الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الصلاة
تعريف الكتاب 1

الطبعة الأول
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - الدار الاسلامية
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية
الصلاة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الأول
تعريف الكتاب 3

فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع 153 - 202 ه‍ ق
1

باب مواقيت الصلاة
اعلم يرحمك الله أن لكل صلاة وقتين: أول وآخر، فأول الوقت رضوان الله وآخره
عفو الله، ونروي أن لكل صلاة ثلاثة أوقات: أول وأوسط وآخر، فأول الوقت رضوان الله
وأوسطه عفو الله وآخره غفران الله، وأول الوقت أفضله وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت
وقتا وإنما جعل آخر الوقت للمريض والمعتل والمسافر، وقال العالم ع: إن الرجل
قد يصلى في وقت وما فاته من الوقت خير له من أهله وماله، وقال العالم ع:
إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، فلا أحب أن يسبقني أحد بالعمل لأني أحب أن
يكون صحيفتي أول صحيفة يرفع فيها العمل الصالح، وقال العالم ع: ما يأمن
أحدكم الحدثان في ترك الصلاة وقد دخل وقتها وهو فارع.
وقال الله عز وجل: الذين هم على صلواتهم يحافظون، قال العالم ع:
يحافظون على المواقيت، وقال: الذين هم على صلاتهم دائمون قال العالم ع: أي
هم يدومون على أداء الفرائض والنوافل، وإن فاتهم بالليل قضوا بالنهار وإن فاتهم بالنهار
قضوا بالليل، وقال العالم ع: أنتم رعاة الشمس والنجوم وما أحد يصلى صلاتين
ولا يؤجر أجرين غيركم، لكم أجر في السر وأجر في العلانية.
وأول صلاة فرضها الله على العباد صلاة يوم الجمعة الظهر، فهو قوله تعالى: أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا،
3

تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وقال العالم ع: أول وقت الظهر زوال
الشمس وآخره أن يبلغ الظل ذراعا أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان، ووقت
العصر بعد القدمين الأولين إلى قدمين آخرين أو ذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا
فصار قدمان للظهر وقدمان للعصر، فإن لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا تقصير
ولا يريد أن يطيل التنفل، فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمنعه منهما
إلا السبحة بينهما.
والثمان ركعات قبل الفريضة والثمان بعدها نافلة وإن شاء طول إلى القدمين وإن
شاء قصر، والحد لمن أراد أن يطول في الثماني والثماني أن يقرأ مائة آية فما دون وإن
أحب أن يزداد فذلك إليه، وإن عرض له شغل أو حاجة أو علة تمنعه من الثماني
والثماني إذا زالت الشمس صلى الفريضتين وقضى النوافل متى ما فرع من ليل أو نهار في
أي وقت أحب غير ممنوع من القضاء في وقت من الأوقات، وإن كان معلولا حتى يبلغ ظل
القامة قدمين أو أربعة أقدام صلى الفريضة وقضى النوافل متى ما تيسر له القضاء، وتفسير
القدمين والأربعة أقدام أنهما بعد زوال الشمس في أي زمان كان شتاء أو صيفا طال الظل أم
قصر فالوقت واحد أبدا.
والزوال يكون في نصف النهار سواء قصر النهار أم طال فإذا زالت الشمس فقد
دخل وقت الصلاة وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته
قدمين بعد الزوال، فإذا بلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه أن يصلى الظهر
في استقبال القدم الثالث وكذلك يصلى العصر إذا صلى في آخر الوقت في استقبال القدم
الخامس، فإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو قاض للصلاة بعد الوقت، وأول وقت
المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه أن يسود أفق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق
وهو أول وقت العتمة وسقوط الشفق ذهاب الحمرة، وآخر وقت العتمة نصف الليل وهو
زوال الليل، وأول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وهو بياض كبياض النهار
وآخر وقت الفجر أن تبدوا الحمرة في أفق المغرب، وإنما يمتد وقت الفريضة بالنوافل فلو لا
النوافل وعلة المعلول لم يكن أوقات الصلاة ممدودة على قدر أوقاتها فلذلك تؤخر الظهر
4

إن أحببت وتعجل العصر إذا لم يكن هناك نوافل، ولا علة تمنعك أن تصليهما في أول
وقتهما وتجمع بينهما في السفر إذ لا نافلة تمنعك من الجمع.
وقد جاءت أحاديث مختلفة في الأوقات ولكل حديث معنى وتفسير، فجاء أن أول وقت
الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة رجل: قدم وقدمان، وجاء على النصف من ذلك
وهو أحب إلى، وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين
وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا
تم ذراعين، وجاء لهما جميعا وقت واحد مرسل، لقوله: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين، وجاء أن رسول الله ص جمع بين الظهر والعصر ثم المغرب
والعتمة من غير سفر ولا مرض، وجاء أن لكل صلاة وقتين: أول وآخر، كما ذكرناه في أول
الباب وأول الوقت أفضلها.
وإنما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف بحال علته في
نفسه وماله وهي رحمة للقوي الفارع لعلة الضعيف والمعلول، وذلك أن الله فرض الفرائض
على أضعف القوم قوة ليستوي فيها الضعيف والقوي كما قال الله تبارك وتعالى: فما
استيسر من الهدي، وقال: فاتقوا الله ما استطعتم، فاستوى الضعيف الذي لا يقدر على أكثر
من شاة والقوي الذي يقدر على أكثر من شاة إلى أكثر القدرة في الفرائض وذلك لئلا
تختلف الفرائض فلا يقام على حد، وقد فرض الله تبارك وتعالى على الضعيف ما فرض على
القوي ولا يفرق عند ذلك بين القوي والضعيف، فلما لم يجز أن يفرض على الضعيف المعلول
فرض القوي الذي هو غير معلول لم يجز أن يفرض على القوي غير فرض الضعيف فيكون
الفرض محمولا ثبت الفرض عند ذلك على أضعف القوم ليستوي فيها القوي والضعيف
رحمة من الله للضعيف لعلته في نفسه ورحمة منه للقوي لعلة الضعيف، ويستتم الفرض
المعروف المستقيم عند القوي والضعيف.
وإنما سمي ظل القامة قامة لأن حائط رسول الله ص قامة انسان،
فسمي ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين وظل قدم وظل قدمين وظل أربعة أقدام وذراع،
وذلك أنه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا وإذا مسح بالذراعين
5

كان ذراعين وإذا مسح بالقامة كان قامة أي هو ظل القامة، وليس هو بطول القامة سواء
مثله لأن ظل القامة ربما كان قدما وربما كان قدمين ظل مختلف على قدر الأزمنة واختلافه
باختلافها لأن الظل قد يطول وينقص لاختلاف الأزمنة، والحائط المنسوب إلى قامة انسان
قائما معه غير مختلف ولا زائد ولا ناقص، فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان
الظل منسوبا إليه ممسوحا به طال الظل أم قصر.
فإن قال: لم صار وقت الظهر والعصر أربعة أقدام ولم يكن الوقت أكثر من الأربعة
ولا أقل من القدمين؟ وهل كان يجوز أن يصير أوقاتها أوسع من هذين الوقتين أو أضيق؟
قيل له: لا يجوز أن يكون الوقت أكثر مما قدر لأنه إنما صير الوقت على مقادير قوة أهل
الضعف واحتمالهم لمكان أداء الفرائض، ولو كانت قوتهم أكثر مما قدر لهم من الوقت لقدر لهم
وقت أضيق ولو كانت قوتهم أضعف من هذا لخفف عنهم من الوقت وصير أكثر، ولكن
لما قدرت قوي الخلق على ما قدرت لهم من الوقت الممدود بما يقدر الفريقين قدر لأداء
الفرائض والنافلة وقت ليكون الضعيف معذورا في تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لعلة
ضعفه، وكذلك القوي معذورا بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت لأهل الضعف لعلة المعلول
مؤديا للفرض وإن كان مضيعا للفرض بتركه للصلاة في أول الوقت.
وقد قيل: أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله، وقيل: فرض الصلوات
الخمس التي هي مفروضة على أضعف الخلق قوة ليستوي بين الضعيف والقوي كما استوى
في الهدي شاة، وكذلك جميع الفرائض المفروضة على جميع الخلق إنما فرضها الله على أضعف
الخلق قوة مع ما خص أهل القوة على أداء الفرائض في أفضل الأوقات وأكمل الفرض
كما قال الله عز وجل: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، وجاء أن آخر وقت
المغرب إلى ربع الليل للمقيم المعلول والمسافر كما جاز أن يصلى العتمة في أول وقت
المغرب الممدود كذلك جاز أن يصلى العصر في أول الوقت الممدود للظهر.
باب الأذان والإقامة:
اعلم يرحمك الله أن الأذان ثماني عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة، وقد روي
6

أن الأذان والإقامة في ثلاثة أوقات: الفجر والظهر والمغرب، وصلاتين بإقامة هما العصر
والعشاء الآخرة لأنه روي: خمس صلوات في ثلاثة أوقات.
والأذان أن تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على
الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل، الله
أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله مرتين في آخر الأذان، وفي آخر الإقامة مرة واحدة ليس
فيها ترجيع ولا تردد ولا الصلاة خير من النوم.
والإقامة أن تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على
الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل، قد قامت الصلاة قد
قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله مرة واحدة.
والأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك، وتقول بين الأذان والإقامة في جميع
الصلوات: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآل محمد
وأعط محمدا يوم القيامة سؤله آمين رب العالمين، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة
محمد ص وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فصل عليهم واجعلني بهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلواتي بهم مقبولة ودعائي بهم مستجابا
وامنن على بطاعتهم يا أرحم الراحمين، تقول هذا في جميع الصلوات، وتقول بعد أذان
الفجر: اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك،
وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فإن فيه فضلا كثيرا وإنما ذلك على
الإمام، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم تقول: بالله أستفتح وبمحمد
ص أستنجح وأتوجه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعلني بهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، وإن لم تفعل أيضا أجزأك، والأذان والإقامة من
السنن اللازمة وليستا بفريضة، وليس على النساء أذان وإقامة وينبغي لهن إذا استقبلن
القبلة أن يقلن: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ص، فإذا أردت
7

أن تتوجه القبلة فتياسر مثلي ما تيامن فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها
ثمانية أميال فنسأل الله التوفيق.
باب الصلوات المفروضة
اعلم يرحمك الله أن الفريضة والنافلة في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة، الفرض
منها سبع عشرة ركعة والنفل أربع وثلاثون ركعة: الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات
والمغرب ثلاث ركعات وعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان فهذه فريضة الحضر،
وصلاة السفر الفريضة إحدى عشرة ركعة الظهر ركعتان والعصر ركعتان والمغرب ثلاث
ركعات وعشاء الآخرة ركعتان والغداة ركعتان.
والنوافل في الحضر مثلا الفريضة لأن رسول الله ص قال: فرض على
ربي سبع عشرة ركعة ففرضت على نفسي وعلى أهل بيتي وشيعتي بإزاء كل ركعة ركعتين
لتتم بذلك الفرائض ما يلحقها من التقصير، والتام منها ثمان ركعات قبل زوال الشمس
وهي: صلاة الأوابين وثمان ركعات بعد الظهر وهي صلاة الخاشعين وأربع ركعات بين
المغرب والعشاء الآخرة وهي صلاة الذاكرين وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس
تحسب بركعة من قيام وهي صلاة الشاكرين، وثمان ركعات صلاة الليل وهي صلاة
الخائفين، وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الراغبين وركعتان عند الفجر وهي صلاة
الحامدين، والنوافل في السفر أربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة من
جلوس وثلاث عشرة ركعة صلاة الليل مع ركعتي الفجر، فإن لم يقدر بالليل قضاها بالنهار
أو من قابله ما فاته من صلاة الليل أو أول الليل.
حافظوا على مواقيت الصلاة فإن العبد لا يأمن الحوادث، ومن دخل عليه وقت
فريضة فقصر عنها عمدا متعمدا فهو خاطئ، من قول الله تعالى: ويل للمصلين الذين
هم عن صلاتهم ساهون يقول: عن وقتها يتغافلون، واعلم أن أفضل الفرائض بعد معرفة
الله عز وجل الصلوات الخمس وأولها صلاة الظهر، وأول ما يحاسب العبد عليه الصلاة
فإن صحت له الصلاة صح له ما سواها وإن ردت رد ما سواها، وإياك أن تكسل عنها
8

أو تتوانى فيها أو تتهاون بحقها أو تضيع حدها وحدودها أو تنقرها نقر الديك أو تستخف بها
أو تشتغل عنها بشئ من عرض الدنيا أو تصلي بغير وقتها، وقال رسول الله
ص: ليس مني من استخف بصلاته لا يرد على الحوض لا والله، ليس مني من شرب
مسكرا لا يرد على الحوض لا والله.
فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقوم إليها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا
ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة وعليك الخشوع والخضوع متواضعا
لله جل وعز متخاشعا عليك خشية وسيماء الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة على الوجل
والحذر، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك وأنصب نفسك
ولا تلتفت يمينا وشمالا وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا تعبث بلحيتك
ولا بشئ من جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بأنفك ولا بثوبك
ولا تصل وأنت متلثم، ولا يجوز للنساء الصلاة وهن متنقبات، ويكون بصرك في موضع
سجودك ما دمت قائما، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع ذلك إلى الله
عز وجل ولا تتكئ مرة على إحدى رجليك ومرة على الأخرى وصل صلاة مودع ترى أنك
لا تصلي أبدا، واعلم أنك بين يدي الجبار ولا تعبث بشئ من الأشياء ولا تحدث نفسك
وأفرع قلبك وليكن شغلك في صلاتك، وأرسل يديك ألصقها بفخذيك.
فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء
أذنيك ولا ترفع يديك في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر، فإذا
ركعت فأقم ركبتيك راحتيك وتفرج بين أصابعك واقبض عليهما، وإذا رفعت رأسك من
الركوع فانصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان، ثم اسجد وضع جبينك على
الأرض وأرغم على راحتيك واضمم أصابعك وضعهما مستقبل القبلة، وإذا جلست
فلا تجلس على يمينك لكن انصب يمينك واقعد على أليتيك ولا تضع يدك بعضها على بعض
لكن أرسلهما إرسالا فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولا تتمطى في صلاتك ولا تتجشأ
وامنعهما بجهدك وطاقتك، فإذا عطست فقل: الحمد لله، ولا تطأ موضع سجودك ولا تتقدمه
مرة ولا تتأخر أخرى، ولا تصل وبك شئ من الأخبثين وإن كنت في الصلاة فوجدت
9

غمزا فانصرف إلا أن يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة.
وأقبل على الله بجميع القلب وبوجهك حتى يقبل الله عليك، وأسبغ الوضوء وعفر
جبينك في التراب وإذا أقبلت على صلاتك أقبل الله عليك بوجهه فإذا أعرضت أعرض
الله عنك، وروي عن العالم ع أنه قال: ربما لم يرفع من الصلاة إلا النصف
أو الثلث أو السدس على قدر إقبال العبد على صلاته، وربما لا يرفع منها شئ ترد في وجهه كما
يرد الثوب الخلق، وتنادي: ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني، ولا يعطي الله القلب الغافل
شيئا، وروي: إذا دخل العبد في الصلاة لم يزل الله ينظر إليه حتى يفرع منها، وقال أبو عبد
الله ع: إذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله عليه بوجهه ويوكل به ملكا يلتقط
القرآن من فيه التقاطا فإن أعرض أعرض الله عنه ووكله إليه.
واعلم أن وقت الظهر زوال الشمس كما ذكرناه في باب المواقيت إلى أن يبلغ الظل
قدمين وأول الوقت للعصر الفراع من صلاة الظهر ثم إلى أن يبلغ الظل أربعة أقدام، وقد
رخص للعليل والمسافر فيهما إلى أن يبلغ ستة أقدام وللمضطر إلى مغيب الشمس، ووقت
المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق ووقت عشاء الآخرة الفراع من المغرب ثم إلى
ربع الليل، وقد رخص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطر إلى قبل طلوع
الفجر، ووقت الصبح طلوع الفجر المعترض إلى أن تبدو الحمرة، وقد رخص للعليل
والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس، والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من
جانب المشرق وفي الغيم سواد المحاجز، وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط
القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس.
فإذا زالت الشمس فصل ثمان ركعات، منها ركعتان ب‍ " فاتحة الكتاب وقل هو الله
أحد والثانية ب‍ " فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وست ركعات بما أحببت من القرآن،
ثم أذن وأقم وإن شئت جمعت بين الأذان والإقامة وإن شئت فرقت الركعتين الأولتين، ثم
افتتح الصلاة وارفع يديك ولا تجاوزهما وجهك وابسطهما بسطا، ثم كبر مع التوجيه ثلاث
تكبيرات ثم تقول:
اللهم أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت
10

سبع مرات وإن شئت التسع فهو أفضل ويكون نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك
وفي وقت الركوع بين رجليك، ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه وقل: سمع
الله لمن حمده بالله أقوم وأقعد أهل الكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين لا شريك له
وبذلك أمرت، ثم كبر واسجد.
والسجود على سبعة أعضاء: على الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من القدمين
وليس على الأنف سجود وإنما هو الإرغام، ويكون نظرك في وقت السجود إلى أنفك وبين
السجدتين في حجرك وكذلك في وقت التشهد، وقل في سجودك: اللهم لك سجدت وبك
آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي سجد لك وجهي وشعري وبشري ومخي ولحمي
ودمي وعصبي وعظامي، سجد وجهي البالي الفاني الذليل المهين للذي خلقه وصوره
وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين، سبحان ربي الأعلى وبحمده مثل ما قلت في
الركوع، ثم ارفع رأسك من السجود واقبض يديك إليك قبضا وتمكن من الجلوس وقل بين
سجدتيك: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت إلى من خير فقير، ثم
اسجد الثانية وقل فيه ما قلت في الأولى ثم ارفع رأسك وتمكن من الأرض ثم قم إلى الثانية،
فإذا أردت أن تنهض إلى القيام فاتكئ على يدك وتمكن من الأرض ثم انهض قائما
وافعل مثل ما فعلت في الركعة الأولى، فإن كنت في صلاة فيها قنوت فاقنت وقل في قنوتك
بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم لا إله
إلا أنت العلي العظيم سبحانك رب السماوات السبع ورب الأرضين وما فيهن وما بينهن
ورب العرش العظيم، بالله ليس كمثله شئ صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي
ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنك على ذلك قادر، ثم اركع وقل في ركوعك مثل ما قلت، فإذا
تشهدت في الثانية فقل: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين
يدي الساعة، ولا تزيد على ذلك، ثم انهض إلى الثالثة وقل إذا نهضت: بحول الله وقوته
أقوم وأقعد.
واقرأ في الركعتين الأخيرتين إن شئت الحمد وحده وإن شئت سبحت ثلاث مرات فإذا
11

نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم تكبر تكبيرتين وتقول: لبيك وسعديك
والخير بين يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك بين يديك منك
وبك ولك وإليك لا ملجأ ولا منجى ولا مفر منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك تباركت
وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام والركن والمقام والحل والحرام، ثم تكبر تكبيرتين
وتقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا على ملة إبراهيم ودين محمد
وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، لا إله
غيرك ولا معبود سواك أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم، وتجهر ببسم الله على مقدار قراءتك، واعلم أن السابعة هي الفريضة وهي تكبيرة
الافتتاح وبها تحريم الصلاة، وروي أن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
وانو عند افتتاح الصلاة ذكر الله وذكر رسول الله ص واجعل واحدا
من الأئمة نصب عينيك ولا تجاوز بأطراف أصابعك شحمة أذنيك، ثم تقرأ فاتحة الكتاب
وسورة في الركعتين الأولتين وفي الركعتين الأخريين الحمد وحده وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا
تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات،
ولا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة ولا بأس في النوافل، واسمع القراءة والتسبيح أذنيك
فيما لا تجهر فيه من الصلوات بالقراءة وهي الظهر والعصر وارفع فوق ذلك فيما تجهر فيه
بالقراءة، وأقبل على صلاتك بجميع الجوارح والقلب إجلالا لله تبارك وتعالى ولا تكن
من الغافلين فإن الله جل جلاله يقبل على المصلي بقدر إقباله على الصلاة، وإنما يحسب له
منها بقدر ما يقبل عليه.
فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير. اللهم لك
ركعت ولك خشعت وبك اعتصمت ولك أسلمت وعليك توكلت، أنت ربي خشع لك قلبي
وسمعي وبصري وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي وجميع
جوارحي وما أقلت الأرض مني غير مستنكف ولا مستكبر لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات، وإن شئت خمس مرات وإن شئت
12

صليت الركعة الرابعة فقل في تشهدك: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا
ونذيرا بين يدي الساعة، التحيات لله والصلوات الطيبات الزاكيات الغاديات
الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله ما طاب وزكا وطهر ونما وخلص
فلله وما خبث فلغير الله، أشهد أنك نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول وأن عليا نعم المولى
وأن الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله
يبعث من في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم صل
على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت
وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين
وعلى الأئمة الراشدين من آل طه وياسين، اللهم صل على نورك الأنور وعلى حبلك الأطول
وعلى عروتك الأوثق وعلى وجهك الأكرم وعلى جنبك الأوجب وعلى بابك الأدنى وعلى مسلك
الصراط، اللهم صل على الهادين المهديين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار
الأبرار، اللهم صل على جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وعلى ملائكتك المقربين
وأنبيائك المرسلين ورسلك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، وأهل طاعتك أكتعين
واخصص محمدا ص بأفضل الصلاة والتسليم، السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، ثم سلم عن يمينك وإن شئت يمينا وشمالا وإن شئت تجاه القبلة.
فإذا فرغت من صلاة الزوال فارفع يديك ثم قل: اللهم إني أتقرب إليك بجودك
وكرمك وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك وأتقرب إليك بملائكتك و أنبيائك ورسلك،
وأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأسألك أن تقيل عثرتي وتستر عورتي وتغفر ذنوبي
وتقضي حوائجي ولا تعذبني بقبيح فعالي فإن جودك وعفوك يسعني، ثم تخر ساجدا وتقول
في سجودك: يا أهل التقوى والمغفرة يا أرحم الراحمين أنت مولاي وسيدي فارزقني أنت
13

خير لي من أبي وأمي ومن الناس أجمعين بي إليك فقر وفاقة وأنت غنى عني، أسألك
بوجهك الكريم وأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وعلى إخوانه النبيين والأئمة
الطاهرين وتستجيب دعائي وترحم تضرعي، واصرف عني أنواع البلاء يا رحمان.
واعلم أن ثلاث صلوات إذا حل وقتهن ينبغي لك أن تبتدئ بهن لا تصلي بين
أيديهن نافلة، صلاة استقبال النهار وهي الفجر وصلاة استقبال الليل وهي المغرب وصلاة
يوم الجمعة، واقنت في أربع صلوات: الفجر والمغرب والعتمة وصلاة الجمعة، والقنوت كلها
قبل الركوع بعد الفراع من القراءة وأدنى القنوت ثلاث تسبيحات، ومكن الألية اليسرى
من الأرض فإنه نروي: أن من لم يمكن الألية اليسرى من الأرض ولو في الطين فكأنه ما صلى
وضم أصابع يديك في جميع الصلوات تجاه القبلة عند السجود وتفرقها عند الركوع وألقم
راحتيك بركبتيك، ولا تلصق إحدى القدمين بالأخرى وأنت قائم ولا في وقت الركوع
وليكن بينهما أربع أصابع أو شبر.
واعلم أن الصلاة ثلثها وضوء وثلثها ركوع وثلثها سجود، وأن لها أربعة آلاف حد
وأن فروضها عشرة: ثلاث منها كبار وهي: تكبيرة الافتتاح والركوع والسجود، وسبعة
صغار وهي: القراءة وتكبير الركوع وتكبير السجود وتسبيح الركوع وتسبيح السجود
والقنوت والتشهد وبعض هذه أفضل من بعض، وإذا سهوت في الركعتين الأولتين فلم
تعلم ركعة صليت أم ركعتين أعد الصلاة، وإن سهوت فيما بين اثنتين أو ثلاث أو أربع
أو خمس تبني على الأقل وتسجد بعد ذلك سجدتي السهو، وقد روي: أن الفقيه لا يعيد
الصلاة، وكل سهو بعد الخروج من الصلاة فليس بشئ ولا إعادة فيه لأنك خرجت على
يقين والشك لا ينقض اليقين.
ولا تصل النافلة في أوقات الفرائض إلا ما جاءت من النوافل في أوقات الفرائض
مثل ثمان ركعات بعد زوال الشمس وقبلها ومثل ركعتي الفجر فإنه يجوز صلاتها بعد
طلوع الفجر ومثل تمام صلاة الليل والوتر، وتفسير ذلك أنكم إذا ابتدأتم بصلاة الليل
قبل طلوع الفجر وقد طلع الفجر وقد صليت منها ست ركعات أو أربعا بادرت وأدرجت
باقي الصلاة والوتر إدراجا ثم صليتم الغداة، وأدنى ما يجزئ في الصلاة فيما يكمل به
14

الفرائض تكبيرة الافتتاح وتمام الركوع والسجود، وأدنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان،
ولا تدع التعفير وسجدة الشكر، في سفر ولا حضر.
حسنوا نوافلكم واعلموا أنها هدية إلى الله عز وجل، حافظوا على صلاة الليل فإنها
حرمة الرب تدر الرزق وتحسن الوجه وتضمن رزق النهار، طولوا الوقوف في الوتر فإنه
نروي: أن من طول الوقوف في الوتر قل وقوفه يوم القيامة، اعلموا أن النوافل إنما وضعت
لاختلاف الناس في مقادير قوتهم لأن بعض الخلق أقوى من بعض، فوضعت الفرائض على
أضعف الخلق ثم أردف بالسنن ليعمل كل قوي بمبلغ قوته وكل ضعيف بمبلغ ضعفه،
فلا يكلف أحد فوق طاقته ولا يبلغ قوة القوي حتى تكون مستعملة في وجه من وجوه الطاعة
وكذلك كل مفروض من الصيام والحج.
ولكل فريضة سنة لهذا المعنى.
فإذا كنت إماما فكبر واحدة تجهر فيها وتسر الستة فإذا كبرت فأشخص ببصرك
نحو سجودك وأرسل منكبك وضع يديك على فخذيك قبالة ركبتيك فإنه أحرى أن تقيم
بصلاتك، ولا تقدم رجلا على رجل ولا تنفخ في موضع سجودك ولا تعبث بالحصى فإن
أردت ذلك فليكن قبل دخولك في الصلاة، ولا تقرأ في صلاة الفريضة: والضحى والم
نشرح والم تر كيف ولإيلاف ولا المعوذتين، فإنه قد نهى عن قراءتهما في الفرائض لأنه روي
أن: والضحى والم نشرح سورة واحدة وكذلك أ لم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة بصغرها
وأن المعوذتين من الرقية ليستا من القرآن دخلوها في القرآن، وقيل: أن جبرئيل
ع علمها رسول الله ص، فإن أردت قراءة بعض هذه السور الأربع فاقرأ
والضحى والم نشرح ولا تفصل بينهما وكذلك أ لم تر كيف ولإيلاف، وأما المعوذتان
فلا تقرأهما في الفرائض ولا بأس في النوافل.
فإن أنت تؤم بالناس فلا تطول في صلاتك وخفف فإذا كنت وحدك فقل ما شئت
فإنها عبادة، فإذا سجدت فليكن سجودك على الأرض أو على شئ ينبت من الأرض
مما لا يلبس، ولا تسجد على الحصر المدنية لأن سيورها من جلود ولا تسجد على شعر ولا على
وبر ولا على صوف ولا على جلود ولا على إبريسم ولا على زجاج ولا على ما يلبس به الانسان
15

ولا على حديد ولا على الصفر ولا على الشبه ولا النحاس، ولا الرصاص ولا على آجر يعني
المطبوخ ولا على الريش ولا على شئ من الجواهر وغيره من الفنك والسمور والحوصلة
ولا على بساط فيها الصور والتماثيل، وعلى الثعالب.
وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك أن تحرق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا
أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان، فإن
كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفرة فإذا سجدت جعلت الدمل
فيها، وإن كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن
فإن تعذر عليه فعلى قرنك الأيسر فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك فإن لم تقدر
فاسجد على ذقنك، يقول الله عز وجل: إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم
يخرون للأذقان سجدا - إلى قوله تعالى - ويزيدهم خشوعا، ولا بأس بالقيام ووضع الكفين
والركبتين والإبهامين على غير الأرض، وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة من
قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم، ويكون سجودك إذا سجدت تخويا كما يتخوى
البعير الضامر عند بروكه يكون شبه المعلق ولا يكون شئ من جسدك على شئ منه.
فإذا فرغت من صلاتك فارفع يديك وأنت جالس وكبر ثلاثا وقل: لا إله إلا الله وحده
وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي
ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وهو على كل شئ قدير، وتسبح بتسبيح فاطمة صلوات الله
عليها وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة، ثم قل:
اللهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك يعود السلام سبحان ربك رب العزة
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وتقول: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته السلام على الأئمة الراشدين المهديين من آل طه وياسين، ثم تدعو بما بدا
لك من الدعاء بعد المكتوبة وتقول: اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد
وأسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك، اللهم إني
أسألك عافيتك في جميع أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وأسألك
من كل ما سألك محمد وآله وأستعيذ بك من كل ما استعاذ به محمد وآله إنك حميد مجيد.
16

والمرأة إذا قامت إلى صلاتها ضمت برجليها ووضعت يديها على صدرها لمكان ثدييها،
فإذا ركعت وضعت يديها على فخذيها ولا تتطأطأ كثيرا لئلا ترتفع عجيزتها فإذا سجدت
جلست ثم سجدت لاطئة بالأرض فإذا أرادت النهوض تقوم من غير أن ترفع عجيزتها فإذا
قعدت للتشهد رفعت رجليها وضمت فخذيها، فإن شككت في أذانك وقد أقمت الصلاة
فامض وإن شككت في الإقامة بعد ما كبرت فامض وإن شككت في الركوع بعد ما سجدت
فامض، وكل شئ تشك فيه وقد دخلت في حالة أخرى فامض ولا تلتفت إلى الشك إلا أن
تستيقن فإنك إن استيقنت أنك تركت الأذان والإقامة ثم ذكرت فلا بأس بترك الأذان والإقامة
وتصلي على النبي وعلى آله ثم قل: قد قامت الصلاة، وإن استيقنت أنك لم تكبر تكبيرة
الافتتاح فأعد صلاتك، وكيف لك أن تستيقن وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: الانسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح.
فإن نسيت القراءة في صلاتك كلها ثم ذكرت فليس عليك شئ إذا أتممت الركوع
والسجود وإن نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ الحمد وأعد
السورة وإن ركعت فامض على حالتك، وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة
الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك وإن كان الركوع من
الركعة الثانية والثالثة فاحذف السجدتين واجعلها أعني الثانية الأولى والثالثة ثانية
والرابعة ثالثة، وإن نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل أن تركع
فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة فإن ذكرتها بعد ما قرأت وركعت
فاقضها في الركعة الثالثة، وإن نسيت السجدتين جميعا من الركعة الأولى فأعد الصلاة فإنه
لا تثبت صلاتك ما لم تثبت الأولى، وإن نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة
قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فإن ذكرت بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة،
وإن كانت السجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم
تركع فإن ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم.
وإن شككت في الركعة الأولى والثانية فأعد صلاتك وإن شككت مرة أخرى فيهما
وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية فإذا سلمت صليت ركعتين من قعود
17

ب‍ " أم الكتاب، وإن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الأولى وتشهدت في كل ركعة، وإن
استيقنت بعد ما سلمت أن التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في صلاتك ركعة لم
يكن عليك شئ لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن
شئت صليت ركعة من قيام وإلا ركعتين وأنت جالس، وإن شككت فلم تدر اثنين صليت أم
ثلاثا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها الرابعة فإذا سلمت صليت ركعة ب‍ " الحمد
وحدها وإن ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتي السهو
بعد التسليم، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار فإن شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل
ركعة وإن شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه لك.
وإن شككت فلم تدر ثلاثا صليت أم أربعا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها ركعة
من قيام، وإن اعتدل وهمك فصل ركعتين وأنت جالس، وإن شككت فلم تدر اثنتين
صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس، وكذلك إن شككت
فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين وأنت
جالس، وإن ذهب وهمك إلى واحدة فاجعلها واحدة وتشهد في كل ركعة، وإن شككت في
الثانية أو الرابعة فصل ركعتين من قيام ب‍ " الحمد وحده، وإن ذهب وهمك إلى الأقل
أو الأكثر فعلت ما بينت لك فيما تقدم.
وإن نسيت التشهد في الركعة الثانية وذكرت في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم
تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو
فتشهد فيهما وتأتي ما قد فاتك، وإن نسيت القنوت حتى تركع فاقنت بعد رفعك من الركوع
وإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم وإن ذكرت وأنت تمشي في طريقك فاستقبل
القبلة واقنت، وإن نسيت التشهد والتسليم وذكرت وقد فارقت الصلاة فاستقبل القبلة
قائما كنت أم قاعدا وتشهد وتسلم، وإن نسيت فلم تدر أ ركعة ركعت أم اثنتين فإن
كانت الأولتين من الفريضة فأعد.
وإن شككت في المغرب فأعد وإن شككت في الفجر فأعد وإن شككت فيهما
فأعدهما، وإذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فتشهد ثم تصلي
18

ركعتين قائما وأربع سجدات تقرأ فيهما ب‍ " أم الكتاب ثم تشهد وسلم، فإن كنت صليت
ركعتين كانتا هاتان تماما للأربع وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة، وإن لم تدر ثلاثا
صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات وأنت
جالس تقرأ فيهما ب‍ " أم الكتاب، وإن ذهب وهمك إلى الثالثة فقم فصل الركعة الرابعة
ولا تسجد سجدتي السهو، وإن ذهب وهمك إلى أربع فتشهد وسلم واسجد سجدتي
السهو، وإن لم تدر أ أربعا أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين وأربع
سجدات وأنت جالس بعد تسليمك، وفي حديث آخر: تسجد سجدتين بغير ركوع
ولا قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا.
وكنت يوما عند العالم ع ورجل سأله عن رجل سها فسلم في ركعتين من
المكتوبة ثم ذكر أنه لم يتم صلاته قال ع: فليتمها وليسجد سجدتي السهو، وقال
ع: إن رسول الله ص صلى يوما الظهر فسلم في ركعتين فقال
ذو اليدين: يا رسول الله أمرت بتقصير الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله
ص للقوم: صدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله لم تصل إلا ركعتين، فقام فصلى إليها
ركعتين ثم سلم وسجد سجدتي السهو، وسئل العالم ع عن رجل سها فلم يدر
أسجد سجدة أم اثنتين؟ فقال ع: يسجد أخرى وليس عليه سجدة للسهو،
وقال العالم ع: تقول في سجدتي السهو: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل
محمد وسلم، وسمعته مرة أخرى يقول: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته.
وقال ع: إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها ونسيت ولم تتشهد فيهما
فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهد ثم قم فأتم صلاتك، وإن أنت لم
تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك حتى إذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد ما تسلم
قبل أن تتكلم، وإن فاتك شئ من صلاتك مثل الركوع والسجود والتكبير ثم ذكرت ذلك
فاقض الذي فاتك، وعن الرجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال
ع: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فلا يعيد صلاته وإن لم
19

يتشهد قبل أن يحدث فليعد، وعن رجل لم يدر ركع أم لم يركع قال ع: يركع ثم
يسجد سجدتي السهو.
وقال ع: لا ينبغي للإمام أن ينتقل من صلاته إذا سلم حتى يتم من خلفه
الصلاة.
وعن رجل أم قوما وهو على غير وضوء قال ع: ليس عليهم إعادة وعليه هو
أن يعيد، أروي: إن فاتك شئ من الصلاة مع الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها
ولا تجعل أول صلاتك آخرها، وإذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت
للإمام في الثانية التي أدركت ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي لك ثنتان، وإن صليت فنسيت
أن تقرأ فيهما شيئا من القرآن أجزأك ذلك إذا حفظت الركوع والسجود، وقال: إذا أدركت
الإمام وقد ركع وكبرت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع الإمام رأسه قبل
أن تركع فقد فاتك الركعة، فإن وجدته قد صلى ركعة فقم معه في الركعة الثانية فإذا قعد
فاقعد معه فإذا ركع الثالثة وهي لك الثانية فاقعد قليلا ثم قم قبل أن يركع فإذا قعد في
الرابعة فاقعد معهم فإذا سلم الإمام فقم وصل الرابعة.
وعن رجل نسي الظهر حتى صلى العصر قال ع: يجعل صلاة العصر التي
صلى الظهر ثم يصلى العصر بعد ذلك، وعن رجل نام ونسي فلم يصل المغرب
والعشاء قال ع: إن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما جميعا يصليهما وإن
خاف أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الصبح فليصل الصبح
ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى
الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تنبسط الشمس ويذهب شعاعها
وإن خاف أن يعجله طلوع الشمس ويذهب عنهما جميعا فليؤخرهما حتى تطلع الشمس
ويذهب شعاعها.
ووقت صلاة الجمعة زوال الشمس ووقت الظهر في السفر زوال الشمس ووقت
العصر يوم الجمعة في الحضر نحو وقت الظهر في غير يوم الجمعة، وقال أمير المؤمنين
ع: لا كلام والإمام يخطب ولا التفات، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلا
20

مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام، وقال: إن الرجل يصلى في وقت
وما فاته من الوقت الأول خير له من ماله وولده، وقال: إن رجلا أتى المسجد فكبر حين دخل
ثم قرأ فقال رسول الله ص: عجل العبد ربه، ثم أتى رجل آخر فحمد الله
وأثنى عليه ثم كبر، فقال ص: سل تعط.
وقال: أتموا الصفوف إذا رأيتم خللا فيها ولا يضرك أن تتأخر وراك إذا وجدت ضيقا
في الصف فتتم الصف الذي خلفك وتمشي منحرفا، وقال رسول الله ص:
أقيموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ولا تختلفوا فيخالف الله بين
قلوبكم، وقال: إن الصلاة في جماعة أفضل من المفرد بأربع وعشرين صلاة، وقال: يؤم
الرجلين أحدهما صاحبه يكون عن يمينه فإذا كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه، وسئل عن
القوم يكونون جميعا إخوانا من يؤمهم؟ قال: إن رسول الله ص قال:
صاحب الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده وقال: أكثرهم قرآنا وقال:
أقدمهم هجرة، فإن استووا فأقرؤهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا فأكبرهم سنا.
وقال: اقرأ في صلاة الغداة المرسلات وإذا الشمس كورت ومثلها من السور، وفي
الظهر إذا السماء انفطرت وإذا زلزلت ومثلها وفي العصر العاديات والقارعة ومثلها وفي
المغرب التين وقل هو الله أحد ومثلها، وفي يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة
والمنافقون.
وقال: إذا صليت خلف الإمام تقتدي به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع، إلا أن
تكون صلاة لا يجهر فيها فلم تسمع فاقرأ، وإذا كان لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت أم لم
تسمع، وقال جابر بن عبد الله صاحب رسول الله ص، وسئل عن هؤلاء إذا
أخروا الصلاة فقال: إن النبي ص لم يكن يشغله عن الصلاة
الحديث ولا الطعام فإذا تركوا بذلك الوقت فصلوا ولا تنتظروهم، وإذا صليت صلاتك
منفردا وأنت في مسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فصل جماعة وإن شئت فاخرج، ثم
قال: لا تخرج بعد ما أقيمت صل معهم تطوعا واجعلها تسبيحا.
وقال العالم ع: قيام رمضان بدعة وصيامه مفروض فقلت: كيف أصلي في
21

شهر رمضان؟ فقال: عشر ركعات، والوتر والركعتان قبل الفجر كذلك كان يصلى
رسول الله ص ولو كان خيرا لم يتركه، وأروي عنه: أن النبي
ص كان يخرج فيصلي وحده في شهر رمضان فإذا كثر الناس خلفه دخل البيت، وسألته
عن القنوت يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعا، فقال: نعم في الركعة الثانية خلف القراءة
فقلت: أجهر فيهما بالقراءة؟ فقال: نعم، وقال ع: لا أرى بالصفوف بين
الأساطين بأسا، وقال: ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلا الصلاة
التي أفاق في وقتها، وقال: لا تجمعوا بين السورتين في الفريضة، وعن رجل يقرأ في المكتوبة
نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرع منها ثم يذكر قبل أن يركع قال:
لا بأس به
قال: من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلى الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى، قال:
فعليه الإعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين بإقامة، وعن رجل أجنب في رمضان
فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان قال: عليه أن يقضي الصلاة والصوم إذا ذكر، وقال
ع: وإذا كان الرجل على عمل فليدم عليه السنة ثم يتحول إلى غيره إن شاء ذلك
لأن ليلة القدر يكون فيها لعامها ذلك ما شاء الله أن يكون وبالله التوفيق.
باب صلاة يوم الجمعة والعمل في ليلتها:
اعلم يرحمك الله أن الله تبارك وتعالى فضل يوم الجمعة وليلته على سائر الأيام
فضاعف فيه الحسنات لعاملها والسيئات على مقترفها إعظاما لها، فإذا حضر يوم الجمعة
ففي ليلته قل في آخر السجدة من نوافل المغرب وأنت ساجد: اللهم إني أسألك باسمك
العظيم وسلطانك القديم أن تصلي على محمد وآله وتغفر لي ذنبي العظيم، واقرأ في صلاة
العشاء الآخرة سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية سبح اسم ربك الأعلى وروي أيضا
إذا جاءك المنافقون وإن قرأت غيرهما أجزأك، وأكثر من الصلاة على رسول الله
ص في ليلة الجمعة ويومها، وإن قدرت أن تجعل ذلك ألف مرة فافعل فإن
الفضل فيه، وقد روي: أنه إذا كان عشية الخميس نزلت ملائكة معها أقلام من نور وصحف
22

من نور لا يكتبون إلا الصلاة على رسول الله ص إلى آخر النهار من
يوم الجمعة.
واقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الأولى وفي الثانية المنافقون وروي:
قل هو الله أحد واقنت في الثانية قبل الركوع، والذي جاءت به الأخبار أن القنوت في صلاة
الجمعة في الركعة الأولى فصحيح وهو للإمام الذي يصلى ركعتين بعد الخطبة التي تنوب عن
الركعتين، ففي تلك الصلاة يكون القنوت في الركعة الأولى بعد القراءة وقبل الركوع،
وأقرن بها صلاة العصر فليس بينهما نافلة في يوم الجمعة، ولا تصل يوم الجمعة بعد الزوال
غير الفرضين والنوافل قبلهما أو بعدهما، وقل بعد العصر سبع مرات: اللهم صل على محمد
وآل محمد المصطفين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام على
أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته، وإن قرأت إنا أنزلناه بعد العصر عشر مرات
كان في ذلك ثواب عظيم.
وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة: إتيان النساء وغسل الرأس واللحية
بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظافير وتغيير الثياب ومس الطيب فمن أتى بواحدة
منهن من هذه السنن نابت عنهن، وهي الغسل وأفضل أوقاته قبل الزوال ولا تدعه في سفر
ولا حضر، وإن كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس فإن فاتك
الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة، وإنما سن الغسل يوم الجمعة
تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان، وفي نوافل يوم الجمعة زيادة أربع
ركعات تتمة عشرين ركعة يجوز تقديمها في صدر النهار وتأخيرها إلى بعد صلاة العصر.
وتستحب يوم الجمعة صلاة التسبيح وهي صلاة جعفر وصلاة أمير المؤمنين
ع وركعتا الطاهرة ع، ولا تدع تسبيح فاطمة ع بعقب كل
فريضة وهي المائة، والاستغفار بعقبها وهو سبعون مرة قبل أن تثني رجليك يغفر الله لك
جميع ذنوبك إن شاء الله، فإن استطعت أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست
ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات،
فافعل، وإن صليت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلى بعد المكتوبة أجزأك،
23

وهي ست عشرة ركعة وتأخيرها أفضل من تقديمها، وإذا زالت الشمس من يوم الجمعة
فلا تصل إلا المكتوبة.
وتقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون وسبح
اسم ربك الأعلى، وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ
نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف السورة
فامض في صلاتك، وقال رسول الله ص: أكثروا الصلاة على في الليلة
الغراء واليوم الأزهر، قال ص: الليلة الغراء ليلة الجمعة واليوم الأزهر يوم
الجمعة فيهما لله طلقاء وعتقاء، وهو يوم العيد لأمتي أكثروا الصدقة فيها.
باب صلاة العيدين
اعلم يرحمك الله أن الصلاة في العيدين واجب فإذا طلع الفجر من يوم العيد
فاغتسل وهو أول أوقات الغسل ثم إلى وقت الزوال، والبس أنظف ثيابك وتطيب واخرج
إلى المصلى وابرز تحت السماء مع الإمام فإن صلاة العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون
إلا بإمام وبخطبة، وقد روي في الغسل: إذا زال الليل يجزئ من غسل العيدين.
وصلاة العيدين ركعتان وليس فيهما أذان ولا إقامة والخطبة بعد الصلاة في جميع
الصلوات غير يوم الجمعة فإنها قبل الصلاة، واقرأ في الركعة الأولى هل أتاك حديث
الغاشية وفي الثانية والشمس أو سبح اسم ربك، وتكبر في الركعة الأولى بسبع تكبيرات وفي
الثانية خمس تكبيرات تقنت بين كل تكبيرتين، والقنوت أن تقول: أشهد إن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود
والجبروت وأهل العفو والمغفرة وأهل التقوى والرحمة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته
للمسلمين عيدا ولمحمد ص ذخرا ومزيدا أن تصلي عليه و على آله وأسألك
بهذا اليوم الذي شرفته وكرمته وعظمته وفضلته بمحمد ص أن تغفر لي
ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات
يا أرحم الراحمين، فإذا فرغت من الصلاة فاجتهد في الدعاء ثم ارق المنبر فاخطب
24

بالناس إن كنت تؤم الناس، ومن لم يدرك مع الإمام الصلاة فليس عليه إعادة.
وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة إلا على خمسة: المريض والمرأة
والمملوك والصبي والمسافر، ومن لم يدرك مع الإمام ركعة فلا جمعة له ولا عيد له، وعلى من
يؤم الجمعة إذا فاته مع الإمام أن يصلى أربع ركعات كما كان يصلى في غير الجمعة، وروي:
أن أمير المؤمنين ع صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الركعة الأولى بثلاث
تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما سبح اسم ربك وهل أتاك حديث
الغاشية، وروي: أنه كبر في الأولى بسبع وكبر في الثانية بخمس وركع بالخامسة وقنت بين
كل تكبيرتين حتى إذا فرع دعا وهو مستقبل القبلة ثم خطب.
باب صلاة الكسوف:
اعلم يرحمك الله أن صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات، تفتتح الصلاة
بتكبيرة واحدة ثم تقرأ الفاتحة وسورا طوالا وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت،
فإذا فرغت من القراءة ركعت ثم رفعت رأسك بتكبير ولا تقول: سمع الله لمن حمده، تفعل
ذلك خمس مرات ثم تسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الأولى،
ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد.
وتقنت بين كل ركعتين وتقول في القنوت: إن الله يسجد له من في السماوات ومن في
الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليهم
العذاب، اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم لا تعذبنا بعذابك ولا تسخط علينا بسخطك
ولا تهلكنا بغضبك ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منا، واعف عنا واغفر لنا واصرف عنا البلاء
يا ذا المن والطول، ولا تقل: سمع الله لمن حمده، إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها،
وتطول الصلاة حتى ينجلي وإن انجلى وأنت في الصلاة فخفف وإن صليت وبعد لم ينجل
فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله وأنت مستقبل القبلة، وإن علمت بالكسوف فلم
تيسر لك الصلاة فاقض متى ما شئت وإن أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثم علمت بعد
فلا شئ عليك ولا قضاء.
25

وصلاة كسوف الشمس والقمر واحد فافزع إلى الله عند الكسوف فإنها من
علامات البلاء، ولا تصليها في وقت الفريضة حتى تصلي الفريضة، فإذا كنت فيها ودخل
عليك وقت الفريضة فاقطعها وصل الفريضة ثم ابن علي ما صليت من صلاة الكسوف،
وإذا انكسف القمر ولم يبق عليك من الليل قدر ما تصلي فيه صلاة الليل وصلاة الكسوف
فصل صلاة الكسوف وأخر صلاة الليل ثم اقضها بعد ذلك.
وإذا احترق القرص كله فاغتسل وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك
أن تصليها إذا علمت فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل، وإن لم يحترق
القرص فاقضها ولا تغتسل،
وإذا هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة الكسوف، وكذلك إذا
زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف، فإذا فرغت منها فاسجد وقل: يا من يمسك
السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا،
يا من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه أمسك عنا السقم والمرض وجميع أنواع
البلاء، وإذا كثرت الزلازل فصم الأربعاء والخميس والجمعة وتب إلى الله وراجع، وأشر
على إخوانك بذلك فإنها تسكن بإذن الله تعالى.
باب صلاة الليل:
وعليك بالصلاة في الليل فإن رسول الله ص أوصى عليا
ع بها، فقال في وصيته: عليك بصلاة الليل قالها ثلاثا، وصلاة الليل تزيد في الرزق
وبهاء الوجه وتحسن الخلق، فإذا قمت من فراشك فانظر في أفق السماء وقل: الحمد لله
الذي أحيانا بعد مماتنا وإليه النشور وأعبده وأحمده وأشكره، وتقرأ آخر آل عمران من
قوله: إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد وقل: اللهم أنت الحي
القيوم لا تأخذك سنة ولا نوم سبحانك سبحانك، وإذا سمعت صراخ الديك فقل: سبوح
قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت، ثم استك والسواك
26

واجب، وروي: أن النبي ص قال: لولا أن يشق على أمتي لأوجبت السواك في
كل صلاة وهو سنة حسنة، ثم توضأ.
فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فقل: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول
الله ص، ثم ارفع يديك وقل: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة
وبالأئمة الراشدين المهديين من آل طه وياسين وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فاجعلني
بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم اغفر لي بهم ولا تعذبني بهم وارزقني بهم
ولا تحرمني بهم، واهدني بهم ولا تضلني بهم وارفعني بهم ولا تضعني، واقض حوائجي بهم في
الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير وبكل شئ عليم، ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد
التكبير فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات، وهي: أول ركعة من صلاة الليل والمفرد من
الوتر وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي
الإحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض.
واقرأ في الركعة الأولى ب‍ " فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وفي الثانية ب‍ " قل يا أيها
الكافرون، وكذلك في ركعتي الزوال وفي الباقي ما أحببت، وتقرأ في الأولى من ركعتي الشفع
سبح اسم ربك وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الوتر قل هو الله أحد، وروي: أن الوتر
ثلاث ركعات بتسليمة واحدة مثل صلاة المغرب، وروي: أنه واحد وتوتر بركعة وتفصل
ما بين الشفع والوتر بسلام، ثم صل ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده فاقرأ فيهما قل
يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا بأس بأن تصليهما إذا بقي من الليل ربع، وكلما قرب
من الفجر كان أفضل.
ثم اضطجع على يمينك مستقبل القبلة وقل: أستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام
لها وبحبل الله المتين وأعوذ بالله من شر فسقة العرب والعجم وأعوذ بالله من شر فسقة
الجن والإنس، اللهم رب الصباح ورب المساء وفالق الإصباح سبحان الله رب الصباح
وفالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، بسم الله فوضت أمري إلى الله وألجأت ظهري إلى الله
وأطلب حوائجي من الله توكلت على الله حسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم، فإنه من قالها كفى ما همه، ثم يقرأ خمس آيات من آخر آل عمران ويقول مائة
27

مرة: سبحان ربي العظيم وبحمده أستغفر الله ربي وأتوب إليه مائة مرة، فإنه من قالها بنى
الله له بيتا في الجنة.
ومن صلى على محمد وآله مائة مرة بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة وقى الله وجهه حر
النار، ومن قرأ إحدى وعشرين مرة قل هو الله أحد بنى الله له قصرا في الجنة فإن قرأها
أربعين مرة غفر الله له جميع ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإن قمت من الليل ولم يكن عليك
وقت بقدر ما تصلي صلاة الليل على ما تريد فصلها وأدرجها إدراجا وإن خشيت مطلع
الفجر فصل ركعتين وأوتر في الثالثة فإن طلع الفجر فصل ركعتي الفجر وقد مضى الوتر
بما فيه، وإن كنت صليت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات
وأعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه، وإن كنت صليت من صلاة الليل أربع ركعات
قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة، طلع الفجر أم لم يطلع.
وإن كان عليك قضاء صلاة الليل، فقمت وعليك من الوقت بقدر ما تصلي الفائتة من
صلاة الليل وصلاة ليلتك، فابدأ بالفائتة ثم صل صلاة ليلتك وإن كان الوقت بقدر
ما تصلي واحدة فصل صلاة ليلتك لئلا يصيرا جميعا قضاءا ثم اقض الصلاة الفائتة
من الغد، واقض ما فاتك من صلاة الليل أي وقت من ليل أو نهار إلا في وقت الفريضة،
وإن فاتك فريضة فصلها إذا ذكرت فإن ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي
أنت في وقتها ثم تصلي الفائتة.
واعلم أن أفضل النوافل ركعتا الفجر وبعدهما ركعة الوتر وبعدها ركعتا الزوال
وبعدهما نوافل المغرب وبعدها صلاة الليل وبعدها نوافل النهار، وللمصلي ثلاث
خصال: يتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من موضع
قدميه إلى عنان السماء وينادي مناد: لو يعلم المصلي ما له في الصلاة من الفضل والكرامة
ما انفتل منها، ولو يعلم المناجي لمن يناجي ما انفتل، وإذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله
عليه بوجهه و وكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا فإن أعرض أعرض الله عنه ووكله
إلى الملك، فإن هو أقبل على صلاته بكله رفعت صلاته كاملة وإن سها فيها بحديث النفس
نقص من صلاته بقدر ما سها وغفل ورفع من صلاته ما أقبل عليه منها، ولا يعطي الله القلب
28

الغافل شيئا، وإنما جعلت النافلة لتكمل بها الفريضة.
قال: وكان أمير المؤمنين ع يقول في سجوده: اللهم ارحم ذلي بين يديك
وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم، فإني عبدك وابن عبدك أتقلب في
قبضتك يا ذا المن والفضل والجود والغناء والكرم ارحم ضعفي وشيبتي من النار يا كريم.
وكان أبو جعفر ع يقول وهو ساجد: لا إله إلا الله حقا حقا سجدت لك يا رب
تعبدا ورقا وإيمانا وتصديقا يا عظيم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، يا كريم يا جبار اغفر لي
ذنوبي وجرمي وتقبل عملي يا كريم يا جبار.
وكان أبو عبد الله ع يقول في سجدته: يا كائن قبل كل شئ ويا مكون كل
شئ لا تفضحني فإنك بي عالم ولا تعذبني فإنك على قادر، اللهم إني أعوذ بك من العديلة
عند الموت ومن شر المرجوع في القبر ومن الندامة يوم القيامة، اللهم إني أسألك عيشة نقية
وميتة سوية ومنقلبا كريما غير مخز ولا فاضح.
وكان أبو عبد الله ع يقول: اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى
عندي من عملي فاغفر لي يا حي ومن لا تموت.
وكان أبو الحسن ع يقول في سجوده: لك الحمد إن أطعتك ولك الحجة إن
عصيتك لا صنع لي ولا لغيري في إحسان كان مني حال الحسنة يا كريم صل بما سألتك من
مشارق الأرض ومغاربها من المؤمنين ومن ذريتي، اللهم أعني على ديني بدنياي وعلى
آخرتي بتقواي اللهم احفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما قصرت يا من
لا تنقصه المغفرة ولا تضره الذنوب صل على محمد وآل محمد واغفر لي ما لا يضرك
وأعطني ما لا ينقصك وبالله التوفيق.
باب صلاة الجماعة وفضلها
اعلم أن الصلاة بالجماعة أفضل بأربع وعشرين صلاة من صلاة في غير جماعة، وإن
أولى الناس بالتقديم في الجماعة أقرأهم بالقرآن وإن كان في القرآن سواء فأفقههم وإن كان
في الفقه سواء فأقربهم هجرة وإن كان في الهجرة سواء فأسنهم فإن كان في السن سواء
29

فأصبحهم وجها وصاحب المسجد أولى بمسجده، وليكن من يلي الإمام منكم أولوا الأحلام
والتقى، فإن نسي الإمام أو تعايا يقومه.
وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما قرب من الإمام، وأفضل صلاة الرجل في
جماعة وصلاة واحدة في جماعة بخمس وعشرين صلاة من غير جماعة وترفع له في الجنة
خمس وعشرون درجة، فإن صليت جماعة فخفف بهم الصلاة وإذا كنت وحدك فثقل
فإنها العبادة، فإن خرجت منك ريح أو غير ذلك مما ينقض الوضوء أو ذكرت أنك على غير
وضوء فسلم على أي حال كنت في صلاتك وقدم رجلا يصلى بالقوم بقية صلاتهم وتوضأ
وأعد صلاتك، فإن كنت خلف الإمام فلا تقم في الصف الثاني إذا وجدت في الأول موضعا
فإن رسول الله ص قال: أتموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من
قدامي، ولا تخالفوا فيخالف الله قلوبكم، وإن وجدت ضيقا في الصف الأول، فلا بأس أن
تتأخر إلى الصف الثاني وإن وجدت في الصف الأول خللا فلا بأس أن تمشي إليه فتتمه.
وإن دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقف في الصف الثاني
وحدك أو حيث شئت وأفضل ذلك قرب الإمام، فإن سبقت بركعة أو ركعتين فاقرأ في
الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد وسورة، فإن لم تلحق السورة أجزأك الحمد وحده
وسبح في الأخريين وتقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا تصل خلف
أحد إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق به وتدينه بدينه وورعه وآخر من تتقي سيفه وسوطه
وشره وبوائقه وشنعه فصل خلفه على سبيل التقية والمداراة، وأذن لنفسك وأقم واقرأ
فيها لأنه غير مؤتمن به فإن فرغت قبله من القراءة أبق آية منها حتى تقرأ وقت ركوعه
وإلا فسبح إلى أن يركع.
وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الجماعة فاقطعها وصل الفريضة مع الإمام، وإن كنت
في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في ركعتين ثم صل مع الإمام
إلا أن يكون الإمام ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن اخط إلى الصف
وصل معه، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى الرابعة فقم معه، تشهد من قيام وسلم
من قيام.
30

وسألت العالم ع عما يخرج من منخري الدابة إذا نخرت فأصاب ثوب
الرجل قال: لا بأس عليك أن تغسل، وسألته أخف ما يكون من التكبير، قال: ثلاث
تكبيرات قال: ولا بأس بتكبيرة واحدة، قال: صلاة الوسطى العصر.
باب صلاة السفينة:
وإذا كنت في السفينة وحضرت الصلاة فاستقبل القبلة وصل إن أمكنك قائما
وإلا فاقعد إذا لم يتهيأ لك وصل قاعدا، وإن دارت السفينة فدر معها وتحر إلى القبلة، وإن
عصفت الريح فلم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة، ولا تخرج منها
إلى الشط من أجل الصلاة، وروي: أنه تخرج إذا أمكنك الخروج ولست تخاف عليها أنها
تذهب إن قدرت أن توجه نحو القبلة وإن لم تقدر تثبت مكانك، هذا في الفرض.
ويجزئك في النافلة أن تفتتح الصلاة تجاه القبلة ثم لا يضرك كيف دارت السفينة لقول
الله تبارك وتعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله، والعمل على أن تتوجه إلى القبلة وتصلي على
أشد ما يمكنك في القيام والقعود ثم إن يكون الانسان ثابتا مكانه أشد لتمكنه في الصلاة
من أن يدور لطلب القبلة وبالله التوفيق.
باب صلاة الخوف:
إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن
صلاتك على ظهر دابتك وتستقبل القبلة وتومئ إيماءا إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل
القبلة بالافتتاح، ثم امض في طريقك التي تريد حيث توجهت بك راحتك مشرقا ومغربا،
وتنحني للركوع والسجود ويكون السجود أخفض من الركوع وليس لك أن تفعل ذلك
إلا آخر الوقت.
وإن كنت في حرب هي لله رضا وحضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر
دابتك وإلا تومئ إيماء أو تكبر وتهلل.
وروي: أنه فات الناس مع علي ع يوم صفين صلاة الظهر والمغرب
31

والعشاء فأمر علي ع فكبروا وهللوا وسبحوا، ثم قرأ هذه الآية: فإن خفتم
فرجالا أو ركبانا، فأمرهم علي ع فصنعوا ذلك رجالا وركبانا.
فإن كنت مع الإمام فعلى الإمام أن يصلى بطائفة ركعة وتقف الطائفة الأخرى بإزاء
العدو ثم يقوم ويخرجون فيقيمون موقف أصحابهم بإزاء العدو، وتجئ الطائفة الأخرى
فتقف خلف الإمام ويصلى بهم الركعة الثانية فيصلونها ويتشهدون ويسلم الإمام
ويسلمون بتسليمه، فيكون للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح وللطائفة الأخرى التسليم، وإن
كان صلاة المغرب فصل بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين، وإذا تعرض لك
سبع وخفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة وصل صلاتك بالإيماء، فإن خشيت السبع
يعرض لك فدر معه كيف ما دار وصل بالإيماء كيف ما يمكنك.
باب صلاة المطاردة والماشي:
إذا كنت تمشي متفزعا من هزيمة أو من لص أو داعر أو مخافة في الطريق وحضرت
الصلاة استفتحت الصلاة تجاه القبلة بالتكبير ثم تمضى في مشيتك حيث شئت،
وإذا حضر الركوع ركعت تجاه القبلة إن أمكنك وأنت تمشي وكذلك السجود سجدت تجاه
القبلة أو حيث أمكنك ثم قمت، فإذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار ما تقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلت ذلك
فقد تمت صلاتك هذه مطلقة للمضطر في حال الضرورة، وإن كنت في المطاردة مع العدو
فصل صلاتك إيماء وإلا فسبحه واحمده وهلله وكبره، تقوم كل تسبيحة وتهليلة وتكبيرة
مكان ركعة عند الضرورة وإنما جعل ذلك للمضطر لمن لا يمكنه أن يأتي بالركوع والسجود.
باب صلاة الحاجة:
إذا كانت لك حاجة إلى الله تبارك وتعالى فصم ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس
والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فابرز إلى الله تبارك وتعالى قبل الزوال وأنت على غسل
32

فصل ركعتين تقرأ في كل ركعة منها الحمد وخمس عشرة مرة قل هو الله أحد، فإذا ركعت
قرأت قل هو الله عشر مرات فإذا استويت من ركوعك قرأتها عشرا فإذا سجدت قرأتها
عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود قرأتها عشرا فإذا سجدت الثانية قرأتها عشرا، ثم
نهضت إلى الركعة الثانية بغير تكبير وصليتها مثل ذلك على ما وصفت لك وقنت فيها،
فإذا فرغت منها حمدت الله كثيرا وصليت على محمد وعلى آل محمد وسألت ربك حاجتك
للدنيا والآخرة.
فإذا تفضل الله عليك بقضائها فصل ركعتين شكرا لذلك تقرأ في الأولى الحمد وقل هو
الله أحد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وتقول في ركوعك: الحمد لله شكرا، شكرا لله وحمدا،
وتقول في الركعة الثانية في الركوع وفي السجود: الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني
سؤلي ومسألتي.
باب صلاة الاستخارة:
وإذا أردت أمرا فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ومرة وما عزم لك فافعل، وقل في
دعائك: لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم رب محمد وعلى، خر لي في
أمري كذا وكذا للدنيا والآخرة خيرة من عندك، ما لك فيه رضي ولي فيه صلاح في خير
وعافية يا ذا المن والطول.
باب صلاة الاستسقاء:
اعلم يرحمك الله أن صلاة الاستسقاء ركعتان بلا أذان ولا إقامة، يخرج الإمام يبرز إلى
تحت السماء ويخرج المنبر والمؤذنون أمامه فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم، ويصعد المنبر
فيقلب رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه مرة واحدة ثم يحول
وجهه إلى القبلة، فيكبر الله مائة تكبيرة يرفع بها صوته ثم يلتفت عن يمينه فيسبح مائة مرة
يرفع بها صوته ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله مائة مرة رافعا صوته ثم يستقبل الناس
بوجهه فيحمد الله مائة مرة رافعا صوته.
33

ثم يرفع يديه إلى السماء فيدعو الله ويقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم
اسقنا غيثا مغيثا مجللا، طبقا مطبقا جللا مونقا راجيا غدقا مغدقا طيبا مباركا هاطلا
منهطلا متهاطلا رغدا هنيئا مريئا دائما رويا سريعا عاما مسبلا، نافعا غير ضار تحيي به العباد
والبلاد وتنبت به الزرع والنبات وتجعل فيه بلاغا للحاضر منا والباد، اللهم أنزل علينا من
بركات سمائك ماء طهورا وأنبت لنا من بركات أرضك نباتا مسقيا وتسقيه مما خلقت أنعاما
وأناسي كثيرا، اللهم ارحمنا بمشايخ ركع وصبيان رضع وبهائم رتع وشبان خضع.
قال: وكان أمير المؤمنين ع يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء يقول: يا مغيثنا
ومعيننا على ديننا ودنيانا، بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا نبأ عظيم لا يقدر على تفريجه
غير منزله، عجل على العباد فرجه فقد أشرفت الأبدان على الهلاك فإذا هلكت الأبدان هلك
الدين، يا ديان العباد ومقدر أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا وبين رزقك وهبنا ما أصبحنا
فيه من كرامتك معترفين قد أصيب من لا ذنب له من خلقك بذنوبنا، ارحمنا بمن جعلته أهلا
باستجابة دعائه حين نسألك يا رحيم لا تحبس عنا ما في السماء وانشر علينا كنفك وعد علينا
رحمتك وابسط علينا كنفك وعد علينا بقبولك واسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين
ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا بما فعل المبطلون وعافنا يا رب من النقمة في الدين وشماتة
القوم الكافرين، يا ذا النفع والنصر إنك إن أجبتنا فبجودك وكرمك ولإتمام ما بنا من نعمائك
وإن رددتنا فبلا ذنب منك لنا ولكن بجنايتنا على أنفسنا فاعف عنا قبل أن تصرفنا وأقلنا
واقلبنا بإنجاح الحاجة يا الله.
باب صلاة جعفر بن أبي طالب ع:
عليك بصلاة جعفر بن أبي طالب ع فإن فيها فضلا كثيرا، وقد روى
أبو بصير عن أبي عبد الله ع: أنه من صلى صلاة جعفر ع كل يوم
لا يكتب عليه السيئات ويكتب له بكل تسبيحة فيها حسنة وترفع له درجة في الجنة، فإن لم
يطق كل يوم ففي كل جمعة وإن لم يطق ففي كل شهر وإن لم يطق ففي كل سنة فإنك إن
صليتها محا عنك ذنوبك ولو كانت مثل رمال عالج أو مثل زبد البحر.
34

وصل أي وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة وإن شئت حسبتها من
نوافلك، وإن كنت مستعجلا صليت مجردة ثم قضيت التسبيح، فإذا أردت أن تصلي
فافتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم تقرأ في أولها فاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية إذا
زلزلت الأرض وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد، وإن شئت كلها
ب‍ " قل هو الله أحد، وإن نسيت التسبيح في ركوعك أو في سجودك أو في قيامك فاقض حيث
ذكرت على أي حالة تكون، تقول بعد القراءة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر خمس عشرة مرة وتقول في ركوعك عشر مرات، وإذا استويت قائما عشر مرات وفي
سجودك وهي السجدتان عشرا وإذا رفعت رأسك عشرا قبل أن تنهض فذلك خمس
وسبعون مرة، ثم تقوم في الثانية وتصنع مثل ذلك ثم تشهد وتسلم، فقد مضى لك ركعتان.
ثم تقوم وتصلي ركعتين أخريين على ما وصفت لك فيكون التسبيح والتهليل
والتحميد والتكبير في أربع ركعات ألف مرة ومائتي مرة، تصلي بهما متى ما شئت ومتى
ما خف عليك فإن في ذلك فضلا كثيرا، فإذا فرغت تدعو بهذا الدعاء وتقول: اللهم إني
أسألك من كل ما سألك به محمد وآله وأستعيذ بك من كل ما استعاذ به محمد وآله، اللهم
أعطني من كل خير خيرا واصرف عني كلما قضيت من شر أو فتنة واغفر ما تعلم مني وما قد
أحصيت على من ذنوبي واقض حوائجي ما لك فيه رضي ولي فيه صلاح، يا ذا المن
والفضل وسع على في الرزق والأجل واكفني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي إنك أنت على
كل شئ قدير.
باب اللباس وما لا يجوز فيه الصلاة:
لا بأس بالصلاة في شعر ووبر من كل ما أكلت لحمه والصوف منه، ولا يجوز
الصلاة في سنجاب وسمور وفنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك هذه وقد أروي فيه
رخصة، وإياك أن تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب، وصل في الخز إذا لم يكن
مغشوشا بوبر الأرانب، ولا تصل في ديباج ولا في حرير ولا في وشي ولا في ثوب من إبريسم
محض ولا في تكة إبريسم، وإن كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف
35

فلا بأس بالصلاة فيه، ولا تصل في جلد الميتة على كل حال ولا في خاتم ذهب، ولا تشرب
في آنية الذهب والفضة ولا تصل على شئ من هذه الأشياء إلا ما لا يصلح لبسه.
باب صلاة المسافر والمريض:
اعلم يرحمك الله أن فرض السفر ركعتان إلا الغداة فإن رسول الله
ص تركها على حالها في السفر والحضر وأضاف إلى المغرب ركعة، وأما الظهر ركعتان
والعصر ركعتان والمغرب ثلاث ركعات، وقد يستحب أن لا يترك نافلة المغرب وهي أربع
ركعات في السفر ولا في الحضر، وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس وثمان ركعات
صلاة الليل والوتر وركعتا الفجر، فإن لم تقدر على صلاة الليل قضيتها في الوقت الذي
يمكنك من ليل أو نهار.
ومن سافر فالتقصير عليه واجب إذا كان سفره ثمانية فراسخ أو بريدين وهو أربعة
وعشرون ميلا، فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت لأن ذهابك
ومجيئك بريدان، وإن عزمت على المقام وكان مدة سفرك بريدا واحدا ثم تجدد لك الرجوع
من يومك فلا تقصر وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان
مصرك.
وإن كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى السفر أفطرت إذا
غاب عنك أذان مصرك، وإن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت الصوم ذلك اليوم، وليس
عليك القضاء لأنه دخل عليك وقت الفرض وأنت على غير مسافرة، وإن كنت في سفر
مقصرا ثم دخلت منزلك وأنت مقصر أمسكت عن الأكل والشرب بقية نهارك وهذا
يسمى صوم التأديب، وقضيت ذلك اليوم، وإن كنت مسافرا فدخلت منزل أخيك أتممت
الصلاة والصوم ما دمت عنده لأن منزل أخيك مثل منزلك.
وإن دخلت مدينة فعزمت على القيام فيها يوما أو يومين، فدافعت ذلك الأيام وأنت في
كل يوم تقول: أخرج اليوم أو غدا، أفطرت وقصرت ولو كان ثلاثين يوما، وإن كنت عزمت
المقام بها حين تدخل مدة عشرة أيام أتممت وقت دخولك، والسفر الذي يجب فيه التقصير
36

في الصوم والصلاة هو سفر في الطاعة مثل: الحج والغزو والزيارة وقصد الصديق والأخ
وحضور المشاهد وقصد أخيك لقضاء حقه والخروج إلى ضيعتك، أو مال تخاف تلفه أو متجر
لا بد منه فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير وإن كان غير هذه الوجوه
وجب عليك الإتمام.
وإذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما قد بينته لك فقد
سقط عنك السفر ووجب عليك الإتمام. وقد أروي عن العالم ع أنه قال: في أربعة
مواضع لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحيرة، وسائر الأسفار
التي ليس بطاعة مثل: طلب الصيد والنزهة ومعاونة الظالم وكذلك الملاح والفلاح
والمكاري، فلا تقصر في الصلاة ولا في الصوم، وإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة
فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار فإن شئت أتممت وإن شئت قصرت، وإن
كان سفرك دون أربعة فراسخ فالتمام عليك واجب.
فإذا دخلت بلدا ونويت المقام بها عشرة أيام فأتم الصلاة وإن نويت أقل من عشرة
أيام فعليك القصر، وإن لم تدر ما مقامك بها وتقول: أخرج اليوم وغدا فعليك أن تقصر إلى
أن تمضى ثلاثون يوما ثم تتم بعد ذلك ولو صلاة واحدة، وإن نويت المقام عشرة أيام وصليت
صلاة واحدة بتمام ثم بدا لك في المقام وأردت الخروج فأتمم ما دام لك المقام بعد ما نويت المقام
عشرة أيام وتممت الصلاة والصوم، ومتى وجب عليك التقصير في الصلاة أو التمام
لزمك في الصوم مثله، وإن دخلت قرية ولك بها حصة فأتم الصلاة، وإن خرجت من
منزلك فقصر إلى أن تعود إليه، واعلم أن المتم في السفر كالمقصر في الحضر، ولا يحل
التمام في السفر إلا لمن كان سفره لله جل وعز معصية أو سفرا إلى صيد.
ومن خرج إلى صيد فعليه التمام إذا كان صيده بطرا وأشرا وإذا كان صيده للتجارة
فعليه التمام في الصلاة والتقصير في الصوم، وإذا كان صيده اضطرارا ليعود به على
عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم، ولو أن مسافرا ممن يجب عليه القصر مال من
طريقه إلى الصيد لوجب عليه التمام بطلب الصيد، فإن رجع بصيده إلى الطريق فعليه
في رجوعه التقصير.
37

فإن فاتتك الصلاة في السفر وذكرتها في الحضر فاقض صلاة السفر ركعتين كما فاتتك
وإن فاتتك في الحضر فذكرتها في السفر فاقضها أربع ركعات صلاة الحضر كما فاتتك، وإن
خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصل حتى خرجت فعليك
التقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك
فعليك التمام إلا أن يكون قد فاتك الوقت فتصلي ما فاتك مثل ما فاتك من صلاة الحضر
في السفر وصلاة السفر في الحضر، وإن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في
وقتها فعليك الإعادة وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شئ عليك وإن أتممتها بجهالة
فليس عليك فيما مضى شئ ولا إعادة عليك إلا أن تكون قد سمعت بالحديث، وإن قصرت
في قريتك ناسيا ثم ذكرت وأنت في وقتها أو في غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها.
واعلم أن المقصر لا يجوز له أن يصلى خلف المتم ولا يصلى المتم خلف المقصر،
وإن ابتليت مع قوم لا تجد منهم بدا من أن تصلي معهم فصل معهم ركعتين وسلم وامض
لحاجتك لو تشاء، وإن خفت على نفسك فصل معهم الركعتين الأخيرتين واجعلها تطوعا،
وإن كنت متما صليت خلف المقصر فصل معه ركعتين فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك، وأن
أردت أن تصلي نافلة وأنت راكب فاستقبل القبلة رأس دابتك حيث توجه بك مستقبل
القبلة أو مستدبرها يمينا وشمالا، وإن صليت فريضة على ظهر دابتك استقبل القبلة بتكبير
الافتتاح ثم امض حيث توجهت بك دابتك تقرأ، فإذا أردت الركوع والسجود استقبل
القبلة واركع واسجد على شئ يكون معك مما يجوز عليه السجود، ولا تصلها إلا في حال
الاضطرار جدا وتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا أنك إذا أردت السجود سجدت على
الأرض.
والمريض يصلى كيف ما يمكنه ويقصر في مرضه وعليه القضاء إذا صح، و روي: أن من
صام في مرضه أو في سفره أو أتم الصلاة فعليه القضاء إلا أن يكون جاهلا فيه فليس عليه
شئ وبالله التوفيق.
38

باب الصلاة على الميت:
واعلم أن أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي، فإن كان في
القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة إذا قدمه الولي فإن تقدم من غير أن يقدمه
الولي فهو غاصب.
فإذا صليت على جنازة مؤمن فقف عند صدره أو عند وسطه وارفع يديك بالتكبير
الأول وكبر وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن
الموت حق والجنة حق والنار حق والبعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث
من في القبور، ثم كبر الثانية وقل: اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد،
أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد، ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك مجيب الدعوات وولي
الحسنات يا أرحم الراحمين، ثم تكبر الرابعة وتقول: اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن
أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا
اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه إحسانا وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر لنا وله،
اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأه ويبغضه، اللهم ألحقه بنبيك وعرف بينه
وبينه وارحمنا إذا توفيتنا يا أرحم الراحمين، ثم تكبر الخامسة وتقول: ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ولا تسلم ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال، وإذا كان الميت
مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة: اللهم اخز عبدك وابن عبدك هذا، اللهم أصله نارك اللهم
أذقه أليم عقابك وشديد عقوبتك وأورده نارا واملأ جوفه نارا وضيق عليه لحده فإنه كان
معاديا لأوليائك ومواليا لأعدائك، اللهم لا تخفف عنه العذاب وأصبب عليه العذاب صبا،
فإذا رفع جنازته فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه.
واعلم أن الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة، فإذا حضرت مع قوم يصلون
عليه فقل: اللهم اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا، وإذا صليت على مستضعف
39

فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا لم تعرف مذهبه
فقل: اللهم هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها دعوت فأجابتك، اللهم ولها ما تولت
واحشرها مع من أحبت وأنت أعلم بها، فإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك
فقدم المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل الغلام بعد المملوك والرجل بعد
الغلام مما يلي الإمام، ويقف الإمام خلف الرجل في وسطه ويصلى عليهم جميعا صلاة واحدة.
وإذا صليت على الميت وكانت الجنازة مقلوبة فسوها وأعد الصلاة عليها ما لم يدفن،
فإذا فاتك مع الإمام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبر عليها تمام الخمس وأنت مستقبل
القبلة، وإن كنت تصلي على الجنازة وجاءت الأخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس
تكبيرات وإن شئت استأنفت على الثانية، ولا بأس أن يصلى الجنب على الجنازة والرجل
على غير وضوء والحائض إلا أن الحائض تقف ناحية ولا تخلط بالرجال، وإن كنت جنبا
وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها، وقد كره أن يتوضأ انسان عمدا
للجنازة لأنه ليس بالصلاة إنما هو التكبير والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود.
وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير، ولا يصلى على الجنازة بنعل
حذو، ولا يجعل ميتين على جنازة واحدة فإن لم تلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت
فلا بأس أن تصلي بعد ما دفن، وإذا صلى الرجلان على الجنازة وقف أحدهما خلف الآخر
ولا يقوم بجنبه.
باب آخر في غسل الميت والصلاة عليه:
اعلم يرحمك الله أن تجهيز الميت فرض واجب على الحي، عودوا مرضاكم وشيعوا
جنازة موتاكم فإنها من خصال الإيمان وسنة نبيكم ص تؤجرون
على ذلك ثوابا عظيما، فإذا حضر أحدكم الموت فاحضروا عنده بالقرآن وذكر الله
والصلاة على رسول الله ص.
وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة إلا أن غسل الحي مرة واحدة بتلك
الصفات وغسل الميت ثلاث مرات على تلك الصفات، تبتدئ بغسل اليدين إلى نصف
40

المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم الفرج ثلاثا ثم الرأس ثلاثا ثم الجانب الأيمن ثلاثا ثم الجانب الأيسر ثلاثا،
بالماء والسدر ثم تغسله مرة أخرى بالماء والكافور على هذه الصفة ثم بالماء القراح مرة
ثالثة فيكون الغسل ثلاث مرات كل مرة خمسة عشر صبة، ولا تقطع الماء إذا ابتدأت
بالجانبين من الرأس إلى القدمين فإن كان الإناء يكبر عن ذلك وكان الماء قليلا صببت في
الأول مرة واحدة على اليدين ومرة على الفرج ومرة على الرأس ومرة على الجنب الأيمن ومرة
على الجنب الأيسر، بإفاضة لا يقطع الماء من أول الجانبين إلى القدمين ثم عملت ذلك في سائر
الغسل فيكون غسل كل مرة واحدة على ما وصفناه، ويكون الغاسل على يديه خرقة
ويغسل الميت من وراء ثوب أو يستر عورته بخرقة.
فإذا فرغت من غسله حنطه بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا تجعل في المفاصل
ولا تقرب السمع والبصر وتجعل في موضع سجوده، وأدنى ما يجزئه من الكافور مثقال
ونصف، ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع، فأما الثلاثة: مئزر وعمامة ولفافة، والخمس:
مئزر وقميص وعمامة ولفافتان، وروي أنه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور
إلا الكافور فإن سبيله سبيل المحرم، وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في
ذلك تكرمة للملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة، وروي أن الكافور
يجعل في فمه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره وفرجه.
وقال العالم ع: الرجل والمرأة سواء، وقال العالم ع: غير أني أكره
أن يجمر ويتبع بالمجمرة ولكن يجمر الكفن، وقال العالم ع: تؤخذ خرقة فيشدها
على مقعدته ورجليه، قلت: الإزار، قال العالم ع: إنها لا تعد شيئا وإنما أمر بها لكي
لا يظهر منه شئ، وذكر العالم ع: أن ما جعل من القطن أفضل، وقال العالم
ع: يكفن بثلاثة أثواب: لفافة وقميص وإزار، وذكر العالم ع: أن عليا
ع غسل النبي ص في قميصه وكفنه في ثلاثة أثواب: ثوبين
صحاريين وثوب حبرة يمنية ولحد له أبو طلحة ثم خرج أبو طلحة ودخل علي ع
القبر فبسط يده فوضع النبي ص فأدخله اللحد، وقال العالم
ع: إن عليا ع لما أن غسل رسول الله ص وفرع من
41

غسله نظر في عينه فرأى فيها شيئا فانكب عليه فأدخل لسانه فمسح ما كان فيها، فقال:
بأبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليك طبت حيا وطبت ميتا.
قال العالم ع: وكتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب: أحدها رداء له
حبرة وكان يصلى فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص، فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال:
إني أخاف أن يغلبك الناس، يقولون: كفنه بأربعة أثواب أو خمسة فلا تقبل قولهم، وعصبته
بعد بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن إنما تعد مما يلف به الجسد، وشققنا له القبر شقا من
أجل أنه كان رجلا بدينا وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات.
وقال العالم ع: تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت واغتسل إذا غسلته ولا تغتسل
إذا حملته، وإذا أردت أن تصلي على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات يقوم الإمام عند وسط
الرجل وصدر المرأة، يرفع اليد بالتكبير الأول ويقنت بين كل تكبيرتين والقنوت ذكر الله
والشهادتين والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، هذا في تكبيرة بغير
رفع اليدين ولا تسليم لأن الصلاة على الميت إنما هو دعاء وتسبيح واستغفار، وصاحب
الميت لا يرفع الجنازة ولا يحثو التراب، ويستحب له أن يمشي حافيا حاسرا مكشوف الرأس،
وروي أنه يعمل صاحب كل مصيبة فيها على مقدارها في نفسه ومقدار مصيبته في الناس.
ويصلى عليه أولى الناس به، فإذا وضعته عند القبر وجعلت رأس الميت مما يلي
الرجلين وينتظر هنيهة ثم يسل سلا رفيقا فيوضع في لحده، ويكشف وجهه ويلصق خده
الأرض ويلصق أنفه بحائط القبر ويضع يده اليمنى على أذنه وروي يضع فمه على أذنه
الذي يدفنه ويذكر ما يجب أن يذكر من الشهادتين ويتبعه بالدعاء، ويجعل معه في أكفانه
شيئا من طين القبر وتربة الحسين بن علي ع، ويغتسل الغاسل ويتوضأ
الدافن إذا خرج من القبر.
وتقول في التكبيرة الأولى في الصلاة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله إنا لله وإنا إليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة
وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته وجزى الله محمدا عنا خير الجزاء بما صنع لأمته وما بلغ من
رسالات ربه، ثم يقول: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيته بيدك، تخلي من الدنيا
42

واحتاج إلى ما عندك نزل بك وأنت خير منزول به وافتقر إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه.
اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل
منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه بنبيك وثبته
بالقول الثابت في الدنيا والآخرة اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدي واهدنا وإياه صراطك
المستقيم اللهم عفوك عفوك، ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرع من خمس
تكبيرات، وقال العالم ع: ليس فيها التسليم، فإذا أتيت به القبر فسله من قبل
رأسه، فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي وقل: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول
الله، اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه ص، وقل كما قلت في
الصلاة مرة واحدة واستغفر له ما استطعت.
قال العالم ع: وكان علي بن الحسين ع إذا أدخل الميت القبر قام
على قبره ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وأصعد عمله ولقه منك رضوانا، وعن أبيه
قال: إذا مات المحرم فليغسل وليكفن كما يغسل الحلال غير أنه لا يقرب الطيب ولا يحنط
ويغطى وجهه، والمرأة تكفن بثلاثة أثواب: درع وخمار ولفافة، تدرج فيها، وحنوط الرجل
والمرأة سواء، وعن أبيه ع: أنه كان يصلى على الجنازة بعد العصر ما كانوا في
وقت الصلاة حتى تصفر الشمس فإذا اصفارت لم يصل عليها حتى تغرب، وقال
العالم ع: لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع إنما
هو استغفار.
باب آخر في الصلاة على الميت:
قال ع: تكبر ثم تصلي على النبي وأهل بيته، ثم تقول: اللهم عبدك وابن
عبدك وابن أمتك لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه
وتقبل منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه. وافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد
ص، ثم تكبر الثانية وتقول: اللهم إن كان زاكيا فزكه وإن كان خاطئا فاغفر
له، ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ثم تكبر الرابعة وتقول: اللهم
43

اكتبه عندك في عليين واخلف على أهله في الغابرين واجعله من رفقاء محمد
ص، ثم تكبر الخامسة وتنصرف.
وإذا كان ناصبا فقل: اللهم إنا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش جوفه
نارا وقبره نارا وعجله إلى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت
نبيك، اللهم ضيق عليه قبره، فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه، وإذا كان مستضعفا
فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا لم تدر ما حاله فقل:
اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه، وإذا ماتت المرأة وليس معها
ذو محرم ولا نساء تدفن كما هي في ثيابها وإذا مات الرجل وليس معه ذو محرم ولا رجال يدفن
كما هو في ثيابه، ونروي أن علي بن الحسين ع لما أن مات، قال أبو جعفر
ع: لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك،
فأدخل يده وغسل جسده ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها وغسلت عورته وكذلك فعلت أنا
بأبي.
قال جعفر ع: صلى علي على سهل بن حنيف وكان بدريا فكبر خمس
تكبيرات ثم مشى ساعة فوضعه ثم كبر عليه خمسا أخرى فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا
وعشرين تكبيرة، وقال: إن رسول الله ص أوصى إلى علي
ع: ألا يغسلني غيرك، فقال علي ع: يا رسول الله من يناولني الماء؟ وإنك
رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك، فقال: جبرائيل معك يعاونك ويناولك الفضل الماء وقل له
فليغط عينيه فإنه لا يرى أحد عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه، قال ع: كان
الفضل يناوله الماء وجبرائيل يعاونه وعلي ع يغسله، فلما أن فرع من غسله
وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفنوا النبي
ص في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي ع إلى الناس
فقال: يا أيها الناس أما تعلمون أن رسول الله ص إمامنا حيا وميتا؟ وهل
تعلمون أنه ص لعن من جعل القبور مصلى؟ ولعن من يجعل مع الله إلها؟
ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: وإني أدفن
44

رسول الله ص في البقعة التي قبض فيها، ثم قام على الباب فصلى
عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.
قال العالم ع: أول من جعل له النعش فاطمة ابنة رسول الله
ص صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
باب اللباس وما يكره فيه الصلاة، والدم والنجاسات، وما يجوز فيه الصلاة:
اعلم يرحمك الله أن كل شئ أنبتته الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه، وكل
شئ حل أكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي وصوفه وشعره ووبره وريشه وعظامه وإن
كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة بعد ما يكون مما أحل الله أكله
فلا بأس به، وكذلك الجلد فإن دباغته طهارته.
وقد يجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحل أكله، مثل: السنجاب والفنك والسمور
والحواصل وإذا كان الحرير فيما لا يجوز في مثله وحده الصلاة مثل: القلنسوة من الحرير
والتكة من الإبريسم والجورب والخفان والران وجاجيلك، يجوز الصلاة فيه ولا بأس به،
وكل شئ يكون غذاء الانسان في المطعم والمشرب من الثمر والكثر والسكر فلا يجوز
الصلاة عليه ولا على ثياب القطن والكتان والصوف والشعر والوبر ولا على الجلد
إلا على شئ لا يصلح للملبس فقط فهو مما يجوز وأحسن منه الأرض إلا أن يكون في حال
الضرورة.
وذكاة الحيوان ذبحه وذكاة الجلود الميتة دباغته، أروي عن العالم ع: أن
قليل الدم وكثيره إذا كان مسفوحا سواء وما كان رشحا أقل من مقدار درهم جازت
الصلاة فيه وما كان أكثر من درهم غسل، وروي في دم دماميل يصيب الثوب والبدن أنه
قال: يجوز فيه الصلاة، وأروي أنه لا يجوز، وروي أنه لا بأس بدم البعوض والبراغيث،
وأروي: دمك ليس مثل دم غيرك.
ونروي: قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها سواء لا بد من غسله إذا علم به فإذا لم
يعلم به أصابه أم لم يصبه رش على موضع الشك الماء، فإن تيقن أن في ثوبه نجاسة ولم
45

يعلم في أي موضع على الثوب غسله كله، ونروي: أن بول ما لا يجوز أكله في النجاسة ذلك
حكمه وبول ما يؤكل لحمه فلا بأس به، وما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شئ
من النجاسة مثل البول وغيره طهرتها، وأما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل، والله أعلم
وأحكم.
46

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
47

أبواب الصلاة
اعلم أن الصلاة عمود الدين. وهي أول ما يحاسب العبد عليها، فإن قبلت قبل
ما سواها وإن ردت رد ما سواها. وإياك أن تستخف بها، أو تكسل عنها، أو يشغلك عنها
شئ من غرض الدنيا. فقد قال رسول الله ص: ليس مني من استخف
بصلاته لا يرد على الحوض لا والله، ليس مني من استخف بصلاته ومن شرب مسكرا لا يرد
على الحوض، لا والله. فإذا قمت إلى الصلاة فأقبل عليها، ولا تمتخط ولا تبزق، ولا
تتثاءب ولا تمط، ولا تمس الحصى، ولا تلتفت، واخشع في صلاتك فإن الله يقول: الذين هم
في صلواتهم خاشعون يعني غض الطرف. وقوله تعالى: والذين هم على صلواتهم يحافظون
يعني الفريضة. من صلاها لوقتها عارفا بحقها، لا يؤثر عليها غيرها، كتب الله له بها براءة
لا يعذبه. ولا يستند إلى حائط إلا أن يكون مريضا. ولا تعجل في قراءتك. وإذا مررت بآية
فيها رحمة أو عذاب فاسأل الله الجنة وتعوذ به من النار واخضع لله. ولا تحدث نفسك إن
قدرت على ذلك. وتأن في دعاءك. ولا تعبث فيها بيديك ولا برأسك ولا بلحيتك. ولا تكفر
فإنما يصنع ذلك المجوس. ولا تلثم. ولا تحتقر. ولا تقعي على قدميك، ولا تفرقع أصابعك، ولا
تقدم رجلا على رجل. واجعل بين قدميك قدر شبر أو إلى أكثر من ذلك. ولا تنفخ في موضع
سجودك. فإذا أردت النفخ فليكن قبل دخولك في الصلاة. وإياك والتورك في الصلاة فإنه
49

قد عذب قوم على ذلك. والتأوه في الصلاة كلام. والالتفات يقطع الصلاة إذا كان
التفاتك في الصلاة بكلية. وهو من اختلاس الشيطان. وإياك وسدل الثوب في الصلاة،
فإن أمير المؤمنين ع خرج على قوم يصلون قد أسدلوا أرديتهم. فقال: ما لكم قد
أسدلتم ثيابكم كأنكم يهود قد خرجوا من فهرهم، يعني من بيعتهم ولا بأس بالصلاة في
القميص الواحد إذا كان كثيفا. ولا بأس برد: السلام عليكم. في صلاة مفروضة. تقول: سلام
عليكم، كما سلم عليك. ولا بأس للمصلي أن يتقدم أمامه بعد أن يدخل في الصلاة إلى
القبلة ما شاء. وليس له أن يتأخر.
باب المواضع التي تكره الصلاة فيها
يكره أن يصلى في الماء والحمام والقبور والثلج والبيداء ومسان الطرق وبيوت
المجوس وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخة وذات الصلاصل ووادي
الشقرة ووادي ضجنان.
باب ما يصلى فيه من الثياب وما لا يصلى فيه وغير ذلك
اعلم أن كل ما أكلت لحمه، فلا بأس بالصلاة في شعره ووبره. ولا بأس
بالصلاة في الفراء الخوارزمية وما يدبغ بأرض الحجاز. ولا بأس بالصلاة في السنجاب
والسمور والفنك ولا تصل في ثعلب. ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه إلا في حال
التقية، فلا بأس بالصلاة فيه. ولا بأس بالصلاة في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر
الأرانب. ولا تصل في جلد الميتة على كل حال. ولا تصل في السواد ولا تصل في حرير
ولا وشي ولا ديباج، إذا كان إبريسما محضا إلا أن الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان.
ولا يجوز أن يصلى في بيت فيه خمر محصور في آنية. وروي أنه يجوز. وإياك أن تصلي في
ثوب أصابه خمر. ولا تصل في ثوب يكون في عمله مثال طير أو غير ذلك. ولا تصل وبين
50

يديك امرأة تصلي، إلا أن يكون بينكما بعد عشرة أذرع. ولا بأس بأن تصلي المرأة
خلفك. ولا تصل في خاتم عليه نقش مثال الطير أو غير ذلك. ولا تصل وفي يديك خاتم
حديد. ولا بأس بالصلاة في القرن. وإن جعلت في جبتك بدل القطن قزا فلا بأس
بالصلاة فيه. ولا تصل وقدامك تماثيل ولا في بيت فيه تماثيل. ولا في بيت فيه بول مجموع.
ولا في بيت فيه كلب. ويكره الصلاة في الثوب المشبع بالعصفر المضرج بالزعفران. ولا
تجوز الصلاة في شئ من الحديد إلا إذا كان سلاحا. ولا بأس بأن تصلي وعليك نعل.
وتكره الصلاة في الثوب الذي صف أو سف وهو المصقل. ولا تصلي على بواري اليهود
والنصارى. وروي أنه لا بأس أن يصلى الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، لأن
الذي يصلى إليه أقرب إليه من الذي بين يديه.
باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه وغير ذلك
اسجد على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. ولا تسجد على شعر
ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا زجاج ولا حديد ولا رصاص ولا صفر ولا نحاس و
لا رماد ولا ريش. ولا تسجد على الحصر المدينة لأن سيورها من جلد ولا بأس بالسجود
على الطبري وإن كانت ليلة مظلمة وخفت عقربا أو شوكة تؤذيك. فلا بأس بأن تسجد على
كمك إذا كان من قطن أو كتان. وإن كان بجبهتك علة دمل، فاحفر حفيرة فإذا سجدت
جعلت الدمل فيها وإن كانت بجبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها، فاسجد على
قرنك الأيمن من جبهتك. فإن لم تقدر، فعلى قرنك الأيسر من جبهتك. فإن لم تقدر، فاسجد
على ظهر كفك. فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك. ولا بأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين و
الإبهامين على غير الأرض وترغم بأنفك. ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى
الحاجبين مقدار درهم. ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه يكون شبه
المعلق. لا يكون شئ من جسدك على شئ منه.
51

باب الأعظم التي يقع عليها السجود
إعلم أن السجود على سبعة أعظم: على الجبهة، والكفين، والركبتين، والإبهامين.
باب دخول المسجد
إذا أتيت المسجد فأدخل رجلك اليمنى قبل اليسرى، وقل: السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته. اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح لنا باب رحمتك، واجعلنا
من عمار مساجدك جل ثناء وجهك. فإذا أردت أن تخرج، فأخرج رجلك اليسرى قبل
اليمنى وقل: اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك وعليك بالسكينة
والوقار والتخشع إذا دخلت المسجد، فإنه روي: إن في التوارة مكتوب أن بيوتي في الأرض
المساجد، فطوبى لمن تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي. وحق للمزور أن يكرم الزائر. وقال
النبي ص: من أسرج مسجدا من مساجد الله سراجا، لم تزل الملائكة وحملة
العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج ولا تأت المسجد وأنت
جنب، ولا المرأة الحائض حتى تغتسل.
باب الأذان والإقامة في الصلاة
وإذا أردت الأذان، فارفع به صوتك، فإن الله عز وجل وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى
السماء، واعلم أن للمؤذن في ما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل
الله. ومن أذن عشر سنين محتسبا، غفر الله له مد بصره ومد صوته في السماء، ويصدقه كل
رطب ويابس سمعه وله من كل من يصلى معه سهم. وله بكل من يصلى بصوته حسنة. و
لا بأس أن تؤذن وأنت على غير وضوء ومستقبل القبلة ومستدبرها وذاهبا وجائيا وقائما
وقاعدا. وتتكلم في أذانك إن شئت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء مستقبل القبلة. وإن كنت
52

إماما فلا تؤذن إلا من قيام.
وإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن الظهر قبل العصر. فصل
ست ركعات، وتوجه في الركعة الأولى وتقرأ فيها قل هو الله أحد وفي الثانية قل يا أيها
الكافرون وتقرأ في سائر النوافل ما شئت. وأفضله قل هو الله أحد وفي الثانية. ثم تؤذن بعد
ست ركعات وتصلي بعد الأذان ركعتين. ثم تقوم وتصلي الفريضة وليكن الأذان والإقامة
موقوفين. ويكون بينهما جلسة إلا المغرب، فإنه يجزيك بين الأذان والإقامة نفس. ثم أقم
وعليك بالتخشع والإقبال على صلاتك وكبر ثلاث تكبيرات. وقل: اللهم أنت الملك الحق
المبين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت. ثم كبر تكبيرتين وقل لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي
من هديت. عبدك وابن عبدك منك وبك ولك وإليك. لا ملجأ ولا منجا فيك إلا إليك.
سبحانك وحنانيك. تباركت وتعاليت. سبحانك رب البيت الحرام. ثم تكبر تكبيرتين
وقل: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم. على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حنيفا مسلما وما
أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له. وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن
الرحيم. ثم اقرأ فاتحة الكتاب واقرأ أي سورة القرآن شئت. وإذا ختمت السورة فكبر
واحدة تجهر بها إن أحببت. ثم اركع. فإذا ركعت فقل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك
خشعت ولك أسلمت وبك اعتصمت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي
وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي. تبارك الله رب العالمين.
ثم قل: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات، فإن قلت خمسا فهو أحسن، وإن قلت
سبعا فهو أفضل. ويجزئك أن تقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله. فإذا رفعت
رأسك من الركوع، فقل حين تستتم الركوع قائما: سمع الله لمن حمده والحمد لله
رب العالمين الرحمن الرحيم، أهل الجبروت والكبرياء والعظمة. وإذا سجدت فكبر وقل:
اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي. سجد وجهي للذي
53

خلقه ورزقه وصوره وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين وسبحان ربي الأعلى
وبحمده ثلاث مرات، وإن قلتها خمس مرات فهو أحسن وإن قلتها سبعا فهو
أفضل. ويجزئك ثلاث تسبيحات تقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله. وقل بين
السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني واعف عني. إني لما أنزلت إلى من
خير فقير. ثم تشهد وقل: بسم الله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله. أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي
الساعة. ثم صل الركعتين الأخيرتين واقرأ في كل ركعة منهما بالحمد وحدها. وإن شئت
سبحت فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاث مرات. فإذا صليت
الركعة الرابعة فتشهد وقل: بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله. أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي
الساعة. التحيات لله. الصلوات الطيبات الطاهرات لله. الزاكيات العاديات الرائحات
الناعمات السائغات لله ما طاب وطهر وزكى وخلص. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. وأشهد أن الله نعم الرب. وأن محمدا
ص نعم الرسول. ثم أثن على ربك بما قدرت عليه من الثناء الحسن. ثم سلم وقل: اللهم
أنت السلام، ومنك السلام ولك السلام وإليك يعود السلام. السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته السلام على الأئمة الراشدين المهتدين. السلام على جميع أنبياء الله ورسله
وملائكته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإذا كنت إماما فسلم وقل: السلام
عليكم مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة، وتميل بعينيك إلى يمينك. وإن لم تكن إماما فقل:
السلام عليكم. وتميل بأنفك إلى يمينك. وإن كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة
واحدة ردا على الإمام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة، إلا أن لا يكون على
يسارك أحد فلا تسلم على يسارك، إلا أن تكون بجنب الحائط وتسلم على
يسارك. ولا تدع التسليم على يمينك، كان على يمينك أحد أو لم يكن.
54

تسبيح فاطمة الزهراء
وتسبح تسبيح فاطمة ع وهو أربعة وثلاثون تكبيرة وثلاثة وثلاثون
تسبيحة وثلاثة وثلاثون تحميدة. فإن في ذلك ثوابا عظيما. ثم قل: لا إله إلا الله إلها واحدا
ونحن له مخلصون لا إله إلا الله. لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون.
لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين. لا إله إلا الله وحده وحده. أنجز وعده ونصر عبده
وأعز جنده وأغلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي
لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
باب ما يجزئ من الدعاء بعد المكتوبة
اعلم إن أدنى ما يجزئ من الدعاء بعد المكتوبة أن تقول: اللهم صل على محمد وآل
محمد. اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك ونعوذ بك من كل شر أحاط به
علمك. اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلها ونعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. فإن
كنت إماما، لم يجز لك أن تطول، فإن أبا عبد الله ع قال: إذا صليت بقوم فخفف،
فإذا كنت وحدك فثقل فإنها العبادة.
باب صلاة المرأة
إذا قامت المرأة في صلاتها ضمت رجليها ووضعت يديها على فخذيها ولا تطأطأ
كثيرا لئلا ترتفع عجيزتها. وإذا أرادت السجود، جلست، ثم سجدت لاطئة بالأرض. وإذا
أرادت النهوض إلى القيام، رفعت رأسها من السجود وجلست على أليتيها. ليس كما يقع
الرجل ثم نهضت إلى القيام من غير أن ترفع عجيزتها، تنسل انسلالا، وإذا قعدت
للتشهد رفعت رجليها وضمت فخذيها.
55

باب السهو في الصلاة
إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة. وروي: ابن علي ركعة. وإذا
شككت في الفجر فأعد. وإذا شككت في المغرب فأعد. وروي وإذا شككت في المغرب ولم
تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلم ثم قم فصل ركعة. وإن شككت في المغرب فلم تدر في
ثلاثة أنت أم في أربع وقد أحرزت الاثنتين في نفسك، وأنت في شك من الثلاث والأربع، فسلم
وصل ركعتين وأربع سجدات. وسئل الصادق ع عمن لا يدري اثنتين صلى أم
ثلاثا، قال: يعيد الصلاة قيل: وأين ما روي عن رسول الله ص الفقيه لا يعيد
الصلاة. قال: إنما ذلك في الثلاث والأربع. وروي عن بعضهم ع يبني على الذي
ذهب وهمه إليه ويسجد سجدتي السهو، ويتشهد لهما تشهدا خفيفا، فإن لم يدر اثنتين صلى أم
أربعا فأعد الصلاة. وروي سلم ثم قم، فصل ركعتين ولا تتكلم وتقرأ فيهما بأم
الكتاب. وإن كنت صليت أربع ركعات كانتا هاتان نافلة وإن كنت صليت ركعتين كانتا
هاتان تمام الأربع ركعات. وإن تكلمت فاسجد سجدتي السهو وإن لم تدر اثنتين صليت أم
خمسا أو زدت أو نقصت، فتشهد وسلم وصل ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد
تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة، فتشهد فيهما تشهدا
خفيفا. فإن استيقنت أنك صليت
خمسا فأعد الصلاة. وروي في من استيقن أنه صلى خمسا إن كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر له تامة. فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة
ركعة، فتكون الركعتان نافلة ولا شئ عليه. وروي أنه من استيقن أنه صلى ستا فليعد
الصلاة.
وإن لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا وذهب وهمك إلى الثالثة، فأضف إليهما الرابعة. وإن
ذهب وهمك إلى الرابعة، فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو. وروى أبو بصير: إن كان
ذهب وهمك إلى الرابعة فصل ركعتين وأربع سجدات جالسا. فإن كنت صليت ثلاثا كانتا
هاتان تمام الأربع وإن كنت صليت أربعا، كانتا هاتان نافلة كذلك إن لم تدر زدت أم نقصت.
وفي رواية محمد بن مسلم: إن ذهب وهمك إلى الثالثة فصل ركعة واسجد سجدتي السهو
56

بغير قراءة. وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار، إن شئت صليت ركعة من قيام وإلا ركعتين من
جلوس، فإن ذهب وهمك مرة إلى ثلاث، ومرة إلى أربع، فتشهد وسلم وصل ركعتين وأربع
سجدات، وأنت قاعد تقرء فيهما بأم القرآن.
وإن لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة. وإن صليت ركعتين
ثم قمت فذهبت في حاجة لك، فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين. وقيل لأبي عبد الله
ع: ما بال رسول الله ص صلى ركعتين وبنى عليهما؟ فقال: إن رسول الله
ص لم يقم من مجلسه.
وإن صليت ركعتين من المكتوبة ثم نسيت، فقمت قبل أن تجلس فيهما، فاجلس ما لم
تركع. فإن لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك. فإذا سلمت، سجدت سجدتي السهو في
رواية فضل بن بشار. وفي رواية زرارة: ليس عليك شئ.
فإن نسيت صلاة لم تدر أي صلاة هي، فصل ركعتين وثلاث ركعات وأربع ركعات،
فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة تكون قد صليت الأربع. وإن كانت المغرب
تكون قد صليت الثلاث ركعات. وإن كانت الغداة تكون قد صليت ركعتين.
فإن تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت أقيموا صفوفكم، فأتم صلاتك واسجد سجدتي
السهو. وإن تكلمت في صلاتك متعمدا فأعد الصلاة.
فإن نسيت الظهر حتى غربت الشمس وقد صليت العصر، فإن أمكنك أن
تصليهما قبل أن يفوتك المغرب. فابدأ بها وإلا فصل المغرب ثم صل بعدها الظهر وإن
نسيت الظهر والعصر وذكرتها وأنت تصلي العصر فاجعل التي تصليها الظهر، إن لم
تخش أن يفوتك وقت العصر، ثم صل العصر بعد ذلك. وإن خفت أن يفوتك وقت
العصر فابدأ بالعصر. وإن نسيت الظهر والعصر فذكرتهما عند غروب الشمس فصل
الظهر ثم صل العصر، إن كنت لا تخاف فوت إحداهما. وإن خفت أن تفوتك إحداهما
فابدء بالعصر، فلا تؤخرها فتكون قد فاتتاك جميعا، ثم تصلي الأولى بعد ذلك على إثرها.
ومتى فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت متى ذكرت. إلا أن تذكرها في وقت فريضة،
فإن ذكرتها في وقت فريضة، فصل التي أنت في وقتها ثم صل الفائتة. وإن نسيت أن تصلي
57

المغرب والعشاء الآخرة فذكرتهما قبل الفجر، فصلهما جميعا إن كان الوقت باقيا. وإن
خفت أن يفوتك إحديهما فابدء بالعشاء الآخرة. فإن ذكرت بعد الصبح، فصل الصبح
ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فإن نمت عند الغداة حتى طلعت الشمس
فصل ركعتين قبل صلاة الغداة.
وإن نسيت التشهد في الركعة الثانية، وذكرته في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم
تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك. فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو،
تشهدت فيها التشهد الذي فاتك. وإن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة
وأحدثت، فإن كنت قد قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
ص، فقد مضت صلاتك. وفي حديث آخر، أما صلاتك فقد مضت، وإنما التشهد سنة في
الصلاة فتوضأ ثم عد إلى مجلسك فتشهد. وإن نسيت التشهد والتسليم فذكرته وقد
فارقت مصلاك، فاستقبل القبلة قائما كنت أو قاعدا وتشهد وتسلم. وإن نسيت
التسليم خلف الإمام أجزأك تسليم الإمام.
واعلم أن السهو الذي تجب فيه سجدتا السهو، إذا سهوت في الركعتين الأخيرتين
وأعلم أنه لا سهو في النافلة. وإذا سجدت سجدتي السهو فقل فيهما: بسم الله
وبالله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. واعلم أنه لا سهو على من صلى خلف
الإمام وهو أن يسلم قبل أن يسلم الإمام، أو يسهو فيتشهد ويسلم قبل أن يسلم الإمام.
وسئل أبو عبد الله عن الإمام يصلى بأربع أنفس أو بخمس فيسبح اثنين على أنهم صلوا
ثلاثة ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعة ويقولون هؤلاء: قوموا ويقولون هؤلاء اقعدوا
والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم. فما يجب عليهم؟ قال ليس على الإمام سهو، إذا
حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام. ولا سهو
في سهو وليس في المغرب ولا في الفجر، ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو ولا سهو
في نافلة. وإذا اختلف على الإمام من خلفه، فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم.
58

باب الجماعة وفضلها
قال: والدي رحمه الله في رسالته إلى: اعلم يا بني أن أولى الناس بالتقدم في جماعة
أقرأهم للقرآن، فإذا كانوا في القراءة سواء فأفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقربهم
هجرة. وإن كانوا في الهجرة سواء فأسنهم. وإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها.
وصاحب المسجد أولى بمسجده. وليكن من يلي الإمام منكم أولوا الأحلام والتقى. فإن نسي
الإمام أو تعايا يقوموه. وقال رسول الله ص: أتموا صفوفكم فإني أراكم من
خلفي كما أراكم من بين يدي ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم. وإن ذكرت أنك على غير
وضوء، أو خرجت منك ريح أو غيرها مما ينقض الوضوء، فسلم في أي حال كنت في حال
الصلاة، وقدم رجلا يصلى بالناس بقية صلاتهم، وتوضأ وأعد صلاتك وسبح في
الأخيرتين إماما كنت أو غير إمام. تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
ثلاثا ثم تكبر وتركع. ولا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه وبحصى يأخذه في يده فيعدها به
وإن ابتلي رجل بالوسوسة فلا شئ عليه. يقول: لا إله إلا الله.
واعلم أنه لا يجوز أن يصلى خلف أحد إلا خلف رجلين، أحدهما من تثق بدينه و
ورعه وآخر تتقي سطوته وسيفه وشناعته على الدين، فصل خلفه على سبيل التقية
والمداراة وأذن لنفسك وأقم، واقرأ لها غير مؤتم به، فإن فرغت من قراءة السورة قبله فبق
منها آية وتحمد الله وإذا ركع الإمام فاقرأ الآية واركع بها. وإن لم تلحق القراءة وخشيت أن
يركع الإمام، فقل ما حذفه من الأذان والإقامة واركع.
واعلم أن فضل الرجل في جماعة، على صلاة الرجل وحده، خمس وعشرون درجة
في الجنة وتقول في قنوت كل صلاتك: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز
الأكرم وإياك أن تدع القنوت، فإن من ترك قنوته متعمدا فلا صلاة له.
وقال أمير المؤمنين ع: لا يؤم صاحب العلة الأصحاء ولا يؤم صاحب القيد
المطلقين ولا صاحب التيمم المتوضئين ولا يؤم الأعمى في الصحراء، إلا أن يوجه إلى القبلة
ولا يؤم العبد إلا أهله. وسئل الصادق ع: كم أقل ما تكون الجماعة؟ قال: رجل
59

وامرأة. وإذا صلى رجلان فقال أحدهما: أنا كنت إمامك، وقال الآخر بل أنا كنت إمامك،
فإن صلاتهما تامة، وإذا قال أحدهما: كنت أئتم بك، وقال الآخر: لا بل أنا كنت أئتم بك
فليستأنفا.
ولا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم. ولا يجوز أن يؤم ولد الزنى. ولا بأس أن يؤم
صاحب التيمم المتوضئين. ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء ولا يؤم الأعرابي المهاجر. وقال
أمير المؤمنين ع، الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيع من السنة أعظمها
ولا تقبل له شهادة ولا يصلى عليه إذا مات، إلا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه. وقال
رسول الله ص: إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم.
وإذا صليت بقوم فلا تخص نفسك بالدعاء دونهم، فإن النبي ص
قال: من صلى بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم، فقد خان القوم. وإذا صلى الإمام ركعة أو
ركعتين، فأصابه رعاف، فقدم رجلا ممن قد فاتته ركعة أو ركعتان، فإنه يتقدم ويتم بهم
الصلاة، فإذا تمت صلاة القوم، أومأ إليهم فليسلموا، ويقوم هو فيتم بقية صلاته. فإن خرج
قوم من خراسان أو من بعض الجبال وكان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة أخبروا أنه
يهودي، فليس عليهم إعادة شئ من صلاتهم ولا يجوز أن تؤم القوم وأنت متوشح وإذا
كنت خلف الإمام في الصف الثاني ووجدت في الصف الأول خللا فلا بأس بأن تمشي إليه
فتتمه.
وإذا كنت إماما فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، الذين خلفك أن يسبحوا،
يقولون: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وإذا كنت في الركعتين
الأخيرتين، فعليك أن تسبح، مثل تسبيح القوم في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن
يقرؤا فاتحة الكتاب. وروي أن على القوم في الركعتين الأولتين أن يستمعوا إلى قراءة الإمام
وإن كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة سبحوا وعليهم في الركعتين الأخيرتين أن
يسبحوا. وهذا أحب إلى.
60

باب صلاة المريض
اعلم أن المريض يصلى جالسا إذا لم يطق القيام وذلك مفوض إليه، لأن الله يقول
بل الانسان على نفسه بصيرة. وإذا كانت صلاته قاعدا، أتم منهما قائما صلى قاعدا، وإذا لم
يستطع السجود فليومئ برأسه إيماء. وإن دفع إليه شئ يسجد عليه، خمرة أو مروحة أو عود،
فلا بأس وذلك أفضل من الإيماء. ويكره أن ترفع المرأة الخمرة إلى الرجل، إلا أن لا يكون غيرها. فإذا لم
يستطع المريض الجلوس فليصل مضطجعا على يمينه، فإن لم يقدر فمستلقيا رجليه نحو
القبلة ووجهه قبالة القبلة، فيقرأ مفتوح العينين، فإذا أراد الركوع غمض عينيه، فكان
تغميض عينيه ركوعه، ثم يفتح عينيه، فيكون رفع رأسه من ركوعه، فإذا أراد السجود
غمض عينيه، فإذا رفع رأسه فتحهما، ويومئ في ذلك برأسه عند ركوعه وسجوده ولا بد من
الإيماء.
باب صلاة العريان
اعلم أن العريان يصلى قاعدا، ويضع يده على فرجه، وإن كانت امرأة وضعت
يديها على فرجها، ثم يومئان إيماء ويكون سجودهما أخفض من ركوعهما، ولا يسجدان
ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، ولكن إيماء برؤوسهما، وإذا كانوا جماعة فصلوا وحدانا.
باب صلاة المغمى عليه
اعلم أن المغمى عليه يقضي جميع ما فاته من الصلوات. وروي ليس على
المغمى عليه أن يقضي إلا صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها. وروي أنه
يقضي الصوم ثلاثة أيام وروي أنه يقضي الصلاة التي أفاق فيها في وقتها.
61

باب الصلاة في السفينة إذا كنت في سفينة وحضرت الصلاة، فاستقبل القبلة واجمع بين رجليك ودر مع
السفينة كيف ما دارت، فإن لم يتهيأ لك أن تصلي من قيام، فصل قاعدا. وصلاة النافلة في
السفينة والمحمل سواء كلها، صلها أينما توجهت سفينتك أو دابتك. ولا بأس أن تصلي في
السفينة وأنت على الأرض قادر، وتلك صلاة نوح على نبينا وعليه صلوات الله.
باب الصلاة في السفر
اعلم أن التقصير في السفر فريضة، لأن الله عز وجل أنزل الصلاة ركعتين
ركعتين، ثم بدا فجعل على المقيم أربعا، وأقرهما على المسافر ركعتين، فمتم الصلاة في
السفر كالمقصر في الحضر. والحد الذي يجب فيه التقصير مسيرة بريدين ذاهبا وجائيا
وهو مسيرة يوم. والبريد أربع فراسخ. ويجب التقصير على الرجل إذا توارى من البيوت،
وإذا خرج من مصره بعد دخول الوقت فعليه التمام. وإذا خرج قبل دخول الوقت فعليه
التقصير. وكذلك الصائم في شهر رمضان إن خرج بعد الزوال أتم الصيام وإن خرج
قبل الزوال أفطر.
ولا يحل التمام في السفر إلا لمن كان سفره معصية لله أو سفر إلى صيد. وإذا
خرجت إلى صيد وكان بطرا أو أشرا، فعليك التمام في الصلاة والصوم. وإن كان صيدك
مما تعود به على عيالك، فعليك التقصير في الصوم والصلاة. فإن قدمت أرضا ولم تدر ما
مقامك بها، تقصر ما بينك وبين شهر، ثم تتم بعد ذلك ولو صلاة واحدة. وإن خرجت
مسافرا، فلما قدمت الأرض نويت أن تقيم عشرة أيام، فعليك التمام. ولا بأس أن تصلي في
الظواهر التي بين الجواد، فأما على الجواد فلا تصلي. وروي ليس على صاحب الصيد
تقصير ثلاثة أيام، فإذا جاز ثلاثة أيام فعليه التقصير.
وإذا دخل المسافر مع قوم حاضرين في صلاتهم، فإن كانت الظهر فليجعل الركعتين
62

