول؟ والحال أن الميول الجنسية التي تتجلى في لباس
العاشقين هي كيفية وجدانية وجسمانية معا، مثل العطش والجوع المتأثرين من
الميول الغريزية التي هي حيوانية صرفة، ولذلك لا تتقيد الحيوانات بذلك، وما الفرق
بين الانسان والحيوان مع توحد الميول؟ فعقد الزواج هو اللعب بالألفاظ ووجوده
وعدمه واحد وغير مؤثر في الحياة الجنسية.
الجواب:
أولا: نقول لأولئك المعترضين الذين يسبحون في نيران غرائز شبابهم، والذين
يريدون أن يهدموا كل القواعد والقوانين لأجل الوصول إلى مشتهياتهم، ويبغضون
كل الموانع والروادع التي تقف في طريقهم، نقول لهؤلاء: انه لا يمكن أن تنظر إلى كل
الحقائق بمنظار الشهوة ويجب أن لا نركز أنظارنا دائما إلى قبل أيام شهر العسل و
هياجه، لأنه ظرف يختلف عن سائر ظروف الحياة وهو مدة قصيرة جدا بالنسبة إلى
حياة الانسان. نعم لو كان ظرف ما قبل شهر العسل وبعده على وتيرة واحدة ونظر
235

كل منهما إلى الاخر نظرة ثابتة (وهو محال بالنسبة لهؤلاء). حيث أن النسيم المعطر
للمعشوقة لم يكد يشم منه شئ وألحان نغمات حنجرتها لم يكد يسمع منها صوت،
وجميل منظرها المشبه بالحور لا يرى منه شئ، ووردة بسمتها لا تتفتح مرة
أخرى. وطراوة خدها آلت إلى الذبول، قد أثلجت حرارة أنفاسها ومرآة وجهها
غطاها غبار التنافر، وشبع كل منهما من النظر للآخر، وأصبح مس كل واحد منها
للثاني مس الميت ففي ذلك الوقت تظهر الحقيقة. فإذا لم تكن بينهما معاهدة سابقة
ولم يكن عقد يقيد أحدهما بالآخر قد وافقا عليه ابتداء، ففي ذلك الوقت تتلاشى
حياتهم بأبسط ذريعة وتتبدد علقتهما بأقل حجه، وسيمحي كل واحد منهما عشيقه
السابق من ديوان عشقه، وسيحل احساس تفريطي آخر ليقرر مصيرا مخالفا
ومناقضا باتجاه معاكس، وسيفهم المستقبل بأن رؤيتهما في كلتا الحالتين لم تكن
بأكثر من سراب، وان المعاشقة الحرة قادتهما إلى الفناء وتبدد الأحلام. وقد حملهم
الزواج اللا مقيد مشاكل غير قابلة للحل حيث أنجبوا أطفالا غير نجباء، والذين
تضج من وجودهم الجوامع البشرية، وسبب ذلك لأن الأبوين غفلا عن حقائق
الحياة.
عقد الزواج وتشريعه يعقد حياة كليهما، ويجعل كل واحد من الزوجين يحس
بمسؤوليته الشرعية والقانونية تجاه الأخر.
يقول الكاتب الروسي (إيليا هرنبورك) في مقال تحت عنوان: الزواج في روسيا:
إن روسيا أرادت أن تقضي على عقود الزواج وتشريفاته وقسم الوفاء وأصرت
إصرارا شديدا على ذلك، حيث منحت الحرية المطلقة، وبالنهاية قضي على أصول
الزواج حيث لم يبق في النهاية سوى العمل الجنسي، وبعد مضي فترة من الزمن
أدركت الحكومة خطأها وعرفت أن رعاية الأصول والتشريفات للزواج مرتبطة
بمعتقدات الاشخاص، ولها الأثر الكبير في دوام علقة الزواج للزوجين.
ويقول الكاتب الفرنسي (اندره مورا) في مقال تحت عنوان: الميول الجنسية
والمعاشقة، والذي طبع قسم منه في مجلة الهلال العربية: إن اتباع الزواج الحر
236

وصلوا في حياتهم الزوجية إلى طريق مسدود من دون وجود مفر لهم، وقد شاهدوا
آلافا من الأضرار المترتبة على هذا النوع من الزواج، وهم الآن يغبطون أولئك الذين
حافظوا على حياتهم العائلية الشريفة. الزواج في الغرب وفي أغلب الأحيان
صوري، وهو تحت تأثير عوامل الشهوة الآنية من قبيل مشاهدة العراة على ساحل
البحر ومجالس الرقص و.... وبمجرد أن يتم اللقاء بين الطرفين فان نار الشهوة
تنطفئ عندهما، ثم يأتي دور الطلاق ليحل محل العشق وبكل سرعة. أولئك الذين
لا يتقيدون بعقد الزواج لن ينووا نية مقدسة لتشكيل العائلة، لأن أهدافهم تنحصر في
قضاء وطر الشهوة، فإذا وصلوا إلى مقاصدهم تفقد الاستمرارية مفهومها عندهم.
ثانيا: هنا قاعدة فقهية مروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: إنما يحلل الكلام
ويحرم الكلام، وتبنى عليه كثير من الأحكام. ويقول اللغويون: إن الكلام مشتق من
الكلم وهو بمعنى الجرح، فكما أن الجسم يتأثر ويتألم بالجراحة فكذلك الكلام
يؤلم القلب كما يقول الشاعر:
جراحات السنان لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان
وإن للكلام آثاره الوضعية في العقود والمعاملات والعبادات، حيث إن الكلام
يمكن أن يقضي على حياة دولة أو منظمة بأسرها، وإن استفيد في محله فإنه يغير
المعادلات ومع هذا فكيف يمكن القول بان الكلمات والجمل ليس لها أثر في إيجاد
العلقة بين الزوجين؟ (1)
آثار الكلام وبعض الموارد:
1 - الكفر والايمان تابعان للألفاظ.
2 - هو شرط تحقق العقود وبه تحصل الآثار الوضعية (يستثنى منه الأخرس).
3 - حكم القضاء لا يتحقق الا بالكلام.

(1) كتاب متعه وأثار حقوقي آن من صفحات مختلفه.
237

4 - في التلفظ بالبسملة (ذكر اسم الله) في تذكية الحيوانات.
5 - الشرائط المنوية ضمن العقد لا اعتبار لها إذا لم يتفوه بها. فخلاصة الكلام:
أن عقد الزواج يحلل الأجنبي للأجنبية، والكفر يوجب بطلان عقد الزواج، والطلاق
يوجب الحرمة بين الزوجين، والرجوع يمحي اثر الطلاق (قبل الطلاق الثالث) وبذل
المدة وانتهاءها في المتعة كالطلاق في الدائم.
فالنكاح المنقطع كغيره من العقود يشترط فيه الإيجاب والقبول اللفظيان،
ولا يحصل بدون ذلك قطعا، بالاجماع والنصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).
وألفاظ الايجاب ثلاثة: زوجتك، أنكحتك ومتعتك، كالدائم، واستعمال كلمة: متعتك
في الدائم لا يخلو عن اشكال. (1)
لأنها حقيقة شرعية للنكاح المنقطع، فان استعملت في الدائم يكون ذلك مجازا
مع وجود قرينة داله على قصد الدوام. ولا ينعقد بلفظ التمليك والهبة والإجارة.
ولابد من ذكر الأجل والمهر المضبوطين. ويجوز للزوج أن يقتصر بلفظ: رضيت
أو قبلت أو نعم، لأنه اللفظ الدال على إنشاء الرضا بذلك الايجاب.
وكذلك يصح العقد فيما لو بدأ بالقبول فقال: تزوجت، فقالت هي: زوجتك، صح.
وإن قال لها الزوج بصيغة المستقبل والأمر، صح، لروايتي أبان بن تغلب وجبير بن
سعيد عن الصادق (عليه السلام) (2). والظاهر أن الأمر هنا بمعنى الطلب الكاشف عن رضاه.
وهو إنشاء لطلب التزويج، والا فلا يحق لأحد إلزام الآخر بالزواج لا سيما وان
القبول من طرف الزوج فهو بطريق أولى.
شرط العربية: الذي يظهر من الروايات عدم وجود اشتراط العربية في كلام أهل البيت
(عليهم السلام) في قراءة العقد. وما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لسائليه، انما هو لأنهم كانوا
يتكلمون العربية ومن الطبيعي أن لا يكون الجواب بصيغة غير عربية. ولا يمكن أن

(1) الوسائل 18 من أبواب المتعة
(2) الوسائل 14 ب 18 من أبواب المتعة ح 1 و 5
238

يقاس هذا بالشرط في قراءة الصلاة لأنها منصوصة، ولا يجوز ترجمة سورة الحمد
وغيرها بلغة المصلي (وأبو حنيفة يجيز ذلك) والعمومات في القران والسنة لا تدل
على الاختصاص بالعربية، مثل قوله تعالى: " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من
عبادكم وإمائكم " (1) وقوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (2) وقوله (صلى الله عليه وآله): " النكاح سنتي "
فكما أن للعرب نكاحا وعقودا فكذلك لغيرهم. ولكن لو عجز أحد المتعاقدين تكلم
كل منهما بما يحسنه (3). لأنه إن كان مفهوم العقد متقوما بالعربية لم يكن فرق بين
القدرة عليها وعدمها أو العجز وعدمه الا اللهم إذا اشترطنا ذلك للمتمكن على
العربية ولو بالتوكيل، فان المعبر عن رضاه من العقد بغير لغته قبيح. والأولى أن
تكون العبارة كالآتي: يصح مع القدرة ويقبح بدونها. هذا أولا
وثانيا: إن اعتبرنا عدم تحقق العقد بغير العربية، فذلك معناه: إلزام كل المسلمين
من غير العرب بالتقيد بها لكل العقود، وهو تكليف بما لا يطاق. والمتعة تعتبر عقدا
واحدا من العقود الكثيرة الأخرى.
ثالثا: الالتزام بذلك يؤدي إلى تعطيل نكاح المتعة والعقود الأخرى في البقاع
التي لا يعلمون العربية.
أما الأخرس: فزواجه ينعقد بالايماء مع قصد الانشاء باتفاق الفقهاء حتى لو
أمكن له التوكيل كما في رواية أبي نصر البزنطي: أنه سأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن
الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلم. قال: أخرس هو؟ قلت: نعم. ويعلم منه
بغض لامرأته وكراهة لها أيجوز أن يطلق عند وليه؟ قال: لا ولكن يكتب ويشهد
على ذلك قلت: فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال (عليه السلام): بالذي يعرف به من

(1) النور: 32
(2) المائدة: 1
(3) الجواهر: 29 / 141
239

أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها (1) فإذا جاز للأخرس الطلاق جاز له
النكاح أيضا.
مسألة: لو أن أحد الزوجين جهل لغة الآخر (كما في الدول الأجنبية
للمسافرين) كيف يتم العقد؟
الجواب: إن كان الزوج يعرف العربية، يفهمها بموضوع النكاح بالايماء ويتم
الايجاب والقبول به، والأحسن أن يأخذ منها الوكالة في هذه الصورة ويقرأ الصيغة
الحاقا بالأخرس لاشتراكهما بالعجز عن الكلام. وكما يقول المحقق الحلي (قدس سره): ولو
عجز أحد المتعاقدين تكلم كل منهما بما يحسنه، كما ذكرنا. فما يحسنه المتعاقدان
هنا من الكلام هو الايماء.
ففي خبر نوح بن شعيب عن علي بن حسان عن عبد الرحمان بن كثير عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إني زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم
فأخبر بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: كيف زنيتي؟ قالت: مررت بالبادية فأصابني
عطش شديد فاستسقيت أعرابيا. فأبى أن يسقيني الا ان أمكنه من نفسي، فلما
أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير
المؤمنين (عليه السلام) تزويج ورب الكعبة (2). فاعتبر (عليه السلام) حصول رضا الطرفين وذكر المهر
وتعيينه والمرة المستعار منها الأجل تزويجا فان قيل: انها كانت مضطرة، نقول: إن
الاضطرار يوجب سقوط الحد عنها حتى ولو كانت ذات بعل أو في عدة الغير وذلك
خوفا من تلف النفس ولا يعتبر تزويجا.
ملاحظة هامة: يلزم للقارئ العزيز أن يراجع فتاوى مقلده في رسالته ويعمل بها