الأولتين فريضة والآخرتين نافلة. وإن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة والآخرتين
فريضة. وعلى المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر. ثلاثين مرة لتمام الصلاة.
وإن نسيت صلاة في السفر فذكرتها في الحضر، فاقض صلاة المسافر ركعتين كما
فاتتك. وإن نسيت صلاة في الحضر فذكرتها في السفر، فاقضها أربعا كما فاتتك. وقال النبي
ص: من صلى في السفر أربعا فأنا إلى الله منه برئ. وقال: خياركم الذين إذا
سافروا قصروا وأفطروا. وإن نسيت فصليت في السفر أربع ركعات فأعد الصلاة، إن
ذكرت في ذلك اليوم، وإن لم تذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا تعد.
باب صلاة الخوف
إذا خفت لصا أو سبعا، فصل صلاتك إيماء على دابتك وتوجه إلى القبلة بأول
تكبيرة، ثم اصرف دابتك حيث توجهت بك. وتومئ إيماء برأسك وتجعل السجود أخفض
من الركوع، وإذا كنت ماشيا فصل وامش، وكذلك إذا كنت في محمل أو كنت خائفا
فصل بالإيماء.
باب الصلاة في الحرب والمسايفة والمطاردة
سئل الصادق ع عن الصلاة في الحرب، فقال: يقوم الإمام قائما
ويجئ طائفة من أصحابه يقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بهم الإمام ركعة، ثم
يقوم ويقومون معه فيثبت قائما، ويصلون هم الركعة الثانية، ثم يسلم بعضهم على
بعض. ثم ينصرفون فيقومون مكان أصحابهم بإزاء العدو، ثم يجئ الآخرون، فيقومون
خلف الإمام، فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الإمام فيقومون ويصلون ركعة أخرى ثم
يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه، وإذا كنت في المطاردة فصل صلاتك إيماء وإن كنت
63

تسايف فسبح الله واحمده وهلله وكبره، يقوم كل تحميدة وتسبيحة وتهليلة وتكبيرة مكان
ركعة.
باب صلاة الليل
وعليك بصلاة الليل، فإن الله تبارك وتعالى أمر بها نبيه، فقال: ومن الليل فتهجد
به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. وقال رسول الله ص لأمير
المؤمنين ع: يا علي عليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة
الليل. وقال أبو عبد الله ع: من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار، وقال: ليس منا
من لم يصل صلاة الليل.
فإذا قمت من فراشك فانظر في أفق السماء، واقرأ خمس آيات من آخر آل
عمران إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد. ثم قل: الحمد لله الذي رد على روحي أعبده
وأحمده. اللهم إنه لا يوارى منك ليل ساج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا
ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي يدلج بين يدي المدلج من خلقك. تعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور. غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم لا تأخذك سنة ولا
نوم. سبحان رب العالمين وإله المرسلين وخالق النبيين. والحمد لله رب العالمين. اللهم
اغفر لي وارحمني وتب على، إنك أنت التواب الرحيم.
فإذا قمت إلى الصلاة فكبر الله سبعا واحمده سبعا. ثم صل ركعتين، تقرأ في الأولى
الحمد وقل هو الله أحد، وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون. وتقرأ في الست ركعات بما
أحببت، إن شئت طولت وإن شئت قصرت وتقرأ في ركعتي الشفع وركعة الوتر قل هو الله
أحد. وافصل بين الشفع والوتر بتسليمة. وصل بعد ذلك ركعتي الفجر. ولا بأس أن
تصليهما قبل الفجر وعنده وبعده، تقرأ في الأولى الحمد لله وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية
قل هو الله أحد. وتقول في قنوت الوتر: اللهم اهدني في من هديت وعافني في من عافيت
وتولني في من توليت وبارك لي في ما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي
64

عليك. سبحانك رب البيت، أستغفرك وأتوب إليك وأؤمن بك وأتوكل عليك ولا حول و
لا قوة إلا بك يا رحيم. وإن شئت قلت سبعين مرة: أستغفر الله وأتوب إليه وقد يجزئك عن
الدعاء في القنوت أن تقول: اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة.
ويجزئك ثلاث تسبيحات.
فإذا سلمت قلت: سبحان ربي الملك القدوس العزيز الحكيم ثلاثا، ترفع بها صوتك
وتفصل بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة باضطجاع، فإذا اضطجعت فاضطجع على
يمينك مستقبل القبلة واقرأ خمس آيات من آخر آل عمران: إن في خلق السماوات
والأرض... إلى قوله:... إنك لا تخلف الميعاد. ثم تقول: أستمسك بعروة الله الوثقى التي لا
انفصام لها وتوكلت على الحي الذي لا يموت واعتصمت بحبل الله المتين وأعوذ بالله من
شر فسقة العرب والعجم وأعوذ بالله من شر فسقة الجن والإنس. آمنت بالله. توكلت على
الله. ألجأت ظهري إلى الله. فوضت أمري إلى الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله
بالغ أمره. قد جعل الله لكل شئ قدرا. حسبي الله ونعم الوكيل. اللهم من أصبح
وحاجته إلى مخلوق فإن حاجتي ورغبتي إليك. الحمد لرب الصباح. الحمد لفالق
الإصباح. ثلاث مرات.
واعلم أن من صلى على محمد وآل محمد مائة مرة بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة،
وقى الله وجهه حر النار. ومن قال مائة مرة: سبحان ربي العظيم وبحمده. أستغفر الله ربي
وأتوب إليه. بنى الله له بيتا في الجنة وقال من قرأ أحد عشر مرة قل هو الله أحد، بنى الله له
بيتا في الجنة، فإن قرأها أربعين مرة غفر الله له.
ولا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبعة مواضع، في الركعتين
اللتين قبل الفجر وركعتي الزوال وفي الركعتين اللتين بعد المغرب وفي الركعتين اللتين في
أول صلاة الليل وركعتي الطواف وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت بهما وكلما فاتك
بالليل فاقضه بالنهار.
وإذا صليت من صلاة الليل أربع ركعات من قبل طلوع الفجر. فأتم الصلاة طلع
الفجر أو لم يطلع. وإن كان عليك قضاء صلاة الليل فقمت وعليك من الوقت بقدر ما
65

تصلي الفائتة وصلاة ليلتك، فابدأ بالفائتة فصل ثم صل صلاة ليلتك وإن كان الوقت
بقدر ما تصلي واحدة، فصل صلاة ليلتك لئلا يصيران جميعا قضاء ثم أقض صلاة الفائتة
من الغد وبعد ذلك.
باب ثواب صلاة الليل
سأل رجل أمير المؤمنين عن قيام الليل بالقرآن. فقال له: أبشر من صلى من الليل
عشر ليلة لله مخلصا ابتغاء ثواب الله، قال الله تعالى للملائكة: اكتبوا لعبدي هذا من
الحسنات، عدد ما أنبتت في الليل من ورقة وحبة وشجرة وعدد كل قصبة وخوص
ومرعى. ومن صلى من الليل تسع ليلة، أعطاه الله عشر دعوات مستجابات وأعطاه كتابه
بيمينه يوم القيامة. ومن صلى من الليل ثمن ليلة، أعطاه الله أجر شهيد صابر صادق النية وشفع له
في أهل بيته. ومن صلى من الليل سبع ليلة خرج من قبره يوم يبعث ووجهه كالقمر ليلة
البدر حتى يمر على الصراط مع الآمنين. ومن صلى من الليل سدس ليلة، كتب من الأوابين و
غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن صلى من الليل خمس ليلة، زاحم إبراهيم خليل الرحمن في
قبته ومن صلى من الليل ربع ليلة، كان في أول الفائزين حتى يمر على الصراط كالريح
العاصف ويدخل الجنة بغير حساب. ومن صلى من الليل ثلث ليلة، لم يلق ملكا إلا غبطه
بمنزلته من الله وقيل له ادخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت. ومن صلى من الليل
نصف ليلة، فلو أعطي مل ء الأرض ذهبا سبعين ألف مرة لم يعدل جزاءه. وكان له بذلك
عند الله أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل. ومن صلى من الليل ثلثي ليلة كان
له من الحسنات قدر رمل عالج أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرات.
باب ثواب من أحيا ليلة تامة
ومن أحيا ليلة تامة تاليا لكتاب الله راكعا وساجدا وذاكرا، أعطي من الثواب ما
66

أدناه أن يخرج من الذنوب كما ولدته أمه ويكتب له بعدد ما خلق الله عز وجل من الحسنات
ومثلها درجات ويثبت النور في قلبه وينزع الإثم والحسد من قلبه ويجار من عذاب القبر و
يعطي براءة من النار ويبعث من الآمنين ويقول الرب تبارك وتعالى لملائكته: يا ملائكتي
انظروا إلى عبدي، أحيا ليلا ابتغاء مرضاتي. أسكنوه الفردوس. وله فيها مائة ألف مدينة،
في كل مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له
من الكرامة والمزيد والقربة.
باب صلاة جعفر بن أبي طالب ع وثوابها
اعلم أن رسول الله ص لما افتتح خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن
أبي طالب ع. فقال: والله ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر.
فلم يلبث إذ دخل جعفر. فقام إليه رسول الله ص والتزمه وقبل ما بين
عينيه وجلس الناس حوله. ثم قال ابتداء منه: يا جعفر قال: لبيك يا رسول الله
ص قال ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ فقال جعفر: بلى يا رسول الله.
فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو ورقا. فقال إني أعطيك شيئا، إن صنعته كل يوم، كان خيرا
لك من الدنيا وما فيها وإن صنعته كل يومين غفر لك ما بينهما. أو كل جمعة، أو كل شهر، أو
كل سنة، غفر لك ما بينهما، ولو كان عليك من الذنوب مثل عدد النجوم، ومثل ورق الشجر
ومثل عدد الرمل، لغفرها الله لك، ولو كنت فارا من الزحف.
صل أربع ركعات تبدأ فتكبر ثم تقرء. فإذا فرغت من القراءة، فقل: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشر مرة. فإذا ركعتها قلتها عشرا. فإذا رفعت
رأسك من الركوع قلتها عشرا. فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود
قلتها عشرا. فإذا سجدت ثانيها قلتها عشرا. فإذا رفعت رأسك من السجود، ثانيا قلتها
عشرا وأنت جالس قبل أن تقوم. فذلك خمس وسبعون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وتهليلة،
في كل ركعة، ثلاثمائة في أربع ركعات، فذلك ألف ومائتان، وتقرأ فيهما قل هو الله أحد.
67

وروي اقرأ في الركعة الأولى من صلاة جعفر بالحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد
والعاديات ضبحا وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله
أحد. وإن كنت مستعجلا فصلها مجردة أربع ركعات، ثم اقض التسبيح.
باب صلاة الكسوف والزلزلة والرياح والظلم
إذا انكسفت الشمس والقمر وزلزلت الأرض، أو هبت الريح ريح صفراء أو سوداء
أو حمراء، أو ظلمة، فصل عشر ركعات وأربع سجدات بتسليمة واحدة، تقرأ في كل ركعة
منها بفاتحة الكتاب وسورة، فإن بعضت السورة في كل ركعة فلا تقرأ في ثانيها الحمد واقرأ
السورة من الموضع الذي بلغت ومتى أتممت سورة في ركعة، فاقرأ في الركعة الثانية الحمد.
وإذا أردت أن تصليها، فكبر ثم اقرأ الحمد وسورة، ثم اركع، ثم ارفع رأسك من
الركوع بالتكبير واقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم اركع الثانية، ثم ارفع رأسك من الركوع
بالتكبير، فاقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم اركع الثالثة ثم ارفع رأسك من الركوع بالتكبير
فاقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم اركع الرابعة، ثم ارفع رأسك من الركوع بالتكبير، فاقرأ
فاتحة الكتاب وسورة، ثم اركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك من الخامسة، فقل سمع الله لمن
حمده، ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع في الثانية مثل ذلك ولا تقل: سمع
الله لمن حمده، ثم تصلي ما بقي وهي خمس ركعات تمام العشرة كما وصفت لك وفي العاشرة
إذا رفعت رأسك من الركوع، فقل: سمع الله لمن حمده واسجد سجدتين وسلم. والقنوت
في خمس مواطن منها: في الركعة الثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة. كل ذلك بعد
القراءة وقبل الركوع.
فإذا فرغت من صلاتك ولم تكن انجلت، فأعد الصلاة، وإن شئت قعدت
ومجدت الله إلى أن تنجلي. ولا تصليهما في وقت فريضة حتى تصلي الفريضة. وإذا احترق
القرص كله فصلها في جماعة. وإن احترق بعضه فصلها فرادى. وإذا كنت في صلاة
الكسوف ودخل عليك وقت الفريضة، فاقطعها وصل الفريضة، ثم ابن علي ما صليت من
68

صلاة الكسوف.
باب صلاة يوم الجمعة
واعلم أن غسل يوم الجمعة سنة واجبة فلا تدعه. فإذا كان يوم الجمعة فادخل
الحمام وتنظف واغتسل وتبخر، إن قدرت على ذلك. وقلم أظفارك وجز شاربك وابتدأ
بخنصرك من يدك اليمنى، وقل حين تريد قلمها أو جز شاربك: بسم الله وبالله وعلى سنة
رسول الله ص. فإنه من فعل ذلك، كتب الله له بكل قلامة وجزازة عتق
نسمة. ولم يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه.
وإن استطعت أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات، وإذا
انبسطت ست ركعات، وقبل المكتوبة ست ركعات، فافعل. وإن قدمت نوافلك كلها في يوم
الجمعة قبل الزوال، أو أخرتها إلى بعد المكتوبة، فهي ست عشر ركعة. وتأخيرها أفضل من
تقديمها، في رواية زرارة بن أعين. وفي رواية أبي بصير، تقديمها أفضل من تأخيرها.
ويستحب أن يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة، سورة الجمعة وسبح اسم
وفي صلاة الغداة والظهر والعصر، سورة الجمعة والمنافقين. وإن صليت الظهر بغير
الجمعة والمنافقين، فعليك إعادة الصلاة. فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر،
وقرأت غيرهما، فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين، ما لم تقرأ نصف السورة. فإذا قرأت
نصف السورة فتمم السورة واجعلها ركعتي نافلة وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين.
واعلم أن وقت صلاة العصر يوم الجمعة، في وقت الأولى في سائر الأيام. وإن
صليت الظهر مع الإمام يوم الجمعة بخطبته صليت ركعتين، وإن صليت بغير خطبته صليتها
أربعا بتسليمة واحدة. وقال أمير المؤمنين ع: لا كلام والإمام يخطب يوم الجمعة ولا
التفات إلا كما يحل في الصلاة، وإنما جعلت الصلاة يوم الجمعة ركعتين من أجل
الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهي صلاة حتى ينزل الإمام.
69

باب صلاة العيدين
اعلم أن صلاة العيدين ركعتان في الفطر والأضحى، ليس قبلهما ولا بعدهما شئ
ولا يصليا إلا مع إمام في جماعة. ومن لم يدرك مع الإمام في جماعة، فلا صلاة له ولا قضاء
عليه، وليس لهما أذان ولا إقامة. أذانهما طلوع الشمس. فيبدأ الإمام فيكبر واحدا، ثم
يقرأ ثم يكبر خمسا. يقنت بين كل تكبيرتين، ثم يركع بالسابعة ويسجد سجدتين، فإذا
نهضت إلى الثانية، كبرت أربع تكبيرات مع تكبيرة القيام وركعت بالخامسة.
والسنة أن يطعم الرجل في الأضحى بعد الصلاة وفي الفطر قبل الصلاة. ولا
تضحي حتى ينصرف الإمام. ومن السنة التكبير ليلة الفطر ويوم الفطر في عشر صلوات،
والتكبير في الأضحى، من صلاة الظهر يوم النحر في الأمصار، إلى صلاة الفجر من بعد الغد
عشر صلوات، لأن أهل منى إذا نفروا، وجب على أهل الأمصار أن يقطعوا التكبير.
والتكبير: الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر على ما
هدينا والحمد لله على ما أبلانا، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام. وإذا كان عيد الفطر
فلا تقل فيه ورزقنا من بهيمة الأنعام والأضحى في الأمصار، يوم واحد بعد يوم النحر ومن
السنة أن يجتمع الناس في الأمصار عشية يوم عرفة بغير إمام، يدعون الله.
باب صلاة الاستخارة
قال: والدي رحمة الله عليه في رسالته إلى: إذا أردت يا بني أمرا، فصل ركعتين
استخر الله مائة مرة ومرة، فما عزم لك فافعل. وقل في دعائك: لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم. رب بحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وخر لي في
أمر كذا وكذا للدنيا والآخرة، خيرة في عافية.
70

باب صلاة الاستسقاء
وإذا أحببت أن تصلي صلاة الاستسقاء، فليكن اليوم الذي تصلي فيه يوم الاثنين،
ثم تخرج كما تخرج يوم العيد، يمشي المؤذنون بين يديك حتى ينتهون إلى المصلى. فتصلي
بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة. ثم تصعد المنبر، فتقلب رداءك الذي على يمينك،
على يسارك والذي على يسارك، على يمينك. ثم تستقبل القبلة فتكبر الله مائة مرة رافعا بها
صوتك. ثم تلتفت عن يمينك فتسبح الله مائة مرة، ثم تلتفت عن يسارك فتهلل الله مائة مرة
رافعا بها صوتك ثم تستقبل الناس بوجهك فتحمد الله مائة مرة رافعا بها صوتك. ثم ترفع
يديك وتدعو ويدعو الناس ويرفعون أصواتهم. فإن الله عز وجل إن شاء لا يخيبكم.
باب صلاة الحاجة
إذا كانت لك إلى الله حاجة، فصم ثلاثة أيام، الأربعاء والخميس والجمعة. فإذا
كان يوم الجمعة فابرز إلى الله قبل الزوال وأنت على غسل. وصل ركعتين تقرأ في كل
ركعة الحمد وخمس عشر مرة قل هو الله أحد. فإذا ركعت، قرأت قل هو الله أحد عشر
مرات. فإذا رفعت رأسك من الركوع قرأتها عشرا. فإذا رفعت رأسك من السجود قرأتها
عشرا، فإذا سجدت ثانية قرأتها عشرا، وإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قرأتها
عشرا. ثم انهض إلى الثانية، فصلها على هذا. واقنت قبل الركوع بعد القراءة وتشهد في
الثانية وسلم. وادع بما بدا لك، يستجاب لك إن شاء الله. فإذا تفضل الله عليك بقضاء
حاجتك، فصل ركعتي الشكر. تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد. وفي الثانية الحمد
وقل يا أيها الكافرون. وتقول في الركعة الثانية في الركوع والسجود: الحمد لله الذي قضى
حاجتي، وأعطاني مسألتي.
71

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
73

أبواب الصلاة
باب وجوه الصلاة
قال أبو جعفر ع فرض الله الصلاة وسن رسوله على عشرة أوجه،
صلاة الحضر والسفر وصلاة الخوف على ثلاثة أوجه، وصلاة كسوف الشمس وصلاة
خسوف القمر وصلاة العيدين والصلاة على الميت.
باب فضل الصلوات
قال الصادق ع: للمصلي ثلاث خصال: يتناثر عليه البر من
أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء، وملك
يناديه أيها المصلي لو تعلم من تناجي، ومن ينظر إليك، ما التفت ولا زلت عن
موضعك أبدا.
75

باب فريضة الصلاة
قال الصادق ع حين سئل عما فرض الله تعالى من
الصلاة، فقال: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة، والركوع، والسجود، والدعاء. ومن
ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له ومن ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له.
باب وقت الظهر والعصر
قال الصادق ع إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الصلاتين، إلا
أن بينهما سبحة، وإن شئت طولت، وإن شئت قصرت وقال ع: زوال
الشمس هو وقت الله الأول وهو أفضلهما وقال
الصادق ع: إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، فلا أحب أن يسبقني
أحد بالعمل الصالح، وأحب أن تكون صحيفتي أول صحيفة يكتب فيها
العمل. وقال ع: ما يأمن أحدكم الحدثان في ترك الصلاة وقد دخل وقتها
وهو فارع
فأول وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يمضى قدمان، ووقت العصر من
حيث يمضى قدمان من زوال الشمس إلى أن تغيب الشمس. وقال ع: فضل
الوقت الأول على الآخر، كفضل الآخرة على الدنيا.
باب وقت المغرب والعشاء
قال الصادق ع: إذا غابت الشمس فقد وجبت الصلاة. ووقت
المغرب أضيق الأوقات وهو من حين غيبوبة الشمس إلى غيبوبة الشفق ووقت
العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل.
76

باب وقت صلاة الغداة
قال الصادق ع حين سئل عن وقت الصبح، فقال: حين يعترض
الفجر ويضئ حسنا.
باب الأذان والإقامة.
قال الصادق ع: الأذان والإقامة مثنى مثنى وهما اثنان وأربعون حرفا،
الأذان عشرون حرفا والإقامة اثنان وعشرون حرفا.
باب عدد الركعات في اليوم والليلة
والصلاة في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة. الفريضة منها سبعة عشر
ركعة وما سوى ذلك سنة ونافلة.
فأما الفريضة فالظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث
ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان.
وأما السنة والنافلة فأربعة وثلاثون ركعة، منها نافلة الظهر ستة عشر ركعة، ثمان
قبل الظهر، وثمان قبل العصر، ونافلة المغرب أربع ركعات، وبعد العشاء الآخرة
ركعتان من جلوس، تعدان بركعة. فإن حدث بالرجل حدث قبل أن يبلغ آخر الليل
فيصلي الوتر يكون قد مضى على الوتر وصلاة الليل ثمان ركعات والشفع ركعتان
والوتر ركعة وركعتا الفجر، وهذه أربعة وثلاثون ركعة.
77

باب دخول المسجد
قال رسول الله ص: في التوراة مكتوب أن بيوتي في الأرض
المساجد. فطوبى لعبد تطهر في بيته وزارني في بيتي ألا إن على المزور كرامة الزائرين ألا
بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد، بالنور الساطع يوم القيامة.
قال الصادق ع: إذا دخلت المسجد فأدخل رجلك اليمنى، وصل
على النبي ص وإذا خرجت فقدم رجلك اليسرى، وصل على النبي
ص.
باب تحليل الصلاة وتحريمها
قال الصادق ع: تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم.
باب القراءة
قال الصادق ع: لا تقرن بين السورتين في الفريضة، فأما في النافلة
فلا بأس. ولا تقرأ في الفريضة بشئ من العزائم الأربع وهي سجدة
السجدة، والنجم وتقرأ باسم ربك. ولا بأس أن تقرء بها في النافلة وموسع عليك أي
سورة قرأت في فرائضك، إلا أربع سور وهي سورة والضحى والم نشرح والم تر كيف
ولإيلاف. فإن قرأتها، كانت قراءة والضحى والم نشرح في ركعة، لأنهما جميعا سورة
واحدة ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في فريضة.
78

باب ما يقال في الركعتين الأخراوين
وتسبيح في الأخراوين إماما كنت أو غير إمام، تقول: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله ثلاث مرات وفي الثالثة الله أكبر، ثم كبر واركع.
باب الركوع والسجود
قال الصادق ع: سبح في ركوعك ثلاثا، وتقول: سبحان ربي العظيم
وبحمده. ثلاث مرات وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات لأن الله
عز وجل لما أنزل على نبيه ص فسبح باسم ربك العظيم، قال النبي
ص اجعلوها في ركوعكم، فلما أنزل الله سبح اسم ربك الأعلى. قال: اجعلوها في
سجودكم فإن قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك. وتسبيحة واحدة تجزى
للمعتل والمريض والمستعجل.
باب الأعظم التي يقع عليها السجود
والسجود على سبعة أعظم: على الجبهة والكفين والركبتين والإبهامين
والإرغام بالأنف سنة، من تركها لم يكن له صلاة.
باب السهو في الصلاة
قال الصادق ع: إن شككت أنك لم تؤذن وقد أقمت، فامض. وإن
شككت في الإقامة بعد ما كبرت فامض. وإن شككت في القراءة بعد ما ركعت
79

فامض. وإن شككت في الركوع بعد ما سجدت فامض. وكل شئ شككت فيه، وقد
دخلت في حالة أخرى فامض ولا تلتفت إلى الشك، إلا أن تستيقن. وقال الصادق
ع لعمار بن موسى: يا عمار أجمع لك السهو في كلمتين: متى ما شككت فخذ
بالأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت.
باب المواضع التي تكره فيها الصلاة
تكره الصلاة في القبور والحمام والماء وقرى النمل ومواطن الإبل ومجرى الماء
والسبخة وفي ذات الصلاصل ووادي الشقرة ووادي ضجنان ومسان الطريق. وفي
بيت فيه التماثيل، إلا أن تكون بعين واحدة أو قد غير رؤوسها.
باب ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز
قال الصادق ع: اسجدوا على الأرض أو على ما نبت على الأرض
إلا ما أكل ولبس.
باب ما يجوز الصلاة فيه
قال الصادق ع: صل في شعر ووبر كل ما أكلت لحمه، وما لا يؤكل
لحمه فلا تصل في شعره ووبره.
80

باب تسبيح فاطمة الزهراء ع بعد الفريضة
وهي أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون
تحميدة، فإن من فعل ذلك قبل أن يثني رجليه غفر الله له.
باب صلاة المسافر
الحد الذي يوجب التقصير على المسافر، أن يكون سفره ثمانية فراسخ، فإذا كان سفره أربعة
فراسخ، فلم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار، فإن شاء
تم، وإن شاء قصر. وإذا أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب، والمتمم في
السفر كالمقصر في الحضر. وقال النبي ص: من صلى في السفر أربعا
متعمدا، فأنا إلى الله منه برئ.
ولا يحل التمام في السفر، إلا لمن كان سفره لله عز وجل معصية، أو سفرا إلى
صيد يكون بطرا وأشرا. فأما الذي يجب عليه التمام في الصلاة والصوم في السفر
المكاري والكري والبريد والراعي والملاح، لأنه عملهم وصاحب الصيدان كان
صيده مما يعود به على عياله، فعليه التقصير في السفر في الصلاة والصوم.
باب فضل الجماعة
فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمس وثلاثون صلاة فيها صلاة
واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة. ووضعها عن تسعة: عن الصغير
والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس
فرسخين والقراءة فيها جهارا. والغسل فيها واجب على الإمام. فيها قنوتان في
81

الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع. ومن صلاها وحده، فليصلها
أربعا، كصلاة الظهر في سائر الأيام.
فإذا اجتمع يوم الجمعة سبعة ولم يخافوا، أمهم بعضهم وخطبهم. والخطبة بعد
الصلاة لأن الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين فأول من خطب قبل الصلاة
عثمان لأنه لما أحدث ما أحدث، لم يكن يقف الناس على خطبته فلهذا قدمها.
والسبعة الذين ذكرناهم، هم الإمام والمؤذن والقاضي والمدعي حقا والمدعى
عليه والشاهدان.
وقال الصادق ع: فضل صلاة الرجل في جماعة على صلاة الرجل
وحده، خمس وعشرون درجة في الجنة.
باب من يصلى خلفه، ومن لا يصلى خلفه
لا تصل خلف أحد إلا خلف رجلين أحدهما من تثق بدينه وورعه، وآخر تتقي
سيفه وسوطه وشناعته على الدين، فصل خلفه على سبيل التقية والمداراة وأذن
لنفسك واقرأ لها غير مؤتم به. وإن فرغت من قراءة السورة قبله فبق منها آية ومجد
الله، فإذا ركع الإمام فاقرأ الآية واركع بها. وإن لم تلحق القراءة وخشيت أن يركع، فقل
ما حذفه الإمام من الأذان والإقامة واركع.
باب صلاة السفينة
سئل الصادق ع عن الرجل يكون في السفينة، وتحضره الصلاة
يريد أن يخرج إلى الشط. فقال: لا يرغب عن صلاة نوح. وقال ع: صل في
السفينة قائما. فإن لم يتهيأ لك من قيام، فصلها قاعدا. فإن دارت السفينة فدر معها
82

وتحر القبلة بوجهك. فإن عصفت الريح ولم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة، فصل إلى
صدر السفينة.
وقال الصادق ع لا تجامع في السفينة ولا تجامع مستقبل القبلة
ولا مستدبرها
باب صلاة الليل
وقت صلاة الليل إذا دخل الثلث الآخر من الليل، وهي أحد عشر ركعة. منها
ثمان ركعات صلاة الليل وركعتان الشفع وركعة الوتر. تقرأ في كل ركعة الحمد وما
تيسر لك من القرآن، لأن الله عز وجل قال: فاقرؤوا ما تيسر من القران.
ومن صلى الركعتين الأولتين من صلاة الليل بالحمد وثلاثين مرة قل هو الله
أحد في كل ركعة، انفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر له وقال الصادق
ع: من استغفر الله في الوتر سبعين مرة، كتبه الله عز وجل عنده من
المستغفرين بالأسحار وقال ع: من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار. وسئل
عن قول الله عز وجل: إن الحسنات يذهبن السيئات فقال: صلاة الوتر بالليل تذهب
بما عمل من ذنب بالنهار.
ومن صلى ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده يعيده.
باب صلاة الكسوف
إذا انكسفت الشمس والقمر، أو زلزلت الأرض، أو هبت ريح صفراء أو سوداء
أو حمراء، فصلوا عشر ركوعات وأربع سجدات، بتسليمة واحدة. تقرأ في كل ركعة
منها الحمد وما تيسر لك من القرآن فإن بعضتم السورة في ركعة فلا تقرأوا في ثانيها
83

الحمد واقرأوا السورة من الموضع الذي بلغتم. ومتى أتممتم سورة في
ركعة فاقرؤوا في الركعة الأخرى الحمد. ومن فاتته فعليه أن يقضيها، فإنها من صغار الفرائض
ولا يقال فيها: سمع الله لمن حمده إلا في الركعة الخامسة والعاشرة ولا يسجد إلا في
الخامسة والعاشرة. والقنوت في كل ركعتين بعد القراءة وقبل الركوع. وروي أن
القنوت فيها في الخامسة والعاشرة.
باب صلاة جعفر بن أبي طالب ع
قال الصادق ع: لما قدم جعفر بن أبي طالب ع من
الحبشة، كان النبي ص قد فتح خيبر فلما دخل إليه قام إليه واستقبله
وقبل ما بين عينيه. ثم قال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. ثم
قال: يا جعفر ألا أحبوك ألا أعطيك ألا أمنحك فقال بلى يا رسول الله قال
صل أربع ركعات في كل يوم، فإن لم تطق ففي كل جمعة، فإن لم تطق ففي كل شهر، فإن
لم تطق ففي كل سنة، فإن لم تطق ففي كل عمرك مرة فإنك إن صليتها محا الله ذنوبك ولو
كانت مثل رمل عالج وزبد البحر. فقيل له يا رسول الله فمن صلى هذه الصلاة له
من الثواب ما لجعفر؟ قال: نعم.
وصفتها أن تسبح في قيامك خمسة عشر مرة بعد القراءة، تقول: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وإذا ركعت قلتها عشرا. فإذا رفعت رأسك من
الركوع قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا. فإذا رفعت رأسك من السجود، قلتها
عشرا. فإذا سجدت ثانيا، قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية، قلتها
عشرا. ثم نهضت إلى الثانية بغير تكبير وصليتها مثل ما وصفت لك. وتقنت في الثانية
قبل الركوع وبعد التسبيح وتشهد وتسلم. ثم تقوم فتصلي ركعتين مثلهما.
وقال الصادق ع: إن كنت مستعجلا فصلها مجردة، ثم اقض
84

التسبيح. وروي أنه قال: إن شئت حسبتها من نوافل الليل وإن شئت حسبتها من
نوافل النهار، يحسب لك في نوفلك، ويحسب لك في صلاة جعفر ع.
وجملة التسبيح فيها ألف ومائتا تسبيحة، في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة وتقول
في آخر كل ركعة من صلاة جعفر: يا من لبس العز والوقار، يا من تعطف بالمجد وتكرم
به. يا من لا ينبغي التسبيح إلا له. يا من أحصى كل شئ علمه. يا ذا النعمة والطول
ويا ذا المن والفضل. يا ذا القدرة والكرم. أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى
الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات أن تصلي على محمد وآل
محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا.
وتقرأ في صلاة جعفر في أول الركعة، الحمد والعاديات. وفي الثانية، الحمد وإذا
زلزلت الأرض. وفي الثالثة، الحمد وإذا جاء نصر الله. وفي الرابعة، الحمد وقل هو الله
أحد. وإن شئت صليتها كلها بالحمد وقل هو الله أحد.
باب صلاة الحاجة
قال الصادق ع في الرجل يحزنه الأمر ويريد الحاجة: أن تصلي
ركعتين تقرأ في إحديهما، الحمد مرة وقل هو الله أحد ألف مرة وفي الثانية، ركعتان
الحمد وقل هو الله أحد مرة ثم تسأل حاجتك.
باب صلاة الاستسقاء
صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيدين. وقال أمير المؤمنين ع: السنة
أنه لا يستقى إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء. ولا يستقى في المساجد إلا
بمكة وسئل الصادق ع عن تحويل النبي ص رداءه إذا
85

استسقى. قال: علامة بينه وبين أصحابه تحول الجدب خصبا.
باب ما يعاد منه الصلاة
قال أبو جعفر ع: لا تعاد الصلاة إلا من خمس، الطهور والوقت
والقبلة والركوع والسجود. ثم قال: القراءة سنة والتشهد سنة والتكبير سنة ولا
تنقض السنة الفريضة.
باب الصلوات التي سن التوجه فيهن
من السنة التوجه في ست صلاة وهي، أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من
الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي الإحرام وأول ركعة من ركعتي
المغرب وأول ركعة من الفريضة
باب في المواطن التي يقرء قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
قال الصادق ع: لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون في سبعة مواطن، في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال والركعتين بعد
المغرب والركعتين في أول صلاة الليل وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت بها
وركعتي الطواف.
86

باب الصلاة التي تصلي في الأوقات كلها
إن فاتك صلوات فصلها إذا ذكرت وصلاة الكسوف والصلاة على الجنائز
وركعتي الإحرام، وركعتي الطواف.
باب آداب الصلاة
إذا دخلت في الصلاة فاعلم أنك تكن بين يدي من يراك ولا تراه. فإذا
كبرت فأشخص بصرك إلى موضع سجودك وأرسل منكبيك، وضع يديك على
فخذيك قبالة ركبتيك، فإنه أحرى أن تهتم بصلاتك.
وإياك أن تعبث بلحيتك أو برأسك أو بيديك. ولا تفرقع أصابعك. ولا تقدم
رجلا عن رجل واجعل بين قدميك قدر أربع أصابع إلى شبر أكثر ذلك، ولا تنفخ في
موضع سجودك وإذا أردت النفخ، فليكن قبل دخولك في الصلاة ولا تمطى ولا تتأوه
فإن ذلك كله نقصان ولا تلتفت عن يمينك ولا عن يسارك، فإن التفت حتى ترى من
خلفك فقد وجب عليك إعادة الصلاة. واشغل قلبك بصلاتك، فإنه لا يقبل من
صلاتك، إلا ما أقبلت عليه منها بقلبك.
فإذا فرغت من القراءة فارفع يديك وكبر واركع. وضع يدك اليمنى على
ركبتك اليمنى قبل اليسرى. وضع راحتيك على ركبتيك وألقم أصابعك عين الركبة
وفرجها ومد عنقك. ويكون نظرك في الركوع ما بين قدميك إلى موضع سجودك وسبح
في الركوع ثلاث تسبيحات.
فإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما وارفع يديك وقل: سمع الله
لمن حمده. ثم كبر وأهوى إلى السجود. وضع يديك جميعا معا قبل ركبتيك. وإن كان بينهما
وبين الأرض ثوب فلا بأس. وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل. وتنظر في
87

السجود إلى طرف أنفك وترغم بأنفك، فإن الإرغام سنة ومن لم يرغم بأنفه في سجوده
فلا صلاة له. ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم
ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه. يكون شبه المعلق عند
بروكه، لا يكون شئ من جسدك على شئ منه.
باب صلاة المرأة
إذا قامت المرأة في صلاتها، ضمت رجليها ووضعت يديها على صدرها، مكان
ثدييها. فإذا ركعت وضعت يديها على فخذيها ولا تطأطأ كثيرا لترفع عجيزتها فإذا
أرادت السجود، جلست. ثم سجدت لاطئة بالأرض فإذا أرادت النهوض إلى القيام
رفعت رأسها من السجود وجلست. ثم تنهض إلى القيام من غير أن ترفع عجيزتها
وإذا قعدت للتشهد رفعت رجليها، وضمت فخذيها.
باب المواطن التي ليس فيها دعاء مؤقت
قال أبو جعفر ع: سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقت، الصلاة على
الجنازة والقنوت والمستجار والصفا والمروة والوقوف بعرفات وركعتا الطواف.
باب من لا يجوز أن يقرأ القرآن
قال أمير المؤمنين ع: سبعة لا يقرؤن القرآن، الراكع والساجد وفي
الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض.
88

باب من لا تقبل له الصلاة
قال رسول الله ص: ثمانية لا يقبل لهم صلاة. العبد الآبق حتى
يرجع إلى مولاه، والناشزة عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة. وتارك الوضوء
والجارية المدركة تصلي بغير خمار. وإمام قوم يصلى بهم وهم له كارهون. والزبين -
قالوا يا رسول الله ص وما الزبين؟ قال: الذي يدافع الغائط والبول
والسكران. فهؤلاء الثمانية لا تقبل صلاتهم.
باب التعقيب
روي أن الله جل جلاله يقول: يا بن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة. وبعد
العصر ساعة أكفل ما أهمك والتعقيب بعد صلاة الغداة أبلغ في طلب الرزق من
الضرب في الأرض وقد روي أن المؤمن معقب ما دام على وضوئه.
باب الانصراف من جميع الصلاة
وإذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك
باب صلاة العيدين
واغتسل في العيدين جميعا، وتطيب، وتمشط، والبس أنظف ثيابك وأبرز إلى
تحت السماء، وقم على الأرض ولا تقم على غيرها وكبر سبع تكبيرات وتقول بين كل
89

تكبيرتين ما شئت من كلام حسن، من تمجيد وتكبير وتهليل ودعاء ومسألة. وتقرأ
الحمد وسبح اسم ربك الأعلى وتركع بالسابعة وتسجد وتقوم. وتقرأ الحمد
والشمس وضحاها وتكبر خمس تكبيرات وتركع بالخامسة وتسجد وتتشهد وتسلم.
وإن صليت جماعة بخطبة، صليت ركعتين. وإن صليت بغير خطبة صليت أربعا
بتسليمة واحدة. وقال أمير المؤمنين ع من فاته العيد فليصل أربعا.
وقال أبو جعفر ع: من السنة أن يبرز أهل الأمصار من أمصارهم
إلى العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام. ومن السنة أن يطعم
الرجل في الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى وفي الأضحى بعد ما ينصرف. ولا صلاة
يوم العيد بعد صلاة العيد، حتى تزول الشمس.
90

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
91

أبواب الصلاة
والمفروض من الصلوات خمس في اليوم والليلة على ما قدمناه، الظهر أربع ركعات
بتشهدين أحدهما في الثانية والآخر في الرابعة وتسليم بعد التشهد في الرابعة ينصرف به
منها، والعصر كذلك سواء، والمغرب ثلاث ركعات بتشهدين أحدهما في الثانية والآخر في
الثالثة وتسليم بعده ينصرف به منها، والعشاء الآخرة أربع ركعات كالظهر والعصر،
والغداة ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم بعده ينصرف به منها.
باب المسنون من الصلوات
والمسنون من الصلوات في اليوم والليلة أربع وثلاثون ركعة، ثماني ركعات عند زوال
الشمس قبل صلاة الظهر بتشهد في كل ثانية منها وتسليم، وثماني ركعات بعد الظهر
وقبل العصر كذلك سواء، وأربع ركعات بعد المغرب يفصل بينها بتسليم في الثانية
وينصرف منها بتسليم بعد التشهد في الرابعة، وركعتان من جلوس تحسب بواحدة بعد
عشاء الآخرة بتشهد في الثانية منها وتسليم، وثماني ركعات نوافل الليل من بعد مضى
نصفه الأول بتشهد في كل ثانية منها وتسليم كما ذكرناه في نوافل الزوال، وثلاث ركعات
الشفع والوتر بتشهد في الثانية منها وتسليم وتشهد في الثالثة وتسليم ينصرف به منها،
93

وركعتان بعد الوتر نافلة الفجر بتشهد في الثانية منها وتسليم بعده ينصرف به منها.
باب فرض الصلاة في السفر:
والمفروض من الصلاة على المسافر إحدى عشرة ركعة في اليوم والليلة، الظهر
ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم بعده ينصرف به منها، والعصر كذلك سواء، والمغرب
ثلاث ركعات كحالها في الحضر، وعشاء الآخرة ركعتان كالظهر والعصر سواء، والغداة
ركعتان كصلاتها في الحضر لا تختلف.
باب نوافل الصلوات في السفر:
ونوافل صلاة السفر سبع عشرة ركعة: أربع بعد المغرب كما قدمنا وصفه في نوافل
الحضر، وثماني ركعات صلاة الليل، وثلاث ركعات الشفع والوتر، وركعتا الفجر ووقتهما
عند الفراع من صلاة الليل والوتر وهو الفجر الأول.
باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها:
ووقت الظهر من بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي الشخص. وعلامة
الزوال رجوع الفئ بعد انتهائه إلى النقصان. وطريق معرفة ذلك بالأسطرلاب وميزان
الشمس - وهو معروف عند كثير من الناس - وبالعمود المنصوب في الدائرة الهندية أيضا،
فمن لم يعرف حقيقة العمل بذلك أو لم يجد آلته فلينصب عودا من خشب أو غيره في أرض
مستوية التسطيح ويكون أصل العود غليظا ورأسه دقيقا شبه المدري الذي ينسج به التكك
أو المسألة التي تخاط بها الأحمال فإن كل هذا العود يكون في أول النهار أطول منه بلا ارتياب في
ذلك وكلما ارتفعت الشمس نقص من طوله حتى يقف القرص في وسط السماء فيقف الفئ
حينئذ، فإذا زال عن الوسط إلى جهة المغرب رجع إلى الزيادة فيعتبر المتعرف لوقت
الزوال ذلك بخطط وعلامات يجعلها على رأس ظل العود عند وضعه في صدر النهار فكلما
نقص الظل أعلم عليه فإذا رجع إلى الزيادة على موضع العلامة عرف برجوعه أنها قد
94

زالت، وبذلك أيضا تعرف القبلة فإن عين الشمس تقف فيها نصف النهار وتصير عن
يسارها ويمين المتوجه إليها بعد وقوفها وزوالها عن القطب، فإذا صارت مما يلي حاجبه الأيمن
من بين عينيه علم أنها قد زالت وعرف أن القبلة تلقاء وجهه. ومن سبقت معرفته بجهة
القبلة فهو يعرف زوال الشمس إذا توجه إليها فرأى عين الشمس مما يلي حاجبه الأيمن
إلا أن ذلك لا يتبين إلا بعد زوالها بزمان ويتبين الزوال في أول وقته بما ذكرناه من
الأصطرلاب وميزان الشمس والدائرة الهندية والعمود الذي وصفناه. ومن لم تحصل له
معرفة ذلك أو فقد الآلة التي يتوصل بها إلى علمه توجه إلى القبلة واعتبر ما شرحناه من
حصول عين الشمس على طرف حاجبه الأيمن مما يلي وسطه حسب ما بيناه.
ووقت العصر من بعد الفراع من الظهر إذا صليت في أول أوقاتها وهو بعد زوال
الشمس بلا فصل، وهو ممتد إلى أن يتغير لون الشمس بإصفرارها للغروب، وللمضطر
والناسي إلى مغيبها بسقوط القرص عما تبلغه أبصارنا من السماء.
وأول وقت المغرب مغيب الشمس، وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل
للمغرب في السماء وذلك أن المشرق مظل على المغرب فما دامت الشمس ظاهرة فوق
أرضنا هذه فهي تلقي ضوءها على المشرق في السماء فترى حمرتها فيه فإذا ذهبت الحمرة
منه علم أن القرص قد سقط وغاب، وآخره أول وقت عشاء الآخرة.
وأول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق، وهو الحمرة في المغرب، وآخره مضى الثلث
الأول من الليل.
ووقت الغداة اعتراض الفجر وهو البياض في المشرق الذي تعقبه الحمرة في مكانه
وتكون مقدمة لطلوعها على الأرض من السماء، وذلك أن الفجر الأول وهو البياض الظاهر
في المشرق يطلع طولا ثم ينعكس بعد مدة عرضا ثم يحمر الأفق بعده للشمس فلا ينبغي
للإنسان أن يصلى فريضة الغداة حتى يعرض البياض وينشر صعدا في السماء كما ذكرناه،
وآخر وقت الغداة طلوع الشمس. فمن أدركها قبل طلوعها فقد أدرك الوقت، ومن لم
يصلها حتى تطلع الشمس فقد فاته الوقت وعليه القضاء.
ولكل صلاة من الفرائض الخمس وقتان: أول وآخره، فالأول لمن لا عذر له، والثاني
95

لأصحاب الأعذار، ولا ينبغي لأحد أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها وهو ذاكر لها غير ممنوع
منها، فإن أخرها ثم اخترم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيعا لها، فإن بقي حتى يؤديها في
آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر منه عفي عن ذنبه في تأخيرها إن شاء الله.
ولا يجوز لأحد أن يصلى شيئا من الفرائض قبل وقتها ولا يجوز له تأخيرها عن وقتها،
ومن ظن أن الوقت قد دخل فصلى ثم علم بعد ذلك أنه صلى قبله أعاد الصلاة إلا أن
يكون الوقت دخل وهو في الصلاة لم يفرع منها بعد فيجزئه ذلك. ولا يصل أحد فرضا
حتى يتيقن الوقت ويعمل فيه على الاستظهار، والمسافر إذا جدبه السير عند المغرب
فهو في سعة في تأخيرها إلى ربع الليل، ولا بأس أن تصلي العشاء الآخرة قبل مغيب
الشفق عند الضرورات.
باب القبلة:
والقبلة هي الكعبة، قال الله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس، ثم
المسجد قبلة من نأى عنه لأن التوجه إليه توجه إليها: قال الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك
في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره، يريد به نحوه قال الشاعر وهو لقيط الأيادي:
وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم تغشاكم قطعا
يعني بقوله: شطر ثغركم نحوه بلا خلاف فيجب على المتعبد أن يعرف القبلة ليتوجه
إليها في صلاته وعند الذبح والنحر لنسكه واستباحة ما أكله من ذبائحه وعند الاحتضار
ودفن الأموات وغيره من الأشياء التي قررت شريعة الاسلام التوجه إلى القبلة فيها. فمن
عاين الكعبة ممن حل بفنائها في المسجد توجه إليها في الصلاة من أي جهة من جهاتها
شاء، ومن كان نائيا عنها خارجا عن المسجد الحرام توجه إليها بالتوجه إليه كما أمر الله
تعالى بذلك نبيه ص حيث هاجر إلى المدينة وكان بذلك نائيا عنها.
وجعل الله تعالى لمن غابت عنه أو غاب عنها التوجه إلى أركانها بحسب اختلافهم في
الجهات من الأماكن والأصقاع، فجعل الركن الغربي لأهل المغرب والركن العراقي لأهل
96

العراق وأهل المشرق والركن اليماني لأهل اليمن والركن الشامي لأهل الشام، وتوجه
الجميع إنما هو من هذه البلاد إلى الحرم وهو عن يمين المتوجه من العراق إلى الكعبة أربعة
أميال وعن يساره ثمانية أميال فلذلك أمر أهل العراق والجزيرة وفارس والجبال
وخراسان أن يتياسروا في بلادهم عن السمت الذي يتوجهون نحوه في الصلاة قليلا
ليستظهروا بذلك في التوجه إلى قبلتهم وهي الركن العراقي وليس ذلك لغيرهم ممن
يصلى إلى سواه، وقد بينا في باب المواقيت علامات قبلة أهل المشرق بما ذكرناه من كون
الفجر عن يسار المتوجه إليها وعين الشمس على حاجبه الأيمن في أول زوالها وكون الشفق
عن يمينه عند غروبها، ومن أراد معرفتها في باقي الليل فليجعل الجدي على منكبه الأيمن
فإنه يكون متوجها إليها، وإذا أطبقت السماء بالغيم فلم يجد الانسان دليلا عليها
بالشمس والنجوم فليصل إلى أربع جهات عن يمينه وشماله وتلقاء وجهه وورائه في كل
جهة صلاة وقد أدى ما وجب عليه في صلاته وكذلك حكم من كان محبوسا في بيت ونحوه ولم
يجد دليلا على القبلة بأحد ما ذكرناه صلى إلى أربع جهات، وإن لم يقدر على ذلك لسبب
من الأسباب المانعة له من الصلاة أربع مرات فليصل إلى أي جهة شاء وذلك مجزئ،
ومن أخطأ القبلة أو سها عنها ثم عرف ذلك والوقت باق أعاد الصلاة، وإن عرفه بعد
خروج الوقت لم يكن عليه إعادة فيما مضى اللهم إلا أن يكون قد صلى مستدبرا القبلة
فيجب عليه حينئذ إعادة الصلاة كان الوقت باقيا أو منقضيا وعلى كل حال.
باب الأذان والإقامة:
وإذا دخل وقت الصلاة وجب الطهور ومعرفة القبلة والصلاة. وينبغي للإنسان
أن يؤذن لكل فريضة ويقيم، وإذا كانت صلاة جماعة كان الأذان والإقامة لها واجبين ولا يجوز
تركهما في تلك الحال، ولا بأس أن يقتصر الانسان إذا صلى وحده بغير إمام على الإقامة
ويترك الأذان في ثلاث صلوات وهي: الظهر والعصر والعشاء الآخرة ولا يترك الأذان
والإقامة في المغرب والفجر لأنهما صلاتان لا تقصران في السفر وهما على حالهما في الحضر
كما شرحناه.
وفي الأذان والإقامة فضل كثير وأجر عظيم، روي عن الصادقين ع أنهم
97

قالوا: من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومن أقام بغير أذان صلى خلفه صف
واحد من الملائكة، وقالوا ع: قال رسول الله ص: يغفر للمؤذن
صوته وبصره ويصدقه كل رطب ويابس وله بكل من يصلى بأذانه حسنة.
ولا يجوز الأذان لشئ من الصلوات قبل دخول وقتها إلا الفجر خاصة فإنه لا بأس أن
يؤذن له قبل دخول وقته لينتبه النائم ويتأهب لصلاته بظهوره وإن كان جنبا نظر في
طهارته لغسله، ثم يعاد الأذان عند طلوع الفجر للصلاة ولا يقتصر على ما تقدم منه إذ
ذلك لسبب غير الدخول في الصلاة وهذا الدخول فيها على ما ذكرناه. ولا يؤذن لشئ من
نوافل الصلاة، ولا أذان لصلاة سوى الخمس الصلوات المفترضات. ولا بأس للإنسان
أن يؤذن وهو على غير وضوء ليعرف الناس بأذانه دخول الوقت ثم يتوضأ هو بعد الأذان
ويقيم الصلاة ولا يقيمها إلا على وضوء يحل له به الدخول في الصلاة، وإن عرض
للمؤذن حاجة يحتاج إلى الاستعانة عليها بكلام ليس من الأذان فليتكلم به ثم يصله من
حيث انتهى إليه ما لم يمتد به الزمان، ولا يجوز أن يتكلم في الإقامة مع الاختيار، ولا بأس أن
يؤذن الانسان جالسا إذا كان ضعيفا في جسمه وكان طول القيام يتعبه ويضره أو كان راكبا
جادا في مسيره ولمثل ذلك من الأسباب، ولا يجوز له الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع
الاختيار، ولا بأس أن يؤذن الانسان ووجهه مصروف عن القبلة يمينا وشمالا للحوائج إلى
ذلك والأسباب غير أنه إذا انتهى في أذانه إلى الشهادتين توجه بهما إلى القبلة ولم ينصرف
عنها مع الإمكان ولا يقيم إلا ووجهه تلقاء القبلة على ما قدمناه.
وليس على النساء أذان ولا إقامة لكنهن يتشهدن بالشهادتين عند وقت كل صلاة
ولا يجهرن بهما لئلا يسمع أصواتهن الرجال، ولو أذن وأقمن على الإخفات للصلوات
لكن بذلك مأجورات ولم يكن به مأزورات إلا أنه ليس بواجب عليهن كوجوبه على
الرجال.
ومن أذن فليقف على آخر كل فصل من أذانه ولا يعرب به وليرتله ويرفع به صوته إن
استطاع ولا يخفض به صوته دون إسماعه نفسه إياه فإن ذلك لا يجزئه فيما سنه النبي
ص، وكذلك إذا أذنت المرأة متبرعة لنفسها أو شهدت الشهادتين عند صلواتها
98

فلتسمع نفسها ذلك ولا تخافت بكلامها دون السماع.
باب عدد فصول الأذان والإقامة ووصفهما والسنة فيهما وما بينهما من الأقوال
والأفعال:
والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا، الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر
فصلا.
يقول المؤذن في الأذان: الله أكبر، ثم يقف ولا يعرب الراء بالضمة بل يقف عليها ويقول
مثلها: الله أكبر، ثم يقف ثم يقول: الله أكبر، ويقف ويقول: الله أكبر، فذلك أربعة فصول، ثم
يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ويقف ولا يعرب الهاء في اسم الله تعالى بل يقف عليها ثم
يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مثل الأول فذلك فصلان ينضافان إلى الأربعة فتصير ستة، ثم
يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، ويقف ولا يخفض الهاء بل يقف عليها ثم يقول: أشهد أن
محمدا رسول الله، ويقف عند الهاء ولا يحركها فذلك أيضا فصلان ينضافان إلى الستة
فتصير ثمانية فصول، ثم يقول: حي على الصلاة، ويقف على الهاء ولا يحركها ثم
يقول: حي على الصلاة، فذلك فصلان ينضافان إلى الثمانية فتصير عشرة فصول،
ثم يقول: حي على الفلاح، ويقف على الحاء فلا يحركها كما وقف على الهاء في الصلاة
ويقول مرة ثانية: حي على الفلاح، ولا يعرب بها كما ذكرناه فذلك فصلان ينضافان إلى
العشرة فتصير اثنا عشر فصلا، ثم يقول: حي على خير العمل، ويقف على اللام
ولا يحركها بخفض الإعراب كما قدمنا القول فيما مضى، ثم يقول مرة أخرى: حي على خير
العمل، ويقف كما فعل في المرة الأولى فذلك فصلان ينضافان إلى الاثني عشر فصلا
فتصير أربعة عشر فصلا، ثم يقول: الله أكبر، ويقف ولا يحرك الراء بالرفع ثم يقول مرة أخرى:
الله أكبر، فذلك فصلان ينضافان إلى أربعة عشر فتصير ستة عشر فصلا، ثم يقول:
لا إله إلا الله، ويقف على الهاء ولا يحركها بالرفع للإعراب ثم يقول مرة أخرى: لا إله إلا الله،
كما قال في الأولى من غير تحريك الهاء بالإعراب فذلك فصلان ينضافان إلى الستة عشر
فصلا فتصير بها ثمانية عشر فصلا.
99

فإذا فرع من الأذان على ما شرحناه فليجلس بعده جلسة خفيفة يتوجه فيها إلى
القبلة ويذكر الله تعالى ثم يقوم فيقيم الصلاة، وإن شاء أن يسجد بينهما سجدة فعل،
والسجدة أفضل من الجلسة إلا في الأذان للمغرب فإنه لا يسجد بعده ولكن يجلس جلسة
خفيفة أو يخطو نحو القبلة خطوة تكون فصلا بين الأذان والإقامة. وإذا سجد الانسان بين
الأذان والإقامة فليقل في سجوده:
لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا فصل على محمد وعلى آل محمد
واغفر لي وارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم،
وإن كان المؤذن يؤذن لصلاة جماعة فليجعل بين أذانه وإقامته في الظهر والعصر
لصلاة الظهر ركعتين من نوافله وكذلك في العصر ليمتد بهما الزمان فيتمكن المصلون
معه أن يتأهبوا للصلاة ويلحقوا الاجتماع. ولا يصل بين أذان المغرب وإقامتها شيئا على
ما قدمناه، وكذلك لا نافلة بين أذان العشاء الآخرة وإقامتها وأذان الغداة وإقامتها لكن
يجلس بينهما مستقبل القبلة يذكر الله تعالى إلى أن يجتمع له الناس، وإن كان عليه قضاء
نافلة فاتته فليجعل ركعتين منها بين الأذان والإقامة في هاتين الصلاتين وهما العشاء الآخرة
والغداة فإنه أفضل من الجلوس بغير صلاة.
وإذا أراد أن يقيم الصلاة فليقل: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي
على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير
العمل، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة
فذلك سبعة عشر فصلا يصير مع الأذان خمسة وثلاثين فصلا على ما ذكرناه. ولا يعرب
أيضا في الإقامة بل يقفها كما بيناه في الأذان وإن حدر الإقامة ولم يرتلها ترتيل الأذان جاز له
ذلك بل هو السنة، ولا بد في الأذان من ترتيل حسب ما شرحناه.
100

باب كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى والخمسين ركعة وترتيبها والقراءة
فيها والتسبيح في ركوعها وسجودها:
فإذا زالت الشمس وعرف ذلك الانسان بإحدى علامات زوالها التي ذكرناها
فليسبغ وضوءه - إن كان على حدث يوجب الطهارة - وليتوجه إلى القبلة خاشعا لله مقبلا
على صلاته بقلبه وبدنه وليستفتح الصلاة بالتكبير فيقول: الله أكبر، ويرفع يديه مع تكبيره
حيال وجهه وقد بسط كفيه وضم بين أصابع كل كف من يديه وفرق بين إبهامه ومسبحته
ولا يجاوز بأطراف أصابعه في رفعهما للتكبير شحمتي أذنيه وليرسلهما مع آخر لفظة بالتكبير
إلى فخذيه ثم يرفعهما ويكبر تكبيرة أخرى كالأولى ويرسلهما مع فخذيه ويكبر ثالثة رافعا
يديه بها حيال وجهه كما تقدم ذكره ثم يرسل يديه حسبما وصفناه مع جنبيه إلى فخذيه
ويقول: اللهم أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت
نفسي فاغفر لي ذنوبي وارحمني إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت التواب الغفور الرحيم.
ثم يكبر تكبيرة رابعة يرفع بها يديه ثم يرسلهما ويكبر أخرى ليكمل بها خمس تكبيرات
ويرسلهما ويقول:
لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك بين يديك
الشر ليس إليك لا ملجأ ولا منجى ولا ملتجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك سبحانك
وتعاليت سبحانك ربنا ورب البيت الحرام.
ثم يكبر تكبيرتين أخريين إحديهما بعد الأخرى كما قدمنا ذكره ويقول:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين
محمد وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم يقرأ الحمد وقل هو الله أحد يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم كما افتتح الحمد لله
بذلك، وليكن نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده، ويفرق بين قدميه فيجعل بينهما قدر
شبر إلى أكثر من ذلك، ولا يضع يمينه على شماله في صلاته كما يفعل ذلك اليهود والنصارى
101

وأتباعهم من الناصبة الضلال، ولا يقل بعد فراغه من الحمد " آمين " كقول اليهود
وإخوانهم النصاب.
فإذا فرع من قراءة قل هو الله أحد فليرفع يديه بالتكبير حيال وجهه وليركع فإذا ركع
فليمد عنقه وليعدل ظهره ويلقم كفيه على عيني ركبتيه ويكون نظره إلى ما بين رجليه ويقول
في ركوعه:
اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي
خشع لك قلبي وسمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما أقلت الأرض مني سبحان
ربي العظيم وبحمده، ثلاث مرات وإن قالها خمسا فهو أفضل وإن قالها سبعا فهو أفضل، ثم
يرفع رأسه وظهره من الركوع وهو يقول: سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين أهل
الكبرياء والعظمة والجود والجبروت، ويستوي قائما معتدلا حتى يرجع كل عضو منه إلى
مكانه.
ثم يرفع يديه بالتكبير حيال وجهه فيكبر ساجدا لله تعالى ويتلقى الأرض بيديه قبل
ركبتيه ويكون سجوده على سبعة أعظم: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين،
ويرغم بطرف أنفه على الأرض سنة مؤكدة، وليتعلق في سجوده ولا يلصق صدره بالأرض
ويرفع ذراعيه عنها ولا يلصق عضديه بجنبيه ولا ذراعيه بعضديه ولا فخذيه ببطنه ويوجه
أصابع يديه إلى القبلة وهي مضمومة ويكون نظره في حال سجوده إلى طرف أنفه ويقول في
سجوده:
اللهم لك سجدت ولك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت
وأنت ربي سجد لك وجهي وقلبي وسمعي وبصري وجميع جوارحي، سجد وجهي للذي
خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين، سبحان ربي الأعلى
وبحمده، ثلاث مرات، وإن قالها خمسا كان أفضل وسبع مرات أفضل.
ثم يرفع رأسه من سجوده ويرفع يديه بالتكبير مع رفع رأسه ويجلس متمكنا على
الأرض قد خفض فخذه اليسرى عليها ورفع فخذه اليمنى عنها ويكون نظره إذ ذاك إلى
حجره ويقول وهو جالس: اللهم اغفر لي وارحمني وادفع عني وأجرني إني لما أنزلت إلى من
102

خير فقير، ثم يرفع يديه بالتكبير ويسجد الثانية كما سجد السجدة الأولى ويصنع فيها مثل
ما صنع ويقول فيها مثل ما قال ثم يرفع رأسه بالتكبير ويجلس متمكنا على الأرض كما جلس
بين السجدتين، فإذا استوى في جلوسه نهض إلى الركعة الثانية وهو يقول: بحول الله
وقوته أقوم وأقعد، فإذا استوى قائما قرأ الحمد يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم فإذا
فرغ منها قرأ قل يا أيها الكافرون، ويفتتحها أيضا ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن شاء قرأ
فيها قل هو الله أحد، كما قرأها في الأولى وإن قرأ غير هاتين السورتين مع الحمد جاز له ذلك
إلا أن قراءة هاتين السورتين في هاتين الركعتين أفضل. وأي سورة قرأها مع الحمد
فليفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم فإنها أول كل سورة من القرآن،
فإذا فرع من قراءة السورة بعد الحمد رفع يديه بالتكبير ثم قلبهما فجعل باطنهما إلى
السماء وظاهرهما إلى الأرض وقنت فقال: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله
إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن
وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد وعافني واعف عني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني
برحمتك عذاب النار، ويدعو بما أحب ويسمي حاجته إن شاء الله.
ثم يرفع يديه بالتكبير ويركع فيقول في ركوعه ما قال في الركوع الأول، ويرفع رأسه
وينتصب قائما ويقول ما ذكرناه بدءا ثم يسجد كما بينا ويقول في سجوده ما رسمناه، ثم
يرفع يديه بالتكبير ويرفع رأسه فيستوي جالسا كما صنع في الركعة الأولى ويقول في جلسته
ما تقدم شرحه، ثم يسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه فيجلس للتشهد كما جلس
السجدتين متمكنا على أليتيه جميعا، خافضا فخذه اليسرى ناصبا فخذه اليمنى،
ولا يجلس على قدميه، ويضع كفيه على فخذيه وأطراف أصابعهما دون عيني ركبتيه،
وينظر إلى حجره في قعوده ويتشهد فيقول:
بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة صلى
الله عليه وعلى آله الطاهرين.
103

ويسلم تجاه القبلة تسليمة واحدة يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويميل مع التسليمة
بعينه إلى يمينه، فإذا سلم فقد فرع من الركعتين وحل له الكلام.
وليحمد الله بعد تسليمه وليثن عليه ويصلى على محمد وآله ع ويسأل
الله حوائجه ثم يسجد سجدتي الشكر يلصق فيهما ذراعيه بالأرض ويقول في سجوده:
اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت وعليك توكلت اللهم أنت ثقتي ورجائي
فاكفني ما أهمني وما لا أهمني وما أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك صل
على محمد وعلى آل محمد وعجل فرجهم.
ثم يرفع جبهته عن الأرض ويضع خده الأيمن على موضع سجوده ويقول: ارحم ذلي
بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وآنسني بك يا كريم يا كريم يا كريم، ثم يرفع
خده الأيمن عن الأرض ويضع مكانه خده الأيسر ويقول: لا إله إلا أنت ربي حقا حقا سجدت
لك يا رب تعبدا ورقا اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم، ثم يرفع خده
عن الأرض ويعود إلى السجود فيقول في سجوده: شكرا شكرا، مائة مرة وإن قالها ثلاث
مرات أجزأه وأكثر من ذلك أفضل والمائة فيها أفضل وبها جاءت السنة، ثم يرفع رأسه
ويجلس مطمئنا على الأرض ويضع باطن كفه الأيمن موضع سجوده ثم يرفعها فيمسح بها
وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه ثم يمرها على باقي وجهه ويمرها على صدره
فإن ذلك سنة وفيه شفاء إن شاء الله.
وقد روي عن الصادقين ع أنهم قالوا: إن العبد إذا سجد امتد من أعنان
السماء عمود من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده
موضع سجوده ثم يمسح بها وجهه وصدره فإنها لا تمر بداء إلا نفته إن شاء الله تعالى.
فإذا فرع من هاتين الركعتين على ما ذكرناه قام فصلى باقي النوافل وهي ست
ركعات يكمل بها ثماني ركعات على ما شرحناه ويتشهد في كل ثانية ويسلم ويعقب بعدها
ويدعو ويسجد. ويستحب أن يسبح الانسان في عقب كل صلاة تسبيح الزهراء فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليهما وآلهما وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث
وثلاثون تسبيحة، ثم يدعو بعد ذلك ويسجد ويعفر، وإن قرأ الانسان في هذه الثماني
104

ركعات النوافل كلها الحمد وقل هو الله أحد كان أحسن، وإن قرأ في كل أولة منها الحمد
وقل هو الله أحد وفي كل ثانية منها الحمد وقل يا أيها الكافرون كان أحسن أيضا، وإن قرأ في
الأولة منها الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون ثم قرأ في الست
الباقيات مع الحمد غير ذلك من سور القرآن أجزأه وكان حسنا أيضا، ولو قرأ فيها كلها
الحمد وحدها أجزأه إلا أن الذي ذكرناه أفضل. وإن قنت في الركعة الثانية من الأولة ولم
يقنت فيما بعدها أجزأه ذلك، وإن لم يقنت في شئ منها لم يخرج إلا أن القنوت فيها أفضل،
وإن سجد بعد كل تسليم منها وعفر ودعا أحسن، وإن فعل ذلك بعد الأولتين منها ولم يفعله
فيما بعدهما لم يخرج إلا أن فعله بعد كل ركعتين منها أفضل، وإن ترك التعقيب وسجدتي
الشكر والتعفير في جميعها كان تاركا فضلا ومضيعا أجرا إلا أنه غير مخل بفرضه منها، وإن
استفتح هذه النوافل بتكبيرة واحدة وقرأ بعدها الحمد ولم يكبر سبعا كما وصفناه لم يخرج
إلا أنه يكون قد ترك فضلا مع الاختيار، وإن توجه بسبع تكبيرات في الأولة من نوافل الزوال
أغناه ذلك عن التوجه فيما بعدها من أوائل الركعات، ولو كبر سبعا متواليات ثم توجه بعد
السابعة من غير قول لما قدمناه أجزأه إلا أن تفصيلها بالمقال والفعال الذي شرحناه
أفضل، وكذلك لو كبر خمسا متواليات أو ثلاثا متواليات كان أفضل من الواحدة والسبع
أفضل واقتصاره لأجزأه ذلك، وتكبيره سبعا أفضل، واقتصاره على تكبيرة الافتتاح مجز
له في الفرض والسنة على ما قدمناه.
والسنة في التوجه بسبع تكبيرات مفصلات بما قدمناه من القول والعمل فيها في سبع
صلوات، الأولة من كل فريضة، والأولة من نوافل الزوال على ما شرحناه، والأولة من نوافل
المغرب، والأولة من الوتيرة وهي الركعتان اللتان تصلي من جلوس بعد العشاء الآخرة
وتحتسب بركعة واحدة في العدد على ما قدمناه، والأولة من نوافل الليل، والمفردة بعد
الشفع وهي الوتر، والأولة من ركعتي الإحرام للحج والعمرة. ثم هو فيما بعد هذه الصلوات
مستحب وليس تأكيده كتأكيده فيما عددناه.
والمرأة تتضمم في صلواتها فتجمع في قيامها بين قدميها فإذا أرادت الركوع وضعت
يديها على فخذيها ولم تطأطأ كثيرا فإذا أرادت السجود جلست ثم سجدت لاطئة
105

بالأرض وإذا أرادت التشهد جلست وضمت فخذيها وليس حكمها حكم الرجال
فيما قدمنا وصفه من هيئاتهم في أحوال الصلاة.
فإذا فرع المصلي من ثماني ركعات الزوال على ما بيناه وشرحناه فليؤذن لفريضة
الظهر حسب ما قدمناه، فإذا تمم الأذان فليسجد وليقل في سجوده:
لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاشعا خاضعا فصل على محمد وآل محمد واغفر لي
وارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم.
ثم يرفع رأسه فيقيم الصلاة على ما تقدم به القول، فإذا فرع من الإقامة استفتح
الفريضة بسبع تكبيرات كما ذكرناه ثم يقول ما شرحناه في استفتاح الأولة من نوافل الزوال
ثم يقرأ الحمد يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم فإذا فرع منها قرأ سورة: إنا أنزلناه في ليلة
القدر، أو غيرها من السور القصار يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم على ما بيناه ثم يركع
فيقول في ركوعه ما قدمناه وينتصب قائما على ما رسمناه ويسجد فيقول في سجوده
ما وصفناه ويجلس فيقول في جلوسه ما أثبتناه ثم يسجد الثانية ويقول ما شرحناه ويجلس
فيكبر لجلوسه ويقوم إلى الثانية بغير تكبير يشفع به تكبيرة الجلوس بل يقول بدلا من
ذلك: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإذا انتصب فيها قائما قرأ الحمد وقل هو الله أحد
أو غيرها من السور القصار، فإذا فرع منها قنت بما ذكرناه ثم يركع ويسجد فإذا رفع رأسه
من السجدة الثانية جلس للتشهد على ما بيناه وتشهد بما وصفناه، ثم يقوم إلى الثالثة من
غير تسليم فيقرأ سورة الحمد وحدها ثم يركع، ويسجد السجدتين ويقوم إلى الرابعة فيقرأ
أيضا فيها سورة الحمد وحدها ثم يركع، ولا يجوز له أن يقرأ سورة أخرى مع الحمد في
الركعتين الأخريين من كل فريضة ولا في الثالثة من المغرب ولا بغيرها من آي القرآن
وسوره، فإن سبح في هاتين الركعتين من كل فريضة وفي الثالثة من المغرب بدلا من قراءة
الحمد أجزأه ذلك. والتسبيح فيها إن سبح بعشر تسبيحات يقول: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله، ثم يعيدها ثانية وثالثة ويقول في آخر التسبيح الثالث: والله أكبر، يركع بها.
وإن سبح أربع تسبيحات في كل ركعة منها فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، أجزأه ذلك ثم يركع بالتكبير، فإذا جلس للتشهد في الرابعة من الظهر والعصر
106

والعشاء الآخرة وفي التشهد الثاني من الثالثة في المغرب أو في الثانية من الغداة فليقل:
بسم الله الرحمن الرحيم وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله التحيات لله
والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الناعمات السابغات التامات الحسنات
ما طاب وطهر وزكى ونمى وخلص وما خبث فلغير الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وأشهد أن
ربي نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب
فيها وأن الله يبعث من في القبور.
اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد
وتحنن على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم وآل
إبراهيم إنك حميد مجيد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
ويومئ بوجهه إلى القبلة ويقول: السلام على الأئمة الراشدين السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، وينحرف بعينه إلى يمينه فإذا فعل ذلك فقد فرع من صلاته وخرج منها
بهذا التسليم. فإذا سلم بما وصفناه فليرفع يديه حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه
وبباطنهما القبلة بالتكبير ويقول: الله أكبر، ثم يخفض يديه إلى نحو فخذيه ويرفعهما ثانية
بالتكبير ثم يخفضهما ويرفعهما ثالثة بالتكبير ثم يخفضهما ويقول بعد تكبيرة ثلاثا على هذه
الصفة:
لا إله إلا الله وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب
الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير.
ثم يسبح تسبيح الزهراء سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله ص وهو،
أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة، يبدأ بالتكبير فيقول:
الله أكبر الله أكبر، حتى يوفي العدد أربع وثلاثين ثم يقول: الحمد لله، حتى يوفي ذلك ثلاث
وثلاثين ثم يقول: سبحان الله، حتى يستوفي ثلاثا وثلاثين، ويستغفر الله بعد ذلك بما تيسر له
من الاستغفار ويصلى على محمد وآله ويدعو فيقول: اللهم انفعنا بالعلم وزينا بالحلم
107

وجملنا بالعافية وكرمنا بالتقوى إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، ويدعو
بعد ذلك بما أحب إن شاء الله. فإذا فرع من دعائه فليسجد سجدتي الشكر ويصنع فيهما
ما وصفناه قبل هذا المكان ويقول فيهما ما قدمناه ويعفر خديه بينهما على ما شرحناه فإذا رفع
رأسه من السجدة بعد التعفير مسح موضع سجوده بيده اليمنى ثم مسح بها وجهه وصدره
إن شاء الله.
ثم يقوم فيصلي نوافل العصر وهي ثمان ركعات حسب ما ثبتناه، يفتتحها بالتكبير
ويقرأ الحمد وسورة: قل هو الله أحد وإن قرأ غيرها من السور أجزأه، فإذا فرع من هذه
الثماني ركعات أذن لفرض العصر وأقام ثم استفتح الصلاة بسبع تكبيرات يتوجه
بعد السابعة منها بما رسمناه، وإن توجه بتكبيرة واحدة أجزأه، ثم يقرأ بعد التوجه بتكبيرة
الإحرام الحمد وسورة معها ويقرأ في الثانية منها الحمد وسورة أخرى وإن شاء كرر السورة
التي قرأها في الركعة الأولى، ثم يجلس بعد السجدتين منها فيتشهد ويقوم إلى الثالثة
فيصنع فيها وفي الرابعة كما صنع في صلاة الظهر إن شاء الله، يقرأ الحمد وحدها فإن سبح
جاز فإذا سلم من الرابعة كبر ثلاثا على ما وصفناه وهلل الله تعالى ومجده بما قدمناه وسبح
تسبيح الزهراء ع حسب ما بيناه واستغفر الله تعالى في عقبه سبعين مرة يقول:
أستغفر الله ربي وأتوب إليه، ويعيده حتى يكمل به العدد، ثم يصلى على محمد وآله سبع
مرات يقول:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك
عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته،
ويعيد هذه الصلوات حتى يتممها سبع مرات، ثم يدعو فيقول: اللهم إني أسألك بمعاقد
العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وكلماتك التامة التي تمت صدقا
وعدلا أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، ويسأل حوائجه للدنيا
والآخرة ثم يسجد سجدتي الشكر ويعفر بينهما على ما وصفناه.
وإذا سقط القرص فليؤذن للمغرب ويقيم بعد الأذان من غير فصل أكثر من خطوة
أو نفس ثم يفتتح الصلاة بسبع تكبيرات كما افتتح الظهر والعصر وتجزئه تكبيرة واحدة
108

على ما ذكرناه، ويقرأ في الأولتين منها الحمد وسورة معها ويقرأ في الثالثة الحمد وحدها وإن شاء
سبح فيها بما رسمناه، فإذا سلم منها كبر ثلاثا وقال ما قدمناه وسبح تسبيح
الزهراء صلوات الله عليها وعلى آلها ثم قام من غير تعقيب له بالدعاء والسجود والتعفير
ولا كلام له عند مندوحة، فكبر للنافلة وتوجه بعد التكبير فصلى ركعتين ثم تشهد وسلم
وصلى بعدهما ركعتين آخرتين وتشهد وسلم ثم دعا فقال:
اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم وبما توجه به إليك نبينا محمد
ص أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، ويسأل حوائجه ثم يسجد
سجدتي الشكر على ما بيناه والدعاء وسجدتا الشكر والتعفير بعد الفرائض كلها قبل
النوافل الشافعة لها إلا المغرب فإنه يؤخر عن الفريضة حتى تتم نافلتها وهي الأربع
الركعات المقدم ذكرها فيما مضى قبل هذا المكان، والعلة في ذلك ما روي عن الصادقين
ع أن رسول الله ص بشر بالحسن ع وهو في آخر
تسبيح المغرب قبل الدعاء فقام من وقته من غير أن يتكلم أو يصنع شيئا فصلى ركعتين
جعلهما شكرا لله تعالى على سلامة فاطمة صلوات الله عليها وآلها وولادتها الحسن
ع ثم دعا بعد الركعتين وعقب بسجدتي الشكر والتعفير بينهما وكان ذلك سنة حتى ولد
الحسين ع فجاء البشير به وقد صلى هاتين الركعتين بعد المغرب وهو في آخر
تسبيحه فقام من غير تعقيب فصلى ركعتين جعلهما شكرا لله تعالى ثم عقب بالدعاء
بعدهما وسجد فجرت به سنته عليه وآله السلام أن لا يتكلم أحد بين فريضة المغرب
ونافلتها، ويؤخر تعقيب الفرض منها بما سوى التسبيح إلى وقت الفراع من نافلتها.
فإذا غاب الشفق فليؤذن لعشاء الآخرة ثم يقيم ويستفتح الصلاة بسبع تكبيرات
كما استفتح ما تقدمها من الفرائض ويصلى أربع ركعات كما صلى الظهر والعصر، فإذا
سلم منها كبر ومجد الله تعالى وسبح تسبيح الزهراء عليها وآلها السلام ثم دعا فقال:
اللهم إني أسألك سؤال من غلبه الأمل وفتنه الهوى وانقطع رجاؤه إلا منك ولا ملجأ له
ولا منجى ولا ملتجأ منك إلا إليك سؤال البائس الفقير الخائف المستجير اللهم صل على
محمد وآل محمد وأطلق بدعائك لساني واشرح به صدري وأنجح به طلبتي وأعطني به سؤلي،
109

ثم يدعو بما أحب.
فإذا فرع من دعائه فليصل ركعتين من جلوس وليتوجه في الأولى منهما كما ذكرناه
ويقرأ فيها الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون، وإن قرأ فيهما
جميعا الحمد وقل هو الله أحد فعل حسنا إن شاء الله. وليأو إلى فراشه ولا يشتغلن بعد
صلاة العشاء الآخرة بلهو ولعب وأحاديث لا تجدي نفعا وليجعل آخر عمله قبل نومه
الصلاة فإذا أوى إلى منامه فليضطجع على جنبه الأيمن وليقل عند اضطجاعه.
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ص اللهم إني
أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجى ولا ملتجأ
منك إلا إليك آمنت بكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته.
ثم ليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس،
ويكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة ويحمده ثلاثا وثلاثين تحميدة ويسبحه ثلاثا وثلاثين تسبيحة
ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي
لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، ثم يستعيذ بالله مما يخاف ويحذر ويسأله حراسته
وكفايته.
فإذا مضى النصف الأول من الليل فليقم إلى صلاته ولا يفرطن فيها فإن الله تعالى أمر
نبيه عليه وآله السلام بها وحثه عليها فقال جل اسمه: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا، وقال تعالى: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه
قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، ووصى رسول الله ص أمير المؤمنين
ع في الوصية الظاهرة إليه فقال فيها: وعليك يا علي بصلاة الليل وعليك يا علي
بصلاة الليل وعليك يا علي بصلاة الليل، وقال الصادق ع: ليس من شيعتنا
من لم يصل صلاة الليل، يريد أنه ليس من شيعتهم المخلصين وليس من شيعتهم أيضا
من لم يعتقد فضل صلاة الليل وأنها سنة مؤكدة ولم يرد ع أنه من تركها لعذر
أو تركها كسلا فليس من شيعتهم على حال لأنها نافلة وليس بفريضة غير أن فيها فضلا
كثيرا، وقد روي أنها تدر الرزق وتحسن الوجه وترضى الرب وتنفى السيئات، وقال رسول
110

الله ص: إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينه ليرضي ربه تعالى
بصلاة ليله باهى الله تعالى به الملائكة وقال: أما ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضجعه
لصلاة لم افترضها عليه اشهدوا أني قد غفرت له، وقال ع: كذب من زعم أنه
يصلى بالليل ويجوع بالنهار، وقال: إن البيوت التي تصلي فيها بالليل وبتلاوة القرآن
تضئ لأهل السماء كما تضئ نجوم السماء لأهل الأرض، فإذا استيقظ العبد من منامه
لصلاة الليل فليقل حين يستيقظ:
الحمد لله الذي رد على روحي أحمده وأعبده اللهم إنه لا يوارى منك ليل ساج
ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي بين
المدلج من خلقك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وغارت النجوم ونامت العيون وأنت
الحي القيوم لا تأخذك سنة ولا نوم سبحان الله رب العالمين وإله المرسلين وخالق النور المبين
والحمد لله رب العالمين، ويرفع رأسه إلى السماء فينظر في أفقها ويقرأ: إن في خلق السماوات
والأرض واختلاف الليل والنهار لا يأت لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا
عذاب النار، ويقرأ ما يتصل به ثلاث آيات آخرها قوله: إنك لا تخلف الميعاد، وإذا سمع
صوت الديكة فليقل: سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله
إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت.
ثم ليستك فاه ويطهره لمناجات ربه جلت عظمته ولا يترك السواك في السحر فإنه سنة
مؤكدة ويسبغ وضوئه ثم يصير إلى مصلاه فيستقبل القبلة ويكبر ثلاثا في ترسل واحدة
بعد واحدة ويقول بعدها: اللهم أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت، إلى آخر ما أثبتناه من
الكلام فيما تقدم ذكره ثم يكبر تكبيرتين ويقول بعدهما: لبيك وسعديك، إلى آخر الكلام فيما
تقدم ذكره، ثم يكبر تكبيرتين ويقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، إلى
آخر الكلام، ثم يقرأ الحمد يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم فإذا فرع منها قرأ قل هو الله
أحد ثلاثين مرة ثم يركع ويسجد وقام إلى الثانية فقرأ الحمد وقل يا أيها الكافرون ثلاثين مرة
111

ويجزئه من ذلك أن يقرأ في الأولة مع الحمد قل هو الله أحد مرة واحدة وفي الثانية الحمد وقل
يا أيها الكافرون مرة واحدة إلا أن الذي ذكرناه من قراءة كل واحدة منهما ثلاثين مرة
أفضل، ثم يقرأ في الست الباقية من نوافل الليل مع الحمد ما تيسر له من سور القرآن،
ويستحب أن يقرأ فيها السور الطوال وكلما مر بآية فيها ذكر الجنة وقف عندها وسأل الله
الجنة وإذا مر بآية فيها ذكر النار وقف عندها واستعاذ بالله من النار، ويرتل قراءته ويجهر فيها
ولا يخافت بالقرآن في صلاة الليل من الفرائض والنوافل وكذلك يجهر بالقرآن في صلاة
الغداة ويخافت به في الظهر والعصر ولا يخفض صوته فيما يخافت به دون سماع أذنيه
القرآن.
وإن قرأ في نوافل الليل كلها الحمد وقل هو الله أحد أحسن في ذلك وأحب له أن يقرأ
في كل ركعة منها الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة فإن لم يتمكن من ذلك قرأها عشرا
عشرا ويجزئه أن يقرأها مرة واحدة في كل ركعة إلا أن تكرارها حسب ما ذكرناه أفضل
وأعظم أجرا. وينبغي أن يجلس بعد كل ركعتين فيحمد الله ويثني عليه ويصلى على محمد
وآله ويسأل الله من فضله فإن خشي أن يدرك الصبح فليخفف في دعائه وصلاته وتمجيده
وإن لم يخش ذلك فليجتهد في العبادة ويطيل في صلاته وتمجيده ودعائه إن شاء الله.
فإذا فرع من الثماني الركعات قام فصلى ركعتين يقرأ في كل واحدة منهما الحمد
وقل هو الله أحد مرة واحدة ويتشهد في الثانية منهما ويسلم، ثم قام إلى الثالثة وهي الوتر
فاستفتح الصلاة بالتكبير وكبر ثلاثا في ترسل واحدة بعد واحدة وقال بعد الثالثة منها
ما قدمناه ذكره، وكبر تكبيرتين وقال بعدهما القول الذي رسمناه، وكبر تكبيرتين وتوجه
بعدهما بقوله: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، إلى آخر الكلام كما فسرنا ذلك
وشرحناه في صفة افتتاح نوافل الزوال والأولة من كل فريضة والأولة من نوافل الليل وبينا
أنه سنة في افتتاح سبع صلوات، ثم يقرأ بعد التوجه الحمد يفتتحها ببسم الله الرحمن
الرحيم كما ذكرناه فإذا فرع منها قرأ قل هو الله أحد يفتتحها ببسم الله الرحمن الرحيم، فإذا
فرغ منها كبر ورفع يديه حيال صدره للدعاء وقنت فقال من تمجيد الله تعالى والثناء عليه
112

ما يحضره وصلى على محمد وآله وسأل الله من فضله ودعا لأهله وإخوانه من المؤمنين وسمى
من أحب.
ويستحب أن يقنت في الوتر بهذا القنوت وهو: لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد
لله رب العالمين اللهم لا إله إلا أنت نور السماوات والأرض لا إله إلا أنت زين السماوات
والأرض لا إله إلا أنت رب السماوات والأرض لا إله إلا أنت جمال السماوات والأرض لا إله
إلا أنت رب العالمين لا إله إلا أنت الغفور الرحيم لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لا إله
إلا أنت مالك يوم الدين لا إله إلا أنت مبدئ كل شئ وإليك يعود لا إله إلا أنت لم تزل
ولا تزال لا إله إلا أنت الكبير المتعالي لا إله إلا أنت الملك القدوس لا إله إلا أنت السلام
المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء رداؤك سبحان الذي
ليس كمثله شئ وهو السميع البصير والحمد لله الذي تواضع كل شئ لعظمته وذل كل
شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لملكه واتضع كل شئ لهيبته ودان
وذل كل شئ لربوبيته فأنت يا رب صريخ المستصرخين وغياث المستغيثين والمفرج عن
المكروبين والمروح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وكهف
المضطهدين وعماد المؤمنين إليك ملجأهم ومفزعهم وأنت ومنك رجاؤهم وبك استعانتهم
وحولهم وقوتهم إياك يدعون وإليك يطلبون ويتضرعون ويبتهلون وبك يلوذون وإليك
يفزعون وفيك يرغبون وفي مننك يتقلبون وبعفوك وإلى رحمتك يسكنون ومنك يخافون
ويرهبون لك الأمر من قبل ومن بعد لا تحصى نعمك ولا تعد أنت جميل العادة والبلاء مستحق
للشكر والثناء ندبت إلى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك وأنت صادق
الوعد قريب الرحمة.
اللهم فإني أشهد على حين غفلة من خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا
عبدك المرتضى ونبيك المصطفى أسبغت عليه نعمتك وأتممت له كرامتك وفضلت لكرامته
آله فجعلتهم أئمة الهدي ومصابيح الدجى وأكملت بحبهم وطاعتهم الإيمان وقبلت
113

بمعرفتهم والإقرار بولايتهم الأعمال واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحا
للدعاء وسببا للإجابة اللهم فصل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم آتهم الوسيلة والفضيلة وأعطهم من كل كرامة ونعمة وعطاء
أفضله حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب مجلسا ولا أحظى عندك
منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم شفاعة منهم اللهم اجعلني من أعوانهم وأنصارهم
وأشياعهم وثبتني على محبتهم وطاعتهم والتسليم لهم والرضا بقضائهم واجعلني بمحبتهم
عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين فإنني أتقرب إليك بهم و أتوجه إليك بهم
وأقدمهم بين يدي حوائجي ومسألتي فإن كانت ذنوبي قد أخلفت وجهي عندك وحجبت
دعائي عنك فاستجب لي يا رب بهم دعائي وأعطني بهم سؤلي ورجائي وتقبل بهم يا رب
توبتي واغفر لي يا رب بهم ذنبي يا محمد أتقرب بك إلى الله ربي وربك ليسمع دعائي ويعطيني
سؤلي ويغفر ذنبي.
يا رب أنت أجود من سئل وأكرم من أعطى وأرحم من استرحم يا الله يا الله يا الله
يا رب يا رب يا رب قلت: ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، نعم - والله - المجيب أنت ونعم المدعو ونعم
المسؤول أسألك بنور وجهك وعز ملكوتك وأسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وبكل اسم
تسميت به وعلمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تغفر لي
ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أنت أعلم به مني مغفرة جمة لا تغادر
صغيرة ولا كبيرة ولا تسألني عن شئ من ذنوبي بعدها أبدا أبدا وأعطني عصمة
لا أعصيك معها أبدا أبدا وجر بناصيتي إلى محبتك ورضاك ووفقني لذلك واستعملني به
أبدا أبدا ما أبقيتني واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي
ومن تحت قدمي وامنعني أن يوصل إلى بسوء واصرف عني شر كل شيطان مريد وشر كل
جبار عنيد وشر كل ضعيف من خلقك وشديد وشر السامة والهامة وشر كل دابة صغيرة
أو كبيرة بالليل والنهار ومن شر فساق العرب والعجم وشر فسقة الجن والإنس.
اللهم من كان ثقته أو رجاؤه غيرك فأنت يا رب ثقتي ورجائي أعوذ بدرعك الحصينة
أن لا تميتني هدما ولا ردما ولا غرقا ولا عطشا ولا حرقا ولا غما ولا موت الفجاءة ولا أكيل
114

السبع وأمتني في عافية على فراشي أو في الصف الذي نعتهم في كتابك فقلت: كأنهم بنيان
مرصوص، مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك ص.
اللهم صل على محمد وآل محمد واهدني في من هديت وعافني في من عافيت وتولني
في من توليت وبارك بي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضي عليك سبحانك
وتعاليت سبحانك رب البيت أستغفرك وأتوب إليك وأؤمن بك وأتوكل عليك ولا حول
ولا قوة إلا بك اللهم فتولني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار
يا الله يا الله يا الله ليس يرد غضبك إلا حلمك ولا يجير من نقمتك إلا رحمتك ولا ينجى منك إلا التضرع
إليك فهب لي من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها جميع
من في البلاد وبها تنشر ميت العباد ولا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة
في دعائي وأذقني طعم العافية إلى منتهى أجلي ولا تشمت بي عدوي ولا تملكه رقبتي.
اللهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن
أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني أو يتعرض لك بشئ من أمري وقد علمت أن
ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة إنما يعجل من يخاف الفوت وإنما يحتاج إلى الظلم
الضعيف وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك فلا تجعلني للبلاء عرضا ولا لنقمتك نصبا ومهلني
ونفسني وأقلني عثرتي فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي وأنت أحق من أصلح من عبده فاسدا
وقوم منه أودا.
اللهم جامع الخلق لليوم العظيم اجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي وفي أحبائك
محشري وحوض محمد ص موردي ومع الملائكة الكرام مصدري ثم لقني
برهانا أقر بحجته واجعل لي نورا أستضئ بقبسه ثم أعطني كتابي بيميني أقر بحسناته
وتبيض بها وجهي وترجح بها ميزاني وأمضى بها في المغفورين لهم من عبادك إلى رحمتك
ورضوانك إله العالمين اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن على بالجنة برحمتك وأجرني من
النار بعفوك اللهم تولني واحفظني اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين
أفضل ما صليت على أحد من خلقك وبارك على محمد وعلى آل محمد كأفضل ما باركت على
أحد من خلقك.
115

اللهم صل على أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين اللهم صل على الحسن
والحسين سبطي الرحمة وإمامي الهدي وصل على الأئمة من ولد الحسين علي بن الحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد
والحسن بن علي والخلف الحجة ع اللهم اجعله الإمام المنتظر والقائم الذي به
ينتصر اللهم انصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا واجعل له من لدنك سلطانا
نصيرا.
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه إله الحق رب العالمين اللهم تم نورك
فهديت فلك الحمد ربنا وعظم حكمك فعفوت فلك الحمد ربنا وبسطت يدك فأعطيت فلك
الحمد ربنا وجهك أكرم الوجوه وجهتك خير الجهات وعطيتك أفضل العطايا وأهنأها
تطاع ربنا فتشكر وتعصي ربنا فتغفر لمن تشاء تجيب المضطر وتكشف الضر وتشفي السقيم
وتنجي من الكرب العظيم لا يجزي بآلائك أحد ولا يحصي نعماءك قول قائل اللهم إليك
رفعت الأيدي ونقلت الأقدام ومدت الأعناق ودعيت بالألسن وتقرب إليك بالأعمال
ورفعت الأبصار ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
اللهم إنا نشكوا إليك فقد نبينا وغيبة ولينا وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا وتظاهر
أعدائنا وكثرة عددهم وقلة عددنا ففرج يا رب ذلك عنا بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه
وإمام حق تظهره إله الحق رب العالمين اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما
كما ربياني صغيرا واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا اللهم اغفر لفلان
وفلان وتسمى من شئت من إخوانك.
اللهم إني أسألك جميع ما سألتك لنفسي ولوالدي ولإخواني جميعا من المؤمنين
والمؤمنات وأسألك لي ولهم اليقين والعفو والعافية في الدنيا والآخرة اللهم وقد شملنا زيغ
الفتن واستولت علينا غشاوة الحيرة وقار عنا الذل والصغار وحكم غير المأمون على
دينك اللهم وقد بلغ الباطل نهايته واستجمع طريده ووسق وضرب بجرانه اللهم فاتح له
من الحق يدا حاصدة تصرع قائمة وتجد سنامه حتى يظهر الحق بحسن صورته اللهم
116

وأسفر لنا عن نهار العدل وأرناه سرمدا لا ليل فيه وأهطل علينا بركاته وأدله ممن ناوأه
وعاداه وأحي به القلوب الميتة واجمع به الأهواء المتفرقة وأقم به الحدود المعطلة والأحكام
المهملة اللهم لا تدع للجور دعامة إلا قصمتها ولا كلمة مجتمعة إلا فرقتها ولا قائمة
إلا خفضتها اللهم أرنا أنصاره عباديد بعد الألفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقموعي
الرؤوس بعد الظهور على الأمة.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأغنني بحلالك عن حرامك وأوسع على من رزقك
وأعذني من الفقر رب أسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذه رقبتي خاضعة لما أتيت
وها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك رضاها من نفسي لك العتبى لا أعود فإن عدت فعد على
بالمغفرة العفو العفو يقولها ثلاثمائة مرة وما استطعت اللهم حاجتي التي إن أعطيتها لم يضرني
ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني بعدها فكاك رقبتي من النار استغفر الله العظيم
ظلمي وجرمي وإسرافي في أمري وأتوب إليه يقولها سبعين مرة ثم يقول: الحمد لله
حق حمده وصلى الله على صفوته من خلقه محمد وأهل بيته ثم يركع فإذا رفع
رأسه من الركوع فلينتصب قائما ويقول: إلهي هذا مقام من حسناته نعمة منك وشكره
قليل وعمله ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك إلا رفقك ورحمتك اللهم وقد قلت في كتابك
المنزل على نبيك المرسل ص: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم
يستغفرون، طال، هجوعي وقل قيامي وهذا السحر وأنا أستغفرك لكل ذنب أذنبته
استغفار من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
ثم يخر ساجدا ويسجد السجدتين ويتشهد فإذا سلم فليقل: سبحان ذي الملك
والملكوت سبحان ربي الملك القدوس يكررها ثلاثا.
ثم يصلى ركعتي الفجر يفتتح الأولة منهما ويقرأ الحمد وقل يا أيها الكافرون ويقرأ في
الثانية الحمد وقل هو الله أحد ليكون قد استفتح نوافل الليل ب‍: قل هو الله أحد وختمها
ب‍: قل هو الله أحد.
وإذا تشهد في الثانية من ركعتي الفجر وسلم فليحمد الله ويثني عليه ويصلى على
محمد وآله ويسأل الله من فضله.
117

ويستحب له أن يستغفر الله تعالى في عقب صلاة الفجر سبعين مرة يقول:
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الرحمن الرحيم وأتوب إليه ويصلى على
محمد وآله مائة مرة يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك
وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.
فإن طال عليه ذلك فليقل: اللهم صل على محمد وآله الطاهرين، يكررها مائة مرة
وكذلك إن طال عليه لفظ الاستغفار الذي ذكرناه فليقل: أستغفر الله ربي وأتوب إليه، ثم
يخر ساجدا بعد هاتين الركعتين وتعقيبهما المذكور ويقول في سجوده:
يا خير مدعو يا خير مسؤول يا أوسع من أعطى يا أفضل مرتجى صل على محمد وآله واغفر
لي وارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم، وقد روي أنه يقول في سجوده بعد ركعتي
الفجر يا خير المسؤولين ويا أجود المعطين صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني
وارزقني وارزق عيالي من فضلك إنك ذو فضل عظيم، وبأي هذين القولين دعا فقد أحسن
فإذا رفع رأسه من سجوده فليقل:
اللهم من أصبح وحاجته إلى غيرك فإني أصبحت وحاجتي ورغبتي إليك يا ذا الجلال
والإكرام، ثم يضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ويقول في ضجعته: استمسكت بالعروة
الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل الله المتين وأعوذ بالله من شر فسقة العرب
والعجم وأعوذ بالله من شر فسقة الجن والإنس توكلت على الله ألجأت ظهري إلى الله أطلب
حاجتي من الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا
حسبي الله ونعم الوكيل.
ثم يقرأ الخمس آيات التي قرأها عند قيامه لصلاة الليل من آخر آل عمران وهي قوله تعالى:
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، إلى قوله: إنك
لا تخلف الميعاد، فإذا لاح له الصباح أو فاته فليقل: سبحان رب الصباح سبحان فالق
الإصباح، يكرر هذا القول ثلاث مرات فإن غلبه النوم فلا حرج عليه وأحب له أن لا ينام
ويكون مستيقظا يذكر الله تعالى ويثني عليه ويسأله من فضله إلى أن يطلع الفجر.
فإذا طلع واستبان له وتحققه فليؤذن وليقم ويتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة بسبع
118

تكبيرات كما ذكرناه ويمجد بينهما بما رسمناه فيما تقدم، ويقرأ الحمد وسورة معها من السور
المتوسطات وأحب له أن يكون: سورة هل أتى على الانسان، فإذا لم يحسنها أو لم يتيسر له
قراءتها فليقرأ والفجر أو سبح اسم ربك الأعلى، ويجزئه سوى هذه السور غيرها مما تيسر
عليه من سور القرآن، ويقرأ في الثانية الحمد وإنا أنزلناه أو قل هو الله أحد ويجزئه غيرهما
مما تيسر له من السور، فإذا تشهد وسلم مجد الله تعالى بما قدمنا ذكره وسبح تسبيح الزهراء
فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليه وعليها ثم دعا فقال:
اللهم صل على محمد وآل محمد وأقلني عثرتي واستر عورتي وآمن روعتي واكفني شر
من بغى على وانصرني على من ظلمني وأرني ثاري فيه اللهم ما أصبح بي من نعمة أو خير
أو عافية فمنك وحدك لا شريك لك أصبحت لا أملك ما أرجو ولا أستطيع دفع ما أحذر
يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين ويا ذا الجلال والإكرام والمنن العظام والأيادي الجسام صل
على محمد وآله وجد على بإحسانك واجعلني وأهلي ومالي وولدي في فنائك الذي لا يضام وفي
كنفك الذي لا يرام يا جار من لا جار له ويا غياث من لا غياث له ويا ملاذ من لا ملاذ له أنت
عصمتي ورجائي وأنت غياثي وعمادي أصبحت في رجائك ما لي أمل سواك فصل على
محمد وآل محمد وصبحني منك بخير واجعلني منك على خير وارزقني منك الخير.
ثم يصلى على محمد وآله ويدعو بما أحب، فإذا فرع من دعائه سجد سجدتي الشكر
وعفر بينهما كما وصفناه وسأل الله في سجوده من فضله إن شاء الله.
ثم يرفع رأسه من السجود فيذكر الله كثيرا إلى أن تطلع الشمس، فقد روي عن أمير
المؤمنين ع أنه كان يقول: والله إن ذكر الله تعالى بعد صلاة الغداة إلى طلوع
الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب بالسيف في الأرض، وروي أن رجلا سأل العبد
الصالح موسى بن جعفر ع أن يعلمه دعاء موجزا يدعو به لسعة الرزق فقال له:
إذا صليت الغداة في كل يوم فقل في دبرها: سبحان الله العظيم وبحمده أستغفر الله
وأسأله من فضله، فتعلم ذلك الرجل ودعا به فما كان بأسرع من أن جاءه ميراث لم يكن
يرجوه من جهة قريب له لم يكن يعرفه فصار من أحسن أهل بيته حالا بعد أن كان
أسوأهم حالا.
119

باب تفصيل أحكام ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض فيها والمسنون وما يجوز فيها
وما لا يجوز:
والذي ما ذكرناه في صفات الصلاة يشتمل على المفروض منها والمسنون، وأنا
أفصل كل واحد منهما من صاحبه لتعرف الحقيقة فيه إن شاء الله:
المفروض من الصلاة أداؤها في وقتها واستقبال القبلة لها وتكبيرة الافتتاح
والقراءة والركوع والتسبيح في الركوع والسجود والتسبيح في السجود والتشهد
والصلاة على محمد وآله ع فيه، فمن ترك شيئا من هذه الخصال التي ذكرناها
عمدا في صلاته فلا صلاة له وعليه الإعادة، ومن تركها ناسيا فلها أحكام:
إن صلى قبل الوقت متعمدا أعاد وإن أخطأ في ذلك فأدركه الوقت وهو منها في شئ
أجزأته وإن فرع منها قبل الوقت أعاد، فإن نسي استقبال القبلة أو أخطأ ثم ذكرها أو عرفها
ووقت الصلاة باق أعاد، فإن كان الوقت قد مضى فلا إعادة عليه إلا أن تكون صلاته على
السهو والخطأ إلى استدبار القبلة فعليه إعادة الصلاة كان الوقت باقيا أو ماضيا، فإن ترك
تكبيرة الافتتاح متعمدا أو ساهيا فعليه إعادة الصلاة لأنه لا يثبت له شئ من الصلاة ما لم
يثبت له تكبيرة الافتتاح، وإن ترك القراءة ناسيا فلا إعادة عليه إذا تمم الركوع والسجود،
وإن ترك الركوع ناسيا أو متعمدا أعاد الصلاة، وإن ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد
على كل حال، وإن نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه
وسجدها ثم قام فاستأنف القراءة أو التسبيح إن كان مسبحا في الركعتين الأخريين على
ما قدمناه وإن لم يذكرها حتى يركع الثانية قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو
وسأبين ذلك في باب السهو في الصلاة إن شاء الله، وإن ترك التسبيح في الركوع
أو السجود ناسيا لم يكن عليه إعادة الصلاة، وإن ترك التشهد ناسيا قضاه ولم يعد
الصلاة.
والسلام في الصلاة سنة وليس بفرض تفسد بتركه الصلاة، والتوجه بالتكبيرات
السبع على ما ذكرناه في أول كل فريضة سنة من تركه فيها أو في غيرها من النوافل واقتصر
من جملته على تكبيرة الافتتاح أجزأه ذلك في الصلاة، والتكبير للركوع وللسجود سنة،
120

وكذلك رفع اليدين به وليس ينبغي لأحد تركه متعمدا وإن نسيه لم يفسد بذلك الصلاة،
والقنوت سنة وكيدة لا ينبغي لأحد تركه مع الاختيار، ومن نسيه فلم يفعله قبل الركوع
فليقضه بعده فإن لم يذكر حتى يركع الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة فإن لم يفعل ضيع
أجرا وترك سنة وفضلا وإن لم يكن بذلك مهملا فرضا ولا مقترفا سيئة وإثما، وسجدتا
الشكر والتعفير بينهما من السنن وليس من المفترضات، والدعاء بعد الفرائض مستحب
وليس من الأفعال الواجبات.
ومختصر القنوت في الصلوات أن يقول الانسان: اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا
واعف عنا في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، وأدنى ما يدعى به بعد الفريضة أن يقول
الانسان:
اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك
وأسألك خشيتك في أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ويجزئ في سجدتي الشكر أن يقول في الأولة: شكرا شكرا لله ويقول في التعفير مثل
ذلك وفي السجدة الثانية مثله، وتسبيح الزهراء ع في أعقاب الصلوات
المفترضات سنة مؤكدة وهو في أعقاب النوافل مستحب، وقد روي عن الصادق
ع أنه قال: لئن أصلي الخمس الصلوات مجردة من نوافلها وأسبح في عقب كل
فريضة منها تسبيح الزهراء صلوات الله عليها أحب إلى من أن أصلي في اليوم والليلة ألف
ركعة لا أسبح فيما بينها تسبيح فاطمة، وسئل ع عن قول الله عز وجل: يا أيها
الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، ما حد هذا الذكر؟ فقال: من سبح في عقب كل فريضة
تسبيح الزهراء فاطمة صلوات الله عليها وآلها فقد ذكر الله ذكرا كثيرا. ومن السنة أن يجهر
المصلي بالقرآن في صلاة الغداة والركعتين الأولتين من صلاة المغرب والركعتين الأولتين
من صلاة العشاء الآخرة ونوافل الليل كلها، ويخافت بالقرآن في صلاة الظهر والعصر
ولكن لا يخافت بما لا تسمعه أذنيه من القرآن، ومن تعمد الإخفات فيما يجب فيه الإجهار
أو الإجهار فيما يجب فيه الإخفات أعاد، والإمام يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة يسمع منه
القرآن المأمومين، وكذلك يجهر في صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء ويصغي إلى قراءته
121

المصلون خلفه، ومن صلى الجمعة منفردا جهر بالقرآن كما يجهر به لو كان إماما وصلاها
أربع ركعات وكذلك من صلى العيدين وصلاة الاستسقاء بغير إمام يجهر أيضا فيهما
بالقرآن ولا يخافت به على ما شرحناه.
وصلاة الليل سنة وكيدة على ما قدمناه، ووقتها بعد مضى النصف الأول من الليل
وكلما قرب الوقت من الربع الأخير كان الصلاة فيه أفضل، ومن فاتته صلاة الليل قضاها
في صدر النهار فإن لم يتفق ذلك له قضاها في الليلة الثانية قبل صلاتها من آخر الليل، وإن
قضاها بعد العشاء الآخرة قبل أن ينام أجزأه ذلك، وكذلك من نسي نوافل النهار أو شغل
عنها قضاها ليلا فإن فاته ذلك قضاها في غد يومه في النهار. ولا تقضى نافلة في وقت فريضة
من الصلوات. ومن لم يتمكن من صلاة الليل في آخره فليترك صلاة ليلة ثم ليقضها في أول
الليلة الثانية ويقضي صلاة الليلة الثانية في أول الليلة الثالثة ولا يتركها على حال، وروي
أن رجلا قال لأمير المؤمنين ع: إني أحب أن أصلي صلاة الليل ولست استيقظ
لها؟ فقال له أمير المؤمنين ع: أنت رجل قد قيدتك ذنوبك، وروي أن الرجل
يكذب الكذبة في النهار فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بذلك الرزق.
والمسافر إذا خاف أن يغلبه النوم لما لحقه من التعب فلا يقوم في آخر الليل فليقدم صلاة
ليلته في أولها بعد صلاة العشاء الآخرة، وكذلك إن أراد المسير في آخر الليل فليصل صلاة
ليلته في أولها والشاب الذي يمنعه رطوبة رأسه وثقله عن القيام آخر الليل يقدم صلاته في
أول الليل.
ومن ضعف عن صلاة الليل قائما فليصلها جالسا، وكذلك من أتعبه القيام في
النوافل كلها وأحب أن يصليها جالسا للترفه فليفعل ذلك وليجعل كل ركعتين منها
بركعة في الحساب. وإذا صلى الانسان جالسا كان بالخيار في جلوسه بين أن يجلس متربعا
أو تاركا إحدى فخذيه على الأرض ورافعا الأخرى كما وصفناه في جلوسه للتشهد بين
السجدتين في الصلاة، ويجزئ للعليل والمستعجل أن يقرأ في الركعتين الأولتين من
فرائضهما كلها بسورة الحمد وحدها وتسبيحا في الأخريين بأربع تسبيحات، ويجزئهما في
تسبيح الركوع أن يقولا: سبحان الله سبحان الله سبحان الله فإن قالاها مرة واحدة
122

أجزأهما ذلك مع الضرورات، وكذلك يجزئهما في تسبيح السجود.
وأدنى ما يجزئ في التشهد أن يقول المصلي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
صلى الله عليه وآله عبده ورسوله. ومن صلى سبع عشر ركعة في اليوم والليلة وهي الخمس
الصلوات ولم يصل شيئا سواها أجزأه ذلك في مفترض الصلاة وإنما جعلت النوافل
لجبران الفرائض مما يلحقها من النقصان بالسهو فيها والإهمال لحدودها، وإذا صلى العبد
في اليوم والليلة إحدى وخمسين ركعة سلمت له منها المفروضات وكان له بالنافلة أجر كبير
وكتب له بها حسنات، ومن أدركه الصبح وقد صلى من صلاة الليل أربع ركعات تممها
وخفف فيهما القراءة والدعاء ثم صلى بعدها الغداة، وإن طلع عليه الفجر وقد صلى منها
أقل من أربع ركعات قطع على الشفع مما انتهى إليه من ذلك وصلى الغداة ثم رجع فتمم
صلاة الليل على ترتيبها والنظام.
ومن نسي فريضة أو فاتته لسبب من الأسباب فليقضها أي وقت ذكرها ما لم يكن آخر
وقت صلاة ثانية فتفوته الثانية بالقضاء، ولا بأس أن يقضي الانسان نوافله بعد صلاة
الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن يتغير لونها بالاصفرار. ولا يجوز
ابتداء النوافل ولا قضاء شئ منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها. ويقضي ما فات من
الفرائض في كل حال إلا أن يكون وقتا قد تضيق فيه فرض صلاة حاضرة فيقضي بعد
الصلاة على ما بيناه.
ومن أحب أن يقوم في آخر الليل لا يقطعه عن ذلك النوم ولا يغلبه النعاس فليقرأ قبل
منامه في أول الليل عند اضطجاعه في المنام آخر سورة الكهف: قل لو كان البحر مدادا
لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا قل إنما أنا بشر مثلكم
يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا. ثم يقول بعد فراغه من قراءة هاتين الآيتين: اللهم أيقظني لعبادتك في
وقت كذا وكذا، فإنه يستيقظ إن شاء الله.
ومن قام في آخر الليل وقد قارب طلوع الفجر فخشي أن يبتدئ بصلاة الليل
فيهجم عليه الفجر فليبتدئ بركعتي الشفع ثم يوتر بعدها بالثالثة ويصلى ركعتي الفجر،
123

فإن طلع عليه الفجر أذن وأقام وصلى الغداة ثم قضى الثماني ركعات بعد صلاة الغداة،
فإن لم يطلع الفجر أضاف إلى ما صلى ست ركعات ثم أعاد ركعة الوتر وركعتي الفجر، وإن
قام وقد قارب الفجر أدرج صلاة الليل بالحمد وقل هو الله أحد مرة واحدة في كل ركعة
وخفف ليفرغ منها قبل الصباح، وإن قام وعليه بقية من الليل ممتدة أطال في صلاته ورتبها
في القراءة والتحميد والدعاء على ما وصفناه. ومن كانت له إلى الله عز وجل حاجة
فليسأله إياها في الأسحار بعد فراغه من صلاة الليل فإنها الأوقات التي يستجاب فيها
الدعاء، ووقت الزوال أيضا يستجاب فيه الدعاء وإن كان لا يكره في شئ من الأوقات
إلا أن هذين الوقتين أفضلها للدعاء لا سيما في ليالي الجمعة وأيامها على ما جاءت به عن
الصادقين ع الأخبار.
باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة
وكل سهو يلحق الانسان في الركعتين الأوليتين من فرائضه حتى يلتبس عليه ما صلى
منهما أو ما قدم وأخر من أفعالهما فعليه كذلك إعادة الصلاة. ومن سها في فريضة الغداة
أو فريضة المغرب أعاد لأن هاتين الصلاتين لا تقصران على حال.
ومن سها في الركعتين الآخرتين من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة فلم يدر أ هو
في الثالثة أو الرابعة فليرجع إلى ظنه في ذلك، فإن كان ظنه أقوى في واحدة منهما بنى عليه،
وإن اعتدل توهمه في ثالثة أو رابعة واستوى ظنه فيهما جميعا فليبن على أنه في رابعة ويتشهد
ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعة واحدة يتشهد فيها أو يصلى ركعتين من جلوس يتشهد في
الثانية منهما ويسلم، فإن كان الذي بنى عليه أربعا في الحقيقة وعند الله تعالى فالركعة التي
صلاها بعدها أو الركعتان من جلوس لا تضره وفيها احتياط للصلاة وتكتب له في
الحسنات ويرغم بها الشيطان، وإن كان الذي بنى عليه ثلاث ركعات عند الله تعالى
فالركعة الواحدة أو الركعتان من جلوس عوض عنها في تمام الصلاة.
وكذلك من سها فلم يدر أ هو في الثانية أو الرابعة، فإن كان ظنه في أحدهما أقوى من
الآخر عمل على ظنه في ذلك، وإن كان ظنه فيهما سواء بنى على أنه في رابعة وتشهد فإذا
124

سلم قام فصلى ركعتين من قيام يقرأ في كل واحدة منهما الحمد وحدها وإن شاء سبح أربع
تسبيحات وتشهد وسلم، فإن كان الذي بنى عليه ركعتين فهاتان الركعتان له تمام
الصلاة، وإن كان أربعا كانت الركعتان له نافلة احتاط بها للصلاة.
ولو شك في اثنين وثلاث وأربع واعتدل وهمه بنى على الأربع وتشهد وسلم ثم قام
فصلى ركعتين من قيام وتشهد وسلم ثم صلى ركعتين من جلوس وتشهد وسلم، فإن
كان الذي بنى عليه أربع ركعات عند الله تعالى فهما صلاة للاحتياط لا يضره وكتب له في
نوافله الصالحات، وإن كان اثنتين فالركعتين من قيام تمام الصلاة والركعتان من جلوس
نافلة على ما بيناه، وإن كان ثلاثا فالركعتان من جلوس تمامها والركعتان من قيام نافلة
يكتسب بها الثواب حسب ما قدمناه.
ومن سها عن القراءة حتى يركع مضى في صلاته ولا إعادة عليه، فإن سها عن قراءة
الحمد ثم ذكرها قبل الركوع وقد قرأ بعدها سورة أو بعضها رجع فقرأ الحمد ثم أعاد
السورة إن شاء أو قرأ غيرها من سور القرآن، ومن قرأ سورة بعد الحمد ثم أحب أن يقرأ
غيرها فله أن يقطعها ويقرأ سواها مما أحب ما لم يجاوز في قراءته نصفها، فإن جاز
النصف منها لم يكن له الرجوع إلى غيرها. ومن قرأ في فرائضه أو نوافله بقل هو الله أحد
وقل يا أيها الكافرون لم يكن له الرجوع عن واحدة منهما إلى غيرها سواء قرأ منها النصف
أو أقل من ذلك ووجب عليه تمامها على كل حال. ومن سها عن سجدة من السجدتين ثم
ذكرها وقد رفع رأسه وهو جالس سجدها ولا إعادة عليه، وإن ذكرها بعد قيامه سجدها ما لم
يركع ثم رفع رأسه فابتدأ القراءة، فإن ذكرها بعد الركوع مضى في صلاته فإذا سلم قضاها
وسجد بعدها سجدتي السهو. ومن نسي التشهد الأول ثم ذكره وقد قام قبل أن يركع في
الثالثة رجع فجلس وتشهد ثم قام فاستأنف الثالثة ولم يعتد بما فعله منها، وإن ذكره بعد
ركوعه في الثالثة مضى في صلاته، فإذا سلم قضاه وتشهد ثم سجد سجدتي السهو.
ومن تكلم متعمدا في الصلاة بما لا يجوز الكلام به في الصلاة أعادها، ومن تكلم
ساهيا سجد سجدتي السهو ولم تكن عليه إعادة الصلاة.
وسجدتا السهو بعد التسليم يسجد الانسان كسجوده في صلاته متفرجا معتمدا على
125

سبعة أعظم حسب ما شرحناه فيما سلف ويقول في سجوده: بسم الله وبالله السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، وإن شاء قال: بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد
الطاهرين، فهو مخير في القولين أيهما قال أصاب السنة، ثم يرفع رأسه فيجلس ثم يعود إلى
السجود فيقول ذلك مرة أخرى ثم يرفع رأسه ثم يجلس ويتشهد ويسلم.
ومن ترك صلاة من الخمس الصلوات متعمدا أو ناسيا ولم يدر أيها هي صلى أربع
ركعات وثلاث ركعات وركعتين، فإن كان التي تركها الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة
فالأربع ركعات بدل منها وقضاء لها، وإن كانت المغرب فالثلاث قضاء لها، وإن كانت
الغداة فالركعتان عوض منها وقضاء لها. ومن فاتته صلوات كثيرة لم يحص عددها
ولا عرف أيها هي من الخمس على التعيين أو كانت الخمس بأجمعها فائتة له مدة لا يحصيها
فليصل أربعا وثلاثا واثنتين في كل وقت لا يتضيق لصلاة حاضرة وليكثر من ذلك حتى
يغلب في ظنه أنه قد قضى ما فاته وزاد عليه إن شاء الله، وإن تعين له الفائت بكيفيته ولم
يحص ما فاته منه قضاه بعينه على ما شرحناه من التكرار له واستظهر حتى يحيط علما بأنه قد
أداه.
ومن التفت في صلاة فريضة حتى يرى من خلفه وجب عليه إعادة الصلاة، فإن كان
التفاته هذا في نافلة أبطلها وكان غير حرج في ترك إعادتها، ومن ظن أنه على طهارة فصلى
ثم علم بعد ذلك أنه كان على غير طهارة تطهر وأعاد الصلاة، وكذلك من صلى في ثوب
يظن أنه طاهر ثم عرف بعد ذلك أنه كان نجسا ففرط في صلاته من غير تأمل له أعاد ما صلى
فيه في ثوب طاهر من النجاسات، ومن صلى في ثوب مغصوب لم يجزئه ذلك ووجب عليه
إعادة الصلاة، ومن صلى في مكان مغصوب لم يجزئه ذلك ووجب عليه إعادة الصلاة.
باب ما تجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز الصلاة فيه من ذلك:
ولا تجوز الصلاة في جلود الميتة كلها وإن كان مما لو لم يمت لوقع عليه الذكاة، ولا تجوز
في جلود سائر الأجناس من الدواب كالكلب والخنزير والثعلب والأرنب وما أشبه ذلك
ولا تطهر بدباغ ولا تقع عليها ذكاة، ولا يجوز للرجال الصلاة في الإبريسم المحض مع
126

الاختيار ولا لبسه إلا مع الاضطرار، ولا بأس أن تلبسه النساء ويصلين فيه وإن تنزهن عنه
كان أفضل، ولا يصلى في الفنك والسمور، ولا يجوز الصلاة في أوبار ما لا يؤكل لحمه
ولا بأس بالصلاة في الخز المحض ولا يجوز الصلاة فيه إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب
والثعالب وأشباههما، ولا بأس بالصلاة في ثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو خز
خالص أو يكون سداه شيئا من ذلك ولحمته إبريسم أو حرير. وتكره الصلاة في الثياب
السود وليس العمامة من الثياب في شئ ولا بأس بالصلاة فيها وإن كانت سوداء.
ولا تجوز الصلاة في قميص يشف لرقته حتى يكون تحته غيره كالمئزر والسراويل
وقميص سواه غير شفاف. ويكره لبس المئزر فوق القميص في الصلاة، ويكره أن
يصلى الانسان بعمامة لا حنك لها، ولو صلى كذلك لكان مسيئا ولم يجب عليه إعادة الصلاة،
ولا بأس أن يصلى الانسان في إزار واحد يأتزر ببعضه ويرتدي بالبعض الآخر.
ولا تصلي المرأة الحرة بغير خمار على رأسها، ويجوز ذلك للإماء والصبيان من حرائر
النساء. ولا تجوز الصلاة في بيوت الغائط وبيوت النيران وبيوت الخمور وعلى جواد
الطرق وفي معاطن الإبل وفي الأرض السبخة، ولا بأس بالصلاة في البيع والكنائس إذا
توجه المسلم إلى قبلته فيها، ولا يصلى في بيوت المجوس حتى ترش بالماء وتجف بعد
ذلك. ولا يجوز الصلاة في ثوب قد أصابه خمر أو شراب مسكر أو فقاع حتى يطهر بالغسل،
ولا يصلى في ثوب فيه مني حتى يغسل، وكذلك الحكم في سائر النجاسات. ويكره للإنسان
أن يصلى وفي قبلته نار أو فيها سلاح مجرد أو فيها صورة أو شئ من النجاسات، ولا بأس أن
يصلى وهو مقلد بسيف في غمده، أو في كمه سكين في قرابها أو غير ذلك إذا احتاج إلى
إحرازه فيه. وإذا صلى وفي إصبعه خاتم حديد لم يضره ذلك.
ولا تجوز الصلاة إلى شئ من القبور حتى يكون بين الانسان وبينه حائل ولو قدر لبنة
أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع، وقد قيل لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام
والأصل ما ذكرناه. ويصلى الزائر مما يلي رأس الإمام فهو أفضل من أن يصلى إلى القبر من
غير حائل بينه وبينه على حال. ولا يجوز للرجل أن يصلى وعليه لثام حتى يكشف عن
جبهته موضع السجود ويكشف عن فيه لقراءة القرآن، ويكره للمرأة أن تصلي وعليها
127

نقاب مع التمكن والاختيار. ولا يجوز للرجل أن يصلى وامرأة تصلي إلى جانبه أو في
صف واحد معه، ومتى صلى وهي مسامتة له في صفة بطلت صلاتهما، وينبغي إذا اتفق صلاتها
في حال صلاته في بيت واحد ونحوه أن تصلي بحيث يكون سجودها تجاه قدميه في
سجوده، وكذلك إن صلت بصلاته كانت حالها في صلاتها ما وصفناه.
ولا يجوز لأحد أن يصلى وعليه قباء مشدود إلا أن يكون في الحرب فلا يتمكن من حله
فيجوز ذلك مع الاضطرار. ولا ينبغي للرجل إذا كان له شعر أن يصلى وهو معقوص حتى
يحله وقد رخص في ذلك للنساء، ويكره للإنسان أن يصلى في قميص قد شد عليه من
ظاهره مئزرا أو غيره من الثياب. ولا بأس للرجل أن يصلى في النعل العربية بل صلاته
فيها أفضل، ولا يجوز أن يصلى في النعل السندية حتى ينزعها، ولا يجوز الصلاة في
الشمشك، ويصلى في الخف والجرموق إذا كان له ساق. ويكفي الرجل في الصلاة
قميص واحد إذا كان صفيقا، ولا بد للمرأة في الصلاة من درع وخمار
باب العمل في ليلة الجمعة ويومها:
واعلم أن الله تعالى فضل ليلة الجمعة ويومها على سائر الليالي وأيامها - إلا ما خرج
بالدليل من ليلة القدر - فشرفهما وعظمهما وندب إلى الزيادة من أفعال الخير فيهما لطفا
منه جل جلاله لخلقه في المفترض عليهم من العبادات وإرشادا لهم بمنه إلى الحسنات ودليلا
واضحا في الصالحات،
فروي عن النبي ص أنه قال: إن يوم الجمعة سيد الأيام تضاعف فيه
الحسنات وترفع فيه الدرجات وتستجاب فيه الدعوات وتكشف فيه الكربات وتقضى فيه
الحوائج العظام وهو يوم المزيد، لله تعالى فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعا فيه أحد من
الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار فإن
مات في يومه أو ليلته مات شهيدا وبعث آمنا وما استخف أحد بحرمته وضيع حقه إلا كان
حقيقا على الله أن يصليه نار جهنم إلا أن يتوب.
وروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله أنه قال: ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها
128

يوم أزهر ومن مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من ضغطة القبر ومن مات يوم الجمعة كتب
الله له براءة من النار.
وروي عن الباقر ع أنه قال: ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة.
وروي عن الصادق ع أنه قال: إن الله اختار من كل شئ شيئا واختار من الأيام
يوم الجمعة.
وروي عن الباقر ع أنه قال: إن الله تعالى لينادي في كل ليلة جمعة من أول
الليل إلى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه إلا عبد مؤمن
يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه ألا عبد مؤمن قد قتر عليه رزقه يسألني
الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه
قبل طلوع الفجر فأعافيه ألا عبد مؤمن محبوس ومغموم يسألني أن أطلقه من حبسه وأفرج
غمه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه وأخلي سر به ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ
بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وآخذ بظلامته قال: فما يزال ينادي بها حتى يطلع
الفجر،
وروي عن الصادق ع أنه قال في قول الله تعالى: سوف أستغفر لكم ربي،
أنه أخره إلى السحر من ليلة الجمعة، وروي عنه ع أنه قال: إن العبد المؤمن
يسأل الله الحاجة فيؤخر قضاءها إلى يوم الجمعة ليخصه بفضل يوم الجمعة، وروي عنه
ع أنه قال: إن لله تعالى كرائم في عباده خصهم بها في كل ليلة جمعة ويوم جمعة
فأكثروا فيهما من التهليل والتسبيح والثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي
ص، وروي عنه ع أنه قال: من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشئ
غير العبادة فإن فيه يغفر الله للعباد وينزل عليهم الرحمة.
فإذا حضرت يرحمك الله ليلة الجمعة فليكن دخولك فيها بالعمل الصالح والتكبير
والتهليل والتحميد، وأكثر فيها من الصلاة على النبي ص فإنه روي عن
أبي عبد الله ع أنه قال: الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف والصلاة على محمد
وآله ليلة الجمعة بألف من الحسنات ويحط الله فيها ألفا من السيئات ويرفع فيها ألفا من
129

الدرجات وإن المصلي على محمد وآله في ليلة الجمعة يزهر نوره في السماوات إلى يوم
الساعة وإن ملائكة الله عز وجل في السماوات ليستغفرون له ويستغفر له الملك الموكل بقبر
رسول الله ص إلى أن تقوم الساعة، وروي عنه ع أنه قال: إذا
كانت عشية الخميس وليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام من الذهب وصحف
من الفضة لا يكتبون إلا الصلاة على النبي وآله إلى أن تغيب الشمس من يوم الجمعة.
واقرأ في صلاة المغرب من ليلة الجمعة بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى، وقل في
آخر سجدة من نوافلها: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم أن تصلي على
محمد وأن تغفر لي ذنبي العظيم، سبع مرات. واقرأ في العشاء الآخرة ما قرأت به في
المغرب. واقرأ في صلاة الغداة من يوم الجمعة بسورة الجمعة وقل هو الله أحد، وقل في
السجدة الأولى منها: يا خير المسؤولين ويا أوسع المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك إنك
ذو الفضل العظيم. واقرأ في الظهر والعصر منه بسورة الجمعة والمنافقين، تجعل سورة
الجمعة في سائر ما عددناه من الصلوات في الركعة الأولى منها والسورة الأخرى في الثانية.
ويستحب أن يقرأ في كل ليلة جمعة سورة الكهف فإنه روي عن الصادق ع
أنه قال: من قرأ الكهف في ليلة الجمعة كانت له كفارة لما بين الجمعة إلى الجمعة، ويستحب
أن يقرأ في دبر الغداة من كل يوم جمعة سورة الرحمن فإنه روي عن الصادق ع
أنه قال: اقرأ في دبر الغداة من يوم الجمعة سورة الرحمن وقل كلما قرأت فبأي آلاء ربكما
تكذبان: لا بشئ من آلائك رب أكذب.
ومن السنن اللازمة للجمعة الغسل بعد الفجر من يوم الجمعة، فإنه روي عن أبي عبد
الله ع أنه قال: غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر، وروي عن العبد
الصالح ع أنه قال: يجب غسل الجمعة على كل ذكر وأنثى من حر وعبد، وكان
أمير المؤمنين ع إذا أراد أن يوبخ رجلا قال له: لأنت أعجز من تارك غسل يوم
الجمعة، فإنه لا يزال في طهر من الجمعة إلى الجمعة الأخرى.
فإذا طلع الفجر من يوم الجمعة فخذ شيئا من شاربك وقلم أظافرك واغتسل فإنه
روي عن الباقر ع أنه قال: من أخذ شيئا من شاربه وأظفاره في كل يوم جمعة
130

وقال حين يأخذه: بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل محمد ص، لم
تسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب له بها عتق نسمة ولم يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه
وكلما قرب غسلك من الزوال كان أفضل. وقل في غسلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ص اللهم اجعلني من التوابين واجعلني
من المتطهرين.
والبس أنظف ثيابك وأمسس شيئا من الطيب جسمك إن حضرك ثم امض إلى
المسجد الأعظم في بلدك وعليك السكينة والوقار، فإنه روي عن مولانا أمير المؤمنين
ع أنه قال: صلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة، وقل وأنت متوجه إلى المسجد:
اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ونوافله
فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئي وإعدادي واستعدادي ورجاء رفدك وجوائزك
ونوافلك،
وصل ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال
وركعتين حين تزول الشمس استظهر بهما في تحقيق الزوال، ثم أذن وأقم وافتتح الفرض
بسبع تكبيرات تتوجه في السابعة منها واقرأ الحمد وسورة الجمعة، فإذا قمت إلى الثانية
فاقرأ الحمد وسورة المنافقين تجهر بالقراءة في الركعتين جميعا،
فإذا فرغت من السورة فارفع يديك حيال صدرك للقنوت واقنت بما قدمنا شرحه،
وإن شئت أن تقنت بغيره فقل بعد كلمات الفرج المقدم ذكرها:
اللهم صل على محمد كما هديتنا به اللهم صل على محمد وآل محمد كما أمرتنا بالإيمان
به اللهم اجعلنا ممن اخترت لدينك وخلقت لجنتك اللهم لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا
من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وإن شئت قلت:
اللهم إني أسألك لي ولوالدي ولولدي وأهل بيتي وإخواني فيك اليقين وأسألك العفو
والعافية والمعافاة والمغفرة والرحمة في الدنيا والآخرة، فكل واحد من هذا قد جاءت به
رواية، ويجزئك بدلا من جميعه ما نغث به صدرك على لسانك من تمجيد الله والمسألة
131

لحوائجك قل لفظ ذلك أم كثر، فإذا ركعت وسجدت وتشهدت قمت إلى الثالثة فسبحت
فيها وكذلك الرابعة.
فإذا سلمت فسبح تسبيح الزهراء فاطمة صلوات الله عليها وآلها واقرأ الحمد مرة
وقل هو الله أحد سبع مرات وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات وقل أعوذ برب الناس سبع
مرات واقرأ آية الكرسي مرة واحدة وآية السجدة إن ربكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش إلى قوله: إن رحمة الله قريب من المحسنين،
مرة واحدة واقرأ آخر التوبة: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص
عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب
العرش العظيم، مرة واحدة، فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من قرأ هذه
الآيات حين يفرع من صلاة الجمعة قبل أن يثني رجله كانت كفارة له ما بين الجمعة إلى
الجمعة.
ثم ارفع يديك للدعاء وقل:
اللهم إني تعمدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي وأنا
لمغفرتك أرجى مني لعملي ولمغفرتك ورحمتك أوسع لي من ذنوبي فتول قضاء كل حاجة هي
لي بقدرتك عليها ويتيسر ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم أصب خيرا قط إلا منك ولم يصرف
عني أحد سوء قط غيرك وليس أرجو لآخرتي ودنياي سواك ولا ليوم فقري وتفردي من
الناس في حفرتي غيرك فصل على محمد وعلى آل محمد واقض لي حوائجي من حوائج
الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني من أهل الجنة
التي حشوها بركة وعمارها الملائكة مع نبيا محمد ص وأبينا إبراهيم
ع.
ثم قم فأذن للعصر وأقم وتوجه بسبع تكبيرات على ما شرحنا ذلك في صلاة الظهر
واقرأ فيها بالسورتين كما قدمنا، وسبح في الأخيرتين منها كما وصفناه إن شئت وقراءة الحمد
فيهما أفضل.
فإذا سلمت فسبح تسبيح فاطمة الزهراء صلوات الله عليها واستغفر الله تعالى بعده
132

سبعين مرة تقول في استغفارك: أستغفر الله ربي وأتوب إليه، وصل على محمد وآله سبع
مرات تقول:
اللهم صل على محمد وآله الأوصياء المرضيين بأفضل صلاتك وبارك عليهم بأفضل
بركاتك والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته " تكرره سبع
مرات ".
ثم تصلي على محمد وآل محمد بلفظ آخر مائة مرة تقول في كل مرة: اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم،، إلى تمام المائة مرة ثم ادع بدعاء العصر في سائر الأيام وادع بعده
بما شئت
واعلم أن الرواية جاءت عن الصادقين ع: أن الله جل جلاله فرض
على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة
الجمعة خاصة، فقال جل من قائل: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، وقال الصادق
ع: من ترك الجمعة ثلاثا من غير علة طبع الله على قلبه.
وفرضها - وفقك الله - الاجتماع على ما قدمناه إلا أنه بشريطة حضور إمام مأمون على
صفات، يتقدم الجماعة ويخطبهم خطبتين يسقط بهما وبالاجتماع عن المجتمعين من الأربع
الركعات ركعتان. وإذا حضر الإمام وجبت الجمعة على سائر المكلفين إلا من أعذره الله
تعالى منهم، وإن لم يحضر إمام سقط فرض الاجتماع، وإن حضر إمام يخل شرائطه بشرائط
من يتقدم فيصلح به الاجتماع أن يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنبا من الأمراض -
الجذام والبرص خاصة - في خلقته وجلدته، مسلما مؤمنا معتقدا للحق بأسره في ديانته،
صادقا في خطبته، مصليا للفرض في ساعته، فإذا كان كذلك واجتمع معه أربعة نفر وجب
الاجتماع. ومن صلى خلف إمام بهذه الصفات وجب عليه الإنصات عند قراءته والقنوت
في الأولى من الركعتين في فريضة الجمعة، ومن صلى خلف إمام بخلاف ما وصفناه رتب
الفرض على المشروح فيما قدمناه.
133

ويجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، ويستحب مع من خالفهم تقية
وندبا، روى هشام بن سالم عن زرارة بن أعين قال: حثنا أبو عبد الله ع على صلاة
الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت: نغدوا عليك؟ فقال: لا إنما عنيت ذلك
عندكم. ولا بأس بالصلاة لمن عدم الإمام في منزله ومسجد قبيلته غير أن إتيان المسجد
الأعظم على كل حال - لا ضرر فيها - أفضل.
وتسقط صلاة الجمعة مع الإمام عن تسعة: الطفل الصغير والهرم الكبير والمرأة
والمسافر والعبد والمريض والأعمى والأعرج ومن كان منها بالمسافة على أكثر من فرسخين.
ووقت صلاة الظهر في يوم الجمعة حين تزول الشمس، ووقت صلاة العصر منه وقت
الظهر في سائر الأيام، وذلك لما جاء عن الصادقين ع أن النبي
ص كان يخطب أصحابه في الفئ الأول فإذا زالت الشمس نزل عليه جبرئيل ع
فقال له: يا محمد قد زالت الشمس فصل، فلا يلبث أن يصلى بالناس فإذا فرع من صلاته
أذن بلال العصر فجمع بهم العصر وانصرف أهل البوادي والأطراف والأباعد ممن كان
يحضر المدينة للجمعة إلى منازلهم فأدركوها قبل الليل فلزم بذلك الفرض وتأكدت به
السنة.
ووقت النوافل للجمعة في يوم الجمعة قبل الصلاة ولا بأس بتأخيرها إلى بعد
العصر. ومن كان متنفلا في يوم الجمعة فزالت الشمس قطع وبدأ بالفرض. والفرق بين
الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل وبه ثبتت السنة إلا في يوم
الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة، وكذلك جمع الظهر والعصر بعرفات وجمع
المغرب والعشاء الآخرة بالمشعر الحرام سنة لا يجوز تعديها. وأقل ما يكون بين الجماعتين
على شرط الجماعة في الجمعة ثلاثة أميال، ولا جمعة إلا بخطبة وإمام.
باب صلاة شهر رمضان:
واعلم أن الله جل جلاله فضل شهر رمضان على سائر الشهور لما علم من
المصلحة في ذلك لخلقه، فحكم به في الكتاب المسطور وأوجب فيه الصوم إلزاما وأكد فيه
134

المحافظة على الفرائض تأكيدا وندب فيه إلى أفعال الخير ترغيبا، وعظم رتبته وشرفه
وأعلا شأنه وشيد بنيانه، فخبر جل اسمه أنه أنزل فيه القرآن العظيم وأن فيه ليلة خيرا من
ألف شهر للعالمين، وكان مما ندب إليه من جملة ما رغب فيه وحث عليه ألف ركعة يأتي بها
العبد في جميعه تقربه إليه، وهي مع ذلك جبران لما يدخل من الخلل في الفرائض عليه
فافهمها - أرشدك الله - وحصل علمها واعزم على تأديتها تكن من المخلصين.
إذا كان أول ليلة من الشهر وصليت المغرب ونوافلها الأربع فقم فصل ثماني
ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وإنا أنزلناه في ليلة القدر أو قل هو الله أحد، ويجزئك
بدلهما ما تيسر من القرآن غير أن قراءتهما أفضل، فإذا فرغت من الثماني ركعات صرت
إلى طعامك، فإذا دخل وقت العشاء الآخر صليتها وعقبت ودعوت، ثم قمت فصليت
اثنتي عشرة ركعة تقرأ فيها ما قدمنا ذكر الرغبة فيه من سورة الإخلاص وإنا أنزلناه في ليلة
القدر ويجزئك أيضا بدلا من ذلك ما تيسر من القرآن.
فإذا فرغت من الاثنتي عشرة ركعة كنت مكملا بها عشرين ركعة تأتي بها على
الترتيب في كل ليلة من الشهر إلى ليلة تسع عشرة - وهي الليلة التي ضرب فيها مولانا أمير
المؤمنين ع - وتجعل الوتيرة في عقب هذه الصلاة المذكورة لتكون ختاما لها.
فإذا حضرت ليلة تسع عشرة فاغتسل فيها قبل مغيب الشمس، فإذا صليت المغرب
ونوافلها الأربع والعشاء الآخرة فصل بعدها مائة ركعة، تكثر فيها من قراءة إنا أنزلناه في
ليلة القدر والصلاة على رسول الله ص والصلاة على أمير المؤمنين وذريته
الأئمة المهتدين صلوات الله عليهم أجمعين والابتهال في اللعنة والدعاء على ظالميهم من
الخلق أجمعين، وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك ولإخوانك من المؤمنين وتعقبها بالوتيرة
على ما قدمناه.
فإذا كانت ليلة عشرين عدت إلى الترتيب في صلواتك العشرين.
فإذا كانت ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين
ع - اغتسلت قبل مغيب الشمس كما صنعت ليلة تسع عشرة وصليت بعد العشاء
الآخرة مائة ركعة، تقرأ فيها بإحدى السورتين المقدم ذكرهما، تفصل بين كل ركعتين
135

بالإكثار من الصلاة على رسول الله ص وأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين، وأكثر من الابتهال إلى الله تعالى في تعذيب قتلة أمير المؤمنين
ع وذريته الراشدين ع واللعنة لهم بأسمائهم ومن أسس لهم ذلك
وفتح لهم فيه الأبواب وسهل الطرق ومن اتبعهم على ذلك من سائر العالمين، وتجتهد في
الدعاء لنفسك ولوالديك ولإخوانك من المؤمنين.
فإذا كانت ليلة اثنتين وعشرين صليت ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين
بعد العشاء الآخرة تكملها ثلاثين ركعة.
فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسلت عند مغيب الشمس وصليت بعد عشاء
الآخرة مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب وإنا أنزلناه في ليلة القدر، وتكثر من
الصلاة على رسول الله ص وتتوب إلى الله جل اسمه من ذنوبك، وتكثر من
الاستغفار وتجتهد في الدعاء والمسألة وتذكر حوائجك فإنها الليلة التي ترجى أن تكون
ليلة القدر.
ثم تصلي في كل ليلة من السبع الليالي الباقية ثلاثين ركعة على ما قدمنا ترتيبه - من
ثماني بعد العشائين واثنتين وعشرين بعد العشاء الآخرة - فتكمل جميع صلاتك على هذا
الحساب تسع مائة وعشرين ركعة.
يبقى تمام الألف ثمانون ركعة تصلي في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات، أربعا
منها صلاة مولانا أمير المؤمنين ع تقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة واحدة وقل هو
الله أحد خمسين مرة، وركعتين صلاة السيدة فاطمة صلوات الله عليها تقرأ في الأولى الحمد
مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة وفي الأخرى الحمد مرة وقل هو الله أحد مائة مرة، فإذا
سلمت سبحت تسبيح الزهراء فاطمة ع وقد قدمنا ذكره - وهو مائة تسبيحة
منها أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة - وأربع ركعات
صلاة جعفر بن أبي طالب ع وهي تسمى صلاة الحبوة، تقرأ في الأولى منها الحمد
وإذا زلزلت الأرض زلزالها، وفي الثانية الحمد والعاديات، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر
الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد، وتسبح وتحمد وتهلل وتكبر في كل ركعة منها خمسا
136

وسبعين مرة تكمل بذلك في الأربع ركعات ثلاثمائة مرة، تقول في الركعة الأولى بعد القراءة
وقبل الركوع في دبر السورة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة
مرة، وتقوله في الركوع عشرا، وتقوله عند قيامك من الركوع وأنت منتصب عشرا،
وتقوله في السجود عشرا، وتجلس بين السجدتين فتقوله عشرا، وتسجد الثانية فتقول فيها
عشرا، وترفع رأسك منها فتجلس وتقوله عشرا. وتنهض إلى الثانية فتقرأ فيها، فإذا فرغت
من القراءة صنعت مثل صنعك في التسبيح الأول وتشهدت وسلمت، وتصنع في الأخرى
مثل ذلك وتقول في السجدة الأخيرة من هذه الصلاة بعد فراغك من العشر تسبيحات:
سبحان من لبس العز والوقار سبحان من تعطف بالمجد وتكرم به سبحان من
لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان من أحصى كل شئ علمه سبحان ذي المن والنعم سبحان
ذي القدرة والأمر اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك
وباسمك الأعظم وكلماتك التامات التي تمت صدقا وعدلا أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تفعل بي كذا وكذا وتسأل حوائجك.
فإذا سلمت من هذه الأربع أكملت بها مع ما تقدمها من الست ركعات في أربع جمع
أربعين ركعة تمم بها ما تقدم من النوافل تسع مائة وستين ركعة.
فإذا كان آخر جمعة من الشهر صليت ليلة الجمعة عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين
ع، وليلة السبت عشرين ركعة من صلاة السيدة فاطمة صلوات الله عليها
فتكمل ألفا لا شبهة فيها.
واعلم أن هذه الألف ركعة هي سوى نوافلك التي تتطوع بها في سائر الشهور من
نوافل الليل والنهار - إذ هي لعظم حرمة شهر رمضان - زيادة عليها، فلا تدعن تلك
لاستعمال هذه ولا هذه لاستعمال هذه واجمع بينهما واسأل الله المعونة والتوفيق لها، فقد روي
عن الصادق ع أنه قال حين فرع من شرح هذه الصلاة للمفضل بن عمرو
الجعفي رضي الله عنه: يا مفضل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،
ولكل ركعتين من هذه الألف ركعة دعاء مخصوص يدعى به في دبرها أنا ذاكر طرفا منه
يكتفى المقتصر عليه في باب الاختصار، إذ الإتيان بجميعه يطول وينتشر فيخرج به عند
137

إيراده على كماله عن غرضنا في ترتيب هذا الكتاب ومتى أراده مريده فليطلبه في كتاب
الصيام لعلي بن حاتم رضي الله عنه فإنه يجده مفصلا على النظام مستقصيا فيه على
التمام وبالله التوفيق.
ويستحب أن يصلى الانسان في ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة زيادة على
الألف، فقد روي عن الصادق ع أنه قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وآله: من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب
وقل هو الله أحد عشر مرات أهبط الله إليه من الملائكة عشرة يدرؤون عنه أعداءه من الجن
والإنس وأهبط إليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمنونه من النار. ويستحب أن يصلى ليلة الفطر
ركعتان يقرأ في الأولى منها الحمد وقل هو الله أحد، ألف مرة، وفي الثانية الحمد وقل هو الله
أحد مرة، فقد روي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله أنه قال: من صلى هاتين
الركعتين في ليلة الفطر لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وقد بينا موضع الوتيرة مع نوافل شهر
رمضان وذكرنا أنه في عقيبها، فمن لم يصل هذه النوافل صلاها عقيب الفرض لتكون
خاتمة صلاته قبل منامه إن شاء الله.
باب الدعاء بين الركعات:
ويدعى في دبر الركعتين الأولتين من نوافل شهر رمضان كل ليلة بعد التسليم منهما
فيقال:
اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر
فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ وأنت العزيز الحكيم اللهم أدخلني في
كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
صلى الله عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.
ويدعى في دبر الركعتين الأخريين بعد التسليم منهما فيقال:
الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي بطن فخبر
والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير والحمد لله الذي تواضع كل شئ
138

لعظمته والحمد لله الذي ذل كل شئ لعزته والحمد لله الذي استسلم كل شئ لقدرته
والحمد لله الذي خضع كل شئ لملكوته والحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء
غيره اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وأخرجني من كل سوء
أخرجت منه محمدا وآل محمد صلى الله عليه وعليهم والسلام عليه وعليهم ورحمة الله
وبركاته.
ويدعى في دبر الركعتين الأخريين بعد التسليم منهما فيقال:
اللهم إني أسألك بمعالي جميع ما دعاك به عبادك الذين اصطفيتهم لنفسك، المأمونون
على سرك المحتجبون بغيبك المستسرون بدينك المعلنون له الواصفون لعظمتك المتنزهون
عن معاصيك الداعون إلى سبيلك السابقون في عملك الفائزون بكرامتك أدعوك على
مواضع حدودك وكمال طاعتك بما دعاك به ولاة أمرك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله.
ويدعى في دبر الركعتين الآخرتين بعد التسليم منهما فيقال:
يا ذا المن لا من عليك يا ذا الطول لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين ومأمن الخائفين وجار
المستجيرين إن كان في أم الكتاب عندك أني شقي أو محروم أو مقتر على في رزقي فامح من
أم الكتاب شقائي وحرماني وإقتار رزقي واكتبني عندك سعيدا موفقا للخير موسعا على في
رزقي فإنك قلت في محكم كتابك المنزل على نبيك المرسل: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب، وقلت: ورحمتي وسعت كل شئ، وأنا شئ فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين
وصلى الله على محمد وآل محمد أجمعين وادع بما أحببت.
فإذا فرغت من الدعاء فاسجد وقل في سجودك:
اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وكرمني بالتقوى وجملني بالعافية يا ولي العافية
عفوك عفوك عفوك من النار.
يا الله يا الله يا الله أسألك بلا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت وباسمك بسم الله الرحمن
الرحيم يا رحمان يا الله يا رب يا قريب يا مجيب يا رب السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام
يا حنان يا منان لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم أسألك بكل اسم هو لك تحب أن تدعي به وبكل
139

دعوة دعاك بها أحد من الأولين والآخرين فاستجبت له أن تصرف قلبي إلى خشيتك
ورهبتك وأن تجعلني من المخلصين وتقوي أركاني كلها لعبادتك وتشرح صدري للخير
والتقى وتطلق لساني لتلاوة كتابك يا ولي المؤمنين صل على محمد وآل محمد " وادع
بما أحببت ".
فإذا قمت إلى نوافلك من تمام العشرين بعد العشاء الآخرة فصل ركعتين وادع
فقل:
اللهم إني أسألك ببهائك وجلالك وجمالك وعظمتك ونورك وسعة رحمتك وبأسمائك
وعزتك وقدرتك ومشيئتك ونفاذ أمرك ومنتهى رضاك وشرفك وكرمك ودوام عزك
وسلطانك وفخرك وعلو شأنك وقديم منك وعجيب آياتك وفضلك وجودك وعموم رزقك
وعطائك وخيرك وإحسانك وتفضلك وامتنانك وشأنك وجبروتك وأسألك بجميع مسائلك
أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تنجيني من النار وتمن على بالجنة وتوسع على
من الرزق الحلال وتدرأ عني شر فسقة العرب والعجم وتمنع لساني من الكذب وقلبي من
الحسد وعيني من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وترزقني في عامي هذا وفي
كل عام الحج والعمرة وتغض بصري وتحصن فرجي وتوسع رزقي وتعصمني من كل
سوء يا أرحم الراحمين،
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم إني أسألك حسن الظن بك والصدق في التوكل عليك وأعوذ بك أن تبتليني ببلية
تحملني ضرورتها على التعوذ بشئ من معاصيك وأعوذ بك أن تدخلني في حال كنت أكون
فيها في حال عسر أو يسر أظن أن معاصيك أنجح لي من طاعتك وأعوذ بك أن أقول قولا
لا حقا ألتمس به سواك وأعوذ بك أن تجعلني عظة لغيري وأعوذ بك أن يكون أحد أسعد
بما آتيتني مني وأعوذ بك أن أتكلف طلب ما لم تقسم لي وما قسمت لي من قسم أو رزقتني من
رزق فأتني به في يسر منك وعافية حلالا طيبا وأعوذ بك من كل شئ زحزح بيني وبينك
أو باعد بيني وبينك أو نقص به من حظي عندك أو صرف بوجهك الكريم عني
وأعوذ بك أن تحول خطيئتي أو ظلمي أو جرمي أو إسرافي على نفسي أو اتباع هواي
140

أو استعمال شهوتي دون مغفرتك ورضوانك وثوابك ونائلك وبركاتك وموعودك الحسن
الجميل على نفسك.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم إني أسألك بعزائم مغفرتك ومواجب رحمتك السلامة من كل إثم والغنيمة من
كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم دعاك الداعون ودعوتك وسألك السائلون
وسألتك وطلب الطالبون وطلبت منك ورغب الراغبون ورغبت إليك اللهم أنت الثقة
والرجاء وإليك منتهى الرغبة والدعاء في الشدة والرخاء اللهم اجعل اليقين في قلبي والنور
في بصري والنصيحة في صدري وذكرك بالليل والنهار على لساني ورزقا واسعا واسعا
واسعا غير ممنون ولا محظور وارزقني وبارك لي فيما رزقتني واجعل غناي في نفسي ورغبتي
فيما عندك برحمتك يا أرحم الراحمين.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بطلب ما قد تكفلت لي به اللهم إني أسألك
إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفذ ومرافقة نبيك محمد ص في أعلى جنة الخلد اللهم
إني أسألك رزق يوم بيوم لا قليلا فأشقى ولا كثيرا فأطغى اللهم صل على محمد وآل محمد
وارزقني من فضلك ما ترزقني به الحج والعمرة في عامي هذا وتقويني به على الصوم
والصلاة فإنك أنت ربي ورجائي وعصمتي ليس لي معتصم إلا أنت ولا رجاء غيرك
ولا منجى منك إلا إليك فصل على محمد وآل محمد وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقني برحمتك عذاب النار.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته
وسره وأنت منتهى الشأن كله اللهم إني أسألك من الخير كله وأعوذ بك من الشر كله اللهم
صل على محمد وآل محمد ورضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت
ولا تأخير ما عجلت اللهم وأوسع على من فضلك وارزقني من بركاتك واستعملني في
طاعتك وتوفني عند انقضاء أجلي على سبيلك ولا تول أمري غيرك ولا تزع قلبي بعد إذ
141

هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله آمنت بالله وبجميع رسل الله وبجميع ما أنزلت به جميع رسل الله وأشهد أن
وعد الله حق ولقاءه حق وصدق الله وبلغ المرسلون والحمد لله رب العالمين وسبحان الله كلما
سبح الله شئ وكما يحب الله أن يسبح والحمد لله كلما حمد الله شئ وكما يحب الله أن يحمد
ولا إله إلا الله كلما هلل الله شئ وكما يحب الله أن يهلل والله أكبر كلما كبر الله شئ كما يحب
الله أن يكبر.
اللهم إني أسألك مفاتيح الخير وخواتيمه وشرائعه وسوابغه وفوائده وبركاته ما بلغ
علمه علمي وما قصر عن إحصائه حفظي اللهم صل على محمد وآل محمد وأنهج لي
أسباب معرفته وافتح لي أبوابه وغشني بركات رحمتك ومن على بعصمة عن الإزالة عن
دينك وطهر قلبي من الشرك ولا تشغل قلبي بدنياي وعاجل معاشي عن آجل ثواب آخرتي
واشغل قلبي لحفظ ما لا يقبل مني جهله وذلل لكل خير لساني وطهر من الرياء قلبي ولا تجره
في مفاصلي واجعل عملي خالصا لك.
اللهم إني أعوذ بك من الشر وأنواع الفواحش كلها ظاهرها وباطنها وغفلاتها وجميع
ما يريدني به الشيطان الرجيم وما يريدني به السلطان العنيد مما أحطت بعلمه وأنت القادر
على صرفه عني اللهم إني أعوذ بك من طوارق الجن والإنس وزوابعهم وتوابعهم وبوائقهم
ومكائدهم ومشاهد الفسقة من الإنس والجن وأن أستزل عن ديني فتفسد على آخرتي وأن
يكون ذلك ضررا منهم على في معاشي أو يعرض بلاء يصيبني منهم لا قوة لي به ولا صبر لي
على احتماله فلا تبتليني يا إلهي بمقاساته فيمنعني ذلك من شكرك وذكرك ويشغلني عن
عبادتك أنت العاصم المانع والدافع الواقي من ذلك كله.
أسألك اللهم الرفاهية في معيشتي ما أبقيتني معيشة أقوى بها على طاعتك وأبلغ بها
رضوانك وأصير بها بمنك إلى دار الحيوان غدا وارزقني رزقا حلالا طيبا يكفيني ولا ترزقني
رزقا يطغيني ولا تبتليني بفقر أشقى به مضيقا على وأعطني حظا وافرا في آخرتي ومعاشا
142

واسعا هنيئا مريئا في دنياي ولا تجعل الدنيا لي سجنا ولا تجعل فراقها على حزنا أجرني من
فتنتها واجعل عملي فيها مقبولا وسعيي فيها مشكورا.
اللهم ومن أرادني فيها بسوء فأرده ومن كادني فيها فكده واصرف عني هم من أدخل
على همه وامكر بمن مكرني فإنك خير الماكرين وافقا عني عيون الكفرة الظلمة الطغاة
الحسدة اللهم صل على محمد وآل محمد وأنزل على منك السكينة وألبسني درعك الحصينة
واحفظني بسترك الواقي وجللني عافيتك النافعة وصدق قولي وفعلي وبارك لي في أهلي
ومالي وولدي وما قدمت وما أخرت وما أغفلت وما تعمدت وما توانيت وما أسررت
وما أعلنت فاغفر لي يا أرحم الراحمين وصل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
كما أنت أهله يا ولي المؤمنين وقني برحمتك عذاب النار.
وتدعو بين العشر الركعات الزائدة على العشرين في العشر الأواخر من ليالي الثلاثين
فتقول بعد الركعتين الأولتين منها:
يا حسن البلاء عندي يا قديم العفو عني يا من لا غناء لشئ عنه يا من لا بد لكل شئ
منه يا من مرد كل شئ إليه يا من مصير كل شئ إليه تولني سيدي ولا تول أمري شرار
خلقك أنت خالقي ورازقي يا مولاي فلا تضيعني.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيبا من كل خير أنزلته
في هذه الليلة أو أنت منزله من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه
أو بلاء ترفعه أو سوء تدفعه أو فتنة تصرفها واكتب لي ما كتبت لأوليائك الصالحين الذين
استوجبوا منك الثواب وأمنوا برضاك عنهم منك العقاب يا كريم يا كريم يا كريم صل على
محمد وآل محمد وعجل فرجهم واغفر لي ذنبي وبارك لي في كسبي وقنعني بما رزقتني ولا تفتني
بما زويت عني. وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم إليك نصبت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل يا سيدي توبتي وارحم
ضعفي واغفر لي وارحمني واجعل لي في كل خير نصيبا وإلى كل خير سبيلا اللهم إني أعوذ
143

بك من الكبر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة اللهم صل على محمد وآل محمد اغفر لي
ما سلف من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وأورد على أسباب طاعتك واستعملني بها
واصرف عني أسباب معصيتك وحل بيني وبينها واجعلني وأهلي وولدي ومالي في ودائعك
التي لا تضيع واعصمني من النار واصرف عني شر فسقة الجن والإنس وشر كل ذي شر
وشر كل ضعيف أو شديد من خلقك ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنك على كل
شئ قدير.
وتدعو بعد الركعتين الأخريين فتقول:
اللهم أنت متعالي الشأن عظيم الجبروت شديد المحال عظيم الكبرياء قادر قاهر قريب
الرحمة صادق الوعد وفي العهد قريب مجيب سامع الدعاء قابل التوبة محص لما خلقت قادر على
ما أردت مدرك من طلبت رازق من خلقت شكور إن شكرت ذاكر إن ذكرت فأسألك يا إلهي
محتاجا وأرغب إليك فقيرا وأتضرع إليك خائفا وأبكي إليك مكروبا وأرجوك ناصرا
وأستغفرك ضعيفا وأتوكل عليك محتسبا وأسترزقك متوسعا وأسألك يا إلهي أن تصلي
على محمد وآل محمد أن تغفر لي ذنوبي وتتقبل عملي وتيسر منقلبي وتفرج همي. اللهم إني
أسألك أن تصدق ظني وتعفو عن خطيئتي وتعصمني من المعاصي إلهي ضعفت فلا قوة لي
وعجزت فلا حول لي إلهي جئتك مسرفا على نفسي مقرا بسوء عملي قد نكرت عملي
وأشفقت مما كان مني فصل على محمد وآل محمد واعف عني واقض لي جميع حوائجي من
حوائج الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.
وتدعو بعد الركعتين الآخرتين فتقول:
اللهم إني أسألك العافية من جهد البلاء وشماتة الأعداء وسوء القضاء ودرك الشقاء
ومن الضرر في المعيشة وأن تبتليني ببلاء لا طاقة لي به أو تسلط على طاغيا أو تهتك لي سترا
أو تبدي لي عورة وتحاسبني يوم القيامة مقايسا أحوج ما أكون إلى عفوك وتجاوزك عني
فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعلني من
عتقائك وطلقائك من النار.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأدخلني الجنة واجعلني من سكانها وعمارها اللهم
144

إني أعوذ بك من صفعات النار اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني الحج والعمرة
والصدقة لوجهك يا كريم، ثم اسجد وقل في سجودك: يا سامع كل صوت ويا جامع كل فوت
ويا بارئ النفوس بعد الموت يا من لا تغشاه الظلمات ولا تتشابه عليه الأصوات ولا تحيره
اللغات يا من لا ينسى شيئا بشئ ولا يشغله شئ عن شئ أعط محمدا وآل محمد أفضل
ما سألوك وأفضل ما سألت لهم وأفضل ما أنت مسؤول لهم إلى يوم القيامة اللهم إني أسألك
أن تجعلني من عتقائك وطلقائك من النار اللهم اجعل العافية شعاري ودثاري ونجاة لي من
كل سوء يوم القيامة.
باب الدعاء في العشر الأواخر:
وتدعو في أول ليلة من العشر الأواخر بهذا الدعاء فتقول: يا مولج الليل في النهار
ومولج النهار في الليل ومخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ورازق من تشاء بغير
حساب يا الله يا رحمان يا الله يا رحيم يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى
كلها والأمثال العليا كلها والكبرياء والآلاء أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه
الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين وإسائتي مغفورة وأن تهب لي
يقينا تباشر به قلبي وإيمانا يذهب الشك عني وترضيني بما قسمت لي وآتني في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار الحريق وارزقني فيها ذكرك وشكرك والرغبة إليك
والإنابة والتوبة والتوفيق لما وفقت له محمدا وآل محمد ص.
الدعاء في الليلة الثانية:
وتدعو في ليلة الثانية فتقول: يا سالخ النهار من الليل فإذا نحن مظلمون ومجرى
الشمس لمستقرها بتقديرك يا عزيز يا عليم يا مقدر القمر منازل حتى عاد كالعرجون القديم
يا نور كل نور ومنتهى كل رغبة وولي كل نعمة يا الله يا رحمان يا الله يا قدوس يا الله يا أحد يا واحد
يا فرد يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا كلها والكبرياء والآلاء
أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء
145

" إلى آخر الدعاء ".
دعاء الليلة الثالثة:
ويدعو في الليلة الثالثة فيقول:
يا رب ليلة القدر وجاعلها خيرا من ألف شهر ورب الليل والنهار والجبال والبحار
والظلم والأنوار والأرض والسماء يا بارئ يا مصور يا رحمان يا حنان يا منان يا الله يا رحمان
يا الله يا رحيم يا الله يا قيوم يا بديع يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا
كلها والكبرياء والآلاء أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في هذه
الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء إلى آخر الدعاء.
دعاء الليلة الرابعة:
ويدعو في الليلة الرابعة فيقول:
يا فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا يا عزيز يا عليم
يا ذا المن والطول والقوة والحول والفضل والإنعام ويا ذا الجلال والإكرام يا الله يا رحمان يا الله
يا فرد يا وتر يا الله يا ظاهر يا باطن يا حي لا إله إلا أنت لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال
العليا والكبرياء والآلاء أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه
الليلة في السعداء " إلى آخر الدعاء ".
دعاء الليلة الخامسة:
ويدعو في الليلة الخامسة فيقول: يا جاعل الليل سكنا والنهار معاشا والأرض مهادا
والجبال أوتادا يا الله يا الله يا جبار يا الله يا حنان يا الله يا سميع يا الله يا عليم يا الله يا قريب
يا الله يا مجيب يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا والكبرياء والآلاء
أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء إلى
آخر الدعاء.
146

دعاء الليلة السادسة:
ويدعو في الليلة السادسة فيقول: يا جاعل الليل والنهار آيتين يا من محا آية الليل
وجعل آية النهار مبصرة يا مفصل كل شئ تفصيلا يا الله يا ماجد يا الله يا وهاب يا الله
يا جواد يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا والكبرياء والآلاء أسألك
أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء إلى آخر الدعاء.
دعاء الليلة السابعة:
ويدعو في الليلة السابعة فيقول: يا ماد الظل ولو شئت لجعلته ساكنا وجعلت
الشمس عليه دليلا ثم قبضته إليك قبضا يسيرا يا ذا الحول والطول والكبرياء والآلاء لا إله
إلا أنت عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لا إله إلا أنت يا ملك يا قدوس يا سلام
يا مؤمن يا مهيمن يا عزيز يا جبار يا متكبر يا الله يا خالق يا بارئ يا مصور يا الله يا الله يا الله
لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا والكبرياء والآلاء أسألك أن تصلي على محمد
وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء إلى آخر الدعاء.
دعاء الليلة الثامنة:
ويدعو في الليلة الثامنة فيقول: يا خازن الليل في الهواء وخازن النور في السماء ومانع
السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه وحابسهما أن تزولا يا عليم يا غفور يا دائم يا الله يا الله
يا الله يا وارث يا باعث من في القبور يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال
العليا والكبرياء والآلاء أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في
هذه الليلة في السعداء إلى آخر الدعاء.
دعاء الليلة التاسعة:
ويدعو في الليلة التاسعة فيقول: يا مكور الليل على النهار ومكور النهار على الليل
يا عليم يا حليم يا حكيم يا الله يا رب الأرباب وسيد السادات لا إله إلا أنت يا من هو أقرب إلى
147

من حبل الوريد يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى والأمثال العليا والكبرياء والآلاء إلى
آخر الدعاء.
دعاء الليلة العاشرة:
ويدعو في الليلة العاشرة فيقول: الحمد لله الذي لا شريك له الحمد لله كما ينبغي لكرم
وجهه وعز جلاله وكما هو أهله يا قدوس يا نور القدوس يا سبوح يا منتهى التسبيح يا رحمان
يا جاعل الرحمة يا الله يا عظيم يا عليم يا كبير يا الله يا لطيف يا الله يا جليل يا الله يا سميع
يا الله يا بصير يا الله يا الله يا الله لك الأسماء الحسنى كلها والأمثال العليا والكبرياء والآلاء
أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجعل اسمي في هذه
الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين وإساءتي
مغفورة وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي وإيمانا يذهب
الشك عني وترضيني بما قسمت لي وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب
النار وارزقني في هذه الليلة شكرك وذكرك والرغبة إليك والإنابة والتوبة والتوفيق لما وفقت
له محمدا وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين ورحمة الله وبركاته. ويستحب أن يقال في كل ليلة من العشر الأواخر:
أعوذ بجلال وجهك الكريم أن ينقضي عني شهر رمضان أو يطلع الفجر من ليلتي
هذه ولك قبلي تبعة أو ذنب تعذبني به يوم ألقاك
وتأخذ المصحف في ثلاث ليال من الشهر وهي، ليلة تسع عشرة وليلة إحدى
وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، فتنشره وتضعه بين يديك وتقول:
اللهم إني أسألك بكتابك المنزل وما فيه وفيه اسمك الأعظم وأسماؤك الحسنى
وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك وطلقائك من النار " وتدعو بما بدا لك من حاجة ".
ويستحب أن يزاد على الدعاء فيما ذكرناه في ليلة ثلاث وعشرين خاصة هذا الدعاء
تقول:
اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة
148

القدر من القضاء الذي لا يرد ولا يغير ولا يبدل أن تكتبني في عامي هذا من حجاج بيتك
الحرام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنوبهم المكفر عنهم سيئاتهم اللهم واجعل
فيما تقضي وتقدر أن تمد في عمري وأن توسع على في رزقي وأن تبارك لي في كسبي وأن تبارك
لي في ديني ودنياي وآخرتي وأن تفك رقبتي من النار.
وتقول فيها أيضا:
يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور يا مجرى البحور يا ملين الحديد لداود صل على
محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا الليلة الليلة الساعة الساعة.
وارفع يديك وادع به وأنت ساجد وقائم وراكع وردده وادع به أيضا في آخر ليلة من
شهر رمضان فإنه من الدعاء الخاص المرسوم.
باب دعاء الوداع:
وتدعو في آخر ليلة من الشهر عند فراغك من صلاة الليل في دبر الوتر فتقول:
اللهم إنك قلت في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل
ص وقولك حق: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي
والفرقان، وهذا شهر رمضان قد تصرم فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة إن كان
بقي على ذنب لم تغفره لي أو تريد أن تعذبني عليه أو تقايسني به أن لا يطلع فجر هذه الليلة
أو يتصرم هذا الشهر إلا وقد غفرته لي يا أرحم الراحمين.
اللهم لك الحمد لمحامدك كلها أولها وآخرها ما قلت لنفسك منها وما قال لك الخلائق
الحامدون المجتهدون المعددون المؤثرون لذكرك والشكر لك الذين أعنتهم على أداء
حقك من أصناف خلقك من الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وأصناف الناطقين
المسبحين لك من جميع العالمين على أنك بلغتنا شهر رمضان وعلينا من نعمك وعندنا من
جزيل قسمك وإحسانك وتظاهر امتنانك فبذلك لك منتهى الحمد الخالد الدائم الراكد
المخلد السرمد الذي لا ينفد طول الأبد جل ثناؤك أعنتنا عليه حتى قضيت عنا صيامه وقيامه
من صلاة وما كان منا فيه من بر أو شكر أو ذكر.
149

اللهم فتقبله منا بأحسن قبولك وتجاوزك وعفوك وصفحك وغفرانك وحقيقة
رضوانك حتى تظفرنا فيه بكل خير مطلوب وجزيل عطاء موهوب وتؤمننا فيه من كل
مرهوب وبلاء مجلوب وذنب مكسوب.
اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك وجزيل ثنائك
وخاصة دعائك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل شهرنا هذا أعظم شهر رمضان مر
علينا منذ أنزلتنا إلى الدنيا بركة في عصمة ديني وخلاص نفسي وقضاء حاجتي وشفيعي في
مسائلي وتمام النعمة وصرف السوء عني ولباس العافية لي وأن تجعلني برحمتك ممن خرت له
ليلة القدر وجعلتها له خيرا من ألف شهر في أعظم الأجر وكرائم الذخر وطول العمر وحسن
الشكر ودوام اليسر.
اللهم وأسألك برحمتك وطولك وعفوك ونعمائك وجلالك وقديم إحسانك وامتنانك
ألا تجعله آخر العهد منا لشهر رمضان حتى تبلغناه من قابل على أحسن حال وتعرفني
هلاله مع الناظرين إليه والمتعرفين له في أعفى عافيتك وأنعم نعمتك وأوسع رحمتك وأجزل
قسمك اللهم يا ربي الذي ليس لي غيره لا يكون هذا الوداع مني وداع فناء ولا آخر العهد
مني للقائه حتى ترينيه من قابل في أسبغ النعم وأفضل الرجاء وأنا لك على أحسن الوفاء
إنك سميع الدعاء.
اللهم اسمع دعائي وارحم تضرعي وتذللي لك واستكانتي وتوكلي عليك وأنا لك
مسلم لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا ولا تبليغا إلا بك ومنك فامنن علي جل ثناؤك
وتقدست أسماؤك بتبليغي شهر رمضان وأنا معافى من كل محذور ومكروه ومن جميع
البوائق الحمد لله الذي أعاننا على صيام هذا الشهر وقيامه حتى بلغنا آخر ليلة منه.
باب صلاة العيدين:
وهذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، سنة على
الانفراد عند عدم حضور الإمام، فإذا كان يوم العيد بعد طلوع الفجر اغتسلت ولبست
أطهر ثيابك وتطيبت ومضيت إلى مجمع الناس من البلد لصلاة العيد، فإذا طلعت الشمس فاصبر
150

هنيئة ثم قم إلى صلاتك بارزا تحت السماء وليكن سجودك على الأرض نفسها فإذا قمت
فكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، ثم اقرأ فاتحة الكتاب وسورة والشمس وضحاها، ثم كبر
تكبيرة ثانية ترفع بها يديك واقنت بعدها فتقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم أهل
الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة
أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد ص ذخرا ومزيدا
أن تصلي على محمد وعلى آل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك وصل على
ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك
المرسلون.
ثم تكبر تكبيرة ثالثة وتقنت بهذا القنوت، ثم تكبر تكبيرة رابعة وتقنت به، ثم تكبر
تكبيرة خامسة وتقنت به، ثم تكبر تكبيرة سادسة وتقنت به، ثم تكبر السابعة وتركع بها
فتكون لك قراءة بين تكبيرتين والقنوت خمس مرات، فإذا رفعت رأسك من السجود إلى
الثانية كبرت تكبيرة واحدة وقرأت الحمد وسورة هل أتاك حديث الغاشية، فإذا فرغت
منها كبرت تكبيرة ثانية ترفع بها يديك وتقنت به، وتكبر تكبيرة ثالثة وتقنت به، ثم تكبر
تكبيرة رابعة وتقنت، ثم تكبر تكبيرة خامسة وتركع بها فتكون لك قراءة بين تكبيرتين
والقنوت ثلاث مرات، فجميع تكبير هاتين الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، منها تكبيرة
الاستفتاح وتكبيرتا الركوع، فإذا سلمت مجدت الله تعالى ودعوت بما أحببت.
باب الزيادات في ذلك:
وتدعو في دبر صلاة الغداة من يوم العيد بهذا الدعاء تقول:
اللهم إني توجهت إليك بمحمد أمامي وعلى من خلفي وأئمتي عن يميني وشمالي
أستتر بهم من عذابك وأتقرب إليك زلفى لا أحد أقرب إليك منهم فهم أئمتي فأمن بهم
خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني الجنة برحمتك في عبادك الصالحين أصبحت بالله
151

مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد وسنته وعلى دين على وسنته وعلى دين الأوصياء
وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وأرغب إلى الله فيما رغبوا فيه وأعوذ بالله من شر
ما استعاذوا منه ولا حول ولا قوة ولا منعة إلا بالله العظيم توكلت على الله حسبي الله ومن
يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره.
اللهم إني أريدك فأردني وأطلب ما عندك فيسره لي اللهم إنك قلت في محكم كتابك
المنزل - وقولك الحق ووعدك الصدق - شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس
وبينات من الهدي والفرقان فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه القرآن الكريم
وخصصته بأن جعلت فيه ليلة القدر اللهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت منه
يا إلهي إلى ما أنت أعلم به مني فأسألك يا إلهي بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك
المرسلون وعبادك الصالحون أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقبل مني كل ما تقربت
إليك فيه وتتفضل على بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباني واستجابة دعائي وهب لي من
لدنك رحمة وأعتق رقبتي من النار والأمن يوم الخوف من كل فزع ومن كل هول أعددته
ليوم القيامة.
أعوذ بحرمة وجهك الكريم وبحرمة نبيك وبحرمة الأوصياء أن يتصرم يا إلهي هذا
اليوم ولك قبلي تبعة تريد أن تؤاخذني بها أو خطيئة تريد أن تقتصها مني لم تغفرها لي
أسألك بحرمة وجهك الكريم بلا إله إلا أنت أن ترضى عني فإن كنت قد رضيت عني فزد
فيما بقي من عمري رضا وإن كنت لم ترض عني فمن الآن فارض عني يا سيدي ومولاي
الساعة الساعة واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا المجلس من عتقائك من
النار عتقا لا رق بعده.
اللهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم أن تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ
أسكنتني الأرض أعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقا وأبتله عتقا من النار
وأوجبه مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه إلى ما تحب وترضى اللهم لا تجعله آخر شهر رمضان
صمته لك وارزقني العود فيه ثم العود حتى ترضى وترضى كل من له قبلي تبعة ولا تخرجني من
الدنيا إلا وأنت عني راض.
152

اللهم واجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام المبرور حجهم
المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم وأديانهم
وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم اللهم اقلبني من مجلسي هذا وفي يومي هذا
وساعتي هذه مفلحا منجحا مستجابا دعائي مرحوما صومي مغفورا ذنبي.
اللهم واجعل فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت أن تطيل عمري وأن تقوي
ضعفي وأن تغني فقري وأن تجبر فاقتي وأن ترحم مسكنتي وأن تعز ذلتي وأن تؤنس وحشتي
وأن تكثر قلتي وأن تدر رزقي في عافية ويسر وخفض عيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر
آخرتي ودنياي وألا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا إلى الناس فيرفضوني وعافني في بدني
وديني وأهلي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وأن تمن على بالأمن أبدا ما أبقيتني فإنك
وليي ومولاي وسيدي وربي وإلهي وثقتي ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي ومنتهى
رغبتي فلا يخيبن عليك دعائي يا سيدي ومولاي ولا يبطلن طمعي ورجائي لديك فقد
توجهت إليك بمحمد وآل محمد وقدمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي وطلبتي وتضرعي
ومسألتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين فإنك مننت على بمعرفتهم
فاختم لي بها السعادة إنك على كل شئ قدير.
اللهم ولا تبطل عملي وطمعي ورجائي يا إلهي ومالكي واختم لي بالسعادة والسلامة
والإسلام والأمن والإيمان والمغفرة والرضوان والشهادة والحفظ يا منزولا به كل حاجة يا الله
يا الله يا الله أنت لكل حاجة فتول عاقبتنا ولا تسلط علينا أحدا من خلقك بشئ لا طاقة لنا
به من أمر الدنيا وفرغنا لأمر الآخرة يا ذا الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد وبارك
على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وتحنن على محمد
وآل محمد وامنن على محمد وعلى آل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وسلمت
وتحننت ومننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب نيله وجوائزه
وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي رجاء
رفدك وعفوك وطلب نيلك وجوائزك ونوافلك اللهم فصل على محمد وآل محمد ولا تخيب
153

اليوم رجائي يا من لا يغيب عليه سائل ولا ينقصه نائل فإنني لم آتك اليوم بعمل صالح
قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة لا حجة لي ولا عذر
فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم
يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم أن تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت صل على محمد
وعلى آل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته واغسلني فيه من جميع ذنوبي
وخطاياي وزدني من فضلك إنك أنت الوهاب.
وصلاة الأضحى مثل صلاة الفطر سواء لا فرق بينهما، كل واحدة منهما ركعتان فيهما اثنتا
عشرة تكبيرة، سبع في الأولى وخمس في الثانية. والخطبة في العيدين بعد الصلاة، ولا ينقل
المنبر من موضعه ولكن ينصب للإمام منبر تحت السماء فيخطب عليه ومن فاتته صلاة
العيدين في جماعة صلاها وحده كما يصلى في الجماعة ندبا مستحبا، ومن أدرك الإمام وهو
يخطب فيجلس حتى يفرع من خطبته، ثم يقوم فيصلي القضاء. وليس في صلاة العيد أذان
ولا إقامة، ولكن ينادي لها ثلاث مرات يقول المنادي: الصلاة الصلاة الصلاة، وليس
قبلها تطوع ولا بعدها إلى زوال الشمس إلا بالمدينة خاصة، فإن من غدا منها إلى صلاة
العيد دخل مسجد رسول الله ص فصلى فيه ركعتين والسنة في الفطر أن
يطعم الانسان قبل أن يخرج إلى الصلاة، وفي يوم الأضحى ألا يطعم حتى يرجع منه. ويكبر
ليلة الفطر من بعد صلاة المغرب إلى رجوع الإمام من صلاة العيد في أدبار أربع صلوات:
المغرب والعشاء الآخرة والفجر وصلاة العيد، يقول:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا وله الشكر والحمد
لله على ما أولانا.
قال الله عز وجل: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم.
وتكبير الأضحى بمنى ومكة في خمس عشرة صلاة، وفي سائر البلدان في عشر صلوات،
أولها صلاة الظهر من يوم العيد، تكبر في دبرها حتى يتم عشر صلوات أو خمس عشرة صلاة
إن كنت حاجا أو بحكم الحاج، وتقول إذا كبرت:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
154

وإذا اجتمعت صلاة عيد وصلاة جمعة في يوم واحد صليت صلاة العيد وكنت بالخيار في
حضور الجمعة، روي عن الصادق ع أنه قال: اجتمع صلاة عيد وجمعة في زمن
أمير المؤمنين ع فقال: من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن لم يأت فلا يضره.
ولا بأس أن تصلي صلاة العيد في بيتك عند عدم إمامها أو لعارض مع وجوده، فمتى
صليتها فابرز تحت السماء فوق سطحك أو حيث لا ساتر لك منها وصلها كما تصليها في
الجماعة ركعتين، روي عن الصادق ع أنه قال: من لم يشهد جماعة الناس في
العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة، وروي عنه
ع في قوله عز وجل: خذوا زينتكم عند كل مسجد، قال: لصلاة العيد والجمعة،
وروي أن الزينة هي العمامة والرداء،
وروي أن الإمام يمشي يوم العيد ولا يقصد المصلي راكبا، ولا يصلى على بساط،
ويسجد على الأرض، وإذا مشى رمى ببصره إلى السماء، ويكبر بين خطواته أربع تكبيرات
ثم يمشي، وروي أن النبي ص كان يلبس في العيدين بردا ويعتم شاتيا كان
أو قائظا.
والقراءة في يوم العيد بجهر بها كما يجهر في صلاة الجمعة. والخطبة فيه بعد الصلاة
ويوم الجمعة قبلها، وروي أن أول من غير الخطبة في العيد فجعلها قبل الصلاة عثمان بن
عفان وذلك أنه لما أحدث أحداثه التي قتل بها كان إذا صلى تفرق عنه الناس وقالوا
ما نصنع بخطبته وقد أحدث، فجعلها قبل الصلاة.
باب صلاة يوم الغدير وأصلها:
يوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، نزل رسول الله ص
فيه حين مرجعه من حجة الوداع بغدير خم، وأمر أن ينصب له في الموضع كالمنبر من
الرحال وينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع سائر من كان معه من الحاج ومن تبعهم لدخول
المدينة من أهل الأمصار، واجتمع جمهور أمته، فصلى ركعتين ثم رقى المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ووعظ وزجر وأنذر ونعى إلى الأمة في الخطبة نفسه، ووصاهم بوصايا - يطول
155

شرحها - فيما يجب الانتهاء إليه في حياته وبعد وفاته، ثم دعا علي بن أبي طالب
ع فأمره أن يرقى معه الرحال، ثم أقبل على الناس بوجهه الكريم ص
فقررهم على فرض طاعته وقال في تقريره لهم: أ لست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ فأجابته
الجماعة بالإقرار، فأخذ إذ ذلك بعضد أمير المؤمنين ع ثم أقبل عليهم أجمعين
فقال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره
واخذل من خذله، فنص عليه بالإمامة من بعده، وكشف بقوله عن فرض طاعته، وأوجب
له بصريح اللفظ ما هو واجب له من الرئاسة عليهم في الحال بإيجاب الله تعالى ذلك له.
والقصة مشهورة يستغني بظهورها عن تفصيلها في هذا المكان إذا القصد إيراد الغرض
منها.
فجرت السنة في هذا اليوم بعينه بصلاة ركعتين اقتداء برسول الله ص
في فعله واحتذاء لسنته في أمته، وتطابقت الروايات عن الصادقين من آل محمد
عليهما السلام بأن يوم الغدير يوم عيد سر الله تعالى به المسلمين ولطف لهم فيه بكمال الدين
وأعلن فيه خلافة نبيه سيد المرسلين، فكان من سنته الصيام وفيه شكر الله تعالى على
نعمته العظمى من حفظ الدين وهدايته إلى القائم بعد الرسول ص في رعاية
المؤمنين.
والغسل في صدره سنة من أعظم القربات فيه لرب العالمين، وصلاة ركعتين على
ما نشرحه في الترتيب. فإذا ارتفع النهار من اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فاغتسل فيه
كغسلك للعيدين والجمعة، والبس أطهر ثيابك وأمسس شيئا من الطيب إن قدرت عليه،
وابرز تحت السماء وارتقب الشمس، فإذا بقي لزوالها نصف ساعة أو نحو ذلك فصل
ركعتين، تقرأ في كل واحدة منهما فاتحة الكتاب وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات إنا
أنزلناه في ليلة القدر وعشر مرات آية الكرسي. فإذا سلمت فاحمد الله واثن عليه بما هو
أهله، وصل على رسول الله ص وابتهل إلى الله تعالى في اللعنة لظالمي آل
الرسول ع وأشياعهم ثم ادع فقل:
اللهم إني أسألك بحق محمد نبيك وعلى وليك وبالشأن والقدر الذي خصصتهما به
156

دون خلقك أن تصلي عليهما وعلى ذريتهما وأن تبدأ بهما في كل خير عاجل اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد الأئمة القادة والدعاة السادة والنجوم الزاهرة والأعلام الباهرة
وساسة العباد وأركان البلاد والناقة المرسلة والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد خزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك ومعادن
كرامتك وصفوتك من بريتك وخيرتك من خلقك الأتقياء النجباء الأبرار والباب المبتلى به
الناس من أتاه نجا ومن أباه هوى.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم وذوي القربى
الذين أمرت بمودتهم وفرضت حقهم وجعلت الجنة معاد من اقتفى آثارهم اللهم صل على
محمد وآل محمد كما أمروا بطاعتك ونهوا عن معصيتك ودلو عبادك على وحدانيتك.
اللهم إني أسألك بحق محمد نبيك ونجيك وصفوتك وأمينك ورسولك إلى خلقك
وبحق أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الوصي الوفي والصديق الأكبر
والفاروق بين الحق والباطل والشاهد لك والدال عليك والصادع بأمرك والمجاهد في
سبيلك لم تأخذه فيك لومة لائم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعلني في هذا اليوم
الذي عقدت فيه العهد لوليك في أعناق خلقك وأكملت لهم الدين من العارفين بحرمته
والمقرين بفضله من عتقائك وطلقائك من النار ولا تشمت بي حاسدي النعم.
اللهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء يوم العهد المعهود وفي الأرض يوم
الميثاق المأخوذ والجمع المسؤول صل على محمد وآل محمد وأقرر به عيوننا واجمع به شملنا
ولا تضلنا بعد إذ هديتنا واجعلنا لأنعمك من الشاكرين يا أرحم الراحمين.
الحمد لله الذي عرفنا فضل هذا اليوم وبصرنا حرمته وكرمنا به وشرفنا بمعرفته
وهدانا بنوره يا رسول الله يا أمير المؤمنين عليكما وعلى عترتكما وعلى محبيكما مني السلام
ما بقي الليل والنهار بكما أتوجه إلى الله ربي وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجي
وتيسير أموري اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تلعن من جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته فصد عن سبيلك لإطفاء نورك فأبى الله إلا أن
يتم نوره.
157

اللهم فرج عن أهل البيت واكشف عن المؤمنين الكربات اللهم املأ الأرض
بهم عدلا كما ملئت ظلما وجورا وأنجز لهم ما وعدتهم إنك لا تخلف الميعاد.
باب صلاة الاستسقاء وصفتها:
ويستحب عند جدب الأرض بمنع السماء القطر أن يتقدم الإمام إلى كافة المسلمين
بصيام ثلاثة أيام تطوعا، ويصومها معهم، فإذا كان اليوم الثالث نودي فيهم بالصلاة
جامعة، وأمر الإمام المؤذنين أن يخرجوا معه، فإذا خرجوا قدمهم بين يديه ومشى خلفهم، فإذا
انتهوا إلى الموضع الذي يقصدونه نصب إليه منبر وتقدم فصلى بالناس ركعتين يجهر
فيهما بالقراءة على صفة صلاة العيد، يستفتح الأولى منهما بالتكبير ويقرأ الحمد وسورة ثم
يكبر خمس تكبيرات يقنت بين كل اثنين منها بما أحب من تمجيد الله والثناء عليه والمسألة
له، ثم يكبر واحدة يركع بها، ثم يقوم إلى الثانية فيفتتحها بالتكبير ويقرأ الحمد وسورة، ثم
يكبر ثالثا يقنت بين كل تكبيرتين منها بما أحب، ثم يكبر واحدة ويركع بها.
فإذا سلم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصل على محمد رسول الله
ص ووعظ وزجر وأنذر وحذر، فإذا فرع من خطبته قلب رداءه عن يمينه إلى يساره وعن
يساره إلى يمينه ثلاث مرات، ثم استقبل القبلة فرفع رأسه نحوها وكبر الله تعالى مائة تكبيرة
رافعا بها صوته وكبر الناس معه، ثم التفت عن يمينه فسبح الله جل اسمه مائة تسبيحة
رافعا بها صوته وسبح الناس معه، ثم التفت عن يساره فحمد الله مائة تحميدة رافعا بها
صوته وحمد الناس معه، ثم أقبل على الناس بوجهه فاستغفر الله مائة مرة رافعا بها صوته
واستغفر الناس معه، ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا ودعا الناس معه فقال:
اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي
الأرض بعد موتها يا فالق الحب والنوى يا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات وجامع
الشتات اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع وتدر به الضرع
وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا.
158

باب صلاة الكسوف وشرحها:
روي عن الصادقين ع: أن الله تعالى إذا أراد تخويف عباده وتجديد الزجر
لخلقه كسف الشمس وخسف القمر فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله تعالى بالصلاة. وقال
الصادق ع: قال رسول الله ص: إن الشمس والقمر لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياة أحد ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى
مساجدكم للصلاة. وروي عنه ع أنه قال: صلاة الكسوف فريضة.
فإذا انكسفت الشمس أو خسف القمر فصل ركعتين فيهما عشر ركعات وأربع سجدات،
تقوم عند ابتداء الكسوف والخسوف فتفتتح الصلاة بالتكبير وتتوجه، ثم تقرأ الحمد
وسورة، فإذا فرغت منها ركعت فأطلت الركوع مستحبا لله تعالى بمقدار قيامك في قراءة
السورة ثم ترفع رأسك وتستوي قائما فتقرأ الحمد وسورة، فإذا فرغت منها ركعت فأطلت
الركوع بمقدار قيامك في السورة الثانية، ثم ترفع رأسك وتنتصب قائما فتقرأ الحمد وسورة،
فإذا فرغت منها ركعت بمقدار قراءتها، وهكذا إلى أن تتم الخمس ركوعات، ثم تنتصب
قائما فتقول: سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين، ثم تسجد سجدتين فتطيل فيهما
التسبيح، ثم تنهض إلى الثانية فتصنع فيها مثل ذلك وتتشهد وتسلم.
واجتهد أن يكون زمان صلاتك بمقدار زمان الكسوف، فإن قصر عن ذلك ففرغت
منها قبل أن ينجلي الكسوف أعدت الصلاة، وتقول عند كل قيام من ركوع فيها: الله
أكبر، إلا في الركوع الخامس من الأولى والعاشر من الآخر فإنك تقول في القيام منه: سمع
الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين، فإنه بذلك جرت السنة. وروي عن أمير المؤمنين
ع أنه صلى بالكوفة صلاة الكسوف فقرأ فيها بالكهف والأنبياء ورددها خمس
مرات وأطال في ركوعها حتى سأل العرق على أقدام من كان معه وغشي على كثير منهم.
وهاتان الركعتان تجب صلاتهما عند الزلازل والرياح والحوادث من الآيات في السماء،
وإذا صليتها للزلزلة وفرغت فاسجد وقل في سجودك. يا من يمسك السماوات والأرض أن
تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان عليما غفورا، يا من يمسك السماء أن تقع
على الأرض إلا باذنه أمسك عنا السوء، فإذا فاتتك صلاة الكسوف من غير تعمد قضيتها
159

عند ذكرك وعلمك إلا أن يكون وقت فريضة قد تضيق، وإن تعمدت تركها وجب عليك
الغسل والقضاء، وإذا احترق قرص القمر كله ولم تكن علمت به حتى أصبحت صليت
صلاة الكسوف له جماعة. وإن احترق بعضه ولم تعلم بذلك حتى أصبحت صليت القضاء
فرادى.
باب أحكام فوائت الصلاة:
ومن فاتته صلاة بخروج وقتها قضاها كما فاتته ولم يؤخرها ألا أن يمنع منه بضيق وقت
فرض ثان عليه. ومن فاتته صلاة الجمعة صلاها أربعا، وإذا نسي الحاضر صلاة فذكرها بعد
مضى وقتها وهو مسافر قضاها في سفره على التمام، وإن نسي المسافر صلاة فذكرها بعد
خروج وقتها وهو حاضر قضاها على التقصير، وإذا دخل وقت صلاة على الحاضر فلم
يصلها لعذر حتى صار مسافرا وكان الوقت باقيا صلاها على التقصير، فإن دخل على
المسافر وقت صلاة فتركها لعذر - ذاكرا - ونسيها حتى صار حاضرا - والوقت باق - صلاها
على التمام.
ولا يؤم المسافر الحاضر ولا الحاضر المسافر، ولا يؤم المتيمم المتوضئين ويؤم المتوضئ
المتيممين. ويقضي الصلاة بالأذان والإقامة إذا فات الانسان ذلك، وإن قضاها بغير أذان
ولا إقامة لم يخل ذلك بالمفروض وإن كان تاركا فضلا وتقضى فوائت النوافل في كل وقت ما لم
يكن وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو عند غروبها، ويكره قضاء النوافل عند اصفرار
الشمس حتى تغيب. وليس على المسافر قضاء ما قصر فيه من فريضة ولا نافلة إلا
المفروض من الصيام فإنه لا بد من قضائه.
ومن حضر بعض المشاهد عند طلوع الشمس أو عند غروبها فليزر ويؤخر صلاة
الزيارة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبها، ولا بأس أن يؤخر
الانسان صلاة زيارة قبور الأئمة ع ويقضيها بعد خروجه من مشاهدهم عند
الأسباب الداعية إلى ذلك.
والمقصر في الحضر ناسيا يجب عليه الإعادة على التمام، والمتمم في السفر ناسيا يعيد إن
160

كان الوقت باقيا، وإن خرج الوقت فلا إعادة عليه. ومن تعمد التمام في السفر بعد الحجة
عليه في التقصير لم يجزئه ذلك ووجب عليه الإعادة.
باب صلاة السفينة:
وتتوجه في السفينة إلى القبلة وتصلي قائما إن قدرت وإلا جالسا، فإذا دارت
السفينة أدرت وجهك إلى القبلة، فإن عدمت معرفة القبلة بعد توجهك بدورانها أجزأك
التوجه الأول ودرت معها حيث دارت، وإذا التبست القبلة عليك في النوافل وتعذر طلب
علاماتها توجهت إلى رأس السفينة فصليت مصعدة ومنحدرة وكيف دارت.
باب صلاة الخوف:
قال الله عز وجل: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا، ثم شرح
تعالى الصلاة في الآية التي تلى هذه الآية وكيف صفتها، وهو أن يقوم الإمام بطائفة معه
وطائفة قد أقبلوا بوجوههم على العدو فيكبر ويصلى بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية صلوا
لأنفسهم ركعة وجلسوا فتشهدوا، ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاؤوا أصحابهم
فلحقوه في الثانية قائما فاستفتحوا الصلاة، فإذا ركع ركعوا بركوعه وكذلك إذا سجد
سجدوا بسجوده، ثم جلس هو في الثانية ويقوم أولئك فيصلون الركعة الثانية وهو جالس،
فإذا ركعوا وسجدوا جلسوا معه فسلم بهم وانصرفوا، فكان الأولون لهم التكبير معه
والآخرون لهم التسليم.
وإن كانت صلاة المغرب فليصل الإمام بالأولين ركعة واحدة ثم يقوم إلى الثانية
ويقومون معه إليها، فيصلون لأنفسهم الركعتين الآخرتين على التخفيف والإمام قائم في
الثانية لم يركع، فإذا سلم القوم خلفه من فريضة المغرب انصرفوا إلى مقام أصحابهم
فقاموا فيه تلقاء العدو وصار أصحابهم إلى الصلاة مع الإمام، فكبروا لأنفسهم تكبيرة
الافتتاح وركع الإمام بهم فركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده، ثم يجلس الإمام للثانية له
161

ويجلس القوم معه في الأولة لهم ولا يجلسون مستوطنين بل يكونون مستوفزين في جلوسهم -
فإذا فرع من تشهده قام بهم إلى الثالثة له وهي ثانية لهم، فوقفوا بوقوفه وركعوا بركوعه
وسجدوا بسجوده وجلسوا بجلوسه، فتشهد وتشهدوا معه فخففوا في تشهدهم وقاموا إلى
ثالثتهم والإمام جالس في ثانية فصلوها بالتخفيف وجلسوا بعد السجود، فإذا أحس الإمام
بجلوسهم وكان قد فرع من تشهده سلم حينئذ بهم، فكان بهذه الصلاة للأولين معه
ما ذكرناه وللآخرين منهم ما وصفناه وكان إماما لهم جميعا في هذه الصلاة على ما شرحناه.
باب صلاة المطاردة والمسايفة:
وإذا طاردت في الحرب صليت مومئا وانحنيت للركوع، فإذا أمكنك السجود على
قربوس سرجك سجدت وإلا انحنيت له أخفض من انحنائك للركوع، فإذا سايفت صليت
بالتسبيح تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، مكان كل ركعة فيجزئ
ذلك عن الركوع والسجود.
باب صلاة الغريق والموتحل والمضطر بغير ذلك:
ويصلى السابح في الماء عند غرقه أو ضرورته إلى السباحة مومئا إلى القبلة إن
عرفها وإلا ففي جهة وجهه، ويكون ركوعه أخفض من سجوده، لأن الركوع انخفاض منه
والسجود إيماء إلى قبلته في الحال، وكذلك صلاة الموتحل.
وإذا كان ممنوعا بالرباط والقيد وما أشبههما صلى بحسب استطاعته، ويلزمه في جميع
الأحوال تحري القبلة مع الإمكان ويسقط عنه عند عدمه.
والمريض يصلى قائما مع قدرته على القيام، ويصلى جالسا عند عدم قدرته عليه،
وإذا عدم القدرة على السجود صلى مضطجعا أو كيف ما استطاع على حسب الحال، ويكره
له وضع الجبهة على سجادة يمسكها غيره أو مروحة وما أشبهها عند صلاته مضطجعا لما في
ذلك من الشبهة بالسجود للأصنام، ويومئ بوجهه إذا عدم الاستطاعة للسجود عليه بدلا
من ذلك. والمرض الذي رخص للإنسان عنده الصلاة جالسا ما لا يقدر معه على المشي
162

بمقدار زمان صلاته قائما، وذلك حده وعلامته.
باب صلاة العراة:
وتصلي العراة عند عدم ما يسترها من جلوس، وتومئ بالركوع والسجود يكون
سجودها أخفض من ركوعها، فإذا صلت جماعة كان أمامها في وسطها غير بارز عنها
بالتقدم عليها. وتخافت فيما يجب فيه الإخفات وتجهر فيما يجب فيه الإجهار، فإن مات منهم
انسان غسلوه ثم حفروا له حفرة ثم أنزلوه الحفرة وغطوا عورته بالتراب وصلوا عليه
قياما، إمامهم في وسطهم يضعون أيديهم على عوراتهم، فإذا فرغوا من الصلاة دفنوه.
باب صلاة الاستخارة:
روي عن الصادق ع أنه قال: إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا
حتى يبدأ فيشاور الله عز وجل، فقيل له: وما مشاورة الله عز وجل؟ فقال: يستخير الله تعالى
فيه أولا ثم يشاور فيه فإنه إذا بدأ بالله أجرى الله له الخير على لسان من شاء من الخلق.
وروي عنه ع أنه قال: يقول الله عز وجل: إن من شقاء عبدي أن يعمل
الأعمال ثم لا يستخيرني.
فإذا عرض لك أمر أردت فعله فصل ركعتين تقنت في الثانية منهما قبل الركوع، فإذا
سلمت سجدت وقلت في سجودك: أستخير الله، مائة مرة، فإذا أتممت المائة قلت: لا إله
إلا لله العلي العظيم لا إله إلا لله الحليم الكريم رب بحق محمد وآل محمد صل على
محمد وآل محمد وخر لي في كذا وكذا للدنيا والآخرة خيرة في عافية.
استخارة أخرى:
وإن شئت صليت ركعتين ثم دعوت بعدهما فقلت: اللهم إني أستخيرك بعلمك
وأستخيرك بعزتك وأستخيرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر
وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب إن كان هذا الأمر الذي أريده خيرا لي في ديني ودنياي
163

وآخرتي وخيرا لي فيما ينبغي فيه الخير فأنت أعلم بعواقبه مني فيسره لي وبارك لي فيه
وأعني عليه وإن كان شرا لي فاصرفه عني واقض لي حاجتي بالخير حيث كان ورضني به
حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.
استخارة أخرى:
وإن شئت دعوت بعد الركعتين فقلت: اللهم إن كان " كذا وكذا " خيرا لي في ديني
ودنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله فيسره لي على أحسن الوجوه وإن كان شرا لي في
ديني ودنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني رب اعزم لي على رشدي وإن
كرهته أو أبته نفسي.
استخارة أخرى:
روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: ما استخار الله عبد بهذه الاستخارة
سبعين مرة إلا رماه الله بالخير يقول: يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع
الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صل على محمد وآل محمد وخر لي في " كذا
وكذا " خيرة في عافية.
استخارة أخرى:
روي عنه ع أيضا أنه قال: إذا أردت الاستخارة فخذ ست رقاع فاكتب
في ثلاث منهن: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة " افعل "
وفي ثلاث منهن: خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة " لا تفعل " ثم ضعهن تحت
مصلاك وصل ركعتين، فإذا فرغت منهما فاسجد وقل في سجودك: أستخير الله برحمته في
عافية، مائة مرة، ثم استوى جالسا وقل: اللهم خر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية،
ثم اضرب يدك إلى الرقاع فشوشها واخلطها وأخرج واحدة. فإن خرجت لا تفعل فأخرج
ثلاثا متواليات، فإن خرجن على صفة واحدة " لا تفعل " فلا تفعل، وإن خرجن " افعل "
164

فافعل، وإن خرجت واحدة " افعل " والأخرى " لا تفعل " فخذ منها خمس رقاع فأنظر أكثرها
فاعمل عليه واترك الباقي.
قال الشيخ: وهذه الرواية شاذة ليست كالذي تقدم لكنا أوردناها للرخصة دون
تحقق العمل بها.
باب صلاة الحاجة:
روي عن الصادق ع أنه قال: إن أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه
وإذا كانت له حاجة إلى سلطان رشى البواب وأعطاه ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع إلى
الله عز وجل فتصدق بصدقة قلت أم كثرت ثم تطهر ودخل المسجد فصلى ركعتين فحمد
الله وأثنى عليه فصلى على النبي ص ثم قال: اللهم إن عافيتني من مرضي
أو رددتني من سفري أو كفيتني ما أخاف من " كذا وكذا " أو فعلت بي " كذا وكذا " ذلك على
" كذا وكذا "، لآتاه الله ذلك.
صلاة أخرى:
وقال أبو عبد الله ع: إذا كانت لك إلى الله تعالى حاجة مهمة فصم ثلاثة
أيام متوالية، أربعاء وخميسا وجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل والبس ثوبا جديدا ثم
اصعد إلى أعلى بيت في دارك وصل ركعتين، فإذا فرغت منها فارفع يديك إلى السماء وقل:
اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمديتك وأنه ليس قادر على حاجتي
غيرك وقد علمت يا رب أنه كلما تظاهرت نعمتك على اشتدت فاقتي إليك وقد طرقني هم
كذا وكذا وأنت بكشفه عالم غير معلم واسع غير متكلف فأسألك باسمك الذي وضعته
على السماء فانشقت ووضعته على الجبال فنسفت وعلى النجوم فانتشرت وعلى الأرض
فسطحت وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد وآل محمد وعند فلان وفلان - وتسمى
الأئمة واحدا واحدا - أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حاجتي وتيسر على عسرها
وتكفيني مهمها فإن فعلت فلك الحمد وإن لم تفعل فلك الحمد غير جائر في حكمك ولا متهم
165

في قضائك ولا حائف في عدلك.
وتلصق خدك الأيمن بالأرض وتقول:
اللهم إن يونس بن متى عبدك ونبيك دعاك في بطن الحوت فاستجبت له وأنا عبدك
أدعوك فاستجب لي كما استجبت له.
قال أبو عبد الله ع: لربما كانت لي الحاجة فادعوا بهذا الدعاء فأرجع وقد
قضيت.
صلاة أخرى:
وروي أن علي بن الحسين ع كان إذا كربه أمر لبس ثوبين من أغلظ ثيابه
وأخشنها ثم ركع في آخر الليل ركعتين، فإذا صار في آخر سجدة منها سبح الله مائة مرة
وحمده مائة مرة وهلله مائة مرة وكبره مائة مرة ثم اعترف بذنوبه كلها ثم دعا الله عز وجل
وكان يفضى بركبتيه في السجود إلى الأرض.
صلاة أخرى:
وروي أن رجلا شكى إلى أبي عبد الله ع سلعة كانت له فقال له: ائت
أهلك فصم ثلاثة أيام ثم اغتسل في اليوم الثالث عند زوال الشمس وابرز لربك وليكن
معك خرقة نظيفة فصل أربع ركعات تقرأ فيها ما تيسر من القرآن واخضع بجهرك فإذا
فرغت من صلاتك فألق ثيابك واتزر بالخرقة وألصق خدك الأيمن بالأرض ثم قل:
يا واحد يا ماجد يا كريم يا حنان يا قريب يا مجيب يا أرحم الراحمين صل على محمد وآل
محمد واكشف ما بي من ضر ومعرة وألبسني العافية في الدنيا والآخرة وامنن على بتمام النعمة
وأذهب ما بي فإنه قد آذاني وغمني.
ثم قال أبو عبد الله ع: إنه لا ينفعك حتى تتيقن أنه ينفعك فتبرأ منه إن شاء
الله تعالى.
166

صلاة أخرى:
وروى يونس بن عمار قال: شكوت إلى أبي عبد الله ع رجلا كان يؤذيني
فقال: ادع عليه، فقلت: قد دعوت عليه، قال: ليس هكذا ولكن أقلع عن الذنوب
وصم وصل وتصدق فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء ثم قم فصل ركعتين ثم قل وأنت
ساجد: اللهم إن فلان بن فلان قد آذاني، اللهم أسقم جسده واقطع أثره وأنقص أجله
وعجل له ذلك في عامه، قال ففعلت ذلك فما لبث أن هلك.
صلاة أخرى:
وروى محمد بن علي بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن العسكري ع
أسأله أن يعلمني دعاء أدعو به عند الكربة فقال: تصلي ركعتين وتقول في كل سجدة منهما:
اللهم أنت أنت انقطع الرجاء إلا منك يا أحد من لا أحد له لا أحد لي غيرك، تردد ذلك مرارا
ثم تقول: أسألك بحق محمد وعلى والأئمة - تسميهم واحدا واحدا - فإن لهم عندك شأنا
عظيما من الشأن أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تكفيني شر - فلان باسمه - وتكون لي
منه جارا وتكفيني مؤنته بلا مؤونة على، قال: وكان هذا دعاء جدي أبي عبد الله
ع.
صلاة أخرى:
وروى مقاتل قال قلت لأبي عبد الله ع: جعلت فداك علمني دعاء لقضاء
الحوائج قال فقال: إذا كانت لك إلى الله حاجة مهمة فاغتسل والبس أنظف ثيابك
وأمسس شيئا من الطيب ثم ابرز تحت السماء فصل ركعتين تفتتح الصلاة فتقرأ فاتحة
الكتاب وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ثم تركع فتقرؤها خمس عشرة مرة ثم ترفع رأسك
فتنصب قائما فتقرؤها خمس عشرة مرة ثم تسجد فتقرؤها خمس عشرة مرة ثم ترفع رأسك
من السجود وتجلس فتقرؤها خمس عشرة مرة ثم تسجد الثانية فتقرؤها خمس عشرة مرة ثم
ترفع رأسك من السجود فتجلس أيضا وتقرأها خمس عشرة مرة ثم تنهض إلى الثانية
167

فتصنع كما صنعت في الأولى فإذا سلمت قرأتها خمس عشرة مرة ثم تسجد وتقول في
سجودك:
اللهم إن كل معبود من لدن عرشك إلى قرار أرضك فهو باطل سواك وإنك الله الحق
المبين اللهم اقض لي حاجة - كذا وكذا - الساعة الساعة " وتلح في المسألة بما أردت ".
صلاة الشكر:
وهي ركعتان تصلي عند انقضاء الحاجة وتجدد النعمة، يقرأ فيهما سورة الحمد
وسورة الإخلاص وسورة الحمد وإنا أنزلناه أو ما تيسر من القرآن مع فاتحة الكتاب من
القرآن، ويقال في الركوع منهما والسجود: الحمد لله شكرا شكرا لله وحمدا، ويقال بعد
التسليم منهما: الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي.
باب صلاة يوم المبعث:
وهو يوم السابع والعشرين من رجب، بعث الله تعالى فيه نبيه محمدا صلى الله عليه
وآله فعظمه وشرفه وقسم فيه جزيل الثواب والأمن فيه من عظيم العقاب، فورد عن آل
الرسول ع أنه قال: من صلى فيه اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها فاتحة
الكتاب وسورة يس فإذا فرع منها جلس في مكانه ثم قرأ أم الكتاب أربع مرات وسورة
الإخلاص والمعوذتين كل واحدة منهن أربع مرات ثم قال: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله
وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، أربع مرات، ثم قال: الله ربي لا أشرك به شيئا، أربع
مرات، ثم دعا فلا يدعو بشئ إلا استجيب له إلا أن يدعو في جائحة قوم أو قطيعة رحم.
باب صلاة ليلة النصف من شعبان:
وهذه الليلة من الليالي المشرفات المعظمات اللواتي جعلن علامات لنزول الخيرات
والبركات، وروي أن أمير المؤمنين ع لم يكن ينام فيها محييا لعبادة الله عز وجل
بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، فورد عن آل الرسول ع فيها أمر بصلاة
168

أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة منها أم الكتاب ومائة مرة سورة الإخلاص، فإذا فرع منها دعا
فقال:
اللهم إني إليك فقير وبك عائذ ومنك خائف وبك مستجير رب لا تبدل اسمي رب
لا تغير جسمي رب لا تجهد بلائي أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك
وأعوذ برحمتك من عذابك وأعوذ بك من نقمتك جل ثناؤك أنت كما أثنيت على نفسك
وفوق ما يقول القائلون.
ثم يدعو الانسان بما أحب.
باب الصلاة على الموتى:
والصلاة عليهم تكبير ودعاء واستغفار ليس فيها قراءة ولا ركوع ولا سجود،
وأصلها خمس تكبيرات على أهل الإيمان، مأخوذ من فرض الصلوات الخمس في اليوم
والليلة بحساب كل فريضة تكبيرة، فإذا حضرت - يرحمك الله - ميتا للصلاة عليه فقف
إن كان رجلا عند وسطه، وإن كانت امرأة عند صدرها.
ثم ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها
واحدا أحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا لا إله إلا الله الواحد القهار ربنا
ورب آبائنا الأولين.
ثم كبر ثانية ولا ترفع يديك معها وقل: اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد
وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم كبر ثالثة على وصف الثانية لا ترفع يديك معها وقل: اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وأدخل على موتاهم رأفتك ورحمتك
وعلى أحيائهم بركات سمواتك وأرضك إنك على كل شئ قدير.
ثم كبر رابعة من غير أن ترفع يديك معها وقل: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل
بك وأنت خير منزول به اللهم لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم إن كان محسنا
فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له اللهم اجعله عندك في عليين واخلف
169

على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم كبر الخامسة على الوصف وقل: اللهم عفوك عفوك. ولا تبرح من مكانك حتى ترفع
الجنازة وتراها على أيدي الرجال.
وإن كانت امرأة فقل بعد التكبيرة الرابعة: اللهم أمتك بنت أمتك نزلت بك وأنت
خير منزول به، اللهم إن تك محسنة فزد في إحسانها وإن تك مسيئة فاغفر لها وارحمها
وتجاوز عنها يا رب العالمين.
وإن كان الميت طفلا قد عقل الصلاة فصل عليه وقل بعد التكبيرة الرابعة: اللهم
هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته طاهرا فاجعله لأبويه نورا وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده.
وإن كان مستضعفا فقل في الرابعة: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم.
وإن كان غريبا لا تعرف له قولا فقل بعد التكبيرة الرابعة: اللهم إن هذه النفس أنت
أحييتها وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت.
وإن كان ناصبا فصل عليه تقية وقل بعد التكبيرة الرابعة: اللهم عبدك وابن عبدك
لا نعلم منه إلا شرا فاخزه في عبادك وبلادك وأصله أشد نارك اللهم إنه كان يوالي أعداءك
ويعادي أولياءك وينتقص أهل بيت نبيك فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن يمينه نارا
وعن شماله نارا وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب.
باب الزيادات في ذلك:
روي عن الصادقين ع أنهم قالوا: كان رسول الله ص
يصلى على المؤمنين ويكبر خمسا ويصلى على أهل النفاق سوى من ورد النهي عن
الصلاة عليهم فيكبر أربعا فرقا بينهم وبين أهل الإيمان، وكانت الصحابة إذا رأته قد صلى
على ميت فكبر أربعا قطعوا عليه بالنفاق.
ومما يعضد هذه الرواية عنهم ع ويزيدها ويزيد برهان صحتها برهانا
ما أجمع عليه أهل النقل أن أمير المؤمنين ع صلى على سهل بن حنيف رحمه الله
170

فكبر خمسا ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: إنه من أهل بدر، إيضاحا عن وجوب الخمس
تكبيرات على أهل الإيمان ونفيا للشبهة عنهم في العدول عن القطع على الأربع، فوصفه
بمقتضى التعظيم الواجب بالظاهر لكونه من أهل بدر وقديم إيمانه وجهاده، فكان فحوى
كلامه يدل على كون الأربع التكبيرات على معهودهم في الصلاة على الأموات تختص أهل
الضعف والشكوك والنفاق لما ضمن من اختصاص الخمس لأهل الدرج العوالي في الإيمان -
عند القصد لنفي الشبهة في عدوله عن سنة من تقدمه - بعد النبي ص في عدد
التكبيرات على ما بيناه.
ولا صلاة عند آل الرسول ع على من لا يعقل الصلاة من الأطفال، وحده
أن ينقص زمانه عن ست سنين، غير أنهم أباحوا الصلاة عليهم تقية من الجهال لنفي
الشبهة عنهم في اعتقادهم عند تركها أنهم لا يرون الصلاة على الأموات.
ومن أدرك تكبيرة على الميت أو اثنتين وما زاد على ذلك دون الخمس تمم الخمس وهو في
مكانه وإن رفعت الجنازة على أيدي الرجال، ولا بأس بالصلاة على القبر بعد الدفن لمن لم
يدرك الصلاة قبل الدفن يوما وليلة، فإن زاد على يوم وليلة بعد الدفن لم تجز الصلاة
عليه.
ويصلى على الميت في كل وقت من اليوم والليلة لا حرج في ذلك لما روي عن
الصادقين ع أنهم قالوا: خمس صلوات تصلي على كل حال، الصلاة على
الميت وصلاة الكسوف وصلاة الإحرام وصلاة الطواف وصلاة الناسي في كل وقت ذكرها.
ولا بأس بالصلاة على الميت بغير وضوء، والوضوء أفضل. ولا بأس للجنب أن
يصلى عليه قبل الغسل بتيمم مع القدرة على الماء، والغسل له أفضل، وكذلك الحائض
تصلي عليه بارزة عن الصف بالتيمم، وإنما جاز ذلك لانفصال هذه الصلاة من جملة
ما يجب فيه الطهارة من الصلوات لعدم القراءة فيها والركوع والسجود كما قدمناه
وكونها دعاء محضا واستغفارا.
وأولى الناس بالصلاة على الميت من أهل بيته أولاهم به من الرجال، وله التقدم في
الصلاة عليه بنفسه وله تقديم غيره، فإن حضر الصلاة عليه رجل من فضلاء بني هاشم
171

كان أولى بالتقديم عليه بتقديم وليه له ويجب على الولي تقديمه، فإن لم يقدمه الولي لم يجز له
التقدم على الإكراه له.
172

جمل العلم والعمل
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
173

كتاب الصلاة
فصل: في مقدمات الصلاة من لباس وغيره:
ويجب على المصلي ستر عورته وهما قبله ودبره، وعلى المرأة أن تغطى رأسها في
الصلاة وليس عليها ذلك إذا كانت أمة.
وتجوز الصلاة في وبر وشعر وصوف ما أكل لحمه من الحيوان أو جلده إذا ذكاه الذبح،
ولا تجوز فيما لا يؤكل لحمه، ولا في جلود الميتة ولو دبغت، وتجوز الصلاة في الخز الخالص،
ولا تجوز في الإبريسم المحض للرجال دون النساء.
ولا تجوز الصلاة في ثوب فيه نجاسة، إلا الدم خاصة فإنه يعتبر به قدر الدرهم، فما
بلغه لا تجوز فيه الصلاة، وما نقص منه جازت فيه، ودم الحيض قليله ككثيره في وجوب
تجنبه، ولا تجوز الصلاة في ثوب مغصوب ولا المكان المغصوب.
والسجود يجب أن يكون على الأرض الطاهرة وعلى كل ما أنبتته إلا ما أكل ولبس، ولا
بأس بالسجود على القرطاس الخالي من الكتابة فإنها ربما شغلت المصلي.
وعلى المصلي أن يتوجه إلى الكعبة إذا كان بمكة وذلك بالحضور والقرب وإن كان
بعيدا تحري جهتها وصلى على ما يغلب ظنه أنه جهة الكعبة، ومن أشكلت عليه جهة
175

القبلة لغيم أو غيره من الأسباب وفقد سائر الأمارات كان عليه أن يصلى إلى أربع جهات:
يمينه وأمامه وشماله وورائه، تلك الصلاة بعينها وينوي بكل صلاة في جهة أداء تلك
الفريضة وأن لم يتمكن من الصلاة إلى الجهات الأربع لمانع صلى مع تساوى الجهات في ظنه
إلى أي جهة شاء.
ومن تحرى القبلة وأخطأها وظهر له ذلك بعد صلاته أعاد في الوقت، فإن خرج عن
الوقت فلا إعادة عليه. وقد روي: أنه إن كان استدبر القبلة أعاد على كل حال.
فصل: في حكم الأذان والإقامة:
الأذان والإقامة يجبان على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر،
ويجبان عليهم فرادى سفرا وحضرا في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة.
والإقامة من السنن المؤكدة وإن كانت بحيث ذكرنا وجوبها أوكد من سائر المواضع.
وكيفية الأذان: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي
على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل،
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله " هذه ثمانية عشر فصلا.
والإقامة سبعة عشر فصلا لأن فيها نقصان ثلاثة فصول عن الأذان وزيادة فصلين،
فالنقصان تكبيرتان من الأربع الأول، وإسقاط واحدة من لفظ " لا إله إلا الله " في آخره،
والزيادة أن يقول بعد " حي على خير العمل ": " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ".
والأذان يجوز بغير وضوء، ولا استقبال القبلة ولا يجوز ذلك في الإقامة، والكلام في خلال
ذلك جائز، ولا يجوز أذان الصلاة قبل دخول وقتها، وقد روي جواز ذلك في الفجر خاصة.
ويستحب للمصلي مفردا أن يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو خطوة.
176

باب: في أعداد الصلوات المفروضات:
المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات: صلاة الظهر، وهي للمقيم ومن لم يتكامل له
شرائط التقصير من المسافرين أربع ركعات، بتشهدين الأول بغير تسليم والثاني بتسليم،
والعصر بهذا العدد والصفة، والمغرب ثلاث ركعات بتشهد بعد الأولتين بغير تسليم
وتشهد بعد الثالثة مع التسليم، والعشاء الآخرة بصفة عدد الظهر والعصر، وصلاة
الفجر ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم. فهذه سبع عشرة ركعة تجب على كل مقيم من
الرجال والنساء.
والنوافل المسنونة للمقيمين في اليوم والليلة أربع وثلاثون ركعة: منها عند زوال
الشمس ثمان ركعات بتشهد في كل ركعتين وتسليم، وثمان ركعات عقيب الظهر وقبل
العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس تحسبان واحدة بعد العشاء
الآخرة، وثمان ركعات نوافل الليل، وثلاث ركعات الشفع والوتر، وركعتان نافلة الفجر.
فصل: في كيفية أفعال الصلاة:
نية الصلاة واجبة والتوجه إلى القبلة واجب وتكبيرة الإحرام واجبة، فإن اقتصر
عليها أجزأه، ومن كبر سبعا يسبح بينهن كان أكمل له، وإذا كبر أرسل يديه ولا يضع
واحدة على الأخرى.
ويفتتح الصلاة بالتوجه فيقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم يتعوذ ويفتتح القراءة ب‍ " بسم الله الرحمن الرحيم " يجهر بها في كل صلاة جهرا
كانت أو إخفاتا ويقرأ الحمد وسورة معها.
ويجتنب عزائم السجود وهن الم تنزيل وحم السجدة وسورة النجم واقرأ باسم ربك،
لأن فيهن سجودا واجبا، ولا يجوز أن يزاد في صلاة الفريضة. فإذا فرع من قراءته ركع مادا
177

لعنقه مستويا لظهره فاتحا لإبطيه، ويملأ كفيه من ركبتيه، ويسبح في الركوع فيقول: " سبحان
ربي العظيم وبحمده " إن شاء سبعا وإن شاء خمسا وإن شاء ثلاثا، فهو أكمل من الواحدة،
وهي تجزئ.
ثم يرفع رأسه ويقول: " سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين " ويستوي قائما
منتصبا.
ثم يكبر رافعا يديه ولا يجاوز بهما شحمتي أذنيه، ويهوي إلى السجود ويتلقى الأرض
بيديه معا قبل ركبتيه، ويكون سجوده على سبعة أعضاء: الجبهة، ومفصلي الكفين عند
الزندين، وعيني الركبتين، وطرفي إبهامي الرجلين. والإرغام بطرف الأنف مما يلي الحاجبين من
وكيد السنن، ويسبح في السجود فيقول: " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ما بين الواحدة إلى
السبع.
ثم يرفع رأسه عن السجود رافعا يديه بالتكبير، ويجلس متمكنا على الأرض فيقول بين
السجدتين: " اللهم اغفر لي وارحمني ".
ثم يسجد الثانية على ما وصفناه ويرفع رأسه مكبرا ويجلس متمكنا، ثم ينهض إلى.
الركعة الثانية وهو يقول: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد "، فإذا فرع من القراءة في الثانية
بسط كفيه حيال وجهه للقنوت، وقد روي أنه يكبر للقنوت، والقنوت مبني على حمد الله
والثناء عليه والصلاة على نبيه وآله صلى الله عليهم، ويجوز أن يسأل في حاجته.
وأفضل ما روي في القنوت: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم،
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن
ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ويقنت في كل صلاة من فرض ونفل، وهو في الفرائض وفيما جهر بالقراءة فيه منها أشد
تأكيدا، وموضعه بعد القراءة من الركعة الثانية وفي المفردة من الوتر.
والتشهدان جميعا الأول والثاني، يقول في الأول:
بسم الله وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة،
178

اللهم صل على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم
وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء الآخرة والثالثة من المغرب أنت
مخير فيهن بين قراءة الحمد وبين عشر تسبيحات، تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله، ثلاث مرات وتزيد في الثالثة " الله أكبر ".
وصفة التشهد الثاني تقول: التحيات لله الصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات.
وتتشهد وتصلي على النبي ص كما ذكرناه في التشهد الأول ثم تقول:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ثم يسلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة، وينحرف بوجهه قليلا إلى يمينه إن كان منفردا
أو إماما، أو كان مأموما يسلم تسليمتين على يمينه وعن شماله إلا أن تكون جهة شماله
خالية من مصل فيسلم عن يمينه خاصة. وأدنى ما يجزئ من التشهدين الشهادتان،
والصلاة على محمد النبي وآله.
فصل: فيما يجب اجتنابه في الصلاة وحكم ما يعرض فيها:
لا يجوز للمصلي اعتماد الكلام في الصلاة بما خرج عن قرآن أو تسبيح ولا يقهقه ولا
يبصق إلا أن يغلبه، وفي الجملة لا يفعل فعلا كثيرا يخرج عن أفعال الصلاة.
ويجوز أن يقتل الحية والعقرب إذا خاف ضررهما، فإن عرض غالبا له من قئ أو رعاف
أو ما أشبه ذلك مما لا ينقض الطهارة كان عليه أن يغسله ويعود وبنى على صلاته بعد أن
لا يكون استدبر القبلة أو أحدث ما يوجب قطع الصلاة، وإن تكلم في الصلاة ناسيا فلا
شئ عليه.
فصل: في أحكام السهو:
كل سهو عرض والظن غالب فيه فالعمل ما غلب عليه الظن، وإنما يحتاج إلى تفصيل
أحكام السهو عند اعتدال الظن وتساويه، فالسهو المعتدل فيه الظن على ضربين:
179

فمنه ما يوجب إعادة الصلاة كالسهو في الأولتين من كل فرض أو فريضة الفجر أو
المغرب أو الجمعة مع الإمام أو صلاة السفر، أو سهو في تكبيرة الافتتاح ثم لم
يذكره حتى يركع، والسهو عن الركوع ولا يذكره حتى يسجد، والسهو عن سجدتين في ركعة ثم يذكر
ذلك وقد ركع الثانية، أو ينقص ساهيا من الفرض ركعة أو أكثر، أو يزيد في عدد الركعات
ثم لا يذكر حتى ينصرف بوجهه عن القبلة، أو شك وهو في حال الصلاة ولم يدر كم صلى
ولا يحصل شيئا من العدد.
ويجب إعادة الصلاة على من ذكر أو أيقن أنه دخل فيها بغير وصف، أو صلى في ثوب
نجس وهو يقدر على طاهر، أو ثوب مغصوب، أو في مكان مغصوب، أو سها فصلى إلى
غير القبلة.
ومن السهو ما لا حكم له ووجوده كعدمه، وهو الذي يكثر ويتواتر فيلغى حكمه، أو يقع
في حال قد مضت وأنت في غيرها، كمن شك في تكبيرة الافتتاح وهو في حال القراءة أو هو
راكع، أو في الركوع وهو ساجد، ولا حكم للسهو في النوافل، ولا حكم للسهو في السهو.
ومن السهو ما يوجب تلافيه في الحال كمن سها عن قراءة الحمد حتى ابتدأ بالسورة
الأخرى فيجب عليه قطع السورة والابتداء بالفاتحة، وإن سها عن تكبيرة الافتتاح وذكرها
وهو في القراءة قبل أن يركع فعليه أن يكبرها ثم يقرأ، وإن سها عن الركوع وذكر وهو قائم أنه
لم يركع وكذلك إن نسي سجدة من السجدتين وذكرها في حال قيامه وجب عليه أن يرسل
نفسه ويسجدها ثم يعود إلى القيام، فإن لم يذكرها حتى ركع الثانية وجب أن يقضيها بعد
التسليم وعليه سجدتا السهو.
وإن سها عن التشهد الأول حتى قام وذكره قائما كان عليه أن يجلس ويتشهد، وكذلك
إن سلم ساهيا في الجلوس للتشهد الأخير قبل أن يتشهد أو قبل الصلاة على النبي وآله
وذكر ذلك وهو جالس من غير أن يتكلم فعليه أن يعيد التشهد أو ما فاته منه.
ومن السهو ما يوجب الاحتياط للصلاة، كمن سها فلم يدر أ ركع أم لم يركع وهو قائم
وتساوت ظنونه، فعليه أن يركع ليكون على يقين، فإن ركع ثم ذكر في حال الركوع أنه قد
كان ركع فعليه أن يرسل نفسه للسجود من غير أن يرفع رأسه ولا يقيم صلبه، فإن ذكر بأنه
180

فصل: في أحكام قضاء الصلاة:
كل صلاة فائتة وجب قضاؤها في حال الذكر لها من سائر الأوقات إلا أن يكون آخر
وقت فريضة حاضرة يخاف فيه من التشاغل بالفائتة فوت الحاضرة، فيجب حينئذ الابتداء
بالحاضرة والتعقيب بالماضية، والترتيب واجب في قضاء الصلاة.
وإذا دخل المصلي في صلاة العصر وذكر أن عليه صلاة الظهر نقل نيته إلى الظهر،
وكذلك إن صلى من المغرب ركعة أو ركعتين وذكر أن عليه صلاة العصر، أو صلى من
قد كان ركع بعد انتصابه كان عليه إعادة الصلاة لزيادته فيها فليسجد سجدة، وكذلك
الحكم في من سها فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة عند رفع رأسه وقبل قيامه.
ومن سها فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا واعتدلت ظنونه فليبن على الثلاث ثم يأتي بعد
التسليم بركعتين جالسا تقوم مقام واحدة، فإن تبين النقصان كان فيما فعله تمام صلاته،
وإن تبين على الكمال كانت الركعتان نافلة، فإن شاء بدلا من الركعتين من جلوس أن
يصلى ركعة واحدة من قيام يتشهد فيها ويسلم جاز له ذلك.
فإن سها بين اثنتين وأربع فليبن على أربع، فإذا سلم قام فصلى ركعتين، فإن سها بين
ركعتين وثلاث وأربع بنى على الأربع ثم سلم ثم قام فصلى ركعتين، فإذا سلم منها صلى
ركعتين من جلوس.
ومن السهو ما يجب فيه جبر الصلاة كمن سها عن سجدة من السجدتين ثم ذكرها
بعد الركوع في الثانية فعليه إذا سلم قضاء تلك السجدة ويسجد سجدتي السهو.
ومن نسي التشهد الأول ثم ذكر بعد الركوع في الثالثة قضى بعد التسليم ويسجد سجدتي
السهو، ومن تكلم في الصلاة ساهيا بما لا يجوز مثله فيها فعليه سجدتا السهو، ومن قعد في
حال قيام أو قام في حال قعود فعليه سجدتا السهو، ومن لم يدر صلى أربعا أو خمسا واعتدلت
الظنون منه فعليه أيضا سجدتا السهو، وهما سجدتان بعد التسليم بغير ركوع ولا قراءة،
يقول في كل واحدة منهما: بسم الله وبالله، اللهم صل على محمد وآل محمد، ويتشهد تشهدا
خفيفا ويسلم.
181

العشاء الآخرة ركعة أو ركعتين وذكر أن عليه صلاة المغرب، وقضاء النوافل مستحب.
وإذا أسلم الكافر وطهرت الحائض وبلغ الصبي قبل غروب الشمس في وقت يتسع
للظهر والعصر وجب على كل واحد ممن ذكرناه أداء الصلاتين أو قضاؤهما إن أخرهما،
وكذلك الحكم فيما إذا تغيرت أحوالهم في آخر الليل في قضاء صلوات المغرب والعشاء
الآخرة.
وإذا حاضت المرأة الطاهرة في أول وقت صلاة بعد أن كان تصح لها الصلاة أو
أكثرها في الوقت لزمها قضاء تلك الصلاة.
والمغمى عليه لمرض أو غيره مما لا يكون هو السبب في دخوله عليه بمعصية لا يجب عليه
قضاء ما فاته من الصلاة إذا أفاق بل يجب أن يصلى الصلاة التي أفاق في وقتها،
وقد روي أنه إن أفاق أول النهار قضى صلاة اليوم كله، وإذا أفاق آخر الليل قضى صلاة
تلك الليلة.
والمرتد إذا تاب وجب عليه قضاء جميع ما تركه في ردته من الصلاة.
والعليل إذا وجبت عليه صلاة وأخرها حتى مات قضاها عنه وليه، كما يقضي عنه حجة
الاسلام والصيام ببدنه.
وإذا جعل مكان القضاء أن يتصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه، فإن لم يقدر فعن كل
أربع بمد، فإن لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل.
ومن نسي صلاة فريضة من الخمس ولم يقف عليها بعينها فليصل ركعتين وثلاثا وأربعا،
ومن لم يحص ما فاته كثرة من الصلاة فليصل اثنتين وثلاثا وأربعا، ويدمن ذلك حتى
يغلب على ظنه أنه قد قضى الفائت.
فصل: في أحكام صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة أفضل من صلاة الانفراد ولا تجوز الصلاة خلف الفساق، ولا يؤم
بالناس الأغلف وولد الزنى والأجذم والأبرص والمحدود، ولا صاحب الفلج للأصحاء، ولا
الجالس للقيام، ولا المتيمم للمتوضئين.
ويكره للمسافر أن يؤم المقيم وللمقيم أن يؤم المسافر في الصلوات التي يختلف فيها
182

فرضاهما، فإن دخل المسافر في صلاة المقيم سلم في الركعتين وانصرف وجعل الركعتين
الأخيرتين تطوعا، فإن دخل مقيم في صلاة المسافر وجب عليه أن لا ينفتل من صلاته بعد
سلامه إلا بعد أن يتم المقيم صلاته، ولا يؤم المرأة الرجل، ويجوز للرجل أن يؤمها.
والسلطان المحق أحق بالإمامة في كل موضع إذا حضر، وصاحب المنزل في منزله،
وصاحب المسجد في مسجده، فإن لم يحضر أحد ممن ذكرناه أم بالقوم أقرأهم، فإن تساووا
فأعلمهم بالسنة، فإن تساووا فأسنهم، وقد روي أنه إذا تساووا فأصبحهم وجها.
وقد يجوز إمامة أهل الطبقة المتأخرة عن غيرها بإذن المتقدمة إلا أن يكون الإمام الأكبر
الذي هو رئيس الكل، فإن التقدم عليه لا يجوز بحال من الأحوال، ولا يجوز أن يكون مقام
الإمام أعلى من مقام المأموم إلا بما لا يعتد بمثله، ويجوز كون مقام المأموم أعلى بعد أن لا ينتهي
إلى الحد الذي لا يتمكن معه من الاقتداء به.
ومقام الإمام قدام المأمومين إذا كانوا رجالا أكثر من واحد، فإن كان المأموم رجلا واحدا
أو امرأة أو جماعة من النساء صلى الرجل عن يمين الإمام والمرأة أو النساء الجماعة خلفهما.
ويجهر الإمام ب‍ " بسم الله الرحمن الرحيم " في السورتين معا فيما يجهر فيه بالقراءة وفيما
يخافت، ولا يقرأ المأموم خلف الإمام الموثوق به في الركعتين الأولتين في جميع الصلوات من
ذوات الجهر والإخفات إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه،
وهذا أشهر الروايات. وروي أنه لا يقرأ فيما يجهر فيه ويلزمه القراءة فيما خافت فيه الإمام،
وروي أنه بالخيار فيما خافت فيه. فأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح فيهما،
وروي أنه ليس عليه ذلك.
ومن أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الركعة، ومن أدركه ساجدا جاز أن يكبر ويسجد معه
غير أنه لا يعتد بتلك الركعة، ومتى لحق الإمام وهو في بقية من التشهد فدخل في صلاته
وجلس معه لحق فضيلة الجماعة.
ومن سبقه الإمام بشئ من ركعات الصلاة جعل المأموم ما أدركه معه أول صلاته وما
يقضيه آخرها، كما إذا أدرك من صلاة الظهر والعصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاته
ركعتان فإنه يجب أن يقرأ فيما أدركه الفاتحة في نفسه، فإذا سلم الإمام قام فصلى الأخيرتين
183

مسبحا فيهما وكذلك القول في جميع ما يفوت، وليس على المأموم إذا سها خلف الإمام سجدتا
السهو.
فصل: في صلاة الجمعة وأحكامها:
صلاة الجمعة فرض لازم مع حضور الإمام العادل، واجتماع خمسة فصاعدا الإمام
أحدهم، وزوال الأعذار التي هي الصغر والكبر والسفر والعبودية والجنون والتأنيث
والمرض والعمى، وأن تكون المسافة بينهما وبين المصلى أكثر من فرسخين، والممنوع لا شك
في عذره.
والخطبتان لا بد منهما لأن الرواية وردت بأن الخطبتين تقوم مقام الركعتين الموضوعتين.
ومن سنن الجمعة المؤكدة: الغسل وابتداؤه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس
وأفضله ما قرب من الزوال، ومن سننها لبس أنظف الثياب ومس شئ من الطيب وأخذ
الشارب وتقليم الأظفار.
ووقت الظهر يوم الجمعة خاصة وقت زوال الشمس، ووقت العصر من يوم الجمعة
وقت الظهر من سائر الأيام، وعلى الإمام أن يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي
الثانية المنافقين يجهر بهما، وعلى الإمام أن يقنت في صلاة الجمعة، واختلفت الرواية في قنوت
الإمام في صلاة الجمعة فروي: أنه يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه، وروي:
أن على الإمام إذا صلاها جمعة مقصورة قنت قنوتين في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد
الركوع.
وفي المسافر إذا أم المسافرين في صلاة الجمعة لم يحتج إلى الخطبتين وصلاهما ركعتين.
فصل: في ذكر نوافل شهر رمضان:
من وكيد السنن أن تزيد في شهر رمضان على نوافلك ألف ركعة في طول الشهر،
وترتيبها أن تصلي في كل ليلة عشرين ركعة منها ثمان ركعات بعد صلاة المغرب واثنا
عشر ركعة بعد العشاء الآخرة إلى ليلة تسع عشرة، فإذا حضرت اغتسلت وصليت بعد
184