(1) وسائل الشيعة 15 مقدمات الطلاق وشرائطه ب 19 ح 1
(2) وسائل الشيعة 14 ب 2 ح 8 من أبواب المتعة
240

الركن الثاني:
المحل
1 - يجب ان تكون الزوجة مسلمة أو كتابية (كاليهودية والنصرانية والمجوسية)
إذا كان الزوج مسلما على أشهر الروايات (1). وفي رواية عن إسماعيل بن سعد
الأشعري ينهي الإمام (عليه السلام) عن المجوسية، الا ان الشيخ حمل حكم المجوسية على
كراهة. وينبغي أن يمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وارتكاب بقية
المحرمات.
اعتقد أن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الزوج عقد عليها
وهي على دينها الذي يبيح هذه المحرمات المذكورة وهي غير ملزمة بتركها. وعلى
أي حال فان نفس الطلب هو أمر حسن سيما إذا كان مدعوما بدليل مقنع فإنه
يدفعها إلى الاحترام والتقيد لموضع تنفره.
2 - ولا يجوز تمتع المرأة المسلمة بغير المسلم، أي يشترط أن يكون الزوج
مسلما. واما الايمان فلا يشترط في الكفاءة بين الزوجين حيث يجوز زواج المؤمن
من المسلمة وهو بلا إشكال، ولكن هل يجوز زواج المرأة المؤمنة مع المسلم الذي
لا يعتقد بمشروعية المتعة معتبرا إياها من الزنى أو السفاح؟
الجواب: بما أن الايمان لا يشترط في الكفاءة في زواج المتعة، ولعدم وجود
تخصيص في هذا الأمر فإنه جائز، وان أي إثم موجود فهو مترتب على الزوج
باعتبار إقدامه على عمل لا يعتقد بمشروعيته، ولكن مع هذا لا يترك الاحتياط، لما

(1) الوسائل: 14 ب / 13 ح 2 - 6 من أبواب المتعة.
241

ورد في الفقيه مرسلا عن الرضا (عليه السلام) حيث قال: إن المتعة لا تحل الا لمن عرفها وهي
حرام على من جهلها. (1)
ملاحظة: المقصود من الايمان هو الاعتقاد بامامة أهل البيت (عليهم السلام).
3 - يحرم للرجل المسلم التمتع بالمشركة.
هيهنا مسألة: وهي: هل يجوز التمتع بالكتابية المشركة؟ فان الله سبحانه وتعالى
قال في كتابه الكريم: " وقالت اليهود عزير ابن الله " (2) وقال تعالى: " وقالت النصارى
المسيح ابن الله " (3) وقال تعالى: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
والمسيح ابن مريم " (4) وقوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " (5)
وقوله تعالى: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " (6)
الجواب: لا يوجد دليل على تخصيص أهل الكتاب بتنزيه الله تعالى عما يصفون،
مضافا إلى وجود نوع من التسامح خاص في عقد المتعة للنصوص الواردة عن أهل
البيت (عليهم السلام) (7). ومن هنا نفهم ان المقصود بالمشركة هي التي لا تعتقد بأي دين
سماوي من الأديان المذكورة، مثل الوثنية وغيرها.
4 - وكذلك لا يجوز التمتع بالناصبة المعلنة العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) أو أحدهم،
كالخوارج. بمعنى ان الزواج من الناصبية غير المعلنة للعداوة لا مانع منه.
5 - ولا يجوز للرجل التمتع بأمة وعنده حرة الا بإذنها، ولو فعل كان العقد باطلا
وكذا لا يدخل عليها بنت أختها أو أخيها الا مع إذنها ولو فعل كان العقد باطلا كما

(1) الوسائل ج 14 ب 1 ح 2 - 6 من أبواب المتعة.
(2) التوبة 30.
(3) التوبة 30.
(4) سورة التوبة: 31
(5) سورة المائدة: 73
(6) سورة الممتحنة: 10
(7) الوسائل 14 ب 12 ح 1 / 5 من أبواب المتعة
242

هو مصرح في سورة النساء الآية 22. فلا فرق في هذه المحرمات بين الدائم
والمنقطع الا ما خرج بالدليل مثل النفقة والإرث والقسم والزيادة على أربع والنكاح
الدائم بالكتابية على أكثر الأقوال.
مسأله: هل تنفسخ الزوجية إن أسلم أحد الزوجين؟
يقول المحقق الحلي (قدس سره) في شرائع الاسلام (1) عند ذكر صور هذه المسألة: فروع
ثلاثة:
الأول: إن أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا، للأصل،
وما عرفناه من جواز ابتدائه للمسلم فضلا عن استدامته، وكذا لو كن أكثر من واحدة
بل أكثر من أربع لما تقدم من جواز ذلك في المنقطع. ولو سبقت هي في الاسلام
وقف على انقضاء العدة إن كان قد دخل بها، والا انفسخ عقدها، لعدم العدة حينئذ
لها، فان انقضت العدة من ذات العدة المدخول بها ولم يسلم بطل العقد، وإن لحق بها
قبل انقضاء العدة حينئذ لها، فان انقضت العدة من ذات العدة المدخول بها ولم يسلم
بطل العقد، وإن لحق بها قبل انقضاء العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا، ولو انقضى
الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل وإن كانت في العدة كما هو واضح.
الثاني: لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ أيضا على
انقضاء العدة، وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة، فأيهما حصل قبل إسلامه
انفسخ به النكاح. على نحو ما سمعته في الكتابية من أنه وإن كان لا يجوز للمسلم
التزوج بغير الكتابية لكن إذا أسلم عنها جرى عليها حكم الكتابية للفرق بين
الابتداء والاستدامة.
الثالث: لو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ووقف عقد الأمة على رضا
الحرة، وإن كان عقد الحرة المتأخر (2).

(1) بشرح صاحب الجواهر (ره)
(2) نقلا عن جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج 30 (ص 162 - 161)
243

المستحبات:
1 - أن تكون المرأة مؤمنة، لقول الإمام الرضا (عليه السلام) لما سأله الحسن التفليسي:
أيتمتع من اليهودية والنصرانية؟ فقال (عليه السلام) يتمتع من الحرة المؤمنة أحب ألي وأعظم
حرمة منهما (1).
وقول الصادق (عليه السلام) لما سأله محمد بن الفضل عن المتعة، فقال (عليه السلام): نعم إذا كانت
عارفة، قلنا: فان لم تكن عارفة؟ قال: فأعرض عليها وقل لها فان قبلت فتزوجها
وإن أبت فدعها (2).
أقول: يظهر من كلام الإمام الرضا (عليه السلام) في الرواية الأولى أنه يأمر بالتمتع من
المرأة المؤمنة للستر عليها ولئلا تقع في الحرام. وقد قال علي (عليه السلام): لولا ما نهى عنه
عمر من متعة النساء لما زنى الا شقي. ولئلا يفسح المجال لغير المؤمنين بالزواج
منها.
وثانيا: إن هذا الكلام يحمل في طياته نهيا عن التمتع باليهوديات والمسيحيات
مع وجود المؤمنات، لما للكافرات من إمكانية التأثير على المؤمنين أو على
الأطفال الذين يلدنهم، كما هو الحال في موارد كثيرة في أوربا، وما ورد في هذه
الرواية بالأمر بالتمتع من المؤمنة لا ينافي ما ورد مرسلا عن الصادق (عليه السلام) حيث قال:
لا تتمتع بالمؤمنة فتذلها.
قال الشيخ: هذا شاذ، ويحتمل أن يكون المراد به، إذا كانت المرأة من أهل بيت

(1) الوسائل 14 ب 13 ح 6 من أبواب المتعة
(2) الوسائل 14 ب 17 ح 1 من أبواب المتعة
244

الشرف يلحق أهلها العار ويلحقها الذل فيكون ذلك مكروها (1). وفي الرواية الثانية
يطلب الإمام الصادق (عليه السلام) من السائل أن يفهمها بالمتعة وشروطها حتى يكون ذلك
عن وعي ومعرفة فان قبلت، فبها، والا فيعرض عنها.
2 - وأن تكون عفيفة، لخبر سنان، قال: سألت أبا عبد الله عنها - اي المتعة - فقال
لي: حلال ولا تتزوج الا عفيفة، إن الله عز وجل يقول: " والذين هم لفروجهم
حافظون " فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على دراهمك. (2)
3 - ويستحب أن يسأل حالها مع التهمة، ففي خبر أبي مريم عن الباقر (عليه السلام) أنه
سئل عن المتعة فقال: ان المتعة ليست اليوم كما كانت قبل اليوم، انهن كن يؤمن
واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن. (3)
أقول: ويظهر من كلام الإمام (عليه السلام)، الاستطلاع عن حالها، إما منها، أو من غيرها
للاحتياط، والا فكما ورد في الحديث: إن النساء مصدقات على فروجهن، والذي
ورد من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) يدل أيضا على تصديقها وعدم لزوم التفحص
أو السؤال عنها أو التفتيش أو عدم التصديق.
قال محد بن راشد: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني تزوجت المرأة متعة فوقع في
نفسي أن لها زوجا، ففتشت عن ذلك، فوجدت لها زوجا، قال (عليه السلام) ولم فتشت (4)؟
وعن أبان بن تغلب قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أكون في بعض الطرقات فأرى
المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر، قال (عليه السلام) ليس هذا عليك

(1) الوسائل 14 ب 7 ح 4 من أبواب المتعة
(2) الوسائل 14 ب 6 ح 2 من أبواب المتعة
(3) الوسائل 14 6 ح 2 من أبواب المتعة
(4) الوسائل 14 1 ح 3 من أبواب المتعة
245

وإنما عليك أن تصدقها في نفسها. (1)
المكروهات: يكره أن تكون المرأة زانية: عن محمد بن الفيض قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن المتعة قال: نعم إذا كانت عارفة، إلى أن قال: وإياكم الكواشف
والدواعي والبغايا وذات الأزواج. قلت: ما الكواشف؟ قال (عليه السلام): اللواتي يكاشفن
وبيوتهن معلومة ويؤتين. قلت فالدواعي؟ قال (عليه السلام): اللواتي يدعين إلى أنفسهن وقد
عرفن بالفساد. فالبغايا؟ قال (عليه السلام): المعروفات بالزنى. فذوات الأزواج؟ قال (عليه السلام):
المطلقات على غير السنة (2).
أقول: يظهر من بعض الروايات الفرق في التمتع بالفاجرة أو الفاسقة أو المعروفة
بالفجور، كالروايات التالية:
الرواية الأولى:
عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): نساء أهل المدينة؟ قال: فواسق،
قلت: فأتزوج منهن؟ قال: نعم. (3)
الرواية الثانية:
عن إسحاق بن جرير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عندنا بالكوفة امرأة معروفة
بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة؟ قال: فقال: رفعت راية؟ قلت: لا، لو رفعت راية
أخذها السلطان قال: نعم تزوجها متعة، قال: ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه
شيئا، فلقيت مولاه فقلت له: ما قال لك؟ فقال: انما قال لي: ولو رفعت راية ما كان
عليه في تزويجها شئ إنما يخرجها من حرام إلى حلال. (4)

(1) الوسائل 14 ب 1 ح 3 من أبواب المتعة
(2) الوسائل 8 ب ح 3
(3) الوسائل 14 ب 9 ح 2 من أبواب المتعة
(4) الوسائل 14 ب 9 ح 3 من أبواب المتعة
246