صلاة العشاء الآخرة مائة ركعة وتعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الأول.
فإذا حضرت ليلة إحدى وعشرين اغتسلت وصليت بعد العشاء الآخرة مائة ركعة، وفي
ليلة اثنين وعشرين تصلي بعد المغرب ثمان ركعات وبعد العشاء الآخرة اثنتين وعشرين
ركعة ليكون الجميع ثلاثين ركعة، وفي ليلة ثلاث وعشرين تغتسل وتصلي مائة ركعة، ثم
تصلي كل ليلة إلى آخر الشهر ثلاثين ركعة، فيكون الجميع تسعمائة وعشرين ركعة إلى تمام
الألف ثمانون تصلي في كل جمعة من الشهر عشر ركعات.
منها أربع صلاة أمير المؤمنين ع، وصفتها أن تفصل بين كل ركعتين بتسليم
وتقرأ في كل ركعة الحمد مرة واحدة وسورة الإخلاص خمسين مرة. وتصلي صلاة سيدة
النساء فاطمة ع وهي ركعتان تقرأ في الأولى الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر
مائة مرة وفي الثانية الحمد مرة وسورة الإخلاص مائة مرة.
ثم تصلي أربعا صلاة التسبيح وهي صلاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وصفتها
أن تقرأ في الأولى الحمد مرة وسورة الزلزلة وفي الثانية الحمد مرة والعاديات وفي الثالثة
الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وسورة الإخلاص.
وفي كل ركعة من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير خمس وسبعون مرة، وترتيبها أن
تقول في كل ركعة عقيب القراءة قبل الركوع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر خمس عشرة مرة، ثم تقول ذلك في الركوع عشرا، وبعد الانتصاب منه عشرا، وفي
السجدة الأولى عشرا، وفي الجلسة بين السجدتين عشرا، وفي السجدة الثانية عشرا، وإذا
رفعت رأسك وجلست قبل القيام عشرا، وتفعل هكذا في كل ركعة.
ثم تصلي في ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين
ع، وقد تقدم ذكرها، وفي آخر ليلة سبت من الشهر عشرين ركعة من صلاة فاطمة
ع، فتكمل الألف.
فصل: في صلاة العيدين
صلاة العيدين فرض على كل من تكاملت له شرائط الجمعة التي ذكرناها، وهما سنة
185

للمنفرد عند اختلال تلك الشروط.
وعدة كل صلاة عيد ركعتان يفتتحهما بتكبيرة، ثم يقرأ في الأولى الفاتحة والشمس
وضحاها، ثم يكبر بعد ذلك رافعا يديه بخمس تكبيرات يقنت بين كل تكبيرتين ويركع في
الأخيرة فيكون له في الأولى مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع سبع تكبيرات والقنوت
خمس مرات، فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ الحمد وهل أتاك حديث الغاشية، فإذا فرع
من القراءة كبر أربعا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالأخيرة فيكون له مع تكبيرات
الركوع خمس تكبيرات والقنوت أربع مرات.
وليس في صلاة العيدين أذان ولا إقامة، ويجهر الإمام فيها بالقراءة كصلاة الجمعة،
والخطبتان فيها واجبة كالجمعة إلا أنها في الجمعة قبل الصلاة وفي العيدين بعدها، ووقتها
من طلوع الشمس إلى زوالها.
والتكبير في ليلة الفطر ابتداؤه عقيب صلاة المغرب إلى أن يرجع الإمام من صلاة العيد
مكانه في آخر أربع صلوات أولاهن المغرب من ليلة الفطر، وأخراهن صلاة العيد.
وفي الأضحى يجب التكبير على من شهد منى عقيب خمس عشرة صلاة أولاهن صلاة
الظهر من يوم العيد، ومن لم يحضر منى يكبر عقيب عشر صلوات أولاهن صلاة الظهر من
يوم العيد أيضا.
فصل: في صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس والقمر واجبة على الذكر والأنثى والحر والعبد والمقيم والمسافر،
وعلى كل من لم يكن له عذر يقطعه عنها، ويصلى في جماعة وعلى انفراد.
ووقتها ابتداء ظهور الكسوف، إلا أن يخشى فوت فريضة حاضرة فيبدأ بتلك الصلاة
ثم يعود إلى صلاة الكسوف، وهي عشر ركوعات وأربع سجدات، يفتتح الصلاة بالتكبير،
ثم يقرأ الفاتحة وسورة، ويستحب أن يكون من طوال السور، ويجهر بالقراءة فإذا فرغت
من القراءة ركعت فأطلت الركوع بمقدار قراءتك إن استطعت، ثم ترفع رأسك من الركوع
وتكبر وتقرأ الفاتحة وسورة ثم تركع حتى تستتم خمس ركوعات، ولا تقول " سمع الله لمن
186

حمده " إلا في الركوعين اللذين يليهما السجود وهما الخامس والعاشر، فإذا انتصبت من
الركوع الخامس وكبرت وسجدت سجدتين تطيل أيضا فيهما بالتسبيح، ثم تنهض فتفعل
مثل ما تقدم ذكره، ثم تتشهد وتسلم.
وينبغي أن يكون لك بين كل ركوعين قنوت، ويجب أن يكون فراغك من الصلاة
مقدرا بانجلاء الكسوف، فإن فرغت قبل الانجلاء أعدت الصلاة، وتجب هذه الصلاة
أيضا عند ظهور الآيات كالزلازل والرياح العواصف.
ومن فاتته صلاة كسوف وجب عليه قضاؤها إن كان القرص انكسف كله فإن كان
بعضه لم يجب عليه القضاء، وقد روي وجوب القضاء على كل حال وإن من تعمد ترك هذه
الصلاة مع عموم الكسوف للقرص وجب عليه مع القضاء الغسل.
فصل: في صلاة السفر:
فرض السفر في كل صلاة من الصلوات الخمس ركعتان إلا المغرب فإنها ثلاث
ركعات، ونوافل السفر سبع عشرة ركعة: أربع بعد المغرب، وصلاة الليل ثمان ركعات،
وثلاث الشفع والوتر، وركعتان للفجر، وفرض السفر التقصير، فالإتمام في السفر
كالتقصير في الحضر، ومن تعمد الإتمام في السفر وجب عليه الإعادة، وحد السفر الذي يجب
فيه التقصير بريدان والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال، فمن كان قصده إلى
مسافة هذا قدرها لزمه التقصير، وإن كان قدر المسافة أربعة فراسخ للمار إليها وأراد
الرجوع من يومه لزمه أيضا التقصير.
وابتداء وجوبه من حيث يغيب عنه أذان مصره وتتوارى عنه أبيات مدينته، وكل من
سفره أكثر من حضره لا تقصير عليه، ولا تقصير إلا في سفر طاعة أو مباح، ولا تقصير
في مكة ومسجد النبي ص ومسجد الكوفة ومشاهد الأئمة القائمين مقامه ع.
ومن دخل بلدا فنوى أن يقيم عشرة أيام فصاعدا وجب عليه الإتمام، فإن تشكك فلا
يدري كم يقيم وتردد عزمه فليقصر ما بينه وبين شهر واحد، فإذا مضى أتم.
187

ولا يجوز أن يصلى الفريضة راكبا إلا من ضرورة شديدة وعليه تحري القبلة، ويجوز أن
يصلى النوافل راكبا وهو مختار ويصلى حيث توجهت به راحلته، وإن افتتح الصلاة
مستقبلا للقبلة كان أولى.
ومن اضطر للصلاة في سفينة فأمكنه أن يصلى قائما لم يجزه غير ذلك، فإن خاف
الغرق وانقلاب السفينة جاز أن يصلى جالسا، ويتحرى بجهده استقبال القبلة.
فصل: في أحكام صلاة الضرورة كالخوف والمرض والعرى:
والخوف إذا انفرد عن السفر لزم فيه من التقصير مثل ما يلزم في السفر المنفرد عن
الخوف.
وصفة الخوف أن يفرق الإمام أصحابه فرقتين: فرقة يجعلها بإزاء العدو وفرقة خلفه
ثم يصلى من وراؤه ركعة واحدة، فإذا نهضوا إلى الثانية صلوا لأنفسهم ركعة أخرى وهو
قائم مطول للقراءة، ثم جلسوا فتشهدوا وسلموا وانصرفوا مقام أصحابهم.
وجاءت الفرقة الأخرى فلحقت الإمام قائما في الثانية، فاستفتحوا الصلاة
وأنصتوا للقراءة، فإذا ركع ركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده، فإذا جلس للتشهد قاموا
فصلوا ركعة أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فسلم بهم وانصرفوا بتسليمه.
فإن كانت الصلاة صلاة المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة، فإذا قام إلى الثانية
أتم القوم الصلاة بركعتين وانصرفوا إلى مقام أصحابهم والإمام منتصب مكانه، وتأتي
الطائفة الأخرى فتدخل في صلاته ويصلى بهم ركعة ثم يجلس في الثانية فيجلسون
بجلوسه، ويقوم إلى الثالثة وهي لهم ثانية فيسبح فيقرأون هم لأنفسهم، فإذا أتم وجلس
للتشهد قاموا فأتموا ما بقي عليهم، فإذا جلسوا سلم بهم.
فإن كانت الحال حال اطراد وتزاحف وتوقف ولم يمكن الصلاة على الوجه الذي
وصفناه وجب الصلاة بالإيماء ينحني للركوع ويزداد في انحناء السجود، وقد روي أن
الصلاة عند اشتباك الملحمة والتقارب والتعانق تكون بالتكبير والتهليل والتسبيح
والتحميد.
فأما المريض ففرضه على قدر طاقته، فإن أطاق القيام لم يجزه غيره، وإن لم يطق صلى
188

قاعدا، فإن لم يطق صلى على جنب، فإن لم يطق فمستلقيا يومئ بالركوع والسجود إيماءا،
فإن لم يطق جعل مكان الركوع تغميض عينيه ومكان انتصابه فتح عينيه، وكذلك
السجود.
والعريان الذي لم يتمكن من ستر عورته يجب أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها طمعا في
وجود ما يستتر به، فإن لم يجده صلى جالسا واضعا يده على فرجه، ويومئ للركوع
والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
وإن صلى عراة جماعة قام الإمام في وسطهم وصلوا جلوسا على الصفة التي ذكرناها.
189

كتاب الجنائز
فصل: في الصلاة على الميت:
هذه الصلاة فرض على الكفاية، وليس فيها قراءة وإنما هي تكبير واستغفار ودعاء.
وعدد التكبيرات خمس يرفع اليد في الأولى ولا يرفع في الباقيات، وموضع الدعاء للميت
بعد التكبير الرابعة، فإذا كبر الخامسة خرج من الصلاة بغير تسليم، وهو يقول: اللهم
عفوك عفوك.
ويستحب أن يقوم مقامه حتى ترفع الجنازة، ولا تجب هذه الصلاة إلا على من عقل
ودخل في حد التكليف دون الأطفال على وجه التقية، وحد ذلك من بلغ ست سنين
فصاعدا، وتجوز الصلاة على الميت بغير وضوء والوضوء أفضل، ويجوز للجنب الصلاة
عليه عند خوف الفوت بالتيمم من غير اغتسال، ويصلى على الميت في كل وقت من الليل
والنهار، وأولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم به من أهل بيته، ويجوز له الاستنابة في
ذلك.
190

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
191

مسائل الصلاة
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الصلاة لا تجزئ في الثوب إذا كان من إبريسم
محض، لأن باقي الفقهاء يخالف في ذلك.
والحجة لنا على ما ذهبنا إليه مضافا إلى إجماع الإمامية عليه أنه لا خلاف في تحريم لبس
الإبريسم المحض على الرجال، وظاهر التحريم يقتضي فساد الأحكام المتعلقة بالمحرم
جملة، ومن أحكام هذا اللبس المحرم صحة الصلاة فيجب أن تكون الصلاة به فاسدة
لأن كل حكم لمنهي عنه يجب أن يكون فاسدا على ظاهر النهي إلا أن تمنع من ذلك دلالة.
ونحن وإن كنا نذهب إلى أن النهي من طريق الوضع اللغوي لا يقتضي ذلك فإن
العرف الشرعي يقتضيه لأنه لا شبهة في أن الصحابة ومن تبعهم ما كانوا يحتاجون في الحكم
بفساد الشئ وبطلان تعلق الأحكام الشرعية به إلى أكثر من ورود نهي الله تعالى أو رسوله
ص، ولهذا لما عرفوا نهيه ع عن عقد الربا حكموا بفساد
العقد وبأنه غير مجز، ولم يتوقف أحد منهم في ذلك على دليل سوى النهي، ولا قال أحد قط
منهم النهي إنما اقتضى قبح الفعل، ويحتاج إلى دلالة أخرى على الفساد وعدم الاجزاء، وهذا
عرف لا يمكن جحده.
193

وأيضا فإن الصلاة في ذمة هذا المكلف بيقين، وينبغي أن يسقطها بيقين مثله، وإذا
صلى في الإبريسم المحض لا نعلم قطعا أن ذمته قد برئت كما نعلم ذلك في الثوب القطن
والكتان فيجب أن تكون الصلاة فيه غير مجزئة لعدم دليل الثقة ببراءة الذمة.
مسألة:
ومما تفردت به الإمامية بأن الصلاة لا تجوز في وبر الأرانب والثعالب ولا في جلودها
وإن ذبحت ودبغت الجلود والوجه في ذلك الاجماع المتردد ذكره.
وما تقدم أيضا من أن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين، ولا يقين في سقوط
صلاة من صلى في وبر أرنب أو ثعلب أو جلدهما.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به جواز صلاة من صلى وفي قلنسوته نجاسة أو تكته أو ما جرى
مجراهما مما لا تتم الصلاة به على الانفراد، والوجه في ذلك الاتفاق المتقدم ذكره، ويمكن أن
يقال أيضا أن التكة لا حظ لها في إجزاء الصلاة ولا تصح الصلاة بها على انفراد فجرى
وجودها مجرى عدمها، وكأنها من حيث لا تأثير لها في إجزاء الصلاة تجري مجرى ما ليس
عليه من الثياب، فإذا ألزمنا ذلك في العمامة والرداء، وما جرى مجراهما مما لا حظ له في إجزاء
الصلاة أسقطنا ذلك بأن العمامة والرداء يمكن أن يكون لهما حظ في ستر العورة واستباحة
الصلاة فهما وإن لم يسترا في بعض الأحوال فإنهما مما يتأتى فيه ستر العورة، وليس كذلك
التكة وما يجري مجراها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية المنع من السجود في الصلاة على غير ما أنبتت الأرض والمنع
من السجود على الثوب المنسوج من أي جنس كان، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك
ويجيزون السجود على كل طاهر من الأجناس كلها، ومالك خاصة يكره الصلاة على
194

الطنافس والبسط من الشعر والأدم إلا أنه ما أظنه ينتهي إلى أن الصلاة على ذلك غير
مجزئة، والوجه فيما ذهبنا إليه ما تردد من الاجماع، ثم دليل براءة الذمة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن يقول في الأذان والإقامة بعد قول " حي على الفلاح ": حي
على خير العمل، والوجه في ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه. وقد روت العامة أن ذلك
مما كان يقال في بعض أيام النبي ص وإنما ادعى أن ذلك نسخ ورفع، وعلى من
ادعى النسخ الدلالة، وما يجدها.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به كراهية التثويب في الأذان ومعنى ذلك أن يقال في صلاة
الصبح بعد قول: حي على الصلاة حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم. وقد وافق
في كراهية ذلك غير الإمامية من أصحاب أبي حنيفة، وقالوا: التثويب هو أن يقول بعد الفراع
من الأذان: حي على الصلاة حي على الفلاح، مرتين.
واستدلوا على ذلك بأن قالوا: التثويب مأخوذ من العود إلى الشئ، وإنما يعاد إلى شئ
قد تقدم ذكره، وما تقدم أن الصلاة خير من النوم فيكون ذلك عودا إليه.
وكان الشافعي يذهب إلى أن التثويب مسنون في أذان الصبح دون غيرها وحكي
عنه أنه قال في الجديد: هو غير مسنون. وقال النخعي: هو مسنون في أذان سائر الصلوات،
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته، والمنع منه الاجماع الذي تقدم.
وأيضا لو كان مشروعا لوجب أن يقوم دليل شرعي على ذلك ولا دليل عليه وإنما
يرجعون إلى أخبار آحاد ضعيفة، ولو كانت قوية لما أوجبت إلا الظن وقد دللنا في غير موضع
على أن أخبار الآحاد لا توجب العمل كما لا توجب العلم. وأيضا فلا خلاف في أن من ترك
التثويب لا ذم عليه، لأنه إما أن يكون مسنونا على مذهب بعض الفقهاء، أو غير مسنون على
مذهب قوم آخرين منهم، وعلى كلا الأمرين لا ذم على تاركه، وما لا ذم في تركه ويخشى في فعله
195

أن يكون معصية وبدعة فالأحوط في الشرع تركه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: باستحباب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات يفصل
بينهن بتسبيح وذكر لله جل ثناؤه مسطور وأنه من السنن المؤكدة وليس أحد من باقي
الفقهاء يعرف ذلك، والوجه فيه إجماع الطائفة عليه، وأيضا لا خلاف في أن الله جل ثناؤه
قد ندبنا في كل الأحوال إلى تكبيره وتسبيحه وأذكاره الجميلة، وظواهر آيات كثيرة من
القرآن تدل على ذلك مثل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه
بكرة وأصيلا، فوقت افتتاح الصلاة داخل في عموم الأحوال التي أمرنا فيها بالأذكار.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به ومالك يوافقها عليه القول: بأن الصلاة لا تنعقد إلا بقول
المصلي الله أكبر، وإن غير هذه اللفظة لا تقوم مقامها لأن الشافعي يذهب إلى أنها لا تنعقد
إلا بقوله الله أكبر أو الله الأكبر ولا تنعقد بسوى ذلك من الألفاظ.
وقال أبو حنيفة ومحمد تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم والتفخيم، ويجوز عندهما
الاقتصار على مجرد الاسم وهو أن يقول الله ولا يأتي بصفة وقال أبو يوسف: تنعقد بألفاظ
التكبير مثل قوله: الله أكبر والله الأكبر والله الكبير ولا تنعقد بغير لفظ تكبير.
وحكي عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بالنية فقط، دليلنا على ما ذهبنا إليه
الاجماع المتكرر. وأيضا فإن الصلاة في ذمته بيقين ولا تسقط إلا بيقين مثله ولا يقين في
سقوطها عن الذمة إلا باللفظ الذي اخترناه، ومن الطريف أن مخالفينا يروون عن النبي
ص بلا خلاف بينهم أنه قال: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير
وتحليلها التسليم.
ويروون عنه ص أنه قال: لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء
مواضعه، ثم يستقبل القبلة وهو يقول: الله أكبر، وذلك كله صريح في أنه لا يجزئ
196

إلا ما ذكرناه، وليس لأحد أن يقول من جملة التكبير قولنا: الله الأكبر، والله الكبير، وذلك أن
هذه اللفظة يجب صرفها إلى ما يسمى في عهد اللغة تكبيرا، ولا يعهد في ذلك إلا قولنا: الله
أكبر دون سائر ما اشتق منه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: المنع من وضع اليمين على الشمال في الصلاة، لأن غير
الإمامية يشاركها في كراهية ذلك. وحكى الطحاوي في اختلاف الفقهاء عن مالك أن وضع
اليدين إحديهما على الأخرى إنما يفعل في صلاة النوافل من طول القيام وتركه أحب إلى.
وحكى الطحاوي أيضا عن الليث بن سعد أنه قال: سبل اليدين في الصلاة أحب
إلى إلا أن يطيل القيام فيعيا فلا بأس بوضع اليمنى على اليسرى وحجتنا على صحة
ما ذهبنا إليه ما تقدم ذكره من إجماع الطائفة، ودليل سقوط الصلاة عن الذمة بيقين، وأيضا
فهو عمل كثير في الصلاة خارج عن الأعمال المكتوبة فيها من الركوع والسجود والقيام،
والظاهر أن كل عمل في الصلاة خارج عن أعمالها المفروضة أنه لا يجوز.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول بوجوب القراءة في الركعتين الأوليين على التضييق وأنه
مخير في الركعتين الأخريين بين القراءة والتسبيح لأن الشافعي وإن وافقها في إيجاب القراءة
في الأوليين فإنه يوجبها أيضا على التضييق في الأخريين ولا تخير بينهما وبين التسبيح. وقال
مالك تجب القراءة في معظم الصلاة، فإن كانت الصلاة ثلاث ركعات قرأ في اثنتين، وإن
كانت أربعا قرأ في ثلاث.
وقال أبو حنيفة: فرض القراءة في ركعتين من الصلاة، فإن قرأ في الأوليين وقعت عن
فرضه، وإن تركها فيهما لزمه أن يأتي بهما في الأخريين، وقال الحسن البصري: تجب القراءة
في ركعة واحدة.
دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم وطريقة براءة الذمة، ويجوز أن نعارض مخالفينا
197

ونلزمهم على أصولهم أن يرجعوا به عن مذاهبهم وإن لم يكن على سبيل الاستدلال منا
بالخبر الذي يرويه رفاعة بن مالك أن النبي ص لما علم رجلا كيف يصلى
قال له ص: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ فاتحة الكتاب ثم اركع
وارفع حتى تطمئن قائما وهكذا فاصنع في كل ركعة.
وليس لهم أن يقولوا: فأنتم لا توجبون قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعات الصلاة،
وظاهر الخبر يقتضي ذلك.
قلنا: هذا الخبر ليس بدليل لنا في هذه المسألة فيلزمنا أن يكون مطابقا للمذهب، وإنما
أوردناه على سبيل الإلزام والمعارضة، ثم لنا أن نقول: نحن نوجب الفاتحة في الركعات كلها
لكن في الأوليين تضييقا، وفي الأخريين تخييرا، ودخول التخيير في الأخريين لا يخرج الفاتحة
من أن تكون واجبة فيهما.
ومما يمكن الاستدلال به في هذه المسألة قوله جل ثناؤه: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن.
فظاهر هذا القول يقتضي عموم الأحوال كلها التي من جملتها أحوال الصلاة، ولو تركنا
وظاهر الآية لقلنا أن القراءة واجبة في الركعات كلها تضييقا، لكن لما دل الدليل على جواز
التسبيح في الأخريين قلنا بالتضييق في الأوليين والتخيير في الأخريين، والوجوب يعم الكل.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إيثار ترك لفظه آمين بعد قراءة الفاتحة، لأن باقي الفقهاء
يذهبون إلى أنها سنة.
دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة على أن هذه اللفظة بدعة وقاطعة للصلاة،
وطريقة الاحتياط أيضا لأنه لا خلاف في أنه من ترك هذه اللفظة لا يكون عاصيا، ولا مفسدا
لصلاته، وقد اختلفوا في من فعلها، فذهبت الإمامية إلى أنه قاطع لصلاته فالأحوط تركها،
وأيضا فلا خلاف في أن هذه اللفظة ليست من جملة القرآن ولا مستقلة بنفسها في كونها
دعاء وتسبيحا فجرى التلفظ بها مجرى كل كلام خارج عن القرآن والتسبيح.
فإذا قيل: هي تأمين على دعاء سابق لها وهو قوله جل ثناؤه: اهدنا الصراط المستقيم.
198

قلنا: الدعاء إنما يكون دعاء بالقصد، ومن يقرأ الفاتحة إنما قصده التلاوة دون الدعاء،
وقد يجوز أن يعرى من قصد الدعاء ومخالفنا يذهب إلى أنها مسنونة لكل مصل من غير
اعتبار من قصده إلى الدعاء، وإذا ثبت بطلان استعمالها في من لم يقصد إلى الدعاء ثبت ذلك
في الجميع، لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: المنع في صلاة الفريضة خاصة من القراءة بعزائم السجود
وهي سجدة لقمان وسجدة الحواميم، وسورة النجم واقرأ باسم ربك الذي خلق.
وروي عن مالك أنه كان يكره ذلك، وأجاز أبو حنيفة قراءة السجدات فيما يجهر فيه
القراءة من الصلوات دون ما لا يجهر فيه، وأجازه الشافعي في كل صلاة. والوجه في المنع
من ذلك مع الاجماع المتكرر أن في كل واحدة من هذه السور سجودا واجبا محتوما، فإن
سجد كان زائدا في الصلاة، وإن تركه كان مخلا بواجب.
فإن قيل السجود إنما يجب عند قراءة الموضع المخصوص من السورة التي فيها ذكر
السجود، وأنتم تمنعون من قراءة كل شئ من السورة قلنا إنما منع أصحابنا من قراءة
السورة وذلك اسم يقع على الجميع ويدخل فيه موضع السجود، و ليس يمتنع أن يقرأ البعض
الذي لا ذكر فيه للسجود إلا أن قراءة بعض سورة في الفرائض عندنا لا يجوز فامتنع ذلك
لوجه آخر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب قراءة سورة تضم إلى الفاتحة في الفرائض
خاصة على من لم يكن عليلا ولا معجلا بشغل أو غيره وأنه لا يجوز قراءة بعض سورة في
الفريضة ولا سورتين مضافتين إلى الحمد في الفريضة وإن جاز ذلك في السنة، ولا إفراد كل
واحدة من سورة والضحى والم نشرح عن صاحبتها، وكذلك إفراد سورة الفيل عن لإيلاف،
والوجه في ذلك مع الاجماع المتردد طريقة اليقين ببراءة الذمة، وأما قراءة بعض سورة فإنما
199

لا يجزئ من لم يكن له عذر في ترك قراءة السورة الثانية بكمالها.
فأما صاحب العذر فكما يجوز له أن يترك قراءة جميع السورة الثانية فيجوز أن يترك
بعضها، لأنه ليس ترك البعض بأكثر من ترك الكل، والوجه في المنع من انفراد السورة التي
ذكرناها أنهم يذهبون إلى أن سورة الضحى والم نشرح سورة واحدة، وكذلك الفيل
ولإيلاف فإذا اقتصر على واحدة كان قارئا بعض سورة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية حظر الرجوع عن سورة الإخلاص، وروي قل يا أيها
الكافرون أيضا إذا ابتدأ بها، وإن كان له أن يرجع عن كل سورة إلى غيرها.
والوجه في ذلك مع الاجماع الذي مضى أن شرف هاتين السورتين وعظم ثواب فاعلهما
لا يمتنع أن يجعل لهما هذه المزية وهي المنع من الرجوع عن كل واحدة بعد الابتداء بها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصلاة، إلا أن
أبا حنيفة وأصحابه والثوري لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلا في الافتتاح للصلاة.
وروي عن مالك أنه قال: لا أعرف رفع اليدين في شئ من تكبيرات الصلاة، وروي
عنه خلاف ذلك، وقال الشافعي يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع
رأسه منه، ولا يرفع بعد ذلك في سجود ولا في قيام منه.
والحجة فيما ذهبنا إليه طريقة الاجماع وبراءة الذمة، وقد روى مخالفونا عن النبي
ص أنه رفع في كل خفض ورفع وفي السجود وادعوا أن ذلك نسخ ولا حجة لهم
على صحة هذه الدعوى، فإن استدلوا بما يروونه عن النبي ص قوله: كفوا
أيديكم في الصلاة.
وفي خبر آخر اسكنوا في الصلاة، أو بما يرويه البراء بن عازب عن النبي
ص أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم لم يعد، فالجواب أن هذه كلها أخبار آحاد
200

لا توجب علما، وقد بينا أن العمل في الشريعة بما لا يوجب العلم غير جائز، وبعد فيجوز أن
يريد بالأمر بكف الأيدي قبضها عن الأفعال الخارجة عن أعمال الصلاة ونحمل قوله " لم
يعد " على أنه لم يعد إلى رفع يديه في ابتداء الركعة فإن ذلك مما لا ينكرونه بلا خلاف.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بإيجاب التسبيح في الركوع والسجود، لأن أحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي يوجبون ذلك، وإنما يسقط وجوبه باقي الفقهاء
المشهورين كأبي حنيفة والشافعي ومالك، والذي يدل على وجوبه بعد إجماع الطائفة كل
آية من القرآن اقتضت بظاهرها الأمر بالتسبيح وعموم الظاهر يقتضي دخول أحوال
الركوع والسجود فيه، ومن أخرج هذه الأحوال منه فيحتاج إلى دليل، وأيضا فطريقة براءة
الذمة التي تكرر ذكرها.
ومخالفونا يروون عن النبي ص أنه لما نزل فسبح باسم ربك العظيم،
قال ص: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها
في سجودكم وظاهر الأمر على الوجوب.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به، والشافعي يوافقها فيه: إيجابهم على من رفع رأسه من
السجدة الثانية في الركعة الأولى أن يجلس جلسة قبل نهوضه إلى الثانية، وإنما لا يوجب
هذه الجلسة باقي الفقهاء كأبي حنيفة ومالك ومن عداهما.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة طريقة براءة الذمة وإن لم يفعل ذلك لم يتيقن سقوط
الصلاة عن ذمته، وقد روى مخالفونا كلهم عن النبي ص أنه كان يجلس هذه الجلسة.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: إيجاب التشهد الأول في الصلاة، وقد وافقنا على ذلك
201

الليث بن سعد وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقال أبو حنيفة: التشهدان معا غير
واجبين، وقال الشافعي الثاني واجب والأول غير واجب، دليلنا الاجماع المتردد، وطريقة
براءة الذمة، وأيضا فهذه حال هو فيها مندوب إلى ذكر الله تعالى وتعظيمه، والصلاة على
نبيه ص لدخولها في عموم الآيات المقتضية لذلك مثل قوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وكل من أوجب الصلاة على النبي ع في
هذه الحال أوجب التشهد الأول، ومما يلزمونه أنهم يروون عن النبي ص أنه
كان يتشهد التشهدين جميعا، ورووا كلهم عنه ع أنه قال: صلوا كما رأيتموني
أصلي.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول بأن القنوت في كل صلاة والدعاء فيه بما أحب
الداعي مستحب وهو قول الشافعي، لأن الطحاوي حكى عنه في كتاب الاختلاف أن له أن
يقنت في الصلاة كلها عند حاجة المسلمين إلى الدعاء، والحجة لنا مضافا إلى إجماع الطائفة قوله
تعالى (وقوموا لله قانتين) فإذا قيل: القنوت هاهنا هو القيام الطويل، قلنا: المعروف في
الشريعة أن هذا الاسم يختص بالدعاء، ولا يعرف من إطلاقه سواه، وبعد فإنا نحمله على
الأمرين.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به وهو مذهب مالك: جواز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين
شاء المصلي منها.
وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أولها
ووسطها وآخرها. وقال ابن القاسم: كان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأسا في
السجود. والحجة لنا إجماع طائفتنا وظاهر أمر الله تعالى بالدعاء مثل قوله تعالى (قل ادعوا
الله أو ادعوا الرحمن) وقوله تعالى (ادعوني أستجب لكم).
202

مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به: رد السلام في الصلاة بالكلام، وقد وافق في ذلك سعيد
بن المسيب والحسن البصري إلا أن الشيعة تقول يجب أن يقول المصلي في رد السلام مثل
ما قاله المسلم سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام. وذهب الشافعي إلى أن المصلي يرد
السلام بالإشارة دون الكلام. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن رد السلام بكلام فسدت صلاته،
وإن رد بإشارة أساء.
وقال الثوري: لا يرد السلام حتى يفرع من الصلاة. والحجة لنا إجماع الطائفة، فإذا
قيل هو كلام في الصلاة قلنا ليس كل كلام في الصلاة خارج عن القرآن محظورا، لأن
الذكر كلام ولم يدخل تحت الحظر، ويمكن أن يقال أن لفظة سلام عليكم من ألفاظ القرآن،
ويجوز للمصلي أن يتلفظ بها تاليا للقرآن وناويا لرد السلام إذ لا تنافي بين الأمرين.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المنفرد أو الإمام يسلم تسليمة واحدة مستقبل
القبلة وينحرف بوجهه قليلا إلى يمينه، وإن كان مأموما سلم تسليمتين واحدة عن يمينه
والأخرى عن شماله إلا أن يكون جهة شماله خالية من أحد فيقتصر على التسليم عن
يمينه ولا يترك التسليم على جهة يمينه على كل حال وإن لم يكن في تلك الجهة أحد، وهذا
الترتيب لا يذهب إلى مثله أحد من الفقهاء، لأن مالكا يذهب إلى أن الإمام يسلم تسليمة
واحدة تلقاء وجهه والمنفرد والمأموم يسلمان يمينا وشمالا، وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي
يذهبون إلى أن يسلم على كل حال يمينا وشمالا، فالانفراد من الإمامية بذلك الترتيب
ثابت والحجة لنا الاجماع المتكرر ذكره.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأنه لا سهو في الركعتين الأوليين من كل صلاة فرض،
ولا سهو في صلاة الفجر والمغرب أو صلاة السفر لأن باقي الفقهاء يخالف في ذلك. والحجة
203

على ذلك إجماع الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه فيه تأكيد الأوليين من كل صلاة، وكذلك
المغرب والفجر لأن القصر لا يلحق الأوليين، وإنما يلحق الأخريين والمغرب والفجر
لا يلحقهما أيضا قصر فلذلك وجب من كل سهو يعرض في الأوليين وفي الصلاتين
المذكورتين الإعادة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من شك فلم يدر كم صلى اثنتين أم ثلاثا واعتدل
في ذلك ظنه أنه يبني على الأكثر وهي الثلاث فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من
جلوس مقام ركعة واحدة، فإن كان الذي بنى عليه هو الصحيح كان ما صلاة نافلة، وإن
كان ما أتى بالثلاث كانت الركعة جبرانا لصلاته.
وكذلك القول في من شك لا يدري أ صلى ثلاثا أم أربعا. ومن شك بين اثنتين وثلاث
وأربع بنى أيضا على الأكثر، فإذا سلم صلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس حتى إن
كان بناؤه على الصحيح فالذي فعله نافلة، وإن كان الذي صلاه اثنتين كانت الركعتان
من قيام جبرانا لصلاته، وإن كان الذي صلاة ثلاثا فالركعتان من جلوس وهي مقام
واحدة جبران صلاته، وباقي الفقهاء يوجبون البناء على اليقين وهو النقصان، ويوجبون
في هذا الموضع سجدتي السهو، ويقولون: إن كان ما بنى عليه من النقصان هو الصحيح،
فالذي أتى به تمام صلاته، وإن كان بنى على الأقل وقد صلى على الحقيقة الأكثر كان ذلك له
نافلة. والحجة فيما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولأن الاحتياط أيضا فيه، لأنه إذا بنى على
النقصان لم يأمن أن يكون قد صلى على الحقيقة الأزيد فيكون ما أتى به زيادة في صلاته، فإذا
قيل وإذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من
الجبران لأنه منفصل من الصلاة وبعد التسليم.
قلنا: ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال، لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري
مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه، لأن العلم بالزيادة في الصلاة مبطل لها
على كل حال.
204

مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: منعهم من الإتمام في الصلاة بالفاسق، ومالك يوافقهم في
هذه المسألة، وباقي الفقهاء يجيزون الإتمام في الصلاة بالفاسق، دليلنا الاجماع المتكرر،
وطريقة اليقين ببراءة الذمة وأيضا قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)
وتقديم الإمام في الصلاة ركون إليه ولأن إمامة الصلاة معتبر فيها الفضل والتقديم في
ما يعود إلى الدين، ولهذا رتب فيها من هو أقرأ وأفقه وأعلم، والفاسق ناقص فلا يجوز
تقديمه على من خلا من نقصه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: كراهية إمامة ولد الزنى في الصلاة، وقد شارك الإمامية
غيرهم في ذلك فذكر الطحاوي في كتاب الخلاف بين الفقهاء أن مالكا كان يكره إمامة ولد
الزنى. وحكي عن الشافعي أنه قال: أكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماما. وحكي عن
أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا غيره أحب إلينا إلا أنهم وإن كرهوا ذلك فإن الصلاة
خلفه عندهم مجزئة. والظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزئة، والوجه في
ذلك والحجة له الاجماع المتقدم وطريقة براءة الذمة.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: كراهية إمامة الأبرص والمجذوم والمفلوج، والحجة فيه إجماع
الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه في منعه نفار النفوس عمن هذه حاله والعزوف عن
مقاربته. ولأن المفلوج ومن أشبهه من ذوي العاهات ربما لم يتمكنوا من استيفاء أركان
الصلاة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية كراهية صلاة الضحى وأن التنفل بالصلاة بعد طلوع
205

الشمس إلى وقت زوالها محرمة إلا في يوم الجمعة خاصة، والوجه في ذلك الاجماع المتقدم
وطريقة الاحتياط فإن صلاة الضحى غير واجبة عند أحد ولا حرج في تركها. وفي فعلها
خلاف طريقة الاحتياط بأن صلاته هل بدعة ويلحق به إثم؟ فالأحوط العدول عنها.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: ترتيب صلاة الإحدى والخمسين في اليوم والليلة على الوجه
الذي رتبوه وبينوه، لأن باقي الفقهاء لا يعرفون ذلك الترتيب، والحجة فيه إجماع الطائفة
عليه، وليس يمكن أن يدعي عليهم أنهم أبدعوا فيما يزيدونه من هذه النوافل، لأن الصلاة
خير موضوع والزيادة فيها مستحسنة غير منكرة.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: تحديدهم السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة
ببريدين - والبريد أربعة فراسخ - والفرسخ ثلاثة أميال فكان المسافة أربعة وعشرون ميلا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه مسير ثلاثة أيام بلياليهن، وهو قول الثوري وابن حي، وقال
مالك: ثمانية وأربعون ميلا، فإن لم يكن أميال فمسير يوم وليلة للبغل وهو قول الليث.
وقال الأوزاعي يوم تام. وقال الشافعي: ستة وأربعون ميلا بالهاشمي، والحجة لنا في ذلك
إجماع الطائفة.
وأيضا فإن الله تعالى علق سقوط فرض الصيام على المسافر بكونه مسافرا في قوله
تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، ولا خلاف بين الأمة في أن
كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الإفطار فهو بعينه موجب لقصر الصلاة، وإذا
كان الله تعالى قد علق ذلك في الآية باسم السفر فلا شبهة في أن اسم السفر يتناول المسافة
التي حددنا السفر بها فيجب أن يكون الحكم تابعا لها، ولا يلزم على ذلك أدنى ما يقع عليه
هذا الاسم من فرسخ أو ميل لأن الظاهر يقتضي ذلك لو تركنا معه لكن الدليل والإجماع
أسقطا اعتبار ذلك ولم يسقطاه فيما اعتبرناه من المسافة وهو داخل تحت الاسم.
206

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المسافر يلزمه التقصير ما لم ينو المقام في البلد
الذي يدخله عشرة أيام فصاعدا وإذا نوى ذلك وجب عليه الإتمام، لأن من عداهم من
الفقهاء يخالف في ذلك. فأبو حنيفة وأصحابه والثوري يقولون: إنه إذا نوى إقامة خمسة
عشر يوما أتم وإن نوى أقل من ذلك قصر وقال الشافعي ومالك وهو قول سعيد بن
المسيب والليث: إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم. وقال الأوزاعي: إذا نوى إقامة ثلاثة عشر يوما
أتم. وروي عن ابن حي أنه قال: إن مر المسافر بمصره الذي فيه أهله وهو منطلق ماض في
سفره قصر فيه الصلاة ما لم يقم به عشرا، فإن أقام به عشرا أو بغيره من سفره أتم
الصلاة، وهذه موافقة من ابن حي لنا على بعض الوجوه لأنه اعتبر العشر في ما نقوله
وفيما لا نقول به، وكيف يجوز أن يعتبر العشر في دخول المسافر إلى مصره الذي فيه أهله
ووطنه، وهو بدخوله إليه قد خرج من أن يكون مسافرا، وإنما يعتبر مدة الإقامة في من هو
مسافر، والمشقة التي يتبعها التقصير زائلة عمن عاد إلى وطنه وحصل بين أهله.
فأما الحجة على أن التحديد الذي ذكرناه أولى من غيره فهو الاجماع المتكرر.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن من تمم الصلاة في السفر يجب عليه الإعادة إن
كان متعمدا على كل حال وإن كان أتم ناسيا أعاد ما دام في الوقت، وبعد
خروج الوقت لا إعادة عليه، وأكثر الفقهاء يخالفون في ذلك لأن أبا حنيفة وأصحابه يقولون
أن قعد في الاثنتين قدر التشهد مضى في صلاته، وإن لم يقعد فصلاته فاسدة.
وقال الثوري: إذا قعد في الاثنتين لم يعد. وقال ابن حي إذا صلى أربعا متعمدا أعاده
إذا كان منه الشئ اليسير، فإذا طال ذلك في سفره وكثر لم يعد وهذه موافقة منه للشيعة على
بعض الوجوه.
وقال حماد بن أبي سليمان: إذا صلى أربعا أعاد، وهذا وفاق للشيعة لأن ظاهر قوله
يقتضي التعمد دون النسيان.
207

وقال الحسن البصري: إذا افتتح الصلاة على أنه يصلى أربعا أعاد، وإن نوى أن
يصلى أربعا بعد أن افتتح الصلاة بنية أن يصلى ركعتين ثم بدا له فسلم في الركعتين
أجزأته صلاته.
وقال مالك إذا صلى المسافر أربعا فإنه يعيد ما دام في الوقت، فإذا مضى الوقت
فلا إعادة عليه.
وقال: ولو أن مسافرا افتتح المكتوبة ينوي أربعا، فلما صلى ركعتين بدا له فسلم أنه
لا يجزئ، فإن كان مالك أراد بإيجاب الإعادة ما دام في الوقت فإسقاطها مع خروجه حال
النسيان فهو موافق للإمامية وما أظنه أراد ذلك، وظاهر الكلام يقتضي التعمد، والحجة في
مذهبنا الاجماع المتقدم وأيضا فإن فرض السفر الركعتان فيما كان في الحضر أربعا، وليس
ذلك برخصة، وإذا كان الفرض كذلك فمن لم يأت به على ما فرض وجبت عليه الإعادة.
فإن قيل: القرآن يمنع مما ذكرتم، لأنه تعالى قال: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة، ورفع الجناح يدل على الإباحة لا على الوجوب.
قلنا: هذه الآية غير متناولة لقصر الصلاة في عدد الركعات، وإنما المستفاد منها
التقصير في الأفعال من الإيماء وغيره، لأنه تعالى علق القصر بالخوف، ولا خلاف في أنه ليس
من شروط القصر في عدد ركعات الصلاة الخوف، وإنما الخوف شرط في الوجه الآخر
وهو الأفعال في الصلاة لأن صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس مباحا مع الأمن.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من سفره أكثر من حضره كالملاحين و الجمالين
ومن جرى مجراهم لا تقصير عليهم، لأن باقي الفقهاء لا يراعون ذلك. والحجة على ما ذهبنا
إليه إجماع الطائفة. وأيضا فإن المشقة التي تلحق المسافر هي الموجبة للتقصير في الصوم
والصلاة، ومن ذكرنا حاله ممن سفره أكثر من حضره لا مشقة عليه في السفر، بل ربما
كانت المشقة في الحضر لاختلاف العادة، وإذا لم يكن عليه مشقة فلا تقصير عليه.
208

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الجمعة لا تنعقد إلا بحضور خمسة الإمام أحدهم،
لأن أبا حنيفة وأصحابه والليث يقولون: إنها تنعقد بثلاثة سوى الإمام. وروي عن أبي
يوسف اثنان سوى الإمام، وبه قال الثوري. وقال ابن حي إن لم يحضر الإمام إلا رجل واحد
فخطب عليه وصلى به الجمعة أجزأتهما. واعتبر الشافعي أربعين رجلا، والدليل على صحة
ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره، واعتبار أبي حنيفة ومن وافقه أقل ما يقع عليه اسم جماعة
وأنه ثلاثة، وأن الجمعة مشتقة من الاجتماع والجماعة ليس بشئ لأنه يلزم عليه أن يكون الإمام
في الثلاثة، لأن اسم الجماعة حاصل، ويلزم عليه أيضا ما قاله أبو يوسف، لأن الاثنين في
الشريعة جماعة مثل الثلاثة، ويلزم عليه قول ابن حي، لأن الواحد مع الإمام جماعة، وبعد فإن
الجمعة وإن اشتقت من الاجتماع فالمعول في عدد الجماعة وحصرها على دليل مقطوع به
دون الاشتقاق وقد بينا ذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: استحباب أن يقرأ ليلة الجمعة بسورة الجمعة، وسبح في
المغرب، وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الغداة بالجمعة والمنافقين، وكذلك في صلاة الجمعة
المقصورة وفي الظهر والعصر إذا صلاهما من غير قصر. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك
إلا أن الشافعي يوافق الإمامية في استحباب السورتين في صلاة الجمعة خاصة.
والحجة في ذلك إجماع الطائفة، ولأنه أحوط، من حيث لا خلاف في أنه إذا قرأ ما ذكرناه
أجزأه، ولم يفعل مكروها، وليس كذلك إذا عدل عنه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: المنع من الاجتماع في صلاة نوافل شهر رمضان وكراهية
ذلك، وأكثر الفقهاء يوافقهم على ذلك، لأن المعلى روى عن أبي يوسف أنه قال: من قدر على
أن يصلى في بيته كما يصلى مع الإمام في شهر رمضان فأحب إلى أن يصلى في بيته.
209

وكذلك قال مالك قال وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون، ولا يقومون مع
الناس. وقال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام النبي ص إلا في بيته.
وقال الشافعي: صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أحب إلى، وهذا كله حكاه
الطحاوي في كتاب الاختلاف، فالموافق للإمامية في هذه المسألة أكثر من المخالف.
والحجة لها الاجماع المتقدم، وطريقة الاحتياط، فإن المصلي للنوافل في بيته غير مبدع
ولا عاص بالإجماع، وليس كذلك إذا صلاها في جماعة ويمكن أن يعارضوا في ذلك بما يروونه
عن عمر بن الخطاب من قوله، وقد رأى اجتماع الناس في صلاة نوافل شهر رمضان: بدعة
ونعمت البدعة فاعترف بأنها بدعة وخلاف السنة وهم يروون عن النبي
ص أنه قال: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: ترتيب نوافل شهر رمضان على أن يصلى في كل ليلة منه
عشرين ركعة، منها ثمان بعد المغرب واثنتا عشر ركعة بعد العشاء الآخرة، فإذا كان في
ليلة تسع عشرة صلى مائة ركعة ويعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي تقدم. ويصلى في
ليلة إحدى وعشرين مائة. وفي ليلة اثنتين وعشرين ثلاثين ركعة، منها ثمان بعد المغرب
والباقي بعد صلاة العشاء الآخرة. ويصلى في ليلة ثلاث وعشرين مائة وفيما بقي من
الشهر ثلاثين ركعة في كل ليلة على الترتيب الذي ذكرناه، ويصلى في كل يوم جمعة من
الشهر عشر ركعات، أربع ركعات منها صلاة أمير المؤمنين ع وصفتها أن يقرأ في
كل ركعة الحمد مرة وسورة الإخلاص خمسين مرة، وركعتين صلاة فاطمة ع
وصفتها أن يقرأ في أول ركعة الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة، وفي الثانية الحمد
مرة وسورة الإخلاص مائة مرة.
ثم يصلى أربع ركعات صلاة التسبيح، وتعرف بصلاة جعفر الطيار ع
وصفتها معروفة، ويصلى في آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين
صلوات الله عليه وسلامه المقدم وصفها. وفي ليلة آخر سبت من الشهر عشرين ركعة من
210

صلاة فاطمة ع وقد مضى له بذلك ألف ركعة. وهذا الترتيب لا يعرفه باقي
الفقهاء، لأن أبا حنيفة وأصحابه والشافعي يذهبون إلى أن نوافل شهر رمضان عشرون
ركعة في كل ليلة سوى الوتر. وقال مالك: تسع وثلاثون ركعة بالوتر، والوتر ثلاث.
وحجتنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولأن الذي اعتبرناه زيادة على عددهم
والزيادة تقتضي الخير والاحتياط فيه أيضا.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن صلاة العيدين واجبتان على كل من وجبت
عليه صلاة الجمعة وبتلك الشروط، لأن أبا حنيفة يذهب إلى وجوبهما كما تقول الإمامية.
والشافعي يقول أنهما ليستا بواجبتين، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم وطريقة
الاحتياط أيضا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن تكبير صلاة العيدين في الأولى سبع وفي الثانية
خمس من جملتهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، لأن
أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنهن خمس في الأولى وأربع في الثانية من جملتهن تكبيرة
الافتتاح وتكبيرة الركوع.
وقال مالك: والشافعي سبع في الأولى وخمس في الأخرى. وقال الشافعي: لا يعتد
بتكبيرة الافتتاح والركوع.
وروي عن مالك أنه يعتد في الركعة الأولى بتكبيرة الافتتاح في جملة التكبيرات السبع،
فإن كان مالك يعتد بتكبيرة الركوع أيضا فهو موافق، للإمامية، وإلا فالانفراد ثابت، دليلنا
على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: إيجاب القراءة في كل ركعة من صلاة العيدين قبل
211

التكبيرات الزوائد لأن أبا حنيفة وأصحابه يوجبون القراءة في الأولى بعد التكبير، وفي الثانية
قبل التكبير فكأنه يوالي بين القراءتين، وقال مالك والشافعي يبدأ في الركعتين معا
بالتكبيرات فانفراد الإمامية واضح. والحجة لها الاجماع المتقدم، وطريقة الاحتياط، فإن
الذي تذهب إليه الإمامية يجوز عند الجماعة إذا أدى إليه الاجتهاد وما يقوله مخالفها لا يجوز
عند الإمامية على حال من الأحوال، فالاحتياط فيما تذهب إليه الإمامية واضح.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إيجابهم القنوت بين كل تكبيرتين من تكبيرات العيد لأن باقي
الفقهاء لا يراعي ذلك، والحجة فيه إجماعها، ولأنه أيضا لا يقين ببراءة الذمة من صلاة العيد
إلا بما ذهبنا إليه من القنوت ولا بد من يقين ببراءة الذمة من الواجب.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن على المصلي التكبير في ليلة الفطر وابتداؤه من
دبر صلاة المغرب إلى أن يرجع الإمام من صلاة العيد، فكأنه عقيب أربع صلوات أولهن
المغرب من ليلة الفطر، وآخرهن من صلاة العيد.
وفي عيد الأضحى يجب التكبير على من كان بمنى عقيب خمس عشر صلاة، أولاهن
صلاة الظهر من يوم العيد، ومن كان في غير منى من أهل سائر الأمصار يكبر عقيب عشر
صلوات، أولهن صلاة الظهر من يوم العيد، وباقي الفقهاء يخالف في ذلك.
أما التكبير في عيد الفطر عقيب الصلوات فلا يعرفونه، وإنما اختلفوا في التكبير في
طريق المصلي إلى الصلاة.
فروي عن أبي حنيفة أنه يكبر يوم الأضحى ويجهر في ذهابه إلى المصلى ولا يكبر يوم
الفطر.
وقال مالك والأوزاعي يكبر في خروجه إلى المصلى في العيدين جميعا وقال مالك
يكبر في المصلى إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام قطع التكبير، ولا يكبر إذا رجع.
212

وقال الشافعي: أحب إظهار التكبير ليلة الفطر وليلة النحر، وإذا غدوا إلى المصلى
حتى يخرج الإمام، وفي موضع آخر حتى يفتتح الإمام الصلاة واختلفوا في تكبير الأضحى فقال
أبو حنيفة من صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر.
وقال أبو يوسف ومحمد والثوري إلى آخر أيام التشريق. وقال مالك والشافعي من
صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق والحجة لنا ما تقدم من الاجماع
وطريقة الاحتياط. وقوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) يدل على أن
التكبير أيضا واجب في الفطر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب صلاة كسوف الشمس والقمر ويذهبون إلى
أن من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها وباقي الفقهاء يخالف في ذلك، والحجة على
ما ذهبنا إجماع الطائفة، ويمكن أن يعارض المخالفون بما يروونه عن النبي
ص من قوله: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد، فإذا رأيتموهما
فافزعوا إلى الصلاة، وأمره ع على الوجوب.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن صلاة الكسوف عشر ركعات وأربع سجدات.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إنها ركعتان على هيئة الصلاة المعروفة. وقال مالك
والليث والشافعي أربع ركعات في أربع سجدات، دليلنا إجماع الطائفة، ولأن ما ذهبنا إليه
يحتوي على ما قالوه ويزيد عليه، وما ذهبوا إليه بخلاف ذلك.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن الأطفال ومن جرى مجراهم ممن لم يكلف في نفسه
الصلاة، ولا كلف غيره تمرينه عليها لا يجب الصلاة عليه إذا مات، وحدوا من يصلى
213

عليه من الصغار بأن يبلغ ست سنين فصاعدا. والحجة في ذلك إجماع الطائفة، ولأن
الصلاة على الأموات حكم شرعي، وقد ثبت بيقين في من نوجب الصلاة عليه، ولا يقين
ولا دليل في من يخالف فيه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بخمس تكبيرات في صلاة الجنازة، وكان ابن أبي
ليلى يوافق الإمامية في ذلك. وروى حذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم أن تكبيرات الجنازة
خمس، ولعمري أن باقي الفقهاء يخالف الإمامية في ذلك. والحجة فيما ذهبنا إليه الاجماع
وطريقة الاحتياط فإن الذي تذهب إليه الإمامية يدخل فيه ما ذهب إليه مخالفونا فهو أحوط،
وقد روى مخالفونا عن النبي ص أنه كبر خمسا، فإذا قيل بإزاء ذلك أنه
ع كبر أربعا؟ قلنا: هذه الرواية تحتمل أنه كبر أربعا سمعن وجهر بهن وأخفى
الخامسة وخبر الخامسة، غير محتمل على أنه لا تنافي بين الخبرين لأنه من روى أنه كبر أربعا لم
يفصح بأنه ما زاد عليها، ومن كبر خمسا فقد كبر أربعا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: اسقاط السلام من صلاة الجنازة وأنه إذا كبر الخامسة خرج
من الصلاة بغير تسليم. وباقي الفقهاء يخالف في ذلك، لأن أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى
أنه يسلم عن يمينه وعن يساره وقال مالك: يسلم الإمام واحدة ويسمع من يليه، ويسلم
من خلفه واحدة في أنفسهم وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس.
وقال الثوري: يسلم عن يمينه تسليمة خفيفة، وقال ابن حي: يسلم عن يمينه وعن
شماله يخفيه ولا يجهر به، وقال الشافعي مثل قول ابن حي في العدد والمنع من الجهر.
والحجة على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فإن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف
لأنه قد حذف منها الركوع والسجود وهما أوكد من التسليم فغير منكر أن يحذف التسليم.
214

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
215

كتاب الصلاة
المسألة الخامسة والستون: الأذان فرض على الكفاية وقد اختلف قول أصحابنا في الأذان
والإقامة فقال قوم: إن الأذان والإقامة من السنن المؤكدة في جميع الصلوات وليسا بواجبين
وإن كانا في صلاة الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشد تأكيدا وهذا الذي أختاره
وأذهب إليه. وذهب بعض أصحابنا إلى أن الأذان والإقامة واجبان على الرجال خاصة دون
النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر
والمغرب. وصلاة الجمعة والإقامة دون الأذان، يجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات.
وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أن الأذان والإقامة مسنونان غير واجبين. وذهب بعض
أصحاب الشافعي إلى أنهما من فرائض الكفايات. وذهب مالك إلى قريب من هذا إلا أنه
قال إذا ترك الأذان أعاد في الوقت واختلفت الحكاية عن أبي حنيفة فحكى عنه بعض
المحصلين في كتابه أن مذهبه مثل مذهب الشافعي أن الأذان والإقامة مسنونان
غير واجبين. ووجدت بعض أصحاب أبي حنيفة يصرح بوجوب ذلك وذهب ابن خيران
والإصطخري إلى أن الأذان مسنون في سائر الصلوات إلا في الجمعة فإنه من فرائض
الكفايات فيها. وذهب الأوزاعي إلى أن الأذان ليس بواجب والإقامة واجبة قال: فإن يصلى
بغير إقامة نظر، فإن كان الوقت باقيا لزمه أن يقيم ويصلى، فإن خرج الوقت فلا شئ
217

عليه. وقال أهل الظاهر: الأذان والإقامة واجبتان لكل صلاة. فمنهم من يقول: أنهما
واجبان ومشروطان في صحة الصلاة وانفرد داود بأن قال: إنما يجب ذلك في صلاة الجماعة
دون صلاة الانفراد والدلالة على صحة ما اخترناه أن الأصل نفي الوجوب فمن ادعاه
فعليه الدليل الموجب للعلم. ولأنه لا خلاف في أن الأذان والإقامة مشروع مسنون وفيهما
فضل كبير وإنما الخلاف في الوجوب. والوجوب زائد على الحكم المجمع عليه فيهما فمن
ادعاه فعليه الدليل لا محالة. وبعد فإن الأذان والإقامة مما يعم البلوى به ويتكرر فعله في اليوم
والليلة فلو كان واجبا حتما لورد وجوبه ورود مثله فيما يوجب العلم ويرفع الشك ويدل
أيضا على ذلك ما روي عن النبي ص من قوله: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء
والأمير متطوع بالأمانة وليس يوجب عليه.
المسألة السادسة والستون:
التكبير في أول الأذان أربع مرات. هذا هو الصحيح عندنا ووافقنا عليه أبو حنيفة
والشافعي والثوري وابن حي وحكى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أنه يقول في أول الأذان
والإقامة: الله أكبر مرتين. والدليل على صحة مذهبنا إجماع الفرقة المحقة عليه وأيضا فإن
الاحتياط والاستظهار فيه وأيضا حديث أبي محذورة أن النبي ص لقنه الأذان
فقال في أذانه الله أكبر أربع مرات وفي حديث عبيد الله بن زيد الذي أرى الأذان في المنام الله
أكبر أربع مرات.
المسألة السابعة والستون:
والتهليل في آخره مرة واحدة. الصحيح عندنا أن التهليل في آخر الأذان مرتان
وفي آخر الإقامة مرة واحدة. الدليل على أنه مرتان في الأذان الاجماع المتقدم ذكره وأن فيه
الاحتياط والاستظهار ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بما رواه حماد عن إبراهيم عن
الأسود عن بلال أنه كان يثني الأذان ويثني الإقامة. وروي عن سويد بن غفلة قال سمعت
بلالا أذن بمنى صوتين، صوتين وأقام مثل ذلك والإطلاق بأن الأذان مثنى، مثنى يقتضي تثنية
218

جميع ألفاظه ومن ألفاظه التهليل في آخره ولا يلزمنا الإقامة على ذلك لأنا خصصنا لفظ
التهليل من الإقامة بدليل عن التثنية بالإجماع وإلا فلفظ الأخبار يقتضيه.
المسألة الثامنة والستون:
لا يجوز أذان الفجر قبل طلوع الفجر قد اختلفت الرواية عندنا في هذه المسألة.
فروي أنه الأذان لصلاة الفجر قبل الفجر خاصة. وروي أنه لا يجوز وهو الصحيح عندنا وقال
أبو حنيفة ومحمد والثوري لا يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر. الدليل على صحة مذهبنا أن الأذان
دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها ولا يجوز قبل وقتها لأنه وضع الشئ في غير موضعه. وأيضا
ما روي من أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي ص بأن يعيد الأذان وروى
عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله ص قال له: لا تؤذن
حتى يستبين لك الفجر كذا ومد يده عرضا. وليس لأحد أن يحمل اسم الأذان ها هنا على
الإقامة ويستشهد بما روي عنه ع من قوله: بين كل أذانين صلاة يعني الأذان والإقامة
وذلك أن إطلاق الأذان لا يتناول الإقامة فلا يجوز حمله عليها إلا بدلالة.
المسألة التاسعة والستون:
التثويب في صلاة الصبح بدعة. هذا صحيح وعليه إجماع أصحابنا وقد اختلف
الفقهاء في التثويب ما هو فقال الشافعي التثويب هو أن يقول بعد الدعاء إلى الصلاة،
الصلاة خير من النوم مرتين في تقبل الأذان. وحكي عن أبي حنيفة أنه قال التثويب هو أن
يقول بعد الفراع من الأذان حي على الصلاة، حي على الفلاح مرتين. وحكي عن محمد
في كتبه أنه قال كان التثويب الأول الصلاة خير من النوم بين الأذان والإقامة ثم أحدث
الناس بالكوفة حي على الصلاة، حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة وهو حسن.
وذهب الشافعي أن التثويب مسنون في صلاة الصبح دون غيرها وحكي عنه أنه قال في
الجديد هو غير مسنون. وقال النخعي هو مسنون في أذان سائر الصلوات الدليل على
صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم أن التثويب لو كان مشروعا لوجب أن يقوم دليل
219

شرعي يقطع العذر على ذلك ولا دليل عليه والمحنة بيننا وبين من خالف فيه وأيضا
فلا خلاف في أن من ترك التثويب لا يلحقه ذم لأنه إما أن يكون مسنونا على قول بعض
الفقهاء وغير مسنون على قول البعض الآخر وفي كلا الأمرين لا ذم على تاركه وما لا ذم في
تركه ويخشى في فعله أن يكون بدعة ومعصية ويستحق بها الذم فتركه أولى وأحوط في
الشريعة.
المسألة السبعون:
الإقامة مثنى مثنى، كالأذان هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا كلهم ووافق عليه أبو
حنيفة وأصحابه والثوري وابن حي وقال الشافعي ومالك: الإقامة فرادى إلا في قوله قد
قامت الصلاة. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر ذكره ما رواه عبد الله بن
زيد الأنصاري أنه كان بين النائم واليقظان إذ أتاه آت عليه ثوبان أخضران فقام على حدم
الحائط فقال الله أكبر الله أكبر إلى آخره قال عبد الله: ثم مكث هنيئة فأقام مثل ذلك إلا أنه
زاد في آخره قد قامت الصلاة فأتى عبد الله النبي عليه وآله السلام فأخبره بذلك فقال: له
لقنها بلالا. وروى حماد عن إبراهيم عن الأسود عن بلال أنه كان يثني مثنى مثنى وروى عنه
أنه قال أن بلالا أذن بمنى صوتين صوتين، وأقام مثل ذلك. وروى محمد بن عبد الملك بن أبي
محذورة، عن أبيه، عن جده قال: قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم
رأسه فقال: تقول الله أكبر الله أكبر إلى آخره قال وعلمني الإقامة مرتين مرتين الله أكبر الله
أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا
رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة مرتين أ سمعت؟ وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته لأن النبي
ص مسح عليها فإن عارضوا بما رواه أبو هريرة من أنه ع أمر أبا محذورة
أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وبما رواه أنس بن مالك أن النبي ص أمر بلالا
أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. فالجواب عن ذلك أن المراد بالخبر أن يأتي بجميع الإقامة وترا
لأنها سبع عشرة كلمة وذلك وتر لأنه فرد ولم يرد إفراد كل كلمة منها.
220

المسألة الحادية والسبعون:
يؤذن للفائتة ويقيم لها على ما بيناه من قبل أن الأذان والإقامة مسنونان فيما يؤدى
والمستحب في القضاء أن يأتي به مثل الأداء والأذان والإقامة في قضاء الفوائت أيضا مسنون.
وقال أبو حنيفة وأصحابه من فاتته صلاة فإنه يصليها بأذان وإقامة وقال محمد في
الإملاء: من فاتته صلاة فإنه يصليها بأذان وإقامة وقال محمد في الإملاء من فاتته صلوات
كثيرة فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل النبي ص يوم الخندق فحسن فإن أذن
وأقام لكل واحدة فحسن. وقال مالك والأوزاعي والشافعي يصلى كل واحدة بإقامة من
غير أذان. وروي عن الشافعي في القديم أن الأذان والإقامة مسنونان في الفوائت أيضا. قال
الثوري ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع
المتكرر ذكره. ثم ما رواه أبو قتادة وعمران بن حصين وأبو هريرة وجبير بن مطعم أن النبي
ص نام هو وأصحابه بالوادي فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس فأمر
بالرحيل فلما خرج من الوادي قعد حتى استعلت الشمس ثم أمر بلالا فأذن وصلى ركعتي
الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر. فإن قيل روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن
النبي أمر بلالا فأقام بهم الصبح. قلنا ليس في الخبر أنه لم يؤذن وأيضا ما روي عنه
ع من قوله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ومن سنة تلك الصلاة
المنسية كان الأذان والإقامة فكأنه قال: فليصلها على جميع أحوالها من فريضة وسنة.
المسألة الثانية والسبعون:
آخر وقت الظهر حين تصير القامة مثلها في إحدى الروايتين وحين يصير مثلها
في الرواية الأخرى والذي يذهب إليه أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
بلا خلاف ثم يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
بلا خلاف ثم يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر وتحقيق هذا الموضع أنه إذا زالت الشمس دخل
وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار من الوقت، اشترك الوقتان
221

ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله على أن
الظهر متقدمة للعصر ثم لا يزال في وقت منهما إلى أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار أداء
أربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويخلص هذا المقدار للعصر كما خلص الوقت الأول
للظهر وهو مذهب مالك. وروي عنه أنه قال أن وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن
يصير ظل كل شئ مثله، فإذا صار ذلك دخل وقت العصر ثم يشتركان في الوقت إلى
غروب الشمس وعن أبي حنيفة في آخر وقت الظهر ثلاث روايات: روي عنه في الأصل أنه
إذا صار ظل كل شئ مثله رواية أخرى أنه إذا صار ظل كل شئ مثليه وقال أبو يوسف ومحمد
والشافعي والثوري وابن حي آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله. وذهب أبو حنيفة
وأصحابه إلى أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس. وروي عن الشافعي مثل قوله وفي
رواية أخرى آخر الوقت إذا صار ظل كل شئ مثليه. والذي يدل على صحة مذهبنا بعد
الاجماع المتقدم قوله تعالى: أقم الصلاة طرفي النهار يعني الفجر والعصر وطرف الشئ
ما يقرب من نهايته ولا يليق ذلك بقول من قال وقت العصر ممتد إلى قرب غروب الشمس
لأن يصير ظل كل شئ مثله أو مثليه يقرب من الوسط ولا يقرب إلى الغاية والانتهاء
ولا معنى لقول من حمل الآية على الفجر والمغرب لأن المغرب ليس هي في طرف النهار وإنما
هي طرف الليل بدلالة أن الصائم يحل له الإفطار في ذلك الوقت والإفطار لا يحل في بقية
النهار. وأيضا فإن قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل. فظاهر هذا
الكلام يقتضي أن وقت الظهر ابتداؤه من دلوك الشمس وهو زوالها وأنه يمتد إلى غسق الليل
وخرج منه بالدليل والإجماع وقت غروب الشمس فبقي ما قبله. وأيضا ما روي عن النبي
ص أنه قال إنما أجلكم في أجل ما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى
مغرب الشمس وظاهر هذا القول يقتضي التناهي في قصر هذه المدة ولا يليق ذلك
إلا بمذهبنا دون مذهب الشافعي وأبي حنيفة نظير هذا الخبر في إفادة قصر المدة ما روي من
قوله ع بعثت والساعة كهاتين وأشار ص بالسبابة والوسطى.
وأيضا ما روي من أن النبي ص صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر
بالأمس وهذا يقتضي أن الوقت وقت لهما جميعا ومن ادعى أن هذا الخبر منسوخ وإن كان
222

قبل استقرار المواقيت فقد ادعى ما لا برهان عليه. وأيضا ما رواه ابن عباس عنه
ع من أنه جمع بين الصلاتين في الحضر لا لعذر وهذا يدل على اشتراك الوقت وليس
لأحد أن يحمل هذا الخبر على أنه صلى الظهر في آخر وقتها في أول وقتها لأن هذا ليس يجمع
بين ضدين وإنما هو فعل كل صلاة في وقتها وذكر العذر في الخبر يبطل هذا التأويل لأن فعل
الصلاة في وقتها المخصوص بها لا يحوج إلى عذر ويدل أيضا على ما ذهبنا إليه ما روي
عن النبي ص عن قوله: من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس فكأنما
وتر أهله وماله. فعلق الفوات بغروب الشمس وتعلقه به يدل على أن الوقت ممتد إلى
الغروب. وأيضا ما روي عنه ع من قوله لا يخرج وقت صلاة ما لم يدخل وقت
صلاة أخرى وهذا يدل على أنه إذا لم يدخل وقت صلاة أخرى وهي المغرب فإنه لا يخرج
وقت العصر فأما الأخبار التي رواها أصحابنا في الأقدام والأذرع وتميز وقت العصر
والظهر قدمان أو ذراعان ليقع النفل والتسبيح والدعاء وهذا في الزمان هذا هو الأفضل
والأولى، فجعلت الأقدام والأذرع حدا للفصل لا للجواز.
المسألة الثالثة والسبعون:
للمغرب وقتان كسائر الصلوات. عندنا أن أول وقت المغرب مغيب الشمس
وآخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة وروي ربع الليل. وحكى
بعض أصحابنا أن وقتها يمتد إلى نصف الليل. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك
والثوري وابن حي لصلاة المغرب أول وآخر كسائر الصلوات. وقال الشافعي ليس
للمغرب إلا وقت واحد. دليلنا بعد الاجماع المتقدم، قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك
الشمس... الآية وقيل في الدلوك: أنه الزوال وقيل: أنه المغرب وهو عام لهما جميعا
فحصل وقت المغرب ممتد إلى غسق الليل والغسق اجتماع الظلمة. وإذا ثبت أن وقت
المغرب ممتد إلى وقت اجتماع الظلمة فقد وضح أن لها وقتين. وأيضا ما رواه أبو هريرة: أن
النبي ص قال: إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول المغرب إذا غابت الشمس
وآخره حين يغيب الشفق. وأيضا ما روي عنه ع أنه صلى المغرب في اليوم الأول
223

حين غابت الشمس وصلى في اليوم الثاني حين كاد الشفق أن يغيب. وأيضا ما روي من أنه
ع قال إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى. وهذا الخبر
يقتضي أن صلاة المغرب لا يفوت إلا بعد دخول العشاء الآخرة والمخالف يقول بفوته قبل
ذلك وليس لهم أن يحتجوا بما روي عنه ع من أنه أحل المغرب في اليوم الأول حين
غابت الشمس وفي اليوم الثاني حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه وذلك أن فعلهما
في اليومين في وقت واحد لا يدل على أنه لا وقت لها غيره، لأنه روي أنه ع صلى
العصر في اليومين جميعا قبل اصفرار الشمس ولم يدل ذلك على أن ما بعد اصفرارها ليس
بوقت العصر ولا لهم أيضا أن يتعلقوا بما روي عنه ع من قوله بادروا بصلاة
المغرب وطلوع الفجر وذلك أن هذا خص على تقديم صلاة المغرب في أول الوقت وتقديم
الصلاة في أول الوقت عندنا الأفضل والأولى.
المسألة الرابعة والسبعون:
الشفق الذي يدخل بغيبوبة وقت العشاء البياض في إحدى الروايتين والحمرة في
الرواية الأخرى، الصحيح عندنا أن الشفق هو الحمرة دون البياض وهو قول الشافعي وأبي
يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: الشفق هو البياض. الدليل على صحة ما ذهبنا إليه بعد
الاجماع المتقدم ما روي عن النبي ص من قوله: الشفق هو الحمرة وروى
النعمان بن بشير أن النبي ص كان يصلى العشاء لسقوط القمر لثالثة يعني
لثلاثة من الشهر والقمر يسقط ليلة الثالثة قبل غيبوبة البياض وقد حكى أهل اللغة أن
الشفق الحمرة وحكى عن بعضهم أنه البياض والأقرب أنه في اللغة يقع عليهما جميعا
ويبقى الكلام في معنى هذه اللفظة في الشرع وبأي شئ يتعلق حكم خروج وقت المغرب
ودخول وقت العشاء الآخرة وقد استدل الشافعي على أن الشفق الذي يخرج بغيبوبة
وقت المغرب ويدخل وقت العشاء الآخرة هو الحمرة دون البياض بما رواه جابر من أن
سائلا سأل النبي ص عن مواقيت الصلاة فقال لو صليت معنا فذكر الخبر
إلى أن قال: وصلى العشاء قبل غيبوبة الشفق ولا يجوز أن يكون المراد بذلك قبل غيبوبة
224

الشفق الذي هو الحمرة لأن فعل الصلاة في ذلك الوقت، لا يجوز إجماعا فثبت أن المراد به
قبل الشفق الذي هو البياض وهذا الخبر لا يصلح أن يستدل به لأن فعل العشاء الآخرة
قبل غيبوبة الشفق الذي هو الحمرة وعندنا جائز بل يجوز عندنا أن يصلى العشاء الآخرة
عقيب المغرب بلا فصل وهو مذهب مالك وإنما لا يجوز ذلك على مذهب الشافعي وأبي
حنيفة.
المسألة الخامسة والسبعون:
أفضل الأوقات في الصلوات كلها أولها. هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا
والدليل على صحته بعد الاجماع المتقدم ما رواه ابن مسعود قال: سألت النبي
ص فقلت ما أفضل الأعمال؟ قال فقال الصلاة في أول وقتها. وروت أم فروة أن
النبي ص قال أفضل الأعمال عند الله الصلاة في أول وقتها وأيضا تقديم
الصلاة في أول وقتها احتياط للفرض أولا وإنما الجواب عن تعلقهم بما روي عنه
ع من قوله أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فهو أن المراد بذلك أنه لا يصلى إلا بعد أن
يوقف بإسفار الفجر وهو طلوعه ولم يذكر إسفار النهار.
المسألة السادسة والسبعون:
وقت صلاة الوتر من حين يذهب ثلث الليل إلى مطلع الفجر. عندنا أن وقت صلاة
الليل بعد انتصافه وكلما قرب من الفجر كان أفضل. والدليل على صحة مذهبنا بعد
الاجماع المتقدم أن صلاة الليل بعد انتصاف الليل وفي أواخره أشق منها في ثلثه والمشقة
يزيد بها الثواب ويكثر لها الجزاء فما ذكرناه من الوقت أولى.
المسألة السابعة والسبعون:
ولا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها هذا
صحيح. وعندنا أنه يجوز أن يصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كل صلاة لها
225

سبب متقدم وإنما لا يجوز أن يبتدئ فيها النوافل ووافقنا على ذلك الشافعي وقال أبو حنيفة
يجوز فعل الصلاة التي لها سبب في وقتين من جملة المنهي عنه وهو ما بعد الصبح إلى حين
يطلع الشمس وما بعد العصر إلى أن تغرب ولا يجوز في الأوقات الثلاثة التي نهى عنها
لأجل الوقت وهي حال طلوع الشمس واستوائها للزوال وحال غروبها إلا عصر يومه إذا
فاتت فيجوز أن يصليها في وقت المغرب. دليلنا بعد الاجماع المتكرر، قوله تعالى: أقم
الصلاة والظاهر يتناول جميع الأوقات ولا يلزم على ذلك فعل النوافل في الأوقات المنهي
عنها لأنه خرج بدليل وما روي عنه ع من قوله: من نام عن صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها ولم يفصل بين وقت وآخر وما روي من أن قيس بن فهد صلى بعد
الصبح فقال له النبي ص ما هاتان الركعتان؟ فقال ركعتا الصبح فلو لم
يكن جائزا لأنكر عليه فإن تعلقوا بقوله ع لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع
الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. الجواب عنه أن ذلك عام
في الصلوات التي لها أسباب والتي لا أسباب لها وأخبارنا خاصة في جواز ما له سبب.
المسألة الثامنة والسبعون:
ولا بأس بالتطوع بعد الفجر وبعد العصر. عندنا أنه لا يجوز التطوع بعد صلاة
الفجر إلى زوال الشمس إلا في يوم الجمعة خاصة ولا يجوز التطوع بعد صلاة العصر
ووافقنا على ذلك الشافعي وخالفه أبو حنيفة في جواز التنفل وقت الزوال من يوم الجمعة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه من منع التنفل في الأوقات التي ذكرناها ما روي عنه
ع من قوله لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى
تغرب الشمس. وفي حديث الصباح أنه نهى عن الصلاة في وقت الطلوع واستواء
الشمس وغروبها فأما الدليل على جواز ذلك في يوم الجمعة خاصة فهو بعد إجماع الفرقة
المحقة ما رواه أبو هريرة قال نهى رسول الله ص عن الصلاة نصف
النهار حين تزول الشمس إلا يوم الجمعة.
226

المسألة التاسعة والسبعون:
وللمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر ما بين زوال الشمس إلى غروبها وبين
العشائين ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر قد بينا مذهبنا في أوقات هذه الصلوات
ودللنا عليه ولا معنى لتكراره والإجازة للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر ما بين زوال
الشمس إلى غروبها كأنه ينقض القول بأن وقت الظهر متميز من وقت العصر وتحديد
كل واحد منهما بحد لا يدخل فيه الآخر لأنه ليس للمسافر أن يصلى الصلاة في غير وقتها
كما أن ليس للحاضر ذلك.
المسألة الثمانون:
من أخطأ القبلة وعلم به قبل مضى وقت الصلاة فعليه إعادتها فإن علم بعد
مضى وقتها فلا إعادة عليه. هذا صحيح. وعندنا أنه إذا تحري القبلة فأخطأ ثم تبين له
الخطأ أنه يعيد ما دام في الوقت ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت. وقد روي أنه إن كان خطاؤه
يمينا أو شمالا أعاد ما دام الوقت باقيا فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه فإن استدبر القبلة
أعاد على كل حال والأول هو المعول عليه وافقنا في ما ذهبنا إليه مالك وقال أبو حنيفة
وأصحابه أن صلاته ماضية ولا إعادة عليه على كل حال وقال الشافعي في الجديد إن من
أخطأ القبلة ثم تبين له خطاؤه لزمه إعادة الصلاة وقوله في القديم مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المقدم ذكره قوله تعالى: وحيث ما كنتم
فولوا وجوهكم شطره. فأوجب التوجه على كل مصل إلى شطر البيت فإذا لم يفعل ذلك
كان الأمر عليه باقيا فيلزمه الإعادة.
فإن قيل الآية تقتضي وجوب التوجه على كل مصل وليس فيها دلالة على أنه
إذا لم يفعل لزمه الإعادة.
قلنا: لم نحتج بالآية على وجوب القضاء وإنما بينا بالآية وجوب التوجه على كل
مصل فإذا لم يأت بالمأمور به فهو باق في ذمته فيلزمه فعله وليس لأحد أن يقول هذه الآية
إنما يصح أن يحتج بها الشافعي لأنه يوجب الإعادة على كل حال في الوقت وبعد خروج
227

الوقت وأنتم تفصلون بين الأمرين فظاهر الآية تقتضي الأفضل بينهما فلا دليل لكم على
مذهبكم في الآية. قلنا: إنما أمر الله كل مصل للظهر مثلا بالتوجه إلى شطر البيت ما دام في
الوقت ولم يأمره بالتوجه بعد خروج الوقت لأنه إنما أمر بأداء الصلاة لا بقضائها والأداء
ما كان في الوقت والقضاء ما خرج عن الوقت فهو إذا تحري القبلة وصلى إلى جهة ثم تبين له
الخطأ وتيقن أنه صلى إلى غير القبلة وهو في الوقت لم يخرج عنه فحكم الأمر باق عليه
ووجوب الصلاة متوجها إلى القبلة باق في ذمته وما فعله غير مأمور به ولا يسقط عنه
الفرض فيجب أن يصلى ما دام في الوقت الصلاة المأمور بها وهي التي تكون إلى جهة
الكعبة لأنه قادر عليها ومتمكن منها وبعد خروج الوقت لا يقدر على فعل المأمور به بعينه لأنه
قد فات بخروج الوقت والقضاء في الموضع الذي يجب فيه. إنما نعلمه بدليل غير دليل
وجوب الأداء وهذا الموضع قد بيناه في مسائل أصول الفقه وليس لأحد أن يقول إن المصلي
في حال اشتباه القبلة عليه لا يقدر على التوجه إلى القبلة فالآية مصروفة إلى من يقدر على
ذلك لأن هذا القول تخصيص لعموم الآية بغير دليل ولأنه إذا تبين له الخطأ في الوقت فقد
زال الاشتباه فيجب أن تكون الآية متناولة له ويجب أن يفعل للصلاة إلى جهة القبلة فإن
تعلقوا بما روي عن النبي أنه قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
والجواب عن ذلك إنا نقول أن خطأه مرفوع وإنه غير مؤاخذ به وإنما تجب عليه الصلاة
بالأمر الأول لأنه لم يأت بالمأمور فإن تعلقوا بما روي من أن قوما أشكلت عليهم القبلة لظلمة
عرضت فصلى بعضهم إلى جهة وبعضهم إلى غيرها وعلموا ذلك فلما أصبحوا ورأوا
تلك الخطوط إلى غير القبلة وقدموا من سفرهم وسألوا النبي ع عن ذلك فسكت
ونزل قوله تعالى: فأين ما تولوا فثم وجه الله. فقال النبي أجزتكم صلاتكم والجواب عن
ذلك إنا نحمل هذا الخبر على أنهم سألوه ع عن ذلك بعد خروج الوقت وهذا
صريح في الخبر لأنه كان بسؤالهم بعد قدومهم من السفر فلم يأمرهم ع بالإعادة
لأن الإعادة على مذهبنا لا يلزم بعد خروج الوقت. وأصحاب الشافعي يتأولون الخبر على
أنه كان في صلاة التطوع ويروون عن ابن عمر أنه قال نزلت هذه الآية في التطوع خاصة
والتأويل الذي ذكرناه يغني عن هذا.
228

المسألة الحادية والثمانون:
لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة ولا في الثوب المغصوب. هذا صحيح وهو
مذهب جميع أصحابنا فالمتكلمين من أهل العدل إلا الشاذ منهم فإن النظام خالف في ذلك
وزعم أنها مجزئة ويذهبون إلى أن الصلاة في الدار المغصوبة لا تجزئ وإلى ذلك ذلك ذهب أبو
علي وأبو هاشم ومن عداهما من المحققين والمدققين وقال سائر الفقهاء أن الصلاة في
الدار المغصوبة والثوب المغصوب مجزئة.
الدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره وأيضا فإن من شرط الصلاة
أن تكون طاعة وقربة ولا خلاف في هذه الجملة وكونها مؤداة في الدار المغصوبة يمنع من
ذلك. ألا ترى أن عاقلا لا يجوز أن يتقرب إلى الله بما يعلمه قبيحا ومعصية وأيضا فإن من
شرط الصلاة أن ينوي بها، إذا كانت واجبة أداء الواجب وكونها في الدار المغصوبة
يقدح في النية ويمنع منها ولا شبهة في أن الصلاة في الدار المغصوبة قبيحة ومعصية ومن
يظن من الفقهاء خلاف ذلك ويعتقد أنها طاعة ويزعم أن فعله لها منفصل من الغصب
له فقد فحش خطاؤه لأن العقل دال على قبح تصرف الغاصب في الدار لأنه ظلم ويجري
تصرفه في الدار مجرى تصرفه في المال المغصوب وصلاته في الدار ليس سوى تصرفه
فيها. ألا ترى أن قيامه وقعوده وركوعه وسجوده يمنع صاحب الدار من تصرفه فيها فقد
صار من جملة الغصب هذا التصرف ولا فرق بين أن يقوم في الدار ويقعد بغير إذن
مالكها وبين أن يجعل فيها متاعا. فلو كان قعوده ليس بغصب لكان شغل الدار بالمتاع
ليس بغصب وقد تعلق قوم في إجزاء الصلاة في الدار المغصوبة بأن الصلاة تنقسم
إلى فعل وذكر والفعل فيها وإن تناول الذكر فالذكر لا يتناولها ولا يمنع أن تجزئ وإن وقعت
في الدار المغصوبة من حيث وقع ذكرها طاعة وإن كان فعلها معصية ولا يمتنع أن يتوجه نيته
إلى الذكر دون الفعل والجواب عن هذه الشبهة أن الذكر لا يخلو من وجهين: إما أن يكون
تابعا للفعل الذي هو الصلاة فيكون هو المعتمد والذكر كالشرط له أو يكون مجموعهما
صلاة ولا يمكن غير ذلك فإذا صح ما قررناه فنيته يجب أن تنصرف إلى جملة الصلاة التي
هي فعل وذكر وقد بينا أن كونها معصية تمنع من ذلك وذكر بعض محصلي من تكلم في
229

أصول الفقه أن الصلاة في الدار المغصوبة من حيث استوفى شروطها الشرعية فيجب
أن تكون واقعة على وجه الصحة وإن كانت معصية بحق صاحب الدار وزعم أن الفعل
يختص به بوجهين حل محل الفعلين المنفصلين وادعى أن نية المصلي واعتقاده يتوجهان
نحو الوجه الذي يتكامل معه الشروط الشرعية دون الوجه الذي يرجع إلى حق صاحب
الدار وهذا غير صحيح لأنه يبني كلامه على أن الصلاة في الدار المغصوبة قد استوفيت
شروطها الشرعية وقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك لأن من شروطها الشرعية كونها طاعة
وقربة ومن شروطها الشرعية نية أداء الواجب بها إذا كانت الصلاة واجبة وهذا لا يتم في
الدار المغصوبة فبطل كونها مستوفية للشروط الشرعية وبعد فإن نية المصلي تنصرف
إلى جملة الصلاة جميعها ولا يجوز أن يكون شطر منها معصية وقبيحا وأما الصلاة في
الثوب المغصوبة فلا يمكن أن يقال فيه ما قلناه في الصلاة في الدار المغصوبة ومن
يوافقنا في أن الصلاة غير جائزة نعتمد على أنه منهي عنه وإن النهي يقتضي الفساد ونفي
الأجزاء وهذا ليس بمعتمد لأنا قد بينا في مسائل أصول الفقه أن النهي بظاهره ومجرده لا يقتضي
فساد المنهي عنه ونفي أجزائه والصحيح في وجه المنع من الصلاة في الثوب المغصوب
إنا قد علمنا أن أجزاء الفعل وتعلق الأحكام الشرعية به إنما يعلم شرعا والأخبار في الفعل
الشرع فمن ادعى إجزاء الصلاة في الثوب المغصوب فقد أبيت شرعا ويلزمه إقامة
دليل شرعي عليه وليس في أدلة الشرع ما يقتضي ذلك وأيضا فإن الصلاة في ذمة المكلف
بلا خلاف وإنما يجب أن يعلم سقوطها من ذمته حتى تبرأ ذمته. قد علمنا أنه إذا أداها في
ثوب مملوك فقد تيقن براءة ذمته وقد علمنا سقوط الفرض عنه وإذا أداها في ثوب
مغصوب فلا يقين ببراءة ذمته فيجب نفي جوازه.
المسألة الثانية والثمانون:
تكبيرة الافتتاح من الصلاة والتسليم ليس منها لم
أجد لأصحابنا إلى هذه الغاية نصا في هاتين المسألتين ويقوى في نفسي أن تكبيرة الافتتاح
من الصلاة وأن التسليم أيضا من جملة الصلاة وهو ركن من أركانها وهو مذهب
230

الشافعي ووجدت بعض أصحابنا يقول في كتاب له: إن السلام سنة غير مفروض ومن تركه
متعمدا لا شئ عليه. وقال أبو حنيفة: تكبيرة الافتتاح ليس من الصلاة والتسليم ليس بواجب
ولا هو من الصلاة وإذا قعد قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام والكلام وغيرهما.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه من أن تكبيرة الافتتاح من الصلاة أنه لا خلاف في
أن نية الصلاة إما يتقدم عليه بلا فصل أو يقاربه على الاختلاف بين الفقهاء في ذلك ونية
الصلاة لا يجب مقارنتها إلا بما هو من الصلاة فلا يجب أن تتقدم عليه ولا تقارنه وفي
وجوب مقارنة النية أو التقدم لتكبيرة الافتتاح دليل على أنها من جملة الصلاة. وأيضا
فلا يكون من الصلاة إلا ما كان شرطه استقبال القبلة لأن استقبال القبلة إنما هو شرط في
الصلاة دون غيرها من الأفعال ولا يلزم على هذا الأذان والإقامة لأن الأذان والإقامة مستحب
فيهما استقبال القبلة وليس بواجب فيهما. وأيضا لو لم تكن تكبيرة الافتتاح من الصلاة
ما كان الوضوء شرطا فيه لأن الوضوء إنما هو شرط في أفعال الصلاة دون ما هو خارج عنها.
فإن قيل إنما هو شرط فيه الوضوء لأن الصلاة عقيبه بلا فصل فلو وقع بغير وضوء لدخل
في أول جزء من الصلاة بغير وضوء. قلنا ليس الأمر كذلك لأنا لو فرضنا رجلا مستقبل
القبلة وعلى يمينه حوض عال يقدر أن يتناول منه الماء بغير مشقة فابدأ بأول التكبير ومد
بقوله الله صوته وهو في حال امتداد صوته يتوضأ من ذلك الماء حتى يكون فراغه من آخر
الوضوء قبل أن يختم لفظ التكبير بحرف أو بحرفين فمعلوم أن هذا جائز فعلمنا أن
الوضوء شرط في التكبير نفسه لا للتحرز من وقوع الصلاة عقيبه بغير وضوء فإن تعلق
المخالف بقوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى فجعله مصليا عقيب الذكر
لأن الفاء للتعقيب والذكر الذي يكون عقيب الصلاة وهو ذكر الافتتاح فلو كان من
الصلاة لكان مصليا معه والله تعالى جعله مصليا عقيبه فالجواب عن ذلك إنا لا نسلم
أن المراد بالذكر تكبيرة الافتتاح بل لا يمنع أن يراد به الأذكار التي يؤتى بها قبل الصلاة
من الخطبة والأذان على أن أصحابنا يذهبون إلى أنه مسنون للمصلي أن يكبر تكبيرات
قبل تكبيرة الافتتاح التي هي الفرض وليست هذه التكبيرات من الصلاة فيجوز أن
يحمل الذكر الذي تضمنته الآية على هذه التكبيرات فإن قالوا ليس يخلو المصلي من أن
231

يدخل في الصلاة بابتداء التكبير أو عند الفراع منه ولا يجوز أن يدخل بابتدائه لأن الاجماع
متى لم يأت بالتكبير على التمام لا يدخل في الصلاة فثبت أنه إنما يدخل بالفراغ منه وإذا
كان ابتداء التكبير وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها؟ قلنا: ليس يمتنع أن
يكون الدخول في الصلاة إنما يكون بالفراغ من التكبير ثم تبين بذلك أن جميع التكبير كان
من الصلاة كما أن عندهم أن التسليم ليس من الصلاة ولو ابتداء بالسلام فإنه لا يخرج
بذلك من الصلاة فإذا فرع منه تبين عندهم أن جميعه وقع خارج الصلاة وكذلك إذا قال
بعت هذا الثوب لم يكن ذلك بيعا فإذا قال المشتري: قبلت صار الإيجاب والقبول
بمجموعها معا فأما الدلالة على وجوب السلام فهو ما روي عنه ع من قوله
مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم فلما قال وتحليلها التسليم دل
على أن غير التسليم لا يكون تحليلا لها. وأيضا ما رواه سهل بن سعد الساعدي أن النبي
ص كان يسلم في الصلاة عن يمينه وعن شماله وقد قال ص
صلوا كما رأيتموني أصلي. فوجب اتباعه في ذلك. وأيضا فكل من قال أن التكبير من
الصلاة ذهب إلى أن السلام واجب وإنه منها من هذه الطريقة دلالة على وجوب
السلام وإنه من الصلاة. ويدل أيضا على أن السلام من الصلاة ما رواه عبد الله بن
مسعود قال ما نسيت من الأشياء فلم أنس تسليم رسول الله ص في الصلاة
عن يمينه وشماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأيضا ما روته عائشة
أن النبي كان يسلم في الصلاة عن يمينه وشماله السلام عليكم ورحمة الله فأما ما تعلق به
المخالف بما رواه عبد الله بن مسعود بأنه علمه التشهد ثم قال: إذا قلت هذا فقد قضيت
صلاتك وبخبر أبي هريرة أن النبي علم الأعرابي الصلاة بذكر التسليم والجواب عن
خبر ابن مسعود أنه روي في بعض الأخبار أن عبد الله بن مسعود هو القائل إذا قلت هذا
فقد قضيت صلاتك وليس من كلامه ع على أن ظاهر الخبر متروك بإجماع لأنه
يقتضي أن صلاته تتم إذا أتى بالشهادة وبالإجماع أنه قد بقي عليه شئ وهو الخروج لأن
الخروج عندهم يقع بكل مناف للصلاة فبطل التعلق بالظاهر والجواب عن خبر أبي هريرة
أنه ص يعلمه السلام لأنه كان يحسنه ويجوز أن يكون ذلك قبل فرض السلام
232

مما يجوز الاستدلال به على من خالف من أصحابنا في وجوب السلام أن يقال قد ثبت
بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت وجوب الدخول فيها فإن لم يقف الخروج
منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال النافية للصلاة كما يقول
أبو حنيفة وأصحابنا لا يجوزون ذلك فثبت وجوب السلام.
المسألة الثالثة والثمانون:
فرض الافتتاح متعين بقول الله أكبر لا يجزئ غيره مع القدرة عليه هذا صحيح وهو
مذهب جميع أصحابنا ووافقنا على أن الصلاة لا تنعقد إلا بقول الله أكبر والله أكبر الشافعي
وقال أبو حنيفة ومحمد ينعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم والتفخيم ويجوز الاقتصار عندهما
على مجرد الاسم وهو أن يقول الله ولا تأتي بالصفة وقد روي عنه رواية أخرى أنه لا بد من
الصفة وقال أبو يوسف ينعقد بألفاظ التكبير مثل قوله الله أكبر والله المتكبر ولا ينعقد بغير
ألفاظ التكبير وحكي عن الزهري أنه قال تنعقد الصلاة بمجرد النية دليلنا الاجماع المتقدم
ذكره وأيضا فإن الصلاة في ذمته ولا تسقط عنه إلا بيقين ونحن نعلم أنه إذا افتتح بقوله
الله أكبر أجزت الصلاة وسقطت عن ذمته وإذا افتتحها بغير ذلك فلا يقين في سقوطه عن
الذمة ولا علم فيجب الاقتصار على اللفظ الذي تيقن معه إجزاء الصلاة وبراءة الذمة
منها وأيضا ما رواه رفاعة بن ملك أن النبي ص قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى
يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وأيضا فما روي أن النبي قال إذا قام
أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمر الله ثم يكبر وفي خبر آخر مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها
التكبير وتحليلها التسليم وليس لأحد أن يقول إن التكبير هو كل لفظة قصد به التعظيم
والتفخيم والتسبيح والتهليل من جملة ذلك والخبر عام في الكل وذلك أن التسبيح
والتهليل لا يسمى في عرف الشرع أنه تكبير بل له اسم مخصوص ولا يعرف أحد أن أهل
الشرع يسمون من قال سبحان الله أو لا إله إلا الله أنه مكبر وأنه فعل تكبيرا هذا هو العرف
الذي لا يمكن المحيد عنه وكما لا يسمى التكبير تسبيحا كذلك لا يسمى التسبيح تكبيرا
ههنا فإن قيل من جملة التكبير وألفاظه قول الله أكبر وقد أجازه الشافعي وأنتم تمنعون منه
233

قلنا المعهود في الشرع فيما يسمى تكبيرا أن يأتي باللفظ الذي قد اعتيد استعماله في ذلك وهو
قوله الله أكبر فلا مراعاة في ذلك بالاشتقاق الذي يستوي فيه جميع هذه الألفاظ وليس
بمعهود في من يصلى أو يكبر في غير الصلاة أن يقول الله أكبر الكبير أو الله الأكبر على أن
الخبر إذا اقتضى أن التسبيح والتهليل والتحميد لا يجوز أن تفتتح به الصلاة لم يجز في لفظه
الله الكبير لأن كل من قال إنها لا تفتح بالتسبيح والتهليل يقول إنها تفتتح بلفظ الله
الكبير على أنا نقول للشافعي ليس يخلو ما يفتتح به الصلاة من أن يكون القصد فيه اللفظ
والمعنى فإن كان المقصد فيه اللفظ فيجب ألا يجزئ إلا اللفظة المخصوص المسنون وهو
قوله الله أكبر وليس هذا مذهبك أيها الشافعي لأنك تجيزه بالأكبر وإن كان الاعتبار بالمعنى
وهو التفخيم والتعظيم فيلزم عليك الله العظيم والله الجليل وكل لفظ فيه تعظيم لله فإن قال
لا فرق في اللفظ إذا كان المعتبر به بين قول القائل الله أكبر وقوله الله الأكبر لأن
لفظ الأكبر لفظ أكبر وزيادة فلا يخل بالمعنى قلنا معلوم اختلاف اللفظين وأن أحدهما يخالف في
الصورة صاحبه وإن كان المقصد اللفظ لم يجز غيره وإن كان في معناه أن يدخل حرف في
حروفه.
المسألة الرابعة والثمانون:
تجب القراءة في الركعتين الأولتين عندنا أن القراءة في الركعتين الأولتين واجب
لا يجوز الإخلال بها فأما الركعتان الآخرتان فهو مخير بين القراءة وبين التسبيح وأيهما فعل
أجزأه وقال الشافعي القراءة واجبة في كل ركعة وقال مالك يجب القراءة في معظم الصلاة
فإن كانت الصلاة ثلاث ركعات قرأ في الركعتين وإن كانت أربعا قرأ في ثلاث وقال
أبو حنيفة فرض القراءة في ركعتين من الصلاة فإن كانت من الأولتين وقعت عن فرضه
وإن تركها فيهما لزمه أن يأتي بها في الآخرتين وقال الحسن تجب القراءة في ركعة واحدة
دليلنا على صحته الاجماع المتكرر ذكره وأيضا ما رواه رفاعة بن مالك من أن رجلا دخل
المسجد فصلى قرب رسول الله ص ثم جاء فسلم عليه فقال له
ع أعد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني كيف أصلي فقال إذا قمت إلى الصلاة
234

فكبر ثم اقرأ فاتحة الكتاب ثم اركع وارفع حتى تطمئن قائما وذكر الخبر إلى أن قال هكذا
فاصنع في كل ركعة فإن قيل وأنتم لا توجبون القراءة في كل ركعة وإنما هذا دليل الشافعي
قلنا نحن نوجب القراءة في كل ركعة لكن في الأولتين على سبيل التضييق وفي الآخرتين
على سبيل التخيير وكون النبي مخيرا فيه وله بدل لا يخرجه من أن يكون واجبا وأيضا قوله
تعالى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن وظاهر هذه الآية يقتضي عموم الأمر الذي هو على
الوجوب لكل الأحوال الذي من جملتها الصلاة فوجب أن تكون القراءة واجبة في
الأولتين تضييقا وفي الآخرتين أيضا إلا أنه لما قام الدليل على أن التسبيح في الآخرتين يقوم مقام
القراءة قلنا إن إيجاب القراءة فيهما على سبيل التخيير وكون الشئ مخيرا فيه لا يخرجه من
أن يكون واجبا ومن الدخول تحت ظاهر الآية وأيضا فما رواه عبد الله بن أبي قتادة عن
أبيه أن رسول الله ص كان يقرأ في الظهر في الأولتين بفاتحة الكتاب وسورة
وفي الآخرتين بفاتحة الكتاب وكذلك العصر وإذا ثبت أنه ع كان يقرأ في كل ركعة
وجب علينا أن نقرأ لقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وليس للمخالف أن يتعلق بما روي عنه
ع من قوله لا صلاة إلا بقراءة وأن الظاهر يقتضي إجزاء الصلاة بالقراءة في كل
ركعة واحدة وذلك أن المقصد بهذا الخبر إيجاب القراءة في الصلوات على الجملة فأما
الموضع الذي يجب فيه القراءة فغير مقصود بهذا الخبر وإنما يستفاد بدليل آخر.
المسألة الخامسة والثمانون:
وجوب القراءة متعين بفاتحة الكتاب وغير متعين بالسورة الأخرى عندنا أنه
لا يجزئ في الركعتين الأولتين إلا بفاتحة الكتاب ووافق الشافعي على ذلك وزاد إيجاب
قراءة الفاتحة في كل ركعة وفي كل ركعتان لمن أحسنها وقال أبو حنيفة قراءة الفاتحة ليس
بشرط فإذا قرأ آية من القرآن أجزأه وعنه رواية أخرى أنه قال إذا أتى بما يقع عليه اسم
القراءة وكان أقل من آية أجزأه والمشهور الأول وقال أبو يوسف إن قرأ آية طويلة أجزأه
وإن قرأ آيات قصارا ما يجزئه إلا ثلث آيات دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع
المتردد ما رواه عبادة بن الصامت أن النبي ع قال لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة
235

الكتاب فإن قيل هذا يقتضي وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ولا يجوز غيرها قلنا ليس
كذلك لأن قوله لا صلاة لمن لا يقرء فيها بفاتحة الكتاب إنما يدل على وجوب قراءة الفاتحة
في الصلاة على الجملة من غير تفصيل الركعات وأبو حنيفة يجوز صلاة ليس في شئ منها
الفاتحة فالخبر دليل عليه وأيضا ما رواه أبو هريرة من أن النبي ص قال كل
صلاة لم يقرء فيها بفاتحة الكتاب فهي حداح فإن قيل الحداح الناقص يقال له حدحت
الناقة إذا أتت بولد ناقص فالصلاة العارية من الفاتحة ناقصة إلا أنها تجزئ قلنا ليس
هي عندكم ناقصة لأنه مخير بين الفاتحة وغيرها فإن قيل قوله تعالى فاقرؤوا ما تيسر من
القرآن فهو مخير بين الفاتحة وغيرها قلنا الآية مجملة وأخبارنا مفسرة مبنية فالعمل عليها
أولى وليس لهم أن يقولوا هذا نسخ الآية وذلك أن البيان والتفسير ليس بنسخ ولو قال الله
تعالى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن وهو فاتحة الكتاب صح ولو كان يقتضي النسخ لما صح أن
يضم إلى اللفظ في الصريح فإن تعلقوا بما روي عنه ع من أنه قال لا صلاة
إلا بفاتحة الكتاب أو بغيرها فالجواب عنه أنه قيل إن هذه الزيادة غير معروفة في الخبر
ولو ثبتت لكان التأويل لا صلاة إلا بالفاتحة لمن يقدر عليها أو بغيرها. ممن لا يقدر عليها.
المسألة السادسة والثمانون:
لو قرأ بالفارسية بطلت صلاته وهذا هو الصحيح عندنا وقال الشافعي العبارة
عن القرآن بالفارسية وغيرها من اللغات ليس بقرآن ولا تجزئ به الصلاة بحال وقال
أبو حنيفة يجزئ به الصلاة واختلف أصحابه في أنه قرآن أم في معناه فمنهم من يقول إنه
قرآن ومنهم من يقول إنه ليس بقرآن ولكنه في معناه وقال أبو يوسف ومحمد إن كان يحسن
القرآن بالعربية لم يجزه غيرها وإن كان لا يحسنه أجزأه دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد
الاجماع المتكرر قوله تعالى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن وقوله ص لا صلاة لمن
لم يقرأ بفاتحة الكتاب والاحتجاج بالآية والخبر صحيح إذا سلموا لنا أن من عبر عن القرآن
بالفارسية فلا يقال له قرآن وإن لم يسلموا ذلك وادعوا أنه قرآن استدللنا على فساد قولهم
بقوله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا وقوله تعالى نزل به الروح الأمين إلى قوله عربي
236

مبين وأيضا فإن القرآن ليس بأدون حالا من الشعر ولو أن معبرا عبر عن قصده من الشعر
بالفارسية لما سمى أحد ما سمعه بأنه شعر فبأن لا يقال ذلك في القرآن أولى وأيضا فإن
اعجاز القرآن في لفظه ونظمه فإذا عبر عنه بغير عبارته لم يكن قرآنا فإن تعلق المخالف بقوله
تعالى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى وبقوله تعالى وإنه لفي زبر
الأولين والصحف الأولى لم تكن بالعربية وإنما كانت بلغة غيرها فالجواب عن هذا أنه
تعالى لم يرد أن القرآن كان مذكورا في تلك الكتب بتلك العبارة وقيل أيضا إنه أراد صفة
محمد ع وذكر شريعته ودينه في الصحف الأولى وإنما أراد أن حكم هذا الذي ذكر
في القرآن مذكور في تلك الكتب بتلك العبارة وقيل أيضا إنه أراد صفة محمد ع
فإن قيل قد حكى الله تعالى عن نوح أنه قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
وعن غيره من الأمم الماضية ونحن نعلم أنهم لم يقولوا ذلك بهذه العربية وإنما قالوه
بلغاتهم المخالفة لها إلا أنه لما حكي المعنى أضاف الأقوال إليهم وهذا يقتضي أن من عبر
عن القرآن بالفارسية وكون عبارته قرآنا قلنا لا أحد من الناس يقول إن من عبر الكلام
بما يوجد فيه معناه يكون قائلا له بعينه وإنما يكون قائلا لما معناه معنى هذا الكلام وفائدته
فظاهر الأمر متروك لا محالة.
المسألة السابعة والثمانون:
الطمأنينة بعد الاستواء من الركوع والسجود واجبة هذا صحيح وهو مذهب
أصحابنا وإليه ذهب الشافعي وقال أبو حنيفة ليس ذلك بواجب دليلنا على صحة ما ذهبنا
إليه بعد الاجماع المتقدم ما روي من قوله ع في خبر رفاعة ثم لتكبر ولتركع حتى
تطمئن راكعا ثم قال في آخر الخبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته فجعل تمام الصلاة متعلق
بالطمأنينة في الركوع فإن قالوا: قال الله تعالى واركعوا واسجدوا والركوع في اللغة هو
الانحناء والطمأنينة ليست مشروطة في تعلق الاسم قلنا إنما أوجب الله تعالى فقال الركوع
إيجابا مطلقا والنبي ع بين كيفية السجود في الخبر الذي ذكرناه ومما يدل على
وجوب الطمأنينة في السجود قوله ع في خبر رفاعة لا تقبل صلاة امرئ إلى أن
237

قال ثم ليسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله.
المسألة الثامنة والثمانون:
القعدة الأخيرة واجبة، هذا صحيح وعندنا أن الجلوس واجب والتشهد الأخير
واجب وكذلك التشهد في نفسه وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: الجلوس واجب
والتشهد غير واجب وقال الزهري ومالك والأوزاعي والثوري لا يجب واحد منهما دليلنا
على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد ما رواه ابن مسعود قال كنا نقول إذا جلسنا مع
رسول الله ص السلام على الله قبل عباده السلام على فلان السلام على فلان
فقال النبي لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله
والصلوات الطيبات إلى آخر التشهد فأمر بالتشهد وأمره على الوجوب وأيضا في خبر
آخر عن ابن مسعود أن النبي علمه التشهد ثم قال إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك.
المسألة التاسعة والثمانون:
السجود على سبعة أعضاء شرط في صحة الصلاة هذا صحيح وهو مذهبنا وإليه
ذهب الشافعي وهو أصح قوله وقد روي عنه رواية ضعيفة لأن ذلك لا يجب. وقال أبو حنيفة
إن ذلك غير واجب. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع الذي راعيناه ما رواه ابن
عباس قال أمر رسول الله ص أن يسجد على سبع، يديه وركبتيه وأطراف
أصابعه وجبهته وقد قال ع صلوا كما رأيتموني أصلي وروى أبو داود بإسناده عن
ابن عباس عن النبي أنه قال أمرت أن اسجد على سبعة: اليدين والركبتين وأطراف
القدمين والجبهة وروي عن حباب بن الإرث قال شكونا إلى رسول الله من حر الرمضاء في
جباهنا واكفنا فلم يشكنا فإن تعلقوا بقوله اركعوا واسجدوا وأن هذا قد سجد وقول النبي
ع للأعرابي ثم اسجد فالجواب عن ذلك أن ذلك كله كالمجمل لم يتبين فيه كيفية
السجود والخبر الذي رويناه قد ثبت فيه كيفية السجود والخبر الذي رويناه فهو أولى فإن
تعلقوا بما رواه ابن عباس أن النبي ص مثل الذي يصلى وهو عاقص شعره
238

مثل الذي يصلى وهو مكتوف فشبه عاقص الشعر بالمكتوف وصلاة عاقص الشعر جائزة
ولا يجب عليه الإعادة فكذلك المكتوف والجواب عن ذلك أن صلاة المكتوف إنما يجوز وإن لم
يضع يديه على الأرض لتعذر وضعهما عليه والعذر يسقط الفرض وإنما توجب ذلك في حال
القدرة والاختيار.
المسألة التسعون:
لا يجوز السجود على كور العمامة هذا صحيح وهو مذهبنا وبه قال الشافعي وقال
أبو حنيفة يجوز ذلك دليلنا الاجماع المتقدم وأيضا في خبر رفاعة ثم يسجد فيمكن جبهته من
الأرض حتى تطمئن مفاصله فظاهر الخبر يقتضي أنه ما لم يمكن جبهته من الأرض لا تقبل
الصلاة وروى ابن عباس أنه قال أمر رسول الله أن يسجد على سبعة أعضاء: اليدين
والركبتين والقدمين والجبهة ومن سجد على كور العمامة لم يسجد على الجبهة فإن تعلقوا
بما روي عنه ع أنه سجد على كور العمامة وبعض الجبهة فجوابنا أن هذا خبر
ضعيف عند أهل النقل على أنه لا حجة فيه لأنه قد ذكر فيه السجود على الجبهة وهو
الفرض وما انضاف إلى ذلك من كور العمامة لا اعتبار به لأنه وقع الاقتصار عليه.
المسألة الحادية والتسعون:
يصلى على النبي ص في التشهد الأول هذا صحيح وهو مذهبنا
وعندنا أن التشهد الأول واجب كوجوب التشهد الثاني والصلاة على النبي ع
واجبة ووافقنا في وجوب التشهد الأول الليث وأحمد وإسحاق وخالف باقي الفقهاء وقال
أبو حنيفة التشهدان جميعا غير واجبين وقال الشافعي الثاني واجب والأول ليس بواجب
وأوجب الشافعي في التشهد الأخير الصلاة على النبي عليه الصلاة وقال مالك
والثوري وأبو حنيفة ليست بواجبة دليلنا بعد الاجماع المتكرر بما روي عنه ع أنه
قال صلوا كما رأيتموني أصلي وقد كان ع يتشهد التشهدين جميعا لا محالة
وإذا وجب التشهد الأول وجبت الصلاة على النبي ع كوجوبها في الأخير لأن
كل من أوجب الأول أوجب الصلاة على النبي ع ومما يدل على وجوب الصلاة
239

على النبي فيها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فأمر بالصلاة عليه
وأجمعنا على أن الصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة فلم يكن موضعا يحمل عليه
إلا الصلاة وهذا الخبر يقتضي وجوب الصلاة على النبي في التشهدين معا وروت عائشة
أن النبي ع قال لا يقبل الله صلاة إلا بطهور والصلاة على النبي
ص.
المسألة الثانية والتسعون:
كل صلاة يجهر فيها بالقراءة فإنه يقنت فيها هذا صحيح وعندنا أن القنوت مستحب في
كل صلاة وهو فيما يجهر فيه بالقراءة أشد تأكيدا وقال الشافعي أن القنوت في الصبح مسنون
وروي عنه أنه قال يقنت في الصلوات كلها عند حاجة المسلمين إلى الدعاء وقال أبو
حنيفة وأصحابه وابن شبرمة والثوري في رواية الليث إنه لا قنوت في الفجر ولا غيرها وكان
ابن أبي ليلى ومالك وابن حي يرون القنوت في الفجر دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد
الاجماع المتقدم قوله تعالى وقوموا لله قانتين وهذا أمر فيه عام عنه لسائر الصلوات فإن
قيل هذا نهي عن الكلام في الصلاة ومعنى قانتين ساكتين وقيل إن القنوت هو طول
القيام في الصلاة بدلالة ما روي عن النبي ع من قوله أفضل الصلاة طول
القنوت يعني طول القيام قلنا لا يعتبر بمعنى هذه اللفظة في اللغة والمعتبر معناها في الشريعة
والمفهوم في الشريعة من قولنا القنوت هو الدعاء المخصوص كما أنه لا يعتبر بمعنى لفظ
الصلاة في اللغة وإنما يعتبر معناها في الشريعة ونحن نحمل ما روي عن النبي
ص من قوله أفضل الصلاة طول القنوت على أنه أراد به الدعاء أيضا لأن طول
الدعاء والتضرع إلى الله عبادة مستحبة ويدل على القنوت في صلاة الصبح ما رواه أنس
قال كان رسول الله ع يقنت في الصبح إلى أن فارق الدنيا فإن تعلق المخالف
بما روي عن عمر أنه قال قنت رسول الله شهرا ثم ترك قيل المراد بهذا أنه قنت في سائر
الصلوات غير الصبح ثم ترك ذلك ويجوز حمله أيضا على أنه كان يدعو على أقوام
بأعيانهم ثم ترك ذلك على أن أنسا روي عنه أنه ع قنت فثبت والمثبت أولى.
240

المسألة الثالثة والتسعون:
من أحدث في صلاة أو سبقه الحدث بطلت صلاته هذا صحيح وإليه يذهب
أصحابنا وهو مذهب الشافعي في قوله الجديد وقال في القديم تبطل الطهارة ولا تبطل
الصلاة فبنى عليها وهو قال مالك وأبي حنيفة وقال المحصلون من أصحاب أبي حنيفة إن
القياس عندهم ألا يبني على صلاته لأن انصرافه من الصلاة ومسه وغسله الأعضاء
أفعال تنافي الصلاة فتركوا القياس للأثر دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع
المتكرر أن الصلاة في الذمة بيقين فلا يسقط عنها إلا بيقين وقد علمنا أن الحدث إذا سبقه
ولم يعد الوضوء والصلاة بل توضأ وبنى على ما يقوله أصحاب أبي حنيفة فإن ذمته
ما برئت بيقين وإذا أعاد فقد تيقن براءة ذمته فوجب الإعادة وأيضا ما روي عنه
ع من قوله إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف
حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وهذا الحدث الذي كلامنا فيه قد سمع الصوت ووجد الريح
فيجب انصرافه عن الصلاة فإن قالوا: نحن إذا أوجبنا عليه أن ينصرف من الصلاة
ليتوضأ ثم يبني على ما فعله فقد قلنا بموجب الخبر قلنا الخبر يقتضي انصرافا عن الصلاة
فإن قالوا وأنتم تقولون إنه قال انصرف عنها بل هو فيها وإن تشاغل بالوضوء وأيضا فقد
روي عن النبي ع أنه قال لا صلاة إلا بطهور ومن سبقه الحدث فلا طهور له
فوجب ألا يكون في الصلاة وأن يخرج بعدم الطهور عنها وأيضا ما رواه أبو داود بإسناده
عن النبي ص أنه قال إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ
وليعد صلاته فإن قالوا نحمل ذلك على العمد أو على الاستحباب قلنا ظاهر الخبر يتناول
العمد وغير العمد ولا يجوز أن يخصه إلا بدليل وظاهر الأمر الوجوب ولا نحمله على
الاستحباب إلا بدليل فإن احتجوا بما رواه ابن أبي مليكة عن النبي ص أنه
قال إذا قاء أحدكم في الصلاة أو رعف فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم
يتكلم والجواب عن ذلك أن هذا خبر ضعيف مطعون فيه وقد قيل فيه ما هو مشهور ونحن
نقول بموجبه لأن القئ والرعاف عندنا ليس بحدثين ينقضان الوضوء لجاز معهما
الانصراف لغسل النجاسة والبناء على الصلاة وليس كذلك باقي الأحداث الناقضة للوضوء.
241

المسألة الرابعة والتسعون:
من تكلم في صلاته ناسيا أو متعمدا بطلت صلاته. الذي يذهب إليه أصحابنا أن
من تكلم متعمدا أبطلت صلاته ومن تكلم ناسيا فلا إعادة عليه وإنما يلزمه سجدتا السهو
وقال الشافعي من تكلم في صلاته ناسيا أو جاهلا بتحريم الكلام لم تبطل صلاته وقال
مالك كلام الناسي لا تبطل الصلاة وكذلك كلام العامد إذا كان فيه مصلحة للصلاة
وقال أبو حنيفة كلام العمد والسهو ومن يجهل تحريم الكلام تبطل الصلاة وقال النخعي
جنس الكلام يبطل الصلاة عمده وسهوه دليلنا على أن كلام الناس لا يبطل الصلاة بعد
الاجماع المتقدم ما روي عنه ع رفع عن أمتي النسيان وما استكرهوا عليه ولم يرد
رفع الفعل لأن ذلك يرفع وإنما أراد رفع الحكم وذلك عام في جميع الأحكام إلا ما قام عليه
دليل فإن قيل المراد رفع الإثم قلنا الإثم يدخل في جملة الأحكام واللفظ عام للجميع وأيضا
ما روي عنه ع من قوله فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وما ذكر الكلام فدل
على أنه ليس بحدث يقطع الصلاة وقد استدل الشافعي بخبر ذي الثديين أن أبا هريرة
روى أنه ع صلى بأصحابه العصر فسلم في الركعتين الأولتين فقام ذو الثديين
فقال أقصرت الصلاة أو نسيت يا رسول الله؟ فأقبل على الناس فقال أصدق ذو
الثديين فقالوا نعم وفي خبر آخر أنه أقبل على أبي بكر وعمر خاصة فقالا نعم فأتم ما بقي من
صلاته وسجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم بموضع الاستدلال أنه ع تكلم
في الصلاة ناسيا وتكلم بعد ذلك وهو يعتقد أنه خرج من صلاته فدل على أن الكلام مع
النسيان لا تبطل الصلاة وعند أبي حنيفة أن هذا الكلام يبطل الصلاة فإن قيل هذه
القصة كانت في صدر الاسلام حيث كان الكلام مباحا في الصلاة ثم نسخ قلنا إباحة
الكلام في الصلاة قبل الهجرة ثم نسخ بعدها أ لا ترى أن عبد الله بن مسعود قال قدمت
على النبي من أرض الحبشة فسلمت عليه فلم يرد ثم قال وإن مما أحدث الله ألا يتكلموا في
الصلاة وهذه القصة كانت بعد الهجرة لأن أبا هريرة أسلم بعد الهجرة بسبع سنين وأن
النبي ص سجد للسهو ولو كان الكلام مباحا لم يسجد وفي بعض الأخبار أن
النبي ع لما أقبل على الناس وسألهم أومأوا أن نعم ولو كان الكلام مباحا لتكلموا
242

فأما ذو اليدين فكان يعتقد أن الصلاة قد قصرت وأنه قد خرج من الصلاة لأن الظاهر
من أفعال النبي أنها تقع موقع الصحة فاعتقد ذلك فلم تبطل صلاته بالكلام فأما
ما روي في بعض الروايات أن ذا اليدين قال بل نسيت وهذا يدل على أنه ما اعتقد قصر الصلاة
وأنه تكلم عامدا فالجواب عنه أنه يجوز أن يكون قوله بل نسيت في ظني وتقديري لأن
القطع هناك غير ممكن ولم يعلم أن الظن ههنا يقوم مقام العلم ويمكن أيضا أن يكون
ذو اليدين قد أعاد الصلاة وحده لأنه تكلم عامدا وإن لم ينقل ذلك إلينا فأما باقي الناس
الذي سألهم فقال أ حقا ما يقول ذو اليدين أبو بكر وعمر خاصة على بعض الروايات
فالصحيح أنهم أومأوا أن نعم ولم يتكلموا وقد يقال في من أومئ أن نعم أنه قال: نعم.
وروي في هذا الخبر أن الناس أومأوا أن نعم لما سألهم النبي ع وقال قوم إن ذلك
الكلام كان إجابة لسؤال النبي ع وذلك لا يبطل الصلاة واستدلوا بأنه
ع مر على أبي وهو يصلى فقال السلام عليك يا أبي فالتفت ولم يرد عليه وخفف
الصلاة ثم أتى النبي فقال وعليك السلام ورحمة الله فقال النبي: ما منعك أن ترد قال كنت
أصلي الصلاة قال أ وما علمت أن فيما أوحي إلى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول الآية
والنبي لا يأمر بذلك مع أنه مبطل للصلاة فإن تعلقوا بما رواه عبد الله بن مسعود أن النبي
ص قال: وإن مما أحدث الله ألا يتكلموا في الصلاة هذا عام في السهو والعمد
في الصلاة والجواب عن ذلك أن هذا نهي وتكليف والنهي لا يتناول الساهي لأن السهو
يبطل التكليف واختص بالعامد والذي يمكنه الاحتراز من الفعل ولو كان ظاهره عاما
لخصصناه بالعامد للأدلة المتقدمة بمثل هذا يجيب من اعتمد على
ما روي عنه ع من قوله: الكلام يبطل الصلاة ولا يبطل
الوضوء.
المسألة الخامسة والتسعون:
من سلم تسليمتين في غير موضعهما بطلت صلاته أما من سلم تسليمة واحدة
أو تسليمتين في غير موضعهما من الصلاة متعمدا كانت صلاته باطلة لأنه قد تكلم عامدا
243

في الصلاة والكلام المتعمد فيها يبطلها فإن سلم ساهيا تسليمة أو تسليمتين في غير
موضعهما فعندنا أنه يبني على صلاته ولا يفسد الصلاة مع النسيان ويسجد سجدتي السهو
وقال أبو حنيفة إن تكلم ساهيا بطلت صلاته على ما حكيناه قبل هذا المسألة وقال أبو
جعفر الطحاوي كان رأي عمر أن يقول أن السلام يفسد الصلاة وقال مالك
والشافعي من سلم أو تكلم ساهيا بنى وقال الثوري في رواية إن سلام الناسي يفسد
الصلاة وفي رواية أخرى أنه لا يفسد وقال الحسن بن حي وعبيد الله ابن الحسن العنبري
لا يفسد الصلاة السلام ناسيا فأما الذي يدل على أن من سلم معتمدا في الصلاة تسليمة
أو اثنتين في غير موضعهما فإن صلاته مفسدة تفسد وإن كان في ذلك إصلاح لصلاته وهو خلاف
مالك بعد الاجماع المتقدم ما رواه زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل: وقوموا لله
قانتين فأمرنا بالسكوت في الصلاة وأيضا حديث عبد الله بن مسعود أنه قال: قدمت من
أرض الحبشة فوجدت النبي ع في الصلاة وكانوا يسلمون على المصلي فيرد
السلام قبل خروجي إلى أرض الحبشة فسلمت على النبي فلم يرد السلام علي فأخذني
ما قدم وما حدث فلما فرع من صلاته قال: إنما الله يحدث من أمره ما شاء وإن
ما أحدث ألا يتكلموا في الصلاة وأيضا حديث معاوية بن الحكم أن النبي ع قال:
لكن صلاتنا هذه لا يدخل فيها شئ من كلام الناس وهذه الأخبار كلها تدل على أنه
لا فرق بين ما هو إصلاح الصلاة وبين غيره فأما الذي يدل على أن من سلم ناسيا فإن
صلاته لا تفسد وأنه يبني على صلاته ويسجد سجدتي السهو فهو كل شئ دللنا عليه
والمسألة التي قبل هذه المسألة على أن من تكلم ناسيا في الصلاة لا تفسد صلاته وأيضا
فإن السلام أخص حالا من الكلام وإذا كان من تكلم ناسيا لا تفسد صلاته فأولى أن
يكون السلام بهذه الصفة وخبر ذي اليدين الذي تقدم ذكره يدل على أن من سلم ناسيا
لا تبطل صلاته لأنه روي أن النبي ع سلم في الركعتين الأولتين ساهيا من
الظهر أو العصر ثم بنى على صلاته.
244

المسألة السادسة والتسعون:
من زاد في صلاته سجدة مقصودة غير مسهو عنها بطلت صلاته هذا صحيح
ولا خلاف فيه بين أصحابنا ولا بين المسلمين.
المسألة السابعة والتسعون:
من أم قوما بغير طهارة بطلت صلاته وصلاة المؤتمين هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا
فأما بطلان صلاته ووجوب الإعادة فلا خلاف فيهما والأقوى في نفسي على ما يقتضيه
المذهب أن تجب الصلاة على المؤتمين به أيضا على كل حال. وقد وردت رواية بأنهم
يعيدون في الوقت ولا إعادة عليهم بعد خروج الوقت وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا صلى
الإمام وهو جنب بقوم لم ينعقد للإمام صلاة وإذا لم ينعقد صلاته لم ينعقد للمأموم صلاة وجب
عليه وعليهم الإعادة وقال الشافعي إذا صلى الجنب أو المحدث بقوم فصلاته في نفسه
باطلة سواء علم بحدثه أو لم يعلم والمأمومون إن علموا بحاله بطلت صلاتهم وإن لم
يعلموا لم تبطل وكذلك كل موضع بطلت فيه صلاة الإمام لم يتعد ذلك البطلان إلى صلاة
المأمومين إلا أن يعلموا ببطلان صلاته ويستديموا الإتمام به وقال مالك: إن كان الإمام علم
بذلك لزم المأموم الإعادة وإن لم يكن علم لم يلزمهم وقال عطاء إن كان الإمام جنبا أعاد
المأموم بكل حال وإن كان محدثا فإن ذكر في الوقت أعاد وإن ذكر بعد خروج الوقت لم يعد،
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره وأيضا فإن هذه المسألة مبنية على أن
صلاة المأموم متضمنة لصلاة الإمام تفسد بفسادها والدليل على صحة ذلك ما رواه
أبو هريرة عن النبي ص أنه قال: الإمام ضامن فلو كان مصليا لنفسه ولم
تكن صلاة المأموم معقودة بصلاته لما كان الإمام ضامنا ويدل أيضا على ذلك قوله
ع صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بخمسة وعشرين درجة فلو كان كل واحد
مصليا لنفسه ولم تكن صلاة المأمومين متعلقة بصلاة الإمام لما استحقوا هذه الفضيلة
ولا يمكن أن يقال إن الفضيلة إنما هي الاجماع وذلك أنه لو اجتمعوا وصلوا وحدانا
لما استحقوا هذه الفضيلة فإن قيل لو كان صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام لوجب إذا
245

فسدت صلاة المأموم أن تفسد صلاة الإمام قلنا: صلاة الإمام غير متعلقة بصلاة المأموم
فلهذا لم تفسد بفسادها وليس كذلك المأموم لأن صلاته متعلقة بصلاة الإمام بما بيناه
والذي يفرق بين الأمرين أن الإمام لو علم بأن المأموم محدث لم يمنع ذلك من صحة صلاته
ولو علم المأموم أن إمامه محدث لم تصح صلاته وكذلك لو سها المأموم لم يلزم الإمام حكم سهوه
ولو سها الإمام لزم المأموم حكمه فإذا ثبت أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام وبطلت
صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم فإن احتجوا بما رواه أبو هريرة أن النبي ع صلى
بالناس جنبا فأعاد ولم يعد فالجواب عنه أن هذا معارض بما رواه سعيد بن المسيب بأن
النبي ع أعاد وأعادوا. وهذه الرواية أولى من روايتهم لأنها تثبت الإعادة وتلك
تنفيها.
المسألة الثامنة والتسعون:
لا يجوز إمامة الفاسق. هذا صحيح وعليه إجماع أهل البيت كلهم على اختلافهم
وهذه من المسائل المعدودة التي يتفق أهل البيت على اختلافهم عليها والدليل على
صحتها الاجماع المذكور وأيضا قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار
وتقديم الإمام في الصلاة اتباع له وركون إليه وسكون إلى أمانته والظاهر يمنع منه وكيف
لا يكون كذلك ركونا ولا سكونا وقد ضمن صلاة المؤتمين به على ما روي في الخبر أن الإمام
ضامن وأيضا فإن الفعل يعتبر في باب الإمام على ما روي في الخبر يؤمكم أقرؤكم على سياق
الخبر الدال على اعتبار الفضيلة في الإمامة والفسق نقص عظيم في الدين ولا يجوز أن يتقدم
الفاسق البر التقي إذا اعتبر في في الإمامة الفضل في العلم والقراءة وما جرى مجراهما وقدم
الأفضل في ذلك كيف لا يعتبر الفضل في الدين والثواب فإن تعلقوا بما روي عنه
ع من قوله صلوا على من قال لا إله إلا الله وخلف من قال لا إله إلا الله فالجواب عنه
أنه أراد من قال ذلك ولم يكن فاسقا بالأدلة التي ذكرناها.
246

المسألة التاسعة والتسعون:
من صلى وحده خلف الصفوف بطلت صلاته، الذي يذهب إليه أصحابنا أن من
دخل المسجد فلم يجد مقاما له في الصفوف أجزأه أن يقوم وحده محاذيا لمقام الإمام
وانعقدت صلاته في مقامه هذا وبذلك قال الشافعي وقال النخعي وحماد وابن أبي ليلى
لا ينعقد صلاته وقال أحمد وإسحاق تنعقد صلاته ثم يترقب مجئ رجل آخر فإن جاءه وقف
معه أجزأت الصلاة وإن لم يجئ وركع الإمام دخل في الصف فإن لم يفعل بطلت صلاته،
دليلنا الاجماع المتكرر ذكره وأيضا ما روي عن أبي بكر أنه دخل المسجد وهو يلهث فوجد رسول الله
ص في الركوع وركع خلف الصف ثم دخل مع الناس في الصف فلما فرع
رسول الله من صلاته قال أيكم أحرم خلف الصف فقلت أنا فقال زادك الله حرما ولا تعد
فلو لم تكن صلاته انعقدت لأمره بإعادتها فإن قيل قد نهاه عن العود قلنا إنها نهاه عن أن
يعود إلى التأخر عن الصلاة أو نهاه أن يدخل المسجد وهو يلهث لأن المصلي مأمور بأن
يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار فإن تعلقوا بما روي من أن النبي عليه وآله السلام
فرأى رجلا يصلى خلف الصف فلما فرع من صلاته وقف عليه حتى أتم صلاته ثم قال
أعد صلاتك فإنه لا صلاة لمن تفرد خلف الصف قلنا وقوفه ع حتى أتم صلاته
دليل على صحتها وإجزائها ولو كانت باطلة لم يقف على تمامها ويجوز أن يحمل أمره له
بالإعادة على الاستحباب بالأدلة المتقدمة.
المسألة المائة:
إذا سبق المؤتم الإمام بتسليمتين بطلت صلاته وإن سبق بتسليمة واحدة لم تبطل.
عندنا أنه إذا سها المأموم فسبق الإمام بتسليمة أو اثنتين لم تبطل صلاته وإن تعمد سبقه إلى
التسليم بطلت صلاته والذي يدل على ذلك الاجماع المتكرر ذكره وأيضا فإن السهو غير
مؤاخذ به وقد سقطت أحكامه لما دللنا عليه من قبل والذي يدل على أن تعمدها هنا يبطل
الصلاة لأنه يخرجه من الاقتداء بالإمام فتبطل بالإمام فتبطل صلاته لذلك.
247

المسألة الحادية والمائة:
سجدتا السهو للزيادة قبل التسليم والنقصان بعد التسليم. عندنا أن سجدتي
السهو بعد التسليم على كل حال وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى
وقال مالك إن كانتا للنقصان فموضعهما قبل التسليم وإن كانتا عن زيادة بعد السلام.
وقال الشافعي: سجدتا السهو قبل السلام سواء كانتا لنقصان أو لزيادة دليلنا الاجماع
المتكرر وأيضا ما رواه عمران بن الحصين والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص أن النبي
ص سجد سجدتي السهو بعد السلام وروى عبد الله بن مسعود عن النبي
ص قال: إذا شك أحدكم فليتحر الصواب ثم السلام ثم يسجد سجدتين
وروى عبد الله بن جعفر عن النبي ع أنه قال من شك في صلاة فليسجد سجدتين
بعد ما يسلم وروى ثوبان عن النبي أنه قال في كل سهو سجدتان بعد ما يسلم.
المسألة الثانية والمائة:
من شك في الأوليين استأنف الصلاة ومن شك في الأخريين بنى على اليقين. هذا
مذهبنا وهو الصحيح عندنا وباقي الفقهاء يخالفوننا في ذلك ولا يفرقون بين الشك في
الأوليين والأخريين وما كان عندنا أن أحدا ممن عدا الإمامية يوافق على هذه المسألة
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه فيهما الاجماع المتكرر وأيضا فإن الركعتين أوكد من
الآخرتين من وجوه منها: أن الأولتين واجبة في كل صلاة من الصلوات الخمس وليس
كذلك الآخرتان ومنها أن تكبيرة التحريم التي يدخل بها في الصلاة في الأولتين دون
الآخرتين ومنها أنهم أجمعوا على وجوب القراءة في الأولتين ولم يجمعوا في الآخرتين على
مثل ذلك لأن الشيعة الإمامية توجب القراءة في الأوليتين دون الأخريين والشافعي يوجبها
في الكل فقد أوجبها لا محالة في الأولتين وأبو حنيفة يوجبها في ركعتين من الصلاة غير
معينتين فهو على التحقيق موجب لها في الأولتين على ضرب من التخير ومالك يوجب
القراءة في معظم الصلاة فهو موجب لها في الأولتين على ضرب من التخير فصح أن
الاجماع حاصل إيجاب القراءة في الأولتين وهذه مزية فجاز لأجل هذه المزية ألا يكون فيها
248

سهو وإن جاز في الآخرتين وأيضا فإن إيجاب إعادة الأوليتين مع الشك فيهما استظهار
للفرض واحتياط له وذلك أولى وأحوط من جواز السهو فيهما
المسألة الثالثة والمائة:
يصلى المريض الذي لا يستطيع الصلاة من قعود على جنبه الأيمن. الذي يذهب إليه
أصحابنا وما أظن فيه خلافا من باقي الفقهاء أن المريض يجب عليه الصلاة على قدر طاعته
وقدرته فمن لم يستطع إلا الصلاة على الجنب الأيمن تعين ذلك عليه ومن شق ذلك
واستطاع على جنبه الآخر وجب ذلك المستطاع وسقط ما لا يستطيع وقد أسقط الله مع
عدم القدرة كل فريضة وأوجب ما هو في الطاقة وذلك أظهر من أن يخفى.
المسألة الرابعة والمائة:
من ترك الصلاة في حال فسقه ثم تاب فلا إعادة عليه، عندنا إن من ترك الصلاة
في حال فسقه ثم تاب فليصل ما فاته وتركه واجب عليه ولا خلاف بين جميع الفقهاء في هذا
الموضوع وإنما اختلفوا في غيره وهو المرتد هل يقضي بعد رجوعه إلى الاسلام ما تركه في
حال الردة من الصلاة والصيام فقال الشافعي: إن المرتد يلزم قضاء ذلك وهو الصحيح
عندنا، وقال أبو حنيفة ومالك لا يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في حال الردة فأما الفاسق
إذا تاب فلا خلاف في وجوب قضاء ما تركه في حال فسقه والدليل على صحة ما ذهبنا إليه في
المرتد الاجماع المتقدم ذكره بل إجماع المسلمين كلهم وأن هذا الخلاف حادث متجدد
ولا اعتبار بمثله وقد سبقه الاجماع ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بما روي عن النبي
ص: من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها والنسيان عبارة عن معنين
أحدهما النسيان الذي هو ضد العمد والآخر عن ترك الشئ على وجه العمد كقوله تعالى:
نسوا الله فنسيهم فعلى هذا يكون الخبر دلالة على وجوب القضاء لجميع ما تركه المرتد فإن
قيل: نحمله على النسيان الذي هو ضد العمد قلنا: اللفظة محتملة للأمرين فنحمله عليهما
على أنا لو حملناه على ضد العمد دون ما هو الترك لكان فيه دلالة لأنه إذا أوجب القضاء
249

بالترك على وجه النسيان فإن وجوبه على العمد أولى وأيضا فليس الفاسق بأسوأ حال من
المرتد فإذا وجب على المرتد بالأدلة المعروفة قضاء ما فاته في حال ردته فالفاسق بذلك أولى
لأن الفاسق ليس ينتهي إلى مساواة الردة.
المسألة الخامسة والمائة:
ومن شرع في التطوع ثم أفسده لا يلزمه القضاء وعند أصحابنا أن من شرع في
صلاة التطوع أو صوم التطوع ثم أفسده لا يلزمه القضاء وقال مالك: إن خرج بعذر لا قضاء
عليه وإن خرج بغير عذر فعليه القضاء دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر ذكره
وأيضا ما روته أم هاني بنت أبي طالب قالت: جلس رسول الله ص عام الفتح
وجلست فاطمة ع على يساره فاتته الوليدة بشراب فشرب ثم ناولني فشربت،
فقلت: يا رسول الله إني كنت صائمة فكرهت أن أرد سؤرك فقال ع: إن كنت
تقضين يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقض وإن شئت فلا تقض وأيضا ما روته أم
هاني عنه ع أنه قال: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر
وهذا التخيير بين الأمرين يوجب التساوي بينهما فإنه لا قضاء على المفطر لأنه لو وجب
الصيام بالدخول لما أسند الصوم إلى اختيار فكما لا يقال لمن صام يوما من شهر رمضان
إنه إن يشأ صام وإن يشأ أفطر وأيضا إن وجوب القضاء شرع وإيجاب في الذمة والأصل
براءة الذمة وإن لا حرج فمن منع من ذلك فعليه الدليل القاطع للعذر ولا دليل فيه.
المسألة السادسة والمائة:
وجود الخوف شرط في جواز القصر في السفر. عندنا أن القصر ليس مشروط
بالخوف في السفر وهو قول جميع الفقهاء على اختلافهم في وجوب القصر أو التخيير فيه
الدليل على ذلك الاجماع المتقدم ذكره بل إجماع الفقهاء كلهم فما يعرف فيه خلاف
وما يتجدد من الخلاف فلا اعتبار به وأيضا ما رواه يعلى بن منبه قال قلت: لعمر بن الخطاب
أباح الله القصر في الخوف فأين القصر في غير الخوف فقال: عجبت مما عجبت منه
250

فسألته ص عن ذلك فقال ص صدقة تصدق الله بها عليكم
فاقبلوا صدقته.
المسألة السابعة والمائة:
ولا يجوز الصوم في السفر إلا عند الضرورة. عندنا أن الإفطار في السفر المباح هو
الواجب الذي لا يجوز الإخلال به فمن صام في السفر الذي ذكرناه وجب عليه القضاء
ووافقنا على ذلك أبو هريرة وقال أبو حنيفة: الصوم في السفر أفضل من الإفطار وقال
الشافعي: هو مخير بين الصوم والفطر إلا أن الصوم أفضل وقال مالك والثوري الصوم في
السفر أحب إلينا ممن قوي إليه وروي عن ابن عمر أنه قال: الفطر أفضل دليلنا على صحة
ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر وذكره قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر وظاهر هذا الكلام يقتضي أن السفر والمرض يجب معهما القضاء ولا يجوز
معهما الصوم فإن قالوا في الآية ضمير وإنما يريد فمن كان مريضا أو مسافرا فأفطر فعدة
من أيام أخر وظاهر هذا الكلام يقتضي أن السفر والمرض يجب معهما القضاء ولا يجوز
معهما الصوم فإن قالوا في الآية ضمير وإنما يريد فمن كان مريضا أو مسافرا فأفطر فعدة
من أيام أخر قلنا الإضمار خلاف الظاهر فمن ادعاه بلا دليل لم يلتفت إلى قوله وإنما أثبتنا
في قوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ضمير أو هو يلحقه
بدليل ولا دليل في الموضوع الذي اختلفنا فيه ويدل على ذلك أيضا ما روي عنه ع
ليس من البر الصيام في السفر وأيضا ما روي عنه ص من قوله فاقبلوا
صدقته وهذا أمر وظاهر الأمر على الوجوب وأيضا ما روي عنه ع الصائم في
السفر كالمفطر في الحضر فإن احتجوا بما روي أن قروة بن عمر الأسلمي سأل النبي
ص عن الصوم في السفر فقال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر والجواب عنه إنا
نحمل ذلك على إباحة صوم التطوع بالأدلة التي ذكرناها فإن قيل أ فليس قد رويتم أنه
ليس من البر الصيام في السفر قلنا لو تركنا وظاهر هذا الخبر لمنعنا في السفر من صوم
الواجب والتطوع معا لكنا أخرجنا التطوع بدليل ويبقى الواجب داخلا تحت الظاهر.
251

المسألة الثامنة والمائة:
وأقل الإقامة عشرة أيام. هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا وقد قال بعضهم إن
أقل الإقامة خمسة أيام والأظهر الأشهر هو القول الأول ووافقنا على ذلك الحسن بن
صالح وقال الشافعي: مدة الإقامة التي تنقطع بها أحكام السفر أربعة أيام غير
يوم الدخول ويوم الخروج وهو قول مالك وأحمد وأبي ثور وقال سعيد بن جبير إذا أقام أكثر من خمسة
عشر يوما أتم فما كان أقل من خمسة عشر يوما فما دونها قصر وقال أبو حنيفة: إذا نوى
المسافر إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة وإن كان أقل من ذلك قصر وهو أحد
الروايات عن ابن عمر وفي رواية أخرى عنه أنها ثلاثة عشرة يوما وفي رواية ثالثة أنها
اثنا عشر يوما وهو قول الأوزاعي وقال ربيعة: يوم وليلة وقال الحسن: إذا دخل المسافر
بلدا أتم وعن عائشة أنها قالت: إذا وضع المسافر رحله أتم دليلنا الاجماع المتقدم ذكره
ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بما رواه مجاهد عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا قدمت
بلدا وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم به خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة ولم يرو عن أحد
من السلف خلافهما فإن قيل: هذا خلاف مذهبكم لأنكم تقولون إن المدة عشرة أيام قلنا:
من قال إن المدة عشرة أيام يوجب التمام لخمسة عشرة يوما لدخول العشرة فيها وهذا
الخبر يبطل قول الشافعي في الأربعة أيام على كل حال فإن احتج المخالف بما رواه عطاء
الخراساني عن سعيد بن المسيب قال: من أجمع على إقامة أربع وهو مسافر أتم الصلاة
فالجواب عنه أن هشيما روي عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا أقام
المسافر خمسة عشر يوما أتم فتعارضت الروايتان عن سعيد بن المسيب وسقطتا ويمكن أن
يحمل الخبر على غير ظاهرة وأن المراد أن من أجمع على مقام أربعة أيام بعد إجماعه على
إقامة ستة أتم.
المسألة التاسعة والمائة:
إذا صلى المسافر خلف المقيم أتم، عندنا أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم سلم
في الركعتين الأوليين وانصرف وقد روي أنه يجوز أن يجعل الركعتين الآخرتين تطوعا وقال
252

الشعبي وداود وطاووس يجوز له القصر وإن اقتدى بمقيم وقال الشافعي إذا اقتدى المسافر
بمقيم في الصلاة لزمه التمام وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري دليلنا على صحة
ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة، وهذا ضارب في الأرض وله حكم المسافر بلا خلاف
فيجب أن يلزمه التقصير وأيضا ما روي عنه ع من قوله: صلاة السفر ركعتان
وهذا مسافر ولا يلزمه صلاة المقيم فإن احتجوا بما روي من قوله ع إنما جعل
الإمام ليؤتم به وأن ظاهره يقتضي اتباعه في جميع أفعال الصلاة بكل حال فالجواب: أن
هذا المسافر مقتد بالمقيم في فرضه ولا يجب فيما زاد عليه مما ليس من فرضه للأدلة التي
ذكرناها
المسألة العاشرة والمائة:
يصلى في الخوف بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعة ويسلم بالطائفتين
جميعا ويصلى المغرب بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين عندنا أن كيفية صلاة الخوف
هي أن يفرق الإمام أصحابه فرقتين فرقة يجعلها بإزاء العدو تدافعه وفرقة خلفه ثم يكبر
ويصلى بمن وراؤه ركعة واحدة فإذا نهض إلى الثانية صلوا لأنفسهم ركعة أخرى وهو
قائم يطول القراءة ثم جلسوا فتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم فجاءت
الفرقة الأخرى فلحقوا الإمام قائما في الثانية فاستفتحوا الصلاة وأنصتوا القراءة فإذا
ركع ركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وهو
جالس ثم جلسوا معهم فسلم بهم وانصرفوا بتسليمه ووافقنا على هذا الترتيب
والتحديد الشافعي ووافق مالك عليه إلا في موضع واحد وهو أنه قال إذا صلى بالطائفة
الثانية ركعة فإنه يسلم ولا ينتظرهم حتى يسلم بهم وقال أبو حنيفة يفرقهم فرقتين فيحرم
بفرقة وتقف الأخرى في وجه العدو فيصلي بالتي خلفه ركعة فإذا قام إلى الثانية انصرفت
الطائفة التي خلفة فوقفت في وجه العدو وهم في الصلاة ثم تأتي الطائفة الأولى فيصلي بهم
الركعة الثانية ويسلم ثم تنصرف هذه الطائفة فتقف في وجه العدو وهم في الصلاة ثم
253

تأتي الطائفة الأولى إلى موضع الصلاة فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية ويرجعون إلى
وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي الركعة الثانية الدليل على صحة ما ذهبنا إليه
بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: فإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم
معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا
معك، ظاهر القرآن يقتضي أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام جميع صلاتهما وعند مخالفينا
من أصحاب أبي حنيفة أنها تصلي معه النصف فقد خالف الظاهر لأنه تعالى قال: فإذا سجدوا
فليكونوا من ورائكم فيجب أن يكون المراد بذلك سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية
يدل عليه إضافة السجود إليهم والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف إلى
الإمام أو إلى الإمام والمأموم ولا تضاف إلى المأموم وحده لأنه تابع ومما يقوى أن الترتيب الذي
ذكرناه في هذه الصلاة أقوى مما ذهب إليه غيرنا أن فيه تسوية بين الطائفتين من وجهين
أحدهما أن الإمام يحرم بالطائفة الأولى ويسلم بالطائفة الثانية فيحصل للأولى فضيلة
الإحرام وللثانية فضيلة التحليل وعلى قولهم يحرم بالأولى ولا يسلم بالثانية والوجه الثاني
أن الطائفة الأولى لما صلت مع الإمام حرستها الطائفة الأخرى وهي غير مصلية لتساويها
في حالة الحراسة في غير صلاة وعلى قولهم تحرسها في الصلاة وأيضا فإن الصلاة التي
يذهب المخالف إليها تشتمل على أمور تبطل بمثلها الصلاة منها المشي الكثير والأفعال
الكثيرة واستدبار القبلة وأن الطائفة الأولى إذا صلت ركعة انتظرت فراع الإمام والانتظار
الكثير يبطل الصلاة.
المسألة الحادية عشرة والمائة:
صلاة العيدين واجبة على الكفاية يكبر فيها سبعا في الأولى مع تكبيرة الافتتاح
والركوع وخمسا في الأخيرة مع تكبيرة القيام وتكبيرة الركوع فيواصل بين القراءتين وإن
شاء وصل بين التكبيرتين. الذي يذهب إليه أصحابنا في صلاة العيدين أنها فرض على
الأعيان وتكامل الشروط التي تلزم معها صلاة الجمعة من حضور السلطان العادل واجتماع
العدد المخصوص إلى غير ذلك من الشرائط وهما سنة تصلي على الانفراد عند فقد
254

الإمام أو اختلال بعض الشرائط ويكبر في الأولى سبعا من جملتها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة
الركوع وتكون قراءته عقيب قراءة الافتتاح وقبل باقي التكبيرات وفي الثانية يكبر خمسا
فيها واحدة عند قيامه وقبل قراءته ثم أربع من جملتهن تكبيرة الركوع ويقرأ عقيب تكبيرة
القيام وقبل باقي التكبيرات ووافقنا أصحاب أبي حنيفة بأن صلاة العيدين واجبة على
الأعيان وقالوا في عدد التكبيرات إنهن خمس في الركعة الأولى وأربع في الركعة الثانية
منها تكبيرة الركوع وقالوا إنه يوالي بين القراءتين كأنه كان يقرأ في الأولى بعد التكبير وفي
الثانية قبل التكبير وقال الشافعي صلاة العيدين ليست بواجبة ويكبر عنده في الركعة
الأولى سبعا سوى تكبيرة الافتتاح والركوع وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام والركوع
وتقرأ في الركعة الأولى والثانية بعد التكبير وقال مالك ويكبر في الأولى سبعا سوى تكبيرة
الافتتاح دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه في وجوب صلاة العيدين وترتيبها الذي شرحناه
إجماع الطائفة التي تقدم ذكرها وأيضا فلا خلاف في أن من صلى على الترتيب الذي رتبناه
وحسب ما أداه إليه اجتهاده يكون ذلك مجزيا عنه وإنما الخلاف في من خالف هذا الترتيب
فلا إجماع على أجزائه ولا دليل أيضا غير الاجماع عليه فوجب أن يكون الترتيب الذي
ذكرناه أولى وأحوط للإجماع على أجزائه.
المسألة الثانية عشر والمائة:
صلاة الكسوف ركعتان يركع في كل ركعة خمسا ويسجد سجدتين إلى هذا المعنى
يذهب أصحابنا في صلاة الكسوف والعبارة الصحيحة من ذلك أن يقال إن هذا
الصلاة عشر ركعات وأربع سجدات خمس وسجدتان ثم خمس وسجدتان كأنه يفتتح
الأولى بالتكبير والقراءة ثم يركع خمسا ثم يسجد سجدتين فإذا قام قرأ ثم يركع خمسا
ويسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم ولا يقول سمع الله لمن حمده إلا في الركعتين اللتين يليها
السجود وقال الشافعي صلاة الكسوف ركعتان كصلاة الصبح الدليل على صحة
ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره والدليل الثاني الذي ذكرناه في المسألة التي تتقدم هذه
المسألة وهو الاجماع على أجزاء ترتيبها ولا إجماع ولا حجة في إجزاء ترتيبهم وأيضا ما رواه
255

أبي بن كعب قال انكسفت الشمس على عهد النبي ص فصلى بهم فقرأ
سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم قام إلى الثانية فقرأ سورة من
الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين وجلس ع كما هو مستقبل القبلة
يدعو حتى تنجلي فأما الأخبار التي يرويها أبو حنيفة من أن النبي ص صلى في
كسوف الشمس ركعتين فنحملهما على أنهما ركعتان كما قلناه ثم إن في كل ركعة ركوعا
زائدا على ما بيناه.
المسألة الثالثة عشر والمائة:
صلاة الاستسقاء ركعتان كهيئة النوافل عندنا أن صلاة الاستسقاء ركعتان يجهر
فيهما بالقراءة على صفة صلاة العيد وعدد تكبيرها وهيئتها ووافقنا على ذلك الشافعي
وذهب مالك والزهري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد إلى أنهما كصلاة الصبح وعن أبي
حنيفة روايتان أحدهما أن يصلى ولكن منفردا والأخرى أنه لا يصلى، بل يدعو الدليل
على صحة ما ذهبنا إليه ما رواه ابن عباس قال خرج رسول الله مستسقيا فصلى ركعتين كما
يصلى في العيدين وأما الدليل على أنها تصلي جماعة فما رواه أبو هريرة قال خرج
رسول الله ع يوما مستسقيا فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة.
المسألة الرابعة عشر والمائة:
يكبر على الجنازة خمس تكبيرات ولا يرفع يديه في شئ منها. الصحيح عندنا أن
عدد تكبيرات الجنازة خمس يرفع يديه في الأولى منها ووافقنا في أن التكبيرات خمس، عبد
الرحمن بن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري وابن حي والشافعي عدد
تكبيرات الجنازة أربع تكبيرات واختلفوا في رفع اليدين فقال أبو حنيفة وأصحابه وابن
حي والثوري في الروايتين عنه لا ترفع الأيدي في تكبيرات الجنازة إلا الأولى وقال الشافعي
ومالك في إحدى الروايتين إنه يرفع في كل تكبيرة وفي رواية أخرى عن مالك أن يرفع في
الأولى دون الباقيات دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره بل إجماع أهل
البيت كلهم وأيضا ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد بن أرقم يصلى على
256

جنائزنا ويكبر أربعا فلما كان ذات يوم كبر خمسا فقيل له في ذلك فقال: هكذا فعل رسول الله
ص فإن قيل لسنا نمنع أن يكون ع قد كبر خمسا لكن آخر ما صلى
قد كبر أربعا والمتأخر من فعله كبر أربعا قلنا هذه دعوى ولا دليل عليها ومن أين لكم أن
المتأخر هو الأربع دون الخمس وأيضا فقد علمنا أنه إذا كبر خمسا فقد فعل الواجب
بلا خلاف وبرئت ذمته وليس هكذا إذا كبر أربعا فصارت الخمس أولى لأن الذمة تبرأ منها
على يقين وإن احتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال: آخر صلاة صلاها رسول الله
ع على جنازة فكبر أربعا فالجواب إنا نتناول ذلك على أن المراد به أنه ع كبر
أربعا وواحدة سلم معها.
257

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
259

باب بيان حقيقة الصلاة وضروبها
الصلاة الشرعية تشتمل على ثلاثة أشياء: أحكام وشروط وكيفية، ويتبعها
شيئان: أحكام السهو فيها، والقضاء لما يلزمه قضاؤه من فوائتها.
فالأحكام صفات الصلاة وهي على ضربين: أفعال كالقراءة والركوع والسجود،
وتروك كالكلام والعبث.
والشروط ما به تتم الصلاة، ومن حقها أن تكون منفصلة عنها كرفع الحدث
بالطهارة وستر العورة.
والكيفية: ما يجب كون المصلي عليها في حال قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه منفردا
وجامعا مختارا ومضطرا.
والسهو: انتفاء العلم والظن بما فعله المصلي أو تركه.
والقضاء: فعل مثل الفائتة بخروج وقته.
والصلاة على ضربين: مفروض ومسنون.
والمفروض سبع صلوات: صلاة الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة
الكسوف وصلاة الجنائز وصلاة الطواف وصلاة النذر.
والمسنون ستة عشر صلاة: صلاة نوافل الجمعة ونوافل شهر رمضان وصلاة الغدير
وصلاة المبعث وصلاة نصف شعبان وصلاة أمير المؤمنين ع وصلاة جعفر ع وصلاة فاطمة
ع وصلاة الإحرام وصلاة الزيارات وصلاة الاستخارة
261

وصلاة الحاجة وصلاة الشكر وصلاة الاستسقاء وصلاة تحية المسجد.
باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس:
الواجب فعله من أحكام الصلاة أحد عشر شيئا: عدد ركعاتها، وتكبيرة الإحرام،
والقراءة والركوع، والتسبيح فيه، والسجود، والتسبيح فيه، والجلوس للتشهدين،
والشهادتان فيهما، والصلاة على محمد وآله ص والتسليم.
فالفرض الأول على ضربين: تمام وتقصير. والتمام سبع عشرة ركعة: الظهر أربع
ركعات، والعصر كذلك والمغرب ثلاث، وعشاء الآخرة أربع، والغداة ركعتان.
والتقصير إحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان، والعصر كذلك والمغرب ثلاث، وعشاء
الآخرة ركعتان، والفجر ركعتان.
وفرض التمام يختص الحاضر، والمسافر في معصية، والمسافر للعب والنزهة،
والمسافر أقل من بريدين - وهما أربعة وعشرون ميلا - ومن سفره أكثر من حضره كالجمال
والمكاري والبادي، ومن عزم من المسافرين على الإقامة عشرا، والتقصير فرض من
عداهم.
فإن قصر المتم أعاد على كل حال وهو مأزور مع القصد، وإن تمم المقصر مع العلم
والقصد أعاد على كل حال، وإن كان عن سهو أو الجهل ببعض الأحكام أعاد في الوقت.
ويلزم التقصير لمكلفه إذا غاب عنه أذان مصره، فإن دخل مصرا له فيه وطن فنزل
فيه فعليه التمام ولو صلاة واحدة، فإن لم ينزله أو لم يكن له فيه وطن فعزم على الإقامة عشرا
تمم، وإن لم يعزم على هذه المدة قصر ما بينه وبين شهر ثم تمم ولو صلاة واحدة.
والفرض الثاني: لا يجزئ فيه غير قول المصلي: الله أكبر، دون سائر الأذكار، ومن حقه
إيجاب المضي في الصلاة وتحريم ما كان مباحا قبلها مما ليس في أفعالها أو أذكارها، فإن أخل
به المصلي عن سهو أو عمد فسدت صلاته ولزمته الإعادة، وإن شك فيه وهو في حال القيام
262

قبل القراءة فليفعله، وإن شك بعد ما قرأ أو إلى آخر الصلاة فلا يلتفت إلى شكه، وإن علم
أو ظن إخلالا به بعد القراءة وإلى آخر الصلاة فعليه إعادة الصلاة.
والفرض الثالث: يجب مضيقا في الركعتين الأوليين من الرباعيات والمغرب وفي صلاة
الغداة والتقصير الحمد وسورة مع الإمكان، والحمد وحدها مع الاضطرار، وعلى جهة
التخيير في الركعتين الآخرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين ثلاث
تسبيحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله.
ومن شرط القراءة وصحة الصلاة فعلها من قيام مع الإمكان، ويلزم الجهر بها في أولتي
المغرب وعشاء الآخرة وصلاة الغداة وببسم الله الرحمن الرحيم في أولتي الظهر والعصر
في ابتداء الحمد والسورة التي تليها، والإخفات في باقي الركعات فمن جهر بحيث يجب
الإخفات أو خافت بحيث يجب الجهر قاصدا بطلت صلاته، وإن كان عن سهو أو لتقية
فصلاته ماضية وإن جهر بحيث يجب الجهر جهرا شديدا فقد خالف السنة، وإن خافت
بحيث يجب الإخفات بما لا تسمعه أذناه فسدت صلاته.
ومن حق القراءة أن يكون بلسان العرب المعرب، فإن عبر عن القرآن بغير العربية
أو لحن في قراءته عن قصد بطلت صلاته، وإن كان ساهيا فعليه سجدتا السهو،
ولا يجوز أن يقرأ في فريضة بسورة من عزائم السجود وهي أربع: تنزيل السجدة ثم
حم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك الذي خلق، لأن في هذه السور سجودا واجبا إن يفعله
تبطل الفريضة بالزيادة فيها وإن لا يفعله يخالف الواجب. ولا يجوز أن يقرأ مع فاتحة
الكتاب بعض سورة ولا أكثر من سورة. ويكره قراءة طوال السور في الفرائض خوفا من
فوت الفضل بأول الوقت، فإن خيف خروجه لقراءتها وجب تحري غيرها من قصار
السور.
والفرض الرابع: يجب فعله شرعيا على ما نبينه في باب الكيفية، فإن أخل المصلي بركوع
واحد عن سهو أو عمد أو أوقعه على غير صفته بطلت صلاته.
263

وإن شك وهو قائم فلم يدر أ ركع أم لم يركع فليركع، وإن ذكر بعد ما ركع أنه قد كان
ركع فليسجد من غير أن يرفع رأسه وصلاته ماضية، فإن رفع رأسه من الركوع بعد الذكر
فسدت صلاته لزيادته فيها ركوعا ليس منها وهو مأزور، وإن كان ذكره للركوع بعد ما رفع
رأسه فعليه الإعادة دون الإثم، وإن شك فيه وهو ساجد لم يلتفت إلى شكه، وإن علم أو ظن
ترك الركوع في حال السجود وإلى آخر الصلاة فعليه الإعادة.
والفرض الخامس: ثلاث تسبيحات على المختار وتسبيحة على المضطر أفضله
سبحان ربي العظيم وبحمده، ويجوز سبحان الله، فإن أخل بالتسبيح عامدا فسدت
الصلاة، وإن كان ساهيا فالصلاة ماضية.
والفرض السادس: يلزم على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين وأطراف
أصابع الرجلين على ما نبينه في باب الكيفية. فإن تعمد ترك سجدة واحدة أو سها عن
سجدتين من ركعة فسدت صلاته، وإن سها عن سجدة فذكرها قبل أن يركع الركعة التي
تلى حال السهو أرسل نفسه وسجدها فإن لم يذكرها حتى ركع فليمض في صلاته، فإذا
سلم سجدها قاضيا وسجد سجدتي السهو.
وإن شك وهو جالس فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ أسجد واحدة أم اثنتين؟
فليسجد ما شك فيه، فإن ذكر بعد ما سجد أنه قد كان سجد فكان بما فعله مكملا سجدتين
فصلاته صحيحة وإن كان زائدا عليها أعاد الصلاة، وإن شك بعد ما نهض لم يلتفت إلى
شكه، وإن تيقن أو ظن فحكمه ما قدمناه.
والفرض السابع: كالخامس، ولفظه الأفضل: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ويجوز
سبحان الله.
والفرض الثامن: واجب أولا وثانيا على الصفة التي نبينها، فإذا أخل به عامدا
264

فسدت الصلاة، وإن كان ساهيا فذكر الأول قبل أن يركع أو الثاني قبل أن ينصرف
وجلس فتشهد فلا شئ عليه، وإن لم يذكر الأول حتى ركع الثالثة أو الثاني حتى انصرف
عن مقام الصلاة فعليه قضاؤه وسجدتا السهو.
والفرض التاسع والعاشر: التشهد لازم في الجلوس الأول والثاني، فإن تعمد
المصلي الإخلال بشئ منه فيهما فسدت صلاته، وإن سها عنه فالصلاة ماضية وقضاؤه في
الصلاة وما بقي على طهارتها أفضل.
والفرض الحادي عشر: السلام عليكم ورحمة الله يعني محمدا وآله
ص والحفظة، وإن كان منفردا بالصلاة فتسليمة واحدة تجاه القبلة ويشير بها ذات اليمين،
وإن كان إماما فواحدة تجاه القبلة عن اليمين، وإن كان مأموما فواحدة ذات اليمين
وأخرى ذات الشمال.
والواجب تركه في الصلاة اثنا عشر شيئا: الكلام بما ليس من جنس أذكارها،
والقهقهة، والبكاء من غير خشية الله، والقئ، وكثير العبث، وقطع الصلاة لما لا يخاف
معه على النفس، وإحداث ما ينقض الطهارة، والصلاة مع فقد التحصيل، والصلاة
على صفة مع التمكن من الزيادة عليها، و الالتفات إلى دبر القبلة، وصلاة الرجل إلى
جانب المرأة والمرأة إلى جانب الرجل.
فمتى تعمد المصلي فعل شئ من هذه فسدت صلاته، وإن تكلم ساهيا فصلاته
ماضية وعليه سجدتا السهو، وإن قطع الصلاة وانصرف ساهيا أو أحدث ساهيا أو صلى
على صفة يتمكن مما زاد عليها ساهيا بطلت صلاته.
والمسنون فعله من أحكام الصلاة اثنا عشر شيئا: الأذان والإقامة للمنفرد والتوجه،
وتكبير الركوع والسجود، والقنوت وما زاد في الركوع على الواجب، وما زاد في السجود
على الواجب، والذكر بعد الركوع، والذكر بين السجدتين، وبعدهما، وما زاد في التشهدين
على الواجب، والتعقيب، والتعفير.
265

والأذان ثمانية عشر فصلا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله
" مرتان " أشهد أن محمدا رسول الله " مرتان " حي على الصلاة " مرتان " حي على الفلاح
" مرتان " حي على خير العمل " مرتان " الله أكبر " مرتان " لا إله إلا الله " مرتان " والسنة فيه
رفع الصوت به وترتيل كلمه والوقوف على أواخر الفصول، ويجوز الكلام فيه وفعله على
غير طهارة وتجاه القبلة ودبرها وفي حال القيام والجلوس والمشي، وفعله على طهارة وفي
حال القيام واستقبال القبلة أفضل.
والإقامة سبعة عشر فصلا: الله أكبر الله أكبر، فصلان وباقي الفصول الأذان، ويقول
المقيم بعد حي على خير العمل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله مرة واحدة. والسنة فيها حدر الكلم وموالاة الفصول وأن لا تفعل إلا على
طهارة في حال القيام تجاه القبلة ولا يتكلم فيها بما لا يجوز مثله في الصلاة.
ولا يجوز أن يؤذن ويقام إلا لفريضة من الخمس بعد دخول وقتها، ومن شروطها
الترتيب على الوجه الذي بيناه، وتسكين أواخر فصولهما، والسنة أن يفرق بينهما بسجدة
أو جلسة أو دعاء أو خطوة أو صلاة ركعتين إلا في صلاة المغرب فإنه لا يجوز الفرق بينهما
إلا بدعاء أو خطوة.
فأما التوجه فهو ما تفتتح به الصلاة من التكبير والدعاء، وصفته أن يقول المتوجه
بعد الفراع من الإقامة - ويداه مبسوطتان تجاه وجهه -:
اللهم إني أتوجه إليك وأتقرب إليك بمن أوجبت حقهم عليك: آدم ومحمد ومن
بينهما من النبيين والأوصياء والحجج والشهداء والصالحين وآل محمد المصطفى: علي
والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد و موسى بن جعفر وعلي
بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن، اللهم فصل
عليهم أجمعين واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم اجعل صلاتي بهم
مقبولة وعملي بهم مبرورا وذنبي بهم مغفورا وعيبي بهم مستورا ودعائي بهم مستجابا مننت
اللهم على بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم وولايتهم واحشرني عليها وجازني على ذلك الفوز
بالجنة والنجاة من النار برحمتك يا أرحم الراحمين.
266

ثم يكبر ثلاث تكبيرات يرفع بكل منها يديه تجاه وجهه ثم يبسطهما ويدعو:
اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي
ففزعت إليك تائبا بما جنيت فصل على محمد وآله واغفر إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
يا أهل التقوى وأهل المغفرة.
ثم يكبر تكبيرتين ويدعو بعدهما: لبيك وسعديك والخير كله لديك والشر ليس بمنسوب إليك
أؤمن بك وأتوكل عليك وأؤمن برسولك وبما جاء به من عندك فصل على محمد وآله وزك عملي بطولك وتقبل مني
بفضلك.
ثم يكبر تكبيرة ثم ينوي الصلاة ويكبر تكبيرة الافتتاح مصاحبة للنية ويقول
بعدها: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين
محمد وولاية أمير المؤمنين والأئمة من ذريتهما الطاهرين حنيفا وما أنا من المشركين إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
وأما التكبير فلكل ركعة من صلاة المتم والمقصر خمس تكبيرات، تكبيرة للركوع
وأربع للسجود، وخمس تكبيرات للقنوت، لكل صلاة تكبيرة.
والسنة في كل منه رفع اليدين تجاه الوجه وأن لا يتجاوز بالأصابع شحمتي الأذنين.
وأما القنوت فموضعه بعد القراءة من الركعة الثانية وقبل الركوع يكبر له تكبيرة ثم
يبسط يديه تجاه القبلة ويدعو:
لا إله إلا الله الحليم الكبير لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع
والأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين اللهم صل على محمد وآله الطاهرين واغفر لي وارحمني برحمتك يا أرحم
الراحمين.
ومسنون الذكر في الركوع: اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت،
خشع لك لحمي ودمي وعظمي وشعري وبشري وما أقلت الأرض مني، سبحان ربي العظيم
وبحمده. " أربع " مضافة إلى الثلاث الواجبة.
267

ومسنون الذكر بعد الركوع قوله حين يرفع رأسه منه: سمع الله لمن حمده، وإذا استوى
قائما قال: الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجبروت.
ومسنون الذكر في السجود: اللهم لك سجدت وبك آمنت وعليك توكلت، سجد
وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه
وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، سبحان ربي الأعلى وبحمده، أربعا مضافة إلى الثلاث
الواجبة.
ومسنون الذكر بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني
واعف عني رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
ومسنونة بعد السجود قوله حين ينهض: بحول الله وقوته أقوم وأقعد.
ومسنون الذكر في التشهد الأول: بسم الله وبالله والحمد
لله والأسماء الحسنى كلها لله، لله ما طاب وزكا ونما وخلص، وما خبث فلغير الله. وبعد الشهادتين: أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ومسنون الذكر في التشهد الثاني: التحيات لله والصلوات الزاكيات الناميات
المباركات الغاديات الرائحات لله ما طاب وخلص، وما خبث فلغير الله. وبعد الشهادتين:
أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وداعيا إليه باذنه وسراجا منيرا.
وبعد الصلاة على محمد وآله: اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك
والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين واخصص اللهم محمدا وآله بأفضل الصلاة
والتسليم، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين السلام على محمد وآله المصطفين. ثم تسلم التسليم الواجب.
وأما التعقيب فهو ثلاث تكبيرات يرفع لها اليدين ويقول:
لا إله إلا الله وحده وحده صدق ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي، ويرزق من يشاء بغير حساب. ويسبح تسبيح الطاهرة عليها
268

السلام، ويدعو بما سنح له من الدعاء، ولكل صلاة دعاء مخصوص.
والتعفير بعد الفراع من التعقيب يطرح المعفر نفسه على الأرض ويضع جبهته موضع
سجوده ويقول:
اللهم إليك توجهت وإليك قصدت وبفنائك حللت وبمحمد وآله تقربت
وبهم توسلت وبهم استشفعت فصل عليهم أجمعين وعجل فرجهم واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم.
ثم يضع خده الأيمن موضع سجوده ويقول: اللهم ارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك
ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم يا كريم يا كريم.
ثم يضع خده الأيسر موضع الأيمن ويقول: لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله إيمانا
وصدقا لا إله إلا الله تعبدا ورقا اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم.
ثم يضع جبهته موضع خده ويقول شكرا شكرا، مائة مرة أو ما تيسر، ثم يرفع رأسه
ويمسح بيده اليمنى موضع تعفيره ويمسح بها وجهه وصدره.
فإن أخل بشئ من هذه السنن أخل بفضل ونقص ثوابه، وصلاته ماضية، والإتيان
بجميعها أفضل وأكمل لثوابه.
المكروه فعله: يسير العبث والتبسم والتجشؤ والتنخع والبصاق والاستنثار والتنخم
وإدخال اليدين في الكمين وتحت الثياب أشد كراهية والتطبيق ووضع اليمين على الشمال
وتفريج الأصابع في غير الركوع والجمع بين القدمين وإتيان الصلاة ناعسا ومتكاسلا
ومشغول الفكر وحاقبا وحازقا وحاقنا ومشدود اليدين ومعقوص الشعر والاعتماد على
ما يجاور المصلى من الأبنية.
فإن فعل شيئا من هذه التروك أخل بفضل ونقص ثوابه بحسب ما فعل، وإن اجتنب
جميعها كان أكمل لثوابه. 0332 3
الشرط الثالث: يجب العلم بأوقات الصلاة لكونها شرطا في صحتها.
وأول الصلوات صلاة الظهر وأول وقتها زوال الشمس وعلامة زوالها رجوع الظل،
وآخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظل سبعي القائم، وآخر وقت الاجزاء أن يبلغ الظل
269

أربعة أسباعه، وآخر وقت المضطر أن يصير مثله.
وأول وقت العصر أن يمضى من الزوال مقدار صلاة الظهر، وآخر وقت المختار
الأفضل إلى آخر أربعة أسباع الظل، وآخر وقت الاجزاء له أن يصير الظل مثل القائم،
وآخر وقت المضطر أن يبقى من غروب الشمس مقدار صلاة العصر.
وأول وقت المغرب غروب الشمس - وهو أفضل - وعلامة غروبها اسوداد المشرق
بذهاب الحمرة، وآخر وقت الاجزاء ذهاب الحمرة من المغرب، وآخر وقت المضطر ربع
الليل.
وأول وقت عشاء الآخرة أن يمضى من غروب الشمس مقدار صلاة المغرب،
وتأخيرها إلى أن تغيب الحمرة من المغرب أفضل، وآخر وقت الاجزاء ربع الليل، وآخر
وقت المضطر نصف الليل.
وأول وقت صلاة الفجر البياض المعترض في الشرق وهو الأفضل، وآخر وقتها أن
يبقى من طلوع الشمس مقدار فعلها.
ولا يجوز الصلاة قبل وقتها، فإن صلى قبله قاصدا بطلت صلاته وإن كان جاهلا به
أو ساهيا عنه، فإن دخل الوقت وهو في شئ منها فهي تجزئه، وإن خرج عنها ولما يدخل
الوقت لم تجزه وعليه إعادتها فيه. وتأديتها في أول الوقت أفضل والثاني أفضل من الثالث
ثم هكذا إلى آخر الوقت، ولا يجوز تأخيرها عن وقت إلى ثان له إلا بشرط العزم على أدائها
فيه، فإذا لم يبق من الوقت إلا مقدار فعلها تضيق فرض الأداء ولم يثبت العزم الفعل.
وتأخير المختار الصلاة عن وقته إلى وقت المضطر تفريط معفو عن تفريطه مؤد غير
قاض، وفعلها بعد الوقت قضاء وليست بأداء، فإذا كان كذلك لضرورة فلا إثم عليه، وإن
كان عن تفريط فهو مأزور ويلزمه القضاء والتوبة من تفريطه.
الشرط الرابع: يلزم العلم بالقبلة لكون التوجه إليها شرطا في صحة الصلاة، وهي
الكعبة. وفرض المتوجه إليها العلم بها مع إمكانه والظن مع تعذر العلم، فمن اقتصر
على الظن والعلم ممكن أو على الحدس والظن ممكن فصلاته باطلة وإن أصاب بتوجه
270

القبلة وكذلك حكم من توجه إلى غير القبلة قاصدا. ومن توجه إلى جهة يظنها جهة القبلة
ثم يتبين له أن توجهه كان إلى غيرها وكان الوقت باقيا فعليه إعادة الصلاة إليها وإن كان
قد خرج فلا إعادة عليه إلا أن يكون بتوجهه استدبر الكعبة فيعيد، ومن كان بحيث
لا يعلم جهة الكعبة ولا يظنها ففرضه التوجه لصلاة الحاضرة إلى أربع جهات.
الشرط الخامس: النية شرط في صحة الصلاة إذ بها يتميز كونها عبادة، وحقيقتها العزم
على أفعال الصلاة لكونها مصلحة على جهة الإخلاص بها له سبحانه ليكن في حال
صلاته مجتنبا لتروكها.
وموضع النية تكبيرة الإحرام فمن أخل بها أو بشرط منها بطلت صلاته، ومن حق
المصلي أن يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع متكاملة الأحكام والشروط
والكيفيات عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمه سبحانه خاضعا له، ويستحب أن يرجو
بفعلها مزيد الثواب والنجاة من العقاب وليقتدى به ويرغم الضالون.
الشرط السادس: ستر العورة شرط في صحة الصلاة. وعورة الرجل من سرته إلى ركبته
ولا يمكن ذلك في الصلاة إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال
الركوع والسجود، وهذا القدر مجز والأفضل التجمل باللباس والتعمم والتحنك والارتداء.
والمرأة كلها عورة وأقل ما يجزئ الحرة البالغ درع سابغ إلى القدمين وخمار، ويجزئ الإماء
ومن لم يبلغ من حرائر النساء درع بغير خمار، والتجمل باللباس أفضل لهن. فإن انكشفت
عورة المصلي أو شئ منها عن إيثار فسدت الصلاة.
الشرط السابع: طهارة الجسم عدا مخرج النجو شرط في صحة الصلاة، ولا يزول ما عليه
من نجاسة إلا بالماء إلا ما رخص فيه من مسح اليد بالتراب بعد مصافحة الكافر، وزوال
ما يتعلق بباطن القدمين من النجاسات بالمشي عليهما حتى تذهب عنهما.
271

الشرط الثامن: طهارة اللباس وصفة جنسه وصحة التصرف فيه شرط في صحة
الصلاة فيلزم المصلي تحري الثوب الطاهر الذي يجوز التصرف فيه بملك أو إذن، ويجتنب
النجس والمغصوب وجلود الميتة وإن دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه وإن كان منه ما يقع
عليه الذكاة وما عمل من وبر الأرانب والثعالب أو غش به والحرير المحض، فإن صلى في
شئ من ذلك لم تجزه الصلاة، ومعفو عن الصلاة في القلنسوة والتكة والجورب والنعلين
والخفين وإن كان نجسا أو حريرا، والتنزه عنه أفضل.
وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ وأشد كراهية الأسود ثم الأحمر المشبع والمذهب
والموشح والملحم بالحرير والذهب، وما عدا ذلك جائز، وأفضل الثياب البياض من القطن
والكتان.
فمن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة تقدم العلم بها أو الظن لحال الصلاة من غير
اعتبار فالصلاة فاسدة يلزم إعادتها على كل حال، فإن كان مع الظن وطلب النجاسة
فلم يجدها فليرش الثوب ويمسح العضو بالتراب، فإن وجدها فيما بعد فليعد في الوقت
ولا يعيد بعد خروجه، وإن لم يتقدم له علم بها ولا ظن فكذلك، وإن رأى النجاسة على
جسمه وثوبه بعد الصلاة ولم يكن له على ثبوتها في حال الصلاة دلالة ولا إمارة فالصلاة
ماضية.
الشرط التاسع: لا يجوز السجود بشئ من الأعضاء السبع إلا على محل طاهر، وتختص
صحة السجود بالجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس، فإن سجد ببعض
الأعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم
تجزه الصلاة.
الشرط العاشر: لا يجوز الوقوف في الصلاة على الأرض النجسة ولا المغصوبة بغير إذن
المالك، ولا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل ومرابض الخيل والبغال والحمير والبقر
ومرابض الغنم وبيوت النار والمزابل ومذابح الأنعام والحمامات وعلى البسط المصورة وفي
272

البيت المصور، ولنا في فسادها في هذه المحال نظر.
وتكره على الأرض السبخة وعلى جواد الطرق... والسلاح المتواري والمصباح
ومقابلة وجه الانسان والمرأة ونائمة أشد كراهية. والأفضل أن يجعل المتوجه بين يديه ساترا
أدناه العنزة أو الآجرة.
فصل في كيفية الصلاة:
على ضربين متمكن ومضطر وكل منهما على ضربين مفرد وجامع.
فصل في بيان كيفية صلاة المفرد المتخيرة:
يلزم المكلف المتمكن إذا دخل وقت الصلاة أن يرفع الحدث وطهارته ويقصد
للصلاة فيفتتحها بالأذان والإقامة، ويتوجه لها ويدخل فيها بالنية وتكبيرة الإحرام، فإذا كبر
فليضع يديه على فخذيه ويرخي ذقنه على صدره ويغض بصره ناظرا إلى محل سجوده،
ويفرق بين قدميه ويصفهما ويجعل أصابعهما تجاه القبلة، ويقرأ على الوجه الذي تعين عليه
من جهر أو إخفات، ويجتنب كل ما بينا وجوب اجتنابه والترغيب في تركه.
فإذا فرغ من القراءة فليكبر ويركع مستويا، يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعهما
ويمد عنقه وينظر إلى ما بين رجليه، ويسبح، فإذا فرع من تسبيح الركوع فليرفع رأسه وهو
يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائما فليقل ما ذكرناه.
ثم يكبر ويسجد فيستقبل الأرض بيديه ثم ركبتيه ثم جبهته، ويسجد على الأعضاء
المذكورة متعلقا لا يلصق عضديه بجنبيه ولا بطنه بفخذيه ولا يفترش الأرض بذراعيه
ولا بساقيه.
فإذا فرع من تسبيح السجدة جلس مطمئنا على أليتيه جميعا متوركا على فخذه
اليسرى، ثم يكبر ويقول بعد التكبير ما ذكرناه (كذا) من الدعاء، ثم يكبر ويسجد ثانية
كالأولى فإذا رفع رأسه منها جلس مطمئنا، ثم كبر ثم نهض ويقول: بحول الله أقوم وأقعد.
فإذا استوى قائما قرأ للثانية وركع وسجد حسب ما صنعه في الأولة، فإذا رفع رأسه من
273

السجدة الأخيرة جلس مطمئنا، فإن كانت صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو عشاء
الآخرة يشهد تشهد الأول، وإن كانت الغداة يشهد التشهد الثاني. وكيفية الأخريين من
الصلاة الرباعية وثالثة المغرب كالأولتين في حال القيام والركوع والسجود، ويجلس عند
آخرهن مطمئنا ويشهد التشهد الثاني، ولينظر في حال تشهده إلى حجره، فإذا سلم من
فريضة عقب وعفر على ما تقدم شرحه.
وكيفية صلاة المرأة كالرجل إلا أنها تضع يديها في حال القيام على ثديها وفي حال
الركوع على فخذيها، ولا تطأطأ تطأطأ الرجل وتجلس من غير أن تنحني وتسجد منضمة
ناصبة ركبتيها، فإذا أرادت النهوض وضعت يديها على جنبيها ونهضت حالة واحدة.
فصل في صلاة الجماعة:
ثواب صلاة الجماعة متضاعف على صلاة الفرادى خمسة وعشرين ضعفا وأولى
الناس بها إمام الملة أو من ينصبه، فإن تعذر الأمران لم ينعقد إلا بإمام عادل طاهر الولادة
سليم من الجنون والجذام والبرص، وأذان وإقامة يتولاهما من يوثق بدينه، فإذا تكاملت
هذه الصفات لجماعة فأولاهم بإمامة الصلاة رب المسجد والبيت وبعدهما أقرؤهم
لكتاب الله تعالى وبعده أفقههم وبعده القرشي دون غيره، ثم الكبير دون الصغير.
وقد تتكامل صفات الإمامة لجماعة وينعقد على وجه دون وجه، وتكره على وجه دون
وجه.
فالأول: المقيد بالمطلق والزمن بالصحيح والخصي بالسليم والأغلف بالمطهر،
والمحدود بالبرئ والمرأة بالرجال، ويجوز أن يؤم كل منهم بأهل طبقته.
الثاني: الأعمى بالبصير والمقصر بالمتم والمتم بالمقصر والمتيمم بالمتوضئ و العبد
بالحر ولا كراهية في إمامة كل منهم لأهل طبقته.
ويلزم إمام الصلاة تقديم دخول المسجد ليقتدي به المؤتمون، ويتعمم ويتحنك
ويرتدي، ويجهر بالقراءة بحيث يجب الجهر ويخافت بحيث يجب الإخفات ويجهر بالتكبير
والقنوت والتشهد على كل حال، ويخفف من غير إخلال.
274

ويلزم المؤتم الاقتداء عزما وفعلا، ولا يقرأ خلفه بالأوليين من كل صلاة ولا في الغداة
إلا أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته فيما يجهر فيه فيقرأ، وهو في الأخيريتين من
الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح، والقراءة أفضل، ويركع
بركوعه ويسجد بسجوده ولا يرفع رأسه منهما حتى يرفع، ويجلس بجلوسه فإذا سلم سلم.
وأولى المأمومين بالصف الأول أولوا الأحلام والنهي، ويلونهم العوام والأعراب
ويلونهم العبيد ويلونهم الصبيان ويلونهم النساء. ولا يجوز أن يكون بين الصفين من
المسافة ما لا يتخطأ، ولا حائل من بناء أو نهر.
ولا يحتسب المسبوق إلا بما أدرك ركوعه، وإن سبق بركعة فأولاه ثانية الإمام، فليمسك
عن القراءة فإذا جلس الإمام للتشهد فليجلس مستوفزا ولا يتشهد، فإذا نهض الإمام إلى
الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه الحمد وسورة، فإذا نهض الإمام إلى الرابعة فليجلس
يتشهد خفيفا ويدركه قائما، فإذا جلس الإمام للرابعة فليجلس مستوفزا ولا يتشهد، فإذا
سلم فلينهض فيصلي ركعة ثم يتشهد ويسلم.
وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين، فليقرأ لنفسه فيهما كقراءة المفرد
ويجلس بجلوسه ويتشهد الأول، فإذا سلم فلينهض فيصلي ركعتين إن كانت صلاة
رباعية، وركعة إن كانت ثلاثية ويتشهد ويسلم، فإن سبق بثلاثة ركعات فرابعة الإمام له
أولى، فليقرأ لنفسه فيها، فإذا سلم الإمام نهض فتمم باقي الصلاة وتشهد وسلم.
فصل في كيفية صلاة المضطر:
فرض من اضطر إلى الإخلال ببعض أحكام الصلاة وشروطها أن يبذل جهده
ويستفرغ وسعه في فعلها على غاية ما يتمكن منه ويأمن معه من التلف في آخر وقتها، فإن
اقتصر على صفة يتمكن من الزيادة عليها بطلت صلاته.
وتختلف كيفية صلاة المضطر بحسب الضرورات.
فمن ذلك صلاة الخوف وهو بانفراده موجب القصر، ويلزم المواقفين للعدوان أن
يقسموا الجيش قسمين: قسم يقف بإزاء العدو وقسم يعقد بهم الصلاة جماعة فيصلي بهم
275

الإمام ركعة وينهض إلى الثانية وينهض معه فيصلون لأنفسهم ويتشهدون ويسلمون
وينصرفون إلى مقام أصحابهم فيقفون بإزاء العدو ويأتي أولئك فيكبرون ويدخلون معه في
الصلاة فإذا دخلوا معه ركع بهم وسجد وجلس يتشهد ونهضوا فصلوا لأنفسهم ركعة
وجلسوا معه فإذا علم بتشهدهم سلم بهم، وإن كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى
ركعة أو اثنتين، وبالثانية ما بقي.
فإن خافوا العدو بانقسام الجيش فليصلوا في مصافهم على ظهور خيلهم متوجهين
إلى القبلة إن أمكن وإلا عند افتتاح الصلاة والتسليم منها ويؤمون بالركوع ويسجدون
على قرابيس سروجهم.
وإن كانت حال طراد صلوا في حاله على ظهور خيلهم يؤمون بالصلاة إلى القبلة إن
أمكن في جميع الصلاة وإلا افتتحوها بالتوجه إليها وحين التسليم ويومئون بالركوع
والسجود.
وإن كانت حالة مواقفة ومسايفة عقد كل منهم الصلاة بالنية وتكبيرة الإحرام وكبر
عن كل ركعة أربع تكبيرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتشهد وسلم.
وكذلك حكم مواقف الأسد وما يجري مجراه.
والمضطر إلى الركوب يصلى راكبا متوجها إلى القبلة إن أمكن وإلا حين عقدها
وحلها، ويومئ بالركوع ويسجد على القربوس أو الرحل، والمضطر إلى المشي يصلى ماشيا
يومئ بالركوع والسجود ويتوجه إلى القبلة بحيث يمكنه.
والمضطر إلى ركوب السفينة يصلى فيها قائما إن أمكن وإلا جالسا مستقبل القبلة
في جميعها، فإن كانت السفينة دائرة توجه إلى القبلة ودار معها حيث دارت، وإن لم يعرف
القبلة توجه إلى صدورها وصلى حيث توجهت.
والمضطر إلى السباحة يتوجه إلى القبلة ويصلى ويكون سجوده أخفض من ركوعه.
والمقيد والمربوط والمتوحل والمضطر إلى الجلوس والاضطجاع يلزمه بذل الجهد في
إيقاع الصلاة على غاية وسعه، والمضطر إلى العرى يصلى قائما إن كان بحيث لا يراه
أحد ويركع ويسجد، وجالسا إن كان بحيث يراه غيره ويومئ بالركوع والسجود إيماءا،
276

فإن كان العراة جماعة صلوا صفا إمامهم في أوساطهم.
ويصلى من عداهم من المضطرين جماعة كصلاة المختارين إمامهم أمامهم.
فصل في حكم السهو في عدد الركعات:
قد سلف بيان أكثر أحوال السهو في أحكام الصلاة وشروطها وكيفيتها وبقي
ما يتعلق بعدد الركعات وبعض الأحكام، وهو على ضروب: منها ما يوجب الإعادة، ومنها
ما يوجب العمل بغالب الظن، ومنها ما يوجب الاحتياط، ومنها ما يوجب الجبران، ومنها
ما يوجب التلافي، ومنها ما وجوده كعدمه.
فأما ما يوجب الإعادة فهو أن يشك المصلي في الركعتين الأولتين من الصلاة
الرباعية أو في صلاة الغداة أو المغرب أو ركعتي التقصير فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا،
اثنتين صلى المغرب أم ركعة، أم ركعتين أم ثلاثا، أو يسهو فيزيد في الفرض ركعة معلومة
أو مظنونة أو ينقص ركعة ولا يذكر حتى ينصرف.
وأما ما يقتضي العمل بغلبة الظن فهو أن يسهو في عدد الركعات والأحكام ويغلب
ظنه بشئ من ذلك فعليه أن يعمل بما غلب ظنه.
وأما ما يوجب الاحتياط فهو أن يسهو في الصلاة الرباعية بعد سلامة الأوليين بيقين
أو ظن سهوا وشك فلم يدر أ صلى ركعتين أم ثلاثا فعليه أن ينهض فيصلي ركعة ويجلس
ويتشهد ويسلم ويصلى بعد التسليم ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام. أو يشك فلم يدر
أصلى ركعتين أم أربعا، فيلزمه أن يفرض أنها أربع ويتشهد ويسلم ويصلى بعد التسليم
ركعتين من قيام. أو يشك فلم يدر أ صلى ثلاثا أم أربعا فليفرض أنها أربع ويتشهد ويسلم
ويصلى بعد التسليم ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. أو يشك فلم يدر أ صلى ركعتين أم
ثلاثا أم أربعا فيفرض كونها أربعا ويتشهد ويسلم ويصلى ركعتين من قيام وركعتين من
جلوس.
وأما ما يوجب الجبران فهو أن يشك في كمال الفرض وزيادة ركعة عليه، فيلزمه، أن
يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو. وهاتان السجدتان يلزم من جلس
277

ساهيا في موضع قيام أو قام في موضع جلوس أو تكلم ساهيا أو سها عن سجدة، وقد بينا
ذلك وأعدناه للبيان. وصفتهما: أن يسجد كسجود الصلاة ويقول في كل واحد منهما: بسم
الله وبالله وصلى الله على محمد وآله، ويجلس ويتشهد لهما تشهدا خفيفا وينصرف عنهما
بالتسليم على محمد وآله صلوات الله عليه وآله.
وأما ما يوجب التلافي فهو أن يسهو عن النية أو تكبيرة الإحرام ويذكر ذلك قبل أن
يركع، أو عن قراءة الحمد وهو في السورة التي يليها فيلزمه تلافي ذلك بافتتاح الصلاة
بالنية وتكبيرة الإحرام وقراءة الحمد، ويسهو عن التشهد الأول فيذكره قبل أن يركع أو عن
الثاني فيذكره قبل أن ينصرف فيلزم تلافيهما بالجلوس والتشهد، أو يسهو عن القنوت
قبل الركوع فيتلافاه بعد الركوع، أو يسهو عن تسبيح الركوع أو السجود أو شئ منهما
فيتلافاه ما دام في الصلاة وبعدها ما لم يحدث، أو يسهو عن سجدة من ركعة ويذكرها قبل
أن يركع فيتلافاها، أو يسهو عن ركعة أو اثنتين ويسلم ثم يذكر ذلك قبل أن ينصرف
فيلزمه التلافي وسجدتا السهو والتسليم.
وأما ما لا تأثير له فهو أن يشك المصلي في حكم من أحكام الصلاة بعد خروجه عن
حال فعله كشكه في النية بعد الدخول في الصلاة، أو في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة،
أو في القراءة وهو راكع، أو في الركوع وهو ساجد، أو في السجود بعد ما ينهض، أو في شئ من
ركعات الصلاة بعد ما ينصرف، فلا يلتفت إلى شكه في شئ من ذلك، لخروجه من حال
العبادة بالحكم عن يقين منه، والشك لا يؤثر في الحكم المتيقن.
فصل في القضاء وأحكامه:
يجب قضاء ما فات من صلاة الخمس، وهو مثل المقضى وليس هو هو ووقته حين ذكره
إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف بفعل الفائتة فوتها، فيلزم المكلف الابتداء
بالحاضرة ثم يقضي الفائتة، وما عدا ذلك من سائر الأوقات فهو وقت الفائتة لا يجوز التعبد
فيه بغير القضاء من فرض حاضر ولا نفل، فإن كان الفائت متعينا قضاه بعينه محصورا
كان أو مشكوكا في عدده وإن كان في غير متعين وكان صلاة واحدة فليقض صلاة يوم كملا
278

ينوي بكل صلاة قضاء الفائت، وإن كان عدة صلوات غير متعينات ولا محصورات فعليه
أن يقضي صلاة يوم بعد يوم حتى يغلب في ظنه براءة ذمته من الفائتة.
وإن كان الفائت متعينا وغير متعين كثيرا لا يتمكن من فعله في وقت واحد كصلاة
عام أو عامين أو ما زاد على ذلك أو نقص منه أوقعها على وجه لا يصح بإخلاله ببعض
واجباته فعليه أن يقضي في جميع أوقات الليل والنهار إلا ما غلب عليه النوم وشبهه،
أو ما استعمل فيه بحفظ الحياة من التكسب أو آخر أوقات الفرائض الحاضرة المضيقة من
حيث كان فرض القضاء مضيقا لا بدل منه، كصلاة الوقت حيث يبقى منه مقدار فعلها،
فكما لا يجوز التشاغل عنها فيه فكذلك حكم القضاء.
فإن كان صلى صلاة الحاضرة قبل أن يضيق وقتها وهو ذاكر للفائت فهي باطلة، وإن
كان ذلك عن سهو فذكر الفائت وهو لم يخرج عنها لزمه نقل النية إلى الفائت إن أمكن
ذلك، فإذا خرج عنه صلى فرض الوقت فإن لم يفعل فصلاته غير مجزئة، فإن لم يذكر
الفائت حتى أدى الفرض الحاضر فهو مجز عنه ويلزمه فعل الفائت عقيب الخروج عنه.
فصل في صلاة الجمعة:
لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة أو منصوب من قبله أو بمن يتكامل له صفات إمام
الجماعة عند تعذر الأمرين، وأذان وإقامة وخطبة في أول الوقت مقصورة على حمد الله
والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد وآله المصطفين ووعظ وزجر، بشرط حضور
أربعة نفر معه. فإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع
ركعات إلى ركعتين بعد الخطبة.
وتعين فرض الحضور على كل رجل بالغ حر سليم مخلى السرب حاضر بينه وبينها
فرسخان فما دونهما، ويسقط فرضها عن من عداه، فإن حضرها تعين عليه فرض
المدخول فيها جمعة.
ويلزم الإمام الغسل وتغيير الثياب ومس الطيب والتعمم والتحنك والارتداء وتقديم
دخول المسجد الجامع ليتأسى به المسلمون.
279

فإذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب على الوجه
الذي بيناه، فإذا انقضت الخطبة أقيمت الصلاة ونزل فصلى بالناس ركعتين، يقرأ في
الأولى الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد وإذا جاءك المنافقون، يجهر بالقراءة فيهما،
ويقنت في الركعة الأولة والثانية، ويتشهد ويسلم ويعقب ويعفر، ثم يأمر مؤذنيه بإقامة
الصلاة وينهض فيصلي بالناس فريضة العصر، يقرأ في الأوليين منها ما قرأ في صلاة
الجمعة إخفاتا ويجزئه أن يقرأ ما تيسر من السورة، والسنة ما ذكرناه من القراءة، فإذا سلم
عقب وعفر وانصرف.
ويلزم المؤتمين به أن يصغوا إلى الخطبة ولا يتطوعون بصلاة ولا يتكلمون بما لا يجوز
مثله في الصلاة هو يخطب ويصغون إلى قراءته، ولا يقرؤن خلفه في صلاة الجمعة سمعوا
قراءته أو صوته أم لم يسمعوا، وحالهم في صلاة العصر كسائر الأعصار ويقتدون به بقلوبهم
وجوارحهم حسب ما يلزم كل مؤتم بإمام.
ويستحب لكل مسلم تقديم دخول المساجد لصلاة النوافل بعد الغسل وتغيير
الثياب ومس النساء كذا والطيب وقص الشارب والأظافير.
فإن اختل شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضا وكان حضور مسجد الجامع
لصلاة النوافل وفرضي الظهر والعصر مندوبا إليه. ويلزم من حضره قبل الزوال أن يقدم
النوافل عدا ركعتي الزوال، فإذا زالت الشمس صلاهما وأذن لنفسه وأقام وصلى الظهر
أربعا كسائر الأيام، يقرأ في الأوليتين بعد الحمد الجمعة وإذا جاءك المنافقون، فإذا سلم بهما
عقب وعفر ونهض فصلى فريضة العصر بإقامته من غير أذان، يقرأ فيها ما يقرأ في
الظهر.
ويستحب لمن تعين عليه فرض الجمعة أو سقط عنه أن يقرأ في أولتي صلاتي المغرب
وعشاء الآخرة من ليلة الجمعة في الأولة الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم
ربك الأعلى، وفي أولة صلاة الغداة من يوم الجمعة مع الحمد سورة الجمعة وفي الثانية معها
سورة الإخلاص، ويطيل قنوته فيها حتى يصير مقدار القيام فيها كالأولة.
وإن قرأ في صلاة المغرب وعشاء الآخرة والغداة بغير ما ذكرناه من السور جاز
280

وقراءتها أفضل. ولا يجوز أن يقرأ في الجمعة وظهر يومها بغير السورتين المذكورتين.
ولليلة الجمعة ويومها من الحرمة ما ليس لغيرهما من الليالي والأيام، فيلزم تمييزها بكثرة
التعبد فيهما بالصلاة والتسبيح والاستغفار والصلاة على محمد وآله وزيارتهم في
مشاهدهم أو من حيث أمكن وبر الوالدين والدعاء لأحيائهم وأمواتهم وزيارتهم والتبرؤ من
متقدمي أهل الضلال ومتأخريهم مجملا ومفصلا وفعل الخيرات وإطعام الطعام وصلة
الأرحام وبر الأخوان والجيران والتوسعة في النفقة على العيال وتطريفهم بما تيسر من اللحم
والحلو والفاكهة والخضر واجتناب التكسب والسفر قبل الصلاة، وقطع زمانيهما
أو أكثرهما بالطاعات.
فإن فاتت الجمعة بأن يمضى من زوال الشمس مقدار الأذان والخطبة وصلاة الجمعة لم
يجز قضاؤها ولزم أداؤها ظهرا.
ويكره اخراج الدم قبل الصلاة لغير ضرورة.
فصل في صلاة العيدين:
صلاة يوم الفطر ويوم الأضحى واجبة بشرط تكامل شروط الجمعة لها على كل من
تجب عليه الجمعة. والسنة فيها الإصحار بها وبخروج الإمام والمأموم مشاة، وكلما مشى الإمام
قليلا وقف وكبر حتى ينتهي إلى المصلى فيجلس على الأرض ويجلسون كذلك، فإذا
انبسطت الشمس قام قائما وقام الناس وكبر وكبر الناس، فإذا أمسك قال مؤذنوه:
" الصلاة، الصلاة " برفيع أصواتهم، ثم يكبر ويدخل بهم في الصلاة ويدخلون، فيقرأ
الحمد والشمس وضحاها، ويكبر بعد القراءة ست تكبيرات يركع بالسادسة، ثم يسجد
سجدتين وينهض إلى الثانية، فإذا استوى قائما كبر وقرأ الحمد وهل أتيك ويسلم، ويلزمه
أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول:
اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل العز والجبروت وأهل القدرة والملكوت وأهل
الجود والرحمة وأهل العفو والعافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته وشرفته وجعلته للمسلمين
عيدا ولمحمد ص ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد وتغفر لنا وللمؤمنين
281

والمؤمنات وتجعل لنا في كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا.
فإذا سلم من هذه الصلاة عقب وعفر ثم صعد المنبر فخطب على الوجه الذي
ذكرناه، ويلزم المؤتمين به الاقتداء به بقلوبهم وجوارحهم، ولا يقرؤن خلفه سمعوا صوته أم
لم يسمعوا، وعليه أن يسمعهم قنوته وتكبيرة ولا يسمعونه وليصغوا إلى خطبته، فإذا فرع
من الخطبة جلس على المنبر حتى ينفض الناس ثم ينزل.
فإن اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة، وقبح الجمع فيها مع
الاختلال، وكان كل مكلف مندوبا إلى هذه الصلاة في منزله والإصحار بها أفضل، ووقتها
ممتد واجبة ومندوبة إلى أن تزول الشمس فإذا زال ولما يصل سقط فرضها، ولا تنعقد في
مصر واحد جمعتان ولا عيدان، وأقل ما يكون بينهما ثلاثة أميال فإذا فاتت صلاة العيد لم يجز
قضاؤها واجبة ولا مسنونة.
ولا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا من غدا
من مدينة النبي ص لصلاة العيد فإنه مرغب في التطوع بصلاة ركعتين في
مسجده قبل الخروج. ولا يجوز السفر قبل صلاة العيد الواجبة ويكره قبل المسنونة وقد
وردت الرواية: إذا اجتمع عيد وجمعة أن المكلف مخير في حضور أيهما شاء. والظاهر في الملة
وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك.
ويلزم تمييز يوم العيد بالإكثار من فعل الخيرات والتوسعة على العيال والتضحية بما تيسر
وتفريق ذلك على المساكين.
فصل في صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض على كل من علم بذلك من المكلفين.
وصفتها: أن يفتتحها بالنية وتكبيرة الإحرام ويقرأ عشرا ويركع عشرا ويكبر عشرا ويقنت
خمسا ويسجد أربعا ويتشهد ويسلم. ووقتها ممتد بمقدار الكسوف أو الخسوف، والجهر
بالقراءة والجمع فيها أفضل من الإفراد والإخفات، فإن خرج عن الصلاة ولما ينجل
المكسوف والمخسوف فعليه إعادتها.
282

فإن دخل وقت فريضة من الخمس وهو فيها فليقمها ثم يصلى الفرض، فإن خاف
من إتمامها فوات الفرض قطعها ودخل فيه، فإذا فرع منه بنى على ما مضى له من صلاة
الكسوف، وإن لم يعلمه حتى تجلى القرص فعليه القضاء حسب، فإن علم ففرط في الصلاة
فهو مأزور تلزمه التوبة والقضاء، وإن كان الكسوف أو الخسوف احتراقا فعليه مع التوبة
الغسل كفارة لمعصيته.
فصل في صلاة الجنائز:
فرض هذه الصلاة متوجه إلى كل من علم بحال الميت على الكفاية، وأولى
الناس بإمامة الصلاة عليه إمام الملة، فإن تعذر حضوره وإذنه فولي الميت أو من يؤهل
للإمامة، وأحق من أهل لها الفاضل من بني هاشم.
وموقفه للرجل عند وسطه وللمرأة عند صدرها حافيا، يفتتح الصلاة بتكبيرة يعزم
معها على فعل الصلاة بصفتها لوجوبها مخلصا له سبحانه، فيتشهد بعدها الشهادتين،
ثم يكبر ثانية ويصلى بعدها على محمد وآله ص، ثم يكبر ثالثة ويدعو
بعدها للمؤمنين والمؤمنات ويستغفر الله سبحانه لهم، ثم يكبر رابعة ويدعو للميت إن كان
مؤمنا ويترحم عليه ويستغفر له، وإن كان مستضعفا دعا للمؤمنين والمؤمنات وإن كان ممن
لا يعرف حاله اشترط الدعاء له وعليه، وإن كان طفلا لمؤمن دعا لوالده أو لهما إن كانا
كذلك، ثم يكبر خامسة وينصرف من غير تسليم، ويرفع يديه في التكبيرة الأولة دون
ما بعدها ولا يبرح من موضعه حتى ترفع الجنازة.
وإن كان مخالفا للحق بجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار إمامة لعنه بعد
الرابعة وانصرف، ولا يجوز الصلاة على من هذه حاله إلا لتقية. وحكم المأمومين في جميع
ما ذكرناه حكم الإمام.
فإن حضرت جنازة رجل وامرأة جعلت المرأة مما يلي القبلة والرجل مما يلي الإمام،
وكذلك الحكم إن كان بدل المرأة عبدا أو صبيا أو خصيا، وإن كان الموتى جماعة جعلوا صفا
رأس كل منهم عند وركي الآخر وصلى عليهم صلاة واحدة.
283

ويصلى على القتيل المسلم ظالما كان أو مظلوما، وإذا اختلط قتلى المسلمين والكفار
صلى على أهل الإيمان بالقصد إليهم، ويصلى على المصلوب ولا يستقبل على وجهه الإمام
في التوجه.
فصل في صلاة الطواف:
يجب على كل من طاف بالبيت عند فراغه من أسبوعه أن يصلى ركعتين عند مقام
إبراهيم ع يقرأ في الأولة الحمد وسورة الإخلاص وفي الثانية مع الحمد قل يا أيها
الكافرون يتوجه فيهما ويقنت، ويجوز تأديتها في غير المقام من المسجد الحرام، فإن خرج منه
ولما يؤدهما فعليه الرجوع لتأديتهما فيه.
فصل في صلاة النذر:
ومن نذر صلاة على صفة مخصوصة أو في مكان معين أو عدد مخصوص وجب عليه
فعلها متى تعين فرض النذر على الوجه الذي شرط من مبلغ عدد أو صفة قراءة سور وآيات
أو تسبيحات مخصوصة في المكان أو الزمان الذي علق النذر به، فإن أداها على غير الصفة
التي شرطها أو في غير المكان أو الزمان الذي شرط لم يجزه ولزمه إعادتها على ما نذره.
فإن كان علق فعلها بزمان معين لا مثل له كيوم معلوم من شهر مخصوص ففرط حتى
خرج الوقت فعليه التوبة وكفارة بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا، وإن كان لضرورة فلا إثم عليه ويلزمه قضاؤها في غيره.
فصل في أحكام الصلوات المسنونة:
من وكيد السنة على المتم أن يصلى في اليوم والليلة أربعا وثلاثين ركعة: ثمان منها
بعد الزوال وقبل الظهر يتوجه في أولها كتوجه الفرائض، ثمان ركعات بعد الظهر وقبل
العصر، وأربع ركعات بعد فريضة المغرب يفتتحها بالتوجه وركعتين من جلوس بعد
عشاء الآخرة يفتتحهما بالتوجه، يقنت في كل ركعتين من هذه النوافل ويسلم، وأوقات
284

نوافل كل فريضة ممتدة بامتداد أوقات فرائضها، وثمان ركعات صلاة الليل يفتتحها
بالتوجه ويقنت في كل ركعتين ويسلم، وركعتي الشفع يسلم منها، وركعة الوتر يتوجه لها
ويسلم منها، وركعتي الفجر متصلة بصلاة الليل، وأول وقت هذه الصلاة أول النصف
الثاني وأفضله الربع الأخير.
وعلى المقصر سبع عشرة ركعة: نوافل المغرب أربع وصلاة الليل ثلاث عشرة ركعة.
والمسنون في نوافل النهار الإخفات بالقراءة وفي نوافل الليل الإجهار، ويجوز الجهر في تلك
والإخفات في هذه، ولكل ركعتين من هذه النوافل دعاء مخصوص طالبه يظفر به حيث
طلبه من كتب العمل.
وكيفيتها في حال القيام والركوع والسجود والجلوس كالفرائض، فإن فاته شئ منها
فهو مرغب في قضائه أي وقت تمكن كترغيبه في الابتداء.
ومن وكيد السنة على المتم أن يتطوع يوم الجمعة بعشرين ركعة: ست ركعات في صدر
النهار وستا إذا ارتفع النهار وستا قبل الزوال وركعتين في أول الزوال، فإن لم يتسع له ترتيبها
كذلك صلاها متوالية، فإن زالت الشمس وقد بقي منها بقية قضاها بعد العصر.
ومن السنة أن يتطوع الصيام في شهر رمضان بألف ركعة يصلى من ذلك في
العشرتين الأولتين كل ليلة عشرين ركعة: ثمان ركعات بعد نوافل المغرب واثنتي عشرة
ركعة بعد عشاء الآخرة وقبل الركعتين من جلوس، ويصلى كل ليلة من العشر الأخير
ثلاثين ركعة: اثنتي عشرة ركعة بعد نوافل المغرب وثماني عشرة ركعة بعد عشاء الآخرة،
ويصلى ليلة تسع عشر مائة ركعة مضافة إلى الموظف فيها من الركعات، ويصلى ليلة
إحدى وعشرين مائة ركعة وليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، ويصلى ليلة العيد ركعتين
يقرأ في الأولة منهما مع الحمد سورة الإخلاص ألف مرة وفي الثانية مع الحمد سورة
الإخلاص مرة واحدة، ولكل ركعتين من نوافل الشهر دعاء وتسبيح مذكور في كتب
العمل.
ومن وكيد السنة الاقتداء برسول الله ص في يوم الغدير وهو الثامن
عشر من ذي الحجة بالخروج إلى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس
285

بنصف ساعة بمن تتكامل له صفات إمام الجماعة بركعتين يقرأ في كل ركعة منهما الحمد مرة
وسورة الإخلاص عشرا وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدي به المؤتمون، فإذا
سلم دعا بدعاء هذا اليوم ومن صلى خلفه، وليصعد المنبر قبل كذا الصلاة فيخطب خطبة
مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله والتنبيه على عظيم حرمة يومه
وما أوجب الله تعالى من إمامة أمير المؤمنين والحث على امتثال مراد الله سبحانه ورسوله
ص فيه، ولا يبرح أحد من المؤتمين والإمام يخطب فإذا انقضت الخطبة
تصافحوا وتفرقوا.
ومن السنة أن يصلى ليلة النصف من شعبان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد
الحمد مائة مرة سورة الإخلاص ويقنت في كل ركعة منها ويسلم ويعقب ويعفر.
ومن السنة أن يصلى يوم المبعث - وهو السابع والعشرين من رجب - اثنتي عشرة
ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة يس ويقنت في كل ركعتين ويسلم ويكثر بعدها من
التسبيح والدعاء.
ومن السنة الاقتداء بأمير المؤمنين ع في صلاة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة
بعد الفاتحة سورة الإخلاص خمسين مرة ويقنت في كل ركعتين ويتشهد ويسلم ويعقب
ويعفر.
ومن السنة أن يقتدى بفاطمة ع في صلاة ركعتين يقرأ في الأولة بعد الحمد
سورة القدر مائة مرة وفي الثانية سورة الإخلاص مائة مرة ويقنت فيها ويسلم ويعقب
ويعفر.
ومن السنة صلاة الحياة وهي صلاة جعفر بن أبي طالب ع أربع ركعات
يفتتح بالتوجه ويقرأ في الأولة الحمد وإذا زلزلت ويسبح بعد القراءة خمسة عشر فصلا كل
فصل أربع تسبيحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يكبر ويركع
ويسبح في الركوع عشر فصول، ثم يرفع رأسه فيسبح عشرا ثم يكبر ويسجد فيسبح في
السجود عشرا، ثم يرفع رأسه ويجلس فيسبح عشرا ثم يسجد فيسبح عشرا، ثم يجلس
فيسبح عشرا، ثم ينهض إلى الثانية فيقرأ الحمد والعاديات ويسبح بعد القراءة وفي حال
286

الركوع وبعده وفي السجود وبعده كما سبح في الأولة، ويتشهد ويسلم، ثم ينهض فيصلي
ركعتين يقرأ في الأولة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الثانية الحمد وسورة الإخلاص، ويسبح
في كل منهما كما سبح في كل من الأولتين ويتشهد ويسلم ويعقب ويعفر، فيكون جملة التسبيح
في هذه الصلاة ثلاثمائة فصل.
ولا يختص أداء هذه الصلوات الثلاث بوقت من دون وقت.
والسنة حين إحرام المتعة أو حج أو عمرة مبتولة صلاة ست ركعات، ويجزئ اثنتان
يفتتحهما بالتوجه ويقرأ في الأولة الحمد وسورة الإخلاص وفي الثانية بعد الحمد قل يا أيها
الكافرون أي وقت قصد إلى الإحرام من ليل أو نهار وأفضل الأوقات بعد صلاة الظهر.
ومن السنة بعد الفراع من زيارة رسول الله ص أو أحد الأئمة
ع عند قبورهم صلاة ركعتين عند الرأس يحسن ركوعهما وسجودهما ويجتهد بعدهما في
الدعاء والاستغفار، ويصلى لزيارة أمير المؤمنين ع ست ركعات لأن زيارته
تشتمل على زيارة ثلاثة حجج: آدم ونوح وهود ع، وإن كانت زيارتهم أو أحدهم
ع من بلد الزائر النائي عن مشاهدهم بدأ بصلاة ركعتين ثم عقبهما بالزيارة.
ومن السنة في من عرض له أمران يشتبهان: أن يستخير الله سبحانه بصلاة ركعتين
يقول بعدهما وهو ساجد: أستخير الله - مائة مرة - اللهم إني أستخيرك بعلمك وأشهد بك
بقدرتك، اللهم إنك تعلم وأنت علام الغيوب أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تخير لي في جميع أموري خيرة في عافية خيرة للدنيا والآخرة برحمتك وجميل لطفك. فإذا عزم
على مطلوبه بدأ بصلاة ركعتين يبتهل بعدهما إلى الله تعالى في نجاح
حاجته، فإذا قضيت حاجته فليصل صلاة الشكر ركعتين يسجد بعدهما ويقول: " شكرا شكرا " مائة مرة.
ومن السنة إذا منعت السماء قطرها والأرض نبتها أن يفزع أهل المصر والإقليم إلى
صوم ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا انبسطت الشمس من يوم الجمعة
خرج إمام الصلاة ومعه المؤذنون وكافة أهل البلد إلى ظاهره وقد نصب له منبر
فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد يقنت بين التكبير بما سنح من التحميد، ثم يصعد المنبر
فيخطب خطبة يحمد الله تعالى فيها ويثني عليه بما هو أهله ويصلى على محمد وآله ويعظ
287

ويخوف ويحث على فعل الخير ويزجر عن ارتكاب القبيح ويرغب في التوبة ويشعر
الحاضرين أن القحط سبب القبائح ليبعثهم ذلك على التوبة منها.
فإذا فرع من خطبته فليقلب رداءه فيحول الذي على منكبه الأيمن إلى الأيسر والذي
على الأيسر إلى الأيمن، ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر الله مائة تكبيرة ويكبر الناس معه، ثم
يحول وجهه إلى يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة ويسبح الناس معه ثم يحول وجهه إلى يساره
فيحمد الله مائة مرة ويحمد الناس معه، ثم يحول وجهه إلى الناس فيستغفر الله مائة مرة
ويستغفر الناس معه. كل ذلك يرفع به صوته ويرفعونه، ثم يحول وجهه إلى القبلة ويدعو:
اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي
الأرض بعد موتها، يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات وجامع
الشتات، اللهم اسقنا غيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا ينبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به
الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا.
وليؤمن الحاضرون على دعائه ثم ينزل.
ومن السنة على من دخل مسجدا أن يبدأ الصلاة ركعتين تحية له ثم يشرع فيما شاء
من عبادة.
288

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
289

كتاب الصلاة
العلم بالصلاة علم بفرائضها وسننها، وهو ينقسم قسمين: قسم يتقدم حال
الصلاة وقسم يقارن حال الصلاة.
فأما الذي يتقدم حال الصلاة، فخمسة أشياء: أربعة منها يشتمل على المفروض
والمسنون والخامس مسنون ليس بمفروض.
فالأول منها العلم بالطهارة وأحكامها، والثاني العلم بأعداد الصلاة، والثالث
العلم بأوقات الصلاة، والرابع العلم بالقبلة وأحكامها، والقسم الخامس معرفة الأذان
والإقامة وأحكامها.
وأما العلم بالطهارة فقد قدمناه مستوفى، وما بقي من الأقسام الأخر فنحن نفرد لكل
قسم منها بابا ونذكر ما فيه مستوفى ونفرق بين المفروض منه والمسنون، ثم نتبع ذلك بما يقارن
حال الصلاة من الفرائض والسنن إن شاء الله تعالى.
باب أعداد الصلاة وعدد ركعاتها من المفروض والمسنون:
الصلاة تنقسم قسمين: مفروض ومسنون. وكل واحد منهما ينقسم قسمين: فرائض
الحضر وسننه وفرائض السفر وسننه
291

فأما فرائض الحضر فسبع عشرة ركعة: الظهر أربع ركعات بتشهدين: أحدهما في
الثانية بغير تسليم والثاني في الرابعة بتسليم بعده وفريضة العصر مثل ذلك، وفريضة
المغرب ثلاث ركعات بتشهدين: أحدهما في الثانية بغير تسليم والثاني في الثالثة بتسليم
بعده، وفريضة العشاء الآخرة مثل فريضة الظهر والعصر، وفريضة الغداة ركعتان بتشهد
في الثانية وتسليم بعده.
وأما سنن الحضر فأربع وثلاثون ركعة: ثمان ركعات بعد زوال الشمس قبل الفريضة
وثمان ركعات بعد الفريضة قبل فريضة العصر وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان من
جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل وركعتان صلاة
الفجر بتشهد في كل ركعتين من هذه النوافل كلها وتسليم بعده.
وأما فرائض السفر فإحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان بتشهد في الثانية وتسليم بعده
وكذلك العصر، والمغرب ثلاث ركعات كحالها في الحضر، والعشاء الآخرة ركعتان
كالظهر والعصر. وركعتان صلاة الغداة كحالها في الحضر.
وأما سنن السفر فسبع عشرة ركعة: أربع ركعات بعد المغرب كحالها في الحضر
وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل وركعتا صلاة الفجر، فهذه سبع عشرة ركعة. ويجوز أن
يصلى الركعتين من جلوس التي يصليهما في الحضر بعد العشاء الآخرة، فإن لم يفعلها لم
يكن به بأس.
باب أوقات الصلاة:
اعلم أن لكل صلاة من الصلوات المفروضة وقتين: أولا وآخرا. فالوقت الأول
وقت من لا عذر له والثاني وقت لمن له عذر من المرض أو السفر أو غير ذلك، ولا يجوز لمن
ليس له عذر أن يؤخر الصلاة من أول وقتها إلى آخره مع الاختيار فإن أخرها كان مخطئا
مهملا لفضيلة عظيمة وإن لم يستحق به العقاب لأن الله تبارك وتعالى قد عفا له عن ذلك،
وصاحب العذر يجوز له تأخير الصلاة إلى آخر الوقت على كل حال.
واعلم أن وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، ويعلم زوالها إما بالأسطرلاب
292

أو الدائرة الهندية أو ميزان الشمس أو يستقبل الانسان القبلة ويراقب الشمس، فإذا وجدها
على حاجبه الأيمن، علم أن الشمس قد زالت، فإذا عرف زوالها وجب عليه فريضة الظهر
إذا كان ممن لا يصلى النوافل، فإن كان ممن يصلى النوافل قدمها على الفريضة من بعد
الزوال، فإذا فرع منها صلى الفريضة من غير تأخير هذا إذا كان من غير يوم الجمعة، فأما
إذا كان يوم الجمعة وجب عليه عند زوال الشمس الفريضة، ولا يجوز له الاشتغال بالنافلة
ويجب عليه إما تقديمها قبل الزوال أو تأخيرها إلى بعد الفراع من فريضة العصر وهذا
الوقت الذي ذكرناه وقت من لا عذر له، فإن كان له عذر فوقته إذا زالت الشمس ثم هو في
فسحة إلى اصفرارها.
وآخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس إلى أربعة أقدام.
ووقت العصر عند الفراع من صلاة الظهر في يوم الجمعة وفي غيره من الأيام، وإن كان
ممن يصلى النوافل في غير يوم الجمعة صلى بين الظهر والعصر الثماني ركعات ثم يصلى
العصر بلا فصل هذا إذا لم يكن له عذر، فإذا كان له عذر فهو في فسحة من هذا الوقت
إلى آخر النهار أي وقت شاء صلى العصر ولا يكون ذلك مع الاختيار.
وأول وقت صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس وعلامته سقوط القرص وعلامة
سقوطه عدم الحمرة من جانب المشرق، وآخر وقته سقوط الشفق وهو الحمرة من ناحية
المغرب ولا يجوز تأخيره من أول الوقت إلى آخره إلا لعذر، وقد رخص للمسافر تأخير
المغرب إلى ربع الليل.
وأول وقت العشاء الآخرة سقوط الشفق وآخره إلى ثلث الليل ولا يجوز تأخيره إلى آخر
الوقت إلا لعذر حسب ما قدمناه، وقد رويت رواية: أن آخر وقت العشاء الآخرة ممتد إلى
نصف الليل، والأحوط ما قدمناه. ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق في السفر
وعند الأعذار ولا يجوز ذلك مع الاختيار.
وأول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر المستطير المعترض في أفق السماء وهو وقت من
لا عذر له، فمن كان له عذر فهو وقته إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت فقد فاتت الصلاة.
ووقت نوافل الظهر من عند زوال الشمس إلى أن يصير الفئ على قدمين، فإذا صار
293

كذلك. ولم يكن قد صلى من النوافل شيئا بدأ بالفريضة أولا ويؤخر النوافل، وإن كان قد
صلى منها ركعة أو ركعتين فليتممها وليخفف قراءتها ثم يصلى الفرض.
وكذلك يصلى نوافل العصر ما بين الفراع من الظهر إلى أن يصير الفئ على أربعة
أقدام، فإن صار كذلك ولم يكن قد صلى شيئا منها بدأ بالعصر وأخر النوافل، وإن كان قد
صلى منها شيئا أتم ما بقي عليه ثم يصلى العصر.
ووقت نوافل المغرب بعد الفراع من فرضه إلى سقوط الشفق، فإن سقط ولم يكن قد
صلى النوافل أخرها إلى بعد العشاء الآخرة.
ووقت الركعتين من جلوس بعد العشاء الآخرة، فإن كان ممن عليه قضاء صلاة أخرها
إلى بعد الفراع من القضاء ويختم صلاته بهاتين الركعتين.
ووقت صلاة الليل بعد انتصافه إلى طلوع الفجر وكلما قارب الفجر كان أفضل، فإن
طلع الفجر ولم يكن قد صلى من صلاة الليل شيئا بدأ بصلاة الغداة وأخر صلاة الليل،
وإن كان قد صلى من صلاة الليل عند طلوع الفجر أربع ركعات أتم صلاة الليل وخفف
القراءة فيها ثم صلى الغداة، فإن قام إلى صلاة الليل وقد قارب الفجر خفف الصلاة
واقتصر من القراءة على الحمد وحدها ولا يطول الركوع والسجود لئلا يفوته صلاة
الغداة، ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا لمسافر يخاف فوتها أو شاب يمنعه من القيام
آخر الليل رطوبة رأسه ولا يجعل ذلك عادة وأن يقضي صلاة الليل في الغداة أفضل من أن
يقدمها في أول الليل.
ووقت ركعتي الفجر عند الفراع من صلاة الليل وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر، فإن
طلع ولم يكن قد صلى من صلاة الليل شيئا جاز له أن يصلى ركعتين ما بينه وبين طلوع
الحمرة، فإذا طلعت الحمرة من ناحية المشرق وجب عليه البداءة بالفرض.
ومن فاتته صلاة فريضة فليصلها أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يتضيق وقت
فريضة حاضرة، فإن تضيق وقت صلاة حاضرة بدأ بها ثم بالتي فاتته، فإن كان قد دخل في
الصلاة الحاضرة في أول وقتها وقد صلى منها شيئا وقد فاتته صلاة وكان نسيها ثم ذكرها
قبل الفراع منها فليعدل بنيته إلى الصلاة الفائتة ثم يصلى بعد الفراع منها الصلاة
294

الحاضرة، ويصلى ركعتي الإحرام وركعتي الطواف والصلاة على الجنازة وصلاة الكسوف
في جميع الأحوال ما لم يكن وقت صلاة فريضة قد تضيق وقتها.
ومن فاته شئ من صلاة النوافل فليقضها أي وقت شاء من ليل أو نهار ما لم يكن
وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو غروبها فإنه يكره صلاة النوافل وقضاؤها في هذين
الوقتين، وقد وردت رواية بجواز النوافل في الوقتين الذين ذكرناهما فمن عمل بها لم يكن
مخطئا لكن الأحوط ما ذكرناه، ويستحب قضاء ما فات بالليل بالنهار وقضاء ما فات بالنهار
بالليل.
فمن صلى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثم علم بعد ذلك وجب عليه
إعادة الصلاة، فإن كان في الصلاة لم يفرع منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه،
ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على
ظنه ذلك.
باب معرفة القبلة وأحكامها:
معرفة القبلة واجبة للتوجه إليها في الصلوات واستقبالها عند الذبيحة وعند
احتضار الأموات ودفنهم، والتوجه إليها واجب في جميع الصلوات فرائضها وسننها مع
التمكن وعدم الأعذار.
والقبلة هي الكعبة وهي قبلة من كان في المسجد الحرام، فمن خرج من المسجد
الحرام كان قبلته المسجد إذا كان في الحرم، فإن نأى عن الحرم كان فرضه التوجه إلى الحرم.
ومعرفة القبلة تحصل بالمشاهدة لمن قرب منها، ومن نأى عنها تحصل له بعلاماتها،
ومن علاماتها أنه إذا راعى زوال الشمس ثم استقبل عين الشمس بلا تأخير، فإذا رآها على
حاجبها الأيمن في حال الزوال علم أنه مستقبل القبلة، وإن كان عند طلوع الفجر جعل
الفجر على يده اليسرى ويستقبل القبلة، وإن كان عند غروبها جعل الشفق على يده
اليمنى، فإن كان بالليل جعل الجدي على منكبه الأيمن وهذه العلامات علامات لمن كان
توجه إلى الركن العراقي من أهل العراق وخراسان وفارس وخوزستان ومن والاهم، فأما
295

أهل اليمن فإنهم يتوجهون إلى الركن اليماني وأهل الشام يتوجهون إلى الركن الشامي
وأهل الغرب يتوجهون إلى الركن الغربي، فإذا ناؤا عن الحرم كانت علاماتهم غير هذه
العلامات.
ومتى حصل الانسان في بر وأطبقت السماء بالغيم أو يكون محبوسا في بيت أو بحيث
لا يجد دليلا على القبلة ودخل وقت الصلاة فليصل إلى أربع جهات أربع دفعات إذا كان
عليه مهلة وتمكن منه، فإن لم يتمكن من ذلك لضرورة أو خوف فليصل إلى أي جهة شاء
وقد أجزأه، ومن توجه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة فعليه أن يتياسر قليلا
ليكون متوجها إلى الحرم، بذلك جاء الأثر عنهم ع.
ومن صلى إلى غير القبلة متعمدا وجب عليه إعادة الصلاة، فإن صلاها ناسيا
أو لشبهة ثم تبين أنه صلى إلى غير القبلة وكان الوقت باقيا وجب عليه إعادة الصلاة، فإن
كان الوقت خارجا لم يجب عليه إعادتها، وقد رويت رواية أنه إذا كان صلى إلى استدبار
القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة، وهذا هو الأحوط وعليه
العمل.
ولا بأس للمسافر أن يصلى النوافل على راحلته يتوجه إلى حيث توجهت لأن الله
تعالى قال: فأينما تولوا فثم وجه الله. وروي عن الصادق ع أنه قال: هذا في
النوافل خاصة في حال السفر. فأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة على كل حال.
باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها:
الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في جميع الفرائض من الصلوات الخمس لا ينبغي
تركهما مع الاختيار وأشدهما تأكيدا في صلاة الغداة والمغرب، ولو أن إنسانا اقتصر على
الإقامة وحدها في جميع الصلوات أجزأه، فإن ترك الإقامة أيضا كانت صلاته ماضية ولم
يجب عليه إعادتها إلا أنه يكون تاركا فضلا ومهملا سنة.
ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معا في صلاة الجماعة، فمن تركهما فلا جماعة له، ومن أذن
وأقام ليصلي وحده ثم جاءه قوم وأرادوا أن يصلوا جماعة فعليه إعادة الأذان والإقامة معا
296

ولا يدخل بما تقدم منهما في الصلاة، وإذا دخل قوم المسجد وقد صلى الإمام الذي يقتدى به في
الجماعة وأرادوا أن يجمعوا فليس عليهم أذان ولا إقامة بل يتقدم أحدهم ويجمع بهم.
ومن ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم ما لم يركع
ثم يستأنف الصلاة، وإن تركهما ناسيا حتى دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في صلاته
ولا إعادة عليه، ومن أقام ودخل في الصلاة ثم أحدث ما يجب به عليه إعادة الصلاة
فليس عليه إعادة الإقامة إلا أن يكون قد تكلم فإنه يعيد الإقامة أيضا، ومن فاتته صلاة
وأراد قضاءها قضاها كما فاتته بأذان وإقامة أو بإقامة.
وليس على النساء أذان ولا إقامة بل يتشهدن الشهادتين بدلا من ذلك، وإن أذن
وأقمن كان أفضل لهن إلا أنهن لا يرفعن أصواتهن أكثر من إسماع أنفسهن ولا يسمعن
الرجال.
ولا يؤذن ولا يقيم إلا من يوثق بدينه، فإن كان الذي يؤذن غير موثوق بدينه أذنت
لنفسك وأقمت، وكذلك إن صليت خلف من لا يقتدى به أذنت لنفسك وأقمت، وإذا
صليت خلف من يقتدى به فليس عليك أذان ولا إقامة وإن لحقت بعض الصلاة، فإن
فاتتك الصلاة معه أذنت لنفسك وأقمت وإذا دخلت المسجد وكان الإمام من لا يقتدى به
وخشيت إن اشتغلت بالأذان والإقامة فاتتك الصلاة جاز لك الاقتصار على التكبيرتين
وعلى قولك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة ثم تدخل في الصلاة، وقد روي أنه
ينبغي أن تقول أنت ما يتركه من قول: حي على خير العمل، حي على خير العمل.
ولا بأس أن يؤذن الصبي الذي لم يبلغ الحلم ويقيم وإن تولى ذلك الرجال كان
أفضل.
ولا يجوز الأذان قبل دخول الوقت، فمن أذن قبل دخول الوقت أعاده بعد دخول
الوقت، ويجوز تقديم الأذان في صلاة الغداة خاصة إلا أنه يستحب إعادته بعد طلوع الفجر
ودخول وقته، والأفضل ألا يؤذن الانسان إلا وهو على طهر، فإن أذن وهو على غير طهر أو كان
جنبا أجزأه ولا يقيم إلا وهو على طهر على كل حال.
ولا بأس أن يؤذن الانسان وهو راكب أو ماش، ولا يقيم إلا وهو قائم مع الاختيار،
297

ولا بأس أن يؤذن الانسان ووجهه إلى غير القبلة إلا أنه إذا شهد الشهادتين استقبل بهما
القبلة، ولا يقيم إلا ووجهه إلى القبلة، ولا بأس أن يتكلم في حال الأذان، ولا يجوز الكلام في
حال الإقامة، وإذا قال: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على الحاضرين إلا بما يتعلق
بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف.
والترتيب واجب في الأذان والإقامة، فمن قدم حرفا منه على حرف رجع فقدم المؤخر
وأخر المقدم منه.
ولا يجوز التثويب في الأذان، فإن أراد المؤذن إشعار قوم بالأذان جاز له تكرار الشهادتين
دفعتين، ولا يجوز قول: الصلاة خير من النوم، في الأذان فمن فعل ذلك كان مبدعا،
ولا يجوز الأذان لشئ من صلاة النوافل.
والأذان والإقامة جميعا موقوفان لا يبين فيهما الإعراب، وينبغي أن يكون الأذان مرتلا
والإقامة حدرا، وينبغي أن يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين.
ويستحب لمن سمع الأذان والإقامة أن يقول مع نفسه كما يسمعه، ولا بأس أن يؤذن
الرجل ويقيم غيره، ويستحب أن يفصل الانسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة
أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في المغرب خاصة فإنه لا يسجد بينهما، ويكفي الفصل
بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة، وإن كانت صلاة الظهر جاز أن يؤذن إذا صلى ست ركعات
من نوافل الزوال ثم يقيم بعد الثماني ركعات، وكذلك يؤذن العصر بعد ست ركعات من
نوافل العصر ثم يقيم بعد الثماني ركعات، وإذا سجد الانسان بين الأذان والإقامة يقول في
سجوده: اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر نبيك محمد
ص مستقرا وقرارا. ويستحب أن يرفع الرجل صوته بالأذان في منزله فإن ذلك ينفي العلل
والأسقام.
والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا والإقامة سبعة عشر
فصلا. يقول المؤذن في أذانه:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على
298

الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل،
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
والإقامة مثل ذلك إلا أنه يقول في أول الإقامة مرتين: الله أكبر الله أكبر، ويقتصر على
مرة واحدة: لا إله إلا الله، في آخره ويقول بدلا من التكبيرتين في أول الأذان: قد قامت
الصلاة، قد قامت الصلاة، بعد الفراع من قوله: حي على خير العمل، حي على خير
العمل.
وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان والإقامة هو المختار المعمول عليه، وقد روي
سبعة وثلاثون فصلا في بعض الروايات وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا وفي بعضها
اثنان وأربعون فصلا.
فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات " الله أكبر "،
ويقول في الباقي كما قدمناه. ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضف إلى ما قدمناه من قول:
" لا إله إلا الله " مرة أخرى في آخر الإقامة. ومن روى اثنين وأربعين فصلا، فإنه يجعل في آخر
الأذان التكبير أربع مرات وفي أول الإقامة، أربع مرات وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات
ويقول: " لا إله إلا الله " مرتين في آخر الإقامة، فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم
يكن مأثوما.
وأما ما روي في شواذ الأخبار من قول: أشهد أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية،
فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل بها كان مخطئا.
ولا بأس أن يقتصر الانسان في حال الاستعجال في الأذان والإقامة أو في حال السفر
والضرورة على مرة مرة ولا يجوز ذلك مع الاختيار، وإذا سمعت المؤذن وقد نقص من أذانه
أتممت أنت مع نفسك فصول الأذان.
باب كيفية الصلاة وبيان ما يعمل الانسان فيها من الفرائض والسنن:
إذا أردت الدخول إلى الصلاة بعد دخول وقتها فقم مستقبل القبلة بخشوع
وخضوع وأنت على طهر ثم ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك ولا تجاوز بهما طرفي أذنيك، ثم
299

أرسلهما على فخذيك حيال ركبتيك ثم ارفع يديك مرة أخرى بالتكبير وافعل كما فعلت في
الأول، ثم ارفعهم ثالثا واصنع كما صنعت في الأولين.
فإذا كبرت ثلاث تكبيرات فقل: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك
وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم تكبر تكبيرتين أخريين وتقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك
والمهدي من هديت عبدك وابن عبديك بين يديك منك وبك ولك وإليك لا ملجأ ولا منجا
ولا مفر منك إلا إليك سبحانك وحنانيك سبحانك رب البيت الحرام.
ثم تكبر تكبيرتين أخريين وتقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم تقرأ الحمد وإن قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم
ودين محمد ومنهاج على حنيفا مسلما إلى آخر الكلام كان أفضل. وهذه التكبيرات السبع
واحدة منها فريضة ولا يجوز تركها والباقي سنة وعبادة، ورفع اليدين مع كل تكبيرة سنة
وفضيلة في الصلاة، فلو لم يرفع الانسان يديه مع كل تكبيرة لم تبطل بذلك صلاته.
وقرب بين قدميك في الصلاة واجعل بينهما مقدار ثلاث أصابع مفرجات إلى شبر
واستقبل بأصابع رجليك جميعا القبلة، وينبغي أن يكون نظرك في حال قيامك إلى موضع
سجودك ولا تلتفت يمينا وشمالا فإن الالتفات يمينا وشمالا نقصان في الصلاة
والالتفات إلى ما وراءك إفساد لها ويجب عليك إعادتها، وعليك بالإقبال على صلاتك
ولا تعبث بيديك ولا بلحيتك ولا برأسك ولا تفرقع أصابعك ولا تحدث نفسك ولا تتثاءب
ولا تتمطأ ولا تتلثم، فإن فعل هذه الأشياء كلها نقصان في الصلاة وإن كان ليس بمفسد لها.
فإذا فرغت من القراءة رفعت يديك بالتكبير للركوع، فإذا كبرت وفرغت من التكبير
ركعت، واملأ كفيك من ركبتيك منفرجات الأصابع، ورد ركبتيك إلى خلف وسو ظهرك ومد
عنقك وغمض عينيك فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك ثم تسبح، فإذا فرغت
من التسبيح استويت قائما، فإذا استمكنت من القيام قلت: سمع الله لمن حمده الحمد لله
300

رب العالمين أهل الجود والكبرياء والعظمة، ثم ترفع يديك بالتكبير وتكبر.
فإذا فرغت من التكبير أرسلت نفسك إلى السجود وتتلقى الأرض بيديك ولا تتلقها
بركبتيك إلا في حال الضرورة، فإذا سجدت بسطت كفيك مضمومتي الأصابع بين يدي
ركبتيك حيال وجهك ويكون سجودك على سبعة أعظم: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي
أصابع الرجلين فريضة، وترغم بأنفك سنة وتكون في حال سجودك متفرجا لا يكون شئ
من جسدك على شئ، ولا تفرش ذراعيك على الأرض ولا تضعهما على فخذيك ولا تلصق
بطنك بفخذيك ولا فخذيك بساقيك بل تكون معلقا لا يكون منك شئ على شئ، ثم تسبح
للسجود.
فإذا فرغت منه رفعت رأسك من السجود، فإذا استويت جالسا قلت: الله أكبر،
وليكن جلوسك على فخذيك الأيسر تضع ظاهر قدمك الأيمن على بطن قدمك الأيسر وتقول:
أستغفر الله ربي وأتوب إليه. ولا بأس أن تقعد متربعا أو تقعي بين السجدتين ولا يجوز ذلك
في حال التشهد.
ثم تقوم إلى الثانية فتصلي ركعة أخرى على ما وصفناه إلا أنك تقنت في الركعة الثانية
بعد الفراع من القراءة ترفع يديك بالتكبير وتقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك
أنت الأعز الأجل الأكرم، هذا أدنى ما تدعو به في القنوت، وإن زدت على ذلك من الدعاء كان
أفضل، ويجوز أن تقتصر على ثلاث تسبيحات في القنوت.
فإذا فرغت من الركعة الثانية تشهدت، فإذا فرغت من التشهد سلمت إن كانت
الصلاة ثنائية وإن كانت ثلاثية أو رباعية قمت إلى الثالثة وتقول: بحول الله وقوته أقوم
وأقعد، وهكذا تقول إذا قمت إلى الركعة الثانية من الركعة الأولة ثم تصلي تمام الصلاة
على ما وصفناه.
فإذا فرغت من صلاتك سلمت، فإن كنت وحدك سلمت مرة واحدة تجاه القبلة
وأشرت بمؤخر عينك إلى يمينك، وإن كنت إماما فعلت أيضا مثل ذلك إلا أنك تؤمي إيماء
بوجهك إلى يمينك، فإن كنت مأموما سلمت عن يمينك مرة وعن يسارك مرة أخرى إذا كان
على يسارك انسان، فإن لم يكن على يسارك أحد أجزأك مرة واحدة، فإذا فرغت من
301