الرواية الثالثة:
عن الحسن بن ظريف قال: قد تركت التمتع ثلاثين سنة، ثم نشطت لذلك، وكان
في الحي امرأة وصفت لي بالجمال، فمال قلبي إليها، وكانت عاهرا لا تمنع يد
لامس فكرهتها، ثم قلت قد قال الأئمة (ع): تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام
إلى حلال، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أشاوره في المتعة وقلت: أيجوز بعد هذه
السنين أن أتمتع؟ فكتب: انما تحيي سنة وتميت بدعة فلا بأس، وإياك وجارتك
المعروفة بالعهر وإن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا: تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من
حرام إلى حلال، فان هذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة
الخبر منها، فتركتها ولم أتمتع بها، تمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا
فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسببها مالا نفيسا، وأعاذني الله
من ذلك ببركة سيدي. (1)
أقول: يظهر من هذه الرواية ما يلي:
أولا: جواز التمتع بالفاسقة وإخراجها من الحرام وسوقها إلى الحلال.
ثانيا: وفي الرواية الثانية: يسأل الإمام (عليه السلام) بان الزانية هل رفعت راية؟ وفي
الرواية الثالثة ينهى (عليه السلام) بالتمتع مع جارة أبي الحسن بن ظريف المعروفة بالعهر
والتهتك معا، وقد يستشم منها الحرام ذلك للأسباب التالية:
الف - أخذ السلطان والاضرار بالمستمتع خصوصا إذا علم أنه شيعي.
ب - فيه هتك لحرمة المؤمن من حيث دخوله إلى بيت العاهر وخروجه
منه (وربما المشي معها وهو معروف بالايمان) فلا يشك الناظر لهما انهما قصدا الزنى
فيكون ذلك ذريعة للآخرين بالوقوع في الحرام ويسبب إشاعة الفاحشة. وهذان

(1) الوسائل 14 ب 9 ح 4 من أبواب المتعة
247

الدليلان يكفيان في الحرمة، مضافا إلى كونها معروفة بالتهتك وهو إخبار الآخرين
بذلك.
رابعا: يظهر من هذه الروايات وغيرها أن في التمتع هدفا اسلاميا وانسانيا مثل
إحياء السنة وإماتة البدعة، ومنع الفاجرة من الفجور وإخراجها من حرام إلى حلال
وإحصانها ثم نصحها ومنعها من الفجور. كما في خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) سئل عن
رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها في شئ في الفجور، فقال (عليه السلام):
لا بأس بأن يتزوجها ويحصنها. (1)
5 - من المكروهات: التمتع ببكر ليس لها أب، وإن فعل فلا يفتضها، وليس بحرام
كما في خبر ابن أبي الهلال عن الصادق (عليه السلام) قال: لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض
إليها كراهية العيب على أهلها. (2)
وأما إذا كان لها أب فبناء على أكثر الأقوال يستأذن أباها كما في الدائم،
والتفصيل في ذلك هو أنه لافرق بين الدائم والمنقطع وأن المتعة نوع من النكاح
تجري عليها جميع الأحكام الثابتة. كما أنه وردت روايات عن أهل البيت (عليهم السلام) في
هذا الصدد.
فمنها: صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام): قال: البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن
أبيها. (3) ومنها: صحيحة أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العذراء التي لها أب لا
تتزوج متعة الا بأذن أبيها (4). وهناك روايات أخرى في النهي عن التمتع بالبكر الا
بأذن أبيها.

(1) الوسائل 14 ب 12 ح 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة
(2) الوسائل 14 ب 11 ح 1 من أبواب المتعة
(3) الوسائل 14 ب 11 ح 5 من أبواب المتعة
(4) الوسائل 14 ب 11 ح 12 من أبواب المتعة
248

الركن الثالث:
المهر
وهو شرط في صحة العقد بحيث يبطل بسبب الإخلال بذكره.
وقد روى زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تكون متعة الا بأمرين أجل مسمى
وأجر مسمى. (1)
ويقول صاحب الجواهر (قدس سره) بعد ذكره للرواية الآنفة: بل يومي إليه قوله (عليه السلام) أيضا
في خبر آخر (2): فإنهن مستأجرات، كقول الباقر (عليه السلام): انما هي مستأجرة. بل من يعلم
الوجه في الفرق بين الدائم الذي يراد منه النسل ونحوه وبين المتعة المراد منها
الانتفاع والاستمتاع ونحو ذلك مما هو شبه الإجارة، ولذا كان المهر فيها كالعوض
في الإجارة شرطا في الصحة. (3).
أقول: ما استشهد به (قدس سره) من قول الإمام (عليه السلام): فإنهن مستأجرات، فان المراد بها
ليست الأجرة المصطلحة، وإنما هو المهر، كما في قوله تعالى: " يا أيها الذين أمنوا إذا
جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات
فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا
جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن... " (4).

(1) الوسائل 14 ب 17 ح 1 من أبواب المتعة
(2) الوسائل 14 ب 4 ح 2 و 3 من أبواب المتعة
(3) الجواهر 30 ح 162
(4) الممتحنة 10
249

حيث أن لفظ الأجر يشمل النكاحين الدائم والمنقطع على حد واحد. والظاهر
أن المراد من المستأجرات هو أنهن كالمستأجرات، وكما ورد في روايات أخرى
بأنهن بمنزلة الإماء.
فقد روى عمر بن أذينة عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: كم يحل من المتعة؟ قال:
فقال: هن بمنزلة الإماء (1). فالمقصود هو الشبه من بعض النواحي، وكما نرى في
بعض الروايات أن الذين يسألون الأئمة (عليهم السلام) يستفيدون في سؤالهم من كلمة (المهر)
أو أن الإمام (عليه السلام) يعبر عن الأجر بالصداق، كما في (الوسائل الباب 21) وأبواب
أخرى من أبواب المتعة. إذ لو كانت المرأة المتمتع بها مستأجرة بالمعنى
الاصطلاحي فان الزانية أيضا يجب ان تعتبر مستأجرة، كما أنها ليست أمة حتى
تصدق عليها أحكام الإماء، إذ المقصود من ذلك كونها بمنزلة الإماء بمعنى عدم
التقيد بالأربع أي أنها ليست كالدائمة، ولذا يقول صاحب الجواهر في آخر كلامه:
ولذا كان المهر فيها كالعوض في الإجارة شرطا في الصحة (والكاف للتشبيه) في
قوله: كالعوض. هذا أولا، وثانيا: في قوله (قدس سره): بل من يعلم الوجه في الفرق بين
الدائم... الخ.
لا يشتبه على القارئ ما ذكره المخالفون من أن المتعة هي للالتذاذ فقط ولا
يقصد منها غيره،
فقد ذكرنا: انه كما يمكن أن يقصد التوالد في المنقطع لمن لا يقدر على الدائم، أو
عند عدم توفر الظروف المناسبة، وكذلك يمكن أن يقصد الاستمتاع في الدائم.
والمقصود من عبارته (قدس سره) هو: بما ان النكاح المنقطع لأمد معين فهو يشبه الإجارة،
والمتمتع عادة يقصد في هذا النوع من النكاح عدم تشكيل العائلة كما يقصد عدم
الوقوع في الحرام، فتدبر. لكي لا يلتبس على القارئ ما ذكر حول المهر، فلابد من

(1) الوسائل 14 ب 4 ح 6 من أبواب المتعة
250

وقفة لتبين الموضوع وبيان فلسفة المهر.
ما هو المهر؟. المهر بفتح الميم: صداق المرأة، والجمع مهور مثل: فحل وفحول (1).
المهر هو ذلك الجانب المالي في النكاح، ويقال له الأجر أيضا كما ذكرنا، وأحيانا
يستعمل في أجرة الفاجرة أيضا، كما في " مجمع البحرين " حيث يقول: في الخبر
نهى عن مهر البغي، ولكن يظهر من الأقوال أن لفظ المهر هو أكثر استعمالا في الدائم
وأن الأجر في المنقطع والأجرة في الزنى.
المهر في القران
قال تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (2) في هذه الآية الكريمة ثلاث نقاط:
1 - سمي المهر صداقا. وهذه الكلمة مشتقة من مادة صدق ويسمى المهر:
صداقا، لدلالته على صدق العلاقة للرجل مع المرأة، وقد ورد في بعض التفاسير
مثل " الكشاف " والراغب الإصفهاني في " مفردات غريب القران " ان الصدقة، بفتح
الدال، كذلك لأنها دليل على صدق الإيمان.
2 - مع إلحاق ضمير (هن) بالصدقات، أراد تعالى أن يشير إلى تعلق المهر بنفس
المرأة فقط، حيث كان الأبوان يأخذان مهور بناتهم في السابق ويتصرفون فيها ثمن
الإرضاع والأتعاب والجهود التي بذلت للبنت، وكانوا يعتبرون هذا أمرا مشروعا.
3 - وباستعمال كلمة نحلة أراد تعالى أن يصرح بوضوح:
أن المهر ليس له عنوان غير الهدية والمنحة وليس ما يدعيه البعض بأنه ضمان
لمستقبل المرأة وإلى غير ذلك.

(1) مجمع البحرين: 287
(2) النساء: 4
251

الفلسفة الحقيقية للمهر
إن مشاعر المرأة والرجل تجاه بعضهما ليست متشابهة، فقانون الخلقة قد منح
المرأة الجمال والغرور والاستغناء، ومنح الرجل الاحتياج والطلب والعشق والتغزل،
فعودل ضعف المرأة في مقابل الرجل بهذه الطريقة، ولهذا يذهب لخطبة المرأة
وينافس الذكور من أجل صحبة الإناث، وتقع الحروب والمنازعات بين الرجال،
لأن جنس الذكر اقترن بدور الطالب. وقد أدركت المرأة بالهام فطري أن عزتها
واحترامها يقتضيان بان لا تسلم نفسها للرجل مجانا، وقد أدى ذلك مع ضعفها
الجسمي إلى جر الرجل لساحتها خاطبا ولأجل رضاها تتسلم من الرجل هدية
دليلا على الصداقة. إن للمرأة تأثيرا على الرجل أكثر منه على المرأة، فالرجل في
كثير من فنونه وشجاعته وإقداماته ونبوغه وشخصيته مدين للمرأة، وان التمنع
الظريف لها مدين لحيائها وعفافها. المرأة دائما تصنع الرجل والرجل دائما يصنع
المجتمع، وإذا ذهب حياؤها وعفافها و.... وبادرت إلى ممارسة دور الرجل فإنه
ينتفي دورها وينسى الرجل رجولته فينهدم المجتمع في النهاية. هذه القدرة هي التي
حفظت للمرأة شخصيتها طوال التاريخ وصانتها من الركض وراء الرجل، بل دفعت
الرجال إلى التنافس والتخاصم من أجلها إلى حد الاقتتال، وهي جعلت شعارها
الحياء والعفاف وسترت جسدها عن عيني الرجل وجعلت منها شخصية محفوفة
بالأسرار، ملهمة الرجل منبع العشق والفن والشجاعة والنبوغ وهي التي جعلت
الرجل يقدم لها عند الزواج هدية باسم المهر. والمهر مادة في قانون عام صبت في
أساس الخلقة وهيئت بيد الفطرة، وحتى في العلاقات غير المشروعة، الرجل هو
الذي يقدم الهدية للمرأة والعكس يعتبر إهانة. المهر هو وسيلة من الوسائل التي
تثبت لنا أن المرأة والرجل خلقا باستعدادات متفاوتة، وقد منح قانون الخلفة لكل
منهما مسندا خاصا من حيث الحقوق الفطرية والطبيعية.
252