صلاتك عقبت وسنبين التعقيب في باب مفرد إن شاء الله.
ولا يجوز التكفير في الصلاة، فمن كفر في صلاته مع الاختيار فلا صلاة له، فإن فعله
للتقية والخوف لم يكن به بأس.
ويستحب التوجه بسبع تكبيرات حسب ما قدمناه في سبعة مواضع: في أول كل فريضة
وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام وفي أول ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من الوتيرة
وفي أول ركعة من صلاة الليل وفي أول ركعة من الوتر وفي أول ركعة من نوافل المغرب،
فمن لم يفعل ذلك واقتصر على تكبيرة الإحرام ثم بدأ بالقراءة بعدها أجزأه.
والمرأة تصلي كما يصلى الرجل غير أنها تجمع بين قدميها في حال قيامها ولا تفرج
بينهما وتضم يديها إلى صدرها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا
تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يقعد الرجل، فإذا سقطت
للسجود، بدأت بالقعود ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا جلست في تشهدها ضمت فخذيها
ورفعت ركبتيها من الأرض، وإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا.
ولا بأس أن يدعو الانسان في الصلاة في حال القنوت وغيره بما يعرض له من الحوائج
لدنياه وآخرته مما أباحه الله تعالى له ورغبه فيه، وإن كان ممن لا يحسن الدعاء بالعربية جاز
له أن يدعو بلغته أي لغة كانت، ولا بأس بالرجل أن يبكي أو يتباكى في الصلاة خوفا من
الله وخشية من عقابه، ولا يجوز له أن يبكي لشئ من مصائب الدنيا.
وإذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله تعالى. وإذا سلم عليه وهو في الصلاة
فلا بأس أن يرد مثله في الجواب يقول: " سلام عليكم " ولا يقول: " وعليكم السلام ".
ويؤمر الصبي بالصلاة إذا بلغ ست سنين تأديبا ويؤخذ به إذا بلغ تسع سنين سنة
وفضيلة وألزم إلزاما إذا بلغ حد الكمال فرضا ووجوبا، ولا بأس أن يصلوا جماعة مع
الرجال غير أنهم لا يمكنون من الصف الأول.
ويكره أن ينفخ الانسان في الصلاة موضع سجوده، فإن فعل لم يكن عليه إثم وإنما
يكره ذلك إذا كان بجنبه من يصلى يتأذى بالغبار، ولا بأس أن يعد الانسان الركعات
بأصابعه أو بشئ يكون معه من الحصى والنوى وما أشبههما، ولا بأس أن يصلى الانسان وفي
302

فيه خرز أو لؤلؤ ما لم يشغله عن القراءة أو الصلاة فإن شغله عنها لم يجز الصلاة فيه.
باب القراءة في الصلاة وأحكامها والركوع والسجود وما يقال فيهما والتشهد:
القراءة واجبة في الصلاة فمن تركها متعمدا فلا صلاة له، وإن تركها ناسيا إن
ذكر قبل الركوع وجبت عليه القراءة، وإن ذكرها بعد الركوع مضى في صلاته ولا شئ
عليه.
وأدنى ما يجزئ من القراءة في الفرائض الحمد مرة واحدة وسورة معها مع الاختيار
لا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان عنه، فمن صلى بالحمد وحدها متعمدا من غير عذر
كانت صلاته ماضية ولم يجب عليه إعادتها غير أنه يكون قد ترك الأفضل، وإن اقتصر على
الحمد ناسيا أو في حال الضرورة من السفر والمرض وغيرهما لم يكن به بأس وكانت صلاته
تامة، ولا يجوز الاقتصار على أقل من الحمد في حال من الأحوال، فمن لا يحسن الحمد
أو يحسن منها بعضها فصلى بما يحسنه كانت صلاته ماضية غير أنه يجب عليه تعلم الحمد
على التمام ليصلي بها إذا أمكنه ذلك فإن لم يمكنه لم يكن عليه شئ، ومن لا يحسن غير
الحمد لم يكن به بأس في الاقتصار عليه ولم يجب عليه زيادة التعلم على ذلك وكانت
صلاته تامة. وقراءة الأخرس وشهادته الشهادتين إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.
ولا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض، فمن فعل ذلك متعمدا كانت
صلاته فاسدة وإن فعله ناسيا لم يكن عليه شئ، وكذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض
سورة وهو يحسن تمامها، فمن اقتصر على بعضها وهو متمكن لقراءة جميعها كانت صلاته
ناقصة وإن لم يجب عليه إعادتها، والركعتان الأخريان من الفرائض يقتصر فيهما على
الحمد وحدها أو ثلاث تسبيحات، يقول: " سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "
ثلاث مرات أي ذلك شاء فعل مخيرا له فيه.
وأما صلاة النوافل فلا بأس أن يقتصر على الحمد وحدها غير أن الأفضل أن يضيف
إليها غيرها من السور، ولا بأس أن يقرأ في النوافل أكثر من سورة واحدة وكذلك إن قرأ
من سورة أو اقتصر على آية واحدة لم يكن به بأس.
303

وقراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، واجب في جميع الصلوات قبل الحمد وبعدها إذا
أراد أن يقرأ سورة معها، ويستحب أن يجهر ب‍: بسم الله الرحمن الرحيم، في جميع
الصلوات وإن كانت مما لا يجهر بالقراءة فيها، فإن قرأها فيما بينه وبين نفسه لم يكن به بأس
غير أن الأفضل ما قدمناه.
ومن ترك: بسم الله الرحمن الرحيم، في الصلاة متعمدا قبل " الحمد " أو بعدها قبل
السورة فلا صلاة له ووجب عليه إعادتها، وإن كانت الحال حال تقية جاز له أن يقول
فيما بينه وبين نفسه وإن كانت الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة، فإن كان عليه بقية من سورة
يريد قراءتها مع الحمد في النوافل لم يجب قول: بسم الله الرحمن الرحيم، بل يبتدأ من الموضع
الذي يريده.
ولا يجوز قول " آمين " بعد الفراع من الحمد فمن قاله متعمدا بطلت صلاته، ويستحب
أن يفصل بين الحمد والسورة التي يريد قراءتها بسكتة وكذلك يفصل بين السورة
وتكبيرة الركوع، وينبغي أن يرتل الانسان قراءته ويضع الحروف مواضعها فإن لم يتأت له
ذلك لعدم علمه به وأمكنه تعلمه على الاستقامة وجب عليه ذلك، فإن شق عليه ذلك قرأ
على ما يحسنه.
وإذا قرأ الانسان في الفريضة سورة بعد الحمد وأراد الانتقال إلى غيرها جاز له ذلك ما لم
يتجاوز نصفها إلا سورة الكافرين والإخلاص فإنه لا ينتقل عنهما إلا في صلاة الظهر يوم
الجمعة فإنه لا بأس أن ينتقل عنهما إلى سورة الجمعة والمنافقين.
ويقرأ الانسان في الفريضة أي سورة شاء سوى العزائم الأربع فإنه لا يقرأها في الفريضة
على حال، وإذا أراد أن يقرأ سورة الفيل في الفريضة جمع بينها وبين سورة الإيلاف لأنهما
سورة واحدة وكذلك " والضحى " و " أ لم نشرح "، وأفضل ما يقرأه الانسان في الفريضة بعد
الحمد " إنا أنزلناه في ليلة القدر " و " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون ". وهو مخير في
ما سوى ذلك. ولا يجوز أن يقرأ من السور الطوال في الفريضة، ما إن اشتغل بقراءتها، فاتته
الصلاة، بل يقرأ من السور القصار والمتوسطة.
ويستحب أن يقرأ في صلاة الظهر والعصر والمغرب مثل سورة القدر و " إذا جاء
304

نصر الله " و " ألهيكم " و " إذا زلزلت " وما أشبهها من السور القصار ويقرأ في العشاء الآخرة
مثل سورة الطارق وسورة الأعلى و " إذا السماء انفطرت " وما أشبهها من السور، وفي صلاة
الغداة مثل سورة المزمل والمدثر و " هل أتى على الانسان " و " عم يتساءلون " وما أشبهها من
السور، كل هذا ندبا واستحبابا. فإن اقتصر على " قل هو الله أحد " في الصلوات كلها، جاز له ذلك.
ويستحب أن يقرأ في صلاة الغداة يوم الخميس والاثنين " هل أتى على الانسان " وكذلك
يستحب أن يقرأ ليلة الجمعة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة سورة الجمعة وسورة الأعلى،
وفي غداة يوم الجمعة الجمعة و " قل هو الله أحد " وفي الظهر والعصر من يوم الجمعة سورة
الجمعة والمنافقين.
وأما القراءة في النوافل فليقرأ من أي موضع شاء ما شاء ويجوز قراءة العزائم فيها، فإن
قرأ منها شيئا وبلغ موضع السجدة فليسجد، ثم ليرفع رأسه من السجود ويقوم بالتكبير،
فيتمم ما بقي عليه من السورة إن شاء. وإن كانت السجدة في آخر السورة ولم يرد قراءة
غيرها، قام من السجود وقرأ الحمد، ثم ركع. ويستحب أن يقرأ في نوافل النهار السور
القصار. والاقتصار على سورة الإخلاص أفضل.
ويستحب قراءة " قل يا أيها الكافرون " في سبعة مواضع: في أول ركعة من ركعتي الزوال
وفي أول ركعة من نوافل المغرب وفي أول ركعة من صلاة الليل وفي أول ركعة من ركعتي
الفجر وفي ركعتي الغداة إذا أصبحت بها وفي ركعتي الطواف وفي ركعتي الإحرام، وقد روي
أنه يقرأ في هذه المواضع في الركعة الأولى: قل هو الله أحد، وفي الثانية: قل يا أيها الكافرون،
فمن عمل بهذه الرواية لم يكن به بأس.
ويستحب أن يقرأ الانسان في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرة: قل هو الله
أحد، في كل ركعة، وفي باقي صلاة الليل يستحب أن يقرأ فيها بالسور الطوال مثل الأنعام
والكهف والأنبياء والحواميم وما جرى مجراها هذا إذا كان عليه وقت كبير، فإن كان قريبا
من الفجر خفف الصلاة.
وينبغي للمصلي أن يجهر بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة، فإن
خافت فيهما متعمدا وجبت عليه إعادة الصلاة ويخافت في الظهر والعصر، فإن جهر
305

فيها متعمدا وجب عليه إعادة الصلاة، وإن جهر فيما يجب فيه المخافتة أو خافت فيما يجب
فيه الجهر ناسيا لم يكن عليه شئ، وإذا جهر لا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا، وإذا
خافت فلا يخافت دون إسماعه نفسه، ويستحب أن يجهر بالقراءة في نوافل صلاة الليل
أيضا فإن لم يفعل فلا شئ عليه، وإن جهر في نوافل النهار لم يكن به بأس غير أن الأفضل في
نوافل النهار المخافتة، وليس على المرأة الجهر بالقراءة في شئ من الصلوات.
والإمام ينبغي أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حد العلو، فإن احتاج إلى
ذلك لم يلزمه بل يقرأ قراءة وسطا، ويستحب للإمام أيضا أن يسمع من خلفه الشهادتين في
حال التشهد وليس على من خلفه أن يسمعه شيئا، ولا ينبغي أن يكون على فم الانسان لثام
في حال القراءة فإن كان فعليه أن ينحيه إن منع ذلك من سماع القراءة، فإن لم يمنع من ذلك
لم يكن به بأس غير أن الأفضل ما قدمناه.
والإمام إذا غلط في القراءة رد عليه من خلفه، وإذا أراد المصلي أن يتقدم بين يديه في
الصلاة امتنع من القراءة ويتقدم، فإذا استقر به المكان عاد إلى القراءة، ولا بأس أن يقرأ
الانسان في الصلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا.
والركوع فريضة في كل ركعة من الصلاة، فمن صلى ولم يركع متعمدا فلا صلاة له
وإن ترك ناسيا فسنذكر أحكامه إن شاء الله، وينبغي أن يكون في حال ركوعه على
ما وصفناه.
والتسبيح في الركوع فريضة من تركه متعمدا فلا صلاة له، وإن تركه ناسيا فسنبينه إن
شاء الله فيما بعد، وأقل ما يجزئ من التسبيح في الركوع تسبيحة واحدة وهو أن يقول:
سبحان ربي العظيم وبحمده، والأفضل أن يقول ذلك ثلاث مرات، وإن قالها خمسا أو سبعا
كان أفضل، وإن قال ثلاث مرات سبحان الله، أجزأه أيضا، وإن قال بدلا من التسبيح:
لا إله إلا الله والله أكبر، كان جائزا. ويستحب أن يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت
ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي. خشع لك سمعي
وبصري وشعري وبشري ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف
ولا مستحسر ولا مستكبر سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا أو خمسا أو سبعا، فإن لم يقل
306

ذلك واقتصر على التسبيح لم يكن عليه شئ.
ويكره أن يركع الانسان ويداه تحت ثيابه بل يستحب أن تكون بارزة أو تكون في كمه،
فإن لم يفعل لم يخل ذلك بصلاته، فإذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده
الحمد لله رب العالمين أهل الجود والجبروت والكبرياء والعظمة، يرفع بذلك صوته إن كان
إماما وإن كان مأموما أخفاه، ثم يرفع يديه بالتكبير للسجود.
فإذا كبر أهوى إلى السجود يتخوى كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه ويكون
سجوده على سبعة أعظم حسب ما قدمناه، والسجود فريضة في كل ركعة سجدتان فمن
تركهما معا أو واحدة منهما متعمدا فلا صلاة له، وإن تركهما أو واحدة منهما ناسيا فسنبين
حكمه إن شاء الله، والتسبيح في السجود أيضا فريضة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له، ومن
تركه ناسيا فسنذكر حكمه إن شاء الله.
وأقل ما يجزئ من التسبيح في السجود أن يقول: سبحان ربي الأعلى وبحمده، مرة
واحدة والسنة أن يقول ذلك ثلاث مرات والأفضل سبع مرات. ويستحب له أن يقول في
سجوده: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي
للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين سبحان ربي الأعلى
وبحمده، مرة واحدة ثلاثا أو خمسا أو سبعا.
وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة. أي شئ وقع منه على الأرض،
فقد أجزأه. فإن كان في جبهته دمل أو جراح لم يتمكن من السجود عليه فلا بأس أن يسجد
على أحد جانبيه، فإن لم يتمكن سجد على ذقنه وقد أجزأه ذلك. وإن جعل لموضع الدمل
حفيرة ووضعه فيها لم يكن به بأس، ولا يجوز أن لا يمكن جبهته من الأرض في حال السجود
مع الاختيار.
ويستحب أن يكون موضع السجود مساويا لموضع القيام ولا يكون أرفع منه، فإن كان
أرفع منه بمقدار لبنة جاز ولم يكن به بأس ولا يكون أكثر من ذلك، ولا بأس أن يدعو الانسان
لدينه ودنياه في حال الركوع والسجود وفي جميع أحوال الصلاة.
والتشهد فريضة في الصلاة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له، وإن تركه ناسيا فسنبين
307

حكمه إن شاء الله، ولا فرق بين التشهد الأول والثاني في وجوبهما وفرضهما، وأقل ما يجزئ
الانسان في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي محمد وآله الطيبين فإن زاد على ذلك
كان أفضل، ويستحب أن يقول الانسان في تشهده الأول:
بسم الله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اللهم صل على محمد
وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته.
وإن قال هذا في التشهد الثاني وجميع الصلوات لم يكن به بأس غير أنه يستحب أن
يقول في التشهد الأخير:
بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الرائحات الناعمات
الغاديات المباركات لله ما طاب وطهر وزكا وخلص ونما وما خبث فلغير الله، أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا
بين يدي الساعة أشهد أن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله
يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم
محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وتحننت على إبراهيم وآل
إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على
جميع أنبياء الله وملائكته ورسله السلام على الأئمة الهادين المهديين السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين.
ثم يسلم حسب ما قدمناه.
باب التعقيب:
فإذا انصرف من صلاته يستحب له أن يقول قبل قيامه من مصلاه: الله أكبر،
ثلاث مرات يرفع بها يديه إلى شحمتي أذنيه، ثم يقول:
308

لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له
الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز
جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت
بيده الخير وهو على كل شئ قدير، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي
من تشاء إلى صراط مستقيم.
ثم يسبح تسبيح الزهراء ع وهو أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون
تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة، يبدأ بالتكبير ثم بالتحميد ثم بالتسبيح ثم يقول:
اللهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك السلام وإليك يرجع السلام،
تباركت يا ذا الجلال والإكرام السلام على رسول الله السلام على نبي الله السلام على
محمد بن عبد الله خاتم النبيين السلام على جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ملك
الموت وحملة العرش السلام على رضوان خازن الجنان السلام على مالك خازن النار
السلام على آدم ومحمد ومن بينهما من الأنبياء والأوصياء والشهداء والصلحاء السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ثم يسلم على الأئمة ع واحدا واحدا ثم يقول:
اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك،
وأسألك عافيتك في أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ثم يقرأ اثنتي عشرة مرة سورة الإخلاص ويقول بعدها: اللهم إني أسألك باسمك
المكنون المخزون الطاهر المطهر المبارك، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم، أسألك
أن تصلي على محمد وآل محمد يا واهب العطايا ويا مطلق الأسارى ويا فكاك الرقاب من
النار، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعتق رقبتي من النار وتخرجني من الدنيا
آمنا وتدخلني الجنة سالما وأن تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا إنك
أنت علام الغيوب.
وهذا القدر الذي ذكرناه يستحب أن يدعو به الانسان عقيب كل صلاة ولا يتركه مع
الاختيار، فإن لم يتمكن اقتصر على تسبيح الزهراء ع ولا يترك ذلك إلا عند
309

الضرورة. وإن دعا بهذا التعقيب في عقيب كل ركعتين من النوافل حاز به أجرا.
ثم يسجد سجدتي الشكر ويكون لاطئا بالأرض ويقول فيه: شكرا شكرا، مائة مرة وإن
قال: عفوا عفوا، كان أيضا جائزا، فإن لم يتمكن قال ثلاث مرات: شكرا الله.
باب فرائض الصلاة وسننها ومن ترك شيئا منها متعمدا أو ناسيا:
من ترك الطهارة متعمدا وصلى وجبت عليه إعادة الصلاة، فإن تركها ناسيا ثم
ذكر بعد أن صلى وجب عليه أيضا الإعادة، فإن لم يذكر لم يكن عليه شئ وكانت صلاته
ماضية.
ومن صلى قبل دخول الوقت متعمدا وجبت عليه الإعادة، فإن صلاها ناسيا ثم ذكر بعد
دخول وقتها وهو في شئ من الصلاة لم يجب عليه الإعادة، وإن كان قد فرع منها عند دخول
وقتها وجب عليه أيضا الإعادة.
ومن صلى إلى غير القبلة متعمدا وجبت عليه الإعادة، فإن صلاها ناسيا ثم تبين فإن
كان الوقت باقيا وجبت عليه الإعادة وإن كان قد خرج وقتها لم يكن عليه شئ.
ومن صلى بغير أذان وإقامة متعمدا كانت صلاته ناقصة ولم تجب عليه إعادتها.
والنية واجبة في الصلاة، فمن صلى بغير نية فلا صلاة له ووجب عليه إعادتها، ومن
دخل في صلاة قد حضر وقتها بنيتها ثم ذكر أن عليه صلاة أخرى ولم يكن قد تضيق وقت
الحاضرة فليعدل بنيته إلى الصلاة الفائتة ثم يصلى بعدها ما حضر وقتها.
وتكبيرة الافتتاح فريضة فمن تركها متعمدا وجبت عليه الإعادة وإن تركها ناسيا
وجب عليه الإعادة أيضا إذا ذكرها سواء ذكر قبل الركوع أو بعده، فإن لم يذكر لم يكن عليه
شئ.
ومن ترك القراءة متعمدا وجبت عليه الإعادة، فإن ترك قراءة ما زاد على الحمد في
الفرائض كانت صلاته ناقصة ولم تجب عليه إعادتها، وإن تركها ناسيا حتى ركع لم يجب
عليه شئ سواء ذكر أو لم يذكر.
والركوع واجب في كل ركعة فمن تركه متعمدا وجبت عليه الإعادة، فإن تركه ناسيا
310

ثم ذكر في حال السجود وجب أيضا عليه الإعادة، فإن لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل
في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الأولى وبنى كأنه صلى ركعتين، وكذلك إن كان قد ترك
الركوع في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة، فإن لم
يذكر أصلا مضى في صلاته وليس عليه شئ.
والتسبيح في الركوع فريضة من تركه متعمدا فلا صلاة له، وإن تركه ناسيا سواء ذكر
بعد ذلك أو لم يذكر لم يجب عليه شئ.
والسجود فرض في كل ركعة مرتين فمن تركهما أو واحدة منهما متعمدا وجبت عليه
الإعادة، فإن تركهما ناسيا ثم ذكر بعد ذلك وجبت عليه أيضا الإعادة، فإن ترك واحدة منهما
ناسيا ثم ذكر بعد قعوده أو قيامه قبل الركوع عاد فسجد سجدة أخرى، فإذا فرع منها قام
إلى الصلاة فاستأنف القراءة أو التسبيح إن كان مما يسبح فيه، فإن لم يذكر حتى يركع مضى
في صلاته ثم قضاها بعد التسليم وعليه سجدتا السهو.
والتسبيح في السجود واجب أيضا فمن تركه متعمدا وجبت عليه الإعادة ومن تركه
ناسيا لم يكن عليه شئ، ومن لم يمكن جبهته في حال السجود من الأرض متعمدا فلا صلاة له
فإن كان ذلك ناسيا لم يكن عليه شئ.
والتشهد في الصلاة واجب وأقل ما يجزئ فيه شهادتان، فمن تركهما متعمدا وجبت
عليه الإعادة ومن تركهما ناسيا قضاهما ولم يجب عليه إعادة الصلاة، وكذلك الصلاة على
النبي وآله ص فريضة، فمن تركها متعمدا وجبت عليه إعادة الصلاة
ومن تركها ناسيا قضاها بعد التسليم ولم يكن عليه شئ.
والتسليم سنة ليس بفرض من تركه متعمدا كان مضيعا فضيلة ولم تفسد صلاته، ومن
تركه ناسيا كانت صلاته تامة.
والتكبيرات السبع مع سائر التكبيرات سنة ما عدا تكبيرة الافتتاح، وكذلك رفع
اليدين مع كل تكبيرة سنة فمن ترك ذلك متعمدا أو ناسيا لم تفسد صلاته، ومن ترك الجهر
فيما يجهر فيه وجهر فيما يخافت فيه متعمدا وجبت عليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسيا لم يكن
عليه شئ.
311

والقنوت في الصلوات كلها سنة مؤكدة وآكدها في صلاة الفرائض وآكدها من
الفرائض فيما يجهر فيها، فمن تركه متعمدا كان تاركا سنة ومن تركه ناسيا ثم ذكر في
الركوع قضاه بعد الركوع استحبابا، فإن لم يذكر إلا بعد الدخول في الركعة الثالثة مضى في
صلاته ثم قضاه بعد الفراع من الصلاة.
والتعقيب بعد الفرائض والنوافل سنة فمن فعله كان له به أجر ومن لم يفعله فليس
عليه شئ.
باب السهو في الصلاة وأحكامه وما يجب منه إعادة الصلاة:
من شك في الركعتين الأوليين من كل فريضة فلم يعلم أنه صلى ركعة أو ركعتين
وجب عليه إعادة الصلاة، وكذلك من شك في صلاة الغداة والمغرب ولم يدر كم صلى
منهما وجبت عليه الإعادة، فإن صلى ركعة من صلاة الغداة وجلس وتشهد وسلم ثم ذكر
أنه كان قد صلى ركعة قام فأضاف إليها ركعة أخرى ما لم يتكلم أو يلتفت عن القبلة
أو يحدث ما ينقض الصلاة، فإن فعل شيئا من ذلك وجبت عليه الإعادة، وكذلك الحكم في
المغرب فإنه إن سلم في التشهد الأول ثم ذكر قام فأضاف إليه ركعة أخرى وسجد سجدتي
السهو.
فإن شك في الصلاة الرباعية فلم يدر صلى ركعتين أو أربعا وغلب على ظنه أحدهما
بنى عليه وليس عليه شئ. فإن تساوت ظنونه بنى على الأربع وسلم ثم قام فأضاف إليها
ركعتين من قيام يقرأ في كل واحدة منهما الحمد وحدها، فإن كان قد صلى أربعا كانت هاتان
نافلة وإن كان قد صلى ركعتين كانت هاتان تمام الصلاة.
فإن شك فلم يدر أ صلى ثلاثا أو أربعا وتساوت ظنونه بنى على الأربع وسلم ثم قام
فصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، فإن كان قد صلى أربعا كانت هذه الركعة من
قيام أو الركعتان من جلوس نافلة، وإن كان قد صلى ثلاثا كانت هذه الركعة من قيام
أو الركعتان من جلوس تمام الصلاة.
فإن شك فلم يدر أ صلى ركعتين أم ثلاثا وتساوت ظنونه بنى على الثلاث وتمم
312

الصلاة، فإذا سلم قام ففعل كما يفعل من شك في الثلاث والأربع.
وإن شك فلم يدر أ صلى ركعتين أم ثلاثا أم أربعا وتساوت ظنونه بنى على الأربع ثم قام
فصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، فإن كان قد صلى أربعا كانت الركعتان من
قيام والركعتان من جلوس نافلة، وإن كان قد صلى ركعتين كانت الركعتان من قيام تمام
الصلاة والركعتان من جلوس نافلة، وإن كان قد صلى ثلاثا كانت الركعتان من جلوس
تمام الصلاة والركعتان من قيام نافلة.
ومن شك فلم يدر أ صلى ركعة أم اثنين أم ثلاثا أم أربعا وجب عليه استئناف الصلاة
لأنه لم تسلم له الركعتان الأوليان، فإن شك فلم يدر أ صلى أربعا أم خمسا وتساوت ظنونه
تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو وهما المرغمتان فإن ذكر بعد ذلك أنه كان قد صلى
خمسا أعاد الصلاة.
ومن شك في تكبيرة الافتتاح فلم يدر كبر أو لا فليكبر وليمض في صلاته، وإن شك في
القراءة فلم يدر قرأ أم لا قبل الركوع فليقرأ وليركع، فإن قرأ سورة ثم ذكر أنه لم يقرأ
الحمد رجع فقرأ الحمد ثم قرأ بعدها سورة ثم ليركع، فإن ركع ثم ذكر أنه كان قد قرأ فليس
عليه شئ، وإن شك في القراءة بعد الركوع مضى في صلاته وليس عليه شئ.
ومن شك في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة، فإن كان شكه في
الركوع في الثالثة أو الرابعة وهو قائم فليركع، فإن ذكر في حال ركوعه أنه كان قد ركع أرسل
نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه، فإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أنه كان قد
ركع أعاد الصلاة، فإن شك في حال السجود في الركوع مضى في صلاته وليس عليه شئ،
فإن شك في تسبيح الركوع وهو راكع فليسبح، فإن كان شكه بعد رفع رأسه من الركوع
مضى في صلاته وليس عليه شئ، فإن شك في السجدتين وهو قاعد أو قد قام قبل أن يركع
عاد فسجد السجدتين، فإن ذكر بعد ذلك أنه كان قد سجدهما أعاد الصلاة، فإن شك بعد
ما يركع مضى في صلاته وليس عليه شئ، وإن شك في واحد من السجدتين وهو قاعد أو قائم
قبل الركوع فليسجد فإن ذكر بعد ذلك أنه كان قد سجد لم يكن عليه شئ، فإن كان شكه
فيها بعد الركوع مضى في صلاته وليس عليه شئ، وحكم من شك في تسبيح السجود حكم
313

من شك في تسبيح الركوع على السواء.
ومن شك في التشهد وهو جالس فليتشهد فإن كان شكه في التشهد الأول بعد قيامه إلى
الثالثة مضى في صلاته وليس عليه شئ، فإن ذكر قبل الركوع أنه لم يتشهد قعد فتشهد ثم
قام فقرأ ثم ركع، فإن لم يذكر حتى يركع مضى في صلاته فإذا سلم قضى التشهد وسجد
سجدتي السهو.
ومن تكلم في الصلاة ناسيا وجب عليه بعد التسليم سجدتا السهو، وإن تكلم
متعمدا كان عليه إعادة الصلاة.
ومن سلم في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية أو الثلاثية ناسيا تمم الصلاة
وسجد سجدتي السهو، فإن سلم متعمدا أعاد الصلاة.
وسجدتا السهو يكونان بعد التسليم ويكون بعدهما تشهد خفيف وتسليمة بعده،
ولا سهو في نافلة فمن سها في شئ من النوافل بنى على ما أراد ويستحب أن يبني على
الأقل، ولا سهو أيضا في سهو فمن سها في سهو مضى في صلاته وليس عليه شئ، ومن كثر
سهوه في الصلاة فليتعوذ بالله من الشيطان ويخفف صلاته، ولا سهو على من صلى خلف
إمام يقتدى به، وكذلك لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه، فإن سها الإمام والمأمون
كلهم أو أكثرهم أعادوا الصلاة احتياطا.
ومن أحدث في الصلاة ما ينقض الطهارة متعمدا كان أو ناسيا أعاد الصلاة، فإن
كان حدثه في التشهد بعد الشهادتين لم يجب إعادة الصلاة وإن كان قبلهما وجبت عليه
الإعادة، فإن رعف في الصلاة فلينصرف ويغسل الموضع والثوب إن أصابه ذلك ثم يتمم
الصلاة ما لم ينحرف عن القبلة أو يتكلم بما يفسد الصلاة، فإن انحرف عن القبلة
أو تكلم متعمدا أعاد الصلاة.
ومن صلى في ثوب فيه نجاسة مع العلم بذلك أعاد الصلاة، فإن كان قد علم ونسي
وصلى ثم ذكر أنه كان فيه نجاسة أعاد أيضا الصلاة، فإن لم يكن قد علم وصلى ثم علم
بعد ذلك فليس عليه الإعادة. ومن صلى في ثوب مغصوب أو مكان مغصوب وجبت عليه
إعادة الصلاة.
314

والقهقهة في الصلاة توجب استئنافها والتبسم لا يوجب ذلك، وإذا عرض للإنسان
حاجة في الصلاة، فليومئ بها إيماء، أو يضرب الحائط إذا أراد تنبيه انسان على حاجته وليس
عليه بأس، ومن تثاءب في صلاته أو تمطى أو فرقع أصابعه أو التفت يمينا أو شمالا نقص
ذلك من صلاته ولا يجب عليه إعادتها، ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي من كلب
أو دابة أو رجل أو امرأة أو شئ من الحيوان. وإن جعل بينه وبين ممر الطريق ساترا ولو عنزة
أو لبنة كان أفضل.
وإذا عطس المصلي فليحمد الله على ذلك وليس عليه بأس. وإذا سلم عليه وهو في
الصلاة فليرد مثل ذلك يقول: سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم السلام.
وإذا عرض للمصلي شئ يخافه على نفسه من عقرب أو حية أو سبع أو غير ذلك
فليدفعه عن نفسه أو يقتله ولا يقطع الصلاة، فإن لم يمكنه إلا بقطع الصلاة قطعها ثم
استأنف الصلاة بعد ذلك، وإذا كان في الصلاة ورأى دابة له قد انفلتت أو غريما خاف
فوته أو مالا خاف ضياعه جاز له أن يقطع الصلاة ويستوثق مما يخافه ثم ليستأنف الصلاة
وليس عليه شئ.
ولا بأس أن يقتل المصلي البق والبراغيث وما أشبهها من المؤذيات، ولا يصلى
الرجل وهو معقوص الشعر فإن صلى كذلك متعمدا وجبت عليه إعادة الصلاة.
باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لا يجوز وما يجوز السجود عليه
وما لا يجوز:
لا تجوز الصلاة في ثوب قد أصابته نجاسة مع العلم بذلك أو غلبة الظن، فمن
صلى فيه والحال ما وصفناه وجبت عليه الإعادة، فإن علم أن فيه نجاسة وهو بعد في
الصلاة لم يفرع منها طرح الثوب الذي فيه النجاسة وتمم الصلاة فيما بقي عليه من
الثياب، فإن لم يكن عليه إلا ثوب واحد رجع فغسل الثوب واستأنف الصلاة.
ولا يجوز الصلاة في جلود الميتة كلها ولا تطهر بالدباغ سواء كان مما تقع عليه الذكاة
أو مما لا تقع، ولا يجوز الصلاة في جلد ووبر ما لا يؤكل لحمه مثل الكلب والخنزير والثعلب
315

والأرنب وما أشبهها سواء كانت مذكاة أو مدبوغة أو لم تكن كذلك، فمن صلى فيه وجب
عليه إعادة الصلاة.
ولا يجوز الصلاة للرجال في الإبريسم المحض فإن صلى فيه مع الاختيار وجبت عليه
إعادة الصلاة وإن كانت صلاته فيه في حال الضرورة أو الحرب لم يجب عليه إعادتها، وإن
كانت الثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان والباقي إبريسم لم يكن بالصلاة فيه بأس،
ويكره أن يصلى الانسان في قميص مكفوف بديباج أو حرير محض.
ولا يجوز الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ورويت رواية في جواز
ذلك وهي محمولة على التقية، فأما مع الاختيار فإنه لا يجوز حسب ما قدمناه، ولا بأس
بالصلاة في الخز الخالص أو إذا خالطه شئ من الإبريسم، ولا بأس للنساء أن يصلين في
الثياب الإبريسم وإن تنزهن عنه كان أفضل.
ولا يجوز الصلاة في الفنك والسمور ووبر كل ما لا يؤكل لحمه، وقد رويت رخصة في
جواز الصلاة في هذين الوبرين خاصة وهي محمولة على حالة الاضطرار، ولا بأس
بالصلاة في السنجاب والحواصل وفي وبر كل شئ يؤكل لحمه إذا ذكي ودبغ فإن لم يعلم
أنه مذكا فلا بأس بشرائه من أسواق المسلمين ممن لم يستحل الميتة ولا يجوز شراؤها ممن
يستحل ذلك أو إن كان متهما فيه.
وتكره الصلاة في الثياب السود كلها ما عدا العمامة والخف فإنه لا بأس بالصلاة
فيهما وإن كانا سوداوين، ولا بأس بالصلاة في ثوب واحد للرجال إذا كان صفيقا. فإن
كان شافا رقيقا كره الصلاة فيه إلا أن يكون تحته مئزر يستر العورة.
ويكره أن يأتزر الانسان فوق القميص، ويكره أيضا اشتمال الصماء وهو أن يلتحف
بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلها جميعا على منكب واحد كما تفعل اليهود، وإذا لم
يكن مع الانسان إلا ثوب واحد لا بأس أن يأتزر ببعضه ويرتدي بالبعض الآخر. فإن لم يكن
معه إلا سراويل، لبسه وطرح على عنقه خيطا أو تكة أو ما أشبههما، ويكره للإنسان أن يصلى
في عمامة لا حنك لها.
ولا تصلي المرأة الحرة إلا في ثوبين: أحدهما تتقنع به والآخر تلبسه، ولا بأس للأمة
316

والصبية الحرة التي لم تبلغ أن تصليا بغير قناع، ولا يصلى الرجل وعليه لثام بل يكشف
موضع جبهته للسجود وفاه لقراءة القرآن، ويكره للمرأة النقاب في الصلاة، ولا يصلى
الرجل وعليه قباء مشدود إلا أن يحله إلا في حال الحرب.
ولا يصلى الرجل في الشمشك ولا النعل السندي، ويستحب الصلاة في النعل
العربي، ولا بأس بالصلاة في الخفين والجرموقين إذا كان لهما ساق، ويكره للرجل أن
يصلى بقوم وليس عليه رداء مع الاختيار ولا بأس به في حال الاضطرار، ولا تجوز الصلاة
في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعلب ولا في الذي فوقه، ولا تجوز الصلاة في القلنسوة
والتكة إذا عملا من وبر الأرانب، ويكره الصلاة فيهما إذا عملا من حرير محض، ولا تجوز
الصلاة في جلود السباع كلها.
ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الانسان شئ من حديد مشهر مثل السكين والسيف فإن
كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك، والمفتاح إذا كان مع الانسان لفه في شئ ولا يصلى
وهو معه مشهر، وإذا كان مع المصلي دراهم سود لم يكن بالصلاة فيها بأس إذا كانت
موازاة.
ولا بأس أن يصلى الرجل في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة، وإذا عمل مجوسي ثوبا
لمسلم يستحب ألا يصلى فيه إلا بعد غسله، وكذلك إذا استعار ثوبا من شارب خمر
أو مستحل شئ من النجاسات يستحب أن يغسل أولا بالماء ثم يصلى فيه.
ولا تصلي المرأة وفي يدها أو رجلها خلاخل لها صوت فإن كانت صما لم يكن بالصلاة
فيها بأس.
ولا بأس أن يصلى الانسان وفي كمه طائر إذا خاف ضياعه ولا يصلى الانسان في ثوب
فيه تماثيل ولا يجوز الصلاة فيها ولا الخاتم الذي فيه صورة.
ولا يصلى الانسان في بيوت الغائط ولا الحمام ولا معاطن الإبل ولا قرى النمل
ولا مجرى المياه ولا أرض السبخة ولا الثلج ولا بين القبور، فإن صلى في المقابر فليجعل بينه
وبين القبر ساترا ولو عنزة أو ما أشبهها، فإن لم يتمكن من ذلك فليكن بينه وبين القبر عشر
أذرع عن قدامه وعن يمينه ويساره ولا بأس أن يكون ذلك من خلفه، وقد رويت رخصة من
317

جواز الصلاة إلى قبور الأئمة، وهي محمولة على النوافل وإن كان الأحوط ما قدمناه،
وأرض السبخة لا يصلى فيها إذا كانت مما لا يتمكن الجبهة من السجود فيها فإن
تمكن من ذلك لم يكن به بأس، ولا يصلى على الثلج فإن لم يقدر على الأرض فلا بأس أن
يفرش فوقه ما يسجد عليه فإن لم يجده دق الثلج وسجد عليه، ولا يسجد على الوحل فإن
اضطر إلى الصلاة في الأرض الوحلة أو حوض الماء فليصل إيماء ولا يسجد عليهما.
ولا يجوز الصلاة في بيوت النيران ولا بيوت الخمور ولا على جواد الطرق، ولا بأس
بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد، ولا بأس بالصلاة في البيع والكنائس، ولا يصلى
في بيوت المجوس مع الاختيار فإن اضطر إلى ذلك رش الموضع بالماء فإذا جف صلى فيه،
ولا يصلى الانسان وبين يديه صور وتماثيل إلا أن يغطيها، ولا يصلى وفي قبلته نار في مجمرة
أو غيرها ولا في قنديل معلق، ولا يصلى وفي قبلته سلاح مشهر.
ولا يصلى في مكان مغصوب مع التمكن من الخروج منه، فإن صلى والحال ما ذكرناه
وجبت عليه الإعادة، وأن كان مضطرا أو ممنوعا لم يكن به بأس.
ولا يجوز للرجل الصلاة إذا كان إلى جنبه أو بين يديه امرأة تصلي، ولا بأس أن تكون
خلفه وإن كانت تصلي أو تكون بين يديه قاعدة لا تصلي، ومتى صلى وصلت هي عن يمينه
أو شماله أو قدامه بطلت صلاتهما معا، فإن كانا جميعا في محمل واحد فليصل أولا الرجل
ثم تصلي المرأة ولا يصليان معا في حالة واحدة.
وتكره صلاة الفرائض في جوف الكعبة أو فوقها مع الاختيار ولا بأس بها في حال
الاضطرار، ومتى اضطر الانسان إلى الصلاة فوق الكعبة فليستلق على قفاه وليتوجه إلى
البيت المعمور وليؤم إيماء.
ويستحب النوافل في جوف الكعبة، وتكره الصلاة في أربعة مواضع: بوادي ضجنان
وذات الصلاصل والبيداء ووادي الشقرة.
وتكره الصلاة أيضا في مرابط الإبل والحمير والبغال والدواب، فإن خاف الانسان
على رحله فلا بأس أن يصلى فيها بعد أن يرشها بالماء، ولا بأس بالصلاة في مرابض
الغنم على كل حال، ولا يصلى وحائط قبلته ينز من بالوعة يبال فيها، ولا يصلى في بيت
318

فيه مجوسي، ولا بأس بالصلاة وفيه يهودي أو نصراني، ولا يصلى وفي قبلته مصحف
مفتوح، ولا بأس به إذا كان في غلاف وإنما كره ذلك لئلا يشتغل قلبه عن الصلاة بالنظر
فيه.
ولا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس، ولا يجوز السجود
على القبر فإن اضطر إلى السجود عليه ولم يكن معه ما يسجد عليه فلا بأس بذلك، ولا يجوز
السجود على ثوب عمل من قطن أو صوف أو كتان إلا في حال التقية، فإن حصل في موضع
قذر ولم يكن معه ما يسجد عليه لم يكن بالسجود على هذه الثياب بأس، ولا بأس بالسجود
على حشيش الأرض مثل الثيل وما أشبهه، ولا بأس بالسجود على الجص والآجر والحجر
والخشب، ولا يجوز السجود على الزجاج، ولا بأس أن يدع الانسان كفا من حصى على
البساط فيسجد عليه، ولا يسجد على الصهروج، ولا بأس بالسجود على الخمرة إذا كانت
معمولة بالخيوط ولا يجوز ذلك إذا كانت معمولة بالسيور، ولا يجوز السجود على الفضة
والذهب ولا بأس بالسجود على القرطاس إذا كان غير مكتوب فإن كان مكتوبا كره
السجود عليه، ولا بأس بالسجود على البواري وإذا أصابها بول وجففتها الشمس لم يكن
أيضا بالسجود عليها بأس وكذلك حكم الأرض، فإن كان قد جف بغير الشمس لم يجز
السجود عليها إلا بعد تطهيرها.
وإذا خاف الانسان الحر الشديد من السجود على الأرض أو على الحصى ولم يكن معه
ما يسجد عليه لا بأس أن يسجد على كمه، فإن لم يكن معه ثوب سجد على كفه، وإذا
حصل الانسان في موضع فيه ثلج ولم يكن معه ما يسجد عليه ولا يقدر على الأرض لم يكن
بالسجود عليه بأس، ولا بأس أن يصلى الرجل والمرأة وهما مختضبان أو عليهما خرقة
الخضاب إذ كانت طاهرة.
باب الجمعة وأحكامها:
الاجتماع في صلاة الجمعة فريضة إذا حصلت شرائطه. ومن شرائطه أن يكون
هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للصلاة بالناس ويبلغ عدد من يصلى بهم سبعة نفر
319

فإن كانوا أقل من ذلك لم تجب عليهم الجمعة، ويستحب لهم أن يجمعوا إذا كانوا خمسة نفر.
ومع حصول هذه الشرائط تسقط عن تسعة نفر: الشيخ الكبير والطفل الصغير
والمرأة والعبد والمسافر والأعمى والأعرج والمريض ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.
ويلزم هؤلاء المذكورين إلا من هو خارج عن التكليف مثل الطفل الصغير - الفرض
أربع ركعات، فإن حضروا الجمعة وجب عليهم الدخول فيها وأجزأتهم صلاة ركعتين، وإن
لم يحضروا لم يجب عليهم الحضور حسب ما قدمناه، ولا يجوز أن يجمع في بلد واحد في موضعين
وأقل ما يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فصاعدا.
وإذا حضر الإمام في بلد فلا يجوز أن يصلى بالناس غيره إلا مع المرض المانع له من
ذلك.
فإذا أراد الانسان الصلاة فليمض إلى المسجد الأعظم ويقدم نوافل الجمعة كلها قبل
الزوال، هذا هو الأفضل في يوم الجمعة خاصة فأما في غيره من الأيام فلا يجوز تقديم النوافل
قبل الزوال، وإن صلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند ارتفاعها
وركعتين عند الزوال من الشمس وست ركعات بين الظهر والعصر لم يكن أيضا به بأس،
وإن أخر جميع النوافل إلى بعد العصر جاز له جميع ذلك إلا أن الأفضل ما قدمناه، ومتى
زالت الشمس ولم يكن قد صلى من نوافله شيئا أخرها إلى بعد العصر ويزيد في نوافل يوم
الجمعة أربع ركعات.
ومن السنن اللازمة الغسل يوم الجمعة على النساء والرجال والعبيد والأحرار في
السفر والحضر مع التمكن من ذلك، ووقت الغسل من طلوع الفجر إلى زوال الشمس
وكلما قرب من الزوال كان أفضل، فإن زالت الشمس ولم يكن قد اغتسل قضاه بعد
الزوال فإن لم يمكنه قضاه يوم السبت، فإن كان في سفر وخاف ألا يجد الماء يوم الجمعة
أو لا يتمكن من استعماله جاز له أن يغتسل يوم الخميس.
ويستحب أن يتنظف الانسان يوم الجمعة ويحلق رأسه ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه
ويلبس أطهر ثيابه ويمس شيئا من الطيب جسده، فإذا توجه إلى المسجد الأعظم مشى على
سكينة ووقار يدعو بالدعاء المخصوص في ذلك اليوم.
320

وينبغي للإمام إذا قرب من الزوال أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب
الخطبتين زالت الشمس فإذا زالت نزل فصلى بالناس، وينبغي أن يخطب الخطبتين
ويفصل بينهما بجلسة وبقراءة سورة خفيفة ويحمد الله تعالى في خطبته ويصلى على النبي
ص ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو أيضا للمؤمنين والمؤمنات ويعظ ويزجر
وينذر ويخوف.
ويحرم الكلام على من يسمع الخطبة ويجب عليه الإصغاء إليها لأنها بدل من الركعتين،
ومن لم يلحق الخطبتين كانت صلاته تامة إذا كان الإمام ممن يقتدى به، فإن وجد الإمام قد ركع
في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه أن يصلى الظهر أربع ركعات.
وينبغي أن تكون صفة الإمام الذي يتقدم أولا أن يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته
مجنبا من الأمراض، الجذام والجنون والبرص، ويكون مسلما مؤمنا معتقدا للحق غير مرتكب
لشئ مما يدخل به في جملة الفساق ويكون صادقا في خطبته ومصليا للفرض في أول وقته
ويستحب له أن يلبس العمامة شاتيا كان أم قائظا ويتردى ببرد يمني أو عدني.
فإذا كان كذلك وجب الاجتماع والاقتداء به في الصلاة والإصغاء إلى قراءته، ومتى
أخل بشئ مما وصفناه لم يجب الاجتماع وكان حكم الجمعة حكم سائر الأيام في لزوم الظهر
أربع ركعات.
وإذا صلى الانسان خلف من لا يقتدى به جمعة للتقية، فإن تمكن أن يقدم صلاته على
صلاته فعل وإن لم يتمكن يصلى معه ركعتين، فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليهما ركعتين
أخراوين ويكون ذلك تمام صلاته.
وإذا صلى الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ويقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة
الجمعة وفي الثانية الحمد والمنافقين ويقنت قنوتين أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع
والثاني في الركعة الثانية بعد الركوع.
ومن يصلى وحده ينبغي أن يقرأ السورتين اللتين ذكرناهما في صلاة الظهر، فإن سبق
إلى سورة غيرهما ثم ذكر رجع إليهما ما لم يتجاوز فيما أخذ فيه نصف السورة، فإن تجاوز
نصفها تمم الركعتين واحتسب بهما من النوافل واستأنف الفريضة بالسورتين اللتين
321

ذكرناهما. وهذا على جهة الأفضل، فإن لم يفعل وقرأ غير هاتين السورتين كانت صلاته
ماضية غير أنه قد ترك الأفضل، وإذا صلى أربع ركعات فليس عليه إلا قنوت واحد ويستحب
له أن يجهر بالقراءة على كل حال.
ولا تكون جمعة إلا بخطبة، ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر
عليهم فيصلوا جمعة بخطبتين، فإن لم يتمكنوا من الخطبة جاز لهم أن يصلوا جماعة لكنهم
يصلون أربع ركعات.
والصلاة يوم الجمعة مع عدم الإمام في المسجد الأعظم أفضل من الصلاة في المنزل،
ومن صلى مع الإمام ركعة فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليها ركعة أخرى يجهر فيها وقد تمت
صلاته، فإن صلى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكن من السجود فإذا قام الإمام من
السجود سجد هو ثم ليلحق بالإمام، فإن لم يفعل ووقف حتى ركع الإمام في الثانية فلا يركع
معه، فإذا سجد الإمام سجد هو أيضا وجعل سجدتيه للركعة الأولى، فإذا سلم قام فأضاف
إليها ركعة، وإن لم ينو بهاتين السجدتين أنهما للركعة الأولى كان عليه إعادة الصلاة،
ولا يجوز الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة بل ينبغي إذا فرع من فريضة الظهر أن يقيم
للعصر ثم يصلى إماما كان أو مأموما.
باب فضل المساجد والصلاة فيها وما يتعلق بها من الأحكام
روى ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن سعد الإسكاف عن زياد بن عيسى
عن أبي الجارود عن الأصبغ عن علي بن أبي طالب ع قال: كان يقول: من
اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية
محكمة أو سمع كلمة تدله على الهدي أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردئ أو يترك ذنبا
خشية أو حياء.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على
رطب ولا يابس إلا سبحت له إلى الأرضين السابعة.
وروى السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه قال: قال النبي ص: من كان
322

القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة
وروى يونس ابن ظبيان عن أبي عبد الله ع أنه قال: خير مساجد نسائكم
البيوت.
وروى السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي ع أنه قال:
صلاة في بيت المقدس ألف صلاة وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة وصلاة في مسجد
القبيلة خمس وعشرون صلاة وصلاة في السوق اثنتا عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته
وحده صلاة واحدة.
بناء المسجد فيه فضل كبير وثواب جزيل، ويستحب أن لا تعلى المساجد بل تكون
وسطا ويستحب أن لا تكون مظللة، ولا يجوز أن تكون مزخرفة أو مذهبة أو فيها شئ من
التصاوير، ولا يجوز أن تكون مشرفة بل تبنى جما.
ولا يجوز أن تبنى المنارة في وسط المسجد بل ينبغي أن تبنى مع حائطه ولا تعلى عليه على
حال، ويكره أن تكون فيها محاريب داخلة في الحائط وليس ذلك بمحظور، وينبغي أن تكون
الميضاة على أبواب المساجد ولا تكون داخلها.
فإذا استهدم مسجد فينبغي أن يعاد مع التمكن من ذلك. ولا بأس باستعمال آلته في
إعادته أو في بناء غيره من المساجد، ولا يجوز أن يؤخذ شئ من المساجد لا في ملك ولا في
طريق، ويكره أن تتخذ المساجد طريقا على كل حال، وإذا أخذ الانسان شيئا من آلة
المساجد ينبغي أن يرده إلى موضعه أو يرده في بعض المساجد.
ولا بأس بنقض البيع والكنائس واستعمال آلتهما في المساجد، ولا بأس أيضا أن تبنيا
مساجد، ولا يجوز اتخاذهما ملكا ولا استعمال آلتهما في الأملاك.
وينبغي أن تجنب المساجد البيع والشرى والمجانين والصبيان والأحكام والضالة
وإقامة الحدود وإنشاد الشعر ورفع الأصوات فيها، ولا يجوز التوضؤ من الغائط والبول في
المساجد ولا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك.
ويكره النوم في المساجد كلها وأشدها تأكيدا المسجد الحرام ومسجد النبي
ص، وإذا أجنب الانسان في أحد هذين المسجدين تيمم من مكانه ثم يخرج ويغتسل
323

وليس عليه ذلك في غيرهما.
ويستحب كنس المساجد وتنظيفها ولا ينبغي اخراج الحصى منها فمن أخرجها ردها
إليها أو إلى غيرها من المساجد.
وينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات مثل الثوم والبصل وما أشبههما ألا يقرب المسجد
حتى تزول رائحته عنه، وإذا أراد الانسان دخول المسجد تعاهد نعله أو شمشكه باب المسجد
لئلا يكون فيها شئ من القذر ثم يدخل رجله اليمنى قبل اليسرى: ويقول: بسم الله وبالله
اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء
وجهك. وإذا أراد الخروج منه أخرج رجله اليسرى قبل اليمنى وقال: اللهم صل على
محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك. ولا يتنعل وهو قائم بل يقعد ثم يلبسها.
ولا ينبغي أن يبصق في المسجد فإن فعل غطاه بالتراب، ولا يقصع القمل في
المساجد فإن فعل ذلك دفنها في التراب، ويكره سل السيف وبري النبل، وسائر
الصناعات في شئ من المساجد، ولا يجوز كشف العورة ولا الركبة ولا الفخذ والسرة فإن
جميعه من العورة، ولا يجوز رمى الحصى في المسجد حذفا.
ولا يجوز نقض شئ من المساجد إلا إذا استهدم، ومن كان في داره مسجد قد جعله
للصلاة جاز له تغييره وتبديله وتوسيعه وتضييقه حسب ما يكون أصلح له
ولا يجوز الدفن في شئ من المساجد. ولا بأس أن تبنى المساجد على بئر غائط إذا طم
وانقطعت رائحته، ولا يجوز ذلك مع وجود الرائحة، ويستحب الإسراج في المساجد كلها.
والصلاة المكتوبة في المسجد أفضل منها في البيت وصلاة النوافل في البيت أفضل
وخاصة نوافل الليل.
باب الجماعة وأحكامها وحكم الإمام والمأمومين:
الاجتماع في صلاة الفرائض كلها مستحب مندوب إليه وفيه فضل كثير، وأقل
ما تكون الجماعة اثنان فصاعدا، فإذا حضر اثنان فليتقدم أحدهما ويقف الآخر على جانبه
الأيمن ويصليان جماعة، وإن كانوا جماعة فليتقدم أحدهم ويقف في الوسط ويقف الباقون
324

خلفه إلا إذا كانوا عراة فإنه لا يتقدم إمامهم بل يقف معهم في الصف، فإن وقف الإمام في
طرف وجعل المأمومين كلهم على يمينه لم يكن به بأس.
وينبغي أن يتقدم للإمامة أقرأ القوم، فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم، فإن كانوا في
الفقه سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن
سواء فأحسنهم وجها. ولا يتقدمن أحد أحدا في مسجده ولا في منزله ولا في إمارته، وإذا
حضر قوم فيهم رجل من بني هاشم فهو أولى بالتقدم إذا كان ممن يحسن القراءة.
ولا بأس أن يؤم الرجل بالنساء وكذلك لا بأس أن تؤم المرأة بالنساء ولا تؤم المرأة
بالرجال، ويكره أن يتقدم المتيمم فيصلي بالمتوضئين وكذلك يكره أن يتقدم المسافر
فيصلي بالحاضرين، فإن تقدم وصلى فرضه الذي يلزمه سلم وقدم من يصلى بهم تمام
الصلاة، وإذا صلى المسافر خلف الحاضر فإذا صلى فرضه سلم ولا يصلى معهم تمام
الصلاة إلا أن يقوم فيصلي معهم بنية صلاة أخرى أو يتطوع بذلك.
ولا يجوز أن يتقدم ولد الزنى على الناس ولا الأعرابي على المهاجرين ولا العبيد على
الأحرار، ويجوز أن يؤم العبد بمواليه إذا كان أقرأهم للقرآن، ولا بأس أن يؤم الأعمى إذا كان
من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة.
ولا تصل إلا خلف من تثق بدينه فإن كان غير موثوق بدينه أو كان مخالفا لك في
مذهبك صليت لنفسك ولم تقتد به، ولا تصل خلف الفاسق وإن كان موافقا لك في
الاعتقاد.
ولا يؤم المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود الناس ولا يؤم المقيد المطلقين
ولا صاحب الفالج الأصحاء.
ولا تصل خلف الناصب ولا خلف من يتولى أمير المؤمنين إذا لم يتبرأ من عدوه إلا في
حال التقية، ولا يجوز الصلاة خلف من خالف في إمامة الاثني عشر من الكيسانية
والناووسية والفطحية والواقفة وغيرهم من فرق الشيعة، ولا يجوز أن يؤم الصبي الذي لم
يبلغ الناس، ولا تصل خلف عاق أبويه ولا قاطع رحم ولا سفيه ولا تجوز الصلاة خلف
الأغلف.
325

فإذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلفه سواء كانت الصلاة مما يجهر فيها
بالقراءة أو لا يجهر بل تسبح مع نفسك وتحمد الله تعالى، وإن كانت الصلاة مما يجهر فيها
بالقراءة فأنصت للقراءة.
فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت أنت لنفسك، وإن سمعت مثل الهمهمة من قراءة
الإمام، جاز لك ألا تقرأ وأنت مخير في القراءة، ويستحب أن يقرأ الحمد وحدها فيما لا يجهر
الإمام فيها بالقراءة، وإن لم تقرأها فليس عليك شئ.
وإذا صليت خلف من لا تقتدي به قرأت خلفه على كل حال سواء جهر بالقراءة أو لم
يجهر، فإن كان الموضع موضع تقية أجزأك من القراءة مثل حديث النفس، ولا يجوز لك ترك
القراءة على حال، وإذا لم يمكنك أن تقرأ أكثر من الحمد خلف من لا تقتدي به أجزأك
ولا يجوز أقل منها.
ومتى فرع المأموم من القراءة قبل الإمام فليسبح الله وليحمده، ويستحب أن يبقي آية
من السورة التي يقرأها فإذا فرع الإمام من قراءته تممها.
ومتى صلى الرجل بالناس وهو على غير وضوء أو كان جنبا ثم ذكر بعد الصلاة وجب
عليه إعادتها وليس عليهم شئ، وكذلك إن صلى بهم وهو على ظاهر اعتقادهم ثم تبين لهم
بعد ذلك أنه كان مخالفا لهم فيما يعتقدونه كانت صلاتهم ماضية، ومتى صلى الرجل بالقوم إلى
غير القبلة متعمدا كان عليه إعادة الصلاة ولم يكن عليهم ذلك إذا لم يكونوا عالمين، فإن
كانوا عالمين بذلك وجب عليهم أيضا إعادة الصلاة، ومتى لم يكن الإمام ولا المأمومون
عالمين بذلك كان حكمهم ما قدمناه في باب القبلة.
ومتى أحدث الإمام في الصلاة بما يقطعها أو ينقض الوضوء فليقدم رجلا يصلى بهم تمام
الصلاة، ويستحب أن يكون ذلك الرجل ممن قد شهد الإقامة فإن لم يكن شهدها لم يكن به
بأس، وإن كان ممن فاته ركعة أو ركعتان جاز ذلك أيضا، فإذا صلى بهم تمام صلاتهم أومأ إيماء
يكون تسليما لهم أو يقدم من يسلم بهم ويقوم هو فيصلي ما بقي عليه من الصلاة، وإذا
مات الإمام فجأة نحي عن قبلته وتقدم من يصلى بهم تمام الصلاة ويغتسل من يمس شيئا
من جسده.
326

ومن لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة فإن لم يلحقها فقد فاتته، فإن سمع
تكبيرة الركوع وبينه وبين الصف مسافة جار له أن يركع ويمشي في ركوعه حتى يلحق
بالصف أو يتم ركوعه، فإذا رفع الإمام رأسه من الركوع سجد، فإذا نهض إلى الثانية لحق
بالصف، ومن خاف فوت الركوع أجزأته تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع فإن لم يخف
فلا بد له من التكبيرتين.
ومن فاتته ركعة مع الإمام أو ركعتان فليجعل ما يلحق معه أول صلاته فإذا سلم الإمام
قام فتم ما قد فاته، مثال ذلك من صلى مع الإمام الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة وفاتته
ركعتان فليقرأ فيما يلحقه الحمد وسورة في كل ركعة إن تمكن من ذلك فإن لم يتمكن اقتصر
على الحمد وحدها ثم يصلى بعد تسليم الإمام ركعتين يقرأ فيهما الحمد وحدها أو يسبح، وإن
كان قد فاتته ركعة فليقرأ في الثانية الحمد وسورة وليجلس مع الإمام في التشهد الأول
ولا يتشهد بل يحمد الله تعالى ويسبحه، فإذا قام الإمام إلى الثالثة قام إليها وكانت ثانية له،
فإذا صلى الإمام الثالثة جلس هو وتشهد تشهدا خفيفا ثم لحق به في الرابعة للإمام وتكون
ثالثة له، فإذا جلس الإمام للتشهد الأخير جلس معه يحمد الله تعالى ويسبحه، فإذا سلم
الإمام قام فأضاف إليها ركعة وتشهد ثم يسلم.
ومن صلى خلف من يقتدى به فلا يرفع رأسه قبل الإمام من الركوع فإن رفع رأسه
ناسيا فليعد إليه ليكون رفع رأسه مع رفع رأس الإمام وكذلك يفعل في حال السجود، وإن
كان رفعه للرأس متعمدا فلا يعودن لا إلى الركوع ولا إلى السجود بل يقف حتى يلحقه
الإمام، وإن كان الإمام ممن لا يقتدى به ورفع رأسه من الركوع أو السجود فلا يعودن إليه ناسيا
كان ذلك أو متعمدا لأن ذلك زيادة في الصلاة. ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع
فليسجد معه غير أنه لا يعتد بتلك السجدة، فإن وقف حتى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك،
وإن أدركه هو في حال التشهد جلس معه حتى يسلم فإذا سلم الإمام قام فاستقبل صلاته.
والإمام إذا ركع فسمع أصوات قوم يدخلون المسجد فعليه أن يطيل ركوعه قليلا
ليلحقوا به في ذلك الركوع، وتسليم الإمام في الصلاة مرة واحدة تجاه القبلة يشير بعينه إلى
يمينه ولا ينبغي له أن يبرح من مصلاه حتى يتم - من قد فاته شئ من الصلاة خلفه -
327

صلاته، وينبغي للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين في جميع الصلوات وليس عليهم أما
يسمعوه شيئا من ذلك.
ولا يجوز لمن لم يصل صلاة الظهر أن يصلى مع الإمام العصر ويقتدي به، فإن نوى
أنه ظهر له وإن كان عصرا للإمام جاز له ذلك، ومن صلى وحده ثم لحق جماعة جاز له أن
يعيد مرة أخرى سواء كان إماما أو مأموما.
ولا يقف في الصف الأول الصبيان والعبيد والنساء والمخنثون، وينبغي أن يكون بين
الصفين مقدار مربض عنز، ولا بأس أن يقف الرجل وحده في صف إذا كان قد امتلأت
الصفوف، فإن لم يكن قد امتلأت كره له ذلك، ولا بأس بالوقوف بين الأساطين، ويكره
وقوف الإمام في المحراب الداخل في الحائط وإن كان ليس بمفسد للصلاة.
ولا يكون جماعة وبين المصلي وبين الإمام أو بين الصف حائل من حائط أو غيره، ومن
صلى وراء المقاصير لا تكون صلاته صلاة جماعة، وقد رخص للنساء أن يصلين إذا كان
بينهن وبين الإمام حائط، ولا يجوز أن يكون الإمام على موضع مرتفع من الأرض مثل دكان
أو سقف وما أشبه ذلك فإن كان أرضا مستوية لا بأس بوقوفه عليه وإن كان أعلى من موضع
المأمومين بقليل، ولا بأس للمأمومين أن يقفوا على موضع عال فيصلوا خلف الإمام إذا كان
أسفل منهم.
وإذا صلى نفسان فذكر كل واحد منهما أنه كان إماما لصاحبه جازت صلاتهما لأن كل
واحد منهما قد احتاط في الصلاة في القراءة والركوع والسجود والعزم وغير ذلك، وإن قال
كل واحد منهما: أنا كنت مأموما، كان عليهما إعادة الصلاة لأنه قد وكل كل واحد منهما
الأمر إلى صاحبه فلم يأتيا بأركان الصلاة.
ولا بأس أن يسلم الانسان قبل الإمام وينصرف في حوائجه عند الضرورة إلى ذلك
وليس عليه الوقوف لتعقيب الإمام.
وإذا صلى في مسجد جماعة كره أن يصلى دفعة أخرى جماعة تلك الصلاة بعينها، فإن
حضر قوم وأرادوا أن يصلوا جماعة فليصل بهم واحد منهم ولا يؤذن ولا يقيم بل يقتصر
على ما تقدم من الأذان والإقامة في المسجد إذا لم يكن الصف قد انفض فإن انفض الصف
328

وتفرق الناس فلا بد من الأذان والإقامة، وإذا دخل الانسان في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة
جاز له أن يقطعها ويدخل في الجماعة، فإن دخل في صلاة فريضة وكان الإمام الذي يصلى
خلفه إمام عدل جاز له أيضا قطعها ويدخل معه في الجماعة، فإن لم يكن إمام عدل وكان ممن
يقتدى به فليتم صلاته التي دخل فيها ركعتين يخففهما ويحسبهما من التطوع ويدخل في
الجماعة، وإن كان الإمام ممن لا يقتدى به فليبن على صلاته ويدخل معه في الصلاة، فإذا
فرغ من صلاته، سلم وقام مع الإمام فصلى معه ما بقي له واحتسبه من النافلة، فإن وافق
حال تشهده حال قيام الإمام فليقتصر في تشهده على الشهادتين ويسلم إيماء ويقوم مع
الإمام.
ولا يجوز للإمام أن يصلى بالقوم وهو جالس إلا أن يكونوا عراة فإنهم يصلون كلهم
جلوسا ولا يتقدمهم إمامهم إلا بركبتيه.
وإذا أقيمت الصلاة التي يقتدى بالإمام فيها لا يجوز أن يصلى النوافل، وإذا صلت
المرأة مع الرجال جماعة فلا تقف معهم في صفهم بل تكون خلف الصفوف، فإن وقفت في
الصف الأخير ثم جاء قوم أرادوا أن يقفوا في ذلك الصف فعليها أن تتأخر عن ذلك
الصف من غير أن تستدبر القبلة، وإذا صليت خلف مخالف وقرأ سورة تجب فيها السجدة
ولم يسجد فأومئ إيماء وقد أجزأك.
باب النوافل وأحكامها:
قد بينا أوقات النوافل وعدد ركعاتها في اليوم والليلة غير أنا نرتبها ههنا على وجه
أليق به: إذا زالت الشمس فليصل ثمان ركعات للزوال يقرأ فيها ما شاء من السور
والآيات ويسلم في كل ركعتين منها ويقنت في كل ركعتين، ويصلى ثمان ركعات بعد
الفراغ من فريضة الظهر، ويصلى بعد المغرب أربع ركعات بتشهدين وتسليمين، ويصلى
ركعتين من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة ويجعل هاتين الركعتين بعد كل صلاة
يريد أن يصليها ويقوم بعدهما إلى فراشه.
ويستحب له أن لا ينام إلا وهو على طهر فإن نسي ذلك وذكر عند منامه فليتيمم من
329

فراشه، ومن خاف أن لا ينتبه آخر الليل فليقل عند منامه: قل إنما أنا بشر مثلكم، إلى آخر
السورة، ثم يقول: اللهم أيقظني لعبادتك في وقت كذا فإنه ينتبه إن شاء الله.
فإذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل ولا يصليها في أوله إلا أن يكون مسافرا يخاف
أن لا يتمكن منه في آخر الليل، فإذا قام فليعمد إلى السواك وليستك فاه ولا يتركه مع
الاختيار ثم ليستفتح الصلاة بسبع تكبيرات على ما رتبناه سنة ثم يصلى ثماني ركعات
يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد و " قل هو الله أحد " في الأولى منهما وفي الثانية الحمد و " قل
يا أيها الكافرون "، وفي الست البواقي ما شاء من السور، إن شاء طول وإن شاء قصر، فإذا
فرع منها صلى ركعتي الشفع ويسلم بعدهما ويستحب أن يقرأ فيهما سورة الملك و " هل أتى
على الانسان "، وإن كان الوقت ضيقا قرأ فيهما المعوذتين يقوم إلى الوتر ويتوجه فيه أيضا
على ما قدمناه.
فإذا قام إلى صلاة الليل ولم يكن قد بقي من الوقت مقدار ما يصلى كل ليلة وخاف
طلوع الفجر خفف صلاته واقتصر على الحمد وحدها، فإن خاف مع ذلك طلوع الفجر
صلى ركعتين وأوتر بعدهما ويصلى ركعتي الفجر ثم يصلى ركعتي الغداة ثم يقضي
الثماني ركعات، وإن كان قد صلى أربع ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر تمم ما بقي
عليه وخففها ثم صلى الفرض. وقد رويت رواية في جواز صلاة الليل بعد طلوع الفجر قبل
الفرض وهي رخصة في جواز فعل النافلة في وقت الفريضة إذا كان ذلك في أول وقته فإذا
تضيق الوقت لم يجز ذلك، ومع هذا فلا ينبغي أن يكون ذلك عادة والأحوط ما قدمناه.
ومن نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد أن أوتر قضاهما وأعاد الوتر، ومن نسي
التشهد في النافلة ثم ذكر بعد أن ركع أنه لم يتشهد أسقط الركوع وجلس فتشهد.
وإذا فرع من صلاة الليل قام فصلى ركعتي الفجر وإن لم يكن قد طلع الفجر بعد،
ويستحب أن يضطجع ويقول في حال اضطجاعه الدعاء المعروف في ذلك وإن جعل مكان
الضجعة سجدة كان ذلك جائزا.
ولا بأس أن يصلى الانسان النوافل جالسا إذا لم يتمكن من الصلاة قائما، فإن
تمكن منها قائما وأراد أن يصليها جالسا صلى لكل ركعة ركعتين، فإن صلى لكل ركعة
330

ركعة والحال ما وصفناه كان تاركا للفضل.
ومن كان في دعاء الوتر ولم يرد قطعه ولحقه عطش وبين يديه ماء جاز له أن يتقدم خطا
فشرب الماء ثم يرجع إلى مكانه فيتمم صلاته من غير أن يستدبر القبلة.
باب الصلاة في السفر:
التقصير واجب في السفر إذا كانت المسافة ثمانية فراسخ فإن كانت المسافة أربعة
فراسخ وأراد الرجوع من يومه وجب أيضا التقصير، فإن لم يرد الرجوع فهو بالخيار في
التقصير والإتمام.
ولا يجوز التقصير إلا لمن كان سفره طاعة لله أو في سفر مباح، فإن كان سفره معصية
أو اتباعا لسلطان جائر لم يجز له التقصير وكذلك إن كان سفره إلى صيد لهو أو بطر لم يجز له
التقصير، وإن كان الصيد لقوته وقوت عياله وجب أيضا التقصير، وإن كان صيده
للتجارة وجب عليه التمام في الصلاة والتقصير في الصوم، ولا يجوز التقصير
للمكاري وللملاح والراعي والبدوي إذا طلب القطر والنبت والذي يدور في جبايته والذي
يدور في إمارته ومن يدور في التجارة من سوق إلى سوق ومن كان سفره أكثر من حضره،
هؤلاء كلهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيام فإن كان لهم في
بلدهم مقام عشرة أيام وجب عليهم التقصير، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام
قصروا بالنهار وتمموا الصلاة بالليل.
ولا يجوز التقصير للمسافر إلا إذا توارى عنه جدران بلده وخفي عليه أذان مصره،
فإن خرج بنية السفر ثم بدا له وكان قد صلى على التقصير فليس عليه شئ، فإن لم يكن
قد صلى أو كان في الصلاة وبدا له من السفر تمم صلاته، فإن خرج من منزله وقد دخل
الوقت وجب عليه التمام إذا كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلى فيه على التمام، فإن
تضيق الوقت قصر ولم يتمم، وإن دخل من سفره بعد دخول الوقت وكان قد بقي من
الوقت مقدار ما يتمكن فيه من أداء الصلاة على التمام فليصل وليتمم، وإن لم يكن قد
بقي مقدار ذلك قصر، ومن ذكر أن عليه صلاة فاتته في حال السفر قضاها على التقصير
331

وكذلك من ذكر أن عليه صلاة فاتته في الحضر وهو في السفر قضاها على التمام.
ومن تمم في السفر وقد تليت عليه آية التقصير وعلم وجوبه وجب عليه إعادة
الصلاة، فإن لم يكن علم ذلك فليس عليه شئ، فإن كان قد علم غير أنه قد نسي في
حال الصلاة فإن كان في الوقت أعاد الصلاة وإن كان قد مضى وقتها فليس عليه شئ، و
قد روي أنه إن ذكر في ذلك اليوم أنه صلى على التمام وجبت عليه الإعادة، والأول أحوط.
وإذا عزم المسافر على مقام عشرة أيام في بلد وجب عليه التمام، فإن عزم عشرة أيام
وصلى صلاة واحدة أو أكثر على التمام ثم بدا له في المقام، فليس له أن يقصر إلا بعد
خروجه من البلد، وإن لم يكن قد صلى شيئا من الصلوات على التمام فعليه التقصير إذا
غير نيته عن المقام عشرة أيام ما بينه وبين ثلاثين يوما، فإذا مضت ثلاثون ولم يكن قد خرج
وجب عليه التمام ولو صلاة واحدة. ومن خرج إلى ضيعة له وكان له فيها موضع ينزله
ويستوطنه وجب عليه التمام، فإن لم يكن له فيها مسكن وجب عليه التقصير.
ويستحب الإتمام في أربعة مواطن: في السفر بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على
ساكنه السلام. وقد رويت رواية بلفظة أخرى وهو أن يتمم الصلاة في حرم الله وفي حرم
رسوله وفي حرم أمير المؤمنين وفي حرم الحسين عليهم أجمعين السلام. فعلى هذه الرواية جاز
التمام خارج المسجد بالكوفة وعلى الرواية الأولى لم يجز إلا في نفس المسجد. ولو أن إنسانا
قصر في هذه المواطن كلها لم يكن عليه شئ إلا أن الأفضل ما قدمناه.
وليس على المسافر صلاة الجمعة ولا صلاة العيدين، والمشيع لأخيه المؤمن يجب أيضا
عليه التقصير والمسافر في طاعة إذا مال إلى الصيد لهوا وجب عليه التمام، فإذا رجع إلى
السفر عاد إلى التقصير، وإذا خرج قوم إلى السفر وساروا أربعة فراسخ وقصروا من
الصلاة ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم التقصير إلى أن يتيسر لهم العزم على
المقام فيرجعون إلى التمام ما لم يتجاوز ثلاثين يوما على ما قدمناه، وإن كان مسيرهم أقل من
أربعة فراسخ وجب عليهم التمام إلى أن يسيروا فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير.
ويستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر، فإن ذلك جبران للصلاة، ولا بأس أن يجمع الانسان بين الظهر والعصر
332

وبين المغرب والعشاء الآخرة في حال السفر.
وكذلك لا بأس أن يجمع بينهما في الحضر إلا أنه إذا جمع بينهما لا يجعل بينهما شيئا من
النوافل، وليس على المسافر شئ من نوافل النهار، فإذا سافر بعد زوال الشمس قبل أن
يصلى نوافل الزوال فليقضها في السفر بالليل أو بالنهار وعليه نوافل الليل كلها حسب
ما قدمناه.
باب قضاء ما فات من الصلوات:
من فاتته صلاة فريضة فليقضها حين يذكرها أي وقت كان ما لم يكن وقت صلاة
فريضة حاضرة قد تضيق وقتها، فإن حضر وقت صلاة ودخل فيها في أول وقتها ثم ذكر أن
عليه صلاة عدل بنيته إلى ما فاتته من الصلاة ثم استأنف الحاضرة.
مثال ذلك أنه إذا فاتته صلاة الظهر فإنه يصليها ما دام يبقى من النهار بمقدار
ما يصلى فيه الظهر والعصر يبدأ بالظهر، ثم يعقبه بالعصر، فإن لم يبق من النهار
إلا مقدار ما يصلى فيه العصر بدأ به ثم قضى الظهر، فإن كان قد دخل في العصر ما بينه
وبين الوقت الذي ذكرناه فليعدل بنيته إلى الظهر ثم يصلى بعده العصر.
ومتى دخل وقت المغرب وعليه صلاة فليصل ما فاته ما بينه وبين أن يبقى إلى سقوط
الشفق مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات فإن بدأ بالمغرب قبل ذلك فليعدل بنيته إلى
الصلاة التي فاتته ثم ليستأنف المغرب.
وإذا دخل وقت العشاء الآخرة وعليه صلاة فليصل الفائتة ما بينه وبين نصف
الليل ثم يصلى بعدها العشاء الآخرة، فإن انتصف الليل بدأ بالعشاء الآخرة ثم صلى
الفائتة، وإذا طلع الفجر وعليه صلاة فليصلها ما بينه وبين أن يبقى إلى طلوع الشمس
مقدار ما يصلى فيه ركعتي الغداة، فإن بدأ بهما فليعدل بنيته إلى التي فاتته من الصلاة ثم
يصلى بعدها الغداة.
ومن دخل في صلاة نافلة ثم ذكر أن عليه فريضة قبل أن يفرع منها استأنف التي فاتته
ثم عاد إلى النافلة.
333

ومن فاتته صلاة ولم يدر أيها هي فليصل أربعا وثلاثا وركعتين، وقد برئت ذمته فإن
فاتته صلاة مرات كثيرة وهو يعلمها بعينها غير أنه لا يعلم كم دفعة فاتته فليصل من تلك
الصلاة إلى أن يغلب على ظنه أنه قضى ما فاته أو زاد عليه، فإن لم يعلم الصلاة بعينها
فليصل في كل وقت ثلاثا وأربعا وثنتين إلى أن يغلب على ظنه أنه قضى ما عليه.
ومن فاتته صلاة فريضة بمرض لزمه قضاؤها حسب ما فاتته إذا كان المرض مما لا يزيل
العقل، فإن كان مما يزيل العقل مثل الإغماء وما يجري مجراه لم يلزمه قضاء شئ مما فاته على
جهة الوجوب ويستحب له أن يقضيه على طريق الندب، فإن لم يتمكن من قضاء ذلك أجمع
قضى صلاة يومه الذي أفاق فيه ويجب عليه قضاء الصلاة التي يفيق في وقتها على كل
حال.
ومن فاته شئ من النوافل قضاه أي وقت ذكره ما لم يكن وقت فريضة، فإن فاته شئ
كثير منها فليصل منها إلى أن يغلب على ظنه أنه قضاها، فإن لم يتمكن من ذلك جاز له أن
يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد منه، فإن لم يمكنه ذلك
فلا شئ عليه، ومن فاته شئ من النوافل بمرض فليس عليه قضاؤه ويستحب أن يقضي
نوافل النهار بالليل ونوافل الليل بالنهار.
ومن فاتته صلاة الليل فليصلها أي وقت شاء وإن كان بعد الغداة أو بعد العصر،
ومتى قضاها ليس عليه إلا ركعة مكان ركعة، ولا بأس أن يقضي الانسان وترا جماعة في ليلة
واحدة.
باب صلاة المريض والموتحل والعريان وغير ذلك من المضطرين
المريض يلزمه الصلاة حسب ما يلزم الصحيح ولا يسقط عنه فرضها إذا كان عقله
ثابتا، فإن تمكن من الصلاة قائما لزمه كذلك، وإن لم يتمكن من القيام بنفسه وأمكنه أن
يعتمد على حائط أو عكاز فليفعل وليصل قائما، فإن لم يتمكن من ذلك فليصل جالسا
وليقرأ، فإذا أراد الركوع قام فركع، فإن لم يقدر على ذلك فليركع جالسا وليسجد مثل ذلك،
فإن لم يتمكن من السجود إذا صلى جالسا جاز له أن يرفع خمرة أو ما يجوز السجود عليه
334

فيسجد، فإن لم يتمكن من الصلاة جالسا فليصل مضطجعا على جانبه الأيمن وليسجد
فإن لم يتمكن من السجود أومأ إيماء، فإن لم يتمكن من الاضطجاع فليستلق على قفاه
وليصل مومئا يبدأ الصلاة بالتكبير ويقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا رفع رأسه
من الركوع فتحهما، فإذا أراد السجود غمضهما، فإذا أراد رفع رأسه من السجود فتحهما،
فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما، فإذا أراد رفع رأسه ثانيا فتحهما وعلى هذا تكون صلاته.
والموتحل والغريق والسابح إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من موضع
يصلون فيه فليصلوا إيماء ويكون ركوعهم وسجودهم بالإيماء ويكون سجودهم أخفض
من ركوعهم ويلزمهم في هذه الأحوال كلها استقبال القبلة مع الإمكان، فإن لم يمكنهم فليس
عليه شئ.
وإذا كان المريض مسافرا ويكون راكبا جاز له أن يصلى الفريضة على ظهر دابته
ويسجد على ما يتمكن منه. ويجزئه في النوافل أن يومئ إيماء وإن لم يسجد، وحد المرض
الذي يبيح الصلاة جالسا ما يعلمه الانسان من حال نفسه أنه لا يتمكن من الصلاة
قائما أو لا يقدر على المشي بمقدار زمان صلاته.
والمبطون إذا صلى ثم حدث به ما ينقض صلاته فليعد الوضوء وليبن على صلاته، ومن
به سلس البول فلا بأس أن يصلى كذلك بعد الاستبراء ويستحب له أن يلف خرقة على
ذكره لئلا تتعدى النجاسة إلى بدنه وثيابه.
والمبطون إذا صلى ثم حدث به ما ينقض صلاته فليعد الوضوء وليبن على صلاته، ومن
به سلس البول فلا بأس أن يصلى كذلك بعد الاستبراء ويستحب له أن يلف خرقة على
ذكره لئلا تتعدى النجاسة إلى بدنه وثيابه.
والمريض إذا صلى جالسا فليقعد متربعا في حال القراءة فإذا أراد الركوع ثنى رجليه
فإن لم يتمكن من ذلك جلس كيف ما سهل عليه.
والممنوع بالقيد ومن يكون في يد المشركين إذا حضر وقت الصلاة ولم يقدر أن يصلى
قائما فليصل على حالته إيماء وقد أجزأه.
والعريان إذا لم يكن معه ما يستتره وكان وحده بحيث لا يرى أحد سوأته فليصل
قائما، فإن كان معه غيره أو يكون بحيث لا يأمن اطلاع غيره عليه فليصل جالسا، فإن
كانوا جماعة بهذه الصفة وأرادوا أن يصلوا جماعة فليتقدم إمامهم بركبتيه وليصل بهم
جالسا وهم جلوس، ويكون ركوع الإمام وسجوده إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه
335

ويركع من خلفه ويسجد، وإذا وجد العريان الذي معه غيره شيئا يستر به عورته من
حشيش الأرض وغيره فليستر به عورته وليصل قائما فإن لم يجد فليقتصر على الصلاة
جالسا حسب ما قدمناه.
باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة:
إذا خاف الانسان من عدو أو لص أو سبع جاز له أن يصلى الفرائض على ظهر دابته،
فإن لم تكن له دابة وأمكنه أن يصلى بركوع وسجود على التخفيف صلى كذلك، فإن خاف
أن يركع ويسجد فليومئ إيماء وقد أجزأه ويكون سجوده أخفض من ركوعه.
وإذا أراد قوم أن يصلوا جماعة عند لقائهم العدو فليفترقوا فرقتين: فرقة منهم تقف
بحذاء العدو والفرقة الأخرى تقوم إلى الصلاة ويقوم الإمام فيصلي بهم ركعة، فإذا قام
الإمام إلى الثانية وقف قائما وصلوا هم الركعة الثانية وتشهدوا وسلموا ويقومون إلى لقاء
العدو ويجئ الباقون فيقفون خلف الإمام ويفتتحون الصلاة بالتكبيرة ويصلى بهم الإمام
الركعة الثانية له وهي أولة لهم، فإذا جلس الإمام في تشهده قاموا هم إلى الركعة الثانية لهم
فيصلونها فإذا فرغوا منها تشهدوا ثم يسلم بهم الإمام.
وإن كانت الصلاة صلاة المغرب فليفعل الإمام مثل ما قدمناه، يصلى بالطائفة الأولى
ركعة ويقف في الثانية وليصلوا هم ما بقي لهم من الركعتين ويخففوا. فإذا سلموا قاموا إلى
لقاء العدو ويجئ الباقون فيستفتحون الصلاة بالتكبير ويصلى بهم الإمام الثانية له وهي
الأولة لهم، فإذا جلس في تشهده الأول جلسوا معه وذكروا الله، فإذا قام إلى الثالثة له قاموا
معه وهي ثانية لهم فيصليها، فإذا جلس للتشهد الثاني جلسوا معه وليتشهدوا لهم وهو أول
تشهد لهم ويخففوا ثم يقوموا إلى الثالثة لهم فليصلوها، فإذا جلسوا للتشهد الثاني
وتشهدوا سلم بهم الإمام.
وإذا كان الرجل في حال القتال ودخل وقت الصلاة فليصل على ظهر دابته
وليسجد على قربوس سرجه يستقبل بتكبيرة الافتتاح القبلة ثم يصلى كيف ما دارت به
الدابة، فإن لم يتمكن من السجود صلى مومئا وينحني للركوع والسجود.
336

وإذا كان في حال المسايفة جاز له أن يقتصر على تكبيرة واحدة لكل ركعة من
الصلاة التي تجب عليه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وذلك يجزئه
عن الركوع والسجود.
باب الصلاة في السفينة:
لا بأس أن يصلى الانسان فرائضه ونوافله في السفينة إذا لم يتمكن من الشط فإن
تمكن منه فالأفضل أن يخرج إليه ويصلى على الأرض، فإن لم يفعل وصلى فيه كان جائزا غير
أن الأفضل ما قدمناه.
وإذا صلى في السفينة فليصل قائما وليستقبل إذا أمكنه ذلك فإن لم يمكنه الصلاة
قائما صلاها جالسا متوجها إلى القبلة، فإن دارت السفينة فليدر معها كيف ما دارت
ويستقبل القبلة فإن لم يمكنه ذلك استقبل بأول تكبيرة القبلة ثم يصلى كيف دارت،
ولا بأس أن يصلى النوافل إلى رأس السفينة إذا لم يمكنه استقبال القبلة. ولا يختلف الحكم
في أن تكون السفينة في البحار الكبار أو في الأنهار الصغار في كون الصلاة جائزة فيها
على كل حال.
وإذا لم يجد الانسان فيها ما يسجد عليه فليسجد على خشبها، فإن كانت مقيرة فليغطها
بثوب وليسجد عليه، فإن لم يكن معه ثوب سجد على القير وقد أجزأه.
باب صلاة العيدين:
صلاة العيدين فريضة بشرط وجود الإمام العادل أو وجود من نصبه الإمام للصلاة
بالناس وتلزم صلاة العيدين كل من تلزمه جمعة وتسقط عمن تسقط عنه، ومن فاتته هذه
الصلاة فليس عليه قضاؤها وإن تأخر عن الحضور في المصلى لعارض فليصل في بيته
كما يصليها مع الإمام سنة وفضيلة.
ولا يجوز صلاة العيدين إلا تحت السماء في الصحراء في سائر البلاد مع القدرة
والاختيار إلا بمكة فإنه يصلى بها في المسجد الحرام، ويستحب أن لا يسجد المصلي إلا على
337

الأرض، ولا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين. بل يقول المؤذن ثلاث مرات: " الصلاة "
ووقت هذه الصلاة عند انبساط الشمس.
ولا يصلى يوم العيد قبل صلاة العيد ولا بعدها شيئا من النوافل لا ابتداء ولا قضاء
إلا بعد الزوال إلا بالمدينة خاصة فإنه يستحب أن يصلى ركعتين في مسجد النبي
ص قبل الخروج إلى المصلى، ولا بأس بقضاء الفرائض قبل الزوال.
ويستحب أن يخرج الانسان إلى المصلى ماشيا بخضوع وسكينة ووقار والذكر لله
تعالى، والإمام يستحب له أن يمشي حافيا ويستحب له أن يطعم شيئا قبل الخروج إلى
المصلى في يوم الفطر ويكره له ذلك يوم الأضحى إلا بعد الرجوع، ويستحب أن يكون
إفطاره يوم الفطر على شئ من الحلاوة ويوم الأضحى على شئ مما ينحره أو يذبحه إن كان
ممن يفعل ذلك.
وإذا اجتمعت صلاة عيد وجمعة في يوم واحد، فمن شهد صلاة العيد كان مخيرا بين
حضور الجمعة وبين الرجوع إلى بيته وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته بعد صلاة العيد،
ويستحب أن يغتسل الانسان يوم العيدين بعد طلوع الفجر ويتطيب ويلبس أطهر ثيابه.
وصلاة العيدين ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الأولى يفتتح صلاته بتكبيرة
الإحرام ويتوجه إن شاء ثم يقرأ الحمد وسورة الأعلى، ثم يكبر خمس تكبيرات يقنت بين كل
تكبيرتين منها بالدعاء المعروف في ذلك وإن قنت بغيره كان أيضا جائزا ثم يكبر السابعة
ويركع بها، فإذا قام إلى الثانية قام بغير تكبير ثم يقرأ الحمد ويقرأ بعدها " والشمس
وضحها " ثم يكبر أربع تكبيرات يقنت بين كل تكبيرتين فيها ثم يكبر الخامسة ويركع بها،
فإذا فرع من الصلاة قام الإمام فخطب بالناس ولا تجوز الخطبة إلا بعد الصلاة.
ومن حضر الصلاة وصلاها كان مخيرا في سماع الخطبة وفي الرجوع إلى منزله، وليقم
الإمام حال الخطبة على شبه المنبر معمول من طين. ولا ينقل المنبر من موضعه.
ويستحب أن يكبر الانسان ليلة الفطر بعد صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة
وصلاة العيد يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الحمد لله على ما هدانا وله
الشكر على ما أولانا. ويكبر في عيد الأضحى مثل ذلك عقيب خمس عشرة صلاة إذا كان
338

بمنى، وإذا كان في غيره من الأمصار كبر عقيب عشر صلوات يبدأ بالتكبير عقيب صلاة
الظهر من يوم العيد ثم يستوفي العدد ويزيد في التكبير في هذا العيد بعد قوله: وله الشكر على
ما أولانا، " ورزقنا من بهيمة الأنعام ".
وإذا أراد الانسان الشخوص من بلد فلا يخرج منه بعد طلوع الفجر إلا بعد أن يشهد
الصلاة، وإن شخص قبل ذلك لم يكن به بأس، ولا ينبغي أن يخرج الناس إلى المصلى
بالسلاح إلا عند الخوف من العدو.
باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح السود:
صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب لا يجوز
تركها على حال ويستحب أن تصلي هذه الصلاة في جماعة فإن صلى فرادى كان جائزا.
ومن ترك هذه الصلاة متعمدا عند انكساف الشمس وانخساف القمر وكانا قد
احترقا بأجمعهما وجب عليه القضاء مع الغسل، فإن تركها ناسيا والحال ما وصفناه كان
عليه القضاء بلا غسل، وإن كان قد احترق بعض الشمس أو القمر وترك الصلاة متعمدا
كان عليه القضاء بلا غسل، وإن تركها ناسيا والحال ما وصفناه لم يكن عليه شئ.
ووقت هذه الصلاة إذا انكسفت الشمس أو انخسف القمر إلى أن يبتدأ في
الانجلاء، فإذا ابتدأ في ذلك فقد مضى وقتها، فإن كان وقت الكسوف وقت صلاة فريضة
بدأ بالفريضة ثم يصليها على أثرها، فإن بدأ بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة
قطعها وصلى الفريضة ثم رجع فتمم صلاته، وإن كان وقت صلاة الليل صلى أولا صلاة
الكسوف ثم صلاة الليل، فإن فاتته صلاة الليل قضاها بعد ذلك وليس عليه بأس.
وهذه الصلاة عشر ركعات بأربع سجدات وتشهد واحد، يركع خمس ركعات
ويسجد في الخامسة ثم يقوم فيصلي خمس ركعات ويسجد في العاشرة، ويقرأ في أول ركعة
سورة الحمد وسورة أخرى إن أراد وإن أراد أن يقرأ بعضها كان له ذلك، فمتى أراد أن يقرأ
في الثانية بقية تلك السورة فليقرأها ولا يقرأ سورة الحمد بل يبتدئ بالموضع الذي انتهى
إليه، فإذا أراد أن يقرأ سورة أخرى قرأ الحمد ثم قرأ بعدها سورة وكذلك الحكم في باقي
339

الركعات.
ويقنت في كل ركعتين قبل الركوع. فإن لم يفعل واقتصر على القنوت في العاشرة،
كان أيضا جائزا. وكلما رفع رأسه من الركوع، يقول: الله أكبر، إلا في الخامسة والعاشرة فإنه
يقول: سمع الله لمن حمده.
ويستحب أن يكون مقدار قيام الرجل في صلاته بمقدار زمان الكسوف ويكون مقدار
قيامه في الركوع مقدار قيامه في حال القراءة ويطول أيضا في سجوده، ويستحب أن يقرأ في
صلاة الكسوف السور الطوال مثل الكهف والأنبياء، فإن فرع الانسان من صلاته ولم يكن
الكسوف قد انجلى يستحب له إعادة الصلاة، وإن اقتصر على التسبيح والتحميد لم
يكن به بأس، ولا بأس، أن يصلى الانسان صلاة الكسوف على ظهر دابته أو يصلى وهو
ماش إذا لم يمكنه النزول والوقوف.
باب صلاة الاستسقاء:
إذا أجدبت البلاد وقلت الأمطار يستحب أن يصلى صلاة الاستسقاء يتقدم الإمام
أو من نصبه الإمام إلى الناس بأن يصوموا ثلاثة أيام ثم يخرجون اليوم الثالث إلى
الصحراء ويستحب أن يكون ذلك يوم الاثنين، ولا يصلوا في المساجد في البلدان كلها
إلا بمكة خاصة ويقدم المؤذنين كما يفعل في صلاة العيدين.
ويخرج الإمام على إثرهم بسكينة ووقار، فإذا انتهى إلى الصحراء قام فصلى ركعتين
من غير أذان ولا إقامة يقرأ فيهما ما شاء من السور، ويكون ترتيب الركعتين كترتيب صلاة
العيدين باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى وخمس في الثانية ويقدم القراءة على التكبير في
الركعتين معا كما يفعل في صلاة العيدين.
فإذا فرع منهما استقبل القبلة ويكبر الله مائة تكبيرة يرفع بها صوته ويكبر من حضر
معه ثم يلتفت عن يمينه فيسبح الله مائة مرة يرفع بها صوته ويسبح معه من حضر، ثم يلتفت
عن يساره فيهلل الله مائة مرة يرفع بها صوته ويقول ذلك معه من حضره، ثم يستقبل الناس
بوجهه ويحمد الله مائة مرة يرفع بها صوته ويقول مثل ذلك من حضر معه.
340

ثم ليدع وليخطب بخطبة الاستسقاء المروية عن أمير المؤمنين ع فإن لم
يتمكن اقتصر على الدعاء.
باب نوافل شهر رمضان وغيرها من الصلوات المرغبة فيها:
يستحب أن يصلى الانسان في شهر رمضان من أول ليلة فيه إلى آخر الشهر زيادة
ألف ركعة على نوافله في سائر الشهور يصلى في تسع عشرة ليلة منه في كل ليلة عشرين
ركعة، ثماني ركعات بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة قبل الوتيرة ويختم
الصلاة بالوتيرة وفي ليلة تسع عشرة مائة ركعة وفي ليلة إحدى وعشرين أيضا مثل ذلك.
وفي ليلة ثلاث وعشرين أيضا مثل ذلك، ويصلى في ثمان ليال من العشر الأواخر في كل
ليلة ثلاثين ركعة، يصلى بعد المغرب ثماني ركعات واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء
الآخرة، وإن أراد أن يصلى بعد المغرب اثنتي عشرة ركعة وبعد العشاء الآخرة ثمان
عشرة ركعة كان أيضا جائزا. فهذه تسعمائة وعشرون ركعة.
ويصلى في كل يوم جمعة من شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين وركعتين صلاة
فاطمة ع وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب رحمة الله عليه، ويصلى في
ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين وفي عشية تلك الجمعة عشرين
ركعة صلاة فاطمة ع فهذه تمام ألف ركعة.
ويستحب أيضا أن يصلى ليلة النصف مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و " قل
هو الله أحد " عشرين مرة، ويستحب أن يصلى ليلة الفطر ركعتان، يقرأ في أول ركعة منهما
الحمد مرة وألف مرة " قل هو الله أحد " وفي الثانية الحمد مرة و " قل هو الله أحد " مرة واحدة.
فأما صلاة أمير المؤمنين فإنها أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة.
وخمسين مرة " قل هو الله أحد ".
وصلاة فاطمة ع ركعتان، يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة واحدة و " إنا
أنزلناه " مائة مرة وفي الثانية الحمد مرة و " قل هو الله أحد " مائة مرة.
وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرة " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
341

أكبر " يبتدئ الصلاة فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما " إذا زلزلت "، فإذا فرع منها سبح
خمس عشرة مرة ثم ليركع ويقول ذلك عشرا، فإذا رفع رأسه قاله عشرا، فإذا سجد قاله
عشرا، فإذا رفع رأسه من السجود قاله عشرا، فإذا سجد الثانية قاله عشرا، فإذا رفع رأسه
من السجود ثانيا قاله عشرا، فهذه خمس وسبعون مرة. ثم لينهض إلى الثانية وليصل أربع
ركعات على هذا الوصف ويقرأ في الثانية و " العاديات " وفي الثالثة " إذا جاء نصر الله " وفي
الرابعة " قل هو الله أحد " ويقول في آخر سجدة منه " يا من لبس العز والوقار " إلى آخر
الدعاء.
ويستحب أن يصلى الانسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزوال نصف ساعة بعد أن
يغتسل ركعتين، يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة و " قل هو الله أحد " عشر مرات وآية
الكرسي عشر مرات و " إنا أنزلناه " عشر مرات، فإذا سلم دعا بعدهما بالدعاء المعروف.
ويستحب أن يصلى الانسان يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب اثنتي
عشرة ركعة، يقرأ في كل واحدة منهما " الحمد ويس "، فإن لم يتمكن قرأ ما سهل عليه من
السور، فإذا فرع منها جلس في مكانه وقرأ أربع مرات سورة الحمد و " قل هو الله أحد " مثل
ذلك، والمعوذتين كل واحدة منهما أربع مرات ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، أربع مرات ويقول: الله الله لا أشرك به شيئا، أربع مرات.
ويستحب أن يصلى ليلة النصف من شعبان أربع ركعات، يقرأ في كل واحدة منها
الحمد مرة و " قل هو الله أحد " مائة مرة.
وإذا أراد الانسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه يستحب له أن يصلى ركعتين يقرأ فيهما
ما شاء من السور ويقنت في الثانية، فإذا سلم دعا بما أراد ثم ليسجد وليستخر الله في
سجوده مائة مرة يقول: أستخير الله في جميع أموري، ثم يمضى في حاجته.
وإذا عرض للإنسان حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة ثم ليبرز تحت السماء في
يوم الجمعة وليصل ركعتين يقرأ فيهما بعد الحمد مائتي مرة وعشر مرات " قل هو الله أحد "
على ترتيب صلاة التسبيح إلا أنه يجعل بدل التسبيح في صلاة جعفر خمس عشرة مرة " قل
هو الله أحد " في الركوع والسجود وفي جميع الأحوال، فإذا فرع منها سأل الله حاجته.
342

وإذا قضيت حاجته فليصل ركعتين شكرا لله تعالى، يقرأ فيهما الحمد و " إنا أنزلناه "
أو سورة " قل هو الله أحد " ثم ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السجود والركوع وبعد
التسليم إن شاء الله. باب الصلاة على الموتى:
الصلاة على الأموات فريضة وفرضه على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن
الباقين، ولا يختلف الحكم في ذلك سواء كان الميت رجلا أو امرأة حرا أو عبدا إذا كان له ست
سنين فصاعدا وكان على ظاهر الاسلام، فإن نقص سنة عن ست سنين لم تجب الصلاة
عليه بل يصلى عليه استحبابا وتقية.
وإذا حضر القوم للصلاة عليه فليتقدم أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك، وإن
حضر الإمام العادل كان أولى بالصلاة عليه، وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحق
كان أيضا أولى بالصلاة عليه إذا قدمه الولي، ويستحب له تقديمه فإن لم يفعل فليس له أن
يتقدم للصلاة عليه، والزوج أحق بالصلاة على المرأة من أخيها وأبيها.
وإذا كانوا جماعة فليتقدم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا، وإن كان
فيهم نساء فليقفن آخر الصفوف فلا يختلطن بالرجال، فإن كان فيهن حائض فلتقف
وحدها في صف بارزة عنهن وعنهم، وإن كان من يصلى على الميت نفسين فليتقدم واحد
ويقف الآخر خلفه سواء ولا يقف على جنبه.
وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة إن كانت لرجل عند وسطها وإن كانت لامرأة عند
صدرها، وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدم المرأة إلى القبلة ويجعل الرجل مما يليها
ويقف الإمام عند الرجل، وإن كان رجل وامرأة وصبي فليقدم الصبي ثم المرأة ثم الرجل،
وإن كان معهم عبد فليقدم أولا الصبي ثم المرأة ثم العبد ثم الرجل ويقف الإمام عند
الرجل ويصلى عليهم صلاة واحدة، وكذلك الحكم إن زادوا في العدد على ما ذكرناه
ويكون على هذا ترتيبهم.
وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شئ يسير ولا يبعد منها وليتحف عند الصلاة
343

عليه إن كان عليه نعلان، فإن لم يكن عليه نعل أو كان عليه خف فلا بأس أن يصلى كذلك.
ثم يرفع الإمام يده بالتكبير ويكبر خمس تكبيرات يرفع يده في أول تكبيرة منها حسب
ولا يرفع فيما عداها هذا هو الأفضل، فإن رفع يده في التكبيرات كلها لم يكن به بأس وإذا كبر
الأولة فليشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم يكبر الثانية ويصلى على النبي
وآله ثم يكبر الثالثة ويدعو للمؤمنين ثم يكبر الرابعة ويدعو للميت إن كان مؤمنا.
فإن لم يكن كذلك وكان ناصبا معلنا بذلك لعنه في صلاته وتبرأ منه، وإن كان مستضعفا
فليقل: " ربنا اغفر للذين تابوا " إلى آخر الآية. وإن كان ممن لا يعرف مذهبه فليدع الله أن
يحشره مع من كان يتولاه، وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا، فإذا فرع من
ذلك كبر الخامسة، ولا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة فيراها على أيدي الرجال.
ومن فاته شئ من التكبيرات فليتمه عند فراع الإمام من الصلاة متتابعة، فإن رفعت
الجنازة كبر عليها وإن كانت مرفوعة وإن كانت قد بلغت إلى القبر كبر على القبر ما بقي له
وقد أجزأه، ومن كبر تكبيرة قبل الإمام فليعدها مع الإمام.
ومن فاتته الصلاة على الجنازة فلا بأس أن يصلى على القبر بعد الدفن يوما وليلة،
فإن زاد على ذلك لم يجز الصلاة عليه، ويكره أن يصلى على جنازة واحدة مرتين.
ولا بأس أن يصلى على الجنازة أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة،
فإن كان وقت فريضة بدئ بالفرض ثم بالصلاة على الميت اللهم إلا أن يكون الميت
مبطونا أو ما أشبه ذلك ممن يخاف عليه الحوادث فإنه يبدأ بالصلاة عليه ثم بصلاة
الفريضة.
ولا بأس بالصلاة على الجنائز في المساجد وإن صلى عليها في مواضعها المختصة
بذلك كان أفضل، ومتى صلى على جنازة ثم تبين بعد ذلك أنها كانت مقلوبة سويت وأعيد
عليها الصلاة ما لم يدفن فإن دفن فقد مضت الصلاة.
والأفضل أن لا يصلى الانسان على الجنازة إلا على طهر، فإن فاجأته جنازة ولم يكن
على طهارة تيمم وصلى عليها فإن لم يمكنه صلى عليها بغير طهر وكذلك الحكم في من كان
جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا فإنه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال، فإن تمكنا من
344

الاغتسال اغتسلا فإن ذلك أفضل.
وإذا كبر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين وأحضرت جنازة أخرى فهو مخير بين أن
يتم خمس تكبيرات على الجنازة الأولى ثم يستأنف الصلاة على الأخرى وبين أن يكبر خمس
تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه وقد أجزأه ذلك عن الصلاة عليهما.
فإذا حضر جماعة من النساء للصلاة على الميت ليس فيهن رجل فلتقف واحدة منهن
في الوسط والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلين عليها، وكذلك إذا صلوا جماعة عراة على
الجنازة فلا يتقدم منهم أحد بل يقف في الوسط ويكبر ويكبر الباقون معه، فإن كان الميت
عريانا ترك في القبر أولا وغطي سوأته ثم صلى عليه بعد ذلك ودفن.
345

الجمل والعقود
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
347

كتاب الصلاة
فصل في أعداد الصلوات
الصلاة في اليوم والليلة خمس صلوات:
الظهر في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتان والعصر مثل ذلك
والمغرب ثلاث ركعات في الحضر والسفر. والعشاء الآخرة مثل الظهر والعصر. والغداة
ركعتان في السفر والحضر.
والنوافل في اليوم والليلة في الحضر أربع وثلاثون ركعة وفي السفر سبع عشرة ركعة:
بعد الزوال، قبل الفرض ثماني ركعات وبعد الفرض ثماني ركعات كل ركعتين
بتشهد وتسليم ويسقطان معا في السفر. ونوافل المغرب أربع في السفر والحضر وركعتان
من جلوس، بعد العشاء الآخرة في الحضر تعدان بركعة واحدة تسقط في السفر. وصلاة
الليل إحدى عشرة ركعة في السفر والحضر وركعتا الفجر في الحالين معا
فصل في ذكر المواقيت
لكل صلاة وقتان: أول وآخر. فالأول وقت من لا عذر له. والثاني وقت من له عذر.
فأول وقت الظهر زوال الشمس وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله. وأول وقت العصر
عند الفراع من فريضة الظهر وآخره إذا صار ظل كل شئ مثليه. وأول وقت المغرب غيبوبة
الشمس وآخره غيبوبة الشفق وهو الحمرة من ناحية المغرب.
349

وأول وقت العشاء الآخرة عند الفراع من فريضة المغرب وروي بعد غيبوبة
الشفق. وآخره ثلث الليل - وروي نصف الليل وأول وقت صلاة الغداة طلوع الفجر
الثاني وآخره طلوع الشمس. ووقت نوافل الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يبقى إلى
آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه فريضة الظهر. ووقت نوافل العصر ما بين الفراع من
فريضة الظهر إلى خروج وقته.
ووقت نوافل المغرب عند الفراع من فريضته. ووقت الوتيرة بعد الفراع من
فريضة العشاء الآخرة. ووقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر.
ووقت ركعتي الفجر عند الفراع من صلاة الليل إلى طلوع الحمرة من ناحية
المشرق.
خمس صلوات تصلي في كل وقت ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة:
من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها وكذلك قضاء النوافل ما لم يدخل
وقت فريضة حاضرة. وصلاة الكسوف. وصلاة الجنازة. وركعتي الإحرام. وركعتي الطواف
الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمس: بعد فريضة الغداة وعند طلوع
الشمس وعند قيامها نصف النهار إلى أن تزول الشمس إلا في يوم الجمعة. وبعد فريضة
العصر وعند غروب الشمس. والصلاة قبل دخول وقتها لا تجوز على كل حال. وبعد
خروج وقتها تكون قضاء، وفي وقتها تكون أداء سواء كان في أوله أو آخره، إلا أن الأول
أفضل.
فصل في ذكر القبلة وأحكامها
القبلة على ثلاثة أقسام:
فالكعبة قبلة من كان مشاهدا لها أو في حكم المشاهد. والمسجد قبلة من لم يشاهد
الكعبة وشاهده، أو غلب في ظنه جهته ممن كان في الحرم. فالحرم قبلة من نأى عن الحرم.
والناس يتوجهون إلى القبلة من أربع جوانب البيت فالركن العراقي لأهل العراق
والركن اليماني لأهل اليمن والغربي لأهل الغرب والشامي لأهل الشام.
وعلى أهل العراق التياسر قليلا وليس لغيرهم ذلك ويعرف أهل العراق قبلتهم
بأربعة أشياء:
350

أن يكون الجدي خلف منكبه الأيمن أو يكون الشفق محاذيا لمنكبه الأيمن أو الفجر
محاذيا لمنكبه الأيسر أو عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن.
فإن فقد هذه الأمارات صلى إلى أربع جهات مع الاختيار ومع الضرورة إلى أي
جهة شاء.
ثلاثة يستقبلون قبلتهم بتكبيرة الإحرام ثم يصلون كيف شاءوا المصلي على
الراحلة نافلة ومن كان في السفينة ثم دارت السفينة ومن يصلى صلاة شدة الخوف.
فصل في ستر العورة
ستر العورة على ضربين: مفروض ومسنون فالمفروض ستر السوءتين على الرجال و
على الحرائر من النساء جميع البدن إلا الوجه والكفين والقدمين والأمة يجوز لها أن تصلي
مكشوفة الرأس.
والمسنون للرجال ما بين السرة إلى الركبة وأن يصلى في ثوب صفيق مع رداء فهو
أفضل.
فصل في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس
تجوز الصلاة في ثمانية أجناس من اللباس: القطن والكتان وجميع ما ينبت من
الأرض من أنواع الحشيش والنبات والخز الخالص والصوف والشعر والوبر إذا كان مما يؤكل لحمه. وجلد ما
يؤكل لحمه إذا كان مذكى: فإن كان ميتا فلا يجوز الصلاة فيه وإن
دبغ. وينبغي أن يجمع شرطين: أحدهما جواز التصرف فيه إما بالملك أو بالإباحة.
والثاني أن يكون خاليا من نجاسة إلا ما لا يتم الصلاة فيه منفردا كالتكة
والجورب والخف والقلنسوة والنعل والتنزه عنه أفضل.
351

فصل في ذكر ما تجوز الصلاة فيه من المكان
الأرض كلها مسجد يجوز الصلاة فيها إلا ما كان مغصوبا أو يكون موضع
السجود منه نجسا.
وتكره الصلاة في اثنا عشر موضعا: وادي ضجنان ووادي الشقرة والبيداء وذات
الصلاصل. وبين المقابر وأرض الرمل والسبخة. ومعاطن الإبل، وقرى النمل وجوف
الوادي وجواد الطرق والحمامات.
وتكره الصلاة الفريضة خاصة في جوف الكعبة.
ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة.
فصل في ذكر ما يسجد عليه
لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس ويحتاج أن
يجمع شرطين: أن يكون ملكا أو في حكم الملك ويكون خاليا من نجاسة. فأما الوقوف على
ما فيه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به والتنزه عنه أفضل وقد بينا تطهير الثياب
والبدن من النجاسات فلا وجه لإعادته.
فصل في الأذان والإقامة وأحكامهما
هما مسنونان في جميع الصلوات المفروضات الخمس للمنفرد، وواجبان في صلاة
الجماعة، وأشدهما تأكيدا فيما يجهر به
وتشتملان على خمسة وثلاثين فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة
عشر فصلا. ففصول الأذان أربع تكبيرات في أوله والإقرار بالتوحيد مرتين والإقرار بالنبي
دفعتين والدعاء إلى الصلاة دفعتين والدعاء إلى الفلاح مرتين والدعاء إلى خير العمل
دفعتين وتكبيرتان والتهليل دفعتين.
وفصول الإقامة مثل ذلك ويسقط من أولها التكبير دفعتين ويزيد بدله " قد قامت
الصلاة " دفعتين. ويسقط من التهليل مرة واحدة.
352

ويشتملان على واجب ومسنون فالواجب فيهما الترتيب. وهو قسم واحد
والمسنون عشرة أشياء:
كونه متطهرا ومستقبل القبلة ولا يتكلم في خلاله ويكون قائما مع الاختيار
ولا يكون ماشيا ولا راكبا ويرتل الأذان ويحدر الإقامة ولا يعرب أواخر الفصول ويفصل
بينهما بجلسة، أو سجدة أو خطوة. فهذه كلها مسنونة فيهما، وأشدها تأكيدا في الإقامة. ومن
شروط صحتها دخول الوقت.
فصل في ذكر ما يقارن حال الصلاة
الصلاة تشتمل على ثلاثة أجناس: أفعال وكيفيات وتروك. وكل واحد منها على
ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض من الأفعال ثلاثة عشر شيئا: القيام مع القدرة أو
ما يقوم مقامه مع العجز عنه والنية، وتكبيرة الإحرام والقراءة. والركوع والتسبيح فيه ورفع
الرأس من الركوع. والسجود الأول، والتسبيح فيه ورفع الرأس منه والسجود الثاني
والذكر فيه ورفع الرأس منه والمفروض من الكيفيات في هذه الركعة ثمانية عشر كيفية:
مقارنة النية لتكبيرة الإحرام، واستدامة حكمها إلى عند الفراع والتلفظ ب‍ " الله
أكبر " وقراءة الحمد وسورة معها في الفرض، مع القدرة والاختيار وفي النفل الحمد وحدها
تجزى. والجهر في ما يجهر والإخفات في ما يخافت والطمأنينة في الركوع والطمأنينة في
الانتصاب منه والسجود على سبعة أعظم: الجبهة، والكفين والركبتين، وأصابع الرجلين
والطمأنينة في السجدة الأولى وفي الانتصاب منها وفي السجدة الثانية كذلك.
صار الجميع أحد وثلاثون فعلا وكيفية.
وفي الركعة الثانية مثلها إلا تجديد النية وتكبيرة الإحرام، وكيفياتهما وهي أربعة تبقى
سبعة وعشرون. يصير الجميع في الركعتين ثمانية وخمسين فعلا وكيفية وينضاف إلى
ذلك ستة أشياء: الجلوس في التشهد، والطمأنينة فيه والشهادتان.
والصلاة على النبي والصلاة على آله يصير الجميع أربعة وستين فعلا وكيفية.
فإن كانت صلاة الفجر انضاف إلى ذلك التسليم على قول بعض أصحابنا وعلى
قول الباقين هو سنة.
وإن كانت الظهر، أو العصر أو العشاء الآخرة انضاف إلى ذلك مثلها، إلا تجديد
353

النية وكيفياتها وتكبيرة الإحرام وكيفياتها وهي أربعة أشياء. ويسقط عنه قراءة ما زاد عن
الحمد. ويكون في قراءة الحمد مخيرا بينها وبين عشر تسبيحات يبقى ستون فعلا وكيفية.
يصير الجميع مائة وأربعة وعشرين فعلا وكيفية.
وإن كانت المغرب، انضاف إلى ما في الركعتين ثلاثة وثلاثون فعلا وكيفية.
يصير الجميع سبعة وتسعين فعلا وكيفية.
وأما المسنونات من الأفعال في الركعة الأولى ثلاثة وثلاثون فعلا: التوجه بسبع
تكبيرات بينهن ثلاثة أدعية. منها واحدة تكبيرة الإحرام. وتكبيرة الركوع، وتكبيرة
السجود وتكبيرة رفع الرأس منه وتكبيرة السجدة الثانية وتكبيرة رفع الرأس منها ورفع
اليدين مع كل تكبيرة وقول ما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع من تسبيح ودعاء.
وقول سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع والدعاء بعده وقول ما زاد على التسبيحة
الواحدة في السجدة الأولى من التسبيح والدعاء ومثل ذلك في السجدة الثانية والدعاء
بين السجدتين والإرغام بالأنف في السجدتين وجلسة الاستراحة إذا أراد القيام إلى الثانية
والنظر في حال القيام إلى موضع السجود وفي حال الركوع إلى بين رجليه وفي حال
السجود إلى طرف أنفه وفي حال جلوسه إلى حجره ووضع يديه على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه
في حال القيام وفي حال الركوع على عيني ركبتيه وفي حال السجود بحذاء أذنيه وفي حال
الجلوس على فخذيه ويتلقى الأرض بيديه إذا أهوى إلى السجود فإذا أراد النهوض اتكأ
على يديه.
والمسنونات من الهيئات إحدى عشر هيئة:
رفع اليدين إلى حذاء شحمتي أذنيه مع كل تكبيرة والترتيل في القراءة وفي الدعاء
وتعمد الإعراب والجهر ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) في ما لا يجهر بالقراءة في الموضعين
وأن يكون في حال ركوعه مسويا ظهره، مادا عنقه ويرد ركبتيه إلى خلفه ولا يقوسهما
ويكون هويه إلى السجود متخويا. وفي حال السجدتين يكون متجافيا لا يضع شيئا من
جسده على شئ.
الجميع من الأفعال والهيئات المسنونة في هذه الركعة أربعة وأربعون فعلا وهيئة. وفي
الثانية مثلها، إلا الزائد على تكبيرة الإحرام من التكبيرات والدعاء بينها وهي تسعة أشياء
يبقى خمسة وثلاثون فعلا وهيئة. وينضاف إليها القنوت ومحله قبل الركوع وبعد
القراءة يصير الجميع أحدا وثمانين فعلا وهيئة مسنونة في الركعتين وينضاف إليه الزائد
354