انتقادات وشبهات
1 - المرأة في النكاح المنقطع تعتبر مستأجرة، وهو نوع من استئجار الإنسان
للإنسان، وهو مما يخالف كرامة المرأة حيث تضع نفسها تحت تصرف رجل في
مقابل نقود تقبضها منه.
الجواب:
الف: ما علاقة الزواج المؤقت بالمواصفات المذكورة للاستئجار؟ وهل ان
التحديد أخرجه من صورة الزواج إلى صورة الاستئجار؟ أم أن المهر المعين جعله
كذلك؟ فلو أن المرأة أسلمت نفسها من دون مهر فهي تحفظ كرامتها الإنسانية؟
ب: منذ متى ألغي استئجار الإنسان؟ فكل أصحاب الحرف وموظفي الدولة
والعمال هم مستأجرون، إن المرأة التي تعقد زواجا مؤقتا مع رجل معين بمحض
إرادتها ليست إنسانا مستأجرا ولم تفعل شيئا خلاف الكرامة والشرف الإنساني.
وإذا أردت أن تشاهد عبودية المرأة فسافر إلى أوربا وأمريكا وشركات السينما
لتفهم معنى الأجير. أنظر كيف يعرضون حركات المرأة ومنزلتها الجنسية للبيع،
والتي هي في الحقيقة أجرة النساء المستأجرات، أنظر إلى المرأة التعيسة لأي
الأعمال تقدم جسدها ومن أجل الحصول على المال؟ إنها يلزم أن تتعلم ولمدة
طويله أسرار الإثارة الجنسية بإشراف متخصصين (شرفاء!) وحاذقين فتضع جسمها
وروحها وشخصيتها تحت تصرف مؤسسة مالية من أجل اجتذاب زبائن أكثر
للمؤسسة، ومن أجل أن تضيف إلى جيب الثري الفلاني. من ذا الذي لا يعلم أن
جمال المرأة وجاذبيتها الجنسية وصوتها وفنها وابتكارها وروحها وبدنها
وشخصيتها تستخدم في الغرب كوسائل حقيرة وتافهة في خدمة الرأسمالية الأوربية
والأمريكية؟!.
253

* نحن لا ندري لماذا تعتبر المرأة التي ترتبط بعقد زواج مؤقت بشروط حرة،
امرأة أجيرة؟ في حين تقوم امرأة في عرس أو حفلة ليلية بتمزيق حنجرتها بألف
لحن ولحن أمام عيون ألف رجل جائع ومن أجل إرضاء شهواتهم الجنسية لكي
تقبض أجرا معينا لا تعتبر امرأة أجيرة؟
2 - كما يدفع الرجل مبلغا من المال ليحوز بستانا أو دارا أو حصانا أو بغلا كذلك
يجب أن يخرج من جيبه نقودا لأجل شراء زوجته، وكما تتفاوت الأسعار في
الأشياء فكذلك المرأة، وحسب الكبر والصغر والقبح والجمال والغنى والفقر
والمواصفات الأخرى ولما كانت المرأة والرجل متساويين فان بذل ثمن أو أجرة
من أحدهما للآخر ليس له سبب معقول وقد خلقهما الرب محتاجين لبعضهما وهما
في هذا الاحتياج متساويان مع بعضهما.
الجواب:
يقول العلماء إن الإنسان عاش في أمر الزواج مراحل:
الف - مرحلة بدائية حيث عاش طفيليا على المرأة وخادما لها وهي التي كانت
تحكمه.
ب - في المرحلة الثانية وهي مرحلة سلطة الأب صار الحكم بيد الرجل، فكان
يلزم له أن يتزوج من قبائل أخرى ونتيجة للصدام الموجود فيما بينها كان يختطفها
من إحدى القبائل.
ج - وبالتدريج حل الصلح محل الحرب وفي هذه المرحلة كان الرجل يذهب إلى
بيت والدها ويعمل لديه أجيرا لعدة سنوات ثم يتزوجها.
د - وفي المرحلة الرابعة أصبح الرجل يقدم مبلغا بصفة هدية إلى والد الفتاة، ومن
هنا نشأت عادة المهر. ثم يقولون: إن الرجل منذ أن قضى على نظام (سلطة الأم)
وأسس نظام سلطة الأب أصبح يعامل المرأة كأمة أو - في أحسن الأحوال -
كأجيرة له ولم يمنحها اي استقلال اجتماعي واقتصادي، ولم يكن للمرأة حق في
254

اختيار زوجها والنفقات التي يبذلها بوصفها نفقة كان يقبضها فائدة اقتصادية تؤديها
المرأة خلال فترة زواجها.
والحقيقة أن كل ما قيل في هذه المراحل ليس الا سلسلة افتراضات وتخمينات
وليس حقائق تاريخية أو علمية أو تجريبية، ومنشأ هذه الافتراضات وجود بعض
القرائن من جهة وبعض الفرضيات حول الإنسان والعالم من جهة أخرى، حيث أنهم
حرصوا على تصوير تاريخ الإنسان الأول بالقسوة المتناهية وتجاهلوا دور الطبيعة
من حيث التدابير المحيرة التي وضعتها من أجل الوصول إلى أهدافها الكلية.
كما أن هؤلاء العلماء سكتوا عن مرحلة يمكن أن تعتبر (الخامسة) وهي: ان
الرجل يقدم لدى الزواج (هدية) إلى زوجته لا يحق لوالديها التصرف بها، وفي نفس
الوقت تحفظ استقلالها الاجتماعي والاقتصادي كما يلي:
الف - تختار زوجها بإرادتها لا بإرادة الأب أو الأخ.
ب - في الفترة التي تقضيها في دار أبيها وثم في دار زوجها لا يحق لأحد أن
يستخدمها أو يستغلها وعائد عملها وجهدها لها ولا لغيرها ولا تحتاج إلى قيمومة
الرجل عليها في معاملاتها الحقوقية، والرجل ملزم (ما دام زوجها) أن يؤمن معيشتها
في حدود إمكاناته.
3 - انتقاد آخر: إن المرأة الشابة تستأجر لصاحب ثروة قد بلغ مبلغ من السن
والكبر لأهوائه ولا يهتم بعائلته.
الجواب:
يمكن أن يسئ الإنسان التصرف في كل المقررات والقوانين و... مثل المعاملات
والقروض وقوانين السير و... أفهل يجوز منع كل المعاملات ومصادرة الحريات
بحجة إساءة التصرف من قبل بعض الناس أو إيجاد الحلول المناسبة وغلق الطرق
المؤدية إلى الجوانب السلبية؟ لاشك أن الطريق الثاني هو المعقول والمنتقدون
للنكاح المنقطع من دون أن يطلعوا على أصل الموضوع وأحكامه، يأخذون
255

الجوانب السلبية منه ويتهجمون عليه. (1)
وأما ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) بأنهن مستأجرات فهو لأجل تقريب الموضوع
إلى الأذهان من حيث كونها كالمستأجرة، والتي مثلا يحبس من مهرها بقدر ما
تخلف. والا لو كانت مستأجرة كاملة لما لزم دفع المهر بمجرد قراءة العقد أو هبة
الأجل لها، أو لكان للرجل حق المطالبة ببقية المهر عند وفاتها أو مرضها و...،
مضافا إلى ذلك فان المؤجر يستفيد من مال الإجارة والمستأجر من محل الإجارة،
والحال أن الرجل بعد دفعه المهر للزوجة يتمتع هو وهي على حد سواء، وعلى هذا
يمكن أن يقال: ان الرجل مستأجر أيضا لأنها تستفيد منه. اذن تطبيق قانون الإجارة
بصورة كاملة للزوجين غير ممكن.
وأما ما يشترط في المهر:
1 - أن يكون مملوكا. فلا يجوز جعل الموقوفات أو الأشياء التي لا تملك مثل
املاك الناس، أو ما هو في تملك عامة الناس مثل الأزقة والشوارع مهرا، أو ما لا
ملكية له مثل الخمر والخنزير، لأن المعتبر كونه من الأعيان المملوكة.
2 - أن يكون معلوما غير مجهول إما بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف، و
ما ورد في الروايات من جعل الكف من بر أو تمر أو درهم ليس الا مثالا. وإن كان
نصف الكف من بر أو ما شابه ذلك وبرضائهما يعتبر مهرا صحيحا.
يقول صاحب الجواهر (قدس سره): وإن ذكر القدر المزبور (كف من بر أو دقيق) بناء على
تعارف عدم الأقل منه (2).
3 - أن يكون قادرا على تسليمه، فلو أمهرها بكف من بر على جبل شاهق أو
في بئر عميق لا يصح ذلك بل يلزم ان يدفعه (المهر) عند العقد.

(1) الشبهات والرد عليها إلى هنا نقلناها. بالمعنى من كتاب نظام حقوق المرأة في الإسلام
للشهيد المطهري ص 165.
(2) الجواهر 30 / 164
256

مسألة: هل تستحق المرأة كل المهر بمجرد العقد؟
الجواب:
بالاستناد إلى قوله تعالى " من استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " وبما أن
الاستمتاع حقيقة شرعية في النكاح المنقطع، ولا يشترط فيه مفهومه اللغوي وهو
الإلتذاذ، ولذا يلزم أن يدفع المهر بمجرد إجراء العقد، ولكن لا يستقر المهر الا بعد
الدخول بشرط الوفاء بالمدة الا أن يهبها إياها. وأما إذا تخوف الخلف وعدم
التمكين فلا يحوز أن يحبس عنها بمقدار خلفها.
لما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عن طريف عمر بن حنظلة. قال: قلت له:
أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كاملا وأتخوف أن تخلفني. قال: لا يجوز أن
تحبس ما قدرت عليه. فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك. (1)
ومعنى كلام الإمام (عليه السلام) هو:
أولا: عدم جواز الحبس حتى لو خاف بخلفها،
وثانيا: أن يأخذ منها بقدر تخلفها. أي يعطيها كل المهر وإن هي أخلفت لا يحق
لها أن تتملك من المال بقدر خلفها، وهو يسترجع بقدر ما أخلفت.
ملاحظة: في بعض الروايات هكذا: " أيجوز أن تحبس " اي بحذف كلمة (لا).
ولكن هذا خلاف قوله (عليه السلام): " فخذ منها ". اي ان الزوج يلزم أن يعطيها المهر كله عند
العقد ثم يأخذ منه بقدر خلفها له. وهناك روايات تؤكد هذه المسألة بعينها وستأتي
بعد هذا في مسائل أخري.
فاذن تستحق المرأة كل المهر بمجرد العقد والا لزم توزيع المهر على تمام المدة
ولا يلتزم بهذا أحد. نعم إذا كان يعلم ولو إجمالا بأنها ستغدر به ولا تفي بحقه
فيشترط عليها عند العقد ويحبس قسما من المهر فيدفع لها بقدر تمكينها منه.

(1) الوسائل 14 ب 27 ح 1 من أبواب المتعة
257

ولو وهبها المدة قبل الدخول، استرد نصف المهر (كالدائمة) وهي تستحق النصف
الآخر منه، وإذا وهبته المهر يجوز أن يدخل بها من دون أن يعطيها شيئا، كما في
مقطوع زرعة عن سماعة قال: سألته (اي الإمام (عليه السلام) عن رجل تزوج جارية أو تمتع
بها ثم جعلته في حل من صداقها، يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: نعم
إذا جعلته في حل فقد قبضته منه فان خلالها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على
الرجل نصف الصداق (1).
ويقول المحقق الحلي (قدس سره): ولو أخلت هي ببعضها (اي المدة) كان له أن يضع من
المهر بنسبتها. ويعلق صاحب الجواهر (قدس سره) على هذا الكلام بقوله: وبالجملة فالأصل
يقتضي وجوب المهر بالعقد، خرج الإخلال منها بالمدة لا لعذر فيبقى غيره. (2)
ولو تبين فساد العقد قبل الدخول استرجع كل ما دفع إليها من المهر، ولو كان بعد
الدخول كان لها ما أخذت وليس عليه تسليم ما بقي، كما في رواية حفص بن
البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا بقي عليه شئ من المهر وعلم أن لها زوجا، فما
أخذته فلها بما استحل من فرجها ويحبس عليها ما بقي عنده. (3)
وكذلك في رواية الريان بن شبيب حيث كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام): الرجل يتزوج
المرأة متعه بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل بها
وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها ولها زوج مقيم،
أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب (عليه السلام): لا يعطيها شيئا، لأنها عصت
الله. (4)
ويقول المحقق الحلي (قدس سره): ولو قيل: لها المهر إن كانت جاهلة ويستعاد ما أخذت

(1) 2 - الوسائل 14 ب 30 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الجواهر 30 / 168
(3) الوسائل 14 ب 28 ح 1 من أبواب المتعة
(4) الوسائل ب 14 28 ح 2 من أبواب المتعة
258

إن كانت عالمة كان حسنا. ويعلق على هذا الكلام صاحب " الجواهر " (ره): لكون
الوطئ شبهة في الأول فتستحق المهر بها وزنى في الثاني ولا مهر لبغي. (1)
هنا مسائل:
1 - لا يعتبر الصداق أجرة حقيقية للمرأة المتمتع بها إذ لو كان كذلك لما
استحقت المرأة غير المدخول بها نصف المهر (كالدائمة) إن وهبها المدة وبذل لها.
2 - إن تمتع الرجل ولم يدخل بزوجته لا لعذر منه أو منع منها فهي تستحق كل
المهر بدليل لزوم دفع المهر بالعقد، ولأنه لا يشترط الدخول في النكاح المنقطع.
3 - إن لم يملك المستمتع مالا واتفق مع المرأة على مهر معين ليدفعه لها بعد مدة
معينة فهل يجوز له الدخول قبل تسليم المهر إياها؟
الجواب: يجوز مع رضاها كما ذكرنا من خبر سماعة بقوله (عليه السلام): إذا جعلته في حل
فقد قبضته منه. وتأخير المهر برضاها هو بمثابة جعلها له في حل، إما أن تهبه المهر
أو تؤخره إلى أجل حيث لا فرق بينهما.
ملاحظة: نؤكد للقاري العزيز مراجعة فتاوى مرجع تقليده في كل هذه المسائل.

(1) الجواهر 20 / 171
259

الركن الرابع:
الأجل
وهو شرط في النكاح المنقطع باجماع العلماء واستنادا إلى النصوص الواردة عن
أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى زرارة عن أبي عبد الله قال: لا تكون متعة الا بأمرين، أجل
مسمى ومهر مسمى. (1)
وعن إسماعيل بن فضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة فقال: مهر
معلوم إلى أجل معلوم (2).
مضافا إلى روايات كثيرة أخرى والمذكورة في أبواب المتعة.
يقول المحقق الحلي (قدس سره) ولو لم يذكره (أي الاجل) انعقد دائما، وقد علق
على كلامه صاحب (الجواهر) (قدس سره) بقوله: فإذا أهمل في اللفظ والنفس تعين
للدوام، لأصالة الصحة في العقد، ولقول الصادق (عليه السلام) لموثق بن بكير: ان سمى الأجل
فهو متعة وإن لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت (3). ولأن أبان بن تغلب قال له (عليه السلام) لما
علمه كيفية عقد المتعة: إني استحي أن أذكر شرط الأيام فقال (عليه السلام): هو أضر عليك
قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، ولزمتك النفقة في العدة،
وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلقها الا طلاق السنة. (4) (5)

(1) الوسائل 14 ب 17 ح 1 و ح 3 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 ب 17 ح 1 و ح 3 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 20 ح 1 و 2 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14 باب 20 ح 1 ح 2 من أبواب المتعة.
(5) الجواهر 30 / 172
260

أقول: أما في الرواية الأولى وهي رواية موثق بن بكير، فان الإمام (ع) اشترط
ذكر الاجل وهو غير مشروط في الدائم وهو لا يدل على انقلابه إلى الدوام.
وأما الرواية الثانية: فهي لا تدل على انقلاب المتعة إلى الدائم أيضا لقوله (عليه السلام): (إنك
إن لم تشترط) اي إن لم تذكر الاجل الكاشف عن القصد للمتعة فهو يعتبر كاشفا عن
قصدك للدوام. وكما نعلم أن العقود تابعة للقصود وقصد الاستمتاع من دون ذكر
الاجل الذي يعتبر ركنا في عقد المتعة عقد فاقد للشرط يوجب البطلان ولا يوجب
الدوام لأنه غير مقصود (لا سيما إذا كان المستمتع متزوجا بأربع) الا اللهم إذا قصد
الدوام، ولم يذكر الاجل، فهو عقد دائم بلا شك.
وربما يؤيد هذا مضمر سماعة، قال: سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها، ثم
أنه نسي أن يشترط حتى واقعها يجب عليه حد الزاني؟، قال: لا ولكن يتمتع بها بعد
النكاح، ويستغفر الله مما أتى. (1) بناء على إرادة نسيان الاجل من الاشتراط فيه
فحينئذ يوجب بطلان العقد.
وقد يقال: بأنه ان كان الايجاب بلفظي التزويج والنكاح (بدون ذكر الاجل)
انقلب العقد دواما وإن كان بلفظ التمتع بطل، لأن لفظ المتعة خاص بالمنقطع ولفظ
التزويج والنكاح يستعملان للدائم.
وفيه ما ذكرنا: أن العقود تابعة للقصود وما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد وإنه لم
يقصد فيه الدوام ولذلك فهو باطل، كما وأسقط ركنا للمتعة بحيث لا تنعقد بدونها مما
يوحي بالبطلان.
وملخص القول.
أولا: ان لفظ النكاح عام يشمل الدائم والمنقطع والفارق هو ذكر الاجل، فان كان

(1) الوسائل 14 ب 39 ح 2 من أبواب المتعة.
261

العقد مقرونا بذكر الاجل فو منقطع والا فهو دائم، ومع استعمال صيغة الايجاب بلفظ
أنكحت وزوجت (بدون ذكر الاجل) مع قصد الدوام فلا ينعقد المنقطع بل يكون
دائما، وبما أن الجهة المميزة لنكاح المتعة غير موجود، ففي هذه الصورة، عبارة
الايجاب بدون ذكر الاجل يسوقه إلى الدوام وإن كان مع ذكر الاجل يدل على عقد
الانقطاع.
ثانيا: صيغة الايجاب في الدائم والمنقطع يمكن ان يكون بلفظ النكاح والتزويج
أو بأحدهما، ولكن استعمال كلمة (متعت) في الدائم لا يخلو من إشكال، لأنها حقيقة
شرعية للمنقطع، ولو أن بعض الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر (قدس سره) قال: إنه
لافرق بين الصيغ الثلاثة (متعت، أنكحت، زوجت) وهذا القول ينافي ما استدل بأن
كلمة المتعة حقيقة شرعية في المنقطع وإن صيغة المتعة غير متوغلة في الدائم بل
متوغلة في المنقطع ولا يكفي استعمالها بوحدها في الدائم.
وما قاله ابن إدريس (قدس سره): إنه إن كان الايجاب بلفظ التزويج والنكاح،
انقلب دائما وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.
يدفع: لأن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو الأجل كذلك الدوام
لأنه لم يقصد إليه فإنه الركن الأعظم في صحة العقود، ويمكن حمل مضمر سماعه
على ما ذكرنا وهو بطلان العقد.
ثالثا: فعلى هذا إن لم يذكر الأجل واستعمل لفظ (متعت) في الصيغة قاصدا
الانقطاع فهو لا ينقلب إلى الدوام. ويلزم أن يفرق بين العمد والنسيان فان حذف
الأجل عمدا كاشف عن قصد الزوجين وانهما كانا يقصدان الدوام، ففي هذه الصورة
نحكم بالبداهة بان عقد المتعة لم يكن هو المقصود، فصار دائما والا بطل بدعوى
ظهور تعمد الترك في الدوام وهو عدم ذكر الاجل الدال على عدم القصد للدوام ومما
علم فيه إرادة المتعة مع عدم ذكر الاجل نسيانا أو حياء أو غير ذلك.
262

ويقول صاحب الجواهر (قدس سره): فتخلص من ذلك أن الانقطاع الحاصل في
المؤجل الذي شرعه الشارع من حيث اشتراط الاجل فيه، فمع فرض عدم ذكره
يكون كالعقد الفاقد للشرط، لا أن لفظ أنكحت مستعمل في المنقطع على وجه
يكون ذكر الاجل كاشفا عن المراد بها، بل هي ليست مستعملة في معنى النكاحية،
والانقطاع إذا أريد أستعمل فيه ما يدل عليه من ذكر الاجل، فهو معه حينئذ دالان
ومدلولان، ومع عدمه يبقى الأول على معناه، ويحصل الدوام فيه من مجرد ثبوت
النكاحية فيه، وحينئذ فكلام المشهور والروايات مبنية على ذلك ولا ينافيها شئ مما
ذكروه ومن تبعية العقود للقصود ولا غيره.
ويقول (قدس سره): نعم لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس
الصيغة وان الاجل إنما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ ضرورة عدم قصد المطلق
من النكاح (ومعناه: أن لفظ أنكحت مطلق يشمل الدائم والمنقطع، فان قيده بذكر
الاجل صار منقطعا والا فهو دائم)، حينئذ فلا مقتضى لصيرورته دائما، كما لاوجه
لصيرورته منقطعا لعدم ذكر الاجل فيه وقد عرفت أنه شرط في صحته، ويمكن
حمل مضمر سماعة السابق على ذلك، والله أعلم. (1)
والأجل على ما شاء أو تراضيا عليه.
كما في رواية عمر بن حنظلة عن الصادق قال: يشارطها على ما شاء من
الأيام. (2)
وعن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يتزوج المرأة متعة
سنة أو أقل أو أكثر قال: إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم، قال: قلت: وتبين بغير

(1) الجواهر 30 / 175.
(2) الوسائل 14 ب 25 ح 3 من أبواب المتعة.
263

طلاق؟ قال: نعم. (1)
أقول: يظهر من الروايتين: أولا: إنه لا حد للأجل قل أو كثر، وثانيا: لابد أن يكون
الاجل معلوما معينا من دون زيادة أو نقصان.
ففي خبر بكار بن كردم قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يلقى المرأة فيقول لها:
زوجيني نفسك شهرا ولا يسمي الشهر بعينه ثم يمضي فيلقاها بعد سنين؟ قال: فقال
له: شهر إن كان سماه وإن لم يكن لا سبيل له عليها. (2)
وعن زرارة قال: قلت له: هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟
فقال: الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما. (3) (لأنه مجهول غير معلوم وعلى
هذا لو اقتصر على بعض يوم لا يجوز الا إذا قرنه بغاية معلومة).
مسألة: هل يجوز ان يعين شهرا منفصلا عن العقد؟
الجواب: من حيث عموم الأدلة ولقوله (عليه السلام) في خبر بكار الآنف الذكر: شهر ان
كان سماه، وبدليل اجراء أحكام العقد في المدة المسماة وعدم منافاته للتنجيز
والايتاء والاستمتاع في الوقف المعين كما يستأجر الرجل للحج من قابل يمكن
القول بالجواز، ولكنها إن كانت ذات بعل، في هذه الحالة ومنع لزوم جواز التمتع بها
لغيره في البين فهو غير جائز، مضافا إلى ذلك وجود أدلة أخرى تمنعه من ذلك من
قبيل بعض النصوص مثل:
عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة قال: نزلت هذه الآية (فما استمتعتم به
منهن)، قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الاجل بينكما فتقول: استحللتك

(1) الوسائل 14 ب 25 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 ب 35 ح 1 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 25 ح 2 من أبواب المتعة.
264

بأمر آخر برضا منها ولا يحل لغيرك حتى تنقضي عدتها... (1)
وفي رواية أخرى عن عبد السلام عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قوله
تعالى: " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم من بعد الفريضة "، قلت: إن أراد أن يزيدها
ويزداد قبل انقضاء الأجل الذي أجل؟ قال: لا بأس بأن يكون ذلك برضى منه ومنها
بالأجل والوقت، وقال: يزيدها بعد ما يمضي الاجل. (2)
ففي هاتين الروايتين يمنع الإمام (عليه السلام) حليتها لغيره حتى تنقضي عدتها كما يمنع
من الزيادة في الاجل وقبل انتهائه، فكيف يمكن القول في الفصل وهي في هذه
المدة يمكن أن تتزوج بآخرين؟
وعلى أي حال: المفهوم من الأدلة هو الاتصال.
ويقول صاحب الجواهر (قدس سره): بل يمكن دعوى عدم ظهور عبارات
الأكثر في الجواز بناء على انصراف ما ذكروه من اعتبار الاجل فيها إلى ما هو
المنساق منه (اي المتصل به)، بل لعل إغفال النصوص والفتاوى، عدم تعيين المبدأ
مبني على اعتبار الاتصال والا لذكروه كما ذكروا تعيين الغاية.
ويقول أيضا: وعلي أي حال فلا ريب في أن الاحتياط عدم ايقاع مثل هذا العقد
واجراء الاحكام عليه كما هو واضح. (3)
ولو لم يعين شهر وأطلق بأن قالت: زوجتك نفسي إلى شهر، اقتضى الاتصال
بالعقد لدلالة العرف وأصالة الصحة كما في الإجارة وغيرها وظهور خبر بكار في
ذلك.