في حال التشهد على الشهادتين من الثناء على الله والصلاة على رسوله والتسليم.
ومن الهيئات التورك في حال التشهد. وصفته أن يجلس على وركه الأيسر ويضم
فخذيه، ويضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى.
ويسلم أمامه إن كان إماما أو منفردا.
وإن كان مأموما فيومئ إلى يمينه إيماءا. وإن كان على يساره غيره فعن يساره أيضا. صار الجميع ستة وثمانين فعلا وهيئة.
وإن كانت الصلاة رباعية تضاعفت إلا التسعة الأجناس التي ذكرناها في أول
الاستفتاح، والتسليم والقنوت. فيكون الجميع مائة وأحدا وستين فعلا وهيئة.
وإن كانت ثلاثية انضاف إلى ما في الركعتين وهو ستة وثمانون فعلا وهيئة، ما في
الركعة الثالثة. وهو أربعون فعلا وهيئة. يصير الجميع مائتا وستة وعشرين فعلا وهيئة.
يكون جميع أفعال الظهر وكيفياتها المفروضة والمسنونة مائتين وخمسة وثمانين فعلا وهيئة.
وكذلك العصر والعشاء الآخرة.
وإن كانت صلاة المغرب، مائتين وثلاثة وعشرين فعلا وكيفية. وإن كانت الغداة مائتا وخمسين فعلا وكيفية.
فجميع الأفعال والكيفيات في خمس صلوات المفروضة في اليوم، والليلة المقارنة لها،
ألف ومائتان وثمانية وعشرون فعلا وكيفية.
وأما التروك فعلى ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض أربعة عشر تركا:
أن لا يتكتف ولا يقول آمين، آخر الحمد ولا يلتفت إلى ما ورائه ولا يتكلم بما ليس
من الصلاة ولا يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال الصلاة ولا يحدث ما ينقض الوضوء،
من ريح أو بول أو غائط أو مني أو جماع في الفرج أو مس ميت برد قبل التطهير ولا يئن
بحرفين ولا يتأفف بحرفين مثل ذلك ولا يقهقه.
والمسنونات ثلاثة عشر تركا:
أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يتثأب، ولا يتمطى، ولا يفرقع أصابعه. ولا يعبث
بلحيته ولا بشئ من جوارحه. ولا يقعي بين السجدتين. ولا يتنخم ولا يبصق ولا ينفخ
موضع سجوده ولا يتأوه ولا يدافع الأخبثين.
الجميع سبعة وعشرون تركا في كل واحد من الصلوات الخمس. يكون في الجميع
مائة وخمسة وثلاثون تركا.
355

صار الجميع ألفا وثلاثمائة وثلاثة وستين فعلا وهيئة وتركا في الصلوات الخمس
المقارنة لها.
فصل في ما يقطع الصلاة
قواطع الصلاة تسعة عشر:
أربعة عشر تركا واجبة ذكرناها. متى حصلت قطعت الصلاة. والحيض
والاستحاضة، والنفاس والنوم الغالب على السمع والبصر وكل ما يزيل العقل والتمييز
من الإغماء والجنون وغيرهما.
فصل في السهو وأحكامه
لا حكم للسهو مع غلبة الظن، لأن غلبة الظن تقوم مقام العلم في وجوب العمل عليه. وإنما
الحكم لما يتساوى فيه الظنون أو الشك المحض وعلى هذه الأحوال ففي أحد وخمسين
موضعا يتنوع خمسة أنواع:
إحديها يوجب إعادة الصلاة والثاني لا حكم له والثالث يوجب تلافيه إما في
الحال أو بعده والرابع يوجب الاحتياط والخامس يوجب الجبران بسجدتي السهو.
فما يوجب الإعادة في أحد وعشرين موضعا:
من صلى بغير طهارة ومن صلى قبل دخول الوقت ومن صلى إلى استدبار القبلة
ومن صلى إلى يمينها أو شمالها مع بقاء الوقت. ومن صلى في ثوب نجس مع تقدم علمه
بذلك ومن سجد على شئ نجس مع تقدم علمه بذلك ومن صلى في مكان مغصوب مع
تقدم علمه بذلك مختارا ومن صلى في ثوب مغصوب كذلك ومن ترك النية ومن ترك
تكبيرة الإحرام ومن ترك الركوع حتى سجد ومن ترك سجدتين في ركعة من الركعتين
الأوليين حتى يركع بعدهما ومن زاد ركوعا. ومن زاد سجدتين في ركعة من الأوليين ومن زاد
في الصلاة ركعة ومن شك في الأولتين من كل رباعية فلا يدري كم صلى ومن شك في
الغداة فلا يدري كم صلى ومن شك في المغرب فلا يدري كم صلى.
ومن شك في صلاة السفر فلا يدري كم صلى ومن نقص ركعة أو ما زاد على ذلك ولا
356

يذكر حتى يتكلم أو يستدبر القبلة ومن شك فلا يدري كم صلى.
القسم الثاني وهو ما لا حكم له ففي اثنى عشر موضعا:
من كثر سهوه وتواتر ومن شك في شئ وقد انتقل إلى حالة أخرى مثل من شك في
تكبيرة الافتتاح وهو في حال القراءة. أو في القراءة وهو في حال الركوع. أو في الركوع وهو
في حال السجود. أو في السجود وهو في حال القيام. أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة.
ومن سها في النافلة، ومن سها في سهو. ومن سها عن تسبيح الركوع وقد رفع رأسه.
ومن سها عن تسبيح السجود وقد رفع رأسه. ومن ترك ركوعا في الركعتين الأخريين وسجد
بعده، حذف السجود وأعاد الركوع. ومن ترك السجدتين في واحدة منهما بنى على
الركوع في الأول وسجد السجدتين.
وأما ما يوجب تلافيه إما في الحال أو بعده ففي تسعة مواضع:
من سها عن قراءة الحمد حتى قرأ سورة أخرى، قرأ الحمد وأعاد السورة. ومن
سها عن قراءة سورة بعد الحمد قبل أن يركع، قرأ ثم ركع. ومن شك في القراءة وهو قائم
لم يركع، قرأ ثم ركع ومن سها عن تسبيح الركوع وهو راكع، سبح ومن شك في الركوع
وهو قائم ركع، فإن ذكر أنه كان ركع، فإن ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ولا يرفع رأسه ومن شك في السجدتين أو
واحدة منهما قبل أن يقوم، سجدهما أو واحدة منهما ومن ترك التشهد الأول وذكر وهو قائم،
رجع فتشهد، فإن لم يذكر حتى يركع مضى في صلاته وقضاه بعد التسليم. ومن نسي سجدة
واحدة وقام، ثم ذكر أنه لم يسجد قبل أن يركع، رجع فسجد. فإن ذكر بعد الركوع مضى في
صلاته ثم قضاها بعد التسليم ومن نسي التشهد الأخير حتى يسلم قضاه بعد التسليم.
وأما ما يوجب الاحتياط فخمسة مواضع:
من شك فلا يدري كم صلى ثنتين أم ثلاثة في الرباعيات وتساوت ظنونه، بنى على
الثلاث وتمم. فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. وكذلك من شك بين
الثلاث والأربع بنى على الأربع وسلم ثم يصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ومن
شك بين الثنتين والأربع بنى على الأربع. فإذا سلم صلى ركعتين من قيام ومن شك بين
الثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع. فإذا سلم صلى ركعتين من قيام وركعتين من
جلوس ومن سها في النافلة بنى على الأقل. وإن بنى على الأكثر جاز. وأما ما يوجب الجبران
بسجدتي السهو فأربعة مواضع:
من تكلم في الصلاة ناسيا. ومن سلم في الأوليين ناسيا ومن ترك واحدة من
357

السجدتين حتى يركع فيما بعدها قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو.
ومن شك بين الأربع والخمس بنى على الأربع وسجد سجدتي السهو.
ومن أصحابنا من قال: أن من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه، كان
عليه سجدتا السهو.
فصل في أحكام الجمعة
تجب الجمعة إذا اجتمعت شروط وهي على ضربين: أحدهما يرجع إلى من وجبت
عليه. والثاني يرجع إلى غيره. فما يرجع إليه عشرة شرائط: الذكورة والبلوع والحرية
وكمال العقل والصحة من المرض وارتفاع العمى وارتفاع العرج. وأن لا يكون شيخا
لا حراك به وأن لا يكون مسافرا وأن يكون بينه وبين الموضع الذي تصلي فيه الجمعة،
فرسخان فما دون.
ومع اجتماع الشروط لا ينعقد الجمعة إلا بأربعة شروط وهي الشروط الراجعة إلى
غيره:
السلطان العادل أو من يأمره السلطان العادل والعدد: سبعة وجوبا وخمسة
ندبا.
وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فما زاد وأن يخطب خطبتين.
وأقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد الله تعالى والصلاة على النبي وآله.
والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن.
فصل في ذكر أحكام الجماعة
لا تنعقد الجماعة إلا بشرطين: أحدهما العدد، اثنان فصاعدا، وأن يؤذن ويقام.
ومن يصلى جماعة خمسة أقسام:
فإن كانا اثنين قام المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا وخلفه إن كانت امرأة
وكذلك إن كانوا جماعة. وإن كانوا عراة قام إمامهم وسطهم. وكذلك إن كن نساء بلا
رجال.
358

وينبغي أن يجمع الإمام ثلاثة شرائط:
الإيمان والعدالة وأن يكون أقرأ الجماعة فإن كانوا في القراءة سواء، فأفقههم فإن
تساووا في الفقه فأقدمهم هجرة فإن كانوا سواء فأسنهم. فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها.
ولا يؤم بالناس عشرة:
ولد الزنى والمحدود والمفلوج بالأصحاء والمقيد بالمطلقين والقاعد بالقائمين والمجذوم
بالأصحاء، والأبرص بمن ليس هو كذلك. والأعرابي بالمهاجرين. والمتيمم بالمتوضئين
والمسافر بالحاضرين.
فصل في ذكر صلاة الخوف
صلاة الخوف على ضربين: أحدهما الخوف والآخر شدة الخوف. فصلاة الخوف لا
يجوز إلا بشرطين: أحدهما أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين تقاوم كل
فرقة العدو. والثاني أن يكون العدو في خلاف جهة القبلة، فإذا حصل الشرطان وجبت
صلاة الخوف مقصورة ركعتين، ركعتين إلا المغرب في السفر والحضر.
فإذا أراد الإمام أن يصلى بهم فرقهم فرقتين: إحديهما تقف بإزاء العدو في السلاح
والأخرى عليها السلاح خلف الإمام. فيصلي بهم ركعة ويقف في الثانية ويطول القراءة
ويتم من خلفه ويسلم، وينصرف إلى مواقف أصحابهم ويجئ الباقون فيستفتحون
ويصلى بهم الإمام الركعة الثانية ويطول التشهد ويصلى من خلفه الثانية ويتشهدون ثم
يسلم بهم الإمام فيكون للفرقة الأولى تكبيرة الافتتاح وللثانية التسليم.
وإذا كانت صلاة المغرب صلى بالفرقة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين على ما
رتبناه. فإن صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة كان أيضا جايزا.
وصلاة شدة الخوف أن يكون في المسلمين قلة لا يمكنهم أن يفترقوا فرقتين فحينئذ
يصلون فرادى إيماءا. فإن لم يمكنهم ذلك، أجزأهم عن كل ركعة تسبيحة واحدة: سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
359

فصل في ذكر صلاة العيدين صلاة العيدين فريضة عند شروط. وشرايطها شرايط الجمعة سواء في العدد وغيره.
وتسقط عمن تسقط الجمعة عنه وتجب على من تجب الجمعة عليه. وهي مستحبة على
الانفراد. وإذا فاتت لا يجب قضاؤها. وهما ركعتان بتسليمة بعدهما مثل سائر الصلوات. ووقتها طلوع الشمس. وليس
فيها أذان ولا إقامة. ويزاد فيها على المعتاد في سائر الصلوات تسع تكبيرات. خمس في
الأولى، وأربع في الثانية، غير تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع.
وموضع التكبيرات الزائدة بعد القراءة في الركعتين معا.
ويفصل بين كل تكبيرتين بدعاء وتحميد.
والخطبة فيها بعد الصلاة ويخطب الإمام خطبتين مثل خطبة الجمعة، ولا يجب على
المأمومين استماعهما، ويستحب لهم ذلك.
فصل في ذكر صلاة الاستسقاء
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وهي مثل صلاة العيد في الصفة والهيئة سواء
والخطبة أيضا بعد الصلاة. ويستحب للإمام تحويل الرداء من اليمين إلى اليسار ومن
اليسار إلى اليمين.
فصل في ذكر صلاة الكسوف
صلاة الكسوف فريضة في أربع مواضع:
عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السود المظلمة.
ومتى احترق القرص كله، فمن تركها متعمدا وجب عليه قضاؤها مع غسل. وإذا
لم يحترق كله، قضاها بلا غسل. وكيفيتها عشر ركعات بأربع سجدات: يفتتح ويقرأ ثم
يركع، فإذا رفع رأسه، كبر وعاد إلى القراءة هكذا خمسا ويقول في الخامسة (سمع الله لمن
حمده) ويسجد بعده سجدتين ويفعل مثل ذلك في الثانية.
360

ويستحب أن يكون مقدار ركوعه وسجوده مثل حال قراءته في التطويل ويقرء فيها
السور الطوال: مثل الأنبياء والكهف.
وأول وقتها إذا ابتدأ في الاحتراق وآخره إذا ابتدأ في الانجلاء. فإن صلى قبل أن ينجلي
أعاد الصلاة استحبابا.
فصل في ذكر الصلاة على الأموات
الصلاة على الأموات فرض على الكفاية. إذا قام به البعض سقط عن
الباقين.
ويجب الصلاة على كل ميت مظهر للشهادتين، ومن كان بحكمه من
الأطفال الذين بلغوا ست سنين فصاعدا. فمن نقص عن ذلك لا تجب الصلاة
عليه وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بالميت في الميراث. والزوج أحق بالصلاة
على المرأة من كل أحد.
وإذا حضر رجل من بني هاشم فهو أولى بالصلاة عليه إذا قدمه الولي،
ويستحب له تقديمه.
والتكبير فيها خمس تكبيرات:
أولها يفتتح بها الصلاة ويتشهد الشهادتين. والثانية يصلى بعدها على النبي
وآله ع والثالثة يدعو بعدها للمؤمنين والرابعة يدعو بعدها للميت إن
كان مؤمنا وعليه إن كان منافقا. وإن كان مستضعفا دعا له بدعاء المستضعفين. وإن
كان لا يعرفه سأل الله أن يحشره مع من كان يتولاه، وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله
له ولأبويه فرطا. والخامسة يقول بعدها: عفوك. وليس فيها قراءة ولا تسليم. وليس
من شرطها الطهارة وإن كان ذلك من فضلها.
361

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
363

كتاب الصلاة
الصلاة على ضربين: واجب ونفل.
فالواجب من الصلاة: خمس في اليوم والليلة، وصلاة الجمعة والعيدين وصلاة
الآيات كالكسوف والزلازل والرياح الشديدة، والصلاة على الموتى. وما عدا ذلك نفل.
وينقسم واجب الصلاة إلى قسمين: أحدهما واجب على الكفاية وهو الصلاة على
الموتى. والآخر واجب على الأعيان وهو الباقي.
وينقسم الواجب من الصلاة قسمة أخرى إلى قسمين: أحدهما ما لوجوبه سبب،
والآخر ما لا سبب لوجوبه.
فالأول: الصلاة للآيات، والصلاة على الموتى.
والآخر: ما بقي من الواجب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما يجب بشرط، والآخر يجب
على كل حال.
فالأول صلاة الجمعة والعيدين، وسنقف على شروطها بعون الله تعالى. وما يجب بلا
شرط هو الباقي.
وتنقسم الصلوات الخمس خاصة إلى قسمين: مقصورة وتامة. فالمقصورة تنقسم
إلى قسمين: صلاة مختار وصلاة مضطر.
365

فصلاة المختار صلاة السفر خاصة. وصلاة المضطر تنقسم إلى سبعة أقسام: صلاة
الخائف، وصلاة الموتحل، وصلاة السفينة. وصلاة الغريق، وصلاة المطارد، وصلاة
المريض، وصلاة العريان. وصلاة من عدا هؤلاء تامة.
واعلم أن أحكام الصلاة على ثلاثة أضرب: بيان مقدماتها، وكيفياتها، وما يلزم
بالتفريط فيها.
ذكر: مقدمات الصلاة:
وهي على ضربين: واجب وندب. فالواجب الوضوء ومعرفة القبلة والوقت وما يصلى
فيه وما يصلى عليه. والندب: الأذان والإقامة. فأما الوضوء فقد بين.
ذكر: معرفة القبلة:
وهي الكعبة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لمن نأى عنه.
والناس يتوجهون إلى الأركان فالركن الغربي لأهل الغرب والشرقي لأهل الشرق،
واليمنى لأهل اليمن، والشامي لأهل الشام.
وتوجه الجميع إنما هو من هذه البلاد إلى الحرم، وهو عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن
يسارها ثمانية أميال، فلذلك رسم لأهل العراق والجزيرة وفارس والجبال وخراسان أن
يتياسروا، فمن عرفها فليتوجه إليها، وإن أشكلت عليه فليجعل أهل الشرق المغرب
عن يمينهم والشرق عن شمالهم في وقت الغروب والشروق، وفي وقت الزوال يجعلون
الشمس على حاجبهم الأيمن، وفي الليل الجدي على منكبهم الأيمن.
فإن لم تكن لهم علامة ولا أمارة يغلب معها الظن فليصل المصلي أربع مرات إلى
أربع جهات.
ومن صلى صلاة إلى جهة واحدة ثم ظهر له أنه أخطأ القبلة فإن كان الوقت باقيا أعاد
على كل حال، وإن كان الوقت قد خرج وظهر له أنه كان قد استدبرها أعاد أيضا، وأن لم
يكن استدبرها - وقد خرج الوقت - فلا يعيدن.
366

ذكر: الأوقات:
اعلم أن الصلاة على ضربين: أحدهما له وقت يفوت أداؤه بفواته، والآخر يمكن أداؤه
في كل وقت. فما له وقت على ضروب ثلاثة: أحدها وقته مدة بقاء موجبه، والآخر وقته
ثلاثة أيام فقط، والآخر وقته ما عين له في كل يوم أو في يوم مخصوص. فالأول: الصلاة للآيات.
والثاني: الصلاة على الموتى. والثالث: الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين،
وكل نفل مؤقت.
فأما أوقات الصلوات الخمس ونفلها: فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
ووقت العصر عند الفراع من الظهر، ووقت المغرب عند غروب الشمس، ووقت العشاء
الآخرة إذا غاب الشفق الأحمر، ووقت صلاة الفجر إذا طلع الفجر الثاني.
وأنت في فسحة من تأخير صلاة الظهر والعصر لعذر إلى أن يبقى إلى مغيب الشمس
مقدار أداء ثمان ركعات خفاف، فإن تصرم منه مقدار أداء أربع ركعات خلص الوقت
للعصر خاصة.
فأما العشاء الأولى فيمتد وقته إلى أن يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار أداء ثلاث
ركعات.
وأما العشاء الآخرة فيمتد وقتها إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء أربع
ركعات، وقيل: إلى ثلث الليل.
ويمتد وقت الفجر إلى طلوع الشمس، ويضيق الوقت إذا بقي لطلوعها مقدار أداء
ركعتين.
وقد روي جواز تأخير المغرب للمسافر إذا جد به السير إلى ربع الليل.
ولا يجوز تقديم شئ من الصلوات على وقتها إلا عشاء الآخرة، فروي أنه يجوز
للمعذور تقديمها على غيبوبة الشفق الأحمر، فإن ظن ظان أن الوقت قد دخل فصلى ثم
علم أنه لم يكن دخل الوقت، فإن كان دخل الوقت - وهو في الصلاة - لم يعد، وإن كان قد
خرج من الصلاة أعاد. ووقت نافلة الزوال إذا زالت الشمس، ونافلة العصر قبلها،
ونافلة المغرب بعدها، وصلاة الليل بعد انتصافه، ونافلة الفجر قبلها.
367

ذكر: أحكام ما يصلى فيه:
وهو على ضربين: لباس ومكان: فأما اللباس، فعلى ثلاثة أضرب: منه ما يجوز الصلاة
فيه، ومنه ما يكره الصلاة فيه، ومنه ما حرم الصلاة فيه.
فالأول: الثياب القطن والكتان وما مزج بها من الإبريسم حتى سلبه إطلاق الاسم،
والخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ولا الإبريسم المحض، وجلود كل ما
أكل لحمه وصوفه وشعره ووبره إذا كان مذكى.
وأما الثاني وهو ما تكره الصلاة فيه: فهو الثياب السود إلا العمائم فإنه رخص في
الصلاة في سود العمائم. وتكره الصلاة في مئزر مشدود فوق الثياب، وفي ثوب فيه صور
وإن كان مما تجوز الصلاة فيه، والأفضل البياض، وتكره الصلاة في قباء مشدود أو في لثام
أو في شعر معقوص.
وأما الثالث: فكل ما عدا ذلك. إلا أنه ورد رخصة في جواز الصلاة في السمور
والفنك والسنجاب. ورخص للنساء في جواز الصلاة في الإبريسم المحض، وكذلك
مرخص للمحارب أن يصلى وعليه درع إبريسم.
والمصلي على ضربين: ذكر وأنثى.
فالذكر: يجوز أن يصلى مؤتزرا بما يستر عورته وهما قبله ودبره، ويستحب أن يترك
على كتفيه شيئا ولو كالخيط.
فأما الأناث فعلى ضربين: أحرار وإماء. فالحرة البالغة لا تصلي إلا في درع وخمار.
وأما الإماء والصبايا فيصلين بالدروع من غير خمر، والجمع بينهما أفضل.
ولا صلاة في ثوب فيه نجاسة سوى ما ذكرناه من الدم الذي لم يبلغ قدر الدرهم
البغلي، مثل دم الفصد وما شاكله لا دم الحيض والنفاس.
ولا بأس بالصلاة في الخف والجرموقين والنعل العربي، فأما النعل السندي
والشمشك فلا صلاة فيهما إلا الصلاة على الموتى خاصة.
368

ذكر: أحكام المكان
الأمكنة على أربعة أضرب: مكان يستحب الصلاة فيه لعظيم ثوابها، ومكان أبيح الصلاة فيه، ومكان ينقص
الصلاة فيه ثوابها، ومكان لا تجوز الصلاة فيه بل تفسد.
الأول: المساجد التي لم تبن لضرار، والمشاهد المقدسة سلام الله على أصحابها، وبيوت
العبادات.
والثاني: كل أرض طاهرة غير مغصوبة ولا منهي عن الصلاة فيها.
والثالث: البيع والكنائس، وجواد الطرق، ومعاطن الإبل، والأرض السبخة،
والحمامات وكل ذلك يكره فيه الصلاة وأما:
الرابع: فبيوت الخمور، وبيوت النيران، وبيوت المجوس، والموضع المغصوب،
والمقابر. ولا يصلى إلى القبور إلا إذا كان بينه وبين القبر حائل ولو قدر لبنة. وروي جواز
الصلاة إلى قبر الإمام خاصة إذا كان في قبلته. ولا صلاة في مكان تكون في قبلته تصاوير
مجسمة أو نار مضرمة أو سيف مجرد أو انسان مواجه، وهذا كله عندي داخل في قسم المكروه
وإن وردت الرواية بما يدل ظاهرها على حظره.
ذكر: أحكام ما يصلى عليه:
لا صلاة إلا على الأرض أو ما أنبتته ما لم يكن ثمرا أو كثرا أو كسوة فلهذا لا تجوز
الصلاة على القطن والكتان، وإنما يصلى على البواري والحصر.
وما يسجد عليه ينقسم أربعة أقسام: إلى ما تجوز الصلاة عليه إباحة، وإلى ما تكره
الصلاة عليه، وإلى ما لا يجوز السجود عليه، وإلى ما يستحب السجود عليه.
فالأول: قد تقدم بيانه.
والثاني: ما مسته النار، كالآجر والخزف والأرض التي كالمستحيلة.
والثالث: كل أرض استحالت والمعادن كالنورة والكحل والزرنيخ.
والرابع: ما يستحب السجود عليه، وهو الألواح من التربة المقدسة، ومن خشب قبور
الأئمة.
369

ذكر: الأذان والإقامة:
الصلاة على ضربين: أحدهما لا يجوز أن يؤذن له، والآخر يؤذن له. وما يؤذن له على
ضربين: أحدهما الأذان والإقامة فيه أشد ندبا من الآخر. فأما ما لا يؤذن له: فما عدا
الصلوات الخمس. وما فيه الأذان والإقامة أشد تأكيدا من الآخر: المغرب والفجر. والأذان
سنة مؤكدة:
والمصلي على ضربين، ذكر وأنثى. فالذكر ندب إلى الأذان والإقامة أشد مما ندب
الأناث إليهما. ومن لم يندب إليهما الأناث مؤكدا بل ندبن إلى أن يتشهدن بالشهادتين
ولا يجهرن، فإن أذن وأقمن إخفاتا فلهن ثواب.
واعلم أن للأذان والإقامة ثلاثة أحكام: أعداد وكيفية إيقاع، وذكر يتخللهما.
فالأول: أعدادهما، وهي خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة
سبعة عشر فصلا.
الأذان:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة،
حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل،
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
والإقامة: ينقص فيها - من قولنا " الله أكبر " الذي هو أربع في أول الأذان - اثنان - ومن
قولنا " لا إله إلا الله " في آخره - واحدة. ويزاد عليه فصلان بعد " حي على خير العمل "
وهما " قد قامت الصلاة " " قد قامت الصلاة ". فيكون بعد المنقوص خمسة عشر فصلا،
وبالزيادة سبعة عشر فصلا.
فأما كيفية إيقاعها فإنه لا يعرب أواخر الفصول بوجه بل يقف عليها بالسكون.
ويرتل الأذان، ويرفع به الصوت مع الإمكان، فإن خافت به فليسمع نفسه.
فأما الإقامة فيحدر حدرا من غير إعراب، بل يقف في أواخر الفصول دون زمان
370

الوقوف في الأذان. ويستحب له أن لا يؤذن ولا يقيم إلا على وضوء، وألا يتكلم بعد الإقامة،
فإن أذن على غير وضوء فلا يقيم إلا على وضوء سنة مؤكدة، ويستحب أيضا أن يكون
مواجها للقبلة قائما، وقد رخص في الأذان خاصة على غير طهارة ومن قعود وغير مواجه
للقبلة.
فأما الذكر: فذكر أوصاف المدح والتسبيح بين فصولها، فإذا فرع منه فالأفضل - إذا
كان غير إمام - أن يسجد سجدة يفصل بها بين الأذان والإقامة، وإن خطا خطوة فجائز. وإن
كان إماما فصل بينهما بركعتين في غير المغرب فإنه يفصل بينهما في المغرب - بخطوة -
إماما كان أو غير إمام منفردا أو جامعا.
ذكر: كيفية الصلاة:
كيفية الصلاة تشتمل على واجب وندب.
فالواجب: النية للقربة والتعيين، وأداؤها في وقتها، واستقبال القبلة وتكبيرة
الافتتاح، وقراءة الفاتحة في الأوليين من كل صلاة، وقراءة الحمد أو التسبيح في الثوالث
والروابع، والركوع والسجود والتسبيح فيهما والتشهدان، والصلاة على النبي
ص الطاهرين في كل صلاة.
وفي أصحابنا من ألحق به تكبيرات الركوع والسجود والقيام والقعود والجلوس في
التشهدين، والتسليم وهو الأصح في نفسي. وما عدا ذلك فهو مسنون.
فمن أخل بشئ من الواجبات متعمدا بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة وحكم من
ترك شيئا من ذلك ناسيا قد ذكرناه في موضعه.
شرح الكيفية:
إذا زالت الشمس فليستقبل القبلة مفرغا قلبه من علائق الدنيا، ويقف وقوف العبيد
ثم يكبر ثلاثا رافعا يديه في كل تكبيرة لا يجاوز بيديه شحمتي أذنيه، ثم يقول:
اللهم أنت الملك الحق المبين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوء وظلمت
371

نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم يكبر تكبيرتين ويقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والمهدي من هديت، عبدك
ابن عبديك بين يديك، لا ملجأ ولا منجا ولا ملتجأ منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك،
سبحانك وتعاليت، سبحانك رب البيت.
ثم تكبر تكبيرتين الثانية منهما تكبيرة الافتتاح، ثم تقول: وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك
له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن
الرحيم.
وهذه التكبيرات السبع، والتوجه مندوب إليها في ذكر أول فريضة، وفي الأولى من
ركعتي الزوال، وفي الأولى من نوافل المغرب، وفي الوتيرة وفي الأول من ركعات صلاة الليل،
وفي أول الشفع وفي الوتر ومن اقتصر من التكبيرات على خمس جاز، وعلى ثلاث،
والواجبة واحدة، والسبع أفضل.
ثم يقرأ فاتحة الكتاب و " قل هو الله أحد "، ثم يكبر رافعا يديه ويركع ويكون نظره في
حال الركوع إلى ما بين رجليه، وقد فرج بينهما، ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا،
والخمس أفضل، والسبع أفضل، والواحدة واجبة... ثم يرفع رأسه من الركوع وهو يقول:
سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجبروت.
والركوع الوافي أن يمد عنقه ويسوي ظهره ويلقم كفيه عيني ركبتيه، ثم يرفع يديه
بالتكبير ويسجد، ويتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه، ويكون سجوده على سبعة أعظم:
الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين، ويرغم بطرف أنفه سنة مؤكدة، ولا يلتصق
بالأرض، ويكون نظره حال سجوده إلى طرف أنفه، ويقول في سجوده: " سبحان ربي الأعلى
وبحمده " بالعدد الذي ذكرناه في حال تسبيح الركوع وحكمه.
ثم يرفع رأسه من سجوده رافعا يديه بالتكبير، ويجلس متمكنا على الأرض قد خفض
فخذه اليسرى ورفع فخذه اليمنى، وينظر إلى حجره في حال جلوسه، ثم يقول: اللهم اغفر
372

لي وارحمني وادفع عني واجبرني، إني لما أنزلت إلى من خير فقير. ثم يرفع يديه بالتكبير،
ويسجد ثانية كالأولى ثم يرفع رأسه، ويجلس قائلا ما ذكرناه، ثم ينهض وهو يقول: بحول الله
وقوته أقوم وأقعد. ثم يقرأ فاتحة الكتاب و " قل يا أيها الكافرون ". ثم يرفع يديه بالتكبير
قانتا، ويقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام على
المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ويقنت في كل ثانية قبل الركوع من فرض ونفل، ثم
يركع ويسجد كما ذكرناه.
ثم يجلس فيتشهد بأن يقول: بسم الله وبالله والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق
بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة صلى الله عليه وآله. ويسلم تجاه القبلة تسليمة واحدة
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وينحرف بوجهه يمينا.
ويتم ثماني ركعات كل ركعتين بتسليمة على كيفية ما رسم، ثم يؤذن ويقيم ويصلى
الظهر أربعا بتسليمة واحدة يقرأ في الأولى منها " الحمد " و " إنا أنزلناه " وفي الثانية " بالحمد "
و " قل هو الله أحد "، وفي الثالثة والرابعة " بالحمد " وحدها أو يسبح فيقول: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله، ثلاث مرات، ويزيد في الثالثة: " الله أكبر "، ويقنت في الثانية بعد
القراءة وقبل الركوع، وكذلك في كل صلاة كل فرض ونفل ويركع ويسجد فأما التشهد
الأول فمثل ما تقدم، وأما الثاني الذي يتعقبه التسليم في الرابعة من الظهر والعصر
والعشاء الآخرة، والثالثة من المغرب، والثانية من صلاة الغداة، فهو:
بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، التحيات لله والصلوات
الطيبات الطاهرات الزاكيات الناعمات السابغات التامات الحسنات لله ما طاب وطهر
وزكا وخلص ونما وما خبث فلغير الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون،
وأشهد أن ربي نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة
آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل
373

محمد وارحم محمدا وآل محمد وتحنن على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت
ورحمت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
ويومئ بوجهه إلى القبلة فيقول: السلام على الأئمة الراشدين السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، وينحرف بعينه إلى يمينه وقد قضى صلاته.
ثم يعقب بالدعاء، ويسبح تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وهو أربع وثلاثون تكبيرة
وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة، ويفعله عقيب كل صلاة فرض، ولو فعله
عقيب كل صلاة لكان فضلا كبيرا. ثم يعفر فيسجد، ثم يبرز خده الأيمن في موضع سجوده،
ثم خده الأيسر، ثم يعود إلى سجوده ويقول ما هو مرسوم.
ثم يصلى ثماني ركعات كما بيناه. ثم يؤذن ويقيم العصر، ويصلى أربعا على شرح
الظهر. ويعقب ويعفر ثم ينصرف.
فإذا غربت الشمس من مصره في الأفق أذن وأقام، ثم صلى ثلاث ركعات فريضة
يتشهد في الثانية من غير تسليم ثم يقوم إلى الثالثة، ثم يجلس فيتشهد ويسلم. ثم يصلى
أربع ركعات بتسليمتين نفلة، ثم ينصرف.
فإذا غاب الشفق الأحمر: أذن وأقام، ثم صلى العشاء الآخرة أربعا: فريضة كهيئة
الظهر والعصر ويقرأ فيها من المفصل، ثم يسلم بعد التشهد الثاني. فإذا سلم عقب،
ثم صلى ركعتين من قعود يحسبان بواحدة.
فإذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل وإن قام بعد الانتصاف بزمان كثير - بعد أن
يكون في الليل - جاز. ويصلى ثماني ركعات بأربع تسليمات: يقرأ في كل ركعة منها طوال
السور، ويجتهد في الدعاء والتضرع ويطول حتى يصل صلاة الليل بصلاة النهار. ثم
يصلى ركعتي الشفع بالحمد وقل هو الله أحد. ثم يسلم، ويصلى ركعة واحدة الوتر
بالحمد والصمد، ويدعو فيها بالمرسوم، أو ما تيسر، ويكثر من الاستغفار. ثم يصلى
ركعتي الدساسة وهما ركعتا الفجر، فإذا طلع الفجر الثاني أذن وأقام ثم صلى ركعتين:
فرضه، يقرأ فيهما " الحمد " ومن المفصل.
374

ذكر صلاة السفر:
صلاة السفر مشروطة إذا كان المسافر في طاعة أو مباح، وإن يبلغ بسفره الذي نواه
مسافة التقصير، فعلى هذا يكون على المسافر إحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان والعصر
ركعتان والمغرب ثلاث، والعشاء الآخرة ركعتان والفجر ركعتان، على الكيفية التي بيناها.
والقراءة: فإن جدبه السير أجزأه أن يقرأ بالحمد وحدها. ولا قصر للملاح والجمال
ومن معيشته في السفر وسفره أكثر من حضره، وإنما يقصر من أبيح له التقصير إذا كان في
السفر أو في بلد غير بلده ولم ينو المقام فيه عشرة أيام، فإن نوى مقام عشرة أيام فصاعدا،
أتم، ومن نوى دون ذلك قصر.
فإن شك فلا يدري أ يقيم عشرة أيام أو دونها؟ فليقصر ما بينه وبين شهر، ثم يتمم.
وحد مسافة السفر الذي يجب فيه التقصير بريدان ثمانية فراسخ فليقصر مع نية
السفر إليها، فإن كانت المسافة أربعة فراسخ وكان راجعا في يومه قصر واجبا، وإن كان
يرجع غده فهو مخير بين التقصير والإتمام.
وابتداء وجوب التقصير من حيث يغيب عنه أذان مصره. وقد رخص له في تعجيل
الصلاة في السفر عند الضرورة والاقتصار على الفاتحة في القراءة، وتسبيحة واحدة في
تسبيح الركوع والسجود وفي الصلاة عند شديد الضرورة على راحلته الفرض، بعد أن
يتحرى القبلة.
فأما النوافل فمرخص له أن يصليها حيث توجهت به الرواحل، والأولى أن يتوجه
في الابتداء إلى القبلة.
ذكر: باقي القسمة:
فأولها: صلاة الخائف، وهي مقصورة في الرباعيات غير أن لها حكما في الجماعة نذكره
عند صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
وثانيها: صلاة الموتحل، يقصر أيضا وصلاته إيماء وسجوده أخفض من ركوعه.
وثالثها: صلاة السفينة، يتوجه راكبها ويصلى على ما يمكنه إن كان قائما فقائما
375

أو قاعدا فقاعدا، وليتوجه إلى القبلة وكلما دارت السفينة أدار وجهه إلى القبلة، فإن لم
يتمكن فلا حرج عليه. وفي النافلة: يصلى - إذا لم يمكنه التوجه إلى رأس السفينة - كيف
توجهت.
ورابعها: صلاة الغريق، وحكمه حكم الموتحل يتحرى القبلة، وصلاته إيماء.
ولا يصلى أحد من أهل الضرورات إلا في آخر الوقت.
وخامسها: صلاة المطاردة، وحاله ينقسم، فإن كان يمكنه الإيماء فعل، وتحري القبلة
وإلا فصلاته بالتكبير والتهليل.
وسادسها: صلاة المريض، وصلاته مقصورة وكذلك صلاة كل أهل الضرورات ويصلى
على ما يمكنه إما بالقيام والقعود والركوع والسجود، أو بالإيماء أو بتحريك الأجفان، وليعتمد
أن يكون الإيماء للسجود أكثر مما للركوع.
وسابعها: صلاة العراة، فإن صلى وحده في موضع يأمن أن يجئ من يراه أو صلى على
ميت بين عراة أو وحده صلى قائما، وإن كان جامعا أو في موضع لا يأمن أن يجئ من يراه
صلى جالسا. وحكم الجماعة والإمام يذكر في موضعه بعون الله تعالى.
ذكر: صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة فرض مع حضور إمام الأصل أو من يقيمه واجتماع خمسة نفر فصاعدا
الإمام أحدهم، وأن يكون المصلي ذكرا حرا بالغا غير هم ولا مسافر وبينه وبين المصلي
فرسخان فما دون.
وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد والجمعة، وفي الثانية بالحمد والمنافقين وعلى
الإمام قنوتان في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع.
والخطبتان واجبتان فيها وروي استحباب الغسل وأفضله ما قرب من الزوال، ولبس
نظيف الثياب، وأخذ الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة والإبطين، واستعمال الطيب.
376

ذكر: صلاة العيدين:
شرط وجوب صلاة العيدين شرط وجوب صلاة الجمعة إلا أنها سنة مؤكدة للمنفرد
بخلاف الجمعة.
وهي ركعتان يكبر في الأولى ثم يقرأ " الحمد " و " سبح " ثم يكبر ويقنت بين التكبير حتى
يتم ستا وخمس مرات قنوتا، ويكبر سابعة فيركع بها ويسجد سجدتين. ويقوم إلى الثانية
بالتكبير ويقرأ " الحمد " و " الشمس وضحاها " ثم يكبر ويقنت بين كل تكبيرتين حتى يتم
أربع تكبيرات وثلاث مرات قنوتا. ثم يكبر خامسة يركع بها.
وسنتها سن الجمعة إلا أنه يبرز بالصلاة تحت السماء ويجب فيها الخطبتان
وهما هنا بعد الصلاة. ووقتها من طلوع الشمس إلى زوالها.
ويكبر في ليلة الفطر بعد المغرب إلى انقضاء صلاة العيد في عقيب أربع صلوات، وفي
الأضحى في عقيب عشر صلوات أولاهن الظهر من يوم العيد. ومن حضر منى يكبر في عقيب
خمس عشرة صلاة، أولهن الظهر. الصلاة على الموتى:
وهي فرض على الكفاية، وما هي إلا تكبيرات خمس يرفع يديه في الأولى منها فقط، ثم
يقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا، لا إله إلا أنت الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين.
ثم يكبر الثانية ويقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد
كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم يكبر الثالثة ويقول:
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وأدخل
على موتاهم رحمتك ورأفتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك إنك على كل شئ قدير.
377

ثم يكبر الرابعة ويقول:
اللهم إنه عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم لا نعلم منه
إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه
واغفر له اللهم اجعله عندك في عليين واخلفه على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك
يا أرحم الراحمين
ثم يكبر الخامسة ويقول:
عفوك عفوك، ولا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة.
والموتى على ضربين: نساء ورجال. فالنساء يقف الإمام منهن عند صدورهن، والرجال
عند أوساطهم.
ثم ينقسمون قسمة أخرى: رجال وصبيان ونساء وخناثى. فإذا اتفق أن يصلى إمام
وحده على هؤلاء كلهم في وقت واحد جعل النساء مما يلي المحراب وبعدهن الصبيان
وبعدهم الخناثى وبعدهم الرجال، ووقف الإمام عند الرجال.
وقد بينا أنه تجوز هذه الصلاة - عند خوف الفوت - بالتيمم للجنب وغير المتوضئ،
وإن خاف إذا اشتغل بالتيمم الفوت صلى على حاله، ولا حرج. وبينا أيضا أنه إنما يصلى
على من يؤخذ بالصلاة وهو أن يبلغ ست سنين وجوبا، فإن من عداه فالصلاة عليه نفل،
وأنه تجوز الصلاة على قبر الميت إلى ثلاثة أيام، وتجوز الصلاة عليه ليلا ونهارا، ووليه
أحق بالصلاة عليه أو من يأمره الولي، والجماعة فيها مسنونة متأكدة الندب.
ذكر: الثاني مما له سبب وهو: صلاة الكسوف والزلازل والرياح الشديدة
والآيات
هذه الصلوات واجبة على من تكاملت فيه شروط التكليف، وتصلي جماعة وفرادى
وهي مؤقتة، وابتداء وقتها من ابتداء ظهور الكسوف والآيات إلى ابتداء انجلائه، وهي
عشر ركعات بأربع سجدات يكبر تكبيرة الإحرام ثم يقرأ الفاتحة وسورة من طوال السور
جاهرا بالقراءة ثم يركع مطيلا ركوعه بمقدار القراءة إن استطاع، ثم ينتصب حتى يتمم
378

خمس ركعات فإذا رفع رأسه من الخامسة قال: سمع الله لمن حمده. ثم يسجد سجدتين، ثم
ينتصب ويقرأ مثل الأول ويركع ويقنت بين كل ركوعين ويتشهد جالسا ويسلم.
فإن فرع قبل الانجلاء فعليه الإعادة، وإن أخل بالصلاة - مع عموم الكسوف
للقرص - وجب عليه مع وجوب الإعادة الغسل.
ذكر: تفصيل مواقيت النوافل:
قد بينا أن النوافل للمقيم في اليوم والليلة أربع وثلاثون ركعة: للزوال منها ثماني
ركعات، وبعد الظهر منها ثماني ركعات، وبعد المغرب أربع ركعات، وبعد العشاء الآخرة
واحدة وهي " الوتيرة " وبعد انتصاف الليل ثمان واثنتان الشفع وواحدة الوتر، وبعد
الفجر الأول ركعتان. فإن تأخر شئ من ذلك عن وقته فهو قضاء.
فأما النوافل للمسافر فهي سبع عشرة ركعة: أربع بعد المغرب، وإحدى عشرة ركعة
صلاة الليل، وركعتا الفجر اللتان هما الدساسة
ذكر: صلاة الغدير:
وهي من وكيد السنن ووقتها إذا بقي للزوال مقدار نصف ساعة من اليوم الثامن
عشر من ذي الحجة، وهي ركعتان يقرأ في كل ركعة منها " الحمد " وسورة " الإخلاص " عشر
مرات، وآية " الكرسي " عشر مرات. " وإنا أنزلناه " عشر مرات فإذا فرع منهما سلم ودعا
بالمرسوم.
ذكر: صلاة ليلة النصف من شعبان:
وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة " الحمد " مرة وسورة " الإخلاص " مائة مرة ووقتها
بعد العشاء الآخرة إلى الفجر.
379

ذكر: نوافل شهر رمضان:
لا خلاف في أنها ألف ركعة وإنما الخلاف في ترتيبها ونحن نذكر الأظهر في الرواية
وكتابنا الكبير يتضمن الخلاف في ذلك.
والمعمول عليه أنه يصلى من أول ليلة إلى تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة
بعشر تسليمات - ثمان بعد فرض المغرب ونوافلها واثنتا عشرة ركعة بعد صلاة العشاء
الآخرة بعد الوتيرة، وفي ليلة تسع عشرة مائة ركعة - بعد أن يغتسل كما بيناه، وفي ليلة
العشرين عشرين ركعة، وفي ليلة إحدى وعشرين يغتسل أيضا ويصلى مائة ركعة وفي ليلة
اثنين وعشرين يصلى ثلاثين ركعة: ثمان بعد المغرب واثنتين وعشرين بعد العشاء
الآخرة وفي ليلة ثلاث وعشرين يغتسل ويصلى مائة ركعة.
ثم يصلى في كل ليلة من الشهر إلى آخره ثلاثين ثلاثين على ما رسم من الترتيب
فيكون الجميع تسعمائة وعشرين ركعة، وتبقى ثمانون ركعة يصلى في كل يوم جمعة من
الشهر عشر ركعات فيكون أربعين، وفي آخر ليلة جمعة من الشهر عشرين ركعة، وفي آخر
ليلة سبت منه عشرين ركعة، وفي ذلك الكمال. وبين كل الركعات دعاء مرسوم. وقد ورد
الندب بأن يكون كل عشر من الصلوات التي في الجميع: أربع صلاة أمير المؤمنين واثنتان صلاة
فاطمة الزهراء ع وأربع ركعات صلاة جعفر ع والعشرون التي في
ليلة الجمعة الأخيرة فصلاة أمير المؤمنين ع، والعشرون التي في آخر ليلة سبت
منه بصلاة الزهراء ع ولا يجمع فيها ولا في نافلة إلا صلاة الاستسقاء،
وشرحها أن يقدم الإمام إلى الكافة بصيام ثلاثة أيام، فإذا كان اليوم الثالث نادى
فيهم بالصلاة جامعة، ويخرج الإمام تحت السماء فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما
بالقراءة على صفة صلاة العيدين في التكبير والقنوت بينه والقراءة، فإذا سلم رقى المنبر
وخطب، فإذا فرع قلب رداءه من يمينه إلى يساره ومن يساره إلى يمينه ثلاث مرات، ثم
استقبل القبلة ورفع رأسه نحوها وكبر الله تعالى مائة مرة، ثم يرفع به صوته ويكبر الناس معه. ثم
التفت عن يمينه فسبح الله تعالى مائة مرة ثم التفت عن شماله فحمد الله تعالى مائة مرة، ثم
أقبل على الناس بوجهه فاستغفر الله تعالى مائة مرة، ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا
380

والناس معه بما رسم.
وهذا من النفل الذي للندب إليه سبب. فقد انقسم النفل إلى ضربين: ماله
سبب وما لا سبب له.
ذكر: صلاة ليلة عيد الفطر:
وهي ركعتان: الأولى منها بالحمد وألف مرة " قل هو الله أحد " والثانية بالحمد مرة
واحدة و " قل هو الله أحد " ثم يدعو بما أحب، ويجتهد.
ذكر: صلاة أمير المؤمنين ع:
وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة " بالحمد " وخمسين مرة " قل هو الله
أحد ".
ذكر: صلاة التسبيح:
وهي: صلاة جعفر ع وهي أربع ركعات يقرأ في الأولى " الحمد " و " إذا
زلزلت "، فإذا فرع سبح خمس عشرة مرة يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، ثم يركع ويقول ذلك عشرا، ويرفع رأسه ويقوله عشرا، وإذا سجد قاله عشرا، وإذا
رفع رأسه قاله عشرا، وإذا سجد ثانية قاله عشرا، وإذا رفع رأسه قاله عشرا. ثم ينهض
ويقرأ " الحمد " و " العاديات " ويفعل في الركعة الثانية والثالثة والرابعة من التسبيح مثل
ما فعل في الأولى إلا أنه يقرأ في الثالثة: " الحمد " و " إذا جاء نصر الله والفتح " وفي الرابعة
" الحمد وسورة الإخلاص " وفيهما تسليمتان.
ذكر: صلاة يوم المبعث:
يصلى يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب اثنتي عشرة ركعة بست
تسليمات يقرأ في كل ركعة " الحمد " و " يس "، فإذا فرع قرأ في مكانه أربع مرات سورة
381

" الحمد " و " قل هو الله أحد " و " المعوذتين " أربعا أربعا. ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر، أربعا. ويقول: الله الله لا أشرك به شيئا، أربعا. ويدعو بما يحب.
ذكر: صلاة يوم عاشوراء: وهو العاشر من المحرم، وهي أربع ركعات ووقتها قبل الزوال يقرأ في كل ركعة
" الحمد " و " قل هو الله أحد ".
ذكر: صلاة الحاجة:
وهي ركعتان يقرأ في كل ركعة منها " الحمد " وعشر مرات سورة " الإخلاص " على
ترتيب صلاة التسبيح غير أنه يجعل مكان التسبيح قراءة سورة الإخلاص
ذكر: صلاة الشكر:
وهي ركعتان تصلي عند قضاء الحاجة يقرأ فيهما " الحمد " وسورة " الإخلاص "
ويقول في الركوع منهما والسجود: الحمد لله شكرا لله وحمدا، ويقول بعد التسليم: الحمد لله
الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي.
فأما ما لا توقيت فيه من النوافل فلا غاية له. فليكثر العبد منه يجز الثواب إن شاء الله
تعالى.
ذكر: أحكام صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة تنقسم أربعة أقسام: واجب وندب ومكروه ومحظور.
فالواجب: صلاة الجمعة والعيدين عند الشروط.
والندب: باقي الفرائض من الصلوات.
والمكروه: صلاة المتوضئ خلف المتيمم والحاضر خلف المسافر.
والمحظور: الصلاة خلف الفسقة والكفرة، والجمع في النوافل إلا صلاة الاستسقاء،
382

وصلاة الرجل خلف المرأة، والصلاة خلف ولد الزنى.
واعلم أن شروط انعقاد الجماعة على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: أن يكون القوم اثنين فصاعدا وأن يكون الإمام عدلا أقرأ الجماعة، فإن
تساووا فأفقههم، فإن تساووا فأقدمهم هجرة، فإن تساووا: فأكبرهم سنا، فإن تساووا
فأصبحهم وجها، وأن يقدم رب المسجد - إذا كان أهلا لذلك، ولا يكون بين الإمام والمأموم
حائل سوى الصفوف - إذا كان المأموم ذكرا وذلك في النساء جائز، وألا يكون مقام
الإمام أرفع من مقام المأموم بما يعتد به كأن يكون على سقف أو مكان عال، فإن كان بعض
الأرض أعلى من بعض فوقف على الأعلى فجائز.
وأما الندب: فإن يقف المأموم - إن كان واحدا - عن يمين الإمام إلا في صلاة الجنازة،
فإنه يقف خلف الإمام. وإن كان أكثر من واحد فعلى ضربين: مكتسون وعراة.
فالمكتسون يقفون خلف الإمام، والعراة يقعد الإمام في وسطهم غير بارز ويقعدون هم
أيضا - إلا أن تكون صلاة على جنازة فإنهم يصلون قياما واضعي أيديهم على سوءاتهم
والإمام في وسطهم وينزلون الميت منهم في حفرته، ويغطون عورته بالتراب، ثم يصلون
عليه. فإذا فرغوا أهالوا عليه التراب.
وأن تكون الصفوف مشحونة وبين كل صف وصف قدر مربط عنز وأن لا يقرأ
المأموم خلف الإمام. وروي: أن ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب، والأثبت
الأول.
واعلم أن المأمومين والأئمة على خمسة أضرب أيضا: حاضر ائتم بحاضر، ومسافر
بمسافر. فهذان يتبعان إمامهما في كل أفعاله.
وخائف بخائف، فهذا الضرب يقسم الإمام المأمومين فرقتين فرقة تقف بإزاء العدو،
وفرقة يصلى بها ركعة ويطيل القيام في الثانية حتى يأتموهم وينصرفون، وتجئ الأخرى
فتدخل في الصلاة فيصلي بها ثانية - وهي لهم أولى ويطيل التشهد حتى يصلوا الثانية
ويجلسوا معه فيسلم بهم. وفي المغرب يصلى بالفرقة الأولى ركعة ويتمون هم تمام الثلاث -
وهو يطيل القيام، ثم تأتي الفرقة الأخرى فيصلي بهم اثنتين ويطيل التشهد حتى يتموا
383

ويسلموا معه.
ومسافر ائتم بحاضر: فهذا يسلم في اثنتين ولا يتبع الإمام إلا فيهما - إلا في صلاة
المغرب خاصة فإنه يتبعه في الكل - لأنه لا قصر فيها.
وأما الحاضر خلف المسافر: فقد بينا أنه يكره أن يأتم به، فإن فعل فليتبعه في اثنتين، ثم
يتم لنفسه، ولا أرى لها فضلا.
ذكر: ما يلزم المفرط في الصلاة:
وهو على خمسة أضرب: إعادة وجبران وتلاف وسجدتا السهو وقضاء.
فالأول على ضربين: متعمد ومسهو عنه.
فالمتعمد: أن يتعمد نقض الطهارة أو الكلام في الصلاة أو القهقهة أو الالتفات إلى
وراء، وكل فعل كثير أباحت الشريعة قليله في الصلاة، أو كل فعل لم تبح قليله ولا كثيره.
والثاني: كل شك في الأولتين من الرباعيات وفي الغداة والمغرب والجمعة - للإمام،
وصلاة السفر، وفي تكبيرة الافتتاح ثم لا يذكرها حتى يركع، أو عن الركوع - ولا يذكره
حتى يسجد، والسهو عن سجدتين، من ركعة ثم لا يذكرها حتى يركع في الثانية، وأن يزيد في
عدد الصلاة، وألا يحصل عدد ما صلى، وأن يصلى إلى غير القبلة أو في مكان مغصوب
أو ثوب مغصوب أو ثوب نجس.
الثاني من القسمة الأولى: وهو ما يوجب الجبران، وهو السهو عن سجدة من سجدتين
- ثم يذكرها بعد الركوع في الثانية فجبرانه أن يقضي السجدة بعد التسليم ويسجد سجدتي
السهو.
وأن يسهو عن التشهد الأول ثم يذكر بعد الركوع في الثالثة فجبرانه أن يقضيه بعد
التسليم ويسجد سجدتي السهو.
فإن اعتدل الظن بين الاثنين والثلاث أو الثلاث والأربع أو الاثنين والأربع أو الاثنين
والثلاث والأربع فإن الواجب البناء على الأكثر، والصلاة لما ظن فواته بعد التسليم: أما
واحدة أو اثنتين أو اثنتين وواحدة.
384

فأما الثالث من القسمة: وهو ما يوجب التلافي فإنه من سها عن الفاتحة حتى بدأ
بالسورة الأخرى قطع وقرأ الفاتحة.
ومن نسي تكبيرة الافتتاح حتى قرأ كبرها ثم قرأ، وإن سهى عن الركوع وذكره وهو
قائم ركع وكذلك إن ذكر أنه ترك سجدة وهو قائم سجد. وإن ذكر أنه لم يتشهد في الأولى وقد
قام جلس وتشهد. ومن سلم قبل التشهدين أو أحدهما وهو جالس تشهد.
فأما الرابع: فهو ما فيه سجدتا السهو، فهو من تكلم ساهيا أو قعد في حال قيام أو قام
في حال قعود، فعليه سجدتا السهو، وما عدا ذلك كالسهو الذي لا يتدارك
والسهو في السهو أو السهو في النافلة فلا شئ فيه. وسجدتا السهو تكونان بعد التسليم بغير ركوع
ولا قراءة يقول في كل منهما: بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد، ويتشهد ويسلم.
الخامس: القضاء وأحكامه: كل صلاة فاتت فلا تخلو أن تكون فاتت بعمد أو بتفريط أو
بسهو. فالأول والثاني يجب فيهما القضاء على الفور. والثالث على ضربين، أحدهما: يسهو
عنها جملة فهذا يجب قضاؤه وقت الذكر له ما لم يكن آخر وقت فريضة حاضرة. والثاني: أن
يسهو سهوا يوجب الإعادة كما بينا وهذا يجب أيضا أن يقضيه على الفور.
والصلاة المتروكة: على ثلاثة أضرب: فرض معين وفرض غير معين ونفل.
فالأول يجب قضاؤه على ما فات. والثاني على ضربين: أحدهما يتعين له أنه كل الخمس
فاتت في أيام لا يدري عددها، والثاني أن يتعين له أنه صلاة واحدة ولا يدري أي صلاة هي.
فالأول: يجب عليه فيه أن يصلى مع كل صلاة صلاة يغلب على ظنه أنه قد وفى.
والثاني: يجب عليه فيه أن يصلى اثنتين وثلاثا وأربعا.
فأما النفل فعلى ضربين: مؤقت وغير مؤقت. فالمؤقت يستحب قضاؤه. فأما من لحقه
عارض في أول وقت صلاة أو زال عنه عارض في آخر وقت صلاة فعلى ستة أضرب: من بلغ
حد الحلم، ومن أسلم، ومن طهر من حيض أو حاض، ومن أغمي عليه لمرض أو غيره مما
لا يكون هو السبب فيه، ومرتد، وسكران.
فالثلاثة الأولة يجب عليهم القضاء متى فرطوا بالترك حتى يلحقهم العارض كأن
يدخل الوقت فيؤخر.
385

وأما الرابع: لا يجب عليه قضاء الفائت إلا أن يفيق في وقت صلاة، وقد روي أنه إذا
أفاق آخر النهار قضى صلاة ذلك اليوم وإن أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة.
وأما المرتد والسكران ومن أغمي عليه بشئ من قبله فيجب عليه قضاء جميع ما فاته
إذا زال العارض.
386

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
387

باب مسائل يتعلق بالصلاة
مسألة: صلاة الصبح من صلاة الليل أو النهار؟
الجواب: هذه الصلاة من صلاة النهار لقوله تعالى: أقم الصلاة طرفي النهار. ولا
خلاف في أن المراد بذلك صلاة الفجر والعصر ولما كانت صلاة الفجر تقام بعد طلوع
الفجر إلى قبل طلوع الشمس كان ذلك دالا على أن هذا الوقت طرف النهار. ولأن إجماع
الطائفة عليه أيضا.
مسألة: الصلاة الوسطى ما هي؟
الجواب: الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر. لأن إجماع الطائفة حاصل عليه
وإجماعها حجة واستدلال من يذهب إلى أنها غير صلاة الظهر بقوله تعالى: وقوموا لله
قانتين، لا يتوجه علينا منه فساد لأن القنوت عندنا جائز في كل صلاة.
مسألة: هل يجوز الصلاة في المكان المغصوب أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك، سواء كان المصلي هو الغاصب أو غيره، لأن الأصل في المنع
من ذلك كونه مغصوبا وهو كذلك على الوجهين جميعا.
مسألة: إذا أمر مالك الموضع غيره بالدخول إلى ملكه، ثم نهاه عن المقام فيه
فأقام فيه ولم يخرج وصلى. هل صلاته صحيحة أم لا؟
389

الجواب: هذه الصلاة غير صحيحة، لأنها تصرف في الملك الذي يعلم أن
صاحبه يكره تصرف غيره فيه ولا يجتازه والصلاة تصرف فيه بغير شبهة ولا يلزمنا
هذا إفساد الصلاة في أراضي القرى والبساتين وما أشبه ذلك لأن العادة جارية بأن مالك
ذلك لا يكره من أحد الصلاة فيه.
فإن قيل: فلو نهاه عن الصلاة في موضع معين أو في الجميع ما كان يكون حكمه؟
قلنا: إذا كان الأمر على ذلك فالأصل يقتضي أنه إن صلى بعد نهيه ولم يكن الوقت
يضيق عليه لم يصح صلاته إلا أن يتعد أن ينهى مالك الحقوق أو أراضي الضيعة، غيره عن
ذلك.
مسألة: إذا كان محبوسا في مكان مغصوب ولا يمكنه الخروج منه هل يجوز صلاته
فيه أم لا؟
الجواب: صلاته فيه جائزة، لأنه مضطر إلى ذلك بفقد التمكن من الخروج منه.
مسألة: إذا نهاه المالك عن المقام في ملكه وتشاغل بالخروج في طريقه وصلى. هل
تصح هذه الصلاة أم لا؟
الجواب: هذه الصلاة لا تصح إذا كان الوقت متسعا. وإن كان قد تضيق، كانت
جائزة، لأنه إنما قدم فرض الله تعالى على فرضه مع تشاغله بالخروج لأنه مضطر إلى ذلك مع
تضيق الوقت ومع اتساعه فهو غير مضطر فلا تصح صلاته ويجب عليه تقديم الخروج ثم
يصلى بعده.
مسألة: إذا اضطر إلى الصلاة فوق الكعبة هل يكون صلاته صحيحة أم لا؟
الجواب: إذا اضطر إلى الصلاة كانت صلاته صحيحة بأن يصلى مستلقيا على
ظهره ليكون مستقبلا للبيت المعمور الذي في السماء.
مسألة: إذا صلى واقفا على طرف الحائط بحيث لا يبقى مقابله جزء من البيت، هل
تصح صلاته أم لا؟
الجواب: هذه الصلاة لا تصح. لأن المصلي لها على هذا الوجه يكون مستدبر القبلة وذلك لا يجوز.
390

مسألة: إذا انهدمت الكعبة هل يجوز الصلاة إليها أم لا؟
الجواب: الصلاة إلى ذلك جائزة. لأن المكلف متعبد بالصلاة إلى جهتها.
مسألة: إذا كانت جماعة في سفينة وهم مزدحمون فيها وكان لواحد منهم موضع
يتمكن فيه من الصلاة قائما وليس للباقي ذلك ما حكمهم في الصلاة.
الجواب: يصلى الواحد في موضعه ثم يجلس بعد ذلك مجتمعا فيه ثم يصلى بعده
آخر وبعد الآخر آخر كذلك إلى آخرهم إن كان الوقت متسعا وإن كان قد تضيق، صلوا
جلوسا في مواضعهم ولا ينظر أحد منهم صلاة الآخر قائما، ثم يصلى. فإن لم يكن فيهم
أحد له موضع يتمكن فيه من الصلاة قائما صلوا كلهم جلوسا.
مسألة: الجماعة إذا كانوا كلهم عراة ولواحد منهم ثوب. ما حكمهم في الصلاة؟
الجواب: إذا كان الوقت متسعا صلى صاحب الثوب وأعاره الآخر فصلى فيه
ورفعه الآخر إلى غيره ليصلي فيه ثم كذلك إلى آخرهم. فإذا كان الوقت قد تضيق صلوا
عراة.
مسألة: إذا كان مع المكلف ثياب كثيرة يعلم أن فيها واحدا طاهرا والباقي نجس
ولا يعلم الطاهر على التعيين. ما حكمه في الصلاة فيها؟
الجواب: إن كان الوقت متسعا صلى في كل واحد منها الصلاة بعينها فإن كان
مضيقا صلى عريانا لأن ذلك ههنا فرضه.
مسألة: إذا كان معه ثوبان يعلم أن أحدهما طاهر والآخر نجس ولا يتميز له
الطاهر منهما. ما حكمه في الصلاة فيهما؟
الجواب: يصلى في كل واحد منهما الصلاة بعينها، لأنه إذا فعل ذلك، كان مؤديا لها
بيقين وقد تقدم ذكر هذه المسألة.
مسألة: إذا أراد الصلاة وعلى قلنسوته أو تكته نجاسة. هل يجوز له ذلك أم لا؟
الجواب: يجوز له ذلك لأنه مما لا تتم الصلاة به منفردا. لأن إجماع الطائفة عليه.
مسألة: إذا كان معه قارورة مشدودة الرأس برصاص أو غيره وفيها نجاسة. ثم
صلى وهي في كمه أو في جيبه. هل تصح صلاته أم لا؟
391

الجواب: لا تصح صلاته لأنه يكون حاملا للنجاسة وهو في الصلاة وذلك لا يجوز
ولا يلزم ذلك على القلنسوة والتكة إذا كان فيها نجاسة لأنا إنما أجزنا الصلاة في ذلك لأنه
الظاهر من الطائفة.
مسألة: إذا كان له عمامة على طرفها الواحد نجاسة فجعل الطرف الآخر على
رأسه وألقى الطرف الآخر وباقيها على الأرض وصلى. هل تصح صلاته كذلك أم لا؟
الجواب: صلاته كذلك صحيحة لأنه ليس بحامل لما فيه نجاسة.
مسألة: إذا سلم المكلف في الصلاة بعد الركعتين الأولتين ناسيا ثم تكلم متعمدا
وذكر أنه صلى ركعتين هل يبني على ما تقدم من الركعتين أو يعيد الصلاة؟
الجواب: يبني على ما تقدم من صلاته وفي أصحابنا من قال يعيدها والبناء على ما
قدمناه هو الصحيح لأن الاحتياط يقتضيه.
مسألة: إذا قطع الانسان أذن آخر فألصقها المجني عليه بالدم فالتصقت في
الحال. هل تصح صلاته وهي كذلك أم لا؟
الجواب: لا تصح صلاته لأنه يكون قد صلى وعليه نجاسة لأن القطعة التي
ألصقها هي بعد الإبانة ميتة والميتة نجسة فيجب إزالتها ثم يصلى.
مسألة: أي الأوقات أفضل للصلاة؟
الجواب: أفضل الأوقات للصلاة أولها، لقوله (ص) لأم فروة: أفضل الأعمال عند الله
تعالى الصلاة في أول وقتها. ولقوله أيضا (ع) لابن مسعود وقد سأله عن أفضل الأعمال،
فقال: الصلاة في أول وقتها. ولأن إجماع الطائفة على ذلك.
مسألة: وهل تنعقد الصلاة بغير " الله أكبر " من ألفاظ التكبير أم لا؟
الجواب: لا تنعقد إلا بلفظ " الله أكبر " دون غيره من ألفاظ التكبير. لأن الصلاة قد
ثبتت في ذمة المكلف وإذا عقدها بالذي ذكرناه، فقد تيقن براءة ذمته مما لزمها من ذلك وليس
كذلك إذا عقدها بغير ما ذكرناه ولأن إجماع الطائفة عليه أيضا وأيضا قوله
ص لرفاعة بن مالك: لا يقبل الله صلاة امرء حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة
ويقول: الله أكبر. وهذا نص في ما ذكرناه.
392

مسألة: إذا سجد على كور العمامة هل تصح صلاته أم لا؟
الجواب: لا تصح صلاته إذا سجد على ذلك لأنها لا تصح إلا بسجود على سبعة
أعظم وهي الكفان والركبتان وإبهاما الرجلين والجبهة. وإنما قلنا ذلك لما رواه ابن عباس
رضي الله عنه من قوله أمر رسول الله أن يسجد على سبعة أعظم: اليدين والركبتين و
القدمين والجبهة ومن سجد على كور العمامة فلم يسجد على الجبهة ولأن إجماع الطائفة
أيضا على ما ذكرناه.
مسألة: إذا رعف وهو في الصلاة فأصاب الدم موضعا من جسده أو ثوبه فغسل
ذلك هل يكون قاطعا لصلاته بما فعله أم لا؟
الجواب: إن كان انحرف عن القبلة أو التفت يمينا أو شمالا أو تكلم بما يفسد
الصلاة كان قاطعا وعليه الإعادة وإن لم يكن منه شئ من ذلك بنى على ما تقدم ولا يعيد.
مسألة: إذا سلم عليه غيره وهو في الصلاة فرد عليه هل يكون قاطعا للصلاة أم
لا؟
الجواب: إن كان قال في الرد عليه: وعليكم السلام، فقد قطع الصلاة لأنه يكون
متكلما بما ليس من الصلاة وإن كان قال سلام عليكم لم يقطع ذلك الصلاة لأنه يكون
متكلما بما هو من الصلاة وهو لفظ القرآن.
مسألة: إذا صلى أربع ركعات ثم ذكر أنه ترك أربع سجدات من كل ركعة سجدة
هل يجب عليه إعادة الصلاة أم لا؟
الجواب: عليه إعادة الصلاة. لأن كل سهو يعرض في الركعتين الأولتين يجب منه
إعادة الصلاة.
مسألة: إذا ترك أربع سجدات ولا يعلم موضعها هل يجب عليه إعادة الصلاة أم
لا؟
الجواب: عليه الإعادة لمثل ما قدمناه في المسألة المتقدمة. لأنه لا يأمن من أن يكون
ما ترك منها من الركعتين الأولتين.
مسألة: إذا ترك ثلاث سجدات، ولا يعلم موضعها هل يجب عليه إعادة الصلاة أم لا؟
393

الجواب: عليه الإعادة لمثل ما تقدم في المسألة المتقدمة على هذه المسألة.
مسألة: إذا ترك سجدتين من ركعتين ولا يعلم عن أيهما هي، هل يجوز عليه الإعادة أم لا؟
الجواب: عليه الإعادة لمثل ما قدمناه لأنه لا يأمن أن يكونا من الركعتين الأولتين أو
الثالثة أو الرابعة
مسألة: إذا ترك سجدة واحدة ولا يعلم من أي الركعات هي هل يجب عليه
الإعادة أم لا؟
الجواب: عليه الإعادة لمثل ما قدمناه لأنه لا يأمن أن يكون من الركعتين الأوليتين.
مسألة: الموضع الذي يختص بسجدتي السهو هو قبل التسليم أو بعده؟
الجواب: موضع ذلك بعد التسليم. وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما إن كانتا
لنقصان، كانتا قبل التسليم وإن كانتا الزيادة، كانتا بعد التسليم. والذي ذكرناه أولى،
لأنه الأظهر والأكثر بين الطائفة.
مسألة: المسافر إذا أحرم في السفينة بصلاة مقيم ثم سارت السفينة هل يجب عليه
التقصير أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه التقصير لأنه لم يخف عليه أذان مصره ولم يتوار عنه جدران
مدينته لأن كل واحد منهما أو هما شرط في ذلك.
مسألة: المسافر إذا سافر إلى بلد وللبلد طريقان أحدهما أقرب إليه من الطريق
الآخر والأقرب لا يجب فيه التقصير فسار في الأبعد منهما لغرض له من ذلك أو لغير
غرض، هل يلزمه التقصير أم لا؟
الجواب: يلزمه التقصير. لأن الذي يدل على التقصير عام فيه ذلك.
مسألة: إذا سهى المسافر فصلى أربعا. هل يجب عليه الإعادة أم لا؟
الجواب: عليه الإعادة. لأن صلاة المسافر إذا عرض فيها السهو، كانت باطلة وإذا
بطلت، كانت عليه الإعادة. وفي أصحابنا من يقول بأن السهو في صلاة السفر لا يوجب
الإعادة. والأول هو الأظهر والأكثر بين أصحابنا وعليه العمل وهؤلاء وإن ذهبوا إلى ما ذكرناه
عنهم، فإنهم يقولون في هذه المسألة إن عليه الإعادة، لأنه قد زاد في الصلاة والإعادة واجبة
394

عليه على المذهبين جميعا.
مسألة: إذا جلس الإمام يوم الجمعة على المنبر وباع من يجب عليه الجمعة في هذا
الوقت شيئا. هل ينعقد البيع أم لا؟
الجواب: لا ينعقد البيع. لأنه منهي. وعند النهي يقتضي فساد المنهي عنه.
مسألة: إذا صلى رجلان وصلى خلفهما آخر ونوى الائتمام بهما. هل تصح صلاته أم
لا؟
الجواب: لا تصح صلاته. لأن الائتمام والاقتداء باثنين لا يجوز.
مسألة: إذا نوى أن يقتدي بواحد من اثنين بين يديه بغير تعيين، هل تجوز صلاته أم
لا؟
الجواب: لا تصح صلاته لأنه إذا لم يعرف إمامه، لم يمكنه الاقتداء به.
مسألة: إذا اجتمع جنازة صبي وامرأة وخنثى ورجل. كيف يترتبون للصلاة إذا
أريد الصلاة عليهم مرة واحدة.
الجواب: إذا كان الصبي ممن يجب الصلاة عليه قدمت المرأة إلى القبلة ثم
الخنثى ثم الصبي ثم الرجل. وإن كان الصبي ممن لا تجب عليه قدم هو أولا إلى القبلة
ثم بعد ذلك على الترتيب الذي ذكرناه. لأن عليه إجماع الطائفة لأنه هو السنة على ما ورد
الخبر به بتقديمها أولا.
مسألة: إذا شد المصلي كلبا بحبل وكان طرف الحبل معه أو وقف عليه. هل
تصح صلاته أم لا؟
الجواب: صلاته صحيحة. لأن ما يقطع الصلاة ليس هذا من جملته.
مسألة: إذا سهى المصلي في صلاة الكسوف هل يجب عليه إعادتها أم لا؟
الجواب: هذه المسألة لا نص لأصحابنا فيها. إلا أنها وإن كانت كذلك فيجب
عليه إعادتها لأن هذه الصلاة قد تعلقت بذمة المكلف فيجب عليه أن يؤديها بيقين. وإذا
أعادها قد تيقن براءة ذمته منها وإذا لم يعدها عند سهوه منها لم يكن على يقين من أدائها.
395

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
397

كتاب الصلاة
قال الله سبحانه: " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "
وقال الله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "
وقال الله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن
قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا ".
وقال عز وجل: " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن
السيئات الآية ".
وقال تعالى: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين وإذا
أردنا بيان أحكام الصلاة وجب أن نبين أشياء.
منها أقسامها، ومنها أعدادها، ومنها أوقاتها، ومنها ما يجوز فيه من اللباس وما لا يجوز فيه
من ذلك، ومنها ما يجوز عليه من المكان وما لا يجوز عليه من ذلك، ومنها ستر العورة، ومنها ذكر
القبلة، ومنها الأذان والإقامة، ومنها كيفيتها، ومنها ما يوجب إعادتها، ومنها بيان أحكام السهو
والشك فيها، ونحن نذكر كل واحد من ذلك وما يتعلق به من أحكامه في فصل مفرد له
بمشيئة الله تعالى.
399

باب أقسام الصلاة:
أقسام الصلاة على ضربين: أحدهما صلاة اليوم والليلة والآخر ما عدا ذلك. وأما
صلاة اليوم والليلة فهي الظهر والعصر والعشاءان وصلاة الليل وصلاة الفجر، وأما
ما عدا ذلك فهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر وقضاء الفائت من الصلاة وصلاة
النذر وركعتي الطواف والصلاة على الموتى وصلاة الاستسقاء ونوافل شهر رمضان
وصلاة عيد الغدير وصلاة يوم مبعث النبي ص وصلاة أمير المؤمنين على
ابن أبي طالب وصلاة السيدة فاطمة ع وصلاة الحبوة وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة
وصلاة ليلة النصف من رجب وصلاة ليلة النصف من شعبان وصلاة
الشكر وصلاة الزيارات وصلاة ليلة عيد الفطر وصلاة الإحرام وصلاة تحية المسجد.
باب أعداد الصلاة:
أعداد الصلاة على ضربين: أحدهما أعداد ركعات اليوم والليلة والآخر أعداد ما
عدا ذلك، وأعداد ركعات اليوم والليلة على ضربين: أحدهما أعداد الحضر والآخر أعداد
السفر. فأما أعداد الحضر فعلى ضربين: أحدهما أعداد فرائضه والآخر أعداد نوافله، فأما
أعداد فرائض الحضر فهي سبعة عشر ركعة: الظهر أربع ركعات والعصر والعشاء الآخرة
مثل ذلك والمغرب ثلاث ركعات والفجر ركعتان فأما نوافل الحضر فهي أربع وثلاثون
وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة وثمان صلاة الليل وثلاث الشفع والوتر وركعتان
نافلة الفجر فأما أعداد فرائض السفر فهي إحدى عشر ركعة: الظهر ركعتان والعصر
والعشاء الآخرة كذلك والمغرب ثلاث ركعات والفجر ركعتان، وأما أعداد نوافل السفر
فهي سبع عشرة ركعة: أربع ركعات نافلة المغرب وثمان صلاة الليل وثلاث الشفع
والوتر، وركعتان نافلة الفجر الأول.
فأما أعداد غير صلاة اليوم والليلة من الصلوات فهي على ضربين: أعداد الفرائض
منها والآخر أعداد النوافل، فأما أعداد الفرائض من ذلك فهي: صلاة العيدين كل واحدة
منهما ركعتان وصلاة كسوف الشمس والقمر عشر ركعات بأربع سجدات وصلاة قضاء
400

الفائت بحسب الفائت إن كان أربعا فأربعا وإن كان ثلاثا فثلاثا وإن كانت الصلاة ثنائية
فاثنتان، وصلاة النذر بحسب ما ينذره الناذر ويوجبه من ذلك على نفسه قليلا كان أو
كثيرا، وصلاة الطواف ركعتان وصلاة الموتى خمس تكبيرات.
وأما ما عدا ذلك من مندوبات الصلاة وهي: صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين،
ونوافل شهر رمضان ألف ركعة والزيادة عليها مائة ركعة ليلة النصف منه، وصلاة عيد
الغدير ركعتان وصلاة يوم المبعث اثنتا عشرة ركعة، وأربع ركعات صلاة أمير المؤمنين
ع وركعتان صلاة سيدتنا فاطمة سلام الله عليها وأربع ركعات صلاة الحبوة وركعتان
صلاة الاستخارة وركعتان صلاة الحاجة أيضا، واثنتا عشرة ركعة صلاة ليلة النصف من
شعبان وركعتان صلاة الشكر وركعتان صلاة الزيارة لكل واحد ممن يزار وركعتان صلاة
يوم عرفة وركعتان صلاة ليلة عيد الفطر وست ركعات أو ركعتان صلاة الإحرام وأربع
ركعات الزيادة على نوافل الجمعة وركعتان صلاة تحية المسجد.
باب أوقات الصلاة:
أوقات الصلاة على ضربين: أوقات الفرائض وأوقات النوافل، فأما أوقات الفرائض
فعلى ضربين: أحدهما: أوقات فرائض اليوم والليلة والآخر: أوقات الفرائض لما عدا ذلك.
فأما أوقات فرائض اليوم والليلة فخمسة أوقات:
أولها الظهر وله وقتان: أول وآخر فالأول زوال الشمس من وسط السماء إلى جهة
المغرب والآخر أن يصير ظل كل شئ مثله.
والثاني العصر وله وقتان: أول وآخر فالأول حين الفراع من فريضة الظهر والآخر
أن يصير ظل كل شئ مثليه.
والثالث المغرب وله وقتان: أول وآخر فالأول سقوط القرص من أفق المغرب والآخر
غيبوبة الشفق من جهته، وفي أصحابنا من ذهب إلى أنه لا وقت له إلا واحد وهو غروب
القرص في أفق المغرب وقد رخص للمسافر الذي يجد السير تأخير ذلك إلى ربع الليل.
والرابع العشاء الآخرة وله وقتان: أول وآخر فالأول حين الفراع من فريضة المغرب
401

وقيل: غيبوبة الشفق، والآخر ثلث الليل وقيل نصفه والثلث أحوط، وقد ذكر أن الوقت
هاهنا للمضطر ممتد إلى قبل طلوع الفجر.
والخامس الفجر وله وقتان: أول وآخر فالأول ابتداء طلوع الفجر الثاني المعترض في
جهة المشرق والآخر ابتداء طلوع قرص الشمس.
فأما وقت صلاة العيدين فهو ارتفاع الشمس، ووقت صلاة الكسوف ابتداء كسوف
القرص أو وجود الآية العظيمة من زلزلة أو ريح سوداء أو ما أشبه ذلك، ووقت صلاة
ركعتي الطواف حين الفراع من الطواف، ووقت صلاة الجنازة حين حضور الجنازة، ووقت
صلاة النذر حين حضور الزمان الذي علق النذر به، ووقت صلاة الفائتة إذا كانت منسية
حين الذكر لها، فإن لم تكن منسية فجميع الأوقات إلا أن يكون قد تضيق وقت الحاضرة فإنه
إذا كان ذلك صليت الحاضرة ورجع بعد ذلك إلى القضاء.
وأوقات النوافل على ضربين: أحدهما يصح فعلها فيه ابتداء وقضاء والآخر مكروه،
وأما الأول فهو أوقات نوافل اليوم والليلة وهي ستة أوقات:
أولها: نوافل الظهر وهو ما بين زوال الشمس إلى أن يبقى من وقت الظهر مقدار ما
يؤدى فيه أربع ركعات إلا في يوم الجمعة خاصة فإنه يجوز تقديم النوافل قبل الزوال أو
تأخيرها إلى بعد صلاة فريضة العصر.
وثانيها: وقت نوافل العصر وهو ما بين الفراع من فريضة الظهر إلى أن يبقى من
وقت العصر مقدار ما يؤدى فيه أربع ركعات إلا في يوم الجمعة أيضا فإنه ينبغي تقديم ذلك
أو تأخيره كما ذكرناه من حيث أنه لا ينبغي للمصلي أن يفرق بين فريضتي الظهر والعصر
فيه.
وثالثها: نوافل المغرب وهو من حين الفراع من فريضته إلى حين زوال الشفق من
المغرب.
ورابعها: وقت الوتيرة وهو حين الفراع من فريضة العشاء الآخرة.
وخامسها: وقت صلاة الليل وهو من انتصافه إلى قبل طلوع الفجر.
وسادسها: وقت ركعتي الفجر وهو ما بين الفراع من صلاة الليل إلى طلوع الحمرة من
402

ناحية المشرق.
وأوقات ما عدا نوافل اليوم والليلة وهي انبساط الشمس وقت صلاة الاستسقاء فإذا
بقي إلى زوال الشمس مقدار ساعة أو دونها وقت صلاة عيد الغدير ارتفاع النهار وقت
صلاة الشكر وقت صلاة الشكر وتجدد النعم، وارتفاعه أيضا وقت صلاة عاشوراء، على بعض الأقوال.
وأما المكروه من الأوقات فيختص بالنوافل المبتدأة بها من غير سبب وهي حين طلوع
الشمس، ووقت قيامها نصف النهار في وسط السماء إلا في يوم الجمعة وبعد فريضة العصر
وحين غروب القرص وبعد فريضة الغداة، وأول الوقت وقت من لا عذر له وآخره وقت
ذوي الأعذار، والأعذار: المرض والسفر والمطر والشغل بما يستضر بتركه في الدين أو
الدنيا، والضرورة الصبي إذا بلغ والحائض إذا طهرت والمجنون إذا أفاق، والمغمى عليه
أيضا كذلك والكافر إذا أسلم.
وكل من صلى في الوقت كان مؤديا سواء كان في أوله أو في آخره ما لم يخرج الوقت وقد
بقي عليه من الصلاة بقية فإن كان كذلك كان قاضيا، ومن صلى قبل دخول الوقت لم يكن
مؤديا ولا قاضيا وكان عليه الإعادة لما صلاه إذا دخل الوقت، ومن صلى بعد خروج الوقت
كان قاضيا، وإذا زالت الشمس وصارت بعد الزوال على قدمين ولم يكن المكلف صلى من
نوافل الظهر شيئا فينبغي أن يؤخرها ويبدأ بالفريضة وهكذا ينبغي أن يفعل في نوافل
العصر مع فريضته إذا صار الظل بعد الزوال على أربعة أقدام، فإن كان قد صلى شيئا من
النوافل وانتهى الظل إلى ما ذكرناه تممها على التخفيف وصلى الفرض بعد ذلك. ومن
أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل فينبغي أن يبتدأ بصلاة الفجر
ويؤخر صلاة الليل، فإن كان قد صلى عند الفجر من صلاة الليل أربع ركعات تم صلاتها
على التخفيف وصلى الغداة، وإذا قام إلى صلاة الليل وقد قرب طلوع الفجر خفف فيها
واقتصر على قراءة الحمد وحدها.
ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا لمسافر يخاف من فوتها أو شاب يخاف أن يمنعه
403

من القيام آخر الليل رطوبة رأسه ولا ينبغي أن يجعل ذلك عادة، وقضاء صلاة الليل من
الغد أفضل من تقديمها في أول الليل، ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل
جاز أن يصلى نافلة الفجر ما بينه وبين طلوع الحمرة من ناحية المشرق فإذا طلعت الحمرة
كان عليه الابتداء بفريضته ومن ابتدأ بالصلاة قبل دخول الوقت ودخل الوقت وهو في
شئ منها وتمم باقيها فيه كانت صلاته مجزئة، فأما من صلى قبل دخول الوقت وفرع من
صلاته لم تكن مجزئة فأما من صلى بعد خروجه فقد تقدم ذكره، فإذا كنا قد ذكرنا الأوقات
فينبغي أن نذكر ما يعرف به زوال الشمس.
باب ما يعرف به زوال الشمس:
زوال الشمس يعرف بميزانها أو بالأسطرلاب وذلك مشهور، فإن لم يتمكن من يريد
معرفة ذلك مما ذكرناه أمكن أن يعرفه بالدائرة الهندية، وصفة ذلك: أن يقصد لها أرضا
مستوية البسطة يدير فيها دائرة معتدلة ويأخذ عودا معتدلا يكون طوله مثل نصف دنوها
إلى جانب الدائرة ويجوز أن يكون أطول قليلا ويعمله غليظ الأسفل دقيق الرأس مثل السلة
وينصبه في وسطها موضع مركزها وينظر ظله، فإنه يجده في أول النهار ممتدا خارجا عن
محيطها وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى يصير طرفه على محيطها، وينبغي أن
يرقبه فإذا صار على محيطها أعلم عليه ثم يتركه فإنه لا يزال ينقص حتى يدخل الدائرة
ويقصر بعد ذلك إلى نصف النهار ثم يعود في الزيادة بعد نصف النهار.
فإنه ينبغي أن يرقبه قبل خروجه في محيط الدائرة وإذا صار طرف الظل عليها أعلم
عليه ثم يخط خطا مستقيما من العلامة الأولى إلى العلامة الثانية فيكون كالوتر لقوس، ثم يقسم
القوس الذي تحته بنصفين ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعا يتقاطع
بخطين فيكون الخط الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة هو خط نصف النهار
الممتد من الشمال إلى الجنوب والخط القاطع له عرضا هو الخط الممتد من المشرق إلى
المغرب، وإذا تم ذلك وكان العود منصوبا في وسط هذه الدائرة وألقى ظله على الخط الذي
ذكرناه أنه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء، فإذا ابتدأ طرف رأس الظل
404

يخرج عنه فقد زالت الشمس وذلك وقت الصلاة.
فإذا لم يتأت الانسان عمل هذه الدائرة فليقصد إلى أرض معتدلة السطح فينصب
فيها عودا بصفة العود الذي تقدم ذكره ثم يرقب ظله فإنه يكون في ابتداء النهار طويلا ولما
ارتفعت الشمس نقص إلى أن تقف الشمس في وسط السماء فيقف الظل ثم يبتدئ في
الزيادة إلى جهة المغرب، فينبغي أن يرقبه حينئذ وكلما نقص أعلم عليه بنقط يضعها على
رأس الظل وكلما نقص فعل ذلك إلى أن تعين له الزيادة على موضع النقطة التي انتهى إليها،
فإذا صار كذلك فقد زالت الشمس.
باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز:
اللباس على ضربين: أحدهما تصح الصلاة فيه والآخر لا تصح فالذي تصح فيه
على ضربين: أحدهما تصح فيه على كل حال والآخر مكروه، فأما الذي تصح على كل
حال فهو جميع ما أنبته الأرض من أنواع الحشيش والنبات إذا عمل حتى يصح كونه ساترا
وصوف كل حيوان يؤكل لحمه إذا ذكي، وشعره وجلده ووبره، والخز الخالص والثوب إذا
كان لحمته قطنا أو كتانا والباقي إبريسم والخفان. ولا بد من الاعتبار في جميع ذلك كونه
طاهرا مع صحة التصرف فيه بملك أو إباحة لأنه متى لم يكن كذلك لم يصح فيه الصلاة.
وأما المكروه فهو الرداء إذا اشتمل اشتمال الصماء والمئزر إذا شد فوق القميص
والثوب إذا كان شفافا وثوب المرأة للرجل والقباء المشدود، وثوب شارب الخمر ومستحل
النجاسات أو شئ منها وإن لم يعلم أن عليه النجاسة، والنقاب للمرأة واللثام للرجل
والتكة والقلنسوة وما يجري مجراها مما لا يتم الصلاة به منفردا إذا كان على شئ من ذلك
نجاسة، والثوب الأسود. والمفدم.
وأما الذي لا تصح فيه على حال فهو الإبريسم المحض وصوف ما لا يؤكل لحمه
وشعره ووبره وجلده وإن ذكي ودبغ، وجلود الميتة كلها ما تصح عليه الزكاة منها
وما لا تصح وإن دبغت أيضا واللباس المغصوب، وما كان من اللباس مغشوشا بوبر
الأرانب وما أشبهها، والفنك والسمور والسنجاب والثوب المدبج بالديباج أو الحرير
405

المحض والشمشك والنعل السندي، وما عليه شئ من النجاسة إذا كانت الصلاة مما تتم
به منفردا وثوب الانسان إذا كان عليه سلاح مشهر مثل السيف أو السكين وكذلك إذا كان
في كمه مفتاح حديد إلا أن يلفه بشئ وإذا كان معه دراهم سود إلا أن يشدها في شئ،
والخاتم إذا كان فيه صورة وخلاخل النساء إذا كان لها صوت.
باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان وما لا تجوز:
المكان على ضربين: أحدهما تجوز عليه الصلاة والآخر لا تجوز، والذي تجوز الصلاة
عليه على ضربين: أحدهما تجوز الصلاة عليه على كل حال والآخر مكروه، فأما ما تجوز
الصلاة عليه على كل حال فهو كل ما أطلق عليه اسم الأرض وكل ما أنبته إلا ما يؤكل
ويلبس، فإن كانت الحال حال ضرورة جاز السجود على ثوب قطن أو كتان والأولى ترك
ذلك، ولا بد من الاعتبار فيما ذكرناه بصحة التصرف بالملك والإباحة فمتى لم يكن كذلك
لم تكن الصلاة صحيحة.
وأما المكروه فهو مرابط الدواب والإبل والبيت الذي فيه مجوسي أو غيره من الكفار
والحمام وجوف الوادي وقرى النمل ومرابض الغنم وجواد الطرق وبيوت النيران
والأرض السبخة وبين القبور والثلج والآجر والخشب والحجر مع التمكن من الأرض،
والجص والبيع والكنائس وبيت شارب الخمر وذات الصلاصل ووادي ضجنان والبيداء
ووادي الشقرة والقرطاس المكتوب.
وأما ما لا تجوز الصلاة عليه فهو ما انطلق عليه اسم الأرض ولم يصح التصرف فيه
بملك ولا إباحة، ويلحق بهذا المكان إذا أذن صاحبه لغيره في المقام فيه ثم نهاه بعد ذلك
عن المقام أو أمره بالخروج فلم يخرج وأقام، فإنه إذا كان كذلك وصلى والوقت متسع لم
تصح الصلاة وإن كان الوقت ضيقا صحت، وكل ما أنبتته الأرض مما يؤكل ويلبس أو مما
لا يؤكل ولا يلبس ولم يصح التصرف فيه بالملك أو بالإباحة وإن كان طاهرا، وجلد كل
حيوان يصح فيه الذكاة والصلاة أو لا يصح، وشعره ووبره وصوفه والقير والذهب
والفضة والمعادن، وداخل الكعبة للفرائض وحدها لأن النوافل يجوز صلاتها فيها.
406

باب المساجد وما يتعلق بها:
المساجد أفضل المواضع والأمكنة التي يصلى فيها ولما كانت كذلك وجب ذكرها
وما يتعلق بها،
قال الله سبحانه: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر الآية. وروي عن
النبي ص أنه قال: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في
الجنة، وروي عنه ص أنه قال: من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله
له بيتا في الجنة، وروي عن الأئمة ع: أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف
صلاة والصلاة في مسجد النبي ص بعشرة آلاف صلاة والصلاة في بيت
المقدس بألف صلاة وفي المسجد الأعظم بمائة صلاة وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين
صلاة وفي السوق باثنتي عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة، وصلاة
الفرائض في المساجد أفضل منها في البيوت وصلاة النساء في بيوتهن أفضل منها في غيرها
وصلاة النوافل في البيوت أفضل من المسجد ولا سيما صلاة الليل.
بناء المسجد فيه ثواب عظيم وفضل جزيل وينبغي أن لا يعلى ولا يظلل ولا يزخرف
ولا يشرف، ومأذنة المسجد ينبغي أن تبنى مع حائطه ولا ترفع عليه ولا يبني في وسطه
ولا يجعل المحراب داخلا في بناء الحائط، ومن أخذ من آلته شيئا من الحصى أو غيره وجب
رده إليه أو إلى غيره من المساجد ولا تنشد فيه الضالة. ويجنب البيع والشرى وإنشاد الشعر
ورفع الأصوات ودخول الصبيان والمجانين عليه، وإقامة الحدود فيه وبري النبل وسل
السيوف وعمل الصنائع، وينبغي للإنسان أن لا ينام فيه وإذا أكل شيئا من بصل أو ثوم لم
يدخله حتى تزول رائحة ذلك عنه، وما ينبغي فعله من التيمم لمن أجنب في المسجد الحرام
ومسجد النبي ص قد ذكرناه فيما تقدم.
ومن أراد دخول المسجد فليمسح أسفل رجليه أو أسفل شمشكه أو خفه أو نعله
أو ما يكون فيه، ويقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: بسم الله وبالله اللهم صل على
محمد بن عبد الله وعلى آله وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء
وجهك، وإذا أراد الخروج قدم رجله اليسرى في ذلك ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد
407

وافتح لنا باب فضلك، وإن أراد أن يبصق فليضع ذلك في أسفل ما يمشي به من شمشك
أو غيره، ولا يبصق في المسجد فإن فعل ذلك فليدفنه في التراب ولا يدفن فيه ميت.
وتنظيف المساجد فيه فضل كثير وكذلك إسراجها، ولا يكشف في شئ منها عورة
وإذا بنى الانسان مسجدا في داره جاز له تغييره وتوسيعه وتضييقه وإذا استهدم المسجد
فصار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب ما حوله وانقطاع الطريق عنه وكان له آلة جاز أن
يستعمل فيما عداه من المساجد وإذا صار على هذه الصفة لم يعد ملكا على حال.
باب الجماعة وأحكامها:
الاجتماع في الفرائض فيما عدا الجمعة مندوب إليه وفيه فضل كثير وأما في الجمعة مع
اجتماع الشروط فواجب، وقد روي أن صلاة الرجل جماعة يزيد على صلاة من صلى وحده
في الفضل بخمسة وعشرين صلاة والأفضل للإنسان أن لا يترك الجماعة إلا لعذر والعذر على
ضربين: أحدهما عام والآخر خاص، فأما العام فهو المطر والوحل والريح الشديد
وما جرى مجرى ذلك، وأما الخاص فهو الخوف والمرض ومدافعة الأخبثين وفوات الرفاق
وحضور الطعام مع شدة الحاجة إلى أكله أو خبز أو طبيخ يخاف على تلفهما إن تركهما،
أو يكون له عليل أو مريض شديد أو يغلبه النعاس الكثير يخاف من انتظار الجماعة عليه
النوم وانتقاض الطهر فتفوته الصلاة، أو إباق عبد أو هلاك مال أو ما يجري مجرى ذلك.
وتنعقد الجماعة بشرطين: أحدهما العدد والآخر الأذان والإقامة وأقل ما ينعقد به العدد
ثلاثة أحدهم الإمام، وينبغي أن يعدل الصفوف ويكون بين كل صفين مربض عنز وما أشبه
ذلك ولا يمكن أحد من الصبيان والعبيد والنساء والمخنثين من الوقوف في الصف الأول،
وإذا امتلأت الصفوف ووقف الانسان وحده كان جائزا وإذا رأى الانسان خللا في الصف
فيستحب أن يسده بنفسه ويجوز للإنسان أن يقف بين الأساطين، وإذا وقف الرجل بحيث
يكون بينه وبين الإمام ساتر من جدار وما جرى مجراه أو كان خلف المقاصير التي ليست
مخرمة لم تكن صلاته جماعة وقد رخص للنساء في ذلك، وأفضل الصفوف الصف الأول
وما قرب من الإمام وكان عن يمينه، وإذا صلى في المسجد جماعة فإنه يكره أن تصلي فيه تلك
408

الصلاة بعينها جماعة، وإن حضر قوم بعد الصلاة. وأرادوا أن يصلوا جماعة وكانت
الصفوف لم تنقض جاز أن يتقدم واحد منهم ويصلى بهم، ولا يصلى بهم الذي كان أم
الناس ولا يؤذن ولا يقام لها لأن الأذان والإقامة المتقدمة كافية في ذلك، وإن كانت الصفوف
قد انقضت أذن وأقام وصلى بهم.
باب الإمامة وما يتعلق بها:
لا يجوز لأحد أن يتقدم في الصلاة على الإمام الأعظم فأما من عداه فيجوز تقديمه على
غير الإمام الأعظم من الناس إذا جمع شروطا وهي: كونه حرا بالغا كامل العقل موثوقا
بورعه ودينه سليما من العاهات والأسباب التي نذكرها في من يؤم بمثله، وأما من يؤم بمثله
ولا يؤم بغيره من الأصحاء السليمين فهو: الأبرص والمجذوم والمفلوج والزمن فهؤلاء كما
ذكرناه لا يؤم واحد منهم إلا بمن كان بمثله، ولا يؤم بمن يخالفه في الصحة والسلامة ولا يؤم
العبيد بالأحرار إلا أن يكونوا ساداتهم إذا كان العبد أقرأهم، ولا تؤم المرأة الرجال ويجوز أن
تؤم النساء ولا يؤم الأعرابي المهاجرين ويجوز أن يؤم بغيرهم ولا يؤم المتيمم بالمتوضئين
ويجوز أن يؤم المتيممين ولا يؤم المسافر الحاضرين ويؤم المسافرين وقد ذكر أن إمامته
للحاضرين جائز إلا أنها مكروهة وعلى هذا الوجه إن أم بالحاضرين فينبغي له إذا تمم
فرضه سلم وقدم غيره من الحاضرين ليتم الصلاة بهم.
ولا يجوز إمامة كل من خالف الحق بمذهب أو دين ومن يتظاهر بولاية أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب ع ولا يتبرأ من أعدائه، وولد الزنى والفاسق والمحدود وإن كان
موافقا في الاعتقاد والأعمى إذا لم يسدده من خلفه فإن سدده كانت إمامته جائزة، ومن لم
يكن من الصبيان بالغا لم تجز إمامته وقد ذكر في ذلك عاق والديه وقاطع رحمه والأغلف.
وإذا حضر الصلاة من نصبه الإمام الأعظم لم يتقدم أحد عليه وإذا حضر رجل من بني
هاشم وهو على الشرائط التي قدمنا ذكرها فينبغي تقديمه، ولا يتقدم أحد على أميره ولا على
من هو في مسجده أو منزله إلا أن يقدم، ويتقدم أقرأ الجماعة فإن استووا فأكبرهم سنا فإذا
استووا فأصبحهم وجها، ويكره لمن يؤم بالناس أن يصلى في محراب داخل في الحائط وإذا
409

قامت الصلاة وكانت مما يصلى بإمام لم تجز صلاة النوافل في هذا الحال، ولا يجوز للإمام أن
يصلى بالناس جالسا إلا أن يكونوا عراة فإنهم إذا كانوا كذلك صلوا جلوسا وتقدمهم
الإمام بركبتيه، ولا يجوز أن يكون موضع وقوف الإمام أعلى من موضع المأمومين بما يعلم
تفاوته ويجوز أن يكون موضع المأمومين أعلى من موضع الإمام، وإذا حضر لصلاة الجماعة
اثنان بغير زيادة عليهما فليقف أحدهما عن يمين الآخر ويصليان، ومتى أم من يصح تقدمه
بغيره في صلاة جهرية وقرأ فلا يقرأ المأموم بل تسمع قراءته فإن كان لا يسمع قراءته كان
مخيرا بين القراءة وتركها، وإن كانت صلاة إخفات فيستحب للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب
وحدها ويجوز أن يسبح الله تعالى ويحمده.
وإذا أم من لا يجوز الاقتداء به فعلى من خلفه ممن يأتم به القراءة على كل حال جهر
الإمام بالقراءة أو لم يجهر، وإذا رأى انسان رجلين يصليان ونوى الائتمام بواحد منهما غير
معين لم تصح صلاته وإذا رأى اثنين يصليان أحدهما مأموم والآخر إمام فنوى الائتمام
بالمأموم لم تصح صلاته، وإذا صلى رجلان فذكر كل منهما أنه إمام صحت صلاتهما وإن ذكر
كل واحد منهما أنه مأموم لم تصح صلاتهما وكذلك إن شكا ولم يعرف كل واحد منهما أنه
مأموم لم تصح صلاتهما أيضا، ولا يؤم الأمي بقارئ والأمي هو الذي لا يحسن قراءة الحمد
والأمي يجوز أن يأتم بالأمي، ومن صلى خلف من لا يأتم به فعليه أن يقرأ لنفسه وأقل
ما يجزئ الانسان قراءة الحمد وحدها، ومن صلى خلف من لا يقتدى به وكان عليه تقية ولم
يتمكن من قراءة أكثر منها كان جائزا ويجزئه أيضا إن كان عليه تقية أن يكون قراءته مثل
حديث النفس ولا يجوز له ترك القراءة على حال، وإذا سبق الإمام الذي لا يقتدى به إلى
الفراع من السورة فالأفضل أن يبقى منها آية فإذا وصل الإمام إليها تممها هو بذلك معه فإذا
فرع منها قبله فينبغي له أن يسبح الله تعالى ويحمده إلى حين فراغه من القراءة.
ومن أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة وإن لم يدركها فقد فاتته وإذا سمع
تكبيرة الركوع قبل وصوله إلى الصف فليركع ويمشي وهو كذلك حتى يصل إلى الصف
ويتم ركوعه وإذا رفع الإمام رأسه من الركوع فليسجد فإذا نهض إلى الثانية فيلحق
بالصف، فإذا خاف الانسان من فوت الركوع أجزأه أن يكبر تكبيرة واحدة للافتتاح
410

والركوع وإن كان لا يخاف من ذلك كبر تكبيرتين واحدة للافتتاح والأخرى للركوع، ومن
فاته مع الإمام ركعة أو ركعتان جعل ما يدركه معه أول صلاته فإذا سلم الإمام قام هو ويتمم
ما فاته.
وينبغي للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين، وإذا اقتدى انسان بغيره في صلاته لم
يجز له أن يرفع رأسه قبل رفع رأسه من ركوع ولا سجود فإن فعل ذلك ناسيا عاد إلى
الركوع أو السجود حتى يرفع رأسه مع الإمام وإن تعمد ذلك لم يرجع إلى الركوع ولا
السجود بل يقف حتى يلحقه الإمام، وإن كان الإمام لا يقتدى به وفعل ذلك معه فلا يرجع إليه
متعمدا كان في ما فعله أو ناسيا فإن عاد إليه كان قد زاد في صلاته وذلك لا يجوز، ومن لحق
الإمام وقد رفع رأسه من الركوع سجد معه ولم يعتد بتلك السجدة ويجوز له أن يقف حتى
يقوم الإمام إلى الثانية ومن لحقه وهو في التشهد جلس معه حتى يسلم فإذا سلم قام
هو واستأنف الصلاة. والإمام إذا علم بدخول قوم إلى المسجد وهو في الركوع أطال فيه
حتى يلحقوا به في ذلك، وإذا سلم الإمام فينبغي أن يسلم تسليمة واحدة تجاه القبلة ويشير
بمؤخر عينه اليمنى بها إلى جهة يمينه ولا يزول من موضع صلاته حتى يتم من فاته شئ من
الصلاة خلفه ما فاته منها، ومن لم يكن صلى الظهر ثم دخل مع الإمام في صلاته العصر لم
يجز أن يصليها عصرا ولا أن يقتدي به فإن نوى أنها له ظهر كان جائزا.
ومن كان إماما ثم أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة أو يقطعها فينبغي أن
يقدم غيره ليتم الصلاة بالناس ويستحب أن يكون هذا الذي يقدم ممن قد شهد الإقامة
للصلاة فإن لم يكن كذلك جاز تقديمه على كل حال، وإن كان ممن قد فاته من الصلاة
ركعة أو ركعتان كان أيضا جائزا غير أنه إذا صلى بهم تمام صلاتهم أومأ بالتسليم لهم إيماء
أو قدم من يسلم بهم ثم يقوم هو فيتمم الباقي له من الصلاة، والإمام إذا مات فجأة أزيل
من القبلة وقدم من يتمم الصلاة بالناس.
وإذا دخل انسان في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة كان له قطعها والدخول في
الجماعة، وإذا كان في فريضة كان له قطعها إذا كان الإمام إمام الأصل وإذا لم يكن الإمام إمام
الأصل وكان ممن يقتدى به تمم صلاته التي هو فيها ركعتين على التخفيف ويعدهما نافلة، وإن
411

كان ممن لا يقتدى به بنى على ما هو فيه ودخل معه في الصلاة فإذا فرع من صلاته سلم ثم
قام مع الإمام وصلى ما بقي له معه واعتده أيضا من النافلة وإذا اتفق قيام الإمام في حال
تشهده اقتصر فيه على الشهادتين وسلم قائما وإذا كان الإمام مخالفا في الاعتقاد وقرأ
سورة سجدة ولم يسجد فينبغي أن تومئ أنت بالسجود إيماءا، ومن اضطر إلى التسليم قبل
أن يسلم الإمام جاز له الخروج ومن صلى بقوم إلى غير القبلة ومن خلفه عالم بذلك كان على
الجميع إعادة الصلاة، فإن لم يكن الذين خلفه عالمين بذلك لم يكن عليهم إعادة وكانت
الإعادة على الإمام وحده.
باب ستر العورة:
سترها في الصلاة على ضربين: أحدهما عورة الرجال والآخر عورة النساء، فأما
عورة الرجال فهي من السرة إلى الركبتين وأقل ما يجزئ في ستر العورة مئزر وما أشبهه مما
إذا استتر به وأسبل به ستر الركبتين، فقد ذكر أن الواجب ستر القبل والدبر وما عدا ذلك
مستحب وما ذكرناه هو الأحوط، فأما عورة النساء فهي جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك
ومن لم تبلغ من الحرائر فإن هؤلاء يجوز لهن كشف رؤوسهن في الصلاة والأفضل لهن
سترها، وأقل ما يجزئ البالغ من الحرائر درع يسترها إلى قدميها وخمار، والمماليك ومن ليس
ببالغ درع يستر إلى القدمين، والأفضل التجمل باللباس للصلاة مع القدرة على ذلك
والتمكن منه والأفضل للرجال إذا أراد الصلاة أن يرتدي ويلبس العمامة محنكا في صيف
كان أو في شتاء.
باب القبلة:
القبلة هي الكعبة والعلم بها واجب مع التمكن للتوجه إليها في فرائض الصلاة
وسننها واحتضار الموتى من الناس وغسلهم والصلاة عليهم ودفنهم والذبائح. فكل من
شاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليها فإن لم يشاهدها وشاهد المسجد الحرام وجب عليه
التوجه إلى المسجد الحرام وإن لم يشاهد الكعبة ولا المسجد الحرام وجب عليه التوجه إلى
412

الحرم سواء كان مشاهدا له أو لم يكن كذلك، وما قدمناه في معرفة زوال الشمس به يعرف به
جهة القبلة لأن الشمس إذا زالت مالت من بين عيني الانسان حتى تصير على حاجبه الأيمن
كان متوجها إليها وإذا كان في الليل كان متوجها إليها بأن يجعل الجدي على منكبه الأيمن
وإن كان عند طلوع الفجر جعله على يده اليسرى.
وإذا تقدمت له المعرفة بجهة القبلة أمكنه أيضا أن يعرف زوال الشمس بأن يتوجه
إليها فيرى الشمس على حاجبه الأيمن، ويمكن أن يعرف ذلك بأن يجعل الانسان منكبه الأيمن
بإزاء المغرب والأيسر بإزاء المشرق ثم ينظر الشمس فإذا رآها قد زالت وصارت على
حاجبه الأيمن كان متوجها إلى القبلة فإن كان عارفا بالجهة التي تنتهي الشمس إليها في
الصيف ثم ترجع وعارفا بالجهة التي إذا رجعت انتهت ثم عادت وكذلك في جهتي انتهائها
في المغرب ورجوعها، ثم تحري جهة الوسط بأن يجعل منكبه بإزاء الوسط من الجهتين
المذكورتين في المغرب ومنكبه الأيسر بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المشرق. ثم
توجه إلى جهة الجنوب فإنه إذا وقف كذلك ووجد الشمس قد زالت وصارت على حاجبه
الأيمن عرف بذلك الزوال وكان متوجها إلى القبلة.
وإذا أطبقت السماء بالغيم وحضر وقت الصلاة ولم يتمكن المكلف من المعرفة
بجهتها ولا غلب في ظنه ذلك صلى إلى أربع جهات الصلاة بعينها أربع صلوات، فإن لم
يتمكن من ذلك لخوف أو غيره من الضرورات صلى إلى أي جهة أراد، والمحبوس إذا كان
لا يتمكن من المعروفة بجهة القبلة كان حكمه ما قدمناه ومن كان على سطح الكعبة فعليه
أن ينزل ويتوجه إليها فإن لم يتمكن من ذلك لضرورة استلقى على ظهره ونظر إلى السماء
وصلى إليها وقد ذكر أنه إذا فعل ذلك كان متوجها إلى البيت المعمور.
وإذا اجتمع قوم غير عارفين بجهة القبلة بشئ من الوجوه التي ذكرناها وأرادوا أن
يصلوا جماعة جاز لهم ذلك بأن يقتدوا بواحد منهم إذا كانت أحوالهم متساوية في التباس
القبلة عليهم، فإن غلب في ظن بعضهم جهة القبلة وتساوى ظن الباقين كان ذلك أيضا
جائزا لهم بأن يقتدوا به لأن فرضهم الصلاة إلى الجهات الأربع مع التمكن وإلى واحدة منها
مع الضرورة، وهذه الجهة واحدة من ذلك، فإن اختلف ظنونهم وأدى كل واحد منهم
413

اجتهاده إلى القبلة في خلاف الجهة التي ظن الآخر أنها بها لم يجز أن يقتدي واحد منهم
بالآخر، وإذا وجب على قوم منهم الصلاة إلى أربع جهات جاز لهم الصلاة جماعة ويقتدي
كل واحد منهم بصاحبه في الجهات الأربع، ومن دخل إلى غير بلده من البلدان أو المواضع
جاز له أن يصلى إلى قبلة ذلك البلد أو الموضع الذي دخل إليه، فإن علم أو غلب على ظنه
أن تلك القبلة غير صحيحة لم تجز له الصلاة إليها وكان عليه أن يجتهد في طلب القبلة بأحد
الوجوه التي ذكرناها ثم يتوجه إليها، ومن لا يحسن الاعتبار في طلب جهة القبلة بشئ
مما ذكرناه وأخبره عدل بأن القبلة في جهة معينة جاز له الرجوع في ذلك إلى قوله.
الصلاة على الراحلة وما يلحق بها:
والمسافر إذا كان ماشيا لم يجز له أن يصلى إلا وهو مستقبل القبلة فإن كان على راحلة
لم يجز له مع الاختيار أن يصلى إلا كذلك فإن كان مضطرا أو غير متمكن من النزول عنها
جاز أن يصلى عليها بعد أن يستقبل القبلة ويجوز صلاة النوافل في السفر على الراحلة،
وإن كان المسافر مختارا بعد أن يستقبل القبلة فإن لم يمكنه ذلك استقبلها بتكبيرة الإحرام ثم
يصلى كيف ما توجهت به راحلته وكذلك الماشي إذا لم يتمكن من استقبالها في جميع صلاته.
ومن كان في سفينة وهو متمكن من أن يدور إلى القبلة إذا دارت هي في خلاف جهتها
فعل ذلك فإن لم يتمكن من ذلك صلى إلى صدر السفينة بعد أن يستقبلها بتكبيرة الإحرام،
ومن كان في حرب شديد ومسايفة وخوف من ذلك لا يتمكن معه من استقبال القبلة سقط
عنه فرض الاستقبال لها وكانت صلاته على ما سنذكره في باب صلاة الخوف إن شاء الله
تعالى، ومن كان عالما بدليل القبلة ثم التبس عليه ذلك لم يجز له أن يقلد غيره في الرجوع
إلى واحدة من الجهات الأربع التي كلف الصلاة إليها مع الالتباس، فإن كان به ضرورة صلى
إلى أي جهة أراد فإن قلد غيره في حال الضرورة دون الاختيار كان جائزا إذا كانت الجهة
التي يقلد فيها غير مخير في الصلاة إليها أو إلى غيرها، ولا يجوز للمكلف قبول قول غير
العدل في شئ من الجهات مسلما كان أو كافرا.
ومن صلى إلى جهة من الجهات ثم بان له أنه قد صلى إلى غير القبلة وكان الوقت باقيا
414

كان عليه إعادة الصلاة، فإن كان قد اقتدى به في هذه الصلاة أعمى أو قبل قوله فيها
ولم يقتد به كان عليه أيضا الإعادة وإن كان الوقت قد انقضى لم يكن عليه إعادة إلا أن يكون
قد صلى مستدبر القبلة فحينئذ تكون عليه الإعادة، والضرير إذا دخل في صلاة إلى جهة
بقول واحد من الناس ثم ذكر له آخر أن القبلة في غير تلك الجهة كان عليه أن يأخذ بقول
أعدلهما عنده فإن تساويا في العدالة مضى في صلاته وإذا دخل الأعمى في صلاة إلى جهة
بقول بصير ثم أبصر ورأى علامات القبلة وأماراتها صحيحة بنى على صلاته، فإن افتقر
حين أبصر إلى تأمل كثير وطلب الأمارات ومراعاة لذلك كان عليه استئناف الصلاة وهو
الأحوط من قول من قال: بأنه يمضى في ذلك، ومن توجه في الصلاة إلى جهة وهو بصير ثم
عمي عليه كان عليه المضي فيها فإن انحرف عنها انحرافا لا يمكنه معه الرجوع إليها كان
عليه استئنافها من لفظها ويعمل على قول من يسدده إلى جهة القبلة.
باب الأذان والإقامة وأحكامهما:
الأذان والإقامة على ضربين: واجب ومندوب فالواجب هو ما يتعلق منهما بصلاة
الجماعة على الرجال، وأما المندوب فهو ما يتعلق منهما بغير صلاة الجماعة على ما ذكرناه.
وفصولهما على ضربين: أحدهما فصول الأذان والآخر فصول الإقامة، فأما فصول
الأذان فثمانية عشر فصلا وهي: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي
على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله، وأما فصول الإقامة فهي سبعة عشر فصلا
وهي: مثنى من أولها فإذا قلت: حي على خير العمل قلت: قد قامت الصلاة مرتين، فإذا
قلت بعد ذلك: الله أكبر قلت: لا إله إلا الله مرة واحدة.
واعلم أن الأذان والإقامة مشدد فيهما على وجه التأكيد على من صلى شيئا من
الصلوات الخمس منفردا والإقامة في ذلك أشد تأكيدا من الأذان، ومن صلى جماعة بغير
أذان ولا إقامة كانت صلاته صحيحة غير أن فضل الجماعة ليس بحاصل له وهما أيضا
415

مؤكدتان فيما يجهر فيه المصلي بالقراءة إذا كان منفردا وما يتعلق به صلاتا المغرب والفجر
من ذلك آكد من غيرهما على المنفرد، ولا يجوز الأذان والإقامة للنوافل والأفضل لمن صلى
قضاء لشئ من الصلوات الخمس أن يؤذن كذلك ويقيم حسب ما كان فعله في الصلاة
التي يقضي عنها، وإذا دخل المصلي في صلاة بغير أذان ولا إقامة فالأفضل له الرجوع
ويؤذن ويقيم ثم يدخل في الصلاة فإن كان قد ركع لم يجز له ذلك ومضى في صلاته،
والتثويب والترجيع عندنا ليسا بمسنونين في الصلاة، والترجيع هو التكرار
للتكبير والشهادتين في أول الأذان والتثويب هو قول: الصلاة خير من النوم.
والترتيب واجب في الأذان والإقامة، وهو أن يبتدأ بالتكبير ثم
شهادة أن لا إله إلا الله ثم شهادة أن محمدا رسول الله ثم حي على الصلاة ثم حي على الفلاح ثم حي على
خير العمل ثم التكبير ثم التهليل على ما ذكرناه، وإن كان في الإقامة أتى بعد حي على
خير العمل بذكر الإقامة وبعد ذلك بالتكبير ثم التهليل ومتى أذن أو أقام بغير ترتيب كان
عليه إعادة ذلك وإن أذن وأقام قبل دخول الوقت أعادهما
أيضا، ويجب على المصلي جماعة استقبال القبلة في حالهما وأن يكون قائما إلا لضرورة
تمنعه من ذلك، وينبغي للمصلي أن يرتل ألفاظ الأذان ويحدر الإقامة ويقف على فصولهما
ولا يعرب شيئا من ذلك ويجوز للنساء أن يؤذن ويقمن من غير أن يسمعن الرجال
أصواتهن، ويجوز تقديم الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الغداة فإذا دخل الوقت لم يكن
بد من إعادته وينبغي رفع الصوت في الأذان ولا ينتهي في ذلك إلى حد يبطله، ويجوز الكلام
في حال الأذان ويكره في الإقامة وإن تكلم بها استحبت له الإعادة وكذلك يستحب له الإعادة
إذا عرض له الإغماء أو النوم ثم أفاق أو استيقظ، ومن أتى ببعض الأذان ثم ارتد وعاد إلى
الاسلام فعليه استئنافه ومتى تمم الأذان ثم ارتد بعد ذلك جاز لغيره أن يأتي بالإقامة.
ومن جمع بين صلاتين جاز له أن يؤذن ويقيم للأولى ثم يقيم للثانية ويجوز أن يصلى
ما شاء من الصلوات الخمس بالإقامة دون الأذان وإن لم يجمع بين اثنين منها، ولا يجوز الأذان
والإقامة إلا لصلوات الخمس فأما غير ذلك من سائر الصلوات على اختلافها فلا يجوز
الإتيان بهما في ذلك، وليس على النساء أذان ولا إقامة فإن أذن وأقمن كان أفضل ولا
416