(1) الوسائل 14 باب 23 ح 6 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 باب 23 ح 8 من أبواب المتعة.
(3) الجواهر 30 / 179.
265

ولو تركها حتى انقضى الاجل خرجت من عقده واستقر بها الاجر لما قلنا
باتصاله حال اطلاقه.
ويقول المحقق الحلي (قدس سره): ولو قال مرة أو مرتين ولم يجعل ذلك مقيدا
بزمان لم يصح وصار دائما وفي رواية دالة على الجواز وانه لا ينظر إليها بعد ايقاع ما
شرطه، وهي مطرحة لضعفها، ولو عقد على هذا الوجه انعقد دائما، ولو قرن ذلك
بمدة صح متعة. (1)
لأن ذكر المرة مبهم فلو أسند ذلك إلى وقت معلوم فهو جائز، وقد ذكرنا في
السابق بطلان ذكر الأجل المجهول وكذا بطلانه أيضا عند ترك الاجل، الا إذا قصد
النكاحية والتي هي مقتضى الدوام.
هنا ركن خامس لم يذكره العلماء لبداهته ولأنه أمر مفروغ عنه، واذكره من باب
توضيح الواضحات الا وهو اشتراط اختلاف الجنسين.

(1) الجواهر 30 181.
266

الاحكام
الأول: إذا ذكر المهر والأجل صح العقد وإن أخل بكليهما أو بأحدهما بطل متعة
كما ذكرنا.
الثاني: يقول المحقق الحلي (قدس سره): كل شرط يشترط فيه فلابد أن يقترن
بالايجاب والقبول ولا حكم لما يذكر قبل العقد ما لم يستعد فيه ولا لما يذكره
بعده. (1)
للروايات الواردة عنها (عليهم السلام) فمنها:
عن ابن بكير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة
فرضيت به وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح، فان اجازته فقد
جاز، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح. (2)
ملاحظة: قوله بعد النكاح اي بعد قولها أنكحتك نفسي، فتكون الشروط داخلة
في الايجاب وتصير لازمة. ويحتمل أن يكون المراد بالجواز غير اللزوم.
وكذلك للموثق عن الصادق (عليه السلام): ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح،
وما كان بعد النكاح فهو جائز. (3)، وعن الباقر (عليه السلام) كذلك. (4)
وأما ذكر الشرط بعد العقد فإنه لا أثر له اللهم إلا إذا كانت ارادته متصلة بالعقد
على وجه يكون من متعلقات القبول فإنه لا إشكال حينئذ في لزومه.

(1) الجواهر 30، 183.
(2) الوسائل 14 باب 19 ح 1 و 2 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 19 ح 1 و 2 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14 باب 19 ح 4 من أبواب المتعة.
267

كما ورد في فقه الرضا (عليه السلام): والوجه الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث وهو نكاح
المتعة... إن قال: فإذا كانت خالية من ذلك قال لها: تمتعيني نفسك على كتاب الله
وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) نكاح بغير سفاح كذا وكذا وكذا وكذا (ثم يذكر الشرط)... فإذا أنعمت
قلت لها: متعيني نفسك، وتعيد جميع الشروط عليها، لأن القول خطبة وكل شرط
قبل النكاح فاسد، وإنما ينعقد الامر بالقول الثاني، فإذا قالت في الثاني: نعم، دفع
إليها المهر، أو ما حضر منه وكان ما يبقى دينا عليك وقد حل لك وطأها. (1)
وكذلك خبر محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:
" ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة "؟ قال: ما تراضوا به من بعد
النكاح فهو جائز، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشئ يعطيها فترضى
به (أي بعد النكاح) (2)، ويلزم أن لا يكون الشرط خلاف مقتضى العقد ولا مجهولا
حيث الجهل به يوجب جهل العوضين.
الثالث: يجوز للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها وليس لوليها اعتراض إذا كانت
ثيبا، وأما إذا كانت بكرا فلا يترك الاحتياط بالاستئذان منه، وقد ناقشنا ذلك في
المكروهات.
الرابع: يجوز للزوجين اشتراط ما هو سائغ غير مخالف لمقتضى العقد مثل
الاتيان في وقت معين، أو المرة والمرات في الزمن الخاص، بدليل جواز العزل
وعدم سلطته عليها دائما، ولقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم، وقوله تعالى: (أوفوا
بالعقود)، وحتى لو كان فيه اسقاط شرط من له الشرط بدليل النص:
عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قلت: رجل جاء إلى امرأة
فسألها أن تزوجه نفسها فقالت: أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر

(1) مستدرك الوسائل باب 14 ح 2 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل ج 14 ب 19 ح 3 من أبواب المتعة.
268

والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله، إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي،
وتتلذذ بما شئت فاني أخاف الفضيحة، قال: ليس له إلا ما اشترط (1)، وذلك لعدم
منافاته لمقتضى العقد.
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال قلت له: رجل تزوج بجارية
عاتق على أن لا يفتضها، ثم أذنت له بعد ذلك، قال: إذا أذنت فلا بأس (2)، حيث أنها
رفضت الشرط السائغ وغير المخالف لمقتضى العقد، ثم أذنت بعد ذلك باعتبارها
زوجة يحل وطأها للزوج.
وإن لم يكن بينهما شرط فله ما شاء من الأجل وليس لها الامتناع في أي وقت
شاء، إذا لم يكن لها مانع شرعي، نعم لا سلطنة له عليها مدة عدم استمتاعه بنهي من
الخروج عن دار أو بلد أو نحو ذلك. (3)
الخامس: ويجوز العزل عنها وإن لم يشترط ذلك في متن العقد، للنص.
فقد روي عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العزل، فقال: ذاك
إلى الرجل يصرفه حيث شاء (4). والأولى الاشتراط عليها لنصوص كثيرة.
فمنها: عن جبير أبي سعيد المكفوف، عن الأحوال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
قلت: ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة؟ قال: كف من بر يقول لها: زوجيني نفسك
متعة على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) نكاحا غير سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني
ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمى فان بدا لي زدتك وزدتيني. (5)

(1) الوسائل 14 ب 6 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 ب 11 ح 3 من أبواب المتعة.
(3) الجواهر 30 / 186.
(4) الوسائل 14 ب 34 ح 1 من أبواب المتعة.
(5) الوسائل 14 باب 18 ح 5 من أبواب المتعة.
269

مضافا إلى روايات أخرى مذكورة في أبواب مختلفة مثل 33 و 45 من أبواب
المتعة في كتاب " وسائل الشيعة ")
ويلحق به الولد وإن عزل، لاحتمال سبق المني من غير تنبه، لقاعدة الفراش،
ونصوص أخرى واردة من أهل البيت (عليهم السلام).
فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث في المتعة قال: قلت: أرأيت
إن حبلت؟ فقال: هو ولده. (1)
ولا يجوز له أن ينفي الولد الا إذا تأكد له ذلك:
فعن ابن أبي عمير وغيره قال (عليه السلام): الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء الا أنه إذا
جاء ولد لم ينكره، وشدد في انكار الولد.. (2)
ولكن لو نفاه انتفى ظاهرا بغير لعان (ولا لعان في المتعة كما ذكرنا) كما أن الولد
ينتفي باللعان في الدائم إن نفى، وأما المتعة فهي أنقص فراشا من الدائمة فيكون
انتفاء الولد هنا بطريق أولى.
السادس: ولا يقع بها طلاق بل تبين بانقضاء المدة أو بهبته إياها، وليس له في
ذلك حق الرجوع، ففي رواية محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام)، قلت: وتبين بغير
طلاق؟ قال: نعم (3).
ولا يقع بها ايلاء لقوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق) (4)، ولأن المتعة لاطلاق فيها،
وكذلك من لوازم الايلاء المطالبة بالوطئ وهو منتف هنا، وبانتفاء اللازم ينتفي
الملزوم.

(1) الوسائل 14 باب 33 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 باب 33 ح 5 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 25 ح 1 من أبواب المتعة.
(4) البقرة / 226.
270

ولا لعان في المتعة على الأظهر، وقد قال بوقوعه المفيد والمرتضى (1)، استنادا
إلى أنها زوجة ولعموم قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) (2).
وأجيب بأنه مخصوص بزواج السنة لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): لا
يلاعن الرجل امرأته التي يتمتع بها (3).
وصحيحة ابن سنان عنه (عليه السلام) أيضا: لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع
بها (4)، ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: وفي انتفاء
الولد لا حاجة إلى اللعان. (5)
وفي الظهار قولان:
الأول: بالوقوع، لعموم الآية: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " (6)، فإن المستمتع بها زوجة وهذه الآية لم تخص
بخلاف اللعان والايلاء.
القول الثاني: بعدم الوقوع، لقول الصادق (عليه السلام): الظهار مثل الطلاق، والمتبادر من
المماثلة أن يكون في جميع الأحكام، مثل قول الصادق (عليه السلام): (7) لا يكون الظهار الا
على مثل موضع الطلاق ولأن المظاهر يلزم الفيئة (اي الرجوع بعد التكفير) أو
الطلاق. والطلاق متعذر هيهنا والا لزم بالفيئة وحدها بعيد وبهبة المدة بدل الطلاق
أبعد.
وأجيب عنه أولا بضعف الرواية وإرسالها، والمماثلة لا تقتضي العموم والإلزام

(1) الجواهر 30 / 189
(2) النور: 6.
(3) الوسائل 15 باب 10 ح 1 و 2 من أبواب اللعان.
(4) الوسائل 15 باب 10 ح 1 و 2 من أبواب اللعان.
(5) الوسائل 15 باب 5 ح 14 من أبواب اللعان.
(6) المجادلة / 3.
(7) الوسائل 15 كتاب الظهار باب 2 ح 3.
271

بأحد الأمرين جائز أن يختص بالدائم ويكون أثر الظهار هنا وجوب اعتزالها
كالمملوكة.
السابع: الميراث، هذه المسألة خلافية بين العلماء وفيها أقوال:
الأول: انهما لا يتوارثان، وقد استدل له:
ألف: إن الإرث حكم شرعي ويتوقف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبت هنا،
لان الأصل عدم ارث انسان مال شخص آخر من دون ثبوت سبب شرعي.
ب: للنصوص:
1 - خبر عبد الله بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة، فقال: حلال لك
من الله ورسوله قلت: فما حدها؟ قال: من حدودها ان لا ترثها ولا ترثك (1).
2 - مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس
بالرجل يتمتع بالمرأة على حكمه ولكن لابد له من أن يعطيها شيئا لأنه إن حدث به
حدث لم يكن لها ميراث. (2)
3 - صحيح عمر بن حنظلة: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من شروط المتعة فقال:
يشارطها على ما شاء من العطية، ويشترط الولد إن أراد، وليس بينهما ميراث (3).
4 - عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة: ليست من الأربع لأنها لا
تطلق ولا ترث وإنما هي مستأجرة (4)، وكذلك ما دل على أنها ليست كالحرة بل هي
مستأجرة كالأمة (5).

(1) الوسائل 14 باب 32 ح 8 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 ب 40 ح 1 من أبواب المتعة.
(3) ذكر صدره في باب 33 ح 3 وذيله في باب 32 ح 6 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14 باب 32 ح 10 من أبواب المتعة.
(5) الوسائل 14 باب 4 ح 6 من أبواب المتعة.
272

ج - النهي عنها للتمكن من التعفف بالتزويج، انها ليست زوجة توارث وانما هي
استمتاع وانتفاع، كما عساه يومي إليه مقابلة ذلك بالتزويج، في رواية عن الفتح بن
يزيد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتعة، فقال: هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه
الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة فان استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب
عنها (1).
د - رأي العلماء من أبناء العامة كما ذكرناه في الاستدلال بعدم التوارث، فان أبا حنيفة
قال لمؤمن الطاق في مباحثته له: آية الميراث تنطق بنسخ المتعة، فقال له
مؤمن الطاق، قد ثبت النكاح بغير ميراث، فقال له أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟
فقال: لو أن رجلا من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول
فيه؟ قال: لا ترث منه، فقال: قد ثبت النكاح بغير ميراث (2).
القول الثاني: عدم التوارث إذا اشترط سقوط الميراث، وقد استدل له.
الف - بقوله (صلى الله عليه وآله) المؤمنون عند شروطهم.
ب - بالنصوص الخاصة: منها: خبر أبان بن تغلب قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف
أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) لا
وارثة ولا موروثه، كذا وكذا يوما، وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما،
وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فإذا قالت: نعم فقد رضت،
فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها، قلت: فإني استحي أن أذكر شرط الأيام، قال:
هو أضر عليك، قلت: وكيف ذاك؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، ولزمتك
النفقة، وكانت وارثة، ولم تقدر على أن تطلقها الا طلاق السنة. (3)

(1) الوسائل 14 باب 6 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 باب 5 ح 2 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 ب 18 ح 1 وذكر ذيله في ب 20 ح 2 من أبواب المتعة.
273

ومنها: عن أبي بصير قال: لابد فيه من أن يقول فيه هذه الشروط: أتزوجك
متعة... وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك (1). مضافا إلى روايات أخرى في هذا الباب
من كتاب (الوسائل).
ومنها: صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج
المرأة متعة ولم يشترط الميراث، قال: ليس بينهما ميراث اشترطا أو لم يشترطا (2).
وما قيل من جواز اشتراط عدم التوارث في الدائم أيضا، وبالاستناد إلى
(المؤمنون عند شروطهم) وموثق محمد بن مسلم الذي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول في الرجل يتزوج متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط بعد
النكاح (3)، وضرورة اقتضاء العموم.
يرد عليه:
أولا: ان النصوص المعتبرة الواردة هي في الزوجة الدائمة والتي يمكن دعوى
تواترها:
فمنها: عن الحسين بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تحل الفروج بثلاث:
نكاح بميراث، ونكاح بلا ميراث ونكاح بملك يمين (4). وهناك روايات صحيحة
وصريحة وكثيرة مذكورة في الأبواب المختلفة في كتاب (الوسائل).
ثانيا: إن موثق (محمد بن مسلم) محمول على إرادة اشتراط الاجل اي يتوارثان
ما لم يشترطا الاجل فيكون متعة لا توارث فيها، ومطرح لقصور ما ذكرناه من
النصوص.

(1) الوسائل 14 ب 18 ح 4 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل باب 32 ح 7 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 19 ح 4 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل باب 35 ح 1 من أبواب المتعة.
274

القول الثالث: التوارث مطلقا، اشترطا أم لم يشترطا، واستناد ذلك إلى رواية
جعفر عن أبيه (عليه السلام) ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: من شرط شرطا لامرأته
فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (1).
وكذلك الاطلاق الوارد في قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن
لهن ولد) (2)، وأنها زوجة ولا يصح اشتراط سقوط إرثها كغيرها من الورثة، والآيتان
مطلقتان في ارث كل واحد من الآخر من دون فرق في النكاح.
القول الرابع: التوارث إن لم يشترطا عدم التوارث: وذلك بالاستناد إلى ما روي
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (المذكور في ص 274)، في قوله (عليه السلام): انهما
يتوارثان إذا لم يشترطا (3). قال الشيخ: المراد إذا لم يشترطا الاجل فإنهما يتوارثان
واستدل بما تقدم.
القول الخامس: إذا اشترطا التوارث أو شرط أحدهما، فيه رأيان:
الرأي الأول: لزوم العمل بالشرط، للنصوص:
فمنها: صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) في حديث: وإن اشترط الميراث
فهما على شرطهما. (4)
ومنها: صحيح البيزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: تزويج المتعة نكاح
بميراث ونكاح بغير ميراث، إن اشترطت كان وإن لم تشترط لم يكن (5). وهما دالان
على كون اشتراط الميراث سائغا لازما فيثبت به.

(1) الوسائل 14 باب 32 ح 9 من أبواب المتعة.
(2) النساء: 12 و 13.
(3) الوسائل 14 ب 19 ح 4 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14 ب 32 ح 5 من أبواب المتعة.
(5) الوسائل 14 باب 32 ح 1 من أبواب المتعة.
275

ويقول صاحب الجواهر (قدس سره) بعد ذكر هذا الرأي: وعلى كل حال فهذان
الخبران لمكان اعتبار سنديهما قد اغتر بهما جماعة من المتأخرين منهم الشهيدان،
حتى قال ثانيهما: انه بهما يجاب عن أدلة الفريقين، لدلالتهما على كون اشتراط
الميراث سائغا لازما فيثبت به، وعلى أن أصل الزوجية لا تقتضيه فتكون الآية (1)
مخصوصة بهما كما خصصت في الزوجة الذمية برواية: ان الكافر لا يرث
المسلم. (2) ويظهر أن سببية الإرث مع اشتراطهما تصير ثابتة بوضع الشارع، وإن
كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث، كما لو أسلم الكافر، وكذا يظهر جواب ما
قبل إنه لا مقتضى للتوارث هنا الا الزوجية (3).
الرأي الثاني: عدم لزوم العمل بالشرط، ويستدل على ذلك بوجوه:
1 - إن قيل إن المقتضي للتوارث هنا الزوجية للاطلاق الوارد في الآية الكريمة،
قلنا: إنه لا داعي للاشتراط وإن الآية تشمل المتعة وإن الاشتراط لا أثر له، وإن لم
تشمل الآية زواج المتعة لم يثبت الشرط لأنه توريث من لا وارث له وهو باطل.
وإن قيل إن الآية مخصصة بالروايتين المعتبرتي الاسناد.
قلنا: إنه يبعد رجحانهما على صحيحة ابن يسار المؤيد بالمرسل في الكافي عن
الكليني (قدس سره) حيث يقول الصادق (عليه السلام): ليس بينهما ميراث اشترط أو لم
يشترط.
وبظاهر النصوص المصرحة بكون المتعة كالإجارة (كما ذكرنا) وانها لا تقضي
الإرث، ويظهر من خبر هشام بن سالم والذي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أتزوج
المرأة مرة مبهمة؟ قال، فقال: ذاك أشد عليك، ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تطلقها

(1) النساء: 12.
(2) الوسائل ب 1 ح 3 من أبواب موانع الإرث.
(3) الجواهر ج 30 / 194.
276

الا على طهر وشاهدين، قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟.. (1) يظهر أن عدم
الإرث من حدودها وشرط إرث غير الوارث باطل لمخالفته الكتاب والسنة.
2 - ذكرنا سابقا أن الموت في عقد المتعة بمنزلة الهبة بخلاف الدوام، فلا زوجية
بينهما كي يقتضي التوارث، ولعل ذلك هو السبب في عدم اقتضاء المتعة للإرث
ضرورة كونها كموت العين المستأجرة المعلوم بطلان الإجارة بها، ويتفرع من ذلك
عدم جواز تغسيلها والنظر إليها وعدم أولويته بها.
3 - أما الدليل الثالث فنطرحه على شكل سؤال وهو: هل أن كل اشتراط يلزم
العمل به في كل عقد؟
الجواب: عندنا نوعان من الشروط: النوع الأول: الشروط الفاسدة، وهي تنقسم
إلى قسمين:
1 - الشروط الفاسدة الباطلة: وهي التي لا تؤثر على بطلان العقد، وهي تنقسم
إلى أقسام:
ألف - الشروط التي يستحيل العمل بها مثل شرط الطيران من دون وسيلة أو ما
شابه ذلك.
ب - الشروط الفاقدة لفائدة عقلائية، مثل شرط الضحك أو البكاء مرة أو مرات...
ج - الشروط اللا مشروعة.
2 - الشروط الفاسدة والمبطلة: وهي الشروط التي تؤثر على بطلان العقد
من قبيل:
ألف - الشروط المخالفة لمقتضى العقد: يقول الفاضل المقداد (قدس سره): فأما
أن ينافي مقتضى العقد فيفسد ويفسد، كشرط أن لا يبيع أو يطأ أو لا يقبض المبيع،

(1) الوسائل 14 ب 20 ح 3 من أبواب المتعة.
277

وأما أن لا ينافي العقد، كشرطه خياطة ثوب وفرض مال فيصح عندنا. والشرط في
النكاح ينقسم إلى هذه القسمة الا أن شرط ما لا ينافي العقد كشرط عدم التزويج أو
عدم الطلاق، ولا يبطل العقد قطعا.
ولو شرط عدم الطلاق، أو عدم الوطئ، أو عدم الثيبوبية بعد الوطئ، أو عددا
معينا منه لا غيره بطل العقد، وربما اشترط عددا معينا في الوطئ، إنما كان يبطل إذا
كان المشترط الزوجة، أما لو كان المشترط: الزوج، فإنه حق له ولا يبطل به، وليس
بشئ لأن الوطئ حق للزوجة أيضا للوقت المعين، أما لو شرط عليها أن يزيد على
الواجب أمكن الصحة، وكذا لو شرط عليه النقص عن الواجب، ولو شرط أحدهما
الزيادة على الواجب فإن كان الزوج فهو لاغ، وإن كانت الزوجة فالأقرب أنه كذلك
لأن الزائد حق له يصنع فيه ما شاء (1). انتهى كلامه..
مثال آخر: نحن نعلم أن من مقتضى عقد البيع هو التملك للمبيع من طرف
المشتري وتملك الثمن من طرف البائع، لنفرض ان البائع اشترط على المشتري
عدم تملك الثمن، فنقول إن هذا الشرط باطل كما أنه مفسد للعقد، فكذلك النكاح،
دائما كان أو منقطعا كل منهما بحسب وضعه الخاص.
فحقيقة المتعة تنفي اشتراط الميراث لأن من حدودها عدم التوارث، فالشرط
يصبح فيه توريث من ليس بوارث، كما لو اشترط البائع توريث المشتري إياه كجزء
من الثمن في المعاملة فتعتبر (المعاملة) باطلة، ولا يسوغها قوله تعالى: (أوفوا
بالعقود) ولا قوله (صلى الله عليه وآله): (المؤمنون عند شروطهم).
ب - الشروط المجهولة الموجبة للجهل بالعوضين. كشرط الرجل باعطاء مهر
غير معين، أو ذكر أجل غير معين، وهذا الشرط أيضا باطل ومفسد للعقد، واشتراط
التوارث مثله أيضا، بدليل اعتباره جزء من المهر وهو مجهول كذلك للجهل بالأجل

(1) نضد القواعد الفقهية. ص 348.
278

(الموت) والمال الذي سيملكانه آنذاك.
4 - الدليل الرابع بعدم لزوم العمل بالشرط: بما أن الاشتراط بالتوارث مخالف
للنصوص الصريحة (كما ذكرنا) وهي بدورها تعتبر مخصصة للكتاب، فلا يلزم العمل
به. والنصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة فمنها ما هو صريح من عدم فساد
العقد بفساد الشرط، ومنها ما هو ظاهر الدلالة فيه.
كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط
شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون
عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز وجل. (1)
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سئل عن رجل قال لامرأته: إن
تزوجت عليك أو بت عنك فأنت طالق، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من شرط
لامرأته شرطا سوى كتاب الله عز وجل لم يجز ذلك عليه ولا له (2).
وصحيحة محمد بن قبس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قضى في رجل تزوج امرأة
وأصدقته هي واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق.
قال: خالفت السنة ووليت حقا ليس بأهله، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع
والطلاق وذلك السنة. (3)
الثامن من الأحكام: وعدتها حيضتان كما في الروايات.
فعن إسماعيل بن الفضل: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة، فقال: ألق عبد الملك
بن جريج فاسأله عنها فإن عنده منها علما، فأتيته فأملى علي شيئا كثيرا في

(1) الوسائل باب 6 ح 1 من أبواب الخيار.
(2) الوسائل باب 13 ح 1 من مقدمات الطلاق وشرائطه.
(3) الوسائل باب 29 ح 1 من أبواب المهور.
279