يسمعن الرجال أصواتهن كما قدمناه.
ويستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند حي على خير العمل: آل محمد خير
البرية مرتين، ويقول في نفسه إذا فرع من قوله حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله،
وكذلك يقول عند قوله: حي على الفلاح، وإذا قال: قد قامت الصلاة
قال: اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملا، وإذا فرع من قوله قد
قامت الصلاة قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة الدائمة أعط محمدا سؤله
يوم القيامة وبلغه الدرجة والوسيلة من الجنة وتقبل شفاعته في أمته، ومن أذن وأقام فينبغي
أن يفرق بينهما بجلسة يمس فيها بيده الأرض أو بسجدة أو خطوة إلا أن يكون ذلك لصلاة
المغرب فإنه لا يفرق بينهما بسجدة ويستحب لمن سمع الأذان والإقامة أن يقول في نفسه كما
يسمع منه، وينبغي أن يكون المؤذن مأمونا عارفا بالأوقات ولا يجوز أخذه الأجرة على ذلك
إلا أن يكون من بيت المال، وإذا تشاح الناس على الأذان أقرع بينهم لما روي عن النبي
ص: ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضرب عليها بالسهام: الأذان والغدو إلى الجمعة
والصف الأول.
وإذا دخل قوم إلى المسجد وقد صلى الناس جماعة وأرادوا أن يصلوا جماعة لم يكن
عليهم أذان ولا إقامة هذا إذا لم يكن الناس قد انصرفوا من صلاة الجماعة وإن كانوا قد
انصرفوا أذنوا وأقاموا، وإذا صلى انسان خلف من لا يقتدى به أذن وأقام فإن صلى خلف
من يأتم به لم يكن عليه أذان ولا إقامة، ومن أحدث في حال الأذان كان عليه إعادة الوضوء
والبناء على ما تقدم وإن كان ذلك منه حال الإقامة أعاد الوضوء واستأنفها، ويكره أن يؤذن
الانسان وهو راكب أو ماش مع الاختيار ويجوز أن يؤذن وهو على غير طهارة ولا يقيم إلا وهو
على طهارة.
كيفية الصلاة على ضربين: أحدهما كيفية صلاة اليوم والليلة والآخر كيفية ما عدا
ذلك من الصلوات، وكيفية صلاة اليوم والليلة على ضربين: أحدهما كيفية صلاة المختار
والآخر كيفية صلاة المضطر.
إذا كان المكلف بالصلاة مختارا ودخل الوقت فينبغي أن يتطهر للصلاة إن كان
417

محدثا ثم يتوجه إلى القبلة وهو قائم مع تمكنه من ذلك ويؤذن فإذا فرع من ذلك سجد وقال في
سجوده: لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا فصل على محمد وآل محمد
وارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم، ويرفع رأسه ويقيم الصلاة فإن فرق هاهنا
بين الأذان والإقامة بخطوة أو جلسة كان جائزا إلا أن يكون صلاة المغرب فلا يفرق كما
قدمناه في باب الأذان، فإذا استوى قائما فرق بين قدميه بمقدار شبر أو أربع أصابع فإن كان
المصلي امرأة جمعت بين قدميها.
ولا يلتفت المصلي يمينا ولا شمالا ويكون على خشوع وخضوع وتذلل لله سبحانه، ثم
يفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ويعقد النية كذلك في حال الابتداء بالدخول فيها ويبتدئ
بالتكبيرة الأولى فيقول: الله أكبر، ويرفع يديه مع التكبير باسطا كفيه مفرجا بين إبهاميه
ومسبحتيه حيال شحمتي أذنيه ولا يتجاوز بذلك أطراف أصابعه ثم يرسلهما إذا كبر على
فخذيه ثم يرفعهما، ويكبر ثانية وثالثة كذلك فإذا فرع من الثالثة دعا فقال: اللهم أنت
الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم يكبر تكبيرتين يكمل بهما خمس تكبيرات ويفعل فيهما كما فعل
في التكبير المتقدم ثم يقول بعد الخامسة: لبيك وسعديك والخير كله في يديك والمهدي من
هديت عبدك وابن عبديك لا ملجأ ولا منجى ولا ملتجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك
تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام.
وإذا فرع من ذلك كبر تكبيرتين يكمل بهما سبع تكبيرات ثم يرسل يديه إلى فخذيه بعد
السابعة، وإن كان امرأة وضعت أطراف أصابع يدها اليمنى على ثديها الأيمن واليسرى على
الأيسر وقال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين
محمد (ص) ومنهاج علي بن أبي طالب وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ الحمد وسورة ويفتحها ببسم الله
الرحمن الرحيم، فإذا فرع من قراءة الحمد، فلا يقول: آمين كما يفعله العامة.
ويجعل نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده ولا يضع يمينه على شماله ويخافت
418

بقراءة السورتين في الظهر والعصر إلا ببسم الله الرحمن الرحيم فإنه يجهر بها في كل صلاة
ويجهر بالقراءة في صلاة العشائين والغداة فإذا فرع من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير
ويجعل نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده ولا يضع يمينه على شماله ويخافت بقراءة
السورتين في الظهر والعصر إلا ببسم الله الرحمن، فإنه يجهر بها في كل صلاة ويجهر
بالقراءة في صلاة العشائين والغداة فإذا فرع من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير
للركوع فإذا كبر ركع ووضع باطن كفيه على عيني ركبتيه مفرجات الأصابع وسوى ظهره
ومد عنقه وغمض عينيه فإن لم يغمضها جعل نظره إلى ما بين قدميه، وإن كان امرأة لم
تنحن كثيرا ووضعت يديها على ثدييها، ويسبح ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا
أو خمسا أو سبعا وما زاد على المرة الواحدة فهو أفضل، فإذا فرع من التسبيح استوى قائما
وقال: سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين أهل الجود والكبرياء والعظمة، ثم يرفع يديه
بالتكبيرة فإذا فرع أرسل نفسه للسجود وتلقي الأرض بيديه قبل ركبتيه وبسطهما على
الأرض، وجعل أطراف أصابعه مما يلي وجهه جهة القبلة وإن كان امرأة جلست قبل
السجود.
ويسجد معلقا على أعضاء مخصوصة من جسده وهي: جبهته وطرف أنفه وكفاه
وركبتاه وإبهاما رجليه، ولا يضع بعض جسده على بعض ولا يلصق بطنه بفخذيه
ولا فخذيه بساقيه، ويجعل نظره إلى طرف أنفه، فإن كان امرأة سجدت لاطئة بالأرض
وضمت ذراعيها إلى عضديها وعضديها إلى جنبيها وفخذيها إلى بطنها، ثم يقول: اللهم لك
سجدت ولك خشعت وبك آمنت وعليك توكلت ولك أسلمت وأنت ربي سجد لك وجهي
وقلبي وسمعي وبصري وجميع جوارحي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه
وبصره، ويسبح فيقول سبحان ربي الأعلى وبحمده، مرة واحدة أو ثلاثا وما زاد على ذلك
كان أفضل فإذا أكمل التسبيح رفع رأسه ثم استوى جالسا، وقال: الله أكبر.
وليكن جلوسه على فخذه الأيسر، ويضع ظاهر قدمه الأيمن على باطن الأيسر ويجعل
نظره إلى حجره، وإن كانت امرأة جلست على أليتيها رافعة ساقيها وضمت فخذيها
وجعلت باطن قدميها على الأرض.
419

وقال في جلوسه اللهم اغفر لي وارحمني وادفع عني وآجرني إني لما أنزلت إلى من خير فقير
ثم يكبر تكبيرة للسجدة الثانية ويرفع يديه جميعا، ويسجد ويفعل في سجوده كما فعل في
السجدة الأولى ويرفع رأسه بالتكبير ويجلس كما جلس أولا فإذا استقر كل عضو منه قام إلى
الركعة الثانية بغير تكبير بل يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وإن كانت امرأة لم ترفع
عجيزتها أولا بل تنسل انسلالا.
فإذا استوى قائما افتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وقرأ الحمد وسورة
يفتتحها أيضا ببسم الله الرحمن الرحيم، فإذا فرع من قراءة السورة الثانية رفع يديه
بالتكبير وبسطهما وجعل باطنهما إلى السماء وظاهرهما فيما يلي الأرض، ويقنت فيقول: لا إله
إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب
الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد وعافني واغفر لي واعف عني وآتني في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار، ثم يدعو بما أراد من حوائج الدنيا والآخرة،
فإذا فرع من القنوت ركع وسجد وفعل في ركوعه وسجوده مثل ما فعل فيما تقدم.
فإذا فرع من ذلك جلس للتشهد كما جلس بين السجدتين، ويضع كفيه على فخذيه
ويكون أطراف أصابعهما دون عيني ركبتيه ويجعل نظره إلى حجره ويتشهد ويقول: بسم الله
وبالله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اللهم صل على محمد وآل محمد
وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته، ثم تسلم إن كانت الصلاة ثنائية وإن كانت ثلاثية
أو رباعية لم يسلم ونهض بغير تكبير بل يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، ويتم ما بقي
عليه من الركعات ويفعل فيها كما فعل في الركعتين الأولتين إلا القراءة، فإنه لا يقرأ في ثالثة
ولا رابعة بسورتين بل يقتصر على الحمد وحدها، أو يسبح ثلاث تسبيحات يقول في كل
واحدة منها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
فإذا فعل ذلك جلس للتشهد الأخير وقال: بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
420

كله ولو كره المشركون، التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات
الرائحات الناعمات الغاديات المباركات لله ما طاب وطهر وزكى وخلص ونمى وما خبث
فلغير الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وأشهد أن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية
لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد
كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على جميع أنبياء الله وملائكته ورسله السلام
على الأئمة الهادين المهديين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
فإذا تمم جميع ما ذكرناه وكان إماما أو مصليا على جهة الانفراد أو غير مقتد بإمام
سلم تسليمة واحدة فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأومأ بها إلى تجاه القبلة
وانحرف بمؤخر عينه اليمنى إلى جهة يمينه، وإن كان مأموما وعلى يساره سلم تسليمة
أخرى إلى جهة يساره، فإذا سلم كما ذكرناه عقب قبل قيامه من مجلس صلاته فقال: الله
أكبر ثلاث مرات ويرفع يديه مع كل تكبيرة منها إلى شحمتي أذنيه ثم يقول بعد التكبير:
لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين
ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب
الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير
وهو على كل شئ قدير، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء
إلى صراط مستقيم.
ثم يسبح تسبيحة الزهراء مولاتنا فاطمة الزهراء عليها أفضل السلام وهو أربع
وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة، يبتدئ في ذلك بالتكبير
ثم التحميد ثم التسبيح ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام
وإليك السلام وإليك يرجع السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، السلام على رسول الله السلام على نبي
الله السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين السلام على الأئمة الطاهرين الهادين
المهديين السلام على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ملك الموت وحملة العرش
421

السلام على رضوان خازن الجنان السلام على مالك خازن النار، السلام على آدم ومحمد
ومن بينهما من الأنبياء والأوصياء والشهداء والصلحاء السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، ويسلم على الأئمة ع واحدا واحدا ويقول بعد ذلك، اللهم إني
أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك وأسألك عافيتك
في أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ثم يقرأ اثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد ويقول بعد ذلك، اللهم إني أسألك باسمك
المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم أن تصلي على محمد
وآل محمد، يا واهب العطايا ويا مطلق الأسارى ويا فاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي
على محمد وآل محمد وأن تعتق رقبتي من النار وتخرجني من الدنيا آمنا وتدخلني الجنة
سالما وأن تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا إنك أنت علام
الغيوب، ثم يسجد سجدتي الشكر ويكون لاطئا بالأرض ويقول فيها: شكرا شكرا مائة
مرة ويجوز أن يقول: عفوا عفوا، فإن لم يتمكن من ذلك قال: شكرا شكرا ثلاث مرات فإذا
لم يتمكن من التعقيب بما ذكرناه اقتصر على تسبيح السيدة فاطمة ع، وإن
عقب بما ذكرناه في صلاة الفرائض والنوافل حاز بذلك فضلا عظيما.
باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة:
الأحكام المقارنة للصلاة على ضربين: أحدهما واجب والآخر ندب، فأما الواجب
فهو: النية وتكبيرة الإحرام ومقارنة النية لأول الصلاة واستمرار حكمها إلى حين الفراع
منها، والقيام مع التمكن منه أو ما قام مقامه مع العجز عنه والتوجه إلى القبلة والتلفظ بالله
أكبر وقراءة الحمد وسورة في الركعتين في حال التمكن والحمد وحدها فيما زاد من الصلاة
على الركعتين الأولتين، أو عشرة تسبيحات مخيرا في ذلك والإشارة باليد والاعتقاد بالقلب
للتكبير والقراءة إذا كان المصلي أخرس، وتعلم سورة كاملة ممن لا يحسن من القراءة
شيئا والقراءة باللسان العربي والركوع والطمأنينة والتسبيح فيه والانتصاب فيه،
والسجود الأول والتسبيح فيه ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الأول وفي الانتصاب
422

منه، والسجود الثاني والتسبيح فيه ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الثاني
والإخفات فيما يخافت فيه والجهر فيما يجهر به، والجهر ب‍ " بسم الله الرحمن الرحيم " فيما
يجهر أو يخافت والتشهد الأول والثاني في كل رباعية وثلاثية، والتشهد الواحد في كل ثنائية
والصلاة على النبي وآله في كل تشهد والسجود على سبعة أعضاء وهي: الجبهة وباطن
الكفين والركبتان وإبهاما الرجلين.
ولا يتكتف ولا يلتفت إلى خلفه ولا يقرأ من السور الطوال ما يفوت وقت الصلاة معه
ولا يقول: آمين، ولا يفعل فعلا كثيرا من غير أفعال الصلاة ولا يتأوه بحرفين ولا يتكلم
بما ليس من الصلاة ولا يحدث بما ينقض الطهارة ولا يقهقه ولا يبكي على مصاب أحد
من الخلق ولا يصلى في شئ مما لا يجوز الصلاة فيه ولا في موضع ويجوز السجود عليه،
ولا يتم الصلاة إذا كان مسافرا أو في حكم المسافر ولا يقصرها إذا كان حاضرا أو في حكم
الحاضر ولا يصلى وبجانبه امرأة تصلي وإن كان المصلي امرأة فلا تصلي وبجانبها
رجل يصلى، ولا يقرأ سورة في ركعة ثالثة ولا رابعة.
وأما الندب: فهو افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام والدعاء بين هذه
التكبيرات، وأن يأتي بالسبع تكبيرات في سبع مواضع وهي. الركعة الأولى من كل فريضة
والأولى من ركعتي الزوال وأول ركعة من صلاة المغرب وأول ركعة من صلاة الليل وأول
ركعة من صلاة الوتيرة وفي ركعة الوتر والأول من ركعتي الإحرام، ولفظ التوجه وتكبير
الركوع والسجود ورفع اليدين مع كل تكبيرة وقول: " سمع الله لمن حمده " عند رفع الرأس
من الركوع وما زاد من تسبيح الركوع والسجود على تسبيحة واحدة والدعاء في الركوع
والسجود والإرغام بالأنف في السجود، والجلسة بين الركعات إلا جلسة التشهد والنظر في
حال القيام إلى موضع السجود وفي حال الركوع إلى بين القدمين وفي حال السجود إلى
طرف الأنف وفي حال الجلوس إلى الحجر، وإسبال اليدين على الفخذين محاذية لعيني
الركبتين في حال القيام ووضعهما في حال الركوع على عيني الركبتين وفي حال السجود
بحذاء الأذنين وفي الجلوس على الفخذين، وتلقي الأرض باليدين عند الانحطاط للسجود
قبل الركبتين والاتكاء عليهما عند القيام ورفعهما إلى حد شحمتي الأذنين مع مد العنق في
423

الركوع ورد الرجل اليمنى إلى الخلف عند الجلوس، والقنوت بعد القراءة وقبل الركوع في
الثانية وإعادته إذا ترك وزيارة التحميد والدعاء على الشهادتين والصلاة على النبي وآله
ص، والتورك في حال التشهد على الورك الأيسر مع الضم للفخذين ووضع
ظاهر قدم اليمنى على باطن اليسرى، وأن يتحنك ويرتدي برداء والتسليم إن كان إماما أو
منفردا أو غير مقتد بغيره إلى جهة القبلة ويومئ إيماء إلى يمينه بمؤخر عينه فإن كان مأموما
وعلى يساره غيره سلم عن يساره أيضا، والتعقيب عند الفراع من الفرائض والنوافل.
ولا يصلى ويداه داخل ثيابه ولا يفرقع أصابعه ولا يتمطى ولا يتثاءب ولا يتنخع ولا
ينفخ موضع سجوده ولا يدافع الأخبثين، ولا يصلى فيما ذكرنا أن الصلاة مكروهة فيه
ولا على ما ذكرنا أنها مكروهة عليه ولا يصلى ومعه حديد مثل سكين أو سيف وما أشبه
ذلك أو شئ فيه صورة ولا يصلى وفي قبلته قرطاس مكتوب، ولا تماثيل ولا نار ولا سلاح
مشهور ولا يصلى في موضع حائط قبلته ينز من بالوعة مع التمكن من ذلك ولا يقعي بين
السجدتين ولا يقرأ في مصحف ولا يصل بين السورتين اللتين يقرأهما في الصلاة بل
يفصل بينهما بسكتة.
باب صلاة الجمعة:
روي عن رسول الله (ص) قال: أربعة يستأنفون العمل: المريض إذا برأ والمشرك إذا
أسلم والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا والحاج، وعن الباقر ع أنه قال: إن
الأعمال تضاعف بيوم الجمعة فأكثروا من الصلاة والصدقة وعن الرسول
ص أنه قال: أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم تضاعف فيه الأعمال.
واعلم أن فرض الجمعة لا يصح كونه فريضة إلا بشروط متى اجتمعت صح كونه
فريضة جمعة ووجبت لذلك ومتى لم تجتمع لم تصح ولم يجب كونه كذلك بل يجب كون هذه
الصلاة ظهرا ويصليها المصلي بنية كونها ظهرا، والشروط التي ذكرناها هي: أن يكون
المكلف كذلك حرا بالغا كامل العقل سليما من المرض والعرج والعمى والشيخوخة التي
لا يمكنه الحركة معها، وأن لا يكون مسافرا ولا في حكم المسافر وأن يكون بينه وبين موضع
424

الجمعة فرسخان فما دونهما، ويحضر الإمام العادل أو من نصبه أو من جرى مجراه ويجتمع
من الناس سبعة نفر أحدهم الإمام ويتمكن من الخطبتين ويكون بين الجمعتين ثلاثة أميال،
فهذه الشروط إذا اجتمعت وجب كون هذه الصلاة فريضة جمعة ومتى لم يجتمع سقط
كونها فريضة جمعة وصليت ظهرا كما قدمناه، فإن اجتمع من الناس خمسة نفر أحدهم
الإمام وحصل باقي هذه الشروط كانت صلاتها ندبا واستحبابا.
ويسقط فرضها مع حصول الشروط المذكورة عن حصول الشروط المذكورة عن
تسعة نفر وهم: الشيخ الكبير والطفل الصغير والعبد والمرأة والأعمى والمسافر والأعرج
والمريض وكل من كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين، ويجب صلاتها على
العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها ويجزئهم إذا دخلوا فيها وصلوها عن صلاة الظهر.
آداب الجمعة:
فإذا حضر يوم الجمعة فينبغي للمكلف أن يحلق رأسه ويقص أظفاره ويأخذ من
شاربه وينظف ويغتسل، وأفضل الأوقات لهذا الغسل كلما قرب من الزوال ومتى زالت
الشمس ولم يكن اغتسل قضاه يوم السبت وإذا خاف من عدم الماء في يوم الجمعة جاز له
تقديمه في يوم الخميس، وإذا اغتسل لبس أفخر ثيابه وتطيب بما قدر عليه وتوجه إلى المسجد
بسكينة ووقار، والدعاء في توجهه إليه فقال: اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى
مخلوق رجاء رفده وجوائزه ونوافله، فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وإعدادي واستعدادي
رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك، ثم يصلى ست ركعات بتسليم كل اثنتين عند انبساط
الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس استظهارا
للزوال، ثم يؤذن ويقيم ويفتتح الفرض بسبع تكبيرات ويتوجه ثم يقرأ الحمد وسورة الجمعة
ويجهر بالقراءة أيضا فإذا قام إلى الثانية قرأ الحمد وسورة المنافقين ويجهر بالقراءة أيضا.
فإذا فرع من القراءة رفع يديه للقنوت حيال صدره وبسطهما وقنت بما تقدم ذكره في
كيفية الصلاة، ثم يركع ويتشهد ويقوم إلى الثالثة ويقرأ الحمد وحدها أو يسبح كما ذكرناه
فيما مضى، ويفعل في الرابعة مثل ما ذكرناه ثم يسلم ويسبح تسبيح سيدة النساء فاطمة
425

صلوات الله عليها، ويقرأ الحمد مرة واحدة وسورة الإخلاص سبع مرات والمعوذتين وآية
الكرسي مرة واحدة وآية السخرة وهي: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
الآية ويقرء آخر سورة التوبة لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص
عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب
العرش العظيم مرة واحدة ويرفع يديه بالدعاء فيقول: اللهم إني عهدت إليك بحاجتي
وأنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي فأنا لمغفرتك أرجى مني لعملي ورحمتك أوسع من
ذنوبي، فتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ويتيسر ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم
أصب خيرا قط إلا منك ولم يصرف عني أحد سوء قط غيرك ولست أرجو لآخرتي ودنياي
سواك ولا ليوم فقري وتفردي من الناس في حفرتي غيرك، فصل على محمد وآل محمد
واجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمارها الملائكة مع نبينا محمد
ص وأبينا إبراهيم صلوات الله عليه.
فإذا فرع مما ذكرناه فليؤذن وليقم لصلاة العصر ثم يصليها كما صلى الظهر فإذا
سلم سبح تسبيح الزهراء ع واستغفر الله تعالى سبعين مرة ويقول في
استغفاره: أستغفر الله ربي وأتوب إليه، وليصل على محمد وآل محمد سبع مرات، يقول في
كل مرة: اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم
بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته، فإذا كمل
ذلك سبع مرات قال: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم مائة مرة ثم ادع
بما تيسر من الدعاء بعد ذلك، وإنما ذكرنا صلاة أربع ركعات هاهنا لمن صلى لنفسه بغير إمام.
كيفية صلاة الجمعة:
فأما إذا حضر الإمام واجتمعت الشروط التي قدمنا ذكرها فينبغي للإمام أن يلبس
العمامة في صيف كان أو في شتاء ويرتدي ببرد يمني أو عدني فإذا قرب من الزوال صعد
المنبر وأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس، وينبغي إذا خطب هاتين
الخطبتين أن يفرق بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله في خطبته ويصلى على النبي
426

وآله ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويعظ ويزجر ويخوف وينذر، فإذا
نزل الإمام صلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وسورة الجمعة يجهر فيها بالقراءة فإذا
فرع منها رفع يديه للقنوت قبل الركوع ثم تمم الركعة، فإذا قام إلى الثانية قرأ الحمد وسورة
المنافقين وجهر بها أيضا ويقنت في هذه الركعة بعد الركوع ثم يتمها ويسلم.
ولا يجوز أن يصلى بالناس غير الإمام إذا كان حاضرا في البلد إلا لمانع له أو من يأمره
بذلك، ومن لم يدرك الخطبتين وكان الإمام ممن يقتدى به كانت صلاته كاملة فإذا أدرك الإمام
وقد ركع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه أن يصلى الظهر أربع ركعات وعلى من يقتدي
بإمام أن يصغي إلى قراءته، ومن صلى لنفسه بغير إمام فليقرأ السورتين اللتين سلف
ذكرهما فإن سبق إلى سورة غيرهما ثم ذكر ذلك فعليه الرجوع إليها إذا لم يجز نصف
السورة التي ابتدأ بها فإن تجاوز النصف فالأفضل له أن يتم ويحسبها من النوافل ثم
يستأنف الصلاة بالسورتين اللتين ذكرناهما وليس ذلك ما يجب عليه، ومن صلى خلف من
لا يأتم به تقية فينبغي له أن يقدم صلاته إن تمكن من ذلك فإن لم يتمكن من تقديمها صلى
معه ركعتين فإذا سلم قام هو فتمم ركعتين فإذا أدرك الإمام وقد صلى ركعة صلى معه الثانية
فإذا سلم قام هو فصلى ركعة أخرى وجهر فيها بالقراءة.
فإذا صلى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكن من السجود فإذا قام الإمام من السجود
سجد هو ولحق بالإمام فمتى لم يفعل ذلك ووقف حتى ركع الإمام في الثانية فلا يركع معه فإذا
سجد الإمام سجد هو وجعل سجدتيه للركعة الأولى فإذا سلم قام فأتى بركعة أخرى،
ومتى لم ينو بالسجدتين أنهما للركعة الأولى كان عليه استئناف للصلاة، وإذا كان الزمان
زمان تقية جاز للمؤمنين أن يجمعوا في مكان لا يلحقهم فيه ضرر وليصلوا جماعة بخطبتين
فإن لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة أربع ركعات.
ومن صلى فرض الجمعة مع إمام يقتدى به فليصل العصر بعد الفراع من فرض
الجمعة ولا يفصل بينهما إلا بالإقامة، ويجوز للمسافر أن يصلى الجمعة بالمقيمين إذا تمكن
من الخطبتين واجتمعت الشروط، فإن صلى بهم بغير خطبة كانت ظهرا، وإذا اجتمع النساء
لم تنعقد بهن الجمعة وكذلك الصبيان إذا لم يبلغوا، وإذا خطب الإمام وحده ثم حضر العدد
427

كان عليه إعادة الخطبة فإن لم يعدها لم تصح الجمعة ولا كان ما صلاه فريضة جمعة، ومن
وجبت عليه الجمعة ومنعه من حضورها مانع أو كان له عذر أما في نفسه أو أهله أو أخ له في
الدين مثل أن يكون مريضا فيشتغل بإعانته أو ميت يهتم بتجهيزه ودفنه لم يكن عليه شئ،
فإذا اجتمعت الشرائط وزالت الشمس وأراد الانسان السفر لم يجز له ذلك حتى يصلى وإذا
كان السفر من يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر كان ذلك مكروها والأفضل أن يقيم حتى
يصلى ويسافر بعد ذلك، وإذا أحرم الإمام بالجمعة فعرف أنه قد صلى في البلد في موضع آخر
الجمعة لم تنعقد له جمعة ويصلى ظهرا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال، وإذا وجبت الجمعة على
انسان وجلس الإمام على المنبر حرم عليه البيع والشراء.
باب صلاة السفر:
روي عن رسول الله ص أنه قال: إن الله سبحانه أهدى إلى أمتي هدية لم
يهدها إلى أحد من الأمم تكرمة منه عز وجل لنا فقيل له وما ذلك يا رسول الله؟ فقال
ص الإفطار والصلاة في السفر فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته وروي
عن الصادق ع أنه قال: أنا برئ ممن يصلى أربعا في السفر، وروي عن أمير
المؤمنين ع أنه قال: من قصر الصلاة في السفر وأفطر فقد قبل تحفة الله
سبحانه وكملت صلاته.
واعلم أن السفر على أربعة أوجه: أولها واجب وثانيها ندب وثالثها مباح ورابعها
قبيح، فأما الواجب فهو مثل سفر من وجب عليه حج أو عمرة وأما المندوب فهو مثل سفر
القاصد إلى الزيارات وما أشبهها، وأما المباح فهو مثل سفر التجارة وطلب الأرباح لذلك
وطلب القوت لأنفسهم ولأهليهم وأما القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختارا، ومن
هو باع أو عاد أو يسعى في قطع الطريق وما أشبه ذلك ومن طلب الصيد للهو والبطر، فأما
أصحاب الوجوه الثلاثة التي هي الواجب والندب والمباح فعليهم التقصير في الصلاة
والصوم وأما أصحاب الوجه الرابع وهو القبيح فعليهم الإتمام في الصلاة والصوم، ومن
كان سفره في طلب صيد التجارة لا لقوته وقوت عياله وأهله فقد ورد أنه يتم الصلاة ويفطر
428

الصوم.
ومن سافر سفرا يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره
أو يتوارى عنه جدران مدينته خرابا كانت أو عامرة، فإن كان باديا فحتى تجاوز الموضع
الذي يستقر فيه منزله وإن كان مقيما في واد حتى تجاوز أرضه وإن سار عنه طولا حتى يغيب
عن موضع منزله، ومن مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها أو كان له في طريقه أهل أو
من جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير. والسفر
الذي يلزم فيه التقصير هو ما كان مسافته ثمانية فراسخ أو ما زاد على ذلك أو أربعة
فراسخ إذا نوى العود من يومه، وقد ذكر التخيير بين القصر والإتمام لمن كان سفره أربعة
فراسخ ولم ينو الرجوع من يومه.
وجميع من كان سفره أكثر من حضره مثل الملاح والمكاري والجمال والبدوي إذا طلب
القطر والنبت والرعاة، والأمراء الذين يدورون في إماراتهم والجباة الذين يسعون في
جباياتهم ومن يدور من سوق إلى سوق في تجارته فإن الإتمام لازم لهم ولا يجوز لأحد منهم
التقصير إلا أن يقيم في بلده عشرة أيام فإن أقام ذلك قصر وإن كان مقامه خمسة أيام
قصر بالنهار وتمم بالليل، والتقصير في السفر وكذلك الإفطار فيه في شهر رمضان واجبان،
فمن صلى صلاة رباعية على كمالها كان عليه الإعادة إلا أن يكون لم يقرأ الآية في ذلك.
ومن خرج من بلده إلى بلد آخر ومن قريته إلى قرية أخرى في دون المسافة التي حدث
للتقصير لم يقصر وإن خرج من ذلك البلد أو تلك القرية إلى بلد آخر ونوى المقام فيه
عشرة أيام أو أكثر كان عليه الإتمام وإن كان بين البلد الثاني وبين بلده الذي خرج منه أولا
المسافة المحدودة، وكذلك لو انتقل من مكان إلى غيره ولا مكان بينهما إلا وهو ينوي المقام
فيه عشرة أيام أو أكثر من ذلك والأماكن ليس بين واحد منها وبين ما يليه المسافة المحدودة لم
يجز التقصير في شئ من ذلك، فإن خرج من بلده الرجوع إلى بلد يقصر إلى مثله الصلاة ولم
يصل إلى آخر المسافة المضروبة للتقصير حتى بدا له الرجوع إلى بلده كان عليه الإتمام، وإذا
كان للبلد طريقان من موضع خروج الانسان وأحد الطريقين دون المسافة والطريق
الآخر فيه المسافة أو أكثر منها فسار في أحد الطريقين لغير علة لم يقصر، فإن كان الطريق
429

الذي هو أقل مسافة مخوفا أو شاقا أو كان له في الطريق الأبعد حاجة تدعوه إلى المسير فيه
كان عليه التقصير، ومن سافر إلى بلد ونوى أنه إن لقي زيدا أقام عنده عشرة أيام كان
عليه التقصير حتى يلقى زيدا فإذا لقيه وأقام عنده على نية المقام عشرة أيام كان عليه
الإتمام.
والمسافر إذا نزل في موضع نوى فيه الإقامة عشرة أيام كان عليه الإتمام
فإن نوى المقام أقل من ذلك قصر فإن لم ينو شيئا أو سوف نفسه بالخروج فقال: اليوم
أخرج أو غدا أخرج ولم يستقر له نية في مقام ولا مسير كان عليه أن يقصر ما بينه وبين شهر
فإن كمل الشهر كان عليه الإتمام، وإذا نسي المسافر صلاة وذكرها في الحضر قضاها صلاة
مسافر وإن نسي صلاة في الحضر وذكرها في حال السفر قضاها صلاة حاضر، وإذا شك ولم
يعلم هل الصلاة التي نسيها صلاة حضر أو سفر كان عليه أن يصلى صلاة حضر،
والمسافر إذا دخل بلدا ونوى المقام عشرة أيام ثم صلى وبدا له في المقام وكان قد صلى منها
ركعة أو ركعتين لم يجز له قصرها بل عليه إتمامها لأنه دخل بنية مقيم ونوى السفر قبل
إتمامها، فإذا دخل في صلاة الظهر ونوى المقام قبل أن يصلى ركعتين أو صلى ركعتين ونوى
المقام قبل أن يسلم كان عليه إتمامها أربع ركعات وليس عليه استئنافها، وإن سلم في
ركعتين ونوى المقام كان عليه الإتمام فيما يستقبل فإن نوى المقام وهو في صلاة الظهر وسلم
من ركعتين كان عليه استئناف الظهر أربع ركعات، والمسافر إذا أتم الصلاة متعمدا
أو ناسيا وكان الوقت باقيا كان عليه الإعادة.
ومن أبق له عبد فخرج في طلبه وقصد بلدا يقصر في مثله الصلاة وقال: إن وجدته
قبل ذلك البلد رجعت لم يجز له التقصير لأنه لم ينو سفرا يقصر الصلاة فيه وإن لم يقصد
بلدا ونوى أنه يطلبه حيث بلغ لم يكن له القصر لأنه شاك في المسافة المحدودة للتقصير
وإن نوى قصد ذلك البلد سواء وجد عبده قبل الوصول إليه أو لم يجده كان عليه التقصير
لأنه نوى سفرا يجب التقصير فيه، فإذا خرج وهذه نيته ثم رجع عن هذه النية وعزم على العود
إلى وطنه وترك القصد إلى تلك البلدة يقطع سفره هاهنا وكان في رجوعه مستأنفا للسفر،
فإن كان بين هذا المكان وبين بلده مسافة يقصر فيها الصلاة كان عليه التقصير وإن لم
430

يكن كذلك كان عليه الإتمام.
والمسافر في البر والبحر والأنهار في جميع أحكام السفر من تقصير وإتمام على حد
سواء لا يختلف الحال في ذلك، وإذا دخل المركب في البحر إلى جزيرة من جزائره أو موضع
يقف فيه فالحكم فيه كالحكم في دخوله إلى بلد وكل موضع يجب فيه التقصير أو الإتمام فإن
خرج إلى مسافة يقصر في مثلها وردته الريح كان له التقصير لأنه ما رجع ولا نوى مقاما،
فأما صاحب السفينة فإنه يجب عليه التمام لأنه ممن يجب عليه الإتمام مع جملة المسافرين.
ومن سافر إلى مكة حاجا وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى المقام بها
عشرة أيام كان عليه التقصير في الطريق والإتمام إذا وصل إليها، فإن خرج منها إلى عرفات
ليقضي مناسكه بها ولا ينوي المقام بمكة عشرة أيام إذا رجع إليها كان عليه التقصير لأنه قد
نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده قصر في مثله، وإن نوى إذا قضى مناسكه بعرفات المقام
بمكة عشرا إذا عاد إليها كان عليه التمام إذا عاد إليها فإن كان يريد إذا قضى مناسكه
المقام عشرة أيام بمكة أو بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فعليه الإتمام بمكة و
التقصير في منى وعرفات إلى أن ينوي المقام بها عشرا فعليه حينئذ التمام، وقد ذكر أن
عليه التقصير والأحوط ما ذكرناه أولا، ومن سافر إلى موضع فخرج من بلده إلى مكان بينه
وبينه مسافة دون المسافة المحدودة للتقصير ونوى أن ينتظر فيه والمقام عشرة أيام أو أكثر،
فإذا اجتمعوا سافروا منه سفرا يجب فيه التقصير عليهم يجب فيه التقصير عليهم لم يجز
له التقصير حتى يسيروا من ذلك المكان الذي يجتمعون فيه لأنه لم ينو بالخروج إلى هذا
المكان سفرا يقتضي التقصير وإن لم ينو المقام عشرة أيام وإنما خرج بنية أنه إذا اجتمعوا
ساروا كان عليه التقصير ما بينه وبين شهر ثم يتم بعد ذلك.
والمسافر إذا صلى خلف المقيم لم يلزمه الإتمام معه وإذا أم المسافرين ومقيمين وأحدث
ثم استخلف مقيما صلى المقيم على التمام ولم يلزم المسافرين ذلك، ومن شيع مؤمنا وكان
مسافة سفره معه ثمانية فراسخ أو أربعة إذا عزم على الرجوع من يومه كان عليه
التقصير، ويجوز للمسافر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين العشائين، وليس عليه
شئ من نوافل النهار والذي عليه من النوافل قدمناه حين ذكرنا أعداد نوافل السفر في
431

ما تقدم، وليس يجب على المسافر صلاة الجمعة ولا العيدين.
ويستحب له أن يقول عقيب كل صلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، فإن في ذلك جبرا لصلاته، وقد روي أنه يستحب له الإتمام في أربعة مواضع وهي: مكة
والمدينة ومسجد الكوفة والحائر، ووردت رواية أخرى أنه يستحب الإتمام في
حرم الله تعالى وحرم رسوله ص وحرم أمير المؤمنين ع وحرم الحسين
ع والتقصير هو الأصل والعمل به عندي في هذه المواضع وغيرها أحوط. فأما
ما يوجب إعادة صلاة السفر فسنذكره في ما يوجب إعادة الصلاة بعون الله ومشيئته، وأما
معنى التقصير فهو أن يصلى كل صلاة رباعية ركعتين فأما ما عدا الرباعيات من
الصلاة فالمسافر يصليها كما يصليها في الحضر سواء.
باب صلاة المضطر:
إذا اضطر المكلف في صلاته إلى الإخلال بشئ من أحكامها التي بينا أنها لازمة
للمختار كان عليه الاجتهاد في إيقاعها على غاية ما يمكنه الإيقاع لها عليه، وكيفية صلاة
المضطر تختلف بحسب اختلاف الضرورة فمن ذلك: صلاة المريض وصلاة الخوف وصلاة
العريان وصلاة السابح وصلاة الغريق والموتحل وصلاة المضطر إلى المشي
وصلاة المقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك والصلاة في السفينة، ونحن نذكر هذه
الفصول واحدا واحدا بمشيئة الله وعونه.
باب صلاة المريض:
اعلم أن المريض لا يسقط عنه فرض الصلاة ما دام عقله ثابتا إلا أن يكون امرأة
حائضا وإنما يتغير صفاتها بحسب اختلاف حاله في المرض، فإذا كان قادرا على الصلاة
قائما وجبت عليه كذلك فإن لم يتمكن من ذلك وكان متمكنا من أدائها بأن يعتمد على حائط أو
عصا أو ما أشبه ذلك وجبت عليه كذلك أيضا فإن لم يقدر على ذلك وقدر على أدائها
جالسا أداها كذلك فإن لم يقدر عليها جالسا وقدر عليها مضطجعا على جنبه وجبت عليه
432

كذلك فإن لم يقدر على ذلك وقدر عليها مستلقيا على ظهره صلاها مستلقيا عليه، والمريض
إذا صلى جالسا كان عليه أن يقرأ فإذا أراد الركوع وكان قادرا على القيام فليقم ويركع فإن
لم يقدر على ذلك ركع وهو جالس فإن لم يقدر على السجود رفع بيده شيئا يجوز السجود
عليه وسجد عليه فإن لم يقدر على الصلاة جالسا جملة صلى على جنبه الأيمن ويسجد فإن لم
يتمكن من السجود أومأ به إيماء، وأما إذا لم يقدر على الاضطجاع استلقى على ظهره وصلى
إيماء، وصفة ذلك أن يفتتح الصلاة بالتكبير ويقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا أراد رفع
رأسه من الركوع فتحهما فإن أراد السجود غمضهما فإذا أراد رفع رأسه منه فتحهما يفعل
ذلك إلى أن يتم الصلاة، والمريض إذا صلى جالسا فينبغي أن يجلس متربعا في حال
القراءة فإذا أراد الركوع فليثن رجليه فإن لم يقدر على ذلك جلس بحسب تمكنه.
فإن كان مبطونا وأحدث بما ينقض الطهارة فعليه إعادتها والبناء على ما مضى. من
صلاته فإن كان به سلس البول جاز له الصلاة بعد أن يستبرئ، ويستحب أن يلف على
ذكره خرقة تمنع من تعدى ما يخرج منه إلى بدنه وثيابه، وإذا كان المريض مسافرا وهو راكب
جاز له الصلاة على ظهر دابته ويسجد على ما يتمكن من السجود عليه وإن صلى نافلة
جاز له أن يومئ بها إيماء وإن لم يسجد والأحوط أن يسجد إن قدر على ذلك، وحد المرض
المبيح للصلاة جالسا أن يعلم من حال نفسه أنه لا يقدر على الصلاة قائما ولا على
الوقوف أو المشي بمقدار زمان الصلاة.
باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة:
كل قتال كان واجبا مثل قتال المشركين وأهل البغي أو مباحا مثل الدفع عن المال
والنفس فإن صلاة الخوف فيه جائزة وتقصيرها صحيح، وهي أن يصلى كل رباعية
ركعتين كما قدمناه في صلاة السفر وصلاة الخوف بالتقصير أحق وأولى بالقصر من صلاة
المسافر لأن هذه معها خوف وتلك لا خوف معها فهذه أحق بذلك، واعلم أن هذه الصلاة
لا تجب إلا عند شروطها وهي أن يكون العدو في غير جهة القبلة ولا يتمكن المقابل له إلا
بأن يستدبر القبلة ويكون عن يمينه أو شماله أو يخاف من العدو عند اشتغالهم بالصلاة من
433

الغدر بهم والارتكاب لهم والانكباب عليهم، وأن يكون في المسلمين كثرة متى افترقوا
طائفتين كان كل طائفة مقاومة للعدو حتى يفرع الطائفة الأخرى من الصلاة فإذا
حصلت هذه الشروط صحت صلاتها جماعة إذا أرادوها كذلك.
وقد يجوز أن يصليها الواحد منفردا غير أنهم إذا أرادوا صلاتها جماعة كما ذكرناه
كان أقل ما يكون الطائفة معه طائفة ثلاثة وقد ذكر أن هذا الاسم يصح تناوله للواحد، ولا فرق في
وجوب التقصير فيها بين أن يكون الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك فإن كان الأمر على
ذلك فهي على ضربين: أحدهما صلاة خوف والآخر صلاة شدة الخوف وهي التي يقول فيها
صلاة المطاردة والمسايفة.
كيفية صلاة الخوف:
فصفتها أن يفترق الجماعة فرقتين فتقف فرقة بحذاء العدو وتقوم
الفرقة الأخرى فتقف خلف الإمام فصلى بهم ركعة فإذا قام إلى الثانية وقف قائما وصلوا
هم الركعة الثانية وتشهدوا ثم سلموا ثم قاموا فوقفوا بحذاء العدو، وتقدمت الفرقة
الأخرى فوقفت خلف الإمام وافتتحوا الصلاة بالتكبير فصلى بهم الإمام الركعة الثانية له
وهي لهم أولة فإذا جلس للتشهد قاموا هم إلى الركعة الثانية لهم فصلوها فإذا فرغوا منها
تشهدوا ثم يسلم الإمام بهم وقد تمت صلاتهم، وإن كانت الصلاة صلاة المغرب فينبغي أن
يفترقوا كما ذكرناه ويتقدم فرقة فتقف بحذاء العدو وتتقدم الفرقة الأخرى فتقف خلف
الإمام فيصلي بهم ركعة ويقف في الثانية ويصلوا هم الركعتين الباقيتين ويخففوا فيها فإذا
سلموا وقفوا بحذاء العدو، وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الإمام وافتتحوا الصلاة
بالتكبير وصلى بهم الثانية له وهي لهم أولة فإذا جلس للتشهد جلسوا معه وذكروا الله تعالى
فإذا قام إلى الثالثة له قاموا معه وهي لهم ثانية فيصليها فإذا جلس للتشهد الثاني جلسوا
معه وتشهدوا وهو أول تشهد لهم وخففوا في تشهدهم ثم قاموا إلى الثالثة لهم فصلوها فإذا
جلسوا للتشهد الثاني وتشهدوا سلم الإمام بهم وانصرفوا.
ومن كان في حال هذه الحرب راكبا صلى على ظهر دابته بعد أن يستقبل بتكبيرة
434

الإحرام القبلة فصلى كيف ما دارت به الدابة ويسجد على قربوس سرجه فإن لم يتمكن من
السجود صلى إيماء وانحنى للركوع والسجود وجعل سجوده أخفض من ركوعه إن تمكن
من ذلك.
صلاة المطاردة:
فأما صفة صلاة شدة الخوف وهي المطاردة والمسايفة وهي إذا كانت الحال ما ذكرناه
كبر المصلي لكل ركعة تكبيرة، والتكبيرة أن يقول: سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر فأما حكم السهو في هذه الصلاة فسنذكره في باب السهو بمشيئة الله سبحانه.
واعلم أن أخذ السلاح يجب على الطائفة ويجب أن يكون خاليا من نجاسة فإن كان
على شئ منه ريش مما لا يؤكل لحمه كالعقاب والنسر لم يكن بأس، فإن كان ثقيلا لم يمكن
معه الركوع والسجود مثل الجوشن والكواعد والمغافر السابغة وما جرى مجرى ذلك كان
مكروها، والذي ينبغي أخذه من ذلك ما كان مثل السكين والسيف والقوس وغيره
والرمح إذا لم يتأذ به أهل الصف فإن كان عليه نجاسة لم يكن به بأس فإذا كان على
السيف الصيقل نجاسة ومسح بخرقة كانت الصلاة فيه جائزة، وفي أصحابنا من قال
بأن ذلك جائزة على كل حال لأنه إذا مسح بالخرقة فقد طهر، وعندي أنه لا يطهر بذلك لكن
الصلاة فيه جائزة كما قدمناه لأنه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.
ومن صلى مع شدة الخوف ركعة وهو راكب ثم أمن فينبغي أن ينزل عن دابته ويتم
ما بقي من صلاته على الأرض فإن كان آمنا وصلى ركعة على الأرض ثم لحقته شدة الخوف
فليركب ويتم ما بقي عليه من الصلاة راكبا، هذا جائز ما لم يستدبر القبلة فإن استدبرها
كان عليه استئناف الصلاة، وإذا كان بين المقاتلة حائط أو خندق وخافوا أن ينقب العدو
عليهم الحائط أو يطم الخندق إذا تشاغلوا بالصلاة جاز لهم أن يصلوا إيماء هذا إذا ظنوا ذلك
قبل أن يصلوا وإن ظنوا أنهم لا يفعلون ذلك إلا بعد فراغهم من الصلاة لم يجز لهم أن
يصلوا صلاة شدة الخوف، وإذا رأوا سوادا فظنوه عدوا جاز أن يصلوا صلاة شدة الخوف
إيماء فإن لم يكن ما رأوا صحيحا لم يكن عليهم إعادة، وإذا شاهدوا العدو فصلوا صلاة
435

شدة الخوف ثم بان لهم أن بينهم نهرا كبيرا أو خندقا لا يصلون إليهم معه فليس عليهم
إعادة.
والعدو إذا كان في جهة القبلة والناس في مستو من الأرض لا يسترهم شئ ولا يمكنهم
أمر يخاف منه وكان المسلمون كثيرين لم يجب عليهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف،
وإذا كان المسلمون كثيرين ويصح أن يفترقوا طائفتين وكل طائفة منهما يقوم بالعدو جاز
للإمام أن يصلى بالطائفة الواحدة الركعتين ثم يصلى بالطائفة الأخرى ركعتين آخرتين
وتكون هاتان الركعتان له نافلة ولهم فريضة، وإذا كان يوم الجمعة وكان عددهم العدد الذي
تنعقد به الجمعة جاز للإمام أن يصلى بهم الركعتين بأن يخطب بالطائفة الأولى ويصلى بهم
ركعة ثم يصلوا هم الركعة الأخرى ثم يقوم مقام أصحابهم فيصلي بهم الركعة الأخرى على
ما قدمناه، وإن لم يبلغوا العدد الذي ذكرناه لم ينعقد لهم هذه الصلاة صلاة جمعة بل
يصلونها ظهرا وإن بلغت الطائفة الأولى العدد المذكور وخطب بهم وكان في الطائفة
الأخرى العدد أيضا كاملا لم يصح أن يصلى بهم جماعة إلا بعد أن يعيد الخطبة لأن الجمعة
لا تنعقد مع تمام العدد إلا بخطبة، فإن صلى بالأولى صلاة الجمعة كاملة لم يجز أن يصلى
الأخرى صلاة جمعة بل يصلى بهم ظهرا.
وإذا انهزم المشركون وطلبهم المسلمون لم يجز أن يصلوا صلاة الخوف لأن الخوف قد
ارتفع وليس مشاهدتهم بأمارة لحصول الخوف، ومن فر من الزحف وصلى صلاة شدة
الخوف كان عليه الإعادة إذا كان عاصيا بفراره فإن كان متحيزا إلى فئة أو متحرفا لقتال لم
يلزمه الإعادة وإنما يكون عاصيا بفراره من الزحف إذا فر من اثنين أو أقل منهما، فأما إن كان
من أكثر من اثنين فإنه لا يكون عاصيا وكانت صلاته جائزة.
باب صلاة العراة:
من كان عريانا وليس له لباس يستتر به وتمكن من الاستتار بحشيش أو غيره كان
عليه أن يستر عورته به ويصلى قائما فإن لم يقدر على ما يستتر به جملة وكان وحده بحيث
لا يراه أحد صلى قائما وإن كان معه انسان أو كان موضع يخشى فيه أن يراه غيره كان عليه
436

أن يصلى جالسا، وإذا اجتمع عراة ولم يتمكنوا مما يستترون به وأرادوا أن يصلوا جماعة
كان عليهم أن يجلسوا صفا واحدا ويجلس إمامهم في وسطهم ولا يتقدمهم إلا بركبتيه ثم
يصلى بهم وهو وهم جلوس ويومئ الإمام بركوعه وسجوده إيماءا ويجعل سجوده أخفض
من ركوعه ويركع الذين خلفه ويسجدون، وقد ذكر أن العريان يؤخر الصلاة إلى أن
يتضيق وقتها رجاء أن يجد ما يستتر به فإن لم يجد شيئا صلى، فمن عمل على ذلك كان
جائزا.
باب صلاة السابح والغريق والموتحل:
السابح والغريق والموتحل إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من
الحصول في موضع يصلون فيه استقبلوا القبلة بتكبيرة الإحرام وصلوا إيماء فإن لم
يتمكنوا من استقبال القبلة صلوا ولم يكن عليهم شئ ويكون ركوعهم وسجودهم
إيماء ويجعلون سجودهم أخفض من ركوعهم.
باب صلاة المضطر إلى المشي والمقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك:
إذا اضطر الانسان إلى المشي ولم يتمكن من الوقوف صلى ماشيا بعد التوجه إلى القبلة
إن تمكن من ذلك ويومئ بركوعه وسجوده إيماء، فأما المقيد والمشدود بالرباط ومن جرى
مجرى ذلك فإنه يجب عليه الاجتهاد في أداء الصلاة على غاية ما يتمكن منه ومتى أمكنه أن
يبلغ بالصلاة إلى غاية هي نهاية ما يقدر عليه فأوقعها دون ذلك كان عليه استئنافها، وإذا
لم يتمكن واحد مما ذكرناه من أن يصلى إلا إيماء صلى كذلك وكانت صلاته مجزئة.
باب الصلاة في السفينة:
إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وهو في سفينة وكان متمكنا من الخروج منها إلى
البر كان الأفضل له الخروج والصلاة على الأرض فإذا لم يخرج منها وصلى في السفينة كانت
صلاته مجزئة، ومن صلى في السفينة كان عليه أن يصلى قائما ويستقبل القبلة مع التمكن
437

من ذلك فإن لم يتمكن من ذلك صلى جالسا متوجها إلى القبلة، وإذا دارت السفينة دار معها
كيف ما دارت ويستقبل القبلة فإن لم يتمكن من ذلك صلى جالسا متوجها إلى القبلة وإذا دارت السفينة
دار معها كيف ما دارت ويستقبل القبلة فإن لم يتمكن في ذلك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام وصلى
كيف ما دارت فإذا صلى فيها شيئا من النوافل صلى قائما إلى رأسها إذا لم يتمكن من
التوجه إلى القبلة، ومتى لم يجد في السفينة ما يسجد عليه سجد على خشبتها فإن كان عليه
قير ألقى عليه شيئا مما يصح السجود عليه وسجد عليه فإن لم يقدر على ذلك سجد على
القير وكان صلاته ماضية.
باب كيفية صلاة ما عدا صلاة اليوم والليلة:
ما عدا صلاة اليوم والليلة من مفروض الصلوات ست صلوات قد تقدم ذكرها في
جملة أعداد الصلوات وهي: صلاة العيدين وصلاة كسوف الشمس والقمر والزلازل
والرياح السود والآيات العظيمة، وقضاء الفائت من الصلاة وصلاة النذر وركعتا
الطواف والصلاة على الموتى، ونحن نأتي بذكر كيفية كل واحدة منها بمشيئة الله تعالى.
باب كيفية صلاة العيدين:
هذه الصلاة تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة وتسقط عن من تسقط عنه صلاة
الجمعة وشروطها، شروطها فإذا كان يوم العيد بعد صلاة الفجر فإنه يستحب للإنسان أن يدعو بهذا
الدعاء فيقول: اللهم إني توجهت إليك بمحمد أمامي وعلى من خلفي وأئمتي عن يميني
وشمالي أستتر بهم من عذابك وأتقرب إليك زلفى لا أجد أحدا أقرب إليك منهم فهم أئمتي
فأمن بهم خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني برحمتك الجنة في عبادك الصالحين، أصبحت
بالله مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد ص وسنته وعلى دين الأوصياء وسنتهم
آمنت بسرهم وعلانيتهم وأرغب إلى الله فيما رغبوا فيه وأعوذ بالله من شر ما استعاذوا منه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم توكلت على الله حسبي الله ومن يتوكل على الله فهو
حسبه إن الله بالغ أمره، اللهم وأطلب أريدك فأردني ما عندك فيسره لي، اللهم إنك قلت في
438

محكم كتابك المنزل وقولك الحق ووعدك الصدق: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى
للناس وبينات من الهدي والفرقان فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرآن
الكريم وخصصته بأن جعلت فيه ليلة القدر، اللهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت
منه يا إلهي إلى ما أنت أعلم به مني فأسألك بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك
المرسلون وعبادك الصالحون أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقبل مني كلما تقربت
إليك به وتتفضل على بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباتي واستجابة دعائي وهب لي منك
عتق رقبتي من النار والأمن يوم الخوف من كل فزع ومن كل هول أعددته ليوم القيامة أعوذ
بحرمة وجهك الكريم وبحرمة نبيك وبحرمة أوصيائه أن يتصرم هذا اليوم ولك قبلي تبعة
تريد أن تقتصها مني لم تغفرها لي أسألك بحرمة وجهك الكريم بلا إله إلا أنت أن ترضى
عني وإن كنت قد رضيت عني فزد فيما بقي من عمري رضا، وإن كنت لم ترض عني فمن
الآن فارض عني يا سيدي ومولاي الساعة الساعة واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم
وفي هذا المجلس من عتقائك من النار عتقا لا رق معه.
اللهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم أن تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ
أسكنتني الأرض وأعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقا وأبتله عتقا من النار وأوجه
مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه إلى ما تحب وترضى، اللهم لا تجعله آخر زمان صمته لك
وارزقني العود فيه حتى ترضى وترضى كل من له قبلي تبعة ولا تخرجني من الدنيا إلا وأنت
عني راض، اللهم واجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام المبرور حجهم
المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم وأديانهم
وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم، اللهم اجعل قلبي في مجلسي هذا وفي يومي هذا
وفي ساعتي هذه مفلحا منجحا مستجابا دعائي مرحوما موتى ومغفورا ذنبي، اللهم واجعل
فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت أن تطيل عمري وأن تقوي ضعفي وأن تغني
فقري وأن تجبر فاقتي وأن ترحم مسكنتي وأن تعز ذلي وأن تؤنس وحشتي وأن تكثر قلتي
وأن تدر رزقي في عافية ويسر وخفض وعيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي
ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأعجز عنها ولا إلى الناس فيرفضوني وعافني في بدني
439

وديني وأهلي ومالي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وأن تمن على بالأمن أبدا ما
أبقيتني فإنك ولي ومولاي وسيدي وإلهي وثقتي ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي
ومنتهى رغبتي فلا تخيبن عليك دعائي يا سيدي ومولاي ولا تبطل ظني ورجائي لديك فقد
توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلواتك عليهم وقد قدمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي
وطلبتي وتضرعي ومسألتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة فإنك مننت على
بمعرفتهم فاختم لي بها السعادة إنك على كل شئ قدير، اللهم لا تبطل عملي وطمعي
ورجائي يا إلهي ومالكي وارحم بالسعادة والسلامة والإسلام والأمن والإيمان والمغفرة
والرضوان والشهادة والحفظ يا لله يا لله أنت لكل حاجة فتول عاقبتها، ولا تسلط علينا
أحدا من خلقك بشئ لا طاقة لنا به من أمر الدنيا وفرغنا لأمر الآخرة يا ذا الجلال والإكرام
صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد وسلم على
محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت وتحننت على إبراهيم وآل
إبراهيم إنك حميد مجيد.
فإذا فرع من هذا الدعاء وأراد الخروج إلى المصلى فالأفضل له أن لا يخرج إلا وهو
على غسل ووقت هذا الغسل طلوع الفجر، ويلبس أجمل ثيابه والإمام يلبس الرداء
والعمامة شاتيا كان أم قائظا، وإن كان عيد الفطر فالأفضل أن لا يخرج من بيته حتى يفطر
على شئ من الحلاوة وإن كان عيد الأضحى فالأفضل له أن لا يأكل مما يذبحه أو ينحره إلا
بعد عوده من الصلاة ولا يأكل شيئا قبل خروجه، فإذا توجه إلى المصلى فيستحب له أن
يكون ماشيا وعليه سكينة ووقار فإن كان إماما كان كذلك حافيا وكلما مشى قليلا وقف
وكبر حتى يصل إليه، ويستحب له أيضا أن يدعو في توجهه إلى المصلى فيقول: اللهم من
تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب جوائزه و فواضله ونوافله
فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا
تخيب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل إني لم آتك اليوم بعمل صالح
قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته لكنني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة لا حجة لي
ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني سؤلي ومسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا
440

يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك بالعظيم أسألك يا عظيم أن تغفر لي العظيم، لا إله
إلا أنت صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته واغسلني من
جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك إنك أنت الوهاب.
فإذا وصل إلى المصلى فالأفضل له أن يجلس على الأرض فإذا أقام إلى الصلاة
برز تحت السماء ولا يؤذن لصلاة العيد ولا يقام لها بل يقول المؤذن ثلاث مرات: الصلاة، ثم
يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرأ الحمد والشمس وضحاها، فإذا فرع من القراءة كبر ثانية
ورفع بها يديه وقنت فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل
التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد
ص ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من
عبادك و صل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات
الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك المرسلون وأعوذ بك من
شر ما عاذ منه عبادك المرسلون، ثم يكبر الثالثة ويقنت بهذا القنوت أيضا ثم يكبر رابعة
ويقنت ثم يكبر خامسة ويقنت به ثم يكبر سادسة ويقنت ثم يكبر سابعة ويركع بها ويسجد
سجدتين، فإذا رفع رأسه من السجود قام إلى الركعة الثانية بغير تكبيرة ثم يكبر تكبيرة
واحدة ويقرأ الحمد وهل أتاك حديث الغاشية، فإذا فرع من القراءة كبر ثانية ورفع بها
يديه وقنت كما قنت فيما تقدم ثم كبر ثالثة وقنت ثم كبر رابعة وقنت ثم كبر خامسة وركع بها
وسجد وتشهد وسلم فيكون جملة هذه الصلاة ركعتين باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى
وخمس في الثانية، من جملتها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع، فإذا فرع الإمام من الصلاة
خطب بالناس ويكون قيامه للخطبة على منبر مبني من طين.
ويستحب للإنسان أن يكبر ليلة عيد الفطر عقيب أربع صلوات أولها صلاة المغرب
وآخرها صلاة العيد يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على
ما هدانا وله الشكر على ما أولانا، ويكبر في عيد الأضحى إن كان بمنى عقيب خمس عشرة
صلاة أولها صلاة الظهر من يوم العيد، وإن كان في غير منى من سائر الأمصار كبر عقيب
441

عشر صلوات أولها الظهر أيضا من يوم العيد ويزيد في التكبير بعد قوله: وله الشكر على ما
أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام، ولا ينبغي أن يخرج إلى صلاة العيد بسلاح إلا لضرورة تدعو
إلى ذلك.
ومن أراد الخروج يوم العيد من بلد بعد طلوع الفجر فلا يخرج حتى يحضر صلاة العيد
فإن كان قبل الفجر جاز له الخروج، ولا يجوز أن يصلى شيئا من النوافل ابتداء ولا قضاء
قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا بمدينة الرسول ص فإنه إذا
كان بها صلى في مسجد النبي ص ركعتين قبل صلاة العيد استحبابا، ومن
صلى صلاة العيد كان مخيرا في استماع الخطبة والأفضل له أن يسمعها ومن لم يحضر
صلاة العيد مع الإمام فالأفضل له أن يقضيها في بيته كما كان يصليها مع الإمام، وليس ذلك
بواجب عليه، وذكر أنه إذا اتفق أن يكون يوم العيد يوم الجمعة كان الذي يصلى
صلاة العيد مخيرا بين حضور الجمعة وبين أن لا يحضرها، والظاهر وجوب حضورها في
الصلاتين وانعقادهما مع تكامل الشروط التي ذكر أنها لا تنعقد إلا بكمالها، ومن صلى
صلاة العيد قبل طلوع الشمس كان عليه الإعادة لها ومن خرج إلى صلاة العيد في طريق
فليرجع في غيرها استحبابا ومن كان لا هيئة لها من النساء من العجائز جاز خروجها
لصلاة العيد ومن كان لها منهن هيئة وجمال صلتها في بيتها.
باب كيفية صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السود المظلمة والآيات
العظيمة واحدة، وهي واجبة لا يجوز تركها فمن تركها فليس يخلو من أن يكون تركها
متعمدا أو ناسيا، فإن تركها متعمدا وكان قرص الشمس أو القمر قد احترق جميعه كان
عليه قضاؤها مع الغسل وإن كان قد احترق بعض القرص كان عليه القضاء دون
الغسل، وإن كان ناسيا وكان قد احترق جميع القرص كان عليه القضاء وإن لم يكن قد
احترق جميع القرص لم يكن عليه شئ وإذا فاتته ولم يكن علم فليصلها إذا علم ذلك.
وأما وقتها فقد ذكرناه في باب أوقات الصلاة، ويستحب صلاتها جماعة، ومن لم
442

يصلها كذلك جاز له أن يصليها منفردا، وجملتها عشر ركعات بأربع سجدات يبتدئ بها
بتكبيرة الإحرام ثم يتوجه فيقرأ الحمد وسورة والأفضل أن يقرأ فيها من السور الطوال مثل
الكهف والأنبياء وما أشبه ذلك، فإذا فرع من القراءة ركع وأطال في ركوعه بمقدار زمان
قراءته ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائما ثم يقرأ الحمد
وسورة فإذا فرع منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ثم يرفع رأسه بالتكبير
ولا يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائما ثم يقرأ الحمد وسورة فإذا فرع منها ركع
وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ولا يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائما ثم يقرأ
الحمد وسورة فإذا فرع منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءة ثم يرفع رأسه ويقول في
الخامسة مثل ما قدمناه ثم يركع الخامسة ويرفع رأسه بغير تكبير بل يقول: سمع الله لمن
حمده الحمد لله رب العالمين، ويسجد سجدتين ويطيل في كل واحدة منهما مثل زمان ركوعه
ثم ينهض ويستوي قائما ويركع خمس ركعات على الصفة المقدمة ويسجد في الخامسة
ويتشهد ويسلم، ومن صلى هذه الصلاة وفرع منها قبل أن ينجلي القرص أو تزول الآية
فيستحب له إعادتها فإن لم يعدها جلس في موضعه يذكر الله سبحانه إلى أن ينجلي القرص
أو تزول الآية، ومن شك في شئ من هذه الصلاة كان عليه استئنافها.
ومن صلاها لزلزلة فليسجد بعد فراغه منها وليقل في سجوده يا من يمسك السماوات
والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا يا من يمسك
السماء أن تقع على الأرض أمسك عنا السوء.
ومتى انكسف الشمس أو خسف القمر أو حدثت آية مما ذكرناه في وقت صلاة
حاضرة بدأ بالحاضرة ثم رجع إليها، وإن بدأ بصلاتها ودخل وقت فريضة قطعها وصلى
الفريضة ورجع إليها وتمم صلاتها وإن دخل وقت صلاة الليل صلى أولا صلاة الكسوف ثم
عاد إلى صلاة الليل فإن فاتت صلاة الليل قضاها بعد ذلك، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف
لأجلها على حال من الأحوال.
443

باب قضاء الفائت من الصلاة:
اعلم أن جميع الأوقات أوقات لقضاء ما فات من الصلاة إلا ما يعرض فيه شغل
لا بد منه مما يقوم بالنفس على الاقتصاد أو يتضيق وقت فريضة حاضرة وحد تضيق الوقت
أن يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة، وكل صلاة واجبة فاتت فإن
قضاءها واجب من غير تراخ إلا أن يكون قد تضيق وقت صلاة حاضرة فإنه متى كان ذلك
وجب صلاة الحاضرة ثم يقضي الفائتة بعد ذلك فإن صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم
بذلك لم ينعقد وكان عليه قضاء الفائتة ثم يصلى الحاضرة وإن لم يكن عالما وذكرها وهو في
الحاضرة نقل نيته إليها ثم صلى الحاضرة، ويقضي الفائتة ولا يصلى الحاضرة إلا أن يتضيق
الوقت إذا كان قد فاته صلوات عدة، فإذا تضيق الوقت صلى الحاضرة ثم عاد إلى القضاء.
وإذا نسي شيئا قضاه وقت الذكر له وإذا دخل في صلاة نافلة ثم ذكر أن عليه صلاة أخرى
عدل نيته إلى الفائتة ثم يعود إلى تلك الصلاة بعد الفراع من الفائتة وهكذا يفعل إذا دخل
في صلاة فريضة لم يتضيق وقتها ثم ذكر أن عليه صلاة أخرى، ومثال ما ذكرناه أن يدخل في
صلاة العصر ويذكر أن عليه صلاة الظهر فيعدل نيته إليها فإذا فرع منها عاد فصلى
العصر فإن تضيق الوقت كمل صلاة العصر ثم صلى الظهر ويجب أن يقضي حتى يغلب
في ظنه الوفاء إذا كان قد فاته من الصلاة ما لا يتحقق جملته وكذلك يصلى اثنتين وثلاثا
وأربعا إذا فاتته صلاة ولم يعلم ما هي نوى بالاثنتين الغداة وبالثلاث المغرب وبالأربع
الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة، فإذا فاتته صلاة وهو مسافر ولم يعلم ما هي صلى
اثنتين وثلاثا ويفعل في النية لها مثل ما ذكرناه.
ومن فاتته صلاة معينة دفعات عدة ولم يعلم عدد الدفعات صلى من هذه الصلاة
بعينها حتى يغلب في ظنه الوفاء، والمرتد يجب عليه القضاء بجميع ما فاته في أيام ردته، ومن
صلى صلاة نذر على غير الوجه الذي شرطه والشروط التي نذر لإيقاعها عليه القضاء لها على
ذلك الوجه والشرط، وإذا بلغ انسان في وقت يتسع لأداء الصلاة وفرط في أدائها حتى خرج
الوقت كان عليه القضاء، والولي عليه أن يقضي عمن يلي أمره ركعتي الطواف إذا كان
قد نسيها و مات قبل أن يقضيها، والمغمى عليه إذا أفاق في وقت يتسع لأداء الصلاة وفرط
444

في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء.
ومن كان مسافرا ونسي صلاة وجبت عليه في الحضر كان عليه قضاؤها على التمام فإن
كان حاضرا وكان قد نسي صلاة سفر كان عليه قضاؤها على التقصير وعليه أيضا يقضي
الصلاة على التقصير إذا كان قد أتمها في السفر وكانت آية التقصير قد تليت عليه
أو علم وجوب التقصير عليه، فإن لم يكن الآية تليت عليه ولا علم وجوب التقصير لم
يكن عليه شئ وكل ذلك واجب على المكلف، ومن بلغ الحلم في وقت لا يتسع لأدائها كان
عليه القضاء ندبا واستحبابا، وكذلك من أغمي عليه بجنون أو مرض غير الجنون وأفاق
في وقت غير متسع لأداء الصلاة وكذلك يقضي جميع ما فاته في حال الإغماء فإن كان كثيرا ولم
يتمكن من قضاء جميعه قضى صلاة اليوم الذي يفيق فيه، وكذلك يقضي النوافل إذا فاته
منها صلوات عدة ولم يعلم كمية ذلك إلى أن يغلب في ظنه الوفاء، فإن لم يتمكن من ذلك
استحب له أن يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام فإن لم يقدر على ذلك فعن كل يوم بمد من
طعام فإن لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شئ، وكذلك يقضي النافلة المنسية أي وقت ذكرها
إلا أن يكون قد حضر وقت فريضة فينبغي أن يصلى الفريضة ثم يقضي النافلة بعد ذلك
إذا أراد، وكذلك يقضي نوافل الليل بالنهار ونوافل النهار بالليل ندبا واستحبابا كما
قدمناه، فأما الحائض فقد ذكرنا في باب الحيض ما يتعلق بها من ذلك.
باب كيفية صلاة النذر:
يجب على الناذر للصلاة أداؤها على الوجه والشرط الذي نذرها عليه فإن نذر منها
عددا مخصوصا أو شيئا من التسبيح أو قراءة سورة معينة أو صلاتها في زمان أو مكان
مخصوص أو إيقاعها على وجه مخصوص وجب عليه إيقاعها وأداؤها على العدد،
والوجه والشرط الذي عقد نذره فإن لم يقض ذلك أو شيئا معه وصلاها كذلك لم يجزه وكان
عليه قضاؤها مع الكفارة وسيأتي ذكر هذه الكفارة في باب الكفارات بعون الله تعالى.
445

باب ركعتي الطواف:
ركعتا الطواف واجبتان كما ذكرناه في قسمة المفروض من الصلوات ويجب أن يفعل
المكلف فيهما مثل ما يفعله في غيرهما من أحكام الصلاة، ومن وجبتا عليه صلاهما عند مقام
إبراهيم ع بأن يجعله بين يديه ثم يصلى فإن نسي صلاتهما عند هذا المقام كان
عليه إعادتهما عنده فإن لم يذكرهما حتى سار رجع فصلاهما عنده فإن لم يتمكن من ذلك
صلاهما حيث يذكرهما، والأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الإخلاص وفي
الثانية بعد الحمد قل يا أيها الكافرون، فأما وقتها فقد ذكرناه في باب أوقات الصلاة.
باب الصلاة على الموتى:
إذا أردنا أن نذكر كيفية الصلاة على الموتى من الناس فينبغي أن نبين من يجوز هذه
الصلاة عليه ومن لا يجوز، فأما الذي يجوز عليه فهو كل من كان على ظاهر الإيمان من رجل
أو امرأة حر أو عبد ومن بلغ عمره من هؤلاء الذين ذكرناهم ست سنين أو أكثر، وقد يصلى
هذه الصلاة على جهة الندب والاستحباب على كل طفل يقصر عمره عن ست سنين
من أولاد المسلمين وعلى من خالف مذهب أهل الحق مع حصول التقية المرتفعة
في ترك ذلك، فلا يجوز الصلاة على الناصب للعداوة لأهل بيت النبي ص إذا كانت
التقية مرتفعة في ترك الصلاة عليه وكذلك لا يجوز على غير الناصب ممن ظاهره ظاهر
الكفر والشرك على حال، ومن مات ممن ذكرنا جواز الصلاة عليه من الرجل والمرأة أو
الحر، والعبد كانت الصلاة عليه واجبة.
وينبغي أن يؤذن للمؤمنين بذلك ليجتمعوا ويكثروا للصلاة عليه وهي فرض على
الكفاية ومتى قام بها بعض المكلفين سقط فرضها عن الباقين، والأفضل للإنسان أن
لا يصليها إلا وهو على طهارة فإن لم يكن على ذلك وفاجأته تيمم وصلى عليها فإن لم
يتمكن من ذلك أيضا جاز أن يصليها على غير طهارة، ومن كان من النساء على حال
حيض أو جنابة وأرادت الصلاة على الجنازة فالأفضل لها أن لا تصليها إلا بعد الاغتسال
فإن لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم فإن لم تتمكن من ذلك جاز لها أن تصلي عليها
446

بغير طهارة، وإذا حضر الناس للصلاة على الجنازة وقفوا صفوفا خلف من يؤم بهم فإن
حضر معهم نساء وقفن خلف الرجال من غير أن يختلطن بهم، فإن كان فيهن حائض
وقفت منفردة منهن فإن كان الذي حضر للصلاة على الجنازة نساء ليس معهن أحد من
الرجال وقفت التي تؤم بهن في وسطهن من الصف والباقون عن يمينها وشمالها فإن كان
جميع من يحضر للصلاة عليها عراة ففعلوا كما ذكرنا فعله للنساء سواء.
والجنازة تجعل وقت الصلاة عليها مما يلي القبلة فإن حضر معها جنازة امرأة جعلت
مما يلي القبلة والرجل مما يلي الإمام وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وصبي جعل الصبي
مما يلي القبلة ثم المرأة إليه ثم الرجل، فإن اجتمع معهم عبد قدم الصبي أولا إلى القبلة ثم
المرأة ثم العبد ثم الرجل، فإن اجتمع معهم خنثى جعل الصبي مما يلي القبلة أولا ثم المرأة
بعده ثم الخنثى بعدها ثم العبد ثم الرجل، وهؤلاء الذين صلى على جميعهم صلاة واحدة
كانت مجزئة ولم يحتج المصلون أن يصلوا على كل واحد منهم صلاة على حدة، والإمام
العادل إذا حضر للصلاة على الجنازة كان أولى بالتقدم عليها في ذلك من غيره فإن لم يكن
حاضرا وحضر رجل من بني هاشم يعتقد الحق كان أولى بذلك إذا أذن له الولي فإن لم يأذن
له لم يجز له التقدم والأفضل للولي أن يقدمه، والمرأة إذا كان لها زوج كان أولى بالصلاة
عليها وإذا كان للميت ابنان مؤمنان كانا مخيرين في التقدم للصلاة ما لم يتنازعا في التقدم
فإن تنازعا في ذلك أقرع بينهما.
والصلاة على الجنازة جائزة في المساجد والأفضل في ذلك أن يصلى عليها في المواضع
المخصوصة بها فإذا أراد الإمام التقدم للصلاة على الجنازة فينبغي أن يتحفى ويكون بينه
وبينها عند وقوعه عليها شئ يسير فإن كان الميت رجلا وقف محاذيا لوسطه وإن كان امرأة
وقف محاذيا لصدرها.
كيفية الصلاة على الميت:
وليس في هذه الصلاة قراءة ولا ركوع ولا سجود بل دعاء واستغفار وهي خمس
تكبيرات يبدأ بها بتكبيرة الإحرام ويقرن النية كذلك بها فيرفع المصلي مع هذه التكبيرة يديه ثم
447

يرسلهما ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا حيا
قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا لا إله إلا الله الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين،
والاختصار على الشهادتين في ذلك مجزئ، ويكبر " ثانية " ولا يرفع يديه معها ويقول: اللهم
صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت
وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، ويكبر " ثالثة " ولا يرفع
يديه معها ويقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم
والأموات وأدخل على موتاهم رأفتك ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك
إنك على كل شئ قدير، ويكبر " رابعة " ولا يرفع يديه معها ويقول: اللهم عبدك
وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به
منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له واجعله عندك
في عليين وأخلف على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين.
فإن كان الميت امرأة قال بعد هذه التكبيرة: اللهم أمتك وابنة أمتك نزلت بك وأنت
خير منزول به، اللهم إن تك محسنة فزد في إحسانها وإن تك مسيئة فاغفر لها وتجاوز عنها
وارحمها يا رب العالمين وإن كان الميت طفلا فقل: اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا
وقبضته طاهرا فاجعله لأبويه فرطا ونورا وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده، وإن كان مستضعفا
قال: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإن كان غريبا لا تعرف
له قولا فقل: اللهم هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها فولها ما
تولت واحشرها مع من أحبت وإن كان الميت ناصبا فقل: عبدك ابن عبديك لا نعلم منه
إلا شرا فأخذه من عبادك وبلادك وأصله أشد نارك، اللهم إنه كان يوالي أعدائك ويعادي
أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن شماله نارا
وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب، ويكبر الخامسة ولا يرفع اليدين معها ويقول: عفوك
عفوك، ولا يبرح من موضعه حتى ترى الجنازة قد رفعت على أيدي الرجال.
والذي ذكرناه في ترك رفع اليدين مع التكبيرة الأولى مستحب ولو رفعها مع جميع
التكبيرات لكان جائزا إلا أن الأفضل ما قدمناه، ومن حضر الصلاة على الجنازة وقد فاته
448

شئ من التكبيرات فليتمه إذا فرع الإمام من الصلاة عليها متتابعا وإن رفعت كبر عليها
وهي مرفوعة، ومن لحق الجنازة عند وصولها إلى القبر كان له أن يكبر ما بقي له من ذلك
ومن سبق الإمام بشئ من التكبير عليها كان عليه الإعادة لذلك ومن فاتته الصلاة على
الجنازة جاز له أن يصليها على القبر بعد دفن الميت ما بينه وبين يوم وليلة، وليس تجوز
الصلاة عليه بعد ذلك على حال.
والصلاة على الجنازة الواحدة دفعتين مكروه، فإذا حضرت الجنازة في وقت صلاة
فريضة فالأولى الابتداء بالفريضة ثم الرجوع إلى الصلاة على الجنازة إلا أن يخاف من
حدوث أمر بالميت فإن كان ذلك قدمت الصلاة عليه ورجع إلى الفريضة، وإذا كانت
الجنازة في وقت الصلاة عليها مقلوبة ولم يعلم المصلي عليها ذلك من حالها أديرت عما
كانت عليه وهويت وأعاد الصلاة عليها فإن لم يعلم ذلك حتى دفنت كانت الصلاة
ماضية، وإذا حضرت الجنازة و كبر المصلي عليها تكبيرة أو تكبيرتين ثم حضرت جنازة
أخرى كان مخيرا بين أن يتم التكبيرات على الأولى وبين أن يبتدئ بالتكبير من التكبيرة التي
انتهى إليها، وإن كان الميت عريانا ولا كفن عليه فليترك في قبره ويستر عورته ويصلى
عليه ويدفن.
باب المندوب من الصلوات:
باب سنن اليوم والليلة:
اعلم أن أول ذلك نوافل الظهر وينبغي إذا زالت الشمس أن يصلى وهي
ثمان ركعات: يفتتح الركعتين الأولتين بسبع تكبيرات أو خمس أو ثلاث أو واحدة إلا أن
الإتيان بأكثر من التكبيرة الواحدة أفضل، فإذا فرع من التكبير الذي ذكرناه توجه وقرأ
في الأولى بعد الحمد: قل هو الله أحد وفي الثانية بعد الحمد قل يا أيها الكافرون ويخافت
بالقراءة فإن جهر كان جائزا والأفضل الإخفات في نوافل النهار والجهر في نوافل الليل، فإذا
فرع من القراءة فعل في الركوع والسجود والتسبيح مثل ما سلف ذكره في كيفية صلاة
المختار فإذا سلم من هاتين الركعتين قام ثم أتى بست ركعات يتشهد ويسلم في كل
449

اثنتين، فإذا تمم الثماني ركعات حمد الله سبحانه وأثنى عليه وصلى على النبي وآله
ص ثم يقول: الحمد لله الواحد الأحد المتوحد في الأمور كلها الرحمن الرحيم الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ويدعو بما شاء ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة
الظهر، فإذا فرع منها صلى بعدها نوافل العصر ثماني ركعات وفعل كما فعل في نوافل
الظهر ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة العصر.
فإذا غربت الشمس وصلى فريضة المغرب صلى بعدها نوافلها وهي أربع ركعات من
غير أن يفصل بين هذه النافلة وبين الفريضة بتعفير ولا كلام، يفتتح الأولى بسبع تكبيرات
وفعل فيها من القراءة والتسبيح وغيره من أفعال الصلاة مثل ما قدمناه ويتشهد بعد كل
ركعتين ويسلم فإذا فرع كما ذكرناه سبح وعفر ودعا بما أراد، فإذا غاب الشفق وصلى
فريضة العشاء الآخرة صلى الوتيرة وهي: ركعتان من جلوس تحسبان بواحدة يقرأ فيهما
مثل ما قدمناه، فإذا فرع من ذلك فيأوي إلى فراشه ويضطجع فيه على جانبه الأيمن ويقول:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله وخير الأسماء كلها لله، اللهم إني أسلمت
نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ
ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته ثم يقرأ سورة
الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي ويسبح تسبيحة السيدة فاطمة صلوات الله عليها وهي:
أن يكبر أربعا وثلاثين تكبيرة ويحمد ثلاثا وثلاثين تحميدة ويسبح ثلاثا وثلاثين تسبيحة
ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي
لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، أعوذ بالله بالذي يمسك السماء أن تقع على
الأرض إلا باذنه من شر ما خلق، وذرأ وبرأ وأنشأ وصور ومن شر الشيطان الرجيم أعوذ
بكلمات الله التامة من شر الدابة والهامة واللامة ومن شر الشيطان الرجيم وما ذرأ في الأرض
وما أخرج منها ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير استعنت بالله وأتوكل
على الله وحسبي الله ونعم الوكيل.
فإذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل وقال عند قيامه إلى ذلك: الحمد لله الذي
رد على روحي لأعبده وأحمده اللهم إنه لا يوارى منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج
450

ولا أرض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور، غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم سبحان
الله رب العالمين، ويقرأ خمس آيات من آخر سورة آل عمران: إن في خلق السماوات
والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد، وإذا
سمع صوت الديكة قال: سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك
سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فإذا فرع
من ذلك استاك، ثم يتطهر ويفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ويتوجه ويقرأ الحمد وسورة
الإخلاص ثلاثين مرة ويقرأ في الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون ثلاثين مرة وإن قرأ ذلك
مرة واحدة كان جائزا، ثم يصلى ست ركعات بما شاء من القرآن ويطيل في قراءته وركوعه
وسجوده إلا أن يخشى من طلوع فحينئذ يخفف، فإذا فرع من الثماني ركعات كما ذكرناه
صلى الشفع والوتر ثلاث ركعات يقرأ في الأولى بعد الحمد قل هو الله أحد وفي الثانية مثل
ذلك ويتشهد ويسلم ويقوم بعد ذلك إلى الثالثة فيتوجه ويقرأ بعد الحمد سورة الإخلاص،
فإذا فرع من القراءة قنت بقنوت الوتر إن شاء ذلك وإن شاء أن يقتصر بكلمات الفرج
ويدعو بما أحب كان جائزا.
وقنوت الوتر هو:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اللهم لا إله إلا أنت نور السماوات والأرض لا إله أنت زين السماوات والأرض لا إله
إلا أنت جمال السماوات والأرض لا إله إلا أنت رب العالمين لا إله إلا أنت الغفور الرحيم
لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لا إله إلا أنت مالك يوم الدين لا إله إلا أنت إليك يبتدئ كل شئ
وإليك يعود، لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال لا إله إلا أنت الملك القدوس لا إله إلا أنت
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر لا إله إلا أنت الكبير، والكبرياء رداؤك
451

سبحان الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير والحمد لله الذي تواضع كل شئ
لعظمته وذل كل شئ لعزته واستسلم كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لملكته واتضع كل
شئ لربوبيته فأنت يا رب صريخ المستصرخين وغياث المستغيثين والمفرج عن المكروبين
والمروح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وكهف المضطهدين وعماد
المؤمنين إليك ملجأهم ومفزعهم ومنك رجاؤهم وبك استعانتهم وحولهم وقوتهم إياك
يدعون وإليك يطلبون ويتضرعون ويبتهلون وبك يلوذون وإليك يفزعون وفيك يرغبون وفي
مننك ينقلبون وبعفوك وإلى رحمتك يسكنون ومنك يخافون ويرهبون، لك الأمر من قبل ومن
بعد حتى لا تحصى نعمك ولا تعد أنت جميل العادة والبلاء ومستحق للشكر والثناء ندبت
إلى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك وأنت صادق الوعد وفي العهد قريب
الرحمة.
اللهم إني أشهد على حين غفلة من خلقك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وأن
محمدا عبدك المرتضى ونبيك المصطفى وأسبغت عليه نعمتك وأتممت له كرامتك وفضلت
لكرامته منه آله فجعلتهم أئمة الهدي ومصابيح الدجى وأكملت بحبهم وطاعتهم
الإيمان وقبلت بمعرفتهم والإقرار بولايتهم الأعمال واستعبدت بالصلاة
عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحا للدعاء وسببا للإجابة.
اللهم فصل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد اللهم آتهم الفضل والوسيلة وأعطهم من كل كرامة ونعمة وعطاء أفضله حتى
لا يكون أحد من خلقك أقرب مجلسا ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم
شفاعة منهم.
اللهم واجعلني من أعوانهم وأنصارهم وأتباعهم وثبتني على محبتهم وطاعتهم
والتسليم لهم والرضا بقضائهم واجعلني بمحبتهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة، ومن
المقربين فإني أتقرب إليك بهم وأقدمهم بين يدي حوائجي ومسألتي فإن كانت ذنوبي قد
أخلقت وجهي عندك وحجبت دعائي عنك فاستجب يا رب بهم دعائي وأعطني بهم سؤلي
وتقبل بهم يا رب توبتي واغفر بهم يا رب ذنوبي، يا محمد أتقرب بك إلى الله ربي وربك ليسمع
452

دعائي ويعطيني سؤلي ويغفر ذنبي يا رب أنت أجود من سئل وأكرم من أعطى وأرحم من
استرحم يا لله يا لله يا لله يا رب يا رب يا رب يا رحمان يا رحمان يا رحمان قلت: ولقد نادينا نوح
فلنعم المجيبون نعم والله المجيب أنت ولنعم المدعو أنت ولنعم المسؤول أنت أسألك بنور
وجهك وعز ملكوتك وأسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وبكل اسم سميت به
نفسك وعلمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تغفر لي ما قدمت
وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أنت أعلم به مني مغفرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة
ولا تسألني عن شئ من ذنوبي بعدها أبدا أبدا وأعطني عصمة لا أعصيك بعدها أبدا أبدا
وخذ بناصيتي إلى محبتك ورضاك ووفقني لذلك واستعملني به أبدا ما أبقيتني، واحفظني من
بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحت قدمي وامنعني من أن
يوصل إلى بسوء واصرف عني شر كل شيطان مريد وشر كل جبار عنيد وشر كل ضعيف من
خلقك وشديد ومن شر السامة والهامة والعامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بالليل
والنهار ومن شر فساق العرب والعجم ومن شر فسقة الجن والإنس.
اللهم من كان ثقته ورجاؤه غيرك فأنت يا رب ثقتي ورجائي أعوذ بدرعك الحصينة
أن لا تميتني هرما ولا غرقا ولا حرقا ولا غما ولا موت
الفجأة ولا أكيل السبع وأمتني في عافية على فراشي أو في الصف الأول الذين نعتهم في
كتابك فقلت كأنهم بنيان مرصوص مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك
اللهم صل على محمد وآل محمد واهدني في من هديت وعافني في من عافيت وتولني في من
توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضي عليك سبحانك
وتعاليت سبحانك رب البيت أستغفرك وأتوب إليك وأؤمن بك وأتوكل عليك ولا حول
ولا قوة إلا بك.
اللهم تولني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار يا لله يا الله ليس يرد
غضبك إلا حلمك ولا يجير من نقمتك إلا رحمتك ولا ينجيني منك إلا التضرع إليك، فهب لي
من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها جميع من في البلاد
وبها تنشر ميت العباد، ولا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة في دعائي
453

وأذقني طعم العافية إلى منتهى أجلي ولا تشمت بي عدوي ولا تملكه رقبتي.
اللهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن
أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني أو يتعرض لك بشئ من أمري وقد علمت أنه
ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة فإنما يعجل من يخاف الفوت وإنما يحتاج إلى
الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك فلا تجعلني للبلاء غرضا ولا لنقمتك نصبا،
ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي وأنت أحق من أصلح من عبده
فاسدا وقوم منه أودا.
اللهم جامع الخلق لليوم العظيم اجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي وفي أحبائك
محشري، وحوض محمد نبيك صلواتك عليه وآله موردي ومع الملائكة الكرام
مصدري ثم لقني برهانا أفوز بحجته واجعل لي نورا أستضئ بقبسه ثم أعطني كتابي
بيميني أقر بحسناته وتبيض بها وجهي وترجح بها ميزاني، وأمضى بها في المغفورين لهم من
عبادك إلى رحمتك وامنن على بالجنة برحمتك وأجرني من النار، بعفوك.
اللهم تولني واحفظني اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك وعلى آله
الطاهرين أفضل ما صليت على أحد من خلقك، اللهم صل على أمير المؤمنين ووصي
رسول رب العالمين اللهم صل على الحسن والحسين سبطي الرحمة وإمامي الهدي، وصل
على الأئمة من ولد الحسين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الحجة
ع، اللهم اجعله الإمام المنتظر والقائم المهدي اللهم انصره نصرا عزيزا وافتح له
فتحا يسيرا، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم اجعلني من أصحابه وأعوانه
وأنصاره والذابين عنه إله الحق آمين رب العالمين.
اللهم تم نورك فهديت فلك الحمد ربنا وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ربنا وبسطت يدك
فأعطيت فلك الحمد ربنا، وجهك أكرم الوجوه وجهتك أكرم الجهات وعطيتك أفضل
العطايا وأهنأها، يطاع ربنا ويشكر ويعصي ربنا فيغفر لمن يشاء يجيب المضطر ويكشف
الضر ويشفي السقيم وينجى من الكرب العظيم لا يجزي بآلائك أحد ولا يحصي بعلمك
454

قول قائل.
اللهم إليك رفعت الأيدي ونقلت الأقدام ومدت الأعناق ودعيت بالألسن وتقرب إليك
بالأعمال ورفعت الأبصار، ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير
الفاتحين.
اللهم إنا نشكوا إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا
وتظاهر أعدائنا وكثرة عددهم وقلة عددنا، ففرج يا رب ذلك عنا بفتح منك تعجله ونصر
منك تعزه وإمام حق تظهره إله الحق رب العالمين.
اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا واجزهما
بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اغفر لفلان - وتسمى من أردت من إخوانك.
اللهم إني أسألك جميع ما سألتك لنفسي ولوالدي ولإخواني جميعا من المؤمنين
والمؤمنات وأسألك اليقين لي ولهم والعفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم وقد شملنا زيغ
الفتن واستولت علينا غشاوة الغير وقار عنا الذل والصغار وحكم علينا غير المأمون
على دينك،
اللهم وقد بلغ الباطل نهايته واستجمع طريده ووسق وضرب بجرانه اللهم فاتح له
من الحق يدا حاصدة تصرع قائمة وتجد سنامه حتى يظهر الحق بحسن صورته، اللهم
أسفر لنا عن نهار العدل فأرناه سرمدا لا ليل فيه وأهطل علينا بركاته وأدل له ممن عاداه
وناواه وأحي به القلوب الميتة واجمع به الأهواء المتفرقة وأقم به الحدود المعطلة والأحكام
المهملة.
اللهم لا تدع للجور دعامة إلا قصمتها ولا كلمة مجتمعة إلا فرقتها ولا قائمة
إلا حفظتها، اللهم أرنا أنصاره عباديد بعد الألفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقنعي
الرؤوس بعد الظهور على الأمة اللهم صل على محمد وآل محمد وأغنني بحلالك عن
حرامك وأوسع على من رزقك وأعذني من الفقر، رب إني أسأت وظلمت نفسي وبئس
ما صنعت فهذه يداي جزاء بما كسبتا وهذه رقبتي خاضعة لما أتت وها أنا ذا بين يديك فخذ
455

لنفسك رضاها من نفسي لك العتبى لا أعود فإن عدت فعد على بالمغفرة.
العفو تقولها ثلاث مائة مرة وما استطعت، ثم تقول: اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم
يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني بعدها فكاك رقبتي من النار،
وأستغفر الله بجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي في أمري وأتوب إليه، يقولها سبعين مرة
ثم يقول: الحمد لله حق حمده وصلواته على صفوته من خلقه محمد وأهل بيته، فإذا أتيت
على ذلك فاركع فإذا رفعت رأسك من الركوع استويت قائما فقل: يا إلهي هذا مقام من
حسناته نعمة منك وشكره قليل وعمله ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك إلا عفوك
ورحمتك.
اللهم وقد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلواتك عليه: كانوا قليلا من
الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون، طال هجوعي وقل قيامي وهذا السحر وأنا
أستغفرك لكل ذنب أذنبته استغفار من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة
ولا نشورا، ثم يخر ساجدا ويسجد السجدتين ويتشهد ويسلم، ومن فعل ذلك وسلم
فليقل: سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الملك القدوس يكررها ثلاثا، ويصلى ركعتي الغداة
يفتتح الأولى منها بالتكبير ويقرأ الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وسورة
الإخلاص، فإذا سلم فيها حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآله صلوات الله عليهم
وسئل الله تعالى من فضله.
ويستحب أن يستغفر الله تعالى عقيب صلاة الفجر سبعين مرة يقول: أستغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الرحمان الرحيم وأتوب إليه، ويصلى على محمد وآله مائة
مرة يقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم
بأفضل بركاتك والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته، فإن
طال ذلك عليه فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الطاهرين، يكررها مائة مرة
وإن طال عليه أيضا لفظ الاستغفار فليقل: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم يخر ساجدا بعد
لتعقيب من هاتين الركعتين ويقول في سجوده: يا خير مدعو يا خير مسؤول يا أوسع من
456

أعطى وأفضل من يحيى صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت
التواب الرحيم، فإذا رفع رأسه من سجوده، قال: اللهم من أصبح وحاجته إلى غيرك فإني
أصبحت وحاجتي ورغبتي إليك يا ذا الجلال والإكرام، ثم يضطجع على جانبه الأيمن مستقبل
القبلة ويقول: استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل الله المتين
وأعوذ بالله من شر فسقة العرب والعجم وأعوذ بالله من شر فسقة الجن والإنس، توكلت
على الله وألجأت ظهري إلى الله أطلب حاجتي من الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه
إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا حسبي الله ونعم الوكيل، ويقرأ من آخر آل
عمران الخمس آيات التي كان قرأها عند قيامه إلى صلاة الليل فإذا طلع الفجر قال:
سبحان رب الصباح سبحان فالق الإصباح، ثلاث مرات ثم يصلى الفريضة إن شاء الله.
وإذا خاف المسافر من غلبة النوم عليه ولا يقوم آخر الليل إلى الصلاة جاز أن يقدم
صلاتها في أول الليل بعد صلاة العشاء الآخرة كذلك يفعل من أراد المسير في آخر الليل،
وإذا ضعف الانسان عن صلاة الليل قائما جاز له أن يصليها جالسا، وإذا أدركه الفجر
وكان قد صلى من صلاة الليل أربع ركعات تممها وخفف في قراءته ودعائه وصلى الفجر بعد
ذلك فإن أدركه وقد صلى أقل من أربع ركعات قطع على الشفع مما انتهى إليه عن ذلك
وصلى الغداة وتمم بعد ذلك صلاة الليل، وإذا قام في آخر الليل وقد قرب طلوع الفجر
وخاف إن ابتدأ هو بصلاة الليل هجم الفجر فينبغي أن يبتدئ بركعتي الشفع ويوتر
بعدهما ويصلى بعد ذلك ركعتي الفجر، فإن طلع الفجر أذن وأقام وصلى فريضة ثم صلى
ثماني ركعات بعد فريضة الفجر وإن لم يطلع أضاف إلى ما صلى ست ركعات ثم أعاد ركعة
الوتر وركعتي الغداة، وإن هو قام وقد قرب الفجر أدرج صلاة الليل بالحمد وسورة
الإخلاص مرة واحدة وخفف ليفرغ من ذلك قبل طلوع الفجر وإن قام وقد بقي من الليل
شئ أطال في صلاته على ما تقدم بيانه، فأما سنن السفر فقد ذكرناها في ما سلف وأما
كيفيتها فهو جار مجرى ما ذكرناه فيما تقدم.
457

باب ما عدا سنن اليوم والليلة من سنن الصلاة:
هذه المسنونات من الصلوات نحن ذاكروها فصلا فصلا إلى آخرها بمشيئة الله
تعالى.
باب كيفية صلاة الاستسقاء:
إذا امتنع القطر وأجدبت البلاد يستحب للناس أن يصلوا هذه الصلاة ويتقدم الإمام أو من
قام مقامه من الناس بالصوم ثلاثة أيام فإذا كان يوم الثالث اغتسل من يريد صلاتها
وينادي بالصلاة جامعة ويخرجون إلى الصحراء والأفضل أن يكون ذلك الاثنين،
ولا يصلى في مسجد إلا أن يكونوا بمكة ويتقدم المؤذنون كما يفعل في صلاة العيد ويخرج
الإمام على أثرهم بسكينة ووقار حتى ينتهي إلى المصلى من الصحراء فإذا صار بذلك
الموضع قام فيصلي بهم ركعتين من غير أذان ولا إقامة يقرأ فيهما من السور ما أراد.
وترتيبها مثل ترتيب صلاة العيدين اثنتا عشر تكبيرة: سبع في الأولى وخمس في الثانية
والقراءة قبل التكبير، فإذا فرع الإمام من صلاتها وسلم صعد المنبر وحمد الله سبحانه وأثنى عليه
وصلى على رسوله ص ووعظ الناس وزجر وحذر وأنذر فإذا فرع من
الخطبة أدار رداءه فجعل ما على يمينه على يساره وما على يساره على يمينه ثلاث مرات ثم
استقبل وكبر مائة تكبيرة رافعا صوته بها ويكبر الناس معه، ثم يلتفت على يمينه ويسبح الله
سبحانه مائة تسبيحة رافعا صوته بها ويسبح الناس معه كذلك ثم يلتفت على يساره
فيحمد الله سبحانه مائة تحميدة رافعا صوته بها ويفعل الناس معه ذلك، ثم يقبل بوجهه إلى
الناس فيستغفر الله تعالى مائة مرة رافعا صوته بها ويفعل الناس معه ذلك ثم يستقبل القبلة
بوجهه فيدعو ويدعو الناس معه فيقول: اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب
ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع
والنبات ومحيي الأموات وجامع الشتات، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا
تنبت به الزرع والنبات وتدر به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت
أنعاما وأناسي كثيرا.
458

ويستحب للإمام أن يخطب خطبة أمير المؤمنين ع المعروفة بخطبة الاستسقاء
فإن لم يحفظها جاز أن يقتصر على ما قدمناه أو على الدعاء، ولا ينبغي للناس أن يخرجوا
معهم أحدا من أهل الذمة ويجوز خروج الكبار والصغار من الرجال والعجائز من النساء
وصغارهن فأما الشباب ومن لها هيئة منهن فلا ينبغي أن تخرج في ذلك، فإن صلوا ولم
يسقوا صلوا ثانيا وثالثا فإذا خرج الناس لذلك فسقوا قبل أن يصلوا صلوا شكرا لله
سبحانه، ويجوز أن يصلوا صلاة الاستسقاء إذا قل نبع مياه الآبار ونضبت وكذلك مياه
العيون وينبغي لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب حضروا معهم في هذه الصلاة أم لم
يحضروا معهم.
باب نوافل شهر رمضان:
نوافل شهر رمضان ألف ركعة زائدة على نوافله وترتيبها: أن يصلى من يريد صلاتها
من أول ليلة من الشهر في كل ليلة عشرين ركعة ثماني منها بعد صلاة المغرب واثنتي
عشرة ركعة بعد صلاة العشاء الآخرة قبل الوتيرة ويصلى الوتيرة بعد ذلك يفعل هذا إلى
ليلة تسع عشرة من الشهر، فإذا حضرت هذه الليلة اغتسل وصلى بعد العشاء الآخرة مائة
ركعة ثم يعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي قدمنا ذكره فإذا حضرت ليلة إحدى
وعشرين اغتسل بعد العشاء الآخرة وصلى مائة ركعة ويصلى في ليلة اثنتي وعشرين بعد
المغرب ثماني ركعات وبعد العشاء الآخرة اثنتي وعشرين، فإذا حضرت ليلة ثلاث
وعشرين اغتسل وصلى بعد عشاء الآخرة مائة ركعة ثم يصلى ليلة أربع وعشرين إلى آخر
الشهر في كل ليلة بعد صلاة المغرب ثماني ركعات وبعد عشاء الآخرة اثنتين وعشرين
ركعة فيكون جميع ما ذكرناه تسع مائة وعشرين ركعة ويبقى ثمانون ركعة يصلى في يوم
جمعة من الشهر: عشر ركعات منها صلاة أمير المؤمنين ع وسنذكر كيفيتها في بابها،
ومنها صلاة السيدة فاطمة ع وسنذكرها أيضا فيما بعد في بابها، ومنها صلاة
جعفر بن أبي طالب ع وسنذكرها في بابها إن شاء الله تعالى.
ثم يصلى في آخر ليلة جمعة من الشهر عشر ركعة من صلاة أمير المؤمنين (ع) وفي آخر
459

ليلة سبت منه عشر ركعة من صلاة مولاتنا فاطمة صلوات الله عليها فيكمل بذلك ألف
ركعة، والزيادة على هذه الألف مائة ركعة ينبغي أن يصليها ليلة النصف من هذا الشهر
ويقرأ في كل ركعة بعد الحمد قل هو الله أحد عشر مرات.
باب صلاة يوم الغدير:
هذا العيد هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فمن أراد هذه الصلاة فالأفضل له أن
يغتسل في هذا اليوم ويلبس أجمل ثيابه ويمس شيئا من الطيب ويبرز تحت السماء فإذا بقي
من النهار إلى زوال الشمس مقدار ساعة أو نحو ذلك صلاها ركعتين يقرأ في كل واحدة
منهما بعد الحمد قل هو الله أحد عشر مرة وإنا أنزلناه عشر مرات وآية
الكرسي عشر مرات، فإذا سلم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ص
وابتهل إلى الله سبحانه في لعن ظالمي أهل البيت ع وأشياعهم ثم دعا فقال:
اللهم إني أسألك بحق محمد نبيك وعلى وليك وبالشأن والقدرة التي خصصتهما به دون
خلقك أن تصلي عليهما وعلى ذريتهما وأن تبدأ بهما في كل خير عاجل، اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد الأئمة القادة والدعاة السادة والنجوم الزاهرة والأعلام الباهرة
وساسة العباد وأركان البلاد والناقة المرسلة والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة،
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد خزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك ومعادن
كرامتك وصفوتك من بريتك وخيرتك من خلقك الأنبياء النجباء الأبرار، والباب المبتلى به
الناس من أتاه نجا ومن أباه هوى.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم وذوي القربى
الذين أمرت بمودتهم وفرضت حقهم وجعلت الجنة جزاء من اقتص آثارهم، اللهم صل
على محمد وعلى آل محمد كما أمروا بطاعتك ونهوا عن معصيتك ودلوا عبادك على
وحدانيتك، وأسألك بحق محمد نبيك ونجيبك وصفوتك وأمينك ورسولك إلى خلقك
وبحق أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الولي الوصي الوفي والصديق
الأكبر والفاروق الأعظم بين الحق والباطل والشاهد لك والدال عليك والصادع بأمرك
460

والمجاهد في سبيلك لم تأخذه فيك لومة لائم أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن
تجعلني في هذا الشهر وفي هذا اليوم الذي عقدت فيه العهد لوليك في أعناق خلقك
وأكملت لهم الدين من العارفين بحرمته والمقرين بفضله من عتقائك وطلقائك من النار
ولا تشمت بي حاسد النعم.
اللهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء بيوم العهد المعهود وفي الأرض يوم
الميثاق المأخوذ والجمع المسؤول صل على محمد وعلى آل محمد وأقرر به عيوننا واجمع به
شملنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا واجعلنا لأنعمك من الشاكرين يا أرحم الراحمين،
الحمد لله الذي عرفنا فضل هذا اليوم، وبصرنا حرمته وكرمنا به وشرفنا بمعرفته وهدانا
بنوره، يا رسول الله يا أمير المؤمنين عليكما وعلى عترتكما وعلى محبيكما مني أفضل السلام
ما بقي الليل والنهار بكما أتوجه إلى الله ربي وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجي
وتيسير أموري.
اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تلعن من
جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته وصد عن سبيلك لإطفاء نورك فأبى
الله إلا أن يتم نوره اللهم فرج عن أهل بيت نبيك واكشف عنهم وبهم عن المؤمنين
الكربات، اللهم املأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا وأنجز لهم ما وعدتهم إنك لا تخلف
الميعاد.
باب صلاة يوم المبعث:
هذا اليوم هو الذي بعث الله تعالى فيه محمدا ص بالرسالة وهو اليوم
السابع والعشرون من رجب، فمن أراد صلاة هذا اليوم فينبغي أن يفتتح الصلاة
بالتكبير ويصلى باثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بعد فاتحة الكتاب سورة يس فإذا
فرع منها جلس في مكانه قرأ الحمد أربع مرات وقل هو الله أحد أربع مرات وكل واحدة من
المعوذتين أربع مرات، ثم يقول بعد ذلك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
ولا حول ولا قوة إلا بالله أربع مرات ثم يقول الله الله ربي ولا أشرك به شيئا أربع مرات
461

ويدعو بما شاء لنفسه بغير ذلك.
باب صلاة أمير المؤمنين ع:
وهذه الصلاة أربع ركعات بتسليم بعد كل ركعتين يقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة
واحدة وقل هو الله أحد خمسين مرة.
باب صلاة مولاتنا فاطمة ع:
هذه الصلاة ركعتان يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب مرة واحدة وإنا أنزلناه مائة مرة وفي
الثانية بعد فاتحة الكتاب سورة الإخلاص مائة مرة.
باب صلاة الحبوة:
هذه الصلاة صلاة جعفر الطيار ع وتسمى أيضا صلاة التسبيح وهي أربع
ركعات: يقرأ في الأولى الحمد مرة وسورة الزلزلة وفي الثانية الحمد مرة وسورة العاديات وفي
الثالثة الحمد مرة وإذا جاء نصر الله والفتح وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد، ويقول في كل ركعة
عقيب القراءة وقبل الركوع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة
مرة ثم يقول ذلك في الركوع عشرا ومثل ذلك في انتصابه ومثل ذلك في السجدة الأولى وفي الجلسة بين
السجدتين وفي السجدة الثانية وإذا رفع رأسه وجلس قبل القيام ويفعل ذلك في كل ركعة.
باب صلاة الاستخارة:
صلاة الاستخارة ركعتان يصليهما من أراد صلاتها كما يصلى غيرهما من النوافل
فإذا فرع من القراءة في الركعة الثانية قنت قبل الركوع ثم يركع ويقول في سجوده:
أستخير الله مائة فإذا أكمل المائة قال: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم
رب بحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وخر لي في كذا وكذا ويذكر حاجته التي
قصد هذه الصلاة لأجلها، وقد ورد في صلاة الاستخارة وجوه غير ما ذكرناه والوجه الذي
ذكرناه هاهنا من أحسنها.
462

باب صلاة الحاجة:
من كان له إلى الله حاجة فينبغي أن يصوم ثلاثة أيام وتكون هذه الأيام
أربعاء وخميسا وجمعة، فإذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوبا جديدا وصعد إلى موضع
وصلى بهذه الصلاة ركعتين كما يصلى غيرهما من النوافل فإذا سلم منها رفع يديه إلى
السماء ثم قال: اللهم إني أطلب ساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك وأنه لا قادر على
حاجتي غيرك وقد علمت يا رب أنه كلما تظاهرت نعمتك على اشتدت فاقتي إليك
وقد طرقني هم كذا وأنت تكشفه عالم غير معلم واسع غير متكلف فأسألك باسمك الذي
وضعته على السماء فانشقت ووضعته على الجبال فنسفت وعلى النجوم فانتثرت وعلى
الأرض فسطحت وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد وآل محمد وعند فلان وفلان -
ويسمي الأئمة واحدا واحدا - أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حاجتي وتيسر
علي عسرها وتكفيني مهمها، فإن فعلت ذلك فلك الحمد وإن لم تفعل ذلك الحمد غير حائر
في حكمك ولا متهم في قضائك ولا خائف في عدلك ويلصق خده الأيمن بالأرض ويقول: اللهم
إن يونس بن متى عبدك ونبيك دعاك في بطن الحوت فاستجبت له وأنا أدعوك فاستجب
لي كما استجبت له، وقد ورد في صلاة الحاجة وجوه أحسنها ما ذكرناه
باب صلاة ليلة النصف من رجب:
صلاة ليلة النصف من رجب اثنتا عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا
فرع منها قرأ الحمد والمعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات وقيل: سبع
مرات، ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كذلك ويقول الله الله ربي
لا أشرك به شيئا ويقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات.
باب صلاة ليلة النصف من شعبان:
هذه الصلاة أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد قل هو الله أحد مائة مرة
فإذا فرع مصليها منها دعا بما أراد.
463

باب صلاة الشكر:
صلاة الشكر ركعتان يصليهما من قضى الله حاجته أو جدد عليه نعمته، يقرأ في كل
واحدة بعد الحمد قل هو الله أحد وإنا أنزلناه في ليلة القدر، أو غير ذلك من سور القرآن
ويقول في ركوعه وسجوده فيهما: الحمد لله شكرا لله وحمد الله، ويقول بعد التسليم منهما:
الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي.
باب صلاة الزيارات:
وهي ركعتان لكل واحد من نبي أو إمام، والفعل فيهما من أفعال الصلاة كالفعل في
غيرهما من ذلك، وقيل: إن المصلي لهما ينبغي أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد الحمد،
سورة الرحمن، وفي الثانية بعد الحمد، سورة يس، وإنما ندب الزائر لأمير المؤمنين (ع) إلى
صلاة ست ركعات، لأن عنده آدم ونوحا ع، فمن زاره فينبغي أن يزورهما،
ويصلى لزيارتهما أربع ركعات ولزيارته هو (ع) ركعتين، فتكمل بذلك ست ركعات، فأما
كيفية الزيارة فسيأتي ذكرها في باب الزيارات إن شاء الله تعالى.
باب صلاة ليلة عيد الفطر:
هذه الصلاة ركعتان الأفعال فيها كالأفعال في غيرها من الصلوات إلا القراءة فإنه ينبغي
لمن صلاها أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد الحمد: قل هو الله أحد ألف مرة وفي الثانية بعد
الحمد قل هو الله أحد مرة واحدة.
باب صلاة الإحرام:
وينبغي لمن أحرم بحج أو عمرة أن يصلى ست ركعات يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد
قل هو الله أحد وفي الثانية بعد الحمد قل يا أيها الكافرون.
464

باب صلاة النوافل الزائدة على نوافل يوم الجمعة:
هذه الصلاة أربع ركعات تزاد على نوافل يوم الجمعة فيصير جملتها عشرين ركعة،
فأما أحكامها فهي جارية مجرى أحكام غيرها من نافلة الصلاة.
باب تحية المسجد:
هذه الصلاة ركعتان ينبغي لمن دخل المسجد أن يصليهما تحية له، وأحكامها جارية
مجرى غيرها من نوافل الصلاة.
باب ما يوجب إعادة الصلاة:
ما يوجب إعادة الصلاة على ضربين: أحدهما يتعلق بعدد الركعات والآخر لا يتعلق
بذلك، فأما الذي لا يتعلق بعدد الركعات فهو أن يترك المصلي النية عمدا أو سهوا
أو تكبيرة الإحرام أو الركوع حتى يسجد، أو يترك سجدتين في ركعة أو يسهو فحدث ما
ينقض الطهارة ولم يتطهر حتى يستدبر القبلة أو تكلم لأنه إذا تطهر ولم يتكلم من غير
استدبار القبلة كان له البناء على ما تقدم من الصلاة، أو يصلى بغير طهارة أو يشك في
الوقت فيصلي قبل دخوله ثم يعلم ذلك بعد الفراع منها أو يصلى إلى غير جهة القبلة أو
يصلى في لباس النجس، وقد تقدم له العلم به لأنه متى لم يتقدم له العلم لم يكن عليه إعادة
إلا أن يعلم ذلك والوقت باق.
أو يصلى جماعة فيصلي الإمام بهم إلى غير جهة القبلة وهم عالمون بذلك لأنهم إن لم
يكونوا عالمين كانت الإعادة على الإمام دونهم، أو يصلى جماعة يكون إمامهم على غير
طهارة وهم عالمون بذلك ومتى لم يكونوا عالمين كانت الإعادة على الإمام وحده، أو يصلى
اثنان يعتقد كل واحد منهما أنه مأموم والآخر له إمام لأنه متى اعتقد كل واحد منهما أنه إمام
الآخر كانت صلاتهما صحيحة، أو يصلى وعلى جسده نجاسة وهو عالم بها وكذلك إن لم
يتقدم العلم بها ثم علم والوقت باق، وإن كان الوقت قد خرج لم يكن عليه إعادة.
أو ترك القراءة متعمدا أو يقتدي بمن لا يجوز الاقتداء به وهو عالم بذلك أو يسجد على
465

شئ نجس مع تقدم العلم به أو يصلى في ثوب أو مكان مغصوب مختارا مع تقدم علمه
بذلك أو لا يمس الأرض بجبهته في السجود، أو يتعمد الجمع بين سورتين بعد الحمد أو يتعمد
التسليم قبل الفراع من الصلاة أو يصلى عريانا وهو متمكن مما يستر به أو يقهقه أو
يبكي على هلاك أحد أو مصيبة لأنه إن بكى من خشية الله تعالى لم يكن عليه إعادة، أو
يعبث بلحيته أو ثوبه من غير ضرورة أو يحدث ما ينقض الطهارة متعمدا، أو يتعمد ترك
الشهادتين أو الصلاة على النبي وآله ص في التشهدين أو في واحد منهما أو
يتعمد الإتمام في السفر الذي يجب عليه التقصير مع علمه بأن ذلك لا يجوز أو يتم ساهيا في
السفر ويذكر ذلك والوقت باق لأنه إن ذكر ذلك بعد خروج الوقت لم يلزمه إعادة.
أو يأتم بقاعد وهو ممن تجب عليه الصلاة قائما أو يأتم بمن بينه وبينه حائط أو ما أشبه
ذلك أو يكون مكان الإمام أرفع من مكانه بما يعلم تفاوته ولم تجر العادة بمثله، أو يكون
في محمل أو ما أشبهه ومعه امرأة فيصليان جميعا في حالة واحدة أو يصلى وهو متيمم قبل
تضيق الوقت أو يصلى متيمما وهو متمكن من استعمال الماء أو يصلى وقد تطهر بما لا تجوز
الطهارة به أو تكون امرأة حرة فتصلي مكشوفة الرأس مع تمكنها من ستره، أو يصلى فيما
لا تجوز الصلاة فيه أو يسجد على ما لا يجوز السجود عليه إلا أن يكون في حال ضرورة وقد
ذكر أنه يجوز السجود على ثوب قطن أو كتان، أو يقرأ بغير لسان عربي.
باب السهو في الصلاة:
إذا علم المكلف في صلاته أمرا من الأمور أو غلب ذلك على ظنه فيجب عليه العمل
فيها بما علمه أو غلب على ظنه ومع هذين الوجهين لا يثبت للسهو والشك في الصلاة حكم
وإنما يثبت ذلك فيما لا يعلمه ولا يغلب على ظنه وذلك إنما يكون بتساوي الظن واعتداله،
فإذا كان ما ذكرناه صحيحا فالسهو في الصلاة على خمسة أضرب: أولها يوجب إعادتها
وثانيها يوجب الاحتياط وثالثها يوجب التلافي ورابعها يوجب الجبران بسجدتي السهو
وخامسها لا حكم له.
فأما ما يوجب إعادتها، فهو على ضربين: أحدهما لا يتعلق بأعداد الركعات والآخر
466

يتعلق بذلك، وما لا يتعلق بأعداد الركعات قد تقدم ذكره فيما يوجب إعادة الصلاة، وأما ما
يتعلق بأعداد الركعات فهو أن يشك في الركعتين الأولتين من كل رباعية، أو يشك في صلاة
المغرب أو صلاة الغداة أو صلاة السفر أو يشك في صلاته أي صلاة كانت ولا يعلم كمن
صلى بسهو فيزيد ركعة أو ينقص ركعة أو أكثر ولا يعلم حتى يستدير القبلة أو يتكلم بما
ليس من الصلاة.
وأما ما يجب منه الاحتياط فهو أن يشك ولا يعلم هل صلى ركعتين أو ثلاثا فليبن على
الثلاث ويتم الصلاة فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، أو يشك فلا
يعلم هل صلى ثلاثا أو أربعا فليفعل مثل ما فعله في اثنتين أو ثلاث، أو يشك فلا يعلم صلى
اثنتين أو أربعا فليبن على الأربع ويسلم ويصلى ركعتين من قيام، أو يشك بين اثنتين وثلاث
وأربع فليبن على الأربع ويسلم ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وصلاة
النافلة يجوز البناء فيها على الأقل وعلى الأكثر.
فأما ما يوجب التلافي فهو أن يسهو عن قراءة الحمد ثم يقرأ سورة غيرها فليرجع
فيقرأ الحمد وسورة بعدها أو يسهو عن يقرأ السورة التالية للحمد ثم يذكر ذلك قبل
الركوع فليقرأها ثم يركع أو يسهو عن تسبيح الركوع قبل رفع رأسه منه فليسبح ويرفع
رأسه أو يشك في الركوع وهو في حال القيام فليركع، فإن ذكر في حال هذا الركوع أنه كان
قد ركع أرسل نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه، أو يشك في سجدتين أو واحدة منهما
قبل القيام فليسجد ما شك فيه أو يشك في التشهد الأول وهو قائم لم يركع فليجلس ويتشهد أو يسهو عن السجود ثم يقوم قبل الركوع فليرجع وليسجد.
وأما ما يجب فيه الجبران بسجدتي السهو فهو أن يسهو عن سجدة ويذكرها بعد
الركوع فليقضها بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو أو يسهو فتكلم فعليه سجدتا السهو
بعد التسليم أو يسهو فيقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام، فعليه بعد التسليم
سجدتا السهو أو يسهو فيسلم في الركعتين الأولتين ثلاثية أو رباعية فعليه أيضا سجدتا
السهو أو يسهو عن التشهد فليقضه بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو، أو يشك هل صلى
أربعا أو خمسا وتتساوى ظنونه في ذلك فليبن على الأربع ويسجد سجدتي السهو.
467

وأما ما لا حكم له فهو أن يشك في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة أو يشك في
القراءة وهو في حال الركوع أو يشك في التشهد وهو في الثالثة أو يسهو في النافلة أو
يسهو في سهو أو يتواتر عليه السهو، أو يشك في تسبيح الركوع وقد رفع رأسه منه أو يشك في تسبيح
السجود وقد رفع رأسه منه.
468