استحلالها، وكان فيما روى ابن جريح أنه ليس فيها وقت ولا عدد... (إلى أن قال):
وعدتها حيضتان، فان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما، فأتيت بالكتاب أبا
عبد الله (عليه السلام) فعرضته عليه فقال: صدق وأقر به. (1)
وخبر أبي بصير المروي عن (تفسير العياشي) وعن كتاب الحسين بن سعيد على
ما في (البحار) عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة... (إلى أن قال): ولا تحل لغيرك حتى
تنقضي عدتها وعدتها حيضتان. (2)
وما في (المسالك) و (الروضة) من خبر محمد بن الفضل عن أبي الحسن
الماضي (عليه السلام): طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان (3).
منضما إلى ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام): إن على المتمتعة ما على
الأمة (4).
فإن المجتمع من الروايتين: أن عدة المتعة حيضتان.
وما روي عن زرارة ومحمد بن أبي نصر البزنطي وعبد الله بن عمرو في
كتاب (الوسائل باب 22) من أن عدتها حيضة أو خمسة وأربعون يوما لاحتمال إرادة
الحيضة وطهرها التأمين بدخول الحيضة الثانية، فيكون حيضتين بناء على الاجتزاء
بالدخول في الحيضة هنا ولو بلحظة.
لخبر عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عج) المروي عن
كتاب (الاحتجاج) إنه كتب إليه في رجل تزوج امرأة بشئ معلوم وبقي له عليها وقت
فجعلها في حل مما بقي له عليها، وإن كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من

(1) الوسائل 14 باب 4 ح 8 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 باب 23 ح 6 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل باب 40 ح 5 من أبواب العدد.
(4) الوسائل باب 52 ح 2 من أبواب العدد.
280

أيامها ثلاثة أيام أيجوز أن يتزوجها رجل آخر بشئ معلوم إلى وقت معلوم عند
طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب (عليه السلام): يستقبل بها
حيضة غير تلك الحيضة، لأن أقل العدة حيضة وطهرة تامة (1). (وعن بعض النسخ:
طهارة).
ويظهر مما ذكرنا اجتماع النصوص على الحيضتين بناء على الإجتزاء بالدخول
في الحيضة الثانية، ومنه يعلم عدم أحوطية الحيضتين من الطهرين (المحكي من
العلماء) لإمكان تحققهما بدون الطهرين كما لو كانت الحيضة مقارنة لانتهاء الاجل
أو لابد من حيضة كاملة ولحظة من حيض من غير فرق بين السابقة واللاحقة.
وإن كانت ممن لا تحيض ولم تيئس فخمسة وأربعون يوما وكما روي عن
الباقر (عليه السلام) حيث قال: عدة المتمتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمس وأربعون
ليلة (2). (أي الأيام بلياليها).
وتعتد من الوفاة بشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة وبضعفها إن كانت حرة،
ومستند ذلك الأخبار الكثيرة الواردة في الوسائل.
فمنها: صحيح ابن الحجاج عن الصادق (عليه السلام): سألته عن المرأة يتزوجها الرجل
متعة ثم يتوفى عنها هل عليها عدة؟ قال: تعتد بأربعة أشهر وعشرا (3).
ومنها المعتبرة المستفيضة: إن عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة
أيام (4).

(1) الوسائل باب 22 ح 7 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل باب 22 ح 2 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل باب 52 ح 1 من أبواب العدد.
(4) الوسائل باب 42 ح 6 - 10 من أبواب العدد.
281

والمؤيدة بما دل في الروايات على أنها على النصف من الحرة (1). على وجه كان
ذلك كالأصل.
وها هنا رأيان متخالفان:
الرأي الأول للشيخ المفيد والمرتضى والعماني وسلار: أن عدة الحرة والأمة
شهران وخمسة أيام، لأنها كالأمة (في العدة)، فكذلك في الموت، لمرسل الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام): سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال:
خمسة وستون يوما. (2)
يقول صاحب الجواهر (قدس سره) مستشكلا على هذا الرأي: وفيه: عدم خروج
الأول عن القياس، الا أن يراد التمسك بعموم المنزلة الذي يجب عن الخروج بما
سمعت والمرسل الذي لا جابر له ساقط عن الحجية، على أن في سنده الطاطري
الواقفي الذي قيل فيه، إنه شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من
الامامية، فيجب حينئذ طرحه في مقابل الصحيحتين (وهما: صحيحة ابن الحجاج
عن الصادق (عليه السلام) المذكور في ص 281. وصحيحة زرارة: سألت أبا جعفر ما عدة
المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال: أربعة أشهر وعشرا، قال: ثم قال: يا زرارة
كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح
منه، متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا). (3)
أو حمله على إرادة خصوص الأمة من الامرأة فيه كحمل خبر علي بن يقطين
عن أبي الحسن (عليه السلام): عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها 45 يوما (4). على الموت

(1) الوسائل باب 40 و 42 و 47 ح 2 و 3 و 10 من أبواب العدد.
(2) الوسائل باب 22 ح 2 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل باب 52 ح 2 من أبواب العدد.
(4) الوسائل باب 52 ح 3 من أبواب العدد.
282

متصلا بانقضاء الاجل وإلا كان من الشواذ (1).
الرأي الثاني: للحلي والفاضل وغيرهما، وهو: أن عدة الأمة كالحرة (أربعة أشهر
وعشرا) للصحيحين المذكورين (أول هذه الصفحة) وصحيح زرارة في رواية أخرى
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنها زوجها سواء في العدة،
الا أن الحرة تحد والأمة لا تحد (2). وصحيح سليمان بن خالد (3)، ووهب بن عبد
ربه (4)، والأحوط جعل الأمة، كالحرة في عدة الوفاة وإذا كانت فأبعد الأجلين على
قول المختار أو على قول المقيد من وضع الحمل. (5)
التاسع: تجديد العقد: عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في المتعة قال:
نزلت هذه الآية: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)، قال: لا بأس بأن تزيدها
وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما فتقول: استحللتك بأمر آخر برضى منها (6).
وكذلك: يسأل أبان بن تغلب أبا عبد الله (عليه السلام):... فهل يجوز أن يزيدها في أجرها
ويزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال: لا يجوز شرطان في
شرط، قلت: كيف يصنع؟ قال: يتصدق عليها بما بقي من الأيام ثم يستأنف شرطا
جديدا (7). والروايتان صريحتان بأنه لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل،
والمراد أنه كما لا يجوز أجلان في عقد واحد، فكذا لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ
العقد.
العاشر: الوكالة في النكاح المنقطع: يجوز التوكيل لكل عمل لا يستلزم

(1) الجواهر 30 / 200.
(2) الوسائل باب 27 ح 1 و 2 و 3 من أبواب العدد.
(3) الوسائل باب 27 ح 1 و 2 و 3 من أبواب العدد.
(4) الوسائل باب 27 ح 1 و 2 و 3 من أبواب العدد.
(5) الجواهر 30 / 200.
(6) الوسائل 14 باب 32 ح 2 من أبواب المتعة.
(7) الوسائل باب 24 ح 1 من أبواب المتعة.
283

المباشرة، وأما الأعمال التي لا يجوز فيها التوكيل مثل الصلاة والصوم و... لأنها
مقيدة بالمباشرة، وأما التوكيل في إجراء العقد فهو جائز بشرط أن لا يتعدى الوكيل
عما أوكل عليه الموكل مثل مقدار المهر وسائر الخصوصيات، بدليل أن ما وكله به لم
يقع في الخارج وما وقع منه لم يكن وكيلا عنه.
ولو وكلت المرأة رجلا في تزويجها لا يجوز له أن يزوجها من نفسه، لأن
التزويج وبحسب العرف يختلف عن التزوج فإن الأول ظاهر في الإنكاح من الغير،
نعم لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضا بالعموم أو الإطلاق، جاز ومع
التصريح أولى بالجواز، ولافرق في الوكيل بين الرجل والمرأة والزوج والزوجة،
فكما يصح توكيله بالزواج من نفسها فكذلك بالعكس، لأن الوكالة أمر اعتباري،
ويمكن أن يتولى الوكالة أحدهما كما لو كان أحدهما أخرسا أو كان الآخر قادرا
على العربية.
الحادي عشر: العقد الفضولي: الأقوى صحة النكاح الواقع فضولا مع الإجازة،
باعتبار أن مقتضى العمومات الوفاء بالعقد وعدم جواز نقضه، وأن الإجازة بمنزلة
الانشاء سواء كان فضوليا من الطرفين أو أحدهما، كان المعقود له صغيرا أو كبيرا.
كما في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر (عليه السلام) قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام
وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين: قال، فقال: النكاح جائز أيهما أدرك
كان له الخيار، فان ماتا قبل ان يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا
ورضيا. قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز عليه ذلك إن هو رضي.
قلت: فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك
الجارية، أترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها حتى تدرك.
وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث الا رضى بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث
ونصف المهر، قلت: فان ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال:
284

لا، لأن لها الخيار إذا أدركت، قلت: فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟
قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية (1).
وفي فرض آخر: لو طلب منه أخوه أن يعقد له امرأة تحمل أوصافا معينة
فوجدها وعقد عليها وكالة عن أخيه ففي مثل هذه الحالة، إن أجاز ذلك أخوه أو
أمضى العقد فهو صحيح وإلا فهو باطل.
الثاني عشر: العيوب وخيار الفسخ، في هذه المسألة قولان: أولهما بما أن
المتمتع بها مستأجرة فليس لها حق الفسخ لأن المستمتع حر في العزل وعدم
الدخول.
وثانيهما: ان النكاح يشمل الدائم والمنقطع وحقيقتهما واحدة، ولذا يحق له
الفسخ لأن المتمتع بها زوجة، والمتعة نوع من أنواع النكاح.
الثالث عشر: جواز التمتع بأكثر من أربع نساء، وإن كانت عنده أربع زوجات
بالدائم: فعن أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المتعة، أهي من الأربع؟ فقال:
لا ولا من السبعين (2).
وعن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: كم يحل من المتعة؟ قال:
فقال: هن بمنزلة الإماء (3).
الرابع عشر: يجوز التمتع بالمرأة الواحدة عدة مرات ولا تحرم في المرة الثالثة
والتاسعة:
فعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يتزوج المرأة وينقضي شرطها،
ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه، ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا

(1) الوسائل ج 17 ب 11 ح 1 من أبواب ميراث الأزواج.
(2) الوسائل 14 ب 4 ح 7 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 ب 4 ح 6 من أبواب المتعة.
285

وتزوجت ثلاثة أزواج، يحل للأول ان يتزوجها؟ قال: كم شاء، ليس هذه مثل الحرة،
هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء (1).
الخامس عشر: النفقة: يظهر من الروايات بأن الانفاق غير واجب للزوج، وقد
ذكرنا بعض الروايات المتضمنة لعدم وجوب النفقة، وهنا تجدر بنا الإشارة إلى
بعضها:
فمنها: عن أبان بن تغلب، انه قال لأبي عبد الله (عليه السلام): فإني استحي أن أذكر شرط
الأيام، قال: هو أضر عليك، قلت: وكيف؟ قال: لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام
ولزمتك النفقة في العدة (2).
وعن هشام بن سالم (3) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أتزوج المرأة مرة مبهمة،
قال، فقال: ذاك أشد عليك... قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال: أياما
معدودة... فإذا مضت أيامها، كان طلاقها في شرطها ولا نفقة ولا عدة عليك.
وهناك روايات أخرى في هذا المضمون.
وأما اشتراط النفقة حين العقد فهو جائز وهو لا يقاس مع الإرث لأن مقتضى
الإرث هو القرابة والزوجية الدائمية، وقد ذكرنا توريث من ليس بوارث، وأما
الانفاق فلا تحده قرابة ولا الزوجية، ولذلك، يمكن للفرد أن ينفق على من يشاء
وحتى عند الاشتراط في كل عقد من العقود الجائزة، فيصبح لازم التنجيز.
* (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين) *

(1) الوسائل باب 26 ح 1 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14 باب 20 ح 2 و 3 من أبواب المتعة.
(3) الوسائل 14 باب 20 ح 2 و 3 من أبواب المتعة.
286